Professional Documents
Culture Documents
net الدرر
السنية
2
www.dorar.net الدرر
السنية
من مغل هذا الوقف مقدما به على سائر مصارف الوقف ،وأنه ل ينتقل من الموقوف شيء قبل قضاء الدين ،وأن
ولية أمر هذا الوقف إلى فلن حتى يستوفي دينه؛ فإذا استوفاه فل ولية له عليه ،وإن حكم حاكم بذلك كان أوفق .
المثال السبعون
إذا كان له عليه دين فقال (( :إن مُتّ قبلي فأنت في حل ،وإن مُتّ قبلك فأنت في حل )) صح و برىء في الصورتين؛
فإن إحداهما وصية والخرى إبراء معلق بالشرط ،ويصح تعليق البراء بالشرط؛ لنه إسقاط ،كما يصح تعليق العتق
والطلق ،وقد نص عليه المام أحمد في الحلل من العرض والمال مثله .
وقال أصحابنا وأصحاب الشافعي :إذا قال (( :إن مت قبلك فأنت في حل )) هو إبراء صحيح لنه وصية ،وإن قال:
(( إن مت قبلي فأنت في حل )) لم يصح لنه تعليق للبراء بالشرط ،ولم يقيموا شبهة فضل عن دليل صحيح على
امتناع تعليق البراء بالشرط ،ول يدفعه نص ول قياس ولقول صاحب؛ فالصواب صحة البراء في الموضعين؛
وعلى هذا فل يحتاج إلى حيلة؛ فإن ُبِلىَ بمن يقول :هكذا في الكتاب وهكذا قالوا؛ فالحيلة أن يشهد عليه أنه ل يستحق
عليه شيئا بعد موته من هذا الدين ول في تركته ،وإن شاء كتب الفصلين في سجل واحد ،وضمنه الوصية له به إن
مات رب الدين ،وإن مات ال َمدِينُ فل حق له به قبله ،فيصح حينئذ مستندا إلى ظاهر القرار ،وهو إبراء في المعنى .
المثال الحادي والسبعون
لو غلط المضارب أو الشريك وقال (( :ربحت ألفا )) ثم أراد الرجوع لم يقبل منه؛ لنه إنكار بعد إقرار ،ولو أقام بينة
على الغلط فالصحيح أنها تقبل ،وقيل :ل تقبل؛ لنه مكذب لها؛ فالحيلة في استدراكه ما غلط فيه بحيث تقبل منه أن
يقول :خسرتها بعد أن ربحتها ،فالقول قوله في ذلك ،ول يلزمه اللف ،وهكذا الحيلة في استدراك كل أمين لظلمته
كالمودع إذا رد الوديعة التي دفعت إليه ببينة ولم يُشهد على ردّها ،فهل يقبل قوله في الرد ؟ فيه قولن هما روايتان
عن المام أحمد ،فإذا خاف أن ل يقبل قوله فالحيلة في تخلصه أن يدعي تلفها من غير تفريط؛ فإن حلّفه على ذلك
فليحلف مُ َورّيا متأول أن تلفها من عنده خروجها من تحت يده ونظائر ذلك ،وال أعلم .
المثال الثاني والسبعون
إن استغرقت الديون ماله لم يصح تبرعه بما يضر بأرباب الديون ،سواء حَجَر عليه الحاكم أو لم يحجر عليه ،هذا
مذهب مالك واختيار شيخنا .وعند الثلثة يصح تصرفه في ماله قبل الحجر بأنواع التصرف ،والصحيح هو القول
الول ،وهو الذي ل يليق بأصول المذهب غيره ،بل هو مقتضى أصول الشرع وقواعده؛ لن حق الغرماء قد تعلق
بماله؛ ولهذا يحجر عليها الحاكم ،ولول تعلق حق الغرماء بماله لم يسع الحاكم الحجر عليه ،فصار كالمريض مرض
الموت لما تعلق حق الورثة بماله منعه الشارع من التبرع بما زاد على الثلث ،فإن في تمكينه من التبرع بماله إبطال
حق الورثة منه .وفي تمكين هذا المديان من التبرع إبطال حقوق الغرماء .والشريعة ل تأتي بمثل هذا؛ فانها انما
جاءت بحفظ حقوق أرباب الحقوق بكل طريق ،وسد الطرق المفضية إلى إضاعتها ،وقال النبي صلى ال عليه وسلم:
(( من أخذ أموال الناس يريد أداءها أداها ال عنه ،ومن أخذها يريد إتلفها أتلفه ال )) ول ريب أن هذا التبرع إتلف
لها ،فكيف ينفذ تبرع من دعا رسول ال صلى ال عليه وسلم على فاعله ؟ وسمعت شيخ السلم ابن تيمية رحمه ال
يحكى عن بعض علماء عصره من أصحاب أحمد أنه كان ينكر هذا المذهب و يضعفه ،قال :إلى أن بلي بغريم تبرع
قبل الحجر عليه فقال :و ال مذهب مالك هو الحق في هذه المسألة ،و تبويب البخارى وترجمته و استدلله يدل على
اختياره هذا المذهب ،فإنه قال في باب :مَن ردّ أمر السفيه و الضعيف وإن لم يكن حجر عليه المام ويذكر عن جابر
أن النبي صلى ال عليه وسلم رد على المتصدق قبل النهي ثم نهاه ،فتأمل هذا الستدلل ،قال عبد الحق :أراد به ـ وال
أعلم ـ حديث جابر في بيع المدبر ،ثم قال البخاري في هذا الباب نفسه :وقال مالك :إذا كان لرجل على رجل مال وله
عبد ل شئ له غيره فأعتقه لم يجز عتقه ،ثم ذكر حديث(( :من أخذ أموال الناس يريد أداءها أداها ال عنه ومن أخذها
يريد إتلفها أتلفه ال )) وهذا الذي حكاه عن مالك هو في كتب أصحابه ،وقال ابن الجلب ول تجوز هبة المفلس ول
عتقه ول صدقته إل بإذن غرمائه ،وكذلك المِ ْديَان الذي لم يفلسه غرماؤه في عتقه وهبته وصدقته ،وهذا القول هو
الذي ل يختار غيره ،وعلى هذا فالحيلة لمن تبرع غريمه بهبة أو صدقة أو وقف أو عتق وليس ماله سعة له ولدائنه
أن يرفعه إلى حاكم يرى بطلن هذا التبرع ،ويسأله الحكم ببطلنه ،فإن لم يكن في بلده حاكم يحكم بذلك فالحيلة أن
يأخذ عليه إذا خاف منه ذلك الضمين أو الرهن ،فإن بادر الغريم وتبرع قبل ذلك فقد ضاقت الحيلة على صاحب
3
www.dorar.net الدرر
السنية
الحق ،ولم يبق غير أمر واحد ،وهو التوصل إلى إقراره بأن ما في يده أعيان أموال الغرماء فيمتنع التبرع بعد
القرار ،فان قدم تاريخ القرار بطل التبرع المتقدم أيضا ،وليست هذه حيلة على إبطال حق ول تحقيق باطل ،بل على
إبطال جور وظلم؛ فل بأس بها ،وال أعلم .
المثال الثالث والسبعون
إذا كان له عليه دين ول بينة له به ،وخاف أن يجحده ،أو له بينة به ويخاف أن يمطله فالحيلة أن يستدين منه بقدر
دينه ان أمكن ،ول يضره أن يعطيه به رهنا أو كفيل ،فإذا ثبت له في ذمته نظير دينه قاصّه به ،وان لم َيرْضَ على
أصح المذاهب ،فان حذر غريمه من ذلك وأمكنه أن يشتري منه سلعة ول يعين الثمن ويخرج النقد فيضعه بين يديه
فإذا قبض السلعة وطلب منه الثمن قاصه بالدين الذي عليه ،وبكل حال فطريق الحيلة أن يجعل له عليه من الدين نظير
ماله .
المثال الرابع والسبعون
إذا خاف العنت ولم يجد طول حرة وكره رق أولده فالحيلة في عتقهم أن يشترط على السيد أن ما ولدته زوجته منه
من الولد فهم أحرار ،فكل ولد تلده بعد ذلك منه فهو حر ،ويصح تعليق العتق بالولدة كما لو قال لمته كل ولد تلدينه
فهو حر ،قال ابن المنذر :ول أحفظ فيه خلفا .
فان قيل :فهل تجوزون نكاح المة بدون الشرطين إذا أمن رق ولده بهذا التعليق ؟
قيل :هذا محل اجتهاد ،ول تأباه أصول الشريعة ،وليس فيه إل أن الولد يثبت عليه الولء للسيد ،وهو شعبة من الرق،
ومثل هذا هل ينتهض سببا لتحريم نكاح المة أو يقال ـ وهو أظهر ـ :أن ال تعإلى منع من نكاح الماء لنهن في
الغالب ل يحجبن حجب الحرائر ،وهن في مهنة ساداتهن وحوائجهن ،وهن َبرْزَات ل ُمخَدّرات ؟ وهذه كانت عادة
العرب في إمائهن وإلى اليوم ،فصان ال تعالى الزواج أن تكون زوجاتهم بهذه المثابة ،مع ما يتبع ذلك من رق الولد،
وأباحه لهم عند الضرورة إليه كما أباح الميتة والدم ولحم الخنزير عند المخصمة ،وكل هذا منع منه تعالى كنكاح غير
المحصنة ،ولهذا شرط تعالى في نكاحهن أن يكن محصنات غير مسافحات ولمتخذات أخدان ،أي غير زانية مع من
كان ،ول زانية مع خدينها وعشيقها دون غيره .
ل تنكح الماء إل بأربعة شروط
فلم يبح لهم نكاح الماء إل بأربعة شروط :عدم الطّوْل ،وخوف العَنَت ،وإذن سيدها ،وأن تكون عفيفة غير فاجرة
فجورا عاما ول خاصا ،وال أعلم .
والمثال الخامس والسبعون
إذا لم تمكنه أمته من نفسها حتى يعتقها ويتزوجها ،ول هو يريد إخراجها عن ملكه ول تصبر نفسه عنها ،فالحيلة أن
يبيعها أو يهبها لمن يثق به ،ويشهد عليه من حيث ل تعلم هي ،والبيع أجود؛ لنه ل يحتاج إلى قبض ،ثم يعتقها ،ثم
يتزوجها ،فإذا فعل استردها من المشتري من حيث ل تعلم الجارية ،فانفسخ النكاح ،فيطؤها بملك اليمين ول عدة عليها
.
المثال السادس والسبعون
المثال السادس والسبعون :إذا أراده من ل يملك رده على بيع جاريته منه فالحيلة في خلصه أن يفعل ما ذكرناه
سواء ،ويشهد على عتقها أو نكاحها ،ثم يستقيله البيع فيطؤها بملك اليمين في الباطن وهي زوجته في الظاهر ،ويجوز
ضعَتْ منه ماهذا لنه يدفع به عن نفسه ،ول يسقط به حق ذي حق ،وأن شاء احتال بحيلة أخرى وهى إ قراره بأنها َو َ
خ ْلقُ النسان فصارت بذلك أم ولد ل يمكن نقل الملك فيها فإن أحبّ دفع التهمة عنه وأنه قصد بذلك التحيل يتبين به َ
فليبعها لمن يثق به ،ثم يواطىء المشترى على أن يدعي عليه أنها وضعت في ملكه ما فيه صورة إنسان ،ويقر بذلك
فينفسخ البيع ،ويكتب بذلك محضرا فإنه يمتنع بيعها بعد ذلك .
المثال السابع والسبعون
إذا أراد أن يبيع الجارية من رجل بعينه ،ولم تطب نفسه بأن تكون عند غيره ،فله في ذلك أنواع من الحيل؛ إحداها:
أن يشترط عليه أنه إن باعها فهو أحق بها بالثمن ،كما اشترطت ذلك امرأة عبد ال بن مسعود عليه ،ونص المام
أحمد على جواز البيع والشرط في رواية علي بن سعيد ،وهو الصحيح ،فإن لم تتم له هذه الحيلة لعدم من ينفذها له
4
www.dorar.net الدرر
السنية
فليشترط عليه أنك إن بعتها لغيري فهي حرة ،ويصح هذا الشرط ،وتعتق عليه إن باعها لغيره ،إما بمجرد اليجاب
عند صاحب المغني وغيره ،وإما بالقبول فيقع العتق عقيبه وينفسخ البيع عند صاحب المحرر ،وهذه طريقة القاضي،
قال في كتاب إبطال الحيل :إذا قال (( :إن بعتك هذا العبد فهو حر )) ،وقال المشتري (( :إن اشتريته فهو حر )) فباعه
ع َتقَ على البائع؛ لنه ليس له عند دخوله في ملك الخر حال استقرار حتى يعتق عليه بنيته التابعة؛ لن خيار المجلس َ
ثابت للبائع ،فملك المشتري غير مستقر ،وقول صاحب المحرر (( :وانفسخ البيع )) تقرير لهذه الطريقة وأنه إنما
يعتق بالقبول ،ويعتق في مدة الخيار على أحد الوجوه الثلثة؛ فإن لم تتم له هذه الحيلة عند من ل يصحح هذا التعليق
ويقول :إذا اشتراها ملكها ول تعتق بالشرط في ملك الغير كما يقوله أبو حنيفه فله حيلة أخرى وهي أن يقول :إذا بعتها
فهي حرة قبل البيع ،فيصح هذا التعليق ،فإذا باعها حكمنا بوقوع العتق قبل البيع على أحد الوجهين في مذهب الشافعي
وأحمد رضى ال عنهما ،فإذا لم تتم له هذه الحيلة عند من ل يصحح هذا التعليق فله حيلة أخرى وهي أن يقول :إذا
اشتريتها فهي ُمدَبرة ،فيصح هذا التعليق ،ويمتنع بيعها عند أبي حنيفة ،فإن التدبير عنده جار مجرى العتق المعلق
بصفة ،فإذا اشتراها صارت مدبرة ،ولم يمكنه بيعها عنده ،فإن لم تتم له هذه الحيلة على قول من ل يجوز تعليق
التدبير بصفة فالحيلة أن يأخذ البائع إقرار المشتري بأنه دّبرَ هذه الجارية بعد ما اشتراها ،وأنه جعلها حرة بعد موته،
فإن لم تتم له هذه الحيلة على قول من يجوز بيع المدبر ـ وهو المام أحمد ومن قال بقوله ـ فالحيلة أن يشهد عليه قبل
أن يبيعها منه أنه كان قد تزوجها من سيدها تزويجا صحيحا ،وأنها ولدت منه ولدا ثم اشتراها بعد ذلك فصارت أم
ولده ،فل يمكنه بيعها .فإن لم تتم هذه الحيلة على قول من يعتبر في كونها أم ولد أن تحمل وتضع في ملكه ول يكفي
أن تلد منه في غير ملكه ـ كما هو ظاهر مذهب أحمد والشافعي ـ فقد ضاقت عليه وجوه الحيل ،ولم يبق له إل حيلة
واحدة وهي أن يتراضى سيد الجارية والمشتري برجل ثقة عدل بينهما فيبيعها هذا العدل بطريق الوكالة عن سيدها
بزيادة على ثمنها الذي اتفقا عليه ،ويزيد ما شاء ،ويقبض منه الثمن الذي اتفقا عليه ،فإن أراد المشتري بيعها طالبه
بباقي الثمن الذي أظهره ،ولو لم يدخل بينهما ثالثا بل اتفقا على ذلك فقال (( :أبيعكها بمائة دينار وآخذ منك أربعين،
فإن بعتها طالبتك بباقي الثمن ،وإن لم تبعها لم أطالبك )) جاز .لكن في توسط العدل الذي يثق به المشتري كأبيه
وصاحبه تطييب لقلبه وأمان له من مطالبة البائع له بالثمن الكثير .
المثال الثامن والسبعون
المثال الثامن والسبعون :إذا طلب منه ولده أو عبده أن يزوجه ،وخاف أن يلحقه ضرر بالزوجة ويأمره بطلقها فل
يقبل ،فالحيلة أن يقول له ل أزوجك إل أن تجعل أمر الزوجة بيدي ،فإن وثق منه بذلك الوعد قال له بعد التزويج:
أمرها بيدك ،وإن لم يثق منه به وخاف أنه إذا قبل العقد ل يفي له بما وعده ،فالحيلة أن ل يأذن له حتى يعلق ذلك
بالنكاح ،فيقول إن تزوج ُتهَا فأمرها بيدك ،ويصح هذا التعليق على مذهب أهل المدينة وأهل العراق ،فإن أراد أن يكون
ذلك مجمعا عليه فليكتب في كتاب الصداق (( وأقر الزوج المذكور أن أمر الزوجة المذكورة بيد السيد أو الب )) فإذا
وقع ما يحذره منها تمكن حينئذ من التطليق عليه ،وال أعلم ،لكن قد يخرجه عن الوكالة بعد ذلك فل يتم مراده،
فالحيلة أن يشترط عليه أنه متى أخرجه عن الوكالة فهي طالق .
المثال التاسع والسبعون
المثال التاسع والسبعون :إذا دبر عبده أو أمته جاز له بيعه ويبطل تدبيره ،فإن خاف أن يرفعه العبد إلى حاكم ل يرى
بيع المدبر فيحكم عليه بالمنع من بيعه ،فالحيلة أن يقول إن متّ وأنتَ في ملكي فأنت حر بعد موتي ،فإذا قال ذلك تم له
المر كما أراد ،فإن أراد بيعه مادام حيا فله ذلك ،وأن مات وهو في ملكه عتق عليه ،والفرق بين أن يقول (( :أنت حر
بعد موتي )) وبين أن يقول (( :أن مت وأنت في ملكي فأنت حر بعد موتي )) أن هذا تعليق للعتق بصفة ،وذلك ل
يمنع بيع العبد كما لو قال (( :إن دخلت الدار فأنت حر )) فله بيعه قبل وجود الصفة ،بخلف قوله (( :أنت حر بعد
موتي )) فإنه جَزَمَ بحريته في ذلك الوقت ،ونظير هذا أنه لو قال (( :إن مت قبلي فأنت في حل من الدين الذي
عليك )) فهو إبراء معلق بصفة ،ولو قال له (( :أنت في حل بعد موتي )) صح ولم يكن تعليقا للبراء بالشرط،
ونظيره لو قال (( :إن مت َفدَارِي وقف )) فإنه تعليق للوقف بالشرط ،ولو قال (( :هي وقف بعد موتي )) صح ،وال
أعلم .
5
www.dorar.net الدرر
السنية
المثال الثمانون
ضمِنَا رجل بنفسه ،فدفعه أحدهما إلى الطالب ،برىء الذي لم يدفع ،وهذا بمنزلة رجلين ضمنا لرجل لو أن رجلين َ
مال فدفعه إليه أحدهما فإنهما يبرأن جميعا؛ لن المضمون هو إحضارٌ واحدٌ ،فإذا سلمه أحدهما فقد وجد الحضار
المضمون فبرئا جميعا ،قال القاضي وربما ألزمه بعض القضاة الضمان بنفس المطلوب ،ول يجعل دفع الخر براءة
للذي لم يدفع؛ فالحيلة أن يضمنا للطالب هذا الرجل بنفسه ،على أنه إذا دفعه أحدهما فهما جميعا بريئان ،فيتخلص على
قول الكل ،أو يشهدا أن كل واحد منهما وكيل صاحبه في دفع هذا الرجل إلى الطالب والتبرئ إليه ،فإذا دفعه أحدهما
برئا جميعا منه؛ لنه إذا كان كل منهما وكيل صاحبه كان تسليمه كتسليم موكله .
المثال الحادي والثمانون
قال القاضي في كتاب إبطال الحيل :إذا كان لرجلين على امرأة مال وهما شريكان ،فتزوجها أحدهما على نصيبه من
المال الذي عليها ،لم يضمن لصاحبه شيئا من المهر؛ لنه لم يجعل نصيبه في ضمانه ،فصار كما لو أبرأه ،وربما
ضمّنه بعض الفقهاء؛ فالحيلة فيه أن َيهَبَ لها نصيبه مماعليها ثم يتزوجها بعد ذلك على مقدار ما وهبها ،ثم تهب
َ
المرأة للزوج المهر الذي تزوجها عليه؛ لن أحد الشريكين إذا وهب نصيبه من المال المشترك ل يضمن لكونه
متبرعا ،فإذا تزوجها بعد ذلك على مهر ووهبته له حصل مقصوده وتخلص من أقاويل المختلفين .
المثال الثاني والثمانون
لو حلف رجل بالطلق أنه ل يضمن عن أحد شيئا فحلف آخر بالطلق أن لبد أن تضمن عني؛ فالحيلة في أن يضمن
عنه ،ول يحنث ،أن يشاركه ويشتري متاعا بينه وبين شريكه ،قال القاضي :فإنه يضمن عن شريكه نصف الثمن ،ول
يحنث الحالف في يمينه؛ لن المحلوف عليه عقد الضمان ،وما يلزمه في مسألتنا ل يلزمه بعقد الضمان ،وإنما يلزمه
بالوكالة؛ لن كل واحد من الشريكين وكيل صاحبه فيما يشتريه ،فلهذا لم يحنث في يمينه ،فإن كانت بحالها ولم يكن
بينه وبين المحلوف عليه شركة لكنه وكله المحلوف عليه فاشتراها لم يحنث أيضا لما بينا .
المثال الثالث والثمانون
شريكان شركة عنان ضمنا عن رجل مال بأمره على أنه إن أدى المال أحد الشريكين رجع به على شريكه ،وإن أداه
الخر فشريكه منه بريء ،وللمسألة أربع صور؛ إحداها :أن يقول أينا أداه رجع به على شريكه ،الثانية :عكسه،
الثالثة :أن يقول :إن أديته أنا رجعت به عليك ول ترجع به علي إن أديته ،الرابعة :عكسه ،فالصورة الولى والثانية ل
تحتاج إلى حيلة ،وأما الثالثة والرابعة فالحيلة في جوازهما أن يضمن أحد الشريكين عن المَدِين ما عليه لصاحبه ،ثم
يجيء شريكه فيضمن ما لصاحب الحق عليهما ،فإذا أدى هذا الشريك المال رجَعَ به على شريكه والصيل ،وإذا أداه
شريكه والصيل لم يرجعا على الشريك بشيء؛ لن شريكه قد صار صاحب الصل ههنا ،فلو رجع عليه لرجع هو
عليه ،بشيء فمن حيث يثبت يسقط ،فل معنى للرجوع عليه .
المثال الرابع والثمانون
ل بأس للمظلوم أن يتحيل على َمسَبة الناس لظالمه والدعاء عليه والخذ من عرضه ،وإن لم يفعل ذلك بنفسه؛ إذ لعل
ذلك يردعه ويمنعه من القامة على ظلمه ،وهذا كما لو أخذ ماله فل ِبسَ أرَثّ الثياب بعد أحسنها ،وأظهر البكاء
والنحيب والتأوه ،أو آذاه في جواره فخرج من داره وطرح متاعه على الطريق ،أو أخذ دابته فطرح حمله على
الطريق وجلس يبكي ،ونحو ذلك ،فكل هذا مما يدعو الناس إلى لعن الظالم له وسبه والدعاء عليه ،وقد أرشد النبي
صلى ال عليه وسلم المظلوم بأذى جاره له إلى نحو ذلك ،ففي السنن ومسند المام أحمد من حديث أبي هريرة أن
رجل شكا إلى النبي صلى ال عليه وسلم من جاره ،فقال (( :اذهب فاصبر )) فأتاه مرتين أو ثلثا ،فقال :اذهب
فاطرح متاعك في الطريق ،فطرح متاعه في الطريق ،فجعل الناس يسألونه فيخبرهم خبره ،فجعل الناس يلعنونه :فعل
ال به وفعل ،فجاء إليه جارُهُ فقال له :ارجع ل ترى مني شيئا تكرهه .هذا لفظ أبي داود .
المثال الخامس والثمانون
ما ذكر في مناقب أبي حنيفة رحمة ال تعالى أن رجل أثار بالليل فقال :أدركني قبل الفجر وإل طلقت امرأتي ،فقال:
وما ذاك ؟ قال تركَتِ الليلة كلمي ،فقلت لها :إن طلع الفجر ولم تكلميني فأنت طالق ثلثا وقد توسلت إليها بكل أمر
أن تكلمني فلم تفعل ،فقال له :اذهب فمر مؤذن المسجد أن ينزل فيؤذن قبل الفجر ،فلعلها إذا سمعته أن تكلمك ،واذهب
6
www.dorar.net الدرر
السنية
إليها وناشدها أن تكلمك قبل أن يؤذن المؤذن ،ففعل الرجل ،وجلس يناشدها ،وأذن المؤذن ،فقالت :قد طلع الفجر
وتخلصت منك ،فقال :قد كلم ِتنِي قبل الفجر وتخلصتُ من اليمين ،وهذا من أحسن الحيل .
المثال السادس والثمانون
قال بشر بن الوليد :كان في جوار أبي حنيفة فتى يغشى مجلسه ،فقال له يوما :إني أريد التزوج بامرأة ،وقد طلبوا
مني من المهر فوق طاقتي ،وقد تعلقت بالمرأة ،فقال له :اعطهم ما طلبوا منك ،ففعل ،فلما عقد العقد جاء إليه فقال :قد
طلبوا مني المهر ،فقال :احتل واقترض وأعطهم ففعل ،فلما دخل بأهله قال :إني أخاف المطالبين بالدين وليس عندي
جمَال ،فاشتد ذلك على المرأة ما أوفيهم ،فقال :أظهر أنك تريد سفرا بعيدا ،وأنك تريد الخروج بأهلك ،ففعل وا ْكتَرى ِ
وأوليائها ،فجاءوا إلي أبى حنيفة رحمه ال فسألوه ،فقال :له أن يذهب بأهله حيث شاء ،فقالوا :نحن نرضيه ونرد إليه
ما أخذناه منه ول يسافر ،فلما سمع الزوج طمع فقال :ل وال حتى يزيدوني ،فقال له :ان رضيت بهذا ،وإل أقرت
المرأة أن عليها دينا لرجل ،فل يمكنك أن تخرجها حتى توفيه .فقال :بال ل يسمع أهل المرأة ذلك منك ،أنا أرضى
بالذي أعطيتهم .
المثال السابع والثمأنون
قال القاضي أبو يعلى :إذا كان لرجل على رجل ألف درهم فصالحه منها على مائة درهم يؤديها إليه في شهر كذا فإن
لم يفعل وأخّرها إلى شهر آخر فعليه مائتأن ،فهو جائز ،وقد أبطله قوم آخرون ،قال :أما جواز الصلح من ألف على
مائة فالوجه فيه أن التسعمائة ل يستفيدها بعقد الصلح ،وإنما استفادها بعقد المداينة وهو العقد السابق ،فعلم أنها ليست
مأخوذة على وجه المعاوضة ،وإنما هي على طريق البراء عن بعض حقه ،قال :ويفارق هذا إذا كانت له ألف مؤجلة
فصالحه على تسعمائة حالة أنه ل يجوز؛ لنه استفاد هذه التسعمائة بعقد الصلح؛ لنه لم يكن مالكا لها حالة ،وإنما كان
يملكها مؤجلة ،فلهذا لم يصح .
وأما جوازه على الشرط المذكور ـ وهو أنه إن لم يفعل فعليه مائتان ـ فلن المصالح إنما علق فسخ البراءة بالشرط،
والفسخ يجوز تعليقه بالشرط وإن لم يجز تعليق البراءة بالشرط ،أل ترى أنه لو قال (( :أبيعك هذا الثوب بشرط أن
تنقدني الثمن اليوم ،فإن لم تنقدني الثمن اليوم فل بيع بيننا )) إذا لم ينقد الثمن في يومه انفسخ العقد بينهما ،كذلك ههنا،
ومَن لم يجز ذلك يقول :هذا تعليق براءة المال بالشرط ،وذلك ل يجوز ،قال :والوجه في جواز هذا الصلح على مذهب
ب المال حطّ ثمانمائة يحطها على كل حال ،ثم يصالح المطلوب من المائتين الباقيتين على مائة الجميع أن يعجل ر ّ
يؤديها إليه في شهر كذا على أنه إن أخرها عن هذا الوقت فل صلح بينهما ،فإذا فعل هذا فقد استوثق في قول الجميع؛
لنه متى صالحه على مائتين وقد حطّ عنه الباقي يصير كأنه لم يكن عليه من الدين إل مائتا درهم ،ثم صالحه عن
المائتين الباقيتين على مائة يؤديها إليه في شهر كذا فإن أخرها فل صلح بينهما ،فيكون على قول الجميع فسخ العقد
معلقا بترك النقد ،وذلك جائز على ما بيناه في البيع .
فإن أراد أن يكاتب عبده على ألف درهم يؤديها إليه في سنتين فإن لم يفعل فعليه ألف أخرى ،فهى كتابة فاسدة؛ لنه
علق إيجاب المال بخطَر ،وتعليق المال بالخطار ل يجوز ،والحيلة في جوازه أن يكاتبه على ألفي درهم ،ويكتب عليه
بذلك كتابا ،ثم يصالحه بعد ذلك على ألف درهم يؤديها إليه في سنتين فإن لم يفعل فل صلح بينهما ،فيكون تعليقا للفسخ
بخطر ،وذلك جائز على ما قدمناه من مسألة البيع؛ فأن كان السيد كَاتَبَ عبده على ألفي درهم إلى سنتين فأراد العبد أن
يصالح سيده على النصف يعجلها له؛ فإن ذلك جائز عندنا ،ويبطله غيرنا ،انتهى كلمه .
المثال الثامن والثمانون
قال القاضي :إذا اشترى رجل من رجل داراً بألف درهم؛ فجاء الشفيع يطلب الشفعة؛ فصالحه المشتري على أن
أعطاه نصف الدار بنصف الثمن ،جاز؛ لن الشفيع صالح على بعض حقه ،وذلك جائز كما لو صالح من ألف على
خمسمائة؛ فإن صالحه على بيت من الدار بحصته من الثمن لم يجز ؛ لنه صالح على شئ مجهول؛ لن ما يأخذه
الشفيع يأخذه على وجه المعاوضة ،وحصة المبيع من الثمن مجهولة ،وجهالة العوض تمنع صحة العقد ،فالحيلة حتى
يسلم البيت للشفيع والدار للمشتري أن يشتري الشفيع هذا البيتَ من المشتري بثمن مسمى ،ثم يسلم الشفيع للمشتري ما
بقى من الدار ،وشراء الشفيع لهذا البيت تسليم للشفعة ،ومساومته بالبيت تسليم للشفعة؛ لنه إذا اشتراه بثمن مسمى
كان عوض البيت معلوما ،ودخوله في شراء البيت تسليم للشفعة فيما بقي من الدار ،وذلك جائز؛ فالحيلة أن يأخذ
7
www.dorar.net الدرر
السنية
البيت بهذا الثمن المسمى من غير أن يكون مسلما للشفعة حتى يجب له البيت أن يبدأ المشتري فيقول للشفيع :هذا
البيت ابتعته لك بكذا وكذا درهما ،فيقول الشفيع :قد رضيت واستوجبت؛ لن المشتري متى ابتدأ بقوله (( :هذا البيت
لك بكذا )) لم يكن الشفيع مسلما للشفعة .
المثال التاسع والثمأنون
جواز المغارسة على شجر الجوز
تجوز المغارسة عندنا على شجر الجوز وغيره ،بأن يدفع إليه أرضه ويقول اغرسها من الشجار كذا وكذا والغرس
بيننا نصفان ،وهذا كما يجوز أن يدفع إليه ماله يَتّجر فيه والربح بينهما نصفأن ،كما يدفع إليه أرضه يزرعها والزرع
شجَره يقوم عليه والثمر بينهما ،وكما يدفع إليه َبقَره أو غَنَمه أو إبله يقوم عليها وال ّدرّ والنّسْلبينهما ،وكما يدفع إليه َ
بينهما ،وكما يدفع إليه زيتونه يعصره والزيت بينهما ،وكما يدفع إليه دابته يعمل عليها والجرة بينهما ،وكما يدفع إليه
فرسه َي ْغزُو عليها وسهمها بينهما ،وكما يدفع إليه َقنَاة يستنبط ماءها والماء بينهما ،ونظائر ذلك؛
كل ما مضى شركة صحيحة
فكل ذلك شركة صحيحة قد دل على جوازها النص والقياس واتفاق الصحابة ومصالح الناس ،وليس فيها ما يوجب
تحريمها من كتاب ول سنة ول إجماع ول قياس ول مصلحة ول معنى صحيح يوجب فسادها ،والذين منعوا ذلك
عذرهم أنهم ظنوا ذلك كله من باب الجارة فالعوض مجهول فيفسد .
حكم المساواة و المزارعة والمضاربة
ثم منهم من أجاز المساقاة والمزارعة للنص الوارد فيهما والمضاربة للجماع دون ما عدا ذلك ،ومنهم من خص
الجواز بالمضاربة ،ومنهم من جوز بعض أنواع المساقاة والمزارعة ،ومنهم من منع الجواز فيما إذا كان بعض
الصل يرجع إلى العامل كقَفيز الطحان وجوزه فيما إذا رجعت إليه الثمرة مع بقاء الصل كالدّر والنّسل ،والصواب
ك المالكِجواز ذلك كله ،وهو مقتضى أصول الشريعة وقواعدها؛ فإنه من باب المشاركة التي يكون العاملُ فيها شري َ
هذا بماله وهذا بعمله ،وما رزق ال فهو بينهما ،وهذا عند طائفة من أصحابنا أولى ،بالجواز من الجارة ،حتى قال
شيخ السلم :هذه المشاركات َأحَلّ من الجارة ،قال :لن المستأجر يدفع ماله وقد يحصل له مقصوده وقد ل يحصل،
فيفوز المؤجر بالمال والمستأجر على الخطر ،إذ قد يكمل الزرع وقد ل يكمل ،بخلف المشاركة؛ فإن الشريكين في
الفوز وعدمه على السواء ،إن رزق ال الفائدة كانت بينهما ،وإن منعها استويا في الحرمان ،وهذا غاية العدل؛ فل
تأتي الشريعة بحل الجارة وتحريم هذه المشاركات ،وقد أقر النبي صلى ال عليه وسلم المضاربة على ما كانت عليه
قبل السلم ،فضارب أصحابه في حياته وبعد موته ،وأجمعت عليها المة ،ودفع خيبر إلى اليهود يقومون عليها
شطْر ما يخرج منها من ثمر أو زرع ،وهذا كأنه رأى عين ،ثم لم ينسخه ولم َي ْنهَ عنه ول ويعمرونها من أموالهم ب َ
امتنع منه خلفاؤه الراشدون وأصحابه بعده ،بل كانوا يفعلون ذلك بأراضيهم وأموالهم يدفعونها إلى من يقوم عليها
بجزء مما يخرج منها ،وهم مشغولون بالجهاد وغيره ،ولم ينقل عن رجل واحد منهم المنع إل فيما منع منه النبي
صلى ال عليه وسلم ،وهو ما قال الليث بن سعد :إذا نظر ذو البصر بالحلل والحرام علم أنه ل يجوز ولو لم تأت
هذه النصوص والثار؛ فل حرام إل ما حرمه ال ورسوله ،وال ورسوله لم يحرم شيئا من ذلك ،وكثير من الفقهاء
ى الرجل بمن يحتج في التحريم بأنه هكذا في الكتاب وهكذا قالوا ،ول بد له من فعل ذلك؛ إذ ل يمنعون ذلك؛ فإذا ُبِل َ
تقوم مصلحة المة إل به؛ فله أن يحتال على ذلك بكل حيلة تؤدي إليه ،فإنها حيل تؤدي إلى فعل ما أباحه ال ورسوله
ولم يحرمه على المة ،وقد تقدم ذكر الحيلة على جواز المساقاة والمزارعة ،ونظيرها في الحتيال على المغارسة أن
يؤجره الرضَ يغرس فيها ما شاء من الشجار لمدة كذا وكذا سنة بخدمتها وغرس كذا وكذا من الشجار فيها؛ فإن
اتفقا بعد ذلك أن يجعل لكل منها غراسا معينا مقررا جاز ،وإن أحب أن يكون الجميع شائعا بينهما؛ فالحيلة أن يقر كل
منهما للخر أن جميع ما في هذه الرض من ال ِغرَاس فهو بينهما نصفين ،أو غير ذلك ،والحيلة في جواز المشاركة
على البقر والغنم بجزء من درها ونسلها أن يستأجره للقيام عليها كذا وكذا سنة للمدة التي يتفقان عليها بنصف الماشية
أو ثلثها ،على حسب ما يجعل له من الدر والنسل ،ويقر له بأن هذه الماشية بينهما نصفين أو أثلثا ،فيصير درها
ونسلها بينهما على حسب ملكهما ،فإن خاف رب الماشية أن يدعي عليه العامل بملك نصفها حيث أقر له به فالحيلة أن
8
www.dorar.net الدرر
السنية
يبيعه ذلك النصف بثمن في ذمته ،ثم يسترهنه على ذلك الثمن ،فإن ادعى الملك بعد هذا طالبه بالثمن ،فإن ادعى
العسار اقتضاه من الرهن .
والحيلة في جواز قفيز الطحان أن يملكه جزءا من الحب أو الزيتون ،إما ربعه أو ثلثه أو نصفه ،فيصير شريكه فيه،
ثم يطحنه أو يعصره فيكون بينهما على حسب ملكيهما فيه ،فإن خاف أن يملكه ذلك فيملكه عليه ول يحدث فيه عمل؛
فالحيلة أن يبيعه إياه بثمن في ذمته ،فيصير شريكه فيه ،فإذا عمل فيه سلم إليه حصته أو أبرأه من الثمن ،فإن خاف
الجير أن يطالبه بالثمن ويتسلم الجميع ول يعطيه أجرته؛ فالحيلة في أ ْم ِنهِ من ذلك أن يشهد عليه أن الصل مشترك
بينهما قبل العمل ،فإذا أحدث فيه العمل فهو على الشركة .
وهكذا الحيلة في جميع هذا الباب ،وهي حيلة جائزة؛ فإنها ل تتضمن إسقاط حق ول تحريم حلل ول تحليل حرام .
المثال التسعون
خروج المتسابقين في النضال معاً
إذا خرج المتسابقان في النضال معا جاز في أصح القولين ،والمشهور من مذهب مالك أنه ل يجوز ،وعلى القول
بجوازه فأصَحّ القولين أنه ل يحتاج إلى محلل كما هو المنقول عن الصديق وأبي عبيدة بن الجراح ،واختيار شيخنا
وغيره ،والمشهور من أقوال الئمة الثلثة أنه ل يجوز إل بمحلل ،على تفاصيل لهم في المحلل وحكمه ،وقد ذكرناها
في كتابنا الكبير في الفروسية الشرعية ،وذكرنا فيه وفي كتاب (( بيان الستدلل ،على بطلن اشتراط محلل السباق
والنضال )) بيان بطلنه من أكثر من خمسين وجها ،وبينا ضعف الحديث الذي احتج به من اشترطه ،وكلم الئمة
في ضعفه ،وعدم الدللة منه على تقدير صحته .
والمقصود هنا بيان وجه الحيلة على الستغناء عنه عند من يقنع بهذا قالوا :وهكذا في الكتاب؛ فالحيلة على تخلص
المتسابقين المخرجين منه أن يملكا العوضين لثالث يثقان به ،ويقول الثالث أيكما سَ َبقَ فالعوضان له ،وإن جئتما معا
فالعوضان بينكما؛ فيجوز هذا العقد ،وهذه الحيلة ليست حيلة على جواز أمر محرم ،ول تتضمن إسقاط حق ،ول
تدخل في مأثم؛ فل بأس بها ،وال أعلم .
9
www.dorar.net الدرر
السنية
وأحسن من هذه الحيلة أن يستودع العين قبل القرض ،ثم يقرضه وهي عنده؛ فهي في الظاهر وديعة ،وفي الباطن
رهن ،فإن تلفت لم يسقط بهل كها شئ من حقه .
فإن خاف الراهن أنه إذا وفّاه حقه لم يقله البيع فالمخرج له أن يشترط عليه الخيار إلى المدة التي يعلم أنه يوفيه فيها
على قول أبي يوسف ومحمد ومالك و أحمد .
ستَحق الرهن أو بعضه فالمخرج له أن يضمن درك الرهن غير الراهن ،أو يشهد على من فإن خاف المرتهن أن يُ ْ
يخشى دعواه الستحقاق بأنه متى ادعاه كانت دعواه باطلة ،أو يضمنه الدرك لنفسه.
المثال الثالث والتسعون
يجوز بيع ما بدا صلحه من الثمر في بستان
إذا بدا الصلح في بعض الشجرة جاز بيع جميعها وكذلك يجوز بيع ذلك النوع كله في البستان ،وقال شيخنا :يجوز
بيع البستان كله تبعا لما بدا صلحه ،سواء كان من نوعه أو لم يكن ،تقارب إدراكه وتلحق أم تباعد ،وهو مذهب
الليث بن سعد ،وعلى هذا فل حاجة إلى الحتيال على الجواز ،وقالت الحنفية :إذا خرج بعض الثمرة دون بقيتها أو
خرج الجميع وبعضه قد بدا صلحه دون بعض ل يجوز البيع؛ للجمع بين الموجود والمعدوم والمتقوم وغيره ،فتصير
حصة الموجود المتقوم مجهولة فيفسد البيع ،وبعض الشيوخ كان يفتى بجوازه في الثمار والباذنجان ونحوهما ،جعل
المعدوم تبعا للموجود .وأفتى محمد بن الحسن بجوازه في ال َورْد لسرعة تلحقه ،قال شمس الئمة السرخسي:
والصح المنع .قالوا :فالحيلة في الجواز أن يشتري الصول ،وهذا قد ل يتأتى غالبا ،قالوا :فالحيلة أيضا أن يشتري
الموجود الذي بدا صلحه بجميع الثمن ،ويشهد عليه أنه قد أباح له ما َيحْدُث من بعد ،وهذه الحيلة أيضا قد تتعذر؛ إذ
قد يرجع في الباحة ،و إن جعلت هبة فهبة المعدوم ل تصح ،وإن ساقاه على الثمرة من كل ألف جزء على جزء ـ
مثل ـ لم تصح المساقاه عندهم ،وتصح عند أبي يوسف ومحمد ،و إن آجره الشجرة لخذ ثمرتها لم تصح الجارة
عندهم وعند غيرهم؛ فالحيلة إذا أن يبيعه الثمرة الموجودة ويُشهد عليه أن ما يحدث بعدها فهو حادث على ملك
المشتري ،ل حق للبائع فيه ،ول يذكر سبب الحدوث ،ولهم حيلة أخرى فيما إذا بدت الثمار أن يشتريها بشرط القطع،
أو يشتريها ويطلق ،ويكون القطع [هو ]موجب العقد ،ثم يتفقان على التّبْقية إلى وقت الكمال ،ول ريب أن المخرج
ببيعها إذا بدا صلح بعضها أو بإجارة الشجر أو بالمساقاة أقرب إلى النص والقياس وقواعد الشرع من ذلك كما تقدم
تقريره .
المثال الرابع والتسعون
السلعة تساوي أكثر مما اشتراها به
المثال الرابع والتسعون :إذا وكله أن يشتري له بضاعة ،وتلك البضاعة عند الوكيل ،وهي رخيصة تساوي أكثر مما
اشتراها به ،ول تسمح نفسه أن يبيعها بما اشتراها به فالحيلة أن يبيعها بما تساويه بيعا تاما صحيحا لجنبي ،ثم إن
شاء اشتراها من الجنبي لموكله ،ولكن تدخل هذه الحيلة سدا للذرائع؛ إذ قد يتخذ ذلك ذريعة إلى أن يبيعها بأكثر مما
تساوي فيكون قد غش الموكل ،ويظهر هذا إذا اشتراها بعينها دون غيرها؛ فيكون قد غر الموكل ،فإن كان الموكل لو
اطلع على الحال لم يكره ذلك ولم َي َرهُ غرورا فل بأس به ،وإن كان لو اطلع عليه لم يرضه لم يجز ،وال أعلم .
المثال الخامس والتسعون
الخوف من احتيال بائع دار عليه
إذا اشترى منه دارا وخاف احتيال البائع عليه بأن يكون قد ملكها لبعض ولده فيتركها في يده مدة ثم يدعيها عليه
ويحسب سكناها بثمنها كما يفعله المخادعون الماكرون فالحيلة أن يحتال لنفسه بأنواع من الحيل :منها :أن يضمن من
يخاف منه الدرك ،ومنها :أن يشهد عليه أنه إن ادعى هو أو وكيله في الدار كانت دعوى باطلة ،وكل بينة يقيمها زور،
ومنها :أن يضمن الدرك لرجل معروف يتمكن من مطالبته .ومنها أن يجعل ثمنها أضعاف ما اشتراها به ،فإن
استحقت رجع عليه بالثمن الذي أشهد به ،مثاله أن يتفقا على أن الثمن ألف فيشتريها بعشرة آلف ثم يبيعه بالعشرة
آلف سلعة ثم يشتريها منه باللف وهي الثمن ،فيأخذ اللف ،ويشهد عليه أن الثمن عشرة آلف ،وأنه قبضه ،وبرئ
منه المشتري ،فإن استحقت رجع عليه بالعشرة آلف ،وبالجملة فمقابلة الفاسد بالفاسد والمكر بالمكر والخداع
بالخداع ،وقد يكون حسنا ،بل مأمورا به ،وأقل درجاته أن يكون جائزا كما تقدم بيانه .
10
www.dorar.net الدرر
السنية
المثال السادس والتسعون
خوف العبد جحود السيد بيعه نفسه
إذا اشترى العبد نفسهُ من سيده بمال يؤديه إليه ،فأدى إليه معظمه ،ثم جحد السيد أن يكون باعه نفسه ،وللسيد في يد
العبد مال يؤديه أذن له في التجارة به ،فالحيلة أن يشهد العبدُ في السر أن المال الذي في يده لرجل أجنبي ،فإن وفي له
سيده بما عاقده عليه وفى له العبد وسلمه ماله ،وإن غدر به تمكن العبد من الغدر به وإخراج المال عن يده ،وهذه
جحْده حقه لم يكن له الحيلة ل تتأتى على أصل مَنْ يمنع مسألة الظفر ،ول على قول من يجيزها ،فإن السيد إذا ظلمه ب َ
أن يظلمه بمنعه ماله وأن يحول بينه وبينه فيقابل الظلم بالظلم ،ول يرجع إليه منه فائدة ،ولكن فائدة هذه الحيلة أن
السيد متى علم بصورة الحال وأنه متى جحده البيع حال بينه وبين ماله بالقرار الذي يظهره منعه ذلك من جُحُود البيع
فيكون بمنزلة رجل أمسك ولد غيره ليقتله فظفر هو بولده قبل القتل فأمسكه وأراه أنه إن قتل ولده قتل هو ولده أيضا،
ونظائر ذلك .
وكذلك إن كان السيد هو الذي يخاف من العبد أن ل يقر له بالمال ويقرّ به لغيره يتواطآن عليه فالحيلة أن يبدأ السيد
ل فأظهر العبد إقرارا بأن ما في فيبيع العبدَ لجنبي في السر ،ويشهد على بيعه ،ثم يبيع العبد من نفسه ،فإذا قبض الما َ
يده لجنبي أظهر السيد أن بيعه لنفسه كان باطل ،وأن فلنا الجنبي قد اشتراه ،فإذا علم العبد أن عتقه يبطل ول
يحصل مقصوده امتنع من التحيل على إخراج مال السيد عنه إلى أجنبي .
إذا أراد ظالم أخذ دار أحد بشراء أو غيره
ونظير هذه الحيلة إذا أراد ظالم أخذ داره بشراء أو غيره فالحيلة أن يملكها لمن يثق به ،ثم يشهد على ذلك ،وأنها
خرجت عن ملكه ،ثم يظهر أنه وقفها على الفقراء والمساكين ،ولو كان في بلده حاكم يرى صحة وقف النسان على
نفسه وصحة استثناء الغلة له وحْدَه مدة حياته وصحة وقفه لها بعد موته فحكم له بذلك استغنى عن هذه الحيلة .
حيل لدفع الظلم أو رفعه أو مقابلته
وحيل هذا الباب ثلثة أنواع :حيلة على دفع الظلم والمكر حتى ل يقع ،وحيلة على رفعه بعد وقوعه ،وحيلة على
مقابلته بمثله حيث ل يمكن رفعه؛ فالنوعان الولن جائزان ،وفي الثالث تفصيل ،فل يمكن القول بجوازه على
الطلق ول بالمنع منه على الطلق ،بل إن كان المتحيّلُ به حراما لحق ال لم يجز مقابلته بمثله ،كما لو جرعه
الخمر أو زنى بحرمته ،و إن كان حراما لكونه ظلما له في ماله وقدر على ظلمه بمثل ذلك فهى مسألة الظفر ،وقد
توسع فيها قوم حتى أفرطوا وجوزوا َقلْع الباب و َنقْب الحائط وخرق السقف ونحو ذلك لمقابلته بأخذ نظير ماله،
وم َن َعهَا قوم بالكلية ،وقالوا :لو كان عنده وديعة أو له عليه دين لم يجز له أن يستوفي منه قدر حقه إل بإعلمه به،
وتوسط آخرون وقالوا :إن كان سبب الحق ظاهرا كالزوجية والبوة والبنوة وملك اليمين الموجب للنفاق فله أن يأخذ
قدر حقه من غير إعلمه ،و إن لم يكن ظاهرا كالقَرْض وثمن المبيع ونحو ذلك لم يكن له الخذ إل بإعلمه ،وهذا
أعدل القوال في المسألة ،وعليه تدل السنة دللة صريحة؛ والقائلون به أسعد بها ،وبال التوفيق .
و إن كان َبهْتا له وكذبا عليه أو قَذْفا له أو شهادة عليه بالزور لم يجز له مقابلته بمثله ،وإن كان دعاء عليه أو َلعْنا أو
مسبة فله مقابلته بمثله على أصح القولين ،وإن منعه كثير من الناس ،وإن كان إتلف مال له فإن كان محترما كالعبد
والحيوان لم يجز له مقابلته بمثله ،وإن كان غير محترم فإن خاف َت َعدّيه فيه لم يجز له مقابلته بمثله كما لو حرق داره
لم يجز له أن يحرق داره ،وإن لم يتعد فيه .بل كان يفعل به نظير ما فعل به سواء كما لو قطع شجرته أو كسر إناءه
سطَاحه فذهب بما فيه ونحو ذلك وأمكنه مقابلته أو فتح قفصا عن طائره أو حَلّ وكاء مائع له أو أرسل الماء على مِ ْ
بمثل ما فعل سواء ،فهذا محل اجتهاد لم يدل على المنع منه كتاب ول سنة ول إجماع ول قياس صحيح .بل الدلة
المذكورة تقتضى جوازه كما تقدم بيانه في أول الكتاب .وكان شيخنا رضى ال عنه ُي َرجّح هذا ويقول هو أولى
بالجواز من إتلف طرفه بطرفه ،وال أعلم .
المثال السابع والتسعون
طريق التخلص من الضمان والكفالة
الضمان والكفالة من العقود اللزمة ،ول يمكن الضامن والكفيل أن يتخلص متى شاء ،ول سيما عند من يقول إن
الكفالة توجب ضمان المال إذا تعذر إحضار المكفول به مع بقائه ،كما هو مذهب المام أحمد ومن وافقه .وطريق
11
www.dorar.net الدرر
السنية
التخلص من وجوه :أحدهما :أن يؤقتها بمدة فيقول :ضمنته ،أو تكفلت به شهرا أو جمعة ،ونحو ذلك ،فيصح؛ الثاني:
أن يقيدها بمكان دون مكان ،فيقول ضمنته أو تكفلت به ما دام في هذا البلد أوفي هذا السوق .الثالث :أن يعلقها على
شرط فيقول :ضمنت أو كفلت إن رضي فلن ،أو يقول :ضمنت ما عليه إن كفل فلن بوجهه ،ونحو ذلك ،الرابع :أن
يشترط في الضمان أنه ل يطالبه حتى يتعذر مطالبة الصيل ،فيجوز هذا الشرط ،بل هو حكم الضمان في أشهر
الروايتين عن مالك؛ فل يطالب الضامن حتى يتعذر مطالبة الصيل ،وإن لم يشترطه ،حتى لو شرط أن يأخذ من
أيهما شاء كان الشرط باطل عند ابن القاسم وأصبغ .الخامس :أن يقول :كفلت بوجهه على أني برئ مما عليه ،فل
يلزمه ما عليه إذا لم يحضره بل يلزم بإحضاره إذا تمكن منه .السادس :أن يطالب المضمون عنه بأداء المال إلى ربه
ليبرأ هو من الضمان إذا كان قد ضمن بإذنه ،ويكون خصما في المطالبة ،وهذا مذهب مالك ،فإن ضمنه بغير إذنه لم
يكن له [عليه] مطالبته بأداء المال إلى ربه ،فإن أداه عنه فله مطالبته به حينئذ .
المثال الثامن والتسعون
من اشترى داراً واشترط أن له الدار الخرى إذا استحقت
إذا كان له داران فاشترى منه إحداهما على أنه إن استحقت فالدار الخرى له بالثمن ،فهذا جائز؛ إذ غايته تعليق البيع
بالشرط ،وليس في شئ من الدلة الشرعية ما يمنع صحته ،وقد نص المام أحمد على جوازه فيمن باع جارية وشرط
على المشتري أنه إن باعها فهو أحق بها بالثمن ،وفعله بنفسه كما رهن نعله وشرط للمرتهن أنه إن جاءه بفكاكها إلى
وقت كذا وإل فهى له بما عليها ،ونص على جوازه تعليق النكاح بالشرط فالبيع أولى ،ونص على جواز تعليق التولية
بالشرط كما نص عليه صاحب الشرع نصا ل يجوز مخالفته ،وقد تقدم تقرير ذلك ،وكثير من الفقهاء يبطل البيع
المذكور.
الحيلة للخلص مما سبق
فالحيلة في جوازه عند الكل أن يشتري منه المشتري الدار الخرى التي ل يريد شراءها ،ويقبضها منه ،ثم يشتري بها
الدار التي يريد شراءها ويسلمها إليه ،ويتسلم داره ،فإن استحقت هذه الدار عليه رجع في ثمنها وهو الدار الخرى،
وهذه حيلة لطيفة جائزة ل تتضمن إبطال حق ول دخول في باطل ،وهي مثال لما كان من جنسها من هذا النوع مما
يخاف استحقاقه ،ويشترط على البائع أخذ ما يقابله من حيوان أو رقيق أو غير ذلك .
المثال التاسع والتسعون
رجل أراد أن يشتري جارية أوسلعة من رجل غريب ،فلم يأمن أن تستحق أوتخرج َمعِيبة فل يمكنه الرجوع ول الرد،
فإن قال له البائع (( :أنا أوكل من تعرفه فيما تدعي به من عيب أو رجوع )) لم يأمن أن يحتال عليه ويعزله فيذهب
حقه .
حيلة لمن أراد شراء جارية من رجل غريب وخشي أن تكون مستحقة أو معيبة
فالحيلة في التو ّثقِ أن يكون الوكيل هو الذي يتولى البيع بنفسه ،ويضمن له صاحب السلعة الدرك ،ويكون وكيل لهذا
الذي تولى البيع ،فيمكن المشتري حينئذ مطالبة هذا الذي تولى البيع بنفسه ويأمن ما يحذره .
المثال الموفي المائة
رجل قال لغيره (( اش َترِ هذه الدار ـ أوهذه السلعة ـ من فلن بكذا وكذا ،وأنا أربحك فيها كذا وكذا )) فخاف إن
اشتراها أن يبدوَ للمر فل يريدها ول يتمكن من الرد ،فالحيلة أن يشتريها على أنه بالخيار ثلثة أيام أو أكثر ،ثم يقول
للمر :قد اشتريتها بما ذكرت ،فإن أخذها منه وإل تمكّن من ردها على البائع بالخيار ،فإن لم يشترها المر إل
بالخيار فالحيلة أن يشترط له خيارا أنقص من مدة الخيار التي اشترطها هو على البائع ليتسع له زمن الرد إن ردت
عليه .
المثال الحادي بعد المائة
حيلة لمن اطلع على عيب بجارية وخشي إنكار البائع قبض الثمن
إذا اشترى منه جارية أوسلعة ثم اطلع على عيب بها فخاف إن ادعى أنه اشتراها بكذا وكذا أن ينكر البائع قبض الثمن
ويسأل الحاكم الحكم عليه بإقراره أوينكر البيع ويسأله تسليم الجارية إليه فالحيلة التي تخلصه أن يردها عليه أول فيما
12
www.dorar.net الدرر
السنية
بينه وبينه ،ثم يدعي عليه عند الحاكم باستحقاق ثمنها ،ول يعين السبب ،فإن أقر فل إشكال ،وإن أنكر لم يلزم
المشتري الثمن ،فإما أن يقيم عليه بينة أو يحلفه .
المثال الثاني بعد المائة
حيلة يتخلص بها من تحريم يريد النقاض أو التأجيل
إذا كان له عليه مال حال فأبى أن يقر له به حتى يصالحه على بعضه أويؤجله ،ول بينة له ،فأراد حيلة يتوسل بها إلى
أخذ ماله كله حال ويبطل الصلح والتأجيل فالحيلة له أن يواطئ رجل يدعي عليه بالمال الذي له على فلن عند حاكم،
فيقر له به ،ويصح إقراره بالدين الذي له على الغير ،فإنه قد يكون المال مضاربة فيصير ديونا على الناس ،فلو لم
يصح إقراره به له لضاع ماله ،وأما قول أبى عبد ال بن حمدان في الرعاية ولو قال دَ ْينِي الذي على زيد لعمرو
احتمل الصحة ،والبطلن أظهر؛ فهذا إنما هو فيما إذا أضاف الدين إليه ثم قال هو لعمرو ،فيصير نظير ما لو قال:
ملكى كله لعمرو ،أو داري هذه له فإن هذا ل يصح إقرارا على أحد الوجهين للتناقض ويصح هبة ،فأما إذا قال:
(( هذا الدين الذي على زيد لعمرو يستحقه دوني )) صح ذلك قول واحدا ،كما لو قال (( :هذه الدار له ،أوهذا الثوب
له )) على أن الصحيح صحة القرار ولو أضاف الدين أو العين إلى نفسه ،ول تناقض؛ لن الضافة تصدق مع كونه
ملكا للمقر له ،فإنه يصح أن يقال هذه دار فلن ،إذا كان ساكنها بالجرة ،ويقول المضارب :ديني على فلن ،وهذا
الدين لفلن ،يعني أنه يستحق المطالبة به والمخاصمة فيه ،فالضافة تصدق بدون هذا ،ثم يأتي صاحب المال إلى مَنْ
هو في ذمته فيصالحه على بعضه أويؤجله ثم يجيء المقر له فيدعي على مَنْ عليه المال بجملته حال ،فإذا أظهر
كتاب الصلح والتأجيل قال المقر له :هذا باطل ،فإنه تصرف فيما ل يملك المصالح ،فإن كان الغريم إنما أقر باستحقاق
غريمه الدين مؤجل أوبذلك القدر منه فقط بطلت هذه الحيلة .
حيلة إيداع الشهادة
ونظير هذه الحيلة حيلة إيداع الشهادة ،وصورتها أن يقول له الخصم :ل أقر لك حتى تبرئني من نصف الدين أوثلثه،
وأشهد عليك أنك لتستحق عليّ بعد ذلك شيئا ،فيأتي صاحب الحق إلى رجلين فيقول :أشهدا أني على طلب حقي كله
من فلن ،وأني لم أبرئه من شيء منه ،وأني أريد أن أظهر مصالحته على بعضه لتوصل بالصلح إلى أخذ بعض
حقي ،وأني إذا أشهدت أني ل أستحق عليه سوى ما صالحني عليه فهو إشهاد باطل ،وأني إنما أشهدتُ على ذلك
توصل إلى أخذ بعض حقي؛ فهذه تعرف بمسألة إيداع الشهادة؛ فإذا فعل ذلك جاز له أن يدعي بقاءه على حقه ،ويقيم
الشهادة بذلك ،هذا مذهب مالك ،وهو مطرد على قياس مذهب أحمد وجار على أصوله ،فإن له التوصل إلى حقه بكل
طريق جائز ،بل ل يقتضي المذهب غير ذلك ،فإن هذا مظلوم توصّلَ إلى أخذ حقه بطريق لم يسقط بها حقا لحد ولم
يأخذ بها ما ل يحل له أخذه؛ فل خرج بها من حق ،ول دخل بها في باطل .
حيلة تتخلص بها امرأة من رجل عليه حق لها ويأبى دفعه إلّ إذا أقرت له بالزوجية
ونظير هذا أن يكون للمرأة على رجل حق ،فيجحده ويأبى أن يقر به به حتى تقر له بالزوجية ،فطريق الحيلة أن
شهِد على نفسها أنها ليست امرأة فلن ،وأني أريد أن أقر له بالزوجية إقرارا كاذبا ل حقيقة له لتوصّلَ بذلك إلى أخذ تُ ْ
مالي عنده ،فاشهدو أن إقرارى بالزوجية باطل أتوصل به إلى أخذ حقي .
ونظيره أيضا أن ينكر نسب أخيه ،ويأبى أن يقر له به حتى يشهد أنه ل يستحق في تركة أبيه شيئا ،وأنه قد أبرأه من
جميع ماله في ذمته منها ،أو أنه وَهَبَ له جميع ما يخصه منها ،أو أنه قبَضَه أواعتاض عنه أونحو ذلك ،فيودع
الشهادة عَ ْدلَين أنه باقٍ على حقه وأنه يظهر ذلك القرار توصل إلى إقرار أخيه بنسبه ،وأنه لم يأخذ من ميراث أبيه
شيئا ،ول أبرأ أخاه ،ول عاوضه ول َوهَبه .
ل يعمل بإقرار المضطهد
وهذا يشبه إقرار المضطهد الذي قد اضطهد ودفع عن حقه حتى يسقط حقا آخر ،والسلف كانوا يسمون مثل هذا
سفَرا ،فأخذه أهلها ،فجعلهامضطهدا ،كما قال حماد بن سلمة :حدثنا حميد عن الحسن أن رجل تزوج امرأة وأراد َ
طالقاً إن لم يَ ْبعَثْ بنفقتها إلى شهر ،فجاء الجل ولم يبعث إليها بشئ ،فلما قدم خاصموه إلى أمير المؤمنين علي كرم
ال وجهه ،فقال اضطهدتموه حتى جعلها طالقا ،فردها عليه .
13
www.dorar.net الدرر
السنية
ضرْب ول أخذ مال ،وإنما طالبوه بما يجب عليه من نفقتها ،وذلك ليس بإكراه ،ولكن ومعلوم أنه لم يكن هناك إكراه ب َ
لما َتعَنّتوه فأثر عمله باليمين جعله مضطهدا لنه عقد اليمين ليتوصّل إلى قصده من السفر ،فلم يكن حلفه عن اختيار،
بل هو كالمحمول عليه .
الفرق بين المضطهد والمكره
والفرق بينه وبين المكره أن المكره قاصد لدفع الضرر باحتمال ما أكره عليه ،وهذا قاصد للوصول إلى حقه بالتزام
طرٌ فيه .ما طلب منه ،وكلهما غير راضٍ ،ول مؤثرا لما التزمه ،وليس له و َ
فتأمل هذا ،ونزله على قواعد الشرع ومقاصده ،وهذا ظاهر جدا في أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم ال
وجهه لم يكن يرى الحلف بالطلق موقعا للطلق إذا حنث به ،وهو قول شريح وطاوس وعكرمة وأهل الظاهر وأبي
عبد الرحمن الشافعي وهو أجَلّ أصحابه على الطلق ،قال بعض الحفاظ ول يعلم لعلي مخالف من الصحابه ،وسيأتي
الكلم في المسألة إن شاء ال ،إذ المقصود أن من أقر أو حلف أو وهب أو صالح ل عن رضا منه ،ولكن منع حقه إل
بذلك ،فهو بالمكره أشبه منه بالمختار ،ومثل هذا ل يلزمه ما عقده من هذه العقود .
ومَنْ له قدم راسخ في الشريعة ومعرفة بمصادرها ومواردها ،وكان النصاف أحب إليه من التعصب والهوى،
والعلم والحجة آثرَ عنده من التقليد ،لم يكد يخفى عليه َوجْه الصواب ،وال الموفق .
وهذه المسألة من نفائس هذا الكتاب ،والجاهل الظالم ليرى الحسان إل إساءة ،ول الهدى إل الضللة .
فقل للعيون ال ّرمْدِ للشمس أعينٌ * سواك تراها في مغيب ومطلع
وسامح نفوسا بالقشور قد ارتضت * وليس لها للب من متطلع
المثال الثالث بعد المائة
مسألة حبس البائع السلعة على ثمنها وحبس العين بعد العمل على الجرة
المثال الثالث بعد المائة :اختلف الفقهاء هل يملك البائع حبس السلعة على ثمنها ؟ وهل يملك المستأجر حبس العين
بعد العمل على الجرة ؟ على ثلثة أقوال :أحدها :يملكه في الموضعين ،وهو قول مالك وأبى حنيفة ،وهو المختار،
والثاني :ل يملكه في الموضعين ،وهو المشهور من مذهب أحمد عند أصحابه ،والثالث :يملك حبس العين المستأجرة
على عملها ،ول يملك حبس المبيع على ثمنه ،والفرق بينهما أن العمل يجري مجرى العيان ،ولهذا يقابل بالعوض؛
فصار كأنه شريك لمالك العين بعمله ،فأثر عمله قائم بالعين؛ فل يجب عليه تسليمه قبل أن يأخذ عِوضَه ،بخلف
سوّى بينهما قال:المبيع؛ فإنه قد دخل في ملك المشتري ،وصار الثمن في ذمته ولم يبق للبائع تعلق بالعين ،ومن َ
الجرة قد صارت في الذمة ،ولم يشترط رهن العين عليها ،فل يملك حبسها .
وعلى هذا فالحيلة في الحبس في الموضعين حتى يصل إلى حقه أن يشترط عليه رهن العين المستأجرة على أجرتها،
فيقول :رهنتك هذا الثوب على أجرته ،وهي كذا وكذا ،وهكذا في المبيع يشترط على المشتري رهنه على ثمنه حتى
يسلمه إليه ،ول محذور في ذلك أصل ،ول معنى ،ول مأخذ قوي يمنع صحة هذا الشرط والرهن ،وقد اتفقوا أنه لو
شرط عليه رهن عين أخرى على الثمن جاز ،فما الذي يمنع جواز رهن المبيع على ثمنه ؟ ول فرق بين أن يقبضه أو
ل يقبضه على أصح القولين ،وقد نص المام أحمد على جواز اشتراط رهن المبيع على ثمنه ،وهو الصواب
ومقتضى قواعد الشرع وأصوله ،وقال القاضي وأصحابه :ل يصح ،وعلله ابن عقيل بأن المشتري َرهَنَ ما ل يملك،
فلم يصح ،كما لو شرط أن يرهنه عبدا لغيره يشتريه ويرهنه ،وهذا تعليل باطل ،فإنه إنما حصل الرهن بعد ملكه،
واشتراطه قبل الملك ل يكون بمنزلة رهن الملك .
غ َررَ ]قد يمكن وقد ل يمكن ،بخلف والفرق بين هذه المسألة وبين اشتراط رهن عبد زيد أن اشتراط رهن عبد زيد [ َ
اشتراط رهن المبيع على ثمنه ،فإنه إن تم العقد صار المبيع رهنا ،وإن لم يتم تبينا أنه ل ثمن يحبس عليه الرهن ،فل
غرر البتة؛ فالمنصوص أفقه وأصح ،وهذا على أصل من يقول (( :للبائع حَبْس المبيع على ثمنه )) ألزم ،وهو مذهب
مالك وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وبعض أصحاب المام أحمد ،وهو الصحيح وإن كان خلف منصوص أحمد؛
لن عقد البيع يقتضى استواءهما في التسلم والتسليم ،ففي إجبار البائع على التسليم قبل حضور الثمن وتمكينه من
قبضه إضرار به ،فإذا [كان ] ملك حبسه على ثمنه من غير شرط فَلَن يملكه مع الشرط أولى وأحرى ،فقول القاضي
14
www.dorar.net الدرر
السنية
وأصحابه مخالف لنص أحمد والقياس ،فإن شرط أن يقبض المشترى المبيع ثم يرهنه على ثمنه عند بائعه فأولى
بالصحة .
شرَطا رهنه قبل ملكه ،وقد عرفت ما فيه ،وعلله أيضا بتعليل وقال ابن عقيل في الفصول والرهن أيضا باطل ،لنهما َ
آخر فقال :إطلق البيع يقتضي تسليم الثمن من غير المبيع ،والرهن يقتضي استيفاء من عينه إن كان عينا أوثمنه إن
كان عرضا فيتضادا ،وهذا التعليل أقوى من الول ،وهو الذي أوجب له القول ببطلن الرهن قبل القبض وبعده،
فيقال :المحذور من التضاد إنما هو التدافع بحيث يدفع كل من المتضادين المتنافيين الخر ،فأما إذا لم يدفع أحدهما
الخر فل محذور ،والبائع إنما يستحق ثمن المبيع ،وللمشتري أن يؤديه إياه من عين المبيع ومن غيره ،فإن له أن
يبيعه ويقبضه ثمنه منه ،وغاية عقد الرهن أن يوجب ذلك ،فأي تدافع وأي تناف هنا ؟ وأما قوله (( :إطلق العقد
يقتضى التسليم للثمن من غير المبيع )) فيقال :بل إطلقه يقتضى تسليم الثمن من أي جهة شاء المشتري ،حتى لو باعه
قفيز حنطة بقفيز حنطة وسلمه إليه ملك أن يوفيه إياه ثمنا كما استوفاه مبيعا ،كما لو اقترض منه ذلك ثم وفاه إياه بعينه
.
ثم قال ابن عقيل :وقد قال المام أحمد في رواية بكر بن محمد عن أبيه إذا حَ َبسَ السلعة ببقية الثمن فهو غاصب ،ول
شرْط كون المبيع رهنا [في حال العقدش َرطَ عليه في نفس البيع الرهن ،فظاهر هذا إنه أن َ يكون رهنا إل أن يكون َ
أصح ،قال :وليس هذا الكلم على ظاهره ،ومعناه إل أن يشترط عليه في نفس البيع رهنا ] غير المبيع؛ لن اشتراط
رهن البيع اشتراط تعويق التسليم في المبيع .
منافاة كلم ابن عقيل لظاهر كلم أحمد في المسألة
قلت :ول يخفى منافاة ما قاله لظاهر كلم المام أحمد ،فإن كلم أحمد المستثنى والمستثنى منه في صورة حبس
ش َرطَ عليه في نفس البيع الرهن )) أي فل يكون غاصبا بحبس المبيع على ثمنه ،فقال (( هو غاصب إل أن يكون َ
السلعة بمقتضى شرطه ،ولو كان المراد ما حمله عليه لكان معنى الكلم إذا حبس السلعة ببقية الثمن فهو غاصب إل
أن يكون قد شرط له رهنا آخر غير المبيع يسلمه إليه ،وهذا كلم ل يرتبط أوله بآخره ،ول يتعلق به ،فضل عن أن
يدخل في الول ثم يستثنى منه ،ولهذا جعله أبو البركات ابن تيمية نصا في صحة هذا الشرط ،ثم قال :وقال القاضي ل
يصح .
وأما قوله (( :إن اشتراط رهن المبيع تعويق للتسليم في المبيع )) فيقال :واشتراط التعويق إذا كان لمصلحة البائع وله
غرَض صحيح وقد قَدِمَ عليه المشترى فأي محذور فيه ؟ ثم هذا يبطل باشتراط الخيار؛ فإن فيه تعويقا للمشتري فيه َ
عن التصرف في المبيع ،وباشتراط تأجيل الثمن؛ فإن فيه تعويقا للبائع عن تسلمه أيضا ،ويبطل على أصل المام أحمد
وأصحابه باشتراط البائع انتفاعه بالمبيع مدة يستثنيها ،فإن فيه تعويقا للتسليم ،ويبطل أيضا ببيع العين المؤجرة .
فإن قيل :إذا اشترط أن يكون رهنا قبل قبضه تدا َفعَ موجب البيع والرهن ،فإن موجَبَ الرهن أن يكون تلفه من ضمان
مالكه لنه أمانة في يد المرتهن ،وموجب البيع أن يكون تلفهُ قبل التمكين من قبضه من ضمان البائع ،فإذا تلف هذا
الرهن قبل التمكن من قبضه ،فمن ضمان أيهما يكون ؟
قيل :هذا السؤال أقوى من السؤالين المتقدمين ،والتدافع فيه أظهر من التدافع في التعليل الثاني ،وجواب هذا السؤال
أن الضمان قبل التمكن من القبض كان على البائع كما كان ،ول يزيل هذا الضمان إل تمكن المشتري من القبض ،فإذا
لم يتمكن من قبضه فهو مضمون على البائع كما كان ،وحبسه إياه على ثمنه ل يدخله في ضمان المشتري ويجعله
مقبوضا له كما لو حبسه بغير شرط .
فإن قيل :فأحمد رحمه ال تعالى قد قال (( :أنه إذا حبسه على ثمنه كان غاصبا إل أن يشترط عليه الرهن )) وهذا
يدل على أنه قد فرق في ضمانه بين أن يحبسه بشرط أو يحبسه بغير شرط ،وعندكم هو مضمون عليه في الحالين،
وهو خلف النص .
فالجواب أن المام أحمد رحمه ال تعالى إنما جعله غاصبا بالحبس ،والغاصب عنده يضمن العين بقيمتها أومثلها ،ثم
يستوفي الثمن أوبقيته من المشتري ،وأما إذا تلف قبل قبضه فهو من ضمان البائع ،بمعنى أنه ينفسخ العقد فيه ،ول
يملك مطالبة المشتري بالثمن ،وإن كان قد قبضه منه أعاده إليه ،فهذا الضمان شيء وضمان الغاصب شيء آخر.
فإن قيل :فكيف يكون رهنا وضمانه على المرتهن ؟ .
15
www.dorar.net الدرر
السنية
قيل :لم يضمنه المرتهن من حيث هو رهن ،وإنما ضمنه من حيث كونه مبيعا لم يتمكن مشتريه من قبضه ،فحق
توفيته بعد على بائعه .
صور حبس البائع السلعة لستيفاء حقه منها
فإن قيل :فما تقولون لو حبس البائع السلعة لستيفاء حقه منها ،وهذا يكون في صور :إحداها :أن يبيعه دارا له فيها
متاع ل يمكن نقله في وقت واحد ،والثانية :أن يستثني البائع النتفاع بالمبيع مدة معلومة على أصلكم ،أونحو ذلك ،فإذا
تلفت في يد البائع قبل تمكن المشتري من القبض في هاتين الصورتين هل تكون من ضمانه أومن ضمان البائع ؟
الثالثة :أن يشترط الخيار ويمنعه من تسليم المبيع قبل انقضاء الخيار .
قيل :الضمان في هذا كله على البائع؛ لنه لم يدخل تحت يد المشتري ،ولم يتمكن من قبضه ،فل يكون مضمونا عليه
.
فإن قيل :فهل يكون من ضمانه بالثمن أو بالقيمة ؟ قيل بل يكون مضمونا عليه بالثمن ،بمعنى أن العقد ينفسخ بتلفه؛
فل يلزم المشتري تسليم الثمن .
المثال الرابع بعد المائة
إبراء المريض ذمته من دين لوارثه
المثال الرابع بعد المائة :إقرار المريض لوارثة بدين باطل عند الجمهور ،للتُهمَة ،فلو كان له عليه دين ويريد أن تبرأ
ذمته منه قبل الموت وقد علم أن إقراره له باطل فكيف الحيلة في براءة ذمته ووصول صاحب الدين إلى ماله ؟ فههنا
وجوه؛ أحدها :أن يأخذ إقرار باقي الورثة بأن هذا الدين على الميت؛ فإن القرار إنما بطل لحقهم ،فإذا أقروا به
لزمهم ،فإن لم تتم له هذه الحيلة فله وجه ثان :وهو أن يأتي برجل أجنبي يثق به يقر له بالمال فيدفعه الجنبي إلى ربه،
فإن لم تتم له هذه الحيلة فله وجه ثالث :وهو أن يشتري منه سلعة بقدر دينه ،ويقر المريض بقبض الثمن منه ،أويقبض
منه الثمن بمحضر الشهود ثم يدفعه إليه سرا ،فإن لم تتم له هذه الحيلة فليجعل الثمن وديعة عنده فيكون أمانة فيقبل
قوله في تلفه ،ويتأول أو يدعي رده إليه والقول قوله .وله وجه آخر وهو أن يحضر الوارث شيئا ثم يبيعه من موروثه
بحضرة الشهود ويسلمه إليه فيقبضه ويصير ماله ،ثم يهبه الموروث لجنبي ويقبضه منه ،ثم يهبه الجنبي للوارث،
فإذا فعلت هذه الحيلة ليصل المريض إلى براءة ذمته والوارث إلى أخذ دينه جاز ذلك ،وإل فل .
المثال الخامس بعد المائة
إذا أحال بدينه على رجل فخاف هلكه
المثال الخامس بعد المائة :إذا أحاله بدينه على رجل فخاف أن َيتْوَى ماله على المحال عليه فل يتمكن من الرجوع
على المحيل؛ لن الحوالة تحول الحق وتنقله ،فله ثلث حيل .
إحداها :أن يقول أنا ل أحتال ،ولكن أكون وكيل لك في قبضه ،فإذا قبضه فإن استنفقه ثبت له ذلك في ذمة الوكيل،
وله في ذمة الموكل نظيره فيتقاصان ،فإن خاف الموكل أن يدعي الوكيل ضياع المال من غير تفريط فيعود يطالبه
بحقه فالحيلة له أن يأخذ إقراره بأنه متى ثبت قبضه منه فل شيء له على الموكل ،وما يدعي عليه بسبب هذا الحق أو
من جهته فدعواه باطلة ،وليس هذا إبراء معلقا بشرط حتى يتوصل إلى إبطاله ،بل هو إقرار بأنه ل يستحق عليه شيئا
في هذه الحالة .
الحيلة الثانية :أن يشترط عليه أنه أن تَ ِوىَ المال رجع عليه ويصح هذا الشرط على قياس المذهب؛ فإن المحتال إنما
قبل الحوالة على هذا الشرط ،فل يجوز أن يلزم بها بدون الشرط ،كما لو قبل عقد البيع بشرط الرهن أوالضمين
أوالتأجيل أوالخيار ،أوقبل عقد الجارة بشرط الضمين للجرة أوتأجيلها ،أوقبل عقد النكاح بشرط تأجيل الصداق،
أوقبل عقد الضمان بشرط تأجيل الدين الحال على الضامن عنه ،أو قبل عقد الكفالة بشرط أن ل يلزمه من المال الذي
عليه شئ ،أو قبل عقد الحوالة بشرط ملءة المحال عليه وكونه غير محجوب ول مماطل ،وأضعاف أضعاف ذلك من
الشروط التي ل تحل حراما ول تحرم حلل ،فإنها جائزٌ اشتراطها لزمٌ الوفاء بها كما تقدم تقريره نصا وقياسا ،وقد
صرح أصحاب أبي حنيفة بصحة هذا الشرط في الحوالة ،فقالوا واللفظ للخَصّاف :يجوز أن يحتال الطالب بالمال على
غريم المطلوب على أن هذا الغريم إن لم يوف الطالب هذا المال إلى كذا وكذا فالمطلوب ضامن لهذا المال على
16
www.dorar.net الدرر
السنية
حاله ،وللطالب أخذه بذلك ،وتقع الحوالة على هذا الشرط ،فإن وفاه الغريم إلى الجل الذي يشترطه ،وإل رجع إلى
المطلوب وأخذه بالمال ،ثم حكى عن شيخه قال :قلت :وهذا جائز ؟ قال :نعم .
ضمَن لي هذا الدين الذي على غريمي ،ويرضى منه بذلك بدل الحيلة الثالثة أن يقول طالب الحق لل ُمحَال عليه ا ْ
الحوالة ،فإذا ضمنه تمكن من مطالبة أيهما شاء ،وهذه من أحسن الحيل وألطفها .
المثال السادس بعد المائة
خوف المدين أل يفي له الدائن بالتأجيل
المثال السادس بعد المائة :إذا كان له عليه دين حالّ ،فاتفقا على تأجيله ،وخاف من عليه الدين أن ل يفي له بالتأجيل؛
فالحيلة في لزومه أن يفسخ العقد الذي هو سبب الدين الحال ،ثم يعقده عليه مؤجل ،فإن كان عن ضمان أوكان بدلَ
ُمتْلفٍ أوعن دِيَة وقد حلت أونحو ذلك فالحيلة في لزوم التأجيل أن يبيعه سلعة بمقدار هذا الدين ،ويؤجل عليه ثمنها ،ثم
يبيعه المدين تلك السلعة بالدين الذي أجّله عليه أول ،فيبرأ منه ،ويثبت في ذمته نظيره مؤجل ،فإن خاف صاحب الحق
أن ل يفي له من عليه بأدائه عند كل نجم كما أجله فالحيلة أن يشترط عليه أنه إن حلّ نجم ولم يؤده قسطه فجميع المال
عليه حال ،فإذا َنجّمه على هذا الشرط جاز ،وتمكن من مطالبته به حال ومنجما عند من يرى لزوم تأجيل الحال ومن
ل يراه ،أما من ل يراه فظاهر ،وأما من يراه فإنه يجوز تأجيله لهذا الشرط كما صرح به أصحاب أبي حنيفة ،وال
أعلم .
المثال السابع بعد المائة
من أراد أل يفي له الدائم بالتأجيل
المثال السابع بعد المائة :إذا أراد المريض الذي ل وارث له أن يُوصي بجميع أمواله في أبواب البر ،فهل له ذلك ؟
على قولين؛ أصحهما أنه يملك ذلك؛ لنه إنما منعه الشارع فيما زاد على الثلث وكان له ورثة ،فمن ل وارث له ل
يعترض عليه فيما صنع في ماله ،فإن خاف أن يبطل ذلك حاكم ل يراه فالحيلة له أن يقر لنسان يثق بدينه وأمانته
بدَ ْينٍ ُيحِيط بماله كله ،ثم يوصيه إذا أخذ ذلك المال أن يضعه في الجهات التي يريد ،فإن خاف المقر له أن يلزم بيمين
باستحقاقه لما أقر له به المريض اشترى منه المريض عَرضا من العروض بماله كله ،ويسلم العرض فإذا حلف المقر
له حلف بارا ،فإن خاف المريض أن يصح فيأخذه البائع بثمن العرض فالحيلة أن يشتريه بشرط الخيار سنة ،فإن مات
بطل الخيار ،وإن عاش فسخ العقد ،فإن كان المال أرضا أو عقارا أو أراد أن يوقفه جميعه على قوم يستغلونه ول
يمكن إبطاله فالحيلة أن يقر أن واقفاَ و َقفَ ذلك جميعه عليه ،ومن بعده على الجهات التي يعينها ،ويشهد على إقراره
بأن هذا العقار في يده على جهة الوقف من واقف كان ذلك العقار ملكا له إلى حين الوقف ،أو يقر بأن واقفا معينا وقفه
على تلك الجهات ،وجعله ناظرا عليه فهو في يده على هذا الوجه ،وكذلك الحيلة إذا كان له بنت أو أم أو وارث
بالفرض ل يستغرق ماله ول عَصَبة له ،ويريد أن ل يتعرض له السلطان فله أنواع من المخارج ،منها :أن يبيع
الوارث تلك العيان ،ويقر بقبض الثمن منه ،وإن أمكنه أن يشهد على قبضه بأن يحضر الوارث مال يقبضه إياه ،ثم
يعيده إليه سرا ،فهو أولى ،ومنها :أن يشتري المريض من الوارث سلعة بمقدار التركة من الثمن ويشهد على الشراء،
ثم يعيد إليه تلك السلعة ،ويرهنه المال كله على الثمن ،فإذا أراد السلطان مشاركته قال :وفوني حقي وخذوا ما فَضَل،
ومنها :أن يبيع ذلك لجنبي يثق به ،ويقر بقبض الثمن منه ،أويقبضه بحضرة الشهود ،ثم يأذن للجنبي في تمليكه
للوارث أو وقفه عليه ،ومنها :أن يقر لجنبي يثق به بما يريد ،ثم يأمره بدفع ذلك إلى الوارث .
أمران مخوفان في هذه الحيل
ولكن في هذه الحيل وأمثالها أمران مخوفان ،أحدهما :أنه قد يصح فيحال بينه وبين ماله ،والثاني :أن الجنبي قد
يَدّعي ذلك لنفسه ،ول يسلمه إلى الوارث ،فل خَلَصَ من ذلك إل بوجه واحد ،وهو أن يأخذ إقرار الجنبي ،ويشهد
عليه في مكتوب ثان أنه متى ادعى لنفسه أولمن يخاف أن يُواطئه على المريض أو وارثه هذا المال أوشيئا منه أوحقا
من حقوقه كانت دعواه باطلة ،وإن أقام به بينه فهى بينه زور ،و أنه ل حق له قبل فلن بن فلن ول وارثه بوجه ما،
ويمسك الكتاب عنده ،فيأمن هو والوارث ادعاء ذلك لنفسه ،وال أعلم .
المثال الثامن بعد المائة
اقتضاء الدين من مدين متوارٍ
17
www.dorar.net الدرر
السنية
المثال الثامن بعد المائة رجل يكون له الدّيْن ،ويكون عليه الدين ،فيوكل وكيل في اقتضاء ديونه ،ثم يتوارى عن
غريمه ،فل يمكنه اقتضاء دينه منه ،فأراد الغريم ممن له الدين على هذا الرجل حيلة يقتضى بها دينه منه ،ول يضره
تواري من عليه الدين ،فالحيلة أن يأتي هذا الذي له الدين إلى مَن عليه الدين فيقول له :وكلتك بقبض مالي على فلن
وبالخصومة فيه ،ووكلتك أن تجعل ماله عليك قصاصا بمالي عليه ،وأجزت أمرك في ذلك ،وما عملت فيه من شيء،
فيقبل الوكيل ،ويشهد على الوكالة على هذا الوجه شهودا ،ثم يشهدهم الوكيل أنه قد جعل اللف درهم التي لفلن عليه
قصاصا باللف التي لموكله على فلن ،فيصير اللف قصاصا ،ويتحول ما كان للرجل المتواري على هذا الرجل
للرجل الذي وكله .
وهذه الحيلة جائزة؛ لن الموكل أقام الوكيل مقام نفسه ،والوكيل يقولُ :مطَالبتي لك بهذا الدين كمطالبة موكلي به ،فأنا
أطالبك بألف وأنت تطالبني به ،فاجعل اللف الذي تطالبني عوضا عن اللف الذي أطالبك به ،ولو كانت اللف لي
لحصلت ال ُمقَاصة ،إذ ل معنى لقبضك لللف مني ثم أدائها إليّ ،وهذا بعينه فيما إذا طالبتك بها لموكلي؛ أنا أستحق
عليك أن تدفع إليّ اللف ،وأنت تستحق عليّ أن أدفع إليك ألفاً ،فنتقاص في اللفين .
المثال التاسع بعد المائة
إثبات المال على غائب
المثال التاسع بعد المائة :رجل له على رجل مال ،فغاب الذي عليه المال ،فأراد الرجل أن يثبت ماله عليه ،حتى يحكم
له الحاكم عليه وهو غائب ،فليرفعه إلى حاكم يرى الحكم على الغائب ،فإن كان حاكم البلد ل يرى الحكم على الغائب
فالحيلة أن يجئ رجل فيضمن لهذا الذي له المال جميعَ ماله على الرجل الغائب ،ويسميه وينسبه ،ول يذكر مبلغ
المال ،بل يقول :ضمنتُ له جميعَ ما صح له في ذمته ،ويشهد على ذلك ،ثم يقدمه إلى القاضي ،فيقر الضامن
بالضمان ،ويقول :ل أعرف له على فلن شيئا ،فيسأل القاضي المضمون له هل لك بينة ؟ فيقول :نعم ،فيأمره
بإقامتها ،فإذا شهدت ثبت الحق على الغائب ،وحكم على الضمين بالمال ،ويجعله خصما عن الغائب؛ لنه قد ضمن ما
عليه ،ول ينفذ حكمه على الضامن بثبوت المال على وجه الضمان حتى يحكم على الغائب المضمون عنه بالثبوت؛
لنه هو الصل ،والضامن فرعه ،وثبوت الفرع بدون أصله ممتنع ،وهو جائز على أصل أهل العراق ،حيث
يجوزون الحكم على الغائب إذا اتصل القضاء بحاضر محكوم عليه كوكيل الغائب ،وكما لو ادعى أنه اشترى من
غائب ما فيه شفعة فإنه يقضي عليه بالبيع وبالشفعة على المدعي ،وكهذه المسألة ما لو ادْعَتْ زوجة غائب أن له عند
فلن وديعة ،فإنه يفرض لها مما في يديه.
المثال العاشر بعد المائة
الحيلة في انتفاع المرتهن بالرهن
المثال العاشر بعد المائة :ليس للمرتهن أن ينتفع بالرهن إل بإذن الراهن ،فإن أذن له كان إباحة أوعارية له الرجوع
فيها متى شاء ،ويقضى له بالجرة من حين الرجوع في أحد الوجهين؛ فالحيلة في انتفاع المرتهن بالرهن آمنا من
الرجوع ومن الجرة أن يستأجره منه للمدة التي يريد النتفاع به فيها ،ثم يبرئه من الجرة ،أو يقر بقبضها ،ويجوز
أن َيرِد عقدُ الجارة على عقد الرهن ول يبطله ،كما يجوز أن يرهنه ما استأجره ،فَيرِدُ كل من العقدين على الخر،
وهو في يده أمانة في الموضعين ،وحقه متعلق به فيهما ،إل أن النتفاع بالمرهون مع الجارة والرهن بحاله .
المثال الحادي عشر بعد المائة
من خاف أن يقرَ بالرهن فيضيع له دين
المثال الحادي عشر بعد المائة :إذا كان له على رجل مال ،وبالمال رهن ،فادعى صاحب الرهن به عند الحاكم،
فخاف المرتهن أن يقر بالرهن ،فيقول الراهن قد أقررت بأن لي رهنا في يدك ،وادعيت الدين ،فينزعه من يده ،ول
يقر له بالدين ،فقد ذكروا له حيلة ُتحْ ِرزُ حقه ،وهي أن ل يقر به حتى يقر له صاحبه بالدين ،فإن ادعاه وسأل إحلفه
عرّض في يمينه ،بأن ينوي أن هذا ليس له قبل ملكه أوإذا باعه أوليس له عاريا عن تعلق الحق به، أنكر وحلف ،و َ
ونحو ذلك .
18
www.dorar.net الدرر
السنية
وأحسن من هذه الحيلة أن يفصل في جواب الدعوى فيقول :إن ادعيته رهنا في يدي على ألف لي عليك فأنا مقر به،
وإن ادعيته على غير هذا الوجه فل أقر لك ،وينفعه هذا الجواب ،كما قالوا فيما إذا ادعى عليه ألفا ،فقال :إن ادعيتها
من ثمن مبيع لم أقبضه منك فأنا مقر ،وإل فل ،وهذا مثله سواء .
فإن كان الغريم هو المدعي للمال فخاف الراهن أن يقر بالمال فيجحد المرتهن الرهن فيلزم الراهن المال ويذهب
رهنه ،فالحيلة في أمنه من ذلك أن يقول إن ادعيت هذا المال وأنك تستحقه من غير رهن لي عندك فل أقر به ،وإن
ادعيته مع كوني رهنتك به كذا وكذا فأنا مقر به ،ول يزيد على هذا .
وقالت الحنفية :الحيلة أن يقر منه بدرهم فيقول :لك علي درهم ،ولى عندك رهن كذا وكذا ،فإذا سأل الحاكم المدعي
عن الرهن ،فإما أن يقر به ،وإما أن ينكر ،فإن أقر به فليقر له خصمه بباقي دينه ،وإن أنكره وحلف عليه َوسِعَ الخر
أن يجحد باقي الدين ويحلف عليه إن كان الرهن بقدر الدين أواكثر منه ،وإن كان أقل منه لزمه أن يعطيه ما زاد على
قيمة الرهن من حقه ،قالوا :لن الرهن إن كان قد َتِلفَ بغير تفريطه سقط ما يقابله من الدين ،وإن كان قد َف ّرطَ فيه
صارت قيمته دينا عليه ،فيكون قصاصا بالدين الذي له .
وهذا بناء على أصلين لهم ،أحدهما أن الرهن مضمون على المرتهن بأقل المرين من قيمته أوقدر الدين ،والثاني:
جواز الستيفاء في مسألة الظفر .
المثال الثاني عشر بعد المائة
علق الزوج بالوطء طلقعها ثلثاً وعلقت الزوجة به عتق أمتها
المثال الثاني عشر بعد المائة :إذا قال لمرأته (( :إن لم اطأك الليلة فأنت طالق ثلثا )) .فقالت (( :إن وطئتني الليلة
فأمَتِي حرة )) فالمخلص من ذلك أن تبيعه الجارية فإذا وطئها بعد ذلك لم تعتق؛ لنها خرجت من ملكها ثم تستردها .
فإن خافت أن يطأ الجارية على قول من ل يرى على الرجل استبراء المة التي يشتريها من امرأته كما ذَهب إليه
بعض الشافعية والمالكية فالحيلة أن تشتريها منه عقيب الوطء فإن خافت أن ل يرد اليها الجارية ويقيم على ملكها فل
تصل إليها فالحيلة لها أن تشترط عليه أنه إن لم يرد الجارية إليها عقيب الوطء فهي حرة ،فإن خافت أن يملكها لغيره
تلجئة فل يصح تعليق عتقها فالحيلة لها أن تشترط عليه أنه إن لم يردها إليها عقيب الوطء فهي طالق ،فهنا تضيق
عليه الحيلة في استدامة ملكها ولم يجد بدا من مفارقة أحداهما .
المثال الثالث عشر بعد المائة
حيلة في الخلع
المثال الثالث عشر بعد المائة :إذا أراد الرجل أن يخالع امرأته الحامل على سكناها ونفقتها جاز ذلك ،وبريء منهما،
هذا منصوص أحمد وقال الشافعي :ل يصح الخلع ،ويجب مهر المثل ،واحتج له بأن النفقة لم تجب بعد فإنها إنما تجب
بعد البانة ،وقد خالعها ب َمعْدُوم ،فل يصح ،كما لو خالعها على عوض شيء يتلفه عليها ،وهذا اختيار أبي بكر عبد
العزيز ،وقال أصحاب أبي حنيفة :إذا خالعها على أن ل سكنى لها ول نفقة فل نفقة لها ،وتستحق عليه السكنى ،قالوا:
لن النفقة حق لها وقد أسقطته ،والسكنى حق الشارع فل تسقط بإسقاطها ،فيلزمه إسكانها ،قالوا :فالحيلة على سقوط
الجرة عنه أن يشترط الزوج في الخلع أن ل يكون عليه مؤونة السكنى ،وأن مؤونتها تلزم المرأة في مالها ،وتجب
أجرة المسكن عليها .
فإن قيل :لو أبرأت المرأة زوجها عن النفقة قبل أن تصير ديناً في ذمته لم تصح ،ولو شرط في عقد الخلع براءة الزوج
عن النفقة صح .
قيل :الفرق بينهما أن البراء إذا شرط في الخلع كان إبراء بعوض ،فالبراء بعوض استيفاء لما وقعت البراءة عنه؛
لن العوض قائم مقام ما وقعت البراءة عنه والستتيفاء يجوز قبل الوجوب بدليل ما لو تسلفت نفقة شهر جملة ،وأما
البراء من النفقة في غير خلع قبل ثبوتها فهو إسقاط لما لم يجب فل يسقط ،كما لو أسقطت حقها من القَسْم فإن لها أن
ترجع فيه متى شاءت ،وأما قول صاحب المحرر (( :وقيل :إن أوجبنا نفقة الزوجة بالعقد صح ،وإل فهو خلع بمعدوم
وقد بينا حكمه )) يعني :إن قلنا :إن نفقة الحامل نفقة زوجة وإن النفقة لها من أجل الحمل وأنها تجب بالعقد فيكون
خلعاً بشيء ثابت ،وإن قلنا إن النفقة إنما تجب بالتمكين فقد زال التمكين بالخلع وصارت النفقة نفقة قريب ،فالخلع
بنفقة الزوجة حينئذ خلع بمعدوم ،هذا أقرب ما يتوجه به كلمه ،وفيه ما فيه ،وال أعلم .
19
www.dorar.net الدرر
السنية
المثال الرابع عشر بعد المائة
حيلة لمن طلقت ثلثاً
عزّ عليهم من المثال الرابع عشر بعد المائة :إذا وقع الطلق الثلث بالمرأة ،وكان دينها ودين وليها و زوجها المطلق أ َ
التعرض للعنة ال ومَقته بالتحليل الذي ليُحلها ول يطيبها بل يزيدها خبثاً فلو أنها أخرجت من مالها ثمن مملوك
فوهبته لبعض من تثق به فاشترى به مملوكاً ثم خطبها على مملوكه فزوجها منه فدخل بها المملوك ثم وهبها إياه
انفسخ النكاح ولم يكن هناك تحليل مشروط و ل منوي ممن تؤثر نيته وشرطه وهو الزوج؛ فإنه ل أثر لنية الزوجة و
ل الولي ،وإنما التأثير لنية الزوج الثاني ،فإنه إذا نوى التحليل كان محللً فيستحق اللعنة ثم يستحقها الزوج المطلق إذا
رجعت إليه بهذا النكاح الباطل ،فأما إذا لم يعلم الزوج الثاني ول الول بما في قلب المرأة أووليها من نية التحليل لم
يضر ذلك العقد شيئا .وقد علم النبي صلى ال عليه وسلم من امرأة رفاعة أنها كانت تريد أن ترجع إليه ولم يجعل
عسَيْلتك ) وقد
عسَيْلته ويذوق ُ
ذلك مانعا من رجوعها إليه ،وإنما جعل المانع عدم وطء الثاني فقال( :حتى تَذُوقي ُ
صرح أصحابنا بأن ذلك يحلها ،فقال صاحب المغني فيه :فإن تزوجها مملوك ووطئها أحلها ،وبذلك قال عطاء ومالك
والشافعي وأصحاب الرأي ،ول نعلم لهم مخالفا .
حلّها إذا كان الزوج المطلق قد اشترى العبد قلت :هذه الصورة غير الصورة التي منع منها المام أحمد ،فإنه منع من ِ
وزوّجه بها بإذن وليها ليحلها ،فهذه حيلة ل تجوز عنده ،وأما هذه المسألة فليس للزوج الول و ل للثاني فيها نية ،ومع
هذا فيكره؛ لنها نوع حيلة .
المثال الخامس بعد المائة
طلق معلق بشرطين متناقضين
المثال الخامس عشر بعد المائة :قال عبد ال بن أحمد في مسائله :سألت أبي عن رجل قال لمرأته أنت طالق إن لم
أجامعك اليوم ،وأنت طالق إن اغتسلت منك اليوم ،فقال :يصلي العصر ثم يجامعها ،فإذا غابت الشمس اغتسل إن لم
يكن أراد بقوله (( :اغتسلت )) المجامعة .
ما يفعل من قال إن وطئ امرأته في رمضان فهي طالق
ونظير هذا أيضا ما نص عليه في رجل قال لمرأته :أنت طالق إن لم أطأك في رمضان ،فسافر مسيرة أربعة أيام
أوثلثة ثم وطئها ،فقال :ل يعجبني؛ لنها حيلة ول يعجبني الحيلة في هذا ول في غيره .وقال القاضي :إنما كره
المام أحمد هذا لن السفر الذي يبيح الفطر ل بد أن يكون سفرا مقصودا مباحا ،وهذا ل يقصد به غير حل اليمين،
قال الشيخ أبو محمد المقدسي :والصحيح أن هذا تنحلّ به اليمين ،ويباح له الفطر فيه ،لنه سفر بعيد مباح لقصد
صحيح ،وإرادة حل يمينه من المقاصد الصحيحة .وقد أبحنا لمن له طريقان قصيرة ل يقصر فيها وبعيدة أن يسلك
البعيدة ليقصر فيها الصلة ويفطر ،مع أنه ل قصد له سوى الترخص ،فههنا أولى .
قلت :ويؤيد اختيارالشيخ قدس ال روحه ما رواه الخطيب في كتاب الفقيه والمتفقه أنبأ الزهري أنبأ سهيل بن أحمد
حدثنا محمد بن محمد الشعث الكوفي حدثني موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد بن الحسين بن علي
بن أبي طالب صلوات ال عليهم حدثنا أبي عن أبيه عن جده جعفر بن محمد عن أبيه علي عليه السلم في رجل حلف
فقال :امرأته طالق ثلثا إن لم يطأها في شهر رمضان نهارا ،قال يسافر ثم يجامعها نهارا .
المثال السادس عشر بعد المائة
في المخارج من الوقوع في التحليل الملعون
المثال السادس عشر بعد المائة :في المخارج من الوقوع في التحليل الذي لعن رسول ال صلى ال عليه وسلم من
ق المحلّلَ له ،فأي قول من أقوال المسلمين خرج به من لعنة رسول ال صلى ال عليه وسلم غير وجه فاعلَه والمطل َ
ع َذرَ عند ال ورسوله وملئكته وعباده المؤمنين من ارتكابه لما يلعن عليه ومباءته باللعنة؛ فإن هذه المخارج كان أ ْ
التي نذكرها دائرة بين ما دل عليه الكتاب والسنة أو أحدهما أو أفتى به الصحابة ،بحيث ل يعرف عنهم فيه خلف ،أو
أفتى به بعضهم ،أو هو خارج عن أقوالهم ،أو هو قول جمهور المة أو بعضهم أوإمام من الئمة الربعة أو أتباعهم
أوغيرهم من علماء السلم ،ول تخرج هذه القاعدة التي نذكرها عن ذلك ،فل يكاد يوصل إلى التحليل بعد مجاوزة
20
www.dorar.net الدرر
السنية
جميعها إل في أندر النادر ،ول ريب عند مَنْ نصح ل ورسوله وكتابه ودينه ونصح نفسه ونصح عباده ،أن أيا منها
ارتكَبَ فهو أولى من التحليل .
المخرج الول
شرْب دواء أو شرب مسكر يعذر به أول المخرج الول :أن يكون المطلق أوالحالف زائلَ العقل إما بجنون أوإغماء أو ُ
يعذر أو وَسْوَسة ،وهذا المخلص مجمع عليه بين المة إل في شرب مسكر ل يعذر به ،فإن المتأخرين من الفقهاء
اختلفوا فيه ،والثابت عن الصحابة الذي ل يعلم فيه خلف بينهم أنه ل يقع طلقه .
ل يقع طلق السكران والمجنون والمستكره والموسوس
قال البخاري في صحيحه :باب الطلق في الغلق والمكره والسكران والمجنون وأمرهما والغلط والنسيان في
الطلق والشك لقول النبي صلى ال عليه وسلم (( العمال بالنية ،ولكل امرئ ما نوى )) وتل الشعبي ( :ربنا ل
تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) [ آخر البقرة ] وما ل يجوز من إقرار الموسوس ،وقال النبي صلى ال عليه وسلم للذي
أقر على نفسه (( :أبكَ جُنُون )) وقال عليَ :ب َقرَ حمزة خواصر شَا ِر َفيّ َفطَ ِفقَ النبي صلى ال عليه وسلم يلومُ حمزةَ،
فإذا حمزة قد َثمِل محمرة عيناه ثم قال حمزة :هل أنتم إل عبيد لبائي ؟ فعرف النبي صلى ال عليه وسلم أنه قد ثمل،
فخرج وخرجنا معه .قال عثمان :ليس لمجنون ول لسكران طلق ،وقال ابن عباس :طلق السكران والمستكره ليس
بجائز .وقال عقبة بن عامر :ل يجوز طلق الموسوس ،هذا لفظ الترجمة ،ثم ساق بقية الباب ،ول يعرف عن رجل
من الصحابة أنه خالف عثمان وابن عباس في ذلك ،ولذلك رجع المام أحمد إلى هذا القول بعد أن كان يفتي بنفوذ
طلقه .فقال أبو بكر عبد العزيز في كتاب الشافي والزاد :قال أبو عبد ال في رواية الميموني :قد كنت أقول بأن
طلق السكران يجوز ،حتى تبينته ،فغلب على أنه ل يجوز طلقه؛ لنه لو أقر لم يلزمه ،ولو باع لم يجز بيعه .قال
وألزمه الجناية ،وما كان من غير ذلك فل يلزمه ،قال أبو بكر :وبهذا أقول ،وفي مسائل الميموني سألت أبا عبد ال
عن طلق السكران ،فقال :أكثر ما عندي فيه أنه ل يلزمه الطلق ،قلت :أليس كنت مرة تخاف أن يلزمه ؟ قال :بلى
ولكن أكثر ما عندي فيه أنه ل يلزمه الطلق؛ لني رأيته ممن ل يعقل ،قلت :السكر شئ أدخله على نفسه فلذلك
يلزمه ،قال :قد يشرب رجل البنج أو الدواء فيذهب عقله ! قلت :فبيعه وشراؤه وإقراره ؟ قال :ل يجوز ،وقال في
رواية أبى الحارث :أرفع شئ فيه حديث الزهري عن أبان بن عثمان عن عثمان (( :ليس لمجنون ول سكران
طلق )) .وقال في رواية أبي طالب :والذي ل يأمر بالطلق فإنما أتى خصلة واحدة ،والذي يأمر بالطلق قد أتى
خصلتين حرمها عليه وأحلها لغيره ،فهذا خير من هذا وأنا أتقي جميعها .
وممن ذهب إلى القول بعدم نفوذ طلق السكران من الحنفية أبو جعفر الطحاوي وأبو الحسن الكرخي ،وحكاه صاحب
النهاية عن أبي يوسف و ُزفَر.
ومن الشافعية المزني وابن شريح وجماعة ممن اتبعهما .وهو الذي اختاره الجويني في النهاية ،والشافعي نص على
وقوع طلقه ،ونص في أحد قوليه على أنه ل يصح ظهاره ،فمن أتباعه مَنْ نقل عن الظهار قولً إلى الطلق ،وجعل
المسألة على قولين ،ومنهم من قرر حكم النصين ولم يفرق بطائل .
والصحيح أنه ل عبرة بأقواله من طلق ول عتاق ول بيع ول هبة ول وقف ول إسلم ول ردة ول إقرار ،لبضعة
عشر دليلً ليس هذا موضع ذكرها ،ويكفى منها قوله تعالى ( :يا أيها الذين آمنوا ل تقربوا الصلة وأنتم سكارى حتى
تعلموا ما تقولون ) [ النساء ]43 :وأمر النبي صلى ال عليه وسلم باسْ ِت ْنكَاه ماعز لما أقر بالزنا بين يديه ،وعدم أمر
النبي صلى ال عليه وسلم حمزة بتجديد إسلمه لما قال في سكره (( :أنتم عبيد لبائي )) وفتوى عثمان وابن عباس
ولم يخالفهما أحد من الصحابة ،والقياس الصحيح المحض على زائل العقل بدواء أو بنج أو مسكر هو فيه معذور
جرَى اللفظ على لسانهبمقتضى قواعد الشريعة؛ فإن السكران ل قَصْدَ له؛ فهو أولى بعدم المؤاخذة من اللغي ومن َ
من غير قصد له ،وقد صرح أصحاب أبي حنيفة بأنه ل يقع طلق الموسوس ،وقالوا :ل يقع طلق المعتوه ،وهو من
كان قليل الفهم مختلط الكلم فاسد التدبير ،إل أنه ل يضرب ول يشتم كما يفعل المجنون .
ل يقع طلق الغضبان ول يؤاخذ بما يبدو منه في حال غضبه
فصل :المخرج الثاني :أن يطلق أو يحلف في حال غضب شديد قد حال بينه وبين كمال قصده وتصوره؛ فهذا ل يقع
طلقه ول عتقه ول وقفه ،ولو بدرت منه كلمة الكفر في هذا الحال لم يكفر ،وهذا نوع من الغلق والغلق الذي منع
21
www.dorar.net الدرر
السنية
رسول ال صلى ال عليه وسلم وقوع الطلق والعتاق فيه ،نص على ذلك المام أحمد وغيره ،قال أبو بكر بن
عبدالعزيز في كتاب زاد المسافر :له باب في الغلق في الطلق ،قال أحمد في رواية حنبل :وحديث عائشة رضى
ال عنها أنها سمعت النبي صلى ال عليه وسلم يقول (( :ل طَلق ول عَتَاق في إغلق )) يعنى الغضب ،وبذلك فسره
أبو داود في سننه عقب ذكره الحديث ،فقال :والغلق أظنه الغضب .
وقسم شيخ السلم ابن تيمية قدس ال روحه الغضب إلى ثلثة أقسام :قسم يزيل العقل كالسكر ،فهذا ل يقع معه
طلق بل ريب .وقسم يكون في مبادئه بحيث ل يمنعه من تصور ما يقول وقصده ،فهذا يقع معه الطلق .وقسم يشتدّ
بصاحبه ،ول يبلغ به زوال عقله ،بل يمنعه من التثبت والتروّ ويخرجه عن حال اعتداله ،فهذا محل اجتهاد .
التحقيق في مسألة طلق الغلق
والتحقيق أن الغلق يتناول كلّ من انغلق عليه طريقُ قصده وتصوره كالسكران والمجنون والمبرسم والمُكره
والغضبان ،فحال هؤلء كلهم حال إغلق ،والطلق إنما يكون عن َوطَر ،فيكون عن قصد من المطلق وتصور لما
يقصده ،فإن تخلف أحدهما لم يقع طلق ،وقد نص مالك والمام أحمد في إحدى الروايتين عنه فيمن قال لمرأته:
(( أنت طالق ثلثا )) ثم قال :أردت أن أقول إن كلمت فلنا ،أو خرجت من بيتي بغير إذني ،ثم َبدَا لي فتركت اليمين،
ولم أرد التنجيز في الحال ،إنه ل تطلق عليه ،وهذا هو الفقه بعينه لنه لم يرد التنجيز ،ولم يتم اليمين .وكذلك لو أراد
أن يقول (( :أنت طاهر )) فسبق لسانه فقال (( أنت طالق )) لم يقع طلقه ،ل في الحكم الظاهر ول فيما بينه وبين ال
تعالى ،نص عليه المام أحمد في إحدى الروايتين ،والثانية ل يقع فيما بينه وبين ال ،ويقع في الحكم ،وهذا إحدى
الروايتين عن أبي يوسف ،وقال ابن أبي شيبة :حدثنا محمد بن مروان عن عمارة سُئِل جابر بن زيد عن رجل غلط
بطلق امرأته ،فقال :ليس على المؤمن غلط ،حدثنا وكيع عن إسرائيل عن عامر في رجل أراد أن يتكلم في شئ
فغلط ،فقال الشعبي :ليس بشيء .
ل يقع طلق المكره
فصل :المخرج الثالث :أن يكون ُم ْكرَهاً على الطلق أوالحلف به عند جمهور المة من الصحابة والتابعين ومن
بعدهم ،وهو قول أحمد ومالك والشافعي وجميع أصحابهم ،على اختلف بينهم في حقيقة الكراه وشروطه .
متى يكون المرء مكرهاً عند أحمد
ضرِب ،ابن عمر وابن الزبير لم َي َريَاه شيئا ،وقال في رواية قال المام أحمد في رواية أبي طالب :يمين المستكره إذا ُ
صرُوا
أبي الحارث :إذا طلق المكره لم يلزمه الطلق ،فإذا فعل به كما فعل بثابت بن الحنف فهو مكره؛ لن ثابتا عَ َ
رجله حتى طلق ،فأتى ابن عمر وابن الزبير فلم َيرَيَا ذلك شيئا ،وكذا قال ال تعالى ( :إل من أكره وقلبه مطمئن
باليمان ) [ النحل ]106 :وقال الشافعي رضى ال عنه :قال عز وجل ( :إل من أكره وقلبه مطمئن باليمان )
[ النحل ] 106 :وللكفر أحكام ،فلما وضعها ال تعالى عنه سَقطت أحكام الكراه عن القول كله ،لن العظم إذا سقط
عن الناس سقط ما هو أصغر منه .
استشهاده بالحديث
وفي سنن ابن ماجة وسنن البيهقي من حديث بشر بن بكر عن الوزاعي عن عطاء عن عبيد بن عمير عن ابن عباس
عن النبي صلى ال عليه وسلم (( :إن ال وَضَعَ عن أمتي )) وقال البيهقي (( :تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان
وما استكرهوا عليه )) وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (( :إن ال
تجاوز لمّتى ما ُتوَسْوس به صدورها ،ما لم تعمل به أو تتكلم به )) زاد ابن ماجة (( :وما استكرهوا عليه )) .
رأي علي وغيره من الصحابة والئمة في طلق المكره
وقال الشافعي :روى حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن أن عليا كرم ال وجهه قال :ل طلق لمكره ،وذكر
الوزاعي عن يحيى بن أبي كثير وابن عباس لم يجز طلق المكره ،وذكر أبو عبيد عن علي وابن عباس وابن عمر
وابن الزبير وعطاء وعبد ال بن عمير أنهم كانوا َيرَوْنَ طلقه غيرَ جائز .وقال ابن أبي شيبة :حدثنا عبد ال بن أبي
طلحة عن أبي يزيد المديني عن ابن عباس قال :ليس على المكره ول المضطهد طلق ،وحدثنا أبو معاوية عن عبيد
ال بن عمر عن ثابت مولى أهل المدينة عن ابن عمر وابن الزبير كانا ل َيرَيَان طلق المكره شيئا حدثنا وكيع عن
الوزاعي عن رجل عن عمر بن الخطاب رضى ال عنه أنه لم َيرَه شيئا .
22
www.dorar.net الدرر
السنية
تحقيق رأي عمر في طلق المكره
جمَحي عن أبيه أن قلت :قد اختلف على عمر ،فقال إسماعيل بن أبي أويس حدثني عبدالملك ابن قدامة بن إبراهيم ال ُ
رجلً َت َدلّى َيشْتَارُ عسلً في زمن عمر رضى ال عنه ،فجاءته امرأته فوقفت على الحبل ،فحلفت لتقطع ّنهُ أولتطلقني
ثلثاً ،فذ ّك َرهَا ال والسلم ،فأبت إل ذلك ،فطلقها ثلثاً .فلما ظهر أتى عمر فذكر له ما كان منها إليه ومنه إليها،
فقال :ارجع إلى أهلك فليس هذا بطلق ،تابعه عبدالرحمن بن مهدي عن عبدالملك ،وهو المشهور عن عمر .وقال أبو
عبيد :حدثني يزيد عن عبد الملك بن قدامة عن أبيه عن عمر بهذا ،ولكنه قال فرفع إلى عمر فأبَانَها منه ،قال أبو عبيد:
وقد رُوي عن عمر خلفه ،ولم يصح عن أحد من الصحابة تنفيذ طلق المكره سوى هذا الثر عن عمر ،وقد اختلف
فيه عنه ،والمشهور أنه رَدّها إليه ،ولو صح إبانتها منه لم يكن صريحا في الوقوع ،بل لعله رأى من المصلحة التفريق
بينهما ،وأنهما ل يتصافيان بعد ذلك ،فألْ َزمَه بإبانتها .
رأي شريح وإبراهيم والشعبي
ولكن الشعبي وشريح وإبراهيم يجيزون طلق المكره حتى قال إبراهيم :لو وضع السيف على َم ْفرِقه ثم طلق لجزت
طلقه .
مذهب ثالث عن الشعبي
وفي المسألة مذهب ثالث ،قال ابن أبي شيبة حدثنا ابن إدريس عن حصين عن الشعبي في الرجل يكره على أمر من
أمر العتاق أو الطلق ،فقال :إذا أكرهه السلطان جاز ،وإذا أكرهه اللصوص لم يجز ،ولهذا القول غورْ وفقه دقيق لمن
تأمله .
المكره يظن أن الطلق يقع فيه فينويه
فصل :واختلفوا في المكره يظن أن الطلق يقع به فينويه ،هل يلزمه ؟ على قولين وهما وجهان للشافعيةَ ،فمَنْ ألزمه
رأى أن النية قد قارنت اللفظ ،وهو لم يكره على النية ،فقد أتى بالطلق المنوي اختياراً فلزمه ،ومن لم يلزمه به رأى
أن لفظ المكره لغو ل عبرة به ،فلم يبق إل مجرد النية ،وهي ل تستقل بوقوع الطلق .
المكره يمكنه التورية فل يورّ
فصل :واختلف في ما لو أمكنه التورية فلم يور ،والصحيح أنه ل يقع به الطلق وإن تركها؛ فإن ال تعالى لم يوجب
التورية على مَنْ أكره على كلمة الكفر وقلبه مطمئن باليمان ،مع أن التورية هناك أولى ،ولكن المكره إنما لم يعتبر
لفظه لنه غير قاصد لمعناه ،ول مريد لموجبه ،وإنما تكلم به فِداء لنفسه من ضرر الكراه ،فصار تكلمه باللفظ لغوا
بمنزلة كلم المجنون والنائم ومن ل قصد له ،سواء َورّى أولم يُ َورّ ،وأيضا فاشتراط التورية إبطال لرخصة التكلم مع
الكراه ،ورجوعٌ إلى القول بنفوذ طلق المكره؛ فإنه لو َورّى بغير إكراه لم يقع طلقه ،والتأثير إذاً إنما هو للتورية ل
للكراه ،وهذا باطل ،وأيضا فإن المورّىَ إنما لم يقع طلقه مع قصده للتكلم باللفظ ،لنه لم يقصد مدلوله ،وهذا المعنى
بعينه ثابت في الكراه ،فالمعنى الذي منع من النفوذ في التورية هو الذي منع النفوذ في الكراه .
الستثناء في اليمين و الطلق وغيرها
المخرج الرابع :أن يستثنى في يمينه أو طلقه ،وهذا موضع اختلف فيه الفقهاء؛
رأي الشافعي وأبي حنيفة
فقال الشافعي وأبو حنيفة يصح الستثناء في اليقاع والحلف ،فإذا قال (( :أنت طالق إن شاء ال )) أو(( أنت حرة إن
شاء ال )) أو (( إن كلمت فلنا فأنت طالق إن شاء ال )) أو (( الطلق يلزمني لفعلن كذا إن شاء ال )) أو(( أنت
علي حرام أو الحرام يلزمني إن شاء ال )) نفعه الستثناء ،ولم يقع به طلق في ذلك كله .
ثم اختلفا في الموضع [ الذي ] يعتبر فيه الستثناء ،فاشترط أصحاب أبي حنيفة اتصاله بالكلم فقط ،سواء نَوَاه من
عقَد اليمين ثم عنّ له الستثناء لم يصح .وإن عنّ له أوله أو قَبْل الفراغ من كلمه أوبعده .وقال أصحاب الشافعي إن َ
الستثناء في أثناء اليمين فوجهان؛ أحدهما يصح ،والثاني :ل يصح .وإن نوى الستثناء مع عقد اليمين صح وجها
واحدا .
23
www.dorar.net الدرر
السنية
نفع الستثناء بعد عقد اليمين ول يشترط النية مع الشروع
وقد ثبت بالسنة الصحيحة أن سليمان بن داود عليهما السلم قال :لطوفنّ الليلة على كذا وكذا امرأة تحمل كل امرأة
منهن غلما يقاتل في سبيل ال ،فقال له المَلك الموكل به :قل إن شاء ال ،فلم يقل ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم:
(( والذي نفسي بيده لو قالها لقاتلوا في سبيل ال فرسانا أجمعون )) وهذا صريحٌ في نفع الستثناء المقصود بعد عقد
غزُوَنّ قريشا ،وال لغزونّ قريشا ،والاليمين .وثبت في السنن عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال (( :وال ل ْ
لغزون قريشا )) ،ثم سكت قليل ثم قال (( :إن شاء ال )) ثم لم َي ْغزُهم ،رواه أبو داود .وفي جامع الترمذي من
حديث ابن عمر رضى ال عنهما قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (( :مَنْ حلف على يمين فقال إن شاء ال فل
حِنْثَ عليه )) وقد قال تعالى ( :ول تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إل أن يشاء ال واذكر ربك إذا نسيت ) [ الكهف :
]24-23فهذه النصوص الصحيحة لم يشترط في شيء منها [ البتة ] في صحة الستثناء و َن ْفعِه أن ينويه مع الشروع
في اليمين ول قبلها ،بل حديث سليمان صريح في خلفه ،وكذلك حديث (( :لغزون قريشا )) وحديث ابن عمر
متناول لكل من قال :إن شاء ال بعد يمينه ،سواء نوى الستثناء قبل الفراغ أو لم ينوه ،والية دالة على نفع الستثناء
ظ َهرَ دللة .ومَنْ شرط النية قبل الفراغ لم يكن لذكر الستثناء بعد النسيان عنده تأثير .وأيضا فالكلممع النسيان أ ْ
بآخره ،وهو كلم واحد متصل بعضه ببعض ،ول معنى لشتراط النية في أجزائه وأبعاضه ،وأيضا فإن الرجل قد
يستحضر بعد فراغه من الجملة ما يرفع بعضها ،ول يذكر ذلك في حال تكلمه بها ،فيقول :لزيد عندي ألف درهم ،ثم
في الحال يذكر أنه قَضَاه منها مائة فيقول :إل مائة ،فلو اشترط نية الستثناء قبل الفراغ لتعذّر عليه استدراك ذلك
وألجئ إلى القرار بما ل يلزمه والكذب فيه .وإذا كان هذا في الخبار فمثله في النشاء سواء؛ فإن الحالف قد َيبْدُو له
فيعلق اليمين بمشيئة ال ،وقد يذهل في أول كلمه عن قصد الستثناء ،أو يشغله شاغل عن نيته ،فلو لم ينفعه الستثناء
حتى يكون ناويا له من أول يمينه لفات مقصود الستثناء ،وحصل الحرج الذي رفعه ال تعالى عن المة به ،ولما قال
لرسوله إذا نسيه ( :واذكر ربك إذا نسيت ) [ الكهف ] 24 :وهذا متناول لذكره إذا نسي الستثناء قطعا ،فإنه سبب
طرَده لزمه أل يصحالنزول ،ول يجوز إخراجه وتخصيصه لنه ُمرَاد قطعا ،وأيضا فإن صاحب هذا القول إن َ
مخصص من صفة أو بدل أو غاية أو استثناء بإل ونحوها حتى ينويه المتكلم من أول كلمه؛ فإذا قال له (( :عليّ ألف
مؤجلة إلى سنة )) هل يقول عالم أنه ل يصح وصفها بالتأجيل حتى يكون منويا من أول الكلم ؟ وكذلك إذا قال:
(( بعتك هذا بعشرة )) فقال (( :اشتريته على أن لي الخيار ثلثة أيام )) يصح هذا الشرط و إن لم ينوه من أول كلمه،
بل عنّ له الشتراط عقيبَ القبول .ومثله لو قال (( :وقفت داري على أولدي أوغيرهم بشرط كونهم فقراء مسلمين،
أو متأهلين ،وعلى أنه من مات منهم فنصيبه لولده أو للباقين )) صح ذلك وإن عنّ له ذكر هذه الشروط بعد تلفظه
بالوقف .ولم يقل أحد ل تقبل منه هذه الشروط إل أن يكون قد نَوَاها قبل الوقف أو معه ،ولم يقع في زمن من الزمنة
قط سؤال الواقفين عن ذلك ،وكذلك لو قال (( :له علي مائة درهم إل عشرة )) فإنه يصح الستثناء ،وينفعه ،ول يقول
له الحاكم إن كنت نَوَيْتَ الستثناء من أول كلمك لزمك تسعون ،وإن كنت إنما نويته بعد الفراغ لزمك مائة ،ولو
اختلف الحال لبين له الحاكم ذلك ،ولساغ له أن يسأله بل يحلفه أنه نوى ذلك قبل الفراغ إذا طلب المقر له ذلك ،وكذلك
لو ادعى عليه أنه باعه أرضا فقال :نعم بعته هذه الرض إل هذه البقعة ،لم يقل أحد إنه قد أقر ببيع الرض جميعها إل
أن يكون قد نَوَى استثناء البقعة في أول كلمه ،وقد قال النبي صلى ال عليه وسلم عن مكة (( :إنه ل ُيخْتَلى خَلَها ))
سرَى فقال له العباس (( :إل ال ْذخِرَ )) ،فسكت رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم قال (( :إل الذخر )) ،وقال في أ ْ
بدر (( :ل ينفلت أحد منهم إل بفداء أو ضربة عنق )) فقال له ابن مسعود :إل سُهيل بن بيضاء ،فقال (( :إل سهيل بن
بيضاء )) ومعلوم أنه لم ينو واحدا من هذين الستثناءين في أول كلمه ،بل أنشاه لما ُذكّر به ،كما أخبر عن سليمان
بن داود صلى ال عليهما أنه لو أنشأه بعد أن ذكّره به الملك نفعه ذلك .
شبهة من اشترط النية قبل الستثناء
وشبهة من اشترط ذلك أنه إذا لم ينو الستثناء من أول كلمه فقد لزمه موجب كلمه ،فل يقبل منع رفعه ول رفع
بعضه بعد لزومه .
24
www.dorar.net الدرر
السنية
عتَاق ول إقرار البتة ،نواه أولم ينوه؛ لنه إذا لزمه موجب وهذه الشبهة لو صحت لما نفع الستثناء في طلق ول َ
كلمه لم يقبل منه رفعه ول رفع بعضه بالستثناء ،وقد طرد هذا بعض الفقهاء فقالوا :ل يصح الستثناء في الطلق
توهما لصحة هذه الشبهة .
جواب الشبهة.
وجوابها أنه إنما يلزمه موجب كلمه إذا اقتصر عليه ،فأما إذا وصله بالستثناء أوالشرط ولم يقتصر على ما دونه
فإن موجب كلمه ما دل عليه سياقه وتمامه من تقييد باستثناء أو صفة أو شرط أو بدل أو غاية ،فتكليفه نية ذلك التقييد
من أول الكلم وإلغاؤه إن لم ينوه أولً تكليفُ ما ل يكلفه ال به ول رسوله ول يتوقف صحة الكلم عليه ،وبال
التوفيق .
رأي مالك.
ل يصح الستثناء في إيقاعهما ول الحلف بهما
وقال مالك :ل يصح الستثناء في إيقاعهما ،ول الحلف بهما ،ول الظهار ،ول الحلف به ،ول النذر ،ول في شئ من
اليمان ،إل في اليمين بال تعالى وحده .
رأي أحمد
وأما المام أحمد فقال أبو القاسم الخرقي :وإذا استثنى في العتاق والطلق فأكثر الروايات عن أبي عبد ال أنه توقف
عن الجواب ،وقد قطع في مواضع أخر أنه ل ينفعه الستثناء ،فقال في رواية ابن منصور :من حلف فقال (( :إن شاء
ال )) لم يحنث ،و ليس له استثناء في الطلق والعتاق ،وقال في رواية أبي طالب :إذا قال (( :أنت طالق إن شاء
ال )) لم تطلق ،وقال في رواية الحارث :إذا قال لمرأته (( :أنت طالق إن شاء ال )) الستثناء إنما يكون في اليمان
.
قال الحسن وقتادة وسعيد بن المسبب :ليس له ثنيا في الطلق .وقال قتادة :وقوله (( :إن شاء ال )) قد شاء ال
الطلقَ حين أذِنَ فيه ،وقال في رواية حنبل :مَنْ حلف فقال (( :إن شاء ال )) لم يحنث ،و ليس له استثناء في الطلق
والعتاق ،قال حنبل :لنهما ليسا من اليمان ،وقال صاحب المغني وغيره :وعنه مايدل على أن الطلق ل يقع ،وكذلك
العتاق؛
في هذه المسألة ثلث روايات عن حنبل
فعلى هذا يكون عنه في المسألة ثلث روايات الوقوع ،وعدمه ،والتوقف فيه ،وقد قال في رواية الميموني :إذا قال
لمرأة (( :أنت طالق يوم أتزوج بك إن شاء ال )) ثم تزوجها لم يلزمه شيء ،ولو قال لمَة (( :أنت حرة يوم أشتريك
إن شاء ال )) صارت حرة ،فلعل أبا حامد السفرائيني وغيره ممن حكى عن أحمد الفرقَ بين (( أنت طالق إن شاء
ال )) فل تطلق و (( أنت حرة إن شاء ال )) فتعتق استند إلى هذا النص ،وهذا من غلطه على أحمد ،بل هذا تفريق
منه يبن صحة تعليق العتق على الملك وعدم صحة تعليق الطلق على النكاح ،وهذا قاعدة مذهبه ،والفرق عنده أن
شرِعَ سببا لحصول العتق كملك ذي الرحِم ال َمحْرَم ،وقد يُعقد البيع سببا لحصول العتق اختيارا كشراء من الملك قد ُ
يريد عتقه في كفارة أو قُربة أو فِداء كشراء قريبه ،ولم يشرع ال النكاح سببا لزالته البتة؛ فهذا فقهه وفرقه ،فقد أطلق
القول بأنه ل ينفع الستثناء في إيقاع الطلق والعتاق ،وتوقف في أكثر الروايات عنه ،فتخرج المسألة على وجهين
صرح بهما الصحاب ،وذكروا وجها ثالثا وهو :أنه إن قَصَد التعليق وجهل استحالة العلم بالمشيئة لم تطلق ،وإن قصد
التبرك أو التأدب طلقت ،وقيل عن أحمد :يقع العتق دون الطلق ،ول يصح هذا التفريق عنه ،بل هو خطأ عليه .
قال شيخنا :وقد روي في الفرق حديث موضوع على معاذ بن جبل يرفعه .
تعليق الطلق على فعل يقصد به الحض والمنع
فلو علق الطلق على فعل يقصد به الحضْ أو المنع كقوله (( :أنت طالق إن كلمت فلنا إن شاء ال )) فروايتان
منصوصتان عن المام أحمد ،إحداهما :ينفعه الستثناء ،ول تطلق إن كلمت فلنا ،وهو قول أبي عبيدة؛ لنه بهذا
التعليق قد صار حالفا ،وصار تعليقه يمينا باتفاق الفقهاء ،فصح استثناؤه فيها لعموم النصوص المتناولة للستثناء في
الحلف واليمين .والثانية :ل يصح الستثناء ،وهو قول مالك كما تقدم؛ لن الستثناء إنما ينفع في اليمان المكفرة،
فالتكفير والستثناء متلزمان ،ويمين الطلق والعتاق ل يكفران ،فل ينفع فيهما الستثناء .
25
www.dorar.net الدرر
السنية
لم جعل ابن تيمية الكفارة في يمين الطلق
ومن هنا خرج شيخنا على المذهب إجزاء التكفير فيهما ،لن أحمد رضى ال عنه نص على أن الستثناء إنما يكون
في اليمين المكفرة ،ونص على أن الستثناء ينفع في اليمين بالطلق والعتاق ،فيخرج من نصه إجزاء الكفارة في
اليمين بهما ،وهذا تخريج في غاية الظهور والصحة ،ونَصّ أحمد على الوقوع ل يبطل صحة هذا التخريج ،كسائر
نصوصه ونصوص غيره من الئمة التي يخرج منها على مذهبه خلف ما نص عليه ،وهذا أكثر وأشهر من أن يذكر
.
رأي بعض أصحاب أحمد
ومن أصحابه من قال :إن أعاد الستثناء إلى الفعل َنفَعه قول واحدا ،وإن أعاده إلى الطلق فعلى روايتين ،ومنهم من
جعل الروايتين على اختلف حالين ،فإن أعاده إلى الفعل نفعه ،وإن أعاده إلى قوله (( :أنت طالق )) لم ينفعه .
وإيضاح ذلك أنه إذا قال (( :إن دخلت الدار فأنت طالق إن شاء ال )) فإنه تارة يريد (( :فأنت طالق إن شاء ال
عقْدَ هذه اليمين فهي معقودة ،فيصير طلقك )) وتارة يريد (( :إن شاء ال تعليق اليمين بمشيئة ال )) أي إن شاء ال َ
كقوله (( :وال لقومن إن شاء ال )) فإذا قام علمنا أن ال قد شاء القيام ،وإن لم يقم علمنا أن ال لم يشأ قيامه ،فما شاء
ال كان ،وما لم يشأ لم يكن ،فلم يُوجد الشرط فلم يحنث ،فينقل هذا بعينه إلى الحلف بالطلق؛ فإنه إذا قال (( :الطلق
يلزمني لقومن إن شاء ال القيام )) فلم يقم لم يشأ ال له القيام ،فلم يوجد الشرط فلم يحنث ،فهذا الفقه بعينه .
حكم أنت طالق إن شاء ال
فصل :فإن قال (( :أنت طالق إل أن يشاء ال )) فاختلف الذين يصححون الستثناء في قوله (( :أنت طالق إن شاء ال
)) ههنا هل ينفعه الستثناء ويمنع وقوع الطلق أو ل ينفعه ؟ على قولين ،وهما وجهان لصحاب الشافعي ،والصحيح
عندهم أنه ل ينفعه الستثناء ويقع الطلق ،والثاني :ينفعه الستثناء و ل تطلق ،وهو قول أصحاب أبي حنيفة ،والذين
لم يصححوا الستثناء احتجوا بأنه أوقع الطلق وعلّق رفعه بمشيئة لم تعلم ،إذ المعنى قد وقع عليك الطلق إل أن
يشاء ال رف َعهُ وهذا يقتضي وقوعا منجزا ورفعا معلقا بالشرط ،والذين صححوا الستثناء قولهم أفقه؛ فإنه لم يوقع
طلقا منجزا ،وإنما أوقع طلقا معلقا على المشيئة ،فإن معنى كلمه أنت طالق إن شاء ال طلقك ،فإن شاء عدمه لم
تطلقي ،بل ل تطلقين إل بمشيئته ،فهو داخل في الستثناء من قوله :إن شاء ال ،فإنه جعل مشيئة ال لطلقها شرطا
فيه ،وههنا أضاف إلى ذلك جَ ْعلَه عدم مشيئته مانعا من طلقها .
تحقيق المسألة
والتحقيق أن كل واحد من المرين يستلزم الخر؛ فقوله (( :إن شاء ال )) يدل على الوقوع عند وجود المشيئة
صريحا ،وعلى انتفاء الوقوع عند انتفائها لزوما ،وقوله (( :إل أن يشاء ال )) يدل على عدم الوقوع عند عدم المشيئة
صريحا ،وعلى الوقوع عندها لزوما .فتأمله ،فالصورتان سَوَاء كما سوى بينهما أصحاب أبي حنيفة وغيرهم من
الشافعية .وقولهم (( :إنه أوقع الطلق وعلق رفعه بمشيئة لم تعلم )) فهذا بعينه يحتج به عليهم من قال :إن الستثناء
ل ينفع في اليقاع بحال؛ فإن صحت هذه الحجة بطل الستثناء في اليقاع جملة ،وإن لم يصح لم يصح الفرق وهو لم
يوقعه مطلقاً ،وإنما علقه بالمشيئة نفيا وإثباتا كما قررناه؛ فالطلق مع الستثناء ليس بإيقاع .
من قال إن شاء ال وهو ليعلم معناها
وعلى هذا فإذا قال (( :إن شاء ال )) وهو ل يعلم معناها أصل ،فهل ينفعه هذا الستثناء ؟ قال أصحاب أبي حنيفة:
إذا قال (( :أنت طالق إن شاء ال )) ول يدري أي شيء (( إن شاء ال )) ل يقع الطلق ،قالوا :لن الطلق مع
الستثناء ليس بإيقاع ،فعلمه وجهله سواء ،قالوا :ولهذا لما كان سكوت البكر رضا استوى فيه العلم والجهل ،حتى لو
زوجها أبوها فسكتت وهي ل تعلم أن السكوت رضا صح النكاح ،ولم يعتبر جهلها .
ثم قالوا :فلو قال لها (( :أنت طالق )) فجرى على لسانه من غير قصد (( إن شاء ال )) وكان قصده إيقاعَ الطلق لم
يقع الطلق؛ لن الستثناء قد وجد حقيقة ،والكلم مع الستثناء ل يكون إيقاعا ،وهذا القول في طرف وقول من
يشترط نية الستثناء في أول الكلم أو قبل الفراغ منه في طرف آخر ،وبينهما أكثر من بعد المشرقين .
26
www.dorar.net الدرر
السنية
حكم قوله :أنت طالق إن لم يشأ ال أو مالم يشأ ال
فلو قال (( :أنت طالق إن لم يشأ ال ،أوما لم يشأ ال )) فهل يقع الطلق في الحال أو ل يقع ؟ على قولين ،وهما
وجهان في مذهب أحمد ،فمن أوقعه احتج بأن كلمه تضمن أمرين محال ،وممكنا ،فالممكن التطليق ،والمحال وقوعه
على هذه الصفة ،وهو إذا لم يشأ ال ،فإن ما شاء ال وجب وقوعه ،فيلغو هذا التقييد المستحيل ،ويسلم أصل الطلق
فينفذ .الوجه الثاني :ل يقع ،ولهذا القول مأخذان؛ أحدهما أن تعليق الطلق على الشرط المحال يمنع من وقوعه؛ كما
لو قال (( :أنت طالق إن جمعت بين الضدين )) أو (( إن شربت ماء الكوز )) ول ماء فيه لعدم وقوع شرطه ،فهكذا
إذا قال (( :أنت طالق إن لم يشأ ال )) فهو تعليق للطلق على شرط مستحيل ،وهو عدم مشيئة ال ،فلو طلقت لطلقت
بمشيئته ،وشرط وقوع الطلق عدم مشيئته .والمأخذ الثاني ـ وهو أفقه ـ أنه استثناء في المعنى ،وتعليق على المشيئة،
والمعنى إن لم يشأ ال عدم طلقك؛ فهو كقوله (( :إل أن يشأ ال )) سواء كما تقدم بيانه .
رأي القائلين بأنه ل يفيد عن الستثناء أيضاً في الطلق
فصل :قال الموقعون :قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني :ثنا خالد بن يزيد بن أسد القسري حدثنا جميع بن عبد
شرَ أصحاب رسول ال صلى ال الحميد الجعفي عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري و ابن عمر قال :كنا معا ِ
عليه وسلم نرى الستثناء جائزا في كل شئ إل في الطلق والعتاق ،قالوا :وروى أبو حفص بن شاهين بإسناده عن
ابن عباس قال :إذا قال الرجل لمرأته (( :أنت طالق إن شاء ال )) فهى طالق ،وكذلك روي عن أبي بُردة ،قالوا
ولنه استثناء يرفع جملة الطلق فلم يصح ،كقوله (( :أنت طالق ثلثا إل ثلثا )) .قالوا :ولنه إنشاء حكم في محل،
فلم يرتفع بالمشيئة كالبيع والنكاح ،قالوا ولنه إزالة ملك فلم يصح تعليقه على مشيئة ال تعالى ،كما لو قال :أبرأتك إن
شاء ال ،قالوا :ولنه تعليق على ما ل سبيل إلى العلم به ،فلم يمنع وقوع الطلق ،كما لو قال :أنت طالق إن شاءت
السموات والرض ،قالوا :وإن كان لنا سبيل إلى العلم بالشرط صحّ الطلقُ لوجود شرطه ،ويكون الطلق حينئذ معلقا
على شرط تحقق وجوده بمباشرة الدمي سببه ،قال قتادة قد شاء ال حينئذ أن تطلق ،قالوا :ولن ال تعالى وضع
ليقاع الطلق هذه اللفظة شرعا وقدرا؛ فإذا أتى بها المكلف فقد أتى بما شاءه ال ،فإنه ل يكون شيء قط إل بمشيئة
ال عز وجل ،وال شاء المور بأسبابها؛ فإذا شاء تكوين شيء وإيجاده شاء سببه ،فإذا أتى المكلف بسببه فقد أتى به
بمشيئة ال ،ومشيئة السبب مشيئة للمسبب ،فإنه لو لم يشأ وقوعَ الطلق لم يمكن المكلف أن يأتي به؛ فإن ما لم يشأ ال
يمتنع وجوده كما أن ما شاءه وجب وجوده ،قالوا :وهذا في القول نظير المشيئة في الفعل ،فلو قال (( :أنا أفعل كذا إن
شاء ال تعالى )) وهو متلبس بالفعل صحّ ذلك ،ومعنى كلمه أن ِف ْعلِي هذا إنما هو بمشيئة ال ،كما لو قال :حالَ
دخوله الدار (( :أنا أدخلها إن شاء ال )) أو قال من تخلص من شر (( تخلصت إن شاء ال )) وقد قال يوسف لبيه
وإخوته ( :ادخلوا مصر إن شاء ال آمنين ) [ يوسف ] 99 :في حال دخولهم ،والمشيئة راجعة إلى الدخول المقيد
بصيغة المر؛ فالمشيئة متناولة لهما جميعا ،قالوا :ولو أتى بالشهادتين ثم قال عقيبهما (( :إن شاء ال )) أو قال (( :أنا
مسلم إن شاء ال )) فإن ذلك ل يؤثر في صحة إسلمه شيئا ،ول يجعله إسلما معلقا على شرط ،قالوا :ومن المعلوم
قطعا أن ال قد شاء تكلمه بالطلق ،فقوله بعد ذلك (( :إن شاء ال )) تحقيقٌ لما قد علم قطعا أن ال شاءه ،فهو بمنزلة
قوله (( :أنت طالق إن كان ال أباح الطلق وأذن فيه )) ول َف ْرقَ بينهما ،وهذا بخلف قوله (( أنت طالق إن كلمت
فلنا )) فإنه شرط في طلقها ما يمكن وجوده وعدمه؛ فإذا وجد الشرط وقع ما علق به ،و وجود الشرط في مسألة
المشيئة إنما يعلم بمباشرة العبد سببه؛ فإذا باشره علم أن ال قد شاءه ،قالوا :وأيضا فالكفارة أقوى من الستثناء؛ لنها
ترفع حكم اليمين ،والستثناء يمنع عقدها ،والرافع أقوى من المانع ،وأيضا فإنها تؤثر متصلة ومنفصلة ،والستثناء ل
يؤثر مع النفصال ،ثم الكفارة مع قوتها ل تؤثر في الطلق والعتاق؛ فأنْ ل يؤثر فيه الستثناء أولى وأحرى ،قالوا:
وأيضا فقوله (( :إن شاء ال )) إن كان استثناء فهو رافع لجملة المستثنى منه ،فل يرتفع ،وإن كان شرطا فإما أن
يكون معناه إنْ كان ال قد شاء طلقك ،أو إن شاء ال أن أو ِقعَ عليك في المستقبل طلقا غير هذا؛ فإن كان المراد هو
الول فقد شاء ال طلقها بمشيئته لسببه ،وإن كان المراد هو الثاني فل سبيل للمكلف إلى العلم بمشيئته تعالى ،فقد
علق الطلق بمشيئة من ل سبيل إلى العلم بمشيئته؛ فيلغو التعليق ،ويبقى أصل الطلق فينفذ ،قالوا :ولنه علق الطلق
بما ل يخرج عنه كائن ،فوجب نفوذه ،كما لو قال (( :أنت طالق إن علم ال )) أو (( :إن َقدّر ال )) أو (( :إن سمع ))
أو (( :إن رأى)) .
27
www.dorar.net الدرر
السنية
يوضحه أنه حذف مفعول المشيئة ،ولم ينو مفعول معينا ،فحقيقة لفظه :أنت طالق إن كان ل مشيئة ،أو إن شاء أي
جعْل المشيئة المطلقة إلى هذا الحادث شيء كان ،ولو كانت نيته إن شاء ال هذا الحادث المعين وهو الطلق لم يمنع َ
فردا من أفرادها شرطا في الوقوع ،ولهذا لو سئل المستثني عما أراد لم يفصح بالمشيئة الخاصة ،بل لعلها ل تخطر
بباله ،وإنما تكلم بهذا اللفظ بناء على ما اعتاده الناس من قول هذه الكلمة عند اليمين والنذر والوعد .
قالوا و لن الستثناء إنما بابه اليمان ،كقوله (( :مَنْ حلف فقال :إن شاء ال فإن شاء فعل ،وإن شاء ترك )) وليس له
دخول في الخبار ول في النشاءات ،فل يقال (( :قام زيد إن شاء ال )) ول (( قم إن شاء ال )) ول (( ل تقم إن شاء
ال )) ول (( بعت ول قبلت إن شاء ال )) .وإيقاع الطلق والعتاق من إنشاء العقود التي ل تعلق على الستثناء؛ فإن
زمن النشاء ُمقَارن له؛ فعقود النشاءات تقارنها أزمنتها؛ فلهذا ل ُت َعلّق بالشروط .
قالوا :والذي يكشف سر المسألة أن هذا الطلق المعلّق على المشيئة إما أن يريد به طلقا ماضيا أومقارنا للتكلم به
أومستقبل؛ فإن أراد الماضيَ أو المقارنَ وقع لنه ل يعلق على الشرط .وإن أراد المستقبل ـ ومعنى كلمه إن شاء ال
أن تكوني في المستقبل طالقا فأنت طالق ـ وقع أيضا؛ لن مشيئة ال بطلقها الن يوجب طلقها في المستقبل؛ فيعود
معنى الكلم إلى أني إن طلقتك الن بمشيئة ال فأنت طالق ،وقد طلقها بمشيئته ،فتطلق؛ فههنا ثلث دعاوي؛ إحداها:
خرَيَان ،وبيان
أنه طلقها ،والثانية :أن ال شاء ذلك ،والثالثة :أنها قد طلقت؛ فإن صحت الدعوى الولى صحت ال ْ
صحتها أنه تكلم بلفظ صالح للطلق ،فيكون طلقا ،وبيان الثانية أنه حادث؛ فيكون بمشيئة ال ،فقد شاء ال طلقها
فتطلق؛ فهذا غاية ما تمسك به الموقعون .
الرد على ما سبق وإثبات أن الستثناء يمنع وقوع الطلق
قال المانعون :أنتم معاشر المو ِقعِين قد ساعدتمونا على صحة تعليق الطلق بالشرط ،ولستم ممن يبطله كالظاهرية
وغيرهم كأبي عبدالرحمن الشافعي ،فقد كفيتمونا نصف المؤنة ،وحملتم عنا كلفة الحتجاج لذلك ،فبقي الكلم معكم في
صحة هذا التعليق المعين ،هل هو صحيح أم ل؟ فإن ساعدتمونا على صحة التعليق قرب المر وقطعنا نصف المسافة
الباقية .ول ريب أن هذا التعليق صحيح؛ إذ لو كان محال لما صح تعليق اليمين والوعد والنذر وغيرهما بالمشيئة،
ولكان ذلك لغوا ل يفيد ،وهذا بين البطلن عند جميع المة ،فصح التعليق حينئذ ،فبقي بيننا وبينكم منزلة أخرى ،وهي
أنه هل وجود هذا الشرط ممكن أم ل ؟ فإن ساعدتمونا على المكان ول ريب في هذه المساعدة قربت المسافة جدا،
وحصلت المساعدة على أنه طلق معلق صحّ تعليقه على شرط ممكن ،فبقيت منزلة أخرى ،وهي أن تأثير الشرط
وعمله يتوقف على الستقبال أم ل يتوقف عليه بل يجوز تأثيره في الماضي والحال والستقبال ؟ فإن ساعدتمونا على
توقف تأثيره على الستقبال وأنه ل يصح تعلقه بماض ول حال ـ و أنتم بحمد ال على ذلك مساعدون ـ بقي بيننا
وبينكم منزلة واحدة ،وهي أنه هل لنا سبيل إلى العلم بوقوع هذا الشرط فيترتب المشروط عليه عند وقوعه أم ل سبيل
لنا إلى ذلك البتة فيكون التعليق عليه تعليقا على ما لم يجعل ال لنا طريقا إلى العلم به ؟ فههنا معترك النزال ،ودعوة
البطال ،ف َنزَالِ َنزَال ،فنقول :من أقبح القبائح ،وأبين الفضائح ،التي تشمئز منها قلوب المؤمنين ،وتنكرها ِفطَر
العالمين ،ما تمسك به بعضكم ،وهذا لفظه بل حروفه ،قال :لنا أنه علق الطلق بما ل سبيل لنا إليه فوجب أن يقع؛ لن
أصله الصفات المستحيلة ،مثل قوله (( :أنت طالق إن شاء الحجر )) أو (( إن شاء الميت )) أو (( إن شاء هذا
المجنون المطبق الن )) فيا لك من قياس ما أفسده ،وعن طريق الصواب ما أبعده ! وهل يستوى في عقل أو رأي أو
نظر أو قياس مشيئة الرب جل جلله ومشيئة الحجر والميت والمجنون عند أحد من عقلء الناس ؟ وأقْبَحُ من هذا ـ
سكُ بعضهم بقوله علق الطلق بمشيئة مَنْ وال المستعان وعليه التكلن وعياذاً به من الخذلن ونزغات الشيطان ـ تم ّ
ل ُت ْعلَمُ مشيئته فلم يصح التعليق ،كما لو قال (( :أنت طالق إن شاء إبليس )) فسبحانك اللهم وبحمدك ،وتبارك اسمك
وتعالى جدك ،ول إله غيرك ،وعياذا بوجهك الكريم ،من هذا الخذلن العظيم ،وياسبحان ال ! لقد كان لكم في نُصْرة
هذا القول غِنى عن هذه الشبهة الملعونة في ضروب القيسة وأنواع المعاني واللزامات فسحة ومتسع ،ول شرف
نفوس الئمة الذين رفع ال قدرهم ،وشاد في العاملين ذكرهم ،حيث يأنفون لنفوسهم ويرغبون بها عن أمثال هذه
الهذيانات التي تسودّ بها الوجوه قبل الوراق ،و ُتحِلّ بقمر اليمان المحاق ،وعند هذا فنقول:
28
www.dorar.net الدرر
السنية
علق الطلق بمشيئة مَن جميع الحوادث مستندةٌ إلى مشيئته ،و ُت ْعلَم مشيئته عند وجود كل حادث أنه إنما وقع بمشيئته،
فهذا التعليق من أصح التعليقات ،فإذا أنشأ المعلق طلقا في المستقبل تبينا وجود الشرط بإنشائه فوقع ،فهذا أمر معقول
شرعا وفطرة وقدرا ،وتعليق مقبول .
يبينه أن قوله :إن شاء ال ل يريد به إن شاء ال طلقها ماضيا قطعا ،بل إما أن يريد به هذا الطلق الذي تلفظ به أو
طلقا مستقبل غيره ،فل يصح أن يراد به هذا الملفوظ؛ فإنه ل يصح تعليقه بالشرط؛ إذ الشرط إنما يؤثر في
الستقبال ،فحقيقة هذا التعليق أنت طالق إن شاء ال طلقك في المستقبل ،ولو صرح بهذا لم تطلق حتى ينشئ لها
طلقا آخر .
ونقرره بلفظ آخر فنقول :علقة بمشيئة مَن له مشيئة صحيحة معتبرة ،فهو أولى بالصحة من تعليقه بمشيئة آحاد
الناس ،يبينه أنه لو علقه بمشيئة رسول ال صلى ال عليه وسلم في حياته لم يقع في الحال ،ومعلوم أن ما شاءه ال فقد
شاءه رسوله ،فلو كان التعليق بمشيئة ال موجبا للوقوع في الحال لكان التعليق بمشيئة رسوله في حياته كذلك ،وبهذا
عوّلتم عليه .يبطل ما َ
طلَق أوالمعلّق ؟
وأما قولكم (( :إن ال تعالى قد شاء الطلق حين تكلم المكلف به )) فنعم إذا ،لكن شاء الطلق ال ُم ْ
طلَق ،بل الواقع منه طلق معلق على شرط ،فمشيئة ال تعالى ل تكون مشيئة للطلق ومعلوم أنه لم يقع منه طلق ُم ْ
طلَق ،فإذا طلقها بعد هذا علمنا أن الشرط قد وجد ،وأن ال قد شاء طلقها فطلقت .وعند هذا فنقول :لو شاء ال أن ال ُم ْ
ينطق العبد لنطقه بالطلق مطلقاً من غير تعليق ول استثناء ،فلما أنطقه به مقيدا بالتعليق والستثناء علمنا أنه لم يشأ
له الطلق المنجز ،فإن ما شاء ال كان ،وما لم يشأ لم يكن .
ومما يوضح هذا المر أن مشيئة اللفظ ل تكون مشيئة للحكم حتى يكون اللفظ صالحا للحكم ،ولهذا لو تلفظ المكره أو
زائل العقل أو الصبي أو المجنون بالطلق فقد شاء ال منهم وقوع هذا اللفظ ،ولم يشأ وقوع الحكم ،فإنه لم يرتب على
ألفاظ هؤلء أحكامها لعدم إرادتهم لحكامها ،فهكذا المعلّق طلقه بمشيئة ال يريد أن ل يقع طلقه ،وإن كان ال قد
شاء له التلفظ بالطلق ،وهذا في غاية الظهور لمن أنصف.
ويزيده وضوحا أن المعنى الذي منع الستثناء عقد اليمين لجله هو بعينه في الطلق والعتاق؛ فإنه إذا قال (( :وال
لفعلن اليوم كذا إن شاء ال )) فقد التزم فعله في اليوم إن شاء ال له ذلك ،فإن فعله فقد علمنا مشيئة ال له ،وإن لم
يفعله علمنا أن ال لم يشأه؛ إذ لو شاءه لوقع ول بُدّ .
ل بد من مشيئة ال لوقوع فعل العبد
ول يكفي في وقوع الفعل مشيئة ال للعبد إن شاءه فقط ،فإن العبد قد يشاء الفعل ول يقع ،فإن مشيئته ليست موجبة
ول تلزمه ،بل ل بد من مشيئة ال له أن يفعل ،وقد قال تعالى في المشيئة الولى ( :وما تشاؤن إل أن يشاء ال إن ال
كان عليما حكيما ) [ النسان ( ،] 30 :وما تشاؤن إل أن يشاء ال رب العالمين) [ التكوير ]29 :وقال في المشيئة
الثانية( :كل إنه تذكرة ،فمن شاء ذكره ،وما يذكرون إل أن يشاء ال ) [ المدثر ،]56-54 :وإذا كان تعليق الحلف
خلِفا ،كما
بمشيئته تعالى يمنع من انعقاد اليمين وكذلك تعليق الوعد ،فإذا قال (( :أفعل إن شاء ال )) ولم يفعل لم يكن ُم ْ
ل يكون في اليمين حانثا ،وهكذا إذا قال (( :أنت طالق إن شاء ال )) فإن طلقها بعد ذلك علمنا أن ال قد شاء الطلق
فوقع و إن لم يطلقها تبينّا أن ال لم يشأ الطلق فل تطلق ،فل فرق في هذا بين اليمين واليقاع ،فإن كل منهما إنشاء
وإلزام ُم َعلّق بالمشيئة .
قالوا :و أما الثران اللذان ذكرتموهما عن الصحابة فما أحسنهما لو ثبتا ،ولكن كيف بثبوتهما وعطية العوفي
ضعيف ،وجميع بن عبد الحميد مجهول ،وخالد بن يزيد ضعيف ؟ قال ابن عدي :أحاديثه ل يتابع عليها ،وأثر ابن
عباس ل يعلم حال إسناده حتى يقبل أو يرد .
على أن هذه الثار مُقابلة بآثار أخر ل تثبت أيضا .
آثار في مقابلة المانعين من الخذ بالستثناء
فمنها ما رواه البيهقي في سننه من حديث إسماعيل بن عياش عن حميد بن مالك عن مكحول عن معاذ بن جبل قال:
قال لي رسول ال صلى ال عليه وسلم ( :يا معاذ ،ما خلق ال شيئا على وجه الرض أبغض إليه من الطلق ،وما
خلق ال شيئا على وجه الرض أحب إليه من العتاق ،فإذا قال الرجل لمملوكه أنت حر إن شاء ال ،فهو حر ول
29
www.dorar.net الدرر
السنية
استثناء له ،وإذا قال لمرأته :أنت طالق إن شاء ال ،فله استثناؤه ول طلق عليه ) ثم ساقه من طريق محمد بن
مصفى حدثنا معاوية بن حفص عن حميد عن مالك اللخمي حدثني مكحول عن معاذ بن جبل رضى ال عنه أنه سأل
رسول ال صلى ال عليه وسلم عن رجل قال لمرأته :أنت طالق إن شاء ال ،فقال (( :له استثناؤه )) فقال رجل :يا
رسول ال وإن قال لغلمه :أنت حر إن شاء ال تعالى ؟ قال (( :يعتق لن ال يشاء العتق ،ول يشاء الطلق )) .ثم
ساق من طريق إسحاق بن أبي نجيح عن عبدالعزيز بن أبي رواد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن رسول
ال صلى ال عليه وسلم قال (( :من قال لمرأته :أنت طالق إن شاء ال ،أو لغلمه :أنت حر إن شاء ال ،أو عليه
المشي إلى بيت ال الحرام إن شاء ال ،فل شئ عليه )) ثم ساق من طريق الجارود بن يزيد عن ب ْهزِ بن حكيم عن أبيه
عن جده مرفوعا في الطلق َوحْده أنه ل يقع .
ولو كنا ممن يفرح بالباطل ككثير من المصنفين الذين يفرح أحدهم بما وجَده مؤيدا لقوله لفرحنا بهذه الثار .ولكن
ليس فيها غنية ،فإنها كلها آثار باطلة موضوعة على رسول ال صلى ال عليه وسلم .
أما الحديث الول ففيه عدة بليا ،إحداها :حميد بن مالك ،ضعفه أبو زرعة وغيره .الثانية :أن مكحول لم َي ْلقَ معاذا،
قال أبو زرعة :مكحول عن معاذ منقطع .الثالثة :أنه قد اضطرب فيه حميد هذا الضعيف؛ فمرة يقول عن مكحول عن
معاذ ،ومرة يقول عن مكحول عن خالد بن معدان عن معاذ ،وهو منقطع أيضا ،وقيل :مكحول عن مالك بن يخامر
عن معاذ ،قال البيهقي :ولم يصح .الرابعة :أن إسماعيل بن عياش ليس ممن يقبل تفرده بمثل هذا؛ ولهذا لم يذهب أحد
من الفقهاء إلى هذا الحديث ،وما حكاه أبو حامد السفرائيني عن أحمد من القول به فباطل عنه ل يصح البتة ،وكل من
حكاه عن أحمد فمستن ُدهُ حكاية أبي حامد السفرائيني أومن َتَلقّاها عنه .
وأما الثر الثاني ،فإسناده ظلمات بعضها فوق بعض حتى انتهى أمره إلى الكذاب إسحاق بن نجيح الملطي .
وأما الثر الثالث؛ فالجارود بن يزيد قد ارتقى من حَدّ الضعف إلى حد الترك .
والمقصود أن الثار من الطرفين ل ُمسْتَراح فيها .
في الرد على المانعين
فصل :وأما قولكم أنه استثناء يرفع جملة الطلق فلم يصح ،كقوله :أنت طالق ثلثا إل ثلثا ،فما أبردها من حجة؛
فإن الستثناء لم يرفع حكم الطلق بعد وقوعه ،وإنما منع من انعقاده منجزا ،بل انعقد معلقا ،كقوله (( :أنت طالق إن
شاء فلن )) فلم يشأ فلن؛ فإنها ل تطلق ،ول يقال :إن هذا الستثناء رفع جملة الطلق .
وأما قولكم (( :إنه من إنشاء حكم في محل ،فلم يرتفع بالمشيئة كالبيع والنكاح )) فأ ْبرَدُ من الحجة التي قبلها؛ فإن البيع
والنكاح ل يصح تعليقهما بالشرط ،بخلف الطلق .
وأما قولكم (( :إزالة ملك؛ فل يصح تعليقه على مشيئة ال كالبراء )) فكذلك أيضا؛ فإن البراء ل يصح تعليقه على
الشرط مطلقاً عندكم ،سواء كان الشرط مشيئة ال أو غيرها ،فلو قال (( :أبرأتك إن شاء زيد )) لم يصح ،ولو قال:
(( أنت طالق إن شاء زيد )) صح .
وأما قولكم (( :إنه تعليق على ما ل سبيل إلى العلم به )) فليس كذلك ،بل هو تعليق على ما لنا سبيل إلى علمه؛ فإنه
إذا أوقعه في المستقبل علمنا وجود الشرط قطعا وأن ال قد شاءه .
طلّق به )) فالذي شاءه ال إنما هو طلق معلق ،والطلق المنجز لم يشأه ال؛ وأما قولكم (( :إن ال قد شاءه بتكلم ال ُم َ
إذ لو شاءه لوقع ول بد ،فما شاءه ال ل يوجب وقوع الطلق في الحال ،وما يوجب وقوعه في الحال لم يشأه ال .
وأما قولكم (( :إن ال تعالى وضع ليقاع الطلق هذه اللفظةَ شرعا وقدرا )) ف َنعَمْ وضع تعالى المنجز ليقاع المنجز،
علّق به . والمعلق لوقوعه عند وقوع ما ُ
وأما قولكم (( :لو لم يشأ الطلق لم يأذن للمكلف في التكلم به )) فنعم شاء المعلق وأذِنَ فيه ،والكلم في غيره .
وقولكم :إن هذا نظير قوله وهو متلبس بالفعل :أنا أفعل إن شاء ال ،فهذا فصل النزاع في المسألة ،فإذا أراد بقوله:
صدَر مني )) لزمه الطلق قطعاً لوجود الشرط ،وليس كلمنا فيه ،وإنما (( أنت طالق إن شاء ال هذا التطليق الذي َ
طلَق ولم يكن له نية ،فل ينبغي النزاع في القسم الول ،ول كلمنا فيما إذا أراد (( :إن شاء اللله طلقاً مستقبلً )) أو أ ْ
يظن أن واحداً من الئمة ينازع فيه؛ فإنه تعليق على شرط مستقبل ممكن فل يجوز إلغاؤه ،كما لو صرح به فقال:
(( إن شاء ال أن أطلقك غداً فأنت طالق )) إل أن يستروح إلى ذلك المسلك الوخيم أنه علق الطلق بالمستحيل فلغا
30
www.dorar.net الدرر
السنية
طَلقُ كلمه على مقتضى الشرط لغة وعرفا، التعليق كمشيئة الحجر والميت .وأما إذا أطلق ولم يكن له نية فيحمل ُم ْ
وهو اقتضاؤه للوقوع في المستقبل .
وأما استدللكم بقول يوسف لبيه وإخوته ( :ادخلوا مصر إن شاء ال آمنين ) [ يوسف ] 99 :فل حجة فيه؛ فإن
الستثناء إن عاد إلى المر المطلوب َدوَامه واستمراره فظاهر ،وإن عاد إلى الدخول المقيد به فمن أين لكم أنه قال لهم
هذه المقالة حال الدخول أو بعده ؟ ولعله إنما قالها عند َتَلقّيه لهم ،ويكون دخولهم عليه في منزل اللقاء فقال لهم حينئذ:
( ادخلوا مصر إن شاء ال آمنين ) فهذا محتمل .وإن كان إنما قال لهم ذلك بعد دخولهم عليه في دار مملكته فالمعنى
ادخلوها دخولَ استيطانٍ و استقرار آمنين إن شاء ال .
وأما قولكم إنه لو أتى بالشهادتين ثم قال :إن شاء ال أو قال :أنا مسلم إن شاء ال صح إسلمه في الحال ،فنعم إذاً !
فإن السلم ل يقبل التعليق بالشرط ،فإذا علقه بالشرط تنجز ،كما لو علق الردة بالشرط فإنها تنجز ،وأما الطلق فإنه
يصح تعليقه بالشرط .
وأما قولكم :إنه من المعلوم قطعاً أن ال قد شاء تكلمه بالطلق ،فقوله بعد ذلك إن شاء ال تحقيق لما علم أن ال قد
شاءه ،فقد تقدم جوابه ،وهو أن ال إنما شاء الطلق المعلق ،فمن أين لكم أنه شاء المنجز ؟ ولم تذكروا عليه دليلً .
عظَم الفرق بينهماوقولكم :إنه بمنزلة قوله :أنت طالق إن كان ال أذن في الطلق أو أباحه ،ول فرق بينهما ،فما أ ْ
وأبينه حقيقة ولغة ،وذلك ظاهر عن تكلف بيانه؛ فإن بيان الواضحات نوع من العي ،بل نظير ذلك أن يقول أنت طالق
إن كان ال قد شاء تلفظي بهذا اللفظ؛ فهذا يقع قطعا .
وأما قولكم (( :إن الكفارة أقوى من الستثناء؛ لنها ترفع حكم اليمين ،والستثناء يمنع عقدها ،وإذا لم تدخل الكفارة
في الطلق والعتاق فالستثناء أولى )) فما أوَ َهنَها من شبهة ،وهي عند التحقيق ل شيء ،فإن الطلق والعتاق إذا وقعا
لم تؤثر فيهما الكفارة شيئا ،ول يمكن حلهما بالكفارة ،بخلف اليمان فإن حلها بالكفارة ممكن ،وهذا تشريع شرعه
شارع الحكام هكذا ،فل يمكن تغييره؛ فالطلق والعتاق ل يقبل الكفارة كما لم تقبلها سائر العقود كالوقف والبيع
والهبة والجارة والخلع ،فالكفارة مختصة باليمان ،وهي من أحكامها التي ل تكون لغيرها ،وأما الستثناء فيشرع في
أعم من اليمين كالوعد والوعيد والخبر عن المستقبل ،كقول النبي صلى ال عليه وسلم (( :وإنا إن شاء ال بكم لحقون
)) وقوله عن أميه بن خلف (( :بل أنا أقتله إن شاء ال )) وكذا الخبر عن الحال نحو (( :أنا مؤمن إن شاء ال )) ول
تدخل الكفارة في شئ من ذلك فليس بين الستثناء والتكفير تلزم ،بل تكون الكفارة حيث ل استثناء ،والستثناء حيث
عقْدها ،والستثناء شرع لمعنى آخر ،وهو تأكيد التوحيد وتعليق المور حلّة لليمين بعد َل كفارة ،والكفارة شرعت َت ِ
بمشيئة مَن ل يكون شئ إل بمشيئته؛ فشرع للعبد أن يفوض المر الذي عزم عليه وحلف على فعله أوتركه إلى مشيئة
ال؛ ويعقد نطقه بذلك ،فهذا شئ والكفارة شئ آخر .
وأما قولكم (( :إن الستثناء إن كان رافعا فهو رافع لجملة المستثنى منه فل يرتفع )) فهذا كلم عارٍ عن التحقيق؛ فإن
خرُج بها بعضُ المذكور ويبقى بعضه حتى يلزم ما ذكرتم ،و إنما هو شرط هذا ليس باستثناء بأداة إل وأخواتها التي َي ْ
ينتفي المشروط عند انتفائه كسائر الشروط ،ثم كيف يقول هذا القائل في قوله (( :أنت طالق إن شاء زيد اليوم )) ولم
يشأ ؟ فموجب دليله أن هذا ل يصح .
فإن قيل :فلو أخرجه بأداة إل فقال (( :أنت طالق إل أن يشاء ال )) كان رفعا لجملة المستثنى منه .
قيل :هذه َم ْغلَطة ظاهرة؛ فإن الستثناء ههنا ليس إخراج جملة ما تناوله المذكور ليلزم ما ذكرت ،وإنما هو تقييد
لمطلق الكلم الول بجملة أخرى مخصصة لبعض أحوالها ،أي أنت طالق في كل حالة إل حالة واحدة ،وهي حالة ل
يشاء ال فيها الطلق ،فإذا لم يقع منه طلق بعد هذا علمنا بعدم وقوعه أن ال تعالى لم يشأ الطلق؛ إذ لو شاءه لوقع،
ثم ينتقض هذا بقوله (( :إل أن يشاء زيد )) و (( إل أن تقومي )) ونحو ذلك؛ فإن الطلق ل يقع إذا لم يشأه زيد وإذا لم
تقم ،وسمي هذا التعليق بمشيئة ال تعالى استثناء في لغة الشارع كقوله تعالى ( :إذ أقسموا ليصرمُنّها مصبحين ،ول
يستثنون ) [ ن ] 18-17 :أي :لم يقولوا إن شاء ال؛ فمن حلف فقال :إن شاء ال فقد استثنى ،فإن الستثناء استفعال
من َثنَيْتُ الشيء ،كأن المستثنى بإل قد عاد على كلمه فثَنَى آخره على أوله بإخراج ما أدخله أول في لفظه ،وهكذا
التقيد بالشرط سواء؛ فإن المتكلم به قد ثَنَى آخرَ كلمه على أوله فقيد به ما أطلقه أول ،وأما تخصيص الستثناء بإل
وأخواتها ف ُع ْرفٌ خاصٌ للنحاة.
31
www.dorar.net الدرر
السنية
وقولكم (( :إن كان شرطا ،ويراد به إن كان ال قد شاء طلقك في المستقبل فينفذ لمشيئة ال له بمشيئته لسببه وهو
الطلق المذكور ،وإن أراد به إن شاء ال أن أطلقك في المستقبل فقد علّقه بما ل سبيل إلى العلم به فيلغو التعليق ويبقى
عمْدة الموقعين ،ول ريب أنه إن أراد بقوله :أنت طالق إن كان ال قد شاء تكلمي بهذا أصل الطلق )) فهذا هو أكبر ُ
اللفظ أوشاء طلقك بهذا اللفظ طلقت ،ولكن المستثني لم ُيرِدْ هذا ،بل ول خطر على باله ،فبقي القسم الخر وهو أن
يريد :إن شاء ال وقوع الطلق عليك فيما يأتى ،فهذا تعليق صحيح معقول يمكن العلم بوجود ما علق عليه بوجود
سببه كما تقدم بيانه .
وأما قولكم (( :أنه علق الطلق بما ل يخرج عنه كائن ،فوجب نفوذه ،كما لو قال :أنت طالق إن علم ال ،أو إن قدر
صحّت لبطل حكم الستثناء في اليمان لما ذكرتموه ال ،أو سمع ال ،إلى آخره )) فما أ ْبطَلها من حجة ! فإنها لو َ
طرْ هذا على باله ،وإنما أراد تفويض المر إلى خِ بعينه ،ول نفع الستثناء في موضع واحد ،ومعلوم أن المستثني لم ُي ْ
مشيئة ال وتعليقه به ،وأنه إن شاءه نفذ وإن لم يشأه لم يقع ،ولذلك كان مستثنيا ،أي وإن كنت قد التَزمْتُ اليمين أو
الطلق أو العتاق فإنما التزمه بعد مشيئة ال وتبعا لها فإن شاءه فهو تعالى ينفذه بما يحدثه من السباب .ولم ُيرِدْ
المستثني إن كان ل مشيئة أو علم أو سمع أو بصر فأنت طالق ،ولم يخطر ذلك بباله البتة .
يوضحه أن هذا مما ل يقبل التعليق ،ولسيما بأداة إن التي للجائز الوجود والعدم ،ولو شك في هذا لكان ضال،
بخلف المشيئة الخاصة ،فإنها يمكن أن تتعلق بالطلق و أن ل تتعلق به ،وهو شاك فيها كما يشك العبد فيما يمكن أن
ط ِر الحالفين والمستثنين ،وحذف مفعول المشيئة يفعله ال به وأن ل يفعله هل شاءه أم ل ؟ فهذا هو المعقول الذي في ِف َ
لم يكن لما ذكرتم ،وهو عدم إرادة مفعول معين ،بل للعلم به ودللة الكلم عليه وتعين إرادته ،إذ المعنى إن شاء ال
طل َقكِ فأنت طالق ،كما لو قال (( :وال لسافرن إن شاء ال )) أي إن شاء ال سفري ،وليس مراده إن كان ل صفة
هي المشيئة؛ فالذي قدرتموه من المشيئة المطلقة هو الذي لم يخطر ببال الحالف والمطلق ،وإنما الذي لم يخطر بباله
سواه هو المشيئة المعينة الخاصة .
وقولكم (( :إن المستثنى لو سئل عما أراد لم يفصح بالمشيئة الخاصة ،بل تكلم بلفظ الستثناء بناء على ما اعتاده
الناس من التكلم بهذا اللفظ )) كلمٌغير سديد ،فإنه لو صح لما نفع الستثناء في يمين قط ،ولهذا نقول :إن قصد
التحقيق والتأكيد بذكر المشيئة ينجز الطلق ،ولم يكن ذلك استثناء .
وأما قولكم (( :إن الستثناء بابه اليمان )) إن أردتم به اختصاص اليمان به فلم تذكروا على ذلك دليلً ،وقوله:
صلى ال عليه وسلم ( من حلف فقال :إن شاء ال فقد استثنى ) وفي لفظ آخر ( :من حلف فقال :إن شاء ال فهو
بالخيار؛ فإن شاء فعل ،وإن شاء لم يفعل ) فحديث حسن ،ولكن ل يوجب اختصاص الستثناء بالمشيئة باليمين ،وقد
قال ال تعالى ( :ول َتقُولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إل أن يشاء ال ) [ الكهف ] 24-23 :وهذا ليس بيمين ،ويشرع
الستثناء في الوعد والوعيد والخبر عن المستقبل ،كقوله :غدا أفعل إن شاء ال ،وقد عتب ال على رسوله صلى ال
عليه وسلم حيث قال لمن سأله من أهل الكتاب عن أشياء (( :غَداً أخبركم )) ولم يقل إن شاء ال ،فاحتبس الوحي عنه
شهرا ،ثم نزل عليه ( :ول تقولن لشئ إنى فاعل ذلك غدا إل أن يشاء ال ،واذكر ربك إذا نسيت ) [ الكهف -23 :
] 24أي إذا نسيت ذلك الستثناء عقيب كلمك فاذكره به إذا ذكرت ،هذا معنى الية ،وهو الذي أراده ابن عباس
بصحة الستثناء المتراخي ،ولم يقل ابن عباس قط ول مَنْ هو دونه إن الرجل إذا قال لمرأته (( :أنت طالق )) أو
لعبده (( :أنت حر )) ثم قال بعد سنة (( :إن شاء ال )) إنها ل تطلق ول يعتق العبد ،و أخطأ من نقل ذلك عن ابن
عباس ،أو عن أحد من أهل العلم البتة ،ولم يفهموا مراد ابن عباس ،والمقصود أن الستثناء ل يختص باليمين ل
شرعا ول عرفا ول لغة ،وإن أردتم بكون بابه اليمان كثر َتهُ فيها؛ فهذا ل ينفي دخوله في غيرها .
وقولكم (( :إنه ل يدخل في الخبارات ول في النشاءات ،فل يقال :قام زيد إن شاء ال ،ول قم إن شاء ال [ ول بعت
إن شاء ال ] فكذا ل يدخل في قوله :أنت طالق إن شاء ال )) فليس هذا بتمثيل صحيح ،والفرق بين البابين أن المور
الماضية قد علم أنها وقعت بمشيئة ال ،والشرط إنما يؤثر في الستقبال ،فل يصح أن يقول :قمت أمس إن شاء ال؛
فلو أراد الخبار عن وقوعها بمشيئة ال أتى بغير صيغة الشرط ،فيقول فعلت كذا بمشيئة ال وعونه وتأييده ،ونحو
ذلك ،بخلف قوله :غداً أفعل إن شاء ال ،وأما قوله (( :قم إن شاء ال )) و (( ل تقم إن شاء ال )) فل فائدة في هذا
الكلم ،إذ قد علم أنه ل يفعل إل بمشيئة ال ،فأي معنى لقوله :إن شاء ال لك القيام فقم ،وإن لم يشأه فل تقم ؟ نعم لو
32
www.dorar.net الدرر
السنية
خرَجه مخرج الطلب تأكيدا ،أي :تقوم إن شاء ال ،صح ذلك ،كما إذا قال :مُتْ على أراد بقوله :قم أو ل تقم الخ َبرَ وأ ْ
السلم إن شاء ال ،ول تمت إل على توبة إن شاء ال ،ونحو ذلك ،وكذا إن أراد بقوله(( :قم إن شاء ال )) ردّ
المشيئة إلى معنى خبري ،أي :ول تقوم إل أن يشاء ال؛ فهذا صحيح مستقيم لفظا ومعنى ،وأما (( :بعت إن شاء ال،
واشتريت إن شاء ال )) فإن أراد به التحقيق صح وانعقد العقد ،و إن أراد به التعليق لم يكن المذكور إنشاء ،وتنافي
النشاء والتعليق؛ إذ زمن النشاء يقارنُ وجودَ معناه ،و زمن وقوع المعلق يتأخر عن التعليق ،فتنافَيَا .
وأما قولكم (( :إن هذا الطلق المعلق على المشيئة إما أن يريد طلقا ماضيا أو مقارنا أومستقبل .إلى آخره ))
فجوابه ما قد تقدم مرارا أنه إن أراد به المشيئة إلى هذا اللفظ المذكور ،وأن ال إن كان قد شاءه فأنت طالق طلقت،
ول ريب أن المستث ِنيَ لم ُيرِدْ هذا ،وإنما أراد أل يقع الطلق ،فرده إلى مشيئة ال ،وأن ال إن شاءه بعد هذا وقع ،فكأنه
قال :ل أريد طلقك ول أرَبَ لي فيه إل أن يشاء ال ذلك فينفذ رضيت أم سخطت ،كما قال نبي ال شعيب عليه
السلم ( :وما يكون لنا أن نعود فيها إل أن يشاء ال ربنا ) [ العراف ] 89 :أي نحن ل نعود في ملتكم ،ول نختار
ذلك ،إل أن يشاء ال ربنا شيئا فينفذ ما شاءه ،وكذلك قال إبراهيم ( :ول أخاف ما تشركون به ،إل أن يشاء ربي شيئا،
وسع ربي كل شئ علما) [ النعام ] 80 :أي ل يقع بي َمخُوف من جهة آلهتكم أبدا ،إل أن يشاء ربي شيئا فينفذ ما
شاءه ،فرد النبياء ما أخبروا أل يكون إلى مشيئة الرب تعالى وإلى علمه استدراكا واستثناء ،أي :ل يكون ذلك أبدا،
ولكن إن شاءه ال تعالى كان ،فإنه تعالى عالم بما ل نعلمه نحن من المور التي تقتضيها حكمته وحده .
التحقيق في مسألة الستثناء بالمشيئة
فصل :فالتحقيق في المسألة أن المستث ِنيَ إما أن َيقْصِدَ بقوله (( :إن شاء ال )) التحقيق أو التعليق؛ فإن قصد به
التحقيقَ والتأكيد وقع الطلق ،وإن قصد به التعليق وعدم الوقوع في الحال لم تطلق ،هذا هو الصواب في المسألة،
وهو اختيار شيخنا وغيره من الصحاب ،وقال أبو عبد ال بن حمدان في رعايته قلت :إن قصد التأكيد والتبرك وقع،
وإن قصد التعليق وجهل استحالة العلم بالمشيئة فل ،وهذا قول آخر غير القوال الربعة المحكية في المسألة ،وهو أنه
إنما ينفعه الستثناء إذا قصد التعليق وكان جاهل باستحالة العلم بمشيئة ال تعالى ،فلو علم استحالة العلم بمشيئته تعالى
لم ينعقد الستثناء ،والفرق بين علمه بالستحالة وجهله بها أنه إذا جهل استحالة العلم بالمشيئة فقد علق الطلق بما هو
ممكن في ظنه فيصح تعليقه ،وإذا لم يجهل استحالة العلم بالمشيئة فقد علقه على محال يعلم استحالته فل يصح التعليق،
وهذا أحد القوال في تعليقه بالمحال .
قلت :وقولهم (( :إن العلم بمشيئة الرب محال )) خطأ محض ،فإن مشيئة الرب ُت ْعلَم بوقوع السباب التي تقتضى
مسبباتها؛ فإن مشيئة المسبب مشيئة لحكمه ،فإذا أوقع عليها بعد ذلك طلقا علمنا أن ال قد شاء طلقها.
فهذا تقرير الحتجاج من الجانبين ،ول يخفى ما تضمنه من ُرجْحَان أحد القولين ،وال أعلم .
في اشتراط نية الستثناء
فصل :وقد قدمنا اختلف الفقهاء في اشتراط نية الستثناء وزمنها ،وأن أضيق القوال قول من يشترط النية من أول
الكلم ،و أوسع منه قول من يشترطها قبل فراغه ،و أوسع منه قول من يجوز إنشاءها بعد الفراغ من الكلم ،كما
يقوله أصحاب أحمد وغيرهم ،و أوسع منه قول من يجوزه بالقرب ،ول يشترط اتصاله بالكلم ،كما نص عليه أحمد
في رواية المروزي فقال :حديث ابن عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ( :وال لغزون قريشا ،وال لغزون
قريشا ) ثم سكت ثم قال ( :إن شاء ال ) إذ هو استثناء بالقرب ،ولم يخلط كلمه بغيره ،وقال إسماعيل بن سعيد
الشالنجي :سألت أحمد بن حنبل عن الستثناء في اليمين ،فقال من استثنى بعد اليمين فهو جائز ،على مثل فعل النبي
صلى ال عليه وسلم إذ قال ( وال لغزون قريشا ) ثم سكت ثم قال ( :إن شاء ال ) ولم يبطل ذلك ،قال :ول أقول فيه
سعُ من ذلك قول من قال :ينفعه بقول هؤلء ،يعنى من لم َيرَ ذلك إل متصل ،هذا لفظ الشالنجي في مسائله ،و أوْ َ
الستثناء ،ويصح ما دام في المجلس ،نص عليه المام أحمد في إحدى الروايات عنه ،وهو قول الوزاعي كما
سنذكره ،و أوسع منه من وجه قول من ل يشترط النية بحال ،كما صرح به أصحاب أبي حنيفة ،وقال صاحب
الذخيرة في كتاب الطلق في الفصل السادس عشر منه :ولو قال لها (( :أنت طالق إن شاء ال )) ول يدري أي شيء
شاء ال ل يقع الطلق؛ لن الطلق مع الستثناء ليس بإيقاع ،فعلمه وجهله يكون سواء ،ولو قال لها (( :أنت طالق ))
صدُه إيقاع الطلق ل يقع الطلق؛ لن الستثناء قد وجد فجرى على لسانه من غير قَصْد (( إن شاء ال )) وكان قَ ْ
33
www.dorar.net الدرر
السنية
حقيقة ،والكلم مع الستثناء ل يكون إيقاعا .وقال الجوزجاني في مترجمه :حدثني صفوان حدثنا عمر قال :سئل
الوزاعي رحمه ال عن رجل حلف :وال لفعلن كذا وكذا ،ثم سكت ساعة ل يتكلم ول يحدث نفسه بالستثناء ،فيقول
له إنسان إلى جانبه :قل :إن شاء ال ،فقال :إن شاء ال ،أيك ّفرُ عن يمينه ؟ فقال أراه قد استثنى .
وبهذا السناد عن الوزاعي أنه سُئل عن رجل وَصَله قريبه بدراهم فقال :وال ل آخذها ،فقال قريبه :وال لتأخذنها،
فلما سمعه قال (( :وال لتأخذنها )) استثنى في نفسه فقال :إن شاء ال ،وليس بين قوله :وال ل آخذها وبين قوله :إن
شاء ال كلم إل انتظاره ما يقول قريبه ،أيكفر عن يمينه إن هو أخذها ؟ فقال :لم يحنث؛ لنه قد استثنى .
ول ريب أن هذا أ ْفقَهُ وأصح من قول من اشترط نيته مع الشروع في اليمين؛ فإن هذا القول موافق للسنة الصحيحة
ِفعْلً عن النبي صلى ال عليه وسلم وحكا َيةً عن أخيه سليمان أنه لو قال (( :إن شاء ال )) بعد ما حلف وذكّره الملك
كان نافعا له ،و موافقا للقياس ومصالح العباد ومقتضى الحنيفية السمحة ،ولو اعتبر ما ذكر من اشتراط النية في أول
الكلم والتصال الشديد لزالت رخصة الستثناء ،وقلّ من انتفع بها إل من قد درس على هذا القول وجعله منه على
بال .
وقد ضيق بعض المالكية في ذلك فقال :ل يكون الستثناء نافعا إل وقد أراده صاحبه قبل أن يتمم اليمين كما قال
بعض الشافعية ،وقال ابن المواز :شرط نفعه أن يكون مقارنا ولو لخر حرف من حروف اليمين ،ولم يشترط مالك
شيئا من ذلك ،بل قال في موطئه وهذا لفظ روايته :قال عبد ال بن يوسف :أحسن ما سمعت في الثنيا في اليمين أنها
لصاحبها ما لم يقطع كلمه ،وما كان نَسَقاً يتبع بعضه بعضا قبل أن يسكت ،فإذا سكت وقطع كلمه فل ثنيا له ،انتهى
ولم أر عن أحد من الئمة قط اشتراطَ النية مع الشروع ول قبل الفراغ ،وإنما هذا من تصرف التباع .
هل يشترط في الستثناء النطق به
فصل :وهل من شرط الستثناء أن يتكلم به ،أو ينفع إذا كان في قلبه وإن لم يتلفظ به ؟ فالمشهور من مذاهب الفقهاء
أنه ل ينفعه حتى يتلفظ به ،ونص عليه أحمد فقال في رواية ابن منصور :ل يجوز له أن يستثني في نفسه حتى يتكلم
به ،وقد قال أصحاب أحمد وغيرهم؛ لو قال (( نسائي طوالق )) واستثنى بقلبه (( إل فلنة )) صح استثناؤه ،ولم
تطلق ،ولو قال (( :نسائي الربع طوالق )) واستثنى بقلبه إل فلنة لم ينفعه ،وفرقوا بينهما بأن الول ليس نصا في
الربع ،فجاز تخصيصه بالنية ،بخلف الثاني ،ويلزمهم على هذا الفرق أن يصح تقييده بالشرط بالنية؛ لن غايته أنه
تقييد مطلق ،فعمل النية فيه أولى من عملها في تخصيص العام ،لن العام متناول للفراد وضعا ،والمطلق ل يتناول
جميع الحوال بالوضع ،فتقييده بالنية أولى من تخصيص العام بالنية ،وقد قال صاحب المغني وغيره :إذا قال (( :أنت
طالق )) ونوى بقلبه من غير نطق إن دخلت الدار أوبعد شهر أنه يُ َديّن فيما بينه وبين ال تعالى ،وهل يقبل في
الحكم ؟ على روايتين ،وقد قال المام أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم فيمن حلف ل يدخل الدار وقال (( :نويت
شهرا )) قُبل منه ،أو قال (( :إذا دخلت دار فلن فأنت طالق )) ونوى تلك الساعة ،أو ذلك اليوم قبلت نيته ،قال:
والرواية الخرى ل تقبل؛ فإنه قال :إذا قال لمرأته(( :أنت طالق )) ونوى في نفسه إلى سنة تطلق ،ليس ينظر إلى
نيته ،وقال :إذا قال (( :أنت طالق )) وقال :نويت إن دخلت الدار ،ل يصدق ،قال الشيخ :ويمكن أن يجمع بين هاتين
الروايتين بأن يحمل قوله في القبول على أنه يُ َديّنُ ،وقوله في عدم القبول على الحكم؛ فل يكون بينهما اختلف ،قال:
والفرق بين هذه الصورة والتي قبلها ـ يعنى مسألة :نسائي طوالق و أراد بعضهن ـ أن إرادة الخاص بالعام شائع كثير،
وإرادة الشرط من غير ذكره غير شائع ،وهو قريب من الستثناء .ويمكن أن يقال :هذه كلمة من جملة التخصيص،
انتهى كلمه ،وقد تضمن أن الحالف إذا أراد الشرط دُيّنَ وقُبل في الحكم في إحدى الروايتين ،ول يفرق فقيه ول
محصل بين الشرط بمشيئة ال حيث يصح وينفع وبين غيره من الشروط ،وقد قال المام أحمد في رواية حرب إن
كان مظلوما فاستثنى في نفسه رجوتُ أنه يجوز إذا خاف على نفسه ،ولم ينص على خلف هذا في المظلوم ،وإنما
أطلق القول ،وخاصّ كلمه ومقيده يقضي على ُمطْلقه وعامه؛ فهذا مذهبه .
هل يشترط في الستثناء أن يسمع نفسه
فصل :وهل يشترط أن يسمع نفسه أويكفي تحرك لسانه بالستثناء و إن كان بحيث ل يسمعه ؟ فاشترط أصحاب
أحمد وغيرهم أنه ل بد وأن يكون بحيث يسمعه هو أو غيره ،ول دليل على هذا من لغة ول عرف ول شرع ،وليس
في المسألة إجماع ،قال أصحاب أبي حنيفة ،واللفظ لصاحب الذخيرة :وشرط الستثناء أن يتكلم بالحروف ،سواء كان
34
www.dorar.net الدرر
السنية
مسموعا أولم يكن عند الشيخ أبي الحسن الكرخي .وكان الفقيه أبو جعفر يقول :ل بد وأن يسمع نفسه ،وبه كان يفتي
الشيخ أبو بكر محمد بن الفضل ،وكان شيخ السلم ابن تيمية يميل إلى هذا القول ،وبال التوفيق .وهذا بعض ما
يتعلق بمخرج الستثناء ،ولعلك ل تظفر به في غير هذا الكتاب .
أن يفعل المحلوف عليه ذاهلً أو ناسياً أو مخطئاً
فصل :المخرج الخامس :أن يفعل المحلوف عليه ذاهل ،أو ناسيا ،أو مخطئا ،أوجاهل ،أو مكرها ،أومتأول ،أو
معتقدا أنه ل يحنث به تقليدا لمن أفتاه بذلك ،أومغلوبا على عقله ،أو ظنا منه أن امرأته طلقت فيفعل المحلوف عليه
بناء على أن المرأة أجنبية فل يؤثر فعل المحلوف عليه في طلقها شيئا.
فمثال الذهول أن يحلف أنه ل يفعل شيئا هو مُعتاد لفعله فيغلب عليه الذهول والغفلة فيفعله .
الفرق بين الذاهل والناسي
والفرق بين هذا وبين الناسي أن الناسي يكون قد غاب عنه اليمين بالكلية فيفعل المحلوف عليه ذاكرا له عامدا لفعله،
ثم يتذكر أنه كان قد حلف على تركه ،وأما الغافل والذاهل فليس بناس ليمينه ،ولكنه َلهَا عنها أو ذهل كما يذهل الرجل
عن الشيء في يده أو حجره بحديث أو نظر إلى شيء أو نحوه كما قال تعالى ( :وأما من جاءك يسعى وهو يخشى
شيَ يغشى إذا غفل ،ولها به َي ْلهُو ،إذا لعب؛ وفي فأنت عنه َتَلهّى ) [ عبس ]10-9-8 :يقال لهى عن الشئ َي ْلهَى كغَ ِ
الحديث (( :فلها رسول ال صلى ال عليه وسلم بشيء كان في يديه )) أي اشتغل به ،ومنه الحديث الخر (( :إذا
استأثر ال بشيء فَا ْلهَ عنه )) وسئل الحسن عما َيجِدُه الرجل من البلل بعد الوضوء والستنجاء ،فقال (( :ا ْلهَ عنه ))
وكان ابن الزبير إذا سمع صوت الرعد لها عن حديثه ،وقال عمر رضى ال عنه لرجل بعثه بمال إلى أبي عبيده ثم
قال للرسول (( تَلهّ عنه ثم انظر ماذا يصنع به )) ومنه قول كعب بن زهير:
وقال كل صديق كنت آمله * ل ألهينّك إني عنك مشغول
أي ل أشغلك عن شأنك وأمرك ،وفي المسند (( :سألت ربي أن ل يعذب اللهين من أمتي )) وهم ال ُب ْلهُ الغافلون الذين
لم يتعمدوا الذنوب ،وقيل هم الطفال الذين لم يقترفوا ذنبا .
الناسي ضربان
فصل :وأما الناسي فهو ضربان :ناس لليمين ،وناس للمحلوف عليه فالول ظاهر ،والثاني كما إذا حلف على شيء
و َفعَله وهو ذاكر ليمينه ،لكن نسي أن هذا هو المحلوف عليه بعينه ،وهذا كما لو حلف ل يأكل طعام كذا وكذا ،فنسيه،
ثم أكله وهو ذاكر ليمينه ،ثم ذكر أن هذا هو الذي حلف عليه ،فهذا إذا كان يعتقد أنه غير المحلوف عليه ثم بان أنه هو
فهو خطأ ،فإن لم يخطر بباله كونهُ المحلوف عليه ول غيره فهو نسيان .
الفرق بين الجاهل بالمحلوف عليه والمخطئ
و الفرق بين الجاهل بالمحلوف عليه والمخطئ أن الجاهل قصد الفعل ولم يظنه المحلوف عليه ،والمخطئ لم يقصده
كما لو رمى طائرًا فأصاب إنسانا.
نوى المكره ومن المتأول
والمكره نوعان؛ أحدهما :له فعل اختياري لكن محمول عليه ،والثانيُ :ملْجأ ل فعل له ،بل هو آلة محضة .
والمتأول كمن يحلف أنه ل يكلم زيدا وكاتبه يعتقد أن مكاتبته ليست تكليما ،وكمن حلف أنه ل يشرب خمرا فشرب
نبيذا مختلفا فيه متأول ،وكمن حلف ليرابي فباع بالعِينة ،أو ل يطأ فرجا حراما فوطئ في نكاح تحليل مختلف فيه
ونحو ذلك .
درجات التأويل
والتأويل ثلث درجات :قريب ،و بعيد ،و متوسط ،ول تنحصر أفراده والمعتقد أنه ل يحنث بفعله تقليدا سواء كان
المفتي مصيبا أو مخطئا كمن قال لمرأته :إن خرجت من بيتي فأنت طالق ،أو الطلق يلزمني ل تخرجين من بيتي،
فأفتاه ُمفْتٍ بأن هذه اليمين ل يلزم بها الطلق بناء على أن الطلق المعلق لغو كما يقوله بعض أصحاب الشافعي كأبي
عبد الرحمن الشافعي وبعض أهل الظاهر كما صرح به صاحب المحلى ،فقال :والطلق بالصفة عندنا كالطلق
باليمين كل ذلك ل يلزم .
35
www.dorar.net الدرر
السنية
المغلوب على عقله
والمغلوب على عقله كمن يفعل المحلوف عليه في حال سكر أو جنون أو زَوَال عقل بشرب دواء أو بنج أو غضب
شديد ونحو ذلك .
والذي يظن أن امرأته طلقت فيفعل المحلوف عليه بناء على أنه ل يؤثر في الحنث ،كما إذا قال :إن كلمتِ فلنا فأنت
طالق ثلثا ،ثم قال :إن فعلتُ كذا فامرأتي طالق ثلثا ،فقيل له :إن امرأتك قد كلمت فلنا ،فاعتقد صدق القائل وأنها قد
بانت منه ،ففعل المحلوف عليه بناء على أن العصمة قد انقطعت ،ثم بان له أن المخبر كاذب .
وكذلك لو قيل له :قد كلَمتْ فلنا ،فقال :طلقت منى ثلثا ،ثم بان له أنها لم تكلمه ،ومثل ذلك لو قيل له :إن امرأتك قد
مسكت تشرب الخمر مع فلن ،فقال :هي طالق ثلثا ،ثم ظهركذب المخبر وأن ذلك لم يكن منه شيء .
فاختلف الفقهاء في ذلك اختلفا ل ينضبط .
أقوال من أفتى بعدم الحنث
فنذكر أقوال من أفتى بعدم الحنث في ذلك؛ إذ هو الصواب بل ريب ،وعليه تدل الدلة الشرعية ألفاظها وأقيستها
واعتبارها ،وهو مقتضى قواعد الشريعة؛ فإن البر والحنث في اليمين نظير الطاعة والمعصية في المر و النهي ،وإن
َفعَلَ المكلف ذلك في أمر الشارع ونهيه لم يكن عاصيا ،فأولى في باب اليمين أن ل يكون حانثا .
ويوضحه أنه إنما عقد يمينه على فعل ما يملكه ،والنسيان والجهل والخطأ والكراه غير داخل تحت قدرته ،فما فعله
في تلك الحوال لم يتناوله يمينه ،ولم يقصد منع نفسه منه .
يوضحه أن ال تعالى قد رفع المؤاخذة عن المخطئ و الناسي والمكره ،فإلزامه بالحنث أعظم مؤاخذة لما تجاوز ال
عن المؤاخذة به ،كما أنه تعالى لما تجاوز للمة عما حدثت به أنفسها لم تتعلق به المؤاخذة في الحكام .
عفْو ل يكون به ُمطِيعا ول عاصيا يوضحه أن فعل الناسي والمخطئ بمنزلة فعل النائم في عدم التكليف به ،ولهذا هو َ
.
يوضحه أن ال تعالى إنما رتب الحكام على اللفاظ لدللتها على قصد المتكلم بها وإرادته ،فإذا تيقنا أنه قصد كلمها
ولم يقصد معانيها ولم يقصد مخالفة ما التزمه ول الحنث فإن الشارع ل يلزمه بما لم يقصده ،بل قد رفع المؤاخذة عنه
بما لم يقصده من ذلك .
يوضحه أن اللفظ دليل على القصد ،فاعتبر لدللته عليه ،فإذا علمنا يقينا خلف المدلول لم يجز أن نجعله دليلً على
ما تيقنا خلفه ،وقد رفع ال المؤاخذة عن قتل المسلم المعصوم بيده مباشرة إذا لم يقصد قتله بل قتله خطأ ،ولم يلزمه
شيئا من ديته ،بل حملها غيره ،فكيف يؤاخذه بالخطأ والنسيان في باب اليمان ؟ هذا من الممتنع على الشارع .
وقد رفع النبي صلى ال عليه وسلم المؤاخذة عمن أكل وشرب في نهار رمضان ناسيا لصومه ،مع أن أكله وشربه
فعل ل يمكن تداركه ،فكيف يؤاخذه بفعل المحلوف عليه ناسيا ويطلق عليه امرأته ويخرب بيته ويشتت شمله وشمل
أولده وأهله وقد عفا له عن الكل والشرب في نهار الصوم ناسيا ؟ وقد عفا عمن أكل أوشرب في نهار الصوم عمدا
غير ناس لما تأول الخيط البيض والخيط السود بالحبلين المعروفين ،فجعل يأكل حتى تبينا له وقد طلع النهار ،وعفا
له عن ذلك ،ولم يأمره بالقضاء ،لتأويله ،فما بالُ الحالف المتأول ل يعفى له عن الحنث بل يخرب بيته ويفرق بينه
وبين حبيبته ويشتت شمله كل مشتت ؟ وقد عفا عن المتكلم في صلته عمدا ،ولم يأمره بالعادة لما كان جاهل
بالتحريم لم يتعمد مخالفة حكمه ،فألغى كلمه ،ولم يجعله مبطل للصلة ،فكيف ل يقتدي به ويلغي قول الجاهل وفعله
في باب اليمان ول يحنثه كما لم يؤثمه الشارع ؟ وإذا كان قد عفا عمن قدم شيئا أو أخره من أعمال المناسك من
الحلق والرمي والنحر نسيانا أوجهل فلم يؤاخذه بترك ترتيبها نسيانا ،فكيف يحنث من قدم ما حلف على تأخيره أو
أخر ما حلف على تقديمه ناسيا أو جاهل ؟ وإذا كان قد عفا عمن حمل القذر في الصلة ناسيا أوجاهل به ،فكيف
يؤاخذ الحالف ويحنث به ؟ وكيف تكون أوامر الرب تعالى ونواهيه دون ما التزمه الحالف بالطلق والعتاق ؟ وكيف
يحنث من لم يتعمد الحنث ؟ وهل هذا إل بمنزلة تأثيمه من لم يتعمد الثم وتكفيره من لم يتعمد الكفر ؟ وكيف يطلق أو
يعتق على من لم يتعمد الطلق والعتاق ولم يطلق على الهازل إل لتعمده فإنه تعمد الهزل ولم ُي ِر ْد حكمه ،وذلك ليس
إليه بل إلى الشارع ،فليس الهازل معذورا ،بخلف الجاهل والمخطئ والناسي .
36
www.dorar.net الدرر
السنية
وبالجملة فقواعد الشريعة وأصولها تقتضي أل يحنث الحالف في جميع ما ذكرنا ول يطرد على القياس ويسلم من
التناقض إل هذا القول .
وأما تحنيثه في جميع ذلك فإن صاحبه وإن سلم من التناقض لكن قوله مخالف لصول الشريعة وقواعدها وأدلتها .
من حنث في بعض ذلك دون بعض وروايات المام أحمد
ومن حنث في بعض ذلك دون بعض تناقَضَ ولم يطرد له قول ،ولم يسلم له دليل عن المعارضة .
وقد اختلفت الرواية عن المام أحمد في ذلك؛ ففيه ثلث روايات ،إحداها :أنه ل يحنث في شئ من اليمان بالنسيان
ول الجهل بفعل المحلوف عليه مع النسيان سواء كانت مع اليمان المكفرة أو غيرها ،وعلى هذه الرواية فيمينه باقيه
لم تنحل بفعل المحلوف عليه مع النسيان والجهل؛ لن اليمين كما لم يتناول حالة الجهل والنسيان بالنسبة إلى الحنث لم
يتناولها بالنسبة إلى البر ،إذا لو كان فاعل للمحلوف عليه بالنسبة إلى البر لكان فاعل له بالنسبة إلى الحنث .وهذه
الرواية اختيار شيخ السلم وغيره ،وهي أصح قولي الشافعي اختاره جماعة من أصحابه ،والثانية :يحنث في
الجميع ،وهي مذهب أبي حنيفة ومالك والثالثة :يحنث في اليمين التي ل تكفر كالطلق والعتاق ،ول يحنث في اليمين
المكفرة ،وهي اختيار القاضي وأصحابه .
تخريج مذاهب المحنثين مطلقاً والذين فرقوا
والذين حَنثوه مطلقاً نظروا إلى صورة الفعل ،وقالوا :قد وجدت المخالفة .والذين فرقوا قالوا :الحلف بالطلق والعتاق
من باب التعليق على الشرط ،فإذا وجد الشرط وجد المشروط ،سواء كان مختارا لوجوده أولم يكن .كما لو قال (( إن
قدم زيد فأنت طالق )) ففعل المحلوف عليه في حال جنونه ،فهل هو كالنائم فل يحنث أو كالناسي فيجري فيه
الخلف ؟ على وجهين في مذهب المام أحمد والشافعي ،و أصحهما أنه كالنائم لنه غير مكلف .ولو حلف على مَن
يقصد منعه كعبده وزوجته وولده وأجيره ففعل المحلوف عليه ناسيا أوجاهل فهو كما لو حلف على فعل نفسه ففعله
ناسيا أو جاهل ،هو على الروايات الثلث ،وكذلك هو على القولين في مذهب الشافعي ،فإن منعه لمن يمتنع بيمينه
كمنعه لنفسه؛ فلو حلف ل يسلم على زيد فسلم على جماعة هو فيهم ولم يعلم فإن لم ُنحَنث الناسي فهذا أولى بعدم
الحنث لنه لم يقصده ،والناسي قد قصد التسليم عليه ،وإن حنثنا الناسي هل يحنث هذا ؟ على روايتين ،إحداهما :يحنث
لنه بمنزلة الناسي؛ إذ هو جاهل بكونه معهم ،والثانية :ـ وهي أصح ـ أنه ل يحنث ،قاله أبو البركات وغيره ،وهذا
يدل على أن الجاهل أعذر من الناسي و أولى بعدم الحنث .وصرح به أصحاب الشافعي في اليمان ،و لكن تناقضوا
كلهم في جعل الناسي في الصوم أولى بالعذر من الجاهل ،ففطروا الجاهل دون الناسي ،وسَوّى شيخنا بينهما ،وقال
الجاهل أولى بعدم الفطر من الناسي ،فسلم من التناقض .وقد سووا بين الجاهل والناسي فيمن حمل النجاسة في
الصلة ناسيا أوجاهل ولم يعلم حتى فرغ منها ،فجعلوا الروايتين والقولين في الصورتين سواء ،وقد سوى ال تعالى
بين المخطئ والناسي في عدم المؤاخذة ،وسَوّى بينهم النبي صلى ال عليه وسلم في قوله ( :إن ال تجاوز لي عن
أمتي الخطأ والنسيان ) فالصواب التسوية بينهما .
حكم فاعل المحلوف عليه مكرهاً
فصل :وأما إذا فعل المحلوف عليه ُم ْكرَها فعن أحمد روايتان منصوصتان ،إحداهما :يحنث في الجميع ،والثانية :ل
يحنث في الجميع ،وهما قولن للشافعي وخرج أبو البركات رواية ثالثة أنه يحنث باليمين بالطلق والعتاق دون
جزَ ما حلف غيرهما من اليمان من نصه على الفرق في صورة الجاهل والناسي ،فإن ألجئ أو حمل أو فتح فمه و أو ِ
أنه ل يشربه فإن لم يقدر على المتناع لم يحنث ،وإن قدر على المتناع فوجهان ،وإذا لم يحنث فاستدام ما ألجئ عليه
كما لو ألجئ إلى دخول دار حلف أنه ل يدخلها ،فهل يحنث ؟ فيه وجهان ،ولو حلف على غيره ممن يقصد منعه على
ترك فعل ففعله مكرها أو ملجأ فهو على هذا الخلف سواء .
حكم المتأول في أيمانه
فصل :أما المتأول فالصواب أنه ل يحنث كما لم يأثم في المر و النهي ،وقد صرح به الصحاب فيما لو حلف أنه ل
يفارق غريمه حتى يقبض حقه فأحاله به ففارقه يظن أن ذلك قبض ،وأنه بر في يمينه ،فحكوا فيه الروايات الثلث،
طرْدُ هذا كل متأول ظن أنه ل يحنث بما فعله؛ فإن غايته أن يكون جاهل بالحنث . وَ
37
www.dorar.net الدرر
السنية
حكم الجاهل والمقلد
وفي الجاهل الروايات الثلث .
وإذا ثبت هذا في حق المتأول فكذلك في حق المقلد أولى ،فإذا حلف بالطلق أل يكلم فلنا أول يدخل داره فأفتاه ُمفْتٍ
بعدم وقوع الطلق في هذه اليمين ،اعتقادا لقول علي بن أبي طالب كرم ال وجهه وطاوس وشريح ،أو اعتقادا لقول
ل أصحاب مالك ـ أنه إذا أبي حنيفة وال َقفّال في صيغة اللتزام دون صيغة الشرط ،أو اعتقادا لقول أشهب ـ وهو أج ّ
علق الطلق بفعل الزوجة أنه لم يحنث بفعلها ،أو اعتقادا لقول أبي عبد الرحمن الشافعي أجل أصحاب الشافعي إن
الطلق المعلق ل يصح كما ل يصح النكاح والبيع والوقف المعلق ،وهو مذهب جماعة من أهل الظاهر ،لم يحنث في
ذلك كله ،ولم يقع الطلق ،ولو فرض فساد هذه القوال كلها فإنه إنما فعل المحلوف عليه متأول مقلدا ظانا أنه ل
يحنث به ،فهو أولى بعدم الحنث من الجاهل والناسي ،وغاية ما يقال في الجاهل :إنه مفرط حيث لم َيسْ َتقْصِ ولم يسأل
غير من أفتاه ،وهذا بعينه يقال في الجاهل إنه مفرط حيث لم يبحث ولم يسأل عن المحلوف عليه ،فلو صح هذا الفرق
لبطل عذر الجاهل البتة ،فكيف والمتأول مطيع ل مأجور إما أجرا واحدا أو أجرين ؟ والنبي صلى ال عليه وسلم لم
يؤاخذ خالدا في تأويله حين قتل بني جذيمة بعد إسلمهم ،ولم يؤاخذ أسامة حين قتل من قال :ل إله إل ال لجل
التأويل ،ولم يؤاخذ من أكل نهارا في الصوم عمدا لجل التأويل ،ولم يؤاخذ أصحابه حين قتلوا من سلم عليهم وأخذوا
غنيمته لجل التأويل ،ولم يؤاخذ المستحاضة بتركها الصوم والصلة لجل التأويل ولم يؤاخذ عمر رضى ال عنه
حين ترك الصلة لما أجْنَبَ في السفر ولم يجد ماء ،ولم يؤاخذ من تمعك في التراب كتمعك الدابة وصلى لجل
التأويل ،وهذا أكثر من أن يستقصى .و أجمع أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم على أن كل مال أو دم أصيب
بتأويل القران فهو َهدَر في قتالهم في الفتنة ،قال الزهري :وقعت الفتنة وأصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم كلهم
متوافرون ،فأجمعوا على أن كل مال أو دم أصيب بتأويل القرآن فهو هدر ،أنزلوهم منزلة الجاهلية ،ولم يؤاخذ النبي
صلى ال عليه وسلم عمر بن الخطاب رضى ال عنه حين َرمَى حاطِبَ بن أبي بلتعة المؤمن البدري بالنقاق لجل
التأويل ،ولم يؤاخذ أسيد بن حضير بقوله لسعد سيد الخزرج (( :إنك منافق تجادل عن المنافقين )) لجل التأويل ،ولم
يؤاخذ من قال عن مالك بن الدخشم (( :ذلك المنافق نرى وجهه وحديثه إلى المنافقين )) لجل التأويل ،ولم يؤاخذ
عمر بن الخطاب رضى ال عنه حين ضرب صدر أبي هريرة حتى وقع على الرض وقد ذهب للتبليغ عن رسول ال
صلى ال عليه وسلم بأمره فمنعه عمر وضربه وقال (( :ارجع )) وأقره رسول ال صلى ال عليه وسلم على فعله،
ولم يؤاخذه لجل التأويل.
وكما رفع مؤاخذة التأثيم في هذه المور وغيرها رفع مؤاخذة الضمان في الموال والقضاء في العبادات ،فل يحل
لحد أن يفرق بين رجل وامرأته لمر يخالف مذهبه وقوله الذي قلد فيه بغير حجة ،فإذا كان الرجل قد تأول و َقلّد من
أفتاه بعدم الحنث فل يحل له أن يحكم عليه بأنه حانث في حكم ال ورسوله ولم يتعمد الحنث ،بل هذه ِفرْيَة على ال
ورسوله وعلى الحالف ،وإذا وصل الهوى إلى هذا الحد فصاحبه تحت الدرك ،وله مقام وأي مقام بين يدي ال يوم ل
ينفعه شيخه ول مذهبه ومن قلده ،وال المستعان .
و إذا قال الرجل لمرأته (( :أنت طالق ثلثا لجل كلمك لزيد وخروجك من بيتي )) فبان أنها لم تكلمه ولم تخرج
من بيته لم تطلق ،صرح به الصحاب قال ابن أبى موسى في الرشاد :فإن قال (( :أنت طالق أنْ دخلت الدار ))
بنصب اللف ،والحالف من أهل اللسان ،فإن كان تقدم لها دخول إلى تلك الدار قَبْل اليمين طلقت في الحال؛ لن ذلك
للماضي من الفعل دون المستقبل ،وإن كانت لم تدخلها قبل اليمين بحال لم تطلق ،وإن دخلت الدار بعد اليمين إذا كان
الحالف قَصَد بيمينه الفعل الماضي دون المستقبل ،لن معنى ذلك إن كنت دخلت الدار فأنت طالق ،وإن كان الحالف
جاهل باللسان وإنما أراد باليمين الدخول المستقبل فمتى دخلت الدار بعد اليمين طلقت بما حلف به قول واحدا ،وإن
كان تقدم لها دخول الدار قبل اليمين فهل يحنث بالدخول الماضي أم ل ؟ على وجهين أصحهما ل يحنث .
والمقصود أنه إذا علل الطلق بعلة ثم تبين انتفاؤها فمذهب أحمد أنه ل يقع بها الطلق ،وعند شيخنا ل يشترط ذكر
التعليل بلفظه ،ول فرق عنده بين أن يطلقها لعلة مذكورة في اللفظ أوغير مذكورة ،فإذا تبين انتفاؤها لم يقع الطلق،
وهذا هو الذي ل يليق بالمذهب غيره ،ول تقتضي قواعد الئمة غيره ،فإذا قيل له :امرأتك قد شربت مع فلن أو باتت
شهَدُوا علي أنها طالق ثلثا ،ثم علم أنها كانت تلك الليلة في بيتها قائمة تصلي فإن هذا الطلق ل يقع بهعنده ،فقال :ا ْ
38
www.dorar.net الدرر
السنية
قطعا ،وليس بين هذا وبين قوله (( :إن كان المر كذلك فهي طالق ثلثا )) فرق البتة ،ل عند الحالف ول في العرف
ول في الشرع ،فإيقاع الطلق بهذا وهم محض؛ إذ يقطع بأنه لم يرد طلق من ليست كذلك ،وإنما أراد طلق مَنْ
فعلت ذلك ،وقد أفتى جماعة من الفقهاء من أصحاب المام أحمد والشافعي ـ منهم الغزالي والقفال وغيرهما ـ الرجل
يمر على ال َمكّاس برقيق فيطالبه بمكسهم فيقول (( :هم أحرار )) ليتخلص من ظلمه ،ول غرض له في عتقهم ،أنهم ل
يعتقون ،وبهذا أفتينا نحن تجار اليمن لما قدموا منها و َمرّوا على المكاسين فقالوا لهم ذلك ،وقد صرح به أصحاب
الشافعي في باب الكتابة بما إذا دفع إليه العِوضَ فقال (( :اذهبْ فأنت حر )) بناء على أنه قد سلم له العوض فظهر
العوض مستحقا ورجع به عليه صاحبه أنه ل يعتق وهذا هو الفقه بعينه .وصرحوا أن الرجل لو علق طلق امرأته
بشرط فظن أن الشرط قد وقع فقال (( :اذهبي فأنت طالق )) وهو يظن أن الطلق قد وقع بوجود الشرط فبان أن
الشرط لم يوجد لم يقع الطلق ،ونص على ذلك شيخنا قدس ال روحه ،ومن هذا القبيل ما لو قال (( :حلفت بطلق
امرأتي ثلثا أل أفعل كذا )) وكان كاذبا ثم فعله لم يحنث ولم تطلق عليه امرأته ،قال الشيخ في المغني :إذا قال :حلفت
حَلفَ فقال المام أحمد :هي كذبة ليس عليه يمين ،وعنه عليه الكفارة؛ لنه أقر على نفسه ،والول هو ولم يكن َ
المذهب لنه حكم فيما بينه وبين ال تعالى ،فإنه كذب في الخبر به كما لو قال (( :ما صليت )) وقد صلى .
قلت :قال أبو بكر عبد العزيز :باب القول في إخبار النسان بالطلق واليمين كاذبا ،قال في رواية الميموني :إذا قال:
(( حلفت بيمين )) ولم يكن حلفه فعليه كفارة يمين ،فإن قال (( :قد حلفت بالطلق )) ولم يكن حلف بها يلزمه الطلق،
ويرجع إلى نيته في الواحدة والثلث ،وقال في رواية محمد بن الحكم في الرجل يقول :قد حلفت ولم يكن حلف فهى
كذبة ليس عليه يمين ،فاختلف أصحابنا على ثلث طرق ،إحداها :أن المسألة على روايتين ،والثانية :ـ وهي طريقة
أبي بكر ـ قال عقيب حكاية الروايتين :قال عبد العزيز في الطلق :يلزمه وفيما ل يكون من اليمان ل يلزمه،
والطريقة الثالثة :أنه حيث ألزمه أراد به في الحكم ،وحيث لم يلزمه بقي فيما بينه وبين ال ،وهذه الطريقة أفقه وأطرد
على أصول مذهبه ،وال أعلم .
46
www.dorar.net الدرر
السنية
خلع اليمين
فصل :المخرج الحادي عشر :خلع اليمين عند من يجوزه كأصحاب الشافعي وغيرهم ،وهذا وإن كان غير جائز
على قول أهل المدينة وقول المام أحمد وأصحابه كلهم فإذا دَعَتِ الحاجة إليه أو إلى التحليل كان أولى من التحليل من
وجوه عديدة :أحدها :أن ال تعالى شرع الخلع رفعا لمفسدة المشاقة الواقعةبين الزوجين ،وتخلص كل منهما من
صاحبه؛ فإذا شرع الخلع َر ْفعَا لهذه المفسدة التي هي بالنسبة إلى مفسدة التحليل ك َت ْفلَة في بحر فتسويغه لدفع مفسدة
التحليل أولى يوضحه الوجه الثانى :أن الحيل المحرّمة إنما منع منها لما تتضمنه من الفساد الذى اشتملت عليه تلك
المحرمات التى يتحيل عليها بهذه الحيل ،و أما حيلة ترفع َمفْسَدة هي من أعظم المفاسد فإن الشارع ل يحرمها
يوضحه الوجه الثالث :أن هذه الحيلة تتضمن مصلحة بقاء النكاح المطلوب للشارع بقاؤه ،ودفع مفسدة التحليل التي
بالغ الشارع كل المبالغة في دفعه والمنع منه ولعن أصحابه ،فحيلة تحصل المصلحة المطلوب إيجادها وتدفع المفسدة
المطلوب إعدامها ل يكون ممنوعا منها .
الوجه الرابع :أن ما حرمه الشارع فإنما حَرّمه لما يتضمنه من المفسدة الخالصة أو الراجحة ،فإذا كانت مصلحة
خالصة أو راجحة لم يحرمه البتة ،وهذا الخلع مصلحته أرجح من مفسدته .
الوجه الخامس :أن غاية ما في [هذا ] الخلع اتفاق الزوجين ورضاهما بفسخ النكاح بغير شقاق واقع بينهما ،و إذا وقع
شعَثِ النكاح
الخلع من غير شقاق صح ،وكان غايته الكراهية؛ لما فيه من مفسدة المفارقة ،وهذا الخلع أريد له لمّ َ
بحصول عقدٍ بعده يتمكن الزوجان فيه من المعاشرة بالمعروف ،وبدونه ل يتمكنان من ذلك ،بل إما خراب البيت و
فراق الهل ،و إما التعرض للعنة مَنْ ل يقوم للعنته شيء ،و إما التزام ما حلف عليه وإن كان فيه فساد دنياه و أخراه
كما إذا حلف ليقتلَنّ ولده اليوم ،أو ليشربنّ هذا الخمر ،أو ليطأنّ هذا الفرج الحرام ،أو حلف أنه ل يأكل ول يشرب
سقْف ول يعطي فلنا حقه ،ونحو ذلك ،فإذا دار المر بين مفسدة التزام المحلوف عليه أو مفسدة الطلق وليستظل ب َ
وخراب البيت وشَتَات الشمل أو مفسدة التزام لعنة ال بارتكاب التحليل وبين ارتكاب الخلع المخلص من ذلك جميعه لم
َيخْف على العاقل أي ذلك أولى .
الوجه السادس :أنهما لو اتفقا على أن يطلقها من غير شقاق بينهما ،بل ليأخذ غيرها ،لم يمنع من ذلك ،فإذا اتفقا على
الخلع ليكون سببا إلى دوام اتصالهما كان أولى و أحرى يوضحه الوجه السابع :أن الخلع إن قيل (( :إنه طلق )) فقد
اتفقا على الطلق بعوض لمصلحة لهما في ذلك ،فما الذي يحرمه ؟ وإن قيل (( :إنه فسخ )) فل ريب أن النكاح من
العقود اللزمة ،والعقد اللزم إذا اتفق المتعاقدان على فسخه و رفعه لم يمنعا من ذلك ،إل أن يكون العقد حقا ل،
والنكاح محض حقهما ،فل يمنعان من التفاق على فسخه .
الوجه الثامن :أن الية اقتضت جواز الخلع إذا خاف الزوجان أل يقيما حدود ال ،فكان الخلع طريقا إلى تمكنهما من
إقامة حدود ال ،وهي حقوقه الواجبة عليهما في النكاح ،فإذا كان الخلع مع استقامة الحال طريقا إلى تمكنهما من إقامة
حدوده التي تعطل ول بد بدون الخلع تعين الخلع حينئذ طريقا إلى إقامتها .
فإن قيل :ل يتعين الخلع طريقا ،بل ههنا طريقان آخران :أحدهما :مفارقتهما ،والثاني :عدم إلزام الطلق بالحِنْثِ إذا
أخرجه مخرج اليمين إما بكفارة أو بدونها ،كما هي ثلثة أقوال للسلف معروفة صرح بها أبو محمد ابن حزم وغيره .
قيلَ :نعَمْ هذان طريقان ،ولكن إذا أحكم سدهما غاية الحكام ،ولم يمكنه سلوك أحدهما ،وأيهما سلك ترتب عليه غاية
الضرر في دينه ودنياه لم يحرم عليه ـ والحالة هذه ـ سلوك طريق الخلع ،وتعين في حقه طريقان إما طريق الخلع،
وإما سلوك طريق أرباب اللعنة .
وهذه المواضيع و أمثالها ل تحتملها إل العقول الواسعة التي لها إشراف على أسرار الشريعة ومقاصدها وحكمها،
وأما عقل ل يَتّسع لغير تقليد من اتفق له تقليده وترك جميع أقوال أهل العلم لقوله فليس الكلم معه.
الوجه التاسع أن غاية ما منع المانعون من صحة هذا الخلع أنه حيلة ،والحيل باطلة؛ ومنازعوهم ينازعونهم في كلتا
المقدمتين ،فيقولون العتبار في العقود بصورها دون نياتها ومقاصدها ،فليس لنا أن نسأل الزوج إذا أراد خلع امرأته
جرِي حكم التخالع على ما أردت بالخلع ؟ وما السبب الذي حملك عليه ؟ هل هو المشاقة أو التخلص من اليمين ؟ بل ُن ْ
ظاهره ،و َنكِلُ سرائر الزوجين إلى ال ،قالوا :ولو ظهر لنا قصد الحيلة فالشأن في المقدمة الثانية ،فليس كل حيلة
باطلة محرمة ،وهل هذا الفصل الطويل الذي نحن فيه إل في أقسام الحيل ؟
47
www.dorar.net الدرر
السنية
الحيلة المحرمة
والحيلة المحرمة الباطلة هي التي تتضمن تحليل ما حرمه ال أو تحريم ما أحله ال أو إسقاط ما أوجبه ،وأما حيلة
تتضمن الخلص من الصار والغلل والتخلص من لعنة الكبير المتعال فأهلً بها من حيلة وبأمثالها ( وال يعلم
المفسد من المصلح ) [ البقرة ] 220 :والمقصود تنفيذ أمر ال ورسوله بحسب المكان وال المستعان .
الوجه العاشر
الوجه العاشر :أنه ليس القول ببطلن خلع اليمين أولى من القول بلزوم الطلق للحالف به غير القاصد له ،فهلم
نحاكمكم إلى كتاب ال وسنة رسوله و أقوال الصحابة رضى ال عنهم و قواعد الشريعة المطهرة ،وإذا وقع التحاكم
تبين أن القول بعدم لزوم الطلق للحالف به أقوى أدلة وأصح أصول وأطرد قياسا و أوفق لقواعد الشرع ،وأنتم
معترفون بهذا شئتم أم أبيتم ،فإذا ساغ لكم العدول عنه إلى القول المتناقض المخالف للقياس ولما أفتى به الصحابة ولما
تقتضيه [ قواعد ] الشريعة وأصولها فلن يسوغ لنا العدول عن قولكم ببطلن خلع اليمين إلى ضده تحصيل لمصلحة
الزوجين ول ّماً لشعث النكاح وتعطيل لمفسدة التحليل وتخلصا لمرأين مسلمين من لعنة ال ورسوله أولى وأحرى،
وال أعلم .
الحلف بالطلق من اليمان المكفرة
فصل :المخرج الثاني عشر :أخذه بقول من يقول :الحلف بالطلق من اليمان الشرعية التي تدخلها الكفارة ،وهذا أحد
القوال في المسألة ،حكاه أبو محمد ابن حزم في كتاب ( مراتب الجماع ) له ،فقال :واختلفوا فيمن حلف بشئ غير
أسماء ال أو ب َنحْر ولده أو َهدْيه أو أجنبي أو بالمصحف أو بالقرآن أو بنذر أخرجه مخرج اليمين أو بأنه مُخَالف لدين
المسلمين أو بطلق أو بظهار أو تحريم شيء من ماله ،ثم ذكر صورا أخرى ،ثم قال :فاختلفوا في جميع هذه المور،
أفيها كفارة أم ل ؟ ثم قال :واختلفوا في اليمين بالطلق ،أهو طلق فيلزم ،أو هو يمين فل يلزم ؟ حكى في كونه طلقا
فيلزم أو يمينا ل يلزم طلقاً قولين وحكى قبل ذلك هل فيه كفارة أم ل على قولين ،واختار هو أل يلزم ،و ل كفارة
فيه ،وهذا اختيار شيخنا أبي محمد بن تيمية أخي شيخ السلم .
رأي ابن تيمية
قال شيخ السلم :والقول بأنه يمين مكفرة هو مقتضى المنقول عن الصحابة في الحلف بالعتق ،بل بطريق الولى؛
فإنهم إذا أفتوا من قال (( :إن لم أفعل كذا فكل مملوك لي حر )) بأنه يمين تكفر فالحالف بالطلق أولى ،قال :وقد علق
القول به أبو ثور ،فقال :إن لم تجمع المة على لزومه فهو يمين تكفر ،وقد تبين أن المة لم تجمع على لزومه ،وحكاه
شرُفت نفوسهم فارتفعت عن حَضِيض التقليد المحض إلى سمَتْ هممهم و َ
شيخ السلم عن جماعة من العلماء الذين َ
أوْج النظر والستدلل ،ولم يكن مع خصومه ما يردون به عليه أقوى من الشكاية إلى السلطان ،فلم يكن له بردّ هذه
الحجة ِقبَلٌ ،وأما ما سواها فبيّنَ فساد جميع حججهم ،ونقضها أبلغ نقض ،وصنف في المسألة ما بين مطول ومتوسط
ومختصر ما يقارب ألفي ورقة ،وبلغت الوجوه التي استدل بها عليها من الكتاب والسنة و أقوال الصحابة والقياس
وقواعد إمامه خاصة وغيره من الئمة زُهَاء أربعين دليلً ،وصار إلى ربه وهو ُمقِيم عليها ،داع إليها ،مُبَاهل
عرْضه و أوقاته لمستفتيه؛ فكان يفتي في الساعة الواحدة فيها بقلمه ولسانه أكثر من أربعين لمنازعيه ،باذل نفسَه و ِ
فُتْيا؛ أثر فتاوى شيخ السلم في عصره.
فعطلت لفتاواه مصانع التحليل ،وهدمت صوامه وبيعه ،و َكسَدت سوقه ،وتقشعت سحائب اللعنة عن المحللين والمحلل
لهم من المطلقين ،وقامت سوق الستدلل بالكتاب والسنة والثار السلفية ،وانتشرت مذاهب الصحابة والتابعين
وغيرهم من أئمة السلم للطالبين ،وخرج من حَبْس تقليد المذهب المعين به مَنْ كرمت عليه نفسه من المستبصرين .
مقاومة المقلدين لهم
فقامت قيامة أعدائه وحساده و َمنْ ل يتجاوز ذكر أكثرهم باب داره أو محلته ،و َهجّنوا ما ذهب إليه بحسب المستجيبين
لهم غاية التهجين ،فمن استخفوه من الطّغام وأشباه النعام قالوا :هذا قد رفع الطلق بين المسلمين ،وكثر أولد الزنا
في العالمين ،ومن صادفوا عنده مسكة عقل ولُبّ قالوا :هذا قد أبطل الطلق المعلق بالشرط ،وقالوا :لمن تعلقوا به من
الملوك والولة هذا قد حل بيعة السلطان من أعناق الحالفين ،ونسوا أنهم هم الذين حلوها بخلع اليمين ،وأما هو فصرح
48
www.dorar.net الدرر
السنية
في كتبه أن أيمان الحالفين ل تغير شرائع الدين ،فل يحل لمسلم حل بيعة السلطان بفتوى أحد من المفتين ،ومن أفتى
بذلك كان من الكاذبين المفترين على شريعة أحكم الحاكمين .
محنة ابن تيمية كمحنة السلف
وَل َعمْر ال لقد ُمنِي من هذا بما مُنِى به من سَلفَ من الئمة المرضيين ،فما أشبه الليلة بالبارحة للناظرين ،فهذا مالك
ضرْبه بأن قالوا للسلطان :إنه يحل عليك أيمان البيعة ب َفتْواه أن يمين المكره ل تنعقد ،وهم بن أنس توصل أعداؤه إلى َ
يحلفون مكرهين غير طائعين ،فمنعه السلطان ،فلم يمتنع لما أخذه ال من الميثاق على مَنْ آتاه ال علماً أن يبينه
للمسترشدين ،ثم تله على أثره محمد بن إدريس الشافعي فوشى به أعداؤه إلى الرشيد أنه يحل أيمان البَيْعة بفتواه أن
اليمين بالطلق قبل النكاح ل تنعقد ،ول تطلق إن تزوجها الحالف ،وكانوا يحلفونهم في جملة اليمان (( وإن كل امرأة
أتزوجها فهي طالق )) ،وتلهما على آثارهما شيخ السلم فقال حُسّاده هذا ينقض عليكم أيمان البيعة ،فما فتّ ذلك في
عَضد أئمة السلم ،ول ثنى عزمانهم في ال وهممهم ،ول صدهم ذلك عما أوجب ال عليهم اعتقاده و العمل به من
الحق الذي أداهم إليه اجتهادهم ،بل مضوا لسبيلهم ،وصارت أقوالهم أعلما يهتدي بها المهتدون ،تحقيقا لقوله تعالى:
(وجعلناهم منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) .
إفتاء الصحابة و التابعين بهذا
فصل :ومن له اطّلَع وخبرة وعناية بأقوال العلماء يعلم أنه لم يزل في السلم من عصر الصحابة مَنْ يفتي في هذه
المسألة بعدم اللزوم وإلى الن .
فأما الصحابة فقد ذكرنا فتاواهم في الحلف بالعتق بعدم اللزوم ،وأن الطلق أولى منه ،وذكرنا فتوى علي بن أبي
طالب كرم ال وجهه بعدم لزوم اليمين بالطلق ،وأنه ل مخالف له من الصحابة .
غ َزرِ أصحاب وأما التابعون فذكرنا فتوى طاوس بأصح إسناد عنه ،وهو من أجل التابعين ،وأفتى عكرمة وهو من أ ْ
ابن عباس علما على ما أفتى به طاوس سواء ،قال سنيد بن داود في تفسيره المشهور في قوله تعالى ( :يا أيها الذين
آمنوا ل تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ) [ النور ] 21 :حدثنا
إسماعيل بن إبراهيم عن سليمان التيمي عن أبي مجلز في قوله تعالى ( :يا أيها الذين آمنوا ل تتبعوا خطوات
الشيطان ،ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ) [ النور ] 21:قال :النذور في المعاصي ،حدثنا
عباد بن عباد المهلبي عن عاصم الحول عن عكرمة في رجل قال لغلمه (( :إن لم أجلدك مائة سوط فامرأته
طالق )) قال :ل يجلد غلمه ول تطلق امرأته ،هذا من خطوات الشيطان .
رأي الئمة بعد التابعين
وأما من بعد التابعين فقد حكى المعتنون بمذاهب العلماء كأبي محمد بن حزم وغيره ثلثة أقوال في ذلك للعلماء،
وأهل الظاهر لم يزالوا متوافرين على عدم لزوم الطلق للحالف به ،ولم يزل منهم الئمة والفقهاء والمصنفون
والمقلدون لهم ،وعندنا بأسانيد صحيحة ل َمطْعن فيها عن جماعة من أهل العلم الذين هم أهله في عصرنا وقَبْله أنهم
كانوا يفتون بها أحيانا ،فأخبرني صاحبنا الصادق محمد بن شهوان قال أخبرني شيخنا الذي قرأت عليه القرآن ـ وكان
من أصدق الناس ـ الشيخ محمد بن المحلى قال :أخبرني شيخنا المام خطيب جامع دمشق عز الدين الفاروقي قال:
كان والدي يرى هذه المسألة ،ويفتي بها ببغداد .
رأي أهل المغرب
وأما أهل المغرب فتواتَر عمن يعتني بالحديث ومذاهب السلف منهم أنه كان يفتي بها ،و أوذِيَ بعضهم على ذلك
وضرب ،وقد ذكرنا فتوى ال َقفّال في قوله (( :الطلق يلزمني )) أنه ل يقع به طلق وإن نواه ،وذكرنا فتاوى أصحاب
أبي حنيفة في ذلك ،وحكايتهم إياه عن المام نصا ،وذكرنا فتوى أشهب من المالكية فيمن قال لمرأته (( :إن خرجت
من داري أو كلمت فلنا ـ ونحو ذلك ـ فأنت طالق )) ففعلَتْ لم تطلق ،ول يختلف عالمان متحلّيان بالنصاف أن
اختيارات شيخ السلم ل تتقاصر عن اختيارات ابن عقيل وأبي الخطاب بل وشيخهما أبي يعلى ،فإذا كانت اختيارات
هؤلء وأمثالهم وجوهاً يفتى بها في السلم ويحكم بها الحاكم فلختيارات شيخ السلم أسوة بها إن لم ترجَحْ عليها،
وال المستعان وعليه التكلن .
49
www.dorar.net الدرر
السنية
جواز الفتوى بالثار السلفية
فصل :في جواز الفتوى بالثار السلفية ،والفتاوي الصحابية ،وأنها أولى بالخذبها من آراء المتأخرين وفتاويهم ،و
أن قربها إلى الصواب بحسب قرب أهلها من عصر الرسول صلوات ال وسلمه عليه وعلى آله ،و أن فتاوي
الصحابة أولى أن يؤخذ بها من فتاوي التابعين ،وفتاوي التابعين أولى من فتاوي تابعي التابعين ،وهلم جرا وكما كان
العهد بالرسول أقرب كان الصواب أغلب ،وهذا حكم بحسب الجنس ل بحسب كل فرد فرد من المسائل ،كما أن عصر
التابعين وإن كان أفضل من عصر تابعيهم فإنما هو بحسب الجنس ل بحسب كل شخص شخص ،ولكن ال ُمفَضّلونَ في
العصر المتقدم أكثر من المفضلين في العصر المتأخر ،وهكذا الصواب في أقوالهم أكثر من الصواب في أقوال من
بعدهم؛ فإن التفاوت بين علوم المتقدمين والمتأخرين كالتفاوت الذي بينهم في الفضل والدين ،ولعله ل يسع المفتي
والحاكم عند ال أن يفتي ويحكم بقول فلن وفلن من المتأخرين من مقلدي الئمة ويأخذ برأيه وترجيحه ويترك
الفتوى والحكم بقول البخاري وإسحاق بن راهويه وعلي بن المديني ومحمد بن نصر المروزي وأمثالهم ،بل يترك
قول ابن المبارك والوزاعي وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وأمثالهم ،بل ل يلتفت
إلى قول ابن أبي ذئب والزهري والليث بن سعد وأمثالهم ،بل ل يعد قول سعيد بن المسيب والحسن والقاسم وسالم
وعطاء وطاوس وجابر بن زيد وشريح وأبي وائل وجعفر بن محمد و أضرابهم مما يسوغ الخذ به ،بل يرى تقديم
قول المتأخرين من أتباع من قلده على فتوى أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود و [ أبي بن كعب ]
وأبي الدرداء وزيد بن ثابت وعبد ال بن عباس وعبد ال بن عمر وعبد ال بن الزبير وعبادة بن الصامت وأبي
سوّى بين أقوال أولئك وفتاويهم وأقوال هؤلء موسى الشعري وأضرابهم ،فل يدري ما عذره غداً عند ال إذا َ
وفتاويهم ،فكيف إذا رجحها عليها ؟ فكيف إذا عيّنَ الخذ بها حكما وإفتاء ،ومنع الخذ بقول الصحابة ،واستجاز
عقوبة من خالف المتأخرين لها ،وشهد عليه بالبدعة والضللة ومخالفة أهل العلم وأنه يكيد السلم ؟ تال لقد أخذ
سلّتْ )) وسمي ورثة الرسول باسمه هو ،وكساهم أثوابه ،ورماهم بدائه ،وكثير بالمثل المشهورَ (( :رمَتْني بدائها وانْ َ
من هؤلء يصرخ ويصيح ويقول ويعلن أنه يجب على المة كلهم الخذ بقول من قلدناه ديننا ،ول يجوز الخذ بقول
أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة ،وهذا كلم من أخذ به وتقلّده ولّه ال ما تولى ،ويجزيه عليه يوم
القيامة الجزاء الوْفى ،والذي نَدِينُ ال به ضدّ هذا القول ،والرد عليه ،فنقول
ترتيب الخذ بفتاوى الصحابة
إذا قال الصحابي قول فإما أن يخالفه صحابي آخر أو ل يخالفه ،فإن خالفه مثله لم يكن قول أحدهما حجة على الخر،
وإن خالفه أعلم منه كما إذا خالف الخلفاء الراشدون أو بعضهم غيرهم من الصحابة في حكم ،فهل يكون الشق الذي
فيه الخلفاء الراشدون أو بعضهم حجة على الخرين ؟ فيه قولن للعلماء ،وهما روايتان عن المام أحمد ،والصحيح
أن الشق الذي فيه الخلفاء أو بعضهم أرجح و أولى أن يؤخذ به من الشق الخر ،فإن كان الربعة في شق فل شك أنه
الصواب ،وإن كان أكثرهم في شق فالصواب فيه أغلب ،وإن كانوا اثنين واثنين فشق أبي بكر وعمر أقرب إلى
الصواب ،فإن اختلف أبو بكر وعمر فالصواب مع أبي بكر ،وهذه جملة ل يعرف تفصيلها إل من له خبرة واطلع
على ما اختلف فيه الصحابة وعلى الراجح من أقوالهم .
رجحان أقوال الصدّيق
ويكفي في ذلك معرفة رجحان قول الصديق في الجد والخوة ،وكون الطلق الثلث بفم واحد مرة واحدة وإن تلفظ
فيه بالثلث ،وجواز بيع أمهات الولد ،وإذا نظر العالم المنصف في أدلة هذه المسائل من الجانبين تبين له أن جانب
الصديق أرجح ،وقد تقدم بعض ذلك في مسألة الجد والطلق الثلث بفم واحد ،ول يحفظ للصديق خلف نص واحد
أبدا ،ول يحفظ له فتوى ول حكم مأخذها ضعيف أبدا ،وهو تحقيق لكون خلفته خلفة نبوة .
إن لم يخالف الصحابي صحابياً آخر
فصل :وإن لم يخالف الصحابي صحابيا آخر فإما أن يشتهر قوله في الصحابة أو ل يشتهر ،فإن اشتهر فالذي عليه
جماهير الطوائف من الفقهاء أنه إجماع و حجة ،وقالت طائفة منهم :هو حجة وليس بإجماع ،وقالت شرذمة من
المتكلمين وبعض الفقهاء المتأخرين :ل يكون إجماعا ول حجة ،وإن لم يشتهر قوله أو لم يعلم هل اشتهر أم ل فاختلف
الناس هل يكون حجة أم ل ؟ فالذي عليه جمهور المة أنه حجة هذا قول جمهور الحنفية ،صرح به محمد بن الحسن،
50
www.dorar.net الدرر
السنية
وذكر عن أبي حنيفة نصا ،وهو مذهب مالك وأصحابه ،وتصرفه في موطئه دليل عليه ،وهو قول إسحاق بن راهويه
وأبي عبيد ،وهو منصوص المام أحمد في غير موضع عنه واختيار جمهور أصحابه ،وهو منصوص الشافعي في
القديم و الجديد ،أما القديم فأصحابه ُمقِرون به ،و أما الجديد فكثير منهم يحكي عنه فيه أنه ليس بحجة ،وفي هذه
الحكاية عنه نظر ظاهر جدا؛ فإنه ل يحفظ له في الجديد حرف واحد أن قول الصحابي ليس بحجة ،وغاية ما يتعلق به
من نقل ذلك أنه يحكي أقوال للصحابة في الجديد ثم يخالفها ،ولو كانت عنده حجة لم يخالفها ،وهذا تعلق ضعيف جدا،
فإن مخالفة المجتهد الدليلَ المعين لما هو أقوى في نظره منه ل يدل على أنه ل يراه دليلً من حيث الجملة ،بل خالف
دليلً لدليل أرْجَح عنده منه ،وقد تعلق بعضهم بأنه َيرَاه في الجديد إذا ذكر أقوال الصحابة موافقا لها ل يعتمد عليها
وحدها كما يفعل بالنصوص ،بل يعضدها بضروب من القيسة؛ فهو تارة يذكرها ويصرح بخلفها ،وتارة يوافقها ول
يعتمد عليها بل يعضدها بدليل آخر ،وهذا أيضا تعلق أضعف من الذي قبله؛ فإن تظاهر الدلة وتعاضدها وتناصرها
من عادة أهل العلم قديما وحديثا ،ول يدل ذكرهم دليلً ثانيا وثالثا على أن ما ذكروه قبله ليس بدليل .
تصريح الشافعي بأن قول الصحابي حجة
وقد صرح الشافعي في الجديد من رواية الربيع عنه بأن قول الصحابة حجة يجب المصير إليه ،فقال :المح َدثَات من
المور ضربان :أحدهما :ما أحدث يخالف كتابا أوسنة أو إجماعا أو أثرا فهذه البدعة الضللة ،والربيع إنما أخذ عنه
بمصر ،وقد جعل مخالفة الثر الذي ليس بكتاب ول سنة ول إجماع ضللة ،وهذا فوق كونه حجة ،وقال البيهقي في
كتاب مدخل السنن له :باب ذكر أقاويل الصحابة إذا تفرقوا ،قال الشافعي :أقاويل الصحابة إذا تفرقوا فيها نصير إلى
ما وافق الكتاب والسنة أو الجماع إذا كان أصح في القياس ،وإذا قال الواحد منهم القول ل يحفظ عن غيره منهم فيه
له موافقة ول خلف صرتُ إلى اتباع قوله إذا لم أجد كتابا ول سنة ول إجماعا ول شيئا في معناه يحكم له بحكمه أو
وجد معه قياس ،قال البيقهي :وقال في كتاب اختلفه مع مالك :ما كان الكتاب والسنة موجودين فالعذر على مَنْ سمعه
مقطوع إل بإتيانه ،فإن لم يكن ذلك صرنا إلى أقاويل الصحابة أو واحد منهم ،ثم كان قول الئمة أبي بكر وعمر
وعثمان إذا صرنا إلى التقليد أحَبّ إلينا ،وذلك إذا لم نجد دللة في الختلف تدل على أقرب الختلف من الكتاب
والسنة فنتبع القول الذي معه الدللة؛ لن قول المام مشهور بأنه يلزم الناس ومَنْ لزم قوله الناس كان أشهر ممن
يفتي الرجل أو النفر وقد يأخذ بفتياه ويَدَعها ،و أكثر المفتين يفتون الخاصة في بيوتهم ومجالسهم ول يعتني العامة بما
قالوا عنايتهم بما قال المام ،وقد وجدنا الئمة ينتدبون فيسألون عن العلم من الكتاب والسنة فيما أرادوا أن يقولوا فيه
ويقولون فيخبرون بخلف قولهم ،فيقبلون من المخبر ،ول يستنكفون عن أن يرجعوا لتقواهم ال وفَضْلهم ،فإذا لم
يوجد عن الئمة فأصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم في الدين في موضع المانة أخذنا بقولهم ،وكان اتباعهم
أولى بنا من اتباع من بعدهم.
طبقات العلم عند الشافعي
قال الشافعي رضي ال عنه :والعلم طبقات ،الولى :الكتاب والسنة ،الثانية :الجماع فيما ليس كتابا ول سنة ،الثالثة:
أن يقول صحابي فل يعلم له مخالف من الصحابة ،الرابعة :اختلف الصحابة ،الخامسة :القياس ،هذا كله كلمه في
الجديد .قال البيهقي بعد أن ذكر هذا وفي الرسالة القديمة للشافعي ـ بعد ذكر الصحابة وتعظيمهم ـ قال :وهم فوقنا في
حمَدُ و أولى بنا من رأينا ،ومن أدركنا ممن نرضى كل علم واجتهاد و ورع وعقل وأمر استدرك به علم ،وآراؤهم لنا أ ْ
أو حكى لنا عنه ببلدنا صاروا فيما لم يعلموا فيه سنة إلى قولهم إن اجتمعوا أو قول بعضهم إن تفرقوا ،وكذا نقول :ولم
نخرج من أقوالهم كلهم .قال :وإذا قال الرجلن منهم في شئ قولين نظرت ،فإن كان قول أحدهما أشبه بالكتاب
والسنة أخذت به ،لن معه شيئا قويا؛ فإن لم يكن على واحد من القولين دللة بما وصفت كان قول الئمة أبي بكر
وعمر وعثمان أرجح عندنا من واحد لو خالفهم غير إمام ،قال البيهقى :وقال في موضع آخر :فإن لم يكن على القول
دللة من كتاب ول سنة كان قول أبي بكر وعمر وعثمان أحب إليّ من قول غيرهم ،فإن اختلفوا صرنا إلى القول
الذي عليه دللة ،وقلما يخلو اختلفهم من ذلك ،وإن اختلفوا بل دللة نظرنا إلى الكثر ،فإن تكافؤوا نظرنا أحسن
أقاويلهم مخرجا عندنا ،وإن وجد للمفتين في زماننا أو قبله إجماعا في شيء تبعناه ،فإذا نزلت نازلة لم نجد فيها واحدة
من هذه المور فليس إل اجتهاد الرأي ،فهذا كلم الشافعي رحمه [ال] ورضي عنه بنصه ،ونحن نشهد بال أنه لم
يرجع عنه ،بل كلمه في الجديد مطابق لهذا موافق له كما تقدم ذكر لفظه ،وقد قال في الجديد في قتل الراهب :إنه
51
www.dorar.net الدرر
السنية
القياس عنده ،ولكن أتركه لقول أبي بكر الصديق رضى ال عنه ،فقد أخبرنا أنه َت َركَ القياس الذي هو دليل عنده لقول
الصاحب ،فكيف يترك موجب الدليل لغير دليل ؟ وقال :في الضلع بعير ،قلته تقليدا لعمر ،وقال في موضع آخر :قلته
تقليدا لعثمان ،وقال في الفرائض :هذا مذهب تلقيناه عن زيد ،ول تستوحش من لفظة التقليد في كلمه ،وتظن أنها تنفي
كون قوله حجة بناء على ما تلقيته من اصطلح المتأخرين أن التقليد قبول قول الغير بغير حجة ،فهذا اصطلح
حادث ،وقد صرح الشافعي في موضع من كلمه بتقليد خبر الواحد فقال :قلت هذا تقليدا للخبر ،وأئمة السلم كلهم
على قبول قول الصحابي ،قال نعيم بن حماد :حدثنا ابن المبارك قال :سمعت أبا حنيفة يقول :إذا جاء عن النبي صلى
ال عليه وسلم فعلى الرأس والعين ،وإذا جاء عن الصحابة نختار من قولهم ،وإذا جاء عن التابعين زاحمناهم .وذهب
بعض المتأخرين من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة وأكثر المتكلمين إلى أنه ليس بحجة ،وذهب بعض الفقهاء
إلى أنه إن خالف القياس فهو حجة ،وإل فل ،قالوا :لنه إذا خالف القياس لم يكن إل عن توقيف وعلى هذا فهو حجة،
وإن خالفه صحابي آخر ،والذين قالوا (( :ليس بحجة )) قالوا :لن الصحابي مجتهد من المجتهدين يجوز عليه الخطأ
فل يجب تقليده ،ول يكون قوله حجة كسائر المجتهدين ،ولن الدلة الدالة على بطلن التقليلد تعمّ تقليد الصحابة ومن
دونهم ،ولن التابعي إذا أدرك عصر الصحابة اعتدّ بخلفه عند أكثر الناس ،فكيف يكون قول الواحد حجة عليه ؟ و
لن الدلة قد انحصرت في الكتاب والسنة والجماع والقياس والستصحاب ،وقول الصحابي ليس واحدا منها ،ولن
امتيازه بكونه أفضل وأعلم وأتقى ل يوجب وجوب اتباعه على مجتهد آخر من علماء التابعين بالنسبة إلى من بعدهم .
الدلة على وجوب اتباع الصحابة
فنقول :الكلم في مقامين :أحدهما :في الدلة الدالة على وجوب اتباع الصحابة ،الثاني :في الجواب عن شُبَه النفاة .
فأما الول :فمن وجوه ،أحدها :ما احتج به مالك ،وهو قوله تعالى ( :والسابقون الولون من المهاجرين والنصار
والذين اتبعوهم بإحسان ،رضى ال عنهم ورضوا عنه ،وأعد لهم جنات تجري تحتها النهار خالدين فيها أبدا ذلك
الفوز العظيم ) [ التوبة ] 100 :فوجه الدللة أن ال أثنى على من اتبعهم ،فإذا قالوا قولً فاتبعهم متبع عليه قبل أن
يعرف صحته فهو متبع لهم ،فيجب أن يكون محمودا على ذلك ،وأن يستحق الرضوان ،ولو كان اتباعهم تقليدا محضا
كتقليد بعض المفتين لم يستحق من اتبعهم الرضوان إل أن يكون عاميا ،فأما العلماء المجتهدون فل يجوز لهم اتباعهم
حينئذ .
اعتراض
فإن قيل :اتباعهم هو أن يقول ما قالوا بالدليل وهو سلوك سبيل الجتهاد؛ لنهم إنما قالوا بالجتهاد ،والدليل عليه
قوله ( :بإحسان ) ومن قلدهم لم يتبعهم بإحسان لنه لو كان مطلق التباع محمودا لم يفرق الشرع بين التباع بإحسان
أو بغير إحسان ،وأيضا فيجوز أن يراد به اتباعهم في أصول الدين ،وقوله ( :بإحسان ) أي بالتزام الفرائض واجتناب
المحارم ،ويكون المقصود أن السابقين قد وجب لهم الرضوان وإن أساءوا؛ لقوله صلى ال عليه وسلم ( :وما يُ ْدرِيك
أن ال قد اطّلع على أهل بدر فقال :اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) و أيضا فالثناء على من اتبعهم كلهم ،وذلك اتباعهم
فيما أجمعوا عليه ،و أيضا فالثناء على من اتبعهم ل يقتضي وجوبه ،وإنما يدل على جواز تقليدهم ،وذلك دليل على
جواز تقليد العالم كما هو مذهب طائفة من العلماء ،أو تقليد العلم كقول طائفة أخرى ،أما الدليل على وجوب اتباعهم
فليس في الية ما يقتضيه .
دفع العتراض
فالجواب من وجوه:
أحدها :أن التباع ل يستلزم الجتهاد لوجوه :أحدها :أن التباع المأمور به في القرآن كقوله ( :فاتبعوني يحببكم ال )
[ آل عمران ( ] 31 :واتبعوه لعلكم تهتدون ) [ العراف ( ]158 :ويتبع غير سبيل المؤمنين ) [ النساء ] 115 :
ونحوه ل يتوقف على الستدلل على صحة القول مع الستغناء عن القائل .
الثاني :أنه لو كان المراد اتباعهم في الستدلل والجتهاد لم يكن فرق بين السابقين وبين جميع الخلئق؛ لن اتباع
موجب الدليل يجب أن يتبع فيه كل أحد ،فمن قال قول بدليل صحيح وجب موافقته فيه .
52
www.dorar.net الدرر
السنية
الثالث :أنه إما أن تجوز مخالفتهم في قولهم بعد الستدلل أو ل تجوز ،فإن لم تجز فهو المطلوب ،وإن جازت
مخالفتهم فقد خولفوا في خصوص الحكم واتبعوا في أحسن الستدلل ،فليس جعل من فعل ذلك متبعا لموافقتهم في
الستدلل بأولى من جعله مخالفا لمخالفته في عين الحكم .
الرابع :أن من خالفهم في الحكم الذي أفتوا به ل يكون متبعا لهم أصل ،بدليل أن من خالف مجتهدا من المجتهدين في
مسألة بعد اجتهاد ل يصح أن يقال(( :اتبعه )) ،وإن أطلق ذلك فل بد من تقييده بأن يقال :اتبعه في الستدلل أو
الجتهاد .
الخامس :أن التباع افتعال من اتبع ،وكون النسان تابعا لغيره نوع افتقار إليه و َمشْي خلفه ،وكل واحد من المجتهدين
المستدلين ليس تبعا للخر ول مفتقرا إليه بمجرد ذلك حتى يستشعر موافقته والنقياد له ،ولهذا ل يصح أن يقال لمن
وافق رجل في اجتهاده أو فتواه اتفاقا إنه متبع له .
السادس :أن الية قُصد بها مدح السابقين والثناء عليهم ،وبيان استحقاقهم أن يكونوا أئمة متبوعين ،وبتقدير أل يكون
قولهم موجبا للموافقة ول مانعا من المخالفة ،بل إنما يتبع القياس مثل ،ل يكون لهم هذا المنصب ،ول يستحقون هذا
المدح والثناء .
السابع :أن من خالفهم في خصوص الحكم فلم يتبعهم في ذلك الحكم ول فيما استدلوا به على ذلك الحكم فل يكون متبعا
لهم بمجرد مشاركتهم في صفة عامة ،وهي مطلق الستدلل والجتهاد ،ول سيما و تلك الصفة العامة ل اختصاص
لها به؛ لن ما ينفي التباع أخص مما يثبته .وإذا وجد الفارق الخص والجامع العم ـ وكلهما مؤثر ـ كان التفريق
رعاية للفارق أولى من الجمع رعاية للجامع .
وأما قوله ( :بإحسان ) فليس المراد به أن يجتهدَ ،واَفقَ أو خالف؛ لنه إذا خالف لم يتبعهم فضل عن أن يكون
بإحسان ،ولن مطلق الجتهاد ليس فيه اتباع لهم ،لكن التباع لهم اسم يدخل فيه كل مَنْ وافقهم في العتقاد والقول،
فل بُد مع ذلك أن يكون المتبع محسنا بأداء الفرائض واجتناب المحارم؛ لئل يقع الغترار بمجرد الموافقة قول،
وأيضا فل بد أن يحسن المتبع لهم القول فيهم ،ول يقدح فيهم ،اشترط ال ذلك لعلمه بأن سيكون أقوام ينالون منهم .
وهذا مثل قوله تعالى بعد أن ذكر المهاجرين والنصار ( :والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولخواننا
الذين سبقونا باليمان ،ول تجعل في قلوبنا غل للذين آمنوا ) [ الحشر ] 10 :وأما تخصيص اتباعهم بأصول الدين
دون فروعه فل يصح؛ لن التباع عام ،و لن من اتبعهم في أصول الدين فقط لو كان متبعا لهم على الطلق لكنا
متبعين للمؤمنين من أهل الكتاب ،ولم يكن فرق بين اتباع السابقين من هذه المة وغيرها ،وأيضا فإنه إذا قيل (( :فلن
يتبع فلنا ،واتّبعْ فلنا ،و أنا متبع فلنا )) ولم يقيد ذلك بقرينة لفظية ول حالية فإنه يقتضى اتباعه في كل المور التي
يتأتى فيها التباع؛ لن من اتبعه في حالٍ وخالفه في أخرى لم يكن وصفه بأنه متبع أولى من وصفه بأنه مخالف،
ولن الرضوان حكم تعلق باتباعهم ،فيكون التباع سببا له؛ لن الحكم المعلق بما هو مشتق يقتضي أن ما منه
الشتقاق سبب ،وإذا كان اتباعهم سببا للرضوان اقتضى الحكم في جميع موارده ،ول اختصاص للتباع بحال دون
حال ،ولن التباع يُؤذِن بكون النسان تبعا لغيره وفرعا عليه ،وأصول الدين ليست كذلك ولن الية تضمنت الثناء
عليهم وجعلهم أئمة لمن بعدهم ،فلو لم يتناول إل اتباعهم في أصول الدين دون الشرائع لم يكونوا أئمة في ذلك لن
ذلك معلوم مع قطع النظر عن اتباعهم .
الحكام المعلقة بأسماء عامة تثبت لكل فرد
فصل :وأما قولهم (( :إن الثناء على من اتبعهم كلهم )) فنقول :الية اقتضت الثناء على من يتبع كل واحد منهم ،كما
أن قوله ( :والسابقون الولون والذين اتبعوهم ) يقتضى حصول الرضوان لكل واحد من السابقين والذين اتبعوهم في
قوله ( :رضي ال عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري ) وكذلك في قوله ( :اتبعوهم ) لنه حكم علق عليهم في
هذه الية ،فقد تناولهم مجتمعين ومنفردين ،وأيضا فإن الصل في الحكام المعلقة بأسماء عامة ثبوتها لكل فرد فرد
من تلك المسميات كقوله ( :وأقيموا الصلة ) وقوله ( :لقد رضي ال عن المؤمنين ) وقوله تعالى ( :اتقوا ال وكونوا
مع الصادقين ) [ التوبة . ] 119 :
53
www.dorar.net الدرر
السنية
الحكام المتعلقة بمجموع
وأيضا فإن الحكام المعلقة على المجموع يُؤتَى فيها باسم يتناول المجموع دون الفراد كقوله ( :وكذلك جعنلكم أمة
وسطا ) [ البقرة ] 143 :وقوله( :كنتم خير أمة أخرجت للناس ) [ آل عمران ] 110 :وقوله ( :ويتبع غير سبيل
المؤمنين ) [ النساء ]115 :فإن لفظ المة ولفظ سبيل المؤمنين ل يمكن توزيعه على أفراد المة و أفراد المؤمنين،
بخلف لفظ السابقين فإنه يتناول كل فرد من السابقين .
الية تعم اتباعهم مجتمعين ومنفردين
وأيضا فالية تعم اتباعهم مجتمعين ومنفردين في كل ممكن؛ فمن اتبع جماعتهم إذا اجتمعوا واتبع آحادهم فيما وجد
عنهم مما لم يخالفه فيه غيره منهم فقد صدق عليه أنه اتبع السابقين ،أما مَنْ خالف بعض السابقين فل يصح أن يقال:
(( اتبع السابقين )) لوجود مخالفته لبعضهم ،ل سيما إذا خالف هذا مرة وهذا مرة ،وبهذا يظهر الجواب عن اتباعهم
إذا اختلفوا؛ فإن اتباعهم هناك قول بعض تلك القوال باجتهاد واستدلل ،إذ هم مجتمعون على تسوية كل واحد من تلك
القوال لمن أدى اجتهاده إليه ،فقد قصد اتباعهم أيضا ،أما إذا قال الرجل قول ولم يخالفه غيره فل يعلم أن السابقين
سَوّغوا خلف ذلك القول .
الية تقتضي اتباعهم مطلقاً
وأيضا فالية تقتضي اتباعهم مطلقاً ،فلو فرضنا أن الطالب وقف على نص يخالف قول الواحد منهم فقد علمنا أنه لو
ظ ِفرَ بذلك النص لم يعدل عنه ،أما إذا رأينا رأيا فقد يجوز أن يخالف ذلك الرأي ،وأيضا فلو لم يكن اتباعهم إل فيما َ
خلْق
أجمعوا عليه كلهم لم يحصل اتباعهم إل فيما قد علم أنه من دين السلم بالضطرار؛ لن السابقين الولين َ
عظيم ،ولم يعلم أنهم أجمعوا إل على ذلك؛ فيكون هذا الوجه هو الذي قبله ،وقد تقدم بطلنه؛ إذ التباع في ذلك غير
مؤثر ،وأيضا فجميع السابقين قد مات منهم أناس في حياة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وحينئذ فل يحتاج في ذلك
الوقت إلى اتباعهم للستغناء عنه بقول رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ثم لو فرضنا أحدا يتبعهم إذ ذاك لكان من
السابقين ،فحاصله أن التابعين ل يمكنهم اتباع جميع السابقين ،وأيضا فإن معرفة قول جميع السابقين كالمتعذر ،فكيف
يتبعون كلهم في شئ ل يكاد يعلم ؟ وأيضا فإنهم إنما استحقوا منصب المامة والقتداء بهم بكونهم هم السابقين ،وهذه
صفة موجودة في كل واحد منهم ،فوجب أن يكون كل منهم إماما للمتقين كما استوجب الرضوان والجنة .
الرد على من زعم أن الية ل توجب اتباعهم
وأما قوله :ليس فيها ما يوجب اتباعهم ،فنقول :الية تقتضي الرضوان عمن اتبعهم بإحسان ،وقد قام الدليل على أن
القول في الدين بغير علم حرام؛ فل يكون اتباعهم قول بغير علم ،بل قول بعلم ،وهذا هو المقصود ،وحينئذ فسواء
يسمى تقليدا أو اجتهادا ،وأيضا فإن كان تقليد العالم للعالم حراما كما هو قول الشافعية والحنابلة فاتباعهم ليس بتقليد
لنه مرضي ،وإن كان تقليدهم جائزا أو كان تقليدهم مستنثى من التقليد المحرم فلم يقل أحد إن تقليد العلماء من
موجبات الرضوان؛ فعلم أن تقليدهم خارج عن هذا ،لن تقليد العالم وإن كان جائزا فتركه إلى قول غيره أو إلى
اجتهاد جائز أيضا بالتفاق ،والشيء المباح ل يستحق به الرضوان ،وأيضا فإن رضوان ال غاية المطالب التي ل
تُنَال إل بأفضل العمال ،ومعلوم أن التقليد الذي يجوز خلفه بأفضل العمال ،بل الجتهاد أفضل منه ،فعلم أن
اتباعهم هو أفضل ما يكون في مسألة اختلفوا فيها هم ومَنْ بعدهم ،وأن اتباعهم دون مَنْ بعدهم هو الموجب لرضوان
ال؛ فل ريب أن رجحان أحد القولين يوجب اتباعه[ ،وقولهم أرجح ] بل شك ،ومسائل الجتهاد ل يتخير الرجل فيها
بين القولين ،وأيضا فإن ال أ ْثنَى على الذين اتبعوهم بإحسان ،والتقليد وظيفة العامة ،فأما العلماء فإما أن يكون مباحا
ح ّرمَا؛ إذ الجتهاد أفضل منه لهم بغير خلف ،وهو واجب عليهم ،فلو أريد باتباعهم التقليد الذي يجوز خلفه لهم أو ُم َ
لكان للعامة في ذلك النصيب الوفى ،وكان حظ علماء المة من هذه الية أ ْبخَس الحظوظ ،ومعلوم أن هذا فاسد،
وأيضا فالرضوان عمن اتبعهم دليل على أن اتباعهم صواب ليس بخطأ؛ فإنه لو كان خطأ لكان غاية صاحبه أن ُي ْعفَى
له عنه ،فإن المخطئ إلى أن يعفى عنه أ ْقرَبْ منه إلى أن يرضى عنه؛ وإذا كان صوابا وجب اتباعه؛ لن خلف
الصواب خطأ ،والخطأ يحرم اتباعه إذا علم أنه خطأ ،وقد علم أنه خطأ يكون الصواب خلفه ،وأيضا فإذا كان اتباعهم
موجب الرضوان لم يكن ترك اتباعهم موجب الرضوان؛ لن الجزاء ل يقتضيه وجود الشيء وضده ول وجوده
وعدمه؛ لنه يبقى عديم الثر في ذلك الجزاء ،وإذا كان في المسألة قولن أحدهما يوجب الرضوان والخر ل يوجبه
54
www.dorar.net الدرر
السنية
كان الحق ما يوجبه ،وهذا هو المطلوب ،وأيضا فإن طلب رضوان ال واجب؛ لنه إذا لم يوجب رضوانه فإما سخطه
أو عفوه ،والعفو إنما يكون مع انعقاد سبب الخطيئة ،وذلك ل تُبَاح مباشرته إل بالنص ،وإذا كان رضوانه إنما هو في
اتباعهم ،واتباع رضوانه واجب ،كان اتباعهم واجبا ،وأيضا فإنه إنما أثنى على المتبع بالرضوان ،ولم يصرح
بالوجوب؛ لن إيجاب التباع يدخل فيه التباع في الفعال ،ويقتضى تحريم مخالفتهم مطلقاً ،فيقتضي ذم المخطئ،
وليس كذلك ،أما القوال فل وجه لمخالفتهم فيها بعدما ثبَتَ أن فيها رضا ال تعالى ،وأيضا فإن القول إذا ثبت أن فيه
رضا ال لم يكن رضا ال في ضده ،بخلف الفعال فقد يكون رضا ال في الفعال المختلفة وفي الفعل والترك بحسب
صدَين وحالين ،أما العتقادات والقوال فليست كذلك ،فإذا ثبت أن في قولهم رضوان ال تعالى لم يكن الحق قَ ْ
والصواب إل هو؛ فوجب اتباعه .
اعتراض و ردّه
صلّوا إلى القبلتين ،أو هم أهل بيعة الرضوان ومن قبلهم ،فما الدليل على اتباع من أسلم فإن قيل :السابقون هم الذين َ
بعد ذلك ؟ قيل :إذا ثبت وجوب اتباع أهل بيعة الرضوان فهو أكبر المقصود ،على أنه ل قائل بالفرق ،وكل الصحابة
سابق بالنسبة إلى من بعدهم .
ردّ على من زعم أن اتباع الصحابة غير لزم
فصل :الوجه الثاني :قوله تعالى ( :اتبعوا من ل يسألكم أجرا وهم مهتدون ) [ يس] 21 :هذا قَصّه ال سبحانه وتعالى
عن صاحب ياسين ،على سبيل الرضاء بهذه المقالة ،والثناء على قائلها ،والقرار له عليها ،وكل واحد من الصحابة
لم يسألنا أجرا ،وهم مهتدون ،بدليل قوله تعالى خِطابا لهم ( :وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ،كذلك يبين
ال لكم آياته لعلكم تهتدون ) [ آل عمران ] 103 :و(( َلعَلّ )) من ال واجبٌ ،وقوله تعالى ( :ومنهم من يستمع إليك
حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طَبَع ال على قلوبهم واتبعوا أهواءهم
والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ) [ محمد ] 17-16 :وقوله تعالى ( :والذين قتلوا في سبيل ال فلن يضل
أعمالهم سيهديهم ) [ محمد ] 5-4 :وقوله تعالى ( :والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) [ العنكبوت ] 69 :وكل منهم
قاتل في سبيل ال وجاهد إما بيده أو بلسانه ،فيكون ال قد هداهم ،وكل من هداه فهو مهتدٍ فيجب إتباعه بالية .
آيات من القرآن توجب اتباع الصحابة
الوجه الثالث :قوله تعالى ( :واتبع سبيل من أناب إلي ) [ لقمان ] 15 :وكل من الصحابة منيب إلى ال فيجب اتباع
سبيله ،و أقواله واعتقاداته من أكبر سبيله ،والدليل على أنهم منيبون إلى ال تعالى أن ال تعالى قد هداهم وقد قال:
( ويهدي إليه من ينيب ) [ الشورى . ] 13:
هم على بصيرة
الوجه الرابع :قوله تعالى ( :قل هذه سبيلي أدعو إلى ال على بصيرة أنا ومن اتبعني ) [ يوسف ] 108 :فأخبر
تعالى أن من اتبع الرسول يدعو إلى ال ،ومن دعا إلى ال على بصيرة وجب اتباعه؛ لقوله تعالى فيما حكاه عن الجن
ورضيه ( :ياقومنا أجيبوا داعي ال وآمنوا به ) [ الحقاف ] 31 :ولن من دعا إلى ال على بصيرة فقد دعا إلى
الحق عالما به ،والدعاء إلى أحكام ال دعاء إلى ال؛ لنه دعاء إلى طاعته فيما أمر ونهى ،وإذا فالصحابة رضوان ال
عليهم قد اتبعوا الرسول صلى ال عليه وسلم فيجب اتباعهم إذا دعوا إلى ال .
هم المصطفون
الوجه الخامس :قوله تعالى ( :قل الحمد ل وسلم على عباده الذين اصطفى ) [ النمل ] 59 :قال ابن عباس في
رواية أبي مالك :هم أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم ،والدليل عليه قوله تعالى ( :ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا
صفّاهم من الكدار ،والخطأ من الكدار، من عبادنا ) [ فاطر ] 32 :وحقيقة الصطفاء افتعال من التصفية ،فيكون قد َ
صفّين منه ،ول ينتقض هذا بما إذا اختلفوا لن الحق لم َيعْدُهم ،فل يكون قول بعضهم كدرا ،لن مخالفته فيكونون مُ َ
الكدر ،وبيانه يزيل كونه كدرا بخلف ما إذا قال بعضهم قول ولم يخالف فيه فلو كان باطل ولم يرده راد لكان حقيقة
الكدر ،وهذا لن خلف بعضهم لبعض بمنزلة متابعة النبي صلى ال عليه وسلم في بعض أموره ،فإنها ل تخرجه عن
حقيقة الصطفاء .
55
www.dorar.net الدرر
السنية
أوتوا العلم
الوجه السادس :أن ال تعالى شهد لهم بأنهم أوتوا العلم بقوله ( :ويرى الذين أوتوا العلم الذين أنزل إليك من ربك هو
الحق ) [ سبأ ] 6 :وقوله ( :حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا ) [ محمد ] 16 :وقوله:
(يرفع ال الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) [ المجادلة ] 11 :واللم في (( العلم )) ليست للستغراق،
وإنما هي للعهد ،أي العلم الذي بعث ال به نبيه صلى ال عليه وسلم ،وإذا كانوا قد أوتوا هذا العلم كان اتباعهم واجبا .
هم المرون بالمعروف والناهون عن المنكر
الوجه السابع :قوله تعالى( :كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بال ) [ آل
عمران ]110 :شهد لهم ال تعالى بأنهم يأمرون بكل معروف ،وينهون عن كل منكر ،فلو كانت الحادثة في زمانهم لم
ن أخطأ منهم لم يكن أحد منهم قد أمر فيها بمعروف ول نهى فيها عن منكر؛ إذ الصواب معروف بل ُيفْتِ فيها إل مَ ْ
شك ،والخطأ منكر من بعض الوجوه ،ولول ذلك لما صح التمسك بهذه الية على كون الجماع حجة ،وإذا كان هذا
باطل علم أن خطأ مَن يعلم منهم في العلم إذا لم يخالفه غيره ممتنع ،وذلك يقتضي أن قوله حجة .
هم الصادقون
الوجه الثامن :قوله تعالى ( :يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وكونوا مع الصادقين ) [ التوبة ] 119 :قال غير واحد من
السلف :هم أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم ،ول ريب أنهم أئمة الصادقين ،وكل صادق بعدهم فيهم يأتمّ في
صدقه ،بل حقيقة صدقه اتباعه لهم وكونه معهم ،ومعلوم أن من خالفهم في شئ ـ وإن وافقهم في غيره ـ لم يكن معهم
فيما خالفهم فيه ،وحينئذ فيصدق عليه أنه ليس معهم ،فتنتفي عنه المعية المطلقة ،وإن َثبَتَ له قسط من المعية فيما
وافقهم فيه ،فل يصدق عليه أنه معهم بهذا القسط ،وهذا كما نفى ال و رسوله اليمان المطلق عن الزاني والشارب
والسارق والمنتهب بحيث ل يستحق اسمَ المؤمنِ وإن لم ينتف عنه مطلق السم الذي يستحق لجله أن يقال :معه شئ
من اليمان ،وهذا كما أن اسم الفقيه والعالم عند الطلق ل يقال لمن معه مسألة أومسألتان من فقه وعلم ،وإن قيل:
معه شئ من العلم .
المعية المطلقة ومطلق المعية
ففرق بين المعية المطلقة ومطلق المعية ،ومعلوم أن المأمور به الول ل الثاني ،فإن ال تعالى لم يرد منا أن نكون
معهم في شئ من الشياء وأن ُنحَصلَ من المعية ما يصدق عليه السم ،وهذا غلط عظيم في َفهْم مراد الرب تعالى من
أوامره ،فإذا أمرنا بالتقوى والبر والصدق والعفة والمر بالمعروف والنهى عن المنكر والجهاد ونحو ذلك لم يرد منا
أن نأتي من ذلك بأقل ما يطلق عليه السم وهو مطلق الماهية المأمور بها بحيث نكون ممتثلين لمره إذا أتينا بذلك،
وتمام تقرير هذا الوجه بما تقدم في تقرير المر بمتابعتهم سواء .
هم أمة وسط
الوجه التاسع :قوله تعالى ( :وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا )
[ البقرة ] 143 :ووجه الستدلل بالية أنه تعالى أخبر أنه جعلهم أمة خِيارا عُدُول ،هذا حقيقة الوسط ،فهم خير المم
شهَدَاء للرسل على أممهم يوم القيامة ،وال عدَلها في أقوالهم وأعمالهم وإرادتهم ونياتهم ،وبهذا استحقوا أن يكونوا ُ وأ ْ
تعالى يقبل شهادتهم عليهم ،فهم شهداؤه ،ولهذا نَوّه بهم ورفع ذكرهم و أثنى عليهم؛ لنه تعالى لما اتخذهم شهداء أعلم
خ ْلقَه من الملئكة وغيرهم بحال هؤلء الشهداء ،وأمر ملئكته أن تصلي عليهم وتدعو لهم وتستغفر لهم ،والشاهد َ
المقبول عند ال هو الذي يشهد بعلم وصدق فيخبر بالحق مستندا إلى علمه به كما قال تعالى ( :إل من شهد بالحق وهم
يعلمون ) [ الزخرف ] 86 :فقد يخبر النسان بالحق اتفاقا من غير علمه به ،وقد يعلمه ول يخبر به؛ فالشاهد المقبول
عند ال هو الذي يخبر به عن علم؛ فلو كان علمهم أن يفتي أحدهم بفتوى وتكون خطأ مخالفة لحكم ال ورسوله ول
يفتى غيره بالحق الذي هو حكم ال ورسوله أما مع اشتهار فتوى الول أوبدون اشتهارها كانت هذه المة العدل
ط َبقَتْ على خلف الحق ،بل انقسموا قسمين قسما أفتى بالباطل وقسما سكت عن الحق ،وهذا من المستحيل الخيار قد أ ْ
فإن الحق ل َيعْدُوهم ويخرج عنهم إلى من بعدهم قطعا ،ونحن نقول لمن خالف أقوالهم :لو كان خيرا ما سبقونا إليه .
56
www.dorar.net الدرر
السنية
هم المجتبون
الوجه العاشر :أن قوله تعالى ( :وجاهِدُوا في ال حق جهاده هو اجْتَبَاكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم
إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس ) [ الحج ]78 :
فأخبر تعالى أنه اجتباهم ،والجتباء كالصطفاء ،وهو افتعال من (( اجْتَبَى الشيء َيجْتَبِيه )) إذا ضمه إليه وحازه إلى
جعَلهم أهله وخاصته وصفوته من خلقه بعد النبيين والمرسلين ،ولهذا نفسه ،فهم المجتبون الذين اجتباهم ال إليه و َ
أمرهم تعالى أن يجاهدوا فيه حق جهاده ،فيبذلوا له أنفسهم ،و ُي ْفرِدوه بالمحبة والعبودية ،ويختاروه وحده إلها معبوداً
محبوبا على كل ما سواه كما اختارهم على من سواهم ،فيتخذونه وحده إلههم ومعبودهم الذي يتقربون إليه بألسنتهم
وجوارحهم وقلوبهم ومحبتهم وإرادتهم ،فيؤثرونه في كل حال على من سواه ،كما اتخذهم عبيده وأولياءه وأحِبّاءه
وآثرهم بذلك على من سواهم ،ثم أخبرهم تعالى أنه يَسّر عليهم دينه غاية التيسير ،ولم يجعل عليهم فيه من حرج البتة
لكمال محبته لهم ورأفته ورحمته وحنانه بهم ،ثم أمرهم بلزوم ملة إمام الحنفاء أبيهم إبراهيم ،وهي إفراده تعالى وحده
بالعبودية والتعظيم والحبّ والخوف والرجاء والتوكل والنابة والتفويض والستسلم؛ فيكون تعلق ذلك من قلوبهم به
وحده ل بغيره ،ثم أخبر تعالى أنه َنوّه بهم وأثنى عليهم قبل وجودهم وسماهم عباده المسلمين قبل أن يظهرهم ثم نوه
بهم وسماهم كذلك بعد أن أوجدهم اعتناء بهم ورفعة لشأنهم وإعلء لقدرهم ،ثم أخبر تعالى أنه فعل ذلك ليشهد عليهم
رسوله ويشهدوا هم على الناس؛ فيكونون مشهودا لهم بشهادة الرسول شاهدين على المم بقيام حجة ال عليهم ،فكان
هذا التنويه وإشارة الذكر لهذين المرين الجليلين ولهاتين الحكمتين العظيمتين ،والمقصود أنهم إذا كانوا بهذه المنزلة
عنده تعالى؛ فمن المحال أن يحرمهم كلهم الصواب في مسألة فيفتي فيها بعضهم بالخطأ ،ول يفتي فيها غيره
بالصواب ،ويظفر فيها بالهدى من بعدهم ،وال المستعان .
هم معتصمون بال وهدوا إلى الحق
الوجه الحادي عشر :قوله تعالى ( :ومن يعتصم بال ُهدِىَ إلى صراط مستقيم ) [ آل عمران ] 101 :ووجه
الستدلل بالية أنه تعالى أخبر عن المعتصمين به بأنهم قد ُهدُوا إلى الحق؛ فنقول :الصحابة رضوان ال عليهم
معتصمون بال فهم مهتدون ،فاتباعهم واجب ،أما المقدمة الولى فتقريرها من وجوه :أحدها :قوله تعالى:
( واعتصموا بال هو مولكم فنعم المولى ونعم النصير ) [ الحج ]78 :ومعلوم كمال تَ َولّي ال تعالى ونَصْره إياهم أتمّ
نُصْرة ،وهذا يدل على أنهم اعتصموا به أتم اعتصام ،فهم مهديون بشهادة الرب لهم بل شك ،واتباع المهديّ واجب
شرعا وعقل وفطرة بل شك ،وما يرد على هذا الوجه من أن المتابعة ل تستلزم المتابعة في جميع أمورهم فقد تقدم
جوابه .
أصحاب محمد أولى بوصف الئمة من أصحاب موسى
الوجه الثاني عشر :قوله تعالى عن أصحاب موسى ( :وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا
يوقنون ) [ السجدة ] 24 :فأخبر تعالى أنه جعلهم أئمة يأتم بهم من بعدهم لصبرهم ويقينهم؛ إذ بالصبر واليقين ُتنَال
المامة في الدين فإن الداعي إلى ال تعالى ل يتم له أمره إل بيقينه للحق الذي يدعو إليه وبصيرته به وصبره على
تنفيذ الدعوة إلى ال باحتمال مشاق الدعوة وكف النفس عما يُوهِنُ عزمه ويضعف إرادته ،فمن كان بهذه المَثَابة كان
حقّ و أولى بهذا الوصف من الئمة الذين َي ْهدُون بأمره تعالى ،ومن المعلوم أن أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم أ َ
من أصحاب موسى ،فهم أكمل يقينا وأعظم صبرا من جميع المم ،فهم أولى بمنصب هذه المامة ،وهذا أمر ثابت بل
شك بشهادة ال لهم وثنائه عليهم ،وشهادة الرسول لهم بأنهم خَ ْيرُ القرون ،وأنهم خيرة ال وصفوته ،ومن المحال على
مَن هذا شأنهم أن يخطئوا كلهم الحق ،ويظفر به المتأخرون ،ولو كان هذا ممكنا لنقلبت الحقائق ،وكان المتأخرون
أئمة لهم يجب عليهم الرجوع إلى فتاويهم وأقوالهم ،وهذا كما أنه محال حسا وعقل فهو محال شرعا ،وبال التوفيق .
هم إمام كما دعوا ال وأثنى عليهم
الوجه الثالث عشر :قوله تعالى ( :والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما )
[ الفرقان ] 74 :وإمام بمعنى قدوة ،وهو يصلح للواحد والجمع كالمة والسوة ،وقد قيل :هو جمع آمِم كصاحب
وصحاب ورَاجِل و رِجال وتاجر وتجار ،وقيل :هو مصدر كقِتال وضِراب ،أي َذوِي إمام ،والصواب الوجه الول،
57
www.dorar.net الدرر
السنية
فكل مَن كان من المتقين َوجَبَ عليه أن يأتم بهم ،والتقوى واجبة ،والئتمام بهم واجب ،ومخالفتهم فيما أفْتَوا به مخالف
للئتمام بهم ،وإن قيل (( :نحن نأتم بهم في الستدلل وأصول الدين )) فقد تقدم من جواب هذا ما فيه كفاية .
هم خير قرن
الوجه الرابع عشر :ما ثبت عن النبي صلى ال عليه وسلم في الصحيح من وجوه متعددة أنه قال( :خير القرون القرن
الذي بعثت فيهم ،ثم الذين َيلُونَهم ،ثم الذين يلونهم ) فأخبر النبي صلى ال عليه وسلم أن خير القرون قرنه مطلقاً،
وذلك يقتضي تقديمهم في كل باب من أبواب الخير ،وإل لو كانوا خيرا من بعض الوجوه ،فل يكونون خير القرون
مطلقاً ،فلو جاز أن يخطئ الرجل منهم في حكم وسائرهم لم يفتوا بالصواب ـ وإنما ظفر بالصواب من بعدهم وأخطأوا
هم ـ لزم أن يكون ذلك القرن خيرا منهم من ذلك الوجه؛ لن القرن المشتمل على الصواب خير من القرن المشتمل
على الخطأ في ذلك الفن ،ثم هذا يتعدد في مسائل عديدة؛ لن من يقول (( :قول الصحابي ليس بحجة )) يجوز عنده
أن يكون من بعدهم أصاب في كل مسألة قال فيها الصحابي قول ولم يخالفه صحابي آخر ،وفات هذا الصواب
الصحابة ،ومعلوم أن هذا يأتي في مسائل كثيرة تفوق العد والحصاء ،فكيف يكونون خيرا ممن بعدهم وقد امتاز
القرن الذي بعدهم بالصواب فيما يفوق العد والحصاء مما أخطأوا فيه ؟ ومعلوم أن فضيلة العلم ومعرفة الصواب
أكمل الفضائل وأشرفها ،فيا سبحان ال ! أي وصمة أعظم من أن يكون الصديق أو الفاروق أو عثمان أو علي أو ابن
مسعود أو سلمان الفارسي أو عبادة بن الصامت وأضرابهم رضى ال عنهم قد أخبر عن حكم ال أنه كيت وكيت في
مسائل كثيرة وأخطأ في ذلك ولم يشتمل َقرْنُهم على ناطق بالصواب في تلك المسائل حتى تبع من بعدهم فعرفوا حكم
ال الذي جهله أولئك السادة وأصابوا الحق الذي أخطأه أولئك الئمة ؟ سبحانك هذا بهتان عظيم ! .
هم أمنة المة
الوجه الخامس عشر :ما روى مسلم في صحيحه من حديث أبي موسى الشعري قال :صلينا المغرب مع رسول ال
صلى ال عليه وسلم فقلنا :لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء ،فجلسنا ،فخرج علينا فقال (( :ما زلتم ههنا ؟ )) فقلنا :يا
صلّينا معك المغرب ثم قلنا :نجلس حتى نصلي معك العشاء ،قال ( أحسنتم وأصبتم ) ورفع رأسه إلى رسول ال َ
السماء ،وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلى السماء ،فقال ( :النجوم أمَنَة للسماء ،فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد،
وأنا أمَنَة لصحابي ،فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون ،وأصحابي أمَنَة لمتي ،فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما
يوعدون ) ووجه الستدلل بالحديث أنه جعل نسبة أصحابه إلى مَن بعدهم كنسبته إلى أصحابه ،وكنسبة النجوم إلى
السماء ،ومن المعلوم أن هذا التشبيه ُي ْعطِي من وجوب اهتداء المة بهم ما هو نظير اهتدائهم بنبيهم صلى ال عليه
حرْزَا من الشر وأسبابه ،فلو وسلم ونظير اهتداء أهل الرض بالنجوم ،وأيضا فإنه جعل بقاءهم بين المة أمَنَة لهم ،و ِ
حرْزا لهم ،وهذا من المحال . خطِئوا فيما أفْتَوا به ويظفر به مَن بعدهم لكان الظافرون بالحق أمنة للصحابة و ِ
جاز أن ُي ْ
هم كالملح ل يصلح الطعام بدونهم
الوجه السادس عشر :ما رواه أبو عبد ال بن َبطّة من حديث الحسن عن أنس [ أنه ] قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وسلم ( :إن مثل أصحابي في أمتي كمثل الملح في الطعام ،ل يصلح الطعام إل بالملح ) قال الحسن قد ذهب
ِم ْلحُنا فكيف نصلح ؟ وروى ابن بطة أيضا بإسنادين إلى عبد الرزاق أخبرنا معمر عمن سمع الحسن يقول :قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم( :مثل أصحابي في الناس كمثل الملح في الطعام ) ثم يقول الحسن هيهات ! ذهب ملح
القوم ،وقال المام أحمد :حدثنا حسين بن علي الجعفي عن أبى موسى ـ يعنى إسرائيل ـ عن الحسن قال :قال رسول
ال صلى ال عليه وسلم ( :مثل أصحابي كمثل الملح في الطعام ) قال :يقول الحسن :هل يطيبُ الطعام إل بالملح ؟ و
يقول الحسن :فكيف بقوم ذهب ملحهم ؟ ووجه الستدلل أنه شبه أصحابه في صلح دين المة بهم بالملح الذي
صلح الطعام به ،فلو جاز أن ُيفْتُوا بالخطأ ول يكون في عصرهم من يفتي بالصواب ويظفر به مَن بعدهم لكان مَن
بعدهم ملحاً لهم ،وهذا محال .
يوضحه أن الملح كما أن به صلح الطعام؛ فالصواب به صلح النام ،فلو أخطأوا فيما أفتوا به لحتاج ذلك إلى ملح
يصلحه ،فإذا أفتى من بعدهم بالحق كان قد أصلح خطأهم فكان ملحا لهم .
58
www.dorar.net الدرر
السنية
ل يزنُ إنفاق مثل أحد ذهباً مدّ أحدهم أو نصيفه
الوجه السابع عشر :ما روى البخاري في صحيحه من حديث العمش قال :سمعت أبا صالح يحدث عن أبي سعيد
سبّوا أصحابي ،فلو أن أحدكم أنفق مثل أحُدٍ ذهباً ما بلغ مُدّ أحدهم ول قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( :ل تَ ُ
سلِمة الحديبية والفتح ،فإذا نَصِيفَه ) وفي لفظ ( فو الذي نفسي بيده ) وهذا خطاب منه لخالد بن الوليد ولقرانه من مُ ْ
كان ُمدّ أحد أصحابه أو نصيفه أفْضَل عند ل من مثل أحد ذهبا من مثل خالد وأضرابه من أصحابه فكيف يجوز أن
يحرمهم ال الصواب في الفتاوي و َيظْفر به مَن بعدهم ؟ هذا من أبين المحال .
هم وزراء الرسول وأنصاره وأصهاره
الوجه الثامن عشر :ما روى الحميدي :حدثنا محمد بن طلحة قال حدثني عبد الرحمن بن سالم بن عبد الرحمن بن
عويلم بن ساعدة عن أبيه عن جده أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ( :إن ال اختارني ،واختار لي أصحابا ،فجعل لي
جعَلهم وزراءه منهم وزراء و أنصارا و أصهارا ) الحديث ،ومن المحال أن يحرم ال الصواب مَن اختارهم لرسوله و َ
وأنصاره وأصهاره و ُيعْطيه مَن بعدهم في شئ من الشياء .
قلوبهم خير قلوب العباد
الوجه التاسع عشر :ما روى أبو داود الطيالسي ::حدثنا المسعودي عن عاصم عن أبى وائل عن ابن مسعود رضى
ال عنه قال :إن ال َنظَر في قلوب العباد فوجَدَ قلبَ محمد خيرَ قلوب العباد ،فبعثه برسالته ،ثم نظر في قلوب العباد
بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خيرَ قلوب العباد فاختارهم لصحبة نبيه ونصرة دينه ،فما رآه المسلمون حسنا فهو
عند ال حسن ،وما رآه المسلمون قبيحا فهو عند ال قبيح ،ومن المحال أن يخطئ الحق في حكم ال خير قلوب العباد
بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم ويظفر به مَن بعدهم ،وأيضا فإن ما أفتى به أحَدُهم وسكت عنه الباقون كلهم فإما
أن يكونوا قد رأوه حسنا أو يكونوا قد رأوه قبيحا ،فإن كانوا قد رأوه حسنا فهو حَسَن عند ال ،وإن كانوا قد رأوه قبيحا
ولم ينكروه لم تكن قلوبهم من خير قلوب العباد ،وكان مَن أنكره بعدهم خيرا منهم وأعلم؛ وهذا من أبْيَن المحال .
هم أبرّ المة قلوباً وأعمقها علماً
س بأصحاب الوجه العشرون :ما رواه المام أحمد وغيره عن ابن مسعود رضى ال عنه قال :من كان متأسْيا فليتأ ّ
رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ فإنهم كانوا أبرّ هذه المة قلوبا ،وأعمقها علما ،و أقلها تكلفا ،و أقومها هَديا ،وأحسنها
ع ِرفُوا لهم فضلهم ،واتبعوا آثارهم ،فإنهم كانوا على الهُدَى المستقيم، حال ،قوم اختارهم ال لصحبه نبيه وإقامة دينه فا ْ
ومن المحال أن يحرم ال أبر هذه المة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا وأقومها هديا الصوابَ في أحكامه ويوفق له
مَن بعدهم .
هم السابقون إلى كل خير
الوجه الحادي والعشرون :ما رواه الطبراني وأبو نعيم وغيرهما عن حذيفة بن اليمان أنه قال :يا معشر القراء ،خذوا
سبِقتم سبقا بعيدا ،ولئن تركتموه يمينا وشمال لقد ضللتم ضلل بعيدا ،ومن طريق من كان قبلكم ،فوال لئن استقمتم لقد ُ
المحال أن يكون الصواب ،في غير طريق مَنْ سَ َبقَ إلى كل خير على الطلق .
اتباع الحق في سنتهم
الوجه الثاني والعشرون :ما قاله جندب بن عبد ال لفرقة دخلتْ عليه من الخوارج ،فقالوا :ندعوك إلى كتاب ال،
فقال :أنتم ؟ قالوا :نحن ،قال :أنتم ؟ قالوا :نحن ،فقال :يا أخابيث خلق ال في اتباعنا تختارون الضللة ،أم في غير
سنتنا تلتمسون الهدى ؟ اخرجوا عني ،ومن المعلوم أن من جوز أن تكون الصحابة أخطأوا في فتاويهم فمن بعدهم
وخالفهم فيها فقد اتبع الحق في غير سنتهم ،وقد دعاهم إلى كتاب ال؛ فإن كتاب ال إنما يدعو إلى الحق ،وكفى ذلك
إزراء على نفوسهم وعلى الصحابة .
هم الراشدون المهديون
عظَنا رسول ال صلى ال عليه وسلم الوجه الثالث والعشرون ما رواه الترمذى من حديث ال ِعرْبَاض بن سارية قال وَ َ
جلَتْ منها القلوب ،فقال قائل يا رسول ال كأنها موعظة مُ َودّع ،فماذا تعهد إلينا ؟ موعظة بليغة َذ َرفَتْ منها العيون ،و َو ِ
فقال ( عليكم بالسمع والطاعة وإن تأ ّمرَ عليكم عبدٌ حبشي كأن رأسه زبيبة ،وعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين
المهديين من بعدي ،تمسكوا بها ،وعَضّوا عليها بالنواجذ ،وإياكم و ُمحْدَثَات المور ،فإن كل ُمحْدثة بدعة ،وكل بدعة
59
www.dorar.net الدرر
السنية
ضللة ) وهذا حديث حسن ،إسناده ل بأس به ،فقرن سنة خلفائه بسنته ،وأمر باتباعها كما أمر باتباع سنته ،وبالغ في
سنّوه للمة وإن لم يتقدم من نبيهم فيه شئ، المر بها حتى أمر بأن يعض عليها بالنواجذ ،وهذا يتناول ما أفتوا به و َ
وإل كان ذلك سنته ،ويتناول ما أفتى به جميعهم أو أكثرهم أو بعضهم لنه علق ذلك بما سنه الخلفاء الراشدون،
ومعلوم أنهم لم َيسُنوا ذلك [ وهم خلفاء ] في آن واحد ،فعلم أن ما سنه كل واحد منهم في وقته فهو من سنة الخلفاء
الراشدين رواه المام أحمد في مسنده من حديث عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية عن ضمرة بن حبيب عن عبد
سمِعَ ال ِعرْبَاض بن سارية ،فذكر نحوه .
الرحمن بن عمرو السلمي َ
إيجاب القتداء بهم
الوجه الرابع والعشرون ما رواه الترمذي من حديث الثوري عن عبد الملك بن عمير عن هلل مولى رِ ْبعِي بن
حرَاش عن ربعي عن حذيفة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( اقْتَدوا باللّ َذيْنِ من بعدي أبى بكر وعمر، ِ
واهتدوا بهدي عمار ،وتمسكوا بعهد ابن أم عَبْد ) قال الترمذي هذا حديث حسن ،ووجه الستدلل به ما تقدم في تقرير
المتابعة .
الرشد في طاعة أبي بكر وعمر
الوجه الخامس والعشرون ما رواه مسلم في صحيحه من حديث عبد ال بن رباح عن أبي قتادة أن النبي صلى ال
عليه وسلم قال ( إن ُيطِع القومُ أبا بكر وعمر َيرْشُدوا ) وهو في حديث الميضأة الطويل ،فجعل الرشد معلقا بطاعتهما،
فلو أفتوا بالخطأ في حكم و أصابه مَن بعدهم لكان الرشد في خلفهما .
كان صلى ال عليه وسلم ل يخالف أبا بكر وعمر
الوجه السادس والعشرين أن النبي صلى ال عليه وسلم قال لبي بكر وعمر في شأن تأمير القعقاع بن حكيم والقرع
بن حابس ( لو اتفقتما على شيء لم أخالفكما ) فهذا رسول ال صلى ال عليه وسلم يخبر أنه ل يخالفهما لو اتفقا ،ومَن
يقول قولهما ليس بحجة ُيجَوز مخالفتهما ،وبعض غلتهم يقول ل يجوز الخذ بقولهما ويجب الخذ بقول إمامنا الذي
قلدناه ،وذلك موجود في كتبهم .
أبو بكر وعمر السمع والبصر
سمْع والبصر ) أي هما الوجه السابع والعشرون أن النبي صلى ال عليه وسلم نظر إلى أبي بكر وعمر فقال ( هذان ال ّ
مني بمنزلة السمع والبصر ،أو هما من الدين بمنزلة السمع والبصر ،ومن المحال أن يحرم سمع الدين وبصره
الصواب ويظفر به مَن بعدهما .
الحق على لسان عمر وقلبه
الوجه الثامن والعشرون ما رواه أبو داود وابن ماجه من حديث ابن إسحاق عن مكحول عن غضيف بن الحارث عن
أبى ذر قال مرّ فتى على عمر رضى ال عنه ،فقال عمر نعم الفتى ،قال فتبعه أبو ذر ،فقال يا فتى استغفر لي ،فقال يا
أبا ذر استغفرُ لك وأنت صاحب رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ قال استغفر لي ،قال ل أو تخبرني ،قال إنك مررتَ
على عمر فقال نعم الفتى ،وإني سمعت النبي صلى ال عليه وسلم يقول ( إن ال جعل الحق على لسان عمر وقلبه )
ومن المحال أن يكون الخطأ في مسألة أفتى بها مَن جعل ال الحق على لسانه وقلبه حَظّه ول ينكره عليه أحد من
حظّ مَن بعده ،هذا من أبين المحال .
الصحابة ،ويكون الصوابُ فيها َ
عمر من المحدثين
الوجه التاسع والعشرون ما رواه مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضى ال عنها قالت قال رسول ال صلى ال
عليه وسلم ( قد كان فيمن خَل من المم أناس ُمحَدّثون ،فإن يكن في أمتي أحد فهو عمر ) وهو في المسند والترمذي
وغيرهما من حديث أبى هريرة والمحدّثُ هو المتكلم الذي يلقي ال في روعه الصواب يحدثه به ال َملَك عن ال ،ومن
المحال أن يختلف هذا ومن بعده في مسألة ويكون الصواب فيها مع المتأخر دونه ،فإن ذلك يستلزم أن يكون ذلك الغير
هو المحدث بالنسبة إلى هذا الحكم دون أمير المؤمنين رضى ال عنه ،وهذا وإن أمكن في أقرانه من الصحابة فإنه ل
يخلو عصرهم من الحق إما على لسان عمر وإما على لسان غيره منهم ،وإنما المحال أن يفتي أمير المؤمنين المحدث
بفتوى أو يحكم بحكم ول يقول أحد من الصحابة غيره ويكون خطأ ثم يوفق له من بعدهم فيصيب الحق ويخطئه
الصحابة .
60
www.dorar.net الدرر
السنية
لو لم يبعث الرسول لكان عمر
شرَح بن عاهان عن عقبة بن عامر قال سمعت الوجه الثلثون ما رواه الترمذي من حديث بكر بن عمرو عن مِ ْ
رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ( لو كان بعدي نبي لكان عمر ) وفي لفظ ( لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر )
قال الترمذي حديث حسن ،ومن المحال أن يختلف مَن هذا شأنه ومن بعده من المتأخرين في حكم من أحكام الدين
ويكون حظ عمر منه الخطأ وحظ ذلك المتأخر منه الصواب .
السكينة تنطق على لسان عمر
الوجه الحادي والثلثون ما روى إسماعيل بن أبى خالد عن الشعبي أن عليا رضي ال عنه قال ما كنا نبعد أن
س َعدَ بالصواب منه في أحكام ال تعالى، السكينة تنطق على لسان عمر ،ومن المحال أن يكون من بعده من المتأخرين أ ْ
ورواه عمرو بن ميمون عن زر عن علي رضي ال عنه.
كان مع عمر ملك يسدده
الوجه الثاني والثلثون ما رواه واصل الحدب عن أبى وائل عن ابن مسعود رضي ال عنه قال ما رأيت عمر إل
وكأن بين عينيه َملَكاً يسدده .ومعلوم قطعا أن هذا أولى بالصواب ممن ليس بهذه المَثَابة .
ذهب عمر بتسعة أعشار العلم
جعِل
الوجه الثالث والثلثون ما رواه العمش عن شقيق قال قال عبد ال وال لو أن علم عمر ُوضِعَ في كفة ميزان و ُ
علم أهل الرض في كفة لرجَحَ علم عمر ،فذكرت ذلك لبراهيم النخعي ،فقال قال عبد ال وال إني لحسب عمر
ذهب بتسعة أعشار العلم ،ومن أبعد المور أن يكون المخالف لعمر بعد انقراض عصر الصحابة أولى بالصواب منه
في شيء من الشياء .
أخذ ابن عباس برأي الشيخين
الوجه الرابع والثلثون ما رواه ابن عيينة عن عبيد ال بن أبي يزيد قال كان ابن عباس إذا سُئل عن شيء وكان في
القرآن أو السنة قال به ،وإل قال بما قال به أبو بكر وعمر ،فإن لم يكن قال برأيه ،فهذا ابن عباس ـ واتّباعه للدليل
وتحكيمه للحجة معروف ،حتى إنه يخالف لما قام عنده من الدليل أكا ِبرَ الصحابة ـ يجعل قول أبي بكر وعمر حجة
يؤخذ بها بعد قول ال ورسوله ،ولم يخالفه في ذلك أحد من الصحابة.
فضل ابن مسعود
الوجه الخامس والثلثون ما رواه منصور عن زيد بن وهب عن عبد ال قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم
عبْد ) كذا رواه يحيى بن يعلى المحاربي عن زائدة عن منصور ،والصواب ما ( رضيت لمتي ما رضي لها ابن أمّ َ
رواه إسرائيل وسفيان عن منصور عن القاسم بن عبد الرحمن عن النبي صلى ال عليه وسلم مرسل ،ولكن قد روى
جعفر بن عوف عن المسعودي عن جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه قال قال النبي صلى ال عليه وسلم لعبد ال بن
مسعود (اقرأ عليّ ) قال أقرأ وعليك أنزل ؟ قال إني أحب أن أسمعه من غيري ،فافتتح سورة النساء حتى إذا بلغ
( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلء شهيدا ) [ النساء ]41 :فاضت عينا رسول ال صلى ال
عليه وسلم و َكفّ عبد ال بن مسعود ،فقام رسول ال صلى ال عليه وسلم وتكلم فحمد ال وأثنى عليه في أول كلمه
وأثنى على ال ،وصلى على نبيه صلى ال عليه وسلم ،وشهد شهادة الحق ،وقال رضينا بال ربا ،وبالسلم دينا
ورضيت لكم ما رضي لكم ابن أم عبد ) ومن قال ليس قوله بحجة وإذا خالفه غيره ممن بعده يجوز أن يكون الصواب
في قول المخالف له لم َيرْضَ للمة ما رضيه لهم ابن أم عبد ول ما رضيه رسول ال صلى ال عليه وسلم .
أمر عمر أهل الكوفة بالقتداء بعمار وابن مسعود
الوجه السادس والثلثون ما رواه أبو إسحاق عن حارثة بن مضرب قال كتب عمر رضى ال عنه إلى أهل الكوفة
( قد َبعَثْتُ إليكم عمار بن ياسر أميرا ،وعبد ال بن مسعود معلما ووزيرا ،وهما من ال ّنجَباء من أصحاب محمد صلى
ال عليه وسلم ،من أهل بدر ،فاقْتَدوا بهما ،واسمعوا قولهما ،وقد آثرتكم بعبد ال على نفسي ) فهذا عمر قد أ َمرَ أهل
الكوفة أن يقتدوا بعمار وابن مسعود ويسمعوا قولهما ،ومن لم يجعل قولهما حجة يقول ل يجب القتداء بهما ول سماع
أقوالهما إل فيما أجمعَتْ عليه المة ،ومعلوم أن ذلك ل اختصاصَ لهما به ،بل ل فرق فيه بينهما وبين غيرهما من
سائر المة .
61
www.dorar.net الدرر
السنية
وفوا بعدهم
الوجه السابع والثلثون ما قاله عبادة بن الصامت وغيره بايعنا رسول ال صلى ال عليه وسلم على أن نقول بالحق
حيث كنا ،ول نخاف في ال لومة لئم ونحن نشهد [بال ] أنهم َوفَوْا بهذه البيعة ،وقالوا بالحق ،وصَدّعوا به ،ولم
تأخذهم في ال لومة لئم ،ولم يكتموا شيئا منه مخافة سوط ول عصا ول أمير ول والٍ كما هو معلوم لمن تأمله من
هَدْيهم وسيرتهم ،فقد أنكر أبو سعيد على مروان وهو أمير على المدينة ،وأنكر عبادة بن الصامت على معاوية وهو
سطْوته وبأسه ،وأنكر على عمرو بن سعيد وهو أمير على المدينة ،وهذا خليفة ،وأنكر ابن عمر على الحجاج من َ
كثير جدا من إنكارهم على المراء والولة إذا خرجوا عن العدل لم يخافوا سوطهم ول عقوبتهم ،ومن بعدهم لم تكن
لهم هذه المنزلة ،بل كانوا يتركون كثيرا من الحق خوفا من ولة الظلم وأمراء الجَوْر ،فمن المحال أن يوفق هؤلء
للصواب ويحرمه أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم .
لو اتخذ الرسول خليلً لتخذ أبا بكر
الوجه الثامن والثلثون ما ثبت في الصحيح من حديث أبى سعيد الخدري أن رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ َر ِقىَ
المنبر فقال ( إن عبدا خَيّره ال بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند ال ) فبكى أبو بكر رضي ال عنه وقال بل
َنفْدِيك بآبائنا وأمهاتنا ،فعجبنا لبكائه أن يخبر النبي صلى ال عليه وسلم عن رجل [ خير ] ،فكان المخيّر رسول ال
صلى ال عليه وسلم ،وكان أبو بكر أعلمنا به ،وقال النبي صلى ال عليه وسلم ( إن أمَنّ الناس علينا في صحبته
وذات يده أبو بكر ،ولو كنت ُمتّخذا من أهل الرض خليل لتخذت أبا بكر خليل ،ولكن أخوة السلم ومودته ،ل يبقى
في المسجد باب إل سدّ إل باب أبى بكر ) .
ظ َفرَ
ومن المعلوم أن فَوْتَ الصواب في الفتوى لعلم المة برسول ال صلى ال عليه وسلم ولجميع الصحابة معه و َ
فلن وفلن من المتأخرين بهذا من أمحل المحال ،ومن لم يجعل قوله حجة ُيجَوّز ذلك ،بل يحكم بوقوعه ،وال
المستعان .
نعوذ بال أن نتقدم أبا بكر
الوجه التاسع والثلثون ما رواه زائدة عن عاصم عن زر عن عبد ال قال لما قبض رسول ال صلى ال عليه وسلم
قال النصار منا أمير ومنكم أمير ،فأتاهم عمر ،قال ألستم تعلمون أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أمر أبا بكر أن
يَؤمّ الناس ؟ قالوا بلى ،فأيكم َتطِيبُ نفسه أن يتقدم على أبي بكر ؟ فقالوا نعوذ بال أن نتقدم على أبي بكر؛ ونحن نقول
لجميع المفتين أيكم تطيب نفسه أن يتقدم على أبي بكر إذا أفتى بفتوى وأفتى من قلدتموه بغيرها ؟ ول سيما من قال من
زعمائكم إنه يجب تقليد من قلدناه ديننا ،ول يجوز تقليد أبي بكر الصديق رضى ال عنه ،اللهم إنا نُشْهدك أن أنفسنا ل
تطيب بذلك ،ونعوذ بك أن تطيب به نفسا .
رؤيا رسول ال صلى ال عليله وسلم لعمر
الوجه الربعون ما ثبت في الصحيح من حديث الزهري ،عن حمزة بن عبد ال عن أبيه عن رسول ال صلى ال
عليه وسلم قال ( بينما أنا نائم إذ أتيتُ بقدح لبن ،فقيل لي اشرب ،فشربت منه ،حتى إني أرى الريّ يجري في
ن خالفه عطَيْتُ فَضْلتي عمر ،قالوا فما أولْتَ ذلك ؟ قال العلم ) ومن أبعد الشياء أن يكون الصواب مع مَ ْ أظفاري ،ثم أ ْ
في فتيا أوحكم ل يعلم أن أحدا من الصحابة خالفه فيه ،وقد شهد له رسول ال صلى ال عليه وسلم بهذه الشهادة .
دعوة الرسول لبن عباس
الوجه الحادي والربعون ما ثبت في الصحيح من حديث عبد ال بن أبي يزيد عن ابن عباس رضى ال عنهما ( أنه
وَضَع للنبي صلى ال عليه وسلم وَضُوءا ،فقال مَنْ وضع هذا ؟ قالوا ابن عباس ،فقال اللهم فَقهّهُ في الدين ) وقال
عكرمة ضمني إليه رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ( اللهم علمه الحكمة ) .ومن المستبعد جدا بل من الممتنع أن
جمَان القرآن الذي دعا له رسول ال صلى ال عليه وسلم بدعوة مستجابة قطعا أن يفقهه في الدين يفتي حبر المة و َت ْر ُ
و ُيعَلمه الحكمة ول يخالفه فيها أحد من الصحابة ويكون فيها على خطأ ويفتي واحد من المتأخرين بعده بخلف فَتْواه
حرَمه ابن عباس والصحابة . ويكون الصواب معه ،فيظفر به هو ومقلدوه ،و ُي ْ
62
www.dorar.net الدرر
السنية
الظن الحادث بقول الصحابي أرجح من كل الظنون الخرى
الوجه الثاني والربعون أن صورة المسألة ما إذا لم يكن في الواقعة حديث عن النبي صلى ال عليه وسلم ول اختلف
بين الصحابة رضى ال عنهم ،وإنما قال بعضهم فيها قول وأفتى بفتيا ولم يعلم أن قوله وفتياه اشتهر في الباقين ول
أنهم خالفوه ،وحينئذ فنقول مَن تأمل المسائل الفقهية ،والحوادث الفرعية ،وتدرب بمسالكها ،وتصرف في مداركها،
علَلً و َنهَل ،علم قطعا أن كثيرا منها قد تشتبه فيها وجوه الرأي بحيث ل يُوثَق
سبُلها ذُلل ،وارتوى من مواردها َوسلك ُ
فيها بظاهرٍ ُمرَاد ،أو قياس صحيح ينشرح له الصدر ويثلج له الفؤاد ،بل تتعارض فيها الظواهر والقْيسَة على وجه
يقف المجتهد في أكثر المواضع حتى ل يبقى للظن رجحان بين ،ل سيما إذا اختلف الفقهاء؛ فإن عقولهم من أكمل
العقول وأ ْو َفرِها فإذا تلددوا وتوقفوا ولم يتقدموا ولم يتأخروا لم يكن ذلك في المسألة طريقة واضحة ول حجة لئحة؛
فإذا وجد فيها قول لصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ورضي ال عنهم الذين هم سادات المة ،وقدوة الئمة،
وأعلم الناس بكتاب ربهم تعالى وسنة نبيهم صلى ال عليه وسلم ،وقد شاهدوا التنزيل وعرفوا التأويل ونسبة مَن
بعدهم في العلم إليهم كنسبتهم إليهم في الفضل والدين كان الظن والحالة هذه بأن الصواب في جهتهم والحق في جانبهم
من أقوى الظنون وهو أقوى من الظن المستفاد من كثير من القيسة ،هذا ما ل َي ْمتَري فيه عاقل منصف .وكان الرأي
الذي يُوَافق رأيهم هو الرأي السّداد الذي ل رأي سواه ،وإذا كان المطلوب في الحادثة إنما هو ظن راجح ولو استند
إلى استصحاب أو قياس علة أو دللة أو شَبه أو عموم مخصوص أومحفوظ مطلق أو وارد على سبب؛ فل شك أن
الظن الذي يحصل لنا بقول الصحابي الذي لم ُيخَالف أ ْرجَح من كثير من الظنون المستندة إلى هذه المور أو أكثرها
وحصول الظن الغالب في القلب ضروري كحصول المور الوجدانية ،ول يخفى على العالم أمثلة ذلك .
للصحابي مدارك ينفرد بها عنا
الوجه الثالث والربعون أن الصحابي إذا قال قول أو حكم بحكم أو أفتى بفتيا فله مَدَارك ينفرد بها عنا ،ومدارك
شفَاها أو من صحابي آخر عن نشاركه فيها ،فأما ما يختص به فيجوز أن يكون سمعه من النبي صلى ال عليه وسلم ِ
رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فإن ما انفردوا به من العلم عنا أكثر من أن يحاط به ،فلم َيرْوِ كل منهم كل ما سمع،
وأين ما سمعه الصديق رضى ال عنه والفاروق وغيرهما من كبار الصحابة رضى ال عنهم إلى ما رووه ؟ فلم يرو
عنه صديق المة مائة حديث وهو لم يغب عن النبي صلى ال عليه وسلم في شئ من مشاهده ،بل صحبه من حين
بُعث بل قبل البعث إلى أن توفي ،وكان أعلم المة به صلى ال عليه وسلم بقوله وفعله وهديه وسيرته ،وكذلك أجلّة
الصحابة روايتهم قليلة جدا بالنسبة إلى ما سمعوه من نبيهم ،وشَاهَدوه ،ولو رَوَوْا كل ما سمعوه وشاهدوه لزاد على
صحِبه نحو أربع سنين ،وقد روى عنه الكثير ،فقول القائل (( لو كان رواية أبي هريرة أضعافا مضاعفة ،فإنه إنما َ
عند الصحابي في هذه الواقعة شيء عن النبي صلى ال عليه وسلم لذ َكرَه )) قولُ من لم يعرف سيرة القوم وأحوالهم،
فإنهم كانوا َيهَابون الرواية عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ويعظمونها ويقللونها خوف الزيادة والنقص ،ويحدثون
بالشيء الذي سمعوه من النبي صلى ال عليه وسلم مرارا ،ول يصرحون بالسماع ،ول يقولون قال رسول ال صلى
ال عليه وسلم .
فتوى الصحابي
فتلك الفتوى التي يفتي بها أحدهم ل تخرج عن ستة وجوه ،أحدها أن يكون سمعها من النبي صلى ال عليه وسلم ،
الثاني أن يكون سمعها ممن سمعها منه ،الثالث أن يكون فهمها من آية من كتاب ال فهما خفي علينا ،الرابع أن يكون
قد اتفق عليها َملَؤهم ولم ينقل إلينا إل قول المفتي بها وحده ،الخامس أن يكون لكمال علمه باللغة ودللة اللفظ على
الوجه الذي انفرد به عنا ،أولقرائن حالية اقترنت بالخطاب ،أو لمجموع أمور فهموها على طول الزمان من رؤية
النبي صلى ال عليه وسلم ومشاهدة أفعاله وأحواله وسيرته وسماع كلمه والعلم بمقاصده وشهود تنزيل الوحي
ومشاهدة تأويله بالفعل ،فيكون فهم ما ل نفهمه نحن ،وعلى هذه التقادير الخمسة تكون فتواه حجة بجب اتباعها،
السادس أن يكون فهم ما لم يرده الرسول صلى ال عليه وسلم ،وأخطأ في فهمه ،والمراد غير ما فهمه ،وعلى هذا
التقدير ل يكون قوله حجة ،ومعلوم قطعا أن وقوع احتمال من خمسة أغلب على الظن من وقوع احتمال واحد معين،
هذا ما ل يشك فيه عاقل ،وذلك من بعده يفيد ظنا غالبا قويا على أن الصواب في قوله دون ما خالفه من أقوال من
بعده ،وليس المطلوب إل الظن الغالب ،والعمل به متعين ،ويكفي العارف هذا الوجه .
63
www.dorar.net الدرر
السنية
ما فضل به الصحابة
هذا فيما انفردوا به عنا ،أما المَدَارك التي شاركناهم فيها من دللت اللفاظ والقيسة فل ريب أنهم كانوا أبرّ قلوبا،
وأعمق علما ،وأقل تكلفا ،وأقرب إلى أن يوفقوا فيها لما لم نوفق له نحن؛ لما خصهم ال تعالى به من توقد الذهان،
وفصاحة اللسان ،وسعة العلم ،وسهولة الخذ ،وحسن الدراك وسرعته ،وقلة المعارض أو عدمه ،وحسن القصد،
وتقوى الرب تعالى؛ فالعربية طبيعتهم وسليقتهم ،والمعاني الصحيحة َمرْكوزة في فطرهم وعقولهم ،ول حاجة بهم إلى
النظر في السناد وأحوال الرواة وعلل الحديث والجرح والتعديل ،ول إلى النظر في قواعد الصول وأوضاع
الصوليين بل قد غنوا عن ذلك كله ،فليس في حقهم إل أمران ،أحدهما قال ال تعالى كذا ،وقال رسوله كذا ،والثاني
معناه كذا وكذا ،وهم أسعد الناس بهاتين المقدمتين ،وأحظى المة بهما ،فقُوَاهم متوفرة مجتمعة عليهما .
من صفات المتأخرين
وأما المتأخرون فقواهم متفرقة ،وهممهم متشعبة ،فالعربية وتوابعها قد أخَذَتْ من قُوى أذهانهم شعبة ،والصول
وقواعدها قد أخذت منها شعبة ،وعلم السناد وأحوال الرواة قد أخذ منها شعبة ،وفكرهم في كلم مصنفيهم وشيوخهم
على اختلفهم وما أرادوا به قد أخذ منها شعبة ،إلى غير ذلك من المور ،فإذا وَصَلوا إلى النصوص النبوية إن كان
لهم همم تسافر إليها وصلوا إليها بقلوب وأذهان قد َكلّت من السير في غيرها .و أوْهَن قُواهم مواصلة السرى في
سواها ،فأدركوا من النصوص ومعانيها بحسب تلك القوة ،وهذا أمر يحس به الناظر في مسألة إذا استعمل قوى ذهنه
في غيرها ،ثم صار إليها وافاها يذهن كالّ وقوة ضعيفة ،وهذا شأن من استعمل قواه في العمال غير المشروعة
تضعف قوته عند العمل المشروع ،كمن استفرغ قوته في السماع الشيطاني فإذا جاءه قيام الليل قام إلى ِورْدِه بقوة كالة
وعزيمة باردة ،وكذلك من صرف قوى حبه وإرادته إلى الصور أو المال أو الجاه ،فإذا طالب قلبه بمحبة ال فإن
ا ْنجَذَبَ معه انجذب بقوة ضعيفة قد استفرغها في محبة غيره ،فمن استفرغ قوى فكره في كلم الناس ،فإذا جاء إلى
كلم ال ورسوله جاء بفكرة كالة فأعطى بحسب ذلك .
مما خصّ به الصحابة عقلياً وغيره
والمقصود أن الصحابة أغناهم ال تعالى عن ذلك كله ،فاجتمعت قواهم على تينك المقدمتين فقط ،هذا إلى ما خصوا
به من قوى الذهان وصفائها ،وصحتها وقوة إدراكها ،وكماله ،وكثرة المعاون ،وقلة المعاوق ،وقرب العهد بنور
النبوة ،والتلقي من تلك المشكاة النبوية ،فإذا كان هذا حالنا وحالهم فيما تميزوا به علينا وما شاركناهم فيه فكيف نكون
سعَدَ بالصواب منهم في مسألة من المسائل ؟ ومن حَدّث نفسه بهذا فليعزلها نحن أو شيوخنا أو شيوخهم أو من قلدناه أ ْ
من الدين والعلم ،وال المستعان .
لو جاز أن يخطئ الصحابي ما بقي ناطق بالصواب
الوجه الرابع والربعون أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ( ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ) وقال علي
رضي ال عنه لن تخلو الرض من قائم ل بحجة لكيل تبطل حجج ال وبيناته ،فلو جاز أن يخطئ الصحابي في حكم
ول يكون في ذلك العصر ناطق بالصواب في ذلك الحكم لم يكن في المة قائم بالحق في ذلك الحكم؛ لنهم بين ساكت
ومخطئ ،ولم يكن في الرض قائم ل بحجة في ذلك المر ،ول من يأمر فيه بمعروف أو ينهى فيه عن منكر ،حتى
نبغت نابغة فقامت بالحجة وأمرت بالمعروف ونهت عن المنكر ،وهذا خلف ما دل عليه الكتاب والسنة والجماع .
المر بالستعانة بهم
الوجه الخامس والربعون أنهم إذا قالوا قول أو بعضهم ثم خالفهم مخالف من غيرهم كان مبتديا لذلك القول ومبتدعا
له ،وقد قال النبي صلى ال عليه وسلم ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ال َمهْدِيين من بعدي ،تمسكوا بها،
وعضوا عليها بالنواجذ ،وإياكم ومحدثات المور ،فإن كل بدعة ضللة ) وقول من جاء بعدهم يخالفهم من محدثات
المور فل يجوز اتباعهم .
اتبعوا ول تبتدعوا فقد كفيتم
وقال عبد ال بن مسعود اتبعوا ول تبتدعوا ،فقد كفيتم ،فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضللة .وقال أيضا إنا نقتدى
ول نبتدي ،ونتبع ول نبتدع ،ولن نضل ما تمسكنا بالثر .وقال أيضا إياكم والتبدع ،وإياكم والتنطع ،وإياكم والتعمق،
وعليكم بالدين العتيق وقال أيضا أنا لغير الدجال أخوف عليكم من الدجال ،أمور تكون من كبرائكم ،فأيما ُمرَ ّيةٍ أو
64
www.dorar.net الدرر
السنية
سمْتَ الول ،فالسمت الول ،فإنا اليوم على السنة .وقال أيضا وإياكم والمحدثات؛ فإن شر ُرجَيْل أدرك ذلك الزمان فال ّ
المور محدثاتها ،وكل بدعة ضللة .وقال أيضا اتبع ول تبتدع ،فإنك لن تضل ما أخذت بالثر .
وقال ابن عباس رضي ال عنهما كان يقال عليكم بالستقامة والثر ،وإياكم والتبدع .
وقال شريح إنما أقتفى الثر ،فما وجدت قد سبقنا إليه غيركم حدثتكم به .
وقال إبراهيم النخعي لو بلغنى عنهم ـ يعنى الصحابة ـ أنهم لم يجاوزوا بالوضوء ظفرا ما جاوزته به ،وكفى على
قوم إزراء أن تخالف أعمالهم أعمال [ أصحاب ] نبيهم صلى ال عليه وسلم .
وقال عمر بن عبد العزيز أنه لم يبتدع الناس بدعة إل وقد مضى فيها ما هو دليل وعبرة فيها ،والسنة إنما سنها من
علم ما في خلفها من الخطأ والزلل والحمق والتعمق ،فارْضَ لنفسك ما رضي القوم لنفسهم ،وقال أيضا ِقفْ حيث
وقف القوم ،وقل كما قالوا ،واسكت عما سكتوا؛ فإنهم عن علم وقفوا ،وببصر ناقد كفوا ،وهم على كشفها كانوا أقوى،
وبالفضل لو كان فيها أحرى .أي فلئن كان الهدى ما أنتم عليه فلقد سبقتموهم إليه .ولئن قلتم حدث بعدهم فما أحدثه
إل من سلك غير سبيلهم ورغب بنفسه عنهم ،وإنهم لهم السابقون ،ولقد تكلموا منه بما يكفي ،و وصفوا منه ما يشفي،
فما دونهم مقصر ،ول فوقهم مجسر ،ولقد قصر عنهم قوم فجفوا ،وطمح آخرون عنهم فغلوا ،وإنهم فيما بين ذلك لعلى
سنّ رسول ال هدى مستقيم .وقال أيضا كلما كان مالك بن أنس وغيره من الئمة يستحسنونه ويحدثون به دائما ،قال َ
صلى ال عليه وسلم وولة المر بعده سننا الخْذُ بها تصديقٌ لكتاب ال واستكمال لطاعته وقوة على دينه ،ليس لحد
تغييرها ول تبديلها ول النظر في رأي من خالفها ،فمن اقتدى بما سنوا فقد اهتدى ،ومن استنصر بها منصور ،ومن
خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولة ال ما تولى وأصله جهنم وساءت مصيرا؛ ومن هنا أخذ الشافعي الحتجاج
بهذه الية على أن الجماع حجة .
وقال الشعبي عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس ،وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوا لك بالقول ،وقال أيضا ما
حدثوك به عن أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم فخذه وما حدثوك به عن رأيهم فانبذه في الحُش .
سعُك ما وسعهم،قال الوزاعي اصبر نفسك على السنة ،وقف حيث وقف القوم ،واسلك سبيل سلفك الصالح ،فإنه َي َ
خرْ عنهم خير خبئ لكم وقل بما قالوا ،وكف عما كفوا ،ولو كان هذا خيرا ما خصصتم به دون أسلفكم؛ فإنهم لم يُ ّد َ
دونهم لفضل عندكم ،وهم أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم الذين اختارهم ال له وبعثه فيهم ووصفهم فقال
( محمد رسول ال والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ) الية .
لم يزل أهل العلم يحتجون بفتاوى الصحابة
الوجه السادس والربعون أنه لم َيزَل أهل العلم في كل عصر ومصر يحتجون بما هذا سبيله في فتاوي الصحابة
وأقوالهم ،ول ينكره منكر منهم ،وتصانيف العلماء شاهدة بذلك ،ومناظراتهم ناطقة به .
قال بعض علماء المالكية أهل العصار مجمعون على الحتجاج بما هذا سبيله ،وذلك مشهور في رواياتهم وكتبهم
ومناظراتهم واستدللتهم ،ويمتنع والحالة هذه إطْبَاقُ هؤلء كلهم على الحتجاج بما لم يشرع ال ورسوله الحتجاج
صبَه دليلً للمة ،فأي كتاب شئت من كتب السلف والخلف المتضمنة للحكم والدليل وجَدْت فيه الستدلل به ول ن َ
بأقوال الصحابة ،و وجدت ذلك طرازها وزينتها ،ولم تجد فيها قط ليس قول أبي بكر وعمر حجة ،ول يحتج بأقوال
أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وفتاويهم ،ول ما يدل على ذلك ،وكيف يطيب قلبُ عالم يقدّم على أقوال من
وافق ربه تبارك وتعالى في غير حكم فقال وأفتى بحضرة الرسول صلى ال عليه وسلم ونزل القرآن بموافقة ما قال
لفظا ومعنى قولَ متأخر بعده ليس له هذه الرتبة ول ما يدانيها ؟ وكيف يظن أحد أن الظن المستفاد من آراء المتأخرين
أرجح من الظن المستفاد من فتاوي السابقين الولين الذين شاهدوا الوحي والتنزيل وعرفوا التأويل وكان الوحي ينزل
خلل بيوتهم وينزل على رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو بين أظهرهم ؟ .
قال جابر والقرآن ينزل على رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يعرف تأويله ،فما عمل به من شئ عملنا به ،في
حديث حجة الوداع؛ فمستندهم في معرفة ُمرَاد الرب تعالى من كلمه ما يشاهدونه من فعل رسوله وهديه الذى هو
يفصل القرآن ويفسره ،فكيف يكون أحد من المة بعدهم أولى بالصواب منهم في شيء من الشياء ؟ هذا عين المحال
.
65
www.dorar.net الدرر
السنية
أقوال الصحابة في تفسير القرآن
فإن قيل فإذا كان هذا حكم أقوالهم في أحكام الحوادث ،فما تقولون في أقوالهم في تفسير القرآن ؟ هل هي حجة يجب
المصير إليها ؟
قيل ل ريب أن أقوالهم في التفسير أصوب من أقوال من بعدهم ،وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن تفسيرهم في حكم
المرفوع ،قال أبو عبد ال الحاكم في مستدركه وتفسير الصحابي عندنا في حكم المرفوع ،ومراده أنه في حكمه في
الستدلل به والحتجاج ،ل أنه إذا قال الصحابي في الية قول فلنا أن نقول هذا القول قول رسول ال صلى ال عليه
وسلم ،أو قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وله وجه آخر ،وهو أن يكون في حكم المرفوع بمعنى أن رسول ال
صلى ال عليه وسلم بين لهم معاني القرآن و َفسّره لهم كما وصفه ال سبحانه بقوله ( لتبين للناس ما نزل إليهم )
[ النحل ] 44 :فبين لهم القرآن بيانا شافيا كافيا ،وكان إذا أشكل على أحد منهم معنى سأله عنه فأوضحه له ،كما سأله
الصديق عن قوله تعالى ( من يعمل سُوءا يجز به ) [ النساء ]123 :فبين له المراد ،وكما سأله الصحابة عن قوله
تعالى ( الذين آمنوا ولم َي ْلبِسوا إيمانهم بظلم ) [ النعام ] 82 :فبين لهم معناها ،وكما سألته أم سلمة عن قوله تعالى
( فسوف يُحاسب حسابا يسيرا ) [ النشقاق ]8 :فبين لها أنه ال َعرْض ،وكما سأله عمر عن الكللة فأحاله على آية
الصيف التي في آخر السورة ،وهذا كثير جدا ،فإذا نقلوا لنا تفسير القرآن فتارة ينقلونه عنه بلفظه ،وتارة بمعناه،
فيكون ما فسروا بألفاظهم من باب الرواية بالمعنى ،كما َيرْوُون عنه السنة تارة بلفظها وتارة بمعناها ،وهذا أحسن
الوجهين ،وال أعلم .
بعض تفسير الصحابة يخالف الحاديث
فإن قيل فنحن نجد لبعضهم أقوال في التفسير تخالف الحاديث المرفوعة الصحاح ،وهذا كثير ،كما فسر ابن مسعود
الدخان بأنه الثر الذي حصل عن الجوع الشديد والقحط ،وقد صح عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه دخان يأتي قبل
يوم القيامة يكون من أشراط الساعة مع الدابة والدجال وطلوع الشمس من مغربها ،وفسر عمر بن الخطاب قوله
س ِكنُوهنّ من حيث سكنتم من ُوجْدِكم ) [ الطلق ] 6 :بأنها للبائنة والرجعية ،حتى قال ل َندَعُ كتاب ربنا تعالى ( أ ْ
لقول امرأة ،مع أن السنة الصحيحة في البائن تخالف هذا التفسير ،وفسر علي بن أبي طالب قوله تعالى ( والذين
يُتَ َوفّون منكم و َي َذرُون أزواجا يتربّصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) [ البقرة ] 234 :أنها عامة في الحامل
والحائل ،فقال تعتد أ ْبعَد الجلين ،والسنة الصحيحة بخلفه ،وفسر ابن مسعود قوله تعالى ( وأمهات نسائكم وربائبكم
اللتي في حجوركم من نسائكم اللتي دخلتم بهن ) [ النساء ]23 :بأن الصفة لنسائكم الولى والثانية؛ فل تحرم أم
المراة حتى يدخل بها ،والصحيح خلف قوله ،وأن [ أم ] المرأة تحرم بمجرد العقد على ابنتها ،والصفة راجعة إلى
قوله تعالى ( وربائبكم اللتى في حجوركم من نسائكم اللتي دخلتم بهن ) [ النساء ]23 :وهو قول جمهور الصحابة .
سجِل بأنه كاتب للنبي صلى ال عليه وسلم يسمى السجل ،وذلك َوهَمٌ وإنما السجل الصحيفة وفسر ابن عباس ال ّ
المكتوبة ،واللم مثلها في قوله تعالى؛ ( و َتلّه للجبين ) [ الصافات ]103:وفي قول الشاعر
* فخر صريعا لليدين وللفم *
أي نطوي السماء كما يطوي السجل على ما فيه من الكتاب ،وهذا كثير جدا ،فكيف يكون تفسير الصحابي حجة في
حكم المرفوع ؟ .
تفسير ما مضى
قيل الكلم في تفسيره كالكلم في فَتواه سواء بسواء ،وصورة المسألة هنا كصورتها هناك سواء بسواء ،وصورتها
أن ل يكون في المسألة نص يخالفه ،ويقول في الية قول ل يخالفه فيه أحد من الصحابة ،سواء علم اشتهاره أو لم
يعلم ،وما ذكر من هذه المثلة فقد فُقد فيه المران ،وهو نظير ما روي عن بعضهم من الفتاوى التي تخالف النص
وهم مختلفون فيها سَواء .
فإن قيل لو كان قوله حجة بنفسه لما أخطأ ،ولكان معصوما؛ لتقوم الحجة بقوله ،فإذا كان يفتي بالصواب تارة وبغيره
أخرى ،وكذلك تفسيره فمن أين لكم أن هذه الفتوى المعينة والتفيسر المعين من قسم الصواب ؟ إذ صورة المسألة أنه لم
يقم على المسألة دليل غير قوله ،وقوله ينقسم ،فما الدليل على أن هذا القول المعين من أحد القسمين ول بد ؟
66
www.dorar.net الدرر
السنية
قيل الدلّة المتقدمة تدل على انحصار الصواب في قوله في الصورة المفروضة الواقعة ،وهو أنه من الممتنع أن
يقولوا في كتاب ال الخطأ المحض ويمسك الباقون عن الصواب فل يتكلمون به ،وهذه الصورة المذكورة وأمثالها قد
خلّو عصرهم عن ناطق بالصواب واشتماله على ناطق بغيره فقط؛ تكلم فيها غيرهم بالصواب ،والمحظور إنما هو ُ
خرَجَ الجواب عن قولكم لو كان قول الواحد منهم حجة لما جاز عليه الخطأ ،فإن قوله لم يكن فهذا هو المحال ،وبهذا َ
بمجرده حجة ،بل بما انضاف إليه مما تقدم ذكره من القرائن .
قول التابعي وحجته
فإن قيل فبعض ما ذكرتم من الدلة يقتضي أن التابعي إذا قال قول ولم يخالفه صحابي ول تابعي أن يكون قوله حجة
.
فالجواب أن التابعين انتشروا انتشارا ل ينضبط لكثرتهم ،وانتشرت المسائل في عصرهم؛ فل يكاد يغلب على الظن
عدم المخالف لما أفتى به الواحد منهم ،فإن فرض ذلك فقد اختلف السلف في ذلك ،فمنهم من يقول يجب اتباع التابعي
فيما أفتى به ولم يخالفه فيه صحابي ول تابعى ،وهذا قول بعض الحنابلة والشافعية ،وقد صرح الشافعي في موضع
بأنه قاله تقليدا لعطاء ،وهذا من كمال علمه وفقهه رضى ال عنه ،فإنه لم يجد في المسألة غير قول عطاء ،فكان قوله
عنده أقوى ما وجد في المسألة ،وقال في موضع آخر وهذا يخرج على معنى قول عطاء ،والكثرون يفرقون بين
الصحابي والتابعي ،ول يخفى ما بينهما من الفروق ،على أن في الحتجاج بتفسير التابعي عن المام أحمد روايتين،
ومن تأمل كتب الئمة ومن بعدهم وجدها مشحونة بالحتجاج بتفسير التابعي .
الحكم إذا خالف قول الصحابي القياس
فإن قيل فما تقولون في قوله إذا خالف القياس ؟
قيل مَن يقول بأن قوله ليس بحجة فلهم قولن فيما إذا خالف القياس ،أحدهما أنه أولى أن ل يكون حجة؛ لنه قد خالف
حجة شرعية ،وهو ليس بحجة في نفسه ،والثاني أنه حجة في هذه الحال ،ويحمل على أنه قاله توقيفاً ،ويكون بمنزلة
المرسل الذي عمل به مرسله .
وأما من يقول إنه حجة فلهم أيضا قولن ،أحدهما أنه حجة وإن خالف القياس ،بل هو مقدم على القياس ،والنص مقدم
عليه ،فترتب الدلة عندهم القرآن ،ثم السنة ،ثم قول الصحابي ،ثم القياس ،والثاني ليس بحجة ،لنه قد خالفه دليل
شرعي وهو القياس؛ فإنه ل يكون حجة إل عند عدم ال ُمعَارض ،والولون يقولون قول الصحابي أقوى من المعارض
الذي خالفه من القياس لوجوه عديدة ،والخذ بأقْوَى الدليلين متعين ،وبال التوفيق .
فوائد تتعلق بالفتوى وأنواع السئلة
ولنختم الكتاب بفوائد تتعلق بالفتوى .
الفائدة الولى أسئلة السائلين لتخرج عن أربعة أنواع ل خامس لها الول أن يسأل عن الحكم فيقول؛ ما حكم كذا وكذا
.الثاني أن يسأل عن دليل الحكم .الثالث أن يسأل عن وجه دللته .الرابع أن يسأل عن الجواب عن معارِضِيه .
للمسؤول حالتان
فإن سأل الحكم فللمسئول حالتان ،إحداهما أن يكون عالما به ،والثانية أن يكون جاهل به ،فإن كان جاهلًحرم عليه
الفتاء بل علم ،فإن َفعَلَ فعليه إثمه وإثم المستفتي ،فإن كان يعرف في المسألة ما قاله الناس ولم يتبين له الصواب من
أقوالهم فله أن يذكر له ذلك ،فيقول فيها اختلف بين العلماء ،ويحكيه إن أمكنه للسائل ،وإن كان عالما بالحكم فللسائل
حالتان ،إحداهما أن يكون قد حَضَره وقت العمل و قد احتاج إلى السؤال ،فيجب على المفتي المبادرة على الفور إلى
جوابه ،فل يجوز له تأخير بيان الحكم له عن وقت الحاجة ،والحالة الثانية أن يكون قد سأل عن الحادثة قبل وقوعها،
فهذا ل يجب على المفتي أن يجيبه عنها ،وقد كان السلف الطيب إذا سئل أحدهم عن مسألة يقول للسائل هل كانت أو
وقعت ؟ فإن قال (( ل )) لم يجبه ،وقال دعنا في عافية ،وهذا لن الفتوى بالرأي ل تجوز إلعند الضرورة؛ تبيحه
كما تبيح الميتة عند الضطرار ،وهذا إنما هو في مسألة ل نص فيها ول إجماع ،فإن كان فيها نص أو إجماع فعليه
تبليغه بحسب المكان ،فمن سئل عن علم فكتمه ألجمه ال يوم القيامة بلجام من نار ،هذا إذا أمن المفتي غائلة الفتوى،
فإن لم يأمن غائلتها وخاف من ترتب شر أكثر من المساك عنها أمسك عنها ،ترجيحا لدفع أعلى المفسدتين باحتمال
أدناهما .وقد أمسك النبي صلى ال عليه وسلم عن نقض الكعبة وإعادتها على قواعد إبراهيم عليه السلم لجل حِدْثَان
67
www.dorar.net الدرر
السنية
عهد قريش بالسلم وأن ذلك ربما َنفّرهم عنه بعد الدخول فيه ،وكذلك إن كان عقل السائل ل يحتمل الجواب عما سأل
عنه ،وخاف المسؤول أن يكون فتنة له ،أمسك عن جوابه ،قال ابن عباس رضى ال عنهما لرجل سأله عن تفسير آية
وما يؤمنك أني لو أخبرتك بتفسيرها كفرت به ؟ أي جَحَدته وأنكرته وكفرت به ،ولم يرد أنك تكفر بال ورسوله .
للمفتي العدول عن جواب المستفتي
الفائدة الثانية يجوز للمفتي أن َي ْعدِل عن جواب المستفتي عما سأله عنه إلى ما هو أنفع له منه ،ول سيما إذا تضمن
ذلك بيان ما سأل عنه ،وذلك من كمال علم المفتى وفقهه ونصحه ،وقد قال تعالى ( يسئلونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم
من خير فللوالدين والقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن ال به عليم ) [ البقرة ] 215 :
صرِف؛ إذ هو أهمّ مما سألوه عنه ،ونبههم عليه بالسياق ،مع ذكره لهم في موضع فسألوه عن المُ ْن َفقِ فأجابهم بذِكر المَ ْ
سهُل عليهم إنفاقه ول يضرهم إخراجه ،وقد ظن آخر ،وهو قوله تعالى ( قل العفو ) [ البقرة ] 219 :وهو ما َ
بعضهم أن من ذلك قوله تعالى ( يسألونك عن الهلة ،قل هي مواقيت للناس والحج ) [ البقرة ] 189 :فسألوه عن
سبب ظهور الهلل خفيا ثم ل يزال يتزايد فيه النور على التدريج حتى يكمل ثم يأخذ في النقصان ،فأجابهم عن حكمة
ذلك من ظهور مواقيت الناس التي بها تمام مصالحهم في أحوالهم ومعاشهم ومواقيت أكبر عبادة من عبادتهم وهو
الحج ،وإن كانوا قد سألوا عن السبب فقد أجيبوا بما هو أنفع لهم مما سألوا عنه ،وإن كانوا إنما سألوا عن حكمة ذلك
فقد أجيبوا عن عين ما سألوا عنه .ولفظ سؤالهم محتمل؛ فإنهم قالوا ما بال الهلل يبدو دقيقا ثم يأخذ في الزيادة حتى
يتم ثم يأخذ في النقص ؟
للمفتي أن يجيب بأكثر مما سئل عنه
الفائدة الثالثة يجوز للمفتى أن يجيب السائل بأكثر مما سأله عنه ،وهو من كمال نصحه وعلمه وإرشاده ،ومن عاب
عطَنِه وضعف نصحه ،وقد ترجم البخاري لذلك في صحيحه فقال باب من أجاب السائل بأكثر ذلك فلقلة علمه وضيق َ
مما سأل عنه ،ثم ذكر حديث ابن عمر رضى ال عنهما ما يلبس المحرم ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( ل
يلبس ال ُقمْصَ ،ول العمائم ،ول السراويلت ،ول الخِفاف ،إل أن ل يجد َن ْعلَين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفلَ من
الكعبين ) فسئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عما يلبس المحرم ،فأجاب عما ل يلبس ،فتضمن ذلك الجواب عما
يلبس؛ فإن مال يلبس َمحْصور وما يلبسه غير محصور ،فذكر لهم النوعين ،وبين لهم حكم لبس الخف عند عدم النعل،
وقد سألوه صلى ال عليه وسلم عن الوضوء بماء البحر ،فقال لهم (( هو الطهور ماؤه ،الحل ميتته )) .
للمفتي أن يدل السائل على ما هو عوض عن الممنوع
الفائدة الرابعة من فقه المفتي ونُصحه إذا سأله المستفتي عن شيء فمنعه منه ،وكانت حاجته تدعوه إليه ،أن يدله على
ما هو عوض له منه ،فيسد عليه باب المحظور ،ويفتح له باب ال ُمبَاح ،وهذا ل يتأتى إل من عالم ناصح مشفق قد تاجر
ال وعامله بعلمه ،فمثاله في العلماء مثال الطبيب العالم الناصح في الطباء يَحمِي العليل عما يضره ،ويصف له ما
ينفعه ،فهذا شأن أطباء الديان والبدان ،وفي الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ( ما َبعَثَ ال من نبي إل
كان حقا عليه أن يَدّلَ أمته على خير ما يعلمه لهم ،وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم ) ،وهذا شأن خلف الرسل و َورَثَتهم
من بعدهم ،و رأيت شيخنا قدس ال روحه يَتحَرىّ ذلك في فتاويه مهما أمكنه ،ومن تأمل فتاويه وجد ذلك ظاهرا فيها،
وقد منع النبي صلى ال عليه وسلم بلل أن يشتري صاعا من التمر الجيد بصاعين من الرديء ،ثم دلّه على الطريق
المباح ،فقال ( بع الجمع بالدراهم ،ثم اشتر بالدراهم جِنَيبا ) فمنعه من الطريق المحرم وأرشده إلى الطريق المباح،
ولما سأله عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث والفضل بن عباس أن يستعملهما في جباية الزكاة ليصيبا ما يتزوجان به
منعهما من ذلك ،و أمر محمية بن جزء ـ وكان على الخمس ـ أن يعطيهما منه ما ينكحان به ،فمنعهما من الطريق
المحرم ،وفتح لهما باب الطريق المباح ،وهذا اقتداء منه بربه تبارك وتعالى ،فإنه يسأله عبدُه الحاجةَ فيمنعه إياها،
صلَحُ له وأنفع منها ،وهذا غاية الكرم والحكمة .
ويعطيه ما هو أ ْ
على المفتي تنبيه السائل على وجه الحتراز
الفائدة الخامسة إذا أفتى المفتي للسائل بشيء ينبغي له أن ينبهه على وجه الحتراز مما قد يذهب إليه الوهم منه من
خلف الصواب ،وهذا باب لطيف من أبواب العلم والنصح والرشاد ،ومثال هذا قوله صلى ال عليه وسلم ( ل ُيقْتَل
مؤمن بكافر ،ول ذو عهد في عهده ) فتأمل كيف أ ْتبَع الجملة الولى بالثانية رفعا لتوهم إهدار دماء الكفار مطلقاً وإن
68
www.dorar.net الدرر
السنية
كانوا في عهدهم؛ فإنه لما قال ( ل يقتل مؤمن بكافر ) فربما ذهب الوهم إلى أن دماءهم َهدَر ،ولهذا لو قتل أحدهم
ع ْهدٍ في عهده ) ولقد خفيت هذه اللطيفة الحسنة على من قال يقتل مسلم لم يقتل به ،فرفع هذا التوهم بقوله ( ول ذو َ
المسلم بالكافر المعاهد ،و َقدّر في الحديث ول ذو عهد في عهده بكافر ،ومنه قوله صلى ال عليه وسلم ( ل تجلسوا
عقّبه بالنهي عن المبالغة في تعظيمها على القبور ول تصلوا إليها ) فلما كان نهيه عن الجلوس عليها نوع تعظيم لها َ
ستُنّ كأحد من النساء أن اتقيتن، حتى تجعل قِ ْبلّة ،وهذا بعينه مشتق من القرآن ،كقوله تعالى لنساء نبيه ( يا نساء النبي لَ ْ
فل تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض ،وقلن قول معروفا ) [ الحزاب ] 32 :فنهاهن عن الخضوع بالقول،
فربما ذهب الوهم إلى الذن في الغلظ في القول والتجاوز ،فرفع هذا التوهم بقوله ( وقلنّ قول معروفا ) ومن ذلك
قوله تعالى ( والذين آمنو واتّبَعتْهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ،وما ألَ ْتنَاهم من عملهم من شيء ) [ الطور ] 21 :
حطّ الباء إلى درجة الذرية، لما أخبر سبحانه بإلحاق الذرية ول عمل لهم بآبائهم في الدرجة فربما توهم مُتوهم أن ُي َ
فرفع هذا التوهم بقوله ( وما ألتناهم من عملهم من شيء ) [ الطور ] 21 :أي ما َنقَصْنَا من الباء شيئا من أجور
حطّهم من درجتهم بنقص أجورهم ،ولما كان الوهم قد يذهب إلى أنه أعمالهم ،بل رفعنا ذريتهم إلى درجتهم ،ولم ُن ْ
يفعل ذلك بأهل النار كما يفعله بأهل الجنة قطع هذا الوهم بقوله تعالى ( كل أمرئ بما كسب رهين ) [ الطور ] 21 :
حرّمها ،وله كل شئ ) [ النمل ] 91 :فلما كان ذكر ومن هذا قوله تعالى ( إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي َ
عقْبه بقوله ( وله كل شئ ) [النمل ]91 :ومن ذلك قوله تعالى ( ومن ربوبيته البلدة الحرام قد يوهم الختصاص َ
يتوكل على ال فهو حسبه ،إن ال بالغ أمره ،قد جعل ال لكل شئ قدرا ) [ الطلق ] 3 :فلما ذكر كفايته للمتوكل عليه
فربما أوهم ذلك تعجيل الكفاية وقت التوكل فعقبه بقوله ( قد جعل ال لكل شئ قدرا ) [ الطلق ] 3 :أي وقتا ل يتعداه
فهو يَسُوقه إلى وقته الذي قدره له ،فل يستعجل المتوكل ويقول قد توكلت ودعوت فلم أر شيئا ولم تحصل لي الكفاية،
فال بالغ أمره في وقته الذي قدره له ،وهذا كثير جدا في القرآن والسنة ،وهو باب لطيف من أبواب فَهم النصوص .
على المفتي أن يذكر دليل الحكم ومأخذه وعلته
الفائدة السادسة ينبغي للمفتي أن يذكر دليل الحكم ومأخذه ما أمكنه من ذلك ،ول يُلقيه إلى المستفتي ساذجا مجردا عن
طنِه وقلة بضاعته من العلم ،ومن تأمل فتاوى النبي صلى ال عليه وسلم الذي قوله حجة عَدليله ومأخذه ،فهذا لضيق َ
بنفسه رآها مشتملة على التنبيه على حكمة الحكم ونظيره ووجه مشروعيته ،وهذا كما سئل عن َبيْع الرطب بالتمر
فقال ( أيَنْقصُ الرطب إذا جفّ ؟ ) قالوا نعم ،فزجر عنه ،ومن المعلوم أنه كان يعلم نقصانه بالجفاف ،ولكن نبههم
على علة التحريم وسببه .ومن هذا قوله لعمر وقد سأله عن قُ ْبلَة امرأته وهو صائم ،فقال ( أرأيت لو تمضمضت ثم
مَججْته ،أكان يضر شيئا ؟ ) قال ل ،فنبّه على أن مقدمة المحظور ل يلزم أن تكون محظورة؛ فإن غاية القُبلة أنها
مقدمة الجماع ،فل يلزم من تحريمه تحريم مقدمته ،كما أن وضع الماء في الفم مقدمة شربه ،وليست المقدمة محرمة .
ومن هذا قوله صلى ال عليه وسلم ( ل تُ ْنكَحُ المرأة على عمتها ول على خالتها ،فإنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم )
فذكر لهم الحكم ،ونبههم على علة التحريم .ومن ذلك قوله لبي النعمان بن بشير وقد خَصّ بعض ولده بغلم َنحَله
إياه ،فقال ( أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء ؟ ) قال نعم ،قال ( فاتقوا ال واعدلوا بين أولدكم ) وفي لفظ ( إن هذا
شهِدْ على هذا غَيري ) تهديداً ل إذنا ،فإنه ل يأذن في ل يصلح ) وفي لفظ ( إنى ل أشهد على جَوْر ) وفي لفظ ( أ ْ
الجور قطعا ،وفي لفظ رده ،والمقصود أنه نبهه على علة الحكم .ومن هذا قوله صلى ال عليه وسلم لرافع بن خديج
وقد قال له إنا لقُو العدو غدا ،وليس معنا مُدىً ،أفنذبح بالقَصَب ؟ فقال ( ما أ ْن َهرَ الدمَ و ُذ ِكرَ اسم ال عليه فكلْ ليس
السن والظفر ،وسأحدثك عن ذلك ،أما السن فعظم ،وأما الظفر فمُدى الحبشة ) فنبه على علة المنع من التذكية بهما
بكون أحدهما عظما؛ وهذا تنبيه على عدم التذكية بالعظام إما لنجاسة بعضها وأما لتنجيسه على مؤمني الجن ،ولكون
الخر مُدى الحبشة ،ففي التذكية بها تشبه بالكفار .ومن ذلك قوله ( إن ال ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر النسية،
فإنها رجس ) ومن ذلك قوله في الثمرة تصيبها الجائحة ( أرأيت إن منع ال الثمرة ،فبم يأكل أحدكم مال أخيه بغير
حق ؟ ) وهذا التعليل بعينه ينطبق على من استأجر أرضا للزراعة فأصاب الزرع آفة سماوية لفظا ومعنى ،فيقال
للمؤجر أرأيت إن مَنَع ال الزرع فبم تأكل مال أخيك بغير حق ؟ وهذا هو الصواب الذي َندِينُ ال به في المسألة ،وهو
اختيار شيخ السلم ابن تيمية .
69
www.dorar.net الدرر
السنية
والمقصود أن الشارع مع كون قوله حُجّة بنفسه يرشد المة إلى علل الحكام ومداركها وحكمها ،فورثته من بعده
كذلك .
ومن ذلك َنهْيه عن الخَذْف ،وقال (إنه يفقأ العين ويكسر السن ) ومن ذلك إفتاؤه للعاض يدَ غيره بإهدار دية ثَ ِنيّتِه لما
سقطت بانتزاع المعضوض يده من فيه ،ونبه على العلة بقوله ( أ َيدَعْ يَدَه في فيك َتقْضِمها كما يقضم الفحل ) وهذا من
أحسن التعليل وأبينه؛ فإن العاضّ لما صال على المعضوض جاز له أن يردّ صِياله عنه بانتزاع يده من فمه ،فإذا أدّى
ذلك إلى إسقاط ثناياه كان سقوطها بفعل مأذون فيه من الشارع فل يقابل بالدية ،وهذا كثير جدا في السنة؛ فينبغي
للمفتي أن ينبه السائل على علة الحكم ومأخذه إن عرف ذلك ،وإل حرم عليه أن يفتي بل علم .
وكذلك أحكام القرآن يرشد سبحانه فيها إلى مَدَاركها وعللها ،كقوله تعالى ( ويسألونك عن المحيض ،قل هو أذى،
فاعتزلوا النساء في المحيض ) [ البقرة ] 222 :فأمرسبحانه نبيه أن يذكر لهم علة الحكم قبل الحكم ،وكذلك قوله ( ما
أفاء ال على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ،كي ل يكون دُوَلةٌ
بين الغنياء منكم ) [ الحشر ] 7 :وكذلك قوله تعالى ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكال من
ال وال عزيز حكيم ) [ المائدة ] 38 :وقوله تعالى في جزاء الصيد ( ليذوق وَبَالَ أمره ) [ المائدة . ] 95 :
التمهيد للحكم المستغرب
الفائدة السابعة إذا كان الحكم مستغربا جدا مما لم تألفه النفوس وإنما ألفت خلفه فينبغي للمفتي أن يُ َوطّئ قبله ما كان
مُؤذنا به كالدليل عليه والمقدمة بين يديه ،فتأمل ذكره سبحانه قصة زكريا وإخراج الولد منه بعد انصرام عَصْر
الشبيبة وبلوغه السن الذي ل يولد فيه لمثله في العادة ،فذكر قصته مقدمة بين يدي قصة المسيح عليه السلم وولدته
من غير أب؛ فإن النفوس لما آنست بولد من بين شيخين كبيرين ل يُولد لهما عادةً سهُل عليها التصديق بولدة ولد من
غير أب ،وكذلك ذكر سبحانه قبل قصة المسيح ُموَافاة مريم رزقها في غير وقته وغير إبّانه ،وهذا الذي شجع نفس
زكريا وحركها لطلب الولد وإن كان في غير إبانه ،وتأمل قصة نسخ القِ ْبلَة لما كانت شديدة على النفوس جدا كيف
َوطّأ سبحانه قبلها عدة موطئات ،منها ذكر النسخ ،ومنها أنه يأتي بخير من المنسوخ أو مثله ،ومنها أنه على كل شيء
قدير ،وأنه بكل شيء عليم؛ فعموم قدرته وعلمه صالح لهذا المر الثاني كما كان صالحا للول .ومنها تحذيرهم
العتراض على رسوله كما اعترض من قبلهم على موسى بل أ َمرَهم بالتسليم والنقياد .ومنها تحذيرهم من الصغاء
إلى اليهود ،وأن تستخفهم شُبَههم ،فإنهم يَ َودّون أن َيرُدّوهم كفارا من بعد ما تبين لهم الحق .ومنها إخباره أن دخول
صرِ ،وإنما هو بإسلم الوجه والقصد والعمل والنية ل مع متابعة أمره .ومنها إخباره الجنة ليس بالتهوّدِ ول بالتن ّ
سعَته ،وأنه حيث ولّى المصلى وجهه فثم َوجْه ربك تبارك وتعالى ،فإنه واسع عليم ،فذكر الحاطتين سبحانه عن َ
الذاتية والعلمية ،فل يتوهمون أنهم في القبلة الولى لم يكونوا مستقبلين وجهه تبارك وتعالى ول في الثانية ،بل حيثما
توجهوا فثم وجهه تبارك وتعالى .ومنها أنه سبحانه وتعالى حَذّر نبيه صلى ال عليه وسلم من اتباع أهواء الكفار من
أهل الكتاب وغيرهم ،بل أمره أن يتبع هو وأمته ما أوحى إليه فيستقبلونه بقلوبهم وحدها .ومنها أنه ذكر عظمة بيته
س َفهَ من يرغب عنها ،وأمر باتباعها ،فنوّه بالبيت وبانيه وملته ،وكل هذا توطئة بين الحرام ،وعظمة بانيه وملته ،و َ
يدي التحويل ،مع ما في ضمنه من المقاصد الجليلة والمطالب السنية ،ثم ذكر فضل هذه المة وأنهم المة الوسط
سطَ النبياء صلوات ال وسلمه عليهم وخيارهم، العدل الخيار ،فاقتضى ذلك أن يكون نبيهم صلى ال عليه وسلم أو َ
و ِكتَابهم كذلك ،ودينهم كذلك ،وقبلتهم التي يستقبلونها كذلك ،فظهرت المناسبة شرعا وقدرا في أحكامه تعالى المرية
والقدرية ،وظهرت حكمته الباهرة ،وتجلّتْ للعقول الزكية المستنيرة بنور ربها تبارك وتعالى .
والمقصود أن المفتي جدير أن يذكر بين يدي الحكم الغريب الذي لم يؤلف مقدمات تؤ ِنسُ به ،وتدل عليه ،وتكون
تَوْطئة بين يديه ،وبال التوفيق .
للمفتي أن يحلف على ثبوت الحكم عنده
الفائدة الثامنة :يجوز للمفتي و المناظر أن يحلف على ثبوت الحكم عنده ،وإن لم يكن حلفه موجباً لثبوته عند السائل
والمنازع ،ليشعر السائل والمنازع له أنه على ثقة ويقين مما قال له ،وأنه غير شاك فيه ،فقد تناظر رجلن في مسألة؛
فحلف أحدهما على ما يعتقده ،فقال له منازعه :ل يثبت الحكم بحلفك ،فقال :إني لم أحلف ليثبت الحكم عندك ،و لكن
لعلمك أني على يقين وبصيرة من قولي ،وأن شبهتك ل تغير عندي في وجه يقيني بما أنا جازمٌ به .وقد أمر ال نبيه
70
www.dorar.net الدرر
السنية
أن يحلف على ثبوت الحق الذي جاء به في ثلثة مواضع من كتابه ،أحدها :قوله تعالى ( ويستنبئونك أحق هو ؟ قل
إي وربي إنه لحق ) [ يونس ] 53 :والثاني :قوله تعالى ( :وقال الذين كفروا ل تأتينا الساعة ،قل بلى وربي لتأتينكم
عالم الغيب ) [ سبأ ] 3 :و الثالث :قوله تعالى ( :زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا ،قل بلى وربي لتبعثن ) [ التغابن 7 :
] وقد أقسم النبي صلى ال عليه وسلم على ما أخبر به من الحق في أكثر من ثمانين موضعاً ،وهي موجودة في
الصحاح والمسانيد ،وقد كان الصحابة رضي ال عنهم يحلفون على الفتاوى والرواية ،فقال علي بن أبي طالب كرم
ال وجهه لبن عباس في مُتعة النساء :إنك امرؤ تائه ،فانظر ما ُتفْتِي به في متعة النساء ،فوال وأشهد بال لقد نهى
عنها رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ولما ولي عمر حمد ال وأثنى عليه ثم قال :يا أيها الناس ،إن رسول ال صلى
ال عليه وسلم أحَلّ المتعة ثلثاً ،ثم حرمها ثلثاً فأنا أقسم بال قسماً ل أجد أحداً من المسلمين متمتعاً إل َرجْمته ،إل أن
يأتي بأربعة من المسلمين يشهدون أن رسول ال أحلها بعد أن حرمها ،وقد حلف الشافعي في بعض أجوبته ،فقال
محمد بن الحكم :سألت الشافعي عن المُتعة كان يكون فيها طلق أو ميراث أو نفقة أو شهادة ؟ فقال :ل وال ما أدري .
وقال يزيد بن هارون :من قال :القرآن مخلوق أو شيء منه مخلوق فهو وال عندي زنديق .
وسئل عن حديث جرير في الرؤية ،فقال :وال الذي ل إله إل هو من كذب به ما هم إل زنادقة ،وأما المام أحمد
رحمة ال عليه ورضوانه فإنه حلف على عدة مسائل من فتاويه ،قيل :أيزيد الرجل في الوضوء على ثلث مرات ؟
فقال :ل وال ،إل رجل مُ ْبتَلى ،يعنى بالوسواس .وسئل عن تخلل الرجل لحيته إذا توضأ ،فقال :إي وال .وسئل يكون
ع ْلجَا بغير إذن المام ،فقال :ل وال .وقيل له :أتكره الصلة في المقصورة ؟ الرجل في الجهاد بين الصفين يُبَارز ِ
حمَي للمراء وأتباعهم ،وسئل أيؤجر الرجل على بغض من خالف فقال :إي وال ،قلت :وهذا لما كانت المقصورة ُت ْ
حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ فقال :إي وال .وسئل :من قال :القرآن مخلوق كافر ؟ فقال :إي وال .وسئل
هل صح عندك في النبيذ حديث ؟ فقال :وال ما صح عندي حديث واحد إل على التحريم .وسئل أ ُي ْكرَه الخِضَاب
بالسواد ؟ فقال :إي وال .وسئل عن الرجل يؤم أباه ويصلي الب خلفه ،فقال :إي وال .وسئل هل ُي ْكرَه النفخ في
الصلة ؟ فقال :إي وال .وسئل عن تزوج الرجل المسلم المة من أهل الكتاب ،فقال :ل وال .وسئل عن المرأة
تَسْتَلقي على َقفَاها وتنام ،يكره ذلك ؟ فقال :إي وال .وسئل عن الرجل َي ْرهَن جاريته فيطؤها وهي مرهونة ،فقال :ل
وال .وسئل عن حديث عمر بن الخطاب رضى ال عنه أنه قضى في رجل استسقى قوما وهو عطشان فلم يَسْقوه
فمات فأغرمهم عمر الدية ،تقول أنت كذا ؟ قال إي وال .وسئل عن الرجل إذا حُدّ في القذف ثم قذف زوجته
يُلعنها ؟ فقال :إي وال .وسئل [أ] يضرب الرجل رقيقه ؟ فقال إي وال ،ذكر هذه المسائل القاضي أبو علي الشريف
.
وقال المام أحمد في رواية ابنه صالح :وال لقد أعطيت المجهود من نفسي ،ولوددت أني أنجو من هذا المر كفَافا ل
عليّ ول لِي .وقال في روايته أيضا :وال لقد تمنيت الموت في المر الذي كان ،وإني لتمنى الموت في هذا ،وهذا
فتنة الدنيا .
وقال إسحاق بن منصور لحمد :يكره الخاتم من ذهب أو حديد ؟ فقال :إي وال .
ج ُر الرجل يأتي أهله وليس له شهوة في النساء ؟ فقال :إي وال ،يحتسب الولد ،وإن وقال إسحاق أيضا :قلت لحمد يُ ْؤ َ
لم ُيرِدْ الولد ،إل أنه يقول :هذه امرأة شابة .وقال له محمد بن عون :يا أبا عبد ال يقولون :إنك وقفت على عثمان،
فقال :كَذَبوا وال عليّ ،وإنما حدثتهم بحديث ابن عمر ( :كنا نفاضل بين أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ،
نقول :أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ،فيبلغ ذلك النبي صلى ال عليه وسلم ،فلم ينكره ،ولم يقل النبي صلى ال
عليه وسلم :ل تخايِروا بعد هؤلء ،فمن وقف على عثمان ولم يربع بعلي عليه السلم فهو على غير السنة ) .
وسئل أحمد هل المقام بالثغر أفضل من المقام بمكة ؟ فقال :إي وال .
وذكر أبو أحمد بن عَدِي في الكامل :أن أيوب بن إسحاق بن سافري قال :سألت أحمد فقلت :يا أبا عبد ال ،ابن إسحاق
إذا انفرد بحديث تقبله ؟ فقال :ل وال ،إني رأيته ُيحَدث عن جماعة بالحديث ول يفصل كلم ذا من كلم ذا .
جهَروقال صالح بن أحمد :قلت لبي :تقتل الحية والعقرب في الصلة ؟ فقال :إي وال .وقال أيضا :قلت لبيَ :ت ْ
بآمين ؟ فقال :إي وال المام وغير المام ،وقال أيضا :قلت لبيُ :يفْتَح على المام ؟ قال :إي وال .
71
www.dorar.net الدرر
السنية
وقال الميموني :قلت لحمد :ونحن نحتاج في رمضان أن ُنبَيّتَ الصوم من الليل ؟ فقال :إي وال .وقال الميموني
عطِبت وإذا فسدت ؟ فقال :إي وال .وقال الميموني أيضا :قلت لحمد :هل ثبت عن أيضا :تباع الفرس الحبيس إذا َ
النبي صلى ال عليه وسلم في العقيقة شيء ؟ فأملي على أبي إي وال ،وفي غير حديث عن النبي صلى ال عليه
وسلم ( :عن الغلم شاتان مكافئتان ،وعن الجارية شاة ) .
وقال إسحاق بن منصور :قلت لحمد :التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ؟ قال :إي وال .
وقال الكوسج أيضا :قلت لحمد :قال سفيان :تجزئه تكبيرة إذا نوى بها افتتاح الصلة ؟ قال أحمد إي وال ،تجزئه إذا
نوى ،ابن عمر وزيد .وقال أيضا :قلت لحمد :المؤذن يجعل أصبعيه في أذنيه ؟ قال إي وال .وقال أيضا :قلت
لحمد :سُئل سفيان عن امرأة ماتت وفي بطنها ولد يتحرك ،ما أرى بأساً أن يُشَق بطنها ،قال أحمد :بئس وال ما قال،
يردد ذلك ،سبحان ال ! بئس ما قال .وقال أيضا :قلت لحمد :تجوز شهادة رجل وامرأتين في الطلق ؟ قال :ل وال
جفَى ويُقصَى .
.وقال أيضا :قلت لحمد :المرجيء إذا كان داعيا ،قال :إي وال ُي ْ
وقال أبو طالب :قلت لحمد :رجل قال :القرآن كلم ال ليس بمخلوق ،ولكن لفظي هذا به مخلوق ،قال :مَن قال هذا
فقد جاء بالمر كله ،إنما هو كلم ال على كل حال ،والحجة فيه حديث أبي بكر ( ألم غلبت الروم ) [ أول سورة
الروم ] فقيل له :هذا مما جاء به صاحبك ؟ فقال :ل وال ،ولكنه كلم ال ،هذا وغيره ،وإنما هو كلم ال ،قلت ( :بسم
ال الرحمن الرحيم الحمد ل الذي خلق السموات والرض ،وجعل الظلمات والنور ،ثم الذين كفروا بربهم َي ْعدِلون )
[ أول النعام ] هذا الذي قرأت الساعة كلم ال ؟ قال :إي وال هو كلم ال .ومن قال ( :لفظي بالقرآن مخلوق ) فقد
جاء بالمر كله .
وقال الفضل بن زياد :سألت أبا عبد ال عن حديث ابن شُ ْبرُمة عن الشعبي في رجل نذر أن يطلق امرأته ،فقال له
الشعبي :أ ْوفِ بنذرك ،أترى ذلك ؟ فقال :ل وال .وقال الفضل أيضا :سمعت أبا عبد ال وذكر يحيى بن سعيد القطان،
فقال :ل وال ،ما أدركنا مثله .
عيْنٌ نظرت بعد النبي صلى ال عليه وسلم خيرا من أبي بكر ،ول بعد أبي بكر وذكر أحمد في رسالته إلى مُسَدّد ول َ
عين نظرت خيرا من عمر ،ول بعد عمر عين نظرت خيرا من عثمان ،ول بعد عثمان عين نظرت خيرا من علي بن
أبي طالب ،رضى ال عنهم ! ثم قال أحمد :هم وال الخلفاء الراشدون المهديون .
وقال الميوني :قلت لحمد جابر الجعفي ،قال :كان يرى التشيع ،قلت :قد يتهم في حديثه بالكذب ؟ قال :إي وال .قال
القاضي :فإن قيل كيف استجاز المام أحمد أن يحلف في مسائل مختلف فيها ؟ قيل :أما مسائل الصول فل يسوغ فيها
غلَب على ظنه صحة ذلك حلف عليه ،كما لو وجد في دفتر أبيه أن اختلف فهي إجماع ،وأما مسائل الفروع فإنه لما َ
له على فلن دينا جاز له أن يدعيه لغلبة الظن بصدقه ،قلت :ويحلف عليه ،قال :فإن قيل :أليس قد امتنع من اليمين
على إسقاط الشفعة بالجوار ،قيل :لن اليمين هناك عند الحاكم ،والنية فيه للخصم ،قلت :ولم يمنع أحمد اليمين لهذا ،بل
شفعة الجوار عنده مما يسوغ القول بها ،وفيها أحاديث صحاح ل ترد ،ولهذا اختلف قوله فيها ،فمرة نفاها ،ومرة
أثبتها ،ومرة فصل بين أن يشتركا في حقوق الملك كالطريق والماء وغيره وبين أل يشتركا في شيء من ذلك فل
يثبت ،وهذا هو الصواب الذي ل ريب فيه ،وبه تجتمع الحاديث ،وهو اختيار شيخ السلم ،ومذهب فقهاء البصرة،
ول يختار غيره ،وقد روى أحمد عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم حلفوا في الرواية والفتوى وغيرها تحقيقا و
تأكيدا للخبر ل إثباتا له باليمين ،وقد قال تعالى ( :فورب السماء والرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون ) [ الذاريات :
]23وقال تعالى ( :فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ) [ النساء ]65 :الية ،وقال تعالى ( :فوربك
لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) [ الحجر ]93-92 :وكذلك أقسم بكلمه كقوله تعالى ( :يس والقرآن الحكيم )
[ أول يس ] ( ق والقرآن المجيد ) [ أول ق ] ( ص والقرآن ذي الذكر ) [أول ص ] وأما إقسامه بمخلوقاته التي هي
آيات دالة عليه فكثير جدا .
على المفتي استعمال لفظ النص في فتواه
الفائدة التاسعة :ينبغي للمفتي أن يفتي بلفظ النص مهما أمكنه؛ فإنه يتضمن الحكم و الدليل مع البيان التام ،فهو حكم
مضمون له الصواب ،متضمن للدليل عليه في أحسن بيان ،وقول الفقيه المعين ليس كذلك ،وقد كان الصحابة
خلُوف رغِبوا عن والتابعون والئمة الذين سلكوا على منهاجهم يتحرون ذلك غاية التحري ،حتى خلفت من بعدهم ُ
72
www.dorar.net الدرر
السنية
النصوص ،واشتقوا لهم ألفاظا غير ألفاظ النصوص ،فأوجب ذلك هجر النصوص ،ومعلوم أن تلك اللفاظ ل تفي بما
تفي به النصوص من الحكم والدليل وحسن البيان ،فتولد من هجران ألفاظ النصوص والقبال على اللفاظ الحادثة
وتعليق الحكام بها على المة من الفساد ما ل يعلمه إل ال ،فألفاظ النصوص عصمة وحجة بريئة من الخطأ
والتناقض والتعقيد والضطراب .
علوم الصحابة أصح من علوم من بعدهم
ولما كانت هي عصمة عهدة الصحابة وأصولهم التي إليها يرجعون كانت علومهم أصَحّ من علوم مَنْ بعدهم،
وخطؤهم فيما اختلفوا فيه أقل من خطأ من بعدهم ،ثم التابعون بالنسبة إلى من بعدهم كذلك ،وهلم جرا ولما استحكم
هجران النصوص عند أكثر أهل الهواء والبدع كانت علومهم في مسائلهم وأدلتهم في غاية الفساد والضطراب
والتناقض ،وقد كان أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا سُئلوا عن مسألة يقولون :قال ال كذا ،قال رسول ال
صلى ال عليه وسلم كذا ،أو فعل [ رسول ] ال كذا ،و ل يعدلون عن ذلك ما وجدوا إليه سبيل قط ،فمن تأمل أجوبتهم
وجدها شفاء لما في الصدور ،فلما طال العهد و َبعُد الناس من نور النبوة صار هذا عيبا عند المتأخرين أن يذكروا في
أصول دينهم وفروعه قال ال ،وقال رسول ال .
ضللة الخلف في الصول والفروع
أما أصول دينهم فصرحوا في كتبهم أن قول ال ورسوله ل يفيد اليقين في مسائل أصول الدين ،وإنما يحتج بكلم ال
ورسوله فيها الحشوية والمجسّمة والمشبهة ،وأما فروعهم فقنعوا بتقليد من اختصر لهم بعض المختصرات التي ل
يذكر فيها نص عن ال ول عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ول عن المام الذي زعموا أنهم قلدوه دينهم ،بل
عمدتهم فيما يفتون ويقضون به وينقلون به الحقوق ويبيحون به الفروج والدماء والموال على قول ذلك المصنف،
وأجلهم عند نفسه وزعيمهم عند بني جنسه من يستحضر لفظ الكتاب ،ويقول هكذا قال ،وهذا لفظه؛ فالحلل ما أحله
ذلك الكتاب ،والحرام ما حرمه ،والواجب ما أوجبه ،والباطل ما أبطله ،والصحيح ما صححه .هذا .
فساد التقليد في عصر ابن القيم
وأنّى لنا بهؤلء في مثل هذه الزمان ،فقد دفعنا إلى أمر تضج منه الحقوق إلى ال ضجيجا ،وتعج منه الفروج
والموال والدماء إلى ربها عجيجا ،تبدل فيه الحكام ،ويقلب فيه الحلل والحرام ،ويجعل المعروف فيه أعلى مراتب
المنكرات ،والذي لم يشرعه ال ورسوله من أفضل القربات ،الحقّ فيه غريبٌ ،وأغرب منه من يعرفه ،وأغرب منهما
ص ْبحَه عن غياهب الظلمات وأبان طريقه المستقيم من يدعو إليه وينصح به نفسه والناس ،قد فلق بهم فالق الصباح ُ
من بين تلك الطرق الجائرات ،وأراه بعين قلبه ما كان عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه مع ما عليه أكثر
الخلق من البدع المضلت ،رفع له علم الهداية فشمر إليه ،ووضح له الصراط المستقيم فقام واستقام عليه ،وطوبى له
من وحيد على كثرة السكان ،غريب على كثرة الجيران ،بين أقوام رؤيتهم قذى العيون ،وشجى الحلوق ،وكرب
النفوس ،وحمى الرواح وغم الصدور ،ومرض القلوب ،وإن أنصفتهم لم تقبل طبيعتهم النصاف ،وإن طلبته منهم
فأين الثريا من يد الملتمس ،قد انتكست قلوبهم ،وعمي عليهم مطلوبهم ،رضوا بالماني ،وابتلوا بالحظوظ ،وحصلوا
شِلهِ أقدامهم ،ول على الحرمان ،وخاضوا بحار العلم لكن بالدعاوي الباطلة وشقاشق الهذيان ،ول وال ما ابتلت من َو َ
زكت به عقولهم وأحلمهم ،ول ابيضت به لياليهم ،وأشرقت بنوره أيامهم ،ول ضحكت بالهدى والحق منه وجوه
الدفاتر إذ ُبلّتْ بمداده أقلمهم ،أ ْن َفقُوا في غير شيء نفائس النفاس ،وأتعبوا أنفسهم وحيروا من خلفهم من الناس،
ضيعوا الصول ،فحرموا الوصول ،وأعرضوا عن الرسالة ،فوقعوا في َمهَامة الحيرة وبيداء الضللة .
والمقصود أن العصمة مضمونة في ألفاظ النصوص ومعانيها في أتم بيان وأحسن تفسير ،ومن رام إدراك الهدى
شكَاتها فهو عليه عسير غير يسير .
ودين الحق من غير مِ ْ
على المفتي أن يضرع إلى ال ليلهمه الصواب
فصل :الفائدة العاشرة :ينبغي للمفتي الموفق إذا نزلت به المسألة أن ينبعث من قلبه الفتقار الحقيقي [ الحالي ] ل
العلمي المجرد إلى ملهم الصواب ،ومعلم الخير ،وهادي القلوب ،أن يلهمه الصواب ،ويفتح له طريق السداد ،ويَ ُدلّه
على حكمه الذي شرعه لعباده في هذه المسألة ،فمتى َقرَع هذا الباب فقد قرع باب التوفيق ،وما أجدر من أمّلَ فضل
ربه أن ل يحرمه إياه ،فإذا وجد من قلبه هذه الهمة فهي طلئع بشرى التوفيق ،فعليه أن يوجه وجهه ويحدق نظره إلى
73
www.dorar.net الدرر
السنية
سعَه في
منبع الهدى ومعدن الصواب ومطلع الرشد وهو النصوص من القرآن والسنة وآثار الصحابة ،فيستفرغ ُو ْ
تعرف حكم تلك النازلة منها ،فإن ظفر بذلك أخبر به ،وإن اشتبه عليه بادر إلى التوبة والستغفار والكثار من ذكر
ال ،فإن العلم نور ال يقذفه في قلب عبده ،والهوى والمعصية رياح عاصفة تطفئ ذلك النور أو تكاد ،ول بد أن
تضْعفه .
ضراعة ابن تيمية إلى ال يساله الهدى إلى الصواب
وشهدتُ شيخ السلم قدس ال روحه إذا أعيته المسائل واستصعبت عليه فر منها إلى التوبة والستغفار والستغاثة
بال واللّجأ إليه ،واستنزال الصواب من عنده ،والستفتاح من خزائن رحمته ،فقلمّا يلبث المدد اللهي أن يتتابع عليه
مدا ،وتزدلف الفتوحات اللهية إليه بأيتهن يبدأ ،ول رَيْبَ أن من وفق لهذا الفتقار علما وحال وسار قلبه في ميادينه
حرِمه فقد منع الطريق والرفيق ،فمتى أعين مع هذا الفتقار ببذل حظّه من التوقيق ،ومن ُ بحقيقة وقصد فقد أعطى َ
الجهد في درك الحق فقد سلك به الصراط المستقيم ،وذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال ذو الفضل العظيم .
ل يحل لنسان الفتاء إل بما يكون منه على بينة
الفائدة الحادية عشرة :إذا نزلت بالحاكم أو المفتى النازلة فإما أن يكون عالما بالحق فيها أو غالبا على ظنه بحيث قد
غلَبَ على ظنه لم يحل له أن يفتي ،ول استفرغ وسعه في طلبه ومعرفته ،أو ل ،فإن لم يكن عالما بالحق فيها ول َ
يقضي بما ل يعلم ،ومتى أقدم على ذلك فقد تعرض لعقوبة ال ،ودخل تحت قوله تعالى ( :قل إنما حرم ربي الفواحش
ما ظهر منها وما بطن ،والثم والبغي بغير الحق ،وأن تشركوا بال ما لم ينزل به سلطانا ،وأن تقولوا على ال ما ل
تعلمون ) [ العراف ] 33 :فجعل القول عليه بل علم أعظم المحرمات الربع التي ل تُباح بحال ،ولهذا حَصَر
التحريم فيها بصيغة الحصر .ودخل تحت قوله تعالى ( :ول تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ،إنما يأمركم
بالسوء والفحشاء ،وأن تقولوا على ال ما ل تعلمون ) [ البقرة ]169-168 :ودخل في قول النبي صلى ال عليه
وسلم ( :من أفتى بغير علم فإنما إثمه على من أفتاه ) وكان أحد القضاة الثلثة الذين ثلثاهم في النار ،وإن كان قد
عرَف الحق في المسألة علما أو ظنا غالبا لم يحل له أن يفتي ول يقضي بغيره بالجماع المعلوم بالضرورة من دين َ
السلم ،وهو أحد القضاة الثلثة والمفتين الثلثة والشهود الثلثة ،وإذا كان من أفتى أو حكم أو شهد بغير علم مرتكبا
لعظم الكبائر ،فكيف من أفتى أو حكم أو شهد بما يعلم خلفه ؟ فالحاكم والمفتي والشاهد كل منهم مخبر عن حكم ال،
فالحاكم مخبر منفذ ،والمفتي مخبر غير منفذ ،والشاهد مخبر عن الحكم الكوني القدري المطابق للحكم الديني المري؛
فمن أخبر منهم عما يعلم خلفه فهو كاذب على ال عمدا ( ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على ال وجوههم مسودة )
[ الزمر ] 60 :ول أظلم ممن كذب على ال وعلى دينه ،وإن أخبروا بما لم يعلموا فقد كذبوا على ال جهل ،و إن
أصابوا في الباطن ،وأخبروا بما لم يأذن ال لهم في الخبار به .وهم أسوأ حال من القاذف إذا رأى الفاحشة وحده
فأخبر بها فإنه كاذب عند ال وإن أخبر بالواقع؛ فإن ال لم يأذن له في الخبار بها إل إذا كان رابع أربعة ،فإن كان
كاذبا عند ال في خبر مطابق لمخبره حيث لم يأذن له في الخبار به فكيف بمن أخبر عن حكمه بما لم يعلم أن ال حكم
به ولم يأذن له في الخبار به ؟ قال ال تعالى ( ول تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلل وهذا حرام لتفتروا على
ال الكذب ،إن الذين يفترون على ال الكذب ل يفلحون ،متاع قليل ،ولهم عذاب أليم ) [ النحل ] 117-116 :وقال
تعالى ( :فمن أظلم ممن كذب على ال وكذب بالصدق إذ جاءه ) [ الزمر ] 32 :والكذب على ال يستلزم التكذيب
بالحق والصدق ،وقال تعالى ( :ومن أظلم ممن افترى على ال كذبا ،أولئك ُي ْعرَضون على ربهم ويقول الشهاد هؤلء
الذين كذبوا على ربهم ،أل لعنة ال على الظالمين ) [ هود ] 18 :وهؤلء اليات وإن كانت في حق المشركين
والكفار فإنها متناولة لمن كذب على ال في توحيده ودينه وأسمائه وصفاته وأفعاله ،و ل تتناول المخطئ المأجور إذا
س َعهُ في إصابة حكم ال وشرعه ،فإن هذا هو الذي َفرَضه ال عليه ،فل يتناول المطيع ل و إن بذل جهده واستفرغ وُ ْ
أخطأ ،وبال التوفيق .
يظهر حكم ال على أربعة ألسنة
الفائدة الثانية عشرة :حكم ال ورسوله يظهرعلى أربعة ألسِنَة :لسان الراوي ،ولسان المفتي ،ولسان الحاكم ،ولسان
الشاهد؛ فالرواي يظهر على لسانه لفظ حكم ال ورسوله ،والمفتي يظهر على لسانه معناه وما استنبطه من لفظه،
74
www.dorar.net الدرر
السنية
والحاكم يظهر على لسانه الخبار بحكم ال وتنفيذه ،والشاهد يظهر على لسانه الخبار بالسبب الذي يثبت حكم الشارع
.
واجب الراوي والمفتي والحاكم والشاهد
والواجب على هؤلء الربعة أن يخبروا بالصدق المستند إلى العلم ،فيكونون عالمين بما يخبرون به ،صادقين في
الخبار به .
آفتهم الكذب والكتمان
وآفة أحدهم الكذب والكتمان ،فمتى كتم الحق أو كذب فيه فقد حَادّ ال في شرعه ودينه ،وقد أجرى ال سنته أن َيمَحق
عليه بركة علمه ودينه ودنياه إذا فعل ذلك ،كما أجرى عادته سبحانه في المتبايعين إذا َكتَما وكذبا أن يمحق بركة
بيعهما ،ومن التزم الصدق والبيان منهم في مرتبته بورك له في علمه و وقته ودينه ودنياه ،وكان مع النبيين
والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ،ذلك الفضل من ال وكفى بال عليما ،فبالكتمان يعزل الحق عن
سلطانه ،وبالكذب يقلبه عن وجهه ،والجزاء من جنس العمل ،فجزاء أحدهم أن يعزله ال عن سلطان المهابة والكرامة
والمحبة والتعظيم الذي يلبسه أهل الصدق والبيان ،ويلبسه ثوب الهوان وال َمقْت والخزْي بين عباده ،فإذا كان يوم
طمَسُوا وجه الحق طمْس الوجوه ورَدّها على أدبارها كما َ القيامة جازى ال سبحانه مَنْ يشاء من الكاذبين الكاتمين ب َ
وقلبوه عن وجهه جزاء وفاقا ( وما ربك بظلم للعبيد ) [ فصلت . ] 46 :
ل يجوز لمفت الحكم على الشيء إل بما حكم ال به
الفائدة الثالثة عشرة :ل يجوز للمفتي أن يشهد على ال ورسوله بأنه أحل كذا أوحرمه أو أوجبه أوكرهه إل لما يعلم
أن المر فيه كذلك مما نص ال ورسوله على إباحته أو تحريمه أو إيجابه أو كراهته .وأما ما وجده في كتابه الذي
تلقاه عمن قلده دينه فليس له أن يشهد على ال ورسوله به ،ويغر الناس بذلك ،ول علم له بحكم ال ورسوله .
قال غير واحد من السلف :ليحذر أحدكم أن يقول :أحل ال كذا ،أو حرم ال كذا ،فيقول ال له كذبت ،لم أحل كذا ولم
أحرمه .
صرْت حصنا وثبت في صحيح مسلم من حديث بريدة بن الحصيب أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ( :وإذا حا َ
فسألوك أن تنزلهم على حكم ال ورسوله فل تنزلهم على حكم ال ورسوله ،فإنك ل تدري أ تصيب حكم ال فيهم أم ل،
ولكن أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك ) .
وسمعت شيخ السلم يقول :حضرت مجلسا فيه القضاة وغيرهم ،فجرت حكومة حكم فيها أحدهم بقول ُزفَر ،فقلت
له :ما هذه الحكومة ؟ فقال :هذا حكم ال ،فقلت له :صار قول زفر هو حكم ال الذي حكم به وألزم به المة ؟ ! .قل:
هذا حُكم زفر ،ول تقل :هذا حكم ال ،أو نحو هذا من الكلم .
أحوال السائل وموقف المفتي منه
الفائدة الرابعة عشرة :المفتي إذا سئل عن مسألة فإما أن يكون قصد السائل فيها معرفة حكم ال ورسوله ليس إل ،وإما
ش َهرَ المفتي نفسه باتباعه وتقليده دون غيره من الئمة ،وإما أن يكون أن يكون قصده معرفة ما قاله المام الذي َ
مقصوده معرفة ما ترجح عند ذلك المفتي وما يعتقده فيها لعتقاده علمه ودينه وأمانته ،فهو يرضى تقليده [ هو ]،
وليس له غرض في قول إمام بعينه؛ فهذه أجناس الفتيا التي ترد على المفتين .
ففرض المفتي في القسم الول أن يجيب بحكم ال ورسوله إذا عرفه وتيقنه ،ل يسعه غير ذلك .
وأما في القسم الثاني :فإذا عرف قول المام نفسه وَسِعه أن يخبر به ،ول يحل له أن ينسب إليه القول ويطلق عليه أنه
قوله بمجرد ما يراه في بعض الكتب التي حفظها أو طالعها من كلم المنتسبين إليه؛ فإنه قد اختلطت أقوال الئمة
وفتاويهم بأقوال المنتسبين إليهم واختياراتهم؛ فليس كل ما في كتبهم منصوصا عن الئمة ،بل كثير منه يخالف
نصوصهم ،وكثير منه ل نص لهم فيه ،وكثير منه يخرج على فتاويهم ،وكثير منه أفتوا به بلفظه أو بمعناه ،فل يحل
طرَ المفتي وأصعب مقامه خَلحد أن يقول (( :هذا قول فلن ومذهبه )) إل أن يعلم يقينا أنه قوله ومذهبه ،فما أعظم َ
بين يدى ال تعالى ! وأما القسم الثالث :فإنه يسعه أن يخبر المستفتى بما عنده في ذلك مما يغلب على ظنه أنه
الصواب ،بعد بذل جهده واستفراغ وسعه .ومع هذا فل يلزم المستفتي الخذ بقوله ،وغايته أنه يسوغ له الخذ به .
75
www.dorar.net الدرر
السنية
فلينزل المفتي نفسه في منزلة من هذه المنازل الثلث ،و ْل َيقُم بواجبها؛ فإن الدين دين ال وال سبحانه ول بُدّ سائله عن
كل ما أفتى به ،وهو موقرة عليه ،و ُمحَاسب ول بد ،وال المستعان .
يفتي المفتي بما يعتقد أنه الصواب وإن كان خلف مذهبه
الفائدة الخامسة عشرة :ليحذر المفتي الذي يخاف مقامه بين يدي ال سبحانه أن يفتي السائل بمذهبه الذي يقلده ،وهو
يعلم أن مذهب غيره في تلك المسألة أرجح من مذهبه وأصح دليلً ،فتحمله الرياسة على أن يقتحم الفتوى بما يغلب
على ظنه أن الصواب في خلفه؛ فيكون خائنا ل ورسوله وللسائل وغاشّا له ،وال ل يهدي كيد الخائنين ،وحرم الجنة
على من لقيه وهو غاشّ للسلم وأهله ،والدين النصيحة ،والغش مضاد للدين كمضادة الكذب للصدق والباطل للحق،
وكثيراً ما َترِد المسألة نعتقد فيها خلف المذهب فل يسعنا أن نفتي بخلف ما نعتقده فنحكي المذهب الراجح ونرجحه،
ونقول هذا هو الصواب ،وهو أولى أن يؤخذ به ،وبال التوفيق .
ل يجوز للمفتي إلقاء المستفتي في الحيرة
الفائدة السادسة عشرة :ل يجوز للمفتي الترويج وتخيير السائل وإلقاؤه في الشكال والحيرة ،بل عليه أن يبين بيانا
مزيل للشكال ،متضمنا لفصل الخطاب ،كافيا في حصول المقصود ،ل يحتاج معه إلى غيره ،ول يكون كالمفتي
الذي سُئل عن مسألة في المواريث فقال :يقسم بين الورثة على فرائض ال عزوجل وكتبه فلن ،وسئل آخر عن صلة
الكسوف فقال :تصلي على حديث عائشة ـ وإن كان هذا أعلم من الول ـ وسئل آخر عن مسألة من الزكاة فقال :أما
أهل اليثار فيخرجون المال كله ،وأما غيرهم فيخرج القدر الواجب عليه ـ أو كما قال ـ وسئل آخر عن مسألة فقال:
فيها قولن ،ولم يزد .
قال أبو محمد بن حزم وكان عندنا ُمفْتٍ إذا سئل عن مسألة ل يفتي فيها حتى يتقدمه مَنْ يكتب ،فيكتب هو :جوابي فيها
مثل جواب الشيخ ،فقدر أن مفتيين اختلفا في جواب ،فكتب تحت جوابهما :جوابي مثل جواب الشيخين ،فقيل له :إنهما
قد تناقضا ،فقال :وأنا أتناقض كما تناقضا ،وكان في زماننا رجل مُشَار إليه بالفتوى ،وهو مقدم في مذهبه ،وكان نائب
السلطان يرسل إليه في الفتاوى فيكتب يجوز كذا ،أو يصح كذا ،أو ينعقد بشرطه ،فأرسل إليه يقول له :تأتينا فتاوي
منك فيها يجوز أو ينعقد أو يصح بشرطه ،ونحن ل نعلم شرطه ،فإما أن تبين شرطه وإما أن ل تكتب ذلك .وسمعت
شيخنا يقول :كل أحد يحسن أن يفتي بهذا الشرط؛ فإن أي مسألة وردت عليه يكتب فيها يجوز بشرطه ،أو يصح
بشرطه ،أو يقبل بشرطه ونحو ذلك ،وهذا ليس بعلم ،ول يفيد فائدة أصل سوى حيرة السائل وتبلده ،وكذلك قول
شرَيحا وأشباهه لما كان مردّ بعضهم في فتاويه :يرجع في ذلك إلى رأي الحاكم ،فيا سبحان ال ! وال لو كان الحاكم ُ
أحكام ال ورسوله إلى رأيه فضل عن حكام زماننا فال المستعان .وسئل بعضهم عن مسألة فقال :فيها خلف ،فقيل
له :كيف يعمل المفتي ؟ فقال :يختار له القاضي أحد المذهبين .قال أبو عمرو بن الصلح كنت عند أبي السعادات ابن
جزَري ،فحكي عن بعض المفتين أنه سئل عن مسألة فقال فيها قولن ،فأخذ ُي ْزرِى عليه ،وقال هذا حَيْدٌ عن الثير ال َ
عمَايته ولم يأت بالمطلوب قلت :وهذا فيه تفصيل؛ فإن المفتي المتمكن من العلم الفتوى ،ولم يخلص السائل من َ
جزْم بغير علم ،وغاية ما يمكنه أن يذكر المضطلع به قد يتوقف في الصواب في المسألة المتنازع فيها فل يقدم على ال َ
الخلف فيها للسائل ،وكثيرا ما يسأل المام أحمد رضي ال عنه وغيره من الئمة عن مسألة فيقول :فيها قولن ،أو قد
سعَة علمه وورعه ،وهو كثير في كلم المام الشافعي رضي ال عنه، اختلفوا فيها ،وهذا كثير في أجوبة المام أحمد ل َ
يذكر المسألة ثم يقول :فيها قولن .وقد اختلف أصحابه هل يضاف القولن اللذان يحكيهما إلى مذهبه وينسبان إليه أم
علَى طريقين ،وإذا اختلف علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وزيد وأُبي وغيرهم من الصحابة رضي ال ل؟ َ
عنهم ولم يتبين للمفتي القول الراجح من أقوالهم فقال :هذه مسألة اختلف فيها فلن وفلن من الصحابة ،فقد انتهى إلى
ما يقدر عليه من العلم ،قال أبو اسحاق الشيرازي :سمعت شيخنا أبا الطيب الطبري يقول :سمعت أبا العباس
الحضرمي يقول :كنت جالسا عند أبي بكر بن داود الظاهري ،فجاءته امرأة فقالت :ما تقول في رجل له زوجة ل هو
ممسكها و ل هو مطلقها ،فقال لها :اختلف في ذلك أهل العلم ،فقال قائلون :تؤمر بالصبر والحتساب ،ويبعث على
التطلب والكتساب ،وقال قائلون :يؤمر بالنفاق ول يحمل على الطلق ،فلم تفهم المرأة قوله ،فأعادت المسألة ،فقال:
طلِبتك ،ولست بسلطان فأمضي ،ولقاض فأقضي ول زوج فأرضى، يا هذه أجبتك عن مسألتك ،وأرشدتك إلى َ
فانصرفى .
76
www.dorar.net الدرر
السنية
الفتاء في الوقف
الفائدة السابعة عشرة :إذا سئل عن مسألة فيها شرطُ واقفٍ لم يحل له أن يلزم بالعمل به ،بل ول يسوغه على
الطلق ،حتى ينظر في ذلك الشرط ،فإن كان يخالف حكم ال ورسوله فل حرمة له ،ول يحل له تنفيذه ،ول يسوغ
تنفيذه ،وإن لم يخالف حكم ال ورسوله فلينظر هل فيه قربة أو رجحان عند الشارع أم ل ؟ فإن لم يكن فيه قربة ول
رجحان لم يجب التزامه ،ولم يحرم ،فل تضر مخالفته ،وإن كان فيه قربة وهو راجح على خلفه فلينظر هل يفوت
بالتزامه والتقييد به ما هو أحب إلى ال ورسوله وأرضى له وأنفع للمكلف وأعظم تحصيل لمقصود الواقف من الجر
؟ فإن فات ذلك بالتزامه لم يجب التزامه ول التقييد به قطعا ،وجاز العدول بل يستحب إلى ما هو أحب إلى ال
ورسوله وأنفع للمكلف وأكثر تحصيل لمقصود الواقف ،وفي جواز التزام شرط الواقف في هذه الصورة تفصيل
سنذكره إن شاء ال ،وإن كان فيه قربة وطاعة ولم يفت بالتزامه ما هو أحب إلى ال ورسوله منه و َتسَاوي هو وغيره
في تلك القربة ،ويحصل غرض الواقف بحيث يكون هو وغيره طريقين موصلين إلى مقصوده ومقصود الشارع من
كل وجه و لم يتعين عليه التزام الشرط ،بل له العدول عنه إلى ما هو أسهل عليه ،وأرفق به .وإن ترجح موجب
الشرط وكان قصد القربة والطاعة فيه أظهر وجب التزامه .
فهذا هو القول الكلي في شروط الواقفين ،وما يجب التزامه منها ،وما يسوغ ،وما ل يجب .
ومَن سلك غير هذا المسلك تناقض أظهر تناقض ،ولم يثبت له قدم يعتمد عليه .
شروط للواقفين ل تنفذ
فإذا شرط الواقف أن يصلي الموقوف عليه في هذا المكان المعين الصلوات الخمس ولو كان وحده و إلى جانبه
المسجد العظم وجماعة المسلمين لم يجب عليه الوفاء بهذا الشرط ،بل ول يحل له التزامه إذا فاتته الجماعة؛ فإن
الجماعة إما شرط ل تصح الصلة بدونها ،وإما واجبة يستحق تاركها العقوبة وإن صحت صلته ،وإما سنة مؤكدة
يقاتل تاركها ،وعلى كل تقدير فل يصح التزام شرط يخل بها .
وكذلك إذا شرط الواقف العزوبية وترك التأهل لم يجب الوفاء بهذا الشرط بل ول التزامه ،بل من التزمه رغبة عن
السنة فليس من ال ورسوله في شيء؛ فإن النكاح عندالحاجة إليه إما فرض يعصي تاركه ،وإما سنة الشتغالُ بها
أفضل من صيام النهار وقيام الليل وسائر أوراد التطوعات ،وإما سنة يثاب فاعلها كما يثاب فاعل السنن والمندوبات،
وعلى كل تقدير فل يجوز اشتراط تعطيله أو تركه؛ إذ يصير مضمون هذا الشرط أنه ل يستحق تناول الوقف إل من
عطّل ما فرض ال عليه وخالف سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ومن فعل ما فرضه ال عليه وقام بالسنة لم َ
يحل له أن يتناول من هذا الوقف شيئا و ل يخفى ما في التزام هذا الشرط واللزام به من مُضادة ال ورسوله ،وهو
أقبح من اشتراطه ترك الوتر والسنن الراتبة وصيام الخميس والثنين والتطوع بالليل ،بل أقبح من اشتراطه ترك ذكر
ال بكرة وعشيا ونحو ذلك .
ومن هذا اشتراطه أن يصلي الصلوات في التربة المدفون بها ويدع المسجد ،وهذا أيضا مضاد لدين السلم أعظم
مضادة؛ فإن رسول ال صلى ال عليه وسلم لعن المتخذين قبور أنبيائهم مساجد ،فالصلة في المقبرة معصية ل
ورسوله ،باطلة عند كثير من أهل العلم ل يقبلها ال ول تبرأ الذمة بفعلها ،فكيف يجوز التزامُ شرط الواقف لها
وتعطيل شرط ال ورسوله ؟ فهذا تغيير الدين لول أن ال سبحانه يقيم له مَنْ يبين أعلمه ويدعو إليه .
ومن ذلك اشتراط إيقاد سراج أو قنديل على القبر؛ فل يحل للواقف اشتراط ذلك ،ول للحاكم تنفيذه ،ول للمفتي
س ُرجَ على القبور،تسويغه ،ول للموقوف عليه فعله والتزامه ،فقد لعن رسول ال صلى ال عليه وسلم المتخذين ال ّ
فكيف يحل للمسلم أن يلزم أو يسوغ فعل ما لعن رسول ال صلى ال عليه وسلم فاعله ؟ وحضرت بعض قضاة
السلم يوما وقد جاءه كتاب وقف على تربة ليثبته ،وفيه (( :وأنه يوقد على القبر كل ليلة قنديل )) فقلت له :كيف يحل
س ُرجَ على القبور ؟
لك أن تثبت هذا الكتاب وتحكم بصحته مع علمك بلعنة رسول ال صلى ال عليه وسلم للمتخذين ال ّ
فأمسك عن إثباته وقال :المر كما قلت ،أو كما قال .
77
www.dorar.net الدرر
السنية
شرط الواقف قراءة قرآن عند قبر
ومن ذلك أن يشترط القراءة عند قبره دون البيوت التي أذن ال أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو
والصال ،والناس لهم قولن ،أحدهما :أن القراءة ل تصل إلى الميت فل فرق بين أن يقرأ عند القبر أو بعيداً منه عند
هؤلء ،والثاني :أنها تَصِل ووصولها فرع حصول الصواب للقارئ ،ثم ينتقل منه إلى الميت ،فإذا كانت قراءة القارئ
جعْل [ و] لم يقصد به التقرب إلى ال لم يحصل له ثواب ،فكيف ينتقل عنه إلى ومجيئه إلى القبر إنما هو لجل ال ُ
الميت وهو فرعه ؟ فما زاد بمجيئه إلى التربة إل العناء والتعب ،بخلف ما إذا قرأ ل في المسجد أو غيره في مكان
يكون أسهل عليه وأعظم لخلصه ثم جعل ثواب ذلك للميت وصَل إليه .
و ذا َكرْتُ مرة بهذا المعنى بعض الفضلء ،فاعترف به ،وقال :لكن بقي شيء آخر ،وهو أن الواقف قد يكون قصد
انتفاعه بسماع القرآن على قبره ووصول بركة ذلك إليه ،فقلت له :انتفاعه بسماع القرآن مشروط بحياته ،فلما مات
انقطع عمله كله ،واستماع القرآن من أفضل العمال الصالحة ،وقد انقطع بموته .ولو كان ذلك ممكناً لكان السلف
الطيب من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أولى بهذا الحظ العظيم لمسارعتهم إلى الخير وحرصهم عليه .ولو كان
خيراً لسبقونا إليه ،فالذي ل شك فيه أنه ل يجب حضور التربة ،ول تتعين القراءة عند القبر .
عود إلى شروط للواقف ل تلزم
ونظير هذا ما لو وقف وقفاً يتصدق به عند القبر كما يفعل كثير من الجهال؛ فإن في ذلك من تعنية الفقير وإتعابه
وإزعاجه من موضعه إلى الجَبّانه في حال الحر والبرد والضعف حتى يأخذ تلك الصدقة عند القبر مما لعله أن يحبط
أجرها ،ويمنع انعقاده بالكلية .
ومن هذا لو شرط واقف الخانقاه وغيرها على أهلها أن ل يشتغلوا بكتابة العلم وسماع الحديث والشتغال بالفقه؛ فإن
هذا شرط باطل مضاد لدين السلم ،ل يحل تنفيذه ول التزامه ،ول يستحق من قام به شيئاً من هذا الوقف؛ فإن
مضمون هذا الشرط أن الوقف المعين إنما يستحقه من ترك ما يجب عليه من العلم النافع ،وجهل أمر ال ورسوله
ودينه ،وجهل أسماءه وصفاته وسنة نبيه صلى ال عليه وسلم وأحكام الثواب والعقاب ،ول ريب أن هذا الصنف من
شرار خلق ال ،وأمقتهم عند ال ورسوله ،وهم خاصة الشيطان وأولياؤه وحزبه ( أل إن حزب الشيطان هم
الخاسرون ) [ المجادلة . ]19 :
ومن ذلك أن يشترط الواقف أن ل يقرأ في ذلك المكان شيء من آيات الصفات وأحاديث الصفات ،كما أمر به بعض
أعداء ال من الجَهمية لبعض الملوك وقد وقف مسجداً ل تعالى ،ومضمون هذا الشرط المضاد لما بعث ال به رسوله
أن يعطل أكثر آيات القرآن عن التلوة والتدبر والتفهم ،وكثير من السنة أو أكثرها عن أن تذكر أو تروى أو تسمع أو
يهتدي بها ،ويقام سوق التجهم والكلم المبتدع المذموم الذي هو كفيل بالبدع و الضللة والشك والحيرة .
ومن ذلك أيضاً أن يقف مكاناً أو مسجداً أو مدرسة أو رِبَاطاً على طائفة معينة من الناس دون غيرهم ،كالعجم مثلً أو
الروم أو الترك أو غيرهم ،وهذا من أبطل الشروط؛ فإن مضمونه أن أقارب رسول ال صلى ال عليه وسلم وذرية
المهاجرين والنصار ل يحل لهم أن يُصَلوا في هذا المسجد ،ول ينزلوا في هذا الرباط أو المدرسة أو الخانقاه ،بل لو
أمكن أن يكون أبو بكر وعمر وأهل بدر و أهل بيعة الرضوان رضي ال عنهم بين أظهرنا حرم عليهم النزول بهذا
المكان الموقوف .
وهذه الشروط والشتغال بها والعتداد بها من أسمج الهذيان ،ول تصدر من قلب طاهر ،ول ينفذها مَن شمّ روائح
العلم الذي بعث ال به رسوله صلى ال عليه وسلم .
وكذلك لو شرط أن يكون المقيمون بهذه المكنة طائفة من أهل البدع كالشيعة والخوارج والمعتزلة والجهمية
والمبتدعين في أعمالهم كأصحاب الشارات واللذن والشير والعنبر وأكل الحيات وأصحاب النار و أشباه الذئاب
المشتغلين بالكل والشرب والرقص ،ولم يصح هذا الشرط ،وكان غيرهم أحق بالمكان منهم ،وشروط ال أحق .
الشروط الماضية والتية من باب التعاون على الثم
فهذه الشروط وأضعافها وأضعاف أضعافها من باب التعاون على الثم والعدوان ،وال تعالى إنما أمر بالتعاون على
البر والتقوى ،وهو ما شرعه على لسان رسول ال صلى ال عليه وسلم ،دون ما لم يشرعه ،فكيف بما شرع خلفه،
والوقف إنما يصح على القُرب والطاعات ،ول فرق في ذلك بين مصرفه وجهته وشرطه؛ فإن الشرط صفة وحال في
78
www.dorar.net الدرر
السنية
الجهة والمصرف ،فإذا اشترط أن يكون المصرف قربة وطاعة فالشرط كذلك ،ول يقتضي الفقه إل هذا ،و ل يمكن
ص ْدقٍ ما يخالف ذلك البتة ،بل نشهد بال وال أن الئمة ل لحد أن ينقل عن أئمة السلم الذين لهم في المة لسانُ ِ
تخالف ما ذكرناه ،وأن هذا نفس قولهم ،وقد أعاذهم ال من غيره ،وإنما يقع الغلط من كثير من المنتسبين إليهم في فهم
أقوالهم ،كما وقع لبعض من نَصَب نفسه للفتوى من أهل عصرنا ما تقول السادة الفقهاء في رجل و َقفَ وقفاً على أهل
الذمة ،هل يصح ويتقيد الستحقاق بكونه منهم ؟ فأجاب بصحة الوقف ،وتقييد الستحقاق بذلك الوصف ،وقال :هكذا
قال أصحابنا ،ويصح الوقف على أهل الذمة ،فأنكر ذلك شيخنا عليه غاية النكار ،وقال :مقصود الفقهاء بذلك أن كونه
من أهل الذمة ليس ما نعاً من صحة الوقف عليه بالقرابة أو التعيين ،وليس مقصودهم أن الكفر بال ورسوله أو عبادة
الصليب وقولهم أن المسيح ابن ال شرط لستحقاق الوقف ،حتى إن من آمن بال ورسوله واتبع دين السلم ولم يحل
له أن يتناول بعد ذلك من الوقف ،فيكون حِلّ تناوله مشروطاً بتكذيب ال ورسوله والكفر بدين السلم ،ففرق بين كون
غلُظ حجابه عن ذلك وصف الذمة مانعاً من صحة الوقف وبين كونه مقتضياً؛ فغلظ طبع هذا المفتي ،وكثف فهمه ،و َ
ولم يميز .
ونظير هذا أن يقف على الغنياء ،فهذا يصح إذا كان الموقوف عليه غنياً أو ذا قرابة فل يكون الغِنى ما نعاً ،و ليصح
أن يكون جهة الستحقاق هو الغِنَى فيستحق ما دام غنياً ،فإذا افتقر واضطر إلى ما يقيم أوَدَه حرم عليه تناول الوقف،
فهذا ل يقوله إل من حُرم التوفيق وصحبه الخذلن ،ولو رأى رسول ال صلى ال عليه وسلم أحداً من الئمة يفعل ذلك
عزَباًلشتد إنكاره وغضبه عليه ،ولما أقره البتة ،وكذلك لو رأى رجلً من أمته قد وقف على من يكون من الرجال َ
غير متأهل ،فإذا تاهل حرم عليه تناول الوقف لشتد غضبه ونكيره عليه ،بل دينه يخالف هذا ،فإنه كان إذا جاءه مال
أعطى ال َعزَب حظاً ،وأعطى الهل حظين ،وأخبر أن ثلثة حقّ على ال عونهم ،فذكر منهم الناكح يريد العفاف،
وملتزم هذا الشرط حق عليه عدم إعانة الناكح .
ومن هذا أن يشترط أنه ليستحق الوقف إل من ترك الواجب عليه من طلب النصوص ومعرفتها ،والتفقه في متونها،
والتمسك بها ،إلى الخذ بقول فقيه معين يترك لقوله قول من سواه ،بل يترك النصوص لقوله ،فهذا شرط من أبطل
الشروط وقد صرح أصحاب الشافعي وأحمد رحمهما ال تعالى بأن المام إذا شرط على القاضي أن ل يقضي إل
بمذهب معين بطل الشرط ولم يجز له إلتزامه .وفي بطلن التولية قولن مبنيان على بطلن العقود بالشروط الفاسدة،
شرَط على الفقيه طرْده أيضاً أن الواقف َ طرْد هذا أن المفتي متى شرط عليه أل يفتي إل بمذهب معين َبطََل الشرط ،و َ وَ
أن لينظر و ل يشتغل إل بمذهب معين بحيث يهجر له كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم وفتاوي الصحابة
ومذاهب العلماء لم يصح هذا الشرط قطعاً ،ول يجب التزامه ،بل ول يسوغ.
وعقد هذا الباب وضابطه أن المقصود إنما هو التعاون على البر والتقوى ،وأن يطاع ال ورسوله بحسب المكان،
وأن يقدم من قدمه ال ورسوله ،ويؤخر من أخره ال ورسوله ،ويعتبر ما اعتبره ال ورسوله ،ويلغي ما ألغاه ال
ورسوله ،وشرط الواقفين ل تريد على نذر الناذرين ،فكما أنه ل يوفى من النذور إل بما كان طاعة ل ورسوله فل
يلزم من شروط الواقفين إل ما كان طاعة ال ورسوله .
اعتراض ودفعه
فإن قييل :الواقيف إنميا نقيل ماله لمين قام بهذه الصيفة ،فهيو الذي رضيي بنقيل ماله إلييه ،ولم يرض بنقله إلى غيره،
وإن كان أفضل منه ،فالوقف يجري مجرى الجعالة ،فإذا بذل الجاعل ماله لمن يعمل عملً لم يستحقه من عمل غيره
وإن كان بينهما في الفضل كما بين السماء و الرض .
ض َعفَة المتفقهين ،فالتزموا وألزموا من الشروط قيل :هذا منشأ الوهم واليهام في هذه المسألة ،وهو الذي قام بقلوب َ
بما غيره أحبّ إلى ال وأرضى له منه بإجماع المة بالضرورة المعلومة من الدين .
وجواب هذا الوهم أن الجاعل يبذل ماله في غرضه الذي يريده ،إما مُحَرماً أو مكروهاً أو مُباحاً أو مستحباً أو واجباً،
لينال غرضه الذي بذل فيه ماله ،وأما الواقف فإنما يبذل ماله فيما يقربه إلى ال وثوابه ،فهو لما علم أنه لم يبق له
تمكن من بذل ماله في أغراضه أحَبّ أن يبذله فيما يقربه إلى ال وما هو أنفع له في الدار الخرة ،و ليشك عاقل أن
هذا غرض الواقفين ،بل ول يشك واقف أن هذا غرضه ،وال سبحانه وتعالى َملّكه المال لينتفع به في حياته ،وأذِنَ له
حجَر عليه فيه وملكه ثلثه أن يحبسه لينتفع به بعد وفاته ،فلم يملكه أن يفعل به بعد موته ما كان يفعل به في حياته ،بل َ
79
www.dorar.net الدرر
السنية
يوصي به بما يجوز ويسوغ أن يوصي به ،حتى إن حاف أو جار أو أثِمَ في وصيته جاز بل وجب على الوصي
والورثة ردّ ذلك الجور والحيف والثم ،ورفع سبحانه الثم عمن يرد ذلك الحيف والثم ،من الورثة والوصياء ،فهو
سبحانه لم يملكه أن يتصرف في تحبيس ماله بعده إل على وجه يقربه إليه ويُدنيه من رضاه ،ل على أي وجه أراد ،و
لم يأذن ال و ل رسوله للمكلّف أن يتصرف في تحبيس ماله بعده على أي وجه أراده أبداً ،فأين في كلم ال و رسوله
أو أحد من الصحابة ما يدل على أن لصاحب المال أن يقف ما أراد على من أراد ،و يشرط ما أراد ،ويجب على
الحكام والمفتين أن ينفذوا وقفه و ُي ْلزَموا بشروطه ،وأما ما قد َلهِجَ به من قوله (( :شروط الواقف كنصوص الشارع ))
فهذا يُراد به معنى صحيح ومعنى باطل ،فإن أريد أنها كنصوص الشارع في الفهم والدللة وتقييد مُطلقها بمقيدها
وتقديم خاصّها على عامها والخذ فيها بعموم اللفظ ل بخصوص السبب؛ فهذا حق من حيث الجملة ،وإن أريد أنها
كنصوص الشارع في وجوب مراعاتها والتزامها وتنفيذها فهذا من أبطل الباطل ،بل يبطل منها ما لم يكن طاعة ل
ورسوله ،وما غيرُه أحبّ إلى ال وأرضى له ولرسوله منه ،وينفذ منها ما كان قربةَ وطاعة كما تقدم .
ولما نذر أبو إسرائيل أن يصوم ويقوم في الشمس ،ول يجلس ،ول يتكلم ،أمَره النبي صلى ال عليه وسلم أن يجلس
في الظل ويتكلم ويتم صومه ،فألزمه بالوفاء بالطاعة ،ونهاه عن الوفاء بما ليس بطاعة .
وهكذا أخت عقبة بن عامر لما نذرت الحج ماشية مكشوفة الرأس أمرها أن تختمر وتركب وتحج وتُهدي َبدَنة .
فهكذا الواجب على أتباع الرسول صلوات ال وسلمه عليه وعلى آله أن يعتمدوا في شروط الواقفين ،وبال التوفيق .
على المفتي أل يطلق الجواب في مسألة فيها تفصيل
الفائدة الثامنة عشرة :ليس للمفتي أن يُطلق الجواب في مسألة فيها تفصيل إل إذا علم أن السائل إنما سأل عن أحد تلك
النواع ،بل إذا كانت المسألة تحتاج إلى التفصيل استفصله ،كما استفصل النبي صلى ال عليه وسلم ماعزاً لما أقر
بالزنا هل وجد منه مقدماته أو حقيقته ؟ فلما أجابه عن الحقيقة استفصله هل به جنون فيكون إقراره غير معتبر أم هو
عاقل ؟ فلما علم عَقله استفصله بأن أمر باستنكاهه ،ليعلم هل هو سكران أم صاح ؟ فلما علم أنه صاح استفصله هل
أحْصِنَ أم ل ؟ فلما علم أنه قد أحْصِنَ أقام عليه الحد .
ومن هذا قوله لمن سألته :هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت ؟ فقال (( نعم إذا رأت الماء )) فتضمن هذا
الجواب الستفصال بأنها يجب عليها الغسل في حال ،ول يجب عليها في حال .
ومن ذلك أن أبا النعمان بن بشير سأل رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يشهد على غلم نَحله ابنه ،فاستفصله ،وقال
أكُلّ ولدك نحلته كذلك ؟ فقال :ل ،فأبي أن يشهد .وتحت هذا الستفصال أنّ ولدك إن كانوا اشتركوا في النحل صح
ذلك ،وإل لم يصح .
ومن ذلك أن ابن أم مكتوم استفتاه هل يجد له رُخصة أن يصلي في بيته ؟ فقال (( :هل تسمع النداء ؟)) قال :نعم ،قال:
((فأجِبْ )) فاستفصله بين أن يسمع النداء أو ل يسمعه .
ومن ذلك أنه لما استفتى عن رجل َوقَع على جارية امرأته فقال (( :إن كان استكْر َههَا فهي حرة عليه مثلها ،وإن كانت
طاوعَ ْتهُ فهي له وعليه لسيدتها مثلها )) وهذا كثير في فتاويه صلى ال عليه وسلم .
فإذا سئل المفتي عن رجل دفع ثوبه إلى قصّار يقصره ،فأنكر القَصّار الثوب ثم أ َقرّ به ،هل يستحق الجرة على
القِصَارة أم ل ؟ فالجواب بالطلق خطأ نفياً وإثباتاً ،والصواب التفصيل ،فإن كان قصره قبل الجحود فله أجرة
القِصَارة؛ لنه قصره لصاحبه ،وإن كان قصره بعد جحوده فل أجرة له لنه قصره لنفسه .
وكذلك إذا سئل عن رجل حلف ل يفعل كذا وكذا ،ففعله ،لم يجز له أن يفتي بحنثه حتى يستفصله هل كان ثابت العقل
وقت فعله أم ل ؟ وإذا كان ثابت العقل فهل كان مختاراً في يمينه أم ل ؟ وإذا كان مختاراً فهل استثنى عقيب يمينه أم ل
؟ وإذا لم يستثن فهل َفعَلَ المحلوف عليه عَالماً ذاكراَ مختاراً أم كان ناسياً أو جاهلً أو مكرهاً ؟ وإذا كان عالمًا مختاراً
فهل كان المحلوف عليه داخلً في قصده ونيته أو قصد عدم دخوله فخصصه بنيته أو لم يقصد دخوله ول نوى
تخصيصه ؟ فإن الحنث يختلف باختلف ذلك كله .
ورأينا مِنْ مفتي العصر مَن بادر إلى التحنيث ،فاستفصلناه ،فوجده غير حانث في مذهب من أفتاه ،وقع ذلك مراراً؛
فخطر المفتي عظيم ،فإنه مُ َوقّع عن ال ورسوله ،زاعم أن ال أمر بكذا وحرم كذا أو أوجب كذا .
80
www.dorar.net الدرر
السنية
ومن ذلك أن يستفتيه عن الجمع بين الظهر والعصر مثلً هل يجوز له أن يفرق بينهما ؟ فجوابه بتفصيل المسألتين،
وأن الجمع إن كان في وقت الولى لم يجز التفريق ،وإن كان في وقت الثانية جاز .
ومن ذلك أنه لو قال له (( إن لم تحرق هذا المتاع أو تهدم هذه الدار أو تتلف هذا المال وإل قتلتك )) ففعل هل يضمن
أم ل ؟ جوابه بالتفصيل ،فإن كان المال المكره على إتلفه للمكره لم يضمن ،وإن كان لغيره ضمنه .
وكذلك لو سأله ال ُمظَاهِر إذا وطئ في أثناء الكفارة هل يلزمه الستئناف أو يبني ؟ فجوابه بالتفصيل أنه إن كان كفر
بالصيام فوطئ في أثنائه لزمه الستئناف ،وإن كفر بالطعام لم يلزمه الستئناف ،وله البناء؛ فإن حكم تتابع الصوم
وكونه قبل المَسِيسِ قد انقطع ،بخلف الطعام .
جزِه ،وإل
وكذلك لو سأله عن ال ُم َكفّر بالعتق إذا أعتق عبداً مقطوعة إصبعه ،فجوابه بالتفصيل ،إن كان إبهاماً لم ي ْ
أجزأه ،فلو قال له مقطوع الصبعين ـ وهما الخنصر والبنصر ـ فجوابه بالتفصيل أيضاً إن كانا من يدٍ واحدة لم يجزه،
وإن كانت كل أصبع من يد أجزأه .
وكذلك لو سأله عن فاسق ال َتقَط لُقطة أو لقيطاً ،هل ُيقَر في يده .فجوابه بالتفصيل ،تُقر اللقطة دون اللقيط ،لنها َكسْب
فل يمنع منه الملتقط ،وثبوت يده على اللقيط ولية ،وليس من أهلها .
ولو قال له (( :اشتريت سمكة فوجدت في جوفها مالً ما أصنع به ؟ )) فجوابه إن كان لؤلؤة أو جوهرة فهو للصياد؛
لنه ملكه بالصطياد ،ولم َتطِبْ نفسه لك به ،وإن كان خاتماً أو ديناراً فهو لقطة يجب تعريفها كغيرها .
وكذلك لو قال له (( :اشتريت حيواناً فوجدت في جوفه جوهرة )) فجوابه إن كانت شاة فهي لقطة للمشتري يلزمه
تعريفها حَولً ثم هي له بعده ،وإن كان سمكة أو غيرها من دواب البحر فهي ملك للصياد ،والفرق واضح .
ومن ذلك لو سأله عن عبد التقط لقطة فأنفقها هل تتعلق بذمته أو برقبته ؟ فجوابه أنه إن أنفقها قبل التعريف حولً فهي
في رقبته ،وإن أنفقها بعد حَوْل التعريف فهي في ذمته يتبع بها بعد العتق ،نص عليها المام أحمد مُفرقاً بينهما لنه
قبل الحَوْل ممنوع منها فإنفاقه لها جناية منه عليها ،وبعد الحول غير ممنوع منها بالنسبة إلى مالكها ،فإذا أنفقها في
هذه الحال فكأنه أنفقها بإذن مالكها فتتعلق بذمته كديونه .
جعْلً لمن ردّ عليه لُقطته ،فهل يستحقه من ردها ؟ فجوابه إن التقطها قبل بلوغ قول جعَلَ ُ
ومن ذلك لو سأله عن رجل َ
الجاعل لم يستحقه؛ لنه لم يلتقطها لجل الجُعْل ،وقد وجب عليه ردها بظهور مالكها ،وإن التقطها بعد أن بلغه الجعل
استحقه .
ومن ذلك أن يسأل فيقول :هل يجوز للوالدين أن يتملكا مال ولدهما أو يرجعان فيما وَ َهبَاه ؟ فالجواب أن ذلك للب،
دون الم .
وكذلك إذا شهد له اثنان من ورثته غير الب والبن بالجرح ،فالجواب فيه تفصيل ،فإن شهدا قبل الندمال لم يقبل
للتهمة ،وإن شهدا بعده قبلت لعدم التهمة .
ومن ذلك إذا سئل عن رجل ادّعى نكاح امرأة فأقرت له ،هل يقبل إقراراها أم ل ؟ جوابه بالتفصيل ،إن ادعى
زوجتيها َوحْده قبل إقراراها ،وإن ادعاها معه آخر لم يقبل .
ومن ذلك لو سئل عن رجل مات فادعى ورثته شيئاً من تركته ،وأقاموا شاهداً ،حلف كل منهم يميناً مع الشاهد ،فإن
حلف بعضهم استحق قدر نصيبه من المدعى ،وهل يشاركه مَنْ لم يحلف في قدر حصته التي انتزعها بيمينه أو ل
يشاركه ؟ فالجواب فيه تفصيل ،إن كان المدعى ديناً لم يشاركه وينفرد الحالف بقدر حصته ،وإن كان عيناً شاركه مَن
لم يحلف؛ لن الدين غير متعين ،فمن حلف فإنما ثبت بيمينه مقدار حصته من الدين ل غيره ،ومن لم يحلف لم يثبت له
حق ،وأما العين فكل واحد من الورثة يقر أن كل جزء منها مشترك بين جماعتهم ،وحقوقهم متعلقة بعينه ،فالمخلص
مشترك بين جماعتهم ،والباقي غَصْب على جماعتهم .
ومن ذلك إذا سئل عن رجل اسْ َت ْعدَى على خصمه ولم يحرر الدعوى ،هل يحضره الحاكم ؟ الجواب بالتفصيل ،إن
استعدى على حاضر في البلد أحضره لعدم المشقة ،وإن كان غائباً لم يحضره حتى يحررها .
ومن ذلك لو سئل عن رجل قطع عضواً من صيد وأفلت ،هل يحل أكل العضو ؟ الجواب بالتفصيل ،إن كان صيداً
بحرياً حل أكله ،وإن كان برياً لم يحل .
81
www.dorar.net الدرر
السنية
ومن ذلك لو سئل عن تاجر أهل الذمة ،هل يؤخذ منه العشر ؟ فالجواب بالتفصيل ،إن كان رجلً أخذ منه [ العشر ]،
وإن كانت امرأة ففيها تفصيل ،إن اتجرت إلى أرض الحجاز أخذ منها العشر ،وإن اتجرت إلى غيرها لم يؤخذ منها
شيء؛ لنها ُتقَر في غير أرض الحجاز بل جِزْية .
ومن ذلك لو سئل عن ميت مات فطلب الب ميراثه ولم يعلم من الورثة غيرهَ ،كمْ يعطي الب ؟ فالجواب بالتفصيل،
إن كان الميت ذكراً أعطى الب أربعة من سبعة وعشرين سهماً؛ لن غاية ما يمكن أن يقدر معه زوجة وأم وابنتان،
فله أربعة بل شك من سبعة وعشرين ،وإن كان الميت أنثى فله سهمان من خمسة عشر قطعاً؛ لن أكثر ما يمكن أن
يقدر زوج [ وأم ] وابنتان ،فله سهمان من خمسة عشر قطعاً .
مسائل ميراث
فإن قال السائل :مات ميت وترك ثلثَ بناتِ ابنٍ بعضهن أسفلُ من بعض ،مع العليا جَدّها ،قال المفتي :إن كان الميت
ذكراً فالمسألة محال لن جد العليا نفس الميت ،وإن كان الميت أنثى فجد العليا إما أن يكون زوج الميت أو ل يكون
كذلك ،فإن كان زوجها فله الربع ،وللعليا النصف ،وللوسطى السدس تكملة الثلثين ،والباقي للعصبة .
فلو قال السائل :ميت خلف ابنتين وأبوين ،ولم تقسم التركة حتى ماتت إحداهما وخلفت مَن خلفت ،قال المفتي :إن كان
الميت ذكراً فمسألته من ستة ،للبوين سهمان ،ولكل بنت سهمان ،فلما ماتت إحداهما خلفت جدة وجداً وأختاً لب
فمسألتها من ستة ،وتصح من ثمانية عشر ،وتركتها سهمان توافق مسألتها بالنصف فترد إلى تسعة ،ثم تضربها في
ستة تكون أربعة وخمسين ومنها تصح ،وإن كان الميت أنثى ففريضتها أيضاً من ستة ،ثم ماتت إحدى البنتين عن
سهمين ،وخلفت جدة وجداً من أم وأختاً لب؛ فل شيء للجد ،وللجدة السدس ،وللخت النصف ،والباقي للعَصَبة،
فمسألتها من ستة ،وسهامها اثنان فاضرب ثلثة في المسألة الولى تكن ثمانية عشر .
المقصود التنبيه على وجوب التفصيل
والمقصود التنبيه على وجوب التفصيل إذا كان يجد السؤال محتملً ،وبال التوفيق ،فكثيراً ما يقع غلط المفتي في هذا
القسم ،فالمفتي تَردُ إليه المسائل في قوالب متنوعة جداً ،فإن لم يتفطن لحقيقة السؤال وإل َهَلكَ وأ ْهَلكَ ،فتارة تورد
عليه المسألتان صورتهما واحدة وحكمهما مختلف؛ فصورة الصحيح و الجائز صورة الباطل والمحرم ويختلفان
بالحقيقة ،فيذهل بالصورة عن الحقيقة ،فيجمع بين ما فرق ال و رسوله بينه ،وتارة تورَد عليه المسألتان صورتهما
مختلفة وحقيقتهما واحدة وحكمهما واحد ،فيذهل باختلف الصورة عن تساويهما في الحقيقة ،فيفرق بين ما جمع ال
بينه ،وتارة تورد عليه المسألة مجملة تحتها عدة أنواع ،فيذهب َوهْمه إلى واحد منها ،ويذهل عن المسؤول عنه منها،
فيجيب بغير الصواب ،وتارة تورد عليه المسألة الباطلة في دين ال في قَالب مزخرف ولفظ حسن ،فيتبادر إلى
تسويغها وهي من أبطل الباطل ،وتارة بالعكس؛ فل إله إل ال ،كم ههنا من َمزَلة أقدام ،ومجال أوهام ،وما دعي محق
إلى حق إل أخرجه الشيطان على لسان أخيه ووليه من النس في قالب تَ ْنفِر عنه خفافيش البصائر وضعفاء العقول
وهم أكثر الناس ،وما حذر أحد من باطل إل أخرجه الشيطان على لسان وليه من النس في قالب مزخرف يستخف به
ظرُهم قاصر على الصور ل يتجاوزونها إلى الحقائق ،فهم عقول ذلك الضرب من الناس فيستجيبون له ،وأكثر الناس َن َ
محبوسون في سجن اللفاظ ،مقيدون بقيود العبارات ،كما قال تعالى ( :وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين النس
والجن يُوحي بعضهم إلى بعض ُزخْرف القول غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ولتصغى إليه أفئدة
الذين ل يؤمنون بالخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون ) [ النعام . ] 113 -112 :
أمر السلطان أهل الذمة بتغيير عمائمهم
وأذكر لك من هذا مثالً وقع في زماننا ،وهو أن السلطان أمَر أن ُي ْلزَم أهل الذمة بتغيير عمائمهم ،وأن تكون خلفَ
ألوان عمائم المسلمين ،فقامت لذلك قيامتهم ،وعظم عليهم ،وكان في ذلك من المصالح وإعزاز السلم وإذلل الكفرة
ما َقرّتْ به عيون المسلمين ،فألقى الشيطان على ألسنة أوليائه وإخوانه أن صوّروا فتيا يتوصلون بها إلى إزالة هذا
الغبار ،وهي ما تقول السادة العلماء في قوم من أهل الذمة ألزموا بلباس غير لباسهم المعتاد وزي غير زيهم المألوف
فحصل لهم بذلك ضرر عظيم في الطرقات والفَلوَات وتجرأ عليهم بسببه السفهاء والرعاة وآذوهم غاية الذى ،فطمع
بذلك في إهانتهم ،و التعدي عليهم ،فهل يسوغ للمام رَدّهم إلى زيهم الول وإعادتهم إلى ما كانوا عليه مع حصول
82
www.dorar.net الدرر
السنية
صدّ عن الطريق بجواز التميز بعلمة يعرفون بها ؟ وهل في ذلك مخالفة للشرع أو ل ؟ فأجابهم مَن منع التوفيق و ُ
ذلك ،وأن للمام إعادتهم إلى ما كانوا عليه .
موقف ابن تيمية مهر أمر هذا السلطان
قال شيخنا :فجاءتني الفتوى ،فقلت :ل تجوز إعادتهم ،ويجب إبقاؤهم على الزي الذي يتميزون به عن المسلمين،
فذهبوا ثم غيّروا الفتوى ،ثم جاءوا بها في قالب آخر ،فقلت :ل تجوز إعادتهم ،فذهبوا ثم أتوا بها في قالب آخر ،فقلت:
هي المسألة المعينة ،وإن خرجت في عدة قوالب ،ثم ذهب إلى السلطان وتكلم عنده بكلم عجب منه الحاضرون،
فأطبق القوم على إبقائهم ،ول الحمد .
فتوى عما يحدث في الجامع ليلة النصف
ونظائر هذه الحادثة أكثر من أن تحصى؛ فقد ألقى الشيطان على ألسنة أوليائه أن صوروا فتوى فيما يحدث ليلة
النصف في الجامع ،وأخرجوها في قالب حسن؛ حتى استخفوا عقل بعض المفتين ،فأفتاهم بجوازه .وسبحان ال ! كم
توصل بهذه الطرق إلى إبطال حق وإثبات باطل ،وأكثر الناس إنما هم أهل ظواهر في الكلم و اللباس والفعال،
وأهل النقد منهم الذين يعبرون من الظاهر إلى حقيقته وباطنه ،ل يبلغون عشر معشار غيرهم ول قريباً من ذلك ،فال
المستعان .
ليس للمام أن يستفصل إلّ حيث تدعو الحاجة
الفائدة التاسعة عشر :إذا سئل عن مسألة من الفرائض لم يجب عليه أن يذكر موانع الرث فيقول :بشرط أل يكون
كافراً و ل رقيقاً ول قاتلً ،وإذا سئل عن فريضة فيها أخ وجب عليه أن يقول :إن كان لب فله فكذا ،وإن كان لم فله
كذا .وكذلك إذا سئل عن العمام وبنيهم وبني الخوة وعن الجد والجدة فل بد من التفصيل ،والفرق بين الموضعين
أن السؤال المطلق في الصورة الولى يدل على الوارث الذي لم يقم به مانع من الميراث ،كما لو سئل عن رجل باع
أو آجَرَ أو تزوج أو أقر لم يجب عليه أن يذكر موانع الصحة من الجنون والكراه ونحوهما إل حيث يكون الحتمال
متساوياً .
ومن تأمل أجوبة النبي صلى ال عليه وسلم رآه يستفصل حيث تدعو الحاجة إلى الستفصال ويتركه حيث ل يحتاج
إليه ،ويحيل فيه مرة على ما علم من شرعه ودينه من شروط الحكم وتوابعه ،بل هذا كثير في القرآن كقوله تعالى:
( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) [ النساء ]24 :وقوله ( :فل تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره ) [ البقرة ]230 :
وقوله تعالى ( :والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) [ المائدة . ]5 :
وليجب على المتكلم والمفتي أن يستوعب شرائط الحكم وموانعه كلها عند ذكر حكم المسألة ،ول ينفع السائل والمتكلم
والمتعلم قوله (( بشرطه ،وعدم موانعه )) ونحو ذلك ،فل بيان أتم من بيان ال ورسوله ،ول هدى أكمل من هدى
الصحابة والتابعين ،وبال التوفيق .
ل يجوز للمقلد الفتاء بما هو مقلد فيه
الفائدة العشرون :ل يجوز للمقلد أن يفتي في دين ال بما هو مقلد فيه وليس على بصيرة سوى أنه قول مَنْ قلده دينه،
هذا إجماع من السلف كلهم ،وصرح به المام أحمد والشافعي رضي ال عنهما وغيرهما .
قال أبو عمرو بن الصلح :قطع أبو عبد ال الحليمي إمام الشافعيين بما وراء النهر والقاضي أبو المحاسن الروياني
صاحب بحر المذهب وغيرهما بأنه ل يجوز للمقلد أن يفتي بما هو مقلد فيه .
وقال :وذكر الشيخ أبو محمد الجويني في شرحه لرسالة الشافعي عن شيخه أبي بكر القفال المروزي :أنه يجوز لمن
حفظ كلم صاحب مذهب ونصوصه أن يفتي به وإن لم يكن عارفاً بغوامضه وحقائقه ،و خالفه الشيخ أبو محمد وقال:
ل يجوز أن يفتي بمذهب غيره إذا لم يكن متبحراً فيه عالماً بغوامضه وحقائقه ،كما ل يجوز للعا ّميّ الذي جمع فتاوى
المفتين أن يفتي بها ،وإذا كان متبحراً فيه جاز أن يفتي به .
وقال أبو عمرو :من قال (( :ل يجوز له أن يفتي بذلك )) معناه ل يذكره في صورة ما يقوله من عند نفسه ،بل يضيفه
إلى غيره ،ويحكيه عن إمامه الذي قلده؛ فعلى هذا من عددناه في أصناف المفتين المقلدين ليسوا على الحقيقة من
المفتين ،ولكنهم قاموا مقام المفتين ،وادعوا عنهم فعدوا منهم ،وسبيلهم في ذلك أن يقولوا مثلً :مذهب الشافعي كذا
83
www.dorar.net الدرر
السنية
وكذا ،ومقتضى مذهبه كذا و كذا ،وما أشبه ذلك ،ومن ترك منهم إضافة ذلك إلى إمامه فإن كان ذلك اكتفاء منه
بالمعلوم عن الصريح فل بأس .
قلت ما ذكره أبو عمرو حسن ،إل أن صاحب هذه المرتبة يحرم عليه أن يقول (( :مذهب الشافعي )) لما ل يعلم أنه
نصه الذي أفتى به ،أو يكون شهرته بين أهل المذهب شهرة ل يحتاج معها إلى الوقوف على نصه ،كشهرة مذهبه في
الجهر بالبسملة ،والقنوت في الفجر ،ووجوب تبييت النية للصوم في الفرض من الليل ،ونحو ذلك ،فأما مجرد ما يجد
في كتب من انتسبت إلى مذهبه من الفروع فل يسعه أن يضيفها إلى نصه ومذهبه بمجرد وجودها في كتبهم ،فكم فيها
من مسألة ل نص له فيها البتة ول ما يدل عليه ؟ وكم فيها من مسألة نصه على خلفها ؟ وكم فيها من مسألة اختلف
المنتسبون إليه في إضافتها إلى مقتضى نصه ومذهبه ؟ فهذا يضيف إلى مذهبه إثباتها وهذا يضيف إليه نفيها ،فل
ندري كيف يسع المفتي عند ال أن يقول :هذا مذهب الشافعي ،وهذا مذهب مالك وأحمد وأبي حنيفة ؟ وأما قول الشيخ
أبي عمرو (( :إن لهذا المفتي أن يقول :هذا مقتضى مذهب الشافعي مثلً )) فلعمر ال ل يقبل ذلك من كل من نَصَب
جمْعاً و َفرْقا ،ويعلم أن ذلك الحكم مطابق
نفسه للفتيا حتى يكون عالماً بمأخذ صاحب المذهب و َمدَاركه وقواعده َ
لصوله وقواعده بعد استفراغ وُسْعه في معرفة ذلك فيها إذا أخبر أن هذا مقتضى مذهبه كان له حكم أمثاله ممن قال
بمبلغ علمه ،ول يكلف ال نفساً إل وسعها .
المفتي مخبر عن الحكم الشرعي
وبالجملة فالمفتي مخِبرٌعن الحكم الشرعي ،وهو إما مخبر عما فهمه عن ال ورسوله ،وإما مخبر عما فهمه من
كتاب أو نصوص مَن قلده دينه ،وهذا لون وَهذا لون ،فكما ل يَسَع الول أن يخبر عن ال ورسوله إل بما علمه فكذا ل
يسع الثاني أن يخبر عن إمامه الذي قلده دينه إل بما يعلمه ،وبال التوفيق .
ل يجوز تقليد قاصر في معرفة الكتاب والسنة
الفائدة الحادية والعشرون :إذا تفقه الرجل وقرأ كتابا من كتب الفقه أو أكثر وهو مع ذلك قاصر في معرفة
الكتاب والسنة وآثار السلف والستنباط والترجيح فهل يسوغ تقليده في الفتوى ؟ فيه للناس أربعة أقوال :الجواز
مطلقاً ،والمنع مطلقاً ،والجواز عند عدم المجتهد ول يجوز مع وجوده ،والجواز إن كان مُطّلعا على مأخذ مَنْ
يفتي بقولهم والمنع إن لم يكن مطلعا .
والصواب فيه التفصيل ،وهو أنه إن كان السائل يمكنه التوصّل إلى عالم يهديه السبيل لم يحل له استفتاء مثل
هذا ،ول يحل لهذا أن ينسب نفسه للفتوى مع وجود هذا العالم ،وإن لم يكن في بلده أو ناحيته غيره بحيث ل
ب أن رجوعه إليه أولى من أن يقدم على العمل بل علم ،أو يبقى مرتبكا يجد المستفتي من يسأله سواه فل َر ْي َ
عمَاهُ وجهالته ،بل هذا هو المستطاع من تقواه المأمور بها . في حيرته مترددا في َ
ونظير هذه المسألة إذا لم يجد السلطان من يوليه إل قاضيا عاريا من شروط القضاء لم يعطل البلد عن قاض
وولى المثل فالمثل .
ونظير هذا لو كان الفسق هو الغالب على أهل تلك البلد ،وإن لم تقبل شهادة بعضهم على بعض وشهادته له
تعطلت الحقوق وضاعت َقبِل شهاده المثل فالمثل .
ش ْبهَة حتى لم يجد الحلل المحض فإنه يتناول المثل فالمثل . ونظيرها لو غلب الحرام المحض أو ال ّ
شيء عن الشهادة في الشريعة
عرْض أو مال ،وهن منفردات ،بحيث ل رجل ونظير هذا لو شهد بعض النساء على بعض بحق في بَدَن أو ِ
معهن كالحمامات والعراس ،قبلت شهادة المثل فالمثل منهن قطعا ،ول يضيع ال ورسوله حق المظلوم،
ول يعطل إقامة دينه في مثل هذه الصورة أبدا ،بل قد نبه ال تعالى على القبول في مثل هذه الصورة بقبول
شهادة الكفار على المسلمين في السفر في الوصية في آخر سورة أنزلت في القرآن ،ولم ينسخها شيء البتة،
ول نسخ هذا الحكم كتاب ول سنة ول أجمعت المة على خلفه ،ول يليق بالشريعة سواه؛ فالشريعة شرعت
لتحصيل مصالح العباد بحسب المكان ،وأي مصلحة لهم في تعطيل حقوقهم إذا لم يحضر أسباب تلك الحقوق
شاهدان حران ذكران عَدْلن ؟ بل إذا قلتم :تقبل شهادة الفساق حيث ل عَدْل ،وينفذ حكم الجاهل والفاسق إذا
84
www.dorar.net الدرر
السنية
خل الزمان عن قاض عالم عادل ،فكيف ل تقبل شهادة النساء إذا خل جمعهن عن رجل ،أوشهادة العبيد إذا
خل جمعهم عن حر ،أو شهادة الكفار بعضهم على بعض إذا خل جمعهم عن مسلم ؟ وقد قبل ابن الزبير شهادة
الصبيان بعضهم على بعض في تجارحهم ،ولم ينكره عليه أحد من الصحابة ،وقد قال به مالك والمام أحمد
رحمهما ال تعالى في إحدى الروايتين عنه حيث يغلب على الظن صدقهم بأن يجيبوا قبل أن يجتنبوا أو يتفرقوا
إلى بيوتهم ،وهذا هو الصواب ،وبال التوفيق .
منع كثير الفتوى والحكم بالتقليد
وكلم أصحاب أحمد في ذلك يخرج على وجهين؛ فقد منع كثير منهم الفتوى والحكم بالتقليد ،وجوزه بعضهم
لكن على وجه الحكاية لقول المجتهد كما قال أبو إسحاق بن شاقل ـ وقد جلس في جامع المنصور فذكر قول
أحمد أن المفتي ينبغي له أن يحفظ أربعمائة ألف حديث ثم يفتي ـ فقال له الرجل :أنت تحفظ هذا ؟ فقال :إن لم
أحفظ هذا فأنا أفتي بقول مَنْ كان يحفظه ،وقال [ أبو ] الحسن ابن بشار من كبار أصحابنا ماضر رجل عنده
ثلث مسائل أو أربع من فتاوي المام أحمد يستند إلى هذه السارية ويقول :قال أحمد بن حنبل .
هل يجوز للعامي الفتاء بمسألة يعرف دليلها
الفائدة الثانية والعشرين :إذا عرف العامّي حكم حادثة بدليلها فهل له أن يفتي به ويسوغ لغيره تقليده فيه ؟ ففيه
ثلثة أوجه للشافعية وغيرهم ،أحدهما :الجواز؛ لنه قد حصل له العلم بحكم تلك الحادثة عن دليلها كما حصل
للعالم ،و إن تميز العالم عنه بقوة يتمكن بها من تقرير الدليل ودفع المعارض له ،فهذا قدر زائد على معرفة
الحق بدليله .والثاني :ل يجوز له ذلك مطلقاً؛ لعدم أهليته للستدلل ،وعدم علمه بشرطه وما يعارضه ،ولعله
يظن دليلً ما ليس بدليل ،والثالث إن كان الدليل كتابا أو سنة جاز له الفتاء ،وإن كان غيرهما لم يجز؛ لن
القرآن والسنة خطاب لجميع المكلفين ،فيجب على المكلف أن يعمل بما وصل إليه من كتاب ربه تعالى وسنة
نبيه صلى ال عليه وسلم ،ويجوز له أن يرشد غيره إليه ويدله عليه .
يجب أن يكون المفتي متصفاً بهذه الخصال
الفائدة الثالثة والعشرين :ذكر أبو عبد ال بن بطة في كتابه في الخلع عن المام أحمد أنه قال :ل ينبغي للرجل
أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال ،أولها :أن تكون له نية ،فإن لم يكن له نية لم يكن عليه نور
ول على كلمه نور .والثانية :أن يكون له علم وحلم و وقار وسكينة .الثالثة :أن يكون قويا على ما هو فيه
وعلى معرفته .الرابعة :الكفاية و إل مضغه الناس .الخامسة :معرفة الناس .
وهذا مما يدل على جَللَة أحمد ومحله من العلم والمعرفة؛ فإن هذه الخمسة هي دعائم الفتوى ،و أي شيء
نقص منها ظهر الخلل في المفتي بحسبه .
منزلة نية
فأما النية فهى رأس المر وعموده وأساسه وأصله الذي عليه يبنى؛ فإنها روح العمل وقائده وسائقه ،والعمل
تابع لها يبنى عليها ،يصح بصحتها ويفسد بفسادها وبها يستجلب التوفيق ،وبعدمها يحصل الخذلن ،وبحسبها
تتفاوت الدرجات في الدنيا والخرة ،فكم بين ُمرِيدٍ بالفتوى وَجْه ال ورضاه والقرب منه وما عنده ،ومريدٍ بها
وجه المخلوق ورجاء منفعته وما يناله منه تخويفا أو طمعاً ،فيفتي الرجلن بالفتوى الواحدة وبينهما في الفضل
والثواب أعظم مما بين المشرق والمغرب .هذا يفتى لتكون كلمة ال هي العليا ودينه هو الظاهر ورسوله هو
المطاع ،وهذا يفتي ليكون قوله هو المسموع وهو المشار إليه وجاهه هو القائم سواء وافق الكتاب والسنة أو
خلفهما ،فال المستعان .
وقد جرت عادة ال التي ل تبدل وسنته التي ل تحول أن ُي ْل ِبسَ المخلص من المهابة والنور والمحبة في قلوب
س ثوبي الزور من الخلق وإقبال قلوبهم إليه ما هو بحسب إخلصه ونيته ومعاملته لربه ،ويلبس المرائي اللبِ َ
المَقْت والمهانة والبغضة ما هو اللئق به؛ فالمخلص له المهابة والمحبة ،وللخر المقت والبغضاء .
85
www.dorar.net الدرر
السنية
حاجة المفتي إلى العلم والحلم والوقار والسكينة
ج منه إلى الحلم
حوَ َ
وأما قوله (( :أن يكون له حلم ووقار وسكينة )) فليس صاحب العلم والفتيا إلى شيء أ ْ
والسكينة والوقار؛ فإنها كسوة علمه وجماله ،وإذا فقدها كان علمه كالبدن العاري من اللباس ،وقال بعض
السلف :ما قرن شيء إلى شيء أحسن من علم إلى حلم ،و الناس ههنا أربعة أقسام ،فخيارهم من أوتي الحلم
والعلم ،وشرارهم من عَ ِد َمهُما ،الثالث من أوتي علما بل حلم ،الرابع عكسه فالحلم زينة العلم وبهاؤه وجماله .
وضد الطيش والعجلة والحدة والتسرع وعدم الثبات؛ فالحليم ل يستفزه البَ َدوَات ،ول يستخفه الذين ل يعلمون،
ول يقلقه أهل الطيش والخفة والجهل .بل هو وَقُور ثابت ذو أناة يملك نفسه عند ورود أوائل المور عليه ول
تملكه أوائلها ،وملحظته للعواقب تمنعه من أن تستخفه دواعي الغضب والشهوة؛ فبالعلم تنكشف له مواقع
الخير والشر والصلح والفساد ،وبالحلم يتمكن من تثبيت نفسه عند الخير فيؤثره و يصبر عليه وعند الشر
ص ْبرَ له على
فيصبر عنه؛ فالعلم يعرفه رشده والحلم يثبته عليه ،وإذا شئت أن ترى بصيرا بالخير والشر ل َ
هذا ول عن هذا رأيته ،و إذا شئت أن ترى صابرًا على المشاق ل بصيرة له رأيته ،وإذا شئت أن ترى من ل
صبر له ولبصيره رأيته ،وإذا شئت أن ترى بصيرا صابرا لم تكد ،فإذا رأيته فقد رأيت إمام هدى حقا
فاستمسك ب َغ ْرزِه ،والوقار والسكينة ثمرة الحلم ونتيجته .
السكينة وحقيقتها وتفاصيلها
ولشدة الحاجة إلى السكينة وحقيقتها وتفاصيلها وأقسامها نشير إلى ذلك بحسب علومنا القاصرة ،وأذهاننا
الجامدة ،وعباراتنا الناقصة ،ولكن نحن أبناء الزمان ،و الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم ،ولكل زمان دولة
ورجال .
فالسكينة َفعِيلَة من السكون ،وهو طمأنينة القلب واستقراره ،وأصلها في القلب ،ويظهر أثرها على الجوارح،
وهي عامة وَخاصة .
عن سكينة النبياء
فسكينة النبياء صلوات ال وسلمه عليهم أخص مراتبها وأعلى أقسامها كالسكينة و التي حصلت لبراهيم
الخليل وقد ألقي في المنجنيق مسافرا إلى ما أضْرَم له أعداء ال من النار ،فلله تلك السكينة التي كانت في قلبه
حين ذلك السفر ! وكذلك السكينة التي حصلت لموسى وقد غَشِيه فرعون وجنوده من ورائهم والبحر أمامهم
وقد استغاث بنو إسرائيل يا موسى إلى أين تذهب بنا ؟ هذا البحر أمامنا وهذا فرعون خلفنا ! وكذلك السكينة
التي حصلت له وقت تكليم ال له نداء و نجاء كلما حقيقة سمعه حقيقة بأذنه ،وكذلك السكينة التي حصلت له
صيّهم كأنها تسعىوقد رأى العصا ثعبانا مبينا ،وكذلك السكينة التي نزلت عليه وقد رأى حبال القوم وع ِ
فأوجس في نفسه خيفة ،وكذلك السكينة التي حصلت لنبينا صلى ال عليه وسلم وقد أشرف عليه وعلى صاحبه
عدوّهما وهما في الغار فلو نظر أحدهم إلى تحت قدميه لرآهما ،وكذلك السكينة التي نزلت عليه في مواقفه
العظيمة وأعداء ال قد أحاطوا به كيوم بدر ويوم حنين ويوم الخندق وغيره؛ فهذه السكينة أمر فوق عقول
البشر ،وهي من أعظم معجزاته عند أرباب البصائر ،فإن الكذاب ـ ول سيما على ال ـ أ ْقلَقُ ما يكون وأخوف
ما يكون وأشده اضطرابا في مثل هذه المواطن؛ فلو لم يكن للرسل صلوات ال وسلمه عليهم من اليات إل
هذه وحدها لكفتهم .
سكينة أتباع الرسل
وأما الخاصة فتكون لتباع الرسل بحسب متابعتهم ،وهي سكينة اليمان ،وهي سكينة تسكن القلوب عن الريب
حوَجَ ما كانوا إليها ( هو الذي أنزل السكينة فيوالشك ،ولهذا أنزلها ال على المؤمنين في أصعب المواطن أ ْ
قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ،ول جنود السموات والرض ،وكان ال عليما حكيما ) [ الفتح ] 4 :
فذكر نعمته عليهم بالجنود الخارجة عنهم والجنود الداخلة فيهم ،وهي السكينة عند القلق والضطراب الذي لم
يصبر عليه مثل عمر بن الخطاب رضى ال عنه ،وذلك يوم الحديبية ،قال ال سبحانه وتعالى يذكر نعمته
86
www.dorar.net الدرر
السنية
عليهم بإنزالها أحوج ما كانوا إليها ( لقد رضي ال عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ،فعلم ما في قلوبهم،
فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ) [ الفتح ]18 :لما علم ال سبحانه وتعالى ما في قلوبهم من القلق
حبَسُوا الهَ ْديَ عن محله ،واشترطوا عليهم تلك والضطراب لما منعهم كفار قريش من دخول بيت ال ،و َ
ت ولم تُطِق الصبر ،فعلم تعالى ما فيها ،فثبتها بالسكينة الشروط الجائرة الظالمة ،فاضطربت قلوبهم ،و َقلِ َق ْ
رحمة منه ورأفة ولطفا ،وهو اللطيف الخبير ،وتحتمل الية وجها آخر ،وهو أنه سبحانه علم ما في قلوبهم من
اليمان والخير ومحبته ومحبة رسوله فثبتها بالسكينة و ْقتَ قلقها واضطرابها ،والظاهر أن الية تعم المرين،
وهو أنه علم ما في قلوبهم مما يحتاجون معه إلى إنزال السكينة وما في قلوبهم من الخير الذي هو سبب
إنزالها ،ثم قال بعد ذلك ( :إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ،فأنزل ال سكينته على رسوله
وعلى المؤمنين ،وألزمهم كلمة التقوى ،وكانوا أحق بها وأهلها ،وكان ال بكل شيء عليما ) [ الفتح ] 26 :لما
كانت حمية الجاهلية توجب من القوال والعمال ما يناسبها جعل ال في قلوب أوليائه سكينة تقابل حمية
الجاهلية ،وفي ألسنتهم كلمة التقوى مقابلة لما توجبه حمية الجاهلية من كلمة الفجور ،فكان حظ المؤمنين
السكينة في قلوبهم ،وكلمة التقوى على ألسنتهم ،وحظ أعدائهم حمية الجاهلية في قلوبهم ،وكلمة الفجور
والعدوان على ألسنتهم ،فكانت هذه السكينة وهذه الكلمة جنداً من جند ال أيّد بها ال رسوله والمؤمنين في
مقابلة جند الشيطان الذي في قلوب أوليائه وألسنتهم .وثمرة هذه السكينة الطمأنينة للخير تصديقا وإيقانا
وللمر تسليما وإذعانا ،فل تدع شبهة تعارض الخير ول إرادة تعارض المر ،فل تمر معارضات السوء
بالقلب إل وهي مجتازة من مرور الوساوس الشيطانية التي ُي ْبتَلى بها العبد ليقوي إيمانه ،ويعلو عند ال
ميزانه ،بمدافعتها وردها وعدم السكون إليها ،فل يظن المؤمن أنها لنقص درجته عند ال .
السكينة عند القيام بوظائف العبودية
ض الطرف فصل :ومنها السكينة عند القيام بوظائف العبودية ،وهي التي تورث الخضوع والخشوع وغَ ّ
وجمعية القلب على ال تعالى بحيث يؤدي عبوديته بقلبه وبدنه ،والخشوع نتيجة هذه السكينة وثمرتها ،وخشوع
الجوارح نتيجة خشوع القلب ،وقد رأى النبي صلى ال عليه وسلم رجل َي ْعبَث بلحيته في الصلة ،فقال ( :لو
خشع قلب هذا لخشعت جوارحه ) .
فإن قلت :قد ذ َك ْرتَ أقسامها ونتيجتها وثمرتها وعلمتها ،فما أسبابها الجالبة لها ؟
السباب الجالبة للسكينة
قلت سببها استيلء مراقبة العبد لربه جل جلله حتى كأنه يراه ،وكلما اشتدت هذه المراقبة أوجبت له من
الحياء والسكينة والمحبة والخضوع والخشوع و الخوف والرجاء ما ل يحصل بدونها ،فالمراقبة أساس
العمال القلبية كلها وعمودها الذي قيامها به ،ولقد جمع النبي صلى ال عليه وسلم أصول أعمال القلب
وفروعها كلها في كلمة واحدة ،وهي قوله في الحسان (( أن َت ْعبُدَ ال كأنك تراه )) فتأمل كل مقام من مقامات
الدين ،وكل عمل من أعمال القلوب ،كيف تجد هذا أصله ومنبعه ؟ .
متى يكون النسان محتاجًا إلى السكينة
والمقصود أن العبد محتاج إلى السكينة عند الوساوس المعترضة في أصل اليمان ليثبت قلبه ول يزيغ ،وعند
الوساوس والخَطَرات القادحة في أعمال اليمان لئل تقوى وتصير هموما وغموما وإرادات ينقص بها إيمانه،
وعند أسباب المخاوف على اختلفها ليثبت قلبه ويسكن جأشه ،وعند أسباب الفرح لئل يطمح به مركبه فيجاوز
الحد الذي ل يعبر فينقلب ترحا وحزنا ،وكم ممن أنعم ال عليه بما يفرحه فجمَحَ به مركب الفرح وتجاوز الحد
فانقلب ترحا عاجل ،ولو أعين بسكينة تعدل فرحه لريد به الخير ،وبال التوفيق ،وعند هجوم السباب المؤلمة
حوَجَه إلى السكينة حينئذ ،وما أنفعها له ،وأجْدَاها عليه ،وأحسن عاقبتها ! على اختلفها الظاهرة والباطنة ،فما أ ْ
.
87
www.dorar.net الدرر
السنية
والسكينة في هذه المواطن علمة على الظّفر ،وحصول المحبوب ،واندفاع المكروه ،وفَقْدُها علمة على ضد
ذلك ،ل يخطئ هذا ول هذا ،وال المستعان .
تمكن المفتي من العلم
وأما قوله (( :أن يكون قويا على ما هو فيه وعلى معرفته )) أي مستظهرا مضطلعا بالعلم متمكنا منه ،غير
ضعيف فيه؛ فإنه إذا كان ضعيفا قليل البضاعةغير مضطلع به أحْجَ َم عن الحق في موضع ينبغي فيه القدام
لقلة علمه بمواضع القدام والحجام ،فهو يُقْدِم في غير موضعه ،ويُحْجم في غير موضعه ،ول بصيرة له
بالحق ،ول قوة له على تنفيذه؛ فالمفتي محتاج إلى قوة في العلم وقوة في التنفيذ ،فإنه ل ينفع تكلم بحق ل نفاذ
له .
حاجة المفتي إلى الكفاية
وأما قوله (( :الرابعة الكفاية وإل مضغه الناس )) فإنه إذا لم يكن له كفاية احتاج إلى الناس وإلى الخذ مما في
أيديهم ،فل يأكل منهم شيئا إل أكلوا من لحمه وعرضه أضعافه ،وقد كان لسفيان الثوري شيء من مال ،وكان
ل يتروى في بذله ويقول :لول ذلك لتمندل بنا هؤلء؛ فالعالم إذا منح غناء فقد أعين على تنفيذ علمه ،وإذا
احتاج إلى الناس فقد مات علمه وهو ينظر .
معرفة الناس
وأما قوله (( :الخامسة معرفة الناس )) فهذا أصل عظيم يحتاج إليه المفتي والحاكم فإن لم يكن فقيها فيه فقيها
في المر و النهي ثم يطبق أحدهما على الخر ،وإل كان ما يُفْسِد أكثر مما يصلح ،فإنه إذا لم يكن فقيها في
المر له معرفة بالناس تصور له الظالم بصورة المظلوم وعكسه ،والمحق بصورة المبطل وعكسه ،وراج
عليه المكر والخداع والحتيال ،وتصور له الزنديق في صورة الصديق ،والكاذب في صورة الصادق ،وَل ِبسَ
عرْفياتهم ل يميز جهْله بالناس وأحوالهم وعوائدهم و ُ كل مبطل ثوب زور تحتها الثم والكذب والفجور ،وهو لِ َ
هذا من هذا ،بل ينبغي له أن يكون فقيها في معرفة َمكْر الناس وخداعهم واحتيالهم وعوائدهم وعرفياتهم ،فإن
الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعوائد والحوال ،وذلك كله من دين ال كما تقدم بيانه ،وبال التوفيق .
المام أحمد يبين الصفات اللزمة للمفتي
الفائدة الرابعة والعشرون :في كلمات حفظت عن المام أحمد رحمه ال تعالى ورضى عنه في أمر الفتيا،
سوى ما تقدم آنفا .
قال في رواية ابنه صالح :ينبغي للرجل إذا حمل نفسه على ال ُف ْتيَا أن يكون عالما بوجوه القرآن ،عالما
بالسانيد الصحيحة ،عالما بالسنن .وقال في رواية أبي الحارث :ل تجوز الفتيا إل لرجل عالم بالكتاب والسنة
.وقال في رواية حنبل :ينبغي لمن أفتى أن يكون عالما بقول مَنْ تقدم ،وإل فل يفتي .وقال في رواية يوسف
ب أن يتعلم الرجل كل ما تكلم فيه الناس .وقال في رواية ابنه عبد ال ،وقد سأله عن الرجل يريد ح ّبن موسى :أ ِ
أن يسأله عن أمر دينه مما يبتلي به من اليمان في الطلق وغيره ،وفي مصره من أصحاب الرأي ،وأصحاب
الحديث ل يحفظون ،ول يعرفون الحديث الضعيف ول السناد القوي ،فلمن يسأل ؟ لهؤلء أو لصحاب
الحديث على قلة معرفتهم ؟ فقال :يسأل أصحاب الحديث ،ول يسأل أصحاب الرأي ،ضعيف الحديث خير من
الرأي .وقال في رواية محمد بن عبيد ال بن المنادي ،وقد سمع رجل يسأله :إذا حفظ الرجل مائة ألف حديث
يكون فقيها ؟ قال :ل ،قال :فمائتي ألف ؟ قال :ل ،قال :فثلثمائة ألف ؟ قال :ل ،قال :فأربعمائة ألف ؟ قال :بيده
هكذا ،وحركها ،قال حفيده أحمد بن جعفر بن محمد :فقلت لجدي كم كان يحفظ أحمد ؟ فقال أجاب عن ستمائة
ألف .
وقال عبد ال بن أحمد سألت أبي عن الرجل يكون عنده الكتب المصنفة فيها قول رسول ال صلى ال عليه
وسلم والصحابة والتابعين ،وليس للرجل َبصَر بالحديث الضعيف المتروك ول السناد القوي من الضعيف،
88
www.dorar.net الدرر
السنية
فيجور أن يعمل بما شاء ويتخير منها فيفتي به ويعمل به ،قال :ل يعمل حتى يسأل ما يؤخذ به منها فيكون
يعمل على أمر صحيح ،يسأل عن ذلك أهل العلم .
وقال أبو داود :سمعت أحمد وسئل عن مسألة ،فقال :دَعْنا من هذه المسائل المحدَثة ،وما أحصي ما سمعت
عيَينة فيأحمد سئل عن كثير مما فيه الختلف من العلم فيقول :ل أدري ،وسمعته يقول ما رأيت مثل ابن ُ
الفتيا أحسن فتيا منه ،كان أهون عليه أن يقول (( ل أدري )) مَنْ يحسن مثل هذا ؟ سل العلماء .
وقال أبو داود :قلت لحمد :الوزاعي هو أ ْتبَع من مالك ،فقال :ل تقلد دينك أحدا من هؤلء ،ما جاء عن النبي
صلى ال عليه وسلم وأصحابه فخذ به ،ثم التابعين بعد الرجل فيه مخير .وقال إسحاق بن هانيء سألت أبا عبد
ال عن الذي جاء في الحديث ( أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار ) فقال :يفتي بما لم يسمع .وقال أيضا:
قلت لبي عبد ال :يطلب الرجل الحديث بقدر ما يظن أنه قد انتفع به ،قال :العلم ل يعدله شيء ،وجاءه رجل
يسأله عن شيء فقال :ل أجيبك في شيء ،ثم قال :قال عبد ال بن مسعود :إن كل من يفتى الناس في كل ما
يستفتونه لمجنون ،قال العمش :فذكرت ذلك للحاكم ،فقال :لو حدثتني به قبل اليوم ما أفتيت في كثير مما كنت
أفتي به ،قال ابن هانيء :وقيل لبي عبد ال :يكون الرجل في قرية فيسأل عن الشيء الذي فيه اختلف ،قال:
يفتي بما وافق الكتاب والسنة ،وما لم يوافق الكتاب والسنة أمسك عنه ،قيل له :أفتخاف عليه ؟ قال :ل ،قيل له:
ما كان من كلم إسحاق بن راهويه وما كان وضع في الكتاب وكلم أبي عبيد ومالك ترى النظر فيه ؟ فقال:
كل كتاب ابتدع فهو بدعة ،أو كل كتاب محدث فهو بدعة ،وأما ما كان عن مناظرة يخبر الرجل بما عنده وما
يسمع من الفتيا فل أرى به بأسا ،قيل له :فكتاب أبي عبيد غريب الحديث ؟ قال ذلك شيء حكاه عن قوم
أعراب ،قيل له :فهذه الفوائد التي فيها المناكير ترى أن تكتب ؟ قال :المنكر أبدا منكر .
دللة العالم للمستفتي على غيره
الفائدة الخامسة والعشرون :في دللة العالم للمستفتى على غيره ،وهو موضع خطر جدا ،فلينظر الرجل ما
يحدث من ذلك فإنه متسبب بدللته إما إلى الكذب على ال ورسوله في أحكامه أو القول عليه بل علم ،فهو
معين على الثم والعدوان وإما معين على البر والتقوى ،فلينظر النسان إلى مَن يدل عليه ،وليتق ال ربه فكان
ك ولهشيخنا قدس ال روحه شديد التجنب لذلك ،ودللت مرة بحضرته على مُ ْفتِ أو مذهب ،فانتهرني وقال :ماَل َ
؟ دَعْه ،ففهمت من كلمه إنك ل َتبُوء بما عساه يحصل له من الثم ولمن أفتاه ،ثم رأيت هذه المسألة بعينها
منصوصة عن المام أحمد .قال أبو داود في مسائله :قلت لحمد :الرجل يسأل عن المسألة فأدله على إنسان
يسأله ؟ فقال :إذا كان ـ يعني الذي أرشدته إليه ـ متبعا ويفتي بالسنة ،فقيل لحمد :إنه يريد التباع وليس كل
قوله يصيب ،فقال أحمد :ومن يصيب في كل شيء ؟ قلت له :فرأي مالك ،فقال :ل تتقلد في مثل هذا بشيء !
قلت :وأحمد كان يدل على أهل المدينة ويدل على الشافعي ويدل على إسحاق ول خلف عنه في استفتاء
هؤلء ،ول خلف عنه في أنه ل يستفتي أهل الرأي المخالفون لسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وبال
التوفيق ،ول سيما كثير من المنتسبين إلى الفتوى في هذا الزمان وغيره ،وقد رأى رجل ربيعة بن أبي عبد
ستَفْتي من ل علم له ،وظهر في السلم أمر عظيم ،قال :وَل َبعْضُ من الرحمن يبكي ،فقال :ما يبكيك ؟ فقال ا ْ
سرّاق ،قال بعض العلماء :فكيف لو رأى ربيعة زماننا ،وإقدام من ل علم عنده يفتي ههنا أحَقّ بالسجن من ال ّ
على الفتيا ،وتوثّبه عليها ،ومَدّ باع التكلف إليها ،وتسلقه بالجهل والجرأة عليها مع قلة الخبرة وسوء السيرة
وشؤم السريرة ،وهو من بين أهل العلم منكر أو غريب ،فليس له في معرفة الكتاب والسنة وآثار السلف
نصيب ،ول يبدي جوابا بإحسان ،وإن ساعد القدر فتواه كذلك يقول :فلن ابن فلن .
يمدّون للفتاء باعًا قصيرة * وأكثرهم عند الفتاوي ُيكَ ْذِلكُ
مفتٍ قليل البضاعة
وكثير منهم نصيبهم مثل ما حكاه أبو محمد بن حزم ،قال :كان عندنا مُ ْفتٍ قليل البضاعة ،فكان ل يفتي حتى
يتقدمه من يكتب الجواب فيكتب تحته جوابي مثل جواب الشيخ ،فقدر أن اختلف مفتيان في جواب ،فكتب
89
www.dorar.net الدرر
السنية
تحتهما جوابي مثل جواب الشيخين ،فقيل له :إنهما قد تناقضا ،فقال :وأنا أيضا تناقضت كما تناقضا ،وقد أقام
ال سبحانه لكل عالم ورئيس وفاضل من يظهر مماثلته ،ويرى الجهال وهم الكثرون مساجلته ومشاكلته ،وأنه
يجري معه في الميدان ،وأنهما عند المسابقة كفرَسيْ رهان ،ول سيما إذا طوّل الردان ،و أرخى الذوائب
الطويلة وراءه كذنب التان ،وهدر باللسان ،وخل له الميدان الطويل من الفرسان .
ك من حمارفلو لبس الحمار ثياب خز * لقال الناس يا َل َ
عكُوف من ل علم عنده وهذا الضرب إنما يستفتون بالشكل ل بالفضل ،وبالمناصب ل بالهلية ،قد غرهم ُ
عليهم ،ومسارعة أجهل منهم إليهم ،تعجّ منهم الحقوق إلى ال تعالى عجيجا ،وتضح منهم الحكام إلى من
أنزلها ضجيجا .فمن أقدم بالجرأة على ما ليس له بأهل من فُتيا أو قضاء أو تدريس ،استحق اسم الذم ،ولم يحل
قبول فتياه ول قضائه ،هذا حكم دين السلم .
ت أنوف من أناس * فقل يارب ل ترغم سواها غ َم ْ
وإن رَ ِ
حكم كذلكة المفتي
الفائدة السادسة والعشرون :في حكم كذلكة المفتي ،ول يخلو من حالين :إما أن يعلم صواب جواب من تقدمه
بالفتيا أول يعلم ،فإن علم صواب جوابه فله أن يكذلك ،وهل الولى له الكذلكة أو الجواب المستقل ؟ فيه
تفصيل :فل يخلو المبتديء إما أن يكون أهل أو متسلقا متعاطيا ما ليس له بأهل ،فإن كان الثاني فتركه الكذلكة
أولى مطلقاً إذ في كذلكته تقرير له على الفتاء ،وهو كالشهادة له بالهلية ،وكان بعض أهل العلم يضرب على
فتوى من كتب وليس بأهل ،فإن لم يتمكن من ذلك خوف الفتنة منه فقد قيل ليكتب معه في الورقة ،ويرد
السائل ،وهذا نوع تحامل .والصواب أنه يكتب في الورقة الجواب ،ول يأنف من الخبار بدين ال الذي يجب
عليه الخبار به لكتابة من ليس بأهل؛ فإن هذا ليس عذرا عند ال ورسوله وأهل العلم في كتمان الحق ،بل هذا
نوع رياسة وكبر ،والحق ل عز وجل ،فكيف يجوز أن يعطل حق ال ويكتم دينه لجل كتابة من ليس بأهل ؟
وقد نص المام أحمد على أن الرجل إذا شهد الجنازة فرأى فيها منكرا ل يقدر على إزالته أنه ل يرجع ،ونص
على أنه إذا دعي إلى وليمة عرس فرأى فيها منكرا ليقدر على إزالته أنه يرجع ،فسألت شيخنا عن الفرق
فقال :لن الحق في الجنازة للميت ،فل يترك حقه لما فعله الحي من المنكر ،والحق في الوليمة لصاحب البيت
فإذا أتى فيها بالمنكر ،فقد أسقط حقه من الجابة ،وإن كان المبتدي بالجواب أهل للفتاء فل يخلو إما أن يعلم
المكذلك صواب جوابه أو ل يعلم ،فإن لم يعلم صوابه لم يجز له أن يكذلك تقليدا له؛ إذ لعله أن يكون قد غلط،
ت بغير علم ،ومن أفتى بغير علم فإثمه على من ولو نبه لرجع ،وهو معذور ،وليس المكذلك معذورا ،بل مُ ْف ٍ
أفتاه ،وهو أحد المفتين الثلثة الذين ثلثاهم في النار ،وإن علم أنه قد أصاب فل يخلو إما أن تكون المسألة
ظاهرة ل يخفى وجه الصواب فيها بحيث ل يظن بالمكذلك أنه قلده فيما ل يعلم أو تكون خفية ،فإن كانت
ظاهرة فالولى الكذلكة لنه إعانة على البر والتقوى ،وشهادة للمفتى بالصواب ،وبراءة من الكبر والحمية،
وإن كانت خفية بحيث يظن بالمكذلك أنه وافقه تقليدا محضا فإن أمكنه إيضاح ما أشكله الول وزيادة بيان أو
ذكر قيد أو تنبيه على أمر أغفله فالجواب المستقل أولى ،وإن لم يمكنه ذلك فإن شاء كذلك وإن شاء أجاب
استقلل .
فإن قيل :ما الذي يمنعه من الكذلكة إذا لم يعلم صوابه تقليدا له كما قلد المبتدي من فوقه ؟ فإذا أفتى الول
بالتقليد المحض فما الذي يمنع المكذلك من تقليده ؟ قيل :الجواب من وجوه :أحدها :أن الكلم في المفتي الول
أيضا ،فقد نص المام الشافعي وأحمد وغيرهما من الئمة على أنه ل يحل للرجل أن يفتى بغير علم ،حكي في
ذلك الجماع ،وقد تقدم ذكر ذلك مستوفى .الثاني :أن هذا الول وإن جاز له التقليد للضرورة فهذا المكذلك
المتكلف ل ضرورة له إلى تقليده ،بل هذا من بناء الضعيف على الضعيف ،وذلك ل يسوغ ،كما ل تسوغ
الشهادة على الشهادة ،وكما ل يجوز المسح على الخفين على طهارة التيمم ،ونظائر ذلك كثيرة .الثالث :أن
هذا لو ساغ لصار الناس كلهم مفتين ،إذ ليس هذا بجواز تقليد المفتي أولى من غيره ،وبال التوفيق .
90
www.dorar.net الدرر
السنية
يجوز للمفتي أن يفتي أباه وابنه ومن ل تقبل شهادته
الفائدة السابعة والعشرون يجوز للمفتي أن يفتي أباه وابنه وشريكه ومن ل تقبل شهادته له ،وإن لم يجز أن
يشهد له ول يقضي له ،والفرق بينهما أن الفتاء يجري مجرى الرواية ،فكأنه حكم عام ،بخلف الشهادة
والحكم فإنه يخص المشهود له والمحكوم له ،ولهذا يدخل الراوي في حكم الحديث الذي يرويه ،ويدخل في
حكم الفتوى التي يفتي بها ،ولكن ل يجوز له أن يحابي من يفتيه فيفتي أباه أو ابنه أو صديقه بشيء ويفتي
غيرهم بضده محاباة ،بل هذا يَقْدَح في عدالته ،إل أن يكون ثم سبب يقتضي التخصيص غير المحاباة ،ومثال
هذا أن يكون في المسألة قولن قول بالمنع وقول بالباحة ،فيفتي ابنه وصديقة بقول الباحة والجنبي بقول
المنع .
فإن قيل :هل يجوز له أن يفتي نفسه ؟ .
ك وإن أفتاك المُ ْفتُون )
ستَ ْفتِ َق ْل َب َ
قيل :نعم ،إذا كان له أن يفتي غيره ،وقد قال النبي صلى ال عليه وسلم ( ا ْ
فيجوز له أن يفتى نفسه بما يفتي غيره به ،ول يجوز له أن يفتى نفسه بالرخصة وغيره بالمنع ،ول يجوز له
إذا كان في المسألة قولن قول بالجواز وقول بالمنع أن يختار لنفسه قول الجواز ولغيره قول المنع ،وسمعت
شيخنا يقول :سمعت بعض المراء يقول عن بعض المفتين من أهل زمانه يكون عندهم في المسألة ثلثة أقوال
أحدها :الجواز والثاني :المنع والثالث :التفصيل فالجواز لهم والمنع لغيرهم وعليه العمل .
ل يجوز للمفتي أن يعمل من غير نظر في الترجيح
الفائدة الثامنة والعشرون :ل يجوز للمفتي أن يعمل بما يشاء من القوال والوجوه من غير نظر في الترجيح
ول يعتد به ،بل يكتفي في العمل بمجرد كون ذلك قول قاله إمام أو وجها ذهب إليه جماعة فيعمل بما يشاء من
ق إرادته وغرضه عمل به ،فإرادته وغرضه هو المعيار وبها الترجيح، الوجوه و القوال حيث رأى القول وَفْ َ
صبَ نفسهوهذا حرام باتفاق المة ،وهذا مثل ما حكى القاضى أبو الوليد الباجي عن بعض أهل زمانه ممن َن َ
ي إذا وقعت له حكومة أو فتيا أن أفتيه بالرواية التي توافقه ،وقال: للفتوى أنه كان يقول :إن الذي لصديقي عل ّ
وأخبرني من أثق به أنه وقعت له واقعة فأفتاه جماعة من المفتين بما يضره ،وأنه كان غائبا فلما حضر سألهم
بنفسه ،فقالوا :لم نعلم أنها لك ،وأفتوه بالرواية الخرى التي توافقه ،قال :وهذا مما ل خلف بين المسلمين ممن
يعتد بهم في الجماع أنه ل يجوز ،وقد قال مالك رحمه ال في اختلف الصحابة رضى ال عنهم :مخطئ
ومصيب فعليك بالجتهاد .
شهّى والتخير وموافقة الغرض فيطلب القول الذي يوافق وبالجملة فل يجوز العمل والفتاء في دين ال بالتّ َ
غرضه وغرض من يحابيه فيعمل به ،ويفتي به ،ويحكم به ،ويحكم على عدوه ويفتيه بضده ،وهذا من أفسق
الفسوق و أكبر الكبائر ،وال المستعان .
المفتون أربعة أقسام
الفائدة التاسعة والعشرون :المفتون الذين نصبوا أنفسهم للفتوى أربعة أقسام .
القسم الول :العلم بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة
أحدهم :العالم بكتاب ال وسنة رسوله وأقوال الصحابة؛ فهو المجتهد في أحكام النوازل ،يقصد فيها موافقة
الدلة الشرعية حيث كانت ،ول ينافي اجتهاده تقليده لغيره أحيانا ،فل تجد أحدا من الئمة إل وهو مقلد من هو
أعلم منه في بعض الحكام ،وقد قال الشافعي رحمه ال ورضي عنه في موضع من الحج قلته تقليدا لعطاء؛
فهذا النوع الذي يسوغ لهم الفتاء ،ويسوغ استفتاؤهم ويتأدى بهم فرض الجتهاد ،وهم الذين قال فيهم النبي
صلى ال عليه وسلم ( :إن ال يبعث لهذه المة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ) وهم غرس ال
الذين ل يزال يغرسهم في دينه ،وهم الذين قال فيهم علي بن أبي طالب كرم ال وجهه :لن تخلو الرض من
قائم ل بحجته .
91
www.dorar.net الدرر
السنية
النوع الثاني :مجتهد مقيد في مذهب من ائتم به
النوع الثاني :مجتهد مقيد في مذهب من ائتم به؛ فهو مجتهد في معرفة فتاويه وأقواله ومأخذه وأصوله،
عارف بها ،متمكن من التخريج عليها وقياس ما لم ينص من ائتم به عليه على منصوصه من غير أن يكون
مقلدا لمامه ل في الحكم ول في الدليل ،لكن سلك طريقه في الجتهاد والفتيا ودعا إلى مذهبه ورتبه وقرره،
فهو موافق له في مقصده وطريقه معا .
وقد ادعى هذه المرتبة من الحنابلة القاضي أبو يعلى والقاضي أبو علي بن ابي موسى في شرح الرشاد الذي
له ،ومن الشافعية خلق كثير ،وقد اختلف الحنفية في أبي يوسف ومحمد وزُفر بن الهذيل ،والشافعية في المزني
وابن سريج وابن المنذر ومحمد بن نصر المروزي ،والمالكية في أشهب وابن عبد الحكم وابن القاسم وابن
وهب ،والحنابلة في أبى حامد والقاضي هل كان هؤلء مستقلين بالجتهاد أو متقيدين بمذاهب أئمتهم ؟ على
قولين ،ومن تأمل أحوال هؤلء وفتاويهم واختياراتهم علم أنهم لم يكونوا مقلدين لئمتهم في كل ما قالوه،
وخلفهم لهم أظهر من أن ينكر ،وإن كان منهم المستقل والمستكثر ،ورتبة هؤلء دون رتبة الئمة في
الستقلل بالجتهاد .
النوع الثالث :مجتهد في مذهب من انتسب إليه
فصل :النوع الثالث :من هو مجتهد في مذهب من انتسب إليه ،مقرر له بالدليل ،متقن لفتاويه ،عالم بها ،ل
يتعدى أقواله وفتاويه ول يخالفها ،وإذا وجد نص إمامه لم َيعْدِل عنه إلى غيره البتة ،وهذا شأن أكثر المصنفين
في مذاهب أئمتهم ،وهو حال أكثر علماء الطوائف ،وكثير منهم يظن أنه ل حاجة به إلى معرفة الكتاب والسنة
والعربية لكونه مجتزيا بنصوص إمامه ،فهى عنده كنصوص الشارع ،قد اكتفى بها ،من كلفة التعب والمشقة،
وقد كفاه المام استنباط الحكام ومؤنة استخراجها من النصوص ،وقد يرى إمامه ذكر حكما بدليله؛ فيكتفي هو
بذلك الدليل من غير بحث عن معارض له .
وهذا شأن كثير من أصحاب الوجوه و الطرق والكتب المطولة والمختصرة ،وهؤلء ل يَدّعون الجتهاد ،ول
يقرون بالتقليد ،وكثير منهم يقول اجتهدنا في المذاهب فرأينا أقربها إلى الحق مذهب إمامنا ،وكل منهم يقول
ذلك عن إمامه ،ويزعم أنه أولى بالتباع من غيره ،ومنهم من يغلو فيوجب اتباعه ،ويمنع من اتباع غيره .
علَمَ من غيره ،أحق بالتباع من سواه ،وأن فيا ل العجب من اجتهاد نهض بهم إلى كون متبوعهم ومقلّدِهم أ ْ
مذهبه هو الراجح ،والصواب دائر معه ،وقعد بهم عن الجتهاد في كلم ال ورسوله ،واستنباط الحكام منه،
وترجيح ما يشهد له النص ،مع استيلء كلم ال ورسوله على غاية البيان ،وتضمنه لجوامع الكلم ،وفصله
للخطاب ،وبراءته من التناقض والختلف والضطراب ،فقعدت بهم هممهم واجتهادهم عن الجتهاد فيه،
ونهضت بهم إلى الجتهاد في كون إمامهم أعلم المة وأولها بالصواب ،وأقواله في غاية القوة وموافقة السنة
والكتاب ،وال المستعان .
النوع الرابع :من تفقهوا في مذاهب من انتسبوا إليهم
فصل :النوع الرابع :طائفة تفقهت في مذاهب من انتسبت إليه ،وحفظت فتاويه وفروعه ،وأقرت على أنفسها
بالتقليد المحض من جميع الوجوه ،فإن ذكروا الكتاب والسنة يوما في مسألة فعلى وجه التبرك والفضيلة ل
على وجه الحتجاج والعمل ،وإذا رأوا حديثا صحيحا مخالفا لقول من انتسبوا إليه أخذوا بقوله وتركوا
الحديث ،وإذا رأوا أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وغيرهم من الصحابة رضى ال عنهم قد أفتوا بفتيا ،و وجدوا
لمامهم فتيا تخالفها أخذوا بفتيا إمامهم وتركوا فتاوي الصحابة ،قائلين المام أعلم بذلك منا ،ونحن قد قلدناه فل
نتعداه ول نتخطاه ،بل هو أعلم بما ذهب إليه منا ،ومن عدا هؤلء فمتكلف متخلف قد دنا بنفسه عن رتبه
المشتغلين ،و َقصّر عن درجة المحصلين ،فهو مكذلك مع المكذلكين ،وإن ساعده القدر واستقلّ بالجواب قال:
يجوز بشرطه ،ويصح بشرطه ،ويجوز ما لم يمنع منه مانع شرعي ،ويرجع في ذلك إلى رأي الحاكم ،ونحو
ذلك من الجوبة التي يستحسنها كل جاهل ،ويستحي منها كل فاضل .
92
www.dorar.net الدرر
السنية
تقييم منازل المفتيين
ففتاوي القسم الول من جنس توقيعات الملوك وعلمائهم ،وفتاوي النوع الثاني من جنس توقيعات ُنوّابهم
وخلفائهم ،وفتاوي النوع الثالث والرابع من جنس توقيعات خلفاء نوابهم ،ومن عداهم فمتشبع بما لم ُيعْط،
متشبه بالعلماء ،محاك للفضلء ،وفي كل طائفة من الطوائف متحقق بغيه ومحاك له متشبه به ،وال المستعان
.
هل للمجتهد في مذهب إمام أن يفتي بقول إمامه
الفائدة الثلثون :إذا كان الرجل مجتهداً في مذهب إمام ،ولم يكن مستقل بالجتهاد ،فهل له أن يفتي بقول ذلك
المام ؟ على قولين ،وهما وجهان لصحاب الشافعي و أحمد .
أحدهما :الجواز ،ويكون متبعه مقلدا للميت ،ل له ،وإنما له مجرد النقل عن المام .
والثاني :ل يجوز له أن يفتي؛ لن السائل مقلد له ،ل للميت ،وهو لم يجتهد له ،والسائل يقول له :أنا أقلدك فيما
تفتيني به .
والتحقيق أن هذا فيه تفصيل ،فإن قال له السائل (( :أريد حكم ال تعالى في هذه المسألة ،وأريد الحق فيما
يخلصني )) ونحو ذلك لم يسعه إل أن يجتهد له في الحق ،ول يسعه أن يفتيه بمجرد تقليد غيره من غير معرفة
بأنه حق أو باطل ،وإن قال له (( :أريد أن أعرف في هذه النازلة قول المام ومذهبه )) ساغ له الخبار به،
ويكون ناقل له ،ويبقى الدرك على السائل؛ فالدرك في الوجه الول على المفتي ،وفي الثاني على المستفتي .
هل يجوز للحي تقليد الميت
الفائدة الحادية والثلثون :هل يجوز للحي تقليد الميت والعمل بفتواه من غير اعتبارها بالدليل الموجب
لصحة العمل بها ؟ فيه وجهان لصحاب المام أحمد والشافعي؛ فمن منعه قال :يجوز تغيير اجتهاده لو كان
حيا؛ فإنه كان يجدد النظر عند نزول هذه النازلة إما وجوبا وإما استحبابا ،على النزاع المشهور ،ولعله لو جَدّد
النظر لرجع عن قوله الول .والثاني :الجواز ،وعليه عمل جميع المقلدين في أقطار الرض ،وخيار ما
بأيديهم من التقليد تقليد الموات ،ومن منع منهم تقليد الميت فإنما هو شيء يقوله بلسانه ،وعمله في فتاويه
وأحكامه بخلفه ،والقوال ل تموت بموت قائلها ،كما ل تموت الخبار بموت رواتها وناقليها .
هل للمجتهد في نوع من العلم أن يفتي فيه
جزّؤ والنقسام ،فيكون الرجل مجتهدا في نوع من العلم مقلدا في الفائدة الثانية والثلثون :الجتهاد حالة تقبل التّ َ
غيره ،أو في باب من أبوابه ،كمن استفرغ وسعه في نوع العلم بالفرائض وأدلتها واستنباطها من الكتاب
والسنة دون غيرها من العلوم ،أو في باب الجهاد أو الحج ،أو غير ذلك؛ فهذا ليس له ال َفتْوى فيما لم يجتهد فيه،
ول تكون معرفته بما اجتهد فيه مُسَوغة له الفتاء بما ل يعلم في غيره ،وهل له أن يفتي في النوع الذي اجتهد
فيه ؟ فيه ثلثة أوجه أصحها الجواز ،بل هو الصواب المقطوع به .والثاني المنع .والثالث الجواز في
الفرائض دون غيرها .
حجة الجواز
فحجة الجواز أنه قد عرف الحق بدليله ،وقد بذل جهده في معرفة الصواب؛ فحكمه في ذلك حكم المجتهد
المطلق في سائر النواع.
حجة المنع
وحجة المنع تعلق أبواب الشرع وأحكامه بعضها ببعض ،فالجهل ببعضها مظنة للتقصير في الباب والنوع
الذي قد عرفه ،ول يخفى الرتباط بين كتاب النكاح والطلق والعدة وكتاب الفرائض ،وكذلك الرتباط بين
كتاب الجهاد وما يتعلق به ،وكتاب الحدود والقضية والحكام ،وكذلك عامة أبواب الفقه .
93
www.dorar.net الدرر
السنية
ومن فرق بين الفرائض وغيرها رأى انقطاع أحكام قسمة المواريث ومعرفة الفروض ومعرفة مستحقها عن
كتاب البيوع والجارات والرهون وال ّنضَال وغيرها ،وعدم تعلقاتها ،وأيضا فإن عامة أحكام المواريث قطعية،
وهي منصوص عليها في الكتاب والسنة .
فإن قيل :فما تقولون فيمن بذل جهده في معرفة مسألة أو مسألتين ،هل له أن يفتي بهما ؟
قيل :نعم يجوز في أصح القولين ،وهما وجهان لصحاب المام أحمد ،وهل هذا إل من التبليغ عن ال وعن
طرِ كلمة خيرا ،ومنْعُ هذا من الفتاء بما علم خطأ محض ،وبال رسوله ،وجزى ال من أعان السلم ولو بشَ ْ
التوفيق .
من أفتى الناس وهو ليس بأهل
الفائدة الثالثة والثلثون :من أفتى الناس وليس بأهل للفتوى فهو آثم عاص ،ومن أقره من ولة المور على
ذلك فهو آثم أيضا .
قال أبو الفرج ابن الجوزي رحمه ال :ويلزم ولي المر منعهم كما فعل بنو أمية ،وهؤلء بمنزلة من يدل
الركب ،وليس له علم بالطريق ،وبمنزلة العمى الذي يرشد الناس إلى القبلة ،وبمنزلة من ل معرفة له بالطب
ب الناس ،بل هو أسوأ حال من هؤلء كلهم ،وإذا تعين على ولي المر منع من لم يحسن التطبب من وهو يط ّ
مداواة المرضى ،فكيف بمن لم يعرف الكتاب والسنة ولم يتفقه في الدين ؟ .
وكان شيخنا رضى ال عنه شديد النكار على هؤلء ،فسمعته يقول :قال لي بعض هؤلء :أجعلت محتسبا
على الفتوى ؟ فقلت له يكون على الخبازين والطباخين محتسب ول يكون على الفتوى محتسب ؟ وقد روى
المام أحمد وابن ماجة عن النبي صلى ال عليه وسلم مرفوعا ( :مَنْ أفتى بغير علم كان إثم ذلك على الذي
أفتاه ) وفي الصحيحين من حديث عبد ال بن عمرو بن العاص رضى ال عنهما عن النبي صلى ال عليه
ض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الرجال ،ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ،فإذا لم يبق وسلم ( :إن ال ل يَ ْقبِ ُ
ضلّوا ) وفي أثر مرفوع ذكره أبو الفرج ضلّوا وأ َ
عالم اتخذ الناس رؤساء جهال؛ فَسُئلوا فأفتوا بغير علم ف َ
وغيره ( :من أفتى الناس بغير علم لعنته ملئكة السماء وملئكة الرض ) .
وكان مالك رحمه ال يقول :من سئل عن مسألة فينبغي له قبل أن يجيب فيها أن يعرض نفسه على الجنة
والنار ،وكيف يكون خلصه في الخرة ،ثم يجيب فيها ،وسئل عن مسألة فقال :ل أدري ،فقيل له :إنها مسألة
س ُنلْقِي عليك قولخفيفة سهلة ،فغضب وقال :ليس في العلم شيء خفيف ،أما سمعت قول ال عز وجل ( :إنا َ
ثقيل ) [ المزمل ] 5 :فالعلم كله ثقيل ،وخاصة ما يسأل عنه يوم القيامة وقال :ما أفتيت حتى شهد لي سبعون
أنى أهْل لذلك ،وقال :ل ينبغي لرجل أن يرى نفسه أهل لشيء حتى يسأل من هو أعلم منه ،وما أفتيت حتى
سألت ربيعة و يحيى بن سعيد ،فأمراني بذلك ،ولو نهياني انتهيت ،قال :وإذا كان أصحاب رسول ال صلى ال
عليه وسلم تصعب عليهم المسائل ،ول يجيب أحد منهم عن مسألة حتى يأخذ رأي صاحبه مع ما رزقوا من
السداد والتوفيق والطهارة ،فكيف بنا الذين غطت الذنوب والخطايا قلوبنا ؟ وكان رحمه ال إذا سئل عن مسألة
فكأنه واقف بين الجنة والنار .وقال عطاء بن أبي رباح :أدركت أقواما إن كان أحدهم ليُسأل عن شيء فيتكلم
وإنه ل ُيرْعَدُ ،وسئل النبي صلى ال عليه وسلم أي البلد شر ؟ فقال (( :ل أدري حتى أسأل جبريل )) فسأله
فقال :أسواقها .وقال المام أحمد :من عرض نفسه للفتيا فقد عرضها لمر عظيم ،إل أنه قد تلجئ الضرورة .
وسئل الشعبي عن مسألة ،فقال :ل أدري ،فقيل له :أل تستحي من قولك ل أدري وأنت فقيه أهل العراق ؟ فقال:
علْم لنا إل ما علمتنا ) [ البقرة . ] 32 :وقال بعض أهل العلمَ :ت َعلّم للكن الملئكة لم تستحي حين قالوا ( :ل ِ
علّموك حتى تدري ،وإن قلت :أدري سألوك حتى ل تدري .وقال عتبة بن مسلم أدري فإنك إن قلت :ل أدري َ
صحبت ابن عمر أربعة و ثلثين شهرا ،فكان كثيرا ما يسأل فيقول :ل أدري .وكان سعيد بن المسيب ل يكاد
يفتى فتيا ول يقول شيئا إل قال :اللهم سلمني وسلم مني ،وسئل الشافعي عن مسألة ،فسكت ،فقيل :أل تجيب ؟
فقال :حتى أدري الفضل في سكوتي أو في الجواب ،وقال ابن أبي ليلى :أدركت مائة وعشرين من النصار
94
www.dorar.net الدرر
السنية
من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يُسْأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى
ترجع إلى الول ،وما منهم من أحد يحدث بحديث أو يسأل عن شيء إل وَدّ أن أخاه كفاه .وقال أبو الحسين
الزْدي :إن أحدهم ليفتي في المسألة لو َورَ َدتْ على عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر .وسئل القاسم بن
محمد عن شيء ،فقال :إنى ل أحسنه ،فقال له السائل :إنى جئتك ل أعرف غيرك ،فقال له القاسم :ل تنظر إلى
طول لحيتي وكثرة الناس حولي ،وال ما أحسنه ،فقال شيخ من قريش جالس إلى جنبه :يا ابن أخي الزمها،
حبّ إلي من أن أتكلم بما ل علم فوال ما رأيناك في مجلس أنبل منك اليوم ،فقال القاسم وال لن يقطع لساني أ َ
لي به .وكتب سلمان إلى أبي الدرداء رضى ال عنهما وكان بينهما مؤاخاة :بلغني أنك قعدت طبيبا فاحْذر أن
تكون متطببا أو تقتل مسلما ،فكان ربما جاءه الخصمان فيحكم بينهما ثم يقول رُدّوهما عليّ ،متطبب وال،
أعيدا عليّ قضيتكما.
حكم العامي ل يجد من يفتيه
الفائدة الرابعة والثلثون :إذا نزلت بالعامى نازلة وهو في مكان ل يجد من يسأله عن حكمها ففيه طريقان
للناس ،أحدهما :أن له حكم ما قبل الشرع ،على الخلف في الحظر والباحة والوقف؛ لن عدم المرشِدِ في
خرّجُ على الخلف في مسألة تعارض الدلة حقه بمنزلة عدم المرشد بالنسبة إلى المة .والطريقة الثانية :أنه ُي َ
عند المجتهد ،هل يعمل بالخف أو بالشد أو يتخير ؟ والصواب أنه يجب عليه أن يتقي ال ما استطاع،
ويتحرى الحق بجهده ومعرفة مثله ،وقد نصب ال تعالى على الحق أمارات كثيرة ،ولم يسوّ ال سبحانه
طرُ السليمة
وتعالى بين ما يحبه وبين ما يسخطه من كل وجه بحيث ل يتميز هذا من هذا ،ول بد أن تكون الفِ َ
مائلة إلى الحق ،مؤثرة له ،ول بد أن يقوم لها عليه بعض المارات المرجحة ولو بمنام أو بإلهام ،فإن قدر
ارتفاع ذلك كله وعدمت في حقه جميع المارات فهنا يسقط التكليف عنه في حكم هذه النازلة ،ويصير بالنسبة
إليها كمن لم تبلغة الدعوة ،وإن كان مكلفا بالنسبة إلى غيره؛ فأحكام التكليف تتفاوت بحسب التمكن من العلم
والقدرة ،وال أعلم .
97
www.dorar.net الدرر
السنية
الفائدة الحادية والربعون إذا عمل المستفتي بفُتيا مُفتٍ في إتلف نفس أو مال ثم بان خطؤه ،قال أبو إسحاق
السفرائيني من الشافعية يضمن المفتي إن كان أهل للفتوى وخالف القاطِعَ ،وإن لم يكن أهل فل ضمان عليه؛ لن
المستفتي قَصّر في استفتائه وتقليده ،ووافقه على ذلك أبو عبد ال بن حمدان في كتاب (( آداب المفتي والمستفتي ))
له ،ولم أعرف هذا لحد من الصحاب قبله ثم حكى وجها آخر في تضمين من ليس بأهل قال لنه تَصَدّى لما ليس له
غرّ من استفتاه بتصدّيه لذلك .
بأهل و َ
قلت خطأ المفتي كخطأ الحاكم والشاهد .
خطأ الحاكم في النفس والطرف
وقد اختلفت الرواية في خطأ الحاكم في النفس أو الطرف ،فعن المام أحمد في ذلك روايتان ،إحداهما أنه في بيت
المال؛ لنه يكثر منه ذلك الحكم ،فلو حملته العاقلة لكان ذلك إضرارا عظيما بهم ،والثانية أنه على عاقلته كما لو كان
الخطأ بسبب غير الحاكم ،وأما خطؤه في المال فإذا حكم بحق ثم بان كفر الشهود أو فسقهم نقض حكمه ،ثم رجع
المحكوم عليه ببدل المال على المحكوم له ،وكذلك إذا كان الحكم بقَوَد رجع أولياء المقتول ببدله على المحكوم له .
وكذلك إن كان الحكم بحق ال بإتلف مباشر أو بالسراية ففيه ثلثة أوجه ،أحدها أن الضمان على المزكين؛ لن الحكم
إنما وجب بتزكيتهم ،والثاني يضمنه الحاكم؛ لنه لم يتثبت ،بل فرط في المبادرة إلى الحكم وترك البحث والسؤال،
والثالث أن للمستحق تضمين أيهما شاء ،والقرار على المزكين؛ لنهم ألجأوا الحاكم إلى الحكم ،فعلى هذا إن لم يكن ثم
تزكية فعلى الحاكم .وعن أحمد رواية أخرى أنه ل ينقض بفسقهم ،فعلى هذا ل ضمان .
حكم المفتي في خطأه مع المام
وعلى هذا إذا استفتى المام أو الوالي مفتيا فأفتاه ثم بان له خطؤه فحكم المفتي مع المام حكم المزكين مع الحاكم،
وإن عمل المستفتي بفتواه من غير حكم حاكم ول إمام فأتلف نفسا أو مال فإن كان المفتي أهلً فل ضمان عليه،
والضمان على المستفتي ،وإن لم يكن أهل فعليه الضمان؛ لقول النبي صلى ال عليه وسلم (( مَنْ تطبب ولم يعرف
منه طب فهو ضامن )) وهذا يدل على أنه إذا عرف منه طب وأخطأ لم يضمن ،والمفتي أولى بعدم الضمان من
الحاكم والمام؛ لن المستفتي مخير بين قبول فتواه وردها ،فإن قوله ل يلزم ،بخلف حكم الحاكم والمام ،وأما خطأ
الشاهد فإما أن يكون شهودا بمال أو طلق أو عتق أو حد أو قَوَدٍ فإن بان خطؤهم قبل الحكم لم يحكم بذلك ،وإن بان
بعد الحكم باستيفاء القَوَد وقبل استيفائه لم يستوف قطعا ،وإن بان بعد استيفائه فعليهم دية ما تلف ،ويتقسط الغرم على
عددهم وإن بان خطؤهم قبل الحكم بالمال َلغَتْ شهادتهم ،ولم يضمنوا ،وإن بان بعد الحكم به نقض حكمه ،كما لو
شهدوا بموت رجل باستفاضة فحكم الحاكم ب َقسْم ميراثه ثم بانت حياته فإنه ينقض حكمه ،وإن بان خطؤهم في شهادة
ظهَر للحاكم أنه في ذلك اليوم كان محبوسا ل يصل إليه الطلق من غير جهتهم كما لو شهدوا أنه طلق يوم كذا وكذا و َ
أحد أو كان ُمغْمى عليه فحكم ذلك حكم ما لو بان كفرهم أو فسقهم فإنه ينقض حكمه و ُترَدّ المرأة إلى الزوج ولو
تزوجت بغيره ،بخلف ما إذا قالوا (( رجعنا عن الشهادة )) فإن رجوعهم إن كان قبل الدخول ضمنوا نصف
المسمى؛ لنهم قرروه عليه ،ول تعود إليه الزوجة إذا كان الحاكم قد حكم بالفرقة ،و إن رجعوا بعد الدخول ففيه
روايتان ،إحداهما أنهم ل يغرمون شيئا؛ لن الزوج استوفى المنفعة بالدخول فاستقر عليه عوضها ،والثانية يغرمون
المسمى كله؛ لنهم فَوّتُوا عليه البُضعَ بشهادتهم ،وأصلهما أن خروج البضع من يد الزوج هل هو متقوم أم ل ؟ وأما
شهود العتق فإن بان خطؤهم تبينا أنه ل عتق ،وإن قالوا رجعنا غرموا للسيد قيمة العبد .
أحوال ل يجوز للمفتي الفتاء وهو فيها
الفائدة الثانية والربعون ليس للمفتي الفتوى في حال غضب شديد أو جوع ُم ْفرِط أو هم ُم ْقلِق أو خوف مزعج أو
حسّ من نفسه شيئا من ذلك يخرجه عن حال نعاس غالب أو شغل قلب مستولٍ عليه أوحال ُمدَافعة الخبثين ،بل متى أ َ
اعتداله وطمأنينته وكمال تثبيته أمسك عن الفتوى ،فإن أفتى في هذه الحالة بالصواب صحت فتياه .ولو حكم في مثال
هذه الحالة فهل ينفذ حكمه أو ل ينفذ ؟ فيه ثلثة أقوال النفوذ ،وعدمه ،والفرق بين أن يعرض له الغضب بعد فهم
الحكومة فينفذ وبين أن يكون سابقا على فهم الحكومة فل ينفذ ،والثلثة في مذهب المام أحمد رحمه ال تعالى .
ل يجوز له الفتاء إلّ بالعراف في بعض المسائل
98
www.dorar.net الدرر
السنية
الفائدة الثالثة والربعون ل يجوز له أن يفتي في القارير واليمان والوصايا وغيرها مما يتعلق باللفظ بما اعتاده هو
ع ْرفَ أهلها والمتكلمين بها فيحملها على ما اعتادوه وعرفوه وإن كان مخالفا من فهم تلك اللفاظ دون أن يعرف ُ
لحقائقها الصلية ،فمتى لم يفعل ذلك ضل وأضل؛ فلفظ الدينار عند طائفة اسم لثمانية دراهم ،وعند طائفة اسم لثني
حلَف ليعطيه إياها أو أصْ َدقَها عشر درهما ،والدرهم عند غالب البلد اليوم اسم للمغشوش ،فإذا أقر له بدراهم أو َ
امرأته لم يجز للمفتي ول للحاكم أن يلزمه بالخالصة ،فلو كان في بلد إنما يعرفون الخالصة لم يجز له أن يلزم
المستحق بالمغشوشة ،وكذلك في ألفاظ الطلق والعتاق ،فلو جرى عرف أهل بلد أو طائفة في استعمالهم لفظ الحرية
في العفة دون العتق فإذا قال أحدهم عن مملوكه (( إنه حر )) أو عن جاريته (( إنها حرة )) ،وعادته استعمال ذلك في
العفة لم يخطر بباله غيرها لم يعتق بذلك قطعا ،وإن كان اللفظ صريحا عند مَنْ َأِلفَ استعماله في العتق ،وكذلك إذا
جرى عرف طائفة في الطلق بلفظ التسميح بحيث ل يعرفون لهذا المعنى غيره ،فإذا قالت (( اسمح لي )) فقال
(( سمحت لك )) فهذا صريح في الطلق عندهم ،وقد تقدم الكلم في الفصل مُشْبَعا وأنه ل يسوغ أن يقبل تفسير من
قال (( لفلن عليّ مال جليل ،أو عظيم )) بدانق أو درهم ،ونحو ذلك ،ول سيما إن كان المقر من الغنياء المكثرين
أوالملوك ،وكذلك لو أوصى له بقَوْس في محلة ل يعرفون إل أقواس البندق أو القواس العربية أو أقواس الرجل ،أو
حلف ل َيشَمّ الريحان في محل ل يعرفون الريحان إل هذا الفارسي ،أو حلف ل يركب دابة في موضع عرفُهم بلفظ
الدابة الحمار أو الفرس ،أو حلف ل يأكل ثمرا في بلد عرفُهم في الثمار نوع واحد منها ل يعرفون غيره ،أو حلف ل
يلبس ثوبا في بلد عرفُهم في الثياب ال ُقمُصُ وحدها دون الرْدية والزُر و الجِبَاب ونحوها ،تقيدت يمينه بذلك وحده
في جميع هذه الصور ،واختصت ب ُعرْفه دون موضوع اللفظ لغة أو في عرف غيره ،بل لو قالت المرأة لزوجها الذي
ل يعرف التكلم بالعربية ول يفهمها (( قل لي أنت طالق ثلثا )) ،وهو ل يعلم موضوع هذه الكلمة ،فقال لها ،لم تطلق
قطعا في حكم ال تعالى ورسوله ،وكذلك لو قال الرجل لخر (( أنا عبدك ومملوكك )) على سبيل الخضوع له كما
يقوله الناس لم يستبح ملك رقبته بذلك ،ومن لم يراع المقاصد والنيات والعرف في الكلم فإنه يلزمه أن يجوز له بيع
هذا القائل وملك رقبته بمجرد هذا اللفظ .
وهذا باب عظيم يقع فيه المفتي الجاهل ،فيغر الناس ،ويكذب على ال ورسوله ،ويغير دينه ،ويحرم ما لم يحرمه ال،
ويوجب ما لم يوجبه ال ،وال المستعان .
يحرم على المفتي التحليل لمعصية ال
الفائدة الرابعة والربعون يحرم عليه إذا جاءته مسألة فيها تحيل على إسقاط واجب أو تحليل محرم أو َمكْر أو خداع
أن يعين المستفتي فيها ،ويرشده إلى مطلوبه ،أو يفتيه بالظاهر الذي يتوصل به إلى مقصوده ،بل ينبغي له أن يكون
بصيرا بمكر الناس وخداعهم وأحوالهم ،ول ينبغي له أن يحسن الظن بهم ،بل يكون حذرا فطنا فقيها بأحوال الناس
وأمورهم ،يؤازره فقه في الشرع ،وإن لم يكن كذلك زَاغَ و أزاغ ،وكم من مسألة ظاهرها ظاهر جميل ،وباطنها مكر
وخداع وظلم ؟ فالغِرّ ينظر إلى ظاهرها ويقضي بجوازه ،وذو البصيرة يتفقد مقصدها وباطنها؛ فالول يروج عليه
زَغَل المسائل كما يروج على الجاهل بالنقد زَغَل الدراهم ،والثاني يخرج زيفها كما يخرج الناقد َزُيفَ النقود .
أثر التغيير والسلوب
وكم من باطل يخرجه الرجل بحسن لفظه و تنميقه وإبرازه في صورة حق ؟ وكم من حق يخرجه بتهجينه وسوء
تعبيره في صورة باطل ؟ ومن له أدنى فطنة وخبرة ل يخفى عليه ذلك ،بل هذا أغلب أحوال لناس ،ولكثرته وشهرته
يستغني عن المثلة .بل من تأمل المقالت الباطلة والبدع كلها وجَدها قد أخْرَجها أصحابها في قوالب مستحسنة
وكَسوُهَا ألفاظا يقبلها بها من لم يعرف حقيقتها ،ولقد أحسن القائل
تقول هذا جناء ال ّنحْلِ تمدحه * وإن تشأ ُقلْتَ ذا َقيْء الزنابير
مدحا وذما ،وما جاوزت وصفهما * والحق قد يعتريه سوء تعبير
ورأى بعض الملوك كأن أسنانه قد سقطت فعبرها له معبر بموت أهله وأقاربه ،فأقصاه وطرده ،واستدعى آخر فقال
له ل عليك ،تكون أطول أهلك عمرا ،فأعطاه وأكرمه وقربه ،فاستوفى المعنى ،وغير له العبارة ،وأخرج المعنى في
قالب حسن .
99
www.dorar.net الدرر
السنية
ل يحل الفتوى بالحيل المحرمة
والمقصود أنه ل يحل له أن يفتي بالحيل المحرمة ،ول يعين عليها ،ول يدل عليها؛ فيضاد ال في أمره ،قال ال تعالى
( ومكروا ومكر ال ،وال خير الماكرين ) [ آل عمران ]54 :وقال تعالى ( ومكروا مكرا ،ومكرنا مكرا ،وهم ل
يشعرون ،فانظر كيف كان عاقبة مكرهم ،أنا دمرناهم وقومهم أجمعين ) [ النمل ] 51-50 :وقال تعالى ( يخادعون
ال والذين آمنوا وما يخدعون إل أنفسهم وما يشعرون ) [ البقرة ]9 :وقال تعالى ( ويمكرون ويمكر ال وال خير
الماكرين ) [ النفال ]30 :وقال تعالى ( ول يحيق المكر السيء إل بأهله )[ فاطر ]43 :وقال تعالى ( إن المنافقين
يخادعون ال وهو خادعهم ) [ النساء ]142 :وقال تعالى ( وما يمكرون إل بأنفسهم وما يشعرون ) [ النعام ]123 :
وقال تعالى في حق أرباب الحيل المحرمة ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين،
فجعلناها نكال لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين ) [ البقرة ]66-65 :وفي صحيح مسلم عن النبي صلى ال
عليه وسلم أنه قال ( ملعون من ضَارّ مسلما أو مكر به ) وقال ( ل َترْ َت ِكبُوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم ال
بأدنى الحيل ) وقال ( المكر والخديعة في النار ) وفي سنن ابن ماجه وغيره عنه صلى ال عليه وسلم ( ما بال أقوام
يلعبون بحدود ال ويستهزئون بآياته ،طلقتك راجعتك ،طلقتك راجعتك ؟ ) وفي لفظ (خلعتك راجعتك خلعتك
ج َملُوها وباعوها
راجعتك ) وفي الصحيحين عن النبي صلى ال عليه وسلم ( لعن ال اليهود ،حرمت عليهم الشحوم َف َ
وأكلوا أثمانها ) ،وقال أيوب السختياني يخادعون ال كما يخادعون الصبيان ،وقال ابن عباس من يخادع ال يخدعه،
وقال بعض السلف ثلث من كن فيه كن عليه المكر والبغي والنكث .وقال تعالى ( ول يحيق المكر السيء إل بأهله )
[ فاطر ]43 :وقال تعالى ( إنما بغيكم على أنفسكم ) [ يونس ]23 :وقال تعالى ( ومن نكث فإنما ينكث على نفسه ) [
الفتح ]10 :وقال المام أحمد هذه الحيل التي وضعها هؤلء ،عمدوا إلى السنن فاحتالوا في نقضها أتَوْا إلى الذي قيل
لهم إنه حرام فاحتالوا فيه حتى حللوه ،وقال ما أخبثهم ! يعني أصحاب الحيل ـ يحتالون ل َنقْض سنن رسول ال صلى
ال عليه وسلم ـ وقال من احتال بحيلة فهو حانث .وقال إذا حلف على شئ ثم احتال بحيلة فصار إليها فقد صار إلى
الذي حلف عليه بعينه .وقد تقدم بَسْط الكلم في هذه المسألة مستوفى فل حاجة إلى إعادته .
حكم أخذ المفتي أجرة أو هدية أو رزقاً على الفتوى
الفائدة الخامسة والربعون في أخذ الجرة والهدية والرزق على الفتوى ،فيه ثلث صور مختلفة السبب والحكم .
فأما أخذه الجرة فل يجوز له؛ لن الفتيا منصب تبليغ عن ال ورسوله ،فل تجوز المعاوضة عليه ،كما لو قال له ل
أعلمك السلم أو الوضوء أو الصلة إل بأجرة ،أو سئل عن حلل أو حرام فقال للسائل ل أجيبك عنه إل بأجرة ،فهذا
حرام قطعا ،ويلزمه رد العوض ،ول يملكه .
وقال بعض المتأخرين إن أجاب بالخط فله أن يقول للسائل ل يلزمني أن أكتب لك خطي إل بأجرة ،وله أخذ الجرة،
وجعله بمنزلة أجرة الناسخ؛ فإنه يأخذ الجرة على خطه ،ل على جوابه ،وخطه قدر زائد على جوابه .
والصحيح خلف ذلك ،وأنه يلزمه الجواب مجانا ل بلفظه وخطه ،ولكن ل يلزمه الورق ول الحبر .
وأما الهدية ففيها تفصيل ،فإن كانت بغير سبب الفتوى كمن عادته يهاديه أو من ل يعرف أنه ُمفْتٍ فل بأس بقبولها،
والولى أن يكافئ عليها ،وإن كانت بسبب الفتوى ،فإن كانت سببا إلى أن يفتيه بما ل يفتي به غيره ممن ل يهدي له لم
يجز له قبول هديته ،وإن كان ل فرق بينه وبين غيره عنده في الفتيا ،بل يفتيه بما يفتي به الناسُ ،كرِه له قبول الهدية؛
لنها تشبه المعاوضة على الفتاء .
وأما أخذ الرزق من بيت المال فإن كان محتاجا إليه جاز له ذلك ،وإن كان غنيا عنه ففيه وجهان ،وهذا فرع متردد
بين عامل الزكاة وعامل اليتيم ،فمن ألحقه بعامل الزكاة قال النفع فيه عام ،فله الخذ ،ومن ألحقه بعامل اليتيم منعه من
الخذ ،وحكم القاضي في ذلك حكم المفتي ،بل القاضي أولى بالمنع ،وال أعلم .
الفتاء بالوقائع المماثلة
الفائدة السادسة والربعون إذا أفتى في واقعة ثم وقعت له مرة أخرى ،فإن ذكرها وذكر مُسْ َتنَدها ولم يتجدد له ما
يوجب تغير اجتهاده أفتى بها من غير نظر ول اجتهاد ،وإن ذكرها ونسي مستندها فهل له أن يفتي بها دون تجديد
نظر واجتهاد ؟ فيه وجهان لصحاب المام أحمد والشافعي ،أحدهما أنه يلزمه تجديد النظر؛ لحتمال تغير اجتهاده
وظهور ما كان خافيا عنه ،والثاني ل يلزمه تجديد النظر؛ لن الصل بقاء ما كان على ما كان ،وإن ظهر له ما يغير
100
www.dorar.net الدرر
السنية
اجتهاده لم يجز له البقاء على القول الول ،ول يجب عليه َنقْضُه ول يكون اختلفه مع نفسه قادحا في علمه ،بل هذا
من كمال علمه و َورَعٍه ،ولجل هذا خرج عن الئمة في المسألة قولن فأكثر ،وسمعت شيخنا رحمه ال تعالى يقول
حضرت عقد مجلس عند نائب السلطان في َوقَف أفتى فيه قاضي البلد بجوابين مختلفين ،فقرأ جوابه الموافق للحق،
فأخرج بعض الحاضرين جوابه الول ،وقال هذا جوابك بضد هذا فكيف تكتب جوابين متناقضين في واقعة واحدة ؟
فوجم الحاكم ،فقلت هذا من علمه ودينه ،أفتى أول بشئ ،ثم تبين له الصواب فرجع إليه ،كما ُيفْتى إمامه بقول ثم يتبين
سرّىَ عنه .
له خلفه فيرجع إليه ،ول يقدح ذلك في علمه ول دينه ،وكذلك سائر الئمة ،فسُر القاضي بذلك و ُ
أخذ الئمة بالحديث
الفائدة السابعة والربعون قول الشافعي رحمه ال تعالى (( إذا وجدتم في كتابي خلف سنة رسول ال صلى ال عليه
وسلم فقولوا بسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم ودَعُوا ما قلته )) وكذلك قوله (( إذا صح الحديث عن النبي صلى
ال عليه وسلم وقلت أنا قول فأنا راجع عن قولى وقائل بذلك الحديث )) وقوله (( إذا صح الحديث عن رسول ال
صلى ال عليه وسلم فاضربوا بقولى الحائط)) وقوله (( إذا رويت حديثا عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ولم أذهب
إليه فاعلموا أن عقلي قد ذهب )) وغير ذلك من كلمه في هذا المعنى صريح في مدلوله ،وأن مذهبه ما دل عليه
الحديث ،ل قول له غيره ،ول يجوز أن ينسب إليه ما خالف الحديث ويقال (( هذا مذهب الشافعي )) ول يحل الفتاء
بما خالف الحديث على أنه مذهب الشافعي ،ول الحكم به ،وصرح بذلك جماعة من أئمة أتباعه ،حتى كان منهم من
يقول للقارئ إذا قرأ عليه مسألة من كلمه قد صح الحديث بخلفها ،اضرب على هذه المسالة فليست مذهبه ،وهذا هو
الصواب قطعا ،ولو لم ينص عليه ،فكيف إذا نص عليه وأبدى فيه وأعاد وصرح فيه بألفاظ كلها صريحة في
مدلولها ؟ فنحن نشهد بال أن مذهبه وقوله الذي ل قول له سواه ما وافق الحديث ،دون ما خالفه وأن من نسب إليه
خلفه فقد نسب إليه خلف مذهبه ،ول سيما إذا ذكر هو ذلك الحديث وأخبر أنه إنما خالفه لضعف في سنده أو لعدم
طعَن فيه وصححه أئمة الحديث من وجوه لم تبلغه ،فهذا ل بلوغه له من وجه يَ ِثقُ به ،ثم ظهر للحديث سند صحيح ل َم ْ
عيَ ْينَة بأنه كان ربما ترك
علّل حديث سفيان بن ُ يشك عالم ول ُيمَاري في أنه مذهبه قطعا ،وهذا كمسألة الجوائح؛ فإنه َ
ذكر الجوائح ،وقد صح الحديث من غير طريق سفيان صحة ل ِمرْ َيةَ فيها ول علة ول شبهة بوجه؛ فمذهب الشافعي
وضع الجوائح ،وبال التوفيق .
وقد صرح بعض أئمة الشافعية بأن مذهبه أن الصلة الوسطى صلة العصر ،وأن وقت المغرب يمتد إلى مغيب
الشفق ،وأن من مات وعليه صيام صام عنه وليه ،وأن أكل لحوم البل ينقض الوضوء ،وهذا بخلف الفطر
بالحجامة ،وصلة المأموم قاعدا إذا صلى إمامه كذلك؛ فإن الحديث وإن صح في ذلك فليس بمذهبه ،فإن الشافعي قد
رَوَاه وعرف صحته ،ولكن خالفه ،لعتقاده نسخه .وهذا شيء وذاك شيء ،ففي هذا القسم يقع النظر في النّسْخِ
وعدمه ،وفي الول يقع النظر في صحة الحديث وثقه السند ،فاعرفه .
هل للرجل أن يفتي بما عنده من كتب الحديث ؟
الفائدة الثامنة والربعون إذا كان عند الرجل الصحيحان أو أحدهما أو كتاب من سنن رسول ال صلى ال عليه وسلم
موثوق بما فيه ،فهل له أن يفتي بما يجده فيه ؟ فقالت طائفة من المتأخرين ليس له ذلك؛ لنه قد يكون منسوخا ،أو له
معارض ،أو يفهم من دللته خلف ما يدل عليه ،أو يكون أ ْمرَ َندْب فيفهم منه اليجاب ،أو يكون عاما له مخصص،
أو مطلقا له مقيد ،فل يجوز له العمل ول الفتيا به حتى يسأل أهل الفقه والفتيا .وقالت طائفة بل له أن يعمل به ،ويفتي
به ،بل يتعين عليه ،كما كان الصحابة يفعلون ،إذا بلغهم الحديث عن رسول ال صلى ال عليه وسلم وحَدّث به بعضهم
بعضا بادروا إلى العمل به من غير توقف ول بحث عن معارض ،و ل يقول أحد منهم قط هل عمل بهذا فلن
وفلن ؟ ولو رأوا من يقول ذلك لنكروا عليه أشد النكار ،وكذلك التابعون ،وهذا معلوم بالضرورة لمن له أدنى خبرة
بحال القوم وسيرتهم ،وطول العهد بالسنة و ُبعْ ُد الزمان وعتقها ل يسوغ ترك الخذ بها والعمل بغيرها ،ولو كانت سنن
رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يسوغ العمل بها بعد صحتها حتى يعمل بها فلن لكان قول فلن أو فلن عيارا على
السنن ،و ُمزَكيا لها ،وشرطا في العمل بها ،وهذا من أبطل الباطل ،وقد أقام ال الحجة برسوله دون آحاد المة ،وقد
أمر النبي صلى ال عليه وسلم بتبليغ سنته ،ودعا لمن َبّلغَها ،فلو كان من بلغته ل يعمل بها حتى يعمل بها المام فلن
والمام فلن لم يكن في تبليغها فائدة ،وحصل الكتفاء بقول فلن وفلن .
101
www.dorar.net الدرر
السنية
شطْرها؛ فتقدير وقوع قالوا والنسخ الواقع في الحاديث الذي أجمعت عليه المة ل يبلغ عشرة أحاديث البتة بل ول َ
الخطأ في الذهاب إلى المنسوخ أقل بكثير من وقوع الخطأ في تقليد من يصيب ويخطئ ،ويجوز عليه التناقض
والختلف ،ويقول القول ويرجع عنه ،ويحكي عنه في المسألة الواحدة عدة أقوال ،ووقوع الخطأ في فهم كلم
المعصوم أقل بكثير من وقوع الخطأ في فهم كلم الفقيه المعين؛ فل يفرض احتمال خطأ لمن عمل بالحديث وأفتى به
إل وأضعاف أضعاف أضعافه حاصل لمن أفتى بتقليد من ل يعلم خطؤه من صوابه .
الصواب في المسألة
والصواب في هذه المسألة التفصيل؛ فإن كانت دللة الحديث ظاهرة بينة لكل من سمعه ل يحتمل غير المراد فله أن
يعمل به ،ويفتي به ،ول يطلب له التزكية من قول فقيه أو إمام ،بل الحجة قول رسول ال صلى ال عليه وسلم وإن
خالفه من خالفه ،وإن كانت دللته خفية ل يتبين المراد منها لم يجز له أن يعمل ،ول يفتي بما يتوهمه مُراداً حتى يسأل
ويطلب بيان الحديث ووجهه ،وإن كانت دللته ظاهرة كالعام على أفراده ،والمر على الوجوب ،و النّهي على
التحريم؛ فهل له العمل والفتوى به ؟ يخرج على الصل وهو العمل بالظواهر قبل البحث عن المعارض ،وفيه ثلثة
أقوال في مذهب أحمد وغيره الجواز ،والمنع ،والفرق بين العام و الخاص فل يعمل به قبل البحث عن المخصص،
والمر و النهي فيعمل به قبل البحث عن المعارض ،وهذا كله إذا كان ثم نوع أهلية ولكنه قاصر في معرفة الفروع
وقواعد الصوليين والعربية ،وإذا لم تكن ثمة أهلية قط ففرضه ما قال ال تعالى ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ل
تعلمون ) [ النحل ]43 :وقول النبي صلى ال عليه وسلم ( أل سألوا إذا لم يعلموا ،إنما شفاء ال ِعيّ السؤال ) وإذا جاز
اعتماد المستفتي على ما يكتبه المفتي من كلمه أوكلم شيخه وإن عل وصعد فمن كلم إمامه؛ فلن يجوز اعتماد
الرجل على ما كتبه الثقات من كلم رسول ال صلى ال عليه وسلم أوْلى بالجواز ،وإذا قدر أنه لم يفهم الحديث كما لو
لم يفهم فتوى المفتى فيسأل من يعرفه معناه ،كما يسأل من يعرفه معنى جواب المفتي ،وبال التوفيق .
هل للمنتسب إلى مذهب الفتاء بغيره ؟
الفائدة التاسعة والربعون هل للمنتسب إلى تقليد إمام معين أن يفتي بقول غيره ؟ ل يخلو الحال من أمرين إما أن ُيسْأل
عن مذهب ذلك المام فقط فيقال له ما مذهب الشافعي مثل في كذا وكذا ؟ أو يُسْأل عن حكم ال الذي أداه إليه اجتهاده؛
فإن سُئل عن مذهب ذلك المام لم يكن له أن يخبره بغيره إل على َوجْه الضافة إليه ،وإن سئل عن حكم ال من غير
أن يقصد السائل قول فقيه معين؛ فههنا يجب عليه الفتاء بما هو راجح عنده وأقرب إلى الكتاب والسنة من مذهب
إمامه أو مذهب من خالفه ،ل يسعه غير ذلك ،فإن لم يتمكن منه وخاف أن يؤدي إلى ترك الفتاء في تلك المسألة لم
يكن له أن يفتي بما ل يعلم أنه صواب؛ فكيف بما يغلب على ظنه أن الصواب في خلفه ؟ ول يسع الحاكم والمفتي
غير هذا البتة؛ فان ال سائلهما عن رسوله وما جاء به ،ل عن المام المعين وما قاله ،وإنما يُسأل الناس في قبورهم
ويوم معادهم عن الرسول صلى ال عليه وسلم؛ فيقال له في قبره ما كنت تقول في هذا الرجل الذي ُبعِثُ فيكم ؟
( ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين ) [ القصص ]65 :ول يسأل أحد قط عن إمام ول شيخ ول متبوع غيره،
بل يسأل عمن اتبعه وأئتم به غيره ،فلينظر بماذا يجيب ؟ وليعدّ للجواب صوابا .
وقد سمعت شيخنا رحمه ال يقول جاءني بعض الفقهاء من الحنفية فقال أستشيرك في أمر ،قلت وما هو ؟ قال أريد
أن انتقل عن مذهبي ،قلت له ولم ؟ قال لني أرى الحاديث الصحيحة كثيرا تخالفه ،واستشرت في هذا بعض أئمة
أصحاب الشافعي فقال لي لو رجعت عن مذهبك لم يرتفع ذلك من المذهب ،وقد تقررت المذاهب ،ورجوعك غير
مفيد ،وأشار عليّ بعض مشايخ التصوف بالفتقار إلى ال والتضرع إليه وسؤال الهداية لما يحبه ويرضاه ،فماذا تشير
به أنت عليّ ؟ قال فقلت له أجعل المذهَبَ ثلثة أقسام ،قسم الحق فيه ظاهر بين موافق للكتاب والسنة فاقض به وأفْتِ
به طيب النفس منشرح الصدر ،وقسم مرجوح ومخالفُه معه الدليل فل ُتفْتِ به ول تحكم به وادفعه عنك ،وقسم من
مسائل الجتهاد التي الدلة فيها متجاذبة؛ فإن شئت أن تفتي به وإن شئت أن تدفعه عنك ،فقال جزاك ال خيرا ،أو كما
قال .
وقالت طائفة أخرى منهم أبو عمرو بن الصلح ،وأبو عبد ال بن حمدان .من وجد حديثا يخالف مذهبه فإن كملت آلة
الجتهاد فيه مطلقاً أو في مذهب إمامه أو في ذلك النوع أو في تلك المسألة فالعمل بذلك الحديث أولى ،وإن لم تكمل
حزَازة من مخالفة الحديث بعد أن َبحَث فلم يحد لمخالفته عنده جوابا شافيا فلينظر هل عمل بذلك آلته و َوجَد في قلبه َ
102
www.dorar.net الدرر
السنية
الحديث إمام مستقل أم ل ؟ فإن وجده فله أن يتمذهب بمذهبه في العمل بذلك الحديث ويكون ذلك عذرا له في ترك
مذهب إمامه في ذلك ،وال أعلم .
هل للمفتي أن يفتي بمذهب غير مذهب إمامه
الفائدة الخمسون هل للمفتي المنتسب إلى مذهب إمام بعينه أن يفتي بمذهب غيره إذا ترجّح عنده ؟ فإن كان سالكا سبيل
ذلك المام في الجتهاد ومتابعة الدليل أين كان .وهذا هو المتبع للمام حقيقة ـ فله أن يفتي بما ترجّح عنده من قول
غيره ،وإن كان مجتهدا متقيدا بأقوال ذلك المام ل َي ْعدُوها إلى غيرها فقد قيل ليس له أن يفتي بغير قول إمامه؛ فإن
أراد ذلك حكاه عن قائله حكاية َمحْضة .
الصواب في المسألة
والصواب أنه إذا ترجح عندهُ قولُ غير إمامه بدليل راجح فل بد أن يخرج على أصول إمامه وقواعده؛ فإن الئمة
متفقة على أصول الحكام ،ومتى قال بعضهم قول مرجوحا فأصوله ترده وتقتضي القول الراجح ،فكل قول صحيح
فهو يخرج على قواعد الئمة بل ريب؛ فإذا تبين لهذا المجتهد المقيد رُجحان هذا القول وصحة مأخذه خرج على
قواعد إمامه فله أن يفتي به ،وبال التوفيق .
وقد قال القفال لو أدى اجتهادي إلى مذهب أبي حنيفة قلت مذهب الشافعي كذا ،لكني أقول بمذهب أبي حنيفة؛ لن
السائل إنما يسألني عن مذهب الشافعي؛ فل بد أن أعرفه أن الذي أفتيته به غير مذهبه ،فسألت شيخنا قدس ال روحه
عن ذلك ،فقال أكثر المستفتين ل يخطر بقلبه مذهب معين عند الواقعة التي سأل عنها ،وإنما سؤاله عن حكمها وما
يعمل به فيها ،فل يسع المفتي أن يفتيه بما يعتقد الصواب في خلفه .
ماذا يصنع المفتي إذا اعتدل قولن
الفائدة الحادية والخمسون إذا اعتدل عند المفتي قولن ولم يترجح له أحدهما على الخر ،فقال القاضي أبو يعلى له أن
يفتي بأيهما شاء ،كما يجوز له أن يعمل بأيهما شاء ،وقيل بل يخير المستفتي فيقول له أنت مخير بينهما؛ لنه إنما يفتي
بما يراه ،والذي يراه هو التخيير ،وقيل بل يفتيه بالحْوَط من القولين .
قلت الظهر أنه يتوقف ،ول يفتيه بشيء حتى يتبين له الراجح منهما؛ لن أحدهما خطأ ،فليس له أن يفتيه بما ل يعلم
أنه صواب ،وليس له أن يخيره بين الخطأ والصواب ،وهذا كما إذا تعارض عند الطبيب في أمر المريض أ ْمرَان خطأ
وصواب ولم يتبين له أحدهما لم يكن له أن ُيقْدم على أحدهما ،ول يخيره ،وكما لو استشاره في أمر فتعارض عنده
الخطأ والصواب من غير ترجيح لم يكن له أن يشير بأحدهما ول يخيره ،وكما لو تعارض عنده طريقان مهلكة
وموصلة ولم يتبين له طريق الصواب لم يكن له القدام ول التخيير ،فمسائل الحلل والحرام أوْلى بالتوقف .وال
أعلم .
اتباع الئمة يفتون بما رجع عنه الئمة من أقوال
الفائدة الثانية والخمسون أتْبَاع الئمة يفتون كثيرا بأقوالهم القديمة التي َرجَعوا عنها ،وهذا موجود في سائر الطوائف؛
خرَجُها مخرج اليمين كالحج والصوم والصدقة ،وقد حكوا هم عن أبي حنيفة فالحنفية يفتون بلزوم المنذورات التي َم ْ
أنه رجع قبل موته بثلثة أيام إلى التكفير ،والحنابلة يفتي كثير منهم بوقوع طلق السكران ،وقد صرح المام أحمد
بالرجوع عنه إلى عدم الوقوع كما تقدم حكايته ،والشافعية يفتون بالقول القديم في مسألة التثويب ،وامتداد وقت
المغرب ،ومسألة التباعد عن النجاسة في الماء الكثير ،وعدم استحباب قراءة السورة في الركعتين الخيرتين ،وغير
ذلك من المسائل ،وهي أكثر من عشرين مسألة ،ومن المعلوم أن القول الذي صرح بالرجوع عنه لم يبق مذهبا له،
فإذا أفتى المفتي به مع نصه على خلفه لرجحانه عنده لم يخرجه ذلك عن التمذهب بمذهبه ،فما الذي يحرم عليه أن
يفتي بقول غيره من الئمة الربعة وغيرهم إذا ترجح عنده ؟ فإن قيل الول قد كان مذهباً له مرة ،بخلف مالم يقل به
قط .
قيل هذا فرق عديم التأثير؛ إذ ما قال به وصرح بالرجوع عنه بمنزلة مالم يقله ،وهذا كله مما يبين أن أهل العلم ل
يتقيدون بالتقليد المحض الذي يهجرون لجله قول كل من خالف من قلدوه .
وهذه طريقة ذميمة وخيمة ،حادثة في السلم ،مستلزمة لنواع من الخطأ ،ومخالفة الصواب ،وال أعلم .
103
www.dorar.net الدرر
السنية
على المفتي أن يلتزم النص في الفتوى
الفائدة الثالثة والخمسون يحرم على المفتي أن يفتي بضد لفظ النص وإن وافق مذهبه .
أمثلى الفتاوى تضاد النص
ومثاله أن يُسأل عن رجل صلى من الصبح ركعة ثم طلعت الشمس ،هل يتم صلته أم ل ؟ فيقول ل يتمها ،ورسول
ال صلى ال عليه وسلم يقول ( فليتم صلته ) .
ومثل أن يسأل عمن مات وعليه صيام هل يصوم عنه وليه ؟ فيقول ل يصوم عنه وليه ،ورسول ال صلى ال عليه
وسلم قال ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه ) .
ومثل أن يُسأل عن رجل باع متاعه ثم أفلس المشتري فوجَدَه بعينه هل هو أحق به ؟ فيقول ليس أحق به ،وصاحب
الشرع يقول ( فهو أحَقُ به ) .
ومثل أن يُسأل عن رجل أكل في رمضان أو شرب ناسيا ،هل يتم صومه ؟ فيقول ل يتم صومه وصاحب الشرع
يقول ( فليتم صومه ) .
ومثل أن يُسأل عن آكل كل ذي ناب من السباع ،هل هو حرام ؟ فيقول ليس بحرام ورسول ال صلى ال عليه وسلم
يقول ( أكل كل ذي ناب من السباع حرام ) .
غرْز خشبة في جداره ؟ فيقول له أن يمنعه ،وصاحب الشرع يقول ومثل أن يُسأل عن الرجل هل له َمنْعُ جاره من َ
( ل يمنعه ) .
صلْبه من ركوعه وسجوده ؟ فيقول تجزيه صلته ،وصاحب الشرع جزِي صلة من ل يقيم ُ ومثل أن يُسأل هل ُت ْ
صلى ال عليه وسلم يقول ( ل تجزئ صلة ل يقيم الرجل فيها صلبه بين ركوعه وسجوده ) .
أو يسأل عن مسألة التفضيل بين الولد في ال َعطِية هل يصح أو ل يصح ؟ وهل هو جَوْر [ أم ل ؟] فيقول يصح،
وليس بجَور ،وصاحب الشرع يقول ( إن هذا ل يصح ) ويقول ( ل تشهدني على جور ) .
ومثل أن يسأل عن الواهب هل يحل له أن يرجع في هبته ؟ فيقول نعم يحل له [ أن يرجع ] إل أن يكون والدا أو
قرابة فل يرجع ،وصاحب الشرع يقول ( ل يحلّ لواهب أن يرجع في هبته إل الوالد فيما َيهَبُ لولده ) .
شرْك في أرض أو دار أو بستان هل يحل له أن يبيع حصته قبل إعلم شريكه بالبيع ومثل أن يُسأل عن رجل له ِ
ش ْركٌ في أرض أو رَبْعة عرْضها عليه ؟ فيقول نعم يحل له أن يبيع قبل إعلمه ،وصاحب الشرع يقول ( مَنْ كان له ِ وَ
أو حائط ل يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه ) .
ومثل أن يسأل عن قتل المسلم بالكافر ،فيقول نعم ُيقْتَل بالكافر ،وصاحب الشرع يقول ( ل يقتل مسلم بكافر ) ومثل
أن يسأل عمن َزرَع في أرض قوم بغير إذنهم ،فهل الزرع له أم لصاحب الرض ؟ فيقول له الزرع ،وصاحب الشرع
يقول ( مَنْ زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء ،وله نفقته ) .
ومثل أن يسأل هل يصح تعليق الولية بالشرط ؟ فيقول ل يصح ،وصاحب الشرع يقول ( أميركم زيد ،فإن ُقتِل
فجعفر ،فإن قُتل فعبد ال بن رواحة ) .
ومثل أن يُسأل هل يحل القضاء بالشاهد واليمين ؟ فيقول ل يجوز ،وصاحب الشرع قضى بالشاهد واليمين .
ومثل أن يُسأل عن الصلة الوسطى هل هي صلة العصر أم ل ؟ فيقول ليست العصر ،وقد قال صاحب الشريعة
( صلة الوسطى صلة العصر ) .
ومثل أن ُيسْأل عن يوم الحج الكبر هل هو يوم النحر أم ل ؟ فيقول ليس يوم النحر ،وقد قال رسول ال صلى ال
عليه وسلم ( يوم الحج الكبر يوم النحر ) .
ومثل أن ُيسْأل هل يجوز الوتر بركعة واحدة ؟ فيقول ل يجوز الوتر بركعة واحدة ،وقد قال رسول ال صلى ال عليه
وسلم ( إذا خشيتَ الصبح فأوْ ِترْ بواحدة ) .
ومثل أن يُسأل هل يسجد في ( إذا السماء انشقت ) [ أول النشقاق ] و ( إقرأ باسم ربك الذي خلق ) [ أول العلق ]؛
فيقول ل يسجد فيهما ،وقد سجد فيهما رسول ال صلى ال عليه وسلم .
عضّ يد رجل فانتزعها مِنْ فيه فسقطت أسنانه ،فيقول له دِيَتُها ،وقد قال رسول ال صلى ومثل أن ُيسْأل عن رجل َ
ال عليه وسلم ( لدية له )
104
www.dorar.net الدرر
السنية
طلَع في بيت رجل َفخَذَفه َففَقأ عينه هل عليه جناح ؟ فيقول نعم عليه جناح ،وتلزمه دية ومثل أن يسأل عن رجل ا َ
عينه ،وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( إنه لو َفعَل ذلك لم يكن عليه جناح ) .
صرّاة ،فهل له رَدّها وردّ صاع من تمر معها أم ل ؟ ومثل أن ُيسْأل عن رجل اشتري شاة أو بقرة أو ناقة فوجَدها مُ َ
طهَا ردّها
خَسَفيقول ل يجوز له ردها ورد الصاع من التمر معها ،وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( إن َ
وصاعا من تمر ) .
ومثل أن ُيسْأل عن الزاني ال ِب ْكرِ هل عليه مع الجلد َتغْريب ؟ فيقول ل تغريب عليه ،وصاحب الشرع يقول ( عليه جلد
مائة وتغريب عام ).
ومثل أن ُيسْأل عن الخضراوات هل فيها زكاة ؟ فيقول يجب فيها الزكاة ،وصاحب الشرع يقول ( ل زكاة في
الخضراوات ) .
سقٍ هل فيه زكاة ؟ فيقول نعم تجب فيه الزكاة ،وصاحب الشرع يقول ( ل زكاة فيما دون أو يسأل عما دون خمسة أ ْو ُ
خمسة أوسق ) .
أو يسأل عن امرأة أن َكحَتْ نفسها بدون إذن وليها ،فيقول نكاحها صحيح ،وصاحب الشرع يقول ( فنكاحها باطل
[ باطل ،باطل ] ) .
أو يسأل عن المحلل والمحلل له هل يستحقان اللعنة ؟ فيقول ل يستحقان اللعنة ،وقد لعنهما رسول ال صلى ال عليه
وسلم في غير وجه .
أو يسأل هل يجوز إكمال عدة شعبان ثلثين يوما ليلة الغماء ،فيقول ل يجوز إكماله ثلثين يوما ،وقد قال رسول ال
صلى ال عليه وسلم ( فإن غُمّ عليكم فأك ِملُوا عدة شعبان ثلثين يوما ) .
أو يسأل عن المطلقة المَبْتُوتة هل لها نفقة وسكنى ؟ فيقول نعم لها النفقة والسكنى ،وصاحب الشرع يقول ( ل نفقة لها
ول سكنى ) .
أو يسأل عن المام هل يستحب له أن يُسَلم في الصلة تسليمتين ؟ فيقول يكره ذلك ول يستحب ،وقد رَوَى خمسة
عشر نفسا عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه ( كان يُسَلم عن يمينه وعن يساره ،السلم عليكم ورحمة ال ،السلم
عليكم ورحمة ال ) .
أو يسأل عمن رفع يديه عند الركوع والرفع منه هل صلته مكروهة أو [هي ] ناقصة ؟ فيقول نعم تكرهُ صلته أو
ل فقال باطلة ،وقد روى بضعة وعشرون نفسا عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه ( كان َي ْرفَعُ هي ناقصة ،وربما غَ َ
يديه عند الفتتاح ،وعند الركوع ،وعند الرفع منه ) بأسانيد صحيحة ل َمطْعن فيها .
أو يسأل عن بَوْل الغلم الذي لم يأكل الطعام هل يجزيء فيه الرش [ أم يجب الغسل ] ؟ فيقول ل يجزيء [ فيه
الرش ] وصاحب الشرع يقول ( ُي َرشّ من بول الغلم ) ورشه [ هو ] بنفسه .
أو يسأل عن التيمم هل يكفي بضربة واحدة إلى الكوعين ،فيقول ل يكفي ول يجزىء ،وصاحب الشرع قد نصّ على
أنه يكفي نصا صحيحا ل مَ ْدفَع له .
أو يسأل عن بيع الرطب بالتمر هل يجوز ؟ فيقول نعم [ يجوز ] ،وصاحب الشرع يسأل عنه فيقول ( ل آذن ) .
أو يسأل عن رجل أعتق ستة عبيد ل يملك غيرهم عند موته هل تكمل الحرية في اثنين منهم أو يعتق من كل واحد
سدسه ؟ فيقول ل تكمل الحرية في اثنين منهم ،وقد أقرع بينهم رسول ال صلى ال عليه وسلم فكمّل الحرية في اثتين
و أرق أربعة .
أو يسأل عن القرعة هل هي جائزة أم باطلة ؟ فيقول ل ،بل هي باطلة ،وهي من أحكام الجاهلية ،وقد أقرع رسول ال
صلى ال عليه وسلم ،وأمر بالقرعة في غير موضع .
أويسأل عن الرجل خَ ْلفَ الصف َوحْده هل له صلة أم ل [ صلة ] له ؟ وهل يُؤمر بالعادة ؟ فيقول نعم له صلة،
ول يؤمر بالعادة ،وقد قال صاحب الشرع ( ل صلة له ) وأمره بالعادة .
أو يسأل هل للرجل ُرخْصة في ترك الجماعة من غير عذر ؟ فيقول نعم له رخصة ،ورسول ال صلى ال عليه وسلم
يقول ( ل أجِدُ لك رخصة ) .
105
www.dorar.net الدرر
السنية
ل ماله وباعه سلعة هل يحل ذلك ؟ فيقول نعم يحل ذلك ،وصاحب الشرع يقول ( ل يحل أو يسأل عن رجل أسلف رج ً
سَلفٌ و بيع ) .
َ
ونظائر ذلك كثيرة جدا ،وقد كان السلف الطيب يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول ال صلى ال
عليه وسلم برأي أو قياس أو استحسان أو قول أحد من الناس كائنا من كان ،ويهجرون فاعل ذلك ،وينكرون على مَنْ
يضرب له المثال ،ول يُسَوّغون غير النقياد له والتسليم والتلقي بالسمع والطاعة ،ول يخطر بقلوبهم التوقف في
قبوله حتى يشهد له عمل أو قياس أو يوافق قول فلن وفلن ،بل كانوا عاملين بقوله ( وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا
قضى ال ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) [ الحزاب ]36 :وبقوله تعالى ( فل وربك ل يؤمنون حتى
يحكموك فيما شجر بينهم ،ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) [ النساء ] 65 :وبقوله تعالى
( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ول تتبعوا من دونه أولياء قليل ما تذكرون ) [ العراف ] 3 :وأمثالها ،فدفعنا إلى
زمان إذا قيل لحدهم ( ثبت عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال كذا وكذا ) يقول من قال بهذا ويجعل هذا دفعا في
جهْله بالقائل [به ] حجة له في مخالفته وترك العمل به ،ولو نصح نفسه لعلم أن هذا الكلم صدر الحديث ،أو يجعل َ
من أعظم الباطل ،وأنه ل يحل له دفع سنن رسول ال صلى ال عليه وسلم بمثل هذا الجهل ،وأقبح من ذلك عذره في
جهله؛ إذ يعتقد أن الجماع منعقد على مخالفة تلك السنة ،وهذا سوء ظن بجماعة المسلمين إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على
مخالفة سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذا الجماع ،وهو جهله وعدم علمه بمن
قال بالحديث ،فعاد المر إلى تقديم جهله على السنة ،وال المستعان .
ول يعرف إمام من أئمة السلم البتة قال ل نعمل بحديث رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى نعرف من عمل به،
فإن جهل من بلغه الحديث من عمل به لم يحل له أن يعمل به كما يقول هذا القائل .
ل يجوز إخراج النصوص عن ظاهرها
الفائدة الخامسة والخمسون إذا سئل عن تفسير آية من كتاب ال أوسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم فليس له أن
يخرجها عن ظاهرها بوجوه التأويلت الفاسدة لموافقة نحلته وهَوَاه ،ومن َفعَل ذلك استحقّ المنع من الفتاء والحجْر
عليه ،وهذا الذي ذكرناه هو الذي صرح به أئمة السلم قديما و حديثا .
قال أبو حاتم الرازي حدثني يونس بن عبد العلى قال قال لي محمد بن إدريس الشافعي الصل قرآن أو سنة ،فإن لم
يكن فقياس عليهما ،وإذا اتصل الحديث عن رسول ال صلى ال عليه وسلم وصح السناد به فهو المنتهي ،والجماع
أكبر من الخبر الفرد ،والحديث على ظاهره ،وإذا احتمل المعاني فما أشبه منها ظاهره أوْلهَا به ،فإذا تكافأت
الحاديث فأصَحّها إسنادا أولها ،وليس المنقطع بشيء ،ماعدا منقطع سعيد بن المسيب ،ول يقاس أصل على أصل
ول يقال لصل لم ؟ وكيف ؟ وإنما يقال للفرع لم ؟ فإذا صح قياسه على الصل صح و قامت به الحجة ،رواه الصم
عن أبي حاتم .
رأي الجويني في الكف عن التأويل
وقال أبو المعالي الجويني في (( الرسالة النظامية ،في الركان السلمية )) ذهب أئمة السلف إلى النكفاف عن
التأويل ،وإجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها إلى الرب تعالى ،والذي نرتضيه رأيا وندين ال به عقد
اتباع سلف المة ،فالولى التباع وترك البتداع ،و الدليل السمعي القاطع في ذلك أن إجماع المة حجة متبعة ،وهو
صحْبُ الرسول صلى ال عليه وسلم ورضى عنهم على ترك التعرض لمعانيها مستند معظم الشريعة ،وقد درج َ
جهْدا في ضبط قواعد الملة ودرك ما فيها ،وهم صفوة السلم ،و المستقلون بأعباء الشريعة ،وكانوا ل يألون َ
والتواصي بحفظها ،وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها ،ولو كان تأويل هذه الظواهر مسوغا أو محتوما لوشك أن
يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة ،وإذا انصرم عَصْرهم وعصر التابعين لهم على الضراب عن
التأويل ،كان ذلك قاطعا بأنه الوجه المتبع ،فحق على ذي الدين أن يعتقد تنزيه الباري عن صفات المحدثين ،ول
يخوض في تأويل المشكلت ،و َيكِل معناها إلى الرب تعالى .وعند إمام القراء وسيدهم الوقوف على قوله تعالى ( وما
يعلم تأويله إل ال ) [ آل عمران ]7 :من العزائم ثم البتداء بقوله (والراسخون في العلم يقولون آمنا به ) [ آل عمران
.]7:
106
www.dorar.net الدرر
السنية
عن آيات الصفات
ومما استحسن من كلم مالك أنه سئل عن قوله تعالى ( الرحمن على العرش استوى ) [ طه ]5 :كيف استوى ؟ فقال
جرَ آية الستواء والمجيء وقوله ( لما الستواء معلوم ،والكيف مجهول ،واليمان به واجب ،والسؤال عنه بدعة ،فل ُت ْ
خَلقْتَ بيدي ) [ ص ]75 :وقوله ( ويبقى وجه ربك ) [ الرحمن ]27 :وقوله ( تجري بأعيننا ) [ القمر ]14 :وما َ
صح من أخبار الرسول كخبر النزول وغيره على ما ذكرنا ،انتهى كلمه .
رأي الغزالي في التأويل
خلَف سلوك مسلك السلف في اليمان المرسل والتصديق المجمل ،وما قاله ال وقال أبو حامد الغزالي الصواب لل َ
ورسوله صلى ال عليه وسلم ،بل بحث ولتفتيش وقال في كتاب التفرقة الحق التباع والكف عن تغيير الظواهر
رأسا ،والحذر من اتباع تأويلت لم يصرح بها الصحابة ،وحسم باب السؤال رأسا ،والزجر عن الخوض في الكلم
والبحث ،إلى أن قال ومن الناس مَنْ يبادر إلى التأويل ظنا ل قطعا ،فإن كان فتح هذا الباب والتصريح به يؤدي إلى
تشويش قلوب العوام ُبدّعَ صاحبه ،وكل ما لم يؤ َثرْ عن السلف ذكره وما يتعلق من هذا الجنس بأصول العقائد المهمة
فيجب تكفير مَنْ يغير الظواهر بغير برهان قاطع .
وقال أيضا كل ما لم يحتمل التأويل في نفسه وتواتَر نقله ولم يتصور أن يقوم على خلفه برهان فمخالفته تكذيب
محض ،وما تطرق إليه احتمال تأويل ولو بمجاز بعيد ،فإن كان برهانه قاطعا وجب القول به ،وإن كان البرهان يفيد
ظناً غالباً ول يعظم ضرره في الدين فهو بدعة ،وإن عظم ضرره في الدين فهو كفر .
قال ولم تجر عادة السلف بهذه المجادلت ،بل شَدّدوا القول على من يخوض في الكلم ،ويشتغل بالبحث والسؤال .
وقد قال أيضا اليمان المستفاد من الكلم ضعيف ،واليمان الراسخ إيمان العوام الحاصل في قلوبهم في الصبا بتواتر
السماع وبعد البلوغ بقرائن يتعذر التعبير عنها .
قال وقال شيخنا أبو المعالي يحرص المام ما أمكنه على جمع عامة الخلق على سلوك سبيل السلف في ذلك ،انتهى .
الرأي في علم الكلم
وقد اتفقت الئمة الربعة على ذم الكلم وأهله ،وكلم المام الشافعي ومذهبه فيهم معروف عند جميع أصحابه ،وهو
جزَاء من ترك الكتاب والسنة و أقبل على الكلم . ضرَبون و ُيطَاف بهم في قبائلهم وعشائرهم هذا َ أنهم يُ ْ
سرُوقال لقد اطلعت من أهل الكلم على شيء ما كنت أظنه ،وقال لن يُبتلي العبد بكل شيء نهى عنه غير الكفر أ ْي َ
من أن يبتلى بالكلم ،وقال لحفص الفرد أنا أخالفك في كل شيء حتى في قول ل إله إل ال ،أنا أقول ل إله إل ال الذي
يُرى في الخرة والذي كلّم موسى تكليما ،وأنت تقول ل إله إل ال الذي ل يُرى في الخرة ول يتكلم .وقال البيهقي
في مناقبه ذكر الشافعي إبراهيم بن إسماعيل بن علية فقال أنا مخالف له في كل شيء ،وفي قوله ل إله إل ال ،لست
أقول كما يقول ،أنا أقول ل إله إل ال الذي كلم موسى من وراء حجاب ،و ذاك يقول ل إله إل ال الذي خلق كلما
س َمعَه موسى من وراء حجاب . أْ
وقال في أول خطبة رسالته الحمد ل الذي هو كما وصف به نفسه ،وفوق ما يصفه به الواصفون من خلقه ،وهذا
صفْ إل بما وصف به نفسه تعالى ،وأنه يتعالى ويتنزه عما يصفه به المتكلمون وغيرهم مما لم تصريح بأنه ل يو َ
يصف به نفسه .
وقال أبو نصر أحمد بن محمد بن خالد السجزي سمعت أبي يقول قلت لبي العباس بن سُريج ما التوحيد ؟ فقال
توحيدُ أهلِ العلم وجماعة المسلمين أشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال ،وتوحيد أهل الباطل الخوض في
العراض والجسام ،إنما بُعث رسول ال صلى ال عليه وسلم بإنكار ذلك .
وقال بعض أهل العلم كيف ل َيخْشى الكذبَ على ال ورسوله مَن يحمل كلمه على التأويلت المستنكرة و المجازات
المستكرهة التي هي باللغاز والحاجي أولى منها بالبيان والهداية ؟ وهل يأمن على نفسه أن يكون ممن قال ال فيهم
( ولكم الويل مما تصفون ) [ النبياء ]18 :قال الحسن هي وال لكل واصف كذبا إلى يوم القيامة ،وهل يأمن أن
يتناوله قوله تعالى ( وكذلك نجزي المفترين ) [ العراف ]152 :قال ابن عيينة هي لكل مفترٍ من هذه المة إلى يوم
القيامة ،وقد نزه سبحانه وتعالى نفسه عن كل ما يَصِفه به خلقه إل المرسلين فإنهم إنما يصفونه بما أذن لهم أن يصفوه
به ،فقال تعالى (سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلم على المرسلين) [ الصافات ]181-180 :وقال تعالى
107
www.dorar.net الدرر
السنية
(سبحان ال عما يصفون إل عباد ال المخلصين) [ الصافات ]161-160 :ويكفي المتأولين كلم ال ورسوله
بالتأويلت التي لم ُيرِدْها ولم يدل عليها كلم ال تعالى أنهم قالوا برأيهم على ال ،وقدّموا آراءهم على نصوص
الوحي ،وجعلوها عيارا على كلم ال ورسوله صلى ال عليه وسلم ،ولو علموا أي باب شر َفتَحوا على المة
بالتأويلت الفاسدة ،وأي بناء للسلم هَدَموا بها ،وأي معاقل وحصون استباحوها لكان أحدهم أن يخر من السماء إلى
الرض أحب إليه من أن يتعاطى شيئا من ذلك ،فكل صاحب باطل قد جعل ما تأوله المتأولون عذرا له فيما تأوله هو،
وقال ما الذي حرم عليّ التأويل وأباحه لكم ؟ فتأولت الطائفة المنكرة لل َمعَاد نصوص المعاد ،وكان تأويلهم من جنس
تأويل منكري الصفات ،بل أقوى منه لوجوه عديدة يعرفها مَنْ وازن يبن التأويلين ،وقالوا كيف نحن نعاقَبُ على
تأويلنا وتؤجرون أنتم على تأويلكم ؟ قالوا ونصوص الوحي بالصفات أظهر وأكثر من نصوصه بالمعاد ،ودللة
النصوص عليها أ ْبيَنُ فكيف يسوغ تأويلها بما يخالف ظاهرها ول يسوغ لنا تأويل نصوص المعاد ؟ وكذلك فعلت
الرافضة في أحاديث فضائل الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة رضى ال عنهم ،وكذلك فعلت المعتزلة في تأويل
أحاديث الرؤية والشفاعة ،وكذلك القدرية في نصوص القدر ،وكذلك الحَرورية وغيرهم من الخوارج في النصوص
طمّت الوادي على ال َقرِيّ ،وتأولت الدين كله ،فأصل طرَدَت الباب ،و َالتي تخالف مذاهبهم ،وكذلك القرامطة والباطنية َ
خراب الدين والدنيا إنما هو من التأويل الذي لم ُيرِدْه ال ورسوله بكلمه ولدل عليه أنه مراده ،وهل اختلفت المم
على أنبيائهم إل بالتأويل ؟ وهل وقعت في المة فتنة كبيرة أو صغيرة إل بالتأويل ؟ فمن بابه دخل إليها ،وهل أرِيقَتْ
دماء المسلمين في الفتن إل بالتأويل ؟
التأويل عدو كل الديان
وليس هذا مختصا بدين السلم فقط ،بل سائر أديان الرسل لم َتزَلْ على الستقامة والسداد حتى دخل عليها التأويل،
فدخل عليها من الفساد ما ل يعلمه إل رب العباد .
سلّطوا عليها التأويلتوقد تواترت ال ِبشَارات بصحة نبوة محمد صلى ال عليه وسلم في الكتب المتقدمة ،ولكن َ
فأفسدوها ،كما أخبر سبحانه عنهم من التحريف والتبديل والكتمان ،فالتحريف تحريف المعاني بالتأويلت التي لم
جحْده .وهذه الدواء الثلثة منها غيرت الديان والملل، يُردّها المتكلم بها ،والتبديل تبديل لفظ يلفظ آخر ،والكتمان َ
طرّقُوا إلى إفساده بالتأويل بما ل يكاد يوجد قط مثله في شيء من وإذا تأملتَ دين المسيح وجدت النصارى إنما َت َ
طرّقوا إلى إفساد ديانات الرسل صلوات الديان ،ودخلوا إلى ذلك من باب التأويل .وكذلك زَنَادقة المم جميعهم إنما َت َ
ال وسلمه عليهم بالتأويل ،ومن بابه دخلوا ،وعلى أساسه بنوا ،وعلى نقطه خطوا .
أصناف المتأولة
والمتأولون أصناف عديدة ،بحسب الباعث لهم على التأويل ،وبحسب قصور أفهامهم و وُفورها ،وأعظمهم توغل في
التأويل الباطل مَن فسد قَصْده وفهمه ،فكلما ساء قصده وقصر فهمه كان تأويله أشد انحرافا ،فمنهم من يكون تأويله
خفَتْ عليهلنوع هَوىً من غير شبهة ،بل يكون على بصيرة من الحق ،ومنهم من يكون تأويله لنوع شبهة عرضت له أ ْ
الحق [ ومنهم من يكون تأويله لنوع هدى من غير شبهة ،بل يكون على بصيرة من الحق ] ومنهم من يجتمع له
المران الهَوَى في القصد والشبهة في العلم .
فتنة التأويل وبعض ما أحدثت
وبالجملة فافتراقُ أهل الكتابَ ْينِ ،وافتراق هذه المة على ثلث وسبعين فرقة إنما أوجبه التأويل ،وإنما أريقت دماء
صفْين والحَرة وفتنة ابن الزبير وهلم جرا بالتأويل ،وإنما دخل أعداء السلم من المتفلسفة المسلمين يوم الجمل و ِ
وال َقرَامطة والباطنية والسماعيلية والنصيرية من باب التأويل ،فما امتحن السلم بمحنة قَط إل وسببها التأويل ،فإن
محنته إما من المتأولين ،وإما أن يسلط عليهم الكفار بسبب ما ارتكبوا من التأويل وخالفوا ظاهر التنزيل وتعللوا
بالباطيل ،فما الذي أراق دماء بني جذيمة وقد أسلموا غير التأويل حتى رفع رسول ال صلى ال عليه وسلم يديه
وتبرأ إلى ال من فعل المتأول بقتلهم وأخذ أموالهم ؟ وما الذي أوجب تأخر الصحابة رضى ال عنهم يوم الحديبية عن
موافقة رسول ال صلى ال عليه وسلم غير التأويل حتى اشتد غضبه لتأخرهم عن طاعته حتى رجعوا عن ذلك
س َفكَ دم أمير المؤمنين عثمان ظلما وعدوانا وأوقع المة فيما أوقعها فيه حتى الن غير التأويل ؟ التأويل ؟ وما الذي َ
س َفكَ دم علي رضى ال عنه وابنه الحسين وأهل بيته رضى ال تعالى عنهم غير التأويل ؟ وما الذي أراق دم وماالذي َ
108
www.dorar.net الدرر
السنية
عمار بن ياسر وأصحابه غير التأويل ؟ وماالذي أرق دم ابن الزبير وحجر بن عدي وسعيد بن جبير وغيرهم من
جرّد المام سادات المة غير التأويل ؟ وما الذي أريقت عليه دماء العرب في فتنة أبي مسلم غير التأويل ؟ وما الذي َ
عجّت الخليقة إلى ربها تعالى غير التأويل ؟ وما الذي قتل المام أحمد بن أحمد بين العقابين وضرب السياط حتى َ
خلّد خلقا من العلماء في السجون حتى ماتوا غير التأويل ؟ وما الذي سلط سيوف التتار على دار نصر الخزاعي و َ
السلم حتى ردوا أهلها غير التأويل ؟ وهل دخلت طائفة اللحاد من أهل الحلول والتحاد إل من باب التأويل ؟ وهل
فتح باب التأويل إل مضادة ومناقضة لحكم ال في تعليمه عباده البيان الذي امتنّ ال في كتابه على النسان بتعليمه
إياه؛ فالتأويل باللغاز والحاجي والغلوطات أولى منه بالبيان والتبيين ،وهل فرق بين دفع حقائق ما أخبرت به
الرسل عن ال وأمرت به بالتأويلت الباطلة المخالفة له وبين رَدّه وعدم قبوله ،ولكن هذا رد جحود ومعاندة ،وذاك رد
خداع ومصانعة .
رأي الفيلسوف ابن رشد في التأويل
قال أبو الوليد بن رشد المالكي في كتابه المسمى بـ(( الكشف عن مناهج الدلة )) وقد ذكر التأويل وجنايته على
الشريعة ،إلى أن قال ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ) [ آل عمران ]7 :وهؤلء أهل الجدل
والكلم ،وأشد ما عرض على الشريعة من هذا الصنف أنهم تأ ّولُوا كثيرا مما ظنوه ليس على ظاهره ،وقالوا إن هذا
التأويل ليس هو المقصود به ،وإنما أتى ال به في صورة المتشابه ابتلء لعباده واختبارا لهم ،ونعوذ بال من سوء
الظن بال ،بل نقول إن كتاب ال العزيز إنما جاء ُم ْعجِزا من جهة الوضوح والبيان ،فما أبعد من مقصد الشارع مَن
قال فيما ليس بمتشابه إنه متشابه ،ثم أول ذلك المتشابه بزعمه ،ثم قال لجميع الناس إن فرضكم هو اعتقاد هذا التأويل،
مثل ما قالوه في آية الستواء على العرش وغير ذلك مما قالوا إن ظاهره متشابه ،ثم قال وبالجملة فأكثر التأويلت
التي زعم القائلون بها أنها المقصود من الشرع إذا تأملت َوجَدْتَ ليس يقوم عليها برهان .
مثل من أول شياً من القرآن
إلى أن قال ومثال مَنْ أول شيئا من الشرع وزعم أن ما أوله هو الذي قصده الشرع مثال مَنْ أتى إلى دَوَاء قد ركّبه
طبيب ماهر ليحفظ صحة جميع الناس أو الكثر فجاء رجل فلم يلئمه ذلك الدواء المركب العظم لرداءة مزاج كان
به ليس يعرض إل للقل من الناس ،فزعم أن بعض تلك الدوية التي صرح باسمها الطبيب الول في ذلك الدواء
العام المنفعة المركب لم يرد به ذلك الدواء العام الذي جرت العادة في اللسان أن ُيدَلّ بذلك السم عليه ،وإنما أراد به
دواء آخر مما يمكن أن يدل عليه بذلك باستعارة بعيدة ،فأزال ذلك الدواء الول من ذلك المركب العظم وجعل فيه
بدله الدواء الذي ظن أنه قصده الطبيب ،وقال للناس هذا هوالذي قصده الطبيب الول ،فاستعمل الناس ذلك الدواء
المركب على الوجه الذي تأوله عليه هذا المتأول ،ففسدت به أمزجة كثير من الناس ،فجاء آخرون فَشَعروا بفساد
أمزجة الناس من ذلك الدواء المركب ،فراموا إصلحه بأن َبدّلوا بعض أدويته بدواء آخر غير الدواء الول؛ فعرض
من ذلك للناس نوع من المرض غير النوع الول ،فجاء ثالث فتأول في أدوية ذلك المركب غير التأويل الول
والثاني ،فعرض للناس من ذلك نوع ثالث من المرض غير النوعين المتقدمين ،فجاء متأول رابع فتأول دواء آخر غير
الدوية المتقدمة؛ فعرض منه للناس نوع رابع من المرض غير المراض المتقدمة؛ فلما طال الزمان بهذا الدواء
عرَضَ منه للناس أمراض شتى ،حتى فسدت سلّط الناس التأويل على أدويته ،وغيروها وبَدّلوها َ
المركب العظم ،و َ
المنفعة المقصود بذلك الدواء المركب في حق أكثر الناس ،وهذه هي حالة ال ِف َرقِ الحادثة في هذه الطريقة مع الشريعة،
وذلك أن كل فرقة منهم تأولت في الشريعة تأولً غير التأويل الذي تأولته الفرقة الخرى ،وزعمت أنه هو الذي قصده
صاحب الشرع حتى تمزق كل الشرع ُم َمزّق ،و َبعُد جدا عن موضوعه الول ،ولما علم صاحب الشرع صلوات ال
وسلمه عليه وعلى آله أن مثل هذا يعرض ول بُدّ في شريعته قال صلى ال عليه وسلم ( ستفترق أمتي على ثلث
وسبعين فرقة ،كلها في النار ،إل واحدة ) يعني بالواحدة التي سلكت ظاهر الشرع ولم تؤوله .
وأنت إذا تأملت ما عرض في الشريعة في هذا الوقت من الفساد العارض فيها من قبل التأويل تبينت أن هذا المثال
صحيح .
وأولْ من غير هذا الدواء العظم هم الخوارج ،ثم المعتزلة بعدهم ،ثم الشعرية ،ثم الصوفية ،ثم جاء أبو حامد فَطمّ
الوادي على ال َقرِيّ ،هذا كلمه بلفظه .
109
www.dorar.net الدرر
السنية
ولو ذهبنا نستوعب ما جَنَاه التأويل على الدنيا والدين ومانال المم قديما وحديثا بسببه من الفساد لستدعى ذلك عِدّة
أسفار ،وال المستعان .
ل يجوز العمل بمجرد فتوى المفتي
الفائدة السادسة والخمسون ل يجوز العمل بمجردفتوى المفتي إذا لم تطمئن نفسه ،وحَاكَ في صدره من قبوله ،وتردد
سكَ وإن أفتاك الناس وأفْتُوك ) فيجب عليه أن يستفتي نفسه أول ،ول فيها؛ لقوله صلى ال عليه وسلم ( اسْ َتفْتِ َنفْ َ
تخلصه فتوى المفتي من ال إذا كان يعلم أن المر في الباطن بخلف ما أفتاه ،كما ل ينفعه قضاء القاضي له بذلك،
كما قال النبي صلى ال عليه وسلم ( مَن قضيت له بشيء من حق أخيه فل يأخذه؛ فإنما أ ْقطَع له قطعة من نار )
والمفتي والقاضي في هذا سواء ،ول يظن المستفتي أن مجرد فتوى الفقيه تبيح له ما سأل عنه إذا كان يعلم أن المر
جهْلَبخلفه في الباطن ،سواء تردد أوحاك في صدره ،لعلمه بالحال في الباطن ،أو لشكه فيه ،أو لجهله به ،أو لعلمه َ
المفتي أو محاباته في فتواه أو عدم تقييده بالكتاب والسنة أو لنه معروف بالفتوى بالحيل والرخص المخالفة للسنة
وغير ذلك من السباب المانعة من الثقة بفَ ْتوَاه وسكون النفس إليها؛ فإن كان عدم الثقة والطمأنينة لجل المفتي يسأل
ثانيا وثالثا حتى تحصل له الطمأنينة؛ فإن لم يجد فل يكلف ال نفسا إل وسعها ،والواجب تقوى ال بحسب الستطاعة .
فإن كان في البلد مفتيان أحدهما أعلم من الخر فهل يجوز استفتاء المفضول مع وجود الفاضل ؟ فيه قولن للفقهاء،
وهما وجهان لصحاب الشافعي وأحمد؛ فمن جَوّز ذلك رأى أنه يقبل قوله إذا كان َوحْدَه ،فوجود من هو أفضل منه ل
يمنع من قبول قوله كالشاهد ،ومن منع استفتاءه قال المقصود حصول ما يغلب على الظن الصابة ،وغلبة الظن
بفتوى العلم أقوى فيتعين ،والحق التفصيل بأن المفضول إن ترجّح بديانة أو َورَع أو تحرّ للصواب ،وعدم ذلك
الفاضل فاستفتاء المفضول جائز إن لم يتعين ،وإن استويا فاستفتاء العلم أولى ،وال أعلم .
للمفتي إقامة ترجمان
الفائدة السابعة والخمسون إذا لم يعرف المفتي لسان السائل ،أو لم يعرف المستفتي لسان المفتي ،أجزأ ترجمة واحد
طرْدُ هذا الكتفاء بترجمة الواحد في الجرح بينهما؛ لنه خبر محض فيكتفي فيه بواحد كأخبار الديانات [ والطب ] و َ
التعديل ،والرسالة ،والدعوى ،والقرار والنكار بين يدي الحاكم ،والتعريف ،في إحدى الروايتين ،وهي مذهب أبي
حنيفة ،واختارها أبو بكر إجراء لها مجرى الخبر .والرواية الثانية ل يقبل في هذه المواضع أقل من اثنين ،إجراء لها
مجرى الشهادة ،وسلوكا بها سبيلها؛ لنها تثبت القرار عند الحاكم ،وتثبت عدالة الشهود وجرحهم ،فافتقرت إلى
العدد ،كما لو شهد على إقراره شاهد واحد؛ فإنه ل يكتفى به ،وهذا بخلف ترجمة الفتوى والسؤال؛ فإنه خبر محض،
فافترقا .
موقف المفتي من سؤال يحتمل عدة صور
الفائدة الثامنة والخمسون إذا كان السؤال محتمل لصور عديدة؛ فإن لم يعلم المفتي الصورة المسئول عنها لم يجب
عن صورة واحدة منها ،وإن علم الصورة المسئول عنها فله أن يخصها بالجواب ،ولكن ُيقَيّدُ لئل يتوهم أن الجواب
عن غيرها فيقول إن كان المر كيت وكيت ،أو كان المسئول عنه كذا وكذا؛ فالجواب كذا وكذا ،وله أن ُي ْفرِد كل
صورة بجواب؛ فيفصل القسام المحتملة ،ويذكر حكم كل قسم ،ومنع بعضهم من ذلك لوجهين؛ أحدهما أنه َذرِيعة إلى
تعليم الحيل ،وفتح باب لدخول المستفتي وخروجه من حيث شاء ،الثاني أنه سبب لزدحام أحكام تلك القسام على فهم
العامي فيضيع مقصوده .والحق التفصيل؛ فيكره حيث استلزم ذلك ،ول يكره ـ بل يستحب ـ إذا كان فيه زيادة إيضاح
وبيان وإزالة َلبْس ،وقد فصل النبي صلى ال عليه وسلم في كثير من أجوبته بقوله إن كان كذا فالمر كذا ،كقوله في
الذي وقع على جارية امرأته (( إن كان استكرهها فهى حرة ،وعليه لسيدتها مثلها ،وإن كانت مطاوعة فهي له ،وعليه
لسيدتها مثلها )) [وهذا كثير في فتاويه صلى ال عليه وسلم ] .
يجب على المفتي الحتراز مما يفسد جوابه
الفائدة التاسعة والخمسون وهي مما ينبغي التفطن له إن رأى المفتي خلل السطور بياضا يحتمل أن يُلحق به ما يفسد
الجواب فليحترز منه ،فربما دخل من ذلك عليه مكروه ،فإما أن يأمر بكتابة غير الورقة ،و إما أن يخط على البياض
أو يشغله بشيء ،كما يحترز منه كُتّاب الوثائق والمكاتيب .
110
www.dorar.net الدرر
السنية
وبالجملة فلْ َيكُنْ حذرا فطنا ،ول يحسن ظنه بكل أحد ،وهذا الذي حمل بعض المفتين على أنه كان يقيد السؤال عنده
في ورقة ثم يجيب في ورقة السائل ،ومنهم من كان يكتب السؤال في ورقة من عنده ثم يكتب الجواب ،وليس شئ من
ذلك بلزم ،والعتماد على قرائن الحوال ومعرفة الواقع والعادة .
ينبغي للمفتي مشاورة من وثق بعلمه ودينه
الفائدة الستون إن كان عنده من يثق بعلمه ودينه فينبغي له أن يشاوره ،ول يستقل بالجواب ،ذهابا بنفسه وارتفاعا بها،
أن يستعين على الفتاوي بغيره من أهل العلم ،وهذا من الجهل ،فقد أثنى ال سبحانه على المؤمنين بأن أمرهم شورى
بينهم ،وقال سبحانه وتعالى لنبيه صلى ال عليه وسلم (وشاورهم في المر ) [ آل عمران ]159 :وقد كانت المسألة
تنزل بعمر بن الخطاب رضى ال عنه فيستشير لها من حضر من الصحابة رضي ال عنه ،وربما جمعهم وشاورهم،
حتى كان يشاور ابن عباس رضى ال عنهما وهو إذا ذاك أحْدَث القوم سنا ،وكان يشاور عليا كرم ال وجهه وعثمان
وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم رضي ال عنهم أجمعين ،ول سيما إذا قصد بذلك تمرين أصحابه
شحْذَ أذهانهم .قال البخاري في صحيحه (( باب إلقاء العالم المسألة على أصحابه )) وأولى ما ألقى عليهم وتعليمهم ،و َ
المسألة التي سُئل عنها ،هذا ما لم يعارض ذلك مفسدة من إفشاء سر السائل أو تعريضه للذى ،أو مفسدة لبعض
الحاضرين ،فل ينبغي له أن يرتكب ذلك ،وكذلك الحكم في عابر الرؤيا ،فالمفتي والمعبر والطبيب َيطّلعون من أسرار
الناس وعَ ْورَاتهم على ما ل يطلع عليه غيرهم؛ فعليهم استعمال الستر فيما ل يحسن إظهاره .
إكثار التوسل بحديث الستخارة والدعاء عند الهم بالفتوى
الفائدة الحادية والستون حقيق بالمفتي أن يكثر الدعاء بالحديث الصحيح (( اللهم رَبّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل
فاطر السموات والرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ،اهْدِني لما اختلف فيه من
الحق بإذنك ،إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم )) وكان شيخنا كثير الدعاء بذلك ،وكان إذا أشكلت عليه المسائل
علّمني )) ويكثر الستغاثة بذلك اقتداء بمعاذ بن جبل رضى ال عنه حيث قال لمالك بن يقول (( يا ُمعَلم إبراهيم َ
سكْسَكي عند موته ،وقد رآه يبكي ،فقال وال ما أبكى على دنيا كنتُ أصيبها منك ،ولكن أبكي على العلم يخامر ال ّ
واليمان اللذين كنت أتعلمهما منك ،فقال معاذ بن جبل رضى ال عنه إن العلم واليمان مكانهما ،من ابتغاهما
َوجَدَهما ،أطلب العلم عند أربعة عند عويمر أبي الدرداء ،وعند عبد ال بن مسعود ،وأبي موسى الشعري ،وذكر
عجَز عنه هؤلء فسائر أهل الرض عنه أعجز ،فعليك بمعلم إبراهيم صلوات ال عليه . الرابع ،فإن َ
وكان بعض السلف يقول عند الفتاء سبحانك ل علم لنا إل ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم [البقرة.]32:
وكان مكحول يقول ل حول ول قوة إل بال العلي العظيم ،وكان مالك يقول ما شاء ال ،ل قوة إل بال العلي العظيم،
وكان بعضهم يقول ( رب اشرح لي صدري ،ويسر لي أمري ،واحلل عقدة من لساني ،يفقهوا قولي ) [ طه]28-25 :
وكان بعضهم يقول اللهم وَفقَنِي واهدني وسددني واجمع لي بين الصواب والثواب وأعِذْنِي من الخطأ والحرمان .
وكان بعضهم يقرأ الفاتحة ،وجربنا نحن ذلك فرأيناه من أقوى أسباب الصابة .
والمعول في ذلك كله على حسن النية ،وخلوص القصد ،وصدق التوجه في الستمداد من المعلم الول معلم الرسل
والنبياء صلوات ال وسلمه عليهم؛ فإنه ل يردّ من صدق في التوجه إليه لتبليغ دينه وإرشاد عبيده ونصيحتهم
والتخلص من القول عليه بل علم ،فإذا صدقت نيته ورغبته في ذلك لم يعدم أجراً إن فَاتَه أجران ،وال المستعان .
وسئل المام أحمد ،فقيل له ربما اشتدّ علينا المر من جهتك ،فلمن نسأل بعدك ؟ فقال سلوا عبد الوهاب الوراق ،فإنه
أهل أن يوفق للصواب .واقتدى المام أحمد بقول عمر بن الخطاب رضى ال عنه اقتربوا من أفواه المطيعين
واسمعوا منهم ما يقولون؛ فإنهم تجلى لهم أمور صادقة ،وذلك لقرب قلوبهم من ال ،وكلما قرب القلب من ال زالت
عنه معارضات السوء ،وكان نور كشفه للحق أتم وأقوى ،وكلما بعد عن ال كثرت عليه المعارضات ،وضعف نور
كشفه للصواب؛ فإن العلم نور يقذفه ال في القلب ،يفرق به العبد بين الخطأ والصواب .
وقال مالك للشافعي رضى ال عنهما في أول ما لقيه إني أرى ال قد ألقى على قلبك نورا فل تطفئه بظلمة المعصية،
وقد قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا ال يجعل لكم فرقانا ) [ الفرقان ]29 :ومن الفرقان النور الذي يفرق به
العبد بين الحق والباطل ،وكلما كان قلبه أقرب إلى ال كان فرقانه أتم ،وبال التوفيق .
111
www.dorar.net الدرر
السنية
ل يجوز المساك عن الفتوى التي تخالف غرض السائل
غرَضَ الفائدة الثانية والستون قد تكرر لكثير من أهل الفتاء المساك عما يفتون به مما يعلمون أنه الحق إذا خالف َ
السائل ولم يوافقه ،وكثير منهم يسأله عن غرضه ،فإن صادفه عنده كتب له ،وإل دلّه على ُمفْتٍ أو مذهب يكون
غرضه عنده ،وهذا غير جائز على الطلق ،بل ل بد فيه من تفصيل ،فإن كان المسئول عنه من مسائل العلم والسنة
أو من المسائل العمليات التي فيها نصّ عن رسول ال صلى ال عليه وسلم لم يَسَع المفتي تركه إلى غرض السائل ،بل
سعُه توقفه في الفتاء به على غرض السائل ،بل ذلك إثم عظيم ،وكيف يسعه من ال أن يُقدّم غرض السائل على ل يَ َ
ال ورسوله ؟ وإن كانت المسألة من المسائل الجتهادية التي يتجاذب أعنَتَها القوال والقيسة ،فإن لم يترجح له قول
منها لم يسع له أن يرجح لغرض السائل ،وإن ترجح له قول منها وظن أنه الحق فأولى بذلك؛ فإن السائل إنما يسأل
عما يلزمه في الحكم ويسعه عند ال ،فإن عرفه المفتي أفتاه به سواء وافق غرضه أو خالفه ،ول يسعه ذلك أيضا إذا
علم أن السائل يدور على من يفتيه بغرضه في تلك المسألة فيجعل استفتاءه تنفيذا لغرضه ،ل تعبد ال بأداء حقه ،ول
يسعه أن يدله على غرضه أين كان ،بل ول يجب عليه أن يفتي هذا الضرب من الناس؛ فإنهم ل يستفتون ديانة ،وإنما
يستفتون توصل إلى حصول أغراضهم بأي طريق وافق ،فل يجب على المفتي مساعدتهم؛ فإنهم ل يريدون الحق ،بل
يريدون أغراضهم بأي طريق وافق ،لهذا إذا وجدوا أغراضهم في أي مذهب اتفق اتبعوه في ذلك الموضع وتمذهبوا
به ،كما يفعله أرباب الخصومات بالدعاوي عند الحكام ،ول يقصد أحدهم حاكما بعينه ،بل أي حاكم َنفَذَ غرضه عنده
صار إليه .
وقال شيخنا رحمه ال مرة أنا مخير بين إفتاء هؤلء وتركهم؛ فإنهم ل يستفتون للدين ،بل لوصولهم إلى أغراضهم
حيث كانت ،ولو وجدوها عند غيري لم يجيئوا إليّ ،بخلف من يسأل عن دينه ،وقد قال ال تعالى لنبيه صلى ال عليه
وسلم في حق مَن جاءه يتحاكم إليه لجل غرضه ل للتزامه لدينه صلى ال عليه وسلم من أهل الكتاب ( فإن جاؤك
فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ،وإن ُتعْرض عنهم فلن يضروك شيئا ) [ المائدة ] 42 :فهؤلء لما لم يلتزموا دينه لم
يلزمه الحكم بينهم ،وال تعالى أعلم .
على المفتي ذكر الفتوى مع دليلها
الفائدة الثالثة والستون عاب بعض الناس ذكر الستدلل في الفتوى ،وهذا العيب أولى بالمعيب ،بل جمال الفتوى
وروحها هو الدليل ،فكيف يكون ذكر كلم ال ورسوله صلى ال عليه وسلم وإجماع المسلمين وأقوال الصحابة
رضوان ال عليهم والقياس الصحيح عيبا ؟ وهل ذكر قول ال ورسوله إل طراز الفتاوى ؟ وقول المفتي ليس بموجب
ع ْهدَة الفتوى بل علم ،وقد كان رسول ال للخذ به ،فإذا ذكر الدليل فقد حرم على المستفتي أن يخالفه ،وبرئ هو من ُ
صلى ال عليه وسلم يسأل عن المسألة فيضرب لها المثال ويشبهها بنظائرها ،هذا وقوله وحده حجة ،فما الظن بمن
ليس قوله بحجة ول يجب الخذ به ؟ وأحسن أحواله وأعلها أن يسوغ له قبول قوله ،وهيهات أن يسوغ بل حجة ،وقد
كان أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا سُئل أحدهم عن مسألة أفتى بالحجة نفسها ،فيقول قال ال كذا ،وقال
رسول ال صلى ال عليه وسلم كذا ،أو فعل كذا ،فيشفى السائل ،ويبلغ القائل ،وهذا كثير جدا في فتاويهم لمن تأملها،
ثم جاء التابعون والئمة بعدهم فكان أحدهم يذكر الحكم ثم يستدل عليه ،وعلمه يأبى أن يتكلم بل حجة ،والسائل يأبى
صرَت الهمم إلى أن صار بعضهم يجيب بنعم أو ل فقط ،ول قبول قوله بل دليل .ثم طال المد وبعد العهد بالعلم ،وتقا َ
يذكر للجواب دليلً ول مأخذا ،ويعترف بقُصُوره وفَضل من يفتي بالدليل ،ثم نزلنا درجة أخرى إلى أن وصلت
الفتوى إلى عيب من يفتي بالدليل وذمه ،ولعله أن يحدث للناس طبقة أخرى ل يدرى ما حالهم في الفتاوى ،وال
المستعان .
هل يجوز للمفتي تقليد الميت ؟
عدَالته وأنه مات عليها من غير أن يسأل الحي ؟ فيه الفائدة الرابعة والستون هل يجوز للمسفتي تقليد الميت إذا علم َ
وجهان لصحاب أحمد والشافعي ،أصحهما له ذلك؛ فإن المذاهب ل تبطل بموت أصحابها ،ولو بطلت بموتهم لبطل
ما بأيدي الناس من الفقه عن أئمتهم ،ولم َيسُغْ لهم تقليدهم والعمل بأقوالهم ،وأيضا لو بطلت أقوالهم بموتهم لم يعتد بهم
في الجماع والنزاع ،ولهذا لو شهد الشاهدان ثم ماتا بعد الداء وقبل الحكم بشهادتهما لم تبطل شهادتهما ،وكذلك
الراوي ل تبطل روايته بموته ،فكذلك المفتي ل تبطل فتواه بموته ،ومن قال تبطل فتواه بموته قال أهليته زالت بموته،
112
www.dorar.net الدرر
السنية
ولو عاش لوجب عليه تجديد الجتهاد ،ولنه قد يتغير اجتهاده ،وممن حكى الوجهين في المفتي أبو الخطاب فقال إن
مات المفتي قبل عمل المستفتي فله العمل بها ،وقيل ل يعمل بها ،وال أعلم .
هل يستفتى في الوقعات المتكررة
الفائدة الخامسة والستون إذا استفتاه في حكم حادثة فأفتاه وعمل بقوله ،ثم وقعت له مرة ثانية ،فهل له أن يعمل بتلك
الفتوى الولى أم يلزمه الستفتاء مرة ثانية ؟ فيه وجهان لصحاب أحمد والشافعي ،فمن لم يلزمه بذلك قال الصل
بقاء ما كان ،فله أن يعمل بالفتوى وإن أمكن تغير الجتهاد ،كما أن له أن يعمل بها بعد مدة من وقت الفتاء وإن جاز
تغير اجتهاده ،ومن منعه من ذلك قال ليس على ثقة من بقاء المفتي على اجتهاده الول ،فلعله أن يرجع عنه فيكون
المستفتي قد عمل بما هو خطأ عند من استفتاه ،ولهذا رجّح بعضهم العمل بقول الميت على قول الحي ،واحتجوا بقول
ابن مسعود من كان منكم مُسْتنا فليستَنّ بمن قد مات؛ فإن الحي ل تؤمن عليه الفتنة .
هل يلزم المستفتي البحث عن العلم ؟
الفائدة السادسة والستون هل يلزم المستفتي أن يجتهد في أعيان المفتين ويسأل العلم والدْيَنَ أم ل يلزمه ذلك ؟ فيه
مذهبان كما سبق ،وبينا مأخذهما ،والصحيح أنه يلزمه؛ لنه المستطاع مِنْ تقوى ال تعالى المأمورِ بها كلّ أحد ،وتقدم
أنه إذا اختلف عليه مفتيان أحدهما أورع والخر أعلم فأيهما يجب تقليده ؟ فيه ثلثة مذاهب سبق توجيهها .
هل يلزم العامي التمذهب بمذهب معين
وهل يلزم العامي أن يتمذهب ببعض المذاهب المعروفة أم ل ؟ فيه مذهبان
أحدهما ل يلزمه ،وهو الصواب المقطوع به؛ إذ ل واجب إل ما أوجبه ال ورسوله ،ولم يوجب ال ول رسوله على
أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من المة فيقلده دينه دون غيره ،وقد انطوت القرون الفاضلة مبرأة مبرأ أهلها
من هذه النسبة ،بل ل يصح للعامي مذهب ولو تمذهب به؛ فالعامي ل مذهب له ،لن المذهب إنما يكون لمن له نوع
نظر واستدلل ،ويكون بصيرا بالمذاهب على حَسَبه ،أو لمن قرأ كتابا في فروع ذلك المذهب وعرف فتاوى إمامه
صرْ كذلك بمجرد القول ،كما لو وأقواله ،وأما من لم يتأهّل لذلك البتة بل قال أنا شافعي ،أو حنبلي ،أو غير ذلك؛ لم ي ِ
قال أنا فقيه ،أو نحوي ،أو كاتب ،لم يصر كذلك بمجرد قوله .
يوضحه أن القائل أنه شافعي أو مالكي أو حنفي يزعم أنه متبع لذلك المام ،سالك طريقه ،وهذا إنما يصح له إذا سلك
سبيله في العلم والمعرفة والستدلل ،فأما مع جهله و ُبعْده جدا عن سيرة المام وعلمه وطريقه فكيف يصح له
النتساب إليه إل بالدعوى المجردة والقول الفارغ من كل معنى ؟ والعامي ل يتصور أن يصح له مذهب ،ولو تصور
ذلك لم يلزمه ول لغيره ،ول يلزم أحدا قط أن يتمذهب بمذهب رجل من المة بحيث يأخذ أقواله كلها ويدع أقوال غيره
.
عن المذهبية والمذاهب
وهذه بدعة قبيحة حدثت في المة لم يقل بها أحد من أئمة السلم ،وهم أعلى رتبة وأجل قدرا وأعلم بال ورسوله من
أن يلزموا الناس بذلك ،وأبعد منه قول من قال يلزمه أن يتمذهب بمذهب عالم من العلماء ،وأبعد منه قول من قال
يلزمه أن يتمذهب بأحد المذاهب الربعة.
فيال العجب ! ماتت مذاهب أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ومذاهب التابعين وتابعيهم وسائر أئمة السلم،
وبطلت جملة إل مذاهب أربعة أنفس فقط من بين سائر الئمة والفقهاء ،وهل قال ذلك أحد من الئمة أو دعا إليه أو
دلت عليه لفظة واحدة من كلمه عليه؟ والذي أوجبه ال تعالى ورسوله على الصحابة والتابعين وتابعيهم هو الذي
أوجبه على من بعدهم إلى يوم القيامة ،ل يختلف الواجب ول يتبدل ،وإن اختلفت كيفيته أو قدره باختلف القدرة
والعجز والزمان والمكان والحال فذلك أيضا تابع لما أوجبه ال ورسوله ،ومن صحح للعامي مذهبا قال هو قد اعتقد
أن هذا المذهب الذي انتسب إليه هو الحق ،فعليه الوفاء بموجب اعتقاده ،وهذا الذي قاله هؤلء لو صح للزم منه
تحريم استفتاء أهل غير المذهب الذي انتسب إليه ،وتحريم َتمَذْهُبه بمذهب نظير إمامه أو أرجح منه ،أو غير ذلك من
اللوازم التي يدل فسادها على فساد ملزوماتها ،بل يلزم منه أنه إذا رأى نص رسول ال صلى ال عليه وسلم أو قول
خلفائه الربعة مع غير إمامه أن يترك النص وأقوال الصحابة و ُيقَدّمَ عليها قول من انتسب إليه .
113
www.dorar.net الدرر
السنية
وعلى هذا فله أن يستفتي من شاء من أتباع الئمة الربعة وغيرهم ،ول يجب عليه ول على المفتي أن يتقيد ( بأحد
من الئمة الربعة بإجماع المة ،كما ل يجب على العالم أن يتقيد ) بحديث أهل بلده أو غيره من البلد ،بل إذا صح
الحديث وجب عليه العلم به حجازيا كان أو عراقيا أو شاميا أو مصريا أو يمنيا ،وكذلك ل يجب على النسان التقيد
صحّت في العربية وصح بقراءة السبعة المشهورين باتفاق المسلمين ،بل إذا وافقت القراءة رسم المصحف المام و َ
سَنَدُها جازت القراءة بها وصحت الصلة بها اتفاقاً ،بل لو قرأ بقراءة تخرج عن مصحف عثمان وقد قرأ بها رسول
ال صلى ال عليه وسلم والصحابة بعده جازت القراءة بها ولم تبطل الصلة بها على أصح القوال ،والثاني تبطل
الصلة بها ،وهاتان روايتان منصوصتان عن المام أحمد ،والثالث إن قرأ بها في ركن لم يكن مؤديا لفرضه ،وإن
قرأ بها في غيره لم تكن مبطلة ،وهذا اختيار أبي البركات ابن تيمية رحمة ال عليه ،قال لنه لم يتحقق التيان بالركن
في الول ول التيان بالمبطل في الثاني ،ولكن ليس له أن يتبع ُرخَصَ المذاهب وأخْذُ غرضه من أي مذهب وجده
فيه ،بل عليه اتباع الحق بحسب المكان .
الحكم إذا أفتاه مفتيان
الفائدة السابعة والستون فإن اختلف عليه ُمفْتيان فأكثر ،فهل يأخذ بأغلظ القوال ،أو بأخفها ،أو يتخير ،أو يأخذ بقول
ت آخر ،فينظر من يوافق من الولين فيعمل بالفتوى التي يوقع عليها ،أو يجب عليه العلم أو الورع ،أو يعدل إلى مُف ٍ
أن َي َتحَرّى ويبحث عن الراجح بحسبه ؟فيه سبعة مذاهب ،أرجحها السابع؛ فيعمل كما يعمل عند اختلف الطريقين أو
الطبيبين أو المشيرين كما تقدم ،وبال التوفيق .
هل فتوى المفتي موجبة
الفائدة الثامنة والستون إذا استفتى فأفتاه المفتي ،فهل تصير فتواه موجبة على المستفتي العمل بها بحيث يكون عاصيا
إن لم يعمل بها أو ل توجب عليه العمل ؟ فيه أربعة أوجه لصحابنا وغيرهم ،أحدها أنه ل يلزمه العمل بها إل أن
شرَعَ في العمل؛ فل يجوز له حينئذ الترك ،والثالث أنه إن وقع في قلبه صحة فتواه يلتزمه هو ،والثاني أنه يلزمه إذا َ
وأنها حق لزمه العمل بها ،والرابع أنه إذا لم يجد مفتيا آخر لزمه الخذ بفتياه؛ فإن َفرْضَه التقليد وتقوى ال ما
استطاع ،وهذا هو المستطاع في حقه ،وهو غاية ما يقدر عليه ،وإن وجد ُمفْتِيا آخر فإن وافق الول فأبلغ في لزوم
العمل ،وإن خالفه فإن استبان له الحق في إحدى الجهتين لزمه العمل به ،وإن لم يستبن له الصواب فهل يتوقف ،أو
يأخذ بالحْوَط ،أو يتخير ،أو يأخذ بالسهل؛ فيه وجوه تقدمت .
يجوز العمل بالفتوى المكتوبة وإن لم يسمعها
عَلمَه به من الفائدة التاسعة والستون يجوز له العمل بخط المفتي وإن لم يسمع الفتوى من لفظه إذا عرف أنه خطه أو أ ْ
يسكن إلى قوله ،ويجوز له قبول قول الرسول إن هذا خطه وإن كان عبدا أو امرأة أو صبيا أو فاسقا ،كما يقبل قوله
في الهدية والذن في دخول الدار اعتمادا على القرائن والعرف ،وكذا يجوز اعتماد الرجل على ما يجده من كتابة
الوقف على كتاب أو رباط ،أو خان أو نحوه فيدخله وينتفع به ،وكذلك يجوز له العتماد على ما يجده بخط أبيه في
برنامجه أن له على فلن كذا وكذا ،فيحلف على الستحقاق ،وكذا يجوز للمرأة العتماد على خط الزوج أنه أبانها فلها
أن تتزوج بناء على الخط ،وكذا الوصي والوارث يعتمد على خط الموصي فينفذ ما فيه وإن لم يشهد شاهدان ،وكذا إذا
كتب الراوي إلى غيره حديثا جاز له أن يعتمد عليه ويعمل به ،ويرويه بناء على الخط إذا تيقن ذلك كله ،هذا عمل
المة قديما وحديثا من عهد نبينا صلى ال عليه وآله وسلم وإلى الن ،وإن أنكره من أنكره .
ومن العجب أن من أنكر ذلك وبالغ في إنكاره ،ليس معه فيما يفتي به إل مجرد كتاب قيل إنه كتاب فلن ،فهو يقضي
به ويفتي و يُحل و يُحرم ،ويقول هكذا في الكتاب ،وال الموفق .
وقد كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يرسل كتبه إلى الملوك و إلى المم يدعوهم إلى السلم فتقوم عليهم الحجة
بكتابه ،وهذا أظهر من أن ينكر ،وبال التوفيق .
إذا حدثت حادثة لم يفت بها أحد
الفائدة السبعون إذا حدثت حادثة ليس فيها قول لحد من العلماء ،فهل يجوز الجتهاد فيها بالفتاء و الحكم أم ل ؟ فيه
ثلثة أوجه :
114
www.dorar.net الدرر
السنية
أحدها يجوز ،وعليه تدل فتاوى الئمة وأجوبتهم فإنهم كانوا يسألون عن حوادث لم تقع قبلهم فيجتهدون فيها ،وقد قال
النبي صلى ال عليه وسلم ( إذا اجْ َتهَ َد الحاكم فأصاب فله أجران ،وإن اجتهد فأخطأ فله أجر ) وهذا يعم ما اجتهد فيه
مما لم يعرف فيه قول من قبله وما عرف فيه أقوال واجتهد في الصواب منها ،وعلى هذا َدرَجَ السلف والخلف،
والحاجة داعية إلى ذلك لكثرة الوقائع واختلف الحوادث ،ومَن له مباشرة لفتاوى الناس يعلم أن المنقول وإن اتسع
غاية التساع فإنه ل يفي بوقائع العالم جميعها ،وأنت إذا تأملت الوقائع رأيت مسائل كثيرة واقعة وهي غير منقولة،
ول يعرف فيها كلم لئمة المذاهب ول لتباعهم .
والثاني ل يجوز له الفتاء ول الحكم ،بل يتوقف حتى يظفر فيها بقائل ،قال المام أحمد لبعض أصحابه إياك أن تتكلم
في مسألة ليس لك فيها إمام .
والثالث يجوز ذلك في مسائل الفروع ،لتعلقها بالعمل ،وشدة الحاجة إليها ،وسهولة خطرها ،ول يجوز في مسائل
الصول .
والحق التفصيل ،وأن ذلك يجوز ـ بل يستحب أو يجب ـ عند الحاجة و أهلية المفتي والحاكم ،فإن عدم المران لم
يجز ،وإن وجد أحدهما دون الخر احتمل الجواز ،والمنع ،والتفصيل ،فيجوز للحاجة دون عدمها ،وال أعلم .
فتاوى عن الرسول صلى ال عليه وسلم
فصل :ولنختم الكتاب بذكر فصول يسير قدرها ،عظيم أمرها ،من فتاوي إمام المفتين ،ورسول رب العالمين ،تكون
رُوحاً لهذا الكتاب ،و َرقْما على جلة هذا التأليف .
فصح عنه صلى ال عليه وسلم أنه سُئل عن رؤية المؤمنين ربهم تبارك وتعالى ،فقال ( هل ُتضَارّون في رؤية
صحْوُا ليسصحْواُ في الظهيرة ليس دونها سحاب ؟ ) قالوا ل ،فقال ( هل تضارّون في رؤية القمر البدر َ الشمس َ
دونه سحاب ؟) قالوا ل ،قال ( فإنكم َترَوْنه كذلك ) متفق عليه .
وسئل كيف نراه ونحن ملء الرض وهو احد ؟ فقال ( أنبئكم عن ذلك في آلء ال ،الشمس والقمر آية منه صغيرة
َترَوْ َن ُهمَا ويريانكم ساعة واحدة ل تضارون في رؤيتهما ،ولعمر إلهك لهو أقْ َدرُ على أن يراكم وترونه ) ذكره أحمد .
وصح عنه صلى ال عليه وسلم أنه سئل عن مسألة القدر ،وما يعمل الناس فيه ،أمرٌ قد قُضَي وفرغ منه أم أمر
خِلقَ له،
يستأنف ؟ فقال ( بل أمر قَدْ قضي وفرغ منه ) فسئل حينئذ ففيم العمل ؟ فأجاب بقوله ( اعملوا فكل مُ َيسّر لما ُ
أما مَن كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة ،ومن كان من أهل الشقاوة ف ُييَسر لعمل أهل الشقاوة ) ثم قرأ
قوله تعالى ( فأما من أعطى و اتقى ) [ الليل ]5 :إلى آخر اليتين ،ذكره مسلم .
وصح عنه صلى ال عليه وسلم أنه سئل عما يكتمه الناس في ضمائرهم ،هل يعلمه ال ؟ فقال ( نعم ) ذكره مسلم .
وصح عنه صلى ال عليه وسلم أنه سئل أين كان ربنا قبل أن تخلق السموات والرض ؟ فلم ينكر على السائل ،وقال
( كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء ) ذكره أحمد .
وصح عنه صلى ال عليه وسلم أنه سئل عن مبدأ تخليق هذا العالم ،فأجاب بأن قال ( كان ال ولم يكن شيء غيره،
وكان عرشه على الماء ،وكتب في الذكر كل شيء ) ذكره البخاري .
وصح عنه صلى ال عليه وسلم أنه سئل أين يكون الناس يوم تبدل الرض ؟ فقال ( على الصراط ) وفي لفظ آخر
( هم في الظلمة دون الجسر ) فسئل من أول الناس إجازة ،فقال ( فقراء المهاجرين ) ذكره مسلم ،ول تنافي بين
الجوابين فإن الظلمة أول الصراط؛ فهناك مبدأ التبديل ،وتمامه وهم على الصراط .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن قوله تعالى ( فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) [ النشقاق ]8 :فقال ( ذلك العَرْض )
ذكره مسلم .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن أول طعام يأكله أهل الجنة ؟ فقال ( زيادة كبد الحوت ) فسئل صلى ال عليه وسلم ما
غذاؤهم على أثره ؟ فقال ( ينحر لهم ثَوْر الجنة الذي كان يأكل من أطرافها ) فسئل صلى ال عليه وسلم ما شرابهم
عليه [ فيها ] فقال (من عين فيها تسمى سلسبيل) ذكره مسلم .
وسئل صلى ال عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ فقال ( نور أنّى أراه ) ذكره مسلم ،فذكر الجواز ونَبّه على المانع من
الرؤية وهو النور الذي هو حجاب الرب تعالى الذي لو كشفه لم يقم له شيء .
115
www.dorar.net الدرر
السنية
وسئل صلى ال عليه وسلم يا رسول ال كيف يجمعنا ربنا بعد ما تمزقنا الرياح والبلى والسباع ؟ فقال للسائل ( أنبئك
بمثل ذلك في آلء ال ،الرض أشرفت عليها وهي مدرة بالية ،فقلت ل تحيى أبدا ،ثم أرسل ربك عليها السماء فلم
تلبث عليك إل أياما ،ثم أشرفت عليها وهي شربة واحدة ،ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يجمعهم من الماء على أن
يجمع نبات الرض ) ذكره أحمد .
صفَحَاتُكم ل يخفي عليه وسئل صلى ال عليه وسلم يا رسول ال ما يفعل بنا ربنا إذا لقيناه ؟ فقال ( ُت ْعرَضُون بادية له َ
خافية منكم ،فيأخذ ربك عز وجل بيده غرفة من الماء فينضَحُ بها قبلكم ،فلعمر إلهك ما يخطيء َوجْهَ واحد منكم منها
قطرة ،فأما المسلم فَ َتدَعُ وجهه مثل الريطة البيضاء ،و أما الكافر فتحطمه بمثل الحميم السود ) ذكره أحمد .
صرِك ساعَتَك هذه ) وذلك مع وسئل صلى ال عليه وسلم بم نبصر وقد حبس الشمس والقمر ؟ فقال للسائل ( بمثل َب َ
طلوع الشمس ،وذلك في يوم أشرقت فيه الرض ثم واجهته الجبال ،فسئل صلى ال عليه وسلم بم نجزي من حسناتنا
وسيئاتنا ؟ فقال ( الحسنة بعشرة أمثالها ،والسيئة بمثلها ،أو يعفو ) فسئل صلى ال عليه وسلم على ماء يطلع من
صفّى ،وأنهار من كأس ما بها من صُدَاع ولندامة ،وأنهار من لبن لم يتغير الجنة ،فقال ( على أنهار من عسل مُ َ
طعمه ،وماء غير آسن ،وفاكهة لعمر إلهك مما تعلمون وخير من مثله معه ،وأزواج مطهرة ) فسئل صلى ال عليه
وسلم ألَنَا فيها أزواج ؟ فقال ( الصالحات للصالحين ،تلذونهن مثل لذاتكم في الدنيا ،ويلذونكم ،غير أن ل توالد ) ذكره
أحمد .
صلْصَلة الجرس ،وهو أشدّه عليّ، وسئل صلى ال عليه وسلم عن كيفية إتيان الوحي إليه ،فقال يأتيني أحيانا مثل َ
فَ َيفْصِمُ عني وقد وَعَيْتُ ما قال ،وأحيانا يتمثل لي ال َملَك رجل ) متفق عليه .
س َبقَ ماء الرجل ماء المرأة كان الشبه له،وسئل صلى ال عليه وسلم عن شبه الولد بأبيه تارة وبأمه تارة ،فقال ( إذا َ
وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل فالشبه لها ) متفق عليه .
وأما ما رواه مسلم في صحيحه أنه قال ( إذا عل ماء الرجل ماء المرأة أ ْذكَر الرجل بإذن ال ،وإذا عل ماء المرأة
ماء الرجل آنث بإذن ال ) فكان شيخنا يتوقف في كون هذا اللفظ محفوظا ،ويقول المحفوظ هو اللفظ الول .والذكار
واليناث ليس له سبب طبيعي ،وإنما هو بأمر الرب تبارك وتعالى لَلمَلكِ أن يخلقه كما يشاء ،ولهذا جعل مع الرزق
والجل والسعادة و الشقاوة .
قلت فإن كان هذا اللفظ محفوظا فل تنافي بينه وبين اللفظ الول ،ويكون سبق الماء سبباً للشّبه وعلوه على ماء الخر
سببا للذكار واليناث ،وال أعلم .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيُصاب من َذرَاريهم ونسائهم ،فقال ( هم منهم )
حديث صحيح ،ومراده صلى ال عليه وسلم بكونهم منهم التبعية في أحكام الدنيا وعدم الضمان ،ل التبعية في عقاب
الخرة؛ فإن ال تعالى ل يُعذب أحدا إل بعد قيام الحجة عليه .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن قوله تعالى ( ولقد رآه َنزْلة أخرى ) [ النجم ]13 :فقال ( إنما هو جبريل عليه السلم،
خلِق عليها غير هاتين المرتين ) ذكره مسلم . لم أره على صورته التي ُ
ولما نزل قوله تعالى ( إنك ميت وإنهم ميتون ،ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) [ الزمر ]31-30 :سئل
صلى ال عليه وسلم يا رسول ال أيكرر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب ؟ فقال ( نعم ليكررن عليكم
حتى تؤدوا إلى كل ذي حق حقه ) فقال الزبير وال إن المر لشديد .
وسئل صلى ال عليه وسلم كيف يحشر الكافر على وجهه ؟ فقال ( أليس الذي أمشَاه في الدنيا على رجليه قادر أن
يمشيه في الخرة على وجهه ؟ ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم هل تذكرون أهاليكم يوم القيامة ؟ فقال ( أما في ثلث مواطن فل يذكر أحد أحدا ،حيث
يوضع الميزان حتى يعلم أيثقل ميزانه أم يخف ،وحيث يتطاير الكتب حتى يعلم كتابه من يمينه أو من شماله أومن
وراء ظهره ،وحيث يوضع الصراط على جسر جهنم ،على حافتيه كلليب وحَسَك ،يحبس ال به من يشاء من خلقه
حتى يعلم أينجو أم ل ينجو ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم يا رسول ال الرجل يحب القوم ولما يعمل بأعمالهم ؟ فقال ( المرء مع من أحَبّ ) .
116
www.dorar.net الدرر
السنية
عطَانيه ربي في الجنة ،هو أشد بياضا من اللبن ،وأحلى من وسئل صلى ال عليه وسلم عن الكوثر ،فقال ( هو نهر أ ْ
العسل ،فيه طيور أعناقها كأعناق الجزر ) قيل يا رسول ال إنها لنَاعمة ،قال ( آكُلهَا أ ْنعَمُ منها ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن أكثر ما يُ ْدخُل الناس النار ،فقال ( الجْ َوفَان الفم والفرج ) وعن أكثر ما ُي ْدخِلهم الجنة،
فقال ( تقوى ال وحسن الخلق ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن المرأة تتزوج الرجلين والثلثة ،مع مَن تكون يوم القيامة ؟ فقال ( تخير فتكون مع
أحسنهم خلقا ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم أي الذنب أعظم ؟ فقال ( أن تجعل ل ندا وهو خلقك ) قيل ثم ماذا ؟ قال ( أن تقتل ولدك
خشية أن يطعم معك ) قيل ثم ماذا ؟ قال ( أن تزني بحليلة جارك ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم أي العمال أحب إلى ال ؟ فقال ( الصلة على وقتها ) وفي لفظ ( لول وقتها ) قيل ثم
ماذا ؟ قال ( الجهاد في سبيل ال ) قيل ثم ماذا ؟ قال ( برُ الوالدين ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن قوله ( يا أخت هارون ) [ مريم ] 28 :وبين عيسى وموسى عليهما السلم ما بينهما،
فقال ( كانوا يسمون بأنبيائهم ،وبالصالحين قبلهم ) .
شرُ الناس من المشرق إلى المغرب ) . وسئل صلى ال عليه وسلم عن أول أشراط الساعة ،فقال ( نار تح ُ
وهذه إحدى مسائل عبد ال بن سلم الثلث ،والمسألة الثانية ما أول طعام يأكله أهل الجنة ،والثالثة سبب شبه الولد
بأبيه وأمه؛ فولّدها الكاذبون ،وجعلوها كتابا مستقل سموه مسائل عبد ال بن سلم ،وهي هذه الثلثة في صحيح
البخاري .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن السلم ،فقال ( شهادة أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال ،وإقام الصلة وإيتاء
الزكاة وصوم رمضان وحج البيت ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن اليمان ،فقال ( أن تؤمن بال وملئكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الحسان ،فقال ( أن تعبد ال كأنك تراه ،فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن قوله تعالى ( والذين يؤتون ما ءاتوا وقلوبهم َوجِلة ) [ المؤمنون ]60 :فقال ( هم
الذين يصومون ويصلون ويتصدقون ويخافون أن ل يقبل منهم ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن قوله تعالى ( وإذ أخَذَ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) [ العراف ]172 :
الية ،فقال ( إن ال تعالى خلق آدم ثم مسح على ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية ،فقال خلقت هؤلء للجنة ،وبعمل
أهل الجنة يعملون ،ثم مسح [ على ] ظهره فاستخرج منه ذرية ،فقال خلقت هؤلء للنار ،وبعمل أهل النار يعملون )
فقال رجل يا رسول ال ففيمَ العمل ؟ فقال ( إن ال إذ خلق العبدَ للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل
من أعمال أهل الجنة فيدخله الجنة ،وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل
النار فيدخل النار ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن قوله تعالى ( يا أيها الذين أمنوا عليكم أنفسكم ) [ المائدة ]105 :فقال ( بل ائتمروا
شحّا ُمطَاعا وهَوّى متبعا ودُنَيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأيٍ برأيه بالمعروف وتناهوا عن المنكر ،حتى إذا رأيت ُ
فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العوام ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الدوية والرّقى ،هل ترد من القدر شيئا ؟ فقال ( هي من القدر).
وسئل صلى ال عليه وسلم عمن يموت من أطفال المشركين ،فقال ( ال أعلم بما كانوا عاملين ) وليس هذا قول
بالتوقف كما ظنه بعضهم ،ول قول بمجازاة ال لهم على ما يعلمه منهم أنهم عاملُوه لو كانوا عاشوا ،بل هو جواب
فصل ،وأن ال يعلم ما هم عاملوه وسيجازيهم على معلومه فيهم بما يظهر منهم يوم القيامة ،ل على مجرد علمه ،كما
صرحت به سائر الحاديث واتفق عليه أهل الحديث أنهم يمتحنون يوم القيامة؛ فمن أطاع دخل الجنة ،ومن عصى
دخل النار .
سبَأ هل هو أرض أم امرأة ،فقال ( ليس بأرض ول امرأة ،ولكنه رجل ولد عشرة من وسئل صلى ال عليه وسلم عن َ
غسّان وعاملة ،وأما الذين تيأمنوا العرب؛ فتيامنَ منهم ستة ،وتشاءم منهم أربعة؛ فأما الذين َتشَاءموا فَلخْم وجُذَام و َ
117
www.dorar.net الدرر
السنية
حمْيَر وكِنْدَة ومَذحج وأنْمار ) فقال رجل يا رسول ال وما أنمار ؟ فقال ( الذين منهم خَ ْثعَم فالزد والشعرِيّونَ و ِ
وبَجيلة ) .
وسئل عن قوله تعالى ( لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الخرة ) [ يونس ]64 :فقال صلى ال عليه وسلم ( هي
الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ُترَى له ) .
وسئل عن أفضل الرقاب ،يعني في العتق ،فقال ( أ ْنفَسَها عند أهلها وأغلها ثمنا ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن أفضل الجهاد ،فقال ( من عقر جواده وأريق دمه ) .
صدّق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ) . وسئل صلى ال عليه وسلم عن أفضل الصدقة ،فقال ( أن تَتَ َ
صطَفى ال للملئكة سبحان ال وبحمده ) . وسئل صلى ال عليه وسلم أي الكلم أفضل ؟ فقال ( ما ا ْ
وسئل صلى ال عليه وسلم متى وجبت لك النبوة ؟ وفي لفظ متى كنت نبيا ؟ فقال ( وآدم بين الروح والجسد ) هذا هو
اللفظ الصحيح ،والعوام يروونه ( بين الماء والطين ) قال شيخنا وهذا باطل ،وليس بين الماء والطين مرتبة ،واللفظ
المعروف ما ذكرناه .
وذكر المام أحمد في مسنده أن أعرابيا سأله يا رسول ال أخْبرني عن الهجرة إليك أينما كنت أم لقوم خاصة أم إلى
أرض معلومة أم إذا مت انقطعت ؟ فسأل ثلث مرات ثم جلس ،فسكت رسول ال صلى ال عليه وسلم يسيرا ثم قال
أين السائل ؟ قال ها هو ذا حاضر يا رسول ال قال ( الهجرة أن تهجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن ،وتقيم
الصلة ،وتؤتي الزكاة ،ثم أنت مهاجر وإن مُتّ في الحضر ) فقأم آخر فقال يا رسول ال أخبرني عن ثياب أهل
خلْقا أم تُنْسَج نسجا؟ قال فضحك بعض القوم ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( تضحكون من خلَقُ َ
الجنة ،أ ُت ْ
جاهل يسأل عالما ؟ ) فاستلبث رسول ال صلى ال عليه وسلم ساعة ثم قال أين السائل عن ثياب أهل الجنة ؟ ،فقال ها
هو ذا يا رسول ال ،قال ( ل ،بل تنشقّ عنها ثمار الجنة ،ثلث مرات ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم أنفضي إلى نسائنا في الجنة ؟ وفي لفظ آخر هل نصل إلى نسائنا في الجنة ؟ فقال ( إي
والذي نفسي بيده إن الرجل لَ ُيفْضِي في الغداة الواحدة إلى مئة عذراء ) قال الحافظ أبو عبد ال المقدسي رجال إسناده
عندي على شرط الصحيح .
حمَا ،فإذا قام عنها رجعت مطهرة بكرا ) ورجال إسناده حمَاً َد ْ
وسئل أنطأ في الجنة ؟ فقال ( نعم ! والذي نفسي بيدهَ ،د ْ
على شرط صحيح ابن حبان .
وفي معجم الطبراني أنه سئل هل يتناكح أهل الجنة ؟ فقال ( بذكر ل يمل ،وشهوة ل تنقطعَ ،دحْما َدحْما ) .
قال الجوهري الدّحم الدفع الشديد .
وفيه أيضا أنه سئل صلى ال عليه وسلم أيجامع أهل الجنة ؟ فقال ( َدحْمَا َدحْما ولكن ل مني ول منية ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم أينام أهل الجنة ؟ فقال ( النوم أخو الموت ،وأهل الجنة ل ينامون ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم هل في الجنة خيل ؟ فقال ( إن دخلت الجنة أتيت بفرس من ياقوتة له جناحان فحملت عليه
فطار بك في الجنة حيث شئت ) .
خلْكَ ال الجنة يكن وسئل صلى ال عليه وسلم هل في الجنة إبل ؟ فلم يقل للسائل مثل ما قال للول ،بل قال ( إن ُي ْد ِ
لك فيها ما اشتهت نفسك وقرت عينك ) .
وفي معجم الطبراني أن أم سلمة رضى ال عنها سألته فقالت يا رسول ال أخبرني عن قول ال عز وجل ( حور عين
) [ الواقعة ]56 :قال ( حُورٌ بيض ،عين ضِخام العيون ،شعر الحوراء بمنزلة جناح النسر ) قلت أخبرني عن قول
صدَاف الذي لم تمسه ال عز وجل ( كأمثال اللؤلؤ المكنون ) [ الواقعة ]23 :فقال ( صفاؤهن صفاء الدر الذي في ال ْ
اليدي ) قلت أخبرني عن قوله تعالى ( فيهن خَ ْيرَاتٌ حسان ) [الرحمن ] 70 :قال ( خيرات الخلق ،حسان
الوجوه ) قلت أخبرني عن قول ال عز وجل (كأنهن بَيْضٌ مكنون ) [ الصافات ] 49 :قال ( رقتهن كرقة الجلد الذي
عرُبا أترابا ) قال (هنّ اللواتي رأيت في داخل البيضة مما يلي القشرة ) قلت أخبرني يا رسول ال عن قوله تعالى ( ُ
عرُبا متعشقات متحببات ،أترابا شمْطا ،خلقهن ال بعد الكبر فجعلهن ال عذارىُ ، قبضن في دار الدنيا عجائز ُرمْصا ُ
على ميلد واحد ) قلت يا رسول ال نساء الدنيا أفضل أم الحور العين ؟ قال ( بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين
ظهَارة على البطانة ) قلت يا رسول ال ،وبم ذاك ؟ قال ( بصلتهن وصيامهن وعبادتهن ال تعالى ،أل َبسَ ال كفضل ال ّ
118
www.dorar.net الدرر
السنية
صفُر الحلى ،مجامرهن الدر ،وأمشاطهن الذهب، وجوههن النورَ وأجسادهن الحرير ،بيض اللوان ،خضر الثيابُ ،
يقلن نحن الخالدات فل نموت ،ونحن الناعمات فل نبأس أبدا ،ونحن المقيمات فل نظعن أبدا ،ونحن الراضيات فل
نسخط أبدا ،طوبي لمن كُنّا له وكان لنا ) قلت يا رسول ال المرأة منا تتزوج الزوجين والثلثة والربعة ثم تموت
فتدخل الجنة ويدخلون معها مَن يكون زوجها ؟ قال ( يا أم سلمة إنها تخير فتختار أحسنهم خلقا ،فتقول يا رب إن هذا
كان أحسنهم معي خلقا في دار الدنيا فزوجنيه ،يا أم سلمة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والخرة ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن قوله تعالى ( والرض جميعا َقبْضَته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ) [ الزمر
]67 :أين الناس يؤمئذ ؟ قال ( على جسر جهنم ) .
سرّتكَ حسناتك وساءتك سيئاتك فأنت مؤمن ) . وسئل عن اليمان ،فقال ( إذا َ
وسئل عن الثم ،فقال ( إذا حاك في قلبك شئ فدَعْه ) .
وسئل عن البر والثم ،فقال ( البر ما اطمأن إليه القلب واطمأنت إليه النفس ،والثم ما حاك في القلب وتردّدَ في
الصدر ) .
وسأله عمر هل نعمل في شئ نستأنفه أم في شئ قد فرغ منه ؟ قال ( بل في شئ قد فرغ منه ) قال ففيم العمل ؟ قال
( يا عمر ل يدرك ذلك إل بالعمل ) قال إذا نجتهد يا رسول ال .
سرَاقة بن مالك بن جعشم فقال يا رسول ال أخبرنا عن أمرنا كأننا ننظر إليه ،أبما جرت به القلم وكذلك سأله ُ
وثبتت به المقادير أم بما يستأنف ؟ فقال ( ل ،بل بما جرت به القلم وثبتت به المقادير ) قال ففيم العمل إذا ؟ قال
عمَلو فكل ميسر ) قال سراقة فل أكون أبدا أشد اجتهادا في العمل مني الن . (ا ْ
من فتاوي إمام المتقين صلى ال عليه وسلم في الطهارة
طهُور ماؤه والحِلّ ميتته ) .وسئل صلى ال فصل :وسئل صلى ال عليه وسلم عن الوضوء بماء البحر ،فقال (هو ال ّ
طهُور ل عليه وسلم عن الوضوء من بئر بُضَاعة ،وهي بئر يلقى فيها الحيض والنّتن ولحوم الكلب ،فقال الماء َ
ينجسه شيء ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الماء يكون بالفلة وما يَنُوبه من الدواب والسباع فقال ( إذا كان الماء ُقلّتَين لم ينجسه
شيء ) .
وسأله أبو ثعلبة فقال إنا بأرض قوم أهل كتاب ،وإنهم يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر ،فكيف نصنع بآنيتهم
شرَبُوا ) .
و ُقدُورهم ؟ فقال ( إن لم تجدوا غيرها فا ْرحَضَوها بالماء واطبخوا فيها ،وا ْ
وفي الصحيحين إنا بأرض قوم أهل كتاب ،أفناكل في آنيتهم ؟ قال ( ل تأكلوا فيها إل أن ل تجدوا غيرها ،فاغسلوها
ثم كلوا فيها ) .
سلُوْها بالماء ،واطبخوا وفي المسند والسنن أفتنا في آنية المجوس إذا اضطررنا إليها ،فقال ( إذا اضطررتم اليها فاغْ ِ
فيها ) .
وفي الترمذي سئل عن قدور المجوس ،فقال ( أ ْنقُوهَا غسل ،واطبخوا فيها ) .
س َمعَ صوتا أووسئل صلى ال عليه وسلم عن الرجل ُيخَيّل إليه أنه يجد الشيء في الصلة؟ فقال ( ل يَنْصَرف حتى يَ ْ
يجد ريحا ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن المذْي ،قال ( يجزئ منه الوضوء ) فقال له السائل فكيف بما أصاب ثوبي منه ؟ فقال
يكفيك أن تأخذ كفا من ماء ف َتنْضَح به ثوبك حيث ترى أنه أصاب منه ) صححه الترمذي .
وسئل صلى ال عليه وسلم عما يوجب الغسل ،وعن الماء يكون بعد الماء ،فقال ( ذاكَ المَذْىُ وكل فحل يمذي ،فتغسل
جكَ وأنثييك ،وتوضأ وُضُوءك للصلة ) . من ذلك َف ْر َ
عرْق وليس وسألته فاطمة بنت أبي حُبيش فقالت إني امرأة اسْتحاضُ فل أطهر ،أفأدع الصلة ؟ فقال ( ل ،إنما ذلك ِ
بحيضة ،فإذا أقبلت حَيْضتُك فدَعِي الصلة ،فإذا أدْ َبرَتْ فاغْسِلي عنك الدم ثم صلي ) .
وسئل عنها أيضا ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم ( تَ َدعْ الصلة أيام أقرائها التي كانت تحيض فيها ،ثم تغتسل
وتتوضأ عند كل صلة ،وتصوم ،وتصلي ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الغنم فقال ( إن شئت فتوضأ ،وإن شئت فل تتوضأ ) .
119
www.dorar.net الدرر
السنية
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الوضوء من لحوم البل ،فقال ( نعم توضأ من لحوم البل ) .
صلّوا فيها ) .وسئل صلى ال عليه وسلم عن وسئل صلى ال عليه وسلم عن الصلة في َمرَابض الغنم ،فقال ( نعم َ
الصلة في َمبَارك البل ،فقال ( ل ) .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال يا رسول ال ،ما تقول في رجل لقي امرأة ل يعرفها ،فليس يأتي الرجل من
ط َرفَي النهارِ وزُلفا منامرأته شيء إل قد أتاه منها ،غير أنه لم يجامعها ،فأنزل ال تعالى هذه الية ( وأقِمِ الصلة َ
الليل إن الحسنات ُيذْهبن السيئات ) [ هود ]114 :فقال له النبي صلى ال عليه وسلم ( تَوَضّأ ثم صل ) فقال معاذ
فقلت يا رسول ال أل ُه خاصة أم للمؤمنين عامة ؟ قال ( بل للمؤمنين عامة ) .
غسْل إذا هي احتلمت ؟ فقال وسألته أم سُليم فقالت يا رسول ال إن ال ل يستحي من الحق ،فهل على المرأة من ُ
رسول ال صلى ال عليه وسلم ( نعم إذا رأتِ الماء ) فقالت أم سلمة أو تحتلم المرأة ؟ فقال ( َترِبَتْ يَداك ،فبم يشبهها
ولدها ؟ ) وفي لفظ أن أم سُليم سألت نبي ال صلى ال عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل ،فقال
رسول ال صلى ال عليه وسلم ( إذا رأت المرأة ذلك فلتغتسل ) .
وفي المسند أن خولة بنت حكيم سألت النبي صلى ال عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل ،فقال
( ليس عليها غسل حتى تنزل ،كما أن الرجل ليس عليه غسل حتى ينزل ) .
وسأله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم ال وجهه عن المذي ،فقال ( من المذي الوضوء ،ومن المني الغسل )
وفي لفظ ( إذا رأيت المذي فتوضأ ،واغسل ذكرك ،وإذا رأيت نضح الماء فاغتسل ) ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الرجل يجد البللَ ول يذكر احتلما ،فقال :يغتسل ،وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولم
يجد البلل ،فقال ل غسلَ عليه .ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل ،وعائشة جالسة ،فقال ( إنى أفعل ذلك أنا وهذه ثم
نغتسل ) ذكره مسلم .
شدّ ضفر رأسي ،أفأنقضه لغسل الجنابة ؟ فقال ( ل ،إنما يكفيك أن سلَمة فقالت يا رسول ال إني امرأة أ ُوسألته أم َ
غ ِمزِي ُقرُو َنكِ عند كل حفنة ) . َتحْثِى على رأسك ثلثَ حَ َثيَاتِ ثم تفيضين عليك الماء ) ذكره مسلم ،وعند أبي داود ( ا ْ
وسألته صلى ال عليه وسلم امرأة فقالت يا رسول ال إن لنا طريقا إلى المسجد مُنْتنة ،فكيف نفعل إذا ُمطِرنا ؟ ققال
( أل ْيسَ بعدها طريق هي أطيب منها ) ! قلت بلى يا رسول ال ،قال ( هذه بهذه ) وفي لفظ ( ألَ ْيسَ بعده ما هو أطيب
منه ؟ ) قلت بلى ،قال ( فإن هذا يذهب بذاك ) ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم فقيل له إنا نريد المسجد فنطأ الطريق النجسة ،فقال ( الرض يطهر بعضُها بعضا ) ذكره
ابن ماجه .
وسألته صلى ال عليه وسلم امرأة فقالت إحدانا يصيب ثو َبهَا من دم الحيضة ،كيف تصنع به ؟ فقال ( َتحُتّه ،ثم
َتقْرِصه بالماء ،ثم تنضحه ،ثم تصلي فيه ) متفق عليه .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن فأرة وقعت في سمن ،فقال ( أ ْلقُوَها وما حَوْلها و ُكلُوا سمنكم ) ذكره البخاري ،ولم
يصح فيه التفصيل بين الجامد والمائع .
وسألته صلى ال عليه وسلم ميمونة عن شاة ماتت فألقوا إهَا َبهَا ،فقال ( هل َأخَذْتُم مَسْكها ) فقالت نأخذ َمسْك شاة قد
ماتت ؟ فقال لها صلى ال عليه وسلم ( إنما قال تعالى ( قل ل أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إل أن
يكون ميتة أو دما مسفوحا أولحم خنزير ) [ النعام ]145 :وإنكم ل تطعمونه إن تدبغوه تنتفعوا به ) فأرسلت إليها
فسلخت َمسْكها فَدَبَغته ،فاتخذت منه ِقرْبة حتى تخرقت عندها ،ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن جلود الميتة ،فقال ( ذكاؤها دباغها ) ذكره النسائي .
سرُ بة )وسئل صلى ال عليه وسلم عن الستطابة ،فقال ( أوَل يجدُ أحدكم ثل َثةَ أحجار حجران للصفحتين وحجر للمَ ْ
حديث حسن ،وعند مالك مرسلً ( أو ل يجدُ أحدكم ثلثة أحجار ) ولم يزد .
سرَاقة عن التغوط ؟؛ ( فأمره أن يتنكّبَ القبَلةَ ،ول يستقبلها ،ول يستدبرها ،ول يستقبل الريح ،وأن يستنجي وساله ُ
بثلثة أحجار ليس فيها رَجيع ،أو ثلثة أعواد ،أو بثلث حَثَيَات من تراب ) ذكره الدارقطني .
120
www.dorar.net الدرر
السنية
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الوضوء ،فقال ( أسْبغ الوضوء ،وخلل بين الصابع ،وبالغ في الستنشاق إل أن
تكون صائما ) ذكره أبو داود .
سلْت كفيك عبَسَة فقال كيف الوضوء ؟ قال ( أما الوضوء فإنك إذا توضأت فغَ َ وسأله صلى ال عليه وسلم عمرو بن َ
فأنقيتهما خرجتْ خطاياك من بَيِن أظفارك وأنَا ِملِك ،فإذا تمضمضْت واستنشقت وغسلت به وجهك ويديك إلى
المرفقين ومسحْتَ رأسَك وغسلت رجليك اغتسلت من عامة خطاياك كيوم ولدتك أمك ) ذكره النسائي .
وسأله صلى ال عليه وسلم أعرابي عن الوضوء ،فأراه ثلثا ثلثا ثم قال ( هكذا الوضوء؛ فمن زاد على هذا فقد أساء
وتعدّى وظلم ) ذكره أحمد .
حةُ ويكون وسأل النبي صلى ال عليه وسلم أعرابي فقال يا رسول ال ،الرجل منا يكون في الصلة فيكون منه الرّوَ ْي َ
في الماء ِقلَة ،فقال ( إذا َفسَا أحدكم فليتوضأ ،ول تأتوا النساء في أعجازهن ،فإن ال ل يستحيي من الحق ) ذكره
الترمذي .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن المَسْح على الخفين ،فقال ( للمسافر ثلثة أيام وللمقيم يوما وليلة ) .
وسأله صلى ال عليه وسلم أبي بن عمارة فقال يا رسول ال أمسح على الخفين ؟ فقال ( نعم ) قال يوما ؟ قال
( ويومين ) قال وثلثة أيام ؟ قال ( نعم وما شئت ) وفي رواية حتى بلغ سبعاً ،قال صلى ال عليه وسلم نعم وما بدا لك
ذكره أبو داود .
فطائفة من أهل العلم أخذَتْ بظاهره وجَوّزوا المسح بل توقيت ،وطائفة قالت هذا ُمطْلق وأحاديث التوقيت ُمقَيّدة،
والمقيد يقضي على المطلق .
وسأله صلى ال عليه وسلم أعرابي فقال أكون في الرمل أربعة أشهر أو خمسة أشهر ،ويكون فينا النفساء والحائض
والجنب ،فما ترى ؟ قال ( عليك بالتراب ) ذكره أحمد .
وسأله صلى ال عليه وسلم أبو ذر إني أغرب عن الماء ومعي أهلي ،فتصيبني الجنابة ،فقال ( إن الصّعيد الطيب
شرَ َتكَ ) حديث حسن . شرَ حجج ،فإذا وجدت الماء فأمِسّه َب َ طهورٌ ما لم تجد الماء عَ ْ
وسأله صلى ال عليه وسلم أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب كرم ال وجهه فقال انكسرت إحدى زَ ْندَيّ ( فأمره أن
يمسح على الجبائر ) ذكره ابن ماجه .
شرْ رأسه فليغسله حتى يبلغ وقال ثوبان استفتوا النبي صلى ال عليه وسلم عن الغسل من الجنابة فقال ( أما الرجل فليَ ْن ُ
علَى رأسها ثلث غرفات تكفيها ) ذكره أبو داود . أصول الشعر ،وأما المرأة فل عليها أن ل تنقضه ،ل َت ْغ ِرفْ َ
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال إني اغتسلت من الجَنَابة وصليت الصبح ،ثم أصبحت فرأيت قَ ْدرَ موضع الظفر
سحْتُ عليه بيدك أجزأك ) ذكره ابن ماجه . لم يصبه ماء فقال ( لو كُنْتُ مَ َ
س ْدرَها فتطهر فتحسن الطهور ،تم تصب وسألته صلى ال عليه وسلم امرأة عن الحيض ،فقال تأخذ إحداكن ماءها و ِ
على رأسها َفتَ ْدلِكه دلكا شديدا حتى تبلغ شؤون رأسها ،ثم تصّب عليها الماء ،ثم تأخذ ُفرْصَة ممسكة فتطهر بها ) .
علَى رأسها وسألته صلى ال عليه وسلم عن غسل الجنابة فقال ( تأخذ ماء فتطهر فتحسن الطهور ،ثم تصب الماء َ
فتدلكه حتى يبلغ شؤون رأسها ،ثم ُتفِيضُ الماء عليها ) .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل ما يحل لي من امرأتي وهي حائض ،فقال ( تشد عليها إزارها ثم شأنك بأعْلَها )
ذكره مالك .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن مؤاكلة الحائض ،فقال ( وا ِك ْلهَا ) ذكره الترمذي .
وسئل صلى ال عليه وسلم كم تجلس ال ّنفَسَاء ؟ فقال ( تجلس أربعين يوما ،إل أن ترى الطهر قبل ذلك ) ذكره
الدارقطني .
فتاوى تتعلق بالصلة
وسأله صلى ال عليه وسلم ثَ ْوبَان عن أحبّ العمال إلى ال تعالى ،فقال ( عليك بكثرة السجود ل عزوجل؛ فإنك ل
تسجد ل سجدة إل رفعك ال بها درجةً وحَط بها عنك خطيئة ) ذكره مسلم .
وسأله عبد ال بن سعد أيما أفضل ،الصلة في بيتي أو الصلة في المسجد ؟ فقال ( أل ترى إلى بيتي ما أ ْقرَ َبهُ من
المسجد ؟ فلن أصليَ في بيتي أحب إلى من أن أصلي في المسجد ،إل أن تكون صلة مكتوبة ) ذكره ابن ماجه .
121
www.dorar.net الدرر
السنية
وسئل صلى ال عليه وسلم عن صلة الرجل في بيته ،فقال ( نوروا بيوتكم ) ذكره ابن ماجه .
وسئل صلى ال عليه وسلم مَتَى يصلي الصبي ؟ فقال ( إذا عرَف يمينه من شماله فمروه بالصلة ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن قَتل رجل مخنث يتشبه بالنساء ،فقال ( إنى ُنهِيْتُ عن قتل المصلين) ذكره أبو داود .
صلّ معنا هذين اليومين ) ،فلما زالت الشمس أمر بلل وسئل صلى ال عليه وسلم عن وقت الصلة ،فقال للسائل ( َ
فأذن ،ثم أمره فأقام الظهر ،ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية ،ثم أمره فأقام المغرب حين غابت
الشمس ،ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق ،ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر ،فلما كان اليوم الثاني أمره فأ ْبرَدَ
بالظهر ،وصلى العصر والشمس مرتفعة أخرها فوق الذي كان ،وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق ،وصلى العشاء
بعد ما ذهب ثلث الليل ،وصلى الفجر فأسْفرَ بها ،ثم قال ( أين السائل عن وقت الصلة ؟ ) فقال الرجل أنا يا رسول
ال صلى ال عليه وسلم ،فقال ( وقت صلتكم ما بين ما رأيتم ) ذكره مسلم .
وسئل صلى ال عليه وسلم هل من ساعة أقرب إلى ال من الخرى ؟ قال ( نعم ،أ ْقرَبُ ما يكون الرب عزوجل من
العبد جوف الليل الخر ،فإن استطعت أن تكون ممن يذكر ال في تلك الساعة فكن ) .
وسئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن الصلة الوسطى ،فقال ( هي صلة العصر ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم هل في ساعات الليل والنهار ساعة ُت ْكرَه الصلة فيها ؟ فقال ( نعم إذا صليت الصبح فدع
الصلة حتى تطلع الشمس؛ فإنها تطلع بين قرنيْ شيطانٍ ،ثم صلّ ،فإن الصلة محضورة متقبلة ،حتى تستوي الشمس
جرُ جهنم وتفتح فيها أبوابها ،حتى ترتفع الشمس عن حاجبك على رأسك كال ّرمْح ،فدع الصلة فإن تلك الساعة تس ّ
اليمن ،فإذا زالت الشمس فالصلة محضورة متقبلة حتى تصلي العصر ،ثم دع الصلة حتى تغيب الشمس ) ذكره
ابن ماجه ،وفيه دليل على تعلّق النهي بفعل صلة الصبح ل بوقتها .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال ل أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن فعلمني ما يجزيني ،فقال ( قل سبحان ال،
والحمد ل ،ول إله إل ال ،وال أكبر ،ول حول ول قوة إل بال ) فقال يا رسول ال هذا ل ،فما لي ؟ فقال ( قل اللهم
ارحمني وعافني واهدني وارزقني ) فقال بيده هكذا وقَبَضها ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( أما هذا فقد مل
يَدَيْه من الخير ) ذكره أبو داود .
عمْران بن حصين ـ وكان به بَوَاسير ـ عن الصلة ،فقال ( صَلّ قائما ،فإن لم تستطع وسأله صلى ال عليه وسلم ِ
فقاعدا ،فإن لم تستطع فعلى جَنْبك ) ذكره البخاري .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل أقرأ خلف المام أو ُأنْصِتُ ؟ قال ( بل أنْصِتْ فإنه يكفيك ) ذكره الدارقطني .
سفْرا فكيف نصنع بالصلة ؟ فقال ( ثلث وسأله صلى ال عليه وسلم حطابة ،فقالوا يا رسول ال إنا ل َنزَال َ
تسبيحات ركوعا ،وثلث تسبيحات سجودا ) ذكره الشافعي مرسل .
وسأله صلى ال عليه وسلم عثمان بن أبي العاص فقال يا رسول ال ،إن الشيطان قد حال بين صلتي وبين قراءتي
سهَا عَليّ ،فقال ( ذاك شيطان يقال له خنزب ،فإذا أحسسته فتعوذ بال وأ ْتفُلْ على يسارك ثلثا ) قال ففعلت ذلك ُيلَبّ ُ
فأ ْذهَبَه ال ،ذكره مسلم .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال أصلي في ثوبي الذي آتي فيه أهلي ؟ قال ( نعم ،إل أن ترى فيه شيئا فتغسله )
.
وسأله صلى ال عليه وسلم معاوية بن حيدة يا رسول ال عَوْراتنا ما نأتى منها وما نذر ؟ قال ( احفظ عَ ْورَتك إل من
زوجتك أوما ملكت يمينك ) قال قلت يا رسول ال الرجل يكون مع الرجل ،قال ( إن استطعت أن ل يراها أحد فافَعل )
قلت فالرجل يكون خاليا ،قال ( ال أحق أن ُيسْ َتحْيَا منه ) ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الصلة في الثوب الواحد ،قال ( أو ُكلّكم يجد ثوبين ؟ ) متفق عليه .
وسأله صلى ال عليه وسلم سلمة بن الكْوع يا رسول ال إني أكون في الصّيْد فأصلي وليس علي إل قميص واحد،
فقال ( فَا ْزرُ ْرهُ ،وإن لم َتجِدْ إل شوكة ) ذكره أحمد ،وعند النسائي إنى أكون في الصيف وليس عليّ إل قميص .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل يا رسول ال أصلي في الفراء ؟ قال ( فأين الدباغ ) .
طرَحِ ال َقرَن وصَل في القوس ) ذكره الدارقطني . وسئل صلى ال عليه وسلم عن الصلة في القوس والقرن ،فقال ( ا ْ
والقرن ـ بالتحريك ـ الجعبة .
122
www.dorar.net الدرر
السنية
وسألته أم سلمة هل تصلي المرأة في ِدرْع وخِمار وليس عليها إزار ؟ فقال ( إذا كان ال ّدرْعُ سابغاً يغطي ظهر
قدميها ) ذكره أبو داود .
وسأله صلى ال عليه وسلم أبو ذر عن أول مسجد وضع في الرض ،قال ( المسجد الحرام ) فقال ثم أي ؟ قال
( المسجد القصى ) فقال كم بينهما ؟ قال ( أربعون عاما ،ثم الرض لك مسجد ،حيث أدركَ ْتكَ الصلة فصل ) متفق
عليه .
وذكر الحاكم في مستدركه أن جعفر بن أبي طالب سأله عن الصلة في السفينة فقال ( صلّ فيها قائما إل أن تخاف
الغرق ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن مسح الحصى في الصلة فقال ( واحدة أودع ) .
وسأله صلى ال عليه وسلم جابر عن ذلك فقال ( واحدة ،ولن تمسك عنها خير لك من مائة ناقة كلها سواد الحدق )
سحَة واحدة فقلت المسجد كان مفروشا بالحَصْبَاء فكان أحدهم يمسحه بيديه لموضع سجوده ،فرخص النبي في مَ ْ
ونّدَبهم إلى تركها ،والحديث في المسند .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن اللتفات في الصلة ،فقال ( هو اختلس يختلسه الشيطان من صلة العبد ) .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال يصلي أحدنا في منزله الصلة ثم يأتى المسجد وتُقام الصلة ،أفأصلي معهم ؟
سهْمٌ جمع ) ذكره أبو داود .فقال ( لك َ
وسأله صلى ال عليه وسلم أبو ذر عن الكلب السود يقطع الصلة دون الحمر والصفر ،فقال ( الكلب السود
شيطان ) .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال يا رسول ال إني صليت فلم أدر أشفعت أو أوترت ،فقال رسول ال صلى ال
عليه وسلم ( إياكم أن يتَلعّبَ بكم الشيطان في صلتكم ،مَن صلى فلم يدر أشفع أم أوتر فليسجد سجدتين فإنهما تمام
صلته ) ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم لي شيء فضلت يوم الجمعة ؟ فقال ( لن فيها طبعت طينة أبيك آدم ،وفيها الص ْعقَة
والبعثة ،وفيها ال َبطْشة ،وفي آخر ثلث ساعات منها ساعة من دعا ال فيها استجيب له ) ،وسئل أيضا عن ساعة
الجابة ،فقال ( حين تُقام الصلة إلى النصراف منها ) ول تنافي بين الحديثين؛ لن ساعة الجابة ،وإن كانت آخِرَ
سسَ على التقوى ساعة بعد العصر فالساعة التي تقام فيها الصلة أولى أن تكون ساعة الجابة كما أن المسجد الذي أ ّ
هو مسجد قباء ،ومسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم أولى بذلك منه ،وهو أولى من جمع بينهما بتنقلها ،فتأمل .
وسئل صلى ال عليه وسلم يا رسول ال أخْبرْنا عن [ يوم ] الجمعة ،ما فيه من الخير ؟ فقال ( فيه خمس خلل فيه
خلق آدم ،وفيه أهبط آدم إلى الرض ،وفيه توفى ال آدم ،وفيه ساعة ل يسأل ال العبد فيها شيئا إل أعطاه إياه ما لم
يسأل إثما أو قطيعة رحم ،وفيه تقوم الساعة ،فما من مَلك مقرب ول سماء ول أرض وَل جبال ول حَجَر إل وَهو
مشفق من يوم الجمعة ) ذكره أحمد والشافعي .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن صلة الليل ،فقال ( مَ ْثنَى مَ ْثنَى ،فإذا خشيت الصبح فأوْتر بواحدة ) متفق عليه .
وسأله أبو أمامة بكم أوتر ؟ قال ( بواحدة ) قال إني أطيق أكثر من ذلك ،قال ( ثلث ) ثم قال ( بخمس ) ثم قال ( بسبع
) وفي الترمذي أنه سُئل عن الشفع والوتر ،فقال ( هي الصلة َبعْضها شفع وبعضها وتر ) وفي سنن الدارقطني أن
رجل سأله عن الوتر ،فقال ( افْصِلْ بين الواحدة والثنتين بالسلم ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم أي الصلة أفضل ؟ قال ( طولُ القَنُوتِ ) ذكره أحمد .
علُه ).
وسئل أي القيام أفضل ؟ قال ( نصف الليل ،وقليلٌ فا ِ
وسئل صلى ال عليه وسلم هل من ساعة أقرب إلى ال من الخرى ؟ قال ( نعم جوف الليل الوسط ) ذكره النسائي .
فتاوى تتعلق بالموت وبالموتى
سفٍ للفاجر ) ذكره أحمد ،ولهذا لم فصل :وسئل صلى ال عليه وسلم عن موت الفجاءة ،فقال ( راحَة للمؤمن ،وأخْذةُ أ َ
َيكْره أحمد موت الفجاءة في إحدى الروايتين عنه ،وقد روى عنه كراهتها؛ وروى في مسنده أن رسول ال صلى ال
سرَع المشي ،فقيل له في ذلك ،فقال ( إني أكره موتَ الفوات ) ول تنافي بين عليه وسلم مر بجدار أوحائط مائل ،فأ ْ
الحديثين فتأمله .
123
www.dorar.net الدرر
السنية
وسئل تمر بنا جنازة الكافر ،أفنقوم لها ؟ قال ( نعم ،إنكم لستم تقومون لها ،إنما تقومون إعظاما للذي يقبض النفوس )
ذكره أحمد ،وقام لجنازة يهودية فسئل عن ذلك ،فقال ( إن للموت فزعا ،فإذا رأيتم جنازة فقوموا ) .
وسئل عن امرأة أوْصَتْ أن يعتق عنها رقبة مؤمنة ،فدعا بالرقبة ،فقال ( مَنْ ربك ؟ ) قالت ال ،قال ( مَنْ أنا ؟ )
قالت رسول ال ،قال ( أعْتِقها فإنها مؤمنة ) ذكره أبو داود .
وسأله صلى ال عليه وسلم عمر رضى ال عنه هل ترَدّ إلينا عقولنا في القبر وقت السؤال ؟ فقال ( نعم كهيئتكم
اليوم ) ذكره أحمد .
وسئل عن عذاب القبر ،فقال ( َنعَمْ عذابُ القبر حق ) .
فتاوي تتعلق بالصدقة و الزكاة
فصل :وسئل صلى ال عليه وسلم عن صدقة البل ،فقال ( ما مِنْ صاحب إبل ل يؤدي حقها ـ ومن حقها حلبها يوم
ورودها ـ إل إذا كان يوم القيامة بُطحَ لها بقاع َق ْرقَر أوْفرَ ما كانت ل يفقد منها فصيل واحدا َتطَؤه بأخفافها و َتعَضّه
بأفواهها ،كلما مر عليه أولها ُردّ عليه ُأخْرَاها ،في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى
سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن البقر ،فقال ( ول صاحب بقر ول غنم ل يؤدي حقها إل إذا كان يوم القيامة ُبطِح لها
عضْبَاء ،تنطحه بقرونها ،وتطؤه بأظلفها ،كلما مرت ج ْلحَاء ول َ
عقْصَاء ول َبقاع َق ْرقَر ل يفقد منها شيئا ليس فيها َ
عليه أولها رد عليه أخراها ،في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ،حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة
وإما إلى النار ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الخيل فقال ( الخيل ثلثة هي لرجل وزْر ،ولرجل ستر ،ولرجل أجر ،فأما الذي له
أجر فرجل رَ َبطَها في سبيل ال فأطال لها في َمرْج أو روضة فما أصابت في طِيَلها ذلك من المرج أو الروضة كانت
له حسنات ،ولو أنه انقطع طِ َيلُها فاس َتنّتْ شرفا أو شرفين كانت له آثارها وأرواثها حسنات ،ولو أنها مرت بنهر
فشربت منه ولم يرد أن يسقيها كانت له حسنات ،فهى لذلك الرجل أجر ،ورجل رَ َبطَها تغنيا و َت َعفّفا ثم لم َي ْنسَ حق ال
في رقابها ول في ظهورها فهى لذلك الرجل ستر ،ورجل رَبَطها فخرا ورياء ونواء لهل السلم فهي عَلى ذلك وزر
).
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الحمر؛ فقال ( ما أنزل عليّ فيها إل هذه الية الجامعة ال َفاّذة ( فمن يعمل مثقال ذرة
خيرا َيرَه ،ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) [ آخر الزلزلة ] ذكره مسلم .
وسألته صلى ال عليه وسلم أم سلمة فقالت إني ألبس أوْضاحا من ذهب ،أكنز هو ؟ قال ( ما بلغ أن تؤدي زكاته
فزكي فليس بكنز ) ذكره مالك .
وسئل صلى ال عليه وسلم أفي المال حق سوى الزكاة ؟ قال ( نعم ،ثم قرأ ( وآتي المال على حبه) [ البقرة ]177 :؛
ذكره الدارقطني .
وسألته صلى ال عليه وسلم امرأة فقالت إن لي حليا ،وإن زوجي خفيف ذات اليد ،وإن لي ابن أخ ،أفيجزئ عني أن
أجعل زكاة الحلي فيهم ؟ قال ( نعم ) .
ح ِمهَا لي ،فحماها لي . وذكر ابن ماجه أن أبا سِيارة سأله فقال إن لي نخل ،فقال ( أد العشر ) فقلت يا رسول ال ا ْ
وسأله صلى ال عليه وسلم العباس عن تعجيل زكاته قبل أن َيحُول الحول ،فأذن له في ذلك ،ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن زكاة الفطر ،فقال ( هي على كل مسلم ،صغيرا أوكبيرا ،حرا أوعبدا ،صاعا من تمر
أو صاعا من شعير أو أ ِقطِ ) .
وسأله صلى ال عليه وسلم أصحاب الموال فقالوا إن أصحاب الصّدَقة َيعْتَدُون علينا ،أفنكتم من أموالنا بقدر ما
يعتدون علينا ؟ قال ( ل ) ذكره أبو داود .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال إنى ذو مال كثير ،وذو أهل وولد وحاضرة ،فأخبرني كيف أنفق ؟ وكيف
أمنع ؟ فقال ( تخرج الزكاة من مالك ،فإنها ط ْهرَة تطهرك ،وتَصِلُ بها رحمك وأقاربك ،وتعرف حق السائل والجار
والمسكين ) فقال يا رسول ال أقلل فيّ ،قال ( فآتِ ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ول تبذر تبذيرا ) [ السراء :
124
www.dorar.net الدرر
السنية
]26فقال حسبي ،وقال يا رسول ال إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى ال ورسوله ؟ قال رسول ال
( نعم ،إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها ،ولك أجرها ،وإثمها على من َبدّلها ) ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الصدقة على أبي رافع مَوْله ،فقال ( إنا آلَ محمدٍ ل تحل لنا الصدقة ،وإن مولى القوم
من أنفسهم ) ذكره أحمد .
وسأله صلى ال عليه وسلم عمر عن أرضه بخيبر ،واستفتاه ما يصنع فيها وقد أراد أن يتقرب بها إلى ال ،فقال ( إن
شئْتَ حبست أصلها وتصدّقت بها ) ففعل ،وتصدق عبد ال بن زيد بحائط له ،فأتاه أبَوَاه فقال يا رسول ال إنها كانت
قيم وجوهنا ،ولم يكن لنا مال غيره ،فدعا عبد ال فقال ( إن ال قد قبل منك صدقتك ،ورَدّها على أبَوَ ْيكَ ) فتوارثاها
بعد ذلك .ذكره النسائي .
وسئل صلى ال عليه وسلم أي الصدقة أفضل ؟ فقال ( المنيحة ،أن يمنح أحدكم الدرهم أو ظهرَ الدابة أو لبَن الشاة أو
لبن البقرة ) ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم مرة عن هذه المسألة فقال ( جهْدُ ال ُمقِل ،وابْدَأ بمن تعول ) ذكره أبو داود .
ص ّدقَ وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغني ) . وسئل صلى ال عليه وسلم مرة أخرى عنها فقال أن تَتَ َ
وسئل مرة أخرى عنها فقال ( سقي الماء ) .
وسئل مرة أخرى عنها فقال ***( لم يذكر ما قاله صلى ال عليه وسلم ) .
سقُيها ؟ فقال ( نعم ،في كل وسأله صلى ال عليه وسلم سُراقة بن مالك عن البل تغشى حِياضَه هل له من أجر في َ
حرّى أجر ) ذكره أحمد . كبدٍ َ
وسأله صلى ال عليه وسلم امرأتان عن الصدقة على أزواجهما ،فقال ( لهما أجران أجر القرابة ،وأجر الصدقة )
متفق عليه ،وعند ابن ماجه أتجزئ عني من النفقة الصدقة على زوجي وأيتام في حِجْري ؟ فقال رسول ال صلى ال
عليه وسلم ( لها أجران أجر الصدقة ،وأجر القرابة ) .
وسألته صلى ال عليه وسلم أسماء فقالت مالي مال إل ما أدخل على الزبير ،أفأتصدق ؟ فقال ( تصدقي ول تُوعِي
فيوعى عليك ) متفق عليه .
وسأله مملوك أتصدق من مال مولي بشيء ؟ فقال ( نعم والجْرُ بينكما نصفان ) ذكره مسلم .
وسأله صلى ال عليه وسلم عمر رضى ال عنه عن شراء َفرَس تصدق به ،فقال له (ل تشتره ،ول تُعدْ في صدقتك
وإن أعطاكه بدرهم؛ فإن العائد في هبته كالعائد في ق ْيئِه ) متفق عليه .
حقِرَنّ من المعروف شيئا ،ولو أن تعطي صلة الحبل ،ولو أن وسئل صلى ال عليه وسلم عن المعروف ،فقال ( ل َت ْ
تعطى شِسْع النعل ،ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي ،ولو أن تنحي الشيء من طريق الناس يؤذيهم ،ولو أن
طلْق ،ولو أن تلقى أخاك فتسلم عليه ،ولو أن تؤنس ال َوحْشَان في الرض ) ذكره أحمد . تلقى أخاك ووجهك اليه َ
فلله ما أجل هذه الفتاوى ،وما أحلها ،وما أنفعها ،وما أجمعها لكل خير ،فوال لو أن الناس صرفوا هممهم إليها
لغنتهم عن فتاوي فلن وفلن ،وال المستعان .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال إنى تصدقت على أمي بعَبْد وإنها ماتت ،فقال ( وجَبَتْ صدقتك ،وهو لك
بميراثك ) ذكره الشافعي .
وسألته صلى ال عليه وسلم امرأة فقالت إني تصدقت على أمي بجارية وإنها ماتت ،فقال ( وجَبَ أجرك ،ورَدّها
عليك الميراثُ ) ذكره مسلم .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال إن أمي توفيت ،أفينفعها إن تصدقت عنها ؟ قال ( نعم ) ذكره البخاري .
وسأله آخر فقال إن أمي افْ ُتِلتَتْ نفسها ،وأظنها لو تكلمت تصدقت ،فهل لها أجر إن تصدقت عنها ؟ قال ( نعم ) متفق
عليه .
وسأله صلى ال عليه وسلم آخر فقال إن أبي مات ولم يوص ،أفينفعه أن أتصدق عنه ؟ قال ( نعم ) ذكره مسلم .
وسأله صلى ال عليه وسلم حكيم بن حزام فقال يا رسول ال أمور كنت أتحنّثُ بها في الجاهلية من صلة وعتاقة
وصدقة ،هل لي فيها أجر ؟ قال ( أسْلمْتَ على ما سلف لك من خير ) متفق عليه .
125
www.dorar.net الدرر
السنية
وسألته صلى ال عليه وسلم عائشة رضى ال عنها عن ابن جُدْعَان ،وأنه كان في الجاهليه يَصِل الرحم ويطعم
المسكين ،فهل ذلك نافعه ؟ فقال ( ل ينفعه؛ إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين ) ذكره مسلم .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الغني الذي يحرم المسألة ،فقال ( خمسون درهما أو قيمتها من الذهب ) ذكره أحمد .
ول ينافى هذا جوابه للخر ( ما يغديه أو يعشيه ) فإن هذا غناء اليوم ،وذاك غناء العام بالنسبة إلى حال ذلك السائل،
وال أعلم .
وسأله صلى ال عليه وسلم عمر بن الخطاب رضى ال عنه وقد أرسل إليه بعطاء ،فقال أليس أخبرتنا أن خيرا لحدنا
أن ل يأخذ من أحد شيئا ،فقال ( إنما ذلك من المسألة ،فأما ما كان عن غير مسألة فإنما هو رزق رزقكه ال ) فقال
عمر والذي نفسي بيده ل أسأل أحدا شيئا ،ول يأتيني شيء من غير مسألة إل أخذته .ذكره مالك .
فتاوى تتعلق بالصوم
وسئل صلى ال عليه وسلم أي الصوم أفضل ؟ فقال ( شعبان لتعظيم رمضان ) قيل فأي الصدقة أفضل ؟ قال
( صدقة رمضان ) ذكره الترمذي ،والذي في الصحيح أنه سئل أي الصيام أفضل بعد شهر رمضان ؟ فقال ( شهر ال
الذي تَدْعُونه المحرم ) قيل فأي الصلة أفضل بعد المكتوبة ؟ قال ( الصلة في جَوْف الليل ) .
قال شيخنا ويحتمل أن يريد بشهر ال المحرم أول العام ،وأن يريد به الشهر الحرم ،وال أعلم .
وسألته صلى ال عليه وسلم عائشة رضى ال عنها فقالت يا رسول ال ،دخلت عليّ وأنتَ صائم ،ثم أكلت حَيْسا ،فقال
( نعم ،إنما منزلة من صام في غير رمضان أو قضى رمضان في التطوع بمنزلة رجل أخرجَ صدقة من ماله َفجَاد
منها بما شاء فأمضاه ،وبَخل بما شاء فأمسكه ) ذكره النسائي ،ودخل صلى ال عليه وسلم على أم هاني فشرب ،ثم
ناولها فشربت ،فقالت إني كنت صائمة ،فقال ( الصائم المتطوع أميرُ نفسه ،إن شاء صام ،وإن شاء أفطر ) ذكره
أحمد ،وذكر الدارقطني أن أبا سعيد صنع طعاما ،فدعا النبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه ،فقال رجل من القوم إني
طرْ وصُمْ يوما آخر مكانه ) صائم ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( صَ َنعَ لك أخوك طعاما وتكلّف لك أخوك ! أف ِ
وذكر أحمد أن حَفْصَة أ ْهدِيَتْ لها شاة ،فأكلت منها هي وعائشة ،وكانتا صائمتين ،فسألتا رسول ال صلى ال عليه
وسلم عن ذلك ،فقال ( أبدل يوما مكانه ) .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل ،فقال قد اشتكيت عيني ،أفأكتحل وأنا صائم ؟ قال ( نعم ) ذكره الترمذي ،وذكر
الدارقطني أنه سُئل أفريضة الوضوء من القَيء ؟ فقال ( ل ،لو كان فريضة لوجدته في القرآن ) وفي إسناد الحديثين
َمقَال .
وسأله صلى ال عليه وسلم عمر بن أبي سلمة ،أيقبْلُ الصائم ؟ فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ( سل هذه ) لم
سلمة ،فأخبرته أن رسول ال صلى ال عليه وسلم يفعل ذلك ،قال يارسول ال قد غفر ال لك ما تقدم من ذنبك وما
تأخر ،فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ( إنى لتقَاكم ل وأخشاكم له ) ذكره مسلم ،وعند المام أحمد أن رجل
قبّل امرأته وهو صائم في رمضان ،فوجد من ذلك َوجْدا شديدا ،فأرسل أمرأته فسألت أم سلمة عن ذلك ،فأخبرتها أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يفعله ،فأخبرت زوجها ،فزاده ذلك شرا ،وقال لسنا مثل رسول ال صلى ال عليه
وسلم ،إن ال يحل لرسوله ما شاء ،ثم رجعت امرأته إلى أم سلمة فوجدت عندها رسول ال صلى ال عليه وسلم ،
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( ما هذه المرأة ) فأخبرته أم سلمة ،فقال ( أل أخبرتيها أني أفعل ذلك ) قالت قد
أخبرتها ،فذهبت إلى زوجها فزاده ذلك شراً وقال لسنا مثل رسول ال صلى ال عليه وسلم إن ال يحل لرسوله ما
شاء ،فغضب رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال ( وال إنى لتقاكم ل وأعلمكم بحدوده ) ذكره مالك وأحمد
والشافعي رضى ال عنهم .وذكر أحمد أن شابا سأله فقال أقَبْلُ وأنا صائم ؟ قال ( ل ) وسأله شيخ أقبل وأنا صائم ؟
قال ( نعم ) ثم قال ( إن الشيخ يملك نفسه ) .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال يا رسول ال أ َكلْتُ وشربت ناسيا وأنا صائم ،فقال ( أطعمك ال وسقاك ) ذكره
أبو داود ،وعند الدارقطني فيه بإسناد صحيح ( أتّم صومك ،فإن ال أطعمك وسقاك ،ول قضاء عليك ) وكان أول يوم
من رمضان .
وسألته صلى ال عليه وسلم عن ذلك امرأة أ َكلَتْ معه فأمسكت ،فقال ( مَا َلكِ ؟ ) فقالت كنت صائمة فنسيت ،فقال ذو
اليدين الن بعد ما شبعت ؟ فقال صلى ال عليه وسلم ( أتمّي صومك؛ فإنما هو رزق ساقه ال إليك ) ذكره أحمد .
126
www.dorar.net الدرر
السنية
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الخيط البيض والخيط السود ،فقال ( هو بَيَاض النهار وسواد الليل ) ذكره النسائي .
ونهاهم عن الوصال و وَاصَل ،فسألوه عن ذلك ،فقال ( إني َلسْتُ كهيئتكم ،إنى يطعمني ربي ويسقيني ) متفق عليه .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال يا رسول ال تدركني الصلة وأنا جُنُب فأصوم ،فقال رسول ال صلى ال عليه
وسلم ( وأنا ُت ْدرِكني الصلة وأنا جنب فأصوم ) فقال َلسْتَ مثلنا يا رسول ال ،قد غفر ال لك ما تقدم من ذنبك وما
تأخر ،فقال ( وال إنى لرجو أن أكون أخشاكم ل وأعلمكم بما أتقي ) ذكره مسلم .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الصوم في السفر ،فقال ( إن شئت صمت وإن شئت أفطرت ) وسأله صلى ال عليه
وسلم حمزة بن عمرو فقال إنى أجد فيّ قوة على الصيام في السفر ،فهل علي جُنَاح ؟ فقال ( هي رخصة ال ،فمن أخذ
بها فحسن ،ومن أحب أن يصوم فل جناح عليه ) ذكرهما مسلم .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن تقطيع قضاء رمضان ،فقال ( ذلك إليك ،أرأيت لو كان على أحدكم دَيْنٌ قضى الدرهم
والدرهمين ،ألم يكن ذلك قضاء ؟ فال أحق أن يعفو ويغفر ) ذكره الدارقطني ،وإسناده حسن .
وسألته صلى ال عليه وسلم امرأة فقالت إن أمي ماتت وعليها صوم نذره ،أفأصوم عنها ؟ فقال ( أرأيت لو كان على
أمكِ دين فقضيته ،أكان يؤدي ذلك عنها ؟ ) قالت نعم ،قال ( فصُومي عن أمكِ ) متفق عليه؛ وعن أبي داود أن امرأة
ركبَتِ البحر ،فنذرت إن ال عزوجل نجاها أن تصوم شهرا ،فنجاها ال ،فلم تصم حتى ماتت ،فجاءت ابنتها أو أختها
إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فأمرها أن تصوم عنها .
وسألته صلى ال عليه وسلم حفصة فقالت إنى أصبحت أنا وعائشة صائمتين متطوعتين ،فأهدي لنا طعام فأفطرنا
ضيَا مكانه يوما ) ذكره أحمد ،ول ينافى هذا قوله ( الصائم المتطوع عليه ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( أقْ ِ
أمير نفسه ) فإن القضاء أفضل .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال هلكْتُ ،وقعت على أمرأتي وأنا صائم ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم
( هل تجد رقبة تعتقها ؟ ) قال ل ،قال ( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ ) قال ل ،قال ( هل تجد إطعام
ستين مسكينا ؟ ) قال ل ،قال ( اجلس ) فبينا نحن على ذلك إذ أتى النبي صلى ال عليه وسلم ب َف ْرقٍ فيه تمر ـ والفرق
علَى أفْ َقرَ مني يا رسول ال ؟ال ِمكْتَل الضخم ـ فقال ( أين السائل ؟ ) قال أنا ،قال ( خُذْ هذا فتصدق به ) فقال الرجل أ َ
فوال ما بين لَبَتيها ـ يريد الحرتين ـ أهل بيت أفقر من أهل بيتي ،فضحك النبي صلى ال عليه وسلم حتى َبدَتْ أنيابه،
ثم قال ( أطعمه أهلك ) متفق عليه .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل أي شهر تأمرني أن أصوم بعد رمضان ؟ فقال ( إن كنت صائما بعد رمضان فصم
المحرم ) فإنه شهر فيه تاب ال على قوم ،ويتوب فيه على قوم آخرين ) ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم يا رسول ال لم َن َركَ تصوم في شهر من الشهور ما تصوم في شعبان ؟ فقال ( ذاك شهر
يغفل الناس عنه بين رجب و رمضان ،وهو شهر ُت ْرفَع فيه العمال إلى رب العالمين ،فأحبّ أن يرفع عملي وأنا
صائم ) ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن صوم يوم الثنين ،فقال ( ذاك يوم ولدت فيه ،وفيه أنزل [ عليّ ] القرآن ) ذكره مسلم
.
وسأله صلى ال عليه وسلم أسامة فقال يا رسول ال إنك تصوم ل تكاد تفطر ،وتفطر حتى ل تكاد تصوم ،إل يومين
إن دخل في صيامك وإل صمتهما ،قال ( أي يومين ؟ ) قال يوم الثنين ويوم الخميس ،قال ( ذانكَ يومان تعرض
فيهما العمال على رب العالمين ،فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم ) ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم فقيل يا رسول ال إنك تصوم الثنين والخميس فقال ( إن يوم الثنين والخميس يغفر ال
فيهما لكل مسلم إل مهتجرين ،يقول حتى يصطلحا ) ذكره ابن ماجه .
وسئل صلى ال عليه وسلم يا رسول ال كيف بمن يصوم الدهر ؟ قال ( ل صام ول أفطر) أو قال ( لم يصم ولم
يفطر ) قال كيف بمن يصوم يومين ويفطر يوما ؟ قال ( ويطيق ذلك أحد ؟) قال كيف بمن يصوم يوما ويفطر يوما ؟
قال ( ذاك صوم داود عليه السلم ) قال كيف بمن يصوم يوما ويفطر يومين ؟ قال ( وددت أني طوقت ذلك ) ثم قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم ( ثلث من كل شهر و رمضان إلى رمضان هذا صيام الدهر كله ،صيام يوم عرفة
127
www.dorar.net الدرر
السنية
أحتسب على ال أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده ،وصيام يوم عاشوراء أحتسب على ال أن يكفر السنة التي
بعده ) ذكره مسلم .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل أصوم يوم الجمعة ول أكلم أحدا ؟ فقال ( ل تَصُمْ يوم الجمعة إل في أيام هو أحدها
أو في شهر ،وأما أن ل تكلم أحدا فلعمري أن تكلم بمعروف أو تنهى عن منكر خير من أن تسكت ) ذكره أحمد .
وسأله صلى ال عليه وسلم عمر رضى ال عنه فقال إنى نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما في المسجد الحرام،
فكيف ترى ؟ فقال ( اذهَبْ فاعتكف يوما ) .
فتاوى عن ليلة القدر
وسئل صلى ال عليه وسلم عن ليلة القدر ،أ في رمضان أو في غيره ؟ قال ( بل في رمضان ) فقيل تكون مع النبياء
ما كانوا فإذا قُبضوا ُر ِفعَتْ أم هي إلى يوم القيامة ؟ قال ( بل هي إلى يوم القيامة ) فقيل في أي رمضان هي ؟ قال
( ال َتمِسُوها في العَشْر الول ،أو في العشر الخر ) فقيل في أي العشرين ؟ قال ( ابتغوها في العشر الواخر ،ل
تسألني عن شيء بعدها ) فقال أقسمت عليك بحقي عليك لما أخبرتني في أي العشر هي ،فغضب غضبا شديدا وقال
( التمسوها في السبع الواخر ،ل تسألنّ عن شيء بعدها ) ذكره أحمد ،والسائل أبو ذر ،وعند أبي داود أنه صلى ال
عليه وسلم سئل عن ليلة القدر فقال ( في كل رمضان ) وسئل عنها أيضا فقال ( كم الليلة ؟) فقال السائل ثنتان
وعشرون ،فقال ( هي الليلة ) ثم رجع فقال ( أو القابلة ) يريد ثلثا وعشرين ،ذكره أبو داود .
وسأله صلى ال عليه وسلم عبد ال بن أنيس متى نلتمس هذه الليلة المباركة ؟ فقال ( التمسوها هذه الليلة ) وذلك مساء
ليلة ثلث وعشرين .
عفُ وسألته صلى ال عليه وسلم عائشة رضي ال عنها إن وافقتها فبمَ أدعو ؟ قال ( قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فا ْ
عني ) حديث صحيح .
فتاواه في مسائل الحج
فصل :وسألته صلى ال عليه وسلم عائشة رضي ال عنها فقالت نرى الجهاد أفضل العمال ،أفل نجاهد ؟ قال
( لكن أفضل الجهاد وأجمله حَجّ مبرور ) ذكره البخاري ،وزاد أحمد (هو لكنّ جهاد ) .
وسألته صلى ال عليه وسلم امرأة ما يعدلُ حجة معك ،فقال ( عمرة في رمضان ) ذكره أحمد ،وأصله في الصحيح .
ي حجة وإن لبي معقل َبكْرا ،فقال أبو معقل صدقَتْ قد عَل ّ
وسألته صلى ال عليه وسلم أم معقل فقالت يا رسول ال إن َ
عطِها فلتحُجّ عليه فإنه في سبيل ال ) فأعطاها ال َبكْر فقالت يا رسول ال إنى امرأة قد جعلته في سبيل ال ،فقال ( أ ْ
كبرت سني وسقمت ،فهل من عمل بجزئ عني من حجتي ؟ فقال ( عمرة في رمضان تجزئ عن حجة ) ذكره أبو
داود .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال إني أ ْكرِى في هذا الوجه ،وكان الناس يقولون ليس لك حج ،فسكت رسول ال
صلى ال عليه وسلم فلم يجبه حتى نزلت هذه الية ( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضل من ربكم ) [ البقرة ]198 :
فأرسل إليه رسول ال صلى ال عليه وسلم وقرأها عليه ،وقال ( َلكَ حج ) ذكره أبو داود .
شعِث التّفل ) قال ماوسئل صلى ال عليه وسلم أي الحج أفضل ؟ قال ( العَجّ والثّج ) فقيل ما الحاج ؟ قال ( ال ّ
السبيل ؟ قال ( الزاد والراحلة ) ذكره الشافعي .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن العمرة أواجبة هي ؟ فقال ( ل ،وأن تعتمر فهو أفضل ) قال الترمذي صحيح ،وعند
أحمد أن أعرابيا قال يا رسول ال أخبرني عن العمرة أواجبة هي ؟ فقال ( ل ،وأن تعتمروا خير لكم ) .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال إن أبي أدركه السلم وهو شَيْخ كبير ل يستطيع ركوب ال ّرحْل والحج مكتوب
علينا ،أفأحج عنه ؟ قال ( أنت أكبر َوَلدِه ؟ ) قال نعم ،قال ( أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه ،كان ذلك
يجزيء عنه ؟) قال نعم ،قال ( فحج عنه ) ذكره أحمد .
وسأله صلى ال عليه وسلم أبو رزين فقال أبي شيخ كبير ل يستطيع الحج ول العمرة ول الظعن ،فقال له ( حُجّ عن
أبيك واعتمر ) قال الدارقطنى رجال إسناده كلهم ثقات .
وسأله رجل فقال إن أبي مات ولم يحج ،أفأحج عنه ؟ فقال ( أرأيت إن كان على أبيك دَيْنٌ ،أكنت قاضيه ؟ ) قال نعم
[قال ] ( فدَيْنُ ال أحق ) ذكره أحمد .
128
www.dorar.net الدرر
السنية
وسألته صلى ال عليه وسلم امرأة فقالت إن أمي ماتت ولم تحج ،أفأحج عنها ؟ قال ( نعم ،حُجّى عنها ) حديث
صحيح ،وعند الدارقطني أن رجل سأله قال هلك أبي ولم يحج ،قال ( أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أيقبل
منك ) قال نعم ،قال ( فاحْجُجْ عنه ) وهو يدل على أن السؤال والجواب إنما كانا عن القبول والصحة ،ل عن
الوجوب ،وال أعلم .
حجَجْتَ عن نفسك ؟ ) قال ل ،قال ( وأفتى صلى ال عليه وسلم رجل سمعه يقول لب ْيكَ عن شبرمة ،قريب له ،فقال ( أ َ
حجّ عن نفسك ثم حج عن شبرمة ) ذكره الشافعي وأحمد رحمهما ال تعالى .
وسألته امرأة عن صبي َرفَعته إليه فقالت ألهذا حج ؟ قال ( نعم ،ولك أجر ) ذكره مسلم .
وسأله رجل فقال إن أختي نَ َذرَتْ أن تحج وإنها ماتت ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم ( لو كان عليها دين أ ُكنْتَ
قاضِيَه ) قال نعم ،قال ( فاقض ال فهو أحق بالقضاء ) متفق عليه .
وسئل ما يلبس المحرم في إحرامه ؟ فقال ( ل يلبس القميص ،ول العمامة ول البر ُنسَ ،ول السراويل ،ول ثوبا مَسّه
َورْس ول زعفران ،ول الخفين إل أن ل يجد نعلين فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين ) متفق عليه .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل عليه جُبّة وهو متضمخ بالخَلوق ،فقال أحرمْتُ بعمرة وأنا كما ترى ،فقال ( انزع
عنك الجبة ،واغسل عنك الصفرة ) متفق عليه ،وفي بعض طرقه ( واصنع في عمرتك ما تصنع في حجتك ) .
وسأله صلى ال عليه وسلم أبو قتادة عن الصيد الذي صاده وهو حلل فأكل أصحابه منه وهم ُمحْرمون ،فقال ( هل
معكم منه شيء ؟ ) فناوله العَضُد فأكلها وهو محرم ،متفق عليه .
وسئل صلى ال عليه وسلم عما يقتل المحرم ،فقال ( الحية ،والعقرب ،والفويسقة ،والكلب العقور ،والسبع العادي )
زاد أحمد ( ويرمى بالغُراب ول يقتل ) .
ضبَاعة بنت الزبير فقالت إنى أريد الحج ،وأنا شاكية ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم وسألته صلى ال عليه وسلم ُ
( حُجّي واشترطي أن محلي حيث حبستني ) ذكره مسلم ،واستفتته أم سلمة في الحج وقالت إنى أشتكي ،فقال ( طوفي
من وراء الناس وأنت راكبة ) .
حجْر فإنه من البيت ) . وسألته صلى ال عليه وسلم عائشة فقالت يا رسول ال أل أدخل البيت ،فقال ( ادخلى ال ِ
عرْوة بن مُضْرس فقال يا رسول ال جئت من جَبَلي طى ،أ ْذَللْتُ مطيتى ،وأتعبت واستفتاه صلى ال عليه وسلم ُ
نفسي ،وال ما تركت من جبل إل وقفت عليه ،هل لي من حج ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( مَن أدرك معنا
هذه الصلة ـ يعنى صلة الفجر ـ وأتى عرفات قبل ذلك ليل أو نهارا تمّ حجه وقضى َتفَثه ) حديث صحيح .
واستفتاه صلى ال عليه وسلم ناسٌ من أهل نجد فقالوا يا رسول ال كيف الحج ؟ فقال ( الحج عرفة ،فمن جاء قبل
صلة الفجر تَمّ حجّه ،ومن تأخر فل إثم عليه ،ثم أردف رجل خلفه ينادي بهن ) ذكره أحمد .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح ،فقال ( اذبح و لحرج ) وسأله صلى ال عليه
وسلم آخر فقال ( لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي ،فقال ( ارْمِ ول حرج ) فما سئل النبي صلى ال عليه وسلم عن شئ
قدّم ول أخر إل قال ( ا ْفعَلْ ول حرج ) متفق عليه ،وعند أحمد ( فما سئل يومئذ عن أمر مما ينسي المرء أو يجهل من
تقديم بعض المور على بعض وأشباهها إل قال ( ا ْفعَلْ و لحرج ) وفي لفظ حلقت قبل أن أنحر ،قال ( اذبح ول
حرج ) وسأله صلى ال عليه وسلم آخر قال حلقت ولم أرْمِ قال ( ارْمِ ول حرج ) وفي لفظ أنه سُئل عمن ذَبَحَ قبل أن
يحلق أو حلق قبل أن يذبح قال ( ل حرج ) وقال كان الناس يأتونه فمن قائل يا رسول ال سعيت قبل أن أطوف،
عرْضَ مسلم وهو ظالم ،فذلك الذي حرج وأخرت شيئا وقدمت شيئا ،فكان يقول ( ل حرج إل على رجل اقترض ِ
وهلك ) ذكره أبو داود .
طعِم ستة وأفتى صلى ال عليه وسلم كعب بن عجرة أن يحلق رأسه وهو محرم لذى القمل أن ينسك بشاة ،أو ُي ْ
مساكين ،أو يصوم ثلثة أيام .
وأفتى صلى ال عليه وسلم من أهدى بدنه أن يركبها ،متفق عليه .
وسأله صلى ال عليه وسلم ناجية الخزاعى ما يصنع بما عطب من الهدي ؟ فقال ( انحرها ،واغمس َنعْلها في دمها،
صفَحاتها ،وخلّ بينها وبين الناس فيأكلوها ،ول يأكل منه هو ول أحد من أهل رفقته ) . واضرب به ْ
129
www.dorar.net الدرر
السنية
وسأله عمر فقال إنى أهديت نجيبا ،فأعطيتْ بها ثلثة مائة دينار ،فأبيعها فأشتري بها ُبدْنًا ؟ فقال رسول ال صلى ال
عليه وسلم ( ل ،انحرها إياها ) .
سّنةُ أبيكم إبراهيم صلة ال وسلمه عليه ) قال وسأله صلى ال عليه وسلم زيد بن أرقم ما هذه الضاحي ؟ فقال ( ُ
شعَرةٍ من الصوف حسنة ) ذكره فما لنا منها ؟ قال ( بكل شعرة حسنة ) قالوا يا رسول ال فالصوف ؟ قال ( بكل َ
أحمد .
وسأله صلى ال عليه وسلم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم ال وجهه عن يوم الحج الكبر ،فقال ( يوم النحر )
ذكره الترمذي ،وعند أبي داود بإسناد صحيح أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ( َو َقفَ يوم النحر بين الجمرات في
الحجة التي حَجّ فيها ،فقال أي يوم هذا ؟ قالوا يوم النحر ،فقال هذا يوم الحج الكبر ) وقد قال تعالى ( وأذان من ال
ورسوله إلى الناس يوم الحج الكبر أن ال بريء من المشركين ورسوله ) [ التوبة ] 3 :وإنما أذّنَ المؤذن بهذه
البراءة يوم النحر ،وثبت في الصحيح عن أبي هريرة أنه قال يوم الحج الكبر يوم النحر .
فسخ الحج إلى العمرة
وأفتى صلى ال عليه وسلم أصحابه بجواز َفسْخهم الحجّ إلى العمرة ،ثم أفتاهم باستحبابه ،ثم أفتاهم بفعله حتما ،ولم
ينسخه شئ بعده ،وهو الذي نَدِينُ ال به أن القول بوجوبه أقوى وأصح من القول بالمنع منه ،وقد صح عنه صحة ل
شك فيها أنه قال ( مَنْ لم يكن أهدى فليهلّ بعمرة ،ومن كان أهدى فليهل بحج مع عمرة ) وأما ما فعله هو فإنه صح
عنه أنه قرَنَ بين الحج والعمرة من بضعة وعشرين وجها .رواه عنه ستة عشر نفسا من أصحابه ،ففعَلَ القِران ،وأمر
سقِ الهدي ،وهذا من فعله وقوله كأنه رأي عين ،وبال التوفيق . بفعله مَنْ ساق الهدي ،وأمر بفسخه إلى التمتع من لم يَ ُ
عن المنيحة
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل أرأيت إن لم أجدْ إل منيحة أنثى ،أفأضحى بها ؟ قال ( ل ،ولكن خذ من شعرك
وأظفارك ،و ُقصّ شار َبكَ ،وتحلق عانتك ،وذلك تمام أضحيتك عند ال ) ذكره أبو داود .والمنيحة الشاة التي أعطاه
إياها غيره لينتفع بلبنها ،فمنعت من التضحية بها بأنها ليست ملكه ،وإن كان قد منحها هو غيره وقتا معلوما لزم الوفاء
له بذلك فل يضحي بها أيضا .
عن الضحية
وأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم سبعة من أصحابه كانوا معه فأخرج كلّ واحد منهم درهما فاشتروا أضحية،
غَليْنا بها ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم ( إن أفضل الضحايا أغلها وأسمنها ) فأمر رسول فقالوا يا رسول ال لقد أ ْ
ال صلى ال عليه وسلم فأخذ َرجُل برجْل ،و َرجُل ب ِرجْلٍ ،ورجل بيد ،ورجل بيد ،ورجل بقرن ،ورجل بقرن ،وذبحها
السابع ،وكبروا عليها جميعا ،ذكره أحمد ،نزل هؤلء النفر منزلة أهل البيت الواحد في إجزاء الشاة عنهم؛ لنهم كانوا
ُرفْقة واحدة .وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال إن عليّ بَدَنة وأنا موسر بها ول أجِدُها فأشتريها ،فأفتاه النبي
سبْعَ شياه فيذبحهن ،ذكره أحمد رحمه ال تعالى . صلى ال عليه وسلم أن يبتاع َ
وسأله صلى ال عليه وسلم زيد بن خالد عن جَذَع من المعز ،فقال ( ضَحّ به ) ذكره أحمد .
وسأله صلى ال عليه وسلم أبو بردة بن نيار عن شاة ذبحها يوم العيد فقال ( أقبْلَ الصلة ؟) قال نعم ،قال ( تلك شاة
لحم ) قال عندي عَنَاق جَذعة هي أحب إليّ من مُسِنة ،قال ( تجزئ عنك ،ولن تجزئ عن أحد بعدك ) ذكره أحمد،
وهو صحيح صريح في أن الذبح قبل الصلة ل يجزئ ،سواء دخل وقتها أو لم يدخل ،وهذا الذي َندِين ال به قطعا،
ول يجوز غيره .
وفي الصحيحين من حديث جندب بن سفيان ال َبجَلي عنه صلى ال عليه وسلم ( من كان ذبح قبل أن يصلي فليذبح
مكانها أخرى ،ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسْم ال ) .
وفي الصحيحين من حديث أنس عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال ( من كان ذبح قبل الصلة َفلْ ُيعِد ) ول قول لحد مع
رسول ال صلى ال عليه وسلم .
130
www.dorar.net الدرر
السنية
عن الصلة في بيت المقدس
وسأله صلى ال عليه وسلم أبو سعيد فقال اشتريت كبْشا أضَحي به فعدا الذئبُ فأخذ ألْيَته ،فقال ( ضَحّ به ) ذكره أحمد
.
وأفتى صلى ال عليه وسلم من أراد الخروج إلى بيت المقدس للصلة أن يصلي في مكة ذكره أحمد .
وسأله صلى ال عليه وسلم آخر يوم فتح مكة ،فقال إنى نذرْتُ إن فتح ال عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ،فقال
( صَلّ ههنا ) ثم سأله فقال ( شأ َنكَ إذا ) ذكره أبو داود .
وسأله صلى ال عليه وسلم أبو ذر أي مسجد وُضِع في الرض أول ؟ قال ( المسجد الحرام ) قال ثم أي ؟ قال
( المسجد القصى ) قال كم بينهما ؟ قال ( أربعون عاما ) متفق عليه .
وسئل صلى ال عليه وسلم أيّ المسجدين أسس على التقوى ؟ قال ( مسجدكم هذا ) يريد مسجد المدينة ،ذكره مسلم،
وزاد المام أحمد ( وفي ذلك خير كثير ) يعنى مسجد قباء .
في بيان فضل بعض سور القرآن
فصل :وسئل أي آية في القرآن أعظم ؟ فقال ( ال ل إله إل هو الحي القيوم ) [ البقرة ]255 :ذكره أبو داود .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال ضربْت خِبائي على قبر وأنا ل أحسب أنه قبر ،فإذا قبر إنسان يقرأ سورة
الملك حتى ختمها ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم ( هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر ) ذكره الترمذي،
وقال ابن عبدالبر هو صحيح .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال أ ْقرِئْنِي سورة جامعة ،فأقرأه ( إذا زلزلت الرض ) حتى فرغ منها ،فقال
الرجل والذي بعثك بالحق ل أزيد عليها أبدا ،ثم أدبر الرجل فقال النبي صلى ال عليه وسلم ( أ ْفلَحَ الرّوَ ْيجَلُ ) مرتين،
ذكره أبو داود .
خلَك الجنة ) . وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال إنى أحب سورة ( قل هو ال أحد ) فقال ( حِ ّبكَ إياها أد َ
وقال له عقبة بن عامر أقرأ سورة هود وسورة يوسف ؟ فقال ( لن تقرأ شيئا أ ْبلَغَ عند ال من ( قل أعوذ برب الفلق )
و ( قل أعوذ برب الناس ) ذكره النسائي .
عن بعض العمال و فضلها
وفي الترمذي عنه أنه سئل صلى ال عليه وسلم أي العمال أحب إلى ال ؟ قال ( الحالّ المرتحل ) وفهم بعضهم من
هذا أنه كلما َفرَغ من خَتْم القرآن قرأ فاتحة الكتاب وثلث آيات من سورة البقرة؛ لنه حَلّ بالفراغ وارتحل بالشروع،
غزَاة
وهذا لم يفعله أحد من الصحابة ول التابعين ،ول استحبه أحد من الئمة ،والمراد بالحديث الذي كلما حلّ من َ
ارتحل في أخرى ،أو كلما حل من عمل ارتحل في غيره تكميل له كما كمل الول ،وأما هذا الذي يفعله بعض القراء
فليس مراد الحديث قطعا ،وبال التوفيق .
وقد جاء تفسير الحديث متصل به أن يضرب من أول القران إلى آخره ،كلما حل ارتحل ،وهذا له معنيان ،أحدهما أنه
كلما حلّ من سورة أو جزء ارتحل في غيره ،والثاني أنه كلما حلّ من ختمة ارتحل في أخرى .
وسئل عن أهل ال مَن هم ؟ فقال ( هم أهل القرآن أهل ال وخاصته ) ذكره أحمد .
وسأله صلى ال عليه وسلم عبد ال بن عمرو بن العاص ،في كم أقرأ القرآن ؟ فقال ( في شهر ) فقال أطيق أفضل
من ذلك ،فقال ( في عشرين ) فقال أطيق أفضل من ذلك ،فقال ( في خمس عشرة ) فقال أطيق أفضل من ذلك ،قال
( في عشر ) فقال أطيق أفضل من ذلك ،قال ( في خمس ) قال أطيق أفضل من ذلك ،قال ( ل يفقه القرآن من قرأه في
أقل من ثلث ) ذكره أحمد .
واختلف رجلن في آية كل منهما أخَذَها عن رسول ال صلى ال عليه وسلم فسأله عنها ،فقال لكل منهما ( هكذا
أنزلت ) ثم قال ( أنزل القرآن على سبعة أحرف ) متفق عليه .
وسئل صلى ال عليه وسلم أي المجاهدين أعظم أجرا ؟ قال ( أكثرهم ذكرا ل ) قيل فأي الصائمين أعظم أجرا ؟ قال
( أكثرهم ل ذكرا ) ثم ذكر الصلة والزكاة والحج والصدقة كل ذلك يقول ( أكثرهم ل ذكرا ) فقال أبو بكر لعمر
رضى ال عنهما ذهب الذاكرون بكل خير ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( َأجَلْ ) ذكره أحمد .
131
www.dorar.net الدرر
السنية
وسئل صلى ال عليه وسلم عن المفردين الذين هم أهل السّبّق ،فقال ( الذاكرون ال كثيرا ) وفي لفظ ( المشتهرون
بذكر ال ،يَضَعُ الذكر عنهم أثقالهم فيأتون يوم القيامة خفافا ) ذكره الترمذي .
وسئل عن رياض الجنة ،فقال ( حلق الذكر ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن أهل الكرم الذين يقال لهم يوم القيامة سيعلم أهل الجمع من أهل الكرم ،فقال ( هم أهل
الذكر في المساجد ) ذكره أحمد .
وسئل عن غنيمة مجالس الذكر ،فقال ( غنيمة مجالس الذكر الجنة ) ذكره أحمد .
جعَة منهم ،فقال ( أدُلكم على قوم غزَوْا فقالوا ما رأينا أفْضَل غنيمة ول أسرع َر ْوسئل صلى ال عليه وسلم عن قوم َ
شهِدوا صلة الصبح ثم جلسوا يذكرون ال حتى طلعت الشمس ،فأولئك أسرع أفضل غنيمة منهم ،وأسرع رجعة ،قوم َ
رجعة وأفضل غنيمة ) ذكره الترمذي .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن خيار الناس ،فقال ( الذين إذا رؤوا ِذ ْكرَ ال ) ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن خير العمال وأزكاها عند ال وأرفعها في الدرجات ،فقال ( ذكر ال ) ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم أي الدعاء أسمع ؟ فقال ( جوف الليل الخر ،ودبر الصلوات المكتوبات ) ذكره أحمد،
سلُوا ال العافية في الدنيا والخرة ) وقال ( الدعاء بين الذان والقامة ل ُيرَدّ ) قالوا فماذا نقول يا رسول ال ؟ قال ( َ
ذكره الترمذي .
وسئل صلى ال عليه وسلم بأي شئ يختم الدعاء ؟ فقال ( بآمين ) ذكره أبو داود .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن تمام النعمة ،فقال ( الفَ ْوزُ بالجنة والنجاة من النار ) ذكره الترمذي ،فنسأل ال تمام
نعمته بالفوز بالجنة والنجاة من النار .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الستعجال المانع من إجابة الدعاء ،فقال ( يقول قد دعوت ،قد دعوت فلم يستجب لي،
عطَ شيئا ) .فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء ) ذكره مسلم ،وفي لفظ ( يقول قد سألت ،قد سألت فلم أُ ْ
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الباقيات الصالحات ،فقال ( التكبير والتّهليل والتّسبيح والتحميد ،ول حول ول قوة إل
بال ) ذكره أحمد .
وسأله صلى ال عليه وسلم الصديق رضى ال عنه أن ُيعَلمه دعاء يَدْعُو به في صلته ،فقال ( قل اللهم إني ظلمت
نفسي ظلما كثيرا ،ل يغفر الذنوب إل أنت ،فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني ،إنك أنت الغفور الرحيم ) متفق عليه
.
وسأله صلى ال عليه وسلم العرابي الذي علمه أن يقول ل إله إل ال وحده ل شريك له ،ال أكبر كبيرا ،والحمد ل
كثيرا ،وسبحان ال رب العالمين ،ول حول ول قوة إل بال العزيز الحكيم فقال هذا لربي فما لي ؟ فقال ( قل اللهم
اغفر لي وارحمني وأهدني وأرزقني وعافني؛ فإن هؤلء تجمع لك دنياك وآخرتك ) ذكره مسلم .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن رياض الجنة ،فقال ( المساجد ) ،فسئل صلى ال عليه وسلم عن الرتْعِ فيها ،فقال
( سبحان ال ،والحمد ل ،ول إله إل ال ،وال أكبر ) ذكره الترمذي .
واستفتاه صلى ال عليه وسلم رجل فقال ل أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا فعلّمني ما يجزيني ،قال ( قل سبحان ال
والحمد ل ول إله إل ال وال أكبر ول حول ول قوة إل بال ) قال يا رسول ال هذا ل ،فما لي ؟ قال ( قل اللهم
ارحمني وعافني واهدني وارزقني ) فقال هكذا بيده وقبضها ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( أما هذا فقد مل
يده من الخير ) ذكره أبو داود .
ومر صلى ال عليه وسلم بأبي هريرة وهو يغرس غرسا ،فقال ( أل أدلك على غِراس خير لك من هذا ،سبحان ال
والحمد ل ول إله إل ال وال أكبر ،يغرس لك بكل واحدة شجرة في الجنة ) ذكره ابن ماجه .
وسئل صلى ال عليه وسلم كيف يكسب أحدنا كل يوم ألف حسنة ؟ قال ( يسبح مئة تسبيحة يكتب له ألف حسنة أو
يحط عنه ألف خطيئة ) ذكره مسلم .
وأفتى صلى ال عليه وسلم من قال له لَدَغتنْي عقرب بأنه لو قال حين أمسى ( أعوذ بكلمات ال التامات من شر ما
خلق ) لم تضره ،ذكره مسلم .
132
www.dorar.net الدرر
السنية
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل أن يعلمه تعوذا يتعوذ به ،فقال ( قل اللهم إنى أعوذ بك من شر سمعي وشر بصري
وشر لساني وشر قلبي وشر منِيي ،يعني الفرج ) ذكره النسائي .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن كيفية الصلة عليه ،فقال ( قولوا اللهم صل على محمد و على آل محمد كما صليت
على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد ،وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل
إبراهيم؛ إنك حميد مجيد ) متفق عليه .
وقال له صلى ال عليه وسلم معاذُ :يا رسول ال أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويُبَاعدني من النار ،قال ( لقد سألتَ عن
عظيم ،وإنه َليَسير على مَن يَسّره ال عليه ،تعبد ال ول تشرك به شيئا ،وتقيم الصلة ،وتؤتي الزكاة ،وتصوم
رمضان ،وتحج البيت ) ثم قال ( أل أدلك على أبواب الخير ) قلت بلى يا رسول ال ،قال ( الصوم جُنّة ،والصدقة
عمُوده و ِذرْوَة ُتطْفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ،وصلة الرجل في جوف الليل ) ثم قال ( أل أخبرك برأس المر و َ
لكِ ذلك سنامه ،رأس المر السلم ،وعَموده الصلة ،وذروة سنامه الجهاد في سبيل ال ) ثم قال ( أل أخبرك بمِ َ
كله ) قلت بلى يا رسول ال ،قال ( ُكفّ عليك هذا ) وأشار إلى لسانه ،قلت يا رسول ال وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟
فقال ( ثكلتك أمك يا معاذ ،وهل َيكُبّ الناسَ في النار على وجوههم إل حَصَائد ألسنتهم ) حديث صحيح .
وسأله صلى ال عليه وسلم أعرابي فقال ُدلّني على عمل إذا عملته دخلت الجنة ،قال ( تعبد ال ل تشرك به شيئا،
وتقيم الصلة المكتوبة ،وتؤدي الزكاة المفروضة ،وتصوم رمضان ) فقال والذي نفسي بيده ل أزيد على هذا ول
سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا ) أنقص منه ،فلما ولى قال النبي صلى ال عليه وسلم ( مَنْ َ
متفق عليه .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل آخر فقال أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويبعدني من النار ،فقال ( تعبد ال ول تشرك
به شيئا ،وتقيم الصلة ،وتؤدي الزكاة ،وتَصِل الرحم ) متفق عليه .
صرْتَ الخطبة لقد أعرضت المسألة ،أعْ ِتقْ النّسَمة، علّمني عمل يدخلني الجنة ،فقال ( لئن كنت أقْ َ وساله أعرابي فقال َ
ع ْتقُ النّسَمة أن تنفرد بعتقها ،وفك الرقبة أن ُتعِينَ في عتقها ،والمنحة
و ُفكّ الرقبة ) قال أوليسا واحدا ؟ قال ( لِ ،
الوكوف ،وال َفيْء على ذي الرحم الظالم ،فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع ،واسْق الظمآن ،وأمر بالمعروف ،وأنْه عن
طقْ ذلك فكفّ لسانك إل من خير ) ذكره أحمد . المنكر ،فإن لم ُت ِ
سلَم قلبك ل ،وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك ) قال وسأله صلى ال عليه وسلم رجل ما السلم ؟ فقال ( أن َي ْ
فأي السلم أفضل ؟ قال ( اليمان ) قال وما اليمان ؟ قال ( تؤمن بال وملئكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت )
قال فأي اليمان أفضل ؟ قال ( الهجرة ) قال وما الهجرة ؟ قال ( أن تهجر السوء ) قال فأي الهجرة أفضل ؟ قال
( الجهاد ) قال وما الجهاد ؟ قال ( أن تقاتل الكفار إذا لقيتهم ) قال فأي الجهاد أفضل ؟ قال ( مَنْ عقر جواده و أهريق
دمه ،ثم عملن هما أفضل العمال إل من عمل بمثلهما ،حجة مبرورة أو عمرة ) ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم أي العمال أفضل ؟ فقال ( اليمان بال وحده ،ثم الجهاد ،ثم حجة مبرورة تفضل سائر
العمل كما بين مطلع الشمس ومغربها ) ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم أيضا أي العمال أفضل ؟ فقال ( أن تحب ل ،وتبغض ل ،وتعمل لسانك في ذكر ال )
قال السائل وماذا يا رسول ال ؟ قال (أن تحب للناس ما تحب لنفسك ،وأن تقول خيرا أو تصمت) .
واختلف نفر من الصحابة في أفضل العمال؛ فقال بعضهم سقاية الحاج ،وقال بعضهم عمارة المسجد الحرام ،وقال
بعضهم الحج ،وقال بعضهم الجهاد في سبيل ال ،فاستفتى عمر في ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم فأنزل ال عز
وجل ( أجعلتم سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بال واليوم الخر وجاهد في سبيل ال ؟ ل يستوون عند
ال ،وال ل يهدي القوم الظالمين ) إلى قوله تعالى ( وأولئك هم الفائزون ) [ التوبة . ]20-19 :
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل ،فقال يا رسول ال ،شهدت أن ل إله إل ال وأنك رسول ال ،وصليت الخمس،
وأديت زكاة مالي ،وصمت شهر رمضان ،فقال ( مَنْ مات على هذا كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة
هكذا ) ونصب أصابعه ( ما لم َي ُعقّ والديه ) ذكره أحمد .
وسأله صلى ال عليه وسلم آخر ،فقال أرأيت إذا صليت المكتوبة وصمت رمضان وأحللت الحلل وحرمت الحرام
ولم أزد على ذلك شيئا ،أدخل الجنة ؟ قال ( نعم ) قال وال ل أزيدن على ذلك شيئا ،ذكره مسلم .
133
www.dorar.net الدرر
السنية
وسئل صلى ال عليه وسلم أي العمال خير ؟ قال ( أن تطعم الطعام وتقرأ السلم على مَنْ عرفت ومَن لم تعرف )
متفق عليه .
وسأله صلى ال عليه وسلم أبو هريرة ،فقال إني إذا رأي ُتكَ طابت نفسي و َقرْت عيني ،فأنبئني عن كل شيء ،فقال
( كل شيء خلق من ماء ) قال أنبئني عن أمر إذا أخذت به دخلت الجنة ،قال ( أفش السلم ،وأطعم الطعام ،وصِلِ
الرحام ،وقم بالليل والناس نيام ،ثم أ ْدخُلِ الجنة بسلم ) ذكره أحمد .
سحْ رأس ك فأطعم المسكين وامْ َ سوَة قلبه ،فقال ( إذا أردت أن َيلِينَ قل ُب َ
وسأله صلى ال عليه وسلم آخر فشكا إليه قَ ْ
اليتيم ) .
جهْدُ ال ُمقِل ) فيل
وسئل صلى ال عليه وسلم أي العمال أفضل ؟ قال ( طول القيام ) قيل فأي الصدقة أفضل ؟ قال ( َ
جرَ ما حرم ال عليه ) قيل فأي الجهاد أفضل ؟ قال ( من جاهد المشركين بماله فأي الهجرة أفضل ؟ قال ( من َه َ
عقِر جواده ) ذكره أبو داود . ونفسه ) قيل فأي القتل أشرف ؟ قال ( من أهريقَ دمُه و ُ
غلُولَ فيه ،وحج مبرور ) . وسئل صلى ال عليه وسلم أي العمال أفضل ؟قال ( إيمان ل شك فيه ،وجهاد ل ُ
وسأله صلى ال عليه وسلم أبو ذر فقال من أين أتص ّدقُ وليس لي مال ؟ قال ( إن من أبواب الصدقة التكبير ،وسبحان
ال ،والحمد ل ،ول إله إل ال ،وأستغفر ال ،وتأمر بالمعروف ،وتنهي عن المنكر ،و َت ْعزِل الشوكة عن طريق الناس
علَى حاجة له قد علمت مكانها، والعظم والحجرَ ،وتهدي العمى ،وتسمع الصم والبكم حتى يفقه ،وتدل المستدل َ
وتسعى بشدة ساقيك إلى الّل ْهفَان المستغيث ،وترفع بشدة ذراعيك مع الضعيف ،كل ذلك من أبواب الصدقة منك على
نفسك ،ولك من جماعك لزوجتك أجر ) فقال أبو ذر فكيف يكون لي أجر في شهوتي ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه
خلَقه،ت أجره فمات أكُنْتَ تحتسب به ؟ ) قلت نعم ،قال ( أنت خلقته ) قلت بل ال َ وسلم ( أرأيت لو كان لك ولد و َرجَوْ َ
ضعْه في حلله قال ( فأنت هديته ) قلت بل ال هداه ،قال ( فأنت كنت ت َر َزقْه ) قلت بل ال كان يرزقه ،قال ( فكذلك فَ َ
وجَنّبه حرامه ،فإن شاء ال أحياه وإن شاء أماته ،فلك أجره ) ذكره أحمد .
وسأل صلى ال عليه وسلم أصحابه يوما ( من أصبح منكم اليوم صائما ؟ ) قال أبو بكر أنا ،قال ( من اتبع منكم اليوم
جنازة ؟) قال أبو بكر أنا ،قال ( من أطعم منكم اليوم مسكينا ؟ ) قال أبو بكر أنا ،قال ( فمن عاد منكم اليوم مريضا ؟)
قال أبو بكر أنا ،قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( ما اجتمعن في رجل إل دخل الجنة ) ذكره مسلم .
عجَبه ،فقال ( له أجران أجر وسئل صلى ال عليه وسلم يا رسول ال الرجل يعمل العمل فيستره فإذا اطّلع عليه أ ْ
السر ،وأجر العلنية ) ذكره الترمذي .
حمَده الناس عليه ،قال ( تلك وسأله صلى ال عليه وسلم أبو ذر يا رسول ال أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير َي ْ
شرَى المؤمن ) ذكره مسلم . عاجل ُب ْ
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل أي العمل أفضل ؟ فقال ( اليمان بال ،وتصديق به ،وجهاد في سبيله ) قال أريد
أهْوَن من ذلك يا رسول ال ،قال ( السماحة والصبر ) قال أريد أهون من ذلك ،قال ( ل تتهم ال تعالى في شيء قضى
لك ) ذكره أحمد .
عرِضْ حرَمك ،وأ ْ عطِ مَنْ َ
وسأله صلى ال عليه وسلم عقبة عن فَوَاضل العمال ،فقال ( يا عقبة صِل من َقطَعك ،وأ ْ
عمن ظلمك ) ذكره أحمد .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل كيف لي أن أعلم إذا أحسنت أني قد أحسنت وإذا أسأت أني قد أسأت ؟ فقال ( إذا قال
جيرانك إنك قد أحسنت فقد أحسنت ،وإذا قالوا قد أسأت فقد أسأت ) ذكره ابن ماجه .وعند المام أحمد ( إذا سمعتهم
يقولون قد أحسنت فقد أحسنت ،وإذا سمعتهم يقولون قد أسأت فقد أسأت ) .
فتاوى عن الكسب وبعض العمال
وسئل صلى ال عليه وسلم أي الكسب أطيب قال عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور ذكره أحمد
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل ،فقال إن لي مال وولدا ،وإن أبي يريد أن يجتاح مالي ،قال ( أنت ومالك لبيك ،إن
أطيب ما أكلتم من كسبكم ،وإن أولدكم من كسبكم ،فكلوه هنيئا ) ذكره أبو داود وأحمد .
وسألته صلى ال عليه وسلم امرأة ،فقالت إنا كَلّ على آبائنا وأبنائنا وأزواجنا ،فما يحل لنا من أموالهم ؟ قال ( الرطَبُ
تأكلينه وتهدينه ) ذكره أبو داود ،وقال عقبة الرطب يعني به ما يفسد إذا بقي .
134
www.dorar.net الدرر
السنية
حقّ ما أخذتم عليه أجرا كتاب ال ) ذكره وسئل صلى ال عليه وسلم إنا نأخذ على كتاب ال أجرا ،فقال ( إن أ َ
البخاري في قصة ال ّرقْية .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن أموال السلطان ،فقال (ما أتاك ال منها من غير مسألة ول إشراف ف ُك ْلهُ وتموّله )
ذكره أحمد .
ط ِعمْه رقيقك ) ذكره مالك .
ضحَك ،وأ ْ عِلفْه نا ِ
وسئل صلى ال عليه وسلم عن أجرة الحجام ،فقال ( أ ْ
عسْب ال َفحْل ،فنهاه ،فقال إنا نطرق الفحل فنكرم ،فرخص له في الكرامة، وسأله صلى ال عليه وسلم رجل عن َ
حديث حسن ،ذكره الترمذي
ونهىعن القُسَامة بضم القاف ،فسئل عنها فقال ( الرجل يكون على الفئام من الناس فيأخذ من حظ هذا وحظ هذا )
ذكره أبو داود .
سقْي الماء ) .وسئل صلى ال عليه وسلم أي الصدقة أفضل ؟ قال ( َ
وسألته صلى ال عليه وسلم امرأة فقالت يا رسول ال إني أحب الصلة معك ،فقال ( قد علمت أنك تحبين الصلة
جرَتك ،وصلتك في حجرتك خير من صلتك في دارك ،وصلتك حْ معي ،وصلتك في بيتك خير من صلتك في ُ
في دارك خير من صلتك في مسجد قومك ،وصلتك في مسجد قومك خير من صلتك في مسجدي ) فأ َمرَتْ فبنى
لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلم فكانت تصلي فيه حتى لقيت ال عز وجل .
وسئل صلى ال عليه وسلم أي البقاع شر ؟ قال ( ل أدري حتى أسال جبريل ) فسأل جبريل فقال ل أدري حتى أسأل
ميكائيل ،فجاء فقال خير البقاع المساجد ،وشرها السواق .
وقال في النسان ستون وثلث مئة َمفْصِل ،عليه أن يتصدق عن كل مفصل صدقة ،فسألوه من يطيق ذلك ؟ قال
جزِيانك ) . ( النخاعة َترَاهَا في المسجد فتدفنها ،أو الشيء فتنحيه عن الطريق ،فإن لم تجد فركعتا الضحى ُي ْ
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الصلة قاعدا ،فقال ( من صلى قائما فهو أفضل ،ومن صلى قاعدا فله نصف أجر
القائم ،ومن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد ) .
قلت وهذا له محملن ،أحدهما أن يكون في النافلة عند من يجوزها مضطجعا ،والثاني على المعذور؛ فيكون له بالفعل
النصف والتكميل بالنية .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل ،فقال ما يمنعني أن أتعلم القرآن إل خشية أن ل أقوم به ،فقال ( تعلم القران وأقرأه
جرَاب َمحْشُوُ مسكا يفوح ريحه على كل مكان ،ومن تعلمه وارقد ،فإن مَثَلَ القرآن لمن تعلمه فقرأه وقال به كمثل ِ
ورقَدَ وهو في جوفه كمثل جراب ُو ِكيَ على مسك ) .
وقال عن رجل من أصحابه توفي ( ليته مات في غير مولده ) فسئل لم ذلك ؟ فقال ( إن الرجل إذا مات في غير
مولده قيس له من مولده إلى منقطع أثره في الجنة ) ذكر هذه الحاديث أبو حاتم ابن حبان في صحيحه .
وسئل صلى ال عليه وسلم أيغني الدواء شيئا ؟ فقال ( سبحان ال ! وهل أنزل ال تبارك وتعالى من داء في الرض
إل جَعل له شفاء ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الرّقي والدوية هل ترد من قَدَر ال شيئا ؟ قال ( هي من قدر ال ) .
ن رجلمن المشركين في الحرب ،فقال خذها وأنا الغلم طعَ َ
وسئل صلى ال عليه وسلم عن رجل من المسلمين َ
الفارسي ،فقال ( ل بأس في ذلك ،يحمد ويؤجر ) ذكرهما أحمد .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل أن يعلمه ما ينفعه ،فقال ( ل َتحْقَرن من المعروف شيئا ،ولو أن ُتفْرغَ من دلوك في
إناء المستقي ،ولو أن ُت َكلّم أخاك ووجهك منبسط إليه ،وإياك وإسبال الزار فإنها من ال َمخِيلة ،ول يحبها ال ،وإن امرؤ
شَ َت َمكَ بما يعلم فيك فل تشتمه بما تعلم منه؛ فإن أجره لك ،و وباله على من قاله ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن لحوم الحمر الهلية ،فقال ( ل تحل لمن شهد أني رسول ال ) ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن المراء الذين يؤخرون الصلة عن وقتها كيف يصنع معهم ؟ فقال ( صلّ الصلة
لوقتها ،ثم صَلّ معهم ،فإنها لك نافلة ) حديث صحيح .
سلَمي ،فقالت إنه يضربني إذا صليت ،ويفطرني إذا صمت، وسألته صلى ال عليه وسلم امرأة صفوان بن ال ُم َعطّل ال ّ
ول يصلي صلة الفجر حتى تطلع الشمس؛ فسأله عما قالت امرأته ،فقال أما قولها يضربني إذا صليت فإنها تقرأ
135
www.dorar.net الدرر
السنية
بسورتين وقد نهيتها عنهما ،فقال صلى ال عليه وسلم ( لو كانت سورة واحدة لَكفَتِ الناس ) وأما قولها يفطرني إذا
صمت فإنها تنطلق فتصوم وأنا رجُل شاب ول أصبر ،فقال صلى ال عليه وسلم يومئذ ( ل تصوم امرأة إل بإذن
زوجها ) قال وأما قولها ل أصلي حتى تطلع الشمس فإنا أهلَ بيت لنكاد أن نستيقظ حتى تطلع الشمس ،فقال ( صَلّ
إذا استيقظت ) ذكره ابن حبان .
قلت ولهذا صادف أم المؤمنين في قصة الفك؛ لنه كان في آخر الناس ،ول ينافي هذا الحديث قوله في حديث الفك
شفْتُ كنف أنثى قط ) فإنه إلى ذلك الوقت لم يكشف كنف أنثى قط ،ثم تزوج بعد ذلك . ( وال ما كَ َ
وسئل صلى ال عليه وسلم عن قتل ال َوزَغ فأمر بقتله ،ذكره ابن حبان .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن رجل نذر أن يمشي إلى الكعبة ،فجعل يهادي بين رجلين ،فقال ( إن ال لغنيّ عن
تعذيب هذا نفسه ) وأمره أن يركب .
ط َرحْ متاعك واستفتاه صلى ال عليه وسلم رجل في جار له يؤذيه ،فأمره بالصبر ثلث مرات ،فقال له في الرابعة ( ا ْ
في الطريق ) ففعل ،فجعل الناس يمرون به ويقولون ماله ؟ ويقول آذاه جاره ،فجعلوا يقولون لعنه ال ،فجاءه فقال رُدّ
متاعك ،وال ل أوذيك أبدا ،ذكره أحمد وابن حبان .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال إني أذنبت ذَنبا كبيرا ،فهل لي من تَوبة ؟ فقال له ( ألك والدان ؟ ) فقال ل ،قال
( فلك خالة ؟ ) قال نعم ،قال ( فبرّها ) ذكره ابن حبان .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن رجل قد أوجب ،فقال ( أعْ ِتقُوا عنه رقبةً يعتق ال بكل عضو منها عضوا منه من
النار ) ذكره ابن حبان أيضا .
أوجب أي استوجَبَ النار بذنب عظيم ارتكبه .
وسأله رجل ،فقال إن أبويّ قد هلكا ،فهل بقي من بعد موتهما شيء ؟ فقال ( نعم الصلة عليهما ،والستغفار لهما،
صلَة رحمهما التي ل رحم لك إل من قبلهما ) قال الرجل ما ألذ هذا وإنفاذ عقودهما من بعدهما ،وإكرام صديقهما ،و ِ
وأطيبه ! قال ( فاعمل به ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن رجل شَدّ على رجل من المشركين ليقتله ،فقال ( إني مسلم ) فقتله ،فقال فيه قول
حرّمَ عليّ أن أقتل مؤمنا ) حديث صحيح . شديدا ،فقال :إنما قاله َتعَوّذاً من السيف ،فقال ( إن ال َ
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال يارسول ال أخْ ِبرْنَا بخيرنا من شرنا فقال ( خيركم من ُي ْرجَى خيره ويؤمن
شرّكم من ل ُيرْجى خيره ول يؤمن شره ) ذكره ابن حبان . شره ،و َ
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل ما الذي بعثك ال به ؟ فقال ( السلم ) فقال وما السلم ؟ قال ( أن ُتسْلم قلبك ل،
وأن توجه وجهك ل ،وأن تصلي الصلة المكتوبة ،وتؤدي الزكاة المفروضة ،أخَوَان نصيران ،ل يقبل ال من عبد
ش َركَ بعد إسلمه ) ذكره ابن حبان أيضاً . توبة أ ْ
وسأله صلى ال عليه وسلم السود بن سريع ،فقال أرأيت إن لقيتُ رجل من المشركين فقاتلني ،فضرَبَ إحْدَى يديّ
بالسيف ،فقطعها ،ثم لذ مني بشجرة ،فقال أسلمت ل ،أفأقتله بعد أن قالها ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( ل
تقتله ) فقلت يا رسول ال إنه َقطَع إحدى يديّ ثم قال ذلك بعد ان قطعها أفأقتله ؟ قال ( ل تقتله؛ فإنك إن قتلته فإنه
بمنزلتك قبل أن تقتله وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال ) حديث صحيح .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل ،فقال يارسول ال َم َررْتُ برجل فلم يضفني ولم َيقْرِني ،أفأحتكم ؟ قال ( بل أقره )
ذكرهما ابن حبان ،وقوله أحتكم يعني أعامله إذا مر بي بمثل ما عاملني به .
وسأله صلى ال عليه وسلم أبو ذر ،فقال الرجل يحب القوم ول يستطيع أن يعمل بعملهم ،قال ( يا أبا ذر ،أنت مع من
أحْبَبْتَ ) قال فإني أحب ال ورسوله ،قال ( أنت يا أبا ذر مع من أحببت ) .
وسأله صلى ال عليه وسلم ناس من العراب ،فقالوا أفْتِنَا في كذا ،أفتنا في كذا ،أفتنا في كذا ،فقال ( أيها الناس ،إن
عرْضِ أخيه فذلك الذي حرج و َهلَك ) قالوا أفنتداوى يا رسول ال ؟ قال ضعَ عنكم الحرج ،إل من اقترض من ِ ال قد وَ َ
( نعم إن ال لم ينزل داء إل أنزل له دواء ،غير داء واحد ) قالوا يا رسول ال وما هو ؟ قال ( الهرم ) قالوا فأي الناس
أحبّ إلى ال يا رسول ال ؟ قال ( أحبّ الناس إلى ال أحسنهم خُلقا ) ذكره أحمد وابن حبان .
136
www.dorar.net الدرر
السنية
وسأله صلى ال عليه وسلم عديّ بن حاتم ،فقال إن أبي كان يَصِلُ الرحم وكان يفعل ويفعل ،فقال ( إن أباك أراد أمرا
فأدركه ) يعني الذكر ،قال قلت يا رسول ال ،إني أسألك عن طعام ل أ َدعُه إل تحرجا ،قال ( ل تَ َدعُ شيئا ضارع
النصرانية فيه ) قال قلت إني أرسل كلبي المعلَم فيأخذ صَيْداً فل أجد ما أذبح به إل ال َمرْوَة والعصي ( ،أ ْه ِرقِ الدّمَ بما
شئت ،واذكر اسم ال ) ذكره ابن حبان .
وسألته صلى ال عليه وسلم عائشة عن ابن جُدْعَان وما كان يفعل في الجاهلية من صِلة الرحم وحسن الجوار و ِقرَى
الضيف ،هل ينفعه ؟ فقال ( ل؛ لنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين ) .
وسأله صلى ال عليه وسلم سفيان بن عبد ال الثقفي أن يقول له قول ل يسأل عنه أحدا بعده؛ فقال ( قل آمنت بال ثم
استقم ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم من أكرم الناس ؟ فقال ( أ ْتقَاهم ل ) قالوا لسنا عن هذا نسألك ،قال ( فعن َمعَادن العرب
تسألوني ،خياركم في الجاهلية خياركم في السلم إذا فقهوا ) .
علَى رأسك بالدف ،فقال ( إن كنت وسألته صلى ال عليه وسلم امرأة فقالت إني َن َذرْت إن ردك ال سالما أن أضرب َ
نذرت فافعلي ،وإل فل ) قالت إني كنت نذرت ،فقعد رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فضربت بالدف ،حديث صحيح
.
علَى زيادة اليمان وقوته وله وجهان ،أحدها أن يكون أباح لها الوفاء بالنذر المباح تطييبا لقلبها وجَبْرا وتأليفا لها َ
وفرحها بسلمةرسول ال صلى ال عليه وسلم ،والثاني أن يكون هذا النذر قربة لما تضمنه من السرور والفرح
بقدوم رسول ال صلى ال عليه وسلم سالما مؤيدا منصورا على أعدائه قد أظهره ال وأظهر دينه ،وهذا من أفضل
القُرب ،فأمرت بالوفاء به .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل ،فقال يا رسول ال ،الرجلُ يريد الجهاد في سبيل ال وهو يبتغي من عرض الدنيا،
جرَ له ) فأعْظَمَ ذلك الناس فقالوا للرجل أعِدْ لرسول ال صلى ال عليه وسلم فلعلك لم تفهمه ،فقال الرجل يا فقال ( ل أ ْ
رسول ال ،رجل يريد الجهاد في سبيل ال وهو يبتغي من عرض الدنيا ،فقال ( ل أجر له ) فأعظم ذلك الناس ،فقالوا
أعد لرسول ال صلى ال عليه وسلم ،فأعاد ،فقال ( ل أجر له ) .
سلَم ثم قاتل فقتل ،فقال البي صلى ال وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال أقاتل أو أسلم ؟ قال ( أسلم ثم قاتل ) فأ ْ
عليه وسلم ( هذا عمل قليل وأجر كثيرا ) .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل ما أكثر ما تخاف علي ؟ فأخذ بلسانه ثم قال ( هذا ) .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال قل لي قول ينفعني ال به وأقلل لعلي أعقله ،فقال ( ل تغضب ) فردد مرارا كل
ذلك يقول له ( ل تغضب ) .
وسألته صلى ال عليه وسلم امرأة ،فقالت إن لي ضرة ،فهل عليّ جناح إن استكثرت من زوجي بما ل يعطيني ؟ فقال
( المتشبع بما لم ُي ْعطَ كلبس ثَوْبي زورٍ ) وكل هذه الحاديث في الصحيح .
عَليّ ،فأوصني بشيء أتشبث به ،فقال ( ل يزالُ وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال إن شرائع السلم قد كثرت َ
لسا ُنكَ َرطْباً من ذكر ال ) ذكره أحمد .
ع ِق ْلهَا وتوكل ) ذكره
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال يا رسول ال أرسل ناقتي وأتوكل على ال ؟ فقال ( بل ا ْ
ابن حبان والترمذي .
وقال له صلى ال عليه وسلم رجل ،ليس عندي يا رسول ال ما أتزوج به ،قال ( أو ليس معك قل هو ال أحد ) ؟ قال
بلى ،قال ( ثلث القرآن ) قال ( أليس معك قل يا أيها الكافرون ) ؟ قال بلى ،قال ( ربع القرآن ) قال ( أليس معك إذا
زلزلت الرض ) ؟ قال بلى ،قال ( ربع القرآن ) قال ( أليس معك إذا جاء نصر ال ) ؟ قال بلى ،قال ( ربع القرآن،
أليس معك آية الكرسي ؟ ) قال بلى ،قال ( ربع القرآن ) قال ( تزوج ،تزوج ،تزوج ،ثلث مرات ) ذكره أحمد .
وسأله صلى ال عليه وسلم معاذ فقال يا رسول ال أرأيت إن كان علينا أمراء ل َيسْ َتنّون بسنتك ول يأخذون بأمرك،
فما تأمرنا في أمرهم ؟ قال ( ل طاعة لمن لم يُطع ال ) .
137
www.dorar.net الدرر
السنية
وسأله صلى ال عليه وسلم أنس أن يشفع له ،فقال ( إني فاعل ) قال فأين أطلبك يوم القيامة ؟ قال ( اطلبني أول ما
تطلبني على الصراط ) قلت فإذا لم أ ْلقَك على الصراط ؟ قال ( فأنا على الميزان ) قلت فإن لم أ ْلقَك عند الميزان ،قال (
خطِيء هذه الثلث مواطن يوم القيامة ) ذكره أحمد . فأنا عند الحوض ،ل أ ْ
وسأله صلى ال عليه وسلم الحجاج بن علط ،فقال إن لى بمكة مال ،وإن لي بها أهل ،وأريد أن آتيهم ،فأنا في حِلّ
إن أنا ِنلْتُ منك أو قلت شيئا ؟ فأذِنَ له رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يقول ما شاء ،ذكره أحمد .
وفيه دليل على أن الكلم إذا لم يرد به قائله معناه إما لعدم قصده له أو لعدم علمه به ،أو أنه أراد به غير معناه؛ لم
يلزمه مالم يرده بكلمه ،وهذا هو دين ال الذي أرسل به رسوله ،ولهذا لم يلزم المكره على التكلم بالكفر الكفر ولم
يلزم زائل العقل بجنون أو نوم أو سكر ما تكلم به ،ولم يلزم الحجاج ابن علط حكم ما تكلم به؛ لنه أراد به غير
معناه ،ولم يعقد قلبه عليه ،وقد قال تعالى ( ل يؤاخذكم ال باللّغو في أيمانكم ،ولكن يؤاخذكم بما عقدتم اليمان )
[ المائدة ]89 :وفي الية الخرى ( ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ) [ البقرة ] 225 :فالحكام في الدنيا والخرة
عقَد عليه ،وأراده من معنى كلمه . ُمرَتبة على ما كسبه القلب ،و َ
سعَدْنَنا ،يعنى في النّوح أفنسعدهن فيوسألته صلى ال عليه وسلم امرأة ،فقالت يا رسول ال إن نساء في الجاهلية أ ْ
شغَار في السلم ،ول عقر في السلم ،ولجلب في السلم ،ومن انتهب السلم ؟ فقال ( ل إسعاد في السلم ،ول ِ
فليس منا ) ذكره أحمد .
والسعاد إسعاد المرأة في مصيبتها بالنوح .والشّغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الخر ابنته .والعقر
الذبح على قبور الموتى .والجلب الصياح على الفرس في السباق .والجنب أن يجنب فرسا فإذا أعْيَتْ فرسه انتقل إلى
تلك في المسابقة .
وسأله صلى ال عليه وسلم بعض النصار ،فقالوا قد كان لنا جمل نسير عليه ،وإنه قد استصعب علينا وم َنعَنا ظهره،
وقد عطش الزرع والنخل ،فقال لصحابه ( قوموا ) فقاموا ،فدخلَ الحائط والجملُ في ناحيته ،فمشى النبي صلى ال
عليه وسلم نحوه ،فقالت النصار يا نبي ال إنه قد صار مثل الكلْب ال َكلِب ،وإنا نخاف عليك صَوْلته ،فقال ( ليس عليّ
خرّ ساجدا بين يديه ،فأخذ رسول ال منه بأس ) فلما نظر الجمل إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم أقبل نحوه حتى َ
صلى ال عليه وسلم بناصيته أذلّ ما كان قط حتى أدخله في العمل ،فقال له الصحابة يا نبي ال هذا َبهِيمة ل تعقل،
سجُد لك ،ونحن نعقل ،فنحن أحقّ أن نسجد لك ،فقال ( ل يصلُحُ لبشر أن يسجد لبشر ،ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر تَ ْ
ل َمرْتُ المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها ،والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه يتنجس بالقيح
والصديد ثم استقبلَتْه َت ْلحَسه ما أدّتْ حقه ) ذكره أحمد ،فأخذ المشركون مع مريديهم بسجود الجمل لرسول ال وتركُوا
قوله ( ل يصلح لبشر أن يسجد لبشر ) وهؤلء من الذين يتبعون المتشابه ويدعون المحكم .
وسئل صلى ال عليه وسلم فقيل له إن أهل الكتاب يحتفون ول ينتعلون في الصلة ،قال ( فتحفوا وانتعلوا وخالفوا
أهل الكتاب ) قالوا فإن أهل الكتاب يقصون عثانينهم ويُوفّرون سبالهم ،فقال ( قُصّوا سبالكم ووفروا عثانينكم وخالفوا
أهل الكتاب ) ذكره أحمد .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال يا نبي ال مررت بغار فيه شيء من ماء ،فحدثْتُ نفسي بأن أقيم فيه فيقوتني ما
فيه من ماء وأصيب ما حوله من البقل وأتخلى عن الدنيا ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم ( إني لم أ ْبعَثْ باليهودية ول
س ْمحَة ،والذي نفس محمد بيده َلغَ ْد َوةٌ أو رَ ْوحَة في سبيل ال خير من الدنيا وما بالنصرانية ،ولكني بعثت بالحنيفية ال ّ
فيها ،ول َمقَام أحدكم في الصف خير من صلته ستين سنة ) .
في أنواع البيوع
فصل :وأخبرهم أن ال سبحانه وتعالى حرم عليهم بيع الخمر والميتة والخنزير والنصاب ،فسألوه وقالوا أرأيت
طلَى بها السفن ويدهن بها الجلود ويَسْتصبح بها الناس ،فقال ( هو حرام ) ثم قال ( قاتل ال اليهودَ شحُوم الميتة فإنه ُي ُْ
جمَلوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه ) .
حرّم عليهم شحو َمهَا َ فإن ال لما َ
وفي قوله ( هو حرام ) قولن ،أحدهما أن هذه الفعال حرام ،والثاني أن البيع حرام وإن كان المُشْتَري يشتريه لذلك،
والقولن مبنيان على أن السؤال منهم هَلْ وقع عن البيع لهذا النتفاع المذكور أو وقع عن النتفاع المذكور ؟ والول
اختيار شيخنا ،وهو الظهر؛ لنه لم يخبرهم أول عن تحريم هذا النتفاع حتى يذكروا له حاجتهم إليه ،وإنما أخبرهم
138
www.dorar.net الدرر
السنية
عن تحريم البيع ،فأخبروه أنهم يبتاعونه لهذا النتفاع ،فلم يرخص لهم في البيع ،ولم ينههم عن النتفاع المذكور ،ول
تلزم بين جواز البيع وحل المنفعة ،وال سبحانه وتعالى أعلم .
وسأله صلى ال عليه وسلم أبو طلحة عن أيتام ورثوا خمرا ،فقال ( أ ْه ِرقْها ) قال أفل أجعلها خل ؟ قال ( ل ) حديث
صحيح ،وفي لفظ أن أبا طلحة قال يا رسول ال إني اشتريت خمرا ليتام في حِجْري ،فقال ( أ ْه ِرقِ الخمر واكسر
الدّنان ) .
وسأله صلى ال عليه وسلم حكيم بن حزام فقال الرجل يأتيني ويريد مني البيع وليس عندي ما يطلب ،أفأبيع منه ثم
أبتاع من السوق ؟ قال ( ل تبع ما ليس عندك ) ذكره أحمد .
وسأله صلى ال عليه وسلم أيضًا فقال إني أبتاع هذه البيوع ،فما يحل لي منها وما يحرم عليّ منها ؟ قال ( يا ابن أخي
ل تَبِيعَنّ شيئا حتى تقبضه ) ذكره أحمد ،وعند النسائي ابتعْتُ طعاما من طعام الصدقة فربحت فيه قبل أن أقبضه،
فأتيت رسول صلى ال عليه وسلم فذكرت له ذلك ،فقال ( ل تبعه حتى تقبضه ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الشقاح الذي إذا ُوجِدَ جاز بيع الثمار ،فقال ( تحمار وتصفار ويؤكل منها ) متفق
عليه .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال ما الشيء الذي ل يحل منعه ؟ قال ( الماء ) قال ما الشيء الذي ل يحل منعه ؟
قال ( الملح ) قال ثم ماذا ؟ قال ( النار ) ثم سأله صلى ال عليه وسلم ما الشيء الذي ل يحل منعه ؟ قال ( أن تفعل
الخير خير لك ) ذكره أبو داود .
وسئل أن يحجر على رجل ُي ْغبِن في البيع لضعف في عقدته ،فنهاه عن البيع ،فقال ل أصبر عنه ،فقال ( إذا بايعت
فقل ل خِلَبَة ،وأنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلثا ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن رجل ابتاع غلما فأقام عنده ما شاء ال أن يقيم ثم وجد به عيبا فرده عليه ،فقال البائع
خرَاج بالضمان ) ذكره أبو داود . يا رسول ال قد استغلّ غلمي ،فقال ( ال َ
سمْت به أقلّ مما أريدوسألته صلى ال عليه وسلم امرأة ،فقالت إني امرأة أبيع وأشتري ،فإذا أردت أن أبتاع الشيء ُ
سمْتُ به أكثر من الذي أريد ثم وضعت حتى أبلغ الذي أريد، ثم زدت حتى أبلغ الذي أريد ،وإذا أردت أن أبيع الشيء ُ
فقال ( ل تفعلي ،إذا أردت أن تبتاعي شيئا فاستامي به الذي تريدين أعطيت أو منعت ،وإذا أردت أن تبيعي شيئا
فاستامي به الذي تريدين أعطيت أو منعت ) ذكره ابن ماجه .
وسأله صلى ال عليه وسلم بلل عن تمر رديء باع منه صاعين بصاع جيد ،فقال ( أوه ،عين الربا ،ل تفعل ،ولكن
اذا أردت أن تشتري فبع التمر بيعا آخر ثم اشتر بالثمن ) متفق عليه .
وسأله صلى ال عليه وسلم ال َبرَاء بن عازب فقال اشتريت أنا وشريكي شيئا يدا بيد ونسيئة ،فسألنا النبي صلى ال
صفْقة،
عليه وسلم ،فقال ( أما ما كان يدا بيد فخذوه ،وما كان نسيئة َف َذرُوه ) ذكره البخاري ،وهو صريح في تفريق ال ّ
وعند النسائي عن البرَاء قال كنت أنا وزيد بن أرقم تاجرين على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فسألناه عن
الصّرف ،فقال ( إن كان يَدا بيدٍ فل بأس ،وإن كان نسيئة فل يصلح ) .
وسأله صلى ال عليه وسلم فضالة بن عبيد عن قلدة اشتراها يوم خيبر باثني عشر دينارا فيها ذهَب وخرز ،ففصلها
عجْوَة ل
فوجد فيها أكثر من اثني عشر دينارا ،فقال ( ل تباع حتى تفصل ) ذكره مسلم ،وهو يدل على أن مسألة ُمدّ َ
تجوز إذا كان أحد العوضين فيه ما في الخر وزيادة؛ فإنه صريح الربا ،والصواب أن المنع مختص بهذه الصورة
التي جاء فيها الحديث وما شابهها من الصور .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن بيع الفرس بالفراس والنجيبة بالبل ،فقال ( ل بأس إذا كان يدا بيد ) ذكره أحمد .
وسأله صلى ال عليه وسلم ابن عمر فقال اشتري الذهب بالفضة ،فقال ( إذا أخذت واحدا منهما فل يفارقك صاحبُك
وبينك وبينه لبس ) وفي لفظ كنت أبيع البل ،وكنت آخذ الذهب من الفضة والفضة من الذهب ،والدنانير من الدراهم،
والدراهم من الدنانير ،فسألت النبي صلى ال عليه وسلم ،فقال ( إذا أخذت أحدهما وأعطيت الخر فل يفارقك
صاحبك وبينك وبينه لبس ) ذكره ابن ماجه .
139
www.dorar.net الدرر
السنية
وتفسير هذا ما في اللفظ الذي عند أبي داود عنه ،قلت يا رسول ال إنى أبيع البل بالنقيع ،فأبيع بالدنانير وآخذ
الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير ،آخذ هذه من هذه وأعطى هذه من هذه ،فقال ( ل بأس أن تأخذها بسعر يومها ما
لم تفترقا وبينكما شيء ) ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن اشتراء التمر بالرطب فقال ( أينقص الرطب إذا يبس ؟ ) قالوا نعم ،فنهى عن ذلك،
ذكره أحمد والشافعي ومالك رضى ال عنهم .
سِلفُوا
سَلفَ في نخل فلم يخرج تلك السنة ،فقال ( ارْدُدْ عليه ماله ) ثم قال ( ل تُ ْ وسئل صلى ال عليه وسلم عن رجل أ ْ
في النخل حتى َيبْدُوَ صلحه ) ،وفي لفظ أن رجل أسْلم في حديقة نخل قبل أن يطلع النخل ،فلم يطلع النخل شيئا ذلك
العام ،فقال المشتري هو لي حتى يطلع ،وقال البائع إنما بعتكَ النخل هذه السنة ،فاختصما إلى النبي صلى ال عليه
سِلفُوا فيوسلم ،فقال للبائع ( أخذ من نخلك شيئا ؟ ) قال ل ،قال ( فبم تستحل ماله ؟ اردد عليه ماله ) ثم قال ( ل ُت ْ
النخل حتى يبدو صلحه ) .
وهو حجة لمن لم يجوز السلم إل في موجود الجنس حال العقد ،كما يقوله الوزاعي والثوري وأصحاب الرأي .
سَلمُوا لقوم من اليهود ،وإنهم قد جاعوا ،فأخاف أن يرتدوا، وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال إن بني فلن قد أ ْ
فقال النبي صلى ال عليه وسلم ( مَنْ عنده ؟ ) قال رجل من اليهود عندي كذا وكذا ،لشيء سماه أراه قال ثلث مئة
دينار بسعر كذا وكذا من حائط بني فلن ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( بسعر كذا وكذا وليس من حائط بني
فلن ) ذكره ابن ماجة .
عن فضل بعض العمال
فصل :وسأله صلى ال عليه وسلم حمزة بن عبد المطلب فقال اجعلني على شيء أعيش فيه ،فقال رسول ال صلى
ال عليه وسلم ( يا حمزة نفسٌ تحييها أحب إليك أم نفس تميتها ؟ ) فقال نفس أحييها ،قال ( عليك نفسك ) ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم ما عمل الجنة ؟ قال ( الصدق ،فإذا صدق العبد برّ ،وإذا بر آمن ،و إذا آمن دخل الجنة ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم ما عمل أهل النار ؟ قال ( الكذب ،إذا كذب العبد َفجَر ،وإذا فجر كفر ،وإذا كفر دخل النار
)
وسئل صلى ال عليه وسلم عن أفضل العمال ؟ فقال ( الصلة ) قيل ثم مه ؟ قال ( الصلة ) ثلث مرات ،فلما غلب
عليه قال ( الجهاد في سبيل ال ) قال الرجل فإن لي والدين ،قال ( آمرك بالوالدين خيرا ) قال والذي بعثك بالحق نبيا
لجاهدنّ و لتركهما ،فقال ( أنت أعلم ) ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن ال ُغرَفِ التي في الجنة يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها ،لمن هي ؟ قال (
لمن ألَن الكلم ،وأطعم الطعام ،وبات ل قائما والناس نيام ) .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل أرأيت إن جاهدتُ بنفسي ومالي فقتلت صابر محتسبا مقبل غير مدبر ،أدخل
الجنة ؟ قال ( نعم ) فقال ذلك مرتين أو ثلثا قال ( إل إنْ مُتّ وعليك دين وليس عندك وفاؤه ) وأخبرهم بتشديد أنزل،
فسألوه عنه ،فقال ( الدّين ،والذي نفسى بيده لو أن رجل قُتل في سبيل ال ثم عاش ثم قُتل في سبيل ال [ ثم عاش ثم
قتل في سبيل ال ] ما دخل الجنة حتى يقضي دينه ) ذكرهما أحمد .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل عن أخيه مات وعليه دين ،فقال ( هو محبوس بدَينه ،فاقْض عنه ) فقال يا رسول ال
طهَا فإنها ُمحِقة ) ذكره أحمد .
عِقد أديتُ عنه إل دينارين ادّعَتْهما امرأة وليس لها بينة ،فقال ( أ ْ
وفيه دليل على أن الوصي إذا علم بثبوت الدين على الميت جاز له وفاؤه وإن لم تقم به بينة .
وسألوه صلى ال عليه وسلم أن يُسَعر لهم ،فقال ( إن ال هو الخالق القابض الباسط الرازق ،وإنى لرجو أن ألقى ال
ول يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم أو مال ) ذكره أحمد .
فصل
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال أرْضي ليس لحد فيها شركة ول قسمة إل الجار ،فقال ( الجار أحقّ بصقَبه )
ذكره أحمد ،والصوابُ العمل بهذه الفتوى اذا اشتركا في طريق أو حق من حقوق الملك .
وسئل صلى ال عليه وسلم أي الظلم أعظم ؟ قال ( ذراع من الرض ينتقصه من حق أخيه ،وليست حصاة من
الرض أخذها إل طوّقها يوم القيامة إلى قعر الرض ،ول يعلم قعرها إل الذي خلقها ) ذكره أحمد .
140
www.dorar.net الدرر
السنية
وأفتى صلى ال عليه وسلم في شاة ذبحت بغير إذن صاحبها وقدمت إليه أن تُطعم السارى ،ذكره أبو داود .
فتاوى عن الرهن والدين
فصل :وأفتى صلى ال عليه وسلم بأن ظهر الرهن يركب بنفقته إذا كان مرهونا ،ولبن الدر يُشرب بنفقته إذا كان
مرهونا ،وعلى الذي يركب ويشرب النفقة ،ذكره البخاري .وأخذ أحمد وغيره من أئمة الحديث بهذه الفتوى ،وهو
الصواب .
غرْمه ،حديث حسن . غنْمه وعليه ُوأفتى صلى ال عليه وسلم بأن الرهن ل َي ْغَلقُ من صاحبه الذي رهنه ،له ُ
وأفتى صلى ال عليه وسلم في رجل أصِيبَ في ثمار ابتاعها فكثر دينه ،فأمر أن يتصدق عليه ،فلم يُوفِ ذلك دينه،
فقال للغرماء ( خُذُوا ما وجدتم ،وليس لكم إل ذلك ) ذكره مسلم .
وأفتى صلى ال عليه وسلم من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به من غيره ،متفق عليه .
عن تصدق المرأة وعن الكل من مال اليتيم
عطِية في مالها إل بإذن فصل :وسألته صلى ال عليه وسلم امرأة عن حلى لها تصدقت به ،فقال لها ( ل يجوز لمرأة َ
زوجها ) وفي لفظ ( ل يجوز للمرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها ) ذكره أهل السنن ،وعند ابن ماجه أن
خيرة امرأة كعب بن مالك أتته بحلي فقالت تصدقت بهذا ،فقال ( هل استأذنت كعبا ؟ ) فقالت نعم ،فبعث إلى كعب،
فقال ( هل أذنت لخيرة أن تتصدق بحليها هذا ؟ ) فقال نعم ،فقبله رسول ال صلى ال عليه وسلم .
س ِرفٍ ول مبذر ول وسأله صلى ال عليه وسلم رجل ،فقال ليس لي مال ،ولي يتيم ،فقال ( كُلْ من مال يتيمك غير ُم ْ
متأثل مال ،ومن غير أن تقي مالك ) أو قال ( تفدي مالك بماله ) .
ولما نزلت ( ول تقربوا مال اليتيم إل بالتي هي أحسن ) [ النعام ]152 :عزلوا أموال اليتامى ،حتى جعل الطعام
يفسد واللحم ينتن ،فسألوا عن ذلك رسول صلى ال عليه وسلم ،فنزلت ( وإن تخالطوهم فإخوانكم ،وال يعلم المفسد
من المصلح ) [ البقرة ]220 :ذكره أحمد وأهل السنن .
عفَاصها ،ثم عرفها سنة؛ فإن لم تعرف وسئل صلى ال عليه وسلم عن لقطة الذهب وال َو ِرقِ ،فقال ( أعْرفْ وكاءها و ِ
فاستنفقها ولتكن وديعة عندك؛ فإن جاء طالبها يوما من الدهر فأدها إليه ) .
عهَا فإن معها حِذاءها تَردُ الماء وتأكل الشجر حتى فسئل صلى ال عليه وسلم عن ضالة البل ،فقال ( ماَلكَ ولها ؟ دَ ْ
يجدها ربها ) .
فسئل صلى ال عليه وسلم عن الشاة ،فقال ( خُذْها ،فإنما هي لك أو لخيك أو للذئب ) متفق عليه ،وفي لفظ لمسلم
عطِها إياه ،وإل فهي لك ) وفي لفظ لمسلم ( ثم ُكلْها فإن جاء ( فإن جاء صاحبها فعرف عِفاصها وعددها ووكاءها فأ ْ
صاحبها فأدّها إليه ) .
صرّة على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم فيها مئة دينار ،فأتيت بها النبي صلى ال وقال أبي بن كعب وجدت ُ
ع ّرفْها
ع ّرفْها حَوْلً ) فعرفتها ثم أتيته بها ،فقال ( َ
ع ّرفْها حَوْلً ) فعرفتها حول ثم أتيته بها ،فقال ( َعليه وسلم ،فقال ( َ
حَوْلً ) فعرفتها ثم أتيته بها الرابعة ،فقال (اعرف عَدَدها و وكاءها ووعاءها ،فإن جاء صاحبها ،وإل فاستمتع بها )
فاستمتعت بها ،متفق عليه واللفظ للبخاري .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل من ُمزَينة عن الضالة من البل ،قال ( معها حذاؤها وسقاؤها تأكل الشجر وترد
الماء ،فدعها حتى يأتيها باغيها ) قال الضالة من الغنم ،قال ( لك أو لخيك أو للذئب ،تجمعها حتى يأتيها باغيها ) قال
عطَنه ففيه القطع إذا بلغ ماالحريسة التي توجد في َمرَاتعها ،قال ( فيها ثمنها مرتين ،وضرب نكال ،وما أخذ من َ
يؤخذ من ذلك ثمن ال ِمجَنّ ) قال يا رسول ال فالثمار وما أخذ منها في أكمامها ،قال ( ما أخذ بفمه فلم يتخذ خبنه فليس
عليه شيء ،وما احتمل فعليه ثمنه مرتين وضرب ونكال ،وما أخذ من أجرانه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن
المجن ) قالوا يا رسول ال فاللّقطَة يجدها في سبيل العامرة ،قال ( عرفها حول ،فإن وجدت باغيها فأدّها إليه ،وإل
فهي لك ) قال ما يوجد في الحرب العادي ،قال ( فيه وفي الركاز الخمس ) ذكره أحمد وأهل السنن .
ن خالفه؛ فإنه لم يعارضه ما يوجب تركه . والفتاء بما فيه متعين ،وإن خالفه مَ ْ
وأفتي بأن مَنْ وجد ُلقَطة فليشهد ذَوَيْ عَدْلٍ ،وليحفظ عفاصها ووكاءها ،ثم ل يكتم ول يغيب؛ فإن جاء ربها فهو أحق
بها ،وإل فهو مال ال يؤتيه من يشاء .
141
www.dorar.net الدرر
السنية
جرَذٌ من جحر دينارا ،ثم أخرج آخر ،ثم أخرج آخر ،حتى وسئل صلى ال عليه وسلم عن رجل جلس لحاجَ ِتهِ فأخرج ُ
أخرج سبعة عشر دينارا ،ثم أخرج طرف خرقة حمراء ،فأتى بها السائل رسول ال صلى ال عليه وسلم فأخبره
خَ َبرَها ،وقال خُذْ صدقتها ،قال ( ارجع بها ،ل صدقة فيها ،بارك ال لك فيها ) ثم قال ( لعلك أهْوَيْتَ بيدك في الجحر )
قلت ل ،والذي أكرمك بالحق ،فلم يفن آخرها حتى مات .
وقوله وال أعلم ( لعلك أهويت بيدك في الجحر ) إذ لو فعل ذلك لكان [ ذلك ] في حكم الركاز ،وإنما ساق ال هذا
المال إليه بغير فعل منه ،أخرجته له الرض ،بمنزلة ما يخرج من المباحات ،ولهذا ـ وال أعلم ـ لم يجعله لقطة؛ إذ
لعله علم أنه من َدفْنِ الكفار .
فصل :وأهدى له صلى ال عليه وسلم عياض بن حماد إبل قبل أن يسلم ،فأبى أن يقبلها ،وقال ( إنا ل نقبل زبد
المشركين ) قال قلت وما زبد المشركين ؟ قال ( ِرفْدُهم وهديتهم ) ذكره أحمد ،ول ينافى هذا قبوُلهُ هدية أكيدر وغيره
من أهل الكتاب ،لنهم أهل كتاب فقبل هديتهم ولم يقبل هدية المشركين .
وسأله صلى ال عليه وسلم عُبَادة بن الصامت ،فقال رجل أهدى إليّ قوسا ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن ،وليست
بمالٍ ،وأرمي عليها في سبيل ال ،فقال ( إن كنت تحبّ أن ُتطَوّق طوقا من نار فاقْ َب ْلهَا ) .
جعَالة على الطب؛ فَطبّه حقّ ما أخذتم عليه أجرا كتاب ال ) في قصة الرّقية ،لن تلك َ ول ينافي هذا قوله ( إن أ َ
بالقرآن؛ فأخذ الجرة على الطب ،ل على تعليم القرآن ،وههنا منعه من أخذ الجرة على تعليم القرآن؛ فإن ال تعالى
قال لنبيه ( قل ل أسألكم عليه أجرا ) [ النعام ]90 :وقال تعالى ( قل ما سألتكم من أجر فهو لكم ) [ سبأ ]47 :وقال
تعالى ( اتبعو من ل يسألكم أجرا ) [ يس ]21 :فل يجوز أخذ الجرة على تبليغ السلم والقرآن .
وسأله صلى ال عليه وسلم أبو النعمان بن بشير أن يشهد على غلم َنحَله لبنه ،فلم يشهد ،وقال ( ل تشهدني على
جَوْر ) وفي لفظ ( إن هذا ل يصلح ) وفي لفظ ( أكلّ ولدك نحلته مثل هذا ؟ ) قال ل ،قال ( فاتقوا ال واعْ ِدلُوا بين
ش ِهدْ على هذا غيري ) متفق عليه ،وهذا أمر تهديد قطعا ل أمر إباحة؛ أولدكم ) وفي لفظ ( فارجعه ) وفي لفظ ( أ ْ
لنه سماه جَوْرا وخلف العدل ،وأخبر أنه ل يصلح وأمره برده ،ومحال مع هذا أن يأذن ال له في الشهاد على ما
هذا شأنه ،وبال التوفيق .
وسأله صلى ال عليه وسلم سعد بن أبي َوقّاص رضى ال عنه ،فقال يا رسول ال قد بلغ بي من الوجع ما ترى ،وأنا
رجل ذو مال ،ول يرثني إل ابنة لي ،أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال ( ل ) قلت فالشطر يا رسول ال ؟ قال ( ل ) قلت
فالثلث ؟ قال ( الثلث ،والثلث كثير ،إنك أن َت َذرَ ور َثتَك أغنياء خير من أن َتذَرهم عَالة يتكففون الناس ،وإنك لن ُت ْنفِق
نفقة تبتغى بها وجه ال إل أجرت بها ،حتى ما تجعل في فِي امرأتك ) متفق عليه .
وسأله صلى ال عليه وسلم عمرو بن العاص فقال يا رسول ال إن أبي أوصى أن يعتق عنه مئة رقبة فأعتق ابنه
هشام خمسين وبقيت عليه خمسون رقبة ،أفأعتق عنه ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( إنه لو كان مسلما
فأعتقتم عنه أو تصدقتم عنه أو حججتم عنه بلغه ذلك ) ذكره أبو داود .
في المواريث
فصل :وسأله صلى ال عليه وسلم رجل ،فقال إن ابن ابني مات ،فما لي من ميراثه ؟ فقال ( لك السدس ) فلما أدبر
دعاه فقال ( لك سدس آخر ) فلما ولى دعاه وقال ( إن السدس الخر طعمة ) ذكره أحمد .
وسأله صلى ال عليه وسلم عمر بن الخطاب رضى ال عنه عن الكللة ،فقال ( يكفيك من ذلك الية التي أنزلت في
الصيف في آخر سورة النساء ) ذكره مالك .
وسأله صلى ال عليه وسلم جابر كيف أقضي في مالي ول يرثني إل كللة ؟ فنزلت ( يستفتونك ،قل ال يفتيكم في
الكللة ) [ النساء ]176 :ذكره البخاري .
وسأله صلى ال عليه وسلم تميم الداري يا رسول ال ،ما السنة في الرجل من المشركين يُسْلم على يد رجل من
المسلمين ؟ فقال ( هو أولى الناس ب َمحْياه ومماته ) ذكره أبو داود .
وسألته صلى ال عليه وسلم امرأة فقالت كنت تصدّقت على أمي بوليدة ،وإنها ماتت وتركت الوليدة ،قال ( قد َوجَب
أجرك ،ورجعت إليك في الميراث ) ذكره أبو داود ،وهو ظاهر جدا في القول بالرد ،فتأمله .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الكللة قال ( ما خل الولد والوالد ) ذكره أبو عبد ال المقدسي في أحكامه .
142
www.dorar.net الدرر
السنية
وسألته صلى ال عليه وسلم امرأة سعد ،فقالت يا رسول ال ،هاتان ابنتا سعد ،قُتل معك يوم أحد ،وإن عمهما أخذ
جميع ما ترك أبوهما ،وإن المرأة ل تنكح إل على مالها ،فسكت النبي صلى ال عليه وسلم حتى أنزلت آية الميراث،
عطِ بنتي سعد ثلثي ميراثه ،وأعط امرأته الثمن ،وخذ فدعا رسول ال صلى ال عليه وسلم أخا سعد بن الربيع ،فقال ( أ ْ
أنت ما بقي ) ذكره أحمد .
وسئل أبو موسى الشعري عن ابنة وابنة ابن وأخت ،فقال للبنت النصف ،وللخت النصف ،وأتِ ابن مسعود
فسيتابعني ،فسئل ابن مسعود وأخْبِر بقول أبي موسى ،فقال لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ،أقضي فيها بما قضى
النبي صلى ال عليه وسلم للبنت النصف ،ولبنة البن السدس تكملة الثلثين ،وما بقي فللخت ،ذكره البخاري .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل ،فقال عندي ميراث رجل من الزد ،ولست أجد أزْدِياً أدفعه إليه ،فقال ( اذهب
فالتمس أزْدِيا حول ) فأتاه بعد الحول ،فقال يا رسول ال ،لم أجد أزديا أدفعه إليه ،قال ( فانطلق فانظر أول خزاعي
تلقاه فادفعه إليه ) فلما ولى قال (عليّ بالرجل ،فلما جاءه قال انظر كبير خزاعة فادفعه إليه ) ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن رجل مات ولم يَ َدعْ وارثا إل غلما له كان أعتقه ،فقال رسول ال صلى ال عليه
وسلم ( هل له أحد ؟ ) قالوا ل ،إل غلما له كان اعتقه ،فجعل رسول ال صلى ال عليه وسلم ميراثه له ،ذكره أحمد
وأهل السنن ،وهو حسن ،وبهذه الفتوى نأخذ .
وأفتى صلى ال عليه وسلم بأن المرأة تحوز ثلثة مواريث عتيقها ،ولقيطها ،و ولدها الذي لعَنَتْ عليه ،ذكره أحمد
وأهل السنن ،وهو حديث حسن ،وبه نأخذ .
وأفتى صلى ال عليه وسلم بأن المرأة ترث من دية زوجها وماله ،وهو يرث من ديتها ومالها ،ما لم يقتل أحدهما
صاحبه عمدا ،فإذا قتل أحدهما صاحبه عمدا لم يرث من ديته وماله شيئا ،وإن قتل أحدهما صاحبه خطأ ورث من ماله
ولم يرث من ديته ،ذكره ابن ماجه ،وبه نأخذ .
وأفتى صلى ال عليه وسلم بأنه أيما رجل عاهر بحرة أو أمة فالولد ولد زنا ،ل يرث ول يورث ،ذكره الترمذي .
وقضى صلى ال عليه وسلم في ولد المتلعنين أنه يرث أمه وترثه أمه ،ومن قذفها جلد ثمانين ،ومن دعاه ولد زنا
جلد ثمانين ،ذكره أحمد وأبو داود ،وعند أبي داود ( وجعل ميراث ولد الملعنة لمه ولورثتها من بعدها ) .
عن العتق
وسأله صلى ال عليه وسلم الشريد بن سويد ،فقال إن أمي أوصت أن تعتق عنها رقبة مؤمنة ،وعندي جارية سوداء
نوبية ،أفأعتقها عنها ؟ فقال ( أئْتِ بها ،فقال لها ( من ربك ؟ ) قالت ال ،قال ( من أنا ؟ ) قالت رسول ال صلى ال
عليه وسلم ،قال ( اعتقها فإنها مؤمنة ) ذكره أهل السنن .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال عليّ عتق رقبة مؤمنة ،وأتاه بجارية سوداء أعجمية ،فقال لها ( أين ال ؟ )
فأشارت إلى السماء بأصبعها السبابة ،فقال لها ( من أنا ) فأشارت بأصبعها إلى رسول ال و إلى السماء ،أي أنت
رسول ال ،فقال ( أعتقها ) ذكره أحمد .
وسأله معاوية بن الحكم السلمي فقال كانت لي جارية ترعى غنما لي قبل نجد والجوانية فاطلعت ذات يوم فإذا الذئب
علَى رسول ال صلى سفُ كما يأسفون ،فصككتها صكة ،فعظم ذلك َ قد ذهب بشاة من غنمها ،وأنا رجل من بني آدم آ َ
ال عليه وسلم ،فقلت أ فل أعتقها ؟ فقال ( أئ ِتنِي بها ) فقال لها ( أين ال ؟ ) قالت في السماء ،قال ( من أنا ) قالت
[ أنت ] رسول ال ،قال( أعتقها فإنها مؤمنة ) .
قال الشافعي فلما وصفت اليمان وأن ربها تبارك وتعالى في السماء ،قال (أعتقها فإنها مؤمنة ) فقد سأل رسول ال
صلى ال عليه وسلم ( أين ال ) .
وسأل صلى ال عليه وسلم أين ال ؟ فأجاب من سأله بأن ال في السماء ،فرضي جوابه ،وعلم به أنه حقيقة اليمان
لربه ،وأجاب هو صلى ال عليه وسلم من ( سأله أين ال ) ،ولم ينكر هذا السؤال عليه ،وعند الجهمي أن السؤال بأين
ال كالسؤال بما لونه وما طعمه وما جنسه وما أصله ونحو ذلك من السئلة المحالة الباطلة .
وسألته صلى ال عليه وسلم ميمونة أم المؤمنين فقالت أشعرت أنى أعتقت وليدتى ،قال ( لو أعطيتها أخوالك كان
أعظم لجرك ) متفق عليه .
143
www.dorar.net الدرر
السنية
وسأله صلى ال عليه وسلم نفر من بني سليم عن صاحب لهم قد أوجب ،يعني النار بالقتل ،فقال ( أعتقوا عنه يعتق
ال بكل عضو منه عضوا من النار ) ذكره أبو داود .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل كم أعفو عن الخادم ؟ فصمَتَ عنه ،ثم قال يا رسول ال كم أعفو عن الخادم ؟ قال
عفُ عنه كل يوم سبعين مرة ) ذكره أبو داود . (ا ْ
وسئل صلى ال عليه وسلم عن ولد الزنا ،فقال ( ل خير فيه ،نعلن أجاهد فيهما في سبيل ال أحب إليّ من أن أعتق
ولد الزنا ) ذكره أحمد .
وسأله صلى ال عليه وسلم سعد بن عبادة فقال إن أمي ماتت وعليها َنذْر ،أفيجزيء عنها أن أعتق عنها ؟ قال ( أعتق
عن أمك ) ذكره أحمد ،وعند مالك إن أمي هلكت فهل ينفعها أن أعتق عنها ؟ فقال ( نعم ) .
واس َتفْ َت ْتهُ صلى ال عليه وسلم عائشة رضى ال عنها ،فقالت إنى أردت أن أشترى جارية فأعتقها ،فقال أهلها نبيعكها
على أن َولَءَها لنا ،فقال ( ل يمنعك ذلك ،إنما الولء لمن أعتق ) .
والحديث في الصحيح فقالت طائفة يصح الشرط والعقد ،ويجب الوفاء به ،و خطأ ،وقالت طائفة يبطل العقد والشرط،
وإنما صح عقد عائشة لن الشرط لم يكن في صلب العقد ،وإنما كان متقدما عليه ،فهو بمنزلة الوعد ل يلزم الوفاء به،
وهذا وإن كان أقرب من الذي قبله فالنبي صلى ال عليه وسلم لم ُيعَلل به ،ول أشار في الحديث إليه بوجه ما ،والشرط
المتقدم كال ُمقَارن ،وقالت طائفة في الكلم إضمار تقديره اشترطي لهم الولء أو ل تشترطيه ،فإن اشتراطه ل يفيد
علَى ،أي
شيئا؛ لن الولء لمن أعتق ،وهذا أقرب من الذي قبله مع مخالفته لظاهر اللفظ ،وقالت طائفة اللم بمعنى َ
اشترطي عليهم الولء؛ فإنك أنت التي ُتعْتَقين ،والولء لمن أعتق ،وهذا وإن كان أقل تكلفا مما تقدم ففيه إلغاء
الشتراط؛ فإنها لو لم تشترطه لكان الحكم كذلك ،وقالت طائفة هذه الزيادة ليست من كلم النبي صلى ال عليه وسلم ،
بل هي من قول هشام بن عروة ،وهذا جواب الشافعي نفسه ،وقال شيخنا بل الحديث على ظاهره ،ولم يأمرها النبي
صلى ال عليه وسلم باشتراط الولء تصحيحا لهذا الشرط ،ول إباحة له ،ولكن عقوبة لمشترطه؛ إذ أبى أن يبيع جارية
للمعتق إل باشتراط ما يخالف حكم ال تعالى وشرعه ،فأمرها أن تدخل تحت شرطهم الباطل ليظهر به حكم ال
ورسوله؛ لن الشروط الباطلة ل تغير شرعه ،وإن من شرط ما يخالف دينه لم يجز أن يُ َوفّى له بشرطه ،ول يبطل
شرَطه ألغى اشتراطه ولم يعتبر ،فتأمل هذه الطريقة وما قبلها من الطرق ،وال البيع به ،وإن من عرف فساد الشرط و َ
تعالى أعلم .
عن الزواج
فصل :وسئل صلى ال عليه وسلم أي النساء خير ؟ فقال ( التي تسره إذا نظر ،وتطيعه إذا أمر ،ول تخالفه فيما يكره
في نفسها وماله ) ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم أي المال يتخذ ؟ فقال ( لي ّتخِذْ أحَدُكم قلبا شاكرا ،ولسانا ذاكرا ،وزوجة مؤمنة تعين أحدكم
علَى أمر الخرة ) ذكره أحمد والترمذي وحَسّنه . َ
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل ،فقال إنى أصبت امرأة ذات حسب وجمال وإنها ل تلد ،أفأتزوجها ؟ قال ( ل ) ثم
أتاه الثانية فنهاه ،ثم أتاه الثالثة فقال ( َتزَوّجُوا الولود الودود فإنى مكاثر بكم المم ) .
وسأله صلى ال عليه وسلم أبو هريرة رضى ال عنه ،فقال إنى رجل شابٌ وإنى أخاف الفتنة ،ول أجد ما أتزوج به،
علَى ذلك جفّ القلم بما أنت لق ،فاختص َ أفل اخْتَصِي ؟ قال فسكت عني ،ثم قلت فسكت عني ،ثم قال (يا أبا هريرةَ ،
أو زِدْ ) ذكره البخاري .
وسأله صلى ال عليه وسلم آخر ،فقال يا رسول ال ائذن لي أن اختصي ،قال ( خِصَاء أمّتى الصيام ) ذكره أحمد .
صلّون كما نصلي ،ويصومون كما وسأله صلى ال عليه وسلم ناس من أصحابه ،فقالوا ذهب أهلُ الدثور بالجور ،يُ َ
نصوم ،ويتصدقون بفضول أموالهم ،قال ( أو ليس قد جعل ال لكم ما تصدقون به ،إن كل تسبيحة صدقة ،وكل تكبيرة
صدقة ،وكل تحميدة صدقة ،وكل تهليلة صدقة ،وأمر بمعروف صدقة ،ونهي عن منكر صدقة ،وفي بُضْع أحدكم
صدقة ) قالوا يا رسول ال يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال ( أرأيتم لو كان وضعها في حرام ،أكان عليه
وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلل كان له أجر ) ذكره مسلم .
وأفتى رسول ال عليه وسلم من أراد أن يتزوج امراة بأن ينظر إليها .
144
www.dorar.net الدرر
السنية
خطَبها ،قال ( اذْهَب فانظر إليها فإنه أجْدَر أن يُؤدَم بينكما )وسأله صلى ال عليه وسلم المغيرة بن شعبة عن امرأة َ
فأتى أبويها فأخبرهما بقول رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فكأنهما كرها ذلك ،فسمعت ذلك المرأة وهي في خِ ْدرِها
عظّمت ذلك عليه ،قال فقالت إن كان رسول ال صلى ال عليه وسلم أمرك أن تنظر فانظر ،وإل فإني أنشدك ،كأنها َ
فنظرت إليها فتزوجتها ،فذكر من موافقتها له ،ذكره أحمد و أهل السنن .
صرَك ) ذكره مسلم .ص ِرفْ بَ َ
وسأله صلى ال عليه وسلم جرير عن نظرة الفجاءة ،فقال ( ا ْ
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال عوراتنا ما نأتي منها وما َنذَر ؟ قال ( احفظ عورتك إل من زوجتك وما ملكت
يمينك ) قال قلت يا رسول ال إذا كان القوم بعضهم في بعض ،فقال ( إن استطعت أن ل يرينها أحد فل َيرَيَنّها ) قال
س َتحْيَا منه ) ذكره أهل السنن .
قلت يا رسول ال إذا كان أحدنا خاليا ،قال ( ال أحق أن يُ ْ
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل أن يزوجه امرأة ،فأمره أن يُصْدِقها شيئا ولو خاتما من حديد ،فلم يجده ،فقال ما
معك من القرآن ؟ قال معي سورة كذا وكذا ،قال تقرؤهن عن ظهر قلبك ؟ قال نعم ،قال ( اذْهَبْ فقد ملكتكها بما معك
من القرآن ) متفق عليه .
واستأذنته صلى ال عليه وسلم أم سلمة في الحجامة ،فأمر أبا طيبة أن يحجمها ،قال حسبت أنه كان أخاها من
الرضاعة ،أو غلما لم يحتلم ،ذكره مسلم .
وأمر صلى ال عليه وسلم أم سلمة وميمونة أن يحتجبا من ابن أم مكتوم ،فقالتا أليس هو أعمى ل يبصرنا ول
يعرفنا ؟ قال ( أفعمياوان أنتما ؟ ألستما تبصرانه ؟ ) ذكره أهل السنن وصححه الترمذي ،فأخذت طائفة بهذه الفتوى،
وحرمت على المرأة نظرها إلى الرجل ،وعارضت طائفة أخرى هذا الحديث بحديث عائشة في الصحيحين أنها كانت
تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد ،وفي هذه المعارضة نظر؛ اذ لعل قصة الحبشة كانت قبل نزول الحجاب،
وخصت طائفة أخرى ذلك بأزواج النبي صلى ال عليه وسلم .
وسألته صلى ال عليه وسلم عائشة رضي ال عنها عن الجارية ينكحها أهلها ،أتستأمر أم ل ؟ فقال ( نعم تستأمر )
قالت عائشة رضي ال عنها فإنها تستحي ،فقال صلى ال عليه وسلم ( فذاك إذنها إذا هي سكتت ) متفق عليه .
وبهذه الفتوى نأخذ ،و أنه ل بد من استئمار البكر ،وقد صح عنه صلى ال عليه وسلم ( اليمُ أحق بنفسها من وليها،
والبكر تستأمر في نفسها ،وإذنها صماتها ) وفي لفظ ( والبكر يستأذنها أبوها في نفسها ،وإذنها صماتها ) وفي
الصحيحين عنه صلى ال عليه وسلم ( ل تنكح البكر حتى تستأذن ) قالوا وكيف إذنها ؟ قال ( أن تسكت ) .وسألته
صلى ال عليه وسلم جارية بكر ،فقالت إن أباها زوجها وهي كارهة ،فخيرها النبي صلى ال عليه وسلم ؛ فقد أمر
باستئذان البكر ،ونهى عن إنكاحها بدون إذنها وخير صلى ال عليه وسلم من نكحت ولم تستأذن ،فكيف بالعدول عن
ذلك كله ومخالفته بمجرد مفهوم قوله ( اليم أحق بنفسها من وليها ) ؟ كيف ومنطوقه صريح في أن هذا المفهوم الذي
فهمه من قال تنكح بغير اختيارها غير مراد ؟ فإنه قال عقيبه ( والبكر تستأذن في نفسها ) بل هذا احتراز منه صلى
ال عليه وسلم من حمل كلمه على ذلك المفهوم كما هو المعتاد في خطابه كقوله ( ل يقتل مسلم بكافر ،ول ذو عهد
في عهده ) فإنه لما نفى قتل المسلم بالكافر أوهم ذلك إهدار دم الكافر ،وأنه ل حرمة له ،فرفع هذا الوهم بقوله ( ول
ذو عهد في عهده ) ،ولما كان القتصار على قوله ( ول ذو عهد ) يوهم أنه ل يقتل إذا ثبت له العهد من حيث الجملة
رفع هذا الوهم بقوله ( في عهده ) وجعل ذلك قيدا لعصمة العهد فيه ،وهذا كثير في كلمه صلى ال عليه وسلم لمن
تأمله كقوله ( ل تجلسوا على القبور ،ول تصلوا إليها ) فإن نهيه عن الجلوس عليها لما كان ربما يوهم التعظيم
المحذور رفعه بقوله ( ول تصلوا إليها ) والمقصود أن أمره باستئذان البكر ونهيه عن نكاحها بدون إذنها وتخييرها
حيث لم تستأذن ل معارض له فيتعين القول به ،وبال التوفيق .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن صَدَاق النساء ،فقال ( هو ما اصطلح عليه أهلوهم ) ذكره الدارقطني .
وعنده مرفوعا ( أنكحوا اليتامى ) قيل يا رسول ال ،ما العلئق بينهم ؟ قال ( ما تراضى عليه الهلون ولو قضيبا من
أراك ) .
وسألته صلى ال عليه وسلم امرأة ،فقالت إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته ،فجعل المر إليها ،فقالت
جزْتُ ما صنع أبي ،ولكن أردت أن يعلم النساء أنْ ليس إلى الباء من المر شيء ،ذكره أحمد والنسائي . قد أ َ
145
www.dorar.net الدرر
السنية
ولما هلك عثمان بن مظعون ترك ابنة له ،فزوجها عمها قدامة من عبد ال ابن عمر ،ولم يستأذنها؛ فكرهت نكاحه
وأحبت أن يتزوجها المغيرة بن شعبة ،فنزعها من ابن عمر وزوجها المغيرة ،وقال إنها يتيمة ،ول تنكح إل بإذنها،
ذكره أحمد .
وسأله صلى ال عليه وسلم َمرْثَد الغَنَوِي فقال يا رسول ال أنكح عناقا ،وكانت بغيا بمكة؛ فسكت عنه فنزلت الية
( الزاني ل ينكح إل زانية أو مشركة والزانية ل ينكحها إل زان أو مشرك ) [ النور ]3 :فدعاه فقرأها عليه وقال ( ل
تنكحها ) .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل آخر عن نكاح امرأة يقال لها أم مهزول كانت تسافح ،فقرأ عليه رسول ال صلى ال
عليه وسلم الية ،ذكره أحمد .
وأفتى صلى ال عليه وسلم بأن الزاني المجلودَ ل ينكح إل مثله ،وأخذ بهذه الفتاوى التي ل معارض لها المام أحمد
ومن وافقه ،وهي من محاسن مذهبه رحمة ال عليه؛ فإنه لم يجوز أن يكون الرجل زوج َقحْبة ،ويعضد مذهبه بضعة
وعشرون دليل قد ذكرناها في مواضع أخر .
وأسلم قيس بن الحارث وتحته ثمان نسوة فسأل النبي صلى ال عليه وسلم عن ذلك ،فقال ( اختر منهن أربعا ) .
وأسلم غيلن وتحته عشر نسوة ،فأمره صلى ال عليه وسلم أن يأخذ منهن أربعا ،ذكرهما أحمد ،وهما كالصريح في
أن الخيرة إليه بين الوائل والواخر .
وسأله صلى ال عليه وسلم فيروز الديلمي فقال أسلمت وتحتي أختان ،فقال ( طلق أيتهما شئت ) ذكره أحمد .
وسأله صلى ال عليه وسلم بصرة بن أكثم؛ فقال نكحت امرأة بكرا في سترها ،فدخلت عليها ،فإذا هي حُبْلى ،فقال
النبي صلى ال عليه وسلم ( لها الصداق بما استحللت من فرجها ،والولد عبد لك ،فإذا ولدت فاجلدوها ) وفرق بينهما،
ذكره أبو داود .
ول يشكل من هذه الفتوى إل مثل عُبُودية الولد ،وال أعلم .
وأسلمت امرأة على عهده صلى ال عليه وسلم ،فتزوجت ،فجاء زوجها الول فقال يا رسول ال إنى كنت أسلمت
وعلمت بإسلمي؛ فانتزعها رسول ال صلى ال عليه وسلم من زوجها الخر ،وردها إلى الول ،ذكره أحمد وابن
حبان .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن رجل تزوج امرأة ،ولم يفرض لها صداقا حتى مات ،فقضى لها على صداق نسائها،
وعليها العدة ،ولها الميراث ،ذكره أحمد وأهل السنن ،وصححه الترمذي وغيره ،وهذه فتوى ل معارض لها ،فل
سبيل إلى العدول عنها.
صلُوه ،فقال ( لعن ال الواصلة وسئل صلى ال عليه وسلم عن امرأة تزوجت ومرضت ،فتمعّط شعرها ،فأرادوا أن يَ ِ
والمستوصلة ) متفق عليه .
عن العزل
وسئل صلى ال عليه وسلم عن العزل ،قال ( أو إنكم لتفعلون ؟ ) قالها ثلثا ( ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إل
وهي كائنة ) متفق عليه ،ولفظ مسلم ( أل عليكم أن ل تفعلوا ،ما كتب ال عزوجل خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة
إل ستكون ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم أيضا عن العزل فقال ( ما من كل الماء يكون الولد ،وإذا أراد ال خلق شيء لم يمنعه
شيء ) وسأله صلى ال عليه وسلم آخر فقال إن لي جارية وأنا أعزل عنها ،وأنا أكره أن تحمل ،وأنا أريد ما يريد
الرجال ،وإن اليهود تحدث أن العزل موءودة صغرى ،فقال ( كذبت اليهود ،لو أراد ال أن يخلقه ما استطعت أن
تصرفه ) ذكرهما أحمد وأبو داود .
وسأله صلى ال عليه وسلم آخر فقال عندي جارية وأنا أعزل عنها ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( إن ذلك ل
حمَلَت،يمنع شيئا ،إذا أراد ال ) فجاء الرجل فقال لرسول ال صلى ال عليه وسلم إن الجارية التي كنت ذكرتها لك َ
فقال ( أنا عبد ال ورسوله ) ذكره مسلم ،وعنده أيضا إن لي جارية هي خادمتنا وساقيتنا وأنا أطوف عليها ،وأنا أكره
أن تحمل ،فقال ( اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها ) فلبث الرجل ،ثم أتاه فقال إن الجارية قد حملت ،فقال (
قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها) .
146
www.dorar.net الدرر
السنية
وسأله صلى ال عليه وسلم آخر عن ذلك فقال ( لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لخرجه ال
منها ،وليخلقن ال عز وجل نفسا هو خالقها ) ذكره أحمد .
وسأله صلى ال عليه وسلم آخر فقال إنى أعزل عن امرأتي ،فقال ( لم تفعل ذلك ؟) فقال إنى أشفق على ولدها ،فقال
رسول ال صلى ال عليه وسلم ( لو كان ذلك ضارا ضر فارس والروم ) وفي لفظ ( إن كان كذلك فل ،ماضر ذلك
فارس والروم ) ذكره مسلم .
عن وطء المرأة
فصل :وسألته صلى ال عليه وسلم امرأة من النصار عن التجبية ،وهي وطء المرأة في قبلها من ناحية دبرها ،فتل
عليها قوله تعالى ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) [ البقرة ]223 :صماما واحدا ،ذكره أحمد .
حلِي
وسأله صلى ال عليه وسلم عمر رضى ال عنه فقال يا رسول ال هلكت ،قال وما أهلكك ؟ قال حولت َر ْ
البارحة ،فلم يرد عليه شيئا؛ فأوحى ال إلى رسوله ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) أقبل وأدبر واتقوا
الحيضة والدبر ،ذكره أحمد والترمذي ،وهذا هو الذي أباحه ال ورسوله ،وهو الوطء من الدبر ل في الدبر ،وقد قال
( ملعون من أتى امرأته في دبرها ) وقال ( من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أوكاهنا فصَدّقه فقد كفر بما أنزل على
محمد ) وقال ( إن ال ل يستحي من الحق ،ل تأتوا النساء في أدبارهن ) وقال ( ل ينظر ال إلى رجل أتى رجل أو
امرأة في الدبر ) وقال في الذي يأتي امرأته في دبرها ( هي اللوطية الصغرى ) وهذه الحاديث جميعها ذكرها أحمد
في المسند .
عن حق المرأة
وسئل صلى ال عليه وسلم ما حق المرأة على الزوج ؟ قال ( أن يطعمها إذا طعم ،ويكسوها إذا اكتسى ،ول يضرب
الوجه ول يقبح ،ول يهجر إل في البيت ) ذكره أحمد وأهل السنن .
عن أحكام الرضاع
عَليّ وكانت امرأتهفصل :وسألته صلى ال عليه وسلم عائشة أم المؤمنين فقالت؛ إن أفلح أخا أبي القعيس استأذن َ
أرضعتني ،فقال ( ائذنى له فإنه عمك ) متفق عليه .
وسأله صلى ال عليه وسلم أعرابي فقال إني كانت لى امرأة ،فتزوجت عليها أخرى ،فزعمت امرأتي الولى أنها
أرضعت امرأتى الحدثاء رضعة أو رضعتين ،فقال ( ل تحرم المْلجة ول الملجتان ) ذكره مسلم .
و سألته سهلة بنت سهيل فقالت إن سالما قد بلغ ما يبلغ الرجال ،وعقل ما عقلوا ،وإنه يدخل علينا ،وإنى أظن أن في
نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا ،فقال ( أرضعيه تحرمي عليه ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة ) فرجعت فقالت إنى قد
أرضعته فذهب الذي في نفس أبي حذيفة ،ذكره مسلم .
فأخذت طائفة من السلف بهذه الفتوى منهم عائشة ،ولم يأخذ بها أكثر أهل العلم ،وقدموا عليها أحاديث توقيت
الرضاع المحرم بما قبل الفطام وبالصغر وبالحولين لوجوه؛ أحدها كثرتها وانفراد حديث سالم ،الثاني أن جميع أزواج
النبي صلى ال عليه وسلم خل عائشة رضى ال عنهن في شق المنع ،الثالث أنه أحوط ،الرابع أن رضاع الكبير ل
ينبت لحما و ل ينشر عظما ،فل تحصل به البعضية التي هي سبب التحريم ،الخامس أنه يحتمل أن هذا كان مختصا
بسالم وحده ،ولهذا لم يجئ ذلك إل في قصته ،السادس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم دخل على عائشة وعندها
رجل قاعد ،فاشتد ذلك عليه وغضب ،فقالت إنه أخي من الرضاعة فقال ( انظرن مَنْ إخوانكن من الرضاعة ،فإنما
الرضاعة من المجاعة ) متفق عليه واللفظ لمسلم ،وفي قصة سالم مَسْلك آخر ،وهو أن هذا كان موضع حاجة؛ فإن
سالما كان قد َتبَنّاه أبو حذيفة ورباه ،ولم يكن له منه ومن الدخول على أهله بد ،فإذا دَعَتِ الحاجة إلى مثل ذلك فالقول
به مما يسوغ فيه الجتهاد ،ولعل هذا المسلك أقوى المسالك ،و إليه كان شيخنا َيجْنَح ،وال أعلم .
وسئل صلى ال عليه وسلم أن ينكح ابنة حمزة ،فقال ( ل تحل لي؛ إنها ابنة أخي من الرضاعة ،ويحرم من الرضاعة
ما يحرم من النسب ) ذكره مسلم .
وسأله صلى ال عليه وسلم عقبة بن الحارث فقال تزوجت امرأة ،فجاءت أمة سوداء فقالت أرضعتكما ،وهي كاذبة؛
فأعرض عنه ،فقال إنها كاذبة ،فقال ( كيف بها وقد زعمت بأنها أرضعتكما ؟ دَعْها عنك ) ففارقها ونكحها غيره،
ذكره مسلم ،وللدارقطني ( دعها عنك فل خير لك فيها ) .
147
www.dorar.net الدرر
السنية
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال ما يذهب عني مَ ِذمّة الرضاع ؟ فقال ( غرة عبد أو أمة ) ذكره الترمذي
وصححه ،والمذمة ـ بكسر الذال ـ من الذّمام ،ل من الذم الذي هو نقيض المدح ،والمعنى أن للمرضعة على المرضع
حقا و ِذمَاما فيذهبه عبد أو أمة فيعطيها إياه .
وسئل صلى ال عليه وسلم ما الذي يَجوز من الشهود في الرضاع ؟ فقال ( رجل أو امرأة ) ذكره أحمد .
فصل
من فتاويه صلى ال عليه وسلم في الطلق
ثبت عن عمر بن الخطاب رضى ال عنه أنه سأله عن طلق ابنه امرأتَه وهي حائض ،فأمر بأن يراجعها ،ثم يمسكها
حتى تطهر ،ثم تحيض ثم تطهر ،ثم إن شاء أن يطلق بعد َفلُيطلق .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل ،فقال إن امرأتي ،وذكر من بَذَائها ،فقال ( طلقها ) فقال إن لها صحبة و ولدا ،قال
ضرْبَك أ َم َتكَ ) ذكره أحمد .
ظعِينَتَك َ
( ُمرْهَا وقل لها ،فإن يكن فيها خير فستفعل ،ول تضرب َ
وسأله صلى ال عليه وسلم آخر فقال إن امرأتي ل تردّ يَدَ لمس ،قال ( غيرها إن شئت ) وفي لفظ ( طلقها ) قال إنى
أخاف أن تتبعها نفسي ،قال ( فاستمتع بها ).
فعورض بهذا الحديث المتشابه الحاديث المحكمة الصريحة في المنع من تزويج البغايا ،واختلفت مسالك المحرمين
لذلك فيه؛ فقالت طائفة المراد باللمس ملتمس الصدقة ،ل ملتمس الفاحشة ،وقالت طائفة بل هذا في الدوام غير مؤثر،
وإنما المانع ورود العقد على زانية؛ فهذا هو الحرام ،وقالت طائفة بل هذا من التزام أخف المفسدتين لدفع أعلهما؛
فإنه لما أمر بمفارقتها خاف أن ل يصبر عنها فيواقعها حراما؛ فأمره حينئذ بإمساكها؛ إذ مواقعتها بعد عقد النكاح أقل
فسادا من مواقعتها بالسفاح ،وقالت طائفة بل الحديث ضعيف ل يثبت ،وقالت طائفة ليس في الحديث ما يدل على أنها
زانية ،وإنما فيه أنها ل تمتنع ممن لمسها أو وضع يده عليها أو نحو ذلك؛ فهى تعطى الليان لذلك ،ول يلزم أن تعطيه
الفاحشة الكبرى ،ولكن هذا ل يؤمن معه إجابتها لداعي الفاحشة ،فأمره بفراقها تركا لما يريبه إلى ما ل يريبه ،فلما
أخبره بأن نفسه تتبعها وأنه ل صبر له عنها رأى مصلحة إمساكِهَا أرْجحَ من مفارقتها لما يكره من عدم انقباضها
عمن يلمسها ،فأمره بإمساكها ،وهذا لعله أرجح المسالك ،وال أعلم .
عن الطلق الثلث
وسألته صلى ال عليه وسلم امرأة فقالت إن زوجي طلقني ،يعني ثلثا ،وإني تزوجت زوجا غيره ،وقد دخل بي ،فلم
يكن معه إل مثل ُهدْبَة الثوب ،فلم يقربني إل هنة واحدة ،ولم يصل مني إلى شيء ،أفأحل لزوجي الول ؟ فقال رسول
حلّينَ لزوجك الول حتى يذوق الخر عس ْيلَ َتكَ وتذوقي عسيلته ) متفق عليه . ال صلى ال عليه وسلم ( ل َت ِ
وسئل صلى ال عليه وسلم أيضا عن الرجل يطلق امرأته ثلثا فيتزوجها الرجل فيغلق الباب و ُي ْرخِي الستر ثم يطلقها
قبل أن يدخل بها ،قال ( ل تحل للول حتى يجامعها الخر ) ذكره النسائي .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن التيس المستعار فقال ( هو المحلل ) ثم قال ( لعن ال المحلل والمحلل له ) ذكره ابن
ماجه.
وسألته صلى ال عليه وسلم امرأة عن كفر المنعمين ،فقال ( لعل إحْدَاكن أن تطول أ ْيمَتها بين يدي أبويها تعنس
فيرزقها ال زوجا ويرزقها منه مال وولدا ،فتغضب الغضبة ،فتقول ما رأيت منه يوما خيرا قط ) ذكره أحمد .
وسأله صلى ال عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلث تطليقات جميعا ،فقام غضبان ،ثم قال ( أيلعب بكتاب ال وأنا
بين أظهركم ؟ ) حتى قام رجل فقال يا رسول ال أل أقتله ،ذكره النسائي .
وطلق ُركَانة بن عبد يزيد أخو بنى المطلب امرأته ثلثا في مجلس واحد ،فحزن عليها حزنا شديدا ،فسأله رسول ال
صلى ال عليه وسلم كيف طلقتها ؟ فقال طلقتها ثلثا ،فقال ( في مجلس واحد ؟) فقال نعم ،قال ( إنما تلك واحدة
فارجعها إن شئت ) قال فراجعها ،فكان ابن عباس يرى إنما الطلق عند كل طهر ،ذكره أحمد ،قال حدثنا سعيد بن
إبراهيم ،قال حدثني أبي عن محمد بن إسحاق قال حدثني داود بن الحصين عن عكرمة مولى ابن عباس ،فذكره،
جرَيْج قال أخبرني بعض بني وأحمد يصحح هذا السناد ،ويحتج به ،وكذلك الترمذي ،وقد قال عبدالرزاق أنبأنا ابن ُ
رافع مولى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن عكرمة عن ابن عباس ،قال طلق عبدُ يزيد أبو ركانة وإخوته أم
ركانة ،ونكح امرأة من مُزينة ،فجاءت النبي صلى ال عليه وسلم ،فقالت ما ُي ْغنِي عني إل كما تغني هذه الشعرة،
148
www.dorar.net الدرر
السنية
لشعرة أخَ َذتَها من رأسها ،ففرق بيني وبينه ،فأخذت النبي صلى ال عليه وسلم حميته ،فدعا بركانة وإخوته ،ثم قال
لجلسائه أترون أن فلنا يشبه منه كذا وكذا من عبد يزيد ،وفلنا منه كذا وكذا ؟ قالوا نعم ،قال النبي صلى ال عليه
طلّقها ،ففعل ،فقال راجع امرأتك أم ركانة وإخوته؛ فقال إني طلقتها ثلثا يا رسول ال ،قال ( قد وسلم لعبد يزيد َ
عِلمْتُ ،راجعها ) وتل ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقونهن لعدتهن ).
َ
قال أبو داود حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا عبد الرزاق ،فذكره ،فهذه طريقة أخرى متابعة لبن إسحاق ،والذي
يخاف من ابن إسحاق التدليس ،وقد قال ( حدثني ) وهذا مذهبه ،وبه أفتى ابن عباس في إحدى الروايتين عنه ،صح
عنه ذلك ،وصح عنه إمضاء الثلث موافقة لعمر رضي ال عنه ،وقد صح عنه صلى ال عليه وسلم أن الثلث كانت
عهْده وعهد أبي بكر وصدرا من خلفه عمر رضي ال عنهما ،وغاية ما يقدر مع ُبعْده أن الصحابة كانوا واحدة في َ
على ذلك ولم يبلغه ،وهذا وإن كان كالمستحيل فإنه يدل على أنهم كانوا يفتون في حياته وحياة الصديق بذلك ،وقد أفتى
هو صلى ال عليه وسلم به ،فهذه فتواه وعمل أصحابه كأنه أخذ باليد ،ول معارض لذلك ،ورأى عمر رضي ال عنه
أن يحمل الناس على إنفاذ الثلث عقوبة وزجرا لهم لئل يرسلوها جملة ،وهذا اجتهاد منه رضي ال عنه ،غايته أن
يكون سائغا لمصلحة رآها ،ول يوجب ترك ما أفتى به رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وكان عليه أصحابه في عهده
وعهد خليفته؛ فإذا ظهرت الحقائق فليقل امرؤ ما شاء ،وبال التوفيق .
عن (( إن تزوجت فلنة فهي طالق ))
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل ،قال إن تزوجت فلنة فهى طالق ثلثا ،فقال ( تزوجها؛ فإنه ل طلق إل بعد النكاح
).
طّلقَ ما ل يملك ) ذكرهما الدارقطني . وسئل صلى ال عليه وسلم عن رجل قال يوم أتزوج فلنة فهى طالق ،فقال ( َ
وسأله صلى ال عليه وسلم عبد فقال إن مولتي زَوجَ ْتنِي ،وتريد أن تفرق بيني وبين امرأتي ،فحمد ال وأثنى عليه
وقال ( ما بال أقوام يزوجون عبيدهم إماءهم ،ثم يريدون أن يفرقوا بينهم ،أل إنما يملك الطلق من أخذ بالساق ) ذكره
الدارقطني .
عن الخلع
وسأله صلى ال عليه وسلم ثابت بن قيس هل يصلح أن يأخذ بعض مال امرأته ويفارقها ؟ قال ( نعم ) قال فإنى قد
شكَتْه إلى
أصدقتها حديقتين وهما بيدها ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم ( خذهما وفارقها ) ذكره أبو داود ،وكانت قد َ
النبي صلى ال عليه وسلم وتحب فراقه كما ذكره البخاري أنها قالت يا رسول ال ثابت بن قيس ما أعِيبُ عليه في
خلُق ول دين ،ولكني أكره الكفر في السلم ،فقال ( أتردين عليه حديقته ؟ ) قالت نعم ،فقال رسول ال صلى ال عليه ُ
وسلم ( اقْبَل الحديقة وطلقها تطليقة ) وعند ابن ماجه إنى أكره الكفر في السلم ،ول أطيقه بغضا ،فأمر النبي صلى
ال عليه وسلم أن يأخذ منها حديقته ول يزداد ،وعند النسائي أن النبي صلى ال عليه وسلم أفتاها أن تتربّصَ حيضة
واحدة ،وعند أبي داود أن النبي صلى ال عليه وسلم أمرها أن تعتدّ بحيضة واحدة .
وأفتى النبي صلى ال عليه وسلم أن المرأة إذا ادعَتْ طلق زوجها ،فجاءت على ذلك بشاهدٍ عدلٍ استحلفت زوجها،
فإن حلف بطلت شهادة الشاهد ،وإن نكل فنكوله بمنزلة شاهد آخر ،وجاز طلقه ،ذكره ابن ماجة من رواية عمرو ابن
أبي سلمة ،وقد روى له مسلم في صحيحه .
في الظهار واللعان
فصل :وسئل صلى ال عليه وسلم عن رجل ظا َهرَ من امرأته ،ثم وقع عليها قبل أن ُي َكفّر ،قال ( وما حملك على ذلك
يرحمك ال ؟ ) قال رأيت خلخالها في ضوء القمر ،قال ( ل تقربها حتى تفعل ما أمرك ال عز وجل ) حديث صحيح .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال لو أن رجل َوجَدَ مع امرأته رجل فتكلم جلدتموه ،أو قَتَلَ قتلتموه ،أو سكت
سكت على غيظ ،فقال ( اللهم افْتَحْ ) وجعل يدعو ،فنزلت آية اللعان ،فابتلى به ذلك الرجل من بين الناس ،فجاء هو
وامرأته إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فتلعَنَا ،ذكره مسلم .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل [ آخر ] إنّ امرأتي ولدت على فراشي غلما أسود ،وإنا أهل بيت لم يكن فينا أسود
حمْر ،قال ( هل فيها من أ ْورَق ؟ ) قال نعم ،قال
قط ،قال ( هل لك من إبل ؟ ) قال نعم ،قال ( فما ألوانها ؟ ) قال ُ
( فأنى كان ذلك ؟ ) قال عسى أن يكون َنزَعه عرق ،قال ( فلعل ابنك هذا َنزَعه عرق ! ) متفق عليه .
149
www.dorar.net الدرر
السنية
وحكم بالفرقة بين المتلعنين ،وأن ل يجتمعا أبدا ،وأخْذِ المرأة صداقها ،وانقطاع نسب الولد من أبيه ،وإلحاقه بأمه،
ووجوب الحد على من قذفه أو قذف أمه ،وسقوط الحد عن الزوج ،و أنه ل يلزمه نفقة ول كسوة ول سكنى بعد الفرقة
.
وسأله صلى ال عليه وسلم سلمة بن صخر البياضي فقال ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ شهر رمضان؛ فبينما هي
تخدمني ذات ليلة إذا انكشف لي منها شيء ،فلم ألبث أ ن َنزَوْتُ عليها ،فقال ( أنت بذاك يا سلمة ) فقلت أنا بذاك فأنا
ح ّررْ رقبة ) قلت والذي بعثك بالحق ما أملك رقبة غيرها، صابر لمر ال عز وجل ،فاحكم فيّ بما أراك ال ،قال ( َ
طعِمْ
وضربْتُ صفحة رقبتي ،قال ( فَصُمْ شهرين متتابعين ) فقلت وهل أصبت الذي أصبت إل من الصيام ؟ قال ( فأ ْ
َوسْقا من تمر بين ستين مسكينا ) قلت والذي بعثك بالحق نبيا لقد ب ْتنَا وحشين ما لنا من طعام ،قال ( فانطلق إلى
صاحب صدقة بنى زريق فليدفعها إليك ،فأطعم ستين مسكينا وَسْقا من تمر ،وكلْ أنت وعيالك بقيتها ) فرجعت إلى
قومي ،فقلت وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ،و وجدت عند رسول ال صلى ال عليه وسلم السعة وحسن الرأي،
وأمر لي بصدقتكم ذكره أحمد .
وسألته صلى ال عليه وسلم خولة بنت مالك ،فقالت إن زوجها أوس بن الصامت ظا َهرَ منها ،وشكته إلى رسول ال
صلى ال عليه وسلم ورسول ال صلى ال عليه وسلم ُيجَادلها فيه بقوله ( اتقي ال فإنه ابن عمك ) فما برحت حتى
نزل القرآن ( قد سمع ال قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى ال ) [المجادلة ]1:اليات ،فقال ( يعتق رقبة )
قالت ل يجد ،قال ( فيصوم شهرين متتابعين ) قالت أنه شيخ كبير ما به من صيام ،قال ( فليطعم ستين مسكينا ) قالت
ما عندهُ من شيء يتصدق به ،فأتي ساعته ب َعرَق من تمر ،قلت يا رسول ال إنى أعينه ب َعرْق آخر ،قال ( أحْسَنْت،
اذهبي فأطعمي بها عنه ستين مسكينا ،وارجعي إلى ابن عمك ) ذكره أحمد وأبو داود ،ولفظ أحمد قالت فيّ وال وفي
ص ْدرَ سورة المجادلة ،قالت كنت عنده ،وكان شيخا كبيرا قد ساء خُلُقه وضجر ،قالت أوس بن الصامت أنزل ال َ
فدخل عليّ يوما ،فراجعته بشيء ،فغضب فقال أنت علي كظهر أمي ،ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة ثم دخل
علي ،فإذا هو يريدني عن نفسي ،قالت قلت كل ،والذي نفس الخويلة بيده ل تخلص إلي وقد قلت ما قلت حتى يحكم
ال ورسوله فينا بحكم ،قالت فواثبَنِي ،فامتنعت منه ،فغلبته بما تغلب المرأة الشيخ الضعيف ،فألقيته عني ،ثم خرجت
إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثيابها ،ثم خرجت حتى جئت رسول ال صلى ال عليه وسلم فجلست بين يديه،
فذكرت له ما لقيت منه ،فجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خُلقه ،فجعل رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول؛ يا
خويلة ابن عمك شيخ كبير ،فاتقى ال فيه ،قالت فوال ما برحت حتى نزل القرآن ،فتغشّى رسول ال صلى ال عليه
سرّيَ عنه ،فقال يا خويلة قد أنزل ال فيك وفيّ و في صاحبك ،ثم قرأ عليّ ( قد سمع ال قول وسلم ما كان يتغشاه ثم ُ
التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى ال ) إلى قوله ( وللكافرين عذاب أليم ) [ المجادلة ]4 :قالت فقال رسول ال
صلى ال عليه وسلم ( مُريه فليعتق رقبة ) وذكر نحو ما تقدم ،وعند ابن ماجه أنها قالت يا رسول ال أكلَ شبابي
ونثرت له بطني ،حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي ظا َهرَ مني ،اللهم إنى أشكو إليك ،فما برحْتُ حتى نزل جبرائيل
عليه السلم بهؤلء اليات .
فتاويه صلى ال عليه وسلم في العدد
فصل :ثبت أن سبيعة السلمية سألته وقد مات زوجها ووضعت حملها بعد موته ،قالت فأفتاني رسول ال صلى ال
عليه وسلم أني قد حللت حين وضعت حملي ،و أمرني بالتزويج إن بدا لي .
سئِلت ،كيف أفتاها رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ قالت أفتاني إذا وضعت أن أنكح ،وكانت أم وعند البخاري أنها ُ
كلثوم بنت عقبة عند الزبير بن العوام ،فقالت له وهي حامل طيب نفسي بتطليقة ،فطلقها تطليقة ،ثم خرج إلى الصلة
عكٍ ال ،ثم أتى النبي صلى ال عليه وسلم ،فسأله عن ذلك ،فقال سبق الكتاب فرجع وقد وضعت فقال لها خَدَعْتيني خَدَ َ
خطُبها إلى نفسها ،ذكره ابن ماجه . أجله ،أ ْ
وسألته صلى ال عليه وسلم فريعة بنت مالك ،فقالت إن زوجي خرج في طلب أعْبُدٍ له أ َبقُوا حتى إذا كان بطرف
القدوم لحقهم فقتلوه ،فسألته أن ترجع إلى أهلها ،وقالت إن زوجي لم يترك لي مَسْكنا يملكه ،ول نفقة ،فقال لها رسول
ال صلى ال عليه وسلم ( نعم ) قالت فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة ـ أو في المسجد ـ ناداني رسول ال صلى
ال عليه وسلم أو أمر بي فنوديتُ له ،فقال ( كيف قلت ) فرددت عليه القصة التي ذكرت له ،فقال ( امكُثِي في بيتك
150
www.dorar.net الدرر
السنية
حتى يبلغ الكتاب أجله ) قالت فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا ،فلما كان عثمان أرسل إليّ ،فسألني عن ذلك،
فأخبرته ،فاتبعه وقضى به ،حديث صحيح ذكره أهل السنن .
وأفتى صلى ال عليه وسلم امرأة ثابت بن قيس بن شمّاس وجميلة بنت عبد ال بن أبي لما اختلعت من زوجها فأمرها
النبي صلى ال عليه وسلم أن تتربّصَ حَيْضة واحدة وتلحق بأهلها ،ذكره النسائي ،وعند أبي داود والترمذي عن ابن
عباس؛ أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت من زوجها ،فأمرها النبي صلى ال عليه وسلم أن تعتدّ حيضة ،وعند الترمذي
عن الربيع بنت مُعوّذ أنها اختَلعَت على عهد رسول ال فأمرها النبي صلى ال عليه وسلم ـ أو أمرت ـ أن تعتد
بحيضة ،قال الترمذي حديث الربيع الصحيح أنها أمرت أن تعتد بحيضة ،وعند النسائي وابن ماجه ـ واللفظ له ـ عن
الربيع قالت اختلعت من زوجي ،ثم جئت عثمان ،فسألت ماذا عليّ من العِدّة ؟ فقال ( ل عدة عليك إل أن يكون حديث
عهد بك فتمكثين عنده حتى تحيضي حيضة ) قالت وإنما تبع في ذلك قضاء رسول ال صلى ال عليه وسلم في مريم
المغالية ،وكانت تحت ثابت بن قيس فاختلعت منه .
الولد للفراش
فصل :واختصم إليه صلى ال عليه وسلم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في الغلم ،فقال سعد هو ابن أخي عتبة
بن أبي وقاص ع ِهدَ إليّ أنه ابنه ،ا ْنظُر إلى شبهه ،وقال عبد بن زمعة هو أخي ،ولد على فراش أبي من وليدته ،فنظر
رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى شبهه ،فرأى شبها بينا بعتبة ،فقال ( هو لك يا عبد ،الولد للفراش وللعاهر الحجر،
واحتجى منه يا سَودة ) فلم تره سودة قط ،متفق عليه ،وفي لفظ البخاري ( هو أخوك يا عبد ) وعند النسائي
( واحتجبي منه يا سودة فليس لك بأخ ) وعند المام أحمد ( أما الميراث فله ،وأما أنْتِ فاحتجبي منه فإنه ليس لك
بأخ ) فحكم وأفتى بالولد لصاحب الفراش عمل بموجب الفراش ،وأمر سودة ان تحتجب منه عمل بشبهه بعتبة ،وقال
( ليس لك بأخ ) للشبهة ،وجعله أخا في الميراث ،فتضمنت فتواه صلى ال عليه وسلم أن المة ِفرَاش ،وأن الحكام
تتبعض في العين الواحدة عمل بالشتباه كما تتبعض في الرضاعة ،وثبوتها يثبت بها الحرمة والمحرمية دون
الميراث والنفقة ،وكما في ولد الزنا ،هو ولد في التحريم وليس ولدا في الميراث ،ونظائر ذلك أكثر من أن تذكر؛
فيتعين الخذ بهذا الحكم والفتوى ،وبال التوفيق .
عن الحداد على الميت
وسألته صلى ال عليه وسلم امرأة فقالت يا رسول ال ،إن ابنتي توفي عنها زوجها ،وقد اشتكت عينها ،أفنكحلها ؟
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( ل ) مرتين أو ثلثا ،متفق عليه .
ومنع صلى ال عليه وسلم المرأة أن ُتحِدّ على ميت فوق ثلث ،إل على زوج فإنها تحد أربعة أشهر وعشرا ،ول
تكتحل ،ول تّطيب ،ول تلبس ثوبا مصبوغا ورخص لها في طهرها إذا اغتسلت في نبذه من قسْط أو أظفار ،متفق
عليه .
صفَر من الثياب،وعند أبي داود والنسائي ( ول تختضب ) وعند النسائي ( ول تمتشط ) وعند أحمد ( ل تلبس ال ُمعَ ْ
ول الشقة الممشقة ،ول الحلي ،ول تختضب ،ول تكتحل ) وجعلت أم سلمة رضي ال عنها على عينيها صبرا لما
توفي أبو سلمة فقال ( ما هذا يا أم سلمة ؟ ) قالت إنما هو صبر ليس فيه طيب ،قال ( أنه يشب الوجه فل تجعليه إل
بالليل ،ول تمتشطي بالطيب ،ول بالحناء فإنه خضاب ) قلت بأي شئ أمتشط يا رسول ال ؟ قال ( بالسّدْر تغلفين به
رأسك ) ذكره النسائي ،وعند أبي داود ( فل تجعليه إل بالليل وتنزعيه بالنهار ) .
وسألته صلى ال عليه وسلم خالة جابر بن عبد ال وقد طلقت هل تخرج تجدّ نخلها ؟ فقال ( فجدي نخلك؛ فإنك عسى
أن تتصدقي أو تفعلي معروفا ) ذكره مسلم .
في فتواه صلى ال عليه وسلم في نفقة المعتدة وكسوتها
فصل :ثبت أن فاطمة بنت قيس طلقها زوجها البتة ،فخاصمته في السكنى والنفقة إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم
قالت؛ فلم يجعل لي سكنى ول نفقة ،وفي السنن أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ( يا بنت آل قيس إنما السكنى والنفقة
على مَن كانت له رَجْعةٌ ) ذكره أحمد ،وعنده أيضا ( إنما السكنى والنفقة للمرأة على زوجها ما كانت له عليها رجعة،
فإذا لم يكن له عليها رجعة فل نفقة ول سكنى ) و في صحيح مسلم عنها طلقني زوجي ثلثا ،فلم يجعل لي رسول ال
صلى ال عليه وسلم سكنى ول نفقة ،وفي رواية لمسلم أيضا أن أبا عمرو بن حفص خرج مع علي كرم ال وجهه إلى
151
www.dorar.net الدرر
السنية
اليمن ،فأرسل إلى امرأته بتطليقة بقيت من طلقها ،وأمر عياش بن أبي ربيعة والحارث بن هشام أن ينفقا عليها ،فقال
وال ما لها نفقة ،إل أن تكون حامل ،فأتت النبي صلى ال عليه وسلم ،فذكرت له قولهما ،فقال ( ل نفقة لك )
فاستأذنته في النتقال ،فأذن لها ،فقلت له أين يا رسول ال ؟ فقال ( عند ابن أم مكتوم ) وكان أعمى ،تضع ثيابها عنده
ول يراها ،فلما مضت عدتها أنكحها النبي صلى ال عليه وسلم أسامة بن زيد ،فأرسل إليها مروان قبيصة بن ذؤيب
يسألها عن الحديث ،فحدثته ،فقال لم نسمع هذا الحديث إل من امرأة ،سنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها ،فقالت
فاطمة حين بلغها قول مروان بيني وبينكم القرآن ،قال تعالى ( ل تخرجوهن من بيوتهن ول يخرجن ) [الطلق] 1:
الية ،قالت هذا لمن كانت له ُمرَاجعة ،فأي أمر يحدث بعد الثلث ؟ .
وأفتى النبي صلى ال عليه وسلم بأن للنساء على الرجال رزقهن وكسوتهن بالمعروف ،ذكره مسلم .
ط ِعمُوهُنّ مما تأكلون ،واكسوهن مما تلبسون ،ول وسئل صلى ال عليه وسلم ما تقول في نسائنا ؟ فقال ( أ ْ
تضربوهن ،ول تقبحوهن ) ذكره مسلم .
وسألته صلى ال عليه وسلم هند امرأة أبي سفيان فقالت إن أبا سفيان رجل شحيح ،وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني
وولدي إل ما أخذت منه وهو ل يعلم ،قال ( خذي ما يكفيك و ولدك بالمعروف ) متفق عليه .
ما تضمنته الفتوى السابقة
فتضمنت هذه الفتوى أمورا ،أحدها أن نفقة الزوجة غير ِمقَدّرة ،بل المعروف ينفي تقديرها ،ولم يكن تقديرها معروفا
في زمن رسول ال صلى ال عليه وسلم ول الصحابة ول التابعين ول تابعيهم .الثاني أن نفقة الزوجة من جنس نفقة
الولد كلهما بالمعروف .الثالث انفراد الب بنفقة أولده .الرابع أن الزوج أو الب إذا لم يبذل النفقة الواجبة عليه
فللزوجة والولد أن يأخذوا قدر كفايتهم بالمعروف .الخامس أن المرأة إذا َق َدرَت على أخذ كفايتها من مال زوجها لم
يكن لها إلى الفسخ سبيل .السادس أن ما لم يقدره ال ورسوله من الحقوق الواجبة فالمرجع فيه إلى العرف .السابع أن
ذم الشاكي لخصمه بما هو فيه حال الشكاية ل يكون غيبة ،فل يأثم به هو ول سامعه بإقراره عليه .الثامن أن من منع
الواجب عليه وكان سبب ثبوته ظاهرا فلمستحقه أن يأخذ بيده إذا قدر عليه ،كما أفتى به النبي صلى ال عليه وسلم
هندا ،وأفتى به صلى ال عليه وسلم الضيف إذا لم َيقْره من نزل عليه كما في سنن أبي داود عنه صلى ال عليه وسلم
أنه قال ( ليلة الضيف حق على كل مسلم ،فإن أصبح بفنائه محروما كان دينا عليه إن شاء اقتضاه وإن شاء تركه )
وفي لفظ ( مَنْ نزل بقوم فعليهم أن يقروه ،فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه ) وإن كان سبب الحق خفيا لم يجز له
ذلك ،كما أفتى النبي صلى ال عليه وسلم في قوله ( أدّ المانة إلى من ائتمنك ،ول تخن من خانك ) .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل مَن أحقّ الناس بحسن صحابتي ؟ قال ( أمك ) قال ثم من ؟ قال ( أمك ) قال ثم
من ؟ [ قال ( أ مك ) قال ثم من ؟ ] قال ( أبوك ) متفق عليه ،زاد مسلم ( ثم أدْنَاك فأ ْدنَاك ) .
قال المام أحمد للم ثلثة أرباع البر ،وقال أيضا الطاعة للب ،وللم ثلث أرباع البر ،وعند المام أحمد قال ( ثم
القرب فالقرب ) وعند أبي داود أن رجل سأل النبي صلى ال عليه وسلم مَنْ أبر ؟ قال ( أمك ،وأباك ،وأختك،
وأخاك ،ومولك الذي يلي ذاك ،حق واجب ورحم موصولة ) .
في الحضانة
فصل :قضى رسول ال صلى ال عليه وسلم فيها خمس قضايا .
إحداها قضى بابنة حمزة لخالتها ،وكانت تحت جعفر بن أبي طالب ،وقال ( الخالة بمنزلة الم ) فتضمن هذا القضاء
أن الخالة مقام الم في الستحقاق ،وأن تزوجها ل يُسْقط حضانتها إذا كانت جارية .
القضية الثانية أن رجل جاء بابن له صغير لم يبلغ ،فاختصم فيه هو وأمه ،ولم تسلم الم ،فأجلس رسول ال صلى ال
عليه وسلم البَ ههنا و[ أجَْلسَ ] الم ههنا ،ثم خير الصبي ،وقال ( اللهم اهْ ِدهِ ) فذهب إلى أمه ،ذكره أحمد .
القضية الثالثة أن رافع بن سنان أسلم ،وأبت امرأته أن تسلم ،فأتت النبي صلى ال عليه وسلم وقالت ابنتي فطيم أو
شبهه ،وقال رافع ابنتي ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( أقعد ناحية ) وقال لها ( اقعدي ناحية ) فأقعد الصبية
بينهما ،ثم قال ( ادعواها ) فمالت إلى أمها ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم ( اللهم اهدها ) فمالت إلى أبيها ،فأخذها،
ذكره أحمد .
152
www.dorar.net الدرر
السنية
القضية الرابعة جاءته امرأة فقالت إن زوجي يريد أن يذهب بابني ،وقد سقاني من بئر أبي عنبة ،وقد نفعني ،فقال
رسول ال صلى ال عليه وسلم ( استهما عليه ) فقال زوجها من يُحاقّني في ولدي ؟ فقال النبي صلى ال عليه وسلم
( هذا أبوك وهذه أمك ،فخذ بيد أيهما شئت ) فأخذ بيد أمه ،فانطلقت به ،ذكره أبو داود .
القضية الخامسة جاءته صلى ال عليه وسلم امرأة فقالت يا رسول ال إن ابني هذا كان َبطْني له وعاء ،وثديي له
سقاء ،وحجري له حواء ،وإن أباه طلقني ،وأراد أن ينزعه مني ،فقال لها ( أنت أحق به ما لم تنكحي ) ذكره أبو داود
.
[ وعلى هذه القضايا الخمس تدور الحضانة ،وبال التوفيق ] .
ومن فتاويه صلى ال عليه وسلم في باب الدماء والجنايات
سئل صلى ال عليه وسلم عن المر والقاتل ،فقال ( قسمت النار سبعين جزءا فللمر تسع وستون ،وللقاتل جزء )
ذكره أحمد .
عفُ عني فإنهوجاءه رجل فقال إن هذا قتل أخي ،قال ( ا ْذهَب فاقتله كما قتل أخاك ؟ ) فقال له الرجل اتق ال وا ْ
عظَم لجرك وخير لك يوم القيامة ،فخلى عنه ،فأخبر النبي ،فسأله فأخبره بما قال له ،فقال له ( أما أنه خير مما هو أْ
صانع بك يوم القيامة ،تقول يا رب سل هذا فيم قتل أخي ) .
وجاءه صلى ال عليه وسلم رجل بآخر قد ضرب ساعده بالسيف فقطعها من غير مفصل ،فأمر له بالدية ،فقال أريد
القصاص ،فقال ( خُذ الدية بارك ال لك فيها ) ولم يقض له بالقصاص ،ذكره ابن ماجه .
وأفتى صلى ال عليه وسلم بأنه إذا أمسك الرجل الرجل وقتله الخر يقتل الذي قتل ويحبس الذي أمسك ،ذكره
الدارقطني .
ورفع إليه صلى ال عليه وسلم يهودي قد رَضّ رأس جارية بين حجرين ،فأمر به أن يرَضّ رأسه بين حجرين ،متفق
عليه .
وقضى صلى ال عليه وسلم أن شَبَه العمد مغلظ مثل العمد ،ول يقتل صاحبه ذكره أبو داود .
وقضى صلى ال عليه وسلم في الجنين يسقط من الضربة بُغرةٍ عبد أو أمة ،ذكره أبو داود أيضا .
وقضى صلى ال عليه وسلم في قتل الخطأ شبه العمد بمائة من البل أربعون منها في بطونها أولدها ،ذكره أبو داود
.
وقضى صلى ال عليه وسلم أن ل يقتل مسلم بكافر ،متفق عليه .
وقضى صلى ال عليه وسلم أن ل يقتل الوالد بالولد؛ ذكره الترمذي .
وقضى صلى ال عليه وسلم أن يعقل المرأة عَصَبتها من كانوا ول يرثون عنها ،إل ما فَضَل عن ورثتها ،وإن قتلت
فعقلها بين ورثتها ،فهم يقتلون قاتلها ،ذكره أبو داود .
وقضى صلى ال عليه وسلم أن الحامل إذا قتلت عمدا لم تقتل حتى تضع ما في بطنها ،وحتى تكفل ولدها ،وإن زَنَتْ
حتى تضع ما في بطنها وحتى تكفل ولدها ،ذكره ابن ماجه .
وقضى صلى ال عليه وسلم أن من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يفدي وإما أن يقتل ،متفق عليه .
وقضى صلى ال عليه وسلم أن من أصيب بدم أو خبل ـ والخبل الجراح ـ فهو بالخيار بين إحدى ثلث ،فإن أراد
الرابعة فخذوا على يديه أن يقتل ،أو يعفو ،أو يأخذ الدية ،فمن فعل شيئا من ذلك فعاد فإن له نار جهنم خالدا مخلدا أبدا
عفْوه وأخذ الدية ،أو قتل غير الجاني .
فيها ،يعنى قتل بعد َ
وقضى صلى ال عليه وسلم أن ل يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه ،ذكره أحمد .
عن الدية
وقضى صلى ال عليه وسلم في النف إذا أوعب جَدْعا بالدية ،وإذا جدعت أرنبته بنصف الدية .
ع ْدِلهَا ذهبا أو َورِقا ،أو مائة بقرة ،أو ألف
وقضى صلى ال عليه وسلم في العين بنصف الدية خمسين من البل ،أو َ
شاة ،وفي الرّجْلِ نصف العقل ،وفي اليد نصف العقل ،والمأمومة ثلث العقل ،والمنقلة خمس عشرة من البل،
والمُوضِحة خمس من البل ،والسنان خمس خمس ،ذكره أحمد .
وقضى صلى ال عليه وسلم أن السنان سواء الثّنّيةُ والضرس سواء ،ذكره أبو داود .
153
www.dorar.net الدرر
السنية
وقضى صلى ال عليه وسلم في دية أصابع اليدين والرجلين بعشر عشر ،صححه الترمذي .
وقضى صلى ال عليه وسلم في العين العوراء السادة لمكانها إذا طمست بثلث الدية ،وفي اليد الشلء إذا قطعت ثلث
ديتها ،ذكره أبو داود .
وقضى صلى ال عليه وسلم في اللسان بالدية ،وفي الشفتين بالدية ،وفي البيضتين بالدية ،وفي الذكر بالدية ،وفي
الصلب بالدية ،وفي العينين بالدية ،وفي الرجل الواحدة نصف الدية ،وأن ال ّرجُلَ يقتل بالمرأة ،ذكره النسائي .
وقضى صلى ال عليه وسلم أن من قُتِل خطأ فديته مائة من البل ثلثون بنت مخاض ،وثلثون بنت لبون ،وثلثون
حقة ،وعشرة ابن لبون ،ذكره النسائي ،وعند أبي داود عشرون حقة ،وعشرون جَذَعة ،وعشرون بنت مخاض،
وعشرون بنت لَبُون ،وعشرون ابن مخاض ذكر .وقضى صلى ال عليه وسلم أن من قتل متعمدا ُد ِفعَ إلى أولياء
المقتول ،فإن شاؤا قتلوا ،وإن شاءوا أخذوا الدية ،وهي ثلثون حِقّة ،وثلثون جَذَعة ،وأربعون خَلفة ،وما صولحوا
عليه فهو لهم ،ذكره الترمذي وحَسَنه .
وقضى صلى ال عليه وسلم على أهل البل بمائة من البل ،وعلى أهل البقر بمائتي بقرة ،وعلى أهل الشاة ألفي شاة،
وعلى أهل الحلل مائتي حلة ،ذكره أبو داود .وقضى صلى ال عليه وسلم أن عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى تبلغ
الثلث من ديتها ،ذكره مسلم .
عقْلَ أهل الذمة نصف عقل المسلمين ،ذكره النسائي ،وعند الترمذي عقل الكافر وقضى صلى ال عليه وسلم أن َ
نصف عقل المؤمن ،حديث [ حسن ] يصحح مثله أكثر أهل الحديث .وعند أبي داود كانت قيمة الدية على عهد
رسول ال صلى ال عليه وسلم ثمان مئة دينار ،وثمانية آلف درهم ،ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلم،
فلما كان عمر َرفَعَ دية المسلمين وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية .
وقضى صلى ال عليه وسلم في جنين امرأه ضربتها أخرى ب ُغرّة عبد أو أمة ،ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة
توفيت ،فقضى صلى ال عليه وسلم أن ميراثها لبنيها وزوجها ،وأن العقل على عصبتها ،متفق عليه .
وقضى صلى ال عليه وسلم في امرأتين قتلت إحداهما الخرى ولكل منهما زوج بالدية على عاقلة القاتلة ،وميراثها
لزوجها وولدها ،فقال عاقلة المقتولة ميراثها لنا يا رسول ال فقال صلى ال عليه وسلم ( ل ،ميراثها لزوجها و
ولدها ) ذكره أبو داود .
وجاءه صلى ال عليه وسلم عبد صارخ فقال ( ما َلكَ ؟ ) قال سيدي رآنى أقبل جارية له ،فجبّ مذا كيري ،فقال
ي بالرجل ) فطلب فلم ُيقْ َدرْ عليه ،فقال ( اذهب فأنت حر ) قال على من نصرتي يا رسول ال ؟ قال ( على كل ( عل ّ
مؤمن ،أو مسلم ) ذكره ابن ماجه .
وقضى رسول ال صلى ال عليه وسلم بإبطال دية العاض لما انْ َتزَعَ المعضوض يَدَه من فيه فأسقط ثنيته ،متفق عليه .
وقضى صلى ال عليه وسلم بأن مَنِ اطّلعَ في بيت قوم بغير إذنهم فخذفوه ففقؤا عينه بأنه ل جُناح عليهم ،متفق عليه،
وعند مسلم ( فقد حل لهم أن يفقؤا عينه ) وعند المام أحمد من هذا الحديث ( فل دية [ له ] ول قصاص ) .
وقضى صلى ال عليه وسلم أنه ل دِ َيةَ في المأمومة ول الجائفة ول المنقلة ،ذكره ابن ماجه .
س َعةٍ ،فقال هذا قتل أخي ،فقال ( كيف قتلته ؟ ) قال كنت أنا وهو نختبط وجاءه صلى ال عليه وسلم رجل يقود آخر بِ ِن ْ
من شجرة ،فسبنى فأغضبنى فضربته بالفأس على قرنه ،فقتلته ،فقال ( هل لك من شيء تؤديه عن نفسك ؟ ) قال ما
لي إل كسائي وفأسي ،قال ( فترى قومك يشترونك ؟ ) قال أنا أهْوَن على قومي من ذلك ،فقال ( دونك صاحبك )
فانطلق به ،فلما ولى قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( إن قَتَله فهو مثله ) فرجع فقال يا رسول ال بلغني أنك قلت
إن قتله فهو مثله وأخَذْتُه بأمرك ،فقال ( أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك ؟ ) قال يا نبي ال بلى ،فرمى بنسعته،
وخلّي سبيله ،ذكره مسلم .
حطْ بمعناه ،ول إشكال فيه؛ فإن قوله صلى ال عليه وسلم ( إن قتله فهو مثله ) لم وقد أشكل هذا الحديث على مَنْ لم ُي ِ
يرد به أنه مثله في الثم ،وإنما عنى به أنه إن قتله لم يبق عليه إثم القتل؛ لنه قد استوفى منه في الدنيا ،فيستوي هو
والولي في عدم الثم ،أما الولي فإنه قتله بحق ،وأما هو فلكونه قد اقتص منه ،وأما قوله ( يبوء بإثمك وإثم صاحبك )
فإثم الولي مظلمته بقتل أخيه ،وإثم المقتول إراقة دمه ،وليس المراد أنه يحمل خطاياك وخطايا أخيك وال أعلم .
154
www.dorar.net الدرر
السنية
وهذه غير قصة الذي َدفَع إليه وقد قتل ،فقال وال ما أردت قتله ،فقال ( أما أنه إن كان صادقا فقتلته دخلْتَ النار )
فخلّّه الرجل ،صححه الترمذي ،وإن كانت هي القصة فتكون هذه علة كونه إن قتله فهو مثله في المأثم ،وال أعلم .
عن القسامة
فصل :وأقر صلى ال عليه وسلم القَسَامة على ما كانت عليه قبل السلم ،وقضى بها بين ناس من النصار في قتيل
ادعوه على اليهود ،ذكره مسلم .
وقضى صلى ال عليه وسلم في شأن محيصة بأن ُيقْسِمَ خمسون من أولياء القتيل على رجل من المتهمين به ،فيدفع
برمته إليه ،فأبوا ،فقال ( تبرئكم يهود بأيمان خمسين ) فأبوا ،فَوَدَاه رسول ال صلى ال عليه وسلم بمئة من عنده،
سمَ رسول ال صلى ال عليه وسلم دِيته عليهم، متفق عليه ،وعند مسلم ( بمائة من إبل الصدقة ) وعند النسائي ( فقَ َ
وأعانهم بنصفها ) .
وقضى صلى ال عليه وسلم أنه ( ل َتجْنِي نفس على أخرى ،ول يجني والد على ولده ،ول ولد على والده ) والمراد
أنه ل يؤخذ بجنايته فل تزر وازرة وزر أخرى .
عقْلُ خطأ ،ومن قتل عمّّياً أو ِرمّ ّياً لكونه بينهم بحجر أو سوط ف َع ْقلُه َوقضى صلى ال عليه وسلم أن ( مَنْ قتل في ِ
عمدا فقَوَد يديه ،فمن حال بينه وبينه فعليه لعنة ال والملئكة والناس أجمعين ) ذكره أبو داود .
وقضى صلى ال عليه وسلم أن ( المعدن جُبَار ،والبئر جُبَار ) متفق عليه ،وفي قوله ( المعدن جُبار ) قولن؛ أحدهما
أنه إذا استأجر من يحفر له معدنا فسقط عليه فقتله فهو جُبَار ،ويؤيد هذا القول اقترانه بقوله ( البئر جُبار و العجماء
جبار ) و الثاني أنه ل زكاة فيه ،ويؤيد هذا القول اقترانه بقوله ( وفي الركاز الخمس ) ففرق بين المعدن والركاز،
فأوجَبَ الخمس في الركاز؛ لنه مال مجموع يؤخذ بغير كلفة ول تعب ،وأسقطها عن المعدن؛ لنه يحتاج إلى كلفة
وتعب في استخراجه ،وال أعلم .
في حد الزنا
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال إن ابني كان عَسِيفا على هذا ،فزنى بامرأته ،فافتديت منه بمئة شاة وخادم،
جلْدَ مائة وتغريب عام ،وإن على امرأة هذا الرجم ،فقال وإني سألت رجال من أهل العلم فأخبروني أن على ابني َ
غدُ ياضيَنّ بينكما بكتاب ال ،المائة والخادم رَدّ عليك ،وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام ،وا ْ ( والذي نفسي بيده لقْ ِ
جمْها ) فاعترفت فرجَمَها ،متفق عليه . أنيس على امرأة هذا ،فإن اعترفت فارْ ُ
وقضى صلى ال عليه وسلم فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام وإقامة الحد عليه ،ذكره البخاري .
وقضى صلى ال عليه وسلم أن الثيب بالثيب جلد مائة ثم الرجم ،والبكر بالبكر جلد مائة ثم نفي سنة ،ذكره مسلم .
ضحُهم وجاءه اليهود فقالوا إن رجل منهم وامرأة زنيا ،فقال لهم ( ما تجدون في التوارة في شأن الرجم ؟ ) فقالوا نفْ َ
جلَدون ،فقال عبد ال بن سلم كذبتم إن فيها الرجم ،فأتوا بالتوارة فنشروها؛ فوضع أحدهم يده على آية الرجم ،فقرأ و ُي ْ
ما بعدها وما قبلها ،فقال له عبد ال بن سلم ا ْرفَعْ َيدَك ،فرفع يده فإذا آية الرجم ،فقالوا ص َدقَ يا محمد فيها آية الرجم،
فأمر بهما فرجما ،متفق عليه .
ولبي داود أن رجل منهم وامرأة زنيا ،فقالوا اذهبوا به إلى هذا النبي؛ فإنه بعث بالتخفيف ،فإن أفتانا ب ُفتْيَا دون الرجم
قبلناها منه ،واحتججنا بها عند ال ،و قلنا إنها فتيا نبي من أنبيائك؛ فأتوه وهو جالس في المسجد في الصحابة ،فقالوا يا
أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة زنيا ؟ فلم يكلمهم بكلمة حتى أتى بيت مِ ْدرَاسهم فقام على الباب فقال أنشدكم بال
حمّمَ و ُيجَ ّبهُ ويجلد ،والتجبية الذي أنزل التوارة على موسى ،ما تجدون في التوراة على مَنْ زنى إذا ُأحْصِن ؟ قالوا ي َ
أن يحمل الزانيان على حمار ،وتقابل أقفيتهما ،ويطاف بهما ،فسكت شاب منهم ،فلما رآه النبي صلى ال عليه وسلم
سكت نظر إليه وأنشده فقال اللهم إذ أنشدتنا فإنا نجد في التوارة الرجم ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم ( فما أول ما
س َرةٍ من الناس فأراد َرجْمه ارتخصتم أمر ال ) قال زنى ذو قرابة ملكٍ من ملوكنا فأخر عنه الرجم؛ ثم زنى رجل في أ ْ
فحال قومه دونه؛ وقالوا ل يرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم؛ فقال النبي
صلى ال عليه وسلم ( فإني أحكم بما في التوارة ) فأمر بهما فرجما .
وعند أبي داود أيضا أنه دعا بالشهود ،فجاءه أربعة ،فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل المِيلِ في ال ُم ْكحُلة .
155
www.dorar.net الدرر
السنية
وسأله صلى ال عليه وسلم ماعز بن مالك أن ُيطَهره ،وقال إنى قد زنيت ،فأرسل إلى قومه هل تعلمون بعقله بأسا
تنكرون منه شيئا ؟ قالوا ما نعلمه إل أوْفى العقل من صالحينا فيما نرى ،فأقرّ أربع مرات ،فقال له في الخامسة
شاُء في البئر أ ِنكْ َتهَا ؟ قال نعم ،قال حتى غاب ذلك منك في ذلك منها ؟ قال نعم ،قال كما يغيب ال ِمرْود في المكحلة والرّ َ
؟ قال نعم ،قال فهل تدري ما الزنَى ؟ قال نعم أتيتُ منها حَراما ما يأتي الرجل من امرأته حلل ،قال فما تريد بهذا
القول ؟ قال أريد أن تطهرني ،فأمر رجل فاستنكهه ،ثم أمر به فرجم ،ولم يحفر له ،فلما وجد َمسّ الحجارة فر يشتدّ
حتى مر برجل معه لحى جمل فضربه وضربه الناس حتى مات ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم ( هل تركتموه
وجئتموني به ) .
وفي بعض طرق هذه القصة أنه صلى ال عليه وسلم قال له شهدت على نفسك أربع مرات ،اذهبوا به فارجموه .
وفي بعضها فلما شهد على نفسه أربع مرات دعاه النبي صلى ال عليه وسلم قال ( أبك جنون ؟ ) قال ل ،قال ( هل
أحصنت ؟ ) قال نعم ،قال ( اذهبوا به فارجموه ) .
س َترَ
وفي بعض طرقها أنه صلى ال عليه وسلم سمع رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه ألم تر إلى هذا الذي َ
ال عليه فلم تَدَعْه نفسه حتى رجم َرجْمَ الكلب ،فسكت عنهما ثم سار ساعة حتى مر بحيفة حمار شائل برجليه ،فقال
أين فلن وفلن ؟ فقال نحن ذان يا رسول ال ،فقال انزل وكُل من جيفة هذا الحمار ،فقال يا نبي ال من يأكل هذا ؟
قال فما نلتما من عرض أخيكما آنفا أشَدّ أكل منه ،والذي نفسي بيده أنه الن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها .
وفي بعض طرقها أنه صلى ال عليه وسلم قال له لعلك رأيت في منامك ،لعلك استكرهت ،وكل هذه اللفاظ صحيحة
.
وفي بعضها أنه أمر فحفرت له حفيرة ،ذكره مسلم ،وهي غلط من رواية بشير بن المهاجر ،وإن كان مسلم قد روى
له في الصحيح فالثقة قد يغلط على أن أحمد وأبا حاتم الرازي قد تكلما فيه ،و إنما حصل الوهم من حفرة الغامدية،
فَسَرى إلى ماعز ،وال أعلم .
طهّرني ،وإنه رددها ،فقالت ترددني كما رددت ماعزا وجاءته صلى ال عليه وسلم الغامدية ،فقالت إنى قد زنيب َف َ
فوال إنى لحبلى ،فقال اذهبي حتى َتلِدِي ،فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة ،فقالت هذا قد ولدته ،فقال اذْهَبي فأرضعيه
حتى تفطميه ،فلما فطمته أتته به وفي يده كسرة من خبز؛ فقالت هذا قد فطمته وأكَلَ الطعام ،فدفع الصبي إلى رجل من
حجَر فرمى رأسها فنضح المسلمين ،ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها ،وأمر الناس فرجموها ،فأقبل خالد بن الوليد ب َ
علَى وجهه ،فسبها ،فسمع نبي ال صلى ال عليه وسلم سبه إياها ،فقال ( مهلً يا خالد ،فوالذي نفسي بيده لقد تابت الدم َ
توبة لو تا َبهَا صاحبُ َمكْس لغفر له ) ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت ،ذكره مسلم .
وجاءه صلى ال عليه وسلم رجل ،فقال يا رسول ال إنى أصبت حَدّا فأقمه عليّ ،ولم يسأله عنه ،وحضرت الصلة،
فصلى مع النبي صلى ال عليه وسلم ،فقام إليه الرجل فقال يا رسول ال إنى أصبت حَدّا فأقم فيّ كتاب ال ،قال
غفَر لك ذنبك ،أو قال حَدّك ) متفق عليه . ( أليس قد صليت معنا ؟ ) قال نعم ،قال ( فإن ال قد َ
سمّه فلم َيجِبْ على المام استفساره ،ولو سماه لحده كما وقد اختلف في وجه هذا الحديث؛ فقالت طائفة أقر بحد لم ُي َ
حد ماعزا ،وقالت طائفة بل غفر ال له بتوبته ،والتائب من الذنب كمن ل ذنب له ،وعلى هذا فمن تاب من الذنب قبل
القُ ْدرَة عليه سقطت عنه حقوق ال تعالى كما تسقط عن المحارب ،وهذا هو الصواب .
طرَفي النهار و ُزلَفا من الليل ،إن وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال أصبت من امرأة قبلة ،فنزلت (و أقِم الصلة َ
الحسنات يذهبن السيئات ،ذلك ذكرى للذاكرين ) [ هود ]114 :فقال الرجل إليّ هذه ؟ فقال ( بل لمن عمل بها من
أمتي ) متفق عليه .
وقد استدل به من يرى أن التعزير ليس بواجب ،وأن للمام إسقاطه ،ول دليل فيه ،فتأمله .
وخرجت امرأة تريد الصلة ،فتجللها رجل فقَضَى حاجته منها ،فصاحت وفر ،ومر عليها غيره فأخذوه؛ فظنت أنه
هو وقالت هذا الذي َفعَلَ بي ،فأتوا به النبي صلى ال عليه وسلم ،فأمر برجمه؛ فقام صاحبها الذي وقَع عليها ،فقال أنا
صاحبها ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم ( اذهبي فقد غفر ال لك ) ،وقال للرجل قَوْل حسنا ،فقالوا أل ترجم
صاحبها ؟ فقال ( ل ،لقد تاب توبة لو تابها أهل المدينة لقبل منهم ) ذكره أحمد و أهل السنن ،ول فتوى ول حكم أحسن
من هذا .
156
www.dorar.net الدرر
السنية
فإن قيل كيف أمر برجم البريء ؟ قيل لو أنكر لم يرجمه؛ ولكن لما أخذ وقالت هو هذا ،ولم ينكر ولم يحتجّ عن نفسه،
فاتفق مجئ القوم به في صورة المريب ،وقول المرأة هذا هو ،وسكوته سكوت المريب ،وهذه القرائن أقوى من قرائن
حد المرأة بلعان الرجل وسكوتها ،فتأمله .
تأثير اللوث في الدماء وغيرها
وللوث تأثير في الدماء والحدود والموال أما الدماء ففي القَسَامة ،و أما الحدود ففي اللعان ،وأما الموال ففي قصة
ظَلمَا وغَدَرا أن يحلف اثنان منالوصية في السفر؛ فإن ال سبحانه حكم بأنه إن اطّلعَ على أن الشاهدين والوصيين َ
الورثة على استحقاقهما ،ويقضي لهم ،وهذا هو الحكم الذي ل حكم غيره؛ فإن اللوث إذا أثر في إراقة الدماء وإزهاق
حرَى ،وقد حكم به نبي ال سليمان بن داود في النسب النفوس وفي الحدود فلن يعمل به في المال بطريق الوْلى وال ْ
مع اعتراف المرأة أنه ليس بولدها ،بل هو ولد الخرى ،فقال لها ( هو ابنك ) ومن تراجم النسائي على قصته
( التوسعة للحاكم أن يقول للشيء الذي ل يفعله ا ْفعَلُ كذا ليستبين به الحق ) ثم ترجم عليه ترجمة أخرى فقال ( الحكم
بخلف ما يعترف به المحكوم عليه إذا تبين للحاكم أن الحق غير ما اعترف به ) وهذا هو العلم استنباطا ودليل ،ثم
ترجم عليه ترجمة ثالثة فقال ( نقض الحاكم ما حكم به مَنْ هو مثله أو أجَلّ منه ) .
قلت وفيه رد لقول من قال يكون بينهما ،إجراء للنسب ُمجْرَى المال ،وفيه أن حكم الحاكم ل يزيل الشيء عن صفته
في الباطن ،وفيه نوع لطيف شريف عجيب من أنواع العلم النافع ،وهو الستدلل بقدر ال على شرعه؛ فإن سليمان
شقّ الولد ،على أنه ابنها،خلَقه في قلب الصغرى من الرحمة والشفقة بحيث أبَتْ أن ُي َ عليه السلم استدلّ بما قَدّره ال و َ
شقّه ،وهذا قول ل يَصْدر من أم ،وإنما يصدر من شقّ الولد ،وقالت نعم ُ
وقوى هذا الستدلل رضي الخرى بأن ُي َ
حاسد يريد أن يتأسّى بصاحب النعمة في زوالها عنه كما زالت عنه هو ،ول أحسن من هذا الحكم وهذا الفهم ،وإذا لم
يكن مثل هذا في الحاكم أضاع حقوق الناس ،وهذه الشريعة الكاملة طافحة بذلك .
الرأي في العمل بالسياسة
وجرت في ذلك مناظرة بين أبي الوفاء ابن عقيل وبين بعض الفقهاء ،فقال ابن عقيل العمل بالسياسة هو الحزم ،ول
يخلوا منه إمام ،وقال الخر ل سياسة إل ما وافق الشرع ،فقال ابن عقيل السياسة ما كان من الفعال بحيث يكون
الناسُ معه أقرب إلى الصلح وأبعد عن الفساد ،وإن لم يشرعه الرسول صلى ال عليه وسلم ول نزل به وحي؛ فإن
أردت بقولك (( ل سياسة إل ما وافق الشرع )) أي لم يخالف ما نطق به الشرع فصحيح ،وإن أردت ما نطق به
الشرع فغلط وتغليط للصحابة؛ فقد جرى من الخلفاء الراشدين من القتل والمثل ما ل يجحده عالم بالسير ،ولو لم يكن
إل تحريق المَصَاحف كان رأيا اعتمدوا فيه على مصلحة ،وكذلك تحريق عليّ كرم ال وجهه الزنادقة في الخاديد،
صرَ بن حجاج . و َنفْي عمر نَ ْ
قلت هذا موضع مزلة أقدام ومضلة أفهام ،وهو مقام ضَنْك ومعترك صعبَ ،ف ْرطَ فيه طائفة فعطلوا الحدود ،وضيعوا
سدّوا على أنفسهم طرقا الحقوق ،وجرَأوا أهل الفجور على الفساد ،وجعلوا الشريعة قاصرة ل تقوم بمصالح العباد ،و َ
صحيحة من الطرق ُيعْرف بها المحق من المبطل ،وعطلوها مع علمهم وعلم الناس بها أنها أدلة حق ،ظنا منهم
ُمنَافاتها لقواعد الشرع ،والذي أوجب لهم ذلك نوع تقصير في معرفة حقيقة الشريعة والتطبيق بين الواقع وبينها ،فلما
رأى وُلة المر ذلك وأن الناس ل يستقيم أمرهم إل بشيء زائد على ما فهمه هؤلء من الشريعة فأحدثوا لهم قوانين
سياسية ينتظم بها مصالح العالم؛ فتولد من تقصير أولئك في الشريعة وإحداث هؤلء ما أحدثوه من أوضاع سياستهم
شرّ طويل ،وفساد عريض ،وتفاقَمَ المر ،وتعذّر استدراكه ،وأفرط فيه طائفة أخرى فسوغت منه ما يُناقض حكم ال
ورسوله ،وكل الطائفتين أُتيَتُ من قبل تقصيرها في معرفة ما بعث ال به رسوله صلى ال عليه وسلم؛ فإن ال أرسل
رُسُله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقِسْط ،وهو العدل الذي قامت به السموات والرض ،فإذا ظهرت أمارات الحق،
س َفرَ صبحه بأي طريق كان؛ فثم شرع ال ودينه ورضاه وأمره ،وال تعالى لم يحصر طرق وقامت أدلة العقل ،وأ ْ
العدل وأدلته وأماراته ،في نوع واحد وأبطل غيره من الطرق التي هي أقوى منه وأدلّ وأظهر ،بل بين بما شرعه من
الطرق أن مقصوده إقامة الحق والعدل وقيام الناس بالقسط ،فأي طريق استخرج بها الحق ومعرفة العدل وجب الحكم
بموجبها ومقتضاها ،والطرق أسباب و وسائل ل ُترَاد لذواتها ،وإنما المراد غاياتها التي هي المقاصد ،ولكن نبه بما
157
www.dorar.net الدرر
السنية
شرْعَة وسبيل للدللة شرعه من الطرق على أسبابها و أمثالها ،ولن تجد طريقا من الطرق المثبتة للحق إل وهي ِ
عليها ،وهل يظن بالشريعة الكاملة خلف ذلك ؟.
السياسة العادلة جزء من أجزاء الشريعة
ول نقول إن السياسة العادلة مخالفة للشريعة الكاملة ،بل هي جزء من أجزائها وباب من أبوابها ،وتسميتها سياسة
أم ُر اصطلحي ،وإل فإذا كانت عَدْل فهي من الشرع ،فقد حبس رسول ال صلى ال عليه وسلم في تُهمة ،وعاقب في
تهمة لما ظهرت أمارات الريبة على المتهم؛ فمن أطلق كل متهم وخلّى سبيله أو حلّفه مع علمه باشتهاره بالفساد في
الرض و َنقْب الدور وتواتر السرقات ـ ول سيما مع وجود المسروق معه ـ وقال ل آخذه إل بشاه َديّ عدل أو إقرار
س ْهمَه،
اختيار وطَوْع فقوله مخالف للسياسة الشرعية ،وكذلك منع النبي صلى ال عليه وسلم الغالّ من الغنيمة َ
سلَبَ قتيله ،وأخذ شطر مال مانع الزكاة ،وإضعافه الغرم وتحريق الخلفاء الراشدين متاعه ،ومنع المسيء على أمين َ
على سارق مال قطع فيه ،وعقوبته بالجلد ،وإضعافه الغرم على كاتم الضالة ،وتحريق عمر بن الخطاب حانوت
صرَ سعد ابن أبي وقاص لما احتجب فيه عن رعيته ،وحَلقه رأس الخمار ،وتحريقه قرية يباع فيها الخمر ،وتحريقه قَ ْ
نصر بن حجاج ونفيه ،وضربه صبيغا بالدرة لما تتبع ال ُمتَشَابه فسأل عنه ،إلى غير ذلك من السياسة التي ساس بها
المة فسارت سنة إلى يوم القيامة ،وإن خالفها مَنْ خالفها .ولقد حد أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم في الزنى
بمجرد الحبل ،وفي الخمر بالرائحة والقيء ،وهذا هو الصواب؛ فإن دليل القيء والرائحة والحبل على الشرب والزنى
أولى من البينة قطعا ،فكيف يظن بالشريعة إلغاء أقوى الدليلين ،ومن ذلك تحريق الصدّيقِ اللوطيّ ،وإلقاء أمير
المؤمنين علي كرم ال وجهه له من شاهق على رأسه ،ومن ذلك تحريق عثمان المصاحف المخالفة للمصحف الذي
جمع الناس عليه ،وهو الذي بلسان قريش ،ومن ذلك تحريق الصديق الفجاءة السّلمي ،ومن ذلك اختيار عمر رضي
ال عنه للناس إفراد الحج وأن يعتمروا في غير أشهر الحج ،فل يزال البيت الحرام معمورا بالحجاج والمعتمرين،
ومن ذلك منع عمر رضي ال عنه الناس من بيع أمهات الولد ،وقد باعوهن في حياة رسول ال صلى ال عليه وسلم
وحياة أبي بكر رضي ال عنه وأرضاه ،ومن ذلك إلزامه بالطلق الثلث لمن أوقعه بفم واحد عقوبة له كما صرح هو
صدْرا من إمارته هو يجعل واحدة ،إلى بذلك ،وإل فقد كان على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبي بكر و َ
أضعاف ذلك من السياسات العادلة التي ساسوا بها المة ،وهي مشتقة من أصول الشريعة وقواعدها .
تقسيم الدين إلى شريعة وسياسة أو إلى شريعة وحقيقة
وتقسيم بعضهم طرق الحكم إلى شريعة وسياسة كتقسيم غيرهم الدين إلى شريعة وحقيقة ،وكتقسيم آخرين الدين
إلى عقل ونقل ،وكل ذلك تقسيم باطل ،بل السياسة والحقيقة والطريقة والعقل كل ذلك ينقسم إلى قسمين صحيح،
وفاسد؛ فالصحيح قسم من أقسام الشريعة ل قسيم لها ،والباطل ضدها ومنافيها ،وهذا الصل من أهم الصول وأنفعها،
وهو مبني على حرف واحد ،وهو عموم رسالته صلى ال عليه وسلم بالنسبة إلى كل ما يحتاج إليه العباد في معارفهم
وعلومهم وأعمالهم ،و أنه لم يحوج أمته إلى أحد بعده ،وإنما حاجتهم إلى من يبلغهم عنه ما جاء به ،فلرسالته عمومان
محفوظان ل يتطرق إليهما تخصيص عموم بالنسبة إلى المرسل إليهم ،وعموم بالنسبة إلى كل ما يحتاج إليه مَن بُعث
إليه في أصول الدين وفروعه؛ فرسالته كافية شافية عامة ،ل تحوج إلى سواها ،ول يتم اليمان به إل بإثبات عموم
رسالته في هذا وهذا ،فل يخرج أحد من المكلّفين عن رسالته ،ول يخرج نوع من أنواع الحق الذي تحتاج إليه المة
في علومها وأعمالها عما جاء به .
لم يتوفى الرسول صلى ال عليه وسلم إل وذكر من كل شيء علماً
وقد توفي رسول ال صلى ال عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إل ذكر للمة منه علما ،وعلمهم كل
شئ حتى آداب التخلي وآداب الجماع والنوم والقيام والقعود ،والكل والشرب ،والركوب والنزول ،والسفر والقامة،
والصمت والكلم ،وال ُعزْلة والخلطة ،والغِنَى والفقر ،والصحة والمرض ،وجميع أحكام الحياة والموت ،ووصف لهم
العرش والكرسي والملئكة والجن والنار والجنة ويوم القيامة وما فيه حتى كأنه رأي عين ،وعرفهم معبودهم وإلههم
أتم تعريف حتى كأنهم يرونه ويشاهدونه بأوصاف كماله ونعوت جلله ،وعرفهم النبياء وأممهم وما جرى لهم وما
جرى عليهم معهم حتى كأنهم كانوا بينهم ،وعرفهم من طرق الخير والشر دقي َقهَا وجليلها ما لم يعرفه نبي لمته قبله،
وعرفهم صلى ال عليه وسلم من أحوال الموت وما يكون بعده في البرزخ وما يحصل فيه من النعيم والعذاب للروح
158
www.dorar.net الدرر
السنية
والبدن ما لم يعرف به نبي غيره ،وكذلك عرفهم صلى ال عليه وسلم أدلة التوحيد والنبوة والمعاد والرد على جميع
فرق أهل الكفر والضلل ما ليس لمن عرفه حاجة من بعده اللهم إل إلى من يبلغه إياه ويبينه ويوضح منه ما خفي
عقََلوه
عليه ،وكذلك عرفهم صلى ال عليه وسلم من مكايد الحروب ولقاء العدو وطرق النصر والظفر ما لو علموه و َ
ورَعَوه حق رعايته لم يقم لهم عدو أبدا ،وكذلك عرفهم صلى ال عليه وسلم من مكايد إبليس وطرقه التي يأتيهم منها
وما يتحرزون به من كيده ومكره وما يدفعون به شره ما ل مزيد عليه ،وكذلك عرفهم صلى ال عليه وسلم من أحوال
نفوسهم و أوصافها ودسائسها وكمائنها ما ل حاجة لهم معه إلى سواه ،وكذلك عرفهم صلى ال عليه وسلم من أمور
معايشهم ما لو علموه وعملوه لستقامت لهم دنياهم أعظم استقامة .
جاء الرسول صلى ال عليه وسلم بخير الدنيا والخرة
وبالجملة فجاءهم بخير الدنيا والخرة ب ُرمّته ،ولم يحوجهم ال إلى أحد سواه ،فكيف يُظن أن شريعته الكاملة التي
ما طرق العالم شريعة أكمل منها ناقصةٌ تحتاج إلى سياسة خارجة عنها تكملها ،أو إلى قياس أو حقيقة أو معقول
خارج عنها ؟ ومن ظن ذلك فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلى رسول آخر بعده ،وسبب هذا كله خفاء ما جاء به على
من ظن ذلك وقلة نصيبه من الفهم الذي َو َفقَ ال له أصحاب نبيه الذين اكتفوا بما جاء به ،واستغنوا به عما سواه،
وفتحوا به القلوب والبلد ،وقالوا هذا عهد نبينا إلينا وهو عهدنا إليكم ،وقد كان عمر رضي ال عنه يمنع من الحديث
عن رسول ال صلى ال عليه وسلم خشية أن يشتغل الناس به عن القرآن ،فكيف لو رأى اشتغال الناس بآرائهم وزَبَد
أفكارهم و ُزبَالة أذهانهم عن القرآن والحديث ؟ فال المستعان .
وقد قال ال تعالى ( أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ،إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون )
[ العنكبوت ]51 :وقال تعالى ( وأنزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ) [ النحل :
]89وقال تعالى ( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم ،وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين )
[ يونس ،]57 :وكيف يشفي ما في الصدور كتاب ل يفي هو وما تبينه السنة بعُشْر معشار الشريعة ؟ أم كيف يشفي
ما في الصدور كتاب يستفاد منه اليقين في مسألة واحدة من مسائل معرفة ال وأسمائه وصفاته وأفعاله ؟ أو عَامّتُها
ظواهر لفظية دللتها موقوفة على انتفاء عشرة أمور ل يعلم انتفاؤها ،سبحانك هذا بهتان عظيم ! ويال العجب ! كيف
كان الصحابة والتابعون قبل وضع هذه القوانين التي أتى ال بنيانها من القواعد وقبل استخراج هذه الراء والمقاييس
والوضاع ؟ أهل كانوا مهتدين مكتفين بالنصوص أم كانوا على خلف ذلك ؟ حتى جاء المتأخرون فكانوا أعلم منهم
وأهدى وأضبط للشريعة منهم و أعلم بال وأسمائه وصفاته وما يجب له و [ ما ] يمتنع عليه منهم ؟ فوال لن يلقى ال
[ عبده ] بكل ذنب ما خل الشراك لخيرٌ من أن يلقاه بهذا الظن الفاسد والعتقاد الباطل .
من كلم المام أحمد في السياسة الشرعية
وهذه نبذة يسيرة من كلم المام أحمد رحمه ال في السياسة الشرعية
قال في رواية المروزي وابن منصور والمخنث ينفى؛ لنه ل يقع منه إل الفساد والتعرض له ،وللمام نفيه إلى بلد
يأمن فساد أهله ،وإن خاف به عليهم حَبسَه .
وقال في رواية حنبل ،فيمن شرب خمرا في نهار رمضان ،أو أتى شيئا نحو هذا أقيم الحد عليه ،وغلظ عليه مثل
الذي يقتل في الحرم دية وثلث .
وقال في رواية حرب إذا أتت المرأة المرأة تعاقبان وتؤدبان .
وقال أصحابنا إذا رأى المام تحريق اللوطي بالنار فله ذلك؛ لن خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر رضي ال عنه أنه
َوجَدَ في بعض نواحي العرب رجل ُي ْنكَح كما تنكح المرأة ،فاستشار أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم وفيهم أمير
المؤمنين علي كرم ال وجهه ،وكان أشدهم قول ،فقال إن هذا الذنب لم َتعْصِ ال به أمة من المم إل واحدة ،فصنع ال
بهم ما قد علمتم ،أري أن يحرقوه بالنار ،فأجمع رأي أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم على أن يحرقوه بالنار،
فكتب أبو بكر الصديق رضي ال عنه إلى خالد بن الوليد رضي ال عنهما بأن يحرقوا ،فحرقهم ،ثم حرقهم ابن
الزبير ،ثم حرقهم هشام بن عبد الملك .
طعَنَ على الصحابة أنه قد وجب على السلطان عقوبته ،وليس للسلطان أن ونص المام أحمد رضي ال عنه فيمن َ
يعفو عنه ،بل يعاقبه ويستتيبه ،فإن تاب وإل أعاد العقوبة .
159
www.dorar.net الدرر
السنية
وصرح أصحابنا في أن النساء إذا خيف عليهن المُساحقة حرم خلوة بعضهن ببعض .
ضرِب حتى يختار . وصرحوا بأن من أسلم وتحته أختان فإنه ُيجْبر على اختيار إحداهما ،فإن أبى ُ
قالوا وهكذا كل من وجب عليه حق فامتنع من أدائه ،فإنه يضرب حتى يؤديه .
وأما كلم مالك وأصحابه في ذلك فمشهور .
وأبعد الناس من الخذ بذلك الشافعي رحمه ال تعالى ،مع أنه اعتبر قرائن الحوال في أكثر من مائة موضع ،وقد
ذكرنا منها كثيرا في غير هذا الكتاب ،منها جواز وطء الرجل المرأة ليلة الزفاف ،وإن لم يرها ولم يشهد عدلن أنها
امرأته ،بناء على القرائن .ومنها قبول الهدية التي يوصلها إليه صبي أو عبد أو كافر ،وجواز أكلها والتصرف فيها،
وإن لم يشهد عدلن أن فلنا أهدى لك كذا ،بناء على القرائن ،ول يشترط تلفظه ول تلفظ الرسول بلفظ الهبة والهدية .
ومنها جواز تصرفه في بابه ب َقرْع حلقته و َدقّه عليه ،وإن لم يستأذنه في ذلك .ومنها استدعاء المستأجر للدار والبستان
لمن شاء من أصحابه وضيوفه وإنزالهم عنده مدة وإن لم يستأذنه نطقا ،وإن تضمن ذلك تصرفهم في منفعة الدار
وإشغالهم الكنيف وإضعافهم السلم ونحوه .ومنها جواز القدام على الطعام إذا وضعه بين يديه وإن لم يصرح له
بالذن لفظا .ومنها جواز شربه من الناء وإن لم يقدمه إليه ول يستأذنه .ومنها جواز قضاء حاجته في كنيفه وإن لم
يستأذنه .ومنها جواز الستناد إلى وسادته .ومنها أخذ ما ينبذه رغبة عنه من الطعام وغيره ،وإن لم يصرح بتمليكه
له .ومنها انتفاعه بفراش زوجته ولحافها و وسادتها وآنيتها ،وإن لم يستأذنها ُنطْقا إلى أضعاف أضعاف ذلك .
وهل السياسة الشرعية إل من هذا الباب .وهي العتماد على القرائن التي تفيد القطع تارة والظن الذي هو أقوى من
ظن الشهود بكثير تارة ؟ وهذا باب واسع ،وقد تقدم التنبيه عليه مرارا ،ول يستغنى عنه المفتي والحاكم .
رجوع إلى فتاوى النبي صلى ال عليه وسلم وهي في الطعمة
فصل :فلنرجع إلى فتاوي رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وذكر طرف من فتاويه في الطعمة .
حرَام هو ؟ قال ( ل ،ولكنى أكرهه من أجل رائحته ) ذكره مسلم . وسئل صلى ال عليه وسلم عن الثوم أ َ
وسأله صلى ال عليه وسلم أبو أيوب هل يحل لنا البصل ؟ فقال ( بلى ،ولكنى يغشاني ما ل يغشاكم ) ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الضب ،أحرام هو ؟ فقال ( ل ،ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه ) متفق عليه
.
وسئل صلى ال عليه وسلم عن السمن والجبن والفرا ،فقال ( الحلل ما أحله ال في كتابه ،والحرام ما حرمه ال في
كتابه ،وما سكت عنه فهو مما عفا عنه ) ذكره ابن ماجه .
[ وسئل صلى ال عليه وسلم عن الضبع ،فقال ( أو يأكل الضبع أحد ؟! ) ] .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الذئب ،فقال ( أو يأكل الذئب أحد فيه خير ؟ ) ذكره الترمذي ،وعند ابن ماجه قال
قلت يا رسول ال ما تقول في الضبع ؟ قال ( ومن يأكل الضبع ؟ ) وإن صح حديث جابر في إباحة الضبع فإن في
القلب منه شيئا ،كان هذا الحديث يدل على ترك أكله تقذرا أو تنزها ،وال أعلم .
وسألته صلى ال عليه وسلم عائشة رضي ال عنها فقالت إن قوما يأتوننا باللحم ل ندري أ ِذ َكرَ اسمُ ال عليه أم ل،
فقال ( سموا أنتم وكلوا ) ذكره البخاري .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال أنأكل مما قتلنا ول نأكل مما قتل ال ؟ فأنزل ال ( ول تأكلوا مما لم يذكر اسم
ال عليه ) [ النعام ]121 :إلى آخر الية ،هكذا ذكره أبو داود ،وأن الذي سأل هذا السؤال هم اليهود ،والمشهور في
هذه القصة أن المشركين هم الذين أوردوا هذا السؤال ،وهو الصحيح ،ويدل عليه كون السورة مكية ،وكون اليهود
يحرمون الميتة كما يحرمها المسلمون ،فكيف يوردون هذا السؤال وهم يوافقوه على هذا الحكم ؟ ويدل عليه أيضا
قوله ( وإن الشياطين لَيُوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم ) [ النعام ]121 :فهذا سؤال مجادل في ذلك ،واليهود لم تكن
تجادل في هذا ،وقد رواه الترمذي بلفظ ظاهره أن بعض المسلمين سأل هذا السؤال ،ولفظه أتى ناس إلى النبي صلى
ال عليه وسلم فقالوا يا رسول ال ،أنأكل مما نقتل ول نأكل مما قتل ال ؟ فأنزل ال تعالى ( فكلوا مما ذكر اسم ال
عليه ) [ النعام ]118 :إلى قوله ( وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) [ النعام ]121 :وهذا ل يناقض كون المشركين
هم الذين أوردوا هذا السؤال؛ فسأل عنه المسلمون رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ول أحسب قوله (( إن اليهود
سألوا عن ذلك )) إل وَهَما من أحد الرواة ،وال أعلم .
160
www.dorar.net الدرر
السنية
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل ،فقال يا رسول ال إنى إذا أصبت اللحم انتشرتُ للنساء ،و أخذتني شهوتي ،فحرمت
عليّ اللحم ،فأنزل ال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا ل تحرموا طيبات ما أحل ال لكم ،ول تعتدوا ،إن ال ل يحب
المعتدين وكلوا مما رزقكم ال حلل طيبا ) [ المائدة ]88-87 :ذكره الترمذي .
وسأله صلى ال عليه وسلم أبو ثعلبة الخُشَني رضي ال عنه ،فقال إن أرضنا أرض أهل كتاب ،وإنهم يأكلون لحم
الخنزير ويشربون الخمر ،فكيف نصنع بآنيتهم وقدورهم ؟ فقال صلى ال عليه وسلم ( إن لم تجدوا غَيرَهَما
فارْحَضُوها واطبخوا فيها واشربوا ) قال قلت يا رسول ال ما يحل لنا وما يحرم علينا ؟ قال ( ل تأكلوا لحم الحمر
النسية ،ول يحل [ أكل ] كل ذي ناب من السباع ) ذكره أحمد ،وقد ثبت عنه في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة
أنه قال ( أكل كل ذي ناب من السباع حرام ) وهذان اللفظان يبطلن [ قول ] من تأول نهيه عن أكل كل ذى ناب من
السباع بأنه نهي كراهة؛ فإنه تأويل فاسد قطعا ،وبال التوفيق .
عن الذكاة والصيد
وسئل صلى ال عليه وسلم أما تكون الذكاة إل في الحلق واللّبّة ؟ فقال ( لو طعنت في فخذها لجزأ عنك ) ذكره أبو
داود ،وقال هذا ذكاة المتردي ،وقال يزيد بن هارون هذا للضرورة ،وقيل هو في غير المقدور عليه .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الجنين يكون في بطن الناقة أو البقرة أو الشاة أنُلقيه أم نأكله ؟ فقال ( كلوه إن شئتم،
فإن ذكاته ذكاة أمه ) ذكره أحمد ،وهذا يبطل تأويل من تأول الحديث أنه يذكر كما تذكر أمه ثم يؤكل؛ فإنه أمرهم
بأكله ،وأخبر أن ذكاة أمه ذكاة له ،وهذا لنه جزء من أجزائها ،فلم يحتج إلى أن ُيفْرد بذبح كسائر أجزائها .
وسأله صلى ال عليه وسلم رافع بن خديج فقال إنا لقو العدو غدا ،وليست معنا ُمدَى ،أفنذكى باللّيطة ؟ فقال النبي
صلى ال عليه وسلم ( ما أ ْن َهرَ الدم وذكر اسم ال عليه فكل ،إل ما كان من سن أو ظفر ،فإن السن عظم ،والظفر ُمدَى
الحبشة ) متفق عليه ،واللّيطة الفلقة من القصب .
وسأله صلى ال عليه وسلم عدي بن حاتم رضي ال عنه ،فقال إن أحدنا ليصيبُ الصيدَ وليس معه سكين ،أيذبح
بال َمرْوَة وشقة العصى ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( أ ِمرِ الدم وأذكر اسم ال ) ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن شاه حلّ بها الموت ،فأخذت جارية حَجرا فذبحتها به ،فأمر النبي صلى ال عليه وسلم
بأكلها ،ذكره البخاري .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن شاة َنيّبَ فيها الذئب ،فذبحوها ب َمرْوَة ،فرخّصَ لهم في أكلها ،ذكره النسائي .
جزَرَ البحر عنه ،فقال ( كلوا رزقا أخرجه ال لكم ،وأطعمونا إن وسئل صلى ال عليه وسلم عن أكل الحوت الذي َ
كان معكم ) متفق عليه .
وسأله صلى ال عليه وسلم أبو ثعلبة الخُشني ،فقال إنا بأرض صيد ،أصيد بقوسي وبكلبي المعلّم وبكلبي الذي ليس
صدْتَ بكلبك المعلم فذكرت اسم ال بمعلّم ،فما يصلح لي ؟ فقال ( ما صدت بقوسك فذكرت اسم ال عليه فكل ،وما ِ
عليه فكل ،وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل ) متفق عليه ،وهو صريح في اشتراطه التسمية لحل
الصيد ،ودللته على ذلك أصرح من دللته على تحريم صيد غير المعلم .
عَليّ وأذكر اسم ال ،فقال ( إذا وسأله صلى ال عليه وسلم عدي بن حاتم ،فقال إنى أرسل كلبي المعلّمة فيمسكن َ
أرسلت كلبك المعلم ،وذكرت اسم ال فكل ما أمسك عليك ) قلت وإن قتلن ؟ قال ( وإن قتلن ،ما لم يشركها كلب ليس
منها ) قلت فإنى أرمي بال ِم ْعرَاض الصيد فأصيب ،فقال ( إذا َرمَيْتَ بالمعراض فخزق فكله ،وإن أصابه بعرضه فل
تأكله ) متفق عليه .
وفي بعض ألفاظ هذا الحديث ( إل أن يأكل الكلب ،فإن أكل فل تأكل ،فإنى أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه ،وإن
خالطها كلب من غيرها فل تأكل؛ فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره ) .
وفي بعض ألفاظه ( إذا أرسلت كلبك المُكلّب فاذكر اسم ال فإن أمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه ،وإن أدركته قد قتل
ولم يأكل منه فكله؛ فإن أخْذَ الكلب ذكا ُتهُ ) وفي بعض ألفاظه ( إذا رميت بسهمك فاذكر اسم ال ) وفيه ( فإن غاب
عنك اليومين أو الثلثة ولم تجد فيه إل أثر سهمك فكل إن شئت ،فإن وجدته غريقا في الماء فل تأكل؛ فإنك ل تدري
س ْهمُك ) .
الماء قتله أو َ
161
www.dorar.net الدرر
السنية
وسأله صلى ال عليه وسلم أبو ثعلبة الخُشني فقال يا رسول ال إن لي كلبا مكلّبة فأفْتِني في صيدها ،فقال ( إن كانت
لك كلب مكلبة فكل مما أمسكت عليك ) فقال يا رسول ال ذكي وغير ذكي ؟ قال ( ذكي وغير ذكي ) قال وإن أكل
منه ؟ قال ( وإن أكل منه ) قال يا رسول ال أفْتِني في قوسي ،قال ( كل ما أمسكت عليك قوسك ) قال ذكي وغير ذكي
؟ قال ( ذكي وغير ذكي ) قال وإن تغيب عني ؟ قال ( وإن تغيب عنك ما لم يصل ) يعنى يتغير ( أو تجد فيه أثرا غير
أثر سهمك ) ذكره أبو داود .
ول يناقض هذا قوله لعدي بن حاتم ( وإن أكل [ منه ] فل تأكل ) فإن حديث عدي فيما أكل منه حال صيده؛ إذ يكون
ممسكا على نفسه ،وحديث أبي ثعلبة فيما أكل منه بعد ذلك ،فإنه يكون قد أمسك على صاحبه ثم أكل منه بعد ذلك،
وهذا ل يحرم كما لو أكل مما ذكاه صاحبه .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الذي يدرك صيده بعد ثلث ،فقال ( ُكلْه ما لم ينتن ) ذكره مسلم .
وسأله صلى ال عليه وسلم أهل بيت كانوا في الحرة محتاجين ماتت عندهم ناقة لهم أو لغيرهم ،فرخّصَ لهم في أكلها
فعصمتهم بقية شتائهم ،ذكره أحمد .
وعن أبي داود أن رجل نزل بالحرة ومعه أهله وولده ،فقال له رجل إن لي ناقة قد ضلت؛ فإن وجدتها فأمسكها
سُلخْها حتى نقدد شحمها ولحمها فوجدها فلم يجد صاحبها ،فمرضت ،فقالت امرأته انحرها ،فأبى ،فنفقت ،فقالت ا ْ
نأكله ،فقال حتى أسال رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فأتاه فسأله ،فقال له ( هل عندك ما يغنيك ؟ ) قال ل ،قال
( فكلوه ) قال فجاء صاحبها فأخبره الخبر ،فقال هل كنت نحرتها ،قال استحييت منك ،وفيه دليل على جواز إمساك
الميتة للمضطر .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال من الطعام طعام نتح ّرجُ منه ،فقال ( ل يختلجَنّ في نفسك شيء ضارعت فيه
النصرانية ) ذكره أحمد ،ومعناه وال أعلم النهي عما شا َبهَ طعام النصارى ،يقول ل تشكن فيه ،بل دَعْه ،فأجابه
بجواب عام ،وخص النصارى دون اليهود لن النصارى ل يحرمون شيئا من الطعمة[ ،بل ] يبيحون مادبّ و َدرَج
من الفيل إلى البعوض .
وسأله صلى ال عليه وسلم عقبة بن عامر فقال إنك تبعثنا فنزل بقوم ل َيقْرُو َننَا ،فما ترى ؟ فقال ( إن نزلتم بقوم
فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوه ،فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم ) ذكره البخاري ،وعند
الترمذي ،إنّا نمر بقوم فل يضيفوننا ،ول يؤدون ما لنا عليهم من الحق ،ول نحن نأخذ منهم ،فقال ( إن أبوا إل أن
تأخذوا ِقرَى فخذوه ) .وعند أبي داود ( ليلة الضيف حق على كل مسلم ،فإن أصبح بفنائه محروما كان دينا عليه ،إن
شاء اقتضاه ،و إن شاء تركه ) وعنده أيضا ( مَنْ نزل بقوم فعليهم أن يقروه ،فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه ) .
وهو دليل على وجوب الضيافة ،وعلى أخذ النسان نظير حقه ممن هو عليه إذا أبى َدفْعه ،وقد استدل به في مسألة
الظفر ،ول دليل فيه لظهور سبب الحق ههنا ،فل يهتم الخذ كما تقدم في قصة هند مع أبي سفيان .
وسأله صلى ال عليه وسلم عوف بن مالك فقال الرجل أمرّ به فل َيقْرِيني ول يضيفني ،ثم يمر بي أفأجزيه ؟ قل ( ل،
بل أ ْقرِه ) قال وَ رآني ـ يعني النبي صلى ال عليه وسلم ـ رثّ الثياب ،فقال ( هل لك من مال ؟ ) قال قلت من كل
المال قد أعطاني ال من البل و الغنم ،قال ( فلْ ُيرَ عليك ) ذكره الترمذي .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن جائزة الضيف ،فقال ( يومه وليلته ،والضيافة ثلثة أيام ،فما كان وراء ذلك فهو
صدقة ،ول يحل له أن يَثْوِيَ عنده حتى ُيحْرِجه ) متفق عليه.
عن العقيقة
فصل :وسئل صلى ال عليه وسلم عن العقيقة ،وكان كره السم ،وقال ( مَن ولد له مولود فأحبّ أن ينسك عنه
فليفعل ) ذكره أحمد ،وعنده أيضا أنه سئل صلى ال عليه وسلم عن العقيقة ،فقال ( ل يحب ال العُقُوق ) كأنه كره
السم ،قالوا يارسول ال إنما نسألك عن أحدنا يولدُ له ولد ،قال ( من يولد له وَلد فأحبّ أن ينسك عنه فلينسك ،عن
الغلم شاتين متكافئتين ،وعن الجارية شاة ) .
عن الشربة
فصل :وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال ل أرْوَى من نفس واحدة ،قال ( فأبن القدح عن فيك ،ثم تنفس ) قال
فإني أرى القذاة فيه ،قال ( فأهرقها ) ذكره مالك ،وعند الترمذي أنه صلى ال عليه وسلم نهى عن ال ّنفْخ في الشراب،
162
www.dorar.net الدرر
السنية
فقال رجل القذاة أراها في الناء ،قال ( أهرقها ) قال إني ل أرْوَى من نَفس واحدة ،قال ( فأبن القدح إذن عن فيك )
حديث صحيح .
س َكرَ فهو حرام ) متفق عليه . وسئل صلى ال عليه وسلم عن البِ ْتعِ ،فقال ( كل شراب أ ْ
وسأله صلى ال عليه وسلم أبو موسى ،فقال يا رسول ال أفْتِنَا في شرابين كنا نصنعهما باليمن البِ ْتعُ وهو من العسل
ينبذ حتى يشتد ،وال ِمزْر وهو من الذرة والشعير ينبذ حتى يشتد ،فقال ( كل مسكر حرام ) متفق عليه .
وسأله صلى ال عليه وسلم طارق بن سعيد عن الخمر ،فنهاه أن يصنعها ،فقال إنما أصنعها للدواء ،فقال ( إنه ليس
بدواء ،ولكنه داء ) .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل من اليمن عن شراب بأرضهم يقال له ال ِمزْر قال ( أمسكر هو ؟ ) قال نعم ،فقال
رسول ال صلى ال عليه وسلم ( كل مسكر حرام ،وإن على ال عهدا لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال )
ع َرقُ أهل النار ) أو قال ( عصارة أهل النار ) . قالوا يا رسول ال وما طينة الخبال ؟ قال ( َ
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل من عبد قيس ،فقال يا رسول ال ما َترَى في شراب نصنعه في أرضنا من ثمارنا ؟
سقِه أخاك المسلم،فأعرض عنه ،حتى سأله ثلث مرات ،حتى قام يصلي ،فلما قضى صلته قال ( ل تشربه ،ول تَ ْ
فوالذي نفسي بيده ـ أو والذي ُيحْلف به ـ ل يشربه رجل ابتغاء لذة سكر فيسقيه ال الخمر يوم القيامة ) ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الخمر تتخذ خَلّ ،قال ( ل ) ذكره مسلم .
وسأله صلى ال عليه وسلم أبو طلحة عن أيتام ًورِثوا خمرا ،فقال ( أ ْهرِقها ) قال أفل نجعلها خَلّ ؟ قال ( ل ) ذكره
ح ّرمَتْ الخمر سأل النبي صلى ال عليه طلْحة ،فاشترى له خمرا ،فلما ُ حجْر أبي َ أحمد .وفي لفظ أن يتيما كان في ِ
وسلم أيتخذها خَلّ ؟ قال ( ل ) .
غدَائنا وعَشَائنا ،وفي رواية على طعامنا ،فقال وسأل صلى ال عليه وسلم قوم ،فقالوا إنا نَنْ َتبِذ نبيذا نشربه على َ
س َكرَ وكثيره ) ذكره الدارقطني . شرَبُوا واجتنبوا كُلّ مسكر ) فأعادوا عليه ،فقال ( إن ال ينهاكم عن قليل ما أ ْ (ا ْ
وسأله صلى ال عليه وسلم عبد ال بن فيروز الدّيلمي رضي ال عنهما ،فقال إنا اصحاب أعناب و َكرْم ،وقد نزل
تحريم الخمر ،فما نصنع بها ؟ قال ( تتخذونه زبيبا ) قال نصنع بالزبيب ماذا ؟ قال ( تنقعونه على غدائكم وتشربونه
على عشائكم ،وتنقعونه على عشائكم وتشربونه على غدائكم ) قال قلت يا رسول ال نحن ممن قد علمت ،و نحن بين
سبِي يا رسول ال . ظهرا َنيْ من قد علمت ،فمن ولينا ! فقال ( ال ورسوله ) قال حَ ْ
في طرف من فتاويه صلى ال عليه وسلم في اليمان والنذور
وسأله سعد بن أبي وقاص فقال يا رسول ال إني حلفت باللت والعزى وإن العهد كان قريبا ،فقال ( قل ل إله إل ال
وحده ل شريك له ،ثلثا ،ثم ا ْنفُثْ عن يسارك ثلثا ،ثم تعوّذ ،ول َتعُد ) ذكره أحمد .
حرّم ال عليه الجنة و أوجب له النار ) سألوه صلى ولما قال صلى ال عليه وسلم ( من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه َ
ال عليه وسلم وإن كان شيئا يسيرا ،قال ( وإن كان قضيبا من أراك ) ذكره مسلم .
عتَمَ رجل عند النبي صلى ال عليه وسلم ،ثم رجع إلى أهله فوجد الصّ ْبيَة قد ناموا ،فأتاه أهله بطعام ،فحلف ل وأ ْ
يأكل ،من أجل الصبية ،ثم َبدَا له فأكل فأتى رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فذكر ذلك له ،فقال ( مَنْ حلف على يمين
فرأى غيرها خيرا منها فليأ ِتهَا و ْل ُي َكفّر عن يمينه ) ذكره مسلم .
وسأله صلى ال عليه وسلم مالك بن فضالة فقال يا رسول ال أرأيت ابن عم لي آتيه أسأله فل يُعطيني ول يَصِلني ،ثم
حَلفْتُ أن ل أعطيه ول أصله ،قال فأمرني أن آتي الذي هو خير وأكفر عن يميني . يحتاج إليّ فيأتيني فيسألني وقد َ
وخرج سويد بن حنظلة ووائل بن حجر يريدان رسول ال صلى ال عليه وسلم مع قومهما ،فأخذ وائل عدوّ له،
فتحرج القوم أن يحلفوا أنه أخوهم ،وحلف سويد أنه أخوه ،فخلوا سبيله ،فسأل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن
ذلك ،فقال ( أنْتَ أ َبرّهم وأصدقهم ،المسلم أخو المسلم ) ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن رجل نذر أن يقوم في الشمس ول يقعد ،ويصوم ول يفطر بنهاره ،ول يستظل ،ول
يتكلم ،فقال ( ُمرُوهُ فليستظلّ وليتكلم وليقعد وليتم صومه ) ذكره البخاري .
وفيه دليل على تفريق الصفقة في النذر ،و أن من نذر قربة وغير قربة صحّ النذر في القربة وبطل في غير القربة،
وهكذا الحكم في الوقف سواء .
163
www.dorar.net الدرر
السنية
وسأله صلى ال عليه وسلم عمر رضي ال عنه فقال إني َن َذرْتُ في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام ،فقال
( أ ْوفِ بنذرك ) متفق عليه .
وقد احتج به من يرى جواز العتكاف من غير صوم ،ول حجة فيه؛ لن في بعض ألفاظ الحديث ( أن أعتكف يوما
أو ليلة ) ولم يأمره بالصوم إذ العتكاف المشروع إنما هو اعتكاف الصائم ،فيحمل اللفظ المطلق على المشروع .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن امرأة نذرت أن تمشي إلى بيت ال الحرام حافية غير مختمرة ،فأمرها أن تركب
وتختمر وتصوم ثلثة أيام ،ذكره أحمد .
وفي الصحيحين عن عقبة بن عامر قال نذرَتْ أختي أن تمشي إلى بيت ال الحرام حافية ،فأمرتني أن استفتي لها
رسول ال صلى ال عليه وسلم فاستفتيته ،فقال ( لِ َتمْش ولتركب ) .
وعند المام أحمد أن أخت عقبة نذرت أن تحج ماشية ،وأنها ل ُتطِيق ذلك ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم ( إن ال
لغني عن َمشْي أختك ،فلتركب ولْ ُتهْدِ َبدَنة ) .
ونظر وهو يخطب إلى أعرابي قائم في الشمس ،فقال ( ما شأنك ؟ ) قال نذرت أن ل أزال في الشمس حتى يفرغ
رسول ال صلى ال عليه وسلم من الخطبة ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( ليس هذا نذرا ،إنما النذر فيما
ابْ ُت ِغيَ به وجه ال ) ذكره أحمد .
ورأى رسول ال صلى ال عليه وسلم شيخا ُيهَادَى بين ابنيه ،فقال ( ما بال هذا ؟ ) فقالوا نَذَر أن يمشي ،فقال ( إن
ال لغني عن تعذيب هذا نفسه ) وأمره أن يركب ،متفق عليه .
ونظر إلى رجلين مقترنين يمشيان إلى البيت ،فقال ( ما بال القِران ؟ ) قالوا يا رسول ال نذرنا أن نمشي إلى البيت
مقترنين ،فقال ( ليس هذا نذرا ،إنما النذر فيما ابتغي به وجه ال ) ذكره أحمد .
هل تجوز النيابة في عمل الطاعات
وسألته صلى ال عليه وسلم امرأة فقالت إن أمي توفيت وعليها نذر صيام فتوفيت قبل أن تقضيه ،فقال ( ليَصُمْ عنها
الولي ) ذكره ابن ماجه.
وصح عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال ( مَنْ مات وعليه صيام صام عنه وليه ) .
فطائفة حملت هذا على عمومه وإطلقه ،وقالت يُصَام عنه النذر والفرض و أبت طائفة ذلك ،وقالت ل يصام عنه نذر
ول فرض .
صلَتْ طائفة فقالت يُصَام عنه النذر دون الفرض الصلي ،وهذا قول ابن عباس وأصحابه والمام أحمد وأصحابه، وفَ ّ
وهو الصحيح ،لن فرض الصيام جارٍ مجرى الصلة ،فكما ل يصلي أحد عن أحد ول يسلم أحد عن أحد فكذلك
طرْدُ
الصيام ،وأما النذر فهو التزام في الذمة بمنزلة الدّيْنِ ،فيقبل قضاء الولي له كما يقضى دينه ،وهذا محض الفقه ،و َ
هذا أنه ل يحج عنه ول يزكي عنه إل إذا كان معذورا بالتأخير ،كما يطعم الولي عمن أفطر في رمضان لعذر ،فأما
المفطر من غير عذر أصل فل ينفعه أداء غيره عنه لفرائض ال تعالى التي فَرطَ فيها ،وكان هو المأمور بها ابتلء
وامتحانا دون الولي ،فل تنفع توبه أحد عن أحد ،ول إسلمه عنه ،ول أداء الصلة عنه ،ول غيرها من فرائض ال
تعالى التي فرط فيها حتى مات ،وال أعلم .
وسألته صلى ال عليه وسلم امرأة فقالت إنى نذرت أن أضرب على رأسك بالدف ،فقال ( أ ْوفِي بنذرك ) قالت إنى
نذرت أن أذبح بمكان كذا وكذا مكان يَذْبَح فيه أهل الجاهلية ،قال ( لصنم ؟ ) قالت ل ،قال ( لوثن ؟ ) قالت ل ،قال
( أ ْوفِي بنذرك ) ذكره أبو داود .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل ،فقال إنى نذرت أن أنحر إبل ببُوَانة ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم ( كان فيها
وثن من أوثان الجاهلية يعبد ؟) قالوا ل ،قال ( فهل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ ) قالوا ل ،قال ( أ ْوفِ بنذرك فإنه ل
وفاء بالنذر في معصية ال ،ول فيما ل يملك ابن آدم ) ذكره أبو داود .
في طرف من فتاويه صلى ال عليه وسلم في الجهاد
فصل :سئل عن قتال المراء الظّلمة ،فقال ( ل ،ما أقاموا الصلة ) وقال ( خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم،
ويصلون عليكم وتصلون عليهم ،وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم ،وتلعنونهم ويلعنونكم ) قالوا أفل ننابذهم
164
www.dorar.net الدرر
السنية
؟ قال ( ل ،ما أقاموا فيكم الصلة ،ل ،ما أقاموا فيكم الصلة ) ثم قال صلى ال عليه وسلم ( أل مَنْ ولي عليه والٍ
فرآه يأتي شيئا من معصية ال فليكره ما يأتي من معصية ال ول ينزعن َيدَا من طاعته ) ذكره مسلم .
ستَعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون ،فمن كره فقد برئ ،ومن أنكر فقد سلم ،ولكن مَن رضي وتابع ) قالوا وقال (يُ ْ
أفل نقاتلهم ؟ قال ( ل ،ما صلوا ) ذكره مسلم ،وزاد أحمد ( ما صلوا الخمس ) .
حقّنا ويسألوننا حقهم ،قال ( اسمعواوسأله صلى ال عليه وسلم رجل ،فقال أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعوننا َ
ح ّملْتم ) ذكره الترمذي .
حمّلوا وعليكم ما ُ
وأطيعوا ،فإنما عليهم ما ُ
وقال ( إنها ستكون َبعْدي أثرة و أمور تنكرونها ) قالوا فما تأمرنا من أدرك ذلك ؟ قال ( تؤدون الحق الذي عليكم،
وتسألون ال الذي لكم ) متفق عليه .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال ُدلّني على عمل َي ْعدِل الجهاد ،قال ( ل أجده ) ثم قال ( هل تستطيع إذا خرج
المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ول تفتر ،وتصوم ول تفطر ) قال ومن يستطيع ذلك ؟ فقال ( مثَلُ المجاهد في سبيل
ال كمثل الصائم القائم القانت بآيات ال ل يفتر من صيام ول صلة حتى يرجع المجاهد في سبيل ال ) ذكره مسلم .
وسئل صلى ال عليه وسلم أي الناس أفضل ؟ فقال ( مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل ال ) قال ثم مَن ؟ قال
( رجل في شعب من الشعاب يتقي ال و َيدَع الناس من شره ) متفق عليه .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال يا رسول ال ،أرأيت إن قتلت في سبيل ال وأنا صابر محتسب مُقبل غير مُدبر
يكفر ال عني خطاياي ؟ قال ( نعم ) ثم قال ( كيف قلت ؟ ) فرد عليه كما قال ،فقال ( نعم ،فكيف قلت ؟ ) فرد عليه
القول أيضا ،فقال أرأيت يا رسول ال إن قتلت في سبيل ال صابرا محتسبا مقبل غير مدبر يكفر ال عني خطاياي ؟
قال ( نعم ،إل الدّيْنَ ،فإن جبريل سَارّني بذلك ) ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم ما بال المؤمنين ُيفْ َتنُون في قبورهم إل الشهيد ؟ قال ( كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة
) ذكره النسائي .
وسئل صلى ال عليه وسلم أي الشهداء أفضل عند ال تعالى ؟ قال ( الذين يلقون في الصف ل يلفتون وجوههم حتى
يقتلوا ،أولئك ينطلقون في ال ُغرَف العُلى من الجنة ،ويضحك إليهم ربك تعالى ،وإذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا فل
حساب عليه ) ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء ،أي ذلك في سبيل ال ؟ قال ( مَن قاتل
لتكون كلمة ال هي العليا فهو في سبيل ال ) متفق عليه .
وعند أبي داود أن أعرابيا أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال الرجل يقاتل للذكر ،ويقاتل ليحمد ،ويقاتل ليغنم،
ويقاتل ليرى مكانه ،فمن في سبيل ال ؟ قال ( مَنْ قاتل لتكون كلمة ال هي العليا فهو في سبيل ال ) .
عرَضا من أعراض وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال يا رسول ال ،الرجل يريد الجهاد في سبيل ال وهو يبتغي َ
عدْ لرسول ال صلى ال عليه وسلم فإنك لم تفهمه ،فقال يا عظَم ذلك الناس وقالوا للرجل ُ الدنيا ،فقال (ل أجر له ) فأ ْ
عدْ
رسول ال رجل يريد الجهاد في سبيل ال وهو يبتغي عرضا من عرض الدنيا ،فقال ( ل أجر له ) فقالوا للرجل ُ
لرسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال له الثالثة ،فقال ( ل أجر له ) ذكره أبو داود .
وعند النسائي أنه سئل صلى ال عليه وسلم أرأيت رجل غزا يلتمس الجر والذكر ،ماله ؟ فقال رسول ال صلى ال
عليه وسلم ( ل شيء له ) فأعادها ثلث مرار يقول رسول ال صلى ال عليه وسلم ( ل شيء له ) ثم قال ( إن ال
تعالى ل َيقْبَلُ من العمل إل ما كان خالصا له وابتغى به وجهه ) .
وسألته صلى ال عليه وسلم أم سلمة ،فقالت يا رسول ال يغزو الرجال ول تغزو النساء ،وإنما لنا نصف الميراث،
فأنزل ال تعالى ( ول َت َتمَّوا ما فَضّل ال به بعضكم على بعض ) [ النساء ]32 :الية ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الشهداء ،فقال ( مَن قتل في سبيل ال فهو شهيد ،ومن مات في سبيل ال فهو شهيد،
[ ومن مات في الطاعون فهو شهيد ] ومن مات في البطن فهو شهيد ) ذكره مسلم .
في ذكر طرف من فتاويه صلى ال عليه وسلم في الطب
فصل :سأله صلى ال عليه وسلم أعرابي ،فقال يا رسول ال أ َنتَداوى ؟ قال ( نعم؛ فإن ال لم ينزل داء إل أنزل له
جهِله من جهله ) ذكره أحمد . علِمه من علمه ،و َ
شفاءَ ،
165
www.dorar.net الدرر
السنية
وفي السنن أن العراب قالت يا رسول ال أل نتداوى ؟ قال ( نعم ،عباد ال َتدَاووا؛ فإن ال لم يضع داء إل وضع له
شفاء ،أو دواء ،إل داء واحدا ) قالوا يا رسول ال وما هو ؟ قال ( الهرم ) .
س َترْقيها ودواء نتداوى به و ُتقَاة نتقيها ،هل تردّ من قدر ال شيئا ؟
وسئل صلى ال عليه وسلم فقيل [ له] أرأيت رُقىً نَ ْ
قال ( هي من قدر ال ) ذكره الترمذي .
وسئل صلى ال عليه وسلم هل يغني الدواء شيئا ؟ فقال ( سبحان ال ! وهل أنزل ال تبارك وتعالى من داء في
جعَل له شفاء ) ذكره أحمد .
الرض إل َ
وسئل صلى ال عليه وسلم عن السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب من أمته ،فقال ( هم الذين ل يسترقون،
ول يتطيرون ،ول يكتوون ،وعلى ربهم يتوكلون ) متفق عليه .
وسأله صلى ال عليه وسلم آل عمرو بن حزم ،فقالوا إنه كانت عندنا ُرقْية نرقي بها من العقرب ،وإنك َنهَيْتَ عن
الرقى ،قال فعرضوا عليه ،فقال ( ما أرى بأسا ،من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل ) ذكره مسلم .
واستفتاه عثمان بن أبي العاص رضي ال عنه ،وشكا إليه َوجَعا يجده في جسده منذ أسلم ،فقال ( ضَعْ يَدَك على الذي
يألم من جسدك وقل باسم ال ،ثلثا ،وقل سبع مرات أعوذ بعزة ال وقدرته من شر ما أجِدُ وأحاذر ) ذكره مسلم .
وسئل صلى ال عليه وسلم أي الناس أشد بلء ؟ قال ( النبياء ثم المثل فالمثل ،الرجل يبتلى على حسب دينه ،فإن
صلْبَ الدين ابتلي على حسب ذلك ،فما يزال البلء بالرجل حتى كان رقيقَ الدين ابتلي على حسب ذلك ،وإن كان ُ
يمشي على وجه الرض وما عليه خطيئة ) ذكره أحمد ،وصححه الترمذي .
وذكر ابن ماجه أنه سئل أي الناس أشد بلء ؟ قال ( النبياء ) قلت يا رسول ال ثم من ؟ قال ( ثم الصالحون ،إن كان
أحدهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد إل العباءة تحويه ،وإن كان أحدهم ليفرح بالبلء كما يفرح أحدكم بالعافية ) .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل أرأيت هذه المراض التي تصيبنا مالنا بها ؟ قال ( كفارات ) قال أبو سعيد الخدري
رضي ال عنه وإن َقلّت ،قال ( وإن شوكة فما فوقها ) فدعا أبو سعيد على نفسه أن ل يفارقه الوعك حتى يموت ،وأن
حرّهل يشغله عن حج ول عن عمرة ول جهاد في سبيل ال ول صلة مكتوبة في جماعة ،فما مسه إنسان إل وجد َ
حتى مات ،ذكره أحمد .
وقال أسامة رضي ال عنه شهدْتُ العراب يسألون النبي صلى ال عليه وسلم أعلينا حرج في كذا ؟ أعلينا حرج في
كذا ؟ فقال ( عباد ال ،وضع ال الحرج إل من اقترض من عرض أخيه شيئا؛ فذلك هو الحرج ) فقالوا يا رسول ال
هل علينا من جناح أن نتداوى ؟ قال ( تَدَا َووْا عباد ال؛ فإن ال لم يضع داء إل وضع معه شفاء إل الهرم ) قالوا يا
رسول ال ما خير ما أعطى العبد ؟ قال ( حسن الخلق ) ذكره ابن ماجه .
عَليّ ُرقَاكم ) ثم قال ( ل بأس بما ليس فيه شرك ) ذكره مسلم وسئل صلى ال عليه وسلم عن الرقى ،فقال ( اعرضوا َ
.
وسأله صلى ال عليه وسلم طبيب عن ضفدع يجعلها في دواء ،فنهى النبي صلى ال عليه وسلم عن قتلها ،ذكره أهل
السنن .
وشكا إليه صلى ال عليه وسلم الزبير بن العَوّام وعبد الرحمن بن عوف رضي ال عنهم ال َقمْلَ ،فأفتاهم بلبس قميص
الحرير ،ذكره البخاري في صحيحه .
ل ضمان على الطبيب في الخطأ
وأفتى صلى ال عليه وسلم أن من تطبب ولم يعرف منه طب فهو ضامن ،وهو يدل بمفهومه على أنه إذا كان طبيبا
وأخطأ في تطبيبه فل ضمان عليه .
عود إلى فتاوى الطب
وشكا إليه صلى ال عليه وسلم الُمشاة في طريق الحج تعبهم وضعفهم عن المشي ،فقال لهم ( استعينوا بالنّسْل فإنه
يقطع عنكم الرض وتخفون له ) قالوا ففعلنا فخففنا له ،والنّسْل العَدْو مع تقارب الخُطا ،ذكر ابن مسعود الدمشقي هذا
الحديث في مسلم ،وليس فيه ،وإنما هو زيادة في حديث جابر الطويل الذي رواه مسلم في صفة حج النبي صلى ال
عليه وسلم ،وإسناده حسن .
166
www.dorar.net الدرر
السنية
وسألته صلى ال عليه وسلم أسماء بنت عُميس رضي ال عنها ،فقالت يا رسول ال ،إن َولَد جعفر ُتسْرع إليهم العين،
أفأسترقي لهم ؟ قال ( نعم فإنه لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين ) ذكره أحمد .
وعند مالك عن حميد بن قيس المكي قال دخل علي رسول ال صلى ال عليه وسلم بابني جعفر بن أبي طالب ،فقال
لحاضنتهما ( مالي أراهما ضارِعَيْن ) فقالت إنه لتسرع إليهما العين ،ولم يمنعنا أن نسترقي لهما إل أنا ل ندري ما
س َت ْرقُوا لهما ،فإنه لو سبق شيء القدر لسبقته العين ) .
يوافقك من ذلك ،فقال ( ا ْ
وسئل صلى ال عليه وسلم عن النشرة ،فقال ( هي من عمل الشيطان ) ذكره أحمد وأبو داود ،والنشرة حَلّ السحر عن
المسحور ،وهي نوعان حل سحر بسحر مثله ،وهو الذي من عمل الشيطان؛ فإن السحر من عمله فيتقرب إليه الناشر
و المنتشر بما يحب ،فيبطل عمله عن المسحور ،والثاني النشرة بالرقية والتعوذات والدعوات والدوية المُباحة ،فهذا
جائز ،بل مستحب ،وعلى النوع المذموم بحمل قول الحسن ( ل يحِلّ السحرَ إل ساحر) .
فتاوى في الطيرة والفأل
فصل :وسئل صلى ال عليه وسلم عن الطاعون فقال ( عذابا كان يبعثه ال على مَن كان قبلكم ،فجعله ال رحمة
للمؤمنين ،ما من عبد يكون في بلد ويكون فيه فيمكث ل يخرج صابرا محتسبا يعلم أنه ل يصيبه إل ما كتب ال له إل
كان له مثل أجر شهيد ) ذكره البخاري .
وسأله صلى ال عليه وسلم َفرْوة بن مسيك رضي ال عنه ،فقال يا رسول ال إنا بأرض يقال لها أبين ،وهي ريفنا
عهَا عنك ،فإن من القرف التلف ) . وميرتنا ،وهي وَبِية ،أو قال وَباها شديد ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( دَ ْ
وفيه دليل على نوع شريف من أنواع الطب ،وهو استصلح التربة والهواء كما ينبغي استصلح الماء ،و الغذاء؛
فإن بصلح هذه الربعة يكون صلح البدن واعتداله .
وقال صلى ال عليه وسلم ( ل طيرة ،وخيرها الفأل ) قيل يا رسول ال وما الفأل ؟ قال ( الكلمة الصالحة يسمعها
أحدكم ) متفق عليه .
وفي لفظ لهما ( ل عدوى ول طيرة ،ويعجبني الفأل ) قالوا وما الفأل ؟ قال ( كلمة طيبة ) .
جرَبُ فتجرب البل ،قال ( ذاك القَدَر، ولما قال ( ل عدوى و لطيرة ول هامة ) قال له رجل أرأيت البعير يكون به ال َ
فمن أجرب الول ) وذكره أحمد .
و لحجة في هذا لمن أنكر السباب ،بل فيه إثبات القدر ،وردّ السباب كلها إلى الفاعل الول؛ إذ لو كان كل سبب
مستندا إلى سبب قبله ل إلى غاية لزم التسلسل في السباب ،وهو ممتنع؛ فقطع النبي صلى ال عليه وسلم التسلسل
بقوله ( فمن أعدى الول ) إذا لو كان الول قد جرب بالعدوى والذي قبله كذلك ل إلى غاية لزم التسلسل الممتنع .
وسألته صلى ال عليه وسلم امرأة ،فقالت يا رسول ال ،دار سكناها والعدد كثير والمال وافر ،فقلّ العدد وذهب المال،
فقال ( دَعُوها ذميمة ) ذكره مالك مرسل .
وهذا موافق لقوله صلى ال عليه وسلم ( إن كان الشؤم في شيء فهو في ثلثة في الفرس ،وفي الدار ،والمرأة ) وهو
إثبات لنوع خفي من السباب ،ول يطلع عليه أكثر الناس ،ول يعلم إل بعد وقوع مسببه؛ فإن من السباب ما يعلم سببه
قبل وقوع مسببه وهي السباب الظاهرة ،ومنها ما ل يعلم سببه إل بعد وقوع مسببه وهي السباب الخفية ،ومنه قول
الناس ( فلن مشؤوم الطلعة ،ومدور الكعب ) ونحوه؛ فالنبي صلى ال عليه وسلم أشار إلى هذا النوع ولم يبطله،
وقوله ( إن كان الشؤم في شيء فهو في ثلثة ) تحقيق لحصول الشؤم فيها ،وليس نفيا لحصوله من غيرها ،كقوله
( إن كان في شيء تتداوون به شفاء ففي شرطة محجم ،أو شربة عسل ،أو لذعة بنار ،ول أحب الكي ) ذكره البخاري
.
ش َركَ ) قالوا يا رسول ال وما كفارة ذلك ؟ قال ( أن يقول اللهم ل طَ ْيرَ إل وقال ( مَنْ َردّتْه الطيرة من حاجته فقد أ ْ
طيرك ،ول خير إل خيرك ) ذكره أحمد .
ذكر فصول من فتاويه صلى ال عليه وسلم في أبواب متفرقة
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل ،فقال إنى أصَبْتُ ذنبا عظيما ،فهل لي من توبة ؟ فقال ( هل لك من أم ؟ ) قال ل،
قال ( فهل لك من خالة ؟ ) قال نعم ،قال ( فَ ِبرّهَا ) ذكره الترمذي وصححه .
167
www.dorar.net الدرر
السنية
وقال ابن عباس رضي ال عنهما كان رجل من النصار أسلم ،ثم ارتدّ ولحق بالمشركين ،ثم ندم فأرسل إلى قومه
سلُوا لي رسول ال صلى ال عليه وسلم هل لي من توبة ؟ فجاء قومه إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقالوا هل له من َ
توبة ؟ فنزلت ( كيف َي ْهدِي ال قوما كفروا بعد إيمانهم ) [ آل عمران ]86 :إلى قوله ( إل الذين تابوا من بعد ذلك
وأصلحوا فإن ال غفور رحيم ) [ آل عمران ]89 :فأرسل إليه فأسلم ،ذكره النسائي .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن رجل أ ْوجَبَ فقال ( أعتقوا عنه ) ذكره أحمد وقوله ( أوجب ) أي َفعَلَ ما يستوجب
النار .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن قوله تعالى ( وتأتون في ناديكم المنكر ) [ العنكبوت ]29 :قال ( كانوا يخذفون أهل
الطريق ،ويسخرون منهم ،وذلك المنكر الذي كانوا يأتونه ) ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم أيكون المؤمن جبانا ؟ قال ( نعم ) قالوا أيكون بخيل ؟ قال ( نعم ) قالوا أيكون كذابا ؟ قال
( ل ) ذكره مالك.
عَليّ جناح إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني ؟ وسألته صلى ال عليه وسلم امرأة ،فقالت إن لي ضرة ،فهل َ
فقال ( المتشبع بما لم ُي ْعطَ كلبس ثوبي زور ) متفق عليه .
وفي لفظ أقول إن زوجي أعطاني ما لم يعطني .
عدُها
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال هل أكذب على امرأتي ؟ قال ( ل خير في الكذب ) فقال يا رسول ال إ ِ
وأقول لها ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( ل جناح ) ذكره مالك .
وقال صلى ال عليه وسلم ( اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل ) فقيل له كيف نتقيه وهو أخفى من دبيب
النمل يا رسول ال ؟ فقال ( قولوا اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا نعلمه ،ونستغفرك لما ل نعلم ) ذكره أحمد .
وقال صلى ال عليه وسلم ( إن أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الصغر ) قالوا وما الشرك الصغر يا رسول
ال ؟ قال ( الرياء ،يقول ال تعالى يوم القيامة إذا جَزىَ الناس بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم ُترَاءون في الدنيا،
فانظروا هل تجدون عندهم جزاء ؟ ) ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الخْسَرين أعمال يوم القيامة ،فقال ( هم الكثرون أموال إل من قال هكذا وهكذا
وهكذا إلى من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ،وقليل ما هم ) .
ولما نزلت ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) [ النعام ]82 :شقّ ذلك عليهم ،وقالوا يا رسول ال ،وأينا لم يظلم
نفسه ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( ليس ذلك ،إنما هو الشرك ألم تسمعوا قول لقمان لبنه ( يا بني ل تشرك
بال إن الشرك لظلم عظيم ) [ لقمان ) ]13 :متفق عليه .
وخرج عليهم رسول ال صلى ال عليه وسلم وهم يتذاكرون المسيح الدجال ،فقال ( أل أخبركم بما هو أخوف عليكم
عندي من المسيح الدجال ؟ ) قالوا بلى قال ( الشرك الخفي ) قالوا وما الشرك ؟ قال ( أن يقوم الرجل فيصلي فيزين
صلته لما يرى من نظر رجل آخر ) ذكره ابن ماجه .
ضرَموه نارا ،وأمرهم وسئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن طاعة المير الذي أمر أصحابه فجمعوا حطبا فأ ْ
بالدخول فيها ،فقال صلى ال عليه وسلم ( لو دخلوها ما خرجوا منها ،إنما الطاعة في المعروف ) وفي لفظ ( ل طاعة
لمخلوق في معصية الخالق ) وفي لفظ ( مَن أمركم منهم بمعصية ال فل تطيعوه ) .
فهذه فتوى عامة لكل مَنْ أ َمرَه أمير بمعصية ال كائنا من كان ،ول تخصيص فيها البتة .
شتْمَ الرجل والديه ) سألوه كيف يشتم الرجل والديه ؟ قال ( َيسُبّ ولما قال صلى ال عليه وسلم ( إن من أكبر الكبائر َ
أبا الرجل وأمه فيسب أباه وأمه ) متفق عليه .
وللمام أحمد ( إن أكبر الكبائر عقوق الوالدين ) قيل وما عقوق الوالدين ؟ قال صلى ال عليه وسلم ( يسب أبا الرجل
وأمه فيسب أباه و أمه ) .
وهو صريح في اعتبار الذرائع ،وطلب الشرع لسدها ،وقد تقدمت شواهد هذه القاعدة بما فيه كفاية .
سرُ عليه من وقال صلى ال عليه وسلم ( ما تقولون في الزنى ؟ ) قالوا حرام ،فقال ( لن يزني الرجل بعشر نسوة أيْ َ
أن يزني بامرأة جاره ،ما تقولون في السرقة ؟ ) قالوا حرام ،قال ( لن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر من أن
يسرق من بيت جاره ) ذكره أحمد .
168
www.dorar.net الدرر
السنية
وقال صلى ال عليه وسلم ( أتدرون ما الغيبة ؟ ) قالوا ال ورسوله أعلم ،قال ( ذكرك أخاك بما يكره ) قيل أرأيت إن
كان في أخي ما أقول ؟ قال ( إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ،وإن لم يكن فيه ما تقول فقد َب َهتّه ) ذكره مسلم .
والمام أحمد ومالك أن رجل سأل رسول ال صلى ال عليه وسلم ما الغيبة ؟ فقال ( أن تذكر من المرء ما يكره أن
يسمع ) فقال يا رسول ال [ و] إن كان حقا ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( إذا قلت باطل فذلك البهتان )
الكبائر
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الكبائر ،فقال ( الشراك بال ،وعقوق الوالدين ،وقول الزور ،وقتل النفس التي حرم
ال ،والفرار يوم الزحف ،ويمين ال َغمُوس ،وقتل النسان ولَدَه خشية أن يطعم معه ،والزنا بحليلة جاره ،والسحر،
وأكل مال اليتيم ،وقذف المحصنات ) وهذا مجموع من أحاديث .
ومن الكبائر أيضاً
فصــل :ومــن الكبائر ترك الصــلة ،ومنــع الزكاة ،وترك الحــج مــع الســتطاعة ،والفطار فــي رمضان بغيــر عذر،
وشرب الخمر ،والسرقة ،والزنى ،واللواط ،والحكم بخلف الحق ،وأخذ الرّشا على الحكام ،والكذب على النبي صلى
ال عليه وسلم ،والقول على ال بل علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه ،وجحود ما وصف به نفسه ووصفه به
رسـوله ،واعتقاد أن كلمـه وكلم رسـوله ل يسـتفاد منـه يقيـن أصـل ،وأن ظاهـر كلمـه وكلم رسـوله باطـل وخطـأ بـل
كفـر وتشـبيه وضلل ،وترك مـا جاء بـه لمجرد قول غيره ،وتقديـم الخيال المسـمى بالعقـل والسـياسة الظالمـة والعقائد
الباطلة والراء الفاسـدة والدراكات والكشوفات الشيطانيـة على مـا جاء بـه صـلى ال عليـه وسـلم ،و وضـع المكوس،
وظلم الرعايا ،والستيثار بالفيء ،والكبر ،والفخر ،وال ُعجْب ،والخُيَلء ،والرياء والسمعة ،وتقديم خوف المخلزق على
خوف الخالق ،ومحبتــه على محبــة الخالق ،ورجائه على رجائه ،وإرادة العلو فــي الرض والفســاد وإن لم ينــل ذلك،
ومسـبة الصـحابة رضوان ال عليهـم ،وقطـع الطريـق ،وإقرار الرجـل الفاحشـة فـي أهله وهـو يعلم ،والمشـي بالنميمـة،
وترك التنزه من البول ،وتخنث الرجل ،وترجل المرأة ،ووصل شعر المرأة وطلبها ذلك ،وطلب الوصل كبيرة ،وفعله
كـبيرة ،والوشـم والسـتيشام ،والوشـر والسـتيشار ،والنمـص والتنميـص ،والطعـن فـي النسـب ،وبراءة الرجـل مـن أبيـه،
وبراءة الب من ابنه ،وإدخال المرأة على زوجها ولدا من غيره ،والنياحة ،ولطم الخدود ،وشق الثياب ،وحلق المرأة
شعرهــا عنــد المصــيبة بالموت وغيره ،وتغييــر مَنَار الرض وهــو أعلمهــا ،وقطيعــة الرحــم ،والجور فــي الوصــية،
وحرمان الوارث حقه من الميراث ،وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير ،والتحليل ،واستحلل المطلقة به ،والتحيل على
إسقاط ما أوجب ال ،و تحليل ما حرم ال وهو استحبابه محارمه وإسقاط فرائضه بالحيل ،وبيع الحر ،وإباق المملوك
من سيده ،ونشوز المرأة على زوجها ،وكتمان العلم عند الحاجة إلى إظهاره ،وتعلم العلم للدنيا والمباهاة والجاه والعلو
على الناس ،والغدر ،والفجور في الخصام ،وإتيان المرأة في دُبُرها وفي محيضها ،والمن بالصدقة وغيرها من عمل
الخيـر ،وإسـاءة الظـن بال ،واتهامـه فـي أحكامـه الكونيـة والدينيـة ،والتكذيـب بقضائه وقدره واسـتوائه على عرشـه وأنـه
عرِج به إليه ،وأنه رفع المسيح إليه وأنه يَصْعد إليه الكلم الطيب القاهر فوق عباده وأن رسول ال صلى ال عليه وسلم ُ
شطْرُوأنه كتب كتابا فهو عنده على عرشه وأن رحمته تغلب غضبه وأنه ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يمضي َ
الليـل فيقول مـن يسـتغفرني فأغفـر له ؟ وأنـه كلم موسـى تكليمـا وأنـه تجلّى للجبـل فجعله دكـا واتخـذ إبراهيـم خليل وأنـه
نادى آدم وحواء ونادى موسى وينادى نبينا يوم القيامـة وأنه خلق آدم بيديه وأنه يقبض سماواته بإحدى يديه والرض
باليد الخرى يوم القيامة .
من الكبائر أيضاً
فصل :ومنها الستماع إلى حديث قوم ل يحبون استماعه ،وتخييب المرأة على زوجها والعبد على سيده ،وتصوير
صور الحيوان سواء كان لها ظل أو لم يكن ،وأن ُيرِىَ عينيه في المنام ما لم ترياه ،وأخذ الربا وإعطاؤه والشهادة عليه
حمْلها وبيعها وأكل ثمنها ،ولعن مَنْ لم يستحق اللعن ،وإتيان الكهنة وكتابته ،وشرب الخمر وعصرها واعتصارها و َ
والمنجمين والعرافين والسحرة وتصديقهم والعمل بأقوالهم ،والسجود لغير ال ،والحلف بغيره كما قال رسول ال
صلى ال عليه وسلم ( مَنْ حلف بغير ال فقد أشرك ) وقد قصر ما شاء أن يقصر من قال إن ذلك مكروه ،وصاحب
الشرع يجعله شركا ،فرتبته فوق رتبة الكبائر .
169
www.dorar.net الدرر
السنية
بدع المشركين عند القبور
واتخاذ القبور مساجد ،وجعلها أوثانا وأعيادا يسجدون لها تارة ويصلون إليها تارة ويطوفون بها تارة ويعتقدون أن
الدعاء عندها أفضل من الدعاء في بيوت ال التي شرع أن يدعى فيها ويعبد ويصلى له ويسجد .
عود إلى الكبائر
ومنها معاداة أولياء ال ،وإسبال الثياب من الزار والسراويل والعمامة وغيرها ،والتبختر في المشي ،واتباع الهوى
وطاعة الهوى وطاعة الشح والعجاب بالنفس ،وإضاعة من تلزمه مؤنته ونفقته من أقاربه وزوجته ورقيقه
ومماليكه ،والذبح لغير ال وهجر أخيه المسلم سنة كما في صحيح الحاكم من حديث أبي خراش الهذلي السّلمي عن
النبي صلى ال عليه وسلم ( مَنْ هجر أخاه سنة فهو كقتله ) و أما هجرة فوق ثلثة أيام فيحتمل أنه من الكبائر،
ويحتمل أنه دونها ،وال أعلم .
ن حالت شفاعته دون حد من حدود ال فقد ومنها الشفاعة في إسقاط حدود ال ،وفي الحديث عن ابن عمر يرفعه ( مَ ْ
ضادّ ال في أمره ) رواه أحمد وغيره بإسناد جيد .
ومنها تكلم الرجل بالكلمة من سخط ال ل يُلقي لها بال .
ومنها أن يدعو إلى بدعة أو ضللة أو ترك سنة ،بل هذا من أكبر الكبائر ،وهو مضادة لرسول ال صلى ال عليه
وسلم.
ومنها ما رواه الحاكم في صحيحه من حديث المستورد بن شداد ،قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( من أكل
بمسلم أكلة أطعمه ال بها أكلة من نار جهنم يوم القيامة ،ومن قام بمسلم مقام سمعة أقامه ال يوم القيامة مقام رياء
وسمعة ،ومن اكتسى بمسلم ثوبا كساه ال ثوبا من نار يوم القيامة ) .
ومعنى الحديث أنه توصل إلى ذلك وتوسل إليه بأذى أخيه المسلم من كذب عليه أو سخرية أو همزة أو لمزة أو غيبة
والطعن عليه والزدراء به والشهادة عليه بالزور والنيل من عرضه عند عدوه ،ونحو ذلك مما يفعله كثير من الناس
واقع في وسطه وال المستعان .
ومنها التبجح والفتخار بالمعصية بين أصحابه وأشكاله ،وهو الجهار الذي ل يعافي ال صاحبه ،وإن عافى من شر
نفسه .
ومنها ان يكون له وجهان ولسانان ،فيأتي القوم بوجه ولسان ،ويأتي غيرهم بوجه ولسان آخر .
ومنها أن يكون فاحشا بذيا يتركه الناس ويحذرونه اتقاء فحشه .
ومنها مخاصمة الرجل في باطل يعلم أنه باطل ،ودعواه ما ليس له وهو يعلم أنه ليس له .
ومنها أن يدعي أنه من آل بيت رسول ال صلى ال عليه وسلم وليس منهم ،أو يدعي أنه ابن فلن وليس بابنه ،وفي
الصحيحين ( من ادعى إلى غير أبيه فالجنة عليه حرام ) وفيهما أيضا ( ل ترغبوا عن آبائكم ،فمن رغب عن أبيه فهو
كافر ) وفيهما أيضا ( ليس من رجل ادعى إلى غير أبيه وهو يعلمه إل وقد كفر ،ومن ادعى ما ليس له فليس منا
وليتبوأ مقعده من النار ،ومن دعا رجل بالكفر أو قال عدو ال وليس كذلك إل حار عليه ) .
فمن الكبائر تكفير من لم يكفره ال ورسوله ،وإذا كان النبي صلى ال عليه وسلم قد أمر بقتال الخوارج وأخبر أنهم
شر قَتْلى تحت أديم السماء ،وأنهم يمرقون من السلم كما َيمْرق السهم من الرّمية ودينهم تكفير المسلمين بالذنوب،
فكيف من كفرهم بالسنة ومخالفة آراء الرجال لها وتحكيمها والتحاكم إليها ؟ ومنها أن ُيحْدِث حدثا في السلم ،أو
يؤوي محدثا وينصره ويعينه ،وفي الصحيحين ( مَنْ أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة ال والملئكة والناس
أجمعين ،ل يقبل ال منه يوم القيامة صرفا ول عدل ) ومن أعظم الحدث تعطيل كتاب ال وسنة رسوله ،وإحداث ما
خالفهما ،ونصر من أحدث ذلك والذبّ عنه ،ومعاداة من دعا إلى كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم .
ومنها إحلل شعائر ال في الحرم والحرام كقتل الصيد واستحلل القتال في حرم ال .
ومنها لبس الحرير والذهب للرجال ،واستعمال أواني الذهب والفضة للرجال .
وقد صح عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ( الطّيَرةُ شرك ) فيحتمل أن يكون من الكبائر وأ ن يكون دونها .
ومنها ال ُغلُول من الغنيمة ،ومنها غش المام والوالي لرعيته ،ومنها أن يتزوج ذات َرحِم ُمحْرَم منه ،أو يقع على
بهيمة .
170
www.dorar.net الدرر
السنية
ومنها المكر بأخيه المسلم ومخادعته ومضارته ،وقد قال صلى ال عليه وسلم ( ملعون من َمكَر بمسلم أو ضارّ به ) .
ومنها الستهانة بالمصحف وإهدار حرمته كما يفعله من ل يعتقد أن فيه كلم ال مِنْ وطئه برجله ونحو ذلك .
ومنها أن يضل أعمى عن الطريق ،وقد لعن رسول ال صلى ال عليه وسلم من فعل ذلك ،فكيف بمن أضَلّ عن
طريق ال أو صراطه المستقيم ؟
ومنها أن يَسِمَ إنسانا أو دابة في وجهها ،وقد لعن رسول ال صلى ال عليه وسلم مَنْ فعل ذلك .
ومنها أن يحمل السلح على أخيه المسلم؛ فإن الملئكة تلعنه .
ومنها أن يقول ما ل يفعل ،قال ال تعالى ( كبر مقتا عند ال أن تقولوا ما ل تفعلون ) [الصف.]3:
ومنها الجدال في كتاب ال ودينه بغير علم .
ومنها إساءة الملكة برقيقه ،وفي الحديث ( ل يدخل الجنة سيء الملكة ) .
ومنها ان يمنع المحتاج فَضْل ما ل يحتاج إليه مما لم تعمل يداه .
ومنها القمار ،وأما اللعب بالنرد فهو من الكبائر ،لتشبيه لعبه بمن صَبَغ يده في لحم الخنزير ودمه ،ول سيما إذا أكل
المال به ،فحينئذ يتم التشبيه به؛ فإن اللعب بمنزلة غمس اليد ،وأكل المال بمنزلة أكل لحم الخنزير .
ومنها ترك الصلة في الجماعة ،وهو من الكبائر ،وقد عزم رسول ال صلى ال عليه وسلم على تحريق المتخلفين
عنها ،ولم يكن ليحرق مرتكب صغيرة ،وقد صح عن ابن مسعود أنه قال ولقد رأيتنا وما يتخلف عن الجماعة إل
منافق معلوم النفاق ،وهذا فوق الكبيرة .
ومنها ترك الجمعة ،وفي صحيح مسلم ( لينتهيَنّ أقوام عن وَدْعِهم الجمعات ،أو ليخ ِتمَنّ ال على قلوبهم ثم ليكونُنّ من
الغافلين ) وفي السنن بإسناد جيد عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ( مَنْ ترك ثلث جمع َتهَاونا طبع ال على قلبه ) .
ومنها أن يقطع ميراث وارثه من تركته ،أو َيدُله على ذلك ،ويعلمه من الحيل ما يخرجه به من الميراث .
ومنها الغلو في المخلوق حتى يتعدّى به منزلته ،وهذا قد يرتقي من الكبيرة إلى الشرك .
وقد صح عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ( إياكم والغلو ،وإنما هلك من كان قبلكم بالغلو ) .
ومنها الحسد ،وفي السنن أنه يأكل الحسنات كما تاكل النارُ الحطبَ .
ومنها المرور بين يدي المصلي ،ولو كان صغيرة لم يأمر النبي صلى ال عليه وسلم بقتال فاعله ،ولم يجعل وقوفه
عن حوائجه ومصالحه أربعين عاما خيرا له من مروره بين يديه كما في مسند البزار ،وال أعلم .
فصل مستطرد من فتاويه صلى ال عليه وسلم ،فارجع إليها
فصــل :وســئل صــلى ال عليــه وســلم عــن الهجرة ،فقال ( إذا أقمــت الصــلة وآتيــت الزكاة فأنــت مهاجــر وإن مُتّ
بالحضرمة ) يعني أرضا باليمامة ،ذكره أحمد .
وسأله صلى ال عليه وسلم عبد ال بن حوالة أن يختار له بلدا يسكنها ،فقال ( عليك بالشام ،فإنها خيرة ال من
غدُركم؛ فإن ال توكل لي بالشام وأهله ) أرضه ،يجتبي إليها خيرته من عباده ،فإن أبيتم فعليكم بيمنكم ،واسقوا من ُ
ذكره أبو داود بإسناد صحيح .
وسأله معاوية بن حيدة جد َبهْز بن حكيم فقال يا رسول ال أين تأمرني ؟ قال ( ههنا ) ونحا بيده نحو الشام ،ذكره
الترمذي وصححه .
وسألته صلى ال عليه وسلم اليهود عن الرعد ما هو ؟ فقال ( َمَلكٌ من الملئكة مُوَكل بالسحاب ،معه مخاريق من نار
يَسوقه به حيث يشاء ال ) قالوا فما هذا الصوت الذي يسمع ؟ قال ( َزجْرُه السحاب حتى تنتهي حيث أمرت ) قالوا
عرْق النّسا فلم يجد شيئا يلئمه إل لحوم البل حرّم إسرائيل على نفسه ،قال ( اشتكى ِ صدقت ،ثم قالوا فأخبرنا عما َ
وألبانها ،فلذلك حرمها على نفسه ) قالوا صدقت ،ذكره الترمذي وحسنّه .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن القردة والخنازير أهي من نَسْل اليهود ؟ فقال ( إن ال لم يلعن قوما قط فمسخهم فكان
لهم نسل حتى يهلكم ،ولكن هذا خلق كان ،فلما كتب ال على اليهود مَسَخهم جعلهم مثلهم ) ذكره أحمد .
وقال ( فيكم المغربون ) فقالت عائشة وما المغربون ؟ قال ( الذين يشترك فيهم الجن ) ذكره أبو داود ،وهذا من
ع َنقَاء
سمّوا مغربين لبعد أنسابهم وانقطاعهم عن أصولهم ،ومنه قولهم (( ُ مشاركة الشياطين للنس في الولد ،و ُ
ُمغْرب )) .
171
www.dorar.net الدرر
السنية
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال أين أتزر ؟ فأشار إلى عظم ساقه ،وقال ( ههنا أتزر ) قال فإن أبيت ؟ قال
( فههنا أسفل من ذلك ،فإن أبيت فههنا فوق الكعببين ،فإن أبيت فإن ال ل يحب كل مختال فخور ) ذكره أحمد .
وسأله صلى ال عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي ال عنه فقال إن إزاري يسترخي إل أن أتعاهده ،فقال ( إنك لسْتَ
ممن يفعله خيلء ) ذكره البخاري وقال ( مَنْ جر إزاره خيلء لم ينظر ال إليه يوم القيامة ) فقالت أم سلمة فكيف
تصنع النساء بذيولهن ؟ قال ( ُيرْخِين شبرا ) فقالت إذا تنكشف أقدامهن قال ( يرخين ذراعا ل يزدن عليه ) .
وسألته صلى ال عليه وسلم امرأة ،فقالت إن ابنتي أصابتها الحصبة فتمزَق شعرها ،أفاصل فيه ؟ فقال ( لعن ال
الواصلة والمستوصلة ) متفق عليه .
عن الكهان
وسئل صلى ال عليه وسلم عن إتيان الكهان ،فقال ( ل تأتِهمْ ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الطيرة ،قال ( ذلك شيء يجدونه في صدورهم فل يردنهم ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الخط ،فقال ( كان نبي من النبياء يخط ،فمن وافق خطه فذاك )
وسئل صلى ال عليه وسلم عن الكهان أيضا ،فقال ( ليسوا بشيء ) فقال السائل إنهم يحدثوننا أحيانا بالشيء فيكون،
فقال ( تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقذفها في أذن وليه من النس فيخلطون معها مائة كذبة ) متفق عليه .
عن الرؤية
وسئل صلى ال عليه وسلم عن قوله تعالى ( لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الخرة ) [ يونس ]64 :فقال ( هي
الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ُترَى له ) ذكره أحمد .
وسألته صلى ال عليه وسلم خديجة رضي ال عنها عن ورقة بن نوفل ،فقالت إنه كان صدقك ومات قبل أن تظهر،
فقال ( أريته في المنام وعليه ثياب بيض ،ولو كان من أهل النار لكان عليه لباس غير ذلك ) .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل رأى في المنام كأن رأسه ضرب فتد حرج فاشتد في إثره .فقال ( ل تحدث الناس
بتلعب الشيطان بك في منامك ) ذكره مسلم .
وسألته صلى ال عليه وسلم أم العلء فقالت رأيت لعثمان بن مظعون عينا تجري ،يعني بعد موته ،فقال ( ذاك عمله
يجري له ) .
في القضاء
وذكر أبو داود أن معاذا سأله فقال بم أقضي ؟ قال ( بكتاب ال ) قال فإن لم أجد ؟ قال ( فبسنة رسول ال صلى ال
عليه وسلم ) قال فإن لم أجد ؟ قال ( اسْ َتدْق الدنيا ،وعظم في عينيك ما عند ال ،واجتهد رأيك فسيسددك ال بالحق )،
وقوله ( استدق الدنيا ) أي استصغرها واحتقرها .
فتاوى عامة
وسأله صلى ال عليه وسلم ِدحْيَة الكلبي ،فقال أل أحمل لك حمارا على فرس فتنتج لك بغل فتركبها ؟ فقال ( إنما
يفعل ذلك الذين ل يعلمون ) ذكره أحمد .
عزَلوا طعامهم عن طعام اليتام وشرابهم من شرابهم ،فذكروا ذلك لرسول ال ولما نزل التشديد في أكل مال اليتيم َ
صلى ال عليه وسلم ،فأنزل ال تعالى ( ويسألونك عن اليتامى ،قل إصلح لهم خير ،وإن تخالطوهم فإخوانكم )
[ البقرة ]220 :فخلطوا طعامهم وشرابهم بشرابهم .
وسألته صلى ال عليه وسلم عائشة رضي ال عنها عن قوله تعالى ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات
هن أم الكتاب ،وأخَرُ ُمتَشَابهات ،فأما الذين في قلوبهم زَيْغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ) [ آل
عمران ]7 :فقال ( إذا رأيتم الذين يَتّبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى ال فاحذروهم ) متفق عليه .
سمّونَ بأسماء أنبيائهم
وسئل صلى ال عليه وسلم عن قوله تعالى ( يا أخت هارون ) [ مريم ]28 :فقال ( كانوا يُ َ
والصالحين من قومهم ).
وفي الترمذي أنه سئل صلى ال عليه وسلم عن قوله تعالى ( وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ) [ الصافات ]147 :
كم كانت الزيادة ؟ قال ( عشرون ألفاً ) .
172
www.dorar.net الدرر
السنية
وسأله صلى ال عليه وسلم أبو ثعلبة عن قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ) [ المائدة ]105 :الية ،فقال
شحّا مُطاعا ،وهوى متبعا ،ودنيا مؤثرة ،وإعجاب كل ذي ( ائتمروا بالمعروف ،وانتهوا عن المنكر ،حتى إذا رأيت ُ
رأي برأيه ،فعليك بنفسك ودع عنك العوام؛ فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر ،للعامل فيهن
مثل أجر خمسين يعملون مثل عملكم ) ذكره أبو داود .
وسئل صلى ال عليه وسلم متى وجبت لك النبوة ؟ فقال ( وآدم بين الروح والجسد ) صححه الترمذي .
وسئل صلى ال عليه وسلم كيف كان بَدء أمرك ؟ فقال ( دعوة أبي إبراهيم ،وبشرى عيسى ،ورؤيا أمي ،رأت أنه
خرج منها نور أضاءت له قصور الشام ) ذكره أحمد .
وسأله صلى ال عليه وسلم أبو هريرة يا رسول ال ما أول ما رأيت من النبوة ؟ قال ( إني َلفِي الصحراء ابن عشرين
سنة وأشهر ،وإذا بكلم فوق رأسي ،وإذا برجل يقول لرجل أهو هو ؟ فاستقبلني بوجوه لم أرها لحد قط ،و أرواح
لم أجدها لخلق قط ،وثياب لم أرها على خلق قط ،فأقبل يمشيان حتى أخذ كل منها ِبعَضُدي ل أجد لخذهما مسا ،فقال
أحدهما لصاحبه أضجعه ،فأضجعاني بل قصر ول هَصْر ،فقال أحدهما لصاحبه افلق صدره ،فحوى أحدهما صدري
ففلقه فيما أرى بل دم ول وجع ،فقال له أخرج الغل والحسد ،فأخرج شيئا كهيئة العلقة ثم نبذها فطرحها ،ثم قال له
غدُ سليما ،فرجعت بها رقة أدخل الرأفة والرحمة ،فإذا مثل الذي أخرج شبه الفضة ،ثم هز إبهام رجلي اليمنى ،فقال ا ُ
علَى الصغير و رَحْمة على الكبير ) ذكره أحمد . َ
وسئل صلى ال عليه وسلم أي الناس خير ؟ قال ( القرن الذي أنا فيه ،ثم الثاني ،ثم الثالث ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن أحب النساء إليه ؟ فقال ( عائشة ) فقيل ومن الرجال ؟ فقال ( أبوها ) فقيل ثم من ؟
قال ( عمر بن الخطاب رضي ال عنه ).
وسأله صلى ال عليه وسلم علي والعباس أيّ أهلك أحب إليك ؟ قال ( فاطمة بنت محمد صلى ال عليه وسلم ورضي
عنها) قال ما جئناك نسألك عن أهلك ؟ قال ( أحب أهلي إلي من أنعم ال عليه و أنعمت عليه أسامة بن زيد ) قال ثم
من ؟ قال ( علي بن أبي طالب ) قال العباس يا رسول ال جعلت عمك آخرهم ،قال ( إن عليا سبقك بالهجرة ) ذكره
الترمذي وحسنه .
وفي الترمذي أيضا أنه صلى ال عليه وسلم سئل أي أهل بيتك أحب إليك ؟ قال ( الحسن رضي ال عنه والحسين
رضي ال عنه ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم أي العمال أحب إلى ال ؟ فقال ( الحب في ال والبغض في ال ) ذكره أحمد .
وسئل صلى ال عليه وسلم عن امرأة كثيرة الصلة والصيام والصدقة غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها ،فقال ( هي في
النار ) فقيل إن فلنة ،فذكر قلة صلتها وصيامها وصدقتها ول تؤذى جيرانها بلسانها ،فقال ( هي في الجنة ) ذكره
أحمد .
وسألته صلى ال عليه وسلم عائشة فقالت إن لي جارين فإلى أيهما أهدي ؟ قال ( إلى أقربهما منك بابا ) ذكره
البخاري .
ونهاهم عن الجلوس بالطرقات إل بحقها ،فسئل عن حق الطريق ،فقال ( غَضّ البصر ،وكف الذى ،ورد السلم،
والمر بالمعروف ،والنهي عن المنكر ) .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال إن لي مال وولداً ،وإن أبي اجتاح مالي ،فقال ( أنت ومالك لبيك ،إن أولدكم
من أطيب كسبكم ،فكلوا من كسب أولدكم ) ذكره أبو داود .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل عن الهجرة والجهاد معه ،فقال ( ألك والدان ؟ ) قال نعم ،قال ( فارجع إلى والديك
صحْ َبتَهما ) ذكره مسلم .
فأحْسِنْ ُ
وسـأله صـلى ال عليـه وسـلم آخـر عـن ذلك ،فقال ( ويحـك ! أحيـة أمـك ؟ ) قال نعـم ،قال ( ويحـك ! الزم رجلهـا فثـم
الجنة ) ذكره ابن ماجه.
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل من النصار هل بقي عليّ من بر أبويّ شيء بعد موتهما ؟ قال ( نعم ،خصال أربع
الصلة عليهما والستغفار لهما ،وإنفاذ عهدهما ،وإكرام صديقهما ،وصلة الرحم التي ل َرحِ مَ لك إل من قِبَلهما؛ فهو
الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما ) ذكره أحمد .
173
www.dorar.net الدرر
السنية
وسئل صلى ال عليه وسلم ما حَق الوالدين على الولد ؟ فقال ( هما جنتك ونارك ) ذكره ابن ماجه .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني ،وأحسن إليهم ويسيئون وأعفو عنهم
ويظلموني ،أفأكافئهم ؟ قال ( ل ،إذاً تكونوا جميعا ،ولكن خذ الفضل وصِلهم ،فإنه لن يزال معك ظهير من ال ما كنت
على ذلك ) ذكره أحمد ،وعند مسلم ( لئن كنت كما قلت فكأنما تُسِفهم الملّ ،ولن يزال معك من ال ظهير ما دمت على
ذلك ) .
وسئل صلى ال عليه وسلم ما حق المرأة على الزوج ؟ قال ( يطعمها إذا طعم ،ويكسوها إذا لبس ،ول يضرب لها
وجها ،ول يقبح ،ول يهجر إل في البيت ) ذكره أبو داود .
وسأله صلى ال عليه وسلم رجل فقال أستأذن على أمي ؟ قال ( نعم ) فقال إني معها في البيت ،فقال ( استأذن عليها )
عرْيانة ؟ ) قال ل ،قال ( استأذن عليها ) ذكره مالك .فقال إني خادمها ،قال ( استأذن عليها ،أتحب أن تراها ُ
وسئل عن الستئناس في قوله تعالى ( حتى تستأنسوا ) [ النور ]27 :قال ( يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة
ويتنحنح ويؤذن أهل البيت ) ذكره ابن ماجه .
وعطس رجل فقال ما أقول يا رسول ال ؟ قال ( قل الحمد ل ) فقال القوم ما نقول له يا رسول ال ؟ قال ( قولوا له
يرحمك ال ) قال ما أقول لهم يا رسول ال ؟ قال ( قل لهم يهديكم ال ويصلح بالكم ) ذكره أحمد .
قد تم ـ بمعونة ال وتأييده ـ الجزء الرابع من كتاب (( أعلم الموقعين ،عن رب العالمين )) للمام ابن قيم الجوزية،
وبتمامه تم الكتاب ،و الحمد ل أولً وآخراً ،وصلى ال على نبينا محمد وآله وصحبه والعاملين من أمته .
174