You are on page 1of 678

‫تاريخ الخلفاء الراشدين (‪)4‬‬

‫سيرة أمير المؤمنين‬


‫علي بن أبي طالب ‪‬‬
‫شخصيته وعصره‬
‫دراسة شاملة‬

‫تأليف‬
‫علي محمد محمد الصالبي‬
‫جميع الحقوق محفوظة‬

‫الطبعة األولى للناشر‬


‫‪1426‬هـ ‪2005 -‬م‬

‫رقم اإليداع‪9849/2005 :‬‬


‫الترقيم الدولي‪I.S.B.N :‬‬
‫‪1- 61 – 6119 -977‬‬

‫مركز السالم للتجهيز‬


‫الفنى‬
‫عبد الحميد عمر‬
‫‪0106962‬‬
‫‪647‬‬

‫مؤسسة اقرأ‬
‫للنشر والتوزيع والترجمة‬
‫‪ 10‬ش أحمد عمارة – بجوار حديقة الفسطاط‬
‫القاهرة ت‪ 5326610 :‬محمول‪5224207/010 :‬‬
‫‪3‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬

‫اإلهداء‬
‫إلى كل مسلم حريص على‬
‫إعزاز دين هللا تعالى أهدى‬
‫هذا الكتاب‪ ،‬سائالً المولى عز‬
‫وجل بأسمائه الحسنى‪،‬‬
‫وصفاته العلى‪ ،‬أن يكون‬
‫خالصًا لوجهه الكريم‪ .‬قال‬
‫اء َربِِّه‬ ‫ِ‬
‫تعالى ‪+‬فَ َمن َكا َن َي ْر ُجو ل َق َ‬
‫صالِ ًحا َوالَ يُ ْش ِر ْك‬
‫َفلَْي ْع َم ْل َع َمالً َ‬
‫اد ِة ربِِّ‬ ‫ِ‬
‫َح ًدا" [الكهف‪:‬‬ ‫بِعبَ َ َ َ‬
‫أ‬ ‫ه‬
‫‪.]110‬‬
‫‪4‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬

‫المقدمة‬
‫إن الحمد هلل‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات‬
‫أعمالنا‪ ،‬من يهده هللا فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادى له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده‬
‫آمنُوا َّات ُقوا اهللَ َح َّق ُت َقاتِِه َوالَ‬ ‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ‪+‬يَا أ َُّي َها الذ َ‬
‫َّاس َّات ُقوا َربَّ ُك ُم الَّ ِذي َخلَ َق ُكم ِّمن َّن ْف ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س‬ ‫تَ ُموتُ َّن إالَّ َوأَ ْنتُم ُّم ْسل ُمو َن" [آل عمران‪+ .]102 :‬يَا أ َُّي َها الن ُ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اح َد ٍة و َخلَ َق ِم ْنها َزوجها وب َّ ِ‬ ‫وِ‬
‫اءلُو َن بِه َو ْ‬
‫األر َح َام إِ َّن‬ ‫اء َو َّات ُقوا اهللَ الذي تَ َس َ‬ ‫ث م ْن ُه َما ِر َجاالً َكث ًيرا َون َس ً‬ ‫َ ْ ََ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صلِ ْح لَ ُك ْم‬ ‫ي‬
‫ْ ً َ ً ُْ‬
‫‪‬‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫د‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫و‬‫ق‬‫َ‬ ‫ُوا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ُ‬‫ق‬ ‫و‬ ‫اهلل‬ ‫وا‬
‫َ َُ ُ َ َ‬ ‫ق‬ ‫َّ‬
‫ات‬ ‫وا‬ ‫ن‬‫آم‬ ‫ين‬ ‫ِ‬
‫ذ‬ ‫َّ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫َي‬‫أ‬
‫َ ُّ َ‬‫ا‬ ‫ي‬ ‫‪+‬‬ ‫]‪.‬‬‫‪1‬‬ ‫[النساء‪:‬‬ ‫"‬‫ا‬ ‫يب‬ ‫ِ‬
‫ق‬ ‫ر‬ ‫م‬
‫َ َ َ َُْْ َ ً‬‫ك‬ ‫ي‬‫َ‬‫ل‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ك‬ ‫اهلل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يما" [األحزاب‪.]71 ،70:‬‬ ‫أَ ْع َمالَ ُك ْم َو َيغْف ْر لَ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْم َو َمن يُط ِع اهللَ َو َر ُسولَهُ َف َق ْد فَ َاز َف ْو ًزا َعظ ً‬
‫يا رب لك الحمد كما ينبغي لجالل وجهك وعظيم سلطانك‪ ،‬ولك الحمد حتى ترضى‪،‬‬
‫ولك الحمد إذا رضيت‪ ،‬ولك الحمد بعد الرضا‪ ،‬أما بعد‪..‬‬
‫هذا الكتاب الرابع في دراسة عهد الخالفة الراشدة‪ ،‬فقد صدرت عدة كتب عن‬
‫الصديق والفاروق وذي النورين‪ ،‬وقد سميت هذا الكتاب‪«:‬سيرة أمير المؤمنين عل َّى بن‬
‫أبى طالب‪ ،‬شخصيته وعصره»‪ ،‬ويتحدث هذا الكتاب عن أمير المؤمنين عل َّى من الميالد‬
‫حتى االستشهاد‪ ،‬فيبدأ بالحديث عن اسمه ونسبه ولقبه ومولده وأسرته وقبيلته‪ ،‬وإسالمه‪،‬‬
‫وأهم أعماله في مكة‪ ،‬وعن هجرته‪ ،‬ومعايشته للقرآن الكريم وأثرها عليه في حياته‪ ،‬وعن‬
‫تصوره عن هللا والكون والحياة والجنة والنار والقضاء والقدر‪ ،‬وعن مكانة القرآن الكريم‬
‫عنده‪ ،‬وما نزل فيه من القرآن الكريم‪ ،‬وعن األصول واألسس التي سار عليها أمير‬
‫على في استنباط األحكام من القرآن الكريم وفهم معانيه‪ ،‬وعن تفسير أمير‬ ‫المؤمنين ٌّ‬
‫على لبعض اآليات الكريمة‪ ،‬وعن مالزمته لرسول هللا × منذ طفولته‪ ،‬ومعرفته‬ ‫المؤمنين ٍّ‬
‫العميقة بمقام النبوة وكيفية التعامل معه‪ ،‬فقد أوضح معالمه بأقواله وأفعاله‪ ،‬وكان حريصًا‬
‫على تعليم الناس وحثهم على االقتداء برسول هللا × في أقواله وأعماله وتقريراته‪ .‬فبيَّن‬
‫وجوب طاعة النبي × ولزوم سنته والمحافظة عليها‪ ،‬وأوضح دالئل نبوة الرسول ×‬
‫وفضله وبعض حقوقه على أمته×‪ .‬ويجد القارئ الكريم نماذج من اتباع أمير المؤمنين‬
‫على للسنة النبوية المطهرة‪ ،‬ويتحدث الكتاب عن أسماء بعض الرواة عن أمير المؤمنين‬ ‫ٍّ‬
‫على من الصحابة والتابعين وأهل بيته‪.‬‬ ‫ٍّ‬
‫وينتقل الكتاب بالقارئ إلى حياة أمير المؤمنين في المدينة في عهد النبي × فيتكلم عن‬
‫على من السيدة فاطمة رضي هللا عنها‪ ،‬وما في هذا الزواج من‬ ‫زواج أمير المؤمنين ٍّ‬
‫دروس وعبر في المهر والجهاز‪ ،‬والزفاف والمعيشة والزهد‪ ،‬وصدق لهجة السيدة فاطمة‬
‫وسيادتها في الدنيا واآلخرة‪ ،‬وترجمت للحسن والحسين رضي هللا عنهما ترجمة‬
‫مختصرة‪ ،‬وبينت فضلهما وما ورد فيهما من أحاديث عن رسول هللا ×‪ ،‬وتكلمت عن‬
‫مفهوم أهل البيت عند أهل السنة‪ ،‬وما يخصهم من أحكام‪ ،‬كتحريم الزكاة عليهم‪ ،‬وكونهم‬
‫ال يرثون رسول هللا ×‪ ،‬وحقهم في خمس الخمس في الغنيمة والفيء‪ ،‬والصالة عليهم مع‬
‫النبي ×‪ ،‬ووجوب محبتهم واحترامهم ومودتهم‪ ،‬وبينت مواقف أمير المؤمنين في سرايا‬
‫رسول هللا وغزواته‪ ،‬كبدر وأحد والخندق‪ ،‬وبنى قريظة‪ ،‬والحديبية وخيبر‪ ،‬وفتح مكة‪،‬‬
‫لعلى على المدينة في غزوة تبوك ‪8‬هـ وحج أبى‬ ‫ٍّ‬ ‫وغزوة حنين‪ ،‬وعن استخالف النبي ×‬
‫على رضي هللا عنه اإلعالمى‪ ،‬ووفد قد نصارى نجران وآية المباهلة‪،‬‬ ‫بكر بالناس‪ ،‬ودور ٍّ‬
‫وإرسال النبي × عليًا داعيًا وقاضيًا لليمن‪ ،‬وأقضيته التي حكم بها في اليمن السعيد‬
‫على في حجة الوداع‪ ،‬وقصة الكتاب الذي هم النبي × بكتابته في‬ ‫الحبيب‪ ،‬ومواقف ٍّ‬
‫‪5‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫مرض موته‪ ،‬وعن العالقة بالخلفاء الراشدين‪ ،‬ومكانته في دولة الخالفة الراشدة‪ ،‬فتكلمت‬
‫عن مبايعته ألبى بكر بالخالفة ومساندته له في حروب الردة‪ ،‬وتقديمه وتفضيله للصديق‪،‬‬
‫وإقتدائه به في الصلوات وقبول الهدايا منه‪ ،‬وأشرت إلى العالقة بين الصديق والسيدة‬
‫فاطمة وقصة ميراث النبي ×‪ ،‬ورددت على الشبهات الرافضية حول قصة الميراث‬
‫ونسفت حججهم وأدلتهم بالبراهين القاطعة واألدلة الناصعة‪ ،‬وكشفت الستار عن رواياتهم‬
‫الضعيفة والموضوعة‪ ،‬وأثبت محبة السيدة فاطمة للحق والتزامها بالشريعة‪ ،‬واحترامها‬
‫لخليفة رسول هللا أبى بكر‪ ،‬وتسامحها معه‪ ،‬واحترام أهل البيت للصديق والمصاهرات‬
‫المتبادلة بين آل الصديق وأهل البيت‪ ،‬ومحبتهم له وتسمية أوالدهم عليه‪ ،‬وتحدثت عن‬
‫على في عهد الفاروق في األمور القضائية‪ ،‬والتنظيمات المالية واإلدارية‬ ‫مساهمات ٍّ‬
‫لعلى على المدينة مرا ًرا‪ ،‬ومشاورته له في أمور الجهاد وشئون الدولة‪،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫واستخالف عمر‬
‫وعن العالقة الحميمة المتينة بين الفاروق وأهل البيت‪ ،‬وزواج عمر من أم كلثوم بنت‬
‫على بن أبى طالب‪ ،‬وحقيقة هذا الزواج الميمون المبارك‪ ،‬وتركت الحجج الدامغة‪،‬‬
‫والبراهين الساطعة تنسف األكاذيب من جذورها فتركتها قاعًا صفصفًا‪،‬ـ وأخذت الحقائق‬
‫التاريخية ترسم لنا حقيقة المحبة والمودة بين الصحابة الكرام‪ ،‬كما جاءت في القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬ووضحت بيعة على لعثمان رضي هللا عنه ورددت على األكاذيب التي ألصقت‬
‫بها‪ ،‬وتحدثت عن جهوده في دعم دولة ذي النورين‪ ،‬ودفاعة عنه أمام الغوغاء‪ ،‬ومواقفة‬
‫في فتنة مقتلة في بدايتها‪ ،‬وأثناء الحصار‪ ،‬وبعد استشهاده‪ ،‬وتحدثت عن المصاهرة بين آل‬
‫عثمان‪ ،‬وأتيت بأقوال عل ‪‰‬ـًًّى في الخلفاء الراشدين الذين سبقوه‪ ،‬والتي تدل على محبتهم‬
‫واحترامهم ومودتهم‪ ،‬والبراءة ممن يسبهم ويشتمهم وإقامة حد المفتري على من يسب‬
‫الشيخين‪ ،‬وال يتمالك القارئ المسلم نفسه من البكاء وهو يتأمل في أقوال أمير المؤمنين‬
‫في الخلفاء وتعامله مع ذلك الجيل القرآني الفريد وساداته الكرام‪ .‬قال الشاعر‪.‬‬
‫وأسأل عنهم من لقيت وهم معى‬ ‫ومن عجب أنى أحن إليهم‬
‫ويشتاقهم قلبى وهم بين أضلعى‬ ‫وتطلبهم عينى وهم في سوادها‬
‫وقال الشاعر‪:‬‬
‫كما أحب عتيقًا صاحب الغار‬ ‫إنى أحب أبا حفص وشيعته‬
‫ما رضيت بقتل الشيخ في الدار‬ ‫وقد رضيت عليًا قدوة وعل ًما‬
‫فهل عل َّى بهذا القول من عار‬ ‫كل الصحابة سادتى ومعتقدى‬
‫على بالخالفة وكيف تمت‪ ،‬وعن أحقيته بها‪ ،‬وإجماع‬ ‫هذا وقد تحدثت عن بيعة ٍّ‬
‫الصحابة على ذلك‪ ،‬وبيعة طلحة والزبير له طوعًا بدون ضغط أو إكراه‪ ،‬وانعقاد اإلجماع‬
‫على خالفته‪ ،‬وشروط أمير المؤمنين في بيعته‪ ،‬أول خطبة له‪ ،‬وأهل الحل والعقد في‬
‫دولته‪ ،‬وشيء من فضائله وأهم صفاته وقواعد نظام حكمه‪ ،‬وتوسعت في الحديث عن‬
‫صفاته‪ ،‬فبينت علمه الواسع وفقهة الغزير‪ ،‬وزهده‪ ،‬وتواضعة‪ ،‬وكرمه وجوده‪ ،‬وحياءه‪،‬‬
‫وشدة عبوديته‪ ،‬وصبره‪ ،‬وإخالصه‪ ،‬وشكره هلل‪ ،‬ودعاء الخاشع‪ ،‬وعن المرجعية العليا‬
‫لدولته‪ ،‬وسيرها على كتاب هللا وسنة رسول ×‪ ،‬واالقتداء بالخلفاء الراشدين الذين سبقوه‪،‬‬
‫وعن حق األمة في الرقابة على الحكام‪ ،‬والشورى‪ ،‬والعدل والمساواة‪ ،‬والحريات‪ ،‬وعن‬
‫حياته في المجتمع واهتمامه باألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬ودعوته للتوحيد‬
‫ومحاربته للشرك‪ ،‬وتعريفه الناس بأسماء هللا وصفاته‪ ،‬وبنعم هللا المستوجبة لشكره‪،‬‬
‫وحرصه على محو آثار الجاهلية‪ ،‬وحرصه على بطالن االعتقاد بالكواكب‪ ،‬وإحراقة لمن‬
‫‪6‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫غلوا فيه وادعوا فيه األلوهية‪ ،‬وحديثه عن كيفية بداية اإليمان في القلب وتعريفه للتقوى‪،‬‬
‫ومفقهوم القضاء والقدر‪ ،‬وكيف يحاسب هللا العباد على كثرة عددهم‪.‬‬
‫ونقلت شيئًا من خطبة ومواعظة‪ ،‬وما ينسب إليه من شعر‪ ،‬أو يتمثل به في مناسبات‬
‫عديدة‪ ،‬واخترت مجموعة قيمة من حكمه التي سارت مضرب المثل بين الناس‪ ،‬وتكلمت‬
‫عن حديثه عن صفات خيار العباد‪ ،‬وعن تطوع النبي ×‪ ،‬ووصفـ الصحابة الكرام‪،‬‬
‫وتحذيره من األمراض الخطيرة التي تصيب القلوب‪ ،‬كطول األمل واتباع الهوى‪،‬‬
‫والرياء‪ ،‬والعجب‪ ،‬وعن اهتمامه بترشيد األسواق‪ ،‬ومحاربته للبدع‪ ،‬واألعمال التي‬
‫تخالف الشرع في أوساط الناس‪ ،‬وتحدثت عن المؤسسات التي في دولته‪ ،‬كالمالية‪،‬‬
‫والقضائية‪ ،‬ومؤسسة الوالة‪ ،‬وعن الخطة القضائية والتشريعية في عهد الخلفاء الراشدين‪،‬‬
‫والمصادر التي اعتمدها الصحابة في ذلك العهد‪ ،‬وعن ميزات القضاء في عهد الراشدين‪،‬‬
‫وعن أشهر قضاة أمير المؤمنين على‪ ،‬وعن أسلوبه القضائي‪ ،‬ونظرته لألحكام الصادرة‬
‫قبله‪ ،‬والمؤهلين للقضاء‪ ،‬ومجانية الحصول على الحكم‪ ،‬وعن اجتهاداته الفقهية في‬
‫العبادات‪ ،‬والمعامالت المالية‪ ،‬والحدود والقصاص والجنايات‪ .‬وأشرت إلى مسألة حجية‬
‫قول الصحابى والخلفاء الراشدين‪ ،‬وبينت في حديثى عن مؤسسة الوالة‪ ،‬وأقاليم الدولة في‬
‫عهده وما وقع في كل إقليم‪ ،‬من أمور جسام‪ ،‬وتكلمت عن منجهه في تعيين الوالة‪،‬‬
‫ومراقبته لعماله وبعض توجيهاته‪ ،‬والصالحيات الممنوحة للوالة‪..‬من تعيين وزراء مع‬
‫كل وال في كل أقليم‪ ،‬وتشكيل مجالس الشورى وإنشاء الجيوش في كل والية‪ ،‬وترسيم‬
‫السياسة الخارجية في مجال الحرب والسلم والحفاظ على األمن الداخلي وتشكيل الجهاز‬
‫القضائي في كل والية‪ ،‬والنفقات المالية‪ ،‬والعمال التابعين لكل والية ومتابعتهم ودور‬
‫العرفاء والنقباء في تثبيت نظام الواليات‪ ،‬ووضحت بعض المفاهيم اإلدارية من أقوال‬
‫أمير المؤمنين على رضي هللا عنه‪ ،‬كتأكيده على العنصر اإلنساني‪ ،‬وعامل الخبرة‬
‫والعلم‪ ،‬والعالقة بين الرئيس المرءوس‪ ،‬ومكافحة الجمود‪ ،‬والرقابة الواعية‪ ،‬والضبط‪،‬‬
‫والمشاركة في صنع القرار‪ ،‬وحسن االختيار لدى الوالى والضمانات المادية والنفسية‬
‫لموظفى الدولة‪ ،‬ومرافقة ذوي الخبرة‪ ،‬ومفهوم اإلدارة األبوية‪ ،‬وكون التوظيف يتم عبر‬
‫على رضي‬ ‫الضوابط وليس الروابط الشخصية‪ ،‬ثم انتقلت إلى المشاكل الداخلية في عهد ٍّ‬
‫هللا عنه‪ ،‬فتحدثت عن معركة الجمل مبتدئًا باألحداث التي سبقتها وعن أثر التنظيم السبئي‬
‫في اندالعها‪ ،‬ودور عبد هللا بن سبأ في إذكاء الفتن الداخلية‪ ،‬وعن اختالف الصحابة في‬
‫الطريقة التي يؤخذ بها القصاص من قتلة عثمان‪ ،‬وعن موقف السيدة عائشة أم المؤمنين‪،‬‬
‫وطلحة والزبير ومعاوية بن أبى سفيان ومن كان معهم في اإلسراع بالقصاص من قتلة‬
‫عثمان‪ ،‬وبينت موقف معتزلى الفتنة‪ ،‬كسعد بن أبى وقاص وعبد هللا بن عمر‪ ،‬ومحمد بن‬
‫مسلمة‪ ،‬وأبى موسى األشعرى‪ ،‬وعمران بن حصين وأسامة بن زيد ومن سار عن‬
‫نهجهم‪ ،‬وتكلمت عن موقف المتريثين في تنفيذ القصاص حتى تستقر األحوال‪ ،‬كأمير‬
‫على‪ ،‬وعن محاوالتـ الصلح قبل اندالع معركة الجمل‪ ،‬وعن نشوب القتال‪،‬‬ ‫المؤمنين ٍّ‬
‫لعلى رضي هللا‬‫ٍّ‬ ‫وجولته األولى والثانية‪ ،‬واستشهاد طلحة والزبير‪ ،‬ومبايعة أهل البصرة‬
‫على رضي هللا عنه من أم المؤمنين عائشة وكيف عاملها واحترمها‬ ‫عنه‪ ،‬وعن موقف ٍّ‬
‫وقدرها وردها إلى المدينة معززة مكرمة‪ ،‬وأشرت إلى فضائلها وشيء من سيرتها‪ ،‬كما‬
‫ترجمت للزبير وطلحة رضي هللا عنهما لكونهما من الشخصيات المؤثرة في عهد النبوة‬
‫على‪ ،‬ودافعت عنهما دفاعًا عن الحق لكونهما‬ ‫والخالفة الراشدة وفي عهد أمير المؤمنين ٍّ‬
‫ظُلما‪ ،‬فبينت فضلهما ومكانتهما في اإلسالم‪ ،‬ورددت على الشبهات واألكاذيب التي‬
‫ألصقت بهما من خالل إثبات الحقائق الناصعة‪ ،‬والحجج الدامغة‪ ،‬وصفاتهماـ الرفيعة‪،‬‬
‫وأخالقهما الكريمة‪ ،‬بحيث يخرج القارئ المسلم بمعرفة حقيقية ال لبس فيها وال غموض‪،‬‬
‫لهذه الشخصيات الفذة‪ ،‬فال يتأثر بالروايات الضعيفة‪ ،‬وال القصص الموضوعة التي‬
‫‪7‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وضعها مؤرخو الشيعة الرافضة‪ ،‬والتي شوهت ثقافة الناس عن هذه الشخصيات‬
‫العظيمة‪ ،‬فالحديث عن ترجمة عائشة‪ ،‬أو طلحة والزبير‪ ،‬أو غيرهم من كبار الصحابة‪،‬‬
‫على رضي هللا عنه ينسجم‬ ‫الذين ساهموا في األحداث التي وقعت في عهد أمير المؤمنين ٍّ‬
‫مع منهجي في دراسة شخصية أمير المؤمنين وعصره‪ ،‬والشخصيات التي أثرت في ذلك‬
‫العهد ملتز ًما في طرحى بمنهج أهل السنة والجماعة جملة وتفصيالً‪،‬ـ أصوالً وفروعًا‪.‬‬
‫قال الشاعر أبو محمد القحطانى‪:‬‬
‫وسعيدهم وبعابد الرحمن‬ ‫أكرم بطلحة والزبير وسعدهم‬
‫وامدح جماعة بيعة الرضوان‬ ‫وأبى عبيدة ذى الديانة والتقى‬
‫وامدح جميع اآلل والنسوان‬ ‫قل خير قول في صحابة أحمد‬
‫بسيوفهم يوم التقى الجمعان‬ ‫دع ما جرى بين الصحابة في الوغى‬
‫وكالهما في الحشر مرحومان‬ ‫فقتيلهم منهم وقاتلهم لهم‬
‫تحوى صدورهم من األضغان‬ ‫وهللا يوم الحشر ينزع كل ما‬
‫شتموا الصحابة دون ما برهان‬ ‫ال تركنن إلى الروافض إنهم‬
‫وودادهم فرض على اإلنسان‬ ‫لعنوا كما بغضوا صحابة أحمد‬
‫ألقى بها ربى إذا أحياني‬ ‫حب الصحابة والقرابة سنة‬

‫وقال أيضًا‪:‬‬
‫من كل إنس ناطق أو جان‬ ‫إن الروافض شر من وطئ الحصى‬
‫ورموهم بالظلم والعدوان‬ ‫مدحوا النبي وخونوا أصحابه‬
‫جدالن عند هللا منتقصان‬ ‫حبوا قرابته وسبوا صحبه‬
‫روح يضم جميعها جسدان‬ ‫فكأنما آل النبي وصحبه‬
‫بأبى وأمي ذانك الفئتان‬ ‫فئتان عقدهما شريعة أحمد‬
‫وهما بدين هللا قائمتان‬ ‫فئتان سالكتان في سبيل الهدى‬
‫هذا وقد تحدثت عن معركة صفين‪ ،‬ودوافع معاوية رضى هللا عنه في عدم البيعة‪،‬‬
‫والمراسالت التي تمت بينه وبين عل ‪‰‬ـًًّى رضي هللا عنه‪ ،‬ومحاوالتع الصلح‪ ،‬ونشوب‬
‫القتال‪ ،‬والدعوة إلى التحكيم‪ ،‬ومقتل عمار بن ياسر رضي هللا عنه وأثره على المسلمين‪،‬‬
‫وعن المعاملة الكريمة من الطرفين أثناء الحرب والمواجهة‪ ،‬ومعاملة األسرى‪ ،‬وعدد‬
‫القتلى‪ ،‬وترحم أمير المؤمنين على رضي هللا عنه على قتلى الطرفين‪ ،‬ونهيه عن شتم‬
‫معاوية ولعن أهل الشام‪ ،‬ثم تكلمت عن قصة التحكيم‪ ،‬فترجمت ليسرة أبى موسى‬
‫‪8‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫األشعرى وعمرو بن العاص رضي هللا عنهما‪ ،‬وبينت بطالن األكاذيب والقصص‬
‫الواهية‪ ،‬والموضوعة التي ألصقت بهما في حادثة التحكيم‪ ،‬وأشرت إلى كيفية االستفادة‬
‫من قصة التحكيم في فض النزاعات بين الدول اإلسالمية‪ .‬وركزت على موقف أهل السنة‬
‫من تلك الحروب‪ ،‬وحذرت من بعض الكتب التي شوهت تاريخ الصحابة بالظلم‬
‫والعدوان‪ ،‬ككتاب اإلمامة والسياسة المنسوب زورًا البن قتيبة‪ ،‬وكتاب األغاني‬
‫لألصفهاني‪،‬ـ وتاريخ اليعقوبي‪،‬ـ والمسعودي وغيرهم من الكتب المنحرفة عن منهج أهل‬
‫السنة والجماعة‪ ،‬وبينت دور المستشرقين في تحريف التاريخ اإلسالمي وتزويره‬
‫وتشويهه‪ ،‬وكيف استفادوا من كتب الشيعة الروافض‪ ،‬وكيف أسسوا مدرسة معارضة‬
‫ساهمت في تلويث األفكار‪ ،‬وتحريف الوقائع وطمس الحقائق‪ ،‬وتوسيع النقاط السوداء في‬
‫تاريخنا مع المبالغة والتهويل تحت شعارات براقة‪ ،‬كالبحث العلمي النزيه‪ ،‬والواقعية‪،‬‬
‫والموضوعية والحياد‪ ،‬وتبنى تلك األفكار التدميرية مجموعة من أبناء المسلمين؛ ينتمون‬
‫لإلسالم‪ ،‬ال يحسنون فهمه‪ ،‬وال عرضه‪ ،‬وال العمل به‪ ،‬وال الدفاع عنه‪ ،‬بل تورطوا في‬
‫شباك أعداء اإلسالم الذين يعملون على تشويه تاريخ هذه األمة وحضارتها التي صنعها‬
‫دينها العظيم‪.‬‬
‫هذا وقد قمت بدراسة موضوعية علمية في الفصل األخير عن الخوارج والشيعة‬
‫الرافضة‪ ،‬فبينت نشأة الخوارج وعرفت بهم‪ ،‬وذكرت األحاديث النبوية التي تضمنت‬
‫ذمهم‪ ،‬وانحيازهم إلى حروراء‪ ،‬ومناظرة ابن عباس لهم‪ ،‬وسياسة أمير المؤمنين في‬
‫التعامل معهم‪ ،‬وأسباب مقاتلته لهم‪ ،‬ونشوب القتال معهم‪ ،‬وقصة ذي الثدية أو المخدج‪،‬‬
‫على رضي هللا عنه‪ ،‬ووقفتـ مع األحكام الفقهية التي اجتهد فيها‬
‫وأثر مقتله على جيش ٍّ‬
‫على في معاركة في الجمل وصفين ومع الخوارج‪ ،‬وكيف اعتمد عليها‬ ‫أمير المؤمنين ٍّ‬
‫الفقهاء فيما بعد‪ ،‬ودونوها في كتبهم بما يعرف بأحكام فقه البغاة‪ ،‬وأشرت إلى أهم صفات‬
‫الخوارج في عهد أمير المؤمنين عل ‪‰‬ـًىًّ‪ ،‬كالغلو في الدين‪ ،‬والجهل به‪ ،‬وشق عصا الطاعة‪،‬‬
‫والتكفير بالذنوب واستحالل دماء المسلمين وأموالهم‪ ،‬والطعن والتضليل‪ ،‬وسوء الظن‪،‬‬
‫والشدة على المسلمين‪ ،‬وناقشت بعض اآلراء االعتقادية للخوارج‪ ،‬كتكفير صاحب‬
‫الكبيرة‪ ،‬ورأيهم في اإلمامة‪ ،‬وطعنهم في بعض الصحابة وتكفيرهم لعثمان وعلى رضي‬
‫هللا عنهما‪ ،‬وتطرقت ألسباب انحراف الخوارج ونزعاتهم في العصر الحديث‪ ،‬كالجهل‬
‫بالعلوم الشرعية بسبب اإلعراض عن العلماء‪ ،‬والقراءة من الكتب بدون معلم‪ ،‬وغلوهم‬
‫في ذم التقليد‪ ،‬وتخلى كثير من العلماء عن القيام بواجبهم‪ ،‬وشيوع الظلم والتحاكم للقوانين‬
‫الوضعية‪ ،‬وانتشار الفساد بين الناس‪ ،‬وعدم تزكية النفوس‪ ،‬وأشرت إلى أهم مظاهر‬
‫غلوهم‪ ،‬كالتشدد في الدين على النفس والتعسير على اآلخرين‪ ،‬والتعالم والغرور‪،‬‬
‫واالستبداد بالرأي وتجهيل اآلخرين‪ ،‬والطعن في العلماء العاملين‪ ،‬وسوء الظن‪ ،‬والشدة‬
‫والعنف مع االخرين‪ ،‬وتكفير المسلمين‪.‬‬
‫وتكلمت عن فرقة الشيعة الرافضة‪ ،‬فبينت معنى الشيعة في اللغة واالصطالح‪،‬‬
‫ومعنى الرفض في اللغة واالصطالح‪ ،‬وسبب تسميتهم بالرافضة‪ ،‬ونشأتهم ودور اليهود‬
‫في ذلك‪ ،‬والمراحل التي مر بها الشيعة‪ ،‬وأهم عقائد الشيعة الرافضة‪ ،‬وموقف أمير‬
‫المؤمنين وعلماء أهل البيت من تلك العقائد المنسوبة إليهم‪ ،‬كعقيدة اإلمامة وحكم من‬
‫جحدها‪ ،‬والعصمة ومناقشة أدلتهم على العصمة وبيان بطالنها‪ ،‬وكذلك أدلتهم على النص‬
‫من القرآن الكريم؛ كآية التطهير‪ ،‬والمباهلة‪ ،‬والوالية‪ ،‬وأدلتهم المزعومة من السنة‪،‬‬
‫كخطبة غدير خم‪ ،‬وحديث‪« :‬أنت منى كمنزلة هارون من موسى»‪ ،‬وبيان األحاديث‬
‫الضعيفة والموضوعة التي استدلوا بها على اإلمامة‪ ،‬كحديث الطائر‪ ،‬وحديث الدار‪ ،‬وأنا‬
‫مدينة العلم وعل ّى بابها‪ ،‬وألحقت بالكتاب فهرسًا لألحاديث الضعيفة والموضوعة التي‬
‫يحتج بها الشيعة الرافضة لتحذير المسلمين من الوقوع في حبائلهم‪ ،‬وبينت حقيقة التوحيد‬
‫‪9‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫عند الشيعة الرافضة‪ ،‬وكيف حرفوا نصوص التوحيد وجعلوها في والية األئمة‪ ،‬وجعلوا‬
‫اإلمامة أصل قبول األعمال‪ ،‬واعتقادهم أن األئمة هم الواسطة بين هللا وخلقه‪ ،‬وقولهم ال‬
‫هداية للناس إال باألئمة‪ ،‬وال يقبل الدعاء إال بأسماء األئمة‪ ،‬وكون الحج إلى المشاهد‬
‫الشيعية أعظم عندهم من الحج إلى بيت هللا‪ ،‬وكون اإلمام عندهم يحرم ما يشاء ويحل ما‬
‫يشاء‪ ،‬وأن الدنيا واآلخرة لإلمام يتصرف فيهما كيف يشاء‪ ،‬وإسناد الحوادث الكونية إلى‬
‫األئمة‪ ،‬وقولهم‪ :‬إن األئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه ال يخفى عليهم شيء‪،‬‬
‫وغلوهم في اإلثبات‪ ،‬وحقيقة التعطيل عندهم‪ ،‬ومسألة خلق القرآن‪ ،‬ومسألة رؤية هللا عز‬
‫وجل في اآلخرة‪ ،‬وتفضيلهم األئمة على األنبياء والرسل‪ ،‬وموقفهم من القرآن الكريم‬
‫واعتقاد بعض علمائهم بتحريف كتاب هللا عز وجل والرد عليهم‪ ،‬وموقف الشيعة‬
‫الرافضة من الصحابة الكرام والسنة النبوية المطهرة‪ ،‬ومفهوم التقية عند القوم‪ ،‬وعقيدة‬
‫المهدي المنتظر عندهم‪ ،‬والرجعة‪ ،‬وقولهم بالبداء على هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬وقد بينت‬
‫موقف أمير المؤمنين على بن أبى طالب وأئمة أهل البيت األطهار‪ ،‬وعلماء أهل السنة من‬
‫تلك العقائد الفاسدة والمنحرفة عن كتاب هللا تعالى‪ ،‬والتزمت في مناقشتي باألدب‬
‫واالبتعاد عن السب والشتم‪ ،‬ومناقشة القوم من خالل أصولهم وكتبهم المعتمدة‪ ،‬والحرص‬
‫على‬
‫على بيان الحقيقة لمحبى أهل البيت من الشيعة ودعوتهم باالقتداء بأمير المؤمنين ٍّ‬
‫رضي هللا عنه‪ ،‬وتحذيرهم من المندسين تحت عباءة أهل البيت لغرض إفساد عقائد الناس‬
‫وإبعادهم عن كتاب هللا وسنة رسول هللا ×‪ ،‬كما أن هناكم رغبة صادقة مخلصة لتعريف‬
‫الجمهور العريض من أهل السنة بحقيقة هؤالء الشيعة الرافضة‪ ،‬فالقضية لها وجودها‬
‫وآثارها بين الشعوب في أفريقيا‪ ،‬وآسيا وأوروبا واألمريكتين‪ ،‬ودعاة التشيع الرافض‬
‫نشطون في دعوتهم المنحرفة يبذلون في سبيلها الغالي والنفيس‪ ،‬ويتحالفون مع خصوم‬
‫اإلسالم الصحيح لضربه والقضاء عليه‪ ،‬وتشويه منهجه‪ ،‬وهذا ليس بجديد‪ ،‬وأهل السنة‪-‬‬
‫إال من رحم هللا – في استرخاء عجيب‪ ،‬ونوم عميق وغفلة عما يراد بهم‪ ،‬وبعضهم يقول‪:‬‬
‫إن الصراع السنى الشيعي الرافضى قد عفا عليه الزمن‪ ،‬وهذا الكالم عار من الحقيقة‪،‬‬
‫ودليل على الجهل‪ ،‬وفي طياته خداع لجمهور المسلمين العريض‪ ،‬باسم التقريب وتوحيد‬
‫الصف اإلسالمي‪.‬‬
‫إن المنهج الصحيح للتقريب هو أن يقوم علماء أهل السنة بجهد كبير لنشر اعتقادهم‬
‫الصحيح المنبثق من كتاب هللا وسنة رسول هللا ×‪ ،‬وبيان صحته وتميزه عن مذهب أهل‬
‫البدع‪ ،‬فأهل السنة والجماعة هم المتبعون لما كان عليه رسول هللا× وأصحابه ونسبتهم‬
‫إلى سنة الرسول × التي حث على التمسك بها بقوله ×‪« :‬فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء‬
‫الراشدين من بعدي‪ ،‬تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ»(‪،)1‬وحذر من مخالفتها‬
‫بقوله‪« :‬وإياكم ومحدثات الأمور‪ ،‬فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة»(‪،)2‬‬
‫وقوله‪« :‬من رغب عن سنتي فليس مني»‪ ,‬وهذا بخالف غيرهم من أهل األهواء والبدع‬
‫الذين سلكوا مسالك لم يكن عليها الرسول ×‪ ،‬فأهل السنة ظهرت عقيدتهم بظهور بعثته‬
‫×‪ -‬وهي محفوظة بحفظ هللا لها في كتابه وسنة رسول ×‪ ،‬وأهل األهواء ولدت عقائدتهم‬
‫بعد زمنه ×‪ ،‬ومنها ما كان في آخر عهد الصحابة‪ ،‬ومنها كان بعد ذلك‪ ،‬والرسول × أخبر‬
‫من عاش من أصحابه سيدرك هذا التفرق واالختالف فقال‪« :‬وإنه من يعش منكم فسيرى‬
‫اختلافًا كثيرًا»(‪ ,)3‬ثم أرشد إلى سلوك الصراط المستقيم‪ ،‬وهو أتباع سنته وسنة‬
‫‪1‬‬
‫() سلسلة األحاديث الصحيحة (‪.)648 ،2/647‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسلم (‪.)2/592‬‬
‫‪3‬‬
‫() سلسلة األحاديث الصحيحة (‪.)648 ،2/647‬‬
‫‪10‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫خلفائه الراشدين‪ ،‬وحذر من محدثات األمور‪ ،‬وأخبر بأنها ضالل‪ ،‬وليس من المعقول وال‬
‫المقبول أن يُحجب حق وهدى عن الصحابة رضي هللا عنهم‪ ،‬ويدخر ألناس يجيئون‬
‫بعدهم‪ ،‬فإن تلك البدع المحدثة كلها شر‪ ،‬ولو كان في شيء منها خير لسبق إليه الصحابة‪،‬‬
‫لكن ابتُلى به كثير ممن جاء بعدهم ممن انحرفوا عما كان عليه الصحابة رضي هللا عنهم‪،‬‬
‫وقد قال اإلمام مالك رحمه هللا‪« :‬لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به‬
‫أولها»‪ ،‬ولذا فإن أهل السنة ينتسبون إلى السنة وغيرهم بنتسبون إلى نحلهم الباطلة‪ ،‬أو‬
‫إلى أسماء أشخاص معينين‪.‬‬
‫إن المنهج األصيل للتقريب هو بيان الحق وكشف الباطل وتقريب الشيعة إلى كتاب‬
‫هللا وسنة رسوله×‪ ،‬وفهم اإلسالم الصحيح من خالل علماء أهل السنة‪ ،‬وعلى رأسهم‬
‫فقهاء وعلماء أهل البيت‪ ،‬كأمير المؤمنين على رضي هللا عنه وأبنائه وأحفاده‪ ،‬كما أنه‬
‫ينبغي التنويه‪ ،‬وتشجيع األصوات اإلصالحية الشيعية الصادقة واحترامها وتقديرها‬
‫والوقوفـ معها في نصيحة أقوامها‪ ،‬كالذي قال به السيد حسين الموسوى في كتابه القيم‪:‬‬
‫«لله ثم للتاريخ‪ ،‬كشف الأسرار وتبرئه الأئمة الأطهار» وكالجهد العلمي الذي‬
‫قام به السيد أحمد الكاتب مشكورًا في كتابه «تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى‬
‫إلى ولاية الفقيه»‪ ،‬وعلينا أن نقف مع كل محب صادق ألهل البيت مقتفيًا آثارهم‬
‫الصحيحة وهديهم الجميل في إرشاد الناس لكتاب هللا وسنة نبيه عليه أفضل الصالة‬
‫والسالم‪ ،‬ونعاملهم بكل احترام وتقدير‪ ،‬ونأخذ بأيديهم نحو شواطئ األمان‪ ،‬ونحثهم على‬
‫إعمال العقل‪ ،‬وتحريره من أغالله‪ ،‬وإزاحة الركام الثقيل من األباطيل التي على الفطرة‬
‫حتى تأخذ العقول النيرة‪ ،‬والفطرة السليمة مجالها في الوصول للحقيقة التي لها نور ساطع‬
‫وبريق المع ال تخفيه الغيوم‪.‬‬
‫وعلى علماء أهل السنة أن يلتزموا أسلوب البحث العلمي الهادئ في مناقشة بدع‬
‫المبتدعة وأن يترفقوا معهم‪ ،‬وقد يكون من تمام الترفق زيارتهم ومعاونتهم في الحدود‬
‫التي ال خالف فيها‪ ،‬أو نجدتهم في الملمات وأيام المصاعب‪ ،‬أو نصرهم إذا كانوا في‬
‫نزاع مع الكافر أو الظالم لهم‪ ،‬وفق فقه السياسة الشرعية الخاضعة للمصالح والمفاسد‪ ،‬إال‬
‫أن هذا األصل في التعاون وحسن العالقة وهدوء البحث ال يمكن أن يطرد دائ ًما ليشمل‬
‫من يأتي من الشيعة الرافضة بغلو قد يكون في السكوت عنه تحريك الغوغاء والدهماء‪،‬‬
‫بل الواجب أن ننكر على أهل الغلو الشديد األقوال الشاذة في كل األحوال‪ ،‬والحد المميز‬
‫بين الطائفتين؛ األولى التي نترفق معها في الكالم‪ ،‬والثانية التي نغلظ لها الكالم‪ ،‬إنما‬
‫يكون كامنًا في مدى اعتماد القائل على نص شرعي تتكون منه شبهة‪ ،‬أو على تأويل قد‬
‫تميل إليه بعض األذهان‪ ،‬وأما من يتبع غرائب النقول عن المجاهيل والمتأخرين ومن ال‬
‫تاويل له‪ ،‬فاإلنكار منا تجاهه أولى‪ ،‬وربما كان اإلغالظ في إنكار بدعته أوجب‪.‬‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫تدعو إلى الشحناء والشنآن‬ ‫واحذر مجادلة الرجال فإنها‬
‫بك مهربًا وتالقت الصفان‬ ‫وإذا اضطررت إلى الجدال ولم تجد‬
‫والشرع سيفك وابد في الميدان‬ ‫فاجعل كتاب هللا درعًا ساب ًغا‬
‫واركب جواد العزم في الجوالن‬ ‫والسنة البيضاء دونك جُنة‬
‫فالصبر أوثق عدة اإلنسان‬ ‫واثبت بصبرك تحت ألوية الهدى‬
‫‪11‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫هلل در الفارس الطعان‬ ‫واطعن برمح الحق كل معاند‬
‫متجردًا هلل غير جبان‬ ‫واحمل بسيف الصدق حملة مخلص‬
‫كما أن علماء أهل السنة وأهل الحل والعقد منهم في المجتمعات الطائفية لهم دور‬
‫كبير في قيادة المسلمين نحو الخير‪ .‬فهم الذين يقدرون المواقف السياسية والتحالفات‬
‫الحزبية مع الطوائف األخرى وفق فقه المصالح والمفاسد الذي تضبطه قواعد السياسة‬
‫الشرعية‪ ،‬وهذا ال يمنع العلماء والدعاة من تعليم المسلمين أصول منهج أهل السنة‬
‫وتربيتهم عليه ودعوة الناس إليه‪ ،‬والتحذير من العقائد الفاسدة المندسة في أوساط‬
‫المسلمين حتى ال يتأثروا بها‪ ،‬والتي يجتهد دعاتها في نشرها بالليل والنهار‪ ،‬والسر‬
‫واإلعالن بدون ملل وال كلل‪ ،‬ولنا أسوة حسنة في رسول هللا × إبان هجرته للمدينة عندما‬
‫عقد المعاهدات مع اليهود التي تؤمن لهم حياة كريمة في ظل الدولة اإلسالمية‪ ،‬وكان‬
‫القرآن الكريم في نفس الوقت يتحدث عن عقائد اليهود وتاريخهم وأخالقهم حتى يتعرف‬
‫المسلمون على حقيقة الشخصية اليهودية فال ينخدعون بها‪ ،‬وعندما غدر اليهود كان‬
‫الصف اإلسالمي محصنًا ضد هذه الطائفة‪.‬‬
‫إن الدارس لحركة التاريخ اإلسالمي‪ ،‬كمرحلة الحروب الصليبية في عهد نور الدين‬
‫وصالح الدين‪ ،‬وزمن العثمانيين في عهد السلطان محمد الفاتح وغيره‪ ،‬المربطين في‬
‫عصر يوسف بن تاشفين‪ ،‬يالحظ أن عوامل النهوض‪ ،‬وأسباب النصر كثيرة منها‪ :‬صفاء‬
‫العقيدة‪ ،‬ووضوح المنهج‪ ،‬وتحكيم شرع هللا في الدولة‪ ،‬ووجود القيادة الربانية التي تنظر‬
‫بنور هللا‪ ،‬وقدرتها على التعامل مع سنن هللا في تربية األمم‪ ،‬وبناء الدول وسقوطها‪،‬‬
‫ومعرفة علل المجتمعات‪ ،‬وأطوار األمم‪ ،‬وأسرار التاريخ‪ ،‬ومخططات األعداء من‬
‫الصليبيين واليهود والمالحدة والفرق الباطنية‪ ،‬والمبتدعة‪ ،‬وإعطاء كل عامل حقه‬
‫الطبيعي في التعامل معه‪ ،‬فقضايا فقه النهوض‪ ،‬والمشاريع النهضوية البعيدة المدى‬
‫متداخلة متشابكة ال يستطيع استيعابها إالمن فهم كتاب هللا عز وجل وسنة رسول ×‪،‬‬
‫وارتبط بالفقه الراشدي المحفوظ عن سلفنا العظيم‪ ،‬فعلم معالمه وخصائصه وأسباب‬
‫وجوده وعوامل زواله‪ ،‬واستفاد من التاريخ اإلسالمي وتجارب النهوض‪ ،‬فأيقن أن هذه‬
‫األمة ما فقدت الصدارة قط وهي وفية لربها ونبيها ×‪ ،‬وعلم أن الهزائم العسكرية عرض‬
‫يزول‪ ،‬أما الهزائم الثقافية فجرح مميت‪ ،‬والثقافة الصحيحة تبني اإلنسان المسلم واألسرة‬
‫المسلمة والمجتمع المسلم والدولة المسلمة على قواعدها المتينة من كتاب هللا وسنة رسوله‬
‫× وهدى الخلفاء الراشدين ومن سار على نهجهم‪ ،‬وعبقرية البناء الحضاري الصحيح هي‬
‫التي أبقت صرح اإلسالم إلى يومنا هذا‪ -‬بعد توفيق هللا وحفظه‪.‬‬
‫فعلينا أن نعمل لهذا الدين‪ ،‬وسعادتنا ليست باقتطاف الثمر العاجل‪ ،‬وإنما في الشعور‬
‫بتوفيق هللا واألمل في رضاه‪ .‬إننى في دراستي لعهد الخالفة الراشدة حاولت أن أنتقى‬
‫الكلمات وأصف األسطر والجمل لتجلية عهد الخالفة الراشدة‪ ،‬من خالل الروايات‬
‫الصحيحة‪ ،‬لكي يستفيد أبناء المسلمين من تلك الحقبة العلم الغزير والفقة الدقيق‪ ،‬وشمولية‬
‫فهم اإلسالم‪ ،‬فلعل هللا سبحانه أن يبارك في هذا الجهد وينتفع به أولئك الدعاة الذين ال‬
‫نعرف أسماءهم‪ ،‬ولكن سيرى التاريخ آثارهم وسيقيلون العالم اإلسالمي من عثرته‬
‫وينهضون به من كبوته‪ ،‬أولئك الربانيون المتجردون الذين عرفوا الحق واستشعروا‬
‫السعادة في نصرته‪ ،‬وتعصبوا له‪ ،‬ودافعوا عنه‪ ،‬ووقفواـ بجابنه على رقة الحال وقلة‬
‫النصير‪ .‬فأخذ هللا بأيديهم لصدقهم وإخالصهم ومتابعتهم للنبي ×‪ ،‬وأولئك العلماء‪ ،‬وطالب‬
‫العلم الذين توزن مداد أقالمهم بدماء الشهداء‪ ،‬وأولئك التجار الذين يقفونـ خلف موكب‬
‫‪12‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ورا ‪ ‬إِنَّا‬ ‫ِ‬
‫الدعوةِ بأموالهم وثرواتهم وأنفسهم ولسان حالهم يقول‪+ :‬الَ نُ ِري ُد م ْن ُك ْم َج َز ً‬
‫اء َوالَ ُش ُك ً‬
‫وسا قَ ْمطَ ِر ًيرا" [اإلنسان‪ ]10 ،9:‬وأولئك الجنود المجهولون في هذه‬ ‫اف من َّر ِّبنَا َي ْو ًما َعبُ ً‬
‫نَ َخ ُ‬
‫الدنيا ولكنهم غدًا أعالم شامخة في ربُى الخلد‪ .‬إن العواصف العاتية تهب بعنف تريد‬
‫اجتياح إسالمنا وديننا وعقيدتنا من جذورها‪ ،‬وجهود خصوم اإلسالم من الصليبية‬
‫واليهودية والعلمانية والباطنية والمبتدعة تستبيح قادتنا وكبراءنا في ميدان العلم واألدب‬
‫والسياسة وتريد تشويه تاريخنا فعندما نكون أمة بدون تاريخ‪ ،‬فلن نكون أمة صالحة‪ .‬فما‬
‫قيمة أمة ليس لها رجال؟ وما قيمة دين لم يصنع رجاالً على تراخي العصور؟ فهل يمكننا‬
‫أن نستلهم من الدروس والعبر من تاريخنا‪ ،‬ما يخزى أعداء هللا ويرد كيدهم في نحورهم‪،‬‬
‫وما يساعدنا على استئناف رسالتنا ودعم حضارتنا؟‬
‫إن اإلنسانية تترنح في هذه اآلونة الكالحة من التاريخ لبعدها عن منهج هللا تعالى‪،‬‬
‫والدواء عند المسلمين وحدهم‪ ،‬فهل ينصفون أنفسهم‪ ،‬وينقذون اآلخرين؟ قال الشاعر‪:‬‬
‫قرب الحبيب وما إليه وصول‬ ‫ومن العجائب والعجائب جمة‬
‫والماء فوق ظهورها محمول‬ ‫كالعيس في البيداء يقتلها الظما‬
‫فهل من عودة إلى اإلسالم‪ ،‬تزكي السرائر‪ ،‬وتبني األخالق‪ ،‬وتصلنا بالقرآن الكريم‪،‬‬
‫وتشعرنا بشرف االنتماء إلى محمد ودينه‪ ،‬وضرورة العمل بدعوته وسنة خلفائه‬
‫الراشدين‪ ،‬أبى بكر وعمر وعثمان وعلى وسائر أصحابه الكرام رضي هللا عنهم أجمعين‪،‬‬
‫ونكون حلقه موصولة في دعم رسالة الحبيب × التي استوعبت الزمن كله‪.‬‬
‫وقبل الحديث عن المصادر والمراجع التي تعاملت معها‪ ،‬البد من االعتراف بأن هذا‬
‫الجهد‪ ،‬لوال توفيق هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬ثم جهود علماء أهل السنة وطالب العلم‪ ،‬ممن ساروا‬
‫على منهجهم‪ ،‬ما استطعت أن أبحر في هذا البحر العميق‪ ،‬ولذلك أقرر بأنني استفدت من‬
‫الرسائل العلمية التي طبعت والتي لم تنشر‪ ،‬من حيث المادة والمنهج‪ ،‬والحكم على الروايات‪،‬‬
‫والرجوع إلى المصادر الحديثة‪ ،‬والتاريخية وغيرها مع محاولة التطوير واالستفادة من‬
‫جهود اآلخرين في البناء‪ ،‬وأخص بالذكر الدكتور أكرم ضياء العمري الذي أشرف وناقش‬
‫الكثير من هذه الرسائل في هذا المجال‪ ،‬فقد استفدت من كتبه‪ ،‬كالسيرة النبوية الصحيحة‪،‬‬
‫وعصر الخالفة الراشدة‪ ،‬ومن الرسائل التي أشرف عليها‪ ،‬كرسالة الدكتور يحيى اليحيى‬
‫«الخالفة الراشدة والدولة األموية من فتح الباري جمعًا وتوثيقًا» ورسالة األستاذ عبد العزيز‬
‫المقبل في خالفة أبى بكر الصديق رضي هللا عنه من خالل كتب السنة والتاريخ دراسة نقدية‬
‫للرويات باستثناء حروب الردة‪ ,‬ورسالة الدكتور عبد العزيز بن محمد الفريح في تحقيق‬
‫كتاب «محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب» ليوسف بن الحسن بن‬
‫عبد الهادي الدمشقي الصالحي الحنبلي‪ ،‬ورسالة الدكتور محمد عبد هللا الغبان في فتنة مقتل‬
‫عثمان بن عفان‪ ،‬ورسالة عبد الحميد على ناصر في خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬وغير ذلك‬
‫من الرسائل الجامعية التي أشرف عليها أساتذة آخرون‪ ،‬كرسالة د‪ .‬محمد أمحزون في تحقيق‬
‫مواقف الصحابة في الفتنة من روايات الطبري والمحدثين‪ ،‬ورسالة سلمان العودة‪ ،‬عبد هللا‬
‫بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة في صدر اإلسالم‪ ،‬ورسالة األستاذة أسماء محمد أحمد زيادة‪،‬‬
‫دور المرأة السياسي في عهد النبي × والخلفاء الراشدين‪ ،‬وغير ذلك من الرسائل الجامعية‪،‬‬
‫فالفضل هلل سبحانه وتعالى ثم ألساتذتي وإخواني الذين مهدوا لي الطريق‪ ،‬فلهم منى الدعاء‬
‫بظهر الغيب بأن يتقبل هللا جهودهم وتكون في ميزان حسناتهم يوم ال ينفع مال وال بنون إال‬
‫من أتى هللا بقلب سليم‪.‬‬
‫أما المصادر التي في هذه الدراسة المتعلقة بعهد الخالفة الراشدة فقد بدات‪:‬‬
‫‪13‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -1‬كتب الحديث‪ :‬وقد بدات بالكتب السنة؛ صحيحي البخاري ومسلم وسنن أبى داود‬
‫والترمذي والنسائي وابن ماجة‪ ،‬ثم موطأ مالك ومسند أحمد‪ ،‬فبذلت جهدًا الستخراج المادة‬
‫التاريخية‪ ،‬التي لها عالقة بعهد الخالفة الراشدة ثم جمعت مادة تاريخية من مصنف عبد‬
‫الرزاق وابن أبى شيبة ومستدرك الحاكم والسنن الكبرى للبيهقي وسنن سعيد بن منصور‪،‬‬
‫ومسند الحميدي والطيالسي‪ ،‬ومجمع الزوائد وكشف الستار عن زوائد البزار‪ ،‬وموارد‬
‫الظمآن إلى زوائد ابن حبان‪ ،‬ولم أغفل المعجم الكبير للطبراني وسنن الدار قطني‪،‬‬
‫واستفدت من جهود المحققين لما سبق ذكره من كتب الحديث في الحكم على الروايات‪.‬‬
‫‪ -2‬كتب شروح الحديث‪:‬وأهمها فتح الباري البن حجر‪ ،‬وشرح النووي على‬
‫صحيح مسلم ففيهما مادة تاريخية ال يستهان بها‪ ،‬كما أن تعليقات ابن حجر والنووي على‬
‫بعض األحداث التاريخية ذات أهمية تاريخية‪.‬‬
‫‪ -3‬كتب التفسير‪ :‬وأهم هذه الكتب‪ ،‬تفسير الطبري‪ ،‬والقرطبي‪ ،‬وابن كثير‪ ،‬وأهتم‬
‫بتعليقاتهم أكثر من الروايات التي نقلوها حيث إن معظمها ذكر في كتب الحديث والتاريخ‪.‬‬
‫‪ -4‬كتب العقائد‪ :‬وأهم هذه الكتب‪ ،‬منهاج السنة النبوية‪ ،‬البن تيمية‪ ،‬وهذا الكتاب‬
‫استفدت منه فائدة عظيمة‪ ،‬وشرح الطحاوية‪ ،‬واإلبانة في أصول الديانة‪ ،‬واالعتقاد‬
‫للبيهقي‪ ،‬والشريعة لآلجرى وغيرها من كتب العقائد‪ ،‬حيث نقلت منها أقوال السلف فيما‬
‫يتعلق بالخلفاء الراشدين‪ ،‬ومكانة الصحابة رضي هللا عنهم‪.‬‬
‫‪ -5‬كتب الفقه‪ :‬وأهمها المغنى البن قدامة‪ ،‬والمجموع للنووي‪ ،‬وبداية المجتهد البن‬
‫رشد وغيرها من كتب الفقه‪ ،‬حيث استفدت منها في المسائل الفقهية والقضائية التي اجتهد‬
‫فيها الخلفاء الراشدون‪.‬‬
‫‪ -6‬كتب األدب‪ :‬حيث استخرجت منها بعض األبيات المنسوبة للخلفاء الراشدين أو‬
‫تمثلوا بها‪ ،‬أو استمعوا إليها‪ ،‬ولكون كتب األدب ليس لها أسانيد وفيها الغث والسمين‪،‬‬
‫لذلك كان اختياري لألبيات الشعرية التي تنسجم مع كتاب هللا وسنة رسوله × وأخالق‬
‫ذلك الجيل الفريد‪ ،‬ومن أهم هذه الكتب‪ ،‬عيون األخبار البن قتيبة‪ ،‬واألدب اإلسالمي في‬
‫عهد النبوة لنايف معروف‪.‬‬
‫‪ -7‬كتب الزهد والرقائق‪ :‬واستخرجت منها أقوال الخلفاء الراشدين في هذا العلم‬
‫ومن أهم هذه الكتب‪ ،‬عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين البن القيم‪ ،‬ومدارج السالكين البن‬
‫القيم‪ ،‬مختصر منهاج القاصدين ألحمد بن عبد الرحمن المقدسى‪ ،‬وغيرها من الكتب‪.‬‬
‫‪ -8‬كتب الفرق والمذاهب‪ :‬وأهم هذه الكتب‪ ،‬الفصل في المل واألهواء والنحل‪،‬‬
‫ألبى محمد بن حزم الظاهري‪ ،‬وأصول مذهب الشيعة اإلمامية االثنى عشرية د‪ .‬ناصر‬
‫القفاري‪.‬‬
‫‪ -9‬كتب في أنظمة الحكم‪ :‬وأهم هذه الكتب‪ ،‬نظام الحكومة اإلسالمية للكتاني‪:‬‬
‫المسمى التراتيب اإلدارية‪ ،‬ونظام الحكم في الشريعة والتاريخ اإلسالمي‪ ،‬لظافر القاسمي‪.‬‬
‫‪ -10‬كتب في التراجم‪ :‬وأهم هذه الكتب‪ ،‬سير أعالم النبالء للذهبي‪ ،‬شذرات الذهب‬
‫في أخبار من ذهب‪ ،‬لعبد الحي الحنبلي‪ ،‬أسد الغابة‪ ،‬البن األثير‪ ،‬سير السلف ألبى القاسم‬
‫األصفهاني‪.‬ـ‬
‫‪ -11‬كتب في الجرح والتعديل‪ :‬وأهم هذه الكتب‪ ،‬تهذيب الكمال في أسماء الرجال‪،‬‬
‫للحافظ المزى‪ ،‬والجرح والتعديل‪ ،‬البن أبى حاتم‪ ،‬الثقات البن حبان‪ ،‬الكامل في ضعفاء‬
‫الرجال البن عدى‪.‬‬
‫‪ -12‬كتب التاريخ‪ :‬وأهمها تاريخ الطبري‪ ،‬وهذا الكتاب نقل إلينا الروايات‬
‫‪14‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الصحيحة والضعيفة والموضوعة بأسانيدها‪ ،‬وفيما يتعلق بالعقيدة واألحكام الشرعية‬
‫واألحداث التي تتعلق بالصحابة‪ ،‬البد من خضوع الروايات للجرح والتعديل وبيان‬
‫الروايات الشيعية الرافضية‪ ،‬والكذابين والمجاهيل‪ ،‬وقد استفدت في هذا الشأن من كتاب‬
‫استشهاد عثمان ووقعة الجمل في مرويات سيف بن عمر في تاريخ الطبري‪ ،‬لخالد‬
‫الغيث‪ ،‬ومرويات أبى مخنف في تاريخ الطبري‪ ،‬للدكتور يحيى إبراهيم اليحيى‪ ،‬وأثر‬
‫التشيع على الروايات التاريخية د‪ .‬عبد العزيز نور ولي‪ ،‬ومن أهم هذه الكتب‪ ،‬البداية‬
‫والنهاية البن كثير‪ ،‬وغيرها من الكتب التاريخية‪.‬‬
‫هذا أهم المصادر التي رجعت إليها مع كم كبير من المراجع‬
‫الحديثة المتنوعة‪.‬‬
‫هذا وقد تشددت في تصحيح الروايات أو الحكم عليها فيما يتعلق بالعقائد واألحكام‬
‫والصحابة رضي هللا عنهم‪ ،‬وفي هذا الشأن ما أنا إال ناقل ألقوال العلماء المتخصصين‬
‫في هذا العلم‪ ،‬فالفضل هلل ثم لهم‪ ،‬واجتهدت في تصوير الحدث التاريخي من الروايات‬
‫الصحيحة فقدمتها وأخذت بالحسنة ولم أهمل الروايات الضعيفة‪ ،‬فقد أفدت منها في إكمال‬
‫الصورة التي ال تسدها الروايات الصحيحة والحسنة بما يتوافق مع روح ذلك العصر‪،‬‬
‫لكن فيما ال يتعلق بعقيدة أو شريعة‪ ،‬ودخلت في مناقشات لشبهات وافتراءات الرافضة‬
‫والمستشرقين وبعض الكتاب المعاصرين‪ ،‬وقد حرصت على طرح منهج أهل السنة فيما‬
‫يتعلق بالعهد الراشدي والرد على الشبهات‪ ،‬خصوصًا في عهد عثمان وعلى رضي هللا‬
‫عنهما‪ ،‬وقد ج ّدت أفكار كثيرة من بعض اإلخوة األعزاء حول دراسة عهد الخالفة‬
‫الراشدة‪ ،‬والعزم ماض بإذن هللا على تطويرها‪ ،‬بما يالئم ذلك العصر الزاهر ونسأل هللا‬
‫تعالى السداد والتوفيق‪.‬‬
‫هذا وقد أفردت خامس الخلفاء الراشدين‪ ،‬الحسن بن على بن أبى طالب بدراسة‬
‫خاصة نظرًا ألهمية اجتهاداته في فقه السياسة الشرعية وفقه المصالح والمفاسد‪ ،‬وما كان‬
‫يملكه من رؤية إصالحية توجت بتنازله عن الخالفة لمعاوية رضي هللا عنه‪ ،‬وما تعرض‬
‫له أثناء اتخاذه الخطوات التنفيذية لتلك الرؤية من عوائق ومصائب‪ ،‬وما تميزت به‬
‫شخصيته الفذة من قدرة على امتالك مشروع إصالحي وعزم على التنفيذ كان سببًا في‬
‫توحيد األمة وتحقيق نبوءة النبي × في قوله‪« :‬ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به‬
‫بين فئتين من المسلمين»‪،‬وبتنازل الحسن بن على عن الخالفة ومبايعته معاوية‬
‫رضوان هللا عليهم أجمعين تنتهي بذلك فترة خالفة النبوة وهي ثالثون سنة‪ ،‬والحجة في‬
‫ذلك قول رسول هللا ×‪« :‬خلافة النبوة ثلاثون سنة‪ ،‬ثم يؤتي الله الملك‪ ،‬أو‬
‫ملكة من يشاء» (‪ ،)1‬وقوله ×‪« :‬الخلافة في أمتى ثلاثون سنة‪ ،‬ثم ملك بعد ذلك»‬
‫(‪،)2‬وقد علق ابن كثير على هذا الحديث فقال‪ :‬وإنما كملت الثالثون بخالفة الحسن بن‬
‫على‪ ،‬فإنه نزل على الخالفة لمعاوية في ربيع األول من سنة إحدى وأربعين‪ ،‬وذلك كمال‬
‫ثالثين سنة من موت رسول هللا ×‪ ،‬فإنه توفى في ربيع األول سنة إحدى عشرة من‬
‫الهجرة‪ ،‬وهذا من دالئل النبوة صلوات هللا وسالمه عليه وسلم تسلي ًما(‪ .)3‬وبذلك يكون‬
‫الحسن بن على رضي هللا عنه خامس الخلفاء الراشدين‪ ،‬وبإذن هللا تعالى سوف يكون مع‬
‫كتاب الحسن بن على خالصات مهمة فيما يتعلق بدراسة عهد الخالفة الراشدة من معالمها‬
‫‪1‬‬
‫() صحيح سنن أبى داود (‪ )3/879‬لأللباني‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() سنن الترمذي مع شرح األحوذي (‪ )397 -6/395‬قال الترمذي‪ :‬هذا حديث حسن‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)8/16‬‬
‫‪15‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وخصائصها‪ ،‬وأسباب زوالها‪ ،‬ونظام حكمها وصفاتـ جيلها‪ ،‬وقادتها ودستورها‪ ،‬وإدارة‬
‫األزمات فيها‪ ،‬واستنباط قوانين وسنن للنهوض‪ ،‬ومكانة المرأة في العهد الراشدي‪،‬‬
‫ومؤسسات الدولة‪ ،‬وفقه القدوم على هللا عند ذلك الجيل‪.‬‬
‫على من جوانبها المتنوعة‪،‬‬ ‫هذا وقد حرصت على تناول شخصية أمير المؤمنين ٍّ‬
‫فحياته صفحة مشرقة في تاريخ األمة‪ ،‬وهو من األئمة الذين يتأسى الناس بهديهم وأقوالهم‬
‫وأفعالهم في هذه الحياة‪ ،‬فسيرته من أقوى مصادر اإليمان‪ ،‬والعاطفة اإلسالمية‬
‫الصحيحة‪ ،‬والفهم السليم لهذا الدين‪ ،‬فنتعلم منه فقهه في التعامل مع السنن وحسن‬
‫توجيهها‪ ،‬وكيف نعيش مع القرآن الكريم ونهتدي بهديه ونقتدي برسول هللا ×‪ ،‬وأهمية‬
‫الخوف من هللا واإلخالص له وابتغاء ما عنده في نجاح العبد في الدارين‪ ،‬وأثر هذه‬
‫المعاني في حياة األمة اإلسالمية ونهوضها وقيامها بدورها الحضاري المنشود‪ ،‬فلذلك‬
‫اجتهدت في دراسة شخصيته وعصره حسب وسعي وطاقتي‪ ،‬غير مدع عصمة‪ ،‬وال‬
‫متبرئ من زلة‪ ،‬ووجه هللا الكريم ال غيره قصدت‪ ،‬وثوابه أردت‪ ،‬وهو المسئول في‬
‫المعونة عليه‪ ،‬واالنتفاع به‪ ،‬إنه طيب األسماء‬
‫وسميع الدعاء‪.‬‬
‫هذا وقد انتهيت من هذا الكتاب يوم السبت الساعة الواحدة إال خمس دقائق ظهرًا‬
‫بتاريخ ‪17‬ربيع اآلخر ‪1424‬هـ ‪ -‬الموافق ‪7‬يونيو ‪2003‬م‪ ،‬والفضل هلل من قبل ومن بعد‪،‬‬
‫وأسأله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل عملي لوجهه خالصًا‬
‫ولعباده نافعًا‪ ،‬وأن يثيبني على كل حرف كتبته ويجعله في ميزان حسناتي‪ ،‬وأن يثيب‬
‫إخواني الذين أعانوني بكل ما يملكون من أجل إتمام هذا الجهد المتواضع‪ ،‬ونرجو من كل‬
‫مسلم يطلع على هذا الكتاب أال ينسى العبد الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته‬
‫ت َعلَ َّي َو َعلَى َوالِ َد َّ‬
‫ي َوأَ ْن أَ ْع َم َل‬ ‫ك الَّتِي أَ ْن َع ْم َ‬
‫ب أ َْو ِز ْعنِي أَ ْن أَ ْش ُك َر نِ ْع َمتَ َ‬ ‫ورضوانه من دعائه‪َ +:‬ر ِّ‬
‫َّاس ِمن َّرحمةٍ‬ ‫ِ‬
‫ين"‪.‬وقال تعالى‪َ + :‬ما َي ْفتَ ِح اهللُ للن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضاهُ َوأَ ْد ِخلْنِي بَِر ْح َمت َ‬
‫ِ‬ ‫صالِ ًحا َت ْر َ‬
‫َْ‬ ‫الصالح َ‬ ‫ك في عبَاد َك َّ‬ ‫َ‬
‫يم"‪ .‬وصلي هللا على سيدنا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْحك ُ‬
‫ك فَالَ ُم ْرس َل لَهُ من َب ْعده َو ُه َو ال َْعز ُيز ال َ‬ ‫ك ل ََها َو َما يُ ْمس ْ‬
‫فَالَ ُم ْمس َ‬
‫محمد وعلى آل وصحبه وسلم‪.‬‬
‫سبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬أشهد أن ال أله إال أنت‪ ،‬أستغفرك وأتوب إليك‪ ،‬وآخر دعوانا‬
‫أن الحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه‬
‫على محمد الصَّالبي‬
‫‪16‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الفصل األول‬
‫على بن أبى طالب رضي هللا عنه بمكة‬
‫المبحث األول‬
‫اسمه ونسبه وكنيته وصفته وأسرته‬
‫أوالً‪ :‬اسمه وكنيته ولقبه‪:‬‬
‫‪ -1‬اسمه ونسبه‪ :‬هو على بن أبى طالب (عبد مناف) (‪ )1‬بن عبد المطلب‪ ،‬ويقال له‬
‫شيبة الحمد (‪ )2‬بن هاشم بن عبد مناف بن قصى بن كالب بن لؤى بن غالب بن فهر بن‬
‫مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن‬
‫عدنان(‪ , )3‬فهو ابن عم رسول هللا × ويلتقي معه في جده األول عبد المطلب بن هاشم‪،‬‬
‫على عند مولوده أسد‪ ،‬سمته‬ ‫وولده أبو طالب شقيق عبد هللا والد النبي ×‪ ،‬وكان اسم ٍّ‬
‫بذلك أمه رضي هللا عنها باسم أبيها أسد بن هاشم‪ ،‬ويدل على ذلك ارتجازه‬
‫يوم خيبر حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)5‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫كليث غابات كريه المنظرة‬ ‫أنا الذي سمتني أمي حيدرة‬
‫وكان أبو طالب غائبًا فلما عاد‪ ،‬لم يعجبه هذا األسم وسماه عليًا (‪.)6‬‬
‫‪ -2‬كنيته‪ :‬أبو الحسن‪ ،‬نسبه إلى أبنه األكبر الحسن وهو من ولد فاطمة بنت رسول‬
‫هللا ×‪ ،‬ويكنى أيضًا بأبى تراب‪ ،‬كنية كناه بها النبي ×‪ ،‬وكان يفرح إذا نودي بها‪ ،‬وسبب‬
‫ذلك أن الرسول × جاء بيت فاطمة رضي هللا عنها فلم يجد عليًا في البيت‪ ،‬فقال‪ :‬أين ابن‬
‫عمك؟ قالت كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يقل (‪ )7‬عندي‪ ،‬فقال × إلنسان‪:‬‬
‫انظر أين هو؟ فجاء فقال‪ :‬يا رسول هللا هو في المسجد راقد‪ ،‬فجاء رسول هللا × وهو‬
‫مضطجع وقد سقط رداءه عن شقه وأصابه تراب‪ ،‬فجعل رسول هللا × يمسحه عنه‬
‫ويقول‪ :‬قم أبا تراب(‪ ,)8‬ومن رواية البخاري‪ :‬وهللا ما سماه إال النبي (‪ ,)9‬ومن كناه‪ :‬أبو‬

‫‪1‬‬
‫() أبو طالب اسمه عبد مناف‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() عبد المطلب اسمه شيبة الحمد‪ ،‬االستيعاب (‪.)3/1089‬‬
‫‪3‬‬
‫() الطبقات الكبرى (‪ ،)3/19‬صفة الصفوة (‪ ،)1/308‬البداية والنهاية (‪ ،)7/333‬اإلصابة (‪,)1/507‬‬
‫االستيعاب (‪ ,)10891‬المنتظم (‪ ,)5/66‬المعجمـ الكبير للطبراني (‪.)1/50‬‬
‫‪4‬‬
‫() حيدرة‪ :‬من أسماء األسد‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() الرياض النضرة في مناقب العشرة‪ ،‬ص (‪.)617‬‬
‫‪6‬‬
‫() غريب الحديث للخطابي (‪ ،)2/170‬خالفة عل ّى بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد بن على ناصر فقيهي ص (‬
‫‪.)18‬‬
‫‪7‬‬
‫() من قال يقيل فالقيلولة‪ :‬الظهيرة‪ ،‬وتكون بمعنى النوم في الظهيرة‪ ،‬اللسان (‪.)11/577‬‬
‫‪8‬‬
‫() مسلم في صحيحه رقم (‪.)2409‬‬
‫‪9‬‬
‫() البخاري في صحيحه رقم (‪.)3280 ،3703 ،441‬‬
‫‪17‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الحسن والحسين وأبو القاسم الهاشمى (‪ ,)1‬وأبو السبطين (‪.)2‬‬
‫‪ -3‬لقبه‪ :‬أمير المؤمنين‪ ،‬ورابع الخلفاء الراشدين (‪.)3‬‬
‫ثانيًا‪ :‬مولده‪:‬‬
‫اختلفت الروايات وتعددت في تحديد سنة والدته‪ ،‬فقد ذكر الحسن البصري أن والدته‬
‫قبل البعثة بخمس عشرة أو ست عشرة سنة (‪ ,)4‬وذكر ابن إسحاق أن والدته قبل البعثة‬
‫بعشر سنين (‪ ,)5‬ورجح ابن حجر قوله (‪ ,)6‬وذكر الباقر محمد بن على قولين‪ :‬األول‪ :‬كالذي‬
‫ذكره بن إسحاق‪ ،‬ورجحه ابن حجر‪ ،‬وهو أنه ولد قبل البعثة بعشر سنين (‪ ,)7‬وأما الثاني‪:‬‬
‫فيذكر أنه ولذ قبل البعثة بخمس سنين (‪ ,)8‬وقد ملت إلى قول ابن حجر وابن إسحاق فيكون‬
‫مولده على التحقيق قبل البعثة بعشر سنين (‪.)9‬‬
‫وذكر الفاكهي (‪ ,)10‬أن عليًا أول من ولد من بنى هاشم في جوف الكعبة‪ ،‬وأما الحاكم‬
‫فقال‪ :‬إن األخبار تواترت أن عليًا ولد في جوف الكعبة (‪.)11‬‬
‫ثالثًا‪ :‬األسرة وأثرها في األعقاب‪:‬‬
‫لقد دل علم التشريح‪ ،‬وهو دراسة التركيب الجسدي‪ ،‬ولعم النفس‪ ،‬وعلم األخالق‪،‬‬
‫وعلم االجتماع‪ ،‬على تأثير الدم والسالالت في أخالق األجيال وصالحياتها ومواهبها‪،‬‬
‫وطاقاتها‪ ،‬إلى حد معين‪ ،‬في أكثر األحوال‪ ،‬وذلك عن ثالث طرق‪:‬‬
‫(أ) القيم والمثل التي مازال آباء هذه األسرة وأجدادها يؤمنون بها أشد اإليمان‬
‫ويحافظون عليها‪ ،‬أو يحاولون أن يحافظوا عليها أشد المحافظة‪ ،‬ويتنبلون لها ويمجدون‪،‬‬
‫ويعتبرون من جار عليها من أبناء األسرة‪ ،‬أو خالفها وحاد عنها شاردًا غريبًا‪ ،‬ويرون في‬
‫ذلك غضاضة‪ ،‬وسقوط همة وقلة مروءة‪ ،‬وعقوقًا لآلباء وإساءة إليهم ال تغتفر في قوانين‬
‫هذه األسرة العرفية المتوارثة‪.‬‬
‫(ب) حكايات اآلباء وعظماء األسرة في البطولة والفتوة والفروسية‪ ،‬والشهامة‪،‬‬
‫واألنفة واإلباء‪ ،‬والجود والسخاء‪ ،‬وحماية المظلومين والضعفاء‪ ،‬تتناقلها األجيال وتتباهى‬
‫‪1‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/223‬‬
‫‪2‬‬
‫() أسد الغابة (‪ ،)4/16‬والسبطان‪ :‬الحسن والحسين‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ اإلسالم للذهبي‪ :‬ص (‪ ،)376‬البداية والنهاية (‪ ،)7/223‬خالصة تهذيب الكمال (‪.)25012‬‬
‫‪4‬‬
‫() المعجم الكبير للطبراني (‪ )1/54‬رقم ‪163‬بسند مرسل‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() السيرة النبوية (‪)1/262‬دون إسناد‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() اإلصابة (‪)2/501‬ترجمة على‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() المعجم الكبير اللطبراني (‪ )1/53‬رقم ‪165‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر السابق (‪ )1/53‬رقم ‪166‬إسناده حسن إلى محمد الباقر حيث أرسلها‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() فتح الباري (‪ ،)7/174‬واإلصابة (‪.)2/507‬‬
‫‪10‬‬
‫() صاحب أخبار مكة‪ ،‬حقق الكتاب عبد الملك بن دهيش‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫() المستدرك على الصحيحين (‪ )3/483‬دون إسناد‪.‬‬
‫‪18‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫بها‪ ،‬وذلك في سن مبكرة‪ ،‬ومن أيام الصبا إلى سن الشباب والكهولة‪ ،‬فتؤثر في تكوين‬
‫عقليتها ومشاعرها‪ ،‬وتعيين المقاييس للعظة والرجولة‪ ،‬والبر باآلباء‪ ،‬وتبرير شهرة‬
‫األسرة والساللة‪.‬‬
‫(ج) تأثير الدم الموروث في أعضاء األسرة كابرًا عن كابر‪ ،‬في أسرة حافظت على‬
‫أنسابها وأصالتها‪ ،‬وذلك ما أيده علم السالالت(‪ ,)1‬وهذا ليس على إطالقه‪ ،‬وقاعدة مطردة‪،‬‬
‫اهلل َت ْب ِديالً‬
‫َّت ِ‬‫ال تقبل استثناء‪ ،‬وال شذو ًذا كالسنن اإللهية التي قال هللا عنها ‪َ +‬فلَن تَ ِج َد لِسن ِ‬
‫ُ‬
‫اهلل تَ ْح ِويالً" [فاطر‪ ،]43:‬وإلى ذلك أشار النبي × في قوله‪« :‬الناس معادن‬ ‫َّت ِ‬‫ولَن تَ ِج َد لِسن ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫كمعادن الفضة والذهب‪ ،‬خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا»(‪،)2‬‬
‫وقوله ×‪« :‬من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه» (‪ ,)3‬وليس في ذلك من تقديس الدم‬
‫الموروث الدائم‪ ،‬وتركيز الرئاسة الدينية والزعامة الروحية العلمية في أسرة معينة‪،‬‬
‫واحتكارها لقيادة امة‪ ،‬دينيًا وروحيًا وعلميًا بشكل دائم‪ ،‬وهو الذي عانى منه العالم القديم‬
‫– قبل اإلسالم – فسادًا اجتماعيًا وخلقيًا جارفًا‪ ،‬واستبدادًا فظيعًا‪ ،‬واستغال ًل ماديًا شنيعًا‪،‬‬
‫تزخر به كتب التاريخ وشهادات المؤرخين لإلمبراطوريتين الرومية والساسانية‪،‬‬
‫والمجتمعين اإلغريقيـ والهندي (‪ ,)4‬وغيرها من الجاهليات‪ ،‬ولذلك يحسن بنا أن نشير إلى‬
‫وضع األسرة والساللة‪ -‬اللتين ولد ونشأ فيهما أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي‬
‫هللا عنه – العرقي واالجتماعي‪ ،‬وما كانتا تمتازان به من خصائص وأعراف‪ ،‬وتقاليد‬
‫وتراث خلقي ونفسي‪ ،‬وكيف كان العرب ينظرون إليهما ويقرون لهما بالفضل‪ ،‬ونبدأ في‬
‫ذلك بقريش‪ ،‬ثم ببنى هاشم (‪.)5‬‬
‫‪ -1‬قبيلة قريش‪:‬أقر العرب كلهم بعلو نسب قريش‪ ،‬وسيادتها‪ ،‬وفصاحة لغتها‪،‬‬
‫ونصاعة بيانها‪ ،‬وكرم أخالقها وشجاعتها وفتوتها‪ ،‬وذهب ذلك مثالً ال يقبل نقا ًشا وال‬
‫جداالً (‪,)6‬وكانوا حلفاء متآلفين متمسكين بكثير من شريعة إبراهيم الخليل عليه الصالة‬
‫والسالم‪ ،‬ولم يكونوا كاألعراب الذين ال يوقرهم دين‪ ،‬وال يزينهم أدب‪ ،‬وكانوا يحبون‬
‫أوالدهم‪ ،‬ويحجون البيت‪ ،‬ويقيمون المناسك‪ ،‬ويكفنونـ موتاهم‪ ،‬ويغتسلون من الجنابة‪،‬‬
‫ويتبرءون من الهرابذة (‪,)7‬ويتباعدون عن المناكح من البنت وبنت البنت واألخت وبنت‬
‫األخت‪ ،‬غيرة وبعدًا من المجوسية‪ ،‬ونزل القرآن بتأكيد صنيعهم وحسن اختيارهم‪ ،‬وكانوا‬
‫يتزوجون بالصداق والشهود ويطلقون ثالثًا (‪ ،)8‬ومما زاد شرفهم أنهم كانوا يتزوجون من‬
‫أي قبيلة شاءوا‪ ،‬وال شرط عليهم في ذلك‪ ،‬وال يزوجون أحدًا حتى يشترطوا عليه أن‬
‫‪1‬‬
‫() المرتضى سيرة أمير المؤمنين على بن أبى طالب‪ ،‬ألبى الحسن الندوى ص ‪.20-19‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسند أحمد (‪ )2/539‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() مسلم‪ .‬ك الذكر والدعاء والتوبة‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() المرتضى للندوى‪ :‬ص(‪.)20‬‬
‫‪5‬‬
‫() فيما يتعلق بخصائص ومزايا العرب ينظر إلى السيرة النبوية للندوى‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() السيرة النبوية للندوي‪ :‬ص(‪.)74‬‬
‫‪7‬‬
‫() الهرابذة‪ :‬قوام بيت النار‪ ،‬فارسى معرب وقيل‪ :‬عظماء الهند أو علماؤهم‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() بلوغ األرب في معرفة أحوال العرب (‪ )1/243‬لأللوسى‪.‬‬
‫‪19‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫يكون متحمسًا (‪ )1‬على دينهم‪ ،‬يرون ذلك ال يحل لهم وال يجوز لشرفهم‪ ،‬حتى يدان إليهم‬
‫وينقاد(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬بنو هاشم‪:‬أما بنو هاشم فكانوا واسطة العقد في قريش‪ ،‬وإذا قرأنا ما حفظه‬
‫التاريخ وكتب السيرة من أخبارهم وأقوالهم – وهو قليل من كثير جدًا – استدللنا به على‬
‫ما كان يمتاز به هؤالء من مشاعر اإلنسانية الكريمة‪ ،‬واالعتدال في كل شيء‪ ،‬ورجاحة‬
‫العقل‪ ،‬وقوة اإليمان بما للبيت من مكانة عند هللا‪ ،‬والبعد عن الظلم ومكابرة الحق‪ ،‬وعلو‬
‫الهمة‪ ،‬والعطف على الضيف والمظلوم‪ ،‬والسخاء‪ ،‬والشجاعة‪ ،‬وما تشتمل عليه كلمة‬
‫(الفروسية) عند العرب من معان كريمة وخالل حميدة‪ ،‬والسيرة التي تليق بأجداد الرسول‬
‫الكريم×‪ ،‬تتفق ويتفق مع ما كان يفضله ويدعو إليه من مكارم األخالق‪ ،‬غير أنهم عاشوا‬
‫في زمن الفترة‪ ،‬وسايروا أبناء قومهم في عقائد الجاهلية‪ ،‬وعباداتها (‪ )3‬ولم يصل بنو هاشم‬
‫إلى هذه المكانة في مجتمعهم إال بالتضحية والعطاء والبذل وخدمة الناس‪.‬‬
‫‪ -3‬عبد المطلب بن هاشم‪:‬جد الرسول × وعل ّى بن أبى طالب رضي هللا عنه‪ :‬ولي‬
‫عبد المطلب بن هاشم السقاية والرفادة (‪ ,)4‬بعد عمه المطلب‪ ،‬فأقامهما للناس‪ ،‬وأقام لقومه‬
‫ما كان آباؤه يقيمون قبله لقومهم من أمرهم‪ ،‬وشرف في قومه شرفًا لم يبلغه أحد من آبائه‪،‬‬
‫وأحبه قومه وعظم خطره فيهم (‪.)5‬‬
‫ولم يكن عبد المطلب أغنى رجل في قريش‪ ،‬ولم يكن سيد مكة الوحيد المطاع‪ ،‬كما‬
‫كان قُصى‪ ،‬إذا كان في مكة رجال كانوا أكثر منه ماال وسلطانًا‪ ،‬إنما كان وجيه قومه‪،‬‬
‫ألنه كان يتولى السقاية والرفادة‪ ،‬وبئر زمزم‪ ،‬فهي وجاهة ذات صلة بالبيت (‪ ,)6‬ويتجلى‬
‫إيمان عبد المطلب بأن لهذا البيت مكانة عند هللا‪ ،‬وأنه حاميه ومانعه‪ ،‬وتتجلى نفسية سيد‬
‫قريش السامية‪ ،‬وشخصيته القوية الشامخة في حديث دار بينه وبين أبرهة ملك الحبشة‪،‬‬
‫وقد غزا مكة وأراد أن يهين البيت ويقضىـ على مكانته‪ ،‬وقد أصاب لعبد المطلب مائتى‬
‫بعير‪ ،‬فاستأذن له عليه‪ ،‬وقد أعظمه أبرهة ونزل له عن سريره فأجلسه معه‪ ،‬وسأله عن‬
‫حاجته‪ ،‬فقال‪ :‬حاجتي أن يرد عل ّى الملك مائتى بعير أصابها لي‪ .‬فلما قال له ذلك زهد فيه‬
‫الملك وتفادته عينه‪ ،‬وقال‪ :‬أتكلمني في مائتى بعير أصبتها لك‪ ،‬وتترك بيتًا هو دينك ودين‬
‫آبائك‪ ،‬قد جئت لهدمه‪ ،‬ال تكلمني فيه؟! قال عبد المطلب‪ :‬إني أنا رب اإلبل‪ ،‬وإن للبيت‬
‫ربًا سيمنعه‪ ،‬قال‪ :‬ما كان يمتنع مني‪ ،‬قال‪ :‬أنت وذاك (‪ ,)7‬وقد كان ما قاله عبد المطلب‪،‬‬
‫فحمى رب البيت بيته‪ ،‬وجعل كيد أبرهة وجيشه في تضليل‪ ،‬قال تعالى‪َ + :‬وأ َْر َس َل َعلَْي ِه ْم‬

‫‪1‬‬
‫() متحمسًا‪ :‬التحمس‪ :‬التشدد في الدين‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() المرتضى للندوي‪ :‬ص(‪ ،)22‬بلوغ األرب في معرفة أحوال العرب (‪.)1/243‬‬
‫‪3‬‬
‫() بلوغ األرب في معرفة أحوال العرب لأللوسى (‪.)1/243‬‬
‫‪4‬‬
‫() الرفادة‪ :‬إطعام الحجاج في أيام الموسم حتى يتفرقوا‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() السيرة النبوية البن هشام (‪.)1/142‬‬
‫‪6‬‬
‫() المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬جواد على (‪ ،)4/58‬المرتضى‪ :‬ص(‪.)22‬‬
‫‪7‬‬
‫() سيرة ابن هشام (‪ )1/49‬المرتضي‪ :‬ص (‪.)23‬‬
‫‪20‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ول" [الفيل‪.]5-3:‬‬ ‫صٍ‬
‫ف َّمأْ ُك ِ‬ ‫يل ‪َ ‬ت ْر ِمي ِهم بِ ِح َج َار ٍة ِّمن ِس ِّج ٍ‬
‫يل ‪ ‬فَ َج َعلَ ُه ْم َك َع ْ‬ ‫ِ‬
‫طَْي ًرا أَبَاب َ‬
‫وكان عبد المطلب يأمر أوالده بترك الظلم والبغي‪ ،‬ويحثهم على مكارم األخالق‬
‫وينهاهم عن دنيئات األمور (‪،)1‬ومات عبد المطلب بعد أن جاوز الثمانين‪ ،‬وعمر الرسول‬
‫ثماني سنين‪ ،‬ومعنى ذلك أنه توفى حوالي سنة ‪578‬للميالد (‪ ,)2‬وذكر أنه لم تقم بمكة سوق‬
‫أيا ًما كثيرة لوفاة عبد المطلب (‪.)3‬‬
‫‪ -4‬أبو طالب والد على بن أبى طالب رضي هللا عنه‪ :‬أبو طالب ال مال له‪،‬‬
‫كان يحب ابن أخيه حبًا شديدًا‪ ،‬فإذا خرج خرج معه‪ ،‬فقد كان أبو طالب هو الذي يلي أمر‬
‫رسول هللا × بعد جده‪ ،‬فكان إليه ومعه (‪ ,)4‬وعندما أعلن رسول هللا × الدعوة إلى هللا‬
‫وصدع بها وقف أبو طالب بجانب رسول هللا × وصمم على مناصرته وعدم خذالنه‪،‬‬
‫فاشتد ذلك على قريش غ ًما وحسدًا ومكرًا‪ ،‬وإن المرء ليسمع عجبًا ويقفـ مذهوالً أمام‬
‫مروءة أبى طالب مع رسول هللا ×‪ ،‬فقد ربط أبو طالب مصيره بمصير ابن اخيه محمد‬
‫×‪ ،‬بل واستفاد من كونه زعيم بني هاشم أن ضم بنى هاشم‪ ،‬وبنى المطلب إليه في حلف‬
‫واحد على الحياة والموت‪ ،‬دفاعًا لرسول هللا ×‪ ،‬مسلمهم ومشركهم على السواء (‪ ,)5‬وأجار‬
‫ابن أخيه محمدًا × إجارة مفتوحة ال تقبل التردد واإلحجام‪ ،‬ولما رأى أبو طالب من قومه‬
‫ما سره من جهدهم معه‪ ،‬وحدبهم عليه‪ ،‬جعل يمدحهم ويذكر قديمهم‪ ،‬وفضل رسول هللا‬
‫فيهم‪ ،‬ومكانه منهم ليشد لهم رأيهم وليحبوا معه على أمره (‪ )6‬فقال‪:‬‬
‫فعبد مناف سرها وصميمها‬ ‫إذا اجتمعت يو ًما قريش لمفخر‬
‫ففي هاشم أشرافها وقديمها‬ ‫وإن حصلت أشراف عبد منافها‬
‫هو المصطفى من سرها وكريمها‬ ‫وإن فخرت يو ًما فإن محمدًا‬
‫علينا فلم تظفر وطاشت حلومها‬ ‫تداعت قريش غثها وسمينها‬
‫صعْر الخدود نقيمها‬
‫إذا ما ثنوا ُ‬ ‫وكنا قدي ًما ال نقر ظالمة‬
‫ولما خشى أبو طالب دهماء العرب أن يركبوه مع قومه‪ ،‬قال قصيدته التي تعوذ فيها‬
‫بحرمة مكة‪ ،‬وبمكانة منها‪ ،‬وتودد فيها أشراف قومه‪ ،‬وهو على ذلك يخبرهم في ذلك من‬
‫شعره‪ ،‬أنه غير مسلم رسول هللا ×‪ ،‬وال تاركه لشيء أبدًا حتى يهلك دونه فقال‪:‬‬
‫وقد قطعوا كل العرى والوسائل‬ ‫ولما رأيت القوم ال ود فيهم‬
‫‪1‬‬
‫() بلوغ األرب في معرفة احوال العرب (‪.)1/324‬‬
‫‪2‬‬
‫() المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم (‪.)4/78‬‬
‫‪3‬‬
‫() أنساب األشراف للبالذرى (‪.)1/78‬‬
‫‪4‬‬
‫() المرتضى ص (‪،)24‬السيرة النبوية البن هشام (‪.)1/179‬‬
‫‪5‬‬
‫() فقه السيرة النبوية للغضبان ص(‪.)184‬‬
‫‪6‬‬
‫() السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث للصالبي (‪.)1/158‬‬
‫‪21‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وقد طاوعوا أمر العدو المزايل‬ ‫وقد صارحونا بالعداوة واألذى‬
‫يعضون غيظًا خلفنا باألنامل‬ ‫وقد حالفوا قوما علينا أظنة‬
‫وأبيض عضب من تراث المقاول‬ ‫صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة‬
‫وأمسكت من أثوابه بالوصائل‬ ‫وأحضرت عند البيت رهطى وإخوتي‬
‫وتعوذ بالبيت وبك المقدسات التي فيه‪ ،‬وأقسم بالبيت بأنه لن يسلم محمدًا ولو سالت‬
‫الدماء أنهارًا‪ ،‬واشتدت المعارك مع بطون قريش‪:‬‬
‫ولما نطاعن دونه ونناضل‬ ‫كذبتم وبيت هللا نُبْزى (‪ )1‬محمدًا‬
‫(‪)3‬‬
‫ونذهل عن أبنائنا والحالئل‬ ‫ونُسلمه (‪ )2‬حتى نصرع حوله‬
‫(‪)4‬‬
‫نهوض الروايا تحت ذات الصالصل‬ ‫وينهض قوم في الحديد إليكم‬
‫واستمر أبو طالب في مناصرة ابن أخيه واستطاع أن يغزو المجتمع القرشي‬
‫بقصائده الضخمة التي هزت كيانه ه ًزا‪ ،‬ولما تغلغل اإلسالم في قلوب أبناء بعض القبائل‪،‬‬
‫اجتمعت قريش فائتمروا بينهم أن يكتبوا كتابًا يتعاقدون فيه على بنى هاشم وبنى المطلب‪،‬‬
‫على أال ينكحوا إليهم وال ينكحوهم‪ ،‬وال يبيعوهم شيئًا وال يبتاعوا منهم‪ ،‬وكتبوا صحيفة‬
‫وعلقوها في جوف الكعبة‪ ،‬وتواثقواـ على ذلك‪ ،‬وانحازت بنو هاشم وبنو المطلب إلى أبى‬
‫طالب فدخلوا معه في شعبه (‪ ,)5‬وذلك في محرم سنة سبع من النبوة ومكث بنو هاشم على‬
‫ذلك نحو ثالث سنوات ال يصل إليهم شيء إال سرًا‪ ،‬ثم كان ما كان من أكل األرضة‬
‫للصحيفة‪ ،‬وإخبار النبي × أبا طالب بذلك‪ ،‬وتمزيق الصحيفة‪ ،‬وبطالن ما فيها (‪ ,)6‬ومات‬
‫أبو طالب في النصف من شوال في السنة العاشرة من النبوة‪ ،‬وهو ابن بضع وثمانين‬
‫سنة‪ ،‬ولم يسلم أبو طالب (‪ ,)7‬وهو العام الذي ماتت في خديجة زوج النبي ×‪ ،‬وتتابعت‬
‫على رسول هللا × المصائب‪ ،‬وسمى هذا العام بعام الحزن (‪.)8‬‬
‫‪ -5‬أم أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي هللا عنه‪ :‬هي الصحابية الجليلة‬

‫‪1‬‬
‫() نُبْزى‪ :‬أي نسلمه ونغلب‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() أي كذبتم أن نسلمه قبل أن نصرع حوله‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() الحالئل‪ :‬الزوجات‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() الصالصل‪ :‬المزادات لها صلصلة بالماء‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() السيرة النبوية البن هشام (‪.)351 ،1/350‬‬
‫‪6‬‬
‫() المصدر نفسه (‪ ،)377 -1/373‬المرتضى‪ :‬ص(‪ ،)26‬وقد فصلت ذلك في كتابي السيرة النبوية‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() بلوغ األرب (‪.)1/324‬‬
‫‪8‬‬
‫() السيرة البن هشام (‪ )46 ،1/45‬المرتضى‪ :‬ص(‪.)26‬‬
‫‪22‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫السيدة الفاضلة فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصى الهاشمية (‪,)1‬وهي أول‬
‫هاشمية ولدت هاشميًا (‪ ,)2‬وقد حظيت برعاية النبي × حينما كفله عمه أبو طالب بناء على‬
‫وصية أبيه عبد المطلب‪ ،‬فكانت له أ ًما بعد أمة تقوم على شئونه وترعي أموره ما‬
‫استطاعت إلى ذلك سبيال‪ ،‬وقد قضى الحبيب المصطفى قرابة عقدين من حياته في كنفها‪،‬‬
‫وقد استجابت لدعوة اإلسالم وأصبحت من السابقات األوليات وصارت من صفوة النساء‬
‫ممن أخذن المكانة العليا في ساحة الفضيلة‪ ،‬وكانت رضي هللا عنها مثاالً للرأفة والرحمة‬
‫في معاملة الزهراء رضي هللا عنها‪ ،‬إذ كانت تقوم بمساعدتها برًا بها وبوالدها ×‪ ،‬وروى‬
‫عن أمير المؤمنين على رضي هللا عنه أنه قال‪ :‬قلت ألمي‪ :‬أكفي فاطمة بنت رسول هللا‬
‫سقاية الماء والذهاب في الحاجة‪ ،‬وتكفيك هي الطحن والعجن (‪.)3‬كما أن صلتها بالنبي ×‬
‫أضافت إلى شخصيتها مكرمة حفظ الحديث وروايته‪ ،‬فقد روت عن النبي × مجموعة من‬
‫األحاديث‪ ،‬وقد كانت لها مكانة كبرى عند رسول هللا ×‪ ،‬ويخصها بالهدية‪ ،‬فقد أورد ابن‬
‫حجر باإلصابة أن عليًا رضي هللا عنه قال‪ :‬أُهدى إلى رسول هللا حلة إستبرق فقال‪:‬‬
‫«اجعلها خُمُرًا بين الفواطم» (‪ .)4‬فشققتها أربعة أخمرة‪ ،‬خمارًا لفاطمة بنت رسول‬
‫هللا ×‪ ،‬وخمارًا لفاطمة بنت أسد رضي هللا عنها‪ ،‬وخمارًا لفاطمة بنت حمزة رضي هللا‬
‫عنها‪ ،‬ولم يذكر الرابعة(‪.)5‬‬
‫ولقد كان حظ السيدة فاطمة مبار ًكا في حياتها وعند وفاتها‪ ،‬وحظيت بالتكريم إذ‬
‫توفيت في حياة الحبيب المصطفى × (‪ ,)6‬وأما ما روى عن أنس في دفنها فهو واه ضعيف‬
‫شديد الضعف وال يتقوى من طرقه األخرى التي جاءت ألنها كلها ضعيفة‪ ،‬فعن أنس بن‬
‫مالك رضي هللا عنه قال‪ :‬لما ماتت فاطمة بنت أسد أم على رضي هللا عنها دخل عليها‬
‫رسول هللا × فجلس عند رأسها فقال‪ :‬رحمك الله يا أمي‪ ،‬كنت أمي بعد أمي‪،‬‬
‫تجوعين وتشبعيننى‪ ،‬وتعرين وتكسيننى‪ ،‬وتمنعين نفسك طيبا وتطعميننى‪ ،‬تريدين‬
‫بذلك وجه الله والدار الأخرة‪ ،‬ثم أمر أن تغسل ثالثًا ثالثًا‪ ،‬فلما بلغ الماء الذي فيه‬
‫الكافور سكبه رسول هللا بيده‪ ،‬ثم خلع رسول هللا قميصه فألبسها إياه وكفنها ببرد فوقه‪ ،‬ثم‬
‫دعا رسول هللا أسامة بن زيد وأبا أيوب األنصاري وعمر بن الخطاب وغال ًما أسود‬
‫يحفرون‪ ،‬فحفروا قبرها‪ ،‬فلما بلغوا اللحد حفره رسول هللا × بيده وأخرج ترابه بيده‪ ،‬فلما‬
‫فرغ دخل رسول هللا × فاضطجع فيه وقال‪«:‬الله الذي يحيى ويميت وهو حي لا‬
‫يموت اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقتها حجتها ووسع عليها مدخلها بحق نبيك‬
‫والأنبياء الذين من قبلي‪ .‬فإنك أرحم الراحمين» وكبر عليها أربعًا وأدخلها اللحد‬
‫هو والعباس وأبو بكر رضي هللا عنهما (‪.)7‬‬

‫‪1‬‬
‫() نسب قريش‪ :‬ص(‪ )40‬فضائل الصحابة (‪.)685 /2‬‬
‫‪2‬‬
‫() فضائل الصحابة (‪.)685 /2‬‬
‫‪3‬‬
‫() مجمع الزوائد (‪ )8/356‬رجال السند رجال الصحيح‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() سنن ابن ماجة‪ ،‬ك اللباس رقم ‪.3596‬‬
‫‪5‬‬
‫() اإلصابة (‪ )8/27‬رقم ‪.1153‬‬
‫‪6‬‬
‫() أمير المؤمنين على بن أبى طالب‪ ،‬أحمد السيد‪ :‬ص(‪.)24‬‬
‫‪7‬‬
‫() السلسلة الضعيفة لأللباني (‪)1/32‬رقم ‪.23‬‬
‫‪23‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وقد احتج من احتج (‪ )8‬بهذا الحديث على جواز التوسل بالذوات‪ ،‬وقد قام األستاذ أبو‬
‫عبد الرحمن جبالن بن خضر العروسى في رسالته لمرحلة الماجستير بتتبع طرق‬
‫الحديث وبين ضعفها وبطالنها (‪,)9‬ووضح أن الحديث قد روى من خمسة طرق‪ :‬ثالثة‬
‫موصولة‪ ،‬ومرسلتان‪ ،‬فلم تخل واحدة منها من عدة علل فهو شديد الضعف‪ ،‬ومع هذا لم‬
‫يرد التوسل المزعوم إال في طريق واحدة‪ ،‬وهي طريق أنس‪ ،‬فهذه األحاديث يمكن أن‬
‫يعل بها الحديث ألن الكل ضعيف فيعل بعضه البعض وال يزيدها إال وهنا وضعفا‪،‬ـ وأما‬
‫من ناحية المتن فهو منقوض من عدة وجوه‪:‬‬
‫‪ -‬إن في هذا الحديث مبالغة وإطراء وتجاو ًزا للمألوف في ذلك العهد النبوي‪.‬‬
‫‪ -‬هذا الحديث يخالف هدية وسننه في غسل جنازة المرأة‪ ،‬وذلك في أمور منها‪:‬‬
‫‪ -‬سكبه بيده الشريفة لم يرد إال في هذه القصة‪ ،‬وأما الذي ورد في غسل بنته زينب‬
‫أنه أمرهم بالغسل‪ ،‬ولم يسكب بنفسه‪ ،‬فقد روى البخاري ومسلم عن محمد بن سيرين عن‬
‫أن أم عطية قالت‪ :‬دخل علينا النبي × ونحن نغسل ابنته فقال‪« :‬اغسلنها ثلاثًا أو‬
‫خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر‪ ،‬واجعلن في الآخرة‬
‫كافورًا‪ ،‬فإذا فرغتن فآذننى» وقالت‪:‬فلما فرغنا ألقى إلينا حقوه فقال‪« :‬أشعرنها‬
‫إياه»‪ ،‬ولم يزد على ذلك (‪.)3‬‬
‫‪ -‬إن الحفر بيده وإخراجه التراب بيده واالضطجاع فيه كلها لم تعهد إال في هذا‬
‫الحديث الضعيف‪ ،‬مخالفًا هديه المشهور عنه وهو من المبالغة واإلطراء‪.‬‬
‫‪ -‬ثم لفظ الدعاء الذي بدأ بلفظة الغيبة ثم الخطاب بعيد عن أسلوبه المعهود في‬
‫الدعوات المأثورات «اللهم أنت‪ »...‬ولم نر في غير هذا الدعاء «هللا الذي‪.»...‬‬
‫‪ -‬ومما يدل على ضعفه أن الراوى اعترف بأن النبي × لم يفعل هذه األفعال إال في‬
‫هذه المرة‪ ،‬ولكنه أراد أن يبرر ذلك بما ذكره‪ ،‬وهيهات (‪.)4‬‬
‫‪ -6‬إخوة عل ّى بن أبى طالب رضي هللا عنه‪ :‬كان ألبي طالب أربعة أبناء‪ ،‬وهم‪:‬‬
‫طالب‪ ،‬وهو الذي تكنى به‪ ،‬وعقيل‪ ،‬وجعفر‪ ،‬وعلى‪ ،‬وبنتان هما‪ :‬أم هانئ‪ ،‬وجمانة‪ ،‬وكلهم‬
‫من فاطمة بنت أسد‪ ،‬وكان بين كل واحد منهم وبين أخيه عشر سنوات‪ ،‬فطالب كان أكبر‬
‫من عقيل بعشر سنوات‪ ،‬وكذلك الشأن مع جعفر وعلى‪ ،‬فكان جعفر أكبر من على بعشر‬
‫سنوات (‪ ,)5‬وهذه نبذة مختصرة عن إخوة على رضي هللا عنه‪.‬‬
‫(أ) طالب بن أبى طالب‪:‬هلك طالب مشر ًكا بعد غزوة بدر‪ ،‬وقيل إنه ذهب فلم‬
‫يرجع‪ ،‬ولم يدر له موضع وال خبر‪ ،‬وهو أحد الذين تاهوا في األرض‪ ،‬وكان محبًا لرسول‬
‫هللا ×‪ ،‬وله فيه مدائح‪ ،‬وكان خرج إلى بدر كرهًا‪ ،‬وجرت بينه وبين قريش حين خرجوا‬
‫إلى بدر محاورة فقالوا‪ :‬وهللا يا بنى هاشم لقد عرفنا‪ -‬وإن خرجتم معنا‪ -‬أن هواكم مع‬
‫‪8‬‬
‫() السمهودي في وفاء الوفاء (‪ ،)4/1373‬والكوثري في محق التقول‪ :‬ص (‪ ،)391 -379‬والبوطي في‬
‫السلفية مرحلة‪ ،)155(،‬والعلوي في مفاهيم‪ :‬ص (‪)65‬نقال عن الدعاء ومنزلته من العقيدة‪ ،‬جبالن بن‬
‫خضر‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫()الدعاء ومنزلته من العقيدة اإلسالمية‪ :‬ص(‪.)798 -794‬‬
‫‪3‬‬
‫() الدعاء ومنزلته من العقيدة اإلسالمية‪ :‬ص (‪.)799‬‬
‫‪4‬‬
‫المصدر نفسه‪ :‬ص (‪.)798 -794‬‬ ‫()‬
‫‪5‬‬
‫() البداية والنهاية (‪ ،)223 /7‬المرتضى‪ :‬ص (‪.)26‬‬
‫‪24‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫محمد‪ ،‬فرجع طالب إلى مكة مع من رجع‪ ،‬وقال شعرًا وقصيدة ثناء على النبي × وبكى‬
‫فيها أصحاب قليب بدر (‪.)1‬‬
‫(ب) عقيل بن أبى طالب‪:‬فكان يكنى أبا يزيد‪ ،‬تأخر إسالمه إلى عام الفتح‪ ،‬وقيل‬
‫أسلم بعد الحديبية‪ ،‬وهاجر في أول سنة ثمان‪ ،‬وكان أسر يوم بدر ففداه عمه العباس‪ ،‬وقع‬
‫ذكره في الصحيح في مواضع‪ ،‬وشهد غزوة مؤته‪ ،‬ولم يسمع له ذكر في الفتح وحنين‪،‬‬
‫ألنه كان مريضًا‪ ،‬أشار إلى ذلك ابن سعد‪ ،‬لكن روى الزبير بن بكار بسنده إلى الحسن بن‬
‫على أن عقيال كان ممن ثبت يوم حنين ومات في خالفة معاوية‪ ،‬وفي تاريخ البخاري‬
‫األصغر بسند صحيح أنه مات في أول خالفة يزيد قبل الحرة (‪,)2‬وعمره ست وتسعون‬
‫سنة (‪.)3‬‬
‫(ج) جعفر بن أبى طالب‪ :‬فهو أحد السابقين إلى اإلسالم وكان يحب المساكين‬
‫ويجلس إليهم ويخدمهم‪ ،‬ويحدثهم ويحدثونه‪ ،‬وهاجر إلى الحبشة‪ ،‬فأسلم النجاشى ومن‬
‫تبعه على يديه‪ ،‬ولقد تحدثت عنه في كتابي السيرة النبوية‪..‬عرض وقائع وتحليل أحداث‪،‬‬
‫واستشهد بمؤتة من أرض الشام مقبالً غير مدبر (‪.)4‬‬
‫(د) أم هانئ بنت أبى طالب‪ :‬ابنه عم النبي ×‪ ،‬قيل اسمها فاختة‪ ،‬وقيل اسمها‬
‫فاطمة وقيل هند‪ ،‬واألولـ أشهر‪ ،‬وكانت زوج هبيرة بن عمرو بن عائذ المخزومي‪ ،‬وكان‬
‫له منها عمرو‪ ،‬وبه كان يكنى‪ ،‬وفي فتح مكة أجارت أم هانئ رجلين من بنى مخزوم‪،‬‬
‫وقال لها‬
‫رسول هللا ×‪ :‬أجرنا من أجرت يا أم هانئ‪.‬وروت أم هانئ عن النبي × في الكتب‬
‫الستة وغيرها(‪ ,)5‬قال الترمذي وغيره‪ :‬عاشت بعد على رضي هللا عنه (‪.)6‬‬
‫(هـ) جمانة بنت أبى طالب‪ :‬هي أم عبد هللا بن أبى سفيان بن الحارث بن عبد‬
‫المطلب‪ ،‬ذكرها ابن سعد في ترجمة أمها فاطمة بنت أسد‪ ،‬وأفردها في باب بنات عم‬
‫النبي ×‪ ،‬وقال‪ :‬ولدت ألبى سفيان بن الحارث ابنه جعفر بن أبى سفيان‪ ،‬وأطعمها رسول‬
‫هللا من خيبر ثالثين وسقا (‪.)7‬‬
‫‪ -7‬أزواجه وأوالده‪ :‬ولد له من فاطمة (‪ )8‬بنت رسول هللا ×‪ :‬الحسن والحسين‬
‫(وسيأتي الحديث عنهما مفصال)‪...‬وزينب الكبرى وأم كلثوم الكبرى‪ ،‬وولد له من خولة‬
‫بنت جعفر ابن قيس بن مسلمة‪ ،‬محمد األكبر (محمد ابن الحنفية)‪ُ ،‬وولد له من ليلى بنت‬

‫‪1‬‬
‫() الجوهرة في نسب النبي وأصحابه من المرتضى للندوى‪ :‬ص(‪.)23‬‬
‫‪2‬‬
‫() اإلصابة في تميز الصحابة (‪.)2/494‬‬
‫‪3‬‬
‫() المرتضى للندوى‪ :‬ص(‪.)24‬‬
‫‪4‬‬
‫() المرتضى‪ :‬ص(‪.)25‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر نفسه‪ :‬ص(‪.)27‬‬
‫‪6‬‬
‫() اإلصابة في تمييز الصحابة (‪.)318 ،9/317‬‬
‫‪7‬‬
‫() اإلصابة (‪ ،)260 ،4/259‬المرتضى‪:‬ص (‪.)27‬‬
‫‪8‬‬
‫() هى أول زوجة تزوجها على بن أبى طالب ولم يتزوج عليها حتى ماتت‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫مسعود بن خالد من بنى تميم‪ ،‬عبيد هللا وأبو بكر‪ ،‬وولد له من أم البنين بنت حزام (‪ )1‬بن‬
‫خالد بن جعفر بن ربيعة‪ :‬العباس األكبر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وجعفر األكبر‪ ،‬وبعد هللا‪ ،‬وولد له من‬
‫أسماء بنت عميس الخثعمية‪ :‬يحيى وعون (‪,)2‬وولد له من الصهباء (‪ ,)3‬عمر األكبر‬
‫ورقية‪ ،‬وولد له من أمامة (‪ )4‬بنت العاص بن الربيع‪ ،‬محمد األوسط‪ ،‬وولد له من أم سعيد‬
‫بنت عروة بن مسعود الثقفي‪،‬ـ أم الحسن‪ ،‬ورملة الكبرى‪ ،‬وولد له من أمهات أوالد‪ ،‬محمد‬
‫األصغر‪ ،‬وأم هانئ وميمونة‪ ،‬وزينب الصغرى‪ ،‬ورملة الصغرى‪ ،‬وأم كلثوم الصغرى‪،‬‬
‫وفاطمة‪ ،‬وأمامة‪ ،‬وخديجة‪ ،‬وأم الكرام‪ ،‬وأم سلمة‪ ،‬وأم جعفر‪ ،‬جمانة ونفيسة‪ ،‬وولد له من‬
‫محياة بنت أمرئ القيس‪ ،‬ابنة هلكت وهي جارية‪ .‬قال ابن سعد‪ :‬لم يصح لنا من ولد على‬
‫رضي هللا عن غير هؤالء(‪ ,)5‬وجميع ولد على بن أبى طالب رضي هللا عنه لصلبه أربعة‬
‫عشر ذكرًا‪ ،‬وتسع عشرة امرأة‪ ،‬وقيل‪ :‬سبع عشرة امرأة‪ ،‬وكان النسل من ولده لخمسة‪،‬‬
‫الحسن والحسين‪ ،‬ومحمد ابن الحنفية‪ ،‬والعباس ابن الكالبية‪ ،‬وعمر ابن التغلبية‬
‫(‪,)6‬وسيأتي الحديث عن السيدة فاطمة وذريتها‪ ،‬الحسن والحسين‪ ،‬وأم كلثوم في ثنايا هذا‬
‫الكتاب بإذن هللا تعالى‪.‬‬
‫‪ -8‬صفاته الخَلقية‪:‬يقول ابن عبد البر رحمه هللا‪ :‬وأحسن ما رأيت في صفة على‬
‫رضي هللا عنه أنه كان ربعة من الرجال إلى القصر ما هو‪ ،‬أدعج العينين‪ ،‬حسن الوجه‪،‬‬
‫كأنه القمر ليلة البدر حسنًا‪ ،‬ضخم البطن‪ ،‬عريض المنكبين‪ ،‬شئن الكفين ( َعتَدًا) (‪ )7‬أغيد‪،‬‬
‫كان عنقه إبريق فضة‪ ،‬أصلع ليس في رأسه شعر إال من خلفه‪ ،‬كبير اللحية‪ ،‬لمنكبه‬
‫مشاش كمشاش السبع الضارى‪ ،‬ال يتبين عضده من ساعده‪ ،‬قد أدمجت دمجًا‪ ،‬إذا مسك‬
‫بذراع رجل أمسك بنفسه فلم يستطع أن يتنفس‪ ،‬وهو إلى السمن ما هو‪ ،‬شديد الساعد واليد‬
‫وإذا مشى للحرب هرول‪ ،‬ثابت الجنان‪ ،‬قوى شجاع (‪.)8‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫إسالمه وأهم أعماله في مكة قبل الهجرة‬
‫أوال‪ :‬إسالمه‪:‬‬
‫كان من نعمة هللا عز وجل على عل ّى بن أبى طالب وما صنع هللا له وأراد به من‬
‫الخير أن قري ًشا أصابتهم أزمة شديدة‪ ،‬وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة‪ ،‬فقال رسول هللا ×‬
‫للعباس عمه – وكان من أيسر بنى هاشم‪ :-‬يا عباس‪ ،‬إن أخاك أبا طالب كثير‬
‫العيال‪ ،‬وقد ترى ما أصاب الناس من هذه الأزمة‪ ،‬فانطلق بنا فلنخفف عنه‬
‫‪1‬‬
‫()‪ )4( ,‬البداية والنهاية (‪.)7/332‬‬
‫‪2‬‬
‫() البداية والنهاية ( ‪.)7/332‬‬

‫‪3‬‬
‫() وهى أم حبيب بنت ربيعة بن بجير‪ ،‬من سبي عين التمر في عهد الصديق‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() وأمها زينب بنت رسول هللا ×‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() الطبقات الكبرى (‪.)3/20‬‬
‫‪6‬‬
‫() الطبقات (‪ ،)20 ،3/19‬البداية والنهاية (‪ )333 -7/331‬منهج على بن أبى طالب في الدعوة إلى هللا‪،‬‬
‫سليمان العبد‪ :‬ص (‪.)31 ،30 ،29‬‬
‫‪7‬‬
‫()العتد‪ :‬الشديد التام الخلق‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫()االستيعابـ في معرفة األصحاب (‪.)3/1123‬‬
‫‪26‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫عياله‪ ،‬آخذ من بيته واحدًا وتأخذ واحدًا‪ ،‬فنكفيهما عنه‪،‬فقال العباس‪ :‬نعم‪..‬‬
‫فانطلق حتى أتيا أبا طالب‪ ،‬فقاال له‪ :‬إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن‬
‫الناس ما هم فيه‪ ،‬فقال لهما‪ :‬إن تركتما لي عقيالً فاصنعا ما شئتما‪ ،‬فأخذ رسول هللا × عليًا‬
‫فضمه إليه‪ ،‬وأخذ العباس جعفرًا رضي هللا عنه فضمه إليه‪ ،‬فلم يزل على بن أبى طالب‬
‫رضي هللا عنه مع رسول هللا × حتى بعثه هللا نبيًا‪ ،‬فاتبعه عل ّى‪ ،‬فأقر به وصدقه‪ ،‬ولم يزل‬
‫جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه (‪.)1‬‬
‫ونالحظ أن رسول هللا × أراد أن يرد الجميل والمعروف لعمه أبى طالب الذي كفله‬
‫بعد وفاة جده عبد المطلب‪ ،‬فكان هذا من أكبر نعم هللا عز وجل على عل ّى رضي هللا عنه‪،‬‬
‫إذ رباه وأدبه الذي أدبه هللا‪ ،‬عز وجل‪ ،‬وحفظه وعصمه ورعاه‪ ،‬والذي كان خلقه القرآن‪،‬‬
‫فانعكس هذا الخلق القرآني على عل ّى رضي هللا عنه‪ ،‬وكفىـ بتربية النبي × تربية لعلى‬
‫رضي هللا عنه‪ ،‬فقد نشأ في بيت اإلسالم وتعرف إلى أسراره في مرحلة مبكرة من حياته‪،‬‬
‫وذلك قبل أن تتخطى الدعوة حدود البيت وتنطلق إلى البحث عن أنصار يشدون أزرها‬
‫وينطلقون بها في دنيا الناس‪ ،‬ويخرجونهم من الظلمات إلى النور‪ ،‬وقد اختلف العلماء‬
‫فيمن آمن بعد السيدة خديجة بنت خويلد أم المؤمنين‪ ،‬هل هو أبو بكر الصديق أم على‬
‫رضي هللا عنهما؟ والذي أميل إليه من بين أقوال العلماء‪ ،‬أن أول من أسلم من الرجال‬
‫األحرار أبو بكر‪ ،‬ومن الصبيان على‪ ،‬ومن النساء خديجة‪ ،‬وهي أول من آمن على‬
‫اإلطالق‪ ،‬ومن الموالي زيد بن حارثة رضوان هللا عليهم (‪ ,)2‬وبهذا يكون أمير المؤمنين‬
‫أول الصغار إسال ًما‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬كيف أسلم على؟‬
‫روى ابن إسحاق أن على بن أبى طالب رضي هللا عنه جاء إلى النبي × بعد إسالم‬
‫خديجة رضي هللا عنها‪ ،‬فوجدهما يصليان‪ ،‬فقال على‪ :‬ما هذا يا محمد؟ فقال النبي‬
‫×‪«:‬دين الله الذي اصطفاه لنفسه‪ ،‬وبعث به رسله‪ ،‬فأدعوك إلى الله وحد وإلى‬
‫عبادته‪ ،‬وتكفر باللات والعزى» فقال له على‪ :‬هذا أمر لم أسمع به من قبل اليوم‪،‬‬
‫فلست بقاض أمرًا حتى أحدث أبا طالب‪ ،‬فكره رسول هللا × أن يفشى عليه سره‪ ،‬قبل أن‬
‫يستعلن أمره‪ ،‬فقال له‪« :‬يا على إذا لم تسلم فاكتم»‪ ،‬فمكث على تلك الليلة‪ ،‬ثم إن‬
‫هللا أوقع في قلب على اإلسالم‪ ،‬فأصبح غاديًا إلى رسول هللا ×‪ ،‬حتى جاءه فقال‪ :‬ما‬
‫عرضت عل َّى يا محمد؟ فقال له رسول هللا ×‪ :‬تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا‬
‫شريك له‪ ،‬وتكفر باللات والعزى‪ ،‬وتبرأ من الأنداد‪ ،‬ففعل عل ّى وأسلم‪ ،‬ومكث‬
‫عل ّى يأتيه على خوف من أبى طالب‪ ،‬وكتم على إسالمه ولم يظهر به(‪.)3‬‬
‫ثالثًا‪ :‬بين على رضيـ هللا عنه وأبى طالب‪:‬‬
‫قال ابن إسحاق‪ :‬وذكر بعض أهل العلم أن رسول هللا × كان إذا حضرت الصالة‬
‫خرج إلى شعاب مكة‪ ،‬وخرج معه على بن أبى طالب مستخفيًا من أبيه أبى طالب‪ ،‬ومن‬
‫جميع أعمامه وسائر قومه‪ ،‬يصليان الصلوات فيها‪ ،‬فإذا أمسيا رجعا فمكثا كذلك ما شاء‬
‫هللا أن يمكثا‪ ،‬ثم إن أبا طالب عثر عليهما يو ًما وهما يصليان‪ ،‬فقال لرسول هللا ×‪ :‬يا ابن‬
‫أخي‪ ،‬ما هذا الدين الذي تدين به‪ ،‬قال‪« :‬أي عم‪ ،‬هذا دين الله ودين ملائكته ودين‬
‫‪1‬‬
‫() السيرة النبوية (‪ )1/246‬البن هشام‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() البداية والنهاية (‪ ،)28 -3/26‬األوائل من الصحابة وذوو الفضل منهم والنجابة‪ ،‬رضوان جامع‬
‫ص (‪.)23‬‬
‫‪3‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)3/4‬‬
‫‪27‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫رسله ودين أبينا إبراهيم»‪،‬أو كما قال ×‪« :‬بعثني رسولا إلى العباد وأنت –‬
‫أي عم – أحق من بذلت له النصيحة‪ ،‬ودعوته إلى الهدى‪ ،‬وأحق من أجابنى إليه‬
‫وأعانني عليه»‪،‬أو كما قال‪ .‬فقال أبو طالب‪ :‬أي ابن أخي‪ ،‬إني ال أستطيع أن أفارق دين‬
‫آبائى وما كانوا عليه‪ ،‬ولكن وهللا ال يُخلص إليك (‪ )1‬بشيء تكرهه ما بقيت‪ ،‬ذكروا أنه قال‬
‫لعلى‪:‬أي بنى‪ ،‬ما هذا الدين الذي أنت عليه؟ فقال‪ :‬يا أبت آمنت باهلل وبرسول هللا وصدقته‬
‫بما جاء به‪ ،‬وصليت معه هلل واتبعته‪ ،‬فزعموا أنه قال له‪ :‬أما إنه لم يدعك إال إلى خير‬
‫فالزمه (‪.)2‬‬
‫رابعًا‪ :‬هل كسر على رضي هللا عنه األصنام مع رسول هللا في مكة؟‬
‫عن عل ّى رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬انطلقت أنا والنبي × حتى أتينا الكعبة‪ ،‬فقال لي رسول‬
‫هللا × (اجلس) وصعد على منكبي‪ ،‬فذهبت ألنهض به‪ ،‬فرأى مني ضعفًا‪ ،‬فنزل‪ ،‬وجلس‬
‫لي نبي هللا × قال‪ :‬اصعد على منكبي‪ ،‬قال‪ :‬فصعدت على منكبيه‪ ،‬قال‪ :‬فنهض بي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فإنه يخيل إل ّى إني لو شئت لنلت أفق السماء‪ ،‬حتى صعدت على البيت‪ ،‬وعليه تمثال صفر‬
‫أو نحاس‪ ،‬فجعلت أزاوله عن يمينه وعن شماله‪ ،‬وبين يديه ومن خلفه‪ ،‬حتى إذا استمكنت‬
‫منه قال لي رسول هللا × «اقذف به»‪ ،‬فقذفت فانكسر كما تتكسر القوارير‪ ،‬ثم نزلت‪،‬‬
‫فانظلقت أنا ورسول هللا × نستبق حتى توارينا بالبيوت‪ ،‬خشية أن يلقانا أحد من الناس‬
‫(‪,)3‬وهذا الحديث إسناده ضعيف‪ ،‬وبالتالي ال يمكن أن يبني عليه حكم كما زعم بعض‬
‫الناس‪ ،‬ويبقىـ األصل الثابت في الفترة المكية‪ ،‬في منع النبي × للصحابة الستخدام القوة‬
‫مع الخصوم أو االعتداء على أصنامهم وأوثانهم بالقوة‪ ،‬وقد قام رسول هللا × بتطهير مكة‬
‫في عام الفتح من األوثان وأرسل السرايا بعد ذلك الفتح العظيم لهدم وتطهير الجزيرة‬
‫العربية‪ ،‬من مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على إزالتها وإبطالها‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬هل دفن على رضيـ هللا عنه أبا طالب بإرشادـ رسول هللا؟‬
‫عن على رضي هللا عنه‪ :‬أنه أتى النبي × فقال‪ :‬إن أبا طالب مات‪ ،‬فقال له النبي ×‪:‬‬
‫اذهب فواره‪ ،‬فقال‪ :‬أنه مات مشر ًكا‪ .‬فقال‪ :‬اذهب فواره‪ ،‬قال‪ :‬فلما واريته رجعت إلى‬
‫النبي ×‪ ،‬فقال لي‪ :‬اغتسل (‪ .)4‬وجاء في رواية‪ :‬اذهب فاغتسل ثم لا تحدث شيئًا حتى‬
‫تأتينى‪ ،‬قال‪ :‬فاغتسلت ثم أتيته‪ ،‬قال‪ :‬فدعا لي بدعوات ما يسرني أن لي بها حمر النعم‬
‫وسودها‪ ،‬قال الراوى عبد الرحمن السلمي‪ :‬وكان عل ّى رضي هللا عنه إذا غسل ميتًا‬
‫اغتسل (‪.)5‬‬
‫سادسًا‪ :‬الحس األمنى عند عل ّى رضي هللا عن ودوره في إيصال أبى ذر‬
‫رضي هللا عنه لرسول هللا ×‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫() ال يُخلص إليك‪ :‬ال يصل إليك‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() السيرة النبوية البن هشام (‪ ،)1/246‬المرتضى‪ :‬ص(‪.)35‬‬
‫‪3‬‬
‫() مسند أحمد‪ ،‬الموسوعة الحديثة رقم (‪ )644‬إسناده ضعيف‪ ،‬وصحح الحاكم إسناده واستدرك عليه‬
‫الذهبي فقال‪ :‬إسناده ضعيف ومتنه منكر‪ ،‬وقد قام أحمد ميرين البلوشي في رسالته التي حقق فيها‬
‫خصائص أمير المؤمنين على بن أبى طالب بالحكم على رجال السند وحكم عليه بالضعف‪ ،‬خصائص‬
‫على بن أبى طالب‪ :‬ص (‪ ،)136 ،135‬وقد صحح الحديث أحمد شاكر (‪.)58 /2‬‬
‫‪4‬‬
‫() مسند أحمد‪ ،‬الموسوعة الحديثية رقم (‪ )759‬إسناده ضعيف‪ ،‬وفي الموسوعة تفصيل مفيد في الحكم‬
‫على رجال السند‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() الصحيح المسند في فضائل الصحابة‪ :‬ص (‪ ،)188‬وقال مصطفى العدوي‪ :‬حسن بمجموع طرقه‪،‬‬
‫وجاء بشواهد للحديث‪.‬‬
‫‪28‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫إن من معالم المرحلة المكية‪ ،‬الكتمان والسرية‪ ،‬حتى عن أقرب الناس‪ ،‬وكانت‬
‫األوامر النبوية على وجوب المحافظة على السرية واضحة وصارمة‪ ،‬وقد قام على‬
‫رضي هللا عنه بدور عظيم في أخذ أبى ذر إلى مقر الرسول ×‪ ،‬فقد كان رضي هللا عنه‬
‫منكرًا لحال الجاهلية‪ ،‬ويأبى عبادة األصنام‪ ،‬وينكر على من يشرك باهلل‪ ،‬وكان يصلى هلل‬
‫قبل إسالمه‪ ,‬بثالث سنوات‪ ،‬دون أن يخص قبلة بعينها بالتوجه‪ ،‬ويظهر أنه كان على نهج‬
‫األحناف‪ ،‬ولما سمع بالنبي × قدم إلى مكة‪ ،‬وكره أن يسأل عنه‪ ،‬حتى أدركه الليل‪،‬‬
‫فاضطجع فرآه عل ّى رضي هللا عنه‪ ،‬فعرف أنه غريب‪ ،‬فاستضافه ولم يسأله عن شيء‪ ،‬ثم‬
‫غادر صباحًا إلى المسجد الحرام‪ ،‬فمكث حتى أمسى فرآه على فاستضافه لليلة ثانية‪،‬‬
‫وحدث مثل ذلك الليلة الثالثة‪ ،‬ثم سأله عن سبب قدومه‪ ،‬فلما استوثق منه أبو ذر أخبره‬
‫بأنه يريد مقابلة الرسول ×‪ ،‬فقال له عل ّى‪ :‬فإنه حق‪ ،‬وهو رسول هللا‪ ،‬فإذا أصبحت‬
‫فاتبعني‪ ،‬فإني إن رأيت شيئًا أخاف عليك قمت كأني أريق الماء‪ ،‬فإن مضيت فاتبعني‪،‬‬
‫فتبعه وقابل الرسول ×‪ ،‬واستمع إلى قوله‪ ،‬فأسلم‪ ،‬فقال له النبي ×‪«:‬ارجع إلى قومك‬
‫فأخبرهم حتى يأتيك أمري»‪ ،‬فقال‪ :‬والذي نفسي بيده ألصرخن بين ظهرانيهم فخرج‬
‫حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته‪ :‬أشهد أن ال إله إال هللا‪ ،‬وأن محمدًا رسول هللا‪ ،‬فثار‬
‫القوم حتى أضجعوه فأتى العباس بن عبد المطلب‪ ،‬فحذرهم من انتقام غفار والتعرض‬
‫لتجارتهم‪ ،‬التي تمر بديارهم إلى الشام‪ ،‬فأنقذه منهم (‪ ,)1‬وكان أبو ذر قبل مجيئة قد أرسل‬
‫أخاه‪ ،‬ليعلم له علم النبي × ويسمع من قوله ثم يأتيه‪ ،‬فانطلق األخ حتى قدمه‪ ،‬وسمع من‬
‫قوله‪ ،‬ثم رجع إلى أبى ذر‪ ،‬فقال له‪ :‬رأيته يأمر بمكارم األخالق‪ ،‬وكال ًما ما هو بالشعر‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ما شفيتني (‪ )2‬مما أردت‪ ،‬وعزم على الذهاب بنفسه لرسول هللا ×‪ ،‬فقال أخوه له‪ :‬كن‬
‫على حذر من أهل مكة فإنهم قد شنفوا له وتجهموا (‪.)3‬‬
‫ومن الدروس والعبر والفوائد من هذه الحادثة‪:‬‬
‫‪ -1‬التأني والتريث في الحصول على المعلومة‪:‬‬
‫حيث يعرف أبو ذر رضي هللا عنه كراهية قريش لكل من يخاطب الرسول ×‪ ،‬وهذا‬
‫التأني تصرف أمنى‪ ،‬تقتضيه حساسية الموقف‪ ،‬فلو سأل عنه لعلمت به قريش‪ ،‬وبالتالي‬
‫قد يتعرض لألذى والطرد ويخسر الوصول إلى هدفه الذي من أجله ترك مضارب قومه‬
‫وتحمل في سبيله مصاعب ومشاق السفر‪.‬‬
‫‪ -2‬االحتياط والحذر قبل النطق بالمعلومة‪:‬‬
‫حين سأل على رضي هللا عنه أبا ذر رضي هللا عنه عن أمر وسبب مجيئة إلى مكة‪،‬‬
‫لم يخبره بالرغم من أنه استضافه ثالثة أيام إمعانًا في الحذر‪ ،‬فاشترط عليه قبل أن يخبره‬
‫أن يكتم عنه‪ ،‬وفي الوقت ذاته يرشده‪ ،‬فهذا غاية في االحتياط وتم ما أراده‪.‬‬
‫‪ -3‬التغطية األمنية للتحرك‪:‬‬
‫االتفاق بين على وأبى ذر رضي هللا عنهما على إشارة‪ ،‬أو حركة معينة‪ ،‬كأنه يصلح‬
‫نعله‪ ،‬أو كأنه يريق الماء‪ ،‬وذلك عندما يرى على رضي هللا عنه من يترصدهما أو‬
‫يراقبهما‪ ،‬فهذه تغطية أمنية لتحركهما تجاه المقر (دار األرقم)‪ ،‬هذا إلى جانب أن أبا ذر‬
‫‪1‬‬
‫() صحيح البخاري (فتح الباري) (‪.)7/173‬‬
‫‪2‬‬
‫() ما شفيتني مما أردت‪ :‬ما بلغني غرضي وأزلت عني همي‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() مسلم (‪ )4/1923‬رقمه (‪ ،)2473‬صحيح السيرة النبوية‪ ،‬إبراهيم العلى‪ :‬ص(‪ ،)83‬السيرة النبوية‬
‫الصحيحة للعمرى (‪،)1/145‬شنفوا‪ :‬أي أبغضوه‪.‬‬
‫‪29‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫كان يسير على مسافة من على فيعد هذا الموقف احتياطًا‪ ،‬وتحسبًا لكل طارئ قد يحدث‬
‫أثناء الحركة‪.‬‬
‫‪ -4‬تفوق الصحابة رضي هللا عنهم في الجوانب األمنية‪ ،‬وتوافر الحس‬
‫األمنى لديهم‪ :‬وتغلغله في نفوسهم‪ ،‬حتى أصبح سمة مميزة لكل تصرف من تصرفاتهم‬
‫الخاصة والعامة‪ ،‬فأتت تحركاتهم منظمة ومدروسة‪ ،‬فما أحوجنا لمثل هذا الحس الذي‬
‫كان عند الصحابة‪ ،‬بعد أن أصبح لألمن في عصرنا أهمية بالغة في زوال واستمرار‬
‫الدول والحضارات‪ ،‬وضعف وقوة األمم والشعوب‪ ،‬والجماعات والمؤسسات‬
‫والمنظمات‪ ،‬وأصبحت له مدارسه الخاصة وتقنياته المتقدمة‪ ،‬وأساليبه ووسائله‬
‫المتطورة‪ ،‬وأجهزته المستقلة‪ ،‬وميزانياته ذات األرقام الكبيرة‪ ،‬وأضحت المعلومات‬
‫عامة‪ ،‬والمعلوماتـ األمنية تباع بأغلى األثمان‪ ،‬ويضحى في سبيل الحصول عليها بالنفس‬
‫إذا لزم األمر‪ ،‬وما دام األمر كذلك فعلى المسلمين االهتمام بالنواحي األمنية حتى ال‬
‫تصبح قضايانا مستباحة لألعداء‪ ،‬وأسرارنا في متناول أيديهم(‪.)1‬‬
‫سابعًا‪ :‬على رضي هللا عنه مع رسول هللا × في طوافه على القبائل‪،‬‬
‫وعرضه للدعوة عليها‪ ،‬وحضوره المفاوضات مع بنى شيبان‪:‬‬
‫عن أبان بن تغلب عن عكرمة عن ابن عباس‪ :‬حدثني على بن أبى طالب‪ ،‬قال‪ :‬لما‬
‫أمر هللا رسوله أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وأنا معه وأبو بكر إلى منى حتى‬
‫دفعنا إلى مجلس من مجالس العرب‪ ،‬فتقدم أبو بكر رضي هللا عنه فسلم‪ ،‬وكان أبو بكر‬
‫مقد ًما في كل خير‪ ،‬وكان رجالً نسابة‪ ..‬إلى أن قال‪ :‬ثم دفعنا إلى مجلس آخر‪ ،‬عليه‬
‫السكينة والوقار‪ ،‬فتقدم أبو بكر فسلم فقال‪ :‬من القوم؟ قالوا‪ :‬شيبان بن ثعلبة‪ ،‬فالتفت أبو‬
‫بكر إلى رسول هللا ×‪ ،‬وقال‪ :‬بأبى وأمي‪ ،‬هؤالء ُغ َرر الناس‪ ،‬وفيهم مفروق قد غلبهم‬
‫تريَبَ ْته‪ ،‬وكان أدنى القوم مجلسًا من أبى‬ ‫لسانًا وجماالً‪ ،‬وكانت له غديرتان تسقطان على ِ‬
‫بكر‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬كيف العدد فكيم؟ فقال مفروق‪ :‬إنا لنزيد على األلف ولن تُغلب ألف‬
‫من قلة‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬وكيف المنعة فيكم؟ فقال مفروق‪ :‬إنا ألشد ما نكون غضبًا حين‬
‫نلقى‪ ،‬وأشد ما نكون لقاء حين نغضب‪ ،‬وإنا لنؤثر الجياد على األوالد‪ ،‬والسالح على‬
‫اللقاح‪ ،‬والنصر من عند هللا‪ ،‬يديلنا مرة‪ ،‬ويديل علينا مرة أخرى‪ ،‬لعلك أخو قريش؟ فقال‬
‫أبو بكر‪ :‬إن كان بلغكم أنه رسول هللا فها هو ذا‪ .‬فقال مفروق‪ ،‬إالم تدعونا يا أخا قريش؟‬
‫قال رسول هللا ×‪« :‬أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك‬
‫له‪ ،‬وأني عبد الله ورسوله‪ ،‬وإلى أن تؤووني وتنصروني‪ ،‬فإن قريشًا قد‬
‫تظاهرت على الله‪ ،‬وكذبت رسوله‪ ،‬واستغنت بالباطل عن الحق‪ ،‬والله هو الغني‬
‫الحميد»‪ ،‬فقال مفروق‪ :‬وإالم تدعو أيضًا يا أخا قريش؟ فوهللا ما سمعت كال ًما أحسن من‬
‫هذا‪ ،‬فتال رسول هللا × ‪+‬قُ ْل َت َعال َْوا أَتْ ُل َما َح َّر َم َربُّ ُك ْم َعلَْي ُك ْم أَالَّ تُ ْش ِر ُكوا بِ ِه َش ْيئًا َوبِال َْوالِ َديْ ِن‬
‫ش َما ظَ َه َر ِم ْن َها َو َما‬ ‫ِ‬
‫اه ْم َوالَ َت ْق َربُوا الْ َف َواح َ‬ ‫إِ ْح َسانًا َوالَ َت ْقُتلُوا أ َْوالَ َد ُكم ِّم ْن إِ ْمالَ ٍق نَّ ْح ُن َن ْر ُزقُ ُك ْم َوإِيَّ ُ‬
‫صا ُك ْم بِ ِه ل ََعلَّ ُك ْم َت ْع ِقلُو َن" [األنعام‪.]151:‬‬ ‫ْح ِّق ذَلِ ُك ْم َو َّ‬ ‫الن ْف ِ‬
‫س الَّتي َح َّر َم اهللُ إِالَّ بِال َ‬ ‫بَطَ َن َوالَ َت ْقُتلُوا َّ َ‬
‫فقال مفروق‪ :‬دعوت وهللا إلى مكارم األخالق‪ ،‬ومحاسن األعمال‪ ،‬ولقد أفك قوم‬
‫كذبوك‪ ،‬وظاهروا عليك‪ ،‬ثم رد األمر إلى هانئ بن قبيصة فقال‪ :‬وهذا هانئ شيخنا‪،‬‬
‫وصاحب ديننا‪ ،‬فقال هانئ‪ :‬قد سمعت مقالتك يا أخا قريش‪ ،‬وإني أرى تركنا ديننا‪،‬‬
‫واتباعنا دينك لمجلس جلست إلينا‪ ،‬ال أول له وال آخر لذل في الرأي‪ ،‬وقلة نظر في‬

‫‪1‬‬
‫() دروس في الكتمان‪ ،‬محمود شيت خطاب‪:‬ص(‪ ،)9‬السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث‬
‫للصَّالبي (‪.)1/171‬‬
‫‪30‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫العاقبة‪ .‬إن الزلة مع العجلة‪ ،‬وإنا نكره أن نعقد على من وراءنا عقدًا‪ ،‬ولكن نرجع‬
‫وترجع‪ ،‬وننظر‪ ،‬ثم كأنه أحب أن يشركه المثنى بن حارثة‪ ،‬فقال‪ :‬وهذا المثنى شيخنا‬
‫وصاحب حربنا‪ ،‬فقال المثنى‪ -‬وأسلم بعد ذلك ‪:-‬قد سمعت مقالتك يا أخا قريش‪ ،‬والجواب‬
‫ص َريَيَ ْن‪،‬‬
‫فيه جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا ومتابعتنا دينك‪ ،‬وإنا إنما نزلنا بين َ‬
‫أحدهما اليمامة‪ ،‬واألخر السَّمامة‪ ،‬فقال له رسول هللا ×‪« :‬ما هذان الصريان؟»‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أنهار كسرى‪ ،‬ومياه العرب‪ ،‬فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور‬
‫وعذره غير مقبول‪،‬ـ وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى أال نحدث حدثًا‪ ،‬وال نؤوى‬
‫محدثًا‪ ،‬وإني أرى هذا األمر الذي تدعونا إليه يا أخا قريش مما تكرهه الملوك‪ ،‬فإن أحببت‬
‫أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب‪ ،‬فعلنا‪ ،‬فقال رسول هللا ×‪« :‬ما أسأتم في‬
‫الرد‪ ،‬إذا أفصحتم بالصدق‪ ،‬وإن دين الله عز وجل لن ينصره إلا من حاطه من‬
‫جميع جوانبه‪ ،‬أرأيتم إن تلبثوا إلا قليلاً‪ ،‬حتى يورثكم الله تعالى أرضهم‬
‫وديارهم‪ ،‬ويفرشكم نساءهم‪ ،‬أتسبحون الله وتقدسونه»‪ ،‬فقال النعمان بن شريك‪ :‬اللهم‬
‫فلك ذاك (‪.)1‬‬
‫وهذا الحديث فيه دروس وعبر وفوائد تعلمها على بن أبى طالب رضي هللا‬
‫عنه منها‪:‬‬
‫‪ -1‬تعلم على رضي هللا عنه‪ ،‬أن النبي × رفض أن يعطى القوى المستعدة لتقديم‬
‫نصرتها‪ ،‬أية ضمانات بأن يكون ألشخاص شيء من الحكم والسلطان على سبيل الثمن‪،‬‬
‫أو المكافأة لما يقدمونه من نصرة وتأييد للدعوة اإلسالمية‪ ،‬وذلك ألن الدعوة اإلسالمية‬
‫إنما هي دعوة إلى هللا‪ ،‬فالشرط األساسي فيمن يؤمن بها ويستعد لنصرتها أن يكون‬
‫اإلخالص هلل‪ ،‬ونشدان رضاه هما الغاية التي يسعى إليها من النصرة والتضحية وليس‬
‫طمعًا في نفوذ أو رغبة في سلطان‪ ،‬وذلك ألن الغاية التي يضعها اإلنسان للشيء هي التي‬
‫تكيف نشاط اإلنسان في السعي إليه‪ ،‬فالبد إذن من أن تتجرد الغاية المستهدفة من وراء‬
‫نصرة الدعوة‪ ،‬عن أي مصلحة مادية لضمان دوام التأييد لها‪ ،‬وضمان المحافظة عليها‬
‫من أي انحراف‪ ،‬وضمان أقصى ما يمكن من بذل الدعم لها‪ ،‬وتقديم التضحيات في سبيلها‬
‫(‪ ،)2‬فيجب على كل من يريد أن يلتزم بالجماعة التي تدعو إلى هللا أال يشترط عليها‬
‫منصبًا‪ ،‬أو عرضًا من أعراض الدنيا؛ ألن هذه الدعوة هلل واألمر هلل يضعه حيث يشاء‪،‬‬
‫والداخل في أمر الدعوة إنما يريد ابتغاء وجه هللا‪ ،‬والعمل من أجل رفع رايته‪ ،‬أما إذا كان‬
‫المنصب هو همه الشاغل فهذه عالمة خطيرة تنبئ عن دخن في نية صاحبها (‪,)3‬لذلك قال‬
‫يحيى بن معاذ الرازي‪ :‬ال يفلح من شممت منه رائحة الرياسة (‪.)4‬‬
‫‪ -2‬وتعلم على رضي هللا عنه من رسول هللا × أن صفة النصرة التي كان يطلبها‬
‫رسول هللا لدعوته من زعماء القبائل أن تكون غير مرتبطة بمعاهدات دولية‪ ،‬تتناقض مع‬
‫الدعوة‪ ،‬وال يستطيعون التحرر منها‪ ،‬وذلك ألن احتضانهم للدعوة والحالة هذه يعرضها‬
‫لخطر القضاء عليها من قبل الدول التي بينهم وبينها تلك المعاهدات‪ ،‬والتي تجد في‬

‫‪1‬‬
‫()البداية والنهاية (‪ ،)145 ،143 ،3/142‬البيهقي دالئل النبوة‪ ،‬إسناده حسن ونقل عنه ابن كثير‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫()الجهاد والقتال في السياسة الشرعية (‪.)1/421‬‬
‫‪3‬‬
‫()وقفات تربوية من السيرة النبوية‪ ،‬عبد الحميد الباللي‪ :‬ص(‪.)72‬‬
‫‪4‬‬
‫() صفة الصفوة (‪.)4/94‬‬
‫‪31‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الدعوة اإلسالمية خطرًا عليها وتهديدًا لمصالحها (‪ ،)1‬إن الحماية المشروطة أو الجزئية ال‬
‫تحقق الهدف المقصود‪ ،‬فلن يخوض بنو شيبان حربًا ضد كسرى‪ ،‬لو أراد القبض على‬
‫رسول هللا × وأتباعه‪ ،‬وبذلك فشلت المباحثات (‪.)2‬‬
‫‪ -3‬إن دين هللا لن ينصره إال من حاطه من جميع جوانبه‪ ،‬كان هذا الرد من النبي ×‬
‫على المثنى بن حارثة‪ ،‬حين عرض على النبي × حمايته على مياه العرب‪ ،‬دون مياه‬
‫الفرس‪ ،‬فمن يسبر أغوار السياسة البعيدة ير بُعد النظر اإلسالمي النبوي الذي ال يسامى‬
‫(‪.)3‬‬
‫‪ -4‬لمس على رضي هللا عنه أثر اإلسالم على المثنى وقومه بعد أن أسلموا‪ ،‬وكيف‬
‫تحملت قبيلة بنى شيبان عبء مواجهة الفرس‪ ،‬وكان المثنى بن حارثة – فيما بعد‪ -‬من قادة‬
‫فتح العراق في عهد الصديق رضي هللا عنه‪ ،‬فقد أكسبهم اإليمان بهذا الدين جرأة على قتال‬
‫الفرس‪.‬‬
‫هذه بعض المفاهيم والدروس والعبر التي استفادها على رضي هللا عنه من رسول‬
‫هللا عند مفاوضاته لزعماء بنى شيبان‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬تقديمه نفسه فداء للنبي ×‪:‬‬
‫عندمات اجتمعت قبيلة قريش في دار الندوة‪ ،‬وأجمعوا على قتل النبي × والتخلص‬
‫منه‪ ،‬أعلم هللا نبيه × بذلك‪ ،‬وكان النبي × أحكم خلق هللا‪ ،‬فأراد أن يبقى من أراد قتله ينظر‬
‫إلى فراشه ينتظرونه يخرج عليهم‪ ،‬فأمر على بن أبى طالب رضي هللا عنه أن ينام في‬
‫فراشه تلك الليلة‪ ،‬ومن يجرؤ على البقاء في فراش رسول هللا × واألعداء أحاطوا بالبيت‬
‫يتربصون به ليقتلوه؟ من يفعل هذا ويستطيع البقاء في هذا البيت هو يعلم أن األعداء ال‬
‫يفرقون بينه وبين الرسول هللا × في مضجعه؟ إنه ال يفعل ذلك إال أبطال الرجال‬
‫وشجعانهم بفضل هللا (‪ – )4‬تعالى‪ ،-‬وقد أمره النبي × أن يقيم بمكة أيا ًما حتى يؤدي أمانة‬
‫الودائع والوصايا التي كانت عنده إلى أصحابها من أعدائه كاملة غير منقوصة‪ ،‬وهذا من‬
‫أعظم العدل‪ ،‬وأداء األمانة (‪ ,)5‬وقد جاء في رواية‪ :‬أن رسول هللا × قال له‪ :‬نم في‬
‫فراشي‪ ،‬وتَسَجَّ ببردي هذا الخضري‪ ،‬فنم فيه‪ ،‬فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه‬
‫(‪)6‬‬
‫على على‬
‫منهم ‪ .‬وقال ابن حجر‪ ،‬وذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال‪ :‬فرقد ُّ‬
‫فراش رسول هللا يوارى عنه‪ ،‬وباتت قريش تختلف‪ ،‬وتأتمر‪ ،‬أيهم يهجم على صاحب‬
‫الفراش فيوثقه‪ ،‬حتى أصبحوا فإذا هم بعلى‪ ،‬فسألوه‪ ،‬فقال‪ :‬ال علم لي‪ ،‬فعلموا أنه قد فر (‪,)7‬‬
‫وعن ابن عباس‪ :‬إن عليًا قد شرى نفسه تلك الليلة حين لبس ثوب النبي‪ ،‬ثم نام مكانه (‪,)8‬‬
‫‪1‬‬
‫() الجهاد والقتال في السياسة الشرعية (‪.)1/421‬‬
‫‪2‬‬
‫() التحالف السياسي في اإلسالم‪ ،‬منير الغضبان‪ :‬ص(‪.)35‬‬
‫‪3‬‬
‫() التحالف السياسي في اإلسالم‪ :‬ص(‪.)64‬‬
‫‪4‬‬
‫() الحكمة في الدعوة إلى هللا للقحطاني‪ :‬ص(‪.)235‬‬
‫‪5‬‬
‫() الطبقات الكبرى (‪ ،)3/22‬تاريخ الخلفاء للسيوطي‪ :‬ص(‪.)166‬‬
‫‪6‬‬
‫() السيرة البن هشام (‪ ،)2/91‬فتح الباري (‪.)7/236‬‬
‫‪7‬‬
‫() فتح الباري (‪.)7/237‬‬
‫‪8‬‬
‫() فضائل الصحابة رقم (‪ )1168‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪32‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وفي على وإخوانه من الصحابة المجاهدين الذين يبتغون رضوان هللا والدار اآلخرة نزل‬
‫وف بِال ِْعب ِ‬ ‫َّاس من ي ْش ِري َن ْفسهُ ابْتِغَاء مر َ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اد" [البقرة‪:‬‬‫ضات اهلل َواهللُ َرءُ ٌ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫قوله تعالى‪َ + :‬وم َن الن ِ َ َ‬
‫‪.]207‬‬
‫وفي هذا الموقف دروس وعبر وفوائد منها‪:‬‬
‫‪ -1‬إن خطة الهجرة كما رسمها رسول هللا × كانت تتطلب أن يأخذ مكانه في البيت‬
‫رجل تشغل حركته داخل الدار أنظار المحاصرين لها من مشركي قريش‪ ،‬وتخدعهم‬
‫بعض الوقت عن مخرج رسول هللا ×‪ ،‬حتى يكون وصاحبه أبو بكر قد جاوزوا منطقة‬
‫الخطر (‪.)1‬‬
‫‪ -2‬في تلبية على رضي هللا عنه ألمر النبي × مثال للجندي الصادق‪ ،‬المخلص لدعوة‬
‫اإلسالم‪ ،‬حيث فدى قائده بحياته‪ ،‬ففي سالمة القائد سالمة الدعوة‪ ،‬وفي هالكه خذالنها‪،‬‬
‫ووهنها‪ ،‬فما فعله على رضي هللا عنه ليلة الهجرة من بياته على فراش الرسول × يعتبر‬
‫تضحية غالية‪ ،‬إذ كان من المحتمل أن تهوى سيوف فتيان قريش على رأس على رضي هللا‬
‫عنه‪ ،‬ولكن عليًا رضي هللا عنه لم يبال بذلك‪ ،‬فحسبه أن يسلم رسول هللا نبي األمة‪ ،‬وقائد‬
‫الدعوة (‪.)2‬‬
‫‪ -3‬في إيداع المشركين ودائعهمـ عند رسول هللا × مع محاربتهمـ له‪ ،‬وتصميمهمـ على قتله‪،‬‬
‫دليل باهر على تناقضهم العجيب الذي كانوا واقعين فيه‪ ،‬ففي الوقت الذي كانوا يكذبونه‪،‬ـ‬
‫ويزعمونـ أنه ساحر‪ ،‬أو مجنون‪ ،‬أو كذاب‪ ،‬لم يكونوا يجدون فيمن حولهم من هو خير منه‬
‫أمانة وصدقًا‪ ،‬فكانوا ال يضعون حوائجهم‪ ،‬وال أموالهم التي يخافونـ عليها إال عنده‪ ،‬وهذا يدل‬
‫على أن كفرانهم لم يكن بسبب الشك لديهم في صدقه‪ ،‬وإنما بسبب تكبرهم واستعالئهمـ على‬
‫الحق‪ ،‬الذي جاء به‪ ،‬وخوفًا على زعامتهمـ وطغيانهمـ ‪ ,‬وصدق هللا العظيم‪+ :‬قَ ْد َن ْعلَ ُم إِنَّهُ‬
‫(‪)3‬‬

‫ات ِ‬‫َك َّن الظَّالِ ِمين بِآي ِ‬


‫ك ول ِ‬ ‫لَيحزنُ َ َّ ِ‬
‫اهلل يَ ْج َح ُدو َن" [األنعام‪.]33:‬‬ ‫َ َ‬ ‫ك الذي َي ُقولُو َن فَِإ َّن ُه ْم الَ يُ َك ِّذبُونَ َ َ‬ ‫َ ُْ‬
‫‪ -4‬وفي أمر الرسول× لعلى‪ -‬رضي هللا عنه‪ -‬بتأدية هذه األمانات ألصحابها في‬
‫مكة‪ ،‬على الرغم من هذه الظروف الشديدة التي كان من المفروض أن يكتنفها‬
‫االضطراب‪ ،‬بحيث ال يتجه التفكير إال إلى إنجاح خطة هجرته فقط‪ ،‬على الرغم من ذلك‬
‫فإن الرسول × ما كان لينسى أو ينشغل عن رد األمانات إلى أهلها‪ ،‬حتى ولو كان في‬
‫أصعب الظروف التي تنسي اإلنسان نفسه فضالً عن غيره (‪ ،)4‬فقد أبى أن يخون من‬
‫ائتمنه ولو كان عد ًوا يحرض عليه‪ ،‬ويؤذيه؛ ألن خيانة األمانة من صفات المنافقين‪،‬‬
‫ويتنزه عنها المؤمنون (‪.)5‬‬
‫‪ -5‬هذا الحديث العظيم فيه داللة قاطعة على شجاعة على رضي هللا عنه‪ ،‬فإنه يعلم‬
‫وهو يقوم بتنفيذ ما أمر به أنه معرض لخطر عظيم‪ ،‬فقد يقتحمون عليه داره ويقتلونه دون‬
‫أن يتثبتوا من هويته‪ ،‬وقد يباغتونه وهو خارج في الصباح من غير أن يتبينوا من هو‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫() خلفاء الرسول‪ :‬ص(‪ ،)36‬العشرة المبشرون بالجنة محمد صالح‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() السيرة النبوية للسباعي‪ :‬ص(‪.)345‬‬
‫‪3‬‬
‫() فقه السيرة للبوطي‪ :‬ص(‪.)153‬‬
‫‪4‬‬
‫() الهجرة في القرآن الكريم‪ :‬ص(‪.)364‬‬
‫‪5‬‬
‫() جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين‪ :‬ص(‪.)423‬‬
‫‪33‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫والقوم يتربصون به طوال الليل يترقبون هذه اللحظة وقد بلغ منهم الجهد كل مبلغ‪،‬‬
‫فأصبحوا غير قادرين على التأكد من شخصية الخارج من الدار‪ ،‬أهو محمد × أم رجل‬
‫آخر؟ البد أن ذلك كله قد دار في عقل على لكنه بادر وسعد بالتنفيذ فهو أوالً‪ :‬يحب هللا‬
‫ورسوله حبًا ملك عليه قلبه‪ ،‬فجعل سالمة رسول هللا × هدفه األسمى ولو كلفه ذلك‬
‫التضحية بحياته‪ ،‬ثانيًا‪ :‬هي عملية البد منها لكي يخرج الرسول سال ًما من تدبير األعداء‬
‫حتى يتمكن من نشر اإلسالم في كل مكان‪ ،‬فاألمر إذن يتعلق بمصلحة اإلسالم أوالً‬
‫وثانيًا‪ ،‬وقد نام على رضي هللا عنه في فراش رسول هللا × مع كل هذه التوقعات‪ ،‬وهذا‬
‫دليل على عمق إيمانه بقضاء هللا وقدره‪ ،‬فهو بحق مؤمن بقوله تعالى‪+ :‬قُل لَّن يُّ ِ‬
‫ص َيبنَا إِال َما‬
‫َّ‬
‫اهلل َفلْيََت َو َّك ِل ال ُْم ْؤ ِمنُو َن" [التوبة‪ .]51:‬وإننا لنلمح في اختيار‬
‫َكتَب اهلل لَنَا ُهو موالَنَا و َعلَى ِ‬
‫َ ُ َ َْ َ‬
‫ً‬
‫رسول هللا × لعلى‪ -‬ليقوم بهذا الدور الخطير‪ -‬ثقة تامة ال تعدلها ثقة‪ ،‬واطمئنانا إلى قدرات‬
‫خاصة امتاز بها على قد ال تتوافر في غيره‪ ،‬فإنه لم يتردد حين دعاه الرسول × لينام على‬
‫فراشه‪ ،‬وهو يعلم أنه‬
‫ليس وراء ذلك إال الموت الذي أعد له المشركون أشجع فتيان قريش ولم يسمح لنفسه‬
‫أن يفكر في العاقبة؛ ألنه يعلم أنه حين يكون فداء لرسول هللا ينال بذلك شرفًا ال يناله‬
‫بغير هذا الطريق(‪.)1‬‬
‫تاسعًا‪ :‬هجرته‪:‬‬
‫لما أصبح على‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬قام عن فراشه‪ ،‬فعرفه القوم وتأكدوا من نجاة رسول‬
‫هللا ×‪ ،‬فقالوا لعلى‪ :‬أين صاحبك؟ قال‪ :‬ال أدري‪ ،‬أو رقيبًا كنت عليه؟ أمرتموه بالخروج‬
‫فخرج‪ .‬وضاق القوم بتلك اإلجابة الجريئة وغاظهم خروج رسول هللا من بين أظهرهم‪،‬‬
‫وقد عموا عنه فلم يروه‪ ،‬فانتهروا عليًا وضربوه‪ ،‬وأخذوه إلى المسجد فحبسوه هناك‬
‫ساعة‪ ،‬ثم تركوه (‪ ,)2‬وتحمل على ما نزل به في سبيل هللا‪ ،‬وكان فرحه بنجاة رسول هللا‬
‫أعظم عنده من كل أذى نزل به‪ ،‬ولم يضعف ولم يخبر عن مكان رسول هللا ×‪ ،‬وانطلق‬
‫على في مكة يجوب شوارعها باحثًا عن أصحاب الودائع التي خلفه رسول هللا من أجلها‪،‬‬
‫وردها إلى أصحابها‪ ،‬وظل يرد هذه األمانات حتى برئت منها ذمة رسول هللا ×‪ ،‬وهناك‬
‫تأهب للخروج ليلحق برسول هللا × بعد ثالث ليال قضاهن في مكة (‪.)3‬‬
‫وكان على في أثناء هجرته يكمن بالنهار فإذا جن عليه الليل سار حتى قدم المدينة‪،‬‬
‫وقد تفطرت قدماه (‪ ,)4‬وهكذا يكون على رضي هللا عنه‪ ،‬قد القى في هجرته من الشدة ما‬
‫القى‪ ،‬فلم تكن له راحلة يمتطيها‪ ،‬ولم يستطع السير في النهار لشدة حرارة الشمس وفي‬
‫مشي الليل ما فيه من الظلمة المفجعة والوحدة المفزعة‪ ،‬ولو أضفنا إلى ذلك أنه – رضي‬
‫هللا عنه – قد قطع الطريق على قدميه دون أن يكون معه رفيق يؤنسه‪ ،‬لعلمنا مقدار ما‬
‫تحمله من قسوة الطريق ووعثاء السفر ابتغاء مرضاة هللا – عز وجل – وأنه في نهاية‬
‫المطاف سيلحق برسول هللا ×‪ ،‬ويستمتع بجواره أمنًا مطمئنًا في المدينة‪ ،‬ولم يكد عل ّى‬
‫‪1‬‬
‫() المصدر السابق نفسه‪ :‬ص(‪.)426‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)2/374‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪ ،)2/382‬البداية والنهاية (‪ ،)7/335‬جولة تاريخية‪ :‬ص(‪.)424‬‬
‫‪4‬‬
‫() الكامل (‪.)2/106‬‬
‫‪34‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫يقطع الطريق ويصل إلى المدينة حتى نزل في بنى عمرو بن عوف على كلثوم بن الهدم‪،‬‬
‫حيث كان ينزل رسول هللا × (‪ ,)1‬وهكذا كانت هجرة أمير المؤمنين على بن أبى طالب –‬
‫رضي هللا عنه – تضحية وفداء وتحمالً وشجاعة وإقدا ًما‪.‬‬
‫وقد الحظ سيدنا على مدة إقامته بقباء امرأة مسلمة ال زوج لها‪ ،‬ورأى إنسانًا يأتيها‬
‫من جوف الليل‪ ،‬فيضرب عليها بابها‪ ،‬فتخرج إليه‪ ،‬فيعطيها شيئًا معه‪ ،‬فتأخذه‪ ،‬ولنستمع‬
‫إليه رضي هللا عنه وهو يحدثنا بالقصة حيث قال‪ :‬فاستربت بشأنه‪ ،‬فقلت لها‪ :‬يا أمة هللا‪،‬‬
‫من هذا الذي يضرب عليك بابك كل ليلة فتخرجين إليه‪ ،‬فيعطيك شيئًا ال أدري ما هو؟‬
‫وأنت امرأة مسلمة‪ ،‬ال زوج لك؟ قالت‪ :‬هذا سهل بن حنيف بن وهب‪ ،‬قد عرف أني امرأة‬
‫ال أحد لي‪ ،‬فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها‪ ،‬ثم جاءني بها فقال‪ :‬احتطبي بهذا‪,‬‬
‫فكان على رضي هللا يؤثر ذلك من أمر سهل بن حنيف حتى هلك عنده بالعراق‬
‫(‪.)2‬ونالحظ صفة النباهة واليقظة التي البد للمسلم أن يتحلى بها وال يكون غافالً عما يدور‬
‫حوله‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫() الطبقات الكبرى (‪ ،)3/22‬السيرة البن هشام (‪ ،)2/129‬ذكره ابن إسحاق بدون إسناده جولة تاريخية‪:‬‬
‫(‪.)425‬‬
‫‪2‬‬
‫() محمد رسول هللا‪ ،‬صادق عرجون (‪.)2/421‬‬
‫‪35‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫المبحث الثالث‬
‫معايشة أمير المؤمنين على للقرآن الكريم‬
‫وأثرها عليه في حياته‬
‫أوالً‪ :‬تصوره عن هللا والكون والحياة والجنة والنار والقضاء والقدر‪:‬‬
‫كان المنهج التربوي الذي تربي عليه على بن أبى طالب رضي هللا عنه هو نفسه‬
‫الذي خضع له كل الخلفاء الراشدين‪ ،‬والصحابة الكرام‪ ،‬فقد تربوا على القرآن الكريم‪،‬‬
‫وكان المربي سيد الخلق أجمعين محمدًا ×‪ ،‬فقد حرص الحبيب المصطفى على توحيد‬
‫مصدر التلقى وتفرده‪ ،‬وأن يكون القرآن الكريم وحده هو المنهج‪ ،‬مع ما يوحي إليه‬
‫المولي عز وجل من الحكمة‪ ،‬ولقد تربي الفرد المسلم‪ ،‬واألسرة المسلمة‪ ،‬والجماعة‬
‫المسلمة على العقائد والعبادات والمعامالت واألخالق التي جاءت في كتاب هللا وسنة‬
‫رسوله ×‪ ،‬ولقد كانت لآليات الكريمة التي سمعها على من رسول هللا مباشرة أثرها في‬
‫صياغة شخصيته اإلسالمية‪ ،‬فقد طهرت قلبه‪ ،‬وزكت نفسه‪ ،‬ونورت عقله‪ ،‬وتفاعلت معها‬
‫روحه‪ ،‬فتحول إلى إنسان جديد بقيمه ومشاعره وأهدافه وسلوكه وتطلعاته (‪.)1‬‬
‫فقد عرف على رضي هللا عنه من خالل القرآن الكريم والتربية النبوية الراشدة من‬
‫هو اإللة الذي يجب أن يعبده‪ ،‬وكان النبي × يغرس في نفسه معاني تلك اآليات العظيمة‪،‬‬
‫فقد حرص × أن يربي أصحابه على التصور الصحيح عن ربهم وعن حقه عليهم‪ ،‬مدر ًكا‬
‫أن هذا التصور سيورث التصديق واليقين عندما تصفي النفوس‪ ،‬وتستقيم الفطرة‪،‬‬
‫فأصبحت نظرة على رضي هللا عنه إلى هللا والكون والحياة والنار‪ ،‬والقضاء والقدر‪،‬‬
‫وحقيقة اإلنسان‪ ،‬وصراعه مع الشيطان مستمدة من القرآن الكريم وهدى النبي ×‪.‬‬
‫فاهلل سبحانه وتعالى منزه عن النقائص‪ ،‬موصوفـ بالكماالت التي ال تتناهى‪ ،‬فهو‬
‫«واحد لا شريك له ولم يتخذ صاحبة ولا ولدًا»‪.‬‬
‫السماو ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ات‬ ‫ومدبره‪ + :‬إِ َّن َربَّ ُك ُم اهللُ ِالذي َخلَ َق َّ َ َ‬ ‫ِ‬
‫وأنه سبحانه خالق كل شيء ومالكه‬
‫واألَر ِ ِ ِ‬
‫س َوالْ َق َم َر‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫اسَت َوى َعلَى ال َْع ْر ِ‬ ‫ض في ستَّة أَيَّ ٍام ثُ َّم ْ‬
‫َّه َار يَطْلُبُهُ َحثيثًا َوالش ْم َ‬
‫ش ُيغْشي الل ْي َل الن َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ين" [األعراف‪.]54 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َّرات بأ َْم ِره أَالَ لَهُ الْ َخل ُ‬
‫ب ال َْعالَم َ‬ ‫األم ُر َتبَ َار َك اهللُ َر ُّ‬
‫ْق َو ْ‬ ‫وم ُم َسخ َ‬
‫ُّج َ‬
‫َوالن ُ‬
‫وأنه تعالى مصدر كل نعمة في هذا الوجود‪ ،‬دقت أو عظمت‪ ،‬ظهرت أو خفيت‪َ + ،‬ما‬
‫س ُك ُم الض ُُّّر فَِإل َْي ِه تَ ْجأ َُرو َن" [النحل‪.]53:‬‬ ‫بِ ُكم ِّمن ِّن ْعم ٍة فَ ِمن ِ‬
‫اهلل ثُ َّم إِذَا َم َّ‬ ‫َ َ‬
‫وأن علمه محيط بكل شيء‪ ،‬فال تخفي عليه خافية في األرض وال في السماء‪ ،‬وال ما‬
‫يخفي اإلنسان وما يعلن‪ ،‬وأنه سبحانه يقيد على اإلنسان أعماله بواسطة مالئكته‪ ،‬في‬
‫كتاب ال يترك كبيرة وال صغيرة إال أحصاها‪ ،‬وسينشر ذلك في اللحظة المناسبة والوقت‬
‫يب َعتِي ٌد" [ق‪.]18:‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫المناسب ‪+‬ما يل ِْف ُ ِ‬
‫ظ من َق ْو ٍل إِالَّ لَ َديْه َرق ٌ‬ ‫َ َ‬
‫وأنه سبحانه يبتلي عباده بأمور تخالف ما يحبون وما يهوون ليعرف الناس معادنهم‪،‬‬
‫ومن منهم يرضى بقضاء هللا وقدره‪ ،‬ويسلم له ظاهرًا وباطنًا‪ ،‬فيكون جديرًا بالخالفة‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫واإلمامة والسيادة‪ ،‬ومن منهم يغضب ويسخط فال يساوى شيئًا‪ ،‬وال يُسند إليه شيء ‪+‬الذي‬
‫ت وال ِ‬
‫َح َس ُن َع َمالً َو ُه َو ال َْع ِز ُيز الْغَ ُف ُ‬
‫ور" [الملك‪.]2:‬‬ ‫ْحيَا َة ليَْبلُ َو ُك ْم أَيُّ ُك ْم أ ْ‬
‫َخلَ َق ال َْم ْو َ َ َ‬
‫‪1‬‬
‫() السيرة النبوية للصَّالبي (‪.)1/145‬‬
‫‪36‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وأنه سبحانه يوفق ويؤيد وينصر من لجأ إليه والذ بحماه ونزل على حكمة في كل ما‬
‫ْكتَاب وهو يَتولَّى َّ ِ ِ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين" [األعراف‪ ،]196 :‬وأنه‬ ‫الصالح َ‬ ‫يأتي وما يذر‪+ :‬إِ َّن َوليَّ َي اهللُ الذي َن َّز َل ال َ َ ُ َ َ َ‬
‫سبحانه وتعالى حقه على العباد أن يعبدوه ويوحدوه وال يشركوا به شيئًا ‪+‬بَ ِل اهللَ فَا ْعبُ ْد‬
‫و ُكن ِّمن َّ ِ‬
‫ين" [الزمر‪.]66 :‬‬ ‫الشاك ِر َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وأنه وحده المستحق للعبادة وهذا حق هللا على العباد‪ ،‬كما قال تعلى‪ + :‬إِ َّن اهللَ الَ َي ْغ ِف ُر‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫أَن ي ْشر َك بِ ِه ويغْ ِفر ما ُدو َن ذَلِ َ ِ‬
‫يما" [النساء‪.]48 :‬‬ ‫ك ل َمن يَّ َشاءُ َو َمن يُّ ْش ِر ْك باهلل َف َقد ا ْفَت َرى إِثْ ًما َعظ ً‬ ‫ََ ُ َ‬ ‫ُ َ‬
‫وأنه سبحانه حدد مضمون هذه العبودية‪ ،‬وهذا التوحيد في القرآن الكريم (‪.)1‬‬
‫وأما نظرته للكون فقد استمدها من قول هللا تعالى‪+ :‬قُ ْل أَئنَّ ُك ْم لَتَ ْك ُف ُرو َن بِالَّ ِذي َخلَ َق‬
‫اس َي ِمن َف ْوقِ َها َوبَ َار َك فِ َيها‬ ‫ب الْعال َِمين ‪ ‬وجعل ِفيها رو ِ‬
‫ك َر ُّ َ َ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫ادا ذَلِ َ‬
‫ض فِي َي ْو َم ْي ِن َوتَ ْج َعلُو َن لَهُ أَن َد ً‬ ‫األ َْر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اسَت َوى إِلَى َّ‬ ‫ِ‬‫ِ‬ ‫اء لِّ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال ل ََها‬
‫الس َماء َوه َي ُد َخا ٌن َف َق َ‬ ‫ين ‪ ‬ثُ َّم ْ‬
‫لسائل َ‬ ‫َّر ف َيها أَق َْوا َت َها في أ َْر َب َعة أَيَّ ٍام َس َو ً‬
‫َوقَد َ‬
‫ات ِفي َي ْو َم ْي ِن َوأ َْو َحى فِي ُك ِّل‬ ‫اه َّن س ْبع سماو ٍ‬ ‫ِِ‬ ‫ولِألَر ِ ِ‬
‫ض ُ َ َ ََ َ‬ ‫ين ‪َ ‬ف َق َ‬‫ض ائْتيَا طَ ْو ًعا أ َْو َك ْر ًها قَالَتَا أََت ْينَا طَائع َ‬ ‫َ ْ‬
‫يم" [فصلت‪.]12 -9 :‬‬ ‫ك َت ْق ِد ُير ال َْع ِزي ِز ال َْعلِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫ذ‬ ‫ا‬ ‫ظ‬ ‫ف‬ ‫ح‬‫ِ‬ ‫و‬ ‫يح‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫ا‬ ‫ص‬ ‫م‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫ا‬ ‫ي‬‫ن‬ ‫ُّ‬
‫الد‬ ‫اء‬ ‫م‬ ‫الس‬ ‫َّا‬
‫ن‬ ‫ي‬ ‫ز‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ََ َ َ َ ََ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َس َم ْ َ َ َ َ‬
‫و‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ر‬‫َم‬‫أ‬ ‫اء‬
‫وأما هذه الحياة فمهما طالت فهي إلى زوال‪ ،‬وأن متاعها مهما عظم فإنه قليل حقير‪،‬‬
‫َصبَ َح‬‫ض فَأ ْ‬ ‫ات األ َْر ِ‬ ‫الس َم ِاء فَا ْخَتلَ َ‬
‫ط بِ ِه َنبَ ُ‬ ‫الد ْنيَا َك َم ٍاء أَْن َزلْنَاهُ ِم َن َّ‬‫ْحيَ ِاة ُّ‬‫ب ل َُهم َّمثَ َل ال َ‬ ‫ض ِر ْ‬
‫قال تعالى‪+:‬ا ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ات‬
‫الد ْنيَا َوالْبَاقيَ ُ‬‫ْحيَاة ُّ‬ ‫ال َوالَْبنُو َن ِزينَةُ ال َ‬ ‫ياح َو َكا َن اهللُ َعلَى ُك ِّل َش ْيء ُّم ْقتَد ًرا ‪ ‬ال َْم ُ‬ ‫الر ُ‬ ‫ْروهُ ِّ‬ ‫يما تَذ ُ‬
‫َهش ً‬
‫ك َث َوابًا َو َخ ْي ٌر أ ََمالً" [الكهف‪ ،]46 ،45 :‬فعرَّف هللا تعالى اإلنسان المسلم‬ ‫ات َخ ْي ٌر ِع ْن َد َربِّ َ‬‫الصالِ َح ُ‬
‫َّ‬
‫حقيقة الحياة‪ ،‬وأنها ليست دار كرامة‪ ،‬وأن اآلخرة خير وأبقى‪ ،‬وهى تهدي من تمكن حب‬
‫هللا ورسوله من قلبه على أن يقدم رضا هللا ورسوله على ما سواه‪ ،‬ولو كان الثمن الدنيا‬
‫وما فيها‪ .‬وقد عبر عن هذه الحقيقة أمير المؤمنين على عندما قال‪« :‬يا دنيا ُغرّى غيري‪،‬‬
‫إل َّى تعرضت أم إل َّى تشوقت‪ ،‬هيهات هيهات‪ ،‬قد باينتك ثالثًا ال رجعة فيها‪ ،‬فعمرك‬
‫قصير‪ ،‬وخطرك قليل‪ ،‬أه من قلة الزاد‪ ،‬وبعد السفر‪ ،‬ووحشة الطريق (‪» )2‬‬
‫وأما نظرته إلى الجنة فقد استمدها من خالل اآليات الكريمة التي وصفتها فأصبح‬
‫اه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ضِ‬ ‫وب ُه ْم َع ِن ال َْم َ‬
‫اج ِع يَ ْدعُو َن َر َّب ُه ْم َخ ْوفًا َوطَ َم ًعا َوم َّما َر َزقْنَ ُ‬ ‫حاله ممن قال هللا فيهم ‪َ +‬تتَ َجافَى ُجنُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اء ب َما َكانُوا َي ْع َملُو َن" [السجدة‪.]17 ،16 :‬‬ ‫س َّما أُ ْخف َي ل َُهم ِّمن ُق َّرة أَ ْعيُ ٍن َج َز ً‬
‫ُي ْنف ُقو َن ‪ ‬فَالَ َت ْعلَ ُم َن ْف ٌ‬
‫وأما تصوره للنار فقد استمده من القرآن الكريم‪ ،‬فأصبح هذا التصور رادعًا له في‬
‫حياته عن أي انحراف عن شريعة هللا‪ ،‬فيرى المتتبع لسيرة أمير المؤمنين على رضي هللا‬
‫عنه عمق استيعابه لفقه القدوم على هللا عز وجل‪ ،‬وشده خوفه من عذاب هللا وعقابه‪،‬‬
‫وسيتضح كثير من هذه المعالم في هذا الكتاب بإذن هللا تعالى‪.‬‬
‫وأما مفهوم القضاء والقدر فقد استمده من كتاب هللا وتعليم رسول هللا ×‪ ،‬فقد رسخ‬
‫مفهوم القضاء والقدر في قلبه‪ ،‬واستوعب مراتبه من كتاب هللا تعالى‪ ،‬فكان على يقين بأن‬
‫آن َوالَ َت ْع َملُو َن ِم ْن َع َم ٍل إِالَّ‬
‫ْن وما َتْتلُو ِم ْنهُ ِمن ُقر ٍ‬
‫ْ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫علم هللا محيط بكل شيء ‪َ +‬و َما تَ ُكو ُن في َشأ َ َ‬
‫‪1‬‬
‫() منهج الرسول في غرس الروح الجهادية‪.)16-10( :‬‬
‫‪2‬‬
‫() االستيعاب (‪.)3/1108‬‬
‫‪37‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬

‫الس َم ِاء َوالَ‬ ‫ك ِمن ِّم ْث َق ِ‬


‫ال ذَ َّر ٍة فِي األ َْر ِ‬
‫ض َوالَ فِي َّ‬ ‫ب َعن َّربِّ َ‬ ‫ودا إِ ْذ تُِفي ُ ِ ِ‬
‫ضو َن فيه َو َما َي ْع ُز ُ‬ ‫ُكنَّا َعلَْي ُك ْم ُش ُه ً‬
‫اب ُّمبِي ٍن" [يونس‪ ،]61:‬وأن هللا قد كتب كل شيء كائن ‪ +‬إِنَّا‬ ‫ك َوالَ أَ ْكَبر إِالَّ فِي كتَ ٍ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َصغَ َر ِمن َذلِ َ‬‫أْ‬
‫ص ْينَاهُ فِي إِ َم ٍام ُّمبِي ٍن" [يس‪.]12:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َح َ‬ ‫َّموا َوآثَ َار ُه ْم َو ُك َّل َش ْيء أ ْ‬‫ب َما قَد ُ‬
‫نَ ْح ُن نُ ْحيي ال َْم ْوتَى َونَكْتُ ُ‬
‫ات َوالَ ِفي‬ ‫السماو ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫نافذة وقدرته تامة ‪َ +‬و َما َكا َن اهللُ لُي ْعج َزهُ من َش ْي ِء في َّ َ َ‬ ‫وأن مشيئة هللا‬
‫ِ‬
‫يما قَ ِد ًيرا" [فاطر‪ ،]44:‬وأن هللا خالق كل شيء ‪َ +‬ذل ُك ُم اهللُ َربُّ ُك ْم الَ إِلَهَ إِالَّ ُه َو‬ ‫ض إِنَّهُ َكا َن َعل ً‬ ‫األ َْر ِ‬
‫يل" [األنعام‪.]102:‬‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َخال ُق ُك ِّل َش ْيء فَا ْعبُ ُدوهُ َو ُه َو َعلَى ُك ِّل َش ْيء َوك ٌ‬
‫وقد ترتب على الفهم الصحيح واالعتقاد الراسخ في قلبه لحقيقة القضاء والقدر‪ ،‬ثمار‬
‫نافعة ومفيدة‪ ،‬ظهرت في حياته‪ ،‬وسنراها بإذن هللا تعالى في هذا الكتاب‪ ،‬وعرف من‬
‫خالل القرآن الكريم حقيقة نفسه وبنى اإلنسان‪ ،‬وأن حقيقة اإلنسان ترجع إلى أصلين‪:‬‬
‫األصل البعيد وهو الخلقة األولى من طين‪ ،‬حين سواه ونفخ فيه الروح‪ ،‬واألصلـ القريب‬
‫ان ِمن ِطي ٍ‬ ‫ْق ا ِإلنْس ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ن‪‬‬
‫َح َس َن ُك َّل َش ْيء َخلَ َقهُ َوبَ َدأَ َخل َ َ‬ ‫وهو خلقه من نطفة ‪ ،‬فقال تعالى‪+ :‬الَّذي أ ْ‬
‫(‪)1‬‬

‫ص َار‬ ‫وح ِه َو َج َع َل لَ ُك ُم َّ‬ ‫ثُ َّم جعل نَسلَه ِمن سالَل ٍَة ِّمن َّم ٍاء َّم ِهي ٍن ‪ ‬ثُ َّم س َّواه و َن َف َخ فِ ِيه ِمن ُّر ِ‬
‫الس ْم َع َواألَبْ َ‬ ‫َ َُ‬ ‫ََ َ ْ ُ ُ‬
‫َواألَفْئِ َد َة قَلِيالً َّما تَ ْش ُك ُرو َن" [السجدة‪ ،]9 -7 :‬وعرف أن هذا اإلنسان خلقه هللا بيده‪ ،‬وأكرمه‬
‫بالصورة الحسنة والقامة المعتدلة‪ ،‬ومنحه العقل والنطق والتمييز‪ ،‬وسخر هللا له ما في‬
‫السماء واألرض‪ ،‬وفضله على كثير من خلقه‪ ،‬وكرمه بإرسال الرسل له‪ ،‬وأن من أروع‬
‫مظاهر تكريم المولى عز وجل سبحانه لإلنسان أن جعله أهالً لحبه ورضائه ويكون ذلك‬
‫باتباع النبي × الذي دعا الناس إلى اإلسالم لكي يحيوا حياة طيبة في الدنيا ويظفروا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بالنعيم المقيم في اآلخرة‪ ،‬قال تعالى‪ + :‬من َع ِمل ِ‬
‫صال ًحا ِّمن ذَ َك ٍر أ َْو أُْنثَى َو ُه َو ُم ْؤم ٌن َفلَنُ ْحيَينَّهُ‬‫َْ َ َ‬
‫َح َس ِن َما َكانُوا َي ْع َملُو َن" [النحل‪.]97:‬‬ ‫َج َر ُهم بِأ ْ‬ ‫َحيَا ًة طَيِّبَةً َولَنَ ْج ِز َين ُ‬
‫َّه ْم أ ْ‬
‫وعرف أمير المؤمنين على رضي هللا عنه حقيقة الصراع بين اإلنسان والشيطان‪،‬‬
‫وأن هذا العدو يأتي لإلنسان من بين يديه ومن خلفه‪ ،‬وعن يمينه وعن شماله‪ ،‬يوسوس له‬
‫بالمعصية‪ ،‬يستثير فيه كوامن الشهوات‪ ،‬فكان مستعينًا باهلل على عدوه إبليس منتصرًا‬
‫عليه في حياته‪ ،‬كما سنرى في سيرته‪ ،‬وتعلم من قصة آدم مع الشيطان في القرآن الكريم‪،‬‬
‫أن آدم هو أصل البشر‪ ،‬وأن جوهر اإلسالم الطاعة المطلقة هلل‪ ،‬وأن اإلنسان له قابلية‬
‫للوقوع في الخطيئة‪ ،‬وتعلم من خطيئة آدم ضرورة توكل المسلم على ربه‪ ،‬وأهمية التوبة‬
‫واالستغفار في حياة المؤمن‪ ،‬وضرورة االحتراز من الحسد والكبر وتقديم مرضاة هللا‬
‫سبحانه وتعالى على كل ما سواه‪ ،‬وأهمية التخاطب بأحسن الكالم مع إخوانه من‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الش ْيطَا َن يَ َنزغُ َب ْيَن ُه ْم إِ َّن َّ‬
‫الش ْيطَا َن‬ ‫َح َس ُن إِ َّن َّ‬‫الصحابة‪ ،‬قال تعالى‪َ + :‬وقُل لِّعبَادي َي ُقولُوا الَّتِي ه َي أ ْ‬
‫ان َع ُد ًّوا ُّمبِينًا" [اإلسراء‪ .]53 :‬وسار على منهج رسول هللا في تزكية أصحابه‬ ‫َكا َن لِ ِإلنْس ِ‬
‫َ‬
‫ألرواحهم‪ ،‬وتطهير قلوبهم بأنواع العبادات‪ ،‬وتربيتهم على التخلق بأخالق القرآن الكريم‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬مكانة القرآن الكريم عنده‪:‬‬
‫عاش أمير المؤمنين على رضي هللا عنه حياته مع القرآن تالوة وحفظًا وفه ًما وعمالً‪،‬‬
‫وكان يقول‪ « :‬من قرأ القرآن فمات فدخل النار فهو ممن كان يتخذ آيات هللا هز ًوا» (‪ )2‬وكان‬

‫‪1‬‬
‫() أصول التربية للنحالوى‪ :‬ص(‪.)31‬‬
‫‪2‬‬
‫() المستطرف (‪ ،)1/29‬فرائد الكالم‪ :‬ص(‪.)375‬‬
‫‪38‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫يقول‪« :‬طوبي لهؤالء كانوا أحب الناس إلى رسول هللا ×»(‪ ،)1‬وكان يقول‪« :‬ما كنت أرى‬
‫أحدًا يعقل ينام قبل أن يقرأ اآليات الثالث اآلواخر من سورة البقرة» (‪ ,)2‬أي أهل القرآن وقال‬
‫يصف القرآن الكريم ويبين عظيم قدره‪« :‬كتاب هللا فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم‬
‫مما بينكم‪ ،‬هو الفصل ليس بالهزل‪ ،‬من تركه من جبار قصمه هللا‪ ،‬ومن ابتغى الهدى في‬
‫غيره أضله هللا‪ ،‬وهو الحبل المتين وهو الذكر الحكيم‪ ،‬وهو الصراط المستقيم‪ ،‬وهو الذي ال‬
‫تزيغ به األهواء وال تلتبس به األلسن‪ ،‬وال تنقضي عجائبه‪ ،‬وال يشبع منه العلماء‪ ،‬من قال به‬
‫صدق‪ ،‬ومن عمل به أجر‪ ،‬ومن حكم به عدل‪ ،‬ومن دعا إليه هُدى إلى صراط مستقيم»(‪.)3‬‬
‫ولشدة اهتمام أمير المؤمنين على بالقرآن حصل على علم كبير به وبعلومه‪ ،‬فقد‬
‫روى عنه أنه قال‪« :‬وهللا ما نزلت آية إال وقد علمت فيم نزلت‪ ،‬وأين نزلت‪ ،‬وعلى من‬
‫نزلت‪ ،‬إن ربي وهب لي قلبًا عقوالًـ ولسانًا صادقًا ناطقًا»(‪ ,)4‬وقد قال رضي هللا عنه‪:‬‬
‫«سلوني عن كتاب هللا‪ ،‬فإنه ليس من آية إال وقد عرفت بليل نزلت أم نهار‪ ،‬وفي سهل أم‬
‫في جبل» (‪ ،)5‬ويرى ابن عبد البر أن عليًا رضي هللا عنه كان ممن جمع القرآن الكريم‬
‫على عهد رسول هللا وهو حى (‪ ،)6‬وقد قال في آخر عهده‪« :‬سلوني قبل أن تفقدوني»(‪.)7‬‬
‫وكان ذلك عندما مات أكثر علماء الصحابة‪ ،‬وكان رضي هللا عنه بالعراق‪ ،‬فكان من‬
‫حرصه على تعليم الناس القرآن الكريم والهدى النبوي الشريف في قوم كثر فيهم الجهل‬
‫وال يعرفون الكثير من أحكام الدين‪ ،‬فكان رضي هللا عنه يحرص على تعليمهم وإرشادهم‬
‫للحق‪ ،‬فقد كان أعلم أهل زمانه‪ ،‬وهذا نموذج للعالم الرباني الذي يحرص على تعليم الناس‬
‫الخير وتربيتهم عليه‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬ما نزل فيه من القرآن الكريم‪:‬‬
‫كان القرآن الكريم ينزل على رسول هللا يعالج أحداثًا واقعية حصلت في المجتمع‬
‫النبوي الكريم‪ ،‬فيثنى على عمل ما‪ ،‬ويشيد بأقوام‪ ،‬ويحذر من آخرين‪ ،‬وينبه على بعض‬
‫األخطاء‪ ،‬وقد نزلت بعض اآليات التي خلدت بعض المآثر ألمير المؤمنين وبعض‬
‫الصحابة رضي هللا عنهم أجمعين‪.‬‬
‫اب ِّمن‬‫ت ل َُهم ثِي ٌ‬ ‫ص ُموا فِي َربِّ ِه ْم فَالَّ ِذين َك َفروا قُطِّ َع ْ‬ ‫ان َخ ْ ِ‬
‫ص َمان ا ْختَ َ‬
‫‪ -1‬منها قول تعالى‪َ + :‬ه َذ ِ‬
‫ودَ ‪ ‬وُلَهم َّم َق ِامع ِمنْ حَ ِديدٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وس ِهم ال ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نَّا ٍر يص ُّ ِ‬
‫ُ ْ َ‬ ‫ْجلُ ُ َ ُ‬ ‫ص َه ُر به َما في بُطُون ِه ْم َوال ُ‬ ‫يم ‪ ‬يُ ْ‬‫ْحم ُ‬ ‫ب من َف ْوق ُر ُؤ ُ َ‬ ‫َُ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آمنُوا‬‫ين َ‬ ‫َّ‬
‫ْحريق ‪ ‬إن اهللَ يُ ْدخ ُل الذ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب ال َ‬ ‫‪ُ ‬كلَّ َما أ ََر ُ‬
‫ادوا أَن يَ ْخ ُر ُجوا م ْن َها م ْن غَ ٍّم أُعي ُدوا ف َيها َوذُوقُوا َع َذ َ‬
‫ِ‬ ‫َسا ِو َر ِمن ذَ َه ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫و َع ِملُوا َّ ِ ِ‬
‫اس ُه ْم‬
‫ب َول ُْؤل ًُؤا َولبَ ُ‬ ‫ار يُ َحلَّ ْو َن ف َيها م ْن أ َ‬
‫الصال َحات َجنَّات تَ ْج ِري من تَ ْحت َها األ ْن َه ُ‬ ‫َ‬
‫فِ َيها َح ِر ٌير" [الحج‪.]23 -19 :‬‬
‫‪1‬‬
‫() التبيان في آداب حملة القرآن‪ :‬ص(‪ ،)46‬فرائد الكالم‪ :‬ص(‪.)390‬‬
‫‪2‬‬
‫() التبيان في آداب حملة القرآن‪ :‬ص(‪ ،)66‬فرائد الكالم‪ :‬ص(‪.)387‬‬
‫‪3‬‬
‫() فضائل القرآن البن كثير‪:‬ص (‪ )15‬موقوف على أمير المؤمنين عل ّى‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() الطبقات البن سعد (‪ ،)2/338‬تاريخ الخلفاء للسيوطي‪ :‬ص(‪.)152‬‬
‫‪5‬‬
‫() الصواعق المحرقة (‪ ،)2/375‬الطبقات (‪.)2/338‬‬
‫‪6‬‬
‫() االستيعاب (‪ )3/1130‬وجمع القرآن الكريم أي حفظه عن ظهر قلب‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)58 ،8/57‬‬
‫‪39‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫روى البخاري بسنده عن على بن أبى طالب أنه قال‪« :‬أنا أول من يجثو بين يدى‬
‫ص ُموا‬ ‫ان َخ ْ ِ‬
‫الرحمن للخصومة يوم القيامة»‪ ،‬وقال قيس بن عبادة‪ :‬فيهم نزلت ‪َ +‬ه َذ ِ‬
‫ص َمان ا ْختَ َ‬
‫فِي َربِّ ِه ْم" قال‪ :‬هم الذين تبارزا يوم بدر‪ ،‬حمزة وعلى وأبو عبيدة بن الحارث وشيبة بن‬
‫ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة (‪.)1‬‬
‫اء َك ِم َن‬ ‫اج َ ِ ِ ِ ِ‬
‫ك فيه من َب ْعد َما َج َ‬ ‫‪ -2‬وهو أحد من نزل فيهم قول هللا تعالى‪ + :‬فَ َم ْن َح َّ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‬‫اء ُك ْم َوأَْن ُف َسنَا وأَ ْن ُف َس ُك ْم ثُ َّم َن ْبتَه ْل َفنَ ْج َعل ل ْعنَ َ‬
‫اءنَا َون َس َ‬
‫اء ُك ْم َون َس َ‬ ‫الْعل ِْم َف ُق ْل َت َعال َْوا نَ ْدعُ أ َْبنَ َ‬
‫اءنَا َوأ َْبنَ َ‬
‫ين" [آل عمران‪:‬ـ ‪ .]61‬وذلك في وفد نجران حينما جادلهم النبي × في عيسى‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل َعلَى الْ َكاذب َ‬
‫ابن مريم‪ ،‬وأنه عبد هللا ورسوله‪ ،‬وكلمته ألقاها إلى أمه الطاهرة‪ ،‬فأجابته‪ ،‬وكذبهم في أنه‬
‫هللا أو ابن هللا أو ثالث ثالثة‪ ،‬ودعاهم إلى اإلسالم‪ ،‬فأبوها فدعاهم إلى المباهلة‪ ،‬فعن عامر‬
‫اء ُك ْم" دعا رسول هللا‬ ‫اءنَا َوأ َْبنَ َ‬
‫بن سعد بن أبي وقاص قال‪ :‬ولما نزلت‪َ + :‬ف ُق ْل َت َعال َْوا نَ ْدعُ أ َْبنَ َ‬
‫عليًا‪ ،‬وفاطمة‪ ،‬وحسنًا وحسينًا رضي هللا عنهم فقال‪ :‬اللهم هؤلاء أهلي ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫‪ -3‬مواقفة القرآن له في كون الجهاد أفضل من عمارة المسجد الحرام‪:‬ففي‬


‫الصحيح أن رجالً قال‪ :‬ال أبالي أال أعمل عمالً بعد اإلسالم إال أن أعمر المسجد الحرام‪ ،‬فقال‬
‫على بن أبى طالب‪« :‬الجهاد في سبيل هللا أفضل من هذا كله»‪ ،‬فقال عمر بن الخطاب «ال‬
‫ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول هللا ×‪ ،‬ولكن إذا قضيت الصالة سألته عن ذلك‪ ،‬فسأله‪،‬‬
‫اهلل َوالَْي ْوِم اآل َِخ ِر‬ ‫اج و ِعمارةَ الْمس ِج ِد الْحر ِام َكمن آمن بِ ِ‬
‫ََ َ ْ َ َ‬ ‫ْح ِّ َ َ َ َ ْ‬
‫ِ‬
‫َج َعلْتُ ْم س َقايَةَ ال َ‬
‫فأنزل هللا هذه اآلية‪ + :‬أ َ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وج َاه َد ِفي سبِ ِ ِ‬
‫اج ُروا َو َج َاه ُدوا‬ ‫آمنُوا َو َه َ‬ ‫ين َ‬ ‫ين ‪ ‬الذ َ‬ ‫يل اهلل الَ يَ ْسَت ُوو َن ع ْن َد اهلل َواهللُ الَ َي ْهدي الْ َق ْو َم الظَّالم َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فِي َسب ِ‬
‫ِ‬
‫ك ُه ُم الْ َفائ ُزو َن ‪ُ ‬يبَ ِّش ُر ُه ْم َر ُّب ُه ْم ب َر ْح َمة ِّم ْنهُ‬
‫يل اهلل بأ َْم َواله ْم َوأَْن ُفسه ْم أَ ْعظَ ُم َد َر َجةً ع ْن َد اهلل َوأُولَئ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّات لَّهم فِيها نَ ِعيم ُّم ِقيم ‪َ ‬خالِ ِد ِ‬‫ٍ‬ ‫و ِر ْ ٍ‬
‫يم" [التوبة‪ .]22-19 :‬فبين‬ ‫َج ٌر َعظ ٌ‬ ‫ين ف َيها أَبَ ًدا إِ َّن اهللَ ع ْن َدهُ أ ْ‬
‫َ‬ ‫ض َوان َو َجن ُ ْ َ ٌ ٌ‬ ‫َ‬
‫لهم أن اإليمان والجهاد أفضل من عمارة المسجد الحرام والحج والطواف ومن اإلحسان إلى‬
‫الحجاج (‪.)3‬‬
‫‪ -4‬شفقته على أمة محمد ×‪ :‬عن على رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬لما نزلت هذه اآلية‪:‬‬
‫َّ ِ‬
‫ص َدقَةً" [المجادلة‪ ]12:‬قال النبي‬ ‫ِّموا َب ْي َن يَ َد ْي نَ ْج َوا ُك ْم َ‬
‫ول َف َقد ُ‬ ‫الر ُس َ‬ ‫آمنُوا إِ َذا نَ َ‬
‫اج ْيتُ ُم َّ‬ ‫ين َ‬ ‫‪+‬يَا أ َُّي َها الذ َ‬
‫× لعلى‪ :‬مرهم أن يتصدقوا‪ ،‬قال‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬بكم؟ قال‪ :‬بدينار‪ ،‬قال‪ :‬ال يطيقونه‪.‬‬
‫قال‪ :‬بنصف دينار‪.‬قال‪ :‬ال يطيقونه‪ ،‬قال‪ :‬فبكم؟ قال‪ :‬بشعيرة (‪ ،)4‬قال‪ :‬فقال النبي × لعلى‪:‬‬
‫ٍ‬
‫ص َدقَات فَِإ ْذ ل ْ‬
‫َم َت ْف َعلُوا‬ ‫إنك لزهيد‪ ,‬قال‪ :‬فأنزل هللا‪+ :‬أَأَ ْش َف ْقتُ ْم أَن ُت َقد ُ‬
‫ِّموا َب ْي َن يَ َد ْي نَ ْج َوا ُك ْم َ‬
‫الز َكاةَ" [المجادلة‪ .]12:‬قال‪ :‬فكان على يقول‪ :‬فبي خفف‬ ‫الصالَةَ َوآتُوا َّ‬ ‫يموا َّ‬ ‫ِ‬
‫اب اهللُ َعلَْي ُك ْم فَأَق ُ‬
‫َوتَ َ‬
‫هللا عن هذه األمة ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬

‫‪1‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)3965‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسلم (‪.)1/171( ،425 )4/1871‬‬
‫‪3‬‬
‫() الفتاوى (‪.)8/166‬‬
‫‪4‬‬
‫() بشعيرة‪ :‬وزن شعيرة من ذهب‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() رواء الترمذي رقم ‪3297‬وقال‪ :‬حسن غريب وضعفه األلباني في ضعيف موارد الظمآن إلى زوائد‬
‫ابن حبان‪ :‬ص (‪.)128 ،127‬‬
‫‪40‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫رابعًا‪ :‬تبليغه تفسير رسول هللا لبعض آيات القرآن الكريم‪:‬‬
‫استفاد على رضي هللا عنه من تفسير رسول هللا ×‪ ،‬وبلغ ما تعلم من رسول هللا‬
‫للناس وإليك بعض األمثلة على ذلك‪:‬‬
‫(أ) قوله تعالى‪َ + :‬وتَ ْج َعلُو َن ِر ْزقَ ُك ْم أَنَّ ُك ْم تُ َك ِّذبُو َن" [الواقعة‪ :]82 :‬عن على رضي هللا‬
‫عنه عن النبي × قال‪َ + :‬وتَ ْج َعلُو َن ِر ْزقَ ُك ْم أَنَّ ُك ْم تُ َك ِّذبُو َن" قال‪ :‬شكركم أنكم تكذبون‪ُ ،‬مطرنا‬
‫بنوء كذا وكذا‪ ،‬بنجم كذا وكذا (‪.)1‬‬
‫(ب) فكل ميسر لما خلق له‪:‬عن على – رضي هللا عنه‪ -‬قال‪ :‬كنا في جنازة في بقيع‬
‫الغرقد‪ ،‬فأتانا رسول هللا × فقعد وقعدنا حوله‪ ،‬ومعه مخصرة فنكس فجعل ينكت بمخصرته‪،‬‬
‫ثم قال‪« :‬ما منكم من أحد‪ ،‬من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة‬
‫والنار‪ ،‬ألا وقد كتبت شقية أو سعيدة»‪ ،‬فقال رجل‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬أفال نتكل على‬
‫كتابنا وندع العمل‪ ،‬من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة‪ ،‬ومن كان من‬
‫أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة‪ ،‬فقال‪« :‬اعملوا فكل ميسر‪ ،‬أما أهل‬
‫السعادة فسييسرون لعمل أهل السعادة‪ ،‬وأما أهل الشقاوة فسييسرون إلى عمل أهل‬
‫ْح ْسنَى ‪ ‬فَ َسُنيَ ِّس ُرهُ لِلْيُ ْس َرى ‪َ ‬وأ ََّما َمن بَ ِخ َل‬
‫ص َّد َق بِال ُ‬
‫الشقاوة»‪ ،‬ثم قرأ ‪+‬فَأ ََّما َم ْن أَ ْعطَى َو َّات َقى ‪َ ‬و َ‬
‫ْح ْسنَى ‪ ‬فَ َسُنيَ ِّس ُرهُ لِلْعُ ْس َرى" ‪[ :‬الليل‪ ،]10 -5 :‬وفي رواية‪ :‬أفال نتكل على‬
‫(‪) 2‬‬
‫ب بِال ُ‬
‫اسَتغْنَى ‪َ ‬و َك َّذ َ‬
‫َو ْ‬
‫كتابنا وندع العمل؟ فمن كان منا من أهل السعادة سيصير إلى عمل أهل السعادة‪ ،‬ومن كان‬
‫من أهل الشقاوة سيصير إلى عمل أهل الشقاوة(‪.)3‬‬
‫وفي رواية في الصحيحين عن على قال‪ :‬كان رسول هللا × ذات يوم وفي يده عود‬
‫ينكت به فرفع رأسه فقال‪« :‬ما منكم من نفس إلا وقد علم منزلها من الجنة‬
‫والنار» فقالوا‪ :‬يا رسول هللا فِل َم نعمل؟‪ ،‬أو ال نتكل؟‪ ،‬فقال‪ :‬لا‪..‬اعملوا‪ ،‬فكل ميسر‬
‫س ُرهُ لِلْيُ ْس َرى ‪َ ‬وأ ََّما َمن‬ ‫ص َّد َق بِال ُ‬
‫ْح ْسنَى ‪ ‬فَ َس ُنيَ ِّ‬ ‫لما خلق له ثم قرأ‪+ :‬فَأ ََّما َم ْن أَ ْعطَى َو َّات َقى ‪َ ‬و َ‬
‫س ُرهُ لِلْعُ ْس َرى"(‪[ )4‬الليل‪ .]10-5 :‬فقد أخبر النبي × في‬ ‫ب بِال ُ‬
‫ْح ْسنَى ‪ ‬فَ َس ُنيَ ِّ‬ ‫اسَتغْنَى ‪َ ‬و َك َّذ َ‬
‫ِ‬
‫بَخ َل َو ْ‬
‫هذه األحاديث وغيرها بما دل عليه القرآن الكريم من أن هللا – سبحانه وتعالى – تقدم‬
‫علمه وكتابه وقضاؤه بما سيصير إليه العباد من السعادة والشقاوة كما تقدم علمه وكتابه‬
‫بغير ذلك من أحوال العباد وغيرهم(‪ ،)5‬قد بين النبي × أن ذلك ال ينافي وجود األعمال‬
‫التي بها تكون السعادة أو الشقاوة‪ ،‬وأن من كان من أهل السعادة فإنه ييسر لعمل أهل‬
‫السعادة‪ ،‬ومن كان من أهل الشقاوة فإنه ييسر لعمل أهل الشقاوة‪ ،‬وقد نهي أن يتكل‬
‫اإلنسان على القدر السابق ويدع العمل‪ ،‬ولهذا كان من اتكل على القدر السابق وترك ما‬
‫أمر به من األعمال هو من األخسرين أعماالً‪ ،‬الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا‪ ،‬وكان‬
‫تركهم لما يجب عليهم من العمل من جملة المقدور الذي يسروا به لعمل أهل الشقاوة‪ ،‬فإن‬
‫أهل السعادة هم الذين يعملون المأمور ويتركون المحظور‪ ،‬فمن ترك العمل الواجب الذي‬
‫‪1‬‬
‫() الموسوعة الحديثية رقم ‪849‬حسن لغيره‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() البخاري رقم(‪.)1362‬‬
‫‪3‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)6605‬‬
‫‪4‬‬
‫() البخاري رقم (‪ ،)6605‬الفتاوى (‪.)8/165‬‬
‫‪5‬‬
‫() الفتاوى (‪.)8/166‬‬
‫‪41‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫أمر به وفعل المحظور متكالً على القدر‪ ،‬كان من جملة أهل الشقاوة والميسرين لعمل أهل‬
‫الشقاوة‪ ،‬وهذا الجواب الذي أجاب به النبي × وتعلمه على بن أبى طالب رضي هللا عنه‬
‫وأصحاب النبي في غاية السداد واالستقامة (‪.)1‬‬
‫خامسًا‪ :‬األصولـ واألسس التي سار عليها أمير المؤمنين على في استنباط‬
‫األحكام من القرآن الكريم وفهم معانيه‪:‬‬
‫كان أمير المؤمنين على رضي هللا عنه على مبلغ كبير من العلم بالقرآن وعلومه‪،‬‬
‫وقد جعله هذا العلم بالقرآن يعتقد أن القرآن فيه جميع األحكام الشرعية إما صراحة أو‬
‫ضمنًا‪ ،‬فكان يقول بصدد ذلك‪« :‬إن هللا لم يك نسيًا» (‪ ,)2‬ولذلك كان كثيرًا ما يحتج بالقرآن‬
‫ويتلو اآلية التي يستند إليها لبيان الحكم الشرعي وكانت طريقته في االستنباط كاآلتي‪:‬‬
‫‪ -1‬االلتزام بظاهر القرآن الكريم‪ :‬كان أمير المؤمنين على رضي هللا عنه يلتزم‬
‫أحيانًا بظاهر القرآن الكريم حين ال يرى قرينة تقتضي صرفه عن ظاهره‪ ،‬فإنه كان‬
‫الصالَ ِة فا ْغ ِسلُوا‬‫آمنُوا إِذَا قُ ْمتُ ْم إِلَى َّ‬ ‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫يتوضأ لكل صالة ويقرأ هذه اآلية‪+ :‬يَا أ َُّي َها الذ َ‬
‫وه ُك ْم‪[ )3("...‬المائدة‪]6:‬؛ ألن ظاهرها يدل على الوضوء عند إرادة الصالة كل مرة‪،‬‬ ‫ُو ُج َ‬
‫وأوجب الصوم على المقيم إذا أدركه الصوم ثم سافر‪ ،‬فقال‪ :‬من أدركه الصوم وهو مقيم‬
‫ص ْمهُ" [البقرة‪،)4( ]185:‬‬ ‫ثم سافر لزمه الصوم؛ ألن هللا تعالى قال‪+ :‬فَ َمن َش ِه َد ِم ْن ُك ُم َّ‬
‫الش ْه َر َفلْيَ ُ‬
‫ورأى عدم تحريم إرضاع الكبير؛ ألنه ليس ضمن حولي الرضاعة استنادًا إلى ظاهر آية‬
‫ات ير ِ‬
‫ض ْع َن أ َْوالَ َد ُه َّن َح ْول َْي ِن‬ ‫ِ‬
‫الرضاعة‪ ،‬حيث روى عنه أنه قال في قوله تعالى‪َ + :‬وال َْوال َد ُ ُ ْ‬
‫ِ‬
‫اعةَ" [البقرة‪ ،]233 :‬الرضاعة سنتان فما كان من رضاع في‬ ‫ضَ‬ ‫الر َ‬ ‫َكاملَْي ِن لِ َم ْن أ ََر َ‬
‫اد أَن يُتِ َّم َّ‬
‫الحولين حرم‪ ،‬وما كان بعد الحولين فال يحرم (‪ ،)5‬وحمل القرآن الكريم على ظاهره في‬
‫مكان آخر حيث حكم ببراءة امرأة اتهمت بالزنا ألنها ولدت بعد ستة أشهر من زواجها‪،‬‬
‫ض ْع َن أ َْوالَ َد ُه َّن َح ْول َْي ِن َك ِاملَْي ِن" [البقرة‪ ]233:‬وقوله‬ ‫ات ير ِ‬ ‫ِ‬
‫فجمع بين قوله تعالى‪َ + :‬وال َْوال َد ُ ُ ْ‬
‫صالُهُ ثَالَثُو َن َش ْه ًرا" [األحقاف‪ .]15:‬فقال‪ :‬الحمل ستة أشهر والفصال‬ ‫ِ‬
‫تعالى‪َ + :‬و َح ْملُهُ َوف َ‬
‫أربعة وعشرون شهرًا(‪ ،)6‬أي أنه طرح مدة الرضاعة وهي السنتان من مجموع مدة‬
‫الرضاعة والحمل وهي ثالثون شهرًا فبقيت ستة أشهر‪ ،‬فجمع بين ظاهر كلتا اآليتين‬
‫وحكم بهما(‪.)7‬‬
‫‪ -2‬حمل المجمل على المفسر‪ :‬المجمل هو ما خفي مراده بحيث ال يدرك إال ببيان‬

‫‪1‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪.)1744‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)1744‬‬
‫‪3‬‬
‫() تفسير القرطبي (‪.)2/80‬‬
‫‪4‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)1/45‬‬
‫‪5‬‬
‫() المجموع للنووي (‪.)8/213‬‬
‫‪6‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪ ،)12443‬فقه اإلمام على (‪.)1/41‬‬
‫‪7‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)1/46‬‬
‫‪42‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫يرجى(‪ ،)1‬والمفسر‪ :‬هو ما ظهر المراد منه دون الحاجة إلى بيان(‪,)2‬وقد حمل مجمل‬
‫القرآن في قوله تعالى‪َ + :‬ه ْديًا بَالِ َغ الْ َك ْعبَ ِة" [المائدة‪ ]95:‬على مفسره في مواضع أخرى‪،‬‬
‫حيث ورد أنه سأل رجل عليا عن الهدى مما هو؟ فقال‪ :‬من الثمانية أزواج‪ ،‬فكأن الرجل‬
‫ين‬ ‫َّ ِ‬
‫شك‪ ،‬فقال له على‪ :‬أتقرأ القرآن؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فهل سمعت قول هللا تعالى‪+ :‬يَا أ َُّي َها الذ َ‬
‫يمةُ األ ْن َع ِام" [المائدة‪.]1:‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فهل سمعته يقول‪:‬‬ ‫ود أ ُِحلَّ ْ‬
‫ت لَ ُك ْم بَ ِه َ‬
‫آمنُوا أَوفُوا بِالْع ُق ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ْ‬
‫‪َ +‬و ِم َن األ ْن َعام َح ُمولَةً َو َف ْر ًشا ُكلُوا م َّما َر َزقَ ُك ُم" [الحج‪ ]34:‬قال‪ :‬فسمعت هللا يقول‪ِّ + :‬م َن َّ‬
‫الضأْنِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ام األُْن َثَي ْي ِن َنبِّئُونِي بِ ِعل ٍْم إِن‬ ‫َلذ َكري ِن ح َّرم أَِم األُْن َثيي ِن أ ََّما ا ْشتَملَ ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َعلَْيه أ َْر َح ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ا ْثَن ْي ِن َوم َن ال َْم ْع ِز ا ْثَن ْي ِن قُ ْل آ َّ َ ْ َ َ‬
‫ين ‪َ ‬و ِم َن ا ِإلبْ ِل ا ْثَن ْي ِن " [األنعام‪ .]144 ،143 :‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬فهل سمعت هللا يقول‪ + :‬يَا‬ ‫ُك ْنتُم ِ ِ‬
‫صادق َ‬ ‫ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الص ْي َد َوأَ ْنتُ ْم ُح ُر ٌم" إلى قوله تعالى‪َ + :‬ه ْديًا بَال َغ الْ َك ْعبَة" [المائدة‪.]95:‬‬ ‫آمنُوا الَ َت ْقُتلُوا َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َ‬ ‫أ َُّي َها الذ َ‬
‫فقال‪ :‬الرجل‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فقتلت ظبيًا فماذا عل َّى؟ قال‪ :‬هديًا بالغ الكعبة(‪.)3‬‬
‫‪ -3‬حمل المطلق على المقيد في القرآن الكريم‪ :‬المطلق‪ :‬هو ما دل على الماهية‬
‫بال قيد‪ ،‬والمقيد هو ما قيد لفظا بأي قيد(‪ ,)4‬ولقد حمل أمير المؤمنين على مطلق القرآن‬
‫على مقيده في استنباط الحكم‪ ،‬إذ حمل مطلق األمر بالقطع في آية السرقة على مقيده في‬
‫آية المحاربة بعدم القطع إال مرتين‪ ،‬وعدم قطع أكثر من يد ورجل عند تكرار السرقة‪،‬‬
‫فإذا سرق مرة قطعت يده اليمنى‪ ،‬وإذا سرق قطعت رجله اليسرى عند على‪ ،‬فإن زاد‬
‫وسرق مرة ثالثة ورابعة لم يزد على ذلك‪ ،‬ويعزره بدل القطع ألنه حمل قوله تعالى‪:‬‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫السا ِرقَةُ فَاقْطَعُِوا أَيْد َي ُه َما" [المائدة‪ ]38:‬على آية المحاربة ‪ +‬إِِنَّ َما َج َزاءُ الذ َ‬
‫ين‬ ‫السا ِر ُق َو َّ‬‫‪َّ +‬‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫صلبُوا أ َْو ُت َقط َع أَيْديه ْم َوأ َْر ُجلُ ُهم ِّم ْن‬ ‫يُ َحا ِربُو َن اهللَ َو َر ُسولَهُ َويَ ْس َع ْو َن في األ َْرض فَ َس ً‬
‫ادا أَن ُي َقَّتلُوا أ َْو يُ َ‬ ‫ِ‬
‫ف" [المائدة‪ .]33 :‬وقال‪ :‬إن هللا لم يزد على قطع يد ورجل في آية المحاربة‪ ،‬ولذلك كان‬ ‫ِخالَ ٍ‬
‫يعاقب مثل هذا بالسجن(‪ .)5‬فعن الشعبي قال‪ :‬كان على ال يقطع إال اليد والرجل‪ ،‬وإن سرق‬
‫بعد ذلك سُجن ونكل‪ ،‬وإنه كان يقول‪ :‬إني ألستحيى من هللا أن ال أدع له يدًا يأكل بها‬
‫ويستنجى(‪.)6‬‬
‫‪ -4‬العلم بالناسخ والمنسوخ‪ :‬النسخ‪ ،‬هو رفع الحكم الشرعي بخطاب‬
‫متأخر(‪,)7‬ويقول الزركشي‪ :‬قال األئمة‪ :‬وال يجوز ألحد أن يفسر كتاب هللا إال بعد أن‬
‫يعرف منه الناسخ والمنسوخ(‪ ,)8‬وعلى هذا المعنى يؤكد أمير المؤمنين على بن أبى طالب‬
‫‪1‬‬
‫() مرآة األصول في شرح مرقاة الوصول‪ :‬ص(‪.)197‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه‪ :‬ص(‪.)191‬‬
‫‪3‬‬
‫() الدار المنثور (‪.)3/13‬‬
‫‪4‬‬
‫() جمع الجوامع بشرح المحلى (‪ ،)2/79‬فقه اإلمام على (‪.)1/47‬‬
‫‪5‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪ ،)1/47‬مصنف عبد الرزاق ‪.21874‬‬
‫‪6‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق ‪ ،18764‬فقه اإلمام على (‪.)2/818‬‬
‫‪7‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)1/48‬‬
‫‪8‬‬
‫() البرهان في علوم القرآن (‪.)2/29‬‬
‫‪43‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫رضي هللا عنه‪ ،‬وذلك عندما عاتب قا ًّ‬
‫صا بقوله‪ :‬أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪:‬‬
‫هلكت وأهلكت(‪.)1‬‬
‫‪ -5‬النظر في لغة العرب‪:‬ومن منهج أمير المؤمنين على في فهم القرآن الكريم‬
‫ٍ‬
‫ص َن بِأَْن ُف ِس ِه َّن ثَالَثَةَ ُق ُروء"‬ ‫النظر في لغة العرب‪ ،‬كما فهم من قوله تعالى‪َ + :‬وال ُْمطَلَّ َق ُ‬
‫ات َيَت َربَّ ْ‬
‫[البقرة‪ ]228:‬أن المراد باألقراء الحيض‪ ،‬فال تنقضي العدة حتى تطهر من الحيضة‬
‫الثالثة(‪ ،)2‬لذا قال على رضي هللا عنه عن المطلقة‪ :‬ال تحل لزوجها الرجعة عليه حتى‬
‫تغتسل من الحيضة الثالثة(‪ )3‬والقروء في كالم العرب جمع قرء‪ ،‬وهو الحيض‪ ،‬والقرء‬
‫أيضًا الطهر‪ ،‬وأقرأت المرأة‪ :‬حاضت‪ ،‬وأقرأت‪ :‬اطَّهَّرت(‪.)4‬‬
‫اء" [النساء‪،]43 :‬‬
‫ِّس َ‬‫ومن ذلك فهمه رضي هللا عنه من قوله تعالى‪+ :‬أ َْو الَ َم ْستُ ُم ال (ن‪َ)5‬‬
‫اللمس هو الجماع فقد قال‪ :‬اللمس هو الجماع‪ ،‬ولكن هللا كنى عنه ‪ ،‬وحمل الناس المس‬
‫ضتُ ْم ل َُه َّن فَ ِري َ‬
‫ضةً" [البقرة‪]237:‬‬ ‫وه َّن َوقَ ْد َف َر ْ‬
‫س ُ‬‫وه َّن ِمن َق ْب ِل أَن تَ َم ُّ‬
‫في قوله تعالى‪َ + :‬وإِن طَلَّ ْقتُ ُم ُ‬
‫على الخلوة‪ ،‬فقال‪ :‬المراد بالمس هنا الخلوة(‪ ,)6‬فأوجب الصداق كله بالخلوة(‪,)7‬وقد قال‪ :‬إذا‬
‫أرخى سترًا على امرأته وأغلق بابًا وجب الصداق والعدة(‪.)8‬‬
‫‪ -6‬فهم النص بنص آخر‪:‬ومن ذلك ما فهمه أمير المؤمنين على رضي هللا عنه من‬
‫ين َسبِيالً" [النساء‪ ]141:‬أن ذلك يكون يوم القيامة‪،‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫قوله‪َ + :‬ولَن يَ ْج َع َل اهللُ ل ْل َكاف ِر َ‬
‫ين َعلَى ال ُْم ْؤمن َ‬
‫اعتمادًا على قوله سبحانه وتعالى‪+ :‬فَاهللُ يَ ْح ُك ُم َب ْينَ ُك ْم َي ْو َم ال ِْقيَ َام ِة" [النساء‪ .]141:‬وذلك لما‬
‫ين َسبِيالً" فقال على‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫جاءه رجل يسأله كيف هذه اآلية‪+‬لَن يَ ْج َع َل اهللُ ل ْل َكاف ِر َ‬
‫ين َعلَى ال ُْم ْؤمن َ‬
‫رضي هللا عنه‪ :‬ادنه‪ ،‬فاهلل يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل هللا للكافرين على المؤمنين‬
‫وع" [الطور‪ ]5:‬بأنه السماء لما رواه‬ ‫ف ال َْم ْرفُ ِ‬ ‫الس ْق ِ‬
‫سبيالً ‪ ،‬ومنه ما فهمه من قوله تعالى‪َ + :‬و َّ‬
‫(‪)9‬‬

‫وع" يعني السماء‪ .‬قال سفيان‪ :‬ثم‬ ‫ف ال َْم ْرفُ ِ‬ ‫الس ْق ِ‬


‫ابن جرير وذكره ابن كثير عن على ‪َ +‬و َّ‬
‫ضو َن" [األنبياء‪.]32:‬‬ ‫اء َس ْق ًفا َّم ْح ُفوظًا َو ُه ْم َع ْن آيَاتِ َها ُم ْع ِر ُ‬
‫الس َم َ‬
‫تال‪َ +...‬و َج َعلْنَا َّ‬
‫الصالَ ِة ال ُْو ْسطَى‬ ‫الصلَو ِ‬
‫ات َو َّ‬ ‫ِ‬
‫ذلك أيضًا ما فهمه من قوله تعالى‪َ + :‬حافظُوا َعلَى َّ َ‬ ‫ومن‬
‫ين" [البقرة‪ ،]238 :‬أن الصالة الوسطى هي صالة العصر‪ ،‬معتمدًا في ذلك‬ ‫هلل قَانِتِ‬
‫وقُوموا ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫‪1‬‬
‫() أبو خيثمة‪ ،‬ك العلم ص(‪ )31‬تحقيق األلباني وقال‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() تفسير ابن كثير (‪.)1/271‬‬
‫‪3‬‬
‫() الدر المنثور (‪.)1/234‬‬
‫‪4‬‬
‫() الصحاح للجوهري (‪ )1/64‬مادة (قرأ)‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪ ،)1/48‬الفصول في األصول للجصاص (‪.)1/203‬‬
‫‪6‬‬
‫() الفصول في األصول(‪.)1/202‬‬
‫‪7‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪ )1/48‬أي خلوة الرجل بزوجته‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() مصنف بن أبى شيبة (‪ ،)4/334‬فقه اإلمام على (‪.)2/531‬‬
‫‪9‬‬
‫() تفسير ابن جرير‪ ،‬إسناده صحيح‪.)9/327( ،‬‬
‫‪44‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫على نص من حديث رسول هللا × يوم األحزاب‪«:‬شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة‬
‫العصر‪ ،‬ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارًا»(‪ ،)1‬ومن هذا الباب أيضًا ما ورد في فهمه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لقوله تعالى‪+ :‬إِن تَ ْجتَنبُوا َكبَائ َر َما ُت ْن َه ْو َن َع ْنهُ نُ َك ِّف ْر َع ْن ُك ْم َسيِّئَات ُك ْم َونُ ْدخ ْل ُكم ُّم ْد َخالً َك ِر ً‬
‫يما"‬
‫[النساء‪ .]31:‬فعن سهل بن أبى خيثمة عن أبيه قال‪ :‬إني لفى هذا المسجد – مسجد الكوفة‪-‬‬
‫وعلى رضي هللا عنه يخطب الناس على المنبر يقول‪ :‬يا أيها الناس‪ ،‬الكبائر سبع‪ ،‬فأصاخ‬
‫الناس‪ ،‬فأعادها ثالث مرات‪ ،‬ثم قال‪ :‬لم ال تسألوني عنها؟ قالوا‪ :‬يا أمير المؤمنين ما هي؟‬
‫قال‪« :‬اإلشراك باهلل‪ ،‬وقتل النفس التي حرم هللا‪ ،‬وقذف المحصنة‪ ،‬وأكل مال اليتيم‪ ،‬وأكل‬
‫الربا‪ ،‬والفرار يوم الزحف‪ ،‬والتعرب (‪ )2‬بعد الهجرة(‪.)3‬وهذا الفهم مبني على حديث رسول‬
‫هللا × الذي قال فيه‪« :‬اجتنبوا السبع الموبقات»(‪.)4‬قالوا‪ :‬يا رسول هللا وما هن؟ قال‪:‬‬
‫«الشرك بالله‪ ،‬والسحر‪ ،‬وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق‪ ،‬وأكل الربا‪،‬‬
‫وأكل مال اليتيم‪ ،‬والتولي يوم الزحف‪ ،‬وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات»(‪،)5‬‬
‫وهذا يدخل ضمن منهج أمير المؤمنين على في تفسير القرآن الكريم بالسنة‪.‬‬
‫‪ -7‬السؤال عن مشكله‪ :‬ومن منهج أمير المؤمنين على رضي هللا عنه في فهم القرآن‬
‫الكريم سؤاله عما أشكل عليه فيه‪ ،‬ومن ذلك سؤاله لرسول هللا × عن يوم الحج األكبر في‬
‫ْح ِّج األ ْكبَ ِر" [التوبة‪ .]3:‬فقد قال‪ :‬سألت‬ ‫َّاس َي ْو َم ال َ‬ ‫اهلل َو َر ُسولِ ِه إِلَى الن ِ‬ ‫قوله تعالى‪+ :‬وأَذَا ٌن ِّمن ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫النبي × عن يوم الحج األكبر فقال‪ :‬يوم النحر(‪ ،)6‬وبين أمير المؤمنين على بن أبى طالب‬
‫رضي هللا عنه هذا المنهج فيما يرويه عن رسول هللا ×‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬إنا نزل‬
‫بنا أمر ليس فيه بيان أمر ونهي‪ ،‬فما تأمرنا‪ ،‬قال‪ :‬شاوروا الفقهاء والعابدين‪ ،‬ولا‬
‫تمضوا فيه خاصة(‪.)7‬‬
‫‪ -8‬العلم بمناسبة اآليات‪:‬إن العلم بالمناسبة التي نزلت فيها اآليات‪ ،‬والسبب الداعي‬
‫لذلك؛ يفيد في إدراك معنى اآلية‪ ،‬واستنباط الحكم منها‪ ،‬ألن بيان النزول طريق قوى في‬
‫فهم معاني الكتاب العزيز(‪ ،)8‬ولقد بلغ أمير المؤمنين على رضي هللا عنه مبل ًغا في العلم‬
‫بأسباب نزول اآليات‪ ،‬كما يقول عن نفسه حاثًا على سؤاله عن كتاب هللا‪« :‬سلوني‪،‬‬
‫(‪)9‬‬
‫سلوني‪ ،‬سلوني عن كتاب هللا تعالى‪ ،‬فوهللا‪ ،‬ما من آية إال وأنا أعلم أنزلت بليل أو نهار »‬

‫‪1‬‬
‫() مسلم (‪.)1/437‬‬
‫‪2‬‬
‫() أن يهاجر الرجل‪ ،‬حتى إذا وقع سهمه في الفئ‪ ،‬ووجب عليه الجهاد‪ ،‬خلع ذلك من عنقه‪ ،‬فرجع أعرابيًا‬
‫كما كان‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() تفسير الطبري (‪.)5/25‬‬
‫‪4‬‬
‫() الموبقات‪ :‬جمع موبقة وهي المهلكة‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() البخاري‪ ،‬كتاب الوصايا رقم (‪.)2766‬‬
‫‪6‬‬
‫() سنن الترمذي رقم (‪)970‬وصححه األلباني (‪.)1/282‬‬
‫‪7‬‬
‫() تاريخ خليفة بن خياط‪ :‬ص(‪ ،)66‬منهج على بن أبى طالب في الدعوة إلى هللا‪ :‬ص(‪.)78‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر السابق‪ :‬ص(‪.)79‬‬
‫‪9‬‬
‫() اإلصابة (‪.)2/50‬‬
‫‪45‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وفي رواية‪«:‬والله ما أنزلت آية إلا وقد علمت فيم نزلت‪ ،‬وأين نزلت»(‪.)1‬‬
‫‪ -9‬تخصيص العام‪:‬العام‪ ،‬هو اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له بوضع واحد دفعه‬
‫واحدة من غير حصر(‪ ،)2‬وقاعدةـ العموم‪ ،‬كل لفظ عام باق على عمومهـ حتى يرد‬
‫التخصيص(‪ ،)3‬وقد يرد من الشارع ما يدل على قصر العام على بعض أفراده وهذا هو‬
‫تخصيص العام(‪.)4‬‬
‫وقد ورد عن على رضي هللا عنه ما يفيد قوله بتخصيص العموم‪ ،‬فقد سئل رضي هللا‬
‫عنه عن رجل له أمتان أختان وطئ إحداهما ثم أراد أن يطأ األخرى قال‪ :‬ال‪..‬حتى‬
‫يخرجهما من ملكه(‪ ،)5‬وعن ابن الكواء سأل عليًا عن الجمع بين األختين فقال‪ :‬حرمتهما‬
‫آية وأحلتهما آية أخرى‪ ،‬ولست أفعل أنا وال أهلي(‪ .)6‬وقصد أمير المؤمنين على باآلية التي‬
‫حرمتهما هي قوله وتعالى‪َ + :‬وأَ ْن تَ ْج َمعُوا َب ْي َن األُ ْخَت ْي ِن" [النساء‪ ]23:‬وبالتي أحلتهما هي قوله‬
‫ِ‬ ‫تعالى‪+ :‬إِالَّ َعلَى أَ ْزو ِ‬
‫ت أَيْ َما ُن ُه ْم فَِإ َّن ُه ْم غَْي ُر َملُوم َ‬
‫ين" [المؤمنون‪ ]6:‬فهاتان اآليتان‬ ‫اج ِه ْم أ َْو َما َملَ َك ْ‬ ‫َ‬
‫بينهما عموم وخصوص‪ ،‬إذ خصص عموم التمتع بملك اليمين بخصوص عدم جواز‬
‫الجمع بين األختين(‪.)7‬‬
‫ومنها أنه حكم في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها بأن تعتد أبعد األجلين‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين ُيَت َو َّف ْو َن م ْن ُك ْم َويَ َذ ُرو َن أَ ْز َو ً‬
‫اجا‬ ‫عدتها أبعد األجلين ‪ ،‬أي أنه خص عموم اآليتين ‪َ +‬والذ َ‬
‫(‪)8‬‬

‫ض ْع َن‬
‫َجلُ ُه َّن أَن يَ َ‬‫ال أ َ‬‫األحم ِ‬
‫ت َْ‬ ‫ص َن بِأَْن ُف ِس ِه َّن أ َْر َب َعةَ أَ ْش ُه ٍر َو َع ْش ًرا" [البقرة‪ ،]234 :‬و ‪َ +‬وأُوالَ ُ‬
‫َيَت َربَّ ْ‬
‫َح ْملَ ُه َّن" [الطالق‪ ،]4:‬فالحامل المتوفي عنها زوجها إذا وضعت حملها قبل األربعة األشهر‬
‫والعشرة األيام فإنها تكمل المدة وال تعمل بعموم اآلية الثانية؛ ألن األولى تخصصها‪ ،‬وإن‬
‫أكملت المدة فال تنقضي عدتها إال بوضع الحمل؛ ألن عموم اآلية األولى مخصص‬
‫بالثانية‪ ،‬فكل من اآليتين عام في وجه‪ ،‬وخاص في وجه آخر‪ ،‬تخصص إحداهما األخرى‬
‫عند على‪ ،‬ولعله عمل باالحتياط جمعًا بين اآليتين(‪ ،)9‬ولكن الراجح أن عدتها وضع الحمل‬
‫في كلتا الحالتين‪ ،‬فقد صح عن عبد هللا بن عتبة أن سبيعة بنت الحارث أخبرته أنها كانت‬
‫تحت سعد بن خولة‪ ،‬وكان ممن شهد بدرًا‪ ،‬فتوفى عنها في حجة الوداع وهي حامل‪ ،‬فلم‬

‫‪1‬‬
‫() الطبقات (‪.)2/338‬‬
‫‪2‬‬
‫() تيسير علم أصول الفقه‪ ،‬عبد هللا الجُديع‪ :‬ص(‪.)262‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه‪ :‬ص(‪.)269‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه‪ :‬ص (‪.)269‬‬
‫‪5‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪)1/560‬نقالً عن مصنف ابن أبى شيبة‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)2/560‬‬
‫‪7‬‬
‫() األحكام لآلمدى (‪ ،)2/445‬روضة الناظر (‪.)2/129‬‬
‫‪8‬‬
‫() الفصول في األصول للجصاص (‪.)6/106‬‬
‫‪9‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)1/50‬‬
‫‪46‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته‪ ،‬فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليها أبو‬
‫السنابل‪ ،‬فقال لها‪ ،‬مالي أراك متجملة؟ لعلك ترجين النكاح؟ إنك وهللا ما أنت بنكاح حتى‬
‫تمر عليك أربعة أشهر وعشر‪ .‬قالت سبيعة‪ :‬فلما قال لي ذلك جمعت عل َّى ثيابي حين‬
‫أمسيت فأتيت رسول هللا × فسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي‬
‫وأمرني بالتزوج إن بدا لي(‪.)1‬‬
‫ولعل عليًا قال بذلك لعدم بلوغه حديث سبيعة وإال فال يخالف عل ّى الصحيح الثابت‬
‫عن النبي × (‪.)2‬‬
‫‪ -10‬معرفة عادات العرب ومن حولهم‪:‬ولمعرفة طبيعة وعادات العرب ومن‬
‫حولهم من اليهود والنصاري وقت نزول القرآن دور كبير في فهم القرآن الكريم‪ ،‬وعلى‬
‫رضي هللا عنه عاش في ذلك الزمان‪ ،‬وعرف الكثير من العادات التي نهى عنها القرآن‪،‬‬
‫أو تلك التي أقرها‪ ،‬ومن أمثلة هذا الفهم ما رواه ابن أبى حاتم‪ :‬لما نافر ابن وائل أبا‬
‫الفرزدق‪ ،‬فعقر كل واحد منهما مائة من اإلبل‪ ،‬فخرج عل ّى على بغلة رسول هللا ×‬
‫البيضاء وهو ينادي‪« :‬يا أيها الناس ال تأكلوا من لحومها‪ ،‬فإنها أهل بها لغير هللا» فعلي‬
‫رضي هللا عنه عرف من عادات العرب في وقته أن مثل هذه المنافرة ليست هلل وإنما هي‬
‫ت َعلَي ُكم الْميتَةُ والدَّم ولَحم ال ِ‬
‫ْخ ْن ِزي ِر َو َما‬ ‫للشيطان‪ ،‬فذلك نهى عنها مستدالً بقوله تعالى‪ُ + :‬ح ِّر َم ْ ْ ُ َ ْ َ ُ َ ْ ُ‬
‫اهلل بِ ِه"(‪[ )3‬المائدة‪.]3:‬‬ ‫أ ُِه َّل لِغَْي ِر ِ‬
‫‪ -11‬قوة الفهم وسعة اإلدراك‪ :‬وقوة الفهم وسعة اإلدراك من المزايا التي امتاز‬
‫واشتهر بها على رضي هللا عنه‪ ،‬واألمثلة التي تدل على هذا كثيرة جدًا نذكر منها ما رواه‬
‫ابن جرير قال‪ :‬نادي رجل من الخوارج عليًا رضي هللا عنه وهو في صالة الفجر‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين ِمن َق ْبلِ َ‬
‫ك لَئِ ْن أَ ْش َر ْك َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫‪+‬ولََق ْد أ ِ‬
‫ين"‬ ‫ك َولَتَ ُكونَ َّن م َن الْ َخاس ِر َ‬‫ت لَيَ ْحبَطَ َّن َع َملُ َ‬ ‫ك َوإِلَى الذ َ‬
‫ُوح َي إِل َْي َ‬ ‫َ‬
‫ال‬ ‫و‬
‫َ َ َ‬ ‫ق‬‫ٌّ‬ ‫ح‬ ‫ِ‬
‫اهلل‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫و‬
‫ْ ْ َ َْ‬‫ن‬‫َّ‬ ‫ِ‬
‫إ‬ ‫ر‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫اص‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫‪+‬‬ ‫الصالة‬ ‫في‬ ‫وهو‬ ‫عنه‬ ‫هللا‬ ‫رضي‬ ‫على‬ ‫فأجابه‬ ‫‪،‬‬ ‫]‬‫‪65‬‬ ‫[الزمر‪:‬‬
‫ين الَ يُوقِنُو َن" [الروم‪.)4( ]60:‬‬ ‫يستَ ِخ َّفن َ َّ ِ‬
‫َّك الذ َ‬ ‫َْ‬
‫هذه بعض األصولـ واألسس التي سار عليها أمير المؤمنين على رضي هللا عنه في‬
‫استنباط األحكام من القرآن الكريم وفهم معانيه‪ ،‬وهي ترشد محبيه وأبناء المسلمين‬
‫المخلصين في كيفية التعامل مع كتاب هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬تفسير أمير المؤمنين على لبعض اآليات الكريمة‪:‬‬
‫‪ -1‬الذاريات‪ :‬عن الثوري عن حبيب بن أبى صابت عن أبى الطفيل قال‪ :‬سمعت ابن‬
‫الكواء يسأل على بن أبى طالب عن الذاريات ذر ًوا قال‪ :‬الرياح‪ ،‬وعن الحامالت وقرًا‪،‬‬
‫قال‪ :‬السحاب‪ ،‬وعن الجاريات يسرًا‪ ،‬قال‪ :‬السفن‪ ،‬وعن المدبرات أمرًا قال‪ :‬المالئكة(‪،)5‬‬
‫وصححه الحاكم من وجه آخر عن أبى الطفيل‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() مسلم رقم (‪.)1484‬‬
‫‪2‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)2/617‬‬
‫‪3‬‬
‫() تفسير أمير المؤمنين على بن أبى طالب‪ ،‬فهد بن عبد العزيز الفاضل‪ ،‬رسالة علمية جامعيةـ لم تنشر (‬
‫‪.)1/30‬‬
‫‪4‬‬
‫()تفسير الطبري (‪.)21/59‬‬
‫‪5‬‬
‫() الخالفة الراشدة‪ ،‬يحيى اليحيى‪ :‬ص (‪.)486‬‬
‫‪47‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وقد أطنب الطبري في تخريج طرقه إلى على (‪ ،)1‬وأخرجه عبد الرزاق من وجه‬
‫آخر عن أبى الطفيل قال‪ :‬شهدت عليًا وهو يخطب وهو يقول‪ :‬سلوني‪..‬وسلوني عن كتاب‬
‫هللا‪ ،‬فوهللا ما من آية إال وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل‪ .‬فقال ابن‬
‫الكواء‪ -‬وأنا بينه وبين على وهو خلفي – فقال‪ :‬ما الذاريات ذر ًوا؟ فذكر مثله وقال فيه‪:‬‬
‫ويلك سل تفقهًا وال تسأل تعنتًا وفيه سؤال عن أشياء غير هذا(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬قوله تعالى‪+ :‬فَالَ أُق ِ‬
‫ْس ُم بِالْ ُخن ِ‬
‫َّس" [التكوير‪ :]15:‬روى سعيد بن منصور بإسناد حسن‬
‫(‪)3‬‬
‫عن على قال‪ :‬هن الكواكب تكنس بالليل وتخنس بالنهار فال ترى ‪.‬‬
‫‪ -3‬بكاء األرض على العبد الصالح‪:‬قال على رضي هللا عنه‪ :‬إذا مات العبد‬
‫الصالح بكي عليه مصاله من األرض ومصعد عمله من السماء واألرض‪ ،‬ثم قرأ ‪ +‬فَ َما‬
‫ض َو َما َكانُوا ُم ْنظَ ِر َ‬
‫ين" [الدخان‪.]29:‬‬ ‫ت َعلَْي ِه ُم َّ‬
‫الس َماءُ َواأل َْر ُ‬ ‫بَ َك ْ‬
‫‪ -4‬الخشوع في القلب وأن تلين كنفك للمرء المسلم‪:‬سئل أمير المؤمنين على‬
‫رضي هللا عنه عن قوله تعالى‪+ :‬الَّ ِذين هم ِفي صالَتِ ِهم َخ ِ‬
‫اشعُو َن" [المؤمنون‪ ،]2:‬قال‪:‬‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ُْ‬
‫الخشوع في القلب‪ ،‬وأن تُلين كنفك للمرء المسلم وال تلتفت في صالتك ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫‪ -5‬خليالن مؤمنان‪ ،‬وخليالن كافران‪:‬س ئل أمير المؤمنين رضي هللا عنه عن‬
‫ِ‬ ‫ض ُه ْم لَِب ْع ٍ‬ ‫قول هللا تعالى‪ِ + :‬‬
‫األخالَّءُ َي ْو َمئِ ٍذ َب ْع ُ‬
‫ين" [الزخرف‪ .]67:‬قال‪ :‬خليالن‬ ‫ض َع ُد ٌّو إِالَّ ال ُْمتَّق َ‬
‫مؤمنان وخليالن كافران‪ ،‬فمات أحد المؤمنين‪ ،‬فبشر بالجنة فذكر خليله المؤمن‪ ،‬قال‪:‬‬
‫إن خليلي فالنًا كان يأمرني بالخير وينهاني عن الشر‪ ،‬فيأمرني بطاعتك‬ ‫فيقول‪ :‬يا رب! َّ‬
‫وطاعة رسولك‪ ،‬ويخبرني أني مالقيك‪ ،‬فال تُضله بعدي واهده كما هداني‪ ،‬وأكرمه كما‬
‫أكرمني‪ ،‬فإذا مات جمع بينهما في الجنة‪ ،‬ويقال لهما‪ :‬لِي ُْث ِن كل واحد منكما على صاحبه‬
‫فيقول‪ :‬اللهم كان يأمرني بالخير وينهاني عن الشر‪ ،‬فيأمرني بطاعتك وطاعة رسولك‪،‬‬
‫ويُخبرني أني مالقيك‪ ،‬فنعم األخ والخليل والصاحب‪ ،‬قال‪ :‬ثم يموت أحد الكافرين‪ ،‬فُيبشر‬
‫بالنار‪ ،‬فيذكر خليله‪ ،‬فيقول‪ :‬الله ّم خليلي فالن كان يأمرني بالشر‪ ،‬وينهاني عن الخير‪،‬‬
‫ويأمرني بمعصيتك ومعصية رسولك‪ ،‬ويخبرني أني غير مالقيك‪ ،‬الله ّم فأضله كما‬
‫أضلَّني‪ ،‬فإذا مات جمع بينهما في النار‪ ،‬فيقال لُيْثن كل واحد منكما على صاحبه قال‬
‫فيقول‪ :‬الله ّم كان يأمرني بالشر وينهاني عن الخير ويأمرني بمعصيتك ومعصية رسولك‪،‬‬
‫ويخبرني أني غير مالقيك‪ ،‬فبئس األخ والخليل والصاحب(‪.)5‬‬
‫‪ -6‬الزهد بين كلمتين من القرآن‪ :‬قال رضي هللا عنه‪ :‬الزهد كله بين كلمتين من‬
‫ْس ْوا َعلَى َما فَاتَ ُك ْم َوالَ َت ْف َر ُحوا بِ َما آتَا ُك ْم" [الحديد‪.]23:‬‬ ‫ِ‬
‫القرآن الكريم‪ :‬قال سبحانه‪+ :‬ل َك ْيالَ تَأ َ‬

‫‪1‬‬
‫() الدر المنثور (‪ ،)7/614‬تفسير الطبري (‪.)188 -185 /26‬‬
‫‪2‬‬
‫()الخالفة الراشدة‪ ،‬اليحيى‪ :‬ص(‪.)486‬‬
‫‪3‬‬
‫() الخالفة الراشدة‪ ،‬اليحيى‪ :‬ص(‪ ،)487‬الفتح (‪.)8/563‬‬
‫‪4‬‬
‫() الزهد البن المبارك‪ :‬ص(‪ )403‬رقم (‪.)1148‬‬
‫‪5‬‬
‫() الزهد البن المبارك رقم(‪.)368‬‬
‫‪48‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ومن لم ييأس على الماضي‪ ،‬ولم يفرح باآلتي فقد أخذ الزهد بطرفيه(‪.)1‬‬
‫‪ -7‬أمير المؤمنين على رضي هللا عنه وتدبره في الصالة‪:‬بيَّن أمير المؤمنين‬
‫رضي هللا عن استحباب المصلي إذا مر بآية رحمة أن يسأل هللا تعالى منها‪ ،‬وإذا مر بآية‬
‫عذاب أن يستعيذ باهلل تعالى‪ ،‬فعن عبد خير الهمداني قال‪ :‬سمعت على بن أبى طالب قرأ‬
‫ك األ ْعلَى" فقال‪ :‬سبحان ربي األعلى(‪.)2‬‬ ‫اس َم َربِّ َ‬
‫في صالة ‪َ +‬سبِّ ِح ْ‬
‫وعن حجر بن قيس المدري قال‪ :‬بت عند أمير المؤمنين على بن أبى طالب‪ ،‬فسمعته‬
‫وهو يصلى من الليل يقرأ بهذه اآلية‪ + :‬أَ َف َرأ َْيتُم َّما تُ ْمنُو َن ‪ ‬أَأَ ْنتُ ْم تَ ْخلُ ُقونَهُ أَم نَ ْح ُن الْ َخالِ ُقو َن"‬
‫الزا ِرعُو َن"‪،‬‬ ‫قال‪ :‬بل أنت يا رب ثالثًا‪ ،‬ثم قرأ ‪ +‬أَ َف َرأ َْيتُم َّما تَ ْح ُرثُو َن ‪ ‬أَأَْنتُ ْم َت ْز َرعُونَهُ أ َْم نَ ْح ُن َّ‬
‫اء الَّ ِذي تَ ْش َربُو َن‪ ‬أَأَْنتُ ْم أَ ْن َزلْتُ ُموهُ ِم َن ال ُْم ْز ِن أ َْم نَ ْح ُن‬ ‫ً‬
‫قال‪ :‬بل أنت يا رب ثالثا‪ ،‬ثم قرأ ‪+‬أَ َف َرأ َْيتُ ُم ال َْم َ‬
‫ورو َن ‪ ‬أَأَْنتُ ْم أَنْ َشأْتُ ْم َش َج َر َت َها‬ ‫الْمن ِزلُو َن" قال‪ :‬بل أنت يا رب ثالثًا‪ ،‬ثم قرأ ‪+‬أَ َفرأ َْيتُم الن َِّ‬
‫َّار التي تُ ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ْم ْن ِشئُو َن" قال‪ :‬بل أنت يا رب ثالثًا(‪.)3‬‬ ‫أ َْم َ ْ ُ ُ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫ح‬‫ن‬
‫يم" [الشعراء‪،88:‬‬ ‫ْب َسلِ ٍ‬ ‫ال َوالَ َبنُو َن ‪ ‬إِالَّ َم ْن أَتَى اهللَ بَِقل ٍ‬ ‫‪ -8‬قوله تعالى‪َ + :‬ي ْو َم الَ يَن َف ُع َم ٌ‬
‫‪ .]89‬قال على رضي هللا عنه‪ :‬المال والبنون حرث الدنيا‪ ،‬والعمل الصالح حرث اآلخرة‪،‬‬
‫وقد يجمعهما هللا ألقوام(‪.)4‬‬
‫***‬

‫‪1‬‬
‫() رسالة المسترشدين‪ :‬ص(‪ ،)224‬فرائد الكالم‪ :‬ص(‪.)376‬‬
‫‪2‬‬
‫() المحلى (‪ ،)4/118‬السنن الصغرى (‪.)1/146‬‬
‫‪3‬‬
‫() الدر المنثور للسيوطي (‪.)23 ،8/22‬‬
‫‪4‬‬
‫() تفسير أمير المؤمنين على‪ ،‬لفهد بن عبد العزيز الفاضل (‪ )2/661‬رسالة جامعية لم تنشر‪.‬‬
‫‪49‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫المبحث الرابع‬
‫مالزمته لرسول هللا ×‬
‫كان على رضي هللا عنه واحدًا من المكيين الذين قرأوا وكتبوا في مجتمعهم األمي‪،‬‬
‫وهذا دليل على حبه للعلم وشغفه به منذ صغره‪ ،‬وقد وفقه هللا تعالى أن يعيش منذ طفولته‬
‫في بيت رسول هللا ×‪ ،‬فتربي على يديه وزادت عناية رسول هللا به بعد إسالمه‪ ،‬فكان‬
‫رسول هللا × الرافد القوى الذي أثر في شخصيته وصقلـ مواهبه وفجر طاقته‪ ،‬وهذب‬
‫نفسه‪ ،‬وطهر قلبه ونور عقله‪ ،‬وأحيا روحه‪ ،‬فقد الزم رسول هللا × في مكة والمدينة‪ ،‬وقد‬
‫كان حريصًا على التتلمذ على يدي رسول هللا ×‪ ،‬الذي كان يربي أصحابه على القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬فقد كان هو الينبوع المتدفق الذي استمد منه على رضي هللا عنه علمه وتربيته‬
‫وثقافته‪ ،‬وقد كان النبي × تنزل عليه اآليات منجمة على حسب الوقائع واألحداث‪ ،‬وكان‬
‫يقرؤها على أصحابه الذين وقفوا على معانيها وتعمقواـ في فهمها‪ ،‬وتأثروا بمبادئها‪ ،‬وكان‬
‫له أعمق األثر في نفوسهم وعقولهم وقلوبهم وأرواحهم‪ ،‬كما كان على رضي هللا عنه‬
‫واحدًا من الذين تأثروا بالتربية القرآنية على يدي رسول هللا× وتشرّب تعاليمه وتوجيهاته‬
‫النبوية‪ ،‬وقد اهتم على رضي هللا عنه منذ أسلم بحفظ القرآن الكريم وفهمه وتأمله‪ ،‬وظل‬
‫مالز ًما للرسول × يتلقى عنه ما أنزل عليه حتى تم له حفظ جميع آياته وسوره‪ ،‬لقد حصل‬
‫على رضي هللا عنه ببركة صحبته لرسول هللا × وتربيته على يديه خيرًا كثيرًا‪ ،‬وأصبح‬
‫من الخلفاء الراشدين فيما بعد‪ ،‬فقد حرص على التبحر في الهدى النبوي الحكيم في‬
‫غزواته وسلمه‪ ،‬وأصبح لعلي رضي هللا عنه علم واسع ومعرفة غزيرة بالسنة النبوية‬
‫المطهرة‪ ،‬فقد استمد من رسول هللا عل ًما وتربية ومعرفة بمقاصد هذا الدين العظيم‪ ،‬وقد‬
‫جمع بين رسول هللا وبين على حب شديد‪ ،‬والحب عامل مهم في تهيئة مناخ علمي ممتاز‬
‫بين المعلم وتلميذه‪ ،‬يأتي بخير النتائج العلمية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬لما له من عطاء متجدد‪ ،‬وعلى‬
‫رضي هللا عنه قد أحب رسول هللا × حبًا ج ًما‪ ،‬وتعلق فؤاده به‪ ،‬وقدم نفسه فداء له‪،‬‬
‫وتضحية في سبيل نشر دعوته‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬أمير المؤمنين ومقام النبوة‪:‬‬
‫أوجب هللا سبحانه وتعالى على الثقلين – اإلنس والجن – الذين أدركتهم رسالة النبي‬
‫×‪ ،‬أن يؤمنوا بالنبي × وبما جاء به‪ ،‬كما شهدت بذلك نصوص الكتاب العزيز‪ ،‬كما أكد‬
‫هللا وجوب اإليمان بنبيه بأن جعله مقترنًا باإليمان به سبحانه وتعالى في مواضع كثيرة‬
‫من القرآن الكريم منها‪:‬‬
‫ض‬‫ات َواأل َْر ِ‬ ‫السماو ِ‬
‫ْك َِِّ َ َ‬ ‫اهلل إِل َْي ُك ْم َج ِم ًيعا الَّ ِذي لَهُ ُمل ُ‬
‫ول ِ‬ ‫َّاس إِنِّي َر ُس ُ‬
‫قال تعالى‪ + :‬قُِ ْل يَا أ َُّي َِها الن ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يت فَآمنُوا بِاهلل َو َر ُسوله النَّب ِّي األ ُِّم ِّي الذي ُي ْؤم ُن باهلل َو َكل َماته َواتَّبعُوهُ ل ََعل ُك ْم‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫الَ إِلَهَ إِالَّ ُه َو يُ ْحيِي َويُم ُ‬
‫َت ْهتَ ُدو َن" [األعراف‪.]158 :‬‬
‫وقال×‪« :‬والذي نفس محمد بيده‪ ،‬لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي‬
‫ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار»(‪،)1‬‬
‫وقد أجمعت األمة على وجوب اإليمان بالنبي ×‪ ،‬كما أجمعت كذلك على أن كل من قامت‬
‫عليه الحجة برسالة محمد × من اإلنس والجن فلم يؤمن به استحق عقاب هللا تعالى‪ ،‬كما‬
‫يستحقه أمثاله من الكافرين الذين بعث إليهم الرسول‪ ،‬وهذا أصل متفق عليه بين الصحابة‬
‫والتابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين وسائر طوائف المسلمين من أهل السنة والجماعة‬
‫‪1‬‬
‫() مسلم (‪ )1/93‬كتاب اإليمان‪.‬‬
‫‪50‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وغيرهم(‪.)1‬‬
‫وقد أعطى أمير المؤمنين على رضي هللا عنه مقام النبوة حقه وأوضح معالمه بأقواله‬
‫وأفعاله‪ ،‬وكان يحرص على تعليم الناس وحثهم على االقتداء برسول هللا × في أقواله‬
‫وأعماله وتقريراته‪ ،‬ومن أقواله في هذا المعنى‪ :‬واقتدوا بهدى نبيكم ×‪ ،‬فإنه أفضل الهدى‬
‫واستنوا بسنته فإنها أفضل السنن(‪.)2‬‬
‫‪ -1‬وجوب طاعة النبي × ولزوم سنته والمحافظة عليها‪ :‬تربي أمير المؤمنين‬
‫ِ‬
‫عل ّى على وجوب طاعة رسول هللا ×‪ ،‬فهو ممن قرأ وحفظ وفهم قوله هللا تعالى‪َ + :‬م ْن يُط ِع‬
‫اع اهللَ" [النساء‪ ،]80:‬فهذه اآلية ضمن سلسلة من اآليات ربطت بين طاعة‬ ‫ول َف َق ْد أَطَ َ‬
‫الر ُس َ‬
‫َّ‬
‫هللا تبارك وتعالى وطاعة الرسول ×‪ ،‬فقد جعل هللا طاعته وطاعة رسوله شيئًا واحدًا‪،‬‬
‫وجعل األمر بطاعة رسوله مندرجًا في األمر بطاعته سبحانه وتعالى‪ ،‬وفي ذلك بيان‬
‫للعباد بأن طاعته سبحانه ال تتحقق إال بطاعة الرسول×‪ ،‬واآليات الواردة بهذا المعنى‬
‫كثيرة‪ )3( ،‬وقد تربى أمير المؤمنين على يدي رسول هللا ×‪ ،‬وعلم منه وجوب طاعته‬
‫وامتثال أمره واتباع ما جاء به والسير على سنته واالقتداء به في كل ما جاء به عن ربه‬
‫عز وجل‪ ،‬وأحاديثه× في هذا المجال أعطت لألمة توجيهات عظيمة متى ساروا عليها‬
‫وامتثلوا ما فيها واستناروا بها‪ ،‬فقد تحققتـ لهم سعادة الدارين وفازوا وأفلحوا بإذن هللا‬
‫تعالى‪ ،‬وقد امتازت األحاديث في هذا الشأن بكثرتها وتنوع عباراتها وتعدد أساليبها‬
‫واشتمال بعضها على األمثلة التي ضربها رسول هللا × ألمته في هذا الشأن‪ ،‬ومما ال‬
‫شكل فيه أن هذه المميزات زادت األمر توكيدًا وتوضيحًا وبيانًا‪ ،‬بحيث إنها لم تدع مجاالً‬
‫لمتأول يؤولها أو محرف يغير معناها بهواه ورأيه الفاسد‪ ،‬وهذه األحاديث على تنوع‬
‫عباراتها وتعدد أساليبها اتحدت جميعها في مضمون واحد وهو التأكيد على وجوب‬
‫طاعته×‪ ،‬واتباع ما جاء به من الترغيب في ذلك إضافة إلى التحذير من مخالفته‪ ،‬وتحريم‬
‫معصيته وبيان الوعيد الشديد في ذلك(‪ ،)4‬فمن هذه األحاديث قوله ×‪« :‬كل أمتى يدخلون‬
‫الجنة إلا من أبى» قالوا‪ :‬يا رسول هللا ومن يأبى؟ قال‪« :‬من أطاعني دخل الجنة‪،‬‬
‫ومن عصاني فقد أبى»(‪ ,)5‬طاعة الرسول × هى االنقياد لسنته‪ ،‬مع رفض قول كل من‬
‫قال شيئًا في دين هللا عز وجل بخالف سنته‪ ،‬دون االحتيال في دفع السنن بالتأويالت‬
‫المضمحلة والمخترعات الداحضة(‪.)6‬‬
‫وقد كان أمير المؤمنين على من أحرص الصحابة على طاعة رسول هللا×‪ ،‬فقد قال‬
‫رضي هللا عنه‪« :‬ما كنت ألدع سنة النبي × لقول أحد»(‪ ،)7‬وقال أيضًا‪« :‬أال إني لست‬
‫بنبي وال يوحى إل َّى‪ ،‬ولكني أعمل بكتاب هللا وسنة محمد × ما استطعت»‪.‬وهو نموذج‬
‫‪1‬‬
‫() حقوق النبي على أمته في ضوء الكتاب والسنة (‪.)1/72‬‬
‫‪2‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/319‬‬
‫‪3‬‬
‫() حقوق النبي على أمته (‪.)1/74‬‬
‫‪4‬‬
‫() حقوق النبي على أمته (‪.)1/86‬‬
‫‪5‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)7280‬‬
‫‪6‬‬
‫() صحيح ابن حبان (‪.)1/153‬‬
‫‪7‬‬
‫() فتح الباري (‪.)3/421‬‬
‫‪51‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫فريد بالتمسك بالسنة وااللتزام بها والدعوة لها(‪ ،)1‬ومن هذا المفهوم والتصور الواضح‬
‫ألهمية طاعة الرسول × واتباع سنته انطلقت أفعال أمير المؤمنين على رضي هللا عنه‪.‬‬
‫وكان رضي هللا عنه يعتني بالسنة ويتحرى ويتثبت في روايتها وفي أخذها رضي هللا‬
‫عنه‪ ،‬فقد قال رضي هللا عنه‪« :‬إذا حدثتكم عن رسول هللا×‪ ،‬فلئن أخ َّر من السماء أ َحبُّ‬
‫إل َّى من أكذب عليه»(‪ ,)2‬وقال رضي هللا عنه‪« :‬كنت إذا سمعت من رسول هللا × حديثًا‬
‫نفعني هللا بما شاء منه‪ ،‬وإذا حدثني عنه غيري استحلفته‪ ،‬فإذا حلف لي صدقته»(‪.)3‬‬
‫وكان أمير المؤمنين على رضي هللا عنه يحارب ما يناقض االتباع‪ ،‬فقد قال رضي‬
‫هللا عنه‪« :‬لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعاله»‪.‬‬
‫‪ -2‬حديث أمير المؤمنين على رضي هللا عنه عن دالئل نبوة الرسول ×‪ :‬بيَّن‬
‫أمير المؤمنين على رضي هللا عنه بعضًا من دالئل نبوة النبي × منها ما يلي‪:‬‬
‫(أ) بركة دعائه‪ :‬مرض على رضي هللا عنه مرة فأتاه النبي × وهو يقول‪ :‬اللهم‬
‫إن كان أجلي قد حضر فأرحنى‪ ،‬وإن كان متأخرًا فارفعني‪ ،‬وإن كان البالء فصبرني‪.‬‬
‫فقال له رسول هللا ×‪ :‬ما قلت؟ فأعاد عليه‪ .‬فقال رسول هللا ×‪« :،‬اللهم اشفه‪ ،‬اللهم‬
‫عافه»‪ ،‬ثم قال‪ :‬قم‪ .‬فقمت‪ ،‬فما عاد لي ذلك الوجع بعده(‪,)4‬وسيأتي الحديث بإذن هللا تعالى‬
‫عن دعاء رسول هللا له في خيبر‪.‬‬
‫(ب) إخباره بما فتح الله على نبيه من أمور الغيب‪ :‬قال على بن أبى‬
‫طالب رضي هللا عنه‪ :‬إذا حدثتكم عن رسول هللا × فلئن أخر من السماء أحب إل َّى من أن‬
‫أكذب عليه‪ ،‬وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة»(‪ ,)5‬سمعت رسول هللا ×‬
‫يقول‪« :‬يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان‪ ،‬سفهاء الأحلام‪ ،‬يقولون من‬
‫قول خير البرية‪ ،‬يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية‪ ،‬لا يجاوز‬
‫إيمانهم حناجرهم‪ ،‬فأينما لقيتموهم فاقتلوهم‪ ،‬فإن في فتلهم أجرًا لمن قتلهم‬
‫يوم القيامة»(‪ ،)6‬وسيأتي شرح هذا الحديث وغيره عند حديثنا عن الخوارج وموقف‬
‫أمير المؤمنين على منهم بإذن هللا تعالى‪.‬‬
‫(ج) النصر بالرعب‪ :‬ومن دالئل النبوة التي حدثنا بها على رضي هللا عنه ما رواه‬
‫عن رسول هللا × حيث قال‪« :‬أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا رسول‬
‫هللا ما هو؟ قال‪ :‬نصرت بالرعب‪ ،‬وأعطيت مفاتيح الأرض‪ ،‬وسميت أحمد‪ ،‬وجعل التراب‬
‫لي طهورًا وجعلت أمتى خير الأمم»(‪.)7‬‬

‫‪1‬‬
‫() الشفا للقاضي عياض (‪.)2/556‬‬
‫‪2‬‬
‫() فتح الباري (‪.)6/158‬‬
‫‪3‬‬
‫() سنن ابن ماجة رقم (‪.)1395‬‬
‫‪4‬‬
‫() مسند أحمد (‪ ،)2/151‬تحقيق أحمد شاكر إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫()منهج على في الدعوة إلى هللا‪ ،‬ص (‪ ,)117‬فتح الباري (‪.)6/158‬‬
‫‪6‬‬
‫() البخاري‪ ،‬ك المناقب (‪ )1/281‬والقوم المذكورون هم الخوارج الذين قاتلهم على بن أبى طالب في‬
‫خالفته‪ ،‬وسيأتي الحديث عنهم بالتفصيل بإذن هللا‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() البخاري‪ .‬رقم (‪.)335‬‬
‫‪52‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫(د) خاتم النبوة‪ :‬وضح على رضي هللا عنه من جملة وصفه لرسول هللا ×‬
‫(‪)1‬‬
‫وجود داللة من أبرز الدالئل الحسية على نبوته × حيث يقول‪ :‬بين كتفيه خاتم النبوة ‪.‬‬
‫وهذه العالمة كان أهل الكتاب يعرفونه بها‪ ،‬وهى شيء بارز أحمر عند كتفه األيسر‪،‬‬
‫قدره إذا قُلل قدر بيضة الحمامة‪ ،‬وإذا كبر جمع اليد(‪.)2‬‬
‫(هـ) سلام الجبال على النبي ×‪ :‬أخبر أمير المؤمنين على بن أبى طالب‬
‫رضي هللا عنه عن هذه الداللة حيث قال‪ :‬كنت مع النبي × بمكة‪ ،‬فخرجنا في بعض‬
‫نواحيها‪ ،‬فما استقبله جبل‪ ،‬وال شجر‪ ،‬إال وهو يقول‪ :‬السالم عليك يا رسول هللا(‪.)3‬‬
‫‪ -3‬الترغيب في هدى النبي ×‪:‬كان أمير المؤمنين على رضي هللا عنه يرغب‬
‫المسلمين في لزوم هدى النبي ×‪ ،‬فقد قال في خطبة له في الربذة(‪« :)4‬الزموا دينكم‬
‫واهتدوا بهدى نبيكم‪ ،‬واتبعوا سنته‪ ،‬واعرضوا ما أشكل عليكم على القرآن‪ ،‬فما عرفه‬
‫القرآن فالزموه‪ ،‬وما أنكره فردوه»(‪ ،)5‬وبعد رجوع أمير المؤمنين على بن أبى طالب‬
‫رضي هللا عنه من قتال الخوارج خطب أصحابه خطبة بليغة نافعة جامعة للخير ناهية‬
‫عن الشر‪ ،‬وقد ضمن هذه الخطبة األمر بالتزام هدى النبي × والترغيب فيه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫«واقتدوا بهدى نبيكم ×‪ ،‬فإنه أفضل الهدى‪ ،‬واستنوا بسنته فإنها أفضل السنن»(‪ ،)6‬ولم‬
‫تشغل الفتن الداخلية أمير المؤمنين عليًا رضي هللا عنه والتي حصلت في عهده‪ ،‬عن‬
‫دعوة أصحابه إلى كل خير‪ ،‬ونهيهم عن كل شر(‪ ،)7‬وتحذيرهم من البدع‪ ،‬ومن قوله في‬
‫هذا الشأن‪« :‬إن عوازم األمور أفضلها‪ ،‬وإن محدثاتها شرارها‪ ،‬وكل محدثة بدعة‪ ،‬وكل‬
‫محدث مبتدع‪ ،‬ومن ابتدع فقد ضيع‪ ،‬وما أحدث محدث بدعة إال ترك بها سنة»(‪.)8‬‬
‫‪ -4‬بيان فضله وبعض حقوقه على أمته ×‪ :‬بيَّن أمير المؤمنين على بن أبى‬
‫طالب رضي هللا عنه في معرض حديثه للمسلمين فضائل النبي× ومما قاله في هذا‬
‫المجال‪« :‬فكان مما أكرم هللا به عز وجل هذه األمة‪ ،‬وخصهم به من الفضيلة أن بعث‬
‫إليهم محمدًا ×‪ ،‬فعلمهم الكتاب والحكمة والفرائض والسنة لكيما يهتدوا‪ ،‬وجمعهم لكيما ال‬
‫يتفرقوا‪ ،‬وزكاهم لكيما يتطهروا‪ ،‬ورفههم لكيما ال يجوروا‪ ،‬فلما قضى من ذلك ما عليه‪،‬‬
‫قبضه هللا عز وجل صلوات هللا عليه ورحمته وبركاته»(‪ .)9‬وإليك بعض حقوقه×‪:‬‬
‫(أ) وجوب الصدق عنه والتحذير من الكذب عليه‪ :‬حذر أمير المؤمنين على بن‬
‫‪1‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪ ،)11/513‬البخاري‪ ،‬كتاب المناقب‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() فتح الباري (‪.)563 -6/561‬‬
‫‪3‬‬
‫() سنن الترمذي‪ ،‬ك المناقب (‪ ،)5/93‬المستدرك (‪ )2/620‬صحيح اإلسناد‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() من قرى المدينة على ثالثة أميال‪ ،‬معجم البلدان (‪.)3/24‬‬
‫‪5‬‬
‫() البداية والنهاية (‪ ،)7/246‬تاريخ الطبري‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/319‬‬
‫‪7‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/319‬‬
‫‪8‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/319‬‬
‫‪9‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/262‬‬
‫‪53‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫أبى طالب رضي هللا عنه من الكذب على رسول هللا‪ ،‬فعن ربعي بن حراش قال‪ :‬سمعت على‬
‫بن أبى طالب يقول‪ :‬قال النبي ×‪« :‬لا تكذبوا علىَّ فإنه من كذب علىّ فليلج‬
‫النار»‪ ،‬وحذر أمير المؤمنين على رضي هللا عنه من نقل الكذب‪ -‬وهو يعلم أنه كذب – فيما‬
‫يرويه عن النبي × قال‪« :‬من حدث عني حديثًا وهو يرى أنه كذب فهو أحد‬
‫الكاذبين»(‪.)1‬‬
‫(ب) البعد عن أسباب تكذبيه‪ :‬أرشد أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي‬
‫هللا عنه الناس إلى البعد عن األمر الذي يكون سببًا في تكذيب رسول هللا ×‪ ،‬كتحديث‬
‫الناس بما ال تدركه عقولهم من أقوال رسول هللا ×‪ ،‬فقد قال‪« :‬حدثوا الناس بما‬
‫يعرفون‪ ،‬أتحبون أن يكذب الله ورسوله»(‪ ,)2‬ومعنى الحديث‪ :‬بما يعرفون‪ :‬أي‬
‫يفهمون‪،‬ـ وفيه دليل على أن المتشابه ال ينبغي أن يذكر عند العامة‪ ،‬وممن كره التحديث‬
‫ببعض دون بعض أحمد في األحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان‪ ،‬ومالك في‬
‫أحاديث الصفات‪ ،‬وأبو يوسف في الغرائب‪ ،‬ومن قبلهم أبو هريرة كما تقدم عنه في‬
‫الجرابين‪ ،‬وأن المراد ما يقع من الفتن ونحوه عن حذيفة‪ ،‬وضابط ذلك أن يكون ظاهر‬
‫الحديث يقوى البدعة وظاهره في األصل غير مراد‪ ،‬فاإلمساك عنه عند من يخشى عليه‬
‫األخذ بظاهره مطلوب(‪.)3‬‬
‫(ج) إحسان الظن بحديث رسول الله ×‪ :‬قال أمير المؤمنين على رضي هللا عنه‪:‬‬
‫إذا ُح ّدثتم عن رسول هللا × حديثًا فظنوا به هو أهناه وأهداه وأتقاه(‪.)4‬‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ (‪)5‬‬ ‫ِ‬
‫آمنُوا‬
‫ين َ‬‫صلُّو َن َعلَى النَّب ِّي يَا أ َُّي َها الذ َ‬
‫(د) الصلاة ِعليه‪ :‬قال تعالى‪ + :‬إِ َّن اهللَ َو َمالَئ َكتَهُ يُ َ‬
‫ِ‬
‫صلُّوا َعلَْيه َو َسلِّ ُموا تَ ْسل ً‬
‫يما" [األحزاب‪.]56:‬‬ ‫َ‬
‫وهذا إخبار من هللا سبحانه وتعالى بمنزلة عبده ونبيه في المأل األعلى‪ ،‬بأنه يثنى‬
‫عليه عند المالئكة المقربين‪ ،‬وأن المالئكة تصلى عليه‪ ،‬ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي‬
‫بالصالة والتسليم عليه‪ ،‬ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوى والسفلي جميعًا(‪،)6‬‬
‫ويؤكد أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي هللا عنه هذا الحق لرسول هللا × بوصف‬
‫من لم يص َّل على رسول هللا عند سماع ذكره بالبخل‪ ،‬فيما يرويه عن رسول هللا ×‪ ،‬حيث‬
‫قال‪« :‬البخيل الذي ذكرت عنده فلم يصل علىَّ»(‪.)7‬‬
‫(هـ) محبته لرسول الله ×‪ :‬قال تعالى‪ + :‬قُ ْل إِن َكا َن آبَا ُؤ ُك ْم َوأ َْبنَا ُؤ ُك ْم َوإِ ْخ َوانُ ُك ْم‬
‫ب إِل َْي ُكم‬
‫َح َّ‬ ‫اد َها َو َم َساكِ ُن َت ْر َ‬
‫ض ْو َن َها أ َ‬ ‫وها َوتِ َج َارةٌ تَ ْخ َش ْو َن َك َس َ‬ ‫اج ُك ْم َو َع ِش َيرتُ ُك ْم َوأ َْم َو ٌ‬
‫ال اقَْت َر ْفتُ ُم َ‬ ‫َوأَ ْز َو ُ‬

‫‪1‬‬
‫() صحيح سنن ابن ماجة (‪ )1/13‬قال األلباني‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() البخاري‪ ،‬ك العلم (‪.)1/46‬‬
‫‪3‬‬
‫() فتح الباري (‪ )1/425‬باب من خص بالعلم قو ًما دون قوم‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() مسند أحمد (‪ )2/211‬أحمد شاكر‪ ،‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() صالة هللا تعالى‪ :‬ثناؤه عليه عند المالئكة‪ ،‬وصالة المالئكة‪ :‬الدعاء‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() تفسير ابن كثير (‪ ،)3/508‬منهج على بن أبى طالب في الدعوة‪ :‬ص(‪.)129‬‬
‫‪7‬‬
‫() صحيح سنن الترمذي (‪ )3/177‬صحيح‪.‬‬
‫‪54‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ ِ ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين"‬ ‫ِّم َن اهلل َو َر ُسوله َوج َهاد في َسبِيله َفَت َربَّ ُ‬
‫صوا َحتَّى يَأْت َي اهللُ بأ َْم ِره َواهللُ الَ َي ْهدي الْ َق ْو َم الْ َفاسق َ‬
‫[التوبة‪ .]24 :‬فاآلية نصت على وجوب محبة هللا ورسوله‪ ،‬وأن تلك المحبة يجب أن تكون‬
‫مقدمة على كل محبوب‪ ،‬وال خالف في ذلك بين األمة(‪ ،)1‬وقال تعالى‪+ :‬قُ ْل إِن ُك ْنتُ ْم تُ ِحبُّو َن‬
‫يم" [آل عمران‪ .]31:‬ففي هذه اآلية‬ ‫اهلل فَاتَّبِعونِي يحبِب ُكم اهلل وي ْغ ِفر لَ ُكم ذُنُوب ُكم واهلل غَ ُف ِ‬
‫ور َّرح ٌ‬ ‫َ ُ ُ ْ ْ ُ ُ ََ ْ ْ َ ْ َ ُ ٌ‬
‫إشارة ضمنية إلى وجوب محبة النبي ×‪ ،‬ألن هللا تبارك وتعالى قد جعل برهان محبته‬
‫تعالى ودليل صدقها هو أتباع النبي ×‪ ،‬وهذا األتباع ال يتحقق وال يكون إال بعد اإليمان‬
‫بالنبي ×‪ ،‬واإليمان به البد من تحقق شروطه التي منها محبة النبي ×‪ ،‬فعن أبى هريرة‬
‫رضي هللا عنه أن رسول هللا × قال‪« :‬فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون‬
‫أحب إليه من ولده ووالده»(‪ )2‬ومما ال ريب فيه أن حظ الصحابة من حبه× كان أتم‬
‫وأوفر‪ ،‬ذلك أن المحبة ثمرة المعرفة‪ ،‬وهم بقدره × ومنزلته أعلم وأعرف من غيرهم‪،‬‬
‫فبالتالي كان حبهم له× أشد وأكبر(‪ ،)3‬وقد سئل أمير المؤمنين على رضي هللا عنه‪ :‬كيف‬
‫كان حبكم لرسول هللا ×؟ قال‪ :‬كان وهللا أحب إلينا من أموالنا وأوالدنا وآبائنا وأمهاتنا‬
‫ومن الماء البارد على الظمأ(‪ ،)4‬وهذه الخصوصية المطلقة ليست ألحد غير رسول هللا ×‪.‬‬
‫‪ -5‬المعرفة الدقيقة الشاملة لمالمح الشخصية النبوية‪ :‬لقد ساعدت الصلة‬
‫األسرية‪ ،‬والمعايشة الطويلة القريبة‪ ،‬والتتبع الدقيق لما خص هللا به نبيه من نفسية نبوية‪،‬‬
‫ومكارم أخالق وميول واتجاهات‪ ،‬أمير المؤمنين عليًا رضي هللا عنه على معرفته الدقيقة‬
‫الشاملة للشخصية النبوية وخصائصها والقدرة على وصفها‪،‬ـ والتنويه بجوانب دقيقة في‬
‫سيرته وخلقه‪ ،‬يالحظ ذلك فيما روى عنه من وصف رسول هللا وحليته وخلقه وسلوكه ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬

‫(أ) بيان خَلْقه‪ :‬قال أمير المؤمنينـ على رضي هللا عنه‪« :‬كان رسول هللا × ليس‬
‫بالطويل وال بالقصير‪ ،‬شثن الكفين(‪ )6‬والقدمين‪ ،‬مشرب وجهه حمرة‪ ،‬طويل ال ْم ْسرُبة(‪ ,)7‬ضخم‬
‫الكراديس(‪ ،)8‬إذا مشى تكفَّأ تكفَّؤًا‪ ،‬كأنماـ ينحط من صبب(‪ ،)9‬لم أر قبله وال بعد مثله×(‪ ،)10‬وعن‬

‫‪1‬‬
‫() تفسير القرطبي (‪.)8/95‬‬
‫‪2‬‬
‫() البخاري رقم ‪4‬فتح الباري (‪.)1/58‬‬
‫‪3‬‬
‫() حقوق النبي على أمته (‪.)1/314‬‬
‫‪4‬‬
‫() الشفا (‪ )2/568‬للقاضي عياض‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() المرتضى‪ :‬ص (‪.)43 -39‬‬
‫‪6‬‬
‫() أي خشن الكفين غليظهما‪ :‬الصحاح للجوهري (‪.)5/214‬‬
‫‪7‬‬
‫() الشعر المستدق الذي يأخذ من الصدر إلى السرة‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() ال ُكردوس‪ :‬كل عظم تام ضخم فهو كردوس‪ ،‬وكل عظمين التقيا في مفصل فهو كردوس‪ ،‬وأراد على‬
‫أنه × ضخم األعضاء‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() الصبب هو الموضع المنحدر‪ ،‬وهذه الصفة من المشي تعني أن النبي × كان قويًا‪ ،‬فإذا مشى فكأنما‬
‫يمشي على صدور قدميه من القوة‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫() مسند أحمد ‪ 1/96‬برقم (‪)746‬ط‪ /‬الرسالة – إسناده صحيح‪ ،‬صححه األلباني في صحيح سنن‬
‫الترمذي‪.‬‬
‫‪55‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫محمد بن على عن أبيه قال‪ :‬كانـ رسول هللا × ضخم الرأس‪ ،‬عظيمـ العينين‪ ،‬هَ ِدب األشفار(‪– )1‬‬
‫قال حسن(‪ :)2‬الشفار‪ُ -‬مشرب العينين بحمرة‪ ،‬كث اللحية‪ ،‬أزهر اللون‪ ،‬شثن الكفين والقدمين‪،‬‬
‫إذا مشى تكفأ كأنماـ يمشي في صعد‪ ،‬وإذا التفت التفت جميعًا(‪ ،)3‬وعند الترمذي عن محمد من‬
‫ولد على بن أبى طالب رضي هللا عنه قال‪ :‬كان على رضي هللا عنه إذا وصف النبي × قال‪:‬‬
‫«لم يكن بالطويل الممغط(‪ ,)4‬وال بالقصير المتردد(‪ ،)5‬وكان ربعة من القوم‪ ،‬ولم يكن بالجعد‬
‫القطط(‪ ،)6‬وال بالسبط‪ ،‬كان جعدًا رجالً‪ ،‬ولم يكن بالمطهمـ(‪ )7‬وال بالمكلثم(‪ ،)8‬وكانـ في الوجه‬
‫تدوير‪ ،‬أبيض مشرب‪ ،‬شثن الكفين والقدمين‪ ،‬إذا مشى تقلع‪ ،‬كأنماـ يمشي في صبب‪ ،‬وإذا التفت‬
‫التف(‪ )9‬معًا‪.‬‬
‫«كما أن على بن أبى طالب رضي هللا عنه بين صفة من صفات جسد النبي × بعد‬
‫موته‪ ،‬وأمرًا لم يعرفه غيره – ربما من كان يغسله معه(‪ – )10‬حيث يقول‪ :‬غسلت رسول‬
‫هللا ×‪ ،‬فجعلت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئًا‪ ،‬وكان طيبًا حيًا وميتًا ×(‪ ،)11‬وكان‬
‫على رضي هللا عنه يقول وهو يغسله‪ :‬بأبى أنت وأمي‪ ،‬ما أطيبك حيًا وميتًا(‪.)12‬‬
‫(ب) بيان خُلُقِه‪ :‬تحدث أمير المءمنين على رضي هللا عنه عن أخالق النبي ×‪،‬‬
‫فقال‪« :‬كان أجود الناس كفًا‪ ،‬وأشرحهم صدرًا وأصدق الناس لهجة‪ ،‬وألينهم عريكة(‪،)13‬‬
‫وأكرمهم عشرة‪ ،‬من رآه بديهة هابه‪ ،‬ومن خالطه معرفة أحبه‪ ،‬يقول ناعته‪ :‬لم أر قبله وال‬
‫بعده مثله»(‪ ،)14‬وأخبرنا عن شجاعة الرسول ×‪ ،‬وقوة بأسه‪ ،‬وأن عليًا ومن كان معه مع‬
‫شجاعتهم أيضًا وقوة بأسهم التي سطرتها أخبار المغازي‪ ،‬كانوا إذا اشتدت الحرب‬
‫يلوذون برسول هللا ×‪ ،‬فيقولـ على رضي هللا عنه‪« :‬لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول‬
‫‪1‬‬
‫() هى حروف األجفان وأصول منابت الشعر في الجفن التي تلتقي عند التغميض‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() حسن بن موسى الراوى عن حماد عبد هللا بن محمد بن عقيل بن محمد بن على‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() مسند أحمد ‪ 1/89‬برقم (‪ )684‬ط‪ /‬الرسالة‪ -‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() الممغط‪ :‬الذاهب طوالً‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() المتردد‪ :‬الداخل بعضه في بعض قصرًا‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() القطط‪ :‬الشديد الجعودة‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() المطهم‪ :‬البادن الكثير اللحم‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() المكلثم‪ :‬الممتلئ لحم الخدين والوجه‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() سنن الترمذي‪ ،‬ك المناقب (‪ )5/599‬حسن غريب إسناده غير متصل‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫() كالعباس والفضل وقثم بن عباس يقلبونه‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫() صحيح سنن ابن ماجة لأللباني (‪ ،)1/247‬الحاكم في المستدرك (‪ )3/59‬واللفظ له صحيح على شرط‬
‫الشيخين ولم يخرجاه‪ ،‬ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫() السيرة النبوية البن هشام (‪.)2/662‬‬
‫‪13‬‬
‫() العريكة‪ :‬الطبيعة‪ ،‬وفالن لين العريكة‪ :‬إذا كان سلسًا‪ ،‬انظر منهج على بن أبى طالب ص ‪.110‬‬
‫‪14‬‬
‫() وهو تتمة للحديث السابق‪.‬‬
‫‪56‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫هللا ×‪ ،‬وهو أقربنا إلى العدو‪ ،‬وكان من أشد الناس يومئذ بأسًا»(‪ ،)1‬وفي رواية أخرى‪ :‬كنا‬
‫إذا احمر البأس‪ ،‬ولقي القو ُم القو َم اتقينا برسول هللا×‪ ،‬فما يكون منا أحد أدنى من القوم‬
‫منه(‪ ،)2‬وبين على رضي هللا عنه من أخالق رسول هللا × من الرحمة والكرم‪ ،‬والشجاعة‬
‫والتواضع‪ ،‬ما ورد في وصفه لرسول هللا × لليهود الذين طلبوا منه ذلك حيث يقول‪ :‬كان‬
‫أرحم الناس بالناس؛ لليتيم كاألب الرحيم‪ ،‬والألرملة كالكريم‪ ،‬أشجع الناس‪ ،‬وأبذلهم كفًا‪،‬‬
‫وأصبحهم وجهًا‪ ،‬لباسه العباء وطعامه خبز الشعير‪ ،‬وإدامه اللبن‪ ،‬ووساده األدم محشو‬
‫بليف النخل‪ ،‬سريره أم غيالن مرمل بالشريف(‪ ،)3‬كان له عمامتان إحداهما تدعي‬
‫السحاب(‪ ،)4‬واألخرى العقاب‪ ،‬وكان سيفه ذا الفقار(‪ ،)5‬ورايته الغراء وناقته العضباء(‪،)6‬‬
‫وبغلته دلدل(‪ ،)7‬وحماره يعفور‪ ،‬وفرسه مرتجز(‪ ،)8‬وشاتهن بركة‪ ،‬ولواؤه الحمد‪ ،‬وكان‬
‫يعقل البعير ويعلف الناضح(‪ ،)9‬ويرقع الثوب‪ ،‬ويخصف النعل(‪.)10‬‬
‫‪ -6‬نماذج من اتباع أمير المؤمنين للسنة‪ :‬كان أمير المؤمنين على شديد الحرص‬
‫على االقتداء بالنبي ×‪ ،‬وحياته العملية خير دليل على ذلك‪ ،‬وهذه بعض األمثلة المتنوعة‬
‫التي كان يتبع فيها النبي وال يفرق بين صغيرة وال كبيرة‪:‬‬
‫‪ -‬دعاء الركوب على الدواب‪ :‬عن عبد الرزاق‪ :‬أخبرني من شهد عليًا حين ركب‪،‬‬
‫فلما وضع رجله في الركاب‪ ،‬قال‪ :‬بسم هللا‪ ،‬فلما استوى قال‪ :‬الحمد هلل‪ ،‬سبحان الذي سخر‬
‫لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون‪ ،‬ثم حمد ثالثًا وكبر ثالثًا‪ ،‬ثم قال‪ :‬اللهم ال‬
‫إله إال أنت‪ ،‬ظلمت نفسي فاغفر لي‪ ،‬إنه ال يغفر الذنوب إال أنت‪ ،‬ثم ضحك‪ ،‬قال‪ ،‬فقيل‪ :‬ما‬
‫يضحكك يا أمير المؤمنين؟ قال‪ :‬رأيت النبي × فعل مثل ما فعلت‪ ،‬وقال مثل ما قلت‪ ،‬ثم‬
‫ضحك‪ ،‬فقلنا‪ :‬ما يضحك يا نبي هللا؟ قال‪ :‬العبد – أو قال‪ :‬عجبت للعبد‪ -‬إذا قال‪ :‬لا‬
‫إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي‪ ،‬إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت‪ ،‬يعلم أنه‬
‫لا يغفر الذنوب إلا هو(‪.)11‬‬
‫‪ -‬الشرب قائ ًما‪ ،‬وقاعدًا‪:‬عن عطاء بن السائب عن زادان‪ :‬أن على بن أبى طالب‬

‫‪1‬‬
‫() مسند أحمد (‪ )2/64‬تحقيق أحمد شاكر‪ ،‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسند أحمد (‪ )2/343‬وقال المحقق‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() قال ابن القيم في زاد المعاد‪ :‬كان رسول هللا × ينام على الفرش تارة‪ ،‬وعلى النطع تارة‪ ،‬وعلى‬
‫الحصير تارة‪ ،‬وعلى األرض تارة‪ ،‬وعلى السرير تارة بين رماله‪ ،‬وتارة على كساءـ أسود (‪ )1/155‬زاد‬
‫المعاد‪ :‬السرير المرمل‪ :‬أي المنسوج‪ ،‬لسان العرب (‪.)11/295‬‬
‫‪4‬‬
‫() وهى العمامة التي كساها عليًا (زاد المعاد ‪.)1/135‬‬
‫‪5‬‬
‫() للرسول تسعة أسياف منها ذو الفقار تنفله يوم بدر (زاد المعاد ‪.)1/130‬‬
‫‪6‬‬
‫() وهى غير القصواء المشهورة والعضباء هي التي كانت ال تسبق‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() بغلة شهباءـ أهداها له المقوقس وله غيرها (زاد المعاد ‪.)1/134‬‬
‫‪8‬‬
‫() زاد المعاد (‪ )1/133‬ملك سبعة من الخيل‪ ،‬متفق عليها‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() الناضح‪ :‬البعير الذي يستسقى عليه الماء (لسان العرب ‪.)2/619‬‬
‫‪10‬‬
‫() الرياض النضرة في مناقب العشرة (‪.)2/163‬‬
‫‪11‬‬
‫() مسند أحمد الموسوعة الحديثة رقم ‪930‬حسن لغيره‪.‬‬
‫‪57‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫شرب قائ ًما‪ ،‬فنظر إليه الناس كأنهم أنكروه‪ ،‬فقال‪ :‬ما تنظرون؟ (‪ )1‬إن أشرب قائ ًما‪ ،‬فقد‬
‫رأيت النبي × يشرب قائ ًما‪ ،‬وإن أشرب قاعدًا‪ ،‬فقد رأيت النبي × يشرب قاعدًا(‪.)2‬‬
‫‪ -‬تعليم وضوء رسول هللا ×‪ :‬عن عبد خير‪ :‬علمنا عل ّى وضوء رسول هللا ×‪،‬‬
‫فصب الغالم على يديه حتى أنقاهما‪ ،‬ثم أدخل يده في الركوة‪ ،‬فمضمض واستنشق‪،‬‬
‫وغسل وجهه ثالثًا ثالثًا‪ ،‬وذراعيه إلى المرفقين ثالثًا ثالثًا‪ ،‬ثم أدخل يده في الركوة فغمز‬
‫أسفلها بيده ثم أخرجها فمسح بها األخرى‪ ،‬ثم مسح بكفيه رأسه مرة‪ ،‬ثم غسل رجليه إلى‬
‫الكعبين ثالثًا ثالثًا‪ ،‬ثم اغترف هُنّية من ماء بكفه فشربه‪ ،‬ثم قال‪ :‬هكذا كان رسول هللا‬
‫يتوضًا(‪.)3‬‬
‫‪ -‬نهى رسول هللا × لعلي عن أشياء‪ :‬عن عبد هللا بن حنين عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬سمعت‬
‫على ابن أبى طالب يقول‪ :‬نهاني رسول هللا × عن تختم الذهب‪ ،‬وعن لُبس القَسِّ‬
‫والمعصفر‪،‬ـ وقراءة القرآن وأنا راكع‪ ،‬وكساني حلة من سيراء فخرجت فيها‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫على‪ ،‬إني لم أكسكها لتلبسها‪ ،‬قال‪ :‬فرجعت بها إلى فاطمة‪ ،‬فأعطيتها ناحيتها فأخذت بها‬
‫لتطويها معي‪ ،‬فشققتها بثنتين قال‪ :‬فقالت‪ :‬تربت يداك يا ابن أبى طالب‪ ،‬ماذا صنعت؟‬
‫قال‪ :‬فقلت لها‪ :‬نهاني رسول هللا × عن لبسها‪ ،‬فالبسي واكسي نساءك(‪.)4‬‬
‫‪ -‬الذنوب والمغفرة‪ :‬عن على رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ×‪« :‬من أذنب في‬
‫الدنيا ذنبًا فعوقب به‪ ،‬فالله أعدل من أن يثني عقوبته على عبده‪ ،‬ومن‬
‫أذنب ذنبًا في الدنيا فستر الله عليه‪ ،‬وعفا عنه‪ ،‬فالله أكرم من أن يعود‬
‫في شيء قد عفا عنه»(‪.)5‬‬
‫‪ -‬إنما الطاعة في المعروف‪:‬عن على رضي هللا عنه‪ :‬أن رسول هللا × بعث جي ًشا‪،‬‬
‫وأمر عليهم رجالً‪ ،‬فأوقد نارًا‪ ،‬فقال‪ :‬ادخولها! فأراد ناس أن يدخلوها‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬إنما‬
‫فررنا منها‪ ،‬فذكر ذلك لرسول هللا×‪ ،‬فقال للذين أرادوا أن يدخلوها‪« :‬لو دخلتموها لم‬
‫تزالوا فيها إلى يوم القيامة»‪ .‬وقال لآلخرين قوالً حسنًا‪ ،‬وقال‪ :‬لا طاعة في‬
‫معصية الله إنما الطاعة في المعروف(‪ ،)6‬والحديث يبين بأن الطاعة للحكام مقيدة‬
‫بطاعة هللا ورسوله‪ ،‬والطاعة المطلقة ليست ألحد إال هلل ورسوله×‪.‬‬
‫‪ -‬ال يأتي على الناس مائة سنة وعلى األرض عين تطرف‪ :‬دخل أبو مسعود‬
‫عقبة بن عمرو األنصاري على عل َّى بن أبى طالب‪ ،‬فقال له عل ّى‪ :‬أنت الذي تقول‪ «:‬لا‬
‫يأتي على الناس مائة سنة وعلى الأرض عين تطرف ممن هو حىّ اليوم»‪ ،‬وهللا إن‬
‫رخاء هذه األمة بعد مائة عام(‪.)7‬‬
‫‪ -‬دعاء الرسول × ألهل المدينة بالبركة‪ :‬عن على بن أبى طالب رضي هللا عنه‪ ،‬أنه‬
‫‪1‬‬
‫() في رواية‪ :‬ما تنكرون‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسند أحمد رقم ‪1128‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() مسند أحمد الموسوعة الحديثة رقم ‪ ،876‬صحيح لغيره‪ ،‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه رقم ‪ 710‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر نفسه رقم ‪ 1365‬إسناد حسن‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() مسند أحمد رقم ‪ 724‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() المصدر نفسه رقم ‪ 714‬إسناده قوى‪.‬‬
‫‪58‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫قال‪ :‬خرجنا مع رسول هللا ×‪ ،‬حتى إذا كنا بالحرة بالسُّقيا التي كانت لسعد بن أبى وقاص‪،‬‬
‫قال رسول هللا ×‪« :‬ائتوني بوَضوء»‪ ،‬فلما توضأ قام فاستقبل القبلة‪ ،‬ثم كبر‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫«اللهم إن إبراهيم كان عبدك وخليلك دعا لأهل مكة بالبركة‪ ،‬وأنا محمد‬
‫عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في مُدهم وصاعهم مثل ما‬
‫باركت لأهل مكة‪ ،‬مع البركة بركتين»(‪.)1‬‬
‫‪ -‬دعاء الكرب‪ :‬عن على بن أبى طالب رضي هللا عنه قال‪« :‬علمني رسول هللا ×‬
‫إذا نزل بي كرب أن أقول‪ :‬ال إله إال هللا الحليم الكريم‪ ،‬سبحان هللا‪ ،‬وتبارك هللا رب‬
‫العرش العظيم‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين»(‪ .)2‬والحديث يرشد إلى ضرورة التعلق باهلل‬
‫وحده واالعتماد عليه وااللتجاء إليه‪ ،‬فال يكشف الكرب إال هو سبحانه‪ ،‬وال يجيب‬
‫المضطر إذا دعاه إال الذي خلقه‪ ،‬فال ملجأ من هللا إال إليه‪ ،‬ففيه إرشاد وتعليم إلى كل مسلم‬
‫بأن يعتمد على هللا في كل أحواله وشأنه‪.‬‬
‫‪ -‬ما أسر إل َّى شيئًا كتمه الناس‪ :‬عن أبى الطفيل قال‪ :‬قلنا لعلي‪ :‬أخبرنا بشيء‬
‫أسره إليك رسول هللا ×‪ .‬فقال‪ :‬ما أسر إل َّى شيئًا كتمه الناس‪ ،‬ولكن سمعته يقول‪ :‬لعن‬
‫الله من ذبح لغير الله‪ ،‬ولعن الله من آوى محدثًا‪ ،‬ولعن الله من لعن‬
‫والديه‪ ،‬ولعن الله من غيَّر تخوم الأرض‪ ,‬يعني المنار(‪ ،)3‬ففي قوله ×‪ :‬لعن هللا‪:‬‬
‫اللعن من هللا‪ :‬الطرد واإلبعاد عن رحمة هللا‪ ،‬قوله‪ :‬من ذبح لغير هللا‪ :‬يشمل كل من سوى‬
‫هللا حتى لو ذبح لنبي أو ملك‪ ،‬أو جنى أو غيرهم‪ ،‬فلو كانت هذه األمور هينة في دين هللا‬
‫لما وصلت إلى درجة يستحق فاعلها اللعن من‬
‫رسول هللا ×‪.‬‬
‫‪ -‬إن هللا رفيق يحب الرفق‪:‬عن على بن أبى طالب رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول‬
‫هللا ×‪« :‬إن الله رفيق يحب الرفق‪ ،‬ويعطي على الرفق ما لا يعطي على‬
‫العنف»(‪.)4‬‬
‫‪ -‬تعجيل الصدقة(‪ )5‬قبل أن تحل‪:‬عن على أن العباس بن عبد المطلب سأل النبي ×‬
‫في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك(‪.)6‬‬
‫‪ -‬العشر األواخر من رمضان‪:‬عن على رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬كان رسول هللا يوقظ‬
‫أهله في العشر األواخر‪ ،‬ويرفع المئزر(‪.)7‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الرواة عن على بن أبى طالب رضي هللا عنه‪:‬‬
‫كان أمير المؤمنين على رضي هللا عنه أعلم الصحابة بالسنة في عهده‪ ،‬إذ روى أنه‬

‫‪1‬‬
‫() المصدر نفسه رقم ‪ 936‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه رقم ‪ 701‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه رقم ‪ 855‬إسناده قوى‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() مسند أحمد رقم ‪902‬حديث حسن الشواهد‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() تعجيل الصدقة‪ :‬أي تعجيل الزكاة‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() مسند أحمد رقم ‪822‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() مسند أحمد رقم ‪1116‬إسناده حسن (‪.)3/195‬‬
‫‪59‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ذكر على عند عائشة‪ ،‬فقالت‪ :‬أما أنه أعلم من بقي في السنة (‪ ،)1‬ومع ذلك فقد روى عن‬
‫النبي × خمسمائة وستة ثمانين حديثًا(‪ ،)2‬وهو أقل مما رواه بعض الصحابة عن النبي ×‬
‫ألسباب منها‪.‬‬
‫‪ -1‬انشغاله بالقضاء واإلمارة والحروب التي جعلته ال يتفرغ للفتيا وعقد حلقات‬
‫الدروس التي كانت سببًا في انتشار عمل بعض الصحابة‪ ،‬كعبد هللا بن مسعود‬
‫وعبد هللا بن عباس‪.‬‬
‫‪ -2‬ظهور أهل األهواء والبدع من الذين أفرطوا فيه والذين فرطوا به كان سببًا في‬
‫كثرة الكذب عليه‪ ،‬لذلك بذل العلماء جهدهم في معرفة صحة الطرق الموصلة‬
‫إليه‪.‬‬
‫‪ -3‬كثرة الفتن في زمانه وانشغال بعض الناس بها حال دون ثقته رضي هللا عنه بمن‬
‫يضع فيه علمه‪ ،‬إذا رُوى عنه أنه قال‪ :‬إن هاهنا عل ًما لو أصبت له حملة(‪.)3‬‬
‫وقد الحظنا في منهج أمير المؤمنين في الرواية وقبول الحديث ما يأتي‪:‬‬
‫‪ -1‬الحذر من الكذب على النبي × إذ هو أحد الرواة لقوله ×‪« :‬من كذب علىّ‬
‫متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار»(‪.)4‬‬
‫‪ -2‬االستيثاق من الرواية فإنه كان يحلف الراوى عليها‪ ،‬فقد روى أنه قال‪ :‬كنت إذا‬
‫سمعت من رسول هللا × حديثًا نفعني هللا بما شاء أن ينفعني منه‪ ،‬وكان إذا حدثني غيره‬
‫استحلفته‪ ،‬فإذا حلف صدقته(‪.)5‬‬
‫‪ -3‬عدم رواية المنكر والشاذ من الحديث‪ ،‬إذ ورد عنه أنه قال‪ :‬حدثوا الناس بما‬
‫يعرفون ودعوا ما ينكرون‪ ،‬أتريدون أن يكذب هللا ورسوله(‪ ،)6‬وقد روى على رضي هللا‬
‫عنه عن أبى بكر وعمر والمقداد بن األسود وزوجته فاطمة‪.‬‬
‫وروى عن على خلق كثير من الصحابة والتابعين وأهل بيته‪ ،‬فمن أشهر من روى‬
‫عنه من الصحابة‪:‬‬
‫‪ -1‬أبو أمامة إياس بن ثعلبة األنصاري‪ :‬من بنى حارثة‪ ،‬وهو ابن أخت أبى‬
‫بردة‪ ،‬له عن النبي × ثالثة أحاديث‪ ،‬وهو الذي أمره الرسول × أن يقيم على أمه‬
‫يوم بدر(‪.)7‬‬
‫‪ -2‬أبو رافع القبطي مولى رسول هللا × يقال اسمه إبراهيم‪ ،‬وقيل‪ :‬سنان‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫يسار‪ ،‬قال ابن عبد البر‪ :‬أشهر ما قيل في اسمه أسلم‪ ،‬مات في عهد على بن أبى‬
‫‪1‬‬
‫() الطبقات (‪.)2/338‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ الخلفاء ص‪.171‬‬
‫‪3‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪ )1/3‬نقال عن أعالم الموقعين‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() صحيح سنن ابن ماجة (‪ )1/13‬وقال األلباني‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() سنن ابن ماجة رقم ‪1395‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() البخاري‪ ،‬ك العلم (‪.)1/46‬‬
‫‪7‬‬
‫() االستيعاب (‪ )1/1601‬أي يقيم على خدمة أمه‪.‬‬
‫‪60‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫طالب سنة ‪40‬هـ(‪.)1‬‬
‫‪ -3‬أبو سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان بن ثعلبة األنصاري‪ ،‬خرج مع‬
‫رسول هللا × وهو ابن خمس عشرة سنة توفى سنة ‪74‬هـ(‪.)2‬‬
‫‪ -4‬جابر بن عبد هللا بن عمرو بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب األنصاري‬
‫السلمى‪ ،‬شهد صفين مع على وتوفى ‪78‬هـ‪ ،‬وكان من الحفاظ للسنن‪.‬‬
‫‪ -5‬جابر بن سمرة بن جنادة بن جندب العامري السوائي حليف بني زهرة‪ ،‬وأمه‬
‫خالدة بنت أبى وقاص‪ ،‬يكنى‪ :‬أبا عبد هللا‪ ،‬قال‪ :‬صليت مع رسول هللا أكثر من‬
‫ألفى مرة‪ ،‬نزل الكوفة وتوفى بها سنة ‪74‬هـ(‪.)3‬‬
‫‪ -6‬زيد بن أرقم بن زيد بن قيس بن النعمان قيل‪ :‬كنيته أبو عمر‪ ،‬وقيل أبو‬
‫عامر‪ ،‬مات بالكوفة سنة‪66‬هـ‪ ،‬وقيل ‪68‬هـ‪.‬‬
‫‪ -7‬عبد هللا بن جعفر بن أبى طالب ابن أخي على‪ ،‬ولد بأرض الحبشة‪ ،‬وهو‬
‫أول مولود في اإلسالم توفى سنة ‪80‬هـ‪ ،‬وهو ابن تسعين سنة(‪.)4‬‬
‫‪ -8‬عبد هللا بن عمر بن الخطاب القرشى العدوى‪ ،‬أسلم مع أبيه قبل أن يبلغ‬
‫الحلم‪ ,‬توفى في مكة‪ ،‬سنة ‪63‬هــ‪،‬وهو ابن أربع وثمانين(‪.)5‬‬
‫‪ -9‬عبد هللا بن مسعود بن غافل بن وائل الهذلي من أوائل المسلمين توفى‬
‫‪32‬هـ (‪.)6‬‬
‫‪ -10‬عمرو بن حريث بن عثمان القرشي المخزومي يكنى أبا سعيد‪ ،‬رأى النبي‬
‫× وسمع منه ومسح على رأسه ودعا له بالبركة‪ ،‬نزل الكوفة وكان له قدر‬
‫وشرف‪ ،‬مات سنة ‪85‬هـ(‪.)7‬‬
‫‪ -‬من روىـ عنه من أهل بيته‪ :‬روى عنه من أهل بيته كل من‪:‬‬
‫‪ -1‬ولده الحسن بن على سبط رسول هللا ×‪.‬‬
‫‪ -2‬ولده الحسين بن على سبط رسول هللا × قتل يوم عاشوراء سنة ‪61‬هـ وهو ابن‬
‫‪56‬سنة (‪.)8‬‬
‫‪ -3‬ولده محمد بن على بن أبى طالب أبو القاسم المدني المعروف بابن الحنفية‪،‬‬
‫نسبة إلى أمه خولة بنت جعفر بن قيس من بنى حنيفة‪ ،‬قال العجلي‪ :‬تابعي ثقة كان رجالً‬
‫‪1‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)2/16‬‬
‫‪2‬‬
‫() االستيعاب (‪.)4/1671‬‬
‫‪3‬‬
‫() االستيعاب (‪.)1/219‬‬
‫‪4‬‬
‫() اإلصابة (‪.)4/276‬‬
‫‪5‬‬
‫() وفيات األعيان (‪.)2/236‬‬
‫‪6‬‬
‫() االستيعاب (‪.)2/988‬‬
‫‪7‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)3/1672‬‬
‫‪8‬‬
‫() تهذيب التهذيب (‪.)2/357‬‬
‫‪61‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫صالحًا يكنى أبا القاسم‪ ،‬ولد في والية عمر ومات سنة ‪ ،73‬وقيل ‪ ،80‬وقيل ‪ ،81‬وقيل‬
‫‪ ،82‬وقيل ‪93‬هـ(‪.)1‬‬
‫‪ -4‬حفيده محمد بن عمر بن على بن أبى طالب ذكره ابن حبان في الثقات(‪.)2‬‬
‫‪ -5‬حفيده على بن الحسين بن على بن أبى طالب الملقب بزين العابدين من سادات‬
‫التابعين‪ ،‬وأمه سالفة بنت يزدجرد آخر ملوك فارس‪ ،‬أرسل عن جده على بن أبى طالب‪.‬‬
‫قال العجلي‪ :‬مدني تابعي ثقة‪ ،‬توفى سنة ‪94‬هـ‪ ،‬وكان عمره ثمان وخمسين سنة(‪.)3‬‬
‫‪ -6‬ابن أخته جعدة بن هبيرة بن أبى وهب بن عمرو بن عائد بن عمران بن‬
‫مخزوم وأمه أم هانئ بنت أبى طالب‪ ،‬ولد على عهد النبي × وله صحبة‪ ،‬ولي خراسان‪،‬‬
‫وسكن الكوفة‪ ،‬قال العجلي‪ :‬مدني تابعي ثقة روى عن على (‪.)4‬‬
‫‪ -7‬سريته أم موسى‪ ،‬قيل اسمها فاختة‪ ،‬وقيل حبيبة‪ ،‬قال الدارقطني‪ :‬حديثها مستقيم‪،‬‬
‫وقال العجلي‪ :‬كوفية تابعية ثقة(‪.)5‬‬
‫‪ -‬أشهر من روى عن على من التابعين‪:‬‬
‫‪ -1‬أبو األسود الدؤلي البصري‪ ،‬القاضي‪ ،‬اسمه ظالم بن عمرو بن سفيان‪ ،‬ويقال‬
‫اسمه عمرو بن عثمان‪ ،‬ويقال عثمان بن عمرو‪ ،‬أسلم على عهد النبي × وقاتل مع على‬
‫يوم الجمل‪ ،‬وثقه ابن معين والعجلي وغيرهما‪ ،‬وتوفى في والية عبيد هللا بن زياد سنة‬
‫‪.)6(69‬‬
‫‪ -2‬أبو بردة بن موسى األشعري الفقيه‪ ،‬واسمه الحارث‪ ،‬وقيل عامر‪ ،‬وثقه ابن سعد‬
‫والعجلي وابن حبان‪ ،‬وقال العجلي‪ :‬كانـ على قضاء الكوفة بعد شريح‪ ،‬روى عن أبيه وعلى‬
‫وحذيفة وعبد هللا بن سالم وعائشة وغيرهم‪ ،‬قيل‪ :‬مات سنة ‪ 83‬وقيل ‪ ،104‬وقيل ‪107‬هـ(‪.)7‬‬
‫‪ -3‬أبو عبد الرحمن السلمى عبد هللا بن حبيب بن ربيعة‪ ،‬أبو عبد الرحمن‬
‫السلمى الكوفي القارئ‪ ،‬وألبيه صحبة‪ ،‬وثقه العجلي والنسائي وأبو داود‪ ،‬روى عن عمر‬
‫وعثمان وعلى وسعد‪ ،‬وخالد بن الوليد وابن مسعود وحذيفة وغيرهم‪ ،‬قيل مات سنة‬
‫‪72‬هـ‪ ،‬وقيل ‪ ،85‬وهو ابن خمس وثمانين سنة‪ ،‬شهد مع على صفين(‪.)8‬‬
‫‪ -4‬زر بن حبيش بن حبابة بن أوس األسدي أبو مريم‪ ،‬ويقال أبو مطرف‬
‫الكوفي‪ ،‬ذكر ابن معين أنه ثقة‪ ،‬مات سنة ‪81‬هــ‪ ،‬وقيل ‪ 82‬وقيل‪ 83‬وهو ابن مائة‬

‫‪1‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)2/306‬‬
‫‪2‬‬
‫()المصدر السابق (‪.)2/82‬‬
‫‪3‬‬
‫() تهذيب التهذيب (‪ ،)12/481‬لسان الميزان (‪.)7/533‬‬
‫‪4‬‬
‫() تهذيب التهذيب (‪.)12/10/11‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)12/19‬‬
‫‪6‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)5/184‬‬
‫‪7‬‬
‫() طبقات ابن سعد (‪.)6/103‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)6/103‬‬
‫‪62‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وعشرين(‪.)1‬‬
‫‪ -5‬زيد بن وهب الجهنى من قضاعة‪ ،‬يكنى أبا سليمان‪ ،‬من أجلة التابعين وثقاتهم‬
‫متفق على االحتجاج به‪ ،‬وثقه ابن معين وغيره‪ ،‬ومات قبل سنة تسعين أو بعدها من والية‬
‫الحجاج(‪.)2‬‬
‫‪ -6‬سويد غفلة بن عوسجة بن عامر يكنىـ أبا أمية‪ ،‬رحل إلى رسول هللا ×‪ ،‬وقد قبض‬
‫فلم يره‪ ،‬صحب أبا بكر وعمر وعثمانـ وعليًا‪ ،‬مات سنة ‪ 81‬أو ‪82‬هـ وكانـ عمره ‪128‬سنة(‪.)3‬‬
‫‪ -7‬شريح بن هانئ بن يزيد بن نهيك الحارثي المذحجي ابن المقدام الكوفي‪،‬‬
‫أدرك ولم ير‪ ،‬وهو من كبار أصحاب على‪ ،‬قتل مع أبى بكرة بسجستان سنة ‪78‬هـ(‪.)4‬‬
‫‪ -8‬عامر بن شرحبيل بن عبد‪ ،‬وقيل عامر بن عبد هللا بن شرحبيل الشعبي‬
‫والحميري أبو عمرو الكوفي من شعب همدان‪ ،‬روى عنه أنه قال‪ :‬أدركت خمسمائة من‬
‫الصحابة‪ ،‬وعن الحسن‪ ،‬قال‪ :‬كان وهللا كثير العلم‪ ،‬عظيم الحلم‪ ،‬قديم السلم من اإلسالم‬
‫بمكان‪ ،‬وعن مكحول قال‪ :‬ما رأيت أفقه منه‪ .‬قال ابن عيينة‪ ،‬كانت الناس تقول بعد‬
‫الصحابة ابن عباس في زمانه‪ ،‬والشعبي في زمانه‪ ،‬والثوري في زمانه‪ ،‬ولد لست خلت‬
‫من خالفة عمر ومات‬
‫سنة ‪109‬هـ‪.‬‬
‫‪ -9‬عبد خير بن يزيد ويقال ابن بجيد بن جوى بن عبد عمرو بن عبد يعرب بن‬
‫الصائد الهمداني أبو عمارة الكوفي‪ ،‬أدرك الجاهلية‪ ،‬قال العجلي‪ :‬كوفي تابعي ثقة‪ ،‬وذكر‬
‫ابن حبان في ثقات التابعين‪ ،‬قيل‪ :‬عاش مائة وعشرين سنة‪ ،‬وقتل في صفين(‪.)5‬‬
‫‪ -10‬عبد الرحمن بن أبى ليلى واسمه يسار ويقال بالل‪ ،‬ويقال داود بن بالل بن‬
‫بليل ابن أصحبة بن الجالح الحريش األنصاري األوسى‪ ،‬ولد لست بقين من خالفة عمر‪،‬‬
‫روى عنه أنه قال‪ :‬أدركت عشرين ومائة من األنصار‪ ،‬وثقه ابن معين والعجلي‪ .‬قيل إنهم‬
‫أصيب سنة ‪71‬هـ وقيل ‪ 82‬بالجماجم(‪.)6‬‬
‫‪ -11‬عبيدة السلماني وهو عبيدة بن عمرو‪ ،‬ويقال ابن قيس عمرو السلماني‬
‫المرادي أبو عمرو الكوفي‪ ،‬أسلم قبل وفاة النبي × بسنتين ولم يلقه‪ ،‬قال الشعبي‪ :‬كان‬
‫شريح أعلمهم بالقضاء وكان عبيدة يوازيه‪ ،‬وقال العجلي‪ :‬كوفي تابعي ثقة(‪.)7‬‬
‫‪ -12‬عبد هللا بن سلمة بن سلمة المرادي الكوفي‪ ،‬صاحب على‪ ،‬كنيته أبو‬
‫العالية‪ ،‬قال العجلي‪ :‬كوفي تابعي ثقة‪ ،‬قال البخاري‪ :‬ال يتابع في حديثه‪ ،‬وعن عمرو بن‬
‫‪1‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)6/67‬‬
‫‪2‬‬
‫() طبقات بن سعد (‪.)6/127‬‬
‫‪3‬‬
‫() تهديب التهذيب‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)6/124‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)6/124‬‬
‫‪6‬‬
‫() ميزان االعتدال (‪.)20/584‬‬
‫‪7‬‬
‫() طبقات ابن سعد (‪ )6/90‬تهذيب التهذيب (‪.)7/85‬‬
‫‪63‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫مرة‪ :‬يعرف وينكر‪ ،‬كان قد كبر‪ ،‬وقال يعقول بن شيبة‪ :‬ثقة(‪.)1‬‬
‫‪ -13‬عبد هللا بن شقيق العقيلي‪ ،‬وكنيته أبو عبد الرحمن ويقال أبو محمد البصري‪،‬‬
‫تابعي من أهل البصرة‪ ،‬ذكره ابن سعد في الطبقة األولى‪ ،‬وعن ابن معين أنه ثقة من‬
‫خيار المسلمين ال يطعن في حديثه‪ ،‬وروى أنه كان مستجاب الدعوة‪ ،‬مات بعد المائة وقيل‬
‫سنة ‪108‬هـ(‪.)2‬‬
‫‪ -14‬علقمة بن قيس النخعي وهو علقمة بن قيس بن عبد هللا بن مالك بن علقمة‬
‫النخعي الكوفي‪ ،‬ولد في حياة الرسول ×‪ ،‬وعن أحمد‪ :‬ثقة من أهل الخير‪ ،‬وعن ابن معين‪:‬‬
‫روى أنه قرأ القرآن في ليلة‪ ،‬مات سنة ‪ ،62‬وقيل‪ ،61‬قال ابن سعد‪ :‬كان ثقة كثير‬
‫الحديث‪.‬‬
‫‪ -15‬عمر بن سعيد النخعي الصهباني‪ ،‬أبو يحيى الكوفي‪ ،‬عن ابن معين‪:‬ثقة‪،‬‬
‫ذكره ابن حبان في الثقات‪ ،‬له حديث عن على في حد شارب الخمر‪ ،‬قال ابن سعد‪ :‬مات‬
‫سنة ‪ ،115‬وقيل ‪107‬هـ(‪.)3‬‬
‫‪ -16‬هانئ بن هانئ الهمذاني الكوفي‪ ،‬قال النسائي‪ :‬ليس به بأس‪ ،‬ذكره ابن حبان‬
‫في الثقات‪ ،‬وقيل كان يتشيع‪ ،‬قال ابن المديني‪ :‬مجهول‪ ،‬قال ابن سعد‪ :‬كان منكر الحديث‪،‬‬
‫وعن الشافعي‪ :‬أهل الحديث ال ينسبون حديثه لجهالة حاله‪ ،‬ذكره ابن سعد في الطبقات‬
‫األولى في الكوفة‪ ،‬قال الذهبي‪ :‬ليس به بأس(‪.)4‬‬
‫‪ -17‬يزيد بن شريك بن طارق التيمي الكوفي‪ ،‬وعن يحيى بن معين‪ :‬ثقة ذكره‬
‫ابن حبان في الثقات‪ ،‬قال ابن سعد‪ :‬كان ثقة وكان عريف قومه‪ ،‬يقال إنه أدرك الجاهلية‪،‬‬
‫روى عن عمر وعلى وأبى ذر وابن مسعود وحذيفة(‪.)5‬‬
‫هذا إشارات عابرة عن الرواة عن على رضي هللا عنه‪ ،‬لمن أراد المزيد‪ ،‬فليراجع رسالة‬
‫الدكتور أحمد محمد طه «فقه اإلمام على بن أبى طالب» المقدمة في جامعة بغداد ولم تنتشر حتى‬
‫اآلن‪.‬‬
‫المبحث الخامس‬
‫أهم أعمال على بن أبى طالب رضي هللا عنه‬
‫ما بين الهجرة واألحزاب‬
‫شرع رسول هللا × بعد استقراره بالمدينة في تثبيت دعائم الدولة اإلسالمية‪ ،‬فآخي‬
‫بين المهاجرين واألنصار‪ ،‬ثم أقام المسجد‪ ،‬وأبرم المعاهدة مع اليهود وبدأت حركة‬
‫السرايا‪ ،‬واهتم بالبناء االقتصادي والتعليمي والتربوي في المجتمع الجديد‪ ،‬وكان على‬
‫رضي هللا عنه مالز ًما له في كل أحواله‪ ،‬منف ًذا ألوامره‪ ،‬متتلم ًذا على هدية‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬حركة السرايا‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫() ميزان االعتدال (‪ )2/409‬تهذيب التهذيب (‪.)5/542‬‬
‫‪2‬‬
‫() تهذيب التهذيب (‪.)5/253‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر السابق (‪ ،)8/146‬سير أعالم النبالء (‪.)4/443‬‬
‫‪4‬‬
‫() الكاشف للذهبي (‪.)3/218‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)3/280‬‬
‫‪64‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫بمجرد االستقرار الذي حصل للمسلمين بقيادة الرسول × في المدينة بدأت حركة‬
‫السرايا التي استهدفت بسط هيبة الدولة في الداخل والخارج‪ ،‬وكسب بعض القبائل‬
‫وتحجيم دور األعراب‪ ،‬وتربية الصحابة على اإلعداد القتالي للغزوات الكبرى‪ ،‬وحركة‬
‫الفتوحات ميدان لصناعة القادة عمليًا‪ ،‬وقد شارك في هذه السرايا أمير المؤمنين على‬
‫رضي هللا عنه التي حدثت قبل بدر وما بعدها‪ ،‬وأما التي شارك فيها قبل غزوة بدر‬
‫الكبرى فمنها‪:‬‬
‫‪ -1‬غزوة العشيرة(‪ :)1‬وفيها غزا × قري ًشا‪ ،‬واستعمل على المدينة أبا سلمة بن عبد‬
‫األسد‪ ،‬وسميت هذه الغزوة بغزوة العشيرة‪ ،‬فأقام بها جمادي األولى وليالي من جمادي‬
‫اآلخرة‪ ،‬وادع فيها بنى مدلج وحلفاءهم من بنى ضمرة‪ ،‬ثم رجع إلى المدينة‪ ،‬ولم يلق‬
‫كيدًا‪ ،‬وذلك أن العير التي خرج لها قد مضت ذلك بأيام ذاهبة إلى الشام(‪ ,)2‬فساحلت على‬
‫البحر‪ ،‬وبلغ قري ًشا خبرها فخرجوا يمنعونها‪ ،‬فلقوا رسول هللا × ووقعت عزوة بدر‬
‫الكبرى(‪ ,)3‬وقد حدثنا عمار بن ياسر عن مشاركته وعلى رضي هللا عنهما في تلك‬
‫الغزوة‪ ،‬فعن عمار ابن ياسر قال‪ :‬كنت أنا وعلى رفيقين في غزوة ذى العشيرة‪ ،‬فلما‬
‫نزلها رسول هللا × وأقام بها رأينا ناسًا من بنى مدلج يعملون في عين لهم في نخل‪ ،‬فقال‬
‫لي على‪ :‬يا أبا اليقظان هل لك أن تأتي هؤالء فتنظر كيف يعملون؟ فجئناهم‪ ،‬فنظرنا إلى‬
‫عملهم ساعة‪ ،‬ثم غشينا النوم‪ ،‬فانطلقت أنا وعلى‪ ،‬فاضطجعنا في صور من النخل‪ ،‬في‬
‫دقعاء(‪ )4‬من التراب فنمنا‪ ،‬فوهللا ما أهبنّا إال رسول هللا × يحركنا برجله‪ ،‬وقد تتربنا من‬
‫تلك الدقعاء‪ ،‬فيومئذ قال رسول هللا × لعلي‪ :‬يا أبا تراب‪ ،‬لما رأى عليه التراب قال‪« :‬ألا‬
‫أحدثكما بأشقى الناس رجلين؟» فقلنا‪ :‬بلى يا رسول هللا‪ ،‬قال‪« :‬أحيمر ثمود الذي‬
‫عقر الناقة والذي يضربك يا على على هذه [يعنى قرنه] حتى تُبَل منه هذه‬
‫[يعنى لحيته]» (‪,)5‬وقد تكرر نداء رسول هللا لعلي بأبي تراب وسيأتي الحديث عنه‪.‬‬
‫(‪)6‬‬
‫‪ -2‬غزوة بدر األولى‪ :‬سببها‪ :‬أن كرز بن جابر الفهري‪ ،‬قد أغار على َسرْ ح‬
‫المدينة ونهب بعض اإلبل والمواشي‪ ،‬فخرج رسول هللا × في طلبه‪ ،‬حتى بلغ واديًا يقال‬
‫له «سفوان» من ناحية بدر‪ ،‬وفاته كرز بن جابر‪ ،‬فلم يدركه‪ ،‬فرجع رسول هللا × إلى‬
‫المدينة(‪ ,)7‬وقد أعطى الحبيب المصطفى أمير المؤمنين عليًا رضي هللا عنه لواءه‬
‫األبيض(‪.)8‬وتعتبر حركة السرايا بداية الجهاد القتالي ضد أعداء الدعوة‪ ،‬مع حركة السرايا‬
‫والبعوث والغزوات التي خاضها رسول هللا × ضد المشركين ظهرت جليًا سنة التدافع‬
‫التي تعامل معها النبي × وأصحابه ومن بينهم أمير المؤمنين على بن أبى طالب‪ ،‬وهذه‬
‫‪1‬‬
‫() ناحية من نواحي ينبع بين مكة والمدينة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() طبقات ابن سعد (‪.)2/10‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)2/11‬‬
‫‪4‬‬
‫() الدقعاء‪ :‬األرض التي النبات فيها‪ ،‬القاموس(‪.)3/22‬‬
‫‪5‬‬
‫() فضائل الصحابة (‪ )2/855‬رقم ‪1172‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() السرح‪ :‬اإلبل والمواشي التي تسرح للرعي بالغداة‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() سيرة ابن هشام (‪.)2/601‬‬
‫‪8‬‬
‫() تاريخ اإلسالم للذهبي (‪ ،)2/48‬على بن أبى طالب للرفاعي‪ :‬ص(‪.)89‬‬
‫‪65‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫السنة متعلقة تعلقًا وطيدًا بالتمكين لهذا الدين‪ ،‬وقد أشار هللا تعالى إليها في كتابه العزيز‬
‫ض لََفس َد ِ‬ ‫اهلل النَّاس َب ْع َ ِ‬ ‫وجاء التنصيص عليها في قوله تعالى‪ + :‬ولَوالَ َدفْع ِ‬
‫ض‬
‫ت األ َْر ُ‬ ‫ض ُه ْم بَب ْع ٍ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ول ِ‬
‫ين أُ ْخر ُجوا من ديَارهم‬ ‫ين" [البقرة‪ ،]251:‬وفي قوله تعالى‪ + :‬الذ َ‬ ‫ض ٍل َعلَى ال َْعالَم َ‬ ‫َك َّن اهللَ ذُو فَ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‬ ‫و‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫ص‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫ام‬ ‫و‬‫ص‬ ‫ت‬ ‫ِّم‬
‫د‬
‫َ َْ َ ُ ْ َ ْ ُ َ ْ ََ ُ َ َ ٌ َ َ َ ٌ‬ ‫ه‬ ‫َّ‬
‫ل‬ ‫ض‬‫ٍ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ض‬ ‫ع‬‫ب‬ ‫َّاس‬‫ن‬ ‫ال‬ ‫اهلل‬ ‫ع‬ ‫ف‬
‫ْ‬ ‫د‬ ‫ال‬
‫َ‬ ‫َو‬
‫ََ َُ ْ َ ُ‬‫ل‬ ‫و‬ ‫اهلل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ب‬
‫ُّ‬ ‫ر‬ ‫ُوا‬
‫ل‬ ‫و‬‫ق‬‫ُ‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫َن‬‫أ‬ ‫َّ‬
‫ال‬ ‫ِ‬
‫إ‬ ‫ق‬‫ٍّ‬ ‫بِ َْ َ‬
‫ح‬ ‫ِ‬
‫ر‬ ‫ي‬ ‫غ‬
‫نص ُرهُ إِ َّن اهللَ لََق ِو ٌّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي َع ِز ٌيز" [الحج‪.]40:‬‬ ‫نص َر َّن اهللُ َمن يَ ُ‬
‫اسم اهلل َكث ًيرا َولَيَ ُ‬ ‫َو َم َساج ُد يُ ْذ َك ُر ف َيها ُ‬
‫ثانيًا‪ :‬غزوة بدر‪:‬‬
‫‪ -1‬قال النووي رحمه هللا‪ :‬وأجمع أهل التواريخ على شهوده بدرًا‪ ،‬وسائر المشاهد‬
‫غير تبوك‪ ،‬قالوا‪ :‬وأعطاه النبي × اللواء في مواطن كثيرة(‪.)1‬‬
‫كان على بن أبى طالب رضي هللا عنه أحد المجاهدين الذين شاركوا في غزوة بدر‪،‬‬
‫ولنتركه يقص علينا خبر هذه الغزوة‪ ،‬فعن حارثة بن مضرب بن على أبى طالب رضي‬
‫هللا عنه قال‪ :‬وكان النبي × يتخبَّر عن بدر‪ ،‬فلما بلغنا أن المشركين قد‬
‫أقبلوا‪ ،‬سار رسول هللا × إلى بدر‪ ،‬وبدر بئر‪ ،‬فسبقنا المشركين إليها‪ ،‬فوجدنا فيها رجلين‬
‫منهم‪ ،‬رجالً من قريش ومولى لعقبة بن أبى معيط‪ ،‬فأما القرشي فانقلب‪ ،‬وأما مولى عقبة‬
‫فأخذناه‪ ،‬فجعلنا نقول له‪ :‬كم القوم؟ فيقول‪ :‬هم وهللا كثير عددهم‪ ،‬شديد بأسهم‪ ،‬فجعل‬
‫المسلمون إذا قال ذلك ضربوه حتى انتهوا به إلى النبي ×‪ ،‬فقال له‪ :‬كم القوم؟ قال‪ :‬هم‬
‫وهللا كثير عددهم‪ ،‬شديد بأسهم‪ ،‬فجهد النبي × أن يخبره كم هم‪ ،‬فأبى‪ ،‬ثم إن النبي× سأله‪:‬‬
‫«كم ينحرون من الجزر»‪ ،‬فقال‪ :‬عشرًا كل يوم‪ ،‬فقال رسول هللا ×‪« :‬القوم ألف‪ ،‬كل‬
‫جزور لمئة وتبعها»‪ ،‬ثم إنه أصابنا من الليل طش من مطر‪ ،‬فأنطلقنا تحت الشجر‬
‫والحجف نستظل تحتها‪ ،‬من المطر‪ ،‬وبات رسول هللا× يدعو ربه عز وجل يقول‪« :‬اللهم‬
‫إنك إن تهلك هذه الفئة لا تعبد»‪ ،‬قال‪ :‬فلما طلع نادى‪ :‬الصالة عباد هللا‪ ،‬فجاء‬
‫الناس‪ ،‬من تحت الشجرة والحجف‪ ،‬فصلى بنا رسول هللا ×‪ ،‬وحرض على القتال‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫إن جمع قريش تحت هذه الَص‪َّ‬لع الحمراء من الجبل‪ .‬فلما دنا القوم منا وصاففناهم‪،‬‬
‫إذا رجل منهم على جمل له أحمر يسير في القوم‪ ،‬فقال رسول هللا ×‪ :‬يا على ناد حمزة‪.‬‬
‫وكان أقربهم من المشركين‪ :‬من صاحب الجمل األحمر‪ ،‬وماذا يقول لهم‪ ،‬ثم قال رسول‬
‫هللا ×‪« :‬إن يكن في القوم أحد يأمر بخير‪ ،‬فعسى أن يكون صاحب الجمل‬
‫الأحمر»‪ ،‬فجاء حمزة فقال‪ :‬هو عتبة بن ربيعة‪ ،‬وهو ينهي عن القتال‪ ،‬ويقولـ لهم‪ :‬يا قوم‬
‫إني أرى قو ًما مستميتين ال تصلون إليهم وفيكم خير‪ ،‬يا قوم اعصبوها اليوم برأسي‪،‬‬
‫وقولوا‪َ :‬جبُن عتبة بن ربيعة‪ ،‬وقد علمتم أني لست بأجبنكم‪ ،‬قال‪ ،‬فسمع ذلك أبو جهل‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أنت تقول هذا؟ وهللا لو غيرك يقول هذا ألعضضته‪ ،‬قد ملئت رئتك وجوفك رعبًا‪.‬‬
‫قال عتبة‪ :‬إياى تُعيّر يا ُمصفَّر إسته؟ ستعلم اليوم أينا الجبان‪ .‬قال‪ :‬فبرز عتبة وأخوه شيبة‬
‫وابنه الوليد حمية‪ ،‬فقالوا‪ :‬من يبارز؟ فخرج فتية من األنصار ستة‪ ،‬فقال عتبة‪ :‬ال نريد‬
‫هؤالء‪ ،‬ولكن يبارزنا من بنى عمنا‪ ،‬من بنى عبد المطلب‪ ،‬فقال رسول هللا ×‪« :‬قم يا‬
‫على‪ ،‬قم يا حمزة‪ ،‬وقم يا عبيدة بن الحارث بن المطلب»‪ .‬فقتل هللا تعالى عتبة‬
‫وشيبة ابنى ربيعة‪ ،‬والوليد بن عتبة‪ ،‬وجرح عبيدة‪ ،‬فقتلنا منهم سبعين‪ ،‬وأسرنا سبعين‪،‬‬
‫فجاء رجل من األنصار قصير بالعباس بن عبد المطلب أسيرًا‪ ،‬فقال العباس‪ :‬يا رسول‬
‫هللا‪ ،‬إن هذا وهللا ما أسرني‪ ،‬لقد أسرني رجل أجلح‪ ،‬من أحسن الناس وجهًا‪ ،‬على فرس‬
‫أبلق‪ ،‬ما أراه في القوم‪ .‬فقال األنصاري‪ :‬أنا أسرته يا رسول هللا‪ .‬فقال‪ :‬اسكت فقد أيدك‬
‫الله تعالى بملك كريم‪.‬فقال على‪ :‬فأسرنا من بنى عبد المطلب‪ :‬العباس وعقيالً‪ ،‬ونوفل‬
‫‪1‬‬
‫() تهذيب األسماءـ واللغات (‪.)1/245‬‬
‫‪66‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫بن الحارث(‪ ،)1‬ومن وصف على رضي هللا عنه لغزوة بدر نالحظ دروسًا وعبرًا وفوائد‬
‫كثيرة يمكن الرجوع إليها في كتابي السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث‪.‬‬
‫‪ -2‬ما قيل من أشعار في بطولة على ببدر‪ :‬كان لواء المشركين يوم بدر مع‬
‫طلحة فقتله على رضي هللا عنه‪ ،‬فقال الحجاج بن عالط السلمي في ذلك‪:‬‬
‫أعنى ابن فاطمة المعم المخوال‬ ‫هلل أي مذنب عن حربه‬
‫تركت طليحة للجبين مجندال‬ ‫جادت يداك له بعاجل طعنة‬
‫بالحق إذ يهوون أخول أخوال‬ ‫وشددت شدة باسل فكشفتهم‬
‫(‪)2‬‬
‫لترده حران حتى ينهال‬ ‫وعللت سيفك بالدماء ولم تكن‬
‫ثالثًا‪ :‬زواج على من فاطمة رضي هللا عنهما‪:‬‬
‫هي فاطمة بنت إمام المتقين سيد ولد آدم رسول هللا×‪ ،‬وأمها خديجة بنت خويلد‪،‬‬
‫كانت تكنى بأم أبيها(‪ ,)3‬ولُدت رضي هللا عنها قبل البعثة سنة خمسة وثالثين من مولد‬
‫النبي × (‪ ,)4‬زوجها النبي × على بن أبى طالب سنة اثنتين للهجرة بعد وقعة بدر‪ ،‬وولدت‬
‫له الحسن والحسين وأم كلثوم‪ ،‬وكانت وفاتها بعد وفاة النبي × بستة أشهر فرضى هللا‬
‫عنها وأرضاها(‪.)5‬‬
‫‪ -1‬مهرها وجهازها‪ :‬قال على بن أبى طالب رضي هللا عنه‪ُ :‬خطبت فاطمةـ إلى رسول‬
‫هللا × فقالت موالة لي‪ :‬هل علمت أن فاطمةـ قد خطبت إلى رسول هللا ×؟ قلت‪ :‬ال‪ ،‬قالت‪ :‬فقد‬
‫خطبت‪ ،‬فما يمنعك أن تأتيـ رسول هللا × فيزوجك‪ .‬فقلت‪ :‬وعندي شيء أتزوج به؟ فقالت‪ :‬إنك‬
‫إن جئت رسول هللا × زوجك‪ .‬قال‪ :‬فوهللا ما زالت ترجينى حتى دخلت على رسول هللا ×‪ ،‬فلما‬
‫أن قعدت بين يديه أفحمت‪ ،‬فوهللا ما استطعتـ أن أتكلم جاللة وهيبة‪ .‬فقال رسول هللا ×‪« :‬ما‬
‫جاء بك؟ ألك حاجة؟» فسكت فقال‪ :‬لعلك جئت تخطب فاطمة؟ فقلت‪ :‬نعم‪ ،‬فقال‪ :‬وهل عندك‬
‫من شيء تستحلها؟ فقلت‪ :‬ال وهللا يا رسول هللا‪ ،‬فقال‪ :‬ما فعلت درع سلحتكها؟فوالذي نفس‬
‫على بيده إنها لحطمية ما قيمتها أربعمائة درهم‪ ،‬فقلت‪ :‬عندي‪ ،‬فقال‪ :‬قد زوجتكها‪ ،‬فابعث‬
‫إليها بها فاستحلها بها‪ ،‬فإنهاـ كانت لصداق فاطمةـ بنت رسول هللا ×(‪ ,)6‬وقد جهز رسول‬

‫‪1‬‬
‫() مسند أحمد‪ ،‬الموسوعة الحديثية رقم ‪ 948‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/379‬‬
‫‪3‬‬
‫() أسد الغابة (‪ ،)5/520‬اإلصابة (‪.)4/365‬‬
‫‪4‬‬
‫() الطبقات البن سعد (‪.)8/26‬‬
‫‪5‬‬
‫() حلية األولياء (‪ ،)43 ،2/39‬سير أعالم النبالء (‪ ،)134 ،2/118‬العقيدة في أهل البيت بين اإلفراط‬
‫والتفريط‪ ,‬د‪ .‬سليمان السحيمي‪ :‬ص (‪.)132‬‬
‫‪6‬‬
‫() دالئل النبوة للبيهقي (‪ )3/160‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪67‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫هللا × فاطمة في خميل(‪,)1‬وقربة ووسادة أدم(‪ )2‬حشوها إذخر(‪ ,)4()3‬وقد جاء في روايات الشيعة‪،‬‬
‫فأخذت درعي فانطلقت به إلى السوق فبعته بأربعمائة درهم من عثمانـ بن عفان‪ ،‬فلما قبضت‬
‫الدراهم منه وقبض الدرع مني قال‪ :‬يا أبا الحسن‪ ،‬ألست أولى بالدرع منك وأنت أولى بالدراهم‬
‫مني؟ فقلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فإن هذا الدرع هدية مني إليك‪ ،‬فأخذت الدرع والدراهم وأقبلت إلى‬
‫رسول هللا فطرحت الدرع والدراهم بين يديه‪ ،‬وأخبرته بما كان من أمر عثمان‪ ،‬فدعا له النبي‬
‫بخير(‪.)5‬‬
‫‪ -2‬زفافهاـ‪ :‬قالت أسماء بنت عميس‪ :‬كنت في زفاف فاطمةـ بنت رسول هللا ×‪ ،‬فلما‬
‫أصبحنا جاء النبي × إلى الباب فقال‪ :‬يا أم أيمن أدعي لي أخي‪ ،‬فقالت‪ :‬هو أخوك وتنكحه؟‬
‫قال‪ :‬نعم يا أم أيمن‪ ،‬قالت‪ :‬فجاء على فنضح النبي × عليه من الماء ودعاـ له ثم قال‪ :‬ادعي‬
‫إلى فاطمة‪ ،‬قالت‪ :‬فجاءت تعثر من الحياء‪ ،‬فقال لها رسول هللا ×‪ :‬اسكتي فقد أنكحتك أحب‬
‫أهل بيتي إلىَّ‪ ،‬قالت‪ :‬ونضحـ النبي × عليها من الماء ودعاـ لها‪ ،‬قالت‪ :‬ثم رجع رسول هللا‬
‫× فرأى سوادًا بين يديه‪ ،‬فقال‪ :‬من هذا؟ فقلت‪ :‬أنا‪ ،‬قال‪ :‬أسماء؟ قلت نعم‪ ،‬قال‪ :‬أسماء بنت‬
‫عميس؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬جئت في زفاف بنت رسول الله تكرمة له؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قالت‪ :‬فدعا‬
‫لي(‪.)6‬‬
‫‪ -3‬وليمة العرس‪ :‬عن بريدة قال‪ :‬لما خطب على فاطمة‪ ،‬قال رسول هللا ×‪ :‬إنه البد‬
‫للعرس(‪ )7‬من وليمة‪ ،‬قال‪ :‬فقال سعد‪ :‬على كبش‪ ،‬وجمع له رهط من األنصار آصعًا من‬
‫ذرة‪ ،‬فلما كان ليلة البناء‪ ،‬قال‪ :‬يا على ال تحدث شيئًا حتى تلقاني‪ ،‬فدعا النبي × بماء‬
‫فتوضأ منه ثم أفرغه على عل ‪‰‬ـًىًّ‪ ،‬فقال‪« :‬اللهم بارك فيهما وبارك عليهما‪ ،‬وبارك‬
‫في شبلهما»(‪.)8‬‬
‫‪ -4‬معيشة على وفاطمة رضي هللا عنهما‪ :‬كانت معيشة على وفاطمة‪ ،‬وهما أحب‬
‫الناس إلى رسول هللا ×‪ ،‬معيشة زهد وتقشف‪ ،‬وصبر وجهد‪ ،‬فقد أخرج هناد من عطاء‪،‬‬
‫وقال‪ :‬نبئت أن عليًا رضي هللا عنه قال‪ :‬مكثنا أيا ًما ليس عندنا شيء‪ ،‬وال عند النبي ×‪،‬‬
‫فخرجت فإذا أن بدينار مطروح على الطريق‪ ،‬فمكثت هنيهة أؤامر نفسي في أخذه أو‬
‫تركه‪ ،‬ثم أخذته لما بنا من الجهد‪ ،‬فأعطيت به الضفاطين(‪ ,)9‬فاشتريت به دقيقًا‪ ،‬ثم أتيت به‬
‫فاطمة فقلت‪ :‬اعجني واخبزي‪ ،‬فجعلت تعجن وإن قصتها لتضرب حرف الجفنة من الجهد‬
‫‪1‬‬
‫() خميل‪ :‬قطيفة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() األدم‪ :‬الجلد‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() إذخر‪ :‬نبات‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() صحيح السيرة النبوية‪ :‬ص (‪ ،)667‬مسند فاطمةـ الزهراء‪ ،‬وما ورد في فضلها للسيوطي تحقيق فؤاد‬
‫أحمد زمرلي‪ :‬ص(‪.)189‬‬
‫‪5‬‬
‫() كشف الغمة لألريلي (‪ ،)1/359‬بحار األنوار للمجلسي‪ :‬ص(‪ )39‬نقالً عن الشيعة وأهل البيت‪ :‬ص (‬
‫‪.)138 ،137‬‬
‫‪6‬‬
‫() فضائل الصحابة (‪ )2/955‬رقم ‪342‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() للعرس‪ :‬أي للعروس‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() المعجم الكبير للطبراني ‪ ،1153‬فضائل الصحابة (‪ )2/858‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() الضفاطون‪ :‬الحمالون والمكارون الذين يحملون الدقيق من الخارج‪.‬‬
‫‪68‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الذي بها‪ -‬ثم خبزت‪ ،‬فأتيت النبي × فأخبرته‪ ،‬فقال‪« :‬كلوه فإنه رزق رزقكموه الله‬
‫عز وجل»(‪ ,)1‬وعن الشعبي‪ ،‬قال‪ :‬قال على رضي هللا عنه‪ :‬تزوجت فاطمة بنت محمد‬
‫رسول هللا × ومالي ولها فراش غير جلد كبش ننام عليه بالليل‪ ،‬ونعلف عليه ناضحنا‬
‫بالنهار‪ ،‬ومالي خادم غيرها(‪ ,)2‬وعن مجاهد قال على‪ :‬جعت مرة بالمدينة جوعًا شديدًا‪،‬‬
‫فخرجت أطلب العمل في عوالي المدينة‪ ،‬فإذا بامرأة قد جمعت مدرًا‪ ،‬فظننتها تريد بلَه(‪,)3‬‬
‫فأيتتها فقاطعتها(‪ )4‬كل ذنوب(‪ )5‬على تمرة‪ ،‬فمددت ستة عشر ذنوبًا‪ ،‬حتى مجلت يداي(‪ )6‬ثم‬
‫أتيت الماء فأصبت منه‪ ،‬ثم أتيتها فقلت بكفي هذا بين يديها(‪ ,)7‬فعدت لي ست عشرة تمرة‪،‬‬
‫فأتيت النبي ×‪ ،‬فأخبرته‪ ،‬فأكل معي منها(‪ .)8‬في هذا الخبر بيان لشدة الحال التي مر بها‬
‫أمير المؤمنين على رضي هللا عنه في المدينة‪ ،‬ونأخذ منه صورة من السلوك المشروع‬
‫في مواجهة الشدائد‪ ،‬حيث خرج على رضي هللا عنه وعمل بيديه للكسب المشروع‪ ،‬ولم‬
‫يجلس منتظرًا ما تجود به أيدي المحسنين‪ ،‬وصورة أخرى من قوة التحمل حيث قام بذلك‬
‫العمل الشاق وهو يعاني من شدة الجوع ما يضعف قوته‪ ،‬وصورة أخرى من إيثار األحبة‬
‫والوفاء لهم‪ ،‬فهو على ما به من شدة الجوع وبالرغم مما قام به من ذلك العمل الشاق قد‬
‫احتفظ بأجرته من التمر حتى لقي النبي × فأكل معه(‪.)9‬‬
‫‪ -5‬زهد السيدة فاطمة وصبرها‪ :‬كانت حياتها في غاية البساطة بعيدة عن التعقيد‪،‬‬
‫وهى إلى شظف العيش أقرب منها إلى رغده(‪ ,)10‬وهذه القصة تصور لنا حال السيدة‬
‫فاطمة من التعب وموقفـ رسول هللا × منها عندما طلبت منه أن يعطيها خاد ًما من السبى‪،‬‬
‫قال على لفاطمة ذات يوم‪ :‬وهللا لقد سنوت(‪ ،)11‬حتى لقد اشتكيت صدري‪ ،‬قال‪ :‬وجاء هللا‬
‫أباك بسبى فاذهبي فاستخدميه(‪ ,)12‬فقالت‪ :‬أنا وهللا طحنت حتى مجلت يداي‪ ،‬فأتيت النبي ×‬
‫فقال‪ :‬ما جاء بك أي بنية‪ .‬قالت‪ :‬جئت ألسلم عليك واستحيت أن تسأله ورجعت فقال‬
‫على‪ :‬ما فعلت؟ قالت‪ :‬استحييت أن أسأله‪ ،‬فأتينا جميعًا‪ ،‬فقال على‪ :‬يا رسول هللا وهللا لقد‬

‫‪1‬‬
‫() كنز العمال (‪ ،)7/328‬المرتضى للندوي‪ :‬ص(‪.)21‬‬
‫‪2‬‬
‫() كنز العمال (‪ ،)7/133‬المرتضى للندوي‪ :‬ص(‪.)41‬‬
‫‪3‬‬
‫() المدر‪ :‬يعني الطين اليابس‪ ،‬تريد بله‪ :‬يعنى الماء‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() فقاطعتها‪ :‬أي‪ :‬اتفقت معها على أجرة‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() ذنوب‪ :‬دلو‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() مجلت‪ :‬تورمت من العمل‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() يعنى بسطهما وضمهما‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() صفة الصفوة (‪ ،)1/320‬الموسوعة الحديثية مسند أحمد ‪ ،1135‬إسناده ضعيف النقطاعه‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() التاريخ اإلسالمي للحميدي(‪.)50 ،19/49‬‬
‫‪10‬‬
‫() انظر‪ :‬معين السيرة ص ‪255‬للشامي‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫() سنوت‪ :‬استقيت‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫() أي أسأليه خاد ًما‪.‬‬
‫‪69‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫سنوت حتى اشتكيت صدري‪ ،‬وقالت فاطمة‪ :‬قد طحنت حتى مجلت يداي(‪ ,)1‬وقد جاءك هللا‬
‫(‪)2‬‬
‫بسبى وسعة فأخدمنا‪ ،‬فقال رسول هللا ×‪ :‬والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوى‬
‫بطونهم‪ ،‬لا أجد ما أنفق عليهم‪ ،‬ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم‪ ،‬فرجعا‬
‫فأتاهما النبي × وقد دخال في قطيفتها إذا غطت رءوسهما تكشف أقدامهما‪ ،‬وإذا غطيا‬
‫أقدامهما تكشفت رءوسهما‪ ،‬فثارا‪ ،‬فقال‪ :‬مكانكما‪ ،،‬ثم قال‪ :‬ألا أخبركما بخير مما‬
‫سألتماني؟ قاال‪ :‬بلى‪ .‬فقال‪ :‬كلمات علمنيهن جبريل عليه السلام‪ ،‬فقال‪« :‬تسبحان في‬
‫دبر كل صلاة عشرًا‪ ،‬وتحمدان عشرًا‪ ،‬وتكبران عشرًا‪ ،‬وإذا أويتما إلى‬
‫فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين‪ ،‬واحمدا ثلاثًا وثلاثين وكبرا أربعًا‬
‫وثلاثين»(‪ ,)3‬وفي القصة السالفة بعض القيم المهمة منها‪:‬‬
‫إن هذه الحادثة تبين لنا كيف أدار النبي × األزمة االقتصادية التي مرت بدولة‬
‫الرسول في المدينة‪ ،‬وذلك من خالل ترتيبه لألولويات‪ ،‬فسد جوع أهل الصفة ضرورة‪،‬‬
‫وأما حاجة على وفاطمة للخادم ليست بمرتبة احتياج أهل الصفة‪ ،‬فقدم رسول هللا أهل‬
‫الصفة عليهم‪ ،‬وكانت وسائل رسول هللا ×في حل األزمة االقتصادية كثيرة‪.‬‬
‫ولقد تأثر على‪ -‬رضي هللا عنه‪ -‬بهذه التربية النبوية‪ ،‬ويمر الزمن بالفتى على فيصبح‬
‫خليفة المسلمين‪ ،‬فإذا به من آثار هذه التربية يترفع عن الدنيا وزخارفها وبيده كنوز‬
‫األرض وخيراتها‪ ،‬ألن ذكر هللا يمأل قلبه ويغمر وجوده‪ ،‬ولقد حافظ على وصية رسول‬
‫هللا × له‪ ،‬وقد حدثنا عن ذلك فقال‪ :‬فوهللا ما تركتهن منذ علمنيهن‪ ،‬فسأله أحد الصحابة‪:‬‬
‫وال ليلة صفين؟ فقال‪ :‬وال ليلة صفين(‪.)4‬‬
‫‪ -6‬إنما أنفسنا بيد هللا‪ ،‬فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا‪ :‬عن علي بن أبى طالب رضي‬
‫هللا عنه قال‪ :‬دخل عل َّى رسول هللا × وعلى فاطمة من الليل‪ ،‬فأيقظنا للصالة‪ ،‬قال‪ :‬ثم‬
‫رجع إلى بيته فصلى هويا من الليل‪ ،‬قال‪ :‬فلم يسمع لنا حسًا‪ ،‬قال‪ :‬فرجع إلينا فأيقظنا‬
‫وقال‪ :‬قوما فصليا‪ ،‬قال‪ :‬فجلست وأنا أ ْعرك عيني‪ ,‬وأقول‪ :‬إنا وهللا ما نصلي إال ما كتب‬
‫لنا‪ ،‬إنما أنفسنا بيد هللا‪ ،‬فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا‪ ،‬قال‪ :‬فولى رسول هللا × وهو يقول‪،‬‬
‫ويضرب بيده على فخذه‪« :‬ما نصلى إلا ما كتب لنا‪ ،‬ما نصلى إلا ما كتب لنا‬
‫‪َ +‬و َكا َن ا ِإلنْ َسا ُن أَ ْك َث َر َش ْي ٍء َج َدالً"» [الكهف‪ .]54:‬وهذا فيه تجرد علي رضي هللا عنه للحق‬
‫وحرصه على نشر العلم ولو كان األمر متعلقًا به رضي هللا عنه‪ ،‬وهذه قيمة كبرى‬
‫يتعلمها المسلمون من أمير المؤمنين على‪ ،‬ولو أراد لكتم الحديث‪ ،‬عل ًما بأن صالة الليل لم‬
‫تكن واجبة‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬ولداها الحسن والحسين رضي هللا عنهما‪:‬‬
‫‪ -1‬الحسن بن على بن أبى طالب الهاشمي‪:‬‬
‫سبط رسول هللا × وريحانته في الدنيا‪ ،‬وأحد سيدي شباب أهل الجنة‪ ،‬أمه فاطمة‬
‫الزهراء‪ ،‬ولد للنصف من رمضان سنة ‪3‬هـ وقيل في شعبان‪ ،‬وقيل في سنة أربع أو‬

‫‪1‬‬
‫ي (‪ ،)2/99‬مسلم رقم (‪ )2727‬البخاري رقم (‪.)3705‬‬
‫() السيرة النبوية للصَّالب َّ‬
‫‪2‬‬
‫() تطوي‪ :‬طوى من الجوع فهو طاو‪ :‬خالي البطن جائع لم يأكل‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() البخاري‪ :‬رقم (‪ ،)3705‬مسلم رقم (‪.)2727‬‬
‫‪4‬‬
‫() مسلم (‪.)4/2092‬‬
‫‪70‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫خمس(‪ .)1‬وقد توفى عام ‪50‬هـ‪ .‬وقد اخترت في كتابي السيرة النبوية بأنه ولد في العام‬
‫الرابع للهجرة(‪.)2‬‬
‫هذا وقد سماه رسول هللا × حسنًا‪ ،‬قال على رضي هللا عنه‪ :‬لما ولد الحسن سميته‬
‫حربًا‪ ،‬فجاء رسول هللا × فقال‪ :‬أروني ابنى‪ .‬ما سميتموه؟قلت‪ :‬حربًا‪ ،‬قال ×‪ :‬بل هو‬
‫حسن(‪ )3‬وهكذا غير × ذلك االسم الحاد باسم جميل يدخل السرور والبهجة على القلوب‪،‬‬
‫فحمل المولود الجديد اسمه الجميل‪ ،‬وحمله × بين يديه وقبله‪.‬‬
‫وهذا أبو رافع يخبرنا عن فعل رسول هللا ×‪ ،‬يقول‪ :‬رأيت النبي × أذن في أذني‬
‫الحسن حين ولدته فاطمة بالصالة(‪.)4‬‬
‫وحدثنا أبو رافع عن عقيقة الحسن فقال‪ :‬لما ولدت فاطمة حسنًا قالت‪ :‬أال أعق عن‬
‫ابنى بدم (بكبشين) قال ×‪ :‬لا ولكن احلقي رأسه وتصدقي بوزن شعره من فضة على‬
‫المساكين والأوفاض‪ ،‬وكان األوفاض ناسًا من أصحاب رسول هللا × محتاجين في‬
‫المسجد أو الصفة ففعلت ذلك(‪.)5‬‬
‫هذا وقد وردت أحاديث كثيرة في فضائل الحسن بن علي رضي هللا عنه منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬عن البراء بن عازب رضي هللا عنه قال‪ :‬رأيت الحسن بن عل ‪‰‬ـًًّى على عاتق الني ×‬
‫وهو يقول‪« :‬اللهم إني أحبه فأحبه»(‪.)6‬‬
‫ب‪ -‬وعن أبى هريرة رضي هللا عنه عن النبي × أنه قال للحسن‪« :‬اللهم إني‬
‫أحبه‪ ،‬فأحبه واحبب من يحبه»(‪.)7‬‬
‫ج‪ -‬وعن أسامة بن زيد رضي هللا عنهما عن النبي × أنه كان يأخذه والحسن ويقول‪:‬‬
‫«اللهم إني أحبهما فأحبهما» (‪.)8‬‬
‫د‪ -‬عن أبى بكرة رضي هللا عنهما قال‪ :‬سمعت النبي × على المنبر والحسن إلى جنبه‬
‫ينظر إلى الناس مرة وإليه مرة ويقول‪« :‬ابنى هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين‬
‫فئتين من المسلمين»(‪ .)9‬فإخبار النبي × بأن الحسن سيد مفخرة عظيمة وميزة شريفة له‬
‫رضي هللا عنه وأرضاه‪ ،‬وقد تحققتـ نبوءة جده ×‪ ،‬فأصلح على يديه بين المسلمين وحقن‬
‫‪1‬‬
‫() فضائل الصحابة (‪ ،)2/970‬حلية األولياء (‪.)2/35‬‬
‫‪2‬‬
‫() السيرة النبوية للصالبي (‪ ،)2/199‬شذرات الذهب (‪.)1/10‬‬
‫‪3‬‬
‫() البخاري في األدب (‪.)286‬‬
‫‪4‬‬
‫() سنن أبى داود رقم ‪5105‬إسناده ضعيف حكم عليه الشيخ عثمان الخميس‪ ,‬عن رسالته للماجستير‬
‫المتعلقة باألحاديث الخاصة بالحسن والحسين‪ :‬ص(‪.)80‬‬
‫‪5‬‬
‫() الطبقات (‪ )1/233‬إسناده ضعيف‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() البخاري رقم ‪.3749‬‬
‫‪7‬‬
‫() مسلم ‪.2421‬‬
‫‪8‬‬
‫() البخاري‪.3747 :‬‬
‫‪9‬‬
‫() البخاري رقم ‪.3746‬‬
‫‪71‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫دماءهم‪ ،‬حيث نزل عن حقه في الخالفة لمعاوية رضي هللا عنهم أجمعين‪ ،‬وكان ذلك في‬
‫سنة إحدى وأربعين‪ ،‬وكانت خالفته رضي هللا عنه ستة أشهر وسمى هذا العام عام‬
‫الجماعة‪ ،‬وهذا ما أخبر به النبي × يقوله‪« :‬لعل الله أن يصلح به بين فئتين‬
‫عظيمتين»(‪.)1‬‬
‫قال ابن حجر‪ :‬فالحديث فيه علم من إعالم النبوة‪ ،‬ومنقبة للحسن بن على‪ ،‬فإنه ترك‬
‫الملك ال لقلة وال لذلة وال لعلة‪،‬بل لرغبة فيما عند هللا لما رآه من حقن دماء المسلمين‪،‬‬
‫فراعى أمر الدين ومصلحة األمة(‪ ,)2‬وسيأتي الحديث بإذن هللا عن تنازل الحسن بالخالفة‬
‫لمعاوية عند حديثنا في عهده في كتاب مستقل‪.‬‬
‫هـ‪ -‬وعن سعيد المقبري(‪ ,)3‬قال‪ :‬كنا مع أبى هريرة رضي هللا عنه فجاء الحسن بن‬
‫على ابن أبى طالب علينا فسلم فرددنا عليه السالم ولم يعلم به أبو هريرة فقلنا‪ :‬يا أبا‬
‫هريرة هذا الحسن بن على قد سلم علينا فلحقه وقال‪ :‬عليك السالم يا سيدي ثم قال‪ :‬إنه‬
‫سيد(‪.)4‬‬
‫و‪ -‬ومنها مشابهته رضي هللا عنه للنبي في الخلق‪ ،‬فقد روى البخاري بإسناده إلى‬
‫أنس ابن مالك رضي هللا عنه قال‪ :‬لم يكن أحد أشبه بالنبي × من الحسن بن على (‪.)5‬‬
‫ز‪ -‬وروى أيضًا بإسناده إلى عقبة بن الحارث قال‪ :‬رأيت أبا بكر رضي هللا عنه وقد‬
‫حمل الحسن وهو يقول‪ :‬بأبى شبيه بالنبي ليس شبيهًا بعلي‪ ،‬وعلى يضحك(‪ ,)6‬فكونه‬
‫رضي هللا عنه شبه جده المصطفى × في الخلق منقبة عظيمة له وفضيلة ظاهرة(‪.)7‬‬
‫‪ -2‬الحسين بن على رضي هللا عنه‪:‬‬
‫هو أبو عبد هللا الحسين بن على بن أبى طالب‪ ،‬سبط رسول هللا ×‪ ،‬وريحانته‬
‫ومحبوبه‪ ،‬ابن بنت رسول هللا‪ ،‬فاطمة رضي هللا عنها‪ ،‬كان مولده سنة ‪4‬هـ‪ ،‬وقيل غير‬
‫ذلك‪ ،‬ومات رضي هللا عنه قتيالً شهيدًا‪ ،‬في يوم عاشوراء من شهر المحرم سنة إحدى‬
‫وستين هجرية بكربالء من أرض العراق‪ ،‬فرضي هللا عنه وأرضاه(‪ ,)8‬وقد وردت في‬
‫مناقبة وفضائله أحاديث كثيرة منها‪:‬‬
‫‪ -1‬ما رواه أحمد بإسناده إلى يعلي العامرى رضي هللا عنه أنه خرج مع رسول هللا‬
‫× ‪-‬يعني إلى طعام دعوا له‪ -‬قال‪ :‬فاستمثل رسول هللا × أمام القوم‪ ،‬وحسين مع غلمان‬
‫يلعب فأراد رسول هللا × أن يأخذه فطفق الصبي يفر هنا مرة وها هنا مرة‪ ،‬فجعل النبي ×‬

‫‪1‬‬
‫() البداية والنهاية (‪ ،)8/20‬سير أعالم النبالء (‪.)145 ،3/144‬‬
‫‪2‬‬
‫() فتح الباري (‪.)13/66‬‬
‫‪3‬‬
‫() هو‪ :‬كيسان المدني مولى أم شريك‪ ،‬ثقة ثبت مات سنة ‪ ،10‬التقريب ‪.463‬‬
‫‪4‬‬
‫() المستدرك‪ ،‬ك معرفة الصحابة (‪ )3/169‬صحيح اإلسناد ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() البخاري‪ ،‬ك الفضائل رقم ‪.3752‬‬
‫‪6‬‬
‫() البخاري رقم ‪.3750‬‬
‫‪7‬‬
‫() العقيدة في أهل البيت‪ ،‬ص(‪.)147‬‬
‫‪8‬‬
‫() البداية والنهاية (‪ ،)8/152‬اإلصابة (‪.)334 -1/331‬‬
‫‪72‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫يضاحكه حتى أخذه قال‪ :‬فوضع إحدى يديه تحت قفاه واألخرى تحت ذقنه ووضع فاه‬
‫وقبله وقال‪« :‬حسين مني وأنا من حسين‪ ،‬اللهم أحب من أحب حسينًا‪ ،‬حسين سبط‬
‫من الأسباط»(‪ ,)1‬وفي ذلك منقبة ظاهرة للحسين رضي هللا عنه‪ ،‬إذا حث على محبته‬
‫وكانه × علم بنور الوحي ما سيحدث بينه وبين القوم فخصه بالذكر‪ ،‬وأكد على وجوب‬
‫المحبة وحرمة التعرض والمحاربة‪ ،‬وأكد ذلك بقوله‪« :‬أحب الله من أحب حسينًا» فإن‬
‫محبته تؤدي لمحبة الرسول ومحبة الرسول × من محبة هللا»(‪.)2‬‬
‫ب‪ -‬ومنها ما رواه البخاري بإسناده إلى أنس بن مالك رضي هللا عنه قال‪ :‬أُتى عبيد‬
‫هللا ابن زياد(‪ )3‬برأس الحسين عليه السالم فجعل في طست‪ ،‬فجعل ينكت وقال في حسنه‬
‫شيئًا‪ ،‬فقال أنس‪ :‬كان أشبههم برسول هللا × وكان مخضوبًا بالوسمة(‪.)5()4‬‬
‫ج‪ -‬وفي رواية أخرى عن أنس أيضًا قال‪ :‬لما أتى عبيد هللا بن زياد برأس الحسين‬
‫جعل ينكت بالقضيب ثناياه يقول‪ :‬لقد كان أحسبه قال جميالً فقلت‪ :‬وهللا ألسوءنك‪ ،‬إني‬
‫رأيت رسول هللا يلثم حيث يقع قضيبك‪ .‬قال‪ :‬فانقبض(‪ .)6‬فالحديثان يدالن على فضل‬
‫الحسين رضي هللا عنه‪ ,‬وأنه كان أشبه أهل البيت به‪ ،‬ولكن قد يرد إشكال وال سيما أنه قد‬
‫تقدم في فضائل الحسن‪ ،‬أنه لم يكن أحد أشبه برسول هللا × من الحسن بن على‪ ،‬فيحدث‬
‫التعارض‪ ،‬وقد أزال اإلشكال والتعارض ابن حجر رحمه هللا حيث جمع بينهما فقال‪:‬‬
‫ويمكن الجمع بأن يكون أنس قال ما وقع في رواية الزهري في حياة الحسن ألنه يومئذ‬
‫كان أشد شبهًا بالنبي × من أخيه الحسين‪ ،‬وأما ما وقع في رواية ابن سيرين فكان بعد ذلك‬
‫كما هو ظاهر من سياقه‪ ،‬أو المراد بمن فضل الحسين عليه في الشبه ما عدا الحسن‪،‬‬
‫ويحتمل أن يكون كل منهما أشد شبهًا في بعض أعضائه‪ ،‬فقد روى الترمذي وابن حبان‬
‫من طريق هانئ بن هانئ عن على قال‪ :‬الحسن أشبه النبي × ما بين الرأس إلى الصدر‪،‬‬
‫والحسين أشبه النبي × ما كان أسفل من ذلك(‪ ,)7‬فهذه بعض األحاديث الواردة في الحسين‬
‫رضي هللا عنه وأرضاه‪.‬‬
‫‪ -3‬ما ورد من أحاديث في مناقب مشتركة بين الحسن والحسين رضي هللا‬
‫عنهما‪:‬‬
‫المحرم‬
‫ِ‬ ‫أ‪ -‬ما رواه البخاري بإسناده إلى ابن عمر أنه قد سأله رجل من العراق عن‬
‫يقتل الذباب‪ ،‬فقال رضي هللا عنه‪ :‬أهل العراق يسألون عن الذباب وقد قتلوا ابن ابنة‬
‫رسول هللا × وقال النبي ×‪«:‬هما ريحانتاي من الدنيا»(‪.)8‬‬

‫‪1‬‬
‫() فضائل الصحابة رقم ‪ ،1361‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() تحفة األحوذى (‪.)10/279‬‬
‫‪3‬‬
‫() قُتل عبيد هللا عام ‪76‬هـ‪ ،‬اإلعالم (‪.)4/193‬‬
‫‪4‬‬
‫() الوسمة بكسر السين وقد تسكن‪ :‬نبت‪ ،‬وقيل شجر باليمن يخضب بورقه الشعر‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() البخاري رقم ‪.3748‬‬
‫‪6‬‬
‫() فضائل الصحابة (‪ )2/985‬رقم ‪1397‬إسناده حسن‪ ،‬مجمع الزوائد (‪.)9/195‬‬
‫‪7‬‬
‫() فضائل الصحابة رقم ‪1366‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() البخاري رقم ‪.3753‬‬
‫‪73‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫قال ابن حجر‪ :‬والمعنى أنهما مما أكرمني هللا وحباني به‪ ،‬ألن األوالد يشمون‬
‫ويقبلون فكأنهم من جملة الرياحين(‪.)1‬‬
‫ب‪ -‬عن أبى هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ×‪« :‬من أحبهما فقد‬
‫أحبني‪ ،‬ومن أبغضهما فقد أبغضني»‪.‬يعني حسنًا وحسينًا(‪.)2‬‬
‫ج‪ -‬وعن البراء بن عازب رضي هللا عنهما أن رسول هللا × أبصر حسنًا وحسينًا‬
‫فقال‪« :‬اللهم إني أحبهما فأحبهما»(‪.)3‬‬
‫د‪ -‬عن أبى سعيد الخدري رضي هللا عنه عن رسول هللا ×‪« :‬الحسن والحسين سيدا‬
‫شباب أهل الجنة»(‪.)4‬‬
‫هـ‪ -‬عن عبد هللا بن بريدة قال‪ :‬سمعت أبى بريدة يقول‪ :‬كان رسول هللا × يخطبنا‬
‫فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران‪ ،‬فنزل رسول هللا × من‬
‫على المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه‪ ،‬ثم قال‪ :‬صدق الله ورسوله ‪+‬إِنَّ َما أ َْم َوالُ ُك ْم‬
‫َوأ َْوالَ ُد ُك ْم فِ ْتنَةٌ" نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت‬
‫حديثى ورفعتهما(‪.)5‬‬
‫و‪ -‬عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي هللا عنهما أن رسول هللا × كان يعوذ‬
‫الحسن والحسين‪« :‬أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة‪ ،‬ومن كل‬
‫عين لامة‪ ،‬هكذا كان إبراهيم يعوذ ابنيه إسماعيل وإسحاق»(‪.)6‬وهذا الحديث ال‬
‫يتعارض مع ما رواه سعد بن أبى وقاص رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬سمعت النبي × يقول‪« :‬لا‬
‫هامة»(‪ )7‬وما رواه أبو هريرة عن رسول هللا × في قوله‪« :‬لا هام‪ ،‬لاهام»(‪ ,)8‬وقوله ×‪:‬‬
‫«لا عدوى ولا صفر ولا هامة»(‪ ,)9‬فقد أجاب أبو جعفر الطحاوى بقوله‪ :‬ففي هذه‬
‫األحاديث نفيه الهامة ونفيـ وجودها‪ ،‬فكيف يجوز أن يعوذهما من معدوم؟ فكان جوابنا له‬
‫بتوفيق هللا عز وجل وعونه‪ :‬أن الهامة التي عوذهما × منها هو هوام األرض التي يخاف‬
‫غوائلها‪ ،‬والهامة التي نفاها هي خالفها‪ ،‬وهي ما كانت العرب تقوله في موتها‪ ،‬فمن ذلك‬
‫ما رثى به لبيد أخاه أربد(‪ )10‬بقوله‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫() فتح الباري (‪.)10/427‬‬
‫‪2‬‬
‫() صحيح سنن أبى داود (‪ ،)2/29‬فضائل الصحابة رقم ‪.1359‬‬
‫‪3‬‬
‫() صحيح سنن الترمذي (‪ ،)3/226‬سنن الترمذي رقم ‪.3782‬‬
‫‪4‬‬
‫() مجمع الزوائد (‪ ،)9/184‬وصححه األلباني في األحاديث الصحيحة (‪.)2/448‬‬
‫‪5‬‬
‫() فضائل الصحابة رقم ‪1358‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() البخاري رقم ‪.3371‬‬
‫‪7‬‬
‫() صحيح ابن حبان رقم ‪ 6127‬إسناده قوى‪ ،‬الطبراني ‪.11764‬‬
‫‪8‬‬
‫() شرح مشكل اآلثار (‪ )7/328‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() مسلم رقم (‪.)2220‬‬
‫‪10‬‬
‫() شرح مشكل اآلثار (‪.)7/329‬‬
‫‪74‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫والهُ ْم غي ُر أصداء وهام‬ ‫فليس الناس بعدك في نقير‬
‫ومن ذلك قول أبى داود األياديَّ‪:‬‬
‫فلهم في صدى المقابر هام‬ ‫ُسلِّط الموت والمنون عليهم‬
‫فنفى رسول هللا × ذلك كما في حديث أبى هريرة الذي رويناه‪ ،‬وأما الهامة التي عوذ‬
‫منها حسنًا وحسينًا‪ ،‬فهي موجودة وهي هوام األرض المخوفة وهي مشددة الميم‪ ،‬والهامة‬
‫التي نفاه مخففة الميم‪ ،‬فليست منها في شيء(‪.)1‬‬
‫خامسًا‪ :‬حديث الكساء ومفهوم أهل البيت‪:‬‬
‫حديث الكساء روته عائشة رضي هللا عنها(‪ ,)2‬قالت‪ :‬خرج النبي × غداة وعليه مرط‬
‫مرحل «وهو الكساء» فأدخل عليا وفاطمة والحسن والحسين رضي هللا عنهم‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫الر ْجس أ َْهل الْب ْي ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ت َويُطَ ِّه َر ُك ْم تَطْ ِه ًيرا"(‪[ )3‬األحزاب‪.]33:‬‬ ‫ب َعن ُك ُم ِّ َ َ َ‬‫‪+‬إِنَّ َما يُ ِري ُد اهللُ ليُذْه َ‬
‫وهذا يبين لنا من كذب أن الصحابة يكتمون فضائل على‪ ،‬فهذه عائشة التي يدعون‬
‫أنها تبغض عليًا هى التي تروى هذا الفضل لعلي وفاطمة(‪.)4‬‬
‫إن الخطاب في اآليات الكريمة كله ألزواج النبي × حيث بدأ بهن وختم بهن‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪+ :‬يا أ َُّي َها النَّبِ ُّي قُل ألَ ْزو ِ‬
‫ُس ِّر ْح ُك َّن‬ ‫الد ْنيَا َو ِزينََت َها َفَت َعال َْي َن أ َُمت ْ‬
‫ِّع ُك َّن َوأ َ‬ ‫ْحيَا َة ُّ‬ ‫ك إِن ُكنتُ َّن تُ ِر ْد َن ال َ‬ ‫اج َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َج ًرا‬
‫ْم ْحسنَات من ُك َّن أ ْ‬ ‫َع َّد لل ُ‬
‫َّار اآلَخ َرةَ فَإن اهللَ أ َ‬ ‫احا َجميالً ‪َ ‬وإن ُكنتُ َّن تُ ِر ْد َن اهللَ َو َر ُسولَهُ َوالد َ‬ ‫َس َر ً‬
‫ك َعلَى اهللِ‬ ‫ِ‬
‫اب ض ْع َف ْي ِن َو َكا َن ذَل َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اء النَّبِ ِّي َمن يَأْت من ُك َّن بَِفاح َشة ُّمَبِّينَة يُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف ل ََها ال َْع َذ ُ‬ ‫اع ْ‬ ‫ضَ‬ ‫يما ‪ ‬يَا ن َس َ‬ ‫َعظ ً‬
‫هلل ورسولِ ِه و َتعمل ِ‬ ‫ي ِسيرا ‪ ‬ومن ي ْقن ْ ِ‬
‫يما ‪ ‬يَا‬ ‫َج َر َها َم َّر َت ْي ِن َوأَ ْعتَ ْدنَا ل ََها ِر ْزقًا َك ِر ً‬ ‫صال ًحا ُّن ْؤتِ َها أ ْ‬‫ت من ُك َّن َ َ ُ َ ْ َ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫َ ً ََ َ ُ‬
‫ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّساء إن َّات َق ْيتُ َّن فَالَ تَ ْخ َ‬ ‫ٍ‬ ‫نِس ِ‬
‫ض َو ُقل َ‬ ‫ض ْع َن بالْ َق ْول َفيَط َْم َع الذي في َق ْلبه َم َر ٌ‬ ‫َحد ِّم َن الن َ‬‫َستُ َّن َكأ َ‬ ‫اء النَّب ِّي ل ْ‬
‫ََ‬
‫ين َّ‬
‫الز َكا َة‬ ‫الصالَ َة وآتِ‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬
‫َق‬‫أ‬ ‫و‬ ‫َى‬ ‫ل‬ ‫ُو‬‫أل‬ ‫ا‬ ‫ِ‬
‫ة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫ر‬‫ب‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫ِ‬
‫َق ْوالً َّ ْ ُ ً َ َ ْ َ ُ ُ ُ َّ َ َ َ َ َّ ْ َ َ َ ُّ َ َ َّ‬
‫ي‬ ‫ل‬ ‫اه‬ ‫ْج‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫وت‬ ‫ي‬‫ب‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫ن‬ ‫ر‬ ‫ق‬‫و‬ ‫ا‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫ر‬‫ع‬ ‫م‬
‫َ ْ َ َّ َ َ‬ ‫‪‬‬
‫الر ْجس أ َْهل الْب ْي ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َويُطَ ِّه َر ُك ْم تَطْ ِه ًيرا ‪َ ‬واذْ ُك ْر َن َما‬ ‫ب َعن ُك ُم ِّ َ َ َ‬ ‫َوأَط ْع َن اهللَ َو َر ُسولَهُ إِنَّ َما يُ ِري ُد اهللُ ليُذْه َ‬
‫َطي ًفا َخبِ ًيرا" [األحزاب‪ ،]34 -28 :‬فالخطاب‬ ‫ْحكْم ِة إِ َّن اهلل َكا َن ل ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُي ْتلَى في ُبيُوت ُك َّن م ْن آيَات اهلل َوال َ‬
‫كله ألزواج النبي × ومعهن األمر والنهي والوعد والوعيد‪ ،‬لكن لما تبين ما في هذا من‬
‫المنفعة التي تعمهن وتعم غيرهن من أهل البيت جاء التطهير بضمير المذكر ألنه إذا‬
‫اجتمع المذكر والمؤنث غلب الذكر‪ ،‬حيث تناول أهل البيت كلهم‪ ،‬وعلى فاطمة والحسن‬
‫والحسين رضي هللا عنهم أخص من غيرهم بذلك‪ ،‬لذلك خصهم النبي × بالدعاء لهم‪ ،‬كما‬
‫أن أهل بيت النبي × يتعدى عليًا والحسن والحسين وفاطمة إلى غيرهم كما في حديث زيد‬
‫بن أرقم‪ ،‬وأنه لما قيل له‪ :‬نساؤه من أهل بيته؟ قال‪ :‬نساؤه من أهل بيته‪ ،‬ولكن أهل بيته‬

‫‪1‬‬
‫() شرح مشكل اآلثار (‪.)7/330‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسلم رقم (‪ )2408‬فضائل الصحابة‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() مسلم رقم (‪)2167‬ك الزكاة‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() حقبة من التاريخ ص (‪.)187‬‬
‫‪75‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الذين حرموا الصدقة وهم آل على وآل جعفر وآل عقيل وآل العباس(‪ ,)1‬وإذا اتسع مفهوم‬
‫أهل بيت النبي × إلى أكثر من ذلك فهم نساؤه بدليل اآلية‪ ،‬ويشمل أيضًا عليًا وفاطمة‬
‫والحسن والحسين‪ ،‬كحديث الكساء‪ ،‬وبحديث زيد بن أرقم‪ ،‬وآل عباس بن عبد المطلب‪،‬‬
‫وآل عقيل بن أبى طالب‪ ،‬وآل جعفر بن أبى طالب بدليل حديث زيد بن أرقم‪ ,‬وآل الحارث‬
‫بن عبد المطلب(‪ ,)2‬وسيأتي الحديث عن اآلية الكريمة مفصالً عند مناقشتنا للشيعة بإذن هللا‬
‫تعالى‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬ما يخص آل رسول هللا × من األحكام‪:‬‬
‫‪ -1‬تحرم عليهم الزكاة‪:‬لحديث عبد المطلب بن ربيعة أن النبي × قال‪« :‬إن الصدقة‬
‫لا تنبغي لآل محمد‪ ،‬إنما هي أوساخ الناس»(‪.)3‬‬
‫‪ -2‬ال يرثون رسول هللا ×‪ :‬لحديث أبى بكر قال‪ :‬قال رسول هللا ×‪« :‬لا نورث‪،‬‬
‫ما تركنا صدقة»(‪ .)4‬وقد روى هذا الحديث أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وطلحة‬
‫والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف والعباس بن عبد المطلب وأزواج النبي × وأبو‬
‫هريرة كما نص على ذلك ابن تيمية وهى ثابتة عنهم في الصحاح والمسانيد(‪.)5‬‬
‫‪ -3‬لهم خمس الخمس في الغنيمة(‪ )6‬والفيئ(‪ :)7‬قال تعالى‪َ + :‬وا ْعلَ ُموا أَنَّ َما غَنِ ْمتُم ِّمن‬
‫يل إِن ُك ْنتُم آم ْنتُم بِ ِ‬
‫اهلل َو َما‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫ول َولِ ِذي الْ ُق ْربَى َوالْيَتَ َامى َوال َْم َساكِي ِن َوابْ ِن َّ‬
‫السبِ ِ‬ ‫هلل ُخ ُم َسهُ َولِ َّ‬
‫لر ُس ِ‬ ‫َشي ٍء فَأ َّ‬
‫َن ِ‬
‫ْ‬
‫ان َواهللُ َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير" [األنفال‪.]41:‬‬ ‫ان يوم الَْت َقى الْجمع ِ‬
‫ََْ‬
‫أَ ْنزلْنَا َعلَى َع ْب ِدنَا يوم الْ ُفرقَ ِ‬
‫َْ َ ْ َْ َ‬ ‫َ‬
‫ول َولِ ِذي الْ ُق ْربَى َوالْيَتَ َامى‬ ‫اء اهللُ َعلَى َر ُسولِ ِه ِم ْن أ َْه ِل الْ ُق َرى فَلِلَّ ِه َولِ َّ‬
‫لر ُس ِ‬
‫وقال تعالى‪َ + :‬ما أَفَ َ‬
‫يل َك ْي الَ يَ ُكو َن ُدولَةً َب ْي َن األ ْغنِيَ ِاء ِم ْن ُك ْم" [الحشر‪.]7:‬‬ ‫َوال َْم َساكِي ِن َوابْ ِن َّ‬
‫السبِ ِ‬
‫‪ -4‬الصالة عليهم مع النبي ×‪:‬عن كعب بن عجرة قال‪ :‬سألنا رسول هللا × فقلنا‪ :‬يا‬
‫رسول هللا‪ ،‬كيف الصالة عليكم أهل البيت؟ فإن هللا قد علمنا كيف نسلم‪ ،‬قال‪« :‬قولوا‪:‬‬
‫اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم‬
‫إنك حميد مجيد‪ .‬اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على‬
‫إبراهيم على آل إبراهيم إنك حميد مجيد»(‪.)8‬‬
‫‪ -5‬لهم مودة خاصة‪:‬ويتمثل هذا فيما رواه زيد بن أرقم عن النبي ×‪« :‬أذكركم‬

‫‪1‬‬
‫() مسلم رقم ‪.107‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسلم ك الزكاة رقم ‪.167‬‬
‫‪3‬‬
‫() مسلم رقم ‪.1072‬‬
‫‪4‬‬
‫() البخاري رقم ‪3093‬مسلم ‪.1757‬‬
‫‪5‬‬
‫() منهاج السنة (‪ ،)4/195‬البداية والنهاية (‪.)5/252‬‬
‫‪6‬‬
‫() ما أصيب من أموال أهل الحرب وأوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب‪ ،‬النهاية (‪.)3/389‬‬
‫‪7‬‬
‫() ما حصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب وال جهاد‪ ،‬النهاية (‪.)3/482‬‬
‫‪8‬‬
‫() البخاري رقم ‪ ،3370‬مسلم رقم ‪.406‬‬
‫‪76‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الله في أهل بيتي‪ ،‬أذكركم الله في أهل بيتي‪ ،‬أذكركم الله في أهل بيتي»(‪.)1‬‬
‫قال القرطبي‪:‬وهذه الوصية‪ ،‬وهذا التأكيد العظيم يقتضي وجوب احترام أهله‬
‫وتوقيرهم ومحبتهم‪ ،‬وجوب الفروض المؤكدة التي ال عذر ألحد في التخلف عنها(‪ ,)2‬وقد‬
‫فهم وصية النبي × بأهل بيته حق الفهم أبو بكر الصديق رضي هللا عنه‪ ،‬فأحبهم‬
‫وأكرمهم‪ ،‬ودعا الناس إلى إكرامهم ومحبتهم‪ ،‬فقد روى البخاري بإسناده إلى أبى بكر‬
‫رضي هللا عنه‪ ،‬أنه قال‪ :‬ارقبوا محمدًا × في أهل بيته(‪.)3‬‬
‫فهذا خطاب من الصديق رضي هللا عنه ووصية منه للناس في حفظ حقوق آل بيت‬
‫النبي ×‪ ،‬فالمراقبة للشيء المحافظة عليه‪ ،‬ومعنى قول الصديق‪ :‬احفظوه فيهم فال تؤذوهم‬
‫وال تسيئوا إليهم(‪ ,)4‬وقال النووي‪ :‬ومعنى «ارقبوا»‪ :‬راعوه واحترموه وأكرموه(‪ ,)5‬وقد‬
‫أكد رضي هللا عنه تلك الحقوق بما قاله لعلي رضي هللا عنه‪ :‬والذي نفسي بيده لقرابة‬
‫رسول هللا × أحب إل َّى أن أصل من قرابتي(‪.)6‬ومحبة أهل البيت من أصول أهل السنة‬
‫والجماعة‪ ،‬يقول ابن تيمية‪ :‬وإن من أصول أهل السنة والجماعة أنهم يحبون أهل بيت‬
‫النبي × ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول هللا × (‪ ,)7‬وقال القاضي عياض‪ :‬إن من‬
‫عالمات محبته × محبته لمن أحب النبي ×‪ ،‬ومن هو بسببه من آل بيته‪ ،‬وصحابته من‬
‫المهاجرين واألنصار رضوان هللا عليهم أجمعين‪ ،‬فمن أحب شيئًا أحب من يحبه(‪ ,)8‬وقال‬
‫ابن كثير‪ :‬وال ننكر الوصاية بأهل البيت واألمر باإلحسان إليهم واحترامهم وإكرامهم‪،‬‬
‫فإنهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وجد على وجه األرض فخرًا‪ ،‬وحسبًا ونسبًا‪ ،‬وال‬
‫سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية‪ ،‬فكانوا من أهل الحق كما‬
‫كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه‪ ،‬وعلى وأهل بيته وذريته رضي هللا عنهم أجمعين(‪.)9‬‬
‫سابعًا‪ :‬علي رضي هللا عنه في غزوة أحد‪:‬‬
‫في غزوة أحد بدأ القتال بمبارزة بين علي بن أبي طالب رضي هللا عنه وطلحة بن‬
‫عثمان‪ ,‬وكان بيده لواء المشركين‪ ,‬وطلب المبارزة مرارًا‪ ,‬فخرج إليه علي بن أبي طالب‬
‫رضي هللا عنه فقال له علي‪ :‬والذي نفسي بيده ال أفارقك حتى يعجلك هللا بسيفي إلى النار‬
‫أو يعجلني بسيفك إلى الجنة‪ ,‬فضربه علي‪ ,‬فقطع رجله فوقع على األرض فانكشفت‬
‫عورته فقال‪ :‬يا ابن عمي أنشدك هللا والرحم! فرجع عنه ولم يجهز عليه‪ ,‬فكبر رسول هللا‬
‫وقال لعلي بعض أصحابه‪ :‬أفال أجهزت عليه؟ قال‪ :‬إن ابن عمي ناشدني الرحم حين‬
‫‪1‬‬
‫() مسلم رقم ‪.2408‬‬
‫‪2‬‬
‫() فتح القدير للمناوي (‪.)3/14‬‬
‫‪3‬‬
‫() البخاري رقم ‪.713‬‬
‫‪4‬‬
‫() انظر‪ :‬فتح الباري (‪.)7/97‬‬
‫‪5‬‬
‫() العقيدة في أهل البيت بين اإلفراط والتفريط‪ :‬ص(‪.)175‬‬
‫‪6‬‬
‫() البخاري رقم ‪.3712‬‬
‫‪7‬‬
‫() محموع الفتاوى (‪.)3/407‬‬
‫‪8‬‬
‫() الشفاء (‪.)2/573‬‬
‫‪9‬‬
‫() تفسير القرآن العظيم (‪.)4/113‬‬
‫‪77‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫انكشفت عورته فاستحييت منه(‪ .)1‬وكان رضي هللا عنه بعد االلتحام في ميمنة الجيش‪,‬‬
‫وأخذ الراية بعد مقتل مصعب بن عمير رضي هللا عنه‪.‬‬
‫في هذه المعركة قتل من المشركين خلقًا كثي ًرا‪ ,‬رغم ما أصاب المسلمين من الشدة‬
‫في هذه الغزوة‪ ,‬إضافة إلى بالئه في الدفاع عن رسول هللا ×(‪ ,)2‬وكان علي رضي هللا عنه‬
‫هو الذي أخذ بيد رسول هللا × حينما وقع في الحفرة يوم أحد(‪ ,)3‬لقد استشهد في تلك الغزوة‬
‫عدد كبير من خيرة المهاجرين واألنصار‪ ,‬وتركت حزنًا عميقًا في نفس الرسول ×‪ ,‬كما‬
‫أصاب العدو من الرسول الكريم‪ ,‬فأدموا وجهه الشريف‪ ,‬فقامت ابنته فاطمة وزوجها علي‬
‫بن أبي طالب رضي هللا عنهما بمداواة جراحه‪ ,‬وإيقاف الدم الذي كان ينزف على وجهه‬
‫ولحيته عليه الصالة والسالم(‪.)4‬‬
‫وظهرت شجاعة علي رضي هللا عنه في تلك المعركة‪ ,‬فعندما أشيع أن الرسول ×‬
‫قتل‪ ,‬وافتقده عل َّي‪ ,‬رأى أن الحياة ال خير فيها بعده‪ ,‬فكسر جفن سيفه‪ ,‬وحمل على القوم‬
‫حتى أفرجوا له‪ ,‬فإذا برسول هللا ×(‪ ,)5‬فثبت معه ودافع عنه دفاع األبطال‪ ,‬وقد أصابته‬
‫ست عشرة ضربة في ذلك اليوم(‪.)6‬‬
‫وبعد انسحاب جيش المشركين من أرض المعركة أرسل رسول هللا × علي بن أبي‬
‫طالب رضي هللا عنه بعد الغزوة مباشرة‪ ,‬وذلك لمعرفة اتجاه العدو‪ ,‬فقال له‪« :‬اخرج في‬
‫آثار القوم وانظر ماذا يصنعون وما يريدون‪ ,‬فإن كانوا قد جنبوا الخيل‬
‫وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة‪ ,‬وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فهم‬
‫يريدون المدينة‪ ,‬والذي نفسي بيده إن أرادوها لأسيرن إليهم فيها ثم‬
‫لأناجزنهم»‪ ,‬قال علي‪ :‬فخرجت في أثرهم أنظر ماذا يصنعون‪ ,‬فجنبوا الخيل وامتطوا‬
‫اإلبل ووجهوا إلى مكة(‪ ,)7‬فخرج علي رضي هللا عنه‪ ،‬وأخبر رسول هللا× بخبر‬
‫القوم(‪،)8‬وفي هذا الخبر عدة دروس وعبر منها‪:‬‬
‫‪ -‬شجاعة النبي ×‪ ،‬حيث كان داخل صفوف المشركين ولم يصل إليه سيدنا على إال‬
‫بعد جهد جهيد‪ ،‬فوجد رسول هللا × في قلب العدو يقاتلهم حتى أصيب بعدة جروح‪.‬‬
‫‪ -‬يقظة الرسول ×‪ ،‬ومراقبته الدقيقة لتحركات العدو‪ ،‬وقدرته × على تقدير األمور‪،‬‬
‫وتحليل تصرفات الخصم وفهم ما يترتب عليها من قرارات‪.‬‬
‫‪ -‬ظهور قوته المعنوية العالية‪ ،‬ويظهر ذلك في استعداده لمقاتلة المشركين لو أرادوا‬
‫المدينة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫() السيرة الحلبية (‪.)2/498،497‬‬
‫‪2‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/224‬‬
‫‪3‬‬
‫() السيرة النبوية البن هشام (‪.)3/89‬‬
‫‪4‬‬
‫() البخاري رقم ‪.4075‬‬
‫‪5‬‬
‫() مسلم شرح النووي (‪.)12/148‬‬
‫‪6‬‬
‫() مسند أبى يعلي (‪ )416 ،1/415‬إسناده حسن‪ ،‬خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد فقيهي ص(‪.)39‬‬
‫‪7‬‬
‫() مسند أبى يعلي (‪ )416 ،1/415‬إسناده حسن‪ ،‬خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد فقيهي ص(‪.)39‬‬
‫‪8‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)4/41‬‬
‫‪78‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -‬وفيه ثقة النبي × بعلي رضي هللا عنه ومعرفته بمعادن الرجال‪.‬‬
‫‪ -‬المروءة ومكارم األخالق عند على عندما رجع عن خصمه بعدما انكشفت عورته‬
‫وإقرار رسول هللا × له‪ ،‬وهذا العمل يعلمنا قيمة التعامل‪ ،‬وكيف تكون األخالق حتى مع‬
‫الخصم وحتى في ساحة المعركة‪.‬‬
‫‪ -‬وجوب التضحية في سبيل هللا وأنه بهذه الروح ينتصر اإلسالم في الحياة وينال‬
‫الشهيد الجنة‪ ،‬وهذا ما أثبته لنا بعض المهاجرين واألنصار في هذه المعركة وغيرها‪.‬‬
‫‪ -‬وجوب األخذ باألسباب‪ ،‬وظهر هذا عندما وضع رسول هللا × بعض الصحابة على‬
‫جبل أحد‪ ،‬فعصوه ونزلوا وكان هذا من أسباب الهزيمة‪.‬‬
‫‪ -‬وفيه شجاعة على رضي هللا عنه‪ ،‬ألن هذا الجيش لو أبصره ما تورع عن محاولة‬
‫قتله(‪.)1‬‬
‫ثامنًا‪ :‬على رضيـ هللا عنه في غزوة بني النضير‪:‬‬
‫يرى المحققونـ من المؤرخين أن غزوة بنى النضير كانت بعد أحد في ربيع األول‬
‫من السنة الرابعة من الهجرة‪ ،‬وقد رد ابن القيم على من زعم أن غزوة بنى النضير بعد‬
‫بدر بستة أشهر بقوله‪ :‬وزعم محمد بن شهاب الزهري‪ :‬أن غزوة بنى النضير كانت بعد‬
‫بدر بستة أشهر‪ ،‬وهذا وهم منه أو غلط عليه‪ ،‬بل الذي ال شك فيه أنها بعد أحد‪ ،‬والتي‬
‫كانت بعد بدر بستة أشهر هي غزوة بنى قينقاع‪ ،‬وقريظة بعد الخندق‪ ،‬وخيبر بعد‬
‫الحديبية(‪ ,)2‬وقال ابن العربي‪ :‬والصحيح أنها بعد أُحد(‪ ،)3‬وإلى هذا الرأي ذهب ابن‬
‫كثير(‪ ,)4‬ففي هذه الغزوة فقد الصحابة على بن أبى طالب رضي هللا عنه ذات ليلة‪ ،‬فقال‬
‫النبي ×‪« :‬إنه في بعض شأنكم»‪ ،‬فعن قليل جاء برأس ع َْز َوكَ‪ ،‬وقد كمن له حتى خرج‬
‫في نفر من اليهود يطلب غرة من المسلمين‪ ،‬وكان شجاعًا راميًا‪ ،‬فشد عليه على رضي‬
‫هللا عنه فقتله‪ ،‬وفر اليهود(‪.)5‬‬
‫تاسعًا‪ :‬على رضي هللا عنه في غزوة حمراء األسد‪:‬‬
‫تعتبر هذه الغزوة مكملة لغزوة أحد‪ ،‬فقد عاد المسلمون من أحد مساء السبت الخامس‬
‫عشر من شوال من السنة الثالثة للهجرة‪ ،‬وما أن أصبح الصباح وخرج الناس من صالة‬
‫وأذن مؤذن رسول هللا × بالتهيؤ على جناح السرعة لمطاردة العدو‪ ،‬وأال يخرج‬ ‫َّ‬ ‫الفجر إال‬
‫ُ‬
‫من الناس إال من شهد أ ُحدًا‪ ،‬فاستجاب الناس لنداء رسول هللا × مع ما بهم من جراحات‬
‫وتعب‪ ،‬وكان في مقدمتهم رسول هللا ×‪ ،‬ولم يسمح لعبد هللا بن أب َّى بالخروج معه‪ ،‬وال‬
‫ألحد لم يشهد أ ُحدًا إال جابر بن عبد هللا بن عمرو بن حرام الذي استشهد أبوه في أُحُد‪،‬‬
‫وكان قد منعه من االشتراك في بدر وأحد ليبقى عند أخواته البنات‪ ،‬وخرج الجيش وفي‬

‫‪1‬‬
‫() السيرة النبوية للصَّالبي (‪ ،)2/145‬غزوة أحد ألبى فارس‪ :‬ص(‪.)96 ،95‬‬
‫‪2‬‬
‫() زاد المعاد (‪.)3/249‬‬
‫‪3‬‬
‫() أحكام القرآن البن العربي (‪.)4/1765‬‬
‫‪4‬‬
‫() حديث القرآن عن الغزوات (‪.)1/254‬‬
‫‪5‬‬
‫() إمتاع األسماع للمقريزي (‪.)1/180‬‬
‫‪79‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫على بن أبى طالب(‪ ,)1‬وصل‬ ‫مقدمتهم رسول هللا ×‪ ،‬ويحمل اللواء‪ ،‬لواء أحد نفسه ُّ‬
‫المسلمون بقيادة رسولهم الكريم × إلى حمراء األسد التي تبعد عن المدينة ثالثة عشر‬
‫حطوا الرحال فيها‪ ،‬وقد أدهشت هذه الحركة اليهود والمنافقين لما فيها من‬‫ميالً‪ ،‬حيث ُّ‬
‫جرأة وشجاعة‪ ،‬وأيقنوا أن الروح المعنوية عالية‪ ،‬وأنهم لو هُزموا لما عملوا على مطاردة‬
‫قريش(‪ ,)2‬كما أن في خروج النبي × إلى حمراء األسد إشارة نبوية إلى أهمية استعمال‬
‫الحرب النفسية للتأثير على معنويات الخصوم‪ ،‬فخرج × بجنوده إلى حمراء األسد ومكث‬
‫فيها ثالثة أيام‪ ،‬وأمر بإيقاد النيران‪ ،‬فكانت تشاهد من مكان بعيد ومألت األرجاء بأنوارها‬
‫حتى خيل لقريش أن جيش المسلمين ذو عدد كبير ال طاقة لهم به‪ ،‬فانصرفوا وقد مأل‬
‫الرعب أفئدتهم(‪.)3‬‬
‫قال ابن سعيد‪ :‬ومضى رسول هللا × بأصحابه حتى عسكروا بحمراء األسد‪ ،‬وكان‬
‫المسلمون يوقدون تلك الليالي خمسمائة نار حتى ترى من المكان البعيد‪ ،‬وذهب صوت‬
‫معسكرهم ونيرانهم في كل وجه فكبت هللا تعالى بذلك عدوهم(‪ ,)4‬وقد أشار القرآن الكريم‬
‫إلى هذه الحرب الباردة وسجلها المولى عز وجل في كتابه في معرض الثناء على‬
‫ِ‬ ‫ول ِمن بع ِد ما أَصابهم الْ َقر ِ ِ‬ ‫الر ُس ِ‬ ‫استَجابوا ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َج ٌر‬ ‫َّ‬
‫َح َسنُوا م ْن ُه ْم َوات َق ْوا أ ْ‬
‫ين أ ْ‬‫ح للَّذ َ‬ ‫َْ َ َ َُ ُ ْ ُ‬ ‫هلل َو َّ‬ ‫ين ْ َ ُ‬ ‫الصحابة‪+ :‬الذ َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫يمانًا َوقَالُوا َح ْسُبنَا اهللُ‬ ‫اد ُه ْم إِ َ‬
‫َّاس قَ ْد َج َمعُوا لَ ُك ْم فَا ْخ َش ْو ُه ْم َف َز َ‬ ‫ال ل َُهم الن ِ‬
‫َّاس إ َّن الن َ‬
‫ين قَ َ ُ ُ‬ ‫يم ‪ ‬الذ َ‬‫َعظ ٌ‬
‫ضوا َن ِ‬ ‫اهلل وفَ ْ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ٍل‬
‫اهلل َواهللُ ذُو فَ ْ‬ ‫ض ٍل ل ْم يَ ْم َس ْس ُه ْم ُسوءٌ َو َّاتَبعُوا ِر ْ َ‬ ‫يل ‪ ‬فَا ْن َقلَبُوا بن ْع َمة ِّم َن َ‬‫َون ْع َم ال َْوك ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫الشيطَا ُن ي َخ ِّو ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َع ِظ ٍ‬
‫ين" [آل عمران‪:‬‬ ‫وه ْم َو َخافُون إِن ُك ْنتُم ُّم ْؤمن َ‬ ‫اءهُ فَالَ تَ َخافُ ُ‬
‫ف أ َْوليَ َ‬ ‫يم ‪ ‬إِنَّ َما ذَل ُك ُم َّ ْ ُ‬
‫‪.]175 -172‬‬
‫عاشرًا‪ :‬على رضيـ هللا عنه وموقفه من حادثة اإلفك‪:‬‬
‫ورد حديث اإلفك الذي اتهم فيه المنافقون عائشة رضي هللا عنها به‪ ،‬أن رسول هللا ×‬
‫استدعى عليًا وأسامة واستشارهما في فراق أهله‪ ،‬لما كثر القول وأقلق النبي ×‪ ،‬واستلبث‬
‫الوحي‪ ،‬فأما أسامة‪ ،‬فأشار عليه بالذي يعلم من براءتها‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول هللا أهلك‪ ،‬وال‬
‫نعلم إال خيرًا‪ ،‬وأما على بن أبى طالب رضي هللا عنه فقال‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬لم يضيق هللا‬
‫عليك والنساء سواها كثير‪ ،‬وإن تسأل الجارية تصدقك(‪ , )5‬قالت‪ :‬فدعا رسول هللا × بريرة‬
‫فقال‪ :‬أي بَريَرة هل رأيت من شيء يَريبك؟قالت بريرة‪ :‬ال والذي بعثك بالحق إن‬
‫رأيت عليها أمرًا أغمصه(‪ )6‬عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫() وقد حمل على رضي هللا عنه لواء رسول هللا × في غزوة ال ُكدر لبنى سليم بعد عودته إلى المدينة‬
‫بسبع ليال من غزوة بدر‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() على بن أبى طالب‪ ،‬أحمد السيد الرفاعي ص‪ ،10-1‬تاريخ اإلسالم للذهبي‪ ،‬المغازى ص ‪.226‬‬
‫‪3‬‬
‫() غزوة أحد ألبى فارس‪ :‬ص(‪.)51‬‬
‫‪4‬‬
‫() الطبقات البن سعد (‪.)2/49‬‬
‫‪5‬‬
‫() البخاري رقم ‪.4750‬‬
‫‪6‬‬
‫() أغمصه‪ :‬أي أعيبها به وأطعن بها عليه‪.‬‬
‫‪80‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫فتأتي الداجن(‪ )1‬فتأكله‪ ،‬فقام رسول هللا‪ ،‬فاستعذر(‪ )2‬يومئذ من عبد هللا بن أُبى ابن سلَول‬
‫قالت‪ :‬فقال رسول هللا × وهو على المنبر‪ :‬فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرًا‪،‬‬
‫ولقد ذكروا رجلاً(‪ ,)3‬ما علمت عليه إلا خيرًا‪ ،‬وما كان يدخل على أهلي إلا‬
‫معي(‪ .)4‬إن الكالم الذي قاله عل ّى إنما حمله عليه ترجيح جانب النبي ×‪ ،‬لما رأى عنده من‬
‫القلق والغم بسبب القول الذي قيل‪ .‬وكان شديد الغيرة‪ ،‬فرأى على رضي هللا عنه في بادئ‬
‫األمر أنه إذا فارقها سكن ما عنده من القلق بسببها إلى أن تتحقق براءتها‪ ،‬فيمكن رجعتها‪،‬‬
‫ويستفاد منه ارتكاب أخف الضررين لذهاب أشدهما(‪ ,)5‬وقال النووي‪ :‬رأى على أن ذلك‬
‫هو المصلحة في حق النبي ×‪ ،‬واعتقد ذلك لما رأى من انزعاجه‪ ،‬فبذل جهده في‬
‫النصيحة‪ ،‬إلرادة راحة خاطره ×(‪ ,)6‬كما أن عليا رضي هللا عنه لم ينل عائشة – رضي‬
‫هللا عنها‪ -‬بأدنى كلمة يفهم منها أنه عرَّض بأخالقها‪ ،‬أو تناولها بسوء(‪ ,)7‬بل كان رأيه‬
‫خيرًا لها‪ ،‬فهو يقول إن أردت أن ترتاح من المشكلة فإن غيرها كثير‪ ،‬وإن أردت‬
‫الوصول للحقيقة‪ ،‬فاسأل الجارية توصلك إليها‪ ،‬وهي براءة عائشة‪ ،‬ثم بعد ذلك خطب‬
‫رسول هللا الناس وبين براءة عائشة‪ ،‬وخطورة من يخوض في عرضه ظل ًما وزورًا‪ ،‬وقد‬
‫بدت نصيحة على وأسامة بن زيد معًا إيجابيتين‪ ،‬وفي صالح عائشة رضي هللا عنها‪ ،‬فقد‬
‫ازداد‬
‫النبي × قناعة بما علم من خير في أهله(‪.)8‬‬
‫وعلى القارئ الكريم أن يحذر من الروايات الباطلة ساقطة االعتبار التي تزعم بإساءة‬
‫على إلى عائشة في أمر اإلفك‪ ،‬والتي بنى عليها بعض الباحثين بأن ذلك جعل عائشة تغضبـ‬
‫من على رضي هللا عنه وتحقد عليه وتتهمهـ زورًا بقتل عثمان‪ ،‬وتخرج عليه مؤلبة عليه‬
‫األعداد الهائلة من المسلمين(‪ ,)9‬ومن أمثال هؤالء الباحثين‪ ،‬على إبراهيم حسن في التاريخ‬
‫اإلسالمي العام‪ ،‬وطه حسين في كتابه‪ :‬على وبنوهـ(‪ ,)10‬وغيرهم‪ ،‬سوف نتحدث عن العالقة‬
‫المتينة بين أم المؤمنين عائشة وعلى – بإذن هللا – عند حديثنا عن موقعة الجمل‪ ،‬لقد كانت‬
‫قصة اإلفك حلقة من سلسلة فنون اإليذاء والمحن التي لقيها رسول هللا × من أعداء الدين‪،‬‬
‫وكانـ من لطف هللا تعالى بنبيه وبالمؤمنينـ أن كشف هللا زيفها وبطالنها‪ ،‬وسجل التاريخ‬
‫بروايات صحيحة مواقف المؤمنينـ من هذه الفرية‪ ،‬وهي مواقف يتأسى بها المؤمنون عندماـ‬

‫‪1‬‬
‫() الداجن‪ :‬هى الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() فاستعذر‪ :‬أي قال‪ :‬من يقوم بعذري إن عاقبته على سوء صنيعه‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() هو صفوان بن المعطل السلمى‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() البخاري رقم ‪.4750‬‬
‫‪5‬‬
‫() دور المرأة السياسي أسماء محمد زيادة‪ :‬ص(‪.)462‬‬
‫‪6‬‬
‫() صحيح مسلم بشرح النووي (‪.)5/634‬‬
‫‪7‬‬
‫() دور المرأة السياسي‪ :‬ص(‪.)462‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر نفسه‪ :‬ص(‪.)463‬‬
‫‪9‬‬
‫صالَّبي (‪.)2/926‬‬
‫() من أراد التوسع في حادثة اإلفك فليراجع السيرة النبوية لل َّ‬
‫‪10‬‬
‫() خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد فقيهي‪ :‬ص (‪.)54‬‬
‫‪81‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫تعرض لهم في حياتهم مثل هذه الفرية‪ ،‬فقد انقطع الوحي‪ ،‬وبقيت الدروس لتكون عبرة وعظة‬
‫لألجيال إلى أن يرث هللا األرض ومن عليها(‪ ,)1‬وقد تحدثت في كتابيـ «السيرة النبوية عرض‬
‫وقائع وتحليل أحداث» عن الدروس والعبر واآلداب واألحكام التي تؤخذ من حادثة اإلفك(‪.)2‬‬
‫المبحث السادس‬
‫أهم أعمال علي رضي هللا عنه‬
‫ما بين األحزاب إلى وفاة النبي ×‬
‫أوالًَ‪ :‬علي رضيـ هللا عنه في غزوة األحزاب‪:‬‬
‫كان موقف أمير المؤمنين على رضي هللا عنه في األحزاب بطوليًّا رائعًا ينم عن‬
‫مدى رسوخ العقيدة في قلوب أصحاب النبي ×‪ ،‬والدعوة إليها‪ ،‬والموت في سبيلها‪،‬‬
‫والبراءة ممن خالفها‪ ،‬قال ابن إسحاق‪ :‬وخرج على بن أبى طالب في نفر من المسلمين‬
‫بعد أن اقتحمت خيل المشركين ثغرة في الخندق حتى أخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموا‬
‫منها خيلهم‪ ،‬وأقبلتن الفرسان تعدو نحوهم‪ ،‬وكان عمرو بن عبد وقد قاتل يوم بدر حتى‬
‫أثبتته الجراح‪ ،‬فلم يشهد يوم أُحد‪ ،‬فلما كان يوم الخندق خرج معل ًما لُي َرى مكانه فلما وقف‬
‫هو وخيله قال‪ :‬من يبارز؟ فبرز له على بن أبى طالب فقال له‪ :‬يا عمرو‪ ،‬إنك قد كنت‬
‫عاهدت هللا أال يدعوك رجل من قريش إلى أحد خلتين إال أخذتها منه‪ ،‬قال له‪ :‬أجل‪ ،‬قال‬
‫له على‪ :‬فإني أدعوك إلى هللا وإلى رسوله وإلى اإلسالم‪ ،‬قال‪ :‬ال حاجة لي بذلك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فإني أدعوك إلى النّزل‪ ،‬فقال له‪ :‬لِ َم يا ابن أخي؟ فوهللا ما أحب أن أقتلك‪ ،‬قال له على‪:‬‬
‫لكني وهللا أحب أن أقتلك‪ ،‬فحمى عمرو عند ذلك‪ ،‬فاقتحم عن فرسه‪ ،‬فعقرها‪ ،‬وضرب‬
‫وجهه‪ ،‬ثم أقبل على عل ‪‰‬ـًىًّ‪ ،‬فتنازال وتجاوال فقتله على رضي هللا عنه‪ ،‬وخرجت خيلهم‬
‫منهزمة‪ ،‬حتى اقتحمت من الخندق هاربة(‪.)3‬‬
‫وقد ذكر ابن كثير ما رواه البيهقي في دالئل النبوة من أشعار قالها عمرو بن عبد ود‬
‫وعلي رضي هللا عنه‪ ،‬فقد قال عمرو لما خرج للمبارزة‪:‬‬
‫لَجم ِع ِهم هل من مبارز؟‬ ‫ولقد بححْ ُ‬
‫ت من النداء‬
‫موقف القرن المناجز‬ ‫ووقفتـ إِذ َجبُنَ المشجَّع‬
‫متسرعًا قبل الهَزا ِه ْز‬ ‫ولذاك إني لم أ ُكن‬
‫والجود من خير الغرائِ ْز‬ ‫إن الشجاعة في الفتى‬
‫فعندما خرج له على رضي هللا عنه‪:‬‬
‫ك غير عاجز‬
‫صوت َ‬
‫ُمجيبُ َ‬ ‫ال تَ ْع َج َّ‬
‫لن فقد أتاك‬
‫والصدق َم ْن َجى كلِّ فائز‬ ‫في نية وبصيرة‬

‫‪1‬‬
‫() السيرة النبوية في ضوء المصادر األصلية‪ :‬ص (‪.)440‬‬
‫‪2‬‬
‫() السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث (‪.)255 -243 /2‬‬
‫‪3‬‬
‫() السيرة النبوية البن هشام (‪.)3/348‬‬
‫‪82‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫عليك نائحة الجنائز‬ ‫إني ألرجُو أن أقيم‬
‫(‪)1‬‬
‫ذكرها عند الهزائز‬ ‫من ضربة نجالء يبقى‬
‫ولما قتل على رضي هللا عنه عمرو بن عبد ود ذكروا أنه قال من الشعر‪:‬‬
‫عن ّى وعنهم أخروا أصحابي‬ ‫أعلى تفتحم الفوارس هكذا‬
‫ُّ‬
‫(‪)2‬‬
‫ص َّمم في الرأس ليس بنابي‬
‫و ُم َ‬ ‫اليوم يمنعني الفرا َر حفيظتي‬
‫وألقى عكرمة رمحه يومئذ وهو منهزم عن عمرو‪ ،‬فقال حسان بن ثابت‪:‬‬
‫عل‬ ‫لعلَّ َ‬
‫ك َع ْكر ُم لم ت ْف ِ‬ ‫ف ّر وألقى لنا رمحه‬
‫ما أن يحوّر عن المعدل‬ ‫ووليت تعدو كعدو الظَّليم‬
‫(‪)3‬‬
‫كان قفاك قفا فَرْ عَل‬ ‫تلو ظهرك مستأنسًا‬
‫ولم ِ‬
‫وبعد مقتل عمرو بن عبد ود بعث المشركون إلى رسول هللا × يشترون جيفته بعشرة‬
‫آالف‪ ،‬فقال‪ :‬ادفعوا إليهم جيفتهم‪ ،‬فإنه خبيث الجيفة‪ ،‬خبيث الدية‪ ،‬فلم يقبل منهم شيئًا‪.‬‬
‫وقد حدث هذا والمسلمون في ضنك من العيش‪ ،‬ومع ذلك فالحالل حالل والحرام‬
‫حرام‪ ،‬إنها مقاييس اإلسالم في الحالل والحرام‪ ،‬فأين هذا من بعض المسلمين الذين‬
‫يحاولون إيجاد المبررات ألكل الربا وما شابهه؟ (‪.)4‬‬
‫ثانيًا‪ :‬علي رضيـ هللا عنه في غزوة بنى قريظة‪:‬‬
‫وكان فيها رضي هللا عنه حامل راية رسول هللا × في المقدمة(‪ ,)5‬إلى أن حكم فيها‬
‫سعد ابن معاذ‪ ،‬وكان في بادئ األمر لم ينزلوا على حكمه‪ ،‬قال ابن هشام‪ :‬إن عل ّى بن أبى‬
‫طالب صاح وهم محاصرو بنى قريظة‪ :‬يا كتيبة اإليمان‪ ،‬وتقدم هو والزبير بن العوام‪،‬‬
‫وقال‪ :‬وهللا ألذوقن ما ذاق حمزة‪ ،‬أو ألقتحمن حصونهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا محمد ننزل على حكم‬
‫سعد بن معاذ(‪ ،)6‬وهكذا أنزل هللا تعالى الرعب والخوف في قلوب أعداء العقيدة والدين‪،‬‬
‫على لسان ذاك التقى النقي لما آتاه هللا من حب االستبسال والموت في سبيل عزة دين هللا‬
‫تعالى‪ ،‬وقد نادى كتيبته بأحب األسماء التي ينادي بها هللا تعالى عباده أال وهو نداء‬
‫اإليمان الذي يتجلى فيه صدق االعتقاد‪ ،‬وصالح العمل‪ ،‬وحب الجهاد في سبيله تعالى(‪.)7‬‬
‫‪1‬‬
‫() نجالء‪ :‬واسعة‪ ،‬الهزائز‪ :‬الحروب الشدائد‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)4/106‬‬
‫‪3‬‬
‫() الفرعل‪ :‬صغار الضباع‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() معين السيرة للشامي‪ :‬ص(‪.)94‬‬
‫‪5‬‬
‫() السيرة النبوية البن هشام (‪.)3/258‬‬
‫‪6‬‬
‫() البخاري رقم ‪ ،1421‬السيرة النبوية البن هشام (‪.)263 /3‬‬
‫‪7‬‬
‫() الخليفتان عثمان وعلى بين السنة والشيعة‪ ،‬أنور عيسى‪ :‬ص(‪.)78‬‬
‫‪83‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ولما حكم سعد بن معاذ رضي هللا عنه أن تقتل مقاتلتهم‪ ،‬وأن تسبى النساء والذرية‪،‬‬
‫وأن تقسم األموال(‪ ,)1‬فكان من الذين يباشرون القتل على بن أبى طالب والزبير رضي هللا‬
‫عنهما(‪.)2‬‬
‫ثالثًا‪ :‬علي رضي هللا عنه في صلح الحديبية وبيعة الرضوان‪:‬‬
‫في غزوة الحديبية وقبل الصلح‪ ،‬خرج بعض العبيد (األرقاء) من مكة إلى رسول هللا‬
‫×‪ ،‬فكتب إليه مواليهم بإرجاعهم‪ ،‬فرفض رسول هللا × أن يرجعهم وقال‪« :‬يا معشر‬
‫قريش لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين‪ ،‬قد‬
‫امتحن الله قلبه على الإيمان»‪ ،‬فسأله الصحابة بتلهف‪ :‬من هو يا رسول هللا؟ وكلهم‬
‫يرجو أن يفوز هو بهذه الشهادة العظيمة من رسول هللا ×‪ ،‬فقال ×‪ :‬هو خاصف النعل‪،‬‬
‫وكان قد أعطى عليًا بخصفها(‪ ,)3‬ولَّما تَم الصلح بين المسلمين ومشركي قريش‪ ،‬كتب على‬
‫كتابًا بينهم قال‪ :‬فكتب‪ :‬محمد رسول هللا‪ ،‬فقال المشركون‪ :‬ال تكتب محمد رسول هللا‪ ،‬لو‬
‫كنت رسول هللا لم نقاتلك‪ .‬فقال لعلي‪ :‬امحه قال‪ :‬ما أنا بالذي أمحوه‪ ،‬فمحاه رسول هللا ×‬
‫بيده فصالحهم على أن يدخل هو وأصحابه ثالثة أيام‪ ،‬وال يدخلها إال بجلبَّان(‪ )4‬السالح(‪,)5‬‬
‫وقد امتنع على رضي هللا عنه عن محو كلمة (رسول هللا) بدافع محبته لرسول هللا ×‬
‫وتعظيمه(‪ .)6‬وقد طعن الروافض الغالة في موقف الصحابة وعمر بن الخطاب رضي هللا‬
‫عنهم في الحديبية‪ ،‬وذكروا من مراجعة عمر للنبي × في أمر الصلح‪ ،‬وكذلك تأخر‬
‫الصحابة في بداية األمر عن النحر والحلق حتى نحر رسول هللا× وحلق‪ ،‬وال مطعن في‬
‫شيء من هذا في أصحاب رسول هللا × ال عمر وال غيره من الصحابة الذين شهدوا‬
‫الحديبية‪ ،‬وبيان ذلك أن الرسول × كان قد رأى في المنام أنه دخل مكة وطاف بالبيت‪،‬‬
‫فأخبر أصحابه بذلك وهو بالمدينة‪ ،‬فلما ساروا معه عام الحديبية لم يشك جماعة منهم أن‬
‫هذه الرؤيا تتفسر هذا العام‪ ،‬فلما وقع أمر الصلح‪ ،‬وفيه أن يرجعوا عامهم هذا‪ ،‬ثم يعودوا‬
‫العام القادم شق ذلك على أصحاب رسول هللا ×(‪ ,)7‬فجعل عمر‪ -‬رضي هللا عنه – على ما‬
‫عرف به من القوة في الحق والشدة فيه يسأل رسول× ويراجعه في األمر‪ ،‬ولم تكن أسئلته‬
‫التي سألها رسول هللا لشك في صدق الرسول ×‪ ،‬أو اعتراض عليه‪ ،‬لكن كان مستفصالً‬
‫عما كان متقررًا لديه‪ ،‬من إنهم سيدخلون مكة ويطوفون بالبيت‪ ،‬وأراد بذلك أن يحفز‬
‫رسول هللا × على دخول مكة‪ ،‬وعدم الرجوع إلى المدينة‪ ،‬لما يرى في ذلك من عز لدين‬
‫هللا وإرغام للمشركين(‪.)8‬‬

‫‪1‬‬
‫() السيرة النبوية البن هشام (‪ ،)3/263‬البخاري رقم ‪.4121‬‬
‫‪2‬‬
‫() إمتاع األسماع للمقريزي (‪.)1/247‬‬
‫‪3‬‬
‫() مرويات غزوة الحديبية‪ ،‬حافظ الحكمي‪ :‬ص (‪ ،)183‬والحديث صحيح بمجموع طرقه‪ ،‬خالفة على‬
‫بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد على ناصر‪ :‬ص(‪.)30‬‬
‫‪4‬‬
‫() الجلبّان‪ :‬شبه جراب من األدم يوضع فيه السيف المغمور‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() مسلم (‪ ،)3/1409‬خصائص على للنسائي‪ ،‬تحقيق أحمد البلوشي‪ :‬ص (‪.)203‬‬
‫‪6‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ :‬ص(‪.)274 -262‬‬
‫‪7‬‬
‫() البداية والنهاية (‪ ،)4/170‬تاريخ الطبري (‪.)2/635‬‬
‫‪8‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ :‬ص(‪.)264‬‬
‫‪84‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫قال النووي‪:‬قال العلماء‪ :‬لم يكن سؤال عمر – رضي هللا عنه – وكالمه المذكور‬
‫ش ًكا بل طلبًا لكشف ما خفي عليه‪ ،‬وحثًا على إذالل الكفار وظهور اإلسالم‪ ،‬كما عرف من‬
‫خلقه‪ -‬رضي هللا عنه – وقوته في نصر الدين وإذالل المبطلين(‪ ,)1‬فعمر – رضي هللا عنه‬
‫– كان في هذا مجتهدًا حمله على هذا شدته في الحق‪ ،‬وقوته في نصرة الدين‪ ،‬والغيرة‬
‫عليه‪ ،‬مع ما كان قد عودهم عليه رسول هللا × من المشورة وإبداء الرأي امتثاالً ألمر هللا‬
‫ِ‬ ‫ف َع ْنهم و ِ‬
‫اسَت ْغف ْر ل َُه ْم َو َشا ِو ْر ُه ْم في ْ‬
‫األم ِر" [آل عمران‪ ،]159 :‬وقد كان كثيرًا ما‬ ‫تعالى‪+ :‬فَا ْع ُ ُ ْ َ ْ‬
‫يستشيرهم ويأخذ برأيهم‪ ،‬كما استشارهم يوم بدر في الذهاب إلى العير‪ ،‬وأخذ بمشورتهم‪،‬‬
‫وشاورهم يوم أحد في أن يقعد في المدينة‪ ،‬أو يخرج للعدو‪ ،‬فأشار جمهورهم بالخروج‬
‫إليه فخرج إليهم‪ ،‬وشاورهم يوم الخندق في مصالحة األحزاب بثلث ثمار المدينة عامئذ‬
‫فأبى عليه السعدان (سعد بن معاذ‪ ،‬وسعد بن عبادة) فترك ذلك‪ ،‬وشاورهم يوم الحديبية أن‬
‫يميل على ذراري المشركين‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬إنا لم نجئ لقتال‪ ،‬وإنما جئنا معتمرين‪ ،‬فأجابه‬
‫إلى ما قال(‪ .)2‬وفي حوادث كثيرة يطول ذكرها‪ ،‬فقد كان عمر‪ -‬رضي هللا عنه‪ -‬يطمع أن‬
‫يأخذ رسول هللا × برأيه في مناجزة قريش وقتالهم‪ ،‬ولهذا راجعه في ذلك‪ ،‬وراجع أبا‬
‫بكر‪ ،‬فلما رأى اتفاقهما أمسك عن ذلك وترك رأيه‪ ،‬فعذره رسول هللا لما يعلم من حسن‬
‫نيته وصدقه(‪.)3‬‬
‫أما توقف الصحابة عن النحر والحلق حتى نحر رسول هللا × وحلق‪ ،‬فليس معصية‬
‫ألمر رسول هللا ×‪ ،‬وقد ذكر العلماء له عدة توجيهات‪ ،‬قال ابن حجر‪ :‬قيل‪ :‬كأنهم توقفوا‬
‫الحتمال أن يكون األمر بذلك للندب‪ ،‬أو لرجاء نزول وحي بإبطال الصلح المذكور‪ ،‬أو‬
‫تخصيصه باإلذن بدخولهم مكة ذلك العام إلتمام نسكهم‪ ،‬وسوغ لهم ذلك ألنه كان زمان‬
‫وقوع النسخ‪ ،‬ويحتمل أنهم ألهتهم صورة الحال فاستغرقوا في الفكر لما لحقهم من الذل عند‬
‫أنفسهم‪ ،‬مع ظهور قوتهم واقتدارهم في اعتقادهم على بلوغ غرضهم‪ ،‬وقضاء نسكهم‬
‫بالقهر والغلبة‪ ،‬أو أخروا األمتثال العتقادهم أن األمر المطلق ال يقتضي الفور‪ ،‬ويحتمل‬
‫مجموع هذه األمور لمجموعهم(‪ ,)4‬وجاء في بعض الروايات أن الرسول × لما رأى عدم‬
‫امتثالهم دخل على أم سلمة فذكر لها ذلك فقالت‪ :‬يا رسول هللا ال تكلمهم فإنهم دخلهم أمر‬
‫عظيم مما أدخلت على نفسك من المشقة في أمر الصلح ورجوعهم بغير فتح(‪ ,)5‬فأشارت‬
‫عليه كما جاء في رواية البخاري‪ :‬أن أخرج ثم ال تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنك‪،‬‬
‫وتدعو حالقك فيحلقك‪ ،‬فخرج لم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك‪ ،‬نحر بدنه‪ ،‬ودعا حالقه‬
‫فحلقه‪ ،‬فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا(‪ ,)6‬قال ابن حجر‪ :‬ويحتمل أنها فهمت عن الصحابة أنه‬
‫احتمل عندهم أن يكون النبي × أمرهم بالتحلل أخ ًذا بالرخصة في حقهم‪ ،‬وأنه يستمر على‬
‫اإلحرام أخ ًذا بالعزيمة في حق نفسه‪ ،‬فأشارت عليه أن يتحلل لينتفى عنهم هذا االحتمال‪،‬‬
‫وعرف النبي × صواب ما أشارت به ففعله‪..‬ونظير هذا ما وقع لهم في غزوة الفتح من‬
‫‪1‬‬
‫() شرح صحيح مسلم (‪.)12/141‬‬
‫‪2‬‬
‫() تفسير ابن كثير (‪ )1/420‬عند تفسير قوله‪« :‬وشاورهم في األمر»‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ :‬ص(‪.)226‬‬
‫‪4‬‬
‫() فتح الباري (‪.)5/347‬‬
‫‪5‬‬
‫() فتح الباري (‪.)5/347‬‬
‫‪6‬‬
‫() فتح الباري (‪.)5/347‬‬
‫‪85‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫أمره لهم بالفطر في رمضان‪ ،‬فلما استمروا على االمتناع‪ ،‬تناول القدح فشرب‪ ،‬فلما رأوه‬
‫شرب شربوا(‪.)1‬‬
‫وهذا الوجه حسن‪ ،‬وهو الالئق بمقام أصحاب النبي ×‪ ،‬فلما أمرهم النبي × بالتحلل‬
‫ولم يفعل‪ ،‬ظنوا أن الذي حمله على هذا هو الشفقة عليهم‪ ،‬كما كانت سيرته معهم‪ ،‬فكأنهم‬
‫– رضي هللا عنهم – آثروا التأسى به على ما رخص لهم فيه من التحلل‪ ،‬ثم لما رأوه قد‬
‫تحلل أيقنوا أن هذا هو األفضل في حقهم‪ ،‬فبادروا إليه‪ ،‬وهذا مثل ما حصل منهم في الحج‬
‫مع النبي × لما بلغوا مكة وطافوا وسعوا أمرهم أن يحلوا‪ ،‬وأن يصيبوا النساء ويجعلوها‬
‫عمرة‪ ،‬فكبر ذلك عليهم لتعظيمهم لنسكهم‪ ،‬وقالوا‪ :‬نذهب إلى عرفة ومذاكيرنا تقطر من‬
‫المنى‪ ،‬فلما علم بذلك الرسول × وكان لم يتحلل‪ ،‬قال لهم‪« :‬أيها الناس أحلوا فلولا‬
‫الهدى الذي معي فعلت كما فعلتم»قال جابر‪ -‬رضي هللا عنه‪ -‬راوى الحديث‪ :‬فحللنا‬
‫وسمعنا وأطعنا(‪ ,)2‬وهذا كله من حرص أصحاب رسول هللا × على الخير والرغبة في‬
‫التأسى برسول هللا × التأسى الكامل(‪.)3‬‬
‫إن موقف النبي × في سكوته على عمر رضي هللا عنه عندما عارضه على الصلح‬
‫يعطي قيمة كبرى بأنه على القيادات اإلسالمية من حكام وعلماء ودعاة أن يتحلوا بسعة‬
‫الصدر وحسن االستماع للرأي اآلخر‪ .‬وإعطاء المجال لكل ذي رأي أن يعبر عن رأيه‬
‫بما يخدم المصلحة العامة‪ ،‬ال أن يفتح السجون ويكمم األفواه‪ .‬إن النبي × في صلح‬
‫الحديبية بين أن حرية إبداء الرأي مكفولة في المجتمع اإلسالمي‪ ،‬وأن للفرد في المجتمع‬
‫المسلم الحرية في التعبير عن رأيه‪ ،‬ولو كان هذا الرأي نقدًا لموقف حاكم من الحكام أو‬
‫خليفة من الخلفاء‪ ،‬فمن حق الفرد المسلم أن يبين وجهة نظره في جو من األمن دون‬
‫إرهاب أو تسلط يخنق حرية الكلمة والفكر‪ ،‬وإذا كان هذا موقف رسول هللا × مع عمر‪،‬‬
‫فمعارضة رئيس الدولة – من باب أولى – في رأي من اآلراء وموقف من المواقف ليست‬
‫بحد ذاتها جريمة تستوجب العقاب‪ ،‬ويغيب صاحبها في غياهب السجون(‪ ,)4‬كما أن الهدى‬
‫النبوي الكريم يعلمنا كيف يربي أصحابه من خالل األحداث‪ .‬ولقد نال على رضي هللا عنه‬
‫في الحديبية مع من حضر من أصحاب رسول هللا‪ ،‬رضا هللا عز وجل ونزل فيهم قوله‬
‫الش َج َر ِة" [الفتح‪ ،]18:‬وقال رسول هللا‬
‫ت َّ‬ ‫ين إِ ْذ ُيبَايِعُونَ َ‬‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ك تَ ْح َ‬ ‫تعالى‪ + :‬لََق ْد َرض َي اهللُ َع ِن ال ُْم ْؤمن َ‬
‫×‪« :‬لن يدخل أحد النار بايع تحت الشجرة»(‪ ,)5‬وقد نال على رضي هللا عنه وإخوانه‬
‫مثل أبى بكر وعمر وغيرهما من قبل في بدر وسا ًما عظي ًما وشرفًا عاليًا‪ ،‬فقد قال رسول‬
‫هللا في أهل بدر‪« :‬وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال‪ :‬اعملوا ما‬
‫شئتم فقد غفرت لكم»(‪.)6‬‬
‫رابعًا‪ :‬عمرة القضاء ‪7‬هـ وعلى رضي هللا عنه‪ ،‬وحضانة ابنة حمزة‬
‫رضيـ هللا عنهما‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫() البخاري‪ ،‬ك الشروط ‪.2732‬‬
‫‪2‬‬
‫() البخاري‪ ،‬ك االعتصام رقم ‪.7367‬‬
‫‪3‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ :‬ص(‪ ،)268‬وهذا من أفضل الكتب في الرد على بعض شبهات الروافض‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() غزوة الحديبية ألبى فارس‪ :‬ص (‪.)135 ،134‬‬
‫‪5‬‬
‫() البخاري رقم ‪ ،4840‬مسلم ‪.1856‬‬
‫‪6‬‬
‫() البخاري رقم ‪ ،3983‬مسلم ‪.2494‬‬
‫‪86‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫لقد تغيرت النفوس والعقول بتأثير اإلسالم تغيرًا عظي ًما‪ ،‬فعادت البنت‪ -‬التي كان‬
‫يتعير بها أشراف العرب‪ ،‬وجرت عادة وأدها في بعض القبائل فرارًا من العار‪ ،‬وزهدًا‬
‫في البنات – حبيبة يتنافس في تربيتها المسلمون‪ ،‬وكانوا سواسية‪ ،‬وال يرجح بعضهم على‬
‫بعض إال بفضل أو حق(‪ ,)1‬فلما أراد النبي × الخروج من مكة‪ ،‬تبعته ابنة حمزة تنادي‪ :‬يا‬
‫عم‪ ،‬فتناولها على‪ ،‬فأخذ بيدها وقال لفاطمة رضي هللا عنها‪ :‬دونك ابنة عمك‪ ،‬فاختصم‬
‫فيها على وزيد وجعفر‪ .‬قال على‪ :‬أنا أخذتها وهي بنت عمي‪ ،‬وقال جعفر‪ :‬هى ابنة عمي‬
‫وخالتها تحتي‪ ،‬وقال زيد‪ :‬ابنة أخي‪ ،‬فقضي بها النبي × لخالتها وقال‪ :‬الخالة بمنزلة‬
‫الأم‪ ،‬وقال لعلي‪ :‬أنت مني وأنا منك‪ ،‬وقال لجعفر‪ :‬أشبهت خلقي وخلقى‪ ،‬وقال لزيد‪:‬‬
‫أنت أخونا ومولانا‪،‬وقال على لرسول هللا ×‪ :‬أال تتزوج بنت حمزة‪ .‬قال‪ :‬إنها ابنة أخي‬
‫من الرضاعة(‪.)2‬‬
‫وفي هذه القصة دروس وعبر وأحكام وفوائد منها‪:‬‬
‫‪ -1‬الخالة بمنزلة األم‪.‬‬
‫‪ -2‬الخالة تقدم على غيرها في الحضانة إذا لم يوجد األبوان‪.‬‬
‫‪ -3‬تزكية رسول هللا × لجعفر بن أبى طالب رضي هللا عنه ووصفه له بقوله‪ :‬أشبهت‬
‫خلقي وخلقي‪.‬‬
‫‪ -4‬منقبة زيد بن حارثة‪ :‬يقول له الرسول‪ :‬أنت أخونا ومولانا‪ ،‬ألنه كان أ ًخا‬
‫لحمزة بن عبد المطلب‪ ،‬فقد آخي الرسول × بينهما‪ ،‬وهو باجتهاده يريد أن يكون عليه ما‬
‫على األخ الشقيق من واجبات‪ ،‬والواجب أن يكون وليًا على بنت حمزة رضي هللا عنه‪.‬‬
‫‪ -5‬زواج المرأة ال يسقط حقها في الحضانة‪ :‬لقد حكم النبي × إلى زوجة جعفر‬
‫بالحضانة وعمتها صفية بنت عبد المطلب حية موجودة‪.‬‬
‫‪ -6‬البد من موافقة الزوج على حضانة زوجته البنة أختها‪ ،‬ألن الزوجة محتبسة‬
‫لمصلحته ومنفعته‪ ،‬والحضانة قد تفوت هذه المصلحة جزئيًا‪ ،‬فالبد من استئذانه‪ ،‬ونالحظ‬
‫هنا أن جعفر بن أبى طالب قد طالب بحضانة بنت عمه حمزة لخالتها وهى زوجة له‪ ،‬فدل‬
‫على رضاه بذلك‪.‬‬
‫‪ -7‬إن الطفل إذا رضع مع عمه يصبح أ ًخا له في الرضاعة‪ ،‬وتصبح بناته كلهن‬
‫بنات أخيه من الرضاعة‪ ،‬فيحرم عليه نكاحهن(‪.)3‬‬
‫خامسًا‪ :‬علي رضي هللا عنه في غزوة خيبر‪7‬هـ‪:‬‬
‫(‪)5‬‬
‫ذكر ابن إسحاق(‪ ,)4‬أنها كانت في المحرم من السنة السابعة للهجرة‪ ،‬وذكر الواقدى‬
‫أنها كانت في صفر أو ربيع األول من السنة السابعة للهجرة‪ ،‬بعد العودة من غزوة‬

‫‪1‬‬
‫() السيرة النبوية للندوي‪ :‬ص (‪.)321‬‬
‫‪2‬‬
‫() البخاري رقم ‪.4251‬‬
‫‪3‬‬
‫() زاد المعاد (‪ ،)375 ،2/374‬صلح الحديبية ألبى فارس‪ :‬ص (‪.)287 ،286‬‬
‫‪4‬‬
‫() السيرة النبوية البن هشام (‪.)3/455‬‬
‫‪5‬‬
‫() المغازى (‪.)2/634‬‬
‫‪87‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الحديبية‪ ،‬وذهب ابن سعد(‪ )1‬إلى أنها في جمادى األولى سنة سبع‪ ،‬وقال اإلمامان الزهري‬
‫ومالك‪ :‬إنها في محرم من السنة السادسة(‪ )2‬وقد رجح ابن حجر(‪ )3‬قول ابن إسحاق على‬
‫قول الواقدى(‪ ,)4‬وفي هذه الغزوة تجلت بطولة أمير المؤمنين على بن أبى طالب‪ ،‬ومكانته‬
‫عند هللا وعند رسوله‪ ،‬وما قدر هللا من فتح هذه المستعمرة اليهودية‪ ،‬ذات األهمية‬
‫العسكرية االستراتيجية على يده في مظهر جلى رائع(‪ ,)5‬فقد كانت خيبر مستعمرة يهودية‬
‫تتضمن قالعًا حصينة‪ ،‬وقاعدة حربية لليهود‪ ،‬آخر معقل من معاقلهم في جزيرة العرب‪،‬‬
‫وكانوا يتربصون بالمسلمين الدوائر‪ ،‬ويتآمرون مع يهود المدينة وخارجها لغزو المدينة‪،‬‬
‫فأراد رسول هللا × أن يستريح منهم‪ ،‬ويأمن من جهتهم‪ ،‬وكانت في الشمال الشرقي للمدينة‬
‫على بعد سبعين ميالً منها(‪ ,)6‬توجه رسول هللا × بجيشه إلى خيبر‪ ،‬وكانوا ألفًا وأربعمائة‪،‬‬
‫ونازل حصون خيبر‪ ،‬وبدأ يفتحها حصنًا حصنًا‪ ،‬واستعصى حصن القموص على‬
‫المسلمين‪ ،‬وكان على بن أبى طالب رمدًا(‪ ,)7‬فقال رسول هللا ×‪« :‬لأعطين هذه الراية‬
‫غدًا رجلاً يفتح الله على يديه‪ ،‬يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله»‪،‬‬
‫فبات الناس يدوكون(‪ )8‬ليلتهم أيهم يُعطاها؟ فلما أصبح الناس‪ ،‬غدوا على رسول هللا × كلهم‬
‫يرجون أن يعطاها‪ ،‬فقال‪ :‬أين علىّ بن أبى طالب؟ فقيل‪ :‬هو يا رسول هللا يشتكي‬
‫عينيه‪ .‬قال‪ :‬فأرسلوا إليه‪ ،‬فأتى به‪ ،‬فبصق رسول هللا في عينيه‪ ،‬ودعا له فبرأ حتى كأنه لم‬
‫يكن به وجع‪ ،‬فأعطاه الراية‪ ،‬فقال على‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا‪ .‬فقال‪:‬‬
‫«انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم‪ ،‬ثم ادعهم إلى الإسلام‪ ،‬وأخبرهم بما‬
‫يجب عليهم من حق الله فيه‪ ،‬فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك‬
‫من أن يكون لك حُمْر النَّعَم»(‪ )9‬فانطلق حتى فتح هللا عليه خيبر‪ ،‬وكان من صور‬
‫بطولته فيها أن خرج له مرحب ملكهم‬
‫وهو يقول‪:‬‬
‫شاكي السالح بطل ُمجرب‬ ‫قد علمت خيبر أني مرحب‬
‫إذا الحروب أقبلت تَلَهَّبُ‬
‫فقال على‪:‬‬
‫كليث غابات كريه المنظرة‬ ‫أنا الذي سمتني أمي حيدرة‬

‫‪1‬‬
‫() الطبقات (‪.)2/106‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ دمشق (‪.)1/33‬‬
‫‪3‬‬
‫() الفتح (‪ )16/41‬السيرة النبوية في ضوء المصادر األصلية‪ :‬ص (‪.)500‬‬
‫‪4‬‬
‫() السيرة النبوية في ضوء المصادر األصلية‪ :‬ص (‪.)500‬‬
‫‪5‬‬
‫() المرتضى للندوي‪ :‬ص(‪.)52‬‬
‫‪6‬‬
‫() المرتضى للندوي‪.)52( :‬‬
‫‪7‬‬
‫() المصدر نفسه‪ :‬ص (‪.)53‬‬
‫‪8‬‬
‫()أي‪ :‬بات الناس في اختالط واختالف‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() مسلم رقم ‪.2406‬‬
‫‪88‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫أُوفيهم بالصاع كيل السندرة‬
‫فضرب رأس مرحب فقتله‪ ،‬ثم كان الفتح على يديه(‪.)1‬‬
‫وفي موقف على في غزوة خيبر دروس وعبر وفوائد منها‪:‬‬
‫‪ -1‬فضيلة عظيمة ومنقبة ظاهرة ألمير المؤمنين على رضي هللا عنه‪:‬حيث‬
‫شهد له النبي × بالمحبة في قوله‪« :‬يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» وقال ابن‬
‫حجر في معنى أن عليًا يحب هللا ورسوله أراد بذلك وجوب المحبة‪ ،‬وإال فكل مسلم‬
‫يشترك مع على في مطلق هذه الصفة‪ .‬وفي هذا الحديث تلميح بقوله تعالى‪+ :‬قُ ْل إِن ُك ْنتُ ْم‬
‫يم" [آل عمران‪ .]31 :‬فكأنه‬ ‫تُ ِحبُّو َن اهلل فَاتَّبِعونِي يحبِب ُكم اهلل وي ْغ ِفر لَ ُكم ذُنُوب ُكم واهلل غَ ُف ِ‬
‫ور َّرح ٌ‬
‫َ ُ ُ ْ ْ ُ ُ ََ ْ ْ َ ْ َ ُ ٌ‬
‫أشار إلى أن عليًا تام االتباع لرسول هللا × حتى اتصف بصفة محبة هللا له(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬بركة دعائه ×‪ :‬حيث استجاب هللا لدعاء رسوله × وقد قال على رضي هللا عنه‪:‬‬
‫ت منذ تفل النبي× في عيني(‪ ,)3‬كما أن عليًا رضي هللا عنه مرض مرة‪ ،‬فأتاه النبي‬‫ما َر ِم ْد ُ‬
‫× وهو يقول‪ :‬اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحني‪ ،‬وإن كان متأخرًا فارفعني‪ ،‬وإن كان‬
‫البالء فصبرني‪ ،‬فقال له رسول هللا ×‪ :‬ما قلت؟ فأعاد عليه‪ ،‬فقال رسول هللا ×‪« :‬اللهم‬
‫اشفه‪ ،‬اللهم عافه»‪ ،‬ثم قال‪ :‬قم‪ .‬فقمت‪ ،‬فما عاد لي ذلك الوجع بعده(‪.)4‬‬
‫‪ -3‬ال عالقة بين هذا الحديث وإمامة علي رضي هللا عنه‪:‬ذهب الروافض إلى‬
‫أن عليًا رضي هللا عنه هو الخليفة بعد النبي ×‪ ،‬واستدلوا بمجموعة من األحاديث تدل‬
‫على فضله وال تدل على إمامته‪ ،‬منها هذا الحديث وزادوا فيه زيادات باطلة ال تصح عند‬
‫علماء الحديث‪ ،‬كما أنه ال مالزمة بين كونه محبًا هلل ورسوله ومحبوبًا لهما وبين كونه‬
‫إما ًما بال فضل أصالً‪ .‬على أنه ال يلزم من إثباتهما له نفيهما عن غيره‪ ،‬كيف وقد قال هللا‬
‫تعالى في حق أبى بكر ورفقائه‪+ :‬يُ ِحُّب ُه ْم َويُ ِحبُّونَهُ" [المائدة‪ ،]54:‬وقال في حق أهل بدر‪:‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫‪+‬إِ َّن اهلل ي ِح ُّ َّ ِ‬
‫وص" [الصف‪ ،]4:‬وال شك أن‬ ‫ص ٌ‬ ‫ين ُي َقاتلُو َن في َسبِيله َ‬
‫ص ًّفا َكأ ََّن ُه ْم ُب ْنيَا ٌن َّم ْر ُ‬ ‫ب الذ َ‬ ‫َُ‬
‫من يحبه هللا يحبه رسوله‪ ،‬ومن يحب هللا من المؤمنين يحب رسوله‪ ،‬وقال في شأن أهل‬
‫ين" [التوبة‪.]108:‬ولما سئل‪:‬‬ ‫َّروا َواهللُ يُ ِح ُّ‬
‫ب ال ُْمطَّ ِّه ِر َ‬
‫مسجد قباء‪ + :‬فِ ِيه ِرج ٌ ِ‬
‫ال يُّحبُّو َن أَن َيتَطَه ُ‬ ‫َ‬
‫من أحب الناس إليك؟ قال‪ :‬عائشة‪ .‬قيل‪ :‬ومن الرجال؟ قال‪ :‬أبوها(‪.)5‬وإنما نص على‬
‫المحبة والمحبوبية في حق على مع وجودهما في غيره لنكتة دقيقة تحصل من ضمن‬
‫قوله‪« :‬يفتتح الله على يديه»(‪ .)6‬وهي أنه لو ذكر مجرد الفتح لربما توهم أن ذلك‬
‫غير موجب لفضيلته لما ورد في قوله×‪« :‬إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل‬
‫الفاجر»‪ .‬فأزال ذلك التوهم بإثبات هاتين الصفتين له‪ ،‬فصار المقصود من تخصيص‬

‫‪1‬‬
‫() مسلم (‪ )3/1441‬رقم ‪.1807‬‬
‫‪2‬‬
‫() فتح الباري (‪.)7/72‬‬
‫‪3‬‬
‫() مسند أحمد الموسوعة الحديثية رقم ‪589‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() مسند أحمد (‪ )2/151‬صححه أحمد شاكر‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() البخاري‪ ،‬فتح الباري (‪.)7/22‬‬
‫‪6‬‬
‫() مسلم رقم ‪.)2406‬‬
‫‪89‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫مضمون «يفتح الله على يديه» وما ذكر من الصفات إلزالة ذلك الوهم(‪.)1‬‬
‫‪ -4‬وهناك مجموعة من الفوائد من حديث فضل عل َّى في فتح خيبر منها‪:‬‬
‫‪ -‬فضل الصحابة في انشغالهم تلك الليلة وشغلهم عن بشارة الفتح‪ ،‬ألنهم انشغلوا عنها‬
‫بالتماسهم معرفة من يحب هللا ورسوله‪ ،‬ويحبه هللا ورسوله‪ ،‬واإليمان بالقدر لحصولها‬
‫ألن الصحابة غدوا على رسول هللا مبكرين كلهم‬ ‫لمن لم يسع لها ومنعها عمن سعى‪َّ ،‬‬
‫يرجون أن يُعطاها ولم يعطوها‪ ،‬وعلى بن أبى طالب مريض‪ ،‬ولم يسع لها‪ ،‬ومع ذلك‬
‫أعطى الراية‪.‬‬
‫‪ -‬األدب في قوله‪ :‬على رسلك‪ ،‬ووجهه أنه أمره بالتمهل وعدم التسرع‪ ،‬والدعوة إلى‬
‫اإلسالم قبل القتال‪ ،‬والدعوة بالحكمة‪ ،‬تؤخذ من قوله‪ :‬أخبرهم بما يجب عليهم من حق‬
‫الله تعالى فيه‪ ،‬ألن من الحكمة أن تتم الدعوة‪ ،‬وذلك بأن تأمره باإلسالم أوالً‪ ،‬ثم‬
‫تخبره بما يجب عليه من حق هللا‪ ،‬وال يكفي أن تأمره باإلسالم ألنه قد يطبق هذا اإلسالم‬
‫الذي أمرته به‪ ،‬وقد ال يطبقه‪ ،‬بل البد من تعاهده حتى ال يرجع إلى الكفر‪ .‬والمعرفة بحق‬
‫هللا في اإلسالم تؤخذ من قوله×‪« :‬وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى‬
‫فيه»‪.‬‬
‫‪ -‬ثواب من اهتدى على يديه رجل واحد‪ ،‬لقوله ×‪« :‬لأن يهدى الله بك رجلاً‬
‫واحدًا خير لك من حمر النعم» أي‪ :‬خير لك من كل ما يستحسن في الدنيا‪ ،‬وليس‬
‫المعنى كما قال بعضهم‪ :‬خير لك من أن تتصدق بنعم حمر‪.‬‬
‫‪ -‬الحلف على الفتيا لقوله × «فوهللا ألن يهدى هللا‪...‬إلخ فأقسم النبي × وهو لم يُستقسم‪،‬‬
‫والفائدة‪ :‬هى حثه على أن يهدى هللا به والتوكيد عليه‪ .‬وقد أمر هللا رسوله بالحلف وفي ثالثة‬
‫َح ٌّق ُه َو قُ ْل إِي َو َربِّي إِنَّهُ ل َ‬
‫َح ٌّق"‬ ‫كأَ‬‫مواضع من القرآن الكريم‪ ،‬في قوله تعالى‪َ + :‬ويَ ْسَت ْنبِئُونَ َ‬
‫ين َك َف ُروا أَن لَّن ُي ْب َعثُوا قُ ْل َبلَى َو َربِّي لَتُْب َعثُ َّن" [التغابن‪.]7 :‬وفي‬ ‫َّ ِ‬
‫[يونس‪ ،]53:‬وفي قوله‪َ + :‬ز َع َم الذ َ‬
‫اعةُ قُ ْل َبلَى َو َربِّي لَتَأْتَِينَّ ُك ْم" [سبأ‪ ،]3:‬فإذا كان هناك‬ ‫ين َك َف ُروا الَ تَأْتِينَا َّ‬
‫الس َ‬ ‫قوله تعالى‪+ :‬وقَ َ َّ ِ‬
‫ال الذ َ‬ ‫َ‬
‫(‪) 2‬‬
‫في القَ َسم مصلحة ابتداء‪ ،‬أو جوابًا لسؤال جاز وربما يكون مطلوبًا ‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬علي رضي هللا عنه في فتح مكة وغزوة حنين ‪8‬هـ‪:‬‬
‫نقضت قريش صلحها مع رسول هللا × بمساندتها بنى بكر على خزاعة حليف‬
‫المسلمين‪ ،‬ودعمتهم بالخيل والسالح والرجال‪ ،‬فقال رسول هللا‪« :‬نصرت يا عمرو بن‬
‫سالم‪ ،‬ال نصرني هللا إن لم أنصر بنى كعب»ولما عرض السحاب من السماء قال‪« :‬إن‬
‫هذه السحابة لتستهل بنصر بنى كعب»(‪ )3‬وقد جاء عمرو بن سالم إلى المدينة وأنشد‬
‫قصيدة بين يدي رسول هللا × جاء فيها‪:‬‬
‫حلف أبينا وأبيه األتلدا‬ ‫يا رب إني ناشد محمدًا‬
‫ثُمت أسلمنا فلم ننزع يدا‬ ‫قد كنتم ولدًا‪ ،‬وكنا ولدًا‬
‫وادع عباد هللا ياتوا مددا‬ ‫فانصر هداك هللا نصرًا أعتدا‬
‫‪1‬‬
‫() مختصر التحفة االثنى عشرية‪ :‬ص (‪)70‬‬
‫‪2‬‬
‫() القول المفيد على كتاب التوحيد‪ ،‬لمحمد صالح (‪.)142 ،1/141‬‬
‫‪3‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)4/278‬‬
‫‪90‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫إن سيم خسفا وجهه تربدا‬ ‫فيهم رسول هللا قد تجردا‬
‫إلى أن قال‪:‬‬
‫وهم أذل وأقل عددا‬ ‫وزعموا أن لست أدعو أحدًا‬
‫وقتلونا ُر َّكعا وسجدا‬ ‫هم بيتونا بالوتير هجدًا‬
‫وبعثت قريش أبا سفيان إلى المدينة لتمكين الصلح وإطالة أمده‪ ،‬وعندما وصل إلى‬
‫المدينة دخل على رسول هللا × يعرض حاجته‪ ،‬أعرض عنه النبي × ولم يجبه‪ ،‬فاستعان‬
‫بكبار الصحابة أمثال أبى بكر وعمر وعثمان وعلى حتى يتوسطوا بينه وبين رسول هللا‬
‫×‪ ،‬فأبوا جميعًا‪ ،‬فعاد أبو سفيان إلى مكة من غير أن يحظى بأي اتفاق أو عهد(‪ ,)1‬وكانت‬
‫لعلي رضي هللا عنه في فتح مكة مواقف متعددة منها‪:‬‬
‫‪ -1‬إحباط محاولة تجسس لصالح قريش‪ :‬عن حسن بن محمد بن على بن عبيد‬
‫هللا ابن أبى رافع أنه سمع عليًا يقول‪ :‬بعثني رسول هللا × أنا والزبير والمقداد فقال‪:‬‬
‫«انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ‪ ،‬فإنَّ بها ظعينة معها كتاب فخذوه‬
‫منها»‪.‬فانطلقنا تَ َعادى بنا خ ْيلُنا حتى أتينا الروضة‪ ،‬فإذا نحن بالظعينة‪ ،‬قلنا‪ :‬أخرجي‬
‫خرجن الكتاب أو لنُ َّ‬
‫لقين(‪ )2‬الثياب قال‪ :‬فأخرجت‬ ‫َّ‬ ‫الكتاب‪ ،‬قالت‪ :‬ما معي من كتاب‪ .‬قلنا لتُ‬
‫الكتاب من عقاصها‪ ،‬فأخذنا الكتاب‪ ،‬فأتينا به رسول هللا ×‪ ،‬فإذا فيه‪ :‬من حاطب بن أبى‬
‫بلتعة إلى ناس من المشركين بمكة‪ ،‬يخبرهم ببعض أمر رسول هللا ×‪ ،‬فقال رسول هللا‪ :‬يا‬
‫صقًا في قريش‪ ،‬ولم أكن من أنفُسها‪،‬‬ ‫حاطب ما هذا؟قال‪ :‬ال تعجل عل َّى‪ ،‬إني كنت أمرأ ُم ْل َ‬
‫وكان من كان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة‪ ،‬فأحببت إذ فاتنى ذلك‬
‫من النسب فيهم أن أتَّخذ فيهم يدًا يحمون بها قرابتي‪ ،‬وما فعلت ذلك كفرًا‪ ،‬وال ارتدادًا عن‬
‫ديني وال ُرضًا بالكفر بعد اإلسالم فقال رسول هللا‪« :‬إنه قد صدقكم» فقال عمر‪ :‬دَعني‬
‫أضرب عنُُق هذا المنافق‪ .‬فقال‪« :‬إنه قد شهد بدرًا‪ ،‬وما يدريك لعلَّ الله قد‬
‫اطَّلعَ إلى أهل بدر فقال‪ :‬اعملوا ما شئتم‪ ،‬فقد غفرت لكم»(‪.)3‬‬
‫‪ -2‬أ َجرْ نا من أجرت يا أم هانئ‪ :‬قالت أم هانئ بنت أبى طالب – أخت على‬
‫رضي هللا عنهما‪ :-‬لما نزل رسول هللا × بأعلي مكة فر إل َّى رجالن من أحمائى‪ ،‬من بنى‬
‫مخزوم‪ ،‬وكانت عند هُبيرة بن أبى وهب المخزومي‪ ،‬قالت‪ :‬فدخل عل َّى على بن أبى‬
‫طالب أخي‪ ،‬فقال‪ :‬وهللا ألقتلنهما‪ ،‬فأغلقت عليهما باب بيتي‪ ،‬ثم جئت رسول هللا × وهو‬
‫بأعلى مكة‪ ،‬فوجدته يغتسل من جفنة إن فيها ألثر العجين‪ ،‬وفاطمة ابنته تستره بثوبه‪ ،‬فلما‬
‫اغتسل أخذ ثوبه‪ ،‬فتوشح به‪ ،‬ثم صلى ثماني ركعات من الضحى‪ ،‬ثم انصرف إل َّى فقال‪:‬‬
‫مرحبًا وأهلاً يا أم هانئ ما جاء بك؟ فأخبرته خبر الرجلين وخبر على‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫قد أجرنا من أجرت وأمَّ‪ًَ‬نَّا من أمنت‪ ،‬فلا يقتلهما(‪ ,)4‬وبناء على ما تقدم‪ ،‬فإن‬
‫تأمين المسلم للكافر من أهل الحرب يجعله في أمان‪ ،‬ومن ث ّم فال يجوز للمسلمين أن‬

‫‪1‬‬
‫() التاريخ السياسي والعسكري د‪ .‬على معطي‪ :‬ص(‪.)365‬‬
‫‪2‬‬
‫() في رواية‪ :‬أو لنقلبن‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() إسناده صحيح‪ ،‬الموسوعة الحديثية مسند أحمد رقم ‪.600‬‬
‫‪4‬‬
‫() صحيح السيرة‪ :‬ص (‪.)527‬‬
‫‪91‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫يتعرضوا له بشيء‪ ..‬وحتى يُصان ح ُّق التأمين هذا من أي ضرر يمكن أن يلحق‬
‫بالمسلمين من جرَّائه – فقد شرط الفقهاء لصحتَّه أن يتج َّر َد ُمعْطي األمان من التُّه َمة‪،‬‬
‫ويَ ْخلُو ذلك األمان الممنوح من أيَّة مفسدة(‪ ,)1‬أو يرفع األمر إلى ولي األمر ليرى رأيه فيه‪.‬‬
‫‪ -3‬مقتل الحويرث بن نقيد بن وهب‪ :‬في هذا الفتح العظيم‪ ،‬كان النبي × قد عهد‬
‫إلى أمرائه أال يقاتلوا إال من قاتلهم‪ ،‬غير أنه أهدر د َم نفر س ّماهم‪ ،‬وإن وجدوا تحت أستار‬
‫الكعبة‪ ،‬منهم الحويرث بن نقيذ بن وهب‪ ،‬كان ممن يؤذي النبي × بمكة‪ ،‬ولما تحمل‬
‫العباس بفاطمة وأم كلثوم‪ ،‬نخس(‪ )2‬بهما الحويرث الجمل الذي هما عليه فسقطتا على‬
‫األرض‪ ،‬فلما أهدر دمه وظفر به عل ّى قتله(‪.)3‬‬
‫‪ -4‬علي رضي هللا عنه في مهمة إصالحية‪:‬أرسله الرسول × إلى بنى جذيمة‪،‬‬
‫ليتالفى خطأ خالد بن الوليد في قتل بعضهم‪ ،‬وذلك أن الرسول × بعث خالدًا في السنة‬
‫الثامنة للهجرة عقب فتح مكة‪ ،‬إلى بنى جذيمة يدعوهم إلى اإلسالم فلم يحسنوا أن يقولوا‬
‫أسلمنا‪ ،‬وقالوا‪ :‬صبأنا‪ ،‬فأخذ خالد يقتل منهم ويأسر‪ ..‬فلما بلغ رسول هللا × ما صنع خالد‪،‬‬
‫رفع يديه فقال‪ :‬اللهم إني أبرأ إليك مما صنع‪ ،‬مرتين(‪ ,)4‬فبعث الرسول × عليًا‬
‫إليهم‪ ،‬لينظر في أمرهم وبعث معه بمال‪ ،‬فقام عل ّى بمهمته خير قيام‪ ،‬فودى قتيلهم‬
‫وعوضهم عما أصيب في الدماء واألموالـ حتى أنه ليدي ميلغة(‪ )5‬الكلب‪ ،‬ولما انتهى من‬
‫ذلك كله‪ ،‬سألهم‪ :‬هل بقى لكم بقية من دم أو مال لم يود إليكم؟ قالوا‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فإني أعطيكم‬
‫هذه البقية من هذا المال‪ ،‬إحتياطًا لرسول هللا × مما اليعلم وال تعلمون‪ ،‬ففعل‪ ،‬ولما رجع‬
‫إلى رسول هللا × وأخبره بالخبر قال‪« :‬أصبت وأحسنت»(‪ .)6‬وبهذه المهمة الجليلة الموفقة‪،‬‬
‫أزال على ‪ -‬رضي هللا عنه‪ -‬ه ّمًا وحمالً أثقل الرسول ×(‪ ,)7‬وبهذا الهدى النبوي الحكيم‬
‫واسى النبي× بنى جذيمة‪ ،‬وأزال ما في نفوسهم من أسى وحزن(‪ ,)8‬وكان قتل خالد لبنى‬
‫جذيمة تأوالً منه واجتهادًا خاطئًا‪ ،‬وذلك بدليل أن الرسول × لم يعاقبه على فعله(‪ , )9‬ولم‬
‫يعزله‪.‬‬
‫‪ -5‬على رضي هللا عنه في غزوة حنين‪ :‬من أعماله الجهادية التي تتسم‬
‫بالشجاعة وتدل على الخبرة في القتال ما كان في غزوة حنين في العام الثامن من الهجرة‪،‬‬
‫فقد ثبت مع الرسول ×‪ ،‬مع من ثبت معه من المهاجرين واألنصار‪ ،‬وكان في جيش‬
‫هوازن رجل على جمل أحمر بيده راية سوداء‪ ،‬إذا أدرك طعن برمحه‪ ،‬وإذا فاته الناس‬
‫‪1‬‬
‫() الجهاد والقتال في السياسة الشرعية (‪.)3/1051‬‬
‫‪2‬‬
‫() نخس الدابة‪ :‬هيجها‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() فتح الباري (‪ ،)8/11‬السيرة النبوية البن هشام (‪.)59 ،4/58‬‬
‫‪4‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)4339‬‬
‫‪5‬‬
‫() ميلغة‪ :‬اسم آلة‪ ،‬والفعل «يلغ» بمعنى يشرب‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() السيرة النبوية البن هشام (‪ ،)73 ،4/72‬إسناده ضعيف وله شواهد‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() خالفة على بن أبى طالب‪ :‬ص (‪.)46‬‬
‫‪8‬‬
‫() السيرة النبوية ألبى شهبة (‪.)3/465‬‬
‫‪9‬‬
‫() السيرة النبوية في ضوء المصادر األصلية‪ :‬ص(‪.)579‬‬
‫‪92‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه‪ ،‬فأدرك على بعبقريته الحربية‪ ،‬وتجربته الطويلة‪ ،‬أن لهذا‬
‫الرجل عامالً مؤثرًا في حماس هوازن وشدتها‪ ،‬فاتجه على بن أبى طالب‪ -‬رضي هللا عنه‬
‫– ورجل من األنصار نحوه واستطاعا إسقاطه من على جمله وقتله‪ ،‬فما كانت إال ساعة‬
‫حتى انهزموا وولوا األدبار وانتصر المسلمون(‪.)1‬‬
‫‪ -6‬سرية علي رضي هللا عنه لهدم الصنم الفلس في بالد طئ‪:‬بعد أن طهر‬
‫النبي × البيت الحرام من األوثان التي كانت فيه‪ ،‬كان البد من هدم البيوت التي كانت‬
‫معالم للجاهلية ردحًا طويالً من الزمن(‪ ,)2‬فكانت سرايا رسول هللا × تترى لتطهير‬
‫الجزيرة منها‪ ،‬فكانت من نصيب على رضي هللا عنه صنم الفلس في بالد طئ‪ ،‬ففي ربيع‬
‫اآلخر خرجت سرية على بن أبى طالب إلى الفلس – صنم لطئ – ليهدمه‪ ،‬وكان تعدادها‬
‫خمسين ومائة رجل من األنصار‪ ،‬على مائة بعير وخمسين فرسًا‪ ،‬ومع راية سوداء ولواء‬
‫أبيض‪ ،‬فشنوا الغارة على محلة آل حاتم – حاتم الطائى الذي ضرب المثل بجوده – مع‬
‫الفجر فهدموا الفلس وخربوه‪ ،‬ومألوا أيديهم من السبى والنعم والشاء‪،‬وفي السبى أخت‬
‫عدى بن حاتم‪ ،‬وهرب عدى إلى الشام(‪.)3‬‬
‫سابعًا‪ :‬استخالف النبي × لعلي على المدينة في غزوة تبوك ‪9‬هـ‪:‬كان في رجب‬
‫سنة تسع من الهجرة غزوة تبوك‪ ،‬وكانت لها أهمية كبيرة في السيرة النبوية‪ ،‬وتحققت‬
‫منها غايات كانت بعيدة األثر في نفوس المسلمين والعرب‪ ،‬ومجرى الحوادث في تاريخ‬
‫اإلسالم(‪ ,)4‬واستعمل رسول هللا × على المدينة عليًا‪ ،‬فوجد المنافقون فرصة للتنفيس عما‬
‫بداخلهم من حقد ونفاق‪ ،‬فأخذوا يتكلمون في على رضي هللا عنه بما يسئ إليه‪ ،‬فمن ذلك‬
‫قولهم‪ :‬ما تركه إال لثقله عليه‪ ،‬وهذا العمل والقول السيئ منهم في حقه عالمة بارزة‬
‫واضحة على نفاقهم‪ ،‬ففي الحديث الصحيح أن عليًا رضي هللا عنه قال‪« :‬والذي فلق‬
‫الحبة‪ ،‬وبرأ النسمة‪ ،‬إنه لعهد النبي األمي × أن ال يحبني إال مؤمن وال يبغضني إال‬
‫منافق»(‪ .)5‬عند ذلك أدرك على الجيش‪ ،‬وأراد الغزو معهم قائالً‪ :‬يا رسول هللا أتخلفني في‬
‫الصبيان والنساء‪ ،‬فقال رسول هللا ×‪« :‬ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من‬
‫موسى‪ ،‬غير أنه لا نبي بعدي»(‪.)6‬‬
‫ثامنًا‪ :‬علي رضيـ هللا عنه ودوره اإلعالمي في حجة أبى بكر بالناس‬
‫‪9‬هـ‪:‬‬
‫كانت تربية المجتمع وبناء الدولة في عهد النبي × مستمرة على كل األصعدة‬
‫والمجاالت العقائدية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬والعسكرية‪ ،‬والتعبدية‪،‬‬
‫وكانت فريضة الحج لم تمارس في السنوات الماضية‪ ،‬فحجة عام ‪8‬هـ بعد الفتح كلف بها‬

‫‪1‬‬
‫() مسند أبى يعلى(‪ )3/388‬حسن اإلسناد‪ ،‬الصحيح المسند‪ :‬ص (‪ )141‬للعدوي‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() معين السيرة‪ :‬ص (‪.)694‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ اإلسالم للذهبي‪ :‬ص (‪.)624‬‬
‫‪4‬‬
‫() المرتضى للندوي‪.)55( :‬‬
‫‪5‬‬
‫() مسلم رقم ‪.78‬‬
‫‪6‬‬
‫() البخاري رقم ‪.2404‬‬
‫‪93‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫عتاب بن أسيد‪ ،‬ولم تكن قد تميزت حجة المسلمين عن حجة المشركين(‪ ,)1‬فلما حل موسم‬
‫الحج أراد × الحج ولكنه قال‪ :‬إنه يحضر البيت عراة مشركون يطوفون بالبيت (‪ , )2‬فال‬
‫أحب أن أحج‪ .‬وكان ذلك في سنة‪9‬هـ فخرج أبو بكر ومعه عدد كبير من الصحابة‪،‬‬
‫وساقوا معهم الهدي(‪ ,)3‬فلما خرج الصديق بركب الحجيج نزلت سورة براءة فدعا النبي ×‬
‫عليًا رضي هللا عنه وأمره أن يلحق بأبى بكر الصديق‪ ،‬فخرج على ناقة رسول هللا ×‬
‫العضباء حتى أدرك الصديق أبا بكر بذى الحليفة‪ ،‬فلما رآه الصديق قال له‪ :‬أمير أم‬
‫مأمور؟ فقال‪ :‬بل مأمور‪ ،‬ثم سارا‪ ،‬فأقام أبو بكر للناس الحج على منازلهم التي كانو عليها‬
‫في الجاهلية‪ ،‬وكان الحج في هذا العام في ذي الحجة كما دلت على ذلك الروايات‬
‫الصحيحة ال في شهر ذي القعدة كما قيل‪ ،‬وقد خطب الصديق قبل التروية‪ ،‬ويوم عرفة‪،‬‬
‫ويوم النحر‪ ،‬ويوم النفر األول‪ ،‬فكان يعرف الناس مناسكهم‪ :‬في وقوفهم وإفاضتهم‪،‬‬
‫ونحرهم‪ ،‬ونفرهم‪ ،‬ورميهم للجمرات‪ ..‬إلخ‪ ،‬وعلى يخلفه في كل موقف من هذه المواقف‪،‬‬
‫فيقرأ على الناس صدر سورة براءة ثم ينادي في الناس بهذه األمور األربعة‪ ،‬ال يدخل في‬
‫الجنة إال نفس مؤمنة‪ ،‬وال يطوف بالبيت عريان‪ ،‬ومن كان بينه وبين النبي × عهد فعهده‬
‫إلى مدته‪ ،‬وال يحج المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا(‪ ,)4‬وقد أمر الصديق رهطًا آخر‬
‫من الصحابة لمساعدة على بن أبى طالب في إنجاز مهمته(‪.)5‬‬
‫إن نزول صدر سورة براءة يمثل مفاصلة نهائية مع الوثنية وأتباعها‪ ،‬حيث منعت‬
‫حجهم وأعلنت الحرب عليهم(‪.)6‬‬
‫يحوا فِي األ َْر ِ‬
‫ض‬ ‫ِ‬ ‫اهلل ورسولِ ِه إِلَى الَّ ِذين َعاهدتُّم ِّمن الْم ْش ِركِ‬ ‫ِ‬
‫ين ‪ ‬فَس ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫اءةٌ ِّم َن َ َ ُ‬ ‫قال تعالى‪َ + :‬بر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل َو َر ُسوله إِلَى‬ ‫ِ‬
‫َن اهلل م ْخ ِزي الْ َكاف ِرين ‪ ‬وأَ َذا ٌن ِّمن ِ‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫أَربعةَ أَ ْش ُه ٍر وا ْعلَموا أَنََُّك َم غَْير م ْعج ِزي ِ‬
‫اهلل‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ََْ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ين َو َر ُسولُهُ فَإن ُت ْبتُ ْم َف ُه َو َخ ْي ٌر ل ُك ْم َوإن َت َول ْيتُ ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْح ِّج األ ْكبَر أَن اهللَ بَريءٌ ِّم َن ال ُْم ْشرك َ‬ ‫النَّاس َي ْو َم ال َ‬
‫ِ‬
‫اب أَل ٍ‬ ‫ِ‬
‫ين َك َفروا ب َع َذ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم" [التوبة‪.]3-1:‬‬ ‫ش ِر الذ َ ُ‬ ‫فَا ْعلَ ُموا أَنَّ ُك ْم غَْي ُر ُم ْعج ِزي اهلل َوبَ ِّ‬
‫َّ ِ‬
‫قال تعالى‪+ :‬إِالَّ الذ َ‬
‫ين‬
‫ِ‬
‫وقد أمهل المعاهدون ألجل معلوم منهم إلى انتهاء مدتهم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َح ًدا فَأَت ُّموا إل َْيه ْم َع ْه َد ُه ْم إلَى‬
‫َم يُظَاه ُروا َعلَْي ُك ْم أ َ‬ ‫صو ُك ْم َش ْيئًا َول ْ‬ ‫َم يَن ُق ُ‬ ‫اهدتُّم ِّم َن ال ُْم ْش ِرك َ‬
‫ين ثُ َّم ل ْ‬ ‫َع َ‬
‫ين" [التوبة‪.]4:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُمدَّت ِه ْم إِ َّن اهللَ يُح ُّ‬
‫ب ال ُْمتَّق َ‬
‫كما أُمهل من ال عهد له من المشركين إلى انسالخ األشهر الحرم‪ ،‬حيث يصبحون‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْح ُر ُم فَاقُْتلُوا ال ُْم ْش ِرك َ‬
‫ين‬ ‫انسلَ َخ األ ْش ُه ُر ال ُ‬ ‫بعدها في حالة حرب مع المسلمين‪ ،‬قال تعالى‪ + :‬فَإذَا َ‬
‫الصالَ َة َوآَت ُوا‬‫ص ٍد فَِإن تَابُوا َوأَقَ ُاموا َّ‬ ‫وه ْم َواقْعُ ُدوا ل َُه ْم ُك َّل َم ْر َ‬ ‫ص ُر ُ‬
‫اح ُ‬ ‫وه ْم َو ْ‬ ‫ث َو َجدتُّ ُم ُ‬
‫وه ْم َو ُخ ُذ ُ‬ ‫َح ْي ُ‬

‫‪1‬‬
‫() السيرة النبوية ألبى شبهة (‪ ،)2/536‬دراسات في عهد البنوة‪ :‬ص(‪.)22‬‬
‫‪2‬‬
‫() نضرة النعيم (‪ ،)1/98‬البطقات الكبرى (‪.)2/168‬‬
‫‪3‬‬
‫() فتح الباري (‪.)8/82‬‬
‫‪4‬‬
‫() مسند اإلمام أحمد الموسوعة الحديثية رقم ‪594‬حديث صحيح‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() السيرة النبوية ألبى شهبة (‪.)2/537‬‬
‫‪6‬‬
‫() نضرة النعيم (‪.)1/399‬‬
‫‪94‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫يم" [التوبة‪.]5:‬‬ ‫الز َكاةَ فَ َخلُّوا سبِيلَهم إِ َّن اهلل غَ ُف ِ‬
‫َّ‬
‫ور َّرح ٌ‬
‫َ ٌ‬ ‫َ ُْ‬
‫وقد كلف النبي × عليًا بإعالن نقض العهود على مسامع المشركين في موسم الحج‪،‬‬
‫مراعاة لما تعارف عليه العرب فيما بينهم من عقد العهود ونقضها‪ ،‬أال يتولى ذلك إال سيد‬
‫القبيلة أو رجل من رهطه‪ ،‬وهذا العرف ليس فيه منافاة لإلسالم‪ ،‬فلذلك تدارك النبي × األمر‬
‫وأرسل عليًا بذلك‪ ،‬فهذا هو السبب في تكليف على بتبليغ صدر سورة براءة ال ما زعمته‬
‫الرافضة من أن ذلك لإلشارة إلى أن عليًا أحق بالخالفة من أبى بكر‪ ،‬وقد علق الدكتور محمد‬
‫أبو شهبة فقال‪ :‬وال أدري كيف غفلوا عن قول الصديق‪ :‬أمير أم مأمور؟ (‪ )1‬وكيف يكون‬
‫المأمور أحق بالخالفة من األمير(‪ ,)2‬وقد كانت هذه الحجة بمثابة التوطئة للحجة الكبرى وهي‬
‫حجة الوداع‪ ،‬لقد أعلن في حجة أبى بكر أن عهد األصنام قد انقضى‪ ،‬وأن مرحلة جديدة قد‬
‫بدأت‪ ،‬وما على الناس إال أن يستجيبوا لشرع هللا تعالى‪ ،‬فبعد هذا اإلعالن الذي انتشر بين‬
‫قبائل العرب في الجزيرة‪ ،‬أيقنت تلك القبائل أن األمر جد‪ ،‬وأن عهد الوثنية قد انقضى فعالً‪،‬‬
‫فأخذت ترسل وفودها معلنة إسالمها ودخولها في التوحيد(‪.)3‬‬
‫تاسعًا‪ :‬علي رضي هللا عنه ووفدـ نصاري نجران‪ ،‬وآية المباهلة ‪9‬هـ‪:‬‬
‫كتب رسول هللا × إلى نجران(‪ )4‬كتابًا قال فيه‪« :‬أما بعد‪ ،‬فإني أدعوكم إلى‬
‫عبادة الله من عبادة العباد‪ ،‬وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد‪،‬‬
‫فإن أبيتم فالجزية‪ .‬فإن أبيتم آذنتكم بحرب‪ .‬والسلام»(‪ )5‬فلما أتى األسقف‬
‫الكتاب‪ ،‬جمع الناس وقرأه عليهم‪ ،‬وسألهم عن الرأي فيه؟ فقرروا أن يرسلوا إليه وفدًا‬
‫يتكون من أربعة عشر من أشرافهم‪ ،‬وقيل‪ :‬ستين راكبًا‪ ،‬منهم ثالثة نفر يؤول إليهم‬
‫أمرهم‪ :‬العاقب‪ ،‬وهو أميرهم وصاحب مشورتهم والذين يصدرون عن رأيه‪ ،‬والسيد وهو‬
‫صاحب رحلتهم‪ ،‬وأبو الحارث أسقفهم وحبرهم وصاحب مدارسهم(‪ ,)6‬ولما جاء وفد‬
‫نصاري نجران إلى رسول هللا × بالمدينة‪ ،‬وضعوا ثياب السفر عنهم‪ ،‬ولبسوا حلالً لهم‬
‫يجرونها من الحبرة‪ ،‬وخواتيم الذهب‪ ،‬ثم انطلقوا حتى أتوا رسول هللا ×‪ ،‬فسلموا عليه‪ ،‬فلم‬
‫يرد عليهم السالم‪ ،‬وتصدوا لكالمه طويالً‪ ،‬فلم يكلمهم‪ ،‬وعليهم تلك الحلل والخواتيم‬
‫الذهب‪ ،‬فانطلقوا يتبعون عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف‪ -‬رضي هللا عنهما‪-‬‬
‫وكانا على معرفة لهم‪ ،‬كانا يخرجان العير في الجاهلية إلى نجران‪ ،‬فيشتري لهما من‬
‫برها وثمرها وذرتها‪ ،‬فوجدوهما في ناس من األنصار في مجلس‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا عثمان‪ ،‬ويا‬
‫عبد الرحمن إن نبيكم كتب إلينا بكتاب‪ ،‬فأقبلنا مجيبين له‪ ،‬فسلمنا عليه‪ ،‬فلم يرد علينا‬
‫سالمنا‪ ،‬وتصدينا لكالمه نهارًا طويالً‪ ،‬فأعيانا أن يكلمنا‪ ،‬فما الرأي منكما‪ ،‬أنعود؟‬
‫فقاال لعلي بن أبى طالب وهو في القوم‪ :‬ما ترى يا أبا الحسن في هؤالء القوم؟ قال‪:‬‬
‫أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمهم‪ ،‬ويلبسوا ثياب سفرهم ثم يأتوا إليه‪ ،‬ففعل الوفد‬
‫‪1‬‬
‫() السيرة النبوية ألبى شهبة (‪ ،)2/540‬صحيح السيرة‪ :‬ص(‪.)624‬‬
‫‪2‬‬
‫() السيرة النبويةن ألبى شهبة (‪.)2/540‬‬
‫‪3‬‬
‫() قراءة سياسية للسيرة النبوية‪ :‬ص (‪.)283‬‬
‫‪4‬‬
‫() نجران بلد كبير على سبع مراحل من مكة إلى جهة اليمن‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)5/48‬‬
‫‪6‬‬
‫() المصدر نفسه (‪ ،)5/48‬السيرة النبوية ألبى شهبة (‪.)2/547‬‬
‫‪95‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ذلك‪ ،‬فوضعوا حللهم وخواتيمهم‪ ،‬ثم عادوا إلى رسول هللا × فسلموا عليه‪ ،‬فرد سالمهم‪،‬‬
‫ثم سألهم وسألوه فلم تزل بهم وبه المسألة(‪ .)1‬وقالوا لرسول هللا ×‪:‬كنا مسلمين قبلكم‪ ،‬فقال‬
‫النبي ×‪« :‬يمنعكم من الإسلام ثلاث‪ :‬عبادتكم الصليب‪ ،‬وأكلكم الخنزير‪ ،‬وزعمكم‬
‫أن لله ولدًا»(‪ )2‬وكثر الجدال والحجاج بينه وبينهم‪ ،‬والنبي يتلو عليهم القرآن ويقرع‬
‫باطلهم بالحجة‪ ،‬وكان مما قالوه لرسول هللا ×‪ :‬ما لك تشتم صاحبنا وتقول‪ :‬إنه عبد هللا‪،‬‬
‫فقال‪« :‬أجل إنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول»‪،‬‬
‫فغضبوا وقالوا‪ :‬هل رأيت إنسانًا قط من غير أب‪ ،‬فإن كنت صادقًا فأرنا مثله؟ فأنزل هللا‬
‫ال لَهُ ُك ْن‬ ‫اب ثُ َّم قَ َ‬‫آد َم َخلَ َقهُ ِمن ُتر ٍ‬ ‫اهلل َك َمثَ ِل َ‬ ‫في الرد عليهم قوله سبحانه‪ + :‬إِ َّن مثَل ِعيسى ِع ْن َد ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ين" [آل عمران‪ .]60 ،59 :‬فكانت حجة دامغة شبه‬ ‫ك فَالَ تَ ُكن ِّمن ال ُْم ْمتَ ِر َ‬‫ْح ُّق ِمن َّربِّ َ‬ ‫َفيَ ُكو ُن ‪ ‬ال َ‬
‫فيها الغريب بما هو أغرب منه(‪ ,)3‬فلما لم تُجد معهم المجادلة بالحكمة والموعظة الحسنة‬
‫اء َك ِم َن ال ِْعل ِْم َف ُق ْل‬ ‫اج َ ِ ِ ِ ِ‬
‫ك فيه من َب ْعد َما َج َ‬ ‫دعاهم إلى المباهلة(‪ ,)4‬امتثاالً لقوله تعالى‪ + :‬فَ َم ْن َح َّ‬
‫اهلل َعلَى‬‫ت ِ‬ ‫اء ُك ْم َوأَْن ُف َسنَا وأَ ْن ُف َس ُك ْم ثُ َّم َن ْبتَ ِه ْل َفنَ ْج َعل لَّ ْعنَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اءنَا َون َس َ‬‫اء ُك ْم َون َس َ‬
‫اءنَا َوأ َْبنَ َ‬
‫َت َعال َْوا نَ ْدعُ أ َْبنَ َ‬
‫ين" [آل عمران‪:‬ـ‪.]61‬‬ ‫ِِ‬
‫الْ َكاذب َ‬
‫وخرج النبي × ومعه الحسن والحسين وفاطمة وقال‪« :‬وإذا أنا دعوت‬
‫فأَم‪َّ‬نوا»(‪ .)5‬فائتمروا فيما بينهم‪ ،‬فخافوا الهالك لعلمهم أنه نبى حقًا‪ ،‬وأنه ما باهل قوم‬
‫نبيًا إال هلكوا‪ ،‬فأبوا أن يالعنوه وقالوا‪ :‬احكم علينا بما أحببت‪ ،‬فصالحهم على ألفي حلة‪،‬‬
‫ألف في رجب وألف في صفر(‪.)6‬‬
‫عاشرًا‪ :‬علي رضيـ هللا عنه داعيًا وقاضيًا في اليمن ‪10‬هـ‪:‬‬
‫بعد فتح مكة استجابت القبائل العربية بالجزيرة إلى اإلسالم‪ ،‬وكان رسول هللا ×‬
‫يرسل الدعاة إلى القبائل التي لم تستجب بعد‪ ،‬فأرسل عليًا رضي هللا عنه إلى همدان‬
‫باليمن‪ ،‬وهذا البراء بن عازب – رضي هللا عنه‪ -‬يحدثنا عما حدث في ذهابه مع على‬
‫رضي هللا عنه لليمن فيقول‪..:‬فلما انتهينا إلى أوائل اليمن بلغ القوم الخبر‪ ،‬فجمعوا له‪،‬‬
‫فصلى على بنا الفجر‪ ،‬فلما فرغ‪ ،‬صفنا صفًا واحدًا ثم تقدم بين أيدينا‪ ،‬فحمد هللا وأثنى‬
‫عليه ثم قرأ عليهم كتاب رسول هللا ×‪ ،‬فأسلمت همدان كلها في يوم واحد‪ ،‬وكتب بذلك إلى‬
‫رسول هللا ×‪ ،‬فلما قرأ كتابه خر ساجدًا‪ ،‬وقال‪« :‬السلام على همدان‪ ،‬السلام على‬
‫همدان»(‪ ,)7‬لقد كان رسول هللا × حريصًا على الجبهة الجنوبية للدولة وأن تدخل قبائل‬
‫اليمن في اإلسالم‪ ،‬وظهر هذا االهتمام في النتائج الباهرة التي حققتها الدعوة في كثرة عدد‬
‫‪1‬‬
‫() زاد المعاد (‪.)638 -3/629‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)3/633‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)3/633‬‬
‫‪4‬‬
‫() السيرة النبوية ألبى شهبة (‪.)2/547‬‬
‫‪5‬‬
‫() السيرة النبوية ألبى شهبة (‪.)2/547‬‬
‫‪6‬‬
‫() السيرة النبوية ألبى شهبة (‪.)2/547‬‬
‫‪7‬‬
‫() زاد المعاد (‪ )3/622‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪96‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الوفود التي كانت تنساب من كل أطراف اليمن متجهة إلى المدينة‪ ،‬مما يدل على أن نشاط‬
‫المبعوثين إلى اليمن كان متصالً وبعيد المدى‪ ،‬وكانت سرايا رسول هللا × تساند هذا‬
‫النشاط الدعوي السلمى‪ ،‬حيث بعث خالد بن الوليد ثم على بن أبى طالب رضي هللا‬
‫عنهما‪ ،‬فقد كان × يركز على مفاصلـ القوى‪ ،‬ومراكز التأثير في المجتمعات وبناء الدول‬
‫ومارس هذا الفقه العظيم في حياته(‪.)1‬‬
‫هذا وقد أمر رسول هللا × عليًا بأن يقضي بين الناس في اليمن‪ ،‬وهذا على رضي هللا‬
‫عنه يحدثنا بنفسه حيث قال‪ :‬بعثني رسول هللا × إلى اليمن‪ ،‬فقلت له‪ :‬يا رسول هللا تبعثني‬
‫إلى قوم أسن مني وأنا حدث ال أبصر القضاء‪ ،‬قال‪ :‬فوضع يده على صدري‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫«اللهم ثبت لسانه واهد قلبه‪ ،‬يا على إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض‬
‫بينهما حتى تسمع الآخر‪ ،‬ما سمعت من الأول‪ ،‬فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك‬
‫القضاء»‪ ،‬قال‪ :‬فما اختلف على قضاء بعد‪ ،‬أو ما أشكل على قضاء بعد(‪.)2‬‬
‫لقد احتاج اليمنيون بعد انتشار اإلسالم في بالدهم من يفقههم في أمور دينهم‪ ،‬ويعلمهم‬
‫ويقضيـ بينهم بحكم هللا عز وجل‪ ،‬فبعث رسول هللا × عددًا من الصحابة إلى أرجاء اليمن‬
‫منهم معاذ وأبو موسى األشعري‪ ،‬وكان من أفضلهم على بن أبى طالب رضي هللا عنه‪،‬‬
‫وقد حفظت لنا كتب التاريخ والحديث والفقه مجموعة من القضايا التي حكم فيها على‬
‫رضي هللا عنه وهو باليمن منها‪:‬‬
‫‪ -1‬قضاؤه في األربعة الذين تدافعوا عند ُزبية لألسد‪:‬عن حنش عن على رضي‬
‫(‪) 3‬‬

‫هللا عنه قال‪ :‬بعثني رسول هللا × إلى اليمن فانتهينا إلى قوم قد بنوا ُز ْبيَة(‪ )4‬لألسد‪ ،‬فبينما هم‬
‫كذلك يتدافعون؛ إذا سقط رجل فتعلق بآخر‪ ،‬ثم تعلق رجل بآخر‪ )5( ،‬حتى صاروا فيه أربعة‬
‫فَ َجر َحهم األسد؟‪ ،‬فانتدب له رجل بِ َحربْة فقتله‪ ،‬وماتوا من جراحتهم كلهم‪ ،‬فقام أولياء األول‬
‫إلى أولياء اآلخر‪ ،‬فأخرجوا السالح ليقتتلوا‪ ،‬فأتاهم على على تفيئة(‪ )6‬ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬تريدون أن‬
‫تقاتلوا ورسول هللا × حي‪ ،‬إني أقضي بينكم قضاء إن رضيتم فهو القضاء‪ ،‬وإال حجز‬
‫بعضكم عن بعض‪ ،‬حتى تأتوا النبي × فيكون هو الذي يقضي بينكم‪ ،‬فمن عَدا بعد ذلك فال‬
‫حق له‪ ،‬اجمعوا من قبائل الذين حفروا البئر ربع الدية وثلث الدية ونصف الدية والدية كاملة‪،‬‬
‫فلألول الربع ألنه أهلك من فوقه‪ ،‬وللثاني ثلث الدية‪ ،‬وللثالث نصف الدية‪ ،‬وللرابع الدية‬
‫كاملة فأبوا أن يرضوا‪ ،‬فأتوا النبي × وهو عند مقام إبراهيم فقصُّ وا عليه القصة‪ ،‬فقال‪ :‬أنا‬
‫أقضي بينكم واحتبي‪ ،‬فقال رجل من القوم‪ :‬إن عليًا قضى فقصَّوا عليه فأجازه رسول هللا‬
‫×(‪.)7‬‬
‫‪ -2‬ثالثة وقعوا على امرأة في طهر‪ :‬عن زيد بن األرقم أنه قال‪ :‬أتى على بثالثة وهو‬
‫‪1‬‬
‫() السيرة النبوية للصالبي (‪ ،)3/596‬الفقه السياسي للوثائق‪ :‬ص(‪.)231‬‬
‫‪2‬‬
‫() فضائل الصحابة (‪ )2/871‬إسناده حسن رقم ‪.1995‬‬
‫‪3‬‬
‫() الزبية‪ :‬حفرة تحفر لألسد‪ ،‬وال تحفر إال في مكان عال من األرض‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() الحفرة في األرض‪ :‬القاموس (‪ ،)4/340‬تاج العروس (‪.)1016‬‬
‫‪5‬‬
‫() فضائل الصحابة (‪ )2/900‬رقم ‪1239‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() تفيئة ذلك‪ :‬أي أثره‪ ،‬النهاية (‪.)3/483‬‬
‫‪7‬‬
‫() فضائل الصحابة رقم ‪1239‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪97‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫باليمن وقعوا على امرأة في طهر واحد‪ ،‬فسأل اثنين‪ :‬أتقران لهذا بالولد؟ قاال‪ :‬ال حتى‬
‫سألهم جميعًا‪ ،‬فجعل كلما سأل اثنين‪ ،‬قاال‪ :‬ال‪ ،‬فأقرع بينهم‪ ،‬فألحق الولد بالذي صارت‬
‫عليه القرعة‪ ،‬وجعل عليه ثلثى الدية(‪ ،)1‬قال‪ :‬فذكر ذلك لنبي هللا × فضحك حتى بدت‬
‫نواجذه(‪ ,)2‬وكان ضحك رسول هللا × فرحًا وسرورًا بتوفيق هللا تعالى عليًا للصواب‪.‬‬
‫ولذلك أقره على ذلك(‪ ,)3‬ويحتمل أن ما حصل من أولئك النفر إنما كان قبل إسالمهم‪،‬‬
‫ألن فعلهم محرم في دين هللا تعالى(‪.)4‬‬
‫الحادي عشر‪ :‬علي رضي هللا عنه في حجة الوداع‪:‬‬
‫أدرك عل ّى رضي هللا عنه رسول هللا × في حجة الوداع‪ ،‬ونحر رسول هللا ثالثًا‬
‫وستين بدنة بيده‪ ،‬وكان عدد هذا الذي نحره عدد سن َّى عمره‪ ،‬ثم أمسك‪ ،‬وأمر عليًا أن‬
‫ينحر ما بقى من المائة‪ ،‬ففعل وأكمل العدد‪ ،‬وقد وصف لنا على رضي هللا عنه بعض‬
‫المناسك في حجته مع رسول هللا ×‪ ،‬فعن على بن أبى طالب رضي هللا عنه‪ :‬أن النبي ×‬
‫وقف بعرفة وهو ُمردف أسامة بن زيد‪ ،‬فقال‪« :‬هذا الموقف وكل عرفة موقف»‪ ،‬ثم دفع‬
‫يسير ال َعنَقَ‪ ،‬وجعل الناس يضربون يمينًا وشماالً‪ ،‬وهو يلتفت ويقول‪« :‬السكينة أيها‬
‫الناس‪ ،‬السكينة أيها الناس» حتى جاء المزدلفة‪ ،‬وجمع بين الصالتين‪ ،‬ثم وقف‬
‫بالمزدلفة‪ ،‬فوقف على قُ َز َح‪ ،‬وأردف الفضل بن العباس‪ ،‬وقال‪« :‬هذا الموقف‪ ،‬وكل‬
‫المزدلفة موقف»ثم دفع وجعل يسير ال َعنَقَ‪ ،‬والناس يضربون يمينًا وشماالً‪ ،‬وهو يلتفت‬
‫ويقول‪« :‬السَّكينة‪ ،‬السَّكينة‪ ،‬أيها الناس» حتى جاء ُمحسرًا فقرع راحلته‬
‫فخبَّت‪ ،‬حتى خرج‪ ،‬ثم عاد ل َسيْره األول‪ ،‬حتى رمى الجمرة‪ ،‬ثم جاء المنَحْ ر فقال‪ :‬هذا‬
‫المنحر‪ ،‬وكلُّ منى منَحْر‪ ،‬ثم جاءت امرأة شابة من َخثعَ َم‪ ،‬فقالت‪ ،‬إن أبى شيخ كبير‪،‬‬
‫وقد أفند‪ ،‬وأدركته فريضة هللا في الحج‪ ،‬وال يستطيع أداءها‪ ،‬فُيجزئ عنه أن أؤديها عنه؟‬
‫قال رسول هللا ×‪ :‬نعم‪ ،‬وجعل يصرف وجه الفضل بن العباس عنها‪ .‬ثم أتاه رجل آخر‪،‬‬
‫ُ‬
‫ولبست ولم أحلق‪ .‬قال‪ :‬فلا حرج‪ ،‬فاحلْق‪.‬ثم أتاه رجل‬ ‫فقال‪ :‬إني رميت الجمرة وأفضت‬
‫آخر‪ ،‬فقال‪ :‬إني رميت وحلقت ولبست ولم أنحر‪ .‬فقال‪ :‬لا حرج فانحر‪ .‬ثم أفاض رسول‬
‫هللا ×‪ ،‬فدعا ب َسجْ ل من ماء زمزم‪ ،‬فشرب منه وتوضأ‪ ،‬ثم قال‪ :‬انزعوا(‪ )5‬يا بنى عبد‬
‫المطلب‪ ،‬فلولا أن تُغْلَبوا عليها لَنَزَعْتُ‪.‬قال العباس‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬إني‬
‫رأيتك تصرف وجه ابن أخيك؟ قال‪ :‬إني رأيت غلامًا شابًا‪ ،‬وجارية شابة فخشيت‬
‫عليهما الشيطان(‪.)6‬وقد كان على رضي هللا عنه يعلن على الناس ما أمره به النبي ×‪،‬‬
‫فعن عمرو بن سليم عن أمه قالت‪ :‬بينما نحن بمنى إذا على بن أبى طالب رضي هللا عنه‬

‫‪1‬‬
‫() منهج على بن أبى طالب في الدعوة إلى هللا‪ :‬ص(‪.)87‬‬
‫‪2‬‬
‫() نواجذه‪ :‬جمع ناجذ‪ :‬آخر األضراس‪ ،‬ولإلنسان أربعة نواجذ‪ ،‬وهناك رواية أخرى في فضائل الصحابة‬
‫رقم ‪1095‬إسناده حسن لغيره‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() سنن النسائي (‪ )66/182‬حاشية السندي‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() منهج على بن أبى طالب في الدعوة إلى هللا‪ :‬ص(‪.)88‬‬
‫‪5‬‬
‫() المرتضى للندوي ص ‪ ،57‬وقد جاء في رواية البخاري أن النبي × نحر سبع بدن بيده قيا ًما رقم‬
‫‪ ،1712‬وكلف عليًا باإلشراف على قسمتهاـ وهي مائة رقم ‪ .1718‬النزع‪ :‬استخراج الماء من زمزم لسقي‬
‫الحجيج‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() مسند أحمد (‪ )2/9‬الموسوعة الحديثية رقم ‪564‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪98‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫يقول‪ :‬إن رسول هللا × قال‪« :‬إن هذه أيام أكل وشرب‪ ،‬فلا يصومها أحد»‪ ،‬واتّبع‬
‫الناس على جمله يصرخ بذلك(‪.)1‬‬
‫الثاني عشر‪ :‬تشرفه بغسل النبي × ودفنه‪:‬‬
‫لما توفى النبي × كان على ممن باشر غسله مع الفضل بن العباس وأسامة بن زيد ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وقال على رضي هللا عنه‪ :‬غسلت رسول هللا ×‪ ،‬فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أر‬
‫شيئًا وكان طيبًا حيًا وميتًا(‪ ,)3‬وقال‪ :‬بأبى الطيب‪ ،‬طبت حيًا وطبت ميتًا(‪ ,)4‬وكان على‬
‫رضي هللا عنه من ضمن من نزل في قبر رسول هللا × وباشروا دفنه هو والفضل بن‬
‫عباس‪ ،‬وقثم بن عباس‪ ،‬وشقران مولى رسول هللا ×(‪ ,)5‬لقد كان نبأ وقاة رسول هللا × على‬
‫الصحابة الكرام كالصاعقه لشدة حبهم له وما تعو ّدوه من العيش في كنفه‪ ،‬عيش األبناء في‬
‫حجر اآلباء بل أكثر من ذلك‪ ،‬وكان حظ أهل البيت واألسرة الهاشمية – وعلى رأسها‬
‫فاطمة بنت رسول هللا × وعلى بن أبى طالب – أوفر وأكثر بطبيعة الحال‪ ،‬وبحكم الفطرة‬
‫السليمة والقرابة القريبة‪ ،‬وما يمتازون به من رقة الشعور‪ ،‬وقوة العاطفة‪ ،‬وشدة الحب‬
‫ولكن احتملوه بقوة إيمانهم والرضا بقضاء هللا واالستسالم ألمره(‪.)6‬‬
‫الثالث عشر‪ :‬قصة الكتاب الذي ه ّم النبي × بكتابته في مرض موته‪:‬‬
‫ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس – رضي هللا عنهما – أنه قال‪:‬‬
‫لما حُضر رسول هللا × وفي البيت رجال فقال النبي ×‪«:‬هلموا أكتب لكم كتابًا لا‬
‫تضلوا بعده»‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬إن رسول هللا × قد غلبه الوجع‪ ،‬وعندكم القرآن‪ ،‬حسبنا‬
‫كتاب هللا‪ ،‬فاختلف أهل البيت واختصموا‪ ،‬فمنهم من يقول‪ :‬قربوا يكتب لكم كتابًا ال تضلوا‬
‫بعده‪ ،‬ومنهم من يقول غير ذلك‪ ،‬فلما أكثروا اللغو واالختالف قال رسول هللا ×‪ :‬قوموا‪.‬‬
‫قال عبد هللا‪ :‬فكان ابن عباس يقول‪ :‬إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول هللا × وبين‬
‫أن يكتب الكتاب الختالفهم ولغطهم(‪ ,)7‬وفي رواية أخرى عن ابن عباس – رضي هللا‬
‫عنهما – قال‪ :‬يوم الخميس وما يوم الخميس‪ ،‬اشتد برسول هللا × وجعه‪ ،‬فقال‪ :‬ائتوني‬
‫أكتب لكم كتابًا لن تضلوا بعده أبدًا‪ ،‬فتنازعوا‪ ،‬وال ينبغي عند نبي نزاع‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫ما شأنه؟ أهجر‪ ،‬استفهموه‪ ،‬فذهبوا يرددون عليه فقال‪ :‬دعوني‪ ،‬فالذي أنا فيه خير‬
‫مما تدعونني إليه‪ ،‬وأوصاهم بثالث‪ ،‬قال‪ :‬أخرجوا المشركين من جزيرة العرب‪،‬‬
‫وأجيزوا الوفود بنحو ما كنت أجيزهم‪،‬وسكت عن الثالث‪ ،‬أو قال‪ :‬فنسيها(‪ ,)8‬وليس‬
‫فيما ثبت في هذا الحديث ورواياته الصحيحة أي مطعن على أصحاب رسول هللا‪ ،‬وأما ما‬
‫ذكره الروافض من مطاعن فباطلة معلومة الفساد‪ ،‬وقد أجاب العلماء قدي ًما عن بعضها‬
‫‪1‬‬
‫() الموسوعة الحديثية رقم ‪567‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() أبو داود (‪ )3/213‬عن الشعبي مرسالً رقم ‪3209‬صححه األلباني في أحكام الجنائز‪ :‬ص(‪.)51‬‬
‫‪3‬‬
‫() سنن ابن ماجة (‪ )1/362‬رقم ‪ 1467‬صححه األلباني في أحكام الجنائز‪ :‬ص (‪.)50‬‬
‫‪4‬‬
‫() السيرة النبوية البن هشام (‪.)4/321‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)4/321‬‬
‫‪6‬‬
‫() المرتضى للندوي‪ :‬ص (‪.)59‬‬
‫‪7‬‬
‫() البخاري رقم ‪.4432‬‬
‫‪8‬‬
‫() البخاري رقم ‪.4431‬‬
‫‪99‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ومن هذه الردود‪:‬‬
‫‪ -1‬اختالف الصحابة ثابت‪ ،‬وكان سببه اختالفهم في فهم قول الرسول × ومراده ال‬
‫عصيانه‪ ،‬قال القرطبي صاحب المفهم‪ :‬وسبب ذلك كله إنما حمل عليه االجتهاد المسوغ‪،‬‬
‫والقصد الصالح‪ ،‬وكل مجتهد مصيب‪ ،‬أو أحدهما مصيب‪ ،‬واآلخر غير مأثوم بل مأجور‬
‫كما قررناه في األصولـ(‪ ،)1‬ثم ذكر أن النبي × لم يعنفهم وال ذمهم بل قال للجميع‪ :‬دعوني‬
‫فالذي أنا فيه خير (‪ ،)2‬وهو نحو ما جرى لهم يوم األحزاب حيث قال لهم الرسول ×‪:‬‬
‫«لا يصلين أحد العصر إلا في بنى قريظة»(‪ ,)3‬فتخوف ناس فوات الوقت‪،‬؟ فصلوا‬
‫دون بنى قريظة‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬ال نصلي إال حيث أمرنا رسول هللا فما عنف أحد‬
‫الفريقين(‪.)4‬‬
‫‪ -2‬وأما ما ادعاه الروافض من أن اختالف الصحابة وما ترتب عليه من عدم كتابة‬
‫النبي × لهم ذلك الكتاب هو الذي حرم األمة من العصمة‪ ،‬فهذا باطل ألنه يعني أن‬
‫الرسول × قد ترك تبليغ ما فيه عصمتها من الضالل‪ ،‬ولم يبلغ شرع ربه لمجرد اختالف‬
‫ول‬
‫الر ُس ُ‬
‫أصحابه عنده حتى مات على ذلك‪ ،‬وأنه بهذا مخالف ألمر ربه في قوله‪+ :‬يَا أ َُّي َها َّ‬
‫َّاس" [المائدة‪.]67:‬‬ ‫ك ِم َن الن ِ‬ ‫ت ِرسالَتَهُ واهلل ي ْع ِ‬
‫ص ُم َ‬ ‫ك ِمن َّربِّ َ‬
‫ك َوإِن لَّ ْم َت ْف َع ْل فَ َما َبلَّغْ َ َ َ ُ َ‬ ‫َبلِّ ْغ َما أُنْ ِز َل إِل َْي َ‬
‫اء ُك ْم َر ُس ٌ‬
‫ول ِّم ْن‬ ‫وإذا كان الرسول × مبرأ من ذلك ومنزهًا بتزكية ربه له في قوله‪ + :‬لََق ْد َج َ‬
‫يم" [التوبة‪ ،]128:‬فوصفه‬ ‫أََن ُف ِس ُكم ع ِزيز علَي ِه ما عنِتِّم ح ِريص علَي ُكم بِالْم ْؤ ِمنِين ر ُؤ ٌ ِ‬
‫وف َّرح ٌ‬ ‫ْ َ ٌ َْ َ َ ْ َ ٌ َْ ْ ُ َ َ‬
‫بالحرص على أمته‪ ،‬أي على هدايتهم‪ ،‬ووصول النفع الدنيوى واألخروى لهم‪ ،‬ذكره ابن‬
‫كثير في تفسيره(‪ ،)5‬وإذا كان هذا األمر معلو ًما باالضطرار من دين اإلسالم عند الخاص‬
‫والعام‪ ،‬ال يشك فيه من في قلبه أدنى مثقال ذرة من إيمان‪ ،‬وأن هذا الرسول الكريم قد بلغ‬
‫كل ما أمر به‪ ،‬وكان أحرص ما يكون على أمته‪ ،‬بما هو متواتر من جهاده وتضحيته‪،‬‬
‫وأخباره الدالة على ذلك‪ ،‬علمنا عل ًما يقينًا ال يشوبه أدنى شك‪ ،‬أنه لو كان األمر كما يذكر‬
‫الروافض من الوصف لهذا الكتاب من أن به عصمة األمة من الضالل في دينها‪ ،‬ورفع‬
‫الفرقة‪ ،‬واالختالف فيما بينها إلى أن تقوم الساعة‪ ،‬لما ساغ في دين وال عقل أن يؤخر‬
‫رسول هللا كتابه إلى ذلك الوقت الضيق‪ ،‬ولو أخره ما كان ليتركه لمجرد اختالف‬
‫أصحابه(‪ ,)6‬وال يتصور أن النبي × يترك أمر ربه‪ ،‬ولو قدر أنه تركه في ذلك الوقت‬
‫لتنازعهم عنده لمصلحة رآها‪ ،‬فما الذي يمنعه من أن يكتبه بعد ذلك‪ ،‬وقد ثبت أنه عاش‬
‫بعد ذلك عدة أيام‪ ،‬فقد كانت وفاته – عليه الصالة والسالم – يوم االثنين على ما جاء‬

‫‪1‬‬
‫() المفهم لما أشكل‪ ،‬تلخيص كتاب مسلم (‪.)4/559‬‬
‫‪2‬‬
‫() البخاري رقم ‪.4431‬‬
‫‪3‬‬
‫() البخاري رقم ‪.4119‬‬
‫‪4‬‬
‫() المفهم (‪.)4/559‬‬
‫‪5‬‬
‫() تفسير ابن كثير (‪.)2/404‬‬
‫‪6‬‬
‫() مختصر التحفة االثنى عشرية‪ :‬ص (‪ ،)251‬االنتصار للصحب واآلل ص (‪.)229 -228‬‬
‫‪10‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫مصرحًا به في رواية أنس في الصحيحين(‪ ,)1‬وحادثة الكتاب يوم الخميس باالتفاق(‪ ,)2‬وقد‬
‫ثبت باتفاق السنة والرافضة‪ ،‬أن رسول هللا لم يكتب ذلك الكتاب حتى مات‪ ،‬علمنا أنه ليس‬
‫من الدين الذي أمر بتبليغه لما دل عليه القرآن من أن هللا قد أكمل له وألمته الدين‪ ،‬فأنزل‬
‫يت لَ ُك ُم‬
‫ض ُ‬ ‫ْ َ ََ‬ ‫ْت لَ ُك ْم ِدينَ ُك ْم َوأَتْ َم ْم ُ‬
‫ت َعلَْي ُكم نِ ْعمتِي ور ِ‬ ‫عليه قبل ذلك في حجة الوداع‪+ :‬الَْي ْو َم أَ ْك َمل ُ‬
‫ا ِإل ْسالَ َم ِدينًا" [المائدة‪ ،]3:‬قال ابن تيمية‪ :‬ولم تكن كتابة الكتاب مما أوجبه هللا عليه أن‬
‫يكتبه أو يبلغه في ذلك الوقت‪ ،‬إذ لو كان كذلك لما ترك × ما أمره هللا به‪ ،‬لكن ذلك مما‬
‫رأه مصلحة لدفع النزاع في خالفة أبى بكر‪ ،‬ورأى أن الخالف البد أن يقع(‪ ,)3‬وقال في‬
‫موضع آخر‪ :‬وأما قصة الكتاب الذي كان رسول هللا × يريد أن يكتبه‪ ،‬فقد جاء مبينًا كما‬
‫في الصحيحين عن عائشة – رضي هللا عنه‪ -‬قالت‪ :‬قال رسول هللا × في مرضه‪« :‬ادعي‬
‫لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابًا‪ ،‬فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل‪ :‬أنا‬
‫أولى‪ ،‬ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر»(‪ ,)4‬إلى أن قال بعد ذكر روايات‬
‫الحديث‪ :‬والنبي × قد عزم على أن يكتب الكتاب الذي ذكره لعائشة‪ ،‬فلما رأى أن الشك قد‬
‫وقع‪ ،‬علم أن الكتاب ال يرفع الشك‪ ،‬فلم يبق فيه فائدة‪ ،‬وعلم أن هللا يجمعهم على ما عزم‬
‫عليه كما قال‪ :‬ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر(‪.)5‬وأما قوله في الحديث‪« :‬لن‬
‫تضلوا بعدي» فيقول الدهلوى في توجيهه‪ :‬فإن قيل‪ :‬لو لم يكن ما يكتب أمرًا دينيًا فلم قال‪:‬‬
‫لن تضلوا بعدي؟قلنا‪ :‬للضالل معان‪ ،‬والمراد به هنا عدم الخطأ في تدبير الملك‪ ،‬وهو‬
‫إخراج المشركين من جزيرة العرب‪ ،‬وإجازة الوفد بنحو ما كان يجيزه‪ ،‬وتجهيز أسامة‪،‬‬
‫ال الضاللة والغواية عن الدين وهو ما فعله أبو بكر والصحابة من بعده(‪.)6‬‬
‫‪ -3‬وأما معنى قول ابن عباس‪ :‬إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول هللا × وبين‬
‫أن يكتب لهم ذلك الكتاب(‪ ,)7‬فكما قال ابن تيمية في معناه‪ :‬يقتضي أن الحائل كان رزية‪،‬‬
‫وهو رزية في حق من شك في خالفة الصديق‪ ،‬واشتبه عليه األمر‪ ،‬فإنه لو كان هناك‬
‫كتاب لزال الشك‪ ،‬فأما من علم أن خالفته حق فال رزية في حقه وهلل الحمد(‪.)8‬‬
‫ويوضح ذلك أن ابن عباس – رضي هللا عنه – ما قال ذلك إال بعد ظهور أهل‬
‫األهواء والبدع‪ ،‬من الخوارج والروافض‪ ،‬نص على هذا ابن تيمية(‪ ,)9‬وابن حجر(‪.)10‬‬
‫‪ -4‬وأما ادعاؤهم أن النبي × أراد بذلك الكتاب أن ينص على خالفة على – رضي‬
‫‪1‬‬
‫() البخاري رقم (‪ ،)4448‬ومسلم رقم (‪.)419‬‬
‫‪2‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ :‬ص (‪.)229‬‬
‫‪3‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)6/316‬‬
‫‪4‬‬
‫() مسلم رقم (‪.)2387‬‬
‫‪5‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)25 ،6/23‬‬
‫‪6‬‬
‫() مختصر التحفة االثنى عشرية‪ :‬ص (‪.)251‬‬
‫‪7‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)4432‬‬
‫‪8‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)6/25‬‬
‫‪9‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)6/316‬‬
‫‪10‬‬
‫() فتح الباري (‪.)1/209‬‬
‫‪10‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫هللا عنه – وزعم بعض الروافض أنه ليس هناك تفسير معقول غيره‪ ،‬فهذا االدعاء باطل‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪ :‬ومن توهم أن هذا الكتاب كان بخالفة على فهو ضال باتفاق عامة‬
‫الناس‪ ،‬من علماء السنة والشيعة‪ ،‬أما أهل السنة فمتفقونـ على تفضيل أبى بكر وتقديمه‪،‬‬
‫وأما القائلون بأن عليًا كان مستحقًا لإلمامة فيقولون‪ :‬إنه قد نص على إمامته قبل ذلك نصًا‬
‫جليًا ظاهرًا معروفًا‪ ،‬وحينئذ فلم يكن يحتاج إلى الكتاب(‪.)1‬‬
‫‪ -5‬وأما طعن الروافض على عمر – رضي هللا عنه – وزعمهم بأنه قد اتهم رسول‬
‫هللا × بأنه ال يعى ما يقول‪ :‬وقال‪« :‬إنه يهجر» ولم يمتثل قوله‪ ،‬قال‪« :‬عندكم كتاب هللا»‪،‬‬
‫«حسبنا كتاب هللا» فجوابه‪ :‬أن ما ادعاه أوالً بأن عمر اتهم رسول هللا بالهجر وأنه ال يعى‬
‫ما يقول فهذا باطل‪ ،‬وذلك أن هذه اللفظة (أهجر) ال تثبت عن عمر – رضي هللا عنه –‬
‫أصالً‪ ،‬وإنما قالها بعض من حضر الحادثة من غير أن تعين الروايات الواردة في‬
‫الصحيحين قائلها‪ ،‬وإنما الثابت فيها«فقالوا‪ :‬ما شأنه أهجر»(‪ ,)2‬هكذا بصيغة الجمع دون‬
‫اإلفراد‪ ،‬ولهذا أنكر بعض العلماء أن تكون هذه اللفظة من كالم عمر‪ ،‬قال ابن حجر‪:‬‬
‫ويظهر لي ترجيح ثالث االحتماالت‪ ،‬التي ذكرها القرطبي‪ ،‬ويكون قائل ذلك بعض من‬
‫قرب دخوله في اإلسالم‪ ،‬وكان يعهد أن من اشتد عليه الوجع‪ ،‬قد يشتغل به عن تحرير ما‬
‫يريد(‪ ,)3‬وقال الدهلوى‪ :‬من أين يثبت قائل هذا القول هو عمر مع أنه وقع في أكثر‬
‫الروايات (قالوا) بصيغة الجمع(‪.)4‬‬
‫إن الثابت الصحيح من هذه اللفظة أنها وردت بصيغة اإلستفهام هكذا(أهجر؟) وهذا‬
‫بخالف ما جاء في بعض الروايات بلفظ (هجر‪ ،‬ويهجر) فإنه مرجوح على ما حقق ذلك‬
‫المحدثون وشراح الحديث‪ ،‬منهم القاضي عياض(‪ ,)5‬والقرطبي(‪ ,)6‬والنووي(‪ ,)7‬وابن حجر(‪,)8‬‬
‫فقد نصوا أن االستفهام جاء في سبيل اإلنكار على من قال‪ :‬ال تكتبوا(‪ ,)9‬قال القرطبي بعد أن‬
‫ذكر األدلة على عصمة النبي × من الخطأ في التبليغ في كل أحواله‪ ،‬وتقرر ذلك عند‬
‫الصحابة‪ ،‬وعلى هذا يستحيل أن يكون قولهم (أهجر)‪ ،‬لشك عرض لهم في صحة قوله‪ ،‬زمن‬
‫مرضه‪ ،‬وإنما كان ذلك من بعضهم على وجه اإلنكار على من توقف في إحضار الكتف‬
‫والدواة‪ ،‬وتلكأ عنه‪ ،‬فكأنه يقول لمن توقف‪ :‬كيف تتوقف؟ أتظن أنه قال هذيانًا؟ فدع التوقف‬
‫وقرب الكتف‪ ،‬فإنه يقول الحق ال الهجر‪ ،‬وهذا أحسن ما يحمل عليه(‪ ,)10‬وهذا يدل على اتفاق‬

‫‪1‬‬
‫() منهاج السنة (‪ ،)6/25‬االنتصار للصحب واآلل‪ :‬ص (‪.)283 ،282 ،281‬‬
‫‪2‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)4431‬‬
‫‪3‬‬
‫() فتح الباري (‪.)8/133‬‬
‫‪4‬‬
‫() مختصر التحفة االثنى عشرية‪ :‬ص (‪.)250‬‬
‫‪5‬‬
‫() الشفا (‪.)2/886‬‬
‫‪6‬‬
‫() المفهم (‪.)4/559‬‬
‫‪7‬‬
‫() شرح صحيح مسلم (‪.)11/93‬‬
‫‪8‬‬
‫() فتح الباري (‪.)8/133‬‬
‫‪9‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ :‬ص (‪.)228‬‬
‫‪10‬‬
‫() المفهم (‪.)4/559‬‬
‫‪10‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الصحابة على استحالة الهجر على رسول هللا ×‪ ،‬حيث إن قائليها أوردوها على سبيل اإلنكار‬
‫الملزم‪ ،‬الذي ال يشك في المخالف‪ ،‬وبه تبطل دعوى الروافض من أصلها(‪.)1‬‬
‫‪ -6‬أما ادعاؤهم من معارضة عمر لرسول هللا × بقوله‪ :‬عندكم كتاب هللا‪ ،‬حسبنا كتاب‬
‫هللا‪ ،‬وأنه لم يمتثل أمر رسول هللا × فيما أراد من كتابة الكتاب‪ ،‬فالرد على هذه الشبهة‬
‫الواهية‪ ،‬أن عمر – رضي هللا عنه – ومن كان على رأيه من الصحابة‪ ،‬ظهر لهم أن أمر‬
‫الرسول بكتابة الكتاب ليس على الوجوب‪ ،‬وأنه من باب اإلرشاد إلى األصلح‪ ،‬وقد نبه على‬
‫هذا القاضي عياض(‪ ,)2‬والقرطبي(‪ ,)3‬والنووي(‪ )4‬وابن حجر(‪ ,)5‬ثم إنه قد ثبت بعد هذا صحة‬
‫اجتهاد عمر – رضي هللا عنه – وذلك بترك الرسول × كتابة الكتب‪ ،‬ولو كان واجبًا لم‬
‫يتركه الختالفهم‪ ،‬ألنه لم يترك التبليغ لمخالفة من خالف‪ ،‬ولهذا عد هذا من موافقات عمر(‪,)6‬‬
‫كما أن قول عمر – رضي هللا عنه‪ :‬حسبنا كتاب هللا‪ ،‬رد على من نازعه ال على أمر النبي‬
‫×‪ ،‬وهذا ظاهر من قوله‪ :‬عندكم كتاب هللا‪ ،‬فإن المخاطب جمع‪ ،‬وهم المخالفون لعمر –‬
‫رضي هللا عنه – في رأيه‪ ،‬كما أن عمر – رضي هللا عنه – كان بعيد النظر‪ ،‬ثاقب البصيرة‪،‬‬
‫سديد الرأي‪ ،‬وقد رأى أن األولى ترك كتابة الكتاب‪ ،‬بعد أن تقرر عنده أن األمر به ليس على‬
‫الوجوب‪ ،‬وذلك لمصلحة شرعية راجحة للعلماء في توجيهها‪ ،‬أقول‪ :‬منها شفقته على رسول‬
‫هللا مما يلحقه من كتابة الكتاب مع شدة المرض‪ ،‬ويشهد لهذا قوله‪ :‬إن رسول هللا قد غلبه‬
‫الوجع‪ ،‬فكره أن يتكلف رسول هللا ما يشق ويثقل عليه(‪ ,)7‬مع استحضار قوله تعالى‪َّ + :‬ما‬
‫اب ِمن َش ْي ٍء" [األنعام‪ .]38:‬وقوله تعالى‪ + :‬تِْبيَانًا لِّ ُك ِّل َش ْي ٍء" [النحل‪.]89:‬‬ ‫َف َّرطْنَا فِي ال ِ‬
‫ْكتَ ِ‬
‫قال النووي‪ :‬وأما كالم عمر‪ -‬رضي هللا عنه – فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح‬
‫الحديث‪ ،‬على أنه من دالئل فقه عمر‪ ،‬وفضائله ودقيق نظره(‪.)8‬‬
‫كما أن عمر – رضي هللا عنه – كان مجتهدًا في موقفه من كتابة الكتاب‪ ،‬والمجتهد‬
‫في الدين معذور على كل‪ ،‬بل مأجور لقول النبي ×‪« :‬إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم‬
‫أصاب فله أجران‪ ،‬وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر»(‪ ,)9‬فكيف وقد كان اجتهاد‬
‫عمر بحضور رسول هللا × فلم يؤثمه ولم يذمه به‪ ،‬بل وافقه على ما أراد من ترك‬
‫الكتاب‪ ،‬وبهذا يظهر بطالن طعن الروافض على الصحابة في هذه الحادثة‪ ،‬وينكشف‬
‫‪1‬‬
‫() االنتصار للصحب وآلل‪ :‬ص (‪،)28‬وهذا المرجع من أحسن ما أطلعت عليه في الرد على هذه الشبهة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() الشفا (‪.)2/887‬‬
‫‪3‬‬
‫() المفهم (‪.)2/559‬‬
‫‪4‬‬
‫() شرح النووي (‪.)11/91‬‬
‫‪5‬‬
‫() فتح الباري (‪.)1/209‬‬
‫‪6‬‬
‫() فتح الباري (‪.)1/209‬‬
‫‪7‬‬
‫() الشفا (‪.)2/888‬‬
‫‪8‬‬
‫() شرح النووي على صحيح مسلم (‪ ،)11/90‬االنتصار للصحب واآلل‪ :‬ص (‪،291 ،290 ،289‬‬
‫‪.)292‬‬
‫‪9‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)7352‬‬
‫‪10‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫زيف ما قالوه في حقهم(‪.)10‬‬

‫‪10‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ :‬ص (‪.)295 ،294‬‬
‫‪10‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الفصل الثاني‬
‫علي بن أبى طالب رضي هللا عنه في عهد الخلفاء الراشدين‬
‫المبحث األول‬
‫علي بن أبى طالب رضي هللا عنه في عهد الصديق‬
‫أوالً‪ :‬مبايعة علي ألبى بكر بالخالفة رضي هللا عنهما‪:‬‬
‫وردت أخبار كثيرة في شأن تأخر علي عن مبايعة الصديق‪ ،‬وكذا تأخر الزبير بن‬
‫العوام‪ ،‬و ُج ّل هذه األخبار ليست بصحيحة‪ ،‬وقد جاءت روايات صحيحة السند تفيد بأن‬
‫عليًا والزبير – رضي هللا عنهما‪ -‬بايعا الصديق في أول األمر‪ ،‬فعن أبى سعيد الخدري‪-‬‬
‫رضي هللا عنه‪ -‬قال‪ :‬لما توفى رسول هللا × قام خطباء األنصار‪..‬فذكر بيعة السقيفة(‪ ,)1‬ثم‬
‫قال‪ :‬ثم انطلقوا فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير عليًا‪ ،‬فسأل عنه‪،‬‬
‫فقام أناس من األنصار‪ ،‬فأتوا به‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬ابن عم رسول هللا × وختنه أردت أن‬
‫تشق عصا المسلمين‪ ،‬فقال‪ :‬ال تثريب يا خليفة رسول هللا ×‪ ،‬فبايعه‪ ،‬ثم لم ير الزبير بن‬
‫العوام‪ ،‬فسأل عنه حتى جاءوا به‪ ،‬فقال‪ :‬ابن ع ّمة رسول هللا × وحواريه‪ ،‬أردت أن تشق‬
‫عصا المسلمين‪ ،‬فقال مثل قوله‪ :‬ال تثريب يا خليفة رسول هللا فبايعاه(‪ .)2‬ومما يدل على‬
‫أهمية حديث أبى سعيد الخدري الصحيح أن اإلمام مسلم بن الحجاج صاحب الجامع‬
‫الصحيح‪ -‬الذي هو أصح الكتب الحديثية بعد صحيح البخاري – ذهب إلى شيخة الحافظ‬
‫محمد بن إسحاق بن خزيمة – صاحب صحيح ابن خزيمة‪ -‬فسأله عن هذا الحديث‪ ،‬فكتب‬
‫له ابن خزيمة الحديث‪ ،‬وقرأه عليه‪ ،‬فقال مسلم لشيخه ابن خزيمة‪ :‬هذا الحديث يساوى‬
‫بدنة‪ ،‬فقال ابن خزيمة‪ :‬هذا الحديث ال يساوى بدنة(‪ )3‬فقط‪ ،‬إنه يساوى بدرة مال(‪ ,)4‬وعلق‬
‫على هذا الحديث ابن كثير – رحمه هللا – فقال‪ :‬هذا إسناد صحيح محفوظ‪ ،‬وفيه فائدة‬
‫جليلة‪ ،‬وهي مبايعة على بن أبى طالب‪ ،‬إما في أول يوم‪ ،‬أو في الثاني من الوفاة‪ ،‬وهذان‬
‫حق‪ ،‬فإن على بن أبى طالب لم يفارق الصديق في وقت من األوقات‪ ،‬ولم ينقطع عن‬
‫صالة من الصلوات خلفه(‪ ,)5‬وفي رواية حبيب بن أبى ثابت‪ ،‬حيث قال‪ :‬كان على بن أبى‬
‫طالب في بيته‪ ،‬فأتاه رجل‪ ،‬فقال له‪ :‬قد جلس أبو بكر للبيعة‪ ،‬فخرج عل ّى إلى المسجد في‬
‫قميص له‪ ،‬ما عليه إزار وال رداء‪ ،‬وهو متعجَّل‪ ،‬كراهة أن يبطئ عن البيعة‪ ،‬فبايع أبا‬
‫بكر‪ ،‬ثم جلس‪ ،‬وبعث إلى ردائه فجاءوه به‪ ،‬فلبسه فوق قميصه(‪ .)6‬وقد سأل عمرو بن‬
‫حريث سيعد بن زيد‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬فقال له‪ :‬متى بويع أبو بكر؟ قال سعيد‪ :‬يوم مات‬
‫رسول هللا ×‪ ،‬كره المسلمون أن يبقوا بعض يوم‪ ،‬وليسوا في جماعة‪.‬‬
‫قال‪ :‬هل خالف أحد أبا بكر؟ قال سعيد‪ :‬ال‪ .‬لم يخالف إال مرتد‪ ،‬أو كاد أن يرتد‪ ،‬وقد‬
‫‪1‬‬
‫() مجمع الزوائد (‪ )5/183‬رجاله رجال الصحبيح (البداية والنهاية ‪ ،)5/281‬قال بن كثير‪ :‬هذا إسناد‬
‫صحيح محفوظ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() المستدرك (‪ ،)3/76‬السنن الكبرى (‪ )8/143‬بإسنادين صحيحين‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() البدنة‪ :‬ناقة أو بقرة تنحر بمكة ولعظمها وضخامتهاـ سميت بدنة‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() البدرة‪ :‬كيس فيه ألف أو عشرة آالف دينار‪ ،‬والمعنى‪ :‬أنه كنز ثمين‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)5/239‬‬
‫‪6‬‬
‫() الطبري (‪ )3/207‬واألثر مرسل وفي اإلسناد سيف بن عمر متروك‪ ،‬وعبد العزيز بن سياه صدوق‬
‫يتشيع‪ ،‬التقريب (‪.)357‬‬
‫‪10‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫أنقذ هللا األنصار‪ ،‬فجمعهم عليه وبايعوه‪ .‬قال‪ :‬هل قعد أحد من المهاجرين عن بيتعه؟ قال‬
‫سعيد‪ :‬ال لقد تتابع المهاجرون على بيعته(‪ ,)1‬وكان مما قال على – رضي هللا عنه – البن‬
‫الكواء وقيس بن عباد حينما قدم البصرة وسأاله عن مسيره قال‪« :‬لو كان عندي من‬
‫النبي × عند في ذلك ما تركت أخا بنى تيم بن مرة وعمر بن الخطاب يقومان على منبره‬
‫ولقاتلتهما ولو لم أجد إال بردى هذا‪ ،‬ولكن رسول هللا × لم يقتل قتالً ولم يمت فجأة‪ ،‬مكث‬
‫في مرضه أيا ًما وليالي يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصالة‪ ،‬فيأمر أبا بكر فيصلى بالناس‪ ،‬وهو‬
‫يرى مكاني‪ ،‬ولقد أرادت امرأة من نسائه أن تصرفه عن أبى بكر فأبى وغضب وقال‪:‬‬
‫«أنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس» فلما قبض هللا نبيه ونظرنا في‬
‫أمورنا‪ ،‬فاخترنا لدنيانا من رضيه نبي هللا‪ ,‬وكانت الصالة أصل اإلسالم‪ ,‬وهي أعظم‬
‫األمور وقوام الدين‪ ،‬فبايعنا أبو بكر‪ ،‬وكان لذلك أهالً‪ ،‬ولم يختلف عليه منا اثنان‪ ،‬ولم‬
‫يشهد بعضنا على بعض‪ ،‬ولم نقطع منه البراءة‪ ،‬فأديت إلى أبى بكر حقه وعرفت له‬
‫طاعته وغزوت معه في جنوده‪ ،‬وكنت آخذ إذا أعطاني‪ ،‬وأغزو إذا أغزاني‪ ،‬وأضرب‬
‫بين يديه الحدود بسوطى(‪.)2‬‬
‫وكان مما قال في خطبته على منبر الكوفة في ثنائه على أبى بكر وعمر‪« :‬فأعطي‬
‫المسلمون البيعة طائعين‪ ،‬فكان أول من سبق في ذلك من ولد عبد المطلب أنا»(‪ ,)3‬وجاءت‬
‫روايات أشارت إلى مبايعة على ألبى بكر‪ -‬رضي هللا عنهما – في أول األمر وإن لم تصرح‬
‫بذلك‪ ،‬فعن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال‪ :‬إن عبد الرحمن بن عوف كان مع‬
‫عمر بن الخطاب‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬ثم قام أبو بكر فخطب الناس‪ ،‬واعتذر إليهم وقال‪« :‬وهللا‬
‫ما كنت حريصًا على اإلمارة يو ًما وال ليلة قط‪ ،‬وال كنت فيها راغبًا‪ ،‬وال سألتها هللا عز وجل‬
‫في سر وال عالنية‪ ،‬ولكنى أشفقت من الفتنة‪ ،‬وما لي في اإلمارة من راحة‪ ،‬ولكن قلدت أمرًا‬
‫عظي ًما ما لي به من طاقة والبد إال بتقوية هللا عز وجل‪ ،‬ولوددت أن أقوى الناس عليها مكاني‬
‫اليوم»‪ ،‬فقل المهاجرون منه ما قال‪ ،‬وما اعتذر به‪ .‬قال على رضي هللا عنه والزبير‪« :‬ما‬
‫غضبنا إال ألنا قد أخرنا عن المشاورة‪ ،‬وأنا نرى أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول هللا ×‪،‬‬
‫إنه لصاحب الغار‪ ،‬وثاني اثنين‪ ،‬وإنا لنعلم بشرفه‪ ،‬وكبره‪ ،‬ولقد أمره رسول هللا × بالصالة‬
‫بالناس وهو حي»(‪ .)4‬وعن قيس العبدي قال‪« :‬شهدت خطبة على يوم البصرة قال‪ :‬فحمد هللا‬
‫وأثنى عليه وذكر النبي × وما عالج من الناس‪ ،‬ثم قبضه هللا عز وجل إليه‪ ،‬ثم رأى‬
‫المسلمون أن يستخلفوا أبا بكر‪ -‬رضي هللا عنه – فبايعوا وعاهدوا وسلموا‪ ،‬وبايعت‬
‫وعاهدت وسلمت‪ ،‬ورضوا ورضيت‪ ،‬وفعل من الخير وجاهد حتى قبضه هللا عز وجل‪،‬‬
‫رحمة هللا عليه»(‪.)5‬‬
‫إن عليًا رضي هللا عنه لم يفارق الصديق في وقت من األوقات ولم ينقطع عنه في‬
‫جماعة من الجماعات‪ ،‬وكان يشاركه في المشورة‪ ،‬وفي تدبير أمور المسلمين‪ .‬ويرى ابن‬
‫كثير ومجموعة من أهل العلم أن عليًا جدد بيعته بعد ستة أشهر من البيعة األولى أي بعد‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪ )3/207‬إسناد الخبر ضعيف‪ ،‬أنظر خالفة أبى بكر الصديق‪ ،‬عبد العزيز سليمان‪:‬‬
‫ص(‪.)66‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ اإلسالم‪ ،‬عهد الخالفة الراشدة‪ :‬ص (‪ )389‬إسناده ضعيف خالفة أبي بكر الصديق‪ ،‬عبد العزيز‬
‫سليمان‪ :‬ص (‪.)65‬‬
‫‪3‬‬
‫() أسد الغابة (‪ )167 ،4/166‬خالفة أبي بكر‪ :‬ص(‪.)66‬‬
‫‪4‬‬
‫() البداية والنهاية (‪ )6/341‬إسناده جيد‪ ،‬خالفة أبي بكر‪ :‬ص (‪.)67‬‬
‫‪5‬‬
‫() السنة‪ ،‬عبد هللا بن أحمد (‪ )2/563‬رجال اإلسناد ثقات‪.‬‬
‫‪10‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وفاة فاطمة رضي هللا عنها‪ ،‬وجاءت في هذه البيعة روايات صحيحة(‪ .)1‬ولكن لما وقعت‬
‫البيعة الثانية اعتقد بعض الرواة أن عليًا لم يبايع قبلها‪ ،‬فنفى ذلك والمثبت مقدم على‬
‫النافي(‪.)2‬‬
‫وهناك كتاب اسمه «اإلمام على جدل الحقيقة والمسلمين الوصية والشورى» لمحمود‬
‫محمد العلى زعم صاحبه بأنه يبحث وينشد الحقيقة‪ ،‬ولكن صاحبه لم يتخلص من المنهج‬
‫الشيعي الرافضي في الطرح ووضع الس ّم في العسل‪ ،‬ولذلك وجب التنبيه‪ ،‬وقد تعرض‬
‫لبيعة على رضي هللا عنه‪ ،‬وزعم بأن أحقية على رضي هللا عنه بالخالفة قائمة على‬
‫الوصية‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬علي رضي هللا عنه ومساندته ألبى بكر في حروب الردة‪:‬‬
‫كان علي رضي هللا عنه ألبى بكر رضي هللا عنه عيبة(‪ )3‬نصح له‪ ،‬مرجحًا لما فيه‬
‫مصلحة لإلسالم والمسلمين على أي شيء آخر‪ ،‬ومن الدالئل الساطعة على إخالصه ألبى‬
‫بكر ونصحه لإلسالم والمسلمين وحرصه على االحتفاظ ببقاء الخالفة واجتماع شمل‬
‫المسلمين ما جاء من موقفه من توجه أبى بكر رضي هللا عنه بنفسه إلى ذي القصة‪،‬‬
‫وعزمه على محاربة المرتدين‪ ،‬وقيادته للتحركات العسكرية ضدهم بنفسه‪ ،‬وما كان في‬
‫ذلك من مخاطرة وخطر على الوجود اإلسالمي(‪ ,)4‬فعن ابن عمر‪ ،‬رضي هللا عنه يقول‪:‬‬
‫«أقول لك ما قال رسول هللا × يوم أحد‪ :‬لم سيفك وال تفجعنا بنفسك‪ ،‬وارجع إلى المدينة‪،‬‬
‫فوهللا لئن فجعنا بك ال يكون لإلسالم نظام أبدًا»‪ ،‬فرجع(‪ )5‬فلو كان على رضي هللا عنه –‬
‫أعاذه هللا من ذلك – لم ينشرح صدره ألبى بكر وقد بايعه على رغ ًما من نفسه‪ ،‬فقد كانت‬
‫هذه فرصة ذهبية ينتهزها على‪ ،‬فيترك أبا بكر وشأنه‪ ،‬لعله يحدث به حدث فيستريح منه‬
‫ويصفوـ الجو له‪ ،‬وإذا كان فوق ذلك – حشاه هللا – من كراهته له‪ ،‬وحرصه على التخلص‬
‫منه‪ ،‬أغرى به أحدًا يغتاله‪ ،‬كما يفعل الرجال السياسيون بمنافسيهم وأعدائهم(‪ ,)6‬وقد كان‬
‫رأي علي رضي هللا عنه مقاتلة المرتدين‪ ،‬وقال ألبى بكر لما قال لعلي‪ :‬ما تقول يا أبا‬
‫الحسن؟ قال‪ :‬أقول‪ :‬إنك إن تركت شيئًا مما كان أخذه منهم رسول هللا فأنت على خالف‬
‫سنة الرسول‪ ،‬فقال‪ :‬أما لئن قلت ذاك ألقاتلنهم وإن منعوني عقاالً(‪.)7‬‬
‫ثالثًا‪ :‬تقديم علي رضي هللا عنه ألبى بكر‪:‬‬
‫تواترت األخبار عن على رضي هللا عنه في تفضيله وتقديمه ألبى بكر رضي هللا‬
‫عنه‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)5/49‬‬
‫‪2‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)5/49‬‬
‫‪3‬‬
‫() العيبة‪ :‬وعاء من خوص ونحوه ينقل فيه الزرع المحصود إلى الجرين‪ ،‬ووعاء من أدم ونحوه يكون‬
‫فيه المتاع‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() المرتضى للندوي‪ :‬ص (‪.)97‬‬
‫‪5‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)315 ،6/314‬‬
‫‪6‬‬
‫() المرتضى للندوى‪ :‬ص(‪.)97‬‬
‫‪7‬‬
‫() المختصر من كتب الموافقة بين أهل البيت والصحابة للزمخشرى‪ :‬ص (‪ ،)48‬الرياض النضرة‪ :‬ص‬
‫(‪.)670‬‬
‫‪10‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -1‬عن محمد ابن الحنفية قال‪ :‬قلت ألبى‪ :‬أي الناس خير بعد رسول هللا ×؟ قال‪ :‬أبو‬
‫بكر‪ ،‬قلت‪ :‬ثم من؟ قال‪ :‬عمر‪ ،‬وخشيت أن يقول عثمان قلت‪ :‬ثم أنت؟ قال‪ :‬ما أنا إال رجل‬
‫من المسلمين(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬عن على رضي هللا عنه قال‪ :‬أال أخبركم بخير هذه األمة بعد نبيها‪ :‬أبو بكر‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬أال أخبركم بخير هذه األمة بعد أبى بكر‪ :‬عمر(‪.)2‬‬
‫‪ -3‬عن أبى وائل شقيق بن سلمة قال‪:‬قيل لعلي بن أبي طالب رضي هللا عنه‪ :‬أال‬
‫تستخلف علينا؟ قال‪ :‬ما استخلف رسول هللا × فأستخلف‪ ،‬ولكن إن يرد هللا بالناس خيرًا‬
‫فسيجمعهم بعدي على خيرهم‪ ،‬كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم(‪.)3‬‬
‫‪ -4‬وقال علي رضي هللا عنه‪:‬ال يفضلنى أحد على أبى بكر وعمر إال جلدته حد‬
‫المفترى(‪.)4‬‬
‫‪ -5‬قول علي ألبى سفيان رضي هللا عنهما‪:‬إنا وجدنا أبا بكر لها أهالً‪.‬‬
‫وهناك آثار يستأنس بها في إيضاح العالقة الطيبة بين على وأبى بكر منها‪:‬‬
‫(أ) عن عقبة بن الحارث قال‪:‬خرجت مع أبى بكر الصديق من صالة العصر بعد‬
‫وفاة النبي × بليال وعلى يمشى إلى جنبه‪ ،‬فمر بحسن بن على يلعب مع غلمان‪ ،‬فاحتملهن‬
‫على رقبته وهو يقول‪:‬‬
‫ليس شبيهًا بعلي‬ ‫بأبى يشبه النبي‬

‫قال‪ :‬وعلى يضحك(‪.)5‬‬


‫(ب) وعن على رضي هللا عنه قال‪« :‬من فارق الجماعة شبرًا‪ ،‬فقد نزع ربقة اإلسالم‬
‫من عنقه(‪ »)6‬فهل كان على يفعل ذلك؟ كان رضي هللا عنه يكره االختالف ويحرص على‬
‫الجماعة‪ .‬قال القرطبي‪ :‬من تأمل ما دار بين أبى بكر وعلى من المعاتبة ومن االعتذار‪،‬‬
‫وما تضمن ذلك من االتفاق عرف أن بعضهم كان يعترف بفضل اآلخر‪ ،‬وأن قلوبهم‬
‫كانت متفقة على االحترام والمحبة‪ ،‬وإن كان الطبع البشري قد يغلب أحيانًا‪ ،‬لكن الديانة‬
‫ترد بذلك – وهللا الموفق‪.)7(-‬‬
‫وأما ما قيل من تخلف الزبير بن العوام عن البيعة ألبى بكر‪ ،‬فإنه لم يرد من طريق‬
‫صحيح‪ ،‬بل ورد ما ينفي هذا القول‪ ،‬ويثبت مبايعته في أول األمر‪ ،‬وذلك في أثر أبى سعيد‬

‫‪1‬‬
‫() البخاري‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسند أحمد (‪ )127 ،110 ،1/106‬صحح أحمد شاكر معظم طرق األحاديث‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() المستدرك (‪ )3/79‬صحيح اإلسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() فضائل الصحابة (‪ )1/83‬في سنده ضعف‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() مسند أحمد (‪ )1/170‬إسناده صحيح تحقيق أحمد شاكر‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪ )15/24‬من مرسل أبى طاق األزدي وهو صدوق ورجال اإلسناد ثقات‪،‬‬
‫خالفة أبي بكر الصديق‪ :‬ص(‪.)80‬‬
‫‪7‬‬
‫() فتح البارى (‪.)7/495‬‬
‫‪10‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الصحيح وغيره من اآلثار(‪.)1‬‬
‫(ج) قال ابن تيمية‪:‬وقد تواترت عن أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي هللا‬
‫عنه أنه قال‪« :‬خير األمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر»‪ ،‬وقد روى هذا عنه من طرق كثيرة‬
‫قيل إنها تبلغ ثمانين طريقًا‪ ،‬وعنه أنه يقول‪« :‬ال أوتى بأحد يفضلني على أبى بكر وعمر‬
‫إال جلدته حد المفترى»(‪ .)2‬وقال أيضًا‪ :‬ولم يقل قط أني أحق بهذا – أي الخالفة – من أبى‬
‫بكر وال قاله أحد من بعينه أن فالنًا أحق بهذا األمر من أبى بكر‪ ،‬وإنما قال من فيه أثر‬
‫لجاهلية عربية أو فارسية إن بيت الرسول أحق بالوالية ألن العرب في جاهليتها كانت‬
‫تقدم أهل الرؤساء‪ ،‬وكذلك الفرس يقدمون أهل بيت الملك‪ ،‬فنقل عمن نقل عنه كالم يشير‬
‫به إلى هذا(‪.)3‬‬
‫(د) تسمية أبى بكر بالصديق وشهادة على له بالسبَّاق والشجاعة‪:‬عن يحيى بن‬
‫حكيم ابن سعد قال‪ :‬سمعت عليًا رضي هللا عنه يحلف‪ :‬هلل أنزل اسم أبى بكر من السماء‪،‬‬
‫الصديق(‪ ,)4‬وعن صلة بن زفر العبسى قال‪ :‬كان أبو بكر إذا ذكر عند على قال‪ :‬السبَّاق‬
‫تذكرون والذي نفسي بيده ما استبقنا إلى خير قط إال سبقنا إليه أبو بكر(‪ ,)5‬وعن محمد بن‬
‫عقيل بن أبى طالب قال‪ :‬خطبنا على فقال‪ :‬أيها الناس من أشجع الناس؟ قلنا‪ :‬أنت يا أمير‬
‫(‪)6‬‬
‫المؤمنين‪ .‬قال ذاك أبو بكر الصديق إنه لما كان في يوم بدر وضعنا لرسول هللا العريش‬
‫فقلنا‪ :‬من يقم عنده ال يدنو إليه أحد من المشركين؟ فما قام عليه إال أبو بكر‪ ،‬وإنه كان‬
‫شاهرًا السيف على رأسه كلما دنا إليه أحد هوى إليه أبو بكر بالسيف‪ ،‬ولقد رأيت رسول‬
‫هللا وأخذته قريش عند الكعبة فجعلوا يتعتعونه ويترترونه(‪ )7‬ويقول‪ :‬أنت الذي جعلت اآللهة‬
‫إلهًا واحدًا‪ ،‬فوهللا ما دنا إليه إال أبو بكر وألبي بكر يومئذ ضفيرتان(‪ ,)8‬فأقبل يجأ(‪ )9‬هذا‪،‬‬
‫ويدفع هذا‪ ،‬ويقول‪ :‬ويلكم أتقتلون رجالً أن يقول ربي هللا وقد جاءكم بالبينات من ربكم‪..‬‬
‫وقطعت إحدى ضفيرتي أبى بكر‪ ،‬فقال على ألصحابه‪ :‬ناشدتكم هللا أي الرجلين خير‪،‬‬
‫مؤمن آل فرعون أم أبو بكر؟ فأمسك القوم‪ ،‬فقال على‪ :‬وهللا ليوم من أبى بكر خير من‬
‫مؤمن آل فرعون‪ ،‬ذلك رجل كتم إيمانه فأثنى هللا عليه‪ ،‬وهذا أبو بكر بذل نفسه ودمه‬
‫هلل(‪.)10‬‬
‫رابعًا‪ :‬اقتداء على بالصديق في الصلوات وقبول الهدايا منه‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫() خالفة أبى بكر الصديق‪ ،‬عبد العزيز سليمان‪ :‬ص (‪.)81‬‬
‫‪2‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)3/162‬‬
‫‪3‬‬
‫() منهاج السنة (‪ ،)3/26‬مرويات أبى مخنف‪ :‬ص(‪.)309‬‬
‫‪4‬‬
‫() المعجم الكبير للطبراني (‪ )1/95‬رجاله ثقات قاله الحافظ في الفتح‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() الطبراني في األوسط (‪ )208 ،7/207‬إسناده ضعيف‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() العريش‪ :‬ما يستظل به وجمعه عروش وعُرش‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() يترترونه‪ :‬الترترة‪ :‬تحريك الشيء‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() ضفيرتان‪ :‬عقيصتان‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() يجأ‪ :‬الوجأ‪ :‬اللكز‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫() المستدرك (‪ )3/67‬صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاء ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫‪10‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫إن عليًا رضي هللا عنه كان راضيًا بخالفة الصديق ومشار ًكا له في معامالته‬
‫وقضاياه‪ ،‬قابالً منه الهدايا رافعًا إليه الشكاوي‪ ،‬مصليًا خلفه‪ ،‬محبًا له‪ ،‬مبغضًا من‬
‫بغضه(‪ ,)1‬وشهد بذلك أكبر خصوم الخلفاء الراشدين‪ ،‬وأصحاب النبي × ومن تبعهم‬
‫بهديهم‪ ،‬وسلك مسلكهم‪ ،‬ونهج منهجهم(‪ ,)2‬فهذا اليعقوبيـ الشيعي الغالي في تاريخه يذكر‬
‫أيام خالفة الصديق فيقول‪ :‬وأراد أبو بكر أن يغزو الروم فشاور جماعة من أصحاب‬
‫رسول هللا ×‪ ،‬فقدموا وأخروا فاستشار على بن أبى طالب فأشار أن يفعل‪ ،‬فقال‪ :‬إن فعلت‬
‫ظفرت؟ فقال‪ :‬بشرت بخير‪ ،‬فقام أبو بكر في الناس خطيبًا‪ ،‬وأمرهم أن يتجهزوا إلى‬
‫الروم‪ ،‬وفي رواية‪ :‬سأل الصديق عليًا كيف ومن أين تبشر؟ قال‪ :‬من النبي × حيث سمعته‬
‫يبشر بتلك البشارة‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬سررتني بما أسمعتني من رسول هللا يا أبا الحسن‪،‬‬
‫سرك هللا(‪.)3‬‬
‫ويقول اليعقوبي أيضًا‪ :‬وكان ممن يؤخذ عنهم الفقه في أيام أبى بكر على بن أبى‬
‫طالب وعمر ابن الخطاب ومعاذ بن جبل وأبى بن كعب وزيد بن ثابت وعبد هللا بن‬
‫مسعود(‪ ,)4‬فقدم عليًا على جميع أصحابه‪ ،‬وهذا دليل واضح على تعاملهم مع بعضهم‬
‫وتقديمهم عليًا في المشورة(‪ )5‬والقضاء‪ ،‬فعندما كتب خالد بن الوليد إلى أبى بكر بقوله له‪:‬‬
‫أنه وجد رجالً في بعض نواحي العرب ينكح كما تنكح المرأة‪ ،‬فجمع أبو بكر لذلك‬
‫أصحاب رسول هللا × منهم على‪ ،‬فقال على‪ :‬إن هذا ذنب لم يعمل به إال أمة واحدة(‪,)6‬‬
‫ففعل هللا بهم ما قد علمتم‪ ،‬أرى أن تحرقه بالنار‪ ،‬فاجتمع رأي أصحاب رسول هللا أن‬
‫يحرق بالنار‪ ،‬فأمر به أبو بكر أن يحرق بالنار(‪ )7‬وكان على رضي هللا عنه يمتثل أوامر‬
‫الصديق؛ فعندما جاء وفد من الكفار إلى المدينة‪ ،‬ورأوا بالمسلمين ضعفًا وقلة لذهابهم إلى‬
‫الجهات المختلفة للجهاد واستئصال شأفة المرتدين والبغاة الطغاة‪ ،‬وأحس منهم الصديق‬
‫خطرًا على عاصمة‬
‫اإلسالم والمسلمين‪ ،‬أمر الصديق بحراسة المدينة وجعل الحرس على أنقابها يبيتون‬
‫بالجيوش‪ ،‬وأمر عليًا والزبير وطلحة وعبد هللا بن مسعود أن يرأسوا هؤالء الحراس‪،‬‬
‫وبقوا كذلك‬
‫حتى أمنوا منهم(‪.)8‬‬
‫وللتعامل الموجود بينهم وللتعاطف والتواد والوئام الكامل كان على وهو سيد أهل‬
‫البيت ووالد سبطي الرسول × يتقبل الهدايا والتحف‪ ،‬دأب اإلخوة المتساوين فيما بينهم‬
‫والمتحابين كما قبل الصهباء الجارية التي سبيت في معركة عين التمر‪ ،‬وولدت له عمر‬
‫‪1‬‬
‫() الشيعة وأهل البيت‪ ،‬إحسان إلهي ظهير‪ :‬ص(‪.)69‬‬
‫‪2‬‬
‫() الشيعة وأهل البيت إحسان إلهي ظهير‪ :‬ص (‪.)69‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ اليعقوبي (‪ )133 ،132 /2‬نقالً عن الشيعة وأهل البيت‪ :‬ص(‪.)70‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر السابق (‪)2/138‬نقالً عن الشيعة وأهل البيت‪ :‬ص (‪.)70‬‬
‫‪5‬‬
‫() الشيعة وأهل البيت‪ :‬ص (‪.)70‬‬
‫‪6‬‬
‫() أال وهى أمة لوط عليه السالم‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() المغنى والشرح الكبير (‪ )12/220‬المختصر من كتاب الموافقة‪ :‬ص (‪.)51‬‬
‫‪8‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪ ،)4/64‬الشيعة وأهل البيت‪ :‬ص(‪.)71‬‬
‫‪11‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ورقية(‪ ,)1‬وأيضًا منحه الصديق خولة بنت جعفر بن قيس التي أسرت مع من أسر في‬
‫حرب اليمامة وولدت له أفضل أوالده بعد الحسن والحسين وهو محمد ابن الحنفية‪،‬‬
‫وكانت خولة من سبى أهل الردة وبها يعرف ابنها ونسب إليها محمد ابن الحنفية(‪ ,)2‬يقول‬
‫اإلمام الجوينى عن بيعة الصحابة ألبى بكر‪ :‬وقد اندرجوا تحت الطاعة عن بكرة أبيهم‬
‫ألبى بكر – رضي هللا عنه – وكان على رضي هللا عنه سامعًا ألمره‪ ،‬وبايع أبا بكر على‬
‫مأل من األشهاد‪ ،‬ونهض إلى غزو بنى حنيفة(‪.)3‬‬
‫ووردت روايات عديدة في قبوله هو وأوالده الهدايا المالية‪ ،‬والخمس‪ ،‬وأموال الفئ‬
‫من الصديق رضي هللا عنهم أجمعين‪ ،‬وكان على هو القاسم والمتولى في عهده على‬
‫الخمس والفئ‪ ،‬وكانت هذه األموال بيد على‪ ،‬ثم كانت بيد الحسن ثم بيد الحسين‪ ،‬ثم‬
‫الحسن بن الحسن ثم زيد بن الحسن(‪ ,)4‬وكان على رضي هللا عنه يؤدي الصلوات الخمس‬
‫في المسجد خلف الصديق‪ ،‬راضيًا بإمامته‪ ،‬ومظهرًا للناس اتفاقه ووئامه معه(‪ ,)5‬وكان‬
‫على رضي هللا عنه يروى عن أبى بكر بعض أحاديث رسول هللا ×‪ ،‬فعن أسماء بنت‬
‫الحكم الفزاري قالت‪ :‬سمعت عليًا رضي هللا عنه يقول‪ :‬كنت إذا سمعت من رسول هللا‬
‫عل ًما نفعني هللا به‪ ،‬وكان إذا حدثني عنه غيري استحلفته فإذا حلف صدقته‪ ،‬وحدثني أبو‬
‫بكر‪ -‬وصدق أبو بكر – قال‪ :‬سمعت رسول هللا × يقول‪« :‬ما من عبد مسلم يذنب‬
‫ذنبًا ثم يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يصلى ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر‬
‫الله له»(‪ )6‬ولما قبض رسول هللا × اختلف أصحابه فقالوا‪ :‬ادفنوه في البقيع(‪ ,)7‬وقال‬
‫آخرون‪ :‬ادفنوه في موضع الجنائز‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬ادفنوه في مقابل أصحابه‪ ،‬فقال أبو‬
‫بكر‪ :‬أخروا فإنه ال ينبغي رفع الصوت عند النبي حيًا وال ميتًا‪ ،‬فقال على رضي هللا عنه‪:‬‬
‫«أبو بكر مؤتمن على ما جاء به»‪ .‬قال أبو بكر‪« :‬عهد إل َّى رسول أنه ليس من نبي يموت‬
‫إال دفن حيث يُقبض»(‪ ,)8‬وشهد على رضي هللا عنه للصديق عن عظيم أجره في‬
‫المصاحف‪ ،‬فعن عبد خير قال‪ :‬سمعت عليًا يقول‪« :‬أعظم الناس أجرًا في المصاحف‪ :‬أبو‬
‫بكر الصديق‪ ،‬هو أول من جمع بين اللوحين»(‪.)9‬‬
‫خامسًا‪ :‬الصديق والسيدة فاطمة وميراث النبي ×‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫() الطبقات (‪ ،)3/20‬البداية والنهاية (‪.)333 -7/331‬‬
‫‪2‬‬
‫() الطبقات (‪.)3/20‬‬
‫‪3‬‬
‫() اإلرشاد للجوينى‪ :‬ص (‪ )428‬نقالً عن أصول مذهب الشيعة اإلمامية االثنى عشرية للقفاري (‪.)1/85‬‬
‫‪4‬‬
‫() الشيعة وأهل البيت‪ :‬ص(‪.)72‬‬
‫‪5‬‬
‫() الشيعة وأهل البيت‪ :‬ص (‪.)72‬‬
‫‪6‬‬
‫() مسند أحمد رقم ‪.47‬‬
‫‪7‬‬
‫() البقيع‪ :‬مقبرة أهل المدينة وهي داخل المدينة‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() مسند أحمد (‪ )1/8‬إسناده ضعيف قاله أحمد شاكر‪ ،‬وقال ابن حجر في الفتح (‪ )1/631‬إسناده صحيح‬
‫لكنه موقوف‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() المختصر من كتاب الموافقة‪ :‬ص (‪.)44‬‬
‫‪11‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫قالت عائشة رضي هللا عنها‪ :‬إن فاطمة والعباس – رضي هللا عنهما‪ -‬أتيا أبا بكر‪-‬‬
‫رضي هللا عنه‪ -‬يلتمسان ميراثهما من رسول هللا × وهما يطلبان أرضه من فدك‪ ،‬وسهمه‬
‫من خيبر‪ ،‬فقال لهما أبو بكر‪ :‬إني سمعت رسول هللا يقول‪« :‬لا نورث‪ ،‬ما تركنا صدقة‪،‬‬
‫إنما يأكل آل محمد × من هذا المال»(‪ )1‬وفي رواية قال أبو بكر رضي هللا‬
‫عنه‪....‬لست تار ًكا شيئًا كان رسول هللا × يعمل به إال عملت به‪ ،‬فإني أخشى إن تركت‬
‫شيئًا من أمره أن أزيغ(‪ .)2‬وعن عائشة ‪ -‬رضي هللا عنها – قالت‪ :‬إن أزواج النبي ×‪ ،‬حين‬
‫توفى الرسول هللا‪ ،‬أردن أن يبعثن عثمان بن عفان رضي هللا عنه إلى أبى بكر‪ ،‬ليسألنه‬
‫ميراثهن من النبي ×‪ ،‬فقالت عائشة رضي هللا عنها لهن‪ :‬أليس قد قال رسول هللا ×‪« :‬لا‬
‫نورث‪ ،‬ما تركناه صدقة»(‪ )3‬وعن أبى هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ×‪:‬‬
‫«لا يقتسم ورثتى دينارًا‪ ،‬ما تركت بعد نفقة نسائى ومؤنة عاملي فهو‬
‫صدقة»(‪.)4‬‬
‫وهذا ما فعله أبو بكر الصديق رضي هللا عنه مع فاطمة رضي هللا عنها امتثاالً لقوله‬
‫×‪ ،‬لذلك قال الصديق‪« :‬لست تار ًكا شيئًا كان رسول هللا × يعمل به إال عملت به»(‪ )5‬وقال‪:‬‬
‫«وهللا ال أدع أمرًا رأيت رسول هللا يصنعه إال صنعته»(‪.)6‬‬
‫وقد تركت فاطمة رضي هللا عنه منازعته بعد احتجاجه بالحديث وبيانه لها‪ ،‬وفيه‬
‫دليل على قبولها الحق وإذعانها لقوله ×‪ ،‬قال ابن قتيبة(‪ :)7‬وأما منازعة فاطمة أبا بكر‬
‫رضي هللا عنها في ميراث النبي× فليس بمنكر‪ ،‬ألنها لم تعلم ما قاله رسول هللا ×‪ ،‬وظنت‬
‫أنها ترثه كما يرث األوالد آباءهم‪ ،‬فلمان أخبرها بقوله كفت(‪ ,)8‬وقد غال الرافضة في‬
‫قصة ميراث النبي غل ًوا مفرطًا مجانبين الحق والصواب‪ ،‬معرضين متجاهلين ما ورد من‬
‫نصوص صحيحة في أنه × ال يورث‪ ،‬وجعلوا ذلك من أصول الخالف بين الصحابة وآل‬
‫البيت‪ -‬رضي هللا عنهم أجمعين – وامتدادًا ألمر الخالفة‪ ،‬فاتهموا الصحابة‪ -‬رضوان هللا‬
‫عليهم‪ -‬بإيقاع الظلم والجور على آل البيت‪ ،‬وال سيما أبو بكر الصديق وعمر الفاروق –‬
‫رضي هللا عنهما – الذين غصبا الخالفة من آل البيت كما في زعمهم‪ ،‬وأضافوا إلى ذلك‬
‫غصب أموال آل البيت‪ ،‬وغصب ما فرض هللا لهم من حقوق مالية‪ ،‬ويعتبر الرافضة‬
‫قضية فدك‪ ،‬ومنع فاطمة من إرثها من أهم القضايا‪ ،‬التي تواطأ عليها الصحابة بعد‬
‫غصب الصديق رضي هللا عنه للخالفة منهم على حد تعبيرهم‪ ،‬وذلك حتى ال يميل الناس‬

‫‪1‬‬
‫() البخاري رقم ‪.6726‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسلم رقم ‪.1759‬‬
‫‪3‬‬
‫() البخاري رقم ‪ ،6730‬مسلم رقم ‪.1758‬‬
‫‪4‬‬
‫() البخاري رقم ‪.6729‬‬
‫‪5‬‬
‫() مسلم ‪.1758‬‬
‫‪6‬‬
‫() البخاري رقم ‪.6726‬‬
‫‪7‬‬
‫() شذرات الذهب (‪.)2/169‬‬
‫‪8‬‬
‫() تأويل مختلف الحديث‪ :‬ص‪.19/1‬‬
‫‪11‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫إلى آل البيت بسبب هذا المال فيجتمعوا عليه ويخلعوه من الخالفة(‪.)1‬‬
‫والمتتبع لكتب الرافضة في هذه المسألة يجد أنها تنصب على إنكار حديث رسول هللا ×‪:‬‬
‫«نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة»(‪ )2‬واستقطاب األدلة لمحاولة إبطاله‪،‬‬
‫فمن ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬زعمهم أن هذا الحديث وضعه أبو بكر الصديق‪ -‬رضي هللا عنه‪:-‬وفي‬
‫ذلك يقول الحلى‪ :‬إن فاطمة لم تقبل بحديث اخترعه أبو بكر من قوله‪ :‬ما تركناه صدقة‪.‬‬
‫ضا‪ :‬والتجأ في ذلك إلى رواية انفرد بها(‪ .)3‬وقال المجلسى بعد أن نص على أن أبا‬ ‫وقال أي ً‬
‫بكر وعمر أخذا فد ًكا‪ :‬وألجل ذلك وضعوا تلك الرواية الخبيثة المفتراة‪ :‬نحن معاشر‬
‫األنبياء ال نورث‪ ،‬ما تركناه صدقة(‪ )4‬ويقولـ الخميني في ذلك‪ :‬نقول إن الحديث المنسوب‬
‫إلى النبي ال صحة له‪ ،‬وأنه قيل من أجل استئصال ذرية النبي(‪.)5‬‬
‫ويجاب على ذلك‪ :‬بأن هذا القول كذب محض وافتراء واضح‪ ،‬إذ هذه الرواية لم‬
‫ينفرد بها أبو بكر رضي هللا عنه بل إن قوله ×‪« :‬لا نورث ما تركناه فهو صدقة»‪،‬‬
‫رواه عنه أبو بكر وعثمان وعلى وطلحة‪ ،‬والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف‬
‫والعباس بن عبد المطلب وأزواج النبي × وأبو هريرة وحذيفة بن اليمان رضي هللا عنهم‬
‫أجمعين(‪ )6‬وفي ذلك يقول ابن تيمية‪ :‬والرواية عن هؤالء ثابتة في الصحاح والمسانيد‪،‬‬
‫ومشهورة يعلمها أهل العلم بالحديث‪ ،‬فقول القائل‪ :‬إن أبا بكر انفرد بالرواية يدل على‬
‫فرط جهله أو تعمده الكذب(‪.)7‬‬
‫وقال ابن كثير بعد ذكره لمن روى الحديث‪« :‬وأن هذا الزعم من الرافضة باطل‪،‬‬
‫ولو تفرد بروايته الصديق‪ -‬رضي هللا عنه – لوجب على جميع أهل األرض قبول روايته‬
‫واالنقياد له في ذلك»(‪ ,)8‬وقد قال الدكتور سليمان بن رجاء السحيمي صاحب الكتاب القيم‬
‫«العقيدة في أهل البيت بين اإلفراط والتفريط»‪ :‬ويؤيد هذا ما جاء من كتب الرافضة عن‬
‫اإلمام جعفر الصادق اإلمام الخامس المعصوم عندهم فيما رواه الكليني والصفار والمفيد‬
‫أنه قال‪ :‬قال رسول هللا ×‪« :‬من سلك طريقًا يطلب منه عل ًما سلك هللا به طريقًا إلى الجنة‪،‬‬
‫والعلماء أمناء‪ ،‬واألتقياء حصون‪ ،‬واألوصياء سادة‪ ،‬وفضل العالم على العابد كفضلـ‬
‫القمر على سائر النجوم ليلة البدر‪ ،‬وأن العلماء ورثة األنبياء لم يورثوا دينارًا وال دره ًما‪،‬‬
‫ولكن ورثوا العلم‪ ،‬فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر(‪ )9‬وفي رواية‪« :‬إن العلماء ورثة األنبياء‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫() العقيدة في أهل البيت بين اإلفراط والتفريط‪ :‬ص (‪.)435‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسلم ‪.1758‬‬
‫‪3‬‬
‫() منهاج الكرامة المطبوع مع منهاج السنة (‪ )4/193‬نقالً عن العقيدة في أهل البيت‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() حق اليقين‪ :‬ص (‪ )191‬نقالً عن العقيدة في أهل البيت‪ :‬ص(‪.)443‬‬
‫‪5‬‬
‫() كشف األسرار للخميني‪ :‬ص (‪ )133 -132‬نقالً عن العقيدة في أهل البيت‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() العقيدة في أهل البيت‪ :‬ص(‪.)444‬‬
‫‪7‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)4/199‬‬
‫‪8‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)5/250‬‬
‫‪9‬‬
‫() الكافي للكليني (‪.)34 -1/32‬‬
‫‪11‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وذلك ان األنبياء لم يورثوا دره ًما وال دينارًا‪ ،‬وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم»(‪ .)1‬وما‬
‫أرث منك يا رسول هللا؟ قال‪« :‬ما أورث النبيون»‪.‬‬
‫وصي ُكم اهللُ ِفي أ َْوالَ ِد ُك ْم لِ َّ‬
‫لذ َك ِر‬ ‫‪ -2‬زعمهم أن هذا الحديث مخالف لقوله تعالى‪ + :‬ي ِ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ُنثَي ْي ِن " [النساء‪ ]11:‬وقالوا‪ :‬ولم يجعل هللا ذلك خاصًا باألمة دونه ×؟ ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫ِمثْل َح ِّ‬
‫ظ األ َ‬ ‫ُ‬
‫والحقيقة أن الخطاب شامل للمقصودين بالخطاب‪ ،‬وليس فيه ما يوجب كون النبي ×‬
‫من المخاطبين بها(‪ ,)3‬فهو × ال يقاس بأحد من البشر‪ ،‬فهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم‪،‬‬
‫وألن هللا حرم عليه صدقة الفرض والتطوع‪ ،‬و ُخص بأشياء لم يُخص بها أحد غيره ×‪،‬‬
‫ومما خصه هللا به‪ ،‬هو وإخوانه من األنبياء عليهم السالم كونهم ال يورثون‪ ،‬وذلك صيانة‬
‫من هللا لهم لئال يكون ذلك شبهة لمن يقدح في نبوتهم بأنهم طلبوا الدنيا وخلفوها لورثتهم‪،‬‬
‫أما بقية البشر فال نبوة لهم يقدح فيها بمثل ذلك‪ ،‬كما صان هللا تعالى نبينا × عن الخط‬
‫والشعر صيانة لنبوته عن الشبة وإن كان غيره لم يحتج إلى هذه الصيانة(‪.)4‬‬
‫وقال ابن كثير في رده على استدالل الرافضة باآلية‪ :‬إن رسول هللا × قد ُخص من‬
‫بين األنبياء بأحكام ال يشاركونه فيها‪..‬فلو قدر أن غيره من األنبياء يورثون‪ ،‬وليس األمر‬
‫كذلك‪ ،‬لكان ما رواه الصحابة‪ ،‬وعلى رأسهم أبو بكر‪ ،‬مبينًا لتخصصه بهذا الحكم دون من‬
‫سواه(‪ .)5‬وبهذا يتبين بطالن استداللهم بمخالفة الحديث‪.‬‬
‫‪ -3‬زعمهم أن منع اإلرث واالستدالل بهذا الحديث مخالف لقوله تعالى‪:‬‬
‫ث ُسلَْي َما ُن َد ُاو َد" [النمل‪ ،]16:‬ومخالف لما حكاه هللا عن نبيه زكريا عليه السالم‪:‬‬ ‫‪َ +‬و َو ِر َ‬
‫ث ِم ْن ِ‬
‫آل‬ ‫ك َولِيًّا‪ ‬يَ ِرثُنِي َويَ ِر ُ‬
‫ب لِي ِمن لَّ ُدنْ َ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫‪َ +‬وإِنِّي ِخ ْف ُ‬
‫ت ال َْم َوال َي من َو َرائي َو َكانَت ْام َرأَتي َعاق ًرا َف َه ْ‬
‫ضيًّا" [مريم‪.]6 ،5 :‬‬ ‫بر ِ‬
‫اج َعلْهُ َر ِّ َ‬
‫وب َو ْ‬ ‫َي ْع ُق َ‬
‫حيث قالوا‪ :‬إن الميراث يقتضي األموال وما في معناه‪ ،‬وليس ألحد أن يقول إن‬
‫المراد باآلية العلم دون المال(‪.)6‬‬
‫ويجاب على ذلك بما يلي‪ :‬إن اإلرث اسم جنس يدخل تحته أنواع‪ ،‬فيستعمل في‬
‫ين‬ ‫ْكتَاب الَّ ِ‬
‫ذ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫إرث العلم والنبوة والملك وغير ذلك من أنواع االنتقال‪ .‬قال تعالى‪+ :‬ثُ َّم أ َْو َر ْثنَا ال َ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫اصطََفينَا ِمن ِعب ِ‬
‫ادنَا" [فاطر‪ ،]32:‬وقال تعالى‪ + :‬أُولَئِ َ‬
‫س ُه ْم‬ ‫ك ُه ُم ال َْوا ِرثُو َن ‪ ‬الذ َ‬
‫ين يَ ِرثُو َن الْف ْر َد ْو َ‬ ‫ْ ْ ْ َ‬
‫فِ َيها َخالِ ُدو َن" [المؤمنون‪ ]11 ،10:‬وغير ذلك من اآليات الواردة في هذا الشان‪ ،‬وإذا كان‬

‫‪1‬‬
‫() المصدر السابق (‪ ،)34 -1/32‬وبصائر الدرجات للصفار‪ :‬ص (‪ )11 ،10‬واالختصاص للمفيد‪ :‬ص(‬
‫‪ )4‬وانظر‪ :‬علم اليقين للكاشاني (‪ )748 ،2/747‬نقالً عن العقيدة ألهل البيت‪ :‬ص(‪.)444‬‬
‫‪2‬‬
‫() منهاج الكرامة المطبوع مع منهاج السنة ‪.4/194‬‬
‫‪3‬‬
‫() منهاج السنة (‪ )195 ،4/494‬العقيدة في أهل البيت‪ :‬ص(‪.)445‬‬
‫‪4‬‬
‫() منهاج السنة‪ :‬ص (‪ ،)195 ،194‬العقيدة في أهل البيت‪ :‬ص (‪.)445‬‬
‫‪5‬‬
‫() البداية والنهاية (‪ ،)5/254‬العقيدة في أهل البيت‪:‬ص (‪.)446‬‬
‫‪6‬‬
‫() منهاج الكرامة‪ :‬ص(‪ )109‬نقالً عن العقيدة في أهل البيت وغيرها من الكتب كالطرائف البن‬
‫«آووس» (‪.)347‬‬
‫‪11‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وب" إنما يدل‬ ‫ث ِم ْن ِ‬
‫آل َي ْع ُق َ‬ ‫ث ُسلَْي َما ُن َد ُاو َد" وقوله‪+ :‬يَ ِرثُنِي َويَ ِر ُ‬
‫كذلك فقوله تعالى‪َ + :‬و َو ِر َ‬
‫على جنس اإلرث‪ ،‬وال يدل على إرث المال‪ ،‬وذلك أن داود عليه السالم كان له أوالد‬
‫كثيرون غير سليمان فال يختص سليمان بماله فدل على أن المراد بهذا اإلرث إرث العلم‬
‫والنبوة ونحو ذلك‪ ،‬ال إرث المال‪ ،‬واآلية سيقت في بيان مدح سليمان وما خصه هللا به من‬
‫النعمة‪ ،‬وحصر اإلرث في المال ال مدح فيه‪ ،‬إذ إن إرث المال من األمور العادية‬
‫وب" ليس المراد به إرث‬ ‫ث ِم ْن ِ‬
‫آل َي ْع ُق َ‬ ‫المشتركة بين الناس‪ ،‬وكذلك قوله تعالى‪+ :‬يَ ِرثُنِي َويَ ِر ُ‬
‫المال ألنه ال يرث آل يعقوبـ شيئًا من أموالهم‪ ،‬وإنما يرث ذلك منهم أوالدهم وسائر‬
‫ورثتهم لو ورثوا(‪.)1‬‬
‫ت ال َْم َوالِ َي ِمن َو َرائِي" [مريم‪ ]5:‬ال يدل على أن اإلرث إرث‬
‫كما أن قوله‪َ + :‬وإِنِّي ِخ ْف ُ‬
‫مال‪ ،‬ألن زكريا لم يخف أن يأخذوا ماله من بعده إذا مات‪ ،‬فإن هذا ليس بمخوف‪ ،‬وزكريا‬
‫عليه السالم لم يعرف له مال‪ ،‬بل كان تجارًا يأكل من كسب يده كما في صحيح مسلم(‪،)2‬‬
‫ولم يكن ليدخر منها فوق قوته حتى يسأل هللا ولدًا يرث عنه ماله‪ ،‬قدل على أن المراد‬
‫بالوراثة في هاتين اآليتين وراثة النبوة‪ ،‬والقيام مقامه(‪.)3‬‬
‫يقول القرطبي في تفسيره لآلية‪ :‬وعليه فلم يسل من يرث ماله‪ ،‬ألن األنبياء ال‬
‫تورث‪ ،‬وهذ هو الصحيح من القولين في تأويل اآلية‪ ،‬وأنه عليه الصالة والسالم أراد‬
‫وراثة العلم والنبوة ال وراثة المال لما ثبت عن النبي × أنه قال‪« :‬إنا معشر الأنبياء‬
‫لا نورث‪ ،‬ما تركنا صدقة»(‪ ,)4‬وهذا الحديث يدخل في التفسير المسند لقوله تعالى‪:‬‬
‫ث ِم ْن ِ‬
‫آل‬ ‫ك َولِيًّا ‪ ‬يَ ِرثُنِي َويَ ِر ُ‬
‫ب لِي ِمن لَّ ُدنْ َ‬
‫ث ُسلَْي َما ُن َد ُاو َد" وعبارة عن قول زكريا ‪َ +‬ف َه ْ‬‫‪َ +‬و َو ِر َ‬
‫ضيًّا" وتخصيص للعموم في ذلك‪ ،‬وإن سليمان لم يرث من داود ماالً‬ ‫بر ِ‬
‫اج َعلْهُ َر ِّ َ‬‫وب َو ْ‬
‫َي ْع ُق َ‬
‫خلفه داود بعده‪ .‬وإنما ورث منه الحكمة والعلم‪ ،‬وكذلك ورث يحيى من آل يعقوب‪،‬ـ وهكذا‬
‫قال أهل العلم بتأويل القرآن ما عدا الروافض(‪.)5‬‬
‫ومما تجدر اإلشارة إليه أن الرافضة خالفوا ما استدلوا به على وجوب الميراث‪،‬‬
‫وذلك أنهم حصروا ميراثه × في فاطمة – رضي هللا عنه – فزعموا أنه لم يرث النبي ×‬
‫إال هي‪ ،‬فأخرجوا أزواجه وعصبته مخالفين عموم اآليات التي استدلوا بها‪ ،‬فقد روى‬
‫الصدوق بسنده عن أبى جعفر الباقر قوله‪ :‬ال وهللا ما ورث رسول هللا × العباس وال‬
‫على‪ ،‬وال ورثته إال فاطمة عليها السالم‪ ،‬وما كان آخذ على عليه السالم السالح وغيره إال‬
‫إنه قضى عنه دينه(‪ .)6‬وروى الكليني والصدوق والطوسى بأسانيدهم إلى الباقر أيضًا‬
‫قوله‪ :‬وورث على عليه السالم من رسول هللا × علمه‪ ،‬وورثت فاطمة عليها السالم‬

‫‪1‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)224 -4/222‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسلم رقم ‪.2379‬‬
‫‪3‬‬
‫() منهاج السنة (‪ ،)4/225‬البداية والنهاية (‪ ،)5/253‬العقيدة في أهل البيت‪ :‬ص (‪.)448‬‬
‫‪4‬‬
‫() مسلم رقم ‪.1758‬‬
‫‪5‬‬
‫() تفسير القرطبي (‪.)45 -11/35‬‬
‫‪6‬‬
‫() من ال يحضره الفقيه (‪ ،)191 ،4/190‬العقيدة في أهل البيت‪ :‬ص (‪.)451‬‬
‫‪11‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫تركته(‪ ,)1‬بل وأخرجوا فاطمة من ذلك‪ ،‬حيث زعموا أن النساء ال يرثن العقار‪ ،‬فقد بوب‬
‫الكليني في كتابه الكافي بابًا بعنوان‪ :‬إن النساء ال يرثن من العقار شيئًا‪ ،‬وساق تحته‬
‫روايات منها‪ :‬عن أبي جعفر الصادق إنه قال‪ :‬النساء ال يرثن من األرض وال من العقار‬
‫شيئًا(‪.)2‬‬
‫روى الصدوق بسنده إلى ميسر قال‪:‬سألته – يقصد الصادق – عن النساء ما لهن في‬
‫الميراث‪ ،‬فقال‪ :‬أما األرض والعقارات فال ميراث فيه(‪ ,)3‬وبهذا يتبين عدم استحقاق فاطمة‬
‫– رضي هللا عنها – شيئًا من الميراث‪ ،‬بدون االستدالل بحديث‪ :‬نحن معاشر األنبياء ال‬
‫نورث(‪ ,)4‬فما دامت المرأة ال ترث العقار واألرض‪ ،‬فكيف كان لفاطمة أن تسأل فدك –‬
‫على حسب قولهم‪ -‬وهي عقار ال ريب فيه(‪ ,)5‬وهذا دليل كذبهم وتناقضهم فضالً عن‬
‫جهلهم(‪.)6‬‬
‫وأما ما زعموه من كون الصديق – رضي هللا عنه – سأل فاطمة أن تحضر شهودًا‪،‬‬
‫فأحضرت عليًا وأم أيمن فلم يقبل شهادتهما‪ ،‬فهو من الكذب البين الواضح‪ ،‬قال حماد بن‬
‫إسحاق‪ :‬فأما ما يحكيه قوم أن فاطمة عليها السالم طلبت فدك‪ ،‬وذكرت أن رسول هللا ×‬
‫أقطعها إياها‪ ،‬وشهد لها على عليه السالم فلم يقبل أبو بكر شهادته ألنه زوجها‪ ،‬فهذا أمر‬
‫ال أصل له وال تثبت به رواية أنها ادعت ذلك‪ ،‬وإنما هو أمر مفتعل ال ثبت فيه(‪.)7‬‬
‫‪ -4‬أن السنة واإلجماع قد دال على أن النبي × ال يورث‪:‬قال ابن تيمية‪ :‬كون‬
‫النبي × ال يورث ثبت بالسنة المقطوع بها‪ ،‬وبإجماع الصحابة‪ ،‬وكل منها دليل قطعي‪،‬‬
‫فال يعارض ذلك بما يظن أنه عموم‪ ،‬وإن كان عمو ًما فهو مخصوص‪ ،‬ألن ذلك لو كان‬
‫دليالً لما كان إال ظنيًا فال يعارض القطعي‪ ،‬إذ الظنى ال يعارض القطعي‪ ،‬وذلك أن هذا‬
‫الخبر رواه غير واحد من الصحابة في أوقات ومجالس‪ ،‬وليس فيهم من ينكره‪ ،‬بل كلهم‬
‫تلقاه بالقبول والتصديق‪ ،‬ولهذا لم يصر أحد من أزواجه على طلب الميراث‪ ،‬وال أص ّر‬
‫الع ّم على طلب الميراث‪ ،‬بل لما طلب من ذلك شيئًا فأخبر بقول النبي × رجع عن طلبه‪،‬‬
‫واستمر األمر على ذلك على عهد الخلفاء الراشدين إلى على‪ ،‬فلم يغير شيئًا وال قسم له‬
‫تركة(‪ .)8‬قال ابن تيمية‪ :‬قد تولى الخالفة (عل ّى) بعد ذي النورين عثمان‪ ،‬وصار فدك‬
‫وغيرها تحت حكمه‪ ،‬ولم يعط منها شيئًا ألحد من أوالد فاطمة وال من زوجات النبي ×‬
‫وال ولد العباس‪ ،‬فلو كان ظل ًما وقدر على إزالته لكان هذا أهون عليه من قتال معاوية‬
‫وجيوشه‪ ،‬أفتراه يقاتل معاوية مع ما جرى في ذلك من الشر العظيم وال يعطي هؤالء قليالً‬

‫‪1‬‬
‫() الكافي للكليني (‪ ،)7/137‬العقيدة في أهل البيت‪ :‬ص(‪.)451‬‬
‫‪2‬‬
‫() الكافي للكليني (‪ ،)7/137‬العقيدةن في أهل البيت‪ :‬ص(‪.)451‬‬
‫‪3‬‬
‫() الشيعة وأهل البيت‪ :‬ص(‪.)89‬‬
‫‪4‬‬
‫() مسلم ‪.1768‬‬
‫‪5‬‬
‫() الشيعة وأهل البيت‪ :‬ص (‪.)98‬‬
‫‪6‬‬
‫() العقيدة في أهل البيت‪ :‬ص(‪.)452‬‬
‫‪7‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)238 -4/236‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)4/220‬‬
‫‪11‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫من المال‪ ،‬وأمره أهون بكثير(‪.)1‬‬
‫وبإجماع الخلفاء الراشدين على ذلك احتج الخليفة العباسي أبو العباس السفاح على‬
‫بعض مناظريه في هذه المسألة على ما نقل ابن الجوزي في تلبيس إبليس قال‪ :‬وقد روينا‬
‫عن السفاح أنه خطب يو ًما فقام رجل من آل على – رضي هللا عنه – قال‪ :‬إنا من أوالد‬
‫على – رضي هللا عنه – فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين أعنى على من ظلمني‪ .‬قال‪ :‬ومن ظلمك؟‬
‫قال‪ :‬أنا من أوالد على – رضي هللا عنه – والذي ظلمني أبو بكر – رضي هللا عنه –‬
‫حين أخذ فدك من فاطمة‪ ،‬وقال‪ :‬ودام على ظلمكم؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬ومن قام عبده؟ قال‪:‬‬
‫عمر – رضي هللا عنه – قال‪ :‬ودام على ظلمكم‪ .‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬ومن قام بعده؟ قال عثمان‬
‫– رضي هللا عنه‪ -‬قال‪ :‬ودام على ظلمكم؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬ومن قام بعده؟ فجعل يلتفت كذا‬
‫وكذا ينظر مكانًا يهرب منه(‪.)2‬‬
‫وبتصويب أبي بكر – رضي هللا عنه – في اجتهاده صرَّح بعض أوالد على من‬
‫فاطمة – رضي هللا عنهما‪ -‬على ما روى البيهقي بسنده عن فضيل بن مرزوق قال‪ :‬قال‬
‫زيد بن على ابن الحسين بن على بن أبى طالب‪ :‬أما لو كنت مكان أبي بكر‪ ،‬لحكمت بما‬
‫حكم به أبو بكر في فدك(‪ ,)3‬كما نقل أبو العباس القرطبي اتفاق أهل البيت بد ًءا بعلي –‬
‫رضي هللا عنه – ومن جاء بعده من أوالده‪ ،‬ثم أوالد العباس الذين كانت بأيديهم صدقة‬
‫رسول هللا‪ ،‬إنهم ما كانوا يرون تملكها‪ ،‬إنما كانوا ينفقونهاـ في سبيل هللا‪ ،‬قال‪ -‬رحمه هللا‪:-‬‬
‫إن عليًا لما ولى الخالفة ولم يغيرها عما عمل فيها في عهد أبي بكر وعمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬ولم‬
‫يتعرض لتملكها‪ ،‬وال لقسمة شيء منها‪ ،‬بل كان يصرفها في الوجوه التي كان من قبله‬
‫يصرفها فيها‪ ،‬ثم كانت بيد حسن بن على‪ ،‬ثم بيد حسين بن على‪ ،‬ثم بيد على بن الحسين‪،‬‬
‫ثم بيد الحسين بن الحسن‪ ،‬ثم بيد زيد بن الحسين‪ ،‬ثم بيد عبد هللا بن الحسين‪ ،‬ثم توالها بنو‬
‫العباس على ما ذكره أبو بكر البرقاني في صحيحه‪ ،‬وهؤالء كبراء أهل البيت –ر ضي‬
‫هللا عنهم‪ -‬وهم معتمدون عند الشيعة وأئمتهم‪ ،‬لم يرو عن واحد منهم أنه تملكها وال ورثها‬
‫وال ورثت عنه‪ ،‬فلو كان ما يقوله الشيعة حقًا ألخذها على أو أحد من أهل بيته لما ظفروا‬
‫بها(‪.)4‬‬
‫وقال ابن تيمية‪ :‬قد تولى (عل ّى) الخالفة بعد ذى النورين عثمان‪ ،‬وصارت فدك‬
‫وغيرها تحت حكمه‪ ،‬ولم يعط منها شيئًا ألحد من أوالد فاطمة‪ ،‬وال من زوجات النبي ×‪،‬‬
‫وال ولد العباس‪ ،‬فلو كان ظل ًما وقدر على إزالته لكان هذا أهون عليه من قتال معاوية‬
‫وجيوشه‪ ،‬أفتراه يقاتل معاوية مع ما جرى في ذلك من الشر العظيم‪ ،‬وال يعطي هؤالء‬
‫قليالً من المال‪ ،‬وأمره أهون بكثير؟ (‪.)5‬‬
‫وقال ابن كثير‪ :‬وقد تكلمت الرافضة في هذا المقام بجهل‪ ،‬وتكلفوا ما العلم لهم به‪،‬‬
‫وكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه‪ ،‬ولما يأتهم تأويله‪ ،‬وأدخلوا أنفسهم فيما ال يعنيهم(‪ ,)6‬فلو‬
‫‪1‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)6/347‬‬
‫‪2‬‬
‫() تلبيس إبليس‪ :‬ص (‪.)135‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ المدينة البن شبة (‪ ،)1/200‬البداية والنهاية (‪.)5/253‬‬
‫‪4‬‬
‫() المفهم للقرطبي (‪.)3/564‬‬
‫‪5‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)6/347‬‬
‫‪6‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)5/253‬‬
‫‪11‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫تفهموا األمور على ما هي عليه لعرفوا للصديق فضله وقبلوا منه عذره الذي يجب على‬
‫كل أحد قبوله‪ ،‬ولكنهم طائفة مخذولة‪ ،‬وفرقة مرذولة‪ ،‬يتمسكون بالمتشابهة‪ ،‬ويتركون‬
‫األمور المقررة عند أئمة اإلسالم من الصحابة والتابعين من بعدهم من العلماء المعتبرين‬
‫في سائر األعصار واألمصار‪ ،‬رضي هللا عنهم وأرضاهم أجمعين(‪.)1‬‬
‫‪ -5‬تسامح السيدة فاطمة مع أبي بكر‪ :‬وقد ثبت عن فاطمة – رضي هللا عنها‪-‬‬
‫أنها رضيت عن أبي بكر بعد ذلك‪ ،‬وماتت وهي راضية عنه‪ ،‬على ما روى البيهقي بسنده‬
‫عن الشعبي أنه قال‪ :‬لما مرضت فاطمة أتاها أبو بكر الصديق فاستأذن عليها‪ ،‬فقال على‪:‬‬
‫يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك؟ فقالت‪ :‬أتحب أن آذن له؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فأذنت له فدخل‬
‫عليها يترضاها‪ ،‬فقال‪ :‬وهللا ما تركت الدار والمال‪ ،‬واألهل والعشيرة‪ ،‬إال ابتغاء مرضاة‬
‫هللا‪ ،‬ومرضاة رسوله‪ ،‬ومرضاتكم أهل البيت‪ ،‬ثم ترضَّاها حتى رضيت(‪ )2‬قال ابن كثير‪:‬‬
‫وهذا إسناد جيد قوى والظاهر أن عامر الشعبي سمعه من على‪ ،‬أو ممن سمعه من‬
‫على(‪.)3‬‬
‫وبهذا تندحض مطاعن الرافضة على أبي بكر التي يعلقونها على غضب فاطمة‬
‫عليه‪ ،‬فلئن كانت غضبت على أبى بكر في بداية األمر فقد رضيت عنه بعد ذلك وماتت‬
‫وهى راضية عنه‪ ،‬وال يسع أحدًا صادقًا في محبته لها‪ ،‬إال أن يرضي عمن رضيت‬
‫عنه(‪ ,)4‬وال يعارض هذا ما ثبت في حديث عائشة‪ :‬إنما يأكل آل محمد × من هذا المال‪،‬‬
‫وإني وهللا ال أغير شيئًا من صدقة رسول هللا × عن حالها التي كانت عليها في عهد‬
‫رسول هللا ×‪ ،‬وألعملن فيها بما عمل به رسول هللا ×‪ ،‬فأبي أبو بكر أن يدفع لفاطمة منها‬
‫شيئًا‪ ،‬فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت(‪ .)5‬فإن هذا‬
‫بحسب علم عائشة – رضي هللا عنها – رواية الحديث‪ ،‬وفي حديث الشعبي زيادة علم‪،‬‬
‫وثبوت زيارة أبي بكر لها وكالمها له ورضاها عنه‪ ،‬فعائشة – رضي هللا عنها – نفت‬
‫والشعبي أثبت‪ ،‬ومعلوم لدى العلماء أن قول المثبت مقدم على قول النافي‪ ،‬ألن احتمال‬
‫الثبوت حصل بغير علم النافي‪ ،‬خصوصًا في مثل هذه المسألة‪ ،‬فإن عيادة أبي بكر لفاطمة‬
‫– رضي هللا عنها‪ -‬ليست من األحداث الكبيرة التي تشيع في الناس‪ ،‬ويطلع عليها الجميع‪،‬‬
‫وإنما هي من األمور العادية التي تخفي على من لم يشهدها‪ ،‬والتي ال يعبأ بنقلها لعدم‬
‫الحاجة لذكرها‪ ،‬على أن الذي ذكره العلماء أن فاطمة – رضي هللا عنها – لم تتعمد هجر‬
‫أبي بكر – رضي هللا عنه – أصالً‪ ،‬ومثلها ينزه عن ذلك لنهي النبي × عن الهجر فوق‬
‫ثالث‪ ،‬وإنما لم تكلمه لعدم الحاجة لذلك(‪ ,)6‬قال القرطبي صاحب المفهم في سياق شرحه‬
‫لحديث عائشة المتقدم‪ :‬ثم إنها (أي فاطمة) لم تلتق بأبي بكر لشغلها بمصيبتها برسول هللا‬
‫× ولمالزمتها بيتها‪ ،‬فعبر الراوى عن ذلك بالهجران‪ ،‬وإال فقد قال رسول هللا ×‪« :‬لا‬

‫‪1‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)5/251‬‬
‫‪2‬‬
‫() السنن الكبرى للبيهقي (‪.)6/301‬‬
‫‪3‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)5/253‬‬
‫‪4‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ :‬ص (‪.)434‬‬
‫‪5‬‬
‫() البخاري رقم ‪4240‬رقم ‪.175‬‬
‫‪6‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ :‬ص(‪.)434‬‬
‫‪11‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث»(‪ ,)1‬وهى أعلم الناس بما يحل من ذلك ويحرم‪،‬‬
‫وأبعد الناس عن مخالفة رسول هللا ×‪ ،‬وكيف ال تكون كذلك وهي بضعة من رسول هللا ×‬
‫وسيدة نساء أهل الجنة(‪.)2‬‬
‫وقال النووي‪ :‬وأما ما ذكر من هجران فاطمة أبا بكر ‪ -‬رضي هللا عنه‪ -‬فمعناه‬
‫انقباضها عن لقائه‪ ،‬وليس هذا من الهجران المحرم‪ ،‬الذي هو ترك السالم واإلعراض‬
‫عند اللقاء‪ ،‬وقوله في هذا الحديث‪( :‬فلم تكلمه) يعنى في هذا األمر‪ ،‬أو النقباضهاـ لم تطلب‬
‫منه حاجة وال اضطرت إلى لقائه فتكلمه‪ ،‬ولم ينقل قط أنهما التقيا فلم تسلم عليه وال‬
‫كلمته(‪ ,)3‬لقد انشغلت فاطمة – رضي هللا عنها – عن كل شيء بحزنها لفقدها أكرم الخلق‪،‬‬
‫وهي مصيبة تزرى بكل المصائب‪ ،‬كما أنها أنشغلت بمرضها الذي ألزمها الفراش عن‬
‫أية مشاركة في أي شأن من الشئون فضالً عن لقاء خليفة المسلمين المشغول – لكل لحظة‬
‫من لحظاته – بشئون األمة‪ ،‬وحروب الردة وغيرها‪ ،‬كما أنها كانت تعلم بقرب لحوقها‬
‫بأبيها‪ ،‬فقد أخبرها رسول هللا × بأنها أول من يلحق به من أهله(‪ ,)4‬ومن كان في مثل‬
‫علمها ال يخطر بباله أمور الدنيا‪ ،‬وما أحسن قول المهلب الذي نقله العينى‪ :‬ولم يرو أحد‬
‫أنهما التقيا وامتنعا عن التسليم‪ ،‬إنما الزمت بيتها‪ ،‬فعبر الراوى عن ذلك بالهجران(‪.)5‬‬
‫ومما يدل على أن العالقة كانت وطيدة بين الصديق والسيدة فاطمة إلى حد أن زوجة‬
‫أبي بكر أسماء بنت عميس هي التي كانت تمرض فاطمة بنت النبي ×‪ ،‬ورضي هللا عنها‪،‬‬
‫في مرض موتها‪ ،‬وكانت معها حتى األنفاس األخيرة‪ ،‬وشاركت في غسلها وترحيلها إلى‬
‫مثواها‪ ،‬وكان على رضي هللا عنه يمرضها بنفسه وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس‪،‬‬
‫رضي هللا عنها‪ ،‬وقد وصتها بوصايا في كفنها ودفنها وتشييع جنازتها‪ ،‬فعملت أسماء‬
‫بها(‪ ,)6‬فقد قالت السيدة فاطمة ألسماء‪ :‬إني قد استقبحت ما يُصنع بالنساء‪ ،‬إنه يطرح على‬
‫المرأة الثوب فيصفها‪ ،‬فقالت أسماء‪ :‬يا بنت رسول هللا ×‪ ،‬أال أريك شيئًا رأيته بأرض‬
‫الحبشة‪ ،‬فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبًا‪ ،‬فقال فاطمة‪ :‬ما أحسن هذا‬
‫وأجمله! به تعرف المرأة من الرجال(‪ .)7‬وعن ابن عبد البر‪ :‬أن فاطمة رضي هللا عنها‬
‫أول من غطى نعشها في اإلسالم‪ ،‬ثم زينب بنت جحش‪ ،‬وكان الصديق دائم االتصال بعلي‬
‫من ناحية ليسأله عن أحوال بنت النبي × خالف ما يزعمه القوم‪ ،‬فمرضت (أي فاطمة‬
‫رضي هللا عنها) وكان على يصلي في المسجد الصلوات الخمس‪ ،‬فلما صلى قال له أبو‬
‫بكر وعمر‪ :‬كيف بنت رسول هللا؟ ومن ناحية أخرى من زوجه أسماء حيث كانت هي‬
‫المشرفة والممرضة الحقيقية لها‪ ،‬ولما قبضت فاطمة من يومها فارتجت المدينة بالبكاء‬
‫من الرجال والنساء‪ ،‬ودهش الناس كيوم قبض فيه رسول هللا ×‪ ،‬فأقبل أبو بكر وعمر‬
‫‪1‬‬
‫() البخاري رقم ‪.6077‬‬
‫‪2‬‬
‫() المفهم (‪.)12/73‬‬
‫‪3‬‬
‫() شرح صحيح مسلم (‪.)12/73‬‬
‫‪4‬‬
‫() مسلم رقم ‪.2450‬‬
‫‪5‬‬
‫() أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ‪ :‬ص(‪.)108‬‬
‫‪6‬‬
‫() الشيعة وأهل البيت‪ :‬ص(‪.)77‬‬
‫‪7‬‬
‫() االستيعاب (‪.)4/378‬‬
‫‪11‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫يعزيان عليًا ويقوالن‪ :‬يا أبا الحسن‪ ،‬ال تسبقنا بالصالة على ابنة رسول هللا(‪ ,)1‬وقد توفيت‬
‫ليلة الثالثاء لثالث خلون من رمضان سنة إحدى عشرة‪ ،‬روى ابن مالك بن جعفر بن‬
‫محمد عن أبيه عن جده على بن الحسين‪ ،‬قال‪ :‬ماتت فاطمة بين المغرب والعشاء‬
‫فحضرها أبو بكر وعمر وعثمان والزبير وعبد الرحمن بن عوف رضي هللا عنهم‪ ،‬فلما‬
‫وضعت ليصلي عليها‪ ،‬قال على‪ :‬تقدم يا أبا بكر‪ ،‬قال أبو بكر رضي هللا عنه‪ :‬وأنت يا أبا‬
‫الحسن؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فوهللا ال يصلي عليها غيرك‪ ،‬فصلى عليها أبو بكر رضي هللا عنه‬
‫ودفنت ليالً‪ .‬وجاء في رواية‪ :‬صلى أبو بكر رضي هللا عنه على فاطمة بنت رسول هللا ×‬
‫فكبر عليها أربعًا(‪ ,)2‬وفي رواية مسلم‪ :‬صلى عليها على بن أبي طالب وهي الرواية‬
‫الراجحة(‪.)3‬‬
‫ولقد أجاد وأفاد محمد إقبال في قصيدته العصماء (فاطمة الزهراء) فقال‪:‬‬
‫بقيت على طول المدى ذكراها‬ ‫نَ َسبُ المسيح بنى لمريم سيرة‬
‫في مهد فاطمة فما أعالها‬ ‫والمجد يشرف من ثالث مطالع‬
‫من ذا يداني في الفخار أباها‬ ‫هي بنت من؟ هي زوج من؟ هي أم من؟‬
‫منمن من؟‬
‫هادي الشعوب إذا تروم هداها‬ ‫هي ومضة من نور عين المصطفى‬
‫وكأنه بعد البلى أحياها‬ ‫من أيقظ الفطر النيام بروحه‬
‫مثل العرائس في جديد حُالها‬ ‫وأعاد تاريخ الحياة جديدة‬
‫يترسم القمر المنير خطاها‬ ‫هى أسوة لألمهات وقدوة‬
‫ورأت رضا الزوج الكريم رضاها‬ ‫جعلت من الصبر الجميل غذاءها‬
‫إلى أن قال‪:‬‬
‫وحدود شرعته ونحن فداها‬ ‫لوال وقوفي عند شرع المصطفى‬
‫(‪)4‬‬
‫وغمرت بالقبالت طيب ثراها‬ ‫لمضيت للتطواف حول ضريحها‬
‫سادسًا‪ :‬مصاهرات بين الصديق وأهل البيت وتسمية أهل البيت بعض أبنائهم‬
‫باسم أبي بكر‪:‬‬
‫كانت صلة سيدنا أبي بكر الصديق خليفة رسول هللا × بأعضاء أهل البيت‪ ،‬صلة ودية‬

‫‪1‬‬
‫() الشيعة وأهل البيت‪ :‬ص(‪ ،)77‬كتاب سليم بن قيس‪ :‬ص (‪.)255‬‬
‫‪2‬‬
‫() المختصر من كتاب الموافقة‪ :‬ص (‪ )68‬في سنده ضعف‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() مسلم رقم ‪.1759‬‬
‫‪4‬‬
‫() الدوحة النبوية‪ :‬ص(‪.)63 ،62‬‬
‫‪12‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫تقديرية تليق به وبهم‪ ،‬كانتـ هذه المودة والثقة متبادلة‪ ،‬وكانت من المتانة بحيث ال يتصور‬
‫معهاـ التباعد واالختالف مهما نسج المسامرون األساطير واألباطيل‪ ،‬فالصديقة عائشة بنت‬
‫الصديق بنت أبي بكر كانت زوجة النبي ×‪ ،‬ومن أحب الناس إليه مهماـ احترق الحساد ونقم‬
‫المخالفون‪ ،‬فإنهاـ حقيقة ثابتة وهي طاهرة مطهرة بشهادةـ القرآن مهما جحدها المبطلون‬
‫وأنكرها المنكرون‪ ،‬ثم أسماء بنت عميس التي كانتـ زوجة لجعفر بن أبي طالب شقيق على‪،‬‬
‫فماتـ عنها وتزوجها الصديق‪ ،‬وولدت له ولدًا سماه محمدًا الذي واله على مصر‪ ،‬ولما مات‬
‫أبو بكر تزوجها على بن أبي طالب فولدت له ولدًا سماه يحيى(‪ .)1‬وحفيدة الصديق كانتـ‬
‫متزوجة من محمد الباقر‪ -‬اإلمام الخامس عند الروافض وحفيد على رضي هللا عنه ‪ ،-‬وقد نقل‬
‫األستاذ إحسان إلهي ظهير من كتب الروافض ما يثبت التالحم والمصاهرة بين بيت النبوة‬
‫وبيت الصديق‪ ،‬فقد أثبت أن قاسم بن محمد بن أبي بكر حفيد أبي بكر‪ ،‬وعلى بن الحسين بن‬
‫على أبي طالب حفيد على كانا ابني خالة‪ ،‬فأم قاسم بن محمد وعلى بن الحسين هما بنتا‬
‫يزدجرد بن شهريار – بن كسرى‪ -‬اللتان كانتاـ من سبى الفرس في عهد عمر رضي هللا عنه‪،‬‬
‫وتوسع إحسان إلهي ظهير في إثبات المصاهرات وعالقاتـ المودة والتراحم المتبادل بين أهل‬
‫البيت وبيت الصديق(‪ ,)2‬وكانـ من حب أهل البيت للصديق والتواد ما بينهمـ أنهم سموا أبناءهم‬
‫بأسماءـ أبي بكر رضي هللا عنه‪ ،‬فأولهم على بن أبي طالب حيث سمى أحد أبنائه أبا بكر‪ ،‬وهذا‬
‫دليل على حب ومؤاخاه وإعظامـ وتقدير على للصديق رضي هللا عنهما‪،‬والجدير بالذكر أنه‬
‫ولد له هذا الولد بعد تولية الصديق الخالفة واإلمامة‪ ،‬بل وبعد وفاتهـ كما هو معروف بداهة‪،‬‬
‫وهل يوجد في الشيعة اليوم المتزعمين حب على وأوالده رجل يسمى بهذا االسم‪ ،‬وهل هم‬
‫موالون له أم مخالفون؟ وعلى رضي هللا عنه لم يسم بهذا ابنه إال تيمناـ بالصديق وإظهارًا له‬
‫المحبة والوفاء وحتى بعد وفاته‪ ،‬وإال فال يوجد في بنى هاشم رجل قبل على سمى ابنه بهذا‬
‫االسم‪ ،‬ثم لم يقتصر عل ّى بهذا التيمن والتبرك وإظهار المحبة والصداقة للصديق بل بعده بنوه‬
‫أيضًا مشوا مشيه ونهجوا نهجه‪ ،‬فالحسن والحسين‪ ،‬سميا كل واحد منهماـ أحد أوالدهما بأبيـ‬
‫بكر‪ ،‬فقد ذكر ذلك اليعقوبي والمسعودي وهما من مؤرخي الروافض(‪ ,)3‬واستمر أهل البيت‬
‫يسمونـ من أسماء أوالدهم بأبيـ بكر‪ ،‬فقد سمى ابن أخي على بن أبي طالب رضي هللا عنه‬
‫وهو عبد هللا بن جعفر الطيار بن أبي طالب فإنه سمى أحد أبنائه باسم أبي بكر‪ ،‬وهذه من‬
‫إحدى عالئم الحب والود بين القوم خالف ما يزعمه الروافض اليوم من العداوة والبغضاء‬
‫والقتال الشديد والجدال الدائم بينهم(‪.)4‬‬
‫سابعًا‪ :‬علي رضي هللا عنه في وفاة الصديق‪:‬‬
‫كان علي رضي هللا عنه من ضمن من استشارهم الصديق فيمن يتولى الخالفة من‬
‫بعده‪ ،‬وكان رأي علىأن يتولى الخالفة بعد الصديق الفاروق(‪.)5‬‬
‫ولما حان الرحيل ونزل الموت بأبيـ بكر‪ ،‬كان آخر ما تكلم به الصديق في هذه الدنيا قوله‬
‫ين" [يوسف‪.]101:‬وارتجت المدينة لوفاة أبي بكر‬ ‫ْح ْقنِي بِ َّ ِ ِ‬
‫تعالى‪َ+ :‬توفَّنِي مسلِما وأَل ِ‬
‫الصالح َ‬ ‫َ ُْ ً َ‬
‫‪1‬‬
‫() خالفة على بن أبي طالب‪ ،‬وترتيب وتهذيب كتاب البداية والنهاية للسّلمى‪ :‬ص(‪.)22‬‬
‫‪2‬‬
‫() الشيعة وأهل البيت‪ :‬ص(‪.)83-78‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ اليعقوبي (‪ ،)2/228‬النتيجة واإلشراف‪ :‬ص (‪.)82‬‬
‫‪4‬‬
‫() الشيعة وأهل البيت‪ :‬ص (‪ ،)83‬ال ُّدرُّ المنثور من تراث أهل البيت والصحابة‪ ،‬السيد عالء الدين‬
‫الم ُدرَّسي ص (‪ ،)44 -38‬رحماء بينهم‪ ،‬صالح بن عبد هللا الدرويش‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() الكامل البن األثير (‪ ،)2/79‬المختصر من كتاب الموافقة للزمخشرى‪ :‬ص (‪.)100 -70‬‬
‫‪12‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الصديق ولم تر المدينة منذ وفاة الرسول × يو ًما أكثر باكيًا وباكيةـ من ذلك المساء الحزين‪،‬‬
‫وأقبل على بن أبي طالب مسرعًا‪ ،‬باكيًا‪ ،‬مسترجعًا ووقف على البيت الذي فيه أبو بكر فقال‪:‬‬
‫رحمك هللا يا أبا بكر كنت إلف رسول هللا × وأنيسه ومستراحه وثقته وموضع سره‬
‫ومشاورته‪ ،‬وكنت أول القوم إسال ًما‪ ،‬وأخلصهم يقينًا‪ ،‬وأشدهم هلل تقوى‪ ،‬وأخوفهم هلل‪،‬‬
‫وأعظمهم غناء في دين هللا عز وجل‪ ،‬وأحوطهم على رسول هللا ×‪ ،‬وأحدبهم على‬
‫اإلسالم‪ ،‬وأحسنهم صحبة‪ ،‬وأكثرهم مناقب‪ ،‬وأفضلهم سوابق‪ ،‬وأرفعهم درجة‪ ،‬وأقربهم‬
‫وسيلة‪ ،‬وأشبههم برسول هللا هديًا وسمتًا‪ ،‬وأشرفهم منزلة‪ ،‬وأرفعهم عنده‪ ،‬وأكرمهم عليه‪،‬‬
‫فجزاك هللا عن رسول هللا وعن اإلسالم أفضل الجزاء‪ ،‬صدقت رسول هللا حين كذبه‬
‫َّ ِ‬
‫الناس‪ ،‬وكنت عنده بمنزلة السمع والبصر‪ ،‬سماك هللا في تنزيله صديقًا فقال‪َ + :‬والذ َ َ‬
‫اء‬‫ج‬ ‫ي‬
‫ص َّد َق بِ ِه أُولَئِ َ‬
‫ك ُه ُم ال ُْمَّت ُقو َن" [الزمر‪ ،]33:‬واستيه حين بخلوا‪ ،‬وقمت معه على‬ ‫بِ ِّ ِ‬
‫الص ْدق َو َ‬
‫المكاره حين قعدوا‪ ،‬وصحبته في الشدة أكرم الصحبة‪ ،‬ثاني اثنين صاحبه في الغار‪،‬‬
‫والمنزل عليه السكينة‪ ،‬ورفيقه في الهجرة‪ ،‬وخليفته في دين هللا وأمته‪ ،‬أحسن الخالفة حين‬
‫ارتدوا‪ ،‬فقمت باألمر ما لم يقم به خليفة نبي‪ ،‬ونهضت حين وهن أصحابه‪ ،‬وبرزت حين‬
‫استكانوا‪ ،‬وقويت حين ضعفوا‪ ،‬ولزمت منهاج رسول هللا × إذ وهنوا‪ ،‬وكنت كما قال‬
‫رسول هللا × ضعيفًا في بدنك قويًا في أمر هللا‪ ،‬متواضعًا في نفسك عظي ًما عند هللا تعالى‪،‬‬
‫جليالً في أعين الناس كبيرًا في أنفسهم‪ ،‬لم يكن ألحدهم فيك مغمز‪ ،‬وال لقائل فيك مهمز‪،‬‬
‫وال لمخلوق عندك هوادة‪ ،‬الضعيف عندك قوى عزيز حتى تأخذ بحقه‪ ،‬القريب والبعيد‬
‫عندك سواء‪ ،‬وأقرب الناس عندك أطوعهم هلل عز وجل وأتقاهم‪...‬شأنك الحق والصدق‪،‬‬
‫والرفق‪ ،‬قولك حكم وحتم‪ ،‬أمرك حلم وحزم‪ ،‬ورأيك علم وعزم‪ ،‬اعتدل بك الدين‪ ،‬وقوى‬
‫بك اإليمان‪ ،‬وظهر أمر هللا‪ ،‬فسبقت – وهللا – سبقًا بعيدًا‪ ،‬وأتعبت من بعدك إتعابًا شديدًا‪،‬‬
‫وفزت بالخير فو ًزا مبينًا‪ ،‬فإنا هلل وإنا إليه راجعون‪ ،‬رضينا عن هللا عز وجل قضاءه‬
‫وسلمنا له أمره‪ ،‬وهللا لن يصاب المسلمون بعد رسول هللا بمثلك أبدًا‪ ،‬كنت للدين ع ًزا‪،‬‬
‫وحر ًزا وكهفًا‪،‬ـ فألحقك هللا عز وجل بنبيك محمد ×‪ ،‬وال حرمنا أجرك‪ ،‬وال أضلنا بعدك‪،‬‬
‫فسكت الناس حتى قضى كالمه‪ ،‬ثم بكوا حتى علت أصواتهم وقالوا‪ :‬صدقت(‪.)1‬‬
‫وجاء في رواية‪ :‬أن عليًا قال عندما دخل على أبي بكر بعدما سُجى‪ :‬ما أحد أحب أن‬
‫ألقى هللا بصحيفته أحب إل ّى من هذا المسجى(‪.)2‬‬

‫‪1‬‬
‫() التبصرة البن الجوزي (‪ )479 -1/477‬نقالً عن أصحاب الرسول (‪.)1/108‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ الذهبي‪ ،‬عهد الخلفاء الراشدين‪ :‬ص (‪.)120‬‬
‫‪12‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫المبحث الثاني‬
‫علي رضي هللا عنه في عهد الفاروق‬
‫كان علي رضي هللا عنه عض ًوا بار ًزا في مجلس شورى الدولة العمرية‪ ،‬بل كان هو‬
‫المستشار األول‪ ،‬فقد كان عمر رضي هللا عنه يعرف لعلي فضله‪ ،‬وفقهه‪ ،‬وحكمته‪ ،‬وكان‬
‫رأيه فيه حسنًا‪ ،‬فقد ثبت قوله فيه‪ :‬أقضانا على(‪ ,)1‬وقال ابن الجوزي‪ :‬كان أبو بكر وعمر‬
‫يشاورانه‪ ،‬وكان عمر يقول‪ :‬أعوذ باهلل من معضلة ليس لها أبو الحسن(‪ ,)2‬وقال مسروق‪:‬‬
‫كان الناس يأخذون عن ستة‪ :‬عمر وعلى وعبد هللا وأبي موسى وزيد بن ثابت‪ ،‬وأبي بن‬
‫كعب وقال‪ :‬شاممت أصحاب محمد × فوجدت علمهم انتهى إلى ستة نفر‪ :‬عمر وعلى‬
‫وعبد هللا وأبي الدرداء وأبي بن كعب وزيد بن ثابت‪ ،‬ثم شاممت هؤالء الستة فوجدت‬
‫علمهم انتهى إلى رجلين منهم‪ :‬إلى على‪ ،‬وعبد هللا(‪ ,)3‬وقال أي ً‬
‫ضا‪ :‬انتهى العلم إلى ثالثة‪،‬‬
‫عالم بالمدينة‪ ،‬وعالم بالشام‪ ،‬وعالم بالعراق‪ ،‬فعالم المدينة على بن أبي طالب‪ ،‬وعالم‬
‫الكوفة عبد هللا بن مسعود‪ ،‬وعالم الشام أبو الدرداء‪ ،‬فإذا التقوا سأل عالم الشام وعالم‬
‫العراق‪ ،‬عالم المدينة ولم يسألهما(‪ ,)4‬فكان على من هؤالء المقربين‪ ،‬يشد من أزر أخيه‪،‬‬
‫وال يبخل عليه برأيه‪ ،‬ويجتهد معه في إيجاد حلول للقضايا‪ ،‬التي لم يرد فيها نص‪ ،‬وفي‬
‫تنظيم أمور الدولة الفتية‪ ،‬والشواهد على ذلك كثيرة‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬في األمورـ القضائية‪:‬‬
‫‪ -1‬امرأة تعتريها نوبات من الجنون‪ :‬عن أبي ظبيان الجنبي‪ :‬أن عمر بن الخطاب‬
‫أتى بامرأة قد زنت‪ ،‬فأمر برجمها‪ ،‬فذهبوا بها ليرجموها‪ ،‬فلقيهم على رضي هللا عنه‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ما هذه؟ قالوا‪ :‬زنت فأمر عمر برجمها‪ ،‬فانتزعها على من أيديهم وردهم‪ ،‬فرجعوا‬
‫إلى عمر‪ ،‬فقال‪ :‬ما ردكم؟ قالوا‪ :‬ردنا على‪ ،‬قال‪ :‬ما فعل هذا عل ّى إال لشيء قد علمه‪،‬‬
‫فأرسل إلى على‪ ،‬فجاء وهو شبه المغضب‪ ،‬فقال‪ :‬مالك َر َددْتَ هؤالء؟ قال‪ :‬أما سمعت‬
‫النبي × «يقول‪ :‬رفع القلم عن ثلاثة‪ :‬عن النائم حتى يستيقظ‪ ،‬وعن الصغير حتى‬
‫يكبر‪ ،‬وعن المبتلي حتى يعقل؟» قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال عل ّى‪ :‬فإن هذه مبتالة بنى فالن‪ ،‬فلعله‬
‫أتاها وهو بها‪ ،‬فقال عمر‪ :‬ال أدرى‪ ،‬فلم يرجمها(‪ ,)5‬فقد كان عمر ال يعلم أنه مجنونة‪.‬‬
‫‪ -2‬مضاعفة الحد لمن شرب الخمر‪ :‬أخذ عمر برأي على رضي هللا عنهما في‬
‫مضاعفة الحد لمن شرب الخمر‪ ،‬وذلك النتشار شرب الخمر وخاصة في البالد المفتوحة‪،‬‬
‫وهي حديثة العهد باإلسالم‪ ،‬فأشار عل ّى على عمر رضي هللا عنهما بأن يجلد فيها ثمانين‪،‬‬
‫كأخف الحدود‪ ،‬وعلل ذلك بقوله‪ :‬نراه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى‪ ،‬وعلى المفتري‬
‫ثمانون(‪ ،)6‬وقد ثبت عن على رضي هللا عنه أنه قال‪ :‬ما كنت أقيم حدًا على أحد‪ ،‬فيموت‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫() االستيعاب في معرفة األصحاب‪:‬ص (‪ ،)1102‬المعرفة والتاريخ (‪.)1/481‬‬
‫‪2‬‬
‫() فضائل الصحابة رقم ‪1100‬إسناده ضعيف‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() علل الحديث ومعرفة الرجال‪ ..‬على بن المديني‪ :‬ص (‪ )43 ،42‬نقال عن خالفة على بن أبي طالب‪،‬‬
‫عبد الحميد على‪ :‬ص (‪ ،)70‬البخاري رقم ‪.4481‬‬
‫‪4‬‬
‫() المعرفة والتاريخ للفسوى (‪.)1/444‬‬
‫‪5‬‬
‫() مسند أحمد الموسوعة الحديثية رقم ‪1328‬صحيح لغيره‪.‬‬
‫‪12‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وأجد في نفسي‪ ،‬إال صاحب الخمر‪ ،‬فإنه لو مات وديته‪ ،‬وذلك ألن رسول هللا × لم يسنه‪.‬‬
‫(‪ )1‬وأ َّول البيهقي قوله‪( :‬لم يسنه) زيادة على األربعين‪ ،‬أو لم يسنه بالسياط وقد سنه بالنعال‬
‫وأطراف الثياب مقدار أربعين وهللا أعلم(‪ ,)2‬وقد استنبط الفقهاء من أفعال الخلفاء الراشدين‬
‫مقدار الحد في الخمر‪ ،‬على قول مالك والثوري وأبي حنيفة ومن تبعهم ثمانون‪ ،‬إلجماع‬
‫الصحابة‪ ،‬ومن قال إن الحد أربعون‪ :‬أبو بكر‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وقول ألحمد‪ ،‬وتحمل الزيادة‬
‫على ذلك من عمر‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬على أنها تعزيز يجوز فعله إذا رآه اإلمام‪ ،‬وهذا هو‬
‫القول الصحيح للشافعي(‪ ,)3‬وهذا الرأي مال إليه ابن تيمية أيضا وقال‪..:‬فأما مع قلة‬
‫الشاربين وقرب أمر الشارب‪ ،‬فتكفي األربعون(‪.)4‬‬
‫‪ -3‬ال سلطان لك على ما في بطنها‪ :‬أتى عمر رضي هللا بامرأة حامل فسألها‬
‫عمر فاعترفت بالفجور‪ ،‬فأمر بها عمر ترجم‪ ،‬فلقيها عل ّى فقال‪ :‬ما بال هذه؟ فقالوا‪ :‬أمر‬
‫بها‪ ،‬أمير المؤمنين أن ترجم‪ ،‬فردها على فقال‪ :‬أأمرت بها أن ترجم؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬اعترفت‬
‫عندي بالفجور! قال‪ :‬هذا سلطانك عليها فما سلطانك على ما في بطنها؟ قال على‪ :‬فلعلك‬
‫انتهرتها(‪ ,)5‬أو أخفتها؟ قال‪ :‬قد كان ذاك‪ ،‬قال‪ :‬أو ما سمعت النبي × يقول‪« :‬لاحد على‬
‫معترف بعد بلاء‪ ،‬أنه من قيدت أو حبست أو تهددت فلا إقرار له» فخلى عمر‬
‫سبيلها‪ ،‬ثم قال‪ :‬عجزت النساء أن تلد مثل على بن أبي طالب‪ ،‬لوال على لهلك عمر(‪.)6‬‬
‫وقد علق ابن تيمية على هذه القصة‪ :‬إن هذه القصة إن كانت صحيحة‪ ،‬فال تخلو من‬
‫أن يكون عمر لم يعلم أنها حامل‪ ،‬فأخبره على بحملها‪ ،‬وال ريب أن األصل عدم العلم‪،‬‬
‫واإلمام إذا لم يعلم أن المستحقة للقتل أو الرجم حامل‪ ،‬فعرفه بعض الناس بحالها‪ ،‬كان هذا‬
‫من جملة إخباره بأحوال الناس‪ ...‬إلى أن قال عن عمر‪ ،‬يعطي الحقوق ويقيم الحدود‬
‫ويحكم بين الناس كلهم‪ ،‬وفي زمنه انتشر اإلسالم وظهر ظهورًا لم يكن قبله مثله‪ ،‬وهو‬
‫دائ ًما يقضي ويفتي ولوال كثرة علمه لم يطق ذلك‪،‬ن فإذا خفيت عليه قضية من مائة ألف‬
‫قضية ثم عرفها أو كان نسيها فذكرها فأي عيب في ذلك؟(‪ )7‬وكان رده هذا في سياق رده‬
‫على الروافض‪.‬‬
‫‪ -4‬ردوا الجهاالت إلى السنة‪:‬أتى عمر بامرأة أنكحت في عدتها ففرق بينهما‬
‫وجعل صداقها في بيت المال وقال‪ :‬ال أجيز مهرًا رد نكاحه‪ ،‬وقال‪ :‬ال تجتمعان أبدًا‪ ،‬فبلغ‬
‫ذلك عليًا فقال‪ :‬وإن كانوا جهلوا السنة لها المهر بما استحل من فرجها ويفرق بينهما‪ ،‬فإذا‬
‫‪6‬‬
‫() إرواء الغليل لأللباني (‪ )47 ،8/46‬قال إسناده ضعيف‪ ،‬وحقق هذا األثر عبد الحميد على في رسالته‬
‫(خالفة على بن أبى طالب) ملحق‪.30‬‬
‫‪1‬‬
‫() فتح الباري (‪.)12/66‬‬
‫‪2‬‬
‫() السنن الكبرى (‪.)8/322‬‬
‫‪3‬‬
‫() المغنى (‪.)8/307‬‬
‫‪4‬‬
‫() الفتاوى (‪ )337 /336 /28‬منهاج السنة (‪ ،)6/83‬خالفة على بن أبي طالب‪ ،‬عبد الحميد على ص (‬
‫‪.)73‬‬
‫‪5‬‬
‫() انتهرتها‪ :‬زجرتها‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() سنن سعيد بن منصور (‪ )2/69‬رقم ‪ ،2083‬المختصر من كتاب الموافقة‪ :‬ص (‪.)131‬‬
‫‪7‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)6/42‬‬
‫‪12‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب‪ ،‬فخطب عمر الناس فقال‪ :‬ردوا الجهاالت إلى‬
‫السنة‪ ،‬ورجع عمر إلى قول على(‪.)1‬‬
‫‪ -5‬هذا الرجل غلبني على نفسي وفضحني في أهلي‪ :‬قال جعفر بن محمد‪ :‬أتى‬
‫عمر بن الخطاب بامرأة قد تعلقت بشاب من األنصار وكانت تهواه‪ ،‬فلما لم يساعدها‬
‫احتالت عليه‪ ،‬فأخذت بيضة‪ ،‬فألقت صفارها‪ ،‬وصبت البياض على ثوبها وبين فخذها ثم‬
‫جاءت إلى عمر صارخة‪ ،‬فقالت‪ :‬هذا الرجل غلبني على نفسي وفضحني في أهلي‪ ،‬وهذا‬
‫أثر فعاله‪ ،‬فسأل عمر النساء فقلن له‪ :‬إن ببدنها وثوبها أثر المنى‪ ،‬فهم بعقوبة الشاب‪،‬‬
‫فجعل يستغيث ويقول‪ :‬يا أمير المؤمنين تثبت في أمرى‪ ،‬فوهللا ما أتيت فاحشة وما هممت‬
‫بها‪ ،‬فقد راودتني عن نفسي فاعتصمت‪ ،‬فقال عمر‪ :‬يا أبا الحسن ما ترى في أمرهما‪،‬‬
‫فنظر على إلى ما على الثوب‪ ،‬ثم دعا بماء حار شديد الغليان‪ ،‬فصب على الثوب فجمد‬
‫ذلك البياض ثم أخذه واشتمه‪ ،‬وذاقه‪ ،‬فعرف طعم البيض‪ ،‬وزجر المرأة فاعترفت(‪.)2‬‬
‫ونستخلص من هذه الواقعة بعض الدروس‪:‬‬
‫(أ) أن وسائل اإلثبات في القضاء اإلسالمي كانت تشمل اإلقرار والشهادة واليمين‬
‫والنكول‪ ..‬وتتسع لتشمل األمارات والفراسة‪.‬‬
‫(ب) اهتمام عمر بمشاورة كبار الصحابة في النوازل‪ ،‬وعلى الخصوص على‪،‬‬
‫رضي هللا عنهما الذي كانت منزلته عنده متميزة(‪.)3‬‬
‫ثانيًا‪ :‬علي رضيـ هللا عنه والتنظيمات المالية واإلدارية العمرية‪:‬‬
‫‪ -1‬في األمور المالية‪:‬‬
‫(أ) نفقاتـ الخليفة‪ :‬لما ولي عمر بن الخطاب أمر المسلمين بعد أبي بكر مكث زمانًا‪،‬‬
‫ال يأكل من بيت المال شيئًا حتى دخلت عليه في ذلك خصاصة‪ ،‬ولم يعد يكفيه ما يربحه‬
‫من تجارته‪ ،‬ألنه اشتغل عنها بأمور الرعية‪ ،‬فأرسل إلى أصحاب رسول هللا ×‪،‬‬
‫فاستشارهم في ذلك فقال‪ :‬قد شغلت نفسي في هذا األمر فما يصلح لي فيه؟ فقال عثمان بن‬
‫عفان‪ :‬كل وأطعم‪ ،‬وقال ذلك سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل‪ ،‬وقال عمر لعلي‪ :‬ما تقول‬
‫أنت في ذلك؟ قال‪ :‬غداء وعشاء‪ ،‬فأخذ عمر بذلك‪ ،‬وقد بين عمر حظه من بيت المال‬
‫فقال‪ :‬إني أنزلت نفسي من مال هللا بمنزلة قيم اليتيم‪ ،‬إن استغنيت عنه تركت‪ ،‬وإن افتقرت‬
‫إليه أكلت بالمعروف(‪.)4‬‬
‫(ب) رأي علي في أرض السواد بالعراق‪:‬لما فتحت أرض السواد بالعراق عنوة‪،‬‬
‫أشار عدد من الصحابة – رضوان هللا عليهم‪ -‬على عمر بتقسيمهم بين الفاتحين‪ ،‬ولكن‬
‫لسعة األرض وجودتها‪ ،‬ونظرة عمر البعيدة لمن سيأتي بعد ذلك‪ ،‬لم يطمئن عمر‬
‫لتقسيمها‪ ،‬فاستشار عليًا في ذلك فكان رأيه موافقًا لرأي الخليفة عمر أال تقسم فأخذ برأيه‬
‫وقال‪ :‬لوال آخر المسلمين ما فتحت قرية إال قسمتها بين أهلها‪ ،‬كما قسم النبي × خيبر(‪.)5‬‬

‫‪1‬‬
‫() المغنى والشرح الكبير (‪.)67 ،11/66‬‬
‫‪2‬‬
‫() الطرق الحكمية البن القيم‪ :‬ص (‪.)48‬‬
‫‪3‬‬
‫() االجتهاد في الفقه اإلسالمي‪ ،‬عبد السالم السليماني‪ :‬ص (‪.)145‬‬
‫‪4‬‬
‫() الخالفة الراشدة‪ ،‬سنده صحيح‪ ،‬د‪ .‬يحيى‪ :‬ص (‪.)270‬‬
‫‪5‬‬
‫() األموال‪ ،‬القاسم بن سالم‪ :‬ص (‪ ،)57‬خالفة على بن أبي طالب‪ ،‬عبد الحميد على‪ :‬ص (‪.)75‬‬
‫‪12‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫(ج) ال جرم لتقسمنه‪:‬أتى عمر بمال فقسمه بين المسلمين‪ ،‬وفضلت منه فضله‪،‬‬
‫فاستشار فيها الصحابة‪ ،‬فقالوا له‪ :‬لو تركته لنائبة إن كانت‪ ،‬وفي القوم على ساكت‪ ،‬فأراد‬
‫عمر أن يسمع رأي على في ذلك‪ ،‬فذكره على بحديث مال البحرين حين جاء إلى النبي‬
‫×‪ ،‬وأنه قسمه كله‪ ،‬فقال عمر لعلي‪ :‬ال جرم لتقسمنه‪ ،‬فقسمه على(‪ ,)1‬ويبدو أن هذا كان‬
‫قبل تقسيم الدواوين(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬علي رضي هللا عنه واألمور اإلدارية‪:‬‬
‫عندما احتاج عمر رضي هللا عنه أن يضع تاري ًخا رسميًا ثابتًا لتنظيم أمور الدولة‬
‫وضبطها‪ ،‬جمع الناس وسألهم‪ :‬من أي يوم نكتب التاريخ؟ فقال على رضي هللا عنه‪ :‬من‬
‫يوم هاجر رسول هللا × وترك أرض الشرك‪ ،‬ففعله عمر(‪ ,)3‬وقد كان عمر – رضي هللا‬
‫عنه – يراه من أفضل من يقود الناسن فقد ورد عنه أنه كان يناجي رجالً من األنصار‪،‬‬
‫فقال‪ :‬من تحدثون أنه يستخلف من بعدي؟ فعد األنصاري المهاجرين ولم يذكر عليًا‪ ،‬فقال‬
‫عمر‪ :‬فأين أنتم من على؟ فوهللا لو استخلفتموه‪ ،‬ألقامكم على الحق وإن كرهتموه(‪ .)4‬وقال‬
‫البنه عبد هللا بن عمر‪ -‬رضي هللا عنهما – بعد أن طعن‪ :‬إن ولوها األجلح سلك بهم‬
‫الطريق(‪.)5‬‬
‫‪ -3‬استخلف عمر عليًا على المدينة مرارًا‪:‬‬
‫(أ) استخالفه حين خرج عمر إلى ماء صراء فعسكر فيه‪:‬وذلك قبيل القادسية‬
‫وكان الفرس قد حشدوا للمسلمين‪ ،‬فجمع عمر الناس فاستشارهم فكلهم أشار عليه‬
‫بالميسر(‪.)6‬‬
‫(ب) استخالفه عند نزول عمر بالجابية‪:‬وذلك حين نزل عمرو بن العاص‬
‫أجنادين‪ ،‬فكتب إليه أرطبون الروم‪ ،‬وهللا ال تفتح من فلسطين شيئًا بعد أجنادين‪ ،‬فارجع ال‬
‫تغر‪ ،‬وإنما صاحب الفتح رجل اسمه على ثالثة أحرف‪ ،‬فعلم عمرو أنه عمر‪ ،‬فكتب يعلمه‬
‫أن الفتح مدخر له‪ ،‬فنادى له الناس‪ ،‬واستخلف على بن أبي طالب(‪.)7‬‬
‫(ج) استخالف على حين حج عمر بأزواج النبي ×‪:‬وهى آخر حجة حجها‬
‫بالناس كانت سنة ثالث وعشرين من الهجرة‪ ،‬وكان مع أمهات المؤمنين أولياؤهن ممن ال‬
‫يحتجبن منه‪ ،‬وخلف على المدينة على بن أبي طالب(‪.)8‬‬
‫ثالثًا‪ :‬استشارة عمر لعلي رضي هللا عنهما في أمور الجهاد وشئون‬
‫‪1‬‬
‫() مسند أحمد (‪ )1/49‬إسناده ضعيف النقطاعه‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() خالفة على بن أبي طالب‪ ،‬عبد الحميد على‪ :‬ص (‪.)75‬‬
‫‪3‬‬
‫() التاريخ الكبير للبخاري (‪.)1/9‬‬
‫‪4‬‬
‫() خالفة على بن أبي طالب‪ ،‬عبد الحميد على‪ :‬ص(‪ ،)76‬قيل إن الرواية مرسلة‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث‪ ،‬تحقيق حسين أحمد (‪ )3/741‬صحيح اإلسناد‪ ،‬خالفة على بن‬
‫أبي طالب‪ :‬ص (‪.)76‬‬
‫‪6‬‬
‫() المنتظم (‪.)4/192‬‬
‫‪7‬‬
‫() المنتظم (‪.)4/192‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر نفسه (‪ ،)4/327‬الفتح (‪.)4/87‬‬
‫‪12‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الدولة‪:‬‬
‫كان علي رضي هللا عنه المستشار األول لعمر بن الخطاب رضي هللا عنهما‪ ،‬وكان‬
‫عمر يستشيره في األمور الكبيرة منها والصغيرة‪ ،‬وقد استشاره حين فتح المسلمون بيت‬
‫المقدس‪ ،‬وحين فتحت المدائن‪ ،‬وعندما أراد عمر التوجه إلى نهاوند وقتال الفرس‪ ،‬وحين‬
‫أراد أن يخرج لقتال الروم‪ ،‬وفي وضع التقويم الهجري وغير ذلك من األمور(‪ ,)1‬وكان‬
‫على رضي هللا عنه طيلة حياة عمر مستشارًا ناصحًا لعمر‪ ،‬محبًا له خائفًا عليه‪ ،‬وكان‬
‫عمر يحب عليًا وكانت بينهما مودة ومحبة وثقة متبادلة‪ ،‬ومع ذلك يأبي أعداء اإلسالم إال‬
‫أن يزوروا التاريخ‪ ،‬ويقصوا بعض الروايات التي تناسب أمزجتهم ومشاربهم ليصورا لنا‬
‫فترة الخلفاء الراشدين عبارة عن أن كل واحد منهم كان يتربص باآلخر الدوائر لينقض‬
‫عليه‪ ،‬وكل أمورهم كانت تجري من وراء الكواليس(‪.)2‬‬
‫إن من أبرز ما يالحظه المتأمل في خالفة عمر تلك الخصوصية في العالقة‪ ،‬وذلك‬
‫التعاون المتميز الصافي‪ ،‬بين عمر وعلى‪ ،‬رضي هللا عنهما‪ ،‬فقد كان على هو المستشار‬
‫األول لعمر في سائر القضايا والمشكالت‪ ،‬وما اقترح عل ّى عمر رأيًا إال واتجه عمر إلى‬
‫تنفيذه عن قناعة‪ ،‬وكان على رضي هللا عنه يمحضه النصح في كل شئونه وأحواله(‪,)3‬‬
‫فمثالً عندما تجمع الفرس بنهاوند في جمع عظيم لحرب المسلمين جمع عمر‪ -‬رضي هللا‬
‫عنه – الناس واستشارهم في المسير إليهم بنفسه‪ ،‬فأشار عليه عامة الناس بذلك‪ ،‬فقام إليه‬
‫على – رضي هللا عنه‪ -‬فقال‪ :‬أما بعد‪ ،‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬فإنك إن أشخصت أهل الشام من‬
‫شامهم سارت الروم إلى ذراريهم‪ ،‬وإنك إن أشخصت أهل اليمن إلى ذراريهم من يمنهم‬
‫سارت الحبشة إلى ذراريهم‪ ،‬وإنك إن أشخصت من هذه األرض انتقضت عليك العرب‬
‫من أطرافها وأقطارها حتى يكون ما تدع وراءك أهم إليك مما بين يديك من العورات‬
‫والعياالت‪ ،‬أقرر هؤالء في أمصارهم‪ ،‬واكتب إلى أهل البصرة‪ ،‬فليتفرقوا ثالث فرق‪،‬‬
‫فرقة في حرمهم وذراريهم‪ ،‬وفرقة في أهل عهدهم حتى ال ينتقضوا‪ ،‬ولتسر فرقة إلى‬
‫إخوانهم بالكوفة مددًا لهم‪.‬إن األعاجم إن ينظروا إليك غدًا قالوا‪ :‬هذا أمير العرب وأصلها‪،‬‬
‫فكان ذلك أشد لكلبهم عليك‪ ،‬وأما ما ذكرت من مسير القوم‪ ،‬فإن هللا هو أكره لمسيرهم‬
‫منك‪ ،‬وهو أقدر على تغيير ما يكره‪ ،‬وأما عددهم فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة‬
‫ولكن بالنصر‪ ،‬فقال عمر‪ :‬هذا هو الرأي كنت أحب أن أتابع عليه(‪.)4‬‬
‫كانت نصيحة على نصيحة المحب لعمر الغيور عليه‪ ،‬والضنين أال يذهب‪ ،‬وأن يدير‬
‫رحى الحرب بمن دونه من العرب وهو في مكانه‪ ،‬وحذره من أنه إذا ذهب‪ ،‬فلسوف ينشأ‬
‫وراءه من الثغرات ما هو أخطر من العدو الذي سيواجهه‪ ،‬أرأيت لو أن رسول هللا ×‬
‫أعلن أن الخالفة من بعده لعلي‪ ،‬أفكان لعلي أن يرغب عن أمر رسول هللا × هذا‪ ،‬وأن‬
‫يؤيد المستلبين لحقه بل لواجبه في الخالفة بمثل هذا التعاون المخلص البناء؟ بل أفكان‬
‫للصحابة‪ ،‬رضوان هللا عليهم‪ ،‬كلهم أن يضيعوا أمر رسول هللا ×؟ بل أفكان من المتصور‬
‫أن يجمعوا وفي مقدمتهم على رضوان هللا عليه على ذلك؟ بوسعنا أن نعلم إذن بكل بداهة‪،‬‬
‫أن المسلمين إلى هذا العهد – نهاية عهد عمر – بل إلى نهاية عهد على كانوا جماعة‬
‫‪1‬‬
‫() على بن أبي طالب مستشار أمين للخلفاء الراشدين‪ :‬ص(‪.)99‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه‪ :‬ص(‪.)138‬‬
‫‪3‬‬
‫() فقه السيرة النبوية للبوطي‪ :‬ص ‪.529‬‬
‫‪4‬‬
‫() تاريخ الطبري(‪ ،)3/480‬تحقيق مواقف الصحابة (‪.)2/94‬‬
‫‪12‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫واحدة‪ ،‬ولم يكن في ذهن أي من المسلمين أي إشكال بشأن الخالفة‪ ،‬أو شأن من هو أحق‬
‫بها(‪.)1‬‬
‫إن كثرة مشاورة عمر لعلي‪ ،‬رضي هللا عنهما‪ ،‬وغيره من الصحابة‪ ،‬ال يعني هذا أنه‬
‫دونهم في الفقه والعلم‪ ،‬فقد بينت األحاديث الصحيحة التي تدل على علو علمه‪ ،‬واكتمال‬
‫دينه‪ ،‬ولكن إيمانه وحبه للشورى‪ ،‬وتعويده للحكام فيما بعد على المشاورة‪ ،‬وعدم االستبداد‬
‫باألمر والراي‪ ،‬وإال فإن عليًا رضي هللا عنه كان كثيرًا ما يرجع عن رأيه إلى رأي‬
‫عمر(‪ ,)2‬فقد جاء عن عائشة‪ ،‬رضي هللا عنها‪ ،‬في معرض حديثها عن عمر قولها‪ :‬وقد‬
‫كان على رضي هللا عنه يتابع عمر بن الخطاب‪ ،‬فيما يذهب إليه ويراه‪ ،‬مع كثرة‬
‫استشارته عليًا‪ ،‬حتى قال على رضي هللا عنه‪ :‬يشاورني عمر في كذا‪ ،‬فرأيت كذا‪ ،‬ورأي‬
‫هو كذا‪ ،‬فلم أر إال متابعة عمر(‪.)3‬‬
‫رابعًا‪ :‬علي رضي هللا عنه وأوالده وعالقتهم بعمر رضيـ هللا عنهم‪:‬‬
‫كان عمر رضي هللا عنه شديد اإلكرام آلل رسول هللا × وإيثارهم على أبنائه‬
‫وأسرته‪ ،‬تذكر من ذلك بعض المواقف‪:‬‬
‫‪ -1‬أنت أحق باإلذن من عبد هللا بن عمر‪ :‬جاء فيما رواه الحسين بن على‬
‫رضي هللا عنه‪ :‬أن عمر قال لي ذات يوم‪ :‬أي بنى لو جعلت تأتينا وتغشانا؟ فجئت يو ًما‬
‫وهو خال بمعاوية‪ ،‬وابن عمر بالباب لم يؤذن له‪ ،‬فرجعت فلقيني بعد‪ ،‬فقال‪ :‬يا بنى لم‬
‫أرك أتيتنا؟ قلت‪ :‬جئت وأنت خال بمعاوية فرأيت ابن عمر رجع‪ ،‬فرجعت‪ ،‬فقال‪ :‬أنت‬
‫أحق باإلذن من عبد هللا بن عمر‪،‬م إنما أنت في رءوسنا ما ترى‪ :‬هللا‪ ،‬ثم أنتم‪ ،‬ووضع يده‬
‫على رأسه(‪.)4‬‬
‫‪ -2‬وهللا ما هنأ لي ما كسوتكم‪ :‬روى ابن سعد عن جعفر بن محمد الباقر عن أبيه‬
‫على ابن الحسين‪ ،‬قال‪ :‬قدم على عمر حلل من اليمن‪ ،‬فكسا الناس فراحوا في الحلل‪ ،‬وهو‬
‫بين القبر والمنبر جالس‪ ،‬والناس يأتونه فيسلمون عليه ويدعون له‪ ،‬فخرج الحسن‬
‫والحسين من بيت أمهما فاطمة رضي هللا عنها يتخطيان الناس‪ ،‬ليس عليها من تلك الحلل‬
‫شيء‪ ،‬وعمر قاطب صار بين عينيه‪ ،‬ثم قال‪ :‬وهللا ما هنأ لي ما كسوتكم‪ ،‬قالوا‪ :‬يا أمير‬
‫المؤمنين‪ ،‬كسوت رعيتك فأحسنت‪ ،‬قال‪ :‬من أجل الغالمين يتخطيان الناس وليس عليهما‬
‫من شيء كبرت عنهما وصغرا عنها‪ ،‬ثم كتب إلى والي اليمن أن ابعث بحلتين لحسن‬
‫وحسين‪ ،‬وعجَّل‪ ،‬فبعث إليه بحلتين فكساهما(‪.)5‬‬
‫‪ -3‬تقديم بنى هاشم في العطاء‪ :‬عن أبي جعفر أنه لما أراد أن يفرض للناس بعدما‬
‫فتح هللا عليه‪ ،‬وجمع ناسًا من أصحاب النبي ×‪ ،‬فقال عبد الرحمن بن عوف رضي هللا‬
‫عنه‪ :‬ابدأ بنفسك‪ ،‬فقال‪ :‬ال وهللا باألقرب من رسول هللا ×‪ ،‬ومن بنى هاشم رهط رسول هللا‬
‫×‪ ،‬وفرض للعباس‪ ،‬ثم لعلي‪ ،‬حتى والى بين خمس قبائل‪ ،‬حتى انتهى إلى بنى عدى بن‬
‫كعب‪ ،‬فكتب‪ :‬من شهد بدرًا من بنى هاشم‪ ،‬ثم من شهد بدرًا من بنى أمية بن عبد شمس‪ ،‬ثم‬
‫‪1‬‬
‫() فقه السيرة للبوطي‪ :‬ص(‪.)295‬‬
‫‪2‬‬
‫() خالفة على بن أبي طالب‪ ،‬عبد الحميد على‪ :‬ص(‪.)77‬‬
‫‪3‬‬
‫() اإلمامة والرد على الرافضة لألصبهاني‪ :‬ص(‪.)295‬‬
‫‪4‬‬
‫() المرتضى‪ :‬ص (‪ ،)1418‬كنز العمال (‪ ،)7/105‬اإلصابة (‪.)1/133‬‬
‫‪5‬‬
‫() المرتضى‪ :‬ص (‪ ،)118‬اإلصابة (‪.)1/106‬‬
‫‪12‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫األقرب فاألقرب‪ ،‬ففرض األعطيات لهم وفرض للحسن والحسين لمكانهما من رسول‬
‫هللا(‪.)1‬‬
‫‪ -4‬كساني هذا الثوب أخي وخليلي‪ :‬خرج على وعليه برد عدني فقال‪ :‬كساني هذا‬
‫الثوب أخي وخليلي وصفيى وصديقي أمير المؤمنين عمر(‪ .)2‬وفي رواية عن أبي السفر‬
‫قال‪ :‬رئُي على على بن أبي طالب رضي هللا عنه برد كان يكثر لبسه قال‪ :‬فقيل‪ :‬يا أمير‬
‫المؤمنين إنك لتكثر لبس هذا البرد؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬إن هذا كسانيه خليلي وصفيى عمر بن‬
‫الخطاب‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬ناصح هللا فنصحه‪ ،‬ثم بكى(‪.)3‬‬
‫‪ -5‬أقطاع ينبع‪ :‬أقطع عمر بن الخطاب عليًا ينبع‪ ،‬ثم اشترى على إلى قطيعة عمر‬
‫أشياء فحفر فيها عينًا‪ ،‬فبينما هم يعملون فيها إذ تفجر عليهم مثل عنق الجزور من الماء‬
‫فأتى على وبشر فتصدق بها على الفقراء والمساكين وفي سبيل هللا ليوم تبيض وجوه‬
‫وتسود وجوه‪ ،‬ليصرف هللا تعالى بها وجهه عن النار ويصرف النار عن وجهه‪ ،‬وكتب‬
‫في صدقته‪ :‬هذا ما أمر به على بن أبي طالب وقضى في ماله‪ :‬إني تصدقت بينبع ووادي‬
‫القرى واألذنية وراعة في سبيل هللا ووجهه‪ ،‬أبتغى مرضاة هللا‪ ،‬ينفق منها في كل منفعة‬
‫في سبيل هللا ووجهه‪ ،‬وفي الحرب والسلم والجنود وذوى الرحم القريب والبعيد‪ ،‬ال يباع‬
‫وال يوهب وال يورث حيًا أنا أو ميتًا‪ ،‬أبتغى بذلك وجه هللا والدار االخرة‪ ،‬وال أبتغى إال‬
‫هللا عز وجل‪ ،‬فإنه يقبلها وهو يرثها وهو خير الوارثين‪ ،‬فذلك الذي قضيت فيها بينى وبين‬
‫هللا عز وجل(‪.)4‬‬
‫‪ -6‬لتقولن يا أبا حسن‪:‬اجتمع عند عمر جماعة من قريش فيهم على فتذكروا‬
‫الشرف‪ ،‬وعلى ساكت فقال عمر‪ :‬مالك يا أبا الحسن ساكتًا؟ فكأن عليًا كره الكالم‪ ،‬فقال‬
‫عمر‪ :‬لتقولن يا أبا الحسن‪ ،‬فقال على‪:‬‬
‫(‪)5‬‬
‫فيها الجماجم عن فراخ الهام‬ ‫في كل معترك تزيل سيوفنا‬
‫وبنا أعز شرائع اإلسالم‬ ‫هللا أكرمنا بنصر نبيه‬
‫(‪)6‬‬
‫بفرائض اإلسالم واألحكام‬ ‫ويزورنا جبريل في أبياتنا‬
‫‪ -7‬حوار بين أمير المؤمنين عمر وعلى حول الرؤيا‪ :‬قال عمر بن الخطاب –‬
‫رضي هللا عنه – لعلي بن أبي طالب رضي هللا عنه‪ :‬أعجب من رؤيا الرجل أنه يبيت‬
‫فيرى الشيء لم يخطر له على بال‪ ،‬فتكون رؤياه كأخذ اليد‪ ،‬ويرى الرجل الشيء‪ ،‬فال‬
‫تكون رؤياه شيئًا‪ ،‬فقال على بين أبي طالب‪ :‬أفال أخبرك بذلك يا أمير المؤمنين؟ إن هللا‬

‫‪1‬‬
‫() الخراج ألبي يوسف‪ :‬ص (‪ ،)25 ،24‬المرتضى‪ :‬ص (‪.)118‬‬
‫‪2‬‬
‫() المختصر من كتاب الموافقة‪ :‬ص ‪.140‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصنف البن أبي شيبة (‪ )12/29‬رقم ‪12047‬نقال عن الشريعة لآلجرى (‪ )5/2327‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() المحلى (‪ ،)6/180‬مصنف عبد الرزاق (‪ )10/375‬فقه على‪ ،‬قلعجي‪ :‬ص (‪.)626‬‬
‫‪5‬‬
‫() فراخ الهام‪ :‬فراخ الرأس على التشبيه‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() المختصر من كتاب الموافقة‪ :‬ص(‪.)138‬‬
‫‪12‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ت‬
‫ضى َعلَْي َها ال َْم ْو َ‬ ‫ت ِفي َمنَ ِام َها َفيُ ْم ِس ُ‬
‫ك الَّتِي قَ َ‬ ‫َم تَ ُم ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َم ْوت َها َوالَّتي ل ْ‬
‫يقول(‪+ :)1‬اهلل يتوفَّى األَْن ُف ِ‬
‫سح َ‬‫َ‬ ‫ُ ََ َ‬ ‫ِ‬
‫َج ٍل ُّم َس ًّمى" [الزمر‪.]42 :‬‬ ‫َو ُي ْرس ُل األُ ْخ َرى إِلَى أ َ‬
‫خامسًا‪ :‬زواج عمر من أم كلثوم بنت على بن أبي طالب‪:‬‬
‫زوج على بن أبي طالب رضي هللا عنه ابنته من فاطمة بنت النبي × من الفاروق‬
‫حينما سأله زواجها منه رضي هللا عنه بما يطلب‪ ،‬وثقة فيه وإقرارًا لفضله ومناقبة‪،‬‬
‫واعترافًا بمحاسنه وجمال سيرته‪ ،‬وإظهارًا بأن بينهم من العالقات الوطيدة الطيبة‬
‫والصالت المحكمة المباركة ما يحرق قلوب الحساد من أعداء األمة المجيدة‪ ،‬ويرغم‬
‫أنوفهم(‪ ,)2‬فقد كان عمر يكن ألهل البيت محبة خاصة ال يكنها لغيرهم لقرابتهم من رسول‬
‫هللا ×‪ ،‬ولما أوصى به رسول هللا × من إكرام أهل البيت ورعاية حقوقهم‪ ،‬فمن هذا‬
‫الباعث خطب عمر أم كلثوم ابنة على وفاطمة رضوان هللا عليهم وتودد إليه في ذلك‬
‫قائالً‪ :‬فوهللا ما على األراض رجل يرصد من حسن صحبتها ما أرصد‪ ،‬فقال على‪ :‬قد‬
‫فعلت‪ ،‬فأقبل عمر إلى المهاجرين‪ ،‬وهو مسرور قائالً‪ :‬رفئوني‪..‬ثم ذكر أن سبب زواجه‬
‫منها ما سمعه من النبي ×‪« :‬كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا ما كان من‬
‫سببي ونسبي»‪ ،‬فأحببت أن يكون بيني وبين رسول هللا × سبب(‪ ,)3‬ولقد أقر بهذا الزواج‬
‫كل أهل التاريخ واألنساب وجميع محدثي الشيعة وفقهائهم ومكابريهم ومجادليهم وأئمتهم‬
‫المعصومين حسب زعمهم‪ ،‬ولقد أورد الشيخ إحسان إلهي ظهير روايات بخصوص ذلك‬
‫في كتابه الشيعة والسنة(‪ ,)4‬ولقد ذكر هذا الزواج علماء أهل السنة في التاريخ وأجمعت‬
‫مصادرهم عليه‪ ،‬ومن العلماء الذين ذكروا هذا الزواج‪ :‬الطبري(‪ ,)5‬وابن كثير(‪,)6‬‬
‫والذهبي(‪ ,)7‬وابن الجوزي(‪ )8‬والدياربكرى(‪ ,)9‬وقد ذكر هذا(‪ )10‬الزواج في كتب التراجم‪،‬‬
‫كابن حجر(‪ ,)11‬وابن سعد(‪ ,)12‬وأسد الغابة‪ ،‬وقد قام األستاذ أبو معاذ اإلسماعيلي في كتابه‬
‫زواج عمر بن الخطاب من أم كلثوم بنت على بن أبي طالب رضي هللا عنهما حقيقة‬
‫‪1‬‬
‫() الفتاوى (‪.)271 ،5/270‬‬
‫‪2‬‬
‫() الشيعة وأهل البيت‪ :‬ص(‪.)105‬‬
‫‪3‬‬
‫() إسناده حسن‪ ،‬أخرجه الحاكم في المستدرك (‪ )3/142‬صحيح اإلسناد ولم يخرجاه‪ ،‬وقال الذهبي‬
‫متعقبًا‪ :‬منقطع‪ ،‬وأورده الهيثمي في (مجمع الزائد ‪ )9/173‬وقال‪ :‬رواه الطبراني في الكبير واألوسط‬
‫ورجالهما رجال الصحيح غير الحسن بن سهل وهو ثقة‪ ،‬وهناك من ضعفه‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() الشيعة وأهل البيت‪ :‬ص(‪.)105‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/28‬‬
‫‪6‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)5/220‬‬
‫‪7‬‬
‫() تاريخ اإلسالم عهد الخلفاء الراشدين‪ :‬ص(‪.)166‬‬
‫‪8‬‬
‫() المنتظم (‪.)4/131‬‬
‫‪9‬‬
‫() تاريخ الخميس نقال عن زواج عمر من أم كلثوم ألبي معاذ‪ :‬ص (‪.)19‬‬
‫‪10‬‬
‫() اإلصابة البن حجر‪ :‬ص (‪ )276‬كتاب الكنى وكتاب النساء‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫() اإلصابة البن حجر‪ :‬ص (‪ )276‬كتاب الكنى وكتاب النساء‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫() أسد الغابة (‪.)7/425‬‬
‫‪13‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وليس افتراء‪ ،‬بتتبع مراجع مصادر الشيعة وأهل السنة فيما يتعلق بهذا الزواج ورد على‬
‫الشبهات التي ألصقت بهذا الزواج الميمون‪ ،‬وقد ذكرت شيئًا من سيرتها ومواقفهاـ في‬
‫حياتها في عهد الفاروق في كتابي (فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن‬
‫الخطاب‪ ،‬شخصيته وعصره)‪.‬‬
‫هذا وقد ولدت أم كلثوم بنت على من عمر رضي هللا عنه ابنة سميت (رقية) وولدًا‬
‫سمته زيدًا‪ ،‬وقد روى أصحاب زيد أن زيد بن عمر حضر مشاجرة في قوم من بنى عدى‬
‫بن كعب ليال فخرج إليهم زيد بن عمر ليصلحهم فأصابته ضربة شجت رأسه ومات من‬
‫فوره‪ ،‬وحزنت أمه لقتله ووقعت مغشيًا عليها من الحزن فماتت من ساعتها‪ ،‬ودفنت أم‬
‫كلثوم وابنها زيد بن عمر في وقت واحد‪ ،‬وصلى عليهم عبد هللا بن عمر بن الخطاب‪،‬‬
‫قدمه الحسن ابن على بن أبي طالب وصلى خلفه(‪.)1‬‬
‫سادسًا‪ :‬يا بنت رسول هللا ما أحد من الخلق أحب إلينا من أبيك‪ ،‬وما‬
‫أحد من الخلق بعد أبيك أحب إلينا منك‪:‬‬
‫عن أسلم العدوي قال‪ :‬لما بويع ألبي بكر بعد النبي × كان على والزبير بن العوام‬
‫يدخالن على فاطمة فيشاورانها‪ ،‬فبلغ عمر‪ ،‬فدخل على فاطمة فقال‪ :‬يا بنت رسول هللا ما‬
‫أحد من الخلق أحب إلينا من أبيك‪ ،‬وما أحد من الخلق بعد أبيك أحب إلينا منك‪ ،‬وكلمها‪،‬‬
‫فدخل على والزبير على فاطمة فقالت‪ :‬انصرفا راشدين‪ ،‬فما رجعا إليها حتى بايعا(‪,)2‬‬
‫وهذا هو الثابت الصحيح والذي مع صحة سنده ينسجم مع روح ذلك الجيل وتزكية هللا له‪.‬‬
‫وقد زاد الروافض في هذه الرواية واختلفوا إفكا وبهتانًا وزورًا‪ ،‬وقالوا إن عمر قال‪ :‬إذا‬
‫حرقن عليهم هذا البيت‪ ،‬ألنهم أرادوا شق عصا المسلمين‬ ‫َّ‬ ‫اجتمع عندك هؤالء النفر ان ألُ‬
‫بتأخرهم عن البيعة‪ ،‬ثم خرج عنها‪ ،‬فلم يلبث أن عادوا إليها‪ ،‬فقالت لهم‪ :‬تعلمون أن عمر‬
‫جاءني وحلف باهلل لئن أنتم عدتم إلى هذا البيت ليحرقنه عليكم‪ ،‬وايم هللا إنه ليصدقن فيما‬
‫حلف عليه‪ ،‬فانصرفوا عني فال ترجعوا إل َّى ففعلوا ذلك‪ ،‬ولم يرجعوا إليها إال بعدما‬
‫بايعوا(‪ .)3‬وهذه القصة لم تثبت عن عمر رضي هللا عنه‪ ،‬ودعوى أن عمر رضي هللا عنه‬
‫هم بإحراق بيت فاطمة‪ ،‬من أكاذيب الرافضة‪ ،‬أعداء صحابة رسول هللا‪ ،‬وقد أوردها مع‬
‫أكاذيب أخرى الطبري الطبرسى في كتابه دالئل اإلمامة(‪ ,)4‬عن جابر الجعفي‪ ،‬وهو‬
‫رافضي كذاب باتفاق أئمة الحديث كما في الميزان(‪ )5‬للذهبي‪ ،‬وتهذيب التهذيب(‪ ,)6‬وزعم‬
‫بعض الروافض أن عمر ضرب فاطمة حتى أسقط ولدها محسنًا وهو في بطنها‪ ،‬وهذه‬
‫من األكاذيب الرافضة التي ال أساس لها من الصحة‪ ،‬وما علموا أنهم يطعنون في على‬
‫رضي هللا عنه‪ ،‬وذلك باتهامه بالجبن والسكوت عن عمر وهو من أشجع أصحاب النبي ×‬

‫‪1‬‬
‫() أسد الغابة (‪ ،)7/45‬ونساء أهل البيت‪ ،‬منصور عبد الحكيم‪ :‬ص(‪.)186 ،185‬‬
‫‪2‬‬
‫() أخرجه ابن أبي شيبة‪ :‬المصنف (‪ )14/567‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() عقائد الثالثة والسبعين فرقة ألبي محمد اليمني (‪.)1/140‬‬
‫‪4‬‬
‫() دالئل اإلمامة‪ :‬ص (‪ )26‬نقالً عن عقائد الثالثة والسبعين (‪.)1/140‬‬
‫‪5‬‬
‫() الميزان للذهبي (‪.)1/279‬‬
‫‪6‬‬
‫() تهذيب التهذيب (‪.)2/47‬‬
‫‪13‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫(‪ ,)1‬بل إن بعض كتب الروافض أنكر صحة هذا الهذيان والزور(‪ )2‬عل ًما بأن محسنًا ولد في‬
‫حياة النبي × كما ثبت ذلك بالرواية الصحيحة‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬الخالف بين العباس وعلى وحكم عمر رضيـ هللا عنهم بينهما‪:‬‬
‫قال مالك بن أوس‪ :‬بينما أنا جالس في أهلي حين متع النهار(‪ ,)3‬إذا رسول عمر بن‬
‫الخطاب يأتيني‪ ،‬فقال‪ :‬أجب أمير المؤمنين‪ ،‬فانطلقت معه حتى دخلت على عمر‪ ،‬فإذا هو‬
‫جالس على رمال(‪ )4‬سرير ليس بينه وبينه فراش‪ ،‬متكئ على وسادة من أدم‪ ،‬فسلمت عليه‬
‫ثم جلست‪ ،‬فقال‪ :‬يا مالك إنه قدم علينا من قومك أهل أبيات‪ ،‬وقد أمرت فيهم برضخ‪،‬‬
‫فاقبضه فاقسمه بينهم‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أمير المؤمنين لو أمرت به غيري‪ ،‬قال‪ :‬اقبضه أيها‬
‫المرء‪ ،‬فبينما أنا جالس عنده أتاه حاجبه يرفأ‪ ،‬فقال‪ :‬هل لك في عثمان وعبد الرحمن بن‬
‫عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص‪ ،‬يستأذنونك؟ قال‪ :‬نعم فأذن لهم فدخلوا فسلموا‬
‫وجلسوا‪ ،‬ثم جلس يرفأ يسيرًا‪ ،‬ثم قال‪ :‬هل لك في عل ّى وعباس؟ قال‪ :‬نعم فأذن لهما فدخال‬
‫فسلما فجلسا‪ ،‬فقال عباس‪ :‬يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا‪ ،‬وهما يختصمان فيما‬
‫أفاء هللا على رسوله × من مال بنى النضير‪ ،‬فقال الرهط – عثمان وأصحابه‪ :-‬يا أمير‬
‫المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من اآلخر قال عمر‪ :‬تيدكم(‪ ,)5‬أنشدكم باهلل الذي بإذنه‬
‫تقوم السماء واألرض هل تعلمون أن رسول هللا × قال‪« :‬لا نورث‪ ،‬ما تركناه‬
‫صدقة»‪،‬يريد رسول هللا × نفسه؟ قال الرهط‪ :‬قد قال ذلك‪ ،‬فأقبل عمر على عل ّى‪ ،‬وعباس‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أنشدكما باهلل أتعلمان أن رسول هللا × قد قال ذلك؟ قاال‪ :‬قد قال ذلك‪ ،‬قال عمر‪ :‬فإني‬
‫أحدثكم عن هذا األمر‪ ،‬إن هللا قد خص رسوله × في هذا الفئ بشيء لم يعطه أحدًا غيره‪،‬‬
‫اب ول ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ط ُر ُسلَ ُه‬‫َك َّن اهللَ يُ َسلِّ ُ‬ ‫اء اهللُ َعلَى َر ُسوله م ْن ُه ْم فَ َما أ َْو َج ْفتُ ْم َعلَْيه م ْن َخ ْي ٍل َوالَ ِر َك ٍ َ‬
‫ثم قرأ‪َ + :‬و َما أَفَ َ‬
‫َعلَى َمن يَ َشاءُ َواهللُ َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير" [الحشر‪ .]6:‬فكانت هذه خالصة لرسول هللا × ووهللا ما‬
‫احتازها دونكم‪ ،‬وال أستأثر بها عليكم‪ ،‬قد أعطاكموها‪ ،‬وبثها فيكم‪ ،‬حتى بقى منها هذا‬
‫المال‪ ،‬فكان رسول هللا × ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال‪ ،‬ثم يأخذ ما بقى فيجعله‬
‫مال هللا‪ ،‬فعمل رسول هللا × بذلك حياته‪ ،‬أنشدكما باهلل‪ ،‬هل تعلمان ذلك؟ قال عمر‪ :‬ثم‬
‫توفى هللا نبيه × فقال أبو بكر‪ :‬أنا ولي رسول هللا ×‪ ،‬وهللا يعلم أنه فيها لصادق بار راشد‬
‫ولي أبي بكر فقبضتها سنتين من إمارتي‪ ،‬أعمل‬ ‫تابع للحق‪ ،‬ثم توفى هللا أبا بكر‪ ،‬فكنت أنا ُّ‬
‫فيها بما عمل رسول هللا × وما عمل فيها أبو بكر‪ ،‬وهللا يعلم أني فيها لصادق بار راشد‬
‫تابع للحق‪ ،‬ثم جئتماني تكلماني وكلمتكما واحدة وأمركم واحد‪ ،‬جئتنى يا عباس‪ ،‬تسألني‬
‫نصيبك من ابن أخيك‪ ،‬وجاءني هذا «يريد عليًا» يريد نصيب امرأته من أبيها‪ ،‬فقلت لكما‪:‬‬
‫إن رسول هللا قال‪« :‬لا نورث‪ ،‬ما تركناه صدقة» فلما بدا لي أن أدفعه إليكما قلت‪ :‬إن‬
‫شئتما دفعتها إليكما‪ ،‬على أن عليكما عهد هللا وميثاقه لتعمالن فيها بما عمل فيها رسول هللا‬
‫× وما عمل أبو بكر‪ ،‬وبما عملت فيها منذ وليتها‪ ،‬فقلتما‪ :‬ادفعها إلينا‪ ،‬فبذلك دفعتها إليكما‬
‫فأنشدكم باهلل هل دفعتها إليهما بذلك؟ قال الرهط‪:‬نعم‪ ،‬ثم أقبل على على وعباس فقال‪:‬‬
‫أنشدكم باهلل هل دفعتها إليكما بذلك؟ قاال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فتلتمسان مني غير ذلك‪ ،‬فوهللا الذي‬
‫‪1‬‬
‫() حقبة من التاريخ‪ :‬ص(‪.)224‬‬
‫‪2‬‬
‫() مختصر التحفة االثنى عشرية‪ :‬ص(‪.)252‬‬
‫‪3‬‬
‫() متع النهار‪ :‬ارتفع قبل الزوال‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() المراد أنه كان السرير قد نسج وجهه بالسعف‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() التيد‪ :‬الرفق‪ ،‬يقال‪:‬تيدك هذا‪ ،‬أي اتئد‪.‬‬
‫‪13‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫بإذنه تقوم السماء واألرض‪ ،‬ال أقضي فيها قضاء غير ذلك فإن عجزتما عنها فادفعاها‬
‫إل َّى‪ ،‬فإني أكفيكماها(‪.)1‬‬
‫ثامنًا‪ :‬ترشيح عمر عليًا للخالفة مع أهل الشورى وما قاله على في عمر‬
‫بعد استشهاده‪:‬‬
‫‪ -1‬ترشيح على مع أهل الشورى‪:‬لما طُعن عمر رضي هللا عنه وظن أنه سيفارق‬
‫أوص يا أمير المؤمنين‪ ،‬استخلف‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الحياة‪ ،‬وأخذ المسلمون يدخلون عليه‪ ،‬ويقولونـ له‪:‬‬
‫فقال‪ :‬ما أجد أحق بهذا األمر من هؤالء النفر – أو الرهط‪ -‬الذين توفى رسول هللا × وهو‬
‫عنهم راض فسمى عليًا‪ ،‬وعثمان‪ ،‬والزبير وطلحة وسعدًا وعبد الرحمن(‪ ,)2‬ثم دعا‬
‫خاصتهم وهم عبد الرحمن‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وعلى فوعظهم(‪ ,)3‬إن عمر رضي هللا عنه إمام‬
‫وعليه أن يستخلف األصلح للمسلمين‪ ،‬فاجتهد في ذلك ورأى أن الستة الذين توفى رسول‬
‫هللا × وهو عنهم راض أحق من غيرهم‪ ،‬وهو كما رأى‪ ،‬فإنه لم يقل أحد أن غيرهم أحق‬
‫منهم‪ ،‬وجعل التعيين إليهم خوفًا أن يعين واحدًا منهم‪ ،‬ويكون غيره أصلح لهم‪ ،‬فإنه ظهر‬
‫له رجحان الستة دون رجحان التعيين‪ ،‬وقال‪ :‬األمر في التعيين إلى الستة يعينون أحدًا‬
‫منهم‪ ،‬وهذا اجتهاد إمام عادل ناصح ال هوى له رضي هللا عنه‪ ،‬وهو نموذج واقعي‬
‫ِ‬
‫ورى َب ْيَن ُه ْم" [الشورى‪ ]38:‬وقال‪َ + :‬و َشا ِو ْر ُه ْم في ْ‬
‫األم ِر"‬ ‫لتطبيق قول هللا تعالى‪َ + :‬وأ َْم ُر ُه ْم ُش َ‬
‫[آل عمران‪ ،]159 :‬فكان ما فعله من الشورى مصلحة ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫إن الفاروق رضي هللا عنه رأى األمر في الستة متقاربًا فإنهم وإن كان لبعضهم من‬
‫الفضيلة ما ليس لبعض‪ ،‬فلذلك المفضولـ مزية أخرى ليست لآلخر‪ ،‬ورأى أنه إذا عين‬
‫واحدًا فقد يحصل بواليته نوع من الخلل فيكون منسوبًا إليه‪ ،‬فترك التعيين خوفًا من هللا‬
‫تعالى‪ ،‬وعلم أنه ليس واحد أحق بهذا األمر منهم فجمع بين المصلحتين‪ ،‬بين تعيينهم إذ ال‬
‫أحق منهم‪ ،‬وترك تعيين واحد منهم لما تخوفه من التقصير‪ ،‬وهللا تعالى قد أوجب على‬
‫العبد أن يفعل المصلحة بحسب اإلمكان‪ ،‬فكان ما فعله غاية ما يمكن من المصلحة(‪ ،)5‬وال‬
‫يقال إنه بجعله األمر شورى بين الستة قد خالف به من تقدمه كما هو زعم الشيعة‬
‫الرافضة‪ ،‬ألن الخالف نوعان‪ ،‬خالف تضاد وخالف تنوع‪ ،‬وما فعله عمر – رضي هللا‬
‫عنه – من النوع الثاني(‪ ,)6‬وقد أقره على اجتهاده كل الصحابة ولم نسمع أحدًا عارضه‪،‬‬
‫وقد بسطت ما ابتكره عمر من طريقة جديدة في اختيار الخليفة من بعده في كتابي فصل‬
‫الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب شخصيته وعصره‪ ،‬فمن أراد التوسع‬
‫فليرجع إليه مشكورًا‪.‬‬
‫‪ -2‬ما قاله على في عمر بعد استشهاده‪ :‬قال ابن عباس كما هو في صحيح‬

‫‪1‬‬
‫() البخاري رقم ‪ ،3094‬مسلم ‪1757‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/142‬‬
‫‪3‬‬
‫() البخاري رقم ‪.3700‬‬
‫‪4‬‬
‫() منهاج السنة (‪ ،)164 -3/162‬المنتقى‪ :‬ص (‪.)364 -362‬‬
‫‪5‬‬
‫() منهاج السنة (‪ ،)164 -3/162‬المنتقى‪ :‬ص(‪.)364 -362‬‬
‫‪6‬‬
‫() عقيدة أهل السنة (‪.)2/1042‬‬
‫‪13‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫البخاري‪ :‬وضع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون‪ ،‬قبل أن يرفع‪ ،‬وأنا‬
‫فيهم‪ ،‬فلم يرعنى إال رجل آخذ منكبي‪ ،‬إذا على بن أبي طالب‪ ،‬فترحم على عمر وقال‪ :‬ما‬
‫خلفت أحدًا أحب إلى أن ألقى هللا بمثل عمله منك‪ ،‬وايم هللا إن كنت ألظن أن يجعلك هللا‬
‫مع صاحبيك‪ ،‬وحسبت أني كنت كثيرًا ما أسمع النبي × يقول‪ :‬ذهبت أنا وأبو بكر وعمر‪،‬‬
‫ودخلت أنا وأبو بكر وعمر‪ ،‬وخرجت أنا وأبو بكر وعمر(‪.)1‬‬
‫‪ -3‬قول على في عمر‪ :‬إن عمر كان رشيد األمر‪ :‬وها هو حرصه على عدم‬
‫مخالفته بعد وفاته‪ :‬عن عبد خير قال‪ :‬كنت قريبًا من على حيث جاء أهل نجران قال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬فإن كان رادًا على عمر شيئًا فاليوم‪ ،‬قال‪ :‬فسلموا واصطفوا بين يديه‪ ،‬قال‪ :‬ثم أدخل‬
‫بعضهم يده في كمه فأخرج كتابًا فوضعه في يد على‪ ،‬قالوا‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬خطك‬
‫بيمينك وإمالء رسول هللا × عليك‪ ،‬قال‪ :‬فرأيت عليًا وقد جرت الدموع على خده قال‪ :‬ثم‬
‫رفع رأسه إليهم فقال‪ :‬يا أهل نجران‪ ،‬إن هذا آلخر كتاب كتبته بين يدي رسول هللا ×‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬فأعطنا ما فيه‪ ،‬قال‪ :‬سأخبركم عن ذاك؛ إن الذي أخذه عمر لم يأخذه لنفسه‪ ،‬إنما‬
‫أخذه بجماعة من المسلمين‪ ،‬وكان الذي أخذه منكم خيرًا مما أعطاكم وهللا ال أرد شيئًا مما‬
‫صنعه عمر إن عمر كان رشيد األمر(‪ ,)2‬وهذه الحادثة أصل الفقهاء عليها قولهم‪ :‬ال يرد‬
‫القاضي اجتهاد قضاء من قبله عند على(‪ ,)3‬وروى عنه أنه قال‪ :‬اقضوا كما كنتم تقضون‬
‫حتى تكونوا جماعة‪ ،‬فإني أخشى االختالف(‪ ,)4‬وهو قول جمهور الفقهاء(‪ ,)5‬وقد قال على‪:‬‬
‫ما كنت ألحل عقدة شدها عمر(‪.)6‬‬
‫‪ -4‬إن عمر بن الخطاب كان يكره نزوله‪ ،‬فأنا أكرهه لذلك‪ :‬لما فرغ على من‬
‫وقعة الجمل‪ ،‬ودخل البصرة‪ ،‬وشيع أم المؤمنين عائشة لما أردات الرجوع إلى مكة‪ ،‬سار‬
‫من البصرة إلى الكوفة‪ ،‬فدخلها يوم االثنين‪ ،‬لثنتى عشرة ليلة خلت من رجب سنة ست‬
‫وثالثين‪ ،‬فقيل له‪ :‬انزل بالقصر األبيض‪ ،‬فقال‪ :‬ال‪ ،‬إن عمر بن الخطاب كان يكره نزوله‬
‫فأنا أكرهه لذلك‪ ،‬فنزل في الرحبة وصلى في الجامع األعظم ركعتين(‪.)7‬‬
‫‪ -5‬حب أهل البيت لعمر رضي هللا عنه‪ :‬إن من داللة محبة أهل البيت الفاروق –‬
‫رضي هللا عنه – تسمية أبنائهم باسمه‪ ،‬حبًا وإعجابًا بشخصيته‪ ،‬وتقديرًا لما أتى به من‬
‫األفعال الطيبة والمكارم العظيمة‪ ،‬ولما قدم إلى اإلسالم من الخدمات الجليلة‪ ،‬وإقرارًا‬
‫بالصالت والودية الوطيدة التي تربطه بأهل بيت النبوة والرحم‪ ،‬والصهر القائم بينه وبينهم‪،‬‬
‫فأول من سمى ابنه باسمه أمير المؤمنين على بن أبي طالب سمى ابنه من أم حبيب بنت‬

‫‪1‬‬
‫() البخاري‪ ،‬رقم ‪.3685‬‬
‫‪2‬‬
‫() معجم البلدان (‪ ،)5/269‬والمختصر من كتاب الموافقة‪ :‬ص (‪ ،)139‬فقه اإلمام على (‪ )2/813‬نقل‬
‫عن السنن للبيهقي‪ ،‬إسناده مرسل‪ ،‬اآلجرى (‪ )4/1777‬إسناده مرسل‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)2/813‬‬
‫‪4‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪ )10/329‬نقالً عن فقه اإلمام على (‪.)2/813‬‬
‫‪5‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)2/813‬‬
‫‪6‬‬
‫() المختصر من كتاب الموافقة بين أهل البيت والصحابة‪ :‬ص (‪ )140‬إسناده منقطع‪ ،‬ابن أبي شيبة في‬
‫المصنف (‪ )12/33‬رقم ‪.12054‬‬
‫‪7‬‬
‫() تاريخ الخالفة الراشدة‪ ،‬محمد كنعان‪ :‬ص (‪.)383‬‬
‫‪13‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ربيعة البكرية عمر(‪ ,)1‬وقد جاء في كتاب صاحب الفضول‪ ،‬حتى ذكر أوالد على بن أبي‬
‫طالب‪ :‬وعمر من التغلبية‪ ،‬وهى الصهباء بنت ربيعة من السبى الذي أغار عليهم خالد بن‬
‫الوليد بعين التمر‪ ،‬وع َّمر عمر هذا حتى بلغ خمسًا وثمانين سنة فحاز نصف ميراث على‬
‫رضي هللا عنه‪ ،‬وذلك أن جميع إخوانه وأشقائه وهم عبد هللا وجعفر وعثمان قتلوا جميعهم‬
‫قبله مع الحسين رضي هللا عنه – يعني أنه لم يقتل معهم – بالطف فورثهم(‪ ,)2‬هذا وتبعه‬
‫حسن في ذلك الحب لعمر بن الخطاب رضي هللا عنهم فسمى أحد أبنائه عمر أيضًا(‪ ,)3‬وكذلك‬
‫الحسين بن على سمى عمر‪ ،‬ومن بعد الحسين ابنه على الملقب بزين العابدين سمى أحد‬
‫أبنائه باسم عمر(‪ ,)4‬وكذلك موسى بن جعفر الملقب بالكاظم سمى أحد أبنائه باسم عمر(‪,)5‬‬
‫فهؤالء األئمة من أهل البيت الذين ساروا على هدى النبي × ومعالم منهج أهل السنة‬
‫والجماعة بسيرتهم العطرة يظهرون لعمر الفاروق ما يكنونه في صدورهم من حبهم ووالئهم‬
‫له بعد وفاته بمدة‪ ،‬وقد جرى هذا االسم وكذلك أبو بكر وعثمان في ذرية أهل البيت ممن‬
‫ساروا على مذهب الحق وهو منهج أهل السنة والجماعة إلى يومنا هذا‪ ،‬ونجد أسماء‬
‫الصحابة وأمهات المؤمنين في البيوت الهاشمية التي التزمت بالكتاب والسنة‪ ،‬فقد سموا‬
‫طلحة‪ ،‬وعبد الرحمن وعائشة وأم سلمة ونحن ندعو الشيعة اليوم إلى االقتداء بعلي والحسن‬
‫والحسين وسائر األئمة من آل البيت‪ ،‬فيسمون بعض أبنائهم وبناتهم بأسماء الخلفاء الراشدين‪،‬‬
‫وأمهات المؤمنين (‪ ,)6‬نرجو ذلك‪.‬‬
‫‪ -6‬عمر بن الخطاب جعله هللا سببًا في ذرية الحسين بن على بن أبي‬
‫طالب‪:‬أعطى – عمر بن الخطاب‪ -‬رضي هللا عنه – للحسين بن على رضي هللا عنهم من‬
‫غنائم الفرس ابنة يزدجرد ملك الفرس‪ ،‬فولدت له زين العابدين على بن الحسين الذي لم‬
‫يبق من أبناء الحسين غيره‪ ،‬وكل ذرية الحسين تناسلوا منه وينسبون إليه(‪ ,)7‬فليحذر الذين‬
‫يسبون عمر بن الخطاب ممن ينتسبون إلى الحسين‪ ،‬فلواله بعد هللا لما كان لهم وجود(‪,)8‬‬
‫كما أن عمر – رضي هللا عنه – أعطى أختها لمحمد بن أبي بكر فكان عديالً للحسين‪،‬‬
‫وأنجبت له القاسم بن محمد بن أبي بكر فكان القاسم بن محمد بن أبي بكر‪ ،‬وعلى بن‬
‫الحسين زين العابدين ابنى خالة(‪.)9‬‬

‫‪1‬‬
‫() تاريخ اليعقوبي (‪ ،)2/213‬الشيعة وأهل البيت‪ :‬ص (‪.)133‬‬
‫‪2‬‬
‫() الفصول المهمة‪ :‬ص (‪ ،)143‬الشيعة وأهل البيت‪ :‬ص(‪.)133‬‬
‫‪3‬‬
‫() الشيعة وأهل البيت‪ :‬ص(‪.)133‬‬
‫‪4‬‬
‫() االمصدر نفسه‪ :‬ص (‪.)134‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر نفسه‪ :‬ص (‪.)135‬‬
‫‪6‬‬
‫() اذهبوا فأنتم الرافضة‪ ،‬عبد العزيز الزبير‪ :‬ص (‪.)230‬‬
‫‪7‬‬
‫() عمدة الطالب في أنسابـ أبي طالب‪ ،‬الفصل الثاني عنوان (عقب الحسين) نقالً عن‪ :‬اذهبوا فأنتم‬
‫الرافضة‪ :‬ص (‪.)232‬‬
‫‪8‬‬
‫() اذهبوا فأنتم الرافضة ص (‪.)232‬‬
‫‪9‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)6/256‬‬
‫‪13‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -7‬قول عبد هللا بن الحسن بن على بن أبي طالب في عمر(‪ :)1‬عن حفص بن‬
‫قيس‪ ،‬قال‪ :‬سألت عبد هللا بن الحسن عن المسح على الخفين‪ ،‬فقال‪ :‬امسح‪ ،‬فقد مسح عمر‬
‫بن الخطاب‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬إنما أسألك أنت تمسح؟ قال‪ :‬ذاك أعجز لك‪،‬‬
‫أخبرك عن عمر وتسألني عن رأيي‪ ،‬فعمر كان خيرًا مني ومن ملء األرض‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أبا‬
‫محمد‪ ،‬فإن ناسًا يزعمون أن هذا منكم تقية‪ ،‬قال‪ :‬فقال لي – ونحن بين القبر والمنبر‪:-‬‬
‫اللهم إن هذا قولي في السر والعالنية‪ ،‬فال تسمعن عل َّى قول أحد بعدي‪ .‬ثم قال‪ :‬من هذا‬
‫الذي يزعم أن عليًا رضي هللا عنه كان مقهورًا‪ ،‬وأن رسول هللا × أمره بأمر ولم ينفذه؟‬
‫وكفىـ بإزراء على عل ‪‰‬ـًًّى ومنقصة أن يزعم أن رسول هللا × أمره بأمر ولم ينفذه(‪.)2‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫على رضي هللا عنه في عهد عثمان بن عفان‬
‫أوالً‪ :‬بيعة على لعثمان رضي هللا عنه‪:‬‬
‫لم يكد يفرغ الناس من دفن عمر بن الخطاب – رضي هللا عنه – حتى أسرع رهط‬
‫الشورى وأعضاء مجلس الدولة األعلى إلى االجتماع في بيت عائشة أم المؤمنين‪ ،‬رضي‬
‫هللا عنها‪ ،‬وقيل أنهم اجتمعوا في بيت فاطمة بنت قيس الفهرية أخت الضحاك بن قيس‪،‬‬
‫ليقضوا في أعظم قضية عرضت في حياة المسلمين – بعد وفاة عمر ‪ ،-‬وقد تكلم القوم‬
‫وبسطوا آراءهم واهتدوا بتوفيق هللا إلى كلمة سواء رضيها الخاصة والكافة من‬
‫المسلمين(‪ ,)3‬وقد أشرف على تنفيذ عملية الشورى واختيار الخليفة عبد الرحمن بن عوف‪،‬‬
‫رضي هللا عنه‪ ،‬وحقق رضي هللا عنه أول مظهر من مظاهر الشورى المنظمة في اختيار‬
‫من يتحمل أعباء الخالفة ويسوس أمور المسلمين‪ ،‬فهو قد اصطنع من األناة والصبر‬
‫والحزم وحسن التدريب ما كفل له النجاح في أداء مهمته العظمى(‪ ,)4‬وقاد ركب الشورى‬
‫بمهارة وتجرد‪ ،‬مما يستحق أعظم التقدير(‪ ,)5‬قال الذهبي‪ :‬ومن أفضل أعمال عبد الرحمن‬
‫عزل نفسه من األمر وقت الشورى‪ ،‬واختياره لألمة من أشار به أهل الحل والعقد‪ ،‬فنهض‬
‫في ذلك أتم نهوض على جمع األمة على عثمان‪ ،‬ولو كان محابيًا فيها ألخذها لنفسه‪ ،‬أو‬
‫لوالها ابن عمه وأقرب الجماعة إليه سعد بن أبي وقاص(‪ ,)6‬وقد تم االتفاق على بيعة‬
‫عثمان بعد صالة صبح يوم البيعة اليوم األخير من شهر ذى الحجة ‪23‬هـ‪6/‬نوفمبر‪644‬م‪،‬‬
‫وكان صهيب الرومي اإلمام إذ أقبل عبد الرحمن بن عوف‪ ،‬وقد اعتم بالعمامة التي عممه‬
‫بها رسول هللا ×‪ ،‬وكان قد اجتمع رجال الشورى عند المنبر‪ ،‬فأرسل إلى من كان حاضرًا‬
‫من المهاجرين واألنصار وأمراء األجناد‪ ،‬منهم‪ :‬معاوية أمير الشام‪ ،‬وعمير بن سعد أمير‬
‫حمص‪ ،‬وعمرو بن العاص أمير مصر‪ ،‬وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر وصاحبوه إلى‬
‫‪1‬‬
‫() هو عبد هللا بن الحسن بن الحسين بن على بن أبي طالب‪- ,‬أبو محمد الهاشمي كان ذا هيبة ولسان‬
‫وشرف‪ ،‬وكانت له منزلة عند عمر بن عبد العزيز‪ ،‬توفى سنة ‪145‬هـ‪ ،‬األعالم للزركلي (‪،)4/207‬‬
‫تاريخ بغداد (‪.)9/431‬‬
‫‪2‬‬
‫() النهي عن سب األصحاب وما فيه من اإلثم والعقاب لمحمد عبد الواحد المقدسي‪ :‬ص(‪.)57‬‬
‫‪3‬‬
‫() عثمان بن عفان‪ ،‬لصادق عرجون‪ :‬ص(‪.)62،63‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه ص‪.)71 ،70( :‬‬
‫‪5‬‬
‫() مجلة البحوث اإلسالمية العدد‪ :10‬ص(‪.)255‬‬
‫‪6‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)1/86‬‬
‫‪13‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫المدينة(‪ ,)1‬وجاء في رواية البخاري‪ :‬فلما صلى الناس الصبح‪ ،‬واجتمع أولئك الرهط عند‬
‫المنبر‪ ،‬فأرسل إلى من كان حاضرًا من المهاجرين واألنصار‪ ،‬وأرسل إلى أمراء األجناد‬
‫وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر‪ ،‬فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ثم قال‪ :‬أما بعد‪ ،‬يا على‬
‫إني قد نظرت في أمر الناس‪ ،‬فلم أرهم يعدلون بعثمان‪ ،‬فال تجعل على نفسك سبيالً فقال‪:‬‬
‫(‪ )2‬أبايعك على سنة هللا‬
‫ورسوله والخليفتين من بعده‪ ،‬فبايعه الناس المهاجرون واألنصار وأمراء األجناد‬
‫والمسلمون(‪ ,)3‬وجاء في رواية صاحب التمهيد والبيان أن على بن أبي طالب أول من بايع‬
‫بعد عبد الرحمن بن عوف(‪.)4‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أباطيل رافضية دست في قصة الشورىـ‪:‬‬
‫هناك أباطيل رافضية دست في التاريخ اإلسالمي في قصة الشورى وتولية عثمان‬
‫الخالفة‪ ،‬وقد تلقفها المستشرقون وقاموا بتوسيع نشرها‪ ،‬وتأثر بها الكثير من المؤرخين‬
‫والمفكرين المحدثين‪ ،‬ولم يمحصوا الروايات ويحققوا في سندها ومتنها‪ ،‬فانتشرت بين‬
‫المسلمين‪ ،‬لقد اهتم مؤرخو الشيعة الرافضة بقصة الشورى وتولية عثمان بن عفان‬
‫الخالفة ودسوا فيها األباطيل واألكاذيب‪ ،‬وألف جماعة منهم كتبًا خاصة‪ ،‬فقد ألف أبو‬
‫مخنف كتاب الشورى‪ ،‬وكذلك ابن عقدة‪ ،‬وابن بابويه(‪ ,)5‬ونقل ابن سعد تسع روايات من‬
‫طريق الواقدى في خبر الشورى وبيعة عثمان وتاريخ توليه للخالفة(‪ ,)6‬ورواية من طريق‬
‫عبيد هللا بن موسى تضمنت مقتل عمر وحصره للشورى في الستة ووصيته لكل من على‬
‫وعثمان إذا تولى أحدهما أمر الخالفة‪ ،‬ووصيته لصهيب في هذا األمر(‪ ,)7‬وقد نقل‬
‫البالذرى خبر الشورى وبيعة عثمان عن أبي مخنف(‪ ,)8‬وعن هشام الكلبي منها ما نقله‬
‫عن أبي مخنف ومنها ما تفرد به(‪ ,)9‬وعن الواقدي(‪ ,)10‬وعن عبيد هللا بن موسى(‪,)11‬‬
‫واعتمد الطبري في هذه القصة على عدة روايات منها رواية أبي مخنف(‪ ,)12‬ونقل ابن أبي‬

‫‪1‬‬
‫() شهيد الدار‪ :‬ص (‪.)37‬‬
‫‪2‬‬
‫() قوله‪ :‬فقال‪ :‬أي عبد الرحمن مخاطبًا عثمان‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() البخاري‪ ،‬ك األحكام‪ ،‬رقم ‪.7207‬‬
‫‪4‬‬
‫() التمهيد والبيان ص(‪.)26‬‬
‫‪5‬‬
‫() الذريعة إلى تصانيف الشيعة (‪.)14/246‬‬
‫‪6‬‬
‫() الطبقات الكبرى (‪.)3/67( ،)63 /3‬‬
‫‪7‬‬
‫() الطبقات الكبرى (‪.)3/67( ،)3/63‬‬
‫‪8‬‬
‫() أنساب األشراف (‪.)19 ،5/18‬‬
‫‪9‬‬
‫() أنساب األشراف (‪.)19 ،5/18‬‬
‫‪10‬‬
‫() أنساب األشراف (‪.)19 ،5/18‬‬
‫‪11‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)5/6‬‬
‫‪12‬‬
‫() أثر التشيع على الروايات التاريخية‪ :‬ص(‪.)321‬‬
‫‪13‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الحديد بعض أحداث قصة الشورى من طريق أحمد بن عبد العزيز الجوهري(‪ ,)1‬وأشار‬
‫إلى نقله عن كتاب (الشورى) للواقدي(‪ ,)2‬وقد تضمنت الروايات الشيعية الرافضة عدة‬
‫أمور مدسوسة ليس لها دليل من الصحة‪ ،‬وهى‪:‬‬
‫‪ -1‬اتهام الصحابة بالمحاباة في أمر المسلمين‪ :‬اتهمت الروايات الشيعية‬
‫الرافضية الصحابة بالمحاباة في أمر المسلمين‪ ،‬وعدم رضا عل ّى بأن يقوم عبد الرحمن‬
‫باختيار الخليفة‪ ،‬فقد ورد عند أبي مخنف وهشام الكلبي عن أبيه وأحمد الجوهري أن عمر‬
‫جعل ترجيح الكفتين إذا تساوتا بعبد الرحمن بن عوف‪ ،‬وأن عليًا أحس بأن الخالفة قد‬
‫ذهبت منه‪ ،‬ألن عبد الرحمن سيقدم عثمان للمصاهرة التي بينهما(‪ ,)3‬وقد نفى ابن تيمية أي‬
‫ارتباط في النسب القريب بين عثمان وعبد الرحمن فقال‪ :‬إن عبد الرحمن ليس أ ًخا لعثمان‬
‫وال ابن عمه وال من قبيلته أصالً‪ ،‬بل هذا من بنى زهرة وهذا من بنى أمية‪ ،‬وبنو زهرة‬
‫إلى بنى هاشم أكثر ميالً منهم إلى بنى أمية‪ ،‬فإن بنى زهرة أخوال النبي ×‪ ،‬ومنهم عبد‬
‫الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص الذي قال له النبي ×‪ :‬هذا خالي‪ ،‬فليرني امرؤ‬
‫خاله (‪ ،)4‬فإن النبي × لم يؤاخ بين مهاجري ومهاجرى‪ ،‬وال بين أنصاري وأنصاري‪،‬‬
‫وإنما آخي بين المهاجرين واألنصار‪ ،‬فآخي بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع‬
‫األنصاري(‪ ,)5‬وحديثه مشهور ثابت في الصحاح وغيرها‪ ،‬يعرفه أهل العلم بذلك(‪ ,)6‬وقد‬
‫بنت الروايات الشيعية الرافضية محاباة عبد الرحمن لعثمان للمصاهرة التي كانت بينهما‪،‬‬
‫متناسية أن قوة النسب أقوى من المصاهرة من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى تناسوا طبيعة‬
‫العالقة بين المؤمنين في الجيل األول وأنها ال تقوم على نسب وال مصاهرة‪ ،‬وأما كيفية‬
‫المصاهرة‪ ،‬التي كانت بين عبد الرحمن وعثمان فهي أن عبد الرحمن تزوج أم كلثوم بنت‬
‫عقبة بن أبي معيط أخت الوليد(‪.)7‬‬
‫‪ -2‬حزب أموى وحزب هاشمي‪ :‬أشارت رواية أبي مخنف إلى وقوع مشادة بين‬
‫بنى هاشم وبنى أمية أثناء المبايعة وهذا غير صحيح‪ ،‬ولم يرد ذلك برواية صحيحة وال‬
‫ضعيفة(‪ ,)8‬وقد انساق بعض المؤرخين خلف الروايات الشيعية الرافضية لحاجة في‬
‫نفوسهم مع بطالنها سندًا ومتنًا من جهة وثبوت روايات صحيحة تناقض ما ذهبوا إليه من‬
‫جهة أخرى‪ ،‬وبنوا تحليالتهم الخاطئة على تلك الروايات‪ ،‬فصورا تشاور أصحاب‬
‫الرسول × في تحديد الخليفة الجديد بصورة الخالف العشائرى وأن الناس قد انقسموا إلى‬
‫حزبين؛ حزب أموى وحزب هاشمى‪ ،‬وهو تصور موهوم واستنتاج مردود ال دليل عليه‪،‬‬
‫إذ ليس نابعًا من ذلك الجو الذي كان يعيشه أصحاب رسول هللا × حينما كان يقف‬
‫‪1‬‬
‫() شرح نهج البالغة (‪.)58 ،50 ،9/49‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)9/15‬‬
‫‪3‬‬
‫() أثر التشيع على الروايات التاريخية‪ :‬ص (‪.)322‬‬
‫‪4‬‬
‫() صحيح سنن الترمذي (‪ )3/220‬رقم ‪.4018‬‬
‫‪5‬‬
‫() البخاري‪ ،‬ك مناقبـ األنصار رقم ‪.3780‬‬
‫‪6‬‬
‫() منهاج السنة النبوية (‪.)272 ،6/271‬‬
‫‪7‬‬
‫() الطبقات الكبرى (‪.)3/127‬‬
‫‪8‬‬
‫() مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري‪ :‬ص(‪.)178 ،177‬‬
‫‪13‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫المهاجرى مع األنصارى ضد أبيه وأخيه وابن عمه وبنى عشيرته‪ ،‬وليس نابعًا من‬
‫تصور هؤالء الصحب وهم يضحون بكل شيء من حطام الدنيا في سبيل أن يسلم لهم‬
‫دينهم‪ ،‬وال من المعرفة الصحيحة لهؤالء النخبة من المبشرين بالجنة‪ ،‬فاألحداث الكثيرة‬
‫التي رويت عن هؤالء تثبت أن هؤالء كانوا أكبر بكثير من أن ينطلقوا من هذه الزاوية‬
‫الضيقة في معالجة أمورهم‪ ،‬فليست القضية تمثيالً عائليًا أو عشائريًا‪ ،‬فهم أهل شورى‬
‫لمكانتهم في اإلسالم(‪.)1‬‬
‫‪ -3‬أكاذيب نسبت زورًا وبهتانًا لعلي رضي هللا عنه‪ :‬قال ابن كثير‪ :‬وما يذكره‬
‫كثير من المؤرخين كابن جرير وغيره عن رجال ال يعرفون أن عليًا قال لعبد الرحمن‪:‬‬
‫خدعتني‪ ،‬وإنك إنما وليته ألنه صهرك وليشاورك كل يوم في شأنه‪ ،‬وأنه تلكأ حتى قال‬
‫ث َعلَى‬ ‫اهلل َف ْو َق أَيْ ِدي ِه ْم فَ َمن نَّ َك َ‬
‫ث فَِإنَّ َما يَن ُك ُ‬ ‫ك إِنَّما يبايِعو َن اهلل ي ُد ِ‬
‫ََ‬ ‫ين ُيبَايِعُونَ َ َ َُ ُ‬
‫َّ ِ‬
‫عبد الرحمن‪+ :‬إِ َّن الذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫يما" [الفتح‪ ،]10:‬إلى غير ذلك من األخبار‬ ‫اه َد َعلَْيهُ اهللَ فَ َسُي ْؤتِيه أ ْ‬
‫َج ًرا َعظ ً‬ ‫َن ْفسه َو َم ْن أ َْوفَى بِ َما َع َ‬
‫المخالفة لما ثبت في الصحاح‪ ،‬فهي مردودة على قائليها وناقليها وهللا أعلم‪ ،‬والمظنون من‬
‫الصحابة خالف ما يتوهم كثير من الرافضة وأغبياء القُصاص الذين ال تمييز عندهم بين‬
‫صحيح األخبار وضعيفهاـ ومستقيمها وسقيمها (‪.)2‬‬
‫ثالثًا‪ :‬المفاضلة بين عثمان وعلى رضيـ هللا عنهما‪:‬‬
‫الذي عليه أهل السنة أن من قدم عليًا على أبي بكر وعمر فإنه ضال مبتدع‪ ،‬ومن قدم‬
‫عليًا على عثمان فإنه مخطئ وال يضللونه‪ ،‬وال يبدعونه(‪ ,)3‬وإن كان بعض أهل العلم قد‬
‫تكلم بشدة على من قدم عليا على عثمان بأنه قال‪ :‬من قدم عليًا على عثمان فقد زعم أن‬
‫أصحاب رسول هللا × خانوا األمانة حيث اختاروا عثمان على عل ‪‰‬ـًًّى رضي هللا عنه(‪ ,)4‬وقد‬
‫قال ابن تيمية‪ :‬استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان‪ ،‬وأن كانت هذه المسألة – مسألة‬
‫عثمان وعلى – ليست من األصولـ التي يضلل المخالف فيها عن جمهور أهل السنة‪ ،‬لكن‬
‫المسألة التي يضلل المخالف فيها هي مسألة الخالفة‪ ،‬وذلك أنهم يؤمنون بأن الخليفة بعد‬
‫رسول هللا × أبو بكر‪ ،‬ثم عمر‪ ،‬ثم عثمان‪ ،‬ثم على‪ ،‬ومن طعن في خالفة هؤالء األئمة‬
‫فهو أضل من حمار أهله(‪ ,)5‬وذكر أقوال أهل العلم في مسألة تفضيل عل ‪‰‬ـًًّى على عثمان‪:‬‬
‫فقال‪ :‬فيها روايتان‪ :‬إحداهما‪ ،‬ال يسوغ ذلك‪ ،‬فمن فضل عليًا على عثمان خرج من السنة‬
‫إلى البدعة‪ ،‬لمخالفته إلجماع الصحابة‪ ،‬ولهذا قيل‪ :‬من قدم عليًا على عثمان فقد أزرى‬
‫بالمهاجرين واألنصار‪ ،‬يروى ذلك عن غير واحد‪ ،‬منهم أيوب السختياني وأحمد بن حنبل‬
‫والدارقطني‪ ،‬الثانية‪ :‬ال يبدع من قدم عليًا‪ ،‬لتقارب حال عثمان وعلى(‪.)6‬‬
‫رابعًا‪ :‬على رضي هللا عنه يقيم الحدود ويستشار في شئون دولة عثمان‬
‫‪1‬‬
‫() الخلفاء الراشدين‪ ،‬أمين القضاة ص ‪.79 ،78‬‬
‫‪2‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/152‬‬
‫‪3‬‬
‫() مجموعة الفتاوى (‪.)102 ،3/101‬‬
‫‪4‬‬
‫() حقبة من التاريخ لعثمان الخميس‪ :‬ص (‪.)66‬‬
‫‪5‬‬
‫() مجموعة الفتاوى (‪.)102 ،3/101‬‬
‫‪6‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)4/267‬‬
‫‪13‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫رضيـ هللا عنه‪:‬‬
‫‪ -1‬إقامة على للحدود في عهد عثمان رضي هللا عنهما‪ :‬عن حصين بن‬
‫المنذر‪ ،‬قال‪ :‬شهدت عثمان بن عفان‪ ،‬وأتى بالوليد فشهد عليه رجالن أحدهما حمران أنه‬
‫شرب الخمر‪ ،‬وشهد آخر أنه لم يتقيأ‪ ،‬فقال عثمان‪ :‬إنه لم يتقيأ حتى شربها‪ ،‬فقال‪ :‬يا على‬
‫قم فاجلده فقال على‪ :‬قم يا حسن فاجلده‪ ،‬فقال الحسن‪ :‬و َّل حارها من تولى قارها(‪ ,)1‬فكأنه‬
‫وجد عليه‪ ،‬فقال‪ :‬يا عبد هللا بن جعفر قم فاجلده‪ ،‬فجلده وعلى يعد‪ ،‬حتى بلغ أربعين فقال‪:‬‬
‫أمسك‪ ،‬ثم قال‪ :‬جلد النبي × أربعين‪ ،‬وأبو بكر أربعين‪ ،‬وعمر ثمانين‪ ،‬وكل سنة‪ ،‬وهذا‬
‫أحب إل َّى(‪ .)2‬ويؤخذ من هذا الحديث أن عليًا رضي هللا عنه كان قريبًا من عثمان ومعينًا له‬
‫على طاعة هللا‪ ،‬وكان على رضي هللا عنه يقول في معرض دفاعه عن عثمان ردًا على‬
‫من يعيب على عثمان بفعل المنسوب للوليد‪ :‬إنكم ما تعيرون به عثمان كالطاعن نفسه‬
‫ليقتل ردءه(‪ ,)3‬ما ذنب عثمان في رجل قد ضربه بفعله وعزله عن عمله‪ ،‬وما ذنب عثمان‬
‫فيما صنع عن أمرنا(‪.)4‬‬
‫‪ -2‬استشارة عثمان لعلي وكبار الصحابة في فتح إفريقية‪ :‬جاء في رياض‬
‫النفوس أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان جاءه من واليه على مصر «عبد هللا بن سعد»‬
‫أن المسلمين يغيرون على أطراف إفريقية فيصيبون من عدوهم‪ ،‬وأنهم قريبون من حوز‬
‫المسلمين‪ ،‬فأعرب عثمان بن عفان رضي هللا عنه‪ -‬على إثر ذلك‪ -‬للمسور بن مخرمة عن‬
‫رغبته في بعث الجيوش لغزو إفريقية‪ ،‬جاء في هذا الصدد ما نصه‪ :‬فما رأيك يا ابن‬
‫مخرمة؟ قلت‪ :‬اغزهم‪ ،‬قال‪ :‬أجمع اليوم األكابر من أصحاب رسول هللا‪ ،‬وأستشيرهم‪ ،‬فما‬
‫أجمعوا عليه فعلته‪ ،‬أو ما أجمع عليه أكثرهم فعلته‪..‬رأيت عليًا‪ ،‬وطلحة والزبير والعباس‪،‬‬
‫وذكر رجاالً‪ ،‬فخال بكل واحد منهم في المسجد‪ ،‬ثم دعا أبا األعور «سعيد بن زيد» فقال‬
‫له عثمان‪ :‬لم كرهت‪ -‬يا أبا األعور – من بعثة الجيوش إلى إفريقية؟ فقال له‪ :‬سمعت‬
‫«عمر» يقول‪ :‬ال أغزيها أحدًا من المسلمين ما حملت عيناي الماء فال أرى لك خالف‬
‫عمر‪ ،‬فقال له عثمان‪ :‬وهللا ما نخافهم وإنهم لراضون أن يقروا في مواضعهم‪ ،‬فال يغزون‪،‬‬
‫فلم يختلف عليه أحد ممن شاوره غيره‪ ،‬ثم خطب الناس‪ ،‬وندبهم إلى الغزو‪ ،‬إلى إفريقية‪،‬‬
‫فخرج بعض الصحابة منهم عبد هللا بن الزبير‪ ،‬وأبو ذر الغفاري(‪.)5‬‬
‫‪ -3‬رأي على في جمع عثمان الناس على قراءة واحدة‪ :‬جمع عثمان رضي هللا‬
‫عنه المهاجرين واألنصار وشاورهم في األمر‪ ،‬وفيهم أعيان الصحابة وفي طليعتهم على‬
‫بن أبي طالب رضي هللا عنه‪ ،‬وعرض عثمان رضي هللا عنه هذه المعضلة على صفوة‬
‫األمة وقادتها الهادين المهديين‪ ،‬ودارسهم أمرها ودارسوه‪ ،‬وناقشهم فيها وناقشوه‪ ،‬حتى‬
‫عرف رأيهم وعرفوا رأيه‪ ،‬وظهر الناس في أرجاء األرض ما انعقد عليه إجماعهم‪ ،‬فلم‬
‫يعرف قط يومئذ لهم مخالف‪ ،‬وال عرف عند أحد نكير‪ ،‬وليس شأن القرآن الذي يخفي‬

‫‪1‬‬
‫() أي‪ :‬ولِّ بشدتها وأوساخهاـ من ولي هنيئها ولذاتها‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() شرح النووي على صحيح مسلم ك الحدود (‪.)11/216‬‬
‫‪3‬‬
‫() الردء هو العون‪ :‬تاريخ الطبري (‪.)5/278‬‬
‫‪4‬‬
‫() تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة (‪.)1/421‬‬
‫‪5‬‬
‫() رياض النفوس (‪ )9 -1/8‬الجهاد والقتال‪ ،‬هيكل (‪.)1/556‬‬
‫‪14‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫على آحاد األمة فضالً عن علمائها وأئمتها البارزين(‪ )1‬أن عثمان – رضي هللا عنه‪ -‬لم‬
‫يبتدع في جمعه للمصحف‪ ،‬بل سبقه إلى ذلك أبو بكر الصديق – رضي هللا عنه – كما أنه‬
‫لم يضع ذلك من قبل نفسه إنما فعله عن مشورة للصحابة‪ ،‬رضي هللا عنهم‪ ،‬وأعجبهم هذا‬
‫الفعل وقالوا‪ :‬نعم ما رأيت‪ ،‬وقالوا أيضًا‪ :‬قد أحسن – أي في فعله في المصاحف(‪ ,)2‬وقد‬
‫أدرك مصعب بن سعد صحابة النبي × حين مشق(‪ )3‬عثمان المصاحف فرآهم قد أعجبوا‬
‫بهذا الفعل منه(‪ ,)4‬وكان على رضي هللا عنه ينهي من يعيب على عثمان – رضي هللا عنه‬
‫– بذلك ويقول‪ :‬يا أيها الناس ال تغلوا في عثمان‪ ،‬وال تقولوا له إال خيرًا‪ ،‬فوهللا ما فعل‬
‫الذي فعل‪ -‬أي في المصاحف – إال عن مأل منا جميعًا؛ أي الصحابة‪..‬وهللا لو وليت لفعلت‬
‫مثل الذي فعل(‪ ,)5‬وجاء في رواية أخرى عن على قوله‪ :‬لما اختلف الناس في القرآن وبلغ‬
‫ذلك عثمان جمعنا أصحاب رسول هللا واستشارنا في جمع الناس على قراءة‪ ،‬فأجمع رأينا‬
‫مع رأيه على ذلك‪ ،‬وقال بعد ذلك‪ :‬لو وليت الذي ولى‪ ،‬لصنعت مثل الذي صنع(‪.)6‬‬
‫خامسًا‪ :‬موقف على رضيـ هللا عنه في فتنة عثمان رضيـ هللا عنه‪:‬‬
‫كانت هناك أسباب متنوعة ومتداخلة ساهمت في فتنة مقتل عثمان رضي هللا عنه‪،‬‬
‫كالرخاء وأثره في المجتمع‪ ،‬وطبيعة التحول االجتماعي‪ ،‬ومجئ عثمان بعد عمر رضي‬
‫هللا عنهما‪ ،‬وخروج كبار الصحابة من المدينة‪ ،‬والعصبية الجاهلية‪ ،‬وتآمر الحاقدين‪،‬‬
‫والتدبير المحكم إلثارة المآخذ ضد عثمان‪ ،‬واستخدام الوسائل واألساليب المهيجة للناس‪،‬‬
‫وأثر السبئية في أحداث الفتنة‪ ،‬وقد فصلت وشرحت تلك األسباب في كتابي «تيسير‬
‫الكريم المنان في سيرة عثمان بن عفان‪..‬شخصيته وعصره»‪.‬‬
‫لقد استخدم أعداء اإلسالم في فتنة مقتل عثمان األساليب والوسائل المهيجة للناس‪،‬‬
‫من إشاعة األراجيف حيث ترددت كلمة اإلشاعة واإلذاعة كثيرًا‪ ،‬والتحريض‪ ،‬والمناظرة‬
‫والمجادلة للخليفة أمام الناس‪ ،‬والطعن على الوالة‪ ،‬واستخدام تزوير الكتب واختالقها على‬
‫لسان الصحابة‪ ،‬رضي هللا عنهم‪ ،‬عائشة وعلى وطلحة والزبير‪ ،‬واإلشاعة بأن على بن‬
‫أبي طالب رضي هللا عنه األحق بالخالفة‪ ،‬وأنه الوصى بعد رسول هللا ×‪،‬م وتنظيم فرق‬
‫في كل من البصرة والكوفة ومصر‪ ،‬أربع فرق من كل مصر مما يدل على التدبير‬
‫المسبق‪ ،‬وأوهموا أهل المدينة أنهم ما جاءوا إال بدعوة الصحابة‪ ،‬وصعدوا األحداث حتى‬
‫وصلت إلى القتل(‪ ,)7‬وإلى جوار هذه الوسائل‪ ،‬استخدموا مجموعة من الشعارات منها‪،‬‬
‫التكبير‪ ،‬ومنها أن هذا ضد المظالم‪ ،‬ومنها أنهم ال يقومون إال باألمر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر‪ ،‬ومنها المطالبة باستبدال الوالة وعزلهم‪ ،‬ثم تطورت المطالبة إلى خلع عثمان‪،‬‬
‫إلى أن تمادوا في جرأتهم وطالبوا بل سارعوا إلى قتل الخليفة‪ ،‬وخاصة حينما وصلهم‬
‫‪1‬‬
‫() عثمان بن عفان‪ ،‬صادق عرجون‪ ،‬ص(‪.)175‬‬
‫‪2‬‬
‫() فتنة مقتل عثمان (‪.)1/78‬‬
‫‪3‬‬
‫() مشق‪ :‬أحرق (لسان العرب ‪.)10/344‬‬
‫‪4‬‬
‫() التاريخ الصغير للبخاري (‪ )1/94‬إسناده حسن لغيره‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() فتح الباري (‪ )9/18‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() سنن أبي داود‪ ،‬ك المصاحف‪ ،‬ص (‪ )30 ،29‬إسناده صحيح‪ ،‬خالفة على بن أبي طالب‪ ،‬عبد الحميد‬
‫على‪ ،‬ص (‪.)80‬‬
‫‪7‬‬
‫() دراسات في عهد النبوة والخالفة الراشدة‪ ،‬ص (‪.)410‬‬
‫‪14‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الخبر بأن أهل األمصار قادمون لنصرة الخليفة‪ ،‬فزادهم حماسهم المحموم لتضيق الخناق‬
‫على الخليفة‪ ،‬والتشوق إلى قتله بأي وسيلة(‪.)1‬‬
‫كان التنظيم السبئي بقيادة عبد هللا بن سبأ اليهودي خلف تلكم األحداث والتي بعدها‪،‬‬
‫وسيأتي الحديث عنه بإذن هللا‪ ،‬وعن عثمان الذي هز مقتله العالم اإلسالمي وأثر في كثير‬
‫من األحداث إلى يومنا هذا‪.‬‬
‫‪ -1‬موقف على رضي هللا عنه في بداية الفتنة‪:‬استمر على – رضي هللا عنه –‬
‫في طريقته المعهوده مع الخلفاء‪ ،‬وهى السمع والطاعة واإلدالء بالمشورة والنصح‪ ،‬وقد‬
‫عبر بنفسه عن مدى طاعته للخليفة عثمان والتزام أمره ولو كان شاقًا بقوله‪ :‬لو سيرني‬
‫عثمان إلى صرار لسمعت وأطعت(‪ ,)2‬وعندما نزل المتمردون في ذى المروة قبل مقتل‬
‫عثمان بما يقارب شهرًا ونصفًا‪ ،‬أرسل إليهم عثمان عليًا ورجال آخر لم تسمه الروايات‬
‫والتقى بهم على رضي هللا عنه فقال لهم‪ :‬تعطون كتاب هللا‪ ،‬وتعتبون من كل ما سخطتم‪،‬‬
‫فوافقوا على ذلك(‪ ,)3‬وفي رواية أنهم شادوه مرتين أو ثالثًا‪ ،‬ثم قالوا‪ :‬ابن عم رسول هللا‬
‫×‪ ،‬ورسول أمير المؤمنين يعرض عليكم كتاب هللا فقبلوا(‪ ,)4‬فاصطلحوا على خمس‪ :‬على‬
‫أن المنفي يقلب‪ ،‬والمحروم يعطى‪ ،‬ويوفر الفئ‪ ،‬ويعدل في القسم‪ ،‬ويستعمل ذو األمانة‬
‫والقوة‪ ،‬وكتبوا ذلك في كتاب‪ ،‬أن يرد ابن عامر على البصرة‪ ،‬وأن يبقى أبو موسى على‬
‫الكوفة(‪ ,)5‬وهكذا اصطلح عثمان – رضي هللا عنه – مع كل وفد على حدة ثم انصرفت‬
‫الوفود إلى ديارها(‪ ,)6‬وبعد هذا الصلح وعودة أهل األمصار جميعًا راضين تبين لمشعلي‬
‫الفتنة أن خطتهم قد فشلت‪ ،‬وأن أهدافهم الدنيئة لم تتحقق‪ ،‬لذا خططوا تخطيطًا آخر‪ -‬يذكي‬
‫الفتنة ويحييها‪ -‬يقتضي تدمير ما جرى من صلح بين أهل األمصار‪ ،‬وعثمان رضي هللا‬
‫عنه‪ ،‬وبرز ذلك فيما يأتي‪:‬‬
‫في أثناء طريق عودة أهل مصر‪ ،‬رأوا راكبًا على جمل يتعرض لهم‪ ،‬ويفارقهم فكأنه‬
‫يقول‪ :‬خذوني‪ ،‬فقبضوا عليه‪ ،‬وقالوا له‪ :‬مالك؟ فقال‪ :‬أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله‬
‫بمصر‪ ،‬ففتشوه فإذا هم بكتاب على لسان عثمان‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬ففتحوا الكتاب فإذا فيه‬
‫أمر بصلبهم أو قتلهم أو تقطيع أيديهم وأرجلهم‪ ،‬فرجعوا إلى المدينة حتى وصلوها(‪،)7‬‬
‫ونفيـ عثمان‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬أن يكون كتب هذا الكتاب‪ ،‬وقال لهم‪ :‬إنهما اثنتان‪ :‬أن‬
‫تقيموا رجلين من المسلمين أو يمين باهلل الذي ال إله إال هو ما كتبت وال أمللت‪ ،‬وال‬
‫علمت‪ ،‬وقد يكتب الكتاب على لسان الرجل وينقش الخاتم‪ ،‬فلم يصدقوه(‪ ,)8‬وهو الصادق‬
‫البار لغاية في نفوسهم‪ ،‬وهذا الكتاب الذي زعم هؤالء المتمردون البغاة المنحرفون أنه‬
‫‪1‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص(‪.)402‬‬
‫‪2‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪ )15/225‬سنده صحيح‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ دمشق ترجمة عثمان ص (‪ ،)338‬تاريخ خليفة‪ ،‬ص (‪.)169‬‬
‫‪4‬‬
‫() فتنة مقتل عثمان (‪.)1/129‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)1/129‬‬
‫‪6‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)1/329‬‬
‫‪7‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/379‬‬
‫‪8‬‬
‫() فتنة مقتل عثمان (‪ ،)5/132‬البداية والنهاية (‪.)7/191‬‬
‫‪14‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫من عثمان وعليه خاتمه يحمله غالمه على واحد من إبل الصدقة إلى عامله بمصر ابن‬
‫أبي سرح‪ ،‬يأمر فيه بقتل هؤالء الخارجين هو كتاب مزور مكذوب على لسان عثمان‬
‫وذلك لعدة أمور منها(‪ :)1‬كيف علم العراقيون باألمر وقد اتجهوا إلى بالدهم‪ ،‬وفصلتهم عن‬
‫المصريين – الذين أمسكوا بالكتاب المزعوم‪ -‬مسافة شاسعة‪ ،‬فالعراقيون في الشرق‬
‫والمصريون في الغرب‪ ،‬ومع ذلك عادوا جميعًا في آن واحد‪ ،‬كأنما كانوا على ميعاد؟ ال‬
‫يعقل هذا إال إذا كان الذين زوروا الكتاب واستأجروا راكبًا ليحمله ويمثل الدور في‬
‫البويب أمام المصريين‪ ،‬قد استأجروا راكبًا آخر انطلق إلى العراقيين ليخبرهم بأن‬
‫المصريين قد اكتشفوا كتابًا بعث فيه عثمان لقتل المنحرفين المصريين‪ ،‬وهذا ما احتج به‬
‫على بن أبي طالب رضي هللا عنه فقد قال‪ :‬كيف علمتم يا أهل الكوفة ويا أهل البصرة بما‬
‫لقى أهل مصر‪ ،‬وقد سرتم مراحل ثم طويتم نحونا(‪ ,)2‬بل إن عليًا يجزم‪ :‬هذا وهللا أمر أبرم‬
‫بالمدينة(‪.)3‬‬
‫إن هذا الكتاب المشئوم ليس أول كتاب يزوره هؤالء المجرمون‪ ،‬بل زوروا كتبًا‬
‫على لسان أمهات المؤمنين‪ ،‬وكذلك على لسان على وطلحة والزبير‪ ،‬فهذه عائشة‪ ،‬رضي‬
‫هللا عنها‪ ،‬تُتهم بأنها كتبت إلى الناس تأمرهم بالخروج على عثمان فتنفي وتقول‪ :‬ال والذي‬
‫آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون ما كتبت لهم سوداء في بيضاء حتى جلست مجلسى‬
‫هذا(‪ ,)4‬ويعقب األعمش فيقول‪ :‬فكانوا يرون أنه كتب على لسانها(‪ ,)5‬ويتهم الوافدون عليًا‬
‫بأنه كتب إليهم أن يقدموا عليه بالمدينة‪ ،‬فينكر ذلك عليهم ويقسم‪ :‬وهللا ما كتبت إليكم‬
‫كتابا(‪ ,)6‬كما ينسب إلى الصحابة بكتابة الكتب إلى أهل األمصار يأمرونهم بالقدوم إليهم‪،‬‬
‫فدين محمد قد فسد وترك‪ ،‬والجهاد في المدينة خير من الرباط في الثغور البعيدة(‪ ,)7‬ويعلق‬
‫ابن كثير على هذا الخبر قائالً‪ :‬وهذا كذب على الصحابة‪ ،‬وإنما كتبت كتب مزورة عليهم‪،‬‬
‫فقد كتب من جهة على وطلحة والزبير إلى الخوارج‪ -‬قتلة عثمان‪ -‬كتب مزورة عليهم‬
‫أنكروها‪ ،‬وكذلك زور هذا الكتاب على عثمان أيضا‪ ،‬فإنه لم يأمر به‪ ،‬ولم يعلم به(‪,)8‬‬
‫ويؤكد كالم ابن كثير ما رواه الطبري وخليفة من استنكار كبار الصحابة‪ -‬على وعائشة‬
‫والزبير‪ -‬أنفسهم لهذه الكتب في أصح الروايات(‪ .)9‬إن األيدى المجرمة التي زورت‬
‫الرسائل الكاذبة على لسان أولئك الصحابة هى نفسها التي أوقدت نار الفتن من أولها إلى‬
‫آخرها‪ ،‬ورتبت ذلك الفساد العريض‪ ،‬وهى التي زورت وروجت على عثمان تلك‬
‫األباطيل‪ ،‬وأنه فعل وفعل‪ ،‬ولقنتها للناس‪ ،‬حتى قبلها الرعاع‪ ،‬ثم زورت على لسان‬
‫‪1‬‬
‫() تيسير الكريم المنان في سيرة عثمان بن عفان للصالبي‪ ،‬ص (‪.)410‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/359‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/359‬‬
‫‪4‬‬
‫() تحقيق موافق الصحابة (‪.)1/334‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ خليفة بن خياط‪ ،‬ص (‪.)169‬‬
‫‪6‬‬
‫() تحقيق مواقف الصحابة (‪ ،)1/335‬البداية والنهاية (‪.)7/191‬‬
‫‪7‬‬
‫() تحقيق مواقف الصحابة (‪ )1/335‬البداية والنهاية (‪.)7/175‬‬
‫‪8‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/175‬‬
‫‪9‬‬
‫() تحقيق مواقف الصحابة (‪.)1/335‬‬
‫‪14‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫عثمان ذلك الكتاب‪ ،‬ليذهب عثمان ضحية إلى ربه شهيدًا سعيدًا‪ ،‬ولم يكن عثمان الشهيد‬
‫هو المجني عليه وحده في هذه المؤامرة السبئية اليهودية‪ ،‬بل اإلسالم نفسه كان مجنيًا‬
‫عليه قبل ذلك‪ ،‬ثم التاريخ المشوه المحرف‪ ،‬واألجيال اإلسالمية التي تلقت تاريخها مشوهًا‬
‫هى كذلك ممن جنى عليهم الخبيث اليهودي‪ ،‬وأعوانه من أصحاب المطامع والشهوات‬
‫والحقد الدفين‪ ،‬أما آن لألجيال اإلسالمية أن تعرف تاريخها الحق‪ ،‬وسير رجاالتها‬
‫العظام؟ بل ألم يأن لمن يكتب في هذا العصر من المسلمين أن يخاف هللا وال يتجرأ على‬
‫تجريح األبرياء قبل أن يحقق ويدقق حتى ال يسقط كما سقط غيره(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬موقف على رضي هللا عنه أثناء الحصار‪ :‬اشتد الحصار على عثمان رضي‬
‫هللا عنه‪ ،‬حتى منع من أن يحضر للصالة في المسجد‪ ،‬وكان صابرًا على هذه البلوى التي‬
‫أصابته كما أمره رسول هللا × بذلك‪ ،‬وكان مع إيمانه القوى بالقضاء والقدر‪ ،‬يحاول أن‬
‫يجد حالً لهذه المصيبة‪ ،‬فنراه تارة يخطب الناس عن حرمة دم المسلم‪ ،‬وأنه ال يحل سفكه‬
‫إال بحقه‪،‬ن وتارة يتحدث في الناس ويظهر فضائله وخدماته الجليلة في اإلسالم‪ ،‬ويستشهد‬
‫على ذلك ببقية العشرة رضوان هللا عليهم‪ )2( ،‬وكأنه يقول‪ :‬من هذا عمله وفضله هل من‬
‫الممكن أن يطمع بالدنيا ويقدمها على اآلخرة؟ وهل يعقل أن يخون األمانة ويعبث بأموال‬
‫األمة ودمائها وهو يعرف عاقبة ذلك عند هللا وهو الذي تربى على عين النبي × والذي‬
‫شهد له وزكاه وكذلك أفاضل الصحابة‪ ،‬أهكذا تكون معاملته؟!‪.‬‬
‫واشتدت سيطرة الثوار على المدينة حتى أنهم ليصلون بالناس في أغلب األوقات(‪,)3‬‬
‫وحينما أدرك الصحابة أن األمر ليس كما حسبوا‪ ،‬وخشوا من حدوث ما ال يحمد عقباه‪،‬‬
‫وقد بلغهم أن القوم يريدون قتله‪ ،‬فعرضوا عليه أن يدافعوا عنه‪ ،‬ويخرجوا الغوغاء عن‬
‫المدينة‪ ،‬إال أنه رفض أن يراق دم بسببه(‪ ,)4‬وأرسل كبار الصحابة أبناءهم دون استشارة‬
‫عثمان‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬ومن هؤالء الحسن بن على رضي هللا عنهما‪ ،‬وعبد هللا بن الزبير‬
‫حيث تذكر بعض الروايات ان الحسن حُمل جريحًا من الدار(‪ ,)5‬كما جرح غير الحسن‪،‬‬
‫عبد هللا بن الزبير‪ ،‬ومحمد بن حاطب‪ ،‬ومروان بن الحكم‪ ،‬كما كان معهم الحسين بن على‬
‫وابن عمر رضي هللا عنهما(‪ ,)6‬وقد كان على من أدفع الناس عن عثمان‪ ،‬رضي هللا عنه‪،‬‬
‫وشهد له بذلك مروان بن الحكم(‪ ,)7‬أقرب الناس إلى عثمان رضي هللا عنه‪ ،‬وألصقهم به‬
‫في تلك المحنة القاسية األليمة‪ ،‬وقد أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد هللا‪ ،‬رضي هللا‬
‫عنه‪ ،‬أن عليًا أرسل إلى عثمان فقال‪ :‬إن معي خمسمائة دارع‪ ،‬فأذن لي‪ ،‬فأمنعك من‬
‫القوم‪ ،‬فإنك لم تحدث شيئًا يستحل به دمك‪ ،‬فقال‪ :‬جزيت خيرًا‪ ،‬ما أحب أن يهراق دم في‬

‫‪1‬‬
‫() عثمان بن عفان الخليفة الشاكر الصابر‪ ،‬ص (‪.)229 ،228‬‬
‫‪2‬‬
‫() خالفة على بن أبي طالب‪ ،‬عبد الحميد على‪ ،‬ص (‪.)85‬‬
‫‪3‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)3/515‬‬
‫‪4‬‬
‫() فتنة مقتل عثمان (‪ ،)1/167‬المسند (‪ )1/396‬أحمد شاكر‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() الطبقات البن سعد (‪ )8/128‬بسند صحيح‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() تاريخ خليفة‪ ،‬ص (‪.)174‬‬
‫‪7‬‬
‫() تاريخ اإلسالم للذهبي‪ ،‬الخلفاء الراشدون‪ ،‬ص (‪ )461 ،460‬إسناده قوى‪.‬‬
‫‪14‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫سببي(‪ ,)1‬وقد وردت روايات عديدة تفيد وقوفه بجانب عثمان‪ ،‬رضي هللا عنهما‪ ،‬أثناء‬
‫الحصار‪ ،‬فمن ذلك‪ :‬أن الثائرين منعوا عن عثمان الماء حتى كاد أهله أن يموتوا عط ًشا‪،‬‬
‫فأرسل على رضي هللا عنه إليه بثالث قرب مملوءة ماء‪ ،‬فما كادت تصل إليه‪ ،‬وجرح‬
‫بسببها عدة من موالي بني هاشم وبنى أمية حتى وصلت(‪ ,)2‬ولقد تسارعت األحداث فوثب‬
‫الغوغاء على عثمان وقتلوه‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬وأرضاه‪ ،‬ووصل الخبر إلى الصحابة‬
‫وأكثرهم في المسجد‪ ،‬فذهبت عقولهم‪ ،‬وقال على ألبنائه وأبناء إخوانه‪ :‬كيف قتل عثمان‬
‫وأنتم على الباب؟ ولطم الحسن‪ ،‬وكان قد جرح(‪ )3‬وضرب صدر الحسين‪ ،‬وشتم ابن الزبير‬
‫وابن طلحة‪ ،‬وخرج غضبان إلى منزله ويقول‪ :‬تبًا لكم سائر الدهر‪ ،‬اللهم إني أبرأ إليك‬
‫من دمه أن أكون قتلت أو ماألت على قتله(‪ ,)4‬وهكذا كان موقف على رضي هللا عنه‪،‬‬
‫نصحًا وشورى‪ ،‬سمعًا وطاعة‪ ،‬وقفة قوية بجانبه أثناء الفتنة‪ ،‬ومن أدفع الناس عنه‪ ،‬ولم‬
‫يذكره بسوء قط‪ ،‬يحاول اإلصالح وسد الخرق بين الخليفة والخارجين عليه‪ ،‬لكن األمر‬
‫فوق طاقته‪ ،‬وخارج إرادته‪ ،‬إنها إرادة هللا عز وجل أن يفوز أمير المؤمنين عثمان بن‬
‫عفان رضي هللا عنه بالشهادة(‪.)5‬‬
‫‪ -3‬المصاهرات بين آل على وآل عثمان رضي هللا عنه‪ :‬لم يكن بين بنى هاشم‬
‫وبنى أمية من المباغضة والعداوة والمنافرة التي اخترعها وابتكرها أعداء اإلسالم‬
‫والمسلمين ونسجوا األساطير والقصص حولها‪ ،‬ولقد اتضح لكل منصف أن بنى أمية مع‬
‫بنى هاشم عالقتهم فيما بينهم عالقة أبناء العمومة واإلخوان والخالن‪ ،‬فهم من أقرب‬
‫الناس فيما بينهم‪ ،‬يتبادلون الحب والتقدير واالحترام‪ ،‬ويتقاسمون الهموم واآلالم‬
‫واألحزان‪ ،‬فبنوا أمية وبنو هاشم كلهم أبناء أب واحد‪ ،‬وأحفاد جد واحد‪ ،‬وأغصان شجرة‬
‫واحدة قبل اإلسالم وبعد اإلسالم‪ ،‬وكلهم استقوا من عين واحدة ومنبع صاف واحد‪،‬‬
‫وأخذوا الثمار من دين هللا الحنيف الذي جاء به رسول هللا الصادق األمين‪ ،‬المعلم‪،‬‬
‫المربي‪ ،‬خاتم األنبياء والمرسلين‪ ،‬ولقد كان بين أبي سفيان وبين العباس صداقة يضرب‬
‫بها األمثال(‪ ,)6‬كما كانت بينهم المصاهرات قبل اإلسالم وبعده‪ ،‬فلقد زوج رسول هللا ×‬
‫بناته الثالث من األربعة من بنى أمية؛ من أبي العاص بن الربيع وهو من بنى أمية‪ ،‬ومن‬
‫عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية‪ ،‬وهو مع ذلك ابن بنت عمة رسول هللا × التي‬
‫ولدت مع والد رسول هللا عليه الصالة والسالم عبد هللا بن عبد المطلب توءمين أروى‬
‫بنت كريز بن حبيب بن عبد شمس وهى أم عثمان وأمها أم حكيم وهى البيضاء بنت عبد‬
‫المطلب عمة النبي ×‪ ،‬هذا ولقد تزوج بعد عثمان بن عفان‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬من بنى هاشم‬
‫ابنه أبان بن عثمان‪ ،‬وكانت عنده أم كلثوم بنت عبد هللا بن جعفر (الطيار) بن أبي طالب‬
‫شقيق على رضي هللا عنهما(‪ ,)7‬وحفيدة على‪ ،‬وبنت الحسين سكينة كانت متزوجة من‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ دمشق‪ ،‬ص(‪.)403‬‬
‫‪2‬‬
‫() أنساب األشراف للبالذرى (‪.)5/67‬‬
‫‪3‬‬
‫() ابن أبي عاصم‪ ،‬اآلحاد والثماني (‪ )1/125‬نقال عن خالفة على‪ ،‬ص(‪.)87‬‬
‫‪4‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪ )15/209‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() خالفة على بن أبي طالب‪ ،‬عبد الحميد على ص(‪.)87‬‬
‫‪6‬‬
‫() الشيعة وأهل البيت ص (‪.)141‬‬
‫‪7‬‬
‫() المعارف للدينورى‪ ،‬ص (‪ ،)86‬الشيعة وأهل البيت ص (‪.)141‬‬
‫‪14‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫حفيد عثمان زيد بن عمرو بن عثمان‪ ،‬رضي هللا عنهم أجمعين‪ ،‬وحفيدة على الثانية وابنة‬
‫الحسين فاطمة كانت متزوجة من حفيد عثمان اآلخر‪ ،‬محمد بن عبد هللا بن عمرو بن‬
‫عثمان بن عفان‪ ،‬وكانت أم حبيبة بنت أبي سفيان سيد بنى أمية متزوجة من سيد بنى‬
‫هاشم وسيد ولد آدم رسول هللا الصادق األمين كما هو معروف‪ ،‬كما أن هند بنت أبي‬
‫سفيان كانت متزوجة من الحارث بن نوفل ابن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم فولدت‬
‫له ابنه محمدًا(‪.)8‬‬
‫وتزوجت لبابة بنت عبيد هللا بن عباس بن عبد المطلب‪ ،‬العباس بن على بن أبي‬
‫طالب‪ ،‬ثم خلف عليها الوليد بن عتبة (ابن أخي معاوية) ابن أبي سفيان(‪ ,)1‬وتزوجت رملة‬
‫بنت محمد بن جعفر‪ -‬الطيار – بن أبي طالب سليمان بن هشام بن عبد الملك (األموى) ثم‬
‫أبا القاسم بن وليد بن عتبة بن أبي سفيان(‪ ,)2‬كذلك تزوجت ابنة على بن أبي طالب رملة‬
‫من ابن مروان بن الحكم(‪ )3‬بن أبي العاص بن أمية‪ ،‬فقد كانت رملة بنت على عند أبي‬
‫الهياج‪ ..‬ثم خلف عليها معاوية بن مروان بن الحكم بن أبي العاص(‪ ,)4‬وتزوجت حفيدة‬
‫على بن أبي طالب من حفيد مروان بن الحكم‪ ،‬فنفيسة بنت زيد بن الحسن بن على بن أبي‬
‫طالب تزوجها الوليد بن عبد الملك بن مروان فتوفيت عنده‪ ،‬وأمها لبابة بنت عبد هللا بن‬
‫عباس(‪ ,)5‬وقد اكتفيت ببيان بعض منها‪ ،‬وفيها كفاية لمن أراد الحق والتبصر(‪.)6‬‬
‫سادسًا‪ :‬من أقوال على في الخلفاء الراشدين‪:‬‬
‫إن خالفة أبي بكر وعمر وعثمان وعلى رضي هللا عنهم قد أجمع على صحتها‬
‫وانعقادها الصحابة الكرام‪ ،‬ومن طعن في أحد منهم فقد خالف قول هللا تعالى‪:‬‬
‫صلِ ِه‬ ‫ِ‬
‫ين ُن َولِّه َما َت َولَّى َونُ ْ‬‫ِِ‬ ‫ول ِمن َب ْع ِد َما َتَبيَّ َن لَهُ ال ُْه َدى َو َيتَّبِ ْع غَْي َر َسبِ ِ‬ ‫‪َ +‬و َمن يُ َشاقِ ِق َّ‬
‫يل ال ُْم ْؤمن َ‬ ‫الر ُس َ‬
‫تم ِ‬
‫ص ًيرا" [النساء‪،]115:‬وقول النبي ×‪« :‬عليكم بسنتي وسنة الخلفاء‬ ‫اء ْ َ‬ ‫َّم َو َس َ‬
‫َج َهن َ‬
‫الراشدين المهديين‪ ،‬عضوا عليها بالنواجذ» فهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلى‪،‬‬
‫رضي هللا عنهم ومن اتبعهم بإحسان(‪ ,)7‬وما أحسن ما قاله أيوب السختيانى في هذا المقام‬
‫حيث قال‪ :‬من أحب أبا بكر فقد أقام الدين‪ ،‬ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل ومن أحب‬
‫عثمان فقد استنار بنور هللا عز وجل‪ ،‬ومن أحب عليًا فقد استمسك بالعروة الوثقى‪ ،‬ومن‬
‫أحسن القول في أصحاب محمد فقد برئ من النفاق(‪.)8‬‬

‫‪8‬‬
‫() طبقات ابن سعد (‪ ،)5/15‬اإلصابة (‪.)59 ،3/58‬‬
‫‪1‬‬
‫() نسب قريش‪ ،‬ص (‪ ،)123‬الشيعة وأهل البيت‪ ،‬ص (‪.)143‬‬
‫‪2‬‬
‫() الشيعة وأهل البيت‪ ،‬ص (‪.)143‬‬
‫‪3‬‬
‫() الشيعة وأهل البيت‪ ،‬ص (‪.)143‬‬
‫‪4‬‬
‫() جمهرة أنساب العرب ص (‪ ،)87‬نسب قريش‪ ،‬ص (‪.)45‬‬
‫‪5‬‬
‫() طبقات ابن سعد (‪.)5/234‬‬
‫‪6‬‬
‫() الشيعة وأهل البيت‪ ،‬ص(‪.)144‬‬
‫‪7‬‬
‫() الشريعة لآلجرى (‪.)4/1768‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)1773 ،4/1772‬‬
‫‪14‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫كما رضيت عتيقًا صاحب الغار‬ ‫إني رضيت عليًا قدوة عل ًما‬
‫وما رضيت بقتل الشيخ في الدار‬ ‫وقد رضيت أبا حفص وشيعته‬
‫فهل عل َّى بهذا القول من عار‬ ‫كل الصحابة عندي قدوة علم‬
‫(‪)1‬‬
‫إال لوجهك أعتقني من النار‬ ‫إن كنت تعلم أني ال أحبهم‬
‫هذا وقد جاءت األدلة القاطعة والبراهين الساطعة في العالقة المتميزة بين على‬
‫والخلفاء الراشدين‪ ،‬رضي هللا عنهم‪ ،‬وقد تم توضيح ذلك في الصفحات الماضية‪ ،‬وهذه‬
‫بعض األدلة نضيفها إلى ما سبق من براهين ساطعة على مكانة الخلفاء الراشدين عند‬
‫أمير المؤمنين على رضي هللا عنه‪.‬‬
‫‪ -1‬سيدا كهول أهل الجنة وشبابها‪ :‬عن على رضي هللا عنه قال‪ :‬كنت عند النبي‬
‫×‪ ،‬فأقبل أبو بكر وعمر‪ ،‬فقال‪ :‬يا على‪ ،‬هذان سيدا كهول أهل الجنة‪ ،‬وشبابها‪،‬‬
‫بعد النبيين والمرسلين(‪.)2‬‬
‫ما أضمر لهما إلا الذي أتمنى المضى عليه‪ :‬عن سويد بن غفلة‪ ،‬قال‪ :‬مررت‬
‫بنفر من الشيعة يتناولون أبا بكر وعمر فدخلت على عل ‪‰‬ـًًّى فقلت‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬مررت‬
‫بنفر من أصحابك آنفًا يتناولون أبا بكر وعمر بغير الذي هما له من األمة أهل‪ ،‬فلوال أنك‬
‫تُضْ ُمر على مثل ما أعلنوا عليه ما تجرءوا على ذلك فقال عل ّى‪ :‬ما أضمر لهما إال الذي‬
‫أتمنى المضى عليه‪ ،‬لعن هللا من أضمر لهما إال الحسن الجميل‪ ،‬ثم نهض دامع العين‬
‫يبكي‪ ،‬قابضًا على يدي حتى دخل المسجد‪ ،‬فصعد المنبر وجلس عليه متمكنًا قابضًا على‬
‫لحيته ينظر فيها وهى بيضاء‪ ،‬حتى اجتمع له الناس‪ ،‬ثم قام فخطب خطبة موجزة بليغة‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬ما بال قوم يذكرون سيدي قريش وأبوى المسلمين؟ أنا مما قالوا برىٌّ ‪ ،‬وعلى ما‬
‫قالوا ُمعاقب‪ ،‬أال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة‪ ،‬ال يحبهما إال مؤمن تقي‪ ،‬وال يبغضهما إال‬
‫فاجر ردي‪ ،‬صحبا رسول هللا على الصدق والوفاء‪ ،‬يأمران وينهيان وما يجاوزان فيما‬
‫يصنعان رأي رسول هللا‪ ،‬وال كان رسول هللا يرى بمثل رأيهما‪ ،‬وال يحب كحبهما أحدًا‪،‬‬
‫قضي رسول هللا × وهو عنهما راض‪ ،‬ومضيا والمؤمنون عنهما راضون‪ ،‬أمر رسول‬
‫هللا أبا بكر لصالة المؤمنين فصلى بهم تسعة أيام(‪ )3‬في حياة رسول هللا ×‪ ،‬فلما قبض هللا‬
‫تعالى نبيه × واختار له ما عنده‪ ،‬واله المؤمنون أمرهم‪ ،‬وقضوا إليه الزكاة‪ ،‬ألنهما‬
‫مقرونان‪ ،‬ثم أعطوه البيعة طائعين غير كارهين‪ ،‬أنا أول من سن ذلك من بنى عبد‬
‫المطلب‪ ،‬وهو لذلك كاره يود أن أحدنا كفاه ذلك‪ ،‬وكان وهللا خير من بقى‪ ،‬أرحمه رحمة‪،‬‬
‫وأرأفه رأفة‪ ،‬وأثبته ورعًا‪ ،‬وأقدمه سنًا وإسال ًما‪..‬فسار فينا سيرة رسول هللا × حتى مضى‬
‫على ذلك‪ ،‬ثم ولى عمر األمر من بعده‪ ،‬فمنهم من رضي‪ ،‬ومنهم من كره‪ ،‬فلم يفارق الدنيا‬
‫حتى رضي به من كان كرهه‪ ،‬فأقام األمر على منهاج النبي × وصاحبه‪ ،‬يتبع آثارهما‬

‫‪1‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)5/2536‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسند أحمد الموسوعة الحديثية رقم ‪602‬حديث صحيح وهذا إسناد حسن‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() في األصل سبعة‪ ،‬وورد تصويبها في الهامش‪.‬‬
‫‪14‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫كتباع الفصيل(‪ )1‬أمه‪ ،‬وكان وهللا رفيقًا رحي ًما‪ ،‬وللمظلومين عونًا راح ًما وناصرًا‪ ،‬ال يخاف‬
‫في هللا لومة الئم‪ ،‬ضرب هللا بالحق على لسانه‪ ،‬وجعل الصدق من شأنه‪ ،‬حتى كنا نظن‬
‫أن مل ًكا ينطق على لسانه‪ ،‬أعز هللا بإسالم اإلسالم‪ ،‬وجعل هجرته للدين قوا ًما‪ ،‬ألقى هللا‬
‫تعالى له في قلوب المنافقين الرهبة‪ ،‬وفي قلوب المؤمنين المحبة‪..‬إلى أن قال‪ :‬فمن لكم‬
‫بمثلهما – رحمة هللا عليهما‪ -‬ورزقنا المضى على سبيلهما‪ ،‬فإنه ال يبلغ مبلغهما إال باتباع‬
‫والحًب لهما‪ ،‬أال فمن أحبنى فلُيحبهما‪ ،‬ومن لم يحبهما فقد أبغضني‪ ،‬وأنا منه‬
‫‪‰‬ـًّ‬ ‫آثارهما‬
‫برئ‪ ،‬ولو كنت تقدمت إليكم في أمرهما لعاقبت على هذا أشد العقوبة‪ ،‬ولكن ال ينبغي أن‬
‫أعاقب قبل التقدم‪ ،‬أال فمن أتيت به يقول هذا بعد اليوم‪ ،‬فإن عليه ما على المفترى‪ ،‬أال‬
‫وخير هذه األمة بعد نبيها‪ :‬أبو بكر وعمر‪ ،‬ولو شئت سميت الثالث‪ ،‬وأستغفر هللا لي‬
‫ولكم(‪.)2‬‬
‫‪ -3‬هذا عثمان بن على سميته بعثمان بن عفان‪:‬عن أبي سعيد الخدري‪ :‬نظرت‬
‫إلى غالم أيفع(‪ ,)3‬له ذؤابة(‪ )4‬وجمة(‪ , )5‬وهللا يعلم أني منه حينئذ لفي شك‪ ،‬ما أدري غالم هو‬
‫أم جارية‪ ،‬فمررنا بأحسن منه وهو جالس إلى جنب على فقلت‪ :‬عافاك هللا‪ ،‬من هذا الفتى‬
‫إلى جانبك؟ قال‪ :‬هذا عثمان بن على سميته بعثمان بن عفان‪ ،‬وقد سميت بعمر بن‬
‫الخطاب‪ ،‬وسميت بعباس عم رسول هللا‪ ،‬وقد سميت بخير البرية محمد‪ ،‬فأما حسن‬
‫ق عنهم وحلق رءوسهم(‪ ,)7‬وتصدق وزنها‬ ‫وحسين ومحسن(‪ )6‬فإنما سماهم رسول هللا وع َّ‬
‫وأمر بهم‬
‫فسموا وختنوا(‪ ,)8‬فقد ولدوا في عهده عليه الصالة والسالم ورسول هللا هو الذي سماهم‬
‫وعق عنهم‪.‬‬
‫‪ -4‬أبو بكر وعمر وعثمان‪ ،‬رضي هللا عنهم‪ ،‬كان لهم بالنبي اختصاص‬
‫عظيم‪:‬قد عرف بالتواتر الذي ال يخفي على العامة والخاصة أن أبا بكر وعمر وعثمان‬
‫رضي هللا عنهم كان لهم بالنبي × اختصاص عظيم‪ ،‬وكانوا من أعظم الناس اختصاصًا‬
‫به‪ ،‬وصحبة له وقربة إليه‪ ،‬وقد صاهرهم كلهم وكان يحبهم ويثني عليهم‪ ،‬وحينئذ فإما أن‬
‫يكونوا على االستقامة ظاهرًا وباطنًا في حياته وبعد موته‪ ،‬وإما أن يكونوا بخالف ذلك في‬
‫حياته‪ ،‬أو بعد موته‪ ،‬فإن كانوا علىغير االستقامة مع هذا القرب فأحد األمرين الزم‪ ،‬إما‬
‫عدم علمه بأحوالهم‪ ،‬أو مداهنته لهم‪ ،‬وأيهما كان فهو من أعظم القدح في الرسول × كما‬
‫قيل‪:‬‬
‫وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم‬ ‫فإن كنت ال تدري فتلك مصيبة‬
‫‪1‬‬
‫() الفصيل ولد الناقة إذا فُصل عن أمه‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() النهي عن سب األصحاب وما فيه من اإلثم والعقاب‪ ،‬ص (‪ ،)43‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة‬
‫لاللكائى رقم (‪.)4456‬‬
‫‪3‬‬
‫() أيفع‪ :‬شارف االحتالم‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() الذؤابة‪ :‬هى الشعر المضفور من شعر الرأس‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() الجمة من شعر الرأس‪ :‬ما سقط على المنكبين‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() مسند أحمد (‪)2/115‬رقم (‪ )769‬قال أحمد شاكر‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() المختصر من كتاب الموافقة‪ ،‬ص (‪.)141‬‬
‫‪8‬‬
‫() وختنوا‪ :‬الختن للرجال‪ ،‬والخفض للنساء‪ ،‬المختصر من كتاب الموافقة‪ ،‬ص (‪.)141‬‬
‫‪14‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وإن كانوا انحرفوا بعد االستقامة فهذا خذالن من هللا للرسول في خواص أمته‪،‬‬
‫وأكابر أصحابه‪ ،‬ومن وعد أن يظهر دينه على الدين كله‪ ،‬فكيف يكون أكابر خواصه‬
‫مرتدين؟ فهذا ونحوه من أعظم ما يقدح به الرافضة في الرسول × كما قال اإلمام مالك‬
‫وغيره‪ :‬إنما أراد هؤالء الرافضة الطعن في الرسول × ليقول القائل‪ :‬رجل كان له‬
‫أصحاب سوء‪ ،‬ولو كان رجالً صالحًا لكان أصحابه صالحين‪ ،‬ولهذا قال أهل العلم‪ :‬إن‬
‫الرافضة دسيسة الزندقة(‪.)1‬‬
‫‪ -5‬ما يترتب عليه من مذهب الرافضة من تكفير الصحابة‪:‬إن مذهب الرافضة‬
‫في تكفير الصحابة يترتب عليه تكفير أمير المؤمنين لتخليه عن القيام بأمر هللا‪ ،‬ويلزم‬
‫عليه إسقاط تواتر الشريعة‪ ،‬بل بطالنها ما دام نقلتها مرتدين‪ ،‬ويؤدي إلى القدح في القرآن‬
‫العظيم‪ ،‬ألنه وصلنا عن طريق أبي بكر وعمر وعثمان وإخوانهم‪ ،‬وهذا هو هدف واضع‬
‫هذه المقالة‪ ،‬ولذلك قال أبو زرعة‪ :‬إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول هللا‬
‫× فاعلم أنه زنديق‪ ،‬وذلك أن الرسول × حق والقرآن حق‪ ،‬وإنما أدى إلينا هذا القرآن‬
‫والسنن أصحاب رسول هللا ×‪ ،‬وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة‪،‬‬
‫والجرح بهم أولى وهم زنادقة(‪ ,)2‬ولذلك اعترفت كتب الشيعة أن الذي وضع هذه المقالة‬
‫هو ابن سبأ فقالت‪ :‬إنه أول من أظهر الطعن في أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة‪ ،‬وتبرأ‬
‫منهم‪ ،‬وادعى أن عليًا عليه السالم أمره بذلك(‪.)3‬‬
‫‪ -6‬قرائن عملية وأدلة واقعية على حقيقة العالقة بين على والخلفاء‬
‫الراشدين‪ :‬قامت القرائن العملية واألدلة الواقعية من سيرة أمير المؤمنين على في عالقته‬
‫مع إخوانه أبي بكر وعمر وعثمان مما اشتهر وذاع نقله‪ ،‬وقد نقلنا منه الكثير فيما مضى‬
‫ما يثبت المحبة الصادقة واإلخاء الحميم بين هذه الطليعة المختارة‪ ،‬والصفوةـ من جيل‬
‫الصحابة‪ ،‬رضوان هللا عليهم‪ ،‬وتأتي في مقدمة هذه األدلة والقرائن تزويج أمير المؤمنين‬
‫على ابنته أم كلثوم ألمير المؤمنين عمر(‪ ,)4‬فإذا كان عمر فاروق هذه األمة قد صار عند‬
‫الشيعة الروافض أشد كفرًا من إبليس‪ ،‬أفال يرجعون إلى عقولهم ويتدبرون فساد ما ينتهي‬
‫إليه مذهبهم؟ إذ لو كان أبو بكر وعمر‪ ،‬رضي هللا عنهما‪ ،‬كافرين كما يفترون لكان على‬
‫بتزويجه ابنته أم كلثوم الكبرى من عمر‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬كافرًا أو فاسقًا معرضًا بنته‬
‫للزنا‪ ،‬ألن وطء الكافر للمسلمة زنا محض(‪ ,)5‬والعاقل المنصف البريء من الغرض‪،‬‬
‫الصادق في محبته للنبي × وأهل بيته واتباعه لهم ال يملك إال اإلذعان لهذه الحقيقة‪ ،‬حقيقة‬
‫الوالء والحب بين الخلفاء األربعة‪ ،‬رضوان هللا عليهم‪ ،‬ولذلك لما قيل لمعز الدولة أحمد‬
‫بن بويه‪ -‬وكان رافضيًا يشتم صحابة رسول هللا – إن عليًا‪ -‬رضي هللا عنه – زوج ابنته‬
‫أم كلثوم من عمر بن الخطاب‪ ،‬استعظم ذلك وقال‪ :‬ما علمت بهذا‪ ،‬وتاب وتصدق بأكثر‬
‫ماله وأعتق مماليكه ورد كثيرًا من المظالم وبكى حتى غشى عليه(‪ ,)6‬لشعوره بعظم جرمه‬

‫‪1‬‬
‫() منهاج السنة (‪ ،)4/123‬أصول مذهب الشيعة (‪.)2/931‬‬
‫‪2‬‬
‫() الكفاية‪ ،‬ص (‪.)49‬‬
‫‪3‬‬
‫() المقاالت والفرق للقمى ص (‪ )20‬نقال عن أصول مذهب الشيعة (‪.)2/933‬‬
‫‪4‬‬
‫() أصول مذهب الشيعة (‪.)2/932‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)2/932‬‬
‫‪6‬‬
‫() المنتظم (‪.)39 ،7/38‬‬
‫‪14‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫فيما سلف من عمره‪ ،‬الذي أمضاه ينهش في أعراض هؤالء األطهار مغترًا بشبهات‬
‫الروافض(‪ ,)1‬وقد حاول شيوخ الشيعة الروافض إبطال مفعول هذا الدليل فوضعوا روايات‬
‫مكذوبة على لسان األئمة تقول‪ :‬ذلك فرج غصبناه(‪ ,)2‬فزادوا الطين بلة‪ ،‬حتى صوروا‬
‫أمير المؤمنين في صورة «الديوث» الذي ال ينافح عن عرضه‪ ،‬ويقر الفاحشة في أهله‪،‬‬
‫وهل يتصور مثل هذا في حق أمير المؤمنين على بطل اإلسالم؟ إن أدنى العرب ليبذل‬
‫نفسه دون عرضه‪ ،‬ويقتل دون حرمه‪ ،‬فضال عن بنى هاشم الذين هم سادات العرب‬
‫وأعالها نسبًا وأعظمها مروءة وحمية‪ ،‬فكيف يثبتون ألمير المؤمنين وابنته حفيدة رسول‬
‫هللا × مثل هذه المنقصة الشنيعة‪ ،‬وهو الشجاع الصنديد‪ ،‬ليث بنى غالب‪ ،‬أسد هللا في‬
‫المشارق والمغارب(‪.)3‬‬
‫ويبدو أن بعضهم لم يعجبه هذا التوجيه‪ ،‬فرام التخلص من هذا الدليل بمنطق أغرب‬
‫وأعجب‪ ،‬حيث زعم أن أم كلثوم لم تكن بنت على ولكنها جنية تصورت بصورتها(‪,)4‬‬
‫فأتوا بما يستخف به أصحاب العقول ويستطيع كل من أراد أن يدعي على من يكرهه بأنه‬
‫جني أو جنية‪ ،‬وهكذا يعيش الناس في الخرافات وتضيع الحقيقة‪.‬‬
‫ومن القرائن أيضا عالقات القربى القائمة بينهم‪ ،‬ووشائج الصلة‪ ،‬وكذلك مظاهر‬
‫المحبة‪ ،‬حتى إن عليًا والحسن والحسين‪ -‬كما مر معنا‪ -‬يسمون بعض أوالدهم باسم أبي‬
‫بكر وعمر‪ ،‬وهل يطيق أحد أن يسمى أوالده بأسماء أشد أعدائه كفرًا وكرهًا له؟ وهل‬
‫يطيق أن يسمع أسماء أعدائه تتردد في أرجاء بيته يرددها مع أهله في يومه مرات‬
‫وكرات(‪.)5‬‬
‫إن أمير المؤمنين عليًا – رضي هللا عنه – ال يحفظ عنه الصحابة ومن تبعهم من‬
‫التابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين إال محبة أبي بكر وعمر وعثمان – رضي هللا‬
‫عنهم – في حياتهم‪ ،‬وفي خالفتهم وبعد وفاتهم‪ ،‬فأما في خالفتهم فسامع لهم مطيع‪ ،‬يحبهم‬
‫ويحبونه‪ ،‬ويعظم قدرهم ويعظمون قدره‪ ،‬صادق في محبتهم‪ ،‬مخلص في الطاعة لهم‪،‬‬
‫يجاهد من يجاهدون‪ ،‬ويحب ما يحبون‪ ،‬ويكره ما يكرهون يستشيرونه في النوازل فيشير‬
‫مشورة ناصح مشفق محب‪ ،‬فكثير من سيرتهم بمشورة جرت(‪ ,)6‬وهم يبادلونه نفس‬
‫الشعور ويقال‪،‬ـ إنه ال يجتمع حب أبي بكر وعمر وعثمان وعلى إال في قلوب أتقياء هذه‬
‫األمة(‪ ,)7‬وقال سفيان الثوري‪ :‬ال يجتمع حب عثمان وعلى رضي هللا عنهما إال في قلوب‬
‫نبالء الرجال(‪ ,)8‬وقال أنس بن مالك‪ :‬قالوا‪ :‬إن حب عثمان وعلى رضي هللا عنهما ال‬

‫‪1‬‬
‫() أصول مذهب الشيعة (‪.)2/937‬‬
‫‪2‬‬
‫() فروع الكافي (‪ ،)2/10‬أصول مذهب الشيعة (‪.)2/937‬‬
‫‪3‬‬
‫() مؤتمر النجف للسويدي‪ ،‬ص (‪ )86‬نقالً عن أصول مذهب الشيعة (‪.)2/937‬‬
‫‪4‬‬
‫() األنوار النعمانية (‪ )84 ،1/83‬نقالً عن أصول مذهب الشيعة (‪.)2/938‬‬
‫‪5‬‬
‫() أصول مذهب الشيعة (‪.)2/938‬‬
‫‪6‬‬
‫()الشريعة لآلجرى (‪.)5/2312‬‬
‫‪7‬‬
‫()الشريعة لآلجرى (‪.)5/2312‬‬
‫‪8‬‬
‫()حلية األولياء (‪.)7/32‬‬
‫‪15‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫يجتمعان في قلب مؤمن‪ ،‬كذبوا فقد جمع هللا عز وجل حبهما بحمد هللا في قلوبنا(‪.)1‬‬
‫سابعًا‪ :‬وصف ألصحاب النبي × في القرآن الكريم‪:‬‬
‫اه ْم ُر َّك ًعا ُس َّج ًدا‬ ‫ِ‬ ‫قال تعالى‪+ :‬مح َّم ٌد َّرس ُ ِ َّ ِ‬
‫ين َم َعهُ أَشدَّاءُ َعلَى الْ ُك َّفا ِر ُر َح َماءُ َب ْيَن ُه ْم َت َر ُ‬ ‫ول اهلل َواِلذ َ‬ ‫ُ‬ ‫َُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َم َثلُ ُه ْم في الت َّْو َراة َو َم َثلُ ُه ْم‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫ذ‬ ‫ِ‬
‫ود‬ ‫ج‬ ‫الس‬ ‫ر‬‫ِ‬ ‫ث‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ِ‬
‫ه‬ ‫ِ‬
‫وه‬ ‫ج‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫ضالً ِّم َن اهلل َو ْ َ ً َ ُ ْ ُ ُ‬
‫و‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫اه‬ ‫يم‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫و‬‫ض‬ ‫ر‬ ‫َي ْبَتغُو َن فَ ْ‬
‫ظ بِ ِه ُم الْ ُك َّف َار‬ ‫ِ‬
‫اع ليَ ِغي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فِي ا ِإلنْ ِج ِ‬
‫يل َك َز ْر ٍع أَ ْخ َر َج َشطْأَهُ فَ َ‬
‫الز َّر َ‬‫ب ُّ‬ ‫اسَت َوى َعلَى ُسوقه ُي ْعج ُ‬ ‫ظ فَ ْ‬ ‫اسَت ْغلَ َ‬
‫آز َرهُ فَ ْ‬
‫يما" [الفتح‪.]29:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصالِح ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َج ًرا َعظ ً‬ ‫ات م ْن ُهم َّمغْف َرةً َوأ ْ‬ ‫آمنُوا َو َعملُوا َّ َ‬ ‫ين َ‬ ‫َو َع َد اهللُ الذ َ‬
‫ومن المناسب أن أختم هذا الفصل بهذه اآلية الكريمة لتكون دليالً على ما ذكرته من‬
‫المحبة والرحمة والتعاونـ بين الخلفاء الراشدين والصحابة الكرام‪ ،‬فهذه اآلية تضمنتـ ذكر‬
‫منزلة رسول هللا × بالثناء‪ ،‬ثم ثنى هللا تعالى فيهاـ بالثناء على سائر الصحابة‪ ،‬رضوان هللا‬
‫عليهم أجمعين‪ ،‬فذكر تعالى أن صفاتهمـ الشدة والغلظة على أهل الكفر‪ ،‬كماـ وصفهم بالتراحم‬
‫والتعاطف فيماـ بينهم‪ ،‬ووصفهمـ بأنهم يكثرون من األعمال الصالحة المقرونة باإلخالص وسعة‬
‫الرجاء‪ ،‬وفي مقدمة تلك األعمال الصالحة إكثارهم من الصالة ابتغاء الحصول على فضل من‬
‫وه ِهم ِّم ْن‬ ‫هللا ورضوان‪ ،‬كماـ بين – سبحانه – أن آثار ذلك تظهر على وجوههم ‪ِ +‬سيماهم فِي وج ِ‬
‫َ ُْ ُ ُ‬
‫السج ِ‬
‫ود" والسيما أي العالمة‪ ،‬وقد قيل بها بياض يكونـ في الوجوه يوم القيامة‪ ،‬قاله الحسن‬ ‫أَثَ ِر ُّ ُ‬
‫وسعيد بن جبير وهى رواية عن ابن عباس رضي هللا عنهما‪ ،‬ورواية أخرى عنه وعن مجاهد‪:‬‬
‫السيماء في الدنيا هو السمت الحسن «وعن مجاهد أيضًا‪ :‬هو الخشوع والتواضع»(‪.)2‬‬
‫وهذه األقوال ال منافاةـ بينها؛ إذ يمكن أن يكونـ في الدنيا هو السمت الذي ينشأ عن‬
‫التواضع والخشوع‪ ،‬وفي اآلخرة يكونـ في جباههم نور(‪ ،)3‬قال ابن كثير‪ :‬فالصحابة – رضي‬
‫هللا عنهم – خلصت نياتهم وحسنت أعمالهم‪ ،‬فكل من نظر إليهم أعجبوه في سمتهمـ وهديهم‪،‬‬
‫وقال مالك‪ ،‬رضي هللا عنه‪ :‬بلغني أن النصاري كانوا إذا رأوا الصحابة‪ ،‬رضي هللا عنهمـ‬
‫‪-‬الذين فتحوا الشام‪ -‬يقولون‪ :‬وهللا لهؤالء خير من الحواريين فيماـ بلغنا‪ ،‬وصدقوا في ذلك‪ ،‬فإن‬
‫هذه األمة معظمة في الكتب المتقدمة وأعظمهاـ وأفضلها أصحاب رسول هللا ×‪ ،‬وقد نوه هللا –‬
‫تبارك وتعالى – بذكرهم في الكتب المنزلة واألخبار المتداولة‪ ،‬ولهذا قال – سبحانه – ههنا‪:‬‬
‫يل َك َز ْر ٍع أَ ْخ َر َج َشطْأَهُ" أي‪ :‬فراخه ‪+‬فَ َ‬
‫آز َرهُ" أي‪:‬‬ ‫‪َ +‬م َثلُ ُه ْم فِي الت َّْو َر ِاة" ثم قال‪َ + :‬و َم َثلُ ُه ْم ِفي ا ِإلنْ ِج ِ‬
‫اع" أي فكذلك أصحاب‬ ‫الز َّر َ‬
‫ب ُّ‬ ‫ِِ ِ‬
‫اسَت َوى َعلَى ُسوقه ُي ْعج ُ‬
‫اسَتغْلَ َظ" أي‪ :‬شب وطال ‪+‬فَ ْ‬ ‫شده وقواه ‪+‬فَ ْ‬
‫ِ‬
‫رسول هللا × آزروه وأيدوه ونصروه‪ ,‬فهم معه كالشطء مع الزرع ‪+‬ليَ ِغي َظ بِ ِه ُم الْ ُك َّف َار" ومن هذه‬
‫اآلية انتزع اإلمامـ مالك رحمة هللا عليه في رواية عنه تكفير الروافض الذين يبغضونـ‬
‫الصحابة رضي هللا عنهم‪,‬ـ قال‪ :‬ألنهم يغيظونه‪ ,‬ومن غاظه الصحابة رضي هللا عنهم‪,‬ـ فهو‬
‫ين‬ ‫َّ ِ‬
‫كافر لهذه اآلية‪ ,‬ووافقه طائفة من العلماء على ذلك‪ ..‬ثم قال تبارك وتعالى‪..‬ـ ‪َ +‬و َع َد اهللُ الذ َ‬
‫ات ِم ْن ُهم" أي‪ :‬ثوابًا جزيالً ورزقًا كري ًما‪ ،‬ووعد هللا حق وصدقـ ال يخلف‬ ‫الصالِح ِ‬ ‫ِ‬
‫آمنُوا َو َعملُوا َّ َ‬ ‫َ‬
‫وال يبدل‪ ،‬وكل من اقتفى أثر الصحابة رضي هللا عنهم فهو في حكمهم ولهم الفضل والسبق‬
‫والكمال الذي ال يلحقهم فيه أحد من هذه األمة رضي هللا عنهم وأرضاهم‪ ،‬وجعل جنات‬
‫‪1‬‬
‫()الشريعة لآلجرى (‪)5/2315‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() تفسير الطبري (‪ ،)111 ،26/110‬تفسير القرطبي (‪.)294 ،16/293‬‬
‫‪3‬‬
‫() تفسير الطبري (‪.)26/112‬‬
‫‪15‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الفردوس مأواهم وقد فعل(‪ )1‬وفي قوله‪ -‬سبحانه – في حق الصحابة الكرام رضي هللا عنهمـ‬
‫‪+‬لِيَ ِغي َظ بِ ِه ُم الْ ُك َّف َار" أخطر حكم وأغلظ تهديد وأشد وعيد في حق من غيظ بأصحابـ رسول هللا‬
‫آمنُوا َو َع ِملُوا‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َ‬
‫×‪ ،‬أو كان في قلبه غل لهم ‪ ،‬وأما قوله تعالى في ختام اآلية‪َ + :‬و َع َد اهللُ الذ َ‬
‫(‪)2‬‬

‫يما" فيها وعد من هللا تعالى لجميع الصحابة بالجنة‪ ،‬وكذلك كل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصالِح ِ ِ‬
‫َج ًرا َعظ ً‬
‫ات م ْن ُهم َّمغْف َرةً َوأ ْ‬ ‫َّ َ‬
‫من آمن وعمل الصالحات من أمة اإلجابة؛ إذ هذا الوعد لجميع المؤمنينـ إلى يوم القيامة ‪,‬‬
‫(‪)3‬‬

‫وكلمة «منهم» في اآلية السابقة‪« :‬من» لبيان الجنس وليست للتبعيض‪ ،‬قال ابن تيمية‪ :‬ال ريب‬
‫إن هذا مدح لهم بما ذكر من الصفات وهو الشدة على الكفار والرحمة بينهمـ والركوع والسجود‬
‫بيتغون فضالً من هللا ورضوانًا‪ ،‬والسيماء في وجوههم من أثر السجود وأنهم يبتدئونـ من‬
‫ضعف إلى كمال القوة واالعتدال كالزرع‪ ،‬والوعد لهم بالمغفرة واألجر العظيم ليس على‬
‫مجرد هذه الصفات‪ ،‬بل على اإليمان والعمل الصالح‪ ،‬فذكر ما به يستحقون الوعد‪ ،‬وإن كانوا‬
‫كلهم بهذه الصفة‪ ،‬ولوال ذكر ذلك لكان يظن أنهم بمجرد ما ذكر يستحقون المغفرة‪ ،‬ولم يكن‬
‫فيه بيان سبب الجزاء بخالف ما إذا ذكر اإليمان والعمل الصالح‪ ،‬فإن الحكم إذا علق باسم‬
‫مشتق مناسبـ كان ما منه االشتقاق سبب الحكم(‪.)4‬‬
‫إن ما ذكرته في هذا الفصل ينسجم كليًا مع حديث القرآن الكريم عن الرحمة بين‬
‫الصحابة والشدة على الكفار‪ ،‬وخصوصًا بين الخلفاء الراشدين‪ ،‬فهم السادة الكرام‪ ،‬وعلية‬
‫القوم‪ ،‬وقادة األمة بعد وفاة نبيها‪ ،‬فالحذر من الروايات الضعيفة والقصص الموضوعة‬
‫التي اختلقها أعداء األمة ليشوهوا به تاريخ صدر اإلسالم‪ ،‬أنصدق الروايات الكاذبة‬
‫والقصص الواهية التي تصور العداء بين الخلفاء الراشدين أم نصدق كتاب ربنا وما جاء‬
‫في حقهم على لسان نبينا وما يوافقه مما دونه العلماء الثقات من أهل السنة والجماعة؟‬
‫ِ‬ ‫ت َما ِفي األ َْر ِ‬
‫ض َج ِم ًيعا َّما أَلََّف ْ‬
‫ت َب ْي َن ُقلُوبِ ِه ْم َولَك َّن اهللَ‬ ‫ف َب ْي َن ُقلُوبِ ِه ْم ل َْو أَن َف ْق َ‬
‫قال تعالى‪َ + :‬وأَلَّ َ‬
‫ِ‬ ‫أَلَّ َ‬
‫يم" [األنفال‪ ،]63:‬فهذا وصف القرآن الكريم لحقيقة األلفة بين قلوب‬ ‫ف َب ْيَن ُه ْم إِنَّهُ َع ِز ٌيز َحك ٌ‬
‫الصحابة‪ ،‬فهي منحة ربانية ونعمة أعطاها هللا لذلك الجيل الطاهر ال دخل لبشر فيها‪،‬‬
‫وبيَّن القرآن الكريم أن األلفة بين الصحابة نعمة من هللا تعالى امتن بها على رسول هللا ×‪،‬‬
‫وهذا التصوير القرآني لحقيقة الصحابة ينسجم مع الروايات الصحيحة التي تبين محبة‬
‫الصحابة والمودة بينهم‪ ،‬وبذلك يفتضح أمر الذين وضعوا الروايات المكذوبة‬
‫والموضوعة‪ ،‬واآلية تشمل كل من سار على هدى القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين‪،‬‬
‫قال ابن عباس‪ :‬قرابة الرحم تقطع‪ ،‬ومنة المنعم تكفر‪ ،‬ولم نر مثل تقارب القلوب(‪.)5‬‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫وبلوت ما وصلوا من األسباب‬ ‫ولقد صحبت الناس ثم خبرتهم‬
‫(‪)6‬‬
‫وإذا المودة أقرب األسباب‬ ‫فإذا القرابة ال تقرب قاطعًا‬
‫‪1‬‬
‫() تفسير ابن كثير (‪.)6/365‬‬
‫‪2‬‬
‫() قبس من هدى اإلسالم‪ ،‬عبد المحسن العباد‪ ،‬ص (‪.)86‬‬
‫‪3‬‬
‫() عقيدة أهل السنة في الصحابة (‪.)1/76‬‬
‫‪4‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)1/158‬‬
‫‪5‬‬
‫() الدر المنثور في تفسير المأثور (‪.)4/100‬‬
‫‪15‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الفصل الثالث‬
‫بيعة على رضي هللا عنه‬
‫وأهم صفاته وحياته في المجتمع‬
‫المبحث األول‬
‫بيعة على رضي هللا عنه‬
‫أوالً‪ :‬كيف تمت بيعة على رضيـ هللا عنه‪:‬‬
‫تمت بيعة على رضي هللا عنه بالخالفة بطريقة االختيار وذلك بعد أن استشهد الخليفة‬
‫الراشد عثمان بن عفان‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬على أيدي الخارجين المارقين الشذاذ الذين‬
‫جاءوا من اآلفاق‪ ،‬ومن أمصار مختلفة‪ ،‬وقبائل متباينة ال سابقة لهم‪ ،‬وال أثر خير في‬
‫الدنيا‪ ،‬فبعد أن قتلوه رضي هللا عنه ظل ًما وزورًا وعدوانًا‪ ،‬يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة‬
‫مضت من ذى الحجة سنة خمس وثالثين(‪ .)1‬قام كل من بقى بالمدينة من أصحاب رسول‬
‫هللا × بمبايعة على رضي هللا عنه بالخالفة‪ ،‬وذلك ألنه لم يكن أحد أفضل منه على‬
‫اإلطالق في ذلك الوقت‪ ،‬فلم يدع اإلمامة لنفسه أحد بعد عثمان‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬ولم يكن‬
‫أبو السبطين‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬حريصًا عليها‪ ،‬ولذلك لم يقبلها إال بعد إلحاح شديد ممن بقى‬
‫من الصحابة بالمدينة‪ ،‬وخوفًا من ازدياد الفتن وانشارها‪ ،‬ومع ذلك لم يسلم من نقد بعض‬
‫الجهال إثر تلك الفتن كموقعة الجمل وصفين التي أوقد نارها وأنشبها الحاقدون على‬
‫اإلسالم كابن سبأ وأتباعه الذين استخفهم فأطاعوه‪ ،‬لفسقهم ولزيغ قلوبهم عن الحق‬
‫والهدى‪ ،‬وقد روى الكيفية التي تم بها اختيار على رضي هللا عنه للخالفة بعض أهل‬
‫العلم(‪ ,)2‬فقد روى أبو بكر الخالل بإسناده إلى محمد ابن الحنفية قال‪ :‬كنت مع على رحمه‬
‫هللا وعثمان محصر قال‪ :‬فأتاه رجل فقال‪ :‬إن أمير المؤمنين مقتولـ الساعة‪ ،‬قال‪ :‬فقام على‬
‫رحمه هللا‪ ،‬قال محمد‪ :‬فأخذت بوسطه تخوفًا عليه فقال‪ :‬خ َّل ال أم لك‪ ،‬قال‪ :‬فأتى على‬
‫الدار‪ ،‬وقد قتل الرجل رحمه هللا‪ ،‬فأتى داره فدخلها فأغلق بابه‪ ،‬فأتاه الناس فضربوا عليه‬
‫الباب فدخلوا عليه فقالوا‪ :‬إن هذا قد قتل‪ ،‬والبد للناس من خليفة وال نعلم أحدًا أحق بها‬
‫منك‪ ،‬فقال لهم على‪ :‬ال تريدوني فإني لكم وزيرًا خير مني لكم أميرًا‪ ،‬فقالوا‪ :‬ال وهللا ال‬
‫نعلم أحدًا أحق بها منك‪ ،‬قال‪ :‬فإن أبيتم عل َّى فإن بيعتي ال تكون سرًا‪ ،‬ولكن أخرج إلى‬
‫المسجد‪ ,‬فبايعه الناس(‪ ,)3‬وفي رواية أخرى عن سالم ابن أبي الجعد عن محمد ابن الحنفية‪:‬‬
‫فأتاه أصحاب رسول هللا فقالوا‪ :‬إن هذا الرجل قد قتل والبد للناس من إمام وال نجد أحدًا‬
‫أحق بها منك أقدم مشاهد‪ ،‬وال أقرب من رسول هللا × فقال على‪ :‬ال تفعلوا فإني لكم وزيرًا‬
‫خير مني أميرًا‪ ،‬فقالوا‪ :‬ال وهللا ما نحن بفاعلين حتى نبايعك‪ ،‬قال‪ :‬ففي المسجد فإنه ينبغي‬
‫لبيعتي أال تكون خفيا وال تكون إال عن رضا المسلمين‪ ،‬قال‪ :‬فقال سالم بن أبي الجعد‪:‬‬
‫فقال عبد هللا بن عباس‪ :‬فلقد كرهت أن يأتي المسجد كراهية أن يشغب عليه‪ ،‬وأبى هو إال‬
‫المسجد‪ ،‬فلما دخل المسجد جاء المهاجرون واألنصار فبايعوا وبايع الناس(‪.)4‬‬
‫ومن هذه اآلثار الصحيحة بعض الدروس والعبر والفوائد منها‪:‬‬
‫‪6‬‬
‫() الدر المنثور في تفسير المأثور (‪.)4/100‬‬
‫‪1‬‬
‫() الطبقات البن سعد (‪.)3/31‬‬
‫‪2‬‬
‫() عقيدة أهل السنة في الصحابة الكرام (‪.)2/677‬‬
‫‪3‬‬
‫() كتاب السنة ألبي بكر الخالل‪ ،‬ص(‪.)425‬‬
‫‪4‬‬
‫() الخالل في السنة‪ ،‬ص(‪ )416‬رجال اإلسناد ثقات‪.‬‬
‫‪15‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -1‬نصرة على بن أبي طالب رضي هللا عنه لعثمان رضي هللا عنه ودفاعه عنه‪،‬‬
‫وهذا متواتر عن على رضي هللا عنه‪ ،‬بل كان أكثر الناس دفاعًا عن عثمان‪ ،‬رضي هللا‬
‫عنه‪ ،‬جاء ذلك بأسانيد كثيرة‪ ،‬وشهد بذلك مروان بن الحكم حيث قال‪ :‬ما كان في القوم‬
‫أدفع عن صاحبنا من صاحبكم يعني عليًا عن عثمان(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬زهد على رضي هللا عنه في الخالفة وعدم طلبه لها أو طمعه فيها‪ ،‬واعتزاله في‬
‫بيته حتى جاءه الصحابة يطلبون البيعة‪.‬‬
‫‪ -3‬إجماع الصحابة من المهاجرين واألنصار والناس عامة في المدينة على بيعته‪،‬‬
‫ويدخل في هؤالء أهل الحل والعقد‪ ،‬وهم الذين قصدوا عليًا وطلبوا منه أن يوافق على‬
‫البيعة‪ ،‬وألحوا عليه حتى قبلها‪ ،‬وليس للغوغاء وقتلة عثمان كما في بعض الروايات‬
‫الضعيفة والموضوعة‪.‬‬
‫‪ -4‬إن عليًا كان أحق الناس بالخالفة يومئذ‪ ،‬ويدل على ذلك قصد الصحابة له‪،‬‬
‫وإلحاحهم عليه‪ ،‬ليقبل البيعة‪ ،‬وتصريحهم بأنهم ال يعلمون أحق منه بالخالفة يومئذ‪.‬‬
‫‪ -5‬أهمية الخالفة‪ ،‬ولذلك رأينا أن الصحابة أسرعوا في تولية على‪ ،‬وكان يقول‪ :‬لوال‬
‫الخشية على دين هللا لم أجبهم(‪.)2‬‬
‫‪ -6‬إن الشبهة التي أدخلوها على بيعة على‪ ،‬كون الخوارج الذين حاصروا عثمان‪،‬‬
‫وشارك بعضهم في قتله‪ ،‬كانوا في المدينة‪ ،‬وأنهم أول من بدءوا بالبيعة وأن طلحة‬
‫والزبير بايعا مكرهين‪ ،‬وهذه أقاويل المؤرخين‪ ،‬ال تقوم على أساس وليس لها سند‬
‫صحيح‪ ،‬والصحيح أنه لم يجد الناس بعد أبي بكر وعغمر وعثمان كالرابع قدرًا وعلما‬
‫وتقىـ ودينًا‪ ،‬وسبقًا وجهادًا‪ ،‬فعزم عليه المهاجرون واألنصار‪ ،‬ورأي ذلك فرضًا عليه‪،‬‬
‫فانقاد إليه‪ ،‬ولوال اإلسراع بعقد البيعة لعلي‪ ،‬ألدى ذلك إلى فتن واختالفات في جميع‬
‫األقطار اإلسالمية‪ ،‬فكان من مصلحة المسلمين أن يقبل على البيعة مهما كانت الظروف‬
‫المحيطة بها‪،‬ولم يتخلف عن على أحد من الصحابة الذين كانوا بالمدينة‪ ،‬وقد خلط الناس‬
‫بين تخلف الصحابة عن المسير معه إلى البصرة وبين البيعة؛ أما البيعة فلم يتخلف أحد‬
‫عنها‪ ،‬وأما المسير معه فتخلفوا عنه ألنها كانت مسألة اجتهادية(‪ ,)3‬كما أن عليًا لم يلزمهم‬
‫بالخروج معه كما سيأتي التفصيل بإذن هللا عند حديثنا عن موقعة الجمل‪.‬‬
‫‪ -7‬البد من الحذر من مبالغات اإلخباريين التي تزعم أن المدينة بقيت خمسة أيام بعد‬
‫(‪)4‬‬
‫مقتل عثمان وأميرها الغافقى بن حرب يلتمسون من يجيبهم إلى القيام باألمر فال يجدونه‬
‫على فرفضه‪ ،‬وأن خوارج الكوفة‬ ‫ن وتزعم أن الغوغاء من مصر عرضت األمر على ٍّ‬
‫عرضوا الخالفة على الزبير‪ ،‬فال يجدونه‪ ،‬ومن جاء من البصرة عرضوا على طلحة‬
‫البيعة‪ ،‬فهذا ال يثبت أمام الروايات الصحيحة‪ ،‬وال يصح إسناده(‪ ,)5‬كما أن المعروف تمكن‬
‫الصحابة من المدينة وقدرتهم على القضاء على الغوغاء لوال طلب عثمان‪ ،‬رضي هللا‬
‫‪1‬‬
‫() بيعة على بن أبي طالب مالك الخالدى‪ ،‬ص (‪ )2‬نقال على تاريخ الذهبي عهد الخلفاء الراشدين‪ ،‬ص (‬
‫‪ )460‬إسناده قوى‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() فتح البارى (‪ )13/75‬إسناده صحيح‪ ،‬بيعة على‪ ،‬ص(‪.)105‬‬
‫‪3‬‬
‫() المدينة النبوية‪ ،‬محمد شراب (‪.)2/311‬‬
‫‪4‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)4/432‬‬
‫‪5‬‬
‫() استشهاد عثمان ووقعة الجمل د‪.‬خالد الغيث‪ ،‬ص ‪.140-136‬‬
‫‪15‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫عنه‪ ،‬بالكف عن استخدام القوة ضدهم‪ .‬وقد فصلت ذلك في كتابي تيسير الكريم المنان في‬
‫سيرة عثمان بن عفان‪ ،‬والصحيح أن بيعة على كانت عن طواعية واختيار من المسلمين‬
‫وليس ألهل الفتنة دور في مبايعة على‪ ،‬وإنما كل من كان من الصحابة في المدينة(‪ )1‬هم‬
‫الذين اختاروا أمير المؤمنين عليًا‪.‬‬
‫‪ -8‬بلغت الروايات الصحيحة والشواهد في بيعة على إحدى عشرة رواية(‪ ,)2‬كما‬
‫سيأتي تفصيل بعضها بإذن هللا‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أحقية على بالخالفة‪:‬‬
‫إن أحق الناس بالخالفة بعد أبي بكر وعمر وعثمان‪ ،‬رضي هللا عنهم‪ ،‬هو على بن‬
‫أبي طالب رضي هللا عنه‪ ،‬وهذا معتقد أهل السنة والجماعة‪ ،‬وهذا ما يجب على المسلم‬
‫اعتقاده والديانة هلل به في شأن ترتيب الخالفة الراشدة‪ ،‬وقد ورد اإليماء إلى أحقية خالفة‬
‫على رضي هللا عنه في كثير من النصوص الشرعية منها‪:‬‬
‫ض َك َما‬ ‫َّه ْم فِي األ َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصالِح ِ‬
‫ات لَيَ ْستَ ْخل َفن ُ‬ ‫َ‬ ‫آمنُوا ِم ْن ُك ْم َو َع ِملُوا َّ‬ ‫َ‬ ‫ين‬
‫َ‬ ‫‪ -1‬قال تعالى‪َ + :‬و َع َد اهللُ الَّ ِذ‬
‫َّهم ِّمن َب ْع ِد َخ ْوفِ ِه ْم أ َْمنًا"‬ ‫ين ِمن َق ْبلِ ِه ْم َولَيُ َم ِّكنَ َّن ل َُه ْم ِد َين ُه ُم الَّ ِذي ْارتَ َ‬
‫ضى ل َُه ْم َولَيُبَ ِّدلَن ُ‬
‫استَ ْخلَ َ َّ ِ‬
‫ف الذ َ‬ ‫ْ‬
‫[النور‪ ،]55:‬ووجه االستدالل بها على حقيقة خالفة على رضي هللا عنه أنه أحد‬
‫المستخلفين في األرض الذين مكن هللا لهم دينهم‪.‬‬
‫‪ -2‬قوله ×‪« :‬عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي‬
‫تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ»(‪ )3‬ووجه الداللة في هذا الحديث على أحقية‬
‫خالفة على رضي هللا عنه أنه أحد الخلفاء الراشدين المهديين الذين أمروا بالمعروف‬
‫ونهوا عن المنكر وحافظوا على حدود هللا وأقاموا الصالة وآتوا الزكاة وساروا بسيرة‬
‫رسول هللا × في العدل وإقامة الحق‪.‬‬
‫‪ -3‬قوله ×‪« :‬خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله الملك من يشاء»(‪ ,)4‬وفي‬
‫هذا الحديث إشارة إلى أحقية على رضي هللا عنه حيث إن خالفته كانت آخر الثالثين من مدة‬
‫خالفة النبوة التي حددها النبي × في هذا الحديث وبموجب هذا قال أهل العلم(‪ ,)5‬قال أحمد بن‬
‫حنبل‪ :‬حديث سفينة في الخالفة صحيح‪ ،‬إليه أذهب في الخلفاء(‪ ,)6‬وقال عبد هللا بن أحمد‪ :‬قلت‬
‫ألبي‪ :‬إن قو ًما يقولون إنه ليس بخليفة‪ ،‬قال‪ :‬هذا قول سوء رديء فقال‪ :‬أصحاب رسول هللا‬
‫كانوا يقولون له‪ :‬يا أمير المؤمنين أفنكذبهم؟ وقد حج وقطع ورجم فيكون هذا إال خليفة؟ (‪.)7‬‬
‫‪ -‬وقال ابن تيمية في حديث سفينة‪:‬وهو حديث مشهور من رواية حماد بن سلمة‬
‫‪1‬‬
‫() استشهاد عثمان ص (‪.)240‬‬
‫‪2‬‬
‫() بيعة على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)122‬‬
‫‪3‬‬
‫() سنن أبي داود (‪ ،)4/201‬الترمذي (‪ )5/44‬حسن صحيح‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() صحيح ابن حبان رقم ‪ ،6657‬الطبراني في الكبير ‪ ،6442‬السلسلة الصحيحة لأللباني (‪-1/742‬‬
‫‪.)749‬‬
‫‪5‬‬
‫() عقيدة أهل السنة والجماعة (‪.)2/686‬‬
‫‪6‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن حنبل‪ ،‬ص (‪.)235‬‬
‫‪7‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن حنبل‪ ،‬ص (‪ ،)235‬عقيدة أهل السنة في الصحابة (‪.)2/686‬‬
‫‪15‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وعبد الوارث بن سعيد والعوام بن حوشب عن سعيد بن جمهان عن سفينة مولى رسول‬
‫هللا ×‪ ،‬رواه أهل السنن كأبي داود وغيره‪ ،‬واعتمد عليه اإلمام أحمد وغيره في تقرير‬
‫خالفة الخلفاء الراشدين األربعة‪ ،‬وثبته أحمد واستدل به على من توقف في خالفة على‬
‫من أجل افتراق الناس عليه‪ ،‬حتى قال أحمد‪ :‬من لم يربع بعلي في الخالفة فهو أضل من‬
‫حمار أهله ونهى‬
‫عن مناكحته(‪.)1‬‬
‫وقال شارح الطحاوية‪:‬ونثبت الخالفة بعد عثمان لعلي رضي هللا عنهما لما قتل عثمان‬
‫وبايع الناس عليًا صار إما ًما حقًا واجب الطاعة‪ ،‬وهو الخليفة في زمانه خالفة نبوة‪ ،‬كماـ دل‬
‫عليه حديث سفينة أنه قال‪ :‬قال رسول هللا ×‪« :‬خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله‬
‫ملكه من يشاء»(‪.)2‬‬
‫‪ -4‬عن عكرمة قال لي ابن عباس والبنه على‪ :‬انطلقا إلى أبي سعيد فاسمعا من‬
‫حديثه‪ ،‬فانطلقنا فإذا هو في حائط يصلحه‪ ،‬فأخذ رداءه فاحتبى‪ ،‬ثم أنشأ يحدثنا حتى أتى‬
‫على ذكر بناء المسجد فقال‪ :‬كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين‪ ،‬فرأي النبي × ينفض‬
‫التراب عنه ويقول‪ :‬ويح(‪ )3‬عمار تقتله الفئة الباغية‪ ،‬يدعوهم إلى الجنة ويدعونه‬
‫إلى النار‪ ،‬قال‪ :‬يقول عمار‪ :‬أعوذ باهلل من الفتن(‪ ,)4‬وفي رواية مسلم عن أبي سعيد قال‬
‫لعمار حين جعل يحفر الخندق وجعل يمسح رأسه ويقول‪ :‬بؤسى(‪ )5‬ابن سمية تقتلك فئة‬
‫باغية(‪.)6‬قال ابن تيمية بعد ذكره لقوله × تقتل عمار الفئة الباغية(‪:)7‬وهذا يدل على صحة‬
‫إمامة على ووجوب طاعته وأن الداعي إلى طاعته داع إلى الجنة والداعي إلى مقاتلته‬
‫داع إلى النار وإن كان متأوالً‪ ،‬أو باغ بال تأويل‪ ،‬وهو أصح القولين ألصحابنا وهو الحكم‬
‫بتخطئة من قاتل عليًا‪ ،‬وهو مذهب األئمة الفقهاء الذين فرعوا على ذلك قتال البغاة‬
‫المتأولين قال‪ ،‬وعندما أنكر يحيى بن معين على الشافعي استدالله بسيرة على في قتال‬
‫البغاة المتأولين قال‪ :‬أيجعل طلحة والزبير معًا بغاة؟ رد عليه اإلمام أحمد فقال‪ :‬ويحك‬
‫وأي شيء يسعه أن يصنع في هذا المقام يعني‪ :‬إن لم يقتد بسيرة على في ذلك لم يكن معه‬
‫سنة من الخلفاء الراشدين في قتال البغاة – إلى أن قال – ولم يتردد أحمد وال أحد من أئمة‬
‫السنة في ذلك(‪ .)8‬فلو قال قائل‪ :‬إن قتل عمار كان بصفين‪ ،‬وهو مع على‪ ،‬والذين قتلوه مع‬
‫معاوية‪ ،‬وكان معه جماعة من الصحابة فكيف يجوز عليهم الدعاء إلى النار‪ ،‬فالجواب‬
‫أنهم كانوا ظانين أنهم يدعون إلى الجنة وهم مجتهدون ال لوم عليهم في اتباع ظنونهم‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫() هذه الرسالة بالمكتبة الظاهرية بخطه في مسودته نقال عن عقيدة أهل السنة والجماعة (‪.)2/286‬‬
‫‪2‬‬
‫() شارح الطحاوية‪ ،‬ص (‪ ،)545‬السلسلة الصحيحة (‪.)749 -1/742‬‬
‫‪3‬‬
‫() ويح كلمة رحمة تقال لمن وقع في هلكة ال يستحقها‪ ،‬والويح‪ :‬ترحم‪ ،‬غريب الحديث البن الجوزي (‬
‫‪ ،)2/486‬لطائف في غريب الحديث (‪ ،)4/85‬النهاية في غريب الحديث (‪.)5/235‬‬
‫‪4‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)447‬‬
‫‪5‬‬
‫() كأنه ترحم له من الشدة التي يقع فيها‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() مسلم رقم (‪.)2235‬‬
‫‪7‬‬
‫() مسلم رقم (‪.)2235‬‬
‫‪8‬‬
‫() مجموع الفتاوى (‪.)438 ،4/437‬‬
‫‪15‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫فالمراد بالدعاء إلى الجنة الدعاء إلى سببها وهو طاعة اإلمام‪ ،‬وكذلك كان عمار يدعوهم‬
‫إلى طاعة على‪ ،‬وهو اإلمام الواجب الطاعة إذ ذاك‪ ،‬وكانوا هم يدعون إلى خالف ذلك‬
‫لكونهم معذورين للتأويل الذي ظهر لهم(‪.)1‬‬
‫قال النووى بعد قوله×‪ :‬بؤسى ابن سمية تقتلك فئة باغية(‪ ,)2‬قال العلماء‪ :‬هذا‬
‫الحديث حجة ظاهرة في أن عليًا رضي هللا عنه كان محقًا مصيبًا‪ ،‬والطائفة األخرى بغاة‪،‬‬
‫لكنهم مجتهدون‪ ،‬فال إثم عليهم لذلك‪..‬وفيه معجزة ظاهرة لرسول هللا × من أوجه‪ :‬منها‪:‬‬
‫أن عمارًا يموت قتيال‪ ،‬وأنه يقتله مسلمون‪ ،‬وأنهم بغاة‪ ،‬وأن الصحابة يقاتلون وأنهم‬
‫يكونون فرقتين باغية وغيرها‪ ،‬وكل هذا وقع مثل فلق الصبح‪ ،‬صلى هللا وسلم على‬
‫رسوله الذي ال ينطق عن الهوى إن هو إال وحي يوحى(‪.)3‬‬
‫‪ -5‬عن أبي سعيد الخدري رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ×‪« :‬تمرق مارقة عند‬
‫فرقة من المسلمين يقتلها أوْلى الطائفتين بالحق»وفيه أيضا‪ :‬أنه قال‪ :‬تكون في‬
‫أمتى فرقتان فتخرج من بينهما مارقة يلي قتلهم أولاهم بالحق‪ ،‬وجاء بلفظ‪ :‬قال‪:‬‬
‫تمرق مارقة في فرقة من الناس فيلي قتلهم أولى الطائفتين بالحق‪ .‬وجاء بلفظ‪:‬‬
‫يخرجون على فرقة مختلفة يقتلهم أقرب الطائفتين من الحق(‪ ,)4‬فقوله ×‪ :‬على حين‬
‫فرقة – بضم الفاء – أي‪ :‬في وقت افتراق الناس أي‪ :‬افتراق يقع بين المسلمين‪ ،‬وهو‬
‫االفتراق الذي كان بين على ومعاوية رضي هللا عنهما(‪ ,)5‬والمراد بالفرقة المارقة هم أهل‬
‫النهروان كانوا في معسكر على رضي هللا عنه في حرب صفين‪ ،‬فلما اتفق على ومعاوية‬
‫على تحكيم الحكمين خرجوا وقالوا‪ :‬إن عليًا ومعاوية استبقا إلى الكفر كفرسى رهان‪،‬‬
‫فكفر معاوية بقتال على ثم كفر على بتحكيم الحكمين‪ ،‬وكفرواـ طلحة والزبير‪ ،‬فقتلتهم‬
‫الطائفة الذين كانوا مع على‪ ،‬وقد شهد النبي × أن الطائفة التي تقاتلهم أقرب إلى الحق‪،‬‬
‫وهذه شهادة من النبي × لعلي وأصحابه بالحق‪ ،‬وهذا من معجزات النبي × لكونه أخبر‬
‫بما يكون‪ ،‬فكان على ما قال‪ ،‬وفيه داللة واضحة على صحة خالفة على رضي هللا عنه‬
‫وخطأ من خالفه(‪.)6‬‬
‫ثالثًا‪ :‬بيعة طلحة والزبيرـ رضي هللا عنهما‪:‬‬
‫عن أبي بشير العابدى قال‪ :‬كنت بالمدينة حين قتل عثمان‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬واجتمع‬
‫المهاجرون واألنصار فيهم طلحة والزبير فأتوا عليًا‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا أبا الحسن هلم نبايعك‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ال حاجة لي في أمركم‪ ،‬أنا معكم‪ ،‬فمن اخترتم فقد رضيت به‪..‬فاختاروا‪ ،‬فقالوا وهللا‬
‫ما نختار غيرك(‪..)7‬إلخ الرواية وفيها تمام البيعة لعلي – رضي هللا عنه – والروايات في‬

‫‪1‬‬
‫() فتح البارى (‪.)1/542‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسلم رقم (‪.)2235‬‬
‫‪3‬‬
‫() شرح النووى على صحيح مسلم (‪.)41 ،18/40‬‬
‫‪4‬‬
‫() هذه األحاديث في صحيح مسلم (‪.)746 ،2/745‬‬
‫‪5‬‬
‫() شرح النووى على صحيح مسلم (‪.)7/166‬‬
‫‪6‬‬
‫() منهاج القاصدين في فضل الخلفاء الراشدين البن قدمة‪ ،‬ص (‪ )76 ،75‬نقال عن عقيدة أهل السنة‬
‫والجماعة (‪.)2/683‬‬
‫‪15‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫هذا كثيرة ذكر بعضها ابن جرير في تاريخه(‪ ,)1‬وهى دالة على مبايعة الصحابة‪ -‬رضي‬
‫هللا عنهم – لعلي رضي هللا عنه‪ ،‬واتفاقهم على بيعته بمن فيهم طلحة والزبير‪ ،‬كما جاء‬
‫مصرحًا به في الرواية السابقة‪ ،‬وأما ما جاء في بعض الروايات من أن طلحة والزبير‬
‫بايعا مكرهين‪ ،‬فهذا ال يثبت بنقل صحيح‪ ،‬والروايات الصحيحة على خالفه(‪ ,)2‬فقد روى‬
‫الطبري عن عوف بن أبي جميلة قال‪ :‬أما أنا فأشهد أني سمعت محمد بن سيرين يقول‪ :‬إن‬
‫عليًا جاء فقال لطلحة‪ :‬ابسط يدك يا طلحة ألبايعك‪ .‬فقال طلحة‪ :‬أنت أحق‪ ،،‬وأنت أمير‬
‫المؤمنين‪ ،‬فابسط يدك‪ ,‬فبسط عل ّى يده فبايعه(‪ ,)3‬وعن عبد خير الخيوانى أنه قام إلى أبي‬
‫موسى فقال‪ :‬يا أبا موسى هل كان هذان الرجالن – يعنى طلحة والزبير – ممن بايع‬
‫عليًا؟ قال‪ :‬نعم(‪,)4‬كما نص على بطالن ما يدعي من أنهما بايعا مكرهين‪ ،‬اإلمام المحقق‬
‫ابن العربي وذكر أن هذا مما ال يليق بهما‪ ،‬وال بعلي‪ ،‬قال‪ -‬رحمه هللا‪ :-‬فإن قيل بايعا‬
‫مكرهين «أي طلحة والزبير»‪ ،‬قلنا‪ :‬حاشا هلل أن يكرها‪ ،‬لهما ولمن بايعهما ولو كانا‬
‫مكرهين ما أثر ذلك‪ ،‬ألن واحد واثنين تنعقد البيعة بهما وتتم‪ ،‬وهذا اجتهاد مرود‪ ،‬ومن‬
‫بايع بعد ذلك فهو الزم له‪ ،‬وهو مكره على ذلك شرعًا‪ ،‬ولو لم يبايعا ما أثر ذلك فيهما‪،‬‬
‫وال في بيعة اإلمام‪ ،‬وأما من قال‪ :‬يد شالء وأمر ال يتم(‪ ,)5‬فذلك ظن من القائل أن طلحة‬
‫أول من بايع ولم يكن كذلك‪ ،‬فإن قيل فقد قال طلحة‪ :‬بايعت واللج على قفي! قلنا‪ :‬اخترع‬
‫هذا الحديث من أراد أن يجعل في (القفا) لغة (قفي)‪ ،‬كما يجعل في (الهوى) (هوي) وتلك‬
‫لغة هذيل ال قريش(‪ ,)6‬فكانت كذبة لم تدبر‪ ،‬وأما قوله‪( :‬يد شالء) لو صح فال متعلق لهم‬
‫فيه‪ ،‬فإن يدًا شلت في وقاية رسول هللا × يتم لها كل أمر‪ ،‬ويتوقى بها من كل مكروه‪ ،‬وقد‬
‫تم األمر على وجهه‪ ،‬ونفذ القدر بعد ذلك على حكمه(‪ .)7‬إن الروايات التي تقول بأن طلحة‬
‫والزبير أكرهوا على البيعة باطلة(‪ ,)8‬وهناك روايات صحيحة أشارت – كما ذكرت – إلى‬
‫بيعتهما لعلي رضي هللا عنهم‪ ،‬وهناك رواية صحيحة أوردها ابن حجر(‪ ,)9‬عن طريق‬

‫‪7‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪ )5/449‬إسناد الرواية حسن لغيره‪ ،‬حملة رسالة اإلسالم األولون‪ ،‬محب الدين‬
‫الخطيب‪ ،‬ص (‪.)57‬‬
‫‪1‬‬
‫() انظر‪ :‬تاريخ الطبري (‪ )450 -5/448‬وقد قام بجمع هذه الروايات ودرسها الدكتور محمد أمحزون‪،‬‬
‫تحقيق مواقف الصحابة (‪.)75 -2/59‬‬
‫‪2‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ ،‬ص (‪.)236‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪ )5/456‬االنتصار للصحب واآلل‪ ،‬ص(‪.)236‬‬
‫‪4‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/517‬‬
‫‪5‬‬
‫() إشارة إلى ما جاء في بعض الروايات‪ :‬أن أول من بايع عليًا طلحة – رضي هللا عنهما‪ -‬وكان بيده‬
‫اليمنى شلل‪ ،‬لما وقى بها رسول هللا × يوم أحد‪ ،‬فقال رجل في القوم‪ :‬أول يد بايعت أمير المؤمنين شالء‬
‫ال يتم هذا األمر‪ ،‬تاريخ الطبري (‪ ،)5/457‬البداية والنهاية (‪.)7/237‬‬
‫‪6‬‬
‫() وقبل لغة طيء‪ :‬ذكره ابن األثير في النهاية (‪ )4/94‬وكذلك اللج ليس من لغة قريش بل من لغة طيء‪،‬‬
‫قال ابن األثير‪ :‬هو بالضم‪ :‬السيف بلغة طيء‪ ،‬النهاية (‪ )4/234‬وقيل‪ :‬هو السيف بلغة هذيل وطوائف من‬
‫اليمن‪ ،‬لسان العرب (‪.)2/354‬‬
‫‪7‬‬
‫() العواصم من القواصم ص (‪.)149 ،148‬‬
‫‪8‬‬
‫() استشهاد عثمان ص (‪.)141‬‬
‫‪9‬‬
‫() فتح البارى (‪.)13/38‬‬
‫‪15‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫األحنف بن قيس وفيها أن عائشة وطلحة والزبير‪ ،‬رضوان هللا عليهم‪ ،‬قد أمروا األحنف‬
‫بمبايعة على رضي هللا عنه بعدما استشارهم فيمن يبايع بعد عثمان رضي هللا عنه(‪.)1‬‬
‫إن سابقة على – رضي هللا عنه – وفضله‪ ،‬والتزامه بأحكام الكتاب والسنة‪ ،‬وتمسكه‬
‫الشديد بالعمل بهما‪ ،‬وتعهده في خطبه بتطبيق األوامر والنواهي الشرعية‪ ،‬ما كان ليفتح‬
‫ألحد باب الطعن في واليته على المسلمين‪ ،‬ويمكن القول إن عليًا كان أقوى المرشحين‬
‫لإلمامة بعد مقتل عمر – رضي هللا عنه – فالفاروق عينه في الستة الذين أشار بهم‪ ،‬وهو‬
‫واحد منهم‪ ،‬على أن األربعة من رجال الشورى‪ ،‬وهم عبد الرحمن‪ ،‬وسعد‪ ،‬وطلحة‬
‫والزبير بتنازلهم عن حقهم فيها له ولعثمان تركوا المجال مفتوحًا أمام االثنين‪ ،‬فلم يبق إال‬
‫هو وعثمان‪ ،‬وهذا إجماع من أهل الشورى على أنه لوال عثمان لكانت لعلي‪ ،‬وبعد موت‬
‫عثمان‪ ،‬وقد قدمه ورجحه أهل دار الهجرة صار مستحقًا للخالفة‪ ،‬على أنه لم يكن أحد من‬
‫أصحاب رسول هللا × الموجودين في ذلك الحين أحق بالخالفة منه‪ -‬رضي هللا عنه – فهو‬
‫من السابقين والمهاجرين األولين‪ ،‬وابن ع ّم رسول هللا‪ ،‬وصهره‪ ،‬باإلضافة إلى ذلك له من‬
‫القدرة والكفاءة ما ال ينكر‪ ،‬وله من الشجاعة واإلقدام والذكاء والعقلية القضائية النادرة‪،‬‬
‫والحزم في المواقف‪ ،‬والصالبة في الحق‪ ،‬وبعد نظره في تصريف األمور‪ ،‬فكل هذه‬
‫العوامل تجعله بال منازع المرشح الوحيد إلمامة المسلمين في تلك الفترة الحساسة من‬
‫حياتهم(‪ ،)2‬ومع هذا كله فإن خالفته صحت بعدما انعقد إجماع المهاجرين واألنصار عليه‬
‫ومبايعتهم له‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬انعقاد اإلجماع على خالفة على رضي هللا عنه‪:‬‬
‫انعقد إجماع أهل السنة والجماعة على أن عليًا رضي هللا عنه كان متعينًا للخالفة بعد‬
‫عثمان رضي هللا عنه لبيعة المهاجرين واألنصار له‪ ،‬لما رأوا لفضله على من بقى من‬
‫الصحابة‪ ،‬وأنه أقدمهم إسال ًما‪ ،‬وأوفرهم عل ًما‪ ،‬وأقربهم بالنبي × نسبًا‪ ،‬وأشجعهم نفسًا‬
‫وأحبهم إلى هللا ورسوله‪ ،‬وأكثرهم مناقب وأفضلهم سوابق‪ ،‬وأرفعهم درجة وأشرفهم‬
‫منزلة‪ ،‬وأشبههم برسول هللا ÷× هديًا وسمتًا‪ ،‬فكان رضي هللا عنه متعينًا للخالفة دون‬
‫غيره‪ ،‬وقد قام من بقى من أصحاب النبي × بالمدينة بعقد البيعة له بالخالفة باإلجماع‪،‬‬
‫فكان حينئذ إما ًما حقًا وجب على سائر الناس طاعته وحرم الخروج عليه ومخالته‪ ،‬وقد‬
‫نقل اإلجماع على خالفته كثير من أهل العلم منهم‪:‬‬
‫‪ -1‬نقل محمد بن سعد‪ :‬إجماع من له قدم صدق وسابقة في الدين ممن بقى من‬
‫أصحاب النبي × بالمدينة على بيعة على رضي هللا عنه حيث قال‪ :‬وبويع لعلي بن أبي‬
‫طالب رحمه هللا بالمدينة الغد من يوم قتل عثمان بالخالفة‪ ،‬بايعه طلحة والزبير‪ ،‬وسعد بن‬
‫أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل‪ ،‬وعمار بن ياسر‪ ،‬وأسامة بن زيد‪ ،‬وسهل‬
‫بن حنيف‪ ،‬وأبو أيوب األنصارى‪ ،‬ومحمد بن مسلمة‪ ،‬وزيد بن ثابت‪ ،‬وخزيمة بن ثابت‬
‫وجميع من كان بالمدينة من أصحاب رسول هللا × وغيرهم(‪.)3‬‬
‫‪ -2‬وذكر ابن قدامة رحمه هللا‪ ،‬أن اإلمام أحمد‪ ،‬رحمه هللا‪ ،‬روى بإسناده عن عبد‬
‫الرزاق عن محمد بن راشد عن عوف قال‪ :‬كنت عند الحسن فكأن رجالً انتقص أبا موسى‬
‫باتباعه عليًا‪ ،‬فغضب الحسن ثم قال‪ :‬سبحان هللا قتل أمير المؤمنين عثمان فاجتمع الناس‬
‫‪1‬‬
‫() استشهاد عثمان‪ ،‬ص(‪ ،)141‬المصنف البن أبي شيبة (‪ ،)11/118‬ورجاله رجال الصحيح عدا عمر‬
‫بن جاوان مقبول وصححه ابن حجر في فتح البارى (‪.)57 -34/13‬‬
‫‪2‬‬
‫() تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة (‪.)92 ،2/91‬‬
‫‪3‬‬
‫() الطبقات الكبرى (‪.)3/31‬‬
‫‪15‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫على خيرهم فبايعوه أفَيُالم أبو موسى باتباعه(‪.)1‬‬
‫‪ -3‬وقال أبو الحسن األشعرى‪ :‬ونثبت إمامة على بعد عثمان‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬بعقد‬
‫من عقد له من الصحابة من أهل الحل والعقد ألنه لم يدع أحد من أهل الشورى غيره في‬
‫وقته‪ ،‬وقد اجتمع على فضله وعدله‪ ،‬وأن امتناعه عن دعوى األمر لنفسه في وقت الخلفاء‬
‫قبله كان حقًا لعلمه أن ذلك وقت قيامه‪ ،‬ثم لما صار األمر إليه أظهر وأعلن‪ ،‬ولم يقصر‬
‫حتى مضى على السداد والرشاد‪ ،‬كما مضى من قبله من الخلفاء وأئمة العدل على السداد‬
‫والرشاد؛ متبعين لكتاب ربهم وسنة نبيهم هؤالء األربعة المجمع على عدلهم وفضلهم‬
‫رضي هللا عنهم(‪.)2‬‬
‫‪ -4‬وقال أبو نعيم األصبهاني‪:‬فلما اختلف الصحابة كان على الذين سبقوا إلى‬
‫الهجرة والسابقة والنصرة والغيرة في اإلسالم الذين اتفقتـ األمة على تقديمهم لفضلهم في‬
‫أمر دينهم ودنياهم‪ ،‬ال يتنازعون فيهم وال يختلفون فيمن أولى باألمر من الجماعة الذين‬
‫شهد لهم رسول هللا بالجنة في العشرة ممن توفى وهو عنهم راض‪ ،‬فسلم من بقى من‬
‫العشرة األمر لعلي رضي هللا عنه ولم ينكر أنه من أكمل األمة ذكرًا وأرفعهم قدرًا‪ ،‬لقديم‬
‫سابقته وتقدمه في الفضل والعلم‪ ،‬وشهوده المشاهد الكريمة‪ ،‬يحبه هللا ورسوله‪ ،‬ويحب هللا‬
‫ورسوله‪ ،‬ويحبه المؤمنون ويبغضه المنافقون‪ ،‬لم يضع منه تقديم من تقدمه من أصحاب‬
‫رسول هللا × بل ازداد به ارتفاعًا لمعرفته بفضل من قدمه على نفسه؛ إذ كان ذلك موجودًا‬
‫ض" إلى‬‫ض ُه ْم َعلَى َب ْع ٍ‬ ‫الر ُس ُل فَ َّ‬
‫ضلْنَا َب ْع َ‬ ‫في األنبياء والرسل عليهم السالم‪ ،‬قال تعالى‪+ :‬تِل َ‬
‫ْك ُّ‬
‫َك َّن اهللَ َي ْف َع ُل َما يُ ِري ُد" [البقرة‪ ،]253:‬فلم يكن تفضيل بعضهم على بعض بالذي‬ ‫قوله ‪+‬ول ِ‬
‫َ‬
‫يضع ممن هو دونه‪ ،‬فكل الرسل صفوة هللا – عز وجل – وخيرته من خلقه‪ ،‬فتولى عل ّى‬
‫أمر المسلمين عادالً زاهدًا آخ ًذا في سيره بمنهاج الرسول‪ -‬عليه الصالة والسالم‪-‬‬
‫وأصحابه رضي هللا عنهم حتى قبضه هللا عز وجل – شهيدًا هاديًا مهديًا‪ ،‬سلك بهم السبيل‬
‫المستبين والصراط المستقيم(‪.)3‬‬
‫‪ -5‬وقال أبو منصور البغدادي‪:‬أجمع أهل الحق والعدل على صحة إمامة على‬
‫رضي هللا عنه وقت انتصابه لها بعد قتل عثمان رضي هللا عنه(‪.)4‬‬
‫‪ -6‬وقال الزهرى‪ :‬وكان قد وفى بعهد عثمان حتى قتل‪ ،‬وكان أفضل من بقى من‬
‫الصحابة‪ ،‬فلم يكن أحد أحق بالخالفة منه‪ ،‬ثم لم يستبد بها مع كونه أحق الناس بها حتى‬
‫جرت له بيعة‪ ،‬وبايعه مع سائر الناس من بقى من أصحاب الشورى(‪.)5‬‬
‫‪ -7‬وقال عبد هللا الجوينى‪ :‬وأما عمر وعثمان وعلي‪ -‬رضوان هللا عليهم – فسبيل‬
‫إثبات إمامتهم وإجماعهم لشرائط اإلمامة كسبيل إثبات إمامة أبي بكر‪ ،‬ومرجع كل قاطع‬
‫في اإلمامة إلى الخبر المتواتر واإلجماع‪..‬وال اكثرات بقول من يقول‪ :‬لم يحصل إجماع‬

‫‪1‬‬
‫() منهاج القاصدين في فضل الخلفاء الراشدين‪ :‬ص (‪ )78 ،77‬نقال عن عقيدة أهل السنة في الصحابة (‬
‫‪.)2/689‬‬
‫‪2‬‬
‫() اإلبانة عن أصول الديانة‪ ،)78( ،‬مقاالت اإلسالميين (‪.)1/346‬‬
‫‪3‬‬
‫() كتاب اإلمامة والرد على الرافضة‪ ،‬ص (‪.)361 ،360‬‬
‫‪4‬‬
‫() كتاب أصول الدين‪ ،‬ص (‪.)287 ،286‬‬
‫‪5‬‬
‫() االعتقاد‪ ،‬ص (‪.)193‬‬
‫‪16‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫على إمامة علي رضي هللا عنه‪ ،‬فإن اإلمامة لم تجحد له وإنما هاجت الفتن ألمور أخر(‪.)1‬‬
‫‪ -8‬وقال أبو عبد هللا بن بطة‪ :‬كانت بيعة على – رحمه هللا – بيعة اجتماع‬
‫ورحمة‪ ،‬لم يدع إلى نفسه‪ ،‬ولم يجبرهم على بيعته بسيفه‪ ،‬ولم يغلبهم بعشيرته‪ ،‬ولقد شرف‬
‫الخالفة بنفسه‪ ،‬وزانها بشرفه‪ ،‬وكساها حلة البهاء بعدله ورفعها بعلو قدره‪ ،‬ولقد أباها‬
‫فأجبروه‪ ،‬وتقاعس عنها فأكرهوه(‪.)2‬‬
‫‪ -9‬وقال الغزالي‪ :‬وقد أجمعوا على تقديم أبي بكر‪ ،‬ثم نص أبو بكر على عمر‪ ،‬ثم‬
‫أجمعوا بعده على عثمان‪ ،‬ثم على علي رضي هللا عنهم‪ ،‬وليس يظن منهم الخيانة في دين‬
‫هللا – تعالى – لغرض من األغراض‪ ،‬وكان إجماعهم على ذلك من أحسن ما يستدل به‬
‫على مراتبهم في الفضل‪ ،‬ومن هنا اعتقد أهل السنة هذا الترتيب في الفضل‪ ،‬ثم بحثوا عن‬
‫األخبار فوجدوا فيها ما عرف مستند الصحابة وأهل اإلجماع في هذا الترتيب(‪.)3‬‬
‫‪ -10‬قال أبو بكر بن العربي‪ :‬فلما قضى هللا من أمره ما قضى‪ ،‬ومضى في قدره‬
‫ما مضى علم أن الحق ال يترك الناس سدى‪ ،‬وأن الخلق بعده مفتقرون إلى خليفة مفروضـ‬
‫عليهم النظر فيه‪ ،‬ولم يكن بعد الثالثة كالرابع قدرًا وعل ًما وتقى ودينًا‪ ،‬فانعقدت له البيعة‬
‫ولوال اإلسراع بعقد البيعة لعلي لجرى على من بها من األوباش ماال يرقع خرقة‪ ،‬ولكن‬
‫عزم عليه المهاجرون واألنصار‪ ،‬ورأى ذلك فرضًا عليه فانقاد إليه(‪.)4‬‬
‫‪ -11‬وقال ابن تيمية‪:‬واتفق أصحاب رسول هللا × على بيعة عثمان بعد عمر‪ ،‬وثبت‬
‫عن النبي × أنه قال‪« :‬عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي‬
‫تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ‪ ،‬وإياكم ومحدثات الأمور‪ ،‬فإن كل بدعة‬
‫(‪)5‬‬
‫ضلالة»‪.‬‬
‫فكان أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا عنه آخر الخلفاء الراشدين‬
‫المهديين‪ ،‬وقد اتفق عامة أهل السنة من العلماء والعباد واألمراء واألجناد على أن يقولوا‪:‬‬
‫أبو بكر‪ ،‬ثم عمر‪ ،‬ثم عثمان‪ ،‬ثم على(‪.)6‬‬
‫‪ -12‬وقال ابن حجر‪ :‬وكانت بيعة على بالخالفة عقب قتل عثمان في أوائل ذى‬
‫الحجة سنة خمس وثالثين‪ ،‬فبايعه المهاجرون واألنصار وكل من حضر‪ ،‬وكتب بيعته إلى‬
‫اآلفاق‪ ،‬فأذعنوا كلهم إال معاوية في أهل الشام فكان بينهما بعد ما كان(‪ ,)7‬والذي نستفيده‬
‫من هذه النقول المتقدمة لإلجماع أن خالفة على رضي هللا عنه محل إجماع على أحقيتها‬
‫وصحتها في وقت زمانها‪ ،‬وذلك بعد قتل عثمان‪ -‬رضي هللا عنه – حيث لم يبق على‬
‫األرض أحق بها منه رضي هللا عنه‪ ،‬فقد جاءته رضي هللا عنه على قدر في وقتها‬
‫‪1‬‬
‫() كتاب اإلرشاد إلى قواطع األدلة في أصول االعتقاد‪ ،‬ص (‪ )363 ،362‬يقصد القصاص من قتلة‬
‫عثمان‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() لوامع األنوار البهية للسفارينى (‪ ،)2/346‬عقيدة أهل السنة (‪.)2/692‬‬
‫‪3‬‬
‫() االقتصاد في االعتقاد‪ ،‬ص (‪.)154‬‬
‫‪4‬‬
‫() العواصم من القواصم‪ ،‬ص(‪.)142‬‬
‫‪5‬‬
‫() سنن أبي داود (‪ ،)4/201‬الترمذي (‪ )5/44‬حسن صحيح‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() الوصية الكبرى‪ ،‬ص (‪.)23‬‬
‫‪7‬‬
‫() فتح البارى (‪.)7/72‬‬
‫‪16‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ومحلها(‪.)1‬‬
‫وقد اعترض بعض الناس على اإلجماع على خالفة على رضي هللا عنه‬
‫من وجوه‪:‬‬
‫‪ -1‬تخلف عنه من الصحابة جماعة منهم سعد بن أبي وقاص‪ ،‬ومحمد بن مسلمة‪،‬‬
‫وابن عمر وأسامة بن زيد وسواهم من نظرائهم(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬إنما بايعوه على أن يقتل قتلة عثمان(‪.)3‬‬
‫‪ -3‬أن أهل الشام؛ معاوية ومن معه لم يبايعوه بل قاتلوه(‪..)4‬‬
‫وهذه االعتراضات ال تأثير لها على اإلجماع المذكور‪ ،‬وال توجب معارضته وذلك‬
‫أنها مردودة من وجوه‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أن دعوى أن جماعة من الصحابة تخلفوا عن بيعته دعوة غير‬
‫صحيحة إذ أن بيعته لم يتخلف أحد عنها‪ ،‬وأما نصرته فتخلف عنها قوم منهم من ُذكر‬
‫ألنها كانت مسألة اجتهادية‪ ،‬فاجتهد كل واحد وأعمل نظره وأصاب قدره(‪ ,)5‬وأما ما قاله‬
‫ابن خلدون‪ :‬إن الناس كانوا عند مقتل عثمان مفترقين في األمصار‪ ،‬فلم يشهدوا بيعة‬
‫على‪ ،‬والذين شهدوا فمنهم من بايع ومنهم من توقف حتى يجتمع الناس ويتفقوا على إمام‬
‫كسعد وسعيد وابن عمر‪..‬إلخ(‪ ,)6‬ما ذكر فهذا مبالغة من ابن خلدون رحمه هللا‪ ،‬أما سعد بن‬
‫أبي وقاص فقد نقل بيعته ابن سعد‪ ،‬وابن حبان‪ ،‬والذهبي(‪ )7‬وغيرهم‪ ،‬وكذلك البقية قد‬
‫بايعوا كما ذكرنا اإلجماع في ذلك فيمن حضر من الصحابة في المدينة‪ ،‬على أن ابن‬
‫خلدون نفسه نقل اتفاق أهل العصر الثاني من بعد الصحابة في المدينة على انعقاد بيعة‬
‫على ولزومها للمسلمين أجمعين‪ ،‬وقد نقلت ما قاله ابن خلدون ألن كثيرًا من الكتاب‬
‫والباحثين اعتمدوا عليه فيما بعد‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن عقد الخالفة ونصب إمام واجب البد منه‪ ،‬ووقف ذلك على حضور‬
‫جميع األمة واتفاقهم مستحيل متعذر‪ ،‬فال يجوز اشتراطه إلفضاء ذلك إلى انتفاء الواجب‬
‫ووقوعـ الفساد الالزم من انتفائه(‪.)8‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬أن اإلجماع حصل على بيعة أبي بكر بمبايعة الفاروق وأبي عبيدة‬
‫ومن حضرهم من األنصار مع غيبة على وعثمان وغيرهما من الصحابة‪ ،‬وكذلك حصل‬

‫‪1‬‬
‫() عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة (‪.)2/693‬‬
‫‪2‬‬
‫() العواصم من القواصم ص ‪.147 -146‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر السابق ص ‪.145‬‬
‫‪4‬‬
‫() عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة (‪.)2/695‬‬
‫‪5‬‬
‫() التمهيد للباقالنى ص‪ ،234 -233‬العواصم من القواصم ص ‪.147‬‬
‫‪6‬‬
‫() المقدمة ص ‪.214‬‬
‫‪7‬‬
‫() الطبقات (‪ ،)3/31‬الثقات (‪ )2/268‬دول اإلسالم (‪ ،)1/14‬عبد هللا بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة في‬
‫صدر اإلسالم ص ‪.172 ،171‬‬
‫‪8‬‬
‫() منهاج القاصدين في فضل الخلفاء الراشدين‪ ،‬ص (‪ )77 ،76‬نقال عن عقيدة أهل السنة‪.‬‬
‫‪16‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫اإلجماع على خالفة على بمبايعة سعد بن أبي وقاص وابن عمر وأسامة بن زيد وعمار‬
‫ومن حضرهم من البدريين وغيرهم من الصحابة‪ ،‬وال يضر هذا اإلجماع من غاب عن‬
‫البيعة أو لم يبايع من غيرهم رضي هللا عنهم جميعًا‪ ،‬قال الحسن البصرى‪ :‬وهللا ما كانت‬
‫بيعة على إال كبيعة أبي بكر وعمر رضي هللا عنهم(‪.)1‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬دعوى أنه إنما بويع على أن يقتل قتلة عثمان‪ :‬هذا ال يصح في شرط‬
‫البيعة وإنما يبايعونه على الحكم بالحق‪ ،‬وهو أن يحضر الطالب للدم‪ ،‬ويحضر المطلوب‬
‫وتقع الدعوى‪ ،‬ويكون الجواب‪ ،‬وتقوم البينة ويقع الحكم(‪ )2‬بعد ذلك‪ .‬وأما الروايات التي‬
‫تزعم أن طلحة والزبير وبعض الصحابة‪ ،‬رضوان هللا عليهم‪ ،‬قد اشترطوا في بيعتهم‬
‫لعلي إقامة الحدود‪ ،‬فهذا الخبر على ضعف سنده فإن في متنه مقاال(‪ ,)3‬وفي ذلك يقول ابن‬
‫العربى‪ :‬فإن قيل بايعوه على أن يقتل قتلة عثمان‪ ،‬قلنا‪ :‬هذا ال يصح في شرطه البيعة(‪.)4‬‬
‫الوجه الخامس‪ :‬أن معاوية – رضي هللا عنه – لم يقاتل عليًا على الخالفة ولم ينكر‬
‫إمامته وإنما كان يقاتل من أجل إقامة الحد الشرعي على الذين اشتركوا في قتل عثمان مع‬
‫ظنه أنه مصيب في اجتهاده ولكنه كان مخطئا في اجتهاده ذلك‪ ،‬فله أجر االجتهاد فقط(‪.)5‬‬
‫وقد ثبت بالروايات الصحيحة أن خالفه مع على – رضي هللا عنه – كان في قتل قتلة‬
‫عثمان ولم ينازعه في الخالفة‪ ،‬بل كان يقر له بذلك‪ ،‬فعن أبي مسلم الخوالنى أنه جاء‬
‫وأناس معه إلى معاوية وقالوا‪ :‬أنت تنازع عليًا‪ ،‬هل أنت مثله؟ فقال‪ :‬ال وهللا‪ ،‬إني ألعلم‬
‫أنه أفضل مني‪ ،‬وأحق باألمر مني‪ ،‬ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قُتل مظلو ًما‪ ،‬وأنا ابن‬
‫عمه والطالب بدمه فأتوه فقولوا له‪ :‬فليدفع إل َّى قتلة عثمان وأسلم له‪ ،‬فأتوا عليًا فكلموه فلم‬
‫يدفعهم إليه(‪ ,)6‬ويروي ابن كثير من طرق ابن ديزيل بسنده إلى أبي الدرداء وأبي أمامة –‬
‫رضي هللا عنهما‪ :-‬أنهما دخال على معاوية فقاال له‪ :‬يا معاوية عالم تقاتل هذا الرجل؟‬
‫فوهللا إنه أقدم منك ومن أبيك إسال ًما‪ ،‬وأقرب منك إلى رسول هللا × وأحق بهذا األمر‬
‫منك‪ ،‬فقال‪ :‬أقاتله على دم عثمان‪ ،‬وأنه آوى قتلته‪ ،‬فاذهبا إليه فقوال له‪ :‬فليقدنا من قتلة‬
‫عثمان‪ ،‬ثم أنا أول من أبايعه من أهل الشام(‪.)7‬‬
‫والروايات في هذا كثيرة ومشهورة بين العلماء(‪ ,)8‬وهى دالة على عدم منازعة‬
‫معاوية لعلي‪ -‬رضي هللا عنهما‪ -‬في الخالفة‪ .‬ولهذا نص المحققون من أهل العلم على هذه‬

‫‪1‬‬
‫() عقيدة أهل السنة في الصحابة (‪.)2/696‬‬
‫‪2‬‬
‫() عقيدة أهل السنة في الصحابة (‪.)2/696‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)460 ،5/459‬‬
‫‪4‬‬
‫() العواصم من القواصم‪ ،‬ص(‪.)150‬‬
‫‪5‬‬
‫() عقيدة أهل السنة في الصحابة (‪.)2/696‬‬
‫‪6‬‬
‫() البداية والنهاية (‪ ،)7/265‬تحقيق مواقف الصحابة (‪.)2/147‬‬
‫‪7‬‬
‫() البداية والنهاية (‪ ،)7/270‬االنتصار للصحب واآلل‪ ،‬ص (‪.)239‬‬
‫‪8‬‬
‫() البداية والنهاية البن كثير (‪ )270 -7/268‬وقد جمع هذه الروايات الدكتور محمد أمحزون في كتابه‪:‬‬
‫تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة (‪.)150 -2/146‬‬
‫‪16‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫المسألة وقرروها(‪ ,)1‬ويقولـ إمام الحرمين الجوينى‪ :‬إن معاوية وإن قاتل عليًا فإنه ال ينكر‬
‫إمامته‪ ،‬وال يدعيها لنفسه‪ ،‬وإنما كان يطلب قتلة عثمان ظنًا منه أنه مصيب وكان‬
‫مخطئًا(‪ ,)2‬ويقولـ ابن حجر الهيثمى‪ :‬ومن اعتقاد أهل السنة والجماعة أن ما جرى بين‬
‫على ومعاوية – رضي هللا عنهما‪ -‬من الحروب فلم يكن لمنازعة معاوية لعلي في الخالفة‬
‫لإلجماع على أحقيتها لعلي كما مر‪ ،‬فلم تهج الفتنة بسببها‪ ،‬وإنما هاجت بسبب أن معاوية‬
‫ومن معه طلبوا من على تسليم قتلة عثمان إليهم‪ ،‬لكون معاوية ابن عمه فامتنع على(‪,)3‬‬
‫وسوف نبين موقف على رضي هللا عنه من عدم تسليم قتلة عثمان في حينه‪ ،‬وإنما الشاهد‬
‫هنا هو إثبات عدم مبايعة معاوية ليس اعتراضًا على شخص على‪ .‬ويقولـ ابن تيمية‪:‬‬
‫ومعاوية لم يدع الخالفة‪ ،‬ولم يبايع له بها حين قاتل عليًا‪ ،‬ولم يقاتل على أنه خليفة‪ ،‬وال أنه‬
‫يستحق الخالفة ويقرون له بذلك‪ ،‬وقد كان معاوية يقر بذلك لمن سأله عنه‪ ..‬وكل فرقة من‬
‫المتشيعين(‪ )4‬مقرة مع ذلك بأنه ليس معاوية كفئًا لعلي بالخالفة‪ ،‬وال يجوز أن يكون خليفة‬
‫مع إمكان استخالف على‪ -‬رضي هللا عنه‪ ،-‬فإن فضل على وسابقته وعلمه ودينه‬
‫وشجاعته وسائر فضائله كانت عندهم ظاهرة معروفة(‪ ,)5‬فثبت بهذا أنه لم ينازع عليًا‪-‬‬
‫رضي هللا عنه‪ -‬أحد في الخالفة‪ ،‬ال من الذين خالفوه‪ ،‬وال من غيرهم(‪ ,)6‬فهذه األقوال عن‬
‫هؤالء العلماء كلها في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة في ترتيب الخالفة الراشدة‪ ،‬فالبد‬
‫من الذود عنها والتبشير وتربية األجيال عليها‪ ،‬واالعتزاز واالفتخار في االنتساب إليها‪.‬‬
‫خامسًا‪:‬شروط أمير المؤمنين على رضيـ هللا عنه في بيعته وأول خطبة‬
‫خطبها رضيـ هللا عنه‪:‬‬
‫جاء في بعض الروايات أن أمير المؤمنين عليًا رضي هللا عنه اشترط في بيعته‬
‫أمورًا منها‪ ،‬أن تكون البيعة في مأل وليس في خفية‪ ،‬وفي المسجد‪ ،‬وعن رضا المسلمين‪،‬‬
‫وأنه يدير أمرهم كما يراه ويعلمه‪ ،‬فوافقوهـ وتواعدوا صباح اليوم التالي في المسجد‬
‫للبيعة(‪ ,)7‬وكان يو ًما حافالً وحاس ًما‪ ،‬فقد خرج أمير المؤمنين وقد لبس مالبسه كاملة‪..‬ثم‬
‫بعد الحمد والثناء على هللا بين للناس المحاوالت التي بذلت معه وقال‪ :‬إني كنت كارهًا‬
‫ألمركم‪ ،‬فأبيتم إال أن أكون عليكم‪ ،‬أال وإنه ليس لي أمر دونكم‪ ،‬أال إن مفاتيح مالكم معي‪،‬‬
‫أال وأنه ليس لي أن آخذ منه درهما دونكم(‪ , )8‬ثم قال‪ :‬يا أيها الناس‪ :‬إن هذا أمركم ليس‬
‫ألحد فيه حق إال من أمرتم‪ ،‬وقد افترقنا باألمس على أمر‪ ،‬فإن شئتم قعدت لكم‪ ،‬وإال فال‬
‫أجد على أحد‪ ،‬ثم رفع صوته قائالً‪ :‬رضيتم؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬هللا اشهد عليهم‪ ،‬وأقبل الناس‬
‫‪1‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ ،‬ص (‪.)239‬‬
‫‪2‬‬
‫() لمعة األدلة في عقائد أهل السنة والجماعة‪ ،‬ص(‪.)115‬‬
‫‪3‬‬
‫() الصواعق المحرقة نقال عن االنتصار للصحب وآلل‪ ،‬ص (‪.)239‬‬
‫‪4‬‬
‫() أي المتشيعين لعثمان أو على – رضي هللا عنهما – وقد كان المطالبون بدم عثمان – رضي هللا عنه –‬
‫قد انضموا إلى معاوية وما كانوا يفضلونه على علي‪ -‬رضي هللا عنه‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() مجموع الفتاوى (‪.)73 ،35/72‬‬
‫‪6‬‬
‫() االنتصار للحصب واآلل‪ ،‬ص(‪.)241‬‬
‫‪7‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪ ،)5/448‬دراسات في عهد النبوة‪ ،‬ص(‪.)281‬‬
‫‪8‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/449‬‬
‫‪16‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫يبايعونه(‪ ,)1‬وبعد أداء البيعة قال أمير المؤمنين‪ :‬أيها الناس‪ :‬إنكم يايعتموني على ما بايعتم‬
‫عليه أصحابي‪ ،‬فإذا بايعتموني فال خيار لكم عل َّى‪ ،‬وعلى اإلمام االستقامة وعلى الرعية‬
‫التسليم‪ ،‬وهذه بيعة عامة‪ ..‬إلخ(‪ ,)2‬ومما مضى دروس وعبر وفوائد منها‪:‬‬
‫‪ -1‬مبدأ الشورى‪ :‬إن البيعة للخليفة الرابع على رضي هللا عنه لم تختلف من حيث‬
‫مبدأ الشورى عن مثيلتها السابقة بالرغم من األزمة التي ألمت باألمة‪ ،‬واألحوال المدلهمة‬
‫والمشكالت المتتابعة‪ ،‬فلم تتم البيعة على أساس عشائرى‪ ،‬أسرى‪ ،‬أو قبلي‪ ،‬أو على أساس‬
‫عهد ووصية من رسول هللا ×‪ ،‬ولو وجد شيء من هذا القبيل لما حصل هذا الحوار‬
‫الطويل‪ ،‬ولما رفض أمير المؤمنين‪ ،‬ولكان أول من يطالب بحقه‪ .‬بينما كان الناس هم‬
‫الذين يدفعونه إلى البيعة دفعًا ويلحون عليه في الطلب إلحاحًا‪ ،‬وهو يروغ منهم متخلصًا‬
‫لعله يحدث ما يمنعه من ذلك إلى أن قبل على كره منه‪ ،‬ولم يطالبوه بهذا على أساس‬
‫وصية من رسول هللا له‪ -‬ولو وجدوا شيئًا من ذلك لما ترددوا في تنفيذه‪ -‬وال على أساس‬
‫أنه من عبد مناف‪ ،‬أو ألنه من قريش فحسب‪ ،‬بل ألنه من السابقين ومن العشرة المبشرين‬
‫بالجنة‪ ،‬وألنه الثاني بعد عثمان في اختيار الناس لهما عند تطبيق عملية الشورى بعد مقتل‬
‫عمر بن الخطاب‪ ،‬فكان عبد الرحمن بن عوف ال يشير عليه أحد بتنصيب عثمان خليفة‬
‫بعد عمر إال سأله لو لم يكن عثمان موجودًا فمن تختار؟ فيقول‪ :‬على رضي هللا عنه(‪.)3‬‬
‫‪ -2‬أهل الحل والعقد في عهد أمير المؤمنين على‪ :‬كان أهل الحل والعقد عند‬
‫استخالف أبي بكر وعمر وعثمان رضي هللا عنهم بقية العشرة المبشرين ورؤساء بطون‬
‫األوس والخزرج‪ ،‬وكان هؤالء من أهل المدينة‪ ،‬ألنهم هم السابقون الراسخون في العلم‬
‫واإليمان(‪ ،)4‬وكان على رضي هللا عنه يرى أن أمر اختيار الخالفة لمن كان باقيا في‬
‫المدينة من المهاجرين واألنصار وأهل الحل والعقد من أهل بدر‪ ،‬وأصحاب الشورى‪ ،‬إال‬
‫أن الحسن بن على‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬كان يرى ضرورة مراعاة األمور المستجدة في‬
‫تركيبة المجتمع اإلسالمي‪ ،‬وقد بدا ذلك في هذا الحوار بين الحسن بن على وأبيه على بن‬
‫أبي طالب رضي هللا عنهما‪ ،‬قال الحسن‪ :‬قد أمرتك فعصيتني فتقتل غدًا بمضيعة ال ناصر‬
‫لك‪ ،‬فقال على‪ :‬إنك ما زلت تحن حنين الجارية‪ ،‬وما الذي أمرتنى فعصيتك؟ قال‪ :‬أمرتك‬
‫يوم أحيط بعثمان‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬أن تخرج من المدينة فيُقتل ولست بها‪ ،‬ثم أمرتك يوم‬
‫قتل أال تبايع حتى يأتيك وفود أهل األمصار والعرب وبيعة كل مصر(‪..)5‬وكان جواب‬
‫على رضي هللا عنه‪ :‬وأما قولك ال تبايع حتى تأتي بيعة األمصار فإن األمر أمر أهل‬
‫المدينة وكرهنا أن يضيع هذا األمر(‪ ,)6‬على أن عليًا رضي هللا عنه‪ ،‬كان يرى أن البيعة‬
‫تجوز في غير أهل المدينة من المهاجرين واألنصار‪ ،‬ولكنه كان يكره أن يتحول ذلك‬
‫عنهم إلى غيرهم‪ ،‬أو أن يشركهم فيه غيرهم تقًى وورعًا ان يُحدث بعد رسول هللا ×‬
‫وخلفائه شيئًا يبتعد به عن نهجم وسبيلهم‪ ،‬أو أنه كان يرى أن الوقت ما زال مبكرًا على‬

‫‪1‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/449‬‬
‫‪2‬‬
‫() دراسات في عهد النبوة والخالفة الراشدة‪ ،‬ص(‪.)282‬‬
‫‪3‬‬
‫() دراسات في عهد النبوة والخالفة الراشدة‪ ،‬ص(‪.)282‬‬
‫‪4‬‬
‫() الخالفة بين التنظير والتطبيق‪ ،‬محمود المرادوى‪ ،‬ص (‪.)288‬‬
‫‪5‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/245‬‬
‫‪6‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/245‬‬
‫‪16‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫إشراك غير المهاجرين واألنصار في أمور اختيار الحاكم المسلم‪ ،‬ولذلك فإنه كان يكره‬
‫أن يضيع هذا األمر من المهاجرين واألنصار(‪ ,)1‬والدليل على ذلك أنه رضي هللا عنه‬
‫عرض عليه أهل الكوفة بيعة الحسن قال‪ :‬ال أنهاكم وال آمركم‪ ،‬وهذا فيه تجويز لغير أهل‬
‫المدينة في اختيار الحاكم‪.‬‬
‫ونستفيد من الحوار الذي حدث بين الحسن بن على وأبيه رضي هللا عنهما‬
‫أمورًا منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬احترام الرأي في النقاش من الجانبين‪.‬‬
‫ب‪ -‬لطف المعاملة من أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا عنه لولده‪.‬‬
‫ج‪ -‬صراحة الولد مع والده وإبداء كل ما يراه صوابًا في موضوعـ النقاش‪.‬‬
‫د‪ -‬حسن االستماع للطرف الثاني‪ ،‬حيث استمع أمير المؤمنين على بن أبي طالب‬
‫رضي هللا عنه‪ ،‬من ابنه الحسن جميع ما عنده من الحجج‪.‬‬
‫هـ تفنيد الحجج واحدة بعد األخرى تفنيدًا علميًا(‪.)2‬‬
‫‪ -3‬الحرص على أن ال يظل منصب الخليفة شاغرًا‪:‬‬
‫لقد عزم المهاجرون واألنصار بالمدينة على عل ‪‰‬ـًًّى رضي هللا عنه أن يقبل الخالفة‬
‫رغ ًما عنه‪ ،‬تدار ًكا لخطر فساد أمر األمة واختالف الناس‪ ،‬فقبل وحرص على زحزحة‬
‫الغوغاء خطوة أخرى إلى الوراء‪ ،‬بأن اشترط أن تكون البيعة له عالنية في المسجد‪،‬‬
‫وبذلك يظل أهل الحل والعقد هم الذين يعقدون اإلمامة‪ ،‬أما العامة فموضعهم هو‪ :‬البيعة‬
‫العلنية العامة(‪ ,)3‬وحرص على تأكيد هذا المبدأ من فوق المنبر‪ ،‬بقوله‪ :‬أيها الناس إن هذا‬
‫أمركم ليس ألحد فيه حق إال من أمرتم(‪.)4‬‬
‫‪ -4‬الرد على بعض الكتب المعاصرة التي تحدثت عن بيعة على رضي هللا‬
‫عنه‪ :‬يقول العقاد‪ -‬وهو يتكلم عن اختيار الخليفة بعد مقتل عثمان‪:-‬وهذا الخبر‪ -‬على‬
‫وجازته‪ -‬قد حصر لنا أسماء جميع المرشحين للخالفة بالمدينة بعد مقتل عثمان‪ ،‬وربما‬
‫كان أشدهم طلبًا لها طلحة والزبير اللذين أعلنا الحرب على عل ّى بعد ذلك‪ ،‬فقد كانا‬
‫يمهدان لها في حياة عثمان‪ ،‬ويحسبان أن قري ًشا قد أجمعت أمرها أال يتوالها هاشمى‪ ،‬وأن‬
‫عليًا وشيك ان يذاد عنها بعد عثمان كما ذيد عنها قبله‪ ،‬وكانت السيدة عائشة تؤثر أن‬
‫تؤول الخالفة إلى واحد من هذين‪ ،‬أو إلى عبد هللا بن الزبير‪ ،‬ألن طلحة من قبيلة تيم‪،‬‬
‫والزبير زوج أختها أسماء‪ ،‬وفي تأييد السيدة عائشة لواحد منهم مدعاة أمل كبير في‬
‫النجاح(‪.)5‬‬
‫وقال في موضع آخر‪ :‬فمما ال شك فيه أن اإلمام أنكر إجحافًا أصابه في تخطيه بالبيعة‬
‫إلى غيره بعد وفاة ابن عمه صلوات هللا عليه‪ ،‬وأنه كان يرى أن قرابته من النبي مزية‬
‫ترشحه للخالفة بعده‪ ،‬ألنها فرع من النبوة على اعتقاده‪ ،‬وهم شجرة النبوة ومحط الرسالة‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫() الخالفة بين التنظير والتطبيق‪ ،‬ص (‪.)294 ،293‬‬
‫‪2‬‬
‫() منهج على بن أبي طالب في الدعوة إلى هللا‪ ،‬ص (‪.)228 ،227‬‬
‫‪3‬‬
‫() الدور السياسي للصفوة في صدر اإلسالم‪ ،‬السيد عمر‪ ،‬ص(‪.)72‬‬
‫‪4‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/449‬‬
‫‪5‬‬
‫() عبقرية على‪ ،‬ص(‪.)84‬‬
‫‪16‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫كما قال(‪.)1‬‬
‫وقال‪ :‬فمن المعلوم أن عليًا كان يرى أنه أحق بالخالفة من سابقيه‪ ،‬وأنه لم يزل‬
‫مدفوعا عن حقه هذا منذ انتقل النبي عليه السالم إلى الرفيق األعلى(‪ ,)2‬وغير ذلك من‬
‫الطامات واألكاذيب واإلفك المبين التي تورط فيها العقاد بسبب الروايات الموضوعة‪،‬‬
‫وسار على منهجه خالد محمد خالد في كتابه خلفاء الرسول ونقل عن على كال ًما مفترى‪،‬‬
‫ذكر فيه أن أبا بكر وعمر قد اغتصبا الخالفة من على(‪ ,)3‬وجانب الصواب خالد البيطار‬
‫في كتابه على ابن أبي طالب‪ ،‬عندما علق على موقف السيدة فاطمة من ميراث أبيها(‪,)4‬‬
‫وموقفـ على من خالفة أبي بكر‪ ،‬وهذا مثال لفيلق طويل ال ينتهي خاض هذه المعمعة‬
‫وخبط فيها والتي تدعي أن عليًا – رضي هللا عنه – ذيد عن الخالفة بعد عثمان كما ذيد‬
‫عنها قبله‪ ،‬وأن الصحابة كانوا يتآمرون لنيل الخالفة بدافع العصبية ضد بنى هاشم‪ ،‬أو‬
‫لمطامع دنيوية‪ ،‬وأن عليا أنكر إجحافًا أصابه في تخطيه بالبيعة إلى غيره بعد وفاة النبي‬
‫×‪ ،‬وأنه كان يرى أنه أحق بالخالفة من سابقيه‪ ،‬وأن النبي × مهّد لخالفته وحببه للناس‬
‫بما أ َّمره حينًا واستخلفه حينًا آخر‪ ،‬وأن ليس ثمة عالقة حميمة بين اإلمام وبين الصحابة‪،‬‬
‫وأنه غفر للشيخين تعديهما عليه بأخذ الخالفة‪ ،‬وأنه بايع الص ّديق بعد وفاة فاطمة‪ ،‬وكل‬
‫هذا بهتان وزور‪ ،‬وكذب وافتراء يأباه الحق والعدل واإلنصاف‪ ،‬وينكره التاريخ الصحيح‪،‬‬
‫ويكذبه الكالم الصريح الذي صدر عن علي نفسه الذي سبق ذكره‪ ،‬فقد اعترف على‬
‫بأفضلية الخلفاء‪ ،‬حينما كان هو الخليفة‪ ،‬فكان يعلن ذلك على المنبر ويتوعد من يفضله‬
‫عليهم بالعقاب‪ ،‬وهذا ثابت باألسانيد الصحيحة‪ ،‬وكان لهم ناصرًا ومعينًا‪ ،‬وعالقته بهم‬
‫وطيدة وشيجة ال تؤثر في رسوخها العواصف الهوج(‪ )5‬التي يثيرها من تورط في‬
‫الروايات الضعيفة واألخبار الموضوعة من الكتاب الذين ذكرنا بعض نقولهم على سبيل‬
‫المثال ال الحصر والسبب الذي أسقطهم في هذه الهوة هو جهلهم بمنهج أهل السنة‬
‫والجماعة في كتابة التاريخ‪ ،‬وبعدهم عن التمييز بين المصادر الصحيحة والمصادر‬
‫الساقطة‪ ،‬وعدم تفريقهم بين الروايات الصحيحة والروايات الضعيفة والموضوعة‬
‫واالعتماد على الموضوعاتـ في تحليالتهم‪.‬‬
‫‪ -5‬أول خطبة خطبها على رضي هللا عنه‪ :‬قال أمير المؤمنين على رضي هللا‬
‫عنه في أول خطبة خطبها حين تولى الخالفة‪ :‬إن هللا عز وجل أنزل كتابًا هاديًا‪ ،‬بيَّن فيه‬
‫الخير والشر‪ ،‬فخذوا بالخير ودعوا الشر‪ ،‬الفرائض أدوها إلى هللا (سبحانه) يؤدكم إلى‬
‫الجنة‪ ،‬إن هللا حرم ُح َر ًما غير مجهولة وفضَّل حرمة المسلم على الحُرم كلها‪ ،‬وش ّد‬
‫باإلخالص والتوحيد المسلمين‪ ،‬والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده إال بالحق‪ ،‬ال‬
‫يحل أذى المسلم إال بما يجب‪ ،‬بادروا أمر العامة‪ ،...‬فإن الناس أمامكم وأن من خلفكم‬
‫الساعة تحدوكم‪ ،‬تخففواـ تلحقوا‪ ،‬فإنما ينتظر الناس أخراهم‪ ،‬اتقوا هللا في عباده وبالده‪،‬‬
‫إنكم مسئولون حتى عن البقاع والبهائم‪ ،‬أطيعوا هللا عز وجل وال تعصوه‪ ،‬وإذا رأيتم‬

‫‪1‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)148‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص(‪.)181‬‬
‫‪3‬‬
‫() خلفاء الرسول‪ ،‬ص (‪.)527 ،526‬‬
‫‪4‬‬
‫() على بن أبي طالب‪ :‬خالد البيطار‪ ،‬ص (‪.)84‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)130‬‬
‫‪16‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ض َع ُفو َن فِي األ َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض"‬ ‫الخير فخذوا به وإذا رأيتم الشر فدعوه ‪َ +‬واذْ ُك ُروا إ ْذ أَ ْنتُ ْم قَل ٌ‬
‫يل ُّم ْستَ ْ‬
‫(‪)1‬‬

‫[األنفال‪.]26:‬‬
‫ولما كانت بيعة على جاءت بعد فتنة عمياء ذهب ضحيتها خليفة المسلمين السابق‪،‬‬
‫فقد دعا المسلمين إلى الخير ونبذ الشرّ‪ ،‬وبين لهم أن حرمة المسلمن فوق كل الحرمات‪،‬‬
‫فال يجوز أذاه في حال من األحوال‪ ،‬ثم ذكرهم بالموت واآلخرة وحثهم على التقوى‬
‫والطاعة والعمل الصالح(‪.)2‬‬
‫وقد جاءت محاور الخطبة حول جانب العقيدة‪ ،‬والعبادة‪ ،‬واألخالق‪ ،‬واهتمت ببعض‬
‫مقاصد الشريعة‪ ،‬ولو شئنا أن نلخص خطته التي يريد أن يرسمها للناس لقلنا‪ :‬يريد أن‬
‫يقول لهم‪ :‬ارجعوا إلى العهد الذي كنتم عليه أيام رسول هللا(‪ ,)3‬والخلفاء الراشدين الذين‬
‫سبقوه‪ ،‬وقد أشار أمير المؤمنين في حكمه وبالغه إلى النهج الذي سيقبلون به عهد الخالفة‬
‫الجديد بقوله‪ :‬إذا رأيتم الخير فخذوا به‪ ،‬وإذا رأيتم الشر فدعوه‪.‬‬
‫وختم باآلية الكريمة التي كانوا في حاجة إلى استحضارها‪ ،‬ليقارنوا بها بين ما كانوا‬
‫عليه قبل اإلسالم وبعد اإلسالم‪ -‬إلى أمد بعيد‪ -‬من القلة والضعف والضَّعة والخمول حتى‬
‫كانوا كقطعة لحم على كف يتخطفها الطير‪ ،‬ثم ما صاروا إليه من القوة والسعة واألمن‬
‫والسَّالم‪ ،‬والرخاء والثراء‪ ،‬وما أكرمهم به عليهم من النِ َعم فطنّت حصاتهم وخفقت‬
‫راياتهم ودان لهم‬
‫العباد والبالد(‪.)4‬‬
‫‪ -6‬الترادف بين ألفاظ‪ :‬اإلمام والخليفة وأمير المؤمنين‪ :‬قال النووى‪ :‬يجوز أن‬
‫يقال لإلمام‪ :‬الخليفة واإلمام وأمير المؤمنين(‪ ,)5‬وقال ابن خلدون‪ :‬وإذ قد بينَّا حقيقة هذا‬
‫المنصب وأنه نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين وسياسة الدنيا‪ ،‬به تسمى خالفة‬
‫وإمامة‪ ،‬والقائم به خليفة وإمام(‪ ,)6‬ويعرف ابن منظور الخالفة بأنها اإلمارة(‪ ,)7‬ويفسر أبو‬
‫زهرة الترادف بين لفظي الخالفة وهى اإلمامة الكبرى وسميت خالفة ألن الذي يتوالها‬
‫ويكون الحاكم األعظم للمسلمين يخلف النبي × في إدارة شئونهم‪ ،‬وتسمى إمامة‪ ،‬ألن‬
‫الخليفة كان يسمى إما ًما‪ ،‬وألن طاعته واجبة‪ ،‬وألن الناس كانوا يسيرون وراءه كما‬
‫يصلون وراء من يؤمهم(‪ ,)8‬كما فسر األستاذ محمد المبارك سبب اختيار هذه األلفاظ‪،‬‬
‫اإلمام والخلية وأمير المؤمنين بأنه‪ :‬ابتعادًا بالمفهوم اإلسالمي للدولة ورياستها عن النظام‬
‫الملكي بمفهومه القديم عند األمم األخرى من الفرس والرومان المختلف اختالفًا أساسيًا‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)459 ،5/458‬‬
‫‪2‬‬
‫() األدب اإلسالمي‪ ،‬نايف معروف‪ ،‬ص (‪.)57‬‬
‫‪3‬‬
‫() الخلفاء الراشدين للنجار‪ ،‬ص (‪.)378‬‬
‫‪4‬‬
‫() المرتضى للندوى‪ ،‬ص(‪.)141 ،140‬‬
‫‪5‬‬
‫() روضة الطالبين (‪.)10/49‬‬
‫‪6‬‬
‫() المقدمة‪ ،‬ص (‪.)190‬‬
‫‪7‬‬
‫() لسان العرب (‪.)9/83‬‬
‫‪8‬‬
‫() تاريخ المذاهب ألبي زهرة‪ ،‬ص (‪.)21‬‬
‫‪16‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫عن المفهوم اإلسالمي(‪ ,)1‬الجديد هذا وقد كان الخلفاء األُول يُلقبون بالخلفاء كما يلقبون‬
‫باألئمة‪ ،‬ومنذ خالفة عمر بن الخطاب – رضي هللا عنه – استعمل المسلمون لقب «أمير‬
‫المؤمنين»‪.‬‬
‫ولقد ورد لفظ «إمام» في القرآن الكريم في أكثر من موضع بمعنى الزعيم أو الدليل‬
‫ال َع ْه ِدي‬ ‫ال الَ َينَ ُ‬ ‫ال َو ِمن ذُ ِّريَّتِي قَ َ‬ ‫ك لِلن ِ‬
‫َّاس إِ َم ًاما قَ َ‬ ‫أو الرئيس‪ ،‬قال هللا تعالى‪+ :‬إِنِّي ج ِ‬
‫اعلُ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ين إ َم ًاما"‬
‫ْمتَّق َ‬ ‫اج َعلْنَا لل ُ‬
‫ين" [البقرة‪ ،]124:‬أي جاعلك قدوة يؤتم به ‪ ,‬وقال تعالى ‪َ +‬و ْ‬ ‫الظَّالم َ‬
‫(‪)2‬‬

‫اس بِِإ َم ِام ِه ْم"‬‫[الفرقان‪ ،]74:‬أي يقتدون بنا في أمر الدين‪ ،‬وقال تعالى‪َ + :‬ي ْو َم نَ ْدعُو ُك َّل أُنَ ٍ‬
‫[اإلسراء‪ ،]71:‬أي بمن ائتموا به من نبي أو مقدم في الدين‪ ،‬وقيل‪ :‬بكتاب أعمالهم التي‬
‫قدموها(‪ ،)3‬وورد لفظ اإلمام في مواطن كثيرة من السنة النبية منها قول رسول هللا ×‪« :‬من‬
‫بايع إمامًا‪ ،‬فأعطاه صفقة يده‪ ،‬وثمرة قلبه‪ ،‬فليعطه إن استطاع‪ ،‬فإن جاء‬
‫آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر»(‪ ,)4‬وقوله ×‪« :‬تلزم جماعة المسلمين‬
‫وإمامهم»(‪ )5‬وقوله‪« :‬سبعة يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل‪.)6( »...‬‬
‫ومن المالحظ أن لفظ اإلمامة يغلب استعماله عند أهل السنة في مباحثهم العقدية‬
‫والفقهية بينما يغلب استعمالهم لفظ (الخالفة) في كتاباتهم التاريخية‪ ،‬ولعل السبب في ذلك‬
‫يعود إلى أن هذه المباحث‪ -‬خاصة العقدية‪ -‬قد كتبت للرد على المبتدعة في هذا الباب‬
‫كالشيعة الروافض والخوارج(‪ ,)7‬فالشيعة الروافض يستخدمون لفظ اإلمام دون الخالفة‬
‫ويعتبرونها أحد أركان اإليمان عندهم‪ ،‬ويفرقون بين اإلمامة والخالفة‪ ،‬فهم يعتبرون‬
‫اإلمامة رئاسة دين‪ ،‬والخالفة رئاسة دولة(‪ .)8‬ويريدون من ذلك إثبات أن عليًا رضي هللا‬
‫عنه كان إماما زمن خالفة الثالثة الذين سبقوه(‪ ,)9‬وقال ابن خلدون‪ :‬إن الشيعة خصوا عليًا‬
‫باسم اإلمام نعتًا له باإلمامة التي هى أخت الخالفة‪ ،‬وتعريضًا بمذهبهم في أنه أحق بإمامة‬
‫الصالة من أبي بكر(‪.)10‬‬
‫إن هذه األلقاب‪ :‬الخليفة‪ ،‬اإلمام‪ ،‬أمير المؤمنين‪ ،‬ليست من األمور التعبدية‪ ،‬وإنما‬
‫هى مصطلحات وجدت بعد وفاة الرسول × واصطلح الناس عليها‪ ،‬وقد أطلق المسلمون‬
‫‪1‬‬
‫() نظام اإلسالم (الحكم والدولة)‪ ،‬ص (‪.)61‬‬
‫‪2‬‬
‫() نظام الحكم في اإلسالم‪ ،‬عارف خليل‪ ،‬ص (‪.)80‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص(‪.)81‬‬
‫‪4‬‬
‫() صحيح مسلم بشرح النووى (‪.)12/233‬‬
‫‪5‬‬
‫() صحيح مسلم بشرح النووى (‪.)12/237‬‬
‫‪6‬‬
‫() فتح البارى (‪.)3/293‬‬
‫‪7‬‬
‫() اإلمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة للدميجى‪ ،‬ص(‪.)36‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص(‪.)36‬‬
‫‪9‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص(‪.)36‬‬
‫‪10‬‬
‫() نظام الحكم‪ ،‬عارف خليل‪ ،‬ص (‪.)81‬‬
‫‪16‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫غير هذه األلقاب في وقت الحق كلقب األمير‪ ،‬كما كان الحال في األندلس‪ ،‬وكذلك لقب‬
‫السلطان‪ ،‬كما تسمى بذلك الحكام في الدولة اإلسالمية‪ ،‬بلقب من هذه األلقاب‪ ،‬إذ إن المهم‬
‫في هذا المجال أن يكون المسلمون ورئيسهم خاضعين للتشريع اإلسالمي عقيدة وشريعة‪،‬‬
‫بغض النظر عن األلقاب التي يمكن أن تطلق على هذا الرئيس‪ ،‬سواء كان لقبه الخليفة أم‬
‫أمير المؤمنين أم رئيس الدولة أم رئيس الجمهورية‪ ،‬فيمكن إطالق أحد هذه األلقاب أو‬
‫غيرها‪ ،‬وهذا يرجع إلى ما يتعارف عليه الناس‪ ،‬وإكان األفضل االلتزام باأللقاب السابقة‪،‬‬
‫لما لها من مفهوم سياسي متميز عن المفاهيم المختلفة عند األمم األخرى‪ ،‬ولما لها من‬
‫معان دوت عبر التاريخ على أنها رمز للحضارة اإلسالمية(‪.)1‬‬
‫‪ -7‬أيهما أصح عند ذكر أمير المؤمنين على‪ :‬هل نقول رضي هللا عنه أم كرم‬
‫هللا وجهه أم عليه السالم؟ إن األصل عند ذكر الصحابة الترضي عنهم جمي ًعاـ كما قال‬
‫ان َّر ِض َي اهللُ َع ْن ُه ْم َو َر ُ‬
‫وهم بِِإ ْحس ٍ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫السابِ ُقو َن َّ ِ‬
‫ضوا‬ ‫َ‬ ‫صا ِر َوالذ َ‬
‫ين َّاتَبعُ ُ‬ ‫ين َواألنْ َ‬‫األولُو َن م َن ال ُْم َهاج ِر َ‬ ‫تعالى‪َ + :‬و َّ‬
‫َع ْنهُ" [التوبة‪.]100:‬‬
‫الش َج َر ِة" [الفتح‪ ]18:‬لذلك‬ ‫ت َّ‬ ‫ين إِ ْذ يُبَايِعُونَ َ‬‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ك تَ ْح َ‬ ‫وقال تعالى‪ + :‬لََق ْد َرض َي اهللُ َع ِن ال ُْم ْؤمن َ‬
‫اصطلح أهل السنة على الترضي على كل صحابي يجري ذكره أو يروى عنه الحديث‪،‬‬
‫فيُقال مثالً‪ :‬عن أبي بكر – رضي هللا عنه – ولم يستعمل السالم – فيما أعلم – عند ذكر‬
‫أحد منهم‪ ،‬مع أن السالم تحية المسلمين فيما بينهم‪ ،‬كما تعالى‪+ :‬فَِإذَا َد َخلْتُ ْم ُبيُوتًا فَ َسلِّ ُموا‬
‫اهلل ُمبَ َار َكةً" [النور‪ ،]61:‬على هذا فالترضي أفضل من السالم‪ ،‬قال‬ ‫َعلَى أَ ْن ُف ِس ُكم تَ ِحيَّةً ِّمن ِع ْن ِد ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ضوا ٌن ِّمن ِ‬
‫اهلل أَ ْكَب ُر" [التوبة‪ ،]72:‬وأخبر النبي × أن هللا تعالى يقول ألهل الجنة‪:‬‬ ‫تعالى ‪َ +‬و ِر ْ َ َ‬
‫(‪)2‬‬
‫«أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدًا» ‪ ،‬ولكن اصطلح العلماء على أن‬
‫ين" [الصافات‪ ،]181:‬ولقوله‪:‬‬ ‫ِ‬
‫السالم يختص باألنبياء لقوله تعالى‪َ + :‬و َسالَ ٌم َعلَى ال ُْم ْر َسل َ‬
‫‪َ +‬و َسالَ ٌم َعلَْي ِه َي ْو َم ُولِ َد" [مريم‪ ،]15:‬ولما ورد في حق على «أنت منى بمنزلة هارون من‬
‫موسى»(‪ ،)3‬أخذ الغالة كالرافضة يستعملون في حق أمير المؤمنين على‪ :‬عليه السالم‪ ،‬أو‬
‫كرم هللا وجهه‪ ،‬وال شك أنه أهل لذلك‪ ،‬لكن يشركه في ذلك جميع الصحابة(‪ ,)4‬وقد وقع‬
‫هذا في عبارة كثير من النساخ للكتب ومن بعض علماء أهل السنة أن يفرد على – رضي‬
‫هللا عنه‪ -‬بأن يقال‪ :‬عليه السالم من دون سائر الصحابة‪ ،‬أو كرم هللا وجهه‪ ،‬وهذا وإن كان‬
‫معناه صحيحًا لكن ينبغي أن يساوى بين الصحابة في ذلك(‪.)5‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫شيء من فضائله وأهم صفاته وقواعد نظام حكمه‬
‫قال اإلمام أحمد‪ ،‬وإسماعيل القاضي‪ ،‬والنسائى‪ ،‬وأبو على النيسابورى‪ :‬لم يرد في‬

‫‪1‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)82‬‬
‫‪2‬‬
‫() مشكاةـ المصابيح للبغوى (‪.)3/88‬‬
‫‪3‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)2404‬‬
‫‪4‬‬
‫() فتاوى في التوحيد‪ ،‬عبد هللا بن جبرين‪ ،‬ص (‪.)37‬‬
‫‪5‬‬
‫() الناهية عن طعن أمير المؤمنين معاوية‪ ،‬ص (‪ )26‬في الحاشية من تعليق المحقق أحمد التويجرى‪.‬‬
‫‪17‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫حق أحد من الصحابة باألسانيد الجياد أكثر مما جاء في على(‪ ,)1‬وقال الحافظ ابن حجر‪:‬‬
‫وكان السبب في ذلك أنه تأخر‪ ،‬أي آخر الخلفاء الراشدين‪ ،‬ووقع االختالف في زمانه‬
‫وخرج من خرج عليه‪ ،‬فكان ذلك سببًا النتشار مناقبه من كثرة من كان يبينها من‬
‫الصحابة ردًا على من خالفه‪ ،‬فاحتاج أهل السنة إلى بث فضائله‪ ،‬فكثر الناقل لذلك‪ ،‬وإال‬
‫فالذين في نفس األمر أن لكل من األربعة من الفضائل‪ ،‬إذا حرر بميزان العدل ال يخرج‬
‫عن قول أهل السنة والجماعة أصالً(‪ ,)2‬وقال ابن كثير‪ :‬من فضائله أنه أقرب العشرة‬
‫المشهود لهم بالجنة إلى رسول هللا × نسبًا(‪ ,)3‬وقد ذكرت كثيرًا من فضائله فيما مضى من‬
‫البحث كل في موضعه‪ ،‬وإتما ًما للفائدة نشير إلى مزيد من الفضائل لعلي رضي هللا عنه‬
‫منها‪:‬‬
‫* عن زر رضي هللا عنه قال‪ :‬قال على‪ :‬والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي‬
‫األمي × إل َّى‪« :‬أن لا يحبنى إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق»(‪.)4‬‬
‫* عن أبي إسحاق‪ :‬سأل رجل البراء وأنا أسمع قال‪ :‬أشهد على بدرًا؟ قال‪ :‬بارز‬
‫وظاهر(‪.)5‬‬
‫* عن أبي هريرة أن رسول هللا × كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان‬
‫وعلى وطلحة والزبير‪ ،‬فتحركت الصخرة فقال رسول هللا ×‪« :‬اهدأ فما عليك إلا‬
‫نبي أو صديق أو شهيد»(‪.)6‬‬
‫* قال سعيد بن زيد‪ :‬سمعت رسول هللا × يقول‪«:‬النبي في الجنة‪ ،‬وأبو بكر في‬
‫الجنة‪ ،‬وعمر في الجنة‪ ،‬وعثمان في الجنة‪ ،‬وعلى في الجنة‪ ،‬وطلحة في الجنة‪،‬‬
‫والزبير في الجنة‪ ،‬وعبد الرحمن بن عوف في الجنة‪ ،‬وسعد في الجنة‪ ،‬ولو شئت‬
‫أن أسمي العاشر»(‪.)7‬‬
‫* قالت أم سلمة رضي هللا عنها‪ :‬سمعت رسول هللا × يقول‪« :‬من سب عليًا فقد‬
‫سبنى»(‪.)8‬‬
‫* جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن عثمان‪ ،‬فذكر محاسن عمله‪ ،‬قال‪ :‬لع َّل ذلك‬
‫يسوؤك؟ قال‪ :‬نعم‪ ..‬قال‪ :‬فأرغم هللا بأنفك‪ ،‬ثم سأله عن على فذكر محاسن عمله قال‪ :‬هو‬
‫ذاك‪ ،‬بيته أوسط بيوت النبي × ثم قال‪ :‬لع َّل ذاك يسوؤك؟ قال‪ :‬أجل! قال فأرغم هللا بأنفك‪،‬‬
‫انطلق فاجهد على جهدك(‪.)9‬‬
‫‪1‬‬
‫() فتح البارى (‪.)7/71‬‬
‫‪2‬‬
‫() المراد ترتيبهم في الفضل وهو حسب ترتيبهم في الخالفة‪ ،‬فتح البارى (‪.)7/71‬‬
‫‪3‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)11/29‬‬
‫‪4‬‬
‫() الصحيح المسند في فضائل الصحابة‪ ،‬ص(‪.)111‬‬
‫‪5‬‬
‫() ظاهر‪ :‬أي لبس درعًا على درع‪ ،‬الصحيح المسند‪ ،‬ص (‪.)112‬‬
‫‪6‬‬
‫() الصحيح المسند في فضائل الصحابة‪ ،‬ص (‪.)117‬‬
‫‪7‬‬
‫() الصحيح المسند في فضائل الصحابة‪ ،‬ص (‪.)117‬‬
‫‪8‬‬
‫() الصحيح المسند‪ ،‬ص (‪.)121‬‬
‫‪9‬‬
‫() المصدر السابق‪،‬ص (‪.)140‬‬
‫‪17‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫هذه بعض الفضائل الثابتة لعلي رضي هللا عنه‪ ،‬وأما صفاته رضي هللا عنه‪ ،‬فقد كان‬
‫له صفات القائد الرباني المضحى في سبيل هللا وكتابه وسنة نبيه‪ ،‬ونجملها في أمور‬
‫ونزكز على بعضها بالتفصيل‪ ،‬فمن أهم هذه الصفات‪ ،‬سالمة المعتقد‪ ،‬والعلم الشرعي‪،‬‬
‫والثقة باهلل‪ ،‬والقدوة‪ ،‬والصدق‪ ،‬والكفاءة والشجاعة‪ ،‬والمروءة‪ ،‬والزهد‪ ،‬وحب التضحية‪،‬‬
‫وحسن اختياره لمعاونيه‪ ،‬والتواضع والحلم والصبر‪ ،‬وعلو الهمة والحزم واإلرادة القوية‪،‬‬
‫والعدل‪ ،‬والقدرة على التعليم وإعداد القادة‪ ،‬وغير ذلك من الصفات التي ظهرت للباحث‬
‫في الفترة المكية في صحبته للنبي × وفي العهد المدني في غزواته مع رسول هللا ×‬
‫وحياته في المجتمع‪ ،‬وظهر البعض اآلخر لما تسلم قيادة الدولة الراشدية وأصبح أمير‬
‫المؤمنين رضي هللا عنه‪ ،‬ومن أهم هذه الصفات‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬العلم والفقه في الدين‪:‬‬
‫كان أمير المؤمنين على رضي هللا عنه من علماء الصحابة الكبار‪ ،‬وقد تميز رضي‬
‫هللا عنه بجده في التحصيل‪ ،‬والتحرى في قبول العلم‪ ،‬والسؤال في طلبه‪ ،‬واستخدام وسائل‬
‫ضبط العلوم في زمنه‪ ،‬من كتابة‪ ،‬وتعهد‪ ،‬ولزوم النبي ×‪ ،‬حيث يقول رضي هللا عنه في‬
‫جمعه للقرآن الكريم‪ :‬آليت بيمين أال أرتدى بردائى إال إلى الصالة حتى أجمع القرآن(‪,)1‬‬
‫وقال‪ :‬ما دخل نوم عينى‪ ،‬وال غمض رأسي على عهد رسول هللا × حتى علمت ذلك اليوم‬
‫ما نزل به جبريل‪ ،‬عليه السالم‪ ،‬من حالل أو سنة‪ ،‬أو كتاب‪ ،‬أو أمر‪ ،‬أو نهي‪ ،‬وفيمن‬
‫نزل(‪ ,)2‬وكان رضي هللا عنه يتلقى النص من رسول هللا × مباشرة‪ ،‬ولكن عندما يبلغه‬
‫الحديث من غيره فإنه شديد التحري في قبوله‪ ،‬خشية أن يَنسب لرسول هللا × قوالً لم يقله‪،‬‬
‫ومما يدل على هذا المنهج قوله رضي هللا عنه‪ :‬كنت رجالً إذا سمعت من رسول هللا‬
‫حديثًا نفعنى هللا منه بما شاء أن ينفعني‪،‬وإذا حدثنى أحد من أصحابه استحلفته‪ ،‬فإذا حلف‬
‫لي صدقته‪ ،‬قال‪ :‬وحدثني أبو بكر‪ -‬وصدق أبو بكر‪ -‬رضي هللا عنه أنه قال‪ :‬سمعت‬
‫رسول هللا × يقول‪« :‬ما من عبد يذنب ذنبًا فيحسن الطهور‪ ،‬ثم يقوم فيصلى‬
‫ين إِذَا َف َعلُوا‬ ‫َّ ِ‬
‫ركعتين‪ ،‬ثم يستغفر الله إلا غفر الله له» ثم قرأ هذه اآلية ‪َ +‬والذ َ‬
‫فَ ِ‬
‫اح َشةً أ َْو ظَلَ ُموا أَ ْن ُف َس ُه ْم ذَ َك ُروا اهللَ" [آل عمران‪ ]135:‬إلى آخر اآلية»(‪ ،)3‬نعم‪ ،‬على بن أبي‬
‫طالب رضي هللا عنه يستحلف أصحاب رسول هللا × وهم الثقات العدول‪ ،‬وما هذا إال‬
‫دليل على شدة تحريه في تلقي الحديث الذي يلقاه من غير رسول هللا(‪ ,)4‬وكان رضي هللا‬
‫عنه صاحب لسان سئول وقلب عقول‪،‬ـ فقد قال‪..:‬إن ربي وهب لي قلبًا عقوالً ولسانًا‬
‫سئوالً(‪ ,)5‬وعلل رضي هللا عنه كثرة علمه بطلبه إياه من رسول هللا × بالسؤال‪ ،‬بقوله‪:‬‬
‫كنت إذا سألت أعطيت‪ ،‬وإذا سكت ابتديت(‪ ,)6‬وعندما يكون عائق الحياء بينه وبين رسول‬
‫هللا × يتغلب عليه يطلب من أحد الصحابة بسؤال رسول هللا‪ ،‬فعن محمد ابن الحنفية قال‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫() الطبقات (‪.)2/338‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسند اإلمام زيد‪ ،‬ص (‪ )343‬نقال عن منهج على بن أبي طالب في الدعوة‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() صحيح سنن الترمذي (‪ ،)1/128‬مشكاة المصابيح (‪.)1/416‬‬
‫‪4‬‬
‫() منهج على بن أبي طالب في الدعوة‪ ،‬ص (‪.)52‬‬
‫‪5‬‬
‫() الطبقات (‪ ،)2/338‬الحلية (‪.)1/67‬‬
‫‪6‬‬
‫() فضائل الصحابة (‪ )2/647‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪17‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫قال على‪ :‬كنت رجالً مذا ًء(‪ ,)1‬فاستحييت أن أسأل رسول هللا ×‪ ،‬فأمرت المقداد بن األسود‬
‫فسأله فقال‪ :‬فيه الوضوء(‪ ,)2‬وكان رضي هللا عنه يحذر الناس من ترك العلم بسبب‬
‫الحياء‪ ،‬فقد قال‪ :‬وال يستحى أحدكم إذا لم يعلم أن يتعلم(‪ ,)3‬وال يستحي جاهل أن يسأل عما‬
‫ال يعلم‪ ،‬وكان أمير المؤمنين على رضي هللا عنه من بين القلة من المسلمين الذين كانوا‬
‫يعرفون الكتابة في صدر اإلسالم‪ ،‬وفوق هذا فقد كان من كتاب الوحى لرسول هللا ×‪ ،‬وقد‬
‫ساعدته هذه المهارة في القراءة والكتابة على التبحر في العلوم الشرعية‪ ،‬وكان رضي هللا‬
‫عنه يرى أن تكون كتابة النصوص بخط بََي‪‰‬ـَّّن مع التفريج بين السطور‪ ،‬والتقريب بين‬
‫الحروف‪ ،‬فعن أبي عثمان عمرو بن بحر بن الجاحظ‪ ،‬قال أمير المؤمنين على بن أبي‬
‫طالب‪ :‬الخط عالمة‪ ،‬فكلما كان أبين كان أحسن(‪ ،)4‬وقد أمر كاتبه عبيد هللا بن أبي رافع‬
‫بقوله‪ :‬ألف دواتك وأطل سن قلمك‪ ،‬وأفرج بين السطور‪ ،‬وقرمط(‪ )5‬بين الحروف(‪ .)6‬وعن‬
‫أبي حكيمة العبدي قال‪ :‬كنا نكتب المصاحف بالكوفة‪ ،‬فيمر علينا على ونحن نكتب فيقول‪:‬‬
‫أَ ِج َّل قلمك(‪ ,)7‬قال‪ :‬فقططت منه‪ ،‬ثم كتبت فقال‪ :‬هكذا نوروا ما نور هللا(‪ ,)8‬وكان رضي هللا‬
‫عنه يتعهد ما تعلمه بالعمل وتطبيقه‪ ،‬وكان من أحرص الناس على تطبيق ما سمعه من‬
‫رسول هللا ×‪ ،‬ولو كان ذلك في أصعب الظروف‪ ،‬كما مر معنا في تعليم رسول هللا له‬
‫وللسيدة فاطمة هللا عنهما األذكار‪ ،‬فقد قال أمير المؤمنين‪ :‬ما تركته منذ سمعته من النبي‬
‫×‪ ،‬قيل له‪ :‬وال ليلة صفين؟ قال‪ :‬وال ليلة صفين(‪ ,)9‬وقد أشار أمير المؤمنين على رضي‬
‫هللا عنه إلى ضبط النص بالعمل به بقوله‪ :‬تعلموا العلم تعرفوا به‪ ،‬واعملوا به تكونوا من‬
‫أهله(‪ ,)10‬وكان يرى أن العالم ال يسمى عال ًما إال إذا كان عامالً بعلمه‪ ،‬لذا يقول مخاطبًا‬
‫حملة العلم‪ :‬يا حملة العلم‪ ،‬اعملوا به فإن العالم من عمل بما علم ووافق علمه َع َمله(‪,)11‬‬
‫وقال رضي هللا عنه‪ :‬هتف العلم بالعمل فإن أجاب وإال ارتحل(‪ ,)12‬وكان على رضي هللا‬
‫عنه من المكثرين من الفتيا في أصحاب رسول هللا‪ ،‬قال ابن القيم‪ :‬الذين حفظت عنهم‬
‫الفتوى‪ ،‬من أصحاب رسول هللا مائة ونيف وثالثون نفسًا‪ ،‬ما بين رجل وامرأة‪ ،‬وكان‬
‫المكثرون منهم سبعة‪ :‬عمر ابن الخطاب‪ ،‬وعلى بن أبي طالب‪ ،‬وعبد هللا بن مسعود‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫() أي كثير المذى وهو ما يخرج عند المالعبة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسلم ك (‪.)1/247‬‬
‫‪3‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪.)13/284‬‬
‫‪4‬‬
‫() الجامع ألخالق الراوى(‪.)1/262‬‬
‫‪5‬‬
‫() قرمط بين الحروف‪ :‬أي قرب بينها‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() الجامع ألخالق الراوى (‪.)1/262‬‬
‫‪7‬‬
‫() أي عظم قلمك‪ ،‬وهو كناية عن تكبير الخط‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() الجامع ألخالق الراوى (‪.)1/260‬‬
‫‪9‬‬
‫() مسلم (‪.)2092 ،4/2091‬‬
‫‪10‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)8/6‬‬
‫‪11‬‬
‫() بيان العلم وفضله‪ ،‬ص (‪.)285‬‬
‫‪12‬‬
‫() منهج على بن أبي طالب‪ ،‬ص ‪.63‬‬
‫‪17‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وعائشة أم المؤمنين‪ ،‬وزيد بن ثابت‪ ،‬وعبد هللا بن عباس‪ ،‬وعبد هللا بن عمر(‪ ,)1‬وقد عد‬
‫ابن حزم عليًا رضي هللا عنه في المرتبة الثالثة من بين الصحابة‪ ،‬رضي هللا عنهم‪ ،‬في‬
‫كثرة الفتيا‪ ،‬وسيأتي الحديث بإذن هللا تعالى عن المسائل القضائية‪ ،‬وكثير من اجتهاداته‬
‫الفقهية‪ ،‬عند حديثنا عن المؤسسة القضائية‪ ،‬وكان رضي هللا عنه يحث على التزاور‬
‫والمدارسة‪ ،‬حيث يقول‪ :‬تزاوروا وتدارسوا الحديث‪ ،‬وال تتركوه يدرس(‪ ,)2‬وفي رواية‪:‬‬
‫تزاوروا وتحدثوا‪ ،‬فإن لم تفعلوا فإنه يدرس(‪ ,)3‬وكان أمير المؤمنين على رضي هللا عنه‬
‫يحث على لزوم الشيخ‪ ،‬والحرص على األخذ منه‪ ،‬ويقول‪ :‬وال تشبع من طول صحبته‪،‬‬
‫فإنما هو كالنخلة تنتظر متى يسقط عليك منها شيء(‪ ,)4‬وقد تهيأ لعلي بن أبي طالب رضي‬
‫هللا عنه‪ ،‬مالزمة رسول هللا × صغيرًا حين تربي في حجره‪ ،‬وكبيرًا حينما كان صهره‬
‫ووالد سبطيه‪ ،‬فكان بذلك قريبًا من رسول هللا‪ ،‬يأخذ عنه ويتعلم منه‪ ،‬وقد شهدت السيدة‬
‫عائشة لعلي بلزومه لرسول هللا ×‪ ،‬فعن المقدام بن شريح‪ ،‬عن أبيه قال‪ :‬سألت عائشة‬
‫فقلت‪ :‬أخبريني برجل من أصحاب النبي × أسأله عن المسح على الخفين‪ ،‬فقالت‪ :‬ائت‬
‫عليًا فسله‪ ،‬فإنه كان يلزم النبي ×‪ ،‬قال‪ :‬فأتيت عليًا فسألته‪ ،‬فقال‪ :‬أمرنا رسول هللا ×‬
‫بالمسح على خفافنا إذا سافرنا(‪ ,)5‬وكان رضي هللا عنه يرى االنتقاء في العلوم فقد قال‪:‬‬
‫العلم أكثر من أن يحفظ‪ ،‬فخذوا من كل علم محاسنه(‪ ,)6‬وقد وصل من العلم مرتبة جعلته‬
‫يقول للناس وهو في العراق‪ :‬سلوني‪ ،‬فعن سعيد بن المسيب رضي هللا عنه قال‪ :‬ما كان‬
‫أحد من الناس يقول‪ :‬سلوني غير على بن أبي طالب(‪ )7‬رضي هللا عنه‪ ،‬وقد وثق الناس‬
‫بعلمه سواء الصحابة أو التابعون‪ ،‬فعن ابن عباس‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬إذا أتانا الثبت‬
‫عن على لم نعدل به(‪ ,)8‬وعنه أيضا قال‪ :‬إذا حدثنا ثقة عن على بفتيا ال نعدوها(‪ ,)9‬وعن‬
‫سويد بن غفلة أنه جاءه رجل يسأله عن فريضة رجل ترك ابنته وامرأته‪ ،‬قال‪ :‬أنا أنبئك‬
‫قضاء على قال‪ :‬حسبى قضاء على‪ ،‬قال‪ :‬قضى على المرأته الثمن‪ ،‬والبنته النصف‪ ،‬ثم‬
‫رد البقية على ابنته(‪ ,)10‬وقد أثنى الناس عليه في علمه‪ ،‬فعن عائشة رضي هللا عنها قالت‪:‬‬
‫أما إنه أعلم الناس بالسنة(‪ ,)11‬وكان معاوية رضي هللا عنه يكتب فيما ينزل به ليسأل له‬
‫علي بن أبي طالب رضي هللا عنه عن ذلك‪ ،‬فلما بلغه قتله‪ ،‬قال‪ :‬ذهب الفقه والعلم بموت‬
‫‪1‬‬
‫() أعالم الموقعين‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() الجامع ألخالق الراوى (‪.)1/236‬‬
‫‪3‬‬
‫() شرف أصحاب الحديث للبغدادي‪ ،‬ص(‪.)93‬‬
‫‪4‬‬
‫() تذكرة السامع‪ ،‬ص(‪.)100‬‬
‫‪5‬‬
‫() مسند أحمد (‪ )2/195‬إسناده صحيح‪ ،‬تحقيق أحمد شاكر‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() تاريخ اليعقوبي (‪.)2/5‬‬
‫‪7‬‬
‫() االستيعاب‪ ،‬ص (‪.)1103‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر السابق‪ ،‬ص (‪.)1104‬‬
‫‪9‬‬
‫() الطبقات (‪.)2/338‬‬
‫‪10‬‬
‫() سنن الدارمى (‪.)2/375‬‬
‫‪11‬‬
‫() االستيعاب‪ ،‬ص (‪.)1104‬‬
‫‪17‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ابن أبي طالب(‪ ,)1‬وعن الحسن بن على‪ ،‬أنه خطب الناس بعد وفاة على رضي هللا عنه‬
‫فقال‪ :‬لقد فارقكم رجل أمس‪ ،‬ما سبقه األولون بعلم‪ ،‬وال أدركه اآلخرون(‪ ,)2‬وعن عبد هللا‬
‫بن عياش بن أبي ربيعة – وقد سئل عن على – فقال‪ :‬كان هلل وهللا ما شاء من ضرس‬
‫قاطع السطة(‪ )3‬في النسب‪ ،‬وقرابته من رسول هللا ومصاهرته‪ ،‬والسابقة في اإلسالم‪،‬‬
‫والعلم بالقرآن والفقه بالسنة‪ ،‬والنجدة في الحرب‪ ،‬والجود في الماعون(‪ ,)4‬وعن مسروق‬
‫قال‪ :‬انتهى علم أصحاب رسول هللا إلى عمر‪ ،‬وعلى‪ ،‬وابن مسعود‪ ،‬وعبد هللا رضي هللا‬
‫عنهم(‪.)5‬‬
‫وقد ترك أمير المؤمنين رضي هللا عنه نصائح وإرشادات لطالب العلم والعلماء‬
‫والفقهاء تستحق أن تحفظ ويعمل بها‪ ،‬ومن هذه النصائح‪:‬‬
‫‪ -1‬الناس ثالثة‪ :‬عالم رباني‪ ،‬ومتعلم على سبيل نجاة‪ ،‬وهمج رعاع أتباع كل‬
‫ناعق‪ :‬روى الحافظ أبو نعيم عن كميل بن زياد قال‪ :‬أخذ على بن أبي طالب رضي هللا‬
‫بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبَّان – يعنى الصحراء‪ -‬فلما أصحرنا جلس ثم تنفس ثم قال‪:‬‬
‫يا كميل ابن زياد‪ ،‬القلوب أوعية فخيرها أوعاها للعلم‪ ،‬احفظ ما أقول لك‪ :‬الناس ثالثة‪:‬‬
‫عالم رباني‪ ،‬ومتعلم على سبيل نجاة‪ ،‬وهمج رعاع أتباع كل ناعق‪ ،‬يميلون مع كل ريح لم‬
‫يستضيئوا بنور العلم‪ ،‬ولم يلجئوا إلى ركن وثيق(‪ .)6‬إن هذه الوصية البليغة قد اشتملت‬
‫على درر المواعظ و ُغرر الحكم‪ ،‬فقد قسم أمير المؤمنين على رضي هللا عنه الناس إلى‬
‫ثالثة أقسام‪:‬‬
‫(أ) العلماء الربانيون‪ :‬والمقصود بالعلماء علماء الدين‪ ،‬والربانيون الذين يجمعون‬
‫بين الفقه والحكمة كما جاء في تفسير ابن عباس رضي هللا عنهما في قوله تعالى‪+:‬ول ِ‬
‫َكن‬ ‫َ‬
‫ين" [آل عمران‪:‬ـ‪ ،]79‬قال‪ :‬حكماء فقهاء‪ ,‬أخرجه اإلمام البخاري‪ ،‬وبذلك فسره‬ ‫ِ‬
‫ُكونُوا َربَّانيِّ َ‬
‫عبد هللا ابن مسعود‪ ،‬رضي هللا عنه(‪ ,)7‬فالذين يجمعون بين الحكمة والفقه هم المؤهلون‬
‫لتربية األمة وتوجيهها‪ ،‬ألن الحكمة وضع الشيء في موضعه المناسب ومن ذلك التوفيق‬
‫إلى تطبيق الحكم الشرعي على واقع الناس‪ ،‬وذلك يقتضي فهما دقيقًا لواقع المجتمع‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ومن الحكمة القيام بتربية األمة بهذا الدين‪ ،‬وذلك يقتضي الجمع بين تعليم‬
‫الدين والتربية علي التقوى ومكارم األخالق‪ ،‬وأما الفقه فهو فهم األحكام الدينية من‬
‫مصادرها الشرعية‪ ،‬ولذلك كان العلماء الربانيون هم أفضل األمة‪ ،‬ألنهم جمعوا بين‬
‫فضيلتين هما‪ :‬تلقى العلم‪ ،‬والتعليم مع التربية‪ ،‬فهم المؤهلون لتربية األمة وتوجيهها(‪,)8‬‬

‫‪1‬‬
‫() المصدر السابق‪ ،‬ص(‪.)1108‬‬
‫‪2‬‬
‫() فضائل الصحابة (‪ )2/595‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() السطة‪ :‬التوسط‪ ،‬والوسط في النسب هو أكرمه وأشرفه‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() ذخائر العقبى للمحب الطبري‪ ،‬ص (‪.)79‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ السيوطى‪ ..‬ص (‪.)196‬‬
‫‪6‬‬
‫() حلية األولياء (‪ ،)1/75‬صفة الصفوة (‪.)1/329‬‬
‫‪7‬‬
‫() التاريخ اإلسالمي للحميدي (‪.)12/438 ،11‬‬
‫‪8‬‬
‫() التاريخ اإلسالمي للحميدى (‪.)12/438 ،11‬‬
‫‪17‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وقد عرف أمير المؤمنين على رضي هللا عنه الربانيين بأنهم هم الذين يغذون الناس‬
‫بالحكمة ويربونهم عليها(‪.)1‬‬
‫(ب) طالب العلم الذين أخلصوا نياتهم في طلب العلم‪:‬ليكون وسيلة إلى نجاتهم‬
‫من المسئولية أمام هللا تعالى‪ ،‬وقد عبر على رضي هللا عنه عن هذا القسم بقوله‪ :‬ومتعلم‬
‫على سبيل نجاة‪ ،‬وهذا ال يختص بالدارسين الذين تفرغوا لطلب العلم‪ ،‬وإنما يشمل كل من‬
‫حمل مسئولية تطبيق هذا الدين‪ ،‬وأهمه أمر نجاته في اآلخرة‪ ،‬فاستفتى في أمور دينه‬
‫العلماء الربانيين‪ ،‬ليعبد هللا على بصيرة‪ ،‬وليستقيم في معاملته مع الناس على منهج هللا‪،‬‬
‫فهذا يعتبر من المتعلمين على سبيل نجاة وإن لم يجلس في حلقات العلم(‪ .)2‬إن أمير‬
‫المؤمنين على‪ -‬رضي هللا عنه – يرينا أهمية إخالص النية هلل في طلب العلم‪ ،‬ويدعوهم‬
‫لتقديم ما عند هللا والدار اآلخرة على حطام الدنيا وشهوات النفس والدعوة إلى كتاب هللا‬
‫وسنة رسوله ودين الحق والصبر على ذلك‪.‬‬
‫(ج) الذين هجروا العلم الديني ولم يكن لهم ارتباط بالعلماء الربانيين‪:‬في‬
‫معرفة أمور دينهم‪ ،‬وقد عبر عنهم أمير المؤمنين على رضي هللا عنه بقوله‪ :‬وهمج رعاع‬
‫أتباع كل ناعق‪ ،‬يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم‪.‬‬
‫تحدث أمير المؤمنين عن صنف الهمج الرعاع أتباع كل ناعق‪ ،‬الذين يميلون مع كل‬
‫ريح وليس لهم نور يستضيئون به‪ ،‬وحذر من هذا الصنف اإلمعى‪ ،‬وكأنه رضي هللا عنه‬
‫يدعو الناس بأن يكون همهم الحق والثبات عليه‪ ،‬وبأن يعمروا الدنيا واآلخرة بطاعة هللا‬
‫وأن يستضيئوا بنور هللا ويجعلوا الدنيا مطية لآلخرة‪.‬‬
‫‪ -2‬المقارنة بين العلم والمال‪ :‬وجاء في وصية أمير المؤمنين على رضي هللا عنه‬
‫لكميل بن زياد‪..‬العلم خير من المال‪ ،‬العلم يحرسك وأنت تحرس المال‪ ،‬العلم يزكو مع‬
‫العمل‪ ،‬والمال تنقصه النفقة‪ ،‬العلم حاكم‪ ،‬والمال محكوم عليه‪ ،‬وصنعة المال تزول بزواله‬
‫ومحبة العالم دين يدان بها‪ ،‬العلم يكسب العالم الطاعة في حياته‪ ،‬وجميل األحدوثة بعد‬
‫مماته‪ ،‬مات خزان المال وهم أحياء‪ ،‬والعلماء باقون ما بقى الدهر‪ ،‬أعيانهم مفقودة‬
‫وأمثالهم في القلوب موجودة(‪ ,)3‬عقد أمير المؤمنين على رضي هللا عنه مقارنة بين العلم‬
‫والمال‪ ،‬باعتبار أن العلم الشرعي هو عماد أهل اآلخرة ومعقد عزهم وشرفهم في الدنيا‬
‫واآلخرة‪ ،‬والمقصود بالمال هنا الذي يجمعه صاحبه لذاته وال يتوجه فيه بالطاعات وفق‬
‫شرع ربه‪ ،‬وقد سوغ هذا الحكم بعدة أمور‪:‬‬
‫(أ) أن العلم يحرس صاحبه بينما صاحب المال هو الذي يحرسه‪:‬فأما حراسة‬
‫العلم صاحبه فإن العلم اإللهي يقى صاحبه من المهالك في الدنيا واآلخرة‪ ،‬فأما أمر اآلخرة‬
‫فظاهر معلوم‪ ،‬حيث إن هذا العلم يقود صاحبه إلى رضوان هللا تعالى والجنة ويجنبه‬
‫طريق النار‪ ،‬وما أعظمها من مطالب وما أبلغها من مكاسب‪ ،‬وأما الوقاية من مهالك الدنيا‬
‫فإن السعادة الروحية الحقة ال تكون إال باليقين الذي تتضاءل أمامة الحياة الدنيا‪ ،‬فتصبح‬
‫جميع مآسيها ونكباتها بردًا وسال ًما على أصحاب اليقين‪ ،‬ألنهم ال يلقون لها باالً‪ ،‬وال‬
‫يعيرونها اهتما ًما‪ ،‬بينما تتحول هذه المآسى والنكبات إلى حياة جحيمية على أهل الدنيا‬
‫الذين يعتبرون الحياة الدنيا هي رأس المال والمكسب‪ ،‬وأما حراسة صاحب المال ماله‬

‫‪1‬‬
‫() الفتاوى (‪.)1/49‬‬
‫‪2‬‬
‫() التاريخ اإلسالمي للحميدى (‪.)12/438 ،11‬‬
‫‪3‬‬
‫() حلية األولياء (‪ ،)1/75‬صفة الصفوة (‪.)1/329‬‬
‫‪17‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫فأمرها ظاهر‪ ،‬فكم تملك أصحابها من الهم والخوف عليها تململ المريض‪ ،‬وباتوا‬
‫يحرسون أموالهم بالهم والقلق والحزن المنهك(‪ .)1‬والعلم ينور بصيرة صاحبه في االختيار‬
‫األفضل وفي استخالص العبر من األمم الماضية والعيش بها في الحياة‪ ،‬والعلم يفتح آفاقًا‬
‫واسعة في فقه الخالف‪ ،‬ومعرفة المصالح والمفاسد‪ ،‬والمقاصد‪ ،‬وترتيب األولوياتـ فيسير‬
‫صاحبه بنور بين الناس‪.‬‬
‫(ب) أن العلم ينمو ويترسخ بالعمل‪:‬ألن العمل تطبيق للعلم‪ ،‬فهو بذلك يزيده عمقًا‬
‫َّ‬
‫يغيبن عن البال أن المقصود هنا‬ ‫في الذاكرة‪ ،‬بخالف المال فإن اإلنفاق منه ينقصه‪ ،‬وال‬
‫أموال أهل الدنيا التي ينفقون منها من أجل الدنيا‪ ،‬أما أموال أهل اآلخرة فإنها محكومة‬
‫بالعمل الشرعي‪ ،‬فاإلنفاق منها يزيدها نم ًوا كما جاء في قول الرسول×‪« :‬ما نقص مال‬
‫عبد من صدقة»(‪.)2‬‬
‫(ج) أن العلم الشرعي حاكم ألنه تنتظم به شئون الحياة‪ :‬وعلى منهاجه يجب‬
‫أن تقرر جميع األنظمة التي تحكم الناس‪ ،‬فهو الحاكم الحقيقي‪ ،‬أما المال فإنه محكوم عليه‬
‫ألن إصداره وإيراده يخضع لألنظمة الحاكمة سواء كانت شرعية أو غير شرعية(‪.)3‬‬
‫(د) أن العالقات االجتماعية التي تقوم على المصالح المالية المشتركة تزول‬
‫بزوال المال‪ :‬ألنه هو الذي عقد تلك العالقات بناء على تبادل المصلحة بوجوده‪ ،‬فإذا زال‬
‫زالت تلك المصالح‪ ،‬أما العالقات األخوية التي تقوم على تبادل العلم الشرعي بين العالم‬
‫ض ُه ْم لَِب ْع ٍ‬
‫ض َع ُد ٌّو إِالَّ‬ ‫ومحبيه فإنها باقية خالدة في الدنيا واآلخرة‪ ،‬قال تعالى‪ِ + :‬‬
‫األخالَّءُ َي ْو َمئِ ٍذ َب ْع ُ‬
‫ين" [الزخرف‪.]67:‬‬ ‫ِ‬
‫ال ُْمتَّق َ‬
‫(هـ) أن العلم الشرعي يكسب والء المسلمين وطاعتهم ألهله اختيارًا منهم‪:‬‬
‫من غير أن تفرض عليهم هذه الطاعة‪ ،‬وذلك على امتداد حياتهم‪ ،‬كما يكسبهم الذكر‬
‫الحسن بعد مماتهم إلى أن يرث هللا األرض ومن عليها‪ ،‬حيث ال يفقد الناس إال صورهم‬
‫وأشكالهم‪.‬‬
‫وإننا لو استعرضنا التاريخ إلى عصرنا هذا لوجدنا العلماء من عهد الصحابة‪ ،‬رضي‬
‫هللا عنهم‪ ،‬تتردد أسماؤهم ويذكر التاريخ حياتهم في الكتب والخطب والدروس العلمية‪،‬‬
‫بينما اندرست أسماء كبار أهل الدنيا بانقضاء حياتهم‪ ،‬وأحيانًا يشاهدون انطفاء سمعهم‬
‫وهم أحياء(‪.)4‬‬
‫‪ -3‬أن الفقيه كل الفقه الذي ال يقنط الناس من رحمة هللا‪:‬وال يؤمنهم من عذاب‬
‫هللا‪ ،‬وال يرخص لهم في معاصي هللا‪ ،‬وال يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره‪ ،‬وال خير في‬
‫عبادة ال علم فيها‪ ،‬وال خير في علم ال فهم فيه‪ ،‬وال خير في قراءة ال تدبر فيها(‪.)5‬‬
‫في هذا النص يبين أمير المؤمنين على رضي هللا عنه أن من الفقه في الدين التزام‬
‫صفة االتزان واالعتدال في عرض أمور الدنيا ومحاولة إصالح الناس‪ ،‬وذلك بأن يسير‬
‫‪1‬‬
‫() التاريخ اإلسالمي للحميدي (‪.)12/442‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)12/442‬‬
‫‪3‬‬
‫() التاريخ اإلسالمي (‪.)12/442‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)12/443‬‬
‫‪5‬‬
‫() حلية األولياء (‪ ،)1/77‬صفة الصفوة (‪.)1/325‬‬
‫‪17‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الداعية في خط وسط بين مقاميـ الخوف والرجاء‪ ،‬فال ينطلق في تخويف الناس إلى الحد‬
‫الذي يجعلهم يقنطون من رحمة هللا‪ ،‬وال ينطلق في ترغيب الناس إلى الحد الذي يجعلهم‬
‫يأمنون من عذاب هللا تعالى‪ ،‬ونجد عليًا رضي هللا عنه في هذا النص يبين أن من مظاهر‬
‫الفقه في الدين أال يهون العالم من شأن المعاصي فيجرئ الناس على ارتكابها‪ ،‬وأن يحافظ‬
‫على مستوى اإليمان والتقوى لدى الناس مع محاولة رفعهم نحو الكمال في ذلك‪ ،‬كما أن‬
‫من الفقه أن يحاول العالم ربط المسلمين بكتاب هللا تعالى‪ ،‬وهنا يبين على رضي هللا عنه‬
‫أهمية القرآن الكريم وتفضيله المطلق على كل ما سواه‪ ،‬وفيه تبيين أو تعليم للطريقة التي‬
‫نتعامل بها مع القرآن الكريم‪ ،‬وأال نتجاوزه إلى غيره رغبة عنه ألنه مصدر الهداية‬
‫األول‪ ،‬ومن المعلوم أن السنة النبوية بيان تفصيلي للقرآن الكريم‪ ،‬فالتوجيه إلى القرآن‬
‫يعتبر توجيهًا إلى السنة‪ ،‬ثم يبين أن من أهم شروط العبادة الشرعية المقبولة أن تكون‬
‫صادرة عن علم بالكتاب والسنة وأن العلم ال يكون نافعًا إال إذا رافقه الفهم الصحيح‪.‬‬
‫ويختم وصيته النافعة ببيان أهمية تدبر معاني كتاب هللا تعالى حال التالوة ألن الخير‬
‫كل الخير في فهم مقاصد القرآن الكريم للعمل بأحكامه‪ ،‬والتوجه الكامل هلل بالقلب والعقل‬
‫والروح والجوارح عند قراءتنا لكتابة‪ ،‬وبذل كل ما نستطيع لفهم مراد هللا والعمل بأوامره‬
‫واجتناب نواهيه‪ ،‬والتخلص من كل العوائق التي تحول بيننا وبين كتاب هللا‪ ،‬فهذا يدعونا‬
‫للتجرد هلل بالكلية وإخالص الدين له‪ ،‬وتحرى مراد هللا ورسوله ودين الحق‪ ،‬ولو أدى إلى‬
‫مفارقة األهل والمال والولد والوجاهة الدنيوية‪ ،‬فإن ما عند هللا خير وأبقى واالتعاظ‬
‫بمواعظه وتنمية اإليمان بتذكر معاني هذا الكتاب العظيم(‪.)1‬‬
‫‪ -4‬ما أبردها على الكبد‪:‬عن الشعبي عن على رضي هللا عنه أنه خرج عليهم وهو‬
‫يقول‪ :‬ما أبردها على الكبد فقيل له‪ :‬وما ذلك؟ قال‪ :‬أن تقول للشيء ال تعلمه‪ :‬هللا أعلم(‪.)2‬‬
‫‪ -5‬أهل العلم وتعليم الناس‪:‬قال أمير المؤمنين على رضي هللا عنه‪ :‬ما أخذ هللا‬
‫العهد على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يُ َعلِّموا(‪.)3‬‬
‫‪ -6‬الخير في كثرة العلم ال المال والولد‪ :‬قال على رضي هللا عنه‪ :‬ليس الخير‬
‫أن يكثر مالك وولدك‪ ،‬ولكن الخير أن يكثر علمك‪ ،‬ويعظم حلمك‪ ،‬وأن تباهى الناس بعبادة‬
‫ربك‪ ،‬فإن أحسنت حمدت هللا‪ ،‬وإن أسأت استغفرت هللا‪ ،‬وال خير في الدنيا إال أحد رجلين‪،‬‬
‫رجل أذنب ذنبًا فهو تدارك ذلك بتوبة‪ ،‬أو رجل يسارع في الخيرات‪ ،‬وال يقل عمل في‬
‫تقوى‪ ،‬وكيف يقل ما يتقبل؟ (‪.)4‬‬
‫‪ -7‬العلم والجهل‪ :‬قال رضي هللا عنه‪ :‬كفى بالعلم شرفًا أن يدعيه من ال يحسنه‬
‫ويفرح به إذا نُسب إليه‪ ،‬وكفى بالجهل ضعة أن يتبرأ منه من هو فيه ويغضب إذا نُسب‬
‫إليه(‪.)5‬‬
‫‪ -8‬سبب زهد الناس في العلم‪ :‬قال رضي هللا عنه‪ :‬إنما زهد الناس في طلب العلم‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫() التاريخ اإلسالمي (‪.)433-12/431‬‬
‫‪2‬‬
‫() جامع بيان العلم وفضله (‪.)2/66‬‬
‫‪3‬‬
‫() فرائد الكالم‪ ،‬ص (‪)361‬‬
‫‪4‬‬
‫() حلية األولياء‪ ،‬ص (‪.)75‬‬
‫‪5‬‬
‫() فرائد الكالم‪ ،‬ص(‪.)366‬‬
‫‪17‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫لما يرون من قلة انتفاع من َعلِ َم بما َعلِم(‪ ,)1‬وهذا فيه تحذير لعلماء السوء الذين يصدون‬
‫عن سبيل هللا‪ ،‬ودعوة للعلماء بالعمل بعلمهم ودعوة الناس إليه والصبر على أذاهم في‬
‫سبيل هللا تعالى‪.‬‬
‫‪ -9‬من حقوق العلماء على أمتهم‪:‬قال أمير المؤمنين على رضي هللا عنه‪ :‬من حق‬
‫العالم أن ال تكثر عليه بالسؤال‪ ،‬وال تعنته بالجواب‪ ،‬وال تلح عليه إذا كسل‪ ،‬وال تأخذ‬
‫بثوبه إذا نهض‪ ،‬وال تفشين له سرًا‪ ،‬وال تغتابن عنده أحدًا‪ ،‬وال تطلبن عثرته‪ ،‬وإن زل‬
‫قبلت معذرته‪ ،‬وعليك أن توقره وتعظمه هلل ما دام يحفظ أمر هللا‪ ،‬وال تجلس أمامه‪ ،‬وإن‬
‫كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته(‪.)2‬‬
‫‪ -10‬مكانة العلماء العاملين عند هللا‪:‬قال أمير المؤمنين على رضي هللا عنه‪ :‬من‬
‫علم وعمل دُعي في ملكوت السماوات عظي ًما(‪ ,)3‬وهذه دعوة للعلم والعمل‪ ،‬وحث للسعي‬
‫للمقامات العالية التي يكرم هللا بها من علم وعمل ابتغاء مرضاته سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫‪ -11‬االشتغال بالعلم أولى من االشتغال بالعبادات التطوعية‪ :‬قال أمير المؤمنين‬
‫على رضي هللا عنه‪ :‬العالم أفضل من الصائم القائم المجاهد‪ ،‬وإذا مات العالم ثلم في‬
‫اإلسالم ثلمة ال يسدها إال خلف مثله(‪ .)4‬وهذا التوجيه فيه داللة على فقه ترتيب األولويات‬
‫عند أمير المؤمنين على‪ ،‬فهو يرى العمل المتعدي لخير الناس‪ ،‬هو العلم األولى بالتقديم‬
‫من العمل التعبدي الذي ترجع فائدته على الشخص نفسه‪.‬‬
‫هذه بعض التوجيهات النافعة واإلرشادات الصالحة من أمير المؤمنين على –رضي‬
‫هللا عنه – لطالب العلم‪.‬‬
‫ثانيًا‪:‬ـ زهد أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا عنه وورعه‪:‬‬
‫فهم أمير المؤمنين على بن أبي طالب من خالل معايشته للقرآن الكريم ومالزمته‬
‫للنبي األمين ×‪ ،‬ومصاحبته للصحابة الكرام‪ ،‬ومن تفكره في هذه الحياة أن الدنيا دار‬
‫اختبار وابتالء‪ ،‬فقد تربى أمير المؤمنين على – رضي هللا عنه – على كتاب هللا‪،‬‬
‫واستوعب اآليات التي تحدثت عن الدنيا‪ ،‬وأخبرتنا بخستها وقلتها وانقطاعها وسرعة‬
‫فنائها‪ ،‬واآليات التي رغبت في اآلخرة‪ ،‬وأخبرت بشرفها ودوامها كقوله تعالى‪+ :‬‬
‫يما‬ ‫ِ‬
‫َصبَ َح َهش ً‬
‫ض فَأ ْ‬ ‫ات األ َْر ِ‬ ‫الس َم ِاء فَا ْخَتلَ َ‬
‫ط بِ ِه َنبَ ُ‬ ‫الد ْنيَا َك َم ٍاء أَ ْن َزلْنَاهُ ِم َن َّ‬
‫ْحيَ ِاة ُّ‬
‫ب ل َُهم َّمثَ َل ال َ‬‫ض ِر ْ‬
‫َوا ْ‬
‫ات‬ ‫ْحيَ ِاة ُّ‬
‫الد ْنيَا َوالْبَاقِيَ ُ‬ ‫ال َوالَْبنُو َن ِزينَةُ ال َ‬‫ياح َو َكا َن اهللُ َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء ُّم ْقتَ ِد ًرا ‪ ‬ال َْم ُ‬ ‫الر ُ‬
‫ْروهُ ِّ‬ ‫تَذ ُ‬
‫ك َث َوابًا َو َخ ْي ٌر أ ََمالً" [الكهف‪ ،]46 ،45:‬وتربى على يدي النبي × الذي‬ ‫ِ‬
‫ات َخ ْي ٌر ع ْن َد َربِّ َ‬ ‫ِ‬
‫الصال َح ُ‬‫َّ‬
‫كان أعرف الخلق بالدنيا ومقدارها‪ ،‬إذ هو القائل×‪« :‬لو كانت الدنيا تعدل عند الله‬
‫جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء»(‪ ،)5‬وقال ×‪«:‬ما الدنيا في الآخرة‬
‫إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بما ترجع»(‪ ،)6‬وقال ×‪« :‬الدنيا‬

‫‪1‬‬
‫() أدب الدين والدنيا‪ ،‬ص (‪.)85 ،82‬‬
‫‪2‬‬
‫() جامع بيان العلم وفضله (‪.)1/519‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)1/497‬‬
‫‪4‬‬
‫() المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح للدمياطي‪ ،‬ص (‪.)13‬‬
‫‪ )(5‬سنن الترمذي رقم (‪ )4110‬صحيح غريب‪.‬‬
‫‪ )(6‬مسلم رقم (‪.)2858‬‬
‫‪17‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫سجن المؤمن وجنة الكافر»(‪ ،)1‬وقد تأثر أمير المؤمنين على – رضي هللا عنه –‬
‫بالتربية القرآنية والنبوية‪ ،‬فكان من أصدق النماذج التي زكتها تربية النبي – عليه السالم‪-‬‬
‫والتي قال هللا فيها‪َ + :‬ك َما أ َْر َسلْنَا فِي ُك ْم َر ُسوالً ِّم ْن ُك ْم َي ْتلُو َعلَْي ُك ْم آيَاتِنَا َويُ َز ِّكي ُك ْم" [البقرة‪،]151:‬‬
‫فقد ضرب لنا أروع األمثلة في الزهد‪ ،‬وهذه بعض المواقف المدهشة في هذا الباب‪.‬‬
‫‪ -1‬يا صفراء ويا بيضاء ُغرَّى غيري‪:‬عن على بن ربيعة الوالبى أن على بن أبي‬
‫طالب جاءه ابن النباح فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين امتأل بيت مال المسلمين من صفراء‬
‫وبيضاء‪ ،‬فقال‪ :‬هللا أكبر‪ ،‬فقام متوكئًا على ابن النباح حتى قام على بيت مال المسلمين‬
‫فقال‪:‬‬
‫ان يده إلى فيه‬ ‫وكل َج ٍ‬ ‫ى خياره فيه‬ ‫هذا َجنَا َ‬
‫يا ابن النباح عل َّى بأشياع الكوفة‪ ،‬قال‪ :‬فنودي في الناس‪ ،‬فأعطى جميع ما في بيت‬
‫مال المسلمين وهو يقول‪ :‬يا صفراء‪ ،‬ويا بيضاء غرى غيرى‪ ،‬ها‪ ،‬ها‪ ،‬حتى ما بقى منه‬
‫دينار وال درهم‪ ،‬ثم أمره بنضحه وصلى فيه ركعتين‪ ،‬وفي رواية أخرى ألبي نعيم من‬
‫خبر مجمع التيمى قال‪ :‬كان على يكنس بيت المال ويصلى فيه ويتخذه مسجدًا رجاء أن‬
‫يشهد له يوم القيامة‪.‬‬
‫ففي هذا مثل بليغ في الترفع عن متاع الدنيا الزائل‪ ،‬فبيت المال قد امتأل من الذهب‬
‫والفضة‪ ،‬وال ينظر إليه أمير المؤمنين على – رضي هللا عنه‪ -‬نظرة إعجاب وغرور‪ ،‬بل‬
‫كان جوابه حينما أبلغه المسئول المالي عن ذلك أن قال‪« :‬هللا أكبر»‪ ،‬فإذا كان بعض‬
‫الناس يكبرون الدنيا ويعظمونها‪ ،‬فاهلل تعالى أكبر منها ومن كل شيء‪ ،‬وما دام المسلم‬
‫يشعر حقا أن هللا أكبر‪ ،‬فلماذا يجعل قلبه مستسل ًما لما هو أصغر؟! إنه فقه عظيم من أمير‬
‫المؤمنين على – رضي هللا عنه – حينما تذكر هوان الدنيا وحقارتها‪ ،‬فكبر هللا تعالى‪،‬‬
‫ولسان حاله يؤنب من انخدع بمتاع الدنيا الزائل ونسى أن هللا‪ ،‬جال وعال‪ ،‬أكبر من كل‬
‫شيء‪ ،‬إنه لميزان دقيق يحسه المؤمن الذي نَ َّور هللا‪ ،‬سبحانه بصيرته‪ ،‬فكلما كان هللا تعالى‬
‫أعظم وأكبر من كل شيء في قلبه كانت الدنيا وما فيها أهون شيء عليه‪ ،‬وأصبح يسخر‬
‫المال الحالل في طاعة هللا جل وعال‪ ،‬وكلما عظمت الدنيا في قلبه كان ذلك على حساب‬
‫نقص تعظيمه هلل تعالى‪ ،‬ونجد أمير المؤمنين عليا‪ -‬رضي هللا عنه – يحلق في آفاق‬
‫العظمة وهو يخاطب الدنيا بقوله‪ :‬يا صفراء ويا بيضاء غرى غيرى‪ ..‬مما يدل على‬
‫الوجدان الحى والحس المرهف الذي يصور الدنيا كخصم يخاتل ويراوغ خصمه‪ ..‬وهو‬
‫بهذا يعلن انتصاره على جموح النفس وجنوح العواطف‪ ،‬ويحكم عقله الذي يعطي الدنيا‬
‫حجمها المناسب لزمنها المحدود في شقائها ونعيمها‪ ،‬ويعطي اآلخرة حجمها المناسب‬
‫لخلودها وعظمة نعيمها وهول جحيمها‪ ،‬ونجده‪ -‬رضي هللا عنه – يصل إلى قمة المعالي‬
‫حينما صلى في بيت المال ركعتين لتكونا شاهدتين له يوم القيامة بأنه عدل في حكمه‬
‫واستقام في أمره‪ ،‬ولعل في اتخاذ بيت المال مسجدًا رم ًزا لعلو اآلخرة على الدنيا‪ ،‬وهو‬
‫ُمك ِّمل للسلوك العالي الذي مارسه في تصريف ذلك المال في وجوهه المشروعة(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬وهللا ما أرزؤكم من مالكم شيئًا‪ :‬ومن مواقف أمير المؤمنين على – رضي هللا‬
‫عنه – في الزهد والورع ما رواه هارون بن عنترة عن أبيه قال‪ :‬دخلت على عل ‪‰‬ـًًّى بن أبي‬

‫‪ )(1‬مسلم رقم (‪.)2856‬‬


‫‪ )(2‬التاريخ اإلسالمي (‪ )12/427‬للحميدي‪.‬‬
‫‪18‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫طالب بالخورنق(‪ ,)1‬وهو يرعد(‪ )2‬تحت سمل قطيفة(‪ ,)3‬فقلت‪ :‬يا أمير المؤمنين إن هللا قد‬
‫جعل لك وألهل بيتك في هذا المال‪ ،‬وأنت تصنع بنفسك ما تصنع! فقال‪ :‬وهللا ما أرزؤكم‬
‫من مالكم شيئًا‪ ،‬وإنها لقطيفتي التي خرجت بها من منزلي – أو قال من المدينة‪.)4(-‬‬
‫وهنا نتساءل فنقولـ‪:‬ما الذي حمل أمير المؤمنين عليًا على أن يعيش عيشة الفقراء‬
‫وأن يتحمل البرد القارس وهو قادر على أن يشتري أفخر ما يوجد في األرض من‬
‫المالبس وأكثرها دفئًا؟ إنه مثال للزهد الحقيقي حيث يرغب عن متاع الدنيا مع القدرة‬
‫على تحصيله‪ ،‬إنه تلميذ المدرسة النبوية التي ربى فيها على الزهد في متاع الدنيا الزائل‪،‬‬
‫والتنافس على نعيم اآلخرة الخالد‪ ،‬فلقد عاش رسول هللا × عيشة الفقراء وهو يستطيع أن‬
‫يكون‬
‫(‪)5‬‬
‫كأفضل األغنياء ‪.‬‬
‫‪ -3‬باعني رضاي وأخذ رضاه‪ :‬عن أبي مطر بن عبد هللا الجهنى قال‪ :‬رأيت عليًا‬
‫عليه السالم متزرًا بإزار‪ ،‬مرتديًا برداء ومعه الدرة(‪ ,)6‬كأنه أعرابى بدوى‪ ،‬ثم ذكر دخوله‬
‫إلى السوق ومساومته أحد التجار في ثوب بثالثة دراهم‪ ،‬وأن التاجر عرفه‪ ،‬قال‪ :‬فلما‬
‫عرفه لم يشتر منه شيئًا‪ ،‬فأتى آخر فلما عرفه لم يشتر منه شيئًا‪ ،‬فأتى غال ًما حدثًا فاشترى‬
‫منه قميصًا بثالثة دراهم‪ ،‬ثم جاء أبو الغالم فأخبره‪ ،‬فأخذ أبوه دره ًما ثم جاء به فقال‪ :‬هذا‬
‫الدرهم يا أمير المؤمنين‪ ،‬قال‪ :‬ما شأن هذا الدرهم؟ قال‪ :‬كان ثمن القميص درهمين‪ ،‬فقال‬
‫باعني رضاي وأخذ رضاه(‪ .)7‬فهذا مثل في الزهد من أمير المؤمنين على بن أبي طالب‬
‫رضي هللا عنه‪ ،‬فلقد كان مظهره في لباسه يوحى بأنه رجل أعرابي لخشونة مالبسه‪،‬‬
‫وحينما اشترى له ثوبًا اختار نوعًا متواضعًا رخيص الثمن مع أنه كان آنذاك أعلى‬
‫مسئول في العالم‪ ،‬حيث كان خليفة المسلمين‪ ،‬وهذا يدل على تواضعه وزهده في الدنيا‪،‬‬
‫عل ًما أن له حقه من الفئ‬
‫ومن بيت المال وغيرهما من مصادر الدولة لشخص مفرغ‪ ،‬كخليفة وحاكم‪ ،‬لمراعاة‬
‫مصالح المسلمين‪.‬‬
‫ومثل آخر في الورع واالحتياط للدين حينما امتنع من الشراء ممن يعرفونه حتى ال‬
‫يراعوه في الثمن لمنصبه‪ ،‬فهو ال يريد أن يستثمر منصبه الكبير لمصالحه الخاصة‪ ،‬وهذا‬
‫فهم دقيق لمجاالت الورع والتقوى‪،‬ـ فالخالفة عنده وعند أمثاله عمل صالح‪ ،‬والخليفة إذا‬
‫صاحبه العدل كان أول السبعة الذين يظلهم هللا في ظله يوم القيامة‪ ،‬فهو ال يريد أن يدنس‬
‫هذا العمل الصالح بمصالح دنيوية‪ ،‬فيتحول العمل إلى مجلبة للوزر بدالً من األجر‪ ،‬فكان‬
‫بهذا السلوك العالي قدوة حسنة لمن أتوا بعده(‪.)8‬‬
‫‪ -4‬يخشع القلب ويقتدي به المؤمن‪ :‬قال عمر بن قيس‪ :‬قيل لعلي رضي هللا عنه‪:‬‬
‫لم ترقع قميصك؟ قال‪ :‬يخشع القلب ويقتدي به المؤمن(‪ ,)9‬فهذا من زهذه – رضي هللا عنه‬
‫– وحرصه على تربية المسلمين على حياة الزهد والتقشف‪ ،‬فقد الحظ في لبس الثوب‬
‫المرقوع ملحظين‪ :‬األول أنه وسيلة إلى خشوع القلب وتواضع النفس والبعد عن أسباب‬
‫موضع بالكوفة‪.‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫يرعد‪ :‬من شدة البرد‪.‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫سمل قطيفة‪ :‬يعنى قطيفة قديمة‪.‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫حلية األولياء (‪ ،)1/82‬صفة الصفوة (‪.)1/316‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫التاريخ اإلسالمي (‪.)12/428‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫الدرة بكسر الدال وتشديدها‪ ،‬العصا‪.‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫الزهد‪ ،‬ص (‪.)130‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫التاريخ اإلسالمي (‪ )12/429‬للحميدي‪.‬‬ ‫‪)(8‬‬
‫تاريخ اإلسالم‪ ،‬عهد الخلفاء الراشدين‪ ،‬ص (‪ )647‬للذهبي‪.‬‬ ‫‪)(9‬‬
‫‪18‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫العجب والكبرياء‪ ،‬والثاني أنه يعتبر بذلك قدوة للمسلمين‪ ،‬فإذا رآه الناس‪ -‬وهو في أعلى‬
‫منصب – يلبس الثوب المرقع فإن نفوسهم تتواضع ويبتعدون عن التنافس في شراء‬
‫المالبس الغالية الثمن‪ ،‬ويتقوى بذلك الزاهدون الذين يتعرضون لمالمة الناس على‬
‫سلوكهم حياة الزهد(‪.)1‬‬
‫‪ -5‬ال يحل للخليفة من مال هللا إال قصعتان‪:‬عن عبد هللا ُز َرير الغافقى قال‪:‬‬
‫دخلت على عل َّى بن أبي طالب‪ -‬رضي هللا عنه – فقرب إلينا خزيرة(‪ ,)2‬فقلت‪ :‬أصلحك هللا‬
‫لو قربت إلينا من هذا البط – يعنى األوز‪ -‬فإن هللا – عز وجل – قد أكثر الخير‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫ابن زرير إني سمعت رسول هللا × يقول‪« :‬لا يحل للخليفة من مال الله إلا‬
‫قصعتان‪ ،‬قصعة يأكلها هو وأهله‪ ،‬وقصعة يضعها بين يدى الناس»(‪ ,)3‬فهذا أمير‬
‫المؤمنين على بن أبي طالب –ر ضي هللا عنه – يضرب مثالً عاليا في الورع والزهد في‬
‫متاع الدنيا الزائل من طعام وشراب‪ ،‬فلقد كان بإمكانه أن يأخذ من بيت المال ما شاء من‬
‫األموال مما ال يلفت النظر إليه‪ ،‬حيث يؤمن له معيشة مساوية ألغنياء المسلمين‪ ،‬ولكنه‬
‫رضي بخشونة العيش إيثارًا لآلجلة عن العاجلة‪ ،‬واحتياطًا ألمر دينه‪ ،‬وإبرا ًزا للقدوة‬
‫الصالحة‪ ،‬ألنه إذا كان أعلى رجل في الدولة يعيش في هذا المستوى من العيش فإن في‬
‫ذلك عزاء للفقراء ليصبروا ويرضوا بقضاء هللا تعالى وقدره‪ ،‬ووعظًا لألغنياء ليشكروا‬
‫هللا تعالى‪ ،‬فيخففواـ من اندفاعهم نحو الترف واإلسراف(‪.)4‬‬
‫‪ -6‬ال أحب أن يدخل بطني إال ما أعلم‪ :‬كان أمير المؤمنين – رضي هللا عنه –‬
‫يختم على الجراب الذي فيه دقيق الشعير الذي يأكل من ويقول‪ :‬ال أحب أن يدخل بطني‬
‫إال ما أعلم(‪ ,)5‬وقال سفيان‪ :‬إن عليًا لم يبن آجرة على آجرة وال لبنة على لبنة‪ ،‬وال قصبة‬
‫على قصبة‪ ،‬وإن كان ليؤتى بحبوبه من المدينة في جراب(‪.)6‬‬
‫‪ -7‬إنك لطيب الريح‪ ،‬حسن اللون‪ ،‬طيب الطعم‪:‬يروى عدى بن ثابت‪ ،‬وحبة بن‬
‫جوين أنه أتى بطستخوان فالوذج(‪ )7‬إلى على فلم يأكل‪ ،‬وقال على‪ :‬إنك لطيب الريح‪ ،‬حسن‬
‫اللون‪ ،‬طيب الطعم‪ ،‬لكن أكره أن أع َّود نفسي ما لم تعتده(‪.)8‬‬
‫‪ -8‬أزهد الناس في الدنيا على بن أبي طالب‪:‬قال الحسن بن صالح بن حى‪:‬‬
‫تذاكروا الزهاد عند عمر بن عبد العزيز‪ ،‬فقال‪ :‬أزهد الناس في الدنيا على بن‬
‫أبي طالب(‪ ,)9‬وقد ذكر الذهبي أن عليًا ركب حمارًا ودلى برجليه إلى موضع‬
‫واحد ثم قال‪ :‬أنا الذي أهنت الدنيا (وفعله هنا من باب التربية العملية على‬
‫الزهد والتقوى والترفع على الدنيا وليس على سبيل الخبالء) (‪ ,)10‬وأخرج أبو‬
‫عبيد في األموال عن على – رضي هللا عنه – أنه أعطى العطاء في سنة‬
‫ثالث مرات‪ ،‬ثم أتاه مال من أصبهان‪ ،‬فقال‪ :‬اغدوا إلى عطاء رابع‪ ،‬إني لست‬

‫‪ )(1‬التاريخ اإلسالمي (‪ )12/430‬للحميدى‪.‬‬


‫‪ )(2‬الخزيرة‪ :‬لحم يقطع ويطبخ بالماء ويذر عليه الدقيق‪.‬‬
‫‪ )(3‬مسند أحمد (‪ )1/78‬إسناده صحيح‪ ،‬قاله أحمد شاكر وهناك من ضعفه‪.‬‬
‫‪ )(4‬التاريخ اإلسالمي (‪.)12/431‬‬
‫‪ )(5‬الكامل في التاريخ (‪.)2/443‬‬
‫‪ )(6‬الكامل في التاريخ (‪.)2/443‬‬
‫‪)(7‬الطستخوان‪ :‬عبارة عن طست كبير يوضع وسط المائدة‪ ،‬والفالوذج‪ :‬حلواء تعمل من الدقيق والماء‬
‫والعسل‪.‬‬
‫‪ )(8‬الحلية (‪ ،)1/81‬صحيح التوثيق‪ ،‬ص (‪.)74‬‬
‫‪ )(9‬تاريخ اإلسالم عهد الخلفاء الراشدين‪ ،‬ص (‪.)645‬‬
‫‪ )(10‬تاريخ اإلسالم‪ ،‬للذهبي ص‪.)645( ،‬‬
‫‪18‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫بخازنكم‪ ،‬فأخذها قوم وردها قوم(‪ ,)1‬وخطب على الناس فقال‪ :‬أيها الناس‪ ،‬وهللا‬
‫الذي ال إله إال هو‪ ،‬ما رزأت من مالكم قليالً وال كثيرًا إال هذه‪ ،‬وأخرج‬
‫قارورة من كم قميصه فيها طيب‪ ،‬فقال أهدى إلي دهقان‪ ،‬وقال‪ :‬ثم أتى بيت‬
‫المال وقال‪ :‬خذوا‪ ،‬وأنشا يقول‪:‬‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪) 2‬‬
‫يأكل منها كل يوم تمرة‬ ‫أفلح من كانت له قوصرة‬
‫لقد كان الزهد من الصفات البارزة في شخصية أمير المؤمنين على بن أبي‬
‫طالب‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬وكان زهده مع توافر أسباب الرخاء والثراء‪ ،‬وثقة‬
‫الناس وتوقيرهم وإجاللهم له الذي يمنع من النقد والحسبة والمؤاخذة(‪ ,)4‬ولم يكن‬
‫– رضي هللا عنه – مع زهده وورعه وتصلبه في دينه‪ ،‬على شيء من‬
‫الفظاظة والخشونة والعبوس والكلح‪ ،‬ولم يكن ثقيل الظل‪ ،‬بل كان ودودًا بشوشاً‬
‫فيه دعابة ملحوظة‪ ،‬وقد جاء في وصفه‪ :‬كان حسن الوجه‪ ،‬ضحوك السن‪ ،‬خفيف‬
‫المشي على األرض(‪ )5‬وقد عرَّف – رضي هللا عنه – الزهادة فقال‪ :‬أيها الناس‬
‫الزهادة‪ ،‬قصر األمل‪ ،‬والشكر عند النعم والتورع عن المحارم(‪ .)6‬وقصر األمل‬
‫ضد طول األمل الذي ينسى اإلنسان اآلخرة‪ ,‬وإما قصره فيجعله يجمع بين الدنيا‬
‫واآلخرة ابتغاء مرضاة هللا‪ ،‬وأما الشكر عند النعم فهي صفات المسلم الرباني‬
‫الذي يستشعر نعم هللا عليه المادية والمعنوية‪ ،‬ما ظهر منها وما بطن‪ ،‬ويقابلها‬
‫بالشكر للعزيز الوهاب‪ ،‬فتعريف أمير المؤمنين يبين حقيقة الزهد‪ ،‬وال شك أن‬
‫زهد أمير المؤمنين على – رضي هللا عنه – قد أثر في من حوله‪ ،‬وأصبح‬
‫مدرسة مؤثرة في تاريخ األمة‪ ،‬وقد ربط أبو الحسن الندوى بين الزهد والتجديد‬
‫في المجتمع اإلسالمي فقال‪ :‬ولقد رأينا الزهد والتجديد مترافقين في تاريخ‬
‫اإلسالم‪ ،‬فال نعرف احدًا ممن قلب التيار‪ ،‬وغير مجرى التاريخ‪ ،‬ونفخ روحًا‬
‫جديدة في المجتمع اإلسالمي‪ ،‬أو فتح عهدًا جديدًا في تاريخ اإلسالم‪ ،‬وخلف‬
‫تراثًا خالدًا في العلم والفكر والدين‪ ،‬وظل قرونًا يؤثر في األفكار واآلراء‬
‫ويسيطر على العلم واألدب‪ ،‬إال وله نزعة في الزهد‪ ،‬وتغلب على الشهوات‪،‬‬
‫وسيطرة على المادة ورجالها‪ ،‬ولعل السر في ذلك أن الزهد يكسب اإلنسان قوة‬
‫المقاومة‪ ،‬واالعتداد بالشخصية والعقيدة‪ ،‬واالستهانة برجال المادة‪ ،‬وصرعى‬
‫الشهوات‪ ،‬وأسرى المعدة(‪.)7‬‬
‫ثالثًا‪ :‬تواضعـ أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا عنه‪:‬‬
‫من األخالق القرآنية التي تجسدت في شخصية أمير المؤمنين على بن أبي‬
‫ك‬ ‫ش ِفي األ َْر ِ‬
‫ض َم َر ًحا إِنَّ َ‬ ‫طالب‪ -‬رضي هللا عنه‪ -‬خلق التواضع‪ ،‬قال هللا تعالى‪َ + :‬والَ تَ ْم ِ‬
‫ِ‬ ‫ض ولَن َتْبلُ َغ ال ِ‬
‫َّك للن ِ‬
‫َّاس‬ ‫ص ِّع ْر َخد َ‬
‫ال طُوالً" [اإلسراء‪ ،]37:‬وقول تعالى‪َ + :‬والَ تُ َ‬ ‫ْجبَ َ‬ ‫لَن تَ ْخ ِر َق األ َْر َ َ‬
‫ك‬‫ص ْوتِ َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ْص ْد فِي َم ْشيِ َ‬
‫ال فَ ُخو ٍرواق ِ‬ ‫ض َم َر ًحا إِ َّن اهللَ الَ يُ ِح ُّ‬
‫ب ُك َّل ُم ْختَ ٍ‬ ‫ش ِفي األ َْر ِ‬‫َوالَ تَ ْم ِ‬
‫ض من َ‬ ‫ك َوا ْغ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ْح ِمي ِر" [لقمان‪.]19 ،18:‬‬ ‫إِ َّن أَن َكر ْ ِ‬
‫ت ال َ‬ ‫َص ْو ُ‬ ‫األص َوات ل َ‬ ‫َ‬
‫‪ )(1‬كنز العمال (‪.)2/320‬‬
‫‪ )(2‬القوصرة‪ :‬وعاء من قصب يجعل فيه التمر ونحوه‪.‬‬
‫‪ )(3‬المرتضى للندوى‪ ،‬ص (‪.)212‬‬
‫‪ )(4‬المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)210‬‬
‫‪ )(5‬المرتضى للندوى‪ ،‬ص (‪.)213‬‬
‫‪ )(6‬على بن أبي طالب‪ ،‬محمد رشيد رضا‪ ،‬ص (‪.)304‬‬
‫‪ )(7‬رجال الفكر والدعوة في حديثه عن اإلمام أحمد (‪.)1/105‬‬
‫‪18‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وفي آية اإلسراء دعوة واضحة إلى التحلي بمكارم األخالق من التواضع‬
‫واللين‪ ،‬ومعرفة قدر النفس‪ ،‬والنهي الصريح عن رعونات النفس من الكبر‬
‫والبطر واألشر واالحتقار للناس‪ ،‬واألمر بضده وهو التواضع والقصد من األمور‬
‫صراحة بعد أن علم بالمفهوم من النهي السابق‪ ،‬وذيَّل هللا تعالى النهي واألمر‬
‫بما ذيل به النهي السابق من عدم رضاه وشدة سخطه على من اتصف بتلك‬
‫ال فَ ُخو ٍر" [لقمان‪ ،]18:‬فعدم محبته لمن‬ ‫الصفات‪ ،‬فقال سبحانه‪+ :‬إِ َّن اهللَ الَ يُ ِح ُّ‬
‫ب ُك َّل ُم ْختَ ٍ‬
‫كان كذلك‪ ،‬يعنى بغضه له‪ ،‬كما دلت عليه اآلية السابقة‪ ،‬وفي هذا من الحث‬
‫علىالتواضع ما فيه الكفاية للمؤمن(‪ ,)1‬غير أن القرآن الكريم لم يقتصر على ذلك‪،‬‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫شو َن‬ ‫الر ْح َم ِن الذ َ‬
‫ين يَ ْم ُ‬ ‫اد َّ‬
‫بل نوه بالمتواضع أيما تنويه حيث قال هللا جل ذكره‪َ + :‬وعبَ ُ‬
‫ض هونًا وإِذَا َخاطَبهم الْج ِ‬
‫اهلُو َن قَالُوا َسالَ ًما" [الفرقان‪.]63:‬‬ ‫َُ ُ َ‬ ‫َعلَى األ َْر ِ َ ْ َ‬
‫وهذا تنويه عظيم بالمتواضعين حيث وصفهم بالعبودية له‪ ،‬وذلك أعظم تشريف لهم‪،‬‬
‫ألن العبودية له‪ ،‬سبحانه‪ ،‬هى أشرف األوصاف‪ ،‬ومن أعلى مراتب المحبين‪ ،‬وبذلك‬
‫يتفاخرون ولذلك يقول الشاعر‪:‬‬
‫وكدت بأخمصى أطأ الثريا‬ ‫ومما زادني شرفًا وتيهًا‬
‫(‪)2‬‬
‫وأن صيرت أحمد لي نبيًا‬ ‫دخولي تحت قولك يا عبادي‬
‫وكان نبينا محمد × في ذروة الذرا من هذا الخلق العظيم في كل صوره‬
‫وأشكاله‪ ،‬وال غرابة في ذلك فهو الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه‪ ،‬وكان مما أدبه‬
‫َّعنَا بِ ِه‬
‫ك إِلَى َما َمت ْ‬ ‫هللا تعالى به في هذا الخلق قوله سبحانه وتعالى‪+ :‬الَ تَ ُمد َّ‬
‫َّن َع ْيَن ْي َ‬
‫ين" [الحجر‪ ]88:‬وقوله تعالى‪َ + :‬وا ْخ ِف ْ‬ ‫ك لِل ِ ِ‬ ‫اجا ِّم ْن ُه ْم َوالَ تَ ْح َز ْن َعلَْي ِه ْم َوا ْخ ِف ْ‬
‫ض‬ ‫ْم ْؤمن َ‬
‫اح َ ُ‬
‫ض َجنَ َ‬ ‫أَ ْز َو ً‬
‫ين" [الشعراء‪ .]215:‬وخفض الجناح كناية عن التواضع لهم‬ ‫ِِ‬ ‫ك لِم ِن َّاتبع َ ِ‬
‫ك م َن ال ُْم ْؤمن َ‬ ‫اح َ َ َ َ‬ ‫َجنَ َ‬
‫(‪) 3‬‬
‫والرفق بهم ‪ ،‬وقد قام النبي × بذلك حق القيام‪ ،‬وظهر أثر التواضع في كل‬
‫أحواله الذاتية واالجتماعية واألسرية‪ ،‬وفي كل زمان ومكان بحيث ال يخلو حال‬
‫من أحواله × عن التواضع هلل تعالى والمؤمنين(‪ ,)4‬وقد تأثر أمير المؤمنين على‬
‫– رضي هللا عنه – بالتربية القرآنية الكريمة‪ ،‬والتربية النبوية الرشيدة‪ ،‬فكانت‬
‫هذه الصفة متجسدة في شخصيته الفذة‪ ،‬وإليك بعض المواقف‪:‬‬
‫(أ) أنا الذي أهنت الدنيا‪ :‬عن صالح بن أبي األسود عمن حدثه أنه رأى عليًا‬
‫قد ركب حمارًا ودلى رجليه إلى موضع واحد ثم قال‪ :‬أنا الذي أهنت الدنيا(‪,)5‬‬
‫وهكذا يشعر أمير المؤمنين على بن أبي طالب – رضي هللا عنه – بالفرح‬
‫النتصاره على نفسه‪ ،‬وظهوره بمظهرالتواضع أمام الناس وهو خليفة المسلمين‪،‬‬
‫إن مناصب الدنيا خداعة غرارة‪ ،‬وإن فتنة الجاه بها أعظم من فتنة المال‪،‬‬
‫فلطالما رئى أناس مسئولون كانوا متواضعين قبل أن يلوا‪ ،‬فلما تولوا مناصب‬
‫كبيرة بدأ التعاظم في نفوسهم شيئًا فشيئًا‪ ،‬حتى يكون من الصعب في آخر األمر‬
‫مخاطبتهم‪ ،‬واللقاء معهم‪ ،‬لكن أولياء هللا المتقين كلما ازدادوا رفعة في المناصب‬
‫‪ )(1‬أخالق النبي في القرآن والسنة‪ ،‬أحمد الحداد (‪.)1/454‬‬
‫‪ )(2‬المصدر نفسه (‪.)1/455‬‬
‫‪ )(3‬روح المعاني لأللوسى (‪.)5/80‬‬
‫‪ )(4‬أخالق النبي في القرآن والسنة (‪.)1/459‬‬
‫‪ )(5‬البداية والنهاية (‪.)8/5‬‬
‫‪18‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الدنيوية زادوا تواضعًا للناس‪ ،‬وشعروا بالسرور وهم يقومون بمظاهر التواضع‬
‫التي تنفي عنهم صفة التجبر والكبرياء(‪.)1‬‬
‫(ب) أبو العيال أحق أن يحمل‪ :‬روى عن على – رضي هللا عنه‪ -‬أنه‬
‫أشترى تمرًا بدرهم فحمله في ملحفة‪ ،‬فقالوا‪ :‬نحمل عنك يا أمير المؤمنين‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ال‪ ،‬أبو العيال أحق أن يحمل(‪ ،)2‬فهذا مثل من تواضعه حيث حمل متاعه بنفسه‬
‫مع كونه أمير المؤمنين ومع كبر سنة‪ ،‬فلم ير في ذلك مسو ًغا لقبول خدمة‬
‫الناس له‪ ،‬وهو بهذا يجعل من نفسه قدوة حسنة للمسلمين في التواضع‪ ،‬فلو‬
‫نازعت أحد الكبراء نفسه في تصور العيب من حمل المتاع فإنه بتذكره لموقف‬
‫أمير المؤمنين على – رضي هللا عنه – يزول ما في نفسه من ذلك‪ ،‬ولو‬
‫اعترض على أحد المتواضعين معترض فإن له من االقتداء بأكبر أمير على‬
‫وجه األرض ما يرد‬
‫هذا االعتراض(‪.)3‬‬
‫(ج) معاملته لعمه العباس رضي هللا عنهما‪:‬عن صهيب مولى العباس‪ ،‬قال‪:‬‬
‫رأيت عليا يقبل يد العباس ورجله ويقول‪ :‬يا عم‪ ،‬ارض عني(‪ .)4‬ولنتأمل ما ورد‬
‫في وصف ضرار الطائى لعلي‪ -‬رضي هللا عنه – حيث يقول‪ :‬يعجبه من اللباس‬
‫ما قصر‪ ،‬ومن الطعام ما خشن‪ ،‬كان فينا كأحدنا‪ ،‬يجيبنا إذا سألناه‪ ،‬وينبئنا إذا‬
‫استنبأناه‪ ،‬ونحن وهللا مع تقريبه إيانا وقربه منا ال نكاد نكلمه هيبة له(‪.)5‬‬
‫ومن أقوال أمير المؤمنين في التواضع‪« :‬تواضع المرء يكرمه»(‪ ,)6‬إن العبد‬
‫كلما رسخ في العلم بالكتاب والسنة وعمل بهما‪ ،‬وعرف حقيقة نفسه ازداد‬
‫تواضعًا هلل ولخلقه‪ ،‬كما إن علة من أعجب بنفسه من بعض دعاة اليوم إنما هى‬
‫من قلة العلم والفهم‪ ،‬إضافة إلى انصراف نظر الداعي إلى كثرة من حوله من‬
‫األتباع‪ ،‬وغفلته عن النظر إلى ما عند هللا‪ ،‬ثم إلى من فوقه من العلماء‬
‫الربانيين‪ ،‬وهذا من مداخل الشيطان الخفية على طالب العلم والمحسوبين على‬
‫حقل الدعوة‪ ،‬وقد قيل في منشور الحكم‪« :‬إذا علمت فال تفكر في كثرة من‬
‫دونك من الجهال‪ ،‬ولكن انظر إلى من فوقك من العلماء»(‪.)7‬‬
‫ونختم هذه الصفة بقول أمير المؤمنين على‪« :‬ما أحسن تواضع الغنى للفقير‬
‫رغبة في ثواب هللا‪ ،‬وأحسن منه تيه الفقير على الغني ثقة باهلل عز وجل»(‪,)8‬‬
‫والتيه المقصود به‪ :‬االستغناء باهلل عما في أيدى األغنياء وال يعني أبدًا التكبر‬
‫والغرور‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬كرمه وجوده‪:‬‬
‫من األخالق القرآنية الكريمة التي تجسدت في شخصية أمير المؤمنين على‬
‫بن أبي طالب – رضي هللا عنه – خلق الكرم والجود‪ ،‬وقد كان تنويه القرآن‬
‫الكريم بأهل الكرم عظي ًما‪ ،‬وقد كان هذا التنويه من أول القرآن الكريم حيث‬
‫التاريخ اإلسالمي (‪ )17/63‬للحميدى‪.‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫الزهد لإلمام أحمد‪ ،‬ص (‪.)13‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التاريخ اإلسالمي (‪.)17/64‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أصحاب الرسول (‪ ،)1/224‬السير للذهبي (‪ )2/94‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫االستيعابـ (‪.)3/1108‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫منهج أمير المؤمنين على في الدعوة‪ ،‬ص (‪.)523‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫هداية المرشدين‪ ،‬ص (‪ )105‬على محفوظ‪.‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫موعظة المؤمنين (‪ ،)2/344‬فرائد الكالم‪ ،‬ص (‪.)339‬‬ ‫‪)(8‬‬
‫‪18‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ب ِف ِيه ُه ًدى‬ ‫يقول سبحانه في مستهل ثاني سورة بعد البسملة‪+ :‬الم ‪ ‬ذَلِ َ ِ‬
‫اب الَ َريْ َ‬ ‫ك الْكتَ ُ‬
‫ين ُي ْؤ ِمنُو َن بِ َما أُنْ ِز َل‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫اه ْم ُي ْنف ُقو َن ‪َ ‬والذ َ‬
‫ِ‬
‫الصالَةَ َوم َّما َر َزقْنَ ُ‬
‫يمو َن َّ‬ ‫لِّلْمت َِّقين ‪ ‬الَّ ِذين ي ْؤ ِمنُو َن بِالْغَي ِ ِ‬
‫ب َويُق ُ‬ ‫ْ‬ ‫َُ‬ ‫ُ َ‬
‫ك ُه ُم ال ُْم ْفلِ ُحو َن"‬ ‫ِ‬
‫َئ‬‫ل‬ ‫ُو‬‫أ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ِ‬
‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬
‫َ َ َ ُ ً ِّ َّ ِّ ْ َ َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ى‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ى‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ك‬ ‫ِ‬
‫َئ‬‫ل‬ ‫ُو‬
‫أ‬ ‫‪‬‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫وق‬
‫َ ُْ ُ ُ َ‬‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ِ‬
‫ة‬ ‫ر‬ ‫ِ‬
‫َخ‬ ‫آل‬ ‫ا‬‫ِ‬‫ب‬ ‫و‬ ‫ك‬
‫َْ َ‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ك َو َ ْ َ‬
‫ز‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫إِل َْي َ‬
‫[البقرة‪.]5-1:‬‬
‫اه ْم ِس ًّرا‬ ‫ِ‬ ‫اء َو ْج ِه َربِّ ِه ْم َوأَقَ ُاموا َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫الصالَ َة َوأَْن َف ُقوا م َّما َر َزقْنَ ُ‬ ‫صَب ُروا ابْتغَ َ‬
‫ين َ‬ ‫وقال تعالى‪َ + :‬والذ َ‬
‫صلَ َح ِم ْن‬ ‫ك ل َُهم عُ ْقبى الدَّا ِر ‪‬جن ُ ٍ‬
‫َّات َع ْدن يَ ْد ُخلُو َن َها َو َم ْن َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫السيِّئَةَ أُولَئ َ ْ َ‬ ‫ْح َسنَ ِة َّ‬ ‫ِ‬
‫َو َعالَنيَةً َويَ ْد َرءُو َن بِال َ‬
‫صَب ْرتُ ْم فَنِ ْع َم‬ ‫آبائِ ِهم وأَ ْزو ِ‬
‫اج ِه ْم َوذُ ِّريَّاتِ ِه ْم َوال َْمالَئِ َكةُ يَ ْد ُخلُو َن َعلَْي ِهم ِّمن ُك ِّل بَ ٍ‬
‫اب ‪َ ‬سالَ ٌم َعلَْي ُكم بِ َما َ‬ ‫َ َْ َ‬
‫عُ ْقبَى الدَّا ِر" [الرعد‪ ،]24-22 :‬وقد كان رسول هللا × قد بلغ مبلغ الكمال والعظمة‬
‫في كافة األخالق‪ ،‬وال سيما خلق الكرم‪ ،‬وقد وصفته خديجة‪ ،‬رضي هللا عنها‪،‬‬
‫بقولها‪« :‬إنك لتصل الرحم‪ ،‬وتحمل الكل‪ ،‬وتكسب المعدوم‪ ،‬وتقرى الضيف‪،‬‬
‫وتعين على نوائب الحق»(‪ ،)1‬فهي تصفه بهذه الصفات البالغة العظمة والقدر‪،‬‬
‫والتي كان عليها قبل بعثته ورسالته‪ ،‬ولم يكن قد تحمل أعباء أمته‪ ،‬ولقد أضفت‬
‫عليه النبوة زيادة كمال وعظمة‪ ،‬فكيف به بعد ذلك كله؟ ال جرم أن كرمه ×‬
‫بعد ذلك سيكون بال ًغا ذروة الذ َرا في كرم األنبياء وسائر البشر‪ ،‬وهو ما دلت‬
‫عليه الدالئل النقلية الكثيرة(‪ ,)2‬وقد تأثر أمير المؤمنين على بن أبي طالب بالتربية‬
‫القرآنية والنبوية‪ ،‬وترك لنا آثارًا بارزة دالة على تأصل خلق الجود والكرم في‬
‫شخصيته العظيمة‪ ،‬فقد ذكر الحافظ ابن كثير من خبر األصبغ بن نباته‪:‬أن رجالً‬
‫جاء على بن أبي طالب – رضي هللا عنه – فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين إن لي‬
‫إليك حاجة فرفعتها إلى هللا تعالى قبل أن أرفعها إليك‪ ،‬فإن قضيتها حمدت هللا‬
‫وشكرتك‪ ،‬وإن لم تقضها حمدت هللا وعذرتك‪ ،‬فقال على‪ :‬اكتب حاجتك على‬
‫األرض فإني أكره أن أرى ذل السؤال في وجهك‪ ،‬فكتب‪ :‬إني محتاج‪ ،‬فقال لي‪:‬‬
‫عل َّى بحُلة‪ ،‬فأتى بها‪ ،‬فأخذها الرجل فلبسها‪ ،‬ثم أنشأ يقول‪:‬‬
‫فسوف أكسوك من حسن الثنا حلال‬ ‫كسوتني حُلة تبلي محاسنها‬
‫ولست أبغى بما قد قلته بدال‬ ‫إن نلت حسن ثنائى نلت مكرمة‬
‫كالغيث يحيي نداه السهل والجبال‬ ‫إن الثنا ليحيي ذكر صاحبه‬
‫فكل عبد سيجزي بالذي عمال‬ ‫ال تزهد الدهر في خير تواقعه‬

‫فقال على‪ :‬عل َّى بالدنانير‪ ،‬فأُتى بمائة دينار فدفعها إليه‪ ،‬فقال األصبغ‪ :‬يا أمير‬
‫المؤمنين‪ ،‬حلة ومائة دينار قال‪ :‬نعم‪ ،‬سمعت رسول هللا × يقول‪« :‬أنزلوا الناس‬
‫منازلهم»وهذه منزلة هذا الرجل عندي(‪ ،)3‬فهذا موقف جليل ألمير المؤمنين على‬
‫بن أبي طالب – رضي هللا عنه – في الوقوف عند حاجات المحتاجين‬
‫واالهتمام بأمورهم ورعاية مشاعرهم‪ ،‬وإن أروع ما في هذا الخبر قوله‪« :‬اكتب‬
‫‪ )(1‬السيرة النبوية (‪.)1/116‬‬
‫‪ )(2‬أخالق النبي × في القرآن والسنة (‪.)2/648‬‬
‫‪ )(3‬البداية والنهاية (‪.)8/9‬‬
‫‪18‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫حاجتك على األرض فإني أكره أن أرى ذل السؤال في وجهك» فكم يعاني‬
‫المحتاجون من الذل بين يدي من يعرضون عليهم حوائجهم‪ ،‬وقدم يتلعثمون فال‬
‫يستطيعون النطق‪ ،‬ولقد كانت مشاعر ذلك المحتاج عظيمة حينما واجهه أمير‬
‫المؤمنين عل ّى بهذه المعاملة السامية‪ ،‬ولقد صاغ هذه المشاعر باألبيات‬
‫المذكورة(‪ ,)1‬وقد كان‪ -‬رضي هللا عنه – يفرح بقدوم الضيف‪ ،‬ويكرم إخوانه في‬
‫هللا ويتفقدهم‪ ،‬فعن أمير المؤمنين على – رضي هللا عنه – قال‪ :‬لم يأتنى ضيف‬
‫منذ سبعة أيام‪ ،‬أخاف أن يكون هللا قد أهاننى(‪.)2‬‬
‫وقال‪ :‬لعشرون دره ًما أعطيها أخي في هللا أحب إل َّى من أن أتصدق بمائة‬
‫درهم على المساكين(‪ ,)3‬وعندما سُئل عن السخاء‪ ،‬قال‪« :‬ما كان منه ابتداء‪ ،‬فأما‬
‫ما كان من مسألة فحياء وتكرم»(‪ )4‬وقد جعل في حياته أوقافًا هلل تعالى‪ ،‬حيث‬
‫جعل أرضه بينبع وقفًا‪ ،‬وكتب فيها كتابًا‪« :‬هذا ما أمر به على بن أبي طالب‪،‬‬
‫وقضى في ماله‪ :‬إني تصدقت بينبع ووادي القرى واألذينة وراعة في سبيل هللا‬
‫وذى الرحم القريب والبعيد‪ ،‬وال يوهب وال يورث‪ ،‬حيًا أنا أو ميتًا»(‪ ,)5‬وقد قال‬
‫عن صدقته‪« :‬لقد رأيتنى وإني ألربط الحجر على بطني من الجوع‪ ،‬وإن‬
‫صدقتي لتبلغ اليوم أربعة آالف دينار»(‪ ,)6‬ولم يرد بقوله أربعة آالف دينار زكاة‬
‫ماله‪ ،‬وإنما أراد األوقاف التي جعلها صدقة‪ ،‬وكان الحاصل من دخلها صدقة‬
‫هذا العدد‪ ،‬فإن أمير المؤمنين على – رضي هللا عنه – لم يدخر ماالً‪ ،‬ودليل‬
‫ذلك(‪ )7‬ما قاله ابنه الحسن بعد مقتله‪ :‬لقد فارقكم رجل ما ترك صفراء وال بيضاء‬
‫إال سبعمائة درهم‪ ،‬بقيت من عطائه‪ ،‬أراد أن يبتاع بها خاد ًما‪ ،‬يعنى عليًا(‪,)8‬‬
‫رضي هللا عنه‪.‬‬
‫وكان يحث الناس على إكرام العشيرة فيقول‪« :‬أكرم عشيرتك‪ ،‬فإنهم جناحك‬
‫الذي به تطير‪ ،‬وإنك بهم تصول‪ ،‬وبهم تطول‪ ،‬وهم العدة عند الشدة‪ ،‬أكرم‬
‫كريمهم‪ ،‬و ُع ْد سقيمهم‪ ،‬وأشركهم في أمورك‪ ،‬ويسَّر عن معسرهم»(‪.)9‬‬
‫خامسًا‪ :‬الحياء من هللا تعالى‪:‬‬
‫الحياء من أجل مكارم األخالق‪ ،‬ألنه يدل على طهارة النفس‪ ،‬وحياة‬
‫الضمير‪ ،‬ويقظة الوازع الديني ومراقبة هللا تعالى‪ ،‬إذ من لم يكن ذا حياء لم‬
‫يقر الضيف‪ ،‬ولم يف بالوعد‪ ،‬ولم يؤد األمانة‪ ،‬ولم يقض ألحد حاجة‪ ،‬وال‬
‫تحرى الجميل فآثره‪ ،‬والقبيح فتجنبه‪ ،‬وال ستر عورة‪ ،‬وال امتنع من فاحشة‪،‬‬
‫وكثير من الناس لوال الحياء الذي فيه لم يؤد شيئًا من األمور المفترضة عليه‪،‬‬
‫ولم يرع لمخلوق حقًا‪ ،‬ولم يصل له رح ًما‪ ،‬وال بر له والدًا فإن الباعث على‬
‫هذه األفعال إما ديني‪ -‬وهو رجاء عاقبتها الحميدة – وإما دنيوى علوي وهو‬
‫حياء فاعلها من الخلق‪ ،‬وقد تبين أنه لوال الحياء‪ -‬إما من الخالق‪ ،‬وإما من‬

‫التاريخ اإلسالمي للحميدى (‪.)17/127‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫فرائد الكالم‪ ،‬ص (‪ ،)402‬موعظة المؤمنين (‪.)2/252‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫موعظة المؤمنين (‪.)1/139‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫تاريخ الخلفاء للسيوطى‪ ،‬ص (‪.)204‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫تراث الخلفاء الراشدين‪ ،‬ص (‪.)517‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫أسد الغابة (‪.)4/7‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫صحيح التوثيق‪.)77( ،‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫الطبقات (‪.)3/38‬‬ ‫‪)(8‬‬
‫فرائد الكالم‪ ،‬ص (‪.)348‬‬ ‫‪)(9‬‬
‫‪18‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الخالئق – لم يفعلها صاحبها(‪ ,)1‬وعلى حسب حياة القلب تكون قوة خلق الحياء‪،‬‬
‫فكلما كان القلب أحيا كان الحياء أتم‪ ،‬وقلة الحياء من موت القلب والروح(‪,)2‬‬
‫وهو من شعب اإليمان‪ ،‬ألنه يكون باعثًا على أفعال البر‪ ،‬ومانعًا من‬
‫المعاصي(‪ ,)3‬ولهذا كان من األخالق العليا التي كان للقرآن الكريم بها عناية‬
‫عظيمة(‪ ,)4‬فقد تحدث القرآن الكريم عن الحياء في الجانب النبوي في قوله تعالى‪:‬‬
‫اظ ِرين إِنَاهُ ول ِ‬
‫َك ْن إِ َذا‬ ‫ِ‬ ‫آمنُوا الَ تَ ْد ُخلُوا ُبيُ َ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫وت النَّب ِّي إِالَّ أَن ُي ْؤ َذ َن لَ ُك ْم إِلَى طَ َع ٍام غَْي َر نَ َ َ‬ ‫ين َ‬‫‪+‬يَا أ َُّي َها الذ َ‬
‫ُد ِعيتُم فَا ْد ُخلُوا فَِإذَا طَ ِعمتُم فَا ْنتَ ِشروا والَ مستَأْنِ ِسين لِح ِد ٍ‬
‫يث إِ َّن ذَلِ ُك ْم َكا َن ُي ْؤ ِذي النَّبِ َّي َفيَ ْستَ ْحيِي‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ ُْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬
‫ْح ِّق" [األحزاب‪ ،]53:‬فترى كيف حمله الحياء على عدم‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫م‬‫ِم ْن ُكم واهلل الَ يستحيِي ِ‬
‫ْ َ ُ َ َْ ْ َ َ‬
‫مواجهة أصحابه بما كان يرغب فيه من خروجهم‪ ،‬ولم يستطع مشافهتهم بما‬
‫يراه منهم(‪ ,)5‬ألنه × كان أشد حياء من العذراء في خدرها(‪ ,)6‬وقد قال ×‪«:‬الحياء‬
‫لا يأتي إلا بخير»(‪ ,)7‬وقد تجسد هذا الخلق في شخص أمير المؤمنين على بن‬
‫أبي طالب‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬وقد حدثنا عن هذا الخلق فقال‪ :‬إني ألستحى من هللا‬
‫أن يكون ذنب أعظم من عفوى‪ ،‬أو جهل أعظم من حلمي‪ ،‬أو عورة ال يورايها‬
‫ستري‪ ،‬أو خلة ال يسدها جودي(‪ . )8‬فهذه أربع صفات من النقص قابلها أمير‬
‫المؤمنين على بن أبي طالب – رضي هللا عنه – بأربع صفات من الكمال‪،‬‬
‫فالحياء من هللا عز وجل يقتضي من اإلنسان أن يتصف بالعفو عند المقدرة‪،‬‬
‫وذلك فيما إذا لم يكن الذنب فيه حد من حدود هللا تعالى‪ ،‬وأن يتصف بالعلم‬
‫الذي يحتوي جهل الجاهلين‪ ،‬وأن يكون ستارًا لعيوب الناس‪ ،‬وأن يتسع كرمه‬
‫لسد حاجة من احتاج إليه‪ ،‬ومما أعطى هذه الحكم وزنها الراجح أن أمير‬
‫المؤمنين عليًا – رضي هللا عنه – ربطها بالحياء من هللا تعالى‪ ،‬فهذه الصفات‬
‫األربع تعتبر من صفات الكمال عند العقالء‪ ،‬وكان كثير من العقالء يتصف بها‬
‫لكسب السمعة الدنيوية وسياسة األمور بكسب الناس ورضاهم‪ ،‬أما أمير لمؤمنين‬
‫على – رضي هللا عنه – فإنه ربطها بالحياء من هللا تعالى ألن هدفه األعلى‬
‫ابتغاء مرضاة هللا جال وعال‪ ،‬وال شك أن من هذا هدفه سيكون تمثيله لهذه‬
‫الصفات أقوى بكثير ممن كان هدفه دنيويًا(‪.)9‬‬
‫سادسًا‪ :‬شدة عبوديته وصبره وإخالصه هلل تعالى‪:‬‬
‫مارس على – رضي هللا عنه – مفهوم العبادة الشامل في حياته‪ ،‬وتميز‬
‫وب ُه ْم َع ِن‬
‫بقيامه الليل‪ ،‬وأصبح من أهل التهجد الذين قال هللا فيهم ‪َ +‬تتَ َجافَى ُجنُ ُ‬
‫اه ْم َر ُّب ُه ْم‬ ‫ِِ‬ ‫الْم َ ِ‬
‫ين َما آتَ ُ‬ ‫ضاج ِع يَ ْدعُو َن َر َّب ُه ْم َخ ْوفًا َوطَ َم ًعا" [السجدة‪ ،]16:‬وقال تعالى فيهم‪+ :‬آخذ َ‬ ‫َ‬
‫األس َحا ِر ُه ْم يَ ْسَت ْغ ِف ُرو َن"‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫ج‬‫ه‬‫ي‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ي‬‫َّ‬
‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫م‬‫ِّ‬ ‫ال‬‫ي‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫وا‬‫ن‬ ‫ا‬ ‫ك‬ ‫ين‬‫ِ‬‫ن‬ ‫س‬‫ِ‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ِ‬
‫إِ َّن ُ ْ َ ُ ْ َ َ َ ُ ْ َ َ ُ‬
‫ل‬ ‫ذ‬ ‫ل‬ ‫ب‬‫ق‬‫َ‬ ‫وا‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ْ َ َْ َ ُ َ َ ْ‬
‫‪‬‬ ‫ً‬ ‫‪‬‬

‫ض َه ْونًا َوإِذَا‬ ‫شو َن َعلَى األ َْر ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬


‫الر ْح َم ِن الذ َ‬
‫ين يَ ْم ُ‬ ‫اد َّ‬‫[الذرايات‪ ،]18-16 :‬وقال تعالى فيهم‪َ + :‬وعبَ ُ‬

‫مفتاح الدار السعادة (‪.)1/377‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫مدارج السالكين (‪.)2/259‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫شرح مسلم للنووي (‪.)3/5‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أخالق النبي في القرآن الكريم (‪.)1/478‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫أخالق النبي في القرآن والسنة (‪.)1/478‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫مسلم رقم (‪.)2320‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫مسلم رقم (‪.)37‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫تاريخ دمشق (‪ ،)42/517‬نقال عن التاريخ اإلسالمي للحميدى (‪.)20/274‬‬ ‫‪)(8‬‬
‫التاريخ اإلسالمي للحميدى (‪.)20/275‬‬ ‫‪)(9‬‬
‫‪18‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ين يِبِيتُو َن لَِربِّ ِه ْم ُس َّج ًدا َوقِيَ ًاما" [الفرقان‪.]64 ،63 :‬‬ ‫َّ ِ‬ ‫َخاطَبهم ال ِ‬
‫ْجاهلُو َن قَالُوا َسالَ ًما ‪َ ‬والذ َ‬
‫َُ ُ َ‬
‫وهذا ضرار بن ضميرة الكناني يصف على بن أبي طالب لمعاوية بن أبي‬
‫سفيان رضي هللا عنهم‪ :‬كان يستوحش من الدنيا وزهرتها‪ ،‬ويستأنس بالليل‬
‫وظلمته‪ ،‬وأشهد باهلل لقد رأيته في بعض مواقفه‪ ،‬وقد أرخى الليل سدوله‪،‬‬
‫وغارت نجومه يتململ في محرابه‪ ،‬قابضًا لحيته‪ ،‬يتململ تململ السليم(‪ ,)1‬ويبكي‬
‫بكاء الحزين‪ ،‬فكأني أسمعه اآلن وهو يقول‪ :‬يا ربنا‪ ،‬يا ربنا‪ ،‬يتضرع إليه‪ ،‬ثم‬
‫(‪)2‬‬
‫يقول للدنيا‪ :‬أبي تغررت أم إل َّى تشوفت‪ ،‬هيهات هيهات‪ُ ،‬غرَّي غيرى‪ ،‬قد بنتك‬
‫ثالثا‪ ،‬فعمرك قصير‪ ،‬ومجلسك حقير‪ ،‬وخطرك يسير(‪ ,)3‬آه من قلة الزاد‪ ،‬وبعد‬
‫السفر ووحشة الطريق‪ ،‬فوكفتـ(‪ )4‬دموع معاوية على لحيته‪ ،‬ما يملكها وجعل‬
‫ينشفها بكمه‪ ،‬وقد اختنق القوم بالبكاء‪ ،‬فقال‪ :‬كذا كان أبو الحسن رحمه هللا‪،‬‬
‫(‪)5‬‬
‫كيف وجدك عليه يا ضرار؟ قال‪ :‬وجد من ُذبح واحُدها في حجرها‪ ،‬ال يرقأ‬
‫دمعها‪ ،‬وال يسكن حزنها‪ ،‬ثم قام فخرج(‪.)6‬‬
‫ودخل األشتر النخعي على أمير المؤمنين على بن أبي طالب وهو قائم‬
‫يصلى بالليل‪ ،‬فقال له‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬صوم بالنهار وسهر بالليل‪ ،‬وتعب فيما‬
‫بين‪ ،‬فلما فرغ «على» من صالته قال له‪ :‬سفر اآلخرة طويل‪ ،‬فيحتاج إلى قطعه‬
‫بسير الليل(‪ ,)7‬وكان أمير المؤمنين على – رضي هللا عنه‪ -‬يحث الناس على‬
‫تقوى هللا ومراقبته‪ ،‬وخشيته‪ ،‬فقد قال‪ :‬أيها الناس‪ ،‬اتقوا الذي إن قلتم سمع‪ ،‬وإن‬
‫أضمرتم علم‪ ،‬وبادروا الموت الذي إن هربتم أدرككم‪ ،‬وإن أقمتم أخذكم(‪ ,)8‬وكان‬
‫يقول‪ :‬يا أيها الناس خذوا عني هذه الكلمات‪ ،‬فلو ركبتم المطى حتى تنضوها‪-‬‬
‫يرجون عبد إال ربه‪ ،‬وال يخافن إال ذنبه‪ ،‬وال‬ ‫َّ‬ ‫يعنى تهزلوها‪ -‬ما أصبتم مثلها‪ :‬ال‬
‫يستحى‪ -‬إذا لم يعلم‪ -‬أن يتعلم‪ ،‬وال يستحى – إذا سئل عما ال يعلم‪ -‬أن يقول‪ :‬ال‬
‫أعلم‪ ،‬واعلموا أن الصبر من اإليمان بمنزلة الرأس من الجسد وال خير في‬
‫جسد ال رأس له(‪.)9‬‬
‫ففي هذه الوصية الجمع بين تصحيح التوحيد‪ ،‬واإلرشادات إلى آداب العلم‪،‬‬
‫حيث يوصي – رضي هللا عنه – بتصحيح االتجاه في مقامي الخوف والرجاء‪،‬‬
‫فالمؤمن الحق ال يرجو إال هللا ألنه وحده المنعم بسائر النعم‪ ،‬والذين تجري‬
‫على أيديهم النعم من المخلوقين إنما هم وسائط وأسباب في وصول تلك النعم‪،‬‬
‫أما منشئ النعم وموجدها فهو هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬والمؤمن الحق ال يخاف من‬
‫هللا تعالى ألنه هوالذي يملك ضره ونفعه‪ ،‬والمخلوقات الذين يتوهم الناس أنهم‬
‫مصدر خوف إنما هم وجميع الخلق في قبضة هللا تعالى‪ ،‬وإذا كان هللا تعالى‬
‫وحده هو الرزاق‪ ،‬وهو الخالق وحده‪ ،‬وهو المالك وحده‪ ،‬القادر على كل شيء‪،‬‬
‫فلَ ِم يرجو المؤمن سواه أو يخاف من غيره؟ ولقد عبر أمير المؤمنين على –‬
‫رضي هللا عنه – عن الخوف من هللا تعالى بالخوف من الذنوب ألن المراد هو‬
‫السليم‪ :‬الملدوغ‪.‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫بنتك‪ :‬أي طلقتك‪.‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫خطر بمعنى‪ :‬القدر والمنزلة‪.‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫فوكفت‪ :‬أي سالت‪.‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫ال يرقأ‪ :‬ال يسكن وال يجف‪.‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫حلية األولياء (‪ ،)85 ،1/84‬الرقة والبكاء‪ ،‬ص (‪.)198‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫لطائف المعارف البن رجب‪ ،‬التحمس لقيام الليل‪ ،‬محمد صالح‪ ،‬ص (‪.)93‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫أدب الدنيا والدين‪ ،‬ص (‪ ،)123‬فرائد الكالم‪ ،‬ص (‪.)369‬‬ ‫‪)(8‬‬
‫حلية األولياء (‪ ،)1/75‬صفة الصفوة (‪.)1/326‬‬ ‫‪)(9‬‬
‫‪18‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الخوف من عاقبتها وهو عذاب هللا تعالى‪ ،‬فهو إرشاد ألهم السبل الموصلة إلى‬
‫تحقيق مقام الخوف من هللا تعالى‪ ،‬ثم بَيَّن شيئًا من آداب التعلم ألن أمور الدين‬
‫إنما تؤخذ بالعلم‪ ،‬فيذكر من آداب المتعلم أن ال يمنعه الحياء من التعلم حتى لو‬
‫كان كبير السن‪ ،‬أو القدر‪ ،‬ويذكر من آداب المعلم أن ال يمنعه الحياء من أن‬
‫يقول ال أعلم فهي‪« -‬ال أعلم» ‪ -‬أحفظ لدينه ودين من سأله‪.‬‬
‫ثم يختم وصيته النافعة ببيان أصل من أصول اإليمان‪ ،‬أال وهو الصبر‬
‫حيث يعتبره من اإليمان بمنزلة الرأس من الجسد‪ ،‬وذلك أن نجاح األمور كلها‬
‫يقوم على الصبر سواء في أمور الدنيا أو اآلخرة(‪ ,)1‬وقد مارس أمير المؤمنين‬
‫على – رضي هللا عنه – مقام الصبر في حياته منذ نعومة أظافره‪ ،‬وإسالمه‬
‫سرًا مع رسول هللا × مرورًا بما القاه في المغازي والسرايا‪ ،‬وعهد الخلفاء‬
‫الراشدين وما صحبها من أحداث جسام‪ ،‬ومن ثم ما واجهه من صنوف الفتن‬
‫في خالفته‪ ،‬إلى أن أنتهى األمر بقتلهن كل هذه المراحل في حياته فيها الدروس‬
‫البليغة لدعاة اليوم‪ ،‬والتنبيه لهم لما تحتاجه الدعوة إلى هللا‪ ،‬سبحانه وتعالى‪ ،‬من‬
‫الصبر والتحمل ودفع الثمن(‪ )2‬ابتغاء مرضاة هللا تعالى‪ ،‬وكان – رضي هللا عنه‬
‫– يحث أصحابه على مقام الصبر‪ ،‬فقد قال – رضي هللا عنه – لألشعت بن‬
‫قيس‪«:‬إنك إن صبرت جرى عليك القلم وأنت مأجور‪ ،‬وإن جزعت جرى عليك‬
‫القلم وأنت مأزور»(‪ ,)3‬وقال رضي هللا عنه‪« :‬أال إن الصبر من اإليمان بمنزلة‬
‫الرأس من الجسد‪ ،‬فإذا قطع الرأس بار الجسم»‪ ،‬ثم رفع صوته فقال‪« :‬أال إنه‬
‫ال إيمان لمن ال صبر له»(‪ ,)4‬وقال‪« :‬الصبر مطية ال تكبو»‪ ،‬والصبر له مكانته‬
‫المعروفة في دين هللا‪ ،‬فقد ذكر هللا تعالى الصبر في آيات كثيرة منها قوله‬
‫اب" [الزمر‪ ،]10:‬وقد جاء ذكر فضائله في‬ ‫َجر ُه ْم بِغَْي ِر ِحس ٍ‬ ‫تعالى‪ + :‬إِنَّما ُيوفَّى َّ ِ‬
‫َ‬ ‫الصاب ُرو َن أ ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫أحاديث كثيرة‪ ،‬والصبر له ثالثة أقسام وهى الصبر على طاعة هللا‪ ،‬والصبر‬
‫عن معصية هللا‪ ،‬والصبر على البالء‪.‬‬
‫وقد كان أمير المؤمنين على بن أبي طالب حريصًا على أن تكون أعماله‬
‫وه ُك ْم ِع ْن َد‬
‫يموا ُو ُج َ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬
‫خالصة لوجه هللا تعالى‪ ،‬عامالً بقوله تعالى‪+ :‬قُ ْل أ ََم َر َربِّي بالْق ْسط َوأَق ُ‬
‫ودو َن" [األعراف‪ ،]29:‬وقوله تعالى‪+ :‬فَ َمن‬ ‫ِّين َك َما بَ َدأَ ُك ْم َتعُ ُ‬ ‫ِِ‬ ‫ٍِ‬
‫ين لَهُ الد َ‬
‫ُك ِّل َم ْسجد َوا ْدعُوهُ ُم ْخلص َ‬
‫َح ًدا" [الكهف‪ ،]110:‬وقوله‬ ‫َكا َن يرجو لَِقاء ربِِّه َفلْيعمل َعمالً صالِحا والَ ي ْش ِر ْك بِ ِعب َ ِ ِ‬
‫ادة َربِّه أ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ً َ ُ‬
‫ِّين َول َْو َك ِر َه الْ َكافِ ُرو َن" [غافر‪ ،]14:‬فقد كان أمير‬ ‫ِِ‬
‫ين لَهُ الد َ‬
‫تعالى‪+ :‬فَا ْدعُوا اهللَ ُم ْخلص َ‬
‫المؤمنين على بن أبي طالب قد تعلم من رسول هللا × أن األعمال ال تقبل إال‬
‫إذا خلصت النية‪ ،‬فمعنى ذلك أن اإلخالص ركن أساسي في العبادة‪ ،‬وأن العبادة‬
‫التي فقد منها اإلخالص ترد على صاحبها كما جاء في الحديث القدسي‪« :‬أنا‬
‫أغنى الشركاء عن الشرك‪ ،‬من عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه»(‪ ,)5‬فقد‬
‫كان على رضي هللا عنه محاربًا للشرك‪ ،‬بجميع أشكاله وأنواعه سواء شرك‬
‫الربوبية أو شرك األلوهية‪ ،‬وكان حريصًا في سكناته وحركاته أن تكون أعماله‬
‫خالصة لوجه هللا تعالى‪ ،‬وكان يحث الناس خصوصًا طالب العلم على البعد عن‬

‫التاريخ اإلسالمي (‪.)12/443‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫منهج على بن أبي طالب في الدعوة إلى هللا‪ ،‬ص (‪.)525‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أدب الدنيا والدين‪ ،‬ص (‪ ،)278‬فرائد الكالم‪ ،‬ص (‪.)371‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين البن القيم‪ ،‬ص (‪.)153‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫مسلم‪ .‬ك الزهد رقم (‪.)5985‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪19‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الرياء‪ ،‬فقد قال رضي هللا عنه‪ :‬يا حملة العلم‪ ،‬اعملوا به‪ ،‬فإنما العالم من عمل‬
‫بما علم‪ ،‬ووافق عمله علمه‪ ،‬وسيكون أقوام يحملون العلم ال يجاوز تراقيهم‪،‬‬
‫تخالف سريرتهم عالنيتهم‪ ،‬ويخالف عملهم علمهم‪ ،‬يجلسون حلقًا‪ ،‬فيباهي بعضهم‬
‫بعضًا‪ ،‬حتى إن أحدهم ليغضب على جليسه حين يجلس على غيره ويدعه‪،‬‬
‫أولئك ال تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى هللا عز وجل(‪ . )1‬وقد أشار أمير‬
‫المؤمنين على رضي هللا عنه إلى أحد األمراض الخطيرة عند بعض من يجلس‬
‫للتعليم للمباهاة والسمعة‪ ،‬ويغضب على طالبه لو تركوه وذهبوا لغيره‪ ،‬لو كان‬
‫هذا الذهاب فيه مصلحة لهم‪ ،‬فليست مصلحة طالبه عنده هي المهمة‪ ،‬بل المهم‬
‫عنده مكانته وسمعته‪ ،‬وإن لم يقل ذلك بلسان المقال‪ ،‬فإنه يتبين من حكاية‬
‫الحال(‪ ,)2‬ألن من إخالص الداعي إلى هللا أن يكون همه أن يتبع الناس الحق‬
‫ولو خالفوا رأيه‪ ،‬وهذه حال أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا عنه‬
‫فقد قال‪ :‬اقضوا كما كنتم تقضون‪ ،‬فإني أكره االختالف حتى يكون الناس‬
‫جماعة‪ ،‬أو أموت كما مات أصحابي(‪ ,)3‬وكان ذلك في رأي رآه في عدم جواز‬
‫بيع أم الولد‪ ،‬وكان عمر يرى رأيه هذا‪ ،‬ثم رجع على عن رأيه األول فرأى‬
‫أنهن يبعن(‪ ,)4‬وهذا تعليم للدعاة وطالب العلم أن الخالف في الرأي المشروع‬
‫أمر طبيعي يجب أال تضيق به الصدور وال يؤثر على وحدة الصف‪ ،‬إن دعاة‬
‫اليوم في أشد الحاجة أن يراجعوا أنفسهم في هذا الخلق‪ ،‬وأين هم منه‪ ،‬وأن‬
‫يتضرعوا إلى هللا ليمدهم بهذه الصفة الجميلة حتى ينالوا ثواب هللا بعد مماتهم‪.‬‬
‫وتثمر دعوتهم إلى هللا في دنياهم‪.‬‬
‫لقد كانت عبادة على رضي هللا عنه قائمة على كمال اإلخالص هلل تعالى‪،‬‬
‫واتباع هدى النبي ×‪ ،‬فاهلل هو المستحق للعبادة وحده‪ ،‬فقد كانت حياته كلها‬
‫عبادة‪ ،‬يتنقل فيها من نوع إلى نوع‪ ،‬ومن حال إلى حال‪ ،‬يمتثل قول هللا عز‬
‫ت َوأَنَا‬‫ك أ ُِم ْر ُ‬‫يك لَهُ َوبِ َذلِ َ‬
‫ين ‪ ‬الَ َش ِر َ‬ ‫ِ‬
‫ب ال َْعالَم َ‬
‫وجل‪+ :‬قُل إِ َّن صالَتِي ونُس ِكي وم ْحياي ومماتِي ِ‬
‫هلل َر ِّ‬ ‫َ ُ ََ َ َ َََ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ين" [األنعام‪ ،]163 ،162:‬لقد كانت العبادة عامال مه ًما في تزكية األخالق‬ ‫ِِ‬
‫ً‬ ‫أ ََّو ُل ال ُْم ْسلم َ‬
‫واالستقامة على شرع هللا تعالى‪ ،‬ولذلك عرف أمير المؤمنين االستقامة في‬
‫تفسيره لمعنى «استقاموا» فقالوا‪ :‬أدوا الفرائض(‪.)5‬‬
‫سابعًا‪ :‬شكره هلل‪:‬‬
‫(‪)6‬‬
‫والشكر هو صرف العبد كل ما أنعم به عليه إلى ما خلق ألجله ‪ ,‬يعنى‬
‫من نعمه الظاهرة والباطنة في النفس والمال فيصرف ذلك كله إلى عبادة ربه‬
‫بما يليق بكل جارحة على الوجه األكمل‪ ،‬وإذا ما فعل ذلك كان قد أظهر نعم‬
‫هللا عليه‪ ،‬وأدى واجب شكرها(‪ ,)7‬ويعتبر الشكر من أجل األخالق السلوكية‬
‫اإليمانية التي على المؤمن أن يتحلى بها في كل أحواله لما فيه من االعتراف‬
‫بالنعم لمسديها‪ ،‬وقد دل على عظم مكانته انضواء جل األخالق اإليمانية تحته‬
‫من محبة ورضا وتوكل‪ ،‬ألن الشكر ال يتم إال بعد التحلي بها‪ ،‬وال يكون إال‬
‫سنن الدارمى في المقدمة (‪ ،)1/106‬الجامع ألخالق الراوى (‪.)1/90‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫منهج على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)513‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫البخاري‪ .‬ك فضائل الصحابة (‪.)3/23‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫فتح الباري (‪.)7/73‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫زاد المسير (‪.)7/254‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫التوفيق على مهمات التعاريف‪ ،‬ص (‪.)435‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫أخالق النبي × في القرآن والسنة‪ ،‬ص (‪.)185‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫‪19‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫عند استشعارها(‪ ,)1‬ولقد كانت عناية القرآن الكريم بهذا الخلق عظيمة كعظم‬
‫مكانته في األخالق‪ ،‬فقد ورد ذكره في نحو من سبعين آية‪ ،‬أمرًا به‪ ،‬وحثًا‬
‫عليه‪ ،‬وثناء على أهله‪ ،‬ووعدًا لهم بحسن بجزائه‪ ،‬ونهيًا عن ضده مما يدل على‬
‫أمر هذا الخلق عظيم الشأن(‪ ,)2‬فقد قرن هللا سبحانه في كتابه الذكر بالشكر‪ ،‬فقال‬
‫ون" [البقرة‪ ،]152:‬وقرن سبحانه العبادة‬ ‫تعالى‪+ :‬فَاذْ ُكرونِي أَذْ ُكر ُكم وا ْش ُكروا لِي والَ تَ ْك ُفر ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك ُروا لَهُ إل َْيه ُت ْر َجعُو َن" [العنكبوت‪:‬‬ ‫الر ْز َق َوا ْعبُ ُدوهُ َوا ْش ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالشكر‪ ،‬قال تعالى‪+ :‬فَ ْابَتغُوا ع ْن َد اهلل ِّ‬
‫ً (‪)3‬‬
‫‪ ،]17‬مما يدل على تالزم العبودية بالشكر تالز ًما وثيقا ‪ .‬وكان رسول هللا ×‬
‫صاحب القدح المعلى في كل األخالق الحميدة‪ ،‬ومنها هذا الخلق‪ ،‬وربى أصحابه‬
‫ومنهم على بن أبي طالب على هذا الخلق‪ ،‬فكان ال يشعر بنعمة إال شكر هللا‬
‫عليها‪ ،‬وكان إذا خرج من الخالء مسح بطنه بيده‪ ،‬وقال‪ :‬يا لها من نعمة لو‬
‫يعلم العباد شكرها(‪ ,)4‬وعن أمير المؤمنين على رضي هللا عنه أنه قال لرجل من‬
‫أهل همدان‪ :‬إن النعمة موصولة بالشكر‪ ،‬والشكر متعلق بالمزيد‪ ،‬وهما مقرونان‬
‫في قرن‪ ،‬فلن ينقطع المزيد من هللا عز وجل حتى ينقطع الشكر من العبد(‪,)5‬‬
‫وكان رضي هللا عنه يرى أن من شكر النعمة العفو عن الخصم‪ ،‬فقد قال‬
‫رضي هللا عنه‪ :‬إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرًا للمقدرة عليه(‪.)6‬‬
‫ثامنًا‪ :‬الدعاء هلل‪:‬‬
‫فالدعاء باب عظيم‪ ،‬فإذا فتح للعبد تتابعت عليه الخيرات وانهالت عليه‬
‫البركات ولذلك حرص أمير المؤمنين على حسن الصلة باهلل وكثرة الدعاء‪ ،‬قال‬
‫َّم‬ ‫َستَ ِجب لَ ُكم إِ َّن الَّ ِذين يستَ ْكبِرو َن َعن ِعب َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ادتي َسيَ ْد ُخلُو َن َج َهن َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫ال َربُّ ُك ْم ا ْدعُوني أ ْ ْ ْ‬ ‫تعالى‪َ + :‬وقَ َ‬
‫َّاع إِذَا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يب َد ْع َوةَ الد ِ‬‫يب أُج ُ‬ ‫َك عبَادي َعنِّي فَِإنِّي قَ ِر ٌ‬ ‫ين" [غافر‪ ،]60:‬وقال تعالى‪َ + :‬وإِذَا َسأَل َ‬ ‫َداخ ِر َ‬
‫ان َفلْيَ ْستَ ِجيبُوا لِي َولُْي ْؤ ِمنُوا بِي ل ََعلَّ ُه ْم َي ْر ُش ُدو َن" [البقرة‪ ،]186:‬وقد الزم أمير المؤمنين‬ ‫َد َع ِ‬
‫على بن أبي طالب رضي هللا عنه رسول هللا ×‪ ،‬ورأى كيف كان رسول هللا‬
‫× يستغيث باهلل ويستنصره ويطلب المدد منه‪ ،‬وقد حرص أمير المؤمنين على أن‬
‫يتعلم هذه العبادة من رسول هللا × وأن يكون دعاؤه وتسبيحه على الصيغة التي‬
‫يأمر بها رسول هللا × ويرتضيها‪ ،‬إذ ليس للمسلم أن يفضل على الصيغة‬
‫المأثورة في الدعاء والتسبيح والصالة على النبي صي ًغا أخرى مهما كانت في‬
‫ظاهرها حسنة اللفظ‪ ،‬جيدة المعنى‪ ،‬ألن رسول هللا × هو معلم الخير والهادي‬
‫إلى الصراط المستقيم‪ ،‬وهو أعرف باألفضل واألكمل‪ .‬وقد نسب أقوام من الدعاء‬
‫والذكر المبتدع ألمير المؤمنين على بن أبي طالب كذبًا وزورًا وبهتانًا‪ ،‬فمن‬
‫كان محبًا ألمير المؤمنين على رضي هللا عنه‪ ،‬فعليه أن يتبع هديه ومنهجه‪ ،‬فقد‬
‫أرشدنا لمتابعة النبي × في األقوال واألفعال‪ ،‬وكان أمير المؤمنين على رضي‬
‫هللا عنه صاحب دعوة مستجابة‪ ،‬فعن زاذان أبي عمر أن رجال حدث عليًا‬
‫بحديث فقال‪ :‬ما أراك إال قد كذبتني‪ ،‬قال‪ :‬لم أفعل‪ ،‬قال‪ :‬أدعو عليك إن كنت‬
‫مدارج السالكين (‪.)2/249‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫أخالق النبي في القرآن والسنة (‪.)1/186‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫المصدر نفسه (‪.)1/187‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫عدة الصابرين‪ ،‬ص (‪ ،)122‬علو الهمة (‪.)5/481‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الشكر البن أبي الدنيا‪ ،‬نقالً عن علو الهمة (‪.)5/481‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫اإلعجاز واإليجاز للثعالبي‪ ،‬ص (‪.)30‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪19‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫كذبت‪ ،‬قال‪ :‬ادع‪ ،‬فدعا فما برح حتى عمي(‪ ،)1‬وكان رضي هللا عنه يقول عندما‬
‫يُثنى عليه‪ :‬اللهم اغفر لي ماال يعلمون‪ ،‬وال تؤاخذني بما يقولون‪ ،‬واجعلني خيرًا‬
‫مما يظنون(‪.)2‬‬
‫ويروى أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا عنه عن رسول هللا ×‬
‫أنه قال‪« :‬إذا عطس أحدكم فليقل‪ :‬الحمد لله‪ ،‬وليرد عليه من حوله‪ :‬يرحمك‬
‫الله‪ ،‬وليرد عليه يهديكم الله ويصلح بالكم»(‪ ,)3‬وفي هذا الفعل من حسن‬
‫الخلق والتأدب مع هللا سبحانه وتعالى بحمده والثناء عليه في مناسبة أمر فيها‬
‫العبد بذلك‪ .‬قال الحليمى‪ :‬العطاس يدفع األذى من الدماغ‪ ،‬الذي فيه قوة الفكر‪،‬‬
‫ومنه منشأ األعصاب‪ ،‬التي هي معدن الحس وبسالمته تسلم األعضاء‪ ،‬فيظهر‬
‫بذلك أنها نعمة جليلة‪ ،‬فناسب أن تقابل بالحمد هلل‪ ،‬لما فيه من اإلقرار هلل بالخلق‬
‫والقدرة‪ ،‬وإضافة الخلق إليه ال إلى الطبائع(‪.)4‬‬
‫وبيّن أمير المؤمنين على رضي هللا عنه أدبًا من آداب المسافر فيما يرويه‬
‫عن رسول هللا × بقوله‪ :‬كان النبي × إذا أراد سفرًا قال‪« :‬بك اللهم أصول‪ ،‬وبك‬
‫أجول‪ ،‬وبك أسير»(‪ .)5‬وبيَّن أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا عنه أدبًا‬
‫آخر من آداب المسافر‪ ،‬وذلك لما أراد سفرًا ووضع رجله في الركاب قال‪ :‬بسم‬
‫هللا‪ ،‬فلما استوى قال‪ :‬الحمد هلل‪ ،‬ثم قال‪ :‬سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له‬
‫مقرنين‪ ،‬وإنا إلى ربنا لمنقلبون‪ ،‬ثم حمد هللا ثالثًا‪ ،‬وكبر ثالثًا‪ ،‬ثم قال‪ :‬اللهم ال‬
‫إله إال أنت‪ ،‬ظلمت نفسي فاغفر لي‪ ،‬إنه ال يغفر الذنوب إال أنت‪ ،‬ثم ضحك‪،‬‬
‫قال‪ :‬فقيل‪ :‬ما يضحكك يا أمير المؤمنين؟ قال‪ :‬رأيت النبي × فعل مثل‬
‫ما فعلت‪ ،‬وقال مثل ما قلت‪ ،‬ثم ضحك‪ ،‬فقلنا‪ :‬ما يضحكك يا نبي هللا قال‪ :‬عجبت‬
‫للعبد‪ ،‬إذا قال لا إله إلا أنت‪ ،‬ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب‬
‫إلا أنت‪ ،‬يعلم أنه لا يغفر‬
‫الذنوب إلا هو(‪.)6‬‬
‫وعن ابن أعبد قال‪ :‬قال لي على بن أبي طالب رضي هللا عنه‪ :‬يا ابن‬
‫أعبد‪ ،‬هل تدري ما حق الطعام؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬وما حقه يا ابن أبي طالب؟ قال‪:‬‬
‫تقول‪ :‬بسم هللا‪ ،‬اللهم بارك لنا فيما رزقتنا‪ ،‬قال‪ :‬وتدري ما شكره إذا فرغت‪،‬‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬وما شكره؟ قال يقول‪ :‬الحمد هلل الذي أطعمنا وسقانا(‪ , )7‬وكان رضي هللا‬
‫عنه إذا رأى الهالل قال‪ :‬اللهم إني أسألك خير هذا الشهر وفتحه ونصره وبركته‬
‫ورزقه ونوره وطهوره وهداه‪ ،‬وأعوذ بك من شره وشر ما فيه وشر ما بعده(‪,)8‬‬
‫وكان يقول في السجود‪ :‬رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي(‪ ,)9‬وكان يقول بين‬
‫السجدتين‪ :‬اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وارزقني(‪ ,)10‬وكان يُعلِّم من دخل‬
‫السوق هذا الدعاء فيقول‪ :‬إذا دخلت السوق فقل‪ :‬بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬توكلت‬

‫‪ )(1‬البداية والنهاية (‪.)8/6‬‬


‫‪ )(2‬فرائد الكالم‪ ،‬موعظة المؤمنين (‪.)2/228‬‬
‫‪ )(3‬سنن ابن ماجة (‪ ،)2/1224‬صحيح سنن ابن ماجة لأللباني (‪.)2/303‬‬
‫‪ )(4‬فتح البارى (‪.)10/602‬‬
‫‪ )(5‬مسند أحمد (‪ )2/83‬إسناده صحيح‪ ،‬قاله أحمد شاكر‪.‬‬
‫‪ )(6‬المصدرنفسه (‪ )2/183‬إسناده صحيح قاله أحمد شاكر‪.‬‬
‫‪ )(7‬المصدر نفسه (‪ )2/329‬قال المحقق‪ :‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪ )(8‬كنز العمال رقم (‪ ،)24310‬فقه على بن أبي طالب‪ ،‬قلعجى‪ ،‬ص (‪.)251‬‬
‫‪ )(9‬فقه على بن أبي طالب‪ ،‬قلعجى‪ ،‬ص (‪.)251‬‬
‫‪ )(10‬فقه على بن أبي طالب‪ ،‬قلعجى‪ ،‬ص (‪.)251‬‬
‫‪19‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫على هللا‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل‪ ،‬اللهم إني أعوذ بك من يمين فاجرة‪،‬‬
‫وصفقةـ خاسرة‪ ،‬ومن شر ما أحاطت به هذه السوق(‪ ,)1‬وكان يقول‪ :‬ما من كلمات‬
‫أحب إلى هللا من أن يقول العبد‪ :‬اللهم ال إله إال أنت‪ ،‬اللهم ال أعبد إال إياك‪،‬‬
‫اللهم ال أشرك بك شيئًا‪ ،‬اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي‪ ،‬إنه ال يغفر‬
‫الذنوب إال أنت(‪ ,)2‬وكان يقول‪ :‬اللهم ثبتنا على كلمة العدل بالرضا والصواب‪،‬‬
‫وقوام الكتاب‪ ،‬هادين مهديين‪ ،‬راضين مرضيين‪ ،‬غير ضالين‪ ،‬وال مضلين(‪.)3‬‬
‫ومن أدعيته رضي هللا عنه‪ :‬اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل‬
‫شيء‪ ،‬وبجبروتك الذي غلبت به على كل شيء‪ ،‬وبعظمتك التي غلبت بها كل‬
‫شيء وبسلطانك الذي مألت به كل شيء وبقوتكـ التي ال يقوم لها شيء‪،‬‬
‫وبنورك الذي أضاء له كل شيء‪ ،‬وبعلمك الذي أحاط بكل شيء‪ ،‬وباسمك الذي‬
‫يبيد كل شيء‪ ،‬وبوجهك الباقي بعد فناء كل شيء‪ ،‬يا هللا يا رحمن يا رحيم‪،‬‬
‫اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم‪ ،‬والذنوب التي تورث الندم‪ ،‬واغفر لي الذنوب‬
‫التي تحبس القسم‪ ،‬واغفر لي الذنوب التي تغير النعم‪ ،‬واغفر لي الذنوب التي‬
‫تنزل البالء‪ ،‬وتديل األعداء‪ ،‬واغفر لي الذنوب التي تحبس غيث السماء وترد‬
‫الدعاء‪ ،‬واغفر لي الذنوب التي تردني إلى النار(‪ ,)4‬وهذا الدعاء يبين افتقار أمير‬
‫المؤمنين على رضي هللا عنه إلى ربه وخوفه من ذنوبه‪ ،‬ويعلمنا كيفية التعامل‬
‫مع أسماء هللا الحسنى ودعاء هللا بها سبحانه وتعالى‪ ،‬وهذا الدعاء يسلط‬
‫األضواء على عبودية أمير المؤمنين هلل عز وجل‪.‬‬
‫وعن على رضي هللا عنه قال‪ :‬لقَّاني رسول هللا × هؤالء الكلمات وأمرني‬
‫إن نزل بي كربة أو شدة أن أقولها‪« :‬لا إله إلا الله الحليم الكريم‪،‬‬
‫سبحانه‪ ،‬تبارك الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين»(‪ ,)5‬وكان‬
‫عبد هللا بن جعفر يلقنها الميت وينفث بها على الموعوك(‪ ,)6‬ويعلمها المغتربة من‬
‫بناته(‪.)7‬‬
‫هذه بعض صفاته التي كانت ثمارًا لتوحيده وإيمانه باهلل واستعداده للقدوم‬
‫على هللا تعالى‪ ،‬وسوف يالحظ القارئ الكريم كثيرًا من صفاته بإذن هللا تعالى‪،‬‬
‫كالشجاعة والحلم والفصاحة والبالغة وغيرها من الصفات من خالل األحداث‬
‫التي يمر بها في هذا الكتاب‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬المرجعية العليا لدولة أمير المؤمنين على رضيـ هللا عنه‪:‬‬
‫كانت المرجعية العليا لدولة أمير المؤمنين على رضي هللا عنه كتاب هللا‬
‫وسنة رسوله × واالقتداء بالشيخين في هديهما‪.‬‬
‫ْح ِّق لِتَ ْح ُك َم‬
‫اب بِال َ‬
‫‪ -1‬فالمصدر األول‪ :‬هو كتاب هللا‪:‬قال تعالى‪+ :‬إِنَّا أَْنزلْنَا إِلَي َ ِ‬
‫ك الْكتَ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َّاس بِ َما أ ََر َ‬
‫يما" [النساء‪،]105:‬فكتاب هللا تعالى يشتمل‬ ‫اك اهللُ َوالَ تَ ُكن لِّ ْل َخائن َ‬
‫ين َخص ً‬ ‫َب ْي َن الن ِ‬
‫على جميع األحكام الشرعية التي تتعلق بشئون الحياة‪ ،‬كما بين القرآن الكريم‬

‫‪ )(1‬فقه على بن أبي طالب‪ ،‬قلعجى‪ ،‬ص (‪.)251‬‬


‫‪ )(2‬مصنف ابن أبي شيبة (‪.)2/149‬‬
‫‪ )(3‬فقه على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)252‬‬
‫‪ )(4‬فقه على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)252‬‬
‫‪ )(5‬سنن البيهقى (‪ ،)129/ 7‬معرفة الصحابة ألبي نعيم رقم (‪.)352‬‬
‫‪ )(6‬الموعوك من الوعك‪ :‬وهو الحمى وقيل‪ :‬ألمها‪.‬‬
‫‪ )(7‬فضائل الصحابة (‪ )2/820‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪19‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫للمسلمين كل ما يحتاجون إليه من أسس تقوم عليها دولتهم‪ ،‬وقد قال أمير‬
‫المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا عنه‪ :‬الزموا دينكم‪ ،‬واهتدوا بهدى نبيكم‪،‬‬
‫واتبعوا سنته‪ ،‬واعرضوا ما أشكل عليكم على القرآن‪ ،‬فما عرفه القرآن فالزموه‪،‬‬
‫وما أنكره فردوه(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬المصدر الثاني‪ :‬السنة المطهرة‪ :‬التي يستمد منها الدستور اإلسالمي‬
‫أصوله‪ ،‬ومن خالله يممكن معرفة الصيغ التنفيذية والتطبيقية ألحكام القرآن‬
‫الكريم(‪ ،)2‬فقد قال أمير المؤمنين على ابن أبي طالب رضي هللا عنه‪ :‬واهتدوا‬
‫بهدى نبيكم ×‪ ،‬فإنه أفضل الهدى واستنوا بسنته‪ ،‬فإنها أفضل السنن(‪.)3‬‬
‫‪ -3‬االقتداء بالخلفاء الراشدين الذين سبقوه‪ :‬قال رسول هللا ×‪« :‬اقتدوا‬
‫بالذين من بعدي أبي بكر وعمر»(‪ ،)4‬وقال أمير المؤمنين على بن أبي طالب‬
‫رضي هللا عنه في أبي بكر وعمر رضي هللا عنهما‪ :‬والذي خلق الحبة وبرأ‬
‫النسمة‪ ،‬ال يحبهما إال مؤمن تقى‪ ،‬وال يبغضهما إال فاجر رديَّ‪ ،‬صحبا رسول‬
‫هللا على الصدق والوفاء‪ ،‬يأمران وينهيان وما يجاوزان فيما يصنعان رأي‬
‫رسول هللا‪ ،‬وال كان رسول هللا يرى بمثل رأيهما‪ ،‬وال يحب كحبهما أحدًا‪،‬‬
‫قضي رسول هللا وهو عنهما راض‪ ،‬ومضيا والمؤمنون عنهما راضون –‬
‫واستمر في حديثه إلى أن قال في أبي بكر – وكان وهللا خير من بقى‪ ،‬أرحمه‬
‫رحمة‪ ،‬وأرأفه رأفة‪ ،‬وأثبته ورعًا‪ ،‬وأقدمه سنًا وإسال ًما‪ ،‬فسار فينا سيرة رسول‬
‫هللا × حتى مضى على ذلك‪ ،‬ثم ولى عمر األمر من بعده‪..‬فأقام األمر على‬
‫منهاج النبي × وصاحبه‪ ،‬يتبع آثارهما كاتباع الفصيل(‪ )5‬أمه‪..‬إلى أن قال‪ :‬فمن لكم‬
‫بمثلهما – رحمة هللا عليهما‪ -‬ورزقنا المضي على سبيلهما‪ ،‬فإنه ال يبلغ مبلغهما‬
‫إال باتباع آثارهما والحب لهما‪ ،‬أال من أحبنى فليحبهما ومن لم يحبهما فقد‬
‫أبغضني وأنا منه برئ(‪ ,)6‬وكان رضي هللا عنه يدافع عن اجتهادات عثمان بن‬
‫عفان ويقول‪ :‬يا أيها الناس ال تغلوا في عثمان‪ ،‬وال تقولوا له إال خيرًا‪ -‬أو قولوا‬
‫خيرًا‪ -‬فوهللا ما فعل الذي فعل – أي في المصاحف‪ -‬إال عن مأل منا جميعًا‪ ،‬أي‬
‫الصحابة‪..‬ووهللا لو وليت لفعلت مثل الذي فعل(‪ ,)7‬وكان يقول‪ :‬ما كنت ألحل عقدة‬
‫شدها عمر(‪.)8‬‬
‫عاشرًا‪ :‬حق األمة في الرقابة على الحكام‪:‬‬
‫إن األمة الحق في مراقبة الحكام وتقويمهم‪ ،‬قال تعالى‪َ + :‬ولْتَ ُكن ِّم ْن ُك ْم أ َُّمةٌ يَ ْدعُو َن‬
‫ك ُه ُم ال ُْم ْفلِ ُحو َن" [آل عمران‪،]104:‬‬ ‫إِلَى الْ َخي ِر ويأْمرو َن بِالْمعر ِ‬
‫وف َو َي ْن َه ْو َن َع ِن ال ُْم ْن َك ِر َوأُولَئِ َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫ْ َ َ ُُ‬
‫وكان أول ما قاله أمير المؤمنين على رضي هللا عنه إثر توليه‪..‬إن هذا أمركم‬
‫ليس ألحد فيه حق إال من أمرتم‪ ،‬إال أنه ليس لي أمر دونكم(‪ ،)9‬وهذا نفس ما‬

‫‪ )(1‬البداية والنهاية (‪.)246/ 7‬‬


‫‪ )(2‬فقه التمكين في القرآن الكريم للصالبي‪ ،‬ص (‪.)432‬‬
‫‪ )(3‬البداية والنهاية (‪.)319/ 7‬‬
‫‪ )(4‬صحيح سنن الترمذي (‪.)3/200‬‬
‫‪)(5‬الفصيل‪ :‬ولد الناقة إذا فصل عن أمه‪.‬‬
‫‪ )(6‬شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة لاللكائى رقم (‪.)4456‬‬
‫‪ )(7‬فتح البارى (‪ )9/8‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪ )(8‬المختصر من كتاب الموافقة‪ ،‬ص (‪ ،)140‬إسناده منقطع‪ ،‬ابن أبي شيبة‪ ،‬المصنف رقم (‪.)120‬‬
‫‪ )(9‬تاريخ الطبري (‪.)457 ،5/449‬‬
‫‪19‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫قاله أبو بكر عندما تولى حيث قال‪ :‬فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني(‪,)1‬‬
‫وما قاله عمر‪ :‬أحب الناس إل َّى من رفع إل َّى عيوبي(‪ ,)2‬وقال‪ :‬إني أخاف أن‬
‫أخطئ فال يردنى أحد منكم تهيبًا مني(‪ ,)3‬وما قاله عثمان‪ :‬إن وجدتم في كتاب‬
‫هللا أن تضعوا رجلي في القيد فضعوا رجلي في القيد(‪ ,)4‬وبذلك يكون قد جرى‬
‫العمل في عهد الخلفاء الراشدين على التسليم لألمة بحق الرقابة على الحكام‪،‬‬
‫ولم ينكره أحد‪ ،‬فدل ذلك على اإلجماع(‪ ,)5‬كما إن إجماع الصحابة – حكا ًما‬
‫ومحكومين – في عهد الخالفة الراشدة ليس له إال معنى واحد وهو الفهم‬
‫الصحيح للكتاب‪ ،‬والطريق السليم للعمل بالسنة‪ ،‬فهم الذين عاصروا عهد تنزيل‬
‫الكتاب وعاشوا طريقة النبي × في إقامة حياة الناس عليه‪ ،‬فهم أفهم الناس لروح‬
‫الدين‪ ،‬وأعرف الناس بمقاصد الشرع‪ ،‬وأقدر الناس على التمييز بين الحق‬
‫والباطل‪ ،‬ومن المستبعد بل من المحال أن يجمعوا على باطل‪ ،‬لقول النبي ×‪:‬‬
‫«إن أمتى لا تجتمع على ضلالة»(‪ ،)6‬ولهذا كان إجماعهم حجة يسوغ أن تراعى‬
‫وتوضع ضمن مصادر الدستور اإلسالمي‪ ،‬وإجماع األمة قد يكون على فهم‬
‫نص‪ ،‬ويجوز أن ينعقد اإلجماع عن اجتماع وقياس‪ ،‬ويكون حجة(‪ ,)7‬إن أمير‬
‫المؤمنين عليًا رضي هللا عنه كان يحث الناس في خالفته على األمر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر‪ ،‬فقد خطب ذات يوم فحمد هللا وأثنى عليه ثم قال‪ :‬أيها الناس‬
‫إنما هلك من هلك قبلكم يركوبهم المعاصي ولم ينههم الربانيون واألحبار‪،‬‬
‫فأخذتهم العقوبات‪ ،‬ف ُمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن ينزل بكم مثل‬
‫الذي نزل بهم‪ ،‬واعلموا أن األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ال يقطع رزقًا‬
‫وال يقرب أجالً(‪.)8‬‬
‫الحادي عشر‪ :‬الشورى‪:‬ـ‬
‫إن من قواعد الدولة اإلسالمية حتمية تشاور قادة الدولة وحكامها مع‬
‫المسلمين والنزول على رضاهم ورأيهم وإمضاء الحكم بالشورى‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫اسَتغْ ِف ْر‬
‫ف َع ْن ُه ْم َو ْ‬‫ك فَا ْع ُ‬ ‫ْب الَْن َفضُّوا ِم ْن َح ْولِ َ‬ ‫ظ الْ َقل ِ‬‫نت فَظًّا غَلِي َ‬‫نت ل َُه ْم َول َْو ُك َ‬‫اهلل لِ َ‬‫‪+‬فَبِما ر ْحم ٍة ِّمن ِ‬
‫َ َ َ َ‬
‫ين" [آل عمران‪،]159:‬‬ ‫ب الْمتو ِّكلِ‬ ‫ح‬‫ِ‬ ‫ي‬ ‫اهلل‬ ‫َّ‬
‫ن‬ ‫ِ‬
‫إ‬ ‫ِ‬
‫اهلل‬ ‫ى‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫ل َُه ْم َو َشا ِو ْر ُه ْم فِ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ‬
‫ع‬ ‫ل‬ ‫َّ‬
‫ك‬ ‫و‬ ‫ت‬‫ف‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ز‬ ‫ع‬ ‫ا‬ ‫ذ‬ ‫ِ‬
‫إ‬ ‫ف‬ ‫ر‬‫ِ‬ ‫األم‬ ‫ي‬
‫َ ُ ُّ ُ َ َ َ‬
‫اه ْم‬ ‫ِ‬ ‫استَ َجابُوا لَِربِّ ِه ْم َوأَقَ ُاموا َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫ورى َب ْيَن ُه ْم َوم َّما َر َزقْنَ ُ‬ ‫الصالَةَ َوأ َْم ُر ُه ْم ُش َ‬ ‫ين ْ‬ ‫وقال تعالى‪َ + :‬والذ َ‬
‫ُي ْن ِف ُقو َن" [الشورى‪ ]38:‬لقد قرنت اآلية الكريمة حكم الشورى بين المسلمين بإقامة‬
‫الصالة‪ ،‬فدل ذلك على أن حكم الشورى كحكم الصالة‪ ،‬وحكم الصالة واجبة‬
‫شرعًا‪ ،‬فكذلك الشورى واجبة شرعًا(‪ .)9‬وقد كان أمير المؤمنين على بن أبي‬
‫طالب رضي هللا عنه حريصًا على التزام منهج الشورى في تصرفاته وأعماله‬
‫وقراراته‪ ،‬فمن ذلك أنه حينما وصل إليه كتاب من قائده معقل بن قيس الرياحي‬
‫المكلف بمحاربة الخريت بن راشد الخارجي جمع أصحابه وقرأ عليهم كتابه‬
‫‪ )(1‬البداية والنهاية (‪.)6/305‬‬
‫‪ )(2‬الشيخان أبو بكر وعمر من رواية البالذرى‪ ،‬ص (‪.)231‬‬
‫‪ )(3‬المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪ ،)231‬نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين‪ ،‬ص (‪.)189‬‬
‫‪ )(4‬مسند أحمد‪ ،‬الموسوعة الحديثية رقم (‪.)524‬‬
‫‪ )(5‬الدولة والسيادة في الفقه اإلسالمي‪ ،‬فتحي عبد الكريم‪ ،‬ص (‪.)378‬‬
‫‪ )(6‬سنن ابن ماجه (‪ )2/264‬رقم (‪.)4014‬‬
‫‪ )(7‬روضة الناظر وجنة المناظر (‪.)1/385‬‬
‫‪ )(8‬تفسير ابن أبي حاتم (‪ ،)3/15‬تفسير ابن كثير (‪.)2/603‬‬
‫‪ )(9‬النظام السياسي في اإلسالم ألبي فارس‪ ،‬ص (‪.)9‬‬
‫‪19‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫واستشارهم وطلب منهم الرأي حيث اجتمع رأي عامتهم على قول واحد وهو‪:‬‬
‫نرى أن تكتب إلى معقل بن قيس فيتبع أثر الفاسق فال يزال في طلبه حتى‬
‫يقتله‪ ،‬أو ينفيه‪ ،‬فإنا ال نأمن أن يفسد عليك الناس(‪ ,)1‬ومما روى عن أمير‬
‫المؤمنين على رضي هللا عنه في الشورى قوله‪ :‬االستشارة عين الهداية وقد‬
‫خاطر من استغنى برأيه(‪ ,)2‬وقوله‪ :‬نعم المؤازرة المشاورة وبئس االستعداد‬
‫االستبداد(‪ ,)3‬وقوله‪ :‬رأى الشيخ خير من مشهد الغالم(‪ ,)4‬ومما أوصى به أمير‬
‫المؤمنين عل ّى مالك بن الحارث األشتر حين بعثه إلى مصر في الشورى قوله‪:‬‬
‫ال تدخلن في مشورتك بخيالً فيعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر‪ ،‬وال جبانًا‬
‫فيضعفك عن األمور‪ ،‬وال حريصًا فيزين لك الشره بالجور‪ ،‬فإن البخل والجبن‬
‫والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن باهلل(‪ ,)5‬وكان على رضي هللا عنه يعلم‬
‫أن الحاكم إن لم يكن له مستشارون فال يعلم محاسن دولته وال عيوبها‪ ،‬وسوف‬
‫يغيب عنه الكثير من شئون الدولة وقضايا الحكم‪ ،‬وكان يعلم أن الشورى تعرفه‬
‫ما يجهله‪ ،‬وتضع أصابعه على ما ال يعرفه‪ ،‬وتزيل شكوكه في كل األمور التي‬
‫يقدم عليها‪ ،‬فها هو يقول لألشتر النخعي عندما واله مصر‪ :‬انظر في أمور‬
‫عمالك الذين تستعملهم‪ ،‬فليكن استعمالك إياهم اختيارًا وال يكن محاباة وال إيثارًا‪،‬‬
‫فإن األثرة باألعمال‪ -‬أي االستبداد بال مشورة – والمحاباة بها جماع من شعب‬
‫الجور والخيانة هلل‪ ،‬وإدخال الضرر على الناس‪ ،‬وليست تصلح أمور الناس‪ ،‬وال‬
‫أمور الوالة إال بإصالح من يستعينون به على أمورهم‪ ،‬ويختارونه لكفاية ما‬
‫غاب عنهم‪ ،‬فاصطف لوالية أعمالك أهل الورع والعفة والعلم والسياسة والصق‬
‫بذوى التجربة والعقولـ والحياء من أهل البيوتات الصالحة وأهل الدين والورع‪،‬‬
‫فإنهم أكرم أخالقًا وأشد ألنفسهم صونًا وإصالحًا وأقل في المطامع إسرافًا‪،‬‬
‫وأحسن في عواقب األمور نظرًا من غيرهم‪ ،‬فليكونوا عمالك وأعوانك(‪.)6‬‬
‫الثاني عشر‪ :‬العدل والمساواة‪:‬‬
‫إن من أهداف الحكم اإلسالمي الحرص على إقامة قواعد النظام اإلسالمي‬
‫التي تساهم في إقامة المجتمع المسلم‪ ،‬ومن أهم هذه القواعد العدل والمساواة‪،‬‬
‫وقد قام أمير المؤمنين على رضي هللا عنه بإقامة العدل بين الناس‪ ،‬وقد‬
‫تضافرت كل الخصال الحميدة والمعطيات العلمية والفقهية التي جعلته مؤهال‬
‫للقيام بدوره هذا على أكمل وجه حتى أن الرسول × لثقته به وبقدراته بعثه‬
‫قاضيًا إلى اليمن(‪ ,)7‬وقد دعا له رسول هللا بهذا الدعاء العظيم‪« :‬اللهم ثبت‬
‫لسانه‪ ،‬واهد قلبه»(‪ ،)8‬ولذلك كان من الطبيعي أن يقيم حكمه على العدل‬
‫الشامل‪ ،‬وأن يجعله على رأس غايات وأهداف الحكم‪ ،‬ألن به تستقيم األمور‬
‫وتظهر المودة بين الرعية(‪ ,)9‬وال شك أن العدل في فكر أمير المؤمنين عل ّى هو‬
‫عدل اإلسالم الذي هو الدعامة الرئيسية في إقامة المجتمع اإلسالمي والحكم‬
‫‪ )(1‬تاريخ الطبري (‪.)6/39‬‬
‫‪ )(2‬أدب الدنيا والدين للماوردي ص ‪ ،294 ،89‬اإلدارة العسكرية (‪.)1/279‬‬
‫‪ )(3‬نهاية األرب (‪ )6/69‬نقال عن اإلدارة العسكرية (‪.)1/279‬‬
‫‪ )(4‬المصدر نفسه (‪ ،)6/75‬المصدر نفسه (‪.)1/279‬‬
‫‪ )(5‬اإلدارة العسكرية في الدولة اإلسالمية (‪.)1/279‬‬
‫‪ )(6‬نهاية األرب (‪ ،)6/21‬فن الحكم اإلسالمي‪ ،‬ص (‪ ،)151‬الشورى بين األصالة والمعاصرة‪ ،‬عز الدين‬
‫التيمى‪ ،‬ص (‪.)102‬‬
‫‪ )(7‬نظام الحكم في العهد الراشدي‪ :‬ص (‪.)141‬‬
‫‪ )(8‬فضائل الصحابة (‪ )2/871‬إسناده حسن رقم (‪.)1195‬‬
‫‪ )(9‬نظام الحكم في العهد الراشدي‪ ،‬ص (‪.)141‬‬
‫‪19‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫اإلسالمي‪ ،‬فال وجود لإلسالم في مجتمع يسوده الظلم وال يعرف العدل‪.‬‬
‫لقد كان أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا عنه قدوة في عدله‪،‬‬
‫أسر القلوب وبهر العقول‪ ،‬فالعدل في نظره الذي يسعى لتطبيقه في الحكم هو‬
‫إحدى أهم ركائز الخالفة الراشدة‪ ،‬دعوة عملية لإلسالم تفتح قلوب الناس‬
‫لإليمان‪ ،‬وقد سار على ذات نهج الرسول × فكانت سياسته تقوم على العدل‬
‫الشامل بين الناس‪ ،‬فعن شريح قال‪ :‬لما توجه على رضي هللا عنه إلى حرب‬
‫معاوية‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬افتقد درعًا له‪ ،‬فلما انقضت الحرب ورجع إلى الكوفة‪،‬‬
‫أصاب الدرع في يد يهودي يبيعها في السوق‪ ،‬فقال له‪ :‬يا يهودي‪ ،‬هذا الدرع‬
‫درعي‪ ،‬لم أبع ولم أهب‪ ،‬فقال اليهودي‪ :‬درعي وفي يدي‪ ،‬فقال على‪ :‬نصير إلى‬
‫القاضي‪ ،‬فتقدما إلى شريح‪ ،‬فجلس على إلى جنب شريح‪ ،‬وجلس اليهودي بين‬
‫يديه‪.‬‬
‫فقال شريح‪ :‬قل يا أمير المؤمنين‪ ،‬فقال‪ :‬نعم‪ ،‬أقول‪ :‬إن هذه الدرع التي في‬
‫يد اليهودي درعي‪ ،‬لم أبع ولم أهب‪ ،‬فقال شريح‪ :‬يا أمير المؤمنين بينة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫نعم قنبر(‪ )1‬والحسن والحسين يشهدون أن الدرع درعي‪ ،‬قال‪ :‬شهادة االبن ال‬
‫تجوز لألب‪ ،‬فقال‪ :‬رجل من أهل الجنة ال تجوز شهادته؟ سمعت رسول هللا ×‬
‫يقول‪« :‬الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة»(‪ )2‬فقال اليهودي‪ :‬أمير المؤمنين‬
‫قدمني إلى قاضيه‪ ،‬وقاضيه قضى عليه؟ أشهد أن هذا الحق‪ ،‬أشهد أن ال إله إال‬
‫هللا‪ ،‬وأن محمدًا رسول هللا‪ ،‬وأن الدرع درعك‪ ،‬كنت راكبًا على جملك األورق‬
‫وأنت متوجه إلى صفين فوقعت منك ليالً‪ ،‬فأخذتها قال‪ :‬أما إذا قلتها فهي لك‪،‬‬
‫وحمله على فرس‪ ،‬فرأيته وقد خرج فقاتل مع على الشراة بالنهروان(‪.)3‬‬
‫ومن أمثلة عدله في الحكم‪:‬عن ناحية القرشي عن أبيه قال‪ :‬كنا قياما على‬
‫باب القصر إذ خرج علي علينا فلما رأيناه تنحينا عن وجهه هيبة له‪ ،‬فلما جاز‬
‫صرنا خلفه‪ ،‬فبينما هو كذلك إذ نادى رجل‪ :‬يا غوثًا باهلل‪ ،‬فإذا رجالن يقتتالن‪،‬‬
‫فلكز صدر هذا وصدر هذا‪ ،‬ثم قال لهما‪ :‬تنحيا‪ ،‬فقال أحدهما‪ :‬يا أمير المؤمنين‬
‫إن هذا اشترى مني شاة وقد شرطت عليه أن ال يعطيني مغمو ًزا وال محذقًا‪-‬‬
‫يعنى الدراهم المعيبة‪ -‬فأعطاني دره ًما مغمو ًزا فرددته عليه فلطمني‪ ،‬فقال لآلخر‪:‬‬
‫ما تقول؟ قال‪ :‬صدق يا أمير المؤمنين قال‪ :‬فأعطه شرطه‪ ،‬ثم قال لالطم‪ :‬اجلس‪،‬‬
‫وقال للمطلوم‪ :‬اقتص‪ ،‬قال‪ :‬أو عفو يا أمير المؤمنين‪ ،‬قال‪ :‬ذلك إليك‪ ،‬قال‪ :‬فلما‬
‫جاز الرجل‪ ،‬قال على‪ :‬يا معشر المسلمين خذوه‪ ،‬قال‪ :‬فأخذوه فحمل على ظهر‬
‫رجل كما يحمل صبيان الكتاب‪ ،‬ثم ضرب خمس عشرة درة‪ ،‬ثم قال‪ :‬هذا نكال‬
‫لما انتهكت من حرمته‪ ،‬وفي رواية أنه قال‪ :‬هذا حق السلطان(‪.)4‬‬
‫هذا الخبر ليعتبر مثالً عاليًا للتواضع حيث يخرج أمير المؤمنين من بيته‬
‫إلى السوق يتفقد أحوال الناس‪ ،‬ويقوم بنفسه في حل مشكالتهم‪ ،‬وهو نوع من‬
‫السلوك العالي الذي يبرز وجود الوالة في واقع حياة الرعية‪ ،‬سواء قام بذلك‬
‫الوالي األكبر أو من دونه‪ ،‬وال يلزم تكرار هذا الوجود كل يوم‪ ،‬إذ يكفي‬
‫شعور الناس بأن الوالة معهم في مشكالتهم ليطمئن صاحب الحق على بقاء حقه‬

‫مولى لعلي رضي هللا عنه‪.‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫مصنف ابن أبي شيبة رقم (‪ )12225‬المستدرك (‪ )3/166‬حديث صح من أوجه كثيرة‪.‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الشراة‪ :‬الخوارج‪ .‬النهروان‪ :‬بين واسط وبغداد‪.‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫تاريخ الطبري (‪.)73 ،6/72‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪19‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫في حوزته‪ ،‬وعودته إليه فيما لو اعتدى عليه‪ ،‬وليرتدع من تسول له نفسه‬
‫االعتداء على حقوق الناس‪ ،‬وقبل ذلك وأهم منه أن يردعه كل من يحدث نفسه‬
‫باالعتداء على حق هللا تعالى‪ ،‬وهذا الوجود المتالحم بين الوالي والرعية يظهر‬
‫بصور متعددة تتناسب مع أنماط الحياة في كل عصر‪ ،‬فال يقولن قائل‪ :‬إن ما‬
‫قام به أمير المؤمنين على رضي هللا عنه يعتبر سائ ًغا في عصره‪ ،‬ولكنه بعيد‬
‫التصور في هذا العصر‪ ،‬فإنه ال عبرة باألشكال والصور‪ ،‬وإنما العبرة باألهداف‬
‫والمقاصد التي بها تحقق الحياة السعيدة للمسلمين‪ ،‬وذلك برعاية حق هللا أوالً‪ ،‬ثم‬
‫حقوق الناس العامة والخاصة‪ ،‬وفيما أمر به أمير المؤمنين على رضي هللا عنه‬
‫من إجراء العقوبة على المعتدي مع تنازل صاحب الحق داللة على إدراكه‬
‫رضي هللا عنه لمقاصد اإلسالم من حفظ األمن‪ ،‬وإشاعة السالم بين المؤمنين‪،‬‬
‫وبذلك سيرتدع من تميل نفسه إلى االعتداء على غيره إذا عرف بأن العقوبة‬
‫ستجري عليه ولو عفا عنه خصمه(‪.)1‬‬
‫ومن مواقف عدله رضي هللا عنه‪:‬ما رواه عاصم بن كليب عن أبيه قال‪:‬‬
‫قدم على عل َّى ابن أبي طالب مال من أصبهان(‪ ,)2‬فقسمه سبعة أسباع‪ ،‬فوجد فيه‬
‫رغيفًا‪ ،‬فقسمه سبع كسر‪ ،‬وجعل على كل جزء كسرة‪ ،‬ثم أقرع بينهم‪ ،‬أيهم‬
‫يعطي أول(‪.)3‬‬
‫وأما مبدأ المساواة الذي اعتمده أمير المؤمنين على بن أبي طالب في‬
‫َّاس إِنَّا‬
‫دولته‪ ،‬فيعد أحد المبادئ العامة التي أقرها اإلسالم‪ ،‬قال تعالى‪+ :‬يَا أ َُّي َها الن ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َخلَ ْقنَا ُكم ِّمن ذَ َك ٍر َوأُْنثَى َو َج َعلْنَا ُك ْم ُشعُوبًا َو َقبَائ َل لَت َع َارفُوا إِ َّن أَ ْك َر َم ُك ْم ع ْن َد اهلل أَْت َقا ُك ْم إِ َّن اهللَ َعل ٌ‬
‫يم‬
‫َخبِ ٌير" [الحجرات‪ ،]13:‬وجاءت ممارسة أمير المؤمنين على رضي هللا عنه لهذا‬
‫المبدأ خير شاهد‪ ،‬ومن هذه المواقف‪ ،‬حرصه على تقسيم المال فور وروده إليه‬
‫على الناس بالتساوى بعد أن يحتجز منه ما ينبغي أن يأخذ للمرافق العامة‪ ،‬ولم‬
‫يكن يستبيح لنفسه أن يأخذ من هذا المال إال مثلما يعطي غيره من الناس‪ ،‬كما‬
‫أنه كان يعطي معارضيه من الخوارج من العطاء مثلما يعطي غيرهم‪ ،‬وهذا‬
‫قبل سفكهم للدماء‪ ،‬واعتدائهم على الناس(‪ ،)4‬وكان رضي هللا عنه يساوى في‬
‫العطايا بين الناس وبذلك يكون اقتداؤه بالصديق في هذا الباب‪ ،‬رضي هللا عنه‬
‫ال يفضل شريفًا على مشروف‪ ،‬وال عربيًا على أعجمى‪ ،‬فقد دفع مرة طعا ًما‬
‫ودراهم بالتساوى إلى امرأتين إحداهما عربية‪ ،‬والثانية أعجمية‪ ،‬فاحتجت األولى‬
‫قائلة‪ :‬إني وهللا امرأة من العرب‪ ،‬وهذه من العجم‪ ،‬فأجابها على‪ :‬إني وهللا ال أجد‬
‫لبني إسماعيل في هذا الفيء فضالً على بنى إسحاق‪ .‬وكذلك لما طلب إليه‬
‫تفضيل أشراف العرب وقريش على الموالي والعجم‪ ،‬قال‪ :‬ال وهللا‪ ،‬لو كان المال‬
‫لي لواسيت بينهم‪ ،‬فكيف وإنما هى أموالهم؟ (‪ )5‬وعن يحيى بن سلمة قال‪ :‬استعمل‬
‫على عمرو بن سلمة على أصبهان فقدم ومعه ماله وزقاق فيها عسل وسمن‪،‬‬
‫‪ )(1‬التاريخ اإلسالمي للحميدى (‪.)433 ،12/433‬‬
‫‪ )(2‬مدينة عظيمة في بالد فارس‪.‬‬
‫‪ )(3‬الكامل في التاريخ (‪.)2/442‬‬
‫‪4‬‬
‫() نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين‪ ،‬ص(‪.)216‬‬
‫‪5‬‬
‫() تراث الخلفاء الراشدين‪ ،‬ص (‪.)101‬‬
‫‪19‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫فأرسلت أم كلثوم بنت على إلى عمرو تطلب منه سمنا وعسالً‪ ،‬فأرسل إليها‬
‫ظرف عسل وظرف سمن‪ ،‬فلما كان الغد خرج على وأحضر المال والعسل‬
‫والسمن ليقسم‪ ،‬فعد الزقاق فنقصت زقين‪ ،‬فسأله عنهما‪ ،‬فكتمه وقال‪ :‬نحن‬
‫نحضرهما‪ ،‬فعزم عليه إال ذكرها له‪ ،‬فأخبره‪ ،‬فأرسل إلى أم كلثوم فأخذ الزقين‬
‫منها فرآهما قد نقصا‪ ،‬فأمر التجار بتقويم ما نقص منهما‪ ،‬فكان ثالثة دراهم‪،‬‬
‫فأرسل إليها فأخذها منها ثم قسم الجميع(‪ .)1‬وعن أبي رافع وقد كان خازنًا لعلي‬
‫رضي هللا عنه على بيت المال‪ ،‬وقال‪ :‬دخل يو ًما وقد زينت ابنته‪ ،‬فرأى عليها‬
‫لؤلؤة من بيت المال قد كان عرفها‪ ،‬فقال‪ :‬من أين لها هذه؟ هلل عل َّى أن أقطع‬
‫يدها‪ ،‬قال‪ :‬فلما رأيت جده في ذلك قلت‪ :‬أنا وهللا يا أمير المؤمنين زينت بها ابنة‬
‫أخي‪ ،‬ومن أين كانت تقدر عليها لو لم أعطها‪ ،‬فسكت(‪.)2‬‬
‫الثالث عشر‪ :‬الحريات‪:‬‬
‫مبدأ الحرية من المبادئ األساسية التي قام عليها الحكم في عهد الخلفاء‬
‫الراشدين‪ ،‬ويقضي هذا المبدأ بتأمين وكفالة الحريات العامة للناس كافة ضمن‬
‫حدود الشريعة اإلسالمية وبما ال يتناقض معها‪ ،‬فقد كانت دعوة اإلسالم لحرية‬
‫الناس‪ ،‬جميع الناس‪ ،‬دعوة واسعة عريضة قلما تشمتل على مثلها دعوة في‬
‫التاريخ‪ ،‬وكانت أول دعوة أطلقها في هذا المجال هي دعوته الناس في العديد‬
‫من اآليات القرآنية لتوحيد هللا والتوجه له بالعبادة وحده دون سائر الكائنات‬
‫والمخلوقات‪ ،‬وفي دعوة التوحيد هذه كل معاني الحرية واالستقاللـ لبني اإلنسان‪،‬‬
‫أضف إلى ذلك أن اإلسالم عرف الحرية بكل معانيها ومدلوالتها ومفاهيمها‪،‬‬
‫فتارة تكون فعالً إيجابيًا كاألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وتارة فعالً سلبيًا‬
‫كاالمتناع عن إكراه أحد في الدخول في الدين‪ ،‬وفي أحيان كثيرة يختلط معناها‬
‫بمعنى الرحمة‪ ،‬والعدل الشورى والمساواة‪ ،‬ألن كل مبدأ من هذه المبادئ التي‬
‫نادى بها اإلسالم ال يستقيم أمره وال يمكن تحقيقه إال بوجود الحرية‪ ،‬وقد أسهم‬
‫مبدأ الحرية مساهمة فعالة إبان حكم الخلفاء الراشدين خاصة بانتشار الدين‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وتسهيل فتوحات المسلمين واتساع رقعة دولتهم‪ ،‬ألن اإلسالم كرم‬
‫اإلنسان وكفل حرياته على أوسع نطاق‪ ،‬وألن النظم السياسية األخرى السائدة‬
‫آنذاك في دولة الروم والفرس كانت أنظمة استبدادية وتسلطية‪ ،‬وفئوية قاسى‬
‫بسببها الرعايا‪ ،‬وبصورة خاصة المناوئون السياسيون واألقليات الدينية‪ ،‬أشد‬
‫درجات الكبت واالضطهاد والظلم‪ ،‬وأما في اإلسالم في عهد النبي × والخلفاء‬
‫الراشدين‪ ،‬فقد كانت الحريات العامة المعروفة في أيامنا معلومة ومصونة‬
‫تما ًما(‪ ,)3‬وقد كان ألمير المؤمنين على رضي هللا عنه أقوال تدافع عن الحريات‬
‫ومواقفـ تدعم هذا المبدأ في المجتمع اإلسالمي‪ ،‬فمن أقواله‪ :‬بئس الزاد إلى‬
‫المعاد العدوان على العباد(‪ ,)4‬وقوله الموجز هذا يدل على أن االعتداء علي‬
‫الناس كافة بأي شكل كان غير جائز في اإلسالم‪ ،‬وذكر المعتدين بعذاب هللا يوم‬
‫القيامة‪ ،‬وعرف عنه قوله‪ :‬ليس من العدل القضاء على الثقة بالظن(‪ ,)5‬وقوله هذا‬
‫يدل داللة واضحة على أنه ليس من الجائز أخذ الناس بالشبهات والحكم عليه‬
‫‪1‬‬
‫() الكامل في التاريخ (‪.)2/442‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)6/72‬‬
‫‪3‬‬
‫() نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدينن ص (‪.)158 ،157‬‬
‫‪4‬‬
‫() نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين‪ ،‬ص (‪.)165‬‬
‫‪20‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫لمجرد الظنون والشكوك‪ ،‬بل ينبغي أن يكون ذلك بـ(الثقة) أي باليقين المستند‬
‫إلى أدلة دامغة وأكيدة ال تقبل الجدل حولها‪ ،‬وخير هذه األدلة ما نصت عليه‬
‫الشريعة(‪ ,)1‬وبذلك يكون المبدأ الذي أقرته التشريعات الجزائية الحديثة القائل بأن‬
‫المتهم يبقى بريئًا حتى إثبات العكس قد عرفه اإلسالم منذ أمد بعيد(‪.)2‬‬
‫وقد تجلى مبدأ الحرية في أروع صوره ومعانيه أيام على رضي هللا عنه‪،‬‬
‫فبالرغم من وجود ظروف استثنائية (فتن‪ ،‬مؤامرات‪ ،‬وحروب) تبرر الحاجة إلى‬
‫تقييد حرية األفراد في ذهابهم وإيابهم وإقامتهم‪ ،‬أو ما يسمى في العصر الحديث‬
‫بقانون الطوارئ إال أن عليًا لم يقيد حرية أحد‪ ،‬سواء كان من أتباعه أم من‬
‫خصومه‪ ،‬ولم يكره أحدًا على اإلقامة والبقاء في ظل سلطانه‪ ،‬أو على الخروج‬
‫منه‪ ،‬وال حتى على المسير معه لمقاتلة أعدائه‪ ،‬ولم يصد أحدًا من الناس عن‬
‫اللحاق بمعاوية(‪ ,)3‬كما أنه لم يقيد حرية أصحاب عبد هللا بن مسعود وعبيدة‬
‫السلماني والربيع بن خيثم‪ ،‬ولم يكرههم على المسير معه لمقاتلة أهل الشام‬
‫عندما رفضوا ذلك‪ ،‬بل سمح لهم بالذهاب لبعض الثغور نزوالً على رغبتهم(‪,)4‬‬
‫وعندما ثار عليه الخوراج بعد معركة صفين بسبب قول التحكيم‪ ،‬فإنه لم يكره‬
‫أحدًا منهم على البقاء في ظل سلطانه أو الخروج منه‪ ،‬بل بالعكس فقد كان‬
‫يأمر عماله بعدم التعرض لهم في طريقهم ما داموا ال يفسدون في األرض وال‬
‫يعتدون على الناس(‪ ,)5‬وقال لهم‪...:‬إن لكم عندنا ثالثًا‪ ،‬ال نمنعكم صالة في هذا‬
‫المسجد‪ ،‬وال نمنعكم نصيبكم من هذا الفيء ما كانت أيديكم مع أيدينا‪ ،‬وال‬
‫نقاتلكم حتى تقاتلونا(‪.)6‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫حياته في المجتمع واهتمامه باألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫أوالً‪ :‬دعوته للتوحيدـ ومحاربته للشرك‪:‬‬
‫إن حياة أمير المؤمنين على بن أبي طالب عامرة بالدعوة إلى توحيد هللا تعالى‪،‬‬
‫وتعريف الناس معاني اإليمان‪ ،‬واالعتماد والتوكل على هللا والخوف منه سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫والتعريف به من خالل أسمائه الحسنى وصافته العلى‪ ،‬ومحاربته للشرك بجميع أشكاله‬
‫وأنواعه‪ ،‬ومن خالل توجيهه وتعليمه وتربيته للناس على دعوة التوحيد ومحاربة الشرك‬
‫أمور منها‪:‬‬
‫(‪)7‬‬
‫‪ -1‬قوله رضي هللا عنه‪«:‬لا يرجونَّ عبد إلا ربه ولا يخافن إلا ذنبه»‬

‫‪5‬‬
‫() نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين‪ ،‬ص (‪.)165‬‬
‫‪1‬‬
‫() هذه األدلة هى‪ :‬البينة الخطية المنظمة وفقًا ألحكام الشريعة‪ ،‬أو الثانية بشهادة رجلين أو بشهادة رجل‬
‫وامرأتين وأحيانًا بشهادة أربعة رجال كما في حالة الزنا‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين‪ ،‬ص (‪.)166‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)159‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)159‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر السابق‪ ،‬ص(‪.)160‬‬
‫‪6‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/688‬‬
‫‪7‬‬
‫() الفتاوى (‪.)8/101‬‬
‫‪20‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫فهذا من أحسن الكالم‪ ،‬وأبلغه وأتمه‪ .‬فإن الرجاء يكون للخير‪ ،‬والخوف يكون من الشر‪،‬‬
‫ت أَيْ ِدي ُك ْم‬ ‫صيبَ ٍة فَبِ َما َك َسبَ ْ‬ ‫والعبد إنما يصيبه الشر بذنوبه‪ ،‬كما قال تعالى‪+ :‬وما أَصاب ُكم ِّمن ُّم ِ‬
‫ََ َ َ‬
‫َو َي ْع ُفو َعن َكثِي ٍر" [الشورى‪ ،]30:‬فالراجي يطلب حصول الخير ودفع الشر‪ ،‬وال يأتي بالنعم‬
‫ف لَهُ إِالَّ ُه َو َوإِن يُّ ِر ْد َك‬ ‫اش َ‬ ‫ض ٍّر فَالَ َك ِ‬ ‫ك اهللُ بِ ُ‬ ‫إال هللا‪ ،‬وال يذهب المصائب إال هللا ‪َ +‬وإِن يَ ْم َس ْس َ‬
‫ك فَالَ‬ ‫ك ل ََها َو َما يُ ْم ِس ْ‬ ‫َّاس ِمن َّر ْح َم ٍة فَالَ ُم ْم ِس َ‬ ‫ضلِ ِه" [يونس‪َ + ،]107:‬ما َي ْفتَ ِح اهللُ لِلن ِ‬ ‫اد لَِف ْ‬‫بِ َخ ْي ٍر فَالَ َر َّ‬
‫ُم ْر ِس َل لَهُ ِمن َب ْع ِد ِه" [فاطر‪ ،]2:‬والرجاء مقرون بالتوكل‪ ،‬فإن المتوكل يطلب ما رجاه من‬
‫حصول المنفعة ودفع المضرة‪ ،‬والتوكل ال يجوز إال على هللا‪ ،‬كما قال تعالى‪+ :‬إِن‬
‫ي ْنصر ُكم اهلل فَالَ غَالِب لَ ُكم وإِن ي ْخ ُذلْ ُكم فَمن َذا الَّ ِذي ي ْنصر ُكم ِّمن ب ْع ِد ِه و َعلَى ِ‬
‫اهلل َفلْيََت َو َّك ِل‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫َ ُْ ُ ُ‬
‫اه ُم اهللُ َو َر ُسولُهُ َوقَالُوا َح ْسُبنَا‬ ‫ضوا َما آتَ ُ‬ ‫ال ُْم ْؤ ِمنُو َن" [آل عمران‪:‬ـ‪ .]160‬وقال تعالى‪َ + :‬ول َْو أ ََّن ُه ْم َر ُ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اهلل سي ْؤتِينَا اهلل ِمن فَ ْ ِ ِ‬
‫ال ل َُه ُم‬ ‫ين قَ َ‬ ‫ضله َو َر ُسولُهُ إِنَّا إِلَى اهلل َراغبُو َن" [التوبة‪ ،]59:‬وقال تعالى‪+ :‬الذ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يل" [آل‬ ‫يمانًا َوقَالُوا َح ْس ُبنَا اهللُ َون ْع َم ال َْوك ُ‬ ‫اد ُه ْم إ َ‬ ‫َّاس إ َّن الن َ‬
‫َّاس قَ ْد َج َمعُوا لَ ُك ْم فَا ْخ َش ْو ُه ْم َف َز َ‬ ‫الن ُ‬
‫عمران‪:‬ـ‪ ،]173‬فهؤالء قالوا‪ :‬حسبنا هللا‪ ،‬أي‪ :‬كافينا هللا في دفع البالء‪ ،‬أولئك أمروا أن‬
‫يقولوا‪ :‬حسبنا في جلب النعماء – فهو – سبحانه – كاف عبده في إزالة الشر وفي إنالة‬
‫الخير‪ ،‬أليس هللا بكاف عبده‪ ،‬ومن توكل على غير هللا ورجاه ُخذل من جهته وحُرم‪َ +،‬مثَ ُل‬
‫ت ب ْيتًا وإِ َّن أَو َهن الْبي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ت" [العنكبوت‪:‬‬ ‫وت لََب ْي ُ‬ ‫اء َك َمثَ ِل ال َْعن َكبُوت اتَّ َخ َذ ْ َ َ ْ َ ُ ُ‬ ‫ين اتَّ َخ ُذوا من ُدون اهلل أ َْوليَ َ‬ ‫الذ َ‬
‫ِ‬ ‫‪+ ،]41‬واتَّ َخ ُذوا ِمن ُد ِ‬
‫ادتِ ِه ْم َويَ ُكونُو َن َعلَْي ِه ْم‬‫اهلل آلِ َهةً لِّيَ ُكونُوا ل َُه ْم ع ًّزا ‪َ ‬كالَّ َسيَ ْك ُف ُرو َن بِ ِعبَ َ‬ ‫ون ِ‬
‫َ‬
‫يح‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ُ‬ ‫الس َماء َفتَ ْخطَُفهُ الط ْي ُر أ َْو َت ْهوي به ِّ‬ ‫ضدًّا" [مريم‪َ + ،]82 ،81:‬و َمن يُ ْشر ْك باهلل فَ َكأَن َما َخ َّر م َن َّ‬
‫وما َّم ْخ ُذوالً" [اإلسراء‪.]22 :‬‬ ‫ْم ً‬
‫ِ‬
‫يق" [الحج‪+ ،]31:‬الَ تَ ْج َع ْل َم َع اهلل إِل ًَها آ َخ َر َفَت ْقعُ َد َمذ ُ‬ ‫ان َس ِح ٍ‬ ‫فِي م َك ٍ‬
‫َ‬
‫وما َّم ْخ ُذوالً" [العنكبوت‪ ،]17:‬فمن عمل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْم ً‬
‫وقال الخليل‪+ :‬الَ تَ ْج َع ْل َم َع اهلل إل ًَها آ َخ َر َفَت ْقعُ َد َمذ ُ‬
‫ين َك َف ُروا‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫لغير هللا رجاء أن ينتفع بما عمل له‪ ،‬كانت صفقته خاسرة‪ ،‬قال تعالى‪َ + :‬والذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أَ ْعمالُهم َكسر ٍ ِِ ٍ‬
‫َم يَ ِج ْدهُ َش ْيئًا َو َو َج َد اهللَ ع ْن َدهُ َف َوفَّاهُ ح َسابَهُ‬ ‫اءهُ ل ْ‬ ‫ِ‬
‫اء َحتَّى إذَا َج َ‬
‫َّ‬
‫اب بق َيعة يَ ْح َسبُهُ الظ ْمآ ُن َم ً‬ ‫َ ُ ْ ََ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ين َك َف ُروا ب َربِّ ِه ْم أَ ْع َمال ُُه ْم َك َر َماد ا ْشتَد ْ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫يع الْحس ِ‬
‫َّت‬ ‫اب" [النور‪ ،]39:‬وقال تعالى‪َ + :‬مثَ ُل الذ َ‬ ‫َواهللُ َس ِر ُ َ‬
‫ف الَّ َي ْق ِد ُرو َن ِم َّما َك َسبُوا َعلَى َش ْي ٍء" [إبراهيم‪ ،]18:‬وقال تعالى‪َ + :‬وقَ ِد ْمنَا‬ ‫الريح فِي يوٍم َع ِ‬
‫اص ٍ‬ ‫ِ‬
‫بِه ِّ ُ َ ْ‬
‫ك إِالَّ‬ ‫ورا" [الفرقان‪ ،]23:‬وقال تعالى‪ُ + :‬ك ُّل َش ْي ٍء َهالِ ٌ‬ ‫ِ ِ‬
‫إلَى َما َعملُوا م ْن َع َم ٍل فَ َج َعلْنَاهُ َهبَ ً‬
‫اء َّمنثُ ً‬ ‫ِ‬
‫َو ْج َههُ" [القصص‪ ،]88:‬كما قيل في تفسيرها‪ :‬كل عمل باطل إال ما أريد به وجهه‪ ،‬فمن‬
‫عمل لغير هللا ورجاه بطل سعيه‪ ،‬والراجي يكون راجيًا تارة بعمل يعمله لمن يرجوه‪،‬‬
‫وتارة باعتماد قلبه عليه والتجائه إليه وسؤاله‪ ،‬فذاك نوع من العبادة له‪ ،‬وهذا نوع من‬
‫اك َن ْعب ُد وإِيَّ َ ِ‬
‫ين" [الفاتحة‪ ،]5:‬وقال‪+ :‬فَا ْعبُ ْدهُ َو َت َو َّك ْل‬ ‫اك نَ ْستَع ُ‬ ‫االستعانة به‪ ،‬وقد قال تعالى‪+ :‬إِيَّ َ ُ‬
‫اب" [الرعد‪ ،]30:‬ومما‬ ‫ْت َوإِل َْي ِه َمتَ ِ‬
‫َعلَْي ِه" [هود‪ ،]123:‬وقال‪+ :‬قُ ْل ُه َو َربِّي الَ إِلَهَ إِالَّ ُه َو َعلَْي ِه َت َو َّكل ُ‬
‫يوضح ذلك‪ :‬أن كل خير ونعمة تنال العبد فإنما هي من هللا‪ ،‬وكل شر ومصيبة تندفع عنه‬
‫أو تكشف عنه‪ ،‬فإنما يمنعها هللا‪ ،‬وإنما يكشفها هللا‪ ،‬وإذا جرى ما جرى من أسبابها على يد‬
‫خلقه‪ ،‬فاهلل سبحانه – هو خالق األسباب كلها سواء كانت األسباب حركة حي باختياره‬
‫وقصده‪ ،‬كما يحدثه تعالى بحركة المالئكة والجن واإلنس والبهائم أو حركة جماد بما جعل‬
‫‪20‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫هللا فيه من الطبع‪ ،‬أو بقاسر يقسره كحركة الرياح والمياه ونحو ذلك‪ ،‬فاهلل خالق ذلك كله‪،‬‬
‫فإنه ال حول وال قوة إال به(‪ ،)1‬وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬فالرجاء يجب أن يكون‬
‫كله للرب‪ ،‬والتوكل عليه والدعاء له‪ ،‬فإنه إن شاء ذلك ويسره كان وتيسر‪ ،‬ولو لم يشأ‬
‫الناس‪ ،‬وإن لم يشأه ولم ييسره لم يكن وإن شاء الناس(‪ ,)2‬هذه بعض المعاني من قول أمير‬
‫يرجون أحد إال ربه(‪.)3‬‬ ‫َّ‬ ‫المؤمنين‪ :‬ال‬
‫ْح َسنَةُ قَالُوا لَنَا‬
‫اء ْت ُه ُم ال َ‬ ‫ِ‬
‫ِ ِ وأما قوله‪« :‬ولا يخافن إلا ذنبه» ‪ ،‬قال تعالى‪ + :‬فَإذَا َج َ‬
‫(‪)4‬‬

‫ِ‬
‫وسى َو َمن َّم َعهُ" [األعراف‪ .]131 :‬بيَّن سبحانه أن الحسنة من‬ ‫َهذه َوإِن تُص ْب ُه ْم َسيِّئَةٌ يَطََّّي ُروا بِ ُم َ‬
‫هللا ينعم بها على الناس‪ ،‬وأن السيئة إنما تصيبهم بذنوبهم‪ ،‬ولهذا قال تعالى‪َ + :‬و َما َكا َن اهللُ‬
‫َنت فِي ِه ْم َو َما َكا َن اهللُ ُم َع ِّذ َب ُه ْم َو ُه ْم يَ ْسَت ْغ ِف ُرو َن" [األنفال‪ ،]33:‬فأخبر أنه ال يعذب‬ ‫لُِي َع ِّذ َب ُه ْم َوأ َ‬
‫مستغفرًا‪ ،‬ألن االستغفار يمحو الذنب الذي هو سبب العذاب‪ ،‬فيندفع العذاب‪ ،‬كما في سنن‬
‫أبي داود وابن ماجة عن النبي × أنه قال‪« :‬من أكثر الاستغفار‪ ،‬جعل الله له من‬
‫كل هم فرجًا‪ ،‬ومن كل ضيق مخرجًا‪ ،‬ورزقه من حيث لا يحتسب»(‪ ,)5‬وقال تعالى‪+ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اعا َح َسنًا‬ ‫ِّع ُكم َّمتَ ً‬ ‫أَالَّ َت ْعبُ ُدوا إِالَّ اهللَ إِنَّنِي لَ ُكم ِّم ْنهُ نَذ ٌير َوبَش ٌير ‪َ ‬وأَن ْ‬
‫اسَت ْغف ُروا َربَّ ُك ْم ثُ َّم تُوبُوا إِل َْيه يُ َمت ْ‬
‫ضلَهُ" [هود‪ .]3 ،2:‬فبين‪ :‬أن من وح َّده واستغفر متعه‬ ‫ض ٍل فَ ْ‬ ‫ت ُك َّل ِذي فَ ْ‬ ‫إِلَى أَج ٍل ُّمس ًّمى وي ْؤ ِ‬
‫َ َ َُ‬
‫متاعًا حسنًا إلى أجل مسمى‪ ،‬ومن عمل بعد ذلك خيرًا زاده من فضله‪ ،‬وفي الحديث‪ :‬يقول‬
‫الشيطان‪ :‬أهلكت الناس بالذنوب‪ ،‬وأهلكوني بال إله إال هللا‪ ،‬واالستغفار(‪ ،)6‬فلما رأيت ذلك‬
‫بثثت فيهم األهواء فهم يذنبون وال يتوبون‪ ،‬ألنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا(‪ .)7‬وقال‬
‫ين‬ ‫َّ ِ‬
‫عمر بن عبد العزيز‪ :‬ما نزل بالء إال بذنب‪ ،‬وال رفع إال بتوبة‪ ،‬ولهذا قال تعالى‪+ :‬الذ َ‬
‫حس ُبنَا اهللُ ونِ ْعم الْوكِيل ‪‬‬
‫َ َ َ ُ‬ ‫يمانًا َوقَالُوا َ ْ‬ ‫اد ُه ْم إِ َ‬ ‫َّاس إ َّن الن َ‬
‫َّاس قَ ْد َج َمعُوا لَ ُك ْم فَا ْخ َش ْو ُه ْم َف َز َ‬ ‫ال ل َُهم الن ِ‬
‫قَ َ ُ ُ‬
‫ِ‬
‫يم ‪ ‬إِنَّ َما ذَل ُك ُم‬ ‫ِ‬
‫ض ٍل َعظ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ض َوا َن اهلل َواهللُ ذُو فَ ْ‬ ‫فَا ْن َقلَبُوا بِنِ ْع َم ٍة ِّم َن اهلل َوفَ ْ‬
‫ض ٍل لَّ ْم يَ ْم َس ْس ُه ْم ُسوءٌ َو َّاتَبعُوا ِر ْ‬ ‫ِ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫الشيطَا ُن ي َخ ِّو ُ ِ‬
‫ين" [آل عمران‪:‬ـ ‪ ،]175 -173‬فنهى‬ ‫وه ْم َو َخافُون إِن ُك ْنتُم ُّم ْؤمن َ‬ ‫اءهُ فَالَ تَ َخافُ ُ‬ ‫ف أ َْوليَ َ‬ ‫َّ ْ ُ‬
‫المؤمنين عن خوف أولياء الشيطان‪ ،‬وأمرهم بخوفه‪ ،‬وخوفه يوجب فعل ما أمر به‪،‬‬
‫وترك ما نهى عنه‪ ،‬واالستغفار من الذنوب‪ ،‬وحينئذ يندفع البالء وينتصر على األعداء‪،‬‬
‫فلهذا قال أمير المؤمنين على رضي هللا عنه‪ :‬ال يخافن عبد إال ذنبه(‪ ،)8‬وإن سلط عليه‬
‫مخلوق فما سلط عليه إال بذنوبه‪ ،‬فليخف هللا‪ ،‬وليتب من ذنوبه التي نال بها ما ناله(‪ ,)9‬كما‬

‫‪1‬‬
‫() الفتاوى (‪.)8/102‬‬
‫‪2‬‬
‫() الفتاوى (‪.)8/102‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)8/99‬‬
‫‪4‬‬
‫() الفتاوى (‪.)8/99‬‬
‫‪5‬‬
‫() سنن ابن ماجة رقم (‪ ،)3819‬سنن أبي داود (‪.)1518‬‬
‫‪6‬‬
‫() مسند أبي يعلي (‪ )1/123‬رقم (‪ ،)136‬مجمع الزوائد (‪)1/210‬وهو ضعيف‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() الفتاوى (‪.)8/100‬‬
‫‪8‬‬
‫() الفتاوى (‪.)8/99‬‬
‫‪9‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)8/101‬‬
‫‪20‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫في األثر‪ :‬يقولـ هللا‪ :‬أنا هللا مالك الملوك‪ ،‬قلوب الملوك ونواصيهم بيدي‪ ،‬من أطاعني‬
‫جعلتهم عليه رحمة‪ ،‬ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة‪ ،‬فال تشتغلوا بسب الملوك‪،‬‬
‫وأطيعوني أعطف قلوبهم عليكم(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬تعريف أمير المؤمنين الناس بأسماء هللا وصفاته‪:‬قال تعالى‪+ :‬فَا ْعلَ ْم أَنَّهُ الَ إِلَهَ‬
‫ك" [محمد‪ ،]19:‬فمن كان باهلل أعرف كان منه أخوف‪ ،‬كما في قوله‬ ‫اسَت ْغ ِف ْر لِ َذنبِ َ‬
‫إِالَّ اهللُ َو ْ‬
‫اد ِه الْعُلَ َماءُ" [فاطر‪ ،]28:‬وقد بيَّن القرآن الكريم أن‬ ‫سبحانه وتعالى‪+ :‬إِنَّما ي ْخ َشى اهلل ِمن ِعب ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫معرفة األسماء الحسنى والصفات العلى من أعظم الوسائل في زيادة اإليمان وقوته وثباته‪،‬‬
‫ومعرفته تتضمن أنواع التوحيد الثالثة‪ ،‬توحيد الربوبية‪ ،‬توحيد اإللهية‪ ،‬وتوحيد األسماء‬
‫والصفات‪ ،‬وهذه األنواع هي روح اإليمان‪ ،‬وأصله وغايته‪ ،‬فكلما ازداد العبد معرفة‬
‫ْح ْسنَى فَا ْدعُوهُ بِ َها‬ ‫بأسماء هللا وصفاته‪ ،‬ازداد إيمانه وقوى يقينه(‪ ،)2‬قال تعالى‪+ :‬و ِ‬
‫َس َماءُ ال ُ‬
‫هلل األ ْ‬ ‫َ‬
‫َس َمائِِه َسيُ ْج َز ْو َن َما َكانُوا َي ْع َملُو َن" [األعراف‪ ،]180:‬وقال تعالى‪+ :‬قُ ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ُيلْح ُدو َن في أ ْ‬
‫َّ ِ‬
‫َو َذ ُروا الذ َ‬
‫ْح ْسنَى" [اإلسراء‪ ،]110 :‬وقد ثبت في‬ ‫اء ال ُ‬
‫َس َم َ‬ ‫ا ْدعُوا اهللَ أَ ِو ا ْدعُوا َّ‬
‫الر ْح َم َن أَيًّا َّما تَ ْدعُوا َفلَهُ األ ْ‬
‫الصحيحين عنه × أنه قال‪« :‬إن لله تسعة وتسعين اسمًا – مائة إلا واحدة‪ -‬من‬
‫أحصاها دخل الجنة»(‪ ،)3‬أي من حفظها وفهم معانيها‪ ،‬واعتقدها‪ ،‬وتعبد هللا بها دخل الجنة‪،‬‬
‫والجنة ال يدخلها إال المؤمنون(‪.)4‬‬
‫وألهمية هذا العلم قال أمير المؤمنين على رضي هللا عنه‪ :‬يا طالب العلم‪ :‬إن للعالم‬
‫ثالث عالمات‪ ،‬العلم باهلل‪ ،‬وبما يحب هللا‪ ،‬وبما يكره هللا(‪ ,)5‬وقال في معرض وصفه‬
‫للمولى سبحانه وتعالى‪ :‬هو العالم بكل مكان‪ ،‬وكل حين وأوان‪ ،‬لم يخلق األشياء من‬
‫أصول أولية‪ ،‬وال بأوائل كانت قبله بدية‪ ،‬بل خلق ما خلق فأقام خلقه وصور ما صور‬
‫فأحسن صورته‪ ،‬توحد في علوه فليس لشيء منه امتناع‪ ،‬وال له بطاعة شيء من خلقه‬
‫انتفاع‪ ،‬إجابته للداعين سريعة‪ ،‬والمالئكة في السماوات واألرضين له مطيعة‪ ،‬علمه‬
‫باألموات البائدين‪ ،‬كعلمه باألحياء المتقلبين‪ ،‬وعلمه بما في السماوات العلى‪ ،‬كعلمه بما‬
‫في األرض السفلى‪ ،‬وعلمه بكل شيء‪ ،‬ال تحيره األصوات‪،‬ـ وال تشغله اللغات‪ ...‬مدير‬
‫بصير‪ ،‬عالم باألمور‪ ،‬حي قيوم‪ ...‬سبحانه وتعالى عن تكييف الصفات(‪.)6‬‬
‫وجاء يهودي إلى أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا عنه فسأله‪ :‬متى كان ربنا؟‬
‫فتمعر(‪ )7‬وجه على بن أبي طالب وقال‪ :‬لم يكن فكان؟! هو كان وال كينونة‪ ،‬كان بال كيف‪ ،‬كان‬
‫ليس قبل وال غاية‪ ،‬انقطعت الغايات دونه‪ ،‬فهو غاية كل غاية‪ ،‬فأسلم اليهودي(‪ ,)8‬وبما يرويه أمير‬
‫المؤمنين على رضي هللا عنه عن رسول هللا × في صفات هللا سبحانه وتعالى قوله‪ :‬قال رسول هللا‬
‫‪1‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)8/101‬‬
‫‪2‬‬
‫() الوسيطة في القرآن الكريم للصالبي‪ :‬ص (‪.)228‬‬
‫‪3‬‬
‫() البخاري‪ ،‬ك الدعوات رقم‪.)6410( :‬‬
‫‪4‬‬
‫() التوضيح والبيان لشجرة اإليمان للسعدي‪ ،‬ص (‪.)41‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ اليعقوبي (‪ ،)2/207‬منهج على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)91‬‬
‫‪6‬‬
‫() حلية األولياء (‪.)1/73‬‬
‫‪7‬‬
‫() تمعر‪ :‬تغير‪ ،‬لسان العرب (‪.)5/181‬‬
‫‪8‬‬
‫() تاريخ الخلفاء للسيوطي‪ ،‬ص (‪.)206‬‬
‫‪20‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫×‪« :‬إن الله رفيق يحب الرفق‪ ،‬ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف»(‪.)1‬‬
‫إن معرفة أسماء هللا وصفاته‪ ،‬وتأمل معانيها‪ ،‬واإليمان بها تثمر للعبد محبة هللا‬
‫وتعظيمه الموجبين للقيام بأمره ونهيه‪ ،‬كما توجب اللجوء إليه في الكربات‪ ،‬وسؤاله عند‬
‫الحاجات‪ ،‬واستغاثته في الملمات وغيرها من أنواع العبادات القلبية(‪.)2‬‬
‫‪ -3‬تعريف أمير المؤمنين على بن أبي طالب الناس بنعم هللا المستوجبة‬
‫لشكره‪:‬قال أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا عنه مذكرًا باهلل سبحانه وتعالى‬
‫وبنعمه على عباده‪ :‬أوصيكم عباد هللا بتقوى هللا الذي ضرب لكم األمثال‪ ،‬ووقت لكم اآلجال‪،‬‬
‫وجعل لكم أسماعًا تعي ما عناها‪ ،‬وأبصارًا لتجلو عن غشاها‪ ،‬وأفئدة تفهم ما دهاها‪ ،‬في‬
‫تركيب صورها وما أعمرها‪ ،‬فإنه هللا لم يخلقكم عبثًا ولم يضرب عنكم الذكر صفحًا‪ ،‬بل‬
‫أكرمكم بالنعم السوابغ‪ ،‬وأرفدكم بأوفر الروافد‪ ،‬وأحاط بكم اإلحصاء‪ ،‬وأرصد لكم الجزاء‬
‫في السراء والضراء‪ ،‬فاتقوا هللا عباد هللا وجدوا في الطلب‪ ،‬وبادروا بالعمل مقطع النهمات‬
‫وهادم اللذات(‪ , )3‬وكان أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا عنه يحث الناس على‬
‫القرب من هللا بشكر النعم الحاصلة ويحذرهم من الركون إليها واألمن معها‪ ،‬ويرغبهم فيما‬
‫عند هللا من المزيد في حال شكر النعم‪ ،‬حيث يقول‪ :‬فإن نزلت بكم رغبة فاشكروا هللا‪،‬‬
‫واجمعوا معها رهبة‪ ،‬وإن نزلت بكم رهبة فاذكروا هللا واجمعوا معها رغبة‪ ،‬فإن هللا قد تأذن‬
‫المسلمين بالحسنى‪ ،‬ولمن شكره بالزيادة(‪ ،)4‬دعا أمير المؤمنين على رضي هللا عنه الناس‬
‫إلى التفكير في أنفسهم فقال‪ :‬من عرف نفسه فقد عرف ربه(‪ ,)5‬وقد قال تعالى‪َ + :‬وفِي أَْن ُف ِس ُك ْم‬
‫أَفَالَ ُت ْب ِ‬
‫ص ُرو َن" [الذاريات‪.]21:‬‬
‫‪ -4‬حرص أمير المؤمنين على بن أبي طالب على محو آثار الجاهلية‪ :‬قال‬
‫على بن أبي طالب رضي هللا عنه‪ :‬كان رسول هللا × في جنازة‪ ،‬فقال‪« :‬أيكم ينطلق‬
‫إلى المدينة فلا يدع وثنًا إلا كسره ولا قبرًا إلا سواه‪ ،‬ولا صورة إلا‬
‫لطخها؟» فقال على رضي هللا عنه‪ :‬أنا أنطلق يا رسول هللا‪ ،‬فقال‪« :‬فانطلق»‪ ،‬فانطلق‪ ،‬ثم‬
‫رجع فقال‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬لم أدع بها وثنًا إال كسرته‪ ،‬وال قيرًا إال سويته‪ ،‬وال صورة إال‬
‫لطختها‪ ،‬ثم قال رسول هللا ×‪« :‬من عاد لصنعة شيء من هذا فقد كفر بما أنزل على‬
‫محمد ×»(‪.)6‬‬
‫وعندما أصبح أمير المؤمنين أرسل أبا الهياج األسدي وقال له‪ :‬أبعثك على ما بعثني‬
‫عليه رسول هللا ×‪ ،‬أن ال تدع تمثاالً إال طمسته‪ ،‬وال قبرًا مشرفًا إال سويته(‪ ,)7‬فأمره بمحو‬
‫التماثيل‪ ،‬وأن تكون القبور مدروسة معالمها‪ ،‬وقد كان أمير المؤمنين على رضي هللا عنه‬
‫كثيرًا ما يقصد المقبرة زائرًا ومتعظًا‪ ،‬وقد أشرف على المقبرة فقال‪ :‬يا أهل القبور‬
‫أخبرونا بخبركم‪ ،‬أما خبركم قِبلنا فالنساء قد تزوجن‪ ،‬والمال قد قسم‪ ،‬والمساكن قد سكنها‬
‫‪1‬‬
‫() مسند أحمد (‪ ،)2/173‬قال أحمد شاكر‪ :‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() منهج على بن أبي طالب في الدعوة إلى هللا‪ ،‬ص (‪.)92‬‬
‫‪3‬‬
‫() الحلية (‪ ،)1/78‬صفة الصفوة (‪.)1/328‬‬
‫‪4‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/309‬‬
‫‪5‬‬
‫() مطلوب كل طالب من شرح كلمات على بن أبي طالب‪ ،‬لمحمد عبد الجليل العمرى‪ ،‬مخطوط نقالً عن‬
‫منهج على بن أبي طالب في الدعوة إلى هللا‪ ،‬ص(‪)96‬‬
‫‪6‬‬
‫() مسند أحمد (‪ 2/87‬حديث رقم ‪)657‬ط‪ .‬الرسالة‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() مسلم‪ ،‬ك الجنائز (‪.)2/666‬‬
‫‪20‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫قوم غيركم‪ ،‬ثم قال‪ :‬أما وهللا لو نطقوا لقالوا‪ :‬لم نر خيرًا من التقوى(‪ ,)1‬وقد كان أمير‬
‫المؤمنين على رضي هللا عنه يسعى جاهدًا في تجريد التوحيد‪ ،‬وقطع أسباب الشرك‬
‫ووسائله من جميع الجهات‪ ،‬ولذلك حذر من اتخاذ القبور مساجد لما تسببه من الفتنة في‬
‫أهلها‪ ،‬وكونها ذريعة إلى عبادة األموات‪ ،‬وقد وصف رضي هللا عنه من فعل ذلك بأنه من‬
‫شرار الناس كما في قوله‪ :‬شرار الناس من يتخذ القبور مساجد(‪ ،)2‬وهذا اتباع لقول رسول‬
‫هللا ×‪« :‬اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»(‪ ,)3‬وغيره من‬
‫األحاديث التي صحت في هذا المعنى‪ ،‬كما البد من التنبيه على أن الغرض من زيادة‬
‫القبور أمران‪ ،‬كما هو بيِّن من الهدى النبوي الشريف االتعاظ بالموت‪ ،‬والدعاء للميت‬
‫والترحم عليه‪ ،‬وليس في واحد منها ما يدل على أن الزائر يقصد القبر‪ ،‬ليقضي حاجته‪،‬‬
‫فقصد القبر لالنتفاع به مخالف لهدى النبي × ومخالف ألدب زيارة القبور التي نصّ‬
‫عليها العلماء(‪ ,)4‬قال ابن العربي وهو يعدد أغراض السفر‪ ،‬ومنه‪ :‬القصد إلى اإلخوان‬
‫لتفقد أحوالهم‪ -‬وبعد أن ذكر فضل من زار أ ًخا في هللا‪ -‬قال‪ :‬هذا إن كان حيًا‪ ،‬فإن كان‬
‫ميتًا‪ ،‬فتجوز زيارة قبره أيضًا‪ ،‬والترحم عليه لينتفع الميت بالحي‪ ،‬وال يقصد االنتفاعـ‬
‫بالميت فإنها بدعة(‪ ،)5‬بل إن قصد القبر رجاء قضاء الحاجة هو عين ما حذر منه النبي ×‬
‫أصحابه عندما سألوه أن يجعل لهم ذات أنواط‪ ،‬ففي حديث أبي واقد الليثى‪ :‬أن رسول هللا‬
‫× لما خرج إلى حنين مر بشجرة للمشركين يقال لها‪ :‬ذات أنواط يعلقون عليها أسلحتهم‬
‫فقالوا‪ :‬يا رسول هللا اجعل لنا ذات أنواط كما لهم (ذات أنواط)‪ ،‬فقال النبي ×‪« :‬سبحان‬
‫الله‪ ،‬هذا كما قيل لموسى‪ ،‬أجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة‪ ،‬والذي نفسي بيده‬
‫لتركبن سنة من كان قبلكم»(‪ , )6‬وفي عدة المريد يقول الشيخ الزروق بعد أن ذكر‬
‫الحديث المتقدم‪ :‬وال يجوز عند العلماء تعظيم مكان‪ ،‬أو شجر أو بناء‪ ،‬أو أي شيء آخر له‬
‫أصل في معتقدات الجاهلية‪ ،‬رجاء الشفاء أو قضاء حاجة(‪ ,)7‬ثم قال‪ :‬في الحديث دليل‬
‫على منع كل ما يستدام أو يكون له أصل في عبادة الجاهلية من خشبة أو حديدة أو حجر‬
‫أو بناء ونحوه‪ ،‬ال يمتهن أو يكون مستهل ًكا(‪ ,)8‬وال شك أن القبر له أصل في عبادة‬
‫الجاهلية‪ ،‬بل هو أصل أصولها‪ ،‬وال أدل على ذلك من أن أشهر أصنامهم التي عبدوها من‬
‫دون هللا‪« ،‬الالت» و«مناة»‪ ،‬هي أسماء لرجال صالحين ماتوا فغالوا في تعظيمهم حتى‬
‫عبدوهم من دون هللا(‪ ,)9‬وهنا كان حديث النبي × وفعل سيدنا على له عمل عظيم في‬
‫حماية جناب التوحيد‪ ،‬ويتضح لنا ما يفعله بعض جهلة المسلمين من تعظيم القبور‬
‫والطواف حولها والتعلق بأهلها أمر‬
‫محرم يخالف أمر هللا وسيرة أمير المؤمنين‪ ،‬فعلى العلماء الربانيين الذين يرجون هللا‬
‫واليوم اآلخر أن يقتدوا بالنبي × كما فعل أمير المؤمنين على‪ ،‬وأن يسعوا لتعبيد الناس‬
‫‪1‬‬
‫() االستذكار (‪.)1/234‬‬
‫‪2‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪ ،)1/405‬كنز العمال رقم (‪.)22522‬‬
‫‪3‬‬
‫() فتح الباري (‪ )4/376‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() الغلو في الدين‪ ،‬د‪ .‬الصادق الغريانى‪ ،‬ص (‪.)119‬‬
‫‪5‬‬
‫() فتح الباري (‪.)3/65‬‬
‫‪6‬‬
‫() سنن الترمذي رقم (‪)2180‬حسن صحيح‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() عدة المريد‪ ،‬ص (‪ ،)206‬الغلو في الدين للغريانى‪ ،‬ص (‪)119‬‬
‫‪8‬‬
‫() عدة المريد‪ ،‬ص (‪ ،)206‬الغلو في الدين للغريانى‪ ،‬ص (‪)119‬‬
‫‪9‬‬
‫() الغلو في الدين‪ ،‬ص (‪.)119‬‬
‫‪20‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫لربهم وجعل قلوبهم تتعلق باهلل الواحد القهار‪ ،‬وأن يحاربوا العوائق في الطريق إلى هللا‬
‫بالحكمة والموعظة الحسنة‪.‬‬
‫أ‪ -‬الزيارة الشرعية للقبور‪:‬إن الزيارة الشرعية للقبور سنة مجهولة عند الكثيرين‪،‬‬
‫قد غفلها جمع من الناس لفشو البدع والخرافات في العالم اإلسالمي‪ ،‬وعدم إرشاد أهل‬
‫العلم الناس إلى هذه الزيارة المشروعة‪ ،‬وتقصير الدعاة في توضيح هذا النوع المباح وما‬
‫يقال عند الزيارة‪ ،‬فالزيارة الشرعية الغرض منها‪ ،‬تذكر الموت ومكان اإلنسان ونهايته‪،‬‬
‫وأنه سيأتي اليوم الذي يكون هذا موضعه ومضجعه الذي يزوره اآلن‪ ،‬مما يعين على‬
‫الثبات على الطاعة‪ ،‬وحث النفس‪ ،‬واألخذ بزمامها نحو العبادة خاصة إذا أصابها فتور‬
‫وتقاعس عن العبادة‪ ،‬كما يشرع فيها السالم على األموات والدعاء لهم بالرحمة والمغفرة‪،‬‬
‫ومن األدلة على ذلك حديث عائشة‪ ،‬رضي هللا عنها‪ ،‬قالت‪ :‬كان رسول هللا × يخرج من‬
‫آخر الليل إلى البقيع فيقول‪« :‬السلام عليكم دار قوم مؤمنين‪ ،‬وإنا إن شاء الله‬
‫بكم لاحقون‪ ،‬اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد»‪ ،‬وفي رواية عنها‪ ،‬رضي هللا عنها‪،‬‬
‫في قصة جبريل‪ ،‬حين جاء النب ّي × وأخبره أن هللا تعالى يأمره أن يستغفر ألهل بقيع‬
‫الغرقد‪ ،‬قالت عائشة رضي هللا عنها‪ :‬كيف أقول لهم يا رسول هللا؟ فقال‪« :‬قولي‪ :‬السلام‬
‫على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا‬
‫والمستأخرين‪ ،‬وإنا إن شاء الله بكم لاحقون»(‪.)1‬‬
‫ب‪ -‬تاريخ االحتفال بالمزارات في األضرحة‪ :‬يذكر أن أول من أحدث االحتفال‬
‫بالمزارات السنوية في األضرحة هم العبيديون (الفاطميون) في القرن الرابع‪ ،‬ذكر ذلك‬
‫المقريزى أحمد بن على قال‪ :‬كانت لهم ستة موالد‪ ،‬مولد النبي ×‪ ،‬مولد على بن أبي‬
‫طالب‪ ،‬والحسن والحسين‪ ،‬وفاطمة رضي هللا عنهم‪ ،‬ومولد الخليفة‪ ،‬وكانوا ينحرون عند‬
‫قبر الحسين اإلبل والبقر والغنم(‪.)2‬ولم يكن المسلمون قبل هذا التاريخ في القرون الثالثة‬
‫األولى يقيمون األضرحة‪ ،‬وال يحتفلون بها‪ ،‬وال أدل على ذلك من أن أكثر الصحابة‬
‫رضوان هللا عليهم دفنوا خارج البقيع في مصر والشام والعراق‪ ،‬ال تعرف قبورهم‪ ،‬ومن‬
‫عرف قبره منهم‪ ،‬فمختلف فيه بين المؤرخين‪ ،‬و ُكتاب السير‪ ،‬فكيف خفيت قبورهم عن‬
‫أهل السير‪ ،‬وهم الصلحاء والعلماء وأعالم الهدى‪ ،‬الذين حملوا راية الدين والعلم‪ ،‬والجهاد‬
‫والعبادة؟ لو كان لألضرحة في زمانهم وزمان تابعيهم ذكر لما خفي مكانها‪ ،‬ولما اختلف‬
‫المؤرخون فيها‪ ،‬وفعل الناس لهذا األمر بعد القرون األولى خير القرون ال يكسبه‬
‫مشروعية بحال‪ ،‬كيف وقد نهى النبي × عن اتخاذ قبره عيدًا؟ فمن يفعل ذلك من الناس‬
‫فإنما يفعل عين ما حذر منه النبي ×‪ ،‬ويحتج بعمله وعمل شيخه‪ ،‬ويقدمه على هدى‬
‫اهلل َو َر ُسولِ ِه" [الحجرات‪،]1:‬‬
‫رسول هللا × وأصحابه‪ ،‬وهللا تعالى يقول‪+ :‬الَ ُت َقدِّموا ب ْين ي َد ِي ِ‬
‫ُ َ ََ‬
‫صيبهم َع َذاب أَلِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫يم" [النور‪.]63:‬‬
‫ٌ ٌ‬ ‫ويقول‪َ + :‬فلْيَ ْح َذ ِر الذ َ‬
‫ين يُ َخال ُفو َن َع ْن أ َْم ِره أَن تُص َيب ُه ْم ف ْتنَةٌ أ َْو يُ َ ُ ْ‬
‫جـ‪ -‬ارتباط المزارات بالتخلف والجهل‪ :‬ارتفع شأن القباب والتوابيت – المضروبة‬
‫على القبور – خالفًا ألمر رسول هللا × بتسويتها‪ ،‬كما بين لنا أمير المؤمنين على بن أبي‬
‫طالب رضي هللا عنه‪ ،‬وتفنن الناس في زخرفتها باأللوان الزاهية‪ ،‬ونصبت عليها ستائر‬
‫الحرير كستائر الكعبة‪ ،‬وحرست باألبواب الفاخرة وزودت بخزائن الحديد الثقيلة‪ ،‬لجمع‬
‫ما يجود به الزائرون‪ ،‬وما ينفقونه على أصحاب األضرحة من نذور‪ ،‬لتقضي حوائجهم‬
‫وتتحقق آمالهم‪ ،‬وازدهرت الحياة للمتعيشين على خدمة الضريح وحراسته‪ ،‬رواة‬
‫الكرامات‪ ،‬ورواة التحذير الصارم بسوء عاقبة كل من يحاول أن يشكك في سالمة ما‬
‫‪1‬‬
‫() مسلم رقم (‪ )1/671‬رقم (‪.)974‬‬
‫‪2‬‬
‫() المواعظ واالعتبار بذكر الخطط واآلثار (‪ ،)490 ،1/427‬الغلو في الدين للغريانى‪ ،‬ص (‪.)103‬‬
‫‪20‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫يجرى‪ ،‬ومن المعروف أن التبجيل على هذا النحو لألضرحة لم يزدهر إال يوم أن تخلف‬
‫المسلمون‪ ،‬وضعفتـ هممهم‪ ،‬في عصور االنحطاط العلمي‪ ،‬والجمود الفكري‪ ،‬يوم أن‬
‫حولوا نور الرسالة المحمدية‪ ،‬التي استطاعت في األربعين سنة األولى من عمرها أن‬
‫تجعل أهل األرض من فارس إلى المغرب يدينون بها‪ ،‬حولوا هذه الرسالة الحضارية‬
‫المشرقة إلى دروشة وخمول‪ ،‬وبطالة وتعلق باألوهام‪ ،‬وقصروا هممهم على أمور ما كان‬
‫سلفنا الصالح‪ ،‬الذي مأل الدنيا عل ًما وعمالً صالحًا يقف عندها‪ ،‬وال يلتفت إليها‪ ،‬أال يجدر‬
‫بنا أن نسأل أنفسنا‪ :‬هل وجد شيء من هذا على عهد الصحابة فعلوه لقبر الرسول ×‪ ،‬وهو‬
‫أفضل قبر على وجه األرض؟! أو لقبورهم‪ ،‬وهم أفضل أمته‪ ،‬أو وجد شيء منه حتى في‬
‫عهد األئمة الذين يقتدي بهم‪ ،‬كمالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد رحمهم هللا؟!‬
‫أليس عدم وجود شيء من ذلك عندهم دليالً على أن ما يجرى ال صلة له بالدين‪ ،‬وال‬
‫بالعبادة‪ ،‬وال بالوالية؟! وإنما هي مظاهر التخلف والجهل‪ ،‬استغلها من لهم مصلحة باسم‬
‫الدين‪ ،‬أيا كانت المصلحة‪ ،‬لتخدير العامة واالستيالء على عقولهم‪ ،‬وجيوبهم‪ ،‬وأكل‬
‫أموالهم وشدهم إلى الوراء‪ ،‬لقد ظل اإلسالم قرونًا عديدة بتزعم العالم قوة ومعرفة‪،‬‬
‫وحضارة‪ ،‬وتشريعًا‪ ،‬وأخالقًا‪ ،‬ورحمة باإلنسانية‪ ،‬وتطلعًا إلى االبتكار‪ ،‬ومعالي األمور‪،‬‬
‫ذلك كان حال المسلمين يوم أن كان تعلقهم بحقيقة اإلسالم فلما أعرضوا عن ذلك‪،‬‬
‫واستبدلوا مفاهيم مغلوطة‪ -‬تعتمد على التواكل والبطالة والدروشة والتعلق بالغيبيات التي‬
‫لم يقم عليها دليل‪ ،‬ولم يأمرنا هللا بها – بما عندهم من العلم والهداية‪ ،‬وسموا كل ذلك‬
‫(بركة)‪ ،‬تسمية للشيء بضده‪ ،‬وأحرى بمن يعرض عن الهداية وأسبهابها أن يكون من‬
‫الضالين‪ ،‬وعن البركة‬
‫من المبعدين(‪.)1‬‬
‫د‪ -‬الحمالت االستعمارية وإقامة األضرحة‪ :‬كان للحمالت الغربية االستعمارية‬
‫مواقف في تشجيع المسلمين أن ينحوا هذا المنحي ليبتعدوا عن جوهر الدين‪ ،‬ذكرت‬
‫صحيفة التايمز اإلنجليزية قول أحد رجال االستعمار البريطاني يحض على تشجيع البدع‬
‫واألوهام بين المسلمين يقول‪ :‬فإن ذلك كفيل بإبعادهم عن اإلسالم‪ ،‬يقول الشيخ أحمد‬
‫الباقورى‪ :‬أن أحد كبار المستشرقين حدثه عن بعض أساليب االستعمار في آسيا‪ ،‬أن‬
‫الضرورة كانت تقضي بتحويل القوافل اآلتية من الهند إلى بغداد‪ ،‬عبر تلك المنطقة‬
‫الواسعة إلى اتجاه جديد‪ ،‬للمستعمر فيه غاية‪ ،‬ولم تجد الوسائل في جعل القوافل تختاره‪،‬‬
‫وأخيرًا اهتدوا إلى إقامة عدة أضرحة وقباب على مسافات متقاربة في هذا الطريق‪ ،‬وما‬
‫هو إال أن تناقل الناس اإلشاعات بما فيها من األولياء‪ ،‬وبما شوهد من كرامتهم‪ ،‬حتى‬
‫صارت تلك الطريق مأهولة‪ ،‬ومقصودة عامرة(‪ ,)2‬وقد اهتمت الحكومة اإلنجليزية بالحالة‬
‫الدينية في مصر‪ ،‬وهي ترصد التحرك الشيوعي في المنطقة‪ ،‬فكان مما طمأنها على تدين‬
‫المصريين‪ :‬أن ثالثة ماليين مسلم زاروا ضريح أحمد البدوى بطنطا في ذلك العام‪ ،‬يقول‬
‫أحد العلماء الذين أوفدوا من وزارة األوقاف لوعظهم‪ :‬لقد كنت أشهد من أعمالهم ما‬
‫يستدعي الجلد بالسياط ال ما يستدعي الزجر بالكالم‪ ،‬ولو دعوا إلى واجب ديني صحيح‬
‫لفروا نافرين‪ ،‬وحسبك معرفة حالهم أنهم جاءوا الضريح المذكور للوفاء بالنذور‬
‫واالبتهال بالدعاء(‪.)3‬‬
‫هـ‪ -‬هل المزارات من اإلحداث في الدين‪ :‬مات رسول هللا × وهو أكرم الخلق‬
‫‪1‬‬
‫() الغلو في الدين‪ ،‬للغريانى (‪.)105‬‬
‫‪2‬‬
‫() انظر‪ :‬ليس من اإلسالم‪ ،‬لمحمد الغزالي‪ ،‬ص (‪.)224‬‬
‫‪3‬‬
‫() الغلو في الدين‪ ،‬ص (‪.)105‬‬
‫‪20‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫على هللا تعالى وأتقاهم هلل‪ ،‬وأخشاهم هلل‪ ،‬وتوقير أصحابه له غير خاف‪ ،‬ومحبتهم إياه ال‬
‫تقدر‪ ،‬وقُبر × في بيته‪ ،‬ومكان قبره الشريف معروف لدى أصحابه غير مجهول‪ ،‬وهو‬
‫أفضل قبر في الدنيا‪ ،‬فلم يقيموا عليه مشهدًا وال بناء‪ ،‬وال قبابًا‪ ،‬ولم يجتمع عند قبره‬
‫الخلفاء الراشدين إحياء لذكراه في يوم من السنة معلوم في (مزار) وال غيره من أصحابه‬
‫األخيار‪ ،‬اغتنا ًما للذكر والعبادة‪ ،‬بل كانوا إذا مروا بقبره الشريف يصلون ويسلمون عليه‬
‫كما أمرهم ربهم‪ ،‬وكانوا يطيعون أمره ويتبعون سنته‪ ،‬ويهتدون بهديه‪ ،‬ويقفون عند أمره‬
‫ول فَ ُخ ُذوهُ َو َما َن َها ُك ْم َع ْنهُ فَا ْنَت ُهوا"‬
‫الر ُس ُ‬
‫ونهيه‪ ،‬حيًا وميتًا‪ ،‬امتثاالً ألمر ربهم‪َ + :‬و َما آتَا ُك ُم َّ‬
‫ُس َوةٌ َح َسنَةٌ" [األحزاب‪،]21:‬‬ ‫ول ِ‬
‫اهلل أ ْ‬ ‫[الحشر‪ ،]7:‬وقوله عز وجل‪+ :‬لََق ْد َكا َن لَ ُكم ِفي ر ُس ِ‬
‫ْ َ‬
‫وخلفاؤهم هم القدوة الحسنة الذين أمرنا رسول هللا × باتباع سنتهم والعض عليها‬
‫بالنواجذ‪ ،‬ولم ينقل أحد من أهل اإلسالم أن أصحابه اجتمعوا ليلة في السنة عند قبره للذكر‬
‫والعبادة‪ ،‬رجاء البركة‪ ،‬وهم أولياء هللا‪ ،‬وحزب الهدى‪ ،‬وأنصار الحق‪ ،‬وكتائب الدين‪،‬‬
‫وأعلم منا بما يحبه رسول هللا ×‪ ،‬وأحرص على الطاعة‪ ،‬وتعظيم رسول هللا × في قلوبهم‬
‫وتوقيره بالمكان الذي ال يخفي‪ ،‬وال يختلف عليه‪ ،‬ألنه الذي نطق به القرآن‪ ،‬وأجمع على‬
‫تعظيمهم له‪ ،‬ومحبته وتوقيرهم إياه أهل اإلسالم‪ ،‬ولو كان هذا العيد السنوي عند قبره مما‬
‫يقرب إلى هللا‪ ،‬وال يخاف منه فساد في الدين لكانوا أسبق إليه‪ ،‬ولم يأمرهم رسول هللا ×‬
‫في حياته بشيء من هذا‪ ،‬وال وجُد في سنته بفعل وال تقرير ما يدل على مشروعيته عند‬
‫قبر النبي × بعد موته‪ ،‬أو عند أحد من قبور أصحابه الذين ماتوا‪ ،‬ومرت عليهم السنون‬
‫في حياته‪ ،‬فلم يتعبد هو وال أصحابه بشيء من هذا‪ ،‬وهو أكمل الخلق عبودية هلل‪ ،‬وأكملهم‬
‫عل ًما بما يرضى هللا تعالى‪ ،‬ونصحه ألمته‪ ،‬وحرصه على ما ينفعهم نزل به القرآن ‪ +‬لََق ْد‬
‫ول ِّمن أََن ُف ِس ُكم ع ِزيز علَي ِه ما عنِتِّم ح ِريص علَي ُكم بِالْم ْؤ ِمنِين رء ٌ ِ‬
‫يم" [التوبة‪:‬‬ ‫وف َّرح ٌ‬ ‫ْ َ ٌ َ ْ َ َ ْ َ ٌ َ ْ ْ ُ َ َُ‬ ‫اء ُك ْم َر ُس ٌ ْ‬
‫َج َ‬
‫‪ ،]128‬وقد نهانا النبي × عن اتخاذ قبره عيدًا‪ ،‬فقال ×‪« :‬لا تجعلوا بيوتكم قبورًا‪،‬‬
‫ولا تجعلوا قبري عيدًا‪ ،‬وصلوا علىَّ‪ ،‬فإن صلاتكم تبلغنى حيث كنت»(‪،)1‬‬
‫ومعنى عيد من العود‪ ،‬وهو الرجوع والمعاودة‪ ،‬ألنه يتكرر مرة بعد مرة‪ ،‬أي ال تجعلوا‬
‫لزيارة قبري أيا ًما معلومة‪ ،‬وأوقاتًا مخصوصة‪ ،‬كل شهر‪ ،‬أو كل سنة‪ ،‬أو غير ذلك‪ ،‬في‬
‫اجتماع عام يتكرر بصفة ثابتة كالعيد‪ ،‬وال تتخذوه منس ًكا ترحلون إليه كالحج‪ ،‬وال تشبهوا‬
‫باليهود والنصارى‪ ،‬فإنهم يفعلون ذلك‪ ،‬وقد أدى بهم األمر إلى الغلو والمبالغة في‬
‫اإلطراء‪ ،‬حتى جعلوا المسيح عليه السالم إلهًا‪ ،‬وقد حذر النبي × أصحابه من ذلك فقال‪:‬‬
‫«لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم‪ ،‬فإنما أنا عبده‪ ،‬فقولوا‪ :‬عبد الله‬
‫ورسوله»(‪ ،)2‬فإذا كان الحال من النهي في التعلق بقبر النبي ×‪ ،‬وهو أكرم الخلق على هللا‪،‬‬
‫وهو سيد األولين واآلخرين‪ ،‬وأفضل الخلق أجمعين‪ ،‬وأرجى الشفعاء عند هللا يوم الدين‪،‬‬
‫فما بالك بقبور األموات من دونه من األولياء والصالحين‪ ،‬فتكون مخالفة نهيه في ذلك‬
‫باتخاذ قبورهم أعيادًا‪ ،‬داخلة في الشق الثاني من الحديث‪ ،‬وهو ما يقرب إلى من يخالف‬
‫صيب ُهم ِف ْتنَةٌ أَو ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اب‬
‫ص َيب ُه ْم َع َذ ٌ‬ ‫ْ ُ‬ ‫نبيه في قوله عز وجل‪َ + :‬فلْيَ ْح َذ ِر الذ َ‬
‫ين يُ َخال ُفو َن َع ْن أ َْم ِره أَن تُ َ ْ‬
‫يم" [النور‪.]63:‬‬ ‫ِ‬
‫أَل ٌ‬
‫فهذا هو هدى خير القرون‪ ،‬فمن خالفهم زاع ًما أنه أتى بطاعة وقربة‪ ،‬فال يخلو حاله من‬
‫أمرين‪ ،‬إما أنه جاء ببدعة ظل ًما‪ ،‬وأما أن يكون مدعيًا أنه فاقهم فضالً وعل ًما‪ ،‬بل كان اإلمام مالك‬
‫رحمه هللا تعالى يقول‪ :‬من أحدث في هذه األمة شيئًا لم يكن عليه سلفها‪ ،‬فقد زعم أن رسول هللا ×‬
‫‪1‬‬
‫() فتح الباري‪ )4/376( :‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)3345‬‬
‫‪20‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ْت لَ ُك ْم ِدينَ ُك ْم" [المائدة‪ ،]3:‬فما لم يكن يومئذ دينًا‪ ،‬ال‬
‫خان الدين‪ ،‬ألن هللا تعالى يقول‪+:‬الَْي ْو َم أَ ْك َمل ُ‬
‫يكون اليوم دينًا(‪ ،)1‬وكان يقول‪ :‬السنة سفينة نوح من ركبها نجا‪ ،‬ومن تخلف عنها غرق(‪.)2‬‬
‫إن إقامة (المزارات) عبادة لم يفعلها رسول هللا × وال أصحابه‪ ،‬بل نهى عنها‪،‬ـ ومخالفته‬
‫من اإلحداث في الدين الذي ينتهي بصاحبه إلى الضالل كما أخبر النبي ×‪،‬فقد كان مماـ خطب‬
‫به في كل جمعة محذرًا‪ :‬أما بعد‪ ..‬فإن خير الحديث كتاب هللا وخير الهدى هدى محمد‪ ،‬وشر‬
‫األمور محدثاتها‪،‬ـ وكل بدعة ضاللة(‪ ,)3‬وقال ×‪« :‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه‬
‫فهو رد»(‪.)4‬‬
‫إن جمع الناس في يوم معين على الدوام‪ ،‬في مكان ما‪ ،‬تشد إليه الرحال من كل حدب‬
‫وصوبـ للعبادة‪ ،‬ال يجوز إال فيما شرعه هللا تعالى من إقامة النُّسك في مكة‪ ،‬وعرفة‪،‬‬
‫ومنى‪ ،‬والمزدلفة‪ ،‬وفي صلوات األعياد والجمعة والجماعة‪ ،‬وهي الشعائر التي أمر هللا‬
‫تعالى بتعظيمها‪ ،‬وإقامتها‪ ،‬وأثنى على أهلها بقوله تبارك وتعالى‪+ :‬ذَلِ َ‬
‫ك َو َمن ُي َعظِّ ْم َش َعائَِر‬
‫وب" [الحج‪ ،]32:‬وإحداث مشهد آخر غير ما ذكر‪ ،‬في يوم من‬ ‫اهلل فَِإ َّن َها ِمن َت ْق َوى الْ ُقلُ ِ‬
‫ِ‬
‫السنة‪ ،‬من اإلحداث في الدين‪ ،‬ألنه إحداث عبادة ونسك لم يشرعها هللا تعالى‪ ،‬فإن هذه‬
‫المزارات صارت عند العامة كالنسك‪ ،‬يجتمع إليها الناس في يوم من السنة معلوم للذبح‬
‫والعبادة‪ ،‬وتشد إليها الرحال‪ ،‬وهذا في ذاته أمر مذموم‪ ،‬فإن الطاعات المطلقة المندوب‬
‫إليها في كل وقت‪ ،‬إذا خصص شيء منها بليلة معينة‪ ،‬أو يوم معين‪ ،‬أو مكان معين‪ ،‬لم‬
‫يخصصه الشرع به‪ ،‬واعتقد أن لفعلها في ذلك الوقت المعين‪ ،‬أو المكان المعين‪ ،‬أثرًا‬
‫خاصًا في البركة‪ ،‬أو رفع الدرجات‪ ،‬أو قبول العمل‪ ،‬أو تعظيم األجر‪ ،‬تحولت تلك‬
‫األعمال التي هي من جنس الطاعات إلى بدعة باالتفاق‪ ،‬ألن ترتيب الثواب على‬
‫األعمال‪ ،‬أمر توقيفيـ ال يكون إال من الشارع‪ ،‬وقد جر هذا إلى مفاسد عظام‪ ،‬منها اعتقاد‬
‫العامة في أصحابها الذين بنيت عليهم القباب خالفًا لنهي رسول هللا × فاعتقدوا فيها الضر‬
‫والنفع‪ ،‬وقضاء الحوائج‪ ،‬وتقربوا إليها بالذبائح والقرابين في يوم معلوم من السنة‪ ،‬عند‬
‫إقامة المزار‪ ،‬وتوددوا إليها بعد ما أشاعوا حولها أن من ساق إليها الحيوان ليذبح في ذلك‬
‫اليوم‪ ،‬وكانت له حاجة يرجوها من ربه‪ ،‬مثل ولد إن كان ال يلد‪ ،‬أو شفاء مرض إن كان‬
‫مريضًا – ال يرجع إال بها‪ ،‬فصارت ملجأ لنجاح المطالب‪ ،‬وسألوا منها ما سأله العباد من‬
‫ربهم واستغاثوا بها‪ ،‬وظنوا أن حوائجهم تقضي لهم من ربهم بواسطتها وعن طريقها‪،‬‬
‫حتى صاروا يذبحون عندها‪ ،‬الستنزال المطر إذا تأخر المطر‪ ،‬معرضين عن كتاب هللا‬
‫وهدى رسول هللا × الذي أمر بالتوبة واالستغفار والدعاء والصالة طلبًا للسقيا‪ ،‬وقد ينزل‬
‫المطر بعد ذبحهم‪ ،‬استدارجًا وابتالء‪ ،‬ولكن عملهم ال يزال من أعمال الشياطين‪،‬‬
‫ومعتقدات الجاهلية(‪ ،)5‬فإلى هللا المشتكي‪.‬‬
‫إن أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا عنه دعا للتوحيد وحارب الشرك‬
‫وأسبابه‪ ،‬فعلى محبيه ومتبعيه أن يأخذوا بأقواله وأفعاله التي ترشدنا للتمسك بالقرآن‬
‫الكريم وهدى النبي ×‪ ،‬وما أحسن كالمه عندما قال‪« :‬ال يرجون أحد إال ربه وال يخافن‬
‫‪1‬‬
‫() االعتصام للشاطبى (‪.)2/53‬‬
‫‪2‬‬
‫() الغلو في الدين للغريانى‪ ،‬ص (‪.)109‬‬
‫‪3‬‬
‫() مسلم‪ :‬رقم (‪.)867‬‬
‫‪4‬‬
‫() البخاري‪.2697 :‬‬
‫‪5‬‬
‫() الغلو في الدين‪ ،‬ص (‪.)112 ،111‬‬
‫‪21‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫إال ذنبه»(‪ ،)1‬وقوله ألبي الهياج األسدى‪ :‬أال أبعثك على ما بعثني عليه رسول هللا ×‪«:‬أن‬
‫لا تدع تمثالاً إلا طمسته‪ ،‬ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته»(‪.)2‬‬
‫و‪ -‬حرص أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا عنه على بطالن‬
‫االعتقاد بالكواكب‪ :‬لما أراد أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا عنه أن يسافر‬
‫لقتال الخوارج‪ ،‬عرض له منجم‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬ال تسافر‪ ،‬فإن القمر في‬
‫العقرب‪ ،‬فإنك إن سافرت والقمر في العقرب هزم أصحابك‪ -‬أو كما قال‪ -‬فقال على‪ :‬بل‬
‫أسافر ثقة باهلل وتوكالً على هللا وتكذيبًا لك‪ ،‬فسافر فبورك له في ذلك السفر‪ ،‬فقتل عامة‬
‫الخوارج(‪ ،)3‬وجاء في رواية‪...:‬فلما فرغ من النهروان حمد هللا وأثنى عليه ثم قال‪ :‬لو‬
‫سرنا في الساعة التي أمرنا المنجم لقال الجهال الذين ال يعلمون‪ :‬سار في الساعة التي‬
‫أمره بها المنجم فظفر(‪.)4‬‬
‫انظر إلى حرص أمير المؤمنين على رضي هللا عنه على سالمة عقيدة أصحابه مما‬
‫ادعاه المنجم من ذلك االعتقاد الفاسد‪ ،‬فعلى رضي هللا عنه مع ما كان فيه من األمر المهم‬
‫من قتال الخوارج‪ ،‬وانشغاله بنتيجة المعركة‪ ،‬فإنه لم ينس تلك الكلمة التي قالها ذلك‬
‫المنجم له في بداية مسيره‪ ،‬فكان منه بيان فساد ذلك المعتقد في الوقت المناسب بعد انتهاء‬
‫قتاله للخوارج وانتصاره عليهم(‪.)5‬‬
‫ز‪ -‬إحراق أمير المؤمنين على رضي هللا عنه لمن غلوا فيه وادعوا فيه‬
‫األلوهية‪ :‬عن عبد هللا بن شريك العامرى عن أبيه قال‪ :‬قيل لعلي‪ :‬إن هنا قو ًما على باب‬
‫المسجد يدعون أنك ربهم‪ ،‬فدعاهم فقال لهم‪ :‬ويلكم‪ ،‬ما تقولون؟ قالوا‪ :‬أنت ربنا وخالقنا‬
‫ورازقنا‪ ،‬فقال‪ :‬ويلكم إنما أنا عبد مثلكم‪ ،‬آكل الطعام كما تأكلون‪ ،‬وأشرب كما تشربون‪،‬‬
‫إن أطعت هللا أثابنى إن شاء هللا‪ ،‬وإن عصيته خشيت أن يعذبني‪ ،‬فاتقوا هللا وارجعوا‪،‬‬
‫فأبوا فلما كان الغد غدوا عليه‪ ،‬فجاء قنبر‪ ،‬فقال‪ :‬قد وهللا رجعوا يقولون ذلك الكالم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أدخلهم فقالوا كذلك‪ .‬فلما كان اليوم الثالث‪ ،‬قال‪ :‬لئن قلتم ذلك ألقتلنكم بأخبث قتلة‪ ،‬فأبوا إال‬
‫ذلك‪ ،‬فخد لهم أخدودًا بين المسجد والقصر‪ ،‬وقال‪ :‬إني طارحكم فيها أو ترجعوا‪ ،‬فأبوا أن‬
‫يرجعوا‪ ،‬فقذف بهم فيها‪ ،‬حتى إذا احترقوا(‪ )6‬قال‪:‬‬
‫أوقدت نـاري ودعـوت‬ ‫إني إذا رأيت األمر أمـرًا منكرًا‬
‫(‪) 7‬‬
‫قنـبرًا‬
‫كما أخرج البخاري في صحيحة خبر اإلحراق من حديث عكرمة‪ ،‬قال‪ :‬أتى على‬
‫رضي هللا عنه بزنادقة فأحرقهم‪ ،‬فبلغ ذلك ابن عباس فقال‪ :‬لو كنت أنا لم أحرقهم لنهى‬
‫رسول هللا × حيث قال‪« :‬لا تعذبوا بعذاب الله»‪ ،‬ولقتلتهم لقول رسول هللا ×‪« :‬من‬
‫بدل دينه فاقتلوه»(‪ , )8‬وقال ابن تيمية‪ :‬وثبت عنه أنه حرق غالبية الرافضة الذين‬

‫‪1‬‬
‫() الفتاوى (‪.)8/101‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسلم‪ .‬ك الجنائز (‪.)2/666‬‬
‫‪3‬‬
‫() مجموع الفتاوى (‪ ،)135/179‬البداية والنهاية (‪.)7/288‬‬
‫‪4‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/288‬‬
‫‪5‬‬
‫() منهج على بن أبي طالب في الدعوة إلى هللا‪ ،‬ص(‪.)329‬‬
‫‪6‬‬
‫() فتح الباري (‪ )12/270‬سنده حسن‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() فتح الباري (‪ )12/270‬سنده حسن‪.‬‬
‫‪21‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫اعتقدوا فيه اإللهية(‪.)1‬‬
‫لم ير ابن عباس رضي هللا عنهما‪ ،‬رأى على بن أبي طالب رضي هللا عنه في‬
‫إحراق السبئية‪ ،‬حيث يقول‪ :‬لو كنت أنا لم أحرقهم محتجًا عليه بنهى رسول هللا ×‪« :‬لا‬
‫تعذبوا بعذاب الله»‪،‬ولقوله ×‪« :‬من بدل دينه فاقتلوه»(‪ .)2‬قال ابن حجر‪ :‬وهذا‬
‫يحتمل أن ابن عباس سمعه من رسول هللا ×‪ ،‬ويحتمل أن يكون سمعه من بعض‬
‫الصحابة‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وفي رواية أبي داود‪ :‬فبلغ ذلك عليًا‪ ،‬فقال‪ :‬ويح أم ابن عباس ‪ ,‬وهذا يحتمل أنه لم‬
‫ضا‪( :‬ويح) كلمة رحمة‪،‬‬ ‫يرض بما اعترض به‪ ،‬ورأى النهى للتنزيه(‪ .)4‬وقال ابن حجر أي ً‬
‫فتوجع له لكونه حمل النهى على ظاهره‪ ،‬فاعتقد التحريم مطلقًا‪ ،‬فأنكره‪ ،‬ويحتمل أن يكون‬
‫قالها رضًا بما قال‪ ،‬وأنه حفظ ما نسيه بناء على أحد ما قيل في تفسير «ويح»‪ ،‬أنها تقال‬
‫بمعنى المدح والتعجب(‪ ,)5‬وقال‪ :‬واختلف السلف في التحريق‪ ،‬فكره ذلك عمر‪ ،‬وابن‬
‫عباس‪ ،‬وغيرهما مطلقًا سواء كان ذلك بسبب كفر‪ ،‬أو في حال مقاتلة‪ ،‬أو كان قصاصًا‪،‬‬
‫وأجازه على‪ ،‬وخالد بن الوليد وغيرهما‪ ،‬وقال المهلب‪ :‬ليس هذا النهى على التحريم‪ ،‬بل‬
‫على سبيل التواضع‪ ،‬ويدل على جواز التحريق فعل الصحابة‪ ،‬فقد سمل النبي × أعين‬
‫العرنيين بالحديد المحمى‪ ،‬وقد حرق أبو بكر البغاة بالنار بحضرة الصحابة‪ ،‬وحرق خالد‬
‫بن الوليد بالنار ناسًا من أهل الردة‪ ،‬وأكثر علماء المدينة يجيزون تحريق الحصون‬
‫والمراكب على أهليها‪ ،‬قاله الثوري‪ ،‬واألوزاعى‪ ،‬وقال ابن المنير وغيره‪ ،‬ال حجة فيما‬
‫ذكر للجواز‪ ،‬ألن قصة العرنيين كانت إما قصاصًا أو منسوخة كما تقدم‪ ،‬وتجويز‬
‫الصحابي معارض بمنع صحابي آخر‪ ،‬وقصة الحصون والمراكب مقيدة بالضرورة إلى‬
‫ذلك إذا تعين طريقًا للعدو(‪ ,)6‬وقال ابن القيم‪ :‬وحرق أبو بكر رضي هللا عنه اللوطية‬
‫وأذاقهم حر النار في الدنيا قبل اآلخرة‪ ،‬وكذلك قال أصحابنا‪ :‬إذا رأى اإلمام تحريق‬
‫اللوطي فله ذلك‪ ،‬فإن خالد بن الوليد‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬كتب إلى أبي بكر الصديق‪ ،‬رضي‬
‫هللا عنه‪ ،‬أنه وجد في بعض نواحي العرب رجالً ينكح كما تنكح المرأة‪ ،‬فاستشار الصديق‬
‫أصحاب رسول هللا وفيهم على بن أبي طالب وكان أشدهم قوالً‪ ،‬فقال‪ :‬إن هذا الذنب لم‬
‫تعص به أمة من األمم‪ ،‬إال واحدة فصنع هللا بهم ما قد علمتم‪ ،‬أرى أن يحرق بالنار‪ ،‬فكتب‬
‫أبو بكر إلى خالد أن يحرقوا فحرقهم‪ ،‬ثم حرقهم عبد هللا ابن الزبير في خالفته‪ ،‬ثم حرقهم‬
‫هشام بن عبد الملك(‪.)7‬‬
‫ح‪ -‬كيفية بداية اإليمان في القلب عند أمير المؤمنين على بن أبي طالب‪،‬‬
‫وتعريفه للتقوى‪:‬قال أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا عنه‪ :‬إن اإليمان يبدو‬
‫لمظة بيضاء في القلب‪ ،‬فكلما ازداد العبد إيمانًا ازداد القلب بياضًا‪ ،‬وكلما ازداد العبد نفاقًا‬
‫‪8‬‬
‫() البخاري‪ ،‬ك المرتدين (‪.)4/279‬‬
‫‪1‬‬
‫() الفتاوى (‪ ،)28/474‬منهاج السنة (‪.)5/12‬‬
‫‪2‬‬
‫() البخاري‪ ،‬ك المرتدين (‪.)4/279‬‬
‫‪3‬‬
‫() سنن أبي داود‪ ،‬ك الحدود (‪ )4/520‬صححه األلباني‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() فتح الباري (‪.)12/271‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)12/272‬‬
‫‪6‬‬
‫() فتح الباري (‪.)6/150‬‬
‫‪7‬‬
‫() الطرق الحكمية في السياسة الشرعية‪ ،‬ص (‪.)23 ،22‬‬
‫‪21‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ازداد القلب سوادًا‪ ،‬حتى إذا استكمل العبد النفاق اسود القلب‪ ،‬وايم هللا لو شققتم عن قلب‬
‫المؤمن لوجدتموه أبيض‪ ،‬ولو شققتم عن قلب المنافق والكافر لوجدتموه أسود(‪. )1‬‬
‫وقد بين علماء أهل السنة حقيقة اإليمان فقالوا بأن اإليمان هو التصديق بالقلب‬
‫والنطق بالشهادتين والعمل بالجوارح واألركان‪ ،‬أي هو‪ :‬اعتقاد وقول وعمل‪ ،‬فهذه الثالثة‬
‫كلها مندرجة فيه وتمثل أجزاء من حقيقته‪ ،‬وقد تواترت أقوال العلماء ومن بعدهم على‬
‫هذه الحقيقة واستدلوا بأدلة كثيرة من اآليات القرآنية‪ ،‬واألحاديث النبوية على صحة هذا‬
‫وب ُه ْم َوإِذَا‬ ‫ين إِذَا ذُكِ َر اهللُ َو ِجلَ ْ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت ُقلُ ُ‬ ‫القول في حقيقة اإليمان ‪ ,‬قال تعالى‪ + :‬إِنَّ َما ال ُْم ْؤمنُو َن الذ َ‬
‫(‪) 2‬‬

‫اه ْم ُي ْن ِف ُقو َ‬ ‫ِ‬ ‫اد ْتهم إِيمانًا و َعلَى ربِّ ِهم يَتو َّكلُو َن ‪ ‬الَّ ِذ ِ‬ ‫تُلِيَ ْ‬
‫ن‪‬‬ ‫الصالَةَ َوم َّما َر َزقْنَ ُ‬
‫يمو َن َّ‬ ‫ين يُق ُ‬‫َ‬ ‫َ ََْ‬ ‫ت َعلَْي ِه ْم آيَاتُهُ َز َ ُ ْ َ َ‬
‫ك ُه ُم ال ُْم ْؤ ِمنُو َن َح ًّقا " [األنفال‪ .]4-2 :‬فقد جمعت هذه اآليات‪ -‬وهي تعرض صفات‬ ‫أُولَئِ َ‬
‫المؤمنين – بين عمل القلب وعمل الجوارح‪ ،‬واعتبرت هذا كله إيمانًا‪ ،‬وقصرت اإليمان‬
‫عليه بأداة القصر والحصر (إنما) وعرفت المؤمنين بتلك الصفات مجتمعة‪ ،‬عندما‬
‫ك ُه ُم ال ُْم ْؤ ِمنُو َن َح ًّقا" وأعمال الجوارح في هذه الصفات هي‪ :‬إقامة‬ ‫ضمنتها بعبارة ‪+‬أُولَئِ َ‬
‫(‪) 3‬‬
‫الصالة واإلنفاق في سبيل هللا ‪.‬‬
‫وقال رسول هللا ×‪« :‬الإيمان بضع وسبعون شعبة‪ ،‬أفضلها قول لا إله إلا‬
‫الله‪ ،‬وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان»(‪ . )4‬والشاهد‬
‫في الحديث ما ذكره رسول هللا ×‪ ،‬فالشهادة قول‪ ,‬وإماطة األذى عن الطريق عمل‪،‬‬
‫والحياء خلق وسلوك‪ ،‬وجعل الثالثة من اإليمان دليل على حقيقته‪ ،‬ومعظم شعب اإليمان‬
‫هي أعمال(‪ ,)5‬وقال اإلمام البخاري في صحيحة‪ :‬هو قول وفعل يزيد وينقص‪ ،‬والحب في‬
‫هللا والبغض في هللا من اإليمان‪ .‬وقال عمر ابن عبد العزيز‪ :‬إن لإليمان فرائض وشرائع‬
‫وحدودًا وسننًا‪ ،‬فمن استكملها استكمل اإليمان ومن لم يستكملها لم يستكمل اإليمان‪ ،‬فإن‬
‫أعش فسأبينها لكم حتى تعملوا بها‪ ،‬وإن مت فما أنا على صحبتكم بحريص(‪ ,)6‬وما قاله‬
‫أمير المؤمنين في اإليمان لما سئل عنه‪« :‬اإليمان على أربع دعائم‪ :‬على الصبر واليقين‬
‫والعدل والجهاد‪ ،‬والصبر منها على أربع شعب‪ :‬على الشوق والشفق والزهد والترقب‪،‬‬
‫فمن اشتاق إلى الجنة سال عن الشهوات‪ ،‬ومن أشفق من النار اجتنب المحرمات‪ ،‬ومن‬
‫زهد في الدنيا استهان بالمصيبات‪ ،‬ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات‪ ،‬واليقين منها‬
‫على أربع شعب‪ :‬على تبصرة الفطنة‪ ،‬وتأول الحكمة‪ ،‬وموعظة العبرة‪ ،‬وسنة األولين‪،‬‬
‫فمن تبصر في الفطنة تبينت له الحكمة‪ ،‬ومن تبينت له الحكمة عرف العبرة‪ ،‬ومن عرف‬
‫العبرة فكأنما كان في األولين‪ .‬والعدل منها على أربع شعب‪ :‬على غائض الفهم‪ ،‬وغور‬
‫العلم‪ ،‬وزهرة الحكم‪ ،‬ورساخة الحلم‪ ،‬فمن فهم علم غور العلم‪ ،‬ومن علم غور العلم صدر‬
‫عن شرائع الحكم‪ ،‬ومن حلم لم يفرط في أمره وعاش بين الناس حميدًا‪ ،‬والجهاد منها على‬
‫أربع شعب‪ :‬األمر بالمعروف والنهى عن المنكر‪ ،‬والصدق في المواطن وشنئان الفاسقين‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫() الفتاوى (‪.)7/191‬‬
‫‪2‬‬
‫() في ظالل اإليمان للخالدى‪ ،‬ص (‪.)23‬‬
‫‪3‬‬
‫() تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين‪ ،‬ص (‪.)188‬‬
‫‪4‬‬
‫() مسلم‪ ،‬ك اإليمان (‪ )1/63‬رقم (‪.)75‬‬
‫‪5‬‬
‫() في ظالل اإليمان‪ ،‬ص (‪.)30‬‬
‫‪6‬‬
‫() البخاري‪ ،‬ك اإليمان (‪.)1/9‬‬
‫‪21‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫فمن أمر بالمعروف شد ظهور المؤمنين‪ ،‬ومن نهى عن المنكر أرغم أنوف المنافقين‪،‬‬
‫ومن صدق في المواطن قضى ما عليه‪ ،‬ومن شنئ الفاسقين وغضب هلل غضب هللا له‬
‫وأرضاه يوم القيامة»(‪ .)1‬وقال أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا عنه في‬
‫تعريفه للتقوى‪« :‬ترك اإلصرار على المعصية‪ ،‬وترك االغترار بالطاعة»(‪ .)2‬وقال فيها‪:‬‬
‫« التقوى هي الخوف من الجليل‪ ،‬والعمل بالتنزيل‪ ،‬والقناعة بالقليل‪ ،‬واالستعداد ليوم‬
‫الرحيل» (‪ .)3‬ففي اهتمام أمير المؤمنين في حث الناس على التقوى ثمرات وآثار في‬
‫جانب الفرد والمجتمع‪ ،‬منها‪ :‬محبة هللا له‪+‬اهلل ي ِح ُّ ِ‬
‫ين" [التوبة‪ ،]4:‬معية هللا ‪+‬إِ َّن اهللَ‬ ‫ب ال ُْمتَّق َ‬ ‫َُ‬
‫ب ِف ِيه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين ُهم ُّم ْح ِسنُو َن" [النحل‪،]128:‬‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ي‬ ‫ر‬ ‫ال‬
‫َ َ َ ُ َ َْ َ‬ ‫اب‬ ‫ت‬ ‫ْك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ذ‬ ‫‪+‬‬ ‫بالقرآن‬ ‫االنتفاع‬ ‫ين َّات َق ْوا َوالذ َ‬ ‫َم َع الذ َ‬
‫س ُه ْم طَائِ ٌ‬ ‫ين َّات َق ْوا إِذَا َم َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ه ًدى لِّل ِ‬
‫ف ِّم َن‬ ‫ين" [البقرة‪ ،]2:‬الحفظ من الشيطان ووساوسه ‪+‬إِ َّن الذ َ‬ ‫ْمتَّق َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الش ْيطَان تَ َذك ُروا فَإذَا ُهم ُّم ْبص ُرو َن" [األعراف‪ ،]201:‬انتفاء الخوف والحزن ‪ +‬فَ َمن ات َقى‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ف َعلَْي ِه ْم َوالَ ُه ْم يَ ْح َزنُو َن" [األعراف‪ ،]35:‬قبول العمل ‪+‬إِنَّ َما َيَت َقبَّ ُل اهللُ ِم َن‬ ‫َصلَ َح فَالَ َخ ْو ٌ‬ ‫َوأ ْ‬
‫ين" [المائدة‪ ،]27:‬اليسر بعد العسر‪ ،‬والمخرج بعد الضيق ‪َ +‬و َمن َّيت َِّق اهللَ يَ ْج َعل لَّهُ‬ ‫ِ‬
‫ال ُْمتَّق َ‬
‫َم ْخ َر ًجا" [الطالق‪َ + ،]2:‬و َمن َيت َِّق اهللَ يَ ْج َعل لَّهُ ِم ْن أ َْم ِر ِه يُ ْس ًرا" [الطالق‪ ،]4:‬الفراسة والحكمة‬
‫آمنُوا إِن َتَّت ُقوا اهللَ يَ ْج َعل لَّ ُك ْم ُف ْرقَانًا" [األنفال‪ ،]29:‬دخول الجنة ‪َ +‬و َجن ٍَّة‬ ‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫والنور ‪ +‬يَا أ َُّي َها الذ َ‬
‫ين‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِّت لِل ِ‬ ‫ات واألَر ِ‬
‫ين" [آل عمران‪ ،]133:‬النجاة من النار ‪ +‬ثُ َّم ُننَ ِّجي الذ َ‬ ‫ْمتَّق َ‬
‫ض أُعد ْ ُ‬ ‫الس َم َاو ُ َ ْ ُ‬ ‫ض َها َّ‬ ‫َع ْر ُ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َّات َق ْوا َف ْو َق ُه ْم‬
‫ين ف َيها جثيًّا" [مريم‪ ،]72:‬المنزلة العالية يوم القيامة ‪َ +‬والذ َ‬ ‫َّات َق ْوا َونَ َذ ُر الظَّالم َ‬
‫)‬ ‫‪4‬‬ ‫(‬

‫َي ْو َم ال ِْقيَ َام ِة" [البقرة‪.]212:‬‬


‫ط‪ -‬القضاء والقدر عند أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا عنه‪:‬‬
‫قال أمير المؤمنين على ابن أبي طالب رضي هللا عنه‪ :‬إنه ال يكون في األرض شيء حتى‬
‫يقضي في السماء‪ ،‬وليس من أحد إال وقد وكل به ملكان يدفعان عنه ويكالنه‪ ،‬حتى يجيء‬
‫قدره‪ ،‬فإذا جاء قدره خليا بينه وبين قدره‪ ،‬وإن عل َّى من هللا جنة حصينة‪ ،‬فإذا جاء أجلى‬
‫كشف عنى‪ ،‬وإنه ال يجد طعم اإليمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم‬
‫يكن ليصيبه(‪ ,)5‬وقال رضي هللا عنه‪ :‬إن األمر ينزل من السماء كقطر المطر لكل نفس ما‬
‫كتب هللا لها من زيادة أو نقصان في نفس أو أهل أو مال‪ ،‬فمن رأى نقصًا في نفسه أو‬
‫أهله أو ماله‪ ،‬ورأى لغيره كثرة فال يكونن ذلك له فتنة‪ ،‬فإن المسلم ما لم يغش دنياه يظهر‬
‫تخشعا لها إذا ذكرت ويغرى به لئام الناس كالبائس العالم ينتظر أول فورة من قداحة‬
‫توجب له المغنم‪ ،‬وتدفع عنه المغرم‪ ،‬فكذلك المسلم البريء من الخيانة بين إحدى‬
‫الحسنيين‪ ،‬إذا ما دعا هللا‪ ،‬فما عند هللا خير له‪ ،‬وإما أن يرزقه هللا ماالً فإذا هو ذو أهل‬
‫ومال ومعه حسبه ودينه‪ ،‬وإما أن يعطيه هللا في اآلخرة‪ ،‬فاآلخرة خير وأبقى‪،‬ـ الحرث‬
‫‪1‬‬
‫() نهج البالغة‪ ،‬ص (‪.)668 ،667‬‬
‫‪2‬‬
‫() تفسير الرازي (‪.)2/21‬‬
‫‪3‬‬
‫() فرائد الكالم‪ ،‬ص (‪.)334‬‬
‫‪4‬‬
‫() سورة الحجرات دراسة تحليلية موضوعية للعمرى‪ ،‬ص (‪.)237 ،236‬‬
‫‪5‬‬
‫() حياة الصحابة للكاندهلوى (ج‪ ،)3‬ص (‪ ،)305‬فرائد الكالم‪ ،‬ص(‪.)348‬‬
‫‪21‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫حرثان‪ ،‬فحرث الدنيا‪ :‬المال والتقوى‪ ،‬وحرث اآلخرة‪ :‬الباقيات الصالحات‪ ،‬وقد يجمعهما‬
‫هللا تعالى ألقوام(‪.)1‬‬
‫ى‪ -‬كيف يحاسب هللا العباد على كثرة عددهم؟قيل ألمير المؤمنين على بن أبي‬
‫طالب رضي هللا عنه‪ :‬كيف يحاسب هللا العباد على كثرة عددهم؟ فقال‪ :‬كما يرزقهم على‬
‫كثرة عددهم(‪.)2‬‬
‫ثانيًا‪ :‬خطبة ألمير المؤمنين على بن أبي طالب وتحليلها‪:‬‬
‫كان أمير المؤمنين على بن أبي طالب يتعهد الرعية بالتوجيه والتعليم والتربية من‬
‫خالل االحتكاك اليومي‪ ،‬وخصوصًا يوم الجمعة حيث كانت خطبة الجمعة من المنابر‬
‫المهمة في توجيه األمة وترشيدها‪ ،‬وقد حفظ التاريخ ألمير المؤمنين على كثيرًا من‬
‫خطبه‪ ،‬وهذه إشارات عابرة عن خطبه‪ ،‬وإليك هذا النموذج الفريد العجيب من خطبه‬
‫حيث قال‪:‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫أما بعد فإن الدنيا قد أدبرت وأذنت بوداع‪ ،‬وإن اآلخرة قد أقبلت وأشرفت باطال ع‪،‬‬
‫وإن المضمار(‪ )4‬اليوم وغدًا السباق‪ ،‬أال وإنكم في أيام أمل من ورائه أجل‪ ،‬فمن قصر في‬
‫أيام أمله قبل حضور أجله فقد خاب عمله‪ ،‬أال فاعملوا هلل في الرغبة‪ ،‬كما تعملون له في‬
‫الرهبة‪ ،‬وإني لم أر كالجنة نام طالبها‪ ،‬ولم أر كالنار نام هاربها‪ ،‬وإنه من لم ينفعه الحق‬
‫ضره الباطل‪ ،‬ومن لم يستقم به الهدى حاد به الضالل‪ ،‬أال وإنكم قد أمرتم بالظعن‪ ،‬ودللتم‬
‫على الزاد‪ ،‬أال أيها الناس إنما الدنيا عرض حاضر‪ ،‬يأكل منها البر والفاجر‪ ،‬وإن اآلخرة‬
‫وعد صادق يحكم فيها ملك قادر‪ ،‬أال إن الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء‪ ،‬وهللا‬
‫يعدكم مغفرة منه وفضالً‪ ،‬وهللا واسع عليم‪ ،‬أيها الناس‪ ،‬أحسنوا في أعماركم تحفظوا في‬
‫أعقابكم‪ ،‬فإن هللا وعد جنته من أطاعه‪ ،‬وأوعد ناره من عصاه‪ ،‬إنها نار ال يهدأ زفيرها‪،‬‬
‫وال يفك أسيرها‪ ،‬وال يجبر كسيرها‪ ،‬حرها شديد‪ ،‬وقعرها بعيد‪ ،‬وماؤها صديد(‪.)5‬‬
‫ولو تأملنا في المقطع السابق لوجدنا أن عوامل التأثير في المدعوين تتمثل فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬صدق اللهجة النابع من إيمانه بما يدعو إليه‪ ،‬مما يجعل كلماته كأنها قبس من‬
‫نفسه المشتعلة‪ ،‬وصورة من عواطفه المنفعلة‪ ،‬فهو ال يكاد ينطق بالجملة حتى تكون‬
‫أسماعهم قد تلقفتها‪ ،‬وقلوبهم قد وعتها‪.‬‬
‫‪ -2‬تمتاز األلفاظ بالقوة‪ ،‬مع سهولتها وعذوبتها وسالستها‪ ،‬كما أن عبارتها واضحة‪،‬‬
‫وجملتها قصيرة‪ ،‬ولعل ذلك يسعف السامعين بإدراك المعنى المراد‪.‬‬
‫‪ -3‬المقابلة بين المعاني المتضادة مما يزيد المعنى وضوحًا‪ ،‬والسامع تأثرًا‪ ،‬ومن‬
‫ذلك مثالً‪ :‬قوله‪ :‬فإن الدنيا قد أدبرت وأذنت بوداع‪..‬وإن اآلخرة قد أقبلت وأشرفت‬
‫باطالع‪ ،‬وقوله‪ :‬وإني لم أر كالجنة نام طالبها‪ ..‬وال كالنار نام هاربها‪.‬‬
‫‪ -4‬االقتباس من القرآن الكريم‪ ،‬كما في قوله‪ :‬أال إن الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫() البداية والنهاية (‪ ،)8/8‬فرائد الكالم‪ ،‬ص (‪.)343‬‬
‫‪2‬‬
‫() أدب الدنيا والدين‪ ،‬ص (‪ ،)26‬فرائد الكالم‪ ،‬ص (‪.)339‬‬
‫‪3‬‬
‫() أذنت‪ :‬أعلمت‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() المضمار‪ :‬الموضع الذي تضمر فيه الخيل للسباق‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)8/7‬‬
‫‪21‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الش ْيطَا ُن يَ ِع ُد ُك ُم‬
‫وهللا يعدكم مغفرة منه وفضالً‪ ،‬وهللا واسع عليم‪ ،‬ذلك مقتبس(‪ )1‬من قوله تعالى‪َّ + :‬‬
‫يم" [البقرة‪.]268:‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫الْ َف ْق َر َويَأ ُْم ُر ُكم بِالْ َف ْح َش ِاء َواهللُ يَ ِع ُد ُكم َّمغْ ِف َرةً ِّم ْنهُ َوفَ ْ‬
‫ضالً َواهللُ َواس ٌع َعل ٌ‬
‫‪ -5‬لقد كانت عناصر الخطبة المذكورة تتمثل في التأثر الشديد بالقرآن الكريم وبكالم‬
‫الرسول ×‪ ،‬وواقعيتها واتصالها الحميم بالحياة البشرية‪ ،‬وعمق المعاني وسموها‬
‫وشمولها‪ ،‬واإلجادة في تخير األلفاظ وبناء العبارة‪ ،‬واإليجاز‪ ،‬والتعبير عن المعاني‬
‫واأللفاظ بالصور‪ ،‬واعتماد الوسائل البديعة‪ ،‬وغاية القول‪ ،‬فإن هذه الخطبة تكتسب أهمية‬
‫خاصة لما تتكشف عنه من مزايا دينية وأدبية وشخصية‪ ،‬فهي عميقة الداللة على شخصية‬
‫صاحبها أمير المؤمنين على بن أبي طالب‪ ،‬تنبئ عن إدراكه السليم للمفاهيم واآلراء‬
‫اإلسالمية السديدة التي تتناول طبيعة الدنيا وغاية الوجود البشرى والمصير الذي ينتهي‬
‫إليه‪ ،‬ونوضح النتائج التي توصل إليها أمير المؤمنين على بن أبي طالب في هذا‬
‫الخصوص‪ ،‬وتدلنا على ما كان يتحلى به من حكمة نافذة ورؤيا معمقة يرفدها صفاء ذهنه‬
‫وطهارة روحه‪ ،‬إلى غير ذلك من المزايا العقلية والروحية العالية التي أفاضها عليه إيمانه‬
‫وتقواه وتمسكه بعرى اإلسالم واعتصامه بربه ورضاه بقضائه‪ ،‬إن هذا كله قد ساعده في‬
‫الوصول بالنثر الفني إلى هذا المستوى الرفيع‪ ،‬فكان بحق في عالم األدب فارس الكلمة‬
‫وقائدها وإمامها تما ًما‪ ،‬كما كان في الناس إما ًما عادالً زاهدًا‪ ،‬وقائدًا حكي ًما مجربًا‪،‬‬
‫وفارسًا ال يبارى (‪ ،)2‬هذا وقد اهتم أمير المؤمنين على رضي هللا عنه بانتهاز المناسبات‬
‫في وعظ الناس وتذكيرهم‪ ،‬ولم يكتف بخطب الجمعة فقط‪ ،‬فعندما شيع جنازة ووضعتـ‬
‫في لحدها وعج(‪ )3‬أهلها وبكوا قال‪ :‬ما تبكون؟ أما وهللا لو عاينوا ما عاين ميتهم‪ ،‬ألذهلتهم‬
‫معاينتهم عن ميتهم‪ .‬وإن له فيهم لعودة ثم دعوة‪ ،‬ثم ال يُبقى منهم أحدًا‪..‬فاتقوا هللا عباد هللا‪،‬‬
‫وجدوا في الطلب‪ ،‬وبادروا بالعمل مقطع النهمات‪ ،‬وهادم اللذات‪ ،‬فإن الدنيا ال يدوم‬
‫نعيمها‪ ،‬وال تؤمن فجائعها‪ ،‬غرور حائل‪ ،‬وسند مائل‪ ،‬اتعظوا عباد هللا بالعبر‪ ،‬واعتبروا‬
‫باآليات واألثر‪ ،‬وازدجروا بالنذر‪ ،‬وانتفعوا بالمواعظ‪ ،‬فكأنما قد علقتكم مخالب المنية‪،‬‬
‫وضمكم بيت التراب‪ ،‬ودهمتكم مقطعات األمور بنفخة الصور‪ ،‬وبعثرة القبور وسياقة‬
‫المحشر‪ ،‬وموقف الحساب‪ ،‬بإحاطة قدرة الجبار‪ ،‬كل نفس معها سائق يسوقها لمحشرها‪،‬‬
‫الش َه َد ِاء‬
‫ين َو ُّ‬ ‫اب و ِج ِ ِ‬
‫يء بالنَّبيِّ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ت األ َْر ُ ِ‬
‫ض بنُو ِر َر ِّب َها َو ُوض َع الْكتَ ُ َ َ‬
‫وشاهد يشهد عليها بعملها ‪ +‬وأَ ْشرقَ ِ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬
‫ْح ِّق َو ُه ْم الَ يُظْلَ ُمو َن" [الزمر‪ .]69:‬فارتجت لذلك اليوم البالد‪ ،‬ونادى المناد‪،‬‬ ‫َوقُض َي َب ْيَن ُه ْم بِال َ‬
‫وكان يوم التالق‪ ،‬وكشف عن ساق‪ ،‬وكسفت الشمس‪ ،‬وحشرت الوحوش‪ ،‬مكان مواطن‬
‫الحشر‪ ،،‬وبدت األسرار‪ ،‬وهلكت األشرار وارتجت األفئدة(‪.)4‬‬
‫ونستنتج من هذه الموعظة بعض عوامل التأثير منها‪:‬‬
‫‪ -1‬وقوع الموعظة في مناسبتها‪ ،‬فإن الموعظة كانت بمناسبة تشييع جنازة‪ ،‬والنفوس‬
‫في هذه الحالة تكون مستعدة لتلقي ما تذكر به في الموت والدار اآلخرة‪.‬‬
‫‪ -2‬الصياغة البالغية للموعظة‪ ،‬فمواعظ أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا‬
‫عنه تتميز بأسلوبها المؤثر في نفوس المدعوين‪ ،‬فمن الجوانب البالغية في النموذج المذكور‬
‫‪1‬‬
‫() منهج على بن أبي طالب في الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() األدب العربي‪ ،‬حبيب يوسف مغنية‪ ،‬ص (‪.)363 -354‬‬
‫‪3‬‬
‫() العج‪ :‬رفع الصوت‪ ،‬الصحاح للجوهري (‪.)1/327‬‬
‫‪4‬‬
‫() حلية األولياء ألبي نعيم (‪ ،)1/78‬صفة الصفوة (‪.)1/328‬‬
‫‪21‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬االستعارة مثل قوله‪ :‬فكأنما قد علقتم مخالب المنية‪ ،‬تشبيه الموت (المنية) بحيوان‬
‫مفترس له مخالب‪ ،‬فحذف المشبه به وأبقى شيئًا من لوازمه‬
‫وصفاته وهو المخالب‪.‬‬
‫ب‪ -‬السجع العفوي غير المتكلف‪ :‬مثل قوله‪ :‬فإن الدنيا ال يدوم نعيمها‪ ،‬وال تؤمن‬
‫فجائعها‪ ،‬غرور حائل‪ ،‬وسند مائل‪.‬‬
‫جـ‪ -‬الصيغ اإلنشائية(‪ ،)1‬وهي مبثوثة في الخطبة كلها منها‪ :‬ما تبكون؟ استفهام‪..‬‬
‫(اتعظوا عباد هللا بالعبر) نداء‪( ..‬اتعظوا‪ ،‬اعتبروا‪ ،‬وازدجروا‪،‬‬
‫وانتفعوا) كل هذا على سبيل األمر‪.‬‬
‫د‪ -‬جزالة األلفاظ‪ :‬لعل أي جزء من الخطبة يكون شاهدًا عليها‪ ،‬ألن الخطبة كلها ال‬
‫خلل فيها وال ضعف‪.‬‬
‫‪ -3‬اعتماد المضمون على القرآن الكريم وانتهاجها منهجه في اإلرشاد واإلقناع‪،‬‬
‫كقوله‪« :‬كل نفس معها سائق يسوقها لمحشرها‪ ،‬وشاهد يشهد عليها بعملها» اعتمادًا على‬
‫س َّم َع َها َسائِ ٌق َو َش ِهي ٌد" [ق‪.]21:‬‬
‫ت ُك ُّل َن ْف ٍ‬
‫اء ْ‬
‫قوله تعالى‪َ + :‬و َج َ‬
‫‪ -4‬الترهيب بذكر أهوال يوم القيامة‪ ،‬كقوله‪« :‬ودهمتكم مقطعات األمور بنفخة‬
‫الصور‪ ،‬وبعثرة القبور‪ ،‬وسياقة المحشر‪ ،‬وموقف الحساب بإحاطة قدرة الجبار»‪.‬‬
‫‪ -5‬اإلقناع ومن ذلك قوله‪ :‬كم مرضت بيديك وعللت بكفيك‪ ،‬ممن تطلب له الشفاء‬
‫وتستوصف له األطباء‪..‬لإلقناع بحصول الموت‪ ،‬واالرتحال عن الدنيا والقدوم على‬
‫اآلخرة‪ ،‬وأنه ال مهرب وال فكاك‪.‬‬
‫‪ -6‬استحضار الصورة‪ ،‬وذلك لتعبيره بالفعل الماضي عما سيحدث في المستقبل‪،‬‬
‫حتى يتصور السامع هذا األمر الذي ينتظره‪ ،‬ومن ذلك قوله‪ :‬فكـأنما قد علقتكم مخالب‬
‫المنية‪ ،‬وضمكم بيت التراب‪ ،‬ودهمتكم مقطعات األمور‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ -7‬لطف العبارة بحيث تستهوى السامعين وال تنفرهم ‪.‬‬
‫فهذه بعض النماذج من خطب ومواعظ أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا‬
‫عنه والتي انتشرت بين الناس وساهمت في تربيتهم وتهذيب نفوسهم‪ ،‬وتطهير قلوبهم‪،‬‬
‫وكان مفعولها ساريًا في جيله واألجيال التي بعده إلى يومنا هذا‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أمير المؤمنين على بن أبي طالب والشعرـ‪:‬‬
‫يظهر من األخبار التي وصلتنا أن الحركة الشعرية في عهد الخلفاء الراشدين‪ ،‬كانت‬
‫نشطة‪ ،‬ومعروف أن كتب األدب لم تعتمد في األسانيد على الموثوقين من الرواة‪ ،‬ولكنها‬
‫تكون المصدر الوحيد لألخبار األدبية والنقدية التي تتصل بالخلفاء الراشدين‪ ،‬والصحابة‬
‫بعامة‪ ،‬والتابعين بإحسان ماعدا بعض األراجيز التي كانت تردد في العهد النبوي وروتها‬
‫كتب الحديث الشريف(‪ ،)3‬فالمراجع فيما يتعلق بالشعر‪ ،‬والشعراء في عهد أمير المؤمنين‬
‫على هي كتب األدب واألدباء‪ ،‬فهي غنية في هذا الجانب‪ ،‬وال يختلف موقف أمير‬
‫المؤمنين على رضي هللا عنه من الشعر عن مواقف الراشدين الذين سبقوه‬
‫‪1‬‬
‫() الكالم الذي ال يحتمل التصديق والتكذيب‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() منهج على بن أبي طالب في الدعوة إلى هللا‪ ،‬ص (‪.)145‬‬
‫‪3‬‬
‫() المدينة النبوية فجر اإلسالم (‪.)2/98‬‬
‫‪21‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫إلى سدة الخالفة‪ ،‬فكلهم يستقون من كتاب هللا وسنة رسوله‪ ،‬فهو يستمع إلى‬
‫الشعراء ينشدون بين يديه ما يطلب له أن يسمعه من صادق القول ورفيع‬
‫المعاني‪ ،‬وكان يعطي على الشعر إذا استساغه وأعجبه‪ ،‬كما مر معنا عندما‬
‫قال األعرايب‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أكسوك من حسن الثنا حُلال‬ ‫كسوتني حُلة تبلى محاسنها فسوف‬
‫ولعل ‪‰‬ـًًّي آراء نقدية راقية في الشعر‪ ،‬ما زالت معايير يعتمدها النقاد في عصرنا‬
‫الحاضر‪ ،‬فهو يقول‪ :‬الشعر ميزان القول(‪ ,)2‬أي أن للشعر خصائص فنية يعرف بها‬
‫صحيح القول من سقيمة في مقاييس أهل هذا الفن الكالمي‪ ،‬وإن خالف في أغراضه قيم‬
‫قوم آخرين(‪ ,)3‬وأما أمير المؤمنين الشاعر‪ ،‬فقد اختلف في كثير مما ينسب إليه من شعر‪،‬‬
‫وهذا االختالف ال يقلل من شاعريته المتمثلة فيما رجحت نسبته إليه وال يقدم وال يؤخر‬
‫في إمامته اللغوية واألدبية‪ ،‬ولكن يبدو للباحث أن الشعر لم يكن غاية عنده‪ ،‬كما أن سيرته‬
‫السياسية وما رافقها من أحداث جسام لم تكن لتسمح له بااللتفات إلى صناعة الشعر‬
‫وروايته‪ ،‬واصطياد المعاني الجميلة واختيار القوافي الرنانة المؤثرة‪ ،‬ومع ذلك فقد اشتهر‬
‫له شعر كثير‪ ،‬ونسب إليه ديوان شعر يشتمل على العديد من القصائد والمقطوعات‪ ،‬فيه‬
‫الكثير من األقوال المرتجلة واآلراء السديدة السامية‪ ،‬وكان أول من شكك في نسبة بعض‬
‫القصائد إليه ابن هشام‪ ،‬فقد روى أن عليًا كان يرتجز في أثناء بناء مسجد الرسول في‬
‫المدينة‪:‬‬
‫يدأب فيه قائ ًما وقاعدًا‬ ‫ال يستوي من يعمر المسجدا‬
‫(‪)4‬‬
‫ومن يُرى عن الغبار حائدًا‬
‫ويعقب ابن هشام قائالً‪ :‬سألت غير واحد من أهل العلم بالشعر عن هذا الرجز‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬بلغنا أن عليًا بن أبي طالب ارتجز به‪ ،‬ثم يقول‪ :‬فال يدرى أهو قائله أم غيره(‪,)5‬‬
‫وفي موضع آخر يقول ابن هشام‪ :‬وقد روى ابن إسحاق ثالث قصائد منسوبة لعلى‪ ،‬ولم‬
‫تصح له‪ ،‬ويرجح أنها قيلت في المعارك اإلسالمية من قبل أحد المسلمين‪ ،‬وقد نظروا إلى‬
‫معانيها الدينية فرأى الرواة أنها تناسب عليًا فنسبوها له‪ ،‬وأما الديوان الذي نسب إليه‬
‫فيرى الدكتور نايف معروف أن أمير المؤمنين عليًا بفصاحته المعهودة وبالغته‬
‫المشهورة هو أرفع مستوى من مجموع هذا الديوان‪ ،‬ويغلب على الظن أنه خليط لشعراء‬
‫من مستويات متفاوتة قام بجمعها بعض محبيه الذين عز عليهم أال يكون شاعرًا‪ ،‬ظنًا منهم‬
‫أن ذلك يرفع من قدره عند الناس‪ ،‬عل ًما أن عليًا لم يكن بين شعراء الرسول الذين تولوا‬
‫الرد على الحملة الدعائية التي شنها شعراء المشركين على اإلسالم والمسلمين(‪ ,)6‬ولكن‬

‫‪1‬‬
‫() العمدة البن رشيق (‪.)1/16‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)1/14‬‬
‫‪3‬‬
‫() األدب في اإلسالم‪ ،‬نايف معروف‪ ،‬ص (‪.)192‬‬
‫‪4‬‬
‫() سيرة ابن هشام (‪.)1/497‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)1/497‬‬
‫‪6‬‬
‫() األدب في اإلسالم‪ ،‬د‪ .‬نايف معروف‪ ،‬ص(‪.)195‬‬
‫‪21‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫األمر لم يصح أن عليًا تكلم من الشعر بشيء غير بيتين(‪ ,)1‬فهناك روايات عديدة جاءت‬
‫تخالف هذا القول‪ ،‬إذ أثبت له الرواة عددًا من المقطوعات التي صحت نسبتها إليه‬
‫عندهم(‪.)2‬‬
‫ومن األشعار التي نسبت إلى أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا عنه‪:‬‬
‫‪ -1‬في الفَ َرج والشدة‪:‬‬
‫وضاق بما به الصدر الرحيب‬ ‫إذا اشتملت على اليأس القلوب‬
‫(‪)3‬‬
‫وأرست في أماكنها الخطوب‬ ‫وأوطنت المكاره واطمأنت‬
‫(‪)4‬‬
‫وال أغنى بحيلته األريب‬ ‫ولم تر النكشاف الضر وجهًا‬
‫(‪)5‬‬
‫يمن به القريب المستجيب‬ ‫أتاك على قنوط منك غوث‬
‫(‪)6‬‬
‫فموصول بها الفرج القريب‬ ‫وكل الحادثات إذا تناهت‬
‫‪ -2‬في الصبر‪:‬‬
‫(‪)7‬‬
‫وداو جواك بالصبر الجميل‬ ‫أال فاصبر على الحدث الجليل‬
‫فقد أيسرت في الدهر الطويل‬ ‫وال تجزع فإن أعسرت يو ًما‬
‫فإن هللا أولى بالجميل‬ ‫وال تظنن بربك ظن سوء‬
‫وقول هللا أصدق كل قيل‬ ‫فإن العسر يتبعه يسار‬
‫لكان الرزق عند ذوى العقول‬ ‫فلو أن العقول تجر رزقًا‬
‫(‪)8‬‬
‫سيروى من رحيق السلسبيل‬ ‫فكم من مؤمن قد جاع يو ًما‬
‫‪ -3‬في حرص الناس على الدنيا‪:‬‬
‫وفي مراد الهوى عقل وتشمير‬ ‫للناس حرص على الدنيا وتدبير‬

‫‪1‬‬
‫() معجم األدباء‪ ،‬ياقوت (‪.)5/263‬‬
‫‪2‬‬
‫() األدب في اإلسالم‪ ،‬ص (‪.)195‬‬
‫‪3‬‬
‫() الخطوب‪ :‬األمور العظيمة‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() األريب‪ :‬العاقل‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)8/10‬‬
‫‪6‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)8/10‬‬
‫‪7‬‬
‫() الجوى‪ :‬الشوق‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)8/11‬‬
‫‪21‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫فالعقل منهم على الطاعات مأسور‬ ‫وإن أتوا طاعة هللا ربهم‬
‫صفاء عيشاتها ه ّم وتكدير‬ ‫ألجل هذا وذاك الحرص قد مزجت‬
‫لكنهم رزقوها بالمقادير‬ ‫لم يرزقوها بعقل عندما قسمت‬
‫ومائق نال دنياه بتقصير‬ ‫كم من أديب لبيب ال تساعده‬
‫(‪)1‬‬
‫طار البزاة بأرزاق العصافير‬ ‫لو كان عن قوة أو عن مغالبة‬
‫‪ -4‬في الصداقة‪:‬‬
‫وإياك وإياه‬ ‫فال تصحب أخا الجهل‬
‫حلي ًما حين آخاه‬ ‫فكم من جاهل أردى‬
‫إذا ما هو ماشاه‬ ‫يقاس المرء بالمرء‬
‫مقاييس وأشباه‬ ‫وللشيء من الشيء‬
‫إذا ما هو حاذاه‬ ‫قياس النعل بالنعل‬
‫(‪)2‬‬
‫دليل حين يلقاه‬ ‫وللقلب على القلب‬
‫‪ -5‬في التواضع والقناعة‪:‬‬
‫ويكفى المرء من دنياه قوت‬ ‫حقيق بالتواضع من يموت‬
‫وحرص ليس تدركه النعوت‬ ‫فما للمرء يصبح ذا هموم‬
‫وما أرزاقه عنا تفوت‬ ‫صنيع مليكنا حسن جميل‬
‫(‪)3‬‬
‫إلى قوم كالمهم السكوت‬ ‫فيا هذا سترحل عن قليل‬
‫‪ -6‬في السر وكتمانه‪:‬‬
‫فإن لكل نصيح نصيحًا‬ ‫وال تفش سرك إال إليك‬
‫(‪)4‬‬
‫ال يتركون أدي ًما صحيحًا‬ ‫فإني رأيت غواة الرجال‬
‫رابعًا‪ :‬من حكم أمير المؤمنين على التي سارت بين الناس‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)8/11‬‬
‫‪2‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)8/12‬‬
‫‪3‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)8/12‬‬
‫‪4‬‬
‫() عيون األخبار البن قتيبة (‪.)1/97‬‬
‫‪22‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫تهيأ ألمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا عنه مجموعة من األسباب من‬
‫سرعة البديهة‪ ،‬وذالقة اللسان‪ ،‬ورجحان العقل‪ ،‬وطهارة القلب‪ ،‬وصفاء النفس وعمق‬
‫اإليمان‪ ،‬والتضلع في الدين‪ ،‬والقرب من رسول هللا × وتلقى الوحي عنه‪ ،‬ما مكنه من‬
‫فصاحة اللسان‪ ،‬وجودة البيان‪ ،‬فأصبحت كلماته دررًا‪ ،‬وجمله حك ًما أعجبت ذوى العقول‪،‬ـ‬
‫فهي ألهل البالغة مطلب‪ ،‬وألهل الهداية مغنم‪ ،‬ففيها حيث لهم على فضائل األعمال‪،‬‬
‫وجميل الخصال وأصبحت حكمه الجميلة مادة قيمة في مجال دعوة الناس وتعليمهم‪،‬‬
‫وتهذيب نفوسهم وتنوير عقولهم‪ ،‬وإحياء قلوبهم‪ ،‬لما فيها من جودة التعبير‪ ،‬ووضوح‬
‫المعاني‪ ،‬وعمق التفكير‪ ،‬وفوق ذلك فهي تنبع من قلب تقي‪ ،‬وصدر نقي(‪ )1‬ومن هذه الحكم‬
‫على سبيل المثال ما يلي‪:‬‬
‫ين يِبِيتُو َن لَِربِّ ِه ْم ُس َّج ًدا َو ِقيَ ًاما"‬ ‫َّ ِ‬
‫‪ -1‬صالة الليل بهاء في النهار ‪ .‬قال تعالى‪َ + :‬والذ َ‬
‫(‪) 2‬‬

‫[الفرقان‪.]64 :‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وقال أيضًا في قيام الليل‪ :‬نور المؤمن من قيام الليل ‪.‬‬
‫‪ -2‬صالح الدين من الورع وفساده من الطمع(‪.)4‬‬
‫‪ -3‬طوبى لمن عمل بعلمه(‪.)5‬‬
‫‪ -4‬الفرصة تمر مر السحاب(‪.)6‬‬
‫‪ -5‬قسوة القلب من الشبع(‪.)7‬‬
‫‪ -6‬الشرف بالفضل واألدب‪ ،‬ال باألصل والنسب(‪.)8‬‬
‫‪ -7‬جمال ال ُخلق أبهي من جمال الخَلق(‪.)9‬‬
‫‪ -8‬في سعة األخالق كنوز األرزاق(‪.)10‬‬
‫‪ -9‬المعروف كنز من أفضل الكنوز(‪.)11‬‬
‫اجتمع عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي هللا عنه جماعة فتذاكروا‬
‫المعروف‪ ،‬فانتهز أمير المؤمنين هذا الحديث لترغيبهم فيه وحثهم عليه فقال‪ :‬المعروف‬
‫كنز من أفضل الكنوز‪ ،‬وزرع من أزكى الزروع‪ ،‬فال يزهدنكم في المعروف كفر من‬
‫‪1‬‬
‫() منهج على بن أبي طالب في الدعوة إلى هللا‪ ،‬ص (‪.)275‬‬
‫‪2‬‬
‫() نثر اآللي‪ ،‬مخطوط نقالً عن منهج على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)276‬‬
‫‪3‬‬
‫() نثر اآللي‪ ،‬مخطوط نقالً عن منهج على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)276‬‬
‫‪4‬‬
‫() نثر اآللي‪ ،‬مخطوط نقالً عن منهج على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)276‬‬
‫‪5‬‬
‫() المرجع السابق‪ ،‬ص (‪.)277‬‬
‫‪6‬‬
‫() المرجع السابق‪ ،‬ص (‪.)277‬‬
‫‪7‬‬
‫() المرجع السابق‪ ،‬ص (‪.)278‬‬
‫‪8‬‬
‫() اإلعجاز واإليجاز للثعالبي‪ ،‬ص (‪ ،)30‬نقالً عن منهج على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)226‬‬
‫‪9‬‬
‫() نثر اآللي مخطوط نقالً عن منهج على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)228‬‬
‫‪10‬‬
‫() نثر اآللي‪ ،‬مخطوط نقالً عن منهج على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)228‬‬
‫‪11‬‬
‫() تاريخ اليعقوبي (‪ ،)2/210‬منهج على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)230‬‬
‫‪22‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫كفره‪ ،‬وجحد من جحده‪ ،‬فإن من يشكرك عليه ممن لم يصل إليه منه شيء أعظم مما ناله‬
‫أهله منه‪ ،‬فال تلتمس من غيرك ما أسديت إلي نفسك‪ ،‬إن المعروف ال يتم إال بثالث‬
‫خصال‪ :‬تصغيره‪ ،‬وستره وتعجيله‪ ،‬فإذا أصغرته فقد عظمته‪ ،‬وإذا سترته فقد أتممته‪ ،‬وإذا‬
‫عجلته فقد هنأته(‪.)1‬‬
‫‪ -10‬ال شرف مع سوء األدب(‪.)2‬‬
‫‪ -11‬ال راحة لحسود(‪.)3‬‬
‫‪ -12‬الحاسد مغتاظ على من ال ذنب له(‪.)4‬‬
‫‪ -13‬ويل للباغين من أحكم الحاكمين(‪.)5‬‬
‫‪ -14‬من سل سيف البغي قُتل به(‪.)6‬‬
‫‪ -15‬للظالم البادي – غدًا – بكفه عظة(‪ .)7‬وهذا الترهيب مستفاد من قوله ‪َ +‬و َي ْو َم‬
‫ض الظَّالِ ُم َعلَى يَ َديْ ِه" [الفرقان‪.]27:‬‬
‫َي َع ُّ‬
‫‪ -16‬إخفاء الشدائد من المروءة(‪.)8‬‬
‫‪ -17‬أحسن إلى المسئ تسده(‪.)9‬‬
‫‪ -18‬اإلحسان يقطع اللسان(‪.)10‬‬
‫‪ -19‬من َع ُذب لسانه كثر إخوانه(‪. )11‬‬
‫‪ -20‬من قل صدقة‪ ،‬قل صديقه(‪.)12‬‬
‫‪ -21‬لسانك يقتضيك ما عودته(‪.)13‬‬
‫(‪)14‬‬
‫‪ -22‬من طلب ما ال يعنيه فاته ما يعنيه‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ اليعقوبي (‪ ،)2/210‬منهج على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)230‬‬
‫‪2‬‬
‫() اإلعجاز واإليجاز للثعالبي‪ ،‬ص (‪.)28‬‬
‫‪3‬‬
‫() مطلوب كل مطالب من كلمات على بن أبي طالب مخطوطة نقالً عن منهج على‪ ،‬ص (‪.)234‬‬
‫‪4‬‬
‫() اإلعجاز واإليجاز للثعالبي‪ ،‬ص (‪ ،)29‬منهج على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)235‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪ ،)35‬المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)235‬‬
‫‪6‬‬
‫() منهج على بن أبي طالب في الدعوة إلى هللا‪ ،‬ص (‪.)235‬‬
‫‪7‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)236‬‬
‫‪8‬‬
‫() المروءة‪ :‬هي كمال الرجولة‪ ،‬منهج على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)245‬‬
‫‪9‬‬
‫() نثر الآللئ من كالم على بن أبي طالب‪ ،‬نقالً عن منهج على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)245‬‬
‫‪10‬‬
‫() مطلوب كل طالب في شرح كلمات على بن أبي طالب‪ ،‬عن منهج على‪ ،‬ص (‪.)246‬‬
‫‪11‬‬
‫() منهج على بن أبي طالب ص (‪.)247‬‬
‫‪12‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)247‬‬
‫‪13‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)248‬‬
‫‪14‬‬
‫() المصدر السابق ص (‪ ،)249‬اإلعجاز واإليجاز للثعالبي‪ ،‬ص (‪.)29‬‬
‫‪22‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -23‬صاحب األخيار تأمن األشرار(‪.)15‬‬
‫‪ -24‬جليس الخير غنيمة(‪.)1‬‬
‫‪ -25‬صحبة األحمق نقصان في الدنيا وحسرة في اآلخرة(‪.)2‬‬
‫‪ -26‬كفىـ أدبًا لنفسك ما كرهته لغيرك(‪.)3‬‬
‫‪ -27‬ال تنظر إلى من قال وانظر إلى ما قال(‪.)4‬‬
‫‪ -28‬خير الناس من ينفع الناس(‪.)5‬‬
‫‪ -29‬المرء مخبوء تحت لسانه(‪.)6‬‬
‫‪ -30‬اللسان معيار أطاشه الجهل وأرجحه العقل(‪.)7‬‬
‫‪ -31‬أخوك من واساك في الشدة(‪.)8‬‬
‫‪ -32‬قيمة كل امرئ ما يحسنه‪.‬‬
‫‪ -33‬احذر صولة الكريم إذا جاع‪ ،‬وصولة اللئيم إذا شبع‪.‬‬
‫‪ -34‬النفس مؤثرة للهوى‪ ،‬آخذة بالهوينى‪ ،‬جامعة إلى اللهو‪ ،‬أمارة بالسوء‪ ،‬مستوطنة‬
‫للفجور‪ ،‬طالبة للراحة‪ ،‬نافرة عن العمل‪ ،‬فإن أكرهتها أنضيتها‪ ،‬وإن أهملتها أرديتها(‪.)9‬‬
‫‪ -35‬العجز آفة‪ ،‬والصبر شجاعة‪ ،‬والزهد ثروة‪ ،‬والورع جنة‪.‬‬
‫‪ -36‬ال تكن عبد غيرك‪ ،‬وقد جعلك هللا حرًا‪.‬‬
‫‪ -37‬إياك واالتكال على الُ َمنى‪ ،‬فإنها بضائع النوكى ‪.‬‬
‫(‪)10‬‬

‫‪ -38‬الناس نيام‪ ،‬إذا ماتوا انتبهوا‪.‬‬


‫‪ -39‬الناس أعداء ما جهلوا‪.‬‬
‫‪ -40‬ما هلك امرؤ عرف قدره‪.‬‬
‫‪ -41‬رب كلمة سلبت نعمة‪.‬‬
‫‪ -42‬اآلداب حلل مجددة والفكر مرآة صافية‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫() نثر الآللئ من كالم على بن أبي طالب ومنهج على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)249‬‬
‫‪1‬‬
‫() نثر الآللئ من كالم على بن أبي طالب ومنهج على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)249‬‬
‫‪2‬‬
‫() منهج على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)249‬‬
‫‪3‬‬
‫() المرجع السابق‪ ،‬ص (‪.)250‬‬
‫‪4‬‬
‫() المرجع السابق‪ ،‬ص (‪.)250‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر السابق‪ ،‬ص (‪.)251‬‬
‫‪6‬‬
‫() المصدر السابق‪ ،‬ص (‪.)252‬‬
‫‪7‬‬
‫() أدب الدنيا والدين‪ ،‬ص (‪.)265‬‬
‫‪8‬‬
‫() منهج على بن أبي طالب في الدعوة إلى هللا‪ ،‬ص (‪.)253‬‬
‫‪9‬‬
‫() المرتضى للندوى‪ ،‬ص (‪.)201‬‬
‫‪10‬‬
‫() النوكي‪ :‬الحمقى‪.‬‬
‫‪22‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -43‬الفقر يخرس الفطن عن حجته‪ ،‬والمقل غريب في بلدته‪.‬‬
‫‪ -44‬إذا أقبلت الدنيا على أحد أعارته محاسن غيره‪ ،‬وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن‬
‫نفسه(‪.)1‬‬
‫‪ -45‬اجمعوا هذه القلوب‪ ،‬والتمسوا لها طرف الحكمة‪ ،‬فإنها تمل كما تمل األبدان(‪.)2‬‬
‫‪ -46‬بشاشة الوجه عطية ثانية(‪. )3‬‬
‫‪ -47‬العفو عند المقدرة شكر للمقدرة(‪.)4‬‬
‫‪ -48‬إعادة االعتذار تذكير للذنب(‪.)5‬‬
‫‪ -49‬أبلغ العظات النظر إلى األموات(‪.)6‬‬
‫‪ -50‬ذكر الموت جالء القلوب(‪.)7‬‬
‫فهذه بعض الحكم ألمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا عنه التي سارت بين‬
‫الناس‪ ،‬والتي لخصت كثيرًا من تجاربه في الحياة في عبارات موجزة‪ ،‬غزيرة المعاني‪،‬‬
‫والغايات واألهداف والمقاصد‪ ،‬كان لها تأثير في حياة المجتمع الذي عاش فيه‬
‫والمجتمعات المتالحقة من بعده إلى يومنا هذا‪ ،‬لقد كانت الحكم‪ ،‬والخطب واألشعار‬
‫والمواعظ من وسائل أمير المؤمنين على رضي هللا عنه في توجيه وترشيد وتعليم‬
‫المجتمع اإلسالمي‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬حديث أمير المؤمنين على بن أبي طالب عن صفات خيار العباد‪،‬‬
‫وعن تطوع النبي × ووصفـ الصحابة الكرام‪:‬‬
‫‪ -1‬صفات خيار العباد‪ :‬سئل أمير المؤمنين على بن أبي طالب عن خيار العباد‬
‫فقال‪ :‬الذين إذا أحسنوا استبشروا‪ ،‬وإذا أساءوا استغفروا‪ ،‬وإذا ابتلوا صبروا‪ ،‬وإذا غضبوا‬
‫غفروا(‪ ,)8‬وقال‪ :‬أال وإن هلل عبادًا كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين‪ ،‬وأهل النار في‬
‫النار معذبين‪...‬شرورهم مأمونة‪ ،‬وقلوبهم محزونة‪ ،‬أنفسهم عفيفة وحوائجهم خفيفة‪،‬‬
‫صبروا أيا ًما قليلة لعقبى راحة طويلة‪ ،‬إذا رأيتهم في الليل‪ ،‬رأيتهم صافين أقدامهم تجرى‬
‫دموعهم على خدودهم‪ ،‬يجأرون إلى هللا في فكاك رقابهم‪ ،‬وأما نهارهم فضالء حلماء‬
‫بررة أتقياء‪ ،‬كأنهم القداح‪ ،‬ينظر إليهم الناظر فيقول‪ :‬مرضى وما بهم من مرض‪،‬‬
‫وخولطوا‪ ،‬ولقد خالط القوم أمر عظيم(‪.)9‬‬

‫‪1‬‬
‫() المرتضى للندوي‪.)202( ،‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)201‬‬
‫‪3‬‬
‫() نثر الآللئ في كالم على بن أبي طالب نقالً عن منهج على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)238‬‬
‫‪4‬‬
‫() مطلوب كل طالب نقالً عن منهج على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)239‬‬
‫‪5‬‬
‫() اإلعجاز واإليجاز‪ ،‬ص (‪ ،)29‬نقالً عن على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)239‬‬
‫‪6‬‬
‫() نثر الآللئ نقالً عن منهج على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)148‬‬
‫‪7‬‬
‫() منهج على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)149‬‬
‫‪8‬‬
‫() مروح الذهب (‪.)2/431‬‬
‫‪9‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)8/6‬‬
‫‪22‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وقال‪ :‬ينبغي للمؤمن أن يكون نظره عبرة‪ ،‬وسكوته فكرة‪ ،‬وكالمه حكمة(‪.)1‬‬
‫وقال‪ :‬طوبى لكل عبد نومة(‪ ,)2‬عرف الناس‪ ،‬ولم يعرفه الناس‪ ،‬عرف هللا برضوان‪،‬‬
‫أولئك مصابيح الهدى‪ ،‬يكشف هللا عنهم كل فتنة مظلمة‪ ،‬سيدخلهم هللا في رحمة منه ليسوا‬
‫بالمذاييع(‪ )3‬البذر(‪ ,)4‬وال الجفاة(‪ )5‬المرائين(‪ .)6‬وكالم أمير المؤمنين على فيه تأثر واضح‬
‫بقول رسول هللا×‪« :‬إن الله يحب العبد التقى الغنى الخفي»(‪.)7‬‬
‫‪ -2‬إجابته لمن سأل عن تطوع النبي ×‪ :‬عن عاصم بن ضمرة قال‪ :‬سألنا عليًا‬
‫عن تطوع النبي × بالنهار فقال‪ :‬إنكم ال تطيقونه‪ .‬قال‪ :‬قلنا ما أطقنا‪ .‬قال‪ :‬كان النبي × إذا‬
‫صلى الفجر أمهل‪ ،‬حتى إذا كانت الشمس من ههنا‪ ،‬يعنى من قبل المشرق‪ ،‬مقدارها من‬
‫صالة العصر من ههنا‪ ,‬يعني من قبل المغرب قام فصلى ركعتين‪ ،‬ثم يمهل حتى إذا كانت‬
‫الشمس من ههنا‪ ,‬يعنى من قبل المشرق مقدارها من صالة الظهر من ههنا‪ ،‬يعنى من قبل‬
‫الغرب قام فصلى أربعًا‪ ،‬وأربعًا قبل الظهر إذا زالت الشمس‪ ،‬وركعتين بعدها‪ ،‬وأربعًا‬
‫قبل العصر‪ ،‬يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على المالئكة المقربين‪ ،‬والنبيين‪ ،‬ومن تبعهم‬
‫من المؤمنين والمسلمين‪ ،‬قال‪ :‬قال على‪ :‬تلك ست عشرة ركعة تطوع النبي × بالنهار‪،‬‬
‫وقل من‬
‫يداوم عليها(‪.)8‬‬
‫وقد بيّن أمير المؤمنين في موضع آخر هدى رسول هللا × في الوتر فقال‪ :‬أوتر‬
‫رسول هللا × من أول الليل وأخره وأوسطه‪ ،‬فانتهى وتره إلى السحر(‪ ,)9‬وفي بيان هدى‬
‫النبي × بعد صالته‪ ،‬قال أمير المؤمنين على بن أبي طالب‪ :‬كان النبي × إذا سلم من‬
‫الصالة قال‪« :‬اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت‪ ،‬وما أسررت وما أعلنت‪ ،‬وما‬
‫أسرفت وما أنت أعلم به منى‪ ،‬أنت المقدم وأنت المؤخر‪ ،‬لا إله إلا أنت»(‪.)10‬‬
‫‪ -3‬وصف أمير المؤمنين على رضي هللا عنه للصحابة الكرام‪:‬لما أحس أمير‬
‫المؤمنين على ابن أبي طالب رضي هللا عنه من أصحابه شيئًا من الغفلة وقلة النشاط في‬
‫الطاعة ذكرهم بشيء من سيرة أسالفهم أصحاب رسول هللا ×‪ ،‬فيما رواه أبو أراكة‬
‫بقوله‪ :‬صليت مع على صالة الفجر‪ ،‬فلما انفلت عن يمينه مكث كأن عليه كآبة‪ ،‬حتى إذا‬
‫كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح صلى ركعتين ثم قلب يده فقال‪ :‬وهللا لقد رأيت‬
‫أصحاب محمد × فما أرى اليوم شيئًا يشبههم‪ ،‬لقد كانوا يصبحون صفرًا شعثًا غبرًا بين‬
‫أعينهم أمثال ركب المعزى‪ ،‬قد باتوا هلل سجدًا وقيا ًما‪ ،‬يتلون كتاب هللا‪ ،‬يتراوحون بين‬
‫‪1‬‬
‫() مروح الذهب (‪.)2/434‬‬
‫‪2‬‬
‫() الخامل الذكر الذي ال يؤبه له‪ ،‬وقيل‪ :‬الغامض في الناس الذي ال يعرف الشر وأهله‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() المذاييع‪ :‬جمع مذياع‪ ،‬من أذاع الشيء إذا أمشاه والمذياع‪ ،‬الذي ال يكتم السر‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() البذر‪ :‬جمع بذور وهو الذي يفشى الكالم بين الناس‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() الجفاء‪ :‬غلظ الطبع‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() صفة الصفوة (‪.)1/325‬‬
‫‪7‬‬
‫() المسند (‪ ،)1/168‬وقال أحمد شاكر‪ :‬إسناده صحيح‪ ,‬مسلم (‪.)4/2277‬‬
‫‪8‬‬
‫() مسند أحمد (‪ ،)2/62‬قال أحمد شاكر‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() المصدر نفسه (‪ ،)2/62‬قال أحمد شاكر‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫() صحيح سنن أبي داود (‪ )1/283‬لأللباني‪.‬‬
‫‪22‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫جباهم وأقدامهم‪ ،‬فإذا أصبحوا فذكروا هللا مادوا كما تميد الشجر في يوم الريح‪ ،‬وهملت‬
‫أعينهم حتى تبتل ثيابهم‪ ،‬وهللا لكأن القوم باتوا غافلين‪ ،‬ثم نهض فما رُئي بعد ذلك مفترًا‬
‫يضحك حتى قتله ابن ملجم عدو هللا الفاسق(‪.)1‬‬
‫‪ -4‬تنبيه أمير المؤمنين على رضي هللا عنه أصحابه على فضائل األعمال‪ :‬مما‬
‫ورد له في خطبة قوله‪ :‬أوصيكمـ بتقوى هللا‪ ،‬فإن أفضل ما توسل به العبد اإليمانـ والجهاد في‬
‫سبيله‪ ،‬وكلمة اإلخالص فإنها الفطرة‪ ،‬وإقام الصالة فإنها الملة‪ ،‬وإيتاء الزكاة فإنها فريضة‪،‬‬
‫وصومـ شهر رمضان فإنه جنة من عذابه‪ ،‬وحج البيت فإنه منقاة مدحضة للذنب‪ ،‬وصلة الرحم‬
‫فإنها منسأة في األجل‪ ،‬محبة في األهل‪ ،‬وصدقة السر فإنها تكفر الخطيئة‪ ،‬وتطفئ غضب‬
‫الرب‪ ،‬وصنع المعروف فإنه يدفع ميتة السوء ويقي مصارع الهول‪ ،‬أفيضوا في ذكر هللا فإنه‬
‫أحسن الذكر(‪.)2‬‬
‫‪ -5‬معايدة المريض‪ :‬عن ثوير بن أبي فاختة عن أبيه قال‪ :‬أخذ عل ّى بيدي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫انطلق بنا إلى الحسن نعوده‪ ،‬فوجدنا عنده أبا موسى فقال على (رضي هللا عنه)‪ :‬أعائدًا‬
‫جئت يا أبا موسى أم زائرًا؟ قال‪ :‬ال بل عائدًا‪ ،‬فقال على‪ :‬سمعت رسول هللا‪ ،‬يقول‪« :‬ما‬
‫من مسلم يعود مسلمًا غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك‪ ،‬حتى يمسى‪ ،‬وإن‬
‫عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح»(‪.)3‬‬
‫‪ -6‬تشجيعه البنه الحسن على الخطابة‪ :‬قال أمير المؤمنين على البنه الحسن‬
‫يو ًما‪ :‬يا بنى أال تخطب حتى أسمعك؟ فقال‪ :‬إني أستحيي أن أخطب وأنا أراك‪ ،‬فذهب على‬
‫حيث ال يراه الحسن‪ ،‬ثم قام الحسن في الناس خطيبًا‪ ،‬وعلى يسمع فأدى خطبة بليغة‬
‫فصيحة‪ ،‬فلما انصرف جعل على يقول‪ :‬ذرية بعضها من بعض وهللا سميع عليم(‪.)4‬‬
‫‪ -7‬إني لست كما تقول‪:‬قال عمرو بن ُمرَّه‪ ،‬عن أبي البخترى قال‪ :‬جاء رجل إلى‬
‫عل ّى فأثنى عليه‪ ،‬وكان قد بلغه عنه أمر‪ ،‬فقال‪ :‬إنّي لست كما تقول‪،‬ـ وأنا فوق ما في‬
‫نفسك(‪.)5‬‬
‫‪ -8‬التحذير من االنقياد للشهوات‪ :‬قال أمير المؤمنين على رضي هللا عنه‪:‬إياكم‬
‫وتحكيم الشهوات على أنفسكم‪ ،‬فإن عاجلها ذميم‪ ،‬وآجلها وخيم‪ ،‬فإن لم ترها تنقاد بالتحذير‬
‫واإلرهاب‪ ،‬فسوّفها بالتأمل واإلرغاب‪ ،‬فإن الرغبة والرهبة إذا اجتمعتا على النفس ذلت‬
‫لهما وانقادت(‪.)6‬‬
‫‪ -9‬إدخال السرور على المسلم‪ :‬قال على بن أبي طالب رضي هللا عنه‪ :‬إن من‬
‫موجبات المغفرة إدخال السرور على أخيك المسلم(‪.)7‬‬
‫‪ -10‬أشد األعمال ثالثة‪ :‬قال أمير المؤمنين على بن أبي طالب‪ :‬أشد األعمال ثالثة‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫() حلية األولياء (‪.)1/76‬‬
‫‪2‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/319‬‬
‫‪3‬‬
‫() صحيح سنن الترمذي لأللباني (‪.)1/286‬‬
‫‪4‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)8/37‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ الذهبي عهد الخلفاء الراشدين‪ ،‬ص (‪.)646‬‬
‫‪6‬‬
‫() أدب الدنيا والدين‪ ،‬ص (‪.)26‬‬
‫‪7‬‬
‫() تنبيه الغافلين‪ ،‬ص (‪.)245‬‬
‫‪22‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫إعطاء الحق من نفسك‪ ،‬وذكر هللا على كل حال‪ ،‬ومواساة األخ في المال(‪.)1‬‬
‫سادسًا‪ :‬التحذير من األمراض الخطيرة التي حذر منها أمير المؤمنين‪:‬‬
‫‪ -1‬جزاء المعصية‪:‬قال أمير المؤمنين على رضي هللا عنه‪ :‬جزاء المعصية الوهن‬
‫في العبادة‪ ،‬والضيق في المعيشة‪ ،‬والنقص في اللذة‪ ،‬قيل‪ :‬وما النقص في اللذة؟ قال‪ :‬ال‬
‫ينال شهوة حالالً إال جاءها ما ينغصه إياها(‪ ,)2‬ومع هذا الترهيب والتخويف من المعصية‬
‫فإن أمير المؤمنين عليًا رضي هللا عنه ال يغفل عن الترغيب في تركها‪ ،‬حيث قال‪ :‬من‬
‫كان يريد العز بال عشيرة‪ ،‬والنسل بال كثرة‪ ،‬والغنى بال مال‪ ،‬فليتحول من ذل المعصية‬
‫إلى عز الطاعة(‪ ,)3‬وقال‪ :‬إذا رغبت في المكارم‪ ،‬فاجتنب المحارم(‪.)4‬‬
‫‪ -2‬طول األمل واتباع الهوى‪ :‬خطب أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا‬
‫عنه على منبر الكوفة‪ ،‬فحمد هللا وأثنى عليه وقال‪ :‬أيها الناس إن أخوف ما أخاف عليكم‬
‫طول األمل واتباع الهوى‪ ،‬فأما طول األمل فينسي اآلخرة‪ ،‬وأما اتباع الهوى فيصد عن‬
‫الحق‪ ،‬أال إن الدنيا قد ولت مدبرة واآلخرة مقبلة‪ ،‬ولكل واحدة منهما بنون‪ ،‬فكونوا من‬
‫أبناء اآلخرة‪ ،‬وال تكونوا من أبناء الدنيا‪ ،‬فإن اليوم عمل وال حساب‪ ،‬وغدًا حساب وال‬
‫عمل(‪.)5‬‬
‫فقد أشار أمير المؤمنين على رضي هللا عنه في هذه الخطبة إلى أمرين خطيرين لهما‬
‫تأثير كبير في حياة الناس وهما طول األمل بالبقاء على قيد الحياة‪ ،‬فإنه يخدع اإلنسان‬
‫فيشغله بمشاريعه وطموحاته الدنيوية‪ ،‬ويمنية بتأجيل األعمال الصالحة وينسيه الحياة‬
‫اآلخرة‪ ،‬فيتضخم عمله للدنيا ويتضاءل عمله لآلخرة‪ ،‬ولو أن كل إنسان وضع في مخيلته‬
‫أنه معرض للموت في كل ساعة ألصبح العمل للدنيا قليالً بقدر الضرورة‪ ،‬وألصبح‬
‫العمل لآلخرة كثيرًا ألنه هو الذي سيبقى بعد الموت‪ ،‬وأما اتباع الهوى فإنه يغير اتجاه‬
‫صاحبه‪ ،‬ويجعل الهدف األعلى في فكره هو تحقيق هوى نفسه وهوى من يعمل تحت‬
‫إرادتهم‪ ،‬وينسى الهدف اإلسالمي األعلى الذي هو ابتغاء رضوان هللا تعالى وفضله في‬
‫الجنة‪ ،‬وبناء على تغير األهداف فإن مناهج العمل تتغير فتصبح مناهج دنيوية يُراد بها‬
‫تحقيق أهداف ال تتجاوز الحياة الدنيا‪ ،‬كما تتغير العالقات والروابط‪ ،‬فتصبح األخوة قائمة‬
‫على المصالح الدنيوية بدالً من اإليمان والتقوى‪،‬ـ إلى غير ذلك مما يترتب على تغير‬
‫األهداف(‪.)6‬‬
‫‪ -3‬الرياء‪ :‬قال أمير المؤمنين على رضي هللا عنه‪ :‬ال تعمل شيئًا من الخير ريا ًء‪ ،‬وال‬
‫تتركه حياء(‪ ,)7‬وقال رضي هللا عنه‪ :‬للمرائي ثالث عالمات‪ :‬يكسل إذا كان وحده‪ ،‬وينشط‬
‫إذا كان في الناس‪ ،‬ويزيد في العمل إذا أثنى عليه‪ ،‬وينقص إذا ذم به(‪ ,)8‬وقد جاءت‬

‫‪1‬‬
‫() حلية األولياء (‪.)1/85‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ الخلفاء للسيوطي‪ ،‬ص (‪.)402‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ اليعقوبي (‪.)2/602‬‬
‫‪4‬‬
‫() منهج على في الدعوة إلى هللا‪ ،‬ص (‪ ،)307‬نقالً عن سجع الحمام في حكم اإلمام‪ ،‬ص (‪.)57‬‬
‫‪5‬‬
‫() حلية األولياء (‪ ،)1/76‬صفة الصفوة (‪.)1/321‬‬
‫‪6‬‬
‫() التاريخ اإلسالمي للحميدى (‪.)20/276‬‬
‫‪7‬‬
‫() أدب الدنيا والدين‪ ،‬ص (‪.)110‬‬
‫‪8‬‬
‫() الكبائر للذهبي‪ ،‬ص ‪ ،145‬فرائد الكالم‪ ،‬ص (‪.)338‬‬
‫‪22‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫نصوص الشرع بتسمية الرياء شر ًكا أصغر‪ ،‬فقد قال رسول هللا ×‪« :‬إن أخوف ما أخاف‬
‫عليكم الشرك الأصغر»‪،‬قالوا‪ :‬وما الشرك األصغر يا رسول هللا؟ قال‪« :‬الرياء‪ ،‬يقول‬
‫الله تعالى يوم القيامة‪ ،‬إذا جازى الناس بأعمالهم‪ ،‬اذهبوا إلى الذين كنتم‬
‫تراءون في الدنيا‪ ،‬فانظروا هل تجدون عندهم جزاء»(‪,)1‬وعن شداد بن أوس قال‪:‬‬
‫كنا نعد الرياء على عهد رسول هللا ×‬
‫الشرك األصغر(‪.)2‬‬
‫حذر من مرض القلب الخطير المتعلق بإرادة‬ ‫إن أمير المؤمنين عليًا رضي هللا عنه ّ‬
‫اإلنسان وقصده‪ ،‬وحث الناس على إفراد هللا سبحانه وتعالى بالقصد والطاعة وااللتزام‬
‫بالسير على هدى السنة النبوية‪ ،‬فقد ثبت عنه أنه قال‪ :‬ال ينفع قول إال بعمل‪ ،‬وال عمل إال‬
‫بنية‪ ،‬وال نية إال بموافقة السنة(‪ ,)3‬وروى عن الفضيل بن عياض أنه تال قوله تعالى‪:‬‬
‫ِ‬
‫‪+‬ليَْبلُ َو ُك ْم أَيُّ ُك ْم أ ْ‬
‫َح َس ُن َع َمالً" [الملك‪ ،]2:‬فقال‪ :‬أخلصه وأصوبه‪ ،‬قالوا‪ :‬يا أبا على ما أخلصه‬
‫وأصوبه؟ قال‪ :‬إذا كان العمل خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل‪ ،‬وإذا كان صوابًا ولم يكن‬
‫خالصًا‪ ،‬لم يقبل حتى يكون خالصًا صوابًا‪ ،‬والخالص إذا كان هلل عز وجل‪ ،‬والصواب إذا‬
‫كان على السنة(‪. )4‬‬
‫إن صور الرياء متعددة منها‪:‬ما يكون باألعمال‪ ،‬كمن يصلى فيطيل القيام ويطيل‬
‫الركوع والسجود ويظهر الخشوع عند رؤية الناس له‪ ،‬ومنها ما يكون من جهة القول‪،‬‬
‫كالرياء بالوعظ والتذكير وحفظ األخبار واآلثار ألجل المحاورة وإظهار غزارة العلم‪،‬‬
‫وتحريك الشفتين بالذكر في محضر الناس ويتغافل عنه في منزله‪ ،‬أو يكون الرياء من‬
‫جهة الزى‪ ،‬كإبقاء أثر السجود على جبهته‪ ،‬ولبس الغليظ من الثبات وخشنها مع تشميرها‬
‫كثيرًا ليقال‪ :‬عابد زاهد‪ ،‬أو ارتداء نوع معين من الزى ترتديه طائفة يعدهم الناس علماء‬
‫ليقال‪ :‬عالم‪ ،‬أو يكون الرياء باألصحاب والزائرين‪ ،‬كالذي يتكلف أن يستزير عال ًما أو‬
‫عابدًا ليقال‪ :‬إن فالنًا قد زار فالنًا‪ ،‬ودعوة الناس لزيارته كي يقال‪ :‬إن أهل الخير يترددون‬
‫عليه‪ ،‬وكذلك من يرائي بكثرة الشيوخ ليقال‪ :‬لقي فالن شيو ًخا كثيرين واستفاد منهم‬
‫ليباهي بذلك‪ ،‬أو يكون الرياء ألهل الدنيا‪ ،‬كمن يتبختر ويختال في مشيته‪ ،‬أو يصعر خده‬
‫أو يلف عباءته‪ ،‬أو يحرك سيارته حركة خاصة‪ ،‬أو يكون الرياء من جهة البدن‪ ،‬كأن‬
‫يرائي بإظهار النحول والصفار ليوهم الناس أنه جاد في العبادة‪ ،‬كثير الخوف والحزن‪،‬‬
‫وغير ذلك من الصور التي يرائي بها المراءون‪ ،‬يطلبون بذلك الجاه والمنزلة في قلوب‬
‫العباد(‪.)5‬‬
‫وبالجملة فإن المحافظة على أعمال الخير واإلكثار من ذكر هللا وعبادته وخشيته‬
‫وحده‪ ،‬وعدم خشية الناس في ذات هللا ومحبة الصالحين وغيرها‪ ،‬كل هذا من األعمال‬
‫الصالحة الحسنة المطلوبة‪ ،‬ولكن البد أن تكون كلها هلل‪ ،‬ألن الرياء هو عمل العمل‬
‫ً‬
‫الصالح لغير هللا‪ ،‬فيجب على المؤمن تصحيح نيته هلل‪ ،‬ال أن يترك العمل الصالح خوفا من‬
‫الرياء‪ ،‬فلتحذر تلك األصناف من خطورة مرض الرياء‪ ،‬ولتتذكر قول رسول هللا ×‪« :‬من‬
‫طلب العلم ليمارى به الفقهاء‪ ،‬أو يجارى به العلماء‪ ،‬أو يصرف به وجوه‬
‫‪1‬‬
‫() مسند أحمد (‪ ،)429 ،5/428‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() الحاكم (‪ ،)4/329‬صححه األلباني في صحيح الترغيب (‪.)1/18‬‬
‫‪3‬‬
‫() الشريعة لآلجرى (‪ ،)2/638‬إسناده فيه ضعف‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() مدارج السالكين (‪.)2/89‬‬
‫‪5‬‬
‫() انظر‪ :‬مختصر منهاج القاصدين‪ ،‬ص (‪ ،)217 -215‬الشرك في القديم والحديث‪ ،‬أبو بكر محمد‬
‫زكريا (‪.)172 ،1/171‬‬
‫‪22‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الناس إليه أدخله الله النار»(‪.)1‬‬
‫حذر من الرياء‪ ،‬وبين أن األعمال ال تقبل إال إذا كانت خالصة‬ ‫إن أمير المؤمنين عليًا ّ‬
‫هلل وعلى سنة رسول هللا ×‪ ،‬وقد حث رضي هللا عنه على التمسك بالسنة في‬
‫مناسبات عديدة‪ ،‬فقد قال‪ :‬واقتدوا بهدى نبيكم ×‪ ،‬فإنه أفضل الهدى‪ ،‬واستنوا بسنته فإنها‬
‫أفضل السنن(‪.)2‬‬
‫‪ -4‬العجب‪ :‬قال أمير المؤمنين على بن أبي طالب‪ :‬اإلعجاب آفة األلباب(‪.)3‬إن العجب‬
‫من اآلفات التي تفسد األعمال‪ ،‬وتهلك العباد‪ ،‬والعجب أحد العوارض التي تعرض‬
‫للعاملين أثناء سيرهم إلى هللا تعالى‪ ،‬والعجب داء ينافى اإلخالص ويضاده‪ ،‬ويجافى الذ َّل‬
‫واالفتقارـ هلل تعالى‪ ،‬فهو سوء أدب مع هللا جال جالله‪ ،‬كما أن العجب يجانب محاسبة‬
‫النفس‪ ،‬ويعمى عن معرفة أدواء النفس وعيوبها‪ ،‬ومع كل ذلك فالحديث عن تلك اآلفة‬
‫قليل مع شدة خطرها‪ ،‬وعظيم ضررها‪ ،‬وكثرة انتشارها‪ ،‬قال عبد هللا بن المبارك‪ :‬العجب‬
‫أن ترى عندك شيئًا ليس عند غيرك(‪ ,)4‬وفرق ابن تيمية بين الرياء والعجب فقال‪:‬‬
‫والعجب قرين الرياء لكن الرياء من باب االشتراك بالخلق‪ ،‬والعجب من باب االشتراك‬
‫اك َن ْعبُ ُد" والمعجب ال يحقق قوله تعالى‪+ :‬وإِيَّ َ‬
‫اك‬ ‫بالنفس‪ ،‬فالمرائي ال يحقق قوله تعالى‪+ :‬إِيَّ َ‬
‫اك َن ْعب ُد" خرج من الرياء‪ ،‬ومن حقق قوله‪+ :‬وإِيَّ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين"‬
‫اك نَ ْستَع ُ‬ ‫ين" فمن حقق قوله‪+ :‬إِيَّ َ ُ‬‫نَ ْستَع ُ‬
‫خرج عن اإلعجاب(‪.)5‬‬
‫وقال الغزالي‪:‬اعلم أن آفات العجب كثيرة‪ ،‬فإن العجب يدعو إلى الكبر‪ ،‬فيتولد عن‬
‫العجب الكبر‪ ،‬ومن الكبر اآلفات الكثيرة التي ال تخفى‪ ،‬والعجب يدعو إلى نسيان الذنوب‬
‫ويمن على هللا بفعلها وينسى نعمة هللا‬ ‫ّ‬ ‫وإهمالها‪ ،‬وأما العبادات فإنه يستعظمها ويتبجح بها‪،‬‬
‫عليه بالتوفيق والتمكين منها‪ ،‬والمعجب يغتر بنفسه وبرأيه ويأمن مكر هللا وعذابه‪ ،‬ويظن‬
‫أنه عند هللا بمكان‪..‬ويخرجه العجب إلى أن يثنى على نفسه ويحمدها ويزكيها(‪.)6‬‬
‫وقال القرافي‪ :‬وسر تحريم العجب أنه سوء أدب مع هللا تعالى‪ ،‬فإن العبد ال ينبغي له‬
‫أن يستعظم ما يتقرب به إلى سيده‪ ،‬بل يستصغره بالنسبة إلى عظمة سيده‪ ،‬ال سيما عظمة‬
‫هللا تعالى‪ ،‬ولذلك قال هللا تعالى‪َ +:‬و َما قَ َد ُروا اهللَ َح َّق قَ ْد ِر ِه" [الزمر‪ ،]67 :‬أي ما عظموه حق‬
‫تعظيمه‪ ،‬فمن أعجب بنفسه وعبادته فقد هلك مع ربه‪ ،‬وهو مطلع عليه‪ ،‬وعرض نفسه‬
‫لمقت هللا تعالى وسخطه(‪ .)7‬ويمكن القول ابتداء أن سبب العجب أمران‪:‬‬
‫ق قدره‪ ،‬وقلة العلم بأسماء هللا‬‫أ‪ -‬الجهل بحق هللا تعالى‪ ،‬وعدم تقدير هللا تعالى ح ّ‬
‫وصفاته‪ ،‬وضعف التعبد بهذه األسماء والصفات‪.‬‬
‫ب‪ -‬الغفلة عن حقيقة النفس‪ ،‬وقلة العلم بطبيعتها‪ ،‬والجهل بعيوبها وأدوائها‪ ،‬وإهمال‬

‫‪1‬‬
‫() مسلم‪ ،‬ك اإلمارة‪ ،‬باب من قاتل للرياء والسمعة (‪.)2/1513‬‬
‫‪2‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/319‬‬
‫‪3‬‬
‫() جامع بيان العلم وفضله (‪.)1/571‬‬
‫‪4‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)8/407‬‬
‫‪5‬‬
‫() مجموع الفتاوى (‪.)10/277‬‬
‫‪6‬‬
‫() اإلحياء (‪ ،)3/370‬باختصار‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() الفروق (‪.)4/227‬‬
‫‪22‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫محاسبة النفس ومراقبتها(‪.)8‬‬
‫ومن ثم فإن العالج هو التعرف على هللا تعالى‪ ،‬وتحقيق تعظيمه وتقديره حق قدره والقيام‬
‫بالعبوديةـ له من خالل العلم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى‪ ،‬وتعبد المولى عز وجل بها‪،‬‬
‫فالخير كله بيديه‪ ،‬ورحمته تعالى وسعت كل شيء‪+ :‬وما بِ ُكم ِّمن ِّن ْعم ٍة فَ ِمن ِ‬
‫اهلل" [النحل‪.]53:‬‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬
‫قال اإلمام الشافعي‪:‬إذا خفت على عملك العُجْ ب‪ ،‬فاذكر رضا من تطلب‪ ،‬وفي أي‬
‫نعيم ترغب‪ ،‬ومن أي عقاب ترهب‪ ،‬فمن فكر في ذلك صغر عنده عمله(‪.)1‬‬
‫وقال النووي‪:‬وطريقة في نفى اإلعجاب أن يعلم أن العلم فضل من هللا تعالى‪ ،‬ومنّة‬
‫عارية‪ ،‬فإن هلل تعالى ما أخذ‪ ،‬وله ما أعطى‪ ،‬وكل شيء عنده بأجل مسمى‪ ،‬فينبغي أال‬
‫يعجب بشيء لم يخترعه‪ ،‬وليس مال ًكا له‪ ،‬وال على يقين من دوامه(‪.)2‬‬
‫قال ابن القيم‪ :‬اعلم أن العبد إذا شرع في قول أو عمل يبتغي مرضاة هللا‪ ،‬مطالعًا‬
‫فيه منة هللا عليه به‪ ،‬وتوفيقه له فيه‪ ،‬وأنه باهلل ال بنفسه‪ ،‬وال بمعرفته وفكره وحوله وقوته‪،‬‬
‫من عليه بالقول والفعل‪،‬ـ فإذا لم‬ ‫بل هو الذي أنشأ له اللسان والقلب والعين واألذن‪ ،‬فالذي ّ‬
‫يغب ذلك عن مالحظته ونظر قلبه لم يحضره العجب الذي أصله رؤية نفسه وغيبته عن‬
‫شهود منة ربه وتوفيقه(‪ .)3‬وأما العالج اآلخر للعجب فهو معرفة النفس ومحاسبتها‪ ،‬قال‬
‫ابن الجوزى‪ :‬من تلمح خصال نفسه وذنوبها‪ ،‬علم أنه على يقين من الذنوب والتقصير‪،‬‬
‫وهو من حال غيره في شك‪ ،‬فالذي يُحذر منه اإلعجاب بالنفس‪ ،‬ورؤية التقدم في أعمال‬
‫اآلخرة‪ ،‬والمؤمن ال يزال يحتقر نفسه‪ ،‬وقد قيل لعمر بن عبد العزيز رضي هللا عنه‪ :‬إن‬
‫مت ندفنك في حجرة رسول هللا ×‪ ،‬فقال‪ :‬ألن ألقى هللا بكل ذنب غير الشرك أحب إل ّى من‬
‫أن أرى نفسي أهالً لذلك(‪ ,)4‬وقال ابن حزم‪ :‬من امتحن بالعجب فليفكر في عيوبه‪ ،‬فإن‬
‫أعجب بفضائله‪ ،‬فليفتش عما فيه من األخالق الدنيئة‪ ،‬فإن خفيت عليه جملة حتى ال يظن‬
‫أنه ال عيب فيه‪ ،‬فليعلم أن مصيبته إلى األبد‪ ،‬وأنه أتّم الناس نقصًا‪ ،‬وأعظمهم عيوبًا‪،‬‬
‫وأضعفهم تميي ًزا‪ ،‬وأول ذلك أنه ضعيف العقل‪ ،‬جاهل‪ ،‬وال عيب أشد من هذين‪ ،‬ألن‬
‫العاقل هو من ميّز عيوب نفسه فغالبها وسعى في قمعها‪ ،‬واألحمق هو الذي يجهل عيوب‬
‫نفسه‪ ،‬وإن أعجبت بآرائك‪ ،‬فتفكر في سقطاتك واحفظها وال تنسها‪ ،‬وفي ك ّل رأى ق ّدرته‬
‫صوابًا فخرج بخالف تقديرك‪ ،‬وأصاب غيرك وأخطأت أنت‪ ،‬وإن أعجبت بعملك‪ ،‬فاعلم‬
‫أنه ال حصة لك فيه‪ ،‬وأنه موهبة من هللا مجردة‪ ،‬وهبك إياها ربك تعالى‪ ،‬فال تقابلها بما‬
‫يسخطه‪ ،‬فلعله ينسيك ذلك بعلة يمتحنك بها‪ ،‬تولّد عليك نسيان ما علمت وحفظت‪ ،‬وإن‬
‫أعجبت بمدح إخوانك لك‪ ،‬ففكر في ذ ّم أعدائك إياك‪ ،‬فحينئذ ينجلي عنك العجب‪ ،‬فإن لم‬
‫يكن لك عدو‪ ،‬فال خير فيك‪ ،‬وال منزلة أسقط من منزلة من ال عدو له‪ ،‬فليست إال منزلة‬
‫من ليس هلل تعالى عنده نعمة يحسد عليها‪ -‬عافانا هللا – فإن استحقرت عيوبك‪ ،‬ففكر فيها‬
‫لو ظهرت إلى الناس‪ ،‬وتمثل إطالعهم عليها‪ ،‬فحينئذ تخجل وتعرف نقصك(‪.)5‬‬
‫ويقول ابن القيم أثناء حديثه عن الحكم واألسرار في قضاء السيئات وتقدير‬
‫‪8‬‬
‫() معالم السلوك وتزكية النفوس‪ ،‬عبد العزيز العبد اللطيف‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫‪1‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)10/42‬‬
‫‪2‬‬
‫() المجموع (‪.)1/55‬‬
‫‪3‬‬
‫() الفرائد‪ ،‬ص (‪.)144‬‬
‫‪4‬‬
‫() صيد الخاطر‪ ،‬ص (‪.)251 ،250‬‬
‫‪5‬‬
‫() األخالق والسير‪ ،‬ص (‪ )71 -77‬باختصار‪.‬‬
‫‪23‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫المعاصي‪ :‬ومنها‪ :‬أن هللا سبحانه إذا أراد بعبده خيرًا أنساه رؤية طاعاته ورفعها من قلبه‬
‫ولسانه‪ ،‬فإذا ابتلى بذنب جعله نصب عينيه‪ ،‬ونسى طاعته وجعل همه كله بذنبه‪ ،‬فال يزال‬
‫ذنبه أمامه‪ ،‬إن قام أو قعد‪ ،‬أو غدا أو راح‪ ،‬فيكون هذا عين الرحمة في حقه‪ ،‬كما قال‬
‫بعض السلف‪ :‬إن العبد ليعمل الذنب فيدخل به الجنة‪ ،‬ويعمل الحسنة فيدخل بها النار‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬وكيف ذلك؟ قال‪ :‬يعمل الخطيئة ال تزال نصب عينيه‪ ،‬كلما ذكرها بكى وندم وتاب‬
‫واستغفر وتضرّع وأناب إلى هللا‪ ،‬وذ ّل له وانكسر وعمل لها أعماالً فتكون سبب الرحمة‬
‫يمن بها‪ ،‬ويراها‪ ،‬ويعت ّد بها على ربه‬
‫في حقه‪ ،‬ويعمل الحسنة فال تزال نصب عينيه ّ‬
‫وعلى الخلق‪ ،‬ويتكبر بها ويتعجب من الناس كيف ال يعظمونه ويكرمونه ويجلونه عليها‪،‬‬
‫فال تزال هذه األمور به حتى تقوى عليه آثارها فتدخله النار(‪ .)1‬هذا شرح موجز وسريع‬
‫لقول أمير المؤمنين على رضي هللا عنه‪ :‬اإلعجاب آفة األلباب(‪.)2‬‬
‫سابعًا‪ :‬اهتمام أمير المؤمنين على بن أبي طالب بترشيد األسواقـ ومواقفـ‬
‫متنوعة مع الناس‪:‬‬
‫حرص أمير المؤمنين على رضي هللا عنه على تفقد أحوال المتعاملين في السوق‬
‫وحملهم على التعامل بالشرع الحنيف‪ ،‬وقد ثبت أن عليًا رضي هللا عنه كان شديد العناية‬
‫باالحتساب في مجال السوق‪ ،‬فعن الحر بن جرموز المرادي عن أبيه قال‪ :‬رأيت على بن‬
‫أبي طالب رضي هللا عنه يخرج من القصر وعليه قطريتان‪ ،‬إزاره إلى نصف الساق‪،‬‬
‫ورادؤه مشمر قريبًا منه‪ ،‬ومعه الدرة يمشى في األسواق ويأمرهم بتقوى هللا وحسن البيع‬
‫ويقول‪ :‬أوفوا الكيل والميزان وال تنقحوا(‪ )3‬اللحم(‪ ,)4‬وعن أبي مطر قال‪ :‬خرجت من‬
‫المسجد‪ ،‬فإذا رجل ينادى من خلفي‪ :‬ارفع إزارك‪ ،‬فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك‪ ،‬وخذ من‬
‫رأسك إن كنت مسل ًما‪ ،‬فمشيت خلفه‪ ،‬وهو مؤترز بإزار‪ ،‬مرتد برداء‪ ،‬ومعه الدرة‪ ،‬كأنه‬
‫أعرابي بدوى‪ ،‬فقلت‪ :‬من هذا؟ فقال لي رجل‪ :‬أراك غريبًا في هذا البلد‪ ،‬فقلت‪ :‬أجل من‬
‫أهل البصرة‪ .‬فقال‪ :‬هذا على ابن أبي طالب أمير المؤمنين‪ ،‬حتى انتهى إلى دار ابن أبي‬
‫معيط وهو يسوق اإلبل‪ ،‬فقال‪ :‬بيعوا وال تحلفوا‪ ،‬فإن اليمين تنفق السلعة وتمحق البركة‪،‬‬
‫ثم أتى أصحاب التمر‪ ،‬فإذا خادمة تبكي‪ ،‬فقال‪ :‬ما يبكيك؟ فقالت‪ :‬باعني هذا الرجل تمرًا‬
‫بدرهم‪ ،‬فرده موالي فأبي أن يقبله‪ .‬فقال له على‪ :‬خذ تمرك وأعطها دره ًما‪ ،‬فإنها ليس لها‬
‫أمر‪ ،‬فدفعه‪ ،‬فقلت‪ :‬أتدرى من هذا؟ فقال‪ :‬ال‪ .‬فقلت‪ :‬هذا على بن أبي طالب أمير المؤمنين‬
‫فهبت تمرها فأعطاها دره ًما‪ .‬ثم قال الرجل‪ :‬أحب أن ترضي عني يا أمير المؤمنين‪ .‬قال‪:‬‬
‫ما أرضاني عنك‪ ،‬إذا وفيت الناس حقوقهم‪ .‬ثم مر مجتا ًزا بأصحاب التمر‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫أصحاب التمر‪ ،‬أطعموا المساكين يَرْ بُ كسبكم‪ ،‬ثم مر مجتا ًزا – ومعه المسلمون – حتى‬
‫أتى إلى أصحاب السمك‪ ،‬فقال‪ :‬ال يباع في سوقنا طاف‪ .‬ثم أتى دار فرات وهي سوق‬
‫الكرابيس(‪.)5‬‬
‫عن زاذان قال‪ :‬كان على يمشى في األسواق وحده يرشد الضال‪ ،‬ويعين الضعيف‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫() مفتاح دار السعادة (‪ ،)298 ،1/297‬مدارج السالكين (‪.)1/177‬‬
‫‪2‬‬
‫() جامع بيان العلم وفضله (‪.)1/57‬‬
‫‪3‬‬
‫() في بعض الروايات (وال تنفحوا) كما في الطبقات (‪ ،)3/28‬ومصنف ابن أبي شيبة (‪.)7/308‬‬
‫‪4‬‬
‫() تنقيح العظم استخراج مخه‪ ،‬وتنقح شحم الناقة أي قل‪ ،‬ونقح الشيء أي قشرة‪ ،‬والمراد‪ -‬وهللا أعلم – ال‬
‫تخرجوا مخ العظام المكسو باللحم‪ ،‬لسان العرب (‪ ،)2/624‬فضائل الصحابة (‪ )2/688‬إسناده صحيح‬
‫رقم (‪.)938‬‬
‫‪5‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)8/4‬‬
‫‪23‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ويمر بالبياع والبقال فيفتح عليه القرآن ويقرأ‪+ :‬تِل َ‬
‫َّار اآلَخ َرةُ نَ ْج َعلُ َها للَّذ َ‬
‫ين الَ يُ ِري ُدو َن‬ ‫ْك الد ُ‬
‫ادا" [القصص‪ ،]83 :‬ثم يقول‪ :‬نزلت هذه اآلية بأهل العدل والتواضع‬ ‫عُلُ ًّوا فِي األ َْر ِ‬
‫ض َوالَ فَ َس ً‬
‫من الوالة وأهل القدرة من سائر الناس(‪ .)1‬وأخرج الخالل بسنده عن أبي سعيد قال‪ :‬كان‬
‫على أتى السوق فقال‪ :‬يا أهل السوق‪ ،‬اتقوا هللا وإياكم والحلف‪ ،‬فإن الحلف ينفق السعلة‪،‬‬
‫ويمحق البركة‪ ،‬وإن التاجر فاجر إال من أخذ الحق وأعطى الحق‪ ،‬والسالم عليكم ثم‬
‫ينصرف‪ ،‬ثم يعود إليهم فيقولـ لهم مثل مقالته(‪.)2‬‬
‫وعن أبي الصهباء قال‪ :‬رأيت على بن أبي طالب رضي هللا عنه بشط الكأل يسأل عن‬
‫األسعار(‪ ,)3‬فهذا اإلشراف المباشر من أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا عنه‪،‬‬
‫تضمن أمورًا منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬لم تقتصر الجوالت على اإلشراف والتوجيه‪ ،‬بل تعدت ذلك إلى خدمة الناس في‬
‫شئونهم‪ ،‬كإرشاد الضال‪ ،‬وإعانة الضعيف‪ ،‬فمن كانت هذه حاله كانت كلماته‬
‫وتوجيهاته أقرب للناس‪ ،‬وأبلغ في نفوس السامعين‪.‬‬
‫ب‪ -‬تضمن التوجيه النصح بتقوى هللا سبحانه وتعالى وحسن البيع‪ ،‬وربما وعظهم‬
‫بالقرآن الكريم‪ ،‬فإن من اتقى هللا سبحانه وتعالى أحسن معاملته للناس في النفع‬
‫لهم‪ ،‬والبعد عن مخادعتهم وغشهم‪.‬‬
‫جـ‪ -‬منع الظلم في المعامالت‪ ،‬وإعادة الحق إلى أهله‪ ،‬ألن موالى الجارية التي‬
‫اشترت التمر لم يجيزوا هذا الشراء‪ ،‬وهي في نفسها ليس لها أمر‪.‬‬
‫د‪ -‬النهى عن أصناف الغش التي تحصل في األسواق‪ ،‬كنهيه عن تنقيح اللحم‪ ،‬وفي‬
‫رواية (نفح اللحم)‪.‬‬
‫هـ‪ -‬بيان بعض األحكام واآلداب المتعلقة في معامالت الناس ومنها‪:‬‬
‫‪ -‬النهى عن الحلف في البيع‪ ،‬وتعليل ذلك بأن اليمين تنفق السلعة‪ ،‬وتمحق البركة‪،‬‬
‫كما ورد عن رسول هللا ×‪« :‬الحلف منَفْقَة للسلعة‪ ،‬مَمْحقُة للبركة»(‪.)4‬‬
‫‪ -‬الحث على إطعام المساكين وترغيبهم فيه‪ ،‬ألنه زيادة في الكسب‪.‬‬
‫‪ -‬النهى عن بيع السمك الطافي(‪ ,)5‬ولعل ذلك حتى ال يختلط مع المصيد الطري‪.‬‬
‫كان أمير المؤمنين يتفقد أمور التجار في حضرته‪ ،‬ويأمر والته بذلك في الواليات‪،‬‬
‫ويثنى على المحسن منهم‪ ،‬أما من يقترف خطيئة بعد النهى‪ ،‬فينكل به‪ ،‬ويعاقبه من غير‬
‫إسراف(‪ ,)6‬وكانت له بعض اإلرشادات النافعة والنواهي الزاجرة التي تحث الناس على‬
‫مكارم األخالق وااللتزام بأحكام الشريعة وإليك بعض منها‪:‬‬
‫‪ -1‬إنكاره على مزاحمة النساء الرجال في األسواق‪:‬أنكر أمير المؤمنين عل ّى‬
‫على أناس ال يمنعون نساءهم من الخروج إلى األسواق مزاحمات الكفار‪ ،‬فقال لهم‪ :‬أال‬
‫‪1‬‬
‫() الدر المنثور للسيوطى (‪ )6/444‬البداية والنهاية (‪.)8/5‬‬
‫‪2‬‬
‫() السنة ص (‪ ،)352‬تحقيق د‪ .‬عطية الزهرانى ص (‪.)352‬‬
‫‪3‬‬
‫() الرياض النضرة في مناقب العشرة‪ ،‬ص (‪ ،)690‬شط الكأل مكان وبالبصرة سوق الكأل‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() البخاري‪ .‬ك البيوع (‪.)2/85‬‬
‫‪5‬‬
‫() هو الذي يعلو الماء وال يرسب‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() الدور السياسي للصفوة في صدر اإلسالم‪ ،‬ص (‪.)202‬‬
‫‪23‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫تستحيون أو تغارون؟ فإنه بلغني أن نساءكم يخرجن في األسواق يزاحمن العلوج(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬ال تردوا قليل الربح فتحرموا كثيره‪ :‬كان على رضي هللا عنه يدخل السوق‬
‫وبيده الدرة‪ ،‬وعليه عباء ويقول‪ :‬يا أيها التجار‪ ،‬خذوا الحق‪ ،‬وأعطوا الحق تسلموا‪ ،‬ال‬
‫تردوا قليل الربح فتحرموا كثيره‪ ،‬ونظر إلى رجل يقص‪ ،‬فقال له‪ :‬أتقص ونحن قريب‬
‫عهد برسول هللا ×‪ ،‬ألسألنك فإن أجبتني وأال جعفتك(‪ )2‬بهذه الدرة‪ ،‬ما ثبات الدين وما‬
‫(‪)3‬‬
‫زواله؟ قال‪ :‬أما ثباته فالورع‪ ،‬وأما زواله فالطمع‪ ،‬قال‪ :‬أحسنت‪ ،‬قص فمثلك من يقص ‪.‬‬
‫‪ -3‬خطورة التجارة قبل التفقه في أحكامها‪ :‬قال أمير المؤمنين على بن أبي طالب‬
‫رضي هللا عنه‪ :‬من اتجر قبل أن يتفقه في الدين فقد ارتطم في الربا‪ ،‬ثم ارتطم‪ ،‬ثم‬
‫ارتطم(‪ ,)4‬وقد كان الفاروق‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬يضرب بالدرة من يقعد في السوق وهو ال‬
‫يعرف األحكام‪ ،‬ويقول‪ :‬ال يقعد في سوقنا من ال يعرف الربا(‪ ,)5‬وكان يقول‪ :‬ال يبيع في‬
‫سوقنا إال من تفقه‪ ،‬وإال أكل الربا شاء أو أبي(‪ ,)6‬فكل شئون الحكم كانت محل اهتمام‬
‫الخلفاء الراشدين‪ ،‬رضي هللا عنهم‪ ،‬ال يطغى جانب على جانب‪ ،‬فال يختل الحال بين يدي‬
‫الحاكم‪ ،‬فقد كانوا يقعّدون للتجارة القواعد التي تصلح لألسواق‪ ،‬وتنظم التداول‪ ،‬وتضمن‬
‫الثبات واالستقرار‪ ،‬فال غبن وال غش‪ ،‬وال احتكار وال أسواق سوداء وال زرقاء وال جهل‬
‫بما يجوز وما ال يجوز في عالم التجارة‪.‬‬
‫ويمكن اليوم تفقيه التجار من خالل دورات في المساجد خصوصًا التي في قلب‬
‫األسواق‪ ،‬والبد من توجيه الخطاب للتجار من خالل كتيبات خاصة بهم واألشرطة‬
‫الصوتية المختصرة التي تبين أحكام التجارة وتبسط المسائل المتعلقة بها والتي تبرز ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫* نماذج مختارة من التجار المسلمين المخلصين لدينهم الذين نصروا هللا ورسوله‬
‫بأموالهم‪.‬‬
‫* بيان أهمية اآلخرة بالنسبة لهم لكي يجمعوا بين خيري الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫وعلى العلماء وطالب العلم واجب كبير في تفقيه هذه الشريحة الكبيرة في المجتمعات‪،‬‬
‫وعلى الحركات اإلسالمية أال تنسى واجبهاـ في تعليم أبنائها من التجار وغيرهم هذا الفقه‬
‫العزيز‪.‬‬
‫‪ -4‬من سبق إلى موضع فهو أحق به‪ :‬أثيرت قضية المحل التجاري في السوق‬
‫وقضى على ابن أبي طالب رضي هللا عنه في سوق الكوفة‪ ،‬أن من سبق إلى موضع فهو‬
‫أحق به ما دام فيه ذلك اليوم‪ ،‬فإذا انتقل عنه‪ ،‬فهو لمن ح َّل فيه‪ ،‬قال األصبغ بن نباته‪:‬‬
‫خرجت مع على بن أبي طالب إلى السوق‪ ,‬فرأى أهل السوق قد حازوا أمكنتهم‪ ,‬فقال علي‪:‬‬
‫ما هذا؟ فقالوا‪ :‬أهل السوق قد حازوا أمكنتهم‪ ،‬فقال‪ :‬ليس ذلك لهم‪ ،‬سوق المسلمين ُكمصلَّى‬
‫المسلمين‪ ،‬من سبق إلى شيء فهو له يومه حتى يدعه‪ ،‬وظلّت هذه القاعدة متَّبعة حتى والية‬
‫‪1‬‬
‫() العلوج‪ :‬جمع علج وهو الواحد من كفار العجم‪ ،‬مسند أحمد (‪ )2/254،255‬قال أحمد شاكر‪ :‬صحيح‬
‫اإلسناد‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() جعفه‪ :‬صرعة وضرب به األرض‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() المنتظم في تاريخ الملوك واألمم البن الجوزى (‪.)5/70‬‬
‫‪4‬‬
‫() ارتطم‪ :‬وقع‪ :‬بستان العارفين‪ ،‬ص (‪.)350‬‬
‫‪5‬‬
‫() نظام الحكومة اإلسالمية للكتاني (‪.)2/12‬‬
‫‪6‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)2/17‬‬
‫‪23‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫المغيرة بن شعبة‪ ،‬فل ّما كانت والية زياد بن أبيه عليها عام ‪49‬هـ جعل من قعد في مكان‬
‫فهو أحق به مادام فيه(‪.)1‬‬
‫‪ -5‬المحتكر عاص ملعون‪ :‬قال أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا عنه‬
‫في احتكار الطعام‪ :‬جالب الطعام مرزوق‪ ،‬والمحتكر عاص ملعون(‪ ,)2‬وقد أمر أمير‬
‫المؤمنين بتحريق الطعام المحتكر‪ ،‬فقد أخرج الحافظ ابن أبي شيبه عن الحكم قال‪ :‬أُخبر‬
‫على برجل احتكر طعا ًما بمائة ألف فأمر به أن يحرق(‪ ,)3‬وقد ذهب ابن قدامه إلى أن‬
‫االحتكار المحرم ما اجتمعت فيه شروط ثالثة هي‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن يشترى‪ ،‬فلو جلب شيئًا‪ ،‬أو أدخل من غلته شيئًا فادخره لم يكن محتكرًا‪ ،‬وهذا‬
‫واضح من قول على رضي هللا عنه‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن يكون المشترى قوتًا(‪.)4‬‬
‫على من االحتكار مبنى‬ ‫المؤمنين ٍّ‬ ‫جـ ‪ -‬أن يضيق على الناس بشرائه‪ .‬وترهيب أمير‬
‫على قول رسول ×‪« :‬لا يحتكر إلا خاطئ»(‪.)5‬‬
‫‪ -6‬الخسارة على المال والربح على ما اصطلحوا عليه‪ :‬بين أمير المؤمنين‬
‫على بن أبي طالب شيئًا من أحكام المضاربة وهي‪ :‬نوع من أنواع المعامالت بين الناس‪،‬‬
‫وهي دفع مال معلوم لمن يتجر به ببعض ربحه‪ ،‬فقال رضي هللا عنه‪ :‬الوضيعة على‬
‫المال‪ ،‬والربح على ما اصطلحوا عليه(‪ ,)6‬والوضيعة تعنى الخسران في الشركة وهي‬
‫على المال‪ ،‬أي على كل واحد بقدر ماله‪ ،‬فإن كان مالهما متساويًا في القدر(‪ )7‬فالخسران‬
‫بينهما نصفان‪ ،‬وإن كان أثالثًا فالوضيعة تكون أثالثًا‪.‬‬
‫‪ -7‬تحريقه قرية كانت تباع فيها الخمر‪:‬كان رضي هللا عنه شديد اإلنكار على من‬
‫باع خمرًا‪ ،‬فقد أمر بتحريق قرية كانت تباع فيها الخمر‪ ،‬فقد روى اإلمام أبو عبيدة القاسم‬
‫بن سالم أن عليًا بن أبي طالب رضي هللا عنه نظر إلى زرارة(‪ )8‬فقال‪ :‬ما هذه القرية؟‬
‫قالوا‪ :‬قرية تدعي زرارة‪ ،‬يلحم فيها‪ ،‬تباع فيها الخمر‪ ،‬فقام يمشى حتى أتاها‪ ،‬فقال‪ :‬عل َّى‬
‫بالنيران‪ ،‬اضرموها فيها‪ ،‬فإن الخبيث يأكل بعضه بعضًا‪ ،‬قال (الراوى)‪ :‬فاحترقت من‬
‫غربيها حتى بلغت بستان خواستا بن جبرونا(‪.)9‬‬
‫‪ -8‬احتسابه فيما يتعلق باللباس والهيئة‪ :‬عن أبي مطر قال‪ :‬خرجت من المسجد فإذا‬
‫رجل ينادى خلفي‪ :‬ارفع إزارك فإنه أنقى لثوبك‪ ،‬وأتقى لربك‪ ،‬وخذ من شعرك إن كنت‬

‫‪1‬‬
‫() األموال ألبي عبيد‪ ،‬ص (‪ ،)123‬الحياة االقتصادية‪ ،‬د‪ .‬بطاينة‪ ،‬ص (‪.)115‬‬
‫‪2‬‬
‫() فقه على‪ ،‬قلعجى‪ ،‬ص (‪ ،)27‬مصنف عبد الرزاق (‪ ،)8/204‬مسند زيد‪ ،‬ص (‪.)245‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصنف رقم ‪ ،)6/103(433‬الحسبة في العصر النبوي‪ ،‬ص (‪.)34‬‬
‫‪4‬‬
‫() وقيل‪ :‬ال فرق بين القوت وغيره‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() مسلم‪ ،‬ك المساقاةـ (‪ )3/1228‬والخاطئ‪ :‬العاصي اآلثم‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪ ،)6/4‬مصنف عبد الرزاق (‪.)8/248‬‬
‫‪7‬‬
‫() المغنى (‪.)5/31‬‬
‫‪8‬‬
‫() محلة في الكوفة سميت باسم بانيها زرارة بن زيد‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() األموال‪ ،‬ص (‪ ،)98 ،97‬الحسبة البن تيمية‪ ،‬ص (‪.)60‬‬
‫‪23‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫مسل ًما(‪.)1‬‬
‫‪ -9‬حبسه أهل الشر والفساد‪ :‬كان رضي هللا عنه يالحق أهل الشر والفساد‪ ،‬فإذا‬
‫وجد أحدًا منهم حبسه‪ ،‬فقد روى القاضي أبو يوسف عن عبد الملك بن عمير قال‪ :‬كان‬
‫على بن أبي طالب رضي هللا عنه إذا كان في القبيلة أو القوم الرجل الداعر حبسه‪ ،‬فإن‬
‫كان له مال أنفق عليه من ماله‪ ،‬وإن لم يكن له مال أنفق عليه من بيت مال المسلمين‪،‬‬
‫وقال‪ :‬يحبس عنهم شره وينُفق عليه من بيت مالهم(‪.)2‬‬
‫‪ -10‬الترهيب من عدم اإلنفاق‪ :‬قال أمير المؤمنين على بن أبي طالب‪ :‬بشر مال‬
‫البخيل بحادث أو وارث(‪ ,)3‬وقال‪ :‬البخيل مستعجل الفقر‪ ،‬يعيش في الدنيا عيش الفقراء‪،‬‬
‫ويحاسب في العقبى حساب األغنياء(‪.)4‬‬
‫‪ -11‬مناداته للصالة‪ :‬كان أمير المؤمنين على رضي هللا عنه شديد االهتمام بأمر‬
‫الصالة‪ ،‬فقد كان يمر في الطريق مناديًا‪ :‬الصالة‪ ،‬الصالة‪ ،‬كان يوقظ بذلك الناس لصالة‬
‫الفجر‪ ،‬يحدثنا الحسن رضي هللا عنه‪ ,‬عن خروجه اليوم الذي طعن فيه من بيته حيث‬
‫يقول‪ :‬فلما خرج من الباب نادى‪ :‬أيها الناس! الصالة الصالة‪ .‬وكذلك كان يصنع كل يوم‪،‬‬
‫ومعه درته‪ ،‬فاعترضه الرجالن‪ ،‬فضربه ابن ملجم على دماغه(‪.)5‬‬
‫‪ -12‬االهتمام بالطرق العامة‪ :‬كان أمير المؤمنين على رضي هللا عنه يأمر‬
‫بالمثاغب(‪ ,)6‬والكنف(‪ ,)7‬تقطع من طريق المسلمين(‪.)8‬‬
‫‪ -13‬ظهور بدعة القصص ومحاربة أمير المؤمنين على لها‪ :‬حدثت بدعة‬
‫القُصَّاص في عهد على‪ -‬رضي هللا عنه – فأنكرها الصحابة والتابعون‪ ،‬فقد أخرج محمد‬
‫بن وضّاح عن موسى بن معاوية قال‪ :‬حدثنا ابن مهدى عن سفيان عن عبيد هللا بن نافع‬
‫قال‪ :‬لم يقص على عهد النبي ×‪ ،‬وال أبي بكر‪ ،‬وال عمر‪ ،‬وال عثمان‪ ،‬وأول ما كان‬
‫القصص حين كانت الفتنة(‪ , )9‬والقصاص هم الوعاظ الذين يعقدون مجالس للوعظ‬
‫تضاهى مجالس العلم‪ ،‬يعظون الناس فيها بالحكايات واإلسرائيليات ونحوها‪ ،‬مما ال أصل‬
‫له أو موضوع‪،‬ـ أو مما ال تدركه عقول العامة‪ ،‬وقد منعهم أمير المؤمنين على بن أبي‬
‫طالب رضي هللا عنه‪ ،‬ألنهم أخذوا يحدثون الناس بالغرائب والمتشابهات‪ ،‬وما ال تدركه‬
‫عقولهم وما ال يعرفون(‪ ,)10‬وأذن أمير المؤمنين لمن كان متمكنًا من العلم الشرعي بأن‬
‫يقص على الناس‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)8/4‬‬
‫‪2‬‬
‫() الخراج ألبي يوسف ص (‪.)150‬‬
‫‪3‬‬
‫() نثر الآللئ نقالً عن منهج على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)183‬‬
‫‪4‬‬
‫() منهج على في الدعوة إلى هللا‪ ،‬ص (‪.)183‬‬
‫‪5‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/339‬‬
‫‪6‬‬
‫() المثاغب‪ :‬مفردها الثغب‪ :‬سيل الماء في الوادي‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() والكنف‪ :‬جمع كنيف وهو المرحاض‪ ،‬المصباح المنير ص (‪.)542‬‬
‫‪8‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪.)1/72‬‬
‫‪9‬‬
‫() البدع والنهى عنها‪.)20( ،‬‬
‫‪10‬‬
‫() دراسات في األهواء والفرق والبدع‪ ،‬ص (‪.)239‬‬
‫‪23‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫كانت حياة أمير المؤمنين في المجتمع دعوة للتوحيد ومحاربة للشرك‪ ،‬وكان حريصًا‬
‫على تعليم الناس أسماء هللا وصفاته وربط قلوبهم به وحده‪ ،‬وتذكيرهم بنعم هللا وحضهم‬
‫على شكرها‪ ،‬وقد كان رضي هللا عنه مثابرًا على محو آثار الجاهلية‪ ،‬متخ ًذا جميع‬
‫الوسائل الدعوية من خطابة ووعظ‪ ،‬وشعر وحكم‪ ،‬ولم يعش رضي هللا عنه بعيدًا عن‬
‫الناس بل عاش بينهم بأخالقه وسمته وعلمه رضي هللا عنه‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬والية الشرطة في عهد أمير المؤمنين على بن أبي طالب‪:‬‬
‫عندما تولى على رضي هللا عنه أمر الخالفة كانت وظيفة الشرطة إحدى الوظائف‬
‫المهمة المعروفة في الدولة‪ ،‬والقصص واآلثار التي تحدثت عن دور الشرطة في عهد‬
‫على رضي هللا عنه كثيرة منها‪ ،‬ما رواه أصبغ بن نباته‪ ،‬أن شابًا شكا إلى على بن أبي‬
‫إن هؤالء خرجوا مع أبي في سفر فعادوا ولم يعد أبي‬ ‫طالب رضي هللا عنه نفرًا‪ ،‬فقال‪ّ :‬‬
‫فسألتهم عنه‪ ،‬فقالوا‪ :‬مات‪ ،‬فسألتهم عن ماله‪ :‬فقالوا‪ :‬ما ترك شيئًا‪ ،‬وكان معه مال كثير‪،‬‬
‫وترافعنا إلى شريح‪ ،‬فاستحلفهم وخلّى سبيلهم‪ ،‬فدعا عل ّى بالشرطة‪ ،‬فو ّكل بك ّل رجل‬
‫رجلين‪ ،‬وأوصاهم أال يمكنوا بعضهم يدنو من بعض‪ ،‬وال يمكنوا أحدًا يكلمهم‪ ،‬ودعا‬
‫كاتبه‪ ،‬ودعا أحدهم‪ ،‬فقال‪ :‬أخبرني عن أبي هذا الفتى‪ ،‬أي يوم خرج معكم؟ وفي أي منزل‬
‫نزلتم؟ وكيف كان سيركم؟ وبأي علة مات؟ وكيف أصيب بماله؟ وسأله ع َّمن غسله‬
‫ودفنه‪ ،‬ومن تولى الصالة عليه‪ ،‬وأين دفن‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬والكاتب يكتب‪ ،‬فكبر عل ّى‪ ،‬وكبَّر‬
‫الحاضرون والمتهمون ال علم لهم إال أنهم ظنّوا أن صاحبهم قد أق ّر عليهم‪ ،‬ثم دعا آخر‬
‫بعد أن غيب األول عن مجلسه‪ ،‬فسأله كما سأل صاحبه‪ ،‬ثم اآلخر كذلك‪ ،‬حتى عرف ما‬
‫عند الجميع‪ ،‬فوجد كل واحد منهم يخبر بض ّد ما أخبر به صاحبه‪ ،‬ثم أمر بر ّد األول فقال‪:‬‬
‫يا عدو هللا‪ ،‬قد عرفت عنادك وكذبك بما سمعت من أصحابك‪ ،‬وما ينجيك من العقوبة إال‬
‫الصدق‪ ،‬ثم أمر به إلى السجن‪ ،‬وكبّر وكبّر معه الحاضرون‪ ،‬فلما أبصر القوم الحال لم‬
‫يشكوا أن صاحبهم أق ّر عليهم فدعا آخر منهم‪ ،‬فهدده‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬وهللا لقد‬
‫كنت كارهًا لما صنعوا‪ ،‬ثم دعا الجميع فأقروا بالقصة واستدعى الذي في السجن وقيل له‪:‬‬
‫قد أقر أصحابك وال ينجيك سوى الصدق‪ ،‬فأقر بكل ما أقر به القوم‪ ،‬فأغرمهم المال‪ ،‬وأقاد‬
‫منهم القتيل(‪.)1‬‬
‫فهذه القصة تحوى معان ودالالت كثيرة تفيد المحققين‪ ،‬وتد ّل في الوقت نفسه على وجود‬
‫السجن‪ ،‬ورجال الشرطة(‪ ,)2‬هذا وقد بنى أمير المؤمنينـ سجنًا في الكوفة س ّماه «نافعًا»ـ لم يكن‬
‫مستوثقـ البناء‪ ،‬فكانـ المسجونون يخرجون منه‪ ،‬فهدمه وبنى بدالً منه سجنًا س ّماه مخيسًا(‪,)3‬‬
‫وقد أجرى على أهل السجون ما يقوتهم من طعامهمـ وأدمهم وكسوتهمـ في الشتاء‪ ،‬والصيف(‪,)4‬‬
‫وكانـ ألمير المؤمنينـ على بن أبي طالب شرطة منهم‪ ،‬أبو الهياج األسدى‪ ،‬وقيس بن سعد بن‬
‫عبادةـ ومعقل بن قيس الرّياحى‪ ،‬ومالك بن خبيب اليربوعى‪ ،‬واألصبغ بن نباته المشاجعى‪،‬‬
‫وسعيد بن سارية بن مرة الخزاعى‪ ،‬وكان من ضمن الوظيفة االجتماعية للشرطة‪ ،‬مساعدةـ‬
‫المحتاج‪ ،‬وإغاثة الملهوف‪ ،‬وإرشاد التائه‪ ،‬وإطعام المساكين‪ ،‬وتقديم العون‪ ،‬وإظهار الرفق‪،‬‬
‫وغير ذلك من المساعدات اإلنسانيةـ التي يراد بها وجه هللا تعالى‪.‬‬
‫ومن هنا يظهر لنا أن األمن في العصر الراشدى كان يقوم بدور حضاري في تقديم‬
‫‪1‬‬
‫() الطرق الحكمية‪ ،‬ص (‪.)49‬‬
‫‪2‬‬
‫() والية الشرطة في اإلسالم‪ ،‬د‪ .‬نمر الحميداني‪ ،‬ص (‪.)107‬‬
‫‪3‬‬
‫() وهذه التسمية ليست اعتباطًا بل لها غرض‪ ،‬فإن النافع من النفع وهو ضد الضرر‪..‬المخيس وهو‬
‫التذليل والتهذيب‪ ..‬التسميتان تحققان أغراض السجن‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() والية الشرطة‪ ،‬ص (‪.)108‬‬
‫‪23‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫خدمات عامة للمجتمع‪ ،‬ولم يقتصر دوره فقط على الجانب األمني وإن كان للجانب‬
‫األمني‬
‫األهمية الكبرى‪.‬‬
‫***‬
‫‪23‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الفصل الرابع‬
‫المؤسسة المالية والقضائية في عهد‬
‫أمير المؤمنين على بن أبي طالب وبعض اجتهادا ته الفقهية‬
‫المبحث األول‬
‫المؤسسة المالية‬
‫في عهد على بن أبي طالب رضي هللا عنه لم يحدث تغيير يذكر في السياسة المالية‬
‫للدولة اإلسالمية‪ ،‬إال أن أمير المؤمنين على رضي هللا عنه رجع إلى ما كان عليه أبو بكر‬
‫الصديق في التسوية في العطاء(‪ ,)1‬فلم يفضل أحدًا‪ ،‬فأعطى الموالي كما أعطى السادة(‪,)2‬‬
‫وكان الخراج في بعض األمصار موكوالًـ إلى الوالة أنفسهم‪ ،‬ففي مصر كان قيس بن سعد‬
‫بن عبادة – الوالي العام‪ -‬مسئوالً عن الخراج فيها‪ ،‬وكذلك حينما بعث على رضي هللا عنه‬
‫األشتر النخعى على مصر كان في خطابه له ما يوحى أنه مع واليته العامة كان مسئوالً‬
‫عن الخراج بما يصلح أهله‪ ،‬فإن صالحه وصالحهم صالح لمن سواهم وال صالح إال‬
‫بهم‪ ،‬ألن الناس كلهم عيال على الخراج وأهله وليكن نظرك في عمارة األرض أبلغ عن‬
‫نظرك في استجالب الخراج‪ ،‬ألن ذلك يدرك بالعمارة ومن طلب الخراج بغير عمارة‪،‬‬
‫أضر بالبالد وأهلك العباد ولم يستقم أمره إال قليالً‪ ،‬فإن شكوا ثقالً أو علة أو انقطاع‬
‫شرب‪ ،‬أو إحالة أرض اغتمرها غرق‪ ،‬أو أجحف بها عطش‪ ،‬خففت عنهم بما ترجو أن‬
‫يصلح به أمرهم‪ ..‬فإن العمران محتمل ما حملته‪ ،‬وإنما خراب األرض من إعواز أهلها‪،‬‬
‫وإنما إعوازها أهلها إلشراف أنفس الوالة على الجمع وسوء ظنهم بالبقاء وقلة انتفاعهم‬
‫بالعبر(‪.)3‬‬
‫فقد كانت نظرة أمير المؤمنين على رضي هللا عنه إلى الخراج بما يتعدى الجباية إلى‬
‫المسألة االقتصادية برمتها‪ ،‬حيث يشكل الخراج المصدر األساسي لها في ذلك الوقت‪ ،‬وقد‬
‫اشتهر عن على رضي هللا عنه تشديده في مراقبة عماله في جميع النواحي‪ ،‬وكان الخراج‬
‫والشئون المالية من األمور المهمة التي كان يدقق فيها أمير المؤمنين على بن أبي طالب‬
‫رضي هللا عنه‪ ،‬فكان يبعث العيون واألرصاد ليعلم أحوالهم(‪ ,)4‬وقد كان لوالة البلدان‬
‫صالحيات عامة في المصروفات من والياتهم وبيوت أموالها‪ ،‬فالوالة الذين كانوا‬
‫يباشرون بيت المال وعمال الخراج بأنفسهم في عهد الخلفاء عمو ًما كانوا ينفقون من‬
‫األموال التي لديهم في األوجه الشرعية في مصالح الوالية‪ ،‬فكانوا يستخدمون هذه‬
‫األموال في شئون الجهاد والفتوح من إعداد للسالح والدواب ومرتبات الجند وغير ذلك‬
‫من أوجه الجهاد‪ ،‬كما كان الوالة يقومون بصرف نفقات العمال‪ ،‬والموظفين في الوالية(‪,)5‬‬
‫باإلضافة إلى أنهم كانوا يقومونـ ببعض اإلصالحات من بناء الجسور وحفر للقنوات‬
‫والعيون واألنهار‪ ،‬وكان ذلك يستدعى الصرف مما يجبونه من والياتهم(‪.)6‬‬

‫‪1‬‬
‫() االستيعاب (‪.)3/11‬‬
‫‪2‬‬
‫() على بن أبي طالب‪ ،‬د‪ .‬على شرفي‪ ،‬ص (‪.)66‬‬
‫‪3‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪2/153‬إلى ‪.)163‬‬
‫‪4‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪ ،)2/98‬النظريات المالية في اإلسالم‪ ،‬ص (‪.)155‬‬
‫‪5‬‬
‫() التراتيب اإلدارية للكتاني (‪.)1/393‬‬
‫‪6‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪.)2/98‬‬
‫‪23‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وفي األوقات التي تعزل فيها والية الخراج أو بيت المال عن الوالية العامة فإن‬
‫الوالة بحكم إشرافهم العام على الوالية يطلبون من عمال الخراج اإلنفاق على هذه‬
‫اإلصالحات‪ ،‬أو يقوم الوالة بتعيين عمال خاصين بهذه المشاريع‪ ،‬وتصرف نفقاتـ العمل‬
‫أو التجهيز من دخل الوالية عن طريق عمال الخراج إذا كانوا مستقلين‪ ،‬وهكذا فإنه حتى‬
‫لو عزلت مهمة (الجباية) عن الوالي كما عب ّر عنها بعض الباحثين(‪ )1‬فإن النفقات مع ذلك‬
‫كانت تأخذ طريقها بواسطة الوالة في كثير من األحيان سواء للجهاد أو التعمير‪.‬‬
‫ولقد نبه بعض الفقهاء إلى أن على الوالة إنفاق األموال في مصالح المسلمين وعدم‬
‫تجميدها‪ ،‬إذا إن تجميد األموال التي أخذت بحقها وعدم صرفها في مصالح المسلمين‬
‫يوازي الظلم في جمعها‪ ،‬فعدوا التجميد لألموال العامة من باب الظلم والتقصير من جانب‬
‫الوالة(‪ ,)2‬قد كانت األمصار والوالياتـ أحق بأموالها وجباياتها من غيرها‪ ،‬فكان الوالة ال‬
‫يعملون على ترحيل األموال عن مناطقهم إلى العاصمة في المدينة أو الكوفة فيما بعد‪ ،‬إال‬
‫بعد أن يسدوا حاجة والياتهم من النفقات(‪ ,)3‬وال شك أن ما قام به الخلفاء الراشدين‬
‫خصوصًا في عهد عمر من تنظيم دقيق للشئون المالية في الواليات بما فيها من جباية‪-‬‬
‫مصادر الدخل أو الواردات العامة إضافة إلى النفقات العامة‪ -‬يعتبر تنظي ًما جديدًا‪ ،‬ولم‬
‫يمنعهم ذلك من االستفادة من خبرات من سبقوهم حيث استحدثوا الدواوين وضبطوا‬
‫أمورهم المالية من مختلف جوانبها‪ ،‬وقد تحدثت عن المؤسسة المالية في عهد الفاروق‪،‬‬
‫رضي هللا عنه‪ ،‬بنوع من التفصيل‪ ،‬فمن أراد المزيد فليرجع إليها في كتابي فصل‬
‫الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب‪ ،‬وقد حاول بعض المستشرقين وفيهم‬
‫فيليب حتى في موسوعته عن تاريخ العرب أن يقلل من شأن ما قام به الخلفاء الراشدين‬
‫من تنظيم لألموال في الدولة عمو ًما فقال‪:‬‬
‫«والحقيقة أن األخبار تعزو إلى عمر كثيرًا مما أحدثته السنون التي لحقت عهده من‬
‫إنشاءات دعت إليها التجارب واألحوال الجديدة‪ ،‬وأن ما جاء به الخلفاء وعمال األمصار‬
‫األول في صدد الخراج والجزية‪ ،‬وأصول جبايتها وسياسة أموال الدولة لم يكن بالشيء‬
‫الخطير‪ ،‬فلقد أبقى اإلسالم أساس الحكم وأنظمة اإلدارية البيزنطية على ما كانت عليه في‬
‫سوريا ومصر‪ ،‬ولم يفكر أرباب األمر في األمصار الفارسية أن يبدوا أصول الحكومة‬
‫المحلية‪ ،‬ولم يأخذ القاتحون الضرائب إال طبقًا لطبيعة البالد وبمقتضىـ األصول المرعية‬
‫في العهد المنقرض سواء أكان بيزنطيًا أو فارسيًا‪ ،‬ولم يعتبروا في ذلك إذا كانت قد دانت‬
‫لهم صلحًا أو أنهم فتحوها عنوة‪ ،‬وال اهتدوا بتشريع أوجده عمر»(‪ .)4‬والكاتب هنا قد‬
‫تجاهل النصوص التي وردت في استنباط عمر للخراج على األراضي المفتوحة عنوة‪،‬‬
‫وكيف أن النظام قد لقي مجادلة ومعارضة من بعض الصحابة إلى أن استقر األمر عليه‪،‬‬
‫واتفق الجميع على تنفيذه(‪ .)5‬وقد تولى محمد ضياء الدين الريس الرد على هؤالء‬
‫المستشرقين فيما قالوه من خالل نصوص تاريخية موثقة يخلص منها إلى أن هذه الدعوى‬
‫ال أساس لها من الصحة‪ ،‬وأن المسلمين وفقهاءهم كانوا يفرقون بين ما أحدثه عمر‪ ،‬وما‬

‫‪1‬‬
‫() النظم المالية في اإلسالم‪ ،‬ص (‪ ،)157‬الوالية على البلدان (‪.)2/99‬‬
‫‪2‬‬
‫() أصول الفكر السياسي اإلسالمي‪ ،‬فتحي عثمان‪ ،‬ص (‪.)43‬‬
‫‪3‬‬
‫() السياسية المالية لعثمان بن عفان‪ ،‬قطب‪ ،‬ص (‪.)99‬‬
‫‪4‬‬
‫() تاريخ العرب‪ ،‬فيليب حتى (‪.)1/228‬‬
‫‪5‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪.)2/100‬‬
‫‪23‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫أحدثه غيره‪ ،‬بل ويفصلونـ تفصيالً دقيقًا في قضايا الخراج في عهد عمر(‪.)1‬‬
‫وهذه عادة المستشرقين وأذنابهم من الطعن والتنقص في عظماء اإلسالم‪ ،‬ولكن‬
‫المشكلة أنهم يجدون من األمة من ينظر لهم بإجالل وتقدير‪.‬‬
‫وبسبب الحروب والنزاعات الداخلية تأثرت دولة الخالفة في عهد على في مؤسساتها‬
‫المتعددة‪ ،‬كالمالية والعسكرية‪ ،‬ومنصب الخالفة‪ ،‬مما ساهم في زوال الخالفة الراشدة‪،‬‬
‫وسيأتي تفصيل ذلك في محله بإذن هللا‪.‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫المؤسسة القضائية‬
‫ولى الخالفة أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا عنه‪ ،‬واقترنت توليته التي‬
‫نجمت عن قتل عثمان وما تبعها من أحداث شقت صف المسلمين وفرقت كلمتهم‪،‬‬
‫وأصبحت مواجهة تلك األحداث لرأب الصدع شغله الشاغل‪ ،‬ولم يكن هذا الصراع الدامي‬
‫في عهد على رضي هللا عنه مانعًا له من أن يعطى للقضاء نصيبًا من االهتمام به‬
‫وتنظيمه‪ ،‬ويدل على هذا رسالته(‪ )2‬التي أرسلها إلى األشتر النخعي واليه على مصر حين‬
‫كانت تابعة لحكمه‪ ،‬وفيها يقول‪ :‬ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن ال‬
‫تضيق به األمور‪ ،‬وال تمحكه الخصوم‪ ،‬وال يتمادى في الزلة‪ ،‬وال يحصر في الفئ إلى‬
‫الحق إذا عرفه‪ ،‬وال تستشرف نفسه على طمع‪ ،‬وال يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه‪ ،‬وأوقفهم‬
‫في الشبهات‪ ،‬وآخذهم بالحجج‪ ،‬وأقلهم تبر ًما بمراجعة الخصوم‪ ،‬وأصبرهم على كشف‬
‫األمور‪ ،‬وأصرمهم على اتضاح الحكم‪ ،‬ممن ال يزدهيه إطراء‪ ،‬وال يستميله إغراء‪،‬‬
‫وأولئك قليل‪ ،‬ثم أكثر من تعاهد قضائه‪ ،‬وأفسح له في البذل ما يزيل علته‪ ،‬وتقل معه‬
‫حاجته إلى الناس‪ ،‬وأعطه من المنزلة لديك ما ال يطمع فيه غيره من خاصتك‪ ،‬ليأمن بذلك‬
‫اغتيال الرجال عندك(‪.)3‬‬
‫وفي هذه الرسالة أيضًا‪ :‬أنصف هللا‪ ،‬وأنصف الناس من نفسك‪ ،‬ومن خاصة أهلك‪،‬‬
‫َظلم‪ ،‬ومن ظلم عباد هللا كان هللا خصمه‬ ‫ومن لك فيه هوى من رعيتّك‪ ،‬فإنك إال تفعل ت ْ‬
‫دون عباده‪ ،‬ومن خاصمه هللا أدحض حجته‪ ،‬وكان هلل حربًا‪ ،‬حتى ينزع أو يتوب‪ .‬وليس‬
‫شيء أدعى إلى تغيير نعمة هللا‪ ،‬وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم‪ ،‬فإن هللا سميع دعوة‬
‫(‪) 4‬‬
‫المضطهدين‪ ،‬وهو للظالمين بالمرصاد‬
‫ونالحظ أن هذا العهد تضمن صفات القاضي‪ ،‬كما تضمن حقوقه وواجباته‪ ،‬والذي‬
‫يتأمل في الذي كتبه أمير المؤمنين على رضي هللا عنه لواليه على مصر‪ ،‬يعجب لهذا‬
‫العهد الذي كتب عام ‪40‬هـ‪ ،‬أو حولها‪ ،‬في وقت لم يكن للعرب فيه أي اتصال‬
‫بالحضارات األخرى بعد‪ ،‬وكيف كان العقل السليم الذي ينظر بنور هللا قادرًا على تفتيق‬
‫المعاني‪ ،‬ووضع أمور الدولة في نصابها‪ ،‬على خير ما نرى اليوم في الدساتير‬
‫والقوانين(‪.)5‬وهذه النظرات من أمير المؤمنين على في إنصاف الرعية‪ ،‬وتجنب ظلمها‬

‫‪1‬‬
‫() الخراج والنظم المالية للدولة اإلسالمية‪ ،‬ص (‪ ،)136 -131‬نقالً عن الوالية على البلدان (‪.)2/100‬‬
‫‪2‬‬
‫() وقائع ندوة النظم اإلسالمية (‪.)1/379‬‬
‫‪3‬‬
‫() شرح نهج البالغة نقالً عن نظام الحكم للقاسمى (‪.)2/103‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)2/559‬‬
‫‪5‬‬
‫() نظام الحكم للقاسمى (‪.)2/104‬‬
‫‪24‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫كانت فيما بعد عمادًا في تنظيم والية المظالم(‪.)1‬‬
‫أوالً‪ :‬الخطة القضائية والتشريعية في عهد الراشدين والمصادر التي اعتمدها‬
‫الصحابة في ذلك العهد‪:‬‬
‫قصد بهذه الخطة الطريقة التي سلكها الخلفاء الراشدون والصحابة الكرام وهم‬
‫يبحثون عن األحكام الشرعية لما يحدث لهم من وقائع وقضايا في حياتهم العملية‪ ،‬وهي‬
‫طريقة هدتهم إليها صحبتهم للرسول الكريم وتدريبهم على يديه‪ ،‬لذلك كان اتباع هذه‬
‫الطريقة حقًا على ما جاء بعدهم‪ .‬وقد الحظنا من خالل دراستنا لعهد الخلفاء الراشدين في‬
‫كتبنا عن أبي بكر وعمر وعثمان ودراستنا الحالية لعهد على رضي هللا عنهم‪ ،‬أنهم كانوا‬
‫كلما عرض لهم حادث‪ ،‬أو قضاء لجأوا إلى كتاب هللا أوالً‪ ،‬فإن وجدوا فيه الحكم الشرعي‬
‫للنازلة حسم األمر‪ ،‬وإال رجعوا إلى سنة رسول هللا ×‪ ،‬حتى إذا لم يجدوا فيها حالً انتقلوا‬
‫إلى الرأي بمعناه الواسع‪ ،‬وقد الحظنا أن هذا الرأي كان في أول األمر جماعيًا في غالب‬
‫األحيان‪ ،‬خصوصًا إذا انصب موضوعه على أمر من أمور الدولة ذات الصبغة العامة‪،‬‬
‫وقد ساعد على ذلك أن كبار الصحابة كانوا مازلوا مستقرين بالمدينة يسهل جمعهم وأخذ‬
‫رأيهم‪ ،‬وقد انبثق عن رأيهم الجماعي ما اصطلح على تسميته فيما بعد «اإلجماع»‪ ،‬وقد‬
‫كانوا يستعملون القياس‪ ,‬والمصلحة هي مناط التشريع‪ ،‬وخير دليل على هذه الخطة ما قال‬
‫ميمون بن مهران حيث قال‪ :‬كان أبو بكر إذا ورد عليه الخصوم نظر في كتاب هللا فإن‬
‫وجد فيه ما يقضى بينهم قضى به‪ ،‬وإن لم يكن في الكتاب‪ ،‬و َعلِم من رسول هللا ×‪ ،‬في‬
‫ذلك األمر سنة قضى بها‪ ،‬فإن أعياه أن يجد فيه سنة عن رسول هللا جمع رءوس الناس‬
‫وخيارهم فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به‪.‬وكان عمر يفعل ذلك فإن أعياه‬
‫أن يجد في القرآن والسنة نظر هل كان فيه ألبي بكر قضاء به‪ ،‬وأال دعا رءوس‬
‫المسلمين‪ ،‬فإن أجمعوا على شيء قضى به(‪ .)2‬وعن ابن مسعود قال‪ :‬فمن عرض عليه‬
‫قضاء بعد اليوم فليقض بما في كتاب هللا‪ ،‬فإن جاءه أمر ليس في كتاب هللا وال قضى به‬
‫نبيه ×‪ ،‬فليقض بما قضى به الصالحون‪ ،‬فإن جاءه أمر ليس في كتاب هللا وال قضى نبيه‬
‫× وال قضى به الصالحون فليجتهد رأيه‪ ،‬وال يقل‪ :‬إني أرى وإني أخاف‪ ،‬فإن الحالل بين‪،‬‬
‫والحرام بين‪ ،‬وبين ذلك مشتبهات فدع ما يريبك إلى ما ال يريبك(‪ ,)3‬وقد بينا في حديثنا‬
‫عن المرجعية العليا لدولة أمير المؤمنين على بن أبي طالب حرصه على السير على نفس‬
‫المنهج‪ ،‬ويتبين من هذه اآلثار أن الصحابة كانوا يعتمدون في خطتهم التشريعية‬
‫والقضائية على الكتاب والسنة قبل االنتقال إلى الرأي بمعناه الواسع(‪.)4‬‬
‫ونحب أن نقف عند هذه اآلثار لنستخلص منها بعض النتائج‪:‬‬
‫‪ -1‬اتفاق الصحابة حول هذه الخطة إذ كانوا يرتبون مراحل اجتهادهم وفقههم‬
‫مبتدئين بكتاب هللا أوالً‪ ،‬ثم االنتقال إلى سنة رسول هللا × قبل استخدام الرأي الجماعي ثم‬
‫القياس‪.‬‬
‫‪ -2‬كان للسابقة القضائية دور مهم في الخطة وهو دور جعلها تلي النصوص‬
‫مباشرة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)2/560‬‬
‫‪2‬‬
‫() سنن الدارمي (‪ )1/58‬رجال إسناده ثقات غير جعفر بن برقان صدوق‪ ،‬السنن الكبرى للبيهقى (‬
‫‪ )10/114‬وصحح إسناده ابن حجر‪ ،‬فتح الباري (‪.)13/3‬‬
‫‪3‬‬
‫() أعالم الموقعين (‪.)1/62‬‬
‫‪4‬‬
‫() االجتهاد في الفقه اإلسالمي‪...‬ضوابطه ومستقبله‪ ،‬ص (‪.)153‬‬
‫‪24‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -3‬ومما يلفت النظر في هذه الخطة أن أبا بكر وعمر على الخصوص‪ ،‬لم يكونا‬
‫يستشيران إال من كان موجودًا من الصحابة بالمدينة‪ ،‬ولم نطلع على نص يدل على أنهما‬
‫كانا يستدعيان من كان غائبًا من الصحابة قصد استشارته في أمر من األمور االجتهادية‪،‬‬
‫مما يدل على أن اإلجماع كان ينعقد باتفاق من حضر من الصحابة بصرف النظر عن‬
‫رأي من كان غائبًا(‪ ,)1‬ويتضح لنا من خالل ما سبق من خطة الخلفاء الراشدين والصحابة‬
‫في التشريع والقضاء أنهم كانوا كلما حزبهم أمر‪ ،‬أو عرضت عليهم قضية بادروا إلى‬
‫القرآن أوالً حتى إذا لم يجدوا فيه حالً رجعوا إلى السنة‪ ،‬فإذا لم يجدوا الحل‪ ،‬استعملوا‬
‫الرأي بمعناه الواسع‪ ،‬سواء كان جماعيًا أو فرديًا‪ ،‬وقد انبثق عن آرائهم الجماعية ما سمى‬
‫باإلجماع‪ ،‬وهو مصدر طارئ لم يكن له وجود في عصر الرسالة‪ ،‬وقد صنف هذا‬
‫المصدر ثالث المصادر بعد الكتاب والسنة‪ ،‬وبما أنه لم يكن من الميسور دائ ًما جمع‬
‫الصحابة قصد التشاور واالتفاق على حكم معين ألسباب كثيرة‪ ،‬فقد لجأ الصحابة‬
‫الستعمال الرأي بصورة فردية في الفتوى والقضاء‪ ،‬وقد اعتمدوا الكتاب والسنة في‬
‫آرائهم الفردية والجماعية‪ ،‬وعلى الفهم العميق لمقاصد الشريعة الهادفة إلى دفع المفاسد‬
‫وجلب المصالح‪ ،‬واستوحوا األحكام للحوادث التي ال نص فيها من روح النصوص ولم‬
‫يقضوا مع ظواهرها‪ ،‬وقد استعملوا القياس منذ عهد الرسول × وهو المصدر الرابع من‬
‫مصادر التشريع ويأتي بعد اإلجماع في المرتبة وإن كان سابقًا في الوجود(‪.)2‬‬
‫وهذه هي المصادر التي اعتمدها الخلفاء الراشدون والصحابة الكرام‪:‬‬
‫‪ -1‬القرآن الكريم وهو العمدة واألساس‪ ،‬وينبوع الحكمة‪ ،‬وآية الرسالة‪ ،‬ونور‬
‫األبصار والبصائر‪ ،‬وأنه ال طريق إلى هللا سواه‪.‬‬
‫‪ -2‬السنة وتطلق على ما جاء منقوالًـ عن النبي × بطرق صحيحة‪.‬‬
‫‪ -3‬اإلجماع والبد أن يكون مستندًا إلى نص من كتاب أو سنة أو قياس‪.‬‬
‫‪ -4‬القياس‪.‬‬
‫وكان الخلفاء الراشدون والصحابة الكرام يشرعون أحكا ًما لحوادث بناء على‬
‫المصلحة الواجب مراعاتها أو دفع المفسدة‪ ،‬فكان اجتهادهم فيما ال نص فيه فسيحًا مجاله‬
‫يستع لحاجات الناس ومصالحهم(‪.)3‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ميزات القضاء في العهد الراشدى‪:‬‬
‫إن القضاء في العهد الراشدى يمثل الدرجة الثانية بعد القضاء في العهد النبوي الذي‬
‫يمثل الجذور واألساس‪ ،‬وجاء القضاء في العهد الراشدى يمثل البناء الكامل‪ ،‬والتنظيم‬
‫الشامل من جهة‪ ،‬ويعطى الصورة البراقة للقضاء اإلسالمي من جهة ثانية‪ ،‬ويعتبر‬
‫أنموذجًا ومثالً وقدوة وتحت محط األنظار طوال العهود التالية‪ ،‬ويمكننا أن نشير‬
‫باختصار وإيجاز إلى أهم ميزات القضاء في العهد الراشدى‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬كان القضاء في العهد الراشدى امتدادًا لصورة القضاء في العهد النبوي‪ ،‬بااللتزام‬
‫به‪ ،‬والتأسي بمنهجه‪ ،‬وانتشار التربية الدينية‪ ،‬واالرتباط باإليمان والعقيدة‪ ،‬واالعتماد على‬
‫الوازع الديني‪ ،‬والبساطة في سير الدعوى‪ ،‬واختصار اإلجراءات القضائية‪ ،‬وقلة‬
‫الدعاوى والخصومات إذا قورنت باتساع الدولة‪ ،‬وتعدد الشعوب واألمصار‪ ،‬وحسن‬
‫‪1‬‬
‫() المصدر السابق نفسه‪ ،‬ص (‪.)153‬‬
‫‪2‬‬
‫() االجتهاد في الفقه اإلسالمي‪ .‬ضوابطه ومستقبله‪ ،‬ص (‪.)154‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)159‬‬
‫‪24‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫اختيار القضاة‪ ،‬وتوافر الشروط الكاملة فيهم‪.‬‬
‫‪ -2‬يعتبر القضاء في العهد الراشدى صورة صحيحة‪ ،‬وصادقة وسليمة للقضاء‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ولذلك صار موئل الباحثين‪ ،‬ومحط األنظار للفقهاء‪ ،‬وصارت األحكام‬
‫القضائية والتنظيم القضائي في العهد الراشدى مصدرًا لألحكام الشرعية‪ ،‬واالجتهادات‬
‫القضائية واآلراء الفقهية في مختلف العصور‪ ،‬وهذا باالتفاق – ولو أدبيًا‪ -‬عند جميع‬
‫العلماء والمذاهب‪ ،‬مع وجود االختالف في التدقيق والجزئيات والتفاصيل‪،‬ـ ومن ذلك‬
‫اختالف األئمة في حجية قول الصحابي وعدم حجيته‪ ،‬كما هو مقرر في علم أصول الفقه‪،‬‬
‫وعلم مصطلح الحديث‪ ،‬وتاريخ التشريع وسيأتي الحديث عن ذلك بإذن هللا‪.‬‬
‫‪ -3‬مارس الخلفاء الراشدون‪ ،‬وبعض والة األمصار‪ ،‬النظر في المنازعات وتولى‬
‫(‪)1‬‬
‫القضاء بجانب الوالية‪ ،‬كما أولوا االهتمام الكامل لتولى قضاء المظالم وقضاء الحسبة ‪.‬‬
‫‪ -4‬عين الخلفاء الراشدون في أكثر المدن واألقطار اإلسالمية قضاة لممارسة القضاء‬
‫خاصة‪ ،‬دون بقية السلطات‪ ،‬وظهر بشكل مبدئي‪ -‬وألولـ مرة‪ -‬فصل السلطة القضائية عن‬
‫بقية السلطات‪ ،‬وأن الوالة ال سلطان لهم على القضاة في المدن الكبرى التي تم فيها تعيين‬
‫القضاة بجانب الوالة‪ ،‬بينما يتولى الوالة في بقية المدن واألمصار القضاء والوالية معًا‬
‫وهم تحت بصر ومحاسبة الخليفة الراشد‪.‬‬
‫‪ -5‬كان القضاة في العهد الراشدى مجتهدين‪ ،‬فينظرون في نصوص القرآن والسنة‬
‫مباشرة‪ ،‬ويعملون فيها بما يؤدى إليه اجتهادهم‪ ،‬فإن لم يجدوا فيها حكم الواقعة اجتهدوا‬
‫رأيهم بعد االستئناس بما قضى به أسالفهم‪ ،‬واستشارة العلماء المعاصرين لهم‪ ،‬ثم‬
‫أصدروا الحكم الذي وصل إليه اجتهادهم‪.‬‬
‫‪ -6‬ظهرت مصادر جديدة للقضاء في العهد الراشدى نتيجة للمنهج السابق الذي‬
‫التزموه‪ ،‬وصارت األحكام القضائية هي‪ :‬القرآن‪ ،‬والسنة الشريفة‪ ،‬واإلجماع‪ ،‬والقياس‪،‬‬
‫والسوابق القضائية‪ ،‬والرأي االجتهادي‪ ،‬مع المشورة‪.‬‬
‫‪ -7‬تم التنظيم اإلداري الدقيق للقضاء في العهد الراشدى‪ ،‬وأرسل عمر وعلى‪-‬‬
‫رضي هللا عنهما‪ -‬الرسائل الخالدة والمشهورة إلى القضاة والوالة‪ ،‬لتنظيم شئون القضاة‪،‬‬
‫وبيان الدستور والمنهج‪ ،‬وتبع ذلك متابعة الخلفاء للقضاة‪ ،‬ومراقبتهم‪ ،‬وتبادل الرأي‬
‫معهم‪ ،‬والسؤال عن أخبارهم وأقضيتهم‪ ،‬وطلب مراجعتهم في القضايا المهمة والمعضلة‬
‫والخطيرة‪ ،‬وكانت هذه الميزة في أوجها في عهد عمر‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬وخفت قليالً في‬
‫عهد عثمان‪ ،‬وضعفت في عهد على الضطراب األمور‪ ،‬وكثرة الفتن‪ ،‬ونشوب الحروب‬
‫الداخلية‪ ،‬وظهور بذرة االستقالل الذاتي في الشام وما يتبعه‪ ،‬مع تعدد السلطة‪.‬‬
‫‪ -8‬كانت اختصاصات القاضي في الغالب عامة وشاملة لجميع الوقائع‪ ،‬وكانت‬
‫صالحية القاضي واسعة‪ ،‬وله الحرية الكاملة في اإلجراءات‪ ،‬ولكن ظهر في هذا العهد‬
‫نواة االختصاص الموضوعيـ والنوعي للقضاة‪ ،‬وتم تعيين قضاة للنظر في القضايا‬
‫الصغيرة والبسيطة‪ ،‬كما تم تعيين قضاة لألحداث الجسيمة والوقائع الكبيرة‪ ،‬وبقىـ معظم‬
‫الخلفاء – غالبًا‪ -‬يتولون النظر في الجنايات والحدود‪ ،‬وقام بهذا الشأن بعض الوالة أيضًا‪،‬‬
‫كما ظهر في هذا العهد تعدد القضاة في وقت واحد في المدن الكبرى واألقطار الواسعة‬
‫كالمدينة المنورة‪ ،‬والكوفة‪ ،‬والبصرة‪ ،‬واليمن‪ ،‬كما ظهر قاض للعسكر ألول مرة‪.‬‬
‫‪ -9‬تأكد في هذا العهد ما كان في العهد النبوي من مراقبة األحكام القضائية‪ ،‬وإقرار‬
‫ما وافق القرآن والسنة‪ ،‬وما صدر عن الرأي واالجتهاد‪ ،‬ألن االجتهاد ال ينقض بمثله‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ القضاء في اإلسالم ص (‪.)158‬‬
‫‪24‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وينقض ما خالف القرآن والسنة(‪.)1‬‬
‫‪ -10‬استحدثت في العهد الراشدى رواتب القضاة بشكل منظم‪ ،‬مع التوسعة على‬
‫القضاة‪ ،‬وأقيمت دار للقضاء‪ ،‬وأنشئ السجن للحبس‪ ،‬كما ظهر‪ -‬وألولـ مرة‪ -‬امتناع كبار‬
‫ضنَّة الذي‬
‫الصحابة عن القضاء‪ ،‬كابن عمر الذي طلبه عثمان فامتنع‪ ،‬وكعب بن يسار بن َ‬
‫طلبه عمر لتولى القضاء بمصر فأبى أن يقبل‪ ،‬وقيل قبله أيا ًما‪ ،‬ثم اعتزل(‪.)2‬‬
‫‪ -11‬كانت إجراءات التقاضي في العهد الراشدى بسيطة وسهلة وقليلة‪ ،‬بد ًءا من‬
‫سماع الدعوى‪ ،‬إلى إقامة البينة واإلثبات والحجج‪ ،‬إلى إصدار الحكم فيها‪ ،‬إلى التنفيذ‪،‬‬
‫وكانت آداب القضاء مرعية في حماية الضعيف‪ ،‬ونصرة المظلوم‪ ،‬والمساواة بين‬
‫الخصوم‪ ،‬وإقامة الحق والشرع على جميع الناس‪ ،‬ولو كان الحكم على الخليفة أو األمير‬
‫أو الوالي‪ ،‬وكان القاضي في الغالب يتولى تنفيذ األحكام‪ ،‬إن لم ينفذها األطراف طوعًا‬
‫واختيارًا‪ ،‬وكان التنفيذ عقب صدور الحكم فورًا‪ ،‬ولكن ظهرت في العهد الراشدى أمور‬
‫تنظيمية جديدة‪ ،‬فوجد كاتب للقاضي في عهد عمر‪ ،‬وظهرت الشرطة واألعوان لمساعدة‬
‫القاضي والوالي في عهد عثمان‪ ،‬وتطور التحقيق الجنائي في عهد سيدنا على رضي هللا‬
‫عنه‪ ،‬وفرَّق بين الشهود للوصول إلى الحق وكشف الواقع حتى صار مضرب المثل(‪.)3‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أشهر قضاة أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا عنه‪:‬‬
‫أقر أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي بعض القضاة الذين ثبتت جدارتهم‪،‬‬
‫وكانوا على القضاء قبله‪ ،‬وعين قضاة ووالة آخرين(‪ ,)4‬منهم‪:‬‬
‫على عليها‪ ،‬وكان يرزقه‬ ‫كان على قضاء الكوفة‪ ،‬وأقره ٌّ‬ ‫‪ -1‬شريح بن الحارث الذي‬
‫كل شهر خمسمائة درهم(‪.)5‬‬
‫‪ -2‬أبو موسى األشعرى الذي واله عثمان القضاء بالكوفة‪ ،‬فأقره على‪ ،‬ثم عزله(‪.)6‬‬
‫‪ -3‬عبيد هللا بن مسعود‪ ،‬الوالي والقاضيـ باليمن‪.‬‬
‫‪ -4‬عثمان بن حنيف على البصرة‪.‬‬
‫‪ -5‬قيس بن سعد على مصر‪ ،‬وكان شهد فتح مصر‪ ،‬واختط بها دارًا‪ ،‬ووليها لعلي ثم‬
‫عزله بمحمد بن أبي بكر(‪. )7‬‬
‫‪ -6‬عمارة بن شهاب على الكوفة‪.‬‬
‫(‪)8‬‬
‫‪ -7‬قثم بن العباس على المدينة المنورة‪ ،‬سنة ‪37‬هـ‪ ,‬على مكة والطائف ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫() تاريخ القضاء في اإلسالم‪ ،‬ص (‪.)159‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)160‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)160‬‬
‫‪4‬‬
‫() تاريخ القضاء في صدر اإلسالم‪ ،‬جبر محمود‪ ،‬ص (‪.)239‬‬
‫‪5‬‬
‫() أخبار القضاة (‪.)2/227‬‬
‫‪6‬‬
‫() تاريخ القضاة في اإلسالم‪ ،‬ص (‪.)149‬‬
‫‪7‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/589‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)6/71‬‬
‫‪24‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -8‬جعدة بن هبيرة المخزومي‪ ،‬ثم خليد بن قرة اليربوعي على خراسان(‪. )1‬‬
‫‪ -9‬عبد هللا بن عباس كان واليًا لعلى على البصرة‪ ،‬وكان أبو األسود الدؤلي على‬
‫قضائها‪ ،‬وفي قول ولى عبد هللا بن عباس على القضاء في البصرة عبد الرحمن بن يزيد‬
‫ال ُح ّدانى‪ ،‬وكان أخا المهلب بن أبي صفرة ألمه‪ ،‬وبقىـ قاضيًا عليهم أيام على بن أبي‬
‫طالب‪ ،‬وطائفة من عمل معاوية حتى قدم زياد فعزله(‪ ,)2‬وقال أبو عبيدة‪ :‬كان ابن عباس‬
‫يفتى الناس ويحكم بينهم(‪ ,)3‬وإذا خرج ابن عباس عن البصرة استخلف أبا األسود‪ ،‬فكان‬
‫هو المفتى‪ ،‬والقاضيـ يومئذ يدعى المفتى‪ ،‬فلم يزل كذلك حتى قتل على سنة أربعين‪ ،‬ونقل‬
‫عن أبى األسود أقضية طريفة‪ ،‬ولما خرج أمير المؤمنين على من المدينة إلى البصرة‬
‫ولى عليها عبد هللا بن عباس(‪.)4‬‬
‫‪ -10‬سعيد بن نمران الهمدانى الذي عينه على لما قدم الكوفة‪ ،‬ثم عزله‪ ،‬ثم استقضاه مصعب‬
‫ابن الزبير على الكوفة فقضى ثالثـ سنوات‪ ،‬ثم عين ابن الزبير عبد هللا بن عتبة بن مسعود(‪.)5‬‬
‫على على قضاء الكوفة بعد عزل‬ ‫‪ -11‬عبيدة السلمانى‪ ،‬محمد بن حمزة الذي عينه ٌّ‬
‫سعيد الهمذاني‪ ،‬وقال له‪ :‬اقضوا كما كنتم تقضون‪ ،‬ثم عزله وعين شريحًا‪ ،‬وقال الشعبي‪:‬‬
‫كان شريح أعلم الناس بالقضاء‪ ،‬وكان عبيدة يوازي شريحًا في القضاء‪ ،‬وله أقضية‬
‫طريقة‪ ،‬وكان من علماء الكوفة المشهورين‪ ،‬وكان شريح يستشيره ويرجع إليه(‪.)6‬‬
‫‪ -12‬محمد بن يزيد بن خليدة الشيباني‪ ،‬عينه على قاضيًا على الكوفة‪ ،‬وله‬
‫أقضية فيها(‪.)7‬‬
‫وقد كان قضاة على في األمصار هم والته على البلدان المختلفة ألن واليتهم كانت‬
‫(‪)8‬‬
‫عامة تشمل الحكم واإلدارة وإقامة الحدود واإلمامة والقضاء وجباية الصدقات وغيرها ‪,‬‬
‫وكان على رضي هللا عنه يطلب من والته التحري في تعيين القضاة‪ ،‬مما يدل على أنه‬
‫خول لهم تعيين القضاة في البلدان التابعة لوالياتهم‪ ،‬مع أن الوالة‪ -‬في الغالب – هم قضاة‬
‫األمصار التي يقيمون فيها‪ ،‬إال أنه ورد ذكر أسماء عدد من قضاة األمصار في عهد‬
‫على‪ ،‬كما مر معنا‪ ،‬ويبدو أن والة األمصار كان لهم الحق في النظر في المظالم التي‬
‫يرفعها الناس ضد أحكام القضاء‪ ،‬وبالدرجة األولى التي حكم فيها قضاة ولوا من قبلهم‬
‫وليس من قبل الخليفة‪ ،‬كما كان لهم النظر في المظالم األخرى من قبل قضاة البلدان‬
‫المعينين من قبل الخليفة بحكم عموم واليتهم(‪ ,)9‬إال أنهم كانوا يرجعون إلى الخليفة في‬
‫مثل هذه القضايا‪ ،‬ومن المعروف أن الخلفاء كانوا يفتحون أبوابهم لمن يجأر بالشكوى‬

‫‪1‬‬
‫() تاريخ القضاء في اإلسالم‪ ،‬ص (‪.)151‬‬
‫‪2‬‬
‫() أخبار القضاة (‪.)289 ،1/288‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)1/288‬‬
‫‪4‬‬
‫() تاريخ القضاء في اإلسالم‪ ،‬ص(‪.)151‬‬
‫‪5‬‬
‫() أخبار القضاة (‪.)397 ،2/396‬‬
‫‪6‬‬
‫() طبقات ابن سعد (‪ ،)6/10‬أخبار القضاة (‪.)401 ،2/399‬‬
‫‪7‬‬
‫() أخبار القضاة (‪.)1/395‬‬
‫‪8‬‬
‫() قضاء أمير المؤمنين‪ ،‬عبد هللا بن عثمان‪ ،‬ص (‪.)290‬‬
‫‪9‬‬
‫() األحكام السلطانية‪ ،‬ص (‪ )77‬للماوردي‪.‬‬
‫‪24‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫سواء كانت الشكوى ضد الوالة أو ضد القضاة أو عمال الخراج أو غيرهم(‪.)1‬‬
‫رابعًا‪ :‬األسلوب القضائي عند أمير المؤمنين على‪ ،‬ونظرته لألحكام‬
‫الصادرة قبله‪ ،‬والمؤهلين للقضاء ومكانه ومجانية الحصول على الحكم‪:‬‬
‫‪ -1‬إبقاؤه على أسلوب القضاء‪ :‬يظهر أن عليا بن أبي طالب رضي هللا عنه كان‬
‫ينوى إدخال بعض التعديالت في أسلوب القضاء وأصول المحاكمات بما يتناسب مع‬
‫التطورات الجديدة التي طرأت على المجتمع‪ ،‬إال أنه أرجأ ذلك إلى أن تستقر األمور‪ ،‬فقد‬
‫أثر عنه رضي هللا عنه إنه قال‪ :‬اقضوا كما تقضون حتى تكونوا جماعة‪ ،‬فإني أخشى‬
‫االختالف(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬عدم نقضه األحكام الصادرة قبله‪ :‬وحرصًا على استقرار األمور فإن أمير‬
‫المؤمنين كان يرى بأنه ال يحق للقاضي أن ينقض حك ًما أصدره قاض آخر‪ ،‬وقد كان هو‬
‫– رضي هللا عنه‪ -‬كتب الكتاب بين أهل نجران وبين النبي × فكثروا في عهد عمر حتى‬
‫خافهم على الناس‪ ،‬فوقع بينهم االختالف‪ ،‬فأتوا عمر‪ ،‬فسألوه البدل‪ ،‬فأبدلهم‪ ،‬ثم ندموا‪،‬‬
‫ووضع عليهم شيئًا فأبوه‪ ،‬فاستقالوه‪ ،‬فأبى أن يقيلهم‪ ،‬فلما ولى على أتوه فقالوا‪ :‬يا أمير‬
‫المؤمنين شفاعتك بلسانك وخطك بيمينك‪ ،‬فقال على‪ :‬ويحكم إن عمر كان رشيد األمر(‪,)3‬‬
‫ولن أرد قضاء قضى به عمر(‪.)4‬‬
‫‪ -3‬األهلية للقضاء‪:‬القضاء من الواليات العامة‪ ،‬ولذلك يشترط في القاضي ما‬
‫يشترط فيمن تكون له والية عامة على المسلمين من العقل والبلوغ واإلسالم‪ ،‬ويشترط في‬
‫القاضي أن يكون عفيفًا عما في أيدي الناس‪ ،‬حلي ًما ال تثيره الكلمة‪ ،‬وال يغضبه التصرف‬
‫النابي‪ ،‬عال ًما بأحكام الشريعة‪ ،‬وبناسخها ومنسوخها‪ ،‬فقد قال على بن أبي طالب لقاض‪:‬‬
‫هل تعلم الناسخ من المنسوخ؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬هلكت وأهلكت(‪ ,)5‬وإنما سأله على عن الناسخ‬
‫والمنسوخ ألن معرفته ليس باألمر السهل في ذلك العصر‪ ،‬ويشترط فيه أن يكون عال ًما‬
‫بما قضى به القضاة السابقون‪ ،‬حتى ال يخرج عن خطهم في القضاء‪ ،‬حس ًما لفوضىـ‬
‫األحكام‪ ،‬وأن يكون متواضعًا ال يرى غضاضة في استشارة ذوى العلم والعقل الراجح‪،‬‬
‫ألن هذه الشورى تبعده عن الخطأ في األحكام‪ ،‬وأن يكون جريئًا في الحق ال يتأخر عن‬
‫النطق بالحكم به‪ ،‬ولو أغضب ذوى السلطان‪ ،‬وقد جمع ذلك كله قول على رضي هللا عنه‪:‬‬
‫ال ينبغي أن يكون القاضي قاضيًا حتى تكون فيه خمس خصال‪ :‬عفيف‪ ،‬حليم‪ ،‬عالم بما‬
‫كان قبله‪ ،‬يستشير ذوى األلباب‪ ،‬ال يخاف في هللا لومة الئم(‪.)6‬‬
‫‪ -4‬مكان القضاء‪ :‬على القاضي أن يختار مكان جلوسه بين المتخاصمين في وسط‬
‫المدينة بحيث ال يشق على أحد الوصول إليه‪ ،‬ولذلك كان عل ّى رضي هللا عنه يأمر‬

‫‪1‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪.)2/93‬‬
‫‪2‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪.)11/329‬‬
‫‪3‬‬
‫() سنن البيهقى (‪.)10/120‬‬
‫‪4‬‬
‫() المغنى (‪.)9/57‬‬
‫‪5‬‬
‫() سنن البيهقى (‪.)10117‬‬
‫‪6‬‬
‫() المغنى (‪.)9/43‬‬
‫‪24‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫شري ًحا‪ -‬القاضي‪ -‬بالجلوس في المسجد األعظم(‪ , )1‬لييسر الوصول إليه(‪.)2‬‬
‫‪ -5‬مجانية الحصول على الحكم‪ :‬لما كانت إقامة العدل بين الناس من أهداف الدولة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬فإن الفقه اإلسالمي يقضي بأال يقام أي حائل بين صاحب الحق وبين الحصول‬
‫على حقه‪ ،‬ولذلك فإن المتقاضيين اليدفعان للقاضي وال للدولة شيئًا من المال للحصول‬
‫على الحكم الذي يفصل الخالف بينهما‪ ،‬بل الدولة اإلسالمية هي التي تتكفل بنفقاتـ الحاكم‬
‫والمحكمة‪ ،‬وقد كان عل ّى رضي هللا عنه يعطى شريحًا على القضاء رزقًا‪ ،‬وقد رزقه حين‬
‫واله القضاء في الكوفة كل شهر خمسمائة درهم(‪.)3‬‬
‫‪ -6‬بذور المحاماة‪ :‬في العهد الراشدى ظهرت بذور المحاماة‪ ،‬فكان على رضي هللا‬
‫عنه يوكل أخاه عقيالً في المخاصمة‪ ،‬ولما أسن عقيل‪ ،‬وكل عبد هللا بن جعفر بن أبي‬
‫طالب عنه أمام القضاء‪ ،‬وكان يقول‪ :‬ما قضى لوكيلي فلى‪ ،‬وما قضى على وكيلي‬
‫فعل َّى(‪.)4‬‬
‫خامسًا‪ :‬ما يجب على القاضي‪:‬‬
‫لكي يحقق القاضي العدل في األحكام البد له من مراعاة ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬دراسة القضية المعروضة عليه دراسة واعية‪ :‬وال يجوز له أن يتسرع في‬
‫إصدار الحكم قبل االنتهاء من الدراسة‪ ،‬واالطمئنان إلى الحكم‪ ،‬ولذلك قال على لشريح‪:‬‬
‫لسانك عبدك ما لم تتكلم‪ ،‬فإذا تكلمت فأنت عبده‪ ،‬فانظر ما تقضى‪ ،‬وفيم تقضى؟ـ وكيف‬
‫تقضى؟ـ (‪.)5‬‬
‫‪ -2‬المساواة بين الخصوم‪ :‬فقد نزل على عل ٍّى ضيف‪ ،‬فكان عنده أيا ًما‪ ،‬فأتى في خصومة‪،‬‬
‫فقال له على‪ :‬أخصم أنت؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فارتحل عنا‪ ،‬فإنا نهينا أن ننزل خص ًما إال مع‬
‫خصمه(‪.)6‬‬
‫‪ -3‬عدم الصياح بالمتخاصمين‪ :‬ولى على بن أبي طالب رضي هللا عنه أبا األسود‬
‫الدؤلي القضاء‪ ،‬ثم عزله فقال‪ :‬لم عزلتني وما خنت وال جنيت؟ فقال‪ :‬إنما رأيتك يعلو‬
‫كالمك على الخصمين(‪.)7‬‬
‫‪ -4‬االبتعاد عن المؤثرات ومجاهدة النفس‪ :‬سواء كانتـ هذه المؤثرات قرابة‪ ،‬أو ماالً‪،‬‬
‫ضاـ أو‪ ..‬فقد جاء جعدة بن هبيرة إلى على بن أبي طالب فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪،‬ـ يأتيك‬ ‫أو بغ ً‬
‫الرجالن أنت أحب إلى أحدهما من نفسه‪ ،‬واآلخر لو يستطيع أن يذبحك لذبحك‪ ،‬فتقضي لهذا‬
‫على هذا؟ قال‪ :‬فلمزه على وقال‪ :‬هذا شيء لو كان لي لفعلت‪ ،‬ولكن إنما ذلك شيء هلل(‪.)8‬‬
‫‪ -5‬الشورى‪ :‬وعلى القاضي أن يستشير ذوى العلم‪ ،‬والرأي لئال يفلت منه حق‪ ،‬وقد‬
‫‪1‬‬
‫() مسند زيد (‪ ،)4/137‬موسوعة فقه على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)506‬‬
‫‪2‬‬
‫() موسوعة فقه على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)506‬‬
‫‪3‬‬
‫() موسوعة فقه عمر‪ ،‬ص (‪.)506‬‬
‫‪4‬‬
‫() أصول المحاكمات الشرعية‪ ،‬ص (‪ ،)70‬تاريخ القضاء في اإلسالم‪ ،‬ص (‪.)132‬‬
‫‪5‬‬
‫() كنز العمال (‪.)14433‬‬
‫‪6‬‬
‫() كنز العمال برقم ‪ ،14429‬مصنف عبد الرزاق (‪.)8/300‬‬
‫‪7‬‬
‫() المغنى (‪.)9/104‬‬
‫‪8‬‬
‫() فقه على بن أبي طالب‪ ،‬قلعجى‪ ،‬ص (‪.)508‬‬
‫‪24‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫كان على رضي هللا عنه أحد أعضاء الشورى الذين يحرص الخلفاء على استشارتهم‬
‫عندما تعرض عليهم مشكلة‪ ،‬فقد روى الخصاف في أدب القاضي أن عثمان بن عفان كان‬
‫إذا جاءه الخصمان قال لهذا‪ :‬ادع عليًا‪ ،‬وقال لهذا‪ :‬ادع طلحة والزبير ونفرًا من أصحاب‬
‫رسول هللا × فإذا جاءوا إليه قال لهما‪ :‬تكلما‪ ،‬فإذا تكلما يقبل عليهم فيقول‪ :‬ماذا تقولون؟‬
‫فإن قالوا ما يوافق قضى عليهما وال ينظرهما بعد(‪.)1‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫من فقه أمير المؤمنين على بن أبي طالب‬
‫أوالً‪ :‬في العبادات‪:‬‬
‫لم يأ ُل أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا عنه جهدًا في بيان أحكام العبادات‬
‫للناس‪ ،‬لما يتمتع به من غزارة في العلم وفقه في الدين‪ ،‬وما بينه للناس من أحكام العبادات‬
‫يحتاج إلى سفر ضخم(‪ ,)2‬ولكن نشير إلى مجموعة من األحكام في هذا الكتاب على النحو‬
‫التالي‪:‬‬
‫أحكام في الطهارة‪:‬‬
‫‪ -1‬يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغالم ما لم يطعم‪:‬قال أمير‬
‫المؤمنين على رضي هللا عنه‪ :‬يغسل من بول الجارية‪ ،‬وينضح من بول الغالم ما لم‬
‫يطعم(‪ ,)3‬والدليل على ذلك‪ ،‬لما بال الحسين بن على في حجر النبي × قالت لبابة بنت‬
‫الحارث‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬أعطني ثوبك‪ ،‬والبس ثوبًا‪ ،‬غيره‪ ،‬قال ×‪ :‬إنما ينضح من بول‬
‫الذكر‪ ،‬ويغسل من بول الأنثى(‪.)4‬‬
‫‪ -2‬نوم الجالس وحكمه في نقض الوضوء‪ :‬أخرج عبد الرزاق في مصنفه بسنده‬
‫أن عليًا‪ ،‬وابن مسعود‪ ،‬والشعبي قالوا في الرجل ينام وهو جالس‪ :‬ليس عليه الوضوء(‪,)5‬‬
‫ودل على ذلك حديث رسول هللا ×‪« :‬وكاء السَّه العينان‪ ،‬فمن نام فليتوضأ»(‪.)6‬‬
‫‪ -3‬غسل المذى والوضوء منه‪ :‬قال أمير المؤمنين على رضي هللا عنه‪ :‬كنت‬
‫رجالً مذاء فأمرت رجالً(‪ )7‬أن يسأل النبي × ‪ -‬لمكان ابنته‪ -‬فسأله‪ ،‬فقال ×‪ :‬توضأ‪ ،‬واغسل‬
‫ذكرك(‪.)8‬‬
‫‪ -4‬قراءة القرآن من دون المصحف – على كل حال ما لم يكن جنبًا‪ :‬قال‬
‫على بن أبي طالب رضي هللا عنه‪ :‬كان رسول هللا × يقرئنا القرآن على كل حال ما لم‬
‫يكن جنبًا(‪ ,)9‬وعن عامر الشعبي قال‪:‬سمعت أبا الغريف الهمدانى يقول‪ :‬شهدت على بن‬
‫‪1‬‬
‫() شرح أدب القاضي للخصاف (‪ ،)1/305‬موسوعة على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)508‬‬
‫‪2‬‬
‫() انظر على سبيل المثال‪ :‬موسوعة فقه على بن أبي طالب‪ ،‬محمد قلعجى‪ ،‬فقه اإلمام على‪ ،‬أحمد طه‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() صحيح سنن أبي داود لأللباني (‪ )1/75‬صحيح موقوف‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() صحيح سنن ابن ماجه (‪ )1/85‬حسن صحيح‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصنف (‪.)1/131‬‬
‫‪6‬‬
‫() صحيح سنن أبي داود لأللباني (‪.)1/203‬‬
‫‪7‬‬
‫() الرجل هو المقداد كما في رواية البخاري‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() مسلم‪ ،‬ك الحيض (‪.)1/247‬‬
‫‪9‬‬
‫() مسند أحمد (‪ )2/51‬قال أحمد شاكر‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪24‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫أبي طالب بال ثم قال‪ :‬اقرءوا القرآن ما لم يكن أحدكم جنبًا‪ ،‬فإذا كان جنبًا فال‪ ،‬وال حرفًا‬
‫واحدًا(‪.)1‬‬
‫‪ -5‬وطء الحائض‪ :‬سأل عمر رضي هللا عنه عليًا‪ :‬ما ترى في رجل وقع على‬
‫امرأته وهي حائض؟ قال‪ :‬ليس عليه كفارة إال أنه يتوب(‪ ,)2‬وقد أجمعت األمة على حرمة‬
‫ك َع ِن ال َْم ِح ِ‬
‫يض قُ ْل ُه َو أَذًى فَا ْعتَ ِزلُوا‬ ‫وطء الحائض دون خالف ‪ ,‬لقوله تعالى‪َ + :‬ويَ ْسأَلُونَ َ‬
‫(‪)3‬‬

‫َم َر ُك ُم اهللُ" [البقرة‪:‬‬ ‫ث أَ‬ ‫وه َّن ِم ْن َح ْي ُ‬


‫وه َّن َحتَّى يَط ُْه ْر َن فَِإ َذا تَطَه َّْر َن فَأْتُ ُ‬ ‫اء فِي ال َْم ِح ِ‬
‫يض َوالَ َت ْق َربُ ُ‬ ‫ِّس َ‬
‫الن َ‬
‫‪.]222‬‬
‫‪ -6‬مباشرة الحائض‪ :‬فقد سئل على – رضي هللا عنه‪ :-‬مالك من امرأتك إذا كانت‬
‫حائضًا؟ قال‪ :‬ما فوق اإلزار(‪ ,)4‬ودليله في ذلك عن عائشة‪ -‬رضي هللا عنها‪ -‬قالت‪ :‬كانت‬
‫إحدانا إذا كانت حائضًا أمرها رسول هللا فتأتزر بإزار ثم يباشرها(‪.)5‬‬
‫أحكام في الصالة‪:‬‬
‫‪ -1‬ال يقرأ القرآن راكعًا وال ساجدًا‪ :‬قال على بن أبي طالب رضي هللا عنه‪:‬‬
‫نهاني رسول هللا عن قراءة القرآن وأنا راكع‪ ،‬أو ساجد(‪.)6‬‬
‫‪ -2‬من لم يص َّل فهو كافر‪ :‬سئُل أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا عنه‪:‬‬
‫يا أمير المؤمنين ما ترى في امرأة ال تصلى؟ قال‪ :‬من لم يصل فهو كافر(‪ ,)7‬قال عبد هللا‬
‫بن شقيق‪ :‬لم يكن أصحاب رسول هللا × يرون شيئًا من األعمال تركه كفر غير الصالة‪،‬‬
‫وألنها عبادة يدخل بها في اإلسالم‪ ،‬فيخرج بتركها منها كالشهادة(‪ ,)8‬ويؤيد هذا الحكم قول‬
‫رسول هللا ×‪« :‬إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة»(‪. )9‬قال اإلمام‬
‫النووي‪ :‬تارك الصالة إن كان منكرًا لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين‪ ،‬خارج من ملة‬
‫اإلسالم‪ ،‬إال أن يكون قريب عهد باإلسالم‪ ،‬ولم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب‬
‫الصالة عليه‪ ،‬وإن كان تركه تكاسالً مع اعتقاد وجوبها‪ -‬كما هو حال كثير من الناس‪ -‬فقد‬
‫اختلف العلماء فيه‪ ،‬فذهب مالك والشافعي (رحمهما هللا) والجماهير من السلف والخلف‬
‫إلى أنه ال يكفر بل يفسق‪ ،‬ويستتاب‪ ،‬فإن تاب وإال قتلناه حدًا‪ ،‬كالزاني المحصن‪ ،‬ولكنه‬
‫يقتل بالسيف‪ ،‬وذهب جماعة من السلف إلى أنه يكفر‪ ،‬وهو مروى عن على بن أبي طالب‬
‫(رضي هللا عنه)‪ ،‬وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل (رحمه هللا)‪ ،‬وبه قال عبد هللا‬
‫بن المبارك‪ ،‬وإسحاق بن راهويه‪ ،‬وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي‪ ،‬وذهب أبو حنيفة‬
‫وجماعة من أهل الكوفة‪ ،‬والمزني صاحب الشافعي أنه ال يكفر وال يقتل‪ ،‬بل يعزر‬

‫‪1‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪.)1/336‬‬
‫‪2‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪.)1/59‬‬
‫‪3‬‬
‫() بداية المجتهد (‪ ،)1/57‬المجموع (‪.)2/359‬‬
‫‪4‬‬
‫() فقه اإلمام على بن أبي طالب (‪.)1/155‬‬
‫‪5‬‬
‫() مسلم (‪.)1/166‬‬
‫‪6‬‬
‫() مسلم (‪.)1/349‬‬
‫‪7‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪ ،)11/47‬كنز العمال (‪.)8/13‬‬
‫‪8‬‬
‫() المغنى (‪.)2/44‬‬
‫‪9‬‬
‫() مسلم ك‪ .‬اإليمان (‪.)1/88‬‬
‫‪24‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ويحبس حتى يصلى(‪.)1‬‬
‫‪ -3‬إعادة الصلاة في الوقت‪ :‬إذا أعاد المصلى صالته في الوقت لفضيلة الجماعة‬
‫فإن(‪ )2‬األولى فرضه والمعادة نافلة عند على‪ ،‬نقل ذلك عن ابن قدامه‪ ،‬وعن الحارث عن‬
‫عل ّى في الذي يصلى وحده‪ ،‬ثم يصلى في جماعة‪ ،‬قال‪ :‬صالته األولى(‪ ,)3‬أي الثانية نافلة‬
‫له‪ ،‬ودليله ما رواه أبو ذر حيث قال‪ :‬قال لي رسول هللا ×‪« :‬كيف أنت إذا كانت عليك‬
‫أمراء يميتون الصلاة أو يؤخرون الصلاة عن وقتها‪ ،‬فإن أدركتها معهم فصَل‪َّ‬‬
‫فإنها لك نافلة»(‪ ,)4‬وجه الداللة أنه سمى التي يصليها جماعة نافلة(‪ ,)5‬وإذا أعاد‬
‫(‪)6‬‬
‫المغرب شفعها بركعة عند عل ّى‪ ،‬فعن الحارث عن على إذا أعاد المغرب شفع بركعة ‪.‬‬
‫‪ -4‬قضاء الفوائت‪ :‬من فاتته صالة فيجب عليه قضاؤها‪ ،‬ويستحب أن يقضيهاـ على الفور‬
‫عند على‪ ،‬وقد قال على‪ :‬إذا نام الرجل عن صالة أو نسى فليص َّل إذا استيقظ أو ذكر(‪ ,)7‬وعلى‬
‫هذا إجماع المسلمين دون خالف(‪ ,)8‬والدليل على ذلك قول رسول هللا ×‪«:‬إذا رقد أحدكم عن‬
‫الصالَةَ لِ ِذ ْك ِري"»(‪.)9‬‬
‫الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها‪ ،‬فإن الله يقول‪َ+ :‬أَقِ ِم َّ‬
‫‪ -5‬صالة التراويح‪ :‬عن أبي عبد الرحمن السلمي أن عليًا قام بهم في رمضان(‪,)10‬‬
‫وعن إسماعيل بن زياد قال‪ :‬مر على المساجد وفيها القناديل في شهر رمضان فقال‪ :‬ن َّور‬
‫هللا على عمر قبره‪ ،‬كما نور علينا مساجدنا(‪ ,)11‬وعلى هذا إجماع مذاهب أهل السنة(‪,)12‬‬
‫والحجة في ذلك ما رواه أبو هريرة أن النبي × قال‪« :‬من قام رمضان إيمانًا‬
‫واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»(‪ ,)13‬وجه الداللة أن التراويح من القيام فهو‬
‫سنة(‪ ,)14‬والجماعة في التراويح أفضل عند على وكان هو يصليها جماعة(‪ ,)15‬ويجعل‬
‫للرجال إما ًما وللنساء إما ًما‪ ،‬فعن عرفجة الثقفيـ قال‪ :‬كان على بن أبي طالب يأمر الناس‬

‫‪1‬‬
‫() شرح صحيح مسلم (‪ ،)2/70‬المغنى (‪.)447 -2/442‬‬
‫‪2‬‬
‫() المغنى (‪.)2/113‬‬
‫‪3‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪ ،)2/276‬كنز العمال (‪.)22833‬‬
‫‪4‬‬
‫() مسلم‪ ،‬ك المساجد رقم (‪.)240‬‬
‫‪5‬‬
‫() فقه اإلمام على بن أبي طالب (‪.)1/177‬‬
‫‪6‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪.)2/276‬‬
‫‪7‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)2/64‬‬
‫‪8‬‬
‫() فقه اإلمام على بن أبي طالب (‪.)1/181‬‬
‫‪9‬‬
‫() مسلم ك المساجدـ ومواضع الصالة (‪ )1/477‬رقم (‪.)684‬‬
‫‪10‬‬
‫() المغنى (‪ ،)2/169‬مصنف ابن أبي شيبة (‪.)2/395‬‬
‫‪11‬‬
‫() المغنى (‪.)2/169‬‬
‫‪12‬‬
‫() بداية المجتهد (‪ ،)1/214‬المغنى (‪.)2/165‬‬
‫‪13‬‬
‫() مسلم رقم (‪.)759‬‬
‫‪14‬‬
‫() فقه اإلمام على بن أبي طالب (‪.)1/285‬‬
‫‪15‬‬
‫() المغنى (‪.)2/168‬‬
‫‪25‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫بقيام شهر رمضان ويجعل للرجال إما ًما وللنساء إما ًما‪ ،‬قال عرفجة‪ :‬فكنت أنا إمام‬
‫النساء(‪ ,)1‬وصالة التراويح لها دليل في أصلها من هدى النبي ×‪ :‬فعن عروة بن الزبير أن‬
‫عائشة‪ -‬رضي هللا عنهما‪ -‬أخبرته أن رسول هللا × خرج ذات ليلة من جوف الليل‪ ،‬فصلى‬
‫في المسجد‪ ،‬وصلى رجال بصالته‪ ،‬فأصبح الناس يتحدثون‪ ،‬فاجتمع أكثر منهم‪ ،‬فصلوا‬
‫معه‪ ،‬فأصبح الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة‪ ،‬فخرج رسول هللا فصلى‬
‫الناس بصالته‪ ،‬فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصالة الصبح‪،‬‬
‫فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال‪« :‬أما بعد فإنه لم يخف علىَّ‬
‫مكانكم‪ ،‬ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها»‪ ،‬فتوفى رسول هللا واألمر‬
‫على ذلك(‪.)2‬‬
‫‪ -6‬صالة العيد في المسجد بالشيوخ والضعفاء‪:‬لما تولى أمير المؤمنين على بن‬
‫أبي طالب الخالفة وصار بالكوفة‪ ،‬وكان الخلق بها كثيرين‪ ،‬قالوا‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬إن‬
‫بالمدينة شيو ًخا وضعفاء يشق عليهم الخروج إلى الصحراء فاستخلف على بن أبي طالب‬
‫رجالً يصلى بالناس العيد في المسجد‪ ،‬وهو يصلى بالناس خارج الصحراء‪ ،‬ولم يكن هذا‬
‫يفُعل قبل ذلك‪ ،‬وعلى من الخلفاء الراشدين‪ ،‬وقد قال النبي ×‪« :‬عليكم بسنتي وسنة‬
‫الخلفاء الراشدين من بعدى»(‪ ,)3‬فمن تمسك بسنة الخلفاء الراشدين فقد أطاع هللا‬
‫ورسوله(‪.)4‬‬
‫‪ -7‬تغسيل الرجل زوجته‪ :‬يجوز للرجل أن يغسل زوجته عند على إذ إنه غسل‬
‫زوجته فاطمة رضي هللا عنهما(‪ ,)5‬وعن أسماء بنت عميس قالت‪ :‬أوصت فاطمة إذا ماتت‬
‫أال يغسلها إال أنا وعلى‪ ،‬قالت‪ :‬فغسلتها أنا وعلى(‪ ,)6‬وحكى إجماع الصحابة على ذلك ألن‬
‫ذلك اشتهر فيهم ولم ينكروه(‪ ,)7‬وبه قال جمهور العلماء والحجة لهم لقول رسول هللا ×‬
‫لعائشة‪« :‬ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك»(‪.)8‬‬
‫‪ -8‬الكفن من مال الميت‪:‬يحسب تكاليف تكفين الميت من رأس ماله إن كان له مال‬
‫عند على(‪ .)9‬فعن عبد هللا بن ضميرة عن أبيه عن جده عن على رضي هللا عنه أنه قال‪:‬‬
‫الكفن من رأس المال(‪ ,)10‬والحجة في ذلك أن مصعب بن عمير قتل يوم أحد ولم يوجد له‬
‫شيء يكفن فيه إال نمرة‪ ،‬فكنا إذا وضعناها على رأسه خرجت رجاله وإذا وضعناها على‬
‫رجليه خرج رأسه‪ ،‬فقال رسول هللا ×‪« :‬ضعوها مما يلي رأسه واجعلوا على رجليه‬

‫‪1‬‬
‫() المجموع (‪ ،)4/34‬مصنف ابن أبي شيبة (‪.)2/222‬‬
‫‪2‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)2012‬‬
‫‪3‬‬
‫() سنن الترمذي في العلم (‪ )2276‬حسن صحيح‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() الفتاوى (‪.)24/113‬‬
‫‪5‬‬
‫() السيل الجرار (‪ ،)1/344‬المبسوط (‪.)2/71‬‬
‫‪6‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪ ،)3/410‬المحلى (‪.)5/175‬‬
‫‪7‬‬
‫() المغنى (‪ ،)2/252‬نيل األوطار (‪.)4/58‬‬
‫‪8‬‬
‫() سنن ابن ماجه رقم (‪)1464‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() فقه اإلمام على بن أبي طالب (‪.)1/305‬‬
‫‪10‬‬
‫() الطبراني األوسط (‪ )4/67‬إسناده ضعيف‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الأذخر»(‪ ,)1‬وجه الداللة‪ ،‬أنه لو كان واجبًا على المسلمين ألخذ له من المسلمين‬
‫الحاضرين ما يتم به كفنه(‪.)2‬‬
‫‪ -9‬كفن الرجل والمرأة وعدم المغاالة فيه‪ :‬يسن أن يكفن الرجل في ثالثة أثواب‪،‬‬
‫والمرأة في خمسة أثواب عند على‪ ،‬نقل ذلك عنه الكاسانى وغيره(‪ ,)3‬ويكره المغاالة في‬
‫الكفن وهو الزيادة على الثالثة للرجل والخمسة للمرأة عند على(‪ ,)4‬فقد قال أمير المؤمنين‬
‫على‪ :‬كفن المرأة خمسة أثواب وكفن الرجل ثالثة‪ ،‬وال تعتدوا إن هللا ال يحب المعتدين(‪.)5‬‬
‫‪ -10‬غسل الشهيد وكفنه‪:‬ال يغسل الشهيد وال يكفن عند على‪ ،‬فقد نقل ذلك عنه‬
‫الكاسانى وغيره(‪ ,)6‬وروى عنه أنه لم يغسل من قتل معه في قتال مع مخالفيه ولم يأمر‬
‫يتكفينهم‪ ،‬بل دفن عمارًا ولم يغسله(‪ ,)7‬وهذا قول جمهور أهل العلم إال الحسن البصري‬
‫وسعيد بن المسيب لقولهما أن الميت يجنب(‪.)8‬‬
‫أحكام متعلقة بالزكاة‪:‬‬
‫‪ -1‬ال زكاة في مال حتى يحول عليه الحول‪ :‬بيَّن أمير المؤمنين على أن حوالن‬
‫الحول شرط في وجوب الزكاة‪ ،‬لما ورد عنه رضي هللا عنه قال‪ :‬ليس في مال زكاة حتى‬
‫يحول عليه الحول(‪ ,)9‬والحول شرط لوجوب الزكاة في النقود والمواشي‪ ،‬وأموال التجارة‪،‬‬
‫وليس بشرط في الزرع‪ ،‬وذلك إجماع ال خالف فيه(‪.)10‬‬
‫‪ -2‬نصاب الذهب والفضة ومقدار الزكاة فيهما‪:‬بيَّن أمير المؤمنين على بن أبي‬
‫طالب رضي هللا عنه أن نصاب الذهب عشرون مثقاالً‪ ،‬وليس فيما دونه زكاة‪ ،‬وما زاد‬
‫فيحسبه‪ ،‬حيث يقول‪ :‬ليس فيما دون عشرين دينارًا شيء‪ ،‬وفي عشرين نصف دينار‪ ،‬وفي‬
‫(‪)11‬‬
‫أربعين دينار‪ ،‬فما زاد بالحساب‬
‫(‪)12‬‬
‫وقال عن نصاب الفضة‪ :‬ليس في أقل من مائتي درهم زكاة ‪ ,‬وقال‪ :‬فإذا بلغ مائتي‬
‫درهم ففيه خمسة دراهم‪ ،‬وإن نقص عن المائتين فليس فيه شيء‪ ،‬وإن زاد على المائتين‬
‫فبحساب(‪.)13‬‬

‫‪1‬‬
‫() مسلم (‪ )2/649‬رقم ‪.940‬‬
‫‪2‬‬
‫() فقه اإلمام على بن أبي طالب (‪.)1/306‬‬
‫‪3‬‬
‫() البدائع (‪ ،)2/776‬المبسوط (‪.)2/72‬‬
‫‪4‬‬
‫() فقه اإلمام على بن أبي طالب (‪.)1/307‬‬
‫‪5‬‬
‫() البدائع (‪ ،)2/766‬المبسوط (‪.)2/72‬‬
‫‪6‬‬
‫() البدائع (‪ ،)2/287‬فقه اإلمام على بن أبي طالب (‪.)1/306‬‬
‫‪7‬‬
‫() المغنى (‪ ،)2/534‬فقه اإلمام على (‪.)1/306‬‬
‫‪8‬‬
‫() البدائع (‪ ،)2/806‬المغنى (‪.)2/529‬‬
‫‪9‬‬
‫() مسند أحمد (‪ )2/211‬قال أحمد شاكر‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫() موسوعة فقه اإلمام على‪ ،‬قلعجى‪ ،‬ص (‪.)295‬‬
‫‪11‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪.)3/119‬‬
‫‪12‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)3/117‬‬
‫‪13‬‬
‫() المحلى (‪ ،)59 ،6/61‬المجموع (‪.)6/16‬‬
‫‪25‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -3‬نصاب اإلبل ومقدار الزكاة فيها‪ :‬قال أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي‬
‫هللا عنه‪ :‬في خمس من اإلبل شاة إلى تسع‪ ،‬فإن زادت واحدة ففيها شاتان إلى أربع عشرة‪،‬‬
‫فإن زادت واحدة ففيها ثالث شياه إلى تسع عشرة‪ ،‬فإن زادت واحدة ففيها أربع شياه إلى‬
‫أربع وعشرين‪ ،‬فإن زادت واحدة ففيها خمس شياه(‪ ،)1‬فإن زادت واحدة ففيها بنت مخاض‬
‫أو لبون (ذكر أكبر منها بعام) إلى خمس وثالثين‪ ،‬فإن زادت واحدة ففيها بنت لبون إلى‬
‫خمس وأربعين‪ ،‬فإن زادت واحدة ففيها حقة «طرقة الفحل» إلى ستين‪ ،‬فإن زادت واحدة‬
‫ففيها بنتا لبون إلى تسعين‪ ،‬فإذا كثرت اإلبل ففي كل خمسين من اإلبل حقة‪ ،‬وال يجمع بين‬
‫مفترق وال يفرق بين مجتمع(‪.)2‬‬
‫‪ -4‬األصناف التي تجب فيها الزكاة من الزروع‪:‬األصناف التي تجب فيهاـ الزكاة عند‬
‫على هي الحنطة والشعير والتمر والزبيب‪ ،‬نقل ذلك عنه ابن حزم وغيره(‪ ,)3‬وقد قال على‪:‬‬
‫الصدقة عن أربع‪ :‬من البر فإن لم يكن بر فتمر‪ ،‬فإن لم يكن تمر فزبيب‪ ،‬فإن لم يكن زبيب‬
‫فشعير(‪.)4‬‬
‫‪-5‬عدم الزكاة في الخضروات والفواكه والعسل‪:‬قال أمير المؤمنين على‪ :‬ليس‬
‫في الخضر صدقة(‪ ,)5‬وفي رواية‪ :‬ليس في الخضر والبقولـ صدقة(‪ ,)6‬وهو قول جمهور‬
‫العلماء(‪ ,)7‬وال زكاة في الفواكه عند على‪ ،‬فعن أبي إسحاق عن على قال‪ :‬ليس في التفاح‬
‫وما أشبه صدقة(‪ ,)8‬وعن عاصم بن ضمرة عن على قال‪ :‬ليس في الخضر صدقة؛ البقل‬
‫والتفاح والقثاء(‪ ,)9‬وهو قول كل من قال باقتصار وجوب الزكاة على األصناف األربعة‪،‬‬
‫والحجة لهم لدخولها تحت حكم الخضروات الشتراكه معها في عدم البقاء واالدخار(‪,)10‬‬
‫وأما زكاة العسل فهي غير واجبة عند على حيث قال‪ :‬ليس في العسل زكاة(‪.)11‬‬
‫‪ -6‬صرف الزكاة لصنف واحد‪ :‬يجوز إعطاء الزكاة لصنف واحد من األصناف‬
‫الثمانية‪ ،‬أو لشخص واحد بها عند على‪ ،‬فقد قال‪ :‬ال بأس أن يبعث الرجل الصدقة في‬
‫صنف واحد(‪ ,)12‬وروى عنه أنه أتى بصدقة فبعثها إلى أهل بيت واحد(‪.)13‬‬
‫‪ -7‬إعطاء الزكاة لألصول والفروع‪ :‬قال أمير المؤمنين على‪ :‬ليس لولد وال لوالد‬
‫‪1‬‬
‫() عند ابن قدامه في المغنى (‪ )2/579‬من ‪20‬إلى ‪35‬فيها بنت مخاض‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() مصنف ابن شيبة (‪.)3/122‬‬
‫‪3‬‬
‫() المحلى (‪ ،)5/212‬فقه اإلمام على (‪.)1/346‬‬
‫‪4‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪.)3/438‬‬
‫‪5‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪ ،)7188‬جمع الجوامع (‪.)2/157‬‬
‫‪6‬‬
‫() سنن البيهقى نقالً عن فقه اإلمام على (‪.)1/347‬‬
‫‪7‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)1/347‬‬
‫‪8‬‬
‫() جمع الجوامع (‪ ،)2/95‬فقه اإلمام على (‪.)1/348‬‬
‫‪9‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪ ،)7199‬فقه اإلمام على (‪.)1/348‬‬
‫‪10‬‬
‫() فقه اإلمام على بن أبي طالب (‪.)1/345‬‬
‫‪11‬‬
‫() جمع الجوامع (‪ ،)2/157‬فقه اإلمام على (‪.)1/345‬‬
‫‪12‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪ )1/352‬نقالً عن سنن البيهقى‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫() البدائع (‪ )20/104‬فقه اإلمام على (‪.)1/352‬‬
‫‪25‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫حق في صدقة مفروضة‪ ،‬ومن كان له ولد أو والد فلم يصله فهو عاق(‪ ,)1‬وحكى إجماع‬
‫العلماء على هذا‪ ،‬وحمل من خالفه على صدقة التطوع‪ ،‬والحجة لهم ألن منفعتها تعود‬
‫على دافع الزكاة ألنها تغنيهم عن النفقة فال يدفعها إليهم‪ ،‬وقد يتخذ ذلك حيلة للتخلص من‬
‫دفع الزكاة‪ ،‬ثم إن الزكاة والنفقة واجبان مستقالن ال يحل أحدهما مكان اآلخر كالصالة‬
‫والصوم‪ ،‬وإن الزكاة حق هلل تعالى فهي عبادة‪ ،‬وأما النفقة فهي حق العباد‪ ،‬وهي صلة‬
‫القرابة(‪.)2‬‬
‫أحكام متعلقة بالصيام‪:‬‬
‫‪ -1‬ثبوت صيام رمضان برؤية الواحد العدل‪ :‬يثبت دخول شهر رمضان عند‬
‫أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا عنه بخبر الواحد العدل‪ ،‬ويلزم الناس‬
‫بصيامه‪ ،‬فعن فاطمة بنت الحسين أن رجالً شهد عند على بن أبي طالب رضي هللا عنه‬
‫على رؤية هالل رمضان فصام‪ ،‬وأحسبه قال‪ :‬وأمر الناس بالصيام(‪ ,)3‬وهذا الحكم مبنى‬
‫على ما ثبت عن رسول هللا ×‪« :‬صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته‪ ،‬فإن غُبِّى‬
‫عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا»(‪,)4‬‬
‫قال النووي‪ :‬المراد رؤية بعض المسلمين‪ ،‬وال يشترط رؤية كل إنسان‪ ،‬بل يكفى‬
‫جميع الناس رؤية عدلين‪ ،‬وكذا عدل على األصح‪ ،‬وأما الفطر فال يجوز بشهادة عدل‬
‫واحد على هالل شوال عند جميع العلماء إال ثور فجوزه بعدل(‪.)5‬‬
‫‪ -2‬صيام الجنب‪ :‬يجوز أن يصوم الجنب أي يؤخر الغسل حتى يصبح‪ ،‬ثم يغتسل‬
‫ويتم صومه عند على‪ ،‬نقل ذلك عنه ابن قدامه وعن الحارث عن على قال‪ :‬إذا أصبح‬
‫الرجل وهو جنب فأراد أن يصوم فليصم إن شاء(‪ ,)6‬والدليل على ذلك ما ورد عن عائشة‬
‫وأم سلمه‪ :‬أن رسول هللا × كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم(‪.)7‬‬
‫‪ -3‬اإلفطار للشيخ الكبير‪ :‬قال أمير المؤمنين على رضي هللا عنه في تفسيره قول‬
‫ام ِم ْس ِكي ٍن" [البقرة‪ ]184:‬قال‪ :‬الشيخ الكبير الذي ال‬ ‫ِ‬ ‫هللا تعالى‪+ :‬و َعلَى الَّ ِذ ِ‬
‫ين يُطي ُقونَهُ ف ْديَةٌ طَ َع ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪)8‬‬
‫ً‬
‫يستطيع الصوم يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا ‪.‬‬
‫‪ -4‬مكان االعتكاف‪:‬عن أبي عبد الرحمن السلمي عن على قال‪ :‬ال اعتكاف إال في‬
‫مسجد جماعة(‪ ,)9‬وفي لفظ‪ :‬ال اعتكاف إال في مصر جامع(‪ ,)10‬ولعله قصد بذلك أن‬

‫‪1‬‬
‫() سنن البيهقى نقالً عن فقه اإلمام على (‪.)1/355‬‬
‫‪2‬‬
‫() فقه اإلمام على بن أبي طالب (‪.)1/335‬‬
‫‪3‬‬
‫() المجموع (‪ ،)6/315‬المغنى (‪ ،)3/90‬موسوعة فقه اإلمام على‪ ،‬ص(‪.)42‬‬
‫‪4‬‬
‫() مسلم (‪.)2/759‬‬
‫‪5‬‬
‫() شرح صحيح مسلم (‪.)7/190‬‬
‫‪6‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪ ،)2/81‬المغنى (‪.)1/137‬‬
‫‪7‬‬
‫() البخاري (‪.)2/232‬‬
‫‪8‬‬
‫() تفسير الطبري (‪.)2/81‬‬
‫‪9‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪.)8009‬‬
‫‪10‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪.)3/91‬‬
‫‪25‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫االعتكاف ال يقام إال في مسجد المصر الجامع الذي تقام فيه الجمعة(‪.)1‬‬
‫‪ -5‬ما يجوز للمعتكف‪ :‬قال على‪ :‬إذا اعتكف الرجل فليشهد الجمعة وليعد المريض‬
‫وليشهد الجنازة وليأتي أهله وليأمرهم بالحاجة وهو قائم(‪.)2‬‬
‫من أحكام الحج‪:‬‬
‫‪ -1‬تقبيل المحرم امرأته‪ :‬قال أمير المؤمنين على بن أبي طالب‪ :‬من قبل امرأته‬
‫وهو محرم فليهرق د ًما(‪.)3‬‬
‫‪ -2‬قتل المحرم للحيوان الصائل‪ :‬عن مجاهد عن على في الضبع إذا عدا على‬
‫المحرم فليقتله‪ ،‬فإن قتله قبل أن يعدو عليه فعليه شاة(‪ ,)4‬ودليل ذلك قوله تعالى‪ + :‬فَ َم ِن‬
‫اد فَالَ إِثْ َم َعلَْي ِه" [البقرة‪ ،]173:‬ألنه إن لم يقتله قتله فيتحقق منه‬
‫اغ والَ َع ٍ‬
‫ضطَُّر غَْي َر بَ ٍ َ‬
‫اْ‬
‫االضطرار‪ ،‬ثم إنه انقلب بذلك حيوانًا شريرًا فليلحق بالمؤذيات التي يجوز قتلها ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬

‫‪ -3‬قتل الغراب‪:‬يجوز للمحرم قتل الغراب عند على‪ ،‬فقد قال‪ :‬يقتل المحرم‬
‫الغراب(‪ ,)6‬ودليل ذلك قول رسول هللا ×‪ :‬خمس فواسق يقتلن في الحرم‪ :‬الفأرة‪،‬‬
‫والعقرب‪ ،‬والغراب‪ ،‬والحديا‪ ،‬والكلب العقور(‪.)7‬‬
‫‪ -4‬الشك في الطواف‪ :‬قال أمير المؤمنين‪ :‬إذا طفت في البيت فلم تدر أتممت أو لم‬
‫تتم‪ ،‬فأت ما شككت فإن هللا ال يعذب على الزيادة(‪.)8‬‬
‫‪ -5‬النسيان في الطواف‪ :‬إذا نسى الرجل فطاف أشواطًا زائدة على المسنون يضيف‬
‫إليها ما يبلغه مجموع أشواط طوافين عند عل ّى‪ ،‬قال عل ّى في الرجل ينسى فيطوف ثمانية‬
‫فليزد عليها ستة حتى تكون أربعة عشر ويصلى أربع ركعات(‪.)9‬‬
‫‪ -6‬النيابة للحج‪:‬من استطاع بماله الحج ولم يستطع ببدنه لشيخوخة أو مرض يجب‬
‫عليه أن ينيب عنه غيره عند على‪ ،‬نقل ذلك عنه ابن حزم وغيره(‪ ,)10‬فقد قال في الشيخ‬
‫الكبير‪ ،‬أنه يجهز رجالً ينفقه فيحج عنه(‪ ,)11‬ودليل ذلك ما روى ابن عباس أن امرأة من‬
‫خثعم قالت‪ :‬يا رسول هللا × إن أبي شيخ كبير عليه فريضة هللا في الحج وهو ال يستطيع‬
‫أن يستوي على ظهر بعيره‪ ،‬فقال النبي ×‪« :‬فحجى عنه»(‪ ,)12‬وهذا يدل على أن‬
‫‪1‬‬
‫() فقه اإلمام على بن أبي طالب (‪.)1/386‬‬
‫‪2‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪ ،)3/87‬جمع الجوامع (‪.)2/140‬‬
‫‪3‬‬
‫() فتح العزيز‪ ،‬شرح الوجيز للرافعى الهامش المجموع (‪.)7/480‬‬
‫‪4‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪.)4/6‬‬
‫‪5‬‬
‫() فقه اإلمام على بن أبي طالب (‪.)1/403‬‬
‫‪6‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪.)4/94‬‬
‫‪7‬‬
‫() سنن الترمذي (‪ )1/166‬حسن صحيح‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪.)4/96‬‬
‫‪9‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق رقم ‪.9814‬‬
‫‪10‬‬
‫() المحلى (‪ ،)7/61‬المغنى (‪.)30/228‬‬
‫‪11‬‬
‫() المحلى (‪.)7/61‬‬
‫‪12‬‬
‫() مسلم (‪ )2/974‬رقم (‪.)1335‬‬
‫‪25‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫االستطاعة بالمال كافية لوجوب الحج على المكلف عند على ومن معه‪ ،‬أما االستطاعة‬
‫بالبدن فيكفى أن يستطيع بغيره إذا وجد سواء أكان بمؤنة أو إجارة أو غيرهما(‪.)1‬‬
‫‪ -7‬الشك في عدد الرميات‪ :‬إذا شك الحاج في عدد رمى الجمرات يعيد ما شك فيه‬
‫عند على‪ ،‬فعن أبي مجلز أن رجالً سأل ابن عمر فقال‪ :‬إني رميت الجمرة ولم أدر رميت‬
‫ستًا أو سبعًا‪ ،‬قال‪ :‬أنت وذاك الرجل يريد عليًا‪ ،‬فذهب فسأله فقال‪ :‬أما أنا لو فعلت في‬
‫صالتي ألعدت الصالة‪ ،‬فجاء فأخبره بذلك‪ ،‬فقال‪ :‬صدق‪ ،‬أو أحسن‪ ،‬قال الشيخ‪ :‬وكأنه‬
‫أراد وهللا أعلم ألعدت المشكوك في فعله‪ ،‬كذلك في الرمي يعيد المشكوك في رميه(‪.)2‬‬
‫بعض األحكام ألحقت بالعبادات‪:‬‬
‫‪ -1‬إدراك الميتة قبل موتها‪:‬إذا أُدرك الحيوان اآليل إلى الموت قبل موته بوقت‬
‫قصر فذبح جاز أكله‪ ،‬وعالمة حياته قبل ذبحه أن يتحرك منه عضو بعد ذبحه عند‬
‫عل ّى(‪ ,)3‬فقد قال‪ :‬إذا وجدت الموقوذة‪ ،‬والمتردية والنطيحة وما أصاب السبع فوجدت‬
‫َّم‬
‫ت َعلَْي ُك ُم ال َْم ْيتَةُ َوالد ُ‬
‫تحريك يد أو رجل فذكها و ُكلْ ‪ ,‬ودليل ذلك قول هللا تعالى‪ُ + :‬ح ِّر َم ْ‬
‫(‪) 4‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫السبُ ُع إِالَّ َما‬
‫يحةُ َو َما أَ َك َل َّ‬‫َح ُم الْخ ْن ِزي ِر َو َما أُه َّل لغَْي ِر اهلل بِه َوال ُْم ْن َخن َقةُ َوال َْم ْوقُوذَةُ َوال ُْمَت َردِّيَةُ َوالنَّط َ‬
‫َول ْ‬
‫َك ْيتُ ْم" استثناء مما سبقه‪ ،‬أي إال‬ ‫ِ‬
‫َك ْيتُ ْم" [المائدة‪ ]3:‬ووجه الداللة‪ :‬أن قوله تعالى‪+ :‬إالَّ َما ذ َّ‬ ‫ذ َّ‬
‫ما أدركتم ذكاته‬
‫فيحل أكله(‪.)5‬‬
‫‪ -2‬ذبائح نصارى العرب‪ :‬ال يحل أكل ذبائح نصارى العرب استثناء من عموم‬
‫النصارى عند على‪ ،‬نقل ذلك عنه الطبري وغيره(‪ ,)6‬وعن عبيدة السلمانى قال‪ :‬ال تؤكل‬
‫ذبائح نصارى العرب فإنهم ال يتمسكون من النصرانية إال بشرب الخمر(‪ ,)7‬وفي رواية‪:‬‬
‫ال تأكلوا ذبائح نصارى بنى تغلب فإنهم لم يتمسكوا بشيء من النصرانية إال بشرب‬
‫الخمر(‪ ,)8‬وقد استدل على ذلك بعدم التزامهم بتعاليم النصرانية في تحليل ما حللوا وتحريم‬
‫ما حرموا فال يعدون منهم‪ ،‬ولكن هللا تعالى حين أحل ذبحائهم أحلها في وقت كان‬
‫النصارى منحرفين عن أصل تعاليم النصرانية سواء عن عقيدتها‪ ،‬أو في أحكامها‪ ،‬فلم‬
‫يمنع ذلك من تحليل ذبائحهم‪ ،‬فهذا ما عليه جمهور الصحابة والفقهاء(‪.)9‬‬
‫‪ -3‬ذبيحة الفخر‪:‬يحرم أكل ما ذبح فخرًا عند عل ّى رضي هللا عنه‪ ،‬فعن الجارود بن‬
‫أبي سبرة قال‪ :‬كان رجل من بنى رياح يقال له ابن وشيل‪ -‬وهو سحيم – قال‪ :‬وكان‬
‫شاعرًا نافرًا غالبه أبو فرزدق الشاعر بماء بظهر الكوفة على أن يعقر هذا مائة من إبله‬
‫‪1‬‬
‫() فقه اإلمام على بن أبي طالب (‪.)1/420‬‬
‫‪2‬‬
‫() سنن البيهقى (‪ )5/149‬نقالً عن فقه اإلمام على (‪.)1/418‬‬
‫‪3‬‬
‫() فقه اإلمام على بن أبي طالب (‪.)1/456‬‬
‫‪4‬‬
‫() المحلى (‪.)7/458‬‬
‫‪5‬‬
‫() فقه اإلمام على بن أبي طالب (‪.)1/456‬‬
‫‪6‬‬
‫() تفسير الطبري (‪ ،)6/56‬تفسير القرطبى (‪.)6/78‬‬
‫‪7‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪ ،)10035‬تفسير الطبري (‪.)6/65‬‬
‫‪8‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪ ،)10034‬كنز العمال (‪.)15651‬‬
‫‪9‬‬
‫() تفسير الطبري (‪ ،)5/65‬بداية المجتهد (‪.)1/456‬‬
‫‪25‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وهذا مائة من إبله إذا وردت فلما وردت اإلبل الماء قاما إليها بالسيوف فجعال يكسعان‬
‫عراقيهما‪ ،‬فخرج الناس على الحمرات(‪ )1‬يريدون اللحم‪ ،‬وعل ّى بالكوفة‪ ،‬فخرج على بغلة‬
‫رسول هللا ×‪ ،‬وهو ينادى أيها الناس‪ :‬ال تأكلوا من لحومها فإنه أهل بها لغير هللا‪ .‬قال ابن‬
‫حزم‪ :‬إن رسول هللا قال‪« :‬لعن الله من ذبح لغير الله»(‪ ,)2‬ووجه الداللة أن الذبح‬
‫ألجل الفخر مما أهل به لغير هللا‪ ،‬فيشمله الحديث(‪.)3‬‬
‫‪ -4‬نجاسة البيضة داخل الدجاجة الميتة‪:‬البيضة في بطن الدجاجة الميتة نجسة عند‬
‫عل ّى ال يجوز أكلها سواء أصلبت قشرتها أم ال‪ ،‬نقل ذلك عنه ابن قدامه(‪.)4‬‬
‫‪ -5‬طعام المشركين والمجوس غير الذبائح‪ :‬ال بأس بأكل طعام المجوس‬
‫والمشركين إذا لم يكن فيها من ذبائحهم‪ ،‬ألن التحريم خاص بالذبائح‪ ،‬فقد قال أمير‬
‫المؤمنين على‪ :‬ال بأس بطعام المجوس إنما نهى عن ذبائحهم(‪ ,)5‬وفي رواية‪ :‬ال بأس بأكل‬
‫خبز المجوس إنما نهى عن ذبائحهم(‪ ,)6‬وهو قول جمهور الفقهاء(‪.)7‬‬
‫‪ -6‬ترك الشيب أبيض‪:‬يجوز ترك الشيب أبيض دون تغييره بحناء أو غيره عند‬
‫على‪ ،‬نقل ذلك عنه ابن حجر وغيره(‪ ,)8‬وعن الشعبي قال‪ :‬رأيت عليًا أبيض الرأس‬
‫واللحية قد مألت ما بين منكبيه(‪ )9‬وعن أبي إسحاق‪ :‬رأيت عليًا أصلع أبيض الرأس‬
‫واللحية(‪ ,)10‬وعن ابن الحنيفة أن عليًا اختضب الحناء مرة ثم ترك(‪.)11‬‬
‫على حيث قال‪:‬‬‫حرام عند أمير المؤمنين ٍّ‬ ‫‪ -7‬اللعب بالنرد والشطرنج‪:‬لعب النرد‬
‫(‪)12‬‬
‫ألن أقلب جمرتين أحب إل َّى من أن أقلب كعبين ‪ .‬وكان ال يسلم على أصحاب‬
‫النردشير(‪ ,)13‬ودليل تحريمه قول رسول هللا ×‪« :‬من لعب النردشير فكأنه صبغ يده‬
‫في لحم الخنزير ودمه»(‪.)14‬والشطرنج محرم عند على أيضًا نقله عنه ابن قدامه(‪,)15‬‬

‫‪1‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)1/467‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسلم‪ ،‬ك األضاحي‪ ،‬باب تحريم الذبح لغير هللا (‪.)3/1567‬‬
‫‪3‬‬
‫() فقه اإلمام على بن أبي طالب (‪.)1/468‬‬
‫‪4‬‬
‫() المغنى (‪ ،)1/75‬المجموع (‪.)1/245‬‬
‫‪5‬‬
‫() كنز العمال (‪ ،)2576‬فقه اإلمام على بن أبي طالب (‪.)1/476‬‬
‫‪6‬‬
‫() المغنى (‪.)4/296‬‬
‫‪7‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)1/477‬‬
‫‪8‬‬
‫() المتقى (‪ ،)7/270‬فقه اإلمام على (‪.)1/495‬‬
‫‪9‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)1/495‬‬
‫‪10‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪.)9/427‬‬
‫‪11‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪.)9/427‬‬
‫‪12‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)8/738‬‬
‫‪13‬‬
‫() إعالن السنن للتهانوى (‪.)17/464‬‬
‫‪14‬‬
‫() مسلم (‪ )4/1770‬رقم (‪.)2260‬‬
‫‪15‬‬
‫() المغنى (‪.)10/212‬‬
‫‪25‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وكان يقول في الشطرنج‪ :‬هو ميسر األعاجم(‪ ,)1‬وفي رواية هو من الميسر(‪ ,)2‬وعن‬
‫ميسرة بن حبيب قال‪ :‬مر على بن أبي طالب على قوم يلعبون بالشطرنج فقال‪ :‬ما هذه‬
‫التماثيل التي أنتم لها عاكفون‪ ،‬ألن يمس جمرًا حتى يطفأ خير له من أن يمسها(‪ ,)3‬وعن‬
‫عمار بن أبي عمار قال‪ :‬مر على بمجلس من مجالس تيم هللا وهم يلعبون بالشطرنج‬
‫فوقف عليهم فقال‪ :‬أما وهللا لغير هذا خلقتم‪ ،‬أما وهللا لوال أن تكون سنة لضربت بها‬
‫وجوهكم(‪ ,)4‬والحجة في هذا التحريم بين المتالعبين هو علة الميسر المحرم بنص الكتاب‬
‫فيقاس عليه(‪.)5‬‬
‫‪ -8‬نكاح المتعة‪ :‬قال أمير المؤمنين عل ّى رضي هللا عنه‪ :‬نسخ رمضان كل صوم‬
‫ُ‬
‫والميراث(‪ ,)6‬وحجة على ما رواه عن النبي × بأنه نهى عن‬ ‫ق والعدةُ‬
‫ونسخ المتعةَ الطال ُ‬
‫(‪)7‬‬
‫المتعة وعن لحوم الحمر األهلية زمن خيبر ‪.‬‬
‫‪ -9‬النكاح بدون ولى‪ :‬عن أبى قيس األودى أن عليًا كان يقول‪ :‬إذا تزوج بغير إذن‬
‫ولى ثم دخل بها لم يفرق بينهما وإن لم يصبها فُرق بينهما(‪.)8‬‬
‫‪ -10‬العيوب الجسدية في المرأة‪ :‬إذا وجد الرجل فيمن تزوجها عيبًا يصعب المقام‬
‫معه‪ ،‬قال أمير المؤمنين على‪ :‬إنه إذا دخل بها وجب المهر و ُخير بين الطالق واإلمساك‪،‬‬
‫وإن لم يدخل بها فُرق بينهما بدون مهر(‪.)9‬‬
‫‪ -11‬نكاح الخصى‪ :‬قال أمير المؤمنين على‪ :‬ال يحل للخصى أن يتزوج‪ ،‬فإن تزوج‬
‫ولم تعلم المرأة‪ ،‬فُرق بينهما عند على‪ ،‬فقد قال‪ :‬ال يحل للخصى أن يتزوج امرأة مسلمة‬
‫عفيفة(‪ ,)10‬ودليل ذلك أن الخصاء من العيوب المنفرة التي يصعب معه الجماع أو ينعدم‪،‬‬
‫فقيس على غيره من العيوب التي جاز بها التفريق(‪.)11‬‬
‫‪ -12‬من تزوج أختين جهالً بأنهما أختان‪ :‬من تزوج امرأة ثم تزوج أخرى فظهر‬
‫أنهما أختان يفارق التي تأخر زواجها عند على‪ ،‬فعن ابن جريج قال‪ :‬أُخبرت عن على أنه‬
‫قال في رجل تزوج امرأة فأصابها ثم انطلق إلى أرض أخرى فتزوج امرأة فأصابها‪ ،‬فإذا‬
‫هي أختها فقضى أنه يفارق اآلخرة ويراجع األولى‪ ،‬غير أنه ال يراجع األولى حتى تقضى‬

‫‪1‬‬
‫() إعالن السنن للتهانوى (‪ ،)17/464‬فقه اإلمام على (‪.)1/501‬‬
‫‪2‬‬
‫() إعالن السنن للتهانوى (‪ ،)17/464‬فقه اإلمام على (‪.)1/501‬‬
‫‪3‬‬
‫() المغنى (‪.)9/17‬‬
‫‪4‬‬
‫() سنن البيهقى نقالً عن فقه اإلمام على (‪.)1/502‬‬
‫‪5‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)1/502‬‬
‫‪6‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)2/509‬‬
‫‪7‬‬
‫() مسلم‪ ،‬ك النكاح (‪ )2/1027‬رقم (‪.)1407‬‬
‫‪8‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪.)6/196‬‬
‫‪9‬‬
‫() كنز العمال (‪ ،)45664‬مصنف عبد الرزاق (‪ ،)10677‬فقه اإلمام على (‪.)2/535‬‬
‫‪10‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪.)10719‬‬
‫‪11‬‬
‫() فقه اإلمام على بن أبى طالب (‪.)2/536‬‬
‫‪25‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫هذه عدتها(‪ ،)1‬وهو قول جمهور فقهاء المذاهب(‪ ,)2‬والحجة لهم‪ :‬أن نكاح األول وقع‬
‫صحيحًا دون الثانية‪ ،‬فإنه باطل ال ينعقد(‪.)3‬‬
‫‪ -13‬تحريم وطء الزوجة في دبرها‪:‬وطء الزوجة في دبرها حرام عند عل ّى‪ ،‬نقل‬
‫ذلك عنه ابن قدامه(‪ ,)4‬فعن أبى المعتمر قال‪ :‬نادى عل ّى على المنبر فقال‪ :‬سلوني‪ ،‬فقال‬
‫رجل‪ :‬أتؤتى النساء في أدبارهن؟ فقال‪ :‬سفلت سفل هللا بك‪ ،‬ألم تر أن هللا تعالى يقول‪:‬‬
‫ين" [العنكبوت‪ ،]28:‬وروى ذلك عن‬ ‫ِ‬ ‫اح َشةَ ما سب َق ُكم بِها ِمن أ ٍ‬ ‫‪+‬إِنَّ ُكم لَتأْتُو َن الْ َف ِ‬
‫َحد ِّم َن ال َْعالَم َ‬
‫َ ََ ْ َ ْ َ‬ ‫ْ َ‬
‫عبد هللا ابن عباس وعبد هللا بن عمرو وأبى هريرة‪ ،‬وبه قال سعيد بن المسيب وأبو بكر‬
‫بن عبد الرحمن ومجاهد وعكرمة وهو قول أبى حنيفة والشافعي وأحمد والمالكية‬
‫والظاهرية(‪ ,)5‬ودليل التحريم‪ ،‬قول رسول هللا ×‪« :‬ملعون من أتى امرأته في‬
‫دبرها»(‪ ,)6‬وجه الداللة‪ :‬أن النهى عن الشيء وترتيب اللعن عليه يدل على التحريم ‪.‬‬
‫(‪)7‬‬

‫‪ -14‬عدة الحامل المتوفى عنها زوجها‪:‬إذا كانت المرأة حامالً وتوفى زوجها‬
‫فوضعت قبل أن تنقضى عدتها فعند عل ‪‰‬ـًًّى أنها تعتد أبعد األجلين‪ ،‬أي عدة الحمل‪ ،‬إذا لم‬
‫تضع قبل عدة المتوفى عنها زوجها‪ ،‬فإن وضعت قبل ذلك تعتد أربعة أشهر وعشرًا‪ ،‬نقل‬
‫ذلك عن ابن رشد وغيره(‪ ,)8‬وعن عبد الرحمن بن معقل قال‪ :‬شهدت عليًا سأله رجل عن‬
‫امرأة توفى عنها زوجها وهي حامل قال‪ :‬تتربص أبعد األجلين(‪ ,)9‬وعن الشعبي كان‬
‫يقول‪ :‬أجل كل حامل آخر األجلين(‪ ,)10‬وقد جمع أمير المؤمنين على رضي هللا عنه بين‬
‫ض ْع َن َح ْملَ ُه َّن" [الطالق‪ ،]4:‬وقوله تعالى‪+ :‬‬ ‫َجلُ ُه َّن أَن يَ َ‬ ‫األحم ِ‬
‫ال أ َ‬ ‫ت َْ‬ ‫قول هللا تعالى‪+ :‬أُوالَ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ِ‬
‫ص َن بأَْن ُفسه َّن أ َْر َب َعةَ أَ ْش ُه ٍر َو َع ْش ًرا" [البقرة‪ ،]234:‬إذ‬ ‫ين ُيَت َو َّف ْو َن م ْن ُك ْم َويَ َذ ُرو َن أَ ْز َو ً‬
‫اجا َيَت َربَّ ْ‬ ‫َوالذ َ‬
‫بينهما عموم وخصوص فال يترجح العمل بأحدهما دون اآلخر‪ ،‬فيعمل باالثنين للخروج‬
‫من الظن إلى اليقين والتخلص من التعارض(‪.)11‬‬
‫والراجح أن عدتها وضع الحمل في كلتا الحالتين‪ ،‬فقد صح عن عبد هللا بن عتبة أن‬
‫سبيعة بنت الحارث أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة‪ ،‬وكان ممن شهد بدرًا‪ ،‬فتوفى‬
‫عنها في حجة الوداع وهي حامل‪ ،‬فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته‪ ،‬فلما تعلت من‬
‫نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك‪ ،‬فقال لها‪ :‬مالي أراك متجملة؟‬
‫لعلك ترجين النكاح؟ إنك وهللا ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر‪ .‬قالت‬
‫‪1‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪.)10517‬‬
‫‪2‬‬
‫() المدونة (‪ ،)2/280‬المغنى (‪.)6/2581‬‬
‫‪3‬‬
‫() فقه اإلمام على بن أبى طالب (‪.)2/562‬‬
‫‪4‬‬
‫() المغنى (‪.)7/22‬‬
‫‪5‬‬
‫() المغنى (‪ ،)7/22‬المحلى (‪ ،)7/69‬تفسير القرطبى (‪.)3/93‬‬
‫‪6‬‬
‫() سنن أبى داود (‪ ،)2/256‬الجامع الصغير (‪.)2/539‬‬
‫‪7‬‬
‫() فقه اإلمام على بن أبي طالب (‪.)2/568‬‬
‫‪8‬‬
‫() بداية المجتهد (‪ ،)2/95‬نيل األوطار (‪.)8/77‬‬
‫‪9‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪.)4/300‬‬
‫‪10‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)4/298‬‬
‫‪11‬‬
‫() سبل السالم (‪.)3/198‬‬
‫‪25‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫سبيعة‪ :‬فلما قال لي ذلك جمعت عل ّى ثيابي حين أمسيت فأتيت رسول هللا × فسألته عن‬
‫ذلك فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزوج إن بدا لي(‪.)1‬‬
‫وهذا قول جمهور علماء المسلمين‪ .‬وقيل‪ :‬حصل اإلجماع على ذلك بعد سماع هذا‬
‫الحديث(‪ ,)2‬وقال الشعبي‪ :‬ما أصدق أن على بن أبي طالب كان يقول عدة المتوفى عنها‬
‫زوجها آخر األجلين(‪ ،)3‬ولعل عليًا قال بذلك لعدم بلوغه حديث سبيعة وإال فال يخالف على‬
‫الصحيح الثابت عن النبي ×(‪.)4‬‬
‫بعض األحكام المتعلقة بالمعامالت المالية‪:‬‬
‫‪ -1‬جوائز السلطان‪:‬قال أمير المؤمنين على رضي هللا عنه‪ :‬ال بأس بجوائز‬
‫السلطان‪ ،‬ما يعطيكم من الحالل أكثر مما يعطيكم من الحرام(‪ ،)5‬وقال أيضًا‪ :‬ال تسأل‬
‫السلطان شيئًا‪ ،‬فإن أعطاك فخذ فإن ما في بيت المال من الحالل أكثر مما فيه من‬
‫الحرام(‪.)6‬‬
‫‪ -2‬الهدية لرفع الظلم وأخذ الحق‪ :‬من نصر شخصًا في حق أو دفع عنه ظل ًما ال‬
‫يجوز له أن يقبل هدية من نصره أو رفع عنه الظلم عند على‪ ،‬نقل ذلك عنه ابن حزم(‪.)7‬‬
‫‪ -3‬عدم ضمان العارية‪:‬ال يضمن المستعير العارية إذا تلفت بدون تعد عند على(‪،)8‬‬
‫فقد قال عل ّى‪ :‬ليست العارية مضمونة إنما هو معروف إال أن يخالف فيضمن(‪.)9‬‬
‫‪ -4‬عدم ضمان الوديعة‪ :‬الوديعة أمانة بيد المودع عنده‪ ،‬فإذا تلفت عنده من غير‬
‫جناية فال ضمان عليه عند عل ّى‪ ،‬فقد قال رضي هللا عنه‪ :‬ال يضمن صاحب العارية وال‬
‫الوديعة(‪.)10‬‬
‫‪ -5‬بيع الغنيمة للكفار‪ :‬ال يجوز بيع ما غنمه المسلمون من أموال الكفار في الحرب‬
‫إلى الكفار أنفسهم عند على رضي هللا‪ ،‬فعن أم موسى قالت‪ :‬أتى على بن أبي طالب بآنية‬
‫مرصعة بالذهب من آنية العجم فأراد أن يكسرها ويقسمها بين المسلمين‪ ،‬فقال ناس من‬
‫الدهاقين‪ :‬إن كسرت هذه كسرت ثمنها‪ ،‬ونحن نغلي لك بها‪ ،‬فقال على‪ :‬لم أكن ألرد لكم‬
‫مل ًكا نزعه هللا منكم فكسرها وقسمها بين الناس(‪ ،)11‬وقد فعل أمير المؤمنين ذلك حتى ال‬
‫تذكرهم بأمجادهم أو تعود بالنفع عليهم‪.‬‬
‫‪ -6‬تضمين الصناع‪:‬وذلك حفاظًا ألموال الناس من الضياع‪ ،‬قال الشاطبى‪ :‬إن‬
‫‪1‬‬
‫() البخاري رقم (‪ ،)5318‬مسلم (‪.)1484‬‬
‫‪2‬‬
‫() المغنى (‪ ،)7/473‬فقه اإلمام على (‪.)2/716‬‬
‫‪3‬‬
‫() سبل السالم (‪.)3/198‬‬
‫‪4‬‬
‫() فقه اإلمام على بن أبي طالب (‪.)2/617‬‬
‫‪5‬‬
‫() المغنى (‪ ،)6/444‬فقه اإلمام على (‪.)2/716‬‬
‫‪6‬‬
‫() المغنى (‪.)6/444‬‬
‫‪7‬‬
‫() المحلى (‪.)9/129‬‬
‫‪8‬‬
‫() فقه اإلمام على بن أبي طالب (‪.)2/721‬‬
‫‪9‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪.)4788‬‬
‫‪10‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)14786‬‬
‫‪11‬‬
‫() فقه اإلمام على بن أبي طالب (‪.)2/752‬‬
‫‪26‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الخلفاء الراشدين قضوا بتضمين الصناع‪ ،‬قال على بن أبي طالب رضي هللا عنه‪ :‬ال‬
‫يصلح الناس إال ذاك(‪ ،)1‬وفي هذا مقصد من مقاصد الشريعة وهو حفظ األموال من‬
‫الضياع(‪ ،)2‬وفي مصنف عبد الرزاق أن عليًا رضي هللا عنه ضمن الخياط والصباغ‪،‬‬
‫وأشباه ذلك‬
‫احتياطًا للناس(‪.)3‬‬
‫‪ -7‬عقد الذمة وعدم التشديد في الجباية عليهم‪:‬قال أمير المؤمنين على‪ :‬ال يقبل‬
‫من مشركى العرب إال اإلسالم أو السيف‪ ،‬أما مشركو العجم فتؤخذ منهم الجزية‪ ،‬وأما‬
‫أهل الكتاب من العرب والعجم فإن أبوا أن يسلموا وسألونا أن يكونوا أهل ذمة قبلنا منهم‬
‫الجزية(‪ ،)4‬وعن على أنه قال‪ :‬إنما قبلوا عقد الذمة لتكون أموالهم كأموالنا ودماؤهم‬
‫كدمائنا(‪ ،)5‬وكان رضي هللا عنه يستعمل الرفق في طريقة أخذها واليسر في مقدارها‪ ،‬فعن‬
‫عبد الملك بن عمير قال‪ :‬أخبرني رجل من ثقيف قال‪ :‬استعملني على بن أبي طالب‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ال تضرين رجالً سوطًا في جباية درهم وال تبيعن لهم رزقًا وال كسوة شتاء وال‬
‫صيف‪ ،‬والدية يعملون عليها‪ ،‬وال تقم رجالً قائ ًما في طلب درهم‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا أمير‬
‫المؤمنين إ ًذا أرجع كما ذهبت من عندك‪ ،‬قال‪ :‬وإن رجعت كما ذهبت‪ ،‬إنما أمرنا أن نأخذ‬
‫منهم العفو‪ .‬يعنى الفضل(‪.)6‬‬
‫ثانيًا‪ :‬في الحدود‪:‬‬
‫‪ -1‬عقوبة المرتد‪:‬قال أمير المؤمنين عل ّى رضي هللا عنه‪ :‬يستتاب المرتد ثالثًا‪ ،‬فإن‬
‫عاد وأال قتل(‪ .)7‬وحجة قتله‪ :‬ما روى ابن عباس عن النبي × قال‪« :‬من بدل دينه‬
‫فاقتلوه»(‪ ،)8‬وأما دليل استتابته فما روى عن جابر بن عبد هللا أن رسول هللا × استتاب‬
‫رجالً ارتد عن اإلسالم أربع مرات(‪.)9‬‬
‫وروى عن على في استتابة الزنديق الذي يظهر اإلسالم ويبطن الكفر قوالن‬
‫هما‪:‬‬
‫أ‪ -‬ال فرق في االستتابة بين من أظهر الردة‪ ،‬وبين الزنديق الذي أظهر اإلسالم‬
‫وأبطن الكفر‪ ،‬وقامت عليه البينة بذلك(‪.)10‬‬
‫فقد روى عبد الرزاق أن محمد بن أبي بكر كتب إلى على عن مسلمين تزندقا فكتب‬

‫‪1‬‬
‫() االعتصام (‪.)2/19‬‬
‫‪2‬‬
‫() مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ص (‪.)602‬‬
‫‪3‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪ ،)8/217‬موسوعة على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)22‬‬
‫‪4‬‬
‫() فقه اإلمام على(‪.)2/756‬‬
‫‪5‬‬
‫() المغنى (‪ )8/375‬فقه اإلمام على (‪.)2/756‬‬
‫‪6‬‬
‫() كنز العمال (‪ ،)14346‬المغنى (‪.)8/537‬‬
‫‪7‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪.)10/138‬‬
‫‪8‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)3017‬‬
‫‪9‬‬
‫() مجمع الزوائد (‪ )6/262‬فيه ضعف‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫() المغنى (‪ ،)8/126‬موسوعة فقه على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)273‬‬
‫‪26‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫إليه‪ :‬إن تابا وإال فاضرب أعناقهما(‪.)1‬‬
‫ب‪ -‬يستتاب من أظهر الردة وال يستتاب الزنديق‪ ،‬فقد روى األثرم بإسناده إلى على‬
‫(رضي هللا عنه)‪ ،‬أنه أُتى برجل عربي قد تنصر‪ ،‬فاستتابه فأبى أن يتوب فقتله‪ ،‬وأُتى‬
‫برهط يصلون وهم زنادقة وقد قامت عليهم بذلك الشهود العدول‪ ،‬فجحدوا وقالوا‪ :‬ليس لنا‬
‫دين إال اإلسالم‪ ،‬فقتلهم ولم يستتبهم‪ ،‬قال‪ :‬أتدرون لم استتبت النصراني؟ استتبته ألنه‬
‫أظهر دينه‪ ،‬فأما الزنادقة الذين قامت عليهم البينة فإنما قتلتهم ألنهم جحدوا‪ ،‬وقد قامت‬
‫عليهم البينة(‪.)2‬‬
‫وأما المرأة المرتدة فقد ورد فيها عند على قوالن‪:‬‬
‫أ‪ -‬ال فرق بينها وبين الرجل في حكم القتل‪ ،‬وقد روى هذا القول أيضًا عن أبي بكر‬
‫رضي هللا عنه‪ ،‬وقال به الحسن والزهري والنخعى ومكحول وحماد ومالك والليث‬
‫واألوزاعىـ والشافعي وإسحاق(‪.)3‬‬
‫ب‪ -‬المرأة تسترق وال تقتل‪ ،‬وهذا القول قال به الحسن وقتادة‪ ،‬ألن أبا أبا بكر استرق‬
‫نساء بنى حنيفة وذراريهم وأعطى عليًا منهم امرأة فولدت محمد ابن الحنيفة‪ ،‬وكان ذلك‬
‫بمحضر من الصحابة فلم ينكر‪ ،‬فكان إجماعًا(‪ ،)4‬كما أن قصة بعث على إلى بنى ناجية‬
‫دليل على هذا الرأي‪ ،‬وسيأتي الحديث الحقًا وفيها‪ :‬وقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم(‪.)5‬‬
‫وقد قتل أمير المؤمنين على المرتدين بطرق مختلفة حسب حال كل منهم على النحو‬
‫التالي‪:‬‬
‫أ‪ -‬ضرب العنق بالسيف‪ :‬كما في جواب على بن أبي طالب رضي هللا عنه لمحمد‬
‫بن أبي بكر عندما سأله عن مسلمين تزندقا؟ فقال‪ :‬فأما اللذان تزندقا‪ ،‬فإن تابا‪ ،‬وإال‬
‫فاضرب أعناقهما(‪.)6‬‬
‫ب‪ -‬الضرب حتى الموت‪ :‬ففي مصنف ابن أبي شيبة أن عليًا أُتى برجل نصراني‬
‫أسلم ثم تنصر‪ ،‬فسأله عن كلمة فقال له‪ ،‬فقام إليه عل ّى فرفسه برجله‪ ،‬فقام الناس إليه‬
‫فضربوه حتى قتلوه(‪.)7‬‬
‫جـ‪ -‬اإلحراق بعد القتل‪ :‬كما في قصة المستورد العجلي حيث أسلم ثم ارتد‪ ،‬فإن‬
‫عليًا رضي هللا عنه أحرقه بعد أن قتله‪ ،‬ولعل عليًا رضي هللا عنه أحرقه لما خاف أن‬
‫ينبش قومه جثته‪ ،‬بعد أن رفض على تسليمها مقابل مبلغ من المال بذلوه له(‪.)8‬‬
‫د‪ -‬القتل باإلحراق‪:‬كما في قصة على رضي هللا عنه‪ ،‬مع السبيئة كما سبق بيانه(‪.)9‬‬
‫‪1‬‬
‫() المصنف (‪.)10/170( )7/342‬‬
‫‪2‬‬
‫() المغنى (‪ ،)8/4141‬موسوعة فقه على بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)273‬‬
‫‪3‬‬
‫() المغنى (‪.)8/123‬‬
‫‪4‬‬
‫() المغنى (‪ ،)8/123‬فتح الباري (‪.)12/268‬‬
‫‪5‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪.)10/144‬‬
‫‪6‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪.)8/359‬‬
‫‪7‬‬
‫() المحلى البن حزم (‪.)11/190‬‬
‫‪8‬‬
‫() موسوعة فقه على بن أبي طالب ص (‪.)275‬‬
‫‪9‬‬
‫() منهج على بن أبي طالب‪ ،‬ص(‪.)275‬‬
‫‪26‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وقتل المرتد فيه حفظ ألهل الدين‪ ،‬ومن مقاصد الشريعة الغراء حفظ الدين‪ ،‬فقد‬
‫الحظنا حرص الخلفاء الراشدين على تنفيذ أحكام هللا في أهل األهواء والخارجين عن‬
‫الدين‪ ،‬وإنزال العقوبة المناسبة بهم‪ ،‬ومن أعظمها قتل المرتدين وقتالهم‪ ،‬كما فعل الخلفاء‬
‫الراشدين وهذا تنفيذ لقول رسول هللا ×‪«:‬لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله‬
‫إلا الله إلا بإحدى ثلاث‪ :‬الثيب الزاني‪ ،‬والنفس بالنفس‪ ،‬والتارك لدينه‬
‫المفارق للجماعة»(‪.)1‬‬
‫وقال ابن تيمية‪ :‬فإنه لو لم يقتل ذلك – يعنى المرتد‪ -‬لكان الداخل في الدين يخرج‬
‫منه فقتله حفظ ألهل الدين‪ ،‬والدين‪ ،‬فإن ذلك يمنع من النقص ويمنعهم من الخروج عنه(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬حد الزنا‪:‬‬
‫أ‪ -‬قصة رجم‪:‬قال الشعبي‪ :‬كان لشراحة زوج غائب بالشام‪ ،‬وإنها حملت‪ ،‬فجاء بها‬
‫موالها إلى أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي هللا عنه‪ ،‬فقال‪ :‬إن هذه زنت‬
‫واعترفت‪ ،‬فجلدها يوم الخميس مائة جلدة‪ ،‬ورجمها يوم الجمعة‪ ،‬وحفر لها إلى السرة‪،‬‬
‫وأنا شاهد‪ ،‬ثم قال‪ :‬إن الرجم سنة سنها رسول هللا×‪ ،‬ولو كان شهد على هذا أحد لكان أول‬
‫من يرمى الشاهد بشهادته‪ ،‬ثم يتبع شهادته حجره‪ ،‬ولكنها أقرت‪ ،‬فأنا أول من يرميها‪،‬‬
‫فرماها بحجر‪ ،‬ثم رمى الناس وأنا منهم‪ ،‬فكنت وهللا فيمن قتلها‪ ،‬وفي لفظ ألحمد‬
‫والبخاري أن عليًا قال‪ :‬جلدتها بكتاب هللا‪ ،‬ورجمتها بسنة رسول هللا×(‪ ,)3‬وهذا الحكم‬
‫القضائي اجتهاد لعلى وهو مختلف فيه بين الفقهاء‪ ،‬وقال الجمهور بعدم الجمع بين الجلد‬
‫والرجم(‪.)4‬‬
‫وجاء في رواية‪ :‬فحفر لها حفرة بالسوق فدار الناس عليها أو قال بها‪ ،‬فضربهم‬
‫بالدرة‪ ،‬ثم قال‪ :‬ليس هكذا الرجم إنكم إن تفعلوا هذا يفتك بعضكم بعضًا ولكن صفوا‬
‫كصفوفكم للصالة ثم قال‪ :‬أيها الناس‪ ،‬إن أول الناس يرجم الزاني اإلمام إذا كان‬
‫االعتراف‪ ،‬وإذا شهد أربعة شهداء على الزنا‪ ،‬أول الناس يرجم الشهود بشهادتهم عليه‪ ،‬ثم‬
‫اإلمام ثم الناس‪ ،‬ثم رماها بحجر وكبر‪ ،‬ثم أمر الصف األول فقال‪ :‬ارموا‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫انصرفوا‪ ،‬وكذلك صفًا صفًا حتى قتلوها(‪.)5‬‬
‫ب‪ -‬تأجيل رجم الحامل‪ :‬المرأة الحامل إذا ثبت عليها الزنا ال يقام عليها الحد حتى‬
‫تضع حملها عند على(‪ ,)6‬فعنه رضي هللا عنه قال‪ :‬إن خاد ًما للنبي × فجرت‪ ،‬فأمرني أن‬
‫أقيم عليها الحد‪ ،‬فوجدتها لم تجف من دمها‪ ،‬فأتيته فذكرت له‪ ،‬فقال‪« :‬إذا جفت من دمها‬
‫فأقم عليها الحد‪ ،‬أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم»(‪ ,)7‬وقد قام بهذا الحكم‬
‫في خالفته‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬المستكرهة على الزنا‪ :‬ال حد على المستكرهة على الزنا عند على ولها مهر‬

‫‪1‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)6878‬‬
‫‪2‬‬
‫() مجموع الفتاوى (‪.)20/102‬‬
‫‪3‬‬
‫() البخاري‪ ،‬ك الحدود (‪.)4/253‬‬
‫‪4‬‬
‫() تاريخ القضاء في اإلسالم‪ ،‬ص (‪.)152‬‬
‫‪5‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق ‪ ،13335‬فقه اإلمام على (‪.)2/782‬‬
‫‪6‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)2/783‬‬
‫‪7‬‬
‫() مسند اإلمام أحمد رقم (‪ )1137‬صحيح لغيره‪.‬‬
‫‪26‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫المثل بذلك(‪ ,)1‬فقد قال في البكر تستكره على نفسها أن للبكر مثل صداق إحدى نسائها‬
‫وللثيب مثل صداق(‪ )2‬مثلها»‪.‬‬
‫د‪ -‬زنا المضطرة‪:‬إذا اضطرت امرأة على الزنا إلنقاذ حياتها من الموت فلم يدفع إال‬
‫به سقط عنها الحد عند على(‪ ,)3‬فقد جاء في رواية‪ :‬أن امرأة أتت عمر فقالت‪ :‬إني زنيت‬
‫فارجمني فردها حتى شهدت أربع شهادات فأمر برجمها‪ ،‬فقال على‪ :‬يا أمير المؤمنين‪،‬‬
‫ردها فاسألها ما زناها لعل لها عذرًا؟ فردها فقال‪ :‬ما زناك؟ قالت‪ :‬كان ألهلي إبل‬
‫فخرجت في إبل أهلي فكان لنا خليط(‪ ,)4‬فخرج في إبله فحملت معي ماء ولم يكن في إبلي‬
‫لبن‪ ،‬وحمل خليطنا ماء وكان في إبله لبن‪ ،‬فنفد مائي فاستسقيت فأبى أن يسقيني‪ ،‬حتى‬
‫أمكنه من نفسي‪ ،‬فأبيت حتى كادت نفسي تخرج أعطيته‪ ،‬فقال على‪ :‬هللا أكبر‪ ،‬فمن‬
‫اضطر غير باغ وال عاد‪ ،‬أرى لها عذرًا(‪ ,)5‬وزيد في رواية‪ :‬فأعطاها عمر شيئًا‬
‫وتركها(‪ ,)6‬وقد ذكر الفقهاء هذه الحادثة ضمن اإلكراه على الزنا فلم يختلفوا في سقوط‬
‫الحد باإلكراه(‪ ,)7‬ولكن اإلكراه غير االضطرار ألن االضطرار فيه اإلقدام على الفعل‬
‫اختيارًا‪ ،‬أما اإلكراه فال إقدام فيه وإنما يساق إلى الفعل جبرًا‪ ،‬بدليل أن هللا تعالى ذكر‬
‫اإلكراه مستقال عن االضطرار كما في قوله تعالى‪+ :‬إِالَّ من أُ ْك ِر َه و َقلْبهُ مطْمئِ ٌّن بِا ِإليم ِ‬
‫ان"‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ َ‬ ‫َْ‬
‫[النحل‪ ]106:‬وقوله تعالى‪َ + :‬والَ تُ ْك ِر ُهوا َفَتيَاتِ ُك ْم َعلَى الْبِغَ ِاء" [النور‪ ،]33:‬وقوله تعالى‪+ :‬فَ َم ِن‬
‫اد فَالَ إِثْ َم َعلَْي ِه" [البقرة‪.]173:‬‬
‫اغ والَ َع ٍ‬
‫ضطَُّر غَْي َر بَ ٍ َ‬
‫اْ‬
‫وقد استدل على رضي هللا عنه باآلية األخيرة‪ ،‬ووجه الداللة أن االضطرار إلنقاذ‬
‫الحياة يرفع العقوبة األخروية عن المضطر‪ ،‬فهو يسقط العقوبة الدنيوية من باب أولى في‬
‫حقوق هللا تعالى‪ ،‬ويؤخذ من هذه المسألة‪ :‬عمل على بقاعدة الضرورات تبيح‬
‫المحظورات(‪.)8‬‬
‫هـ‪ -‬درء الحدود بالشبهات‪:‬تدرأ الحدود بالشبهات عند عل ّى‪ ،‬فعن الضحاك بن‬
‫مزاحم عن على قال‪ :‬إذا بلغ في الحدود لعل وعسى فالحد معطل(‪ ,)9‬وعن على أن امرأة‬
‫أتته فقالت‪ :‬إني زنيت‪ ،‬فقال‪ :‬لعلك أتيت وأنت نائمة في فراشك أو أكرهت؟ قالت‪ :‬أتيت‬
‫طائعة غير مكرهة‪ ،‬قال‪ :‬لعلك غصبت على نفسك‪ ،‬قالت‪ :‬ما غصبت‪ ،‬فحبسها فلما ولت‬
‫وشب ابنها جلدها(‪ ,)10‬ألنها لم تكن متزوجة ولذلك جلدت‪.‬‬
‫و‪ -‬زنا النصرانية‪:‬إذا زنت النصرانية فال تحد بل تدفع إلى أهل دينها يقيمون عليها‬
‫‪1‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)2/786‬‬
‫‪2‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪.)13607‬‬
‫‪3‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)2/788‬‬
‫‪4‬‬
‫() خليط‪ :‬الشريك الذي يخلط ماله بمال غيره‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() كنز العمال ‪ ،13596‬مغنى المحتاج (‪.)4/145‬‬
‫‪6‬‬
‫() المغنى (‪.)8/187‬‬
‫‪7‬‬
‫() إعالن السنن (‪ ،)11/671‬المغنى (‪.)8/187‬‬
‫‪8‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)2/789‬‬
‫‪9‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق ‪ ،13727‬المغنى (‪.)8/211‬‬
‫‪10‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)2/761‬‬
‫‪26‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫حسب دينهم عند على(‪ ,)1‬فعن قابوس بن مخارق أن محمد بن أبي بكر كتب إلى على‬
‫يسأله عن مسلم زنى بنصرانية‪ ،‬فكتب إليه على‪ :‬أما المسلم فأقم عليه الحد وادفع‬
‫النصرانية إلى أهل دينها(‪ ,)2‬إن حد الزنا أمر تعبدي فيه التطهير من اإلثم‪ ،‬وذلك ال يناسب‬
‫الخارج عن ملة اإلسالم‪.‬‬
‫ز‪ -‬الحد كفارة لذنب من أقيم عليه عند عل ّى‪:‬فعن أبى ليلى عن رجل من هذيل‬
‫قال وعداده من قريش سمعت عليًا يقول‪ :‬من عمل سو ًءا فأقيم عليه الحد فهو كفارة(‪,)3‬‬
‫وفي رواية عنه أيضًا‪ :‬كنت مع عل ّى حين رجم شراحة فقلت‪ :‬لقد ماتت هذه على شر‬
‫حالها‪ ،‬فضربني بقضيب‪ ،‬أو بسوط كان في يده حتى أوجعني فقلت‪ :‬لقد أوجعتني‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وإن أوجعتك‪ ،‬قال‪ :‬فقال‪ :‬إنها لن تسأل عن ذنبها هذا أبدًا كالدين(‪ ,)4‬ودليل ما ذهب إليه‬
‫أمير المؤمنين على رضي هللا عنه حديث عبادة بن الصامت حيث قال‪ :‬كنا مع رسول هللا‬
‫× في مجلس فقال‪« :‬ومن أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به‪ ،‬فهو كفارة له‪ ،‬ومن‬
‫أصاب شيئًا من ذلك فستره الله عليه‪ ،‬فأمره إلى الله‪ ،‬إن شاء عفا عنه وإن‬
‫شاء عذبه»(‪.)5‬‬
‫إن من قاصد الشريعة حفظ العرض والنسب‪ ،‬فعدم حفظه يترتب عليه مفاسد حاصلة‬
‫بسبب إهماله‪ :‬وانتهاكه‪ ،‬ومعلوم ما يحصل من جراء ذلك من الحروب والتقاتل والفساد‪،‬‬
‫واختالط األنساب‪ ،‬وقطع النسل‪ ،‬ألن الزاني ليس له قصد في الولد‪ ،‬وإنما قصده اللذة‬
‫الحاضرة‪ ،‬فلو لم تحفظ الفروج لعزف الناس عن النكاح‪ ،‬وانتشار الفساد الخلقي وظهور‬
‫جريمة الزنا‪ ،‬وما ينشأ عنها من مفاسد خلقية وصحية‪ ،‬ونزول المصائب وحلول الكوارث‬
‫ِ‬ ‫والمحن‪ ،‬ولو لم يرد في ذلك إال قول هللا تعالى‪َ + :‬والَ َت ْقربُوا ِّ ِ‬
‫الزنَى إنَّهُ َكا َن فَاح َشةً َو َس َ‬
‫اء‬ ‫َ‬
‫َسبِيالً" [اإلسراء‪ ،]32:‬لكان كافيًا(‪ ,)6‬لذلك جاءت الشريعة الغراء بالتشريعات الالزمة‬
‫لحفظ األعراض واألنساب وقام الخلفاء الراشدون بتنفيذها‪.‬‬
‫‪ -3‬حد الخمر‪:‬‬
‫أ‪ -‬شرب الخمر في رمضان‪:‬عن عطاء عن أبيه أن عليًا ضرب النجاشي الحارثي‬
‫الشاعر‪ ،‬شرب الخمر في رمضان فضربه ثمانين ثم حبسه‪ ،‬فأخرجه الغد فضربه‬
‫العشرين ثم قال له‪ :‬إنما جلدتك هذه العشرين بجرأتك على هللا تعالى‪ ،‬وإفطارك في‬
‫رمضان(‪.)7‬‬
‫ب‪ -‬حكم الموت بإقامة حد الخمر‪ :‬عن عل ّى‪ ،‬قال‪ :‬ما من رجل أقمت عليه حدًا‪،‬‬
‫فمات فأجد في نفسي إال الخمر‪ ،‬فإنه لو مات لوديته‪ ،‬ألن النبي × لم يَ ُسنَّه(‪.)8‬‬
‫وقد جاءت األحكام الشرعية بالمحافظة على العقل الذي ميز هللا به اإلنسان وكرمه‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)1/799‬‬
‫‪2‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪.)13419‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)13355‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)13353‬‬
‫‪5‬‬
‫() مسلم‪ .‬ك الحدود‪ ،‬رقم (‪.)3/1333( )709‬‬
‫‪6‬‬
‫() مقاصد الشريعة لليوبى‪ ،‬ص (‪.)255‬‬
‫‪7‬‬
‫() كنز العمال ‪ ،13687‬فقه اإلمام على (‪.)2/807‬‬
‫‪8‬‬
‫() مسند أحمد رقم (‪ )1024‬إسناده صحيح على شرط الشيخين‪.‬‬
‫‪26‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫آمنُوا إِنَّ َما الْ َخ ْم ُر‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َ‬ ‫تعالى‪+ :‬يَا أ َُّي َها الذ َ‬ ‫فحرمت الخمر التي تذهب بالعقل وتغيبه‪ ،‬كما قال‬
‫ِ‬
‫اجتَنِبُوهُ" إلى قوله‪َ + :‬ف َه ْل أَ ْنتُم ُّم َنت ُهو َن"‬ ‫الش ْيطَ ِ‬
‫ان فَ ْ‬ ‫اب َواأل ْزالَ ُم ِر ْج ٌ‬
‫س ِّم ْن َع َم ِل َّ‬ ‫األنص ُ‬
‫َوال َْم ْيس ُر َو َ‬
‫[المائدة‪ ،]91 ،90:‬وقال رسول هللا ×‪« :‬كل مسكر خمر وكل خمر حرام»(‪ ,)1‬ولذلك شرع‬
‫إقامة الحد على السكران‪ ،‬وحرم المخدرات والمفترات التي تؤثر على سالمة العقل(‪.)2‬‬
‫إن حفظ العقل مقصود في الشرع لما يترتب عليه من حفظ باقي الضرورات‪ ،‬ولما‬
‫يترتب على إهماله من مفاسد ال تعد وال تحصى(‪.)3‬‬
‫‪ -4‬حد السرقة‪:‬‬
‫أ‪ -‬اشتراط الحرز‪ :‬يشترط لقطع يد السارق أن يسرق المال من حرز مثله عند عل ّى‪،‬‬
‫فعن ضميرة قال‪ :‬قال على‪ :‬ال يقطع السارق حتى يخرج المتاع من البيت(‪.)4‬‬
‫ب‪ -‬سرقة ما فيه شبهة ملك‪ :‬ال تقطع يد سارق سرق من مال له فيه شبهة ملك‪،‬‬
‫كأن يكون له نصيب فيه عند على(‪ ,)5‬فعن زيد بن دثار قال‪ :‬أُتى على برجل سرق من‬
‫الخمس فقال‪ :‬له فيه نصيب‪ ،‬فلم يقطعه‪ ،‬وعن الشعبي عن على أنه كان يقول‪ :‬ليس على‬
‫من سرق من بيت المال قطع(‪.)6‬‬
‫جـ‪ -‬سرقة الحر‪ :‬من سرق حرًا صغيرًا فإنه تقطع يده عند عل ّى‪ ،‬فعن ابن جريج أن‬
‫عليًا قطع البائع‪ -‬بائع الحر – وقال‪ :‬ال يكون الحر عبدًا(‪ ,)7‬ألن اإلنسان أقوم وأثمن من‬
‫المال‪ ،‬فهو األولى أن يقطع فيه(‪.)8‬‬
‫د‪ -‬سرقة العبد مواله‪ :‬ال تقطع يد عبد سرق من سيده عند عل ّى‪ ،‬فعن الحكم أن عليًا‬
‫قال‪ :‬إذا سرق عبد من مالي لم أقطعه(‪.)9‬‬
‫هـ‪ -‬إثبات السرقة‪ :‬تثبت السرقة عند أمير المؤمنين عل ّى رضي هللا عنه بشهادة‬
‫شاهدين أو االعتراف مرتين‪ ،‬نقل ذلك عنه ابن قدامه(‪ ,)10‬وعن عكرمة بن خالد قال‪ :‬كان‬
‫عل ّى ال يقطع سارقًا حتى يأتي بالشهداء فيوقفهم عليه ويسجنه‪ ،‬فإن شهدوا عليه قطعه وإن‬
‫نكلوا تركهن فأتى مرة بسارق فسجنه حتى إذا كان الغد دعا به وبالشاهدين فقيل‪ :‬تغيب‬
‫أحد الشاهدين فخلى سبيل السارق ولم يقطعه(‪ .)11‬وعن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه أن‬
‫رجالً أتى إلى على فقال‪ :‬إني سرقت فانتهره وسبه فقال‪ :‬إني سرقت‪ ،‬فقال على‪ :‬اقطعوا‬
‫‪1‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)5585‬‬
‫‪2‬‬
‫() الحكم والتحاكم في خطاب الوحي (‪.)1/467‬‬
‫‪3‬‬
‫() مقاصد الشريعة لليوبى‪ ،‬ص(‪.)243‬‬
‫‪4‬‬
‫() كنز العمال ‪ ،13911‬فقه اإلمام عل ّى (‪.)2/810‬‬
‫‪5‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)2/811‬‬
‫‪6‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪.)18871‬‬
‫‪7‬‬
‫() المصدر نفسه رقم (‪.)18806‬‬
‫‪8‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)2/814‬‬
‫‪9‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪.)10/202‬‬
‫‪10‬‬
‫() المغني (‪.)8/279‬‬
‫‪11‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق‪ ،)18779( ،‬كنز العمال‪.)13908( ،‬‬
‫‪26‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫قد شهد على نفسه مرتين‪ ،‬فلقد رأيتها في عنقه(‪.)1‬‬
‫و‪ -‬كشف السارق قبل أن يسرق‪ :‬ال تقطع يد السارق عند كشفه قبل أن يخرج‬
‫المتاع من الحرز عند عل ّى‪ ،‬فعن الحارث عن على قال‪ :‬أتى برجل قد نقب فأخذ على تلك‬
‫الحال فلم يقطعه(‪ ,)2‬وفي لفظ بزيادة وعزره أسواطًا(‪.)3‬‬
‫ز‪ -‬تكرار السرقة‪ :‬من سرق قطعت يده اليمنى‪ ،‬ثم إن سرق مرة ثانية قطعت رجله‬
‫اليسرى‪ ،‬فإن سرق ثالثة ورابعة يعزر وال تقطع يده األخرى أو رجله الثانية عند على‪،‬‬
‫نقل ذلك عنه ابن المنذر وغيره(‪ ,)4‬وعن عبد هللا بن سلمه أن عليًا أُتى بسارق فقطع يده‪،‬‬
‫ثم أتى به فقطع رجله‪ ،‬ثم أتى به فقال‪ :‬أقطع يده؟ فبأي شيء يتمسح وبأي شيء يأكل؟ ثم‬
‫قال‪ :‬أقطع رجله؟ على أي شيء يمشى؟ إني ألستحي من هللا‪ ،‬قال‪ :‬ثم ضربه وخلده‬
‫السجن(‪ .)5‬وعن المغيرة والشعبي قاال‪ :‬كان على يقول‪ :‬إذا سرق السارق مرارًا قطعت يده‬
‫ورجله‪ ،‬ثم إن عاد استودعته السجن(‪ ,)6‬وعن الشعبي قال‪ :‬كان على ال يقطع إال اليد‬
‫والرجل‪ ،‬وإن سرق بعد ذلك سجن ونكل‪ ،‬وأنه كان يقول‪ :‬إني ألستحي من هللا أن ال أدع‬
‫له يدًا يأكل بها ويستنجى(‪.)7‬‬
‫ح‪ -‬قطع اليد وتعليقها‪ :‬يستحب أن يحسم اليد ويعلق المقطوع في عنق المحدود عند‬
‫على يقطع ويحسم ويحبس‪ ،‬فإذا برئوا أرسل إليهم‬ ‫على(‪ ,)8‬فعن حجية بن عدى‪ :‬كان ٌّ‬
‫فأخرجهم ثم قال‪ :‬ارفعوا أيديكم إلى هللا فيرفعونها‪ ،‬فيقول‪ :‬من قطعكم؟ فيقولون على‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬ولم؟ فيقولون‪ :‬سرقنا‪ ،‬فيقول‪ :‬اللهم اشهد اللهم اشهد(‪ ,)9‬وحسم اليد‪ ،‬فلكي ال ينزف‬
‫الدم ويسرع البرء ومخافة سريان الجرح إلى الجسم وتلفه(‪.)10‬‬
‫إن من مقاصد الشريعة اإلسالمية حفظ أموال الناس التي هي قوام حياتهم‪ ،‬وقد حرم‬
‫اإلسالم كل وسيلة ألخذ المال بغير حق شرعي‪ ،‬وحرم السرقة‪ ،‬وأوجب الحد على من‬
‫اء بِ َما َك َسبَا نَ َكاالً‬ ‫ِ‬
‫السا ِرقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْد َي ُه َما َج َز ً‬
‫السا ِر ُق َو َّ‬
‫ثبتت عليه تلك الجريمة‪ ،‬قال تعالى‪َ + :‬و َّ‬
‫اهلل" وقام الخلفاء الراشدين باإلشراف على تنفيذ تلك األحكام‪.‬‬ ‫ِّمن ِ‬
‫َ‬
‫ثالثًا‪ :‬في القصاص والجنايات‪:‬‬
‫جاءت شريعة اإلسالم بأحكام القصاص للمحافظة على النفس ودرء المفاسد الناشئة‬
‫ب َعلَْي ُك ُم‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫آمنُوا ُكت َ‬ ‫ين َ‬‫عن شيوع القتل وسفك الدماء المحرمة‪ ،‬كما قال تعالى‪+ :‬يَا أ َُّي َها الذ َ‬

‫‪1‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق رقم (‪ ،)18784‬المغنى (‪.)8/280‬‬
‫‪2‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪.)9/477‬‬
‫‪3‬‬
‫() كنز العمال (‪ ،)13911‬فقه اإلمام على (‪.)2/817‬‬
‫‪4‬‬
‫() المحلى (‪ ،)3/354‬المغنى (‪.)8/264‬‬
‫‪5‬‬
‫() البدائع (‪ ،)9/4273‬فقه اإلمام على (‪.)2/818‬‬
‫‪6‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪.)9/509‬‬
‫‪7‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق رقم (‪.)18764‬‬
‫‪8‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)2/821‬‬
‫‪9‬‬
‫() كنز العمال (‪.)1326‬‬
‫‪10‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)2/821‬‬
‫‪26‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫اب"‬‫اص َحيَاةٌ يَا أُولِي األلْبَ ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اص في الْ َق ْتلَى" [البقرة‪ ،]178:‬وقال تعالى‪َ + :‬ولَ ُك ْم ف ِي ِالْق َ‬
‫ال ِْقص ِ‬
‫َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وما َف َق ْد َج َعلْنَا ل َوليِّه ُس ْلطَانًا فَالَ يُ ْس ِرف في الْ َق ْت ِل إِنَّهُ‬ ‫ِ‬
‫[البقرة‪ ،]179 :‬وقال تعالى‪َ + :‬و َمن قُت َل َمظْلُ ً‬
‫ورا" [اإلسراء‪ ،]33:‬وهذه بعض المسائل المتعلقة بأحكام القتل والقصاص‬ ‫ص ً‬
‫َكا َن َم ْن ُ‬
‫والجنايات‪.‬‬
‫أ‪ -‬االشتراك في القتل العمد‪ :‬إذا اجتمع جماعة على قتل شخص عمدًا فإنهم يقتلون‬
‫به جميعًا عند على(‪ ،)1‬وقد روى عنه أنه قتل ثالثة قتلوا رجالً(‪.)2‬‬
‫ب‪ -‬من أمر عبده بالقتل‪ :‬إذا أمر السيد عبده أن يقتل رجال فقتله يقتل السيد عند‬
‫عل ‪‰‬ـًًّى ويحبس العبد‪ ،‬نُقل ذلك عن ابن المنذر وغيره(‪ ,)3‬وعن خالس عن على في رجل‬
‫أمر عبده أن يقتل رجالً قال‪ :‬إنما هو بمنزلة سوطه أو سيفه(‪ ,)4‬وفي رواية‪ :‬إذا أمر‬
‫الرجل عبده أن يقتل رجالً فإنما هو كسيفه أو كسوطه‪ ،‬يقتل المولى ويحبس العبد ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬

‫جـ ‪ -‬المقتول في الزحام‪ :‬من قتل في الزحام ولم يعلم قاتله‪ ،‬فإن ديته على بيت مال‬
‫المسلمين عند على(‪ ,)6‬وعن يزيد بن مذكور الهمداني أن رجال قتل يوم الجمعة في‬
‫المسجد في الزحام‪ ،‬فجعل على ديته من بيت المال(‪.)7‬‬
‫د‪ -‬جناية السائق والقائد والراكب‪ :‬في المسألة روايتان عن على‪ :‬الرواية األولى‪:‬‬
‫سائق الدابة وقائدها وراكبها ضامنون إذا وطئت الدابة‪ ،‬أو ضربت برجلها أحدًا‪ ،‬أو شيئًا‬
‫عند على لنسبة التقصير وعدم التحرز والتثبيت إليهم(‪ ,)8‬فعن خالس على عل ّى‪ :‬أنه كان‬
‫يضمن القائد والسائق والراكب(‪ ,)9‬والحجة في ذلك‪ ،‬أن الراكب مباشر للقتل ألن الدابة‬
‫كاآللة في يده‪ ،‬أما السائق‪ ،‬والقائد فهما متسببان‪ ،‬ويضمنان لعدم تحرزهما من الوقوع في‬
‫الجناية وعدم تثبتها من السوق والقود والركوب بصورة تمنع وقوع الجناية(‪ ,)10‬والرواية‬
‫الثانية‪ :‬ال ضمان عليهم إذا ثبت عدم التقصير منهم عند على‪ ،‬إذ روى عنه أنه قال‪ :‬إذا‬
‫قال‪ :‬الطريق‪ ،‬فأسمع فال ضمان عليه(‪ ,)11‬وعن على أنه قال‪ :‬إذا كان الطريق واسعًا فال‬
‫ضمان عليه(‪ ,)12‬والحجة أو وسع الطريق وتنبيه المارة هو التحرز والتثبت‪ ،‬فإذا لم يبال‬
‫المارة فهو تقصيرهم‪ ،‬فإن أصيبوا فقد جنوا على أنفسهم فال ضمان لهم‪ ،‬وال منافاة بين‬

‫‪1‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)2/826‬‬
‫‪2‬‬
‫() المغنى (‪.)7/672‬‬
‫‪3‬‬
‫() المغنى (‪.)7/757‬‬
‫‪4‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪.)9/371‬‬
‫‪5‬‬
‫() فقه اإلمام على بن أبى طالب (‪.)2/836‬‬
‫‪6‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)2/838‬‬
‫‪7‬‬
‫() الخالفة الراشدة‪ ،‬يحيى اليحيى‪ ،‬ص (‪.)502‬‬
‫‪8‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)2/841‬‬
‫‪9‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪.)9/259‬‬
‫‪10‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)2/841‬‬
‫‪11‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)2/842‬‬
‫‪12‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪.)9/559‬‬
‫‪26‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الروايتين‪ ،‬ألن األولى مع ثبوت التقصير‪ ،‬والثانية مع عدمه(‪ ,)1‬وثبوت التقصير على‬
‫المارة‪.‬‬
‫هـ‪ -‬ما أنشئت بتعد فأحدثت تلفًا‪ :‬من حفر بئرًا أو وضع شيئًا أو بناه في مكان ال‬
‫حق له فيه فسبب تلف إنسان كأن يقع في البئر أو يعثر بما وضعه فيموت فهو ضامن عن‬
‫على(‪ .)2‬فقد قال رضي هللا عنه‪ :‬من حفر بئرًا أو عرض عودًا فأصاب إنسانًا فهو‬
‫ضامن(‪.)3‬‬
‫و‪ -‬الخطأ في الشهادة‪ :‬الخطأ في الشهادة يوجب الضمان عند على‪ ،‬فمن شهد على‬
‫غيره خطأ في حد أو قصاص فأدى إلى تلف عضو أو نفس ضمن الدية عنده(‪ ,)4‬فقد روى‬
‫على يده‪ ،‬ثم جاء‬
‫عن على من طرق متعددة أنه‪ :‬شهد رجالن بسرقة على رجل‪ ،‬فقطع ٌّ‬
‫الغد برجل فقال‪ :‬أخطأنا باألول‪ ،‬هو هذا اآلخر فأبطل شهادتهما على اآلخر‪ ،‬وأغرمهما‬
‫دية األول(‪ ,)5‬وفي رواية فقال‪ :‬لو كنتما تعمدتماه لقطعتكما فأبطل شهادتهما عن اآلخر‬
‫وأغرمهما دية األول(‪ ,)6‬والحجة في ذلك أنهما تسببا في اإلتالف والتسبب موجب للضمان‬
‫كحافر البئر في الطريق(‪.)7‬‬
‫ز‪ -‬اشتراك جماعة في قتل بعضهم بعضًا خطأ‪ :‬إذا اشترك جماعة في قتل‬
‫بعضهم بعضًا خطأ توزعت المسئولية الجنائية على جميعهم‪ ،‬كل واحد بقدر فعله‬
‫مطروحًا منه ما جناه الميت على نفسه(‪ ,)8‬فعن خالس قال‪ :‬استأجر رجل أربعة رجال‬
‫ليحفروا له بئرًا فحفروها فانخسفت بهم البئر‪ ،‬فمات أحدهم فرفع ذلك إلى على بن أبي‬
‫طالب‪ ،‬فضمن الثالثة ثالث أرباع الدية وطرح عنه ربع الدية(‪.)9‬‬
‫ح‪ -‬من استخدم صغيرًا أو عبدًا بغير إذن‪ :‬من استخدم صغيرًا بغير إذن وليه أو‬
‫عبدًا بغير إذن مواله في عمل‪ ،‬أو حمله على دابة فمات إثر ذلك فهو ضامن عند على‪،‬‬
‫فعن الحكم قال‪ :‬قال على‪ :‬من استعمل مملوك قوم صغيرًا أو كبيرًا فهو ضامن(‪ ,)10‬وقال‬
‫على‪ :‬من استعان صغيرًا حرًا‪ ..‬فهو ضامن ومن استعان كبيرًا لم يضمن(‪.)11‬‬
‫ط‪ -‬الفعل المعنوي‪ :‬الفعل المعنوي كاإلخافة والترويع وما شابههما إذا سبب قتل‬
‫إنسان أو عطبه توجب المسئولية الجنائية عند على(‪ ,)12‬فعن ابن جريج قال‪ :‬قلت لعطاء‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)2/842‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)2/842‬‬
‫‪3‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪.)8400‬‬
‫‪4‬‬
‫() فقه اإلمام على بن أبي طالب (‪.)2/843‬‬
‫‪5‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪.)9/409‬‬
‫‪6‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪.)18461‬‬
‫‪7‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)2/844‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)2/844‬‬
‫‪9‬‬
‫() المحلى (‪ ،)10/505‬فقه اإلمام على (‪.)2/844‬‬
‫‪10‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪.)9/377‬‬
‫‪11‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪.)9/377‬‬
‫‪12‬‬
‫() فقه اإلمام على بن أبى طالب (‪.)2/846‬‬
‫‪26‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫رجل نادى صبيًا على جدار أن استأخر فخر فمات؟ قال‪ :‬يروون عن على أنه قال‪ :‬يغرمه‬
‫ويقول‪ :‬أفزعه(‪ ,)1‬وإيجاب المسئولية على الفعل المعنوي إجماالً هو قول جمهور‬
‫العلماء(‪.)2‬‬
‫ى‪ -‬جناية الطبيب‪ :‬إذا خالف الطبيب أو البيطري شروط المعالجة‪ ،‬فعطب اإلنسان‬
‫على الناس فقال‪ :‬يا معشر‬ ‫أو الحيوان فهو ضامن(‪ ,)3‬فعن الضحاك بن مزاحم قال‪ :‬خطب ٌّ‬
‫األطباء البياطرة والمطببين من عالج منكم إنسانًا أو دابة فليأخذ لنفسه البراءة‪ ،‬فإنه إن‬
‫عالج شيئًا ولم يأخذ لنفسه البراءة فعطب فهو ضامن(‪ ,)4‬وعن مجاهد أن عليًا قال في‬
‫الطبيب‪ :‬إن لم يُشهد على ما يعالج فال يلومن إال نفسه‪ ،‬يقول‪ :‬يضمن(‪.)5‬‬
‫ك‪ -‬الميت من القصاص والحد‪ :‬إذا أقيم حد أو قصاص على مستحق فمات فال‬
‫ضمان على المقتص عند على(‪ ,)6‬فقد قال رضي هللا عنه‪ :‬من مات بقصاص بكتاب هللا فال‬
‫ضا‪ :‬إذا أقيم على الرجل حد في‬ ‫دية له(‪ ,)7‬وقال‪ :‬من مات في حد فإنما قتله الحد(‪ ,)8‬وقال أي ً‬
‫الزنا أو السرقة أو قذف فمات فال دية له(‪ ,)9‬والحجة في ذلك‪ ،‬أن القصاص واجب‪،‬‬
‫والواجب غير مشروط بالسالمة فيه فال ضمان في أدائه إذا لم يحصل فيه تقصير أو‬
‫إهمال(‪.)10‬‬
‫ل‪ -‬قاطع طريق ألقى القبض عليه‪ :‬إذا لم يأخذ ماالً ولم يقتل نفسًا حبس حتى‬
‫يتوب‪ ،‬وإذا أخذ ماالً ولم يقتل نفسًا قطعت يداه‪ ،‬ورجاله من خالف‪ ،‬وإذا قتل وأخذ المال‬
‫قطعت يداه ورجاله من خالف ثم صلب حتى يموت‪ ،‬وإن تاب قبل أن يؤخذ ضمن‬
‫األموال واقتص منه ولم يحد(‪.)11‬‬
‫وقد تاب الحارث بن بدر قبل القدرة عليه‪ ،‬وكان قاطعًا للطريق‪ ،‬فقبل على توبته‬
‫وأسقط حد الحرابة عنه ألنه تاب قبل القدرة عليه(‪.)12‬‬
‫م‪ -‬قاتل اعترف بالقتل لدفع التهمة عن متهم برئ‪ :‬أُتى برجل إلى أمير المؤمنين‬
‫على من خربة بيده سكين ملطخة بدم‪ ،‬وبين يديه قتيل يتشحط في دمه‪ ،‬فسأله‪ ،‬فقال‪ :‬أنا‬
‫قتلته‪ ،‬قال‪ :‬اذهبوا به فاقتلوه‪ ،‬فلما ُذهب به أقبل رجل مسرعًا فقال‪ :‬يا قوم ال تعجلوا ردوه‬
‫إلى على‪ ،‬فردوه‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬يا أمير المؤمنين ما هذا صاحبه‪ ،‬أنا قتلته‪ ،‬فقال على‬
‫‪1‬‬
‫() كنز العمال (‪.)86/40‬‬
‫‪2‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)2/846‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)2/847‬‬
‫‪4‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪.)18047‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)18046‬‬
‫‪6‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)2/847‬‬
‫‪7‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)2/848‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)2/848‬‬
‫‪9‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪.)9/342‬‬
‫‪10‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)2/848‬‬
‫‪11‬‬
‫() المحلى رقم (‪ ،)252‬عصر الخالفة الراشدة للعمرى‪ ،‬ص (‪.)151‬‬
‫‪12‬‬
‫() عصر الخالفة الراشدة‪ ،‬ص (‪.)151‬‬
‫‪27‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫لألول‪ :‬ما حملك على أن قلت أنا قاتله‪ ،‬ولم تقتله؟ قال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬وما أستطيع أن‬
‫أصنع‪ ،‬وقد وقف العسس على الرجل يتشحط في دمه‪ ،‬وأنا واقف بين يدي سكين‪ ،‬وفيها‬
‫أثر الدم‪ ،‬وقد أخذت في الخربة‪ ،‬فخفت أال يقبل منى‪ ،‬وأن يكون قسامة‪ ،‬فاعترفت بما لم‬
‫أصنع‪ ،‬واحتسبت نفسي عند هللا‪ ،‬فقال عل ّى‪ :‬بئس ما صنعت‪ ،‬فكيف كان حديثك؟ قال‪ :‬إني‬
‫رجل قصاب‪ ،‬خرجت إلى حانوتي في الغلس‪ ،‬فذبحت البقرة وسلختها‪ ،‬فبينما أنا أسلخها‪،‬‬
‫والسكين في يدي أخذني البول‪ ،‬فأتيت خربة كانت بقربي‪ ،‬فدخلتها لقضاء حاجتي‪ ،‬وعدت‬
‫أريد حانوتي‪ ،‬فإذا أنا بهذا المقتول يتشحط في دمه‪ ،‬فراعني أمره‪ ،‬ووقفت أنظر إليه‪،‬‬
‫والسكين في يدي‪ ،‬فلم أشعر إال بأصحابك قد وقفوا عل ّى‪ ،‬فأخذوني‪ ،‬فقال الناس‪ :‬هذا قتل‬
‫هذا‪ ،‬ما له من قاتل سواه‪ ،‬فأيقنت أنك ال تترك قولهم بقولي‪،‬ـ فاعترفت بما لم أجنه‪ ،‬فقال‬
‫على للمقر للثاني‪ :‬فأنت كيف كانت قصتك؟ فقال‪ :‬أغواني إبليس فقتلت الرجل طمعًا في‬
‫ماله‪ ،‬ثم سمعت حس العسس فخرجت من الخربة‪ ،‬واستقبلت هذا القصاب على الحال التي‬
‫وصفها‪،‬ـ فاستترت منه ببعض الخربة‪ ،‬حتى أتى العسس فأخذوه وأتوك به‪ ،‬فلما أمرت‬
‫بقتله علمت أني سأبوء بدمه أيضًا‪ ،‬فاعترفت بالحق‪ ،‬فقال على للحسن‪ :‬ما الحكم في هذا؟‬
‫اها‬
‫َحيَ َ‬
‫قال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬إن كان قد قتل نفسًا فقد أحيا نفسًا‪ ،‬وقد قال هللا تعالى‪َ + :‬و َم ْن أ ْ‬
‫َّاس َج ِم ًيعا" [المائدة‪ ،]32:‬فخلى على عنهما‪ ،‬وأخرج دية القتيل من بيت‬ ‫فَ َكأَنَّ َما أ ْ‬
‫َحيَا الن َ‬
‫المال(‪ ,)1‬ولعله فعل ذلك بعد أن أسقط أولياء القتيل حقهم بالقصاص ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫ن‪ -‬امرأة قتلت زوجها يوم زفافها بحضور صديقها‪ :‬حدث في عهد عل ّى رضي‬
‫هللا عنه أن امرأة قتلت زوجها يوم زفافها بحضور صديقها‪ ،‬فكانت العقوبة القتل‬
‫قصاصًا(‪ )3‬من الجناة‪.‬‬
‫س‪ -‬بدل اإلبل في دفع الدية‪ ،‬وكيف تدفع الدية؟‪:‬اإلبل أصل في الدية ويجوز‬
‫دفع بدلها إذ لم يتوافر اإلبل عند على‪ ،‬فعن عامر عن على وعبد هللا وزيد قالوا‪ :‬الدية مائة‬
‫من بعير(‪ ,)4‬وعن الحسن أن عليًا قضى بالدية اثنى عشر ألفًا(‪ ,)5‬أي درهم من الفضة‪ ،‬وأما‬
‫كيفية دفع الدية‪ ،‬فدية الخطأ وشبه العمد على العاقلة تدفعها مقسطًا على ثالث سنين عند‬
‫على(‪ ,)6‬والحجة في ذلك ما روى عن المغيرة بن شعبة قال‪ :‬قضى رسول هللا × بالدية‬
‫على العاقلة(‪ ,)7‬وأما تقسيطها‪ ،‬فألنها كثيرة يصعب أداؤها حاالً فقسمت على ثالث سنين‬
‫بناء على التيسير الذي أمر به اإلسالم(‪.)8‬‬
‫ع‪ -‬دية الكتابي‪ :‬دية الكتابي من اليهود والنصارى مثل دية المسلم(‪ ,)9‬فعن الحكم بن‬

‫‪1‬‬
‫() الطرق الحكمية‪ ،‬ص (‪ ،)56‬القضاء في اإلسالم‪ ،‬ص (‪.)154‬‬
‫‪2‬‬
‫() القضاء في اإلسالم‪ ،‬ص (‪.)154‬‬
‫‪3‬‬
‫() المغنى (‪ ،)376 ،9/362‬الطرق الحكمية‪ ،‬ص (‪ ،)50‬عصر الخالفة الراشدة‪ ،‬ص (‪.)153‬‬
‫‪4‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪.)9/128‬‬
‫‪5‬‬
‫() األم (‪.)7/177‬‬
‫‪6‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)3/853‬‬
‫‪7‬‬
‫() سنن ابن ماجة رقم (‪.)3633‬‬
‫‪8‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)2/854‬‬
‫‪9‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)2/855‬‬
‫‪27‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫عتيبة أن عليًا قال‪ :‬دية اليهودي والنصراني وكل ذمي مثل دية المسلم(‪.)1‬‬
‫ف‪ -‬دية الصلب‪ :‬دية العمود الفقري دية كاملة عند على إذا كسر وفقد صاحبه القوة‬
‫على الجماع‪ ،‬فقد قال عل ّى رضي هللا عنه‪ :‬إذا كسر الصلب ومنع الجماع ففيه الدية(‪.)2‬‬
‫ص‪ -‬عين األعور‪ :‬إذا فقأ إنسان عين األعور فإن فيها الدية كاملة أو يقتص األعور‬
‫لنفسه فيفقأ عينًا للجاني ويأخذ نصف الدية عند عل ّى‪ ،‬نقل ذلك ابن قدامه(‪ ,)3‬ألن عين‬
‫األعور تعادل عيني البصير في منفعة البصر‪ ،‬لذلك فيها الدية كاملة(‪.)4‬‬
‫ق‪ -‬دية األصابع‪ :‬دية كل أصبع من األصابع عشر دية النفس عند على‪ ،‬أي عشر‬
‫من اإلبل‪ ،‬فعن عاصم بن ضمرة عن على قال‪ :‬في األصابع عشر الدية(‪ ,)5‬وفي رواية‪:‬‬
‫في األصابع عشر العشر(‪.)6‬‬
‫رابعًا التعزير‪:‬‬
‫كان أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي هللا عنه يؤدب العاصي ويردعه عن‬
‫معصيته بالتعزيز إذا لم يترتب على معصيته حد‪ ،‬ولما كنت عقوبة التعزيز على المعصية‬
‫غير محددة‪ ،‬فإن أمير المؤمنين عليًا رضي هللا عنه يذهب إلى المالءمة بين العقوبة‬
‫والمعصية‪ ،‬فكلما تعاظمت المعصية كانت العقوبة أعظم‪ ،‬ولقد تعددت وسائل التعزير عند‬
‫أمير المؤمنين على ابن أبى طالب رضي هللا عنه حسب نوع المعصية وحال العاصي‪،‬‬
‫(‪ ,)7‬ومنها على‬
‫سبيل المثال‪:‬‬
‫‪ -1‬الضرب باليد‪ :‬ومثال ذلك لما كان عمر بن الخطاب رضي هللا عنه يطوف‬
‫بالبيت‪ ،‬وعلى رضي هللا عنه يطوف معه‪ ،‬إذ عرض رجل لعمر فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‬
‫خذ حقي من على بن أبي طالب‪ ،‬فقال‪ :‬وما باله؟ قال‪ :‬لطم عيني‪ ،‬فوقف عمر‪ ،‬حتى لحق‬
‫به على فقال‪ :‬ألطمت عين هذا يا أبا الحسن؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬قال‪ :‬ولِ َم؟ قال‪:‬‬
‫ألني رأيته يتأمل حرم المؤمنين في الطواف‪ ،‬فقال عمر‪ :‬أحسنت يا أبا الحسن(‪.)8‬‬
‫‪ -2‬الجلد دون الحد‪ :‬وكان أكثر ما يعزر به‪ ،‬ومن ذلك جلده للنجاشي الشاعر الذي‬
‫شرب الخمر‪ ،‬وأفطر في رمضان‪ ،‬فقال له‪ :‬إنما جلدتك هذه العشرين لجرأتك على هللا‪،‬‬
‫وإفطارك في رمضان(‪.)9‬‬
‫‪ -3‬التشهير‪ :‬لجأ على بن أبى طالب رضي هللا عنه إلى التشهير بالعاصي وتعريف‬
‫الناس به‪ ،‬كما فعل بشاهد الزور‪ ،‬وفي ذلك مصلحة للمجتمع‪ ،‬لئال يستشهد فتضيع‬
‫‪1‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪.)18494‬‬
‫‪2‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪.)9/231‬‬
‫‪3‬‬
‫() المغنى (‪.)8/5‬‬
‫‪4‬‬
‫() فقه اإلمام على (‪.)20/860‬‬
‫‪5‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪.)9/193‬‬
‫‪6‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق رقم (‪.)17693‬‬
‫‪7‬‬
‫() منهج على بن أبى طالب في الدعوة‪ ،‬ص (‪.)321‬‬
‫‪8‬‬
‫() الرياض النضرة في مناقب العشرة (‪.)2/165‬‬
‫‪9‬‬
‫() موسوعة فقه على بن أبى طالب‪ ،‬قلعجى‪ ،‬ص (‪.)153‬‬
‫‪27‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الحقوق‪ ،‬عن على بن الحسين قال‪ :‬كان على إذا أخذ شاهد زور بعثه إلى عشيرته فقال‪:‬‬
‫إن هذا شاهد زور فاعرفوه وعرفوه ثم خلى سبيله(‪ ,)1‬وعن زيد بن على عن أبيه عن جده‬
‫عن عل ّى بن أبى طالب رضي هللا عنه أنه أخذ شاهد الزور فعزروه‪ ،‬وطاف به في حيه‬
‫وشهره‪ ،‬ونهى أن يستشهد به(‪.)2‬‬
‫‪ -4‬الحبس‪ :‬كان أمير المؤمنين على رضي هللا عنه يعاقب بالحبس أحيانًا‪ ،‬ومن ذلك‬
‫حبسه للنجاشي الشاعر‪ ،‬الذي شرب الخمر‪ ،‬وأفطر في رمضان(‪.)3‬‬
‫‪ -5‬التقييد في الحبس‪ :‬كان أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي هللا عنه يقيد‬
‫الدعار(‪ ,)4‬بالحبس بقيود لها أقفال‪ ،‬ويوكل بهم من يحلها لهم وقت الصالة من أحد‬
‫الجانبين(‪.)5‬‬
‫‪ -6‬الغمس في األقذار‪ :‬وجد رجل تحت فراش امرأة‪ ،‬فأتى به عل ّى‪ ،‬فقال رضي هللا‬
‫عنه‪ :‬اذهبوا به فقلبوه ظهرًا لبطن في مكان منتن‪ ،‬فإنه كان في مكن شر منه(‪.)6‬‬
‫‪ -7‬القتل‪ :‬قد يصل التعزير عند أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي هللا عنه إلى‬
‫القتل‪ ،‬إذا كانت الجريمة قد تعاظمت‪ ،‬وكان لها أثرها البالغ األهمية‪ ،‬كوضع األحاديث‬
‫على لسان رسول هللا ×‪ ،‬ألن هذا العمل يؤدى إلى إدخال شيء في الدين مما ليس منه‪،‬‬
‫وانحراف الناس عن دينهم الذي ارتضى هللا لهم(‪ ,)7‬لذا فقد كان يقول‪ :‬من كذب على النبي‬
‫× يضرب عنقه(‪.)8‬‬
‫‪ -8‬إتالف أداة الجريمة وما يتبعها‪ :‬فقد ورد عن ربيعة بن زكار قال‪ :‬نظر عل ّى‬
‫بن أبى طالب رضي هللا عنه إلى قرية فقال‪ :‬ما هذه القرية؟ قالوا‪ :‬قرية تدعى زرارة(‪,)9‬‬
‫يلحم فيها ويباع فيها الخمر‪ ،‬فأتاها بالنيران فقال‪ :‬أضرموها فيها‪ ،‬فإن الخبيث يأكل بعضه‬
‫بعضًا‪ ،‬فاحترقت(‪ ,)10‬فقد أحرق أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي هللا عنه في هذه‬
‫القرية الخمر وما يتبعه من مواد وأدوات تستخدم لصناعته(‪.)11‬‬
‫لقد أثر أمير المؤمنين على رضي هللا عنه في المؤسسة القضائية باجتهاداته في‬
‫مجال القصاص والحدود والجنائيات والتعزير‪ ،‬كما أنه – رضي هللا عنه – ساهم في‬
‫تطوير المدارس الفقهية اإلسالمية باجتهاداته الدالة على سعة إطالعه وغزارة علمه‬
‫وعمق فقهه وفهمه واستيعابه لمقاصد الشريعة الغراء‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)149‬‬
‫‪2‬‬
‫() موسوعة فقه على‪ ،‬ص (‪.)148‬‬
‫‪3‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪.)3610‬‬
‫‪4‬‬
‫() جمع داعر‪ ،‬والدعارة هي الفسق والخبث‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() موسوعة فقه عل ّى‪ ،‬قلعجى‪ ،‬ص (‪.)156‬‬
‫‪6‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)154‬‬
‫‪7‬‬
‫() منهج على بن أبى طالب في الدعوة إلى هللا‪ ،‬ص (‪.)324‬‬
‫‪8‬‬
‫() موسوعة فقه على‪ ،‬ص (‪.)154‬‬
‫‪9‬‬
‫() محلة بالكوفة سميت بزرارة بن يزيد بن عمر من بنى بكار‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫() كنز العمال رقم (‪ )13744‬أبو عبيد‪ ،‬األموال ص (‪.)103‬‬
‫‪11‬‬
‫() منهج على في الدعوة إلى هللا ص (‪.)325‬‬
‫‪27‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫المبحث الرابع‬
‫حجية قول الصحابي والخلفاء الراشدين‬
‫تحدث األصوليون عن مذهب الصحابي وقالوا بأنه من األدلة المختلف فيها عند‬
‫الكثير منهم‪ ،‬وحكى ابن القيم إجماع األئمة األربعة على االحتجاج به(‪.)1‬‬
‫إن أصحاب النبي × وخصوصًا ساداتهم تبوأوا مكانة عالية في الفهم واإلدراك كما‬
‫قال عنهم ابن مسعود رضي هللا عنه‪ :‬فإنهم كانوا أبر هذه األمة قلوبًا‪ ،‬وأعمقها عل ًما‪،‬‬
‫وأقلها تكلفًا‪ ،‬وأقومها هديًا‪ ،‬وأحسنها حاالً‪ ،‬قوم اختارهم هللا لصحبة نبيه‪ ،‬وإقامة دينه‪،‬‬
‫فاعرفوا لهم فضلهم‪ ،‬واتبعوا آثارهم‪ ،‬فإنهم كانوا على الهدى المستقيم(‪ ,)2‬والشاهد من‬
‫كالمه قوله‪« :‬أعمقها عل ًما» فهم أعمق األمة عل ًما‪ ،‬وأكثرهم فه ًما وإدرا ًكا‪ ،‬ونسبة علم من‬
‫بعدهم إلى علمهم كنسبة فضلهم إلى فضلهم(‪ ,)3‬وإذا كان هذا من الوضوح بمكان بحيث ال‬
‫يحتاج إلى حجة وبرهان‪ ،‬فإنا نشير إلى بيان األسباب التي بَوّأهم هللا بها هذه المكانة‬
‫وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬تلقيهم المباشر من النبي ×‪:‬‬
‫وهذا له أثره في الفهم من عدة نواح‪:‬‬
‫ضا كما أنزل‪ ،‬ويسمعون‬ ‫أ‪ -‬صفاء المورد‪ :‬إذ بتلقيهم من النبي × يتلقون الوحي غ ًّ‬
‫كالم النبي × منه مباشرة‪ ،‬فليس علمهم مشويًا بما يكدره‪ ،‬بل هو محض الكتاب والسنة لم‬
‫يختلط به آراء الرجال‪ ،‬وغيره من العلوم التي فتح بابها من بعد على المسلمين كعلوم‬
‫الفلسفة وغيرها‪.‬‬
‫ب‪ -‬دقة الفهم‪ :‬حيث إن معلمهم رسول هللا × أفصح الناس لسانًا‪ ،‬وأبلغهم بيانًا‪،‬‬
‫وأقدرهم تفهي ًما‪ ،‬فكيف إذا صادف ذلك آذانًا صاغية‪ ،‬وقلوبًا واعية‪ ،‬وسليقة مواتية‪ ،‬تنشد‬
‫الحق‪ ،‬وتتلهف لسماعة‪ ،‬وال شك أن ذلك يجعلهم يفهمون ما يلقى إليهم فه ًما دقيقًا مطابقًا‬
‫لمراد هللا ورسوله‪ ،‬وهذا األمر في غاية الوضوح إذ الناس في حياتهم وطلبة العلم في‬
‫طلبهم يبحثون إبان تلقيهم عن أفضل العلماء عل ًما وأحسنهم تصويرًا للمسائل‪ ،‬وأقدرهم‬
‫تفهي ًما‪ ،‬وكم من تلميذ سطع نجمه‪ ،‬وعال كعبه في العلم بفضل هللا‪ ،‬ثم بفضل حسن تعليم‬
‫معلمه‪ ،‬ونحن نعلم أن أحدًا لن يبلغ معشار ما بلغ إليه النبي × في حسن التعليم‪ ،‬وال أقل‬
‫من ذلك‪ ،‬وبهذا شهد معاوية بن الحكم رضي هللا عنه في حسن التعليم‪ ،‬حيث قال‪ :‬فبأبي‬
‫هو وأمي ما رأيت معل ًما قبله وال بعده أحسن تعلي ًما منه(‪.)4‬‬
‫ج‪ -‬ما يحصل لهم من يقين بما سمعوا وفهموا‪ :‬فعلومهم يقينية‪ ،‬وعلوم من‬
‫بعدهم يداخلها الظن في كثير من أحوالها‪.‬‬
‫د‪ -‬ما يحصل لهم من اطالع على أسباب النزول وأسباب ورود األحاديث‪:‬‬
‫ومعرفة الناسخ والمنسوخ مما يعينهم على فهم المراد وإدراك المقاصد‪.‬‬
‫هـ‪ -‬وما يحصل لهم من مشاهدة أفعال النبي ×‪:‬التي تفسر أقواله‪ ،‬وتشرحها‪،‬‬
‫وتبين آيات القرآن وتوضحها‪ ،‬ويوقف بها على المراد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫() إعالم الموقعين (‪.)4/120‬‬
‫‪2‬‬
‫() شرح السنة للبغوي (‪.)215 /1/214‬‬
‫‪3‬‬
‫() إعالم الموقعين (‪.)4/147‬‬
‫‪4‬‬
‫() مسلم‪ ،‬ك المساجد‪ ،‬رقم (‪.)33‬‬
‫‪27‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫و‪ -‬إمكانية السؤال عما أشكل عليهم‪ ،‬والحصول على الجواب‪.‬‬
‫‪ -2‬سليقهم العربية‪:‬‬
‫يفهمون آي القرآن‪ ،‬وأحاديث النبي × بسليقتهم ويعرفون وجوه داللتها على معانيها‪،‬‬
‫فال يحتاجون إلى ما يحتاج إليه من بعدهم من دراسة قواعد اللغة وقواعد األصول‪.‬‬
‫‪ -3‬إخالصهم هلل وتقواهم‪:‬‬
‫فببركة إخالصهم نالوا العلوم الكثيرة النافعة‪ ،‬في أوقات قليلة‪ ،‬كما قال تبارك‬
‫وتعالى‪َ + :‬و َّات ُقوا اهللَ َو ُي َعلِّ ُم ُك ُم اهللُ" [البقرة‪.]282:‬‬
‫فإذا تقرر هذا فكل هذه األسباب شكلت فقها قويًا متماس ًكا لدى أصحاب النبي ×‪ ،‬قال‬
‫ابن القيم بعد أن ذكر مدارك اختصوا بها‪ ،‬كسماعهم من النبي × وسماعهم من بعضهم‪،‬‬
‫وعلمهم بالعربية على أكمل الوجوه(‪ ,)1‬قال‪ :‬أما المدارك التي شاركناهم فيها من دالالت‬
‫األلفاظ واألقيسة فال ريب أنهم كانوا أبر قلوبًا وأعمق عل ًما‪ ،‬وأقل تكلفًا وأقرب إلى أن‬
‫يوفقوا فيما لم نوفق له نحن‪ ،‬ولما خصهم هللا تعالى به من توقد األذهان‪ ،‬وفصاحة اللسان‪،‬‬
‫وسعة العلم‪ ،‬وسهولة األخذ‪ ،‬وحسن اإلدراك وسرعته‪ ،‬وقلة المعارض أو عدمه‪ ،‬وحسن‬
‫المقصد وتقوى الرب تعالى‪ ،‬فالعربية طبيعتهم وسليقتهم‪ ،‬والمعاني الصحيحة مركوزة في‬
‫فطرهم وعقولهم‪ ،‬وال حاجة بهم إلى النظر في اإلسناد وأحوال الرواة وعلل الحديث‬
‫والجرح والتعديل‪ ،‬وال إلى النظر في قواعد األصول وأوضاعـ األصوليين‪ ،‬بل غنوا في‬
‫ذلك كله‪ ،‬فليس في حقهم إال أمران‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬قال هللا تعالى كذا‪ ،‬وقال رسوله كذا‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬معناه كذا وكذا‪.‬‬
‫وهم أسعد الناس بهاتين المقدمتين‪ ،‬وأحظى األمة بهما‪ ،‬فقواهم متوفرة مجتمعة‬
‫عليهما‪ ،‬وأما المتأخرون فقواهم متفرقة وهممهم متشعبة‪ ،‬فالعربية وتوابعها قد أخذت من‬
‫قوى أذهانهم شعبة‪ ،‬واألصولـ وقواعدها قد أخذت منها شعبة‪ ،‬وعلم اإلسناد وأحوال‬
‫الرواة قد أخذ منها شعبة‪ ،‬وفكرهم في كالم مصنفهم وشيوخهم على اختالفهم وما أرادوا‬
‫به قد أخذ منها شعبة‪ ،‬إلى غير ذلك من األمور‪ ،‬فإذا وصلوا إليها بقلوب وأذهان قد كلت‬
‫من السير في غيرها‪ ،‬وأوهن قواهم مواصلة السير في سواها‪ ،‬فأدركوا من النصوص‬
‫ومعانيها بحسب القوة(‪ ,)2‬وبما تقدم يتقرر أن أصحاب النبي × أدق فه ًما وعل ًما بما هيأ هللا‬
‫لهم من األسباب المعينة على الفهم والعلم‪ ،‬فبناء على ذلك فهم أعلم بمقاصد الشرعية‬
‫ومراميها من غيرهم‪ ،‬ولكون من أهم الطرق المحصلة لمقاصد الشريعة‪ :‬العلم بالكتاب‬
‫والسنة وطرق االستنباط منهما‪ ،‬وهذا متوافر لدى الصحابة بال شك على أكمل الوجوه‬
‫وأحسنها(‪.)3‬‬
‫قال الشاطبى‪ :‬السلف أعلم الناس بمقاصد القرآن(‪ ,)4‬وقال عن الصحابة‪ :‬هم القدوة‬
‫في فهم الشريعة والجري على مقاصدها(‪ .)5‬هذا وقد تنوعت مذاهب العلماء في حجية قول‬
‫‪1‬‬
‫() مقاصد الشريعة لليوبى‪ ،‬ص (‪.)60‬‬
‫‪2‬‬
‫() إعالم الموقعين (‪.)4/149‬‬
‫‪3‬‬
‫() مقاصد الشريعة اإلسالمية لليوبى‪ ،‬ص (‪.)601‬‬
‫‪4‬‬
‫() الموافقات (‪.)3/409‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)4/130‬‬
‫‪27‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الصحابي وانقسمت إلى خمسة أقوال مشهورة‪ ،‬وقبل أن نذكر أقوال المذاهب نحرر محل‬
‫النزاع فتقول‪:‬‬
‫‪ -1‬اتفق الكل على أن مذهب الصحابي في مسائل االجتهاد ال يكون حجة على غيره‬
‫من الصحابة إما ًما كان أو حاك ًما أو مفتيًا‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا قال الصحابي قوالً ووافقه الباقون فليس داخالً في محل النزاع لكونه إجماعًا‬
‫حينئذ‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا قال قوالً وانتشر ولم يخالفه أحد فهذا له حكم اإلجماع السكوتى‪.‬‬
‫‪ -4‬اتفقوا على أن قول الصحابي ليس بحجة إذا خالفه صحابي آخر‪.‬‬
‫‪ -5‬اتفقوا على أن قول الصحابي إذا رجع إلى الكتاب أو السنة أو اإلجماع فإنه الحجة‬
‫حينئذ فيما رجع إليه‪.‬‬
‫‪ -6‬اتفقوا على أن قول الصحابي إذا رجع عنه فليس بحجة‪ ،‬ومحل الخالف إذا قال‬
‫الصحابي قوالً في مسألة اجتهادية تكليفية وال ظهر له مخالف وال موافق‪ ،‬وال‬
‫ندرى انتشر أم ال؟ خالف أحدًا أم ال؟ (‪.)1‬‬
‫واختلف العلماء في ذلك على أقوال‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أنه حجة وهو قول مالك والشافعي في القديم‪ ،‬وأحمد في رواية عنه‪،‬‬
‫وعليه أكثر األصوليين والفقهاء من الحنفية وابن عقيل من الحنابلة والعالئي(‪ ,)2‬والخطيب‬
‫البغدادي من الشافعية‪ ،‬واختاره ابن القيم في إعالم الموقعين والشاطبى في الموافقات‬
‫وابن تيمية(‪.)3‬‬
‫القول الثاني‪ :‬إنه ليس بحجة وهو قول الشافعي في أحد قوليه اختارها اآلمدى‬
‫والرازي والغزالي وأحمد في رواية(‪.)4‬‬
‫القول الثالث‪ :‬إنه حجة إن كان مما ال مجال للرأي فيه فقط‪ ،‬وهو قول جماعة من‬
‫األحناف(‪.)5‬‬
‫القول الرابع‪ :‬قول أبى بكر وعمر‪ -‬رضي هللا عنهما‪ -‬حجة دون غيرهما(‪.)6‬‬
‫القول الخامس‪ :‬قول الخلفاء األربعة أبى بكر وعمر وعثمان وعلى رضي هللا عنهم‬
‫حجة دون غيرهم(‪.)7‬‬
‫والراجح – وهللا أعلم‪ -‬هو القول األول‪ ،‬وأدلة الترجيح في ذلك‪:‬‬
‫صا ِر‬ ‫ِ‬ ‫السابِ ُقو َن َّ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين َواألنْ َ‬ ‫األولٍُو َن م َن ال ُْم َهاج ِر َ‬ ‫أوالً‪ :‬من كتاب هللا تعالى‪ :‬قال تعالى‪َ + :‬و َّ‬
‫ان َّر ِ‬
‫وهم بِِإ ْحس ٍ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين‬
‫ار َخالد َ‬ ‫َع َّد ل َُه ْم َجنَّات تَ ْج ِري تَ ْحَت َها األ ْن َه ُ‬
‫ضوا َع ْنهُ َوأ َ‬
‫ض َي اهللُ َع ْن ُه ْم َو َر ُ‬ ‫َ‬ ‫ين َّاتَبعُ ُ‬
‫َوالذ َ‬

‫‪1‬‬
‫() مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ص (‪.)597 ،596‬‬
‫‪2‬‬
‫() حقيقة البدعة وأحكامهاـ (‪.)1/320‬‬
‫‪3‬‬
‫() مجموعة الفتاوى (‪ ،)5/413‬إعالم الموقعين (‪.)4/120‬‬
‫‪4‬‬
‫() مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ص (‪.)597‬‬
‫‪5‬‬
‫() حقيقة البدعة وأحكامهاـ (‪.)1/321‬‬
‫‪6‬‬
‫() اإلحكام لآلمدى (‪ ،)4/130‬حجية قول الصحابي‪ ،‬ص (‪.)40‬‬
‫‪7‬‬
‫() حجية قول الصحابي‪ ،‬ص (‪.)40‬‬
‫‪27‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫يم" [التوبة‪.]100:‬‬ ‫ِ‬ ‫فِ َيها أَبَ ًدا ذَلِ َ‬
‫ك الْ َف ْو ُز ال َْعظ ُ‬
‫روى الحافظ ابن حرير في تفسيره لهذه اآلية بسنده عن محمد بن كعب القرظى قال‪:‬‬
‫صا ِر" حتى بلغ‬ ‫ِ‬ ‫السابِ ُقو َن َّ ِ‬
‫ين َواألنْ َ‬ ‫األولُو َن م َن ال ُْم َهاج ِر َ‬ ‫مر عمر بن الخطاب برجل يقرأ‪َ + :‬و َّ‬
‫ضوا َع ْنهُ" قال‪ :‬وأخذ عمر بيده فقال‪ :‬من أقرأك هذا؟ قال‪ :‬أبى بن كعب‪ ،‬قال‪ :‬ال‬ ‫‪َ +‬و َر ُ‬
‫تفارقني حتى أذهب بك إليه‪ ،‬فلما جاءه قال عمر‪ :‬أنت أقرأت هذا هذه اآلية هكذا‪...‬قال‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬قال‪ :‬أنت سمعتها من رسول هللا ×؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬لقد كنت أظن أنا رفعنا رفعة ال‬
‫ين ِم ْن ُه ْم ل ََّما‬ ‫يبلغها أحد بعدنا‪ ،‬فقال أبى‪ :‬تصديق هذه اآلية من أول سورة الجمعة‪َ + :‬وآ َخ ِر َ‬
‫ُ‬
‫ين َجاءُوا ِمن َب ْع ِد ِه ْم‬ ‫َّ ِ‬
‫يم" [الجمعة‪ ،]3:‬وفي سورة الحشر‪َ + :‬والذ َ‬
‫يلْح ُقوا بِ ِهم وهو الْع ِزيز ال ِ‬
‫ْحك ُ‬ ‫ْ َ َُ َ ُ َ‬ ‫َ َ‬
‫آمنُوا‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َ‬ ‫يمان" [الحشر‪ ،]10:‬وفي األنفال‪َ +:‬والذ َ‬ ‫ين َسَب ُقونَا باإل َ‬ ‫َي ُقولُو َن َر َّبنَا ا ْغف ْر لَنَا َوإل ْخ َواننَا الذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض في كتَاب اهلل إ َّن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ُه ْم أ َْولَى بَب ْع ٍ‬ ‫ِ‬
‫األر َحام َب ْع ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك م ْن ُك ْم َوأُولُو ْ‬ ‫اه ُدوا َم َع ُك ْم فَأُولَئ َ‬
‫اج ُروا َو َج َ‬ ‫من َب ْع ُد َو َه َ‬
‫يم" [األنفال‪ ،]75:‬وسبب سؤال عمر أنه كان يقرأ هذه اآلية برفع األنصار‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫اهللَ ب ُك ِّل َش ْيء َعل ٌ‬
‫وبعدم إلحاق الواو في الذين كما أورد ذلك ابن جرير(‪ ،)1‬ثم لما تبين له من أبى بن كعب‬
‫الخفض وإلحاق الواو قال‪ :‬لقد كنت أظن أنا رفعنا رفعة ال يبلغها أحد بعدنا‪ ،‬يقصد‬
‫المهاجرين‪ ،‬وهذا القول منه‪ -‬رضي هللا عنه‪ -‬يؤيد ما ذهب إليه أصحاب القول األول‬
‫القائلون بحجية أقوال الصحابة من غير تخصيص لبعضهم‪ ،‬إذ اشترك الجميع في وصف‬
‫الثناء عليهم بكونهم سبقوا في كل علم وفضل وجهاد وعمل‪ ،‬وهذه اآلية احتج بها ابن القيم‬
‫وجعلها من األدلة الدالة على وجوب اتباع الصحابة(‪ ,)2‬وحكى احتجاج اإلمام مالك بها في‬
‫هذا المعنى(‪ ,)3‬وذكر أن اآلية تتضمن مدح الصحابة والثناء عليهم واستحقاقهم أن يكونوا‬
‫أئمة متبوعين يقتدي بهم‪ ،‬وتؤخذ أقوالهم‪ ،‬وأنها اقتضت المدح لمن اتبعهم كلهم‪ ،‬أو اتبع‬
‫ت لِلن ِ‬
‫َّاس‬ ‫كل واحد منهم ما لم يخالف نصًا ‪ .‬ومن األدلة‪ :‬قوله تعالى‪ُ + :‬ك ْنتُ ْم َخ ْي َر أ َُّم ٍة أُ ْخ ِر َج ْ‬
‫(‪)4‬‬

‫وف وَت ْن َهو َن َع ِن الْم ْن َك ِر و ُت ْؤ ِمنُو َن بِ ِ‬‫ِ‬


‫اهلل" [آل عمران‪ ،]110:‬روى ابن جرير بسنده‬ ‫ُ َ‬ ‫تَ ُأم ُرو َن بِال َْم ْع ُر َ ْ‬
‫عند تفسيره لهذه اآلية عن الضحاك‪ ،‬قال‪ :‬هم أصحاب رسول هللا × خاصة(‪ ،)5‬قال ابن‬
‫جرير بعد إيراده لهذا األثر مبينًا معناه‪ :‬يعني وكانوا هم الرواة الدعاة الذين أمر هللا‬
‫المسلمين بطاعتهم(‪ ،)6‬واستشهد باآلية الشاطبى حين قرر أن‪ :‬سنة الصحابة‪ -‬رضي هللا‬
‫عنهم‪ -‬وسنة يعُمل عليها ويُرجع إليها(‪ ,)7‬فقال في اآلية‪ :‬إثبات األفضلية على سائر األمم‪،‬‬
‫وذلك يقتضى استقامتهم في كل حال وجريان أحوالهم على الموافقة دون المخالفة(‪ ,)8‬وقد‬
‫أفاض اإلمام ابن القيم الجوزية في االستدالل على حجية قول الصحابة باآليات الكريمة‬
‫‪1‬‬
‫() تفسير الطبري (‪.)14/438‬‬
‫‪2‬‬
‫() إعالم الموقعين (‪.)4/123‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)4/123‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)129 -4/123‬‬
‫‪5‬‬
‫() تفسير الطبري (‪.)7/102‬‬
‫‪6‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)7/120‬‬
‫‪7‬‬
‫() الموافقات (‪.)4/74‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)4/74‬‬
‫‪27‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ووجه استدالله فجاد وأفاد(‪.)1‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أما األدلة من السنة فهي كثيرة منها‪ :‬قوله ×‪« :‬خير الناس القرن الذي‬
‫أنا فيه‪ ،‬ثم الثاني ثم الثالث»(‪ ,)2‬فإخباره × بذلك يقتضى تقديمهم في كل باب من‬
‫أبواب الخير‪ ،‬وال سيما في ظفرهم بالصواب(‪ ,)3‬فهم أفضل من غيرهم في كل فضيلة‪ ،‬من‬
‫علم وعمل وإيمان وعقل ودين وبيان وعبادة‪ ،‬وأنهم أولى بالبيان لكل مشكل‪ ،‬هذا ال يدفعه‬
‫إال من كابر المعلوم من الدين بالضرورة من دين اإلسالم(‪ ,)4‬وعند عبد هللا بن مسعود‪:‬‬
‫قال الرسول هللا ×‪« :‬ما من نبي بعثه الله عز وجل إلا كان له في أمته‬
‫حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره»(‪ ,)5‬وقد استشهد البيهقى بهذا الحديث‬
‫على أفضليتهم ومنزلتهم(‪ )6‬العالية في كل علم وعمل ومقصد(‪.)7‬‬
‫ثالثًا‪ :‬األدلة من اآلثار منها‪ :‬ما روى عن حذيفة بن اليمان‪ -‬رضي هللا عنهما‪ -‬أنه‬
‫قال‪ :‬يا معشر القراء خذوا الطريق ممن كان قبلكم‪ ،‬فوهللا لئن استقمتم لقد سبقتم سبقًا‬
‫بعيدًا‪ ،‬ولئن تركتموه يمينًا وشماالً لقد ضللتم ضالالً بعيدًا(‪ ,)8‬روى الخطيب بسنده عن‬
‫عامر الشعبي أنه قال‪ :‬ما حدثوك عن أصحاب محمد × فخذه(‪.)9‬‬
‫رابعًا‪ :‬من أقوال األئمة والعلماء في حجية قول الصحابيـ‪:‬‬
‫‪ -1‬قول الشافعي‪ :‬ما كان الكتاب والسنة موجودين فالعذر عمن سمعهما مقطوع إال‬
‫باتباعهما‪ ،‬فإذا لم يكن ذلك صرنا إلى أقاويل أصحاب رسول هللا × أو واحد منهم(‪,)10‬‬
‫وقال أيضًا‪ :‬ال يكون لك أن تقول إال عن أصل‪ ،‬أو قياس على أصل‪ ،‬واألصلـ كتاب أو‬
‫سنة‪ ،‬أو قول بعض أصحاب رسول هللا × أو إجماع الناس(‪.)11‬‬
‫‪ -2‬وقال أحمد‪ :‬ال تقلد دينك أحدًا من هؤالء‪ ،‬ما جاء عن النبي × وأصحابه فخذ به‪،‬‬
‫ثم التابعين بعد‪ ،‬الرجل فيه مخير(‪.)12‬‬
‫‪ -3‬وقول اإلمام مالك‪ :‬ومذهبه في ترجيح عمل أهل المدينة مشهور ومعلوم‪ ،‬بيد أنه‬
‫قد ذهب إلى أبعد من ذلك‪ ،‬حين اعتبر قول الصحابة‪ ،‬وال سيما والة األمر بعده محل‬

‫‪1‬‬
‫() إعالم الموقعين (‪.)135 -4/123‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسلم (‪.)2/1965‬‬
‫‪3‬‬
‫() إعالم الموقعين (‪.)4/136‬‬
‫‪4‬‬
‫() مجموع الفتاوى (‪.)4/158‬‬
‫‪5‬‬
‫() مسلم‪ ،‬ك اإليمان (‪.)1/69‬‬
‫‪6‬‬
‫() االعتقاد للبيهقى‪ ،‬ص (‪.)319‬‬
‫‪7‬‬
‫() حقيقة البدعة وأحكامهاـ (‪.)1/328‬‬
‫‪8‬‬
‫() حلية األولياء (‪ ،)10/280‬البدع البن وضاح‪ ،‬ص (‪.)10‬‬
‫‪9‬‬
‫() حقيقة البدعة وأحكامهاـ (‪.)1/329‬‬
‫‪10‬‬
‫() األم للشافعي (‪.)7/265‬‬
‫‪11‬‬
‫() مناقبـ الشافعي‪،‬ـ ص (‪.)367‬‬
‫‪12‬‬
‫() مسائل اإلمام أحمد ألبى داود‪ ،‬ص (‪.)276‬‬
‫‪27‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫احتجاج(‪.)1‬‬
‫‪ -4‬قال ابن تيمية‪ :‬ومن قال من العلماء إن قول الصحابي حجة‪ ،‬فإنما قاله إذا لم‬
‫يخالفه غيره من الصحابة‪ ،‬وال عرف نصًا يخالفه‪ ،‬ثم إذا اشتهر ولم ينكروه‪ ،‬كان إقرارًا‬
‫على القول‪ ،‬فقد يقال هذا إجماع إقراري إذا عرف أنهم أقروه‪ ،‬ولم ينكره أحد منهم وهم ال‬
‫يقرون على باطل(‪ ,)2‬أما إذا لم يشتهر فهذا إن عرف أنه خالفه فليس بحجة باالتفاق(‪.)3‬‬
‫‪ -5‬قال الشاطبى‪ :‬عند شرحه لقول النبي ×‪« :‬ما أنا عليه وأصحابي»(‪,)4‬فإنه‬
‫راجع إلى ما قالوه وما سنوه‪ ،‬وما اجتهدوا فيه حجة على اإلطالق‪ ،‬وبشهادة رسول هللا ×‬
‫لهم بذلك خصوصًا – إلى أن قال‪ -‬فإ ًذا كل ما سنوه فهو سنة‪ ،‬من غير نظير فيه بخالف‬
‫غيرهم(‪ ,)5‬وقال في الموافقات‪ :‬سنة الصحابة‪ -‬رضي هللا عنهم‪ -‬سنة يعمل عليها ويرجع‬
‫إليها(‪.)6‬‬
‫***‬

‫‪1‬‬
‫() إعالم الموقعين (‪ ،)4/123‬ترتيب المدارك (‪.)1/64‬‬
‫‪2‬‬
‫() مجموع الفتاوى (‪.)1/283‬‬
‫‪3‬‬
‫() مجموع الفتاوى (‪.)1/283‬‬
‫‪4‬‬
‫() السلسلة الصحيحة (‪.)3/480( )25 ،1/12‬‬
‫‪5‬‬
‫() االعتصام (‪.)2/263‬‬
‫‪6‬‬
‫() الموافقات (‪.)4/74‬‬
‫‪27‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الفصل الخامس‬
‫مؤسسة الوالية في عهد أمير المؤمنين‬
‫على بن أبي طالب رضي هللا عنه‬
‫المبحث األول‬
‫أقاليم الدولة‬
‫أوالً‪ :‬مكة المكرمة‪:‬‬
‫توفى عثمان – رضي هللا عنه – وعلى مكة خالد بن سعيد بن العاص‪ ،‬فأصدر على‬
‫رضي هللا عنه قرارًا بعزله وعين أبا قتادة األنصاري واليًا على مكة(‪ ,)1‬ويبدو أن فترة‬
‫واليته قصيرة إذ إن عليًا رضي هللا عنه عندما أراد الخروج من المدينة إلى العراق بعث‬
‫قثم بن العباس(‪ )2‬واليًا على مكة‪ ،‬وعزل أبا قتادة األنصاري(‪ ,)3‬وبهذا فإن والية أبى قتادة‬
‫استمرت قرابة الشهرين‪ ،‬ولم ترد عنها أخبار تذكر‪ ،‬ومعظم المصادر التي تحدثت عن‬
‫والية قثم بن العباس على مكة ذكرت أن عليًا واله على مكة والطائف وأعمالها في وقت‬
‫واحد(‪ ,)4‬وما نقلت األخبار عن مكة في عهد خالفة علي رضي هللا عنه سوى ما يتعلق‬
‫بموسم الحج ومن كان واليًا عليه‪ ،‬فعلى بن أبى طالب لم يرد أنه شهد الحج أثناء خالفته‬
‫بسبب انشغاله بالفتن التي قامت في أنحاء الدولة اإلسالمية‪ ،‬حيث لم تستقر األوضاع فيها‪،‬‬
‫وكان خالل موسم الحج يبعث من يقود الحجيج‪ ،‬ويبدو أن قثم بن العباس أقام الحج بالناس‬
‫سنة ‪37‬هـ فقط‪ ،‬بينما بعث على رضي هللا عنه على الحج عبد هللا بن العباس سنة ‪36‬هــ‪،‬‬
‫وعبيد هللا بن العباس سنة ‪38‬هـ(‪ ,)5‬مع وجود اختالف بين المصادر في سنة حج كل‬
‫منهما‪ ،‬وأما سنة ‪39‬هـ فقد بعث معاوية أحد قواد الشام مع حجاج الشام وأمره أن يقيم‬
‫الحج بالناس‪ ،‬فلما وصل إلى مكة تنازع مع (قثم بن عباس) وكاد أن يقع بينهما قتال لوال‬
‫أن عمل بعض الصحابة بينهما بالصلح على أن يقيم الحج بالناس أحد بنى شيبه وانتهى‬
‫الحج بسالم ولم يقع قتال(‪ ,)6‬وقد استمر قثم بن العباس في واليته على مكة إلى أن قدم‬
‫جيش معاوية بقيادة بسر بن أرطأة فخرج منها قثم هاربًا خائفًا على نفسه‪ ،‬وبذلك انتهت‬
‫والية قثم‪ ،‬وخرجت مكة من والية على بن أبى طالب‪ ،‬وقد بعث عل ّى بعض أجناده‬
‫الستعادة مكة إال أن استشهاد على رضي هللا عنه حال دون إتمام المهمة(‪.)7‬‬
‫ثانيًا‪ :‬المدينة النبوية‪:‬‬
‫كانت المدينة المنورة طيلة عهد رسول هللا × وخلفائه الثالثة من بعده عاصمة الدولة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ويقيم فيها الخليفة‪ ،‬ويتولى شئونها بنفسه أثناء وجوده أما في حالة السفر فإنه‬
‫ينيب عليها من يتولى شئونها‪ ،‬وقد اختلف الوضع بعد مبايعة على رضي هللا عنه‬
‫بالخالفة‪ ،‬إذ دعته الحالة العامة واالرتباك الذي حدث بعد مقتل عثمان إلى مغادرة المدينة‬

‫‪1‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪ ،)2/3‬تاريخ خليفة ابن خياط‪ ،‬ص (‪.)201‬‬
‫‪2‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)3/440‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ اليعقوبي (‪.)2/179‬‬
‫‪4‬‬
‫() الكامل في التاريخ (‪ ،)3/398‬الوالية على البلدان (‪.)2/4‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ خليفة‪ ،‬ص (‪ ،)198 ،192 ،191‬الوالية على البلدان (‪.)2/4‬‬
‫‪6‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪ ،)2/4‬تاريخ الطبري (‪.)6/79‬‬
‫‪7‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪ )6/80‬الوالية على البلدان (‪.)2/5‬‬
‫‪28‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫المنورة‪ ،‬خصوصًا بعد خروج طلحة والزبير وعائشة باتجاه العراق قبل موقعة الجمل(‪,)1‬‬
‫وقد استخلف على المدينة سهل بن حنيف األنصاري كما تقول بعض الروايات(‪ ,)2‬وال‬
‫نعلم المدة التي بقى فيها ابن حنيف واليًا على المدينة‪ ،‬والذي يبدو أن واليته قد استمرت‬
‫أكثر من سنة‪ ،‬فقد ورد أنه كان على المدينة سنة ‪37‬هـ(‪ ,)3‬ثم ولى على تمام بن العباس‬
‫على المدينة بعد أن عزل سهل بن حنيف‪ ،‬وقد ولى على بن أبى طالب على المدينة بعد‬
‫ذلك أبا أبوب األنصاري الذي استمر واليًا عليها إلى سنة ‪40‬هـ‪ ،‬حيث قدم المدينة جيش‬
‫من الشام من قبل معاوية بقيادة بسر بن أرطأة(‪ ,)4‬ففر أبو أيوب من المدينة‪ ،‬وتوجه إلى‬
‫على في الكوفة(‪ , )5‬وبذلك خرجت المدينة من حكم على بن أبى طالب رضي هللا عنه‬
‫ودخلت في حكم معاوية‪ ،‬وهكذا تحولت المدينة في عهد على من قاعدة للخالفة إلى والية‬
‫من الواليات‪ ،‬وأخذت األحداث السياسية تدور بعيدًا عنها‪ ،‬لذلك نجد المصادر التاريخية‬
‫تكاد تهملها خالل تلك الفترة إلى أن استطاع جيش معاوية االستيالء عليها(‪.)6‬‬
‫ثالثًا‪ :‬والية البحرين وعمان‪:‬‬
‫كانت البحرين حين توفى عثمان‪ -‬رضي هللا عنه‪ -‬تابعة إلمارة البصرة‪ ،‬وكان ابن‬
‫على على والية البحرين‬ ‫عامر يولى عليها من عماله‪ ،‬وفي عهد على رضي هللا عنه عين ٌّ‬
‫مجموعة من األمراء كان من أهمهم عمر بن أبى سلمه(‪ )7‬الذي خرج مع على من المدينة‬
‫أثناء سفره إلى العراق‪ ،‬ثم بعثه على واليًا على البحرين(‪ ,)8‬لفترة من الوقت‪ ،‬ثم استدعاه‬
‫على لمصاحبته في العراق بعد ذلك‪ ،‬كما كان من عمال على في البحرين قدامة بن‬
‫العجالن األنصاري(‪ ,)9‬والنعمان بن العجالن األنصاري(‪ ,)10‬وكذلك ذكر من والته على‬
‫البحرين عبيد هللا بن العباس(‪ ,)11‬ويالحظ أن عبيد هللا بن عباس كان والى اليمن‪ ،‬فلعل‬
‫البحرين ونجد كانتا تابعتين له في تلك الفترة‪ ،‬وهذا يوحى به تعبير الطبراني‪ ،‬كما أن‬
‫تعبير خليفة بن خياط يوحى بعدم معرفته لترتيب معين لهؤالء الوالة(‪ ,)12‬وقد أوردت‬
‫المصادر أسماء بعض العمال الذين وجههم على إلى عمان أحدهم وال واآلخر قائد جند‬
‫إلخماد إحدى الثورات التي قامت ضد على في عمان(‪ ,)13‬وكذلك كان هنالك عامل على‬

‫‪1‬‬
‫() تاريخ خليفة بن خياط‪ ،‬ص (‪ ،)181‬الوالية على البلدان (‪.)2/2‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ ابن خياط‪ ،‬ص (‪ ،)201 ،181‬الوالية على البلدان (‪.)2/2‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪ ،)6/53‬الوالية على البلدان (‪.)2/2‬‬
‫‪4‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪ ،)3/409‬الوالية على البلدان (‪.)2/2‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪ ،)6/80‬الكامل (‪.)3/373‬‬
‫‪6‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪.)2/3‬‬
‫‪7‬‬
‫() تهذيب التهذيب (‪.)7/456‬‬
‫‪8‬‬
‫() الكامل (‪ ،)3/222‬الوالية على البلدان (‪.)2/5‬‬
‫‪9‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪.)2/5‬‬
‫‪10‬‬
‫() اإلصابة (‪ ،)3/562‬الوالية على البلدان (‪.)2/5‬‬
‫‪11‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)6/90‬‬
‫‪12‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪.)2/6‬‬
‫‪13‬‬
‫() تاريخ اليعقوبي (‪ ،)2/95‬الوالية على البلدان (‪.)2/6‬‬
‫‪28‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫اليمامة(‪ ,)1‬ولعله خاضع إلشراف والى البحرين(‪.)2‬‬
‫رابعًا‪ :‬والية اليمن‪:‬‬
‫على بالخالفة ولى على اليمن عبيد هللا بن العباس‪ ،‬رضي‬ ‫استشهد عثمان وبويع ٌّ‬ ‫لما‬
‫(‪)3‬‬
‫هللا عنهما ‪ ,‬وقد خرج والة عثمان من اليمن قبل وصول عبيد هللا بن عباس إليها‪،‬‬
‫واشترك بعضهم في جيش الجمل مع طلحة والزبير وكان لهم دور في تجهيز الجيش(‪,)4‬‬
‫وقد كان عبيد هللا بن عباس على صنعاء وأعمالهم‪ ،‬كما كان معه في الوالية سعيد بن سعد‬
‫بن عبادة األنصاري(‪ )5‬على الجند ومخالفيها(‪ .)6‬وكان مقتل عثمان له أثر بالغ على‬
‫المسلمين في اليمن‪ ،‬وأحس القوم باالمتعاض والتبرم من هذا الجرم‪ ،‬وبقىـ بعض اليمنيين‬
‫لم يبايع ويرغب في قتل قتلة عثمان‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬ولما تأخر هذا راسلوا معاوية بعد‬
‫التحكيم‪ ،‬فأرسل بسر بن أرطأة‪ ،‬فاستطاع أن يستولى على اليمن بفضل مساعدتهم‪ ،‬ولكن‬
‫لفترة وجيزة(‪ ,)7‬حيث استطاع على استرجاعها من جيش معاوية‪ ،‬فأعاد عبيد هللا بن‬
‫عباس إلى واليتها‬
‫مرة أخرى‪ ،‬واستمر واليًا عليها إلى أن استشهد أمير المؤمنين على بن أبى طالب‬
‫رضي هللا عنه(‪.)8‬‬
‫وقد روى أن بسرًا قتل ابنين لعبيد هللا بن عباس وبعض أنصار على هناك‪ ،‬ثم رجع‬
‫إلى الشام‪ ،‬وكان أمير المؤمنين قد وجه جارية بن قدامه السعدي‪ ،‬قيل‪ :‬ففعلـ مثلما فعل‬
‫بسر وقتل بعض محبي عثمان في اليمن(‪ ,)9‬قال ابن كثير‪ :‬وهذا الخبر مشهور عند أهل‬
‫السير وفي صحته عندي نظر(‪ ,)10‬والشك أن قتل األبرياء لم يحصل في تلك المرحلة‬
‫حتى في أيام البصرة وصفين عندما قامت الحرب بين الطرفين‪ ،‬فكيف يقتل األطفال‬
‫واألبرياء في مرحلة الهدنة‪ ،‬لذلك ال يمكن قبول هذه األعراف المناقضة ألعراف‬
‫المسلمين وقيمهم ودينهم(‪.)11‬‬
‫خامسًا‪ :‬والية الشام‪:‬‬
‫كان معاوية‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬واليًا على الشام في عهدي عمر وعثمان‪ ،‬رضي هللا‬
‫عنهما‪ ،‬ولما تولى على الخالفة أراد عزله وتولية عبد هللا بن عمر فأبى عليه عبد هللا بن‬

‫‪1‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪.)2/6‬‬
‫‪2‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪.)2/6‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ خليفة بن خياط ص (‪.)6‬‬
‫‪4‬‬
‫() مروج الذهب للمسعودي (‪ ،)2/357‬الوالية على البلدان (‪.)2/6‬‬
‫‪5‬‬
‫() االستبصار البن قدامة المقدسي‪ ،‬ص (‪ ،)99‬الوالية على البلدان (‪.)2/6‬‬
‫‪6‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪.)2/6‬‬
‫‪7‬‬
‫() خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد على‪ ،‬ص(‪.)109‬‬
‫‪8‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪ ،)81 ،6/80‬الوالية على البلدان (‪.)2/7‬‬
‫‪9‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)6/55‬‬
‫‪10‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/334‬‬
‫‪11‬‬
‫() اإلنصاف د‪ .‬حامد‪ ،‬ص (‪.)575‬‬
‫‪28‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫عمر قبول والية الشام‪ ،‬واعتذر في ذلك‪ ،‬وذكر له القرابة والمصاهرة التي بينهم(‪ ,)1‬ولم‬
‫يلزمه أمير المؤمنين على وقبل منه طلبه بعدم الذهاب إلى الشام‪ ،‬وأما الروايات التي‬
‫تزعم أن عليًا قام بالتهجم على عبد هللا بن عمر‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬العتزاله وعدم وقوفه‬
‫إلى جانبه‪ ،‬ففي ذلك الخبر تحريف وكذب(‪ ,)2‬وأقصى ما وصل إليه األمر في قضية عبد‬
‫هللا بن عمر ووالية الشام ما رواه الذهبي من طريق سفيان بن عيينة‪ ،‬عن عمر بن نافع‬
‫عن أبيه عن ابن عمر قال‪ :‬بعث إل َّى على قال‪ :‬يا أبا عبد الرحمن إنك رجل مطاع في أهل‬
‫الشام‪ ،‬فسر فقد أمرتك عليهم‪ ،‬فقلت‪ :‬أذكرك هللا وقرابتي من رسول هللا وصحبتي إياه‪ ،‬إال‬
‫ما أعفيتني فأبى على‪ ،‬فاستعنت بحفصة فأبى‪ ،‬فخرجت ليالً إلى مكة(‪ ,)3‬وهذا دليل قاطع‬
‫على مبايعة ابن عمر‪ ،‬ودخوله في الطاعة‪ ،‬إذ كيف يوليه على وهو لم يبايع؟‪ .‬وفي‬
‫االستيعاب البن عبد البر من طريق أبي بكر ابن أبى الجهم عن ابن عمر أنه قال حين‬
‫احتضر‪ :‬ما آسى على شيء إال تركي قتال الفئة الباغية مع على رضي هللا عنه(‪ ،)4‬وهذا‬
‫مما يدل أيضًا على مبايعته لعلى‪ ،‬وأنه إنما ندم على عدم خروجه مع على للقتال‪ ،‬فإنه‬
‫كان ممن اعتزل الفتنة‪ ،‬فلم يقاتل مع أحد‪ ،‬ولو كان قد ترك البيعة لكان ندمه على ذلك‬
‫أكبر وأعظم ولصرح به‪ ،‬فإن لزوم البيعة والدخول فيها واجب‪ ،‬والتخلف عن ذلك متوعد‬
‫عليه برواية ابن عمر نفسه أن النبي × قال‪« :‬من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة‬
‫جاهلية»(‪.)5‬وهذا بخالف الخروج للقتال مع على‪ ،‬فإنه مختلف فيه بين الصحابة‪ ،‬وقد‬
‫اعتزله بعض الصحابة‪ ،‬فكيف يتصور أن يندم ابن عمر على ترك هذا القتال‪ ،‬وال يندم‬
‫على ترك البيعة لو كان تار ًكا لها‪ ،‬مع ما فيه من الوعيد الشديد‪ ،‬وبهذا يظهر بطالن قول‬
‫بعض المؤرخين في زعمهم من ترك ابن عمر البيعة لعلى – رضي هللا عنهما‪ -‬حيث ثبت‬
‫أنه كان من المبايعين له بل المقربين منه‪ ،‬الذين كان يحرص على توليتهم‪ ،‬واالستعانة‬
‫بهم‪ ،‬لما رأى فيه من صدق والء والنصح له(‪.)6‬‬
‫على سهل بن‬ ‫وبعد اعتذار ابن عمر عن قبول والية الشام‪ ،‬أرسل أمير المؤمنين ٌّ‬
‫حنيف بدالً منه‪ ،‬إال أنه ما كاد يصل مشارف الشام حتى أخذته خيل معاوية وقالوا له‪ :‬إن‬
‫كان بعثك عثمان فحيهال بك وإن كان بعثك غيره فارجع(‪ ,)7‬وكانت بالد الشام تغلي غضبًا‬
‫على مقتل عثمان ظل ًما وعدوانًا‪ ،‬فقد وصلهم قميصه مخضبًا بدمائه‪ ،‬وبأصابع نائلة‬
‫زوجه‪ ،‬التي قطعت أصابعها وهي تدافع عنه‪ ،‬وكانت قصة استشهاده أليمة فظيعة اهتزت‬
‫لها المشاعر‪ ،‬وتأثرت بها القلوب‪ ،‬وذرفت منها الدموع‪ ،‬كما وصلتهم أخبار المدينة‬
‫وسيطرة الغوغاء عليها‪ ،‬وهروب بنى أمية إلى مكة‪ ،‬كل هذه األمور وغيرها من‬
‫األحداث والعوامل كان لها تأثير على أهل الشام وعلى رأسهم معاوية‪ ،‬رضي هللا عنه‪،‬‬
‫فقال‪ :‬كان يرى أن عليه مسئولية االنتصار لعثمان والقود من قاتليه فهو ولى دمه‪ ،‬وهللا‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ورا"‬‫ص ً‬‫وما َف َق ْد َج َعلْنَا ل َوليِّه ُس ْلطَانًا فَالَ يُ ْس ِرف في الْ َق ْت ِل إِنَّهُ َكا َن َم ْن ُ‬
‫عز وجل يقول‪+ :‬و ََمن قُت َل َمظْلُ ً‬
‫[اإلسراء‪ ،]33:‬لذلك جمع معاوية الناس‪ ،‬وخطبهم بشأن عثمان وأنه قُتل ظل ًما وعدوانا على‬
‫‪1‬‬
‫() المصنف البن أبى شيبة (‪ )7/472‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() استشهاد عثمان ووقعة الجمل‪ ،‬خالد الغيث‪ ،‬ص (‪.)160‬‬
‫‪3‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪ )3/224‬رجالة ثقات‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() االستيعاب (‪ )6/326‬بحاشية كتاب اإلصابة‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() مسلم‪ .‬ك اإلمارة رقم (‪.)1851‬‬
‫‪6‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ ،‬ص (‪.)507‬‬
‫‪7‬‬
‫() تهذيب تاريخ دمشق (‪ ،)4/39‬خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد على‪ ،‬ص (‪.)110‬‬
‫‪28‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫يد سفهاء منافقين لم يقدروا الدم الحرام؛ إذ سفكوه في الشهر الحرام‪ ،‬في البلد الحرام‪ ،‬فثار‬
‫الناس‪ ،‬واستنكروا وعلت األصوات‪،‬ـ وكان منهم عدد من أصحاب رسول هللا ×‪ ،‬فقام‬
‫أحدهم واسمه مرة بن كعب فقال‪ :‬لوال حديث سمعته من رسول هللا × ما تكلمت‪ ،‬وذكر‬
‫الفتن فقربها‪ ،‬فمر رجل متقنع في ثوب‪ ،‬فقال‪« :‬هذا يومئذ على الهدى»‪ ،‬فقمت إليه‪،‬‬
‫فإذا هو عثمان بن عفان فأقبلت عليه بوجهه فقلت‪ :‬هذا؟ قال‪ :‬نعم(‪ .)1‬وهناك حديث آخر له‬
‫تأثيره في طلب معاوية القود من قتلة عثمان وكان منشطًا ودافعًا قويًا للتصميم على‬
‫تحقيق الهدف‪ ،‬وهو عن النعمان بن بشير عن عائشة رضي هللا عنها قالت‪ :‬أرسل رسول‬
‫هللا × إلى عثمان بن عفان فجاء فأقبل عليه رسول هللا ×‪ ،‬فكان من آخر كلمة أن ضرب‬
‫منكبه فقال‪«:‬يا عثمان‪ ،‬إن الله عسى أن يلبسك قميصًا فإن أرادك المنافقون‬
‫على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني» قالها ثالثًا‪ ،‬فقلت لها‪ :‬يا أم المؤمنين فأين كان هذا‬
‫عنك؟ قالت‪ :‬نسيته وهللا ما ذكرته‪ ،‬قال‪ :‬فأخبرته معاوية بن أبى سفيان فلم يرض بالذي‬
‫أخبرته حتى كتب إلى أم المؤمنين أن اكتبي إلى به‪ ،‬فكتب إليه به كتابًا(‪ .)2‬كان الحرص‬
‫الشديد على تنفيذ حكم هللا في القتلة السبب الرئيسي في رفض أهل الشام بزعامة معاوية‬
‫بن أبى سفيان بيعة على بن أبى طالب بالخالفة‪ ،‬وليست ألطماع معاوية وفي والية الشام‪،‬‬
‫أو طلبه ما ليس له بحق‪ ،‬إذ كان يدرك إدرا ًكا تا ًما أن هذا األمر في بقية الستة من أهل‬
‫الشورى‪ ،‬وأن عليًا أفضل منه وأولى باألمر(‪ ,)3‬ودليل ذلك ما أخرجه يحيى بن سليمان‬
‫الجعفى بسند جيد‪ ،‬عن أبى مسلم الخوالنى أنه قال لمعاوية‪ :‬أنت تنازع عليًا‪ ،‬أم أنت مثله؟‬
‫فقال‪ :‬ال وهللا إن ألعلم أنه أفضل منى‪ ،‬وأحق باألمر منى‪ ،‬ولكن ألستم تعلمون أن عثمان‬
‫قتل مظلو ًما‪ ،‬وأنا ابن عمه‪ ،‬والطالب بدمه‪ ،‬فأتوه‪ ،‬فقولوا له‪ :‬فليدفع إل َّى قتلة عثمان‪،‬‬
‫وأسلم له‪ ،‬فأتوا عليًا‪ ،‬فكلموه‪ ،‬فلم يدفعهم إليه(‪ ,)4‬وفي رواية‪ :‬فأتوه فكلموه فقال‪ :‬يدخل في‬
‫البيعة ويحاكمهم إل َّى‪ ،‬فامتنع معاوية(‪ ,)5‬وأما الروايات التي تصور معاوية في خروجه‬
‫عن طاعة على بسبب أطماع ذاتية وأطماع دنيوية‪ ،‬وبسبب العداء والتنافس الجاهلي‬
‫القديم بين بنى هاشم وبنى أمية‪ ،‬وغير ذلك من القذف واالفتراءات والطعن على أصحاب‬
‫رسول هللا ×‪ ،‬مما اعتمد عليها الكتاب المعاصرون‪ -‬كالعقاد في عبقرية على‪ ،‬وعبد‬
‫العزيز الدوري في مقدمة في تاريخ صدر اإلسالم‪ -‬وبنوا عليها تخيالتهم الباطلة‪ ،‬فهي‬
‫روايات متروكة مطعون في رواتها عدالً وضبطًا(‪.)6‬‬
‫وقد استمرت والية الشام تابعة لنفوذ معاوية بن أبى سفيان طيلة خالفة على رضي‬
‫هللا عنه‪ ،‬ولم يتمكن على من السيطرة أو تعيين العمال واألمراء فيها‪ ،‬وقد وقعت في‬
‫الشرق من بالد الشام بعض المناوشات بين جند على وجند معاوية كان أهمها موقعة‬
‫(صفين) والتي شهدها على ومعاوية رضي هللا عنهما في سنة ‪37‬هـ‪ ،‬ولم تمنع هذه‬
‫المعارك من استمرار سيطرة معاوية على الشام(‪.)7‬‬
‫سادسًا‪ :‬والية الجزيرة‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫() صحيح سنن ابن ماجه (‪.)1/24‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسند أحمد‪ ،‬باقي مسند األنصار رقم (‪ ،)24045‬حديث صحيح‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد على‪ ،‬ص (‪.)112‬‬
‫‪4‬‬
‫() فتح الباري (‪ ،)13/92‬البداية والنهاية (‪.)8/129‬‬
‫‪5‬‬
‫() فتح الباري (‪ ،)13/92‬استشهاد عثمان‪ ،‬ص (‪.)160‬‬
‫‪6‬‬
‫() خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد على‪ ،‬ص (‪.)112‬‬
‫‪7‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪.)2/8‬‬
‫‪28‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫كانت الجزيرة إحدى الواليات التابعة للشام أيام عثمان بن عفان‪ ،‬رضي هللا عنه‪،‬‬
‫وبعد استشهاده كانت الشام بيد معاوية‪ ،‬والعراق بيد على‪ ،‬مما جعل الجزيرة محل تنازع‬
‫بين الفريقين‪ ،‬نظرًا لموقعها الجغرافي واتصالها بالشام من جهة وبالعراق من جهة‬
‫أخرى(‪ ,)1‬وبالتالي سهولة السيطرة عليها من كال الجانبين‪ ،‬وقد وقعت في الجزيرة العديد‬
‫من المعارك بين أجناد على وأجناد معاوية في محاولة من كال الطرفين للسيطرة عليها‪،‬‬
‫ويبدو أن عليًا استطاع السيطرة عليها(‪ ,)2‬لفترة من الوقت‪ ،‬وعين عليها «األشتر» وهو‬
‫أشهر والة على في الجزيرة(‪ ,)3‬حيث واله عليها ألكثر من مرة‪ ،‬فاستطاع أن يرتب‬
‫أمورها‪ ،‬ثم اضطر على رضي هللا عنه لنقله لوالية مصر وذلك في سنة ‪38‬هـ(‪ ,)4‬فعاد‬
‫االضطراب مرة أخرى إلى الجزيرة‪ ،‬ونشط معاوية في االستيالء عليها بعد ذلك‪ ،‬فوقعت‬
‫فيها العديد من المعارك(‪ ,)5‬ويبدو أن معاوية استطاع في أواخر سنة ‪39‬هـ أن يسيطر إلى‬
‫حد ما على الجزيرة(‪ ,)6‬وقد كانت ملجأ لبعض المعتزلين للحرب بين على ومعاوية وهم‬
‫الذين لم يبايعوا أيامها أثناء النزاع الناشب بينهما(‪ ,)7‬ولعل موقعها في المنتصف بين‬
‫الطرفين هو الذي دفعهم الختيارها‪ ،‬وقد وردت أسماء بعض من ولى الجزيرة لعلى‬
‫ومنهم شبيب بن عامر(‪ ،)8‬وكميل بن زياد‪ ،‬وكان لهما دور في مقاومة جيوش الشام التي‬
‫هاجمت الجزيرة بل أنهما استطاعا الهجوم على الشام من قبل الجزيرة(‪.)9‬‬
‫سابعًا‪ :‬والية مصر‪:‬‬
‫استشهد عثمان‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬وعلى مصر محمد بن أبى حذيفة مغتصبًا للوالية‬
‫على على مصر فترة من الوقت لم‬ ‫فيها‪ ،‬ولم يقره عثمان عليها‪ ،‬وبعد وفاة عثمان أقره ٌّ‬
‫تطل‪ ،‬حيث وجه معاوية جي ًشا إلى نواحي مصر فظفر بمحمد بن أبى حذيفة فقبض عليه‬
‫ثم سجن وقتل(‪ ,)10‬وقد ذكر أن عليًا لم يعين محمد بن أبى حذيفة على مصر وإنما تركه‬
‫على قيس بن سعد األنصاري على والية مصر(‪ ,)11‬فقال له‪:‬‬ ‫على حاله حتى إذا قتل عين ٌّ‬
‫سر إلى مصر وليتكها‪ ،‬واخرج إلى رحلك واجمع إليه ثقاتك ومن أحببت أن يصحبك حتى‬
‫تأتيها ومعك جند‪ ،‬فإن ذلك أرعب لعدوك وأعز لوليك‪ ،‬فإذا أنت قدمتها إن شاء هللا فأحسن‬
‫إلى المحسن واشتد على المريب‪ ،‬وارفق بالعامة والخاصة‪ ،‬فإن الرفق يمن(‪ ,)12‬وقد ظهر‬
‫ذكاء قيس وحسن تصرفه في العديد من المواقف‪ ،‬فإنه حين توجه إلى مصر كان فيها‬
‫‪1‬‬
‫() معجم البلدان (‪.)2/135‬‬
‫‪2‬‬
‫() األخبار الطوال للدينورى‪ ،‬ص (‪ ،)154‬الوالية على البلدان (‪.)2/8‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ خليفة بن خياط‪ ،‬ص (‪.)200‬‬
‫‪4‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)6/380‬‬
‫‪5‬‬
‫() الفتوح البن أعثم الكوفي (‪ ،)4/45‬الكامل (‪.)3/379‬‬
‫‪6‬‬
‫() الكامل (‪.)3/380‬‬
‫‪7‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)3/414‬‬
‫‪8‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪.)2/9‬‬
‫‪9‬‬
‫() الفتوح‪ ،‬البن أعثم الكوفي (‪ ،)52 -4/50‬تاريخ الطبري (‪.)6/19‬‬
‫‪10‬‬
‫() والة مصر للكندي‪ ،‬ص (‪ ،)43 ،42‬الوالية على البلدان (‪.)2/9‬‬
‫‪11‬‬
‫() والة مصر‪ ،‬ص (‪ ،)44‬النجوم الزاهرة (‪.)1/94‬‬
‫‪12‬‬
‫() الكامل في التاريخ (‪.)2/354‬‬
‫‪28‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫مجموعة ممن غضبوا لمقتل عثمان‪ ،‬ومجموعة ممن اشتركوا في قتله‪ ،‬ولقد لقيته خيل من‬
‫مصر قبل دخوله إليها فقالوا‪ :‬من أنت؟ قال‪ :‬من فألة(‪ )1‬عثمان‪ ،‬فأنا أطلب من أوى إليه‬
‫(‪)2‬‬
‫فأنتصر به هلل‪ ،‬قالوا‪ :‬من أنت؟ قال‪ :‬فيس بن سعد‪ ،‬قالوا‪ :‬امض فمضى حتى دخل‬
‫مصر‪ .‬وهذا الموقف لقيس هو الذي مكنه من دخول مصر‪ ،‬ثم أعلن بعد ذلك أنه أمير‪،‬‬
‫وربما لو أنه أعلن لهؤالء األجناد أنه أمير لمنعوه من دخول مصر أصالً‪ ،‬كما حدث لمن‬
‫وجهه على إلى الشام فمنعته أجناد الشام من دخولها حينما علموا أنه قد بعث أميرًا على‬
‫الشام(‪ ,)3‬وحينما وصل قيس بن سعد إلى الفسطاط صعد المنبر وخطب في أهل مصر‬
‫وقرأ عليهم كتابًا من على بن طالب رضي هللا عنه وطلب البيعة لعلى(‪ ,)4‬وهنا انقسم أهل‬
‫مصر إلى فريقين‪ :‬فريق دخل في بيعة على وبايعوا قيسًا‪ ،‬وفريق توقف واعتزل‪ ،‬وكان‬
‫قيس بن سعد حكي ًما مع الذين بايعوا والذين امتنعوا‪ ،‬حيث لم يجبرهم على البيعة وكف‬
‫عنهم وتركهم في حالهم(‪ ,)5‬ولم يكتف بذلك بل إنه بعث لهؤالء أعطياتهم في مكان‬
‫اعتزالهم‪ ،‬ووفد عليه قوم منهم فأكرمهم وأحسن إليهم(‪ ,)6‬فساعدت تلك المعاملة الطيبة‬
‫على تجنب الصدام بهم‪ ،‬وبالتالي ساعدته على تهدئة األوضاعـ بمصر‪ ،‬حتى استطاع قيس‬
‫أن ينظم األمور فيها‪ ،‬فوزع األمراء ونظم أمور الخراج‪ ،‬وعين رجاالت على الشرطة(‪,)7‬‬
‫وبذلك استطاع أن يرتب والية مصر‪ ،‬وأن يسترضى جميع األطراف فيها(‪ ,)8‬وأصبح‬
‫قيس بن سعد في هذا الموقع يشكل ثقالً سياسيًا وخطرًا عسكريًا على معاوية بن أبى‬
‫سفيان في الشام‪ ،‬نظرًا لقرب مصر من الشام‪ ،‬ولترتيب قيس لها وتنظيمها وما اشتهر عن‬
‫قيس من حزم‪ ،‬وخوف معاوية من حركات عسكرية مناوئة له تخرج من مصر‪ ،‬ولذلك‬
‫فإنه أخذ يراسل قيس بن سعد في مصر مهددًا له‪ ،‬وفي الوقت نفسه يحاول إغراءه‬
‫باالنضمام إليه‪ ،‬وكانت إجابات قيس على تلك الرسائل إجابات ذكية بحيث لم يستطع‬
‫معاوية أن يفهم موقف قيس وما ينوى عمله‪ ،‬وقد تعددت بينهما الرسائل(‪ ,)9‬وقد انتشرت‬
‫الروايات الرافضية من الرسائل بين معاوية وقيس بن سعد التي ذكرها أبو مخنف في‬
‫كتب التاريخ وهي باطلة ال تصح‪ ،‬فقد انفرد بها هذا الرافضي التالف الذي ضعفه رجال‬
‫الجرح والتعديل بها‪ ،‬وفي متن تلك الرواية غرائب من أبرزها ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬خطاب علي إلى أهل مصر مع قيس بن سعد وفيه‪ :‬ثم ولى بعدهما وال فأحدث‬
‫أحداثًا فوجدت عليه األمة مقاالً فقالوا‪ :‬ثم نقموا عليه فغيروا‪ ،‬وهذا يعنى أن الذين قاموا‬
‫على عثمان (رضي هللا عنه) رجال األمة‪ ،‬وأن األمة قد غيرت هذا المنكر بقتل عثمان‪،‬‬
‫وعلى رضي هللا عنه بريء من هذا القول‪ ،‬وهو يعلم أن الذين قتلوا عثمان هم أوباش‬
‫الناس وأن قتله ظلم وفجور‪ ،‬وأقواله تدل على ذلك‪ ،‬ومنها ما رواه ابن عساكر أن محمد‬

‫‪1‬‬
‫() الفألة‪ :‬الجماعة المنهزمون‪ ،‬لسان العرب (‪.)11/531‬‬
‫‪2‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪ )2/10‬نقالً عن نهاية األرب في تاريخ العرب للنويرى‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() تهذيب تاريخ دمشق (‪.)4/39‬‬
‫‪4‬‬
‫() الكامل في التاريخ (‪.)2/354‬‬
‫‪5‬‬
‫() والة مصر‪ ،‬ص (‪ ،)44‬الكامل في التاريخ (‪.)2/354‬‬
‫‪6‬‬
‫() والة مصر‪ ،‬ص (‪.)44‬‬
‫‪7‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪ ،)2/11‬النجوم الزاهرة (‪.)1/98‬‬
‫‪8‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪.)2/11‬‬
‫‪9‬‬
‫() الكامل (‪ ،)2/355‬الوالية على البلدان (‪.)2/11‬‬
‫‪28‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ابن الحنيفة قال‪ :‬ما سمعت عليا ذاكرًا عثمان بسوء قط(‪ ,)1‬وأخرج الحاكم وابن عساكر أن‬
‫عليًا رضي هللا عنه قال‪ :‬اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان‪ ،‬ولقد طاش عقلي يوم قتل‬
‫عثمان‪ ،‬وأنكرت نفسي‪ ،‬وجاءوني للبيعة فقلت‪ :‬وهللا ألستحي من هللا أن أبايع قو ًما قتلوا‬
‫رجالً قال له رسول هللا×‪« :‬ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة»‪ ،‬إني ألستحي من‬
‫هللا أن أبايع وعثمان قتيل على األرض لم يدفن بعد‪ ،‬فانصرفوا فلما دُفن رجع الناس‬
‫يسألونني البيعة‪ ،‬فقلت‪ :‬اللهم إني مشفق مما أقدم عليه‪ ،‬جاءت عزيمة فبايعت‪ ،‬فلما قالوا‪:‬‬
‫أمير المؤمنين فكأن صدع قلبي وانسكب(‪ )2‬بعبرة‪.‬‬
‫وأقواله في هذا المعنى كثيرة(‪ ,)3‬وقد جمعتها في كتابي‪ :‬تيسير الكريم المنان في سيرة‬
‫أمير المؤمنين عثمان بن عفان(‪.)4‬‬
‫‪ -2‬قول قيس بن سعد‪ :‬أيها الناس إنا قد بايعنا خير ما نعلم بعد نبينا ×‪ .‬وهذا مردود‪،‬‬
‫على رضي هللا عنه كما صح‬ ‫إذ إن الثابت تفضيل أبى بكر وعمر (رضي هللا عنه) على ٍّ‬
‫بذلك‪ ،‬وهذا ال يشك فيه أحد في ذلك الزمان من الصحابة وغيرهم‪ ،‬وعليه فال يصح نسبة‬
‫هذا الكالم لقيس بن سعد‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬وال لغيره من الصحابة والتابعين‪ ،‬ولم يشتهر‬
‫هذا إال عند الشيعة الروافض المتأخرين(‪ ,)5‬قال ابن تيمية‪ :‬الشيعة المتقدمون كلهم متفقونـ‬
‫على تفضيل أبى بكر وعمر(‪ ,)6‬واألدلة في تفضيل أبى بكر وعمر كثيرة منها ما رواه ابن‬
‫عمر رضي هللا عنهما قال‪ :‬كنا نخير بين الناس في زمن النبي ×‪ ،‬فنخير أبا بكر ثم عمر‬
‫بن الخطاب ثم عثمان بن عفان(‪.)7‬‬
‫واألحاديث في ذلك كثيرة(‪ )8‬ومشهورة‪ ،‬وحقيقة األمر كما مر معنا في الروايات‬
‫الصحيحة السابقة أن معاوية طلب من أمير المؤمنين تسليمه قتلة عثمان ولم يتهم أمير‬
‫المؤمنين عليًا به‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -3‬رسالة معاوية إلى قيس بن سعد‪ :‬وإشارته إلى كون على طرفا في قتل عثمان‪،‬‬
‫وهذا ال يصح صدوره من معاوية‪ ،‬ذلك أن األمر واضح في براءة على (رضي هللا عنه)‬
‫كما مر في الفقرة السابقة‪ ،‬وهذا ال يجهله معاوية (رضي هللا عنه)‪ ،‬فضالً أن يقره لقيس‬
‫بن سعد (رضي هللا عنه)‪ ،‬وهذا محمد بن سيرين من كبار التابعين ومن الذين عاصروا‬
‫ذلك المجتمع يقول‪ :‬لقد قتل عثمان وما أعلم أحدًا يتهم عليًا في قتله(‪ ,)9‬ويقول أي ً‬
‫ضا‪ :‬لقد‬
‫قتل عثمان يوم قتل وإن الدار يومئذ لغاصة‪ ،‬فيهم عبد هللا بن عمر‪ ،‬وفيهم الحسن بن على‬
‫في عنقه السيف‪ ،‬ولكن عثمان عزم عليهم أن ال يقاتلوا(‪ ,)10‬وأخرج ابن أبى شيبة بسند‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ ابن عساكر‪ ،‬ترجمة عثمان‪ ،‬ص (‪.)395‬‬
‫‪2‬‬
‫() المستدرك (‪ )103 ،3/95‬صحيح على شرط الشيخين‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() مرويات أبى مخنف‪ ،‬د‪ .‬يحيى اليحيى‪ ،‬ص (‪.)211‬‬
‫‪4‬‬
‫() عثمان بن عفان للصالبي‪ ،‬ص (‪.)409 -407‬‬
‫‪5‬‬
‫() مرويات أبى مخنف‪.)211( ،‬‬
‫‪6‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)2111 ،1/4‬‬
‫‪7‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)3697‬‬
‫‪8‬‬
‫() مرويات أبى مخنف‪.)212( ،‬‬
‫‪9‬‬
‫() تاريخ ابن عساكر‪ ،‬ترجمة عثمان‪ ،‬ص ‪ ،35‬مرويات أبى مخنف‪ ،‬ص (‪.)212‬‬
‫‪10‬‬
‫() تاريخ ابن عساكر‪ ،‬ترجمة عثمان‪ ،‬ص (‪.)350‬‬
‫‪28‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫رجاله ثقات عن محمد ابن الحنيفة أن عليًا قال‪ :‬لعن هللا قتلة عثمان في السهل والجبل‬
‫والبر والبحر(‪ ،)1‬والنصوص في هذا المعنى كثيرة جدًا(‪ ,)2‬مما يؤكد اشتهار كراهية على‬
‫رضي هللا عنه لقتل عثمان(‪.)3‬‬
‫‪ -4‬وأما ما أورده من اتهام معاوية لألنصار في دم عثمان‪ ،‬فهذا ال يصح من معاوية‬
‫وهو يعلم أن الذي قام بالدفاع جميعًا هم األنصار‪ ،‬فقد أخرج ابن سعد بسند صحيح أن زيد‬
‫بن ثابت‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬جاء إلى عثمان‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬وهو محصور فقال‪ :‬هذه‬
‫األنصار بالباب يقولون‪ :‬إن شئت كنا أنصار هللا مرتين‪ ،‬قال‪ :‬فقال عثمان‪ :‬أما القتال‬
‫فال(‪.)4‬‬
‫‪ -5‬ما ذكره من اختالق معاوية كتابًا على لسان قيس بن سعد‪ ،‬فهذا من الكذب الذي‬
‫ال يعقل صدوره من معاوية‪ ،‬ذلك أن العرب كانوا يعدون الكذب من أقبح الصفات التي‬
‫يتنزه عنها الرجال الكرام‪ ،‬وهذه قصة أبى سفيان وهو يومئذ على الشرك فيما أخرجه‬
‫البخاري في قصة سؤال هرقل عن رسول هللا ×‪ ،‬يقول أبو سفيان‪ :‬فوهللا لوال الحياء من‬
‫أن يأثروا عل َّى كذبًا لكذبت عليه(‪ ,)5‬فهذه منزلة الكذب عند العرب‪ ،‬وعند المسلمين أشد‬
‫وأخزى‪ ،‬وال يقول قائل‪ :‬هذه خدعة‪ ،‬والحرب خدعة‪ ،‬فإن الخدعة ليس معناها الكذب كما‬
‫هو معلوم من كالم العرب‪ ،‬ومعاوية‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬أحذق من أن يفعل هذا(‪.)6‬‬
‫‪ -6‬رواية هذه الكتب الكثيرة بين قيس ومعاوية وعلى رضي هللا عنهم بهذا التسلسل‬
‫وبهذه الدقة تدخل الشك والريبة على القارئ لجهالة المطلع والناقل لها(‪.)7‬‬
‫يقول الدكتور يحيى اليحيى‪ :‬إن والية قيس بن سعد بن عبادة‪ ،‬رضي هللا عنهما‪،‬‬
‫على مصر من قبل أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي هللا عنه أمر مجمع عليه(‪,)8‬‬
‫وكل من ترجم لقيس لم يذكر هذه التفاصيل(‪ ,)9‬أي التي ذكرها أبو مخنف في روايته‪،‬‬
‫وحتى مؤرخو مصر المعتبرون لم يذكروا ذلك(‪ ,)10‬هذا وقد نقل رواية أبى مخنف من‬
‫الطبري بعد حذف واختصار كل من‪ :‬ابن األثير‪ ،‬وابن كثير‪ ،‬وابن خلدون‪ ،‬وابن تغرى‬
‫بردى(‪ ,)11‬وقد أخرج الكندي أيضًا عن عبد الكريم بن الحارث قال‪ :‬لما ثقل مكان قيس‬
‫على معاوية كتب إلى بعض بنى أمية بالمدينة‪ :‬أن جزى هللا قيس بن سعد خيرًا واكتموا‬
‫ذلك‪ ،‬فإني أخاف أن يعزله على إن بلغه ما بينه وبين شيعتنا‪ ،‬حتى بلغ عليًا فقال من معه‬
‫من رؤساء أهل العراق وأهل المدينة‪ :‬بدل قيس وتحول‪ ،‬فقال على‪ :‬ويحكم‪ ،‬إنه لم يفعل‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫() المصنف (‪.)15/268‬‬
‫‪2‬‬
‫() نقل ابن عساكر نصوصًا كثيرة تبين نصرة على لعثمان‪ ،‬ترجمة عثمان‪ ،‬ص (‪.)395‬‬
‫‪3‬‬
‫() مرويات أبى حنيف في تاريخ الطبري‪ ،‬ص (‪.)213‬‬
‫‪4‬‬
‫() الطبقات (‪ )3/70‬سنده صحيح‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)7‬‬
‫‪6‬‬
‫() مرويات أبى مخنف في تاريخ الطبري‪ ،‬ص (‪.)214‬‬
‫‪7‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)214‬‬
‫‪8‬‬
‫() تاريخ خليفة‪ ،‬ص (‪ ،)201‬فتوح مصر (‪ ،)274‬والة مصر (‪ ،)440‬سير أعالم النبالء (‪.)3/13‬‬
‫‪9‬‬
‫() طبقات ابن سعد (‪ ،)6/52‬تاريخ بغداد (‪ ،)1/177‬سير أعالم النبالء (‪.)3/102‬‬
‫‪10‬‬
‫() فتوح مصر‪ ،‬ووالة مصر‪ ,‬مرويات أبى مخنف‪ ،‬ص (‪.)207‬‬
‫‪11‬‬
‫() تاريخ ابن خلدون (‪ ،)4/1092‬النجوم الزاهرة (‪ ،)1/97‬البداية والنهاية (‪.)7/251‬‬
‫‪28‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫فدعوني‪ ،‬قالوا‪ :‬لتعزلنه فإنه قد بدل‪ ،‬فلم يزالوا به حتى كتب إليه‪ :‬إني قد احتجت إلى‬
‫قربك‪ ،‬فاستخلف على عملك وأقدم(‪ ,)1‬وقد رجح هذه الرواية الدكتور اليحيى في كتابه القيم‬
‫مرويات أبى مخنف في تاريخ الطبري قال‪:‬‬
‫‪ -1‬إنها من رواية مصري ثقة وهو أعلم بقطره من غيره‪.‬‬
‫‪ -2‬أخرجها مؤرخ مصري‪.‬‬
‫‪ -3‬خلوها من الغرائب‪.‬‬
‫‪ -4‬متنها مما يتفق مع سيرة أولئك الرجال‪.‬‬
‫‪ -5‬بينت تردد على في عزل قيس حتى ألح عليه الناس فاستبقاه عنده‪ ،‬وهكذا القائد ال‬
‫يفرط بالقيادات الحاذقة وقت المحن(‪.)2‬‬
‫‪ -‬تعيين محمد بن أبى بكر على والية مصر‪ :‬تدخل بعض الناس لإلفساد بين‬
‫على وقيس بن سعد لكي يعزله‪ ،‬وفي نهاية المطاف طلب بعض مستشاري على منه أن‬
‫يعزل قيسًا وصدقوا تلك اإلشاعات التي قيلت فيه‪ ،‬وألحوا في عزله‪ ،‬فكتب إليه على‪ :‬إني‬
‫قد احتجت إلى قربك فاستخلف على عملك وأقدم(‪ .)3‬وكان هذا الكتاب بمثابة عزل لقيس‬
‫عن والية مصر‪ ،‬وقد عين على مكانه األشتر النخعى(‪ ,)4‬على أكثر األقوال‪ ،‬وقد التقى‬
‫على باألشتر قبل سفره إلى مصر‪ ،‬فحدثه حديث أهل مصر وخبره خبر أهلها‪ ،‬وقال‪ :‬ليس‬
‫لها غيرك‪ ،‬اخرج رحمك هللا فإني إن لم أوصك اكتفيت برأيك‪ ،‬واستعن باهلل على ما‬
‫أهمك؛ فاخلط الشدة باللين‪ ،‬وارفق ما كان الرفق أبلغ‪ ،‬واعزم بالشدة حين ال تغنى عنك إال‬
‫الشدة(‪ ,)5‬وقد توجه األشتر إلى مصر ومعه رهط من أصحابه‪ ،‬إال أنه حينما وصل إلى‬
‫أطراف (بحر القلزم)‪ -‬البحر األحمر‪ -‬مات قبل أن يدخل مصر‪ ،‬وقد قيل إنه سقى شربة‬
‫مسمومة من عسل فمات منها‪ ،‬وقد اتهم أناس من أهل الخراج أنهم سموه بتحريض من‬
‫معاوية(‪ ,)6‬والتهمة الموجهة إلى معاوية في قتل األشتر بالسم ال تثبت من طريق صحيح‪.‬‬
‫واستبعد ذلك ابن كثير(‪ ,)7‬وابن خلدون(‪ ,)8‬وسار على نهجهما الدكتور يحيى‬
‫اليحيى(‪ ,)9‬وملت إلى هذا القول‪.‬‬
‫هذا وقد مات األشتر قبل أن يباشر عمله في مصر‪ ،‬ومع ذلك فإن المصادر تتحدث‬
‫عنه كأحد والة مصر لعلى بن أبى طالب‪ ،‬وقد ولى بعده على مصر محمد بن أبى بكر(‪.)10‬‬
‫وقد سبق لمحمد بن أبى بكر أن عاش في مصر في عهد عثمان‪ ،‬وتدل الروايات على أن‬
‫‪1‬‬
‫() والة مصر‪ ،‬ص (‪ )46 ،45‬وفيها المدائني وهو صدوق وبقية رجالها ثقات إال أنها مرسلة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() مرويات أبى مخنف في تاريخ الطبري‪ ،‬ص (‪.)210‬‬
‫‪3‬‬
‫() والة مصر (‪.)46 ،45‬‬
‫‪4‬‬
‫() فتوح البلدان‪ ،‬ص (‪ ،)229‬الوالية على البلدان (‪.)2/12‬‬
‫‪5‬‬
‫() النجوم الزاهرة (‪.)1/103‬‬
‫‪6‬‬
‫() النجوم الزاهرة (‪ ،)1/104‬سير أعالم النبالء (‪.)4/34‬‬
‫‪7‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)8/303‬‬
‫‪8‬‬
‫() تاريخ ابن خلدون (‪.)4/1125‬‬
‫‪9‬‬
‫() مرويات أبى مخنف‪ ،‬ص (‪.)224‬‬
‫‪10‬‬
‫() النجوم الزاهرة (‪.)1/106‬‬
‫‪28‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫محمد بن أبى بكر قد وصل إلى مصر قبل أن يغادرها الوالي األول قيس بن سعد‪ ،‬وقد‬
‫دارت محاورة بين قيس بن سعد ومحمد بن أبى بكر قدم فيها قيس عدة نصائح لمحمد‪،‬‬
‫خصوصًا فيما يتعلق بالناس الغاضبين لمقتل عثمان‪ ،‬والذين لم يبايعوا عليًا بعده‪ ،‬وقد قال‬
‫قيس‪ :‬يا أبا القاسم إنك قد جئت من عند أمير المؤمنين وليس عزله إياي بمانعي أن أنصح‬
‫لك وله‪ ،‬وأنا من أمركم هذا على بصيرة‪ ،‬ودع هؤالء القوم ومن انضم إليهم‪ -‬يقصد الذين‬
‫لم يبايعوا عليًا وال غيره – على ما هم عليه‪ ،‬فإن أتوك فاقبلهم وإن تخلفوا عنك فال‬
‫تطلبهم‪ ،‬وأنزل الناس على قدر منازلهم وإن استطعت أن تعود المرضى وتشهد الجنائز‬
‫فافعل‪ ،‬فإن هذا ال ينقصك(‪.)1‬‬
‫وقد حمل محمد معه عهدًا من على رضي هللا عنه فقرأه على أهل مصر وخطبهم(‪,)2‬‬
‫وقد كتب أمير المؤمنين على لمحمد بن أبى بكر كتابًا جاءه عندما واله على مصر‪ ،‬ولم‬
‫يكن هذا الكتاب مقتصرًا على سياسة الوالية‪ ،‬بل يحوى دعوة محمد بن أبى بكر الصديق‬
‫إلى هللا‪ ،‬ومما جاء في هذا الكتاب‪ :‬واعلم يا محمد أنك وإن كنت محتاجًا إلى نصيبك من‬
‫الدنيا‪ ،‬إال أنك إلى نصيبك من اآلخرة أحوج‪ ،‬فإن عرض لك أمران‪ :‬أحدهما لآلخرة‬
‫واآلخر للدنيا‪ ،‬فابدأ بأمر اآلخرة‪ ،‬ولتعظم رغبتك في الخير‪ ،‬ولتحسن فيه نيتك‪ ،‬فإن هللا‬
‫عز وجل يعطي العبد على قدر نيته‪ ،‬وإذا أحب الخير وأهله ولم يعمله كان‪ -‬إن شاء هللا‪-‬‬
‫كمن عمله‪ ،‬فإن رسول هللا× قال حين رجع من تبوك‪« :‬إن بالمدينة لأقوامًا ما‬
‫سرتم من مسير‪ ،‬ولاهبطتم من واد إلا كانوا معكم‪ ،‬ما حبسهم إلا المرض‪.‬‬
‫يقول‪ :‬كانت لهم نية»(‪ , )3‬ثم اعلم يا محمد أني قد وليتك أعظم أجنادي‪ :‬أهل مصر‬
‫ووليتك ما وليتك من أمر الناس‪ ،‬فأنت محقوق أن تخاف فيه على نفسك وتحذر فيه على‬
‫دينك‪ ،‬ولو كان ساعة من نهار‪ ،‬فإن استطعت أن ال تسخط ربك لرضا أحد من خلقه منه‪،‬‬
‫فاشتد على الظالم‪ ،‬ولِ ْن ألهل الخير وقربهم إليك واجعلهم بطانتك‪ ،‬وإخوانك‪ ،‬والسالم(‪.)4‬‬
‫وبدأ محمد بن أبى بكر يمارس واليته‪ ،‬وقد مضى الشهر األول من واليته بسالم‪ ،‬إال‬
‫أن األمور بدأت تتغير بعد ذلك‪ ،‬فلم يعمل محمد بنصيحة قيس بن سعد‪ ،‬وبدأ يتحرش‬
‫بأولئك األقوام الذين لم يبايعوا عليًا‪ ،‬فكتب إليهم يدعوهم إلى المبايعة فلم يجيبوه‪ ،‬فبعث‬
‫رجاالً إلى بعض دورهم فهدموها ونهب أموالهم وسجن بعض ذراريهم‪ ،‬فعملوا على‬
‫محاربته(‪ ,)5‬ثم إن معاوية أعد جي ًشا بقيادة عمرو بن العاص فغزا به مصر‪ ،‬وتحالف مع‬
‫من قاتلهم محمد بن أبى بكر‪ ،‬وكانت قوتهم كبيرة تصل إلى عشرة آالف مقاتل وفيهم‬
‫مسلمة بن مخلد ومعاوية بن حديج(‪ )6‬ووقعت بينهم وبين محمد بن أبى بكر معارك قوية‬
‫انتهت بمقتل محمد بن أبى بكر واستيالء أجناد معاوية على مصر‪ ،‬وبذلك خرجت مصر‬
‫من حكم على بن أبى طالب رضي هللا عنه سنة ثمان وثالثين للهجرة(‪ ,)7‬وقد انفرد أبو‬
‫مخنف الشيعي الرافض برواية مفصلة ذكرها الطبري(‪ ,)8‬شوهت كثيرًا من حقائق التاريخ‬
‫‪1‬‬
‫() والة مصر‪ ،‬ص (‪ ،)50‬الوالية على البلدان (‪.)2/13‬‬
‫‪2‬‬
‫() الكامل في التاريخ (‪.)2/356‬‬
‫‪3‬‬
‫() له أصل في صحيح مسلم‪ ،‬ك اإلمارة (‪.)3/1518‬‬
‫‪4‬‬
‫() تاريخ الطبري‪ ،‬منهج على بن أبى طالب في الدعوة إلى هللا ص (‪.)282‬‬
‫‪5‬‬
‫() الكامل في التاريخ (‪ ،)2/357‬الوالية على البلدان (‪.)2/13‬‬
‫‪6‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)6/11‬‬
‫‪7‬‬
‫() تاريخ خليفة بن خياط‪ ،‬ص (‪ ،)19‬تاريخ الطبري (‪.)6/5‬‬
‫‪8‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪6/7‬إلى ‪.)18‬‬
‫‪29‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫والتي لم يخرجها غيره ثم ذكرها بعض المؤرخين على النحو التالي‪:‬‬
‫اليعقوبي‪ :‬ذكر قتال عمرو بن العاص لمحمد بن أبى بكر‪ ،‬وأن معاوية بن حديج أخذه‬
‫وقتله ثم وضعه في جيفة حمار فأحرقه(‪ ,)1‬وأما المسعودي(‪ ,)2‬وابن حبان(‪ ,)3‬فقد أشارا إلى‬
‫قتل محمد بن أبى بكر ولم يذكرا التفاصيل(‪ ,)4‬ونقل ابن األثير(‪ )5‬رواية أبى مخنف في‬
‫الطبري بعدما حذف منها كتاب معاوية إلى محمد بن أبى بكر‪ ،‬ونص المكاتبات بين على‬
‫وابن أبى بكر‪ ،‬وحذف رد ابن أبى بكر على معاوية وعمرو بن العاص‪ ،‬من رواية أبى‬
‫مخنف في الطبري‪.‬‬
‫(‪)6‬‬
‫وقد ذكر النويرى نح ًوا مما ذكره ابن األثير ‪ ،‬وذكر ابن كثير قريبًا مما ذكره ابن‬
‫األثير والنويرى‪ ،‬وأما ابن خلدون فأشار إلى معنى روايات أبى مخنف(‪ ,)7‬واختصر ابن‬
‫تغرى بردى روايات أبى مخنف(‪ ,)8‬وكل هذه الروايات جاءت من طريق أبى مخنف‬
‫وساهمت في تشويه التاريخ اإلسالمي لتلك الحقبة‪ ،‬وتناقلها الكتاب المعاصرون دون‬
‫تمحيص وساهموا في نشرها‪ ،‬واستقرت كثير من تلك األكاذيب في أذهان بعض المثقفين‪،‬‬
‫فأصبحت جز ًءا ال يتجزأ من ضمن سلسلة المفاهيم المغلوطة التي نشروها بين الناس‪.‬‬
‫هذا وإن قتل معاوية بن حديج لمحمد بن أبى بكر قد ثبت من طريق صحيح فيما‬
‫أخرجه أبو عوانة عن عبد الرحمن بن شماسة قال‪ :‬دخلت على عائشة أم المؤمنين فقالت‬
‫لي‪ :‬ممن أنت؟ قلت‪ :‬من أهل مصر‪ ،‬قالت‪ :‬كيف وجدتم ابن حديج في غزاتكم هذه؟ فقلت‪:‬‬
‫وجدناه خير أمير‪ ،‬ما مات لرجل منا عبد إال أعطاه عبدًا‪ ،‬وال بعير إال أعطاه بعيرًا‪ ،‬وال‬
‫فرس إال أعطاه فر ًسا‪ ،‬قالت‪ :‬أما إنه ال يمنعني قتله أخي أن أحدث ما سمعت من رسول‬
‫هللا × يقول‪« :‬اللهم من ولى من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به‪ ،‬ومن شق‬
‫‪»(9).‬عليهم فشق عليه‬
‫وقد اشتملت روايات أبى مخنف في تاريخ الطبري حول والية محمد بن أبى بكر‬
‫لمصر ومقتله على جملة من الغرائب أبرزها ما يأتي‪:‬‬
‫‪ -1‬ما ذكره من مبايعة أهل الشام لمعاوية بالخالفة بعد التحكيم فهذا غير صحيح‪ ،‬فقد‬
‫نقل ابن عساكر بسند رجاله ثقات عن سعيد بن عبد العزيز التنوخى أعلم الناس بأمر‬
‫على بالعراق يدعى أمير المؤمنين وكان معاوية بالشام يدعي‬
‫(‪)11‬‬
‫الشام(‪ ,)10‬أنه قال‪ :‬كان ٌّ‬
‫األمير‪ ،‬فلما مات على دُعي معاوية بالشام أمير المؤمنين ‪ ,‬فهذا النص يبين أن معاوية‬
‫لم يبايع بالخالفة إال بعد وفاة على وإلى هذا ذهب الطبري‪ ،‬فقد قال في آخر حوادث سنة‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ اليعقوبي (‪.)2/194‬‬
‫‪2‬‬
‫() مروج الذهب (‪.)2/420‬‬
‫‪3‬‬
‫() الثقات (‪.)2/297‬‬
‫‪4‬‬
‫() مرويات أبى مخنف ص (‪.)241‬‬
‫‪5‬‬
‫() الكامل (‪2/409‬إلى ‪.)414‬‬
‫‪6‬‬
‫() نهاية األرب (‪.)112 -20/107‬‬
‫‪7‬‬
‫() تاريخ ابن خلدون (‪.)1128 -4/1126‬‬
‫‪8‬‬
‫() النجوم الزاهرة (‪.)112 -1/107‬‬
‫‪9‬‬
‫() مسند أبى عوانة (‪ ،)40/113‬مسلم (‪ ،)3/1458‬مع اختالف في بعض األلفاظ‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫() قال الحاكم‪ :‬هو ألهل الشام كمالك ألهل المدينة‪ ،‬تهذيب التهذيب (‪.)4/60‬‬
‫‪29‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫أربعين‪ :‬وفي هذه السنة بويع لمعاوية بالخالفة بإيليا(‪ ,)1‬وعلق على هذا ابن كثير بقوله‪:‬‬
‫يعنى لما مات على قام أهل الشام فبايعوا معاوية على أمرة المؤمنين ألنه لم يبق له عندهم‬
‫منازع(‪ ,)2‬وكان أهل الشام يعلمون بأن معاوية ليس كفئًا لعلى بالخالفة‪ ،‬وال يجوز أن‬
‫يكون خليفة مع إمكان استخالف على رضي هللا عنه‪ ،‬فإن فضل على وسابقته وعلمه‪،‬‬
‫ودينه‪ ،‬وشجاعته‪ ،‬وسائر فضائله كانت عندهم ظاهرة معروفة‪ ،‬كفضل إخوانه أبى بكر‬
‫وعمر وعثمان‪ ،‬وغيرهم رضي هللا عنهم(‪ ,)3‬وإضافة إلى ذلك فإن النصوص تمنع من‬
‫مبايعة خليفة مع وجود األول‪ ،‬فقد أخرج مسلم في صحيحة عن أبى سعيد الخدري قال‪:‬‬
‫قال رسول هللا ×‪« :‬إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما»(‪ ,)4‬والنصوص في‬
‫هذا المعنى كثيرة‪ ،‬ومن المحال أن يقدم الصحابة على مخالفة ذلك(‪.)5‬‬
‫‪ -2‬قوله‪ :‬إن عمرو بن العاص صالح معاوية على أن له مصر طعمه ما بقى‪ ،‬فهذه‬
‫القصة أخرجها ابن عساكر بسند فيه مجهول(‪ ,)6‬وذكرها الذهبي بصيغة التمريض‪،‬‬
‫وبالتالي تصبح ساقطة ال اعتبار لها‪.‬‬
‫‪ -3‬اتهام محمد بن أبى بكر بقتل عثمان رضي هللا عنه بمشاقصه‪ ،‬فهذا باطل‪ ،‬وقد‬
‫جاءت روايات ضعيفة في ذلك‪ ،‬كما أن متونها شاذة لمخالفتها للرواية الصحيحة التي تبين‬
‫أن القاتل هو رجل مصري(‪ ,)7‬وقد ذكر الدكتور يحيى اليحيى عدة أسباب ترجح براءة‬
‫محمد بن أبى بكر من دم عثمان منها‪:‬‬
‫(أ) أن عائشة‪ ،‬رضي هللا عنها‪ ،‬خرجت إلى البصرة للمطالبة بقتلة عثمان ولو كان‬
‫أخوها منهم ما حزنت عليه لما قتل‪.‬‬
‫(ب) لعن على رضي هللا عنه لقتلة عثمان‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬وتبرؤه منهم‪ ،‬يقتضى‬
‫عدم تقريبهم وتوليهم‪ ،‬وقد ولى محمد بن أبى بكر مصر فلو كان منهم ما فعل ذلك‪.‬‬
‫(جـ) ما أخرجه ابن عساكر بسنده عن محمد بن طلحة بن مصرف قال‪ :‬سمعت كنانة‬
‫مولى صفية بنت حيى قال‪ :‬شهدت مقتل عثمان وأنا ابن أربع عشرة سنة‪ ،‬قال‪ :‬هل أندى‬
‫محمد بن أبى بكر شيء من دمه‪ ،‬فقال‪ :‬معاذ هللا‪ ،‬دخل عليه‪ ،‬فقال عثمان‪ :‬يا ابن أخي‬
‫لست بصاحبي‪ ،‬فخرج‪ ،‬ولم يند من دمه بشيء(‪ ,)8‬ويشهد بهذا ما أخرجه خليفة بن خياط‬
‫والطبري بإسناد رجاله ثقات عن الحسن البصري‪ ،‬وكان ممن حضر يوم الدار(‪ ,)9‬أن ابن‬
‫أبى بكر أخذ بلحيته‪ ،‬فقال عثمان‪ :‬لقد أخذت مني مأخ ًذا أو قعدت منى مقعدًا ما كان أبوك‬

‫‪11‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)6/76‬‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ دمشق (‪.)16/360‬‬
‫‪2‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)8/16‬‬
‫‪3‬‬
‫() فتاوى ابن تيمية (‪.)35/73‬‬
‫‪4‬‬
‫() صحيح مسلم (‪.)3/1480‬‬
‫‪5‬‬
‫() مرويات أبى مخنف في تاريخ الطبري‪ ،‬ص (‪.)412‬‬
‫‪6‬‬
‫() تاريخ دمشق (‪.)13/261‬‬
‫‪7‬‬
‫() فتنة مقتل عثمان (‪.)1/209‬‬
‫‪8‬‬
‫() مرويات أبى مخنف في تاريخ الطبري ص (‪.)243‬‬
‫‪9‬‬
‫() المصدر نفسه ص (‪ ،)244‬تهذيب الكمال (‪.)6/97‬‬
‫‪29‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ليقعده‪ ،‬فخرج وتركه(‪ ,)1‬وبهذا يتبين لنا براءة محمد بن أبى بكر الصديق من دم عثمان‪،‬‬
‫براءة الذئب من دم يوسف‪،‬كما تبين أن سبب تهمته هو دخوله قبل القتل(‪ ,)2‬وقد ذكر ابن‬
‫كثير – رحمه هللا – أنه لما كلمه عثمان‪ -‬رضي هللا عنه – استحى‪ ،‬ورجع وتندم‪ ،‬وغطى‬
‫وجهه وحاجز دونه فلم تفد محاجزته(‪.)3‬‬
‫(د) ما ورد من تخويف معاوية بن أبى سفيان (رضي هللا عنه) لمحمد بن أبى بكر‬
‫بالمثلة‪ ،‬وما ذكر من جعل محمد بن أبى بكر في جيفة حمار وإحراقه‪ ،‬كل هذا ال يستقيم‬
‫مع أحكام الشرع في القتلى‪ ،‬فقد ورد الزجر عن التمثيل بالكفار فكيف بالمسلمين‪ ،‬أخرج‬
‫مسلم في صحيحة أن رسول هللا × كان إذا أمر أميرًا على جيش أو سرية‪ ،‬أوصاه في‬
‫خاصته بتقوى هللا ومن معه من المسلمين خيرًا‪ ،‬ثم قال‪ :‬اغزوا بسم الله في سبيل‬
‫الله‪ ،‬قاتلوا من كفر بالله‪ ،‬اعزوا ولا تغلوا‪ ،‬ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا‬
‫تقتلوا وليدًا(‪ ,)4‬وقال الشافعي‪ :‬وإذا أسر المسلمون المشركين فأرادوا قتلهم‪ ،‬قتلوهم‬
‫بضرب األعناق ولم يجاوزوا ذلك‪ ،‬أي أن ال يمثلوا بقطع يد وال رجل وال عضو وال‬
‫مفصلـ وال بقر بطن‪ ،‬وال تحريق‪ ،‬وال تغريق وال شيء يعدو ما وصفت‪،‬ـ ألن رسول هللا‬
‫× نهى عن المثلة(‪ ,)5‬وهل يظن بالصحابة الكرام مخالفة هذا‪ ،‬وهم كما وصفهم ابن‬
‫مسعود‪ :‬خير هذه األمة‪ ،‬أبرها قلوبًا وأعمقها عل ًما‪ ،‬وأقلها تكلفًا‪ ،‬قوم اختارهم هللا لصحبة‬
‫نبيه ×‪ ،‬ونقل دينه‪ ،‬فتشبهوا بأخالقهم وطرائقهم‪ ،‬فهم أصحاب محمد ×‪ ،‬كانوا على الهدى‬
‫المستقيم ورب الكعبة(‪ ,)6‬وقال عنهم ابن أبى حاتم‪ :‬ندب هللا عز وجل إلى التمسك بهديهم‬
‫يل الْم ْؤ ِمنِين ُنولِّهِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والجري على مناهجهم‪ ،‬والسلوك لسبيلهم واالقتداء بهم قال‪َ + :‬و َيتَّب ْع غَْي َر َسب ِ ُ َ َ‬
‫تم ِ‬
‫ص ًيرا"(‪[ )7‬النساء‪.]115:‬‬ ‫ما َتولَّى ونُ ِ ِ‬
‫اء ْ َ‬
‫َّم َو َس َ‬
‫صله َج َهن َ‬‫َ َ َ ْ‬
‫وأصح رواية جاءت في إحراقه ما أخرجه الطبراني عن الحسن البصري قال‪ :‬أخذ‬
‫هذا الفاسق محمد بن أبى بكر في شعب من شعاب مصر فأدخل في جوف حمار‬
‫فأحرق(‪ ,)8‬وهذا الرواية مرسلة إذ إن الحسن لم يشهد الحادثة‪ ،‬ولم يسم لنا من نقل عنه‪،‬‬
‫إضافة إلى أن النص لم يذكر من قام بإحراقه‪ ،‬وأيضا ما كان الحسن أن يرميه بالفسق‬
‫وهو يعلم ثناء على رضي هللا عنه عليه وتفضيله له(‪.)9‬‬
‫(هـ) ما ذكره من قوله (على رضي هللا عنه)‪ ،‬الفاجر ابن الفاجر يقصد معاوية‪ ،‬فهذا‬
‫يستبعد صدوره من على(رضي هللا عنه)‪ ،‬إذ إن الخالف مع معاوية دون أبيه‪ ،‬وأبو‬
‫سفيان‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬قد أسلم وحسن إسالمه ومات قبل مقتل عثمان رضي هللا عنه‪ ،‬فلم‬

‫‪1‬‬
‫() مرويات أبى مخنف‪ ،‬ص (‪.)244‬‬
‫‪2‬‬
‫() فتنة مقتل عثمان (‪.)1/209‬‬
‫‪3‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/193‬‬
‫‪4‬‬
‫() صحيح مسلم (‪.)3/1357‬‬
‫‪5‬‬
‫() األم (‪ ،)4/162‬انظر آثار الحرب في الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص (‪.)479‬‬
‫‪6‬‬
‫() حلية األولياء (‪.)1/305‬‬
‫‪7‬‬
‫() مقدمة الجرح والتعديل (‪.)1/7‬‬
‫‪8‬‬
‫() المعجم الكبير (‪ )1/84‬ورجاله ثقات غير أمية بن خالد فهو صادق‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() االستيعاب (‪.)3/348‬‬
‫‪29‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫يدرك الفتنة(‪ ,)1‬وهللا تعالى يقول‪َ + :‬والَ تَ ِز ُر َوا ِز َرةٌ ِو ْز َر أُ ْخ َرى" [فاطر‪ ،]18:‬والصحابة أعلم‬
‫الناس بكتاب هللا وأشدهم وقوفًا عند حدوده‪ ،‬فكيف ينسب لهم مثل هذا الفعل(‪.)2‬‬
‫(و) ما ذكره من قول معاوية بن حديج‪ -‬رضي هللا عنه – لعمرو بن العاص‪ -‬رضي‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫اءةٌ‬ ‫هللا عنه‪ -‬لما طلب ابن أبى بكر وتالوته لهذه اآلية ‪ +‬أَ ُكف ُ‬
‫ار ُك ْم َخ ْي ٌر ِّم ْن أُولَئ ُك ْم أ َْم لَ ُكم َب َر َ‬
‫الزبُ ِر" [القمر‪ ،]43:‬فهذا يعنى تكفير محمد بن أبى بكر وغيره‪ ،‬وهذا لم يعرف من‬ ‫فِي ُّ‬
‫الصحابة وما كان بينهم لم يصل إلى درجة التكفير‪ ،‬وقد وضح سعد بن أبى وقاص‪،‬‬
‫رضي هللا عنه‪ ،‬هذا بقوله‪« :‬إن ما بيننا لم يبلغ ديننا»(‪ ,)3‬وأيضًا فإن معاوية بن حديج من‬
‫جند عمرو بن العاص‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬وما كان له أن يرفض طلب قائده(‪.)4‬‬
‫(ز) ما أورده من قول محمد بن أبى بكر أن عثمان عمل بالجور ونبذ حكم الكتاب لم‬
‫أقف له على أصل يثبت صحة نسبته إلى ابن أبى بكر‪ ،‬أما إظهار براءة عثمان‪ ،‬رضي‬
‫هللا عنه‪ ،‬من ذلك فأشهر من أن تذكر(‪ ,)5‬وقد توسعت فيها في كتابي «تيسير الكريم المنان‬
‫في سيرة عثمان بن عفان»‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬والية البصرة‪:‬‬
‫أرسل أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي هللا عنه عثمان بن حنيف األنصاري‬
‫أميرًا على البصرة بدالً من عبد هللا بن عامر واليها السابق الذي تركها واتجه إلى مكة‬
‫المكرمة‪ ،‬وقد كان عثمان بن حنيف األنصاري صاحب خبرة في المنطقة؛ إذ سبق أن‬
‫عينه عمر على مسح (السواد) وتقدير الخراج فيه(‪ ,)6‬وقد سار عثمان بن حنيف إلى‬
‫البصرة ودخلها بسالم‪ ،‬إال أن أهل البصرة انقسموا ثالث فرق‪ ،‬فرقة بايعت ودخلت في‬
‫الجماعة‪ ،‬وفرقة اعتزلت وقالت‪ :‬ننظر ما يصنع أهل المدينة فنصنعه‪ ،‬وفرقة رفضت‬
‫الدخول في البيعة(‪.)7‬ولم يلبث عثمان بن حنيف طويالً في الوالية‪ ،‬فقد قدم إلى البصرة‬
‫جيش طلحة والزبير وعائشة قبل معركة الجمل ومعهم ممن خرج للمطالبة بدم عثمان‪،‬‬
‫وتطورت األمور وحدث قتال‪ ،‬وخرج عثمان بن حنيف إلى بن أبى طالب رضي هللا عنه‬
‫فلقيه في طريقه إلى البصرة قبيل وقعة الجمل‪ ،‬وبذلك انتهت والية عثمان بن حنيف‪ ،‬وقد‬
‫وصل على بن أبى طالب إلى البصرة ومكث فيها بعضًا من الوقت حدثت في أثنائه وقعة‬
‫الجمل‪ -‬التي سيأتي تفصيلها بإذن هللا تعالى – وعندما أراد على بن أبى طالب الخروج‬
‫على مع عبد هللا بن عباس‬ ‫من البصرة ولى عبد هللا ابن عباس‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬وقد ولى ٌّ‬
‫زياد بن أبيه على الخراج‪ ،‬وأمر ابن عباس أن يستشيره ويأخذ برأيه نظرًا لما وجد على‬
‫عنده من خبرة في العمل وفطانة في السياسة(‪ .)8‬وقدم على بعض النصائح البن عباس‬
‫منها قوله‪« :‬أوصيك بتقوى هللا عز وجل والعدل على من والك هللا أمره‪ ،‬اتسع للناس‬
‫‪1‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪ ،)2/105‬ومرويات أبى مخنف في تاريخ الطبري‪ ،‬ص (‪.)248‬‬
‫‪2‬‬
‫() مرويات أبى مخنف في تاريخ الطبري‪ ،‬ص (‪.)247‬‬
‫‪3‬‬
‫() فضائل الصحابة (‪ )2/751‬وسنده صحيح‪ ،‬مرويات أبى مخنف في تاريخ الطبري‪ ،‬ص (‪.)248‬‬
‫‪4‬‬
‫() مرويات أبى مخنف‪ ،‬ص (‪.)248‬‬
‫‪5‬‬
‫() مرويات أبى مخنف‪ ،‬ص (‪.)248‬‬
‫‪6‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)2/320‬‬
‫‪7‬‬
‫() خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد على‪ ،‬ص (‪ ،)107‬تاريخ الطبري (‪.)5/492‬‬
‫‪8‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/580‬‬
‫‪29‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫بوجهك وعلمك وحكمك‪ ،‬وإياك واإلحن(‪ ,)1‬فإنها تميت القلب والحق‪ ،‬واعلم أن ما قربك‬
‫من هللا بعدك من النار‪ ،‬وما قربك من النار بعدك من هللا‪ ،‬واذكر هللا كثيرًا وال تكن من‬
‫الغافلين(‪ .)2‬وقد بدأ ابن عباس يمارس عمله في واليته وهو صحابي عرف بعلمه الواسع‬
‫في الفقه والتفسير‪ ،‬وقد أثبت مهارة إدارية بتوطيد األمن في سجستان وهي تابعة لوالية‬
‫البصرة‪ ،‬وفي إقليم فارس حيث عين زياد بن أبى سفيان واليًا عليه‪ ،‬كما أنابه حين خرج‬
‫من البصرة فتمكن من ضبط األمن فيها‪ ،‬ويعتبر عبد هللا بن عباس من أهم رجاالت أمير‬
‫المؤمنين على‪ ،‬وكان يرافقه في األحداث الخطيرة‪ ،‬وينصح له ويجادل عنه‪ ،‬وكان أمير‬
‫المؤمنين على يعتمد عليه ويستشيره‪ ،‬وقد استمرت والية ابن عباس على البصرة حتى‬
‫‪39‬هـ‪ ،‬وكان يعاونه صاحب الشرطة وصاحب الخراج‪ ،‬وقد استمر ابن عباس في بعض‬
‫الروايات على البصرة حتى مقتل على‪ ،‬قال الطبري في حوادث سنة ‪40‬هـ‪ :‬فيها خرج‬
‫عبد هللا بن عباس من البصرة‪ ،‬ولحق بمكة في قول عامة أهل السير‪ ،‬وقد أنكر ذلك‬
‫بعضهم وزعم أنه لم يزل بالبصرة عامالً عليها من قبل أمير المؤمنين على رضي هللا‬
‫عنه حتى قتل‪ ،‬وبعد مقتل على صالح الحسن معاوية‪ ،‬ثم خرج إلى مكة(‪.)3‬‬
‫إن شخصية ابن عباس كانت شخصية قيادية جمعت صفات القائد الرباني‪ ،‬من العلم‬
‫والفطنة والذكاء والصبر‪ ،‬والحزم‪ ،‬وغيرها من الصفات إال أنه أشتهر بالفقه والعلم بسبب‬
‫دعاء رسول هللا × له بالفقه في الدين والعلم بالتأويل‪ ،‬وأخذه عن كبار الصحابة‪ ،‬وقوة‬
‫اجتهاده وقدرته على االستنباط‪ ،‬واهتمامه بالتفسير‪ ،‬ومنهجه المتميز في تعليم أصحابه‪،‬‬
‫وحرصه على نشر العلم‪ ،‬ورحالته وأسفاره‪ ،‬وتأخر وفاته وقرب منزلته من عمر‪ ،‬رضي‬
‫هللا عنه(‪ ,)4‬فقد حظي بعناية خاصة من الفاروق عندما لمس فيه مخايل النجابة والذكاء‬
‫والفطنة‪ ،‬فكان يدنيه من مجلسه‪ ،‬ويقربه إليه‪ ،‬ويشاوره‪ ،‬ويأخذ برأيه فيما أشكل من‬
‫اآليات‪ ،‬وابن عباس مازال شابًا غال ًما‪ ،‬فكان لذلك األثر البالغ في دفعه وحثه على‬
‫التحصيل والتقدم‪ ،‬بل واإلكثار في باب التفسير وغيره من أبواب العلم‪ ،‬فعن عامر الشعبي‬
‫عن ابن عباس‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال لي أبى‪ :‬يا بنى إني أرى أمير المؤمنين يقربك‪،‬‬
‫ويخلو بك‪ ،‬ويستشيرك مع أناس من أصحاب رسول هللا‪ ،‬فاحفظ عنى ثالثًا‪ :‬اتق هللا وال‬
‫تفشين له سرًا‪ ،‬وال يجربن عليك كذبة‪ ،‬وال تغتابن عنده أحدًا(‪ ,)5‬وكان عمر يدخله مع‬
‫أكابر الصحابة‪ ،‬وما ذلك إال ألنه وجد فيه قوة الفهم وجودة الفكر‪ ،‬ودقة االستنباط‪ ،‬وقد‬
‫قال ابن عباس‪ ،‬رضي هللا عنهما‪ :‬كان عمر يسألني مع أصحاب محمد ×‪ ،‬فكان يقول لي‪:‬‬
‫ال تتكلم حتى يتكلموا‪ ،‬فإذا تكلمت قال‪ :‬غلبتموني أن تأتوا بما جاء به هذا الغالم الذي لم‬
‫تجتمع شئون رأسه(‪ ,)6‬وكان ابن عباس لشدة أدبه‪ ،‬إذا جلس في مجلس فيه من هو أسن‬
‫منه ال يتحدث إال إذا أُذن له‪ ،‬فكان عمر يلمس ذلك منه فيحثه‪ ،‬ويحرضه على الحديث‬
‫تنشيطًا لنفسه‪ ،‬وتشجيعًا له في العلم(‪ .)7‬وكان لعمر‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬مجلس يسمع فيه‬
‫الشباب ويعلمهم‪ ،‬وكان ابن عباس من المقدمين عند عمر‪ ،‬فعن عبد الرحمن بن زيد قال‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫() اإلحن‪ :‬األحقاد‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() وقعة صفين للمنقرى ص (‪ ،)105‬الوالية على البلدان (‪.)2/15‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)6/56‬‬
‫‪4‬‬
‫() تفسير التابعين (‪.)395 -1/374‬‬
‫‪5‬‬
‫() الحلية (‪ ،)10/318‬تفسير التابعين (‪.)1/376‬‬
‫‪6‬‬
‫() المستدرك (‪ )3/53‬صحح إسناده الحاكم ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() تفسير التابعين (‪.)1/377‬‬
‫‪29‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫كان عمر بن الخطاب‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬إذا صلى السبحة وفرغ دخل مربدًا له(‪ ,)1‬فأرسل‬
‫إلى فتيان قد قرءوا القرآن منهم ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬فيأتون فيقرؤون القرآن ويتدارسونه‪ ،‬فإذا‬
‫يل لَهُ اتَّ ِق اهللَ أَ َخ َذتْهُ ال ِْع َّزةُ بِا ِإلثْ ِم فَ َح ْسبُهُ‬ ‫ِ ِ‬
‫كانت القائلة انصرفنا‪ ،‬قال‪ :‬فمروا بهذه اآلية‪َ +:‬وإذَا ق َ‬
‫وف بِال ِْعب ِ‬ ‫َّاس من ي ْش ِري َن ْفسهُ ابْتِغَاء مر َ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اد" [البقرة‪:‬‬ ‫ضات اهلل َواهللُ َر ُؤ ٌ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫س ال ِْم َه ُ‬
‫اد ‪َ ‬وم َن الن ِ َ َ‬ ‫َج َهن ِ‬
‫َّم َولَب ْئ َ‬
‫ُ‬
‫‪ ،]207 ،206‬فقال ابن عباس لبعض من كان إلى جانبه‪ :‬اقتتل الرجالن‪ :‬فسمع عمر ما‬
‫قال‪ ،‬فقال‪ :‬وأي شيء قلت؟ قال‪ :‬ال شيء يا أمير المؤمنين‪ ،‬قال‪ :‬ماذا قلت؟ اقتتل‬
‫الرجالن؟ قال‪ :‬فلما رأى ذلك ابن عباس قال‪ :‬أرى هاهنا من إذا أمر بتقوى هللا أخذته‬
‫العزة باإلثم‪ ،‬وأرى من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة هللا‪ ،‬يقوم هذا فيأمر هذا بتقوى هللا فإذا‬
‫لم يقبل‪ ،‬وأخذته العزة باإلثم قال هذا‪ :‬وأنا أشرى نفسي‪ ،‬فاقتتل الرجالن‪ ،‬فقال عمر‪ :‬هلل‬
‫تالدك يا ابن عباس(‪ ،)2‬وكان عمر‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬يسأل ابن عباس عن الشيء من‬
‫القرآن ثم يقول‪ :‬غص غواص(‪ ,)3‬بل كان إذا جاءته األقضية المعضلة يقول البن عباس‪:‬‬
‫يا ابن عباس قد طرأت علينا أقضية عضل‪ ،‬وأنت لها وألمثالها‪ ،‬ثم يأخذ برأيه‪ ،‬وما كان‬
‫يدعو لذلك أحدًا سواه إذا كانت العضل(‪ ,)4‬وعن سعد بن أبى وقاص قال‪ :‬ما رأيت أحدًا‬
‫أحضر فه ًما‪ ،‬وال ألب لبًا‪ ،‬وال أكثر عل ًما‪ ،‬وال أوسع حل ًما من ابن عباس‪ ،‬ولقد رأيت عمر‬
‫بن الخطاب يدعوه للمعضالت ثم يقول‪ :‬عندك قد جاءتك معضلة‪ ،‬ثم ال يجاوز قوله‪ ،‬وإن‬
‫حوله ألهل بدر من المهاجرين واألنصار(‪ ,)5‬وكان عمر يصفه بقوله‪ :‬ذاكم فتى الكهول‪،‬‬
‫إن له لسانًا سؤوالً‪ ،‬وقلبًا عقوالً(‪ ,)6‬يقول طلحة بن عبيد هللا‪ :‬ما كنت أرى عمر بن‬
‫الخطاب يقدم على ابن عباس أحدًا(‪ ,)7‬وكان ابن عباس‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬كثير المالزمة‬
‫لعمر‪ ،‬حريصًا على سؤاله واألخذ عنه‪ ،‬ولذا كان رضي هللا عنه من أكثر الصحابة نقالً‬
‫ورواية لتفسير عمر وعلمه‪ -‬رضي هللا عنه ‪ ،-‬وقد أشار بعض أهل العلم إلى أن عامة‬
‫علم ابن عباس أخذه عن عمر‪ ،‬رضي هللا عن الجميع(‪ ,)8‬لقد كان اهتمام عمر به مساعدًا‬
‫له على المضي قدما في طريق العلم عامة والتفسير خاصة(‪ ,)9‬ولذلك تشرفت المدرسة‬
‫المكية في عهد التابعين بحبر األمة وترجمان القرآن ابن عباس رضي هللا عنهما(‪,)10‬‬
‫وكان ابن عباس في عهد عثمان من المقربين إلى الخليفة‪ ،‬وقد كلفه بالحج بالناس في العام‬
‫الذي قتل فيه(‪ ,)11‬هذا وقد عمل بعض المتأثرين بمدرسة االستشراق بتشويه صورة حبر‬
‫األمة ونسبوا إليه أباطيل وأكاذيب ألصقوها بسيرته‪ ،‬عل ًما بأن مدرسة االستشراق فيما‬
‫‪1‬‬
‫() السبحة‪ :‬الدعاء وصالة التطوع‪ ،‬المربد‪ :‬المكان يجعل فيه التمر‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() تفسير الطبري (‪ ،)4/245‬الدر المنشور (‪.)1/578‬‬
‫‪3‬‬
‫() فضائل الصحابة ألحمد (‪ )1/981‬رقم (‪.)140‬‬
‫‪4‬‬
‫() تفسير التابعين (‪.)1/37‬‬
‫‪5‬‬
‫() طبقات ابن سعد (‪.)2/369‬‬
‫‪6‬‬
‫() تفسير التابعين (‪ ،)1/379‬فضائل الصحابة ألحمد رقم (‪.)1555‬‬
‫‪7‬‬
‫() طبقات ابن سعد (‪.)2/370‬‬
‫‪8‬‬
‫() تفسير التابعين (‪.)2/370‬‬
‫‪9‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)1/506‬‬
‫‪10‬‬
‫() عمر بن الخطاب للصالبي‪ ،‬ص (‪.)220‬‬
‫‪11‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)431 -5/325‬‬
‫‪29‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫يتعلق بالعهد الراشدى وتاريخ صدر اإلسالم امتداد لمؤرخي الرفض والشيعة الغالة الذين‬
‫اختلقوا الروايات واألخبار‪ ،‬ولطخوا بها سيرة الصحابة الكرام‪ ،‬فجاء مؤرخو االستشراق‬
‫وأحيوا تلك األخبار الكاذبة‪ ،‬والروايات الموضوعة‪ ،‬وصاغوها بأسلوب حديث ويرفعون‬
‫شعار الموضوعية والبحث العلمي‪ ،‬وكل هذا كذب وزور‪ ،‬وقد تأثر به الكثير من الباحثين‬
‫واألدباء والمؤرخين‪ ،‬ولذلك تجد في كتب التاريخ واألدب المعاصر البعيدة عن منهج أهل‬
‫السنة والموغلة في مناهج المستشرقين‪ ،‬تشويهًا عجيبًا للصحابة‪ ،‬فمثال‪ :‬زعمت تلك‬
‫الكتب أن عبد هللا بن عباس رضي هللا عنه نهب أموال المسلمين بالبصرة‪ ،‬وغدر بابن‬
‫عمه على رضي هللا عنه‪ ،‬وهرب باألموال المسروقة إلى مكة‪ ،‬وتطلع لالنضمام إلى‬
‫معاوية(‪ )1‬بعد أن كان مع على‪ ،‬ذكر ذلك دون حياء صاحب كتاب الفتنة الكبرى (على‬
‫وبنوه) الدكتور طه حسين والعبارات التي وردت على لسان طه حسين في كتابه (على‬
‫وبنوه)‪:‬‬
‫‪ -1‬قال‪ :‬وكان البن عباس من العلم بأمور الدين والدنيا‪ ،‬ومن المكانة في بنى هاشم‬
‫خاصة وفي قريش عامة‪ ،‬وفي نفوس المسلمين جميعًا‪ ،‬ما كان خليقًا أن يعصمه‬
‫من االنحراف عن ابن عمه(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬قال‪ :‬رأى ابن عباس نجم ابن عمه في أفوال‪ ،‬ونجم معاوية في صعود‪ ،‬فأقام في‬
‫البصرة يفكر في نفسه أكثر مما يفكر في ابن عمه(‪.)3‬‬
‫‪ -3‬قال‪ :‬ولو نسي ابن عباس نفسه قليالً! ولكنه لم يضعها بحيث كان يجب عليه أن‬
‫يضعها منذ قليل‪ ،‬أن يكون واليًا لعلى على مصر من أمصار المسلمين(‪.)4‬‬
‫وغير ذلك من األكاذيب والترهات التي اعتمد قائلوها على الروايات الضعيفة‬
‫والموضوعة‪ ،‬ويكفىـ شرفًا البن عباس دعاء رسول هللا × له‪« :‬اللهم علمه التأويل‬
‫وفقهه في الدين»(‪.)5‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد بدأ ابن عباس يمارس عمله في واليته على البصرة بعد خروج على من‬
‫البصرة إلى الكوفة‪ ،‬ولحق ابن عباس بعلي قبيل صفين واستخلف على البصرة زياد بن‬
‫أبيه(‪ ,)6‬وفي أثناء والية ابن عباس على البصرة قام بالعديد من األعمال أهمها ترتيب‬
‫(سجستان) بعد أن قتل واليها على يد مجموعة من الخوارج‪ ،‬حيث بعث إليها ابن عباس‬
‫بأمر من على مجموعة من أجناد البصرة تمكنوا من قتل الخوارج فيها وترتيب أمورها‬
‫وتأمين أهلها سنة ‪36‬هـ(‪ ,)7‬كما كان البن عباس وألجناد البصرة دور مع على بن أبى‬
‫طالب في معركة صفين(‪ ,)8‬كما قام ابن عباس بتنظيم شئون بعض األقاليم التابعة لواليته‬
‫وعين عليها األمراء من قبله‪ ،‬حيث وجه إلى فارس زياد بن أبيه فرتبها‪ ،‬واستطاع أن‬

‫‪1‬‬
‫() أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ‪ ،‬ص (‪.)191‬‬
‫‪2‬‬
‫() الفتنة الكبرى (على وبنوه)‪ ،‬ص (‪.)121‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)122‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)126‬‬
‫‪5‬‬
‫() الطبراني رقم (‪ )10587‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() تاريخ خليفة بن خياط‪ ،‬ص (‪ ،)201‬الوالية على البلدان (‪.)2/16‬‬
‫‪7‬‬
‫() الكامل في التاريخ (‪.)352 ،2/351‬‬
‫‪8‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪ ،)1/16‬تاريخ الطبري (‪5/595‬إلى ‪.)615‬‬
‫‪29‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ينظم أمورها ويؤدب أهلها بعد عصيانهم(‪ ,)1‬وفي أيامه غدر أهل اصطخر فقام بغزوهم‬
‫وتأديبهم(‪ ,)2‬وفي سنة ‪38‬هـ أرسل معاوية بن أبى سفيان رجالً إلى البصرة ليدعو له بين‬
‫أهلها‪ ،‬إال أن زياد بن أبيه نائب ابن عباس على البصرة تمكن من مقاومته ومدافعته حتى‬
‫قتل الرجل في إحدى دور البصرة(‪ ,)3‬وكان ابن عباس يرافق عليًا في كثير من تحركاته‬
‫في نواحي العراق‪ ،‬وإذا وقعت بعض األشياء وابن عباس في البصرة كان على يطلعه‬
‫عليها بالكتب التي كان يرسلها إليها باستمرار ويأخذ رأيه في كثير من القضايا عن طريق‬
‫المراسلة‪ ،‬كما كان ابن عباس أيضًا يكتب لعلى عن شئون واليته‪ ،‬كما بعثه على سنة‬
‫‪38‬هـ على الحج نيابة عنه‪ ،‬وقد استمر ابن عباس في والية البصرة إلى استشهاد على‬
‫أخ ًذا برأي الطبري في ذلك‪ ،‬وقد وجد مجموعة من المساعدين لوالى البصرة أيام على‬
‫فيهم القاضي وصاحب الشرطة‪ ،‬وصاحب الخراج وغيرهم‪ ،‬كما كانت تتبع والية البصرة‬
‫مجموعة من األقاليم في بالد فارس‪.‬‬
‫ومما سبق يتبين لنا أن على بن أبى طالب بعد مبايعته بادر إلى عزل ابن عامر‪،‬‬
‫والى عثمان على البصرة‪ ،‬وعين مكانه عثمان بن حنيف‪ ،‬ولكن حملة الجمل أحدثت‬
‫ارتبا ًكا في البصرة‪ ،‬وبالتالي خرجت من سيطرة عثمان بن حنيف‪ ،‬فاضطر إلى مغادرتها‬
‫على على تنظيم أمورها(‪ .)4‬كما وقعت بعض‬ ‫حتى قدم على‪ ،‬وبعد موقعة الجمل عمل ٌّ‬
‫االضطرابات في البصرة من جراء حركة الخوارج‪ ،‬وكذلك أثناء محاولة معاوية‬
‫السيطرة عليها‪ ،‬إال أن البصرة مع ذلك استمرت إحدى الواليات اإلسالمية التابعة لخالفة‬
‫على طيلة عصره‪ ،‬ولم يتمكن خصومه من السيطرة عليها(‪ ,)5‬وبرزت في البصرة قدرات‬
‫ابن عباس القيادية‪ ،‬وقد انتفع بصحبته لعلى رضي هللا عنهما وتأثر به غاية التأثر‪ ،‬وكان‬
‫أمير المؤمنين على يتعهده بالنصح واإلرشاد والموعظة بين الحين واآلخر‪ ،‬حتى أن ابن‬
‫عباس قال‪ :‬ما انتفعت بكالم أحد بعد رسول هللا × كانتفاعي بكتاب كتب به إل ّى على بن‬
‫أبى طالب رضي هللا عنه‪ ،‬فإنه كتب إل َّى‪ :‬أما بعد فإن المرء يسوؤه فوت ما لم يكن‬
‫ليدركه‪ ،‬ويسره درك ما لم يكن ليفوته‪ ،‬فليكن سرورك بما نلت من أمر آخرتك‪ ،‬وليكن‬
‫أسفك على ما فاتك منها‪ ،‬وما نلت من دنياك فال تكثرن به فرحًا‪ ،‬وما فاتك منها فال تأس‬
‫عليه حزنًا‪ ،‬وليكن همك فيما بعد الموت(‪.)6‬‬
‫وقد كان ابن عباس من أهل القيام‪ ،‬فعن ابن مليكة قال‪ :‬صحبت ابن عباس من مكة‬
‫إلى المدينة‪ ،‬فكان يصلى ركعتين‪ ،‬فإذا ترك‪ ،‬قام شطر الليل‪ ،‬ويرتل القرآن حرفًا حرفًا‪،‬‬
‫ويكثر في ذلك من النشيج والنحيب(‪ ,)7‬وقد كان رضي هللا عنه غزير الدمعة حتى أثر ذلك‬
‫على خديه‪ ،‬فعن أبى رجاء‪ ،‬قال‪ :‬رأيت ابن عباس وأسفل من عينيه مثل الشراك البالي‬
‫من البكاء(‪ ,)8‬وكان رضي هللا عنه يصوم االثنين والخميس‪ ،‬فعن سعيد بن أبى سعيد‪ ،‬قال‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)53 ،6/52‬‬
‫‪2‬‬
‫() األخبار الطوال‪ ،‬ص (‪ ،)205‬الوالية على البلدان (‪.)2/16‬‬
‫‪3‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪ )2/16‬نقال عن خليفة بن خياط‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪.)2/17‬‬
‫‪5‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪.)2/17‬‬
‫‪6‬‬
‫() صفة الصفوة (‪.)1/327‬‬
‫‪7‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)3/352‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)3/352‬‬
‫‪29‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫كنت عند ابن عباس‪ ،‬فجاء رجل‪ ،‬فقال‪ :‬يا ابن عباس‪ ،‬كيف صومك؟ قال‪ :‬أصوم االثنين‬
‫والخميس‪ ،‬قال‪ :‬ولم؟ قال‪ :‬ألن األعمال ترفع فيهما‪ ،‬فأحب أن يرفع عملي‪ ،‬وأنا صائم(‪,)1‬‬
‫وكان كريما جوادًا يحفظ ألهل السبق مكانتهم ومنزلتهم‪ ،‬فقد تعرض أبو أيوب األنصاري‬
‫رضي هللا عنه ألزمة مالية وأثقلته الديون‪ ،‬فنزل على ابن عباس‪ ،‬ففرغ له بيته‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ألصنعن بك كما صنعت برسول هللا ×‪ ،‬ثم قال‪ :‬كم دينك؟ قال‪ :‬عشرون ألفًا فأعطاه‬
‫أربعين ألفًا‪ ،‬وعشرين مملو ًكا‪ ،‬وكل ما في البيت(‪.)2‬‬
‫وكان من أبلغ الناس وله قدرة عجيبة على تفهيم المستمعين‪ ،‬فعن األعمش قال‪ :‬حدثنا‬
‫أبو وائل قال‪ :‬خطبنا ابن عباس‪ ،‬وهو أمير على الموسم‪ ،‬فافتتح سورة النور‪ ،‬فجعل يقرأ‬
‫ويفسر‪ ،‬فجعلت أقول‪ :‬ما رأيت وال سمعت كالم رجل مثل هذا‪ ،‬لو سمعته فارس والروم‬
‫والترك ألسلمت(‪ , )3‬وكان رضي هللا عنه من أجمل الناس وأفصح الناس‪ ،‬وأعلم الناس‪،‬‬
‫فعن مسروق قال‪ :‬كنت إذا رأيت ابن عباس‪ ،‬قلت‪ :‬أجمل الناس‪ ،‬فإذا نطق‪ ،‬قلت‪ :‬أفصح‬
‫الناس‪ ،‬فإذا تحدث‪ ،‬قلت‪ :‬أعظم الناس(‪ ,)4‬وقال القاسم بن محمد‪ :‬ما رأيت في مجلس ابن‬
‫عباس باطالً قط(‪ ,)5‬وقد أصيب رضي هللا عنه ببصره قبل وفاته وقد قال في ذلك شعرًا‪:‬‬
‫ففي لساني وقلبي منهما نور‬ ‫إن يأخذ هللا من عيني نورهما‬
‫(‪)6‬‬
‫وفي فمي صارم كالسيف مأثور‬ ‫قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل‬
‫وهو أحد المؤثرين في األحداث في عهده‪ ،‬وهو باختصار من أفضل النماذج لورثة‬
‫األنبياء‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬والية الكوفة‪:‬‬
‫استشهد عثمان رضي هللا عنه وواليه على الكوفة أبو موسى األشعري‪ ،‬وبعد مبايعة‬
‫على أبا موسى األشعري على واليته‪ ،‬وقد أخذ له البيعة‬ ‫على بالخالفة أقر أمير المؤمنين ٌّ‬
‫(‪)7‬‬
‫من أهلها‪ ،‬وكتب له بموقف أهل الكوفة من بيعته‪ ،‬من حيث تقبل الكثير للبيعة ‪ ,‬وعندما‬
‫خرج أمير المؤمنين من المدينة للعراق كان يسأل عن أبى موسى خصوصًا‪ ،‬ففي أثناء‬
‫الطريق إليها لقيه رجل من أهل الكوفة‪ ،‬فسأله على عن أبى موسى فقال‪ :‬إن أردت الصلح‬
‫فأبو موسى صاحب ذلك‪ ،‬وإن أردت القتال‪ ،‬فأبو موسى ليس بصاحب ذلك‪ ،‬قال‪ :‬وهللا ما‬
‫أريد إال اإلصالح حتى يرد علينا‪ ،‬قال‪ :‬قد أخبرتك الخبر(‪ ,)8‬وقد تبين فيما بعد ميل أبى‬
‫موسى إلى الصلح والمسالمة وعدم القتال بين المسلمين‪ ،‬فقد بعث على محمد بن أبى بكر‬
‫وعمار بن ياسر والحسن بن على وغيرهم في وفود مختلفة الستنفار أهل الكوفة قبل‬
‫‪1‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪ )3/352‬إسناده فيه ضعف إال أن فعل ابن عباس ثابت عن النبي × حيث قال‪:‬‬
‫«تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم» رواه الترمذي‬
‫رقم ‪847‬حديث حسن‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه (‪ ،)3/351‬الحلية (‪.)1/324‬‬
‫‪3‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)3/351‬‬
‫‪4‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)3/351‬‬
‫‪5‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)3/351‬‬
‫‪6‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)3/357‬‬
‫‪7‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/467‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)5/511‬‬
‫‪29‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫موقعة الجمل – سيأتي الحديث عنها بالتفصيل الحقًا إن شاء هللا تعالى – فسأل أهل الكوفة‬
‫أبا موسى عن الموقف واستشاروه في الخروج‪ :‬فقال‪ :‬أما سبيل اآلخرة فأن تقيموا‪ ،‬وأما‬
‫سبيل الدنيا فأن تخرجوا وأنتم أعلم(‪ ,)1‬وقد اقتنع العديد من أهل الكوفة بعد ذلك بالخروج‬
‫مع الحسن‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬بعد محاورات متعددة وطويلة بينهم وبين الحسن‪ ،‬وقيل إنه‬
‫خرج معه قرابة تسعة آالف رجل(‪ ,)2‬وتميل العديد من الروايات إلى أن والية أبى موسى‬
‫على الكوفة قد انتهت في هذه الفترة قبيل موقعة الجمل‪ ،‬حيث تذكر بعض الروايات أن‬
‫األشتر «وكان أحد قواد على» قد طرد أبا موسى وغلمانه من قصر الكوفة وتغلب‬
‫عليه(‪ ,)3‬كما ذكرت بعض الروايات أن عليًا كتب إلى أبى موسى بعزله‪ ،‬وعين مكانه‬
‫«قرضة بن كعب األنصاري» واليًا على الكوفة(‪ ,)4‬ثم إن على بن أبى طالب رضي هللا‬
‫عنه قدم الكوفة بعد موقعة الجمل حيث أصبحت الكوفة قاعدة الخالفة‪ ،‬وبالتالي كان على‬
‫رضي هللا عنه هو المسئول مباشرة عن أحوال الكوفة وما يتبعها من واليات‪ ،‬وأصبح لها‬
‫مكانة خاصة بقية عصره‪ ،‬حيث كانت عاصمة الخالفة ومنها يدير أمير المؤمنين علي‬
‫مختلف أنحاء الدولة‪ ،‬وإليها تقدم الوفود‪ ،‬ومنها تخرج األجناد‪ ،‬كما كان ذلك سببًا في‬
‫جذب السكان إليها‪ ،‬وال شك أن هذا كان له دور كبير في تنشيط الحركة التجارية‬
‫والعمرانية في الكوفة طيلة خالفة على‪ .‬وقد كان رضي هللا عنه كثير االهتمام بالكوفة‬
‫ويتفقد أهلها بنفسه‪ ،‬كما يحرص على تعيين من ينوب عنه في واليتها في حال غيابه‪،‬‬
‫فحينما أراد على الخروج إلى صفين ولى على الكوفة «أبا مسعود البدرى»(‪ )5‬وحينما‬
‫أراد التوجه لقتال الخوارج في «النهروان»(‪ ,)6‬ولى على الكوفة «هاني بن هوذة‬
‫النخعي»(‪ ,)7‬فلم يزل بالكوفة حتى استشهد على(‪ )8‬رضي هللا عنه‪.‬‬
‫ومما سبق نالحظ أن الكوفة كانت تدار من قبل الوالة‪ ،‬حتى إذا تخذها على رضي‬
‫هللا عنه مقرًا للخالفة أصبح هو المسئول عن واليتها‪ ،‬وأخذ ينيب عنه من يتولى شئونها‬
‫في غيابه‪ ،‬وأصبحت الكوفة ذات أهمية خاصة نظرًا إلقامة أمير المؤمنين فيها(‪.)9‬‬
‫عاشرًا‪ :‬واليات الشرق‪:‬‬
‫‪ -1‬فارس‪ :‬تذكر المصادر أن على بن أبى طالب ولى على فارس سهل بن حنيف‬
‫األنصاري‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬وقد استمر واليًا على فارس فترة من الوقت‪ ،‬ثم إن أهل‬
‫فارس عصوا وأخرجوا سهل بن حنيف سنة ‪37‬هـ تقريبًا‪ ،‬فاتصل على رضي هللا عنه‬
‫بابن عباس‪ ،‬وتباحث معه في شأن فارس‪ ،‬وكان ابن عباس على البصرة‪ ،‬فاتفق معه بعد‬
‫استشارة مجموعة من الناس على أن يبعث ابن عباس مساعده زياد بن أبى سفيان على‬
‫‪1‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)5/508‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)5/517‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/519‬‬
‫‪4‬‬
‫() االستبصار البن قدامه ص ‪ ،124‬الوالية على البلدان (‪.)2/19‬‬
‫‪5‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)2/493‬‬
‫‪6‬‬
‫() هي كورة واسعة بين بغداد وواسط بها العديد من القرى‪ ،‬وبها وقعة أمير المؤمنين على مع الخوارج‪،‬‬
‫معجم البلدان (‪.)5/324‬‬
‫‪7‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪ ،)2/20‬تاريخ خليفة ص (‪.)202 ،187‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)2/20‬‬
‫‪9‬‬
‫() المصدر نفسه(‪.)2/20‬‬
‫‪30‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫فارس(‪ ,)1‬وهنا يبدو االرتباط واضحًا بين والية البصرة وإقليم فارس‪ ،‬وإحساس ابن‬
‫عباس بمسئوليته عن ذلك اإلقليم من خالل مباشرته لوالية البصرة‪ ،‬إذا اتفق ابن عباس‬
‫علي على بعث أحد معاونيه إلى ذلك اإلقليم لضبطه وترتيب أموره‪ ،‬وقد توجه زياد‬ ‫مع ٍّ‬
‫إلى فارس يصاحبه أربعة آالف جندي‪ ،‬فدوخ تلك البالد وقضى على الفتنة فيها وتمكن‬
‫من ضبطها(‪ ,)2‬وقد اشتهر زياد بمقدرة سياسية فذة مكنته من إعادة االستقرار إلى تلك‬
‫البالد بأقل الخسائر(‪ ,)3‬يقول الطبري‪ :‬لما قدم زياد فارس بعث إلى رؤسائها فوعد من‬
‫نصره ومناه‪ ،‬وخوف قو ًما وتوعدهم وضرب بعضهم ببعض‪ ،‬ودل بعضهم على عورة‬
‫بعض‪ ،‬وهربت طائفة‪ ،‬وأقامت طائفة‪ ،‬فقتل بعضهم بعضًا‪ ،‬وصفت له فارس فلم يلق فيها‬
‫حميًا وال حربًا‪ ،‬وفعل مثل ذلك بكرمان(‪ ,)4‬ثم رجع إلى فارس فسار في كورها ومناهم‬
‫فسكن الناس إلى ذلك فاستقامت له البالد(‪ ,)5‬وقد قام زياد بتنظيم أمور فارس‪ ،‬وبنى فيها‬
‫بعض الحصون‪ ،‬وقام بترتيب شئون الخراج فيها‪ ،‬كما ضبط العديد من البلدان التابعة‬
‫لواليته حتى أمنت البالد واستقامت(‪ ,)6‬وقد استمر زياد واليًا على فارس بقية خالفة على‬
‫رضي هللا عنه‪ ،‬وكان زياد أشهر والة عل ‪‰‬ـًًّى على فارس نظرًا لسياسته وتمكنه من‬
‫ضبطها(‪.)7‬‬
‫وقد وجدت بعض التقسيمات اإلدارية داخل إقليم فارس‪ ،‬فقد ورد ذكر بعض الوالة‬
‫المختصين ببلدان معينة داخل اإلقليم‪ ،‬فقد ذكرت اصطخر‪ ،‬وذكر أنه كان من والتها المنذر بن‬
‫الجارود(‪ ,)8‬وجرت بينه وبين على بعض المكاتباتـ(‪ ,)9‬كما أن زياد بن أبى سفيان سكنها‬
‫وتحصن بها بعد مقتل على رضي هللا عنه(‪ ,)10‬كما ذكرت من بلدان فارس أصبهانـ التي تعد‬
‫من أكبر كورها(‪ ,)11‬وقد ذكر من والتها لعلى محمد بن سليم(‪ ,)12‬كماـ كان من أشهر والة‬
‫أصبهانـ لعلى «عمر بن سلمة» وقد قدم بأموال وطعام من أصبهانـ إلى أمير المؤمنين على بن‬
‫أبى طالب(‪ ,)13‬وقد ضربت الدراهم زمن على في هذه المناطق الفارسية سنة ‪39‬هـ‪ ،‬وال يزال‬
‫بعض منها محفوظًا في المتحف العراقي وتحمل عبارات عربية‪ ،‬إضافة إلى تاريخ‬

‫‪1‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)6/71‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)6/53‬‬
‫‪3‬‬
‫() والية البلدان (‪.)2/21‬‬
‫‪4‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)6/53‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)6/52‬‬
‫‪6‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)6/53‬‬
‫‪7‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪.)2/21‬‬
‫‪8‬‬
‫() الطبقات الكبرى (‪.)7/87( )5/561‬‬
‫‪9‬‬
‫() تاريخ اليعقوبي (‪ ،)2/203‬الوالية على البلدان (‪.)2/22‬‬
‫‪10‬‬
‫() األخبار الطوال‪ ،‬ص (‪ ،)219‬الوالية على البلدان (‪.)2/22‬‬
‫‪11‬‬
‫() معجم البلدان (‪.)1/207‬‬
‫‪12‬‬
‫() األخبار الطوال‪ ،‬ص (‪ ،)153‬الوالية على البلدان (‪.)2/22‬‬
‫‪13‬‬
‫() الكامل في التاريخ (‪.)2/442‬‬
‫‪30‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ضربها(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬خراسان‪ :‬تعتبر خراسان والية واسعة‪ ،‬وقد ارتبطت بطريقة مباشرة أو غير‬
‫مباشرة بوالية البصرة في عهد الخلفاء الراشدين‪ ،‬وفي خالفة على رضي هللا عنه ورد‬
‫ذكر العديد من الحوادث التي وقعت في هذه الوالية خالل تلك الفترة‪ ،‬كما ورد ذكر بعض‬
‫والتها‪ ،‬وبعض األمراء على كورها وبلدانها‪ ،‬فقد ورد أن أول والة عل ّى على خراسان‬
‫عبد الرحمن بن أبزى(‪ ,)2‬كما كان من والة على إلى خراسان جعدة بن هبيرة بن أبى‬
‫وهب(‪ ,)3‬وقد بعثه على رضي هللا عنه إلى خراسان‪ ،‬بعد عودته من صفين سنة ‪37‬هـ‪،‬‬
‫وكان أهل خراسان قد ارتدوا فحاول تأديبهم وتنظيم البالد مرة أخرى(‪ ,)4‬إال أنه – على ما‬
‫يبدو‪ -‬لم ينجح‪ ،‬فبعث على أحد قواده إلى خراسان‪ ،‬حتى تمكن من مصالحة أهلها‪ ،‬وضبط‬
‫أمورها مرة أخرى(‪.)5‬‬
‫كما تعد سجستان أحد األقاليم المجاورة لخراسان‪ ،‬وكال اإلقليمين مرتبطان إلى حد ما‬
‫بوالي البصرة‪ ،‬وفي الغالب فإن هناك ارتباطًا إداريًا بين اإلقليمين‪ ،‬وقد ورد ذكر بعض‬
‫والة سجستان في عهد على بن أبى طالب رضي هللا عنه‪ ،‬ومن هؤالء عبد الرحمن بن‬
‫جزء الطائي(‪ ,)6‬وقد بعثه على رضي هللا عنه إلى سجستان بعد موقعة الجمل‪ ،‬فقام ثوار‬
‫من صعاليك العرب بقتله‪ ،‬وعاثوا فسادًا في البلد‪ ،‬فكتب على إلى ابن عباس في البصرة‬
‫أن يوجه أميرًا آخر إلى سجستان‪ ،‬فوجه ربعي بن كأس العنبري‪ ،‬فاستطاع القضاء على‬
‫ثورة الصعاليك‪ ،‬وقتل زعيمهم وضبط أمور البالد‪ ،‬واستقر بها إلى أن استشهد على بن‬
‫أبى طالب رضي هللا عنه(‪.)7‬‬
‫وكانت همذان‪ :‬أحد الثغور الشرقية‪ ،‬وقد امتازت أثناء والية عثمان بوجود وال‬
‫مستقل فيها‪ ،‬وتوفى عثمان وعليها جرير بن عبد هللا البجلى‪ ،‬وبعد مبايعة على بالخالفة‬
‫ووصوله إلى العراق بعث إلى جرير بن عبد هللا في همذان يأمره بأخذ البيعة له بالخالفة‬
‫على من قبله من الناس والقدوم إليه(‪ ,)8‬وبعث بالرسالة مع رجل يعتمد عليه وقال‪ :‬إني‬
‫بعثت إليك بفالن‪ ،‬فاسأله عما بدا لك واقرأ كتابي هذا على المسلمين(‪ ,)9‬وقد قدم جرير إلى‬
‫على في الكوفة فبعثه إلى معاوية في الشام‪ ،‬ثم عاد مرة أخرى وتعرض لإلهانة من قبل‬
‫بعض أجناد على‪ ،‬ومنهم األشتر وغيره‪ ،‬فلحق جرير بمعاوية في الشام‪ ،‬وترك واليته‪،‬‬
‫وكان ذلك قبيل موقعة صفين(‪.)10‬‬

‫‪1‬‬
‫() الدراهم اإلسالمية للخلفاء الراشدين‪ ،‬ص (‪ ،)5‬وداد القزاز‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() فتوح البلدان ص (‪.)399‬‬
‫‪3‬‬
‫() تهذيب الكمال (‪ ،)1/191‬الوالية على البلدان (‪.)2/23‬‬
‫‪4‬‬
‫() فتوح البلدان‪ ،‬ص (‪ ،)399‬الوالية على البلدان (‪.)2/23‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ خليفة بن خياط‪ ،‬ص (‪ ،)199‬الوالية على البلدان (‪.)2/23‬‬
‫‪6‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪.)2/23‬‬
‫‪7‬‬
‫() فتوح البلدان‪ ،‬ص (‪ ،)387‬األخبار الطوال‪ ،‬ص (‪ ،)153‬الوالية على البلدان (‪.)2/153‬‬
‫‪8‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/599‬‬
‫‪9‬‬
‫() الفتوح‪ ،‬ابن أعثم الكوفي (‪ ،)2/363‬الوالية على البلدان (‪.)2/167‬‬
‫‪10‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)601 ،5/600‬‬
‫‪30‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -3‬أذربيجان‪ :‬كان األشعت بن قيس عامالً على أذربيجان حينما توفى عثمان بن‬
‫عفان‪ ،‬فلما بويع على بن أبى طالب بالخالفة كتب إلى األشعت بن قيس أن يبايع له‪ ،‬وأن‬
‫يأخذ له البيعة على من قبله(‪ ,)1‬ويبدو أن عليًا رضي هللا عنه استقدم األشعت بن قيس‬
‫فلحق بعلي في الكوفة‪ ،‬ثم شهد معه المشاهد حيث اشترك معه في صفين(‪ ,)2‬وفي قتال‬
‫الخوارج‪ ،‬ويبدو أن عليا رضي هللا عنه ولى على أذربيجان خالل هذه الفترة سعيد بن‬
‫سارية الخزاعى‪ ،‬ثم أعاد األشعت بن قيس مرة أخرى على أذربيجان‪ ،‬ويظهر أن عليًا‬
‫ضم إليه والية أرمينية‪ ،‬كما صرح بذلك البالذرى(‪ ,)3‬وقد كانت لألشعت بن قيس بعض‬
‫األعمال المهمة أثناء واليته أذربيجان لعلى‪ ،‬ومن ذلك إنزاله مجموعة من العرب من أهل‬
‫العطاء أرديبل(‪ ,)4‬وتمصيرها وبناء مسجدها بعد أن انتشر اإلسالم بين أهلها(‪ ,)5‬وقد‬
‫وردت بعض األسماء لوالة على في بعض بلدان المشرق األخرى‪ ،‬من ذلك أسماء بعض‬
‫الوالة في األهواز‪ ،‬ومنهم الخريت بن راشد‪ ،‬وقد كان واليًا على بعض بالد األهواز قبل‬
‫صفين‪ ،‬فلما رجع على من صفين أخذ الخريت يجمع الجنود‪ ،‬ويدعو إلى خلع على‪،‬‬
‫واستولى على بعض األماكن فبلغ ذلك عليًا فوجه إليه جي ًشا تمكن من القضاء على حركته‬
‫وقتله(‪ ,)6‬وسيأتي الحديث عنها بالتفصيل بإذن هللا تعالى‪.‬‬
‫ومن األمراء لعلى في األهواز مصقلة بن هبيرة الشيباني(‪ ,)7‬وقد اشترى أسرى من‬
‫بعض أجناد على فأعتقهم‪ ،‬ولم يتمكن من تسديد كامل ثمنهم‪ ،‬ثم فر إلى معاوية في‬
‫الشام(‪ ,)8‬وقد أورد خليفة بن خياط واليًا لعلى على بالد السند‪ ،‬وذكر أنه جمع جمعًا أيام‬
‫على وتوجه إلى السند‪ ،‬بعد أن اجتمع إليه الناس‪ ،‬ولكنه فشل في إحدى المعارك ومن‬
‫معه‪ ،‬ولم يبق من جيشه إال عصابة(‪ )9‬بسيرة‪ ،‬كما ذكر في والة على (يزيد بن حجية‬
‫على على «الري» بعد صفين‪ ،‬ثم اتهمه على رضي هللا عنه بأنه‬ ‫التميمي) وقد استعمله ٌّ‬
‫أخذ من الخراج فحبسه في الكوفة‪ ،‬ثم فر إلى معاوية في الشام(‪ ,)10‬وأما المدائن فقد كان‬
‫عليها سعد بن مسعود الثقفي‪ ،‬وقد كان له دور رئيسي في مجابهة الخوارج‪ ،‬ودارت بينه‬
‫وبين على وقواده العديد من المراسالت في شأنهم‪ ،‬حيث حاولوا الوصول إلى المدائن(‪,)11‬‬
‫وقد اشتهر عن سعد توليته ابن أخيه‪ -‬المختار بن أبى عبيد الثقفيـ(‪ – )12‬على المدائن في‬
‫حالة غيابه‪ ،‬وقد غضب علي على المختار الثقفيـ نتيجة تصرفه تصرفًا غير شرعي في‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/599‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ خليفة بن خياط‪ ،‬ص (‪ ،)193‬الوالية على البلدان (‪.)2/24‬‬
‫‪3‬‬
‫() فتوح البلدان‪ ،‬ص(‪ ،)207‬الوالية على البلدان (‪.)2/24‬‬
‫‪4‬‬
‫() أدريبل من أشهر مدن أذربيجان وهي قاعدتها قبل اإلسالم‪ ،‬واشتهرت بذلك في صدر اإلسالم وتقع‬
‫حاليًا على بعد ‪64‬كيلو مترًا شرق تبريز‪ ،‬معجم البلدان (‪.)1/145‬‬
‫‪5‬‬
‫() فتوح البلدان‪ ،‬ص (‪ ،)324‬الوالية على البلدان (‪.)2/25‬‬
‫‪6‬‬
‫() تاريخ اليعقوبي (‪ ،)2/95‬تاريخ الطبري (‪.)47 -6/27‬‬
‫‪7‬‬
‫() األنساب للسمعانى (‪ ،)7/438‬الوالية على البلدان (‪.)2/25‬‬
‫‪8‬‬
‫() البداية والنهاية (‪ ،)7/310‬الوالية على البلدان (‪.)2/25‬‬
‫‪9‬‬
‫() تاريخ خليفة‪ ،‬ص (‪ ،)200‬الوالية على البلدان (‪.)2/25‬‬
‫‪10‬‬
‫() نهاية األرب (‪ ،)20/197‬الوالية على البلدان (‪.)2/26‬‬
‫‪11‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/690‬‬
‫‪12‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)5/690‬‬
‫‪30‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫أموال الخراج(‪ ,)1‬ويعتبر سعد من قواد على المشهورين‪ ،‬ولعل قرب واليته من الكوفة‬
‫كان السبب الرئيسي في اشتراكه مع على في الكثير من المواقع‪ ،‬وقد أورد المؤرخ أبو‬
‫حنيفة الدينورى بعض األسماء لوالة على في مناطق مختلفة(‪.)2‬‬
‫وهكذا رأينا فيما سبق أن على بن أبى طالب رضي هللا عنه بذل جهدًا كبيرًا في‬
‫تنظيم الواليات‪ ،‬وأنه عانى من الصعوبات والمشكالت الكثيرة في هذه الوالية‪ ،‬فقد‬
‫خرجت العديد من الواليات من يده كاليمن والحجاز ومصر‪ ،‬كما أنه لم يفرض سيطرته‬
‫ابتداء على بعض الواليات كالشام وفلسطين وما جاورها‪ ،‬وأما البالد والوالياتـ التي‬
‫استمرت تحت حكمه كالعراق وفارس فقد عانى فيها من المشكالت الكثيرة وعلى رأسها‬
‫مشكلة الخوارج الذين ظهروا في تلك المناطق‪ ،‬خصوصًا في السنوات األخيرة من حكم‬
‫على‪ ،‬وبالتالي فإن االستقرار في تلك المناطق لم يكن تا ًما‪ ،‬كما أن أهل البالد األصلين في‬
‫بالد المشرق كفارس وخراسان وسجستان قاموا بالعديد من الثورات التي قتل فيها بعض‬
‫والة على‪ ،‬ومن أبرز المشكالت التي واجهها على ما وقع له من خالف مع بعض الوالة‪،‬‬
‫وبالتالي تخلوا عن والياتهم‪ ،‬كجرير بن عبد هللا في همذان‪ ،‬ومفضلة بن هبيرة في‬
‫األهواز وغيرهما‪ ،‬وهكذا يتضح أن عليًا رضي هللا عنه قضى مدة خالفته في جهاد‬
‫داخلي مع جبهات داخلية منعته في كثير من األحيان من تنظيم شئون تلك البالد كما أراد‪،‬‬
‫وواجهته العديد من العقبات التي بددت طاقته‪ ،‬واستنفدت جهوده رضي هللا عنه‪ ،‬وقد‬
‫شغلت هذه المشكالت اهتمام المؤرخين فركزوا عليها األضواء‪ ،‬وكان هذا على حساب‬
‫رصدهم للشئون التنظيمية واإلدارية لهذه الواليات(‪.)3‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫تعيين الوالة في عهد على رضي هللا عنه‬
‫بويع على بالخالفة بعد مقتل أمير المؤمنين عثمان‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬وقد وقع‬
‫االضطراب في مختلف أنحاء الدولة نتيجة مقتل عثمان‪ ،‬وبالتالي فإن عليًا رضي هللا عنه‬
‫بويع في ظروف صعبة بدأت الدولة اإلسالمية خاللها تفقد الشيء الكثير من استقرارها‬
‫ونشاطها‪ ،‬وقد ظهر هذا االضطراب واضحًا في المدينة نفسها‪ ،‬وقد بدأت األمور‬
‫تضطرب في مختلف أنحاء الدولة‪ ،‬وأحس المستشارون والنصحاء بخطورة ما يقع‪ ،‬فتقدم‬
‫بعضهم بنصائح إلى على فيما يمكن أن يفعله من البداية وخصوصًا فيما يتعلق بالوالة‬
‫على البلدان(‪.)4‬‬
‫أوالً‪ :‬موقفـ على من والة عثمان وتعيينه ألقاربه‪:‬‬
‫‪ -1‬موقف على من والة عثمان‪ :‬كان أمير المؤمنين على رضي هللا عنه يدرك‬
‫إدرا ًكا كامالً‪ ،‬أن من األسباب الرئيسية للفتنة‪ ،‬عدم رضا مجموعة من الناس عن والة‬
‫عثمان‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬وذلك بسبب ما أشاعه رؤوس الفتنة ضد عثمان ووالته‪ ،‬وليس‬
‫لعجزهم أو ظلمهم‪ ،‬ولكن الكثير من الكتاب المعاصرين في حديثهم عن سياسة على في‬
‫تولية الوالة‪ ،‬يستفتحون بقولهم‪ :‬إن عليًا لم يكن ليرضى أن يبقى عمال عثمان على‬

‫‪1‬‬
‫() التمهيد والبيان‪ ،‬ص (‪ ،)186‬الوالية على البلدان (‪.)2/26‬‬
‫‪2‬‬
‫() األخبار الطوال‪ ،‬ص (‪ )26‬نقال عن الوالية على البلدان (‪.)2/26‬‬
‫‪3‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪ )2/27‬جل هذا المبحث من كتاب الوالية على البلدان للدكتور عبد العزيز‬
‫العمرى‪ ،‬وهو من أفضل ما اطلعت في هذا الباب فجزاه هللا خيرًا‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪.)28 ،2/27‬‬
‫‪30‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫واليتهم ساعة واحدة بعد توليه الخالفة‪ ،‬يمنعه من ذلك دينه وأمانته(‪ ,)1‬وما أفظع هذا‬
‫االتهام الموجه ضد عثمان‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬وضد عماله‪ ،‬وقد نسفته في كتابي تيسير‬
‫الكريم المنان في سيرة عثمان بن عفان‪ ،‬وتحدثت عن حقيقة والة عثمان في مبحث‬
‫كامل(‪ ,)2‬فمن أراد المزيد فليرجع إليه‪.‬‬
‫لقد اعتمد من طعن في والة عثمان على روايات واهية ومشهورة وهي‪:‬‬
‫أ‪ -‬الرواية األولى‪ :‬من طريق الواقدى‪ :‬أن ابن عباس قال‪ :‬دعاني عثمان فاستعملني‬
‫على الحج ثم قدمت المدينة وقد بويع لعل ّى‪ ،‬فأتيته في داره‪ ،‬فوجدت المغيرة بن شعبة‬
‫مستخليًا به فحبسني حتى خرج من عنده‪ ،‬فقلت‪ :‬ماذا قال هذا؟ قال‪ :‬قال لي قبل مرته‬
‫هذه‪ :‬أرسل إلى عبد هللا بن عامر‪ ،‬وإلى معاوية‪ ،‬وإلى عمال عثمان بعهودهم تقرهم على‬
‫أعمالهم‪ ،‬يبايعون لك الناس‪ ،‬فإنهم يهدئون البالد ويسكنون الناس‪ ،‬فأبيت ذلك عليه يومئذ‬
‫وقلت‪ :‬وهللا لو كان ساعة من نهار الجتهدت فيها رأيي‪ ،‬وال وليت هؤالء وال مثلهم يولى‪،‬‬
‫قال‪ :‬ثم انصرف من عندي وأنا أعرف فيه أنه يرى أنه مخطئ ثم عاد إل ّى اآلن فقال‪ :‬إني‬
‫أشرت عليك أول مرة بالذي أشرت عليك وخالفتني فيه‪ ،‬ثم رأيت بعد ذلك رأيًا‪ ،‬وأنا أرى‬
‫أن تصنع الذي رأيت فتنزعهم وتستعين بمن تثق به‪ ،‬فقد كفى هللا‪ ،‬وهم أهون شوكة مما‬
‫كان‪ ،‬قال ابن عباس‪ :‬فقلت لعلى‪ :‬أما المرة األولى فقد نصحك وأما المرة األخيرة فقد‬
‫غشك‪ ،‬قال لي على‪ :‬ولو نصحني؟ قال ابن عباس‪ :‬ألنك تعلم أن معاوية وأصحابه أهل‬
‫دنيا‪ ،‬فمتى تثبتهم ال يبالون بمن ولى األمر‪ ،‬ومتى تعزلهم يقولون‪ :‬أخذ هذا األمر بغير‬
‫شورى‪ ،‬وهو قتل صاحبنا ويؤلبون عليك‪ ،‬فينتقض عليك أهل الشام وأهل العراق‪ ،‬مع أني‬
‫ال آمن طلحة والزبير أن يكرا عليك‪ ،‬فقال على‪ :‬أما ما ذكرت من إقرارهم فوهللا ما أشك‬
‫أن ذلك خير في عاجل الدنيا إلصالحهما‪ ،‬وأما الذي يلزمني من الحق والمعرفة بعمال‬
‫عثمان فوهللا ال أولى منهم أحدًا أبدًا‪ ،‬فإن أقبلوا فذلك خير لهم‪ ،‬وإن أدبروا بذلت لهم‬
‫السيف‪ ،‬قال ابن عباس‪ :‬أطعني وادخل دارك والحق بمالك بينبع‪ ،‬وأغلق بابك عليك‪ ،‬فإن‬
‫العرب تجول جولة وتضطرب وال تجد غيرك‪ ،‬فإنك وهللا لئن نهضت مع هؤالء اليوم‬
‫ليحملنك الناس دم عثمان غدًا‪ ،‬فأبى على‪ ،‬فقال البن عباس‪ :‬سر إلى الشام فقد وليتكها‪،‬‬
‫فقال ابن عباس‪ :‬ما هذا برأي‪ ،‬معاوية من بنى أمية‪ ،‬وهو ابن عم عثمان رضي هللا عنه‬
‫وعامله على الشام‪ ،‬ولست آمن أن يضرب عنقي لعثمان‪ ،‬أو أدنى ما هو صانع أن‬
‫يحبسني فيتحكم عل ّى‪ ،‬فقال له على‪ :‬ولم؟ قال‪ :‬لقرابة ما بيني وبينك‪ ،‬وإن كان ما حمل‬
‫عليك حمل على ولكن اكتب إلى معاوية فمنَّه وعده‪ ،‬فأبى عل ّى وقال‪ :‬وهللا ال كان هذا‬
‫أبدًا(‪.)3‬‬
‫ب‪ -‬الرواية الثانية‪ :‬وهي مثل الرواية األولى في المعنى‪ ،‬وفيها زيادة واختالف يثير‬
‫الشك في صحتها‪ ،‬وهو أن ابن عباس قدم مكة بعد مقتل عثمان‪ -‬رضي هللا عنه‪ -‬فلقي في‬
‫طريقه الزبير وطلحة ومعهما فئة من قريش بالنواصف(‪ ,)4‬يريد مكة‪ ،‬وهذا يخالف‬
‫الحقيقة‪ ،‬إذ إن عليًا بويع بعد أن وصل ابن عباس من الحج‪ ،‬وأن الزبير وطلحة قد بايعا‬
‫عليًا‪ ،‬فإذا خرجا في هذا الوقت يكون قد خرجا قبل البيعة وهذا خطأ واضح جلي(‪.)5‬‬
‫‪1‬‬
‫() الخلفاء الراشدون للنجار‪ ،‬ص (‪.)374‬‬
‫‪2‬‬
‫() عثمان بن عفان للصالبي‪ ،‬ص (‪.)289 -264‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪5/461‬إلى ‪.)463‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)5/463‬‬
‫‪5‬‬
‫() خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد على‪ ،‬ص (‪.)103‬‬
‫‪30‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫جـ‪ -‬الرواية الثالثة‪ :‬رواية أبى مخنف‪ ،‬رواها بدون إسناد‪ ،‬بأن المغيرة بن شعبة‬
‫أشار على عل ّى أن يثبت معاوية على الشام‪ ،‬وأن يولى طلحة والزبير البصرة والكوفة‪،‬‬
‫فاعترض ابن عباس على رأيه ألن البصرة والكوفة عين المال ومصدره‪ ،‬فإذا والهما‬
‫ضيَّقا على عل ‪‰‬ـًىًّ‪ ،‬وأن والية معاوية الشام ال تنفعه وقد تضره‪ ،‬فاستمع على إلى رأي ابن‬
‫عباس‪ ،‬ولم يقبل مشورة المغيرة بن شعبة(‪.)1‬‬
‫د‪ -‬الرواية الرابعة‪ :‬وردت رواية الواقدى األولى بشيء من االختصار عن ابن عبد‬
‫البر(‪ ,)2‬ولكن بدل ابن عباس‪ ،‬الحسن(‪ .)3‬إن هذه الروايات يأتي خطرها من حيث إنها‬
‫األساس الذي بنيت عليه أهم الدارسات المعاصرة وخرجت منها بنتائج خطيرة تطعن في‬
‫أكابر الصحابة أهل الشورى‪ ،‬في دينهم وفي عدلهم وأمانتهم‪ ،‬وتصورهم أفرادًا ماديين‬
‫همهم الثروة والسلطان ولو على حساب دماء المسلمين‪ ،‬وما الفتنة التي أدت إلى مقتل‬
‫عثمان‪ ،‬وما حرب الجمل إال بسبب هذه األطماع الشخصية(‪ ,)4‬ويظهر االضطراب‬
‫والنكارة في متن هذه الروايات في جل فقراتها‪ ،‬فقوله‪ :‬إن ابن عباس قدم المدينة بعد بيعة‬
‫عل ّى يخالف الروايات الموثوقة في أنه جاء قبل أن يبايع بالخالفة وقد تقدم‪ .‬وقوله‪ :‬أشار‬
‫المغيرة على عل ّى بأن يرسل إلى عبد هللا بن عامر وإلى معاوية‪ ،‬وإلى عمال عثمان‬
‫بعهودهم يقرهم على أعمالهم‪..‬يخالف روايات أوثق منها تفيد أن معظم هؤالء الوالة قد‬
‫تركوا والياتهم واتخذوا سبيلهم إلى مكة‪ ،‬فكيف يرسل إليهم بإثباتهم وهم قد تركوا البالد؟‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬إن عليًا قال في هؤالء الوالة‪ ،‬وهللا لو كانت ساعة نهار الجتهدت فيها رأيي‬
‫وال وليت هؤالء‪ ،‬وال مثلهم يولى‪ ،‬يخالفه أن هؤالء الوالة مؤهلون لإلمارة والقيادة‪ ،‬فقد‬
‫توسعت على أيديهم الدولة اإلسالمية‪ ،‬فعبد هللا بن عامر وصلت فتوح البصرة في واليته‬
‫إلى كابل – عاصمة أفغانستان‪ -‬أما معاوية فلو أنه لم يكن مؤهالً ما ولى عشرين عا ًما‪..‬‬
‫وقد بينت أن عدم رضا مجموعة من الناس عن عمال عثمان هو بسبب ما أشاعه أهل‬
‫الفتنة عنهم‪ ،‬وليس لعجزهم‪ ،‬والواقع التاريخي يثبت ذلك‪ ،‬وتصور الرواية الواهية‬
‫المغيرة بن شعبة بالمداهنة والغش‪ ،‬وعدم المباالة بمصلحة المسلمين‪ ،‬وفي هذا الوقت‬
‫العصيب بالذات‪ ،‬وهذا ال يوافق أخالقه وسيرته قبل الفتنة وبعدها‪ ،‬كما تصور – عن‬
‫حسن نية‪ -‬عليًا رضي هللا عنه بالجاهل في هذه األمور السياسية‪ ،‬وأن المغيرة وابن عباس‬
‫هما العارفان بهذه األمور(‪ ,)5‬وأما رواية أبى مخنف‪ ،‬فإن ابن عباس يشير على عل ّى‬
‫بعزل معاوية وأن واليته ال تنفعه «سياسيًا» بخالف روايات الواقدى‪ -‬وفيها أن‬
‫الصحابيين الجليلين طلحة والزبير إذا والهما على ِمصْ َريْ العراق‪ ،‬فسيستأثران بموارده‬
‫المالية(‪.)6‬‬
‫إن الروايات السابقة واهية من حيث السند‪ ،‬وهذا كاف في إسقاطها‪ ،‬ومضطربة‬
‫ومنكرة من حيث المتن‪ ،‬وهي روايات افتراضية إذا حدث كذا فسيحدث كذا‪ ،‬فهي ال تنقل‬
‫الخبر التاريخي على حقيقته‪ ،‬ولألهواء وتدخل الراوي بشخصه وميوله الرافضة أثر في‬
‫‪1‬‬
‫() أنساب األشراف (‪.)2/36‬‬
‫‪2‬‬
‫() االستيعاب (‪ )2/371‬بحاشية اإلصابة‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد‪ ،‬ص (‪ ،)103‬تاريخ اإلسالم للذهبي عهد الخالفة الراشدة‪ ،‬ص‬
‫(‪.)537‬‬
‫‪4‬‬
‫() على وبنوه‪ ،‬طه حسين إسالميات‪ ،‬ص (‪ ،)854 ،851 ،850‬عبقرية على ص (‪ )75 ،55 ،53‬للعقاد‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد على‪ ،‬ص(‪.)105‬‬
‫‪6‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص(‪.)106‬‬
‫‪30‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ذلك(‪.)1‬‬
‫وما قام به أمير المؤمنين على رضي هللا عنه من تعيين والة جدد أدعى إلى بيعة‬
‫الناس في تلك البالد البعيدة‪ ،‬وليجدد بهم عهد الفتوحات‪ ،‬ويفسح المجال أمام العبقريات‬
‫الجديدة أن تنطلق وتخدم دين هللا تعالى(‪.)2‬‬
‫إن أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي هللا عنه كان يمتلك موهبة قيادية ومعرفة‬
‫بالنفوس واألوضاع القائمة‪ ،‬وأنه أقال الوالة ليختار سواهم حسب ما يراه مالئ ًما لتحقيق‬
‫االنسجام اإلداري والسياسي بين الخليفة وأعوانه‪ ،‬وقد عزل عمر بعض والة أبى بكر‪،‬‬
‫كما عزل عثمان بعض والة عمر‪ ،‬وبالتالي من حق على أن يعزل من يرى أن المصلحة‬
‫متحققة بعزله وتعيين غيره(‪ ,)3‬وقد جانب الصواب بعض المؤلفين المعاصرين في قضية‬
‫عزل على لوالة عثمان‪ ،‬فاشتطت أقالمهم في تفسير هذا الموقف‪ ،‬فمنهم من حمله على‬
‫صالبة على في الحق وضرورة التغيير‪ ،‬ومنهم من حمله على ضعف خبرة على‬
‫السياسية‪ ،‬وأن األولى سياسيًا إبقاء الوالة‪ ،‬وخاصة معاوية حتى تستقر األوضاع وتؤخذ‬
‫البيعة لعلي في األمصار‪ ،‬وهذه التفسيرات مدارها على روايات واهية وأخبار ضعيفة‬
‫تدور حول إبداء المغيرة بن شعبة رأيين متعارضين حول الموقف من الوالية(‪ ,)4‬كما أن‬
‫عليًا – رضي هللا عنه‪ -‬إمام مجتهد له أن يعزل جميع عمال عثمان إذا رأى المصلحة في‬
‫ذلك‪ ،‬وقد ولى رسول هللا ×‪ ،‬وهو المعصوم‪ -‬خالد بن سعيد بن العاص على صنعاء‬
‫وعمرو بن العاص على عمان(‪ ,)5‬فعزلهما الخليفة الصديق من بعده – رضي هللا عنه –‬
‫عزل خالد وولى مكانه المهاجر بن أبى أمية‪ -‬له صحبة – وعزل عمرو وولى مكانه‬
‫حذيفة بن محصن – له صحبة‪ ,)6( -‬وقد ولى أبو بكر – رضي هللا عنه – القائدين‬
‫العظيمين خالد بن الوليد والمثنى بن حارثة – رضي هللا عنهما‪ -‬فعزلهما عمر‪ -‬رضي هللا‬
‫(‪)8‬‬
‫عنه – مع كفاءتهما(‪ ,)7‬وولى الفاروق – رضي هللا عنه – على مصر عمرو بن العاص‬
‫– رضي هللا عنه – وعلى الكوفة المغيرة بن شعبة‪ -‬رضي هللا عنه‪ ,)9( -‬فعزلهما ذو‬
‫النورين‪ ،‬وولى على مصر ابن أبى سرح(‪ ,)10‬وعلى الكوفة سعد بن أبى وقاص(‪ ,)11‬فهل‬
‫ينتقد عاقل الصديق والفاروق وذا النورين في عزلهم هؤالء العمال األكفاء؟ إن لكل وقت‬
‫أحواالً وظروفًا تطرأ‪ ،‬فيحمل الالحق على ما ال يراه السابق من االجتهاد‪ ،‬ويرى الشاهد‬

‫‪1‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص(‪.)106‬‬
‫‪2‬‬
‫() على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الستار الشيخ‪ ،‬ص (‪.)176‬‬
‫‪3‬‬
‫() عصر الخالفة الراشدة‪ ،‬ص (‪.)129‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)159‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ خليفة بن خياط‪ ،‬ص (‪.)97‬‬
‫‪6‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)123‬‬
‫‪7‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)122‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)155‬‬
‫‪9‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/467‬‬
‫‪10‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪ ،)1/33‬الوالية على البلدان (‪.)1/17‬‬
‫‪11‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/251‬‬
‫‪30‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ما ال يراه الغائب(‪ )1‬وأما قول بعض الكتاب المعاصرين بأن أمير المؤمنين على عزل‬
‫جميع عمال عثمان‪ ،‬فإن العزل لم يتحقق إال في معاوية بن أبى سفيان في الشام(‪ ,)2‬وخالد‬
‫بن أبى العاص بن هشام في مكة(‪ ,)3‬وأما البصرة فخرج منها عبد هللا ابن عامر‪ ،‬ولم يول‬
‫عثمان عليها أحدًا(‪ ,)4‬وفي اليمن أخذ أميرها يعلى بن منية‪ -‬رضي هللا عنه – مال جباية‬
‫اليمن وقدم مكة بعد مقتل عثمان‪ ،‬وانضم إلى طلحة والزبير وحضر معهما موقعة الجمل‪،‬‬
‫ووفد ابن أبى سرح عامل مصر واستناب ابن عمه عليها‪ ،‬فلما رجع إليها وجد ابن أبى‬
‫حذيفة تغلب عليها فطرده عنها‪ ،‬فذهب إلى الرملة بفلسطين‪ ،‬ومكث بها حتى مات(‪,)5‬‬
‫وهكذا فإن أميرى اليمن والبصرة عزال نفسيهما‪ ،‬وأمير مصر عزله المتغلب عليها ابن‬
‫أبى حذيفة‪ ،‬وأمير الكوفة أقره عل ّى‪ -‬رضي هللا عنه – في منصبه‪ ،‬فلم يرد العزل حقيقة‬
‫إال في حق معاوية والى الشام وخالد بن أبى العاص والى مكة‪ ،‬كما أن أمير المؤمنين‬
‫عل ّى رضي هللا عنه ولى أخيار الناس على المسلمين‪ ،‬فمن الوالة الذين والهم على األقاليم‬
‫سهل بن حنيف على الشام وهو صحابي جليل شهد بدرًا وأحدًا‪ ،‬وثبت مع النبي × يوم‬
‫أحد حين انكشف الناس وبايعه على الموت‪ ،‬وجعل ينضح بالنبل عن رسول هللا ×‪ ،‬وشهد‬
‫أيضًا الخندق والمشاهد كلها مع رسول هللا ×(‪ ,)6‬وولى عثمان بن حنيف على البصرة‪،‬‬
‫وهو صحابي من األنصار كان عامالً لعمر على العراق(‪ ,)7‬كما ولى قيس بن سعيد بن‬
‫عبادة على مصر(‪ ,)8‬وكان صاحب شرطة النبي × وكان جوادًا من ذوى الرأي‬
‫والذكاء(‪ ,)9‬وولى عبيد هللا بن العباس بن عبد المطلب على اليمن‪ ،‬له صحبة(‪ ,)10‬وهو‬
‫أصغر من أخيه بسنة‪ ،‬وكان كري ًما ممدوحًا نبيالً(‪ ,)11‬وأما قول بعض الكتاب‪ ،‬إنه عزل‬
‫العمال قبل أن تصل إليه بيعة أهل األمصار‪ ،‬فإنه تولية اإلمام العمال على األمصار غير‬
‫مشروطة بوصول بيعة أهلها له عند جميع المسلمين‪ ،‬فمتى بايع أهل الحل والعقد أي‬
‫خليفة لزمت بيعته جميع البلدان النائية عن مركز خالفته شرعًا وعقالً‪ ،‬ولو كانت تولية‬
‫الخليفة العمال على األمصار متوقفة على وصولـ بيعة أهلها له ما تمت بيعة الصديق‪-‬‬
‫رضي هللا عنه – ألنه تصرف بإرسال بعث أسامة ومحاربة المرتدين ومانعي الزكاة قبل‬
‫وصولـ بيعة أهل مكة والطائف وجواثى في البحرين‪ ،‬وكذلك الفاروق‪ ،‬رضي هللا عنه‪،‬‬
‫فإنه استهل خالفته بعزل خالد بن الوليد وتولية أبى عبيدة بن الجراح قائدًا عا ًما على‬
‫جيوش المسلمين بالشام قبل وصولـ بيعة أهل اليمن وجيوش المسلمين بالشام والعراق‬
‫إليه‪ ،‬وتصرف ذو النورين‪ -‬رضي هللا عنه – في أمور المسلمين أيضًا قبل بيعة األمصار‬
‫‪1‬‬
‫() تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة (‪.)2/99‬‬
‫‪2‬‬
‫() المعجم الكبير للطبراني (‪ ،)12/261‬مصنف ابن أبى شيبة (‪ )15/81‬رجاله رجال الصحيح‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ ابن خياط‪ ،)201( ،‬الوالية على البلدان (‪.)2/3‬‬
‫‪4‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪ ،)3/35‬اإلصابة ترجمة (‪.)4711‬‬
‫‪5‬‬
‫() تحقيق مواقف الصحابة (‪.)2/100‬‬
‫‪6‬‬
‫() الطبقات (‪.)3/471‬‬
‫‪7‬‬
‫() التاريخ الكبير للبخاري (‪.)3/209‬‬
‫‪8‬‬
‫() النجوم الزاهرة (‪ ،)2/94‬والة مصر ص (‪.)44‬‬
‫‪9‬‬
‫() اإلصابة (‪ ،)3/94‬تحقيق مواقف الصحابة (‪.)2/101‬‬
‫‪10‬‬
‫() تاريخ خليفة‪ ،‬ص (‪ ،)200‬تحقيق مواقف الصحابة (‪.)2/101‬‬
‫‪11‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)3/512‬‬
‫‪30‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫إليه(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬تعيين أمير المؤمنين عل ّى رضي هللا عنه بعض أقاربه على الواليات‪:‬‬
‫تحدث الكتاب المعاصرون عن قضية تولية األقارب على الواليات في خالفتي عثمان‬
‫وعل ّى‪ ،‬حيث إن عثمان عين عددًا من الوالة‪ ،‬وقد تم تبيين ذلك‪ ،‬وكانوا خمسة من بنى‬
‫أمية من ثمانية عشر واليًا‪ ،‬وعندما توفي عثمان لم يكن من بنى أمية من الوالة إال ثالثة‬
‫وهم معاوية وعبد هللا بن سعد بن أبى السرح‪ ،‬وعبد هللا بن عامر بن كريز فقط‪ ،‬وعزل‬
‫عثمان الوليد بن عقبة وسعيد ابن العاص‪ ،‬ولكنه عزلهما من أين؟ من الكوفة التي عزل‬
‫منها عمر سعد بن أبى وقاص‪ ،‬الكوفة التي لم ترض بوال أبدًا‪ ،‬إذ عزل عثمان‪ ،‬رضي‬
‫هللا عنه ألولئك الوالة ال يعتبر مطعنًا فيهم بل مطعن في المدينة التي ُولُّوا عليها(‪ ,)2‬ثم إن‬
‫الوالة الذين والهم عثمان – رضي هللا عنه – من أقاربه قد أثبتوا الكفاية والمقدرة في‬
‫إدارة شئون والياتهم‪ ،‬وفتح هللا على أيديهم الكثير من البلدان وساروا في الرعية سيرة‬
‫العدل واإلحسان‪ ،‬ومنهم من تقلد مهام الوالية قبل ذلك في عهد الصديق والفاروق‪ ،‬رضي‬
‫هللا عنهما(‪ ,)3‬وقد قام أمير المؤمنين عل ّى رضي هللا عنه بالسير على منهج عثمان في‬
‫تولية أصحاب الكفاية والمقدرة والصالح من األقارب على الواليات‪ ،‬وهم من أبناء عمه‬
‫العباس بن عبد المطلب‪ ،‬وهم على التوالي‪ ،‬عبد هللا بن عباس‪ ،‬وعبيد هللا بن عباس‪ ،‬وقثم‬
‫وتمام ابنا العباس‪ ،‬ومحمد ابن أبى بكر ربيبه‪ ،‬والتحقيق يثبت أن كالً من على وعثمان‬
‫عينا من يغلب على ظنهما كفاءته‪ ،‬وال يتصور أنهما قدما األقارب بسبب القرابة‪ ،‬وكانت‬
‫الظروف التي تسود الواليات تقتضى اختيارًا دقيقًا للوالة من حيث القوة واألمانة‪ ،‬فال‬
‫تزال الفتوحات في األقاليم الشرقية غير مستقرة‪ ،‬فضالً عن مشكالت الخوارج في خالفة‬
‫على(‪ ,)4‬ولو تأملنا في أنساب والة عل ّى لوجدنا أحد عشر واليًا منهم من األنصار من بين‬
‫ستة وثالثين واليًا‪ ،‬وسبعة منهم من قريش‪ -‬بينهم أربعة من أبناء العباس بن عبد المطلب‬
‫– وهذه قائمة بأسماء الوالة في خالفة على(‪.)5‬‬
‫‪ -1‬سهل بن حنيف األنصاري (المدينة)‪.‬‬
‫‪ -2‬تمام بن العباس بن عبد المطلب (المدينة)‪.‬‬
‫‪ -3‬أبو أيوب األنصاري (المدينة)‪.‬‬
‫‪ -4‬أبو قتادة األنصاري (المدينة)‪.‬‬
‫‪ -5‬قثم بن العباس بن عبد المطلب (مكة والطائف)‪.‬‬
‫‪ -6‬عمر بن أبى سلمه (البحرين)‪.‬‬
‫‪ -7‬قدامه بن العجالن األنصاري (البحرين)‪.‬‬
‫‪ -8‬النعمان بن العجالن األنصاري (البحرين)‪.‬‬
‫‪ -9‬عبيد هللا بن عباس (اليمن والبحرين)‪.‬‬
‫‪ -10‬سعيد بن سعد بن عبادة األنصاري (الجند)‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() تحقيق مواقف الصحابة (‪.)2/101‬‬
‫‪2‬‬
‫() حقبة من التاريخ‪ ،‬ص (‪ ،)57‬عثمان بن عفان للصالبي‪ ،‬ص (‪ ،)265‬هناك تحقيق موسع في المسألة‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() تحقيق مواقف الصحابة (‪.)1/417‬‬
‫‪4‬‬
‫() عصر الخالفة الراشدة‪ ،‬ص (‪.)129‬‬
‫‪5‬‬
‫() عصر الخالفة الراشدة ص (‪.)129‬‬
‫‪30‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -11‬مالك بن األشتر (الجزيرة ثم مصر)‪.‬‬
‫‪ -12‬شبيب بن عامر (الجزيرة)‪.‬‬
‫‪ -13‬كميل بن زياد النخعي (الجزيرة)‪.‬‬
‫‪ -14‬محمد بن أبى حذيفة بن عتبة (مصر)‪.‬‬
‫‪ -15‬قيس بن سعد بن عبادة األنصاري (مصر)‪.‬‬
‫‪ -16‬محمد بن أبى بكر الصديق (مصر)‪.‬‬
‫‪ -17‬عثمان بن حنيف األنصاري (البصرة)‪.‬‬
‫‪ -18‬عبد هللا بن عباس (البصرة)‪.‬‬
‫‪ -19‬أبو األسود الدؤلى (الكوفة)‪.‬‬
‫‪ -20‬هاني بن هوذة النخعي (الكوفة)‪.‬‬
‫‪ -21‬أبو موسى األشعري (الكوفة)‪.‬‬
‫‪ -22‬أبو مسعود البدري (الكوفة)‪.‬‬
‫‪ -23‬قرظة بن كعب األنصاري (الكوفة)‪.‬‬
‫‪ -24‬سهل بن حنيف األنصاري (فارس)‪.‬‬
‫‪ -25‬زياد بن أبي سفيان (فارس)‪.‬‬
‫‪ -26‬المنذر بن الجارود (اصطخر)‪.‬‬
‫‪ -27‬عمر بن سلمة (أصبهان)‪.‬‬
‫‪ -28‬محمد بن سليم (أصبهان)‪.‬‬
‫‪ -29‬خليد بن قرة التميمي (خراسان)‪.‬‬
‫‪ -30‬عبد الرحمن بن أبزى (خراسان)‪.‬‬
‫‪ -31‬جعدة بن هبيرة بن أبى وهب (خراسان)‪.‬‬
‫‪ -32‬عبد الرحمن بن جزء الطائي (سجستان)‪.‬‬
‫‪ -33‬ربعي بن كأس العنبري (سجستان)‪.‬‬
‫‪ -34‬جرير بن عبد هللا البجلى (همذان)‪.‬‬
‫‪ -35‬األشعت بن قيس الكندي (أذربيجان)‪.‬‬
‫‪ -36‬سعيد بن سرية الخزاعي (أذربيجان)‪.‬‬
‫‪ -37‬الخريت بن راشد الناجي (األهواز)‪.‬‬
‫‪ -38‬مصقلة بن هبيرة الشيبانى (األهواز)‪.‬‬
‫‪ -39‬يزيد بن حجية التميمي (الري)‪.‬‬
‫‪ -40‬سعد بن مسعود الثقفي (المدائن)‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫‪ -41‬الحارث بن مرة العبدي (السند) ‪.‬‬
‫إن عثمان وعليًا‪ -‬رضي هللا عنهما‪ -‬خليفتان راشدان يقتدى بهما‪ ،‬وأفعالهما تشكل‬
‫‪1‬‬
‫() عصر الخالفة الراشدة‪ ،‬ص (‪.)132 ،131 ،130‬‬
‫‪31‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫سوابق دستورية في هذه األمة‪ ،‬فكما أن عمر سن لمن بعده التحرج من تقريب األقربين‪،‬‬
‫فإن عثمان وعليًا سنا لمن بعدهم تقريب األقربين إذا كانوا أهل كفاءة(‪.)1‬‬
‫ثانيًا‪ :‬مراقبة أمير المؤمنين عل ‪‰‬ـًًّى لعماله وبعض توجيهاته‪:‬‬
‫دأب أمير المؤمنين عل ّى رضي هللا عنه مراقبة والته وتتبع أحوالهم في والياتهم‪،‬‬
‫والسؤال عنهم‪ ،‬وقد اتبع لذلك عدة أساليب منها أنه كان يبعث مفتشيه إلى هؤالء الوالة‬
‫فيسألون عنهم الناس‪ ،‬وقد يسأل بعض العمال عن بعض ويأمرهم بتفقد أمورهم‪ ،‬فقد كتب‬
‫إلى كعب بن مالك‪ :‬أما بعد فاستخلف على عملك‪ ،‬واخرج في طائفة أصحابك حتى تمر‬
‫بأرض كورة السواد فتسأل عن عمالي وتنظر في سيرتهم(‪ ,)2‬كما كان على رضي هللا عنه‬
‫يعتمد على تقارير سرية يبعثها إليه مفتشوه على هذه الواليات وال يعرف الوالة‬
‫مهمتهم(‪ ,)3‬وقد يكون هؤالء المراقبون من موظفي الوالي أو آخرين مجهولين‪ ،‬وقد‬
‫يكونون مقيمين في الوالية أو متنقلين من والية إلى أخرى‪ ،‬ويدل على وجود هذه التقارير‬
‫السرية ما كان يكتبه عل ّي رضي هللا عنه إلى هؤالء الوالة‪ ،‬ولعل تدخل بعض األشخاص‬
‫بين أمير المؤمنين ووالته هو السبب في ترك بعضهم للوالية ورفضهم للعمل‪ ،‬كتدخل‬
‫األشتر بين عل ّى وجرير ابن عبد هللا البجلى‪ ،‬وتدخل بعض الناس بين على ومصقلة بن‬
‫هبيرة(‪ ,)4‬وقد فتح عل ّى رضي هللا عنه الباب على مصراعيه ألي شكوى تقدم إليه ضد‬
‫أحد من والته‪ ،‬وكان إذا بلغه عن أحد منهم شكاية قال‪ :‬اللهم إني لم آمرهم أن يظلموا‬
‫خلقك أو يتركوا حقك(‪ ,)5‬وقد قام رضي هللا عنه بحبس أحد الوالة وتأديبه وضربه بالدرة‬
‫حينما بلغته شكاية عنه(‪ )6‬وثبتت التهمة‪.‬‬
‫وقد كان أمير المؤمنين على دائم النصح لوالته‪ ،‬وقد نصح عل ّى رضي هللا عنه‬
‫مجموعة من الوالة منهم قيس بن سعد‪ ،‬حين واله على مصر حيث أوصاه‪ :‬تأتيها ومعك‬
‫جند‪ ،‬فإن ذلك أرعب لعدوك‪ ،‬وأعز لوليك‪ ،‬فإذا أنت قدمتها إن شاء هللا فأحسن إلى‬
‫المحسن واشتد على المريب‪ ،‬وأرفق بالعامة والخاصة‪ ،‬فإن الرفق يمن(‪ ,)7‬ومن نصائحه‬
‫إلى قيس بن سعد في إحدى رساالته‪ :‬أما بعد فأقبل على خراجك بالحق‪ ،‬وأحسن إلى‬
‫جندك باإلنصاف‪ ،‬وعلم من قبلك مما علمك هللا(‪ ,)8‬وقد كانت بعض العهود المرسلة‬
‫للبلدان في تعيين الوالة تشتمل على بعض النصائح والتوجيهات‪ ،‬ومن ذلك عهد على إلى‬
‫محمد بن أبى بكر في والية مصر الذي قرأه على الناس‪ ،‬فقد كان يحتوى على جملة من‬
‫النصائح للعامة وللوالي نفسه(‪ ,)9‬وكانت تجرى بين عل ّى وبين والته العديد من االتصاالت‬
‫سواء بالمراسلة الخطية‪ ،‬أو الشفهية‪ ،‬أو باالتصال المباشر‪ ،‬وبالدرجة األولى أثناء قدوم‬
‫هؤالء الوالة إلى الكوفة لمقابلة أمير المؤمنين عل ّى أو لالشتراك معه في قتال الخوارج‬
‫‪1‬‬
‫() األساس في السنة وفقهها سعيد حوى (‪ ،)4/1675‬عثمان بن عفان للصالبي‪ ،‬ص (‪.)365‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ اليعقوبي (‪.)28204‬‬
‫‪3‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪.)2/33‬‬
‫‪4‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)601 ،5/600‬‬
‫‪5‬‬
‫() الفتاوى (‪.)151 ،28‬‬
‫‪6‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪ )2/34‬نقالً عن الكامل البن األثير‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪.)2/36‬‬
‫‪8‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪.)2/36‬‬
‫‪9‬‬
‫() تراث الخلفاء الراشدين‪ ،‬ص (‪)156‬‬
‫‪31‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وغيرهم‪ ،‬ولم يؤثر عن أمير المؤمنين أنه حج واتصل بوالته في الحج بعد مبايعته‪ ،‬كما‬
‫كان يفعل الخلفاء السابقون‪ ،‬وإنما كان ينيب عنه في ذلك بعض من يثق فيهم كأبناء‬
‫العباس وغيرهم‪ ،‬وكان والة المشرق أكثر والة عل ‪‰‬ـًًّى اتصاالً به‪ ،‬نظرًا لقربهم من الكوفة‬
‫وتكرار وفودهم إليها‪ ،‬وكان عل ّى كثيرًا ما يكتب أوامر تصدر على شكل نصائح تبين لهم‬
‫طريقة العمل‪ ،‬وقد كان بعضها مكتوبًا‪ ،‬وبعضها مشافهة‪ ،‬فقد جاء في أحد كتب أمير‬
‫المؤمنين إلى عماله‪« :‬فإنكم خزان الراعية‪ ،‬ووكالء األمة‪ ،‬وسفراء األئمة‪ ،‬وال تجشموا‬
‫أحدًا عن حاجته‪ ،‬وال تحبسوه عن طلبته‪ ،‬وال تبيعن الناس في الخراج كسوة شتاء‪ ،‬وال‬
‫صيف‪ ،‬وال دابة يعملون عليها‪ ،‬وال عبدًا‪ ،‬وال تضربن أحدًا سوطًا لمكان درهم وال تمس‬
‫مال أحد من الناس مص ّل وال معاهد(‪.» )1‬‬
‫وتقدم بعض الدهاقين بشكوى إلى عل ّى من أحد عماله فكتب إلى ذلك العامل‪ :‬أما بعد‬
‫فإن دهاقين أهل بلدك شكوا منك غلظة وقسوة واحتقارًا وجفوة‪ ،‬ونظرت فلم أرهم أهالً‬
‫ألن يدنوا لشركهم‪ ،‬وال أن يُقضوا ويجفوا لعهدهم‪ ،‬فالبس لهم جلبابًا من اللين تشوبه‬
‫بطرف من الشدة‪ ،‬وداول لهم بين القسوة والرأفة‪ ،‬وامزج لهم بين التقريب واإلدناء‪،‬‬
‫واإلبعاد واإلقصاء إن شاء هللا(‪.)2‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الصالحيات الممنوحة للوالة في عهد عل ّى رضي هللا عنه‪:‬‬
‫امتنع أمير المؤمنين عل ّى عن تسليم جميع السلطات بيد شخص واحد‪ ،‬فكان مبدؤه‬
‫توزيع السلطات وتحديد الصالحيات‪ ،‬فقد نصب ابن عباس واليًا على البصرة‪ ،‬ونصب‬
‫زيادًا على الخراج وبيت المال‪ ،‬ولم يكتف بهذا بل أمر ابن عباس أن يسمع منه ويطيع(‪،)3‬‬
‫وهذا قمة الضبط اإلداري‪ ،‬فزياد يطيع ابن عباس في إطار واليته على البصرة‪ ،‬وابن‬
‫عباس يطيع زياد في إطار عمله في بيت المال والخراج‪ ،‬أما لشئون القضاء فقد نصب أبا‬
‫األسود الدؤلى(‪.)4‬‬
‫ومن خالل عهد أمير المؤمنين على الذي كتبه لمالك بن األشتر يمكن أن نالحظ‬
‫الصالحيات الممنوحة للوالة‪ ،‬ونحاول أن نجعل الصورة أكثر وضوحًا مع التفصيل‪:‬‬
‫‪ -1‬تعيين الوزراء‪ :‬يقول أمير المؤمنين في عهده لمالك بن األشتر‪ :‬إن شر وزرائك‬
‫من كان لألشرار قبلك وزيرًا‪ ،‬ومن شركهم في اآلثام فال يكونن لك بطانة(‪ ,)5‬فإنهم أعوان‬
‫األثمة‪ ،‬وإخوان الظلمة‪ ،‬وأنت واجد منهم خير الخلف(‪ ,)6‬ممن له مثل آرائهم ونفاذهم‪،‬‬
‫ويبين عليه مثل آصارهم وأوزارهم(‪ ,)7‬ممن لم يعاون ظال ًما على ظلمه‪ ،‬وال آث ًما على‬
‫إثمه‪ ،‬أولئك أخف عليك مئونة‪ ،‬وأحسن لك معونة‪ ،‬وأحنى لك عطفًا‪ ،‬وأقل لغيرك إلفا ‪,‬‬
‫ً (‪)8‬‬

‫ففي هذا النص الذي أورده أمير المؤمنين على بصورة نصائح أورد فيه النقاط والحقائق‬
‫‪1‬‬
‫() نهج البالغة (‪.)2/155‬‬
‫‪2‬‬
‫() نهج البالغة (‪.)2/155‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/580‬‬
‫‪4‬‬
‫() تاريخ خليفة بن خياط‪ ،‬ص (‪.)200‬‬
‫‪5‬‬
‫() بطانة الرجل‪ :‬خاصته‪ ،‬واألثمة‪ :‬جمع آثم‪ ،‬والظلمة‪ :‬جمع ظالم‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() الخلف‪ :‬بمعنى البدل‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() اآلصار‪ :‬جمع إصر وهو الذنب واإلثم وكذلك األوزار‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() اإللف‪ :‬األلفة والمحبة‪.‬‬
‫‪31‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫أ‪ -‬تعيين الوزراء من صالحيات الوالي‪.‬‬
‫ب‪ -‬الشروط التي يجب أن يختار الوالي وزراءه بموجبها‪.‬‬
‫جـ‪ -‬طريقة التعامل والعالقة المتبادلة بين الوالي والوزير‪.‬‬
‫د‪ -‬وظيفة الوزير‪.‬‬
‫أما عدد الوزراء فلم يذكره أمير المؤمنين على بل اكتفى بلفظ الجمع‪ ،‬ويظهر أن‬
‫عددهم يرتبط بمقدار حاجة الوالي إلى المعاونين‪ ،‬ألن عمل الوزير هو مساعدة الوالي في‬
‫وظائفه‪ ،‬وهناك شروط حددها أمير المؤمنين على‪ :‬أن ال يكون وزيرًا سابقًا للوالة‬
‫األشرار‪ ،‬وينتخب الوالي من مجموع وزرائه وزيرًا واحدًا يكون نائبه ومساعده في‬
‫تمشية األمور‪ ،‬ويجب أن يختاره من بين وزرائه على أساس(‪ )1‬قول أمير المؤمنين‪ :‬ثم‬
‫ليكن آثرهم عندك أقولهم بمر الحق لك(‪ .)2‬وأقلهم مساعدة فيما يكون منك مما كره هللا‬
‫ألوليائه واقعًا ذلك من هواك حيث وقع(‪ ,)3‬وأما وظائفهم فهي تدخل في دائرة «المساعدة»‬
‫وأما تحديد تفاصيل هذه الدائرة فيوكل إلى الوالي الذي يقرر وظائف وزرائه حسب‬
‫الحاجة إليهم‪ ،‬ويكون ارتباط الوزراء بالوالي بصورة مباشرة(‪.)4‬‬
‫‪ -2‬تشكيل مجالس الشورى‪ :‬وذلك باالستعانة بالعلماء والحكماء وهم أهل الحل‬
‫والعقد‪ ،‬وأهل الخبرة‪ ،‬فقد ورد في حقهم هذا النص‪ :‬وأكثر مدارسة العلماء‪ ،‬ومناقشة‬
‫الحكماء في تثبيت ما صلح عليه أمر بالدك وإقامة ما استقام به الناس قبلك(‪.)5‬‬
‫وفي هذا النص التأكيد على جمع العلماء والحكماء في مجالس استشارية منتظمة‪،‬‬
‫ويمكن أن يجرى تعيينهم من قبل الوالي أو يتم انتخابهم من قبل الناس‪ ،‬فليس هناك تحديد‬
‫من أمير المؤمنين على طبيعة تشكيل هذه المجالس‪ ،‬بل اكتفى أمير المؤمنين بالمطالبة‬
‫من واليه‪ ،‬وأكثر مدارسة العلماء ومناقشة الحكماء أما كيف تم جمعهم؟ فهل اجتمعوا بأمر‬
‫من الوالي أو يتم انتخابهم من قبل الناس؟ فهذا أمر لم يبت فيه أمير المؤمنين على‪ ،‬بل‬
‫تركه معلقًا حسب الظروف التي تتحكم في طريقة تعيينهم‪ ،‬إما باختيار الوالي أو انتخاب‬
‫الناس‪ ،‬وأما وظيفة هذا المجلس فهو الدارسة والبحث لتحديد السياسات العامة بخصوص‬
‫األمرين‪:‬‬
‫أ‪ -‬تثبيت ما صلح عليه البالد‪.‬‬
‫ب‪ -‬إقامة ما استقام عليه الناس من قبل الوالي‪.‬‬
‫وهذا يعنى وضع الخطوط العريضة لكل ما يتعلق بإصالح أوضاع البالد والعباد‪،‬‬
‫سواء كان ذلك في مصرف بيت المال أو تعيين اإلداريين‪ ،‬أو تقديم الخدمات لألصناف‬
‫من تجار وصناع ومزارعين‪ ،‬وهذا المجلس أشبه ما يكون بالمجالس المحلية التي تقام في‬
‫الدولة التي يقوم نظامها على الالمركزية(‪ ,)6‬وفي نصف آخر يذكر أمير المؤمنين صفات‬
‫‪1‬‬
‫() اإلدارة والنظام اإلداري عند اإلمام على‪ ،‬د‪ .‬محسن الموسوى‪ ،‬ص (‪.)261‬‬
‫‪2‬‬
‫() مر الحق‪ :‬صعوبته على نفس الوالي‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() نهج البالغة‪ ،‬شرح محمد عبده‪ ،‬ص (‪.)609‬‬
‫‪4‬‬
‫() اإلدارة والنظام اإلداري عند اإلمام على‪ ،‬ص (‪.)261‬‬
‫‪5‬‬
‫() نهج البالغة‪ ،‬شرح محمد عبده‪ ،‬ص (‪.)610‬‬
‫‪6‬‬
‫() اإلدارة والنظام اإلداري عند اإلمام على‪ ،‬ص (‪.)161‬‬
‫‪31‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫هؤالء المستشارين والمعاونين‪ :‬ثم الصق بذوي المروءات واألحساب وأهل البيوتات‬
‫الصالحة والسوابق الحسنة‪ ،‬ثم أهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة‪ ،‬فإنهم جماع من‬
‫الكرم وشعب من العرف(‪ ,)1‬وذكر أمير المؤمنين على رضي هللا عنه أهمية االهتمام بهم‬
‫وتفقد أحوالهم وأمورهم فقال‪ :‬ثم تفقد من أمورهم ما يتفقد الوالدان من ولدهما‪ ،‬وال‬
‫يتفاقمن في نفسك شيء قويتهم به(‪ ,)2‬وال تحقرن لطفًا تعاهدتهم(‪ )3‬له وإن قل‪ ,‬فإنه داعية‬
‫لهم إلى بذل النصيحة لك وحسن الظن بك‪ ،‬وال تفقد لطيف أمورهم اتكاالً على جسيمه‪،‬‬
‫فإن لليسير من لطفك موضعًا ينتفعون به‪ ،‬وللجسم موقعًا ال يستغنون عنه(‪.)4‬‬
‫‪ -3‬إنشاء الجيش وتجهيزه‪ :‬قال أمير المؤمنين عل ّى رضي هللا عنه لمالك النخعي‪:‬‬
‫وليكن آثار رؤوس جندك عندك(‪ )5‬من واساهم في معونته‪ ،‬وأفضل عليهم من جدته بما‬
‫يسعهم‪ ،‬ويسع من وراءهم من خلوف أهليهم‪ ،‬حتى يكون همهم ه ًما واحدًا في جهاد العدو‪،‬‬
‫فإن عطفك عليهم(‪ ,)6‬يعطف قلوبهم عليك(‪ .)7‬والذي يظهر من هذا النص‪:‬‬
‫أ‪ -‬البد من وجود قوة عسكرية تدافع عن الوالية‪.‬‬
‫ب‪ -‬تشكيل هذه القوة وإعدادها من مسئولية الوالي‪ ،‬ويجرى اإلنفاق عليها من بيت‬
‫مال الوالية‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬تعيين رؤساء الجند من مسئولية الوالي‪ ،‬وهناك شروط على الوالي يجب العمل‬
‫بموجبها عند اختيار رؤساء الجند‪ ،‬فالبد من رعايتهم واالهتمام بهم حتى يكون همهم ه ًما‬
‫واحدًا في جهاد العدو(‪ ,)8‬فإن عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك(‪.)9‬‬
‫‪ -4‬ترسيم السياسة الخارجية في مجال الحرب والسلم‪ :‬يقول أمير المؤمنين عل ّى‬
‫رضي هللا عنه لواليه مالك األشتر‪ :‬وال تدفعن صلحًا دعاك إليه عدوك وهلل فيه رضا‪ ،‬فإن‬
‫في الصلح دعة لجنودك(‪ ,)10‬وراحة من همومك وأمنًا لبالدك‪ ،‬ولكن الحذر كل الحذر من‬
‫عدوك بعد صلحه فإن العدو ربما قارب ليتغفل(‪ ,)11‬فخذ بالحزم‪ ،‬واتهم في ذلك حسن‬
‫الظن‪ ،‬وإن عقدت بينك وبين عدوك عقدة أو ألبسته منك ذمة(‪ ,)12‬فحط عهدك بالوفاء‬
‫وارع ذمتك باألمانة‪ ،‬واجعل نفسك جنة دون ما أعطيت(‪ ,)13‬فإنه ليس من فرائض هللا‬
‫‪1‬‬
‫() نهج البالغة‪ :‬شرح محمد عبده‪ ،‬ص (‪.)612‬‬
‫‪2‬‬
‫() تفاقم األمر‪ :‬عظم‪ ،‬فهم مستحقون لكل خير‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() أي ال تعد شيئًا من تلطفك معهم حقيرًا فتتركه لحقارته‪ ،‬فكل تلطف له موقع في قلوبهم‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() نهج البالغة‪ ،‬شرح محمد عبده‪ ،‬ص (‪.)613‬‬
‫‪5‬‬
‫() أي أفضل وأعلى منزلة من واسى الجند وساعدهم‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() أي على الرؤساء‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() نهج البالغة‪ ،‬شرح محمد عبده‪ ،‬ص (‪.)613‬‬
‫‪8‬‬
‫() اإلدارة والنظام اإلداري عند اإلمام على ص (‪.)265‬‬
‫‪9‬‬
‫() نهج البالغة‪ ،‬شرح محمد عبده‪ ،‬ص (‪.)613‬‬
‫‪10‬‬
‫() الدعة‪ :‬الراحة‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫() قارب أي تقرب منك بالصلح ليلقي عليك غفلة عنه فيغدرك فيها‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫() الذمة‪ :‬العهد‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫() أي الوقاية‪ ،‬أي حافظ على ما أعطيت من العهد بروحك‪.‬‬
‫‪31‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫شيء الناس أشد عليه اجتماعيًا مع تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم من تعظيم الوفاء‬
‫بالعهود(‪ ,)1‬وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا من عواقب‬
‫تخيسن بعهدك(‪ ,)3‬وال تختلن عدوك‪ ،‬فإنه ال يجترئ على‬ ‫ّ‬ ‫الغدر(‪ ،)2‬فال تغدرن بذمتك‪ ،‬وال‬
‫هللا إال جاهل شقي‪ ،‬وقد جعل هللا عهده وذمته أمنًا أفضاه بين العباد برحمته ‪ ,‬وحري ًما‬
‫(‪)4‬‬

‫يسكنون إلى منعته‪ ،‬ويستفيضون إلى جواره(‪ ,)5‬فال إدخال وال مدالسة(‪ ,)6‬وال خداع فيه‪,‬‬
‫وال تعقد عقدًا تجوز فيه العلل(‪ ,)7‬وال تعولن على لحن قول بعد التأكيد والتوثقة‪ ،‬وال‬
‫يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد هللا إلى طلب انفساخه بغير الحق‪ ،‬فإن صبرك على‬
‫ضيق أمر ترجو انفراجه وفضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته وأن تحيط بك من هللا‬
‫فيه طلبة(‪ ,)8‬فال تستقبل فيها دنياك وال أخرتك(‪.)9‬‬
‫واستنادًا لهذا النص يقوم الوالي بـ‪:‬‬
‫‪ -‬عقد معاهدة الصلح مع الدول واألمم المجاورة‪.‬‬
‫‪ -‬أخذ االستعداد للحرب‪ ،‬وأخذ الحيطة عند الضرورة‪ ،‬وبين هذين األمرين تجرى‬
‫مفردات كثيرة من تبادل الرسائل‪ ،‬وتبادل الوفود‪ ،‬وتبادل الزيارات وعقد الحوارات(‪.)10‬‬
‫‪ -‬الوفاء بالعهد عند المسلمين قاعدة أصولية من قواعد الدين اإلسالمي التي يجب‬
‫على كل مسلم أن يلتزم بها(‪ ,)11‬كما أن الوفاء بالعهود والمواثيق لم يكن عند أمير المؤمنين‬
‫على مجرد نظرية مكتوبة على الورق‪ ،‬ولكنه كان سلو ًكا عمليًا في حياته وقد حذر هللا من‬
‫نقض األيمان بعد توكيدها في كثير من اآليات القرآنية‪ ،‬قال تعالى‪+ :‬وأَوفُوا بِع ْه ِد ِ‬
‫اهلل إِذَا‬ ‫َْ َ‬
‫يد َها َوقَ ْد َج َعلْتُ ُم اهللَ َعلَْي ُك ْم َك ِفيالً إِ َّن اهللَ َي ْعلَ ُم َما َت ْف َعلُو َن"‬
‫ضوا األَيما َن بع َد َتوكِ ِ‬
‫َْ َْ ْ‬ ‫اهدتُّ ْم َوالَ تَن ُق ُ‬
‫َع َ‬
‫[النحل‪ ،]91:‬وقال جل وعال‪َ + :‬وأ َْوفُوا بِال َْع ْه ِد إِ َّن ال َْع ْه َد َكا َن َم ْس ُؤوالً" [اإلسراء‪.]34:‬‬
‫‪ -5‬الحفاظ على األمن الداخلي‪ :‬وذلك بانتهاج السياسات السلمية‪ ،‬كتب أمير‬
‫المؤمنين إلى بعض عماله‪« :‬أما بعد‪ ،‬فإن دهاقين أهل بلدك شكوا منك غلظة وقسوة‬
‫واحتقارًا وجفوة‪ ،‬فالبس لهم جلبابًا من اللين تشوبه بطرف من الشدة‪ ،‬وداول لهم بين‬
‫القسوة والرأفة‪ ،‬وامزج لهم بين التقريب واإلدناء واإلبعاد واإلقصاء»(‪ ,)12‬وتأتى هذه‬
‫‪1‬‬
‫() أي أن الناس لم يجتمعوا على فريضة من فرائض هللا أشد من الوفاء بالعهود‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() ألنهم وجدوا عواقب الغدر وبيلة أي مهلكة‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() خاس بعهد‪ :‬خانه ونقضه‪ ،‬والختل‪ :‬الخداع‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() أفضاه هنا‪ :‬بمعنى أفشاه‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() يستفيضون‪ :‬أي يفزعون إليه بسرعة‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() اإلدخال‪ :‬اإلفساد‪ ،‬والمدالسة‪ :‬الخيانة‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() نهج البالغة‪ ،‬ص(‪.)627‬‬
‫‪8‬‬
‫() نهج البالغة‪ ،‬ص (‪.)627‬‬
‫‪9‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)627‬‬
‫‪10‬‬
‫() اإلدارة والنظام اإلداري عند اإلمام على‪ ،‬ص (‪.)256‬‬
‫‪11‬‬
‫() منهج اإلعالم اإلسالمي في صلح الحديبية‪ ،‬ص (‪.)329‬‬
‫‪12‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪ )2/37‬نقالً عن شرح نهج البالغة (‪ )2/230‬طبعة أخرى غير محمد عبده‪.‬‬
‫‪31‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫السياسة للحفاظ على األمن الداخلي‪ ،‬فإذا حدث ما يعكر هذه المهمة فإن مهمة الوالي هي‬
‫محاولة حل المشكالت بطرق سلمية بعيدة عن استخدام القوة رافضًا سياسة االستقواء‬
‫على الشعب(‪ ,)1‬وفي رسالته إلى مالك بن األشتر‪ :‬فال تقوين سلطانك بسفك دم حرام‪ ،‬فإن‬
‫ذلك مما يضعفه ويهونه‪ ،‬بل يزيله وينقله(‪.)2‬‬
‫‪ -6‬تشكيل الجهاز القضائي في الوالية‪ :‬يقول أمير المؤمنين عل ّى رضي هللا عنه‪:‬‬
‫«ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن ال تفيق به األمور وال تمحكه‬
‫الخصوم(‪ ,)3‬وال يتمادى في الزلة‪ ،‬وال يحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفه(‪ ,)4‬وال‬
‫تشرف نفسه على طمع(‪ ,)5‬وال يكتفى بأدنى فهم دون أقصاه(‪ ,)6‬وأوقفهم في الشبهات(‪,)7‬‬
‫بالحجج‪ ،‬وأقلهم تبر ًما بمراجعة الخصم‪ ،‬وأصبرهم على تكشف األمور‪ ،‬وأصرمهم عند‬
‫انفتاح الحكم ممن ال يزدهيه إطراء(‪ ,)8‬وال يستميله إغراء‪...‬وأفسح له في البذل ما يزيل‬
‫علته وتقل معه حاجته إلى الناس‪ ،‬ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك»‪ .‬فانظر في ذلك‬
‫نظرًا بلي ًغا(‪.)9‬‬
‫من هذا النص يظهر لنا‪:‬‬
‫أ‪ -‬من مسئولية الوالي تعيين القضاة‪.‬‬
‫ب‪ -‬على الوالي االلتزام بشروط صارمة في اختيار القاضي‪.‬‬
‫(‪)10‬‬
‫جـ‪ -‬على الوالي رعاية القضاة كاملة حتى ال يشعروا بالحاجة إلى اآلخرين ‪.‬‬
‫‪ -7‬النفقات المالية‪ :‬المصدر لتمويل النفقات في الوالية أموال الزكاة والصدقات‬
‫والغنائم والفيء والخراج والعشور‪ ،‬وتوضع في بيت المال وهو المحل الذي يجتمع فيه‬
‫بيت مال المسلمين‪ ،‬وهناك عامل في بيت المال يسجل كل مايصله من أموال‪ ،‬وكل ما‬
‫يخرج من بيت المال‪ ،‬ولبيت المال وظيفة مهمة في اإلدارة الالمركزية‪ ،‬فما يجتمع من‬
‫األموال يتم أوالً إنفاقه على شئون الوالية من موظفين وعمال وقضاة‪ ،‬ومحتاجين‪،‬‬
‫وإعمار إلخ‪..‬وما تبقى يتم إرساله إلى عاصمة الخالفة‪ ،‬ويعتبر بيت المال قلب الوالية‬
‫الذي يوزع الدم في شرايين األجهزة العاملة(‪ ,)11‬قال أمير المؤمنين على‪ :‬وانظر إلى ما‬
‫اجتمع عندك من مال هللا فاصرفه إلى من قبلك من ذوى العيال والمجاعة(‪ ,)12‬وجزء من‬
‫‪1‬‬
‫() اإلدارة والنظام اإلداري عند اإلمام على‪ ،‬ص (‪.)257‬‬
‫‪2‬‬
‫() شرح نهج البالغة‪ ،‬ص (‪.)627‬‬
‫‪3‬‬
‫() ال تحمله مخاصمة الخصوم على اللجاج واإلصرار على رأيه‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() أي‪ :‬ال يضيق صدره من الرجوع إلى الحق‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() اإلشراف على الشيء‪ :‬اإلطالع عليه من فوق‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() ال يكتفي في الحكم بما يبدو له بأول فهم وأقربه دون أن يأتي على أقصى فهم‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() الشبهات‪ :‬ما ال يتضح الحكم فيها بالنص‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() ال تستخفه زيادة الثناء عليه‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() شرح نهج البالغة‪ ،‬ص (‪.)615‬‬
‫‪10‬‬
‫() اإلدارة والنظام اإلداري‪ ،‬ص(‪.)258‬‬
‫‪11‬‬
‫() اإلدارة والنظام عند اإلمام على‪ ،‬ص (‪.)262‬‬
‫‪12‬‬
‫() شرح نهج البالغة‪ ،‬ص (‪.)647‬‬
‫‪31‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫هذه األموال مصدره الخراج‪ -‬كما ذكرنا‪ -‬وهو ما وضع ألخذه على األرض المزروعة‪،‬‬
‫وهو المصدر األول لتغطية رواتب موظفي الوالية‪ ،‬وما زاد على ذلك يوزع على الفقراء‬
‫والمساكين‪ ،‬يقول أمير المؤمنين على‪« :‬الناس كلهم عيال على الخراج وأهله» والمقصود‬
‫بالناس عامة الموظفين والمجاهدين الذين قال عنهم أمير المؤمنين رضي هللا عنه‪« :‬ال‬
‫قوام للجنود إال بما يخرج هللا من الخراج»‪ .‬وقد أرشد أمير المؤمنين إلى استثمار‬
‫األرض؛ أي عمارة األرض فقد قال‪« :‬وليكن نظرك في عمارة األرض أبلغ من نظرك‬
‫في استجالب الخراج ألن ذلك ال يدرك إال بالعمارة‪ ،‬ومن طلب الخراج لغير عمارة‬
‫أخرب البالد وأهلك العباد»(‪ ,)1‬فعمارة األرض ستضيف موارد مالية جديدة يمكن‬
‫االستفادة منها في مجال الرواتب والنفقات المتنوعة‪ ،‬وتتم هذه النفقات باستقاللية عن‬
‫األجهزة المركزية التي لها حصة من هذه الموارد بعد أن يتم استخراج المقادير‬
‫الضرورية للوالية‪ ،‬وبعث البقية إلى العاصمة‪ ،‬يقول أمير المؤمنين‪« :‬وما فضل عن ذلك‬
‫فاحمله إلينا لنقسمه فيمن قبلنا»(‪ ,)2‬كما أن من النفقات المهمة في الوالية أعمار األنهار‪،‬‬
‫فقد كتب أمير المؤمنين على لقرظة بن كعب األنصاري‪« :‬أما بعد‪ ،‬فإن رجاالً من أهل‬
‫الذمة من عمالك ذكروا نهرًا في أرضهم قد عفا واندفن‪ ،‬وفيه لهم عمارة على المسلمين‪،‬‬
‫فانظر أنت وهم‪ ،‬ثم أعمر وأصلح النهر‪ ،‬فلعمرى ألن يعمروا أحب إلينا من أن يخرجوا‬
‫وأن يعجزوا ويقصروا في واجب من صالح البالد والسالم»(‪.)3‬‬
‫‪ -8‬العمال التابعون للوالة ومتابعتهم‪ :‬قال أمير المؤمنين على‪« :‬ثم انظر في أمور‬
‫عمالك فاستعملهم اختبارًا(‪ ,)4‬وال تولهم محاباة وأثرة‪ ،‬فإنها جماع شعب الجور واليانة‪،‬‬
‫وتو َّخ منهم أهل التجربة والحياء‪ ،‬أهل البيوتات الصالحة والقدم في اإلسالم(‪ )5‬المتقدمة‪،‬‬
‫فإنهم أكرم أخالقًا وأصح أعراضًا‪ ،‬وأقل في المطامع إشرافًا‪ ،‬وأبلغ في عواقب األمور‬
‫نظرًا‪ ،‬ثم أسبغ عليهم األرزاق(‪ ,)6‬فإن ذلك قوة لهم على استصالح أنفسهم‪ ،‬وغنى لهم عن‬
‫تناول ما تحت أيديهم‪ ،‬وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك(‪ ,)7‬ثم تفقد أعمالهم‪،‬‬
‫وابعث العيون(‪ )8‬من أهل الصدق والوفاء عليهم‪ ،‬فإن تعاهدك في السر ألمورهم حدوة‬
‫فإن أحد منهم بسط يده‬ ‫لهم(‪ )9‬على استعمال األمانة والرفق بالرعية‪ ،‬وتحفظ من األعوان‪ْ ،‬‬
‫إلى الخيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك(‪ ,)10‬اكتفيت بذلك شاهدًا‪ ،‬فبسطت عليه‬
‫العقوبة في بدنه‪ ،‬وأخذته بما أصاب من عمله‪ ،‬ثم نصبته بمقام المذلة ووسمته بالخيانة‪،‬‬
‫وقلدته عار التهمة»(‪.)11‬‬
‫‪1‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)617‬‬
‫‪2‬‬
‫() شرح نهج البالغة (‪ ،)618‬اإلدارة والنظام‪ ،‬ص (‪.)258‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ اليعقوبي (‪ ،)2/203‬الوالية على البلدان (‪.)2/37‬‬
‫‪4‬‬
‫() أي االختبار واالمتحان قبل تولية األعمال‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() أي أهلها هم األولون‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() أكمله ووسع لهم فيه‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() نقصوا في أدائها أو خانوا‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() العيون‪ :‬الرقباء‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() حدوة لهم‪ :‬أي سوق لهم وحث‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫() اجتمعت عليه أخبار الرقباء‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫() شرح نهج البالغة‪ ،‬ص (‪.)616‬‬
‫‪31‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وهنا يتحدث عن الموظفين التابعين للوالة والمحافظين على المدن والقرى وجباة‬
‫الصدقات‪ ،‬وعلى عاتقهم مسئولية كبيرة ألن عملهم متصل بالناس بصورة مباشرة‪،‬‬
‫ويتجلى في هذا النص أهمية هؤالء في الجهاز اإلداري؛ ألنهم يمثلون السلطة التنفيذية‬
‫الحقيقية‪ ،‬فكان البد من إشباع حاجاتهم حتى ال يطمعوا في مال غيرهم‪ ،‬وال حقوقهم(‪,)1‬‬
‫ويشير أمير المؤمنين على إلى أهمية العيون التي تقوم بأعمال الرقابة على اإلدارات‬
‫والوحدات وبيت المال‪ ،‬ويتم تعيينهم من قبل الوالي ويكون ارتباطهم معه‪ ،‬وهناك شروط‬
‫يجب أن‬
‫تتوافر فيهم‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن يكونوا من أهل الصدق حتى تكون تقاريرهم واقعية صادقة‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن يكونوا من أهل الوفاء حتى يكون هدفهم هو اإلخالص للدولة‪ ،‬وبعد تقديم‬
‫التقارير على الوالي أن يثبت بدقة ما في هذه التقارير وال يسرع في الحكم على األفراد‪،‬‬
‫ومن أعمال هذا الجهاز فرض الرقابة على التجار وذوى الصناعات لمنعهم من االحتكار‬
‫وإيقاع الضرر بالناس‪ ،‬وما قاله أمير المؤمنين في رسالته لألشتر في هذه الفقرة يشير إلى‬
‫أن دولة الخالفة الراشدة تهتم بدوام المباشرة ألحوال الرعية‪ ،‬وتفقد أمورها‪ ،‬والتماس‬
‫اإلحاطة بجانب الخلل في أفرادها وجماعاتها‪ ،‬وهذا مبدأ قرآني بينه المولى عز وجل على‬
‫ن ِمن الْغَائِبِين ‪‬‬ ‫لسان سليمان عليه السالم‪ + :‬وَت َف َّق َد الطَّير َف َق َ ِ‬
‫َ‬ ‫ال َمال َي الَ أ ََرى ال ُْه ْد ُه َد أ َْم َكا َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س ْلطَان ُّمبي ٍن" [النمل‪ ،]21 ،20:‬وتفقد الطير‪ ،‬وذلك‬ ‫ُع ِّذ َبنَّهُ َع َذابًا َشدي ًدا أ َْو ألَ ْذبَ َحنَّهُ أ َْو لَيَأْتَينِّي ب ُ‬
‫أل َ‬
‫بحسب ما تقتضيه العناية بأمور الخالفة واالهتمام بكل جزء فيها والرعاية لكل واحد فيها‬
‫وخاصة الضعفاء‪ ،‬وال شك أن القيادة تحتاج إلى لجان ومؤسسات وأجهزة حتى تستطيع‬
‫أن تقوم بهذه المهمة العظيمة‪ ،‬إن سليمان عليه السالم مهت ًما بمتابعة الجند وأصحاب‬
‫األعمال وخاصة إذا رأبه شيء من أحوالهم‪ ،‬فسليمان عليه السالم‪ ،‬لما لم ير الهدهد بادر‬
‫بالسؤال‪َ +:‬مالِ َي الَ أ ََرى ال ُْه ْد ُه َد" يعنى أهو غائب؟ كأنه يسأل عن صحة ما الح له(‪ ,)2‬ثم قال‪:‬‬
‫ين" سؤال آخر ينم عن حزم في السؤال بعد الترفق‪ ،‬فسليمان عليه السالم‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫‪+‬أ َْم َكا َن م َن الْغَائب َ‬
‫أراد أن يُفهم منه أنه يسأل عن الغائب ال عن شفقة فقط ولكن عن جد وشدة‪ ،‬إذا لم يكن‬
‫الغياب بعذر(‪ ،)3‬فعهد الخالفة الراشدة تطبيق عملي لمفاهيم القرآن الكريم‪ ،‬إن أمير‬
‫المؤمنين عليًا رضي هللا عنه أشار إلى أهمية األجهزة األمنية للدولة المسلمة التي تحرص‬
‫أشد الحرص على االهتمام باألخبار والمعلوماتـ حتى توظف لخدمة الدين‪ ،‬ونشر المبادئ‬
‫السامية‪ ،‬واألهداف النبيلة‪ ،‬والمثل العليا‪ ،‬وتقضىـ على بذور الفساد في األجهزة المتعددة‬
‫التي يقوم عليها نظام الواليات‪.‬‬
‫‪ -9‬أصناف وطبقات المجتمع‪ :‬قال أمير المؤمنين‪« :‬واعلم أن الرعية طبقات ال‬
‫يصلح بعضها إال ببعض‪ ،‬وال غنى لبعضها عن بعض‪ ،‬فمنها جنود هللا‪ ،‬ومنها كتاب‬
‫العامة والخاصة‪ ،‬ومنها قضاة العدل‪ ،‬ومنها عمال اإلنصاف والرفق‪ ،‬ومنها أهل الجزية‬
‫والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس‪ ،‬ومنها التجار وأهل الصناعات‪ ،‬ومنها الطبقة‬
‫السفلى من ذوى الحاجة والمسكنة‪ ،‬وكل قد سمى هللا سهمه(‪ ،)4‬ووضع على حده فريضته‬
‫‪1‬‬
‫() اإلدارة والنظام اإلداري عند على‪ ،‬ص (‪.)266‬‬
‫‪2‬‬
‫() تفسير الرازي (‪.)24/189‬‬
‫‪3‬‬
‫() الحكم والتحاكم في خطاب الوحي (‪.)2/593‬‬
‫‪4‬‬
‫() أي نصيبه من الحق‪.‬‬
‫‪31‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫في كتابه أو سنة نبيه ×‪ ،‬عهدًا منه عندنا محفوظًا‪ »...‬إلى أن قال‪« :‬وال قوام لهم جميعًا‬
‫إال بالتجار ذوى الصناعات فيما يجتمعون عليه من مرافقهم(‪ ,)1‬ويقيمونه من أسواقهم‪،‬‬
‫ويكفونه من الترفق بأيديهم ماال يبلغه وفق غيرهم‪ ،‬ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة‬
‫والمسكنة الذين يحق رفدهم ومعونتهم»(‪ .)2‬ثم أوصى بالتجار وأصحاب الصناعة بهم‬
‫خيرًا فقال‪« :‬ثم استوص بالتجار وذوى القناعات وأوص بهم خي ًرا‪ :‬المقيم منها‪،‬‬
‫والمضطرب بما له(‪ ,)3‬والمترفق ببدنه‪ ،‬فإنهم مواد المنافع وأسباب المرافق و ُجالَّبها من‬
‫المباعد والمطارح في برك وسهلك وجبلك‪ ،‬وحيث ال يلتم الناس لمواضعها(‪ ,)4‬وال‬
‫يجترئون عليها‪ ،‬فإنهم سلم ال تخاف بائقته(‪ ,)5‬وصلح ال تخشى عائلته‪ ،‬وتفقد أمورهم‬
‫بحضرتك وفي حواشي بالدك‪ ،‬واعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقًا فاح ًشا وشحًا‬
‫قبيحًا(‪ ,)6‬واحتكارًا للمنافع وتحك ًما في البياعات‪ ،‬وذلك باب مضرة للعامة وعيب على‬
‫الوالية‪ ،‬فامنع من االحتكار‪ ،‬فإن رسول هللا × منع منه‪ ،‬وليكن البيع بيعًا سمحًا‪ ،‬بموازين‬
‫عدل وأسعار ال تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع‪ ،‬فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه(‪,)7‬‬
‫فنكل به‪ ،‬وعاقب في غير إسراف»(‪.)8‬‬
‫ونالحظ من كالم أمير المؤمنين على رضي هللا عنه أن طبقة التجار من أهم شرائح‬
‫المجتمع‪ ،‬ولذلك أرشد الوالة إلى االهتمام بهم من خالل وجود دائرة تتولى رعاية هذه‬
‫الطبقة واإلشراف على أعمالها‪ ،‬حتى ال يظهر عليها المظاهر السلبية كالشح واالحتكار‬
‫وما شابه ذلك‪ .‬وذوو الصناعات‪ ،‬يلم بهم ما يلم التجار من أضرار ومشاكل‪ ،‬فكان البد من‬
‫قيام جهاز لرعايتهم ومساعدتهم في إتمام أعمالهم(‪ ,)9‬ومن هذه الطبقات أهل الخراج‪ ،‬وهم‬
‫العاملون على األرض من زراع وحراث وحافرين آلبار‪ ،‬وهم يحتاجون إلى االهتمام‬
‫وتشكيل لجان تكون موكلة بأهل الخراج لحل المشكالت التي تعترضهم‪ ،‬ألن هذا الطريق‬
‫هو السبيل إلى التنمية واستثمار األرض‪ .‬ومن هذه األصناف أهل الذمة الذين يعيشون في‬
‫الدولة اإلسالمية‪ ،‬ويعملون فيها‪ ،‬فالبد من رعاية الدولة لهم وتفقد شئونهم‪ ،‬من خالل‬
‫جهاز يتولى شئونهم االقتصادية منها واالجتماعية(‪ ,)10‬ومنها الطبقة السفلى من المساكين‬
‫والمحتاجين وأهل البؤس والزمنى‪ ،‬فإن في هذه الطبقة القانع(‪ ,)11‬والمعتر(‪ ,)12‬وتشمل هذه‬
‫السن ممن ال حيلة له‪ ،‬وال ينصب للمسألة نفسه‪ ،‬فالدولة‬ ‫َّ‬ ‫الطبقة أهل اليتم وذوى الرقة في‬
‫‪1‬‬
‫() شرح نهج البالغة‪ ،‬ص (‪.)611‬‬
‫‪2‬‬
‫() رفدهم‪ :‬مساعدتهمـ وصلتهم‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() المتردد بأمواله بين البلدان‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() يجلبونها من أمكنة بحيث ال يمكن التئام الناس واجتماعهم في مواضع تلك المرافق‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() البائقة‪ :‬الداهية‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() الشح‪ :‬البخل‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() قارف‪ :‬خالط‪ ،‬حكرة‪ :‬االحتكار‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() شرح نهج البالغة‪ ،‬ص (‪.)620‬‬
‫‪9‬‬
‫() اإلدارة والنظام اإلداري عند اإلمام على‪ ،‬ص (‪.)263‬‬
‫‪10‬‬
‫() المصدر السابق نفسه‪ ،‬ص (‪.)263‬‬
‫‪11‬‬
‫() القانع‪ :‬السائل‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫() المعتر‪ :‬المتعرض للعطاء بال سؤال‪.‬‬
‫‪31‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫مسئولة عنه رعاية كاملة‪ ،‬اجتماعية واقتصادية وتعليمية‪ ،‬وكان على الوالي أن يحدد وقتًا‬
‫للقاء بهم ليزيل عنهم مشاعر الحرمان ويتفقد أمورهم بنفسه وبصورة مباشرة‪ ،‬وعليه أن‬
‫يوفر األجواء التي يستطيع بواسطتها هؤالء المحرومون من التكلم أمام الوالي(‪.)1‬‬
‫‪ -10‬التربية بالعقاب والثواب‪ :‬قال أمير المؤمنين على‪« :‬وال يكون المحسن‬
‫والمسيء عندك بمنزلة سواء‪ ،‬فإن في ذلك تزهيدًا ألهل اإلحسان في اإلحسان‪ ،‬وتدريبًا‬
‫ألهل اإلساءة على اإلساءة‪ ،‬وألزم كالً منهم ما ألزم نفسه(‪ ,)2‬واعلم أنه ليس بشيء أدعى‬
‫راع برعيته من إحسانه إليهم وتخفيفه المؤونات عليهم‪ ،‬وترك استكراهه‬ ‫إلى حسن ظن ٍ‬
‫إياهم على ما ليس قِبَلهم(‪ ,)3‬فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظن برعيتك‪ ،‬فإن‬
‫حسن الظن يقطع عنك نصبًا طويالً(‪ ,)4‬وإن أحق من حسن ظنك به لمن حسن بالؤك‬
‫عنده»(‪ ,)5‬وهذه التربية بالعقاب والثواب تحدث عنها القرآن الكريم وتتضح معالمها جلية‬
‫ف ُن َع ِّذبُهُ ثُ َّم ُي َر ُّد إِلَى َربِِّه َفُي َع ِّذبُهُ‬
‫ال أ ََّما َمن ظَلَ َم فَ َس ْو َ‬
‫في قصة ذي القرنين في قوله تعالى‪ + :‬قَ َ‬
‫ِ‬ ‫َع َذابا نُّكْرا ‪ ‬وأ ََّما من آمن و َع ِمل ِ‬
‫س ًرا" [الكهف‪:‬‬ ‫ول لَهُ م ْن أ َْم ِرنَا يُ ْ‬ ‫ْح ْسنَى َو َسَن ُق ُ‬
‫اء ال ُ‬ ‫صال ًحا َفلَهُ َج َز ً‬
‫ً ً َ َْ ََ َ َ َ‬
‫‪.]88 ،87‬‬
‫إن التربية العملية للقيادة الراشدة هي التي تجعل الحوافز المشجعة هدية للمحسن‬
‫ليزداد في إحسانه‪ ،‬وتفجر طاقة الخير العاملة على زيادة اإلحسان وتشعره باالحترام‬
‫والتقدير‪ ،‬وتأخذ على يد المسيء لتضرب على يده‪ ،‬حتى يترك اإلساءة‪ ،‬وتعمل على‬
‫توسيع دوائر الخير واإلحسان في أوساط المجتمع وتضييق حلقات الشر إلى أبعد حدود‬
‫وفق قانون الثواب والعقاب‪،‬ـ وهذا ما أرشد إليه أمير المؤمنين عل ّى رضي هللا عنه‪.‬‬
‫‪ -11‬دور العرفاء والنقباء في تثبيت نظام الواليات‪ :‬عرف المسلمون النقباء في‬
‫بيعة العقبة الثانية حينما عين الرسول × اثنى عشر نقيبًا من األنصار على قومهم؛ ثالثة‬
‫من األوس وتسعة من الخزرج(‪ ,)6‬واستمر تنظيم النقباء والعرفاء في األجناد اإلسالمية‬
‫المختلفة في عهد عمر‪ ،‬ومما ورد في ذلك تنظيم الناس في القادسية على يد سعد بن أبى‬
‫وقاص حيث اجتمعت القبائل‪ ،‬فأ َّمر أمراء األجناد وعرَّف العرفاء‪ ،‬فعرَّف على كل عشرة‬
‫رجالً‪ ،‬كما كانت العرافات أزمان النبي × وكذلك كانت إلى أن فرض العطاء‪ ،‬وأمر على‬
‫الرايات رجاالت من أهل السابقة‪ ،‬وعشر الناس وأمر على األعشار رجاالً من الناس لهم‬
‫وسائل في اإلسالم(‪ ,)7‬ويُعد عمر أول من نظم تقسيم الناس في األمصار عمو ًما‪ ،‬ففي‬
‫زمانه برز العرفاء على الناس في أمصارهم وأصبحوا مسئولين أمام الوالي عن قبائلهم‬
‫والمجموعات المنضمة إليهم حسب التقسيم المتبع ذلك الوقت(‪ ,)8‬وقد استمر نظام العرفاء‬
‫طيلة عصر عثمان رضي هللا عنه‪ ،‬وخالل عهد عل ّى رضي هللا عنه‪ ،‬فكان يجمع النقباء‬

‫‪1‬‬
‫() اإلدارة والنظام اإلداري‪ ،‬ص (‪.)264‬‬
‫‪2‬‬
‫() فإن المسيء ألزم نفسه استحقاق العقاب‪ ،‬والمحسن الثواب‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() قبلهم‪ :‬بكسر ففتح – أي عندهم‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() النصب‪ :‬التعب‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() البالء هنا‪ :‬الصنع مطلقًا حسنًا أو سيئًا‪ ،‬انظر‪ :‬نهج البالغة‪ ،‬ص (‪.)61‬‬
‫‪6‬‬
‫() السيرة النبوية البن هشام (‪.)2/87‬‬
‫‪7‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪ ،)2/106‬التاريخ الطبري (‪.)5/87‬‬
‫‪8‬‬
‫() النظم اإلسالمية‪ ،‬صبحي الصالح‪ ،‬الوالية على البلدان (‪.)2/106‬‬
‫‪32‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ويعطيهم األموال بحصصهم فيقسمونها على من يتبعهم من الناس(‪ ,)1‬وقد استفاد الوالة من‬
‫العرفاء في إدراة الواليات في الشئون المختلفة المدنية منها والعسكرية‪ ،‬فكانوا يساعدون‬
‫في توزيع العطاء على الناس‪ ،‬وفي السيطرة على النظام داخل الواليات‪ ،‬وفي البحث عن‬
‫المطلوبين للقضاء وغيره‪ ،‬وفي سرعة تجنيد الناس حين الحاجة‪ ،‬وفي أخذ المشورة من‬
‫الناس‪ ،‬كما كان للنقباء دور في معرفة من يضاف اسمه إلى العطاء ومن يحذف اسمه‪،‬‬
‫وغير ذلك من األمور المختلفة‪ ،‬وهكذا كان العرفاء من أهم الموظفين للوالة في إدارة‬
‫أمصارهم مع أن هؤالء في الغالب لم يكونوا متفرغين لهذا العمل وحده‪ ،‬بل كانوا مجرد‬
‫مساعدين وقت الحاجة‪ ،‬وكان في تقسيم العرفاء والنقباء في كثير من األحيان شيء من‬
‫التنظيم القبلي‪ ،‬حيث كان التقسيم أحيانًا باعتبار القبيلة‪ ،‬إلى أن كثر الداخلون في اإلسالم‬
‫من األعاجم وبدءوا يستوطنون األمصار فبدأ هذا التقسيم يقل تدريجيًا(‪ )2‬مع احتفاظه‬
‫بقوته في معظم األوقات خالل عهد الخلفاء الراشدين(‪ ,)3‬وقد كان يتبع الوالة على البلدان‬
‫بعض كبار القواد الذين يتولون قيادة أقسام معينة في الجيش‪ ،‬ويقومونـ بالفتوح المختلفة‬
‫بتوجيه من أمراء الواليات‪ ،‬كما كانوا يصحبون الوالي وهو أمير الحرب في غزواته‬
‫المختلفة ويساعدونه في تنظيم الجيش وقيادته(‪ ,)4‬وقد كان أمراء التعبئة يلون األمير‪،‬‬
‫والذين يلون أمراء التعبئة أمراء األعشار‪ ،‬والذين يلون أمراء األعشار‪ ،‬أصحاب‬
‫الرايات‪ ،‬والذين يلون أصحاب الرايات والقواد رؤوس القبائل(‪ ,)5‬كما أن العرفاء يرفعون‬
‫ما يراه قومهم من اقتراحات أو تظلمات جماعية‪ ،‬ويوصلونها نيابة عنهم‪ ،‬ويتحدثون‬
‫باسمهم ويدافعون عن حقوقهم أمام الوالي وغيره(‪.)6‬‬
‫رابعًا‪ :‬من المفاهيم اإلدارية عند أمير المؤمنين عل ّى رضيـ هللا عنه‪:‬‬
‫‪ -1‬التأكيد على العنصر اإلنساني‪ :‬كتب أمير المؤمنين إلى أحد عماله‪« :‬أما بعد‪،‬‬
‫فإن دهاقين أهل بلدك شكوا منك غلظة وقسوة واحتقارًا وجفوة‪..‬فالبس لهم جلبابا من اللين‬
‫تشوبه بطرف من الشدة‪ ،‬وداول بين القسوة والرأفة وامزج لهم بين التقريب واإلدناء‬
‫واإلبعاد واإلقصاء إن شاء هللا»(‪ .)7‬فكان على الرئيس مالحظة األوضاعـ النفسية‬
‫لمرءوسيه‪ ،‬وأن يضع استراتيجيته اإلدارية على ضوء هذا الواقع‪ ،‬وأن يوازن بين‬
‫ضرورات الضبط والتنظيم مع الضرورات الواقعية التي تفرزها الحاالت اإلنسانية‬
‫والنفسية‪ ،‬فمن الخطأ أن تقوم النظرية اإلدارية التنظيمية على قواعد صارمة وثابتة ال‬
‫تراعي العامل اإلنساني‪ ،‬وال تراعي تأثيرات الظروف‪ ،‬وكأن التنظيم اإلداري ألي‬
‫مؤسسة أو منظمة أو حركة‪ ،‬أو حزب أو جمعية أو ناد‪...‬إلخ يتحرك في فراغ بمعزل عن‬
‫التأثيرات الخارجية والداخلية(‪.)8‬‬
‫‪ -2‬عامل الخبرة والعلم‪ :‬في هذا النطاق يؤكد أمير المؤمنين على رضي هللا عنه‬
‫‪1‬‬
‫() األموال‪ ،‬القاسم بن سالم‪ ،‬ص (‪ ،)345‬الوالية على البلدان (‪.)2/106‬‬
‫‪2‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪.)1/107‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)2/107‬‬
‫‪4‬‬
‫() الحياة االجتماعية واالقتصادية في الكوفة للزبيدى‪ ،‬ص (‪.)41‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ الطبري‪ ،‬نقال عن الوالية على البلدان (‪.)2/108‬‬
‫‪6‬‬
‫() العرافة والنقابة للفاروقى ص (‪ ،)86 ،81 ،80‬الوالية على البلدان (‪.)2/108‬‬
‫‪7‬‬
‫() نهج البالغة‪ ،‬ص (‪.)539‬‬
‫‪8‬‬
‫() اإلدارة والنظام اإلداري عند اإلمام على‪ ،‬ص (‪.)217‬‬
‫‪32‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫على أهمية أن يكون المسئول صاحب خبرة وعلم‪ ،‬فإذا كان كذلك فله حق الطاعة‪ ،‬وأال‬
‫فإنه ال طاعة له‪ ،‬يقول أمير المؤمنين‪ :‬عليكم بطاعة من ال تعذرون بجهالته(‪ ،)1‬فإذا كان‬
‫جاهالً فإنهم معذورون فال طاعة للجاهل ألنه يأخذهم إلى الهالك‪ .‬ويقولـ أيضًا‪ :‬ال طاعة‬
‫لمخلوق في معصية الخالق(‪ ,)2‬والجاهل غير العارف باألمور ينتهي أمره إلى معصية‬
‫الخالق(‪ )3‬بأمر مخالف‪.‬‬
‫‪ -3‬العالقة بين الرئيس والمرءوس‪ :‬هذه العالقة ال يرسمها التسلسل التنظيمي‬
‫والتدرج بل ترسمه المصلحة المشتركة بين الرئيس والمرءوسين‪ ،‬يقول أمير المؤمنين‬
‫على لواليه عندما بعثه إلى مصر‪« :‬ثم أمور من أمورك البد لك من مباشرتها‪ ،‬منها إجابة‬
‫عمالك بما يعيا عنه كتابك‪ ،‬ومنها إصدار حاجات الناس يوم وردها عليك بما تحرج به‬
‫صدور أعوانك»(‪ ,)4‬ونحن هنا أمام حالة أُلغى فيها التسلسل الوظيفي إلغاء تا ًما‪ ،‬وإذا لم‬
‫يقدر الوالي على القيام بهذه المهمة فإنه ينتدب بعض خلصائه لذلك‪ ،‬فيقول‪« :‬وتفقد أمور‬
‫من ال يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون وتحقره الرجال‪ ،‬ففرغ ألولئك ثقتك من أهل‬
‫الخشية والتواضع‪ ،‬فليرفع إليك أمورهم»(‪ ,)5‬وهذا تجاوز واضح على اإلدارة‬
‫البيروقراطية التي ترى أن كل شيء يجب أن يتم ضمن التسلسل اإلداري والحق ألحد‬
‫ُلغ ذلك يُعد متجاو ًزا للتنظيم‪ ،‬ثم بين أمير المؤمنين مضار‬ ‫في إلغاء هذا التسلسل‪ ،‬ومن ي ِ‬
‫التقيد غير المسئول بالتسلسل الوظيفي‪« :‬فإن احتجاب الوالة عن الرعية شعبة من الضيق‬
‫وقلة علم باألمور‪ ،‬واالحتجاب عنهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه؛ فيصغر عندهم‬
‫الكبير‪ ،‬ويعظم الصغير‪ ،‬ويقبح الحسن ويحسن القبيح‪ ،‬ويشاب الحق بالباطل»(‪ .)6‬هذه هي‬
‫مضار التسلسل اإلداري والتقيد الحرفي به‪ ،‬فتباطؤ األمور بين هذه السلسلة الطويلة‬
‫وانتقالها من مسئول إلى مسئول‪ ،‬ومنه إلى مسئول ثالث‪ ،‬فرابع وخامس حتى وصولها‬
‫إلى الناس العاديين‪ ،‬هذه السلسلة التي تجرى بعيدًا عن مباشرة الرئيس األعلى قد تغير‬
‫األمور وتقلبها رأسًا على عقب‪ ،‬فيصبح الصغير كبيرًا والحق باطالً‪ ،‬والحسن قبيحًا‬
‫والقبيح حسنًا‪ ،‬كما يقول أمير المؤمنين رضي هللا عنه‪ ،‬وهو ما تعانى منه التنظيمات‬
‫البيروقراطية ألنها تعتمد على سلسلة تنتقل عبرها المسائل والقضايا‪ ،‬فتنحرف عن‬
‫أهدافها ومراميها‪ ،‬والعالج كما يقدمه أمير المؤمنين علي هو أال يحتجب المسئول عن‬
‫أفراده‪ ،‬فاحتجابه يتسبب في تغيير قراراته أو تطبيقها في أحسن الظروف تطبيقًا متحجرًا‬
‫بعيدًا عن األهداف التي طمح من أجلها‪ ،‬ومهمة الرئيس ليست محصورة في لقاء‬
‫المرءوسين‪ ،‬بل عليه أن يوفر األجواء المطمئنة التي تجعل المرءوس قادرًا على طرح‬
‫مشاكله بطمأنينة وبدون خوف‪ ،‬ألن الغاية ليست هي المقابالت الفجة‪ ،‬بل الهدف هو أن‬
‫يكون هذا اللقاء مفيدًا فالبد من خلق األجواء المناسبة لهذه اللقاءات‪ ،‬يقول في ذلك‪:‬‬
‫غ لهم فيه شخصك وتجلس لهم مجلسًا عا ًما فتتواضع‬ ‫واجعل لذوى الحاجات منك قس ًما تُفر ُ‬
‫فيه هلل الذي خلقك وتقعد عنهم جندك وأعوانك من حراسك وشرطك حتى يكلمك متكلمهم‬

‫‪1‬‬
‫() نهج البالغة‪ ،‬ص (‪.)700‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)701‬‬
‫‪3‬‬
‫() اإلدارة والنظام اإلداري‪ ،‬ص (‪.)217‬‬
‫‪4‬‬
‫() نهج البالغة‪ ،‬ص (‪.)623‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)621‬‬
‫‪6‬‬
‫() نهج البالغة رقم (‪)53‬ص (‪.)624‬‬
‫‪32‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫غير متعتع(‪ ,)1‬ويبعث إلى قثم بن العباس «ابن عمه» برسالة يقول فيها‪« :‬وال يكن لك إلى‬
‫الناس سفير إال لسانك وال حاجب إال وجهك»(‪ ,)2‬وهناك نصوص أخرى تؤكد على طبيعة‬
‫العالقة بين الرئيس والمرءوسين وأنها ال تقوم عبر الوسائل وال القيود اإلدارية‪ ،‬بل تقوم‬
‫وجهًا لوجه عندما تستدعى الحاجة لذلك(‪.)3‬‬
‫‪ -4‬مكافحة الجمود‪ :‬هناك بعض النظريات اإلدارية واللوائح التنظيمية تسبب‬
‫الجمود‪ ،‬وإضاعة الوقت والجهد‪ ،‬وإضاعة الحقوق‪ ،‬كما أن كثيرًا من األعمال ال يفكر‬
‫بإنجازها أساسًا ألنها تستغرق وقتًا طويال حتى يتم إقرارها عبر السلسلة اإلدارية‪ ،‬من هنا‬
‫جاءت دعوة أمير المؤمنين رضي هللا عنه‪ :‬من أطاع التواني ضيع الحقوق(‪.)4‬‬
‫‪ -5‬الرقابة الواعية‪ :‬الرقابة مهمة في كل تنظيم إداري‪ ،‬فقد نوه أمير المؤمنين رضي‬
‫هللا عنه إلى هذه الوظيفة فقال‪« :‬وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم‪ ،‬فإن‬
‫تعاهدك في السر ألمورهم حدوة لهم على استعمال األمانة والرفق بالرعية»(‪ ,)5‬فالرقابة‬
‫عند أمير المؤمنين هي عطف ونصرة للمراقب لمواصلة أداء األمانة‪ ،‬كما أن الرقابة البد‬
‫أن تتم عبر وسائط من أهل الصدق والوفاء حتى يكون تقييمهم عادالً ال تتالعب فيه‬
‫أهواؤهم‪ ،‬فالرقابة هنا عامل مساعد على التقدم‪ ،‬وتدفع باألفراد إلى الحركة‪ ،‬واإلخالص‬
‫في العمل‪ .‬إن القوانين الصارمة ال وجود لها في الفكر اإلداري ألمير المؤمنين رضي هللا‬
‫عنه عندما تعيق هذه القوانين حركة األفراد داخل التنظيم‪ ،‬وتصبح سببًا إلضاعة‬
‫الحقوق(‪.)6‬‬
‫‪ -6‬التوظيف يتم عبر الضوابط وليس عبر الروابط الشخصية‪ :‬في هذا المجال‬
‫أكد أمير المؤمنين على في عهده لواليه على مصر‪« :‬ثم انظر في أمور عمالك فاستعلمهم‬
‫اختبارًا وال تولهم محاباة وأثرة» فالبد من إجراء االختبارات األولية على الشخص الذي‬
‫يراد استخدامه في عمل ما‪ ،‬ويجب أن يبتعد الرئيس عن المعايير الشخصية في توظيف‬
‫أو ترقية األشخاص إلى المناصب العالية‪ ،‬ثم يقول‪« :‬ثم انظر في حال ُكتابك‪ ،‬فو ّل على‬
‫أمورك خيرهم»(‪ )7‬وليس أقربهم إلى قلبك وعائلتك‪ ،‬فال مجال للروابط والعواطف‪،‬‬
‫فالمعيار هو الحق‪ ،‬وتتعلق هذه الميزة بخاصية أخرى هي األمانة(‪.)8‬‬
‫‪ -7‬الضبط‪ :‬ففي كتاب أمير المؤمنين عل ّى رضي هللا عنه إلى األشعت بن قيس يتبين‬
‫هذا المفهوم‪« :‬وإن عملك ليس لك بطعمة‪ ،‬ولكنه في عنقك أمانة‪ ،‬وأنت مسترعى لمن‬
‫فوقك»(‪ .)9‬فقد اعتبر أمير المؤمنين العمل اإلداري – في هذا النص – أمانة‪ ،‬ويجب على‬
‫المسئول أن يرد هذه األمانة كما هي‪ ،‬وأن يحافظ عليها‪ ،‬وأنه مسئول أمام هللا على أدائها‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)622‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)647‬‬
‫‪3‬‬
‫() اإلدارة والنظام اإلداري عند اإلمام على‪ ،‬ص (‪.)217‬‬
‫‪4‬‬
‫() نهج البالغة‪ ،‬ص (‪.)714‬‬
‫‪5‬‬
‫() نهج البالغة‪ ،‬ص (‪.)616‬‬
‫‪6‬‬
‫() اإلدارة والنظام اإلداري‪ ،‬ص (‪.)222 ،221‬‬
‫‪7‬‬
‫() نهج البالغة‪ ،‬ص (‪.)618‬‬
‫‪8‬‬
‫() اإلدارة والنظام اإلداري‪ ،‬ص(‪.)222‬‬
‫‪9‬‬
‫() نهج البالغة‪ ،‬ص (‪.)525‬‬
‫‪32‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ومسئول أمام رئيسه «من فوقه» اعترافًا بأهمية التسلسل الوظيفي‪ ،‬وهذا عامل مهم من‬
‫عوامل إيجاد الضبط اإلداري الذاتي الذي يمنع مظاهر التسيب واالنحراف(‪.)1‬‬
‫‪ -8‬المشاركة في صنع القرار‪ :‬إذا ما أعدنا قراءة النصوص عند أمير المؤمنين‬
‫التي تحث على المشاورة لوجدنا أن الغاية من هذا الحث هو إيجاد مقدار من المشاركة في‬
‫صنع القرار‪ ،‬وأن ال ينفرد رجل واحد في صنع القرار‪ ،‬سواء كان هذا الرجل قائدًا‬
‫عسكريًا‪ ،‬أو ماليًا‪ ،‬أو مديرًا أو مسئوالً في أي ميدان من الميادين‪ ،‬فـ«الشركة» في الرأي‬
‫تؤدي إلى الصواب(‪ ،)2‬ألنها مشاركة جمع من العقول‪،‬ـ وإضافة آراء ذوى الخبرة‬
‫والتجربة‪ ،‬فالقرار الذي يأتي عبر مناقشة مستفيضة ستجتمتع عليه اآلراء فيكون أقرب‬
‫إلى الصواب(‪ ,)3‬فالمشاورة تكفل هذا النجاح‪ ،‬يقول أمير المؤمنين على‪ :‬شاوروا فالنجاح‬
‫في المشاورة(‪ ,)4‬لم يحدد أمير المؤمنين كيفية وأسلوب المشاورة بل وضع أمامنا قاعدة‬
‫عامة‪ ،‬وذكر لنا فوائد تطبيق هذه القاعدة‪ ،‬ولم يستثن ميدانًا من الميادين عن المشورة‪،‬‬
‫وهذا يعنى أنها ضرورية لكل عمل يقوم به اإلنسان‪ ،‬وتشتد الضرورة عندما يكون هذا‬
‫العمل منوطًا بمجموعة من األشخاص وليس فردًا واحدًا‪ ،‬وإذا أمعنا النظر في هذا النص‪:‬‬
‫صواب الرأي بإحالة األفكار(‪ ,)5‬التضح لنا أهمية المناقشات المستفيضة من ذوى الشأن‬
‫للوصول إلى القرار الصائب(‪.)6‬‬
‫‪ -9‬حسن االختيار لدى الوالي والضمانات المادية والنفسية لموظفي الدولة‪ :‬إن‬
‫حسن االختيار يسد الطريق أمام المشاكل التي قد تطرأ نتيجة ضعف الموظف أو عدم‬
‫انسجامه مع الجو العام‪ ،‬وإذا أمعنا النظر في رسالة أمير المؤمنين عل ّى لمالك األشتر‬
‫النخعي لوجدنا الشروط المهمة التي يضعها أمامه عند اختياره لعماله‪ « :‬ثم انظر في‬
‫أمور عمالك فاستعملهم اختبارًا‪ ،‬وال تولهم محاباة وأثرة‪ ،‬فإنها جماع من شعب الجور‬
‫والخيانة‪ ،‬وتو َّخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة‪ ،‬والقدم في اإلسالم‬
‫المتقدمة فإنهم أكرم أخالقًا‪ ،‬وأصح أعراضًا‪ ،‬وأقل في المطامع إسرافًا‪ ،‬وأبلغ قي عواقب‬
‫األمور نظ ًَرا»(‪ .)7‬فهذه شروط متعددة غير محصورة بالكفاءة الالزمة في العمل فقط‪ ،‬بل‬
‫البد من مالحظة « العامل» من النواحي النفسية واالجتماعية أيضًا‪ ،‬حتى ال يأخذه‬
‫الطموح وال تتغير نواياه وأغراضه‪ ،‬كما البد من مالحظة سلوكه االجتماعي وقدرته على‬
‫التكيف في المحيط االجتماعي الجديد‪ ،‬عند ذلك تبدأ مسئولية الوالي‪ :‬ثم أسبغ عليهم‬
‫األرزاق‪ ،‬فإن ذلك قوة لهم على استصالح أنفسهم‪ ،‬وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم‪،‬‬
‫وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك(‪ ,)8‬فعندما تجتمع تلك الخصال في فرد من‬
‫األفراد ثم يقابل بالمكافأة الجيدة فإن ذلك مدعاة له ألن يستقيم في عمله ويواصل جهده‬
‫لترقية الوالية أو المؤسسة‪ .‬وفي مكان آخر يقول‪ :‬وأفسح له في البذل ما يزيل علته‪ ،‬وتقل‬

‫‪1‬‬
‫() اإلدارة والنظام اإلداري‪ ،‬ص (‪.)223‬‬
‫‪2‬‬
‫() اإلدارة والنظام اإلداري‪ ،‬ص (‪.)229‬‬
‫‪3‬‬
‫() اإلدارة والنظام اإلداري‪ ،‬ص (‪.)229‬‬
‫‪4‬‬
‫() اإلدارة والنظام اإلداري‪ ،‬ص (‪.)229‬‬
‫‪5‬‬
‫() اإلدارة والنظام اإلداري‪ ،‬ص (‪.)229‬‬
‫‪6‬‬
‫() اإلدارة والنظام اإلداري‪ ،‬ص (‪.)229‬‬
‫‪7‬‬
‫() نهج البالغة‪ ،‬ص (‪.)616‬‬
‫‪8‬‬
‫() نهج البالغة ص (‪.)616‬‬
‫‪32‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫معه حاجته إلى الناس‪ ،‬وأعطه من المنزلة لديك ماال يطمع فيه غيره من خاصتك(‪ ,)1‬وهذه‬
‫عوامل تحصن الموظفين الكبار من السقوط في طريق الرشوة أو شرائه بالمال‪:‬‬
‫أ‪ -‬البذل الواسع الذي يكفل جميع حاجاته حتى يشعر بالغنى‪.‬‬
‫ب‪ -‬المنزلة المرموقة حتى يشعر باألمن والطمأنينة على وظيفته‪ ،‬وهذا ما يسمى‬
‫باألمن الوظيفي‪.‬‬
‫فماذا يريد الموظف بعد كل ذلك إذا كانت حياته مؤمنة‪ ،‬ووضعه الوظيفي مستقرًا‪،‬‬
‫وهذه الضمانات لكبار موظفي الدولة يمكن إنزالها على الشركات الكبرى والمؤسسات‬
‫العمالقة وقادة الحركات اإلسالمية‪ ،‬إنها كفالة كاملة تضمنها للموظف أفضل األفكار‬
‫اإلدارية‪ ،‬فحتى اإلدارة اليابانية ال تحيط الموظف بهذا الشكل من الرخاء األمني‬
‫والمعيشي‪ ،‬فالموظف يأخذ راتبًا معينًا‪ ،‬وقد يكون هذا الراتب غير كاف لتغطية جميع‬
‫نفقاته‪ ،‬فماذا سيعمل حينذاك يا ترى؟ قد تدفعه الحاجة إلى أعمال مشينة مخلة باألخالق‪،‬‬
‫لكن المنهاج اإلداري ألمير المؤمنين عل ّى رضي هللا عنه يجب أن يؤمن الموظف حتى‬
‫يصل حد الغنى‪ ،‬أي ال يتم االكتفاء بالراتب الشهري فقط‪ ،‬بل المعيار هو تأمين حاجاته‪،‬‬
‫ومن ثم توفير األمن الوظيفي له(‪« ,)2‬وأعطه من المنزلة ما ال يطمع فيه غيره من‬
‫خاصتك»(‪.)3‬‬
‫‪ -10‬مرافقة ذوى الخبرات‪ :‬فذوو التجارب هم مصدر المعرفة الواقعية‪ ،‬ومن‬
‫الطبيعي أن يستفيد المتعلم من أصحاب التجار أكثر ممن يتلقى العلوم النظرية‪ ،‬وقد استفاد‬
‫اليابانيون من هذه القاعدة عندما حولوا معاملهم إلى جامعات يستفيد منها العامل الجديد‪،‬‬
‫فهو يتلقى الخبرة ممن سبقه‪ ،‬والذي سبقه ممن سبقه‪ ،‬وقد جاءت هذه القاعدة على لسان‬
‫أمير المؤمنين‪ :‬خير من شاورت ذوو النهي والعلم وأولو التجارب والحزم(‪ ,)4‬وأفضل من‬
‫شاورت ذوو التجارب(‪ ,)5‬ويقولـ في مصاحبة أصحاب العلم والتجربة‪ :‬خير من صاحبت‬
‫ذوو العلم والحلم(‪ ,)6‬فهذه النصوص ما هي إال قواعد غايتها إعداد اإلنسان المسلم الناجح‬
‫في الحياة‪ ،‬ومن ثم بناء المجتمع المتصف بالتقدم والرقى المستمر(‪.)7‬‬
‫‪ -11‬اإلدارة األبوية‪ :‬الوالي هو أب قبل أن يكون صاحب سلطة‪ ،‬وهو يتعامل مع‬
‫موظفيه على أنهم أبناؤه‪ ،‬فمثلما يحتمل األب تربية أبنائه‪ ،‬كذلك يتحمل مسئولية إعداد‬
‫كبار موظفي الدولة‪ ،‬وهذا ما أخذت به التجربة اليابانية‪ ،‬والذي نجد له مصداقًا في قول‬
‫أمير المؤمنين على إلى مالك بن األشتر فيوصيه بموظفيه‪ :‬ثم تفقد من أمورهم ما يتفقد‬
‫الوالدان من ولدهما(‪ ,)8‬فيجب أن يتعامل المسئول مع أفراده معاملة الوالد لولده يرعاه‪،‬‬
‫ويعفوـ عنه عندما يسئ‪ ،‬وعندما يعاقبه فعقوبته هي تربية له‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫() شرح نهج البالغة‪ ،‬ص (‪.)615‬‬
‫‪2‬‬
‫() اإلدارة والنظام اإلداري‪ ،‬ص (‪.)231‬‬
‫‪3‬‬
‫() شرح نهج البالغة‪ ،‬ص (‪.)615‬‬
‫‪4‬‬
‫() اإلدارة والنظام اإلداري‪ ،‬ص (‪.)234‬‬
‫‪5‬‬
‫() اإلدارة والنظام اإلداري‪ ،‬ص (‪.)234‬‬
‫‪6‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)235‬‬
‫‪7‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)235‬‬
‫‪8‬‬
‫() نهج البالغة‪ ،‬ص (‪ ،)612‬اإلدارة والنظام اإلداري‪ ،‬ص (‪.)235‬‬
‫‪32‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫هذه بعض المفاهيم اإلدارية عند أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي هللا عنه‪.‬‬
‫***‬
‫‪32‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الفصل السادس‬
‫معركته الجمل وصفين وقضية التحكيم‬
‫ت إِ ْح َد ُ‬‫َصلِ ُحوا َب ْيَن ُه َما فَِإن َبغَ ْ‬ ‫ان ِمن الْم ْؤ ِمنِ‬‫ِ ِ‬
‫اه َما َعلَى‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين اقْتََتلُوا فَأ ْ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫تعالى‪َ +ِ :‬وإِ ِن طَائ َفتَ ِ َ ُ‬ ‫ِ‬
‫قال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َصل ُحوا َب ْيَن ُه َما بال َْع ْدل َوأَقْسطُوا إ َّن اهللَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ت فَأ ْ‬ ‫يء إلَى أ َْم ِر اهلل فَإن فَ َ‬
‫اء ْ‬ ‫األُ ْخ َرى َف َقاتلُوا التي َت ْبغي َحتَّى تَف َ‬
‫ِ‬
‫َصل ُحوا َب ْي َن أَ َخ َويْ ُك ْم َو َّات ُقوا اهللَ ل ََعلَّ ُك ْم ُت ْر َح ُمو َن"‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫يُ ِح ُّ‬
‫ين ‪ ‬إِنَّ َما ال ُْم ْؤمنُو َن إِ ْخ َوةٌ فَأ ْ‬
‫ب ال ُْم ْقسط َ‬
‫[الحجرات‪.]10 ،9 :‬‬
‫عن أنس بن مالك رضي هللا عنه قال‪ :‬قيل للنبي ×‪ :‬لو أتيت عبد هللا بن أبى؟ قال‪:‬‬
‫فانطلق إليه‪ ،‬وركب حمارًا‪ ،‬وانطلق المسلمون‪ ،‬وهي أرض سبخة(‪ ,)1‬فلما أتاه النبي ×‬
‫قال‪ :‬إليك عنى‪ ،‬فوهللا لقد آذاني نتن حمارك‪ ،‬قال‪ :‬فقال رجل من األنصار‪ :‬وهللا لحمار‬
‫رسول هللا أطيب ريحًا منك‪ ،‬قال‪ :‬فغضب لعبد هللا رجل من قومه‪ .‬قال‪ :‬فغضب لكل واحد‬
‫منهما أصحابه‪ ،‬قال‪ :‬فكان بينهم ضرب بالجريد وباأليدي وبالنعال‪ .‬قال‪ :‬فبلغنا أنها نزلت‬
‫َصلِ ُحوا َب ْيَن ُه َما"(‪.)2‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ين اقْتََتلُوا فَأ ْ‬ ‫فيهم‪َ + :‬وإِن طَائ َفتَان م َن ال ُْم ْؤمن َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫قوله‪َ +ِ :‬وإِن طَائ َفِتَان م َن ال ُْم ْؤمن ِ َ‬
‫ين‬ ‫وعن الحسن عن على بن أبى طلحة عن ابن عباس‪،‬‬
‫يء إِلَى أ َْم ِر اهلل"‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫َْ َ َ َ‬ ‫َّى‬‫ت‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫غ‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫ت‬‫َّ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫وا‬ ‫اه َما َعلَى األُ ْخ َرى َف َقاتِلُ‬ ‫َصلِ ُحوا َبْيَن ُه َما فَِإن َبغَ ْ‬
‫ت إِ ْح َد ُ‬ ‫اقْتََتلُوا فَأ ْ‬
‫فإن هللا سبحانه أمر النبي × والمؤمنين إذا اقتتلت طائفتان من المؤمنين أن يدعوهم إلى‬
‫حكم هللا‪ ،‬وينصف بعضهم من بعض‪ ،‬فإن أجابوا حكم فيهم بكتاب هللا‪ ،‬حتى ينصف‬
‫المظلوم من الظالم‪ ،‬فمن أبى منهم أن يجتنب فهو باغ‪ ،‬فحق على إمام المؤمنين أن‬
‫يجاهدهم ويقاتلهم‪ ،‬حتى يفيئوا إلى أمر هللا‪ ،‬ويقروا بحكم هللا(‪.)3‬‬
‫َصلِ ُحوا َب ْيَن ُه َما"‪ ،‬أي إذا تقاتل‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ين اقْتََتلُوا فَأ ْ‬ ‫وفي قوله تعالى‪َ + :‬وإِن طَائ َفتَان م َن ال ُْم ْؤمن َ‬
‫فريقان من المسلمين‪ ،‬فيجب على والة األمور اإلصالح بالنصح والدعوة إلى حكم هللا‪،‬‬
‫واإلرشاد وإزالة الشبهة وأسباب الخالف‪ ،‬والتعبير بـ«إن» لإلشارة إلى أنه ال ينبغي أن‬
‫يقع القتال بين المسلمين‪ ،‬وأنه إن وقع فإنه نادر قليل‪ ،‬والخطاب في اآلية لوالة األمور‪،‬‬
‫واألمر فيها للجوب(‪ ،)4‬وقد استدل البخاري وغيره بهذا على أن المعصية وإن عظمت ال‬
‫تُخرج من اإليمان‪ ،‬خالقًا للخوارج القائلين بأن مرتكب الكبيرة كافر وهو في النار‪ ،‬وثبت‬
‫في صحيح البخاري عن أبى بكرة‪ -‬رضي هللا عنه‪ -‬قال‪ :‬إن رسول هللا × خطب يو ًما‪،‬‬
‫ومعه على المنبر الحسن بن على – رضي هللا عنهما‪ ،‬فجعل ينظر إليه مرة‪ ،‬وإلى الناس‬
‫أخرى‪ ،‬ويقول‪« :‬إن ابني هذا سيد‪ ،‬ولعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين‬
‫عظيمتين من المسلمين»(‪ ، )5‬فكان كما قال × أصلح هللا تعالى به بين أهل الشام وأهل‬
‫العراق بعد الحروب التي وقعت بينهما(‪.)6‬‬

‫‪1‬‬
‫() أرض سبخة هي األرض التي تعلوها الملوحة وال تكاد تنبت إال بعض الشجر‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() البخاري‪ ،‬رقم ‪ ،2691‬مسلم رقم ‪.1799‬‬
‫‪3‬‬
‫() التفسير الصحيح‪ ،‬حكمتـ البشير (‪.)4/369‬‬
‫‪4‬‬
‫() التفسير المنير للزحيلى (‪.)26/237‬‬
‫‪5‬‬
‫() البخاري‪ ،‬رقم (‪.)710‬‬
‫‪6‬‬
‫() التفسير المنير (‪.)26/238‬‬
‫‪32‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫يء إِلَى أ َْم ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ َِّ ِ‬
‫اه َما َعلَى األُ ْخ َرى َف َقاتلُوا التي َت ْبغي َحتَّى تَف َ‬ ‫ت إِ ْح َد ُ‬
‫وفي قوله تعالى‪+ :‬فَِإن َبغَ ْ‬
‫اهلل"‪ ،‬أي فإن اعتدت وتجاوزت الحد إحدى الفئتين على األخرى‪ ،‬ولم تذعن لحكم هللا‬ ‫ِ‬
‫وللنصيحة‪ ،‬فعلى المسلمين أن يقاتلوا هذه الطائفة الباغية‪ ،‬حتى ترجع إلى حكم هللا‪ ،‬وما‬
‫أمر به من عدم البغي‪ ،‬والقتال يكون بالسالح وبغيره‪ ،‬ويفعل الوسيط ما يحقق المصلحة‪،‬‬
‫وهي الفيئة‪ ،‬فإن تحقق المطلوب بما دون السالح كان ذلك‪ ،‬وإن تعين السالح وسيلة فعل‬
‫حتى الفيئة‪.‬‬
‫ين"‬ ‫ِِ‬ ‫ت فَأَصلِحوا بيَنهما بِالْع ْد ِل وأَق ِ‬
‫ْسطُوا إِ َّن اهللَ يُ ِح ُّ‬ ‫ِ‬
‫ب ال ُْم ْقسط َ‬ ‫اء ْ ْ ُ َ ْ ُ َ َ َ‬ ‫وفي قوله تعالى‪+ :‬فَإن فَ َ‬
‫أي رجعت الفئة الباغية في بغيها‪ ،‬بعد القتال‪ ،‬ورضيت بأمر هللا وحكمه‪ ،‬فعلى المسلمين‬
‫أن يعدلوا بين الطائفتين في الحكم‪ ،‬ويتحروا الصواب المطابق لحكم هللا‪ ،‬ويأخذوا على يد‬
‫الطائفة الظالمة حتى تخرج من الظلم‪ ،‬وتؤدى ما يجب عليها لألخرى‪ ،‬حتى ال يتجدد‬
‫القتال بينهما مرة أخرى‪ ،‬واعدلوا أيها الوسطاء في الحكم بينهما‪ .‬إن هللا يحب العادلين‪،‬‬
‫ويجازيهم أحسن الجزاء‪ ،‬وهذا أمر بالعدل في كل األمور(‪ .)1‬قال ×‪« :‬إن المقسطين عند‬
‫الله‪ ،‬على منابر من نور‪ ،‬عن يمين الرحمن عز وجل‪ ،‬وكلتا يديه يمين‪ ،‬الذين‬
‫يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلُّوا»(‪ )2‬ثم أمر هللا تعالى باإلصالح في غير حال‬
‫َصلِ ُحوا َب ْي َن أ َ‬ ‫ِ‬
‫َخ َويْ ُك ْم"‪ ،‬فهذه اآلية‬ ‫القتال‪ ،‬ولو في أدنى اختالف فقال‪+ :‬إِنَّ َما ال ُْم ْؤمنُو َن إِ ْخ َوةٌ فَأ ْ‬
‫أصل من األصول التي تنظم عالقة المسلم بأخيه المسلم(‪ .)3‬إن هللا تعالى لم ينف صفة‬
‫اإليمان عن إحدى الطائفتين أو كلتيهما مع وقوع القتال بينهما‪ ،‬وإن أولى الناس بالدخول‬
‫تحت معنى هذه اآلية هم سادات المؤمنين الصحابة الكرام‪ ،‬سواء ما وقع في معركة‬
‫الجمل أو صفين‪ ،‬وقد قام أمير المؤمنين عل ّى‪ -‬رضي هللا عنه – بتطبيق هذه اآلية من‬
‫حرصه على اإلصالح‪ .‬وقد استجاب طلحة والزبير لذلك‪ ،‬إال أن أتباع عبد هللا بن سبأ‬
‫أنشبوا الحرب بين الطرفين‪ ،‬وسيأتي بيان ذلك في محله بإذن هللا‪ ،‬وحرص أمير المؤمنين‬
‫على اإلصالح مع أهل الشام‪ ،‬وبذل ما في وسعه‪ ،‬من طرق سلمية‪ ،‬وجرّد سيفه بعد فشل‬
‫كل المحاوالت اإلصالحية لكي يفئ معاوية – رضي هللا عنه‪ -‬إلى السمع والطاعة‪،‬‬
‫ووحدة الخالفة اإلسالمية‪ ،‬إال أن معاوية اشترط تسليم قتلة عثمان‪ -‬رضي هللا عنه ‪،-‬‬
‫فاجتهد وأخطأ‪ ،‬وكان الحق مع أمير المؤمنين على ووقع القتال‪.‬‬
‫وقال تعالى‪+ :‬إِنَّ َما ال ُْم ْؤ ِمنُو َن إِ ْخ َوةٌ" فأثبتت األخوة اإليمانية لجميع المقاتلين من‬
‫المسلمين‪ ،‬ومن باب أولى ما وقع بين على وطلحة والزبير – رضي هللا عنهم‪ -‬في‬
‫الجمل‪ ،‬وما وقع مع معاوية في صفين‪ ،‬ومن هنا يظهر لنا أن المقاتلين في الجمل وفي‬
‫صفين مؤمنون‪ ،‬وال مجال للطعن في الصحابة بسبب هذه الحوادث التاريخية‪ ،‬أو محاولة‬
‫نزع اإليمان عنهم‪ ،‬أو نشر العبارات المنحرفة في حقهم‪ ،‬ويكفى في الرد على تلك‬
‫المقوالتـ الباطلة أن هذه اآليات أثبتت لهم أخوة اإليمان‪ ،‬وسيأتي بيان ما وقع بينهم –‬
‫بإذن هللا تعالى – بالتفصيل‪.‬‬
‫فقد ذكر تعالى أن المؤمنين إخوة في الدين‪ ،‬ويجمعهم أصل واحد‪ ،‬وهو اإليمان‪،‬‬
‫فيجب اإلصالح بين كل أخوين متنازعين‪ ،‬وزيادة في أمر العناية باإلصالح بين األخوين‬
‫أمر هللا تعالى بالتقوى‪ ،‬والمعنى‪ :‬فأصلحوا بينها‪ ،‬وليكن رائدكم في هذا اإلصالح وفي كل‬

‫‪1‬‬
‫() التفسير المنير (‪.)26/238‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسلم‪ :‬اإلمارة – حديث رقم (‪.)1827‬‬
‫‪3‬‬
‫() سورة الحجرات‪ ،‬د‪ .‬ناصر العمري (‪.)305‬‬
‫‪32‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫أموركم تقوى هللا‪ ،‬وخشيته والخوف منه‪ ،‬بأن تلتزموا الحق والعدل‪ ،‬وال تحيفوا وال تميلوا‬
‫ألحد األخوين‪ ،‬فإنهم إخوانكم‪ ،‬واإلسالم سوّى بين الجميع‪ ،‬فال تفاضل بينهم وال فوارق‪،‬‬
‫ولعلكم ترحمون بسبب التقوى وهي التزام األوامر واجتناب النواهي(‪.)1‬‬
‫وقد جعلت اآلية الكريمة اإلصالح بين اإلخوة وتقوى هللا سبب نزول رحمة هللا‪،‬‬
‫تعظي ًما ألمر اإلصالح بين المسلمين(‪ .)2‬ويالحظ أنه قال‪ :‬اتقوا هللا عند تخاصم رجلين‪،‬‬
‫ولم يقل ذلك عند إصالح الطائفتين‪ ،‬ألنه في حالة تخاصم الرجلين يخشى اتساع‬
‫(‪)3‬‬
‫الخصومة‪ ،‬وأما في حال تخاصم الطائفتين فإن أثر الفتنة أو المفسدة عام شامل الكل ‪,‬‬
‫وكلمة (إنما) للحصر تفيد أنه ال أخوة إال بين المؤمنين‪ ،‬وال أخوة بين المؤمن والكافر‪،‬‬
‫ألن اإلسالم هو الرباط الجامع بين أتباعه‪ ،‬وتفيد أيضًا أن أمر اإلصالح ووجوبه إنما هو‬
‫عند وجود األخوة في اإلسالم‪ ،‬ال بين الكفار‪ ،‬فإن كان الكافر ذميًا أو مستأمنًا وجبت‬
‫إعانته وحمايته ورفع الظلم عنه‪ ،‬كما تجب إعانة المسلم ونصرته مطلقًا إن كان خصمه‬
‫حربيًا(‪.)4‬‬
‫وقد قال ابن العربي‪ :‬هذه اآلية أصل في قتال المسلمين‪ ،‬والعمدة في حرب‬
‫المتأولين‪ ،‬وعليها عوّل الصحابة‪ ،‬وإياها عنى النبي ×‪« :‬تقتل عمارًا الفئة‬
‫الباغية» [أي عمار بن ياسر] أي أن بقتال البغاة فرض على الكفاية‪ ،‬إذا قام به البعض‬
‫سقط عن الباقين‪ ،‬ولذلك تخلف قوم من الصحابة – رضي هللا عنهم – عن هذا األمر‪،‬‬
‫كسعد بن أبى وقاص‪ ،‬وعبد هللا بن عمر‪ ،‬ومحمد بن مسلمة وغيرهم‪ ،‬اعتذر إليه كل واحد‬
‫على‪ .‬وهناك كثير من األحكام سوف نراها من‬ ‫منهم بعذر قبله منهم(‪ )5‬أمير المؤمنين ٌّ‬
‫خالل سرد الوقائع التي حدثت بين الصحابة – بإذن هللا تعالى‪.-‬‬
‫ويُعد نظام التحكيم وقتال الفئة الباغية حتى تفئ إلى أمر هللا نظا ًما له السبق من حيث‬
‫الزمن على محاوالتـ البشرية في هذا الطريق‪ ،‬وله الكمال والبراءة من العيب والنقص‬
‫الواضحين في كل محاوالت البشرية البائسة القاصرة التي حاولتها في كل تجاربها‬
‫الكسيحة‪ ،‬وله بعد هذا وذاك صفة النظافة واألمانة والعدل والمطلق‪ ،‬ألن االحتكام فيه إلى‬
‫أمر الذي ال يشوبه غرض وال هوى‪ ،‬وال يتعلق به نقص أو قصور(‪ .)6‬ولم تنته محاوالتـ‬
‫اإلصالح منذ اندالع القتال حتى توج بالصلح العظيم الذي خطط له أمير المؤمنين الحسن‬
‫بن على رضي هللا عنه‪.‬‬
‫المبحث األول‬
‫األحداث التي سبقت معركة الجمل‬
‫كانت فتنة مقتل عثمان – رضي هللا عنه – سببًا في حدوث كثير من الفتن األخرى‪،‬‬
‫وألقت بظاللها على أحداث الفتن التي تلتها‪ ،‬وقد ساهمت أسباب عديدة في فتنة مقتل‬
‫عثمان – رضي هللا عنه ‪ ،-‬منها‪ :‬الرخاء وأثره في المجتمع‪ ،‬طبيعة التحول االجتماعي‬
‫في عهده‪ ،‬مجيء عثمان بعد عمر‪ ،‬خروج كبار الصحابة من المدينة‪ ،‬العصبية الجاهلية‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫() التفسير المنير (‪.)26/239‬‬
‫‪2‬‬
‫() منهج القرآن الكريم في إصالح النفوس للحريري‪ :‬ص(‪.)16‬‬
‫‪3‬‬
‫() التفسير المنير (‪.)26/239‬‬
‫‪4‬‬
‫() التفسير المنير (‪.)26/240‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر نفسه (‪ ،)26/242‬أحكام القرآن (‪.)4/150‬‬
‫‪6‬‬
‫() في ظالل القرآن (‪.)6/3344‬‬
‫‪32‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫توقف الفتوحات‪ ،‬الورع الجاهل‪ ،‬طموح الطامحين‪ ،‬تآمر الحاقدين‪ ،‬التدبير المحكم إلثارة‬
‫المآخذ ضد عثمان‪ ،‬استخدام األساليب والوسائل المهيجة للناس‪ ،‬دور عبد هللا بن سبأ في‬
‫الفتنة‪ ،‬وقد تم تفصيل تلك األسباب في كتابي «تيسير الكريم المنّان في سيرة عثمان بن‬
‫عفان»‪ )1(.‬إن عثمان‪ -‬رضي هللا عنه – كان الناس يحبونه حبًا عظي ًما‪ ،‬لحسن سياسته‬
‫ولمكانته من رسول هللا × وأحاديثه في الثناء عليه وزواجه من ابنتيه حتى سمي بذي‬
‫النورين‪ ،‬فهو من الصحابة الكبار الذين بشروا بالجنة‪ ،‬ولقد تعرض للظلم في حياته من‬
‫بعض الغوغاء‪ ،‬وكان في استطاعته أن يقضى عليهم ولكنه امتنع خوفًا من أن يكون أول‬
‫من يسفك الدماء في أمة محمد ×‪ ،‬فقد كانت سياسته في التعامل مع الفتنة قائمة على الحلم‬
‫والتأني والعدل‪ ،‬وقد منع الصحابة من قتال الغوغاء‪ ،‬وأحب أن يقي المسلمين بنفسه‪،‬‬
‫ولذلك كان مقتله سببًا لحدوث كثير من الفتن األخرى وألقت بظاللها على األحداث‬
‫المتتالية من الفتن‪ ،‬ولقد كان مقتله عظي ًما على المسلمين ولذلك تصدع المجتمع اإلسالمي‬
‫لهذا الحادث الجلل‪ ،‬وانقسم الناس‪ ،‬ومما يزيد من مكانته وبراءته مما نسب إليه مواقف‬
‫الصحابة من قتله‪ ،‬فقد أجمع الجميع على براءته واتفقوا على األخذ بدمه إال أن المواقف‬
‫اختلفت في الكيفية‪ ،‬وهذا ما سيأتي بيانه‪ ،‬بإذن هللا‪ .‬ونحب أن نسلط األضواء على دور‬
‫عبد هللا بن سبأ في الفتنة عمو ًما‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬أثر السبئية في إحداث الفتنة‪:‬‬
‫(‪ )1‬السبئية حقيقة أم خيال‪ :‬حقيقة عبد هللا بن سبأ‪ :‬أجمع القدماء على وجوده‬
‫بال استثناء وخالف في ذلك قلة من المعاصرين أكثرهم من الشيعة‪ ،‬وحجة من أنكره أنه‬
‫من إبداع مخيلة سيف بن عمر التميمي وذلك النتقاد بعض علماء الرجال له في مجال‬
‫رواية الحديث أن العلماء يعدونه حجة في األخبار‪ ،‬عل ًما بأنه وردت روايات كثيرة عند‬
‫ابن عساكر تذكر عبد هللا بن سبأ ليس من بين رواتها سيف بن عمر‪ ،‬وقد حكم األلباني‬
‫على بعضها بأنها صحيحة من حيث السند(‪ ,)2‬وهذا غير الروايات الكثيرة عن ابن سبأ في‬
‫كتب الشيعة سواء في كتب الفرق أو الرجال أو الحديث عندهم‪ ،‬وليس فيها عمر هذا‪ ،‬ال‬
‫من قريب وال من بعيد‪ ،‬وقد ابتدأ التشكيك في شخصية عبد هللا بن سبأ(‪ )3‬ووجوده في‬
‫محاولة منهم لنفي دور العنصر اليهودي الحاقد في زرع الفتنة بين المسلمين من جهة‪،‬‬
‫ومن جهة أخرى يوجه االتهام للصحابة بأنهم سبب الفتنة بغرض هدم النموذج السامي‬
‫والصور المشرقة لهم عند المسلمين‪ ،‬وتابعهم على نفي وجود عبد هللا بن سبأ بعض‬
‫المعاصرين كلهم من الشيعة الرافضة لغاية في نفوسهم‪ ،‬وهي محاولتهم الفاشلة لتبرئة‬
‫أصل مذهبهم من مؤسسة الحقيقيـ كما أجمع القدماء جميعهم بمن فيهم الشيعة‪ .‬وتجدر‬
‫اإلشارة أن من أنكر عبد هللا بن سبأ من المحسوبين على أهل السنة هم ممن تأثروا‬
‫وتتلمذوا على أيدي المستشرقين فأين بلغ هؤالء من قلة الحياء والجهل؟ وقد مألت‬
‫ترجمته كتب التاريخ والفرق‪ ،‬وتناقلت أفعاله الرواة وطبقت أخباره اآلفاق‪ ،‬لقد اتفق‬
‫المؤرخون والمحدثون وأصحاب كتب الفرق والملل والنحل والطبقات واألدب واألنساب‬
‫الذين تعرضوا للسبئية على وجود شخصية عبد هللا بن سبأ الذي ظهر في أخبار الفتنة‪،‬‬
‫ودور ابن سبأ فيها لم يكن قصرًا على تاريخ اإلمام الطبري‪ ،‬واستنادًا على روايات سيف‬
‫بن عمر التميمي فيه‪ ،‬إنما هي أخبار منتشرة في روايات المتقدمين‪ ،‬وفي ثنايا الكتب التي‬

‫‪1‬‬
‫صالَّبي ص (‪.)340-311‬‬
‫() عثمان بن عفان لل َّ‬
‫‪2‬‬
‫() دعاوى اإلنقاذ للتاريخ اإلسالمي‪ ،‬للعودة ذكر فيها الطرق التي ذكرها األلباني‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() تحقيق مواقف الصحابة (‪ )1/284‬ذكر تفصيالت مهمة‪،‬ـ وكذلك عبد هللا بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة‬
‫في صدر اإلسالم‪ ،‬للعودة‪.‬‬
‫‪33‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫رصدت أحداث التاريخ اإلسالمي وآراء الفرق والنحل في تلك الفترة‪ ،‬إال أن ميزة تاريخ‬
‫اإلمام الطبري على غيره أنه أغزرها مادة وأكثر تفصيالً ال أكثر‪ ،‬ولهذا فإن التشكيك في‬
‫هذه األحداث بال سند وبال دليل بحجة عدم ذكر عبد هللا بن سبأ إال من طريق سيف بن‬
‫عمر حتى بعد ثبوت ذكره من روايات صحيحة ليس فيها سيف ابن عمر كما أسلفنا‪ ،‬إنما‬
‫يعنى الهدم لكل تلك األخبار‪ ،‬والتسفيه بأولئك المخبرين والعلماء وتزيف الحقائق‬
‫التاريخية‪ ،‬فمتى كانت المنهجية ضربًا من ضروب االستنتاج العقلي المحض في مقابل‬
‫النصوص والروايات المتضافرة؟ وهل تكون المنهجية في الضرب صفحًا واإلعراض‬
‫عن المصادر الكثيرة المتقدمة والمتأخرة التي أثبتت البن سبأ شخصية واقعية؟ (‪ ,)1‬وقد‬
‫جاء ذكر ابن سبأ في كتب أهل السنة كثيرًا منها‪:‬‬
‫جاء ذكر السبئية على لسان أعشى همدان(‪ )2‬المتوفى عام ‪83‬هـ‪ ،‬وقد هجا المختار بن‬
‫أبى عبيد الثقفيـ وأنصاره من أهل الكوفة بعدما ف ّر مع أشراف قبائل الكوفة إلى البصرة‬
‫بقوله‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وأني بكم يا شرطة الكفر عارف‬ ‫شهدت عليكم أنكم سبئية‬
‫وهناك رواية عن الشعبي المتوفى عام‪103‬هـ (‪721‬م) تفيد كذب عبد هللا بن سبأ(‪،)4‬‬
‫وتحدث ابن حبيب(‪ )5‬المتوفى عام ‪245‬هـ (‪860‬م) عن ابن سبأ حينما اعتبره أحد أبناء‬
‫الجبشيات(‪ ,)6‬كما روى أبو عاصم ُخشيش بن أصرم المتوفى سنة ‪253‬هـ‪ ،‬خبر إحراق‬
‫على – رضي هللا عنه – لجماعة من أصحاب ابن سبأ في كتابه االستقامة(‪ ,)7‬ويعتبر‬
‫الجاحظ(‪ )8‬المتوفى سنة (‪255‬هـ) من أوئل من أشار إلى عبد هللا بن سبأ(‪ ,)9‬ولكن روايته‬
‫ليست أقدم رواية عن ابن سبأ كما يروى الدكتور جواد على(‪ ,)10‬وخبر إحراق على بن‬
‫أبى طالب – رضي هللا عنه – لطائفة من الزنادقة تكشف عنه الروايات الصحيحة في‬
‫كتب الصحاح والسنن والمسانيد(‪ ,)11‬ولفظ الزندقة ليس غريبًا عن عبد هللا بن سبأ‬
‫وطائفته‪.‬‬
‫(‪)12‬‬
‫ويقول ابن تيمية‪ :‬إن مبدأ الرفض إنما كان من الزنديق عبد هللا بن سبأ ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫() دعاوى اإلنقاذ للتاريخ اإلسالمي للعودة‪ ،‬تحقيق مواقف الصحابة (‪.)1/70‬‬
‫‪2‬‬
‫() هو عبد الرحمن بن الحارث الهمداني‪ ،‬المعروف بأعشى همدان‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() ديوان أعشى همدان‪ :‬ص (‪.)148‬‬
‫‪4‬‬
‫() تاريخ دمشق‪ ،‬ابن عساكر (‪.)9/331‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ بغداد (‪.)2/277‬‬
‫‪6‬‬
‫المحبر‪ ،‬ابن حبيب‪ :‬ص (‪.)308‬‬
‫() عبد هللا بن سبأ للعودة ص (‪َ ،)53‬‬
‫‪7‬‬
‫() تذكرة الحفاظ (‪ ،)2/551‬شذرات الذهب (‪.)2/129‬‬
‫‪8‬‬
‫() وفيات األعيان (‪.)30/470‬‬
‫‪9‬‬
‫() البيان والتبيين (‪.)3/81‬‬
‫‪10‬‬
‫() تحقيق مواقف الصحابة (‪.)8/290‬‬
‫‪11‬‬
‫() عبد هللا بن سبأ للعودة‪ :‬ص (‪.)53‬‬
‫‪12‬‬
‫() مجموع الفتاوى (‪.)28/483‬‬
‫‪33‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ويقول الذهبي‪ :‬عبد هللا من غالة الزنادقة‪ ،‬ضال مضل(‪.)13‬‬
‫ويقول ابن حجر‪ :‬عبد هللا بن سبأ من غالة الزنادقة‪ ..‬وله أتباع يقال لهم السبئية‪،‬‬
‫معتقدون اإللهية في على بن أبى طالب‪ ،‬وقد أحرقهم على بالنار في خالفته(‪.)1‬‬
‫ويوجد البن سبأ ذكر في كتب الجرح والتعديل‪ ،‬يقول ابن حبان المتوفى‪354‬هـ‪:‬‬
‫وكان الكلبي – محمد بن السائب اإلخباري – سبئيًا‪ ،‬من أصحاب عبد هللا بن سبأ‪ ،‬من‬
‫أولئك الذين يقولون‪ :‬إن عليًا لم يمت‪ ،‬وأنه راجع إلى الدنيا قبل الساعة‪ ..‬وإن رأوا سحابة‬
‫قالوا‪ :‬أمير المؤمنين فيها(‪ ,)2‬كما أن كتب األنساب هي األخرى تؤكد نسبة السبئية إلى عبد‬
‫هللا بن سبأ‪ ،‬وهم الغالة من الرافضة‪ ،‬وابن سبأ أصله من اليمن‪ ،‬كان يهوديًا وأظهر‬
‫اإلسالم(‪ ,)3‬ولم يكن سيف بن عمر هو المصدر الوحيد ألخبار عبد هللا بن سبأ‪ ،‬إذ أورد‬
‫ابن عساكر في تاريخه روايات لم يكن سيف فيها‪ ،‬وهي تثبت ابن سبأ وتؤكد أخباره(‪,)4‬‬
‫ويذكر شيخ اإلسالم ابن تيمية المتوفى سنة ‪728‬هـ أن أصل الرفض من المنافقين‬
‫الزنادقة‪ ،‬فإنه ابتداع ابن سبأ الزنديق‪ ،‬وأظهر الغلو في على وادعى اإلمامة والنص عليه‪،‬‬
‫وادعى العصمة له(‪ ,)5‬ويشير الشاطبى(‪ )6‬والمتوفى عام‪790‬هـ إلى أن بدعة السبئية من‬
‫البدع االعتقادية المتعلقة بوجود إله مع هللا – تعالى‪ -‬وهي بدعة تختلف عن غيرها من‬
‫المقاالتـ(‪ ,)7‬وفي خطط المقريزى المتوفى عام ‪845‬هـ‪ ،‬أن عبد هللا بن سبأ قام من زمن‬
‫على ُمحدثًا القوم بالوصية والرجعة والتناسخ(‪ ,)8‬وأما المصادر الشيعية التي ذكرت ابن‬
‫سبأ‪ ،‬فقد روى الكشى عن محمد بن قولوية‪ ،‬قال‪ :‬حدثني سعد بن عبد هللا قال‪ :‬حدثني‬
‫يعقوبـ بن يزيد‪ ،‬ومحمد بن عيسى‪ ،‬عن على بن مهزيار‪ ،‬عن فضالة بن أيوب األزدى‪،‬‬
‫عن أبان بن عثمان قال‪ :‬سمعت أبا عبد هللا يقول‪ :‬لعن هللا عبد هللا بن سبأ‪ ،‬أنه ا ّدعى‬
‫الربوبية في أمير المؤمنين وكان وهللا أمير المؤمنين عبدًا طائعًا‪ ،‬الويل لمن كذب علينا‪،‬‬
‫وإن قو ًما يقولون فينا ما ال نقول في أنفسنا نبرأ إلى هللا منهم(‪ ,)9‬والرواية عند الشيعة من‬
‫حيث السند صحيحة(‪.)10‬‬
‫وفي كتاب الخصال أورد القمى الخبر نفسه‪ ،‬ولكن موصوالًـ بسند آخر‪ ،‬وأما صاحب‬
‫روضات الجنات فقد ذكر ابن سبأ على لسان الصادق المصدوق الذي لعن ابن سبأ‬
‫التهامه بالكذب والتزوير وإذاعة األسرار والتأويل(‪ ,)11‬وقد ذكر الدكتور سليمان العودة‬
‫‪13‬‬
‫() ميزان االعتدال للذهبي (‪.)2/426‬‬
‫‪1‬‬
‫() لسان الميزان البن حجر (‪.)3/360‬‬
‫‪2‬‬
‫() المجروحين من المحدثين‪ ،‬أبو حاتم (‪.)2/253‬‬
‫‪3‬‬
‫() األنساب (‪.)7/24‬‬
‫‪4‬‬
‫() تحقيق مواقف الصحابة (‪ ،)1/298‬عبد هللا بن سبأ للعودة‪ :‬ص (‪.)54‬‬
‫‪5‬‬
‫() مجموعة الفتاوى البن تيمية (‪.)4/435‬‬
‫‪6‬‬
‫() إبراهيم بن موسى‪ ،‬محمد الغرناضى توفى عام ‪.790‬‬
‫‪7‬‬
‫() االعتصام (‪.)2/197‬‬
‫‪8‬‬
‫() المواعظ واالعتبار بذكر الخطط واآلثار للمقريزى (‪.)257 ،2/256‬‬
‫‪9‬‬
‫() رجال الكشى (‪.)1/324‬‬
‫‪10‬‬
‫() عبد هللا بن سبأ الحقيقة المجهولة للشيعة‪ ،‬لمحمد على العلم‪ :‬ص (‪.)30‬‬
‫‪11‬‬
‫() عبد هللا بن سبأ‪ ،‬سليمان العودة‪ :‬ص (‪.)62‬‬
‫‪33‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫في كتابه مجموعة من النصوص التي تزخر بها كتب الشيعة ومروياتهم عن عبد هللا بن‬
‫سبأ‪ ،‬فهي أشبه ما تكون وثائق مسجلة تدين من حاول من متأخري الشيعة إنكار عبد هللا‬
‫بن سبأ‪ ،‬أو التشكيك في أخباره‪ ،‬بحجة قلة‪ ،‬أو ضعف المصادر التي حكت أخباره(‪.)1‬‬
‫إن شخصية ابن سبأ حقيقة تاريخية ال لبس فيها في المصادر السنية والشيعية‬
‫المتقدمة والمتأخرة على السواء‪ ،‬وهي كذلك أيضًا عند غالبية المستشرقين أمثال‪ :‬يوليوس‬
‫فلهاوزن(‪ ,)2‬وفان فولتن(‪ ,)3‬وليفي ديالفيد(‪ ,)4‬وجولد تسيهر(‪ ,)5‬ورينولد نكلسن(‪ ,)6‬وداويت‬
‫رونلدس(‪..)7‬على حين يبقى ابن سبأ محل شك أو مجرد خرافة عند فئة قليلة من‬
‫المستشرقين أمثال‪ :‬كيتاني وبرنارد لويس(‪ ,)8‬وفريد لندر المتأرجح(‪ ,)9‬عل ًما بأننا ال نعتد‬
‫بهم في أحداث تاريخنا‪.‬‬
‫ومن يستقرئ المصادر‪ ،‬سواء القديمة والمتأخرة‪ ،‬عند السنة والشيعة‪ ،‬يتأكد له بأن‬
‫وجود ابن سبأ كان وجودًا تؤكده الروايات التاريخية‪ ،‬وتفيض فيه كتب العقائد‪ ،‬وذكرته‬
‫كتب الحديث‪ ،‬والرجال واألنساب‪ ،‬واألدب‪ ،‬واللغة‪ ،‬وسار على هذا النهج كثير من‬
‫المحققين والباحثين والمحدثين‪ ،‬يبدو أن أول من شك في وجود ابن سبأ المستشرقون‪ ،‬ثم‬
‫د ّعم هذا الطرح الغالبية من الشيعة المعاصرين بل وأنكر بعضهم وجوده ألبتة‪ ،‬وبرز من‬
‫الباحثين العرب المعاصرين من أعجب بآراء المستشرقين‪ ،‬ومن تأثر بكتابات الشيعة‬
‫المحدثين‪ ،‬ولكن هؤالء جميعًا ليس لهم ما يدعمون به شكهم وإنكارهم إال الشك ذاته‪،‬‬
‫واالستناد إلى مجرد الهوى والظنون والفرضيات(‪ ,)10‬ومن أراد التوسع في معرفة‬
‫المراجع والمصادر السنية والشيعية واالستشراقية التي ذكرت ابن سبأ فليراجع تحقيق‬
‫مواقف الصحابة في الفتنة للدكتور محمد أمحزون‪ ،‬وعبد هللا بن سبأ وأثره في أحداث‬
‫الفتنة في صدر اإلسالم‪ ،‬للدكتور سليمان بن حمد العودة‪.‬‬
‫(‪ )2‬دور عبد هللا بن سبأ في تحريك الفتنة‪ :‬في السنوات األخيرة من خالفة‬
‫عثمان – رضي هللا عنه – بدت في األفق سمات االضطراب في المجتمع اإلسالمي نتيجة‬
‫عوامل التغيير التي ذكرناها‪ ،‬وأخذ بعض اليهود يتحينون فرصة الظهور مستغلين عوامل‬
‫الفتنة ومتظاهرين باإلسالم واستعمال التقية‪ ،‬ومن هؤالء عبد هللا بن سبأ الملقب بابن‬
‫السوداء‪ ،‬وإذا كان ابن سبأ ال يجوز التهويل من شأنه كما فعل بعض المغالين في تضخيم‬
‫دوره في الفتنة(‪ ,)11‬فإنه كذلك ال يجوز التشكيك فيه أو االستهانة بالدور الذي لعبه في‬
‫‪1‬‬
‫() عبد هللا بن سبأ‪ ،‬سليمان العودة‪ :‬ص(‪.)62‬‬
‫‪2‬‬
‫() الخوارج والشيعة‪ ،‬يوليوس فلهاوزن‪ :‬ص (‪.)170‬‬
‫‪3‬‬
‫() السيادة العربية والشيعة واإلسرائيليات‪ :‬ص (‪.)80‬‬
‫‪4‬‬
‫() تحقيق مواقف الصحابة (‪.)1/321‬‬
‫‪5‬‬
‫() العقيدة والشريعة اإلسالمية‪ ،‬جولد تسيهر‪ :‬ص (‪.)229‬‬
‫‪6‬‬
‫() تاريخ العرب األدنى في الجاهلية‪ :‬ص (‪.)235‬‬
‫‪7‬‬
‫() عقائد الشيعة‪ :‬ص (‪.)58‬‬
‫‪8‬‬
‫() أصول اإلسماعيلية (‪.)86‬‬
‫‪9‬‬
‫() تحقيق مواقف الصحابة (‪.)1/312‬‬
‫‪10‬‬
‫() تحقيق مواقف الصحابة (‪.)1/312‬‬
‫‪11‬‬
‫() مثال سعيد األفغاني في كتابه (عائشة والسياسة)‪.‬‬
‫‪33‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫أحداث الفتنة‪ ،‬كعامل من عواملها‪ ،‬على أنه أبرزها وأخطرها‪ ،‬إذ إن هناك أجوا ًء للفتنة‬
‫مهدت له‪ ،‬وعوامل أخرى ساعدته‪ ،‬وغاية ما جاء به ابن سبأ آراء ومعتقدات ا ّدعاها‬
‫واخترعها من قبل نفسه وافتعلها من يهوديته الحاقدة‪ ،‬وجعل يروجها لغاية ينشدها‬
‫وغرض يستهدفه‪ ،‬وهو ال َّدس في المجتمع اإلسالمي بغية النيل من وحدته‪ ،‬وإذكاء نار‬
‫الفتنة وغرس بذور الشقاق بين أفراده‪ ،‬فكان ذلك من جملة العوامل التي أ ّدت إلى قتل‬
‫أمير المؤمنين عثمان – رضي هللا عنه – وتفرق األمة شيعًا وأحزابًا(‪ ,)1‬وخالصة ما جاء‬
‫به أن أتى بمقدمات صادقة وبنى عليها مبادئ فاسدة راجت لدى السذج الغالة وأصحاب‬
‫األهواء من الناس‪ ،‬وقد سلك في ذلك مسالك ملتوية لبّس فيها على من حوله حتى اجتمعوا‬
‫عليه‪ ،‬فطرق باب القرآن بتأولّه على زعمه الفاسد حيث قال‪ :‬لَع َجب ممن يزعم أن عيسى‬
‫ِ‬
‫ُّك إِلَى‬
‫ك الْ ُق ْرآ َن ل ََراد َ‬ ‫يرجع‪ ،‬ويكذب بأن محمدًا يرجع‪ ،‬وقد قال تعالى‪+ :‬إِ َّن الَّذي َف َر َ‬
‫ض َعلَْي َ‬
‫اد" [القصص‪ ]85:‬فمحمد أحق بالرجوع من عيسى(‪ ،)2‬كما سلك طريق القياس الفاسد من‬ ‫مع ٍ‬
‫ََ‬
‫ادعاء إثبات الوصية لعلى‪ -‬رضي هللا عنه – بقوله‪ :‬إنه كان ألف نبي‪ ،‬ولكل نبي وصى‪،‬‬
‫وكان على وصى محمد ثم قال‪ :‬محمد خاتم األنبياء‪ ،‬وعلى خاتم األوصياء(‪ ,)3‬وحينما‬
‫استقر األمر في نفوس أتباعه انتقل إلى هدفه المرسوم‪ ،‬وهو خروج الناس على الخليفة‬
‫عثمان – رضي هللا عنه ‪ ،-‬فصادف ذلك هوى في نفوس بعض القوم حيث قال لهم‪ :‬من‬
‫أظلم ممن لم يجز وصية رسول هللا × ووثب على وص ّى رسول هللا × وتناول أمر األمة؟‬
‫ثم قال لهم بعد ذلك‪ :‬إن عثمان أخذها بغير حق‪ ،‬وهذا وص ّى رسول هللا فانهضوا في هذا‬
‫األمر فحركوه‪ ،‬وابدءوا بالطعن على أمرائكم وأظهروا األمر بالمعروف والنهى عن‬
‫المنكر تستميلوا الناس وادعوا إلى هذا األمر(‪ ,)4‬وبث دعاته‪ ،‬وكاتب من كان في‬
‫األمصار‪ ،‬وكاتبوه ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم‪ ،‬وأظهروا األمر بالمعروف والنهى‬
‫عن المنكر‪ ،‬وجعلوا يكتبون إلى األمصار بكتب يضعونها في عيوب والتهم ويكاتبهم‬
‫إخوانهم بمثل ذلك‪ ،‬ويكتب أهل كل مصر منهم إلى مصر آخر بما يصنعون‪ ،‬فيقرؤه‬
‫أولئك في أمصارهم وهؤالء في أمصارهم حتى تناولوا بذلك المدينة‪ ،‬وأوسعوا األرض‬
‫إذاعة‪ ،‬وهم يريدون غير ما يظهرون‪ ،‬ويسترون غير ما يبدون‪ ،‬فيقولـ أهل مصر‪ :‬إنّا‬
‫لفي عافية مما فيه الناس(‪.)5‬‬
‫ويظهر في النص األسلوب الذي اتبعه ابن سبأ‪ ،‬فهو أراد أن يوقع في أعين الناس‬
‫بين اثنين من كبار الصحابة‪ ،‬حيث جعل أحدهما مهضوم الحق وهو على‪ ،‬وجعل الثاني‬
‫مغتصبًا وهو عثمان‪ ،‬ثم حاول بعد ذلك أن يحرك الناس – خاصة في الكوفة‪ -‬على‬
‫أمرائهم باسم األمر بالمعروف والنهى عن المنكر‪ ،‬فجعل هؤالء يثورون ألصغر‬
‫الحوادث على والتهم‪ ،‬عل ًما بأنه ركز في حملته هذه على األعراب الذين وجد فيهم مادة‬
‫مالئمة لتنفيذ خطته‪ ،‬فالقرَّاء منهم استهواهم عن طريق األمر بالمعروف والنهى عن‬
‫المنكر‪ ،‬وأصحاب المطامع منهم هيّج أنفسهم باإلشاعات المغرضة المفتراة على عثمان؛‬
‫مثل تحيزه ألقاربه وإغداق األموال من بيت مال المسلمين عليهم‪ ،‬وأنه حمى الحمى لنفسه‬
‫إلى غير ذلك من التهم والمطاعن التي حرك بها نفوس الغوغاء ضد عثمان‪ -‬رضي هللا‬
‫‪1‬‬
‫() تحقيق مواقف الصحابة (‪.)1/327‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/347‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/347‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)5/348‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)5/348‬‬
‫‪33‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫عنه‪ -‬مع براءته‪ ،‬ثم إنه أخذ يحض أتباعه على إرسال الكتب بأخبار سيئة مفجعة عن‬
‫مصرهم إلى بقية األمصار‪ ،‬وهكذا يتخيل الناس في جميع األمصار أن الحال بلغ من‬
‫السوء ما ال مزيد عليه‪ ،‬والمستفيد من هذه الحال هم السبئية‪ ،‬ألن تصديق ذلك من الناس‬
‫يفيدهم في إشعال شرارة الفتنة داخل المجتمع اإلسالمي(‪ ,)1‬هذا وقد شعر عثمان – رضي‬
‫هللا عنه – بأن شيئًا ما يحاك في األمصار وأن األمة تمخض بشر فقال‪ :‬وهللا إن رحى‬
‫الفتنة لدائرة‪ ،‬فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها(‪.)2‬‬
‫على أن المكان الذي رتع فيه ابن سبأ هو مصر‪ ،‬وهناك أخذ ينظم حملته ضد عثمان‬
‫– رضي هللا عنه ‪ ،-‬ويحث الناس على التوجه إلى المدينة إلثارة الفتنة بدعوى أن عثمان‬
‫أخذ الخالفة بغير حق‪ ،‬ووثب على وصى رسول هللا × يقصد(‪ )3‬عليًا‪ ،‬وقد غشهم بكتب‬
‫ا ّدعى أنها وردت من كبار الصحابة حتى إذا أتى هؤالء األعراب المدينة المنورة‬
‫واجتمعوا بالصحابة لم يجدوا منهم تشجيعًا‪ ،‬حيث تبرءوا مما نسب إليهم من رسائل تؤلب‬
‫الناس على عثمان(‪ ,)4‬ووجدوا عثمان مقدرًا للحقوق‪ ،‬بل وناظرهم فيما نسبوا إليه‪ ،‬ورد‬
‫عليهم افتراءهم وفسّر لهم صدق أعماله‪ ،‬حتى قال أحد زعمائهم وهو مالك ابن األشتر‬
‫النخعى‪ :‬لعله ُمكر به وبكم(‪ .)5‬ويعتبر الذهبي أن عبد هللا بن سبأ المهيج للفتنة بمصر‬
‫وباذر بذور الشقاق والنقمة على الوالة ثم على أمير المؤمنين عثمان فيها(‪ ,)6‬ولم يكن ابن‬
‫سبأ وحده‪ ،‬وإنما كان عمله ضمن شبكة من المتآمرين وأخطبوط من أساليب الخداع‬
‫واالحتيال والمكر وتجنيد األعراب والقراء وغيرهم‪ ،‬ويروى ابن كثير أن أسباب تألب‬
‫األحزاب على عثمان ظهور ابن سبأ وذهابه إلى مصر وإذاعته بين الناس كال ًما اخترعه‬
‫من عند نفسه‪ ،‬فافتتن به بشر كثير من أهل مصر(‪.)7‬‬
‫إن المشاهير من المؤرخين والعلماء من سلف األمة وخلفها يتفقون على أن ابن سبأ‬
‫ظهر بين المسلمين بعقائد وأفكار وخطط سبئية‪ ،‬ليلفت المسلمين عن دينهم وطاعة إمامهم‬
‫ويوقع بينهم الفرقة والخالف‪ ،‬فاجتمع إليه من غوغاء الناس ما تكوّنت به الطائفة السبئية‬
‫المعروفة التي كانت عامالً من عوامل الفتنة المنتهية بمقتل أمير المؤمنين عثمان بن‬
‫عفان‪ ،‬وما ترتب على قتله من فتن كمعركتي الجمل وصفين وغيرهما‪ .‬والذي يظهر من‬
‫خطط السبئية أنها كانت أكثر تنظي ًما‪ ،‬إذ كانت بارعة في توجيه دعايتها ونشر أفكارها‬
‫المتالكها ناصية الدعاية والتأثير بين الغوغاء والرعاع من الناس‪ ،‬كما كانت نشيطة في‬
‫تكوين فروع لها سواء في البصرة أم في الكوفة أم في مصر‪ ،‬مستغلة العصبية القبلية‪،‬‬
‫ومتمكنة من إثارة مكامن التذمر عند األعراب والعبيد والموالي‪ ،‬عارفه بالمواضع‬
‫الحساسة في حياتهم وبما يريدون(‪.)8‬‬
‫ثانيًا‪ :‬اختالف الصحابة في الطريقة التي يؤخذ بها القصاص من قتلة‬
‫‪1‬‬
‫() الدولة األموية‪ ،‬يوسف العشى‪ :‬ص(‪ ،)168‬مواقف الصحابة (‪.)1/330‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/250‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه (‪ ،)5/348‬تحقيق مواقف الصحابة (‪.)1/330‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه (‪ ،)5/348‬تحقيق مواقف الصحابة (‪.)1/330‬‬
‫‪5‬‬
‫() تحقيق مواقف الصحابة (‪.)1/331‬‬
‫‪6‬‬
‫() تحقيق مواقف الصحابة (‪.)1/338‬‬
‫‪7‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)168 ،7/167‬‬
‫‪8‬‬
‫() تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة (‪.)1/339‬‬
‫‪33‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫عثمان رضي هللا عنه‪:‬‬
‫إن الخالف الذي نشأ بين أمير المؤمنين على من جهة‪ ،‬وبين طلحة والزبير وعائشة‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬ثم بعد ذلك بين على ومعاوية لم يكن سببه ومنشؤه أن هؤالء كانوا‬
‫يقدحون في خالفة أمير المؤمنين على وإمامته وأحقيته بالخالفة والوالية على المسلمين‪،‬‬
‫فقد كان هذا محل إجماع بينهم‪.‬‬
‫قال ابن حزم‪:‬ولم ينكر معاوية قط فضل عل ّى واستحقاقه الخالفة‪ ،‬ولكن اجتهاده أداه‬
‫إلى أن رأى تقديم أخذ القود من قتلة عثمان – رضي هللا عنه – على البيعة‪ ،‬ورأى نفسه‬
‫أحق بطلب دم عثمان(‪.)1‬‬
‫وقال ابن تيمية‪ :‬ومعاوية لم ي ّدع الخالفة‪ ،‬ولم يبايع له بها حين قاتل عليًا‪ ،‬ولم يقاتل‬
‫على أنه خليفة‪ ،‬وال أنه يستحق الخالفة‪ ،‬ويقرون له بذلك‪ ،‬وقد كان معاوية يقر بذلك لمن‬
‫سأله عنه‪ ،‬وال كان معاوية وأصحابه يرون أن يبتدئوا عليًا وأصحابه بالقتال‪ ،‬وال‬
‫فعلوا(‪...)2‬وقال أيضًا‪...:‬وكل فرقة من المتشيعين مقرّة مع ذلك بأن معاوية ليس كفئًا لعلى‬
‫بالخالفة‪ ،‬وال يكون خليفة مع إمكان استخالف على‪ ،‬فإن فضل على وسابقته وعلمه ودينه‬
‫وشجاعته وسائر فضائله كانت عندهم ظاهرة معلومة كفضل إخوانه أبى بكر وعمر‬
‫وعثمان رضي هللا عنهم(‪.)3‬‬
‫إن منشأ الخالف لم يكن قدحًا في خالفة أمير المؤمنين عل ّى – رضي هللا عنه‪ -‬وإنما‬
‫اختالفهم في قضية االقتصاص من قتلة عثمان‪ ،‬ولم يكن خالفهم في أصل المسألة‪ ،‬وإنما‬
‫كان في الطريقة التي تعالج بها هذه القضية‪ ،‬إذ كان أمير المؤمنين على موافقًا من حيث‬
‫المبدأ على وجوب االقتصاص من قتلة عثمان‪ ،‬وإنما كان رأيه أن يرجئ االقتصاص من‬
‫هؤالء إلى حين استقرار األوضاعـ وهدوء األمور واجتماع الكلمة(‪ ,)4‬قال النووي‪ :‬واعلم‬
‫أن سبب تلك الحروب أن القضايا كانت مشتبهة‪ ،‬فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم‬
‫وصاروا ثالثة أقسام‪ :‬قسم ظهر لهم باالجتهاد أن الحق في هذا الطرف‪ ،‬وأن مخالفه باغ‪،‬‬
‫فوجب عليهم نصرته‪ ،‬وقتال الباغي فيما اعتقدوه ففعلوا ذلك‪ ،‬ولم يكن يحل لمن هذه‬
‫صفته التأخر عن مساعدة إمام العدل في قتال البغاة في اعتقاده‪ ،‬وقسم عكس هؤالء‪ :‬ظهر‬
‫لهم باالجتهاد أن الحق في الطرف اآلخر‪ ،‬فوجب عليهم مساعدتهم وقتال الباغي عليه‪،‬‬
‫وقسم ثالث‪ :‬اشتبهت عليهم القضية‪ ،‬وتحيروا فيها‪ ،‬ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين‬
‫فاعتزلوا الفريقين‪ ،‬وكان هذا االعتزال هو الواجب في حقهم ألنه ال يحل اإلقدام على قتال‬
‫مسلم حتى يظهر أنه مستحق لذلك‪ ،‬ولو ظهر لهؤالء رجحان أحد الطرفين‪ ،‬وأن الحق‬
‫معه‪ ،‬لما جاز لهم التأخر عن نصرته في قتال البغاة عليه(‪.)5‬‬
‫ثالثًا‪ :‬خروج الزبير وطلحة وعائشة ومن معهم إلى البصرة لإلصالح‪:‬‬
‫قدم طلحة والزبير إلى مكة ولقيا عائشة – رضي هللا عنهم جميعًا – وكان وصولهما‬
‫إلى مكة بعد أربعة أشهر من مقتل عثمان تقريبًا‪ ،‬أي في ربيع اآلخر من عام‪36‬هـ(‪ ،)6‬ثم‬
‫‪1‬‬
‫() الفصل في المل واألهواء والنحل (‪.)4/160‬‬
‫‪2‬‬
‫() مجموع الفتاوى (‪.)35/72‬‬
‫‪3‬‬
‫() مجموع الفتاوى (‪.)35/72‬‬
‫‪4‬‬
‫() أحداث وأحاديث فتنة الهرج ص‪.158‬‬
‫‪5‬‬
‫() شرح النووي على صحيح مسلم (‪.)15/149‬‬
‫‪6‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/469‬‬
‫‪33‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫بدأ التفاوض في مكة مع عائشة‪ ،‬رضي هللا عنها‪ ،‬للخروج‪ ،‬وقد كانت هناك ضغوط‬
‫نفسية كبيرة على أعصاب الذين وجدوا أنفسهم لم يفعلوا شيئًا إليقاف عملية قتل الخليفة‬
‫المظلوم‪ ،‬فقد اتهموا أنفسهم بأنهم خذلوا الخليفة وأنه ال تكفير لذنبهم هذا – حسب قولهم‪-‬‬
‫إال الخروج للمطالبة بدمه‪ ،‬عل ًما بأن عثمان هو الذي نهى كل من أراد أن يدافع عنه في‬
‫حياته تضحية في سبيل هللا‪ ،‬فعائشة تقول‪ :‬إن عثمان قُتل مظلو ًما وهللا ألطالبن بدمه(‪,)1‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وطلحة يقول‪ :‬إنه كان منى في عثمان شيء ليس توبتي إال أن يسفك دمي في طلب دمه ‪,‬‬
‫والزبير يقول‪ :‬نُنهض الناس فيدرك بهذا الدم لئال يَبْطل‪ ،‬فإن في إبطاله توهين سلطان هللا‬
‫بيننا أبدًا‪ ،‬إذا لم يُفطم الناس عن أمثالها لم يبق إمام إال قتله هذا الضرب(‪.)3‬‬
‫فهذا اإلحساس الضاغط على األعصاب والنفوس كان كفيالً بأن يحرك الناس‬
‫ويخرجهم من راحتهم واستقرارهم‪ ،‬بل كانوا يخرجون وهم يدركون أنهم يخرجون إلى‬
‫أهوال قادمة مجهولة‪ ،‬فكل واحد منهم خرج من بيته وهو غير متوقع العودة مرة أخرى؛‬
‫فشيعة أوالده بالبكاء وسمي يوم خروجهم من مكة نحو البصرة بيوم النحيب‪ ،‬فلم يُ َر يوم‬
‫كان أكثر باكيًا على اإلسالم‪ ،‬أو باكيًا له من ذلك اليوم(‪.)4‬‬
‫لقد توافرت مجموعة من العوامل في مكة جعلتهم يفكرون في طريقة جادة لتحقيق‬
‫مطلبهم‪ ،‬ومن هذه العوامل‪ :‬أن بنى أمية قد هربوا من المدينة واستقروا في مكة‪ ،‬ومنها‪ :‬أن‬
‫عبد هللا بن عامر – أمير البصرة في عهد عثمان‪ -‬كان في مكة وهو يحث على الخروج‬
‫ويعرض المعونة المادية‪ ،‬ومنها‪ :‬أن يعلى بن أمية الذي خرج من اليمن إلعانة الخليفة عثمان‬
‫وصل إلى مكة‪ ،‬وقد قتل الخليفة ومع من المال والسالح والدواب شيء ال بأس به‪ ،‬فعرض‬
‫كل ذلك للمساعدة في قتل عثمان‪ ،‬فكان هذا كفيالً لتشجيع الباحثين عن طريقة لمطاردة قتلة‬
‫عثمان‪ ،‬وما دامت العوامل قد توافرت لجمع قوة تطالب بدم عثمان فمن أين يبدءون؟ دار‬
‫حوار بينهم حول الجهة التي يتوجهون إليها فقال بعضهم – على رأسهم السيدة عائشة‪:-‬إن‬
‫المدينة هي وجهتهم‪ ،‬وظهر رأى آخر يطلب التوجه إلى الشام ليتجمعوا معًا ضد قتلة عثمان‪،‬‬
‫وبعد نظر طويل ق َّر رأيهم على البصرة‪ ،‬ألن المدينة فيها كثرة وال يقدرون على مواجهتهم‬
‫لقلتهم‪ ،‬وألن الشام صار مضمونًا لوجود معاوية‪ ،‬ومن ثم يكون دخولهم البصرة أولى في‬
‫هذه الخطة ألنها أقل البلدان قوة وسلطة‪ ،‬ويستطيعون من خاللها تحقيق خطتهم(‪ ,)5‬وكانت‬
‫خطتهم ومهمتهم واضحة سواء قبل خروجهم‪ ،‬أو أثناء طريقهم‪ ،‬أو عند وصولهم إلى البصرة‬
‫وهي‪ :‬المطالبة بدم عثمان‪ ،‬واإلصالح‪ ،‬وإعالم الناس بما فعل الغوغاء‪ ،‬واألمر بالمعروف‬
‫والنهى عن المنكر(‪ ,)6‬وأن هذا المطلب هو إلقامة حد من حدود هللا(‪ ,)7‬وأنه إذا لم يؤخذ على‬
‫أيدي قتلة عثمان – رضي هللا عنه‪ -‬فسيكون كل إمام معرضًا للقتل من أمثال هؤالء(‪ ,)8‬وأما‬
‫الطريقة التي تصورها فهي الدخول إلى البصرة ثم الكوفة‪ ،‬واالستعانة بأهلها على قتلة‬

‫‪1‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/485‬‬
‫‪2‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)1/34‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/487‬‬
‫‪4‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪ ،)5/487‬دراسات في عهد النبوة والخالفة الراشدة للشجاع‪ :‬ص(‪.)417‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪ ،)5/476‬دراسات في عهد النبوة‪ :‬ص(‪.)418‬‬
‫‪6‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/489‬‬
‫‪7‬‬
‫() دراسات في عهد النبوة‪ :‬ص(‪.)419‬‬
‫‪8‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/487‬‬
‫‪33‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫عثمان منهم أو من غيرهم ثم يدعون أهل األمصار األخرى لذلك حتى يُضيقوا الخناق على‬
‫قاتلي عثمان الموجودين في جيش عل ّى فيأخذونهم بأقل قدر ممكن من الضحايا(‪.)1‬‬
‫لم يكن الخروج إلى البصرة والغضب الذي حرك الصحابة من البساطة التي ظهرت‬
‫للناس كثأر لعثمان‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬وكأنه رجل من عوام الناس قُتل‪ ،‬فخرجت الجيوش‬
‫في الطلب له بثأره‪ ،‬رغم كونه حدًا من حدود هللا يستوجب الغضب ويستدعى حدوث‬
‫ذلك‪ ،‬ولكن مكانة عثمان وشخصيته ومكانته المعنوية كخليفة‪ ،‬وقتله بالصورة التي تمت‪،‬‬
‫كان فوق ذلك‪ ،‬ومعه اغتيال لصفة شرعية هي «الخالفة» التي يفهمها المسلمون‪ :‬نيابة‬
‫عن صاحب الشرع في حفظ الدين‪ ،‬وسياسة الدنيا به(‪ ,)2‬فاالعتداء عليها دون وجه حق‬
‫اعتداء على صاحب الشرع وتوهين لسلطانه‪ ،‬وضياع لنظام المسلمين(‪.)3‬‬
‫كانت السيدة عائشة والزبير وطلحة ومن معهم يسعون إليجاد رأى إسالمي عام في‬
‫مواجهة الطغمة السبئية التي قتلت عثمان‪ ،‬وأصبحت ذات شوكة ال يستهان بها‪ ،‬وذلك من‬
‫خالل تعريف المسلمين بما أتى هؤالء السبئيون والغوغاء من أهل األمصار ون ّزاع‬
‫القبائل‪ ،‬ومن ظاهرهم من األعراب والعبيد‪ ،‬فلقد بات واضحًا عند الصحابة من الفريق‬
‫الذي كان يرى رأي عائشة – رضي هللا عنها‪ -‬أن الغوغاء والسبئيين لهم وجود في جيش‬
‫عل ّى‪ ،‬وأنه ألجل ذلك فإن عليًا‪ -‬رضي هللا عنه – يصعب عليه مواجهتهم‪ ،‬خشية منه على‬
‫أهل المدينة‪ ،‬ومن ثم فإنه ينبغي عليهم أن يحاولوا السعي إلفهام المسلمين‪ ،‬وتقوية الجانب‬
‫المطالب بإقامة الحدود‪ ،‬لتتم إقامتها بأقل الخسائر في دماء األبرياء‪ ،‬وهو هدف ال نشك‬
‫أن عليًا كان يسعى إليه‪ ،‬ويحاوله‪ ،‬بل إن الروايات التي مرت معنا في المحاورة بين‬
‫الزبير وطلحة وعل ّى تدل على ذلك‪ ،‬ثم إن هذا السلوك منهم‪ ،‬وهذه النية في تعريف‬
‫الناس‪ ،‬وتوضيح األمور لهم‪ ،‬دليل على وعى تام منهم بأساليب السبئية في اللعب بأفكار‬
‫العامة‪ ،‬وتوجيهها على النحو الذي ينخر في األمة حتى ال تستقر على حال‪ ،‬فكان البد من‬
‫موجهتها في ميدان األفكار‪ ،‬إلبطال عملها‪ ،‬ولقد تبين هذا العمل واضحًا‪ ،‬وصريحًا في‬
‫الروايات الصحيحة(‪ ,)4‬التي تحدثت فيها السيدة عائشة – رضي هللا عنها‪ -‬عن أهداف هذا‬
‫الخروج‪ ،‬فروى الطبري أن عثمان بن حنيف – وهو والى البصرة من قبل أمير المؤمنين‬
‫على بن أبى طالب – أرسل إلى عائشة – رضي هللا عنها – عند قدومها البصرة يسألها‬
‫عن سبب قدومها‪ ،‬فقال‪ :‬وهللا ما مثلي يسير باألمر المكتوم‪ ،‬وال يغطى لبنية الخبر‪ ،‬إن‬
‫الغوغاء من أهل األمصار‪ ،‬ونزاع القبائل غزوا حرم رسول هللا × وأحدثوا فيه األحداث‪،‬‬
‫وآووا فيه المحدثين‪ ،‬واستوجبوا فيه لعنة هللا ولعنة رسوله مع ما نالوا من قتل إمام‬
‫المسلمين بال ترة وال عذر؛ فاستحلوا الدم الحرام فسفكوه‪ ،‬وانتهبوا المال الحرام‪ ،‬وأحلوا‬
‫البلد الحرام‪ ،‬والشهر الحرام‪ ،‬ومزقوا األعراض والجنود‪ ،‬وأقاموا في دار قوم كانوا‬
‫كارهين لمقامهم‪ ،‬ضارين مضرين غير نافعين وال متقين‪ ،‬وال يقدرون على امتناع وال‬
‫يأمنون‪ ،‬فخرجت في المسلمين أُعلمهم ما أتى هؤالء القوم وما فيه الناس وراءنا‪ ،‬وما‬
‫ص َدقَ ٍة أ َْو‬ ‫ِ‬
‫ينبغي لهم أن يأتوا في إصالح هذا‪ ،‬وقرأت ‪+‬الَ َخ ْي َر في َكثِي ٍر ِّمن نَّ ْج َو ُ‬
‫اه ْم إِالَّ َم ْن أ ََم َر بِ َ‬
‫ٍ‬
‫َّاس" [النساء‪ ،]114:‬فنهض في اإلصالح ممن أمر هللا عز وجل‬ ‫َم ْع ُروف أ َْو إِ ْ‬
‫صالَ ٍح َب ْي َن الن ِ‬
‫وأمر رسول هللا × الصغير والكبير والذكر واألنثى‪ ،‬فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به‬
‫‪1‬‬
‫() دراسات في عهد النبوة‪ :‬ص(‪.)419‬‬
‫‪2‬‬
‫() مقدمة ابن خلدون‪ :‬ص(‪.)191‬‬
‫‪3‬‬
‫() دور المرأة السياسي‪ :‬ص(‪.)391‬‬
‫‪4‬‬
‫() دور المرأة السياسي‪ :‬ص(‪.)394‬‬
‫‪33‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وتحضكم عليه ومنكر ننهاكم عنه ونحثكم على تغييره(‪ .)1‬وروى ابن حبان أن عائشة –‬
‫رضي هللا عنها – كتبت إلى أبى موسى األشعري – والى عل ّى على الكوفة‪ :-‬فإنه قد كان‬
‫من قتل عثمان ما قد علمت‪ ،‬وقد خرجت مصلحة بين الناس‪ ،‬فمر من قبلك بالقرار في‬
‫منازلهم‪ ،‬والرضا بالعافية حتى يأتيهم ما يحبون من صالح أمر المسلمين(‪ .)2‬ولما أرسل‬
‫على القعقاع بن عمرو لعائشة ومن كان معها يسألها عن سبب قدومها‪ ،‬دخل عليها القعقاعـ‬ ‫ُّ‬
‫فسلم عليها‪ ،‬وقال‪ :‬أي أُمه‪ ،‬ما أشخصك وما أقدمك هذه البلدة؟ قالت‪ :‬أي بنى‪ ،‬إصالح بين‬
‫الناس(‪.)3‬‬
‫على إلى عائشة – رضي هللا عنها – فقال لها‪:‬‬ ‫وبعد انتهاء الحرب يوم الجمل جاء ٌّ‬
‫غفر هللا لك‪ .‬قالت‪ :‬ولك‪ ،‬ما أردت إال اإلصالح(‪ .)4‬فتقرر أنها ما خرجت إال لإلصالح بين‬
‫الناس‪ ،‬وفيه رد على من طعن في عائشة – رضي هللا عنها – من الشيعة الرافض في‬
‫قولهم‪ :‬إنها خرجت من بيتها وقد أمرها هللا باالستقرار فيه في قوله‪َ + :‬و َق ْر َن فِي ُبيُوتِ ُك َّن َوالَ‬
‫اهلِيَّ ِة األُولَى" [األحزاب‪ ،]33:‬فإن سفر الطاعة ال ينافي القرار في البيت‬ ‫َتب َّرجن َتب ُّرج الْج ِ‬
‫َ َْ َ َ َ‬
‫وعدم الخروج منه إجماعًا‪ ،‬وهذا ما كانت تراه أم المؤمنين – عائشة – في خروجها‬
‫لإلصالح للمسلمين وكان معها محرمها ابن أختها عبد هللا بن الزبير(‪.)5‬‬
‫قال ابن تيمية في الرد على الرافضة في هذه المسألة‪ :‬فهي – رضي هللا عنها – لم‬
‫تتبرج تبرج الجاهلية األولى‪ ،‬واألمر باالستقرار في البيوت ال ينافى الخروج لمصلحة‬
‫مأمور بها‪ ،‬كما لو خرجت للحج والعمرة‪ ،‬أو خرجت مع زوجها في سفره‪ ،‬فإن هذه اآلية‬
‫قد نزلت في حياة النبي × وقد سافر بهن رسول هللا × بعد ذلك‪ ،‬كما سافر في حجة الوداع‬
‫بعائشة – رضي هللا عنها – وغيرها‪ ،‬وأرسلها مع عبد الرحمن أخيها فأردفها خلفه‪،‬‬
‫وأعمرها من التنعيم‪ ،‬وحجة الوداع كانت قبل وفاة النبي × بأقل من ثالثة أشهر‪ ،‬بعد‬
‫نزول هذه اآلية‪ ،‬ولهذا كان أزواج النبي × يحججن بعده كما كن يحججن معه‪ ،‬في خالفة‬
‫عمر – رضي هللا عنه – وغيره‪ ،‬وكان عمر يوكل بقطارهن عثمان‪ ،‬أو عبد الرحمن بن‬
‫عوف‪ ،‬وإذا كان سفرهن لمصلحة جائ ًزا‪ ،‬فعائشة اعتقدت أن ذلك السفر مصلحة للمسلمين‬
‫فتأولت في ذلك(‪ .)6‬ويقولـ ابن العربي‪ :‬وأما خروجها إلى حرب الجمل فما خرجت لحرب‬
‫ولكن تعلق الناس بها وشكوا إليها ما صاروا إليه من عظيم الفتنة وتهارج الناس‪ ،‬ورجوا‬
‫بركتها في اإلصالح‪ ،‬وطمعوا في االستحياء منها إذا وقفتـ للخلق‪ ،‬وظنت هي ذلك‪،‬‬
‫فخرجت مقتدية باهلل في قوله‪+ :‬الَ َخير فِي َكثِي ٍر ِّمن نَّجواهم إِالَّ من أَمر بِص َدقَ ٍة أَو معر ٍ‬
‫وف أ َْو‬ ‫ْ َ ُْ‬ ‫ْ َ ُ ْ َ ْ ََ َ‬ ‫َْ‬
‫َّاس" [النساء‪ .]114:‬واألمر باإلصالح‪ ،‬مخاطب به جميع الناس من ذكر أو‬ ‫صالَ ٍح َب ْي َن الن ِ‬‫إِ ْ‬
‫(‪) 7‬‬
‫أنثى حر أو عبد ‪.‬‬
‫وهذه بعض األمور المهمة في خروجها‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/489‬‬
‫‪2‬‬
‫() الثقات البن حبان (‪.)2/282‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/520‬‬
‫‪4‬‬
‫() شذرات الذهب (‪.)1/42‬‬
‫‪5‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ :‬ص(‪.)444‬‬
‫‪6‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)570 -4/317‬‬
‫‪7‬‬
‫() أحكام القرآن (‪.)570 ،3/569‬‬
‫‪33‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -1‬هل أُكرهت السيدة عائشة على الخروج؟ زعم اليعقوبيـ أن الزبير بن العوام‬
‫أكره السيدة عائشة على الخروج(‪ ,)1‬وقال بهذا القول صاحب اإلمامة والسياسة(‪ ,)2‬وابن‬
‫أبى الحديد(‪ ,)3‬وكذلك فعل الدينورى(‪ ,)4‬وألمحت الرواية التي ذكرها الذهبي بأن المتسلط‬
‫عليها هو عبد هللا بن الزبير(‪ – )5‬ابن أختها أسماء – وسار على هذه الروايات كثير من‬
‫الباحثين‪ ،‬كمحمد سيد الوكيل(‪)6‬؛ فقد زعم أن الزبير وطلحة شجعا عائشة على الخروج‪،‬‬
‫وزاهية قدورة(‪ )7‬وغيرهما‪ ،‬وهذا غير صحيح‪ ،‬فقد قامت السيدة عائشة بالمطالبة بثأر‬
‫عثمان منذ اللحظة التي علمت فيها بمقتله‪ -‬رضي هللا عنه – وقبل أن يصل الزبير وطلحة‬
‫وغيرهما من كبار الصحابة إلى مكة؛ ذلك أنه قد روى أنها لما انصرفت راجعة إلى مكة‬
‫أتاها عبد هللا بن عامر الحضرمي فقال‪ :‬ما ردك يا أم المؤمنين؟ قالت‪ :‬ر ّدني أن عثمان‬
‫قُتل مظلو ًما‪ ،‬وأن األمر ال يستقيم ولهذه الغوغاء أمر‪ ،‬فاطلبوا دم عثمان ُّ‬
‫تعزوا اإلسالم‪.‬‬
‫فكان عبد هللا أول من أجابها(‪ ,)8‬ولم يكن طلحة والزبير قد خرجا من المدينة‪ ،‬وإنما خرجا‬
‫منها بعدما مر على مقتل عثمان أربعة أشهر(‪.)9‬‬
‫‪ -2‬هل كانت متسلطة على من معها؟‪ :‬كان فيمن خرج معها – رضي هللا عنها‪-‬‬
‫جمع من الصحابة(‪ ,)10‬ولم تكن السيدة عائشة المرأة المتسلطة التي تحرك الناس حيث‬
‫شاءت – كما زعم بروكلمان(‪ ,)11‬ولقد أكدت روايات الطبري تأييد أمهات المؤمنين لها‪،‬‬
‫ولمن معها في السعي لإلصالح‪ ،‬بل وتأييد عدد غير قليل من أهل البصرة لها(‪ ,)12‬وكان‬
‫هذا العدد غير القليل ممن ال يستهان بهم‪ ،‬فلقد وصفهم طلحة والزبير بأنهم خيار أهل‬
‫البصرة ونجباؤهم(‪ ,)13‬ووصفتهم السيدة عائشة بأنهم الصالحون(‪ ,)14‬وما كان خروج هذا‬
‫العدد من الصالحين إال عن اعتقاد راسخ بجدوى هذا الخروج وصواب مقصده‪ ،‬وكان‬
‫أمير المؤمنين يعلم هذا‪ ،‬ويرد الزعم الذي زعمه البعض من أن الخارجين مع السيدة‬
‫عائشة كانوا جموعًا من السفهاء والغوغاء واألوباش(‪ ,)15‬فلقد وقف أمير المؤمنين بعد‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ اليعقوبي (‪.)209 ،2/180‬‬
‫‪2‬‬
‫() اإلمامة والسياسة (‪.)69 ،1/58‬‬
‫‪3‬‬
‫() شرح نهج البالغة (‪.)9/18‬‬
‫‪4‬‬
‫() األخبار الطوال‪ :‬ص(‪.)145‬‬
‫‪5‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)2/193‬‬
‫‪6‬‬
‫() جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين‪ :‬ص (‪.)526‬‬
‫‪7‬‬
‫() عائشة أم المؤمنين‪ :‬ص (‪.)184‬‬
‫‪8‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/475‬‬
‫‪9‬‬
‫() دور المرأة السياسي‪ :‬ص (‪ ،)383‬تاريخ الطبري (‪.)5/469‬‬
‫‪10‬‬
‫() المصدر نفسه‪ :‬ص(‪.)384‬‬
‫‪11‬‬
‫() تاريخ الشعوب اإلسالمية‪ :‬ص (‪.)117 ،114 ،111‬‬
‫‪12‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/475‬‬
‫‪13‬‬
‫() تاريخ الطبري نقالً عن دور المرأة السياسي‪ :‬ص(‪.)385‬‬
‫‪14‬‬
‫() تاريخ الطبري نقال عن دور المرأة السياسي‪ :‬ص(‪.)385‬‬
‫‪15‬‬
‫() انظر ما قاله صاحب اإلمامةـ والسياسة (‪.)1/57‬‬
‫‪34‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫معركة الجمل بين القتلى من فريق عائشة‪ ،‬يترحم عليهم ويذكر فضلهم(‪ .)1‬وسيأتي بيان‬
‫ذلك أنه لم يكن خروجًا غوغائيًا‪ ،‬تحكمت فيه السيدة عائشة في أناس غير راشدين‪ ،‬بل‬
‫كان خروجًا واعيًا شارك فيه بعض الصحابة الكبار(‪.)2‬‬
‫‪ -3‬موقف أزواج النبي × من الخروج للطلب بدم عثمان‪:‬كانت أزواج النبي ×‬
‫قد خرجن إلى الحج في هذا العام فرارًا من الفتنة‪ ،‬فلما بلغ الناس بمكة أن عثمان قد قُتل‬
‫أقمن بمكة‪ ،‬وكن قد خرجن منها فرجعن إليها‪ ،‬وجعلن ينتظرون ما يصنع الناس‬
‫ويتحسسن األخبار‪ ،‬فلما بويع عل ّى خرج عدد من الصحابة من المدينة كارهين المقام بها‬
‫بسبب الغوغاء من أهل األمصار‪ ،‬فاجتمع بمكة منهم خلق كثير من الصحابة وأمهات‬
‫المؤمنين(‪ ,)3‬وكانت بقية أمهات المؤمنين قد وافقن عائشة على السير إلى المدينة‪ ،‬فلما‬
‫اتفق رأى عائشة ومن معها من الصحابة على السير إلى البصرة‪ ،‬رجعن عن ذلك وقلن‪:‬‬
‫ال نسير إلى غير المدينة(‪ .)4‬كان الخروج في أمر عثمان إذن غير مختلف عليه بين أمهات‬
‫المؤمنين‪ ،‬لكنهن اختلفن حين تغيرت الوجهة من المدينة إلى البصرة‪ ،‬غير أن أم المؤمنين‬
‫حفصة بنت عمر – رضي هللا عنها – وافقت عائشة على السير إلى البصرة‪ ،‬وإنما‬
‫عزم(‪ )5‬عليها أخوها عبد هللا كي ال تخرج‪ ،‬فلم يكن عدم خروجها ناتجًا عن اقتناع منها ‪,‬‬
‫(‪)6‬‬

‫وقالت لعائشة‪ :‬إن عبد هللا حال بيني وبين الخروج‪ ،‬وأرسلت إلى عائشة بعذرها(‪ .)7‬وتكاد‬
‫الروايات الشائعة تبدى أن أم سلمه – رضي هللا عنها – لم تكن ترى رأى عائشة ومن‬
‫معها في الخروج إلى البصرة‪ ،‬وأنها كانت ترى ما يراه على(‪ ,)8‬غير أن أقرب الروايات‬
‫إلى الصحة هي أنها أرسلت إلى عل ‪‰‬ـًًّى ابنها عمر بن أبى سلمه قائلة‪ :‬وهللا لهو أعز على‬
‫من نفسي‪ ،‬يخرج معك فيشهد مشاهدك‪ .‬فخرج فلم يزل معه(‪ .)9‬وهي رواية عند التحقيق‬
‫ال يتبين لنا منها أن هذا اإلرسال البنها يعنى أنها كانت تخالف أمهات المؤمنين في القول‬
‫باإلصالح بين المسلمين‪ ،‬فعائشة نفسها ومن معها لم يكونوا يرون أنهم بهذا الخروج‬
‫يخالفون عليًا – رضي هللا عنه – أو يخرجون على خالفته كما رأينا‪ ،‬وكما سوف تؤكد‬
‫لنا األحداث‪ ،‬كما أننا لم نجد في الروايات الصحيحة ما يدل على خروجها على إجماع‬
‫أمهات المؤمنين في أهمية السعي لإلصالح(‪ ,)10‬وكانت أمهات المؤمنين يعلمن أن هذا‬
‫الخروج في اإلصالح بين المسلمين مما يدخل في معنى الفرض الكفائى‪ ،‬والضابط فيه أن‬
‫الطلب فيه ليس متوجهًا إلى جميع المكلفين‪ ،‬بل هو إلى ما فيه أهلية القيام به‪ ،‬ال على‬
‫الجميع عمو ًما‪ ،‬ولقد كانت أهلية القيام بهذا اإلصالح بين المسلمين متوافرة تما ًما في‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/574‬‬
‫‪2‬‬
‫() دور المرأة السياسي‪ :‬ص(‪.)385‬‬
‫‪3‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/241‬‬
‫‪4‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/241‬‬
‫‪5‬‬
‫() عزم عليها‪ :‬أقسم عليها‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() دور المرأة السياسي‪ :‬ص (‪.)386‬‬
‫‪7‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/487‬‬
‫‪8‬‬
‫() أنساب األشراف (‪.)4/224‬‬
‫‪9‬‬
‫() أسد الغابة (‪ ،)4/169‬اإلصابة (‪ ،)4/487‬دور المرأة السياسي ص (‪ ،)387‬المستدرك مرويات أبى‬
‫مخنف‪ :‬ص (‪.)257‬‬
‫‪10‬‬
‫() دور المرأة السياسي‪ :‬ص(‪.)387‬‬
‫‪34‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫السيدة عائشة‪ :‬مكانة وسنًا وعل ًما وقدرة‪ ،‬وكانت عائشة أكثرهن فقهًا بإجماع جمهور‬
‫المسلمين(‪ ,)1‬كما أنها كانت تهتم باألمور العامة‪ ،‬فكانت صاحبة شخصية ثقافية واسعة‪،‬‬
‫تكونت منذ نشأتها في بيت أبى بكر العالم بأيام العرب وأنسابهم‪ ،‬ومن عيشها في بيت‬
‫رسول هللا × الذي خرجت منه أسس سياسة الدولة اإلسالمية‪ ،‬ثم هي بنت الخليفة األول‬
‫للمسلمين‪ ،‬وقد أكد العلماء هذه المكانة للسيدة عائشة‪ ،‬فقد قال عروة بن الزبير‪ :‬لقد‬
‫صحبت عائشة‪ ،‬فما رأيت أحدًا قط كان أعلم بآية أنزلت‪ ،‬وال بفريضة وال بسنة‪ ،‬وال‬
‫بشعر‪ ،‬وال أروى له‪ ،‬وال بيوم من أيام العرب‪ ،‬وال بنسب‪ ،‬وال بكذا‪ ،‬وال بكذا‪..‬وال‬
‫بقضاء‪ ،‬وال بطب منها(‪ .)2‬وكان الشعبي يذكرها فيتعجب من فقهها وعلمها‪ ،‬ثم يقول‪ :‬ما‬
‫ظنكم بأدب النبوة؟! وكان عطاء يقول‪ :‬كانت عائشة أفقه الناس‪ ،‬وأحسن الناس رأيًا في‬
‫العامة(‪ .)3‬وكان األحنف بن قيس سيد بنى تميم‪ ،‬وأحد بلغاء العرب يقول‪ :‬سمعت خطبة‬
‫أبى بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وعلى‪ ،‬والخلفاء بعدهم‪..‬فما سمعت الكالم من فم مخلوق أفخم‪،‬‬
‫وال أحسن منه في عائشة‪ .‬وكان معاوية يقول مثل هذا(‪.)4‬هذا وقد خرج أمهات المؤمنين‬
‫مودعات للسيدة عائشة حين خرجت للبصرة‪ ،‬وفي ذلك معنى من معاني المعاونة‬
‫والتشجيع لها على أمرها(‪.)5‬‬
‫‪ -4‬مرور السيدة عائشة على ماء الحوأب‪ :‬ثبت مرور السيدة عائشة على ماء‬
‫الحوأب من طرق صحيحة؛ فعن يحيى بن سعيد بن القطان‪ ،‬عن إسماعيل بن أبى خالد‪ ،‬عن‬
‫قيس ابن حازم أن رسول هللا × قال ألزواجه‪« :‬كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب‬
‫الحوأب»(‪.)6‬ومن طريق شعبة عن إسماعيل ولفظ شعبة‪ :‬أن عائشة لما أتت على الحوأب‬
‫سمعت نباح الكالب‪ ،‬فقالت‪ :‬ما أظنني إال راجعة‪ ،‬إن رسول هللا × قال لنا‪ :‬أيتكن تنبح‬
‫عليها كلاب الحوأب‪ .‬فقال لها الزبير‪ :‬أترجعين؟ عسى هللا عز وجل أن يُصلح بك بين‬
‫الناس(‪.)7‬وبهذا اللفظ أخرجه يعلى بن عبيد عن إسماعيل‪ ،‬وهو عند الحاكم(‪ ,)8‬وقال األلباني‪:‬‬
‫إسناده صحيح جدًا وقال‪ :‬صححه من كبار أئمة الحديث‪ :‬ابن حبان‪ ،‬والذهبي‪ ،‬وابن كثير‪،‬‬
‫وابن حجر(‪ .)9‬فهذه الروايات الصحيحة‪ ،‬ليس فيها شيء من شهادة الزور أو التدليس الذي‬
‫يتنزه عنه مقام الصحابة والذي زعمته الروايات الضعيفة(‪ )10‬التي سيأتي بيانها‪ .‬إن المتأمل‬
‫لهذه الروايات التي صححها العلماء ال يجد في أي منها ما يدل على نهى عن شيء‪ ،‬أو أمر‬
‫بشيء لتفعله السيدة عائشة‪ ،‬بل إن ما يفهم منها هو تساؤله عن أيتهن التي يحدث أن تمر على‬
‫ماء الحوأب؟ والروايات الدالة على النهى‪ ،‬والتي بها لفظة إياك في األثر الوارد‪« :‬إياك أن‬

‫‪1‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)2/183‬‬
‫‪2‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)2/183‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)2/185‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)2/183‬‬
‫‪5‬‬
‫() دور المرأة السياسي‪ :‬ص(‪.)389‬‬
‫‪6‬‬
‫() مسند أحمد (‪.)6/97‬‬
‫‪7‬‬
‫() مسند أحمد (‪.)6/97‬‬
‫‪8‬‬
‫() المستدرك (‪.)3/120‬‬
‫‪9‬‬
‫() سلسلة األحاديث الصحيحة (‪ )1/767‬رقم ‪.474‬‬
‫‪10‬‬
‫() دور المرأة السياسي‪ :‬ص(‪.)405‬‬
‫‪34‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫تكوني يا حميراء»(‪ )1‬لم يصححها العلماء‪ ،‬وإنما ضعفت‪ ،‬ومن هنا فإن الصحيح الذي نذهب‬
‫إليه هو أن مرور السيدة عائشة على ماء الحوأب لم يكن له األثر السلبي الذي افتعلته‬
‫الروايات الموضوعة‪ ،‬ولم يكن له األثر البعيد على السيدة عائشة نفسها بحيث تفكر جدًي‪‰‬ـًّا في‬
‫الرجوع عما خرجت له من إصالح بين المسلمين‪ ،‬وسعى لتسديد خطاهم‪ ،‬ولم يعد األمر أن‬
‫يكون «ظنًا» منها في احتمال الرجوع‪ ،‬وهذا هو ما عبرت عنه حين قالت‪ :‬ما أظنني إال‬
‫راجعة وهو ظن لم يتلبث إال يسيرًا ثم عاد هدفها واضحًا بعدما ذكرها الزبير بما عسى هللا‬
‫(‪)3‬‬
‫أن يجريه على يديها من إصالح بين المسلمين(‪ ,)2‬لقد كانت وما زالت مسألة ماء الحوأب‬
‫واألحاديث المذكورة فيها مجاالً خصبًا للشيعة وغيرهم يطعنون بها على أم المؤمنين عائشة‬
‫– رضي هللا عنها – ويدينون بها خروجها في شأن الطلب بدم عثمان‪ ،‬حتى انتهى بهم األمر‬
‫إلى نفى صفة االجتهاد عنها‪ ،‬بدعوى مخالفتها – في زعمهم – لنهى الرسول × لها عن أن‬
‫ترد ماء الحوأب‪ ،‬وقد ذكرت المصادر التاريخية هذه القصة‪ ،‬فقد جاءت عند الطبري في‬
‫رواية طويلة‪ ،‬يرويها إسماعيل بن موسى الفزاري قال عنه ابن عدى‪ :‬أنكروا منه الغلو‬
‫والتشيع(‪ .)4‬ويروى الفزارى هذا الخبر عن على بن عابس األزرق‪ ،‬وهو ضعيف قاله ابن‬
‫حجر والنسائي(‪ ,)5‬وهو يروى هذا الخبر عن الخطاب الهجري وهو مجهول(‪ ,)6‬وهذا‬
‫الهجري المجهول‪ ،‬يرويه عن مجهول آخر هو صفوان بن قبيعة األحمسى(‪ ,)7‬ثم أخيرًا عن‬
‫شخصية أشد جهالة هي شخصية العزنى صاحب الجمل‪ ،‬وما هو بصاحب الجمل‪ ،‬وإنما‬
‫صاحبه هو يعلى بن أمية(‪.)8‬‬
‫وفي متن هذه الرواية ما يجد القارئ من رائحة التشيع والرفض الواضحة في آخر‬
‫الرواية‪ ،‬حيث تزعم على لسان عل ‪‰‬ـًًّى أنه كان – رضي هللا عنه – يرى أحقيته بالخالفة‬
‫على أبى بكر وعمر وعثمان – رضي هللا عنهم – والصحيح الثابت من الروايات المحققة‬
‫يدل على خال ذلك تما ًما(‪ .)9‬وعلى أساس كل ما سبق يتضح لنا أن هذه الرواية غير‬
‫صحيحة(‪ ,)10‬وهناك روايات أخرى وردت في هذا الموضوع‪ ،‬كلها باطلة سندًا ومتنًا‪،‬‬
‫ومغزى هذه الروايات وهدفها هو الطعن على كبار الصحابة وفضالئهم‪ ،‬وبيان أن‬
‫مقصدهم من خروجهم هذا‪ ،‬هو تحقيق مطامع دنيوية شخصية من مال ورئاسة وغيرها‪،‬‬
‫وأن الغاية تبرر الوسيلة‪ ،‬وأنهم ال يتورعون في سبيل ذلك عن إشعال الحرب والفتنة بين‬
‫المسلمين‪ ،‬وتركز الروايات على الصحابيين الجليلين طلحة والزبير – رضي هللا عنهما ‪-‬‬
‫(‪ ,)11‬كما يريد مفتري هذه الروايات أن يبين ويؤكد أن هذين الصحابيين ومن معهما من‬
‫أفراد المعسكر يتجرءون على انتهاك حرمات هللا؛ فهم يقسمون ويحلفون ألم المؤمنين‬
‫‪1‬‬
‫() قال الذهبي‪ :‬كل حديث فيه يا حميراء ال يصح‪ ،‬سير أعالم النبالء (‪.)168 ،2/167‬‬
‫‪2‬‬
‫() دور المرأة السياسي‪ :‬ص(‪.)406‬‬
‫‪3‬‬
‫() الحوأب‪ :‬من مياه العرب على طريق البصرة قريب منها على طريق مكة إليها‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() الكامل في ضعفاء الرجال (‪ ،)1/528‬ميزان االعتدال (‪.)1/413‬‬
‫‪5‬‬
‫() تقريب التهذيب (‪.)1/697‬‬
‫‪6‬‬
‫() تقريب التهذيب (‪ ،)2/392‬دور المرأة السياسي‪ :‬ص(‪.)400‬‬
‫‪7‬‬
‫() ميزان االعتدال (‪ ،)3/434‬لسان الميزان (‪.)3/225‬‬
‫‪8‬‬
‫() أسد الغابة (‪ ،)5/486‬دور المرأة السياسي‪ :‬ص(‪.)400‬‬
‫‪9‬‬
‫() دور المرأة السياسي‪ :‬ص(‪.)402‬‬
‫‪10‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/483‬‬
‫‪34‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫بأيمان مغلظة أن هذا ليس ماء الحوأب‪ ،‬وزيادة على ذلك أتوا بسبعين نفسًا – وفي رواية‬
‫بخمسين نفسًا – يشهدون على صدق قولهم‪ ،‬فكان هذا العمل – كما افترى المسعودي‬
‫الشيعي الرافضي – أول شهادة زور في اإلسالم(‪ .)1‬وتحاول هذه الروايات أن تظهر أن‬
‫طلحة والزبير وأم المؤمنين – رضي هللا عنهم‪ -‬ليسوا على شيء من صفاء القلوب‬
‫واالجتماع على هدف واحد‪ ،‬وتحاول أن تظهر أن عائشة – رضي هللا عنها – بجانب‬
‫طلحة – رضي هللا عنه – وفي قرارة نفسها أن يتولى هو الخالفة‪ ،‬وذلك ألنه تيمي مثلها‪،‬‬
‫كما تظهر هذه الروايات أن هناك تنافسًا داخليًا بين طلحة والزبير‪ ،‬وحرصًا من كل واحد‬
‫منهما أن يتولى اإلمارة‪ ،‬وهذه الروايات ال تخلو من ضعف قوى‪ ،‬فبعضها منقطع السند‬
‫أو فيها مجاهيل ال يعرفون‪ ،‬أو فيها كال العيبين الفادحين(‪ .)2‬ولقد تأثر كثير من الكتاب‬
‫والمؤرخين بهذه الروايات واعتمدوا عليها وأسهموا في نشرها‪ ،‬وهي ال أساس لها‪،‬‬
‫كالعقاد في عبقرية على‪ ،‬وطه حسين في على وبنوه(‪ ,)3‬وغيرهما من الكتاب المعاصرين‪.‬‬
‫‪ -5‬أعمالهم في البصرة‪ :‬عندما وصل طلحة والزبير وعائشة – رضي هللا عنهم –‬
‫ومن معهم إلى البصرة نزلوا جانب الخريبة(‪ ,)4‬ومن هناك أرسلوا إلى أعيان وأشراف‬
‫القبائل يستعينون بهم على قتلة عثمان‪ ،‬كان كثير من المسلمين في البصرة وغيرها‪،‬‬
‫يودون ويرغبون في القود من قتلة عثمان – رضي هللا عنه – إال أن بعض هؤالء يرون‬
‫أن هذا من اختصاص الخليفة وحده‪ ،‬وأن الخروج في هذا األمر بدون أمره وطاعته‬
‫معصية‪ ،‬ولكن خروج هؤالء الصحابة المشهود لهم بالجنة‪ ،‬وأعضاء الشورى ومعهم أم‬
‫المؤمنين عائشة حبيبة رسول هللا × وأفقه النساء مطلقًا‪ ،‬ومطلبهم الشرعي ال غبار عليه‬
‫وال ينكره صحابي واحد‪ ،‬جعل الكثير من البصريين على اختالف قبائلهم ينضمون إليهم‪،‬‬
‫وأرسل الزبير إلى األحنف بن قيس السعدي التميمي يستنصره على الطلب بدم عثمان‪،‬‬
‫واألحنف من رؤساء تميم وكلمته مسموعة‪ ،‬يقول األحنف واصفًا هول الموقف‪..:‬فأتاني‬
‫أفظع أمر أتاني قط فقلت‪ :‬إن خذالني هؤالء ومعهم أم المؤمنين وحواري رسول هللا ×‬
‫لشديد(‪ )5‬إال أنه اختار االعتزال‪ ،‬فاعتزل معه ستة آالف ممن أطاعه من قومه‪ ،‬وعصاه في‬
‫هذا األمر كثير منهم‪ ،‬ودخلوا في طاعة طلحة والزبير وأم المؤمنين(‪ .)6‬ويذكر الزهري‬
‫أن عامة أهل البصرة تبعوهم(‪ ,)7‬وهكذا انضم إلى طلحة والزبير وعائشة ومن معهم‬
‫أنصار جدد لقضيتهم التي خرجوا من أجلها‪.‬وقد حاول ابن حنيف تهدئه األمور‬
‫واإلصالح قدر المستطاع إال أن األمور خرجت من يده حتى قال أحدهم عن البصرة‪:‬‬
‫قطعة من أهل الشام نزلت بين أظهرنا(‪ .)8‬وحتى إن معاوية فيما بعد حاول االستيالء عليها‬

‫‪11‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪ )15/283‬ضعيفة السند منقطعة‪ ،‬وأنسابـ األشراف من (‪ )2/47‬نفس الطريق‬
‫وهذه الروايات تخالف الصحيح الثابت‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() مروج الذهب (‪.)2/367‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ الطبري وفي إسنادها مجهوالن‪ ،‬خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد‪ :‬ص(‪.)133‬‬
‫‪3‬‬
‫() خالفة على بن أبى طالب‪ :‬ص(‪.)132‬‬
‫‪4‬‬
‫() موقع جانب البصرة‪ ،‬انظر‪ :‬خطط البصرة ومنطقها ‪122 -114‬العلمي‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() خالفة على بن أبى طالب‪ ,‬عبد الحميد‪ :‬ص (‪.)133‬‬
‫‪6‬‬
‫() طبقات ابن سعد (‪ )5/456‬له شواهد تقويه‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪ )5/456‬بسند صحيح إلى الزهري مرسالً‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() الطبقات (‪.)6/333‬‬
‫‪34‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫بمساعدة أهلها(‪.)1‬‬
‫وتذكر بعض المصادر غير الموثقة أن عثمان بن حنيف رخص لحكيم بن جبلة في‬
‫القتال‪ ،‬وهذا ال يثبت‪ ،‬والمصادر الصحيحة لم تثبت ذلك(‪.)2‬‬
‫‪ -6‬مقتل ُح َكيم بن جبلة ومن معه من الغوغاء‪ :‬أقبل ُح َكيم بن جبلة بعدما خطبت‬
‫عائشة – رضي هللا عنها – في أهل البصرة‪ ،‬فأنشب القتال وأشرع أصحاب عائشة‬
‫وطلحة والزبير – رضي هللا عنهم – رماحهم وأمسكوا ليمسكوا‪ ،‬فلم ينته حكيم ومن معه‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ولم يثن‪ ،‬وظل يقاتلهم‪ ،‬وطلحة والزبير كافُّون إال ما دافعوا عن أنفسهم‪ ،‬وحكيم يذمر‬
‫خيله ويركبهم بها(‪ ,)4‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فإنه عائشة – رضي هللا عنها – ظلت‬
‫حريصة على عدم إنشاب القتال‪ ،‬فأمرت أصحابها أن يتيامنوا بعيدًا عن المقاتلين‪ ،‬وظلوا‬
‫على ذلك حتى حجز الليل بينهم(‪ ,)5‬حتى إذا كان الصباح جاء حكيم بن جبلة وهو يبربر‪،‬‬
‫وفي يده الرمح‪ ،‬وفي طريقه إلى حيث عائشة – رضي هللا عنها – ومن معها‪ ،‬جعل حكيم‬
‫ال يمر برجل أو امرأة ينكر عليه أن يسب عائشة إال قتله(‪ ,)6‬وعندئذ غضبت عبد القيس‬
‫إال من كان اغتُمر(‪ )7‬منهم‪ ،‬فقالوا لحكيم‪ :‬فعلت باألمس وعدت لمثل ذلك اليوم‪ ،‬وهللا ال‬
‫نَ َدعُك حتى يقيدك هللا(‪ ,)8‬فرجعوا وتركوه‪ ،‬ومضى حكيم بن جبلة فيمن غزا معه عثمان‬
‫بن عفان – رضي هللا عنه‪ -‬وحصره من نزاع القبائل كلها‪ ،‬فلقد كانوا قد عرفوا أن ال‬
‫مقام لهم بالبصرة‪ ،‬فاجتمعوا إليه‪ ،‬ووافقواـ أصحاب عائشة‪ ،‬فاقتتلوا قتاالً شديدًا(‪ ,)9‬وظل‬
‫الكف فيأبون(‪ ,)10‬وجعلت –‬‫ّ‬ ‫منادى عائشة – رضي هللا عنها – يناديهم ويدعوهم إلى‬
‫(‪)11‬‬
‫رضي هللا عنها – تقول‪ :‬ال تقتلوا إال من قاتلكم‪ .‬لكن حكي ًما لم يُ َرع للمنادى‪ ،‬وظل‬
‫يُ َسعَّر القتال‪ ،‬عندئذ وبعد ما تبينت للزبير وطلحة – رضي هللا عنهما – طبيعة هؤالء‬
‫الذين يقاتلون‪ ،‬وأنهم ال يتورعون وال ينتهون عن حرمة‪ ،‬وأن لهم هدفًا في إنشاب القتال‪،‬‬
‫قاال‪ :‬الحمد هلل الذي جمع لنا ثأرنا من أهل البصرة‪ ،‬اللهم ال تبق منهم أحدًا‪ ،‬وأقد منهم‬
‫اليوم‪ ،‬فاقتلهم‪ ،‬فجا ُّدوهم القتال‪ ،‬ونادوا‪ :‬من لم يكن من قتلة عثمان – رضي هللا عنه –‬
‫فليكفف عنا‪ ،‬فإننا ال نريد إال قتلة عثمان‪ ،‬وال نبدأ أحدًا‪ ،‬فاقتتلوا أشد القتال(‪ ,)12‬فلم يفلت‬
‫من قتلة عثمان من أهل البصرة إال واحد‪ ،‬وكان منادى الزبير وطلحة قد نادى‪ :‬أال من‬

‫‪1‬‬
‫() فتح الباري (‪ ،)13/26‬خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد‪ :‬ص(‪.)137‬‬
‫‪2‬‬
‫() خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد‪ :‬ص (‪.)138 ،137‬‬
‫‪3‬‬
‫() يذمر الخيل‪ :‬يحضها ويشجعها‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/494‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/494‬‬
‫‪6‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)5/495‬‬
‫‪7‬‬
‫() اغتمر‪ :‬اغتمس‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() يقيدك هللا‪ :‬القَ َود‪ :‬القصاص‪ ،‬وقتل القاتل بالقتيل‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/499‬‬
‫‪10‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/499‬‬
‫‪11‬‬
‫() لم يرع‪ :‬لم يبال‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/499‬‬
‫‪34‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫كان فيكم من قبائلكم أحد ممن غزا المدينة فليأتنا بهم(‪ .)1‬وكان فريق من هؤالء الجهال‬
‫والغوغاء – كما قالت عائشة – قد غادوها في بيتها في ال َغلَس ليقتلوها‪ ،‬وكانوا قد ذهبوا‬
‫حتى ُس َّدة بيتها‪ ،‬ومعهم الدليل‪ ،‬إال أن هللا دفع عنها بنفر من المسلمين كانوا قد أحاطوا‬
‫بيتها – رضي هللا عنها – فدارت عليهم الرحى وأطاف بهم المسلمون فقتلوهم(‪,)2‬‬
‫واستطاع الزبير وطلحة ومن معهم أن يسيطروا على البصرة وكانوا بحاجة إلى طعام‬
‫ومؤنة غذائية‪ ،‬وقد مرت عليهم أسابيع‪،‬وهم ليسوا في ضيافة أحد‪ ،‬فتوجه جيش الزبير‬
‫إلى دار اإلمارة ومن ثم إلى بيت المال ليرزقوا أصحابهم‪ ،‬وأخلى سبيل عثمان بن حنيف‬
‫واتجه إلى على(‪ ،)3‬وبذلك تمت سيطرة طلحة والزبير وأم المؤمنين – رضي هللا عنهم –‬
‫على البصرة وقتلوا عددًا كبيرًا ممن شارك في الهجوم على المدينة‪ ،‬قدر بسبعين رجالً‬
‫من أبرزهم زعيم ثوار البصرة حكيم بن جبلة‪ ،‬والذي كان حريصًا على القتال وإشعال‬
‫الحرب‪ ،‬وكان الزبير أمير المؤمنين؛ فقد بويع على ذلك(‪.)4‬‬
‫‪ -7‬رسائل السيدة عائشة إلى األمصار األخرى‪:‬كانت السيدة عائشة – رضي هللا‬
‫عنها – حريصة على إيضاح وجه الحق فيما حدث من قتال مع أهل البصرة‪ ،‬فكتبت إلى‬
‫ضا تخبرهم بما صنعوا وصاروا‬ ‫أهل الشام والكوفة واليمامة‪ ،‬وكتبت إلى أهل المدينة أي ًَ‬
‫إليه‪ ،‬وكان فيما كتبت به ألهل الشام‪ :‬إنا خرجنا لوضع الحرب وإقامة كتاب هللا عز وجل‬
‫هو الذي ير ُّدنا عن ذلك‪ .‬فبايعنا خيار أهل البصرة ونجباؤهم‪ ،‬وخالفنا شرارهم ونُ َّزاعهم‪،‬‬
‫فر ُّدونا بالسالح‪ ،‬وقالوا فيما قالوا‪ :‬نأخذ أم المؤمنين رهينة أن أمر ْتهم بالحق وحثتهم عليه‪،‬‬
‫فأعطاهم هللا عز وجل سنة المسلمين مرة بعد مرة‪ ،‬حتى إذا لم يبق حجة وال عذر استبسل‬
‫قتلة عثمان أمير المؤمنين‪ ،‬فلم يفلت منهم إال حُرْ قُوص بن زهير وهللا مقيده‪ .‬وإنّا نناشدكم‬
‫هللا – سبحانه – في أنفسكم إال ما نهضتم بمثل ما نهضنا به‪ ،‬فنلقى هللا عز وجل وتلقونه‬
‫وقد أعذرنا وقضينا الذي علينا(‪.)5‬‬
‫‪ -8‬الخالف بين عثمان بن حنيف وجيش عائشة والزبير وطلحة‪ :‬روى‬
‫الطبري عن أبى مخنف عن يوسف بن يزيد‪ ،‬عن سهل بن سعد قال‪ :‬لما أخذوا عثمان بن‬
‫حنيف أرسلوا أبان ابن عثمان بن عفان إلى عائشة يستشيرونها في أمره‪ ،‬قالت‪ :‬اقتلوه‪،‬‬
‫فقالت لها امراة‪ :‬نشدتك هللا يا أم المؤمنين في عثمان وصحبته لرسول هللا ×‪ ،‬قالت‪ :‬ردوا‬
‫أبانًا‪ ،‬فر ُّدوه‪ ،‬فقالت‪ :‬احبسوه وال تقتلوه‪ .‬قال‪ :‬لو علمت أنك تدعينني لهذا لم أرجع‪ .‬فقال‬
‫لهم مجاشع بن مسعود‪ :‬اضربوه وانتفوا شعر لحيته‪ ،‬فضربوه أربعين سوطًا‪ ،‬ونتفوا شعر‬
‫لحيته ورأسه وحاجبيه وأشفار عينيه وحبسوه(‪ ،)6‬وفي سند هذه الرواية أبو مخنف وهو‬
‫شيعي رافضي محترق‪ ،‬وهذه الرواية لم تثبت من طريق صحيح يمكن أن يعول عليه‪،‬‬
‫والصحابة الكرام ينزهون عن مثل هذه المثلة القبيحة‪ .‬والذي يفهم من رواية سيف أن‬
‫الغوغاء هم الذين فعلوا ذلك‪ ،‬وأن طلحة والزبير – رضي هللا عنهما – استشنعاه‪،‬‬
‫واستعظماه وبعثا بالخبر إلى عائشة فقالت‪ :‬خلوا سبيله وليذهب حيث شاء(‪ ,)7‬وهذه الرواية‬
‫‪1‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)5/501‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)5/503‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪ ،)5/43‬خالفة على‪ ،‬عبد الحميد‪ :‬ص (‪.)138‬‬
‫‪4‬‬
‫() أنساب األشراف (‪ )2/93‬بسند حسن‪ ،‬خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد‪ :‬ص (‪.)139‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/501‬‬
‫‪6‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/497‬‬
‫‪7‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/497‬‬
‫‪34‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫عارضت تفصيالت أبى مخنف فهي لم تذكر األمر بقتله أو حبسه أو األمر بنتف شعر‬
‫وجهه‪ ،‬وقد اختار هذه الرواية النويرى وابن كثير(‪ ,)1‬وذكر الذهبي أن مجاشع بن مسعود‬
‫قد قتل قبل دخول دار عثمان بن حنيف(‪ ,)2‬وحتى لو فرض عدم قتل مجاشع بن مسعود‬
‫فليست إليه القيادة حتى يصدر هذه األوامر(‪.)3‬‬
‫رابعًا‪ :‬خروج أمير المؤمنين على بن أبى طالب إلى الكوفة‪:‬‬
‫لم يكن الصحابة – رضي هللا عنهم – في المدينة يؤيدون خروج أمير المؤمنين على‬
‫بن أبى طالب من المدينة‪ ،‬فقد تبين ذلك حينما ه ّم عل ّى بالنهوض إلى الشام‪ ،‬ليزور أهلها‬
‫وينظر ما هو رأي معاوية وما هو صانع(‪ ,)4‬فقد كان يرى أن المدينة لم تع ُد تمتلك‬
‫المقوماتـ التي تملكها بعض األمصار في تلك المرحلة فقال‪ :‬إن الرجال واألموالـ‬
‫بالعراق(‪ ,)5‬فلما علم أبو أيوب األنصاري – رضي هللا عنه – بهذا الميل قال للخليفة‪ :‬يا‬
‫أمير المؤمنين‪ ،‬أقمت بهذه البالد ألنها الدرع الحصينة‪ ،‬ومهاجرة رسول هللا ×‪ ،‬وبها قبره‬
‫ومنبره ومادة اإلسالم‪ ،‬فإن استقامت لك العرب كنت كمن كان‪ ،‬وإن تشغب عليك قوم‬
‫رميتهم بأعدائهم‪ ،‬وإن ألجئت حينئذ إلى السير سرت وقد أعذرت‪ ،..‬فأخذ الخليفة بما أشار‬
‫به أبو أيوب وعزم المقامة بالمدينة وبعث العمال على األمصار(‪ .)6‬ولكن حدث كثير من‬
‫المستجدات السياسية التي أرغمت الخليفة على مغادرة المدينة‪ ،‬وقرر الخروج للتوجه إلى‬
‫الكوفة ليكون قريبًا‪..‬من أهل الشام(‪ ,)7‬وأثناء استعداده للخروج‪ ،‬بلغه خروج عائشة وطلحة‬
‫والزبير إلى البصرة(‪ ,)8‬فاستنفر أهل المدينة ودعاهم إلى نصرته‪ ،‬وحدث تثاقل من بعض‬
‫أهل المدينة بسبب وجود الغوغاء في جيش على‪ ،‬وطريقة التعامل معهم‪ ،‬فكان كثير من‬
‫أهل المدينة يرون أن الفتنة ما زالت مستمرة‪ ،‬فالبد من التروي حتى تنجلي األمور أكثر‪،‬‬
‫وهم يقولون‪ :‬ال وهللا ما ندري كيف نصنع‪ ،‬فإن هذا األمر لمشتبه علينا ونحن مقيمون‬
‫حتى يضئ لنا ويسفر‪..‬وروى الطبري أن عليًا – رضي هللا عنه – خرج في تعبئته التي‬
‫كان تعبي بها إلى الشام وخرج معه من نشط من الكوفيين والبصريين متخففين في‬
‫سبعمائة رجل(‪ ,)9‬واألدلة على تثاقل كثير من أهل المدينة عن إجابة أمير المؤمنين‬
‫للخروج كثيرة‪ ،‬منها‪ :‬خطب الخليفة التي شكا فيها من هذا التثاقل(‪ ,)10‬وظاهرة اعتزال‬
‫كثير من الصحابة بعد مقتل عثمان كما اتضح ذلك‪ ،‬كما أن رجاالً من أهل بدر لزموا‬
‫بيوتهم بعد مقتل عثمان فلم يخرجوا إال إلى قبورهم(‪ .)11‬وقد عبر أبو حميد الساعدى‬

‫‪1‬‬
‫() نهاية األرب (‪ ،)20/38‬البداية والنهاية (‪.)7/233‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ اإلسالم للذهبي‪ ،‬مرويات أبى مخنف في تاريخ الطبري‪ :‬ص (‪.)359‬‬
‫‪3‬‬
‫() مرويات أبى مخنف في تاريخ الطبري‪ :‬ص(‪.)259‬‬
‫‪4‬‬
‫() الثقات البن حبان (‪ ،)2/283‬األنصار في العصر الراشدى‪ :‬ص(‪.)161‬‬
‫‪5‬‬
‫() الثقات البن حبان (‪ ،)2/283‬األنصار في العصر الراشدى‪ :‬ص(‪.)161‬‬
‫‪6‬‬
‫() الثقات البن حبان (‪ ،)2/283‬األنصار في العصر الراشدى‪ :‬ص(‪.)161‬‬
‫‪7‬‬
‫() استشهاد عثمان ووقعة الجمل‪ :‬ص(‪.)183‬‬
‫‪8‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/507‬‬
‫‪9‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/481‬‬
‫‪10‬‬
‫() الطبقات (‪ ،)3/237‬األنصار في العصر الراشدى‪ :‬ص(‪.)163‬‬
‫‪11‬‬
‫() البداية والنهاية نقالً عن األنصار في العصر الراشدى‪ :‬ص(‪.)164‬‬
‫‪34‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫األنصاري – وهو بدري – عن ألمه لمقتل الخليفة عثمان فقال‪ :‬اللهم إن لك عل ّى أن ال‬
‫أضحك حتى ألقاك(‪ .)1‬فقد كانوا يعدون الخروج من المدينة في تلك المرحلة يقود إلى‬
‫االنزالق في الفتنة التي يخشون عواقبها(‪ ,)2‬على سالمة ما مضى لهم من جهاد مع رسول‬
‫هللا ×(‪ ,)3‬وما سبق ذكره ال يعنى أنه لم يشارك أحد من الصحابة في مسيرة الخليفة‪ ،‬بل‬
‫شارك البعض‪ ،‬لكنهم كانوا قليالً‪ ،‬قال الشعبي‪ :‬لم يشهد موقعة الجمل من أصحاب رسول‬
‫هللا غير على وعمار وطلحة والزبير‪ ،‬فإن جاءوا بخامس فأنا كذاب(‪ ,)4‬وفي رواية‪ :‬من‬
‫حدثك أنه شهد الجمل ممن شهد بدرًا أكثر من أربع نفر فكذبه؛ كان على وعمار في ناحية‬
‫وطلحة والزبير في ناحية(‪ ,)5‬وفي رواية‪ :‬لم ينهض مع على إلى البصرة غير ستة نفر من‬
‫البدريين ليس لهم سابع(‪.)6‬‬
‫وبهذا يكون المقصود في الرواية السابقة من الصحابة أهل بدر‪ ،‬وعلى كل حال فإن‬
‫من شارك في الفتنة من األنصار قليل‪ .‬قال ابن سيرين والشعبي‪ :‬وقعت الفتنة بالمدينة‬
‫وأصحاب النبي × أكثر من عشرة آالف‪ ،‬فما يعدون من خف فيها عشرين رجالً؛ فسميت‬
‫حرب على وطلحة والزبير وصفين فتنة(‪ ,)7‬فيتضح مما سبق أن عدد الصحابة الذين‬
‫خرجوا مع الخليفة على إلى البصرة كان قليالً وال يمكن الجزم بمشاركتهم في حرب‬
‫الجمل‪ ،‬فمع شدة تلك الموقعة وكثرة أحداثها لم تذكر المصادر مشاركات الصحابة فيها أو‬
‫شهداء أو جرحى(‪ .)8‬إن إحدى الروايات تقول‪ :‬خرج معه من نشط من الكوفين‬
‫والبصريين متخففين في سبعمائة رجل(‪ .)9‬والذي يظهر من هذه الرواية أنها أقرب إلى‬
‫واقع تلك المرحلة‪ ،‬وأكثر انسجا ًما مع سير األحداث‪ ،‬ومع موقف أهل المدينة الذي كان‬
‫يتراوح بين الميل للعزلة والتثاقل عن المشاركة في األحداث(‪.)10‬‬
‫‪ -1‬نصيحة عبد هللا بن سالم ألمير المؤمنين على‪ :‬حاول عبد هللا بن سالم‬
‫صاحب رسول هللا × أن يثنى عزم أمير المؤمنين عل ّى عن الخروج‪ ،‬فأتاه وقد استعد‬
‫للمسير‪ ،‬وأظهر له خوفه عليه ونهاه أن يقدم على العراق قائالً‪ :‬أخشى أن يصيبك ذباب‬
‫السيف‪ ،‬كما أخبره بأنه لو ترك منبر رسول هللا ×‪ ،‬فلن يراه أبدًا‪ ،‬كان عل ّى يعلم هذه‬
‫األشياء من رسول هللا × فقال‪ :‬وايم هللا لقد أخبرني به رسول هللا ×‪ ،‬ولكن من مع عل ‪‰‬ـًًّى‬
‫من البصريين والكوفيين بلغت بهم الجرأة أن قالوا لعلى‪ :‬دعنا فلنقتله‪ ،‬فقد أصبح قتل‬
‫المسلمين ممن يقف في طريقهم‪ ،‬أو يحسون بخطره على حياتهم بالقول أو العمل أمرًا‬
‫هينًا ال يرون به بأسًا‪ ،‬وفي قولهم وتهجمهم هذا ما يدل على قلة الورع وعدم إنزال‬
‫الصحابة الكرام منازلهم التي أمر رسول هللا × الناس بعده بها‪ ،‬ولكن عليًا – رضي هللا‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ اإلسالم في عهد الخلفاء الراشدين‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() األنصار في العصر الراشدى‪ :‬ص(‪.)164‬‬
‫‪3‬‬
‫() األنصار في العصر الراشدى‪ :‬ص (‪.)164‬‬
‫‪4‬‬
‫() تاريخ خياط‪ :‬ص(‪ ،)16‬مصنف ابن أبى شيبة (‪.)8/710‬‬
‫‪5‬‬
‫() العثمانية للجاحظ‪ :‬ص (‪ ،)175‬األنصار في العصر الراشدى‪ :‬ص(‪.)165‬‬
‫‪6‬‬
‫() الخالفة الراشدة من تاريخ ابن كثير‪ ،‬كنعان‪ :‬ص(‪.)356‬‬
‫‪7‬‬
‫() الخالفة الراشدة من تاريخ ابن كثير كنعان‪ :‬ص(‪.)356‬‬
‫‪8‬‬
‫() األنصار في العصر الراشدى‪ :‬ص(‪.)165‬‬
‫‪9‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/481‬‬
‫‪10‬‬
‫() اإلنصاف فيما وقع في تاريخ العصر الراشدى من الخالف‪ :‬ص(‪.)388‬‬
‫‪34‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫عنه – نهاهم قائالً‪ :‬إن عبد هللا بن سالم رجل صالح(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬نصيحة الحسن بن على لوالده‪ :‬خرج أمير المؤمنين من المدينة وعندما بلغ‬
‫الربذة(‪ )2‬عسكر فيها بمن معه‪ ،‬ووفد عليه عدد من المسلمين بلغوا المائتين(‪ ,)3‬وفي الربذة‬
‫قام إليه ابنه الحسن – رضي هللا عنهما – وهو باك ال يخفى حزنه وتأثره على ما أصاب‬
‫المسلمين من تفرق واختالف‪ ،‬وقال الحسن لوالده‪ :‬قد أمرتك فعصيتني‪ ،‬فتُقتل غدًا‬
‫بمضيعة ال ناصر لك‪ ،‬فقال على‪ :‬إنك ال تزال تخن(‪ )4‬خنين الجارية‪ ،‬وما الذي أمرتني‬
‫فعصيتك؟ قال‪ :‬أمرتك يوم أحيط بعثمان – رضي هللا عنه – أن تخرج من المدينة فيُقتل‬
‫ولست بها‪ ،‬ثم أمرتك يوم قُتل أال تبايع حتى يأتيك وفود أهل األمصار والعرب وبيعة كل‬
‫مصر‪ ،‬ثم أمرتك حين فعل هذان الرجالن ما فعال أن تجلس في بيتك حتى يصطلحوا‪ ،‬فإن‬
‫كان الفساد كان على يدي غيرك‪ ،‬فعصيتني في ذلك كله‪ .‬قال‪ :‬أي بنى‪ ،‬أما قولك‪ :‬لو‬
‫خرجت من المدينة حين أحيط بعثمان‪ ،‬فوهللا لقد أحيط بنا كما أحيط به‪ ،‬وأما قولك‪ :‬ال‬
‫تبايع حتى تأتى بيعة األمصار‪ ،‬فإن األمر أمر أهل المدينة‪ ،‬وكرهنا أن يضيع هذا األمر‪،‬‬
‫وأما قولك حين خرج طلحة والزبير‪ ،‬فإن ذلك كان وهنًا على أهل اإلسالم‪ ،‬وهللا ما زلت‬
‫مقهورًا مذ وليت‪ ،‬منقوصًا ال أصل إلى شيء مما ينبغي‪ ،‬وأما قولك‪ :‬أجلس في بيتك‪،‬‬
‫فكيف لي بما قد لزمني‪ ،‬أو من تريدني؟ أتريدني أن أكون مثل الضبع التي يحاط بها‪،‬‬
‫ويقال‪ :‬دباب دباب(‪ ,)5‬ليست ههنا حتى يحل عرقوباها ثم نُخرج‪ ،‬وإذا لم أنظر فيما لزمني‬
‫من هذا األمر ويعنيني‪ ،‬فمن ينظر فيه؟ فكف عنك أي بنى(‪ .)6‬كان موقف أمير المؤمنين‬
‫على حاز ًما في هذه المشكلة وواضحًا ولم يستطع أحد أن يثنيه عن عزمه‪ .‬وأرسل على‬
‫رضي هللا عنه من الربذة يستنفر أهل الكوفة ويدعوهم إلى نصرته‪ ،‬وكان الرسوالن‬
‫محمد بن أبى بكر الصديق‪ ،‬ومحمد بن جعفر ولكنهما لم ينجحا في مهمتهما‪ ،‬إذ إن أبا‬
‫موسى األشعري والى الكوفة من قبل على‪ ،‬ثبط الناس ونهاهم عن الخروج والقتال في‬
‫الفتنة وأسمعهم ما سمعه من رسول هللا × من التحذير من االشتراك في الفتنة(‪ ,)7‬فأرسل‬
‫(‪)8‬‬
‫على بعد ذلك هاشم بن عتبة بن أبى وقاص‪ ،‬ففشل في مهمته‪ ،‬لتأثير أبى موسى عليهم ‪.‬‬
‫‪ -3‬استنفار أمير المؤمنين على ألهل الكوفة من ذي قار(‪ :)9‬تحرك على بجيشه‬
‫إلى ذي قار فعسر به بعد ثماني ليال من خروجه من المدينة‪ ،‬وهو في تسعمائة رجل‬
‫تقريبًا(‪ ,)10‬فبعث للكوفة في هذه المرة عبد هللا بن عباس فأبطأوا عليه‪ ،‬فأتبعه بعمار بن‬
‫ياسر والحسن بن على‪ ،‬وعزل أبا موسى األشعري واستعمل قرظة بن كعب بدالً منه(‪.)11‬‬
‫وكان للقعقاع دور عظيم في إقناع أهل الكوفة‪ ،‬فقد قام فيهم وقال‪ :‬إني لكم ناصح وعليكم‬
‫‪1‬‬
‫() مسند أبى يعلى (‪ )1/381‬قال محققه‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() شرق المدينة المنورة تبعد ‪ 204‬كيلو مترات‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() أنساب األشراف (‪ ،)2/45‬خالفة على بن أبى طالب‪ :‬ص(‪.)143‬‬
‫‪4‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪)5/482‬خن‪ :‬أخرج الصوت من خياشميه‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() دباب كقطام‪ :‬دعاء الضبع للضبع‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/482‬‬
‫‪7‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪ ،)5/514‬مصنف ابن أبى شيبة (‪ )15/12‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() خالفة على بن أبى طالب‪ :‬ص (‪ ،)144‬سير أعالم النبالء (‪.)3/486‬‬
‫‪9‬‬
‫() ذو قار‪ ،‬ماء لبكر بن وائل قريب من الكوفة‪ ،‬معجم البلدان (‪.)4/393‬‬
‫‪10‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)521 -5/519‬‬
‫‪34‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫شفيق‪ ،‬وأحب أن ترشدوا‪ ،‬وألقولن لكم قوالً هو الحق‪ ...،‬والقول الذي هو القول إنه البد‬
‫على يلي ما ولى‪ ،‬وقد أنصف‬ ‫من إمارة تنظم الناس وتنزع الظالم‪ ،‬وتعز المظلوم‪ ،‬وهذا ٌّ‬
‫في الدعاء‪ ،‬وإنما يدعو إلى اإلصالح‪ ،‬فانفروا وكونوا في هذا األمر بمرأى ومسمع(‪.)1‬‬
‫وكان للحسن بن على أثر واضح‪ ،‬فقد قام خطيبًا في الناس وقال‪ :‬أيها الناس‪ ،‬أجيبوا دعوة‬
‫أميركم‪ ،‬وسيروا إلى إخوانكم‪ ،‬فإنه سيوجد لهذا األمر من ينفر إليه‪ ،‬وهللا ألن يليه أولو‬
‫النهى(‪ )2‬أمثل في العاجلة وخير من العاقبة‪ ،‬فأجيبوا دعوتنا وأعينونا على ما ابتلينا به‬
‫وابتليتم(‪ .)3‬ولبى كثير من أهل الكوفة وخرجوا مع عمار والحسن إلى على ما بين سبعة‬
‫إلى سبة آالف رجل‪ ،‬ثم انضم إليهم من أهل البصرة ألفان من عبد القيس‪ ،‬ثم توافدت عليه‬
‫القبائل إلى أن بلغ جيشه عند حدوث المعركة اثنى عشر ألف رجل تقريبًا(‪ .)4‬وعندما التقى‬
‫أهل الكوفة بأمير المؤمنين على بذي قار قال لهم‪ :‬يا أهل الكوفة‪ ،‬أنتم وليتم شوكة العجم‬
‫وملوكهم وفضضتم جموعهم‪ ،‬حتى صارت إليكم مواريثهم‪ ،‬فأعنتم حوزتكم‪ ،‬واغتنم‬
‫الناس على عدوهم‪ ،‬وقد دعوتكم لتشهدوا معنا إخواننا من أهل البصرة‪ ،‬فإن يرجعوا فذاك‬
‫ما نريد‪ ،‬وإن يلجوا داويناهم بالرفق‪ ،‬وبايناهم حتى يبدءونا بظلم‪ ،‬ولن ندع أمرًا فيه‬
‫صالح إال آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء هللا‪ ،‬وال قوة إال باهلل(‪.)5‬‬
‫‪ -4‬اختالف الرأي ال يفسد للود قضية‪ :‬وهذا القول ينطبق على حال الصحابة‬
‫في هذه الفتنة‪ ،‬فمع اختالفهم في الرأي‪ ،‬لم يدخل قلب أحد الضَّغن على أخيه‪ ،‬وإليك هذه‬
‫القصة التي حدثت بالكوفة‪ ،‬فقد روى البخاري عن أبى وائل قال‪ :‬دخل أبو موسى‬
‫على إلى أهل‬ ‫األشعري‪ ،‬وأبو مسعود وعقبة بن عمرو األنصاري على ع ّمار حين بعثه ٌّ‬
‫الكوفة يستنفرهم‪ ،‬فقاال‪ :‬ما رأيناك أتيت أمرًا أكره عندنا من إسراعك في هذا األمر منذ‬
‫أسلمت‪ .‬فقال عمار‪ :‬ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمرًا أكره عندي من إبطائكما في هذا‬
‫األمر‪ ..‬وفي رواية‪ :‬فقال أبو مسعود – وكان موسرًا ‪ :-‬يا غالم هات حلتين فأعط إحداهما‬
‫أبا موسى‪ ،‬واألخرى عمارًا‪ ،‬وقال‪ :‬روحا فيه إلى الجمعة(‪ .)6‬فأنت ترى أبا مسعود‬
‫وعمارًا وكالهما يرى اآلخر مخطئًا ومع ذلك فأبو مسعود يكسو عمارًا حلة ليشهد بها‬
‫الجمعة ألنه كان بثياب السفر وهيئة الحرب‪ ،‬فكره أبو مسعود أن يشهد الجمعة في تلك‬
‫الثياب‪ ،‬وهذا تصرف يدل على غاية الود مع أن كليهما جعل تصرف صاحبه نحو الفتنة‬
‫عيبًا‪ ،‬فغمار يرى إبطاء أبى موسى وأبى مسعود عن تأييد على عيبًا‪ ،‬وأبو موسى وأبو‬
‫مسعود رأيا إسراع عمار في تأييد أمير المؤمنين على عيبًا‪ ،‬وكالهما له حجته التي اقتنع‬
‫بها؛ فمن أبطأ فذلك لما ظهر لهم من ترك مباشرة القتال في الفتنة‪ ،‬تمس ًكا باألحاديث‬
‫الواردة في ذلك وما في حمل السالح على المسلم من الوعيد‪ ،‬وكان ع ّمار على رأى عل ‪‰‬ـًًّى‬
‫في قتال الباغين والناكثين‪ ،‬والتمسك بقوله‪َ +:‬ف َقاتِلُوا الَّتِي َت ْب ِغي" [الحجرات‪ ]9:‬وحمل الوعيد‬
‫الوارد في القتال على من كان متعديًا على صاحبه‪ ،‬وكال الفريقين لم يكن حريصًا على‬
‫‪11‬‬
‫() فتح الباري (‪ ،)13/53‬التاريخ الصغير (‪.)1/109‬‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/516‬‬
‫‪2‬‬
‫() أولو النهى‪ :‬أصحاب العقول‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/516‬‬
‫‪4‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪ )457 ،5/456‬بسند صحيح إلى الزهري مرسالً‪ ،‬خالفة على بن أبى طالب‪:‬‬
‫ص (‪ ،)146‬واإلسناد حسن لغيره‪ ،‬قاله عبد الحميد على‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/519‬‬
‫‪6‬‬
‫() البخاري‪ ،‬ك الفتن‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫قتل صاحبه‪ ،‬ويتعلق الطرفان بأدنى سبب لمنع االشتجار قبل أن يقع‪ ،‬ومضى االلتحام إن‬
‫وقع‪ ،‬ألن الطرفين كانا كارهين االقتتال(‪.)1‬‬
‫‪ -5‬تساؤالت على الطريق‪:‬‬
‫أ‪ -‬ما سأله أبو رفاعة بن رافع بن مالك العجالن األنصاري لما أراد‬
‫الخروج من ال ّربذة‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬أي شيء تريد؟ وإلى أين تذهب‬
‫بنا؟ فقال‪ :‬أما الذي نريد وننوى فاإلصالح‪ ،‬إن قبلوا منا وأجابونا إليه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فإن لم يجيبونا إليه؟ قال‪ :‬ندعهم بعذرهم ونعطيهم الحق ونصبر‪ ،‬قال‪ :‬فإن‬
‫لم يرضوا؟ قال‪ :‬ندعهم ما تركونا‪ ،‬قال‪ :‬فإن لم يتركونا؟ قال‪ :‬امتنعنا منهم‪،‬‬
‫قال‪ :‬فنعم إ ًذا‪ .‬فسمع تلك السلسلة من األسئلة واإلجابات فاطمأن إليها‬
‫وارتاح لها‪ ،‬وقال‪ :‬ألرضينك بالفعل كما أرضيتني بالقول‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫وانفر بنا وا ْس ُم بنا نحو الصوت‬ ‫دراكها دراكها قبل الفوت‬
‫(‪)2‬‬
‫ت نفسي إن هبت الموت‬ ‫ال َوألَ ْ‬
‫ب‪ -‬أهل الكوفة يسألون عليًا بمن فيهم األعور بن بنان المنقرى‪ :‬لما قدم أهل الكوفة‬
‫في ذي قار‪ ،‬قام إليه أقوام من أهل الكوفة يسألونه عن‬ ‫إلى أمير المؤمنين رضي هللا عنه ِ‬
‫سبب قدومهم‪ ،‬فقام إليه فيمن قام األعور بن بُنان الم ْنقرىّ‪ ،‬فقال له على رضي هللا عنه‪:‬‬
‫عل َّى اإلصالح وإطفاء النائرة(‪ ,)3‬لعل هللا يجمع شمل هذه األمة بنا ويضع حربهم‪ ،‬وقد‬
‫أجابوني‪ ،‬قال‪ :‬فإن لم يجيبونا؟ قال‪ :‬تركناهم ما تركونا‪ .‬قال‪ :‬فإن لم يتركونا؟ قال‪ :‬دفعناهم‬
‫عن أنفسنا‪ ،‬قال‪ :‬فهل لهم مثل ما عليهم من هذا؟ قال‪ :‬نعم(‪.)4‬‬
‫جـ‪ -‬أبو سالمة الدأالنى‪ ،‬ممن سأل أمير المؤمنين رضي هللا عنه فقال‪ :‬أترى لهؤالء‬
‫القوم حجّة فيما طلبوا من هذا الدم‪ ،‬إن كانوا أرادوا هللا عز وجل بذلك؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪:‬‬
‫إن الشيء إذا كان ال يدرك فالحكم فيه أحوطه‬ ‫فترى لك حجة بتأخيرك ذلك؟ قال‪ :‬نعم‪ّ ،‬‬
‫وأع ّمه نفعًا‪ ،‬قال‪ :‬فما حالنا وحالهم إن ابتلينا غدًا؟ قال‪ :‬إني ألرجو أالّ يقتل أحد نق ّى قلبه‬
‫هلل منّا ومنهم إال أدخله هللا الجنة(‪.)5‬‬
‫د‪ -‬وسأل مالك بن حبيب أمير المؤمنين على بن أبى طالب‪ ،‬فقال‪ :‬ما أنت صانع إذا‬
‫ّ‬
‫الكف عن هذا األمر‪ ،‬فإن بايعونا‬ ‫لقيت هؤالء القوم؟ قال‪ :‬قد بان لنا ولهم أن اإلصالح‪،‬‬
‫فذلك‪ ،‬فإن أبوا وأبينا إال القتال فصدع ال يلتئم‪ ،‬قال‪ :‬فإن ابتلينا فما بال قتالنا؟ قال‪ :‬من‬
‫أراد هللا عز وجل نفعه ذلك وكان نجاءه(‪.)6‬‬
‫إن هدف أمير المؤمنين اإلصالح وإطفاء الفتنة‪ ،‬وإن القتال ليس واردًا في تدابيره‪،‬‬
‫ألنه إن حصل‪ ،‬فهو داء ال يُرجى شفاؤه‪ ،‬أما من يقتل بين الطرفين فهو مرهون بنيّته‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫() المدينة النبوية فجر اإلسالم والعصر الراشدى (‪.)2/304‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/510‬‬
‫‪3‬‬
‫() النائرة‪ :‬العداوة‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() البداية والنهاية (‪ ،)7/250‬تاريخ الطبري (‪.)5/529‬‬
‫‪5‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/250‬‬
‫‪6‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪ ،)5/52‬اإلنصاف فيما وقع في تاريخ العصر الراشدى‪ :‬ص(‪.)406‬‬
‫‪35‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫سواء قاتل مع أمير المؤمنين أو قاتل ضده‪ ،‬وبذلك يقرر أمير المؤمنين أن المسلمين الذين‬
‫خرجوا في هذا األمر‪ ،‬بعد استشهاد عثمان – رضي هللا عنه – يبتغون اإلصالح والقضاء‬
‫على الفتنة مجتهدون وأجرهم على قدر إخالص نواياهم ونقاء قلوبهم(‪.)1‬‬
‫خامسًا‪ :‬محاوالت الصلح‪:‬‬
‫قبل أن يتحرك على رضي هللا عنه بجيشه نحو البصرة أقام في ذي قار أيا ًما‪ ،‬وكان‬
‫غرضه – رضي هللا عنه – القضاء على هذه الفرقة والفتنة بالوسائل السلمية‪ ،‬وتجنيب‬
‫المسلمين شر القتال والصدام المسلح بكل ما أُوتى من قوة وجهد‪ ،‬وكذلك الحال بالنسبة‬
‫لطلحة والزبير‪ ،‬وقد اشترك في محاوالتـ الصلح عدد من الصحابة وكبار التابعين ممن‬
‫اعتزلوا األمر‪ ،‬منهم‪:‬‬
‫‪ -1‬عمران بن حصين رضي هللا عنه‪ :‬فقد أرسل في الناس يخذل الفريقين‬
‫جميعًا‪ ،‬ثم أرسل إلى بنى عدى – وهم جمع كبير انضموا للزبير – فجاء رسوله وقال لهم‬
‫في مسجدهم‪ :‬أرسلني إليكم عمران بن حصين صاحب رسول هللا × ينصحكم ويحلف باهلل‬
‫الذي ال إله إال هو ألن يكون عبدًا حبشيًّا مجدعًا يرعى أعن ًزا في رأس جبل حتى يدركه‬
‫الموت‪ ،‬أحب إليه من أن يرمى في أحد من الفريقين بسهم أخطأ أو أصاب‪ ،‬فأمسكوا فدى‬
‫لكم أبى وأمي‪ .‬فقال القوم‪ :‬دعنا منك‪ ،‬فإنا وهللا ال ندع ثقل رسول هللا × لشيء(‪ )2‬أبدًا‪.‬‬
‫‪ -2‬كعب بن سور‪ :‬أحد كبار التابعين‪ ،‬فقد بذل كل جهد‪ ،‬وكلف نفسه فوق طاقتها‪،‬‬
‫وقام بدور يعجز عنه كثير من الرجال‪ ،‬فقد استمر في محاولة الصلح إلى أن وقع‬
‫المحذور‪ ،‬وذهب ضحية جهوده؛ إذ قُتل وهو بين الصفين يدعو هؤالء ويدعو هؤالء إلى‬
‫تحكيم كتاب هللا وكف السالح(‪.)3‬‬
‫على القعقاع بن عمرو‬ ‫‪ -3‬القعقاع بن عمرو التميمي‪ :‬أرسل أمير المؤمنين ٌّ‬
‫ق هذين الرجلين‪،‬‬ ‫التميمي رضي هللا عنهما في مهمة الصلح إلى طلحة والزبير‪ ،‬وقال‪ :‬ال َ‬
‫فادعهما إلى األلفة والجماعة‪ ،‬وعظّم عليهما االختالف والفرقة‪ .‬وذهب القعقاعـ إلى‬
‫البصرة‪ ،‬فبدأ بعائشة – رضي هللا عنها‪ -‬وقال لها‪ :‬ما أقدمك يا أماه إلى البصرة؟ قالت له‪:‬‬
‫يا بنى من أجل اإلصالح بين الناس‪ .‬فطلب القعقاعـ منها أن تبعث إلى طلحة والزبير‬
‫ليحضرا‪ ،‬ويكلمهما في حضرتها وعلى مسمع منها‪.‬‬
‫* محاورة القعقاع لطلحة والزبير‪ :‬ولما حضرا سألهما عن سبب حضورهما‪ ،‬فقاال‬
‫كما قالت عائشة‪ :‬من أجل اإلصالح بين الناس‪ .‬فقال لهما‪ :‬أخبراني ما وجه هذا‬
‫لنصلحن معكم‪ ،‬ولئن أنكرناه ال نصلح‪ ،‬قاال له‪ :‬قتلة عثمان‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫اإلصالح؟ فوهللا لئن عَرفناه‬
‫رضي هللا عنه‪ ،‬والبد أن يُقتلوا‪ ،‬فإن تُركوا دون قصاص كان هذا تر ًكا للقرآن‪ ،‬وتعطيالً‬
‫ألحكامه‪ ،‬وإن اقُتصَّ منهم كان هذا إحياء للقرآن‪ .‬قال القعقاع‪ :‬لقد كان في البصرة ستُّمائة‬
‫من قتلة عثمان وأنتم قتلتموهم إال رجالً واحدًا‪ ،‬وهو حرقوص بن زهير السعدي‪ ،‬فلما‬
‫هرب منكم احتمى بقومه من بنى سعد‪ ،‬ولما أردتم أخذه منهم وقَ ْتله منعكم قومه من ذلك‪،‬‬
‫وغضب له ستة آالف رجل اعتزلوكم‪ ،‬ووقفواـ أمامكم وقفة رجل واحد‪ ،‬فإنه تركتم‬
‫حرقوصًا ولم تقتلوه‪ ،‬كنتم تاركين لما تقولون وتنادون به وتطالبون عليًا به‪ ،‬وإن قاتلتم‬
‫بنى سعد من أجل حرقوص‪ ،‬وغلبوكم وهزموكم وأديلوا عليكم‪ ،‬فقد وقعتم في المحذور‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫() اإلنصاف‪ ،‬د‪.‬حامد‪ :‬ص (‪.)406‬‬
‫‪2‬‬
‫() الطبقات البن سعد (‪ ،)4/87‬خالفة على‪ ،‬عبد الحميد‪ :‬ص (‪.)148‬‬
‫‪3‬‬
‫() الطبقات البن سعد (‪ )7/92‬من طريقين صحيحة اإلسناد‪ ،‬وخالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد‪:‬‬
‫ص (‪.)149‬‬
‫‪35‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وق َّويتموهم‪ ،‬وأصابكم ما تكرهون‪ ،‬وأنتم بمطالبتكم بحرقوص أغضبتم ربيعة ومضر‪ ،‬من‬
‫هذه البالد‪ ،‬حيث اجتمعوا على حربكم وخذالنكم‪ ،‬نصرة لبنى سعد‪ ،‬وهذا ما حصل مع‬
‫على‪ ،‬ووجود قتلة عثمان في جيشه‪.‬‬
‫* الحل عند القعقاع‪ :‬التأني والتسكين ثم القصاص‪ :‬تأثرت أ ُّم المؤمنين ومن معها‬
‫بمنطق القعقاعـ وحجته المقبولة؛ فقالت له‪ :‬فماذا تقول أنت يا قعقاع؟ـ قال‪ :‬أقول‪« :‬هذا أمر‬
‫دواؤه التسكين‪ ،‬والبد من التأني في االقتصاص من قتلة عثمان‪ ،‬فإذا انتهت الخالفات‪،‬‬
‫واجتمعت كلمة األمة على أمير المؤمنين تفرغ لقتلة عثمان‪ ،‬وإن أنتم بايعتم عليًا(‪ )1‬واتفقتم‬
‫معه‪ ،‬كان هذا عالمة خير‪ ،‬وتباشير رحمة‪ ،‬وقدرة على األخذ بثأر عثمان‪ ،‬وإن أنتم أبيتم‬
‫ذلك‪ ،‬وأصررتم على المكابرة والقتال كان هذا عالمة شر‪ ،‬وذهابًا لهذا الملك‪ ،‬فآثروا‬
‫العافية ترزقوها‪ ،‬وكونوا مفاتيح خير كما كنتم أوالً‪ ،‬وال تُعرَّضونا للبالء‪ ،‬فتتعرضوا له‪،‬‬
‫فيصرعنا هللا وإياكم‪ ،‬وايم هللا إني ألقول هذا وأدعوكم إليه‪ ،‬وإني لخائف أن ال يتم‪ ،‬حتى‬
‫فإن ما نزل بها أمر‬‫يأخذ هللا حجته من هذه األمة التي ق َّل متاعها‪ ،‬ونزل بها ما نزل‪ّ ،‬‬
‫عظيم‪ ،‬وليس كقتل الرجل الرجل‪ ،‬وال قتل النفر الرجل‪ ،‬وال قتل القبيلة القبيلة»‪ .‬اقتنعوا‬
‫بكالم القعقاعـ المقنع الصادق المخلص‪ ،‬ووافقواـ على دعوته إلى الصلح‪ ،‬وقالوا له‪ :‬قد‬
‫أحسنت وأصبت المقالة‪ ،‬فارجع‪ ،‬فإن قدم على‪ ،‬وهو على مثل رأيك‪ ،‬صلح هذا األمر إن‬
‫شاء هللا‪ .‬عاد القعقاع إلى على في «ذي قار» وقد نجح في مهمته‪ ،‬وأخبر عليًا بما جرى‬
‫معه‪ ،‬فأُعجب على بذلك‪ ،‬وأوشك القوم على الصلح‪ ،‬كرهه من كرهه‪ ،‬ورضيه من‬
‫رضيه(‪.)2‬‬
‫* بشائر االتفاق بين الفريقين‪ :‬لما عاد القعقاع وأخبره بما فعل‪ ،‬أرسل عل ّى رضي‬
‫هللا عنه رسولين(‪ )3‬إلى عائشة والزبير ومن معهما يستوثق مما جاء به القعقاع بن عمرو‪،‬‬
‫فجاءا عليًا‪ ،‬بأنه على ما فارقنا عليه القعقاع فأقدم‪ ،‬فارتحل عل ّى حتى نزل بحيالهم‪ ،‬فنزلت‬
‫القبائل إلى قبائلهم‪ ،‬مضر إلى مضر‪ ،‬وربيعة إلى ربيعة‪ ،‬واليمن إلى اليمن‪ ،‬وهم ال‬
‫يشكون في الصلح‪ ،‬فكان بعضهم بحيال بعض‪ ،‬وبعضهم يخرج إلى بعض‪ ،‬وال يذكرون‬
‫وال ينوون إال الصلح(‪ ,)4‬وكان أمير المؤمنين على رضي هللا عنه لما نوى الرحيل قد‬
‫أعلن قراره الخطير‪ :‬أال وإني راحل غدًا فارتحلوا – يقصد إلى البصرة – أال وال يرتحلن‬
‫غدًا أحد أعان على عثمان بشيء في شيء من أمور الناس(‪.)5‬‬
‫سادسًا‪ :‬نشوب القتال‪:‬‬
‫‪ -1‬دور السبئية في نشوب الحرب‪ :‬كان في عسكر على رضي هللا عنه من أولئك‬
‫الطغاة الخوارج الذين قتلوا عثمان من لم يعرف بعينه‪ ،‬ومن تنتصر له قبيلته‪ ،‬ومن لم تقم‬
‫عليه حجة بما فعله‪ ،‬ومن في قلبه نفاق لم يتمكن من إظهاره(‪ ,)6‬وحرص أتباع ابن سبأ على‬
‫إشعال الفتنة وتأجيج نيرانها حتى يفلتوا من القصاص(‪ .)7‬فلما نزل الناس منازلهم‬
‫‪1‬‬
‫() االنقياد التام لسياسة أمير المؤمنين على في التعامل مع قتلة عثمان‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() البداية والنهاية (‪ ،)7/739‬تاريخ الطبري (‪.)5/521‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/525‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه (‪)5/539‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)5/525‬‬
‫‪6‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/526‬‬
‫‪7‬‬
‫() المصدر نفسه (‪ ،)5/527‬تحقيق مواقف الصحابة (‪.)2/120‬‬
‫‪35‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫واطمأنوا‪ ،‬خرج على وخرج طلحة والزبير‪ ،‬فتوافقوا وتكلموا فيما اختلفوا فيه فلم يجدوا‬
‫أمرًا‪ ،‬هو أمثل من الصلح وترك الحرب حين رأوا أن األمر أخذ في االنقشاع‪ ،‬فافترقوا‬
‫على ذلك‪ ،‬ورجع عل ّى إلى عسكره‪ ،‬ورجع طلحة والزبير إلى عسكرهما‪ ،‬وأرسل طلحة‬
‫والزبير إلى رؤساء أصحابهما‪ ،‬وأرسل على إلى رؤساء أصحابه‪ ،‬ماعدا أولئك الذين‬
‫حاصروا عثمان – رضي هللا عنه – فبات الناس على نية الصلح والعافية وهم ال يشكون‬
‫في الصلح‪ ،‬فكان بعضهم بحيال بعض‪ ،‬وبعضهم يخرج إلى بعض‪ ،‬ال يذكرون وال ينوون‬
‫صلح‪ .‬وبات الذين أثاروا الفتنة بشر ليلة باتوها قط؛ إذ أشرفوا على الهالك وجعلوا‬ ‫إالّ ال ّ‬
‫يتشاورون ليلتهم كلها‪ ،‬وقال قائلهم‪ :‬أما طلحة والزبير فقد عرفنا أمرهما‪ ،‬وأما على فلم‬
‫نعرف أمره حتى كان اليوم؛ وذلك حين طلب من الناس أن يرتحلوا في الغد وال يرتحل‬
‫معه أحد أعان على عثمان بشيء‪ ،‬ورأى الناس فينا – وهللا – واحد‪ ،‬وإن يصطلحوا مع‬
‫على فعلى دمائنا(‪ .)1‬وتكلم ابن السوداء عبد هللا بن سبأ – وهو المشير فيهم – فقال‪ :‬يا قوم‬
‫إن ع ّزكم في خلطة الناس فصانعوهم‪ ،‬وإذا التقى الناس غدًا فانشبوا القتال‪ ،‬وال تفرغوهم‬
‫للنظر‪ ،‬فإذا من أنتم معه ال يجد بدًا من أن يمتنع‪ ،‬ويشغل هللا عليًا وطلحة والزبير ومن‬
‫رأى رأيهم عما تكرهوه‪ ،‬فأبصروا الرأي وتفرقوا عليه والناس ال يشعرون(‪ .)2‬فاجتمعوا‬
‫على هذا الرأي بإنشاب الحرب في السّر‪ ،‬فغدوا في الغلس وعليهم ظلمة‪ ،‬وما يشعر بهم‬
‫جيرانهم‪ ،‬فخرج مضريّهم إلى مضريهم‪ ،‬وربيعيهم إلى ربيعيّهم‪ ،‬ويمانيهم إلى يمانّيهم‪،‬‬
‫فوضعوا فيهم السيوف‪ ،‬فثار أهل البصرة‪ ،‬وثار كل قوم في وجوه الذين باغتوهم‪ ،‬وخرج‬
‫الزبير وطلحة في وجوه الناس من مصر‪ ،‬فبعثا إلى الميمنة‪ ،‬وهم ربيعة يرأسها عبد‬
‫الرحمن بن الحارث بن هشام‪ ،‬والميسرة‪ ،‬يرأسها عبد الرحمن بن عتّاب بن أسيد وثبتا في‬
‫القلب‪ ،‬فقاال‪ :‬ما هذا؟ قالوا‪ :‬طرقنا أهل الكوفة ليالً‪ ،‬فقاال‪ :‬ما علمنا أن عليًا غير منته حتى‬
‫يسفك ال ّدماء ويستحل الحرمة‪ ،‬وإنه لن يطاوعنا‪ ،‬ثم رجعا بأهل البصرة‪ ،‬وقصف أهل‬
‫البصرة أولئك حتى ر ّدوهم إلى عسكرهم(‪ ,)3‬فسمع على وأهل الكوفة الصوت‪ ،‬وقد وضع‬
‫السبئية رجالً قريبًا من على ليخبره بما يريدون‪ ،‬فلما قال‪ :‬ما هذا؟ قال ذلك الرجل‪ :‬ما‬
‫فجئنا إال وقوم منهم بيتونا فرددناهم‪ ،‬وقال عل ّى لصاحب ميمنته‪ :‬ائت الميمنة‪ ،‬وقال‬
‫لصاحب ميسرته‪ :‬ائت الميسرة‪ ،‬والسبئية ال تفتر إنشابًا(‪ .)4‬وعلى الرغم من تلك البداية‬
‫للمعركة فإن الطرفين ما لبثا يملكان الرويّة حتى تتضح الحقيقة‪ ،‬فعلى ومن معه يتفقون‬
‫على أال يبدءوا بالقتال حتى يبدءوا طلبًا للحجة واستحقاقًا على اآلخرين بها‪ ،‬وهم مع ذلك‬
‫ال يقتلون مدب ًرا‪ ،‬وال يجهزون على جريح‪ ،‬ولكن السبئية ال تفتر إنشابًا(‪ ,)5‬وفي الجانب‬
‫اآلخر ينادى طلحة وهو على دابته وقد غشيه الناس فيقول‪ :‬يا أيها الناس أتنصتون؟ فجعلوا‬
‫يركبونه وال ينصتون‪ ،‬فما زاد أن قال‪ :‬أف أف فراش نار وذبان طمع(‪ ,)6‬وهل يكون فراش‬
‫النار وذبان الطمع غير أولئك السبئية؟ بل إن محاوالت الصلح لتجرى حتى آخر لحظة من‬
‫لحظات المعركة‪.‬‬
‫ومن خالل هذا العرض يتبين أثر ابن سبأ وأعوانه «السبئية» في المعركة ويتضح –‬
‫بما ال يدع مجاالً للشك – حرص الصحابة – رضي هللا عنهم – على اإلصالح وجمع‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/526‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)5/527‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/541‬‬
‫‪4‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/541‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/541‬‬
‫‪6‬‬
‫() تاريخ خليفة بن خياط‪ :‬ص(‪.)182‬‬
‫‪35‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الكلمة؛ وهذا هو الحق الذي تثبته النصوص وتطمئن إليه النفوس(‪ .)1‬وقبل الحديث عن‬
‫جوالت المعركة نشير إلى أن أثر السبئية في معركة الجمل مما يكاد يجمع عليه العلماء‬
‫سواء أسموهم بالمفسدين‪ ،‬أو بأوباش الطائفتين‪ ،‬أو أسماهم البعض بقتلة عثمان‪ ،‬أو‬
‫نبزوهم بالسفهاء‪ ،‬أو بالغوغاء‪ ،‬أو أطلقوا عليهم صراحة السبئية(‪ ..)2‬وإليك بعض‬
‫النصوص التي تؤكد ذلك‪:‬‬
‫أ‪ -‬جاء في أخبار البصرة لعمر بن شبَّة أن الذين نسب إليهم قتل عثمان خشوا أن‬
‫يصطلح الفريقان على قتلهم‪ ،‬فأنشبوا الحرب بينهم حتى كان ما كان(‪.)3‬‬
‫ب‪ -‬قال اإلمام الطحاوى‪ :‬فجرت فتنة الجمل على غير اختيار من على وال من‬
‫طلحة‪ ،‬وإنما أثارها المفسدون بغير اختيار السابقين(‪.)4‬‬
‫جـ‪ -‬وقال الباقالنى‪..:‬وتم الصلح والتفرق على الرضا‪ ،‬فخاف قتلة عثمان من التمكن‬
‫منهم‪ ،‬واإلحاطة بهم‪ ،‬فاجتمعوا وتشاوروا واختلفوا‪ ،‬ثم اتفقتـ آراؤهم على أن يفترقوا‬
‫فرقتين‪ ،‬ويبدءوا بالحرب سحرة في المعسكرين ويختلطوا‪ ،‬ويصيح الفريق الذي في‬
‫عسكر على‪ :‬غدر طلحة والزبير‪ ،‬ويصيح الفريق الذي في عسكر طلحة والزبير‪ :‬غدر‬
‫على‪ ،‬فتم لهم ذلك على ما دبروه ونشبت الحرب‪ ،‬فكان كل فريق منهم دافعًا لمكروه عن‬
‫نفسه ومانعًا من اإلشاطة بدمه‪ ،‬وهذا صواب من الفريقين وطاعة هلل تعالى إذ وقع‪،‬‬
‫(‪)5‬‬
‫واالمتناعـ منهم على هذا السبيل‪ ،‬فهذا هو الصحيح المشهور‪ ،‬وإليه نميل‪ ،‬وبه نقول ‪.‬‬
‫د‪ -‬ونقل القاضي عبد الجبار‪ :‬أقوال العلماء‪ ،‬باتفاق رأي على وطلحة والزبير‬
‫وعائشة – رضوان هللا عليهم – على الصلح‪ ،‬وترك الحرب‪ ،‬واستقبال النظر في األمر‪،‬‬
‫وأن من كان في المعسكر من أعداء عثمان كرهوا ذلك‪ ،‬وخافوا أن تتفرغ الجماعة لهم‪،‬‬ ‫ّ‬
‫(‪)6‬‬
‫فدبّروا في إلقاء ما هو معروف‪ ،‬وت ّم ذلك ‪.‬‬
‫هـ‪ -‬ويقول القاضي أبو بكر بن العربي‪ :‬وقدم عل ّى على البصرة‪ ،‬وتدانوا‬
‫ليتراءوا‪ ،‬فلم يتركهم أصحاب األهواء‪ ،‬وبادروا بإراقة الدماء‪ ،‬واشتجرت الحرب‪،‬‬
‫وكثرت الغوغاء على البوغاء‪ ،‬كل ذلك حتى ال يقع برهان‪ ،‬وال يقف الحال على بيان‪،‬‬
‫ويخفى قتلة عثمان‪ّ ،‬‬
‫وإن واحدًا في الجيش يفسد تدبيره‪ ،‬فكيف بألف(‪.)7‬‬
‫و‪ -‬ويقول ابن حزم‪..:‬وبرهان ذلك أنهم اجتمعوا ولم يقتتلوا وال تحاربوا‪ ،‬فلما كان‬
‫الليل عرف قتلة عثمان أن اإلراغة والتدبير عليهم‪ ،‬فبيتوا عسكر طلحة والزبير وبذلوا‬
‫السيف فيهم‪ ،‬فدفع القوم عن أنفسهم حتى خالطوا عسكر عل ّى‪ ،‬فدفع أهله عن أنفسهم‪ ،‬كل‬
‫طائفة تظن – وال شك – أن األخرى بدأتها القتال‪ ،‬واختلط األمر اختالطًا‪ ،‬ولم يقدر أحد‬
‫على أكثر من الدفاع عن نفسه‪ ،‬والفسقة من قتلة عثمان ال يفترون من شن الحرب‬
‫وإضرابها‪ ،‬فكلتا الطائفتين مصيبة في غرضها ومقصدها‪ ،‬مدافعة عن نفسها‪ ،‬ورجع‬
‫الزبير وترك الحرب بحالها‪ ،‬وأتى طلحة سهم غارب‪ ،‬وهو قائم ال يدري حقيقة ذلك‬
‫‪1‬‬
‫() عبد هللا بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة في صدر اإلسالم‪ :‬ص (‪.)193 ،192‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه‪ :‬ص(‪.)194‬‬
‫‪3‬‬
‫() فتح الباري (‪.)13/56‬‬
‫‪4‬‬
‫() شرح العقيدة الطحاوية‪ :‬ص(‪.)546‬‬
‫‪5‬‬
‫() التمهيد‪ :‬ص(‪.)233‬‬
‫‪6‬‬
‫() تثبيت دالئل النبوة للهمداني‪ :‬ص(‪.)299‬‬
‫‪7‬‬
‫() العواصم من القواصم‪ :‬ص(‪.)157 ،156‬‬
‫‪35‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫االختالط‪ ،‬فصادف جرحًا في ساقه كان أصابه يوم أحد بين يدي رسول هللا ×‪ ،‬فانصرف‬
‫ومات من وقته – رضي هللا عنه ‪،-‬وقتل الزبير بوادي السباع‪ -‬بعد انسحابه من المعركة‪-‬‬
‫على أقل من يوم من البصرة‪ ،‬فهكذا كان األمر(‪ .)1‬ويقول الذهبي‪ :‬كانت وقعة الجمل‬
‫أثارها سفهاء الفريقين(‪ .)2‬ويقول‪ :‬إن الفريقين اصطلحا وليس لعلى وال لطلحة قصد‬
‫القتال‪ ،‬بل ليتكلموا في اجتماع الكلمة‪ ،‬فترامي أوباش الطائفتين بالنبل‪ ،‬وشبت نار‬
‫الحرب‪ ،‬وثارت النفوس(‪ .)3‬وفي كتاب «دول اإلسالم»‪ :‬والتحم القتال من «الغوغاء»‬
‫وخرج األمر عن على وطلحة والزبير(‪ .)4‬ويقول الدكتور سليمان بن حمد العودة‪ :‬ولنا بعد‬
‫ذلك أن نقول‪ :‬وما المانع أن تكون رواية الطبري المصرَّحة بدور «السبئية » في الجمل‪،‬‬
‫تفسّر هذا التعميم‪ ،‬وتحدد تلك المسميات التي وردت في نقوالتـ هؤالء العلماء؟ وحتى لو‬
‫لم تكن هذه الطوائف الغوغائية ذات صلة مباشرة بالسبئية ولم تكن لها أهداف كأهدافهم‪،‬‬
‫فأي مانع يمنع القول إن هذه شكلت أرضية استغلها ابن سبأ وأعوانه «السبئية»‪ ،‬كما هي‬
‫العادة في بعض الحركات الغوغائية التي تستغل من قبل المفسدين؟! (‪.)5‬‬
‫وال ننسى أن للفتنة وأجوائها دورًا في اإلسهام بتلك األحداث‪ ،‬فمما ال شك فيه أن‬
‫الناس في الفتن قد تحجب عنهم أشياء يراها غيرهم رأى العين‪ ،‬وقد يتأولون فيها صانعين‬
‫أشياء يرى من سواهم حقيقته ناصعة ال تحتاج إلى عناء‪ ،‬وكفى بسواد الفتنة حاجبًا عن‬
‫التروي واإلبصار(‪ ,)6‬وال نبعد كثيرًا؛ فهذا األحنف بن قيس‪ -‬وهو أحد الذين عايشوا‬
‫أحداث الجمل – يخرج وهو يريد نصرة على بن أبى طالب‪ ،‬حتى لقيه أبو بكرة(‪ ,)7‬فقال‪:‬‬
‫يا أحنف ارجع فإني سمعته × يقول‪ :‬إذا تَواَجَه المسلمان بسيفيهما‪ ،‬فالقاتل‬
‫والمقتول في النار‪ ،‬فقلت أو قيل‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال‪ :‬إنه‬
‫كان قد أراد قتل صاحبه(‪.)8‬إن القتال مع عل ّى كان حقًا وصوابًا ومن قتل معه فهو شهيد‬
‫وله أجران‪ ،‬ولكن أبا بكرة – رضي هللا عنه – حمل حديثًا ورد في غبر الحالة التي قاتل‬
‫على على حالة قتال الباغين‪ ،‬وهو فهم منه رضي هللا عنه ولكنه فهم في غير محله‪.‬‬ ‫فيها ٌّ‬
‫ومن هذه الرواية ندرك أن عقبات متعددة واجهت عليًا رضي هللا عنه في معركته مع‬
‫اآلخرين‪ ،‬منها أمثال هذه الفتاوى التي هي أثر عن ورع أكثر منها أثرًا عن فتوى تصيب‬
‫محلها(‪ .)9‬هذا وقد امتنع األحنف من الدخول مع على – رضي هللا عنهما ‪ ،-‬فلم يشهد‬
‫الجمل مع أحد من الفريقين(‪ ,)10‬ونقترب أكثر فإذا الزبي َر رضي هللا عنه – وهو طرف‬
‫‪1‬‬
‫() الفصل في الملل والنحل (‪.)158 ،4/157‬‬
‫‪2‬‬
‫() العبر (‪ ،)1/37‬عبد هللا بن سبأ للعودة‪ :‬ص(‪.)195‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ اإلسالم (‪ ،)1/15‬عبد هللا بن سبأ للعودة‪ :‬ص(‪.)195‬‬
‫‪4‬‬
‫() تاريخ اإلسالم (‪ ،)1/15‬عبد هللا بن سبأ للعودة‪ :‬ص(‪.)195‬‬
‫‪5‬‬
‫() عبد هللا بن سبأ للعودة‪ :‬ص(‪.)195‬‬
‫‪6‬‬
‫() المصدر نفسه‪ :‬ص(‪.)196‬‬
‫‪7‬‬
‫() هو نفيع بن الحارث بن كلدة الثقفي‪ ،‬كما قال اإلمام أحمد وعزا هذا القول إلى األكثرين‪ ،‬وقبل إنه نفيع‬
‫ابن مسروح وبه جزم ابن سعد‪ ،‬وقيل اسمه مسروح وبه جزم ابن إسحاق‪ .‬وعلى كل فهو مشهور بكنيته‬
‫أبى بكرة‪ ،‬من فضالء الصحابة‪ ،‬ومن أهل الطائف‪ ،‬وممن اعتزل الفتنة يوم الجمل وأيام صفين‪ ،‬قيل في‬
‫سبب كنيته أنه تدلى من حصن الطائف ببكرة فاشتهر بها‪ .‬توفى بالبصرة ‪52‬هـ‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() مسلم (‪ ،)4/2213‬ك الفتن‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() األساس في السنة وفقهها‪ ،‬السيرة النبوية (‪.)4/1711‬‬
‫‪10‬‬
‫() صحيح مسلم على شرح النووي (‪.)18/10‬‬
‫‪35‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫أساسي في المعركة – يكشف لنا عن حقيقة األمر‪ :‬إن هذه لهى الفتنة التي كنا نح ّدث‬
‫عنها‪ ،‬فقال له مواله‪ :‬أتسميها فتنة وتقاتل فيها؟ قال‪ :‬ويحك؛ إنا نبصر وال نبصر‪ ،‬ما كان‬
‫أمر قط إال علمت موضع قدمي فيه‪ ،‬غير هذا األمر‪ ،‬فإني ال أدرى أمقبل أنا فيه أم‬
‫مدبر(‪ .)1‬ويشير إلى ذلك طلحة فيقول‪ :‬بينما نحن يد واحدة على من سوانا‪ ،‬إذ صرنا جبلين‬
‫من حديد يطلب بعضنا بعضًا(‪ .)2‬وفي الطرف اآلخر يؤكد أصحاب على رضي هللا عنه‬
‫على الفتنة فيقول عمار – رضي هللا عنه – في الكوفة عن خروج عائشة‪ :‬إنها زوجة‬
‫نبيكم في الدنيا واآلخرة‪ ،‬ولكنها مما ابتليتم(‪.)3‬‬
‫‪ -2‬الجولة األولى في معركة الجمل‪ :‬زاد السبئيوّن في الجيشين من جهودهم في‬
‫إنشاب القتال‪ ،‬ومهاجمة الفريق اآلخر‪ ،‬وإغراء كل فريق بخصمه‪ ،‬وتهييجه على قتاله‪،‬‬
‫ونشبت المعركة عنيفة قاسية حامية شرسة‪ ،‬وهي معركة الجمل‪ ،‬وسميت بذلك َّ‬
‫ألن أم‬
‫المؤمنين عائشة‪ ،‬رضي هللا عنها‪ ،‬كانت في المعركة في الجولة الثانية وسط جيش‬
‫البصرة‪ ،‬تركب الجمل الذي قدمه لها يعلى بن أمية في مكة‪ ،‬حيث اشتراه من اليمن‪،‬‬
‫وخرجت على هذا الجمل من مكة إلى البصرة‪ ،‬ثم ركبته أثناء المعركة‪ ،‬وكانت المعركة‬
‫يوم الجمعة في السادس عشر من جمادى الثانية‪ ،‬سنة ست وثالثين‪ ،‬في منطقة «الزابوقة»‬
‫قرب البصرة‪ ،‬حزن عل ّى لما جرى‪ ،‬ونادى مناديه‪ :‬كفوا عن القتال أيها الناس‪ :‬ولم يسمع‬
‫نداءه أحد‪ ،‬فالكل كان مشغوالً بقتال خصمه(‪ ,)4‬كانت معركة الجمل على جولتين‪ :‬الجولة‬
‫األولى كان قائدا جيش البصرة فيها طلحة والزبير‪ ،‬واستمرت من الفجر حتى قبيل‬
‫الظهيرة(‪ ,)5‬ونادى على في جيشه‪،‬كما نادى طلحة والزبير في جيشهما‪ :‬ال تقتلوا مدبرًا‪،‬‬
‫وال تُجهزوا على جريح‪ ،‬وال تلحقوا خارجًا من المعركة تار ًكا لها(‪ .)6‬وقد كان الزبير‪،‬‬
‫رضي هللا عنه‪ ،‬وصى ابنه عبد هللا بقضاء دينه فقال‪ :‬إنه ال يقتل اليوم إال ظالم أو مظلوم‪،‬‬
‫وإني ال أراني إال سأقتل مظلو ًما‪ ،‬وإن أكبر همي ديَ ْني(‪ .)7‬وأثناء ذلك جاء رجل إلى‬
‫الزبير‪ ،‬وعرض عليه أن يقتل عليًا‪ ،‬وذلك بأن يندس مع جيشه‪ ،‬ثم يفتك به‪ ،‬فأنكر عليه‬
‫بشدة‪ ،‬وقال‪ :‬ال؛ ال يفتك مؤمن بمؤمن‪ ،‬أو أن اإليمان قيَّد الفتك(‪ ,)8‬فالزبير‪ ،‬رضي هللا عنه‪،‬‬
‫ليس له غرض في قتل على أو أي شخص آخر بريء من دم عثمان‪ ،‬وقد دعا أمير‬
‫المؤمنين عل ٌّى الزبير‪ ،‬فكلمه بألطف العبارة‪ ،‬وأجمل الحديث‪ ،‬وقيل ذكره بحديث سمعه من‬
‫رسول هللا × يقول له – أي الزبير ‪« -‬لتقاتلنه وأنت له ظالم(‪ -» )9‬وهذا الحديث ليس‬
‫له إسناد صحيح(‪ .)10‬وبعض الروايات ترجع السبب في انصراف الزبير – رضي هللا عنه‬
‫– قبيل المعركة لما علم بوجود عمار بن ياسر في الصف اآلخر وهو وإن لم يرو عن‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/506‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/506‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)5/516‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)5/541‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر نفسه (‪ ،)543 ،5/541‬الخلفاء الراشدون للخالدى‪ :‬ص(‪.)245‬‬
‫‪6‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/541‬‬
‫‪7‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪ ،)15/543‬الخلفاء الراشدون للخالدى‪ :‬ص(‪.)245‬‬
‫‪8‬‬
‫() مسند أحمد (‪ )3/19‬قال محققه أحمد شاكر‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() استشهاد عثمان ووقعة الجمل‪ :‬ص(‪ )201‬خرج طرق الحديث وحكم عليها بالضعف‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫() المدينة النبوية فجر اإلسالم (‪ ،)2/324‬المطالب العلية رقم (‪.)4468‬‬
‫‪35‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫رسول هللا ×‪« :‬تقتل عمار الفئة الباغية»(‪ ,)1‬فلعله سمعه من بعض إخوانه من‬
‫الصحابة لشهرته(‪ ,)2‬وبعضها يرجع السبب في انصرافه إلى شكه في صحة موقفه ‪ ,‬من‬
‫(‪)3‬‬

‫هذه الفتنة – كما يسميها ‪ ،-‬وفي رواية ترجع السبب في انصرافه إلى أن ابن عباس‪،‬‬
‫رضي هللا عنهما‪ ،‬ذكره بالقرابة القوية من على؛ إذ قال له‪ :‬أين صفية بنت عبد المطلب‬
‫حيث تقاتل بسيفك على بن أبى طالب بن عبد المطلب(‪ .)4‬فخرج الزبير من المعركة‪ ،‬فلقيه‬
‫ابن جرموز فقتله(‪ )5‬كما سيأتي تفصيله بإذن هللا‪ .‬فالزبير‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬كان على وعى‬
‫لهدفه – وهو اإلصالح – ولكنه لما رأى حلول السالح مكان اإلصالح رجع‪ ،‬ولم يقاتل‪،‬‬
‫وقول ابن عباس‪ :‬تقاتل بسيفك على بن أبى طالب؟ فيه حذف مفهومه‪ :‬أم جئت لإلصالح‬
‫وجمع الشمل؟ (‪ )6‬وعلى إثر هذا الحديث انصرف الزبير وترك الساحة‪ ،‬وربما كانت‬
‫عوامل متعدة ومتداخلة أسهمت في خروج الزبير من ساحة المعركة‪ ،‬وأما طلحة بن عبيد‬
‫هللا القائد الثاني لجيش البصرة‪ ،‬فقد أصيب في بداية المعركة‪ ،‬إذ جاءه سهم غرب ال يعرف‬
‫من رماه‪ ،‬فأصابه إصابة مباشرة‪ ،‬ونزف دمه بغزاره فقالوا له‪ :‬يا أبا محمد‪ ،‬إنك لجريح‪،‬‬
‫فاذهب وادخل البيوت لتعالج فيها‪ ،‬فقال طلحة لغالمه‪ :‬احملني‪ ،‬وابحث لي عن مكان‬
‫مناسب‪ ،‬فأدخل البصرة‪ ،‬ووضع في دار فيها ليعالج‪ ،‬ولكن جرحه ما زال ينزف حتى‬
‫توفى في البيت‪ ،‬ثم دفن في البصرة‪ ،‬رضي هللا عنه(‪ ,)7‬وأما الرواية التي تشير إلى‬
‫تحريض الزبير وطلحة على القتال وأن الزبير لما رأى الهزيمة على أهل البصرة ترك‬
‫المعركة ومضى‪ ،‬فهذه الرواية ال تصح(‪ ،)8‬وهذا الخبر يعارضه ما ثبت من عدالة‬
‫الصحابة‪ ،‬رضوان هللا عليهم‪ ،‬كما أنه يخالف الروايات الصحيحة التي تنص على أن‬
‫أصحاب الجمل ما خرجوا إال لإلصالح‪ ،‬فكيف ينسجم هذا الفعل من الزبير‪ ،‬رضي هللا‬
‫عنه‪ ،‬مع الهدف الذي خرج من مكة إلى البصرة من أجله أال وهو اإلصالح بين الناس؟!‬
‫وبالفعل فإن موقف الزبير‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬كان السعي في اإلصالح حتى آخر لحظة‪،‬‬
‫وهذا ما أخرجه الحاكم من طريق أبى حرب بن أبى األسود الدؤلى‪ ،‬وفيه أن الزبير‪،‬‬
‫رضي هللا عنه‪ ،‬سعى في الصلح بين الناس ولكن قامت المعركة واختلف أمر الناس‬
‫ومضى الزبير وترك القتال(‪ ,)9‬وكذلك طلحة؛ فقد جاء من أجل اإلصالح وليس من أجل‬
‫إراقة الدماء‪ ،‬وأما عن مقتل طلحة – رضي هللا عنه – فقد كان عند بدء القتال كما صرح‬
‫بذلك األحنف بن قيس(‪.)10‬‬
‫ويخرج الزبير من ميدان المعركة‪ ،‬ويموت طلحة‪ ،‬رضي هللا عنهما‪ ،‬وبسقوط القتلى‬
‫والجرحى من الجانبين تكون قد انتهت الجولة األولى من معركة الجمل‪ ،‬وكانت الغلبة‬
‫‪1‬‬
‫() مسند أحمد (‪ )11/38( ،)49 -1/47‬إسناده صحيح‪ ،‬تحقيق أحمد شاكر‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() خالفة على بن أبى طالب‪ :‬ص(‪.)154‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه ص(‪ ،)154‬تاريخ الطبري (‪.)5/506‬‬
‫‪4‬‬
‫() الطبقات (‪ )3/110‬إسناده صحيح‪ ،‬خالفة على‪ :‬ص(‪.)155‬‬
‫‪5‬‬
‫() الطبقات (‪ ،)3/10‬تاريخ خليفة‪ :‬ص(‪.)186‬‬
‫‪6‬‬
‫() المدينة النبوية فجر اإلسالم (‪.)2/248‬‬
‫‪7‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/253‬‬
‫‪8‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/540‬‬
‫‪9‬‬
‫() المستدرك (‪ ،)3/366‬استشهاد عثمان‪ :‬ص(‪.)200‬‬
‫‪10‬‬
‫() تاريخ خليفة ص‪ ،185‬استشهاد عثمان‪ :‬ص(‪.)202‬‬
‫‪35‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫فيها لجيش على‪ ،‬وكان على رضي هللا عنه يراقب سير المعركة ويرى القتلى والجرحى‬
‫على على ابنه الحسن‪ ،‬وض ّمه إلى صدره‪ ،‬وصار‬ ‫في الجانبين‪ ،‬فيتألم ويحزن‪ ،‬وأقبل ٌّ‬
‫يبكى ويقول له‪ :‬يا بُنى‪ ،‬ليت أباك مات قبل هذا اليوم بعشرين عا ًما‪ .‬فقال الحسن‪ :‬يا أبت‪،‬‬
‫لقد كنت نهيتك عن هذا‪ ،‬فقال على‪ :‬ما كنت أظن أن األمر سيصل إلى هذا الحد‪ ،‬وما طع ُم‬
‫الحياة بعد هذا؟ وأيُّ خير يُرجى بعد هذا؟ (‪.)1‬‬
‫‪ -3‬الجولة الثانية‪ :‬وصل الخبر إلى أم المؤمنين بما حدث من القتال‪ ،‬فخرجت على‬
‫جملها تحيط بها القبائل األزدية‪ ،‬ومعها كعب الذي دفعت إليه مصحفًا يدع الناس إلى وقف‬
‫الحرب‪ ،‬تقدمت أم المؤمنين وكلها أمل أن يسمع الناس كالمها لمكانتها في قلوب الناس؛‬
‫فتحجز بينهم وتطفئ هذه الفتنة التي بدأت تشتعل(‪ ,)2‬وحمل كعب بن سور المصحف‪،‬‬
‫وتقدم أمام جيش البصرة‪ ،‬ونادى جيش على قائالً‪ :‬يا قوم‪ ،‬أنا كعب بن سور‪ ،‬قاضي‬
‫البصرة‪ ،‬أدعوكم إلى كتاب هللا‪ ،‬والعمل بما فيه‪ ،‬والصلح على أساسه‪ .‬وخشي السبئيون‬
‫في مقدمة جيش على أن تنجح محاولة كعب فرشقوه بنبالهم رشقة رجل واحد‪ ،‬فلقي وجه‬
‫هللا‪ ،‬ومات والمصحف في يده(‪ ،)3‬وأصابت سهام السبئيين ونبالهم جمل عائشة وهودجها‪،‬‬
‫فصارت تنادي‪ ،‬وتقول‪ :‬يا بنى‪ ،‬هللا‪ ،‬هللا‪ ،‬اذكروا هللا ويوم الحساب‪ ،‬وكفوا عن القتال‪.‬‬
‫والسبئيون ال يستجيبون لها‪ ،‬وهم مستمرون في ضرب جيش البصرة‪ ،‬وكان على من‬
‫الخلف يأمر بالكف عن القتال‪ ،‬وعدم الهجوم على البصريين‪ ،‬لكن السبئيين في مقدمة‬
‫جيشه ال يستجيبون له‪ ،‬ويأبون إال إقدا ًما وهجو ًما وقتاالً‪ ،‬ولما رأت عائشة عدم استجابتهم‬
‫لدعوتها‪ ،‬ومقتل كعب بن سور أمامها‪ ،‬قالت‪ :‬أيها الناس‪ ،‬العنوا قتلة عثمان وأشياعهم‪.‬‬
‫وصارت عائشة تدعو على قتلة عثمان وتلعنهم‪ ،‬وضج أهل البصرة بالدعاء على قتلة‬
‫على الدعاء عاليًا في جيش البصرة فقال‪ :‬ما هذا؟ قالوا‪:‬‬ ‫عثمان وأشياعهم‪ ،‬ولعنهم‪ ،‬وسمع ٌّ‬
‫عائشة تدعو على قتلة عثمان‪ ،‬والناس يدعون معها‪ .‬قال على‪ :‬ادعوا معي على قتلة‬
‫عثمان وأشياعهم والعنوهم‪ .‬وض ّج جيش على بلعن قتل عثمان والدعاء عليهم(‪ ,)4‬وقال‬
‫على‪ :‬اللهم لعن قتلة عثمان في السهل والجبل(‪ .)5‬اشتدت الحرب واشتعلت وتشابك القوم‬
‫(‪)6‬‬
‫وتشاجروا بالرماح‪ ،‬وبعد تقصف الرماح‪ ،‬استلوا السيوف فتضاربوا بها حتى تقصفت ‪,‬‬
‫ودنا الناس بعضهم من بعض(‪ ,)7‬وو ّجه السبئيون جهودهم لعقر الجمل وقتل عائشة أم‬
‫المؤمنين‪ ،‬فسارع جيش البصرة لحماية عائشة وجملها‪ ،‬وقاتلوا أمام الجمل‪ ،‬وكان ال يأخذ‬
‫أحد بخطام الجمل إال قُتل‪ ،‬حيث كانت المعركة أمام الجمل في غاية الشدة والقوةـ والعنف‬
‫والسخونة‪ ،‬حتى أصبح الهودج كأنه قنفذ مما رمى فيه من النبل(‪ ,)8‬وقتل حول الجمل كثير‬
‫من المسلمين من األزد وبنى ضبة وأبناء وفتيان قريش بعد أن أظهروا شجاعة منقطعة‬
‫النظير(‪ , )9‬وقد أصيبت عائشة بحيرة شديدة وحرج فهي ال تريد القتال ولكنه وقع رغ ًما‬
‫عنهـا‪ ،‬وأصبحت في وسط المعمعة‪ ،‬وصارت تنادي بالكف‪ ،‬فال مجيب‪ ،‬وكان كل من‬
‫‪1‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/521‬‬
‫‪2‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪ ،)5/456‬بسند صحيح إلى الزهري‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/253‬‬
‫‪4‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/253‬‬
‫‪5‬‬
‫() مصنف أبى شيبة (‪ )15/268‬بسند صحيح‪ ،‬سنن سعيد بن منصور (‪ )2/236‬بسند صحيح‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪ )15/258‬رجاله رجال الصحيح‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() الطبقات (‪ )5/2‬بسند صحيح‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() البداية والنهاية (‪ ،)7/253‬تاريخ خليفة‪ :‬ص(‪ )190‬بسند حسن‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫أخذ بخطام الجمل قتل‪ ،‬فجاء محمد بن طلحة (السجاد) وأخذ بخطامة وقال ألمه أم‬
‫المؤمنين‪ :‬يا أماه ما تأمرين؟ فقالت‪ :‬كن كخيري ابني آدم – أي كف يدك – فأغمد سيفه‬
‫بعد أن سلة فُقتل رحمه هللا(‪ ,)1‬كما قتل عبد الرحمن ابن عتاب بن أسيد‪ ،‬الذي حاول أن‬
‫يقتل األشتر حتى لو قتل معه؛ وذلك أنه صارعه فسقطا على األرض جميعًا‪ ،‬فقال ابن‬
‫عتاب لمن حوله‪ :‬اقتلوني(‪ )2‬ومال ًكا‪ ،‬لحنقه عليه لما كان له من دور بارز في تحريض‬
‫الناس على عثمان‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬ولكن األشتر لم يكن معروفًا بمالك‪ ،‬ولم يك قد حان‬
‫أجله ولو قال األشتر البتدرته سيوف كثيرة(‪ ,)3‬وأما عبد هللا بن الزبير‪ ،‬فقد قاتل قتاالً‬
‫منقطع النظير‪ ،‬ورمى بنفسه بين السيوف‪ ،‬فقد استخرج من بين القتلى وبه بضع وأربعون‬
‫ضربة وطعنة‪ ،‬كان أشدها وآخرها ضربة األشتر؛ إذ من حنقه على ابن الزبير لم يرض‬
‫أن يضربه وهو جالس على فرسه بل وقف في الركابين فضربه على رأسه ظانًا أنه‬
‫ضا في بنى عدى وبنى ضبة واألزد‪ ،‬وقد أبدى بنو‬ ‫قتله(‪ ,)4‬واستحر القتل أي ً‬
‫ضبة حماسة وشجاعة وفداء ألم المؤمنين‪ ،‬وقد عبر أحد رؤسائهم وهو‬
‫عمر بن يثربى الضبي برجزه‪.‬‬
‫ننازل الموت إذا الموت نزل‬ ‫نحن بنى ضبة أصحاب الجمل‬
‫>‬
‫ننعى ابن عفان بأطراف األسل(‪)5‬‬ ‫الموت عندنا أحلى من العسل‬
‫أدرك أمير المؤمنين على – رضي هللا عنه – بما أوتى من حنكة وقوة ومهارة‬
‫عسكرية فذة – أن في بقاء الجمل استمرارًا للحرب‪ ،‬وهال ًكا للناس‪ ،‬وأن أصحاب الجمل‬
‫لن ينهزموا أو يكفوا عن الحرب ما بقيت أم المؤمنين في الميدان‪ ،‬كما أن في بقائها خطرًا‬
‫على حياتها؛ فالهودج الذي هي فيه أصبح كالقنفذ من السهام(‪ ,)6‬فأمر على نفرًا من جنده‬
‫منهم محمد بن أبى بكر «أخو أم المؤمنين» وعبد هللا بن بديل أن يعرقبا الجمل ويخرجا‬
‫عائشة من هودجها إلى الساحة ‪ ،-‬أي يضربا قوائم الجمل بالسيف – فعقروا الجمل(‪,)7‬‬
‫واحتمل أخوها محمد وعبد هللا بن بديل الهودج حتى وضعاه أمام على‪ ،‬فأمر به على‪،‬‬
‫فأدخل في منزل عبد هللا بن بديل(‪ ,)8‬وصدق حدس على – رضي هللا عنه – العسكري‪،‬‬
‫فما إن زال السبب أو الدافع الذي دفع البصريين إلى اإلقبال على الموت بشغف‪،‬‬
‫وأخرجت أم المؤمنين من الميدان‪ ،‬حتى ولوا األدبار منهزمين‪ .‬ولو لم يتخذ هذا اإلجراء‬
‫الستمرت الحرب إلى أن يفنى جيش البصرة أصحاب الجمل‪ ،‬أو ينهزم جيش على‪،‬‬
‫وعندما بدأت الهزيمة نادى على أو مناديه في جيشه أن ال يتبعوا مدبرًا وال يجهزوا على‬
‫‪9‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/254‬‬
‫‪1‬‬
‫() نسب قريش‪ :‬ص(‪ ،)281‬التاريخ الصغير للبخاري (‪ )1/110‬بسند صحيح‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪ ،)15/228‬مرويات أبى مخنف ص‪268‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد‪ :‬ص(‪.)159‬‬
‫‪4‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪ )15/228‬بسند صححه ابن حجر في الفتح (‪.)58 ،13/57‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ خليفة‪ :‬ص(‪ )190‬بسند حسن‪ ،‬خالفة على‪ ،‬عبد الحميد‪ :‬ص(‪.)159‬‬
‫‪6‬‬
‫() أنساب األشراف للبالذرى (‪ )2/43‬بسند متصل‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() أعالم الحديث للخطابي (‪.)3/1611‬‬
‫‪8‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪ )287 ،15/286‬بسند جيد‪ ،‬الفتح (‪.)13/57‬‬
‫‪36‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫جريح‪ ،‬وال يغنموا إال ما حمل إلى الميدان أو المعسكر من عتاد أو سالح فقط‪ ،‬وليس لهم‬
‫ما وراء ذلك من شيء‪ ،‬ونهاهم أن يدخلوا الدور‪ ،‬ليس هذا فحسب‪ ،‬بل قال لمن حاربه من‬
‫أهل البصرة‪ :‬من وجد له شيئًا من متاع عند أحد من أصحابه‪ ،‬فله أن يسترده‪ ،‬فجاء رجل‬
‫إلى جماعة من جيش على وهم يطبخون لح ًما في قدر له فأخذ منهم القدر وكفأ ما فيها‬
‫حنقًا عليهم(‪.)1‬‬
‫‪ -4‬عدد القتلى‪ :‬أسفرت هذه الحرب الضروس عن عدد من القتلى اختلفت في تقديره‬
‫(‪)2‬‬
‫الروايات‪ ,‬وذكر المسعودي أن هذا االختالف في تقدير عدد القتلى مرجعه إلى أهواء الرواة ‪.‬‬
‫فيذكر قتادة أن قتلى يوم الجمل عشرون ألفًا(‪ ,)3‬ويظهر أن فيها مبالغة كبيرة‪ ،‬ألن‬
‫عدد الجيشين حول هذا العدد أو أقل‪ ،‬أما أبو مخنف الرافضي الشيعي‪ ،‬فقد بالغ كثيرًا –‬
‫بحكم ميوله – وقد أساء من حيث يظن أنه أحسن؛ إذ ذكر أن العشرين ألفًا هم من أهل‬
‫البصرة(‪ ,)4‬وأما سيف فيذكر أنهم عشرة آالف نصفهم من أصحاب على رضي هللا عنه‬
‫ونصفهم من أصحاب عائشة‪ ،‬رضي هللا عنها‪ ،‬وفي رواية أخرى قال‪ :‬وقيل خمسة عشر‬
‫ألفًا‪ ،‬خمسة آالف من أهل الكوفة‪ ،‬وعشرة آالف من أهل البصرة‪ ،‬نصفهم قتل في المعركة‬
‫األولى ونصفهم في الجولة الثانية(‪ ,)5‬والروايتان ضعيفتان لالنقطاع وغيره‪ ،‬وفيهما مبالغة‬
‫أيضًا‪ ،‬ويذكر عمر بن شيبه بسنده أن القتلى يزيدون على ستة آالف‪ ،‬إال أن الرواية‬
‫ضعيفة سندًا(‪ ,)6‬أما اليعقوبي‪،‬ـ فقد جاوز هؤالء جميعًا؛ إذ وضع عدد القتلى اثنين وثالثين‬
‫ألفًا(‪ ,)7‬وهذه األرقام مبالغ فيها جدًا‪ ،‬وكان من أسباب المبالغة‪:‬‬
‫أ‪ -‬رغبة أعداء الصحابة من السبئية وأتباعهم‪ ،‬في توسيع دائرة الخالف بين أبناء‬
‫األمة التي يجمعها حب الصحاب واالقتداء بهم بعد رسول هللا ×‪.‬‬
‫ب‪ -‬إسهام بعض الشعراء والجهلة من أبناء القبائل‪ ،‬في تضخيم ما جرى وتكبيره‪،‬‬
‫ليتناسب مع ما يصنعونه من أشعار ينسبونها إلى بعض زعمائهم وفرسانهم‪،‬‬
‫فضالً عن وجود قصاص السمر‪ ،‬ورواة األخبار الذين يجلبون اهتمام الناس بهم‪،‬‬
‫من خالل األحداث المثيرة التي يتحدثون عنها‪.‬‬
‫(‪)8‬‬
‫جـ‪ -‬إيجاد الثقة في نفوس أتباع الغوغاء والسبئية إلثبات نجاح خططهم وتدابيرهم‬
‫أما عن العدد الحقيقي لقتلى معركة الجمل فقد كان ضئيالً جدًا لألسباب التالية‪:‬‬
‫* قصر مدة القتال‪ ،‬حيث أخرج ابن أبى شيبه بإسناد صحيح(‪ ,)9‬أن القتال نشب بعد‬
‫الظهر فما غربت الشمس وحول الجمل أحد ممن كان يذب عنه‪.‬‬
‫* الطبيعة الدفاعية للقتال حيث كان كل فريق يدافع عن نفسه ليس إال‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪ )287 ،15/286‬بسند جيد‪ ،‬الفتح (‪.)13/57‬‬
‫‪2‬‬
‫()‪ )6( ,‬مروج الذهب (‪.)3/367‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه ( ‪.)2/367‬‬

‫‪4‬‬
‫() تاريخ خليفة بن خياط (‪ )186‬بسند مرسل‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)555 -5/542‬‬
‫‪6‬‬
‫() تاريخ خليفة بن خياط (‪ )186‬إسناده منقطع وهو حسن إلى قتادة‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪ ،)7/546‬فتح الباري (‪.)13/62‬‬
‫‪8‬‬
‫() اإلنصاف‪ :‬ص(‪.)455‬‬
‫‪9‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪ ،)7/546‬فتح الباري (‪.)13/62‬‬
‫‪36‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫* قياسًا بعدد شهداء المسلمين في معركة اليرموك «ثالثة آالف شهيد»‪ ،‬ومعركة‬
‫القادسية «ثمانية آالف وخمسمائة شهيد»‪ ،‬وهي التي استمرت عدة أيام‪ ،‬فإن العدد الحقيقيـ‬
‫لقتلى معركة الجمل يعد ضئيالً جدًا‪،‬هذا مع األخذ باالعتبار شراسة تلك المعارك وح َّدتها‬
‫لكونها من المعارك الفاصلة في تاريخ األمم‪.‬‬
‫* أورد خليفة بن خياط بيانًاـ بأسماء من حفظ من قتلى يوم الجمل فكانوا قريبًا من‬
‫المائة(‪ ,)1‬فلو فرضنا أن عددهم كان مائتينـ وليس مائة‪ ،‬فإن هذا يعنى أن قتلى معركة الجمل ال‬
‫يتجاوز المائتين‪.‬ـ وهذا هو الرقم الذي ترجَّح لدى الدكتور خالد بن محمد الغيث في رسالته‬
‫«استشهاد عثمانـ ووقعة الجمل في مرويات سيف بن عمر في تاريخ الطبري‪ -‬دراسة‬
‫نقدية»(‪.)2‬‬
‫‪ -5‬هل يصح قتل مروان بن الحكم لطلحة بن عبيد هللا؟ أشار كثير من‬
‫الروايات إلى أن قاتل طلحة بن عبيد هللا‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬هو مروان بن الحكم(‪ ,)3‬ولكن‬
‫بعد دراسة تلك الروايات أتضح براءة مروان بن الحكم من تلك التهمة وذلك لألسباب‬
‫التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬قال ابن كثير‪ :‬ويقال إن الذي رماه بهذا السهم مروان بن الحكم‪ ،‬وقد قيل‪ :‬إن‬
‫الذي رماه بهذا السهم غيره‪ ،‬وهذا عندي أقرب وإن كان األول مشهورًا‪ ،‬وهللا أعلم(‪.)4‬‬
‫ب‪ -‬قال ابن العربي‪ :‬قالوا إن مروان قتل طلحة بن عبيد هللا‪ ،‬ومن يعلم هذا إال عالم‬
‫الغيوب‪ ،‬ولم ينقله ثبت(‪.)5‬‬
‫جـ‪ -‬قال محب الدين الخطيب‪ :‬وهذا الخبر عن طلحة ومروان لقيط ال يُعرف أبوه‬
‫وال صاحبه(‪.)6‬‬
‫د‪ -‬بطالن السبب الذي قيل أن مروان قتل طلحة‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬من أحله‪ ،‬وهو‬
‫اتهام مروان لطلحة بأنه أعان على قتل عثمان‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬وهذا السبب المزعوم‬
‫غير صحيح حيث إنه لم يثبت من طريق صحيح أن أحدًا من الصحابة قد أعان على قتل‬
‫عثمان رضي هللا عنه‪.‬‬
‫هـ‪ -‬كون مروان وطلحة‪ ،‬رضي هللا عنهما‪ ،‬من صف واحد يوم الجمل وهو صف‬
‫المنادين باإلصالح بين الناس(‪.)7‬‬
‫و‪ -‬أن معاوية‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬قد ولى مروان على المدينة ومكة‪ ،‬فلو صح ما بدر‬
‫من مروان لما واله معاوية‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬على رقاب المسلمين‪ ،‬وفي أقدس البقاع عند‬
‫هللا‪.‬‬
‫(‪)8‬‬
‫ز‪ -‬وجود رواية لمروان بن الحكم في صحيح البخاري – مع ما عرف عن‬
‫البخاري رحمه هللا من الدقة وشدة التحري في أمر من تقبل روايته – فلو صح قيام‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ خليفة‪ :‬ص(‪.)190 ،187‬‬
‫‪2‬‬
‫() استشهاد عثمان ووقعة الجمل‪ :‬ص(‪.)215‬‬
‫‪3‬‬
‫() الطبقات (‪ ،)3/223‬تاريخ المدينة (‪ ،)4/1170‬تاريخ خيفة‪ :‬ص(‪.)185‬‬
‫‪4‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/248‬‬
‫‪5‬‬
‫() العواصم من القواصم‪ :‬ص(‪.)160 -157‬‬
‫‪6‬‬
‫() العواصم من القواصم‪ :‬ص(‪.)160 -157‬‬
‫‪7‬‬
‫() استشهاد عثمان ووقعة الجمل‪ :‬ص(‪.)202‬‬
‫‪36‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫مروان بقتل طلحة‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬لكان هذا سببًا كافيًا لرد روايته والقدح في عدالته(‪.)1‬‬
‫‪ -6‬نداء أمير المؤمنين بعد الحرب‪ :‬ما إن بدأت الحرب تضع أوزارها‪ ،‬حتى‬
‫نادى منادي على‪ :‬أن ال يجهزوا على جريح‪ ،‬وال يتبعوا مدبرًا‪ ،‬وال يدخلوا دارًا‪ ،‬ومن‬
‫ألقى السالح فهو آمن‪ ،‬ومن أغلق بابه فهو آمن‪ ،‬وليس لجيشه من غنيمة إال ما حمل إلى‬
‫ميدان المعركة من سالح وكراع‪ ،‬وليس لهم ما وراء ذلك من شيء‪ ،‬ونادى منادي أمير‬
‫المؤمنين فيمن حاربه من أهل البصرة من وجد شيئًا من متاعه عند أحد من جنده‪ ،‬فله أن‬
‫يأخذه(‪ ,)2‬وقد ظن بعض الناس في جيش على أن عليًا سيقسم بينهم السبي‪ ،‬فتكلموا به‬
‫ونشروه بين الناس‪ ،‬ولكن سرعان ما فاجأهم على رضي هللا عنه‪ ،‬حين أعلن في ندائه‪:‬‬
‫وليس لكم أم ولد‪ ،‬والمواريث على فرائض هللا‪ ،‬وأي امرأة قُتل زوجها فلتعتد أربعة أشهر‬
‫وعشرًا‪ ،‬فقالوا مستنكرين متأولين‪ :‬يا أمير المؤمنين تحل لنا دماؤهم وال تحل لنا نساؤهم؟‬
‫فقال على‪ :‬كذلك السيرة في أهل القبلة‪ ،‬ثم قال‪ :‬فهاتوا سهامكم وأقرعوها على عائشة فهي‬
‫رأس األمر وقائدهم‪ ،‬ففرقوا وقالوا‪ :‬نستغفر هللا‪ ،‬وتبين لهم أن قولهم وظنهم خطأ فاحش‪،‬‬
‫ولكن ليرضيهم قسم عليهم رضي هللا عنه من بيت المال خمسمائة خمسمائة(‪.)3‬‬
‫‪ -7‬تفقده للقتلى وترحمه عليهم‪ :‬بعد انتهاء المعركة خرج على يتفقد القتلى مع نفر‬
‫من أصحابه‪ ،‬فأبصر محمد بن طلحة (السجاد) فقال‪ :‬إنا هلل وإنا إليه راجعون‪ ،‬أما وهللا لقد‬
‫كان شابًا صالحًا‪ ،‬ثم قعد كئيبًا حزينًا‪...‬ودعا للقتلى بالمغفرة‪ ،‬وترحم عليهم وأثنى على‬
‫عدد منهم بالخير والصالح(‪ ,)4‬وعاد إلى منزله فإذا امرأته وابنتاه يبكين على عثمان‬
‫وقرابته والزبير وطلحة وغيرهم من أقاربهم القرشيين‪ .‬فقال لهن‪ :‬إني ألرجو أن نكون‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين" [الحجر‪.]47:‬‬ ‫ص ُدو ِرهم ِّم ْن غ ٍّل إِ ْخ َوانًا َعلَى ُس ُر ٍر ُّمَت َقابل َ‬
‫من الذين قال هللا فيهم‪َ + :‬و َن َز ْعنَا َما في ُ‬
‫ثم قال‪ :‬ومن هم إن لم نكن؟! ومن هم إن لم نكن؟! فما زال يردد ذلك حتى وددت أنه‬
‫سكت(‪.)5‬‬
‫‪ -8‬مبايعة أهل البصرة‪ :‬كان أمير المؤمنين على رضي هللا عنه حريصًا على وحدة‬
‫الصف‪ ،‬واحترام رعايا الدولة‪ ،‬ومعاملتهم المعاملة الكريمة‪ ،‬وكان لهذه المعاملة أثر بالغ‬
‫في مبايعة أهل البصرة ألمير المؤمنين على‪ ،‬وكان أمير المؤمنين قد وضع األسرى في‬
‫مساء يوم الجمل في موضع خاص‪ ،‬فلما صلى الغداة طلب موسى بن طلحة بن عبيد هللا‪،‬‬
‫فقربه ورحب به وأجلسه بجواره وسأله عن أحواله وأحوال إخوته‪ ،‬ثم قال له‪ :‬إنا لم‬
‫نقبض أرضكم هذه ونحن نريد أن نأخذها‪ ،‬إنما أخذناها مخافة أن ينتهبها الناس‪ ،‬ودفع له‬
‫غلتها وقال‪ :‬يا ابن أخي وأتنا في الحاجة إذا كانت لك‪ ،‬وكذلك فعل مع أخيه عمران بن‬
‫طلحة فبايعاه‪ ،‬فلما رأى األسارى ذلك دخلوا على عل ‪‰‬ـًًّى رضي هللا عنه يبايعونه‪ ،‬فبايعهم‬
‫وبايع اآلخرين على راياتهم قبيلة قبيلة(‪ ,)6‬كما سأل عن مروان بن الحكم وقال‪ :‬يعطفني‬

‫‪8‬‬
‫() فتح الباري (‪ ،)2/520‬استشهاد عثمان‪ :‬ص(‪.)203‬‬
‫‪1‬‬
‫() استشهاد عثمان ووقعة الجمل‪ :‬ص(‪.)202‬‬
‫‪2‬‬
‫() خالفة على بن أبى طالب‪ :‬ص(‪ )168‬عبد الحميد‪ ،‬مصنف ابن أبى شيبة (‪ )15/286‬بسند صحيح‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪ )15/286‬بسند صححه ابن حجر (‪.)13/57‬‬
‫‪4‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪ ،)15/261‬المستدرك (‪ )375 ،104 ،3/103‬واإلسناد حسن لغيره‪ ،‬خالفة‬
‫على بن أبى طالب‪ ،‬ص(‪.)169‬‬
‫‪5‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪ )269 – 15/268‬خالفة على ص‪ )169(:‬عبد الحميد‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() الطبقات (‪ )3/224‬بسند حسن‪ ،‬المستدرك (‪.)377 ،3/376‬‬
‫‪36‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫عليه رحم ماسة‪ ،‬وهو مع ذلك سيد من شباب قريش‪ ،‬وقد أرسل مروان إلى الحسن‬
‫والحسين وابن عباس رضي هللا عنهم ليكلموا عليًا فقال على‪ :‬هو آمن فليتوجه حيث شاء‪،‬‬
‫ولكن مروان إزاء هذا الكرم والنبل‪ ،‬لم تطاوعه نفسه أن يذهب حتى بايعه(‪ ,)1‬كما أن‬
‫مروان – رضي هللا عنه – أثنى على فعال أمير المؤمنين على فقال البنه الحسن‪ :‬ما‬
‫رأيت أكرم غلبة من أبيك‪ ،‬ما كان إال أن ولَّينا يوم الجمل حتى نادى مناديه‪ :‬أال ال يتبع‬
‫مدبر‪ ،‬وال يذفف على جريح(‪ .)2‬وبذلك تمت بيعة أهل البصرة ألمير المؤمنين على‪ ،‬وولى‬
‫عليهم ابن عمه عبد هللا بن عباس‪ ،‬رضي هللا عنهما‪ ،‬وولى على خراجها زياد بن أبيه‪،‬‬
‫وأراد على رضي هللا عنه أن يمكث فيها مدة أطول‪ ،‬لوال أن مال ًكا (األشتر) أعجلة من‬
‫ذلك؛ وذلك أن األشتر كان يطمع في أن يلي والية‪ ،‬فلما علم بأن ابن عباس ولى إمارة‬
‫البصرة غضب وسار في قومه‪ ،‬فخشي على رضي هللا عنه منه شرًا وفتنة‪ ،‬فاستعجل‬
‫ببقية جيشه‪ ،‬وأدركه‪ ،‬وعاتبه على سيره وأظهر أنه لم يسمع عنه شيئًا(‪.)3‬‬
‫‪ -9‬حديث أبى بكرة عن رسول هللا ×‪« :‬إذا تواجه المسلمان بسيفيهما‬
‫فالقاتل والمقتول في النار»(‪ .)4‬قال القرطبى‪ :‬قال علماؤنا‪ :‬ليس هذا الحديث حديث‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ين اقْتََتلُوا‬‫أبى بكرة – في أصحاب النبي ×‪ ،‬بدليل قوله تعالى‪َ + :‬وإِن طَائ َفتَان م َن ال ُْم ْؤمن َ‬
‫ت‬‫اء ْ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اه َما َعلَى األُ ْخرى َف َقاتِلُوا الَّتِي َت ْب ِغي َحتَّى تَِف ِ‬
‫يء إلَى أ َْم ِر اهلل فَإن فَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َصلِ ُحوا َب ْيَن ُه َما فَِإن َبغَ ْ‬
‫ت إِ ْح َد ُ‬ ‫فَأ ْ‬
‫َصلِ ُحوا َب ْي َن‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ْسطُوا إِ َّن اهللَ يُ ِح ُّ‬ ‫فَأَصلِحوا بيَنهما بِالْع ْد ِل وأَق ِ‬
‫ين ‪ ‬إِنَّ َما ال ُْم ْؤمنُو َن إِ ْخ َوةٌ فَأ ْ‬
‫ب ال ُْم ْقسط َ‬ ‫ْ ُ َْ ُ َ َ َ‬
‫أَ َخ َويْ ُك ْم َو َّات ُقوا اهللَ ل ََعلَّ ُك ْم ُت ْر َح ُمو َن" [الحجرات‪ .]10 ،9:‬فأمر هللا تعالى بقتال الفئة الباغية‪ ،‬ولو‬
‫أمسك المسلمون عن قتال أهل البغي لتعطلت فريضة من فرائض هللا‪ .‬وهذا يدل على أن‬
‫قوله‪« :‬القاتل والمقتول في النار» ليس في أصحاب النبي ×‪ ،‬ألنهم إنما قاتلوا على‬
‫التأويل‪ .‬قال الطبري‪ :‬لو كان الواجب في كل اختالف يكون بين الفريقين من المسلمين‬
‫الهرب منه ولزوم المنازل وكسر السيوف‪ ،‬لما أقيم حد وال أبطل باطل‪ ،‬ولوجد أهل النفاق‬
‫والفجور سبيالً إلى استحالل كل ما حرم هللا عليهم من أموال المسلمين‪ ،‬وسبي نسائهم‪،‬‬
‫وسفك دمائهم‪ ،‬بأن يتحزبوا عليهم‪ ،‬ويكف المسلمون أيديهم عنهم بأن يقولوا‪ :‬هذه فتنة قد‬
‫نهينا عن القتال فيها‪ ،‬وأمرنا بكف األيدي والهرب منها(‪ .)5‬وقال النووي‪ :‬وأما كون القاتل‬
‫والمقتولـ فمحمولة على من ال تأويل له ويكون قتالهما عصبية ونحوها‪ ،‬ثم كونه في النار‬
‫معناه مستحق لها وقد يجازى بذلك‪ ،‬وقد يعفو هللا تعالى عنه‪ ،‬هذا مذهب أهل الحق‪..‬‬
‫وعلى هذا يتأول كل ما جاء من نظائره‪ .‬واعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة‪ ،‬رضي‬
‫هللا عنهم‪ ،‬ليست بداخلة في هذا الوعيد‪ ،‬ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم‬
‫واإلمساك عما شجر بينهم‪ ،‬وتأويل قتالهم وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية وال‬
‫محض الدنيا‪ ،‬بل اعتقد كل فريق أنه المحق ومخالفه باغ‪ ،‬فوجب عليه قتاله ليرجع إلى‬
‫أمر هللا‪ ،‬وكان بعضهم مصيبًا وبعضهم مخطئًا معذورًا في الخطأ في االجتهاد‪ ،‬والمجتهد‬
‫إذا أخطأ ال إثم عليه‪ ،‬وكان على رضي هللا عنه هو المحق المصيب في تلك الحروب‪،‬‬
‫هذا هو مذهب أهل السنة‪ ،‬وكانت القضايا مشتبهة حتى إن جماعة من الصحابة تحيروا‬
‫‪1‬‬
‫() سنن سعيد بن منصور (‪ )2/337‬بسند حسن‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() كتاب أهل البغي من الحاوي الكبير للماوردي‪ :‬ص(‪ ،)111‬فتح الباري (‪.)13/62‬‬
‫‪3‬‬
‫() فتح الباري (‪ ،)13/57‬خالفة على‪ ،‬عبد الحميد‪ :‬ص(‪.)174‬‬
‫‪4‬‬
‫() مسلم‪ .‬ك الفتن (‪.)4/233‬‬
‫‪5‬‬
‫() التذكرة (‪.)233 ،2/232‬‬
‫‪36‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫فاعتزلوا الطائفتين ولم يقاتلوا ولم يتيقنوا الصواب ثم تأخروا عن مساعدتهم(‪.)1‬‬
‫‪ -10‬تاريخ معركة الجمل‪ :‬اختلف المؤرخون في تاريخ وقعة الجمل إلى أقوال كثيرة‬
‫منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬أخرج خليفة بن خياط من طريق قتادة أن الفريقين التقيا يوم الخميس في النصف‬
‫من جمادى اآلخرة سنة ست وثالثين‪ ،‬وكانت الوقعة يوم الجمعة(‪.)2‬‬
‫ب‪ -‬أخرج عمر بن شبَّة أن الوقعة كانت في النصف من جمادى اآلخرة سنة ست‬
‫وثالثين(‪.)3‬‬
‫جـ‪ -‬أخرج الطبري من طريق الواقدى أن الواقعة كانت يوم الخميس لعشر خلون من‬
‫جمادى اآلخرة سنة ست وثالثين(‪.)4‬‬
‫د‪ -‬ذكر المسعودي أن الوقعة كانت يوم الخميس في العاشر من جمادى األولى(‪,)5‬‬
‫غير أن أرجح األقول هو ما أخرجه خليفة بن خياط من طريق قتادة حيث إن‬
‫إسناد روايته يعد أصح ما في الباب‪.‬‬
‫‪ -11‬أفال نكف عنهن وهن مسلمات؟‪ :‬جاء أمير المؤمنين إلى الدار التي فيها أم‬
‫المؤمنين عائشة‪ ،‬فاستأذن وسلم عليها ورحبت به‪ ،‬وإذا النساء في دار بنى خلف يبكين‬
‫على من قُتل‪ ،‬منهم عبد هللا وعثمان ابنا خلف‪ ،‬فعبد هللا قتل مع عائشة‪ ،‬وعثمان قتل مع‬
‫على‪ ،‬فلما دخل على قالت له صفية امرأة عبد هللا‪ ،‬أم طلحة الطلحات‪ :‬أيتم هللا منك‬
‫أوالدك كما أيتمت أوالدي‪ .‬فلم يرد عليها على شيئًا‪ ،‬فلما خرج أعادت عليه المقالة أيضًا‬
‫فسكت‪ ،‬فقال له رجل‪ :‬يا أمير المؤمنين أتسكت عن هذه المرأة وهي تقول ما تسمع؟ فقال‪:‬‬
‫ويحك إنا أمرنا أن نكف عن النساء وهن مشركات‪ ،‬أفال نكف عنهن وهن مسلمات؟! (‪.)6‬‬
‫‪ -12‬اعتذار أبى بكرة الثقفيـ عن إمارة البصرة‪ :‬جاء عبد الرحمن بن أبى بكرة‬
‫الثقفيـ إلى أمير المؤمنين فبايعه فقال له على‪ :‬أين المريض؟ ‪ -‬يعنى أباه – فقال‪ :‬إنه وهللا‬
‫مريض يا أمير المؤمنين‪ ،‬وإنه على مسرتك لحريص‪ .‬فقال‪ :‬امش أمامي‪ ،‬فمضى إليه‬
‫فعاده‪ ،‬واعتذر إليه أبو بكرة فعذره‪ ،‬وعرض عليه البصرة فامتنع وقال‪ :‬رجل من أهلك‬
‫يسكن إليه الناس‪ ،‬وأشار عليه بابن عباس فواله على البصرة‪ ،‬وجعل معه زياد بن أبيه‬
‫على الخراج وبيت المال‪ ،‬وأمر ابن عباس أن يسمع من زياد(‪.)7‬‬
‫‪ -13‬موقف أمير المؤمنين على ممن ينال من عائشة‪ :‬قال رجل‪ :‬يا أمير‬
‫على القعقاع بن عمرو أن يجلد‬ ‫المؤمنين‪ ،‬إن على الباب رجلين يناالن من عائشة‪ ،‬فأمر ٌّ‬
‫كل واحد منهما مائة‪ ،‬وأن يخرجهما من ثيابهما(‪ ,)8‬وقد قام القعقاعـ بذلك‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫() شرح صحيح مسلم (‪.)228 ،8/227‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ خليفة بن خياط‪ :‬ص(‪.)185 ،184‬‬
‫‪3‬‬
‫() فتح الباري (‪.)13/61‬‬
‫‪4‬‬
‫() استشهاد عثمان‪ :‬ص(‪ )206‬نقالً عن تاريخ الطبري‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() مروج الذهب (‪.)2/360‬‬
‫‪6‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/357‬‬
‫‪7‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/357‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)7/258‬‬
‫‪36‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -14‬دفاع عمار بن ياسر عن أم المؤمنين عائشة‪ :‬عن محمد بن عريب قال‪:‬‬
‫قام رجل فذكر عائشة عند على‪ ،‬فجاء عمار فقال‪ :‬من هذا الذي يتناول زوجة نبينا؟‬
‫اسكت مقبوحًا منبو ًذا مذمو ًما مدحورًا(‪.)1‬وجاء في رواية‪ :‬اغرب مقبوحًا‪ ،‬أتؤذى حبيبة‬
‫رسول هللا ×؟!(‪ )2‬وجاء في رواية‪ :‬ذكرت عائشة عند على رضي هللا عنهما فقال‪ :‬حليلة‬
‫رسول هللا ×(‪.)3‬‬
‫سابعًا‪ :‬بين عائشة أم المؤمنين وأميرـ المؤمنين على بن أبى طالب‪:‬‬
‫عائشة أم المؤمنين هي الصديقة بنت الصديق أبى بكر عبد هللا بن عثمان‪ ،‬وأمها أم‬
‫رومان بنت عويمر الكنانية‪ ،‬ولدت بعد المبعث بأربع سنوات أو خمس‪ ،‬تزوجها النبي×‬
‫وهي بنت ست ودخل بها وهي بنت تسع سنين‪ ،‬وكان دخوله بها في شوال في السنة‬
‫األولى‪ ،‬وقيل في السنة الثانية من الهجرة‪ ،‬وهي المبرأة من فوق سبع سماوات‪ ،‬وكانت‬
‫أحب أزواج النبي × إليه‪ ،‬ولم يتزوج بكرًا غيرها‪ ،‬وكانت أفقه نساء األمة على اإلطالق‪،‬‬
‫فكان األكابر من الصحابة‪ ،‬رضي هللا عنهم أجمعين‪ ،‬إذا أشكل عليهم األمر في الدين‬
‫استفتوها‪ ،‬وقد توفى عنها النبي × وهي في الثامنة عشرة من عمرها‪ ،‬وكانت وفاتها‬
‫رضي هللا عنها في سنة ثمان وخمسين ليلة السابع عشر من رمضان‪ ،‬وصلى عليها أبو‬
‫هريرة رضي هللا عنه‪ ،‬ودفنت في البقيع رضي هللا عنها وأرضاها(‪ ,)4‬ومناقبها‪ ،‬رضي هللا‬
‫عنها‪ ،‬كثيرة مشهورة فقد وردت أحاديث صحيحة بخصائص انفردت بها عن سواها من‬
‫أمهات المؤمنين رضي هللا عنهن وأرضاهن منها‪:‬‬
‫(‪)5‬‬
‫‪ -1‬مجيء الملك بصورتها إلى النبي × في سرقة من حرير قبل زواجها به‬
‫×‪ :‬فقد روى الشيخان من حديث عائشة‪ ،‬قالت‪ :‬قال رسول هللا ×‪ :‬أريتك في المنام‬
‫ثلاث ليال جاءني بك الملك في سرقة من حرير فيقول‪ :‬هذه امرأتك فاكشف عن‬
‫وجهك‪ ،‬فإذا أنت هي فأقول‪ :‬إن يك هذا من الله يمضه(‪.)6‬‬
‫‪ -2‬أحب أزواج النبي ×‪ :‬وقد صرح بمحبتها لما سئل × عن أحب الناس إليه‪ ،‬فقد‬
‫روى البخاري بإسناده إلى عمرو بن العاص رضي هللا عنه أن النبي × بعثه على جيش‬
‫ذات السالسل(‪ ,)7‬قال‪ :‬فأتيته فقلت‪ :‬أي الناس أحب إليك؟ قال‪ :‬عائشة‪ ،‬قلت‪ :‬فمن الرجال؟‬
‫قال‪ :‬أبوها(‪ .)8‬قال الحافظ الذهبي‪ :‬وهذا خبر ثابت على رغم أنوف الروافض‪ ،‬وما كان‬
‫عليه الصالة والسالم ليحب إال طيبًا‪ ،‬وقد قال‪« :‬لو كنت متخذًا خليلاً من هذه‬
‫الأمة لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن أخوة الإسلام أفضل»‪ ،‬فأحب أفضل رجل في‬
‫أمته‪ ،‬وأفضل امرأة في أمته‪ ،‬فمن أبغض حبيبي رسول هللا × فهو حرى أن يكون بغيضًا‬
‫إلى هللا ورسوله‪ ،‬وحبه عليه الصالة والسالم لعائشة كان أمرًا مستفيضًا(‪.)9‬‬
‫‪1‬‬
‫() فضائل الصحابة (‪ )2/110‬إسناده ضعيف‪ ،‬ضعيف سنن الترمذي رقم (‪ )815‬لأللباني‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪ )2/179‬حديث حسن قاله الذهبي‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه (‪ )2/176‬حديث حسن‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪ )201 -2/135‬طبقات ابن سعد (‪ ،)8/58‬البداية والنهاية (‪.)8/95‬‬
‫‪5‬‬
‫() أي في قطعة من جيد الحرير‪ ،‬انظر‪ :‬النهاية البن األثير (‪.)2/362‬‬
‫‪6‬‬
‫() مسلم رقم (‪.)2438‬‬
‫‪7‬‬
‫() مأخوذ من السلسل وهو العذب الصافي من الماء‪ ،‬والنهاية البن األثير (‪.)2/389‬‬
‫‪8‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)4358‬‬
‫‪9‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)2/143‬‬
‫‪36‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -3‬نزول الوحي على النبي × وهو في لحافها دون غيرها من نسائه عليه‬
‫الصالة والسالم‪ :‬فقد روى البخاري بإسناده إلى هشام بن عروة عن أبيه قال‪ :‬كان الناس‬
‫يتحرون بهداياهم يوم عائشة‪ ،‬قالت عائشة‪ :‬فاجتمع صواحبي إلى أم سلمه فقلن‪ :‬يا أم‬
‫سلمه وهللا إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة‪ ،‬وإنا نريد الخير كما تريده عائشة‪،‬‬
‫فمري رسول هللا × أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث كان أو حيث ما دار‪ ،‬قالت‪ :‬فذكرت‬
‫ذلك أم سلمه للنبي × قالت‪ :‬فأعرض عنى‪ ،‬فلما عاد إل َّى ذكرت له ذلك فأعرض عنى‪،‬‬
‫فلما كان في الثالثة ذكرت له فقال‪« :‬يا أم سلمه لا تؤذيني في عائشة فإنه والله‬
‫ما نزل علىَّ الوحي في لحاف امرأة منكن غيرها»(‪ .)1‬وقال الذهبي‪ :‬وهذا الجواب‬
‫منه دال على أن فضل عائشة على سائر أمهات المؤمنين بأمر إلهي وراء حبه لها‪ ،‬وأن‬
‫ذلك األمر من أسباب حبه لها(‪.)2‬‬
‫‪ -4‬أن جبريل عليه السالم أرسل إليها سالمه مع النبي ×‪ :‬فقد روى البخاري‬
‫بإسنادهـ إلى عائشة رضي هللا عنهاـ قالت‪ :‬قال رسول هللا × يو ًما‪« :‬يا عائشة هذا جبريل‬
‫يقرئك السلام»‪ ،‬فقالت‪ :‬وعليه السالم ورحمه هللا وبركاته‪ ،‬ترى ما ال أرى – تريد رسول هللا‬
‫×‪.)3(-‬‬
‫‪ -5‬بدأ النبي × بتخييرها عند نزول آية التخيير‪ ،‬وقرن ذلك بإرشادها إلى‬
‫استشارة أبويها في ذلك الشأن لعلمه أن أبويها ال يأمرانها بفراقه‪ ،‬فاختارت هللا ورسوله‬
‫والدار اآلخرة؛ فاستن بها بقية أزواجه ×‪ ،‬فقد روى الشيخان بإسنادهما إلى عائشة‪،‬‬
‫رضي هللا عنها‪ ،‬قالت‪ :‬لما أمر رسول هللا × بتخيير أزواجه بدأ بي فقال‪ :‬إني ذاكر لك‬
‫أمرًا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمرى أبويك‪ .‬قالت‪ :‬وقد علم أن أبوي لم‬
‫يكونا يأمراني بفراقه قالت‪ :‬ثم قال‪ :‬إن الله – جل ثناؤه‪ -‬قال‪+ :‬يَا أ َُّي َها النَّبِ ُّي قُل‬
‫احا َج ِميالً ‪َ ‬وإِن ُكنتُ َّن‬ ‫ألَ ْزو ِ‬
‫ُس ِّر ْح ُك َّن َس َر ً‬ ‫الد ْنيَا َو ِزينََت َها َفَت َعال َْي َن أ َُمت ْ‬
‫ِّع ُك َّن َوأ َ‬ ‫ْحيَاةَ ُّ‬ ‫ك إِن ُكنتُ َّن تُ ِر ْد َن ال َ‬ ‫اج َ‬ ‫َ‬
‫ات ِمن ُك َّن أَجرا َع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َع َّد لِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يما" [األحزاب‪]29 ،28:‬‬ ‫ً‬ ‫ظ‬ ‫ًْ‬ ‫تُ ِر ْد َ َ َ َ ُ ُ َ َ َ َ َ َ َ ُ ْ َ‬
‫ن‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫ْم‬ ‫ل‬ ‫أ‬ ‫اهلل‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫ر‬‫َخ‬ ‫آل‬ ‫ا‬ ‫َّار‬
‫الد‬ ‫و‬ ‫َه‬‫ل‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫اهلل‬ ‫ن‬
‫قالت‪ :‬فقلت‪ :‬ففي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد هللا ورسوله والدار اآلخرة‪ ،‬قالت‪ :‬ثم فعل‬
‫أزواج رسول هللا × مثل ما فعلت(‪.)4‬‬
‫‪ -6‬نزول آيات من كتاب هللا بسببها‪ ،‬فمنها ما هو في شأنها خاصة ومنها‬
‫ما هو لألمة عامة‪ :‬فأما اآليات الخاصة بها والتي تدل على عظم شأنها ورفعة مكانتها‬
‫شهادة الباري جل وعال لها بالبراءة مما رميت به من اإلفك والبهتان‪ ،‬وهو قوله تعالى‪+ :‬‬
‫صبَةٌ ِّم ْن ُك ْم الَ تَ ْح َسبُوهُ َش ًّرا لَّ ُك ْم بَ ْل ُه َو َخ ْي ٌر لَّ ُك ْم لِ ُك ِّل ْام ِر ٍئ ِّم ْن ُهم َّما‬ ‫ك عُ ْ‬ ‫إِ َّن الَّ ِذين جاءوا بِا ِإلفْ ِ‬
‫َ َُ‬
‫ات‬ ‫ِ‬
‫يم" [النور‪ ]11:‬إلى قوله تعالى‪+:‬الْ َخبيثَ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا ْكتس ِ‬
‫اب َعظ ٌ‬ ‫ب م َن اإلثْم َوالذي َت َولى ك ْب َرهُ م ْن ُه ْم لَهُ َع َذ ٌ‬ ‫ََ َ‬
‫ك ُمَب َّرؤو َن ِم َّما َي ُقولُو َن ل َُهم‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫َئ‬‫ل‬ ‫ُو‬‫أ‬ ‫ات‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ي‬
‫ِّ‬‫َّ‬
‫ط‬ ‫ل‬
‫ْ‬
‫ََ ُ َ َ‬
‫ِ‬
‫ل‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ب‬ ‫ي‬
‫ِّ‬‫َّ‬
‫ط‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫ين‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫ي‬
‫ِّ‬‫َّ‬
‫ط‬ ‫ل‬‫ِ‬‫ل‬ ‫لِ ْل َخبِيثِ َ َ َ ُ َ َ َ َ َ ُ‬
‫ات‬ ‫ب‬ ‫ي‬
‫ِّ‬‫َّ‬
‫ط‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫ِ‬
‫ات‬ ‫يث‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫خ‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫يث‬‫ِ‬‫ب‬ ‫خ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬‫و‬ ‫ين‬
‫ِ‬
‫يم" [النور‪ .]26:‬قال ابن القيم‪ :‬ومن خصائصها أن هللا سبحانه وتعالى برأها‬ ‫َّمغْف َرةٌ َو ِر ْز ٌق َك ِر ٌ‬
‫مما رماها به أهل اإلفك‪ ،‬وأنزل في عذرها وبراءتها وحيًا يتلى في محاريب المسلمين‬
‫وصلواتهم إلى يوم القيامة‪ ،‬وشهد لها بأنها من الطيبات‪ ،‬ووعدها المغفرة والرزق الكريم‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() البخاري رقم ‪ ،3775‬ك فضائل الصحابة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)2/143‬‬
‫‪3‬‬
‫() البخاري‪ ،‬ك فضائل الصحابة رقم ‪.3768‬‬
‫‪4‬‬
‫() البخاري‪ ،‬ك التفسير رقم (‪.)4789‬‬
‫‪36‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وأخبر سبحانه وتعالى أن ما قيل فيها من اإلفك كان خيرًا لها‪ ،‬ولم يكن ذلك الذي قيل فيها‬
‫شرًا لها وال خافضًا من شأنها‪ ،‬بل رفعها هللا بذلك وأعلى قدرها وأعظم شأنها‪ ،‬وصار لها‬
‫ذكرًا بالطيب والبراءة بين أهل األرض والسماء‪ ،‬فيا لها من منقبة ما أجلها! وتأمل هذا‬
‫التشريف واإلكرام الناشئ عن فرط تواضعها واستصغارها لنفسها حيث قالت‪ :‬لشأني في‬
‫نفسي كان أحقر من أن يتكلم هللا ف ّي بوحي يُتلى‪ ،‬ولكن كنت أرجو أن يرى رسول هللا ×‬
‫رؤيا يبرئني هللا بها(‪ .)1‬فهذه صديقة األمة وأم المؤمنين وحب رسول هللا ×‪ ،‬وهي تعلم‬
‫أنها بريئة منه مظلومة‪ ،‬وأن قاذفيها ظالمون مفترون عليها‪ ،‬وقد بلغ أذاهم إلى أبويها‬
‫وإلى رسول اله ×(‪ .)2‬قال ابن كثير‪ :‬ولما تكلم فيها أهل اإلفك بالزور والبهتان غار هللا‬
‫فأنزل براءتها في عشر آيات من القرآن تُتلى على الزمان‪ ..‬وقد أجمع العلماء على تكفير‬
‫من قذفها بعد براءتها(‪.)3‬وأما ما نزل بسببها من اآليات وهي لألمة عامة فآية التيمم وكانت‬
‫رحمة وتسهيالً لسائر األمة‪ ،‬فقد روى البخاري بإسناده إلى عائشة‪ ،‬رضي هللا عنها‪ ،‬أنها‬
‫استعارت من أسماء قالدة فهلكت‪ ،‬فأرسل رسول هللا × ناسًا من أصحابه في طلبها‬
‫فأدركتهم الصالة فصلوا بغير وضوء‪ ،‬فلما أتوا النبي × شكوا ذلك إليه‪ ،‬فنزلت آية التيمم‬
‫فقال أسيد بن حضير‪ :‬جزاك هللا خيرًا‪ ،‬فوهللا ما نزل بك أمر تكرهينه إال جعل هللا لك‬
‫وللمسلمين فيه خيرًا(‪.)4‬‬
‫‪ -7‬كان رسول هللا × يحرص على أن يمرض في بيتها‪ :‬فقد كانت وفاته × بين‬
‫سحرها ونحرها وفي يومها‪ ،‬وجمع هللا بين ريقه وريقها في آخر ساعة من ساعاته في‬
‫الدنيا‪ ،‬وأول ساعة من اآلخرة‪ ،‬ودفن في بيتها(‪ ,)5‬فقد روى البخاري بإسناده إلى عائشة‪،‬‬
‫رضي هللا عنها‪ ،‬أن رسول هللا × لما كان في مرضه جعل يدور في نسائه ويقول‪ :‬أين‬
‫أنا غدًا؟ حرصًا على بيت عائشة‪ ،‬قالت‪ :‬فلما كان يومي سكن(‪ ،)6‬وعند مسلم عنها‬
‫أيضًا قالت‪ :‬إن كان رسول هللا × ليتفقد يقول‪« :‬أين أنا اليوم‪ ،‬أين أنا غدًا؟»‬
‫استبطاء ليوم عائشة‪ ،‬قالت‪ :‬فلما كان يومي قبضه هللا بين سحري ونحري(‪ ,)7‬وروى‬
‫البخاري أيضًا بإسناده عنها‪ :‬أن رسول هللا × كان يسأل في مرضه الذي مات فيه يقول‪:‬‬
‫«أين أنا غدًا‪ ،‬أين أنا غدًا؟» يريد يوم عائشة‪ ،‬فأذن له أزواجه بأن يكون حيث‬
‫شاء‪ ،‬فكان في بيت عائشة حتى مات عندها‪ .‬قالت عائشة‪ :‬فمات في اليوم الذي كان يدور‬
‫عل َّى فيه في بيتي‪ ،‬فقبضه هللا وإن رأسه لبين نحري وسحري‪ ،‬وخالط ريقه ريقي‪ ،‬ثم‬
‫قالت‪ :‬دخل عبد الرحمن بن أبى بكر ومعه مسواك يستن به‪ ،‬فنظر إليه رسول هللا‪ ،‬فقلت‬
‫له‪ :‬أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن‪ ،‬فأعطانيه فقصمته‪ ،‬ثم مضغته‪ ،‬فأعطيته رسول‬
‫هللا × فاستن به‪ ،‬وهو مستند إلى صدري‪ .‬وفي رواية أخرى بزيادة‪ :‬فجمع هللا بين ريقي‬
‫وريقه في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من اآلخرة(‪.)8‬‬

‫‪1‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)4141‬‬
‫‪2‬‬
‫() جالء اإلفهام‪ :‬ص(‪.)125 ،124‬‬
‫‪3‬‬
‫() البداية والنهاية (‪ ،)8/95‬تفسير القرآن العظيم (‪.)3/268‬‬
‫‪4‬‬
‫() البخاري‪ ،‬رقم (‪.)336‬‬
‫‪5‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪ ،)2/189‬البداية والنهاية (‪.)8/95‬‬
‫‪6‬‬
‫() البخاري‪ ،‬ك فضائل الصحابة رقم (‪.)3774‬‬
‫‪7‬‬
‫() مسلم‪ ،‬ك الصحابة رقم (‪.)2443‬‬
‫‪8‬‬
‫() البخاري‪ ،‬رقم (‪.)4451 ،4450‬‬
‫‪36‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -8‬إخباره × بأنها من أصحاب الجنة‪ :‬فقد روى الحاكم بإسناده إلى عائشة‪،‬‬
‫رضي هللا عنها‪ ،‬قالت‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬من أزواجك في الجنة؟ قال‪ :‬أما إنك منهن؟‬
‫قالت‪ :‬فخيل إل ّى أن ذاك أنه لم يتزوج بكرًا غيري(‪ .)1‬وروى البخاري بإسناده إلى القاسم‬
‫بن محمد أن عائشة اشتكت فجاء ابن عباس فقال‪ :‬يا أم المؤمنين تقدمين على فرط صدق‬
‫على رسول هللا ×‪ ،‬وعلى أبى بكر(‪ .)2‬وفي هذا فضيلة عظيمة لعائشة‪ ،‬رضي هللا عنها‪،‬‬
‫حيث قطع لها بدخول الجنة إذ ال يقول ذلك إال بتوقيف(‪.)3‬‬
‫‪ -9‬فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام‪ :‬ما رواه الشيخان‬
‫بإسنادهما إلى عبد هللا بن عبد الرحمن أنه سمع أنس بن مالك رضي هللا عنه يقول‪:‬‬
‫سمعت رسول هللا × يقول‪« :‬فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر‬
‫الطعام»(‪.)4‬قال النووي‪ :‬قال العلماء‪ :‬معناه‪ :‬أن الثريد من كل طعام أفضل من المرق‪،‬‬
‫فثريد اللحم أفضل من مرقه بال ثريد‪ ،‬وثريد ما ال لحم فيه أفضل من مرقه‪ ،‬والمراد‬
‫بالفضيلة نفعه والتشبع منه وسهولة مساغه‪ ،‬وااللتذاذ به وتيسر تناوله‪ ،‬وتمكن اإلنسان‬
‫من أخذ كفايته منه بسرعة وغير ذلك‪ ،‬فهو أفضل من المرق كله ومن سائر األطعمة‪،‬‬
‫وفضل عائشة على النساء زائد كزيادة فضل الثريد على غيره من األطعمة‪ .‬وليس في‬
‫هذا تصريح بتفضيلها على مريم وآسية الحتمال أن المراد تفضيلها على نساء هذه‬
‫األمة(‪.)5‬‬
‫هذه بعض األحاديث التي أشارت إلى فضل السيدة عائشة ومكانتها وسبقها؛ وعلو‬
‫شأنها في الدين‪ ،‬وعظيم مكانتها‪ ،‬ومع هذا فقد تعرضت السيدة عائشة أم المؤمنين للطعن‬
‫والتجريح والكذب واالفتراء من قبل الشيعة الرافضة ومن تأثر برواياتهم المختلفة‪،‬‬
‫وآثارهم الموضوعة‪ ،‬وجاءوا آلثار صحاح‪ ،‬وأحاديث مسندة صحيحة وأوّلوها على غير‬
‫حقيقتها ومرادها‪ ،‬كما فعل ذلك صاحب كتاب «ثم اهتديت» وهو لم يأت بجديد وإنما سار‬
‫على منهج أسالفه ممن سبقوه من الشيعة الروافض‪ ،‬وطعن في أم المؤمنين عائشة بقول‬
‫عمار‪ :‬وهللا إنها لزوجة نبيكم في الدنيا واآلخرة‪ ،‬ولكن هللا تبارك وتعالى ابتالكم بها ليعلم‬
‫إياه تطيعون أم هي(‪ .)6‬وليس في قول عمار هذا ما يطعن به على عائشة – رضي هللا‬
‫عنها – بل فيه أعظم فضيلة لها‪ ،‬وهي أنها زوجة نبينا × في الدنيا واآلخرة‪ ،‬فأي فضل‬
‫أعظم من هذا؟! فإن غاية كل مؤمن رضا هللا والجنة‪ ،‬وعائشة – رضي هللا عنها – قد‬
‫تحقق لها ذلك بشهادة عمار – رضي هللا عنه – الذي كان ُمخالفًا لها في الرأي في تلك‬
‫الفتنة‪ ،‬وأنها ستكون في أعلى الدرجات في الجنة بصحبة رسول هللا ×(‪ ,)7‬وبهذا قد جاء‬
‫الحديث الصحيح المرفوع للنبي ×‪ ،‬على ما روى الحاكم في المستدرك من حديث عائشة‬
‫– رضي هللا عنها – أن النبي× قال لها‪ :‬أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا‬

‫‪1‬‬
‫() المستدرك (‪ )4/13‬صحيح اإلسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() البخاري‪ ،‬رقم (‪.)3771‬‬
‫‪3‬‬
‫() فتح الباري‪ ،)7/108( ،‬العقيدة في أهل البيت‪ :‬ص(‪.)95‬‬
‫‪4‬‬
‫() البخاري‪ ،‬رقم ‪.3770‬‬
‫‪5‬‬
‫() شرح صحيح مسلم (‪.)209 ،15/208‬‬
‫‪6‬‬
‫() البخاري‪ ،‬ك فضائل الصحابة رقم (‪.)3772‬‬
‫‪7‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل ص‪.)448( :‬‬
‫‪36‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫والآخرة؟ قالت‪ :‬بلى وهللا‪ ،‬قال‪ :‬فأنت زوجتي في الدنيا والآخرة(‪ .)1‬فيكون هذا الحديث‬
‫من أعظم فضائل عائشة – رضي هللا عنها – ولذا أورد البخاري األثر السابق عن عمار‬
‫في مناقب عائشة رضي هللا عنها(‪ ,)2‬وأما قوله في الجزء األخير من األثر‪ :‬ولكن هللا‬
‫ابتالكم لتتبعوه أو إياها(‪ .)3‬فليس بمطعن على أم المؤمنين عائشة – رضي هللا عنها –‬
‫وبيان ذلك من وجوه‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن قول عمار هذا يمثل رأيه‪ ،‬وعائشة – رضي هللا عنها – ترى خالف ذلك‪ ،‬وأن‬
‫ما هي عليه هو الحق‪ ،‬وكل منهما صحابي جليل‪ ،‬عظيم القدر في الدين والعلم‪ ،‬فليس قول‬
‫أحدهما حجة على األخر(‪.)4‬‬
‫ب‪ -‬أن غاية ما في قول عمار هو مخالفتها أمر هللا في تلك الحالة الخاصة‪ ،‬وليس كل‬
‫مخالف مذمو ًما حتى تقوم عليه الحجة بالمخالفة ويعلم أنه مخالف‪ ،‬وإال فهو معذور إن لم‬
‫يتعمد المخالفة‪ ،‬فقد يكون ناسيًا أو متأوالً فال يؤخذ بذلك‪.‬‬
‫جـ‪ -‬أن عمارًا – رضي هللا عنه – ما قصد بذلك ذم عائشة وال انتقاصها‪ ،‬وإنما أراد‬
‫أن يبين خطأها في االجتهاد نصحًا لألمة‪ ،‬وهو مع هذا يعرف ألم المؤمنين قدرها‬
‫وفضلها(‪ ,)5‬وقد جاء في بعض روايات هذا األثر عن عمار أن عمارًا سمع رجالً يسب‬
‫عائشة‪ ،‬فقال‪ :‬اسكت مقبوحًا منبو ًذا‪ ،‬وهللا إنها لزوجة نبيكم في الدنيا واآلخرة‪ ،‬ولكن هللا‬
‫ابتالكم بها ليعلم أتطيعوه أو إياها(‪ .)6‬وأما قول الشيعة الروافض؛ أن النبي × قام خطيبًا‪،‬‬
‫فأشار نحو مسكن عائشة فقال‪ :‬ههنا الفتنة من حيث يطلع قرن الشيطان‪ ،‬وطعنهم على‬
‫عائشة – رضي هللا عنها‪ -‬بذلك وزعمهم أن الرسول × أراد أن الفتنة تخرج من بيتها‪.‬‬
‫فهذا الكالم فيه تضليل وقلب للحقائق‪ ،‬وتدليس على من ال علم عنده من العامة‪ ،‬وذلك‬
‫بتفسيره قول الراوي‪ :‬فأشار (نحون مسكن عائشة) على أن اإلشارة كانت لبيت عائشة‬
‫وأنها سبب الفتنة‪ ،‬والحديث ال يدل على هذا بأي وجه من الوجوه‪ ،‬وهذه العبارة ال تحتمل‬
‫هذا الفهم عند من له أدنى معرفة بمقاصد الكالم‪ ،‬فإن الراوي قال‪ :‬أشار نحو مسكن‬
‫عائشة‪ ،‬ولم يقل‪ :‬إلى جهة مساكن عائشة‪ ،‬والفرق بين التعبيرين واضح وجلي‪ ،‬وهذه‬
‫الرواية التي ذكرها أخرجها البخاري في كتاب فرض الخمس(‪ ,)7‬وهذا الحديث قد جاء‬
‫مخرجًا في كتب السنة من الصحيحين وغيرهما من عدة طرق وبأكثر من لفظ‪ ،‬وجاء‬
‫النص فيها على البالد المشار إليها بما يدحض دعوى الشيعة الروافض‪ ،‬ويغنى عن‬
‫التكلف في الرد عليهم بأي شيء آخر‪ ،‬وها هي ذي بعض روايات الحديث من عدة طرق‬
‫عن ابن عمر – رضي هللا عنهما ‪ ،-‬فعن ليث عن نافع عن ابن عمر – رضي هللا عنهما‬
‫– أنه سمع رسول هللا × وهو مستقبل المشرق يقول‪« :‬ألا إن الفتنة ههنا من حيث‬
‫يطلع قرن الشيطان»(‪ ,)8‬وعن عبيد بن عمر قال‪ :‬حدثني نافع عن ابن عمر أن رسول هللا‬

‫‪1‬‬
‫() المستدرك (‪ ،)4/10‬الصحيح المسند لمصطفى العدوى‪ :‬ص(‪.)356‬‬
‫‪2‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)3772‬‬
‫‪3‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)3772‬‬
‫‪4‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ :‬ص(‪.)448‬‬
‫‪5‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ :‬ص(‪.)451 ،450‬‬
‫‪6‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/248‬‬
‫‪7‬‬
‫()البخاري رقم (‪.)3104‬‬
‫‪8‬‬
‫() البخاري رقم (‪ ،)7093‬مسلم رقم (‪.)2905‬‬
‫‪37‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫× قام عند باب حفصة فقال بيده نحو المشرق‪« :‬الفتنة من حيث يطلع قرن(‪ )1‬الشيطان»‬
‫قالها مرتين أو ثالثًا‪ ،‬وعن سالم بن عبد هللا عن أبيه أن رسول هللا × قال وهو مستقبل‬
‫المشرق‪« :‬ها إن الفتنة ههنا‪ ،‬ها إن الفتنة ههنا‪ ،‬ها إن الفتنة ههنا من‬
‫حيث يطلع قرن الشيطان»(‪ .)2‬وفي هذا الروايات تحديد صريح للجهة المشار إليها وهي‬
‫جهة المشرق‪ ،‬وفيها تفسير للمقصود باإلشارة في الرواية التي ذكرها الشيعة‬
‫الروافض(‪ ,)3‬كما جاء في بعض الروايات األخرى للحديث تحديد البالد المشار إليها‪ ،‬فعن‬
‫نافع عن ابن عمر قال‪ :‬ذكر النبي × فقال‪« :‬اللهم بارك لنا في شامنا‪ ،‬اللهم بارك‬
‫لنا في يمننا‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول هللا وفي نجدنا(‪ ،)4‬فأظنه قال في الثالثة‪ :‬هناك الزلازل‬
‫والفتن وبها يطلع قرن الشيطان(‪.)5‬‬
‫وعن سالم بن عبد هللا بن عمر أنه قال‪ :‬يا أهل العراق‪ ،‬ما أسألكم عن الصغيرة وأَرْ َكبكم‬
‫للكبيرة‪ ،‬سمعت أبى عبد هللا بن عمر يقول‪ :‬سمعت رسول هللا × يقول‪ :‬إن الفتنة تجيء من‬
‫ههنا وأوْ َمأ بيده نحو المشرق‪ ،‬من حيث يطلع قرنا الشيطان(‪.)6‬وفي بعض الروايات جاء‬
‫ذكر بعض من يقطن تلك البالد من القبائل ووصف حال أهلها‪ ،‬فعن أبى مسعودـ قال‪ :‬أشار‬
‫رسول هللا × بيده نحو اليمن فقال‪« :‬ألا إن الإيمان ههنا‪ ،‬وإن القسوة وغلظ القلب في‬
‫الفدادين(‪ ،)7‬وعند أصول أذناب الإبل‪ ،‬حيث يطلع قرنا الشيطان في ربيعة‬
‫ومضر»(‪.)8‬فدلت هذه الروايات داللة قطعية على بيانـ مراد النبي × من قوله‪ :‬الفتنة (ههنا) وأن‬
‫المقصود بذلك بالد المشرق‪ ،‬حيث جاءت الروايات مصرحة بهذا‪ ،‬كماـ جاء في بعضها وصف‬
‫أهل تلك البالد وتعيين بعض قبائلها‪ ،‬مماـ يظهر به بطالن ما ادعى الشيعة الروافض من أن‬
‫اإلشارة كانت إلى بيت عائشة‪ ،‬فإن هذا قول باطل‪ ،‬ورأى ساقط‪ ،‬لم يفهمه أحد وما قال به‬
‫سوى الشيعة الروافض(‪.)9‬‬
‫‪ -10‬المفاضلة بين عائشة وخديجة وفاطمة رضي هللا عنهن‪ :‬قال ابن تيمية‪:‬‬
‫وأفضل نساء هذه األمة خديجة وعائشة وفاطمة‪ ،‬وفي تفضيل بعضهن على بعض‬
‫نزاع(‪..)10‬وسئل ابن تيمية عن خديجة وعائشة أمي المؤمنين أيهما أفضل؟ فأجاب‪ :‬بأن‬
‫سبق خديجة وتأثيرها في أول اإلسالم ونصرها وقيامها في الدين لم تشاركها فيه عائشة‬
‫وال غيرها من أمهات المؤمنين‪ ،‬وتأثير عائشة في آخر اإلسالم وحمل الدين وتبليغه إلى‬
‫األمة وإدراكها من العلم ما لم تشاركها فيه خديجة وال غيرها مما تميزت به عن‬
‫غيرها(‪ ,)11‬وقال ابن حجر‪ :‬وقيل انعقد اإلجماع على أفضلية فاطمة وبقىـ الخالف بين‬

‫‪1‬‬
‫() مسلم‪ ،‬ك الفتن (‪.)4/2229‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسلم‪ ،‬ك الفتن (‪.)4/2229‬‬
‫‪3‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ :‬ص(‪.)453‬‬
‫‪4‬‬
‫() نجد من جهة المشرق‪ ،‬ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)7095‬‬
‫‪6‬‬
‫() مسلم‪ ،‬ك الفتنة من المشرق (‪.)4/2229‬‬
‫‪7‬‬
‫() الفدادون‪ :‬الذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() البخاري رقم (‪ ،)3302‬االنتصار للصحب واآلل ص(‪.)455‬‬
‫‪9‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ :‬ص(‪.)455‬‬
‫‪10‬‬
‫() مجموع الفتاوى (‪.)4/394‬‬
‫‪37‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫عائشة وخديجة(‪ ,)1‬وقال في شرح حديث أبى هريرة أن جبريل أتى النبي × وأمره أن‬
‫يقرئ خديجة السالم من ربها وفيه قال السهيلى‪ :‬استدل بهذه القصة أبو بكر بن داود على‬
‫أن خديجة أفضل من عائشة ألن عائشة سلم عليها جبريل من قبل نفسه‪ ،‬وخديجة أبلغها‬
‫السالم من ربها‪ ،‬وزعم ابن العربي أنه ال خالف في أن خديجة أفضل من عائشة‪ ،‬ورد‬
‫بأن الخالف ثابت قدي ًما‪ ،‬وإن كان الراجح أفضلية خديجة بهذا وبما تقدم(‪ .)2‬عند التحقيق‬
‫والنظر في النصوص الواردة في تفضيل كل واحدة منهن – رضي هللا عنهن‪ -‬نجد أنها‬
‫تدل على أفضلية خديجة وفاطمة ثم عائشة رضي هللا عنهن‪ ،‬وذلك لقوله ×‪« :‬لقد فضلت‬
‫خديجة على نساء أمتي»(‪ ,)3‬وقال ×‪« :‬أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم‬
‫وآسية»(‪ ,)4‬قال ابن حجر‪ :‬وهذا نص صريح ال يحتمل التأويل(‪ ,)5‬وقال×‪« :‬حسبك من‬
‫نساء العالمين‪ :‬مريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية‬
‫امرأة فرعون»(‪.)6‬وهذا نص في أن خديجة رضي هللا عنها أفضل نساء األمة‪ ،‬ثم إن اللفظ‬
‫الوارد في تفضيل فاطمة رضي هللا عنها وهو قوله ×‪« :‬يا فاطمة ألا ترضين أن‬
‫تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة؟» (‪ .)7‬وفي لفظ‪ «:‬سيدة‬
‫نساء أهل الجنة»(‪ ,)8‬فهو صريح ال لبس فيه وال يحتمل التأويل‪ ،‬وهو نص في أنها‬
‫أفضل نساء األمة وسيدة نساء أهل الجنة‪ ،‬وقد شاركت أمها في هذا التفضيل فهي وأمها‬
‫أفضل نساء أهل الجنة‪ ،‬وهي وأمها أفضل نساء األمة‪ ،‬بهذا وردت النصوص(‪ ,)9‬وأما ما‬
‫ورد في تفضيل عائشة‪ ،‬رضي هللا عنها‪ ،‬في قوله ×‪« :‬فضل عائشة على النساء كفضل‬
‫الثريد على سائر الطعام» فهو لفظ ال يستلزم األفضلية المطلقة كما قال ابن‬
‫حجر(‪:)10‬وليس فيه تصريح بأفضلية عائشة‪ ،‬رضي هللا عنها‪ ،‬على غيرها‪ ،‬ألن فضل‬
‫الثريد على غيره من الطعام إنما هو لما فيه من تيسير المئونة وسهولة اإلساغة‪ ،‬وكان‬
‫أج َّل طعمتهم يومئذ‪ ،‬وكل هذه الخصال ال تستلزم ثبوت األفضلية له من كل وجهة‪ ،‬فقد‬
‫يكون مفضوالً بالنسبة لغيره من جهات أخرى(‪ .)11‬فالحديث إ ًذا دال على أفضلية عائشة‪،‬‬
‫رضي هللا عنها‪ ،‬على سائر نساء هذه األمة ماعدا خديجة وفاطمة‪ ،‬رضي هللا عنهما‪،‬‬
‫لورود الدليل على ذلك مما قيد تلك األفضلية لعائشة‪ ،‬رضي هللا عنها(‪ ,)12‬وأما ما ورد من‬
‫‪11‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)4/393‬‬
‫‪1‬‬
‫() فتح الباري (‪.)7/109‬‬
‫‪2‬‬
‫() فتح الباري (‪.)7/139‬‬
‫‪3‬‬
‫() فتح الباري (‪ ،)7/135‬مجمع الزوائد (‪.)9/223‬‬
‫‪4‬‬
‫() اإلحسان البن حبان (‪ ،)9/73‬صحيح الجامع لأللباني (‪.)1/371‬‬
‫‪5‬‬
‫() فتح الباري (‪.)7/135‬‬
‫‪6‬‬
‫() فضائل الصحابة (‪ )2/755‬رقم (‪ )1325‬وصححه األلباني في تخريج المشكاةـ (‪.)3/1745‬‬
‫‪7‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)6285‬‬
‫‪8‬‬
‫() فتح الباري (‪.)7/105‬‬
‫‪9‬‬
‫() العقيدة في أهل البيت‪ :‬ص(‪.)97‬‬
‫‪10‬‬
‫() فتح الباري (‪.)7/107‬‬
‫‪11‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)6/447‬‬
‫‪12‬‬
‫() العقيدة في أهل البيت‪ :‬ص(‪.)97‬‬
‫‪37‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫حديث عمرو بن العاص لما سأل النبي ×‪ :‬أي النساء أحب إليك؟ فقال ×‪ :‬عائشة(‪ .)1‬فقد‬
‫أشار ابن حبان إلى أنه مقيد في نسائه × إذ عقد عنوانًا في صحيحة فقال‪ :‬ذكر خبر وهم‬
‫في تأويله من لم يحكم صناعة الحديث‪ ،‬وساق تحته حديث عمرو بلفظ‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول هللا‬
‫أي الناس أحب إليك؟ قال‪ :‬عائشة‪ ،‬فقلت‪ :‬إني لست أعنى النساء وإنما أعنى الرجال‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أبو بكر أو قال‪ :‬أبوها‪ .‬ثم قال ابن حبان‪ :‬أذكر الخبر الدال على أن مخرج السؤال كان‬
‫عن أهله دون سائر النساء من فاطمة وغيرها‪ ،‬وأخرج بسنده عن أنس قال‪ :‬سئل رسول‬
‫هللا ×‪ :‬من أحب الناس إليك؟ قال‪ :‬عائشة قيل له‪ :‬ليس عن أهلك نسألك‪ ،‬قال‪ :‬فأبوها(‪.)2‬‬
‫وبهذا يتبين أن عائشة‪ ،‬تلي خديجة وفاطمة في الفضل‪ ،‬رضي هللا عنها‪ .‬إ ًذا فكل ما ورد‬
‫من دليل على عموم تفضيلها رضي هللا عنها مقيد بالنص الوارد في خديجة وفاطمة‪،‬‬
‫رضي هللا عنهما‪ ،‬وال ينكر أن لعائشة‪ ،‬رضي هللا عنها‪ ،‬من الفضائل كالعلم مثالً ما‬
‫تختص به عن خديجة وفاطمة رضي هللا عنهن‪ ،‬إال أنه ال يلزم من ثبوت خصوصية‬
‫شيء من الفضائل ثبوت الفضل المطلق(‪ ,)3‬وعلى كل حال فليس فضل إحداهن على‬
‫األخرى بمطعن على المفضولة‪ ،‬بل في هذا أكبر دليل على علو مكانة هؤالء النساء‬
‫الثالث فاطمة وخديجة وعائشة رضي هللا عنهن؛ حيث إن الخالف لم يخرج عنهن في‬
‫أنهن أفضل نساء األمة‪ ،‬فما الذي يضر أم المؤمنين عائشة لو كانت ثالثة نساء األمة في‬
‫الفضل؟! وهل هذا مدعاة الحترامها وتقديرها أم للنيل منها والطعن فيها‪ ،‬كما يفعل الشيعة‬
‫الروافض؟! (‪.)4‬‬
‫* هل استباحت السيدة عائشة أم المؤمنين قتال المسلمين في معركة الجمل؟‪:‬‬
‫قد تقدم أنها ما خرجت لذلك وما أرادت القتال‪ ،‬وقد نقل الزهري عنها أنها قالت بعد‬
‫موقعة الجمل‪ :‬إنما أريد أن يحجز بين الناس مكاني‪ ،‬ولم أحسب أن يكون بين الناس قتال‪،‬‬
‫ولو علمت ذلك لم أقف ذلك الموقف أبدًا(‪ .)5‬وهذا القول بأن السيدة عائشة استباحت قتال‬
‫المسلمين باطل ال يثبت أمام الروايات الصحيحة التي بينت أن عائشة ما خرجت إال‬
‫لإلصالح كما مر معنا‪ ،‬وإنما هذه األقوال من الروايات التي وضعتها الشيعة الروافض‪،‬‬
‫والتي شوهت تاريخ صدر اإلسالم‪ ،‬وجعلت مما حدث بين على وطلحة والزبير وعائشة‬
‫رضي هللا عنهم حربًا أهلية‪ ،‬وتأثر بعض الباحثين بتلك الروايات حتى قال بعضهم‪:‬‬
‫وأسرت عائشة‪ ،‬ويصورونـ المسألة كحرب أهلية مخطط لها‪ ،‬وهو قول طبيعي من‬
‫باحثين ال يستقون معلوماتهم في هذا الشأن إال من الروايات المقدوحة‪ ،‬ومن المصادر‬
‫غير الموثوق بها مثل اإلمامة والسياسة‪ ،‬واألغاني‪ ،‬ومروج الذهب‪ ،‬وتاريخ اليعقوبي‪ ،‬بل‬
‫وتاريخ التمدن اإلسالمي لجورجى زيدان(‪.)6‬‬
‫* هل يصح هذا الحديث‪ :‬تقاتلين عليًا وأنت له ظالمة؟ إنه ال يعرف في شيء‬
‫من كتب العلم المعتمدة‪ ،‬وال له إسناد معروف‪ ،‬وهو بالموضوعاتـ المكذوبة أشبه منه‬
‫باألحاديث الصحيحة‪ ،‬بل هو كذب قطعًا‪ ،‬فإن عائشة لم تقاتل‪ ،‬ولم تخرج لقتال‪ ،‬وإنما‬
‫‪1‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)4358‬‬
‫‪2‬‬
‫() اإلحسان بترتيب صحيح ابن حبان (‪.)9/11‬‬
‫‪3‬‬
‫() فتح الباري (‪ ،)7/108‬العقيدة في أهل البيت‪ :‬ص(‪.)98‬‬
‫‪4‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ :‬ص(‪.)461‬‬
‫‪5‬‬
‫() المغازى للزهري‪ :‬ص(‪.)154‬‬
‫‪6‬‬
‫() انظر‪ :‬دراسة وتحليل للعهد النبوي األصيل‪ ،‬محمد جميل‪ ،‬الحزبية السياسية‪ ،‬رياض عيسى‪ ،‬الحريم‬
‫السياسي‪ ،‬النبي والنساء‪ ،‬الدولة العربية فلهاوزن‪ ،‬نقال عن دور المرآة السياسي‪ ،‬ص(‪.)442‬‬
‫‪37‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫خرجت بقصد اإلصالح بين الناس‪ ..‬ال قاتلت وال أمرت بقتال‪ ،‬هكذا ذكر غير واحد من‬
‫أهل المعرفة باألخبار(‪.)1‬‬
‫* أمير المؤمنين على رضي هللا عنه يرد عائشة إلى مأمنها معززة مكرمة‪:‬‬
‫جهز أمير المؤمنين على عائشة بكل شيء ينبغي لها من مركب وزاد ومتاع‪ ،‬وأخرج‬
‫معها من نجا ممن خرج معها إال من أحب المقام‪ ،‬واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل‬
‫البصرة المعروفات وقال‪ :‬تجهز يا محمد «ابن الحنفية»‪ ،‬فبلغها‪ ،‬فلما كان اليوم الذي‬
‫ترتحل فيه جاءها حتى وقف لها‪ ،‬وحضر الناس‪ ،‬فخرجت على الناس‪ ،‬وودعوها‬
‫وودعتهم وقالت‪ :‬يا بنى‪ ،‬تعتب بعضنا على بعض استبطاء واستزادة‪ ،‬فال يعتدين أحد‬
‫منكم على أحد بشيء بلغه من ذلك‪ ،‬إنه وهللا ما كان بيني وبين على في القديم إال ما يكون‬
‫بين المرأة وأحمائها‪ ،‬وإنا عندي على معتبتى من األخيار‪..‬وقال على‪ :‬يا أيها الناس‪،‬‬
‫صدقت وهللا برت‪ ،‬ما كان بيني وبينها إال ذلك‪ ،‬وإنها لزوجة نبيك × في الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫على أمياالً وسرح بنيه‬
‫وخرجت يوم السبت لغرة رجب سنة ست وثالثين‪ ،‬وشيعها ٌّ‬
‫معها(‪ )2‬يو ًما‪ .‬وبتلك المعاملة الكريمة من أمير المؤمنين على رضي هللا عنه نراه قد اتبع‬
‫ما أوصاه به نبي األمة × عندما قال له‪« :‬إنه سيكون بينك وبين عائشة أمر‪ .‬قال‪ :‬أنا‬
‫يا رسول هللا؟ قال‪ :‬نعم‪.‬قال‪ :‬أنا؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قلت‪ :‬فأنا أشقاهم يا رسول هللا‪ .‬قال‪ :‬لا‪ ،‬ولكن‬
‫إذا كان ذلك فارددها إلى مأمنها»(‪ .)3‬وقد خالف الصواب من ظن أن خروج أم‬
‫المؤمنين إلى البصرة كان لشيء في نفسها من على رضي هللا عنه لموقفه منها في حديث‬
‫اإلفك حين رماها المنافقون بالفاحشة فاستشاره النبي × في فراقها‪ .‬فقال‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬لم‬
‫يضيق هللا عليك‪ ،‬والنساء سواها كثير‪ ،‬وإن تسأل الجارية تصدقك(‪ .)4‬وهذا الكالم الذي‬
‫قاله على إنما حمله عليه ترجيح جانب النبي ×‪ ،‬لما رأي عنده من القلق والغم بسبب‬
‫القول الذي قيل‪ ،‬وكان شديد الغيرة‪ ،‬فرأى على أنه إذا فارقها سكن ما عنده من القلق‬
‫بسببها إلى أن يتحقق براءتها‪ ،‬فيمكن رجعتها‪ ،‬ويستفاد منه ارتكاب أخف الضررين‬
‫لذهاب أشدها(‪ .)5‬قال النووي‪ :‬رأى على أن ذلك هو المصلحة في حق النبي ×‪ ،‬واعتقد‬
‫ذلك لما رأى من انزعاجه‪ ،‬فبذل جهده في النصيحة‪ ،‬إلرادة راحة خاطره ×(‪ .)6‬وعلي‬
‫رضي هللا عنه لم ينل عائشة رضي هللا عنها بأدنى كلمة يفهم منها أنه قد عرض بأخالقها‬
‫أو تناولها بسوء‪ ،‬فإنه على الرغم من قوله للنبي ×‪ :‬لم يضيق هللا عليك(‪ ,)7‬إال أنه عاد فقال‬
‫لرسول هللا × ناصحًا‪ :‬وسل الجارية تصدقك(‪ .)8‬فهو قد دعاه إلى التحري أوالً قبل أن‬
‫يفارقها‪ ،‬أي أنه قد رجع عن نصيحته األولى بالمفارقة إلى نصيحة أخرى بسؤال‬
‫الجارية‪ ،‬وتحري الحقيقة(‪ ,)9‬وقد سأل رسول هللا × الجارية التي كانت أكثر التصاقًا‬
‫‪1‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)2/185‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/581‬‬
‫‪3‬‬
‫() مسند أحمد (‪ )6/393‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)4786‬‬
‫‪5‬‬
‫() دور المرأة السياسي‪ :‬ص(‪.)462‬‬
‫‪6‬‬
‫() شرح النووي على صحيح مسلم (‪.)5/634‬‬
‫‪7‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)4786‬‬
‫‪8‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)4786‬‬
‫‪9‬‬
‫() دور المرأة السياسي‪ :‬ص(‪.)462‬‬
‫‪37‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫بعائشة‪ ،‬فأكدت أنها ما علمت من أمر عائشة إال خيرًا‪ ،‬وقد خرج رسول هللا × من يومه‬
‫الذي سأل فيه الجارية‪ ،‬واستعذر من عبد هللا بن أب ‪‰‬ـًًّى قائالً‪ :‬يا معشر المسلمين من يعذرني‬
‫من رجل بلغني أذاه في أهل بيتي‪ ،‬فوهللا ما علمت على أهلي إال خيرًا(‪ .)1‬لقد كانت‬
‫نصيحة على في صالح عائشة‪ ،‬فقد ازداد × قناعة بما علم من خير في أهله(‪ .)2‬ولم يكن‬
‫موقف على في حادثة اإلفك هو الذي جعل عائشة تغضب منه رضي هللا عنه ألجله‪ ،‬أو‬
‫تحقد الحقد الذي يجعلها تتهمه زورًا بقتل عثمان‪ ،‬وتخرج عليه مؤلبة األعداد الهائلة من‬
‫المسلمين‪ ،‬كما زعم كثير من الباحثين ممن تورط في روايات الشيعة الرافضة التي لفقوها‬
‫ووضعوها‪.‬‬
‫* ندمهم على ما حصل منهم‪ :‬قال ابن تيمية‪..:‬وهكذا عامة السابقين‪ ،‬ندموا على‬
‫وعلى وغيرهم‪ ،‬ولم يكن يوم الجمل لهؤالء‬ ‫ٌّ‬ ‫ما دخلوا فيه من القتال‪ ،‬فندم طلحة وال ّزبير‬
‫قصد في القتال‪ ،‬ولكن وقع االقتتال بغير اختيارهم(‪.)3‬‬
‫أ‪ -‬فأمير المؤمنين على ورد عنه عندما نظر وقد أخذت السيوف مأخذها من الرجال‪،‬‬
‫أنه قال‪ :‬لوددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة(‪.)4‬‬
‫ب‪ -‬وروى نعيم بن حماد‪ ،‬بسنده إلى الحسن بن على‪ ،‬أنه قال لسليمان بن صرد‪ :‬لقد‬
‫رأيت عليًا حين اشتد القتال وهو يلوذ بي‪ ،‬ويقول‪ :‬يا حسن‪ ،‬لوددت أني مت قبل هذا‬
‫بعشرين سنة(‪.)5‬‬
‫جـ‪ -‬وعن الحسن بن على قال‪ :‬أراد أمير المؤمنين على أمرًا‪ ،‬فتتابعت األمور‪ ،‬فلم‬
‫يجد منزعًا(‪.)6‬‬
‫د‪ -‬وعن سليمانـ بن صرد‪ ،‬عن الحسن بن على أنه سمع عليًا يقول – حين نظر إلى‬
‫السيوف قد أخذت القوم‪ :-‬يا حسن أكل هذا فينا؟ ليتني مت قبل هذا بعشرين أو أربعين سنة(‪.)7‬‬
‫هـ‪ -‬وأما عائشة‪ :‬فقد ورد عنها أنها كانت تقول حين تذكر وقعة الجمل‪ :‬وددت أني‬
‫كنت جلست كما جلس أصحابي‪ ،‬وكان أحب إل ّى أن أكون ولدت من رسول هللا × بضعة‬
‫عشر‪ ،‬كلهم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام‪ ،‬ومثل عبد هللا بن الزبير(‪.)8‬‬
‫و‪ -‬وكانت إذا قرأت قوله تعالى‪َ + :‬و َق ْر َن فِي ُبيُوتِ ُك َّن" [األحزاب‪ ]33:‬تبكي حتى تبل خمارها(‪.)9‬‬
‫ز‪ -‬قالت عائشة‪ :‬وددت أن لو كان لي عشرون ولدًا من رسول هللا × وكلهم مثل عبد‬
‫الرحمن بن الحارث بن هشام‪ ،‬وأنى ثكلتهم‪ ،‬ولم يكن ما كان منى يوم الجمل(‪.)10‬‬

‫‪1‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)4786‬‬
‫‪2‬‬
‫() دور المرأة السياسي‪ :‬ص(‪.)462‬‬
‫‪3‬‬
‫() المنتقى من منهاج االعتدال في نقض كالم أهل الرفض واالعتزال‪ ،‬ص(‪.)222‬‬
‫‪4‬‬
‫() الفتن لنعيم بن حماد (‪.)1/80‬‬
‫‪5‬‬
‫() الفتن لنعيم بن حماد (‪.)1/80‬‬
‫‪6‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)1/81‬‬
‫‪7‬‬
‫() أحداث وأحاديث فتنة الهرج‪ .‬ص(‪.)217‬‬
‫‪8‬‬
‫() الفتن‪ ،‬نعيم بن ح ّماد (‪.)1/81‬‬
‫‪9‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪ ،)2/177‬الطبقات (‪.)8/81‬‬
‫‪37‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫حـ‪ -‬قال ابن تيمية‪ :‬فإن عائشة لم تقاتل‪ ،‬ولم تخرج لقتال‪ ،‬وإنما خرجت بقصد‬
‫أن خروجها مصلحة للمسلمين‪ ،‬ثم تبين لها فيما بعد ّ‬
‫أن‬ ‫اإلصالح بين المسلمين‪ ،‬وظّنت ّ‬
‫ترك الخروج كان أولى‪ ،‬فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تب ّل خمارها‪ ،‬وهكذا عا ّمة‬
‫السابقين ندموا على ما دخلوا فيه من القتال‪ ،‬فندم طلحة والزبير وعل ّى وغيرهم‪ ،‬ولم يكن‬
‫يوم الجمل لهؤالء قصد في القتال‪ ،‬ولكن وقع االقتتال بغير اختيارهم(‪.)1‬‬
‫ط‪ -‬قال الذهبي‪ :‬وال ريب أن عائشة ندمت ندمة كلية على مسيرها إلى البصرة‪،‬‬
‫ظنت أن األمر يبلغ ما بلغ(‪.)2‬‬ ‫وحضورها يوم الجمل‪ ،‬وما ّ‬
‫ثامنًا‪ :‬سيرة الزبير بن العوام واستشهاده‪:‬‬
‫هو أبو عبد هللا الزبير بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كالب القرشي‬
‫ي رسول هللا وابن عمته‪ ،‬أمه صفية‬ ‫األسدى(‪ ,)3‬ويجتمع مع النبي × في قصي‪ ،‬وهو حوار ّ‬
‫بنت عبد المطلب‪ ،‬وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد أصحاب الشورى(‪ ,)4‬أسلم وهو‬
‫حدث وله ست عشرة سنة(‪ ,)5‬ولم يتخلف عن غزوة غزاها رسول هللا(‪ ,)6‬وقد تعرض بعد‬
‫إسالمه للتعذيب‪ ،‬فقد روى أن عم الزبير كان يعلقه في حصير ويدخن عليه النار وهو‬
‫يقول‪ :‬ارجع إلى الكفر‪ ،‬فيقول الزبير‪ :‬ال أكفر أبدًا(‪.)7‬‬
‫‪ -1‬أول من س َّل سيفه في سبيل هللا‪ :‬عن سعيد بن المسيب‪ ،‬قال‪ :‬أول من س ّل‬
‫سيفه في ذات هللا الزبير بن العوام‪ ،‬وبينما الزبير بن العوام قائل إذ سمع نغمة‪ :‬أن رسول‬
‫ص ْلتا‪ ،‬فلقيه رسول هللا × َكفَّةَ َكفَّةَ(‪ ,)8‬فقال‪« :‬ما‬‫هللا قُتِل‪ ،‬فخرج من البيت متجردًا السيف َ‬
‫شأنك يا زبير؟» قال‪ :‬سمعت أنك قُتِ ْلت‪ ،‬قال‪« :‬فما كنت صانعًا؟» قال‪ :‬أردت وهللا أن‬
‫أستعرض أهل مكة‪ ،‬قال‪ :‬فدعا له النبي × بخير»‪ .‬قال سعيد‪ :‬أرجو أن ال تضيع له عند‬
‫هللا عز وجل دعوة النبي ×(‪.)9‬‬
‫‪ -2‬هجرته للحبشة‪ :‬ولما اشتد إيذاء قريش لرسول هللا × وألصحابه وأشار عليهم‬
‫بالهجرة إلى الحبشة ليكونوا في جوار «النجاشي» ذلك الملك العادل‪ ،‬فكانوا عنده بخير‬
‫دار مع خير جار‪ ،‬وظلوا على تلك الحال من األمن واالستقرار إلى أن نزل رجل من‬
‫الحبشة لينازع النجاشي في الملك‪ ،‬فحزن المسلمون لذلك حزنًا شديدًا وخافوا أن يظهر‬
‫ذلك الرجل‪ ،‬وهو ال يعرف حق الصحابة األطهار وال يعرف قدرهم‪ ،‬وهنا أراد الصحابة‬
‫– رضي هللا عنهم – أن يعرفوا أخبار الصراع الدائر بين النجاشي وبين هذا الرجل على‬
‫‪10‬‬
‫() التمهيد للباقالني‪ :‬ص(‪ ،)232‬عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي كان من نبالء الرجال‬
‫وهو من أشرف بنى مخزوم‪ ،‬توفى قبل معاوية‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() المنتقى من منهاج االعتدال في نقض كالم أهل الرفض‪ :‬ص(‪.)223 ،222‬‬
‫‪2‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)2/177‬‬
‫‪3‬‬
‫() اإلصابة (‪.)528 -1/526‬‬
‫‪4‬‬
‫() الطبقات الكبرى (‪ ،)3/100‬اإلصابة (‪.)528 -1/526‬‬
‫‪5‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)1/41‬‬
‫‪6‬‬
‫() سير السلف (‪ )1/226‬الرواية مرسلة‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() الطبراني في الكبير (‪.)1/122‬‬
‫‪8‬‬
‫() كفة كفة‪ :‬أي مواجهة كأن كل واحد منهما قد كف صاحبه عن مجاوزته إلى غيره‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() فضائل الصحابة (‪ )2/914‬رقم ‪1260‬إسناده ضعيف حسن لغيره‪.‬‬
‫‪37‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الجانب اآلخر من النيل(‪ ,)1‬قالت أم سلمه – رضي هللا عنها‪ :-‬فقال أصحاب رسول هللا ×‬
‫وعلى آله وسلم‪ :‬من رجل يخرج حتى يحضر وقيعة القوم ثم يأتينا بالخبر؟ قالت‪ :‬فقال‬
‫الزبير بن العوام‪ :‬أنا‪ .‬قالوا‪ :‬فأنت؟ وكان من أحدث القوم سنًا‪ .‬قالت‪ :‬فنفخوا له قربة‬
‫فجعلها في صدره‪ ،‬ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ُملتقى القوم‪ ،‬ثم‬
‫انطلق حتى حضرهم‪ .‬قالت‪ :‬فَ َدعَوْ نَا هللا تعالى للنجاشي بالظهور على عدوه‪ ،‬والتمكين له‬
‫في بالده‪ ،‬قالت‪ :‬فوهللا إنا لَعلى ذلك متوقعون لما هو كائن‪ ،‬إذ طلع الزبير وهو يسعى‪،‬‬
‫فلمع ثوبه وهو يقول‪ :‬أال أبِ ُشروا‪ ،‬فقد ظفر النجاشي‪ ،‬وأهلك هللا عدوه ومكن له في بالده‪.‬‬
‫(‪ )2‬وبعد رجوع الزبير من الحبشة إلى مكة قام في كنف الحبيب المصطفى رسول هللا ×‪،‬‬
‫يتلقى منه مبادئ اإلسالم وأوامره ونواهيه‪ ،‬وعندما هاجر رسول هللا للمدينة كان الزبير‬
‫ضمن المهاجرين إليها‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -3‬في غزوة بدر‪ :‬كان الزبير رضي هللا عنه فارسًا مقدا ًما‪ ،‬وبطال مغوارًا‪ ،‬لم‬
‫يتخلف عن مشهد واحد من المشاهد‪ ،‬تراه في كل غزوة وفي كل معركة‪ ،‬فقد اتصف‬
‫بالشجاعة الخارقة‪ ،‬والبطولة النادرة‪ ،‬واإلخالص الكامل‪ ،‬والتفاني إلعالء كلمة الحق(‪,)3‬‬
‫ولقد بذل الزبير‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬الكثير في سبيل هللا‪ ،‬وجعل نفسه وماله وقفًا هلل – عز‬
‫وجل – فأكرمه هللا ورفعه في الدنيا واآلخرة‪ ،‬فقد كانت عليه عمامة صفراء معتجرًا بها‬
‫يوم بدر‪ ،‬فعن عروة أنه قال‪ :‬كانت على الزبير يوم بدر عمامة صفراء فنزل جبريل على‬
‫سيماء الزبير(‪ .)4‬فيالها من منقبة ال توازيها الدنيا بما فيها‪ ،‬وفيه يقول عامر بن‬
‫صالح بن عبد هللا بن الزبري‪:‬‬
‫عند البالء وفارسُ الشقرا ِء‬ ‫ج ّدي ابن ع َّم ِة أحمد ووزيره‬
‫شهد الوغى في الألمة الصفراء‬ ‫وغداة بدر كان أول فارس‬
‫(‪)5‬‬
‫بالحوض يوم تألب األعداء‬ ‫نزلت بسيماه المالئك نُصرة‬
‫وعن الزبير قال‪ :‬لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد بن العاص وهو ومدجج ال يُرى منه‬
‫إال عيناه‪ ،‬وهو يكنى أبا ذات الكرش‪ ،‬فقال‪ :‬أنا أبو ذات الكرش‪ ،‬فحملت عليه فطعنته في‬
‫عينيه فمات‪ ،‬قال الزبير‪ :‬لقد وضعت رجلي عليه ثم تمطأت فكان الجهد أن نزعتها وقد‬
‫انثنى طرفاها‪ .‬فسأله إياها رسول هللا فأعطاه‪ ،‬فلما قبض رسول هللا × أخذها ثم طلبها أبو‬
‫بكر فأعطاه إياها‪ ،‬فلما قبض أبو بكر سأله إياها عمر فأعطاه إياها‪ ،‬فلما قُتل عثمان وقعت‬
‫عند آل على‪ ،‬فطلبها عبد هللا بن الزبير‪ ،‬فكانت عنده حتى قتل(‪.)6‬‬
‫هذا الخبر يصور لنا دقة الزبير بن العوام في إصابة الهدف‪ ،‬حيث استطاع أن يضع‬
‫الحربة في عين ذلك الرجل مع ضيق ذلك المكان‪ ،‬وكونه قد وزع طاقته بين الهجوم‬
‫والدفاع‪ ،‬فلقد كانت إصابة ذلك الرجل بعيدة جدًا لكونه حمى جسمه بالحديد الواقي‪ ،‬لكن‬
‫‪1‬‬
‫() السيرة البن هشام (‪ ،)1/279‬أصحاب الرسول (‪.)1/274‬‬
‫‪2‬‬
‫() السيرة النبوية البن هشام (‪.)1/279‬‬
‫‪3‬‬
‫() أهل الشورى الستة‪ ،‬رياض العبد هللا‪ :‬ص(‪.)67‬‬
‫‪4‬‬
‫() الطبراني في الكبير رقم ‪230‬مرسل صحيح اإلسناد‪ ،‬سير أعالم النبالء (‪.)1/46‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ اإلسالم‪ ،‬عهد الخلفاء الراشدين‪ :‬ص(‪.)501‬‬
‫‪6‬‬
‫() صحيح البخاري‪ ،‬ك المغازى رقم (‪.)3998‬‬
‫‪37‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الزبير استطاع إصابة إحدى عينيه‪ ،‬فكانت بها نهايته‪ ،‬ولقد كانت اإلصابة شديدة العمق‬
‫مما يدل على قوة الزبير الجسدية‪ ،‬إضافة إلى دقته ومهارته في إصابة الهدف(‪ .)1‬وقد كان‬
‫يوم بدر مع رسول هللا × فارسان‪ :‬الزبير على فرس على الميمنة والمقداد بن األسود على‬
‫فرس على الميسرة(‪.)2‬‬
‫‪ -4‬في غزوة أحد‪ :‬قال الزبير رضي هللا عنه‪ :‬جمع لي النبي × أبويه يوم أحد(‪،)3‬‬
‫وهذا دليل على قتاله وبأسه في تلك المعركة‪ ،‬فقد اتصف رضي هللا عنه بالثبات والعزيمة‬
‫وحب الشهادة في سبيل هللا تعالى‪ ،‬وقد وصف لنا رضي هللا عنه ما فعله أبو دجانة‬
‫األنصاري في تلك الغزوة‪ ،‬فعندما التحم الجيشان واشتد القتال‪ ،‬وشرع رسول هللا × يشحذ‬
‫همم أصحابه‪ ،‬ويعمل على رفع معنوياته وأخذ سيفًا وقال‪ :‬من يأخذ منى هذا؟ فبسطوا‬
‫أيديهم‪ ،‬كل إنسان منهم يقول‪ :‬أنا أنا – وكان من ضمنهم الزبير‪ -‬قال‪ :‬فمن يأخذه بحقه؟‬
‫فأحجم القوم‪ ،‬فقال سماك بن خرشة أبو دجانة‪ :‬وما حقه يا رسول هللا؟ قال‪ :‬أن تضرب به‬
‫العدو حتى ينحني‪ .‬قال‪ :‬أنا آخذه بحقه‪ .‬فدفعه إليه وكان رجالً شجاعًا يختال عند الحرب –‬
‫أي يمشى مشية المتكبر – وحين رآه رسول هللا × يتبختر بين الصفين قال‪ :‬إنها لمشية‬
‫يبغضها هللا إال في هذا الموطن(‪ .)4‬ووصف الزبير بن العوام ما فعله أبو دجانة يوم أحد‬
‫فقال‪ :‬وجدت في نفسي حين سألت رسول هللا × السيف فمنعنيه وأعطاه أبا دجانة‬
‫وتركني‪ ،‬وهللا ألنظرن ما يصنع‪ ،‬فاتبعته فأخرج عصابة له حمراء فعصب بها رأسه‪،‬‬
‫فقالت األنصار‪ :‬أخرج أبو دجانة عصابة الموت – وهكذا كانت تقولـ له إذا تعصب –‬
‫فخرج وهو يقول‪:‬‬
‫ونحن بالسفح لدى النخيل‬ ‫أنا الذي عاهدني خليلي‬
‫(‪)6‬‬ ‫(‪) 5‬‬
‫أضرب بسيف هللا والرسول‬ ‫أن ال أقوم الدهر في الكيول‬
‫فجعل ال يلقى أحدًا إال قتله‪ ،‬وكان من المشركين رجل ال يدع جريحًا فالتقيا إال‬
‫ذفف(‪ )7‬عليه‪ ،‬فجعل كل منهما يدنو من صاحبه‪ ،‬فدعوت هللا أن يجمع بينهما فالتقيا فاختلفا‬
‫ضربتين‪ ،‬فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته فعضت بسيفه وضربه أبو دجانة فقتله‪،‬‬
‫ثم رأيته قد حمل السيف على مفرق رأس هند بنت عتبة ثم عدل السيف عنها فقلت‪ :‬هللا‬
‫ورسوله أعلم(‪.)8‬‬
‫قال ابن إسحاق‪ :‬قال أبو دجانة‪ :‬رأيت إنسانًا يحمس الناس حماسًا شديدًا فصمدت له‬
‫فلما حملت عليه السيف ولول‪ ،‬فإذا امرأة‪ ،‬فأكرمت سيف رسول هللا أن أضرب به‬

‫‪1‬‬
‫() التاريخ اإلسالمي (‪.)4/163‬‬
‫‪2‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪ )1/46‬والرواية مرسلة‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() فضائل الصحابة (‪ )2/918‬رقم (‪ )1267‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() مسلم‪ ،‬ك فضائل الصحابة رقم ‪.2470‬‬
‫‪5‬‬
‫() الكيول‪ :‬مؤخرة الصفوف‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)4/17‬‬
‫‪7‬‬
‫() ذفف‪ :‬أجهز عليه‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)4/18‬‬
‫‪37‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫امرأة(‪ ,)1‬وعن هشام عن أبيه‪ ،‬قالت عائشة‪ :‬يا ابن أختي كان أبواك – يعنى الزبير وأبا‬
‫ح" [آل عمران‪:‬ـ‪.]172‬‬ ‫الرس ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َص َاب ُه ُم الْ َق ْر ُ‬
‫ول من َب ْعد َما أ َ‬ ‫استَ َجابُوا هلل َو َّ ُ‬
‫ين ْ‬ ‫بكر – من ‪+‬الذ َ‬
‫لما انصرف المشركون من أحد‪ ،‬وأصاب النبي × وأصحابه ما أصابهم‪ ،‬خاف أن‬
‫أن بنا قوة‪ ،‬فانتدب أبو بكر‬ ‫يرجعوا‪ ،‬فقال‪ :‬من ينتدب لهؤالء في آثارهم‪ ،‬حتى يعلموا ّ‬
‫والزبير في سبعين‪ ،‬فخرجوا في آثار المشركين‪ ،‬فسمعوا بهم فانصرفوا‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ض ٍل لَّ ْم يَ ْم َس ْس ُه ْم ُسوءٌ" [آل عمران‪ ]174:‬لم يلقوا عد ًوا(‪ ،)2‬ولما‬ ‫‪+‬فَا ْن َقلَبوا بِنِ ْعم ٍة ِّمن ِ‬
‫اهلل َوفَ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫استشهد حمزة بن عبد المطلب‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬في أحُد جاءت أم الزبير صفية بنت عبد‬
‫المطلب لتنظر إلى أخيها‪ ،‬وقد مثل به المشركون فجدعوا أنفه وبقروا بطنه‪ ،‬وقطعوا أذنيه‬
‫ومذاكيره‪ ،‬فقال رسول هللا البنها الزبير بن العوام‪« :‬القها فأرجعها‪ ،‬لا ترى ما‬
‫بأخيها»‪ ،‬فقال لها‪ :‬يا أمه‪ ،‬إن رسول هللا × يأمرك أن ترجعي‪ ،‬قالت‪ :‬ولم؟ وقد بلغني أنه‬
‫قد مثل بأخي‪ ،‬وذلك في هللا‪ ،‬فما أرضانا بما كان من ذلك‪ ،‬ألحتسبن وألصبرن‪ ،‬إن شاء‬
‫هللا‪ ،‬فلما جاء الزبير بن العوام‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬إلى رسول هللا فأخبره بذلك‪ ،‬قال‪« :‬خَل‪َّ‬‬
‫سبيلها»‪ ،‬فأتته فنظرت إليه فصلت عليه واسترجعت(‪ ,)3‬واستغفرت له(‪ ,)4‬وجاء في‬
‫رواية عن عروة قال‪ :‬أخبرني أبى الزبير أنه لما كان أحد أقبلت امرأة تسعى‪ ،‬حتى إذا‬
‫كادت أن تشرف على القتلى‪ ،‬قال‪ :‬فكره النبي × أن تراهم‪ ،‬فقال‪« :‬المرأة المرأة»‪.‬قال‬
‫الزبير‪ :‬فتوسمت أنها أمي صفية‪ ،‬قال‪ :‬فخرجت أسعى إليها‪ ،‬فأدركتها قبل أن تنتهي إلى‬
‫ت في صدري‪ ،‬وكانت امرأة جلدة‪ ،‬قالت‪ :‬إليك‪ ،‬ال أرض لك‪ .‬قال‪:‬‬ ‫القتلى‪ ،‬قالت‪ :‬فَلَد َم ْ‬
‫فقلت‪ :‬إن رسول هللا × عزم عليك‪ .‬قال‪ :‬فوقفت‪ ،‬وأخرجت ثوبين معها‪ ،‬فقالت‪ :‬هذان‬
‫ثوبان جئت بهما ألخي حمزة‪ ،‬فإذا إلى جانبه رجل من األنصار قتيل‪ ،‬وقد فعل به كما‬
‫فعل بحمزة‪ ،‬قال‪ :‬فوجدنا غضاضة وحياء أن نكفن حمزة في ثوبين‪ ،‬واألنصاري ال كفن‬
‫له‪ ،‬فقلنا‪ :‬لحمزة ثوب‪ ،‬واألنصاري ثوب‪ ،‬فقدرناهما فكان أحدهما أكبر من اآلخر‪،‬‬
‫فأقرعنا بينهما‪ ،‬فكفنا كل واحد منهما في الثوب الذي طار له(‪.)5‬‬
‫‪ -5‬في غزوة الخندق‪( :‬لكل نبي حواريّ وحواريّي الزبير) (‪ :)6‬قال رسول هللا ×‬
‫يوم الخندق‪ :‬من يأتينا بخبر بنى قريظة؟ فقال الزبير‪ :‬أنا‪ ،‬فذهب على فرس‪ ،‬فجاء‬
‫بخبرهم‪ .‬ثم قال الثانية‪ ،‬فقال الزبير‪ :‬أنا‪ ،‬فذهب‪ ،‬ثم الثالثة‪ ،‬فقال النبي ×‪« :‬لكَُل‪ َّ‬نبي‬
‫حواريّ‪ ،‬وحواريَّي الزبير»(‪ ,)7‬ومعنى قوله ×‪ :‬وحواريي الزبير‪ :‬أي‪ :‬خاصتى من‬
‫أصحابي وناصري‪ ،‬ومنه الحواريون أصحاب عيسى عليه الصالة والسالم‪ ،‬أي خلصاؤه‬
‫وأنصاره‪ ،‬فالحواري هو الناصر المخلص‪ ،‬فالحديث أشتمل على هذه المنقبة العظيمة التي‬
‫تميز بها الزبير‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬ولذلك سمع عبد هللا بن عمر‪ ،‬رضي هللا عنهما‪ ،‬رجالً‬
‫يقول‪ :‬أنا ابن الحواري‪ ،‬فقال‪ :‬إن كنت من ولد الزبير وإال فال(‪ .)8‬وجاء في عمدة القاري‬
‫‪1‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)4/18‬‬
‫‪2‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)4077‬‬
‫‪3‬‬
‫() استرجعت‪ :‬قالت‪ :‬إنا هلل وإنا إليه راجعوان‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() السيرة النبوية البن هشام (‪.)3/108‬‬
‫‪5‬‬
‫() مسند أحمد (‪ )3/34‬الموسوعة الحديثية إسناده حسن‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() مسلم رقم (‪.)2414‬‬
‫‪7‬‬
‫() مسلم رقم (‪.)2414‬‬
‫‪8‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة رقم (‪ ،)12219‬صحيح‪..‬‬
‫‪37‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫شرح صحيح البخاري للعيني‪ :‬فإن قلت‪ :‬الصحابة كلهم أنصار رسول هللا عليه الصالة‬
‫والسالم خلصاء فما وجه التخصيص به؟ قلنا‪ :‬هذا قاله حين قال يوم األحزاب‪ :‬من‬
‫يأتيني بخبر القوم؟ قال الزبير‪ :‬أنا‪ ،‬قال‪ :‬من يأتيني بخبر القوم؟ فقال‪ :‬أنا‪ ،‬وهكذا‬
‫مرة ثالثة وال شك أنه في ذلك الوقت نصر نصرة زائدة على غيره(‪ .)1‬وقد فداه رسول هللا‬
‫× يوم األحزاب بأبيه وأمه؛ فعن عبد هللا بن الزبير قال‪ :‬كنت يوم األحزاب جعلت أنا‬
‫وعمر بن أبى سلمه في النساء فنظرت فإذا أنا بالزبير على فرسه يختلف إلى بنى قريظة‬
‫مرتين أو ثالثًا فلما رجعت قلت‪ :‬يا أبت رأيتك تختلف‪ ،‬قال‪ :‬وهل رأيتني يا بنى؟ قلت‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬قال‪ :‬كان رسول هللا × قال‪ :‬من يأتي بنى قريظة فيأتيني بخبرهم؟ فانطلقت فلما‬
‫رجعت جمع لي رسول هللا × أبويه فقال‪ :‬فداك أبي وأمي(‪.)2‬وهذا الحديث فيه منقبة‬
‫ظاهرة للزبير‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬حيث فداه رسول هللا × بأبويه‪ ،‬وفي هذه التفدية تعظيم‬
‫لقدره واعتداد بعمله‪ ،‬واعتبار بأمره‪ ،‬وذلك ألن اإلنسان ال يفدى إال من يعظمه‪ ،‬فيبذل‬
‫نفسه أو أعز أهله له(‪.)3‬‬
‫لقد نال الزبير في غزوة الخندق وسا ًما خالدًا باقيًا على مر السنين (لكل نبي حواري‬
‫وحواريي الزبير) (‪ .)4‬لقد وصف النبي × الزبير بالحواري‪ ،‬وهو وصف عميق الداللة‬
‫واسع المفاهيم‪ ،‬والدارس لهذه المعاني يدرك أبعاد كلمة الحواري‪ ،‬ويتبين معالمها ويعرف‬
‫أسرارها وأغوارها‪ ،‬وأكثر من يحتاج إلى العناية بهذه المفاهيم هم العلماء والدعاة‬
‫والمربون‪ ،‬ألن الدعوة اإلسالمية تحتاج إلى إعداد الحواريين ليقدموا نماذج حية في‬
‫األسوة والقدوة‪ ،‬ألن القدوة العملية أقوى وأشد تأثيرًا في نشر المبادئ واألفكار‪ ،‬ألنها‬
‫تجسيد وتطبيق عملي لها‪ ،‬يسهل مشاهدتها والتأثر واالقتداء بها‪ ،‬وألن الحواريين يأخذون‬
‫بسنة الرسول × ويقتدون بأمره(‪ ,)5‬كما جاء في الحديث‪« :‬ما من نبي بعثه الله في‬
‫أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون‬
‫بأمره»(‪ .)6‬ومن سنن الدعوات أن مسيراتها تمر بالفتن والمحن وتبتلى من أصدقائها‬
‫وأعدائها‪ ،‬وحرص الرسول × على إرشاد المسلمين إلى هذه المتغيرات والحوادث فقال‪:‬‬
‫«ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا‬
‫يؤمنون»(‪ )7‬فما مهمة الحواري؟ القدوة الحسنة واإليمان التطبيقي واإلخالص والفداء التي‬
‫هي أبرز صفات الحواريين‪ ،‬فيكون مثاالً حقيقيًا لورثة األنبياء‪ ،‬فيسعى لنشر الحق‬
‫والخير وهداية األمة والنهوض بها من كبوتها‪ ،‬ويضحى في سبيل هللا بكل غال ونفيس‬
‫ليجدد لإلسالم شبابه ونضارته‪ ،‬في الوقت الذي يكون ساقطو المهمة ال هم لهم إال‬
‫مصلحتهم الشخصية(‪ .)8‬والزبير بن العوام‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬نموذج فذ في تجسيد هذه‬
‫المعاني‪ ،‬فقد تربى في أحضان الدعوة على يدي النبي ×‪ ،‬وتلقى الجرعات المطلوبة‬
‫لتحمل أعبائها منذ شبابه الباكر‪ ،‬وموقف الزبير في غزوة األحزاب يصور لنا شخصيته‬
‫‪1‬‬
‫() عمدة القاري (‪.)19/2239‬‬
‫‪2‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)3720‬‬
‫‪3‬‬
‫() تحفة األحوذى (‪.)10/246‬‬
‫‪4‬‬
‫() مسلم رقم (‪.)2414‬‬
‫‪5‬‬
‫() صحيح مسلم بشرح النووي (‪.)27 ،2/26‬‬
‫‪6‬‬
‫() دراسات تربوية لألعظمى‪ :‬ص(‪.)206‬‬
‫‪7‬‬
‫() صحيح مسلم بشرح النووي (‪.)27 ،2/26‬‬
‫‪8‬‬
‫() دراسات تربوية في األحاديث النبوية‪ :‬ص(‪.)207‬‬
‫‪38‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ونشأته على الجرأة والنصرة ومحبته للرسول ×‪ ،‬وأثبتت األيام أنه كان رضي هللا عنه‬
‫رجل المهمات الصعبة‪ ،‬فقد اتصف بالجرأة واإلقدام ف ُكلف بمهمة كشف أسرار العدو‪ ،‬وما‬
‫حدث مع الزبير يشير إلى مشروعية تقسيم األعمال وتصنيف الدعاة كل حسب إخالصه‬
‫وفدائيته وتضحيته ومواهبه وطاقته(‪.)1‬هذا وقد شارك الزبير في كل غزوات الرسول ×‬
‫وكانت له مواقف مشرفة‪ ،‬وكان في عهد الراشدين من أعمدة الدولة في فتوحاتها الكبيرة‬
‫رضي هللا عنه‪.‬‬
‫‪ -6‬في غزوة اليرموك‪ :‬عن عروة أن أصحاب رسول هللا × قالوا للزبير يوم اليرموك‪:‬‬
‫أال تش ُّد فنشد معك؟ فقال‪ :‬إني إن شددت كذبتم‪ .‬فقالوا‪ :‬ال نفعل‪ ،‬فحمل عليهم حتى شق‬
‫صفوفهم‪ ،‬فجاوزهم وما معه أحد‪ ،‬ثم رجع ُمقبالً فأخذوا بلجامه فضربوه ضربتين على عاتقه‬
‫بينهما ضربة ضربها يوم بدر‪.‬قال عروة‪ :‬أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا‬
‫صغير‪ .‬قال عروة‪ :‬وكان معه عبد هللا بن الزبير يومئذ‪ ،‬وهو ابن عشر سنين فحمله على‬
‫فرس وو َّكل به رجالً(‪ ,)2‬قال الذهبي في السَّير معلقًا‪ :‬هذه الوقعة هي يوم اليمامة إن شاء هللا‪،‬‬
‫فإن عبد هللا كان إذ ذاك ابن عشر سنين(‪ ,)3‬وذكر ابن كثير أن الموقعة هي «اليرموك» وال‬
‫مانع من وقوع ذلك في الموقعتين‪ .‬فقد قال ابن كثير‪ :‬وقد كان فيمن شهد «اليرموك» الزبير‬
‫بن العوام‪ ،‬وهو أفضل من هناك من الصحابة‪ ،‬وكان من فرسان الناس وشجعانهم‪ ،‬فاجتمع‬
‫إليه جماعة من األبطال يومئذ‪ ،‬فقالوا‪ :‬أال تحمل فنحمل معك؟ فقال‪ :‬إنكم ال تثبتون‪ .‬فقالوا‪:‬‬
‫بلى‪ .‬فحمل وحملوا‪ ،‬فلما واجهوا صفوف الروم أحجموا وأقدم هو‪ ،‬فاخترق صفوف الروم‬
‫حتى خرج من الجانب اآلخر‪ ،‬وعاد إلى أصحابه‪ .‬ثم جاءوا إليه مرة ثانية ففعل كما فعل في‬
‫األولى‪ ،‬وجُرح يومئذ جُرحين بين كتفيه‪ ،‬وفي رواية‪ :‬جُرح(‪.)4‬ويقول ابن كثير مرة أخرى‪:‬‬
‫خرج مع الناس إلى الشام مجاهدًا‪ ،‬فشهد اليرموك‪ ،‬ف َّشرفوا بحضوره‪ ،‬وكانت له بها اليد‬
‫البيضاء والهمة العلياء‪ ،‬اخترق جيوش الروم وصفوفهم مرتين‪ ،‬من أولهم إلى أخرهم(‪.)5‬‬
‫‪ -7‬في فتح مصر‪ :‬ولما قصد عمرو بن العاص مصر لفتحها كان معه قوات لم تكن‬
‫كافيةـ لفتحها‪ ،‬فكتب إلى عمر بن الخطاب يستمده ويطلب المدد من الرجال‪ ،‬فأشفق عمر من‬
‫قلة عدد قوات عمرو‪ ،‬فأرسل الزبير بن العوام في اثنى عشر ألفًا‪ ،‬وقيل‪ :‬أرسل عمر أربعة‬
‫آالف رجل‪ ،‬عليهم من الصحابة الكبار‪ :‬الزبير‪ ،‬والمقداد بن األسود‪ ،‬وعبادة بن الصامت‪،‬‬
‫ومسلمة ابن مخلد‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬خارجة بن حذافة هو الرابع‪ ،‬وكتبـ إليه‪ :‬إني أمددتك بأربعة‬
‫آالف‪ ،‬على كل ألف منهم رجل مقام ألف‪ .‬وكان الزبير على رأس هؤالء الرجال(‪ ،)6‬وحين قدم‬
‫الزبير على عمرو‪ ،‬وجده محاصرًا حصن بابليونـ فلم يلبث الزبير أن ركب حصانه وطاف‬
‫بالخندق المحيط بالحصن‪ ،‬ثم فرّق الرجال حول الخندق‪ ،‬وطال الحصار حتى بلغت مدته سبعة‬
‫أشهر‪ ،‬فقيل للزبير‪ :‬إن بها الطاعون‪.‬ـ فقال‪ :‬إنا جئنا للطعن والطاعونـ(‪ .)7‬وأبطأ الفتح على‬
‫عمرو بن العاص‪ ،‬فقال الزبير‪ :‬إني أهب نفسي هلل‪ ،‬أرجو أن يفتح هللا بذلك على المسلمين‪،‬‬
‫فوضع سلما وأسنده إلى جانب الحصن من ناحية سوق الحمام ثم صعد‪ ،‬وأمرهم إذا سمعوا‬
‫‪1‬‬
‫() دراسات تربوية‪ :‬ص(‪.)208‬‬
‫‪2‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)3975‬‬
‫‪3‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)1/63‬‬
‫‪4‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)1/63‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)7/260‬‬
‫‪6‬‬
‫() فتوح مصر والمغرب‪ :‬ص(‪ ،)61‬قادة فتح الشام ومصر‪ :‬ص(‪.)226 -208‬‬
‫‪7‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)1/55‬‬
‫‪38‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫تكبيره أن يجيبوه جميعًا‪ ،‬فما شعروا إال والزبير على رأس الحصن يكبر ومعه السيف‪،‬‬
‫فتحامل الناس على السُّلم حتى نهاهم عمرو؛ خوفًا من أن ينكسر‪ ،‬فلما رأى الروم أن العرب قد‬
‫ظفروا بالحصن انسحبوا‪ ،‬وبذلك فتح حصن بابليونـ أبوابه للمسلمين‪ ،‬فانتهت بفتحة المعركة‬
‫الحاسمة لفتح مصر‪ ،‬وكانتـ شجاعة الزبير النادرة السبب المباشر النتصار المسلمين على‬
‫المقوقس(‪.)1‬‬
‫‪ -8‬غيرة الزبير بن العوام رضي هللا عنه‪ :‬عن أسماء بنت أبى بكر الصديق –‬
‫رضي هللا عنها – قالت‪ :‬تزوجني الزبير – رضي هللا عنه – وما له في األرض مال وال‬
‫مملوك وال شيء غير فرسه‪ .‬قالت‪ :‬فكنت أعلف فرسه وأكفيه مؤنته وأسُوسُه‪ ،‬وأدق‬
‫النوى للناضحة‪ ،‬وأعلفه وأسقيه الماء وأخرز غربه‪ ،‬وأعجن‪ ،‬ولم أكن أحسن أخبز فكان‬
‫يخبز لي جارات من األنصار وكن نسوة صدق‪ .‬قالت‪ :‬وكنت أنقل النوى من أرض‬
‫الزبير التي أقطعه رسول هللا × على رأسي‪ ،‬وهي على ثُلثي فرسخ‪ ،‬قالت‪ :‬فجئت يو ًما‬
‫والنوى على رأسي‪ ،‬فلقيت رسول هللا × ومعه نفر من أصحابه فدعا لي‪ ،‬ثم قال‪« :‬أخ‬
‫أخ»‪ ،‬ليحملني خلفه‪ ،‬فاستحييت أن أسير مع الرجال‪ ،‬وذكرت الزبير وغيرته‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫وكان من أغير الناس‪ .‬قالت‪ :‬فعرف‬
‫رسول هللا × أني قد استحييت فمضى‪ ،‬فجئت الزبير فقلت‪ :‬لقيني رسول هللا × وعلى‬
‫رأسي النوى‪ ،‬ومعه نفر من أصحابه‪ ،‬فأناخ ألركب معه‪ ،‬فاستحييت وعرفت غيرتك‪،‬‬
‫فقال‪ :‬وهللا لحملك النوى كان أشد عل َّى من ركوبك معه‪ ،‬قالت‪ :‬حتى أرسل إل َّى أبو بكر‬
‫بعد ذلك بخادم‪ ،‬فكفتني سياسة الفرس‪ ،‬فكأنما أعتقني(‪.)2‬‬
‫‪ -9‬تسمية الزبير أوالده بأسماء الصحابة الشهداء‪ :‬من شدة حب الزبير‪ ،‬رضي‬
‫هللا عنه‪ ،‬للشهادة‪ ،‬كان أن سمي أوالده بأسماء الصحابة الشهداء‪ ،‬فقد روى هشام بن عروة‬
‫عن أبيه قال‪ :‬قال الزبير‪َّ :‬‬
‫إن طلحة يسمى بنيه بأسماء األنبياء‪ ،‬وقد علم أنه ال نب ّي بعد‬
‫محمد ×‪ ،‬وإنّي أسمى بأسماء ال ُّشهداء لعلهم يستشهدون‪ :‬عبد هللا بعبد هللا بن جحش‪،‬‬
‫والمنذر بالمنذر ابن عمرو‪ ،‬وعروة بعروة بن مسعود‪ ،‬وحمزة بحمزة‪ ،‬وجعفر بجعفر بن‬
‫أبى طالب‪ ،‬ومصعب بمصعب بن عمير‪ ،‬وعبيدة بعبيدة بن الحارث‪ ،‬وخالد بخالد بن‬
‫سعيد‪ ،‬وعمرو بعمرو بن سعيد بن العاص قتل باليرموك(‪.)3‬‬
‫‪ -10‬إخفاء الطاعات عند الزبير‪ :‬قال الزبير بن العوام – رضي هللا عنه ‪ :-‬أيكم‬
‫استطاع أن يكون له خبيئة من عمل صالح فليعمل(‪.)4‬‬
‫‪ -11‬ما قاله حسان بن ثابت من شعر في مدح الزبير‪ :‬م ّر الزبير بمجلس من‬
‫أصحاب رسول هللا ×‪ ،‬وحسان ينشدهم من شعره‪ ،‬وهم غير نشاط لما يسمعون‬
‫منه‪ ،‬فجلس معهم الزبير‪ ،‬ثم قال‪ :‬مالي أراكم غير أذنين لما تسمعون من‬
‫شعر ابن الفريعة؟ فلقد كان يعرض به رسول هللا ×‪ ،‬فيحسن استماعه‪،‬‬
‫ويجزل عليه ثوابه‪ ،‬وال يشتغل عنه‪ ،‬فقال حسان يمدح الزبري‪:‬‬
‫حواريه والقولـ بالفعل يُعدل‬ ‫أقام على عهد النبي وهديه‬

‫‪1‬‬
‫() قادة فتح الشام ومصر‪ ،‬ص(‪.)227 -209‬‬
‫‪2‬‬
‫() حياة الصحابة (‪ ،)2/691‬أصحاب الرسول (‪.)1/281‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ اإلسالم‪ ،‬عهد الخلفاء الراشدين ص(‪ ،)505‬الطبقات (‪.)3/101‬‬
‫‪4‬‬
‫() الزهد البن المبارك‪ :‬ص(‪.)392‬‬
‫‪38‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ق أعد ُل‬ ‫يوالي ول َّى الح ّ‬
‫ق والح ُّ‬ ‫أقام على منهاجه وطريقه‬
‫يصول إذا ما كان يوم مح ّج ُل‬ ‫هو الفارس المشهور والبطل الذي‬
‫(‪)1‬‬
‫بأبيض سباق إلى الموت يُرْ قِ ُل‬ ‫إذا كشفت عن ساقها الحرب َح ّشها‬
‫(‪)2‬‬
‫ومن أسد في بيتها لَ ُمؤتَّ ُل‬ ‫وإن امرؤ كانت صفية أ َّمهُ‬
‫(‪)3‬‬
‫ومن نصرة اإلسالم مجد مؤثَّ ُل‬ ‫له من رسول هللا قُربى قريبة‬
‫عن المصطفى وهللا يعطى فيُجزل‬ ‫فكم كربة ذب الزبير بسيفه‬
‫(‪)4‬‬
‫وفعلك يا ابن الهاشمية أفضل‬ ‫ثناؤك خير من فعال معاشر‬
‫‪ -12‬كرم الزبير بن العوام رضي هللا عنه‪ :‬روى عن عروة بن الزبير أنه قال‪:‬‬
‫أوصى إلى الزبير سبعة من الصحابة منهم عثمان وابن مسعود وعبد الرحمن‪ ،‬فكان ينفق‬
‫على الورثة من ماله ويحفظ أموالهم(‪.)5‬‬
‫وهذا مثل رفيع من أمثلة الكرم والوفاء‪ ،‬وهو يجسَّم المعاني السامية في النفس حتى تبقى‬
‫هي الماثلة في الضمير الحي‪ ،‬وتبعًا لذلك يُس ّخر هذا الضمير الحي كل ما يملك من أجل‬
‫سيادة هذه المعاني‪ ،‬وقد تجود النفس مرة ومرة ثم يعترضها شيء من الفتور‪ ،‬فأما أن يتكفَّل‬
‫مثل هذا الشهم السخي بالنفقة على ورثة عدد من الصحابة‪ ،‬ويحفظ لهم أموالهم فهو نموذج‬
‫فريد في عالم الواقع‪ ،‬ومؤشر مهم من مؤشرات الرقى األخالقي لدى الصحابة رضي هللا‬
‫عنهم(‪.)6‬‬
‫‪ -13‬وحان وقت الرحيل‪..‬وشهادة رسول هللا له بدخول الجنة‪ :‬خرج الزبير بن‬
‫العوام‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬من معركة الجمل في الجولة األولى وقد بينّا األسباب في تركه‬
‫لساحة المعركة‪ ،‬وعند خروجه من ساحة القتال كان يتمثل قول الشاعر‪:‬‬
‫في هللا أحسن في الدنيا وفي الدين‬ ‫ك األمور التي أخشى عواقبها‬ ‫تَر ُ‬

‫وقيل إنه أنشد‪:‬‬


‫(‪)7‬‬
‫أن الحياة من الممات قريب‬ ‫ُ‬
‫علمت لو أن علمي نافعى‬ ‫ولقد‬
‫وبعد‬
‫وبعد خروجه تبعه عمرو بن جرموز وفضالة بن حابس ونفيع في طائفة من غواة‬
‫‪1‬‬
‫() يرقل‪ :‬يسرع‪ :‬وهي سرعة اإلبل‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() في الديوان‪ ،‬وعند الحاكم لمرقل‪ :‬وهو العظيم المبجل‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)1/56‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)1/57‬‬
‫‪5‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)1/131‬‬
‫‪6‬‬
‫() التاريخ اإلسالمي (‪.)17/131‬‬
‫‪7‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)1/60‬‬
‫‪38‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫بنى تميم فيقال‪ :‬إنهم لما أدركوه تعاونوا عليه حتى قتلوه‪ ،‬ويقال بل أدركه عمرو بن‬
‫جرموز فقال له عمرو‪ :‬إن لي إليك حاجة‪ ،‬فقال‪ :‬ادن‪ ،‬فقال مولى الزبير – واسمه عيطة‪:-‬‬
‫إن معه سال ًح ا‪ .‬فقال‪ :‬وإن‪ ،‬فتقدم إليه فجعل يحدثه وكان وقت الصالة‪ .‬فقال له الزبير‪:‬‬
‫الصالة‪ .‬فقال‪ :‬الصالة‪ ،‬فتقدم الزبير ليصلى بهما فطعنه عمرو بن جرموز فقتله‪ ,‬ويقال بل‬
‫أدركه عمرو بواد يقال له وادي السباع وهو نائم في القائلة(‪ ،)1‬فهجم عليه فقتله‪ ،‬وهذا هو‬
‫القول األشهر‪ ،‬ويشهد له شعر امرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل وكانت آخر من‬
‫تزوجها‪ ،‬وكانت قبله تحت عمر بن الخطاب فقتل عنها‪ ،‬وكانت قبله تحت عبد هللا بن أبى‬
‫بكر الصديق فقتل عنها‪ ،‬فلما قُتل الزبير رثته بقصيدة محكمة المعنى فقالت‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫يو َم اللقاء وكان غ ّر معرد‬ ‫غد َر ابنُ جرموز بفارس بهمة‬
‫رعش الجنان(‪ )3‬وال اليد‬
‫َ‬ ‫ال طائ ًشا‬ ‫يا عمرو لو نبهته لوجدته‬
‫ممن بقى ممن يروح ويغتدي‬ ‫ك أن ظفرتَ بمثله‬
‫ثكلتك أ ُّم َ‬
‫(‪)4‬‬
‫عنها طرادك يا ابن فقع العردد‬ ‫ك ْم عمرة قد خاضها لم يثنه‬
‫(‪)5‬‬
‫حلت عليك عقوبة المتعمد‬ ‫وهللا ربي إن قتلت لمسل ًما‬
‫ولما قتله عمرو بن جرموز فاحتز رأسه وذهب به إلى عل ّى‪ ،‬ورأى أن ذلك يحصل‬
‫له به حظوة عنده فاستأذن فقال علي‪ :‬ب ّشر قاتل ابن صفية بالنار‪ ،‬ثم قال على‪ :‬سمعت‬
‫رسول هللا يقول‪« :‬لكل نبي حواري وحوارييّ الزبير»(‪ ,)6‬ولما رأى عل ّى سيف الزبير‬
‫قال‪ :‬إن هذا السيف طالما فرج الكرب عن وجه رسول هللا(‪ ,)7‬وفي رواية‪ :‬منع أمير‬
‫المؤمنين على ابن جرموز من الدخول عليه‪ ،‬وقال‪ :‬بشر قاتل ابن صفية بالنار(‪ ,)8‬ويقال‪:‬‬
‫إن عمرو بن جرموز قتل نفسه في عهد على‪ ،‬وقيل‪ :‬بل عاش إلى أن تأمر مصعب بن‬
‫الزبير على العراق فاختفى منه‪ ،‬فقيل لمصعب‪ :‬إن عمرو بن جرموز ههنا وهو مختف‪،‬‬
‫فهل لك فيه؟ فقال‪ :‬مروه فليظهر فهو آمن‪ ،‬وهللا ما كنت ألقيد(‪ )9‬للزبير منه‪ ،‬فهو أحقر من‬
‫أن أجعله عدالً للزبير(‪.)10‬‬
‫هذا وقد أخبر الحبيب المصطفى أن الزبير سيموت شهيدًا‪ ،‬فعن أبى هريرة أن‬

‫‪1‬‬
‫() القائلة‪ :‬وقت اشتداد ح ّر الظهيرة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() معرد‪ :‬المعرد‪ :‬الصلب والشجاع‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() الجنان‪ :‬القلب‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() البداية والنهاية (‪ ،)7/261‬العردد‪ :‬الصلب الشديد‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/261‬‬
‫‪6‬‬
‫() فضائل الصحابة (‪.)2/920‬‬
‫‪7‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/261‬‬
‫‪8‬‬
‫() الطبقات (‪ )3/105‬إسناده حسن‪ ،‬خالفة على‪ :‬ص(‪ )164‬عبد الحميد‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() أقيد‪ :‬قود‪ :‬القتل بالقاتل‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/261‬‬
‫‪38‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫رسول هللا × كان على جبل حراء‪ ،‬فتحرك فقال رسول هللا ×‪« :‬اسكن حراء؛ فما عليك‬
‫إلا نبي أو صديق أو شهيد» وعليه النبي × وأبو بكر وعمر وعثمان وعلى وطلحة‬
‫والزبير رضي هللا عنهم(‪ ,)1‬قال النووي‪ :‬وفي هذا الحديث معجزات لرسول هللا ×‪ ،‬منها‬
‫إخباره أن هؤالء شهداء‪ ،‬وماتوا كلهم – غير النبي × وأبى بكر – شهداء‪ ،‬فإن عمر‬
‫وعثمان وعليًا وطلحة والزبير – رضي هللا عنهم‪ -‬قُتلوا ظل ًما شهداء‪ ،‬فقتل الثالثة‬
‫مشهور‪ ،‬وقُتل الزبير بوادي السباع بقرب البصرة منصرفًا تار ًكا للقتال‪ ،‬وكذلك طلحة‬
‫اعتزل الناس تار ًكا للقتال‪ ،‬فأصابه سهم فقتله‪ ،‬وقد ثبت أن من قُتل مظلو ًما فهو شهيد(‪.)2‬‬
‫على وعثمان وطلحة‬ ‫قال الشعبي‪ :‬أدركت خمسمائة أو أكثر من الصحابة يقولون‪ٌّ :‬‬
‫والزبير في الجنة‪ ،‬قال الذهبي‪ :‬قلت‪ :‬ألنهم من العشرة المشهود لهم بالجنة‪ ،‬ومن البدريين‬
‫ومن أهل بيعة الرضوان‪ ،‬ومن السابقين األولين الذين أخبر هللا تعالى أنه رضي هللا عنهم‬
‫ورضوا عنه‪ ،‬وألن األربعة قُتلوا‪ ،‬ورُزقوا الشهادة‪ ،‬فنحن محبون لهم باغضون لألربعة‬
‫الذين قَتلوا األربعة(‪.)3‬‬
‫‪ -14‬حرصه على أداء دَي ْنه عند الموت‪ :‬عن عبد هللا بن الزبير قال‪ :‬جعل الزبير‬
‫يوم الجمل يوصيني بديَ ْنه‪ ،‬ويقول‪ :‬إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه بموالي‪ .‬قال‪:‬‬
‫فوهللا ما دريت ما أراد‪ ،‬حتى قلت‪ :‬يا أبت من موالك؟ قال‪ :‬ما وقعت في كربة من دين إال‬
‫قلت‪ :‬يا مولى الزبير اقض عنه‪ ،‬فيقضيه‪ ،‬وإنما دينه الذي كان عليه‪ :‬أن الرجل كان يأتيه‬
‫بالمال فيستودعه إياه فيقولـ الزبير‪ :‬ال ولكنه سلف فإني أخشى عليه الضيعة‪ .‬قال‪ :‬فقتل‬
‫ولم يدع دينارًا وال دره ًما إال أرضين‪ ،‬فبعتها – يعنى وقضيت دينه – فقال بنو الزبير‪:‬‬
‫اقسم بيننا ميراثنا‪ .‬فقلت‪ :‬وهللا ال أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين‪ :‬أال من كان له‬
‫على الزبير دين فليأتنا فلنقضه‪ ،‬فجعل كل سنة ينادي بالموسم‪ ،‬فلما مضى أربع سنين قسم‬
‫بينهم‪ ،‬وكان للزبير أربع نسوة‪ ،‬فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف‪ .‬فجميع ماله‬
‫خمسون ألف ألف ومائتا ألف(‪ ,)4‬وقول البخاري‪ ،‬رحمه هللا‪ ،‬محمول على أن جملة المال‬
‫حين الموت كانت ذلك دون الزائد في أربع سنين دون القسمة(‪ ,)5‬وقد وقع في تركته من‬
‫البركة الشيء الكثير(‪ ,)6‬وبارك هللا له في أراضيه بعد موته‪ ،‬فوفى دينه وزاد عليه الشيء‬
‫الكثير‪ ،‬وفي هذه القصة درس وعبر وفوائد‪:‬‬
‫أ‪ -‬قول الزبير البنه‪ :‬يا بنى إن عجزت عن شيء منه فاستعن بموالي؛ وهذا مثل‬
‫من أمثلة اليقين الراسخ واإليمان القوى الذي ترتب عليه صدق التوكل على هللا عز وجل‪،‬‬
‫واللجوء إليه في قضاء الحوائج وكشف الكربات‪ ،‬فالمؤمن الحق يعتقد جاز ًما بأن كل‬
‫شيء بيد هللا جل وعال‪ ،‬فإذا وقع في ضائقة وكرب فإن أول ما يتبادر إلى ذهنه تصور‬
‫وجود هللا تعالى وهيمنته على كل شيء‪ ،‬وأن المخلوقين الذين يُشكلون طرفًا آخر في‬
‫قضيته إنما هم في قبضة البارئ جل وعال‪ ،‬وأن قلوبهم بيده سبحانه يصرفها كيف يشاء‪،‬‬
‫فليلجأ إليه قبل كل شيء ويسأله قضاء حاجته وتفريج كربته‪ ،‬ثم يقوم بعمل األسباب التي‬
‫خلقها هللا تعالى وجعلها موصلة إلى النتائج المطلوبة‪ ،‬مع االعتقاد بأنها مجرد أسباب وأن‬
‫‪1‬‬
‫() مسلم رقم (‪.)2417‬‬
‫‪2‬‬
‫() شرح النووي على صحيح مسلم (‪.)15/271‬‬
‫‪3‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)1/62‬‬
‫‪4‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)3129‬‬
‫‪5‬‬
‫() شذرات الذهب (‪.)1/209‬‬
‫‪6‬‬
‫() اإلصابة البن حجر (‪.)2/461‬‬
‫‪38‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الفاعل والمق ّدر هو هللا تعالى‪ ،‬وأنه قادر على أن ينزع من األسباب قوة التأثير فال تؤدي‬
‫إلى نتائجها(‪ )1‬المعروفة‪.‬‬
‫ب‪ -‬هل كان الزبير رضي هللا عنه من األثرياء؟ نرى النصَّ السابق ينطق بأن‬
‫الزبير‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬ما كان من األثرياء أصحاب األموال المعروفين المشهورين‬
‫بذلك‪ ،‬بل كان يشعر بالضائقة ويهمه أمر ما في ذمته من أموال وديون‪ ،‬وكان يخشى أال‬
‫تفي أرضه وعقاره بما عليه من أموال‪ ،‬كما ينطق هذا النص أيضًا بأن عبد هللا بن الزبير‬
‫ما كان يخالف أباه في توقعه‪ ،‬بل كان يتوقع مثله أن الديوان تزيد على األموال واألرض‪،‬‬
‫يقول له أبوه‪ :‬أفترى يُبقى دينُنَا من مالنا شيئًا؟ فال يجد عبد هللا جوابًا ألبيه‪ ،‬ولو كان يتوقع‬
‫غير ما توقع أبوه‪ ،‬ألجابه مطمئنًا إياه في هذا الوقت العصيب‪ ،‬بأن األمر غير ما يق َّدر‬
‫ويتوقَّع‪ ،‬بل تجده يجارى أباه صراحة في توقعه‪ ،‬فيسأله – عندما أشار عليه أن يستعين‬
‫بمواله‪ :-‬من موالك؟ فهو يتوقع أنه سيستعين به‪ ،‬وال يزعمن زاعم بأن عبد هللا لم يكن‬
‫محيطًا بثروة أبيه‪ ،‬عارفًا بأمالكه‪ ،‬فإن عبد هللا كان في ذلك الوقت في سن الخامسة‬
‫والثالثين‪ ،‬ومن يكن في مثل هذه السن من شأنه أن يكون ظهيرًا ألبيه عال ًما بكل أحواله‬
‫وأمواله‪ ،‬وبخاصة إذا كان هو االبن األكبر‪ ،‬وإن سؤال الزبير له‪ :‬أفترى يُبقى ديننا من‬
‫مالنا شيئًا؟ يشهد بأن عبد هللا كان على علم بأحوال أبيه وأمواله‪ ،‬بل إن عبد هللا صرح بأن‬
‫أمر قضاء الدين ما كان سهالً وال هينًا‪ ،‬فيقول‪ :‬فوهللا ما وقعت في كربة من دينه إال قلت‪:‬‬
‫ضيه(‪.)2‬ومما يشهد أيضًا بأن الزبير لم يكن معدودًا من‬ ‫يا مولى الزبير‪ ،‬اقض عنه دينه فيق َ‬
‫األغنياء وأصحاب الثروات وأن توقعه عن ديونه ونسبتها إلى أمالكه كان في موضعه‬
‫ومحله‪ ،‬أن حكيم بن حزام رضي هللا عنه – وهو ابن عم الزبير – تلقى عبد هللا بن الزبير‬
‫فيقولـ له‪ :‬ما أراكم تطيقون هذا الذي عليكم من الديون فإن عجزتم عن شيء منه‪،‬‬
‫فاستعينوا بي(‪ .)3‬ودليل رابع‪ :‬يأتي عبد هللا بن جعفر رضي هللا عنه لعبد هللا ابن الزبير –‬
‫وكان له عند الزبير أربعمائة ألف – فيقول البن الزبير‪ :‬إن شئتم تركتها لكم‪ ،‬قال عبد هللا‬
‫بن الزبير‪ :‬ال‪ .‬قال عبد هللا بن جعفر‪ :‬فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخرون إن أخرتم(‪ ,)4‬فهذه‬
‫شهادة اثنين من كبار الصحابة يتوقعان عدم وفاء أمالك الزبير بما عليه من ديون ويعدانه‬
‫ممن يحتاج إلى عون ومساعدة‪ ،‬ثم هما ممن يعرف الزبير ويخالطه‪ ،‬ويطلع على أحواله‪،‬‬
‫فأحدهما حكيم بن حزام ابن عم الزبير‪ ،‬واآلخر ابن خاله‪ ،‬فأم الزبير صفية بنت عبد‬
‫المطلب عمة الرسول × وهو يتعامل معه أخ ًذا وعطاء واقتراضًا وائتمانًا‪ ،‬فهذه أدلة‬
‫أربعة ال يرقى إليها الشك تنطق بأن الزبير‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬ما كان من أصحاب‬
‫الثروات(‪ .)5‬وقد فشا فيما فشا عن ثروة الزبير وغناه الحديث عن عبيده وخيوله؛ ففي‬
‫بعض المصادر أنه كان له ألف مملوك‪ ،‬وأن األلف مملوك كانوا يؤدون إليه الخراج كل‬
‫يوم‪ ،‬فما يدخل إلى بيته منها درهم واحد‪ ،‬يتصدق بذلك جميعه(‪ .)6‬لكن المستشرق الذائع‬
‫الصيت «ول ديورانت» جعل األلف عشرة آالف‪ ،‬فقال‪ :‬كان الزبير يمتلك عشرة آالف‬

‫‪1‬‬
‫() التاريخ اإلسالمي (‪.)20/309‬‬
‫‪2‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)3129‬‬
‫‪3‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)3129‬‬
‫‪4‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)3129‬‬
‫‪5‬‬
‫() الزبير بن العوام‪ ،‬الثورة‪ ،‬عبد العظيم الديب ص(‪.)9‬‬
‫‪6‬‬
‫() سير السلف الصالحين (‪ )1/227‬في إسناده ضعف‪.‬‬
‫‪38‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫عبد‪ .‬ثم أضاف إليها ألف جواد(‪ ,)1‬وبالطبع حذف المستشرق (الذكي) خير تصدق الزبير‬
‫بخراج مماليكه(‪ ,)2‬وهذا الخبر ال يقف أمام رواية البخاري‪ ،‬إذ جاء فيها «فقتل الزبير ولم‬
‫يترك دينارًا وال دره ًما‪ ،‬إال أرضين منها الغابة‪ ،‬وإحدى عشرة دارًا بالمدينة‪ ،‬ودارين‬
‫بالبصرة‪ ،‬ودارًا بالكوفة‪ ،‬ودارًا بمصر(‪ ,)3‬فالرواية واضحة‪ ،‬وهي بأسلوب الحصر‪ ،‬وفي‬
‫مقام الحديث عن هم الدين‪ ،‬وال ُكرب التي كانت في سبيل سداده‪ ،‬فلو كان هناك ألف‬
‫مملوك‪ ،‬لكان لها ذكر‪ ،‬ولثمنها قيمة وقدر‪ ،‬أال يساوى المملوك الواحد في أقل تقدير ألفى‬
‫درهم(‪ ,)4‬فيكون ثمن المماليك هو قيمة الدين كله إال قليالً؟! هذا كله على فرض أنها كانت‬
‫ألفًا فقط‪ ،‬أما إذا أخذنا بشطحة ول ديورانت‪ ،‬وأنها عشرة آالف مملوك‪ ،‬فمعنى ذلك نسف‬
‫رواية البخاري من أساسها‪ ،‬فإن عشرة آالف مملوك وألف جواد يكفى ثمنها – مهما كان‬
‫بخسًا – أن يسدد ديونه‪ ،‬ويغرق ورثته في لجج الثراء‪ ،‬وما كان الزبير بحاجة إلى أن‬
‫يقول البنه‪ :‬إن من أكبر همي لَ َديِ ْني‪ .‬وال أن يسأله‪ :‬أفترى يبُقى ديننا من مالنا شيئًا؟ وال أن‬
‫يوصيه‪ :‬إذا أعجزك شيء من ديني‪ ،‬فاستعن عليه بموالي(‪.)5‬‬
‫إن الحديث عن سيرة الزبير وطلحة وعمرو بن العاص وأبى موسى األشعري وأم‬
‫المؤمنين عائشة ينسجم مع أهداف الكتاب‪ ،‬من حيث الحديث عن سيرة أمير المؤمنينـ على‬
‫وعصره‪ ،‬فهذه الشخصيات تعتبر محورية في الحديث عن عصر أمير المؤمنين على‪ ،‬كماـ أن‬
‫التشويه الذين لحق بها في كتب التاريخ واألدب يكون عند الحديث في الفتن الداخلية‪ ،‬فبيان‬
‫سيرتهم‪ ،‬وأخالقهم وصفاتهمـ واجب علينا‪ ،‬وحتى يخرج القارئ بمعرفة حقيقية لهذه‬
‫الشخصيات‪ ،‬فال يتأثر بالروايات الضعيفة‪ ،‬وال القصص الموضوعةـ التي وضعها مورخو‬
‫الشيعة الرافضة والتي شوهت ثقافة الناس عن هذه الشخصيات العظيمة‪ ،‬فالحديث عن سيرة‬
‫الزبير أو غيره من كبار الصحابة التي أسهمت في األحداث في عهد أمير المؤمنينـ على‬
‫رضي هللا عنه ينسجم مع أهداف المؤلف التي أراد إيصالها للقارئ من خالل دراسته لعهد‬
‫الخلفاء الراشدين‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬سيرة طلحة بن عبيد هللا رضيـ هللا عنه واستشهاده‪:‬‬
‫هو أبو محمد طلحة بن عبد هللا بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة‬
‫ابن كعب بن لؤى بن غالب القرشي التيمي(‪ ,)6‬يجتمع مع النبي × في مرة بن كعب‪ ،‬ومع‬
‫أبى بكر الصديق في تيم بن مرة‪ ،‬وعدد ما بينهم من اآلباء سواء(‪ ,)7‬وأمه – رضي هللا‬
‫(‪)8‬‬
‫عنه – الصعبة بنت الحضرمي امرأة من أهل اليمن وهي أخت العالء بن الحضرمي ‪,‬‬
‫أسلمت ولها صحبة وظفرت بشرف الهجرة(‪ ,)9‬وطلحة – رضي هللا عنه – أحد العشرة‬
‫الذين بشروا بالجنة‪ ،‬وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى اإلسالم وأحد الخمسة الذين أسلموا‬
‫‪1‬‬
‫() الزبير بن العوام‪ ،‬الثروة الثورة ص(‪.)11‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه ص(‪.)13‬‬
‫‪3‬‬
‫() البخاري (‪.)3129‬‬
‫‪4‬‬
‫() الزبير بن العوام‪ ،‬الثروة والثورة‪ :‬ص(‪.)14‬‬
‫‪5‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)3129‬‬
‫‪6‬‬
‫() اإلصابة (‪ ،)2/220‬االستيعاب البن عبد البر على حاشية اإلصابة (‪.)2/210‬‬
‫‪7‬‬
‫() فتح الباري (‪.)7/82‬‬
‫‪8‬‬
‫() اإلصابة (‪.)2/220‬‬
‫‪9‬‬
‫() المصدر السابق (‪ ،)4/337‬فتح الباري (‪.)7/82‬‬
‫‪38‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫على يد أبى بكر الصديق‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬وأحد الستة أصحاب الشورى(‪.)1‬‬
‫‪ -1‬إسالمه وابتالؤه وهجرته‪ :‬قال طلحة بن عبيد هللا‪ :‬حضرت سوق بصرى‪ ،‬فإذا‬
‫من أهل الحرم؟ قال طلحة‪:‬‬ ‫راهب في صومعته يقول‪ :‬سلُوا أهل هذا الموسم‪ ،‬أفيهم أحد ْ‬
‫نعم‪ ،‬أنا‪ .‬فقال‪ :‬هل ظهر أحمد بعد؟ قلت‪ :‬ومن أحمد؟ قال‪ :‬ابن عبد هللا بن عبد المطلب‪،‬‬
‫هذا شهره الذي يخرج فيه‪ ،‬وهو آخر األنبياء‪ ،‬ومخرجه من الحرم ومهاجره إلى ن َْخل‪،‬‬
‫وحرّة(‪ )2‬وسباخ(‪ ,)3‬فإياك أن تُسبق إليه‪ .‬قال طلحة‪ :‬فوقع ما قال في قلبي‪ ،‬فخرجت سريعًا‬
‫قدمت مكة‪ ،‬فقلت‪ :‬هل كان من حدث؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬محمد بن عبد هللا األمين تنبأ‪ ،‬وقد‬ ‫ُ‬ ‫حتى‬
‫تبعه ابن أبى قحافة‪ .‬قال طلحة‪ :‬فخرجت حتى دخلت على أبى بكر‪ ،‬وقلت‪ :‬أتبعت هذا‬
‫الرجل؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فانطلق إليه‪ ،‬فادخل عليه‪ ،‬فاتّبعه‪ ،‬فإنه يدعو إلى الحق وإلى الخير‪.‬‬
‫وأخبر طلحة أبا بكر بما قال الراهب‪ ،‬فخرج أبو بكر بطلحة‪ ،‬فدخل به على رسول هللا ×‪،‬‬
‫فأسلم طلحة‪ ،‬وأخبر رسول هللا × بما قال الراهب‪ ،‬فسر رسول هللا ×‪ ،‬فلما أسلم أبو بكر‬
‫وطلحة بن عبيد هللا‪ ،‬أخذهما نوفل بن خويلد بن العدوية‪ ،‬فش ّدها في حبل واحد‪ ،‬ولم‬
‫يمنعهما بنو تيم‪ ،‬وكان نوفل يُدعى أسد قريش ولذلك ُس ّمي أبو بكر وطلحة القرينين(‪ ,)4‬هذا‬
‫وقد أوذي طلحة في هللا ولقي أذى كبيرًا من المشركين‪ ،‬ومن عشيرته األقربين‪ ،‬وبقيـ‬
‫طلحة – رضي هللا عنه – صابرًا على األذى والعذاب حتى أذن هللا عز وجل بالهجرة‪،‬‬
‫ولما ارتحل رسول هللا × مهاجرًا إلى المدينة لقيه طلحة قاد ًما من الشام في عير‪ ،‬فكسا‬
‫رسول هللا × وأبا بكر ثياب الشام‪ ،‬ثم مضى طلحة إلى مكة حتى فرغ من تجارته‪ ،‬ثم‬
‫خرج بعد ذلك بآل أبى بكر؛ فهو الذي قدم بهم المدينة‪ ،‬فطلحة من المهاجرين األوّلين –‬
‫رضي هللا عنهم‪ ,)5(-‬ولما قدم المدينة آخي رسول هللا بينه وبين أبى أيوب األنصاري(‪,)6‬‬
‫وقيل كعب بن مالك األنصاري‪ ،‬حين آخي بين المهاجرين واألنصار(‪.)7‬‬
‫‪ -2‬في غزوة بدر‪ :‬كان طلحة بن عبيد هللا‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬قد ُكلف بتحسس عير‬
‫قريش‪ ،‬وذلك لما تحيّن رسول هللا × وصول عير من الشام لقريش‪ ،‬فقد بعث × طلحة‬
‫وسعيد بن زيد‪ ،‬رضي هللا عنهما‪ ،‬يأتيانه باألخبار‪ ،‬فخرجا وبلغا الحوراء‪ ،‬فلم يزاال‬
‫مقيمين هناك حتى مرت العير‪ ،‬فتساحلت‪ ،‬فعادا إلى المدينة باألخبار‪ ،‬وكان رسول هللا ×‬
‫قد خرج بالمسلمين في غزوة بدر فأسرعا لينضما إلى الجيش‪ ،‬إال أنهما لم يدركا‬
‫المعركة‪ ،‬وضرب لهما رسول هللا × بسهمهما وأجورهما‪ ،‬سه ًما كالمقاتلين‪ ،‬وأجرًا‬
‫كالمجاهدين(‪.)8‬‬
‫‪ -3‬في غزوة أحد‪ ،‬أوجب طلحة رضي هللا عنه‪ :‬عن جابر قال‪ :‬لما كان يوم‬
‫أحد وولى الناس كان رسول هللا × في ناحية في اثنى عشر رجالً منهم طلحة‪ ،‬فأدركه‬
‫المشركون‪ ،‬فقال النبي ×‪ :‬من للقوم؟ قال طلحة‪ :‬أنا‪ .‬قال‪ :‬كما أنت‪ ،‬فقال رجل من‬
‫‪1‬‬
‫() المستدرك للحاكم (‪ ،)3/369‬عقيدة أهل السنة في الصحابة (‪.)1/228‬‬
‫‪2‬‬
‫() حرة‪ :‬هي األرض الغليظة ذات الحجارة السود النخرات‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() سباخ‪ :‬جمع سبخة‪ ،‬وهي أرض ذات ن ّز وملح‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/258‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر نفسه (‪ ،)7/258‬فرسان من عصر النبوة‪ :‬ص(‪.)225‬‬
‫‪6‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/258‬‬
‫‪7‬‬
‫() فرسان من عصر النبوة‪ :‬ص(‪ ،)225‬االستيعابـ البن عبد البر‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() الحاكم في المستدرك (‪ ،)3/369‬االستيعابـ (‪.)4188‬‬
‫‪38‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫األنصار‪ :‬أنا‪ ،‬فقاتل حتى قُتل‪ .‬ثم التفت ×‪ ،‬فإذا المشركون‪ ،‬فقال‪ :‬مَن لهم؟ قال طلحة‪:‬‬
‫أنا‪ .‬قال‪ :‬كما أنت‪ ،‬فقال رجل من األنصار‪ :‬أنا‪ .‬قال‪ :‬أنت‪ ،‬فقاتل حتى قتل‪ ،‬فلم يزل كذلك‬
‫حتى بقى مع نبي هللا (طلحة) فقال‪ :‬من للقوم؟ قال طلحة‪ :‬أنا‪ .‬فقاتل طلحة قتال األحد‬
‫عشر‪ ،‬حتى قطعت أصابعه فقال‪ :‬حسبي‪ .‬فقال رسول هللا ×‪« :‬لو قلت بسم الله‬
‫لرفعتك الملائكة والناس ينظرون»‪ .‬ثم رد هللا المشركين(‪ ,)1‬وعند أحمد‪ :‬فقال له النبي‬
‫×‪« :‬لو قلت بسم الله لرأيت يُبني لك بها بيت في الجنة وأنت حيّ في‬
‫الدنيا»(‪ ,)2‬وعن قيس بن حازم قال‪ :‬رأيت يد طلحة شالء وقى بها النبي × يوم أحد(‪,)3‬‬
‫وجُرح في تلك الغزوة تسعًا وثالثين‪ ،‬أو خمسًا وثالثين و ُشلّت أصبعه – أي السبابة والتي‬
‫تليها ‪ ,)4(-‬وروى أبو داود الطيالسى عن عائشة – رضي هللا عنها – قالت‪ :‬كان أبو بكر‬
‫إذا ذكر يوم أُحْ د قال‪ :‬ذلك اليوم كله لطلحة(‪ ,)5‬وعن عائشة وأم إسحاق بنتي طلحة قالتا‪:‬‬
‫جُرح أبونا يوم أُحد أربعًا وعشرين جراحة‪ ،‬وقع منها في رأسه شجةٌ مربعة‪ ،‬وقُطع نساه‬
‫– يعنى العرق – و ُشلَّت إصبعه‪ ،‬وكان سائر الجراح في جسده وغلبه الغَش ُي – اإلغماء –‬
‫ورسول هللا × يرجع به القهقرى؛ـ كلما أدركه أحد من المشركين‪ ،‬قاتل دونه حتى أسنده‬
‫إلى الشعب(‪ ,)6‬حتى قال عنه ×‪« :‬أوجب طلحة حين صنع برسول الله ما صنع»(‪.)7‬‬
‫‪ -4‬شهيد يمشى على األرض‪ :‬عن أبى هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا × كان‬
‫على جبل حراء‪ ،‬فتحرك‪ .‬فقال رسول هللا‪« :‬اسكن حراء فما عليك إلا نبي أو صديق‬
‫أو شهيد»‪ ،‬وعليه النبي × وأبو بكر وعمر وعثمان وعل ّى وطلحة والزبير وسعد بن أبى‬
‫وقاص – رضي هللا عنهم(‪ – )8‬فلما علم طلحة بأنه سيموت شهيدًا وذلك بعد أن سمع تلك‬
‫البشرى من الحبيب المصطفى × ظل يبحث عن شهادته في مظانها‪ ،‬فشهد المشاهد كلها‬
‫مع النبي × عدا غزوة بدر(‪ ,)9‬فقد كان في مهمة كلفه بها رسول هللا × كما م ّر معنا‪ ،‬وقال‬
‫عنه النبي × «من أحب أن ينظر إلى شهيد يمشى على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة‬
‫بن عبيد الله»(‪.)10‬‬
‫‪ -5‬من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا هللا عليه‪ :‬عن موسى وعيسى ابني‬
‫طلحة عن أبيهما أن أصحاب رسول هللا × قالوا ألعرابي جاء يسأل رسول هللا عمن‬
‫قضى نحبه من هو؟ فكانوا ال يجترئون على مسألته‪ ،‬يوقرونه ويهابونه‪ ،‬قال‪ :‬فسأله‬
‫األعرابي فأعرض عنه‪ ،‬ثم سأله فأعرض عنه‪ ،‬ثم إني اطلعت من باب المسجد – يعنى‬
‫طلحة – وعل َّى ثياب خضر فلما رآني رسول هللا × قال‪« :‬أين السائل عمن قضى‬

‫‪1‬‬
‫() السلسلة الصحيحة رقم (‪ ،)2171‬الحديث حسن بمجموع طرقه‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() فضائل الصحابة رقم (‪ )1294‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)4063‬‬
‫‪4‬‬
‫() البخاري (‪ ،7/361‬أصحاب الرسول (‪.)1/264‬‬
‫‪5‬‬
‫() فتح الباري (‪.)7/361‬‬
‫‪6‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)1/32‬‬
‫‪7‬‬
‫() صحيح الجامع لأللباني رقم (‪.)2540‬‬
‫‪8‬‬
‫() مسلم رقم (‪.)2417‬‬
‫‪9‬‬
‫() أصحاب الرسول (‪.)1/260‬‬
‫‪10‬‬
‫() رواه الترمذي والحاكم وصححه األلباني في صحيح الجامع (‪.)5962‬‬
‫‪38‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫نحبه؟» قال األعرابي‪ :‬أنا يا رسول هللا‪ .‬قال‪« :‬هذا ممن قضى نحبه»(‪.)1‬‬
‫‪ -6‬دفاعه عن إخوانه وإحسان الظن بهم‪ :‬عن مالك بن أبى عامر‪ ،‬قال‪ :‬جاء‬
‫رجل إلى طلحة فقال‪ :‬أرأيتك هذا اليماني‪ ،‬هو أعلم لحديث رسول هللا منكم‪ -‬يعنى أبا‬
‫هريرة – نسمع منه أشياء ال نسمعها منكم‪ ،‬قال‪ :‬أما أن قد سمع من رسول هللا × ما لم‬
‫نسمع‪ ،‬فال أشك‪ ،‬وسأخبرك؛ إنّا كنا أهل بيوت‪ ،‬وكنا إنما نأتى رسول هللا ُغدوة وعشية‪،‬‬
‫وكان مسكينًَا ال مال له – أبو هريرة – إنما هو باب رسول هللا‪ ،‬فال أشك أنه قد سمع ما لم‬
‫نسمع‪ ،‬وهل تجد أحدًا فيه خير يقول على رسول هللا ما لم يَقُلْ (‪.)2‬‬
‫‪ -7‬إنفاقه في سبيل هللا‪ :‬عن قبيصة بن جابر قال‪ :‬صحبت طلحة‪ ،‬فما رأيت أعطى‬
‫لجزيل مال من غير مسألة منه(‪ ,)3‬وعن موسى عن أبيه طلحة أنه أتاه ماله من‬
‫ظن رجل بربه يبيت وهذا المال في‬ ‫حضرموت سبعمائة ألف‪ ،‬فبات ليلته يتململ‪ .‬فقال‪ :‬ما ّ‬
‫بيته؟ قالت‪ :‬فأين أنت عن بعض أخالئك‪ ،‬فإذا أصبحت فادع بجفان وقصاع فقسمه‪ .‬فقال‬
‫لها‪ :‬رحمك هللا إنك موفقة بنت موفق‪ ،‬وهي أم كلثوم بنت الصديق‪ ،‬فلما أصبح دعا‬
‫بجفان‪ ،‬فقسمها بين المهاجرين واألنصار‪ ،‬فبعث إلى عل ّى منها بجفنة‪ ،‬فقالت له زوجته‪:‬‬
‫أبا محمد‪ ،‬أما كان لنا في هذا المال من نصيب؟ قال‪ :‬فأين كنت منذ اليوم؟ فشأنك بما بقى‪:‬‬
‫قالت‪ :‬فكانت صرة فيها نحو ألف درهم(‪ .)4‬وعن سُعدي بنت عوف المرية‪ ،‬قالت‪ :‬دخلت‬
‫على طلحة يو ًما وهو خاثر(‪ ،)5‬فقلت‪ :‬ما لك؟ لعل رابك من أهلك شيء؟ قال‪ :‬ال وهللا‪ ،‬نعم‬
‫ت‪ ،‬ولكن ما ٌل عندي قد غمنَّي‪ .‬فقلت‪ :‬ما ي ُغ ُّمك؟ عليك بقومك‪،‬ـ قال‪ :‬يا غالم‬ ‫خليلة المسلم أن ِ‬
‫ادع لي قومي‪ ،‬فقسمه فيهم‪ ،‬فسألت الخازن‪ ،‬كم أعطى؟ قال‪ :‬أربعمائة ألف(‪ , )6‬وعن‬
‫ألف فبات أرقًا من مخافة‬ ‫الحسن البصري أن طلحة بن عبُيد هللا باع أرضًا له بسبعمائة ٍ‬
‫ذلك المال‪ ،‬حتى أصبح ففرقه(‪ ,)7‬وعن عل ّى بن زيد قال‪ :‬جاء أعرابي إلى طلحة يسأله‪،‬‬
‫فتقرب إليه برحم فقال‪ :‬إن هذه لرحم ما سألني بها أحد قبلك‪ ،‬إن لي أرضًا قد أعطاني بها‬
‫عثمان ثالثمائة ألف فاقبضها‪ ،‬وإن شئت بعتها من عثمان‪ ،‬ودفعت إليك الثمن فقال‪ :‬الثمن‪،‬‬
‫فأعطاه وكان رضي هللا عنه ال يدع أحدًا من بنى تيم عائالً إال كفاه وقضى دينه‪ ،‬وكان‬
‫يرسل لعائشة أم المؤمنين كل سنة بعشرة آالف(‪ ،)8‬إنه طلحة الخير‪ ،‬وطلحة الفياض‪،‬‬
‫وطلحة الجود(‪ ،)9‬وقد سماه رسول هللا بالفياض لسعة عطائه وكثرة إنفاقه في وجوه الخير‪،‬‬
‫فقد روى أبو عبد هللا الحاكم بإسناده إلى موسى بن طلحة أن طلحة نحر جزورًا وحفر‬
‫بئرًا يوم ذي قرد(‪ ،)10‬فأطعمهم وسقاهم فقال النبي ×‪« :‬يا طلحة الفياض»‪ .‬فسمي طلحة‬

‫‪1‬‬
‫() رواه الترمذي بإسناد حسن رقم (‪.)3742‬‬
‫‪2‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪ )1/37‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() الحلية (‪ ،)1/88‬سير أعالم النبالء (‪.)1/30‬‬
‫‪4‬‬
‫() سير أعالم النبالء للذهبي (‪.)31 ،1/30‬‬
‫‪5‬‬
‫() خاثر النفس‪ :‬غير نشيط‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() مجمع الزوائد (‪ )9/148‬قال الهيشمى‪ :‬رواه الطبراني ورجاله ثقات‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)1/32‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)1/31‬‬
‫‪9‬‬
‫() تاريخ اإلسالم‪ ،‬عهد الخلفاء الراشدين‪ :‬ص(‪.)527‬‬
‫‪10‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/258‬‬
‫‪39‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الفياض(‪.)1‬‬
‫‪ -8‬من فرائد أقواله و ُد َرر جواهر كالمه‪ :‬فمن أقواله‪ :‬إن أق ّل عيب الرجل جلوسه‬
‫في بيته(‪ ،)2‬ومما حفظ عنه قوله‪ :‬الكسوة تظهر النّعمة‪ ،‬واإلحسان إلى الخادم يكبت‬
‫األعداء(‪ .)3‬ولطلحة – رضي هللا عنه – آراء ثاقبة وصحيحة في الناس‪ ،‬فكان ال يشاور‬
‫بخيالً في صلة وال جبانًا في حرب(‪.)4‬‬
‫‪ -9‬شهادة طلحة بن عبيد هللا رضي هللا عنه‪ :‬لما حضر يوم الجمل واجتمع به‬
‫على فوعظه تأخر فوقف في بعض الصفوف‪ ،‬فجاءه سهم غرب فوقع على ركبته‪ ،‬وقيل‬ ‫ٌّ‬
‫في رقبته‪ ،‬واألول أشهر‪ ،‬وانتظم السهم مع ساقه خاصرة الفرس فجمح به حتى كان يلقيه‪،‬‬
‫وجعل يقول‪ :‬إل َّى عباد هللا‪ ،‬فأدركه مولى له فركب وراءه وأدخله البصرة فمات بدار فيها‪،‬‬
‫ويقال‪ :‬إنه مات بالمعركة‪ ،‬وإن عليًا لما دار بين القتلى رآه فجعل يمسح عن وجهه‬
‫التراب(‪ ،)5‬ثم قال‪ :‬عزيز عل ّى أبا محمد أن أراك ُمجندالً في األودية‪ ،‬ثم قال‪ :‬إلى هللا أشكو‬
‫ت قبل هذا بعشرين سنة(‪ ،)7‬وال شك أن‬ ‫عُجرى وبُجرى(‪ ،)6‬وترحم عليه وقال‪ :‬ليتني َم ُّ‬
‫طلحة ابن عبيد هللا‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬من أهل الجنة‪ ،‬فقد روى الترمذي بإسناده إلى عبد‬
‫الرحمن ابن عوف قال‪ :‬قال رسول هللا ×‪« :‬أبو بكر في الجنة‪ ،‬وعمر في الجنة‪،‬‬
‫وعثمان في الجنة‪ ،‬وعلى في الجنة‪ ،‬وطلحة وسعد في الجنة‪ ،‬وسعيد في الجنة‪،‬‬
‫وأبو عبيدة في الجنة‪ ،‬والزبير وعبد الرحمن بن عوف في الجنة»‪.‬ثم قال‪ :‬وقد‬
‫روى هذا الحديث عن عبد الرحمن بن حميد عن أبيه عن سعيد بن زيد عن النبي × نحو‬
‫هذا(‪ ،)8‬ففي هذا الحديث منقبة واضحة لطلحة‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬حيث شهد له النبي × أنه‬
‫وأكر ْم بها من شهادة فإنها تضمنت اإلخبار بسعادته في الدنيا واآلخرة(‪.)9‬‬ ‫ِ‬ ‫من أهل الجنة‬
‫‪ -10‬حفظ هللا له بعد موته‪ :‬إن هللا حفظ جسد طلحة بن عبيد هللا‪ ،‬رضي هللا عنه‪،‬‬
‫بعد موته‪ ،‬فقد فتح قبره بعد أكثر من ثالثين عا ًما‪ ،‬ونقلوه إلى مكان آخر‪ ،‬فلم يتغير منه إال‬
‫شعيرات في أحد ِشقّي لحيته‪ ،‬فعن المثنى بن سعيد قال‪ :‬أتى رج ٌل عائشة بنت طلحة فقال‪:‬‬
‫رأيت طلحة في المنام فقال‪ :‬قل لعائشة تحولني من هذا المكان‪ ،‬فإن النَّ َّز – الرطوبة أو‬
‫الماء – قد آذاني‪ .‬فركبت في حشمها‪ ،‬فضربوا عليه بناء واستثاروه‪ .‬قال‪ :‬فلم يتغير منه إال‬
‫شعيرات في أحد َشقي لحيته‪ ،‬أو قال‪ :‬رأسه‪ ،‬وكان بينهما بضع وثالثون سنة(‪ ،)10‬فرضي‬
‫هللا عن طلحة وسائر الصحابة أجمعين‪.‬‬
‫‪ -11‬سعد بن أبى وقاص يدعو على من يقع في عثمان وعل ّى وطلحة‬
‫‪1‬‬
‫() ماء على ليلتين من المدينة بينها وبين خيبر‪ ،‬النهاية (‪.)4/37‬‬
‫‪2‬‬
‫() المستدرك (‪ ،)3/374‬حديث صحيح اإلسناد ولم يخرجه‪ ،‬مختصر تاريخ دمشق (‪ ،)11/203‬يقصد أن‬
‫العزلة بعد عن االهتمام‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() فرسان من عصر النبوة‪ ،‬ص(‪.)237‬‬
‫‪4‬‬
‫() فرسان من عصر النبوة‪ ،‬ص(‪.)237‬‬
‫‪5‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/258‬‬
‫‪6‬‬
‫() سرائري وأحزاني التي تموج في جوفي‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() تاريخ اإلسالم‪ ،‬عهد الخلفاء الراشدين (‪.)528‬‬
‫‪8‬‬
‫() أخرجه أبو داود (‪ ،)4649‬الترمذي (‪ )3757‬حديث حسن‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() عقيدة أهل السنة (‪.)1/293‬‬
‫‪10‬‬
‫() أصحاب الرسول (‪.)1/270‬‬
‫‪39‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫والزبير رضي هللا عنهم‪ :‬عن سعيد بن المسيب أن رجالً كان يقع في طلحة والزبير‬
‫وعثمان وعل ّى رضي هللا عنهم فجعل سعد ينهاه ويقول‪ :‬ال تقع في إخواني‪ ،‬فأبى‪ ،‬فقام‬
‫طا لك فيما يقول‪ ،‬فأرني فيه اليوم آية واجعله‬‫فصلى ركعتين ثم قال‪ :‬اللهم إن كان سخ ً‬
‫عبرة‪ ،‬فخرج الرجل فإذا ببختي يشق الناس‪ ،‬فأخذه بالبالط فوضعه بين‬
‫كركرته(‪)1‬والبالط‪ ،‬فسحقه حتى قتله‪ .‬قال سعيد ابن المسيب‪ :‬فأنا رأيت الناس يتبعون سعدًا‬
‫ويقولون‪ :‬هنيئًا لك أبا إسحاق أجيبت دعوتك(‪.)2‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫معركة صفين (‪37‬هـ)‬
‫أوالً‪ :‬تسلسل األحداث التي قبل المعركة‪:‬‬
‫‪ -1‬أم حبيبة بنت أبى سفيان ترسل النعمان بن بشير بقميص عثمان إلى‬
‫معاوية وأهل الشام‪ :‬لما قُتل عثمان‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬أرسلت أم المؤمنين‪ ،‬أم حبيبة بنت‬
‫أبى سفيان إلى أهل عثمان؛ أرسلوا إل ّى بثياب عثمان التي قُتل فيها‪ ،‬فبعثوا إليها بقميصه‬
‫مض ّرجًا بالدم‪ ،‬وبخصلة الشعر التي نتفت من لحيته‪ ،‬ثم دعت النعمان بن بشير‪ ،‬فبعثته‬
‫إلى معاوية‪ ،‬فمضى بذلك وبكتابها(‪ ،)3‬وجاء في رواية‪ :‬خرج النعمان بن بشير ومعه‬
‫(‪)4‬‬
‫قميص عثمان مضمخ بالدماء‪ ،‬ومعه أصابع نائلة التي أصيبت حين دافعت عنه بيدها ‪,‬‬
‫وكانت نائلة بنت الفرافصة الكلبية زوج عثمان كلبية شامية(‪ ,)5‬فورد النعمان على معاوية‬
‫بالشام‪ ،‬فوضعه معاوية على المنبر ليراه الناس‪ ،‬وعلق األصابع في كم القميص يرفع تارة‬
‫ويوضع تارة‪ ،‬والناس يتباكون حوله‪ ،‬وحث بعضهم بعضًا على األخذ بثأره(‪ ,)6‬وجاء‬
‫شرحبيل بن السمط الكندي وقال لمعاوية‪ ،‬كان عثمان خليفتنا‪ ،‬فإن قويت على الطلب بدمه‬
‫وأال فاعتزلنا(‪ .)7‬وآلي رجال الشام أن ال يمسوا النساء وال يناموا على الفرش حتى يقتلوا‬
‫قتلة عثمان ومن عرض دونهم بشيء أو تفنى أرواحهم(‪ ,)8‬وكان ذلك ما يريده معاوية‪ ،‬فقد‬
‫كانت الصورة التي نقلها النعمان بن بشير إلى أهل بشعة بشعة؛ مقتل الخليفة‪ ،‬سيوفًا‬
‫مصلته من الغوغاء على رقاب الناس‪ ،‬بيت المال منته ًكا مسلوبًا‪ ،‬وأصابع نائلة مقطوعة‪،‬‬
‫فهاجت النفوس والعواطف‪ ،‬واهتزت المشاعر‪ ،‬وتأثرت بها القلوب‪ ،‬وذرفت منها العيون‪،‬‬
‫وال غرابة بعد هذا إطالقًا أن نرى إصرار معاوية ومن معه من أهل الشام باإلصرار‬
‫على المطالبة بدم عثمان‪ ،‬وتسليم القتلة للقصاص قبل البيعة‪ ،‬وهل نتصور أن يتم مقتل‬
‫أمير المؤمنين وسيد المسلمين من حاقدين محتلين متآمرين‪ ،‬وال يتماوج العالم اإلسالمي‬
‫من أقصاه إلى أقصاه للقصاص من أصحاب هذه‬
‫الجريمة البشعة؟! (‪.)9‬‬

‫‪1‬‬
‫() الكركرة‪ :‬الصدر‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/259‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ اإلسالم‪ ،‬عهد الخلفاء الراشدين‪ :‬ص(‪.)359‬‬
‫‪4‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/539‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ الدعوة اإلسالمية‪ ،‬محمد جميل‪ :‬ص(‪.)398‬‬
‫‪6‬‬
‫() البداية والنهاية (‪ )7/539‬سندها ضعيف‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() األنساب (‪ ،)4/418‬تاريخ الدعوة اإلسالمية‪ :‬ص(‪.)398‬‬
‫‪8‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/600‬‬
‫‪39‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -2‬دوافع معاوية في عدم البيعة‪ :‬كان معاوية‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬واليًا على الشام‬
‫على أراد عزله وتولية عبد‬ ‫في عهد عمر وعثمان‪ ،‬رضي هللا عنهما‪ ،‬ولما تولى الخالفة ٌّ‬
‫على سهل بن حنيف بدالً منه‪ ،‬إال أنه ما كاد يصل‬ ‫هللا بن عمر‪ ،‬فاعتذر بن عمر‪ ،‬فأرسل ٌّ‬
‫مشارف الشام (وادي القرى) حتى عاد من حيث جاء‪ ،‬إذ لقيته خيل لمعاوية عليها حبيب‬
‫بن مسلمة الفهرى‪ ،‬فقالوا له‪ :‬إن كان بعثك عثمان فحيهال بك وإن كان بعثك غيره‬
‫فارجع(‪ .)1‬لقد امتنع معاوية وأهل الشام عن البيعة ورأوا أن يقتص على – رضي هللا عنه‬
‫– من قتلة عثمان ثم يدخلون البيعة(‪ ,)2‬وقالوا‪ :‬ال نبايع من يؤوى القتلة(‪ ,)3‬وتخوفوا على‬
‫أنفسهم من قتلة عثمان الذين كانوا في جيش على‪ ،‬فرأوا أن البيعة لعلى ال تجب عليهم‪،‬‬
‫وأنهم إذا قاتلوا على ذلك كانوا مظلومين‪ ،‬قالوا‪ :‬ألن عثمان قتل مظلو ًما باتفاق المسلمين‪،‬‬
‫وقتلته في عسكر على‪ ،‬وهم غالبون لهم شوكة‪ ،‬فإذا بايعنا ظلمونا واعتدوا علينا وضاع‬
‫دم عثمان‪ ،‬وكان معاوية – رضي هللا عنه – يرى أن عليه مسئولية االنتصار لعثمان‬
‫وما َف َق ْد َج َعلْنَا لَِولِيِّ ِه ُس ْلطَانًا َ‬
‫ال‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫والقود من قاتليه‪ ،‬فهو ولى دمه‪ ،‬وهللا يقول‪َ + :‬و َمن قُت َل َمظْلُ ً‬
‫ِ‬
‫ورا" [اإلسراء‪ ،]33:‬لذلك جمع معاوية الناس‪ ،‬وخطبهم بشأن‬ ‫يُ ْس ِرف في الْ َق ْت ِل إِنَّهُ َكا َن َم ْن ُ‬
‫ص ً‬
‫عثمان وأنه قتل مظلو ًما على يد سفهاء منافقين لم يقدروا الدم الحرام‪ ،‬إذ سفكوه في الشهر‬
‫الحرام في البلد الحرام‪ ،‬فثار الناس‪ ،‬واستنكروا وعلت األصوات – وكان منهم عدد من‬
‫أصحاب رسول هللا ×‪ ،‬فقام أحدهم – واسمه مرة بن كعب – فقال‪ :‬لوال حديث سمعته من‬
‫رسول هللا × ما تكلمت‪ ،‬وذكر الفتن فقربها‪ ،‬فمر رجل متقنع في ثوب‪ ،‬فقال‪ :‬هذا يومئذ‬
‫على الهدى‪ ،‬فقمت إليه‪ ،‬فإذا هو عثمان بن عفان‪ ،‬فأقبلت عليه بوجهه فقلت‪ :‬هذا؟ قال‪:‬‬
‫نعم(‪.)4‬‬
‫وهناك حديث آخر له تأثيره في طلب معاوية القود من قتلة عثمان وكانـ منشطًا ودافعًا‬
‫قويًاـ للتصميم على تحقيق الهدف‪ ،‬وهو‪ :‬عن النعمانـ بن بشير عن عائشة‪ ،‬رضي هللا عنها‪،‬‬
‫قالت‪ :‬أرسل رسول هللا ×‪ ،‬فكانـ من آخر كلمة أن ضرب منكبه‪ ،‬فقال‪« :‬يا عثمان إن الله‬
‫عسى أن يلبسك قميصًا‪ ،‬فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني»‬
‫ثالثًا‪ ،‬فقلت لها‪ :‬يا أم المؤمنين فأينـ كان هذا عنك؟ قالت‪ :‬نسيته وهللا ما ذكرته‪ ،‬قال‪ :‬فأخبرته‬
‫معاوية بن أبى سفيان فلم يرض بالذي أخبرته حتى كتب إلى أم المؤمنين أن اكتبي إلى به‪،‬‬
‫فكتبتـ إليه به كتابًاـ(‪.)5‬‬
‫لقد كان الحرص الشديد على تنفيذ حكم هللا في القتلة السبب الرئيسي في رفض أهل‬
‫الشام بزعامة معاوية بن أبى سفيان بيعة على بن أبى طالب‪ ،‬ورأوا أن تقديم حكم‬
‫القصاص مقدم على البيعة‪ ،‬وليس ألطماع معاوية في والية الشام‪ ،‬أو طلبه ما ليس له‬
‫بحق‪ ،‬إذ كان يدرك إدرا ًكا تا ًما أن هذا األمر في بقية الستة من أهل الشورى‪ ،‬وأن عليًا‬
‫أفضل منه وأولى باألمر منه(‪ ,)6‬وقد انعقدت البيعة له بإجماع الصحابة بالمدينة‪ ،‬وكان‬
‫‪9‬‬
‫() معاوية بن أبى سفيان للغضبان‪ :‬ص(‪.)183 -178‬‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/466‬‬
‫‪2‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/129‬‬
‫‪3‬‬
‫() العواصم من القواصم‪ :‬ص(‪.)162‬‬
‫‪4‬‬
‫() صحيح سنن ابن ماجه (‪.)1/240‬‬
‫‪5‬‬
‫() مسند أحمد رقم (‪ ،)24045‬حديث صحيح‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد على‪ :‬ص(‪.)112‬‬
‫‪39‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫اجتهاد معاوية يخالف الصواب‪.‬‬
‫‪ -3‬معاوية يرد على أمير المؤمنين عل ّى رضي هللا عنهما‪ :‬بعث على رضي‬
‫هللا عنه كتبًا كثيرة إلى معاوية فلم يرد عليه جوابها‪ ،‬وتكرر ذلك مرارًا إلى الشهر الثالث‬
‫من مقتل عثمان في صفر‪ ،‬ثم بعث معاوية طُومارًا(‪ )1‬مع رجل‪ ،‬فدخل به على عل ّى فقال‬
‫له على‪ :‬ما وراءك؟ قال‪ :‬جئتك من عند قوم ال يريدون إال القَ َود(‪,)2‬كلهم موتور(‪ )3‬تركت‬
‫ستين ألف شيخ يبكون تحت قميص عثمان‪ ،‬وهو على منبر دمشق‪ ،‬فقال على‪ :‬اللهم إن ّي‬
‫أبرأ إليك من دم عثمان‪ .‬ثم خرج رسول معاوية من بين يدي على فه َّم به أولئك الخوارج‬
‫الذين قتلوا عثمان يريدون قتله‪ ،‬فما أفلت إال بعد جهد(‪.)4‬‬
‫‪ -4‬تجهيز أمير المؤمنين على لغزو الشام واعتراض الحسن على ذلك‪ :‬بعد‬
‫وصولـ رد معاوية ألمير المؤمنين على‪ ،‬عزم الخليفة على قتال أهل الشام‪ ،‬كتب إلى قيس‬
‫بن سعد بمصر يستنفر الناس لقتالهم‪ ،‬وإلى أبى موسى بالكوفة‪ ،‬وبعث إلى عثمان بن‬
‫حُنيف بذلك‪ ،‬وخطب الناس فحثّهم على ذلك‪ ،‬وعزم على التجهز‪ ،‬وخرج من المدينة‪،‬‬
‫واستخلف عليها قُثم بن العباس‪ ،‬وهو عازم أن يقاتل بمن أطاعه من عصاه وخرج من‬
‫أمره ولم يبايعه مع الناس‪ ،‬وجاء إليه ابنه الحسن بن على فقال‪ :‬يا أبه َد ْع هذا ّ‬
‫فإن فيه‬
‫سفك دماء المسلمين‪ ،‬ووقوعـ االختالف بينهم‪ ،‬فلم يقبل منه ذلك‪ ،‬بل صمم على القتال‪،‬‬
‫ورتّب الجيش‪ ،‬فدفع اللواء إلى محمد ابن الحنفية‪ ،‬وجعل ابن العباس على الميمنة‪ ،‬وعمر‬
‫بن أبى سلمه على الميسرة‪ ،‬وقيل‪ :‬جعل على الميسرة عمرو بن سفيان بن عبد األسد‪،‬‬
‫وجعل على مقدمته أبا ليلى بن عمر بن الجراح ابن أخي أبى عبيدة‪ ،‬واستخلف على‬
‫المدينة قثم بن العباس‪ ،‬ولم يبق شيء إال أن يخرج من المدينة قاصدًا الشام‪ ،‬حتى جاءه ما‬
‫شغله عن ذلك(‪ ,)5‬وقد تم تفصيل ذلك من خروج عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة إلى‬
‫معركة الجمل‪.‬‬
‫على جرير بن عبد هللا إلى‬ ‫ٌّ‬ ‫‪ -5‬بعد معركة الجمل أرسل أمير المؤمنين‬
‫معاوية‪ُ :‬ذكر أن المدة بين خالفة أمير المؤمنين على إلى فتنة السبئية الثانية أو ما يُسمى‬
‫البصرة أو معركة الجمل‪ ،‬خمسة أشهر وواحد وعشرون يو ًما‪ ،‬وبين دخوله الكوفة شهر‪،‬‬
‫وبين ذلك وخروجه إلى صفين ستة أشهر(‪ ,)6‬وروى شهران أو ثالثة(‪ )7‬وقد كان دخول‬
‫أمير المؤمنين الكوفة يوم االثنين الثنتي عشرة ليلة خلت من رجب سنة ست وثالثين‪،‬‬
‫فقيل له‪ :‬انزل بالقصر األبيض‪ ،‬فقال‪ :‬ال‪ ،‬إن عمر بن الخطاب كان يكره نزوله‪ ،‬فأنا أكره‬
‫لذلك‪ ،‬فنزل في الرحبة وصلى بالجامع األعظم ركعتين ثم خطب الناس فحثهم على‬
‫الخير‪ ،‬ونهاهم عن الشر‪ ،‬ومدح أهل الكوفة في خطبته هذه‪ ،‬ثم بعث إلى جرير بن عبد هللا‬
‫وكان على همذان من زمان عثمان‪ ،‬وإلى األشعت بن قيس وهو على نيابة أذربيجان من‬
‫أيام عثمان يأمرهما أن يأخذا البيعة له على من هُنالك ثم يُقبالن إليه‪ ،‬ففعال ذلك‪ ،‬فلما أراد‬
‫على أن يبعث إلى معاوية – رضي هللا عنه – يدعوه إلى بيعته‪ ،‬قال جرير بن عبد هللا‬
‫‪1‬‬
‫() الطومار‪ :‬الصحيفة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() القود‪ :‬القاتل بالقتيل‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() الموتور‪ :‬صاحب الثأر‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/240‬‬
‫‪5‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)241 ،7/240‬‬
‫‪6‬‬
‫() مروج الذهب (‪.)2/360‬‬
‫‪7‬‬
‫() التاريخ الصغير للبخاري (‪.)1/102‬‬
‫‪39‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫البجلى‪ :‬أنا أذهب إليه يا أمير المؤمنين‪ّ ،‬‬
‫فإن بيني وبينه ُودًا‪ ،‬فآخذ لك البيعة منه‪ ،‬فقال‬
‫األشتر‪ :‬ال تبعثه يا أمير المؤمنين‪ ،‬فإني أخشى أن يكون هواه معه‪ .‬فقال على‪ :‬دعه‪ .‬فبعثه‬
‫وكتب معه كتابًا إلى معاوية يعلمه باجتماع المهاجرين واألنصار على بيعته‪ ،‬ويخبره بما‬
‫كان في وقعة الجمل‪ ،‬ويدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه الناس‪ ،‬فل ّما انتهى إليه جرير بن‬
‫عبد هللا‪ ،‬أعطاه الكتاب وطلب معاوية عمرو بن العاص ورءوس أهل الشام فاستشارهم‪،‬‬
‫فأبوا أن يبايعوا حتى يقتل قتلة عثمان‪ ،‬أو أن يسلم إليهم قتلة عثمان‪ ،‬وإن لم يفعل قاتلوه‬
‫ولم يبايعوه حتى يقتلهم عن آخرهم‪ ،‬فرجع جرير إلى على فأخبره بما قالوا‪ ،‬فقال األشتر‪:‬‬
‫ألم أ ْنهك يا أمير المؤمنين أن تبعث جريرًا؟ فلو كنت بعثتني لما فتح معاوية بابًا إال أغلقته‪.‬‬
‫فقال له جرير‪ :‬لو كنت ث ّم لقتلوك بدم عثمان‪ ،‬فقال األشتر‪ :‬وهللا لو بعثتني لم يُ ْعيِني جواب‬
‫معاوية‪ ،‬وألعجلنّه عن الفكرة‪ ،‬ولو أطاعني فيك أمير المؤمنين لحبسك وأمثالك حتى‬
‫يستقيم أمر هذه األ َّمة‪ .‬فقام جرير ُم ْغضبًا فأقام بقرقيساء‪ ،‬وكتب إلى معاوية يخبره بما قال‬
‫وقيل له‪ ،‬فكتب إليه معاوية يأمره بالقدوم عليه(‪ ,)1‬وهكذا كان األشتر سببًا في إبعاد‬
‫الصحابي جرير بن عبد هللا الذي كان واليًا على قرقيسياء وعلى غيرها ورأسًا في قبيلته‬
‫بجيلة‪ ،‬ويضطره إلى مفارقة أمير المؤمنين على‪ .‬وهذا الصحابي جرير بن عبد هللا‬
‫البجلى قال‪ :‬ما رآني رسول هللا × إال تبسم في وجهي‪ ،‬وقال ×‪« :‬يطلع عليكم من هذا‬
‫الباب رجل من خير ذي يمن‪ ،‬على وجهه مسحةُ مَلَك»(‪.)2‬‬
‫‪ -6‬مسير أمير المؤمنين إلى الشام‪ :‬استعد أمير المؤمنين على لغزو الشام‪ ،‬فبعث‬
‫يستنفر الناس(‪ ,)3‬وجهز جي ًشا ضخ ًما اختلفت الروايات في تقديره‪ ،‬وكلها روايات‬
‫ضعيفة(‪ )4‬إال رواية واحدة حسنة اإلسناد ذكرت أنه سار في خمسين ألفًا(‪.)5‬‬
‫وكان مكان تجمع جند أمير المؤمنين بالنخيلة(‪ ,)6‬وهو على ميلين من الكوفة آنذاك‪،‬‬
‫فتوافدت عليه القبائل من شتى إقليم العراق(‪ ,)7‬واستعمل أمير المؤمنين ٌّ‬
‫على أبا مسعود‬
‫األنصاري‪ ،‬وبعث من النخيلة زياد بن النضر الحارثي طليعة في ثمانية آالف مقاتل‪،‬‬
‫وبعث شريح بن هانئ في أربعة آالف‪ ،‬ثم خرج على رضي هللا عنه بجيشه إلى المدائن‬
‫(بغداد) فانضم إليه فيها من المقاتلة وولى عليها سعد بن مسعود الثقفي‪ ،‬ووجه منها طليعة‬
‫في ثالثة آالف إلى الموصل(‪ ,)8‬وسلك رضي هللا عنه طريق الجزيرة الرئيسي على شط‬
‫الفرات الشرقي حتى بلغ قرب قرقيسياء(‪ ,)9‬فأتته األخبار بأن معاوية قد خرج لمالقاته‬

‫‪1‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/265‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسلم رقم (‪.)2475‬‬
‫‪3‬‬
‫() اإلصابة (‪ )124 ،1/123‬نقالً عن الحاكم بسند حسن‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() من قال‪ :‬مائة وخمسون ألفًا أو يزيدون‪ ،‬البداية والنهاية (‪ ،)7/260‬مائة وعشرون ألفًا‪ :‬المعرفة‬
‫والتاريخ (‪ )3/13‬بسند منقطع‪ ،‬وقدر بتسعين ألفًا‪ :‬تاريخ خليفة بن خياط‪ :‬ص(‪.)193‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ خليفة‪ :‬ص(‪ )193‬بسند حسن‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() موقع قرب الكوفة من جهة الشام‪ ،‬معجم البلدان (‪.)5/278‬‬
‫‪7‬‬
‫() خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد‪ :‬ص(‪.)188‬‬
‫‪8‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪ )5/603‬بسند حسن إلى عوانة منقطعًا‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() فرقيسياء‪:‬بلد يقع على نهر الخابور عند مصبه في الفرات – معجم البلدان (‪.)4/328‬‬
‫‪39‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وعسكر بصفين‪ ،‬فتقدم على إلى الرقة(‪ ,)1‬وعبر منها الفرات غربًا ونزل على صفين(‪.)2‬‬
‫‪ -7‬خروج معاوية إلى صفين‪ :‬كان معاوية جادًا في مطاردة قتلة عثمان‪ ،‬رضي‬
‫هللا عنه‪ ،‬فقد استطاع أن يترصد بجماعة ممن غزوا المدينة من المصريين أثناء عودتهم‬
‫وقتلهم‪ ،‬ومنهم أبو عمرو بن بديل الخزاعى(‪ ,)3‬ثم كانت له أيد في مصر وشيعة في أهل‬
‫«خربتا» تطالب بدم عثمان‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬وقد استطاعت هذه الفرقة إيقاع الهزيمة‬
‫بمحمد بن أبى حذيفة في عدة مواجهات عام ‪36‬هـ‪ ،‬كما استطاع أيضًا أن يوقع برءوس‬
‫مدبري ومخططي غزو المدينة من المصريين‪ ،‬مثل عبد الرحمن بن عديسى‪ ،‬وكنانة بن‬
‫بشر‪ ،‬ومحمد بن حذيفة فحبسهم في فلسطين‪ ،‬وذلك في الفترة التي سبقت خروجه إلى‬
‫صفين‪ ،‬ثم قتلهم في شهر ذي الحجة عام ‪36‬هـ(‪ ,)4‬وعندما علم معاوية بتحرك جيش‬
‫العراق جمع مستشاريه من أعيان أهل الشام‪ ،‬وخطب فيهم وقال‪ :‬إن عليًا نهد إليكم في‬
‫أهل العراق‪..‬فقال ذو الكالع ألحميري‪ :‬عليك أمرأى وعلينا امفعال(‪.)6()5‬‬
‫وكان أهل الشام قد بايعوا معاوية على الطلب بدم عثمان‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬والقتال(‪,)7‬‬
‫وقد قام عمرو بن العاص‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬بتجهيز الجيش وعقد األلوية‪ ،‬وقام في الجيش‬
‫خطيبًا يحرضهم‪ ،‬فقال‪ :‬إن أهل العراق قد فرقوا جمعهم وأوهنوا شوكتهم‪ ،‬وفلوا حدهم‪ ،‬ثم‬
‫إن أهل البصرة مخالفون لعلى قد وترهم وقتلهم‪ ،‬وقد تفانت صناديد أهل الكوفة يوم‬
‫الجمل‪ ،‬وإنما سار في شرذمة قليلة‪ ،‬ومنهم من قد قتل خليفتكم‪ ،‬فاهلل هللا في حقكم أن‬
‫تضيعوه وفي دمكم أن تبطلوه(‪ ,)8‬وسار معاوية في جيش ضخم‪ ،‬اختلفت الروايات في‬
‫تقديره‪ ،‬وكلها روايات منقطعة أسانيدها‪ ،‬وهي عين الروايات التي قدرت جيش على‬
‫رضي هللا عنه‪ ،‬فقدر بمائة ألف وعشرين ألفًا(‪,)9‬وقدر بسبعين ألف مقاتل‪ ،‬وقدر بأكثر من‬
‫ذلك بكثير(‪ ,)10‬إال أن األقرب للصواب أنهم ستون ألف مقاتل‪ ،‬فهي وإن كانت منقطعة‬
‫اإلسناد إال أن راويها صفوان بن عمرو السكسى‪ ،‬حمصي من أهل الشام ولد عام (‪72‬هـ)‬
‫وهو ثبت ثقة‪ ،‬وقد أدرك خلقًا ممن شهد صفين‪ ،‬كما يتبين من دراسة ترجمته(‪,)11‬‬
‫واإلسناد إليه صحيح(‪ ,)12‬وكان قادة جيش معاوية على النحو التالي‪ :‬عمرو بن العاص‬
‫على خيول أهل الشام كلها‪ ،‬والضحاك بن قيس على رجالة الناس كلهم‪ ،‬وذو الكالع‬
‫الحميري على ميمنة الجيش‪ ،‬وحبيب بن مسلمة على ميسرة الجيش‪ ،‬وأبو األعور السلمي‬
‫‪1‬‬
‫() الرقة‪ :‬مدينة مشهورة – في سوريا اليوم – على نهر الفرات الشرقي‪ ،‬معجم البلدان (‪.)3/153‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/604‬‬
‫‪3‬‬
‫() المحن ألبى العرب التميمي‪ :‬ص(‪ ،)124‬خالفة على‪ ،‬عبد الحميد‪ :‬ص(‪.)191‬‬
‫‪4‬‬
‫() خالفة على‪ ،‬عبد الحميد‪ :‬ص(‪.)191‬‬
‫‪5‬‬
‫() لغة حمير في إبدال الم (أل) التعريف مي ًما؛ أي‪ :‬عليك الرأي وعلينا الفعال‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() اإلصابة (‪ ،)1/480‬خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد‪ :‬ص(‪.)192‬‬
‫‪7‬‬
‫() أنساب األشراف (‪ )2/52‬بسنده منقطع‪ ،‬خالفة على‪ :‬ص(‪.)192‬‬
‫‪8‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪ )5/601‬بسند منقطع‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() خالفة على بن أبى طالب‪ :‬ص(‪ ،)194‬المعرفة والتاريخ (‪.)3/313‬‬
‫‪10‬‬
‫() خالفة على‪ :‬ص(‪ ،)194‬تاريخ خليفة‪ :‬ص(‪.)193‬‬
‫‪11‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)6/380‬‬
‫‪12‬‬
‫() خالفة على بن أبى طالب‪ :‬ص(‪.)194‬‬
‫‪39‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫على المقدمة‪ .‬هؤالء هم القادة الكبار وتحت كل قائد من هؤالء قادة وزعوا حسب القبائل‪،‬‬
‫وكان هذا الترتيب عند مسيرهم إلى صفين‪ ،‬ولكن أثناء الحرب تغير بعض القادة وظهر‬
‫قادة آخرون مما اقتضته الظروف‪ ،‬ولعل هذا يكون السبب في اختالف أسماء القادة في‬
‫بعض المصادر(‪.)1‬‬
‫وبعث معاوية أبا األعور السلمي مقدمة للجيش‪ ،‬وكان خط سيرهم إلى الشمال‬
‫الشرقي من دمشق‪ ،‬ولما بلغ صفين أسفل الفرات‪ ،‬عسكر في سهل فسيح‪ ،‬إلى جانب‬
‫شريعة في الفرات‪ ،‬ليس في ذلك المكان شريعة غيرها‪ ،‬وجعلها في حيزه(‪.)2‬‬
‫‪ -8‬القتال على الماء‪ :‬وصل جيش على رضي هللا عنه إلى صفين‪ ،‬حيث عسكر‬
‫معاوية‪ ،‬ولم يجد موضعًا فسيحًا سهالً يكفي الجيش‪ ،‬فعسكر في موضع وعر نوعًا ما؛ إذ‬
‫أغلب األرض صخور ذات كدي وأكمات(‪ ,)3‬فوجئ جيش العراق بمنع معاوية عنهم‬
‫الماء‪ ،‬فهرع البعض إلى على رضي هللا عنه يشكون إليه هذا األمر‪ ،‬فأرسل على إلى‬
‫األشعت بن قيس فخرج في ألفين ودارت أول معركة بين الفريقين انتصر فيها األشعت‬
‫واستولى على الماء(‪ ,)4‬إال أنه قد وردت رواية تنفى وقوع القتال في أصله مفادها أن‬
‫األشعت بن قيس جاء إلى معاوية فقال‪ :‬هللا هللا يا معاوية في أمة محمد ×! هبوا أنكم قتلتم‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫أهل العراق‪ ،‬فمن للبعوث والذرارى؟ إن هللا يقول‪َ + :‬وإِن طَائ َفتَان م َن ال ُْم ْؤمن َ‬
‫ين اقْتََتلُوا‬
‫َصلِ ُحوا َب ْيَن ُه َما" [الحجرات‪ ]9:‬قال معاوية‪ :‬فما تريد؟ قالوا‪ :‬خلوا بيننا وبين الماء‪ .‬فقال‬ ‫فَأ ْ‬
‫(‪)5‬‬
‫ألبى األعور‪ :‬خ َّل بين إخواننا وبين الماء ‪ .‬وقد كان القتال على الماء في أول يوم تواجها‬
‫فيه في بداية شهر ذي الحجة فاتحة شر على الطرفين المسلمين‪ ،‬إذ استمر القتال بينهما‬
‫متواصالً طوال هذا الشهر‪ ،‬وكان القتال على شكل كتائب صغيرة‪ ،‬فكان على رضي هللا‬
‫عنه يخرج من جيشه كتيبة صغيرة يؤمر عليها أميرًا‪ ،‬فتقتتالن مرة واحدة في اليوم‪ ،‬في‬
‫الغداة أو العشي‪ ،‬وفي بعض األحيان تقتتالن مرتين في اليوم‪ ،‬وكان أغلب من يخرج من‬
‫أمراء الكتائب في جيش على‪ ،‬األشتر‪ ،‬وحجر بن عدى‪ ،‬وشبث بن ربعي‪ ،‬وخالد بن‬
‫المعتمر‪ ،‬ومعقل بن يسار الرياحي‪ ،‬ومن جيش معاوية أغلب من يخرج‪ ،‬حبيب بن‬
‫مسلمة‪ ،‬وعبد الرحمن بن خالد ابن الوليد‪ ،‬وعبيد هللا بن عمر بن الخطاب‪ ،‬وأبو األعور‬
‫السلمي‪ ،‬وشرحبيل بن السمط‪ ،‬وقد تجنبوا القتال بكامل الجيش خشية الهالك‬
‫واالستئصال‪ ،‬وأمالً في وقوع صلح بين الطرفَين‪ ،‬تصان به األرواح الدماء(‪.)6‬‬
‫‪ -9‬الموادعة بينهما ومحاوالت الصلح‪ :‬ما إن دخل شهر المحرم‪ ،‬حتى بادر‬
‫الفريقان إلى الموادعة والهدنة طمعًا في صلح يحفظ دماء المسلمين‪ ،‬فاستغلوا هذا الشهر‬
‫في المراسالت بينهم‪ ،‬ولكن المعلومات عن مراسالت هذه الفترة – شهر المحرم – وردت‬
‫من طرق ضعيفة(‪ ,)7‬مشهورة‪ ،‬إال أن ضعفها ال ينفى وجودها‪ ،‬كان البادئ بالمراسلة أمير‬
‫‪1‬‬
‫() امتداد العرب في صدر اإلسالم صالح العلى‪ :‬ص(‪ ،)73‬خالفة على‪ :‬ص(‪.)194‬‬
‫‪2‬‬
‫() صفين‪ ،‬نصر بن مزاحم‪ :‬ص(‪.)161 ،160‬‬
‫‪3‬‬
‫() خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد‪ :‬ص(‪ ،)196‬النصر المبين‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪ )15/24‬بسند حسن‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪ ،)2/41‬مرويات أبى مخنف‪ :‬ص(‪.)296‬‬
‫‪6‬‬
‫() خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد ص‪ ،198 ،197‬البداية والنهاية (‪ ،)7/266‬تاريخ الطبري (‬
‫‪.)5/614‬‬
‫‪7‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪ ،)613 ،5/612‬خالفة على بن أبى طالب‪ :‬ص(‪.)199‬‬
‫‪39‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫المؤمنين على ابن أبى طالب رضي هللا عنه‪ ،‬فأرسل بشير بن عمرو األنصاري‪ ،‬وسعيد‬
‫بن قيس الهمداني‪ ،‬وشبث بن ربعي التميمي إلى معاوية‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬يدعوه كما دعاه‬
‫من قبل إلى الدخول في الجماعة والمبايعة‪ ،‬فرد معاوية عليه برده السابق المعروف‪،‬‬
‫بتسليم قتلة عثمان أو القود منهم أوالً‪ ،‬ثم يدخل في البيعة‪ ،‬وقد تبين لنا موقف على من هذه‬
‫القضية(‪ ,)1‬كما أن قراء الفريقين‪ ،‬قد عسكروا في ناحية من صفين‪ ،‬وهم عدد كبير‪ ،‬قد‬
‫قاموا بمحاوالتـ للصلح بينهما‪ ،‬فلم تنجح تلك المحاوالت اللتزام كل فريق منهما برأيه‬
‫وموقفه(‪ ,)2‬وقد حاول اثنان من الصحابة‪ ،‬وهما أبو الدرداء‪ ،‬وأبو أمامة‪ ،‬رضي هللا‬
‫عنهما‪ ،‬الصلح بين الفريقين‪ ،‬فلم تنجح مهمتهما أيضًا لنفس األسباب السابقة‪ ،‬فتركا‬
‫الفريقين ولم يشهدا معهما أمرهما(‪ ,)3‬وكذلك حضر مسروق بن األجدع – أحد كبار‬
‫التابعين‪ -‬فوعظ‪ ،‬وخوف ولم يقاتل(‪.)4‬‬
‫وقد انتقد ابن كثير التفصيالت الطويلة التي جاءت في روايات أبى مخنف ونصر بن‬
‫مزاحم‪ ،‬بخصوص المراسالت بين الطرفين فقال‪...« :‬ثم ذكر أهل السير كال ًما طويالً‬
‫جرى بينهم وبين على‪ ،‬وفي صحة ذلك عنهم وعنه نظر‪ ،‬فإن في مطاري ذلك الكالم من‬
‫على ما ينتقص فيه معاوية وأباه‪ ،‬وأنهما إنما دخال في اإلسالم ولم يزاال في تردد فيه‪،‬‬
‫وغير ذلك‪ ،‬وأنه قال في ذلك‪ :‬ال أقول إن عثمان قُتل مظلو ًما وال ظالما؛‪...‬وهذا عندي ال‬
‫يصح من على رضي هللا عنه»(‪ ,)5‬وموقفـ على رضي هللا عنه من قتل عثمان واضح قد‬
‫بينته في كتابي عن عثمان بن عفان رضي هللا عنه‪ ،‬وفي هذا الكتاب‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬نشوب القتال‪:‬‬
‫عادت الحرب على ما كانت عليه في شهر ذي الحجة من قتال الكتائب والفرق‬
‫والمبارزات الفردية‪ ،‬خشية االلتحام الكلي إلى أن مضى األسبوع األول منه‪ ،‬وكان عدد‬
‫(‪)6‬‬
‫الوقعات الحربية بين الفريقين إلى هذا التاريخ أكثر من سبعين وقعة‪ ،‬وذكر أنها تسعون‬
‫إال أن عليًا أعلن في جيشه أن غدًا األربعاء سيكون االلتحام الكلي لجميع الجيش‪ ،‬ثم نبذ‬
‫معاوية يخبره بذلك(‪ ,)7‬فثار الناس في تلك الليلة إلى أسلحتهم يصلحونها ويحدونها‪ ،‬وقام‬
‫عمرو بن العاص بإخراج األسلحة من المخازن لمن يحتاج من الرجال ممن فل سالحه‪،‬‬
‫وهو يحرض الناس على االستبسال في القتال(‪ ,)8‬وبات جميع الجيشين في مشاورات‬
‫وتنظيم للقيادات واأللوية‪.‬‬
‫‪ -1‬اليوم األول‪ :‬أصبح الجيشان في يوم األربعاء قد نظمت صفوفهم ووزعوا حسب‬
‫التوزيع المتبع في المعارك الكبرى‪ :‬قلب وميمنة وميسرة‪ ،‬فكان جيش على رضي هللا عنه‬

‫‪1‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪ ،)5/613‬خالفة على بن أبى طالب‪ :‬ص(‪.)19‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)5/614‬‬
‫‪3‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/270‬‬
‫‪4‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪ )4/67‬بدون إسناد‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/269‬‬
‫‪6‬‬
‫() األنباء بتواريخ الخلفاء‪ :‬ص(‪ ،)59‬صفين‪ :‬ص(‪ ،)202‬شذرات الذهب (‪.)1/45‬‬
‫‪7‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/273‬‬
‫‪8‬‬
‫() سنن سعيد بن منصور (‪ )2/240‬ضعيف‪.‬‬
‫‪39‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫على النحو التالي(‪ :)1‬على بن أبى طالب على القلب‪ ،‬وعبد هللا بن عباس على الميسرة‪،‬‬
‫وعمار بن ياسر على الرجالة‪ ،‬ومحمد ابن الحنفية‪ ،‬حامل الراية‪ ،‬وهشام بن عتبة (المرقال)‬
‫حامل اللواء‪ ،‬واألشعت بن قيس على الميمنة‪ .‬وأما جيش الشام‪ ،‬فمعاوية في كتيبة الشهباء‬
‫أصحاب البيض والدروع على تل مرتفع‪ ،‬وهو أمير الجيش‪ ،‬وعمرو بن العاص قائد خيل‬
‫الشام كلها‪ ،‬وذو الكالع الحميري على الميمنة على أهل اليمن‪ ،‬وحبيب بن مسلمة الفهرى‬
‫على الميسرة على مضر‪ ،‬والمخارق بن الصباح الكالعي حامل اللواء(‪ ,)2‬وتقابلت الجيوش‬
‫(‪)3‬‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ومن كثرتها قد سدت األفق‪ .‬ويقول كعب بن جعيل التغلبي أحد شعراء العرب‬
‫وذلك عندما رأى الناس في ليلة األربعاء وقد ثبتوا إلى نبالهم وسيوفهم‬
‫يصلحونها استعدادًا لهذا اليوم‪:‬‬
‫والملك مجموع غدًا لمن غلب‬ ‫أصبحت األمة في أمر عجب‬
‫(‪)4‬‬
‫إن غدًا تهلك أعالم العرب‬ ‫فقلت قوالً صادقًا غير كذب‬
‫وتذكر بعض الروايات الضعيفة أن عليا خطب في جيشه‪ ،‬وحرضهم على الصبر‬
‫واإلقدام واإلكثار من ذكر هللا(‪ ,)5‬وتذكر أيضًا أن عمرو بن العاص قد استعرض جيشه‪،‬‬
‫وأمرهم بتسوية الصفوف وإقامتها(‪ ,)6‬وهذه الروايات ال يوجد مانع من األخذ بها‪ ،‬ألن كل‬
‫قائد يحرض جيشه ويحمسه‪ ،‬ويهتم بكل ما يؤدى به إلى النصر‪.‬والتحم الجيشان في قتال‬
‫عنيف‪ ،‬استمر محتد ًما إلى غروب الشمس ال يتوقف إال ألداء الصالة‪ ،‬ويصلى كل فريق‬
‫في معسكره وبينهما جثث القتلى في الميدان تفصل بينهما‪ ،‬وسأل أحد أفراد جيش عل ‪‰‬ـًًّى‬
‫رضي هللا عنه حين انصرافه من الصالة‪ ،‬فقال‪ :‬ما تقول في قتالنا وقتالهم يا أمير‬
‫المؤمنين؟ فقال‪ :‬من قتل منا ومنهم يريد وجه هللا والدار اآلخرة دخل الجنة(‪ .)7‬وقد صبر‬
‫بعضهم على بعض فلم يغلب أحد أحدًا‪ ،‬ولم ير موليًا حتى انتهى ذلك اليوم‪ .‬وفي المساء‬
‫خرج على رضي هللا عنه إلى ساحة القتال فنظر إلى أهل الشام‪ ،‬فدعا ربه قائالً‪ :‬اللهم‬
‫اغفر لي ولهم(‪.)8‬‬
‫‪ -2‬اليوم الثاني‪ :‬في يوم الخميس تذكر الروايات أن عليًا رضي هللا عنه قد غلس‬
‫بصالة الفجر واستعد للهجوم‪ ،‬وغيَّر بعض القيادات‪ ،‬فوضع عبد هللا بن بديل الخزاعى‬
‫على الميمنة بدالً من األشعت بن قيس الكندي الذي تحول إلى الميسرة(‪ ,)9‬وزحف الفريقان‬
‫نحو بعضهما واشتبكوا في قتال عنيف أشد من سابقه‪ ،‬وبدأ أهل العراق في التقدم‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ خليفة بن خياط‪ :‬ص(‪ )193‬بسند حسن إلى شاهد عيان‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ خليفة بن خياط‪ :‬ص(‪ )193‬بسند حسن إلى شاهد عيان‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() شاعر تغلب في عصره‪ ،‬مخضرم‪ ،‬شهد صفين مع معاوية‪ ،‬وهو شاعر معاوية بن أبى سفيان وأهل‬
‫الشام‪ ،‬األعالم للزركلى (‪.)6/180‬‬
‫‪4‬‬
‫() البداية والنهاية (‪ ،)7/273‬تاريخ الطبري (‪.)5/262‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪ )5/622‬من طريق أبى مخنف‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() الطبقات (‪ )4/255‬من طريق الواقدى‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() سنن سعيد بن منصور (‪ )345 ،2/344‬بسند ضعيف‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪ )15/297‬بسند ضعيف‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/630‬‬
‫‪39‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وأظهروا تفوقًا على أهل الشام‪ ،‬واستطاع عبد هللا بن بديل أن يكسر ميسرة معاوية‪،‬‬
‫وعليها حبيب بن مسلمة‪ ،‬ويتقدم باتجاه كتيبة معاوية (الشهباء)‪ ،‬وأظهر شجاعة وحماسًا‬
‫منقطع النظير‪ ،‬وصاحب هذا التقدم الجزئي‪ ،‬تقدم عام لجيش العراق‪ ،‬حتى إن معاوية قد‬
‫حدثته نفسه بترك ميدان القتال‪ ،‬إال أنه صبر وتمثل بقول الشاعر‪:‬‬
‫وأخذى الحمد بالثمن الربيح‬ ‫أبت لي عفتي وأبى بالئي‬
‫وضربي هامة البطل المشيح‬ ‫وإكراهي على المكروه نفسي‬
‫(‪)1‬‬
‫مكانك تحمدي أو تستريحي‬ ‫وقولي كلما جشأت وجاشت‪:‬‬
‫واستحث كتيبته الشهباء‪ ،‬واستطاعوا قتل عبد هللا بن بديل‪ ،‬فأخذ مكانه في قيادة‬
‫الميمنة األشتر‪ ،‬وتماسك أهل الشام وبايع بعضهم على الموت‪ ،‬وكروا مرة أخرى بشدة‬
‫وعزيمة وقتل عدد من أبرزهم ذو الكالع‪ ،‬وحوشب وعبيد هللا بن الخطاب‪ ،‬رضي هللا‬
‫عنهم‪ ،‬وانقلب األمر لجيش الشام‪ ،‬وأظهر تقد ًما‪ ،‬وبدأ جيش العراق في التراجع‪ ،‬واستحر‬
‫القتل في أهل العراق وكثرت الجراحات‪ ،‬ولما رأى على جيشه في تراجع‪ ،‬أخذ يناديهم‬
‫ويحمسهم‪ ،‬وقاتل قتاالً شديدًا واتجه إلى القلب حيث ربيعة‪ ،‬فثارت فيه الحمية وبايعوا‬
‫أميرهم خالد بن المعتمر على الموت وكانوا أهل قتال(‪.)2‬‬
‫وكان ع ّمار بن ياسر‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬قد جاوز الرابعة والتسعين عا ًما‪ ،‬وكان‬
‫يحارب بحماس‪ ،‬يحرض الناس‪ ،‬ويستنهض الهمم‪ ،‬ولكنه بعيد كل البعد عن الغلو‪ ،‬فقد‬
‫سمع رجالً بجواره يقول‪ :‬كفر أهل الشام‪ .‬فنهاه عمار عن ذلك وقال‪ :‬إنما بغوا علينا‪،‬‬
‫فنحن نقاتلهم لبغيهم‪ ،‬فإلهنا واحد‪ ،‬ونبينا واحد‪ ،‬وقبلتنا واحدة(‪.)3‬‬
‫ولما رأى عمار رضي هللا عنه تقهقر أصحابه‪ ،‬وتقدم خصومه‪ ،‬أخذ يستحثهم ويبين لهم‬
‫أنهم على الحق وال يغرنهم ضربات الشاميين الشديدة‪ ،‬فيقول رضي هللا عنه‪ :‬من سره أن‬
‫تكتنفه الحور العين فليقدم بين الصفين محتسبًا‪ ،‬فإني ألرى صفًا يضربكم ضربًا يرتاب منه‬
‫المبطلون‪ ،‬والذي نفسي بيده‪ ،‬لو ضربونا حتى يبلغوا منا سعفات هجر‪ ،‬لعلمنا أنا على الحق‬
‫وأنهم على الباطل‪ ،‬ولعلمنا أن مصلحينا على الحق وأنهم على الباطل(‪ .)4‬ثم أخذ في التقدم‪،‬‬
‫وفي يده الحربة ترعد – لكبر سنه – ويشتد على حامل الراية هاشم بن عتبة بن أبى وقاص‬
‫ويستحثه في التقدم ويرغبه ويطمعه فيما عند هللا من النعيم‪ ،‬ويطمع أصحابه أيضًا فيقول‪:‬‬
‫أزفت الجنة وزينت الحور العين‪ ،‬من سره أن تكتنفه الحور العين‪ ،‬فليتقدم بين الصفين‬
‫محتسبًا‪ .‬وكان منظرًا مؤث ًر ا فهو صحابي جليل مهاجرى بدري جاوز الرابعة والتسعين‬
‫يمتلك كل هذا الحماس وهذا العزم والروح المعنوية العالية واليقين الثابت‪ ،‬فكان عامالً مه ًما‬
‫من عوامل حماس جيش العراق ورفع روحهم المعنوية مما زادهم عنفًا وضراوة وتضحية‬
‫في القتال‪ ،‬حتى استطاعوا أن يحولوا المعركة لصالحهم‪ ،‬وتقدم هشام بن عتبة بن أبى‬
‫وقاص وهو يرتجز بقوله‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)5/636‬‬
‫‪2‬‬
‫() اإلصابة (‪ ،)1/454‬أنساب األشراف (‪ )2/56‬بسند حسن إلى قتادة مرسالً‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪ )15/290‬اإلسناد حسن لغيره‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() مجمع الزوائد (‪،)7/243‬خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد‪ :‬ص(‪ )219‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪40‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫قد عالج الحياة حتى مالَّ‬ ‫أعور يبغى أهله َم َحالً‬
‫>‬
‫البد أن يَف ّل أو يُفالَّ‬
‫(‪)1‬‬

‫وعمار يقول‪ :‬تقدم يا هشام‪ ،‬الجنة تحت ظالل السيوف‪ ،‬والموت في أطراف‬
‫األسل(‪ ,)2‬وقد فتحت أبواب السماء وتزينت الحور العين‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫مح ّمدًا وحزبه‬ ‫اليوم ألقى األحبة‬
‫وعند غروب شمس ذلك اليوم الخميس‪ ،‬طلب عمار شربة من لبن ثم قال‪ :‬إن رسول‬
‫هللا × قال لي‪ :‬إن آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن(‪ ,)4‬ثم تقدم واستحث معه حامل‬
‫الراية هشام بن عتبة بن أبى وقاص الزهري فلم يرجعا وقتال(‪ ,)5‬رحمهما هللا ورضي هللا‬
‫عنهما‪.‬‬
‫‪ -3‬ليلة الهرير يوم الجمعة‪ :‬عادت الحرب في نفس الليلة بشدة واندفاع لم تشهدها‬
‫األيام السابقة‪ ،‬وكان اندفاع أهل العراق بحماس وروح عالية حتى أزالوا أهل الشام عن‬
‫أماكنهم‪ ،‬وقاتل أمير المؤمنين على قتاالً شديدًا وبايع على الموت(‪ ,)6‬وذكر أن عليًا رضي‬
‫هللا عنه صلى بجيشه المغرب صالة الخوف(‪ ,)7‬وقال الشافعي‪ :‬وحفظ عن على أنه صلى‬
‫صالة الخوف ليلة الهرير(‪ ,)8‬يقول شاهد عيان‪ :‬اقتتلنا ثالثة أيام وثالث ليال حتى تكسرت‬
‫الرماح ونفدت السهام ثم صرنا إلى المسايفة فاجتلدنا بها إلى نصف الليل حتى صرنا‬
‫نعانق بعضنا بعضًا‪ ،‬ولما صارت السيوف كالمناجل تضاربنا بعمد الحديد‪ ،‬فال تسمع إال‬
‫غمغمة وهمهمة القوم‪ ،‬ثم ترامينا بالحجارة وتحاثينا بالتراب وتعاضينا باألسنان وتكادمنا‬
‫باألفواه إلى أن أصبحوا في يوم الجمعة وارتفعت الشمس وإن كانت ال ترى من غبار‬
‫(‪)9‬‬
‫المعركة وسقطت األلوية والرايات‪ ،‬وأنهك الجيش التعب وكلت األيدي وجفت الحلوق ‪.‬‬
‫ويقول ابن كثير في وصف ليلة الهرير ويوم الجمعة‪ :‬وتعاضوا باألسنان يقتتل‬
‫الرجالن حتى يثخنا ثم يجلسان يستريحان‪ ،‬وكل واحد منهما ليهمر على اآلخر‪ ،‬ويهمر‬
‫عليه‪ ،‬ثم يقومونـ فيقتتالن كما كانا‪ ،‬فإنا هلل وإنا إليه راجعون‪ ،‬ولم يزل ذلك دأبهم حتى‬
‫أصبح الناس من يوم الجمعة وهم كذلك‪ ،‬وصلى الناس الصبح إيماء وهم في القتال حتى‬
‫تضاحى النهار وتوجه النصر ألهل العراق على أهل الشام(‪.)10‬‬
‫‪ -4‬الدعوة إلى التحكيم‪ :‬إن ما وصل إليه حال الجيشين بعد ليلة الهرير لم يكن‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/652‬‬
‫‪2‬‬
‫() األسل‪ :‬الرماح‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/652‬‬
‫‪4‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪ )303 ،15/302‬بسند منقطع‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/653‬‬
‫‪6‬‬
‫() المستدرك (‪ )3/402‬قال الذهبي‪ :‬ضعيف‪ ،‬خالفة على‪ :‬ص(‪.)226‬‬
‫‪7‬‬
‫() السنن الكبرى للبيهقى (‪ )3/252‬قال األلباني‪ :‬رواه البيهقى بصيغة التمريض‪ ،‬إرواء الغليل (‪.)3/42‬‬
‫‪8‬‬
‫() تلخيص الحبير (‪ ،)2/78‬خالفة على بن أبى طالب‪ :‬ص(‪.)227‬‬
‫‪9‬‬
‫() شذرات الذهب (‪ ،)1/45‬وقعة صفين‪ :‬ص(‪.)369‬‬
‫‪10‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/283‬‬
‫‪40‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫يحتمل مزيد قتال‪ ،‬وجاءت خطبة األشعت بن قيس زعيم كندة في أصحابه ليلة الهرير‬
‫فقال‪ :‬قد رأيتم يا معشر المسلمين ما قد كان في يومكم هذا الماضي‪ ،‬وما قد فني فيه من‬
‫العرب‪ ،‬فوهللا لقد بلغت من السن ما شاء هللا أن أبلغ؛ فما رأيت مثل هذا قط‪ ،‬أال فليبلغ‬
‫الشاهد الغائب‪ ،‬إن نحن تواقفنا غدًا إنه لفناء العرب‪ ،‬وضيعة الحرمات‪ ،‬أما وهللا ما أقول‬
‫هذه المقالة جزعًا من الحرب‪ ،‬ولكني رجل مسن‪ ،‬وأخاف على النساء والذرارى غدًا‪ ،‬إذا‬
‫نحن فنينا‪ ،‬اللهم إنك تعلم أني قد نظرت لقومي وألهل ديني فلم آ ُل(‪.)1‬‬
‫وجاء خبر ذلك إلى معاوية فقال‪ :‬أصاب ورب الكعبة‪ ،‬لئن نحن التقينا غدًا لتميلن‬
‫الروم على ذرارينا ونسائنا‪ ،‬ولتميلن أهل فارس على أهل العراق وذراريهم‪ ،‬وإنما يبصر‬
‫هذا ذوو األحالم والنهي‪ ،‬ثم قال ألصحابه‪ :‬اربطوا المصاحف على أطراف القنا(‪ ,)2‬وهذه‬
‫رواية عراقية ال ذكر فيها لعمرو بن العاص وال للمخادعة واالحتيال‪ ،‬وإنما كانت رغبة‬
‫كال الفريقين‪ ،‬ولن يضير معاوية أو عمرًا شيء أن تأتي أحدهم الشجاعة فيبادر بذلك‬
‫وينقذ ما تبقى من قوى األمة المتصارعة‪ ،‬إنما يزعج ذلك السبئية الذين أشعلوا نيران هذه‬
‫الفتنة‪ ،‬وتركوا لنا ركا ًما من الروايات المضللة بشأنها‪ ،‬تحيل الحق باطالً‪ ،‬وتجعل الفضل‬
‫– كالمناداة لتحكيم القرآن لصون الدماء المسلمة – جريمة ومؤامرة(‪ )3‬وحيلة‪ ،‬ونسبوا‬
‫ألمير المؤمنين على أقواالً مكذوبة تعارض ما في الصحيح‪ ،‬على أنه قال‪ :‬ما رفعوها ثم‬
‫ال يرفعونها‪ ،‬وال يعملون بما فيها‪ ،‬وما رفعوها لكم إال خديعة ودهنًا ومكيدة(‪ .)4‬ومن‬
‫الشتائم قولهم عن رفع المصاحف‪ :‬إنها مشورة ابن العاهرة(‪ ,)5‬ووسّعوا دائرة الدعاية‬
‫المضادة على عمرو بن العاص – رضي هللا عنه – حتى لم تعد تجد كتابًا من كتب‬
‫التاريخ إال فيه انتقاص لعمرو بن العاص وأنه مخادع وماكر بسبب الروايات الموضوعة‬
‫التي لفقها أعداء الصحابة الكرام‪ ،‬ونقلها الطبري‪ ،‬وابن األثير وغيرهما‪ ،‬فوقع فيها كثير‬
‫من المؤرخين المعاصرين مثل حسن إبراهيم حسن في تاريخ اإلسالم‪ ،‬ومحمد الخضري‬
‫بك في تاريخ الدولة األموية‪ ،‬وعبد الوهاب النجار في تاريخ الخلفاء الراشدين وغيرهم‬
‫كثير‪ ،‬مما ساهم في تشويه الحقائق‬
‫التاريخية الناصعة‪.‬‬
‫إن رواية أبى مخنف تفترض أن عليًا رفض تحكيم القرآن لما اقترحه أهل الشام‪ ،‬ثم‬
‫استجاب بعد ذلك له تحت ضغط القراء الذين عرفوا بالخوارج فيما بعد(‪ ,)6‬وهذه الرواية‬
‫تحمل سبًا من على لمعاوية وصحبه يتنزه عنه أهل ذاك الجيل المبارك‪ ،‬فكيف بساداتهم‬
‫وعلى رأسهم أمير المؤمنين على؟! ويكفى للرواية سقوطًا أن فيها أبا مخنف الرافضي‬
‫المحترق‪ ،‬فهي رواية ال تصمد للبحث النزيه‪ ،‬وال تقف أمام روايات أخرى ال يتهم‬
‫أصحابها بهوى مثل ما يرويه اإلمام أحمد بن حنبل عن طريق حبيب بن أبى ثابت قال‪:‬‬
‫أتيت أبا وائل أحد رجال على بن أبى طالب فقال‪ :‬كنا بصفين‪ ،‬فلما استحر القتل بأهل‬
‫الشام قال عمرو لمعاوية‪ :‬أرسل إلى عل ‪‰‬ـًًّى المصحف؛ فادعه إلى كتاب هللا‪ ،‬فإنه ال يأبى‬
‫صيبا ِّمن ال ِ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ْكتَ ِ‬
‫اب‬ ‫َم َت َر إِلَى الذ َ‬
‫ين أُوتُوا نَ ً َ‬ ‫عليك‪ ،‬فجاء به رجل فقال‪ :‬بيننا وبينكم كتاب هللا ‪+‬أَل ْ‬
‫‪1‬‬
‫() وقعة صفين‪ :‬ص(‪.)479‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه‪ :‬ص (‪.)884 -881‬‬
‫‪3‬‬
‫() الدولة اإلسالمية في عصر الخلفاء الراشدين‪ :‬ص(‪.)316‬‬
‫‪4‬‬
‫() الكامل (‪.)2/386‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/662‬‬
‫‪6‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)663 ،5/662‬‬
‫‪40‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ضو َن" [آل عمران‪ ،]23:‬فقال‬ ‫اهلل لِيَ ْح ُك َم َب ْيَن ُه ْم ثُ َّم َيَت َولَّى فَ ِري ٌق ِّم ْن ُه ْم َو ُهم ُّم ْع ِر ُ‬
‫اب ِ‬ ‫يُ ْد َع ْو َن إِلَى كِتَ ِ‬
‫على‪ :‬نعم‪ ،‬أنا أولى بذلك‪ ،‬فقام القُراء – الذين صاروا بعد ذلك خوارج – بأسيافهم على‬
‫عواتقهم فقالوا‪ :‬يا أمير المؤمنين أال نمشى إلى هؤالء حتى يحكم هللا بيننا وبينهم؟ فقام‬
‫سهل بن حنيف األنصاري رضي هللا عنه فقال‪ :‬أيها الناس اتهموا أنفسكم‪ ،‬لقد كنا مع‬
‫رسول هللا ×‪ ،‬يوم الحديبية‪ ،‬ولو نرى قتاالً لقاتلنا‪ ،‬وذلك في الصلح الذي بين رسول هللا ×‬
‫وبين المشركين‪ ،‬ثم حدثهم عن معارضة عمر‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬للصلح يوم الحديبية‬
‫ونزول سورة الفتح على رسول هللا ×‪ ،‬فقال على‪ :‬أيها الناس إن هذا فتح‪ ،‬فقبل القضية‬
‫ورجع‪ ،‬ورجع الناس(‪.)1‬وأظهر سهل بن حنيف رضي هللا عنه اشمئزازه ممن يدعون إلى‬
‫استمرار الحرب بين اإلخوة وقال‪ :‬أيها الناس اتهموا رأيكم على دينكم(‪ ,)2‬وبين لهم أنه ال‬
‫خيار عن الحوار والصلح ألن ما سواه فتنة ال تعرف عواقبها‪ ،‬فقد قال‪ :‬ما وضعنا بسيوفنا‬
‫على عواتقنا إلى أمر إال أسهلن بنا إلى أمر نعرفه قبل هذا األمر‪ ،‬ما نسد منها خص ًما إال‬
‫تفجر علينا خصم ما ندري كيف نأتي له(‪.)3‬وفي هذه الروايات الصحيحة رد على دعاة‬
‫الفتنة‪ ،‬ومبغضيـ الصحابة الذين يضعون األخبار المكذوبة‪ ،‬ويضعون األشعار وينسبونها‬
‫إلى أعالم الصحابة والتابعين الذين شاركوا في صفين؛ ليظهروهم بمظهر المتحمس لتلك‬
‫الحرب ليزرعوا البغضاء في النفوس ويعملوا ما في وسعهم على استمرار(‪ )4‬الفتنة‪.‬‬
‫إن الدعوة إلى تحكيم كتاب هللا دون التأكيد على تسليم قتلة عثمان إلى معاوية وقبول‬
‫التحكيم دون التأكيد على دخول معاوية في طاعة على والبيعة له‪ ،‬تطور فرضته أحداث‬
‫حرب صفين‪ ،‬إذ إن الحرب التي أودت بحياة الكثير من المسلمين‪ ،‬أبرزت اتجاها جماعيًا‬
‫رأى أن وقف القتال وحقن الدماء ضرورة تقتضيها حماية شوكة األمة وصيانة قوتها أمام‬
‫عدوها‪ ،‬وهو دليل على حيوية األمة ووعيها وأثرها في اتخاذ القرارات(‪.)5‬‬
‫إن أمير المؤمنين عليًا رضي هللا عنه قَبِل وقف القتال في صفين‪ ،‬ورضي التحكيم‬
‫وع َّد ذلك فتحًا ورجع(‪ )6‬إلى الكوفة‪ ،‬وعلق على التحكيم آماالً في إزالة الخالف‪ ،‬وجمع‬
‫الكلمة‪ ،‬ووحدة الصف‪ ،‬وتقوية الدولة‪ ،‬وإعادة حركة الفتوح من جديد‪ .‬إن وصولـ‬
‫الطرفين إلى فكرة التحكيم واالستجابة له أسهمت فيها عدة عوامل منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬أنه كان آخر محاولة من المحاوالت التي بذلت إليقاف الصدام وحقن الدماء سواء‬
‫تلك المحاوالت الجماعية أو المحاوالت الفردية التي بدأت بعد موقعة الجمل ولم تفلح‪ ،‬أما‬
‫الرسائل التي تبودلت بين الطرفين لتفيد وجهات نظر كل منهما‪ ،‬فلم تُجد هي األخرى‬
‫شيئًا‪ ،‬وكان آخر تلك المحاوالت ما قام به معاوية في أيام اشتداد القتال حيث كتب إلى‬
‫على رضي هللا عنه يطالبه بوقف القتال فقال‪ :‬فإني أحسبك أن لو علمت وعلمنا أن‬
‫الحرب تبلغ بك ما بلغت لم نجنها على أنفسنا‪ ،‬فإنا إن كنا قد ُغلبنا على عقولنا فقد بقى منا‬
‫ما ينبغي أن نندم على ما مضى ونصلح ما بقى(‪.)7‬‬
‫‪1‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪ ،)8/336‬مسند أحمد مع الفتح الرباني (‪.)8/483‬‬
‫‪2‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)4189‬‬
‫‪3‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)4189‬‬
‫‪4‬‬
‫() اإلنصاف فيما وقع في تاريخ العصر الراشدى من الخالف‪ :‬ص(‪.)530‬‬
‫‪5‬‬
‫() دراسة في تاريخ الخلفاء األمويين‪ :‬ص(‪.)38‬‬
‫‪6‬‬
‫() دراسة في تاريخ الخلفاء‪ :‬ص(‪.)38‬‬
‫‪7‬‬
‫() األخبار الطوال للدينورى‪ :‬ص(‪ ،)187‬دارساتـ في عهد النبوة‪ :‬ص(‪.)432‬‬
‫‪40‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ب‪ -‬تساقط القتلى وإراقة الدماء الغزيرة ومخافة الفناء‪ ،‬فصارت الدعوة إلى إيقاف‬
‫الحرب مطلبًا يرنو إليه الجميع‪.‬‬
‫جـ‪ -‬الملل الذي أصاب الناس من طول القتال‪ ،‬حتى وكأنهم على موعد لهذا الصوت‬
‫الذي نادى بالهدنة والصلح‪ ،‬وكانت أغلبية جيش على في اتجاه الموادعة‪ ،‬وكانوا‬
‫يرددون‪ :‬قد أكلتنا الحرب‪ ،‬وال نرى البقاء إال عن الموادعة(‪ .)1‬وهذا ينقض ذلك الرأي‬
‫المتهافت الذي ر ُِّوج بأن رفع المصاحف كان خدعة من عمرو بن العاص‪ ،‬والحق أن‬
‫فكرة رفع المصاحف لم تكن جديدة وليست من ابتكار عمرو بن العاص‪ ،‬بل رُفع‬
‫المصحف في الجمل ورشق حامله كعب بن سور قاضى البصرة بسهم وقُتل‪.‬‬
‫د‪ -‬االستجابة لصوت الوحي الداعي لإلصالح‪ ،‬قال تعالى‪+ :‬فَِإن َتنَ َاز ْعتُ ْم فِي َش ْي ٍء‬
‫ول" [النساء‪ ]59:‬ويؤيد هذا ما قاله على ابن أبى طالب حينما عرض‬ ‫الر ُس ِ‬ ‫َفردُّوهُ إِلَى ِ‬
‫اهلل َو َّ‬ ‫ُ‬
‫عليه االحتكام إلى كتاب هللا‪ ،‬قال‪ :‬نعم أنا أولى بذلك‪ ،‬بيننا وبينكم كتاب هللا(‪.)2‬‬
‫‪ -5‬مقتل ع ّمار بن ياسر رضي هللا عنه وأثره على المسلمين‪ :‬يعد حديث‬
‫رسول هللا× لعمار‪ ،‬رضي هللا عنه‪« ،‬تقتلك الفئة الباغية»(‪ )3‬من األحاديث‬
‫الصحيحة والثابتة عن النبي ×‪ ،‬وقد كان لمقتل ع ّمار‪ ،‬رضي هللا عنه – أثر في معركة‬
‫صفين‪ ،‬فقد كان عل ًما ألصحاب رسول هللا يتبعونه حيث سار‪ ،‬وكان خزيمة بن ثابت‬
‫حضر صفين وكان كافًا سالحه‪ ،‬فلما رأى مقتل عمار سل سيفه وقاتل أهل الشام‪ ،‬وذلك‬
‫ألنه سمع(‪ )4‬حديث رسول هللا × عن عمار‪« :‬تقتله الفئة الباغية»‪.‬واستمر في القتال‬
‫حتى قُتل(‪ ,)5‬وكان لمقتل ع ّمار أثر في معسكر معاوية‪ ،‬فهذا أبو عبد الرحمن السلمي دخل‬
‫في معسكر أهل الشام‪ ،‬فرأى معاوية وعمرو بن العاص وابنه عبد هللا بن عمرو‪ ،‬وأبا‬
‫األعور السلمي‪ ،‬عند شريعة الماء يسقون‪ .‬وكانت هي شريعة الماء الوحيدة التي يستقي‬
‫منها الفريقان‪ ،‬وكان حديثهم عن مقتل َع ّمار بن ياسر‪ ،‬إذ قال عبد هللا بن عمرو لوالده‪ :‬لقد‬
‫قتلنا هذا الرجل وقد قال فيه رسول هللا ×‪« :‬تقتله الفئة الباغية»‪.‬فقال عمرو‬
‫لمعاوية‪ :‬لقد قتلنا الرجل وقد قال فيه رسول هللا × ما قل‪ .‬فقال معاوية‪ :‬اسكت فوهللا ما‬
‫تزال تدحض(‪ )6‬في بولك‪ ،‬أنحن قتلناه؟ إنما قتله من جاء به(‪ ،)7‬فانتشر تأويل معاوية بين‬
‫أهل الشام انتشار النار في الهشيم‪ ،‬وجاء في رواية صحيحة أن عمرو ابن حزم دخل على‬
‫عمرو بن العاص فقال‪ :‬قتل عمار وقد قال فيه رسول هللا ×‪« :‬تقتله الفئة الباغية»‪.‬‬
‫فقام عمرو بن العاص فزعًا يرجع حتى دخل على معاوية فقال له معاوية‪ :‬ما شأنك؟‬
‫فقال‪ :‬قُتل عمار‪ .‬قال معاوية‪ :‬فماذا؟ قال عمرو‪ :‬سمعت رسول هللا × يقول له‪« :‬تقتلك‬
‫الفئة الباغية»‪.‬فقال له معاوية‪ :‬دحضت في بولك‪ ،‬أو نحن قتلناه؟! إنما قتله على‬

‫‪1‬‬
‫() صفين‪ :‬ص(‪ ،)485 -482‬دراساتـ في عهد النبوة‪ :‬ص(‪.)433‬‬
‫‪2‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪.)8/336‬‬
‫‪3‬‬
‫() مسلم رقم (‪.)2916‬‬
‫‪4‬‬
‫() مسلم رقم (‪.)2916‬‬
‫‪5‬‬
‫() خالفة على‪ :‬ص(‪ ،)211‬مجمع الزوائد للهيثمى (‪ .)7/242‬وقال فيه‪ :‬رواه الطبراني وفيه أبو معشر‬
‫وهو لين‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() الدحض‪ :‬الزلق‪ ،‬والداحض‪ :‬من ال ثبات له وال عزيمة في األمور‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() مسند أحمد (‪ )2/206‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪40‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وأصحابه‪ ،‬وجاءوا به حتى ألقوه بين رماحنا‪ ،‬أو قال‪ :‬بين سيوفنا(‪.)1‬‬
‫وفي رواية صحيحة أيضًا‪ :‬جاء رجالن عند معاوية يختصمان في رأس ع ّمار‪،‬‬
‫يقول كل واحد منهما‪ :‬أنا قتلته؛ فقال عبد هللا بن عمرو بن العاص‪ :‬ليطب به أحدكم نفسًا‬
‫لصاحبه‪ ،‬فإني سمعت رسول هللا × يقول‪« :‬تقتله الفئة الباغية»‪.‬قال معاوية‪ :‬فما‬
‫بالك معنا؟ قال‪ :‬إن أبى شكاني إلى رسول هللا × فقال‪ :‬أطع أباك ما دام حيًا وال تعصه‪.‬‬
‫فأنا معكم ولست أقاتل(‪ .)2‬من الروايات السابقة نالحظ أن الصحابي الفقيه عبد هللا بن‬
‫عمرو – رضي هللا عنهما – حريص على قول الحق والنصح‪ ،‬فقد رأى أن معاوية‬
‫وجنده‪ ،‬هم الفرقة الباغية لقتلهم عمارًا‪ ،‬فقد تكرر منه هذا االستنكار في مناسبات مختلفة؛‬
‫وال شك أن مقتل ع ّمار – رضي هللا عنه – قد أثر في أهل الشام بسبب هذا الحديث‪ ،‬إال‬
‫أن معاوية – رضي هللا عنه – أوّل الحديث تأويالً غير مستساغ وال يصح في أن الذين‬
‫قتلوا عمارًا هم الذين جاءوا به إلى القتال(‪ .)3‬وقد أثر مقتل عمار كذلك على عمرو بن‬
‫العاص‪ ،‬بل كان استشهاد عمار دافعًا لعمرو بن العاص للسعي إلنهاء الحرب(‪ ,)4‬وقد قال‬
‫رضي هللا عنه‪ :‬وددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة(‪ ,)5‬وقد جاء في البخاري عن‬
‫أبى سعيد الخدري – رضي هللا عنه – قال‪ :‬كنا نحمل لبنة؛ وع ّمار لبنتين لبنتين‪ ،‬فرآه‬
‫النبي ×‪ ،‬فينفض التراب عنه ويقول‪« :‬ويح عمّار تقتله الفئة الباغية‪ ،‬يدعوهم‬
‫إلى الجنة ويدعونه إلى النار»‪.‬قال ع ّمار‪ :‬أعوذ باهلل من الفتن(‪ ,)6‬وقال ابن عبد البر‪:‬‬
‫تواترت اآلثار عن النبي × أنه قال‪«:‬تقتل عمارًا الفئة الباغية»‪ ،‬وهذا من إخباره‬
‫بالغيب وإعالم نبوته ×‪ ،‬وهو من أصح األحاديث(‪ ,)7‬وقال الذهبي بعد ما ذكر الحديث‪:‬‬
‫وفي الباب عن عدة من الصحابة‪ ،‬فهو متواتر(‪.)8‬‬
‫‪ -6‬فهم العلماء للحديث‪:‬‬
‫أ‪ -‬قال ابن حجر‪ :‬وفي هذا الحديث علم من أعالم النبوة وفضيلة ظاهرة لعلى‬
‫وعمار‪ ،‬ورد على النواصب الزاعمين أن عليًا لم يكن مصيبًا في حروبه(‪.)9‬‬
‫وقال أيضًا‪ :‬دل الحديث‪ :‬تقتل عمارًا الفئة الباغية‪ ،‬على أن عليًا كان المصيب في‬
‫تلك الحروب؛ ألن أصحاب معاوية قتلوه(‪.)10‬‬
‫ب‪ -‬يقول النووي‪ :‬وكانت الصحابة يوم صفين يتبعونه حيث توجه لعلمهم بأنه مع‬
‫الفئة العادلة لهذا الحديث(‪.)11‬‬
‫جـ‪ -‬قال ابن كثير‪ :‬كان على وأصحابه أدنى الطائفتين إلى الحق من أصحاب‬
‫‪1‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪ )11/240‬بسند صحيح‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسند أحمد (‪.)139 ،11/138‬‬
‫‪3‬‬
‫() خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد‪ :‬ص(‪.)325‬‬
‫‪4‬‬
‫() معاوية بن أبى سفيان‪ ،‬الغضبان‪ ،‬ص(‪.)215‬‬
‫‪5‬‬
‫() أنساب األشراف (‪ ،)1/170‬عمرو بن العاص للغضبان‪ :‬ص(‪.)603‬‬
‫‪6‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)447‬‬
‫‪7‬‬
‫() االستيعاب (‪.)3/1140‬‬
‫‪8‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)1/421‬‬
‫‪9‬‬
‫() فتح الباري (‪.)1/646‬‬
‫‪10‬‬
‫() فتح الباري (‪.)13/92‬‬
‫‪40‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫معاوية‪ ،‬وأصحاب معاوية كانوا باغين عليهم‪ ،‬كما ثبت في صحيح مسلم من حديث شعبة‬
‫عن أبى سملة عن أبى نضرة عن أبى سعيد الخدري قال‪ :‬حدثني من هو خير منى –‬
‫يعنى أبا قتادة‪ -‬أن رسول هللا × قال لعمار‪« :‬تقتلك الفئة الباغية»(‪ ,)1‬وقال أيضًا‪:‬‬
‫وهذا مقتل عمار بن ياسر – رضي هللا عنهما – مع أمير المؤمنين على بن أبى طالب‪،‬‬
‫قتلة أهل الشام‪ ،‬وبان وظهر بذلك سر ما أخبر به الرسول × من أنه تقتله الفئة الباغية‪،‬‬
‫وبان بذلك أن عليًا محق‪ ،‬وأن معاوية باغ‪ ،‬وما في ذلك من دالئل النبوة(‪.)2‬‬
‫د‪ -‬وقال الذهبي‪ :‬هم طائفة من المؤمنين‪ ،‬بغت على اإلمام على‪ ،‬وذلك بنص قول‬
‫المصطفى صلوات هللا عليه لعمار‪« :‬تقتلك الفئة الباغية»(‪.)3‬‬
‫ان"‪ :‬هذه اآلية‬‫هـ‪ -‬قال القاضي أبو بكر بن العربي‪:‬في قوله تعالى‪+ :‬وإِن طَائَِفتَ ِ‬
‫َ‬
‫أصل في قتال المسلمين‪ ،‬والعمدة في حرب المتأولين‪ ،‬وعليها عول الصحابة‪ ،‬وإليها لجأ‬
‫األعيان من هذه الملة‪ ،‬وإياها عنى النبي × بقوله‪« :‬تقتل عمارًا الفئة الباغية»(‪.)4‬‬
‫و‪ -‬وقال ابن تيمية‪ :‬وهذا يدل على صحة إمامة على ووجوب طاعته‪ ،‬وأن الداعي‬
‫إلى طاعته داع إلى الجنة‪ ،‬والداعي إلى مقاتلته داع إلى النار‪ -‬وإن كان متأوالً‪ -‬وهو دليل‬
‫على أنه لم يكن يجوز قتال على‪ ،‬وعلى هذا فمقاتله مخطئ – وإن كان متأوالً – أو باغ –‬
‫بال تأويل – وهو أصح القولين ألصحابنا‪ ،‬وهو الحكم بتخطئة من قاتل عليًا‪ ،‬وهو مذهب‬
‫األئمة الفقهاء الذين فرعوا على ذلك قتال البغاة المتأولين(‪ ,)5‬وقال أيضًا‪ :‬مع أن عليًا أولى‬
‫بالحق ممن فارقه‪ ،‬ومع أن عمارًا قتلته الفئة الباغية – كما جاءت به النصوص – فعلينا‬
‫أن نؤمن بكل ما جاء من عند هللا ونقر بالحق كله‪ ،‬وال يكون لنا هوى‪ ،‬وال نتكلم بغير‬
‫علم‪ ،‬بل نسلك سبل العلم والعدل‪ ،‬وذلك هو اتباع الكتاب والسنة‪ ،‬فأما من تمسك ببعض‬
‫الحق دون بعض‪ ،‬فهذا منشأ الفرقة واالختالف(‪.)6‬‬
‫ز‪ -‬وقال عبد العزيز بن باز‪ :‬وقال× في حديث عمار‪« :‬تقتل عمارًا الفئة‬
‫الباغية»‪ .‬فقتله معاوية وأصحابه في وقعة صفين‪ ،‬فمعاوية وأصحاب بغاة‪ ،‬لكن‬
‫مجتهدون ظنوا أنهم مصيبون في المطالبة بدم عثمان(‪.)7‬‬
‫حـ‪ -‬وقال سعيد حوى‪ :‬بعد أن قتل عمار الذي وردت النصوص مبينة أنه تقتله الفئة‬
‫الباغية‪ ،‬تبين للمترددين أن عليًا كان على حق وأن القتال معه كان واجبًا‪ ،‬ولذا عبّر ابن‬
‫عمر عن تخلفه بأنه يأسى بسبب هذا التخلف‪ ،‬وما ذلك إال أنه ترك واجبًا وهو نصرة‬
‫اإلمام الحق على الخارجين عليه بغير حق كما أفتى بذلك الفقهاء(‪.)8‬‬

‫‪11‬‬
‫() تهذيب األسماءـ واللغات (‪.)2/38‬‬
‫‪1‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)6/220‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)7/277‬‬
‫‪3‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)8/209‬‬
‫‪4‬‬
‫() أحكام القرآن (‪.)4/1717‬‬
‫‪5‬‬
‫() مجموع الفتاوى (‪.)4/437‬‬
‫‪6‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)450 ،4/449‬‬
‫‪7‬‬
‫() فتاوى ومقاالت متنوعة (‪.)6/87‬‬
‫‪8‬‬
‫() األساس في السنة (‪.)4/1710‬‬
‫‪40‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -7‬الرد على قول معاوية رضي هللا عنه‪ :‬إنما قتله من جاء به(‪.)9‬إن جل‬
‫(‪)10‬‬
‫الصحابة والتابعين قد فهموا من قول رسول هللا × لعمار‪« :‬تقتلك الفئة الباغية»‬
‫أن المقصود‪ :‬جيش معاوية‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬مع أنهم – أي معاوية وجيشه – معذورون‬
‫في اجتهادهم‪ ،‬فهم يقصدون الحق ويريدونه ولكنهم لم يصيبوه‪ ،‬وفئة على أولى بالحق‬
‫منهم كما قال ×(‪ ,)11‬ومع أن األئمة لم يعجبهم تأويل معاوية – كما سأنقل – إال أنهم‬
‫عذروه في اجتهاده‪ ،‬فها هو ابن حجر يقول في قوله ×‪«:‬يدعوهم إلى الجنة ويدعونه‬
‫إلى النار»(‪.)12‬‬
‫فإن قيل‪ :‬كان قتله بصفين وهو مع على‪ ،‬والذين قتلوه مع معاوية‪ ،‬وكان معه جماعة‬
‫من الصحابة‪ ،‬فكيف يجوز عليهم الدعاء إلى النار؟ فالجواب‪ :‬أنهم كانوا ظانين أنهم يدعونه‬
‫إلى الجنة‪ ،‬وهم مجتهدون ال لوم عليهم في اتباع ظنونهم‪ ،‬فالمراد بالدعاء إلى الجنة الدعاء‬
‫إلى سببها‪ ،‬وهو طاعة اإلمام‪ ،‬وكذلك كان عمار يدعوهم إلى طاعة على‪ ،‬وهو اإلمام‬
‫الواجب الطاعة‪ ،‬إذ ذاك‪ ،‬وكانوا هم يدعونه إلى خالف ذلك‪ ،‬لكنهم معذورون للتأويل الذي‬
‫ظهر لهم(‪.)5‬‬
‫وقال القرطبى‪ :‬وقال اإلمام أبو المعالي في كتاب اإلرشاد‪ ،‬فصل‪ ..‬على رضي هللا‬
‫عنه‪ ،‬كان إما ًما حقًا في توليته‪ ،‬ومقاتلوهـ بغاة‪ ،‬وحسن الظن بهم يقتضي أن يظن بهم قصد‬
‫الخير وإن أخطأوه(‪ ،)6‬وقال أيضًا‪ :‬وقد أجاب على رضي هللا عنه عن قول معاوية بأن‬
‫قال‪ :‬فرسول هللا × إذن قتل حمزة حين أخرجه‪ ،‬وهذا من على رضي هللا عنه إلزام‪ ،‬ال‬
‫جواب عنه‪ ،‬وحجة ال اعترض عليها‪ ،‬قاله اإلمام الحافظ أبو الخطاب بن دحية(‪ ,)7‬وقال‬
‫ابن كثير‪ :‬فقول معاوية‪ :‬إنما قتله من قدمه إلى سيوفنا‪ ،‬تأويل بعيد جدًا‪ ،‬إذ لو كان كذلك‬
‫(‪)8‬‬
‫لكان أمير الجيش هو القاتل للذين يقتلون في سبيل هللا‪ ،‬حيث قدمهم إلى سيوف األعداء ‪,‬‬
‫وقال ابن تيمية‪ :‬وهذا القول ال أعلم له قائالً من أصحاب األئمة األربعة ونحوهم من أهل‬
‫السنة‪ ،‬ولكن هو قول كثير من المروانية ومن وافقهم(‪ ,)9‬وقال ابن القيم معلقًا على هذا‬
‫التأويل‪ :‬نعم‪ ،‬التأويل الباطل تأويل أهل الشام قوله × لعمار‪« :‬تقتلك الفئة‬
‫الباغية»(‪ )10‬فقالوا‪ :‬نحن لم نقتله إنما قتله من جاء به حتى أوقعه بين رماحنا‪ ،‬فهذا هو‬
‫التأويل الباطل المخالف لحقيقة اللفظ وظاهره‪ ،‬فإن الذي قتله هو الذي باشر قتله‪ ،‬ال من‬
‫استنصر به(‪.)11‬‬

‫‪9‬‬
‫() مسند أحمد (‪ )2/206‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫() مسلم رقم ‪.2916‬‬
‫‪11‬‬
‫() معاوية بن أبى سفيان‪ :‬ص(‪.)214 -210‬‬
‫‪12‬‬
‫() البخاري رقم ‪.447‬‬
‫‪5‬‬
‫() التذكرة (‪.)2/222‬‬
‫‪6‬‬
‫() التذكرة (‪.)2/223‬‬
‫‪7‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)2/222‬‬
‫‪8‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)6/221‬‬
‫‪9‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)4/406‬‬
‫‪10‬‬
‫() مسلم رقم (‪.)2916‬‬
‫‪11‬‬
‫() الصواعق المرسلة (‪)185 ،1/184‬‬
‫‪40‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -8‬من هو قاتل ع ّمار بن ياسر؟‪ :‬قال أبو الغادية الجهنى وهو يحدث عن قتله‬
‫لعمار‪ :‬فلما كان يوم صفين‪ ،‬أقبل يستن أول الكتيبة رجالً‪ ،‬حتى إذا كان بين الصفين‬
‫فأبصر رج ٌل عورة‪ ،‬فطعنه في ركبته بالرمح فعثر‪ ،‬فانكشف المغفر عنه‪ ،‬فضربته فإذا‬
‫هو رأس عمار‪ .‬ثم قُتل عمار قال الراوي‪ :‬واستسقى أبو الغادية‪ ،‬فأتى بماء في زجاج‪،‬‬
‫فأبى أن يشرب فيها فأتى بماء في قدح فشرب‪ ،‬فقال رجل‪ ..:‬يتورع عن الشرب في‬
‫الزجاج ولم يتورع عن قتل عمار(‪ ,)1‬ويخبر عمرو بن العاص‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬الخبر‬
‫فيقول‪ :‬سمعت رسول هللا × يقول‪ :‬قاتل عمار وسالبه في النار(‪ ,)2‬قال ابن كثير‪:‬‬
‫ومعلوم أن عمارًا كان في جيش على يوم صفين‪ ،‬وقتله أصحاب معاوية من أهل الشام‪،‬‬
‫وكان الذي تولى قتله يقال له أبو الغادية‪ ،‬رجل من أفناد الناس‪ ،‬وقيل إنه صحابي(‪ ,)3‬وقال‬
‫ابن حجر‪ :‬والظن بالصحابة في تلك الحروب أنهم كانوا متأولين‪ ،‬وللمجتهد المخطئ أجر‪،‬‬
‫وإذا ثبت هذا في حق آحاد الناس فثبوته للصحابة بالطريق األولى(‪ ,)4‬وقال الذهبي‪ :‬وابن‬
‫ملجم عند الروافض أشقى الخلق في اآلخرة‪ ،‬وهو عندنا أهل السنة ممن نرجو له النار‪،‬‬
‫ونجوز أن هللا يتجاوز عنه‪ ،‬ال كما يقول الخوارج والروافض‪ ،‬وحكمه حكم قاتل عثمان‪،‬‬
‫وقاتل الزبير‪ ،‬وقاتل طلحة‪ ،‬وقاتل سعيد بن جبير وقاتل عمار وقاتل خارجة‪ ،‬وقاتل‬
‫الحسين‪ ،‬فكل هؤالء نبرأ منهم ونبغضهم في هللا‪ ،‬ونكل أمورهم إلى هللا عز وجل(‪ .)5‬وقد‬
‫وفق األلباني في تعليقه على قول ابن حجر‪ :‬هذا حق‪ ،‬ولكن تطبيقه على كل فرد من‬
‫أفرادهم مشكل؛ ألنه يلزم تناقض القاعدة المذكورة بمثل حديث الترجمة [عنوان باب‬
‫(قاتل عمار وسالبه في النار)] (‪ ,)6‬إذ ال يمكن القول بأن أبا الغادية القاتل لعمار مأجور؛‬
‫ألنه قتله مجتهدًا‪ ،‬ورسول هللا × يقول‪ :‬قاتل عمار في النار(‪ ,)7‬فالصواب أن يقال‪ :‬إن‬
‫القاعدة صحيحة‪ ،‬إال ما دل الدليل القاطع على خالفها‪ ،‬فيستثنى ذلك منها كما هو الشأن‬
‫هنا‪ ،‬وهذا خير من ضرب الحديث الصحيح(‪ )8‬بها‪ ،‬وقد ترجم ألبى الغادية الجهنى ابن عبد‬
‫البر فقال‪ :‬اختلف في اسمه‪ :‬فقيل‪ :‬يسار بن َسبُع وقيل‪ :‬يسار بن أزهر‪ ،‬وقيل‪ :‬اسمه مسلم‪.‬‬
‫سكن الشام ونزل في واسط‪ ،‬يعد في الشاميين‪ ،‬أدرك النبي × وهو غالم‪ ،‬ر ُوى عنه أنه‬
‫قال‪ :‬أدركت النبي × وأنا أيفع‪ ،‬أرد على أهلي الغنم‪ ،‬وله سماع من النبي ×‪ ،‬قوله ×‪« :‬لا‬
‫ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض»(‪ ,)9‬وكان محبًا لعثمان‪ ،‬وهو قاتل عمار‬
‫بن ياسر‪ ،‬وكان يصف قتله إذا سئل عنه ال يباليه‪ ،‬وفي قصته عجبٌ عند أهل العلم(‪.)10‬‬
‫‪ -9‬المعاملة الكريمة أثناء الحرب والمواجهة‪ :‬إن وقعة صفين كانت من أعجب‬
‫الوقائع بين المسلمين‪..‬كانت هذا الوقعات من الغرابة إلى حد أن القارئ ال يصدق ما يقرأ‬
‫‪1‬‬
‫() الطبقات الكبرى (‪ )261 ،3/260‬بسند صحيح‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() السلسلة الصحيحة (‪.)19 ،5/18‬‬
‫‪3‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)6/220‬‬
‫‪4‬‬
‫() اإلصابة (‪.)7/260‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ اإلسالم‪ ،‬عهد الخلفاء الراشدين ص(‪.)654‬‬
‫‪6‬‬
‫() السلسلة الصحيحة (‪.)19 -5/18‬‬
‫‪7‬‬
‫() السلسلة الصحيحة (‪.)19 -5/18‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)5/19‬‬
‫‪9‬‬
‫() مسند أحمد (‪ )4/76‬وسنده حسن‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫() االستيعاب في معرفة األصحاب‪ ،‬رقم (‪.)3089‬‬
‫‪40‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ويقفـ مشدوهًا أمام طبيعة النفوس عند الطرفين‪ ،‬فكل منهم كان يقف وسط المعركة‬
‫شاهرًا سيفه وهو يؤمن بقضيته إيمانًا كامالً‪ ،‬فليست معركة مدفوعة من قبل القيادة‪،‬‬
‫يدفعون الجنود إلى معركة غير مقتنعين بها‪ ،‬بل كانت معركة فريدة في بواعثها‪ ،‬وفي‬
‫طريقة أدائها وفيما خلفتها من آثار؛ فبواعثها في نفوس المشاركين تعبر عنها بعض‬
‫المواقف التي وصلت إلينا في المصادر التاريخية‪ ،‬فهم إخوة يذهبون معًا إلى مكان الماء‬
‫فيستقون جميعًا ويزدحمون وهم يغرفون الماء وما يؤذى إنسان إنسانًا(‪ ,)1‬وهم إخوة‬
‫يعيشون معًا عندما يتوقف القتال فهذا أحد المشاركين يقول‪ :‬كنا إذا تواعدنا من القتال دخل‬
‫هؤالء في معسكر هؤالء‪ .‬وهؤالء في معسكر هؤالء‪..‬وتحدثوا إلينا وتحدثنا إليهم(‪ ,)2‬وهم‬
‫أبناء قبيلة واحدة ولكل منهما اجتهاده‪ ،‬فيقاتل أبناء القبيلة الواحدة كل في طرف(‪ )3‬قتاالً‬
‫مريرًا‪ ،‬وكل منهما يرى نفسه على الحق وعنده االستعداد ألن يُ ْقتَل من أجله‪ ،‬فكان‬
‫الرجالن يقتتالن حتى ي ُْثخَنا (وهنا وضعفًا) ثم يجلسان يستريحان‪ ،‬ويدور بينهما الكالم‬
‫الكثير‪ ،‬ثم يقومان فيقتتالن كما كانا(‪ ,)4‬وهما أبناء دين واحد يجمعها‪ ،‬وهو أحب إليهما من‬
‫أنفسهما‪ ،‬فإذا حان وقت الصالة توقفوا ألدائها(‪ ,)5‬ويوم قتل عمار بن ياسر صلى عليه‬
‫الطرفان(‪ ,)6‬ويقول شاهد عيان اشترك في صفين‪ :‬تنازلنا بصفين‪ ،‬فاقتتلنا أيا ًما فكثر القتلى‬
‫بيننا حتى عقرت الخيل‪ ،‬فبعث على إلى عمرو بن العاص أن القتلى قد كثروا فأمسك حتى‬
‫يدفن الجميع قتالهم‪ ،‬فأجابهم‪ ،‬فاختلط بعض القوم ببعض حتى كانوا هكذا – وشبك بين‬
‫أصابعه – وكان الرجل من أصحاب على يشد فيقتل في عسكر معاوية‪ ،‬فيستخرج منه‪،‬‬
‫وقد مر أصحاب على بقتيل لهم أمام عمرو‪ ،‬فلما رآه بكى وقال‪ :‬لقد كان مجتهدًا أخشن في‬
‫أمر هللا(‪ ,)7‬وكانوا يسارعون إلى التناهي عن المنكر حتى في مثل هذه المواقع‪ ،‬فكانت‬
‫هناك مجموعة عرفوا بالقراء‪ ،‬وكانوا من تالمذة عبد هللا بن مسعود من أهل الشام معًا‪،‬‬
‫فلم ينضموا إلى أمير المؤمنين على‪ ،‬وال إلى معاوية بن أبى سفيان وقالوا ألمير‬
‫المؤمنين‪ :‬إنا نخرج معكم وال ننزل عسكركم‪ ،‬ونعسكر على حدة حتى ننظر في أمركم‬
‫وأمر أهل الشام‪ ،‬فمن رأيناه أراد ما ال يحل له‪ ،‬أو بدا منه بغى كنا عليه‪ ،‬فقال على‪:‬‬
‫مرحبًا وأهالً‪ ،‬هذا هو الفقه في الدين‪ ،‬والعلم بالسنة من لم يرض بهذا فهو جائر خائن ‪.‬‬
‫(‪)8‬‬

‫والحقيقة أن هذه المواقف منبعثة من قناعات واجتهادات استوثقوا منها في قرارة‬


‫أنفسهم وقاتلوا عليها(‪.)9‬‬
‫‪ -10‬معاملة األسرى‪ :‬إن المعاملة الحسنة لألسير وإكرامه في صفين من األمور‬
‫البدهية بعد ما استعرضنا المعاملة الكريمة أثناء القتال‪ ،‬وقد بين اإلسالم معاملة األسرى‪،‬‬
‫فقد حث رسول هللا × على إكرام األسير‪ ،‬وإطعامه أفضل األطعمة الموجودة‪ ،‬هذا مع‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/610‬‬
‫‪2‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪ ،)2/41‬مرويات أبى مخنف‪ ،‬ص(‪.)296‬‬
‫‪3‬‬
‫() البداية والنهاية (‪ ،)7/270‬دراسات في عهد النبوة‪ ،‬ص(‪.)424‬‬
‫‪4‬‬
‫() تاريخ الطبري‪ ،‬نقالً عن دراساتـ في عهد النبوة‪ ،‬ص(‪.)424‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ دمشق (‪ ،)18/2239‬دراساتـ في عهد النبوة ص(‪.)424‬‬
‫‪6‬‬
‫() أنساب األشراف (‪ )6/56‬بسند حسن إلى عتبة‪ ،‬خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد‪ :‬ص(‪.)241‬‬
‫‪7‬‬
‫() أنساب األشراف (‪ )6/56‬بسند حسن إلى عتبة‪ ،‬خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد‪ :‬ص(‪.)241‬‬
‫‪8‬‬
‫() صفين‪ ،‬ص(‪ ،)115‬دراساتـ في عهد النبوة‪ :‬ص(‪.)424‬‬
‫‪9‬‬
‫() دراسات في عهد النبوة‪ ،‬ص(‪.)424‬‬
‫‪40‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫غير المسلمين فكيف إذا كان األسير مسل ًما؟! ال شك أن إكرامه واإلحسان إليه أولى‪،‬‬
‫ولكن األسير في المعركة يعتبر فئة وقوة لفرقته(‪ ,)1‬ولذلك كان على رضي هللا عنه يأمر‬
‫بحبسه‪ ،‬فإن بايع أخلى سبيله وإن أبى أخذ سالحه ودابته أو يهبهما لمن أسره ويحلفه أال‬
‫يقاتل‪ .‬وفي رواية يعطيه أربعة دراهم(‪ ,)2‬وغرض الخليفة الراشد من ذلك واضح‪ ،‬وهو‬
‫إضعاف جانب البغاة وقد أتى بأسير يوم صفين‪ ،‬فقال األسير‪ :‬ال تقتلني صبرًا‪ .‬فقال على‬
‫رضي هللا عنه‪ :‬ال أقتلك صبرًا‪ ،‬إني أخاف هللا رب العالمين‪ ،‬فخلى سبيله ثم قال‪ :‬أفيك‬
‫خير تبايع(‪)3‬؟‬
‫ويبدو من هذه الروايات أن معاملته لألسرى كما يلي‪:‬‬
‫*إكرام األسير واإلحسان إليه‪.‬‬
‫* يعرض عليه البيعة والدخول في الطاعة‪ ،‬فإن بايع خلى سبيله‪.‬‬
‫* إن أبى البيعة أخذ سالحه ويحلفه أن ال يعود للقتال ويطلقه‪.‬‬
‫* إن أبى إال القتال تحفظ عليه في األسر وال يقتله صبرًا(‪ ,)4‬وقد أتى رضي هللا عنه‬
‫مرة بخمسة عشر أسيرًا – ويبدو أنهم جرحي – فكان من مات منهم غسله وكفنه وصلى‬
‫عليه(‪ ,)5‬ويقولـ محب الدين الخطيب معلقًا على هذه الحرب‪ :‬ومع ذلك‪ ،‬فإن هذه الحرب‬
‫المثالية هي الحرب اإلنسانية األولى في التاريخ التي جرى فيها المتحاربان معًا على‬
‫مبادئ الفضائل التي يتمنى حكماء الغرب لو يعمل بها في حروبهم‪ ،‬ولو في القرن الحادي‬
‫والعشرين‪ ،‬وإن كثيرًا من قواعد الحرب في اإلسالم لم تكن لتعلم وتدون لوال وقوع هذه‬
‫الحرب‪ ،‬وهلل في كل أمر حكمة(‪ ,)6‬قال ابن العديم‪ :‬قلت‪ :‬وهذا كله حكم أهل البغي‪ ،‬ولهذا‬
‫قال أبو حنيفة‪ :‬لوال ما سار عل ّى فيهم‪ ،‬ما علم أحد كيف السيرة في المسلمين(‪.)7‬‬
‫‪ -11‬عدد القتلى‪ :‬تضاربت أقوال العلماء في عدد القتلى‪ ،‬فذكر ابن أبى خيثمة أن‬
‫القتلى في صفين بلغ عددهم سبعين ألفًا‪ ،‬من أهل العراق خمسة وعشرون ألفًا‪ ،‬ومن أهل‬
‫الشام خمسة وأربعون ألف مقاتل(‪ ،)8‬كما ذكر ابن القيم أن عدد القتلى في صفين بلغ‬
‫سبعين ألفًا أو أكثر(‪ ،)9‬وال شك أن هذه األرقام غير دقيقة‪ ،‬بل أرقام خيالية‪ ،‬فالقتال‬
‫الحقيقي والصدام الجماعي استمر ثالثة أيام مع وقف القتال بالليل إال مساء الجمعة فيكون‬
‫مجموع القتال حوالي ثالثين ساعة(‪ ،)10‬ومهما كان القتال عنيفًا‪ ،‬فلن يفوق شدة القادسية‬

‫‪1‬‬
‫() كتاب قتال أهل البغي من الحاوي الكبير‪ ،‬ص(‪.)134 ،133‬‬
‫‪2‬‬
‫() خالفة على ابن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد‪ ،‬ص(‪.)243‬‬
‫‪3‬‬
‫() األم للشافعي (‪.)8/256( ،)4/224‬‬
‫‪4‬‬
‫() خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد‪ ،‬ص(‪.)243‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ دمشق‪ ،‬تحقيق المنجد(‪ ،)1/331‬خالفة على بن أبى طالب ص(‪.)243‬‬
‫‪6‬‬
‫() العواصم من القواصم‪ ،‬ص(‪ )169 ،168‬من تعليق الخطيب في الحاشية‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() بغية الطلب في تاريخ حلب (‪ ،)309‬خالفة على ص(‪.)245‬‬
‫‪8‬‬
‫() األنباء للقضاعي ص‪ 59‬نقالً عن خالفة على ص(‪.)246‬‬
‫‪9‬‬
‫() الصواعق المرسلة (‪)1/377‬بدون سند‪ ،‬تحقيق محمد دخيل هللا‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫() الدولة األموية‪ ،‬ص(‪.)362 -360‬‬
‫‪41‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫التي كان عدد الشهداء فيها ثمانية آالف وخمسمائة(‪ ،)1‬وبالتالي يصعب عقالً أن نقبل تلك‬
‫الروايات التي ذكرت األرقام الكبيرة‪.‬‬
‫‪ -12‬تفقد أمير المؤمنين على القتلى وترحمه عليهم‪ :‬كان أمير المؤمنين على‬
‫رضي هللا عنه بعد نهاية الجوالت الحربية يقوم بتفقد القتلى‪ ،‬فيقول شاهد عيان‪ :‬رأيت‬
‫عليًا على بغلة النبي × الشهباء‪ ،‬يطوف بين القتلى(‪ ,)2‬وأثناء تفقده القتلى ومعه األشتر‪ ،‬مر‬
‫برجل مقتولـ – وهو أحد القضاة والعباد المشهورين بالشام – فقال األشتر – وفي رواية‬
‫أخرى عدي بن حاتم‪ :-‬يا أمير المؤمنين أحابس(‪ )3‬معهم؟ عهدي وهللا به مؤمن‪ ،‬فقال على‪:‬‬
‫فهو اليوم مؤمن‪ .‬لعل هذا الرجل المقتول هو القاضي الذي أتى عمر بن الخطاب وقال‪ :‬يا‬
‫أمير المؤمنين‪ ،‬رأيت رؤيا أفزعتني‪ ،‬قال‪ :‬ما هي؟ قال‪ :‬رأيت الشمس والقمر يقتتالن‬
‫والنجوم معهما نصفين‪ .‬قال‪ :‬فمع أيهما كنت؟ قال‪ :‬مع القمر على الشمس‪ ،‬فقال عمر‪ :‬قال‬
‫َّها ِر م ْب ِ‬
‫ص َرةً" [اإلسراء‪،]13:‬‬ ‫آيَت ْي ِن فَ َم َح ْونَا آيَةَ اللَّْي ِل َو َج َعلْنَا آيَةَ الن َ ُ‬ ‫تعالى‪َ + :‬و َج َعلْنَا اللَّْي َل َوالن َ‬
‫َّه َار َ‬
‫فانطلق فوهللا ال تعمل لي عمالً أبدًا‪ ،‬قال الراوي‪ :‬فبلغني أنه قتل مع معاوية بصفين(‪,)4‬‬
‫(‪)5‬‬
‫على على قتاله وقتلى معاوية فقال‪:‬غفر هللا لكم‪ ،‬غفر هللا لكم‪ ،‬للفريقين جميعًا ‪,‬‬ ‫وقد وقف ٌّ‬
‫وعن يزيد بن األصم قال‪ :‬لما وقع الصلح بين على ومعاوية‪ ،‬خرج على فمشى في قتاله‬
‫فقال‪ :‬هؤالء في الجنة‪ ،‬ثم خرج إلى قتلى معاوية فقال‪ :‬هؤالء في الجنة‪ ،‬ويصير األمر‬
‫إل ّى وإلى معاوية(‪ ،)6‬وكان يقول عنهم هم‪ :‬المؤمنون(‪ ،)7‬وقوله رضي هللا عنه في أهل‬
‫صفين ال يكاد يختلف عن قوله في أهل الجمل(‪.)8‬‬
‫‪ -13‬موقف لمعاوية مع ملك الروم‪ :‬استغل ملك الروم الخالف الذي وقع بين أمير‬
‫المؤمنين على ومعاوية – رضي هللا عنهما – وطمع في ضم بعض األراضي التي تحت‬
‫هيمنة معاوية إليه‪ ،‬قال ابن كثير‪..:‬وطمع في معاوية ملك الروم بعد أن كان أخشاه وأذله‪،‬‬
‫وقهر جندهم ودحرهم‪ ،‬فلما رأى ملك الروم اشتغال معاوية بحرب على تدانى إلى بعض‬
‫البالد في جنود عظيمة وطمع فيه‪ ،‬فكتب معاوية إليه‪ :‬وهللا لئن لم تنته وترجع إلى بالدك‬
‫يا لعين الصطلحن أنا وابن عمي عليك‪ ،‬وألخرجنك مع جميع بالدك وألضيقنـ عليك‬
‫األرض بما رحبت‪ ،‬فعند ذلك خاف ملك الروم وانكف‪ ،‬وبعث يطلب الهدنة(‪ ،)9‬وهذا يدل‬
‫على عظمة نفس معاوية وحميته للدين‪.‬‬
‫‪ -14‬قصة باطلة في حق عمرو بن العاص بصفين ‪ :‬قال نصر بن مزاحم الكوفي‪ :‬وحمل‬
‫أهل العراق وتلقَّاهم أهل الشام فاجتلدوا وحمل عمرو بن العاص‪ ..‬فاعترضه على وهو يقول‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)4/388‬‬
‫‪2‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() حابس بن سعد الطائي‪ ،‬مخضرم‪ ،‬قتل بصفين‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪ )11/74‬بسند منقطع‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() خالفة علي بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد‪ ،‬ص(‪.)250‬‬
‫‪6‬‬
‫() مصنف ابن أبى شيبة (‪ )15/303‬بسند حسن‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() تاريخ دمشق (‪ ،)331 ،1/329‬خالفة على‪ ،‬ص‪.251‬‬
‫‪8‬‬
‫() خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد‪ ،‬ص‪.251‬‬
‫‪9‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)8/122‬‬
‫‪41‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫(‪)1‬‬
‫والخصر واألنامل الطفول‬ ‫قد علمت ذات القرون الميل‬
‫إلى أن يقول‪ :‬ثم طعنه فصرعه واتقاه عمرو برجله‪ ،‬فبدت عورته‪ ،‬فصرف على‬
‫وجهه عنه وارتُ َّ‬
‫ث‪ .‬فقال القوم‪ :‬أفلت الرجل يا أمير المؤمنين‪ .‬قال‪ :‬وهل تدرون من هو؟‬
‫قالوا‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬فإنه عمرو بن العاص تلقاني بعورته فصرفت وجهي(‪ .)2‬وذكر القصة –‬
‫أيضًا – ابن الكلبي كما ذكر ذلك السهيلى في الروض األنف‪ .‬وقول على‪ :‬إنه اتقاني‬
‫الرح َم إلى أن قال‪ ...:‬ويروى مثل ذلك عن عمرو بن العاص مع على –‬
‫ِ‬ ‫بعورته فأذكرني‬
‫رضي هللا عنه – يوم صفين‪ ،‬وفي ذلك يقول الحارث بن النضر السهمي كما رواه ابن‬
‫الكلبي وغيره‪:‬‬
‫وعورته وسط العجاجة بادية‬ ‫أفى كل يوم فارس غير منته‬
‫(‪)3‬‬
‫ويضحك منه في الخالء معاوية‬ ‫يكف لها عنه عل ّى سنانه‬
‫والرد على هذا االفتراء واإلفك المبين كاآلتي‪ :‬فراوي الرواية األولى نصر بن مزاحم‬
‫الكوفي صاحب وقعة صفين شيعي جلد ال يستغرب عنه كذبه وافتراؤه على الصحابة‪ ،‬قال عنه‬
‫الذهبي في الميزان‪ :‬نصر بن مزاحم الكوفي رافضي جلد‪ ،‬تركوه‪ ،‬قال عنه العقيلى‪ :‬شيعي في‬
‫حديثه اضطراب وخطأ كثير‪ ،‬وقال أبو خيثمة‪ :‬كان كذابًا(‪ ,)4‬وقال عنه ابن حجر‪ :‬قال العجلي‪:‬‬
‫كان رافضيًا غاليًا‪..‬ليس بثقة وال مأمونـ(‪ .)5‬وأما الكلبي؛ هشام بن محمد بن السائب الكلبي؛‬
‫فاتفقوا على غلوه في التشيع‪ ،‬قال اإلمام أحمد‪ :‬من يحدث عنه؟ ما ظننت أن أحدًا يحدث عنه‪.‬‬
‫وقال الدار قطني‪ :‬متروك(‪ ,)6‬وعن طريق هذين الرافضين سارت هذه القصة في اآلفاق وتلقفها‬
‫من جاء بعدهم من مؤرخي الشيعة‪ ،‬وبعض أهل السنة ممن راجت عليهم أكاذيب الرافضة(‪,)7‬‬
‫وتعد هذه القصة أنموذجًا ألكاذيبـ الشيعة الروافض وافتراءاتهم على صحابة رسول هللا‪ ،‬فقد‬
‫اختلق أعداء الصحابة من مؤرخي الرافضة مثالب ألصحاب رسول هللا × وصاغوهاـ على‬
‫هيئة حكاياتـ وأشعار لكي يسهل انتشارها بين المسلمين‪ ،‬هادفين إلى الغض من جناب‬
‫الصحابة األبرار – رضي هللا عنهمـ – في غفلة من أهل السنة الذين وصلوا متأخرين إلى‬
‫ساحة التحقيق في روايات التاريخ اإلسالمي‪ ،‬بعد أن طارت تلكم األشعار والحكايات بين‬
‫القصّاص وأصبح كثير منها من المسلمات‪ ،‬حتى عند مؤرخي أهل السنة لألسف(‪.)8‬‬
‫‪ -15‬مرور أمير المؤمنين على بالمقابر بعد رجوعه من صفين‪ :‬لما انصرف‬
‫على أمير المؤمنين رضي هللا عنه من صفين م ّر بمقابر‪ ،‬فقال‪« :‬السالم عليكم أهل الديار‬
‫الموحشة‪ ،‬والمحال المقفرة من المؤمنين والمؤمنات‪،‬ـ والمسلمين والمسلمات‪ ،‬أنتم لنا سلف‬
‫‪1‬‬
‫() الطفول جمع طفل‪ ،‬بالفتح‪ ،‬وهو الرخص الناعم‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() وقعة صين‪ ،‬ص(‪ ،)408 -406‬قصص ال تثبت‪ ،‬سليمان الخراشى(‪.)6/19‬‬
‫‪3‬‬
‫() الروافض األنف (‪ ،)5/462‬قصص ال تثبت (‪.)6/19‬‬
‫‪4‬‬
‫() ميزان االعتدال (‪.)254 -4/253‬‬
‫‪5‬‬
‫() لسان الميزان (‪.)6/157‬‬
‫‪6‬‬
‫() المجروحون البن حبان (‪ ،)3/91‬تذكرة الحفاظ (‪ ،)1/343‬معجم األدباء (‪ ،)19/287‬قصص ال تثبت‬
‫(‪.)1/18‬‬
‫‪7‬‬
‫() قصص ال تثبت (‪.)1/20‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)1/10‬‬
‫‪41‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫فارط‪ ،‬ونحن لكن تبعٌ‪ ،‬وبكم ع ّما قليل الحقون‪ ،‬اللهم اغفر لنا ولهم‪ ،‬وتجاوز بعفوك عنا‬
‫وعنهم‪ ،‬الحمد هللا الذي جعل األرض كفاتًا‪ ،‬أحيا ًء وأمواتًا‪ ،‬الحمد هلل الذي خلقكم وعليها‬
‫يحشركم‪ ،‬ومنها يبعثكم‪ ،‬وطوبي لمن ذكر المعاد وأع ّد للحساب‪ ،‬وقنع بالكفاء»(‪.)1‬‬
‫‪ -16‬إصرار قتلة عثمانـ – رضي هللا عنه – على أن تستمر المعركة‪ :‬إن قتلة‬
‫عثمان كانوا حريصين على أن تستمر المعركة بين الطرفين‪ ،‬حتى يتفانى الناس‪ ،‬وتضعف قوة‬
‫الطرفين‪ ،‬فيكونوا بمنأى عن القصاص والعقاب‪ ،‬ولذلك فإنهمـ فزعوا وهم يرون أهل الشام‬
‫يرفعون المصاحف‪ ،‬وعلى رضي هللا عنه يجيبهمـ إلى طلبهم فيأمر يوقف القتال وحقن الدماء‪،‬‬
‫فسعوا إلى ثنى أمير المؤمنين عن عزمه‪ ،‬لكن القتال توقف‪ ،‬فسقط في أيديهم‪ ،‬فلم يجدوا بدًا من‬
‫الخروج على عل ّى رضي هللا عنه‪ ،‬فاخترعوا مقولة (الحكم هلل) وتحصنوا بعيدًا عن الطرفين‪،‬‬
‫والغريب أن المؤرخين لم يركزوا على ما فعله هؤالء في هذه المرحلة‪ ،‬كما فعلوا في معركة‬
‫الجمل‪ ،‬رغم أنهم كانوا موجودين في جيش على‪ ،‬وعن سر إخفاق تلك المفاوضات التي دامت‬
‫أشهرًا عديدة‪ ،‬وعن الدور الذي يمكنـ أن يكون قتلة عثمان قد قاموا به في معركة صفين‬
‫إلفشال كل محاولة صلح بين الطرفين‪ ،‬ألن اصطالح على مع معاوية هو أيضًا اصطالح على‬
‫دمائهم‪ ،‬ال يعقل أن يجتهدوا في الفتنة في وقعة الجمل‪ ،‬ويتركوا ذلك في صفين(‪.)2‬‬
‫‪ -17‬نهى أمير المؤمنين على عن شتم معاوية ولعن أهل الشام‪ :‬روى أن‬
‫عليًا‪ -‬رضي هللا عنه – لما بلغه أن اثنين من أصحابه يظهران شتم معاوية ولعن أهل‬
‫الشام أرسل إليهما أن كفّا عما يبلغني عنكما‪ ،‬فأتيا فقاال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬ألسنا على‬
‫الحق وهم على الباطل؟‪ .‬قال‪ :‬بلى وربّ الكعبة المس ّدنة‪ ،‬قاال‪ :‬فلم تمنعنا من شتمهم‬
‫ولعنهم؟ قال‪ :‬كرهت لكم أن تكونوا لعّانين‪ ،‬ولكن قولوا‪ :‬اللهم احقن دماءنا ودماءهم‪،‬‬
‫ق من جهله ويرعوى عن‬ ‫وأصلح ذات بيننا وبينهم‪ ،‬وأبعدهم من ضاللتهم حتى يعرف الح َّ‬
‫الغ ّي من لجج به(‪ .)3‬وأما ما قيل من أن عليًا كان يلعن في قنوته معاوية وأصحابه‪ ،‬وأن‬
‫ألن الصحابة‪-‬‬ ‫معاوية إذا قنت لعن عليًا وابن عباس والحسن والحسين‪ ،‬فهو غير صحيح‪ّ ،‬‬
‫رضوان هللا عليهم‪ -‬كانوا أكثر حرصًا من غيرهم على التقيد بأوامر الشارع الذي نهى‬
‫عن سباب المسلم ولعنه(‪ .)4‬فقد روى عن رسول هللا × قوله‪« :‬من لعن مؤمنًا فهو‬
‫كقتله»(‪ ,)5‬وقوله ×‪« :‬ليس المؤمن بطعّان ولا بلعّان»(‪ ،)6‬وقوله ×‪« :‬لا يكون‬
‫اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة»(‪.)7‬كما أن الرواية التي جاء فيها لعن أمير‬
‫المؤمنين في قنوته لمعاوية وأصحابه ولعن معاوية ألمير المؤمنين وابن عباس والحسن‬
‫والحسين ال تثبت من ناحية السند حيث فيها أبو مخنف لوط بن يحيى الرافضي المحترق‬
‫الذي ال يوثق في رواياته‪ ،‬كما أن في أصح كتب الشيعة عندهم جاء النهي عن سب‬
‫الصحابة‪ ،‬فقد أنكر عل ٌى على من سب معاوية ومن معه فقال‪ :‬إني أكره لكم أن تكونوا‬
‫سبابين ولكنكم لو وصفتم أعمالهم‪ ،‬وذكرتم حالهم‪ ،‬كان أصوب في القول‪ ،‬وأبلغ في‬

‫‪1‬‬
‫() البيان والتبيين للجاحظ (‪ ،)3/148‬فرائد الكالم للخلفاء الكرام‪ ،‬ص(‪.)327‬‬
‫‪2‬‬
‫() أحداث وأحاديث فتنة الهرج‪ ،‬ص(‪.)147‬‬
‫‪3‬‬
‫() األخبار الطوال‪ ،‬ص(‪ )165‬نقالً عن تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة (‪.)2/232‬‬
‫‪4‬‬
‫() تحقيق مواقف الصحابة (‪.)2/232‬‬
‫‪5‬‬
‫() البخاري‪ ،‬ك األدب (‪.)7/84‬‬
‫‪6‬‬
‫() السلسلة الصحيحة لأللباني‪ ،‬رقم (‪ ،)320‬صحيح سنن الترمذي (‪ ،)2/189‬رقم (‪.)1110‬‬
‫‪7‬‬
‫() مسلم (‪ )4/2006‬رقم (‪.)2598‬‬
‫‪41‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫العذر‪ ،‬وقلتم مكان سبكم إياهم‪ :‬اللهم احقن دماءنا ودماءهم‪ ،‬وأصلح ذات بيننا وبينهم(‪.)1‬‬
‫فهذا السب والتكفير لم يكن من هدى على باعتراف أصح كتاب في نظر الشيعة(‪.)2‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫التحكيم‬
‫تم االتفاق بين الفريقين على التحكيم بعد انتهاء موقعة صفين؛ وهو أن يُح ِّكم كل واحد‬
‫منهما رجالً من جهته ثم يتفق الحكمان على ما فيه مصلحة المسلمين‪ ،‬فو ّكل معاوية عمرو بن‬
‫العاص ووكل عل ّى أبا موسى األشعري‪ ،‬رضي هللا عنهمـ جميعًا‪ ،‬و ُكتبت بين الفريقين وثيقة في‬
‫ذلك‪ ،‬وكان مقر اجتماع الحكمين في دومة الجندل في شهر رمضان سنة ‪37‬هـ‪ ،‬وقد رأى قسم‬
‫من جيش على رضي هللا عنه أن عمله هذا ذنب يوجب الكفر‪ ،‬فعليه أن يتوب إلى هللا تعالى‪،‬‬
‫وخرجوا عليه فسموا الخوارج‪ ،‬فأرسل على رضي هللا عنه إليهم ابن عباس‪ ،‬رضي هللا‬
‫عنهما‪ ،‬فناظرهم وجادلهم ثم ناظرهم على رضي هللا عنه بنفسه فرجعت طائفة منهم وأبت‬
‫طائفة أخرى‪ ،‬فجرت بينهم وبين عل ّى رضي هللا عنه حروب أضعفت من جيشه وأنهكتـ‬
‫أصحابه‪ ،‬وما زالوا به حتى قتلوه غيلة‪ ،‬وسيأتيـ تفصيل ذلك في محله بإذن هللا تعالى‪.‬‬
‫تعد قضية التحكيم من أخطر الموضوعات في تاريخ الخالفة الراشدة‪ ،‬وقد تاه فيها‬
‫كثير من ال ُكتاب‪ ،‬وتخبط فيها آخرون وسطروها في كتبهم ومؤلفاتهم‪ ،‬وقد اعتمدوا على‬
‫الروايات الضعيفة والموضوعة التي شوهت الصحابة الكرام وخصوصًا أبا موسى‬
‫األشعري الذي وصفوهـ بأنه كان أبله ضعيف الرأي مخدوعًا في القول‪ ،‬وبأنه كان على‬
‫جانب كبير من الغفلة‪ ،‬ولذلك خدعه عمرو بن العاص في قضيّة التحكيم‪ ،‬ووصفوا عمرو‬
‫بن العاص‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬بأنه كان صاحب مكر وخداع‪ ،‬فكل هذه الصفات الذميمة‬
‫حاول المغرضون والحاقدون على اإلسالم إلصاقها بهذين الرجلين العظيمين اللذين‬
‫اختارهما المسلمون ليفصال في خالف كبير أ ّدى إلى قتل كثير من المسلمين‪ ،‬وقد تعامل‬
‫الكثير من المؤرخين واألدباء والباحثين مع الروايات التي وضعها خصوم الصحابة‬
‫الكرام على أنها حقائق تاريخية‪ ،‬وقد تلقاها الناس منهم بالقبول دون تمحيص لها وكأنها‬
‫صحيحة ال مرية فيها؛ وقد يكون لصياغتها القصصية المثيرة وما زعم فيها من خداع‬
‫ومكر أثر في اهتمام الناس بها وعناية المؤرخين بتدوينها‪ .‬وليعلم أن كالمنا هذا ينصب‬
‫على التفصيالت ال على أصل التحكيم حيث إن أصله حق ال شك فيه(‪.)3‬‬
‫وقد رأيت أن يكون المدخل في هذا المبحث التعريف بسيرة الصحابيين أبى موسى‬
‫األشعري وعمرو بن العاص رضي هللا عنهما‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬سيرة أبى موسىـ األشعري‪:‬‬
‫هو عبد هللا بن قيس بن حضّار بن حرب‪ ،‬اإلمام الكبير‪ ،‬صاحب رسول هللا ×‪ ،‬أبو‬
‫موسى األشعري التميمي الفقيه ال ُمقريء(‪ )4‬وقد أسلم أبو موسى بمكة قدي ًما‪ ،‬قال ابن سعد‪:‬‬
‫قدم مكة فحالف سعيد بن العاص‪ ،‬وأسلم قدي ًما وهاجر إلى أرض الحبشة(‪ ,)5‬وتذكر بعض‬
‫الروايات أنه رجع إلى قومه للدعوة إلى هللا‪ .‬وقد جمع ابن حجر بين الروايات في إسالمه‬
‫‪1‬‬
‫() نهج البالغة‪ ،‬ص(‪.)323‬‬
‫‪2‬‬
‫() أصول مذهب الشيعة (‪.)2/934‬‬
‫‪3‬‬
‫() مرويات أبى مخنف في تاريخ الطبري‪ :‬ص(‪ ،)378‬تنزيه خال المؤمنين معاوية‪ :‬ص(‪.)38‬‬
‫‪4‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)2/381‬‬
‫‪5‬‬
‫() الطبقات (‪.)4/107‬‬
‫‪41‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫فقال‪ :‬وقد استشكل ذكر أبى موسى فيهم‪ ،‬ألن المذكور في الصحيح أن أبا موسى خرج‬
‫من بالده هو وجماعة قاصدًا النبي × بخيبر‪ ..‬ويمكن الجمع بأن يكون أبو موسى هاجر‬
‫أوالً إلى مكة فأسلم‪ ،‬فبعثه النبي × مع من بعث إلى الحبشة‪ ،‬فتوجه إلى بالد قومه‪ ،‬وهم‬
‫مقابل الحبشة من الجانب الشرقي‪ ،‬فلما تحقق استقرار النبي × وأصحابه بالمدينة هاجر‬
‫هو ومن أسلم من قومه إلى المدينة فألقتهم السفينة ألجل هيجان الريح من الحبشة‪ ،‬فهذا‬
‫محتمل وفيه جمع بين األخبار فليعتمد(‪.)1‬‬
‫‪ -1‬أوسمه الشرف التي وضعها رسول هللا × على صدر أبى موسى‪:‬‬
‫أ‪ -‬لكم الهجرة مرتين‪ ،‬هاجرتم إلى النجاشي‪ ،‬وهاجرتم إل َّى‪ :‬عن أبى موسى‪،‬‬
‫قال‪ :‬خرجنا من اليمن في بضع وخمسين من قومي ونحن ثالثة إخوة‪ :‬أنا‪ ،‬وأبو ُر ْهم‪،‬‬
‫وأبو عامر‪ ،‬فأخرجتنا سفينتنا إلى النَّجاشي‪ ،‬وعند جعفر وأصحابه‪ ،‬فأقبلنا حين افتتحت‬
‫خيبر‪ ،‬فقال رسول هللا ×‪« :‬لكم الهجرة مرتين‪ :‬هاجرتم إلى النجاشي وهاجرتم‬
‫إلىَّ»(‪ ,)2‬وعن أنس قال‪ :‬قال رسول هللا ×‪« :‬يقدم عليكم غدًا قوم هم أرق قلوبًا‬
‫للإسلام منكم»‪.‬‬
‫فقدم األشعريون؛ فلما دنوا جعلوا يرتجزون‪:‬‬
‫محمدًا وحزبه‬ ‫غدًا نلقي األحبة‬
‫فلما قدموا تصافحوا‪ ،‬فكانوا أول من أحدث المصافحة(‪.)3‬‬
‫ب‪ -‬هم قومك يا أبا موسى‪ :‬عن عياض األشعري قال‪ :‬لما نزلت‪+ :‬فَسو َ ِ‬
‫ف يَأْتي اهللُ‬ ‫َْ‬
‫بَِق ْوٍم يُ ِحُّب ُه ْم َويُ ِحبُّونَهُ" [المائدة‪ .]54:‬قال رسول هللا ×‪« :‬هم قومك يا أبا موسى»‪ ،‬وأومأ‬
‫إليه(‪.)4‬‬
‫جـ‪ -‬اللهم اغفر لعبد هللا بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخالً كري ًما‪ :‬عن‬
‫أبى موسى قال‪ :‬لما فرغ رسول هللا × من حنين بعث أبا عامر األشعري على جيش‬
‫أوطاس‪ ،‬فلقي دريد بن الصمة فقتل دريد‪ ،‬وهزم هللا أصحابه؛ فرمى رجل أبا عامر في‬
‫ركبته بسهم فأثبته(‪ .)5‬فقلت‪ :‬يا عم‪ ،‬من رماك؟ فأشار إليه‪ .‬فقصدت له‪ ،‬فلحقته‪ ،‬فلما رآني‪،‬‬
‫َّ‬
‫فكف‪ ،‬فالتقيت أنا‬ ‫ولى ذاهبًا‪ ،‬فجعلت أقول له‪ :‬أال تستحي؟ ألست عربيًا؟ أال تثبت؟ قال‪:‬‬
‫وهو فاختلفنا ضربتين‪ ،‬فقتلته‪ ،‬ثم رجعت إلى أبى عامر‪ ،‬فقلت‪ :‬قد قتل هللا صاحبك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فانزع هذا السهم‪ .‬فنزعه فنزا منه الماء‪ .‬فقال‪ :‬يا ابن أخي‪ ،‬انطلق إلى رسول هللا × فأقرئه‬
‫منى السالم‪ ،‬وقل له يستغفر لي‪ .‬واستخلفني أبو عامر على الناس‪ ،‬فكمث يسيرًا‪ ،‬ثم مات‪.‬‬
‫فلما قدمنا‪ ،‬وأخبرت النبي ×‪ ،‬توضأ‪ ،‬ثم رفع يديه‪ ،‬ثم قال‪ :‬اللهم اغفر لعبيد ابن أبى‬
‫عامر‪ .‬حتى رأيت بياض إبطيه‪ ،‬ثم قال‪ :‬اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من‬
‫خلقك‪ .‬فقلت‪ :‬ولى يا رسول هللا؟ فقال‪ :‬اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله‬
‫يوم القيامة مدخلاً كريمًا(‪.)6‬‬

‫‪1‬‬
‫() فتح الباري (‪.)7/189‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسلم رقم (‪.)2502‬‬
‫‪3‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪ )2/384‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() المستدرك (‪ )2/313‬صححه الحاكم ووثقه الذهبي‪ ،‬سير أعالم النبالء (‪.)4/238‬‬
‫‪5‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)2/385‬‬
‫‪41‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫د‪ -‬إن هذا قد ر َّد البشري فاقبال أنتما‪ :‬عن أبى موسى‪ ،‬قال‪ :‬كنت عند رسول هللا‬
‫× بالجعرانة(‪ )1‬فأتى أعرابي فقال‪ :‬أال تنجز لي ما وعدتني؟ قال‪ :‬أبشر‪ .‬قال‪ :‬قد أكثرت من‬
‫البشري‪ .‬فأقبل رسول هللا عل ّى وعلى بالل‪ .‬فقال‪ :‬إنّ هذا قد ردَّ البشري فاقبلا‬
‫أنتما‪.‬فقاال‪ :‬قبلنا يا رسول هللا‪ ،‬فدعا بقدح‪ ،‬فغسل يديه ووجهه فيه‪ ،‬وم ّج فيه‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫اشربا منه‪ ،‬وأفرغا على رءوسكما ونحوركما‪ ،‬ففعال‪ ،‬فنادت أم سلمه من رواء الستر‪:‬‬
‫أن فضال ألمكما‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫فأفضال لها منه ‪.‬‬
‫هـ‪ -‬لقد أُعطى مزمارًا من مزامير آل داود‪ :‬عن ابن بريدة عن أبيه قال‪ :‬خرجت‬
‫ليلة من المسجد‪ ،‬فإذا النبي × عند باب المسجد قائم‪ ،‬وإذا رجل يصلى‪ ،‬فقال لي‪ :‬يا‬
‫بريدة‪ ،‬أتراه يُرائي؟ قلت‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪ .‬قال‪ :‬بل هو مؤمن منيب‪ ،‬لقد أعطى‬
‫مزمارًا من مزامير آل داود‪ .‬فأتيته فإذا هو أبو موسى األشعري؛ فأخبرته(‪.)3‬‬
‫و‪ -‬يا عبد هللا بن قيس‪ ،‬أال أدلك على كلمة من كنوز الجنة؟‪ :‬عن أبى موسى‬
‫األشعري قال‪ :‬كنا مع النبي × في سفر‪ ،‬وكان القوم يصعدون ثنية أو عقب‪ ،‬فإذا أصعد‬
‫الرجل قال‪ :‬ال إله إال هللا‪ ،‬وهللا أكبر – أحسبه قال‪ :‬بأعلى صوته – ورسول هللا × على‬
‫بغلته يعترضها في الجبل‪ ،‬فقال‪ :‬أيها الناس‪ ،‬إنكم لا تنادون أصمَّ ولا غائبًا‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬يا عبد الله بن قيس – أو يا أبا موسى – ألا أدلك على كلمة من‬
‫كنوز الجنة؟ قلت‪ :‬بلى يا رسول هللا‪ .‬قال‪ :‬قل‪ :‬ال حول وال قوة إال باهلل(‪.)4‬‬
‫ز‪ -‬يسَّرا وال تعسَّرا وتطاوعا وال تُنفرا‪ :‬استعمل رسول هللا × أبا موسى على‬
‫زبيد وعدن(‪ )5‬وأرسله مع معاذ إلى اليمن‪ ،‬فعن أبى موسى أن النبي × لما بعثه ومعاذا إلى‬
‫اليمن‪ ،‬قال لهما‪ :‬يََس‪َّ‬را ولا تُعَس‪َّ‬را وتطاوعا ولا تنفرا‪ ،‬فقال له أبو موسى‪ :‬إن‬
‫لنا بأرضنا شرابًا‪ ،‬يصنع مع العسل يقال له التبغ‪ ،‬ومن الشعير يقال له‪ :‬المزر‪ ،‬قال‪ :‬كل‬
‫مسكر حرام‪ ،‬فقال لي معاذ‪ :‬كيف تقرأ القرآن؟ قلت‪ :‬أقرأه في صالتي‪ ،‬وعلى راحلتي‪،‬‬
‫وقائ ًما وقاعدًا‪ ،‬أتفوقه تفوقًا‪ ،‬يعنى شيئًا بعد شيء‪ ،‬قال‪ :‬فقال معاذ‪ :‬لكني أنام ثم أقوم‪،‬‬
‫فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي‪ ،‬قال‪ :‬وكأن معا ًذا فُضِّ ل عليه(‪.)6‬‬
‫‪ -2‬مكانة أبى موسى عند عمر بن الخطاب رضي هللا عنهما‪ :‬كان أبو موسى‬
‫من ضمن أعمدة الدولة في عهد عمر‪ ،‬وكان قائدًا للجيوش في فتح قم وقاثان(‪ ,)7‬وموقعة‬
‫تستر(‪ ,)8‬كما كان من مؤسسي المدرسة البصرية في عهد الفاروق وكان يعد من أعلم‬

‫‪6‬‬
‫() مسلم‪ ،‬رقم (‪.)2498‬‬
‫‪1‬‬
‫() الجعرانة‪ :‬بين مكة والطائف وهي أقرب إلى مكة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسلم‪ ،‬رقم (‪.)2497‬‬
‫‪3‬‬
‫() مسلم‪ ،‬رقم (‪ ،)793‬مجمع الزوائد (‪.)9/358‬‬
‫‪4‬‬
‫() مسلم‪ ،‬رقم (‪.)2704‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ خليفة بن خياط‪ :‬ص(‪ ،)97‬تحقيق مواقف الصحابة (‪.)2/226‬‬
‫‪6‬‬
‫() مسلم‪ ،‬رقم (‪ ،)1733‬البخاري (‪.)4344‬‬
‫‪7‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/114‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)7/88‬‬
‫‪41‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الصحابة‪ ،‬وقد قدم البصرة‪ ،‬وعلّم بها(‪ ,)1‬وقد تأثر بعمر بن الخطاب‪ ،‬رضي هللا عنهما‪،‬‬
‫وكان بينهما مراسالت – سنأتي عليها عند حديثنا عن مؤسسة الوالة والقضاة – وكان أبو‬
‫موسى‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬قد اشتهر بالعلم والعبادة والورع والحياء‪ ،‬وعزة النفس وعفتها‪،‬‬
‫والزهد في الدنيا والثبات على اإلسالم‪ ،‬ويعد أبو موسى‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬من كبار علماء‬
‫الصحابة وفقهائهم ومفتيهم‪ ،‬فقد ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ في الطبقة األولى من‬
‫الصحابة‪ ،‬رضي هللا عنهم‪ ،‬كان عال ًما عامالً صالحًا تاليًا لكتاب هللا‪ ،‬إليه المنتهى في‬
‫حسن الصوت بالقرآن‪ ،‬روى عل ًما طيبًا مبار ًكا‪ ،‬أقرأ أهل البصرة وأفقههم‪ ،‬وقد كان‬
‫رضي هللا عنه كثير المالزمة للنبي ×‪ ،‬كما أنه تلقى من كبار الصحابة كعمر وعلى وأب ّى‬
‫بن كعب وعبد هللا بن مسعود‪ ،‬وتأثر أبو موسى على وجه الخصوص بعمر بن الخطاب‬
‫كثيرًا‪ ،‬وكان عمر يتعهده بالوصايا والكتب في أثناء واليته الطويلة على البصرة‪ ،‬كما أن‬
‫أبا موسى كان يرجع إلى عمر في كل ما يعرض له من القضايا‪ ،‬حتى عده الشعبي واحدًا‬
‫من أربعة قضاة‪ ،‬هم أشهر قضاة األمة‪ ،‬فقال‪ :‬قضاة األمة‪ :‬عمر‪ ،‬وعلى‪ ،‬وزيد بن ثابت‪،‬‬
‫وأبو موسى(‪ ,)2‬وكان أبو موسى عندما يأتي المدينة يحرص على مجالس عمر‪ ،‬رضي هللا‬
‫عنهما‪ ،‬وربما أمضى جز ًءا كبيرًا معه‪ ،‬فعن أبى بكر بن أبى موسى أن أبا موسى رضي‬
‫هللا عنه أتى عمر بن الخطاب بعد العشاء فقال له عمر‪ :‬ما جاء بك؟ قال‪ :‬جئت أتحدث‬
‫إليك‪ ،‬قال‪ :‬هذه الساعة؟ قال‪ :‬إنه فقه‪ .‬فجلس عمر فتحدثا طويالً‪ ،‬ثم إن أبا موسى قال‪:‬‬
‫الصالة يا أمير المؤمنين‪ ،‬قال‪ :‬إنا في صالة(‪ .)3‬وكما كان أبو موسى حريصًا على طلب‬
‫العلم والتعليم كان حريصًا على نشر العلم وتعليم الناس وتفقيههم‪ ،‬وكان يحض الناس على‬
‫التعلم والتعليم في خطبه‪ ،‬فعن أبى المهلب قال‪ :‬سمعت أبا موسى على منبره وهو يقول‪:‬‬
‫من علمه هللا عل ًما فليعلمه‪ ،‬وال يقولن ما ليس له به علم‪ ،‬فيكون من المتكلفين‪ ،‬ويمرق من‬
‫الدين(‪ ,)4‬وقد جعل أبو موسى مسجد البصرة مركز نشاطه العلمي‪ ،‬وخصص جز ًءا كبيرًا‬
‫من وقته لمجالسه العلمية‪ ،‬ولم يكتف بذلك‪ ،‬بل كان ال يدع فرصة تمر دون أن يستفيد منها‬
‫في تعليم الناس وتفقيههم‪ ،‬فإذا ما سلّم من الصالة استقبل‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬الناس‪ ،‬وأخذ‬
‫يعلمهم ويضبط لهم قراءتهم للقرآن الكريم‪ ،‬قال ابن شوذب‪ :‬كان أبو موسى إذا صلى‬
‫الصبح استقبل الصفوف رجالً رجالً يقرئهم(‪ ,)5‬واشتهر أبو موسى بين الصحابة بجمال‬
‫صوته‪ ،‬وحسن قراءته‪ ،‬فكان الناس يجتمعون عليه حين يسمعونه يقرأ‪ ،‬وكان عمر‪،‬‬
‫(‪)6‬‬
‫رضي هللا عنه‪ ،‬إذا جلس عنده أبو موسى طلب منه أن يقرأ له ما يتيسر له من القرآن ‪,‬‬
‫وقد وفقه هللا لتعليم المسلمين‪ ،‬وبذل رضي هللا عنه كل ما يستطيع من جهد في تعليم‬
‫القرآن ونشره بين الناس في كل البالد التي نزل فيها‪ ،‬واستعان بصوته الجميل وقراءته‬
‫الندية فاجتمع الناس عليه‪ ،‬وازدحم حوله طالب العلم في مسجد البصرة‪ ،‬فقسمهم إلى‬
‫مجموعات وحلق‪ ،‬فكان يطوف عليهم يسمعهم ويستمع منهم ويضبط لهم قراءتهم(‪ ,)7‬فكان‬
‫القرآن الكريم شغله الشاغل‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬صرف له معظم أوقاته في حله وفي سفره‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫() تفسير التابعين (‪.)1/433‬‬
‫‪2‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)2/389‬‬
‫‪3‬‬
‫() أبو موسى األشعري الصحابي العالم المجاهد‪ ،‬محمد طهماز‪ ،‬ص(‪.)121‬‬
‫‪4‬‬
‫() الطبقات (‪.)4/107‬‬
‫‪5‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)2/298‬‬
‫‪6‬‬
‫() أبو موسى األشعري الصحابي العالم‪ ،‬ص(‪ ،)126 ،125‬سير أعالم النبالء (‪.)2/391‬‬
‫‪7‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص(‪ ،)127‬سير أعالم النبالء (‪.)2/389‬‬
‫‪41‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫فعن أنس بن مالك قال‪ :‬بعثني األشعري إلى عمر‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬فقال عمر‪ :‬كيف‬
‫تركت األشعري؟ فقلت له‪ :‬تركته يعلم الناس القرآن‪ ،‬فقال‪ :‬أما إنه كيَّس(‪ ,)1‬وال تُسمعها‬
‫إياه(‪ .)2‬حتى عندما كان يخرج إلى الجهاد كان يعلم ويفقِّه‪ ،‬فعن حطّاب بن عبد هللا الرقاشى‬
‫قال‪ :‬كنا مع أبى موسى األشعري رضي هللا عنه في جيش على ساحل دجلة‪ ،‬إذ حضرت‬
‫الصالة‪ ،‬فنادى مناديه للظهر‪ ،‬فقام الناس للوضوء‪ ،‬فتوضأ ثم صلى بهم‪ ،‬ثم جلسوا حلقًا‪،‬‬
‫فلما حضرت العصر نادى منادى العصر‪ ،‬فهبَّ الناس للوضوء أيضًا فأمر مناديه‪ :‬ال‬
‫وضوء إال على من أحدث‪.‬‬
‫وأثمرت جهوده العلمية‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬وقرت عينه برؤية عدد كبير حوله من‬
‫حفاظ القرآن الكريم وعلمائه‪ ،‬زاد عددهم في البصرة وحدها على ثالثمائة‪ ،‬ولما طلب‬
‫عمر بن الخطاب من عماله أن يرفعوا إليه أسماء حفاظ القرآن لكي يكرمهم ويزيد‬
‫عطاءهم‪ ،‬فكتب إليه أبو موسى أنه بلغ من قبلي ممن حمل القرآن ثالثمائة وبضعة‬
‫رجل(‪ ,)3‬واهتم أبو موسى‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬بتعليم السنة وروايتها‪ ،‬فروى عنه عدد من‬
‫الصحابة وكبار التابعين‪ .‬قال الذهبي – رحمه هللا‪ :-‬ح ّدث عنه بريدة بن الحصيب‪ ،‬وأبو‬
‫إمامة الباهلى‪ ،‬وأبو سعيد الخدري‪ ،‬وأنس بن مالك‪ ،‬وطارق بن شهاب‪ ،‬وسعيد بن‬
‫المسيب‪ ،‬واألسود بن يزيد‪ ،‬وأبو وائل شقيق بن سلمة‪ ،‬وأبو عثمان النهدي وخلق‬
‫سواهم(‪ ,)4‬وكان رضي هللا عنه شديد التمسك بسنة النبي ×‪ ،‬د َّل على ذلك مسيرته في‬
‫الحياة وما أوصى به أوالده عند موته‪ ،‬ومع حرصه الشديد على السنة لم يكثر‪ ،‬رضي هللا‬
‫عنه‪ ،‬من رواية األحاديث الشريفة كما هو حال كبار الصحابة‪ ،‬رضي هللا عنهم‪ ،‬فقد كانوا‬
‫يتهيبون من الرواية عن النبي ×‪ ،‬وكان من المقربين ألبى موسى في البصرة أنس بن‬
‫مالك ويعتبر من خواصه‪ ،‬فعن ثابت عن أنس قال‪ :‬كنا مع أبى موسى في مسير‪ ،‬والناس‬
‫يتكلمون ويذكرون الدنيا‪ ،‬قال أبو موسى‪ :‬يا أنس إن هؤالء يكاد أحدهم يفري األديم بلسانه‬
‫فريًا‪ ،‬فتعال فلنذكر ربنا ساعة‪ ،‬ثم قال‪ :‬ما ثبر الناس – ما بطأ بهم‪-‬؟ قلت‪ :‬الدنيا والشيطان‬
‫والشهوات‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬لكن ُعجِّ لت الدنيا و ُغيِّبت اآلخرة‪ ،‬أما وهللا لو عاينوها ما ع ّدلوا وال‬
‫ب ّدلوا(‪ .)5‬ولثقة أبي موسى بأنس فقد كان يكلفه أن يكون رسوله إلى أمير المؤمنين عمر‪،‬‬
‫قال أنس‪ :‬بعثني أبو موسى األشعري من البصرة إلى عمر فسألني عن أحوال الناس‪،‬‬
‫وبعد موقعة تستر أرسله أبو موسى إلى عمر باألسرى والغنائم فقدم على عمر بصاحبها‬
‫الهرمزان(‪.)6‬‬
‫‪ -3‬والية أبى موسى في عهد عمر وعثمان رضي هللا عنهم‪ :‬يعتبر أبو موسى‬
‫– بحق – أشهر والة البصرة أيام عمر بن الخطاب‪ ،‬فقد فتحت في أيامه المواقع العديدة‬
‫في فارس‪ ،‬فكان يجاهد بنفسه‪ ،‬ويرسل القادة للجهات المختلفة من البصرة‪ ،‬ففي أيامه‬
‫تمكن البصريون من فتح األهواز وما حولها وفتحوا العديد من المواضع المهمة‪ ،‬وكانت‬
‫فترة واليته حافلة بالجهاد‪ ،‬وقد تعاون أبو موسى مع الوالة المجاورين له في كثير من‬
‫الحروب والفتوحات‪ ،‬وقد قام بجهود كبيرة لتنظيم المناطق المفتوحة وتعيين العمال عليها‬

‫‪1‬‬
‫() الطبقات (‪ )4/108‬رجاله ثقات‪ّ ،‬كيس‪ :‬عاقل فطن‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)2/390‬‬
‫‪3‬‬
‫() أبو موسى األشعري‪ ،‬ص(‪.)129‬‬
‫‪4‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)2/381‬‬
‫‪5‬‬
‫() أنس بن مالك الخادم األمين‪ ،‬عبد الحميد طهماز‪،‬ص(‪.)135‬‬
‫‪6‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/66‬‬
‫‪41‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وتأمينها وترتيب مختلف شئونها‪ ،‬وقد جرت العديد من المراسالت بين أبى موسى وعمر‬
‫بن الخطاب في مختلف القضايا‪ ,‬منها توجيهه ألبى موسى في كيفية استقباله للناس في‬
‫مجالس اإلمارة‪ ،‬ومنها نصيحته ألبى موسى بالورع ومحاولة إسعاد الرعية‪ ،‬وهي قيمة‬
‫قال فيها عمر‪« :‬أما بعد‪ ،‬فإن أسعد الناس من سعدت به رعيته‪ ،‬وإن أشقى الناس من‬
‫شقيت به رعيته‪ ،‬وإياك أن ترتع فيرتع عمالك‪ ،‬فيكون مثلك عند ذلك مثل البهيمة نظرت‬
‫إلى خضرة من األرض فرتعت تبغي السمن وإنما حتفها في سمنها»(‪ .)1‬وهناك العديد من‬
‫الرسائل بين عمر وأبى موسى تدل على نواح إدارية وتنفيذية مختلفة كان يقوم بها أبو‬
‫موسى بتوجيه من عمر‪ ،‬وقد جمع معظم هذه المراسالت محمد حميد هللا في كتابة القيم‬
‫عن الوثائق السياسية(‪ .)2‬وتعتبر فترة والية أبى موسى على البصرة من أفضل الفترات‬
‫حتى لقد عبر عنها أحد أحفاد البصريين فيما بعد‪ ،‬وهو الحسن البصري – رحمه هللا –‬
‫فقال‪ :‬ما قدمها راكب خير ألهلها من أبى موسى(‪ ,)3‬إذ إن أبا موسى – رحمه هللا – كان‬
‫باإلضافة إلى إمارته خير معلم ألهلها‪ ،‬حيث علَّمهم القرآن وأمور الدين المختلفة(‪ ,)4‬وفي‬
‫عهد عمر بن الخطاب كان العديد من المدن في فارس – والتي فتحت في زمنه – تخضع‬
‫للبصرة‪ ،‬وتدار من قبل والى البصرة الذي يعين عليها العمال من قِبَلة‪ ،‬ويرتبطون به‬
‫ارتباطًا مباشرًا‪ ،‬وهكذا اعتبر أبو موسى من أعظم واله عمر‪ .‬واعتبرت مراسالت عمر‬
‫مع أبى موسى من أعظم المصادر التي كشفت سيرة عمر مع والته‪ ،‬وبينت مالمح أسلوبه‬
‫في التعامل معهم(‪ ,)5‬وقد أوصى عمر – رضي هللا عنه – في وصيته للخليفة من بعده أال‬
‫يق َّر لي عامل أكثر من سنة‪ ،‬وأقر األشعري أربع سنين(‪ ,)6‬وقد تولى أبو موسى منصب‬
‫القضاء في عهد عمر وكان كتاب عمر إليه في القضاء أنموذجًا ومثاالً يفيد كل قاض‪ ،‬بل‬
‫وكل إداري‪ ،‬في كل زمان ومكان(‪ ,)7‬وقال عنه ابن القيم‪ :‬وهذا كتاب جليل تلقاه العلماء‬
‫بالقبول‪ ،‬وبنوا عليه أصول الحكم‪ ،‬والشهادة‪ ،‬والمفتيـ أحوج شيء إليه وإلى تأمله والتفقه‬
‫فيه(‪ ,)8‬كما تولى الوالية في عهد عثمان واستقضاه ذو النورين على البصرة أيضًا‪ ،‬ولما‬
‫قتل عثمان كان واليًا على الكوفة‪ ،‬ولما تولى على رضي هللا عنه الخالفة‪ ،‬أخذ أبو موسى‬
‫له البيعة من أهل الكوفة‪ ،‬إذ كان واليًا عليها لعثمان بن عفان رضي هللا عنه‪ ،‬وحين‬
‫استنفر الخليفة الكوفيين من ذي قار‪ ،‬رأى أبو موسى بوادر الفتنة واالنشقاق بين‬
‫المسلمين‪ ،‬فنصح ألهل الكوفة أن يلزموا بيوتهم ويعتزلوا هذا األمر فإنما هي فتنة‪ ،‬القاعد‬
‫فيها خير من القائم‪ ،‬والقائم خير من الماشي‪ ،‬ولكن الختالف وجهة نظره مع الخليفة عزل‬
‫عن‬
‫والية الكوفة(‪.)9‬‬

‫‪1‬‬
‫() مناقبـ عمر البن الجوزى‪ ،‬ص(‪.)130‬‬
‫‪2‬‬
‫() الوثائق السياسية للعهد النبوي والخالفة الراشدة‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)2/389‬‬
‫‪4‬‬
‫() الوالية على البلدان (‪.)1/120‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)1/120‬‬
‫‪6‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)2/391‬‬
‫‪7‬‬
‫() خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد‪ ،‬ص(‪.)262‬‬
‫‪8‬‬
‫() أعالم الموقعين (‪.)1/186‬‬
‫‪9‬‬
‫() فتح الباري (‪ ،)13/53‬التاريخ الصغير (‪.)11/109‬‬
‫‪41‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫إن حياة أبى موسى‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬منذ إسالمه قضاها في نشر اإلسالم وتعليم‬
‫الناس العلم‪ ،‬وخاصة القرآن الذي اشتهر بقراءته‪ ،‬والجهاد في سبيل هللا والحرص عليه‪،‬‬
‫والفصلـ في الخصومات‪ ،‬ونشر العدل وضبط الواليات عن طريق القضاء واإلدارة‪ ،‬وال‬
‫شك أن هذه المها ّم صعبة وتحتاج إلى مهارات وصفات فريدة من العلم والفهم والفطنة‬
‫والحذق والورع والزهد‪ ،‬وقد أخذ منها أبو موسى بنصيب وافر‪ ،‬فاعتمد عليه رسول هللا‬
‫× ثم الخلفاء األربعة من بعده رضوان هللا عليهم(‪ ,)1‬فهل يتصور أن يثق رسول هللا ×‪ ،‬ثم‬
‫خلفاؤه بعده برجل يمكن أن تجوز عليه مثل الخدعة التي ترويها قصة التحكيم؟!(‪.)2‬‬
‫إن اختيار أبى موسى –رضي هللا عنه – حك ًما عن أهل العراق من قبل عل ّى‪ -‬رضي‬
‫هللا عنه – وأصحابه ينسجم تما ًما مع األحداث‪ ،‬فالمرحلة التالية هي مرحلة الصلح وجمع‬
‫كلمة المسلمين‪ ،‬وأبو موسى األشعري كان من دعاة الصلح والسالم‪ ،‬كما كان في الوقت‬
‫نفسه محبوبًا‪ ،‬مؤتمنًا من قبائل العراق‪ ،‬وقد ذكرت المصادر المتقدمة أن عليًا هو الذي‬
‫اختار أبا موسى األشعري‪ ،‬يقول خليفة في تاريخه‪ :‬وفيها – سنة ‪37‬هـ‪ -‬اجتمع الحكمان‪:‬‬
‫أبو موسى األشعري من قبل عل ّى‪ ،‬وعمرو بن العاص من قبل معاوية(‪ ,)3‬ويقول ابن سعد‪:‬‬
‫على أبا موسى‪ ،‬وح ّكم‬ ‫وتداعوا على الصلح‪ ،‬وح ّكموا الحكمين‪ ،‬فح َّكم ٌّ‬ ‫فكره الناس الحرب‬
‫معاويةُ عمرو بن العاص(‪ ,)4‬ولهذا يمكن القول إن الدور المنسوب للقراء في صفين من‬
‫مسئولية وقف القتال والتحكيم‪ ،‬وفرض أبى موسى حك ًما ليست إال فرية تاريخية اخترعها‬
‫اإلخباريون الشيعة الذين ما انقطعوا عن تزوير وتشويه تاريخ اإلسالم بالروايات الباطلة‪,‬‬
‫وكان يزعجهم أن يظهر علي رضي هللا عنه بمظهر المتعاطف مع معاوية وأهل الشام‪,‬‬
‫وأن يرغب في الصلح مع أعدائهم التقليديين‪ ,‬ومن جهة أخرى يحملون المسئولية‬
‫ألعدائهم الخوارج ويتخلصون منها‪ ,‬ويجعلون دعوى الخوارج تناقض نفسها‪ ,‬فهم الذين‬
‫أجبروا عليًا على قبول التحكيم‪ ,‬وهم الذين ثاروا عليه بسبب قبول التحكيم(‪.)5‬‬
‫إن هذه العجالة عن شخصية أبي موسى لها عالقة ببحثنا عن شخصية أمير المؤمنين علي‬
‫وعصره‪ ,‬وأبو موسى من الشخصيات المؤثرة في عصره‪ ,‬وقد تعرضت للتشويه‪ ,‬وغالبًا إذا‬
‫تحدث أحد عن صفين والتحكيم تعرضت شخصية أبي موسى وعمرو بن العاص‪ ,‬للتشويه‪,‬‬
‫والكذب واالفتراء بسبب الروايات الضعيفة والموضوعة‪,‬ـ فكان لزا ًما علينا أن نتحدث عن‬
‫شيء من سيرتهماـ العطرة الزكية‪ ,‬وهذا المقصد من أهداف الكتابة في هذا البحث‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬سيرة عمرو بن العاص رضي هللا عنه‪:‬‬
‫هو عمرو بن العاص بن وائل السهمي‪ ,‬يكنى أبا محمد وأبا عبد هللا‪ ,‬ويتفق ابن‬
‫إسحاق(‪ )6‬والزبير بن بكار(‪ )7‬أن إسالمه كان عند النجاشي في الحبشة‪ ,‬وهاجر إلى المدينة‬
‫في صفر سنة ثمان للهجرة‪ ,‬وذكر ابن حجر أنه أسلم سنة ثمان قبل الفتح‪ ,‬وقيل‪ :‬بين‬

‫‪1‬‬
‫() خالفة على بن أبى طالب‪ ،‬عبد الحميد‪ ،‬ص(‪.)262‬‬
‫‪2‬‬
‫() تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة (‪.)2/227‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ خليفة‪ ،‬ص(‪.)192 ،191‬‬
‫‪4‬‬
‫() الطبقات (‪.)3/32‬‬
‫‪5‬‬
‫() تحقيق مواقف الصحابة (‪.)2/215‬‬
‫‪6‬‬
‫() المعجم الكبير للطبراني (‪ )9/53‬أرسلها ابن اسحاق‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() اإلصابة (‪ )3/2‬خالفة علي‪ ,‬عبد الحميد‪ ,‬ص (‪.)263‬‬
‫‪42‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الحديبية وخيبر(‪.)1‬‬
‫‪ -1‬إسالمه‪ :‬نترك عمرو بن العاص‪ ,‬رضي هللا عنه‪ ,‬يحدثنا عن إسالمه‪ ,‬فقد قال‪:‬‬
‫لما انصرفنا مع األحزاب من الخندق جمعت رجاالً من قريش‪ ,‬كانوا يرون رأيي‬
‫ويسمعون مني‪ ,‬فقلت لهم‪ :‬تعلمون وهللا أني أرى أمر محمد يعلو األمور عل ًوا منكرًا‪,‬‬
‫وإني رأيت أمرًا‪ ,‬فما ترون فيه؟ قالوا‪ :‬وماذا رأيت؟ قال‪ :‬رأيت أن نلحق بالنجاشي‪ ,‬فإنا‬
‫أن نكون تحت يديه أحب إلينا أن نكون تحت يدي محمد‪ ,‬وإن ظهر قومنا فنحن من قد‬
‫عرفوا‪ ,‬فلن يأتينا منهم إال خي ًرا‪ ,‬قالوا‪ :‬إن هذا الرأي‪ ,‬قلت‪ :‬فاجمعوا لنا ما نهديه له‪ ,‬وكان‬
‫أحب ما يهدى إليه من أرضنا األدم(‪ ,)2‬فجمعنا له أد ًما كثيرًا ثم خرجنا حتى قدمنا عليه‪,‬‬
‫فوهللا إنا لعنده إذ جاءه عمرو بن أمية الضمري‪ ,‬وكان رسول هللا × قد بعثه إليه في شأن‬
‫جعفر وأصحابه‪ ,‬قال‪ :‬فدخل عليه‪ ,‬ثم خرج من عنده‪ ,‬قال‪ :‬فقلت ألصحابي‪ :‬هذا عمرو بن‬
‫أمية الضمري‪ ,‬لو دخلت على النجاشي‪ ,‬وسألته إياه فأعطانيه‪ ,‬فضربت عنقه‪ ,‬فإذا فعلت‬
‫ذلك رأت قريش أني أجزأت عنها(‪ ,)3‬حيث قتلت رسول محمد‪ ,‬قال‪ :‬فدخلت عليه‪ ,‬فسجدت‬
‫له كما كنت أصنع‪ ,‬فقال‪ :‬مرحبًا صديقي‪ ,‬أهديت إلي من بالدك شيئًا؟ قال‪ :‬نعم‪ ,‬أيها‬
‫الملك‪ ,‬قد أهديت إليك أد ًما كثي ًرا‪ ,‬قال‪ :‬ثم قربته إليه فأعجبه واشتهاه‪ ,‬ثم قلت له‪ :‬أيها الملك‬
‫إني قد رأيت رجالً خرج من عندك وهو رسول رجل عدو لنا‪ ,‬فأعطنيه ألقتله‪ ,‬فإنه قد‬
‫أصاب من أشرافنا وخيارنا‪ ,‬قال‪ :‬فغضب‪ ,‬ثم مد يده‪ ,‬فضرب بها أنفه ضربة ظننت أنه قد‬
‫كسره‪ ,‬فلو انشقت لي األرض لدخلت فيها فرقًا منه‪ ,‬ثم قلت له‪ :‬أيها الملك‪ ,‬وهللا لو ظننت‬
‫أنك تكره هذا ما سألتكه‪ ,‬قال‪ :‬أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس األكبر الذي‬
‫كان يأتي موسى لقتله؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬أيها الملك‪ ,‬أكذلك هو؟ قال‪ :‬ويحك يا عمرو أطعني‬
‫واتبعه‪ ,‬فإنه وهللا لعلى الحق‪ ,‬وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون‬
‫وجنوده‪ ,‬قال‪ :‬قلت‪ :‬أفتبايعني له على اإلسالم؟ قال‪ :‬نعم‪ ,‬فبسط يده فبايعته على اإلسالم‪ ,‬ثم‬
‫خرجت إلى أصحابي‪ ,‬وقد حال رأيي عما كان عليه‪ ,‬وكتمت على أصحابي إسالمي‪ ,‬ثم‬
‫خرجت عامدًا إلى رسول هللا ألسلم‪ ,‬فلقيت خالد بن الوليد‪ ,‬وذلك قبيل الفتح‪ ,‬وهو مقبل من‬
‫مكة‪ ,‬فقلت‪ :‬أين يا أبا سليمان؟ قال‪ :‬وهللا لقد استقام المنسم(‪ ,)4‬وإن الرجل لنبي‪ ,‬أذهب وهللا‬
‫فأسلم‪ ,‬فحتى متى؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬وهللا ما جئت إال ألسلم‪ .‬قال‪ :‬فقدمنا المدينة على رسول هللا‬
‫×‪ ,‬فتقدم خالد بن الوليد فأسلم وبايع‪ ,‬ثم دنوت‪ ,‬فقلت‪ :‬يا رسول هللا ×‪ ,‬إني أبايعك على أن‬
‫يُغفر لي ما تقدم من ذنبي‪ ,‬وال أذكر ما تأخر‪ ,‬قال‪ :‬فقال رسول هللا ×‪« :‬يا عمرو بايع‪,‬‬
‫فإن الإسلام يجُبُّ ما كان قبله‪ ,‬وإن الهجرة تجب ما كان قبلها»‪ ,‬قال‪:‬‬
‫فبايعته ثم انصرفت(‪ .)5‬وفي رواية قال‪ ...:‬فلما جعل هللا اإلسالم في قلبي أتيت النبي ×‬
‫فقلت‪ :‬ابسط يمينك فألبايعك‪ ,‬فبسط يمينه‪ ,‬قال‪ :‬فقبضت يدي‪ ,‬قال‪« :‬ما لك يا عمرو؟»‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬أردت أن أشترط‪ .‬قال‪« :‬تشترط بماذا؟» قلت‪ :‬أن يغفر لي‪ .‬قال‪« :‬أما علمت‬
‫أن الإسلام يهدم ما كان قبله‪ ,‬وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها‪ ,‬وأن الحج‬
‫يهدم ما كان قبله؟» (‪.)6‬‬
‫‪1‬‬
‫() تهذيب التهذيب (‪.)8/56‬‬
‫‪2‬‬
‫() األدم‪ :‬الجلد‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() أجزأت عنها‪ :‬كفيتها‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() استقام المنسم‪ :‬تبين الطريق ووضح‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() صحيح السيرة النبوية‪ ,‬ص (‪ ,)494‬سير أعالم النبالء (‪ ,)3/60‬والسيرة البن هشام (‪.)2/276‬‬
‫‪6‬‬
‫() مسلم‪ ,‬كتاب اإليمان‪ ,‬رقم (‪.)121‬‬
‫‪42‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -2‬عمرو بن العاص يقود سرية في ذات السالسل ‪7‬هـ‪:‬‬
‫جهز النبي × جي ًشا بقيادة عمرو بن العاص إلى ذات السالسل‪ ,‬وذلك لتأديب قضاعة‬
‫التي غرها ما حدث في مؤتة التي اشتركت فيها إلى جانب الروم‪ ,‬فتجمعت تريد الدنو من‬
‫المدينة‪ ,‬فتقدم عمرو بن العاص في ديارها ومعه ثالثمائة من المهاجرين واألنصار‪ ,‬ولما‬
‫وصل إلى مكان تجمع األعداء بلغه أن لهم جموعًا كثيرة‪ ,‬فأرسل إلى رسول هللا × يطلب‬
‫المدد فجاءه مدد بقيادة أبي عبيدة بن الجراح(‪ ,)1‬وقاتل المسلمون الكفار‪ ,‬وتوغل عمرو‬
‫في ديار قضاعة التي هربت وتفرقت وانهزمت‪ ,‬ونجح عمرو في إرجاع هيبة اإلسالم‬
‫ألطراف الشام‪ ,‬وإرجاع أحالف المسلمين لصداقتهم األولى‪ ,‬ودخول قبائل أخرى في‬
‫حلف المسلمين‪ ,‬وإسالم الكثيرين من بني عبس‪ ,‬وبني مرة‪ ,‬وبني ذبيان‪ ,‬وكذلك فزارة‬
‫وسيدها عيينة بن حصن في حلف مع المسلمين‪ ,‬وتبعها بنو سليم‪ ,‬وعلى رأسهم العباس بن‬
‫مرداس‪ ,‬وبنو أشجع‪ ,‬وأصبح المسلمون هم األقوى في شمال بالد العرب‪ ,‬وإن لم يكن في‬
‫البالد جميعها(‪ ,)2‬وفي هذه الغزوة دروس وعبر وحكم تتعلق بعمرو بن العاص منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬إخالص عمرو بن العاص‪:‬‬
‫يقول عمرو‪ :‬بعث إلي رسول هللا × فقال‪« :‬خذ عليك ثيابك‪ ,‬وسلاحك‪ ,‬ثم ائتني»‪.‬‬
‫فأتيته وهو يتوضأ‪ ,‬فصعد ف ّي النظر‪ ,‬ثم طأطأ‪ ,‬فقال‪« :‬إني أريد أن أبعثك على‬
‫جيش(‪ ,)3‬فيسلمك الله ويغنمك‪ ,‬وأرغب لك في المال رغبة صالحة»‪ ,‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا‬
‫رسول هللا ما أسلمت من أجل المال‪ ,‬ولكني أسلمت رغبة في اإلسالم‪ ,‬وأن أكون مع‬
‫رسول هللا ×‪ .‬قال‪« :‬يا عمرو نعم المال الصالح للمرء الصالح»(‪ .)4‬فهذا الموقف‬
‫يدل على قوة إيمان وصدق وإخالص عمرو بن العاص لإلسالم وحرصه على مالزمة‬
‫رسول هللا ×‪ ,‬وقد بين له رسول هللا × أن المال الحالل نعمة إذا وقع بيد الرجل الصالح‪,‬‬
‫ألنه يبتغي وجه هللا ويصرفه في وجوه الخير ككفالة األيتام واألرامل والدعاة ودعم‬
‫المجاهدين‪ ,‬والمشاريع الخيرية وغيرها من وجوه البر‪ ,‬ويعف به نفسه وأسرته(‪ ,)5‬ويغني‬
‫به المسلمين‪ ,‬ونستنبط من الحديث أن سعي العبد للحصول على المال الصالح أمر محمود‬
‫يحث عليه النبي ×‪ ,‬كما أن الرجل ذا المال إذا استطعنا إيصال الصالح له ليجمع بين‬
‫صالح المال وصالح نفسه كما في الحديث‪ ,‬فهو أيضًا مطلوب ومحمود‪ ,‬وهذا خير له‬
‫ولإلسالم والمسلمين‪.‬‬
‫ب‪ -‬حرص عمرو على سالمة قواته‪ :‬بعث رسول هللا × عمرًا في غزوة ذات‬
‫السالسل‪ ,‬فأصابهم برد‪ ,‬فقال لهم عمرو‪ :‬ال يوقدن أحد نار‪ ,‬فلما قدم شكوه‪ ,‬قال‪ :‬يا نبي‬
‫هللا‪ ,‬كان فيهم قلة‪ ,‬فخشيت أن يرى العدو قلتهم‪ ,‬ونهيتهم أن يتبعوا العدو مخافة أن يكون‬
‫لهم كمين‪ ،‬فأعجب ذلك رسول هللا(‪.)6‬‬
‫ج‪ -‬من فقه عمرو بن العاص رضي هللا عنه‪ :‬قال عمرو بن العاص رضي هللا‬
‫عنه‪ :‬احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السالسل‪ ,‬فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك‪,‬‬
‫‪1‬‬
‫() السيرة النبوية الصحيحة (‪ ,)2/471‬السيرة النبوية البن هشام (‪.)3/280‬‬
‫‪2‬‬
‫() السيرة النبوية ألبي شهبة (‪ ,)2/433‬السيرة النبوية البن هشام (‪.)4/280‬‬
‫‪3‬‬
‫() جيش‪ :‬سرية ذات السالسل‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() رواه ابن حبان في الموارد (‪ ,)2277‬صحيح السيرة‪ ,‬ص (‪ )508‬صححه األلباني‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() التاريخ اإلسالمي للحميدي (‪.)7/133‬‬
‫‪6‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)3/66‬‬
‫‪42‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫فتيممت‪ ,‬ثم صليت بأصحابي الصبح‪ ,‬فذكروا ذلك للنبي × فقال‪« :‬يا عمرو صليت‬
‫بأصحابك وأنت جنب؟» فأخبرته بالذي منعني من االغتسال وقلت‪ :‬إني سمعت هللا يقول‪:‬‬
‫‪+‬وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا"‬
‫[النساء‪ ,]29:‬فضحك رسول هللا × ولم يقل شيئًا(‪.)1‬‬
‫وهذا االجتهاد من عمرو بن العاص يدل على فقهه ووفور عقله‪ ,‬ودقة استنباطه‬
‫الحكم من دليله(‪ ,)2‬ولئن وقف الفقهاء عند هذه الحادثة يفرعون عليها األحكام‪ ,‬فإن الذي‬
‫يستوقفنا(‪ )3‬منها تلك السرعة في أخذ عمرو للقرآن وصلته به حتى بات قادرًا على فقه‬
‫األمور من خالل اآليات وهو لم يمض على إسالمه أربعة أشهر‪ ,‬إنه الحرص على الفقه‬
‫في دين هللا‪ ,‬وقد يكون عمرو –وهذا احتمال وارد‪ -‬على صلة بالقرآن قبل إسالمه يتتبع ما‬
‫يستطيع الوصول إليه‪ ,‬وحينئذ نكن أمام مثال آخر من عظمة هذا القرآن الذي لوى أعناق‬
‫الكافرين وجعلهم وهم في أشد حاالت العداوة لهذا الدين يحاولون استماع هذا القرآن‪ ,‬كما‬
‫رأينا ذلك في العهد المكي‪ ,‬ويؤيد هذا ما رأيناه من معرفته بالقرآن حينما طلب من‬
‫النجاشي أن يسأل مهاجري الحبشة عن رأيهم في عيسى عليه السالم(‪.)4‬‬
‫‪ -3‬فضائله ومناقبه‪:‬‬
‫أ‪ -‬شهادة رسول هللا × له باإليمان‪ :‬قال رسول هللا ×‪« :‬أسلم الناس وآمن الناس‬
‫عمرو بن العاص»(‪ ,)5‬وفي حديث آخر قال رسول هللا ×‪« :‬ابنا العاص مؤمنان عمرو‬
‫وهشام»(‪ ,)6‬وقال عمرو بن العاص‪ :‬فزع الناس بالمدينة مع النبي × فتفرقوا‪ ,‬فرأيت سال ًما‬
‫احتبى سيفًا فجلس في المسجد‪ ,‬فلما رأيت ذلك فعلت مثل الذي فعل‪ ,‬فخرج رسول هللا ×‬
‫فرآني وسال ًما‪ ,‬وأتى الناس فقال‪« :‬أيها الناس ألا مفزعكم إلى الله ورسوله‪ ,‬ألا‬
‫فعلتم ما فعل هذان الرجلان؟» (‪.)7‬‬
‫ب‪ -‬تقديم رسول هللا × له على غيره‪ ,‬وشهادته له بأنه من صالحي قريش‪:‬‬
‫فقد جاء عن عمرو بن العاص رضي هللا عنه قوله‪ :‬ما عدل بي رسول هللا × وبخالد‬
‫أحدًا منذ أسلمنا في حرب(‪ .)8‬وشهد له رسول هللا × بأنه من صالحي قريش‪ ,‬فعن أبي‬
‫مليكة قال‪ :‬قال طلحة بن عبيد هللا‪ :‬سمعت رسول هللا × يقول‪« :‬إن عمرو بن العاص من‬
‫صالحي قريش»(‪ .)9‬وهنا درس نبوي في معرفة النبي × لمعادن الرجال واالستفادة منها‪.‬‬
‫ج‪ -‬دعاء رسول هللا × له‪ :‬عن زهير بن قيس البلوي عن عمه علقمة بن رمثة‬

‫‪1‬‬
‫() المصدر نفسه (‪ )3/67‬إسناده صحيح‪ ,‬صححه ابن حبان‪ ,‬رقم (‪.)202‬‬
‫‪2‬‬
‫() غزوة الحديبية ألبي فارس‪ ,‬ص (‪.)210‬‬
‫‪3‬‬
‫() معين السيرة‪ ,‬ص (‪ ,)381‬القائل هو صالح أحمد الشامي صاحب معين السيرة‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ,‬ص (‪ ,)381‬مسند أحمد (‪ )1/203‬رجاله رجال الصحيح‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() سلسلة األحاديث الصحيحة (‪ ,)1/238‬رقم (‪ )155‬وحسنه‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() الطبقات (‪ ,)4/191‬السلسلة الصحيحة (‪ ,)1/240‬رقم (‪.)156‬‬
‫‪7‬‬
‫() مسند أحمد (‪ )203‬بسند حسن‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() سنن البيهقي باب إسالم عمرو بن العاص (‪.)4/43‬‬
‫‪9‬‬
‫() سنن الترمذي كتاب المناقب‪ ,‬باب مناقبـ عمرو بن العاص‪ ,‬رقم (‪.)3844‬‬
‫‪42‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫البلوي قال‪ :‬بعث رسول هللا × عمرو بن العاص إلى البحرين‪ ,‬ثم نعس رسول هللا × ثم‬
‫استيقظ فقال‪« :‬رحم الله عمرًا»‪ .‬فتذاكرنا من اسمه عمرو ثم نعس ثانية فاستيقظ فقال‪:‬‬
‫«رحم الله عمرًا» ثم نعس ثالثة فاستيقظ‪ ,‬فقال‪« :‬يرحم الله عمرًا»‪ .‬قلنا‪ :‬من عمرو‬
‫يا رسول هللا؟ قال‪« :‬عمرو بن العاص» قلنا‪ :‬وما باله؟ قال‪« :‬ذكرته إني كنت إذا ندبت‬
‫الناس للصدقة‪ ,‬جاء من الصدقة فأجزل‪ ,‬فأقول‪ :‬من أين لك هذا يا عمرو؟ فيقول‪:‬‬
‫من عند الله‪ ,‬وصدق عمرو‪ ,‬إن لعمرو عند الله لخيرًا كثيرًا»‪ .‬قال زهير‪ :‬فلما‬
‫كانت الفتنة قلت‪ :‬أتبع هذا‪ ,‬قال فيه رسول هللا ما قال‪,‬‬
‫فلم أفارقه(‪.)1‬‬
‫‪ -4‬أعماله في عهد أبي بكر وعمر وعثمان رضي هللا عنهم‪:‬‬
‫كان رسول هللا × قد أرسل عم ًرا إلى دعوة ابني الجلندي «جيفر‪ ,‬وعباد» إلى‬
‫اإلسالم ودعاهما إلى اإلسالم وصدقا بالنبي × وخليا بين عمرو وبين الصدقة والحكم فيما‬
‫بين قومهم‪ ,‬وكانا له عونًا على من خالفه(‪ ,)2‬وبعد وفاة رسول هللا × وجه الصديق عمرو‬
‫بن العاص بجيش إلى فلسطين‪ ,‬وكان الصديق خيَّره بين البقاء في عمله الذي أسنده إليه‬
‫رسول هللا × وبين أن يختار له ما هو خير له في الدنيا واآلخرة‪ ,‬إال أن الذي هو فيه أحب‬
‫إليه‪ ,‬فكتب إليه عمرو بن العاص‪ :‬إني سهم من سهام اإلسالم وأنت بعد هللا الرامي بها‬
‫والجامع لها‪ ,‬فانظر أشدها وأخشاها وأفضلها فارم به(‪ ,)3‬فلما قدم المدينة أمره أبو بكر‬
‫رضي هللا عنه أن يخرج من المدينة وأن يعسكر حتى يندب معه الناس‪ ..‬ثم أرسله بجيش‬
‫إلى الشام(‪ .)4‬وفي معركة اليرموك كان عمرو على الميمنة‪ ,‬فكان لمشاركته أثر كبير في‬
‫انتصار المسلمين‪ ,‬وبعد وفاة الصديق استمر عمرو في الشام وكانت له مشاركة فعالة في‬
‫حركة الفتح اإلسالمي بالشام‪ ,‬فقد قام بمشاركة شرحبيل بن حسنة في فتح بيسان‪ ,‬وطبرية‪,‬‬
‫وأجنادين(‪ ,)5‬كما قام رضي هللا عنه بفتح غزة‪ ,‬واللد‪ ,‬ويُبنى‪ ,‬وعمواس‪ ,‬وبيت جبرين‪,‬‬
‫ويافا‪ ,‬ورفح‪ ,‬وبيت المقدس‪ ,‬ولم يقتصر عمرو رضي هللا عنه على فتح بالد الشام وحدها‪,‬‬
‫ض ا مشاهير بالد مصر‪ ,‬حيث كان عمر بن الخطاب رضي هللا عنه أصدر‬ ‫بل شمل أي ً‬
‫أمره إلى عمرو بن العاص رضي هللا عنه بعد الفراغ من فتوح الشام أن يسير بمن معه‬
‫من الجند إلى مصر‪ ,‬فخرج رضي هللا عنه حتى وصل إلى العريش ففتحها‪ ,‬كما شملت‬
‫ضا‪ :‬الفرما‪ ,‬والفسطاط‪ ,‬وحصن بابليون‪ ,‬وعين شمس‪ ,‬والفيوم‪,‬‬ ‫حركة الفتح أي ً‬
‫واألشمونين‪ ,‬وأخميم‪ ,‬والبشرود‪ ,‬وتنيس‪ ,‬ودمياط‪ ,‬وتونة‪ ,‬ودقهلة‪ ,‬واإلسكندرية‪ ,‬وبالدًا‬
‫إفريقية أخرى مثل؛ برقة وزويلة وطرابلس(‪ ,)6‬وقد شهد له الفاروق بصفاتـ الزعامة‬
‫واإلمامة فقال‪ :‬ما ينبغي ألبي عبد هللا أن يمشي على األرض إلى أميرًا(‪ .)7‬وكان في عهد‬
‫عثمان من المقربين إلى الخليفة ومن أهل مشورته‪ ,‬ولما أحيط بعثمان‪ ,‬رضي هللا عنه‪,‬‬
‫خرج عمرو بن العاص من المدينة متوجهًا إلى الشام وقال‪ :‬وهللا يا أهل المدينة ما يقيم بها‬

‫‪1‬‬
‫() المعجم الكبير (‪ )18/5‬المستدرك (‪ )3/455‬صححه الحاكم وقال الذهبي‪ :‬صحيح إسناده حسن‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() الطبقات (‪ )1/262‬جوامع السيرة البن حزم‪ ,‬ص (‪.)29 ،24‬‬
‫‪3‬‬
‫() إتمام الوفاء بسيرة الخلفاء‪ ,‬ص(‪.)55‬‬
‫‪4‬‬
‫() فتوح الشام لألزدي‪ ,‬ص (‪.)51-48‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪ ,)3/605‬الكامل البن األثير (‪.)2/498‬‬
‫‪6‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪ ,)3/70‬القيادة العسكرية في عهد الرسول‪ ,‬ص (‪.)942 -634‬‬
‫‪7‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)3/70‬‬
‫‪42‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫أحد فيدركه قتل هذا الرجل إال ضربه هللا عز وجل بذل‪ ,‬ومن لم يستطع نصره فليهرب‪,‬‬
‫فسار وسار معه ابناه عبد هللا ومحمد‪ ,‬وخرج بعده حسان بن ثابت وتتابع على ذلك ما شاء‬
‫هللا(‪ , )1‬وعندما جاء الخبر عن مقتل عثمان رضي هللا عنه وبأن الناس بايعوا علي بن أبي‬
‫طالب‪ ,‬قال عمرو بن العاص‪ :‬رحم هللا عثمان رضي هللا عنه وغفر له‪ ,‬فقال سالمة بن‬
‫زنباع الجذامي‪ :‬يا معشر العرب إنه قد كان بينكم وبين العرب باب فاتخذوا بابًا إذا كسر‬
‫الباب‪ ,‬فقال عمرو‪ :‬وذاك الذي نريد وال يصلح الباب إال أشاف(‪ ,)2‬تخرج الحق من حافرة‬
‫البأس ويكون الناس في العدل سواء‪ ,‬ثم تمثل عمرو بن العاص بهذه األبيات‪:‬‬
‫وهل يصرف مالك حفظ القدر‬ ‫فيا لهف نفسي على مالك‬
‫فأعذرهم أم بقوميـ سكر‬ ‫أنزع من الحر(‪ )3‬أودى بهم‬
‫ثم ارتحل راجالً يبكي ويقول‪ :‬يا عثماناه؛ أنعي الحياء والدين‪ ,‬حتى قدم دمشق(‪.)4‬‬
‫هذه هي الصورة الصادقة عن عمرو رضي هللا عنه والمتتالية مع شخصيته وخط‬
‫حياته وقربه من عثمان‪ ,‬أما الصورة التي تمسخه إلى رجل مصالح وصاحب مطامع‬
‫وراغب دنيا فهي الرواية المتروكة الضعيفة‪ ,‬رواية الواقدي عن موسى بن يعقوبـ(‪ ,)5‬وقد‬
‫تأثرت بالروايات الضعيفة والسقيمة مجموعة من الكتاب والمؤرخين‪ ,‬فأهووا بعمرو إلى‬
‫الحضيض‪ ,‬كالذي كتبه محمود شيت خطاب(‪ ,)6‬وعبد الخالق سيد أبو رابية(‪ ,)7‬وعباس‬
‫محمود العقاد الذي يتعالى عن النظر في اإلسناد ويستخف بقارئه‪ ,‬ويظهر له صورة‬
‫معاوية وعمرو رضي هللا عنهما بأنهما‪ ...:‬انتهازيان صاحبا مصالح‪ .‬ولو أجمع الناقدون‬
‫التاريخيون على بطالن الروايات التي استند إليها في تحليله‪ ,‬فهذا ال يعني للعقاد شيئًا‪ ,‬فقد‬
‫قال بعد أن ذكر روايات ضعيفة واهية ال تقوم بها حجة‪ ..:‬وليقل الناقدون التاريخيون ما‬
‫بدا لهم أن يقولوا في صدق هذا الحوار‪ ,‬وصحة هذه الكلمات‪ ,‬وما ثبت نقله ولم يثبت منه‬
‫سنده‪ ,‬وال نصه‪ ,‬فالذي ال ريب فيه ولو أجمعت التواريخ قاطبة على نقضه أن االتفاق بين‬
‫الرجلين‪ ,‬كان اتفاق مساومة ومعاونة على الملك والوالية‪ ,‬وأن المساومة بينهما كانت‬
‫على النصيب الذي آل إلى كل منهما ولواله لما كان بينهما اتفاق(‪.)8‬‬
‫إن شخصية عمرو رضي هللا عنه الحقيقية أنه رجل مبادئ‪ ,‬غادر المدينة حين عجز‬
‫عن نصرة عثمان‪ ,‬وبكى عليه بكا ًء ُمرًا حين قتل‪ ,‬فقد كان يدخل في الشورى في عهد‬
‫عثمان من غير والية‪ ,‬ومضى إلى معاوية‪ ,‬رضي هللا عنهما‪ ,‬يتعاونان معًا على حرب‬
‫قتلة عثمان والثأر للخليفة الشهيد(‪ ,)9‬لقد كان مقتل عثمان كافيًا ألن يحرك كل غضبه على‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ الطبري نقالً عن عمرو بن العاص للغضبان‪ ,‬ص (‪.)464‬‬
‫‪2‬‬
‫() أشاف‪ :‬جمع أشفى وهو المثقب‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() الحر‪ :‬جمع حرة وهي الظلمة الشديدة‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() تاريخ الطبري نقالً عن عمرو بن العاص‪ ,‬ص (‪.)464‬‬
‫‪5‬‬
‫() عمرو بن العاص للغضبان‪ ,‬ص (‪.)481‬‬
‫‪6‬‬
‫() سفراء النبي × محمود شيت خطاب‪ ,‬ص (‪.)508‬‬
‫‪7‬‬
‫() عمرو بن العاص‪ ,‬عبد الخالق سيد أبو رابية‪ ,‬ص (‪.)316‬‬
‫‪8‬‬
‫() عمرو بن العاص للعقاد‪ ,‬ص (‪.)232،231‬‬
‫‪9‬‬
‫() عمرو بن العاص للغضبان‪ ,‬ص (‪.)490،489‬‬
‫‪42‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫أولئك المجرمين السفاكين‪ ,‬وكان البد من اختيار مكان غير المدينة للثأر من هؤالء الذين‬
‫تجرأوا على حرم رسول هللا وقتلوا الخليفة على أعين الناس‪ ,‬وأي غرابة أن يغضب‬
‫عمرو لعثمان؟‪ .‬وإن كان هناك من يشك في هذا الموضوع فمداره على الروايات‬
‫المكذوبة التي تصور عمرًا همه السلطة والحكم(‪.)1‬‬
‫ثالثًا‪ :‬نص وثيقة التحكيم‪:‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫‪ -1‬هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب‪ ,‬ومعاوية بن أبي سفيان وشيعتهما‪ ,‬فيما‬
‫تراضيا فيه من الحكم بكتاب هللا وسنة نبيه ×‪.‬‬
‫‪ -2‬قضية علي على أهل العراق شاهدهم وغائبهم‪ ,‬وقضية معاوية على أهل الشام‬
‫شاهدهم وغائبهم‪.‬‬
‫‪ -3‬إنا تراضينا أن نقف عند حُكم القرآن فيما يحكم من فاتحته إلى خاتمته‪ ,‬نحيي ما‬
‫أحيا ونميت ما أمات‪ .‬على ذلك تقاضينا وبه تراضينا‪.‬‬
‫‪ -4‬وإن عليًّا وشيعته رضوا بعبد هللا بن قيس ناظرًا وحاك ًما‪ ,‬ورضي معاوية بعمرو‬
‫بن العاص ناظرًا وحاك ًما‪.‬‬
‫‪ -5‬على أن عليًا ومعاوية أخذا على عبد هللا بن قيس وعمرو بن العاص عهد هللا‬
‫وميثاقه وذمته وذمة رسوله‪ ,‬أن يتخذا القرآن إما ًما وال يعدوا به إلى غيره في‬
‫الحكم بما وجداه فيه مسطورًا‪ ,‬وما لم يجدا في الكتاب رداه إلى سنة رسول هللا‬
‫الجامعة‪ ,‬ال يعتمدان لها خالفًا‪ ,‬وال يبغيان فيها بشبهة‪.‬‬
‫‪ -6‬وأخذ عبد هللا بن قيس وعمرو بن العاص على علي ومعاوية عهد هللا وميثاقه‬
‫بالرضا بما حكما به مما في كتاب هللا وسنة نبيه‪ ,‬وليس لهما أن ينقضا ذلك وال‬
‫يخالفاه إلى غيره‪.‬‬
‫‪ -7‬وهما آمنان في حكومتهما على دمائهما وأموالهما وأشعارهما وأبشارهما‬
‫وأهاليهما وأوالدهما‪ ,‬ما لم يَ ْع ُد َوا الحق‪ ,‬رضى به راض أو سخط ساخط‪ ,‬وإن‬
‫اإلمة أنصارهما على ما قضيا به من الحق مما في كتاب هللا‪.‬‬
‫‪ -8‬فإن توفى أحد الحكمين قبل انقضاء الحكومة‪ ,‬فلشيعته وأنصاره أن يختاروا مكانه‬
‫رجالً من أهل المعدلة والصالح‪ ,‬على ما كان عليه صاحبه من العهد والميثاق‪.‬‬
‫‪ -9‬وإن مات أحد األميرين قبل انقضاء األجل المحدود في هذه القضية‪ ,‬فلشيعته أن‬
‫يولوا مكانه رجالً يرضون عدله‪.‬‬
‫‪ -10‬وقد وقعت القضية بين الفريقين والمفاوضة ورفع السالح‪.‬‬
‫‪ -11‬وقد وجبت القضية على ما سميناه في هذا الكتاب‪ ,‬من موقع الشرط على‬
‫األميرين والحكمين والفريقين‪ ,‬وهللا أقرب شهيد وكفى به شهيدًا‪ ,‬فإن خالفا‬
‫وتعديا‪ ,‬فاألمة بريئة من حكمهما‪ ,‬وال عهد لهما وال ذمة‪.‬‬
‫‪ -12‬والناس آمنون على أنفسهم وأهاليهم وأوالدهم وأموالهم إلى انقضاء األجل‪,‬‬
‫والسالح موضوعة‪ ,‬والسبل آمنة‪ ,‬والغائب من الفريقين مثل الشاهد في األمر‪.‬‬
‫‪ -13‬وللحكمين أن ينزال منزالً متوسطًا عدالً بين أهل العراق والشام‪.‬‬
‫‪ -14‬وال يحضرهما فيه إال من أحبَّا عن تراض منهما‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() عمرو بن العاص للغضبان‪ ,‬ص (‪.)492‬‬
‫‪42‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -15‬واألجل إلى انقضاء شهر رمضان‪ ,‬فإن رأي الحكمان تعجيل الحكومة عجالها‪,‬‬
‫وإن رأيا تأخيرها إلى آخر األجل أ َّخراها‪.‬‬
‫‪ -16‬فإن هما لم يحكما بما في كتاب هللا وسنة نبيه إلى انقضاء األجل‪ ,‬فالفريقان على‬
‫أمرهما األول في الحرب‪.‬‬
‫‪ -17‬وعلى األمة عهد هللا وميثافه في هذا األمر‪ ,‬وهم جميعًا يد واحدة على ما أراد‬
‫في هذا األمر إلحادًا أو ظل ًما أو خالفًا‪.‬‬
‫وشهد على ما في هذا الكتاب الحسن والحسين‪ ,‬ابنا علي‪ ,‬وعبد هللا بن عباس‪ ,‬وعبد‬
‫هللا بن جعفر بن أبي طالب‪ ,‬واألشعث بن قيس الكندي‪ ,‬واألشتر بن الحارث‪ ,‬وسعيد بن‬
‫القيس الهمداني‪ ,‬والحصين والطفيل ابنا الحارث بن عبد المطلب‪ ,‬وأبو سعيد بن ربيعة‬
‫األنصاري‪ ,‬وعبد هللا بن خباب بن األرت‪ ,‬وسهل بن حنيف‪ ,‬وأبو بشر بن عمر‬
‫األنصاري‪ ,‬وعوف بن الحارث بن عبد المطلب‪ ,‬ويزيد بن عبد هللا األسلمي‪ ,‬وعقبة بن‬
‫عامر الجهني‪ ,‬ورافع بن خديج األنصاري‪ ,‬وعمرو بن الحمق الخزاعي‪ ,‬والنعمان بن‬
‫عجالن األنصاري‪ ,‬وحجر بن عدي الكندي‪ ,‬ويزيد بن حجية الكندي‪ ,‬ومالك بن كعب‬
‫الهمداني‪ ,‬وربيعة بن شرحبيل‪ ,‬والحارث بن مالك‪ ,‬وحجر بن يزيد‪ ,‬وعلبة بن حجية‪ ,‬ومن‬
‫أهل الشام‪ ,‬حبيب بن مسلمة الفهري‪ ,‬وأبو األعور السلمي‪ ,‬وبسر بن أرطأة القرشي‪,‬‬
‫ومعاوية بن خديج الكندي‪ ,‬والمخارق بن الحارث الزبيدي‪ ,‬ومسلم بن عمرو السكسي‪,‬‬
‫وعبد هللا بن خالد بن الوليد‪ ,‬وحمزة بن مالك‪ ,‬وسبيع بن يزيد بن أبجر العبسي‪ ,‬ومسروق‬
‫بن جبلة العكي‪ ,‬ويسر بن يزيد الحميري‪ ,‬وعبد هللا بن عامر القرشي‪ ,‬وعتبة بن أبي‬
‫سفيان‪ ,‬ومحمد بن أبي سفيان‪ ,‬ومحمد ابن عمرو بن العاص‪ ,‬وعمار بن األحوص الكلبي‪,‬‬
‫ومسعدة بن عمرو العتبي‪ ,‬والصباح بن جلهمة الحميري‪ ,‬وعبد الرحمن ابن ذي الكالع‪,‬‬
‫وتمامة بن حوشب‪ ,‬وعلقمة بن حكم‪ ,‬كتب يوم األربعاء لثالث عشرة ليلة بقيت من صفر‬
‫سنة سبع وثالثين(‪.)1‬‬
‫رابعًا‪ :‬قصة التحكيم المشهورة وبطالنها من وجوه‪:‬‬
‫لقد كثر الكالم حول قصة التحكيم‪ ,‬وتداولها المؤرخون والكتاب على أنها حقيقة ثابتة‬
‫ال مرية فيها‪ ,‬فهم بين مطيل في سياقها ومختصر وشارح ومستنبط للدروس وبان لألحكام‬
‫على مضامينها‪ ,‬وقلما تجد أحدًا وقف عندها فاحصًا محققًا‪ ,‬وقد أحسن ابن العربي في‬
‫ردها إجماالً وإن كان غير مفصل‪ ,‬وفي هذا داللة على قوة حاسته النقدية للنصوص‪ ,‬إذ‬
‫أن جميع متون قصة التحكيم ال يمكن أن تقوم أمام معيار النقد العلمي‪ ,‬بل هي باطلة من‬
‫عدة وجوه(‪.)2‬‬
‫‪ -1‬أن جميع طرقها ضعيفة‪ ,‬وأقوى طريق وردت فيه هو ما أخرجه عبد الرزاق‬
‫والطبري بسند رجاله ثقات عن الزهري مرسالً قال‪ :‬قال الزهري‪ :‬فأصبح أهل الشام قد‬
‫نشروا مصاحفهم‪ ,‬ودعوا إلى ما فيها‪ ,‬فهاب أهل العراق‪ ,‬فعند ذلك حكموا الحكمين‪,‬‬
‫فاختار أهل العراق أبا موسى األشعري‪ ,‬واختار أهل الشام عمرو بن العاص‪ ,‬فتفرق أهل‬
‫صفين حين حكم الحكمان‪ ,‬فاشترطا أن يرفعا ما رفع القرآن‪ ،‬ويخفضا ما خفض القرآن‪,‬‬
‫وأن يختارا ألمة محمد ×‪ ,‬وأنهما يجتمعان بدومة الجندل‪ ,‬فإن لم يجتمعا لذلك اجتمعا من‬
‫العام المقبل بأذرح‪ ,‬فلما انصرف علي خالفت الحرورية وخرجت – وكان ذلك أول ما‬
‫ظهرت‪ -‬فآذنوه بالحرب‪ ,‬وردوا عليه‪ :‬أن َح َّكم بن آدم في حكم هللا عز وجل‪ ,‬وقالوا‪ :‬ال‬
‫‪1‬‬
‫() انظر‪ :‬الوثائق السياسية‪ ,‬ص (‪ ,)538،537‬األخبار الطوال للدينوري‪ ,‬ص (‪ ,)199-196‬أنساب‬
‫األشراف (‪ ,)1/382‬تاريخ الطبري (‪ ,)666-5/665‬البداية والنهاية (‪.)277-7/276‬‬
‫‪2‬‬
‫() مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري‪ ,‬ص (‪.)404‬‬
‫‪42‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫حكم إال هلل سبحانه‪ ,‬وقاتلوا‪ ,‬فلما اجتمع الحكمان بأذرح‪ ,‬وافاهم المغيرة بن شعبة فيمن‬
‫حضر من الناس‪ ,‬فأرسل الحكمان إلى عبد هللا بن عمر بن الخطاب وعبد هللا بن الزبير‬
‫في إقبالهما في رجال كثير‪ ,‬ووافىـ معاوية بأهل الشام‪ ,‬وأبى علي وأهل العراق أن يوافوا‬
‫فقال المغيرة بن شعبة لرجال من ذوي الرأي من قريش‪ :‬أترون أحدًا من الناس برأي‬
‫يبتدعه يستطيع أن يعلم أيجتمع الحكمان أم يتفرقان؟ قالوا‪ :‬ال نرى أحدًا يعلم ذلك‪ ,‬قال‪:‬‬
‫فوهللا إني ألظن أني سأعلمه منهما حين أخلو بهما وأراجعهما‪ ,‬فدخل عمرو بن العاص‬
‫وبدأ به فقال‪ :‬يا أبا عبد هللا‪ ,‬أخبرني عما أسألك عنه‪ ,‬كيف ترانا معشر المعتزلة‪ ,‬فإنا قد‬
‫شككنا في األمر الذي تبين لكم من هذا القتال‪ ,‬ورأينا أن نستأنى ونتثبت حتى تجتمع‬
‫األمة؛ قال‪ :‬أراكم معشر المعتزلة خلف األبرار‪ ,‬وأمام الفجار؛ فانصرف المغيرة ولم‬
‫يسأله عن غير ذلك‪ ,‬حتى دخل على أبي موسى فقال له مثل ما قال لعمرو فقال أبو‬
‫موسى‪ :‬أراكم أثبت الناس رأيًا‪ ,‬فيكم بقية المسلمين‪ ,‬فانصرف المغيرة ولم يسأله عن غير‬
‫ذلك‪ ,‬فلقى الذين قال لهم ما قال من ذوي الرأي من قريش‪ ,‬فقال‪ :‬ال يجتمع هذان على أمر‬
‫واحد‪ ,‬فلما اجتمع الحكمان وتكلما قال عمرو بن العاص‪ :‬يا أبا موسى‪ ,‬رأيت أول ما‬
‫تقضي به من الحق أن تقضي ألهل الوفاء بوفائهم‪ ,‬وعلى أهل الغدر بغدرهم‪ ,‬قال أبو‬
‫موسى‪ :‬وما ذاك؟ قال‪ :‬ألست تعلم أن معاوية وأهل الشام قد وفوا‪ ,‬وقدموا للموعد الذي‬
‫واعدناهم إياه؟ قال‪ :‬بلى‪ ,‬قال عمرو‪ :‬اكتبها فكتبها أبو موسى‪ ,‬قال عمرو‪ :‬يا أبا موسى‪,‬‬
‫أأنت على أن نسمي رجالً يلي أمر هذه األمة؟ فسمه لي‪ ,‬فإن أقدر على أن أتابعك فلك‬
‫علي أن أتابعك وإال فلي عليك أن تتابعني‪ ,‬قال أبو موسى‪ :‬أسمي لك معاوية بن أبي‬
‫سفيان فلم يبرحا مجلسهما حتى استبا‪ ,‬ثم خرجا إلى الناس‪ ,‬فقال أبو موسى‪ :‬إني وجدت‬
‫مثل عمرو ومثل الذين قال هللا عز وجل‪َ + :‬واتْ ُل َعلَْي ِه ْم َنبَأَ الَّ ِذي آَت ْينَاهُ آيَاتِنَا فَانْ َسلَ َخ ِم ْن َها"‬
‫[األعراف‪.]175 :‬‬
‫فلما سكت أبو موسى تكلم عمرو فقال‪ :‬أيها الناس وجدت مثل أبي موسى كمثل الذي‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َس َف ًارا"‬‫وها َك َمثَ ِل الْح َما ِر يَ ْح ِم ُل أ ْ‬ ‫َم يَ ْح ِملُ َ‬ ‫ين ُح ِّملُوا الت َّْو َراةَ ثُ َّم ل ْ‬
‫قال هللا عز وجل‪َ + :‬مثَ ُل الذ َ‬
‫[الجمعة‪ .]5:‬وكتب كل واحد منهما مثله الذي ضرب لصاحبه إلى األمصار(‪ .)1‬والزهري‬
‫لم يدرك الحادثة فهي مرسلة‪ ,‬ومراسيله كأدراج الرياح ال تقوم بها حجة(‪ ,)2‬كما قرر‬
‫العلماء‪ .‬وهناك طريق أخرى أخرجها ابن عساكر بسنده إلى الزهري وهي مرسلة وفيها‬
‫أبو بكر بن أبي سبرة قال عنه اإلمام أحمد‪ :‬كان يضع الحديث(‪ ,)3‬وفي سنده أيضًا‬
‫الواقدي‪ ,‬وهو متروك(‪ ,)4‬وهذا نصها‪ ..:‬رفع أهل الشام المصاحف وقالوا‪ :‬ندعوكم إلى‬
‫كتاب هللا والحكم بما فيه‪ ,‬وكان ذلك مكيدة من عمرو بن العاص‪ ,‬فاصطلحوا وكتبوا بينهم‬
‫كتابًا على أن يوافوا رأس الحول أذرح‪ ,‬وحكموا حكمين ينظران في أمور الناس‬
‫فيرضون بحكمهما‪ ,‬فحكم علي أبا موسى األشعري‪ ,‬وحكم معاوية عمرو بن العاص‪,‬‬
‫وتفرق الناس‪ ,‬فرجع علي إلى الكوفة باالختالف والدغل‪ ,‬واختلف عليه أصحابه فخرج‬
‫عليه الخوارج من أصحابه ممن كانوا معه‪ ,‬وأنكروا تحكيمه وقالوا‪ :‬ال حكم إال هلل‪ ,‬ورجع‬
‫معاوية إلى الشام باأللفة واجتماع الكلمة عليه‪ .‬ووافى الحكمان بعد الحول بأذرح في‬
‫شعبان سنة ثمان وثالثين‪ ,‬واجتمع الناس إليهما وكان بينهما كالم اجتمعا عليه في السر‬

‫‪1‬‬
‫() المصنف (‪ ,)5/463‬مرويات تاريخ الطبري‪ ,‬ص(‪.)406‬‬
‫‪2‬‬
‫() المراسيل ألبي حاتم‪ ,‬ص (‪ ,)3‬الجرح والتعديل (‪.)1/246‬‬
‫‪3‬‬
‫() تهذيب التهذيب (‪ ,)12/27‬مرويات تاريخ الطبري‪ ,‬ص (‪.)406‬‬
‫‪4‬‬
‫() مرويات تاريخ الطبري‪ ,‬ص (‪.)406‬‬
‫‪42‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫خالفه عمرو بن العاص في العالنية‪ ,‬فقدم أبا موسى فتكلم وخلع عليًا ومعاوية‪ ,‬ثم تكلم‬
‫عمرو بن العاص فخلع عليًا وأقر معاوية‪ ,‬فتفرق الحكمان ومن كان اجتمع إليهما‪ ,‬وبايع‬
‫أهل الشام معاوية في ذي القعدة سنة ثمان وثالثين(‪ .)1‬وأما طرق أبي مخنف فهي معلولة‬
‫به‪ ,‬فاألول‪ :‬وهو أبو مخنف لوط بن يحيى‪ ,‬ضعيف ليس بثقة(‪ ,)2‬وإخباري تالف غالى في‬
‫الرفض‪ ,‬وأما الثاني قال فيه ابن سعد‪ :‬كان(‪ )3‬ضعيفًا‪ ,‬وقال البخاري وأبو حاتم‪ :‬كان يحيى‬
‫القطان يضعفه(‪ ,)4‬وقال عثمان الدارمي‪ :‬ضعيف(‪ ,)5‬وقال النسائي‪ :‬ضعيف(‪.)6‬‬
‫هذه طرق قصة التحكيم المشهورة‪ ,‬والمناظرة بين أبي موسى وعمرو بن العاص‬
‫المزعومة‪ ,‬أفمثل هذا تقوم به حجة؟ أو يعول على مثل ذلك في تاريخ الصحابة الكرام‬
‫وعهد الخلفاء الراشدين‪ ,‬عصر القدوة واألسوة؛ ولو لم يكن في هذه الروايات إال‬
‫االضطرابات في متنونها لكفاها ضعفًا فكيف إذا أضيف إلى ذلك ضعف أسانيدها ‪.‬‬
‫(‪)7‬‬

‫‪ -2‬أهمية هذه القضية من جانب االعتقاد والتشريع‪ ,‬ومع ذلك لم تنقل لنا بسند‬
‫صحيح‪ ,‬ومن المحال أن يطبق العلماء على إهمالها مع أهميتها وشدة الحاجة إليها(‪.)8‬‬
‫‪ -3‬وردت رواية تنقض تلك الروايات تما ًما‪ ,‬وذلك فيما أخرجه البخاري في‬
‫تاريخه مختصرًا بسند رجاله ثقات‪ ,‬وأخرجه ابن عساكر معلوالً‪ ,‬عن الحصين بن المنذر‬
‫أن معاوية أرسله إلى عمرو بن العاص فقال له‪ :‬إنه بلغني عن عمرو بعض ما أكره فأته‬
‫فاسأله عن األمر الذي اجتمع عمرو وأبو موسى فيه كيف صنعتما فيه؟ قال‪ :‬قد قال الناس‬
‫وقالوا‪ ,‬وال وهللا ما كان ما قالوا‪ ,‬ولكن لما اجتمعت أنا وأبو موسى قلت له‪ :‬ما ترى في‬
‫هذا األمر؟ قال‪ :‬أرى أنه من النفر الذين توفى رسول هللا ×‪ ,‬وهو عنهم راض قال‪ :‬فقلت‪:‬‬
‫أين تجعلني من هذا األمر أنا ومعاوية؟ قال‪ :‬إن يستعن بكما ففيكما معونة‪ ,‬وإن يستغن‬
‫عنكما فطال ما استغنى أمر هللا عنكما(‪ .)9‬وقد روى أبو موسى عن تورع عمرو‬
‫ومحاسبته لنفسه‪ ,‬وتذكره سيرة أبي بكر وعمر‪ ,‬وخوفه من األحداث بعدهما‪ ,‬قال أبو‬
‫موسى‪ :‬قال لي عمرو بن العاص‪ :‬وهللا لئن كان أبو بكر وعمر تركا هذا المال وهو يحل‬
‫لهما‪ ,‬لقد ُغبنا وأخطآ أو نقص رأيهما‪ ,‬ووهللا ما كانا مغبونين وال مخطئين وال ناقصي‬
‫الرأي‪ ,‬ووهللا ما جاءنا الوهم والضعف إال من قبلنا(‪.)10‬‬
‫‪ -4‬إن معاوية كان يقر بفضل علي عليه وأنه أحق بالخالفة منه‪ ,‬فلم ينازعه‬
‫الخالفة وال طلبها لنفسه في حياة علي‪ ,‬فقد أخرج يحيى بن سليمان الجعفي بسند جيد(‪,)11‬‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ دمشق (‪.)16/53‬‬
‫‪2‬‬
‫() تحقيق مواقف الصحابة (‪.)2/223‬‬
‫‪3‬‬
‫() مرويات أبي مخنف‪ ,‬ص (‪.)407‬‬
‫‪4‬‬
‫() التاريخ الكبير (‪ ,)4/2/267‬الجرح والتعديل (‪.)9/138‬‬
‫‪5‬‬
‫() التاريخ للدارمي‪ ,‬ص (‪ ,)238‬تحقيق مواقف الصحابة (‪.)2/223‬‬
‫‪6‬‬
‫() الضعفاء والمتروكون‪ ,‬ص (‪.)253‬‬
‫‪7‬‬
‫() مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري‪ ,‬ص (‪.)408‬‬
‫‪8‬‬
‫() مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري‪ ,‬ص (‪.)408‬‬
‫‪9‬‬
‫() التاريخ الكبير (‪.)5/398‬‬
‫‪10‬‬
‫() العواصم من القواصم‪ ,‬ص (‪.)180-178‬‬
‫‪11‬‬
‫() فتح الباري (‪.)13/86‬‬
‫‪42‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫عن أبي مسلم الخوالني أنه قال لمعاوية‪ :‬أنت تنازع عليًا في الخالفة‪ ,‬أو أنت مثله؟ قال‪:‬‬
‫ال وإني ألعلم أنه أفضل مني وأحق باألمر‪ ,‬ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قُتل مظلو ًما‬
‫وأنا ابن عمه ووليه أطالب بدمه؟ فأتوا عليًا فقولوا له‪ :‬يدفع لنا قتلة عثمان وأسلم له‪ ,‬فأتوا‬
‫عليًا فكلموه فلم يدفعهم إليه(‪ .)1‬فهذا هو أصل النزاع بين علي ومعاوية‪ ,‬رضي هللا عنهما؛‬
‫فالتحكيم من أجل حل هذه القضية المتنازع عليها ال الختيار خليفة أو عزله(‪ ,)2‬ويقول ابن‬
‫حزم في هذا الصدد بأن عليًا قاتل معاوية المتناعه عن تنفيذ أوامره في جميع أرض‬
‫الشام‪ ,‬وهو اإلمام الواجب طاعته‪ ,‬ولم ينكر معاوية قط فضل علي واستحقاقه الخالفة‪,‬‬
‫لكن اجتهاده أداه إلى أن رأى تقديم أخذ القود من قتلة عثمان على البيعة‪ ,‬ورأى نفسه أحق‬
‫بطلب دم عثمان والكالم فيه من أوالد عثمان وأوالد الحكم بن أبي العاص لسنه وقوته‬
‫على الطلب بذلك‪ ,‬وأصاب في هذا وإنما أخطأ في تقديمه ذلك على البيعة فقط(‪ ,)3‬وفهم‬
‫الخالف على هذه الصورة –وهي صورته الحقيقية‪ -‬بيَّن إلى أي مدى تخطئ الروايت‬
‫السابقة عن التحكيم في تصوير قرار الحكمين‪ ,‬إن الحكمين كانا مفوضينـ للحكم في‬
‫الخالف بين علي ومعاوية‪ ,‬ولم يكن الخالف بينهما حول الخالفة ومن أحق بها منهما‪,‬‬
‫وإنما كان حول توقيع القصاص على قتلة عثمان‪ ,‬وليس هذا من أمر الخالفة في شيء‪,‬‬
‫فإذا ترك الحكمان هذه القضية األساسية‪ ,‬وهي ما طلب إليهما الحكم فيه‪ ,‬واتخذا قرارًا في‬
‫شأن الخالفة كما تزعم الرواية الشائعة‪ ,‬فمعنى ذلك أنهما لم يفضا موضوع النزاع‪ ,‬ولم‬
‫يحيطا بموضوعـ الدعوى‪ ,‬وهو أمر مستبعد جدًا(‪.)4‬‬
‫‪ -5‬إن الشروط التي يجب توافرها في الخليفة هي العدالة والعلم‪ ,‬والرأي‬
‫المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح‪ ,‬وأن يكون قرشيًا(‪ ,)5‬وقد توافرت هذه‬
‫الشروط في علي رضي هللا عنه‪ ,‬فهل بيعته منعقدة أم ال؟ فإن كانت منعقدة –وال شك في‬
‫ذلك‪ -‬وقد بايعه المهاجرون واألنصار؛ أهل الحل والعقد‪ ,‬وخصومه يقرون له بذلك‪ ,‬فقول‬
‫معاوية السابق يدل عليه بأن «اإلمام إذا لم يخل عن صفات األئمة‪ ,‬فرام العاقدون له عقد‬
‫اإلمامة أن يخلعوه‪ ,‬لم يجدوا إلى ذلك سبيالً باتفاق األئمة‪ ,‬فإن عقد اإلمام الزم‪ ,‬ال اختيار‬
‫في حله من غير سبب يقتضيه‪ ,‬وال تنتظم اإلمامة وال تفيد الغرض المقصود منها إال مع‬
‫القطع بلزومها‪ ,‬ولو تخير الرعايا في خلع إمام الخلق على حكم اإليثار واالختيار لما‬
‫استتب لإلمام طاعة ولما استمرت له قدرة واستطاعة ولما صح لمنصب اإلمام معنى(‪»)6‬‬
‫وإذن فليس األمر بهذه الصورة التي تحكيهاـ الروايات؛ كل من لم يرض بإمامه خلعه‪,‬‬
‫فعقد اإلمامة ال يحله إال من عقده‪ ,‬وهم أهل الحل والعقد‪ ,‬وبشرط إخالل اإلمامـ بشروط‬
‫اإلمامة‪,‬ـ وهل علي رضي هللا عنه فعل ذلك واتفق أهل الحل والعقد على عزله عن الخالفة‬
‫وهو الخليفة الراشد حتى يقال إن الحكمين اتفقا على ذلك‪ ,‬فما ظهر منه قط إلى أن مات رضي‬
‫هللا عنه‪ ,‬شيء يوجب نقض بيعته‪ ,‬وما ظهر منه قط إال العدل‪ ,‬والجد‪ ,‬والبر والتقوى والخير(‪.)7‬‬
‫‪1‬‬
‫() سير اعالم النبالء (‪.)3/140‬‬
‫‪2‬‬
‫() مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري‪ ,‬ص (‪.)409‬‬
‫‪3‬‬
‫() الفصل في الملل والنحل (‪.)4/160‬‬
‫‪4‬‬
‫() تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة (‪.)2/225‬‬
‫‪5‬‬
‫() األحكام السلطانية للماوردي‪ ,‬األحكام السلطانية ألبي يعلي‪ ,‬ص (‪ ,)20‬غياث األمم‪ ,‬ص (‪ ,)79‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() غياث األمم‪ ,‬ص (‪ ,)128‬مرويات أبي مخنف‪ ,‬ص (‪.)410‬‬
‫‪7‬‬
‫() الفصل في الملل واألهواء والنحل (‪.)4/238‬‬
‫‪43‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -6‬إن الزمان الذي قام فيه التحكيم زمان فتنة‪ ,‬وحالة المسلمين مضطربة مع‬
‫وجود خليفة لهم‪ ,‬فكيف تنتظم حالتهم مع عزل الخليفة‪ ,‬الشك أن األحوال ستزداد سو ًءا‪,‬‬
‫والصحابة الكرام أحذق وأعقل من أن يقدموا على هذا؟ ولهذا يتضح بطالن هذا الرأي‬
‫عقالً ونقالً‪.‬‬
‫‪ -7‬إن عمر بن الخطاب رضي هللا عنه حصر الخالفة في أهل الشورى‪:‬‬
‫وهم الستة وقد رضي المهاجرون واألنصار بذلك‪ ,‬فكان ذلك إذنًا في أن الخالفة ال تعدو‬
‫هؤالء إلى غيرهم ما بقى منهم واحد ولم يبق منهم في زمان التحكيم إال سعد بن أبي‬
‫وقاص‪ ,‬وقد اعتزل األمر ورغب عن الوالية‪ ,‬واإلمارة‪ ,‬وعلي بن أبي طالب القائم بأمر‬
‫الخالفة وهو أفضل الستة بعد عثمان فكيف يتخطى باألمر إلى غيره(‪.)1‬‬
‫‪ -8‬أوضحت الروايات أن أهل الشام بايعوا معاوية بعد التحكيم‪ :‬والسؤال‪ :‬ما‬
‫المسوغ الذي جعل أهل الشام يبايعون معاوية؟ إن كان من أجل التحكيم‪ ,‬فالحكمان لم يتفقا‬
‫ولم يكن ثمة مبرر آخر حتى ينسب عنهم ذلك‪ ,‬مع أن ابن عساكر نقل بسند رجاله ثقات‬
‫عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي(‪ ,)2‬أعلم الناس بأمر الشام(‪ )3‬أنه قال‪ :‬كان علي بالعراق‬
‫يدعى أمير المؤمنين وكان معاوية بالشام يدعى األمير‪ ,‬فلما مات علي دعي معاوية بالشام‬
‫أمير المؤمنين(‪ ,)4‬فهذا النص يبين أن معاوية لم يبايع بالخالفة إال بعد وفاة علي‪ ,‬وإلى هذا‬
‫ذهب الطبري‪ ,‬فقد قال في آخر حوادث سنة أربعين‪ :‬وفي هذه السنة بويع لمعاوية‬
‫بالخالفة بإيلياء(‪ ,)5‬وعلق على هذا ابن كثير بقوله‪ :‬يعني لما مات علي قام أهل الشام‬
‫فبايعوا معاوية على إمرة المؤمنين ألنه لم يبق له عندهم منازع(‪ ,)6‬وكان أهل الشام‬
‫يعلمون بأن معاوية ليس كفئًا لعلي بالخالفة وال يجوز أن يكون خليفة مع إمكان استخالف‬
‫علي رضي هللا عنه‪ ,‬فإن فضل علي وسابقته وعلمه‪ ,‬ودينه‪ ,‬وشجاعته‪ ,‬وسائر فضائله‪:‬‬
‫كانت عندهم ظاهرة ومعروفة‪ ,‬كفضل إخوانه‪ ,‬أبي بكر وعمر‪ ,‬وعثمان وغيرهم رضي‬
‫هللا عنهم(‪ ,)7‬وإضافة إلى ذلك فإن النصوص تمنع من مبايعة خليفة مع وجود األول‪ ,‬فقد‬
‫أخرج مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال‪ :‬قال رسول هللا ×‪« :‬إذا بويع‬
‫لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما»(‪ ,)8‬والنصوص في هذا المعنى كثيرة(‪ .)9‬ومن المحال‬
‫أن يطبق الصحابة على مخالفة ذلك(‪.)10‬‬
‫‪ -9‬أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عمر قال‪ :‬دخلت على حفصة قلت‪ :‬قد‬
‫كان من أمر الناس ما ترين فلم يجعل لي من األمر شيء فقالت‪ :‬الحق فإنهم ينتظرونك‬
‫‪1‬‬
‫() مرويات أبي مخنف‪ ,‬ص (‪.)411‬‬
‫‪2‬‬
‫() سعيد بن عبد العزيز التنوخي ثقة إمام‪ ,‬التقريب‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() تهذيب التهذيب (‪.)4/60‬‬
‫‪4‬‬
‫()‪ )5( ,‬تاريخ الطبري (‪.)6/76‬‬
‫‪5‬‬
‫()‬

‫‪6‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)8/16‬‬
‫‪7‬‬
‫() الفتاوى (‪.)35/73‬‬
‫‪8‬‬
‫() صحيح مسلم (‪.)3/1480‬‬
‫‪9‬‬
‫() سنن البيهقي (‪.)8/144‬‬
‫‪10‬‬
‫() مرويات أبي مخنف‪ ,‬ص (‪.)412‬‬
‫‪43‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وأخشى أن يكون احتباسك عنهم فرقة‪ ,‬فلم تدعه حتى ذهب‪ ,‬فلما تفرق الناس خطب‬
‫معاوية قال‪ :‬من كان يريد أن يتكلم في هذا األمر فليطلع لنا قرنه‪ ,‬فلنحن الحق به منه ومن‬
‫أبيه‪ ,‬قال حبيب ابن مسلمة‪ :‬فهال أجبته؟ قال عبد هللا‪ :‬فحللت حبوتي وهممت أن أقول أحق‬
‫بهذا منك من قاتلك وأباك على اإلسالم فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع وتسفك الدم‬
‫ويحمل عني غير ذلك‪ ,‬فذكرت ما أعد هللا في الجنان‪ .‬قال حبيب‪ :‬حفظت وعصمت(‪,)1‬‬
‫هذا الحديث قد يفهم منه مباعية معاوية بالخالفة‪ ,‬وليس فيه تصريح بذلك‪ ,‬وقد قال بعض‬
‫العلماء‪ :‬إن‬
‫هذا الحديث كان في االجتماع الذي صالح فيه الحسن بن علي رضي هللا عنه معاوية‬
‫رضي هللا عنه‪.‬‬
‫وقال ابن الجوزي‪ :‬إن هذه الخطبة كانت في زمن معاوية لما أراد أن يجعل ابنه يزيد‬
‫ولي عهده‪ ,‬ويرى ابن حجر أنما في التحكيم(‪ :)2‬داللة النص على القولين األولين أقوى‪.‬‬
‫فقوله‪ :‬فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع وتسفك الدم‪ ..‬دليل على اجتماع الكلمة على‬
‫معاوية‪ ,‬وأيام التحكيم أيام فرقة واختالف ال أيام جمع وائتالف(‪.)3‬‬
‫‪ -10‬حقيقة قرار التحكيم‪ :‬ليس من شك في أن أمر الخالف الذي رأى الحكمان رده‬
‫إلى األمة وإلى أهل الشورى ليس إال أمر الخالف بين علي ومعاوية حول قتلة عثمان‪,‬‬
‫ولم يكن معاوية مدعيًا للخالفة‪ ,‬وال منكرًا حق علي فيها كما تقرر سابقًا‪ ,‬وإنما كان ممتنعًا‬
‫عن بيعته‪ ,‬وعن تنفيذ أوامره في الشام حيث كان متغلبًا عليها بحكم الواقع ال بحكم‬
‫القانون‪ ,‬مستفيدًا من طاعة الناس له بعد أن بقى واليًا فيها زهاء عشرين سنة(‪ ,)4‬وقد قال‬
‫ابن دحية الكلبي في كتابه «أعالم النصر المبين في المفاضلة بين أهل صفين»‪ :‬قال أبو‬
‫بكر محمد الطيب األشعري –الباقالني‪ -‬في مناقب األئمة‪ :‬فما اتفق الحكمان قط على‬
‫خلعه –علي بن أبي طالب‪ -‬وعلى أنهما لو اتفقا على خلعه لم ينخلع حتى يكون الكتاب‬
‫والسنة المجتمع عليهما يوجبان خلعه‪ ,‬أو أحد منهما على ما شرطا في الموافقة بينهما‪ ,‬أو‬
‫إلى أن يبينا ما يوجب خلعه من الكتاب والسنة‪ ,‬ونص كتاب علي –عليه السالم‪ -‬اشترط‬
‫على الحكمين أن يحكما بما في كتاب هللا عز وجل من فاتحته إلى خاتمته ال يجاوزان ذلك‬
‫وال يحيدان عنه‪ ,‬وال يميالن إلى هوى وال إدهان‪ ,‬وأخذ عليهما أغلظ العهود والمواثيق‪,‬‬
‫وإن هما جاوزا بالحكم كتاب هللا فال حكم لهما‪ ..‬والكتاب والسنة يثبتان إمامته‪ ,‬ويعظمانه‬
‫ويثنيان عليه‪ ,‬ويشهدان بصدقه وعدالته‪ ,‬وإمامته وسابقته في الدين‪ ,‬وعظيم جهاده في‬
‫جهاد المشركين وقرابته من سيد المرسلين‪ ,‬وما خص به من القدم في العلم والمعرفة‬
‫بالحكم‪ ,‬ووفور الحلم‪ ,‬وأنه حقيق باإلمامة‪ ,‬وأهل لحمل أعباء الخالفة(‪.)5‬‬
‫‪ -11‬مكان انعقاد المؤتمر‪ :‬كان الموعد المحدد الجتماع الحكمين –كما جاء في‬
‫الوثيقة‪ -‬في رمضان في عام ‪37‬هـ‪ ,‬إذا لم تحدث عوائق‪ ,‬في موضع وسط بين العراق‬
‫والشام وهذا الموضع المختار هو دومة الجندل(‪ ,)6‬في روايات موثقة‪ ,‬وأذرح(‪ )7‬في‬
‫روايات أخرى دونها في اإلتقان‪ ,‬ولعل لقرب المكانين من بعضهما أثرًا في اختالف‬
‫‪1‬‬
‫() البخاري (‪.)5/48‬‬
‫‪2‬‬
‫() فتح الباري (‪.)7/466‬‬
‫‪3‬‬
‫() مرويات أبي مخنف‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة (‪.)2/134‬‬
‫‪5‬‬
‫() أعالم النصر المبين في المفاضلة بين أهل صفين‪ ,‬ص (‪.)177‬‬
‫‪6‬‬
‫() دومة الجندل‪ :‬غرب مدينة الجوف في شمال الجزيرة العربية‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الروايات‪ ,‬إذ يقول خليفة ابن خياط(‪ :)1‬ويقال بأذرح وهي من دومة الجندل قريب‪ ,‬وقد تم‬
‫االجتماع في الموعد المحدد بدون عوائق(‪.)2‬‬
‫إن المكان الذي اجتمع فيه الحكمان هو دومة الجندل‪ ,‬وهذا بخالف ما جزم به ياقوت‬
‫الحموي من أن التحكيم حدث في أذرح‪ ,‬واستدل على ذلك ببعض روايات لم يبينها‬
‫وباألشعار‪ ,‬وبخاصة بشرع ذي الرمة(‪ )3‬في مدح بالل بن أبي بردة(‪ )4‬وهو قوله‪:‬‬
‫تشاءوا وبيت الدين منقلع الكسر‬ ‫أبوك تالفى الدين والناس بعدما‬
‫(‪)5‬‬
‫ورد حروبًا قد لقحن إلى عقر‬ ‫فشد إصار الدين أيام أذرح‬
‫‪ -12‬هل حضر سعد بن أبي وقاص اجتماع الحكمين؟ اجتمع الحكمان في‬
‫موعدهما المحدد‪ ,‬ومع كل واحد منهما بضع مئات يمثلون وفدين‪ ,‬وفد عن أهل العراق‪,‬‬
‫واآلخر يمثل أهل الشام‪ ,‬وطلب الحكمان من عدد من أعيان قريش وفضالئهم الحضور‬
‫لمشاورتهم واالستئناس برأيهم‪ ,‬ولم يحضر االجتماع عدد من كبار الصحابة كانوا قد‬
‫اعتزلوا القتال منذ بدايته وأفضل هؤالء‪ ,‬سعد بن أبي وقاص‪ ,‬رضي هللا عنه‪ ,‬فإنه لم‬
‫يحضر التحكيم وال أراد ذلك وال ه َّم به(‪ .)6‬فعن عامر بن سعد أن أخاه عمر انطلق إلى‬
‫سعد في غنم له خارجًا من المدينة فلما أتاه قال‪ :‬يا أبة‪ ,‬أرضيت أن تكون أعرابيًا في‬
‫غنمك والناس يتنازعون في الملك بالمدينة؟ فضرب سعد صدر عمر وقال‪ :‬اسكت فإني‬
‫سمعت رسول هللا × يقول‪« :‬إن الله يحب العبد التقي النقي الخفي»(‪.)7‬‬
‫خامسًا‪ :‬هل يمكن االستفادة من حادثة التحكيم في فض النزاعات بين الدول‬
‫اإلسالمية؟‬
‫يمكن االستفادة من حادثة التحكيم في فض النزاعات بين الدول اإلسالمية وذلك‬
‫بتحمل قادة البالد اإلسالمية جميعًا مسئولياتهم ومن ورائهم األمة اإلسالمية التي‬
‫يحكمونها في الضغط الجاد الصادق‪ ,‬على الطرفين المتنازعين‪ ,‬لكي يوقفا بينهما القتال‪,‬‬
‫ويلجآ إلى التحكيم الشرعي في اإلسالم فيرسل هذا الطرف حك ًما من قبله‪ ,‬وذلك حك ًما‬
‫آخر من قبله أيضًا‪ ,‬للفصل في النزاع القائم وذلك على ضوء ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬تحديد صالحيات الحكمين في إصدار األحكام التي البد منها لحل المشكالت التي‬
‫هي سبب النزاع‪.‬‬
‫‪ -2‬جعل مصادر التشريع اإلسالمي هي المرجع الوحيد إلصدار تلك األحكام‬
‫‪7‬‬
‫() أذرح‪ :‬اسم بلد في أطراف الشام من أعمال الشراة من نواحي البلقاء‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ خليفة‪ ,‬ص (‪.)192،191‬‬
‫‪2‬‬
‫() خالفة علي بن أبي طالب‪ ,‬عبد الحميد‪ ,‬ص (‪.)267‬‬
‫‪3‬‬
‫() ذو الرمة‪ ,‬غيالن بن عقبة توفى ‪117‬هـ‪ ,‬سير أعالم النبالء (‪.)5/267‬‬
‫‪4‬‬
‫() بالل بن أبي بردة عامر بن أبي موسى األشعري‪ ,‬تهذيب تاريخ دمشق (‪.)3/321‬‬
‫‪5‬‬
‫() ديوان ذي الرمة‪ ,‬ص (‪ )362،361‬نقالً عن خالفة علي‪ ,‬ص (‪.)272‬‬
‫‪6‬‬
‫() خالفة علي بن أبي طالب‪ ,‬عبد الحميد‪ ,‬ص (‪.)272‬‬
‫‪7‬‬
‫() المسند (‪ )1/168‬وقال أحمد شاكر‪ :‬إسناده صحيح (‪ ,)3/26‬خالفة علي بن أبي طالب‪ ,‬للسلمي ‪ ,‬ص (‬
‫‪.)107‬‬
‫‪43‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫والحلول التي تفصل في مسائل النزاع‪.‬‬
‫‪ -3‬أخذ العهد على كل طرف من طرفي النزاع‪ ,‬وأخذ العهد على جميع قادة البالد‬
‫اإلسالمية بقبول ما يصدره الحكمان من أحكام وحلول مشروعة إلنهاء النزاع الراهن‬
‫على أنها واجبة التنفيذ بحكم اإلسالم‪ ,‬وأن الخروج عليها‪ ,‬أو الرضا بذلك الخروج يترتب‬
‫عليه اإلثم شرعًا‪.‬‬
‫‪ -4‬إذا أصدر الحكمان ما اتفقا عليه من أحكام‪ ,‬وحلول‪ ,‬وانقاد لها الطرفان‬
‫المتنازعان قضي األمر‪ ,‬وكفىـ هللا المؤمنين القتال‪.‬‬
‫‪ -5‬إذا رفض أحد الطرفين‪ ,‬أو كالهما االنقياد لقضاء الحكمين‪ ,‬اعتبر الطرف‬
‫الرافض هو الطرف الباغي‪ ,‬سواء صدر الرفض من أحدهما‪ ,‬أو من كليهما‪ ,‬ووجب‬
‫شرعًا على القوات اإلسالمية في األقطار األخرى أن تضع نفسها تحت تصرف ما‬
‫يصدره الحكمان من قرارات عسكرية‪ ,‬من أجل التدخل لحسم النزاع بالقوة‪ ,‬على وجه ال‬
‫تترتب عليه أضرار ومخاطر هي أكبر من ضرر النزاع القائم‪.‬‬
‫‪ -6‬ويكون من صالحيات الحكمين باالتفاق إصدار القرارات التي تخص كيفية‬
‫تحريك القوات المسلحة في األقطار اإلسالمية األخرى‪ ,‬من أجل حل النزاع القائم على‬
‫ضوء ما سلف بيانه(‪ .)1‬ولعل اللجوء إلى مثل هذه الطريقة في حل المنازعات بين‬
‫األقطار‪ ,‬كفيل بسد الطريق على أية قوة خارجية تتدخل في نزاعات المسلمين بحجة َّ‬
‫أن‬
‫بعض أطراف النزاع دعاها إلى هذا التدخل‪ ..‬ومن ثم تستغل هذه الفرصة‪ ,‬لكي تتآمر‬
‫على المسلمين‪ ,‬فتعمل على تصعيد تلك النزاعات‪ ,‬وفرض الحل الذي يحلو لها‪ ,‬ويكون‬
‫فيه مصلحتها فقط‪ ,‬وليعاني المسلمون‪ ,‬بعدئذ‪ ,‬من آثار ذلك الحل أسوأ مما كانوا يعانون‬
‫من فتنة النزاع نفسها‪ ,‬فهذه المعاناة ال تهمها في شيء‪ ,‬ال ‪ ,‬بل إن هذه المعاناة هي من‬
‫جملة االهتمامات التي فرضت من أجل تفجيرها ذلك الحل المشئوم؛ قلنا‪ :‬لعل اللجوء إلى‬
‫التحكيم‪ ,‬على نحو ما سلف بيانه‪ ,‬يسد الطريق في وجه تلك القوى الخارجية التي تبغي في‬
‫صفوفـ المسلمين الفساد‪ ,‬هذا‪ ,‬وإن الصفة اإللزامية شرعًا للحل عن طريق التحكيم –الذي‬
‫عرضناه‪ -‬تستند إلى إجماع الصحابة‪ ,‬فقد أجمع الصحابة كلهم في عهد النزاع الذي نشب‬
‫بين علي ومعاوية على اللجوء إلى التحكيم‪ ,‬والقبولـ به‪ ..‬سواء في ذلك الصحابة الذين‬
‫كانوا مع علي‪ ,‬والصحابة الذين كانوا مع معاوية‪ ,‬والصحابة الذين اعتزلوا الفريقين‪,‬‬
‫كسعد بن أبي وقاص‪ ,‬وابن عمر‪ ,‬وغيرهما رضي هللا عنهم أجمعين(‪.)2‬‬
‫سادسًا‪ :‬موقف أهل السنة من تلك الحروب‬
‫إن موقف أهل السنة والجماعة من الحرب التي وقعت بين الصحابة الكرام رضي‬
‫هللا عنهم هو اإلمساك عما شجر بينهم إال فيما يليق بهم رضي هللا عنهم لما يسببه الخوض‬
‫في ذلك من توليد العداوة والحقد والبغض ألحد الطرفين وقالوا‪ :‬إنه يجب على كل مسلم‬
‫أن يحب الجميع ويرضى عنهم ويترحم عليهم‪ ,‬ويحفظ لهم فضائلهم‪ ,‬ويعترف لهم‬
‫بسوابقهم‪ ,‬وينشر مناقبهم‪ ,‬وأن الذي حصل بينهم إنما كان عن اجتهاد‪ ,‬والجميع مثابون في‬
‫حالتي الصواب والخطأ‪ ,‬غير أن ثواب المصيب ضعف ثواب المخطئ في اجتهاده‪ ,‬وأن‬
‫القاتل والمقتول من الصحابة في الجنة‪ ,‬ولم يج َّوز أهل السنة والجماعة الخوض فيما‬
‫شجر بينهم‪ ,‬وقبل أن أذكر طائفة من أقوال أهل السنة التي تبين موقفهم فيما شجر بين‬
‫الصحابة أذكر بعض النصوص التي فيها اإلشارة إلى ما وقع بين الصحابة من االقتتال‬

‫‪1‬‬
‫() الجهاد والقتال في السياسة الشرعية (‪.)3/1665‬‬
‫‪2‬‬
‫()الجهاد والقتال في السياسة الشرعية (‪.)3/1665‬‬
‫‪43‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫بما وصفواـ به فيها وتلك النصوص هي(‪:)3‬‬
‫َصلِ ُحوا َب ْيَن ُه َما فَِإن َبغَ ْ‬
‫ت إِ ْح َد ُ‬
‫اه َما َعلَى‬ ‫ين اقْتََتلُوا فَأ ْ‬ ‫ان ِمن الْم ْؤ ِمنِ‬
‫‪ -1‬قال تعالى‪+ :‬وإِن طَائَِفتَ ِ‬
‫اهلل‬ ‫َّ‬
‫ن‬ ‫ِ‬
‫إ‬ ‫وا‬‫ط‬
‫ُ‬ ‫ت فَأَصلِحوا بيَنهما بِالْع ْد ِل وأَق ِ‬
‫ْس‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫اء‬‫ف‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫إ‬‫َ‬‫ف‬
‫َ‬ ‫األُ ْخرى َف َقاتِلُوا الَّتِي َت ْب ِغ َي حتَّى تَِفيء إِلَى أ َْم ِر ِ‬
‫اهلل‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ين" [الحجرات‪.]9:‬‬ ‫ب الْم ْق ِس ِ‬
‫ط‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫يُح ُّ ُ‬
‫ففي هذه اآلية أمر هللا تعالى باإلصالح بين المؤمنين إذا ما جرى بينهم قتال ألنهم‬
‫إخوة‪ ,‬وهذا االقتتال ال يخرجهم عن وصف اإليمان حيث سماهم هللا –عز وجل‪ -‬مؤمنين‬
‫وأمر باإلصالح بينهم وإذا كان حصل اقتتال بين عموم المؤمنين‪ ,‬ولم يخرجهم ذلك من‬
‫اإليمان‪ ,‬فأصحاب رسول هللا × الذين اقتتلوا في موقعة الجمل وبعدها أول من يدخل في‬
‫اسم اإليمان الذي ذكر في هذه اآلية‪ ,‬فهم ال يزالون عند ربهم مؤمنين إيمانًا حقيقيًا ولم‬
‫يؤثر ما حصل بينهم من شجار في إيمانهم بحال ألنه كان عن اجتهاد(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬عن أبي سعيد الخدري رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ×‪« :‬تمرق مارقة عند‬
‫فرقة من المسلمين تقتلتهم أولى الطائفتين بالحق»(‪ ,)2‬والفرقة المشار إليها في‬
‫الحديث هي ما كان من االختالف بين علي ومعاوية‪ ,‬رضي هللا عنهما‪ ,‬وقد وصف ×‬
‫الطائفتين معًا بأنهما مسلمتان‪ ,‬وأنهما متعلقتان بالحق‪ ,‬والحديث علم من أعالم النبوة‪ :‬إذ‬
‫وقع األمر طبق ما أخبر به عليه الصالة والسالم‪ ,‬وفيه الحكم بإسالم الطائفتين‪ :‬أهل الشام‬
‫وأهل العراق‪ ,‬ال كما يزعمه فرقة الرافضة والجهلة الطغام من تكفيرهم أهل الشام‪ ,‬وفيه‬
‫أن أصحاب علي أدنى الطائفتين إلى الحق‪ ,‬وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة أن عليًا‬
‫هو المصيب وإن كان معاوية مجتهدًا‪ ,‬وهو مأجور‪ ,‬إن شاء هللا‪ ,‬ولكن عليًا هو اإلمام فله‬
‫أجران كما ثبت في صحيح البخاري‪« :‬إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا‬
‫اجتهد فأخطأ فله أجر»(‪.)3‬‬
‫‪ -3‬وعن أبي بكرة قال‪ :‬بينما النبي × يخطب جاء الحسن فقال النبي ×‪« :‬ابني هذا‬
‫سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين»(‪ )4‬ففي هذا الحديث شهادة‬
‫النبي × بإسالم الطائفتين أهل العراق وأهل الشام‪ ,‬والحديث فيه رد واضح على الخوارج‬
‫الذين كفروا عليًا ومن معه‪ ,‬ومعاوية ومن معه بما تضمنه الحديث من الشهادة للجميع‬
‫باإلسالم‪ ,‬ولذا كان يقول سفيان بن عيينة‪ :‬قوله فئتين من المسلمين يعجبنا جدًا‪ ,‬قال‬
‫البيهقي‪ :‬وإنما أعجبهم ألن النبي × سماهم جميعًا مسلمين وهذا خبر من رسول هللا بما‬
‫كان من الحسن بن علي بعد وفاة على في تسليمه األمر إلى معاوية بن أبي سفيان(‪.)5‬‬
‫فهذه األحاديث المتقدم ذكرها فيها اإلشارة إلى أهل العراق الذين كانوا مع علي وإلى‬
‫أهل الشام الذين كانوا مع معاوية بن أبي سفيان وقد وصفهم النبي × بأنهم من أمته(‪ ,)6‬كما‬
‫‪3‬‬
‫() عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام (‪ )2/727‬تنزيه خال المؤمنين معاوية بن أبي سفيان‬
‫من الظلم والفسق في مطالبته بدم أمير المؤمنين عثمان‪ ,‬ص (‪.)41‬‬
‫‪1‬‬
‫() العواصم من القواصم‪ ,‬ص (‪ )170،169‬أحكام القرآن (‪.)4/1717‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسلم (‪.)745‬‬
‫‪3‬‬
‫() البخاري مع شرحه في فتح الباري (‪.)13/318‬‬
‫‪4‬‬
‫() البخاري‪ ,‬كتاب الفتن‪ ,‬رقم (‪.)7109‬‬
‫‪5‬‬
‫() االعتقاد للبيهقي‪ ,‬ص (‪ ,)198‬فتح الباري (‪.)13/66‬‬
‫‪6‬‬
‫() في صحيح مسلم (‪ )2/746‬تكون في أمتي فرقتان‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وصفهم بأنهم جميعًا متعلقون بالحق لم يخرجوا عنه كما شهد لهم × بأنهم مستمرون على‬
‫اإليمان‪ ,‬ولم يخرجوا عنه بسبب القتال الذي حصل بينهم‪ ,‬وقد دخلوا تحت عموم قوله‬
‫َصلِ ُحوا َب ْيَن ُه َما" [الحجرات‪ .]9:‬وقد قدمنا أن مدلول‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫تعالى‪َ + :‬وإِن طَائ َفتَان م َن ال ُْم ْؤمن َ‬
‫ين اقْتََتلُوا فَأ ْ‬
‫اآلية ينتظمهم‪ ,‬رضي هللا عنهم أجمعين‪ ,‬فلم يكفروا ولم يفسقوا بقتالهم بل هم مجتهدون‬
‫متأولون‪ ,‬وقد بين الحكم في قتالهم ذلك علي بن أبي طالب رضي هللا عنه كما مر معنا‪.‬‬
‫فالواجب على المسلم أن يسلك في اعتقاده فيما حصل بين الصحابة الكرام‪ ,‬رضي هللا‬
‫عنهم‪ ,‬مسلك أهل السنة والجماعة‪ ,‬وهو اإلمساك عما حصل بينهم‪ ,‬رضي هللا عنهم‪ ,‬وال‬
‫يخوض فيه إال بما هو الئق بمقامهم‪ ,‬وكتب أهل السنة مليئة ببيان عقيدتهم الصافية النقية‬
‫في حق أولئك الصفوة المختارة‪ ,‬وقد حددوا موقفهم من تلك الحرب التي وقعت بينهم في‬
‫أقوالهم الحسنة التي منها(‪:)1‬‬
‫‪ -1‬سئل عمر بن عبد العزيز ‪ ,‬رحمه هللا تعالى‪ ,‬عن القتال الذي حصل بين‬
‫الصحابة فقال‪ :‬تلك دماء طهر هللا يدي منها أفال أطهر بها لساني‪ ,‬مثل أصحاب رسول هللا‬
‫× مثل العيون‪ ,‬ودواء العيون ترك مسها(‪ ,)2‬قال البيهقي معلقًا على قول عمر بن عبد‬
‫(‪)3‬‬
‫العزيز‪ ,‬رحمه هللا تعالى‪ :‬هذا حسن جميل ألن سكوت الرجل عما ال يعنيه هو الصواب ‪.‬‬
‫‪ -2‬سئل الحسن البصري رحمه هللا تعالى عن قتال الصحابة فيما بينهم فقال‪ :‬قتال‬
‫شهده أصحاب محمد × وغبنا‪ ,‬وعلموا وجهلنا‪ ,‬واجتمعوا فاتبعنا‪ ,‬واختلفوا فوقفنا(‪.)4‬‬
‫ومعنى قول الحسن هذا‪ :‬أن الصحابة كانوا أعلم بما دخلوا فيه منا‪ ,‬وما علينا إال أن نتبعهم‬
‫فيما اجتمعوا عليه‪ ,‬ونقف عند ما اختلفوا فيه وال نبتدع رأيًا منا‪ ,‬ونعلم أنهم اجتهدوا‬
‫وأرادوا هللا عز وجل إذ كانوا غير متهمين في الدين(‪.)5‬‬
‫‪ -3‬سئل جعفر بن محمد الصادق عما وقع بين الصحابة فأجاب بقوله‪ :‬أقول ما‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫قال هللا‪ِ + :‬عل ِ‬
‫نسى"(‪[ )6‬طه‪.]52 :‬‬ ‫ْم َها ع ْن َد َربِّي في كتَاب الَّ يَض ُّل َربِّي َوالَ يَ َ‬ ‫ُ‬
‫قال اإلمام أحمد‪ ,‬رحمه هللا‪ ,‬بعد أن قيل له‪ :‬ما تقول فيما كان بين علي ومعاوية؟‬
‫قال‪ :‬ما أقول فيهم إلى الحسنى(‪ ,)7‬وعن إبراهيم بن آرز الفقيه قال‪ :‬حضرت أحمد بن‬
‫حنبل وسأله رجل عما جرى بين علي ومعاوية؟ فأعرض عنه فقيل له‪ :‬يا أبا عبد هللا هو‬
‫ت َولَ ُكم َّما َك َس ْبتُ ْم‬
‫ت ل ََها َما َك َسبَ ْ‬ ‫رجل من بني هاشم فأقبل عليه فقال‪ :‬اقرأ‪+ :‬تِل َ‬
‫ْك أ َُّمةٌ قَ ْد َخلَ ْ‬
‫َوالَ تُ ْسأَلُو َن َع َّما َكانُوا َي ْع َملُو َن" [البقرة‪.]141:‬‬
‫‪ -4‬وقال ابن أبي زيد القيرواني في صدد عرضه لما يجب أن يعتقده المسلم في‬
‫أصحاب رسول هللا × وما ينبغي أن يذكروا به فقال‪ :‬وأال يذكر أحد من صحابة الرسول‬
‫إال بأحسن ذكر واإلمساك عما شجر بينهم وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج‬

‫‪1‬‬
‫() عقيدة أهل السنة في الصحابة (‪ )2/746‬تكون في أمتي فرقتان‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() اإلنصاف للباقالني‪ ,‬ص (‪ ,)69‬الطبقات (‪.)5/394‬‬
‫‪3‬‬
‫() مناقبـ الشافعي‪ ,‬ص (‪.)136‬‬
‫‪4‬‬
‫()‪ )4( ,‬الجامع ألحكام القرآن (‪.)16/332‬‬
‫‪5‬‬
‫()‬

‫‪6‬‬
‫() اإلنصاف للباقالني‪ ,‬ص (‪.)6‬‬
‫‪7‬‬
‫() مناقبـ اإلمام أحمد البن الجوزي‪ ,‬ص (‪.)164‬‬
‫‪43‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ويظن بهم أحسن المذاهب(‪.)1‬‬
‫‪ -5‬وقال أبو عبد هللا بن بطة أثناء عرضه لعقيدة أهل السنة والعقيدة‪ :‬ومن بعد‬
‫ذلك نكف عما شجر بين أصحاب رسول هللا ×‪ ,‬فقد شهدوا المشاهد معه وسبقوا الناس‬
‫بالفضل‪ ,‬فقد غفر هللا لهم وأمرك باالستغفار لهم والتقرب إليه بمحبتهم‪ ,‬وفرض ذلك على‬
‫لسان نبيه وهو يعلم ما سيكون منهم‪ ,‬وأنهم سيقتتلون‪ ,‬وإنما فضلوا على سائر الخلق ألن‬
‫الخطأ والعمد وضع عنهم‪ ,‬وكل ما شجر بينهم مغفور لهم(‪.)2‬‬
‫‪ -6‬قال أبو بكر بن الطيب الباقالني‪ :‬ويجب أن يعلم أن ما جرى بين أصحاب‬
‫النبي × ورضي هللا عنهم‪ ,‬من المشاجرة نكف عنه ونترحم على الجميع ونثني عليهم‬
‫ونسأل هللا تعالى لهم الرضوان واألمان والفوز والجنان‪ ,‬ونعتقد أن عليا عليه السالم‬
‫أصاب فيما فعل وله أجران‪ ,‬وأن الصحابة رضي هللا عنهم إن ما صدر منهم كان باجتهاد‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫فلهم األجر وال يفسقون وال يبدعون‪ ,‬والدليل عليه قوله تعالى‪+ :‬لََق ْد َرض َي اهللُ َع ِن ال ُْم ْؤمن َ‬
‫ين‬
‫الشجر ِة َفعلِم ما فِي ُقلُوبِ ِهم فَأَْنز َل َّ ِ‬ ‫إِ ْذ ُيبَايِعُونَ َ‬
‫حا قَ ِريبًا" [الفتح‪:‬‬ ‫السكينَةَ َعلَْي ِه ْم َوأَثَ َاب ُه ْم َف ْت ً‬ ‫ْ َ‬ ‫ت َّ َ َ َ َ َ‬ ‫ك تَ ْح َ‬
‫‪ ,]18‬وقوله ×‪« :‬إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله‬
‫أجر» فإذا كان الحاكم في وقتنا له أجران على اجتهاده فما ظنك باجتهاد من رضي هللا‬
‫عنهم ورضوا عنه؟! ويدل على صحة هذا القول‪ :‬قوله × للحسن رضي هللا عنه‪« :‬إن‬
‫ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين»(‪ ,)3‬فأثبت‬
‫العظمة لكل واحدة من الطائفتين وحكم لهما بصحة اإلسالم‪ ,‬وقد وعد هللا هؤالء القوم‬
‫ص ُدو ِر ِهم ِّم ْن ِغ ٍّل إِ ْخ َوانًا َعلَى ُس ُر ٍر‬ ‫ِ‬
‫بنزع الغل من صدورهم بقوله تعالى‪َ + :‬و َن َز ْعنَا َما في ُ‬
‫ين" [الحجر‪ .]47 :‬إلى أن قال‪ :‬ويجب الكف عما شجر بينهم والسكوت عنه(‪.)4‬‬ ‫ِِ‬
‫ُّمَت َقابل َ‬
‫‪ -7‬وقال ابن تيمية‪ :‬في صدد عرضه لعقيدة أهل السنة والجماعة فيما شجر بين‬
‫الصحابة‪ :‬ويمسكون عما شجر بين الصحابة ويقولون‪ :‬إن هذه اآلثار المروية في‬
‫مساويهم منها ما هو زيد فيه ونقص وغير عن وجهه‪ ,‬والصحيح منه هم فيه معذورون‪,‬‬
‫إما مجتهدون مصيبون‪ ,‬وإما مجتهدون مخطئون(‪.)5‬‬
‫‪ -8‬وقال ابن كثير‪ :‬أما ما شجر بينهم بعده عليه الصالة والسالم‪ :‬فمنه ما وقع من‬
‫غير قصد كيوم الجمل‪ ,‬ومنه ما كان عن اجتهاد كيوم صفين‪ ,‬واالجتهاد يخطئ ولكن‬
‫صاحبه معذور وإن أخطأ ومأجور أيضًا‪ :‬وأما المصيب فله أجران(‪.)6‬‬
‫‪ -9‬وقال ابن حجر‪ :‬واتفق أهل السنة علىوجوب منع الطعن على أحد من الصحابة‬
‫بسبب ما وقع لهم من ذلك ولو عرف الحق منهم ألنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إال عن‬
‫اجتهاد‪ ,‬بل ثبت أنه يؤجر أجرًا واحدًا‪ ,‬وأن المصيب يؤجر أجرين(‪.)7‬‬

‫‪1‬‬
‫() رسالته المشهورة مع شرحها الثمر الداني‪ ,‬ص (‪.)23‬‬
‫‪2‬‬
‫() الشرح واإلبانة على أصول السنة والديانة‪ ,‬ص (‪.)268‬‬
‫‪3‬‬
‫() البخاري‪ ,‬الفتن‪ ,‬رقم (‪.)7109‬‬
‫‪4‬‬
‫() اإلنصاف فيما يجب اعتقاده وال يجوز الجهل به‪ ,‬ص (‪.)69-67‬‬
‫‪5‬‬
‫() اإلنصاف فيما يجب اعتقاده وال يجوز الجهل به‪ ,‬ص (‪.)69-67‬‬
‫‪6‬‬
‫() الباعث الحثيث‪ ,‬ص (‪.)182‬‬
‫‪7‬‬
‫() فتح الباري (‪.)13/34‬‬
‫‪43‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫فأهل السنة مجمعون على وجوب السكوت عن الخوض في الفتن التي جرت بين‬
‫الصحابة‪ ,‬رضي هللا عنهم‪ ,‬بعد قتل عثمان والترحم عليهم وحفظ فضائل الصحابة‬
‫واالعتراف لهم بسوابقهم ونشر محاسنهم رضي هللا عنهم وأرضاهم(‪.)1‬‬
‫سابعًا‪ :‬التحذير من بعض الكتب التي شوهت تاريخ الصحابة‪:‬‬
‫‪ -1‬اإلمامة والسياسة المنسوب البن قتيبة‪ :‬من الكتب التي شوهت تاريخ صدر‬
‫اإلسالم كتاب اإلمامة والسياسة المنسوب البن قتيبة‪ ,‬ولقد ساق الدكتور عبد هللا عسيالن‬
‫في كتابه «اإلمامة والسياسة في ميزان التحقيق العلمي» مجموعة من األدلة تبرهن على‬
‫أن الكتاب المذكور منسوب إلى اإلمام ابن قتيبة كذبًا وزورًا ومن هذه األدلة‪:‬‬
‫‪ -‬إن الذين ترجموا البن قتيبة لم يذكر واحد منهم أنه ألف كتابًا في التاريخ يدعى‬
‫«اإلمامة والسياسة» وال نعرف من مؤلفاته التاريخية إال كتاب «المعارف»‪.‬‬
‫‪ -‬إن المتصفح للكتاب يشعر بأن ابن قتيبة أقام في دمشق والمغرب في حين أنه لم‬
‫يخرج من بغداد إال إلى الدينور‪.‬‬
‫‪ -‬إن المنهج واألسلوب الذي سار عليه المؤلف في «اإلمامة والسياسة» يختلف تما ًما‬
‫عن منهج وأسلوب ابن قتيبة في كتبه التي بين أيدينا‪ ,‬فابن قتيبة يقدم لمؤلفاته بمقدمات‬
‫طويلة يبين فيها منهجه والغرض من مؤلفه‪ ,‬وعلى خالف ذلك يسير صاحب «اإلمامة‬
‫والسياسة» فمقدمته قصيرة جدًا ال تزيد على ثالثة أسطر‪ ,‬هذا إلى جانب االختالف في‬
‫األسلوب‪ ,‬ومثل هذا النهج لم نعهده في مؤلفات ابن قتيبة‪.‬‬
‫‪ -‬يروي مؤلف الكتاب عن ابن أبي ليلى بشكل يشعر بالتلقي عنه‪ ,‬وابن أبي ليلى هذا‬
‫هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه‪ :‬قاضي الكوفة‪ ,‬توفي سنة ‪148‬هـ‪,‬‬
‫والمعروفـ أن ابن قتيبة لم يولد إال سنة ‪213‬هـ‪ ,‬أي بعد وفاة ابن أبي ليلى بخمسة وستين‬
‫عا ًما‪.‬‬
‫‪ -‬إن الرواة والشيوخ الذين يروى عنهم ابن قتيبة عادة في كتبه لم يرد لهم ذكر في‬
‫أي موضع من مواضع الكتاب‪.‬‬
‫‪ -‬إن قس ًما كبيرًا من رواياته جاءت بصيغة التمريض‪ ,‬فكثيرًا ما يجئ فيه‪ :‬ذكروا عن‬
‫بعض المصريين‪ ,‬وذكروا عن محمد بن سليمان عن مشايخ أهل مصر‪ ,‬وحدثنا بعض‬
‫مشايخ المغرب‪ ,‬وذكروا عن بعض المشيخة‪ ,‬وحدثنا بعض المشيخة‪ ,‬ومثل هذه التراكيب‬
‫بعيدة كل البعد عن أسلوب وعبارات ابن قتيبة ولم ترد في كتاب من كتبه‪.‬‬
‫‪ -‬إن مؤلف «اإلمامة والسياسة» يروى عن اثنين من كبار علماء مصر‪ ,‬وابن قتيبة‬
‫لم يدخل مصر وال أخذ عن هذين العالمين(‪.)2‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة يحتل منزلة عالية لدى العلماء فهو عندهم من أهل السنة‪ ,‬وثقة في علمه‬
‫ودينه‪ ,‬يقولـ السلفي‪ :‬كان ابن قتيبة من الثقات وأهل السنة‪ ,‬ويقولـ عنه ابن حزم‪ :‬كان ثقة‬
‫في دينه وعلمه‪ ,‬وتبعه في ذلك الخطيب البغدادي‪ ,‬ويقولـ عنه ابن تيمية‪ :‬وإن ابن قتيبة من‬
‫المنتسبين إلى أحمد وإسحاق والمنتصرين لمذاهب السنة المشهورة(‪ ,)3‬ورجل هذه منزلته‬
‫لدى رجال العلم المحققين‪ ,‬هل من المعقولـ أن يكون مؤلف كتاب «اإلمامة والسياسة»‬

‫‪1‬‬
‫() عقيدة أهل السنة (‪.)2/740‬‬
‫‪2‬‬
‫() عقيدة اإلمام ابن قتيبة‪ ,‬علي العلياني‪ ,‬ص (‪.)90‬‬
‫‪3‬‬
‫() لسان الميزان (‪ ,)3/357‬تحقيق مواقف الصحابة (‪.)2/144‬‬
‫‪43‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫( ‪)4‬‬
‫الذي شوه التاريخ وألصق بالصحابة الكرام ما ليس فيهم؟!‬
‫يقول الدكتور علي نفيع العلياني في كتابه‪ ,‬عقيدة اإلمام بن قتيبة عن كتاب اإلمامة‬
‫والسياسة‪ :‬وبعد قراءتي لكتاب اإلمامة والسياسة قراءة فاحصة ترجح عندي أن مؤلف‬
‫اإلمامة والسياسة رافضي خبيث‪ ,‬أراد إدماج هذا الكتاب في كتب ابن قتيبة نظرًا لكثرتها‬
‫ونظرًا لكونه معروفًا عند الناس بانتصاره ألهل الحديث‪ ,‬وقد يكون من رافضة المغرب‪,‬‬
‫فإن ابن قتيبة له سمعة حسنة في المغرب(‪ ,)1‬ومما يرجح أن مؤلف اإلمامة والسياسة من‬
‫الروافض ما يلي‪:‬‬
‫* إن مؤلف اإلمامة والسياسة ذكر على لسان علي رضي هللا عنه أنه قال‬
‫للمهاجرين‪ :‬هللا هللا يا معشر المهاجرين ال تخرجوا سلطان محمد في العرب عن داره‬
‫وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم‪ ,‬وال تدفعوا أهله مقامه في الناس وحقه‪ ,‬فوهللا يا معشر‬
‫المهاجرين لنحن أحق الناس به ألنا أهل البيت‪ ,‬ونحن أحق بهذا األمر منكم‪ ..‬وهللا إنه لفينا‬
‫فال تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل هللا(‪ .)2‬وال أحد يرى أن الخالفة وراثية ألهل البيت إال‬
‫الشيعة‪.‬‬
‫* إن مؤلف اإلمامة والسياسة قدح في صحابة رسول هللا قدحًا عظي ًما فصور ابن‬
‫عمر رضي هللا عنه جبانًا‪ ,‬وسعد بن أبي وقاص حسودًا‪ ,‬وذكر محمد بن مسلمة غضب‬
‫على علي ابن أبي طالب ألنه قتل مرحبًا اليهودي بخيبر‪ ,‬وأن عائشة رضي هللا عنها‬
‫أمرت بقتل عثمان(‪ ,)3‬والقدح في الصحابة من أظهر خصائص الرافضة‪ ,‬وإن شاركهم‬
‫الخوارج‪ ,‬إال أن الخوارج ال يقدحون في عموم الصحابة(‪.)4‬‬
‫* إن مؤلف اإلمامة والسياسة يذكر أن المختار بن أبي عبيد قتل من قبل مصعب بن‬
‫الزبير لكونه دعا إال آل رسول هللا × ولم يذكر خرافاته وادعاءه الوحي(‪ ,)5‬والرافضة هم‬
‫الذين يحبون المختار بن أبي عبيد لكونه انتقم من قتلة الحسين‪ ,‬مع العلم أن ابن قتيبة‬
‫رحمه هللا ذكر المختار من الخارجين على السلطان وبين أنه كان يدعي أن جبريل‬
‫يأتيه(‪.)6‬‬
‫* إن مؤلف اإلمامة والسياسة كتب عن خالفة الخلفاء الثالثة أبي بكر وعمر وعثمان‬
‫خمسًا وعشرين صفحة فقط‪ ,‬وكتب عن الفتنة التي وقعت بين الصحابة مائتي صفحة‪ ,‬فقام‬
‫المؤلف باختصار التاريخ الناصع المشرق وسود الصحائف بتاريخ زائف لم يثبت منه إال‬
‫القليل‪ ,‬وهذه من أخالق الروافض المعهودة‪ ,‬نعوذ باهلل من الضالل والخذالن‪.‬‬
‫* يقول السيد محمود شكري األلوسي في مختصره للتحفة االثنا عشرية‪ :‬ومن‬
‫مكايدهم –يعني الرافضة‪ -‬أنهم ينظرون في أسماء الرجال المعتبرين عند أهل السنة‪ ,‬فمن‬
‫وجدوه موافقًا ألحد منهم في االسم واللقب أسندوا رواية حديث ذلك الشيعي إليه‪ ,‬فمن ال‬
‫‪4‬‬
‫() تحقيق مواقف الصحابة (‪.)2/144‬‬
‫‪1‬‬
‫() الفتاوى البن تيمية (‪.)17/391‬‬
‫‪2‬‬
‫() اإلمامة والسياسة (‪.)1/12‬‬
‫‪3‬‬
‫() اإلمامة والسياسة (‪.)1/55،54‬‬
‫‪4‬‬
‫() عقيدة اإلمام ابن قتيبة‪ ,‬ص (‪ )91‬للعلياني‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() اإلمامة والسياسة (‪.)2/20‬‬
‫‪6‬‬
‫() المعارف‪ ,‬ص (‪.)401‬‬
‫‪43‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وقوف له من أهل السنة يعتقد أنه إمام من أئمتهم فيعتبر بقوله ويعتد بروايته‪ ,‬كالسدي‬
‫فإنهما رجالن أحدهما السدي الكبير والسدي الصغير‪ ,‬فالكبير من ثقات أهل السنة‪,‬‬
‫والصغير من الوضاعين الكذابين وهو رافضي غال‪ ,‬وعبد هللا بن قتيبة رافضي غال‬
‫وعبد هللا بن مسلم ابن قتيبة من ثقات أهل السنة‪ ,‬وقد صنف كتابًا سماه بالمعارف‪ ,‬فصنف‬
‫ذلك الرافضي كتابًا سماه بالمعارف أيضًا قصدًا لإلضالل(‪ .)1‬وهذا مما يرجح أن كتاب‬
‫اإلمامة والسياسة البن قتيبة الرافضي وليس البن قتيبة السني الثقة‪ ,‬وإنما خلط الناس‬
‫بينهما لتشابه األسماء(‪ )2‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪ -2‬نهج البالغة‪ :‬ومن الكتب التي ساهمت في تشويه تاريخ الصحابة بالباطل كتاب‬
‫نهج البالغة؛ فهذا الكتاب مطعون في سنده ومتنه‪ ,‬فقد جمع بعد أمير المؤمنين بثالثة‬
‫قرون ونصف قرن بال سند‪ ,‬وقد نسبت الشيعة تأليف نهج البالغة إلى الشريف الرضي‬
‫وهو غير مقبول عند المحدثين لو أسند خصوصًا فيما يوافق بدعته‪ ,‬فكيف إذا لم يسند كما‬
‫فعل في النهج؟ وأما المتهم –عند المحدثين‪ -‬فهو أخوه علي(‪ ,)3‬فقد تحدث العلماء فيه‬
‫فقالوا‪:‬‬
‫‪ -‬قال ابن خلكان في ترجمة الشريف المرتضي‪ :‬وقد اختلف الناس في كتاب نهج‬
‫البالغة المجموع من كالم اإلمام علي بن أبي طالب رضي هللا عنه هل جمعه؟ أم جمع‬
‫أخيه الرضي؟ وقد قيل‪ :‬إنه ليس من كالم علي‪ ,‬وإنما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي‬
‫وضعه‪ ,‬وهللا أعلم(‪.)4‬‬
‫‪ -‬وقال الذهبي‪ :‬من طالع نهج البالغة جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين علي‬
‫رضي هللا عنه‪ ,‬ففيه السب الصراح‪ ,‬والحط على السيدين أبي بكر وعمر‪ ,‬رضي هللا‬
‫عنهما‪ ,‬وفيه من التناقض واألشياء الركيكة والعبارات التي من له معرفة بنفس القرشيين‬
‫الصحابة وبنفس غيرهم ممن بعدهم من المتأخرين جزم بأن أكثره باطل(‪.)5‬‬
‫‪ -‬وقال ابن تيمية‪ :‬وأهل العلم يعلمون أن أكثر خطب هذا الكتاب مفتراة على‬
‫علي ولهذا ال يوجد غالبها في كتاب متقدم وال لها إسناد معروف(‪.)6‬‬
‫‪ -‬وأما ابن حجر‪ ,‬فيتهم الشريف المرتضي بوضعه‪ ,‬ويقول‪ :‬ومن طالعه جزم بأنه‬
‫مكذوب على أمير المؤمنين علي‪ ..‬وأكثره باطل(‪.)7‬‬
‫‪ -‬واستنادًا إلى هذه األخبار وغيرها تناول عدد من الباحثين هذا الموضوع‪ ,‬فقالوا‬
‫بعدم صحة نسبة هذا الكتاب إلى اإلمام علي رضي هللا عنه(‪.)8‬‬
‫ويمكن تلخيص أهم ما الحظه القدامى والمحدثون على «نهج البالغة» للتشكيك‬
‫بصحة نسبته لإلمام علي بما يلي‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫() مختصر التحفة االثنا عشرية لأللوسي ص (‪.)32‬‬
‫‪2‬‬
‫() عقيدة اإلمام ابن قتيبة‪ ,‬ص (‪.)93‬‬
‫‪3‬‬
‫() األدب اإلسالمي‪ ,‬نايف معروف‪ ,‬ص (‪.)53‬‬
‫‪4‬‬
‫() الوفيات (‪.)3/124‬‬
‫‪5‬‬
‫() ميزان االعتدال (‪.)3/124‬‬
‫‪6‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)4/24‬‬
‫‪7‬‬
‫() لسان الميزان (‪.)4/223‬‬
‫‪8‬‬
‫() األدب اإلسالمي‪ ,‬نايف معروف‪ ,‬ص (‪.)53‬‬
‫‪44‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫* خلوه من األسانيد التوثيقية التي تعزز نسبة الكالم إلى صاحبه؛ متنًا ورواية وسندًا‪.‬‬
‫* كثرة الخطب وطولها‪ ,‬ألن هذه الكثرة وهذا التطويل مما يتعذر حفظه وضبطه قبل‬
‫عصر التدوين‪ ,‬مع أن خطب الرسول × لم تصل إلينا سالمة وكاملة مع ما أتيح لها من‬
‫العناية الشديدة واالهتمام‪.‬‬
‫* رصد العديد من األقوال والخطب في مصادر وثيقة منسوبة لغير علي رضي هللا‬
‫عنه‪ ,‬وصاحب النهج يثبتها له‪.‬‬
‫* اشتمال هذا الكتاب على أقوال تتناول الخلفاء الراشدين قبله بما ال يليق به وال يهم‪,‬‬
‫وتنافي ما عرف عنه من توقيره لهم‪ ,‬ومن أمثلة ذلك ما جاء بخطبته المعروفة‬
‫بـ«الشقشقية» التي يظهر فيها حرصه الشديد على الخالفة‪ ,‬رغم ما ُشهر عنه عن التقشف‬
‫والزهد‪.‬‬
‫* شيوع السجع فيه‪ ,‬إذ رأى عدد من األدباء أن هذه الكثرة ال تتفق مع البعد عن‬
‫التكلف الذي عرف به عصر اإلمام علي رضي هللا عنه‪ ,‬مع أن السجع العفوي الجميل لم‬
‫يكن بعيدًا عن روحه ومبناه‪.‬‬
‫* الكالم المنمق الذي تظهر فيه الصناعة األدبية التي هي من وشى العصر العباسي‬
‫وزخرفه‪ ,‬ما نجده في وصف الطاووس والخفاش‪ ,‬والنحل والنمل‪ ,‬والزرع والسحاب‬
‫وأمثالها‪.‬‬
‫* الصيغ الفلسفية الكالمية التي وردت في ثناياه‪ ,‬والتي لم تُعرف عند المسلمين إال‬
‫في القرن الثالث الهجري‪ ,‬حين ترجمت الكتب اليونانية والفارسية والهندية‪ ,‬وهي أشبه ما‬
‫تكون بكالم المناطقة والمتكلمين منه بكالم الصحابة والراشدين(‪.)1‬‬
‫إن هذا الكتاب يجب الحذر منه في الحديث عن الصحابة وما وقع بينهم وبين أمير‬
‫المؤمنين علي‪ ,‬وتعرض نصوصه على الكتاب والسنة‪ ,‬فما وافق الكتاب والسنة‪ ,‬فال مانع‬
‫من االستئناس به وما خالف فال يلتفت إليه‪.‬‬
‫‪ -3‬كتاب األغاني لألصفهاني‪ :‬يعتبر كتاب األغاني ألبي الفرج األصفهانيـ كتاب‬
‫أدب وسمر وغناء‪ ,‬وليس كتاب علم وتاريخ وفقه‪ ,‬وله طنين ورنين في آذان أهل األدب‬
‫والتاريخ‪ ,‬فليس معنى ذلك أن يسكت عما ورد فيه من الشعوبية والدس‪ ,‬والكذب الفاضح‬
‫والطعن والمعايب‪ ,‬وقد قام الشاعر العراقي واألستاذ الكريم وليد األعظمي بتأليف كتابه‬
‫القيم الذي سماه السيف اليماني في نحر األصفهانيـ صاحب األغاني‪ ,‬فقد شمر –جزاه هللا‬
‫خيرًا‪ -‬عن ساعد الجد‪ ,‬ليميز الهزل من الجد‪ ,‬والسم من الشهد‪ ,‬ويكشف ما احتواه الكتاب‬
‫من األكاذيب ونيران الشعوبية والحقد‪ ,‬وهي تغلي في الصدور‪ ,‬كغلي القدور‪ ,‬وأخذ يرد‬
‫على ترهات األصفهاني فيما جمعه من أخبار وحكايات مكذوبة وغير موثقة تسئ إلى آل‬
‫البيت النبوي الشريف‪ ,‬وتجرح سيرتهم‪ ,‬وتشوه سلوكهم‪ ,‬كما تناول مزاعم األصفهانيـ‬
‫تجاه معاوية بن أبي سفيان والخلفاء الراشدين األمويين بما هو مكذوب ومدسوس عليهم‬
‫من الروايات؛ وتناول األستاذ الكريم والشاعر اإلسالمي القدير وليد األعظمي في كتابه‬
‫القيم الحكايات المتفرقة التي تضمنها الكتاب والتي تطعن في العقيدة اإلسالمية والدين‬
‫اإلسالمي‪ ,‬وتفضلـ الجاهلية على اإلسالم وغيرها من األباطيل(‪.)2‬‬
‫ولقد تحدث العلماء فيه قديمًا‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫() األدب اإلسالمي‪ ,‬ص (‪.)55،54‬‬
‫‪2‬‬
‫() السيف اليماني في نحر األصفهاني لألعظمي‪ ,‬ص (‪.)14-9‬‬
‫‪44‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -‬قال الخطيب البغدادي‪ :‬كان أبو الفرج األصفهانيـ أكذب الناس‪ ,‬كان يشتري‬
‫شيئًا كثيرًا من الصحف‪ ,‬ثم تكون كل روايته منها(‪.)1‬‬
‫‪ -‬قال ابن الجوزي‪ :‬ومثله ال يوثق بروايته‪ ,‬يصح في كتبه بما يوجب عليه الفسق‪,‬‬
‫ويهون شرب الخمر‪ ,‬وربما حكى ذلك عن نفسه‪ ,‬ومن تأمل كتاب األغاني‪ ,‬رأى كل قبيح‬
‫ومنكر(‪ .)2‬قال الذهبي‪ :‬رأيت شيخنا تقي الدين ابن تيمية يضعفه‪ ,‬ويتهمه في نقله ويستهول‬
‫ما يأتي به(‪.)3‬‬
‫‪ -4‬تاريخ اليعقوبي‪ ,‬ت ‪290‬هـ‪ :‬هو أحمد بن أبي يعقوب إسحاق بن جعفر بن وهب‬
‫بن واضح العباسي من أهل بغداد‪ ,‬مؤرخ شيعي إمامي كان يعمل في كتابة الدواوين في‬
‫الدولة العباسية حتى لقب بالكاتب العباسي‪ ,‬وقد عرض اليعقوبي تاريخ الدولة اإلسالمية‬
‫من وجهة نظر الشيعة‪ ,‬اإلمامية‪ ,‬فهو ال يعترف بالخالفة إلى لعلي بن أبي طالب وأبنائه‬
‫حسب تسلسل األئمة عند الشيعة‪ ,‬ويسمي عليًا بالوصي‪ ,‬وعندما أرَّخ لخالفة أبي بكر‬
‫وعمر وعثمان لم يضف عليهم لقب الخالفة وإنما قال تولى األمر فالن‪ ,‬ثم لم يترك واحدًا‬
‫منهم دون أن يطعن فيه‪ ,‬وكذلك كبار الصحابة‪ ,‬فقد ذكر عن عائشة‪ ,‬رضي هللا عنها‪,‬‬
‫أخبارًا(‪ )4‬سيئة‪ ,‬وكذلك عن خالد بن الوليد(‪ ,)5‬وعمرو بن العاص(‪ ,)6‬ومعاوية بن أبي‬
‫سفيان(‪ ,)7‬وعرض خبر السقيفة عرضًا مشينًا(‪ )8‬ادعى فيه أنه قد حصلت مؤامرة على‬
‫سلب الخالفة من علي ابن أبي طالب الذي هو الوصي في نظره‪ ,‬وطريقته في سياق‬
‫االتهامات –الباطلة‪ -‬هي طريقة قومه من أهل التشيع والرفض‪ ,‬وهي إما اختالق الخبر‬
‫بالكلية(‪ ,)9‬أو التزيد في الخبر(‪ ,)10‬واإلضافة عليه‪ ,‬أو عرضه في غير سياقه ومحله حتى‬
‫ينحرف معناه‪ ,‬ومن المالحظ أنه عندما ذكر الخلفاء األمويين وصفهم بالملوك‪ ,‬وعندما‬
‫ذكر خلفاء بني العباس وصفهم بالخلفاء‪ ,‬كما وصف دولتهم في كتابه البلدان باسم الدولة‬
‫المباركة(‪ ,)11‬مما يعكس نفاقه وتستره وراء شعار التقية‪ ,‬وهذا الكتاب يمثل االنحراف‬
‫والتشويه الحاصل في كتابة التاريخ اإلسالمي‪ ,‬وهو مرجع لكثير من المستشرقين‬
‫والمستغربين الذين طعنوا في التاريخ اإلسالمي وسيرة رجاله‪ ,‬مع أنه ال قيمة له من‬
‫الناحية العلمية إذ يغلب على القسم األول القصص واألساطير والخرافات‪ ,‬والقسم الثاني‬
‫كتب من زاوية نظر حزبية كما أنه يفتقد من الناحية المنهجية ألبسط قواعد التوثيق‬

‫‪1‬‬
‫() تاريخ بغداد (‪.)11/398‬‬
‫‪2‬‬
‫() المنتظم (‪.)7/41،40‬‬
‫‪3‬‬
‫() ميزان االعتدال (‪.)3/123‬‬
‫‪4‬‬
‫() تاريخ اليعقوبي (‪.)183-2/180‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)2/131‬‬
‫‪6‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)2/222‬‬
‫‪7‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)238 -2/232‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)126-2/123‬‬
‫‪9‬‬
‫()‪ )2( ,‬منهج كتابة التاريخ اإلسالمي ص‪.431‬‬
‫‪10‬‬
‫()‬

‫‪11‬‬
‫() كتاب البلدان لليعقوبي ص ‪.432‬‬
‫‪44‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫العلمي(‪.)1‬‬
‫‪ -5‬المسعودي (ت‪345 :‬هـ) كتابه مروج الذهب ومعادن الجوهر‪ :‬هو أبو الحسن‬
‫علي بن الحسين بن علي المسعودي‪ ,‬من ولد عبد هللا بن مسعود‪ ,‬رضي هللا عنه(‪ ,)2‬وقيل‬
‫إنه كان رجالً من أهل المغرب(‪ ,)3‬ولكن يرد عليه بأن المسعودي صرح بنفسه أنه من‬
‫أهل العراق‪ ,‬وأنه انتقل إلى ديار مصر للسكن فيها(‪ ,)4‬وإن قصد ببالد المغرب عكس‬
‫المشرق فمصر من بالد المغرب اإلسالمي فال إشكال(‪ ,)5‬والمسعودي رجل شيعي‪ ,‬فقد‬
‫قال فيه ابن حجر‪ :‬كتبه طافحة بأنه كان شيعيًا معتزليًا(‪ ,)6‬وقد ذكر أن الوصية جارية من‬
‫عهد آدم تنقل من قرن إلى قرن حتى رسولنا ×‪ ,‬ثم أشار إلى اختالف الناس بعد ذلك في‬
‫النص واالختيار‪ ,‬فقد رأى الشيعة اإلمامية الذين يقولون بالنص(‪ ,)7‬وقد أولى األحداث‬
‫المتعلقة بعلي بن أبي طالب رضي هللا عنه في كتابه مروج الذهب اهتما ًما كبيرًا أكثر من‬
‫اهتمامه بحياة رسول هللا × في الكتاب المذكور(‪ ,)8‬وركز اهتمامه بالبيت العلوي وتتبع‬
‫أخبارهم بشكل واضح في كتابه مروج الذهب(‪ ,)9‬وعمل بدون حياء وال خجل على تشويه‬
‫تاريخ صدر اإلسالم‪.‬‬
‫هذه بعض الكتب القديمة التي نحذر منها‪ ,‬والتي كان لها أثر في كتابات بعض‬
‫المعاصرين‪ ,‬كطه حسين (الفتنة الكبرى‪ ..‬علي وبنوه)‪ ,‬والعقاد في العبقريات فقد تورطا‬
‫في الروايات الموضوعة والضعيفة وقامت تحليالتهما عليها‪ ,‬وبالتالي لم يحالفهما‬
‫الصواب‪ ,‬ووقعا في أخطاء شنيعة في حق الصحابة‪ ,‬رضي هللا عنهم‪ ,‬وكذلك عبد الوهاب‬
‫النجار في كتابه «الخلفاء الراشدون» حيث نقل نصوصًا من روايات الرافضة من كتاب‬
‫«اإلمامة والسياسة»‪ ,‬وحسن إبراهيم حسن في كتابه «عمرو بن العاص» حيث قرر من‬
‫خالل الروايات الرافضية الموضوعة بأن عمرو بن العاص رجل مصالح ومطامع وال‬
‫يدخل في شيء من األمور إال إذا رأى فيه مصلحة ومنفعة له في الدنيا(‪ ,)10‬وغير ذلك من‬
‫الباحثين الذين ساروا على نفس المنوال‪ ,‬فدخلوا في األنفاق المظلمة بسبب بعدهم عن‬
‫منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع الركام الهائل من الروايات التاريخية‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬االستشراق والتاريخ اإلسالمي‪:‬‬
‫إن من أعظم الفرق أثرًا في تحريف التاريخ اإلسالمي الشيعة الرافضة بمختلف‬
‫طوائفها وفرقها‪ ,‬فهم من أقدم الفرق ظهورًا‪ ,‬ولهم تنظيم سياسي وتصور عقائدي‪ ,‬ومنهج‬
‫فكري –منحرف‪ -‬وهم أكثر الطوائف كذبًا على خصومهم‪ ,‬كما أنهم من أشد الناس‬
‫‪1‬‬
‫() منهج كتابة التاريخ اإلسالمي ص ‪.432‬‬
‫‪2‬‬
‫() الفهرست البن النديم‪ ,‬ص (‪ )171‬سير أعالم النبالء‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() الفهرست‪ ,‬ص (‪.)117‬‬
‫‪4‬‬
‫() معجم األدباء (‪.)93-13/91‬‬
‫‪5‬‬
‫() منهج المسعودي في كتابة التاريخ ص ‪ ,44‬أثر التشيع‪ ,‬ص (‪.)243‬‬
‫‪6‬‬
‫() لسان الميزان (‪ ,)4/225‬أثر التشيع‪ ,‬ص (‪.)246‬‬
‫‪7‬‬
‫() مروج الذهب ومعادن الجوهر (‪.)1/38‬‬
‫‪8‬‬
‫()‪ )12( ,‬أثر التشيع على الروايات التاريخية‪ ,‬ص (‪.)248‬‬
‫‪9‬‬
‫()‬

‫‪10‬‬
‫() تاريخ عمرو بن العاص‪ ,‬حسن إبراهيم‪ ,‬ص (‪.)207،206‬‬
‫‪44‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫خصومة للصحابة –كما سيأتي معنا‪ -‬فسب الصحابة وتكفيرهم من أساسيات معتقدهم‬
‫وأركانه‪ ,‬خاصة الشيخين أبا بكر وعمر ويسمونهما الجبت والطاغوت(‪ ,)1‬وقد كان للشيعة‬
‫أكبر عدد من الرواة واإلخباريين الذين تولوا نشر أكاذيبهم ومفترياتهم وتدوينها في كتب‬
‫ورسائل عن أحداث التاريخ اإلسالمي‪ ,‬خاصة األحداث الداخلية‪ ,‬كما كان للشعوبية‬
‫والعصبية أثر في وضع األخبار التاريخية والحكايات والقصص الرامية إلى تشويه‬
‫التاريخ اإلسالمي‪ ,‬وإلى إعالء طائفة على طائفة‪ ,‬أو أهل بلد على آخر‪ ,‬أو جنس على‬
‫جنس‪ ,‬وإبعاد الميزان الشرعي في التفاضل وهو ميزان التقوى ‪+‬إِ َّن أَ ْكرم ُكم ِع ْن َد ِ‬
‫اهلل‬ ‫ََ ْ‬
‫أَْت َقا ُك ْم" [الحجرات‪.]13:‬‬
‫كما أن الفرق المنحرفة قد استغلت وضع القصاص وانتشارهم وجهل معظمهم وقلة‬
‫علمهم بالسنة‪ ,‬وانحراف طائفة منهم تبتغي العيش والكسب‪ ,‬فنشروا بينهم أكاذيبهم‬
‫وحكاياتهم وقصصهم الموضوعة‪ ,‬فتلقفها هؤالء القصاص دن وعي وإدراك ونشروها‬
‫بين العامة‪ ,‬لقد انتشر عن طريقهم مئات األحاديث المكذوبة على الصحابة والتابعين‬
‫وعلماء اإلسالم‪ ,‬مما يسئ لهم ويشوه تاريخهم وسيرتهم‪ ,‬وقد كان من فضل هللا وتوفيقه‬
‫أن قيض مجموعة من العلماء النقاد الذين قاموا بجهد في نقد الرواة والمرويات فبينوا‬
‫الزائف من الصحيح‪ ,‬ودافعوا عن عقيدة األمة وتاريخها‪ ,‬وجهد علماء السنة في بيان‬
‫األحاديث المكذوبة بالنص عليها وبيان الرواة الضعاف والمتهمين وأصحاب األهواء‪,‬‬
‫وفي رسم المنهج في نقد الروايات وقبولها‪ ,‬جهد كبير وموفق‪ ,‬من أبرز من تصدى‬
‫إليضاح المغالط التاريخية ورد زيف الروايات المكذوبة القاضي ابن العربي في كتاب‬
‫«العواصم من القواصم»‪ ,‬واإلمام ابن تيمية في كثير من كتبه ورسائله‪ ,‬خاصة كتابه القيم‬
‫«منهاج السنة النبوية في نقض كالم الشيعة والقدرية»‪ ,‬وكذا الحافظ الناقد الذهبي في‬
‫كثير من مؤلفاته التاريخية مثل كتاب «سير أعالم النبالء‪ ,‬وتاريخ اإلسالم‪ ,‬وميزان‬
‫االعتدال في نقد الرجال»‪ ,‬وكذلك الحافظ ابن كثير المفسر المؤرخ في كتابه «البداية‬
‫والنهاية»‪ ,‬وأيضًا الحافظ ابن حجر العسقالني في كتابه‪« ,‬فتح الباري في شرح صحيح‬
‫البخاري‪ ,‬ولسان الميزان‪ ,‬وتهذيب التهذيب واإلصابة في معرفة الصحابة»‪.‬‬
‫أما الوسائل التي استخدمت لغرض تحريف الوقائع التاريخية وتشويه سير‬
‫رجال الصدر الأول من الصحابة والتابعين فهي كثيرة ونذكر منها‪:‬‬
‫االختالق والكذب‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫اإلتيان بخبر أو حادثة صحيحة فيزيدون فيها وينقصونـ منها حتى تتشوه‬ ‫‪‬‬
‫وتخرج عن أصلها‪.‬‬
‫وضع الخبر في غير سياقه حتى ينحرف عن معناه ومقصده‪ ,‬والتأويل‬ ‫‪‬‬
‫والتفسير الباطل لألحداث‪.‬‬
‫إبراز المثالب واألخطاء وإخفاء الحقائق المستقيمة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫صناعة األشعار وانتحالها لتأييد حوادث تاريخية مدعاة ألن الشعر العربي‬ ‫‪‬‬
‫ينظر له كوثيقة تاريخية ومستند يساعد في توثيق الخبر وتأييده‪.‬‬
‫وضع الكتب والرسائل المكذوبة ونحلها لعلماء وشخصيات مشهورة‪ ,‬كما وضعت‬
‫الرافضة كتاب «اإلمامة والسياسة» الذي نسبته إلى أبي محمد عبد هللا بن مسلم بن قتيبة‬
‫الدينوري لشهرته عند أهل السنة وثقتهم به كما مر معنا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫() الشيعة والسنة‪ ,‬ص (‪ )32‬إحسان إلهي ظهير‪.‬‬
‫‪44‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وقد تلقف هذه األكاذيب والتحريفات في القرن الماضي علماء الغرب وكتابه من‬
‫المستشرقين والمنصرين ‪-‬إبان غزوهم واستعمارهم للبلدان اإلسالمية‪ -‬فوجدوا فيها‬
‫ضالتهم‪ ,‬وأخذوا يعملون على إبرازها والتركيز عليها مع ما زادوه من عندهم –بدافع من‬
‫عصبيتهم وكرههم للمسلمين‪ -‬من الكذب مثل اختراع حوادث ال أصل لها‪ ,‬أو التفسير‬
‫المغرض للحوادث التاريخية بقصد التشوية‪ ,‬أو التفسير الخاطئ تبعًا للتصور واالعتقاد‬
‫الذي يدينون به‪ ,‬ثم شايع هؤالء طائفة غير قليلة العدد من تالميذ المستشرقين في البالد‬
‫العربية واإلسالمية‪ ,‬وأخذوا طرائقهم ومناهجهم في البحث‪ ,‬وأفكارهم وتصوراتهم في‬
‫الفهم والتحليل وتفسير التاريخ‪ ,‬وحملوا الراية بعد رحيلهم عن بالد المسلمين‪ ,‬فكان‬
‫ضررهم أشد وأنكى من ضرر أساتذتهم المستشرقين‪ ,‬ومن ضرر أسالفهم السابقين من‬
‫فرق البدع والضالل‪ ,‬وذلك أنهم ادعوا –كأساتذتهم‪ -‬اتباع الروح العلمية المتجردة‬
‫والمنهج العلمي في البحث‪ ,‬والحقيقة أن غالبهم لم يتجرد إال من عقيدته‪ ,‬أما التجرد بمعنى‬
‫اإلخالص للحق وسلوك المنهج العلمي السليم في إثبات الوقائع التاريخية‪ ,‬كالمقارنة بين‬
‫الروايات‪ ,‬ومعرفة قيمة المصادر التي يرجعون إليها‪ ,‬ومدى أمانة الناقلين‪ ,‬وضبطهم لما‬
‫نقلوا‪ ,‬وقياس األخبار واعتبارهم بأحوال العمران البشري وطبائعه(‪ ,)1‬فال أثر له عند‬
‫القوم‪ ,‬فلم يتقنوا من المنهج العلمي إال األمور الشكلية مثل الحواشي وترتيب المراجع وما‬
‫شابهها‪ ,‬وربما كان هذا هو مفهوم المنهج العلمي عندهم(‪ ,)2‬يقول محب الدين الخطيب‪ :‬إن‬
‫الذين تثقفوا بثقافة أجنبية عنا قد غلب عليهم الوهم بأنهم غرباء عن هذا الماضي‪ ,‬وأن‬
‫موقفهم من رجاله كموقف وكالء نيابة من المتهمين‪ ,‬بل لقد أوغل بعضهم في الحرص‬
‫على الظهور أمام األغيار بمظهر المتجرد عن كل آصرة بماضي العروبة واإلسالم جريًا‬
‫وراء المستشرقين في ارتيابهم حيث تحس الطمأنينة وميلهم مع الهوى عندما يدعوهم‬
‫الحق إلى التثبت وفي إنشائهم الحكم وارتياحهم إليه قبل أن تكون في أيديهم الدالئل‬
‫عليه(‪.)3‬‬
‫ومن أهم الوسائل التي اتبعها المستشرقون وتلاميذهم في تشويه وتحريف‬
‫حقائق التاريخ الإسلامي‪:‬‬
‫أ‪ -‬التدخل بالتفسير الخاطئ لألحداث التاريخية على وفق مقتضياتـ أحوال عصرهم‬
‫الذي يعيشون هم فيه وحسبما يجول بخواطرهم‪ ,‬دون أن يحققواـ أوالً الواقعة التاريخية‬
‫حتى تثبت ودون أن يراعوا ظروف العصر الذي وقعت فيه الحادثة وأحوال الناس‬
‫وتوجهاتهم في ذلك الوقت‪ ,‬والعقيدة التي تحكمهم ويدينون بها‪ ,‬فإنه قبل تفسير الحادثة البد‬
‫من ثبوت وقوعها وليس وجودها في كتاب من الكتب كافيًا لثبوتها(‪ ,)4‬ألن مرحلة الثبوت‬
‫مرحلة سابقة على البحث في تفسير الواقعة التاريخية‪ ,‬كما ينبغي أن يكون التفسير متمشيًا‬
‫مع منطوق الخبر التاريخي‪ ,‬وموضوع البحث‪ ,‬ومع الطابع العام للمجتمع‪ ,‬أو العصر‬
‫والبيئة التي حدثت فيها الواقعة‪ ,‬كما يشترط أال يكون هذا التفسير متعارضًا مع واقعة أو‬
‫جملة وقائع أخرى ثابتة‪ ,‬كما أنه ال ينبغي أن ينظر في التفسير إلى عامل واحد –كما هو‬
‫ديدن كثير من المدارس التاريخية المعاصرة‪ -‬وإنما ينظر فيه إلى جملة العوامل المؤثرة‬
‫في الحديث وخاصة العوامل العقيدية والفكرية‪ ..‬ثم إن التفسير التاريخي للحوادث بعد هذا‬

‫‪1‬‬
‫()‪ )2( ,‬منهج كتابة التاريخ اإلسالمي‪ ,‬محمد صامل‪ ,‬ص (‪.)502‬‬
‫‪2‬‬
‫()‬

‫‪3‬‬
‫() المصادر األولى لتاريخنا‪ ,‬مجلة األزهر سنة ‪1374‬هـ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() منهج كتابة التاريخ اإلسالمي‪ ,‬ص (‪.)504‬‬
‫‪44‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫كله ال يعدو كونه اجتهادًا بشريًا يحتمل الصواب والخطأ‪ ,‬ولقد أبرز البعض تاريخ الفرق‬
‫الضالة وعمد إلى تضخيم أدوارها وتصويرها بصورة المصلح المظلوم‪ ,‬وبأن المؤرخين‬
‫المسلمين قد تحاملوا عليها‪ ,‬فالقرامطة واإلسماعيلية‪ ,‬والرافضة اإلمامية والفاطمية‬
‫والزنج وإخوان الصفا‪ ,‬والخوارج كلهم في نظرهم واعتبارهم دعاة إصالح وعدالة‬
‫وحرية ومساواة‪ ,‬وثورتهم كانت ثورات إلصالح الظلم والجور‪ ,‬فهذا الشغب واإلرجاف‬
‫على التاريخ اإلسالمي ومزاحمة سير رجاله ودعاته بسير قادة الفرق الضالة أمر ال‬
‫يستغرب من قوم ال يدينون باإلسالم‪ ,‬فهم من واقع عقيدتهم يكيدون له بكل جهد مستطاع‪,‬‬
‫ليالً ونها ًرا‪ ,‬وسرًا وجهارًا وال يتوقع من مطموسي اإليمان وملل الكفر إال مناصرة‬
‫إخوانهم في الضالل‪ ,‬ولكن األمر الذي قد يحدث استغرابًا عند البعض أن يحمل راية‬
‫التشويه والتحريف بعد سقوط دولة االستشراق كتاب يحملون أسماء إسالمية ومن أبناء‬
‫المسلمين‪ ,‬ويقومون بنشر مثل هذه السموم على بني جلدتهم ليصرفوا بها األغرار عن‬
‫الصراط المستقيم‪ ,‬ولقد عمد هؤالء إلى التشبث بالروايات المشبوهة والضعيفة‪ ,‬والساقطة‬
‫يلتقطونها من كتب األدب وقصص السمر والحكايات الشعبية والكتب المنحولة‬
‫والضعيفة‪ ,‬فهذه الكتب هي مستنداتهم في الغالب مع ما يجدونه من الروايات المكذوبة في‬
‫الطبري والمسعودي‪ ,‬مع أنهم يعلمون أنها ال تعتبر مراجع علمية يعتمد عليها‪ ,‬لقد وقع‬
‫االعتداء على التاريخ اإلسالمي –خاصة تاريخ الصدر األول‪ -‬بالتشويه عن طريق‬
‫اختيار مواقف مختارة والتركيز عليها‪ ,‬كالمعارك والحروب مع تصويرها على غير‬
‫حقيقتها حتى تزول عنها صفة الجهاد في سبيل هللا‪ ,‬أو التركيز على األحداث والفتن‬
‫الداخلية بقصد إظهار خالفات الصحابة‪ ,‬رضي هللا عنهم‪ ,‬وعرضها وكأنها نموذج‬
‫للصراعات والمكائد السياسية في وقتنا الحاضر‪ ,‬وبالتجهيل وهو إهمال كل ما هو مدعاة‬
‫لالقتداء واألسوة الحسنة‪ ,‬وبالتشكيك‪ ,‬وهو توجيه السهام إلى التاريخ ورجاله وإلى‬
‫المؤرخين المسلمين أنفسهم والتشكيك في معلوماتهم وصدقهم‪ ,‬وبالتجزئة وهي محاولة‬
‫تجزئة التاريخ اإلسالمي إلى أوصال وأشتات وكأنها ال رابط بينها كالتوزيع اإلقليمي‬
‫والعرقي ونحوه‪ ,‬فكل هذه الوسائل والحمالت تسعى إلى تدمير تاريخنا اإلسالمي ومحو‬
‫معالمه النيرة وإبعاده عن مجال القدوة الحسنة والتربية الصحيحة‪.‬‬
‫لذا ينبغي على المؤرخ المسلم معرفة هذه الوسائل والتنبه لها‪ ,‬ومعرفة الذين تابعوا‬
‫المستشرقين في آرائهم ومناهجهم وعدم التلقي منهم إال بحذر شديد‪ ,‬فإذا كان علماؤنا –‬
‫رحمهم هللا‪ -‬قد نقدوا كثيرًا من الرواة وضعفوا روايتهم بسبب أخذهم عن أهل الكتاب‬
‫وروايتهم اإلسرائيليات‪ ,‬فإنه ينبغي لنا التوقف في قبول أقوال وتفسيرات من يتلقى من‬
‫المستشرقين بل إسقاطها وعدم اعتبارها إال بدليل وبرهان واضح(‪.)1‬‬
‫***‬

‫‪1‬‬
‫() منهج كتابة التاريخ اإلسالمي‪ ,‬ص (‪.)507‬‬
‫‪44‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الفصل السابع‬
‫موقف أمير المؤمنين علي من الخوارج والشيعة‬
‫المبحث األول‬
‫الخوارج‬
‫أوالً‪ :‬نشأة الخوارج والتعريف بهم‪:‬‬
‫عرَّف أهل العلم الخوارج بتعريفات منها ما بيَّنه أبو الحسن األشعري‪ ,‬أن اسم‬
‫الخوارج يقع علىتلك الطائفة التي خرجت على رابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب‬
‫رضي هللا عنه‪ ,‬وبيَّن أن خروجهم على عل ّي هو العلة في تسميتهم بهذا االسم‪ ,‬حيث قال‬
‫رحمه هللا تعالى‪ :‬والسبب الذي سموا له خوارج خروجهم على عل ّي لما حكم(‪.)1‬‬
‫وأما ابن حزم‪ :‬فقد بيَّن أن اسم الخارجي يتعدى إلىكل من أشبه أولئك النفر الذين‬
‫خرجوا على علي بن أبي طالب رضي هللا عنه‪ ,‬وشاركهم في معتقدهم‪ ,‬فقد قال‪ :‬ومن‬
‫وافق الخوارج من إنكار التحكيم وتكفير أصحاب الكبائر والقول بالخروج على أئمة‬
‫الجور‪ ,‬وأن أصحاب الكبائر مخلدون في النار‪ ,‬وأن اإلمامة جائزة في غير قريش فهو‬
‫خارجي وإن خالفهم‪ ,‬فيما عدا ذلك مما اختلف فيه المسلمون وخالفهم فيما ذكرنا فليس‬
‫خارجيًا(‪.)2‬‬
‫وأما الشهرستاني‪ :‬فقد عرف الخوارج بتعريف عام اعتبر فيه الخروج على اإلمام‬
‫الذي اجتمعت عليه الكلمة وعلى إمامته الشرعية خروجًا في أي زمان كان‪ ,‬حيث قال في‬
‫تعريفه للخوارج‪ :‬كل من خرج على اإلمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجيًا‬
‫سواء كان الخروج في أيام الصحابة على األئمة الراشدين أم كان بعدهم على التابعين‬
‫بإحسان واألئمة في كل زمان(‪.)3‬‬
‫وقال ابن حجر معرفًا لهم‪ :‬والخوارج هم الذين أنكروا على عل ّي التحكيم وتبرؤوا‬
‫منه ومن عثمان وذريته وقاتلوهم‪ ,‬فإن أطلقوا تكفيرهم فهم الغالة(‪ ,)4‬وقال في تعريف‬
‫آخر‪ :‬أما الخوارج فهم جماعة خارجة‪ ,‬أي‪ :‬طائفة‪ ,‬وهم قوم مبتدعون سموا بذلك‬
‫لخروجهم على الدين وخروجهم على خيار المسلمين(‪.)5‬‬
‫وأما أبو الحسن الملطي‪ :‬فيرى أن أول الخوارج المحكمة‪ ,‬الذين ينادون ال حكم إال هلل‬
‫علي كفر‪ ,‬يجعل الحكم إلى أبي موسى األشعري وال حكم إال هلل‪ .‬فرقة‬ ‫ويقولون‪ٌّ :‬‬
‫الخوارج‪ ,‬سميت خوارج لخروجهم على عل ّي رضي هللا عنه يوم الحكمين‪ ,‬حين كرهوا‬
‫التحكيم‪ ,‬وقالوا‪ :‬ال حكم إال هلل(‪.)6‬‬
‫وأما الدكتور ناصر العقل فيقول‪ :‬هم الذين يُ َكفِّرون بالمعاصي‪ ,‬ويخرجون على أئمة‬

‫‪1‬‬
‫() مقاالت اإلسالميين (‪.)1/207‬‬
‫‪2‬‬
‫() الفصل في الملل واألهواء والنحل (‪.)2/113‬‬
‫‪3‬‬
‫() الملل والنحل‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() هدي الساري في مقدمة فتح الباري‪ ,‬ص ‪.459‬‬
‫‪5‬‬
‫() فتح الباري (‪.)2/283‬‬
‫‪6‬‬
‫() التنبيه والرد على أهل األهواء والبدع‪ ,‬ص ‪.47‬‬
‫‪44‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الجور(‪.)1‬‬
‫فالخوارج هم أولئك النفر الذين خرجوا على عل ّي رضي هللا عنه بعد قبوله التحكيم‬
‫في موقعة صفين‪ ,‬ولهم ألقاب أخرى عرفوا بها غير لقب الخوارج‪ ,‬ومن تلك األلقاب‬
‫الحرورية(‪ ,)2‬والشراة(‪ ,)3‬والمارقة‪ ,‬والمحكمة(‪ ,)4‬وهم يرضون بهذه األلقاب كلها إال‬
‫بالمارقة‪ ,‬فإنهم ينكرونه أن يكونوا مارقين من الدين كما يمرق السهم من الرمية(‪.)5‬‬
‫ومن أهل العلم من يرجع بداية نشأة الخوارج إلى زمن الرسول ×‪ ,‬ويجعل أول‬
‫الخوارج ذا الخويصرة الذي اعترض على الرسول × في قسمة ذهب كان قد بعث به‬
‫عل ّي رضي هللا عنه من اليمن في جلد مقروظ‪ ,‬فقد جاء عن أبي سعيد الخدري رضي هللا‬
‫عنه أنه قال‪ :‬بعث علي بن أبي طالب إلى رسول هللا × من اليمن بذهبة في أديم مقرظ(‪,)6‬‬
‫لم تحصل من ترابها(‪ ,)7‬قال‪ :‬فقسمها بين أربعة نفر‪ ,‬بين عيينة بن حصن‪ ,‬واألقرع بن‬
‫حابس‪ ,‬وزيد الخيل‪ ,‬والرابع إما علقمة بن عالثة‪ ,‬وإما عامر بن الطفيل‪ ,‬فقال رجل من‬
‫أصحابه‪ :‬كنا نحن أحق بهذا من هؤالء‪ ,‬قال‪ :‬فبلغ ذلك النبي ×‪ ,‬فقال‪« :‬ألا تأمنوني‬
‫وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحًا ومساء»‪ ,‬قال‪ :‬فقام رجل‬
‫غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة(‪ ,)8‬كث اللحية محلوق الرأس مشمر اإلزار‪,‬‬
‫فقال‪ :‬يا رسول هللا اتق هللا‪ ,‬فقال‪« :‬ويلك أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله» قال‪:‬‬
‫ثم ولى الرجل‪ ,‬فقال خالد بن الوليد‪ :‬يا رسول هللا أال أضرب عنقه؟‪ ,‬فقال‪« :‬لا‪ ,‬لعله أن‬
‫يكون يصلي»‪ ,‬قال خالد‪ :‬وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه‪ ,‬فقال رسول هللا ×‪:‬‬
‫«إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس(‪ ,)9‬ولا أشق بطونهم»‪ ,‬قال‪ :‬ثم نظر إليه‬
‫مقف(‪ ,)10‬فقال‪« :‬إنه يخرج من ضئضئ(‪ )11‬هذا قوم يتلون كتاب الله رطبًا‪ ,‬لا‬ ‫ٍ‬ ‫وهو‬
‫يجاوز حناجرهم‪ ,‬يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية»‪ ,‬قال‪ :‬أظنه قال‪:‬‬
‫«لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود»(‪.)12‬‬
‫قال ابن الجوزي عند هذا الحديث‪ :‬أول الخوارج وأقبحهم حالة ذو الخويصرة‬
‫(‪)13‬‬
‫التميمي‪ ,‬وفي لفظ‪ :‬أنه قال له‪ :‬اعدل‪ ,‬فقال‪« :‬ويلك‪ ,‬ومن يعدل إذا لم أعدل» ‪ ,‬فهذا‬
‫‪1‬‬
‫() الخوارج‪ ,‬ناصر العقل‪ ,‬ص ‪.28‬‬
‫‪2‬‬
‫() سموا بهذا االسم لنزولهم بحروراء في أول أمرهم‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() سموا شراة لقولهم‪ :‬شرينا أنفسنا في طاعة هللا‪ ,‬أي‪ :‬بعناها بالجنة‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() سموا بهذا االسم إلنكارهم الحكمين‪ ,‬وقولهم‪ :‬ال حكم إال هلل‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() مقاالت اإلسالميين (‪.)1/207‬‬
‫‪6‬‬
‫()أديم مقرظ‪ :‬في جلد مدبوغ بالقرظ‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() أي‪ :‬لم تميز ولم تصف من تراب معدنها‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() ناشز الجبهة‪ :‬مرتفع الجبهة‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() أي‪ :‬أفتش وأكشف‪ ,‬ومعناه‪ :‬أني أمرت بالحكم بالظاهر وهللا يتولى السرائر‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫() مقف‪ :‬أي مولٍّ‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫() ضئضئ‪ :‬هو بضادين معجمتين مكسورتين وآخره مهموز وهو أصل الشيء‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫()أخرجه البخاري (‪ ,)2/232‬ومسلم (‪.)2/742‬‬
‫‪13‬‬
‫() أخرجه مسلم (‪.)2/740‬‬
‫‪44‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫أول خارجي خرج في اإلسالم‪ ,‬وآفته أنه رضي برأي نفسه ولو وقف لعلم أنه ال رأي‬
‫فوق رأي رسول هللا ×‪ ,‬وأتباع هذا الرجل هم الذين قاتلوا علي بن أبي طالب رضي هللا‬
‫عنه(‪.)1‬‬
‫وممن أشار بأن أول الخوارج ذو الخويصرة‪ :‬أبو محمد ابن حزم(‪ ,)2‬وكذا‬
‫الشهرستاني في كتابه الملل والنحل(‪ ,)3‬ومن العلماء من يرى بأن نشأة الخوارج بدأت‬
‫بالخروج على عثمان رضي هللا عنه بإحداثهم الفتنة التي أدت إلى قتله رضي هللا عنه‬
‫ظل ًما وعدوانًا‪ ,‬وسميت تلك الفتنة التي أحدثوها بالفتنة األولى(‪ ,)4‬وقال شارح الطحاوية‪:‬‬
‫الخوارج والشيعة حدثوا في الفتنة األولى(‪ ,)5‬وقد أطلق ابن كثير على الغوغاء الذين‬
‫خرجوا على عثمان وقتلوه اسم الخوارج‪ ,‬حيث قال في صدد ذكره لهم بعد قتلهم عثمان‬
‫رضي هللا عنه‪ :‬وجاء الخوارج فأخذوا مال بيت المال وكان فيه شيء كثير جدًا(‪.)6‬‬
‫الرأي الراجح في بداية نشأة الخوارج‪ :‬وبالرغم من االرتباط القوي بين ذي‬
‫الخويصرة والغوغاء الذين خرجوا على عثمان وبين الخوارج الذين خرجوا على عل ّي‬
‫بسبب التحكيم‪ ,‬فإن مصطلح الخوارج بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة ال ينطبق إال على‬
‫الخارجين بسبب التحكيم‪ ,‬بحكم كونهم جماعة في شكل طائفة لها اتجاهها السياسي‬
‫وآراؤها الخاصة‪ ,‬أحدثت أثرًا فكريًا َعقَديًا واضحًا‪ ,‬بعكس ما سبقها من حاالت(‪.)7‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ذكر األحاديث التي تتضمن ذم الخوارج‪:‬‬
‫وردت أحاديث كثيرة عن النبي × في ذم الخوارج المارقة‪ ,‬وصفوا فيها بأوصاف‬
‫ذميمة شنيعة جعلتهم في أخبث المنازل‪ ,‬فمن األحاديث التي وردت اإلشارة فيها إال ذمهم‪,‬‬
‫ما رواه الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي هللا عنه قال‪ :‬بينما‬
‫نحن عند رسول هللا × وهو يقسم قس ًما‪ ,‬إذ أتاه ذو الخويصرة هو رجل من تميم‪ ,‬فقال‪ :‬يا‬
‫رسول هللا‪ ,‬اعدل‪ ,‬فقال‪« :‬ويلك‪ ,‬ومن يعدل إذا لم أعدل‪ ,‬قد خبت وخسرت إن لم‬
‫أكن أعدل»‪ ,‬فقال عمر‪ :‬يا رسول هللا ائذن لي فيه فأضرب عنقه‪ ,‬فقال‪« :‬دعه فإن له‬
‫أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم‪ ,‬وصيامه مع صيامهم‪ ,‬يقرؤون القرآن لا‬
‫يجاوز تراقيهم(‪ ,)8‬يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية(‪ )9‬ينظر إلى‬
‫نصله فلا يوجد فيه شيء‪ ,‬ثم ينظر إلى رصافه(‪ ,)10‬فما يوجد فيه شيء‪ ,‬ثم ينظر‬
‫إلى نفسه‪ ,‬وهو قدحه فلا يوجد فيه شيء‪ ,‬وقد سبق الفرث والدم(‪ ,)11‬آيتهم رجل‬
‫‪1‬‬
‫() تلبيس إبليس‪ ,‬ص ‪.90‬‬
‫‪2‬‬
‫() الفصل في الملل واألهواء والنحل (‪.)4/157‬‬
‫‪3‬‬
‫() الملل والنحل (‪.)1/116‬‬
‫‪4‬‬
‫() عقيدة أهل السنة في الصحابة (‪.)3/1141‬‬
‫‪5‬‬
‫() شرح العقيدة الطحاوية ص ‪.563‬‬
‫‪6‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/202‬‬
‫‪7‬‬
‫() فرق معاصرة للعواجي (‪ ,)1/67‬خالفة علي‪ ,‬عبد الحميد ص ‪.297‬‬
‫‪8‬‬
‫() تراقيهم‪ :‬جمع ترقوة‪ ,‬وهي العظم بين ثغرة النحر والعاتق‪ ,‬وهما ترقوتان من الجانبين‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() الرمية‪ :‬الصيد الذي ترميه فتقصده وينفذ فيه سهمك‪ ,‬وقيل‪ :‬كل دابة مرمية‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫() رصافة‪ :‬يقال‪ :‬رصف السهم إذا شده بالرصاف‪ ,‬وهو عقب يلوي على مدخل النصل فيه‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫() يعني‪ :‬مر مرًا سريعًا في الرمية‪ ,‬لم يعلق به شيء من الفرث والدم‪.‬‬
‫‪44‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة‪ ,‬أو مثل البضعة(‪ )1‬تدردر(‪ )2‬ويخرجون على‬
‫حين فرقة من الناس»‪ ,‬قال أبو سعيد‪ :‬فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول هللا ×‪,‬‬
‫وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه‪ ,‬فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به حتى نظر‬
‫إليه على نعت النبي ×‬
‫الذي نعته(‪.)3‬‬
‫وروى الشيخان أيضًا من حديث أبي سلمة وعطاء بن يسار أنهما أتيا أبا سعيد‬
‫الخدري فسأاله عن الحرورية هل سمعت النبي × يقول‪« :‬يخرج في هذه الأمة –ولم‬
‫يقل منها‪ -‬قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم‪ ,‬فيقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم –أو‬
‫حناجرهم‪ -‬يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية‪ ,‬فينظر الرامي إلى سهمه‬
‫إلى نصله‪ ,‬إلى رصافه فيتمارى في الفوقة(‪ )4‬هل علقت بها من الدم شيء»(‪,)5‬‬
‫وروى البخاري من حديث أسيد بن عمرو قال‪ :‬قلت لسهل بن حنيف‪ :‬هل سمعت النبي ×‬
‫يقول في الخوارج شيئًا؟ قال سمعته يقول‪ :‬وأهوى بيده قبل العراق‪« :‬يخرج منه قوم‬
‫يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم‪ ,‬يمرقون من الإسلام مروق السهم من‬
‫الرمية» ففي هذه األحاديث الثالثة ذم واضح لفرقة الخوارج‪ ,‬فقد وصفهم × بأنهم طائفة‬
‫مارقة‪ ,‬وأنهم يتشددون في الدين في غير موضع التشدد‪ ,‬بل يمرقون منه بحيث يدخلون‬
‫فيه ثم يخرجون منه سريعًا لم يتمسكوا منه بشيء‪ ,‬كما اشتمل الحديث األول في هذه‬
‫األحاديث الثالثة أنهم يقاتلون أهل الحق‪ ,‬وأن أهل الحق يقتلونهم‪ ,‬وأن فيهم رجالً صفة‬
‫يده كذا وكذا‪ ,‬وكل هذا وقع وحصل كما أخبر به ×‪ ,‬وفي قوله ×‪« :‬لا يجاوز تراقيهم»‬
‫احتماالن‪:‬‬
‫‪ -1‬يحتمل أنه لكونه ال تفقهه قلوبهم‪ ,‬ويحملونه على غير المراد به‪.‬‬
‫‪ -2‬يحتمل أن يكون المراد أن تالوتهم ال ترتفع إلى هللا(‪.)6‬‬
‫ومن صفاتهم الذميمة التي ذمهم بها الرسول ×‪ :‬أنهم ليس لهم من اإليمان إال مجرد‬
‫النطق به‪ ,‬وأنهم أصحاب عقول رديئة وضعيفة‪ ,‬وأنهم عندما يقرؤون القرآن يظنون لشدة‬
‫ما بلغوا إليه من سوء الفهم أنه لهم وهو عليهم‪ ,‬فقد روى البخاري رحمه هللا من حديث‬
‫علي رضي هللا عنه أنه قال‪ :‬إذا حدثتكم عن رسول هللا × حديثًا‪ ,‬فوهللا إلن أخر من السماء‬
‫أحب إلي من أن أكذب عليه‪ ,‬وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة‪ ,‬وإني‬
‫سمعت رسول هللا × يقول‪« :‬سيخرج قوم في آخر الزمان(‪ )7‬أحداث الأسنان(‪,)8‬‬
‫سفهاء الأحلام(‪ )9‬يقولون من خير قول البرية(‪ )10‬لا يجاوز إيمانهم حناجرهم‪,‬‬

‫‪1‬‬
‫() البضعة‪ :‬القطعة من اللحم‪ ,‬النهاية في غريب الحديث (‪.)1/133‬‬
‫‪2‬‬
‫() تدردر‪ :‬أي‪ :‬ترجرج تجئ وتذهب‪ .‬النهاية في غريب الحديث (‪.)2/112‬‬
‫‪3‬‬
‫() مسلم (‪.)2/744،743‬‬
‫‪4‬‬
‫() الفوقة‪ :‬هي الحجر الذي يجعل فيه الوتر‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() مسلم (‪.)2/744،743‬‬
‫‪6‬‬
‫() فتح الباري (‪ )6/618‬ما قاله القاضي عياض في شرح النووي (‪.)7/159‬‬
‫‪7‬‬
‫() قال الحافظ ابن حجر‪ :‬المراد بآخر الزمان زمان خالفة النبوة‪ ,‬فإن في حديث سفينة ال ُم َخرج في السنن‪,‬‬
‫وصحيح ابن حبان وغيره مرفوعًا‪« :‬الخالفة بعدي ثالثون سنة‪ ,‬ثم تصير مل ًكا»‪ ,‬وكانت قصة الخوارج‬
‫وقتلهم يوم النهروان في أواخر خالفة علي سنة ثمان وثالثين للهجرة‪ ,‬فتح الباري (‪.)12/287‬‬
‫‪8‬‬
‫() أحداث األسنان‪ :‬صغار السن‪ ,‬شرح النووي (‪.)7/169‬‬
‫‪45‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية»(‪.)1‬‬
‫وفي هذين الحديثين ذم الخوارج بأنهم ليس لهم من اإليمان إال مجرد النطق‪ ,‬فقد دل‬
‫الحديث األول على أنهم يؤمنون بالنطق ال بالقلب(‪ .)2‬وأما هذا الحديث الذي هو حديث‬
‫زيد بن وهب الجهني عن علي رضي هللا عنه فقد أطلق اإليمان فيه على الصالة‪ ,‬وكال‬
‫الحديثين دل على أن إيمانهم محصور في نطقهم وأنه ال يتجاوز حناجرهم‪ ,‬وال تراقيهم‪,‬‬
‫وهذا أبشع الذم وأقبحه لما وصف به(‪.)3‬‬
‫ومن الصفات القبيحة التي ذمهم بها ×‪ :‬أنهم يمرقون من الدين ال يوفقونـ للعودة إليه‪,‬‬
‫وأنهم شر الخلق والخليقة‪ ,‬فقد روى مسلم رحمه هللا من حديث أبي ذر رضي هللا عنه‪,‬‬
‫قال‪« :‬إن بعدي من أمتي ‪ -‬أو سيكون بعدي من أمتي‪ -‬قوم يقرؤون القرآن لا‬
‫يجاوز حلاقيهم‪ ,‬يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية‪ ,‬ثم يعودون فيه‪,‬‬
‫هم شر الخلق والخليقة»(‪ .)4‬وروى من حديث أبي سعيد أن النبي × ذكر قو ًما يكونون‬
‫في أمته يخرجون في فرقة من الناس سيماهم التحالق قال‪« :‬هم شر الخلق – أو من‬
‫شر الخلق‪ -‬يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق»‪.‬‬
‫ومن صفاتهم التي ذموا بها على لسان رسول هللا ×‪ :‬أنهم من أبغض الخلق إلى هللا‪,‬‬
‫فقد جاء في صحيح مسلم من حديث عبيد هللا بن أبي رافع مولى رسول هللا × أن‬
‫الحرورية لما خرجت وهو مع علي بن أبي طالب رضي هللا عنه قالوا‪ :‬ال حكم إال هلل‪ ,‬قال‬
‫علي رضي هللا عنه‪ :‬كلمة حق أريد بها باطل(‪ ,)5‬إن رسول هللا × وصف ناسًا إني‬
‫ألعرف صفتهم وهؤالء يقولون الحق بألسنتهم ال يجوز هذا منهم –وأشار إلى حلقه‪ -‬من‬
‫أبغض خلق هللا إليه منهم أسود إحدى يديه ظبي شاه(‪ ,)6‬أو حلمة ثدي‪ ,‬فلما قتلهم علي‬
‫رضي هللا عنه‪ ,‬قال‪ :‬انظروا فلم يجدوا شيئًا‪ ,‬فقال‪ :‬ارجعوا فوهللا ما َكذبت وال ُكذبت‬
‫مرتين أو ثالثًا‪ ,‬ثم وجدوه في خربة فأتوا به حتى وضعوه بين يديه‪ ,‬قال عبيد هللا‪ :‬وأنا‬
‫حاضر ذلك من أمرهم وقول علي فيهم(‪.)7‬‬
‫ومن صفاتهم القبيحة التي كانت ذ ًما لهم على لسان رسول هللا ×‪ :‬أنهم حرموا من‬
‫معرفة الحق واالهتداء إليه(‪ ,)8‬فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أسيد بن عمرو عن‬
‫سهل بن حنيف عن النبي × قال‪« :‬يتيه قوم قبل المشرق محلقة رؤوسهم»(‪ ,)9‬قال‬
‫‪9‬‬
‫() سفهاءـ األحالم‪ :‬ضعفاء العقول‪ ,‬فتح الباري (‪.)6/619‬‬
‫‪10‬‬
‫() أي من القرآن كما في حديث أبي سعيد المتقدم يقرؤون القرآن‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() البخاري (‪.)2/281‬‬
‫‪2‬‬
‫() فتح الباري (‪.)2/281‬‬
‫‪3‬‬
‫() عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام (‪.)3/1183‬‬
‫‪4‬‬
‫() مسلم (‪.)2/750‬‬
‫() معناه‪ :‬أن الكلمة أصلها صدق‪ ,‬قال تعالى‪+ :‬إِ ِن الْحكْم إِالَّ ِ‬ ‫‪5‬‬
‫هلل" [يوسف‪ ,]140:‬لكنهم أرادوا بها اإلنكار‬ ‫ُ ُ‬
‫على علي في تحكيمه‪ ,‬شرح النووي (‪.)7/174،173‬‬
‫‪6‬‬
‫() المراد‪ :‬ضرع الشاة‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() مسلم (‪.)2/749‬‬
‫‪8‬‬
‫() عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام (‪.)3/1184‬‬
‫‪9‬‬
‫() مسلم (‪.)2/750‬‬
‫‪45‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫النووي‪ :‬قوله ×‪« :‬يتيه قوم قبل المشرق»‪ ,‬أي‪ :‬يذهبون عن الصواب‪ ,‬وعن طريق‬
‫الحق‪ ,‬قال‪ :‬تاه إذا ذهب ولم يهتد لطريق الحق وهللا أعلم(‪.)1‬‬
‫ومن الصفات المذمومة التي تلبسوا بها وأخبر النبي × أنها واقعة فيهم‪ :‬أنهم يتدينون‬
‫بقتل أهل اإلسالم وترك عبدة األوثان والصلبان(‪ ,)2‬فقد روى الشيخان في صحيحيهما من‬
‫حديث أبي سعيد الخدري قال‪ :‬بعث علي رضي هللا عنه وهو باليمن بذهبة في تربتها إلى‬
‫رسول هللا ×‪ ,‬فقسمها رسول هللا × بين أربعة نفر‪ ...‬فجاء رجل كث اللحية مشرف‬
‫الوجنتين(‪ ,)3‬ناتئ الجبين(‪ ,)4‬محلوق الرأس‪ ,‬فقال‪ :‬اتق هللا يا محمد‪ ,‬فقال رسول هللا ×‪:‬‬
‫«فمن يطع الله إن عصيته‪ ,‬أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني»‪ ,‬قال‪ :‬ثم أدبر‬
‫الرجل‪ ,‬فاستأذن رجل من القوم في قتله يرون أنه خالد بن الوليد رضي هللا عنه‪ ,‬فقال‬
‫رسول هللا ×‪« :‬إن من ضئضئ هذا قومًا يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم‪,‬‬
‫يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان‪ ,‬يمرقون من الإسلام كما يمرق‬
‫السهم من الرمية‪ ,‬لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد»(‪.)5‬‬
‫وفي هذا معجزة بارهة للرسول × حيث وقع منهم ما أخبر به ×‪ ,‬فإنهم كانوا يسلون‬
‫سيوفهم على أهل اإلسالم بالقتل‪ ,‬وكانوا يغمدونها عن الكفار من اليهود والنصارى(‪ ,)6‬كما‬
‫سيأتي بيانه بإذن هللا تعالى‪.‬‬
‫ومن الصفات القبيحة التي كانت ذ ًما وعارًا مشينًا للخوارج‪ :‬أن الرسول × حرض‬
‫على قتلهم إن هم ظهروا‪ ,‬وأخبر × أنه لو أدركهم ألبادهم بالقتل إبادة عاد وثمود‪ ,‬وأخبر‬
‫× بأن من قتلهم له أجر عند هللا تعالى يوم القيامة‪ ,‬وقد شرف هللا رابع الخلفاء الراشدين‬
‫علي بن أبي طالب بمقاتلتهم وقتلهم‪ ,‬إذ أن ظهورهم كان في زمنه رضي هللا عنه وأرضاه‬
‫على وفق ما وصفهم به النبي × من العالمات الموجودة فيهم‪ ,‬فقد خرج رضي هللا عنه‬
‫إلى الخوارج بالجيش الذي كان هيأه للخروج إلى الشام‪ ,‬فأوقع بهم بالنهروان‪ ,‬ولم ينج‬
‫منهم إال دون العشرة‪ ,‬كما سيأتي بيانه‪ ,‬ولم يقاتلهم حتى سفكوا الدم الحرام‪ ,‬وأغاروا على‬
‫أموال المسلمين فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم‪ ,‬ولما أظهروه من الشر من أعمالهم وأقوالهم‬
‫وحسبنا هنا من األحاديث الواردة في ذم الخوارج ما تقدم ذكره‪ ,‬إذ األحاديث الواردة في‬
‫ذمهم كثيرة قلما يخلو منها كتاب من كتب السنة المطهرة(‪ .)7‬وسيأتي الحديث في‬
‫الصفحات القادمة بإذن هللا تعالى عن بداية انحيازهم إلى حروراء‪ ,‬ومناظرة ابن عباس‬
‫لهم‪ ,‬وحرص أمير المؤمنين علي على تبصيرهم وهدايتهم‪ ,‬وعن أسباب معركة النهروان‬
‫والنتائج التي ترتبت عليها‪ ,‬وعن أصول الخوارج ومناقشة تلك األصول‪ ,‬وهل الفكر‬
‫الخارجي ال زالت أفكاره موجودة بين الناس؟ وما أسباب ذلك؟‪ ,‬وكيفية معالجتها؟‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬انحياز الخوارج إلى حروراء ومناظرة ابن عباس لهم‬
‫انفصل الخوارج في جماعة كبيرة من جيش علي رضي هللا عنه أثناء عودته من‬
‫‪1‬‬
‫() شرح النووي (‪.)7/175‬‬
‫‪2‬‬
‫() عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام (‪.)3/1184‬‬
‫‪3‬‬
‫() مشرف الوجنتين‪ :‬أي غليظهما‪ ,‬والوجنة‪ :‬ما ارتفع من لحم خده‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() ناتئ الجبين‪ :‬أي بارز الجبين من النتوء وهو االرتفاع‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() البخاري (‪ ,)2/232‬ومسلم (‪.)2/742،741‬‬
‫‪6‬‬
‫() عقيدة أهل السنة في الصحابة الكرام (‪.)3/1185‬‬
‫‪7‬‬
‫() عقيدة أهل السنة في الصحابة الكرام (‪.)3/118‬‬
‫‪45‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫صفين إلى الكوفة‪ ,‬قدر عددها في رواية ببضعة عشر ألفًا‪ ,‬وحدد في رواية باثني عشر‬
‫ألفًا(‪ ,)1‬وفي رواية بثمانية آالف(‪ ,)2‬وفي رواية بأنهم أربعة عشر ألفًا(‪ ,)3‬كما ذكر أنهم‬
‫عشرون ألفًا(‪ ,)4‬وهذه الرواية التي تذكر أنهم عشرون ألفًا‪ ,‬قد جاءت بدون إسناد(‪ ,)5‬وقد‬
‫انفصل هؤالء عن الجيش قبل أن يصلوا إلى الكوفة بمراحل‪ ,‬وقد أقلق هذا التفرق‬
‫أصحاب علي وهالهم‪ ,‬وسار عل ّي بمن بقي من جيشه على طاعته حتى دخل الكوفة‪,‬‬
‫وانشغل أمير المؤمنين بأمر الخوارج خصوصًا بعد ما بلغه تنظيم جماعتهم من تعيين‬
‫أمير للصالة وآخر للقتال‪ ,‬وأن البيعة هلل عز وجل‪ ,‬واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪,‬‬
‫مما يعني انفصالهم فعليًا عن جماعة المسلمين‪.‬‬
‫وكان أمير المؤمنين عل ّي حريصًا على إرجاعهم إلى جماعة المسلمين‪ ,‬فأرسل ابن‬
‫عباس إليهم لمناظرتهم‪ ,‬وهذا ابن عباس يروي لنا الحادثة‪ ,‬فيقول‪ ....:‬فخرجت إليهم‬
‫ولبست أحسن ما يكون من حلل اليمن‪ ,‬وترجلت‪ ,‬ودخلت عليهم في دار في نصف النهار‪,‬‬
‫وكان ابن عباس رجالً جميالً جهي ًرا‪ ,‬فقالوا‪ :‬مرحبًا بك يا ابن عباس‪ ,‬ما هذه الحلة؟‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ما تعيبون عل ّي؟‪ ,‬لقد رأيت على رسول هللا × أحسن ما يكون من الحلل‪ ,‬ونزلت‪+ :‬قُ ْل َم ْن‬
‫الر ْز ِق" [األعراف‪ ]32:‬قالوا‪ :‬فما جاء بك؟‪ ,‬قال‪ :‬قد‬ ‫ات ِم َن ِّ‬‫اد ِه والْطَّيِّب ِ‬‫ِِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َح َّر َم ِزينَةَ اهلل الَّتي أَ ْخ َر َج لعبَ َ َ‬
‫أتيتكم من عند صحابة النبي × من المهاجرين واألنصار‪ ,‬من عند ابن عم النبي ×‬
‫وصهره وعليهم نزل القرآن‪ ,‬فهم أعلم بتأويله منكم‪ ,‬وليس فيكم منهم أحد ألبلغكم ما‬
‫يقولون‪ ,‬وأبلغهم ما تقولون‪ ,‬فانتحى لي نفر منهم‪ ,‬قلت‪ :‬هاتوا ما نقمتم على أصحاب‬
‫رسول هللا × وابن عمه‪ ,‬قالوا‪ :‬ثالث‪ ,‬قلت‪ :‬ما هن؟ قالوا‪ :‬أما إحداهن‪ :‬فإنه حكم الرجال‬
‫هلل" ما شأن الرجال والحكم؟‪ ,‬قلت‪ :‬هذه واحدة‪ ,‬وأما‬ ‫في أمر هللا‪ ,‬وقال هللا‪+ :‬إِ ِن الْحكْم إِالَّ ِ‬
‫ُ ُ‬
‫الثانية فإنه قاتل ولم يَسب ولم يغنم‪ ,‬فإن كانوا كفارًا لقد حل سبيهم‪ ,‬ولئن كانوا مؤمنين ما‬
‫حل سبيهم وال قتلهم‪ ,‬قلت‪ :‬هذه اثنتان فما الثالثة؟‪ ,‬قالوا‪ :‬محا نفسه من أمير المؤمنين‪ ,‬فإن‬
‫لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين‪ ,‬قلت‪ :‬هل عندكم شيء غير هذا؟‪ ,‬قالوا‪ :‬حسبنا‬
‫هذا‪ ,‬قلت لهم‪ :‬أرأيتكم إن قرأت عليكم من كتاب هللا جل ثناؤه وسنة نبيه × ما يرد قولكم‬
‫أترجعون؟‪ ,‬قالوا‪ :‬نعم‪ ,‬قلت‪ :‬أما قولكم‪ :‬حكم الرجال في أمر هللا‪ ,‬فإني أقرأ عليكم من‬
‫كتاب هللا أن قد صير هللا حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم‪ ,‬فأمر هللا تبارك وتعالى أن‬
‫الص ْي َد َوأَْنتُ ْم ُح ُر ٌم‬
‫آمنُوا الَ َت ْقُتلُوا َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َ‬
‫يحكموا فيه‪ ,‬أرأيتم قول هللا تبارك وتعالى‪+ :‬يَا أ َُّي َها الذ َ‬
‫َّع ِم يَ ْح ُك ُم بِ ِه ذَ َوا َع ْد ٍل ِّم ْن ُك ْم" [المائدة‪,]95:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َمن َقَتلَهُ م ْن ُكم ُّمَت َع ِّم ًدا فَ َج َزاءٌ ِّمثْ ُل َما َقتَ َل م َن الن َ‬
‫وكان من حكم الرجال‪ ,‬أنشدكم باهلل أحكم الرجال في صالح ذات البين‪ ,‬وحقن دمائهم‬
‫أفضل أو في أرنب؟ قالوا‪ :‬بلى‪ ,‬بل هذا أفضل‪ ,‬قلت‪ :‬وفي المرأة وزوجها ‪َ +‬وإِ ْن ِخ ْفتُ ْم‬
‫ِش َقا َق َب ْينِ ِه َما فَ ْاب َعثُوا َح َك ًما ِّم ْن أ َْهلِ ِه َو َح َك ًما ِّم ْن أ َْهلِ َها" [النساء‪ ,]35:‬فنشدتكم باهلل حكم الرجال‬
‫في صالح ذات بينهم وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في بضع امرأة‪ ,‬أخرجت من هذه؟‬
‫ب ولم يغنم‪ ,‬أفتسبون أمكم عائشة‪ ,‬تستحلون منها‬ ‫قالوا‪ :‬نعم‪ ,‬قلت‪ :‬وأما قولكم‪ :‬قاتل ولم يَ ْس ِ‬

‫‪1‬‬
‫() تاريخ بغداد (‪.)1/160‬‬
‫‪2‬‬
‫() البداية والنهاية (‪ )7/281،280‬إسناده صحيح‪ ,‬مجمع الزوائد (‪.)6/235‬‬
‫‪3‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪ )160-10/157‬بسند حسن‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() تاريخ خليفة‪ ,‬ص (‪.)192‬‬
‫‪5‬‬
‫() خالفة علي بن أبي طالب‪ ,‬عبد الحميد‪ ,‬ص ‪.303‬‬
‫‪45‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ما تستحلون من غيرها وهي أمكم؟‪ ,‬فإن قلتم‪ :‬إنا نستحل منها ما نستحل من غيرها فقد‬
‫ِ‬ ‫كفرتم‪ ,‬وإن قلتم ليست بأمنا فقد كفرتم ‪+‬النَّبِي أَولَى بِالْم ْؤ ِمنِ ِ‬
‫ين م ْن أَ ْن ُفس ِه ْم َوأَ ْز َو ُ‬
‫اجهُ أ َُّم َها ُت ُه ْم"‬ ‫ُ َ‬ ‫ُّ ْ‬
‫[األحزاب‪ ,]6:‬فأنتم بين ضاللتين فأتوا منها بمخرج‪ ,‬أفخرجت من هذه؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫وأما محا نفسه من أمير المؤمنين‪ ,‬فأنا آتيكم بما تضرون‪ ,‬إن نبي هللا × يوم الحديبية‬
‫صالح المشركين‪ ,‬فقال لعلي‪« :‬اكتب يا علي ما صالح عليه محمد رسول الله»‪,‬‬
‫قالوا‪ :‬لو نعلم أنك رسول هللا ما قاتلناك‪ ,‬فقال رسول هللا ×‪« :‬امح يا علي‪ ,‬اللهم إنك‬
‫تعلم أني رسول الله‪ ,‬امح يا علي واكتب‪ :‬هذا ما صالح عليه محمد بن عبد‬
‫الله»‪ ,‬وهللا لرسول هللا خير من علي‪ ,‬وقد محا نفسه‪ ,‬ولم يكن محوه نفسه ذلك محاه من‬
‫النبوة‪ ,‬أخرجت من هذه؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ,‬فرجع منهم ألفان وخرج سائرهم‪ ,‬فقاتلوا على‬
‫ضاللتهم‪ ,‬قتلهم المهاجرون واألنصار(‪.)1‬‬
‫ويمكننا أن نستخرج من مناظرة ابن عباس للخوارج مجموعة من الدروس‬
‫والعبر والحكم منها‪:‬‬
‫‪ -1‬حسن االختيار لمن سوف يقوم بالمناظرة مع الخصم‪ :‬فقد اختار أمير‬
‫المؤمنين علي ابن عمه عبد هللا بن عباس‪ ,‬وهو حبر األمة وترجمان القرآن؛ ألن القوم‬
‫كانوا يعرفون بالقراء ويعتمدون في االستدالل على معتقدهم بالقرآن‪ ,‬لذا كان أولى الناس‬
‫بمناظرتهم من هو أدرى الناس بالقرآن وبتأويله‪ ,‬ويمكن القول بأن ابن عباس رضي هللا‬
‫عنه هو صاحب االختصاص في هذه المناظرة‪ ,‬لما يتحلى به من إخالص النية هلل‪,‬‬
‫واجتناب الهوى‪ ,‬والتحلي بالحلم والصبر‪ ,‬والتريث والترفق بالخصم‪ ,‬وحسن االستماع‬
‫لكل الخصوم‪ ,‬وتجنب المماراة‪ ,‬ووضوحـ الحجة وقوة الدليل‪.‬‬
‫‪ -2‬االبتداء مع الخصم من نقاط االتفاق‪ :‬فقد كان أمير المؤمنين علي بن أبي‬
‫طالب وخصومه من الخوارج متفقين على األخذ من كتاب هللا وسنة نبيه محمد × وكذلك‬
‫كان عبد هللا بن عباس رضي هللا عنهما حيث قال لهم‪ :‬أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب هللا‬
‫ومن سنة نبيه × ما يرد قولكم أترجعون؟‪ ,‬ومع هذا فإن عبد هللا بن عباس رضي هللا عنه‬
‫يستوثق منهم قبل بداية المناظرة‪.‬‬
‫‪ -3‬معرفة ما عند الخصم من الحجج واستقصاؤها‪ :‬واالستعداد لها قبل بداية‬
‫المناظرة‪ ,‬ونتوقع أن أمير المؤمنين علي رضي هللا عنه علم بحججهم قبل مناظرتهم‪,‬‬
‫وقرر ألصحابه كيفية الرد عليها‪.‬‬
‫‪ -4‬تفنيد مزاعم الخصم واحدة تلو األخرى‪ :‬حتى ال يبقى لهم حجة كما يتضح من‬
‫كالم ابن عباس رضي هللا عنهما في مناظرته لهم كلما فرغ من تفنيد حجة قال‪ :‬أخرجت‬
‫من هذه؟‪.‬‬
‫‪ -5‬التقديم للمناظرة بما يخدم نتيجتها لصالح الحق‪ :‬فإن عبد هللا بن عباس رضي‬
‫هللا عنهما قال في بداية األمر وقبل المناظرة‪ :‬أتيتكم من عند أصحاب النبي × وصهره‬
‫وعليهم نزل القرآن وهم أعلم بتأويله منكم‪ ,‬وليس فيكم أحد منهم(‪.)2‬‬
‫‪ -6‬إظهار احترام رأي الخصم أثناء المناظرة‪ :‬ليكون أدعى لسماع كل ما عنده‪,‬‬
‫وأن يحمله على احترام رأيه‪ ,‬وهذا ما ظهر من مناظرة ابن عباس للخوارج(‪,)3‬‬
‫‪ -7‬وقد وفق هللا عز وجل اآلالف من هؤالء‪ :‬إذ بلغ عدد من شهد معركة‬
‫‪1‬‬
‫() خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب‪ ,‬النسائي‪ ,‬تحقيق أحمد البلوشي‪ ,‬ص ‪ ,200‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب‪ ,‬ص ‪ 197‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() منهج علي بن أبي طالب في الدعوة إلى هللا‪ ,‬ص ‪.339‬‬
‫‪45‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫النهروان منهم أقل من أربعة آالف –كما سيأتي بيانه بإذن هللا تعالى‪ -‬وذلك عندما عرفوا‬
‫الحق‪ ,‬وزالت عنهم الشبهة بفضل هللا‪ ,‬ثم بسبب ما أوتيه ابن عباس رضي هللا عنهما من‬
‫علم وقوة وحُجة وبيان‪ ,‬إذ وضح لهم بطالن ما احتجوا به‪ ,‬بتفسير اآليات التي تأولوها‬
‫التفسير الصحيح‪ ,‬وبالسُنة النبوية المشرفة والتي توضح معاني القرآن الكريم(‪.)1‬‬
‫‪ -8‬قول ابن عباس رضي هللا عنهما‪ :‬وليس فيكم منهم أحد‪ )2( :‬هذا نص صريح‬
‫من ابن عباس في كون الخوارج ال يوجد فيهم أحد من أصحاب رسول هللا ×‪ ,‬ولم‬
‫يعترض عليه أحد من الخوراج‪ ,‬والرواية صحيحة وثابتة‪ ,‬كما أنه ال يوجد أحد من علماء‬
‫أهل السنة –على حد علمي‪ -‬قال‪ :‬إن الخوارج كان فيهم بعض أصحاب رسول هللا ×‪,‬‬
‫وأما الزعم أن الخوارج كان فيهم بعض الصحابة فذلك عند المذهب الخارجي‪ ,‬وليس لهم‬
‫دليل علمي موثوق به على قولهم‪.‬‬
‫‪ -9‬تحديد المرجعية‪ :‬في قول ابن عباس رضي هللا عنهما‪ :‬أرأيتكم إن قرأت عليكم‬
‫من كتاب هللا جل ثناؤه وسُنة نبيه × ما يرد قولكم أترجعون؟‪ ,‬قالوا‪ :‬نعم‪.‬‬
‫ففي كالم ابن عباس هذا درس مهم‪ ,‬أال وهو تحديد المرجعية للمتناظرين حتى يمكن‬
‫الوصول إلى نتيجة صحيحة من خالل المناظرة‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬خروج أمير المؤمنين رضي هللا عنه لمناظرة بقية الخوارج وسياسته في‬
‫رجوعهم للكوفة ثم خروجهم من جديد‬ ‫التعامل معهم بعد‬
‫بعد مناظرة ابن عباس للخوارج واستجابة ألفين منهم له‪ ,‬خرج أمير المؤمنين علي‬
‫بنفسه إليهم فكلمهم فرجعوا ودخلوا الكوفة‪ ,‬إال أن هذا الوفاق لم يستمر طويالً‪ ,‬بسبب أن‬
‫الخوارج فهموا من علي رضي هللا عنه أنه رجع عن التحكيم وتاب من خطيئته –حسب‬
‫زعمهم‪ -‬وصاروا يذيعون هذا الزعم بين الناس‪ ,‬فجاء األشعث بن قيس الكندي إلى أمير‬
‫المؤمنين‪ ,‬وقال له‪ :‬إن الناس يتحدثون أنك رجعت لهم عن الكفر‪ ,‬فخطب علي رضي هللا‬
‫عنه يوم الجمعة‪ ,‬وبعد أن حمد هللا وأثنى عليه ذكرهم ومباينتهم الناس وأمرهم الذي‬
‫فارقوه فيه(‪ ,)3‬وفي رواية‪ :‬جاء رجل فقال‪ :‬ال حكم إال هلل‪ ,‬ثم قام آخر فقال‪ :‬ال حكم إال هلل‪,‬‬
‫ثم قاموا نواحي المسجد يحكمون هللا‪ ,‬فأشار عليهم بيده‪ ,‬اجلسوا‪ ,‬نعم ال حكم إال هلل‪ ,‬كلمة‬
‫حق يبتغى بها باطل‪ ,‬حكم هللا أنتظر فيكم(‪ ,)4‬وأخذ يسكتهم باإلشارة وهو على المنبر‪ ,‬فقام‬
‫ك َولَتَ ُكونَ َّن ِم َن‬ ‫رجل منهم واضعًا إصبعيه في أذنيه ويقول‪+ :‬لَئِ ْن أَ ْش َر ْك َ‬
‫ت لَيَ ْحبَطَ َّن َع َملُ َ‬
‫اصبِر إِ َّن و ْع َد ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل َح ٌّق َوالَ‬ ‫ين" [الزمر‪ ,]65:‬فرد أمير المؤمنين علي بقوله تعالى‪+ :‬فَ ْ ْ َ‬ ‫الْ َخاس ِر َ‬
‫ين الَ يُوقِنُو َن" [الروم‪.]60:‬‬ ‫يستَ ِخ َّفن َ َّ ِ‬
‫َّك الذ َ‬ ‫َْ‬
‫وأعلن أمير المؤمنين علي سياسته الراشدة العادلة تجاه هذه الجماعة المتطرفة‪ ,‬فقال‬
‫لهم‪ :‬إن لكم عندنا ثالثًا‪:‬‬
‫‪ -1‬ال نمنعكم صالة في هذا المسجد‪.‬‬
‫‪ -2‬وال نمنعكم نصيبكم من هذا الفيء ما كانت أيديكم مع أيدينا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫() خالفة علي بن أبي طالب‪ ,‬عبد الحميد ص ‪.307‬‬
‫‪2‬‬
‫() خصائص علي بن أبي طالب‪ ,‬للنسائي‪ ,‬ص ‪ ,200‬إسناده حسن‪ ,‬للبلوشي‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪ ,)15/313،312‬صححه األلباني في إرواء الغليل (‪.)8/119،118‬‬
‫‪4‬‬
‫() مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري‪ ,‬ص ‪.452‬‬
‫‪45‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -3‬وال نقاتلكم حتى تقاتلونا(‪.)5‬‬
‫فقد سلم لهم أمير المؤمنين علي بهذه الحقوق ما داموا لم يقاتلوا الخليفة‪ ,‬أو يخرجوا‬
‫على جماعة المسلمين‪ ,‬مع احتفاظهم بتصوراتهم الخاصة في إطار العقيدة اإلسالمية‪ ,‬فهو‬
‫ال يخرجهم بداية من اإلسالم‪ ,‬وإنما يسلم لهم بحق االختالف دون أن يؤدي إلى الفرقة‬
‫وحمل السالح(‪ .)2‬ولم يزج أمير المؤمنين بالخوارج في السجون أو يسلط عليهم‬
‫الجواسيس‪ ,‬ولم يحجر على حرياتهم‪ ,‬ولكنه رضي هللا عنه حرص على إيضاح الحجة‬
‫وإظهار الحق لهم ولغيرهم ممن قد ينخدع بآرائهم ومظهرهم‪ ,‬فقد أمر مؤذنه بأنه يدخل‬
‫عليه القراء وال يدخل أحد إال قد حفظ القرآن‪ ,‬فامتأل الدار من قراء الناس‪ ,‬فدعا بمصحف‬
‫إمام عظيم‪ ,‬فطفق يصكه بيديه ويقول‪ :‬أيها المصحف حدث الناس‪ ,‬فناداه الناس فقالوا‪ :‬يا‬
‫أمير المؤمنين ما تسأله عنه‪ ,‬إنما هو مداد من ورق‪ ,‬ونحن نتكلم بما وعينا منه‪ ,‬فماذا تريد؟‬
‫قال‪ :‬أصحابكم هؤالء الذين خرجوا بيني وبينهم كتاب هللا‪ ,‬يقول هللا تعالى في كتابه في‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫صالَ ًحا‬ ‫امرأة ورجل ‪َ +‬وإِ ْن خ ْفتُ ْم ش َقا َق َبْينِ ِه َما فَ ْاب َعثُوا َح َك ًما ِّم ْن أ َْهله َو َح َك ًما ِّم ْن أ َْهل َها إِن يُّ ِري َدا إِ ْ‬
‫ُي َوفِّ ِق اهللُ َبْيَن ُه َما" [النساء‪ .]35:‬فأمة محمد أعظم د ًما وحرمة من امرأة ورجل‪ ,‬ونقموا علي‬
‫أن كاتبت معاوية‪ ,‬فكتبت علي بن أبي طالب‪ ,‬وقد جاءنا سهيل بن عمرو ونحن مع رسول‬
‫هللا × بالحديبية حين صالح قومه قري ًشا‪ ,‬فكتب رسول هللا ×‪« :‬بسم الله الرحمن‬
‫الرحيم»‪ ,‬فقال سهيل‪ :‬ال أكتب بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ,‬قال‪« :‬كيف تكتب؟» قال‪ :‬اكتب‬
‫باسمك اللهم‪ ,‬فقال رسول هللا ×‪« :‬اكتب»‪ ,‬فكتبت‪ ,‬فقال‪« :‬اكتب هذا ما صالح عليه‬
‫محمد رسول الله»‪ ,‬فقال‪ :‬لو أعلم أنك رسول هللا لم أخالفك‪ ,‬فكتب هذا ما صالح عليه‬
‫ُس َوةٌ َح َسنَةٌ لِّ َم ْن َكا َن‬ ‫ول ِ‬
‫اهلل أ ْ‬ ‫محمد بن عبد هللا قري ًشا‪ ,‬يقول هللا في كتابه‪+ :‬لََق ْد َكا َن لَ ُكم فِي ر ُس ِ‬
‫ْ َ‬
‫َي ْر ُجو اهللَ َوالَْي ْو َم اآل َِخ َر"(‪[ )3‬األحزاب‪.]21:‬‬
‫ولما أيقن الخوارج أن أمير المؤمنين عازم على إنفاذ أبي موسى األشعري حك ًما‪,‬‬
‫طلبوا منه االمتناع عن ذلك‪ ,‬فأبى علي عليهم ذلك وبين لهم أن هذا يعد غدرًا ونقضًا‬
‫اهلل إِذَا‬‫لأليمان والعهود‪ ,‬وقد كتبنا بيننا وبين القوم عهودًا‪ ,‬وقد قال تعالى‪+ :‬وأَوفُوا بِع ْه ِد ِ‬
‫َْ َ‬
‫يد َها َوقَ ْد َج َعلْتُ ُم اهللَ َعلَْي ُك ْم َك ِفيالً" [النحل‪.]91:‬‬ ‫ضوا األَيما َن بع َد َتوكِ ِ‬
‫َْ َْ ْ‬ ‫اهدتُّ ْم َوالَ تَن ُق ُ‬
‫َع َ‬
‫فقرر الخوارج االنفصال عن أمير المؤمنين علي وتعيين أمير عليهم‪ ,‬فاجتمعوا في‬
‫منزل عبد هللا بن وهب الراسبي‪ ,‬فخطبهم خطبة بليغة زهدهم في الدنيا ورغبهم في‬
‫اآلخرة والجنة‪ ,‬وحثهم على األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ,‬ثم قال‪ :‬فاخرجوا بنا‬
‫إخواننا من هذه القرية الظالم أهلها إلى جانب هذا السواد‪ ,‬إلى بعض كور الجبال أو بعض‬
‫هذه المدائن منكرين لهذه األحكام الجائرة‪ ,‬ثم قام حرقوص بن زهير فقال بعد حمد هللا‬
‫والثناء عليه‪ :‬إن المتاع بهذه الدنيا قليل‪ ,‬وإن الفراق لها وشيك‪ ,‬فال تدعونكم زينتها أو‬
‫َّ ِ‬
‫بهجتها إلى المقام بها‪ ,‬وال تلتفت بكم عن طلب الحق وإنكار الظلم ‪+‬إِ َّن اهللَ َم َع الذ َ‬
‫ين َّات َق ْوا‬
‫ين ُهم ُّم ْح ِسنُو َن" [النحل‪ .]128:‬فقال حمزة بن سنان األسدي‪ :‬يا قوم‪ ,‬إن الرأي ما‬ ‫َّ ِ‬
‫َوالذ َ‬
‫رأيتم وإن الحق ما ذكرتم‪ ,‬فولوا أمركم رجالً منكم‪ ,‬فإنه البد لكم من عماد وسنان‪ ,‬ومن‬

‫‪5‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪ ,)15/328،327‬والشافعيـ في األم (‪ ,)4/136‬وتاريخ الطبري (‪ )5/688‬بسند‬
‫ضعيف لالنقطاع على أن للسند شواهد وقد توبع‪ ,‬قاله األلباني في إرواء الغليل (‪.)8/118،117‬‬
‫‪2‬‬
‫() الوظيفة العقيدية للدولة اإلسالمية‪ ,‬حامد عبد الماجد‪ ,‬ص ‪.47‬‬
‫‪3‬‬
‫() مسند أحمد (‪ ,)2/656‬قال أحمد شاكر‪ :‬صحيح اإلسناد‪.‬‬
‫‪45‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫راية تحفون بها‪ ,‬وترجعون إليها‪ .‬فبعثوا إلى زيد بن حصن الطائي –وكان من رؤوسهم‪-‬‬
‫فعرضوا عليه اإلمارة فأبى‪ ,‬ثم عرضوها على حرقوص بن زهير فأبى‪ ,‬وعرضوها على‬
‫حمزة بن سنان فأبى‪ ,‬وعرضوها على شريح بن أبي أوفى العبسي فأبى‪ ,‬وعرضوها على‬
‫عبد هللا بن وهب الراسبي فقبلها‪ ,‬وقال‪ :‬أما وهللا ال أقبلها رغبة في الدنيا‪ ,‬وال أدعها فرقًا‬
‫من الموت(‪.)1‬‬
‫واجتمعوا أيضًا في بيت زيد بن حصن الطائي السنبيسي فخطبهم وحثهم على األمر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ,‬وتال عليهم آيات من القرآن منها قوله تعالى‪+ :‬يَا َد ُاو ُد إِنَّا‬
‫ين‬ ‫ك َعن سبِ ِ ِ َّ ِ‬
‫يل اهلل إِ َّن الذ َ‬ ‫َ‬ ‫ضلَّ َ‬‫َّاس بِالْح ِّق والَ َتتَّبِ ِع ال َْهوى َفي ِ‬
‫َ ُ‬ ‫اح ُك ْم َب ْي َن الن ِ َ َ‬ ‫ض فَ ْ‬ ‫اك َخلِي َفةً ِفي األ َْر ِ‬ ‫َج َعلْنَ َ‬
‫اب" [ص‪ ,]26:‬وقوله تعالى‪َ + :‬و َمن لَّ ْم‬ ‫ْحس ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل ل َُهم َع َذ ٌ ِ ِ‬ ‫يل ِ‬ ‫ضلُّو َن َعن َسبِ ِ‬ ‫يِ‬
‫سوا َي ْو َم ال َ‬ ‫اب َشدي ُد ب َما نَ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ك ُه ُم الْ َكاف ُرو َن" [المائدة‪ ,]44:‬واآلية التي بعدها‪َ + :‬و َمن ل ْم يَ ْح ُك ْم ب َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يَ ْح ُك ْم ب َما أَْن َز َل اهللُ فَأُولَئ َ‬
‫ِ‬ ‫أَ ْن َز َل اهللُ فَأُولَئِ َ‬
‫ك ُه ُم الظَّال ُمو َن" [المائدة‪ ,]45 :‬واآلية التي بعدها‪َ + :‬و َمن لَّ ْم يَ ْح ُك ْم بِ َما أَْن َز َل اهللُ‬
‫اس ُقو َن" [المائدة‪.]47:‬‬ ‫ك هم الْ َف ِ‬ ‫ِ‬
‫فَأُولَئ َ ُ ُ‬
‫ثم قال‪ :‬فأشهد على أهل دعوتنا من أهل قبلتنا‪ ,‬أنهم قد اتبعوا الهوى ونبذوا حكم‬
‫الكتاب‪ ,‬وجاروا في القول واألعمال‪ ,‬وأن جهادهم حق على المؤمنين‪ ,‬وبكى رجل منهم‬
‫يقال له‪ :‬عبد هللا بن شجرة السلمي‪ ,‬ثم حرض أولئك على الخروج على الناس وقال في‬
‫كالمه‪ :‬اضربوا وجوههم وجباههم بالسيوف حتى يطاع الرحمن الرحيم‪ ,‬فإن أنتم ظفرتم‬
‫وأطيع هللا كما أردتم أثابكم ثواب المطيعين له العاملين بأمره‪ ,‬وإن فشلتم فأي شيء أفضل‬
‫من المصير إلى رضوان هللا وجنته(‪.)2‬‬
‫قال ابن كثير بعد أن ذكر ما أماله الشيطان لهم مما تقدم ذكره‪ :‬وهذا ضرب من‬
‫الناس من أغرب أشكال بني آدم‪ ,‬فسبحان من ن َّوع خلقه كما أراد وسبق في قدره العظيم‪,‬‬
‫وما أحسن ما قال بعض السلف في الخوارج‪ :‬إنهم المذكورون في قوله تعالى‪+ :‬قُ ْل َه ْل‬
‫ِ‬ ‫ْحيَ ِاة ُّ‬
‫الد ْنيَا َو ُه ْم يَ ْح َسبُو َن أ ََّن ُه ْم يُ ْحسنُو َن ُ‬
‫ص ْن ًعا ‪‬‬ ‫ِ‬
‫ض َّل َس ْعُي ُه ْم في ال َ‬ ‫ين َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫نُنَبِّئُ ُكم باأل ْخ َس ِر َ‬
‫ين أَ ْع َماالً ‪ ‬الذ َ‬
‫ام ِة َو ْزنًا" [الكهف‪:‬‬ ‫ِ‬
‫يم ل َُه ْم َي ْو َم الْقيَ َ‬
‫ِ‬
‫ت أَ ْع َمال ُُه ْم فَالَ نُق ُ‬‫ات َربِّ ِه ْم َولَِقائِِه فَ َحبِطَ ْ‬
‫ك الَّ ِذين َك َفروا بِآي ِ‬
‫َ ُ َ‬ ‫أُولَئِ َ‬
‫‪ .]105-103‬والمقصود أن هؤالء الجهلة الضالل‪ ,‬واألشقياء في األقوال واألفعال اجتمع‬
‫رأيهم على الخروج من بين أظهر المسلمين‪ ,‬وتواطؤوا على المسير إلى المدائن ليملكوها‬
‫على الناس‪ ,‬ويتحصنوا بها‪ ,‬ويبعثوا إلى إخوانهم وأضرابهم ممن هم على رأيهم ومذهبهم‬
‫من أهل البصرة وغيرها فيوافوهم إليها‪ ,‬ويكون اجتماعهم عليها‪ ,‬فقال لهم زيد بن حصن‬
‫الطائي‪ :‬إن المدائن ال تقدرون عليها‪ ,‬فإن بها جي ًشا ال تطيقونه وسيمنعونها منكم‪ ,‬ولكن‬
‫واعدوا إخوانكم إلى جسر نهر جوخي وال تخرجوا من الكوفة جماعات‪ ,‬ولكن اخرجوا‬
‫وحدانًا لئال يفطن بكم‪ .‬فكتبوا كتابًا عا ًما إلى من هو على مذهبهم‪ ,‬ومسلكهم من أهل‬
‫البصرة وغيرها‪ ,‬وبعثوا به إليهم ليوافوهم إلى النهر ليكونوا يدًا واحدة على الناس‪ ,‬ثم‬
‫خرجوا يتسللون وحدانًا لئال يعلم أحد بهم فيمنعوهم من الخروج‪ ,‬فخرجوا من بين اآلباء‬
‫واألمهات‪ ,‬واألخوال والخاالت‪ ,‬وفارقوا سائر القرابات يعتقدون بجهلهم وقلة علمهم‬
‫وعقلهم أن هذا األمر يرضي رب األرض والسماوات‪ ,‬ولم يعلموا أنه من أكبر الكبائر‬
‫الموبقات والعظائم والخطيئات‪ ,‬وأنه مما زينه لهم إبليس الشيطان الرجيم المطرود من‬
‫‪1‬‬
‫() البداية والنهاية (‪ ,)7/312‬تاريخ الطبري (‪.)5/689‬‬
‫‪2‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/312‬‬
‫‪45‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫السماوات‪ ,‬الذي نصب العداوة ألبينا آدم‪ ,‬ثم لذريته ما دامت أرواحهم في أجسادهم‬
‫مترددات؛ وقد تدارك جماعة من الناس بعض أوالدهم وإخوانهم‪ ,‬فردوهم وأنَّبوهم‬
‫ووبخوهم‪ ,‬فمنهم من استمر على االستقامة ومنهم من فر بعد ذلك فلحق بالخوارج فخسر‬
‫إلى يوم القيامة‪ ,‬وذهب الباقون إلى ذلك الموضع ووافى إليهم من كانوا يكتبون إليه من‬
‫أهل البصرة وغيرها‪ ,‬واجتمع الجميع بالنهروان وصارت لهم شوكة ومنعة(‪.)1‬‬
‫ولما تفرق الحكمان على غير رضا‪ ,‬كتب أمير المؤمنين علي إلى الخوارج وهم‬
‫مجتمعون بالنهروان أن الحكمين تفرقا على غير رضا‪ ,‬فارجعوا إلى ما كنتم عليه‬
‫وسيروا بنا إلى قتال أهل الشام‪ ,‬فأبوا ذلك‪ ,‬وقالوا‪ :‬حتى تشهد على نفسك بالكفر وتتوب‪,‬‬
‫فأبى(‪ .)2‬وفي رواية كتبوا إليه‪ :‬أما بعد‪ ,‬فإنك لم تغضب لربك‪ ,‬إنما غضبت لنفسك فإن‬
‫شهدت على نفسك بالكفر‪ ,‬واستقبلت التوبة‪ ,‬نظرنا فيما بيننا وبينك وإال فقد نابذناك على‬
‫سواء‪ ,‬إن هللا ال يحب الخائنين‪ ,‬فلما قرأ كتابهم أيس منهم‪ ,‬فرأى أن يدعهم ويمضي بالناس‬
‫إلى أهل الشام حتى يلقاهم فيناجزهم(‪.)3‬‬
‫إن قضية إعالن الخوارج ُكفر عل ّي وطلبهم منه التوبة ال تثبت بهذه الروايات‪ ,‬ولكنها‬
‫تتفق مع رأي الخوارج في تكفير علي وعثمان وامتحان الناس بذلك(‪.)4‬‬
‫خامسًا‪ :‬معركة النهروان (‪38‬هـ)‬
‫‪ -1‬سبب المعركة‪ :‬كانت الشروط التي أخذها أمير المؤمنين علي على الخوارج أن‬
‫ال يسفكوا د ًما‪ ,‬وال يروعوا آمنًا‪ ,‬وال يقطعوا سبيالً‪ ,‬وإذا ارتكبوا هذه المخالفات فقد نبذ‬
‫إليهم الحرب‪ ,‬ونظرًا ألن الخوارج يكفِّرون من خالفهم ويستبيحون دمه وماله‪ ,‬فقد بدؤوا‬
‫بسفك الدماء المحرمة في اإلسالم‪ ,‬وقد تعددت الروايات في ارتكابهم المحظورات‪ ,‬ومما‬
‫صح من هذه الروايات ما حدث به شاهد عيان كان من الخوارج ثم تركهم حيث قال‪:‬‬
‫صحبت أصحاب النهر‪ ,‬ثم كرهت أمرهم‪ ,‬فكتمته خشية أن يقتلوني‪ ,‬فبينما أنا مع طائفة‬
‫منهم‪ ,‬إذ أتينا على قرية وبيننا وبين القرية نهر‪ ,‬إذ خرج رجل من القرية مذعورًا يجر‬
‫رداءه‪ ,‬فقالوا له‪ :‬كأننا روعناك؟‪ ,‬قال‪ :‬أجل‪ ,‬قالوا‪ :‬ال روع لك‪ ,‬فقلت‪ :‬وهللا يعرفونه ولم‬
‫أعرفه‪ ,‬فقالوا‪ :‬أنت ابن خباب صاحب رسول هللا ×؟‪ .‬قال‪ :‬نعم‪ ,‬قالوا‪ :‬عندك حديث‬
‫تحدثناه عن أبيك عن النبي ×؟‪ ,‬قال‪ :‬سمعته يقول‪ :‬إنه سمع النبي × ذكر فتنة فقال‪:‬‬
‫«القاعد فيها خير من القائم‪ ,‬والقائم فيها خير من الماشي‪ ,‬والماشي فيها‬
‫خير من الساعي‪ ,‬فإن أدركتك فكن عبد الله المقتول»‪ ,‬فأخذوه وسُرِّ يَّة له معهم‪,‬‬
‫فمر بعضهم على ثمرة ساقطة من نخلة‪ ,‬فأخذها فألقاها في فيه‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬ثمرة معاهد‬
‫فبم استحللتها؟ فألقاها من فيه ثم مروا على خنزير فنفحه بعضهم بسيفه فقال بعضهم‪:‬‬
‫خنزير معاهد فبم استحللته؟‪ ,‬فقال عبد هللا بن خباب‪ :‬أال أدلكم علىما هو أعظم عليكم‬
‫حرمة من هذا؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ,‬قال‪ :‬أنا‪ ,‬ولكنهم قدموه إلى النهر فضربوا عنقه‪ ,‬يقولـ الراوي‪:‬‬
‫فرأيت دمه يسيل على الماء‪ ,‬كأنه شراك نعل اندفر بالماء حتى توارى عنهم(‪ ,)5‬ثم دعوا‬
‫بالسرية وهي حبلى‪ ,‬فبقروا عما في بطنها‪ ,‬يقول الراوي‪ :‬لم أصحب قو ًما هم أبغض إل ّي‬

‫‪1‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)7/313،312‬‬
‫‪2‬‬
‫() أنساب األشراف (‪ )2/63‬بسند فيه ضعف وله شواهد‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() خالفة علي بن أبي طالب‪ ,‬عبد الحميد‪ ,‬ص ‪.319‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ,‬ص ‪.318‬‬
‫‪5‬‬
‫() أي لم يختلط بالماء‪ ,‬تاريخ بغداد (‪.)1/206،205‬‬
‫‪45‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫صحبة منهم‪ ,‬حتى وجدت خلوة فانفلت(‪ .)1‬أثار هذا العمل الرعب بين الناس‪ ,‬وأظهر مدى‬
‫إرهابهم ببقر بطن هذه المرأة وذبحهم عبد هللا كما تُذبح الشاة‪ ,‬ولم يكتفوا بهذا بل صاروا‬
‫يهددون الناس قتالً‪ ,‬حتى إن بعضهم استنكر عليهم هذا العمل قائلين‪ :‬ويلكم ما على هذا‬
‫فارقنا عليًا(‪.)2‬‬
‫بالرغم من فظاعة ما ارتكبه الخوارج من منكرات بشعة‪ ,‬لم يبادر أمير المؤمنين‬
‫علي إلى قتالهم‪ ,‬بل أرسل إليهم أن يسلموا القتلة إلقامة الحد عليهم‪ ,‬فأجابوه بعناد‬
‫واستكبار‪ :‬كلنا قتلة(‪ ,)3‬فسار إليهم بجيشه الذي قد أعده لقتال أهل الشام في شهر محرم من‬
‫عام ‪38‬هـ(‪ ,)4‬وعسكر على الضفة الغربية لنهر النهروان‪ ,‬والخوارج على الضفة الشرقية‬
‫بحذاء مدينة النهروان(‪.)5‬‬
‫‪ -2‬تحريض أمير المؤمنين علي جيشه على القتال‪ :‬كان أمير المؤمنين علي رضي‬
‫هللا عنه يدرك أن هؤالء القوم هم الخوارج الذين عناهم رسول هللا × بالمروق من الدين‪,‬‬
‫لذلك أخذ يحث أصحابه أثناء مسيرهم إليهم ويحرضهم على قتالهم‪ ,‬وكان ألحاديث رسول‬
‫هللا × في الخوارج أثرها لدى الصحابة وأتباع أمير المؤمنين علي رضي هللا عنه‪ ,‬فقد‬
‫كان رضي هللا عنه يحث جيشه على البدء بهؤالء الخوارج‪ ,‬فقال‪ :‬أيها الناس إني سمعت‬
‫رسول هللا ×‪« :‬يخرج قوم من أمتي يقرؤون القرآن‪ ,‬ليس قراءتكم إلى قراءتهم‬
‫بشيء‪ ,‬ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء‪ ,‬ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء‪ ,‬يقرؤون‬
‫القرآن‪ ,‬يحسبون أنه لهم وهو عليهم‪ ,‬لا تجاوز صلاتهم تراقيهم‪ ,‬يمرقون من‬
‫الإسلام كما يمرق السهم من الرمية»‪ ,‬لو يعلم الجيش الذي يصيبونه ما قضى لهم‬
‫على لسان نبيهم × التكلوا عن العمل‪ ,‬وآية ذلك أن فيهم رجالً له عضد وليس له ذراع‪,‬‬
‫على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعيرات بيض‪ ,‬فتذهبون إلى معاوية وأهل الشام‪,‬‬
‫وتتركون هؤالء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم‪ ,‬وهللا إني ألرجو أن يكونوا هؤالء القوم‬
‫فإنهم قد سفكوا الدم الحرام‪ ,‬وأغاروا في سرح الناس‪ ,‬فسيروا على‬
‫اسم هللا(‪.)6‬‬
‫وقال رضي هللا عنه في يوم النهروان‪ :‬أمرت بقتال المارقين‪ ..‬وهؤالء المارقون(‪.)7‬‬
‫وعسكر الجيش في مقابلة الخوارج يفصل بينهما نهر النهروان‪ ,‬وأمر جيشه أن ال‬
‫يبدؤوا بالقتال‪ ,‬حتى يجتاز الخوارج النهر غربًا‪ ,‬وأرسل علي رضي هللا عنه رسله‬
‫يناشدهم هللا ويأمرهم أن يرجعوا‪ ,‬وأرسل إليهم البراء بن عازب رضي هللا عنه يدعوهم‬
‫ثالثة أيام فأبوا(‪ ,)8‬ولم تزل رسله تختلف إليهم حتى قتلوا رسله‪ ,‬واجتازوا النهر(‪ ,)9‬وعندما‬
‫بلغ الخوارج هذا الحد وقطعوا األمل في كل محاوالت الصلح وحفظ الدماء‪ ,‬ورفضوا‬
‫‪1‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪ )15/311،310‬بسند صحيح‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() مجمع الزوائد (‪ )6/238،237‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪ )15/309،308‬بسند صحيح‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() أنساب األشراف (‪ )2/63‬بسند فيه مجهول‪ ,‬خالفة علي بن أبي طالب‪ ,‬عبد الحميد ص ‪.322‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ بغداد (‪.)1/206،205‬‬
‫‪6‬‬
‫() مسلم (‪.)749،748‬‬
‫‪7‬‬
‫() السنة البن أبي عاصم‪ ,‬تحقيق األلباني رحمه هللا‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() السنن الكبرى للبيهقي ‪ ,8/197‬خالفة علي‪ ,‬عبد الحميد ص ‪.324‬‬
‫‪9‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪.)327-15/325‬‬
‫‪45‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫عنادًا واستكبارًا العودة إلى الحق وأصروا على القتال‪ ,‬قام أمير المؤمنين بترتيب الجيش‪,‬‬
‫وتهيئته للقتال(‪ ,)1‬فجعل على ميمنته حجر بن عدي‪ ,‬وعلى الميسرة شبث بن ربعي‪,‬‬
‫ومعقلـ بن قيس الرياحي‪ ,‬وعلى الخيل أبا أيوب األنصاري‪ ,‬وعلى الرجالة أبا قتادة‬
‫األنصاري‪ ,‬وعلى أهل المدينة –وكانوا سبعمائة‪ -‬قيس بن سعد بن عبادة‪ ,‬وأمر علي أبا‬
‫أيوب األنصاري أن يرفع راية أمان للخوارج ويقول لهم‪ :‬من جاء إلى هذه الراية فهو‬
‫آمن‪ ,‬ومن انصرف إلى الكوفة والمدائن فهو آمن‪ ,‬إنه ال حاجة لنا فيكم إال فيمن قتل‬
‫إخواننا‪ ,‬فانصرف منهم طوائف كثيرون‪ ,‬وكانوا أربعة آالف‪ ,‬فلم يبق منهم إال ألف أو أقل‬
‫مع عبد هللا بن وهب الراسبي‪ ,‬فرجعوا على عل ّي وكان على ميمنتهم زيد بن حصن‬
‫الطائي السنبيسي‪ ,‬وعلى الميسرة شريح بن أوفى‪ ,‬وعلى خيالتهم حمزة بن سنان‪ ,‬وعلى‬
‫الرجالة حرقوص بن زهير السعدي‪ ,‬فوقفوا مقاتلين لعلي وأصحابه(‪.)2‬‬
‫‪ -3‬نشوب القتال‪ :‬وزحف الخوارج إلى علي‪ ,‬وقدم علي بين يديه الخيل‪ ,‬وقدم منهم‬
‫الرماة وصف الرجالة وراء الخيالة‪ ,‬وقال ألصحابه‪ :‬كفوا عنهم حتى يبدأوكم‪ ,‬وأقبلت‬
‫الخوارج يقولون‪ :‬ال حكم إال هلل‪ ,‬الرواح الرواح إلى الجنة‪ ,‬فحملوا على الخيالة الذين‬
‫قدمهم علي‪ ,‬ففرقوهم حتى أخذت طائفة من الخيالة إلى الميمنة‪ ,‬وأخرى إلى الميسرة‬
‫فاستقبلتهم الرماة بالنبل‪ ,‬فرموا وجوههم‪ ,‬وعطفت عليهم الخيالة من الميمنة والميسرة‪,‬‬
‫ونهض إليهم الرجال بالرماح والسيوف‪ ,‬فأناموا الخوارج فصاروا صرعى تحت سنابك‬
‫الخيول‪ ,‬وقُتل أمراؤهم‪ :‬عبد هللا بن وهب‪ ,‬وحرقوص بن زهير‪ ,‬وشريح ابن أوفى‪ ,‬وعبد‬
‫هللا بن سخبرة السلمي(‪ ,)3‬وقال أبو أيوب‪ :‬وطعنت رجالً من الخوارج بالرمح‪ ,‬فأنفذته من‬
‫ظهره وقلت له‪ :‬أبشر يا عدو هللا بالنار‪ ,‬فقال‪ :‬ستعلم أينا أولى بها صليًا(‪.)4‬‬
‫وقد اعتزل كثير من الخوارج القتال لكلمة سمعوها من عبد هللا بن وهب الراسبي‪,‬‬
‫كانت تدل عندهم على ضعف االستبصار والوهن في اليقين‪ ,‬وهذه الكلمة قالها عندما‬
‫ضرب علي رضي هللا عنه رجالً من الخوارج بسيفه‪ ,‬فقال الخارجي‪ :‬حبذا الروحة إلى‬
‫الجنة‪ ,‬فقال عبد هللا بن وهب‪ :‬ما أدري إلى الجنة أم إلى النار(‪ ,)5‬فقال رجل من بني سعد‬
‫وهو فروة ابن نوفل األشجعي‪ :‬إنما حضرت اغترارًا بهذا وأراه قد شك؟‪ ,‬فانعزل بجماعة‬
‫من أصحابه‪ ,‬ومال ألف إلى أبي أيوب األنصاري‪ ,‬وجعل الناس يتسللون(‪ .)6‬وقد كانت‬
‫معركة حاسمة وقصيرة أخذت وقتًا من اليوم التاسع من شهر صفر من عام ثمان وثالثين‬
‫للهجرة ‪9/2/38‬هـ(‪ ,)7‬وأسفرت هذه المعركة الخاطفة عن عدد كبير من القتلى في صفوفـ‬
‫الخوارج‪ ,‬وكان الحال على عكس ذلك تما ًما في جيش أمير المؤمنين علي رضي هللا عنه‪,‬‬
‫فقتلى أصحاب علي فيما رواه مسلم في صحيحه‪ ,‬وعن زيد بن وهب‪ :‬رجالن فقط(‪ .)8‬وفي‬

‫‪1‬‬
‫() خالفة علي بن أبي طالب‪ ,‬عبد الحميد ص ‪.324‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ الخالفة الراشدة‪ ,‬محمد كنعان‪ ,‬ص ‪ ,425‬مختصر من البداية والنهاية‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫()‪ )2( ,‬تاريخ الخالفة الراشدة‪ ,‬ص ‪.425‬‬
‫‪4‬‬
‫()‬

‫‪5‬‬
‫() أخبار الخوارج من الكامل للمبرد‪ ,‬ص ‪ ,21‬خالفة علي‪ ,‬ص ‪.325‬‬
‫‪6‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ,‬ص ‪ ,21‬خالفة علي بن أبي طالب‪ ,‬عبد الحميد‪ ,‬ص ‪.325‬‬
‫‪7‬‬
‫() أنساب األشراف (‪ )2/63‬بسند فيه مجهول‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() مسلم (‪.)2/748‬‬
‫‪46‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫رواية بسند حسن قال‪ :‬وقتل من أصحاب علي اثنا عشر أو ثالثة عشر(‪ .)1‬وجاء في رواية‬
‫صحيحة أن أبا مجلز(‪ )2‬قال‪ :‬ولم يقتل من المسلمين يقصد جيش علي إال تسعة رهط‪ ,‬فإن‬
‫شئت فاذهب إلى أبي برزة(‪ ,)3‬فاسأله فإنه قد شهد ذلك(‪ ,)4‬وأما قتلى الخوارج‪ ,‬فتذكر‬
‫الروايات أنهم أصيبوا جميعًا(‪ ,)5‬ويذكر المسعودي أن عددًا يسيرًا ال يتجاوز العشرة‪ ,‬فروا‬
‫بعد الهزيمة الساحقة(‪.)6‬‬
‫‪ -4‬ذو الثدية أو المخدج وأثر مقتله على جيش علي رضي هللا عنه‪ :‬ظهرت‬
‫روايات مختلفة في تحديد شخصية ذي الثدية‪ ,‬وهذه الرواية منها ما هو ضعيف اإلسناد‬
‫ومنها ما هو قوي‪ ,‬وقد جاء في األحاديث النبوية أوصاف ذو الثدية‪ ,‬فمن ذلك أنه أسود‬
‫البشرة(‪ ,)7‬وفي رواية حبشي‪ ,‬وأنه مخدج اليد‪ ,‬أي ناقص اليد‪ ,‬ويده صغيرة مجتمعة‪ ,‬فهي‬
‫من المنكب إلى العضد فقط‪ ,‬أي بدون ذراع‪ ,‬وفي نهاية عضده مثل حلمة الثدي وعليها‬
‫شعيرات بيض‪ ,‬وعضده ليست ثابتة‪ ,‬كأنها بال عظم إذ إنها تدردر أي تتحرك تذهب‬
‫وتجئ‪ ,‬أما مخدج اليد‪ ,‬أو مودون اليد أو مثدون اليد‪ ,‬فكلها بمعنى واحد وهو ناقص اليد(‪,)8‬‬
‫وأما اسمه فقد أخطأ من قال أن ذا الثدية هو حرقوص بن زهير السعدي(‪ ,)9‬فحرقوص‬
‫رجل مشهور كان له دور في الفتوح اإلسالمية‪ ,‬ثم خرج على عثمان رضي هللا عنه‪ ,‬وقد‬
‫فر إثر معركة الجمل الصغرى التي قَتَل فيها الزبير وطلحة رضي هللا عنهما قتلة عثمان‬
‫بالبصرة‪ ,‬وقد صار حرقوص من زعماء الخوارج المميزين(‪ ,)10‬إال أنه قد ورد في رواية‬
‫أن اسمه (حرقوس) أما أبوه فال يعرفه أحد‪ ,‬وجاء في رواية أن اسمه مالك‪ ,‬وذلك أنهم‬
‫بحثوا عنه فلما وجدوه قال علي‪ :‬هللا أكبر‪ ,‬ال يأتيكم أحد يخبركم من أبوه؟‪ ,‬فجعل الناس‬
‫يقولون هذا مالك هذا مالك‪ ,‬فقال علي‪ :‬ابن من(‪)11‬؟ فلم يعرف أحد أباه‪.‬‬
‫وقد ورد في رواية صححها الطبري أن اسمه نافع ذو الثدية كما جاء عند ابن أبي‬
‫شيبة وأبي داود‪ ,‬إال أن طريقهما واحد‪ ,‬فيُعد ما جاء في المصادر الثالثة رواية واحدة‬
‫ذات طريق واحد(‪ ,)12‬كان علي رضي هللا عنه يتحدث عن الخوارج منذ ابتداء بدعتهم‪,‬‬
‫وكثيرًا ما كان يتعرض إلى ذكر ذي الثدية‪ ,‬وأنه عالمة هؤالء‪ ,‬ويسرد أوصافه‪ ,‬وبعد‬
‫نهاية المعركة الحاسمة أمر علي رضي هللا عنه أصحابه بالبحث عن جثة المخدج‪ ,‬ألن‬
‫وجودها من األدلة على أن عليًا رضي هللا عنه على حق وصواب‪ ,‬وبعد مدة من البحث‬
‫‪1‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪ ,)5/311‬تاريخ خليفة ص ‪ 197‬بسند حسن‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() الحق بن حميد السدوسي البصري ثقة من الطبقة الثالثة‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() نضلة بن عبيد األسلمي صحابي مشهور بكنيته‪ ,‬مات سنة ‪65‬هـ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() المعرفة والتاريخ (‪ ,)3/315‬تاريخ بغداد (‪.)1/182‬‬
‫‪5‬‬
‫() أخبار الخوارج من الكامل ص ‪.338‬‬
‫‪6‬‬
‫() خالفة علي بن أبي طالب ص ‪ ,329‬تاريخ خليفة ص ‪.197‬‬
‫‪7‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪.)10/146‬‬
‫‪8‬‬
‫() النهاية في غريب الحديث (‪ )1/13،12‬فتح الباري (‪.)12/295،294‬‬
‫‪9‬‬
‫() الملل والنحل (‪.)1/115‬‬
‫‪10‬‬
‫() فتح الباري (‪ ,)12/292‬اإلصابة (‪.)1/139‬‬
‫‪11‬‬
‫() الفتح الرباني على مسند اإلمام أحمد (‪ ,)23/155‬بإسناد حسن‪ ,‬والبداية والنهاية (‪.)7/295،294‬‬
‫‪12‬‬
‫() خالفة علي بن أبي طالب‪ ,‬عبد الحميد‪ ,‬ص ‪.334‬‬
‫‪46‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫مرت على عل ّي وأصحابه وجد أمير المؤمنين علي جماعة مكومة بعضها على بعض‬
‫عند شفير النهر قال‪ :‬أخرجوهم‪ ,‬فإذا المخدج تحتهم جميعًا مما يلي األرض‪ ,‬فكبر عل ّي ثم‬
‫قال‪ :‬صدق هللا‪ ,‬وبلغ رسوله وسجد سجود الشكر‪ ,‬وكبر الناس حين رأوه واستبشروا(‪.)1‬‬
‫‪ -5‬معاملة أمير المؤمنين علي للخوارج‪ :‬عامل أمير المؤمنين علي رضي هللا‬
‫عنه الخوارج قبل الحرب وبعدها معاملة المسلمين‪ ,‬فما أن انتهت المعركة حتى أصدر‬
‫أمره في جنده أن ال يتبعوا مدبرًا‪ ,‬أو يذففوا على جريح‪ ,‬أو يُمثلوا بقتيل‪ .‬يقول شقيق بن‬
‫سلمة المعروف بأبي وائل –أحد فقهاء التابعين وممن شهد مع علي حروبه‪ -‬لم يسب علي‬
‫يوم الجمل وال يوم النهروان(‪ ,)2‬وقد حمل رثة أهل النهر إلى الكوفة وقال‪ :‬من عرف شيئًا‬
‫فليأخذه فجعل الناس يأخذون حتى بقيت قدر فجاء رجل وأخذها‪ ,‬وهذه الرواية لها طرق‬
‫عدة(‪ ,)3‬ولم يقسم بين جنده إال ما حمل عليه الخوارج في الحرب من السالح والكراع فقط‪,‬‬
‫وأمير المؤمنين علي رضي هللا عنه لم يكفر الخوارج‪ ,‬إذ قبل الحرب حاول إرجاعهم إلى‬
‫الجماعة‪ ,‬وقد رجع كثير منهم‪ ,‬ووعظهم وخوفهم القتال‪ ,‬يقول ابن قدامة‪ :‬وإنما كان كذلك‬
‫ألن المقصود كفهم ودفع شرهم ال قتلهم‪ ,‬فإن أمكن لمجرد القول كان أولى من القتال‪ ,‬لما‬
‫فيه من الضرر بالفريقين‪ ,‬وهذا يدل على أن الخوارج فرقة من المسلمين‪ ,‬كما قال بذلك‬
‫كثير من العلماء(‪.)4‬‬
‫وكان سعد بن أبي وقاص رضي هللا عنه يسميهم الفاسقين‪ ,‬فعن مصعب بن سعد قال‪:‬‬
‫ْحيَ ِاة‬ ‫ِ‬
‫ض َّل َس ْعُي ُه ْم في ال َ‬
‫ين َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫سألت أبي عن هذه اآلية‪+ :‬قُ ْل َه ْل نُنَبِّئُ ُكم باأل ْخ َس ِر َ‬
‫ين أَ ْع َماالً ‪ ‬الذ َ‬
‫ِ‬
‫ص ْن ًعا" [الكهف‪ ]104،103 :‬أهم الحرورية؟‪ ,‬قال‪ :‬ال‪ ,‬هم‬ ‫الد ْنيَا َو ُه ْم يَ ْح َسبُو َن أ ََّن ُه ْم يُ ْحسنُو َن ُ‬
‫ُّ‬
‫أهل الكتاب اليهود والنصارى‪ ,‬أما اليهود فكذبوا بمحمد ×‪ ,‬وأما النصارى فكفروا بالجنة‪,‬‬
‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ين‬
‫ين ‪ ‬الذ َ‬ ‫وقالوا‪ :‬ليس فيها طعام وال شراب‪ ,‬ولكن الحرورية ‪َ +‬و َما يُض ُّل به إِالَّ الْ َفاسق َ‬
‫ض أُولَئِ َ‬‫وص َل َو ُي ْف ِس ُدو َن فِي األ َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِِ‬
‫ك ُه ُم‬ ‫ضو َن َع ْه َد اهلل من َب ْعد ميثَاقه َو َي ْقطَعُو َن َما أ ََم َر اهللُ بِه أَن يُ َ‬ ‫َي ْن ُق ُ‬
‫الْ َخاس ُرو َن" [البقرة‪ ]27،26:‬وكان سعد يسميهم الفاسقين ‪ ,‬وفي رواية عن سعد رضي هللا‬
‫(‪)5‬‬ ‫ِ‬
‫عنه أنه قال لما سئل عنهم‪« :‬هم قوم زاغوا فأزاغ هللا قلوبهم»(‪.)6‬‬
‫وقد سُئل علي رضي هللا عنه أكفا ٌر هم؟ قال‪ :‬من الكفر فروا‪ ,‬فقيل‪ :‬منافقون؟‪ ,‬قال‪:‬‬
‫المنافقون ال يذكرون هللا إال قليالً‪ ,‬قيل‪ :‬فما هم؟ قال‪ :‬قوم بغوا علينا فقاتلناهم‪ ,‬وفي رواية‪:‬‬
‫قوم بغوا علينا فنصرنا عليهم‪ ,‬وفي رواية‪ :‬قوم أصابتهم فتنة فعموا فيها وصموا(‪ ,)7‬كما‬
‫أنه رضي هللا عنه وجه نصيحة لجيشه ولألمة اإلسالمية من بعده فقال‪ :‬إن خالفوا إما ًما‬
‫عادالً فقاتلوهم‪ ,‬وإن خالفوا إما ًما جائرًا فال تقاتلوهم فإن لهم مقاالً(‪.)8‬‬
‫‪1‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪ )319 -15/317‬بسند صحيح‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() السنن الكبرى للبيهقي (‪ )8/182‬بسند صحيح‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() التلخيص الحبير (‪.)4/47‬‬
‫‪4‬‬
‫() فتح الباري (‪ ,)12/301،300‬نيل األوطار (‪.)8/182‬‬
‫‪5‬‬
‫() صحيح البخاري‪ ,‬فتح الباري (‪.)5/842‬‬
‫‪6‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪ )15/325،324‬االعتصام للشاطبي (‪.)1/62‬‬
‫‪7‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪ ,)10/150‬مصنف ابن أبي شيبة (‪ )15/332‬بستد صحيح‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪ ,)15/320‬فتح الباري (‪ )12/301‬له سند صحيح عند الطبري‪.‬‬
‫‪46‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫والمالحظ في قتال أمير المؤمنين علي رضي هللا عنه للخوارج وقتاله في الجمل‬
‫وصفين‪ ,‬أن عليًا رضي هللا عنه ندم وحزن على قتاله في وقعة الجمل وصفين‪ ,‬أما في‬
‫قتاله مع الخوارج فكان يظهر الفرح والسرور لقتالهم‪ ,‬قال ابن تيمية‪ :‬فإن النص واإلجماع‬
‫فرق بين هذا وهذا‪ ,‬فإنه قاتل الخوارج بنص رسول هللا ×‪ ,‬وفرح بذلك‪ ,‬ولم ينازعه فيه‬
‫أحد من الصحابة‪ ,‬وأما القتال يوم صفين فقد ظهر منه من كراهته والندم عليه ما ظهر(‪.)1‬‬
‫سادسًا‪ :‬من اآلثار الفقهية من معارك أمير المؤمنين علي رضي هللا عنه‪:‬‬
‫تمكن أمير المؤمنين علي رضي هللا عنه بغزير علمه وسعة فقهه أن يضع قواعد‬
‫وأحكا ًما وهي ضوابط شرعية في قتال أهل البغي‪ ,‬ثم سار أهل السنة من أئمة العلم‬
‫والفقهاء على سيرته في البغاة‪ ,‬واستنبطوا من هديه الراشدي األحكام والقواعد الفقهية في‬
‫هذا الشأن‪ ,‬حتى قال جلة أهل العلم‪ :‬لوال حرب علي لمن خالفه لما عرفت السُّنة في قتال‬
‫أهل القبلة(‪ ,)2‬وروى هذا عن علي نفسه في قوله‪ :‬أرأيتم لو أني غبت عن الناس‪ ,‬من كان‬
‫يسير فيهم هذه السيرة(‪)3‬؟‪ ,‬وقال األحنف لعلي‪ :‬يا علي إن قومنا بالبصرة يزعمون أنك إن‬
‫ظهرت عليهم غدًا أنك تقتل رجالهم وتسبي نساءهم‪ ,‬فقال‪ :‬ما مثلي يخاف هذا منه‪ ,‬وهل‬
‫يحل هذا إال ممن تولى وكفر؟‪.‬‬
‫وبناء علىذلك فإن قتال أهل القبلة يخالف قتال الكفار والمرتدين من أوجه متعددة‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يقصد بالقتال ردعهم وال يُتعمد به قتلهم؛ ألن المقصود ردهم إلى الطاعة ودع‬
‫شرهم ال القتل‪ ,‬بينما يجوز أن يُتعمد قتل المشركين والمرتدين(‪.)4‬‬
‫‪ -2‬إذا قاتل مع البغاة عبيد ونساء وصبيان‪ ,‬فحكمهم جميعًا حكم الرجل البالغ الحر‪,‬‬
‫يُقاتلون ُمقبلين ويتركون ُمدبرين؛ ألن قتالهم لدفع أذاهم بينما يجوز قتل أهل الردة والكفر‬
‫مقبلين ومدبرين(‪.)5‬‬
‫‪ -3‬إذا ترك أهل البغي القتال إما بالرجوع إلى الطاعة‪ ,‬وإما بإلقاء السالح‪ ,‬وإما‬
‫بالهزيمة‪ ,‬وإما بالعجز لجراح أو مرض أو أسر‪ ,‬فإنه ال يجوز اإلجهاز على جريحهم‬
‫وقتل أسيرهم‪ ,‬وإن جاز اإلجهاز على جرحى المشركين والمرتدين وقتل أسراهم‪ .‬فقد‬
‫روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن علي رضي هللا عنه أنه قال يوم الجمل‪ :‬ال تتبعوا‬
‫ُمدبرًا‪ ,‬وال تجهزوا على جريح‪ ,‬ومن ألقى سالحه فهو آمن(‪ ,)6‬وفي رواية عبد الرزاق‪ ,‬أن‬
‫عليًا أمر مناديه فنادى يوم البصرة‪ :‬ال يتبع مدبر‪ ,‬وال يذفف على جريح‪ ,‬وال يقتل أسير‪,‬‬
‫ومن أغلق بابه أو ألقى سالحه فهو آمن‪ ,‬ولم يأخذ من متاعهم شيئًا(‪ .)7‬وقال علي يوم‬
‫الجمل‪ :‬ال تتبعوا مدبرًا‪ ,‬وال تجهزوا على جريح‪ ,‬وال تقتلوا أسي ًرا‪ ,‬وإياكم والنساء وإن‬
‫شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم‪ ,‬فلقد رأيتنا في الجاهلية وإن الرجل ليتناول المرأة‬
‫بالجريدة أو الهراوة فيعير بها‪ ,‬هو وعقبه من بعده(‪ .)8‬وعن أبي أمامة الباهلي رضي هللا‬
‫عنه قال‪ :‬شهدت صفين وكانوا ال يجهزون على جريح‪ ,‬وال يقتلون موليًا‪ ,‬وال يسلبون‬
‫‪1‬‬
‫() مجموع الفتاوى (‪.)28/516‬‬
‫‪2‬‬
‫() التمهيد للباقالني‪ ,‬ص ‪ ,229‬تحقيق مواقف الصحابة (‪.)2/295‬‬
‫‪3‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪.)10/124‬‬
‫‪4‬‬
‫() المغني (‪.)126-8/108‬‬
‫‪5‬‬
‫() المغني (‪ )8/110‬األحكام السلطانية‪ ,‬ص ‪.60‬‬
‫‪6‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪ ,)15/236‬الفتح (‪ )13/57‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪ ,)10/124،123‬تحقيق مواقف الصحابة (‪.)2/296‬‬
‫‪46‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫قتيالً(‪.)1‬‬
‫‪ -4‬يعتبر أحوال من في األسر من البغاة‪ ,‬فمن أمنت رجعته إلى القتال أطلق سراحه‪,‬‬
‫ومن لم تؤمن منه الرجعة حبس إلى انجالء الحرب ثم يُطلق‪ ,‬إذ لم يجز أن يحبس بعدها‪,‬‬
‫وإن جاز أن يبقى الكافر في األسر(‪.)2‬‬
‫‪ -5‬أن ال يستعان لقتالهم بمشرك معاهد وال ذمي‪ ,‬وإن جاز أن يستعان بهم على قتال‬
‫أهل الردة والحرب(‪.)3‬‬
‫‪ -6‬أن ال يهادنهم إلى مدة وال يوادعهم على مال‪ ,‬فإن هادنهم إلى مدة لم يلزمه‪ ,‬فإن‬
‫ضعف عن قتالهم انتظر بهم القوة عليهم‪ ,‬وإن وادعهم على مال بطلت الموادعة ونظر في‬
‫المال‪ ,‬فإن كان من فيئهم وصدقاتهم لم يرده عليهم‪ ,‬وصرف الصدقات في أهلها والفئ في‬
‫مستحقه‪ ,‬وإن كان من خالص أموالهم لم يجز أن يملكه‪ ,‬ووجب رده إليهم(‪ ,)4‬فإن عليًا‬
‫رضي هللا عنه لم يستحل مال أهل الجمل‪.‬‬
‫‪ -7‬إذا خرجوا على اإلمام بتأويل سائغ راسلهم‪ ,‬فإن ذكروا مظلمة أزالها عنهم‪ ,‬وإن‬
‫ذكروا شبهة بيَّنها –كما بين علي رضي هللا عنه‪ -‬للخوارج شبههم‪ ,‬وعاد كثير منهم إلى‬
‫صف الجماعة(‪ ,)5‬فإن رجعوا وإال وجب قتالهم عليه وعلى المسلمين(‪.)6‬‬
‫‪ -8‬إن لم يخرجوا عن المظاهرة بطاعة اإلمام ولم يتحيزوا بدار اعتزلوا فيها‪ ,‬وكانوا‬
‫أفرادًا تنالهم القدرة ويسهل ضبطهم تُركوا ولم يحاربوا‪ ,‬وأجريت عليهم أحكام العدل فيما‬
‫يجب عليه‪ ,‬ولهم من الحقوق والحدود(‪.)7‬‬
‫‪ -9‬ال يقاتل البغاة بما يعم إتالفه كالنار والمنجنيق وغير ذلك‪ ,‬وال تحرق عليهم‬
‫المساكن وال يقطع عليهم النخل واألشجار‪ ,‬وإن جاز ذلك مع الكفار والمشركين‪ ,‬ألن دار‬
‫اإلسالم تمنع ما فيها وإن بقى أهلها‪ ,‬إال إذا دعت إلى ذلك الضرورة في حالة ما إذا‬
‫تحصنوا ولم ينهزموا‪ ,‬لذلك جاز لإلمام رميهم بالمنجنيق أو النار على قول الشافعي وأبي‬
‫حنيفة(‪.)8‬‬
‫‪ -10‬ال تجوز غنيمة أموالهم وسبي ذريتهم‪ ,‬لقول النبي ×‪« :‬لا يحل مال امرئ‬
‫مسلم إلا بطيب نفس منه»(‪ ,)9‬وروى عن علي رضي هللا عنه يوم الجمل قوله‪ :‬من‬
‫عرف شيئًا من ماله مع أحد فليأخذه(‪ ,)10‬وهذا من جملة ما نقم الخوارج عليه‪ ,‬فقالوا‪ :‬إنه‬
‫‪8‬‬
‫() نصب الراية (‪ ,)3/463‬تحقيق مواقف الصحابة (‪.)2/297‬‬
‫‪1‬‬
‫() المستدرك (‪ )2/155‬سنده صحيح ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() األحكام السلطانية ص ‪.60‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه ص ‪ ,60‬تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة (‪.)2/298‬‬
‫‪4‬‬
‫() األحكام السلطانية ص ‪ 60‬للماوردي‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() السنن الكبرى للبيهقي (‪.)8/180‬‬
‫‪6‬‬
‫() مجموع الفتاوى (‪.)4/450‬‬
‫‪7‬‬
‫() األحكام السلطانية‪ ,‬للماوردي‪ ,‬ص ‪.58‬‬
‫‪8‬‬
‫() المغني البن قدامة (‪.)8/110‬‬
‫‪9‬‬
‫() سنن الدارقطني (‪ )3/26‬صححه األلباني في إرواء الغليل رقم (‪.)1459‬‬
‫‪10‬‬
‫() المغني (‪.)8/115‬‬
‫‪46‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫قاتل ولم يسب ولم يغنم‪ ,‬فإن حلت له دماؤهم فقد حلت له أموالهم‪ ,‬وإن حرمت عليه‬
‫أموالهم فقد حرمت عليه دماؤهم‪ ,‬فقال لهم ابن عباس رضي هللا عنهما في مناظرته لهم‪:‬‬
‫أفتسبُون أمكم؟ ‪-‬يعني عائشة رضي هللا عنها‪ -‬أم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها؟‪,‬‬
‫فإن قلتم‪ :‬ليست أمكم كفرتم‪ ,‬وإن قلتم‪ :‬إنها أمكم واستحللتم سبيها فقد كفرتم(‪.)1‬‬
‫ويعقب ابن قدامة قائالً‪ :‬وألن قتال البغاة إنما هو لدفعهم وردهم إلى الحق ال لكفرهم‪,‬‬
‫فال يستباح منهم إال ما حصل لضرورة الدفع كالصائل وقاطع الطريق‪ ,‬وبقى حكم المال‬
‫والذرية على أصل العصمة(‪ ,)2‬والظاهر من المأثور عن علي رضي هللا عنه جواز‬
‫االنتفاعـ بسالحهم‪ ,‬فقد روى ابن أبي شيبة عن أبي البختري قال‪ :‬لما انهزم أهل الجمل قال‬
‫علي‪ :‬ال تطلبوا من كان خارجًا من العسكر‪ ,‬وما كان من دابة أو سالح فهو لكم(‪ ,)3‬وفي‬
‫رواية أخرى قال‪ :‬وال تأخذوا شيئًا من أموالهم إال ما وجدتم في عسكرهم(‪.)4‬‬
‫‪ -11‬من قُتل من البغاة ُغسِّل وكفن وصلى عليه ألنهم مسلمون‪ ,‬على مذهب الشافعي‬
‫وأصحاب الرأي(‪.)5‬‬
‫‪ -12‬إذا لم يكن البغاة من أهل البدع فهم ليسوا فاسقين‪ ,‬وقتال اإلمام وأهل العدل لهم‬
‫إنما من جهة خطئهم في التأويل‪ ,‬وهم كالمجتهدين من الفقهاء في األحكام‪ ,‬ومن شهد منهم‬
‫قبلت شهادته إذا كان عدالً‪ ,‬وهذا قول الشافعي‪ ,‬وأما الخوارج وأهل البدع إذا بغوا على‬
‫اإلمام فال تقبل شهادتهم ألنهم فُساق(‪.)6‬‬
‫‪ -13‬يجوز للعادل قتل ذي رحمه الباغي ألنه قتله بحق‪ ,‬فأشبه إقامة الحد عليه مع‬
‫كراهية قصد ذلك(‪.)7‬‬
‫‪ -14‬إذا غلب أهل البغي بلدًا فجبوا الخراج والزكاة وأقاموا الحدود لم يطالبوا بشيء‬
‫مما جبوه إذا ظهر أهل العدل على ذلك البلد وظفروا بهم‪ ,‬فعندما ظهر علي رضي هللا‬
‫عنه على أهل البصرة بعد موقعة الجمل لم يطالبهم بشيء مما جبوه(‪.)8‬‬
‫‪ -15‬حكم وراثة الباغي من العادل‪ :‬ال يرث باغ قتل عدالً‪ ,‬وال عادل قتل باغيًا لقوله‬
‫×‪« :‬القاتل لا يرث»(‪ ,)9‬وقال أبو حنيفة‪ :‬أورث العادل من الباغي‪ ,‬وال أورث الباغي‬
‫ورث كال منهما من صاحبه ألنه متأول في قتله(‪ ,)10‬وبهذا‬ ‫ُ‬
‫وقال أبو يوسف‪ ,‬أ ِ‬ ‫من العادل‪,‬‬
‫قال النووي(‪.)11‬‬
‫‪1‬‬
‫() السنن الكبرى للبيهقي (‪ ,)8/179‬خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ‪ 197‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() تحقيق مواقف الصحابة (‪.)2/300‬‬
‫‪3‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪.)15/263‬‬
‫‪4‬‬
‫() تاريخ الطبري‪ ,‬نقالً عن تحقيق مواقف الصحابة (‪.)2/300‬‬
‫‪5‬‬
‫() تحقيق مواقف الصحابة (‪.)2/301‬‬
‫‪6‬‬
‫()‪ )4( ,‬المغني (‪ ,)8/118‬تحقيق مواقف الصحابة (‪.)2/301‬‬
‫‪7‬‬
‫()‬

‫‪8‬‬
‫() المغني (‪ ,)8/119‬تحقيق مواقف الصحابة (‪.)2/302‬‬
‫‪9‬‬
‫() سنن ابن ماجه‪ ,‬كتاب الديات (‪ )2/883‬صحيح سنن ابن ماجة رقم (‪.)2140‬‬
‫‪10‬‬
‫() األحكام السلطانية ص ‪.61‬‬
‫‪11‬‬
‫() شرح النووي على صحيح مسلم (‪.)7/170‬‬
‫‪46‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -16‬إذا لم يكن دفع أهل البغي إال بقتلهم جاز قتلهم‪ ,‬وال شيء على من قتلهم من إثم‬
‫يء‬ ‫ِ‬ ‫ِ َِّ ِ‬
‫وال ضمان وال كفارة؛ ألنه فعل ما أمر به وقتل من أجل هللا ‪َ +‬ف َقاتلُوا التي َت ْبغي َحتَّى تَف َ‬
‫إِلَى أ َْم ِر اهلل" [الحجرات‪ ,]9:‬فإن المسلم إذا أريدت نفسه جاز له الدفع عنها بقتل من أرادها‬
‫إذا كان ال يندفع بغير القتل‪ ,‬وكذلك ما أتلفه أهل العدل على أهل البغي حال الحرب من‬
‫المال‪ ,‬فال ضمان فيه(‪ ,)1‬وليس على أهل البغي بالمقابل ضمان ما أتلفوه حال الحرب من‬
‫نفس وال مال في أصح األقوال كما ذكر النووي(‪ ,)2‬ويدل على ذلك ما روى الزهري من‬
‫إجماع الصحابة‪ ,‬أن ال يضمن الباغي إذا قتل العادل‪ ,‬قال‪ :‬هاجت الفتنة األولى وأصحاب‬
‫رسول هللا × متوافرون‪ ,‬وفيهم البدريون‪ ,‬فأجمعوا أنه ال يقاد أحد وال يؤخذ مال أحد على‬
‫تأويل القرآن(‪ ,)3‬وفي رواية عبد الرزاق‪ :‬فإن الفتنة األولى ثارت وأصحاب رسول هللا ×‬
‫ممن شهد بدرًا كثير‪ ,‬فاجتمع رأيهم على أن ال يقيموا على أحد حدًا في فرج استحلوه‬
‫بتأويل القرآن‪ ,‬وال قصاص في دم استحلوه بتأويل القرآن‪ ,‬وال يرد مال استحلوه بتأويل‬
‫القرآن إال أن يوجد شيء بعينه فيرد على صاحبه(‪.)4‬‬
‫سابعًا‪ :‬من أهم صفات الخوارج‬
‫إن الباحث في تاريخ فرقة الخوارج يالحظ عدة صفات اتصف بها أتباع هذه الفرقة‬
‫منها‪:‬‬
‫‪ -1‬الغلو في الدين‪ :‬مما ال شك فيه أن الخوارج أهل طاعة وعبادة‪ ,‬فقد كانوا‬
‫حريصين كل الحرص على التمسك بالدين وتطبيق أحكامه‪ ,‬واالبتعاد عن جميع ما نهى‬
‫عنه اإلسالم‪ ,‬وكذلك التحرز التام عن الوقوع في أي معصية أو خطيئة تخالف اإلسالم‪,‬‬
‫حتى أصبح ذلك سمة بارزة في هذه الطائفة ال يدانيهم في ذلك أحد‪ ,‬وال أدل على ذلك من‬
‫قول رسول هللا ×‪« :‬يقرؤون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء‪ ,‬ولا صيامكم‬
‫إلى صيامهم بشيء»(‪ ,)5‬وقال ابن عباس رضي هللا عنهما يصفهم حينما دخل عليهم‬
‫لمناظرتهم‪ :‬دخلت على قوم لم أر قط أشد منهم اجتهادًا‪ ,‬جباههم قرحة من السجود‬
‫وأياديهم كأنها ثفن(‪ )6‬اإلبل‪ ,‬وعليهم قمص مرحضة(‪ )7‬مشمرين مسهمة وجهوههم من‬
‫السهر(‪ .)8‬وعن جندب األزدي قال‪ :‬لما عدلنا إلى الخوارج ونحن مع علي بن أبي طالب‬
‫رضي هللا عنه‪ ,‬فانتهينا إلى معسكرهم‪ ,‬فإذا لهم دوي كدوي النحل من قراءة القرآن(‪ ,)9‬فقد‬
‫كانوا أهل صيام وصالة وتالوة للقرآن‪ ,‬لكنهم تجاوزوا حد االعتدال إلى درجة الغلو‬
‫والتشدد‪ ,‬حيث قادهم هذا التشدد إلى مخالفة قواعد اإلسالم بما تمليه عليهم عقولهم‪ ,‬كالقولـ‬
‫بتكفير صاحب الكبيرة‪ ,‬وستأتي مناقشة عقائدهم وأفكارهم بإذن هللا تعالى‪ ,‬ومنهم من بالغ‬
‫‪1‬‬
‫() المغني (‪.)8/112‬‬
‫‪2‬‬
‫() شرح النووي على صحيح مسلم (‪.)7/170‬‬
‫‪3‬‬
‫() السنن الكبرى للبيهقي (‪ )8/174‬بسند صحيح‪ ,‬تحقيق مواقف الصحابة (‪.)2/303‬‬
‫‪4‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪.)10/121‬‬
‫‪5‬‬
‫() مسلم‪ ,‬كتاب الزكاة‪ ,‬شرح النووي (‪.)7/171‬‬
‫‪6‬‬
‫() الثفن‪ :‬جمع ثفنة‪ :‬ركبة البعير وغيرها مما يجعل فيه غلظ من أثر البروك‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() مرحضة‪ :‬مغسولة‪ ,‬النهاية في غريب الحديث واألثر (‪.)2/208‬‬
‫‪8‬‬
‫() تلبيس إبليس‪ ,‬ص ‪.91‬‬
‫‪9‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ,‬ص ‪.93‬‬
‫‪46‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫في ذلك حتى على كل من ارتكب ذنبًا من الذنوب ولو كان صغيرًا فإنه كافر مشرك مخلد‬
‫في النار(‪ ,)1‬وكان من نتيجة هذا التشدد الذي خرج بهم عن حدود الدين وأهدافه السامية‪,‬‬
‫أن كفَّروا كل من لم ير رأيهم من المسلمين ورموهم بالكفر أو النفاق‪ ,‬حتى إنهم استباحوا‬
‫دماء مخالفيهم(‪ ,)2‬ومنهم من استباح قتل النساء واألطفال من مخالفيه‪ ,‬كاألزارقة مثالً(‪,)3‬‬
‫والشك أن الخوارج بما اتصفوا به من الجهل والتشدد والجفاء قد شوهوا محاسن الدين‬
‫اإلسالمي تشويهًا غريبًا‪ ,‬فإن هذا اإلغراق في التأويل واالجتهاد أخرجهم عن روح‬
‫اإلسالم وجماله واعتداله‪ ,‬وهم في تعمقهم قد سلكوا طريقًا ما قال به محمد × وال دعا إليه‬
‫القرآن الكريم‪ ,‬وأما التقوى التي كانوا يظهرون بها فهي من قبيل التقوى العمياء والصالح‬
‫الذي كانوا يتزينون به في الظاهر‪ .‬كان ظاهر التأويل بادي الزخرفة‪ ,‬وقد طمعوا في‬
‫الجنة وأرادوا السعي لها عن طريق التعمق والتشدد والغلو في الدين غل ًوا أخرجهم عن‬
‫الحد الصحيح(‪ ,)4‬ولذلك حذر النبي × من التعمق والتشدد في الدين ألنه مخالفة لالعتدال‬
‫وسماحة اإلسالم‪ ,‬وأخبر أن المتنطع مستحق للهالك والخسران‪ ,‬فقد صح عنه × أنه قال‪:‬‬
‫«هلك المتنطعون»(‪ )5‬قالها ثالثًا‪ ,‬فبهذا يتبين لنا شذوذ الخوارج‪ ,‬وكذلك من سار على‬
‫منهجهم المبني على التعسف والتشدد المخالف لسماحة اإلسالم ويسره‪ ,‬فإن اإلسالم دين‬
‫اليسر والسماحة‪ ,‬فقد قال ×‪« :‬إن الدين يسر‪ ,‬ولن يُشاد الدين أحد إلا غلبه‪,‬‬
‫فسددوا وقاربوا»(‪.)6‬‬
‫‪ -2‬الجهل بالدين‪ :‬إن من كبرى آفات الخوارج صفة الجهل بالكتاب والسُّنة‪ ,‬وسوء‬
‫فهمهم وقلة تدبرهم وتعقلهم‪ ,‬وعدم إنزال النصوص منازلها الصحيحة‪ ,‬وكان ابن عمر‬
‫يراهم شرار خلق هللا‪ ,‬وقال‪ :‬إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على‬
‫المؤمنين(‪ ,)7‬وكان ابن عمر إذا سُئل عن الحرورية؟‪ ,‬قال‪ :‬يُكفرون المسلمين ويستحلون‬
‫دماءهم وأموالهم‪ ,‬وينكحون النساء في عددهم‪ ,‬وتأتيهم المرأة فينكحها الرجل منهم ولها‬
‫زوج‪ ,‬فال أعلم أحدًا أحق بالقتال منهم(‪ ,)8‬ومن جهلهم بشرع هللا رأوا أن التحكيم معصية‬
‫تستوجب ال ُكفر‪ ,‬فيلزم من وقع فيه أن يعترف على نفسه بال ُكفر ثم يستقبل التوبة(‪ ,)9‬وهذا‬
‫ما طالبوا به عليًا رضي هللا عنه إذ طلبوا منه أن يقر على نفسه بالكفر ثم يستقبل التوبة‪,‬‬
‫فتخطئة الخوارج له ولمن معه من المهاجرين واألنصار واعتقادهم أنهم أعلم منهم وأولى‬
‫منهم بالرأي‪ ,‬هي وهللا عين الجهل والضالل(‪ ,)10‬ومن جهاالتهم الشنيعة أنهم وجدوا عبد‬
‫هللا بن خباب رضي هللا عنه ومعه أم ولد حبلى‪ ,‬فناقشوه في أمور‪ ,‬ثم سألوه رأيه في‬
‫‪1‬‬
‫() الفصل البن حزم (‪ ,)4/191‬الخوارج‪ ,‬ناصر السعودي ص ‪.183‬‬
‫‪2‬‬
‫() الخوارج للسعوي‪ ,‬ص ‪.183‬‬
‫‪3‬‬
‫() تلبيس إبليس‪ ,‬ص ‪ ,95‬الخوارج للسعوي‪ ,‬ص ‪.184‬‬
‫‪4‬‬
‫() الخوارج للسعوي‪ ,‬ص ‪.184‬‬
‫‪5‬‬
‫() مسلم‪ ,‬كتاب العلم‪ ,‬شرح النووي (‪.)16/220‬‬
‫‪6‬‬
‫() البخاري‪ ,‬كتاب اإليمان‪ ,‬شرح الباري (‪.)1/93‬‬
‫‪7‬‬
‫() ظاهرة الغلو في الدين‪ ,‬محمد عبد الحكيم ص ‪.114‬‬
‫‪8‬‬
‫() االعتصام (‪.)2/184،183‬‬
‫‪9‬‬
‫() مصنف ابن أبي شيبة (‪ ,)15/313،312‬األلباني في إرواء الغليل (‪ ,)8/119،118‬تلبيس إبليس ص‬
‫‪.93‬‬
‫‪10‬‬
‫() الخوارج للسعوي ص ‪.186‬‬
‫‪46‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫عثمان وعلي رضي هللا عنهما‪ ,‬فأثنى عليهما خيرًا‪ ,‬فنقموا عليه‪ ,‬وتوعدوه بأن يقتلوه شر‬
‫قتله فقتلوه وبقروا بطن المرأة(‪ ,)1‬ومر بهم خنزير ألهل الذمة فقتله أحدهم‪ ,‬فتحرجوا من‬
‫ذلك وبحثوا عن صاحب الخنزير وأرضوه في خنزيره‪ ,‬فيا للعجب‪ ,‬أتكون الخنازير أشد‬
‫حرمة من المسلمين عند أحد يدعي اإلسالم(‪ ,)2‬لكنها عبادة الجُهال‪ ,‬التي أمالها عليهم‬
‫الهوى والشيطان(‪ ,)3‬قال ابن حجر‪ :‬إن الخوارج لما حكموا بكفر من خالفهم استباحوا‬
‫دماءهم وتركوا أهل الذمة فقالوا‪ :‬نفي لهم بعهدهم وتركوا قتال المشركين‪ ,‬واشتغلوا بقتال‬
‫المسلمين‪ ,‬وهذا كله من آثار عبادة الجُهال‪ ,‬الذي لم تنشرح صدورهم بنور العلم‪ ,‬ولم‬
‫يتمسكوا بحبل وثيق منه‪ ,‬وكفىـ أن رأسهم رد على رسول هللا × أمره ونسبه إلى الجور‪,‬‬
‫نسأل هللا السالمة(‪ ,)4‬وقال عنهم ابن تيمية‪ :‬هم جهال فارقوا السُّنة والجماعة عن جهل(‪.)5‬‬
‫وبهذا يتبين أن الجهل كان من الصفات البارزة في تلك الطائفة التي هي إحدى‬
‫الطوائف المنتسبة إلى اإلسالم‪ ,‬فالجهل مرض عضال يهلك صاحبه من حيث ال يشعر‪,‬‬
‫بل قد يريد الخير فيقع في ضده(‪.)6‬‬
‫‪ -3‬شق عصا الطاعة‪ :‬قال ابن تيمية رحمه هللا‪ :‬فهؤالء من ضاللهم اعتقادهم في‬
‫أئمة الهدى وجماعة المسلمين أنهم خارجون عن العدل‪ ,‬وأنهم ضالون‪ ,‬وهذا مأخذ‬
‫الخارجين عن السنة من الرافضة ونحوهم‪ ,‬ثم يعدون ما يرون أنه ظلم عندهم كفرًا ثم‬
‫يرتبون على الكفر أحكا ًما ابتدعوها(‪ ,)7‬هذا وقد شقوا عصا الطاعة وسعوا في تفريق كلمة‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫ويوضح ذلك موقفهم مع أمير المؤمنين علي‪ ,‬حيث تخلوا عنه وخالفوه في أحرج‬
‫المواقف وعصوا أمره(‪ ,)8‬وظلت تلك الصفة من صفاتهم على مدار التاريخ‪ ,‬كل من‬
‫خالفهم في أمر عادوه ونبذوه حتى إنهم تفرقوا هم أنفسهم إلى عدة فرق يكفر بعضها‬
‫بعضًا‪ ,‬ولذلك كثر فيهم الغارات والشقاق والثورات(‪.)9‬‬
‫‪ -4‬التكفير بالذنوب واستحالل دماء المسلمين وأموالهم‪ :‬قال ابن تيمية‪ :‬والفرق‬
‫الثاني في الخوارج وأهل البدع‪ ,‬أنهم يُكفرون بالذنوب والسيئات‪ ,‬ويترتب على تكفيرهم‬
‫بالذنوب استحالل دماء المسلمين وأموالهم‪ ,‬وأن دار اإلسالم دار حرب‪ ,‬ودارهم هي دار‬
‫اإليمان‪ ,‬وكذلك يقول جمهور الرافضة‪ ..‬فهذا أصل البدع التي ثبتت بنص سنة الرسول‬
‫×‪ ,‬وإجماع السلف أنها بدعة‪ ,‬وهو جعل العفو سيئة‪ ,‬وجعل السيئة ُكفرًا(‪ ,)10‬وقد تميز‬
‫الخوارج بآراء خاصة فارقوا بها جماعة المسلمين‪ ,‬ورأوها من الدين الذي ال يقبل هللا‬
‫‪1‬‬
‫() تلبيس إبليس ص ‪.93‬‬
‫‪2‬‬
‫() فتح الباري (‪.)12/285‬‬
‫‪3‬‬
‫() الخوارج للسعوي ص ‪.187‬‬
‫‪4‬‬
‫() فتح الباري (‪.)12/301‬‬
‫‪5‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)3/464‬‬
‫‪6‬‬
‫() نوادر األصول‪ ,‬محمد حكيم الترمذي‪ ,‬ص ‪ ,54‬الخوارج للسعوي‪ ,‬ص ‪.188‬‬
‫‪7‬‬
‫() الفتاوى (‪.)28/497‬‬
‫‪8‬‬
‫() الخوارج للسعوي‪ ,‬ص ‪.191‬‬
‫‪9‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ,‬ص ‪.192‬‬
‫‪10‬‬
‫() الفتاوى (‪.)19/73‬‬
‫‪46‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫غيره‪ ,‬ومن خالفهم فيها فقد خرج من الدين في زعمهم فأوجبوا البراءة منه‪ ,‬بل إن منهم‬
‫من غال في ذلك‪ ,‬فأوجبوا قتال من خالفهم واستحلوا دماءهم(‪.)1‬‬
‫فمن ذلك أنهم قتلوا عبد هللا بن خباب بغير سبب غير أنه لم يوافقهم على رأيهم(‪,)2‬‬
‫وقال ابن كثير‪ ,‬فجعلوا يقتلون النساء والولدان‪ ,‬ويبقرون بطون الحبالى‪ ,‬ويفعلواـ أفعاالً لم‬
‫يفعلها غيرهم(‪ ,)3‬قال ابن تيمية‪ :‬وكانت البدعة األولى مثل بدعة الخوارج‪ ,‬إنما هي من‬
‫سوء فهمهم للقرآن‪ ,‬لم يقصدوا معارضته لكن فهموا منه ما لم يدل عليه‪ ,‬فظنوا أنه يوجب‬
‫تكفير أرباب الذنوب‪ ,‬إذ كان المؤمن هو البر التقي‪ ,‬قالوا‪ :‬فمن لم يكن برًا تقيًا فهو كافر‬
‫وهو ُمخلد في النار‪ ,‬ثم قالوا‪ :‬وعثمان وعلي ومن واالهما ليسوا بمؤمنين؛ ألنهم حكموا‬
‫بغير ما أنزل هللا‪ ,‬فكانت بدعتهم لها مقدمتان‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن من خالف القرآن بعمل أو برأي أخطأ فيه فهو كافر‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬أن عثمان وعليًا ومن واالهما كانوا كذلك‪ ,‬ولهذا يجب االحتراز من تكفير‬
‫المؤمنين بالذنوب والخطايا‪ ,‬فإنها أول بدعة ظهرت في اإلسالم فكفر أهلها المسلمين‪,‬‬
‫واستحلوا دماءهم وأموالهم‪ ,‬وقد ثبت عن النبي × أحاديث صحيحة في ذمهم واألمر‬
‫بقتالهم(‪.)4‬‬
‫‪ -5‬تجويزهم على النبي × ما ال يجوز في حقه «كالجور»‪ :‬قال ابن تيمية‪:‬‬
‫والخوارج جوزوا على الرسول × نفسه أن يجور ويضل في سُنته‪ ,‬ولم يوجبوا طاعته‬
‫ومتابعته‪ ,‬وإنما صدقوه فيما بلغه من القرآن دون ما شرعه من السُّنة التي تخالف –‬
‫بزعمهم‪ -‬ظاهر القرآن‪ ,‬وغالب أهل البدع والخوارج يتابعونهم في الحقيقة على هذا‪ ,‬فإنهم‬
‫يرون أن الرسول لو قال بخالف مقالتهم لما اتبعوه‪ ..‬وإنما يدفعون عن نفوسهم الحجة‪ ,‬إما‬
‫برد النقل‪ ,‬وإما بتأويل المنقول‪ ,‬فيطعنون تارة في اإلسناد‪ ,‬وتارة في المتن‪ ,‬وإال فهم ليسوا‬
‫متبعين وال مؤتمين بحقيقة السُّنة التي جاء بها الرسول ×‪ ,‬بل وال بحقيقة القرآن(‪.)5‬‬
‫‪ -6‬الطعن والتضليل‪ :‬من أبرز صفات الخوارج الطعن في أئمة الهدى وتضليلهم‬
‫والحكم عليهم بالخروج عن العدل والصواب‪ ,‬وقد تجلت هذه الصفة في موقف ذي‬
‫الخويصرة مع رسول الهدى ×‪ ,‬حيث قال ذو الخويصرة‪ :‬يا رسول هللا اعدل(‪ ,)6‬فقد َع َّد‬
‫ذو الخويصرة نفسه أورع من رسول هللا ×‪ ,‬وحكم على رسول هللا × بالجور والخروج‬
‫عن العدل في القسمة‪ ,‬وإن هذه الصفة قد الزمتهم عبر التاريخ‪ ,‬وقد كان لها أسوأ األثر‬
‫لما ترتب عليها من أحكام وأعمال(‪.)7‬‬
‫‪ -7‬سوء الظن‪ :‬هذه صفة أخرى للخوارج تجلت في حكم ذي الخويصرة الجهول‬
‫على رسول الهدى × بعدم اإلخالص‪ ,‬حيث قال‪ :‬وهللا إن هذه لقسمة ما عدل فيها‪ ,‬وما‬
‫أريد فيها وجه هللا(‪ ,)8‬فذو الخويصرة الجهول لما رأى رسول هللا × قد أعطى السادة‬
‫األغنياء‪ ,‬ولم يعط الفقراء‪ ,‬لم يحمل هذا التصرف على المحمل الحسن‪ ,‬وهذا شيء عجيب‬
‫‪1‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)3/62‬‬
‫‪2‬‬
‫() الفرق بين الفرق للبغدادي‪ ,‬ص ‪ ,57‬الخوارج للسعوي‪ ,‬ص ‪.191‬‬
‫‪3‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)3/294‬‬
‫‪4‬‬
‫() الفتاوى (‪.)13/31،30‬‬
‫‪5‬‬
‫() الفتاوى (‪.)19/73‬‬
‫‪6‬‬
‫() البخاري‪ ,‬كتاب استتابة المرتدين‪ ,‬فتح الباري (‪.)12/290‬‬
‫‪7‬‬
‫() ظاهرة الغلو في الدين‪ ,‬ص‪.106 :‬‬
‫‪46‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫خصوصًا أن دواعيه كثيرة‪ ,‬فلو لم يكن إال أن صاحب هذا التصرف هو رسول الهدى ×‪,‬‬
‫لكفى به داعيًا إلى حسن الظن‪ ,‬ولكن ذا الخويصرة أبى ذلك‪ ,‬وأساء الظن لمرضه النفسي‪,‬‬
‫وحاول أن يستر هذه العلة بستار العدل‪ ,‬وبذلك ضحك منه إبليس‪ ,‬واحتال عليه‪ ,‬فأوقعه‬
‫في مصايده‪ ,‬فينبغي للمرء أن يراقب نفسه‪ ,‬وأن يدقق في دوافع سلوكه ومقاصده‪ ,‬وأن‬
‫يحذر هواه‪ ,‬وأن يكون منتبهًا لحيل إبليس ألنه كثيرًا ما يزين العمل السيء بغالف حسن‬
‫براق‪ ,‬ويبرر السلوك القبيح باسم مبادئ الحق‪ ,‬ومما يعين المرء على وقاية نفسه‪ ,‬والنجاة‬
‫لها من حيل الشيطان ومصايده العلم‪ ,‬فذو الخويصرة لو كان عنده أثارة من ِعلم‪ ,‬أو ذرة‬
‫من فهم لما سقط في هذا المزلق(‪.)1‬‬
‫‪ -8‬الشدة على المسلمين‪ :‬عرف الخوارج بالغلظة والجفوة‪ ,‬وقد كانوا شديدي القسوة‬
‫والعنف على المسلمين‪ ,‬وقد بلغت شدتهم حدًا فظيعًا‪ ,‬فاستحلوا دماء المسلمين وأموالهم‬
‫وأعراضهم فروعوهم وقتلوهم‪ ,‬أما أعداء اإلسالم من أهل األوثان وغيرهم فقد تركوهم‬
‫ووادعوهم فلم يؤذوهم‪ ,‬ولقد سجل التاريخ صحائف سوداء للخوارج في هذا السبيل(‪,)2‬‬
‫وما قصة عبد هللا بن خباب ومقتله عنا ببعيد‪ ,‬فمعاملة الخوارج للمسلمين مصحوبة‬
‫بالقسوة والشدة والعنف‪ ,‬وأما للكافرين‪ ,‬فلين وموادعة ولطف(‪ ,)3‬فقد وصف الشارع‬
‫الشريعة بأنها سهلة سمحة‪ ,‬وإنما ندب إلى الشدة على الكفار‪ ,‬وإلى الرأفة بالمؤمنين‪,‬‬
‫ِ‬ ‫فعكس ذلك الخوارج(‪ ,)4‬قال تعالى‪+ :‬مح َّم ٌد َّرس ُ ِ َّ ِ‬
‫ين َم َعهُ أَشدَّاءُ َعلَى الْ ُك َّفا ِر ُر َح َ ُ‬
‫اء‬ ‫م‬ ‫ول اهلل َوالذ َ‬ ‫ُ‬ ‫َُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آمنُوا َمن َّي ْرتَ َّد م ْن ُك ْم َعن دينه فَ َس ْو َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ف يَأْتي اهللُ‬ ‫ين َ‬‫َب ْيَن ُه ْم" [الفتح‪ ,]29:‬وقال تعالى‪+ :‬يَا أ َُّي َها الذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين يُ َجاه ُدو َن في َسبِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫بَِقوٍم ي ِحُّبهم وي ِحبُّونَه أ َِذلَّ ٍة َعلَى الْم ْؤ ِمنِ ِ ٍ‬
‫يل اهلل َوالَ يَ َخافُو َن ل َْو َمةَ‬ ‫ين أَع َّزة َعلَى الْ َكاف ِر َ‬‫ُ َ‬ ‫ْ ُ ُ ْ َُ ُ‬
‫الئِ ٍم" [المائدة‪ ]54:‬فالخوارج عكسوا اآليات‪ ,‬فأرهبوا المسلمين وروعوهم ‪ ,‬هذه بعض‬
‫(‪)5‬‬

‫الصفات التي اشتهر بها الخوارج‪.‬‬


‫أهم مظاهر الغلو في العصر الحديث‪:‬‬
‫إن مظاهر الغلو في العصر الحديث كثيرة منها‪:‬‬
‫‪ -1‬التشدد في الدين على النفس والتعسير على اآلخرين‪ :‬من مظاهر الغلو في‬
‫هذا العصر الخروج عن منهج االعتدال في الدين‪ ,‬الذي كان عليه النبي ×‪ ,‬وقد حذر النبي‬
‫× من ذلك في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي هللا عنه‪ ,‬قال رسول هللا ×‪« :‬إن هذا‬
‫الدين يُسر‪ ,‬ولن يُشاد الدين أحد إلا غلبه»(‪ ,)6‬والتشدد في الدين كثيرًا ما ينشأ‬
‫عن قلة الفقه في الدين‪ ,‬وهما من أبرز سمات الخوارج‪ ,‬أعني التشدد في الدين وقلة الفقه‪,‬‬
‫وأغلب الذين ينزعون إلى خصال الخوارج اليوم تجد فيهم هاتين الخصلتين(‪ ,)7‬ومن‬

‫‪8‬‬
‫() البخاري‪ ,‬كتاب استتابة المرتدين‪ ,‬فتح الباري‪.)12/290( ,‬‬
‫‪1‬‬
‫() ظاهرة الغلو في الدين‪ ,‬ص ‪.107،106‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ,‬ص ‪.110‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ,‬ص ‪.111‬‬
‫‪4‬‬
‫() فتح الباري (‪.)12/301‬‬
‫‪5‬‬
‫() ظاهرة الغلو في الدين‪ ,‬ص ‪.111‬‬
‫‪6‬‬
‫() البخاري‪ ,‬كتاب اإليمان‪ ,‬فتح الباري (‪.)1/93‬‬
‫‪7‬‬
‫() الخوارج‪ ,‬ناصر العقل ص ‪.130‬‬
‫‪47‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫مظاهر الغلو التعسير وترك التيسير‪ ,‬فأصحاب الغلو يطالبون الناس بما ال يُطيقون‪,‬‬
‫ويلزمونهم بما ال يلزمهم به الشرع السهل‪ ,‬وال يراعون قدراتهم وتفاوتها‪ ,‬وطاقاتهم‬
‫واستطاعتهم وتباينها‪ ,‬وأفهامهم واختالفها‪ ,‬فيخاطبونهم بما ال يفهمون‪ ,‬ويطالبونهم بما ال‬
‫يستطيعون‪ .‬ومن أسباب التعسير الورع الفاسد‪ ,‬والجهل بمراتب األحكام‪ ,‬والجهل بمراتب‬
‫الناس‪ ,‬وأما مجاالته وصوره وأشكاله؛ إيجاب النظر واالستدالل على الجميع‪ ,‬وتحديث‬
‫الناس بما ال يعرفون‪ ,‬وترك الرخص واإللزام بما لم يلزم به الشرع(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬التعالي والغرور وما يؤدي إليه من تصدر األحداث‪ :‬من السمات البارزة‬
‫في ظاهرة الغلو في الوقت المعاصر‪ :‬التعالي والغرور‪ ,‬وادعاء العلم في حين أنك تجد‬
‫أحدهم ال يعرف بدهيات العلم الشرعي‪ ,‬واألحكام وقواعد الدين‪ ,‬أو قد يكون عنده علم‬
‫قليل‪ ,‬بال أصول وال ضوابط وال فقه وال رأي سديد‪ ,‬ويظن أنه بعلمه القليل وفهمه السقيم‬
‫قد حاز علوم األولين واآلخرين‪ ,‬فيستقل بغروره علم العلماء‪ ,‬ويقعد عن مواصلة طلب‬
‫العلم فيهلك بغروره ويُهلك‪ ,‬وهكذا كان الخوارج األولون يدعون العلم واالجتهاد‪,‬‬
‫ويتطاولون على العلماء وهم من أجهل الناس(‪ .)2‬وأدى التعالم والغرور إلى تصدر حدثاء‬
‫األسنان وسفهاء األحالم للدعوة بال علم وال فقه‪ ,‬فاتخذ بعض الناس منهم رؤوسًا جُهاالً‪,‬‬
‫فأفتوا بغير علم وحكموا في األمور بال فقه‪ ,‬وواجهوا األحداث الجسام بال تجربة وال‬
‫رأي‪ ,‬وال رجوع إلى أهل العلم والفقه والتجربة والرأي‪ ,‬بل كثير منهم يستنقص العلماء‬
‫والمشايخ‪ ,‬وال يعرف لهم قدرهم‪ ,‬وإذا أفتى بعض المشايخ على غير هواه ومذهبه‪ ,‬أو‬
‫بخالف موقفه أخذ يلمزهم إما بالقصور أو التقصير‪ ,‬أو الجبن والمداهنة‪ ,‬أو بالسذاجة‬
‫وقلة الوعي واإلدراك‪ ,‬ونحو ذلك مما يحصل بإشاعته الفرقة والفساد العظيم‪ ,‬وغرس‬
‫الغل على العلماء والحط من قدرهم ومن اعتبارهم‪ ,‬وغير ذلك مما يعود على المسلمين‬
‫بالضرر البالغ في دينهم ودنياهم(‪.)3‬‬
‫‪ -3‬االستبداد بالرأي وتجهيل اآلخرين‪ :‬من أبرز معالم الغلو حديثًا التعصب للرأي‪,‬‬
‫وعدم االعتراف برأي اآلخرين‪ ,‬وإنكار ما عندهم من الحق ما دام خالفه في الرأي‪ ,‬ومن‬
‫األسباب التي تولد التعصب للرأي واالنحياز له‪ ,‬قلة العلم‪ ,‬مصادفة الرأي لذهن خال‪,‬‬
‫اإلعجاب بالرأي‪ ,‬اتباع الهوى‪.‬‬
‫إن آفة اإلعجاب بالرأي والتعصب له هوت بأصحابها إلى دركات خطيرة‪ ,‬في أزمنة‬
‫قبلنا‪ ,‬فما الذي هوى بذي الخويصرة الجهول‪ ,‬يقول ابن الجوزي‪ :‬وآفته أنه رضي برأي‬
‫نفسه‪ ,‬ولو وقف لعلم أنه ال رأي فوق رأي رسول هللا ×(‪ ,)4‬والذي هوى بأصحاب ذي‬
‫الخويصرة هو إعجابهم برأيهم‪ ,‬وظن السوء في غيرهم‪ ,‬وكانت الخوارج تتعبد‪ ,‬إال أن‬
‫اعتقادهم أنهم أعلم من علي رضي هللا عنه وهذا مرض صعب(‪ )5‬أوقعهم في المهالك‪ .‬إن‬
‫هؤالء المساكين وقعوا أسرى أللفاظ لم يحسنوا فهمها‪ ,‬ولم يستمعوا لمن يجليها لهم‪,‬‬
‫ويفهمهم إياها‪ ,‬ألن الصواب هو رأيهم وما عداه خطأ‪ ,‬يقول محمد أبو زهرة‪ :‬أولئك‬
‫استولت عليهم ألفاظ اإليمان‪ ,‬وال حكم إال هلل‪ ,‬والتبرؤ من الظالمين‪ ,‬وباسمها أباحوا دماء‬

‫‪1‬‬
‫() ظاهرة الغلو في الدين ص ‪.249-241‬‬
‫‪2‬‬
‫() الخوارج‪ ,‬ناصر العقل‪ ,‬ص ‪.129‬‬
‫‪3‬‬
‫() الخوارج‪ ,‬ناصر العقل‪ ,‬ص ‪.129‬‬
‫‪4‬‬
‫() تلبيس إبلبيس‪ ,‬ص ‪.90‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر نفسه ص ‪.91‬‬
‫‪47‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫المسلمين وخضبوا البالد اإلسالمية بجميع الدماء وشنوا الغارة في كل مكان(‪ .)1‬إن هذا‬
‫التعصب المقيت قد صدهم عن االستجابة للحق بعد وضوحه‪ ,‬فقد ناظرهم أمير المؤمنين‬
‫علي رضي هللا عنه وناظرهم ابن عباس رضي هللا عنه وأزاال أعذارهم‪ ,‬ودحضا‬
‫شبهاتهم‪ ,‬وأقاما عليهم الحجج الدامغة‪ ,‬وأفحماهم بالبراهين الساطعة‪ ,‬فلم يستجب إال‬
‫بعضهم واندفع الكثير الستباحة دماء المسلمين‪ .‬إن التعصب للرأي وتجهيل اآلخرين‬
‫يتنافى مع مبادئ هامة في اإلسالم كالشورى والتناصح‪.‬‬
‫‪ -4‬الطعن في العلماء العاملين‪ :‬يشهد عصرنا حملة غريبة وظاهرة عجيبة أال وهي‬
‫االعتداء على هيبة العلماء العاملين‪ ,‬وطعنهم بخناجر الزيغ والضالل‪ ,‬ولقد شهدت الصحف‬
‫والمجالت‪ ,‬والكتب والمقاالت‪ ,‬وقاعات الدروس والحلقات نماذج كثيرة من تلك الحمالت‪,‬‬
‫فجلب على أمة اإلسالم أبلغ األضرار‪ ,‬فشتت الشمل المشتت‪ ,‬وفرق الجمع المفرق‪ ,‬وعمق‬
‫الشق الغائر‪ ,‬وال شك أن للطعن في العلماء أسبابًا منها‪ :‬التعلم بدون ُمعلم‪ ,‬الفهم الخاطئ‬
‫لبعض عبارات العلماء‪ ,‬واتباع الهوى‪ ,‬والحسد‪ ,‬وقد لجأ بعض الشباب إلى أسلوب سيء أال‬
‫وهو تتبع عورات العلماء وزالتهم‪ ,‬وتصيد أقوالهم‪ ,‬وشواذ آرائهم‪ ,‬وتحريف كلمهم عن‬
‫مقصودهم‪ ,‬فعلوا ذلك ليبرروا حملتهم الشعواء في الطعن على العلماء قدي ًما وحديثًا ممن‬
‫يخالف آراءهم‪ ,‬وال يقر مناهجهم الحائدة عن االعتدال‪ ,‬ولقد كان فعلهم هذا وباالً على‬
‫اإلسالم‪ ,‬وقرة عين ألعداء اإلسالم من بني صهيون وعابدي األوثان‪ ,‬وإن هذا المسلك‬
‫المشين الذي يدل على جهل صاحبه أو مرضه وحقده‪ ,‬قد حذر منه العلماء لخطورته على‬
‫المسلمين‪ ,‬وألنه تنفيذ لمخطط أعداء الدين‪ ,‬وتحقيق ألغراضهم بال تعب وال نصب(‪ ,)2‬يقول‬
‫ابن تيمية رحمه هللا وهو ينهى عن رواية األقوال الضعيفة عن األئمة والعلماء‪ :‬ومثل هذه‬
‫المسألة الضعيفة‪ ,‬ليس ألحد أن يحكيها عن إمام من أئمة المسلمين ال على وجه القدح فيه‪,‬‬
‫وال على وجه المتابعة له فيها‪ ,‬فإن ذلك ضرب من الطعن في األئمة واتباع األقوال الضعيفة‪,‬‬
‫وبمثل ذلك صار وزير التتار يلقى الفتنة بين مذاهب أهل السنة حتى يدعوهم إلى الخروج‬
‫عن السُّنة والجماعة‪ ,‬ويوقعهم في مذهب الرافضة وأهل اإللحاد(‪ ,)3‬إن الذين يطعنون في‬
‫علماء األمة العاملين يخدمون المخططات اليهودية والنصرانية والطاغوتية واالستخباراتية‬
‫سوا ًء أشعروا بذلك أم ال‪ ,‬والذين ال يزالون يطعنون في علماء األمة بفعلهم هذا يكونون قد‬
‫ابتعدوا عن منهج أهل السنة الجماعة الذي يقول‪ :‬وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من‬
‫التابعين أهل الخير واألثر‪ ,‬وأهل الفقه والنظر‪ ,‬ال يذكرون إال بالجميل‪ ,‬ومن ذكرهم بسوء‬
‫فهو على غير السبيل(‪ ,)4‬وليعلم الذين يطعنون في علماء األمة العاملين أن لحوم العلماء‬
‫مسمومة‪ ,‬وعادة هللا في هتك منتقصيهم معلومة‪ ,‬وما يدري هذا المتعالم أن االعتبار في الحكم‬
‫على األشخاص بكثرة الفضائل! قال ابن القيم رحمه هللا‪ :‬ومن له علم بالشرع والواقع يعلم‬
‫قطعًا أن الرجل الجليل الذي له في اإلسالم قدم صالحة وآثار حسنة‪ ,‬وهو من اإلسالم وأهله‬
‫بمكان قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور‪ ,‬بل مأجور الجتهاده‪ ,‬فال يجوز أن يُتبع‬
‫فيها‪ ,‬وال يجوز أن تهدر مكانته وإمامته في قلوب المسلمين(‪ .)5‬فمن يبقى ألمة اإلسالم إذا‬
‫طُعن في علمائهم؟‪ ,‬سيبقى شباب أحداث‪ ,‬ال يحسنون التالوة‪ ,‬وال تستقيم لهم لغة‪ ,‬وليس لهم‬
‫باع طويلة وال قصيرة في كثير من علوم الشرع؟!‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ المذاهب اإلسالمية‪ ,‬محمد أبو زهرة‪ ,‬ص ‪.61‬‬
‫‪2‬‬
‫() ظاهرة الغلو في الدين‪ ,‬ص ‪.223-215‬‬
‫‪3‬‬
‫() الفتاوى (‪.)32/137‬‬
‫‪4‬‬
‫() شرح الطحاوية (‪.)2/740‬‬
‫‪5‬‬
‫() أعالم الموقعين (‪.)3/283‬‬
‫‪47‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫إن أسلوب الطعن في العلماء قرة عين ألعداء اإلسالم؛ ألنه ينشئ جيالً بال قادة‪ ,‬وهل‬
‫رأيتم جيالً بال قادة قد أفلح؟‬
‫إن أسوأ ما في األمم السابقة علماؤهم وأحبارهم‪ ,‬فقد كثر فيهم الضالون المضلون‪,‬‬
‫َّاس بِالْب ِ‬ ‫الر ْهب ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اط ِل‬‫ال الن ِ َ‬ ‫ان لَيَأْ ُكلُو َن أ َْم َو َ‬ ‫آمنُوا إِ َّن َكثِ ًيرا ِّم َن ْ‬
‫األحبَا ِر َو ُّ َ‬ ‫ين َ‬
‫قال تعالى‪+ :‬يَا أ َُّي َها الذ َ‬
‫اهلل" [التوبة‪.]34:‬‬ ‫يل ِ‬‫صدُّو َن َعن َسبِ ِ‬
‫َويَ ُ‬
‫وأفضل ما في اإلسالم علماؤه الربانيون العاملون‪ ,‬قال الشعبي‪ :‬كل أمة علماؤها‬
‫شرارها إال المسلمين‪ ,‬فإن علماءها خيارها(‪ ,)1‬ووضح ذلك ابن تيمية فقال‪ :‬وذلك أن كل‬
‫أمة غير المسلمين فهم ضالون‪ ,‬وإنما يضلهم علماؤهم‪ ,‬فعلماؤهم شرارهم‪ ,‬والمسلمون‬
‫على هدى وإنما يتبين الهدى بعلمائهم‪ ,‬فعلماؤهم خيارهم(‪.)2‬‬
‫‪ -5‬سوء الظن‪ :‬لقد كثر هذا المرض واستشرى ضرره في عصرنا‪ ,‬وكانتـ هذه اآلفة أداة‬
‫فتك وتدمير‪ ,‬ووسيلة هدم وتخريب‪ ,‬وقد ترتب عليها نتائجـ خطيرة‪ ,‬ومفاسد عظيمة‪ ,‬ولهذه‬
‫اآلفة أسباب ودوافع منها‪ :‬الجهل‪ ,‬فالجهل بتفهم حقيقة ما يرى وما يسمع وما يقرأ ومرمى ذلك‪,‬‬
‫صاـ إذا كانت المواقف غريبة‪ ,‬تحتاج‬ ‫وعدم إدراك حكم الشرع الدقيق في هذه المواقف خصو ً‬
‫إلى فقه دقيق‪ ,‬ونظر بعيد‪ ,‬يجعل صاحبه يبادر إلى سوء الظن‪ ,‬واالتهام بالعيب‪ ,‬واالنتقاص من‬
‫القدر‪ ,‬ومنهاـ الهوى؛ وهو آفة اآلفات‪ ,‬فيكفي أن يرى المرء أو يقرأ أو يسمع ما ال يعجبه‪ ,‬وال‬
‫يرضاه‪ ,‬وال يوافق عليه ويبتغيه‪ ..‬يكفي ذلك ألن يطلق للظن السيء الحبال‪ ,‬ويرخي له العنان‬
‫فيرتع ويصول ويجول‪ ,‬وال يزن األمور بميزان الشرع الدقيق‪ ,‬وال يحاول أن يلتمس المعاذير‪,‬‬
‫وال يراجع نفسه فضالً عن أن يتهم فهمه‪ ,‬فالهوى يصده عن ذلك‪ ,‬ومنها العجب والغرور‪,‬‬
‫فإحسان المرء ظنه بنفسه‪ ,‬وغروره بفهمه‪ ,‬إن كان ذا فهم‪ ,‬وإعجابه برأيه يدفعه ألن يزكي‬
‫نفسه ويحتقر غيره فهو الصواب والكل خطأ‪ ,‬وهو الحق والكل باطل‪ ,‬وهو الهدى والجميع‬
‫ضالل‪ ,‬وقد رأينا أُناسًا بلغ بهم سوء الظن مبل ًغا غريبًا عجيبًا‪ ,‬حتى أخرجوا جميع الناس‬
‫عداهم‪ ,‬أحياء وأمواتًا‪ ,‬فرموهم بالزيغ والضالل‪ ,‬وفساد االعتقاد‪ ,‬فالجميع في عقيدته دخن‬
‫ودخل‪ ,‬وهم وحدهم المخلصون‪ ,‬الجميع هالكون وهم الناجون‪ .‬إن الظن السيء آفة‪ ,‬ولكل آفة‬
‫آثارها الخطيرة‪ ,‬فمن آثارها السيئة ‪-‬والسيء ال يلد إال سيئًا‪:-‬‬
‫* أنه يدفع صاحبه لتتبع العورات‪ ,‬والبحث عن الزالت‪ ,‬والتنقيب عن السقطات‪,‬‬
‫وهو بذلك يعرض نفسه لغضب هللا وعقابه‪ ,‬ألن ذلك من صفات مرضى القلوب الذين‬
‫توعدهم رسول هللا × بالفضيحة فقال‪« :‬يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان‬
‫قلبه‪ ,‬لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم‪ ,‬فإن من تتبع عوراتهم يتتبع‬
‫الله عورته‪ ,‬ومن يتتبع الله عورته يفضحه في بيته»(‪.)3‬‬
‫* كما يدفع صاحبه إلى الغيبة‪ ,‬ونهش أعراض اآلخرين‪ ,‬والتشفي فيهم‪.‬‬
‫* وأخيرًا فالظن السيء يزرع الشقاق بين المسلمين‪ ,‬ويقطع حبال األخوة‪ ,‬ويمزق‬
‫وشائج المحبة‪ ,‬ويزرع العداء والبغضاء والشحناء‪.‬‬
‫ولما كانت هذه اآلفة ذات خطورة عظيمة كما تبين‪ ,‬فقد كان موقف اإلسالم حاس ًما‪,‬‬
‫وقد دعا وأمر باجتناب أكثر الظن‪ ,‬ألن الوقائع واألحداث أثبتت أن الجري وراءه واتباعه‬

‫‪1‬‬
‫() الفتاوى (‪.)7/284‬‬
‫‪2‬‬
‫() الفتاوى (‪.)7/284‬‬
‫‪3‬‬
‫() ُمسند أحمد ‪.424-4/421‬‬
‫‪47‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫اجتَنِبُوا َكثِ ًيرا ِّم َن الظَّ ِّن إِ َّن‬ ‫َّ ِ‬
‫آمنُوا ْ‬
‫ين َ‬
‫عاقبته وخيمة‪ ,‬وأضراره عظيمة ‪ ,‬قال تعالى‪+ :‬يَا أ َُّي َها الذ َ‬
‫(‪)1‬‬

‫ض الظَّ ِّن إِثْ ٌم" [الحجرات‪ ,]12:‬قال ابن كثير‪ :‬يقول تعالى ناهيًا عباده المؤمنين عن كثير‬ ‫َب ْع َ‬
‫من الظن‪ ,‬وهو‪ :‬التهمة والتخون لألهل واألقارب والناس في غير محله‪ ,‬ألن بعض ذلك‬
‫ضا‪ ,‬فليجتنب كثير منه احتياطًا(‪ ,)2‬ومما يدفع سوء الظن التماس العذر‬ ‫يكون إث ًما مح ً‬
‫ألخيك‪ ,‬قال عمر بن الخطاب رضي هللا عنه‪« :‬وال تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن‬
‫إال خيرًا‪ ,‬وأنت تجد لها في الخير محمالً»(‪.)3‬‬
‫‪ -6‬الشدة والعنف مع اآلخرين‪ :‬من مظاهر الغلو حديثًا الشدة والعنف في التعامل‬
‫مع اآلخرين‪ ,‬واستخدامهما في غير محلهما‪ ,‬وكأن األصل في التعامل مع الغير هو العنف‬
‫والغلظة ال الرفق والرحمة‪ ,‬وهذه الشدة أصبحت هي الطابع الغالب على سلوك بعض‬
‫الشباب‪ ,‬وقد تجاوز العنف حدود القول إلى العمل‪ ,‬فسفكت دماء بريئة بسببه ودمرت‬
‫منشآت‪ ,‬ولقد تسبب هذا العنف في أضرار فادحة على أصحابه وعلى األمة‪ ,‬وقد كانت‬
‫هناك جملة أسباب رئيسية وراء استخدام بعض الشباب للعنف والشدة‪ ,‬والقسوة والغلظة‪,‬‬
‫نستطيع أن نجملها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬المحن‪ :‬فكثير من هؤالء الشباب تعرضوا لمحن شتى‪ ,‬أثرت في نفوسهم‪ ,‬وكان‬
‫لذلك رد فعل شديد‪ ,‬فقابلوا العنف بالعنف‪ ,‬وغلب ذلك على طباعهم‪.‬‬
‫‪ -‬الجهل بفقه االحتساب‪ :‬فاألمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات‬
‫التي كلف هللا بها هذه األمة‪ ,‬وينبغي للقائم بها أن يكون فقيهًا فيها ليتمكن من تحقيق‬
‫المصلحة واجتناب المفسدة بأيسر طريق‪ ,‬فهناك أمور ينبغي فقهها والعلم بها لمن يؤدي‬
‫هذا الواجب منها‪ :‬أن هذا الواجب قد يُؤدى تارة بالقلب‪ ,‬وتارة باللسان‪ ,‬وتارة باليد‪,‬‬
‫والقلب واجب في كل حال‪ ,‬وبعض الناس قد يقع هنا في خطأ‪ ,‬فمنهم من يريد أن يأمر‬
‫وينهى إما بلسانه وإما بيده مطلقًا‪ ,‬من غير فقه وحلم وصبر‪ ,‬ونظر فيما يصلح من ذلك‬
‫وما ال يصلح‪ ,‬وما يقدر عليه وما ال يقدر‪ ,‬فيأتي باألمر والنهي معتقدًا أنه مطيع في ذلك‬
‫هلل ولرسوله‪ ,‬وهو معت ٍد في حدوده(‪ ,)4‬فالبد من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما‪,‬‬
‫والبد من العلم بحال المأمور والمنهي‪ ,‬ومن الصالح أن يأتي باألمر والنهي بالصراط‬
‫المستقيم‪ ,‬وهو أقرب الطرق إلى حصول المقصود‪ ,‬والبد في ذلك من الرفق والبد أيضًا‬
‫أن يكون حلي ًما صبورًا على األذى‪ ,‬فإنه البد أن يحصل له أذى‪ ,‬فإن لم يحلم ويصبر كان‬
‫يفسد أكثر مما يصلح‪ ,‬فالبد من هذه الثالثة‪ :‬العلم والرفق‪ ,‬والصبر‪ ,‬والعلم قبل األمر‬
‫والنهي‪ ,‬والرفق معه‪ ,‬والصبر بعده‪ ,‬وإذا كان كل من الثالثة مستصحبًا في هذه األحوال‪.‬‬
‫وقد ذكر القاضي أبو يعلى‪ :‬ال يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إال من كان فقيهًا فيما‬
‫يأمر به‪ ,‬فقيهًا فيما ينهى عنه(‪ ,)5‬تلك بعض أمور من فقه األمر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر‪ ,‬قد أدى الجهل بها وعدم مراعاتها إلى سلوك سبيل الشدة والعنف في الدعوة‪.‬‬
‫* ولقد استخدم بعض الشباب أسلوب الغلظة والقسوة في إرشاد الناس ومحاورتهم‬
‫لهم‪ ,‬ودعوتهم إلقالعهم عما يخالف الشرع‪ ,‬وظنوا أن طريق الشدة هي المجدية‬
‫‪1‬‬
‫() ظاهرة الغلو في الدين ص ‪.211-201‬‬
‫‪2‬‬
‫()‪ )3( ,‬تفسير ابن كثير (‪.)4/212‬‬
‫‪3‬‬
‫()‬

‫‪4‬‬
‫() الفتاوى (‪.)8/128،127‬‬
‫‪5‬‬
‫() الفتاوى (‪.)28/137،136‬‬
‫‪47‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫والرادعة‪ ,‬وغاب عنهم أن أسلوب الرفق هو األصل وال يترك إال بعد أن تستنفد وسائله‪,‬‬
‫ألنه هو المجدي النافع‪ ,‬المؤثر في النفس‪ ,‬أما الشدة فإنها تنفر في غالب األحيان‪ ,‬وتحمل‬
‫المخالف على اإلصرار‪ ,‬ومن العجب أن هؤالء لم يفرقوا بين المخالف عن علم‪ ,‬والجاهل‬
‫الذي ال يدري‪ ,‬وال بين الداعية للبدعة والضحية المضلل المخدوع‪ ,‬وال بين المنكر‬
‫المختلف فيه والمتفق عليه‪ ,‬ومن الأسباب الغليظة التي يسلكها بعض هؤالء‪ :‬الخشونة‬
‫في معاملة الوالدين‪ ,‬فال يقيم لهما حرمة‪ ,‬وال يعاونهما وال يخدمهما‪ ,‬لقد نسي هؤالء أن‬
‫الوالدين لهما خصوصيات عن سائر الناس السيما في دعوتهما وإرشادهما‪ ,‬وال يعني ذلك‬
‫التنازل عن االلتزام والتمسك بأمر من أمو الدين أو ارتكاب معصية إرضاء لهواهما‪..‬‬
‫كال‪ ...‬كال إنما نريد األدب في المعاملة‪ ,‬واللين في القول وحسن العشرة‪ ,‬والصبر عليهما‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫صالُهُ‬ ‫ص ْينَا ا ِإلنْ َسا َن بَِوال َديْه َح َملَْتهُ أ ُُّمهُ َو ْهنًا َعلَى َو ْه ٍن َوف َ‬ ‫والشفقة والرحمة بهما‪ ,‬قال تعالى‪َ + :‬و َو َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َي الْم ِ‬ ‫َن ا ْش ُك ْر لِي َولَِوالِ َديْ َ‬‫فِي َعام ْي ِن أ ِ‬
‫ْم‬
‫َك به عل ٌ‬ ‫سل َ‬ ‫اك َعلَى أَن تُ ْش ِر َك بي َما ل َْي َ‬ ‫اه َد َ‬‫ص ُير ‪َ ‬وإن َج َ‬ ‫ك إِل َّ َ‬ ‫َ‬
‫َي َم ْر ِجعُ ُك ْم فَأَُنبِّئُ ُك ْم بِ َما ُك ْنتُ ْم‬ ‫ل‬ ‫ِ‬
‫إ‬ ‫م‬ ‫ث‬ ‫َي‬ ‫ل‬‫ِ‬‫إ‬ ‫اب‬ ‫ن‬‫َ‬‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫يل‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫س‬ ‫ع‬ ‫ِ‬
‫ب‬‫َّ‬
‫ت‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ُّ‬
‫الد‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ َ َ ْ ُ ً َ ْ َ َ َ ْ َ َ َّ ُ َّ َّ‬ ‫فَالَ تُط ْ ُ َ َ َ ْ ُ َ‬
‫ه‬ ‫ب‬ ‫اح‬ ‫ص‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ع‬
‫َت ْع َملُو َن" [لقمان‪:‬ـ ‪.]15،14‬‬
‫ولقد رأينا بعض الشباب يتخاذل عن معاونة الناس الذين خلطوا عمالً صالحًا وآخر‬
‫سيئًا‪ ,‬فهؤالء في نظرهم ال يستحقون أي خدمة‪ ,‬وال كلمة طيبة‪ ,‬وال مساعدة نافعة‪ ,‬فهؤالء‬
‫الشباب لم يتضح عندهم مفهوم الوالء والبراء وحدود كل منهما‪ ,‬فيطغى عندهم البراء‬
‫على الوالء‪ ,‬ونسوا أن الخدمات االجتماعية وسيلة ناجحة من وسائل الدعوة‪ ,‬ألنها عملية‪,‬‬
‫فهي أبلغ تأثيرًا في الناس من القول‪ ,‬نسوا أن خشونتهم في المعاملة وتخليهم عن المساعدة‬
‫يعمق الهوة بينهم‪ ,‬ويذهب بهؤالء الناس إلى صفوف المنحرفين أعداء الدين‪.‬‬
‫ومن مظاهر العنف البالغة ما يفعله بعض هؤالء من مجاوزة الغلظة بالقول إلى القتل‬
‫وسفك الدم‪ ,‬دم العلماء‪ ,‬أو الجنود األبرياء‪ ,‬أو المواطنين العزل‪ ,‬وأخيرًا فال تعجب إذا‬
‫علمت بعد ذلك أن أصحاب العنف هؤالء‪ ,‬كثيرًا ما انقلب بعضهم على بعض‪ ,‬وتطاولت‬
‫األلسنة وأحيانًا األيدي‪ ,‬وذلك ليس بغريب إذا رجع اإلنسان قليالً لدراسة أحوال الفرق‬
‫التي تركت كتاب هللا وسنة رسوله × ومنهج السلف الصالح‪ ,‬فقد تناحرت تلك الفرق فيما‬
‫بينها‪ ,‬وضلل بعضها بعضًا وكفر بعضها بعضًا‪.‬‬
‫وهكذا مصير من ترك المنهج الذي جاء به خاتم األنبياء صلوات هللا عليه وسالمه‪,‬‬
‫إن اإلسالم موقفه صريح من العنف والشدة في الدعوة ومعاملة الناس‪ ,‬قال تعالى آمرًا‬
‫موسى وأخاه هارون‪+ :‬ا ْذ َهبَا إِلَى فِ ْر َع ْو َن إِنَّهُ طَغَى ‪َ ‬ف ُقوالَ لَهُ َق ْوالً لَِّّينًا لَّ َعلَّهُ َيتَ َذ َّك ُر أ َْو يَ ْخ َشى"‬
‫[طه‪ ,]44،43 :‬تلك هي توجيهات ربنا عز وجل لموسى وهارون عليهما السالم عند دعوة‬
‫فرعون الطاغية‪ ,‬القول اللين في بيان الحق ألنه أجدى وأقرب لقبول الذكرى وإحداث‬
‫َح َس ُن فَِإ َذا الَّ ِذي َب ْينَ َ‬ ‫ِ‬
‫ك‬ ‫السيِّئَةُ ا ْدفَ ْع بِالَّتِي ه َي أ ْ‬ ‫ْح َسنَةُ َوالَ َّ‬ ‫الخشية‪ ,‬وقال سبحانه‪َ + :‬والَ تَ ْستَ ِوي ال َ‬
‫ظ َع ِظ ٍ‬ ‫اها إِالَّ ذُو َح ٍّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يم" [فصلت‪:‬‬ ‫صَب ُروا َو َما ُيلَ َّق َ‬‫ين َ‬ ‫اها إِالَّ الذ َ‬ ‫يم ‪َ ‬و َما ُيلَ َّق َ‬ ‫َو َب ْينَهُ َع َد َاوةٌ َكأَنَّهُ َول ٌّي َحم ٌ‬
‫‪.]35،34‬‬
‫إن الداعية قد يلقى في طريقه ما يغضبه ويضايقه‪ ,‬وهو القيه ال محالة‪ ,‬فالبد أن‬
‫الصالَةَ َوأْ ُم ْر‬ ‫يوطن نفسه على الصبر‪ ,‬ويحصنها بكظم الغيظ‪ ,‬والعفو عن الناس ‪+‬يَا ُبنَ َّي أَقِ ِم َّ‬
‫ك ِم ْن َع ْزِم األ ُُمو ِر" [لقمان‪.]17:‬‬ ‫ك إِ َّن ذَلِ َ‬ ‫َصابَ َ‬‫اصبِ ْر َعلَى َما أ َ‬
‫ِ‬
‫بِال َْم ْع ُروف َوانْهَ َع ِن ال ُْم ْن َك ِر َو ْ‬
‫وينبغي للداعية أن يتجنب أسلوب اإلثارة واالستفزاز‪ ,‬فيبتعد عن السباب والشتم ‪َ +‬والَ‬
‫‪47‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫سبُّوا اهللَ َع ْد ًوا بِغَْي ِر ِعل ٍْم" [األنعام‪.]108:‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين يَ ْدعُو َن من ُدون اهلل َفيَ ُ‬
‫َّ ِ‬
‫سبُّوا الذ َ‬
‫تَ ُ‬
‫ولقد كثرت النصوص النبوية التي تؤكد وتركز على االلتزام بقاعدة الرفق‪ ,‬والبعد‬
‫عن الشدة والعنف‪ ,‬قال × «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه‪ ,‬ولا ينزع من‬
‫شيء إلا شانه»(‪.)1‬‬
‫والرفق‪ :‬هواألصل في الدعوة‪ ,‬ليس معنى ذلك إلغاء الشدة بالكلية‪ ,‬ال‪ ,‬فالشدة لها‬
‫مواضعها بعد استنفاد وسائل الرفق والصبر‪ ,‬والموفق من وفقه هللا إلنزال كل في منزلته‪,‬‬
‫وعصمه من هواه(‪.)2‬‬
‫***‬

‫‪1‬‬
‫() مسند أحمد (‪)4/362‬‬
‫‪2‬‬
‫() ظاهرة الغلو في الدين‪ ,‬ص ‪.237-231‬‬
‫‪47‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫المبحث الثاني‬
‫أمير المؤمنين علي وفكر الشيعة‬
‫أوالً‪ :‬الشيعة في اللغة واالصطالح‪ ,‬والرفض في اللغة واالصطالح‬
‫‪ -1‬الشيعة في اللغة‪ :‬شيعة الرجل‪ :‬أتباعه وأنصاره‪ ,‬ويقال‪ :‬شايعه‪ ,‬كما يقال‪:‬‬
‫وااله من الولى‪ ..‬وتشيع الرجل أي‪ :‬ادعى دعوى الشيعة‪ ,‬وتشايع القوم صاروا شيعًا‪,‬‬
‫وكل قوم أمرهم واحد يتبع بعضهم رأي بعضهم فهم شيع‪ ,‬وقوله تعالى‪َ + :‬ك َما فُ ِع َل‬
‫اع ِهم ِّمن َق ْب ُل" [سبأ‪ .]54:‬أي بأمثالهم من األمم الماضية(‪ )1‬وجاء في المصباح المنير‪:‬‬ ‫بِأَ ْشي ِ‬
‫َ‬
‫والشيعة األتباع واألنصار‪ ,‬وكل قوم اجتمعوا علىأمر فهم شيعة‪ ,‬ثم صارت الشيعة نبرًا –‬
‫أي وصفًا‪ -‬جماعة مخصوصة والجمع شيع مثل‪ :‬سدرة وسدر‪ ,‬واألشياع جمع الجمع‪,‬‬
‫وشيعت رمضان بست من شوال أتبعته بها(‪ )2‬فالشيعة من حيث مدلولها اللغوي تعني‪:‬‬
‫القوم والصحب واألتباع واألعوان‪ ,‬وقد ورد هذا المعنى في بعض آيات القرآن الكريم‬
‫اسَتغَاثَهُ الَّ ِذي ِمن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كما في قوله تعالى‪َ + :‬ف َو َج َد ف َيها َر ُجلَْي ِن َي ْقتَتِالَن َه َذا من ش َيعتِه َو َه َذا م ْن َع ُد ِّوه فَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫يم" [الصافات‪:‬‬ ‫ش َيعته َعلَى الذي م ْن َع ُد ِّوه" [القصص‪ ,]15:‬وقوله تعالى‪َ + :‬وإ َّن من ش َيعته ِإل ْب َراه َ‬
‫‪ ,]83‬فلفظ الشيعة في األولى‪ :‬تعني القوم‪ ,‬وفي الثانية‪ :‬تشير إلى األتباع الذين يوافقون‬
‫على الرأي والمنهج ويشاركون فيهما‪.‬‬
‫‪ -2‬تعريف الشيعة في الاصطلاح‪ :‬إن تعريف الشيعة مرتبط أساسًا بأطوار‬
‫نشأتهم‪ ,‬ومراح التطور العقدي لهم‪ ,‬ذلك أن من الملحوظ أن عقائد الشيعة وأفكارها في‬
‫تغير وتطور مستمر‪ ,‬فالتشيع في العصر األول غير التشيع فيما بعده‪ ,‬ولهذا كان الصدر‬
‫األول ال يسمى شيعيًا إال من قدم عليًا على عثمان(‪ ,)3‬ولذلك قيل‪ :‬شيعي وعثماني‪,‬‬
‫فالشيعي من قدم‬
‫عليًا على عثمان‪ ,‬فعلى هذا يكون التعريف للشيعة في الصدر األول‪ :‬أنهم الذين يقدمون‬
‫عليًا على عثمان فقط(‪ .)4‬ولهذا ذكر ابن تيمية‪ :‬أن الشيعة األولى الذين كانوا على عهد‬
‫علي كانوا يفضلون أبا بكر وعمر(‪ ,)5‬وقد منع شريك بن عبد هللا –وهو ممن يوصف‬
‫بالتشيع –إطالق اسم التشيع على من يفضل عليًا على أبي بكر وعمر‪ ,‬وذلك لمخالفته لما‬
‫تواتر‬
‫عن علي في ذلك‪.‬‬
‫(‪)6‬‬
‫والتشيع‪ :‬يعني المناصرة والمتابعة ال المخالفة والمنابذة ‪ ,‬وروى ابن بطة عن‬
‫شيخه المعروف بأبي العباس بن مسروق قال‪ :‬حدثنا محمد بن حميد‪ ,‬حدثنا جرير‪ ,‬عن‬
‫سفيان‪ ,‬عن عبد هللا بن زياد بن جرير قال‪ :‬قدم أبو إسحاق السبيعي الكوفة‪ ,‬فقال لنا شهر‬
‫بن عطية‪ :‬قوموا إليه‪ ,‬فجلسنا إليه‪ ,‬فتحدثوا‪ ,‬فقال أبو إسحاق‪ :‬خرجت من الكوفة وليس‬

‫‪1‬‬
‫() الصحاح للجوهري‪ ,‬ولسان العرب‪ ,‬مادة شيع‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصباح المنير‪ :‬شيع‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)1/64‬‬
‫‪4‬‬
‫() فتاوى ابن تيمية (‪ ,)3/153‬فتح الباري (‪.)7/34‬‬
‫‪5‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)2/60‬‬
‫‪6‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية االثنى عشرية (‪.)1/65‬‬
‫‪47‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫أحد يشك في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما‪ ,‬وقدمت اآلن(‪ )1‬وهم يقولون‪ :‬وال وهللا ما‬
‫أدري ما يقولون‪ .‬قال محب الدين الخطيب‪ :‬هذا نص تاريخي عظيم في تحديد تطور‬
‫التشيع‪ ,‬فإن أبا إسحاق السبيعي كان شيخ الكوفة وعالمها(‪ ,)2‬ولد في خالفة أمير المؤمنين‬
‫عثمان قبل شهادته بثالث سنين‪ ,‬وعمر حتى توفى سنة ‪127‬هـ‪ ,‬وكان طفالً في خالفة‬
‫أمير المؤمنين علي‪ ,‬وهو يقول عن نفسه‪ :‬رفعني أبي حتى رأيت علي بن أبي طالب‬
‫يخطب‪ ,‬أبيض الرأس واللحية‪ ,‬ولو عرفنا متى فارق الكوفة‪ ,‬ثم عاد فزارها‪ ,‬لتوصلنا إلى‬
‫معرفة الزمن الذي كان فيه شيعة الكوفة يرون ما يراه إمامهم من تفضيل أبي بكر‪,‬‬
‫وعمر‪ ,‬ومتى أخذوا يفارقون عليًا ويخالفونه فيما كان يؤمن به‪ ,‬ويعلنه على منبر الكوفة‬
‫من أفضلية أخويه‪ ,‬صاحبي رسول هللا × ووزيريه وخليفتيه على أمته في أنقى وأطهر‬
‫أزمانها(‪ ,)3‬وقال ليث بن أبي سليم‪ :‬أدركت الشيعة األولى وما يفضلون على أبي بكر‬
‫وعمر أحدًا(‪.)4‬‬
‫وذكر صاحب مختصر التحفة‪ :‬إن الذين كانوا في وقت خالفة األمير رضي هللا عنه‬
‫من المهاجرين واألنصار‪ ,‬والذين اتبعوهم بإحسان‪ ,‬كلهم عرفوا له حقه‪ ,‬وأحلوه من‬
‫الفضل محله‪ ,‬ولم ينتقصوا أحدًا من إخوانه أصحاب رسول هللا × فضالً عن إكفاره‬
‫وسبه(‪ ,)5‬ولكن لم يظل التشيع بهذا النقاء والصفاء والسالمة والسمو‪ ,‬بل إن مبدأ التشيع‬
‫تغير‪ ,‬فأصبحت الشيعة شيعًا‪ ,‬وصار التشيع قناعًا يتستر به كل من أراد الكيد لإلسالم‬
‫والمسلمين من األعداء الموتورين الحاسدين‪ ...‬ولهذا نسمي الطاعنين على الشيخين‬
‫الرافضة‪ ,‬ألنهم ال يستحقون وصف التشيع(‪ ,)6‬ومن عرف التطور العقدي لطائفة الشيعة‬
‫ال يستغرب وجود طائفة من أعالم المحدثين‪ ,‬وغير المحدثين من العلماء واألعالم أطلق‬
‫عليهم لقب الشيعة‪ ,‬وقد يكونون من أعالم ال ُسنَّة‪ ,‬ألن التشيع في زمن السلف مفهو ًماـ‬
‫وتعريفًا غير المفهوم والتعريف المتأخر للشيعة‪ .‬ولهذا قال الذهبي في معرض الحديث‬
‫عمن رمى ببدعة التشيع‪ :‬إن البدعة على ضربين‪ ,‬فبدعة صغرى‪ ,‬كغلو التشيع‪ ,‬أو‬
‫كالتشيع بال غلو‪ ,‬فهذا كثير في التابعين‪ ,‬وأتباعهم مع الدين والورع والصدق‪ ,‬فلو رد‬
‫حديث هؤالء لذهب جملة من اآلثار النبوية‪ ,‬وهذه مفسدة بينة‪ ,‬ثم بدعة كبرى كالرفض‬
‫الكامل‪ ,‬والغلو فيه‪ ,‬والحط من أبي بكر وعمر رضي هللا عنهما‪ ,‬والدعاء إلى ذلك‪ ,‬فهذا‬
‫النوع ال يحتج بهم وال كرامة أيضًا‪ ,‬فما أستحضر اآلن في هذا الضرب رجالً صادقًا وال‬
‫مأمونًا‪ ,‬بل الكذب شعارهم‪ ,‬والتقية والنفاق دثارهم‪ ,‬فكيف يقبل نقل من هذا حاله‪ ,‬حاشا‬
‫وكال‪ ,‬فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو من تكلم في عثمان والزبير‪ ,‬وطلحة‬
‫ومعاوية‪ ,‬وطائفة ممن حارب عليًا رضي هللا عنه وتعرض لسبهم‪ ,‬والغالي في زمننا‬
‫مفتر(‪ ,)7‬إذن التشيع‬
‫ٍ‬ ‫وعرفنا هو الذي يكفر هؤالء السادة ويتبرأ من الشيخين فهذا ضال‬
‫درجات‪ ,‬وأطوار‪ ,‬ومراحل‪ ,‬كما أنه فرق وطوائف‪ ,‬وقبل أن ندع الحديث حول تعريف‬
‫الشيعة نشير إلى أنه يلحظ على تعريفات الشيعة الواردة في معظم كتب المقاالت‪ ,‬أنها‬
‫‪1‬‬
‫() المنتقى ص ‪.360‬‬
‫‪2‬‬
‫() انظر ترجمته في تهذيب التهذيب (‪ ,)8/63‬الخالصة ص‪.291‬‬
‫‪3‬‬
‫() حاشية المنتقى‪ ,‬ص ‪.361،360‬‬
‫‪4‬‬
‫() المنتقى‪ ,‬ص‪.360‬‬
‫‪5‬‬
‫() مختصر التحفة االثنى عشرية‪ ,‬ص ‪.3‬‬
‫‪6‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية االثنى عشرية (‪.)1/67،66‬‬
‫‪7‬‬
‫() ميزان االعتدال للذهبي (‪ ,)1/6،5‬لسان الميزان (‪.)1/10،9‬‬
‫‪47‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫دأبت على القول في التعريف للشيعة اإلمامية بأنهم أتباع علي‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫وهذا يؤدي إلى نتيجة خاطئة تخالف إجماع األمة كلها‪ ,‬هذه النتيجة أن يكون علي‬
‫شيعيًا يرى ما يراه الشيعة‪ ,‬وعلي رضي هللا عنه برئ مما تعتقده الشيعة فيه وفي بنيه‬
‫ولذلك البد من وضع قيد واحتراز في التعريف رفعًا لإلبهام‪ ,‬فيقال‪ :‬هم الذين يزعمون‬
‫اتباع علي‪ ,‬حيث إنهم لم يتبعوا عليًا على الحقيقة‪ ,‬وليس أمير المؤمنين على ما‬
‫يعتقدون(‪ ,)1‬أو يقال‪ :‬بأنهم المدعون التشيع لعلي‪ ,‬أو الرافضة‪ ,‬ولذلك عبر عنهم بعض‬
‫أهل العلم بقوله‪ :‬الرافضة المنسوبون إلى شيعة علي(‪ ,)2‬فهم أيضًا ليسوا على منهج شيعة‬
‫علي المتبعين له‪ ,‬بل هم أدعياء ورافضة(‪.)3‬‬
‫‪ -3‬الرفض في اللغة هو‪ :‬الترك‪ ,‬يقال رفضت الشيء‪ :‬أي تركته(‪ ,)4‬فالرفض في‬
‫اللغة معناه الترك والتخلي عن الشيء‪.‬‬
‫‪ -4‬الرافضة في الاصطلاح هي‪ :‬إحدى الفرق المنتسبة للتشيع آلل البيت‪ ,‬مع‬
‫البراءة من أبي بكر وعمر وسائر أصحاب النبي × إال القليل منهم‪ ,‬وتكفيرهم لهم وسبهم‬
‫إياهم(‪ ,)5‬قال اإلمام أحمد رحمه هللا‪ :‬الرافضة‪ :‬هم الذين يتبرؤون من أصحاب محمد‬
‫رسول هللا × ويسبونهم وينتقصونهم(‪ .)6‬وقال عبد هللا بن أحمد –رحمه هللا‪ :-‬سألت أبي‬
‫عن الرافضة؟‪ ,‬فقال‪ :‬الذين يشتمون أو يسبون أبا بكر وعمر رضي هللا عنهما(‪.)7‬‬
‫وقال أبو القاسم التيمي بقوام السنة في تعريفهم‪ :‬وهم الذين يشتمون أبا بكر وعمر‬
‫رضي هللا عنهما ورضي عن محبيهما(‪ ,)8‬وقد انفردت الرافضة من بين الفرق المنتسبة‬
‫لإلسالم بمسبة الشيخين أبي بكر وعمر‪ ,‬دون غيرها من الفرق األخرى‪ ,‬وهذا من عظيم‬
‫خذالنهم‪ ,‬قاتلهم هللا(‪.)9‬‬
‫يقول ابن تيمية رحمه هللا‪ :‬فأبو بكر وعمر رضي هللا عنهما أبغضتهما الرافضة‬
‫ولعنتهما‪ ,‬دون غيرهم من الطوائف(‪ ,)10‬وقد جاء في كتب الرافضة ما يشهد لهذا‪ ,‬وهو‬
‫جعلهم محبة الشيخين وتوليهما من عدمهما هو الفارق بينهم وبين غيرهم ممن يطلقون‬
‫عليهم النواصب‪ ,‬فقد روى الدرازي عن محمد بن علي بن موسى قال‪ :‬كتبت إلى علي بن‬
‫محمد عليه السالم(‪ )11‬عن الناصب هل يحتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت‬

‫‪1‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية االثنى عشرية (‪.)1/68‬‬
‫‪2‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)2/106‬‬
‫‪3‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية االثنى عشرية (‪.)1/69‬‬
‫‪4‬‬
‫() القاموس المحيط للفيروزأبادي (‪ ,)2/332‬مقاييس اللغة (‪.)2/422‬‬
‫‪5‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ ,‬ص ‪.25‬‬
‫‪6‬‬
‫() طبقات الحنابلة البن أبي يعلي (‪.)1/33‬‬
‫‪7‬‬
‫() السنة للخالل رقم (‪ ,)777‬وقال المحقق‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() الحجة في بيان المحجة (‪.)2/478‬‬
‫‪9‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ ,‬ص ‪.26‬‬
‫‪10‬‬
‫() مجموع الفتاوى (‪.)4/435‬‬
‫‪11‬‬
‫() هو أحد األئمة االثنى عشرية عند اإلمامية‪ ,‬وفيات األعيان (‪.)3/272‬‬
‫‪47‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫والطاغوت(‪ ,)1‬واعتقاد إمامتهما؟‪ ,‬فرجع الجواب‪ :‬من كان على هذا فهو ناصب(‪.)2‬‬
‫‪ -5‬سبب تسميتهم رافضة‪ :‬يرى جمهور المحققين أن سبب إطالق هذه التسمية على‬
‫الرافضة‪ ,‬لرفضهم زيد بن علي وتفرقهم عنه بعد أن كانوا في جيشه‪ ,‬حين خروجه على‬
‫هشام بن عبد الملك‪ ,‬في سنة إحدى وعشرين ومائة‪ ,‬وذلك بعد أن أظهروا البراءة من‬
‫الشيخين فنهاهم عن ذلك‪ .‬يقول أبو الحسن األشعري‪ :‬وما كان زيد بن علي يفضل علي‬
‫ابن أبي طالب على سائر أصحاب رسول هللا × ويتولى أبا بكر وعمر‪ ,‬ويرى الخروج‬
‫على أئمة الجور‪ ,‬فلما ظهر في الكوفة في أصحابه الذين بايعوه سمع من بعضهم الطعن‬
‫في أبي بكر وعمر‪ ,‬فأنكر ذلك على من سمعه منه فتفرق عنه الذين بايعوه فقال لهم‪:‬‬
‫رفضتمونيـ(‪ ,)3‬فيقال‪ :‬إنهم سموا رافضة لقول زيد لهم‪ :‬رفضتموني‪ ,‬وبهذا القول قال قوام‬
‫السنَّة(‪ ,)4‬والرازي(‪ ,)5‬والشهرستاني(‪ ,)6‬وابن تيمية(‪ )7‬رحمهم هللا وذهب األشعري في قول‬
‫آخر‪ :‬إلى أنهم سموا بالرافضة لرفضهم إمامة الشيخين‪ ,‬قال‪ :‬وإنما سموا رافضة لرفضهم‬
‫إمامة أبي بكر وعمر(‪.)8‬‬
‫‪ -6‬رافضة اليوم‪ :‬والرافضة اليوم يغضبون من هذه التسمية وال يرضونها‪ ,‬ويرون‬
‫أنها من األلقاب التي ألصقها بهم مخالفوها‪ ,‬يقولـ محسن األمين‪ :‬الرافضة لقب ينبز به من‬
‫يقدم عليًا رضي هللا عنه في الخالفة وأكثر ما يستعمل للتشفي واالنتقام(‪ ,)9‬ولهذا يتسمون‬
‫اليوم الشيعة‪ ,‬وقد اشتهروا بهذه التسمية عند العامة‪ ,‬وقد تأثر بذلك بعض الكتاب‬
‫والمثقفين‪ ,‬فنجدهم يطلقون عليهم هذه التسمية‪ ,‬وفي الحقيقة أن الشيعة مصطلح عام يشمل‬
‫كل من شايع عليًا رضي هللا عنه(‪ ,)10‬وقد ذكر أصحاب الفرق والمقاالت أنهم ثالثة‬
‫أصناف‪:‬‬
‫أ‪ -‬غالية‪ :‬وهم الذين غلوا في علي وادعوا فيه اإللهية أو النبوة‪.‬‬
‫ب‪ -‬ورافضة‪ :‬وهم الذين يدعون النص على استخالف علي‪ ,‬ويتبرؤون من الخلفاء‬
‫قبله وعامة الصحابة‪.‬‬
‫ج‪ -‬وزيدية‪ :‬وهم أتباع زيد بن علي‪ ,‬الذين كانوا يفضلون عليًا على سائر الصحابة‬
‫ويتولون أبا بكر وعمر(‪ .)11‬فإطالق الشيعة على الرافضة من غير تقييد لهذا المصطلح‬
‫‪1‬‬
‫() يعنون بهما‪ :‬أبا بكر وعمر رضي هللا عنهما كما جاء ذلك في تفسير العياشي (‪ ,)1/246‬وهو من أهم‬
‫ْكتَ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫ت والطَّاغُ ِ‬ ‫صيبا ِّمن ال ِ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫وت"‬ ‫اب ُي ْؤمنُو َن بالْج ْب َ‬ ‫َم َت َر إِلَى الذ َ‬
‫ين أُوتُوا نَ ً َ‬ ‫كتب التفسير عندهم‪ ,‬عند قوله تعالى‪+ :‬أَل ْ‬
‫[النساء‪.]51:‬‬
‫‪2‬‬
‫() المحاسن النفسانية لمحمد آل عصفور الدرازي‪ ,‬ص ‪.145‬‬
‫‪3‬‬
‫() مقاالت اإلسالميين (‪.)1/37‬‬
‫‪4‬‬
‫() الحجة في بيان المحجة (‪.)2/478‬‬
‫‪5‬‬
‫() اعتقادات فرق المسلمين والمشركين‪ ,‬ص ‪.52‬‬
‫‪6‬‬
‫() الملل والنحل (‪.)1/155‬‬
‫‪7‬‬
‫() منهاج السنة (‪ ,)1/8‬مجموع الفتاوى (‪.)13/36‬‬
‫‪8‬‬
‫() مقاالت اإلسالميين (‪.)1/89‬‬
‫‪9‬‬
‫() أعيان الشيعة (‪.)1/20‬‬
‫‪10‬‬
‫() مقاالت اإلسالميين (‪ ,)1/65‬الملل والنحل للشهرستاني (‪.)1/144‬‬
‫‪11‬‬
‫() المصدر نفسه (‪ ,)1/137،88،661‬المصدر نفسه (‪.)1/25‬‬
‫‪48‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫غير صحيح‪ ,‬ألن هذا المصطلح يدخل فيه الزيدية(‪ ,)1‬وهم يتولون أبا بكر وعمر رضي‬
‫هللا عنهما‪ ,‬بل أن تسميتهم بالشيعة يوهم التباسهم بالشيعة القدماء الذين كانوا في عهد علي‬
‫رضي هللا عنه ومن بعدهم‪ ,‬فإن هؤالء مجمعون على تفضيل الشيخين على علي رضي‬
‫هللا عنه‪ ,‬وإنما يرون تفضيل عل ّي على عثمان‪ ,‬وهؤالء كان فيهم كثير من أهل العلم ومن‬
‫هو منسوب إلى الخير والفضل‪ ,‬ويقول ابن تيمية رحمه هللا‪ :‬ولهذا كان الشيعة المتقدمون‬
‫الذين صحبوا عليًا‪ ,‬أو كانوا في ذلك الزمان‪ ,‬لم يتنازعوا في تفضيل أبي بكر وعمر‪,‬‬
‫وإنما كان نزاعهم في تفضيل علي وعثمان(‪ ,)2‬ولذا فإن تسمية «الرافضة» بالشيعة من‬
‫األخطاء البينة الواضحة التي وقع فيها بعض المعاصرين‪ ,‬تقليدًا للرافضة في سعيهم‬
‫للتخلص من هذا االسم لما رأوا من كثرة ذم السلف لهم‪ ,‬ومقتهم إياهم‪ ,‬فأرادوا التخلص‬
‫من ذلك االسم تمويهًا وتدليسًا على من ال يعرفهم باالنتساب إلى الشيعة على وجه العموم‪,‬‬
‫فكان من آثار ذلك ما وقع فيه بعض الطلبة المبتدئين ممن ال يعرفوا حقيقة المصطلحات‬
‫من الخلط الكبير بين أحكام الرافضة وأحكام الشيعة‪ ,‬لما تقرر عندهم إطالق مصطلح‬
‫التشيع على الرافضة‪ ,‬فظنوا أن ما ورد في كالم أهل العلم المتقدمين في حق الشيعة أنه‬
‫يتنزل على الرافضة في حين أن أهل العلم يفرقون بينهما في كافة أحكامهم(‪ ,)3‬وعليه فإن‬
‫من الواجب أن يسمى هؤالء الروافض بمسماهم الحقيقيـ الذي اصطلح عليه أهل العلم‬
‫وعدم تسميتهم بالشيعة على وجه اإلطالق‪ ,‬لما في ذلك من اللبس واإليهام‪ ,‬وإذا ما أطلق‬
‫عليهم مصطلح «التشيع»‪ ,‬فينبغي أن يقيد بما يدل عليهم خاصة‪ ,‬كأن يقال «الشيعة‬
‫اإلمامية»‪ ,‬أو «الشيعة االثنى عشرية» على ما جرت بذلك عادة العلماء عند ذكرهم(‪,)4‬‬
‫وهللا تعالى أعلم‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬نشأة الشيعة الرافضة وبيان دور اليهود في نشأتهم‬
‫أول ما دعا إلى أصول عقائد الشيعة الرافضة التي انبنت عليها عقائدهم األخرى‪:‬‬
‫رجل يهودي اسمه عبد هللا بن سبأ من يهود اليمن‪ ,‬أسلم في عهد الخليفة الراشد عثمان بن‬
‫عفان رضي هللا عنه‪ ,‬وأخذ يتنقل بين أمصار المسلمين للدعوة لهذا المعتقد الفاسد‪ ,‬وهذا‬
‫نص ما ذكره الطبري في تاريخه قال‪ :‬كان عبد هللا بن سبأ يهوديًا من أهل صنعاء أمه‬
‫سوداء فأسلم زمن عثمان‪ ,‬ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضاللتهم فبدأ بالحجاز‪ ,‬ثم‬
‫البصرة‪ ,‬ثم الكوفة‪ ,‬ثم الشام‪ ,‬فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام‪ ,‬فأخرجوه حتى‬
‫أتى مصر فاعتمر فيهم‪ ,‬فقال لهم فيما يقول‪ :‬العجب ممن يزعم أن عيسى يرجع‪ ,‬ويكذب‬
‫ُّك إِلَى مع ٍ‬ ‫ِ‬
‫اد" [القصص‪:‬‬ ‫ََ‬ ‫ك الْ ُق ْرآ َن ل ََراد َ‬ ‫بأن محمدًا يرجع وقد قال هللا‪+ :‬إِ َّن الَّذي َف َر َ‬
‫ض َعلَْي َ‬
‫‪ ,]85‬فمحمد أحق بالرجوع من عيسى‪ ,‬قال‪ :‬قبل ذلك عنه‪ ,‬ووضح لهم الرجعة فتكلموا‬
‫فيها ثم قال لهم بعد ذلك‪ :‬إنه كان ألف نبي ولكل نبي وصي‪ ,‬وكان علي وصي محمد‪ ,‬ثم‬
‫قال‪ :‬محمد خاتم األنبياء‪ ,‬وعلي خاتم األوصياء‪ ,‬ثم قال لهم بعد ذلك‪ :‬من أظلم ممن لم يجز‬
‫وصية رسول هللا × ووثب على وصي رسول هللا × وتناول أمر األمة‪ ,‬ثم قال لهم بعد‬
‫ذلك‪ :‬إن عثمان أخذها بغير حق‪ ,‬وهذا وصي رسول هللا × فانهضوا في هذا األمر‬
‫فحركوه‪ ,‬وابدؤوا الطعن على أمرائكم‪ ,‬وأظهروا األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪,‬‬
‫تستميلوا الناس وادعوهم إلى هذا األمر‪ ,‬فبث دعاته وكاتب من كان استفسده في األمصار‬

‫‪1‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ ,‬ص ‪.29‬‬
‫‪2‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)1/13‬‬
‫‪3‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ ,‬ص ‪.30‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ,‬ص ‪.32‬‬
‫‪48‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وكاتبوه‪ ,‬ودعوه في السر إلى ما عليه رأيهم(‪.)1‬‬
‫وهكذا كانت بداية الرفض‪ ,‬وما زالت تلك العقائد التي دعا إليها ابن سبأ تسير في‬
‫نفوس أناس من أهل الزيغ والضالل‪ ,‬وتتشربها قلوبهم وعقولهم حتى كان من ثمارها‬
‫مقتل الخليفة الراشد ذي النورين عثمان بن عفان رضي هللا عنه على يد هذه الشرذمة‬
‫الفاسدة‪ ,‬حتى إذا ما جاء عهد ابن أبي طالب بدأت تلك العقائد تظهر إلى الوجود أكثر من‬
‫ذي قبل‪ ,‬إلى أن بلغت عليًا رضي هللا عنه فأنكرها أشد ما يكون اإلنكار وتبرأ منها ومن‬
‫أهلها‪ ,‬ومما صح في ذلك عن علي رضي هللا عنه ما رواه ابن عساكر عن عمار الدهني‬
‫قال‪ :‬سمعت أبا الطفيل يقول‪ :‬رأيت المسيب بن لجبة أتى به ملببه يعني –ابن السوداء‪-‬‬
‫وعل ّي على المنبر‪ ,‬فقال علي‪ :‬ما شأنه؟‪ ,‬فقال‪ :‬يكذب على هللا ورسوله(‪ ,)2‬وعن يزيد بن‬
‫وهب عن علي قال‪ :‬مالي ولهذا الحميت(‪ )3‬األسود(‪ .)4‬ومن طريق يزيد بن وهب أيضًا عن‬
‫سلمة عن شعبة قال علي بن أبي طالب‪ :‬مالي ولهذا الحميت األسود –يعني عبد هللا بن‬
‫سبأ‪ -‬وكان يقع في أبي بكر وعمر(‪ ,)5‬وهذه الروايات ثابتة عن علي رضي هللا عنه‬
‫بأسانيد صحيحة(‪ ,)6‬وحكى المؤرخون وأصحاب الفرق والمقاالتـ أن ابن سبأ ادعى‬
‫الربوبية في علي –رضي هللا عنه‪ -‬فأحرقه علي هو وأصحابه بالنار(‪ ,)7‬يقول الجرجاني‪:‬‬
‫السبئية من الرافضة ينسبون إلى عبد هللا بن سبأ وكان أول من كفر من الرافضة‪ ,‬وقال‪:‬‬
‫علي رب العالمين‪ ,‬فأحرقه علي وأصحابه بالنار(‪ .)8‬ويقول الملطي في معرض حديثه عن‬
‫السبئية‪ :‬هم أصحاب عبد هللا بن سبأ‪ .‬قالوا لعلي رضي هللا عنه‪ :‬أنت‪ .‬قال‪ :‬ومن أنا؟‪,‬‬
‫قالوا‪ :‬الخالق الباري‪ ,‬فاستتابهم فلم يرجعوا‪ ,‬فأوقد لهم نارًا ضخمة وأحرقهم وقال‬
‫مرتج ًزا‪:‬‬
‫(‪)9‬‬
‫أججـت نـــاري ودعــوت قنـــــبرًا‬ ‫لما رأيت األمــر أمــرًا منكــرًا‬
‫وذهب بعض المؤرخين إلى أن عليًا رضي هللا عنه لم يحرق ابن سبأ وإنما نفاه إلى‬
‫المدائن‪ ,‬ثم ادعى بعد موت علي رضي هللا عنه أن عليًا لم يمت‪ ,‬وقال لمن نعاه‪ :‬لو‬
‫جئتمونا بدماغه في سبعين صرة ما صدقنا موته(‪ ,)10‬ولعل القول األول هو الصحيح‬
‫ويشهد له ما جاء في صحيح البخاري‪ ,‬عن عكرمة قال‪ :‬أتى علي رضي هللا عنه بزنادقة‬
‫فأحرقهم فبلغ ذلك ابن عباس فقال‪ :‬لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول هللا ×‪« :‬لا‬
‫تعذبوا بعذاب الله» ولقتلتهم لقول رسول هللا ×‪« :‬من بدل دينه فاقتلوه»(‪ ,)11‬قال‬
‫ابن حجر رحمه هللا في شرح الحديث بعد أن ذكر بعض الروايات في هؤالء المحرقين‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/347‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ دمشق‪ ,‬االنتصار للصحب واآلل‪ ,‬ص ‪.35‬‬
‫‪3‬‬
‫() الحميت‪ :‬هو وعاء سمن الذي متن بالرُّ ب‪ ,‬ويطلق على المتين من كل شيء‪ ,‬وفي حديث وحشي‪ :‬كأنه‬
‫حميت‪ ,‬قال ابن حجر‪« :‬أي زق كبير وأكثر ما قال ذلك إذا كان مملو ًءا» فتح الباري (‪.)7/368‬‬
‫‪4‬‬
‫()‪ )5( ,‬فتح الباري (‪.)7/368‬‬
‫‪5‬‬
‫()‬

‫‪6‬‬
‫() عبد هللا بن سبأ ص ‪ ,98‬األسانيد حكم عليها األلباني‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ ,‬ص ‪.36‬‬
‫‪8‬‬
‫() التعريفات‪ ,‬ص ‪.103‬‬
‫‪9‬‬
‫() التنبيه على أهل األهواء والبدع‪ ,‬ص ‪.8‬‬
‫‪10‬‬
‫() الفصل البن حزم (‪ ,)5/36‬التبصير في الدين لإلسفراييني‪.‬‬
‫‪48‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وفيها‪ :‬أنهم ناس كانوا يعبدون األصنام‪ ,‬وفي بعضها أنهم قوم ارتدوا عن اإلسالم‪ ,‬وعلى‬
‫اختالف بين الروايات في تعيينهم قال بعد ذلك‪ :‬وزعم أبو المظفر اإلسفراييني في «الملل‬
‫والنحل» أن الذين أحرقهم علي طائفة من الروافض ادعوا فيه اإللهية وهم السبئية‪ ,‬وكان‬
‫كبيرهم عبد هللا بن سبأ يهوديًا أظهر اإلسالم‪ ,‬وابتدع هذه المقالة‪ ,‬وهذا يمكن أن يكون‬
‫أصله‪ :‬ما رويناه من حديث أبي طاهر المخلص من طريق عبد هللا بن شريك العامري‬
‫قال‪ :‬قيل لعلي‪ :‬إن هنا قو ًما على باب المسجد يدعون أنك ربهم‪ ,‬فدعاهم وقال‪ :‬ويلكم ما‬
‫تقولون؟‪ ,‬قالوا‪ :‬أنت ربنا خالقنا ورازقنا(‪ ,)1‬ثم ساق بقية الرواية وفيها أن عليًا رضي هللا‬
‫عنه استتابهم ثالثًا فلم يرجعوا‪ ,‬فحرقهم بالنار في أخاديد قد حفرت لهم‪ ,‬وقال‪:‬‬
‫أججـت نـــاري ودعــوت قنـــــبرًا‬ ‫لما رأيت األمــــر أمــرًا منكــرًا‬
‫(‪) 2‬‬
‫قال ابن حجر‪ :‬وهذا سند حسن ‪ ,‬والمقصود هنا هو ظهور عقائد الشيعة الرافضة‬
‫المتمثلة في الغلو في علي رضي هللا عنه في تلك الفترة الزمنية‪ ,‬وإمعان علي رضي هللا‬
‫عنه في عقوبتهم حتى قال ابن عباس ما قال‪ ,‬كما ثبت إنكار علي رضي هللا عنه لكل‬
‫العقائد األخرى التي ظهرت في عهده‪ ,‬وانتظمت في سلك التشيع له كتفضيله على عامة‬
‫الصحابة وتقديمه على الشيخين‪ ,‬وكان انتشار سب الصحابة واإلزراء عليهم بين أولئك‬
‫الضالل‪ ,‬قال ابن تيمية رحمه هللا‪ :‬ولما أحدثت البدع الشيعة في خالفة أمير المؤمنين علي‬
‫بن أبي طالب رضي هللا عنه ردها وكانت ثالث طوائف‪ :‬غالية‪ ,‬وسبابة‪ ,‬ومفضلة‪ ,‬فأما‬
‫الغالية‪ ,‬فإنه حرقهم بالنار‪ ,‬فإنه خرج ذات يوم من باب كندة فسجد له أقوام فقال‪ :‬ما هذا؟‪,‬‬
‫فقالوا‪ :‬أنت هو هللا‪ .‬فاستتابهم ثالثة فلم يرجعوا‪ ,‬فأمر في الثالث بأخاديد وأضرم فيها‬
‫النار‪ ,‬ثم قذفهم فيها‪ ..‬وأما السبابة‪ :‬فإنه لما بلغه من سب أبا بكر وعمر طلب قتله‪ ,‬فهرب‬
‫منه إلى قرقيسيا وكلم فيه‪ ,‬وكان علي يداري أمراءه‪ ,‬ألنه لم يكن متمكنًا ولم يكن يطيعونه‬
‫في كل ما يأمرهم به‪ ,‬وأما المفضلة‪ :‬فقال‪ :‬ال أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إال‬
‫جلدته حد المفترين‪ :‬فقال وروى عنه من أكثر من ثمانين وجهًا أنه قال‪ :‬خير هذه األمة‬
‫بعد نبيها أبو بكر ثم عمر(‪ ,)3‬وعلى كل حال فعقائد الرافضة مع ظهورها في عهد علي‬
‫رضي هللا عنه قد بقيت محصورة في أفراد ال تمثلها طائفة أو فرقة‪ ,‬حتى انقضى عهد‬
‫علي رضي هللا عنه وهي على تلك الحال‪.‬‬
‫وقد أفرد الدكتور سعدي الهاشمي عقيدة ابن سبأ والبدع التي نادى بها في رسالته‬
‫«ابن سبأ حقيقة ال خيال»‪ ,‬وذكرها في كتابه «الرواة الذين تأثروا بابن سبأ»‪ .‬وأهم البدع‬
‫التي نادى بها ابن سبأ‪ ,‬القول بالوصية‪ ,‬وهو أول من قال بوصية رسول هللا × لعلي‪ ,‬وأنه‬
‫خليفته على أمته من بعده بالنص‪ ,‬وأول من أظهر البراءة من أعداء علي رضي هللا عنه‬
‫بزعمه‪ ,‬وكاشف مخالفيه‪ ,‬وحكم بكفرهم‪ ,‬وأول من قال بإلهية علي رضي هللا عنه‬
‫وربوبيته‪ ,‬وكان أول من ادعى النبوة من فرق الشيعة الغالة‪ ,‬وكان أول من أحدث القول‬
‫برجعة علي رضي هللا عنه إلى الدنيا بعد موته وبرجعة رسول هللا ×‪ ,‬وأول من ادعى‬
‫أن عليًا رضي هللا عنه هو دابة األرض‪ ,‬وأنه هو الذي خلق الخلق وبسط الرزق‪ ,‬وقالت‬
‫السبئية‪ :‬إنهم ال يموتون‪ ,‬وإنما يطيرون بعد مماتهم وسموا بالطيارة‪ ,‬وقال قوم منهم –‬
‫السبئية‪ -‬بانتقال روح القدس في األئمة‪ ,‬وقالوا‪ :‬بتناسخ األرواح‪ ,‬وقالت السبئية‪ :‬هُدينا‬
‫لوحي ضل عنه الناس‪ ,‬وعلم خفي عنهم‪ ,‬وقالوا‪ :‬إن عليًا في السحاب‪ ,‬وإن الرعد صوته‪,‬‬
‫‪11‬‬
‫() البخاري‪ ,‬كتاب استتابة المرتدين رقم‪.)6922( :‬‬
‫‪1‬‬
‫()‪ )5( ,‬فتح الباري (‪.)12/270‬‬
‫‪2‬‬
‫()‬

‫‪3‬‬
‫() مجموع الفتاوى (‪.)35/185،184‬‬
‫‪48‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫والبرق سوطه‪ .‬هذه أبرز البدع التي كان يعتقد بها ابن سبأ وأتباعه وصاروا بها من‬
‫الغالة(‪.)1‬‬
‫إن فرق الشيعة الرافضة كفكر وعقيدة لم تولد فجأة‪ ,‬بل إنها أخذت طورًا زمنيًا‪,‬‬
‫ومرت بمراحل‪ ,‬ولكن طالئع العقيدة الشيعية الرافضية وأصل أصولها ظهرت على يد‬
‫السبئية باعتراف كتب الشيعة التي قالت بأن ابن سبأ أول من شهد بالقول بفرض إمامة‬
‫علي‪ ,‬وأن عليًا وصي محمد –كما مر‪ -‬وهذه عقيدة النص على علي باإلمامة‪ ,‬وهي أساس‬
‫التشيع الرافضي –كما يراه شيوخ الروافض‪ -‬ومن ذلك ما جاء في الكافي عن أبي الحسن‬
‫قال‪ :‬والية علي مكتوبة في جميع صحف األنبياء‪ ,‬ولن يبعث هللا رسوالً إال بنبوة محمد ×‬
‫ووصية علي عليه السالم(‪ ,)2‬وشهدت كتب الشيعة الروافض –كما سيأتي تفصيله بإذن‬
‫هللا‪ -‬بأن ابن سبأ وجماعته هم أول من أظهر الطعن في أبي بكر وعمر وعثمان أصهار‬
‫رسول هللا × وأرحامه وخلفائه‪ ,‬وأقرب الناس إليه رضي هللا عنهم والطعن في الصحابة‬
‫اآلخرين‪ ,‬وهذه عقيدة الشيعة الروافض في الصحابة‪ ,‬كما هي في كتبهم المعتمدة‪ ,‬كما أن‬
‫ابن سبأ قال برجعة علي(‪ ,)3‬والرجعة من أصول الشيعة الروافض –كما سيأتي بإذن هللا‪,-‬‬
‫كما أن ابن سبأ قال بتخصيص علي وأهل البيت بعلوم سرية خاصة‪ ,‬كما أشار إلى ذلك‬
‫الحسن بن محمد بن الحنفية(‪ )4‬في رسالة اإلرجاء(‪ ,)5‬وهذه المسألة أصحبت من أصول‬
‫االعتقاد عند الشيعة‪ ,‬وقد ثبت في صحيح البخاري ما يدل على أن هذه العقيدة ظهرت في‬
‫وقت مبكر‪ ,‬وأن عليًا رضي هللا عنه سئل عنها‪ ,‬وقيل له‪ :‬هل عندكم شيء مما ليس في‬
‫القرآن‪ ,‬أو مما ليس عند الناس؟‪ ,‬فنفى ذلك نفيًا قاطعًا(‪.)6‬‬
‫هذه من أهم األصول التي تدين بها الشيعة الرافضة(‪ ,)7‬وقد ُوجدت إثر مقتل عثمان‬
‫رضي هللا عنه وفي عهد علي رضي هللا عنه ولم تأخذ مكانها في نفوس فرقة معينة‬
‫معروفة‪ ,‬بل إن السبئية ما كادت تطل برأسها حتى حاربها علي رضي هللا عنه‪ ,‬كما مر‬
‫معنا‪ ,‬ولكن ما تال ذلك من أحداث هيأ ج ًوا صالحًا لظهور هذه العقائد‪ ,‬وتمثلها في جماعة‬
‫كمعركة صفين‪ ,‬وحادثة التحكيم التي أعقبتها‪ ,‬ومقتل علي‪ ,‬ومقتل الحسن‪.‬‬
‫كل هذه األحداث دفعت القلوب والعواطف إلى التشيع آلل البيت‪ ,‬فتسلل الفكر الوافد‬
‫من نافذة التشيع لعلي وآل بيته‪ ,‬وصار التشيع وسيلة لكل من أراد هدم اإلسالم من ملحد‬
‫ومنافق وطاغوت‪ ,‬ودخلت إلى المسلمين أفكار ومعتقدات أجنبية اكتست بثوب التشيع‬
‫وتيسر دخولها تحت غطائه‪ ,‬وبمرور األيام كانت تتسع البدعة ويتعاظم خطرها‪ ,‬حيث‬
‫ُوجد البن سبأ خلفاء كثيرون‪ ,‬ولم يكن استعمال لقب الشيعة في عهد علي رضي هللا عنه‬
‫إال بمعنى المواالة والنصرة‪ ,‬وال يعني بحال اإليمان بعقيدة من عقائد الشيعة الرافضة‬
‫اليوم(‪.)8‬‬

‫‪1‬‬
‫() الرواة الذين تأثروا بابن سبأ‪ ,‬د‪/‬سعدي الهاشمي ص ‪.20،19‬‬
‫‪2‬‬
‫() أصول الكافي (‪ ,)1/437‬أصول الشيعة اإلمامية (‪.)1/71‬‬
‫‪3‬‬
‫() المقاالت والفرق للقمي‪ ,‬ص ‪ ,21‬فرق الشيعة للنوبختي‪ ,‬ص ‪ ,23‬أصول الشيعة اإلمامية (‪.)1/96‬‬
‫‪4‬‬
‫() تهذيب التهذيب (‪.)2/32‬‬
‫‪5‬‬
‫() رسالة اإلرجاء ضمن كتاب اإليمان‪ ,‬لمحمد العدني‪ ,‬ص ‪.294-250‬‬
‫‪6‬‬
‫() البخاري‪ ,‬كتاب العلم مع الفتح (‪.)1/204‬‬
‫‪7‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية االثنى عشرية (‪.)1/97‬‬
‫‪48‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫إن التشيع آلل البيت وحبهم أمر طبيعي‪ ,‬وهو حب ال يفرق بين اآلل‪ ,‬وال يغلو فيهم‪,‬‬
‫وال ينتقص أحدًا من الصحابة‪ ,‬كما تفعل الفرق المنتسبة للتشيع‪ ,‬وقد نما الحب وزاد لآلل‬
‫بعدما جرى عليهم من المحن واآلالم‪ ,‬بد ًءا من مقتل علي ثم الحسين‪ ...‬إلخ‪ ,‬هذه األحداث‬
‫فجرت عواطف المسلمين‪ ,‬فدخل الحاقدون من هذا الباب‪ ,‬ذلك أن آراء ابن سبأ لم تجد‬
‫الجو المالئم؛ لتنمو وتنتشر إال بعد تلك األحداث‪ ...‬لكن التشيع بمعنى عقيدة النص على‬
‫عل ّي رضي هللا عنه‪ ,‬والرجعة‪ ,‬والبداء‪ ,‬والغيبة‪ ,‬وعصمة األئمة‪ ...‬إلخ‪ ,‬فال شك أنها عقائد‬
‫ما أنزل هللا بها من سلطان‪ ,‬ودخيلة على المسلمين –ترجع أصولها لعناصر مختلفة‪ ,-‬ذلك‬
‫أنه قد ركب مطية التشيع كل من أراد الكيد لإلسالم وأهله‪ ,‬وكل من احتال ليعيش في ظل‬
‫عقيدته السابقة باسم اإلسالم‪ ,‬من يهودي‪ ,‬ونصراني‪ ,‬ومجوسي‪ ,‬وغيرهم‪ ,‬فدخل في‬
‫التشيع كثير من العقائد الفاسدة‪ ,‬كما سيتبين ذلك عند دراسة أصول عقائدهم‪ .‬ولهذا ذهب‬
‫ابن تيمية –رحمه هللا‪ -‬إلى أن المنتسبين للتشيع قد أخذوا من مذاهب الفرس‪ ,‬والروم‪,‬‬
‫واليونان‪ ,‬والنصارى‪ ,‬واليهود‪ ,‬وغيرهم أمورًا مزجوها بالتشيع‪ ,‬ويقول‪ :‬وهذا تصديق لما‬
‫أخبر به النبي ×‪ ,‬وساق بعض األحاديث الواردة في أن هذه األمة ستركب سُنن من‬
‫قبلها‪ ,...‬وقال بأن هذا صار في المنتسبين للتشيع(‪.)1‬‬
‫ثالثًا‪ :‬المراحل التي مرت بها الشيعة الرافضة‬
‫مرت الشيعة الرافضة في نشأتها بعدة مراحل‪ ,‬حتى أصبحت فرقة مستقلة متميزة‬
‫بعقيدتها واسمها عن سائر فرق األمة ويمكن إبراز ذلك من خالل أربع مراحل رئيسية‪:‬‬
‫‪ -1‬المرحلة األولى‪ :‬دعوة عبد هللا بن سبأ إلى ما دعا إليه من األصول التي انبنت‬
‫عليها عقيدة الرافضة‪ ,‬كدعوته لعقيدة الرجعة‪ ,‬وإحداثه القول بالوصية لعلي رضي هللا‬
‫عنه‪ ,‬والطعن في الخلفاء السابقين لعلي في الخالفة‪ ,‬وقد ساعد ابن سبأ في ترويج فكره‬
‫الضال البعيد عن روح اإلسالم أمران‪:‬‬
‫أ‪ -‬اختيار ابن سبأ البيئة المناسبة لدعوته‪ :‬حيث بث دعوته في بلدان‬
‫مصر‪ ,‬والعراق‪ ,‬بعد أن أكثر التنقل بين هذه األمصار‪ ,‬كما مر في كالم الطبري(‪,)2‬‬
‫فنشأت هذه الدعوة في مجتمعات لم تتمكن من فهم اإلسالم الفهم الصحيح‪ ,‬وتترسخ أقدامها‬
‫في العلم الشرعي والفقه بدين هللا تعالى‪ ,‬وذلك لقرب عهدها باإلسالم‪ ,‬فإن تلك األمصار‬
‫إنما فتحت في عهد عمر رضي هللا عنه‪ ,‬هذا باإلضافة إلى بعدها عن مجتمع الصحابة في‬
‫الحجاز وعدم التفقه والتتلمذ والتربية على أيديهم‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن ابن سبأ مع اختياره لدعوته تلك المجتمعات‪ ,‬فإنه زيادة في المكر والخديعة‪,‬‬
‫أحاط دعوته بستار من التكتم والسرية‪ ,‬فلم تكن دعوته موجهة لكل أحد‪ ,‬وإنما لمن علم‬
‫أنهم أهل لقبولها من جهلة الناس‪ ,‬وأصحاب األغراض الخبيثة‪ ,‬ممن لم يدخلوا اإلسالم إال‬
‫كيدًا ألهله بعد أن قوضت جيوش اإلسالم عروش ملوكهم‪ ,‬ومزقت ممالكهم‪ ,‬وقد تقدم‬
‫كالم الطبري السابق عن ابن سبأ‪ :‬فبث دعاته‪ ,‬وكاتب من كان استفسده في األمصار‪,‬‬
‫وكاتبوه‪ ,‬ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم(‪ ,)3‬يقول في سياق وصفهم‪ :‬وأوسعوا في‬

‫‪8‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)1/98‬‬
‫‪1‬‬
‫() منهاج السنة (‪ ,)4/147‬أصول الشيعة اإلمامية (‪.)1/109‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/347‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/347‬‬
‫‪48‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫األرض إذاعة وهم يريدون غير ما يظهرون(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬المرحلة الثانية‪ :‬إظهار هذا المعتقد والتصريح به‪ ,‬وذلك بعد مقتل عثمان رضي‬
‫هللا عنه‪ ,‬وانشغال الصحابة رضوان هللا عليهم بإخماد الفتنة التي حصلت بمقتله‪ ,‬فوجد‬
‫هؤالء الضالل متنفسًا في تلك الظروف‪ ,‬وقويت تلك العقائد الفاسدة في نفوسهم‪ ,‬إال أنه مع‬
‫كل ذلك بقيت هذه العقائد محصورة في طائفة مخصوصة‪ ,‬ممن أصلهم ابن سبأ‪ ,‬وليست‬
‫لهم شوكة وال كلمة مسموعة عند أحد سوى من ابتلي بمصيبتهم في مقتل عثمان رضي‬
‫هللا عنه‪ ,‬وشاركهم في دمه من الخوارج المارقين‪ ,‬وممما يدل على ذلك ما نقله الطبري‪:‬‬
‫وتكلم ابن السوداء فقال‪ :‬يا قوم إن عزكم في خلطة الناس فصانعوهم(‪ .)2‬وهذا القول ال‬
‫يقوله صاحب شوكة ومنعة‪ ,‬ومع هذا فإنه ال ينكر دور هؤالء السبئية وقتلة عثمان في‬
‫إشعال نار الحرب بين الصحابة‪ ,‬بل ذلك مقرر عند أهل التحقيق للفتنة وأحداثها‪ ,‬يقول ابن‬
‫حزم مقررًا ذلك‪ :‬وبرهان ذلك أنهم اجتمعوا ولم يقتتلوا وال تحاربوا‪ ,‬فلما كان الليل عرف‬
‫قتلة عثمان اإلراعة والتدبير عليهم‪ ,‬فبيتوا عسكر طلحة والزبير‪ ,‬وبذلوا السيوف فيهم‪,‬‬
‫فدفع القوم عن أنفسهم(‪.)3‬‬
‫‪ -3‬المرحلة الثالثة‪ :‬اشتداد أمرهم وقوتهم واجتماعهم تحت قيادة واحدة وذلك بعد‬
‫مقتل الحسين رضي هللا عنه لألخذ بثأر الحسين واالنتقام له من أعدائه‪ ,‬يقولـ الطبري في‬
‫حوادث سنة أربع وستين للهجرة‪ :‬وفي هذه السنة تحركت الشيعة بالكوفة‪ ,‬وأعدوا‬
‫االجتماع بالنخيلة سنة خمس وستين للمسير ألهل الشام للطلب بدم الحسين بن علي‪,‬‬
‫وتكاتبوا في ذلك(‪ )4‬وكان مبدأ أمرهم ما ذكره الطبري من رواية عبد هللا بن عوف بن‬
‫األحمر األزدي أنه قال‪ :‬لما قتل الحسين بن علي ورجع ابن زياد من معسكره بالنخيلة‪,‬‬
‫فدخل الكوفة‪ ,‬تالقت الشيعة بالتالوم والتندم‪ ,‬ورأت أنها قد أخطأت خطأ كبيرًا بدعائهم‬
‫الحسين إلى النصرة وتركهم إجابته‪ ,‬وقتله إلى جانبهم دون أن ينصروه‪ ,‬ورأوا أنه ال‬
‫يغسل عارهم واإلثم عنهم في مقتله إال بقتل من قتله‪ ,‬أو القتل فيه‪ ,‬ففزعوا بالكوفة إلى‬
‫خمسة نفر من رؤوس الشيعة‪ :‬إلى سليمان بن صُرد الخزاعي‪ ,‬وكانت له صحبة مع النبي‬
‫×‪ ,‬وإلى المسيب بن نجية الفزاري‪ ,‬وكان من أصحاب علي وخيارهم‪ ,‬وإلى عبد هللا بن‬
‫سعد بن نفيل األزدي‪ ,‬وإلى عبد هللا بن وائل التيمي‪ ,‬وإلى رفاعة بن شداد البجلي‪ ,‬ثم إن‬
‫هؤالء النفر الخمسة اجتمعوا في منزل سلميان بن صُرد وكانوا من خيار أصحاب علي‪,‬‬
‫ومعهم أناس من الشيعة وخيارهم ووجوههم(‪ ,)5‬وكان هذا االجتماع عا ًما يشمل كافة‬
‫الشيعة‪ ,‬وقد اجتمع إلى سليمان بن صرد نحو من سبعة عشر ألفًا‪ ,‬ثم لم تعجب سليمان‬
‫قلتهم‪ ,‬فأرسل حكيم بن منقذ فنادى في الكوفة‪ ,‬وخرج الناس معهم فكانوا قريبًا من عشرين‬
‫ألفًا(‪ ,)6‬ثم إنه في هذه األثناء قدم المختار بن أبي عبيد الثقفيـ إلى الكوفة فوجد الشيعة قد‬
‫التفت على سليمان بن صرد وعظموه تعظي ًما زائدًا‪ ,‬وهم معدون للحرب‪ ,‬فلما استقر‬
‫المختار عندهم بالكوفة دعا إلى إمامة المهدي محمد بن علي بن أبي طالب وهو محمد ابن‬
‫الحنفية‪ ,‬ولقبه بالمهدي فاتبعه على ذلك كثير من الشيعة‪ ,‬وفارقوا سليمان بن صرد‪,‬‬
‫‪1‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)5/348‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)5/526‬‬
‫‪3‬‬
‫() الفصل في الملل واألهواء والنحل (‪.)4/239‬‬
‫‪4‬‬
‫() (‪ )2‬تاريخ الطبري (‪.)501-6/487‬‬
‫‪5‬‬
‫() ‪,‬‬

‫‪6‬‬
‫()‪ )4( ,‬البداية والنهاية (‪.)8/254‬‬
‫‪48‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وصارت الشيعة فرقتين‪ ,‬الجمهور منهم مع سليمان‪ ,‬يريدون الخروج على الناس ليأخذوا‬
‫بثأر الحسين‪ ,‬وفرقة أخرى مع المختار يريدون الخروج للدعوة إلى إمامة محمد ابن‬
‫الحنفية‪ ,‬وذلك عن غير أمر ابن الحنفية‪ ,‬وإنما يتقولون عليه ليروجوا على الناس به‪,‬‬
‫وليتوصلوا إلى أغراضهم الفاسدة(‪ ,)1‬فكان هذا بداية اجتماع الشيعة‪ ,‬ثم يذكر المؤرخون‬
‫خروج سليمان بن صرد بمن كان معه من الشيعة إلى الشام‪ ,‬فالتقوا مع أهل الشام عند‬
‫عين تسمى عين الوردة واقتتلوا قتاالً عظي ًما لمدة ثالثة أيام‪ ,‬يقول ابن كثير‪ :‬لم ير الشيب‬
‫والمرد مثله ال يحجز بينهم إال أوقات الصلوات إلى الليل(‪ ,)2‬ثم انتهى القتال بينهم بقتل‬
‫سليمان بن صرد رحمه هللا وكثير من أصحابه‪ ,‬وهزيمتهم‪ ,‬وعودة من بقى من أصحابه‬
‫إلى الكوفة(‪ ,)3‬وأما المختار بن أبي عبيد الثقفيـ فلما رجع من بقى من جيش سليمان إلى‬
‫الكوفة وأخبروه بما كان من أمرهم‪ ,‬وما حل بهم فترحم على سليمان ومن كان قتل معه‪,‬‬
‫وقال‪ :‬وبعد‪ ,‬فأنا األمير المأمون قاتل الجبارين والمفسدين‪ ,‬إن شاء هللا‪ ,‬فأعدوا واستعدوا‬
‫وأبشروا(‪ ,)4‬يقول ابن كثير‪ :‬وقد كان قبل قدومهم أخبر الناس بهالكهم عن وحيه الذي كان‬
‫يأتي إليه من الشيطان‪ ,‬فإنه قد كان يأتي شيطان فيوحي إليه قريبًا مما كان يوحي شيطان‬
‫مسيلمة له(‪ ,)5‬ثم إن المختار بعث األمر إلى النواحي والبلدان‪ ,‬والرساتيق من أرض‬
‫العراق وخراسان وعقد األلوية والرايات‪ ..‬ثم شرع المختار بتتبع قتلة الحسين من شريف‬
‫ووضيع فيقتله(‪.)6‬‬
‫‪ -4‬المرحلة الرابعة‪ :‬انشقاق الشيعة الرافضة عن الزيدية‪ ,‬وباقي فرق الشيعة‪,‬‬
‫وتميزها بمسماها وعقيدتها‪ ,‬وكان ذلك على وجه التحديد في سنة إحدى وعشرين ومائة‬
‫عندما خرج زيد بن علي بن الحسين على هشام بن عبد الملك(‪ ,)7‬فأظهر بعض من كان‬
‫في جيشه من الشيعة الطعن على أبي بكر وعمر فمنعهم من ذلك‪ ,‬وأنكر عليهم فرفضوه‪,‬‬
‫فسموا بالرافضة‪ ,‬وسميت الطائفة الباقية معه بالزيدية(‪ ,)8‬يقول ابن تيمية رحمه هللا‪ :‬إن‬
‫أول ما عرف لفظ الرافضة في اإلسالم‪ ,‬عند خروج زيد بن علي في أوائل المائة الثانية‪,‬‬
‫فسئل عن أبي بكر وعمر رضي هللا عنهما فتوالهما‪ ,‬فرفضه قوم فسموا رافضة(‪ ,)9‬وقال‪:‬‬
‫ومن زمن خروج زيد افترقت الشيعة إلى رافضة وزيدية‪ ,‬فإنه لما سئل عن أبي بكر‬
‫وعمر فترحم عليهما رفضه قوم فقال لهم‪ :‬رفضتموني‪ ,‬فسموا رافضة لرفضهم إياه‪,‬‬
‫وسمي من لم يرفضه من الشيعة زيديًا النتسابهم إليه(‪ ,)10‬ومنذ ذلك التاريخ تميزت‬
‫الرافضة عن باقي فرق الشيعة‪ ,‬فأصبحت فرقة مستقلة باسمها ومعتقدها(‪ ,)11‬وهللا تعالى‬
‫‪1‬‬
‫()‬

‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)8/257‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)8/257،256‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)8/258‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)8/257‬‬
‫‪6‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)8/271‬‬
‫‪7‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪ ,)7/160‬االنتصار للصحب واآلل‪ ,‬ص ‪.47‬‬
‫‪8‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ ,‬ص ‪.47‬‬
‫‪9‬‬
‫() مجموع الفتاوى (‪.)13/36‬‬
‫‪10‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)1/35‬‬
‫‪11‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل ص ‪.48‬‬
‫‪48‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫أعلم‪.‬‬
‫هذا وقد تحدث علماء الفرق عن الفرق المنسوبة للشيعة‪ ,‬فذكروا منها‪ :‬السبئية‪,‬‬
‫والغرابية‪ ,‬والبياتية‪ ,‬والمغيرية‪ ,‬والهاشمية‪ ,‬والخطابية‪ ,‬والعلبائية‪ ,‬والكيسانية‪ ,‬والزيدية‬
‫الجارودية‪ ,‬والسليمانية‪ ,‬والصالحية‪ ,‬والبترية‪ ,‬وبعض هذه الفرق غالت غل ًوا عظي ًما‪,‬‬
‫والبعض اآلخر أقل غل ًوا‪ ,‬ومن أراد االستزادة فليراجع مقاالتـ اإلسالميين ألبي الحسن‬
‫األشعري‪ ,‬والملل والنحل للشهرستاني‪ ,‬والفرق بين الفرق ألبي الظاهر البغدادي‪ ,‬وفرق‬
‫معاصرة للدكتور غالب بن علي عواجي وهو من أفضل من اطلعت عليه من‬
‫المعاصرين‪.‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫من أهم عقائد الشيعة الرافضة «اإلمامة»‬
‫يعتقد الشيعة الرافضة االثنا عشرية أن اإلمامة ركن عظيم من أركان اإلسالم‪,‬‬
‫وأصل أصيل من أصول اإليمان‪ ,‬ال يتم إيمان المرء إال باعتقادها‪ ,‬وال يقبل منه عمل إال‬
‫بتحقيقها‪ ,‬وأول من تحدث عن مفهوم اإلمامة بالصورة الموجودة عند الشيعة الرافضة هو‬
‫ابن سبأ‪ ,‬الذي بدأ يشيع القول بأن اإلمامة هي وصاية من النبي × ومحصورة بالوصي‪,‬‬
‫وإذا توالها سواه يجب البراءة منه وتكفيره‪ ,‬فقد اعترفت كتب الشيعة بأن ابن سبأ كان‬
‫أول من أشهر القول بفرض إمامة علي‪ ,‬وأظهر البراءة من أعدائه‪ ,‬وكاشف مخالفيه‪,‬‬
‫وكفرهم(‪ ,)1‬ألنه كان يهودي األصل‪ ,‬يرى أن يوشع بن نون وصي موسى‪ ,‬فلما أسلم‬
‫أظهر هذه المقالة في علي ابن أبي طالب(‪ ,)2‬وهذا ما تعارف عليه شيوخ الشيعة الرافضة‪,‬‬
‫فابن بابويه القمي يسجل عقائد الشيعة في القرن الرابع ويقول بأنهم يعتقدون بأن لكل نبي‬
‫وصيًا أوصى إليه بأمر هللا تعالى(‪ ,)3‬ويذكر أن عدد األوصياء مائة ألف وصي‪ ,‬وأربعة‬
‫وعشرون ألف وصي(‪ ,)4‬كما ذكر المجلسي في أخباره‪ :‬أن عليًا هو آخر األوصياء(‪,)5‬‬
‫وجاء في بعض عناوين األبواب في الكافي باب أن اإلمامة عهد من هللا عز وجل معهود‬
‫من واحد إلى واحد(‪ ,)6‬وباب ما نص هللا عز وجل ورسوله على األئمة واحدًا فواحدًا(‪,)7‬‬
‫وقد ضمنها مجموعة من أخبارهم التي يعدونها من األدلة التي ال يرقى إليها الشك‪.‬‬
‫ولهذا قال شيخهم مقداد الحلي –ت‪821‬هـ‪ :-‬بأن مستحق اإلمامة عندهم البد أن يكون‬
‫شخصًا معهودًا من هللا تعالى ورسوله ال أي شخص اتفق(‪ ,)8‬ويقرر محمد حسين آل‬
‫كاشف الغطاء أحد مراجع الشيعة االثنى عشرية في هذا العصر‪ :‬أن اإلمامة منصب إلهي‬
‫كالنبوة‪ ,‬فكما أن هللا سبحانه يختار ما يشاء من عباده للنبوة والرسالة ويؤيد بالمعجزة التي‬
‫هي كنص من هللا عليه‪ ..‬فكذلك يختار لإلمامة من يشاء ويأمر نبيه بالنص عليه‪ ,‬وأن‬

‫‪1‬‬
‫() رجال الكشي ص ‪ ,101‬المقاالت والفرق للقمي‪ ,‬ص ‪.20‬‬
‫‪2‬‬
‫() رجال الكشي ص ‪ ,101‬أصول الشيعة (‪.)2/792‬‬
‫‪3‬‬
‫()‪ )4( ,‬عقائد الصدوق‪ ,‬ص ‪.106‬‬
‫‪4‬‬
‫()‬

‫‪5‬‬
‫() بحار األنوار (‪.)39/342‬‬
‫‪6‬‬
‫() أصول الكافي (‪.)1/227‬‬
‫‪7‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)1/286‬‬
‫‪8‬‬
‫() النافع يوم الحشر‪ ,‬ص ‪.47‬‬
‫‪48‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ينصبه إما ًما للناس من بعده(‪ .)1‬فأنت ترى أن مفهوم اإلمامة عندهم كمفهوم النبوة‪ ,‬فكما‬
‫يصطفي هللا سبحانه من خلقه أنبياء‪ ,‬يختار سبحانه أئمة‪ ,‬وينص عليهم‪ ,‬ويعلم الخلق بهم‪,‬‬
‫ويقيم بهم الحجة‪ ,‬ويؤيدهم بالمعجزات‪ ,‬وينزل عليهم الكتب‪ ,‬ويوحي إليهم‪ ,‬وال يقولون أو‬
‫يفعلون إال بأمر هللا ووحيه‪ ..‬أي أن اإلمامة هي النبوة‪ ,‬واإلمام هو النبي‪ ,‬والتغيير في‬
‫االسم فقط‪ ,‬ولذلك قال المجلسي‪ :‬إن استنباط الفرق بن النبي واإلمام من تلك األخبار ال‬
‫يخلو من إشكال(‪ ,)2‬ثم قال‪ :‬وال نعرف جهة لعدم اتصافهم بالنبوة إال رعاية خاتم اإلنبياء‪,‬‬
‫وال يصل عقولنا فرق بين النبوة واإلمامة(‪ ,)3‬هذا قولهم في مفهوم اإلمامة‪ ,‬ويكفي في نقده‬
‫أنه ال سند لهم فيه إال ابن سبأ اليهودي(‪.)4‬‬
‫أوالً‪ :‬منزلة اإلمامة عندهم وحكم من جحدها‪:‬‬
‫مسألة اإلمامة عند أهل ال ُسنَّة ليست من أصول الدين التي ال يسع المكلف الجهل بها‪,‬‬
‫كما قرره جمع من أهل العلم(‪ ,)5‬ولكنها عند الشيعة الرافضة لها شأن آخر‪ ,‬ففي الكافي‬
‫روايات تجعل اإلمامة أعظم أركان اإلسالم‪ ,‬روى الكليني بسنده عن أبي جعفر قال‪ :‬بني‬
‫اإلسالم على خمس‪ :‬على الصالة والزكاة والصوم والحج والوالية‪ ,‬ولم يناد بشيء كما‬
‫نودي بالوالية‪ ,‬فأخذ الناس بأربع وتركوا هذا –يعني الوالية‪.)6(-‬‬
‫فأنت ترى أنهم أسقطوا الشهادتين من أركان اإلسالم‪ ,‬ووضعواـ مكانهما الوالية‪,‬‬
‫وعدوها من أعظم األركان‪ ,‬كما يدل عليه قولهم‪ :‬ولم يناد بشيء كما نودي بالوالية‪ ,‬وكما‬
‫يدل عليه حديثهم اآلخر‪ ,‬وقد ذكر فيه نص الرواية السابقة وزاد‪ :‬قلت «الراوي»‪ :‬وأي‬
‫شيء من ذلك أفضل؟‪ ,‬فقال‪ :‬الوالية أفضل(‪.)7‬‬
‫ويقول المجلسي‪ :‬وال ريب في أن الوالية واالعتقاد بإمامة األئمة عليهم السالم‬
‫(‪)8‬‬
‫واإلذعان لهم من جملة أصول الدين‪ ,‬وأفضل من جميع األعمال البدنية ألنها مفتاحهن ‪.‬‬
‫ويقول المظفر –وهو من علمائهم المعاصرين‪ :-‬نعتقد أن اإلمامة أصل من أصول‬
‫الدين‪ ,‬وال يتم اإليمان إال باالعتقاد بها‪ ,‬وال يجوز فيها تقليد اآلباء واألهل والمربين‪ ,‬مهما‬
‫عظموا‪ ,‬بل يجب النظر فيها‪ ,‬كما يجب النظر في التوحيد والنبوة(‪ ,)9‬بل وصلت األخبار‬
‫إلى أكثر من هذا حينما قالت‪ :‬عرج النبي × بالوالية لعلي واألئمة من بعده أكثر مما‬
‫أوصاه بالفرائض(‪.)10‬‬
‫هذه الروايات الشيعية الرافضية‪ ,‬ومثيالتها في كتب الشيعة الروافض كانت كفيلة بأن‬

‫‪1‬‬
‫() أصول الشيعة وأصولها ص ‪.58‬‬
‫‪2‬‬
‫() بحار األنوار (‪.)26/82‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)26/82‬‬
‫‪4‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/794‬‬
‫‪5‬‬
‫() غاية المرام لآلمدي‪ ,‬ص ‪ ,363‬االقتصاد للغزالي‪ ,‬ص ‪.134‬‬
‫‪6‬‬
‫() أصول الكافي (‪ ,)2/18‬رقم ‪.3‬‬
‫‪7‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)2/18‬‬
‫‪8‬‬
‫() مرآة العقول (‪.)7/102‬‬
‫‪9‬‬
‫() عقائد األمامية ص‪.102‬‬
‫‪10‬‬
‫() بحار األنوار (‪.)23/69‬‬
‫‪48‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫تجعل اإلمامة هي الحكم على إيمان الرجل أو كفره‪ ,‬وأن تجعل المسلم معرضًا لالتهام‬
‫بالكفر لمجرد اختالفه مع الشيعة اإلمامية في عقيدة اإلمامة التي يعتقدونها‪ ,‬ولذا رأينا‬
‫بعض كبار علماء الشيعة اإلمامية السابقين والالحقين يصرحون بهذه الحقيقة المرة‪.‬‬
‫يقول ابن بابويه القمي في رسالته االعتقادات‪ :‬واعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير‬
‫المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السالم أنه كمن جحد نبوة جميع األنبياء‪ ,‬واعتقادنا فيما‬
‫أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحدًا من بعده من األئمة أنه بمنزلة من أقر بجميع األنبياء‪,‬‬
‫وأنكر نبوة‬
‫محمد ×(‪.)1‬‬
‫ويقول يوسف البحراني في موسوعته الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة‪:‬‬
‫وليت شعري أي فرق بين من كفر باهلل سبحانه وتعالى ورسوله‪ ,‬وبين من كفر باألئمة‬
‫عليهم السالم مع ثبوت كون اإلمامة من أصول الدين(‪.)2‬‬
‫ويقول المجلسي‪ :‬اعلم أن إطالق لفظ الشرك والكفر على من لم يعتقد إمامة أمير‬
‫المؤمنين واألئمة من ولده عليهم السالم وفضل عليهم غيرهم‪ ,‬يدل أنهم مخلدون في‬
‫النار(‪.)3‬‬
‫وقال ابن المطهر الحلي‪ :‬اإلمامة لطف عام‪ ,‬والنبوة لطف خاص إلمكان خلو الزمان‬
‫من نبي حي بخالف اإلمام‪ ,‬وإنكار اللطف العام شر من إنكار اللطف الخاص(‪.)4‬‬
‫فهو يجعل من لم يؤمن بأئمتهم أشد كفرًا من اليهود والنصارى‪ ,‬وقد بنى على ذلك أن‬
‫الزمن ال يخلو من إمام‪ ,‬وهو إشارة إلى عقيدتهم باإليمان بوجود إمامهم المنتظر الغائب‪,‬‬
‫والذي أنكره طوائف من الشيعة‪ ,‬وقرر المحققونـ من علماء النسب والتاريخ أنه لم يولد‬
‫أصالً‪ ,‬ولكن شيخ الشيعة الرافضة يرى أن إنكاره أعظم من الكفر(‪ ,)5‬وينقل شيخهم المفيد‬
‫اتفاقهم على هذا المذهب في تكفير أمة اإلسالم فيقول‪ :‬اتفقتـ اإلمامية على أن من أنكر‬
‫إمامة أحد من األئمة وجحد ما أوجبه هللا تعالى له من فرض الطاعة‪ ,‬فهو كافر ضال‬
‫مستحق للخلود في النار(‪ ,)6‬وبلغ األمر بشيخهم نعمة هللا الجزائري أن يعلن انفصال‬
‫الشيعة عن المسلمين بسبب قضية اإلمامة فيقول‪ :‬لم تجتمع معهم على إله وال نبي وال‬
‫على إمام‪ ,‬وذلك أنهم يقولون‪ :‬إن ربهم هو الذي كان محمد × نبيه‪ ,‬وخليفته بعده أبو بكر‪,‬‬
‫ونحن ال نقول بهذا الرب وال بذلك النبي‪ ,‬بل نقول‪ :‬إن الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ليس‬
‫ربنا وال ذلك النبي نبينا(‪.)7‬‬
‫إن اإلمامة صنو النبوة أو أعظم‪ ,‬وهي أصل الدين وقاعدته األساسية عندهم‪ ,‬لهذا‬
‫جاء حكم الشيعة االثنى عشرية على من أنكر إمامة واحد من أئمتهم االثنى عشر مكمالً‬
‫لهذا الغلو‪ ,‬حيث حكموا عليه بالكفر والخلود في النار‪ ,‬وخصصوا باللعن والحكم بالردة‬
‫جميع فئات المسلمين ما عدا االثنى عشرية‪ ,‬فتناول تكفيرهم‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫() االعتقادات‪ ,‬ص ‪ ,103‬ثم أبصرت الحقيقة‪ ,‬محمد الخضر‪ ,‬ص ‪.127‬‬
‫‪2‬‬
‫() الحدائق الناضرة (‪.)18/153‬‬
‫‪3‬‬
‫() بحار األنوار (‪.)23/390‬‬
‫‪4‬‬
‫() األلفين‪ ,‬ص ‪ ,3‬أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/867‬‬
‫‪5‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/867‬‬
‫‪6‬‬
‫() المسائل للمفيد‪ ,‬وقد نقل ذلك عنه المجلسي في البحار (‪.)8/366‬‬
‫‪7‬‬
‫() األنوار النعمانية (‪.)2/279‬‬
‫‪49‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -1‬الصحابة رضوان هللا عليهم‪ :‬كتب الشيعة الرافضة مليئة باللعن والتكفير لمن‬
‫رضي هللا عنهم ورضوا عنه‪ ,‬من المهاجرين واألنصار‪ ,‬وأهل بدر وبيعة الرضوان‪,‬‬
‫وسائر الصحابة أجمعين‪ ,‬وال تستثني منهم إال النزر اليسير الذي ال يبلغ عدد أصابع اليد‪,‬‬
‫وأصبحت هذه المسألة بعد ظهور كتبهم وانتشارها من األمور التي ال تحجب بالتقية(‪,)1‬‬
‫كما أن من أهل العلم وأصحاب المقاالت من اطلع على هذا األمر عند الشيعة اإلمامية‪,‬‬
‫قال القاضي عبد الجبار‪ :‬وأما اإلمامية فقد ذهبت إلى أن الطريق إلى إمامة االثنى عشر‬
‫النص الجلي‪ ,‬الذي يكفر من أنكره‪ ,‬ويجب تكفيره‪ ,‬فكفروا لذلك صحابة النبي ×(‪,)2‬‬
‫وقريب من هذا المعنى قال عبد القاهر البغدادي‪ :‬وأما اإلمامية فقد زعم أكثرهم(‪ )3‬أن‬
‫الصحابة ارتدت بعد النبي × سوى علي وابنيه مقدار ثالثة عشر منهم(‪ ,)4‬ويقول ابن تيمية‬
‫رحمه هللا‪ :‬إن الرافضة تقول‪ :‬إن المهاجرين واألنصار كتموا النص‪ ,‬فكفروا إال نفرًا‬
‫قليالً‪ ..‬إما بضعة عشر أو أكثر‪ ,‬ثم يقولون‪ :‬إن أبا بكر وعمر ونحوهما ما زاال منافقين‪,‬‬
‫وقد يقولون‪ :‬بل آمنوا ثم كفروا‪ ,‬وتقولـ كتب االثنى عشرية‪ :‬إن الصحابة بسبب توليتهم‬
‫ألبي بكر قد ارتدوا إال ثالثة‪ ,‬وتزيد بعض رواياتهم ثالثة أو أربعة آخرين إلى إمامة‬
‫علي‪ ,‬ليصبح المجموع سبعة‪ ,‬وال يزيدون عن ذلك‪ ,‬ولقد تداولت الشيعة أنباء هذا‬
‫األسطورة في المعتمد من كتبها‪ ,‬فسجلوا ذلك في أول كتاب ظهر لهم وهو كتاب سليم بن‬
‫قيس(‪ ,)5‬ثم تتابعت كتبهم في تقرير ذلك وإشاعته وعلى رأسها الكافي أوثق كتبهم األربعة‪,‬‬
‫ورجال الكشي(‪ ,)6‬عمدتهم في كتب الرجال وغيرها من مصادرهم(‪ ,)7‬وسيأتي الحديث عن‬
‫موقف الشيعة الرافضة من الصحابة مفصالً بإذن‬
‫هللا تعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬تكفيرهم أهل البيت‪ :‬إن الروايات التي تحكم بالردة على ذلك المجتمع المثالي‬
‫الفريد‪ ,‬وال تستثني منهم جميعًا إال سبعة في أكثر تقديراته‪ ,‬وال تذكر من ضمن هؤالء‬
‫السبعة أحدًا من أهل بيت رسول هللا باستثناء بعض روايات عندهم جاء فيها استثناء علي‬
‫فقط‪ ,‬وهي رواية الفضيل بن يسار عن أبي جعفر‪ ,‬قال‪ :‬صار الناس كلهم أهل جاهلية إال‬
‫أربعة‪ :‬عليًا‪ ,‬والمقداد‪ ,‬وسلمان‪ ,‬وأبا ذر‪ ,‬فقلت‪ :‬فعمار؟‪ ,‬فقال‪ :‬إن كنت تريد الذين لم‬
‫يدخلهم شيء فهؤالء الثالثة(‪ .)8‬فالحكم بالردة في هذه النصوص شامل للصحابة‪ ,‬وأهل‬
‫البيت النبوي من زوجات رسول هللا × وقرابته‪ ,‬مع أن واضعها يزعم التشيع ألهل بيت‬
‫رسول هللا ×‪ ,‬فهل هذا إال دليل واضح على أن التشيع إنما هو ستار لتنفيذ أغراض خبيثة‬
‫ضد اإلسالم وأهله‪ ,‬وأن واضعي هذه الروايات أعداء للصحابة وللقرابة(‪ ,)9‬وقد خصت‬
‫الشيعة الرافضة بالطعن والتكفير جملة من أهل بيت رسول هللا ×‪ ,‬كعم النبي العباس‪,‬‬
‫‪1‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/868‬‬
‫‪2‬‬
‫() شرح األصول الخمسة‪ ,‬ص ‪.761‬‬
‫‪3‬‬
‫() نلحظ أن عبد القاهر ال يعمم هذا المذهب على اإلمامية كلها‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() الفرق بين الفرق‪ ,‬ص ‪.321‬‬
‫‪5‬‬
‫() كتاب سليم بن قيس‪ ,‬ص ‪.75-74‬‬
‫‪6‬‬
‫() رجال الكشي ص ‪.11،9،8،7،6‬‬
‫‪7‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/780‬‬
‫‪8‬‬
‫() تفسير العياشي (‪ ,)1/199‬البرهان (‪ ,)1/319‬تفسير الصافي (‪ ,)1/389‬أصول الشيعة اإلمامية (‬
‫‪.)2/891‬‬
‫‪9‬‬
‫() أصول الشيعةاإلمامية (‪.)2/891‬‬
‫‪49‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬

‫حتى قالوا بأنه نزل فيه قوله سبحانه‪َ + :‬و َمن َكا َن فِي َه ِذ ِه أَ ْع َمى َف ُه َو فِي اآل َِخ َر ِة أَ ْع َمى َوأ َ‬
‫َض ُّل‬
‫َسبِيالً" [اإلسراء‪ ,]72:‬وكابنه عبد هللا بن عباس حبر األمة وترجمان القرآن الذي خصصوه‬
‫باللعن وبأنه سخيف العقل(‪ ,)1‬كما جاء في الكافي‪ ,‬وفي رجال الكشي‪ :‬الهم العن ابني فالن‬
‫واعم أبصارهما‪ ,‬كما عميت قلوبهما‪ ,‬واجعل عمى أبصارهما دليالً على عمى قلوبهما(‪.)2‬‬
‫وعلق على هذا شيخهم حسن المصطفوي فقال‪ :‬هما عبد هللا بن عباس وعبيد هللا بن‬
‫عباس(‪ ,)3‬وبنات النبي × يشملهن سخط الشيعة االثنى عشرية وحنقهم‪ ,‬فال يذكرون فيمن‬
‫استثنى من التكفير‪ ,‬بل ونفى بعضهم أن يكن بنات للنبي × ما عدا فاطمة رضي هللا‬
‫عنهن(‪ ,)4‬فهل يحب رسول هللا × من يقول فيه وفي بناته هذا القول(‪)5‬؟‪ ,‬وقد نص صاحب‬
‫الكافي في رواياته على أن كل من لم يؤمن باالثنى عشرية فهو كافر‪ ,‬وإن كان علويًا‬
‫فاطميًا(‪ ,)6‬وهذا يشمل في الحقيقة التكفير لجيل الصحابة ومن بعدهم بما فيه اآلل‬
‫واألصحاب؛ ألنهم لم يعرفوا فكرة االثنى عشر التي لم توجد إال بعد سنة ‪260‬هـ‪ ,‬كما‬
‫باؤوا بتكفير أمهات المؤمنين أزواج رسول هللا ×‪ ,‬إذ لم يستثنوا واحدة منهن في‬
‫نصوصهم‪ ,‬ولكنهم يخصون منهم عائشة(‪ )7‬وحفصة رضي هللا عنهما‪ ,‬بالذم واللعن‬
‫والتكفير(‪ ,)8‬وقد عقد شيخهم المجلسي بابًا بعنوان «باب أحوال عائشة وحفصة» ذكر فيه‬
‫‪17‬رواية(‪ ,)9‬وأحال في بقية الروايات إلى أبواب أخرى(‪ ,)10‬وقد آذوا فيها رسول هللا × في‬
‫أهل بيته أبلغ اإليذاء‪ ,‬حتى اتهموا في أخبارهم من برأها هللا من فوق سبع سماوات‪,‬‬
‫(‪)11‬‬
‫عائشة بنت الصديق بالفاحشة‪ ,‬فقد جاء في أصل أصول التفاسير عندهم‪ ,‬تفسير القمي ‪,‬‬
‫قذف شنيع متضمن تكذيب القرآن العظيم‪ ,‬قال ابن كثير –رحمه هللا‪ -‬في تفسير سورة‬
‫النور‪ :‬أجمع أهل العلم –رحمهم هللا‪ -‬قاطبة على أن من سبها ورماها بما رماها به بعد هذا‬
‫الذي ذكر في اآلية‪ ,‬فإنه كافر؛ ألنه معاند للقرآن(‪ ,)12‬وقال القرطبي‪ :‬فكل من سبها مما‬
‫برأها هللا منه مكذب هلل‪ ,‬ومن كذب هللا فهو كافر(‪.)13‬‬
‫‪ -3‬تكفيرهم خلفاء المسلمين وحكوماتهم‪ :‬في دين الشيعة الرافضة اإلمامية أن كل‬
‫حكومة غير حكومة اإلمامية الرافضية باطلة‪ ,‬وصاحبها ظالم طاغوت يعبد من دون هللا‪,‬‬
‫‪1‬‬
‫() أصول الكافي (‪.)1/247‬‬
‫‪2‬‬
‫() رجال الكشي‪ ,‬ص ‪.52‬‬
‫‪3‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/892‬‬
‫‪4‬‬
‫() كشف الغطاء لجعفر النجفي‪ ,‬ص ‪ ,5‬أصول الشيعة (‪.)2/892‬‬
‫‪5‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/892‬‬
‫‪6‬‬
‫() أصول الكافي (‪.)374-1/372‬‬
‫‪7‬‬
‫() أصول الكافي (‪ ,)1/300‬رجال الكشي‪ ,‬ص ‪.60-57‬‬
‫‪8‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/893‬‬
‫‪9‬‬
‫() بحار األنوار (‪.)247-22/227‬‬
‫‪10‬‬
‫() بحار األنوار (‪.)22/245‬‬
‫‪11‬‬
‫() تفسير القمي (‪.)2/377‬‬
‫‪12‬‬
‫() تفسير ابن كثير (‪ ,)290-3/289‬الصارم المسلول ص ‪.50‬‬
‫‪13‬‬
‫() تفسير القرطبي (‪.)12/206‬‬
‫‪49‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ومن يبايعه فإنما يعبد غير هللا‪ ,‬وقد أثبت الكليني هذا المعنى في عدة أبواب مثل‪ :‬باب من‬
‫ادعى اإلمامة وليس لها بأهل ومن جحد األئمة أو بعضهم‪ ,‬ومن أثبت اإلمامة لمن ليس لها‬
‫بأهل‪ ,‬وذكر فيه اثنى عشر حديثًا عن أئمتهم(‪ ,)1‬وباب فيمن دان هلل عز وجل بغير إمام من‬
‫هللا جل جالله‪ ,‬وفيه خمسة أحاديث(‪ ,)2‬وكل خلفاء المسلمين ما عدا عليًا والحسن‪,‬‬
‫طواغيت –حسب اعتقادهم‪ -‬وإن كانوا يدعون إلى الحق‪ ,‬ويُحسنون ألهل البيت‪ ,‬ويقيمون‬
‫دين هللا‪ ,‬ذلك أنهم يقولون‪ :‬كل راية ترفع قبل راية القائم(‪ )3‬صاحبها طاغوت (‪ ,)4‬قال‬
‫شارح الكافي‪ :‬وإن كان رافعها يدعو إلى الحق(‪ ,)5‬وحكم المجلسي على هذه الرواية‬
‫بالصحة(‪ ,)6‬حسب مقاييسهم(‪.)7‬‬
‫‪ -4‬الحكم على األمصار اإلسالمية بأنها دار كفر‪ :‬جاء في أخبارهم تخصيص‬
‫كثير من بالد المسلمين بالسب‪ ,‬وتكفير أهلها على وجه التعيين‪ ,‬ويخصون منها غالبًا ما‬
‫كان أكثر التزا ًما باإلسالم واتباعًا للسنة‪ ,‬فقد صرحوا بكفر أهالي مكة والمدينة في القرون‬
‫المفضلة‪ ,‬ففي عصر جعفر الصادق كانوا يقولون عن أهل مكة والمدينة‪ :‬أهل الشام شر‬
‫من أهل الروم «يعني شر من النصارى»‪ ,‬وأهل المدينة شر من أهل مكة‪ ,‬وأهل مكة‬
‫يكفرون باهلل جهرة(‪ ,)8‬وقالوا‪ :‬إن أهل مكة ليكفرون باهلل جهرة‪ ,‬وإن أهل المدينة أخبث من‬
‫أهل مكة‪ ,‬أخبث منهم سبعين ضعفًا(‪ ,)9‬ومن المعلوم أن أهل المدينة كانوا –والسيما في‬
‫القرون المفضلة‪ -‬يتأسون بأثر رسول هللا × أكثر من سائر األمصار‪ ,‬وقد ظل أهل المدينة‬
‫متمسكين بمذهبهم المالمكي منتسبين إليه إلى أوائل المائة السادسة أو قبل ذلك أو بعد ذلك‪,‬‬
‫فإنه قدم إليهم من رافضة المشرق من أفسد مذهب كثير منهم(‪ ,)10‬وقالوا أيضًا عن مصر‬
‫(‪)11‬‬
‫وأهلها‪ :‬أبناء مصر لعنوا على لسان داود عليه السالم‪ ,‬فجعل هللا منهم القرة والخنازير ‪,‬‬
‫وما غضب هللا على بني إسرائيل إال أدخلهم مصر‪ ,‬وال رضي عنهم إال أخرجهم منها إلى‬
‫غيرها(‪ ,)12‬وقالوا‪ :‬بئس البالد مصر‪ ,‬أما إنها سجن من سخط هللا عليه من بني‬
‫إسرائيل(‪ ,)13‬وقالوا‪ :‬انتحوا مصر وال تطلبوا المكث فيها ألنه يورث الدياثة ‪.‬‬
‫(‪)14‬‬

‫‪1‬‬
‫() الكافي (‪.)374-1/372‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)376-1/374‬‬
‫‪3‬‬
‫() هو‪ :‬المهدي المنتظر (في زعمهم)‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() الكافي‪ :‬بشرحه للمازندراني (‪ ,)12/371‬بحار األنوار (‪ ,)125/113‬أصول الشيعة اإلمامية (‬
‫‪.)2/896‬‬
‫‪5‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/896‬‬
‫‪6‬‬
‫() مرآة العقول (‪.)4/378‬‬
‫‪7‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/896‬‬
‫‪8‬‬
‫() أصول الكافي (‪.)2/409‬‬
‫‪9‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)2/410‬‬
‫‪10‬‬
‫() الفتاوى (‪.)20/300،299‬‬
‫‪11‬‬
‫() بحار األنوار (‪ ,)60/208‬تفسير القمي ص ‪.596‬‬
‫‪12‬‬
‫() تفسير العياشي (‪ ,)1/304‬البرهان (‪.)1/456‬‬
‫‪13‬‬
‫() تفسير العياشي (‪ ,)1/305‬البرهان (‪.)1/457‬‬
‫‪14‬‬
‫() بحار األنوار (‪ ,)60/211‬أصول الشيعة (‪.)2/900‬‬
‫‪49‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وجاءت عندهم عدة روايات في ذم مصر‪ ,‬وهجاء أهلها‪ ,‬والتحذير من سكناها‪ ,‬ونسبوا‬
‫هذه الروايات إلى رسول هللا ×‪ ,‬وإلى محمد الباقر‪ ,‬وإلى علي الباقر‪ ,‬وهذا رأي الروافض في‬
‫مصر في تلك العصور اإلسالمية الزاهرة‪ ,‬وقد عقب المجلسي على هذه النصوص بقوله بأن‬
‫مصر صارت من شر البالد في تلك األزمنة‪ ,‬ألن أهلها صاروا من أشقى الناس وأكفرهم(‪.)1‬‬
‫وال يبعد أن هذه النصوص هي تعبير عن حقد الرافضة وغيظهم على مصر وأهلها‪ ,‬بسبب‬
‫سقوط دولة إخوانهم اإلسماعيليينـ العبيديينـ على يد صالح الدين‪ ,‬الذي طهر أرض الكنانة من‬
‫دنسهم ورجسهم‪ ,‬وأين هذه الكلمات المظلمة في مصر وأهلها من الباب الذي عقده مسلم في‬
‫صحيحه «باب وصية النبي بأهل مصر»(‪ ,)2‬وجاء عندهم ذم كثير من بلدان اإلسالم وأهلها(‪,)3‬‬
‫ولم يستثن من ديار المسلمين إال من يقول بمذهبهم‪ ,‬وهي قليلة في تلك األزمان‪ ,‬حتى جاء‬
‫عنهم‪ :‬إن هللا عرض واليتنا على أهل األمصار‪ ,‬فلم يقبلها إال أهل الكوفة(‪.)4‬‬
‫‪ -5‬قضاة المسلمين‪ :‬تعد أخبارهم قضاة المسلمين طواغيت الرتباطهم باإلمامة‬
‫الباطلة بزعمهم‪ ,‬فقد جاء في الكافي عن عمر بن حنظلة قال‪ :‬سألت أبا عبد هللا عليه‬
‫السالم‪ ,‬عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث‪ ,‬فتحاكما إلى السلطان‬
‫وإلى القضاء أيحل ذلك؟‪ ,‬قال‪ :‬من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى‬
‫الطاغوت‪ ,‬وما يحكم له فإنما يأخذ سحتًا‪ ,‬وإن كان حقًا ثابتًا له‪ ,‬ألنه أخذ بحكم الطاغوت‪,‬‬
‫وت َوقَ ْد أ ُِم ُروا أَن‬
‫وقد أمر هللا أن يكفر به(‪ ,)5‬قال تعالى‪+ :‬ي ِري ُدو َن أَن يتَحا َكموا إِلَى الطَّاغُ ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫يَ ْك ُف ُروا بِ ِه" [النساء‪ ,]60:‬وهذه الرواية تحكم على القضاء والقضاة في عصر جعفر الصادق‪,‬‬
‫كما يظهر من إسنادهم للرواية إلى جعفر‪ ,‬فإذا كان هذا نظرهم في قضاة المسلمين في‬
‫القرون المفضلة‪ ,‬فما بالك‬
‫فيمن بعدهم(‪)6‬؟‪.‬‬
‫‪ -6‬أئمة المسلمين وعلماؤهم‪ :‬حذروا من التلقي عن الشيوخ المسلمين وعلمائهم‬
‫وعدوهم كملل أهل الشرك‪ ,‬عن هارون بن خارجة قال‪ :‬قلت ألبي عبد هللا عليه السالم‪ :‬إنا‬
‫نأتي هؤالء المخالفين(‪ ,)7‬فنسمع منهم الحديث يكون حجة لنا عليهم؟ قال‪ :‬ال تأتهم وال‬
‫تسمع منهم‪ ,‬لعنهم هللا ولعن مللهم المشركة(‪ ,)8‬وجاء في الكافي عن سدير عن أبي جعفر‬
‫قال‪ ..:‬يا سدير فأريك الصادين عن دين هللا‪ ,‬ثم نظر إلى أبي حنيفة وسفيان الثوري في‬
‫ذلك الزمان وهم حلق في المسجد‪ ,‬فقال‪ :‬هؤالء الصادون عن دين هللا بال هدى من هللا وال‬
‫كتاب مبين‪ ,‬إن هؤالء األخباث لو جلسوا في بيوتهم فجال الناس‪ ,‬فلم يجدوا أحدًا يخبرهم‬
‫عن هللا تبارك وتعالى وعن رسوله × حتى يأتونا فنخبرهم عن هللا تبارك وتعالى وعن‬
‫رسوله ×(‪.)9‬‬

‫‪1‬‬
‫() بحار األنوار (‪.)5/208‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسلم (‪.)2/2970‬‬
‫‪3‬‬
‫()‪ )7( ,‬بحار األنوار (‪ ,)60/206‬أصول الشيعة (‪.)2/901‬‬
‫‪4‬‬
‫()‬

‫‪5‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪ ,)2/902‬أصول الكافي (‪.)1/67‬‬
‫‪6‬‬
‫() أصول الشيعةاإلمامية (‪.)2/901‬‬
‫‪7‬‬
‫() هذا اللقب يطلق على أهل السنة‪ ,‬وقد يتناول كل مخالف‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() بحار األنوار (‪ ,)2/216‬أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/905‬‬
‫‪49‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وقد بين ابن تيمية رحمه هللا موقفهم من سلف األمة وأئمتها واألنصار‪ ,‬والذين‬
‫اتبعوهم بإحسان‪ ,‬الذين رضي هللا عنهم ورضوا عنه‪ ,‬وكفروا جماهير أمة محمد × من‬
‫المتقدمين والمتأخرين؛ فيكفرون كل من اعتقد في أبي بكر وعمر والمهاجرين واألنصار‬
‫العدالة‪ ,‬أو ترضَّى عنهم كما رضي هللا عنهم‪ ,‬أو يستغفر لهم كما أمر هللا باالستغفار لهم‪,‬‬
‫ولهذا يكفرون أعالم الملة‪ ,‬مثل سعيد بن المسيب‪ ,‬وأبي مسلم الخوالني‪ ,‬وأويس القرني‪,‬‬
‫وعطاء بن أبي رباح‪ ,‬وإبراهيم النخعي‪ ,‬ومثل مالك‪ ,‬واألوزاعي‪ ,‬وأبي حنيفة‪ ,‬وحماد بن‬
‫زيد‪ ,‬وحماد بن سلمة‪ ,‬والثوري‪ ,‬والشافعي‪ ,‬وأحمد بن حنبل‪ ,‬وفضيل بن عياض‪ ,‬وأبي‬
‫سليمان الداراني‪ ,‬ومعروفـ الكرخي‪ ,‬والجنيد بن محمد‪ ,‬وسهل بن عبد هللا التستري‪,‬‬
‫وغير هؤالء‪ ,‬ويرون أن كفرهم أغلظ من كفر اليهود والنصارى‪ ,‬ألن أولئك عندهم كفار‬
‫أصليون‪ ,‬وهؤالء مرتدون‪ ,‬وكفر الردة أغلظ باإلجماع من الكفر األصلي إلى أن قال‪:‬‬
‫وأكثر محققيهم –عندهم‪ -‬يرون أبا بكر وعمر وأكثر المهاجرين واألنصار‪ ,‬وأزواج النبي‬
‫× مثل عائشة‪ ,‬وحفصة‪ ,‬وسائر أئمة المسلمين وعامتهم ما آمنوا باهلل طرفة عين قط‪ ,‬ألن‬
‫اإليمان الذي يتعقبه الكفر عندهم يكون باطالً من أصله‪ ,‬ومنهم من يرى أن فرج النبي ×‬
‫الذي جامع به عائشة وحفصة البد أن تمسه النار ليطهر بذلك من وطء الكوافر على‬
‫زعمهم‪ ,‬ألن وطء الكوافر حرام عندهم(‪.)1‬‬
‫هذا التكفير العام الشامل الذي لم ينج منه أحد‪ ,‬هل يحتاج إلى نقد؟‪ ,‬إن بطالنه أوضح‬
‫من أن يبين‪ ,‬وكذبه أجلى من أن يكشف‪ ,‬وتكفير األمة امتداد لتكفير الصحابة‪ ,‬والسبب‬
‫واحد ال يختلف‪ ,‬ومن الطبيعي أن من يحقد على صحابة رسول هللا ويسبهم ويكفرهم يحقد‬
‫على األمة جميعًا ويكفرها‪ ,‬كما قال بعض السلف‪ :‬ال يغل قلب أحد على أحد من أصحاب‬
‫رسول هللا × إال كان ما في قلبه على المسلمين أغل(‪.)2‬‬
‫فإذا لم يرض عن أبي بكر وعمر وعثمان‪ ,‬وأهل بدر وبيعة الرضوان‪ ,‬والمهاجرين‬
‫واألنصار‪ ,‬وهم في الذروة في الفضل واإلحسان‪ ,‬فهل يرضى بعد ذلك عن أحد بعدهم؟‪,‬‬
‫ومبني هذا الموقف هو دعوى الروافض أن الصحابة رضوان هللا عليهم أنكروا النص‪,‬‬
‫وسيأتي بيان بطالن النص بالنقل والعقل وباألمورـ المتواترة المعلومة –بإذن هللا‪ -‬وما بني‬
‫على الباطل فهو باطل‪.‬‬
‫ولقد كان حكمهم بردة جيل الصحابة من الظواهر الواضحة على بطالن مذهب‬
‫الشيعة الرافضة من أساسه(‪ ,)3‬ولذلك قال أحمد الكسروي اإليراني والشيعي األصل‪ :‬وأما‬
‫ما قالوا من ارتداد المسلمين بعد موت النبي × فاجتراء منهم على الكذب والبهتان‪ ,‬فلقائل‬
‫أن يقول‪ :‬كيف ارتدوا وهم كانوا أصحاب النبي × آمنوا به حين كذبه اآلخرون‪ ,‬ودافعوا‬
‫عنه واحتملوا األذى في خالفة أبي بكر ليرتدوا عن دينهم ألجله؟ فأي األمرين أسهل‬
‫احتماالً‪ :‬أكذب رجالً أو رجلين من ذوي األغراض الفاسدة‪ ,‬أو ارتداد بضع مئات من‬
‫ُخلص المسلمين؟ فأجيبونا إن كان لكم جواب(‪.)4‬‬
‫إن القرآن الكريم بين فيه رب العزة أصول العقائد وحقائقها وهو التبيان لكل شيء‪,‬‬
‫اب تِْبيَانًا لِّ ُك ِّل َش ْي ٍء" [النحل‪ ,]89:‬ويقولـ واصفًا كتابه بأنه لم‬ ‫قال تعالى‪+ :‬و َن َّزلْنَا َعلَي َ ِ‬
‫ك الْكتَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫‪9‬‬
‫() أصول الكافي (‪ ,)1/393،392‬أصول الشيعة (‪.)2/905‬‬
‫‪1‬‬
‫() مجموع الفتاوى (‪.)28/262،261‬‬
‫‪2‬‬
‫() اإلبانة البن بطة‪ ,‬ص ‪.41‬‬
‫‪3‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/916‬‬
‫‪4‬‬
‫() التشيع والشيعة‪ ,‬ص ‪ ,66‬أصول الشيعة (‪.)2/916‬‬
‫‪49‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫اب ِمن َش ْي ٍء" [األنعام‪ ,]38:‬فإن‬ ‫يفرط في قضية يقوم عليها الدين بقوله‪َّ + :‬ما َف َّرطْنَا فِي ال ِ‬
‫ْكتَ ِ‬
‫كان األمر كذلك فإن المرء ليتساءل عن سند هذه العقيدة‪ ,‬فكتاب اإلسالم العظيم «القرآن‬
‫الكريم» يذكر فيه مرات الصالة والصيام‪ ,‬والزكاة والحج‪ ,‬وال ذكر فيه لشأن األئمة االثنى‬
‫عشرية أو اإلمامة من بعد الرسول رغم كون اإلمامة –كما تقول النظرية الشيعية‬
‫الرافضية‪ -‬أعظم أركان الدين!!‪ ,‬أو ليس من العجيب أن يذكر القرآن تفاصيل طريقة‬
‫الوضوء‪ ,‬ويُصنف أنواع المحرمات من الطعام والشراب‪ ,‬ويتحدث عن الجهاد تارة وعن‬
‫السلم تارة أخرى‪ ,‬ويناقش القضايا األخالقية ثم يتجاهل إمامة االثنى عشر التي يصفها آل‬
‫كاشف الغطاء بأنها «منصب إلهي كالنبوة»‪ ,‬إن هذه النصوص القرآنية قد شهدت بكل‬
‫وضوح بأن القرآن الكريم لم يفرط في قضية يحتاج إليها البشر‪ ,‬فكيف يفرط في قضية‬
‫اإلمامة النصية التي تذكرها الشيعة اإلمامية‪ ,‬ثم يتركها لعلمائهم لكي يصيغوها ويحددوا‬
‫معالمها‪ ,‬مع كون النص على األئمة من هللا ال منهم(‪.)1‬‬
‫ثانيًا‪ :‬العصمة عند الشيعة الرافضة‬
‫إن عصمة اإلمام عند الشيعة الرافضة اإلمامية شرط من شروط اإلمامة‪ ,‬وهي من‬
‫مبادئ األولية في كيانها العقدي ولها أهمية كبرى عندهم‪ ,‬ونتيجة لما أضفاه الشيعة على‬
‫األئمة من صفات وقدرات ومواهب علمية غير محدودة‪ ,‬ذهبوا إلى أن اإلمام ليس مسئوالً‬
‫أمام أحد من الناس وال مجال للخطأ في أفعاله مهما أتى من فعال‪ ,‬بل يجب تصديقه‬
‫واإليمان بأن كل ما يفعله من خير ال شر فيه ألن عنده من العلم ما ال قِبل ألحد بمعرفته‪,‬‬
‫ومن هنا قرر الشيعة لإلمام ضمن ما قرروا العصمة‪ ,‬فذهبوا إلى أن األئمة معصومونـ‬
‫في كل حياتهم ال يرتكبون صغيرة وال كبيرة وال تصدر عنهم أية معصية‪ ,‬وال يجوز‬
‫عليهم خطأ وال نسيان(‪ ,)2‬وقد نقل اإلجماع على ذلك شيخهم المفيد‪ ,‬فقال‪ :‬إن األئمة‬
‫القائمين مقام األنبياء في تنفيذ األحكام وإقامة الحدود وحفظ الشرائع وتأديب األنام‬
‫معصومونـ كعصمة األنبياء‪ ,‬وإنهم ال يجوز منهم كبيرة وال صغيرة‪ ,‬وإنه ال يجوز منهم‬
‫سهو في شيء من الدين وال ينسون شيئًا من األحكام‪ ,‬وعلى هذا مذهب سائر اإلمامية إال‬
‫من شذ منهم‪ ,‬وتعلق بظواهر روايات لها تأويالت على خالف ظنه الفاسد من هذا‬
‫الباب(‪ ,)3‬وقال ابن المطهر الحلي‪ :‬ذهبت اإلمامية واإلسماعيلية إلى أن اإلمام يجب أن‬
‫يكون معصو ًما وخالف فيه جميع الفرق(‪.)4‬‬
‫وقد نص على ذلك المجلسي بقوله‪ :‬اعلم أن اإلمامية رضي هللا عنهم اتفقوا على‬
‫عصمة األئمة عليهم السالم من الذنوب صغيرها وكبيرها‪ ,‬فال يقع منهم ذنب أصالً ال‬
‫عمدًا وال نسيانًا وال لخطأ في التأويل‪ ,‬وال لإلسهاء من هللا سبحانه(‪.)5‬‬
‫وروى الصدوق بسنده إلى ابن عباس –كذبًا وزورًا‪ -‬أنه قال‪ :‬سمعت رسول هللا ×‬
‫يقول‪« :‬أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين معصومون»(‪ ,)6‬وقال أيضًا‬
‫في تقرير ذلك‪ :‬اعتقادنا في األنبياء والرسل واألئمة أنهم معصومون مطهرون من كل‬
‫‪1‬‬
‫() ثم أبصرت الحقيقة‪ ,‬محمد سالم‪ ,‬ص ‪.130‬‬
‫‪2‬‬
‫() دراسات عن الفرق‪ ,‬د‪ .‬أحمد جلي‪ ,‬ص ‪ ,203‬مسألة التقريب (‪.)1/322‬‬
‫‪3‬‬
‫() أوائل المقاالت للمفيد‪ ,‬ص ‪.35‬‬
‫‪4‬‬
‫() كشف المراد في شرح تجريد االعتقاد‪ ,‬ص ‪.90‬‬
‫‪5‬‬
‫() بحار األنوار (‪.)9/205‬‬
‫‪6‬‬
‫() إكمال الدين للصدوق‪ ,‬ص ‪.474‬‬
‫‪49‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫دنس‪ ,‬وأنهم ال يذنبون ال صغيرًا وال كبيرًا‪ ,‬وال يعصون هللا ما أمرهم ويفعلون ما‬
‫يؤمرون‪ ,‬ومن نفى عنهم العصمة في شيء من أحوالهم فقد جهلهم‪ ,‬ومن جهلهم فهو‬
‫كافر(‪.)1‬‬
‫ولم تكن هذه العقيدة مقصورةـ على سلف الرافضة‪ ,‬بل شاركهم المعاصرون في ذلك‪,‬‬
‫وفي ذلك يقول محمد رضا المظفر‪ :‬ونعتقد أن اإلمام كالنبي يجب أن يكون معصو ًما من‬
‫جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن من سن الطفولة إلى الموت عمدًا وسه ًوا‪,‬‬
‫كما يجب أن يكون معصو ًما من السهو والخطأ والنسيان(‪ ,)2‬وقد نص على ذلك الزنجاني‬
‫في عقائد اإلمامية(‪ ,)3‬كما نص عليه أيضًا علي البحراني في منار الهدى(‪ ,)4‬والسيد‬
‫مرتضى العسكري في معالم المدرستين(‪ ,)5‬إال أن هناك آثارًا في المذهب الشيعي اإلمامي‬
‫تخالف ما ذهبوا إليه‪ ,‬ولذلك احتار المجلسي وهو يرى النصوص تخالف إجماع أصحابه‪,‬‬
‫فقال‪ :‬المسألة في غاية اإلشكال‪ ,‬لداللة كثير من األخبار واآليات عن صدور السهو عنهم‪,‬‬
‫وإطباق األصحاب إال من شذ منهم على عدم الجواز(‪ .)6‬وهذا اعتراف من المجلسي بأن‬
‫إجماع الشيعة المتأخرين على عصمة األئمة بإطالق يخالف رواياتهم‪ ,‬وهذا دليل واقعي‬
‫واعتراف صريح في أنهم يجتمعون على ضاللة‪ ,‬وعلى غير دليل حتى من كتبهم(‪.)7‬‬
‫ويبدو أن فكرة العصمة قد مرت بأطوار مختلفة‪ ,‬أو أن الشيعة قد اختلفت عقائدهم في‬
‫تحديدها –في أول األمر‪ -‬فمثالً في عصر أبي جعفر بن بابويه القمي ت ‪381‬هـ وشيخه‬
‫محمد بن الحسن القمي‪ ,‬كان رأي جمهور الشيعة أن أول درجة في الغلو هي نفي السهو‬
‫عن النبي ×(‪ ,)8‬فكانوا يعدون من ينفي السهو عن النبي × من الشيعة الغالة‪.‬‬
‫ولكن بعد ذلك تبدلت الحال وأصبح نفي السهو والنسيان عن األئمة هو خروج بهم‬
‫من منزلة من ال تأخذه سنة وال نوم‪ ,‬وقد كانت العصمة بهذه الصورة الغالية من نفي‬
‫السهو والنسيان عن األئمة معتقد فئة شيعية مجهولة في الكوفة‪ ,‬ففي البحار للمجلسي‪ :‬أنه‬
‫قيل للرضا –إمام الشيعة الثامن‪ :-‬إن في الكوفة قو ًما يزعمون أن النبي × لم يقع عليه‬
‫السهو في صالته فقال‪ :‬كذبوا لعنهم هللا‪ ,‬إن الذي ال يسهو هو هللا ال إله إال هو(‪ .)9‬فهذا يدل‬
‫على أن عقيدة نفي السهو كانت معتقد قوم غير معينين لشذوذهم في هذا االعتقاد‪ ,‬وأنهم‬
‫كانوا ينفون السهو عن النبي × الذي هو أفضل األئمة ولم يقولوا بذلك لألئمة‪ ,‬ثم تطور‬
‫هذا االعتقاد ليشمل أئمة الشيعة االثنى عشر وليعم طائفة الشيعة اإلمامية كلها‪ ,‬فهذا شيخ‬
‫الشيعة المعاصر وآيتها العظمى عبد هللا الممقاني يؤكد أن نفي السهو عن األئمة أصبح‬
‫من ضرورات المذهب الشيعي(‪ ,)10‬وهو ال ينكر أن شيوخهم السابقين كانوا يعدون ذلك‬

‫‪1‬‬
‫() نقل ذلك عن الزنجاني في عقائد اإلمامية االثنى عشرية (‪.)2/157‬‬
‫‪2‬‬
‫() عقائد اإلمامية‪ ,‬ص‪.104‬‬
‫‪3‬‬
‫() العقيدة في أهل البيت‪ ,‬ص ‪.371‬‬
‫‪4‬‬
‫() منار الهدى‪ ,‬ص ‪.102‬‬
‫‪5‬‬
‫() معالم المدرستين‪ ,‬ص ‪.159‬‬
‫‪6‬‬
‫() البحار (‪.)25/351‬‬
‫‪7‬‬
‫() مسألة التقريب (‪.)1/330‬‬
‫‪8‬‬
‫() شرح عقائد الصدوق للمفيد‪ ,‬ص ‪.161،160‬‬
‫‪9‬‬
‫() البحار (‪.)25/350‬‬
‫‪49‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫غل ًوا‪ ,‬لكنه يقول‪ :‬إن ما يُعد غل ًوا في الماضي أصبح اليوم من ضرورات المذهب‬
‫الشيعي(‪ ,)1‬وإذا كانت دعوى عصمة األئمة تعني مضاهاتهم للرسول فإن نفي السهو عنهم‬
‫تأليه لهم كما أشار إلى ذلك إمام الشيعة الثامن علي الرضا‪ ,‬ولذا قرر ابن بابويه القمي‬
‫وغيره أن هذا االعتقاد هو الفيصل بين الغالة وغيرهم(‪ ,)2‬وإذا كان شيخهم المعاصر‬
‫الممقاني يرى أن نفي السهو عن األئمة من ضرورات المذهب الشيعي ومنكر الضروري‬
‫كافر عندهم كما يؤكده شيخهم المعاصر محسن األمين(‪ ,)3‬فمعنى هذا أن متأخريهم‬
‫يكفرون متقدميهم‪ ,‬ومتقدميهم يكفرون متأخريهم‪ ,‬وإذا كان الممقاني يرى أن نفي السهو‬
‫عن األئمة من ضرورات المذهب الشيعي‪ ,‬وبعضهم ينقل اإلجماع على ذلك(‪ ,)4‬فإننا نجد‬
‫في بعض الكتابات الموجهة لديار السنة(‪ .)5‬القول بأن االعتقاد بأن األئمة يسهون هو‬
‫مذهب جميع الشيعة(‪ ,)6‬وهكذا يكفر بعضهم بعضًا‪ ,‬ويناقض بعضهم بعضًا‪ ,‬وكل يزعم أن‬
‫ما يقوله هو مذهب الشيعة(‪ ,)7‬وقد كان معتقد العصمة من أسباب نشوء عقيدة البداء والتقية‬
‫–كما سيأتي بيانه بإذن هللا تعالى‪ -‬وذلك أن واقع األئمة ال يتفق بحال ودعوى عصمتهم‪,‬‬
‫فإذا حصل اختالف وتناقض في أقوالهم قالوا هذا بداء أو تقية كما اعترف بهذا بعض‬
‫الشيعة(‪.)8‬‬
‫إن من أخطر اآلثار العلمية لدعوى العصمة اعتبارهم أن ما يصدر عن أئمتهم االثنى‬
‫عشر هو كقول هللا ورسوله‪ ,‬ولذلك فإن مصادرهم في الحديث تنتهي معظم أسانيدها إلى‬
‫أحد األئمة وال تصل إلى رسول هللا ×‪ ,‬والشيعة زعمت ألئمتها عصمة لم تتحقق ألنبياء‬
‫هللا ورسله‪ ,‬كما يدل على ذلك صريح القرآن والسنة واإلجماع(‪.)9‬‬
‫‪ -1‬استداللهم على عصمة أئمتهم من القرآن الكريم‪ :‬رغم أن كتاب هللا سبحانه‬
‫وتعالى ليس فيه ذكر لالثنى عشر أصال –كما مر‪ -‬فضالً عن عصمتهم‪ ,‬إال أن االثنى‬
‫عشرية تتعلق بالقرآن لتقرير العصمة‪ ,‬ويتفق شيوخهم على االستدل بقوله سبحانه‪+ :‬وإِذِ‬
‫َ‬
‫ال َع ْه ِدي‬ ‫ال َو ِمن ذُ ِّريَّتِي قَ َ‬
‫ال الَ َينَ ُ‬ ‫ك لِلن ِ‬
‫َّاس إِ َم ًاما قَ َ‬ ‫ال إِنِّي ج ِ‬
‫اعلُ َ‬ ‫َ‬
‫ابَتلَى إِبر ِاهيم ربُّهُ بِ َكلِم ٍ‬
‫ات فَأَتَ َّم ُه َّن قَ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫ْ‬
‫ين" [البقرة‪ ,]124:‬وبهذه اآلية صدر المجلسي بابه الذي عقده في بحاره بشأن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫الظالم َ‬
‫(‪)10‬‬
‫العصمة بعنوان‪ :‬باب‪ ..‬لزوم عصمة اإلمام ‪ .‬وجملة من شيوخ الشيعة المعاصرين‬

‫‪10‬‬
‫() تنقيح المقال (‪.)3/240‬‬
‫‪1‬‬
‫() مسألة التقريب (‪.)2/98‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه (‪ ,)3/240‬مسألة التقريب (‪.)2/97‬‬
‫‪3‬‬
‫() كشف االرتياب المقدمة الثانية ومهذب األحكام (‪.)1/388،393‬‬
‫‪4‬‬
‫() صراط الحق (‪ ,)3/121‬مسألة التقريب (‪.)2/98‬‬
‫‪5‬‬
‫() مسألة التقريب (‪.)2/98‬‬
‫‪6‬‬
‫() الشيعة في الميزان‪ ,‬محمد جواد ص ‪.273-272‬‬
‫‪7‬‬
‫() مسألة التقريب (‪.)2/98‬‬
‫‪8‬‬
‫() مسألة التقريب (‪.)1/329‬‬
‫‪9‬‬
‫() مسألة التقريب (‪.)1/324‬‬
‫‪10‬‬
‫() بحار األنوار‪.)25/191( ,‬‬
‫‪49‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫يجعلون هذه اآلية أصل استداللهم من القرآن وال يستدلون بسواها مثل محسن األمين(‪,)1‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ومحمد حسين آل كاشف الغطاء‪ ,‬والذي يقول بأن هذه اآلية صريحة في لزوم العصمة ‪,‬‬
‫ويتولى صاحب مجمع البيان سياق وجهة استدالل أصحابه بهذه اآلية على مرادهم فيقول‪:‬‬
‫استدل أصحابنا بهذه اآلية على أن اإلمام ال يكون إال معصو ًما من القبائح؛ ألن هللا –‬
‫سبحانه‪ -‬نص أال ينال عهده الذي هو اإلمامة ظالم(‪ ,)3‬ومن ليس بمعصوم فقد يكون ظال ًما‬
‫إما لنفسه وإما لغيره‪ ,‬فإن قيل إنما نفى أن ينال ظالم في حالة ظلمه‪ ,‬فإذا تاب فال يسمى‬
‫ظال ًما فيصح أن يناله‪ ,‬والجواب‪ :‬أن الظالم وإن تاب فال يخرج من أن تكون اآلية قد‬
‫تناولته في حال كونه ظال ًما‪ ,‬فإذا نفى أن يناله فقد حكم عليه بأنه ال ينالها‪ ,‬واآلية مطلقة‬
‫غير مقيدة بوقت دون وقت‪ ,‬فيجب أن تكون محمولة على األوقات كلها‪ ,‬فال ينالها الظالم‪,‬‬
‫وإن تاب فيما بعد(‪.)4‬‬
‫نقد استداللهم‪:‬‬
‫أ‪ -‬اختلف السلف في معنى العهد على أقوال‪ :‬قال ابن عباس والسدي‪ :‬إنه النبوة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ِِ‬ ‫‪+‬الَ ينَ ُ ِ‬
‫ين" أي نبوتي‪ ,‬وقال مجاهد‪ :‬اإلمامة‪ ,‬أي ال أجعل إما ًما ظال ًما يقتدى‬ ‫ال َع ْهدي الظَّالم َ‬ ‫َ‬
‫به‪ ,‬وقال قتادة وإبراهيم النخعي وعطاء والحسن وعكرمة‪ :‬ال ينال عهد هللا في اآلخرة‬
‫الظالمين‪ ,‬فأما في الدنيا فقد ناله الظالم‪ ,‬فأمن به وأكل وعاش‪ ..‬قال الزجاج‪ :‬وهذا قول‬
‫حسن‪ ,‬أي ال ينال أماني الظالمين‪ ,‬أي‪ :‬ال أؤمنهم من عذابي‪ ,‬والمراد بالظالم‪:‬‬
‫المشرك‪..‬وقال الربيع بن أنس والضحاك‪ :‬عهد هللا الذي إلى عباده‪ :‬دينه‪ ,‬يقول‪ :‬ال ينال‬
‫دينه الظالمين‪ ,‬أال ترى أنه قال‪َ + :‬وبَ َار ْكنَا َعلَْي ِه َو َعلَى إِ ْس َحا َق َو ِمن ذُ ِّريَّتِ ِه َما ُم ْح ِس ٌن َوظَالِ ٌم لَِّن ْف ِس ِه‬
‫ين" [الصافات‪ ,]113:‬يقول‪ :‬ليس كل ذريتك يا إبراهيم على الحق‪.‬‬ ‫ُمبِ ٌ‬
‫ِِ‬ ‫وروى ابن عباس –أيضًا‪+ :-‬الَ ينَ ُ ِ‬
‫ين" قال‪ :‬ليس للظالمين عهد‪ ,‬وإن‬ ‫ال َع ْهدي الظَّالم َ‬ ‫َ‬
‫عاهدته فانقضه(‪ ,)5‬فاآلية كما ترى‪ ,‬اختلف السلف في تأويلها‪ ,‬فهي ليست في مسألة‬
‫اإلمامة أصالً في قول أكثرهم‪ ,‬والذين فسروها باإلمامة قصدوا إمامة العلم والصالح‬
‫واالقتداء‪ ,‬ال اإلمامة بمفهوم الرافضة(‪.)6‬‬
‫ب‪ -‬لو كانت اآلية في اإلمامة فهي ال تدل على عصمة بحال‪ :‬إذ ال يمكن أن يقال بأن‬
‫غير الظالم معصوم ال يخطئ وال ينسى وال يسهو‪ ..‬إلخ‪ ,‬كما هو مفهوم العصمة عند‬
‫الشيعة‪ ,‬إذ يكون قياس مذهبهم من سها فهو ظالم ومن أخطأ فهو ظالم‪ ..‬وهذا ال يوافقهم‬
‫عليه أحد وال يتفق مع أصول اإلسالم‪ ,‬فبين إثبات العصمة‪ ,‬ونفيـ الظلم فرق كبير؛ ألن‬
‫نفي الظلم إثبات للعدل ال للعصمة الشيعية(‪.)7‬‬
‫ج‪ -‬ال يسلم لهم أن من ارتكب ظل ًما ثم تاب منه لحقه وصف الظالم والزمه‪ :‬وال‬
‫‪1‬‬
‫() أعيان الشيعة (‪.)1/324‬‬
‫‪2‬‬
‫() أصل الشيعة‪ ,‬ص ‪.59‬‬
‫‪3‬‬
‫() اختلف السلف في معنى العهد كما سيأتي‪ ,‬ولكن الروافض يأخذون بما يوافق هواهم ويقطعون به بال‬
‫دليل‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() مجمع البيان للطبرسي (‪ ,)1/201‬التبيان للطوسي (‪.)1/449‬‬
‫‪5‬‬
‫() المحرر الوجيز‪ ,‬البن عطية (‪ ,)1/250‬أصول الشيعة (‪.)2/953‬‬
‫‪6‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/953‬‬
‫‪7‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)2/953‬‬
‫‪49‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫آمنُوا ول ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫يما َن ُه ْم‬‫سوا إِ َ‬ ‫َم َي ْلب ُ‬ ‫ين َ ِ َ ْ‬ ‫تجدي التوبة في رفعه‪ ,‬فإن أعظم الظلم الشرك‪ ,‬قال ِتعالى‪+ :‬الذ َ‬
‫يم" [لقمان‪:‬ـ‪,]13‬‬ ‫ْم َعظ ٌ‬ ‫الش ْر َك لَظُل ٌ‬‫بِظُل ٍْم" [األنعام‪ ,]82:‬ثم فسر الظلم بقوله‪+ :‬الَ تُ ْش ِر ْك بِاهلل إِ َّن ِّ‬
‫ين َك َف ُروا إِن يَ َنت ُهوا ُيغَ َف ْر ل َُه ْم َّما قَ ْد َسلَ َ‬ ‫ِِ‬
‫ف" [األنفال‪:‬‬ ‫ومع هذا قال جل شأنه في الكفار‪+ :‬قُل للَّذ َ‬
‫‪ ,]38‬لكن قياس قول هؤالء أن من أشرك ولو لحظة‪ ,‬أو ارتكب معصية ولو صغيرة فهو‬
‫ظالم ال ينفك عنه وصف الظلم‪ ,‬ومؤدى هذا أن المشرك ولو أسلم فهو مشرك ألن الظلم‬
‫هو الشرك(‪ ,)1‬فصاروا بهذا أشد من الخوارج الوعيدية‪ ,‬ألن الخوارج ال يثبتون الوعيد‬
‫لصاحب الكبيرة إال في حال عدم توبته‪ ,‬ومن المعلوم في بداهة العقول فضالً عن الشرع‬
‫والعرف واللغة «أن من كفر أو ظلم ثم تاب وأصلح ال يصح أن يطلق عليه أنه كافر أو‬
‫ظالم‪ »..‬وإال جاز أن يقال‪ :‬صبي لشيخ‪ ,‬ونائم لمستيقظ‪ ,‬وغني لفقير‪ ,‬وجائع لشبعان‪ ,‬وحي‬
‫لميت‪ ,‬وبالعكس‪ ,‬وأيضًا لو اطرد ذلك يلزم من حلف ال يسلم على كافر فسلم على إنسان‬
‫مؤمن في الحال إال أنه كان كافرًا قبل سنين متطاولة أن يحنث‪ ,‬وال قائل به(‪.)2‬‬
‫ومن المعروف أنه قد يكون التائب من الظلم خيرًا ممن لم يقع فيه‪ ,‬ومن اعتقد أن كل‬
‫من لم يكفر ولم يقتل ولم يذنب أفضل من كل من آمن بعد كفره واهتدى بعد ضالله‪ ,‬وتاب‬
‫بعد ذنوبه‪ ,‬فهو مخالف لما علم باالضطرار من دين اإلسالم‪ ,‬فمن المعلوم أن السابقين‬
‫أفضل من أوالدهم‪ ,‬وهل يشبه أبناء المهاجرين واألنصار بآبائهم عاقل(‪ .)3‬كما أن‬
‫استداللهم هذا يؤدي إلى أن جميع المسلمين‪ ,‬وكذلك الشيعة وأهل البيت –إال من تعتقد‬
‫الشيعة عصمتهم‪ -‬جميعهم ظلمة ألنهم غير معصومين‪ ,‬وقد قال شيخهم الطوسي بأن‬
‫الظلم اسم ذم‪ ,‬فال يجوز أن يطلق إال على مستحق اللعن لقوله تعالى‪+ :‬أَالَ ل َْعنَةُ ِ‬
‫اهلل َعلَى‬
‫ِِ‬
‫ين" [هود‪.]18:‬‬ ‫الظَّالم َ‬
‫د‪ -‬ما قرره أحد علماء الشيعة الزيدية في نقض استدالل االثنى عشرية بهذه اآلية‪:‬‬
‫حيث قال‪ :‬احتج الرافضة باآلية على أن اإلمامة ال يستحقها من ظلم مرة‪ ,‬ورام الطعن في‬
‫إمامة أبي بكر وعمر‪ ,‬وهذا ال يصح ألن العهد إن حمل على النبوة فال حجة‪ ,‬وإن حمل‬
‫على اإلمامة فمن تاب من الظلم فال يوصف بأنه ظالم‪ ,‬ولم يمنعه –تعالى‪ -‬من نيل العهد‬
‫إال حال كونه ظال ًما(‪.)4‬‬
‫ِ ِ ‪ -2‬آية التطهير وحديث الكساء‪ :‬آية التطهير هي قول هللا عز وجل‪+ :‬إِنَّ َما يُ ِري ُد اهللُ‬
‫ت َويُطَ ِّه َر ُك ْم تَطْ ِه ًيرا" [األحزاب‪ ,]33:‬وهي كما هو معلوم جزء من‬ ‫الر ْجس أ َْهل الْب ْي ِ‬
‫ب َعن ُك ُم ِّ َ َ َ‬ ‫ليُذْه َ‬
‫ضعن بِالْ َقو ِل َفيطْمع الَّ ِذي فِي َق ْلبِهِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّساء إِن َّات َق ْيتُ َّن فَالَ تَ ْخ َ ْ َ ْ َ َ َ‬ ‫َحد ِّم َن الن َ‬ ‫َستُ َّن َكأ َ‬
‫قوله تعالى‪+ :‬يَا ن َس َاء النَّب ِّي ل ْ‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫الصالَةَ َوآت َ‬ ‫ْج ِاهلِيَّ ِة األُولَى َوأَقِ ْم َن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْن َق ْوالً َّم ْع ُروفًا ‪َ ‬و َق ْر َن في ُبيُوت ُك َّن َوالَ َتَب َّر ْج َن َتَب ُّر َج ال َ‬ ‫ض َو ُقل َ‬‫َم َر ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يرا" [األحزاب‪:‬‬ ‫س أ َْه َل الَْب ْيت َويُطَ ِّه َر ُك ْم تَطْ ِه ً‬
‫الر ْج َ‬‫ب َعن ُك ُم ِّ‬ ‫الز َكاةَ َوأَط ْع َن اهللَ َو َر ُسولَهُ إِنَّ َما يُ ِري ُد اهللُ ليُذْه َ‬
‫َّ‬
‫‪.]33،32‬‬

‫‪1‬‬
‫() هم يعنون بالظلم الشرك؛ ألن مرادهم إبطال خالفة أبي بكر وعمر؛ ألنهما قد أسلما بعد شرك‪,‬‬
‫والشرك لم ينفك عنهما بعد إيمانهما في زعهم‪ ,‬ولذلك قال الكليني‪ :‬هذه اآلية أبطلت إمامة كل ظالم‪,‬‬
‫أصول الكافي (‪.)1/199‬‬
‫‪2‬‬
‫() روح المعاني لأللوسي (‪.)1/377‬‬
‫‪3‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)1/303،302‬‬
‫‪4‬‬
‫() الثمرات اليانعة‪ ,‬يوسف بن أحمد الزيدي‪ ,‬مخطوطة نقالً عن أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/955‬‬
‫‪50‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وقد تعمد علماء الشيعة االثنى عشرية اقتطاع آية التطهير من السياق القرآني الذي‬
‫جاءت فيه والذي خاطب هللا به نساء النبي × إغفاالً لنساء النبي × من الخطاب‪ ,‬ثم ضموا‬
‫إلى ذلك حديث الكساء الذي رواه مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة(‪ ,)1‬قالت‪:‬‬
‫خرج النبي × غداة وعليه مرط(‪ )2‬مرحل(‪ )3‬من شعر أسود فجاء الحسن بن علي‪ ,‬فأدخله‬
‫ثم جاء الحسين فدخل معه‪ ,‬ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال‪ + :‬إِنَّ َما‬
‫ت َويُطَ ِّه َر ُك ْم تَطْ ِه ًيرا"‪ ,‬وحديث أم المؤمنين أم سلمة‬ ‫الر ْجس أ َْهل الْب ْي ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ب َعن ُك ُم ِّ َ َ َ‬ ‫يُ ِري ُد اهللُ ليُذْه َ‬
‫ِ ِ‬
‫س أ َْه َل‬ ‫الر ْج َ‬ ‫رضي هللا عنها لما نزلت هذه اآلية على النبي × ‪ +‬إِنَّ َما يُ ِري ُد اهللُ ليُذْه َ‬
‫ب َعن ُك ُم ِّ‬
‫ت َويُطَ ِّه َر ُك ْم تَطْ ِه ًيرا" قالت أم سلمة‪ :‬وأنا معهم يا نبي هللا؟‪ ,‬قال‪« :‬أنت على مكانك‪,‬‬ ‫الْب ْي ِ‬
‫َ‬
‫(‪)5‬‬ ‫(‪) 4‬‬
‫وأنت على خير» ‪ ,‬لتثبيت المعنى الذي يريدونه من االستدالل بهذه اآلية الكريمة ‪,‬‬
‫ويرى علماء الشيعة االثنى عشرية أن في آية التطهير داللة على عصمة أصحاب الكساء‬
‫علي وفاطمة والحسن والحسين‪ ,‬من الخطايا والذنوب؛ صغيرها وكبيرها‪ ,‬بل ومن الخطأ‬
‫والسهو البشري(‪.)6‬‬
‫نقد الستدالل من وجوه‪:‬‬
‫أ‪ -‬حديث أم سلمة المذكور آنفًا قد ورد بعدة صيغ‪ :‬فرُوي عن أم سلمة أنها‬
‫قالت رضي هللا عنها‪ :‬كان النبي × عندي وعلي وفاطمة والحسن والحسين‪ ,‬فجعلت لهم‬
‫خزيرة‪ ,‬فأكلوا وناموا‪ ,‬وغطى عليهم عباءة أو قطيفة‪ ,‬ثم قال‪« :‬اللهم هؤلاء أهل بيتي‪,‬‬
‫أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا»‪ ,‬وفي رواية أخرى أنه × أجلسهم على كساء‪ ,‬ثم‬
‫أخذ بأطرافه األربعة بشماله‪ ,‬فضمه فوق رؤوسهم‪ ,‬وأومأ بيده اليمنى إلى ربه‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫«هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا»‪ ..‬وهاتان الروايتان تتفقان‬
‫مع رواية مسلم عن السيدة عائشة رضي هللا عنها في دخول الخمسة اآلية‪ ,‬ولكن هذا ال‬
‫يحتم عدم دخول غيرهم(‪ ,)7‬وقد وردت روايات عن أم سلمة رضي هللا عنها فيها زيادات‬
‫تشير إلى عدم دخولها مع أهل الكساء‪ ,‬ال يخلو أكثرها من الضعف لكن صح منها من‬
‫ِ ِ‬
‫س‬
‫الر ْج َ‬ ‫ب َعن ُك ُم ِّ‬‫جملتها هذه الرواية‪ :‬لما نزلت هذه اآلية على النبي × ‪ +‬إِنَّ َما يُ ِري ُد اهللُ ليُذْه َ‬
‫ت َويُطَ ِّه َر ُك ْم تَطْ ِه ًيرا" في بيت أم سلمة رضي هللا عنها فدعا فاطمة وحسنًا وحسينًا‬ ‫أ َْهل الْب ْي ِ‬
‫َ َ‬
‫فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره فجلله بكساء‪ ,‬ثم قال‪« :‬اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب‬
‫عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا»‪ ,‬قالت أم سلمة‪ :‬وأنا معهم يا نبي هللا؟ قال‪« :‬أنت على‬
‫مكانك وأنت على خير»(‪ ,)8‬وهناك رواية هامة جدًا رويت بإسناد حسن تشير إلى أن أم‬

‫‪1‬‬
‫() عائشة التي يدعون أنها تبغض علي هي التي تروي هذا الفضل لعلي وفاطمة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() مرط‪ :‬يعني كساء‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() مرحل‪ :‬وهو الموشى المنقوش عليه صور رحال اإلبل‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() سنن الترمذي‪ ,‬كتاب المناقبـ رقم (‪.)3788‬‬
‫‪5‬‬
‫() ثم أبصرت الحقيقة‪ ,‬ص ‪.176‬‬
‫‪6‬‬
‫() ثم أبصرت الحقيقة‪ ,‬ص ‪.176‬‬
‫‪7‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ,‬ص ‪.177‬‬
‫‪8‬‬
‫() فضائل الصحابة (‪ )2/727‬رقم (‪ ,)1994‬إسناده فيه ضعف وله طرق تقويه‪.‬‬
‫‪50‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫سلمة رضي هللا عنها قد دخلت في الكساء بعد خروج أهل الكساء منه(‪ ,)1‬ولعل التعليل في‬
‫ذلك أنه ال يصح أن تدخل أم سلمة مع علي ابن أبي طالب تحت كساء واحد‪ ,‬فلذلك أدخلها‬
‫رسول هللا × بعد خروج أهل الكساء منه‪ ,‬فعن شهر قال‪ :‬سمعت أم سلمة زوج رسول هللا‬
‫× حين جاء نعي الحسين بن علي‪ ,‬لعنت أهل العراق‪ ,‬فقالت‪ :‬قتلوه قتلهم هللا‪ ,‬غروه وذلوه‬
‫لعنهم هللا‪ ,‬فإني رأيت رسول هللا × جاءته فاطمة غدية ببرمة قد صنعت له فيها عصيدة‬
‫تحملها في طبق لها‪ ,‬حتى وضعتها بين يديه‪ ,‬فقال لها‪« :‬أين ابن عمك؟» قالت‪ :‬هو في‬
‫البيت‪ ,‬قال‪« :‬اذهبي فادعيه وائتني بابنيه»‪ ,‬قال‪ :‬فجاءت تقود ابنيها كل واحد منهما‬
‫بيد‪ ,‬وعلي يمشي في إثرهما‪ ,‬حتى دخلوا على رسول هللا × فأجلسهما في حجره وجلس‬
‫علي على يمينه وجلست فاطمة على يساره‪ ,‬قالت أم سلمة‪ :‬فاجتبذ كساء خيبريًا كان‬
‫بساطًا لنا على المنامة في المدينة فلفه رسول هللا × جميعًا فأخذ بشماله طرفي الكساء‬
‫وألوى بيده اليمنى إلى ربه عز وجل‪ ,‬قال‪« :‬اللهم أهل بيتي أذهب عنهم الرجس‬
‫وطهرهم تطهيرًا‪ ,‬اللهم أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا»‪ ,‬قلت يا‬
‫رسول هللا‪ :‬ألست من أهلك؟ قال‪« :‬بلى» فادخلي في الكساء‪ ,‬فدخلت في الكساء بعد ما‬
‫قضى دعاءه البن عمه علي وابنيه وابنته فاطمة(‪.)2‬‬
‫فشهد رسول هللا × ألم سلمة رضي هللا عنها أنها من أهل بيته وأدخلها في الكساء بعد‬
‫دعائه لهم(‪.)3‬‬
‫ب‪ -‬ومما يدل على أن الآية ليست دالة على العصمة والإمامة أن الخطاب‬
‫في اآليات كله ألزواج النبي × حيث بدأ بهن وختم بهن‪ :‬قال تعالى‪+ :‬يَا أ َُّي َها النَّبِ ُّي قُل‬
‫احا َج ِميالً ‪َ ‬وإِن ُكنتُ َّن‬ ‫ألَ ْزو ِ‬
‫ُس ِّر ْح ُك َّن َس َر ً‬ ‫الد ْنيَا َو ِزينََت َها َفَت َعال َْي َن أ َُمت ْ‬
‫ِّع ُك َّن َوأ َ‬ ‫ْحيَا َة ُّ‬ ‫ك إِن ُكنتُ َّن تُ ِر ْد َن ال َ‬ ‫اج َ‬ ‫َ‬
‫َجرا َع ِظيما ‪ ‬يا نِساء النَّبِ ِّي من يأ ِ‬
‫ْت‬ ‫أ‬ ‫ن‬‫َّ‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ات ِ‬
‫م‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫س‬ ‫ح‬ ‫ْم‬ ‫ل‬ ‫َع َّد لِ‬
‫أ‬ ‫اهلل‬ ‫َّ‬
‫ن‬ ‫ِ‬
‫إ‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫تُ ِر ْد َن اهلل ورسولَه والدَّار اآل ِ‬
‫َخ‬
‫َ َ‬ ‫ً َ ََ‬ ‫ًْ‬ ‫َ َ ُْ َ‬ ‫َ ََ ُ ُ َ َ َ‬
‫ت ِمن ُك َّن ِ‬
‫هلل‬ ‫ن‬ ‫ق‬
‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫َ ً ََ َ ُ ْ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫‪‬‬ ‫ا‬ ‫ير‬ ‫ِ‬
‫س‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫اهلل‬ ‫ى‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬
‫ف لَ َ ُ َْْ َ َ َ َ َ َ‬
‫ك‬ ‫ل‬ ‫ذ‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ع‬ ‫ِ‬
‫ض‬ ‫اب‬ ‫ذ‬‫َ‬ ‫ْع‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫َه‬ ‫اع ْ‬
‫ضَ‬
‫ِمن ُك َّن بَِف ِ‬
‫اح َش ٍة ُّمَبِّينَ ٍة يُ َ‬
‫َح ٍد ِّم َن‬ ‫َجر َها َم َّر َت ْي ِن وأَ ْعتَ ْدنَا ل ََها ِر ْزقًا َك ِريما ‪ ‬يَا نِس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ورسولِ ِه و َتعمل ِ‬
‫َستُ َّن َكأ َ‬ ‫اء النَّب ِّي ل ْ‬
‫ََ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫صال ًحا ُّن ْؤت َها أ ْ َ‬ ‫ََ ُ َ َْ ْ َ‬
‫ِ‬
‫ْن َق ْوالً َّم ْع ُروفًا ‪َ ‬و َق ْر َن في‬ ‫ض َو ُقل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ض ْع َن بالْ َق ْول َفيَط َْم َع الذي في َق ْلبه َم َر ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّس ِاء إِ ِن َّات َق ْيتُ َّن فَالَ تَ ْخ َ‬
‫الن َ‬
‫ِ‬
‫الز َكا َة َوأَط ْع َن اهللَ َو َر ُسولَهُ إِنَّ َما يُ ِري ُد‬
‫ين َّ‬ ‫ِ‬ ‫ْجاهليَّ ِة األُولَى َوأَقِ ْم َن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالَ َة َوآت َ‬ ‫ُبيُوت ُك َّن َوالَ َتَب َّر ْج َن َتَب ُّر َج ال َ‬
‫ات ِ‬
‫اهلل‬ ‫ت ويطَ ِّهر ُكم تَطْ ِهيرا ‪ ‬واذْ ُكر َن ما ي ْتلَى فِي بيوتِ ُك َّن ِمن آي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ُُ‬ ‫ً َ ْ َ ُ‬ ‫س أ َْه َل الَْب ْي َ ُ َ ْ‬ ‫الر ْج َ‬ ‫ب َعن ُك ُم ِّ‬ ‫اهللُ ليُذْه َ‬
‫َطي ًفا َخبِ ًيرا" [األحزاب‪.]34-28 :‬‬ ‫ْحكْم ِة إِ َّن اهلل َكا َن ل ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َوال َ‬
‫فالخطاب كله ألزواج النبي × ومعهن األمر والنهي والوعد والوعيد‪ ,‬لكن لما تبين ما‬
‫في هذا من المنفعة التي تعمهن وتعم غيرهن من أهل البيت جاء التطهر بضمير المذكر‪,‬‬
‫ألنه إذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر‪ ,‬حيث تناول أهل البيت كلهم‪ ,‬وعلي وفاطمة‬
‫والحسن والحسين رضي هللا عنهما أخص من غيرهما بذلك‪ ,‬لذلك خصهم النبي ×‬
‫بالدعاء لهم‪ ,‬كما أن زوج الرجل من أهل بيته‪ ,‬وهذا شائع في اللغة كما يقول الرجل‬
‫لصاحبه‪ :‬كيف أهلك؟ أي امرأتك ونساؤك‪ ,‬فيقول‪ :‬هم بخير‪ ,‬وقد قال تعالى‪+ :‬قَالُوا‬
‫اهلل وبر َكاتُهُ َعلَْي ُكم أ َْهل الْب ْي ِ‬ ‫اهلل ر ْحم ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫أََتعجبِ ِ‬
‫ت" [هود‪ ,]73:‬والمخاطب بهذه اآلية‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ت َ ََ‬ ‫ين م ْن أ َْم ِر َ َ‬ ‫َْ َ‬
‫‪1‬‬
‫() ثم أبصرت الحقيقة‪ ,‬ص ‪.177‬‬
‫‪2‬‬
‫() فضائل الصحابة (‪ )2/852‬رقم (‪ ,)1170‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() ثم أبصرت الحقيقة‪ ,‬ص ‪.178‬‬
‫‪50‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫باإلجماع هي سارة زوجة إبراهيم عليه السالم‪ ,‬وهذا دليل على أن زوجة الرجل من أهل‬
‫البيت(‪.)1‬‬
‫ألهلِ ِه‬
‫ال ْ‬ ‫ب الطُّو ِر نَ ًارا قَ َ‬ ‫األج َل َو َس َار بِأ َْهلِ ِه آنَس ِمن َجانِ ِ‬ ‫وسى َ‬ ‫ضى ُم َ‬ ‫وقوله تعالى‪َ + :‬فلَ َّما قَ َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫صطَلُو َن" [القصص‪,]29:‬‬ ‫ْوة ِّم َن النَّا ِر ل ََعل ُك ْم تَ ْ‬ ‫ت نَ ًارا ل َعلِّي آتي ُكم ِّم ْن َها ب َخبَ ٍر أ َْو َجذ َ‬ ‫ْام ُكثُوا إِنِّي آنَ ْس ُ‬
‫والمخاطب هنا أيضًا زوجة موسى عليه السالم‪.‬‬
‫اد َق ال َْو ْع ِد َو َكا َن َر ُسوالً نَّبِيًّا ‪َ ‬و َكا َن‬ ‫ْكت ِ ِ ِ‬
‫اعيل إِنَّهُ َكا َن ص ِ‬
‫َ‬ ‫اب إ ْس َِم َ‬ ‫وقوله تعالى‪َ + :‬واذْ ُك ْر ِفي ال ِ َ‬
‫الز َك ِاة َو َكا َن ِع ْن َد َربِّه َم ْرضيًّا" [مريم‪ ,]55،54:‬فمن أهله الذين كان يأمرهم‬ ‫ِ‬ ‫الصالَ ِة َو َّ‬
‫يَأ ُْم ُر أ َْهلَهُ بِ َّ‬
‫اصطَبِ ْر َعلَْي َها" [طه‪:‬‬ ‫ك بِ َّ ِ‬ ‫بالصالة؟ وهذا كقوله تعالى مخاطبًا النبي × ‪َ +‬وأْ ُم ْر أ َْهلَ َ‬
‫الصالَة َو ْ‬
‫‪ ,]132‬وال شك في دخول زوجاته أو خديجة رضي هللا عنها على أقل تقدير في األهل‪,‬‬
‫باعتبار أن السورة مكية(‪.)2‬‬
‫َت َما َج َزاءُ‬ ‫اب قَال ْ‬ ‫يصهُ ِمن ُدبُ ٍر َوأَلْ َفيَا َسيَّ َد َها لَ َدى الْبَ ِ‬ ‫استَب َقا الْباب وقَد ْ ِ‬
‫َّت قَمِ َ‬ ‫وقال ِتعالى‪َ + :‬و ْ َ َ َ َ‬
‫يم" [يوسف‪ ,]25:‬فالمخاطب هنا عزيز مصر‪,‬‬ ‫اب أَل ٌ‬‫وء إِالَّ أَن يُ ْس َج َن أ َْو َع َذ ٌ‬ ‫ك ُس ً‬ ‫اد بِأ َْهل َ‬
‫َم ْن أ ََر َ‬
‫وء"‪ ,‬أي زوجتك‪ ,‬وهذا بيَّن ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك ُس ً‬ ‫اد بأ َْهل َ‬
‫وقولها‪َ + :‬ما َج َزاءُ َم ْن أ ََر َ‬
‫(‪)3‬‬

‫ج‪ -‬إذهاب الرجس لا يعني في اللغة العربية ولا في لغة القرآن معنى‬
‫العصمة‪ :‬يقول الراغب األصفهاني في مفردات ألفاظ القرآن مادة رجس‪ :‬الرجس‪ :‬الشيء‬
‫الش ْيطَ ِ‬
‫ان" [المائدة‪:‬‬ ‫س ِّم ْن َع َم ِل َّ‬ ‫القذر‪ ,‬قال‪ :‬رجل رجسي‪ ,‬ورجال أرجاس‪ ,‬قال تعالى‪ِ + :‬ر ْج ٌ‬
‫‪ ...]90‬والرجس من جهة الشرع‪ :‬الخمر والميسر‪ ..‬وجعل الكافرين رجسًا من حيث إن‬
‫اد ْت ُه ْم ِر ْج ًسا إِلَى‬ ‫ين ِفي ُقلُوبِ ِهم َّم َر ٌ‬
‫ض َف َز َ‬ ‫َّ ِ‬
‫الشرك بالعقل أقبح األشياء‪ ,‬قال تعالى‪َ + :‬وأ ََّما الذ َ‬
‫ين الَ َي ْع ِقلُو َن" [يونس‪,]100 :‬‬ ‫َّ ِ‬
‫س َعلَى الذ َ‬ ‫الر ْج َ‬ ‫ِر ْج ِس ِه ْم" [التوبة‪ ,]125:‬وقوله تعالى‪َ + :‬ويَ ْج َع ُل ِّ‬
‫ِ‬
‫س" [التوبة‪ ,]28 :‬وقال‪:‬‬ ‫قيل الرجس‪ :‬النتن‪ ,‬وقيل‪ :‬العذاب‪ ,‬وذلك كقوله‪+ :‬إنَّ َما ال ُْم ْش ِر ُكو َن نَ َج ٌ‬
‫ِ‬ ‫‪+‬أَو ل ِ‬
‫س" أصله القذر يطلق ويراد‬ ‫الر ْج َ‬ ‫س" [األنعام‪ ,]154:‬وبالجملة لفظ ‪ِّ +‬‬ ‫َح َم خن ِزي ٍر فَإنَّهُ ِر ْج ٌ‬ ‫ْ ْ‬
‫الزور" [الحج‪,]30:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجتَنبُوا َق ْو َل ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األوثَان َو ْ‬ ‫س م َن ْ‬ ‫الر ْج َ‬
‫اجتَنبُوا ِّ‬ ‫به الشرك كما في قوله تعالى‪+ :‬فَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ويطلق ويراد به الخبائث المحرمة كالمطعومات والمشروبات‪ ,‬ونحو قوله‪+ :‬قُل الَّ أَج ُد في‬
‫ِ‬ ‫اع ٍم يطْعمه إِالَّ أَن ي ُكو َن ميتةً أَو دما َّمس ُفوحا أَو ل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س أ َْو‬ ‫َح َم خن ِزي ٍر فَإنَّهُ ِر ْج ٌ‬ ‫َ َْ ْ َ ً ْ ً ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َي ُم َح َّر ًما َعلَى طَ َ َ ُ ُ‬ ‫َما أُوح َي إِل َّ‬
‫الش ْيطَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان"‬ ‫س ِّم ْن َع َم ِل َّ‬ ‫اب َواأل ْزالَ ُم ِر ْج ٌ‬ ‫ف ْس ًقا" [األنعام‪ ,]145:‬وقوله‪+ :‬إِنَّ َما الْ َخ ْم ُر َوال َْم ْيس ُر َو َ‬
‫األنص ُ‬
‫س" بمعنى مطلق الذنب بحيث يكون‬ ‫الر ْج َ‬‫[المائدة‪ ,]90:‬ولم يثبت أن استخدام القرآن لفظ ‪ِّ +‬‬
‫في إذهاب الرجس عن أحد إثبات لعصمته(‪.)4‬‬
‫س"‬
‫الر ْج َ‬
‫د‪ -‬التطهير من الرجس لا يعني إثبات العصمة لأحد‪ :‬فكما أن كلمة ‪ِّ +‬‬
‫ال يراد بها ذنوب اإلنسان وأخطاؤه في االجتهاد‪ ,‬وإنما يراد بها القذر والنتن والنجاسات‬
‫‪1‬‬
‫() اإلمامة والنص‪ ,‬فيصل نور ص ‪.386‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ,‬ص‪.391‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ,‬ص ‪.393‬‬
‫‪4‬‬
‫() ثم أبصرت الحقيقة‪ ,‬ص ‪.181‬‬
‫‪50‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫المعنوية والحسية‪ ,‬فإن كلمة التطهير ال تعني العصمة‪ ,‬فإن هللا عز وجل يريد تطهير كل‬
‫المؤمنين وليس أهل البيت فقط‪ ,‬وإن كان أهل البيت هم أولى الناس وأحقهم بالتطهير‪ ,‬فقد‬
‫قال هللا تعالى في كتابه الكريم عن صحابة رسول هللا ×‪َ + :‬ما يُ ِري ُد اهللُ لِيَ ْج َع َل َعلَْي ُكم ِّم ْن‬
‫َكن يُ ِري ُد لِيُطَ ِّه َر ُك ْم َولِيُتِ َّم نِ ْع َمتَهُ َعلَْي ُك ْم" [المائدة‪.]6:‬‬ ‫حر ٍج ول ِ‬
‫ََ َ‬
‫ص َدقَةً تُطَ ِّه ُر ُه ْم َو ُت َز ِّكي ِه ْم بِ َها" [التوبة‪ ,]103:‬وقال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقال عز من قائل‪ُ + :‬خ ْذ م ْن أ َْم َوال ِه ْم َ‬
‫ين" [البقرة‪ ,]222:‬فكما أخبر هللا عز وجل بأنه يريد‬ ‫ب ال ُْمتَطَ ِّه ِر َ‬‫ين َويُ ِح ُّ‬ ‫ب الت َّ ِ‬
‫َّواب َ‬ ‫‪+‬إِ َّن اهللَ يُ ِح ُّ‬
‫تطهير أهل البيت أخبر كذلك بأنه يريد تطهير المؤمنين‪ ,‬فإن كان في إرادة التطهير وقوع‬
‫للعصمة لحصل هذا للصحابة ولعموم المؤمنين الذين نصت اآليات على إرادة هللا عز‬
‫َّروا‬ ‫تطهيرهم‪ ,‬وقد قال تعالى عن رواد مسجد قباء من الصحابة ‪+‬فِ ِيه ِرج ٌ ِ‬
‫ال يُّحبُّو َن أَن َيتَطَه ُ‬ ‫َ‬
‫ين" [التوبة‪ ,]108:‬ولم يكن هؤالء معصومين من الذنوب باالتفاق‪.‬‬ ‫ب ال ُْمطَّ ِّه ِر َ‬‫َواهللُ يُ ِح ُّ‬
‫اء‬ ‫وقال تعالى عن أهل بدر وهم ثالثمائة وثالثة عشر رجالً‪+ :‬وين ِّز ُل علَي ُكم ِّمن َّ ِ‬
‫الس َماء َم ً‬ ‫َ َُ َ ْ‬
‫الش ْيطَ ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ان" [األنفال‪ ,]11:‬ولم يكن في هذا إثبات لعصمتهم مع أنه ال‬ ‫ب َعن ُك ْم ِر ْج َز َّ‬ ‫لِّيُطَ ِّه َر ُك ْم به َويُذْه َ‬
‫ت‬‫الر ْجس أ َْهل الْب ْي ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ب َعن ُك ُم ِّ َ َ َ‬ ‫فرق يذكر في األلفاظ بين قول هللا تعالى عن أهل البيت‪+ :‬ليُذْه َ‬
‫الش ْيطَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ان" فالرجز والرجس‬ ‫ب َعن ُك ْم ِر ْج َز َّ‬ ‫َويُطَ ِّه َر ُك ْم تَطْ ِه ًيرا" وبين قوله في أهل بدر‪َ + :‬ويُذْه َ‬
‫متقاربان‪ ,‬ويطهركم في اآليتين واحد‪ ,‬لكن الهوى هو الذي جعل من اآلية األولى دليالً على‬
‫العصمة دون األخرى‪ .‬والعجيب في علماء الشيعة أنهم يتمسكون باآلية ويصرفونها إلى‬
‫أصحاب الكساء‪ ,‬ثم يصرفون معناها من إرادة التطهير إلى إثبات عصمة أصحاب الكساء‪,‬‬
‫ثم يتناسون في الوقت نفسه آيات أخرى نزلت في إرادة هللا عز وجل لتطهير الصحابة‪ ,‬بل‬
‫هم بالمقابل يقدحون فيهم‪ ,‬ويقولون بانقالبهم على أعقابهم‪ ,‬مع أن هللا عز وجل نص على‬
‫ورا فَ َما لَهُ ِمن نُو ٍر" [النور‪.]40:‬‬ ‫َّ‬
‫إرادة تطهيرهم بنص اآلية ‪َ + .‬و َمن ل ْم يَ ْج َع ِل اهللُ لَهُ نُ ً‬
‫(‪)1‬‬

‫هـ‪ -‬الإرادة في الآية إرادة شرعية‪ ,‬وهي غير الإرادة القدرية‪ :‬يعني‪:‬‬
‫يحب هللا أن يذهب عنكم الرجس‪ ,‬وقد تحدث علماء أهل السنة عن اإلرادتين الشرعية‬
‫الدينية‪ ,‬واإلرادة القدرية الكونية‪ ,‬فقالوا‪:‬‬
‫إرادة شرعية دينية‪ :‬وهي تتضمن معنى المحبة والرضا‪ ,‬كقوله تعالى‪+ :‬يُ ِري ُد اهللُ بِ ُك ُم‬
‫َّ ِ‬
‫وب َعلَْي ُك ْم َويُ ِري ُد الذ َ‬
‫ين‬ ‫الْيُ ْس َر َوالَ يُ ِري ُد بِ ُك ُم الْعُ ْس َر" [البقرة‪ ,]185:‬وقوله تعالى‪َ + :‬واهللُ يُ ِري ُد أَن َيتُ َ‬
‫ض ِعي ًفا" [النساء‪:‬‬ ‫ف َع ْن ُك ْم َو ُخلِ َق ا ِإلنْ َسا ُن َ‬
‫يما ‪ ‬يُ ِري ُد اهللُ أَن يُ َخ ِّف َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يتَّبِعو َن َّ ِ‬
‫الش َه َوات أَن تَميلُوا َم ْيالً َعظ ً‬ ‫َ ُ‬
‫‪.]28،27‬‬
‫إرادة قدرية كونية خلقية‪ :‬وهي التي بمعنى المشيئة الشاملة لجميع الموجودات‪ ,‬وذلك‬
‫َك َّن اهللَ َي ْف َع ُل َما يُ ِري ُد" [البقرة‪ ,]253:‬وقوله‪َ + :‬والَ َي ْن َفعُ ُك ْم‬ ‫مثل اإلرادة في قوله تعالى ‪+‬ول ِ‬
‫َ‬
‫ص َح لَ ُك ْم إِ ْن َكا َن اهللُ يُ ِري ُد أَن ُّيغْ ِويَ ُك ْم" [هود‪ ,]34:‬فالمعاصي إرادة كونية‬ ‫ت أَ ْن أَنْ َ‬‫ص ِحي إِ ْن أ ََر ْد ُّ‬ ‫نُ ْ‬
‫قدرية فهو سبحانه ال يحبها وال يرضاها وال يأمر بها‪ ,‬بل يبغضها ويسخطها ويكرهها‬
‫وينهى عنها‪ ,‬هذا قول السلف واألئمة قاطبة‪ ,‬فيفرقون بين إرادته التي تتضمن محبته‬
‫ورضاه‪ ,‬وبين إرادته ومشيئته الكونية القدرية التي ال يلزم منها المحبة والرضا(‪ ,)2‬وال‬
‫شك أن هللا عز وجل أذهب الرجس عن فاطمة والحسن والحسين وعلي وزوجات النبي‬
‫‪1‬‬
‫() ثم أبصرت الحقيقة‪ ,‬ص ‪.182‬‬
‫‪50‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫×‪ ,‬ولكن اإلرادة في هذه اآلية إرادة شرعية‪ ,‬ولذلك جاء في الحديث أن النبي × لما جللهم‬
‫بالكساء قال‪« :‬اللهم هؤلاء أهل بيتي‪ ,‬اللهم أذهب عنهم الرجس»(‪.)1‬‬
‫و‪ -‬دعاء النبي × يحسم القضية‪ :‬آية التطهير لو كان فيها ما يدل على وقوع التطهير‬
‫ألهل الكساء‪ ,‬لما قام رسول هللا × بتغطيتهم بالكساء والدعاء لهم بقوله‪« :‬اللهم إن هؤلاء‬
‫أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس»(‪ ,)2‬بل في هذا داللة واضحة على أن اآلية نزلت في نساء‬
‫النبي ×‪ ,‬وأن رسول هللا × أراد أن ينال أصحاب الكساء هذا اإلخبار الرباني عن التطهير‪,‬‬
‫فجمعهم وجللهم بالكساء ودعا لهم فتقبل هللا دعاءه لهم(‪ ,)3‬فطهرهم كما طهر هللا نساء النبي‬
‫بنص اآلية‪.‬‬
‫ز‪ -‬من الردود الدالة على عدم دلالة الآية على الإمامة والعصمة‪ :‬منها‪:‬‬
‫أن ما اختص به أمير المؤمنين علي والحسن والحسين رضي هللا عنهم من اآلية بزعم‬
‫القوم ثبت للسيدة فاطمة رضي هللا عنها‪ ,‬وخصائص اإلمامة ال تثبت للنساء‪ ,‬فلو كان هذا‬
‫دليال لكان من يتصف بما في اآلية يستحق العصمة واإلمامة‪ ,‬وفاطمة رضي هللا عنها‬
‫كذلك وبذات االعتبار‪ ,‬فدل على أن اآلية ال يراد بها اإلمامة وال العصمة‪ ,‬ومنها خروج‬
‫تسعة من األئمة لعدم شمول اآلية لهم‪ ,‬حيث اختصت اآلية بثالثة منهم(‪.)4‬‬
‫‪ -3‬أدلتهم من مروياتهم‪ :‬إن االثنى عشرية تقيم معتقدها في العصمة وغيرها بما‬
‫يرويه صاحب الكافي‪ ,‬وإبراهيم القمي‪ ,‬والمجلسي وأضرابهم من روايات منكرة في‬
‫متنها‪ ,‬فضالً عن إسنادها‪ ,‬تثبت لهؤالء االثنى عشرية العصمة المزعومة‪ ,‬وقد ساق‬
‫المجلسي في بابه الذي عقده في شأن العصمة ثالثًا وعشرين رواية من روايات شيوخه‬
‫كالقمي‪ ,‬والعياشي والمفيد وغيرهم‪ ,‬وقد ذكرها بعد استدالله بآية البقرة‪ ,‬التي تبين أن‬
‫استداللهم بها باطل‪ ,‬أما الكليني في الكافي فقد عقد مجموعة من األبواب في معنى‬
‫العصمة المزعومة‪ ,‬ساق فيها أخبارًا بسنده عن االثنى عشر يدعون فيها أنهم معصومونـ‬
‫بل وشركاء في النبوة‪ ,‬بل ويتصفونـ بصفات اإللهية‪ ,‬وتجد ذلك في الكافي في باب‬
‫اعتقادهم في أصول الدين أمثلة من ذلك‪ ,‬وفي باب‪ :‬أن األئمة هم أركان األرض‪ ,‬وأثبت‬
‫فيه ثالث روايات تقول بأن األئمة االثنى عشر كرسول هللا × في وجوب الطاعة‪ ,‬وفي‬
‫الفضل‪ ,‬وفي التكاليف‪ ,‬فعلي جرى له من الطاعة بعد رسول هللا × ما لرسول هللا ×(‪ ,)5‬ثم‬
‫ما تلبث أن ترفعه عن مقام رسول هللا × إلى مقام رب العالمين‪ ,‬حيث تقول بأن عليًا قال‪:‬‬
‫أعطيت خصاالً لم يعطهن أح ٌد قبلي‪ :‬علمت علم المنايا والباليا‪ ,‬فلم يفتني ما سبقني‪ ,‬ولم‬
‫س‬‫يعزب عني ما غاب عني ‪ ,‬والذي يعلم المنايا والباليا هو هللا سبحانه ‪َ +‬و َما تَ ْد ِري َن ْف ٌ‬
‫(‪) 6‬‬

‫س بِأ ِّ‬ ‫ِ‬


‫وت" [لقمان‪:‬ـ‪ ,]34‬والذي ال يعزب عنه شيء‪ ,‬وال‬ ‫َي أ َْر ٍ‬
‫ض تَ ُم ُ‬ ‫ب غَ ًدا َو َما تَ ْد ِري َن ْف ٌ‬‫َّما َذا تَكْس ُ‬
‫السماو ِ‬
‫ات َوالَ‬ ‫يفوته شيء هو الخالق –جال وعال‪ -‬قال تعالى‪+ :‬الَ يعزب َع ْنهُ ِم ْث َق ُ ٍ ِ‬
‫ال ذَ َّرة في َّ َ َ‬ ‫َُْ ُ‬

‫‪2‬‬
‫()وسطية أهل السنة بين الفرق‪ ,‬محمد با عبد هللا‪ ,‬ص ‪.387‬‬
‫‪1‬‬
‫() سنن الترمذي‪ ,‬كتاب مناقب أهل البيت رقم (‪.)3787‬‬
‫‪2‬‬
‫() سنن الترمذي‪ ,‬كتاب مناقب أهل البيت (‪ ,)3787‬صححه األلباني‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() ثم أبصرت الحقيقة‪ ,‬ص ‪.182‬‬
‫‪4‬‬
‫() اإلمامة والنص‪ ,‬ص ‪.387‬‬
‫‪5‬‬
‫() أصول الكافي (‪.)1/198‬‬
‫‪6‬‬
‫() أصول الكافي (‪.)1/197‬‬
‫‪50‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ض" [سبأ‪ ,]3:‬ومن تتبع أبواب الكافي في هذا المعنى‪ ,‬يالحظ أنها ال تخرج عن‬ ‫فِي األ َْر ِ‬
‫دعاوي المتنبئين والملحدين على مدار التاريخ سوى أنهم نسبوا هذه المفتريات إلى جملة‬
‫أهل البيت األطهار(‪.)1‬‬
‫‪ -4‬أدلتهم العقلية على مسألة العصمة‪ :‬قالوا‪ :‬إن األمة البد لها من رئيس معصوم‬
‫يسدد خطاها‪ ,‬فلو جاز الخطأ عليه لزم له آخر يسدده فيلزم التسلسل فحينئذ يلزم القول‬
‫بعصمة اإلمام‪ ,‬ألن الثقة عندهم باإلمامة ال باألمة‪ ..‬وقالوا بأنه هو الحافظ للشرع‪ ,‬وال‬
‫اعتماد على الكتاب والسنة واإلجماع بدونه‪ ..‬إلخ(‪.)2‬‬
‫والحقيقة غير هذا تما ًما‪ ,‬فاألمة معصومة بكتاب ربها وسنة نبيها ×‪ ,‬وال تجتمع األمة‬
‫على ضاللة‪ ,‬وعصمة األمة مغنية عن عصمة اإلمام‪ ,‬وهذا مما ذكره العلماء في حكمة‬
‫عصمة األمة‪ ,‬قالوا‪ :‬ألن من كان من األمم قبلنا كانوا إذا بدلوا دينهم بعث هللا نبيًا يبين‬
‫الحق‪ ,‬وهذه األمة ال نبي بعد نبيها‪ ,‬فكانت عصمتها تقوم مقام النبوة‪ ,‬فال يمكن ألحد منهم‬
‫أن يبدل شيئًا من الدين إال أقام هللا من يبين خطأه فيما بدله‪ ,‬ولذلك فإن هللا سبحانه وتعالى‬
‫ول ِمن َب ْع ِد َما َتَبيَّ َن‬‫الر ُس َ‬ ‫قرن سبيل المؤمنين بطاعة رسوله في قوله عز وجل‪َ + :‬و َمن يُ َشاقِ ِق َّ‬
‫تم ِ‬ ‫يل الْم ْؤ ِمنِين ُنولِّ ِه ما َتولَّى ونُ ِ ِ‬
‫ص ًيرا" [النساء‪,]115:‬‬ ‫اء ْ َ‬ ‫َّم َو َس َ‬ ‫صله َج َهن َ‬ ‫لَهُ ال ُْه َدى َو َيتَّبِ ْع غَْي َر َسبِ ِ ُ َ َ َ َ َ ْ‬
‫فعصمة األمة وحفظها من الضالل –كما جاءت بذلك النصوص الشرعية‪ -‬تخالف تما ًما‬
‫من يوجب عصمة واحد من المسلمين‪ ,‬ويجوز على مجموع المسلمين –إذا لم يكن فيهم‬
‫معصوم‪ -‬الخطأ(‪ ,)3‬وكل ما سطروه ومألوا به الصفحات من أدلة عقلية تؤكد الحاجة إلى‬
‫معصوم قد تحققت بالرسول ×‪ ,‬ولذلك فإن األمة ترد عند التنازع إلى ما جاء به الرسول‬
‫ول" [النساء‪:‬‬ ‫الر ُس ِ‬ ‫من الكتاب والسنة وال ترد إلى اإلمام ‪+‬فَِإن َتنَ َاز ْعتُم فِي َشي ٍء َفردُّوهُ إِلَى ِ‬
‫اهلل َو َّ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫‪ ,]59‬قال العلماء‪ :‬إلى كتاب هللا وإلى نبيه ×‪ ,‬فإن قُبض فإلى سنته(‪ ,)4‬وهي بهدي الكتاب‬
‫والسنة ال تجتمع على ضاللة؛ ألنها لن تخلو من متمسك بهما‪ ,‬إلى أن تقوم الساعة‪ ,‬ولهذا‬
‫ك َك َما أ َْو َح ْينَا إِلَى نُ ٍ‬
‫وح‬ ‫فإن الحجة على األمة قامت بالرسل‪ ,‬قال تعالى‪+ :‬إِنَّا أ َْو َح ْينَا إِل َْي َ‬
‫س ِل" [النساء‪:‬‬ ‫الر ُ‬
‫َّاس َعلَى ِ‬
‫اهلل ُح َّجةٌ َب ْع َد ُّ‬ ‫ين ِمن َب ْع ِد ِه" [النساء‪ ,]163:‬إلى قوله‪+ :‬لِئَالَّ يَ ُكو َن لِلن ِ‬ ‫ِ‬
‫َوالنَّبيِّ َ‬
‫‪ ,]165‬ولم يقل –سبحانه‪« -‬واألئمة» وهذا يبطل قول من أحوج الخلق إلى غير الرسول‬
‫كاألئمة(‪ ,)5‬كما أن دعوى العصمة عندهم ليس علها دليل إال زعمهم بأن هللا لم يخل العالم‬
‫من أئمة معصومين‪ ,‬لما في ذلك من المصلحة واللطف‪ ,‬ومن المعلوم المتيقن أن هذا‬
‫المنتظر الغائب المفقود لم يحصل به شيء من المصلحة واللطف‪ ,‬وكذلك أجداده‬
‫المتقدمون لم يحصل بهم المصلحة واللطف الحاصلة من إمام معصوم ذي سلطان كما‬
‫كان النبي × بعد الهجرة‪ ,‬فإن كان إمام المؤمنين الذي يجب عليهم طاعته‪ ,‬ويحصل بذلك‬
‫سعادتهم‪ ,‬ولم يحصل بعده أحد له سلطان تدعي له العصمة إال علي رضي هللا عنه‪ ,‬ومن‬
‫المعلوم أن المصلحة واللطف اللذين كان المؤمنون فيهما زمن الخلفاء الثالثة أعظم من‬

‫‪1‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/958‬‬
‫‪2‬‬
‫() كشف المراد‪ ,‬البن المطهر‪ ,‬ص ‪ ,391-390‬نهج المسترشدين‪ ,‬ص ‪ ,63‬الشيعة في عقائدهم‪ ,‬ص‬
‫‪.369 -368‬‬
‫‪3‬‬
‫() المنتقى‪ ,‬ص‪ ,410‬أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/959،958‬‬
‫‪4‬‬
‫() التمهيد البن عبد البر (‪.)4/264‬‬
‫‪5‬‬
‫() الفتاوى (‪.)19/66‬‬
‫‪50‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫المصلحة واللطف اللذين كانا في خالفة علي زمن القتل والفتنة واالفتراق(‪ )1‬أما من دون‬
‫علي فإنما يحصل للناس من علمه ودينه مثل ما يحصل من نظرائه‪ ,‬وكان علي بن‬
‫الحسين وابنه أبو جعفر‪ ,‬وابنا جعفر بن محمد يعلمون الناس ما علمهم هللا كما علمه علماء‬
‫زمانهم‪ ,‬وكان في زمانهم من هو أعلم منهم وأنفع لألمة‪ ,‬وهذا معروف عند أهل العلم‪,‬‬
‫ولو قدر أنهم كانوا أعلم وأدين فلم يحصل من أهل العلم والدين ما يحصل من ذوي‬
‫الوالية من القوة والسلطان‪ ,‬وإلزام الناس بالحق ومنعهم باليد عن الباطل‪ ,‬وأما من بعد‬
‫الثالثة كالعسكريين فهؤالء لم يظهر عليهم علم تستفيده األمة‪ ,‬وال كان لهم يد تستعين بها‬
‫األمة‪ ,‬بل كانوا كأمثالهم من الهاشميين لهم حرمة ومكانة‪ ,‬وفيهم من معرفة ما يحتاجون‬
‫إليه في اإلسالم والدين ما في أمثالهم‪ ,‬وهو ما يعرفه كثير من عوام المسلمين‪ ..‬ولذلك لم‬
‫يأخذ عنهم أهل العلم كما أخذوا عن أولئك الثالثة(‪.)2‬‬
‫‪ -5‬نقد عام لمبدأ عصمة األئمة‪ :‬دعوة العصمة لألئمة تضاهي المشاركة في‬
‫النبوة‪ ,‬فإن المعصوم يجب اتباعه في كل ما يقول‪ ,‬وال يجوز أن يخالف في شيء‪ ,‬وهذه‬
‫خاصة األنبياء‪ ,‬ولهذا أمرنا أن نؤمن بما أنزل إليهم‪ ,‬قال تعالى‪+ :‬قُولُوا آمنَّا بِ ِ‬
‫اهلل َو َما أُنْ ِز َل‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اعيل وإِسحا َق ويع ُقوب واأل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫يسى َو َما أُوت َي‬ ‫وسى َوع َ‬ ‫يم َوإِ ْس َم َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ ْ‬
‫َسبَاط َو َما أُوت َي ُم َ‬ ‫إل َْينَا َو َما أُنْ ِز َل إلَى إ ْب َراه َ‬
‫ِ‬
‫َح ٍد ِّم ْن ُه ْم َونَ ْح ُن لَهُ ُم ْسلِ ُمو َن" [البقرة‪ ,]136:‬فأمرنا أن نقول‪ :‬آمنا‬ ‫ِ‬
‫النَّبِيُّو َن من َّربِّ ِه ْم الَ ُن َف ِّر ُق َب ْي َن أ َ‬
‫بما أوتي النبيون‪ ,‬فاإليمان بما جاء به النبيون مما أمرنا أن نقوله ونؤمن به‪ ,‬وهذا ما اتفق‬
‫عليه المسلمون‪ ,‬فمن جعل بعد الرسول معصو ًما يجب اإليمان بكل ما يقوله فقد أعطاه‬
‫معنى النبوة‪ ,‬وإن لم يعطه لفظها(‪ ,)3‬وهذا مخالف لدين اإلسالم؛ للكتاب والسنة وإجماع‬
‫سلف األمة وأئمتها‪.‬‬
‫األم ِر ِم ْن ُك ْم‬ ‫الرس َ ِ‬
‫ول َوأُولي ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آمنُوا أَطيعُوا اهللَ َوأَطيعُوا َّ ُ‬
‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫فقال سبحانه‪+ :‬يَِا أ َُّي َها الذ َ‬ ‫أما القرآن‬
‫ٍ‬
‫ول" [النساء‪ ,]59 :‬فلم يأمرنا بالرد عند التنازع إال‬ ‫الر ُس ِ‬
‫َ َّ‬ ‫و‬ ‫اهلل‬ ‫َى‬‫ل‬‫ِ‬‫إ‬ ‫فَِإن َتنَ َاز ْعتُ ْم فِي َ ْ َ ُ ُ‬
‫ُّوه‬‫د‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ء‬ ‫ي‬ ‫ش‬
‫إلى هللا والرسول‪ ,‬ولو كان للناس معصوم غير الرسول × ألمرهم بالرد عليه‪ ,‬فدل القرآن‬
‫أن ال معصوم إال الرسول ×(‪.)4‬‬
‫ين‬ ‫ك مع الَّ ِذين أَ ْنعم اهلل َعلَي ِهم ِّمن النَّبِيِّين و ِّ ِ‬ ‫الرس َ ِ‬ ‫ِ‬
‫الصدِّيق َ‬ ‫ََ‬ ‫ول فَأُولَئ َ َ َ َ َ َ ُ ْ َ‬ ‫تعالى‪َ + :‬و َمن يُط ِع اهللَ َو َِّ ُ‬ ‫وقال‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َرفي ًقا" [النساء‪ ,]69:‬وقال‪َ + :‬و َمن َي ْعص اهللَ َو َر ُسولَهُ فَإن لَهُ نَ َار‬ ‫ِ‬
‫س َن أُولَئ َ‬ ‫ين َو َح ُ‬
‫ِ‬
‫الصالح َ‬
‫ِ‬ ‫الش َه َد ِاء َو َّ‬
‫َو ُّ‬
‫ين ِف َيها أَبَ ًدا" [الجن‪ ,]23:‬فدل القرآن –في غير موضع‪ -‬على أن من أطاع‬ ‫جهن ِ ِ‬
‫َّم َخالد َ‬‫ََ َ‬
‫الرسول كان من أهل السعادة‪ ,‬ولم يشترط في ذلك طاعة معصوم آخر‪ ,‬ومن عصى‬
‫الرسول كان من أهل الوعيد‪ ,‬وإن قدر أنه أطاع من ظن أنه معصوم‪ .‬وقد اتفق أهل العلم‬
‫على أن كل شخص – سوى الرسول ×‪ -‬فإنه يؤخذ من قوله ويترك إال رسول هللا × فإنه‬
‫يجب تصديقه في كل ما أخبر‪ ,‬واتباعه فيما أمر‪ ,‬واجتناب ما نهى عنه وزجر‪ ,‬وأال يعبد‬
‫هللا إال بما شرع‪ ,‬فإنه المعصوم الذي ال ينطق عن الهوى‪ ,‬إن هو إال وحي يوحى(‪.)5‬‬

‫‪1‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)2/1404‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)3/248‬‬
‫‪3‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)3/174‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)2/105‬‬
‫‪5‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)3/175‬‬
‫‪50‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫والسنة المطهرة دلت على ذلك‪ ,‬ولكنهم ال يرجعون إال إلى أقوال أئمتهم‪ ,‬وإليك‬
‫ما ينقد مذهبهم مما ثبت عندهم من أقوال أمير المؤمنين علي رضي هللا عنه‪ ,‬فقد جاء في‬
‫نهج البالغة الذي تعتمده الشيعة‪ ,‬ما يهدم كل ما بنوه من دعاوي في عصمة األئمة‪ ,‬حيث‬
‫قال أمير المؤمنين –كما يروي صاحب النهج‪ :-‬ال تخالطوني بالمصانعة‪ ,‬وال تظنوا بي‬
‫استثقاالً في حق قيل لي‪ ,‬وال التماس إعظام النفس‪ ,‬فإنه من استثقل الحق أن يقال له‪ ,‬أو‬
‫العدل أن يعرض عليه‪ ,‬كان العمل بهما أثقل عليه‪ ,‬فال تكفوا عن مقالة بحق‪ ,‬أو مشورة‬
‫بعدل‪ ,‬فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ وال آمن ذلك من فعلي(‪ .)1‬فهو هنا لم يدع ما‬
‫تزعم الشيعة فيه من أنه ال يخطئ بل أكد أنه ال يأمن على نفسه من الخطأ‪ ,‬كما لم يعلن‬
‫استغناءه عن مشورة الرعية بل طلب المشورة بالحق والعدل؛ ألن األمة ال تجتمع على‬
‫ضاللة‪ ,‬إنما كل فرد على حدة معرض للضاللة‪ ,‬فعلم أن دعوى العصمة من غالة‬
‫ضا‪ :-‬البد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في إمرته‬ ‫الشيعة(‪ ,)2‬وجاء في نهج البالغة –أي ً‬
‫المؤمن‪ ,‬ويجمع به الفئ‪ ,‬ويقاتل به العدو‪ ,‬وتأمن به السبل‪ ,‬ويؤخذ به للضعيف من‬
‫القوي(‪ .)3‬فأنت ترى أنه لم يشترط العصمة في األمير‪ ,‬ولم يشر لها من قريب أو بعيد‪ ,‬بل‬
‫رأى أنه البد من نصب أمير تناط به مصالح العباد والبالد‪ ,‬ولم يقل إنه ال يلي أمر الناس‬
‫إال إمام معصوم‪ ,‬وكل راية تقوم غير راية المعصوم فهي راية جاهلية –كما تقول كتب‬
‫الشيعة‪ -‬ولم يحصر اإلمارة في االثنى عشر المعصومين عند الشيعة‪ ,‬ويكفر من توالها‬
‫من خلفاء المسلمين كما تذهب إليه الشيعة‪ ,‬بل رأى ضرورة قيام اإلمام ولو كان فاجرًا‪,‬‬
‫وجعل إمارته شرعية بدليل أنه أجاز الجهاد في ظل إمارة الفاجر‪ ,‬فأين هذا مما تقره‬
‫الشيعة بمنع الجهاد حتى يخرج المنتظر(‪ ..)4‬ألن اإلمامة الشرعية محصورة في االثنى‬
‫عشر؟!‪ ..‬وكان األئمة يعترفون بالذنوب ويستغفرون هللا منها‪ ,‬فأمير المؤمنين علي رضي‬
‫هللا عنه في دعائه في نهج البالغة‪ :‬اللهم اغفر لي ما أنت أعلم به مني‪ ,‬فإن عدت فعد علي‬
‫بالمغفرة‪ ,‬اللهم اغفر لي ما وأيت(‪ )5‬من نفسي ولم تجد له وفاء عندي‪ ,‬اللهم اغفر لي ما‬
‫تقربت به إليك بلساني ثم خالفه قلبي‪ ,‬اللهم اغفر لي رمزات األلحاظ‪ ,‬وسقطات األلفاظ‪,‬‬
‫وشهوات الجنان‪ ,‬وهفوات اللسان(‪ .)6‬فأنت ترى اإلقرار بالذنب وبالعودة إليه بعد التوبة‪,‬‬
‫واالعتراف بسقطات األلفاظ وشهوات الجنان‪ ,‬ومخالفة القلب للسان‪ ,‬كل ذلك ينفي ما‬
‫تدعيه الشيعة من العصمة‪ ,‬إذ لو كان علي واإلئمة معصومين لكان استغفارهم من ذنوبهم‬
‫عبثًا‪ ,‬وكل أئمتهم قد نقلت عنهم كتب الشيعة االستغفار إلى هللا سبحانه من الذنوب‬
‫والمعاصي‪ ,‬ولو كانوا معصومين لما كانت لهم ذنوب(‪ .)7‬ولقد احتار شيوخ الشيعة في‬
‫توجيه مثل هذه األدعية والتي تتنافى ومقرراتهم في العصمة(‪.)8‬‬
‫وهناك أمر آخر يبطل دعوى العصمة‪ :‬ومن كتب الشيعة نفسها؛ ذلك هو االختالف‬
‫والتناقض حيال بعض المواقف والمسائل‪ ,‬وأعمال المعصومين ال تتناقض وال تختلف بل‬
‫‪1‬‬
‫() نهج البالغة‪ ,‬ص‪.335‬‬
‫‪2‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/964‬‬
‫‪3‬‬
‫() نهج البالغة‪ ,‬ص ‪.82‬‬
‫‪4‬‬
‫() فصل الغيبة والمهدية‪ ,‬ص ‪.824‬‬
‫‪5‬‬
‫() وأيت‪ :‬وعدت‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() نهج البالغة‪ ,‬ص ‪.104‬‬
‫‪7‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/965‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)2/966‬‬
‫‪50‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫يصدق بعضها بعضًا ويشهد بعضها لبعض‪ ,‬واالختالف ناقض للعصمة التي هي شرط‬
‫لإلمامة عندهم‪ ,‬وهو ناقض بالتالي ألصل اإلمامة نفسها‪ ,‬ولذلك فإن ظاهرة االختالف في‬
‫أعمال األئمة كانت سببًا مباشرًا لخروج بعض الشيعة من نطاق التشيع حيث رابهم أمر‬
‫هذا التناقض‪ ,‬ومن أمثلة ذلك ما ذكره القمي والنوبختي من أنه بعد قتل الحسين حارت‬
‫فرقة من أصحابه وقالت‪ :‬قد اختلف علينا فعل الحسن وفعل الحسين رضي هللا عنهما‪,‬‬
‫ألنه إن كان الذي فعله الحسن حقًا واجبًا صوابًا من موادعته معاوية وتسليمه له عند‬
‫عجزه عن القيام بمحاربته مع كثرة أنصار الحسن وقوتهم‪ ,‬فما فعله الحسين من محاربته‬
‫يزيد بن معاوية مع قلة أنصار الحسين وضعفهم‪ ,‬وكثرة أصحاب يزيد حتى قُتل وقتل‬
‫أصحابه جميعًا باطل غير واجب‪ ,‬ألن الحسين كان أعذر في القعود من محاربة يزيد‬
‫وطلب الصلح والموادعة من الحسن في القعود عن محاربة معاوية‪ ,‬وإن كان ما فعله‬
‫الحسين حقًا واجبًا صوابًا من مجاهدته يزيد حتى قتل ولده وأصحابه‪ ,‬فقعود الحسن‬
‫وتركه مجاهدة معاوية وقتاله ومعه العدد الكثير باطل‪ ,‬فشكوا في إمامتهما ورجعوا‬
‫فدخلوا في مقالة العوام(‪.)1‬‬
‫وأما األمثلة على االختالف والتناقض في أقوال األئمة فهو باب واسع‪ ,‬وكان هو‬
‫اآلخر من أسباب انصراف بعض الشيعة عن التشيع‪ ,‬وقد شهد بذلك شيخ الطائفة‬
‫الطوسي‪ ,‬وقال بأن أخبارهم متناقضة متباينة حتى ال يوجد خبر إال بإزائه ما يضاده‪ ,‬وال‬
‫رواية إال ويوجد ما يخالفها‪ ,‬وعد ذلك من أعظم الطعون على المذهب الشيعي‪ ,‬ومن‬
‫أسباب مفارقة بعض الشيعة اإلمامية للمذهب‪ ,‬وكتابا التهذيب واالستبصار –وهما‬
‫المصدران المعتمدان من المصادر األربعة عند الشيعة‪ -‬يشهدان بهذا التناقض واالختالف‬
‫عبر رواياتهما الكثيرة‪ ,‬وقد حاول الطوسي درء هذا االختالف ومعالجة هذا التناقض‬
‫بحمله على التقية فما أفلح إذ زاد الطين بلة‪ ,‬عل ًما بأن الطوسي هو الذي كان يوجه‬
‫الروايات فيقول‪ :‬هذا الحديث تقية‪ ,‬وهذه الرواية ليست بتقية‪ ,‬وعليها العمل‪ .‬والمتفق عليه‬
‫أن الطوسي نفسه ليس بمعصوم‪ ,‬وبالضرورة سوف يخطئ في توجيه بعض هذه‬
‫الروايات فيجعل ما ليس بتقية تقية والشيعة يتبعونه في توجيهه هذا‪ ,‬وبالتالي يتضح أن‬
‫الشيعة يتبعون في تدينهم أمثال الطوسي‪ ,‬وال يتبعون المعصوم في دينهم‪ ,‬وقد أوجد‬
‫الشيعة الرافضة عقيدة التقية والبداء –وسيأتي بيانهما بإذن هللا‪ -‬لتغطية هذا االختالف في‬
‫أخبار األئمة وأعمالهم‪ ..‬فاكتشف بعض الشيعة هذه المحاولة‪ ,‬وعرف سبب وضع هاتين‬
‫العقيدتين‪ ,‬فترك التشيع وقال‪ :‬إن أئمة الرافضة وضعوا لشيعتهم مقالتين ال يظهرون‬
‫معهما من أئمتهم على كذب أبدًا‪ ,‬وهما القول بالبداء وإجازة التقية‪.‬‬
‫وهناك أمر آخر يبطل دعوى العصمة‪ :‬وهو أن المعصوم الذي يدعون اتباعه لم‬
‫يعصمهم من الخالف في أصل الدين عندهم وأساسه وهو اإلمامة‪ ,‬فتجدهم مختلفين‬
‫متنابذين متالعنين‪ ,‬يكفر بعضهم بعضًا الختالفهم في عدد األئمة‪ ,‬وفي تحديد أعيانهم‪,‬‬
‫وفي الوقف وانتظار عودة اإلمام‪ ,‬أو المضي إلى إمام آخر‪ ..‬هذا عدا الروايات المختلفة‬
‫المتناقضة في الكثير من أمور الدين –أصوله وفروعه‪ -‬فما منعت العصمة المزعومة‬
‫أهل الطائفة من االختالف‪ ,‬وعدم وجود أثرها يدل على انعدام أصلها‪ ,‬وقد يقال بأن‬
‫اعتقادهم في عصمة األئمة أمر ال يؤثر اليوم‪ ,‬ألن األئمة قد انتهى وجودهم الفعلي منذ‬
‫عام ‪260‬هـ‪ ..‬ولم يبق إال االنتظار للغائب الموعود إال أن هذه العقيدة لها آثارها اليوم في‬
‫واقع الشيعة‪ ,‬وتتمثل في جوانب منها‪:‬‬
‫‪ -1‬عملهم بما يؤثر عن األئمة االثنى عشر‪ ,‬كما يعمل سائر المسلمين بالقرآن‬
‫والسنة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() المقاالت والفرق للقمي‪ ,‬ص ‪ ,25‬فرق الشيعة للنوبختي‪ ,‬ص ‪.26،25‬‬
‫‪50‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -2‬غلوهم في قبورهم وأضرحتهم؛ فالغلو في عصمتهم على حد وصفهم بصفات‬
‫اإللهية تحول إلى غلو في قبورهم ومشاهدهم‪ ,‬فيطاف بها وتدعى من دون هللا‪.‬‬
‫‪ -3‬أن المجتهد الشيعي أصبح له شيء من هذه الصفة‪ ,‬فهم يرون الراد عليه كالراد‬
‫على هللا وهو كحد الشرك باهلل‪ ,‬وهذه من الخطورة بمكان‪.‬‬
‫‪ -4‬حمل هذا االعتقاد الفاسد والدينونة به(‪ )1‬الذي ليس له عالقة بأمير المؤمنين علي‬
‫وأوالده وأحفاده األطهار رضي هللا عنهم‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬النص من شروط اإلمامة عند الشيعة اإلمامية االثنى عشرية‪:‬‬
‫يعتقد الشيعة الرافضة أن اإلمامة كالنبوة ال تكون إال بالنص من هللا عز وجل على‬
‫لسان رسوله ×‪ ,‬وأنها مثلها لطف من هللا عز وجل‪ ,‬وال يجب أن يخلو عصر من‬
‫العصور من إمام مفروضـ الطاعة منصوب من هللا تعالى‪ ,‬وليس للبشر حق اختيار اإلمام‬
‫وتعيينه‪ ,‬بل وليس لإلمام نفسه حق تعيين من يأتي بعده‪ ,‬وقد وضعوا على لسان أئمتهم‬
‫عشرات الروايات في ذلك‪ ,‬منها ما نسبوه إلى اإلمام محمد الباقر رحمه هللا أنه قال‪:‬‬
‫أترون أن هذا األمر إلينا نجعله حيث نشاء؟‪ ,‬ال وهللا ما هو إال عهد من رسول هللا؛ رجل‬
‫فرجل مسمى حتى تنتهي إلى صاحبها(‪.)2‬‬
‫ويعتقد الشيعة االثنا عشرية أن الرسول × قد نص على األئمة من بعده وعينهم‬
‫بأسمائهم وهم اثنا عشر إما ًما ال ينقصون وال يزيدون وهم‪:‬‬
‫‪ -1‬علي بن أبي طالب رضي هللا عنه المرتضي (ت‪40‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -2‬الحسن بن علي رضي هللا عنه الزكي (ت‪50‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -3‬الحسين بن علي رضي هللا عنه سيد الشهداء (ت‪61‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -4‬علي بن الحسين زين العابدين (ت‪95‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -5‬محمد بن علي الباقر (ت‪114‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -6‬جعفر بن محمد الصادق (ت‪148‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -7‬موسى بن جعفر الكاظم (ت‪183‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -8‬علي بن موسى الرضا (ت‪203‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -9‬محمد بن علي الجواد (ت‪220‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -10‬علي بن محمد الهادي (ت‪254‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -11‬محمد بن الحسن المهدي (ت‪256‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -12‬الحسن بن علي العسكري (ت‪260‬هـ)‪.‬‬
‫كان ابن سبأ ينتهي بأمر الوصية عند علي رضي هللا عنه‪ ,‬ولكن جاء فيمن بعد من‬
‫ع َّممها في مجموعة من أوالده‪ ,‬وكانت الخاليا الشيعية تعمل بصمت وسرية‪ ,‬ومع ذلك فقد‬
‫تصل بعض هذه الدعاوي إلى بعض أهل البيت‪ ,‬فينفون ذلك نفيًا قاطعًا‪ ,‬كما فعل جدهم‬
‫أمير المؤمنين علي‪ ,‬ولذلك اخترع أولئك الكذابون على أهل البيت «عقيدة التقية» حتى‬
‫يسهل نشر أفكارهم وهم في مأمن من تأثر األتباع بمواقف أهل البيت الصادقة‪ ,‬والمعلنة‬

‫‪1‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)973-2/969‬‬
‫‪2‬‬
‫() اإلمامة والنص‪ ,‬فيصل نور‪ ,‬ص ‪.8‬‬
‫‪51‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫للناس(‪.)1‬‬
‫إن من أخطر األمور التي ابتدعها الشيعة‪ :‬الوصية‪ ,‬وهي أن رسول هللا × أوصى‬
‫بالخالفة بعد وفاته مباشرة إلى علي رضي هللا عنه‪ ,‬وأن من سبقه مغتصبون لحقه كما‬
‫جاء في كتابهم «الكافي»‪ ,‬من مات ولم يعرف إمامه مات ميتة جاهلية‪ ,‬وكان علي هو‬
‫وصيه بزعمهم(‪ ,)2‬ولكن باالستقراء التاريخي لتاريخ الخلفاء الراشدين‪ ,‬ال نجد للوصية‬
‫ذكرًا في خالفة أبي بكر وال في خالفة عمر رضي هللا عنهما‪ ,‬وإنما نجد بداية ظهورها‬
‫في السنوات األخيرة من خالفة عثمان رضي هللا عنه‪ ,‬عند بزوغ قرن الفتنة‪ ,‬وقد استنكر‬
‫الصحابة هذا القول؛ عندما وصل إلى أسماعهم‪ ,‬وبينوا كذبه‪ ,‬ومن أشهر هؤالء علي بن‬
‫أبي طالب‪ ,‬وأم المؤمنين عائشة رضي هللا عنهما‪ ,‬ثم نرى هذا القول يتبلور في فكرة‬
‫موجهة‪ ,‬وعقيدة تدعو إلى اإليمان بها والدعوة إليها‪ ,‬وذلك في خالفة علي رضي هللا عنه‪,‬‬
‫وهذه الوصية التي تدعيها الرافضة قد أثبت علماؤهم أنها من وضع عبد هللا بن سبأ كما‬
‫ذكر ذلك النوبختي والكشي –وقد مر ذلك معنا‪ -‬ويكفيـ في الرد على زعمهم ما ورد‬
‫بالنقل الصحيح عن عدد من الصحابة رضي هللا عنهم ومنهم علي رضي هللا عنه نفسه‪,‬‬
‫واألدلة كثيرة منها‪:‬‬
‫‪ -1‬ذكر عند عائشة رضي هللا عنها أن النبي × أوصى إلى علي‪ ,‬فقالت‪ :‬من‬
‫قاله؟ لقد رأيت النبي × وإني لمسندته إلى صدري‪ ,‬فدعا بالطست‪ ,‬فانخنث‪ ,‬فمات‪ ,‬فما‬
‫شعرت فكيف أوصى إلى علي(‪.)3‬‬
‫وتصريح عائشة رضي هللا عنها أن النبي × لم يوص لعلي من أعظم األدلة على عدم‬
‫الوصية‪ ,‬فإن النبي × توفى في حجرها‪ ,‬ولو كانت هناك وصية لكانت هي أدرى الناس‬
‫بها(‪.)4‬‬
‫‪ -2‬وعن ابن عباس رضي هللا عنهما قال‪ :‬إن علي بن أبي طالب رضي هللا عنه‬
‫خرج من عند رسول هللا × في وجعه الذي توفي فيه‪ ,‬فقال الناس‪ :‬يا أبا الحسن‪ ,‬كيف‬
‫أصبح رسول هللا ×؟ فقال‪ :‬أصبح بحمد هللا بارئًا‪ ,‬فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب‪ ,‬فقال‬
‫له‪ :‬أنت وهللا بعد ثالث عبد العصا‪ ,‬وإني وهللا ألرى رسول هللا × سوف يتوفى في وجعه‬
‫هذا‪ ,‬وإني ألعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت‪ ,‬اذهب بنا إلى رسول هللا‪ ,‬فلنسأله‬
‫فيمن هذا األمر‪ ,‬إن كان فينا علمنا ذلك‪ ,‬وإن كان في غيرنا علمنا فأوصى بنا‪ ,‬فقال علي‪:‬‬
‫إنا وهللا لئن سألناها رسول هللا فمنعناها‪ ,‬ال يعطيناها الناس من بعده‪ ,‬وإني وهللا ال أسألها‬
‫رسول هللا ×(‪ .)5‬وفي قوله رضي هللا عنه شهادة للصحابة رضي هللا عنهم على مدى‬
‫التزامهم بتنفيذ أمر رسول هللا ×؛ فلو كانت هناك وصية لما تخلف أحد عنها‪ ,‬ولما عبرت‬
‫األنصار عن رأيها –في السقيفة‪ -‬بحرية وشجاعة وصدق‪ :‬منا أمير ومنكم أمير(‪,)6‬‬
‫ولبايعوا من عهد إليه الوصية‪ ,‬أو على األقل سيذكر بعضهم‪ ,‬ولو كان هناك نص قبل ذلك‬
‫لقال علي للعباس‪ :‬كيف نسأله عن هذا األمر فيمن يكون وهو قد أوصى لي بالخالفة‪ ,‬وقد‬

‫‪1‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/800‬‬
‫‪2‬‬
‫() أصول الكافي (‪.)2/17،16‬‬
‫‪3‬‬
‫() البخاري رقم (‪ ,)1471‬كتاب الوصايا‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() بذل المجهود في إثبات مشابهة الرافضة لليهود (‪.)1/190‬‬
‫‪5‬‬
‫() البخاري‪ ,‬كتاب المغازي رقم (‪.)4447‬‬
‫‪6‬‬
‫() البخاري‪ ,‬كتاب الحدود رقم (‪.)6830‬‬
‫‪51‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫توفي رسول هللا × في نفس اليوم‪ ,‬فلما لم يوجد شيء من ذلك تبين أن ما يُ َّدعى من النص‬
‫دعوى ال أساس لها من الصحة‪ ,‬وكل ما أوردوه في ذلك من التنصيص على علي مردود‪,‬‬
‫لمخالفته هذا النص الصريح من علي رضي هللا عنه؛ ألن كل أدلتهم السمعية إما أنها ال‬
‫تدل على المدعي‪ ,‬وإما نصوص تدل على ذلك ولكنها موضوعة(‪.)1‬‬
‫‪ -3‬سئل علي رضي هللا عنه‪ :‬أخصكم رسول هللا × بشيء؟ فقال‪ :‬ما خصنا رسول‬
‫هللا بشيء لم يعم به الناس كافة‪ ,‬إال ما كان في قراب سيفي هذا‪ ,‬قال‪ :‬فأخرج صحيفة‬
‫مكتوبًا فيها‪« :‬لعن الله من ذبح لغير الله‪ ,‬ولعن الله من غيَّر منار الأرض‪,‬‬
‫ولعن الله من لعن والده‪ ,‬ولعن الله من آوى محدثًا»(‪ .)2‬قال ابن كثير –رحمه‬
‫هللا‪ :-‬وهذا الحديث الثابت في الصحيحين وغيرهما عن علي رضي هللا عنه يرد على‬
‫فرقة الرافضة من زعمهم أن رسول هللا أوصى إليه بالخالفة‪ ,‬ولو كان األمر كما زعموا‬
‫لما رد ذلك أحد من الصحابة‪ ,‬فإنهم كانوا أطوع هلل ورسوله في حياته‪ ,‬وبعد وفاته من أن‬
‫يفتئتوا عليه فيقدموا غير من قدمه‪ ,‬ويؤخروا من قدمه بنصه‪ ,‬حاشا وكال!!‪ ,‬ومن ظن‬
‫بالصحابة رضوان هللا عليهم ذلك فقد نسبهم بأجمعهم إلى الفجور والتواطؤ على معاندة‬
‫الرسول ×‪ ,‬ومضادتهم لحكمه ونصه‪ ,‬ومن وصل من الناس إلى هذا المقام فقد خلع ربقة‬
‫اإلسالم‪ ,‬وكفر بإجماع األئمة األعالم(‪ ,)3‬قال النووي رحمه هللا‪ :‬فيه إبطال ما تزعمه‬
‫الرافضة والشيعة واإلمامية بالوصية لعلي وغير ذلك من اختراعاتهم(‪.)4‬‬
‫‪ -4‬وعن عمرو بن سفيان قال‪ :‬لما ظهر علي يوم الجمل قال‪ :‬أيها الناس إن رسول‬
‫هللا × لم يعهد إلينا من هذه اإلمارة شيئًا حتى رأينا من الرأي أن نستخلف أبا بكر فأقام‬
‫واستقام حتى مضى لسبيله(‪.)5‬‬
‫‪ -5‬روى أبو بكر البيهقي بإسناده إلى شقيق بن سلمة‪ ,‬قال‪ :‬قيل لعلي بن أبي طالب‪:‬‬
‫أال تستخلف علينا؟‪ ,‬فقال‪ :‬ما استخلف رسول هللا × فأستخلف‪ ,‬ولكن إن يرد هللا بالناس‬
‫خيرًا فسيجمعهم بعدي على خيرهم‪ ,‬كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم(‪ .)6‬فهذا دليل‬
‫واضح على أن دعوى النص عليه رضي هللا عنه إنما هو من اختالق الرافضة‪ ,‬الذين‬
‫ُملئت قلوبهم بالبغض والحقد ألصحاب رسول هللا × بمن فيهم علي وأهل بيته‪ ,‬وإنما‬
‫يدعون حبهم تسترًا ليتسنى لهم الكيد لإلسالم وأهله(‪.)7‬‬
‫بهذه النصوص القطعية يتضح بجالء أنه ال أصل للوصية المزعومة‪ ,‬وأن ما اعتمد‬
‫عليه الرافضة هو من وضع عبد هللا بن سبأ‪ ,‬الذي هو أول من أحدث الوصية‪ ,‬ثم وضعت‬
‫بعد ذلك أسانيد وركبت متون نسبوها زورًا وبهتانًا إلى النبي ×‪ ,‬وهدفهم من ذلك الطعن‬
‫في الصحابة رضي هللا عنهم بمخالفتهم أمر الرسول × وإجماعهم على ذلك‪ ,‬ومن ثم‬
‫الطعن ورد ما نقلوه إلى أجيال المسلمين من قرآن وحديث(‪ ,)8‬قال ابن تيمية رحمه هللا في‬
‫‪1‬‬
‫() اإلمامة والرد على الرافضة‪ ,‬تحقيق علي ناصر فقيهي‪ ,‬ص ‪.238‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسلم (‪ )3/1567‬رقم (‪.)1978‬‬
‫‪3‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)5/221‬‬
‫‪4‬‬
‫() شرح صحيح مسلم (‪.)13/151‬‬
‫‪5‬‬
‫() االعتقاد‪ ,‬ص ‪ ,184‬وقال البيهقي في دالئل النبوة‪ :‬سنده حسن‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() االعتقاد‪ ,‬ص ‪ ,184‬إسناده جيد‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() عقيدة أهل السنة في الصحابة (‪.)2/620‬‬
‫‪8‬‬
‫() خالفة علي بن أبي طالب‪ ,‬عبد الحميد‪ ,‬ص ‪.65‬‬
‫‪51‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫رده على الحلي‪ :‬وأما النص على علي فليس في شيء من كتب أهل الحديث المعتمدة‪,‬‬
‫وأجمع أهل الحديث على بطالنه‪ ,‬حتى قال أبو محمد بن حزم‪ ,‬ما وجدنا قط رواية عند‬
‫أحد في هذا النص المدعى إال رواية إلى مجهول يكنى أبا الحمراء ال نعرف من هو في‬
‫الخلق(‪ ,)1‬وقال في موضع آخر‪ :‬فعلم أن ما تدعيه الرافضة من النص هو مما لم يسمعه‬
‫أحد من أهل العلم بأقوال رسول هللا × قدي ًما وال حديثًا‪ ,‬ولهذا كان أهل العلم بالحديث‬
‫يعلمون بالضرورة كذب هذا النقل‪ ,‬كما يعلمون كذب غيره من المنقوالت(‪ ,)2‬وقد جاء من‬
‫الغالة فيما بعد من أحيا نظرية ابن سبأ في أمير المؤمنين علي رضي هللا عنه‪ ,‬ثم عمموها‬
‫على آخرين من ساللة علي والحسين في إثارة مشاعر الناس وعواطفهم‪ ,‬والدخول إلى‬
‫قلوبهم‪ ,‬لتحقيق أغراضهم ضد الدولة اإلسالمية في ظل هذا الستار‪ ,‬وأول من بدأ يشيع‬
‫القول بأن اإلمامة محصورة بأناس مخصوصين في آل البيت‪ ,‬شيطان الطاق الذي تلقبه‬
‫الشيعة مؤمن الطاق(‪ ,)3‬وأنه حينما علم بذلك زيد بن علي بعث إليه ليقف على حقيقة‬
‫اإلشاعة‪ ,‬فقال له زيد‪ :‬بلغني أنك تزعم أن في آل محمد إما ًما مفترض الطاعة؟‪ ,‬قال‬
‫شيطان الطاق‪ :‬نعم‪ ,‬وكان أبوك علي بن الحسين أحدهم‪ ,‬فقال‪ :‬وكيف وقد كان يؤتى بلقمة‬
‫وهي حارة فيبردها بيده ثم يلقمنيها‪ ,‬أفترى أنه كان يشفق على من حر اللقمة‪ ,‬وال يشفق‬
‫علي من حر النار؟‪ ,‬قال شيطان الطاق‪ :‬قلت له‪ :‬كره أن يخبرك فتكفر‪ ,‬فال يكون له فيك‬
‫الشفاعة(‪ ,)4‬وهذه القصة المروية في أوثق كتب الرجال عندهم تبين أن هذه النظرية كانت‬
‫سرية التداول لدرجة أنها خفيت على إمام من أئمة أهل البيت وهو اإلمام زيد‪ .‬وقد بيَّن‬
‫محب الدين الخطيب أن شيطان الطاق هو أول من اخترع هذه العقيدة الضالة وحصر‬
‫اإلمامة والتشريع‪ ,‬وادعى العصمة ألناس مخصوصين من آل البيت(‪ ,)5‬وقد شارك‬
‫شيطان الطاق رجل آخر هو هشام بن الحكم المتوفي ‪179‬هـ(‪ ,)6‬ويبدو أن عقيدة حصر‬
‫اإلمامة بأناس معينين سرت في الكوفة(‪ ,)7‬بسعي مجموعة من أتباع هشام وشيطان‬
‫الطاق‪ ,‬ففكرة حصر األئمة بعدد معين قد وضع جذورها في القرن الثاني زمرة ممن‬
‫يدعي الصلة بأهل البيت‪ ,‬أمثال شيطان الطاق وهشام بن الحكم(‪ ,)8‬ولقد اختلفت اتجاهات‬
‫الشيعة وتباينت مذاهبهم في عدد األئمة‪ ,‬قال في مختصر التحفة‪ :‬اعلم أن اإلمامية قائلون‬
‫بانحصار األئمة‪ ,‬ولكنهم مختلفون في مقدارهم‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬خمسة‪ ,‬وبعضهم‪ :‬سبعة‪,‬‬
‫وبعضهم‪ :‬ثمانية‪ ,‬وبعضهم‪ :‬اثنا عشر‪ ,‬وبعضهم ثالثة عشر(‪.)9‬‬
‫وكتب الشيعة نقلت صورة هذا التباين والتناقض سواء أكانت من كتب اإلسماعيلية‬
‫كمسائل اإلمامة للناشئ األكبر‪ ,‬أو الزينة ألبي حاتم الرازي‪ ,‬أم من كتب االثنى عشرية‬
‫مثل‪ :‬المقاالت والفرق لألشعري القمي‪ ,‬وفرق الشيعة للنوبختي‪ ,‬وقضية اإلمامة عندهم‬

‫‪1‬‬
‫() المنهاج (‪ ,)8/362‬الفصل (‪.)4/161‬‬
‫‪2‬‬
‫() المنهاج (‪.)7/50‬‬
‫‪3‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/800‬‬
‫‪4‬‬
‫() رجال الكشي‪ ,‬ص ‪.186‬‬
‫‪5‬‬
‫() مجلة الفتح‪ ,‬ص ‪ ,5‬العدد ‪ 862‬عام ‪1367‬هـ‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/703‬‬
‫‪7‬‬
‫() بحار األنوار (‪ ,)100/259‬أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/805‬‬
‫‪8‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/806‬‬
‫‪9‬‬
‫() مختصر التحفة‪ ,‬ص ‪.193‬‬
‫‪51‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ليست باألمر الفرعي الذي يكون فيه الخالف أمرًا عاديًا‪ ,‬بل هي أساس الدين وأصله‬
‫المتين‪ ,‬وال دين لمن لم يؤمن بإمامهم ولذلك يكفر بعضهم بعضًا‪ ,‬بل إن أتباع اإلمام‬
‫الواحد يكفر بعضهم بعضًا‪ ,‬ويلعن بعضهم بعضًا(‪ )1‬أما االثنا عشرية فقد استقر قولها –‬
‫فيما بعد‪ -‬بحصر اإلمامة في اثنى عشر إما ًما‪ ,‬ولم يكن في العترة النبوية بني هاشم على‬
‫عهد رسول هللا × وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي هللا عنهم من قول بإمامة االثنى‬
‫عشر(‪ ,)2‬إنما عرف االعتقاد باثنى عشر إما ًما بعد وفاة الحسن العسكري(‪.)3‬‬
‫وحصر األئمة بعدد معين عقيدة فاسدة باطلة أمير المؤمنين علي وأوالده وأحفاده‬
‫براء منها‪ ,‬وفي كتب الشيعة المعتمدة في نهج البالغة‪ ,‬عن علي رضي هللا عنه قال‪:‬‬
‫دعوني والتمسوا غيري‪ ,‬فإنا مستقبلون أمرًا له وجوه وألوان‪ ,‬ال تقوم له القلوب‪ ,‬وال تثبت‬
‫عليه العقول(‪ ,)4‬وإن اآلفاق قد أغامت(‪ ,)5‬والمحجة(‪ )6‬قد تنكرت‪ ,‬واعلموا أني إن أحببتكم‬
‫ركبت لكم ما أعلم‪ ,‬ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب‪ ,‬وإن تركتموني فأنا كأحدكم‬
‫ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم‪ ,‬وأنا لكم وزيرًا خير لكم مني أميرًا(‪.)7‬‬
‫فلو كانت إمامة علي منصوصًا عليها من هللا عز وجل لما جاز لعلي بن أبي طالب‬
‫تحت أي ظرف من الظروف أن يقول للناس‪« :‬دعوني والتمسوا غيري‪ ,‬ويقول‪« :‬أنا لكم‬
‫وزيرًا خير لكم مني أميرًا» كيف والناس تريده وجاءت تبايعه(‪.)8‬‬
‫ويقول في النهج كال ًما أكثر صراحة وأشد وضوحًا حين يقول‪ :‬إنه بايعني القوم الذين‬
‫بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان علي ما بايعوهم عليه‪ ,‬فلم يكن للشاهد أن يختار وال للغائب‬
‫أن يرد‪ ,‬وإنما الشورى للمهاجرين واألنصار‪ ,‬فإن اجتمعوا على رجل وسموه إما ًما كان‬
‫ذلك هلل رضا‪ ,‬فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه‪ ,‬فإن أبى‬
‫قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وواله هللا ما تولى(‪.)9‬‬
‫وقد أشار أمير المؤمنين بهذه العبارة إلى حقائق جديرة باالهتمام حيث جعل‪:‬‬
‫أ‪ -‬الشورى للمهاجرين واألنصار من أصحاب رسول هللا × وبيدهم الحل والعقد‪.‬‬
‫ب‪ -‬اتفاقهم على شخص سبب لمرضاة هللا وعالمة لموافقته سبحانه وتعالى على‬
‫اختيارهم‪.‬‬
‫ج‪ -‬ال تنعقد اإلمامة في زمانهم دونهم‪ ,‬وبغير اختيارهم‪.‬‬
‫د‪ -‬ال يرد قولهم وال يخرج عن حكمهم إلى المبتدع الباغي المتبع غير سبيل‬
‫المؤمنين‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/807‬‬
‫‪2‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)2/11‬‬
‫‪3‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/808‬‬
‫‪4‬‬
‫() ال تصبر له وال تطيق احتماله‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() أغامت‪ :‬غطيت بالغيم‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() المحجة‪ :‬الطريق المستقيمة‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() نهج البالغة خطبة رقم (‪ ,)92‬ص ‪.236‬‬
‫‪8‬‬
‫() ثم أبصرت الحقيقة‪.158 ,‬‬
‫‪9‬‬
‫() نهج البالغة‪ ,‬كتاب إلى معاوية رقم (‪ ,)6‬ص ‪.526‬‬
‫‪51‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫فإين هم الشيعة االثنا عشرية من هذه التصريحات المهمة؟ (‪.)1‬‬
‫إن مسألة النص ال تثبت بأي وجه من الوجوه‪ ,‬ومسألة حصر األئمة بعدد معين‬
‫مردودة بالكتاب والسنة‪ ,‬كما أنه ال يقبلها العقل ومنطق الواقع‪ ,‬إذ بعد انتهاء العدد المعين‬
‫هل تظل األمة بدون إمام؟‪ ,‬ولذلك فإن عصر األئمة الظاهرين عند االثنى عشرية ال‬
‫يتعدى قرنين ونصف قرن إال قليالً‪ ,‬وقد اضطر الشيعة للخروج عن حصر األئمة بمسألة‬
‫نيابة المجتهد عن اإلمام‪ ,‬واختلف قولهم في حدود النيابة(‪ .)2‬وفي هذا العصر اضطروا‬
‫للخروج نهائيًا عن هذا األصل الذي هو قاعدة دينهم‪ ,‬فجعلوا رئاسة الدولة تتم عن طريق‬
‫االنتخاب ولكنهم خرجوا عن حصر العدد إلى حصر النوع فقصروا رئاسة الدولة على‬
‫الفقيه الشيعي(‪.)3‬‬
‫ما يحتج به االثنا عشرية في أمر تحديد عدد األئمة بما جاء في كتب السنة‪:‬‬
‫عن جابر بن سمرة قال‪ :‬يكون اثنا عشر أميرًا‪ .‬فقال كلمة لم أسمعها‪ ,‬فقال أبي‪ :‬إنه‬
‫قال‪« :‬كلهم في قريش»(‪ .)4‬وفي مسلم عن جابر قال‪ :‬سمعت رسول هللا × يقول‪« :‬لا‬
‫يزال الإسلام عزيزًا إلى اثنى عشر خليفة»‪ ,‬ثم قال كلمة لم أفهمها‪ .‬فقلت ألبي‪:‬‬
‫ما قال؟‪ ,‬فقال‪« :‬كلهم في قريش»(‪ ,)5‬وفي لفظ‪« :‬لا يزال هذا الدين عزيزًا‬
‫منيعًا إلى اثنى عشر خليفة»(‪ ,)6‬وفي لفظ آخر‪« :‬لا يزال أمر الناس ماضيًا‬
‫ما وليهم اثنا عشر رجلاً»(‪ ,)7‬وعند أبي داود‪« :‬ال يزال هذا الدين قائ ًما حتى يكون‬
‫عليكم اثنا عشر خليفة‪ ,‬كلهم تجتمع عليهم األمة»(‪ ,)8‬وأخرجه أبو داود أيضًا من طريق‬
‫األسود بن سعيد عن جابر بنحو ما مضى قال‪ :‬وزاد فلما رجع إلى منزله أتته قريش‬
‫فقالوا‪ :‬ثم يكون ماذا‪ ,‬قال‪« :‬الهرج»(‪.)9‬‬
‫يتعلق االثنا عشرية بهذا النص ويحتجون به على أهل السنة‪ ,‬ال إليمانهم بما جاء في‬
‫كتب السنة(‪ ,)10‬ولكن لالحتجاج عليهم بما يسلمون به‪ ,‬وبالتأمل في النص بكل حيدة‬
‫وموضوعية نجد أن هؤالء االثنى عشر وصفوا بأنهم يتولون الخالفة‪ ,‬وأن اإلسالم في‬
‫عهدهم يكون في عزة ومنعة‪ ,‬وأن الناس تجتمع عليهم وال يزال أمر الناس ماضيًا‬
‫وصالحًا في عهدهم‪ ,‬وكل هذه األوصاف ال تنطبق على من تدعي االثنا عشرية فيهم‬
‫اإلمامة‪ ,‬فلم يتول الخالفة منهم إال أمير المؤمنين علي والحسن مدة قليلة‪ ,‬كما لم يقم أمر‬
‫األمة في مدة أحد من هؤالء االثنى عشر –في نظر الشيعة أنفسهم‪ -‬بل مازال أمر األمة‬

‫‪1‬‬
‫() ثم أبصرت الحقيقة‪ ,‬ص ‪.161‬‬
‫‪2‬‬
‫() الحكومة اإلسالمية للخميني‪ ,‬ص‪ ,68‬أصول الشيعة (‪.)2/814‬‬
‫‪3‬‬
‫() الحكومية اإلسالمية للخميني‪ ,‬ص ‪ ,248‬أصول الشيعة (‪.)2/814‬‬
‫‪4‬‬
‫() البخاري‪ ,‬كتاب األحكام‪ ,‬باب االستخالف (‪.)8/127‬‬
‫‪5‬‬
‫()‪ )5( ,‬مسلم‪ ,‬كتاب اإلمارة‪ ,‬باب الناس (‪.)2/1453‬‬
‫‪6‬‬
‫()‬

‫‪7‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)2/1452‬‬
‫‪8‬‬
‫() سنن أبي داود‪ ,‬كتاب المهدي (‪.)4/471‬‬
‫‪9‬‬
‫() سنن أبي داود (‪ ,)4/472‬فتح الباري (‪.)13/211‬‬
‫‪10‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/815‬‬
‫‪51‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫فاسدًا‪ ..‬ويتولى عليهم الظالمون بل الكافرون(‪ ,)1‬وأن األئمة أنفسهم كانوا يتسترون في‬
‫أمور دينهم بالتقية(‪ ,)2‬وأن عهد أمير المؤمنين علي وهو على كرسي الخالفة عهد تقية‪,‬‬
‫كما صرح بذلك شيخهم المفيد(‪ ,)3‬فلم يستطع أن يظهر القرآن‪ ,‬وال أن يحكم بجملة من‬
‫أحكام اإلسالم‪ ,‬كما صرح بذلك شيخهم الجزائري(‪ ,)4‬واضطر إلى مماألة أصحابه‬
‫ومجاراتهم على حساب الدين‪ ,‬كما أقر بذلك شيخهم المرتضى(‪ ,)5‬فالحديث في جانب‬
‫ومزاعم هؤالء في جانب آخر‪ ,‬ثم إنه ليس في الحديث حصر لألئمة بهذا العدد‪ ,‬بل نبوءة‬
‫منه عليه السالم بأن اإلسالم ال يزال عزي ًزا في عصر هؤالء‪ ,‬وكان عصر الخلفاء‬
‫الراشدين وبني أمية عصر عزة ومنعة(‪ ,)6‬ولهذا قال ابن تيمية رحمه هللا‪ :‬إن اإلسالم‬
‫وشرائعه في زمن بني أمية أظهر وأوسع مما كان بعدهم‪ ,‬ثم استشهد بحديث‪« :‬لا يزال‬
‫هذا الأمر عزيزًا في زمن اثنى عشر خليفة كلهم من قريش»‪ ,‬ثم قال‪ :‬وهكذا كان‪,‬‬
‫فكان الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان وعلي‪ ,‬ثم تولى من اجتمع الناس عليه وصار له عز‬
‫ومنعة معاوية وابنه يزيد ثم عبد الملك وأوالده األربعة وبينهم عمر بن عبد العزيز‪ ,‬وبعد‬
‫ذلك حصل من النقص ما هو باق إلى اآلن‪ ,‬ثم شرح ذلك(‪.)7‬‬
‫ثم إنه قال في الحديث‪« :‬كلهم من قريش»(‪ ,)8‬وهذا يعني أنهم ال يختصون بعلي‬
‫وأوالده‪ ,‬ولو كانوا مختصين بعلي وأوالده لذكر ما يميزون به‪ ,‬أال ترى أنه لم يقل‪ :‬كلهم‬
‫من ولد إسماعيل وال من العرب‪ ,‬فلو امتازوا بكونهم من بني هاشم‪ ,‬أو من قبيل علي‬
‫لذكروا بذلك‪ ,‬فلما جعلهم من قريش مطلقًا علم أنهم من قريش‪ ,‬بل ال يختصون بقبيلة‪ ,‬بل‬
‫منهم بنو تيم‪ ,‬وبنو عدي‪ ,‬وبنو عبد شمس‪ ,‬وبنو هاشم‪ ,‬فإن الخلفاء الراشدين كانوا من هذه‬
‫القبائل(‪ ,)9‬فإذن لم يبق من األوصاف التي تنطبق على ما يريدون إال مجرد العدد‪ ,‬والعدد‬
‫ال يدل على شيء(‪.)10‬‬
‫أدلتهم من القرآن على النص‪:‬‬
‫إن الشيعة الرافضة لما لم يجدوا ما يستدلون به من الشرع لتقرير عقيدة اإلمامة‬
‫بالنص عمدوا إلى آيات من كتاب هللا فيها ثناء ومدح لعباده الصالحين وأوليائه المتقين‪,‬‬
‫فجعلوها خاصة بأمير المؤمنين علي رضي هللا عنه وأولوها على حسب هذا المعتقد‬
‫الفاسد‪ ,‬كما اختلقوا أحاديث كثيرة لتأييد هذه البدعة الشنيعة‪ ,‬وذلك إليقاع جهلة المسلمين‬
‫ومن قل نصيبه من العلم في ذلك‪ ,‬وما أوردوه في هذا الشأن واضح البطالن ثم إن‬
‫استداللهم ال يخرج عن أمرين‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫() منهاج السنة (‪ ,)4/210‬المنتقى‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫()أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/816‬‬
‫‪3‬‬
‫() ‪ )4( ,)3( ,)2( ,‬أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/816‬‬
‫‪4‬‬
‫()‬

‫‪5‬‬
‫()‬

‫‪6‬‬
‫()‬

‫‪7‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)4/206‬‬
‫‪8‬‬
‫() مسلم (‪.)2/1453‬‬
‫‪9‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)4/211‬‬
‫‪10‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/818‬‬
‫‪51‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫أ‪ -‬إما أن يكون فيما استدلوا به دليل على تلك الدعوى‪ ,‬كآية التطهير والمباهلة‪,‬‬
‫وحديث الراية‪ ,‬وحديث خم وغيرها من األحاديث‪.‬‬
‫ب‪ -‬أو أن تكون أحاديث موضوعة‪ ,‬والموضوع ال تقوم به حجة‪ ,‬ولهذا اشتهر بين‬
‫أهل العلم أن الرافضة أكذب الفرق المنتسبة لإلسالم‪ ,‬وقد ذكر ابن تيمية اتفاق أهل العلم‬
‫بالنقل والرواية واإلسناد على أن الرافضة أكذب الطوائف‪ ,‬الكذب فيهم قديم‪ ,‬ولهذا كان‬
‫أئمة اإلسالم يعلمون امتيازهم بالكذب(‪ ,)1‬وإليك بعض األمثلة في استداللهم بالقرآن‪:‬‬
‫الصالَةَ‬
‫يمو َن َّ‬ ‫‪ -1‬آية الوالية‪ :‬قال تعالى‪+ :‬إِنَّما ولِيُّ ُكم اهلل ورسولُهُ والَّ ِذين آمنُوا الَّ ِذ ِ‬
‫ين يُق ُ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ ُ ََ ُ َ َ َ‬
‫الز َكاةَ َو ُه ْم َراكِعُو َن" [المائدة‪ ,]55:‬ذكروا في تفسير هذه اآلية ما يدل على زعمهم‬ ‫َو ُي ْؤتُو َن َّ‬
‫بأنها في إمامة علي‪ ,‬قال شيخ الطائفة –كما يلقبونه‪ -‬الطوسي‪ :‬وأما النص على إمامته من‬
‫الصالَةَ‬
‫يمو َن َّ‬ ‫القرآن‪ ,‬فأقوى ما يدل عليه قوله‪+ :‬إِنَّما ولِيُّ ُكم اهلل ورسولُهُ والَّ ِذين آمنُوا الَّ ِذ ِ‬
‫ين يُق ُ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ ُ ََ ُ َ َ َ‬
‫الز َكاةَ َو ُه ْم َراكِعُو َن" [المائدة‪ ,)2( ]55:‬وقال الطبرسي‪ :‬وهذه اآلية من أوضح الدالئل‬ ‫َو ُي ْؤتُو َن َّ‬
‫(‪)3‬‬
‫على صحة إمامة علي بعد النبي بال فصل ‪ .‬ويكاد شيوخهم يتفقون على أن هذا أقوى‬
‫دليل عندهم حيث يجعلون له الصدارة في مقام االستدالل في مصنفاتهم(‪ ,)4‬وأما كيف‬
‫يستدلون بهذه اآلية على مبتاغهم فإنهم يقولون‪ :‬اتفق المفسرون والمحدثون من العامة‬
‫والخاصة أنها نزلت في علي لما تصدق بخاتمه على المسكين في الصالة بمحضر من‬
‫الصحابة وهو مذكور في الصحاح الستة(‪ ,)5‬و ‪+‬إِنَّ َما" للحصر باتفاق أهل اللغة‪ ,‬والولي‬
‫بمعنى األولى بالتصرف المرادف لإلمام والخليفة(‪ .)6‬فأنت ترى أنهم يعتمدون في‬
‫استداللهم باآلية بما روى في سبب نزولها‪ ,‬ألنه ليس في نصها ما يدل على مرادهم‪,‬‬
‫فصار استداللهم بالرواية ال بالقرآن‪ ,‬فهل الرواية ثابتة‪ ,‬وهل وجه استداللهم سليم؟! يتبين‬
‫هذا بالوجوه التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن زعمهم بأن أهل السنة أجمعوا على أنها نزلت في علي هو من أعظم الدعاوي‬
‫الكاذبة‪ ,‬بل أجمع أهل العلم بالنقل أنها لم تنزل في علي بخصوصه‪ ,‬وأن عليًا لم يتصدق‬
‫بخاتمه في الصالة‪ ,‬وأجمع أهل العلم بالحديث على أن القصة المروية في ذلك من الكذب‬
‫الموضوعـ(‪ ,)7‬وقوله‪ :‬إنها مذكورة في الصحاح الستة(‪ ,)8‬كذب‪ ,‬إذ ال وجود لهذه الرواية‬
‫في الكتب الستة‪ ,‬وقد ساق ابن كثير اآلثار التي تروي في أن هذه اآلية نزلت في علي‬
‫حين تصدق بخاتمه‪ ,‬وعقب عليها‪ :‬وليس يصح شيء منها بالكلية لضعف أسانيدها‪,‬‬
‫وجهالة رجالها(‪ ,)9‬وقال عبد العزيز الدهلوي‪ :‬وأما القول بنزولها في حق علي بن أبي‬
‫‪1‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)1/59‬‬
‫‪2‬‬
‫() تلخيص الشافي (‪ )2/10‬نقالً عن أصول مذهب الشيعة اإلمامية (‪.)2/822‬‬
‫‪3‬‬
‫() مجمع البيان (‪ )2/128‬نقالً عن أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/822‬‬
‫‪4‬‬
‫() عقائد اإلمامية االثنى عشرية (‪ ,)1/82،81‬أصول مذهب الشيعة (‪.)2/823‬‬
‫‪5‬‬
‫() أصول مذهب الشيعة (‪.)2/823‬‬
‫‪6‬‬
‫() عقائد اإلمامية االثنى عشرية (‪ ,)1/82،81‬نقالً عن المرجع السابق (‪.)2/823‬‬
‫‪7‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)4/4‬‬
‫‪8‬‬
‫() أصول مذهب الشيعة (‪.)2/824‬‬
‫‪9‬‬
‫() تفسير ابن كثير (‪.)2/77،76‬‬
‫‪51‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫(‪)1‬‬
‫طالب ورواية قصة السائل وتصدقه بالخاتم عليه في حالة الركوع فإنما هو للثعلبي‬
‫فقط‪ ,‬وهو متفرد به وال يعتد المحدثون من أهل السنة بروايات الثعلبي قدر شعيرة ولقبوه‬
‫بحاطب ليل‪ ,‬فإنه ال يميز الرطب من اليابس‪ ,‬وأكثر رواياته عن الكلبي عن أبي صالح‬
‫وهي من أوهى ما يروى في التفسير عندهم(‪ ,)2‬وسبب نزول هذه اآلية على الصحيح هو‪:‬‬
‫أنه لما خانت بنو قينقاع الرسول × ذهبوا إلى عبادة بن الصامت –كما أخرج ذلك ابن‬
‫جرير في تفسيره‪ -‬وأرادوه أن يكون معهم فتركهم وعاداهم وتولى هللا ورسوله‪ ,‬فأنزل هللا‬
‫الصالَةَ َو ُي ْؤتُو َن َّ‬
‫الز َكاةَ َو ُه ْم‬ ‫يمو َن َّ‬ ‫قوله جل وعال‪+ :‬إِنَّما ولِيُّ ُكم اهلل ورسولُهُ والَّ ِذين آمنُوا الَّ ِذ ِ‬
‫ين يُق ُ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ ُ ََ ُ َ َ َ‬
‫َراكِعُو َن" [المائدة‪ ,]55:‬أي والحال أنهم خاضعون في كل شئونهم هلل تبارك وتعالى‪ ,‬ولذلك‬
‫اء‬ ‫ِ‬ ‫قال هللا تبارك وتعالى في أول اآليات‪+ :‬يا أ َُّيها الَّ ِذين آمنُوا الَ َتت ِ‬
‫َّص َارى أ َْوليَ َ‬‫ود َوالن َ‬ ‫َّخ ُذوا الَْي ُه َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ض َو َمن َيَت َولَّ ُهم ِّم ْن ُك ْم فَِإنَّهُ ِم ْن ُه ْم" [المائدة‪ ,]51:‬يعني عبد هللا بن أبي بن سلول‪,‬‬ ‫ض ُه ْم أ َْولِيَاءُ َب ْع ٍ‬
‫َب ْع ُ‬
‫ألنه كان مواليًا لبني قينقاع‪ ,‬ولما حصلت الخصومة بينهم وبين النبي × واالهم ونصرهم‬
‫ووقف معهم‪ ,‬وذهب إلى النبي × يشفع لهم‪ ,‬أما عبادة بن الصامت رضي هللا عنه وأرضاه‬
‫ود‬ ‫فإنه تبرأ منهم وتركهم فأنزل هللا تبارك وتعالى‪+ :‬يا أ َُّيها الَّ ِذين آمنُوا الَ َتت ِ‬
‫َّخ ُذوا الَْي ُه َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ض ومن يَتولَّ ُهم ِّم ْن ُكم فَِإنَّهُ ِم ْن ُهم إِ َّن اهلل الَ ي ْه ِدي الْ َقوم الظَّالِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين"‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫َْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ض ُه ْم أ َْوليَاءُ َب ْع ٍ َ َ َ َ‬ ‫اء َب ْع ُ‬
‫َّص َارى أ َْوليَ َ‬‫َوالن َ‬
‫[المائدة‪ ,]51 :‬ثم عقب تبارك وتعالى بذكر صفة المؤمنين‪ ,‬وهو عبادة بن الصامت ومن‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫آمنُوا"‪ ,‬أمثال عبادة وغيره‪ ,‬فهذه اآلية نزلت في عبادة‬ ‫اتبعه ‪+‬إِنَّ َما َوليُّ ُك ُم اهللُ َو َر ُسولُهُ َوالذ َ‬
‫ين َ‬
‫بن الصامت(‪.)3‬‬
‫إن اآليات الكريمة جاءت باألمر بمواالة المؤمنين‪ ,‬والنهي عن مواالة الكافرين‪ ,‬وهذا‬
‫المعنى يدرك أيضًا –بعد معرفة سبب النزول الحقيقي‪ -‬بوضوح من سياق اآليات‪ ,‬إذ قبل‬
‫اء‬ ‫ِ‬ ‫هذه اآلية الكريمة جاء قوله سبحانه‪+ :‬يا أ َُّيها الَّ ِذين آمنُوا الَ َتت ِ‬
‫َّص َارى أ َْوليَ َ‬‫ود َوالن َ‬ ‫َّخ ُذوا الَْي ُه َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ض ُه ْم أ َْولِيَاءُ َب ْع ٍ‬
‫ين" [المائدة‪,]51:‬‬ ‫ض َو َمن َيَت َول ُهم ِّم ْن ُك ْم فَِإنَّهُ م ْن ُه ْم إن اهللَ الَ َي ْهدي الْ َق ْو َم الظالم َ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َب ْع ُ‬
‫فهذا نهي صريح عن مواالة اليهود والنصارى بالود والمحبة والنصرة‪ ..‬وال يراد بذلك‬
‫باتفاق الجميع الوالية بمعنى اإلمارة‪ ,‬وليس هذا بوارد أصالً‪ ,‬ثم أردف ذلك بذكر من‬
‫تجب مواالته وهو‪ :‬هللا ورسوله والمؤمنون‪ ,‬فواضح من ذلك أن مواالة المحبة والنصرة‬
‫التي نهى عنها في األولى وهي بعينها التي أمر بها المؤمنون في هذه اآلية بحكم المقابلة‪,‬‬
‫كما هو بين جلي من لغة العرب(‪ .)4‬قال الرازي –رحمه هللا‪ :-‬لما نهى في اآليات المتقدمة‬

‫‪1‬‬
‫() مختصر التحفة االثنى عشرية‪ ,‬ص ‪.142-141‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه ص ‪ ,142-141‬عقيدة أهل البيت بين اإلفراط والتفريط‪ ,‬ص ‪ .473‬وانظر‪ :‬أسباب‬
‫النزول للواحدي‪ ,‬تحقيق أيمن شعبان‪ ,‬ص ‪ .163‬اليهود في السنة المطهرة (‪ ,)1/282‬ويبقى الخبر الذي‬
‫رواه ابن إسحاق بإسناد مرسل يتقوى مع المتابعات والشواهد‪ ,‬وانظر مختصر تفسير القرآن العظيم‬
‫المسمى عمدة التفاسير عن الحافظ ابن كثير‪ ,‬ألحمد محمد شاكر (‪ ,)1/701‬فقد قال أحمد شاكر فيمن قال‬
‫نزلت في علي رضي هللا عنه‪ :‬بل هي أكاذيب الشيعة الذين يلعبون بتأويل القرآن‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() رواه ابن هشام في السيرة في أمر بني قينقاع (‪ ,)2/49‬عن عبادة بن الوليد ورواه ابن جرير في‬
‫َّص َارى أ َْولِيَاءَ" [المائدة‪ ]51:‬تفسير‬
‫ود َوالن َ‬
‫تفسيره في تأويل قوله تعالى‪+ :‬يا أ َُّيها الَّ ِذين آمنُوا الَ َتت ِ‬
‫َّخ ُذوا الَْي ُه َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫الطبري (‪ )6/178‬ورجال إسناده –من طريق ابن جرير‪ -‬موثوقون‪ ,‬وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث عن‬
‫والده لكنه مرسل‪ ,‬فإن عبادة بن الوليد تابعي جليل روى عن أبيه وجده وغيرهما وهو ثقة‪ ,‬التهذيب (‬
‫‪.)5/114‬‬
‫‪4‬‬
‫() أصول مذهب الشيعة (‪.)2/826‬‬
‫‪51‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫عن مواالة الكفار‪ ,‬أمر في هذه اآلية بمواالة من تجب مواالته(‪ .)1‬وقال ابن تيمية –رحمه‬
‫هللا‪ :-‬إنه من المعلوم المستفيض عند أهل التفسير خلفًا عن سلف أن هذه اآلية نزلت في‬
‫النهي عن مواالة الكفار‪ ,‬واألمر بمواالة المؤمنين(‪.)2‬‬
‫ب‪ -‬إن هللا تعالى ال يثني على اإلنسان إال بما هو محمود عنده‪ ,‬إما واجب وإما‬
‫مستحب‪ ,‬والتصدق أثناء الصالة ليس بمستحب باتفاق علماء الملة‪ ,‬ولو كان مستحبًا لفعله‬
‫الرسول × ولحض عليه‪ ,‬ولكرر فعله‪ ,‬وإن في الصالة ل ُشغالً‪ ,‬وإعطاء السائل ال يفوت‪ ,‬إذ‬
‫يمكن للمتصدق إذا سلم أن يعطيه‪ ,‬بل إن االشتغال بإعطاء السائلين يبطل الصالة كما هو‬
‫رأي جملة من أهل العلم(‪.)3‬‬
‫ج‪ -‬أنه لو قدر أن هذا مشروع في الصالة لم يختص بالركوع‪ ,‬فكيف يقال‪ :‬ال ولي إال‬
‫الذين يتصدقون في حال الركوع‪ ,‬فإن قيل‪ :‬هذه أراد بها التعريف بعلي‪ ,‬قيل له‪ :‬أوصاف‬
‫علي التي يعرف بها كثيرة ظاهرة‪ ,‬فكيف يترك تعريفه باألمور المعروفة‪ ,‬ويعرف بهذا‬
‫األمر الذي ال يعرفه إال من سمعه وصدق به؟ وجمهور األمة ال يسمع هذا الخبر وال هو‬
‫في شيء من كتب المسلمين المعتمدة(‪.)4‬‬
‫د‪ -‬وقولهم‪ :‬إن عليًا أعطى خاتمه زكاة في حال ركوعه فنزلت اآلية مخالفة للواقع‪,‬‬
‫ذلك أن عليًا رضي هللا عنه لم يكن ممن تجب عليه الزكاة على عهد النبي × ‪ ,‬فإنه كان‬
‫ك النصاب حوالً‪ ,‬وعلي لم يكن من هؤالء(‪.)5‬‬ ‫فقي ًرا‪ ,‬وزكاة الفضة إنما تجب على من ملَ َ‬
‫هـ‪ -‬إن األصل في الزكاة أن يبدأ المزكي‪ ,‬ال أن ينتظر حتى يأتيه الطالب‪ ,‬أيهما‬
‫أفضل أن تبادر أنت بدفع الزكاة أو أن تجلس في بيتك وزكاتك عندك‪ ,‬ثم تنتظر الناس‬
‫حتى يطرقوا عليك الباب ثم تعطيهم زكاة أموالك؟‪ ,‬ال شك أن األول أفضل(‪.)6‬‬
‫و‪ -‬قولهم‪ :‬إن المراد بقوله‪+ :‬إِنَّ َما َولِيُّ ُك ُم اهللُ" –اإلمارة‪ -‬ال يتفق مع قوله سبحانه‪:‬‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫آمنُوا"‪ ,‬فإن هللا سبحانه ال يوصف بأنه متول على عباده‪,‬‬ ‫‪+‬إِنَّ َما َوليُّ ُك ُم اهللُ َو َر ُسولُهُ َوالذ َ‬
‫ين َ‬
‫وأنه أمير عليهم‪ ,‬فإن خالقهم ورازقهم وربهم ومليكهم له الخلق واألمر‪ ,‬ال يقال‪ :‬إن هللا‬
‫أمير المؤمنين كما يسمى المتولي مثل علي وغيره أمير المؤمنين(‪ ,)7‬وأما الوالية المخالفة‬
‫للعداوة فإنه يتولى عباده المؤمنين فيحبهم ويحبونه‪ ,‬ويرضى عنهم ويرضون عنه‪ ,‬ومن‬
‫عادى له وليًا بارزه بالمحاربة(‪ ,)8‬فهذه الوالية هل المقصودة في اآلية‪ ,‬وقوله‪َ + :‬و ُه ْم‬
‫َراكِعُو َن" أي خاضعون لربهم منقادون ألمره‪ ,‬والركوع في أصل اللغة بمعنى الخضوع‪,‬‬
‫أي يقيمون الصالة ويؤتون الزكاة في حال الركوع‪ ,‬وهو الخشوع واإلخبات والتواضع‬

‫‪1‬‬
‫() تفسير الفخر الرازي (‪.)12/25‬‬
‫‪2‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)4/5‬‬
‫‪3‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)4/5( ,)1/208‬‬
‫‪4‬‬
‫() منهاج السنة (‪ ,)4/5‬أصول مذهب الشيعة (‪.)2/825‬‬
‫‪5‬‬
‫() أصول مذهب الشيعة (‪.)2/825‬‬
‫‪6‬‬
‫() حقبة من التاريخ ص ‪.193‬‬
‫‪7‬‬
‫()‪ )2( ,‬أصول مذهب الشيعة (‪.)2/827‬‬
‫‪8‬‬
‫()‬
‫‪51‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬

‫هلل ‪ ,‬وهذا كما قال هللا تبارك وتعالى عن داود عليه السالم‪َ + ,‬وظَ َّن َد ُاو ُد أَنَّ َما َفَتنَّاهُ فَ ْ‬
‫اسَتغْ َف َر‬ ‫(‪)1‬‬

‫ِ‬
‫اب" [ص‪ ,]24:‬وهو خر ساجدًا‪ ,‬وإنما سمي راكعًا للذل والخضوع هلل‬ ‫َربَّهُ َو َخ َّر َراك ًعا َوأَنَ َ‬
‫ار َكعُوا الَ َي ْر َكعُو َن" [المرسالت‪:‬‬ ‫ِ ِ‬
‫يل ل َُه ُم ْ‬‫تبارك وتعالى‪ ,‬وكما قال هللا تبارك وتعالى‪َ + :‬وإذَا ق َ‬
‫‪ ,]48‬أي اخضعوا واستسلموا ألمر هللا تبارك وتعالى(‪.)2‬‬
‫ز‪ -‬وأما استداللهم بأداة الحصر ‪+‬إِنَّ َما" وأن المراد علي رضي هللا عنه بالخصوص‪,‬‬
‫فهذا الدليل كما يدل على نفي إمامة األئمة المتقدمين كما قرر يدل على سلب اإلمامة من‬
‫األئمة المتأخرين بذلك التقرير بعينه‪ ,‬فلزم أن السبطين ومن بعدهما من األئمة األطهار‬
‫مسلوبة منهم اإلمامة‪ ,‬فإن أجابوا عن النقض بأن المراد حصر الوالية في بعض األوقات‪,‬‬
‫أعني وقت إمامته ال وقت إمامة من بعده‪ ,‬وافقوا أهل السنة في أن الوالية العامة كانت له‬
‫وقت كونه إما ًما ال قبله(‪ ,)3‬وإذا كانت هذه أقوى أدلتهم –كما يقول شيوخهم‪ -‬تبين أهم‬
‫ليسوا على شيء‪ ,‬ذلك أن األصل أن يستعمل في هذا األمر العظيم –والذي هو عند‬
‫الروافض أعظم أمور الدين‪ ,‬ومنكره في عداد الكافرين‪ -‬صيغة واضحة جلية‪ ,‬يفهمها‬
‫الناس بمختلف طبقاتهم‪ ,‬يدركها العامي‪ ,‬كما يدركها العالم‪ ,‬ويفهمهاـ الالحق‪ ,‬كما يفهمها‬
‫الحاضر‪ ,‬ويعرفها البدوي‪ ,‬كما يعرفها الحضري‪ ,‬فلما لم يستعمل مثل ذلك في كتاب هللا‬
‫دل أنه ال نص كما يزعمون(‪ ,)4‬وهذه أقوى آية يستدلون بها من كتاب هللا‪ ,‬ويسمونها آية‬
‫الوالية‪ ,‬ولهم تعلق بآيات أخرى ذكرها ابن المطهر الحلي‪ ,‬وأجاب عنها ابن تيمية بأجوبة‬
‫جامعة(‪.)5‬‬
‫‪ -2‬آية المباهلة‪ :‬إن آية المباهلة التي نزلت في وفد نجران تُعد دليالً آخر عند الشيعة‬
‫اء َك ِم َن‬ ‫اج َ ِ ِ ِ ِ‬
‫ك فيه من َب ْعد َما َج َ‬ ‫االثنى عشرية على اإلمامة‪ ,‬وهي قول هللا عز وجل‪+ :‬فَ َم ْن َح َّ‬
‫َّ‬
‫اء ُك ْم َوأَْن ُف َسنَا وأَ ْن ُف َس ُك ْم ثُ َّم َن ْبتَ ِه ْل َفنَ ْج َعل ل ْعنَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫اءنَا َون َس َ‬
‫اء ُك ْم َون َس َ‬ ‫الْعل ِْم َف ُق ْل َت َعال َْوا نَ ْدعُ أ َْبنَ َ‬
‫اءنَا َوأ َْبنَ َ‬
‫ين" [آل عمران‪:‬ـ‪ .]61‬ووجه داللة اآلية على إمامة علي بن أبي طالب عند‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل َعلَى الْ َكاذب َ‬
‫الطوسي وغيره من علماء الشيعة أنها دلت على أفضليته من وجهين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن موضوع المباهلة ليتميز المحق من المبطل وذلك ال يصح أن يفعل إال‬
‫بمن هو مأمون الباطن مقطوع على صحة عقيدته‪ ,‬أفضل الناس عند هللا‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه × جعله مثل نفسه بقوله‪َ + :‬وِأَْن ُف َسنَا وأَ ْن ُف َس ُك ْم" ألنه أراد بقوله‪+ :‬أ َْبنَ َ‬
‫اءنَا"‬
‫اءنَا" فاطمة‪ ,‬وبقوله‪َ + :‬وأَ ْن ُف َسنَا" نفسه ونفس‬ ‫الحسن والحسين عليهما السالم‪ ,‬وبقوله‪َ + :‬ون َس َ‬
‫(‪)6‬‬
‫علي عليهما السالم‪ ,‬وإذا جعله مثل نفسه وجب أن ال يدانيه وال يقاربه في الفضل أحد ‪.‬‬
‫وقد سميت آية المباهلة بهذا االسم‪ ,‬ألن كل محق يود لو أهلك هللا المبطل المناظر له‪,‬‬
‫‪1‬‬
‫() الكشاف للزمخشري (‪ ,)1/624‬تفسير الرازي (‪.)12/25‬‬
‫‪2‬‬
‫() حقبة من التاريخ‪ ,‬ص ‪.194‬‬
‫‪3‬‬
‫() أصول مذهب الشيعة‪ ,‬ص ‪.825‬‬
‫‪4‬‬
‫() أصول مذهب الشيعة اإلمامية (‪.)2/829‬‬
‫‪5‬‬
‫() وقد قام الدكتور علي السالوس بدراسة مستفيضة حول اآليات التي يستدل بها اإلمامية لقولهم باإلمامة‪,‬‬
‫وانتهى من ذلك إلى أن استدالتهم تنبني على روايات متصلة بأسباب النزول وتأويالت انفردوا بها‪ ,‬لم‬
‫يصح شيء من هذا وال ذاك‪ ,‬مع الشيعة االثنى عشرية (‪ 1/55‬إلى ‪.)111‬‬
‫‪6‬‬
‫() تفسير التبيان للطوسي (‪.)3/485‬‬
‫‪52‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫والسيما إذا كان في ذلك حجة له في بيان حقه وظهوره‪ ,‬وكانت المباهلة بالموت‪ ,‬ألن‬
‫الحياة عندهم عزيزة عظيمة‪ ,‬لما يعلمون من سوء مآلهم بعد الموت‪ ,‬وآية المباهلة ال‬
‫مستند فيها على ما يدعيه الشيعة االثنى عشرية في موضوع اإلمامة‪ ,‬لعدة أسباب‪:‬‬
‫أ‪ -‬إنه على كثرة المعاني والمرادفات لكلمة (نفس) التي استدل بها اإلمامية على داللة‬
‫النص في خالفة علي بن أبي طالب ال يوجد معنى حقيقي أو مجازي يدل على الخالفة‪,‬‬
‫ولكن ما استدل به أهل السنة على أنها تدل على دعوة النبي × بحضوره بنفسه أو أقاربه‬
‫في الدين أو النسب فهو مذكور في اللغة موافق للدين‪ ,‬قال الزبيدي‪ :‬قال ابن خالويه‪:‬‬
‫النفس األخ‪ ,‬قال ابن بري‪ :‬وشاهده قوله تعالى‪+ :‬فَِإذَا َد َخلْتُ ْم ُبيُوتًا فَ َسلِّ ُموا َعلَى أَ ْن ُف ِس ُك ْم"‬
‫[النور‪ ]61:‬وفسر ابن عرفة قوله تعالى‪+ :‬ل َْوالَ إِ ْذ َس ِم ْعتُ ُموهُ ظَ َّن ال ُْم ْؤ ِمنُو َن َوال ُْم ْؤ ِمنَ ُ‬
‫ات بِأَْن ُف ِس ِه ْم‬
‫ين" [النور‪ ,]12:‬أي بأهل اإليمان وأهل شريعتهم(‪ ,)1‬قال الدهلوي‪:‬‬ ‫ك ُّمبِ ٌ‬ ‫َخ ْي ًرا َوقَالُوا َه َذا إِفْ ٌ‬
‫معنى ‪+‬نَ ْدعُ" نحضر أنفسنا‪ ,‬وأيضًا لو قررنا أن األمير ‪-‬أي اإلمام علي‪ -‬من قبل النبي ×‬
‫لمصداق ‪+‬أَْن ُف َسنَا" فمن تقرره من قبل الكفار لمصداق ‪+‬وأَْن ُف َس ُك ْم" في أنفس الكفار مع‬
‫أنهم مشتركون في صيغة ‪+‬نَ ْدعُ" وال معنى لدعوة النبي إياهم وأبناءهم بعد قوله‬
‫‪َ +‬ت َعال َْوا"(‪.)2‬‬
‫وقوله تعالى‪َ + :‬وأَ ْن ُف َسنَا وأَْن ُف َس ُك ْم" مثل قوله تعالى‪+ :‬ل َْوالَ إِ ْذ َس ِم ْعتُ ُموهُ ظَ َّن ال ُْم ْؤ ِمنُو َن‬
‫ات بِأَْن ُف ِس ِه ْم َخ ْي ًرا" [النور‪ ,]12:‬نزلت في أم المؤمنين عائشة في حادثة اإلفك‪ ,‬فإن‬ ‫َوال ُْم ْؤ ِمنَ ُ‬
‫الواحد من المؤمنين أنفس المؤمنين والمؤمنات‪ ,‬وكذلك قوله تعالى‪َ + :‬فتُوبُوا إِلَى بَا ِرئِ ُك ْم‬
‫فَاقُْتلُوا أَْن ُف َس ُك ْم" [البقرة‪ ]54:‬أي يقتل بعضكم بعضًا‪ ,‬ومنه قوله تعالى‪َ + :‬وإِ ْذ أَ َخ ْذنَا ِميثَاقَ ُك ْم الَ‬
‫اء ُك ْم َوالَ تُ ْخ ِر ُجو َن أَ ْن ُف َس ُكم ِّمن ِديَا ِر ُك ْم" [البقرة‪ ,]84 :‬أي ال يُخرج بعضكم بعضًا‪,‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تَ ْسف ُكو َن د َم َ‬
‫فالمراد باألنفس اإلخوان‪ :‬إما في النسب وإما في الدين(‪.)3‬‬
‫ول ِّم ْن أََن ُف ِس ُك ْم َع ِز ٌيز َعلَْي ِه َما‬
‫اء ُك ْم َر ُس ٌ‬ ‫رسوله الكريم‪+ :‬لََق ْد َج َ‬ ‫وقد قال هللا عز وجل في‬
‫وف َّر ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫يم" [التوبة‪ .]128:‬وفي هذه اآلية حجة بالغة على من‬ ‫ٌ‬ ‫ح‬ ‫ٌ‬ ‫ؤ‬
‫ين َر ُ‬ ‫ِّم َح ِر ٌ‬
‫يص َعلَْي ُك ْم بال ُْم ْؤمن َ‬ ‫َعنت ْ‬
‫يستدل بقوله تعالى‪+ :‬أَ ْن ُف َسنَا" على معنى المماثلة والتطابق‪ ,‬فهذه اآلية تتكلم عن رسول‬
‫هللا × وعن كفار مكة‪ ,‬وتقول‪ِّ + :‬م ْن أََن ُف ِس ُك ْم" فمن ذا الذي يقول بأن نفس رسول هللا × هي‬
‫نفس كفار مكة –عياذا باهلل‪-‬؟‍‍!! (‪.)4‬‬
‫وهنا تظهر المزاجية في تفسير آية المباهلة حين يتجاهل علماء الشيعة كل هذه‬
‫النصوص ثم يأتون إلى هذه اآلية الكريمة فيبالغون في معناها إلى حد قولهم بأن عليًا هو‬
‫نفس محمد عليه الصالة والسالم سوى النبوة‪ ,‬وحتى بعض الروايات الشيعية تشير إلى أن‬
‫إطالق لفظ أنفسنا على األخ أو القريب أو أرباب الفئة الواحدة شيء متعارف عليه بين‬
‫العرب‪ ,‬فعن أبي عبد هللا عليه السالم‪ ,‬قال‪ :‬بعث أمير المؤمنين عليه السالم عبد هللا بن‬
‫‪1‬‬
‫() تاج العروس (‪ ,)16/570‬ثم أبصرت الحقيقة‪ ,‬ص ‪.188‬‬
‫‪2‬‬
‫() مختصر التحفة االثنى عشرية‪ ,‬ص‪.156‬‬
‫‪3‬‬
‫() مختصر منهاج السنة (‪.)1/168،167‬‬
‫‪4‬‬
‫() ثم أبصرت الحقيقة‪ ,‬ص ‪.188‬‬
‫‪52‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫العباس إلى ابن الكواء وأصحابه وعليه قميص رقيق وحُلَّة‪ ,‬فلما نظروا إليه قالوا‪ :‬يا ابن‬
‫عباس‪ ,‬أنت خيرنا في أنفسنا وأنت تلبس هذا اللباس‪ ,‬فقال‪ :‬أنا أول ما أخاصمكم فيه ‪+‬قُ ْل‬
‫ات ِم َن ِّ‬
‫الر ْز ِق" [األعراف‪ ]32:‬وقال‪+ :‬يَا بَنِي َ‬
‫آد َم ُخ ُذوا‬ ‫اد ِه والْطَّيِّب ِ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َم ْن َح َّر َم ِزينَةَ اهلل الَّتي أَ ْخ َر َج لعبَ َ َ‬
‫ِزينَتَ ُك ْم ِع ْن َد ُك ِّل َم ْس ِج ٍد" [األعراف‪ ,]31:‬فهل بعد هذه الدالئل القرآنية وبعد هذه الرواية‬
‫الشيعية من كلمة يقولها المغالي(‪)1‬؟‪.‬‬
‫ب‪ -‬اعترف أحد أقطاب الشيعة وهو الشريف الرضي أن قوله تعالى‪+ :‬أَْن ُف َسنَا" ال‬
‫يعني أن عليًا رضي هللا عنه هو نفس رسول هللا × كما يقول الشيعة‪ ,‬يقول الشريف‬
‫الرضي‪ :‬قال بعض العلماء‪ :‬إن للعرب في لسانها أن تخبر عن ابن العم الالصق والقريب‬
‫والمقارب بأنه نفس ابن عمه‪ ,‬وأن الحميم نفس حميمه‪ ,‬ومن الشاهد على ذلك قول هللا‬
‫اب" [الحجرات‪ ,]11:‬أراد تعالى‪ :‬وال تعيبوا‬ ‫تعالى‪َ + :‬والَ َتل ِْم ُزوا أَ ْن ُفس ُك ْم َوالَ َتنَ َاب ُزوا بِاأللْ َق ِ‬
‫َ‬
‫إخوانكم المؤمنين‪ ,‬فأجرى األخوة بالديانة مجرى األخوة في القرابة‪ ,‬وإذا وقعت النفس‬
‫عندهم على البعيد النسب كانت أخلق أن تقع على القريب النسب‪ ,‬وقال الشاعر‪ :‬كأنا يوم‬
‫قرى إنما نقتل إيانا‪ ,‬أراد كأنما نقتل إنفسنا بقتلنا إخواننا‪ ,‬فأجرى نفوس أقاربه مجرى‬
‫نفسه لشوابك العصم ونوائط العصم ونوائط اللحم وأطيط الرحم‪ ,‬ولما يخلج من القربى‬
‫القريبة ويتحرك من األعراق الوشيجة‪ ,‬فأما قوله تعالى في سورة النور‪+ :‬فَِإذَا َد َخلْتُ ْم ُبيُوتًا‬
‫فَ َسلِّ ُموا َعلَى أَْن ُف ِس ُك ْم" فيمكن أن يجري هذا المجرى‪ ,‬ألنه جاء في التفسير‪ :‬أن معنى ذلك‬
‫فليسلم بعضكم على بعض الستحالة أن يسلم اإلنسان على نفسه‪ ,‬وإنما ساغ القول‪ ,‬ألن‬
‫نفوس المؤمنين تجري مجرى النفس الواحدة‪ ,‬لالجتماع في عقد الديانة‪ ,‬والخطاب بلسان‬
‫الشريعة‪ ,‬فإذا سلم الواحد منهم على أخيه كان كالمسلم على نفسه‪ ,‬الرتفاع الفروق‬
‫واختالط النفوس(‪.)2‬‬
‫وبهذا يتضح أنه ال حجة لدى الشيعة في دعواهم أن في هذه اآلية ما ينص على المساواة‬
‫بين رسول هللا وعلي رضي هللا عنه وأرضاه‪ ,‬فلفظ (النفس) يُطلق في لغة العرب على البعيد‬
‫النسب‪ ,‬فإطالقه على القريب من باب أولى وليس في ذلك داللة على اإلمامة من قريب وال‬
‫بعيد(‪.)3‬‬
‫ج‪ -‬إن المباهلة إنما تحصل الرغبة والرهبة والشعور بصدق الداعي بجمعه نفسه‬
‫وأهله الذين تحن إليهم النفوس بطبيعة الحال ما ال تحن إلى غيرهم من األبعدين في‬
‫الهالك(‪ ,)4‬فكونه × يدعو ألصق الناس به وأقربهم إليه دليل واضح على صحة نبوته‪,‬‬
‫ولهذا لما رأى نصارى نجران ذلك خافوا على أنفسهم وتخلوا عن مباهلته ولكن الروافض‬
‫المبتدعة لما ابتلوا بدفع الحق وعدم التسليم له أصيبوا بعدم فهم ما تدل عليه آيات الكتاب‬
‫العزيز(‪.)5‬‬
‫د‪ -‬قول الشيعة اإلمامية‪ :‬إن اآلية تدل على المساواة بينه وبين النبي × إال النبوة‪,‬‬
‫كالم ال يُسلم له أبدًا‪ ,‬إذ أن النبي ال يساويه أحد في أمور الدين ال علي وال غيره‪ ,‬فأين مقام‬
‫‪1‬‬
‫() المصدر السابق‪ ,‬ص ‪.189‬‬
‫‪2‬‬
‫() ثم أبصرت الحقيقة‪ ,‬ص ص‪.189‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر السابق‪ ,‬ص ‪.190‬‬
‫‪4‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)7/126،125‬‬
‫‪5‬‬
‫() عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة (‪)2/565،564‬ز‬
‫‪52‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫رسول هللا × وكماله البشري من سائر الناس؟‪.‬‬
‫إن أمير المؤمنين عليًا نفسه ال يرضى ما يقول الشيعة اإلمامية عنه‪ ,‬والمنصف‬
‫العاقل يدرك هذه القضية بكل وضوح(‪ ,)1‬فمقام النبوة له هيبته ومكانته عند أمير المؤمنين‪,‬‬
‫وقد تحدثنا عنه في هذا الكتاب‪.‬‬
‫هـ‪ -‬إن قضايا االعتقاد الكبرى ومهمات الدين وأساسياته العظمى البد إلثباتها من‬
‫ال‬ ‫اهلل‬
‫األدلة القرآنية الصريحة القطعية الداللة على المعنى المطلوب كداللة قوله تعالى‪َ ُ + :‬‬
‫ول ِ‬
‫اهلل" [الفتح‪]29:‬‬ ‫وم" [البقرة‪ ]255 :‬على التوحيد‪ ,‬وداللة ‪ُ +‬م َح َّم ٌد َّر ُس ُ‬ ‫إِلَهَ إِالَّ ُه َو ال َ‬
‫ْح ُّي الْ َقيُّ ُ‬
‫الصالَ َة" [النور‪ ]56:‬على فرضية الصالة‬ ‫يموا َّ‬ ‫ِ‬
‫على نبوة محمد ×‪ ,‬وداللة قوله تعالى‪َ + :‬وأَق ُ‬
‫ومشروعيتها(‪ ...)2‬إلخ‪.‬‬
‫َج ًرا إِالَّ ال َْم َو َّدةَ فِي الْ ُق ْربَى" [الشورى‪ ]23:‬وقد أورد‬ ‫ِ‬
‫‪ -3‬قوله تعالى‪+ :‬قُل الَّ أ ْ‬
‫َسأَلُ ُك ْم َعلَْيه أ ْ‬
‫الشيعة اإلمامية في تفسير هذه اآلية حديثًا عزوه إلى النبي × حدد فيه القربى بعلي‬
‫وفاطمة وأبنائهم‪ ,‬األمر الذي يدل في رأي الشيعة على أفضليتهم ووجوب مودتهم‪ ,‬ومن‬
‫ثم وجوب طاعتهم واتخاذهم أئمة دون غيرهم(‪.)3‬‬
‫واإلجابة على ما سبق كاآلتي‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫أ‪ -‬إن هذه اآلية في سورة الشورى وهي مكية باتفاق أهل السنة ‪ ,‬ومن المعلوم أن‬
‫عليًا إنما تزوج فاطمة بعد غزوة بدر‪ ,‬والحسن ولد في السنة الثالثة للهجرة‪ ,‬والحسين في‬
‫السنة الرابعة‪ ,‬فتكون هذه اآلية قد نزلت قبل وجود الحسن والحسين بسنين متعددة‪ ,‬فكيف‬
‫يفسر النبي × بوجوب قرابة ال تعرف ولم تخلق بعد(‪.)5‬‬
‫ب‪ -‬إن تفسير اآلية الذي في الصحيح يناقض ذلك‪ ,‬فقد روى البخاري بإسناده إلى ابن‬
‫عباس رضي هللا عنه أنه سئل عن قوله‪+ :‬إِالَّ ال َْم َو َّد َة فِي الْ ُق ْربَى"‪ ,‬فقال سعيد ابن جبير‪:‬‬
‫قربى آل محمد ×‪ .‬فقال ابن عباس‪ :‬عجلت‪ ,‬إن النبي × لم يكن بطن في قريش إال كان له‬
‫فيهم قرابة‪ ,‬فقال‪ :‬إال أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة(‪ ,)6‬قال ابن تيمية –رحمه هللا‪:-‬‬
‫فهذا ابن عباس رضي هللا عنه ترجمان القرآن‪ ,‬وأعلم أهل البيت بعد علي‪ ,‬يقول‪ :‬ليس‬
‫معناها مودة ذوي القربى‪ ,‬لكن معناها‪ :‬ال أسألكم يا معشر العرب ويا معشر قريش عليه‬
‫أجرًا‪ ,‬ولكن أسألكم أن تصلوا القرابة التي بيني وبينكم‪ .‬فهو سأل الناس الذين أرسل إليهم‬
‫أوالً أن يصلوا رحمه‪ ,‬فال يعتدوا عليه حتى يبلغ رسالة ربه(‪.)7‬‬
‫ج‪ -‬إن الحديث الذي جعلوه مفسرًا لآلية كذب وموضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث‬
‫وهم المرجوع إليهم في هذا‪ ,‬وقد نص على ذلك ابن تيمية(‪ ,)8‬وقد تتبع ابن كثير أيضًا‬
‫األحاديث الواردة في تفسير هذه اآلية وبين أن األحاديث التي تنص على أن أولى القربى‬
‫‪1‬‬
‫() ثم أبصرت الحقيقة ص ‪.191‬‬
‫‪2‬‬
‫() آية التطهير وعالقتها بعصمة األئمة‪ ,‬عبد الهادي الحسيني‪ ,‬ص ‪.5‬‬
‫‪3‬‬
‫() مجمع البيان للطبرسي (‪ ,)51-25/49‬مختصر التحفة االثنى عشرية‪ ,‬ص ‪.155-153‬‬
‫‪4‬‬
‫() تفسير البغوي (‪ ,)4/119‬العقيدة في أهل البيت‪ ,‬ص ‪.364‬‬
‫‪5‬‬
‫() منهاج السنة (‪ ,)7/99‬دراسة عن الفرق وتاريخ المسلمين‪ ,‬جلي‪ ,‬ص ‪.190‬‬
‫‪6‬‬
‫() البخاري‪ ,‬ك التفسير‪ ,‬رقم (‪.)4818‬‬
‫‪7‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)7/100‬‬
‫‪52‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫هم فاطمة وولداها ضعيفة اإلسناد‪ ,‬وأورد رواية عن ابن أبي حاتم قال‪ :‬حدثنا رجل سماه‬
‫حدثنا حسين األشقر عن قيس عن األعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي هللا‬
‫َج ًرا إِالَّ ال َْم َو َّدةَ ِفي الْ ُق ْربَى" قالوا‪ :‬يا‬ ‫ِ‬
‫عنهما قال‪ :‬لما نزلت هذه اآلية ‪+‬قُل الَّ أ ْ‬
‫َسأَلُ ُك ْم َعلَْيه أ ْ‬
‫رسول هللا من هؤالء الذين أمر هللا بمودتهم؟‪ ,‬قال‪ :‬فاطمة وولداها رضي هللا عنهم‪ ,‬وهذا‬
‫إسناد ضعيف فيه متهم ال يعرف عن شيخ شيعي محترق وهو حسين األشقر وال يقبل‬
‫خبره في هذا المحل‪ ,‬وذكر نزول اآلية في المدينة بعيد فإنها مكية ولم يكن إذ ذاك لفاطمة‬
‫رضي هللا عنها أوالد بالكلية فإنها لم تتزوج بعلي إال بعد بدر في السنة الثانية من الهجرة‪,‬‬
‫والحق تفسير هذه اآلية بما فسرها حبر األمة وترجمان القرآن عبد هللا بن عباس رضي‬
‫هللا عنهما وقد تحدث ابن حجر عن ضعف الروايات المذكورة ومخالفتها للحديث‬
‫الصحيح(‪.)1‬‬
‫أدلتهم من السنة‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ -1‬خطبة غدير خ ّم‪ :‬غدير خم هو موقع بين مكة والمدينة بالجحفة ‪ ,‬ويقع شرق‬ ‫ُ‬
‫رابغ بما يقرب من ‪ 26‬ميالً‪ ,‬ويسمونه اليوم الغربة(‪ ,)3‬ويذكر أنه في هذا الموقع خطب‬
‫النبي × في الناس‪ ,‬وذكر فضل علي رضي هللا عنه‪ ,‬واتخذ الروافض هذه الحادثة أساسًا‬
‫يعتمدون عليه في تشيعهم الغالي له من جهة‪ ,‬واعتمدوا عليها في أحقية علي بالخالفة من‬
‫جهة أخرى‪ ,‬فأعطوا لهذه الحادثة من األهمية ما لم يعطوه لغيرها في عصر النبوة(‪,)4‬‬
‫حتى ألف فيه كتاب من أحد عشر مجلدًا وهو كتاب الغدير مأله مؤلفه باألحاديث‬
‫الموضوعة والضعيفة‪ ,‬والصحيح ما أخرجه اإلمام مسلم في صحيحه من حديث زيد بن‬
‫أرقم رضي هللا عنه أنه قال‪ :‬قام رسول هللا × فينا خطيبًا بماء يدعى ُخ ًما بين مكة‬
‫والمدينة‪ ,‬فحمد هللا وأثنى عليه‪ ,‬ووعظ وذكر ثم قال‪« :‬أما بعد‪ ,‬ألا أيها الناس‬
‫فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين‪ ,‬أولهما‬
‫كتاب الله فيه الهدى والنور‪ ,‬فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به»‪ ,‬فحث على‬
‫كتاب هللا ور َّغب فيه ثم قال‪« :‬وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي‪ ,‬أذكركم الله‬
‫في أهل بيتي‪ ,‬أذكركم الله في أهل بيتي» قال له حصين ‪-‬أي الراوي عن زيد بن‬
‫أرقم‪ :-‬ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال‪ :‬بلى‪ ,‬ولكن أهل بيته من حُرم‬
‫الصدقة بعده‪ .‬قال‪ :‬ومن هم؟ قال‪ :‬هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس‪ ,‬قال‪ :‬كل‬
‫هؤالء حُرم الصدقة؟ قال‪ :‬نعم(‪.)5‬‬
‫وجاء عند غير مسلم كالترمذي(‪ ,)6‬وأحمد(‪ ,)7‬والنسائي في الخصائص(‪ ,)8‬والحاكم(‪,)9‬‬

‫‪8‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)7/100‬‬
‫‪1‬‬
‫() تفسير ابن كثير (‪ ,)4/112‬فتح الباري (‪.)8/564‬‬
‫‪2‬‬
‫() معجم البلدان (‪.)2/289‬‬
‫‪3‬‬
‫() على طريق الهجرة‪ ,‬عاتق البالد‪ ,‬ص ‪.61‬‬
‫‪4‬‬
‫() أثر التشيع على الروايات التاريخية‪ ,‬عبد العزيز محمد نور ولي‪ ,‬ص ‪.299‬‬
‫‪5‬‬
‫() مسلم رقم (‪.)2408‬‬
‫‪6‬‬
‫() سنن الترمذي رقم (‪.)3713‬‬
‫‪7‬‬
‫() مسند أحمد الموسوعة الحديثية رقم (‪ )670‬صحيح لغيره‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() خصائص علي رقم (‪ ,)79‬صحيح رجاله ثقات‪.‬‬
‫‪52‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وغيرهم جاءت بأسانيد صحيحة عن النبي ×‪« :‬من كنت مولاه فعلي مولاه»(‪ ,)1‬وأما‬
‫الزيادات األخرى كقوله‪« :‬اللهم وال من وااله وعاد من عاداه» فهذه الزيادات صححها‬
‫بعض أهل العلم‪ ,‬والصحيح أنها ال تصح‪ .‬وأما زيادة انصر من نصره واخذل من خذله‪,‬‬
‫وأدر الحق معه حيث دار‪ ,‬فهذه زيادة مكذوبة على النبي ×(‪.)2‬‬
‫وخطبة النبي ×‪ :‬في غدير خم لها سبب وجيه‪ ,‬فعن بريدة بن الحصيب رضي هللا‬
‫عنه قال‪ :‬بعث النبي × عليًا إلى خالد بن الوليد في اليمن ليخمس الغنائم ويقبض الخمس‬
‫فلما خ ّمس الغنائم كانت في الغنائم وصيفة هي أفضل ما في السبي‪ ,‬فصارت في ال ُخمس‪,‬‬
‫ثم إن عليًا خرج ورأسه مغطى وقد اغتسل‪ ,‬فسألوه عن ذلك‪ ,‬فأخبرهم أن الوصيفة التي‬
‫كانت في السبي صارت له فتسرَّى بها‪ ,‬فكره البعض ذلك منه‪ ,‬وقدم بريدة بن الحصيب‬
‫بكتاب خالد إلى النبي × وكان ممن يبغض عليًا‪ ,‬فص َّدق على كتاب خالد الذي تضمن ما‬
‫فعله علي‪ ,‬فسأله النبي ×‪« :‬لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك»(‪ ,)3‬فلما‬
‫كانت حجة الوداع رجع علي من اليمن ليدرك الحج مع النبي × وساق معه الهدي(‪ ,)4‬وقد‬
‫تعجل علي ليلقى الرسول × بمكة واستخلف رجالً من أصحابه على الجند‪ ,‬فكسا ذلك‬
‫الرجل الجند حلالً من البز(‪ ,)5‬الذي كان مع علي‪ ,‬فلما دنا الجيش من مكة خرج علي‬
‫ليلقاهم‪ ,‬فإذا عليهم الحُلل‪ ,‬فقال لنائبه‪ :‬ويلك ما هذا؟ قال‪ :‬كسوت القوم ليتجملوا به إذا‬
‫قدموا في الناس‪ ,‬قال‪ :‬ويلك‪ ,‬انزع قبل أن تنتهي به إلى الرسول ×‪ ,‬فانتزع الحلل وردها‬
‫إلى الب ّز‪ ,‬فأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم علي(‪ ,)6‬فلما اشتكى الناس عليًا قام رسول هللا‬
‫× في الناس خطيبًا‪ ,‬قال ابن كثير‪ :‬إن عليًا رضي هللا عنه لما كثر فيه القيل والقال من‬
‫ذلك الجيش بسبب منعه إياهم استعمال إبل الصدقة واسترجاعه منهم الحلل التي أطلقها‬
‫لهم نائبه لذلك‪ ,‬وهللا أعلم‪ ,‬لما رجع الرسول × من حجته وتفرغ من مناسكه وفي طريقه‬
‫إلى المدينة مر بغدير خم فقام في الناس خطيبًا فبرأ ساحة علي ورفع من قدره ونبه على‬
‫فضله ليزيل ما وقر في قلوب كثير من الناس(‪.)7‬‬
‫إن النبي أ ّخر الكالم إلى أن رجع إلى المدينة ولم يتكلم وهو في مكة في حجة الوداع‬
‫في يوم عرفة‪ ,‬وإنما أجل األمر إلى أن رجع‪ ,‬فهذا يدل على أن األمر خاص بأهل المدينة‬
‫ألن الذين تكلموا في علي رضي هللا عنه من أهل المدينة فهم الذين كانوا مع علي في‬
‫الغزو‪ ,‬وغدير خم في الجحفة وهي تبعد عن مكة تقريبًا مائتين وخمسين كيلو مت ًرا‪ ,‬والذي‬
‫يقول إنه مفترق الحجيج فهذا غير صحيح‪ ,‬ألن مجتمع الحجيج مكة‪ ,‬فال يكون مفترق‬
‫الحجيج بعيدًا عن مكة أكثر من مائتين وخمسين كيلو مترًا أبدًا‪ ,‬فإن أهل مكة يبقون في‬
‫مكة‪ ,‬وأهل الطائف يرجعون إلى الطائف‪ ,‬وأهل اليمن إلى اليمن‪ ,‬وأهل العراق إلى‬
‫‪9‬‬
‫() المستدرك (‪.)3/110‬‬
‫‪1‬‬
‫() حقبة من التاريخ‪ ,‬ص ‪.182‬‬
‫‪2‬‬
‫() انظر‪ :‬السلسلة الصحيحة لأللباني (‪.)1750‬‬
‫‪3‬‬
‫() مجمع الزوائد (‪ ,)9/127‬قال الهيثمي‪ :‬رجاله رجال الصحيح غير عبد الجليل بن عطية‪ ,‬وهو ثقة‬
‫صرح بالسماع وفيه لين‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() مسلم رقم ‪.1281‬‬
‫‪5‬‬
‫() الب ّز‪ :‬الثياب‪ ,‬أو متاع البيت من الثياب‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() البداية والنهاية (‪ ,)5/95‬السيرة النبوية البن هشام (‪ )4/259‬قال ابن كثير‪ :‬هذا السياق أقرب من‬
‫سياق البيهقي (دالئل النبوة ‪ )5/398‬رغم أنه قال عن رواية البيهقي‪ :‬هذا إسناد جيد على شرط النسائي‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)5/95‬‬
‫‪52‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫العراق‪ ,‬وهكذا كل من أنهى حجه‪ ,‬فإنه يرجع إلى بلده‪ ,‬وكذلك القبائل العربية ترجع إلى‬
‫مضاربها‪ ,‬فلم يكن مع النبي × إال أهل المدينة ومن كان على طريق المدينة فقط‪ ,‬وهم‬
‫الذين خطب فيهم النبي ×‪ ,‬واالختالف بين أهل السنة والشيعة الروافض في مفهوم قول‬
‫النبي × ال في الثبوت‪ ,‬فالروافض يقولون‪« :‬من كنت مولاه فعلي مولاه»‪ ,‬أي من كنت‬
‫واليه فعلي واليه‪ .‬وأهل ال ُّسنَّة يقولون‪ :‬إن مفهوم قول النبي × «من كنت مولاه فعلي‬
‫مولاه» أي المواالة التي هي النصرة والمحبة وعكسها المعاداة‪ ,‬وذلك ألمور‪:‬‬
‫أ‪ -‬للزيادة التي وردت وصححها بعض أهل العلم وهي قول النبي ×‪« :‬اللهم وال‬
‫من والاه‪ ,‬وعاد من عاداه»(‪ ,)1‬والمعاداة هي شرح لقوله‪ :‬فعلي مواله‪ ,‬فهي في محبة‬
‫الناس لعلي بن أبي طالب رضي هللا عنه وأرضاه‪.‬‬
‫ب‪ -‬كلمة مواله تدل على معان متعددة‪ ,‬قال ابن األثير‪ :‬المولى يقع على الرب‬
‫والمالك والمنعم والناصر والمحب والحليف والعبد والمعتق وابن العم والصهر(‪ ,)2‬كل هذا‬
‫تطلقه العرب على كلمة مولى‪.‬‬
‫ج‪ -‬الحديث ليس فيه داللة على اإلمامة ألن النبي × لو أراد الخالفة لم يأت بكلمة‬
‫تحتمل هذه المعاني التي ذكرها ابن األثير‪ ,‬والنبي × هو أفصح العرب ولكان يقول‪ :‬علي‬
‫خليفتي من بعدي‪ ,‬أو علي اإلمام من بعدي‪ ,‬أو إذا أنا مت فاستمعوا وأطيعوا لعلي بن أبي‬
‫طالب‪ ,‬ولكن لم يأت النبي × بهذه الكلمة الفاصلة التي تنهي الخالف إن وجد أبدًا‪ ,‬وإنما‬
‫قال‪ :‬من كنت مواله فعلي مواله(‪.)3‬‬
‫ص ُير" [الحديد‪ ,]15:‬فسماها مولى‬ ‫د‪ -‬قال هللا تعالى‪+ :‬مأْوا ُكم النَّار ِهي موالَ ُكم وبِْئس الْم ِ‬
‫َ َ ُ ُ َ َْ ْ َ َ َ‬
‫لشدة المالصقة واالتحاد مع الكفار والعياذ باهلل‪.‬‬
‫هـ‪ -‬المواالة وصف ثابت لعلي في حياة رسول هللا × وبعد وفاته وبعد وفاة علي‬
‫رضي هللا عنه‪ ,‬فعلي كان مولى المؤمنين بعد وفاة رسول هللا × وهو مولى المؤمنين بعد‬
‫ِ‬
‫وفاته رضي هللا عنه‪ ,‬فهو اآلن موالنا كما قال هللا تبارك وتعالى‪+ :‬إِنَّ َما َوليُّ ُك ُم اهللُ َو َر ُسولُهُ‬
‫آمنُوا" [المائدة‪ ,]55:‬وعلي رضي هللا عنه من سادة الذين آمنوا‪.‬‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َ‬ ‫َوالذ َ‬
‫و‪ -‬قال اإلمام الشافعي رحمه هللا عن حديث زيد‪ :‬يعني بذلك والء اإلسالم كما قال‬
‫ين الَ َم ْولَى ل َُه ْم" [محمد‪ ,)4( ]11:‬فالحديث ال يدل‬ ‫َن اهلل مولَى الَّ ِذين آمنُوا وأ َّ ِ‬
‫َن الْ َكاف ِر َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫هللا‪َ + :‬ذلِ َ‬
‫ك بِأ َّ َ َ ْ‬
‫على أن عليًا رضي هللا عنه هو الخليفة بعد رسول هللا ×‪ ,‬وإنما يدل على أن عليًا من‬
‫أولياء هللا تبارك وتعالى‪ ,‬تجب له المواالة‪ ,‬وهي المحبة والنصرة والتأييد(‪.)5‬‬
‫وعمو ًما فإن هذه الخطبة التي خطبها النبي × في غدير خم أراد بها تبرئة ساحة علي‬
‫رضي هللا عنه ورفع مكانته والتنبيه على فضله؛ ليزيل ما كان وقر في نفوس الناس من‬
‫أصحابه الذين كانوا معه في اليمن وأخذوا عليه بعض األمور‪ ,‬والرسول × لم يرد أن‬
‫يفعل ذلك أثناء موسم الحج ألن الحادثة رغم انتشارها بقيت محدودة في أهل المدينة‪ ,‬كما‬
‫أنه لم يؤخره حتى وصوله إلى المدينة حتى ال يمكن المنافقين من استغالل مثل هذه‬
‫‪1‬‬
‫() السلسلة الصحيحة لأللباني رقم (‪.)1750‬‬
‫‪2‬‬
‫() النهاية في غريب الحديث (‪.)5/228‬‬
‫‪3‬‬
‫() حقبة من التاريخ‪ ,‬ص ‪.185‬‬
‫‪4‬‬
‫() النهاية في غريب الحديث (‪.)5/228‬‬
‫‪5‬‬
‫() حقبة من التاريخ‪ ,‬ص ‪.187‬‬
‫‪52‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الحادثة في مكايدهم(‪ ,)1‬ومما يدل على أن النبي × أراد من خطبته هذه بيان فضل علي‬
‫للذين لم يعرفوا فضله‪ ,‬أنه عندما قام عنده بريدة بن الحصيب ينتقص في علي –وكان قد‬
‫رأى من علي جفوة‪ -‬تغير وجه النبي × وقال‪« :‬يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من‬
‫أنفسهم؟» فقال بريدة‪ :‬بلى يا رسول هللا‪ .‬قال‪« :‬من كنت مولاه فعلي مولاه»(‪.)2‬‬
‫وهناك بحث قيم في هذا الموضوع قام به الدكتور محمد علي السالوس‪ ,‬فتحدث عن‬
‫خطبة الغدير والوصية بالكتاب والسنة‪ ,‬وقام بدراسة لروايات التمسك بالكتاب والعترة‬
‫وناقشها وحكم عليها ثم قال‪ :‬مما سبق نرى أن حديث الثقلين من األحاديث التي صح‬
‫سندها وصح متنها‪ ,‬وأن الروايات الثماني التي تأمر بالتمسك بالعترة إلى جانب الكتاب‬
‫الكريم لم تخل واحدة منها من ضعف في السند(‪ ,)3‬وفي متن هذه الروايات نجد اإلخبار‬
‫بأن الكتاب وأهل البيت لن يفترقا حتى يردا الحوض على رسول هللا ×‪ ,‬ومن أجل هذا‬
‫وجب التمسك بهما‪ ,‬ولكن الواقع يخالف هذه األخبار‪ ,‬فمن المتشيعين ألهل البيت من ضل‬
‫وأضل‪ ,‬وأكثر الفرق التي كادت لإلسالم وأهله وجدت من التشيع آلل البيت ستارًا‬
‫يحميها‪ ,‬ووجدت من المنتسبين آلل البيت من يشجعها لمصالح دنيوية‪ ,‬كأخذ ُخمس ما‬
‫يغنمه األتباع‪.‬‬
‫إن عدم الضالل يأتي من التمسك بالكتاب والسنة‪ ,‬وإذا تمسك أهل البيت بهما كان لهم‬
‫فضل االنتساب مع فضل التمسك‪ ,‬واستحقوا أن يكونوا أئمة هدى نقتدي بهم كما قال‬
‫ين إِ َم ًاما" [الفرقان‪ ]74:‬أي‪ :‬أئمة نقتدي بمن قبلنا‪ ,‬ويقتدي بنا من بعدنا‪,‬‬ ‫تعالى‪+ :‬واجعلْنَا لِل ِ‬
‫ْمتَّق َ‬
‫َ َْ ُ‬
‫وال يختص هذا بأهل البيت ولكن بكل من يعتصم بالكتاب والسنة‪ ,‬فالروايات التي ضعف‬
‫سندها ال يستقيم متنها كذلك‪ ,‬وهذا ضعف آخر‪ .‬ومع هذا كله فلو صحت هذه الروايات‬
‫فإنها ال تدل من قريب وال بعيد على وجوب إمامة األئمة االثنى عشر وأحقيتهم‬
‫بالخالفة(‪.)4‬‬
‫قال العالمة المناوي في فقه روايات الحديث‪ :‬إن ائتمرتم بأوامر كتابه‪ ,‬وانتهيتم‬
‫بنواهيه‪ ,‬واهتديتم بهدى عترتي‪ ,‬واقتديتم بسيرتهم‪ ,‬اهتديتم فلم تضلوا(‪.)5‬‬
‫وقال ابن تيمية بعد أن بين أن الحديث ضعيف ال يصح‪ :‬وقد أجاب عنه طائفة بما‬
‫يدل على أن أهل بيته كلهم ال يجتمعون على ضاللة‪ .‬قالوا‪ :‬ونحن نقول بذلك كما ذكر ذلك‬
‫القاضي أبو يعلي وغيره‪ ,‬وقال أيضًا‪ :‬إجماع األمة حجة بالكتاب وال ُسنَّة واإلجماع‪,‬‬
‫والعترة بعض األمة‪ ,‬فليزم من ثبوت إجماع األمة إجماع العترة(‪.)6‬‬
‫إن حديث الثقلين‪ ,‬في قوله ×‪« :‬تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي‬
‫أبدًا‪ ,‬كتاب الله(‪ )7‬وعترتي»‪ ,‬فيه كالم من حيث صحته وثبوته عن النبي ×‪ .‬والثابت‬
‫عند مسلم أن األمر كان بالتمسك بكتاب هللا‪ ,‬والوصية بأهل البيت كما مر من حديث زيد‬
‫‪1‬‬
‫() أضواء على دراسة السيرة النبوية‪ ,‬صالح الشامي‪ ,‬ص ‪ .114،113‬أثر التشيع على الروايات‬
‫التاريخية‪ ,‬ص ‪.304‬‬
‫‪2‬‬
‫() السلسلة الصحيحة (‪ )4/336‬قال األلباني‪ :‬وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() ومع هذا الضعف جاء في كتاب المراجعات للموسوي بأنها متواترة ص ‪ ,51‬ونسب للشيخ سليم‬
‫البشري أنه تلقى هذا القول بالقبول‪ ,‬ص ‪ ,45‬وأنه طلب المزيد وذكر صاحب المراجعات روايات أخرى‬
‫أشد ضعفًا‪ ,‬مع الشيعة االثنى عشرية (‪.)1/136‬‬
‫‪4‬‬
‫() مع الشيعة االثنى عشرية (‪.)1/136‬‬
‫‪5‬‬
‫() فيض القدير (‪.)3/14‬‬
‫‪6‬‬
‫() منهاج السنة النبوية (‪.)4/105‬‬
‫‪52‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫بن أرقم في مسلم‪ ,‬فأوصى بكتاب هللا‪ ,‬وحث على التمسك به‪ ,‬ثم قال‪« :‬وأهل بيتي‬
‫أذكركم الله في أهل بيتي‪ ,‬أذكركم الله في أهل بيتي‪ ,‬أذكركم الله في أهل‬
‫بيتي»‪ ,‬فالذي أمر بالتمسك به كتاب هللا‪ ,‬وأما أهل بيت النبي × فأمر برعايتهم وإعطائهم‬
‫حقوقهم التي أعطاهم هللا تبارك وتعالى إياها(‪ )1‬والرد على فهم الشيعة الروافض المنحرف‬
‫لحديث الثقلين من وجوه‪:‬‬
‫أ‪ -‬إن عترة الرجل هم أهل بيته‪ ,‬وعترة النبي × هم كل من حرمت عليه الزكاة وهم‬
‫بنو هاشم‪ ,‬هؤالء هم عترة النبي ×‪ ,‬فالروافض ليس لهم أسانيد إلى الرسول × وهم يقرون‬
‫بهذا أنهم ليس عندهم أسانيد في نقل كتبهم ومروياتهم‪ ,‬وإنما هي كتب وجدوها وقالوا‪:‬‬
‫رووها فإنها حق(‪ ,)2‬أما أسانيدهم كما يقول الحر العاملي وغيره من أئمة الشيعة‬
‫الروافض‪ :‬إنه ليس عند الشيعة أسانيد أصالً وال يعولون على األسانيد(‪ ,)3‬فأين لهم ما‬
‫يروونه في كتبهم ثابتًا عن عترة النبي ×؟‪ ,‬بل أهل السنة هم أتباع عترة النبي ×‬
‫وأعطوهم حقهم‪ ,‬ولم يزيدوا ولم ينقصوا‪ ,‬كما قال النبي × في حق نفسه‪« :‬لا تطروني‬
‫كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم‪ ,‬ولكن قولوا عبد الله ورسوله»(‪.)4‬‬
‫ب‪ -‬إمام العترة علي بن أبي طالب رضي هللا عنه‪ ,‬وبعده يأتي في العلم عبد هللا بن‬
‫عباس الذي هو حبر األمة‪ ,‬وكان يقول بإمامة أبي بكر وعمر قبل علي رضي هللا عنه‪ ,‬بل‬
‫إن علي بن أبي طالب قد ثبت عنه بالتواتر أنه قال‪ :‬أفضل الناس بعد رسول هللا × أبو‬
‫بكر وعمر(‪ ,)5‬فعلي يقر بفضل الشيخين وهو إمام العترة(‪.)6‬‬
‫ج‪ -‬هذا الحديث مثل قوله ×‪« :‬تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدًا‪,‬‬
‫كتاب الله وسنتي»(‪ .)7‬وقال النبي ×‪« :‬عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من‬
‫بعدي عضوا عليها بالنواجذ»(‪ ,)8‬فأمر بالعض عليها بالنواجذ‪ ,‬وقال ×‪« :‬اقتدوا‬
‫باللذين من بعدي‪ ,‬أبي بكر وعمر»(‪ ,)9‬وقال‪« :‬اهتدوا بهدي عمار وتمسكوا بعهد‬
‫ابن مسعود»(‪ ,)10‬ولم يدل على اإلمامة أبدًا‪ ,‬وإنما دل على أن أولئك على هدى الرسول‬
‫×‪ ,‬كما أن عترة الرسول × ال تجتمع على ضاللة أبدًا(‪.)11‬‬

‫‪7‬‬
‫() سنن الترمذي‪ ,‬كتاب المناقبـ رقم (‪ )3786‬وفي زيد األنماطي‪ ,‬والحديث له أكثر من طريق ال يخلو‬
‫طريق منها من كالم مع اختالف المتون‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫()‪ )5( ,)4( ,‬حقبة من التاريخ‪ ,‬ص ‪.203‬‬
‫‪2‬‬
‫()‬

‫‪3‬‬
‫()‬

‫‪4‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)3445‬‬
‫‪5‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)3671‬‬
‫‪6‬‬
‫() حقبة من التاريخ‪ ,‬ص ‪.204‬‬
‫‪7‬‬
‫() مستدرك الحاكم (‪.)1/93‬‬
‫‪8‬‬
‫() سُنن أبي داود (‪ )4/201‬الترمذي حسن صحيح‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() صحيح سنن الترمذي لأللباني (‪.)3/200‬‬
‫‪10‬‬
‫() سُنن الترمذي رقم (‪.)3805‬‬
‫‪11‬‬
‫() حقبة من التاريخ‪ ,‬ص ‪.205‬‬
‫‪52‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫د‪ -‬إن الشيعة الروافض يطعنون في العباس(‪ ,)1‬ويطعنون في عبد هللا ابنه‪ ,‬ويطعنون‬
‫في أوالد الحسن‪ ,‬وقالوا‪ :‬إنهم يحسدون أوالد الحسين‪ ,‬ويطعنون كذلك في أبناء الحسين‬
‫نفسه من غير األئمة الذين يدعونهم كزيد بن علي(‪ ,)2‬وكذلك إبراهيم أخي الحسن‬
‫العسكري(‪ ,)3‬وغيرهم فهم ليسوا بأولياء النبي × وعترته بل أولياء النبي وعترته هم الذين‬
‫مدحوهم وأثنوا عليهم وأعطوهم حقهم ولم ينقصوهم(‪.)4‬‬
‫هـ‪ -‬فهم صحابة رسول هللا × للنص‪ :‬فهم الصحابة رضي هللا عنهم أن المراد بالمولى‬
‫أو الولي هو الحب والوالء والطاعة‪ ,‬ولذلك عبَّروا عن طاعتهم وإجاللهم لسيد أهل البيت‬
‫علي بن أبي طالب بمناداته يا موالنا‪ ,‬فعن رياح الحارث قال‪ :‬جاء رهط إلى علي بالرحبة‬
‫فقالوا‪ :‬السالم عليك يا موالنا‪ ,‬فقال‪ :‬كيف أكون موالكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا‪ :‬سمعنا‬
‫رسول هللا × يقول يوم غدير خم‪« :‬من كنت مولاه فهذا مولاه» قال رياح‪ :‬فلما مضوا‬
‫اتبعتهم فسألت من هؤالء؟‪ ,‬قالوا‪ :‬نفر من األنصار فيهم أبو أيوب األنصاري(‪.)5‬‬
‫إن أهم ما يستفاد من هذا الحديث هو أن علي بن أبي طالب نفسه لم يكن يفهم من لفظ‬
‫(مولى) معنى اإلمامة واإلمارة‪ ,‬فمن المالحظ أن أمير المؤمنين عليًا رضي هللا عنه قد‬
‫استنكر منهم مناداته بـ(يا موالنا)‪ ,‬ولو كان أمير المؤمنين على العربي الفصيح يراها‬
‫مرادفة يا أميرنا‪ ,‬أويا إمامنا‪ ,‬فما استنكر على القائلين تلك المناداة(‪.)6‬‬
‫و‪ -‬روت كتب الشيعة االثنى عشرية أقواالً لبعض أهل البيت ينفون فيها أن يكون‬
‫المراد بحديث الغدير النص على إمامة علي من بعد رسول هللا ×‪ ,‬فقد قيل لإلمام الحسين‬
‫ابن علي الذي كان كبير الطالبيين في عهده وكان وصي أبيه وولي صدقة جده‪ :‬ألم يقل‬
‫رسول هللا‪« :‬من كنت مولاه فعلي مولاه»؟ فقال‪ :‬بلى ولكن –وهللا‪ -‬لم يعن رسول هللا‬
‫بذلك اإلمامة والسلطان‪ ,‬ولو أراد ألفصح لهم به‪ .‬وكان ابنه اإلمام عبد هللا يقول‪ :‬ليس لنا‬
‫في هذا األمر ما ليس لغيرنا‪ ,‬وليس في أحد من أهل البيت إمام مفترض الطاعة من هللا‪,‬‬
‫وكان ينفي أن تكون إمامة أمير المؤمنين من هللا(‪ ,)7‬فإذا كان هذا كالم أهل البيت وهم‬
‫أبناء علي والناصرون له‪ ,‬فما ترى غيرهم يقولون(‪)8‬؟‪.‬‬
‫‪ -2‬حديث استخالف عل ّي رضي هللا عنه على المدينة في تبوك‪ :‬كان في‬
‫رجب سنة تسع من الهجرة غزوة تبوك‪ ,‬وكانت لها أهمية كبيرة في السيرة النبوية‪,‬‬
‫وتحققت منها غايات كانت بعيدة األثر في نفوس المسلمين والعرب‪ ,‬ومجرى الحوادث في‬
‫تاريخ اإلسالم(‪ ,)9‬واستعمل رسول هللا × على المدينة عليًا‪ ,‬فوجد المنافقون فرصة للتنفيس‬
‫عما بداخلهم من حقد ونفاق‪ ,‬فأخذوا يتكلمون في علي رضي هللا عنه بما يسئ إليه‪ ,‬فمن‬
‫‪1‬‬
‫() رجال الكشي‪ ,‬ص ‪ 52‬نقالً عن حقبة من التاريخ ص ‪.205‬‬
‫‪2‬‬
‫() بحار األنوار (‪ ,)46/194‬اتهموه أنه كان يشرب الخمر‪ ,‬حقبة من التاريخ‪ ,‬ص ‪.205‬‬
‫‪3‬‬
‫() الكافي (‪ )1/504‬اتهموه بأنه فاجر ماجن شريب للخمور‪ ,‬حقبة من التاريخ‪ ,‬ص ‪.205‬‬
‫‪4‬‬
‫() حقبة من التاريخ‪ ,‬ص ‪.205‬‬
‫‪5‬‬
‫() فضائل الصحابة (‪ )2/702‬حديث رقم ‪.967‬‬
‫‪6‬‬
‫() ثم أبصرت الحقيقة‪ ,‬ص ‪.200‬‬
‫‪7‬‬
‫() ثم أبصرت الحقيقة‪ ,‬ص ‪ ,201‬كذلك الرواية في كتب أهل السنة‪ ,‬االعتقاد للبيهقي ص ‪,183،182‬‬
‫ومن كتب الشيعة‪ ,‬بصائر المؤمنين للصفار‪ ,‬ص ‪.156-153‬‬
‫‪8‬‬
‫() ثم أبصرت الحقيقة‪ ,‬ص‪.201‬‬
‫‪9‬‬
‫() المرتضى للندوي‪ ,‬ص ‪.55‬‬
‫‪52‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ذلك قولهم‪ :‬ما تركه إال لثقله عليه‪ .‬وهذا القول منهم في حقه‪ ,‬عالمة بارزة واضحة على‬
‫نفاقهم‪ ,‬ففي الحديث الصحيح أن عليًا رضي هللا عنه قال‪ :‬والذي فلق الحبة وبرأ النسمة‪,‬‬
‫إنه لعهد النبي األمي × «أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق»(‪.)1‬‬
‫عند ذلك أدرك علي الجيش وأراد الغزو معهم قائالً‪ :‬يا رسول هللا أتخلفني في‬
‫الصبيان والنساء‪ ,‬فقال رسول هللا ×‪« :‬ألا ترضى أن تكون بمنزلة هارون من موسى‪,‬‬
‫غير أنه لا نبي بعدي»(‪.)2‬‬
‫وليس في هذا الحديث ما يستدل به الشيعة على كون أمير المؤمنين علي بن أبي‬
‫طالب رضي هللا عنه خليفة لرسول هللا × والرد عليهم من وجوه‪:‬‬
‫أ‪ -‬الحديث المذكور له سبب مهم ال ينبغي أن يغفل وأن يفهم الحديث دونه‪ ,‬قد طعن‬
‫المنافقون في علي رضي هللا عنه‪ ,‬فبين رسول هللا مكانته وفضله‪ ,‬وكذب المنافقين‪.‬‬
‫ب‪ -‬من الثابت أن هارون عليه السالم كانت وفاته قبل موسى عليه السالم‬
‫واالستدالل بالحديث على إمامة علي بعد رسول هللا بالتالي غير منطبق‪ ,‬ولو أراد رسول‬
‫هللا × النص على علي بن أبي طالب رضي هللا عنه لقال له مثالً‪ :‬أنت مني بمنزلة يوشع‬
‫من موسى‪ ,‬ألن نبي هللا يوشع استخلف على بني إسرائيل بعد وفاة موسى عليه السالم‪,‬‬
‫لكن ذكر رسول هللا × لهارون عليه السالم الذي كان خليفة موسى عليه السالم في حياة‬
‫موسى البعد وفاته‪ ,‬ليس له إال معنى واحد هو الترضية لعلي الذي أحزنه إبقاء الرسول ×‬
‫له في المدينة مستخلفًا على الضعفاء والنساء واألطفال والمتخلفين عن الغزوة‪ ,‬فبين له‬
‫النبي × أنه كما استخلف موسى عليه السالم أخاه هارون عليه السالم على قومه وذهب‬
‫للطور للقاء ربه تبارك وتعالى فاستخالفي لك من هذا الباب‪ ,‬فموسى لم يستخلف هارون‬
‫–عليه السالم‪ -‬استخفافًا به وتنقيصًا له وإنما ائتمانًا وثقة به‪ ,‬وكذلك الحال معك يا علي بن‬
‫أبي طالب رضي هللا عنك‪.‬‬
‫ج‪ -‬هارون عليه السالم لم يكن وصيًا لموسى عليه السالم بل كان نبيًا ووزيرًا بنص‬
‫القرآن‪ ,‬وقياس حال أمير المؤمنين علي رضي هللا عنه الذي هو عند الشيعة وصي وليس‬
‫بنبي قياسًا مع الفارق عل ًما بأنهم يرفضون القياس أصالً‪.‬‬
‫د‪ -‬االستدالل بكون هارون عليه السالم وزيرًا لموسى عليه السالم على وزارة أمير‬
‫المؤمنين علي لرسول هللا × أعجب من األولى‪ ,‬ذلك ألن هللا تعالى الذي جعل هارون‬
‫عليه السالم وزيرًا لنبيه موسى عليه السالم قال في محكم كتابه عن طلب موسى عليه‬
‫السالم‪+ :‬واجعل لِّي و ِزيرا ِّمن أ َْهلِي ‪ ‬هارو َن أ ِ‬
‫َخي ‪ ‬ا ْش ُد ْد بِ ِه أَ ْز ِري ‪َ ‬وأَ ْش ِر ْكهُ فِي أ َْم ِري" [طه‪-29:‬‬ ‫َُ‬ ‫َ ً ْ‬ ‫َ َْ‬
‫‪ ,]32‬فهل يرى من ي َّدعي التطابق بين االثنين كون علي رضي هللا عنه مشار ًكا لرسول‬
‫هللا × في نبوته كما هو الحال في مشاركة هارون لموسى عليه السالم في أمره؟!‪ ,‬من‬
‫يعتقد ذلك فال شك في كفره وخروجه من ملة اإلسالم(‪.)3‬‬
‫هـ‪ -‬لقد استخلف النبي × على المدينة غير علي بن أبي طالب‪ ,‬ففي غزوة بدر‬
‫استخلف عبد هللا بن أ ِّم مكتوم‪ ,‬واستخلف في غزوة سليم‪ ,‬سباع بن عُرطفة الغفاري أو ابن‬
‫أم مكتوم على اختالف في ذلك‪ ,‬واستخلف في غزوة السويق‪ ,‬بشير بن عبد المنذر‪,‬‬
‫واستعمل على المدينة في غزوة بني المصطلق‪ ,‬أبا ذر الغفاري‪ ,‬وفي غزوة الحديبية‪,‬‬

‫‪1‬‬
‫() مسلم‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)2404‬‬
‫‪3‬‬
‫() ثم أبصرت الحقيقة‪ ,‬ص ‪.215‬‬
‫‪53‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫نُميلة بن عبد هللا الليثي‪ ,‬كما استعمله أيضًا في غزوة خيبر‪ ,‬وفي عمرة القضاء استعمل‬
‫عويف بن األضبط الديلي‪ ,‬وفي فتح مكة‪ ,‬كلثوم بن حصين بن عتبة الغفاري‪ ,‬وفي حجة‬
‫الوداع‪ ,‬أبا دجانة الساعدي‪ ,‬ذكر هذا ابن هشام في مواقف متفرقة من السير(‪ ,)1‬إضافة إلى‬
‫أن استخالف عل ّي على المدينة لم يكن األخير فقد استخلف النبي × على المدينة في حجة‬
‫الوداع غير علي‪ ,‬وهذا منهج النبي × في تربية القادة كما حدث عندما أمر أبا بكر على‬
‫الحج‪ ,‬واختصه أيضًا بإمامة الصالة وحده(‪.)2‬‬
‫و‪ -‬وأما تشبيه النبي × لعلي بهارون فهذه فضيلة‪ ,‬كما أن النبي × شبه أبا بكر وعمر‬
‫بأعظم من هارون ففي غزوة بدر‪ ,‬لما كانت قضية األسرى واستشار النبي × أبا بكر‪,‬‬
‫فرأى أن يعفو عنهم وأن يفادوهم قومهم‪ ,‬ورأى عمر أن يقتلهم‪ ,‬فقال النبي × ألبي بكر‪:‬‬
‫ك غَ ُف ِ‬ ‫صانِي فَِإنَّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم"‬
‫ور َّرح ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫«إن مثلك كمثل إبراهيم يوم قال‪+ :‬فَ َمن تَبِ َعني فَِإنَّهُ منِّي َو َم ْن َع َ‬
‫اد َك َوإِن َتغْ ِف ْر ل َُه ْم فَِإنَّ َ‬ ‫ِ‬
‫َنت‬
‫كأ َ‬ ‫[إبراهيم‪ ]36:‬ومثلك كمثل عيسى إذ قال‪+ :‬إِن ُت َع ِّذ ْب ُه ْم فَِإ َّن ُه ْم عبَ ُ‬
‫يم" [المائدة‪ ,]118 :‬ثم التفت إلى عمر فقال‪ :‬يا عمر إن مثلك مثل نوح‬ ‫الْع ِزيز ال ِ‬
‫ْحك ُ‬
‫َ ُ َ‬
‫ين َديَّ ًارا" [نوح‪ ,]26:‬ومثلك كمثل موسى لما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب الَ تَ َذ ْر َعلَى األ َْر ِ‬
‫ض م َن الْ َكافر َ‬ ‫لما قال‪َّ + :‬ر ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم"‬ ‫اب األَل َ‬ ‫س َعلَى أ َْم َوال ِه ْم َوا ْش ُد ْد َعلَى ُقلُوبِ ِه ْم فَالَ ُي ْؤمنُوا َحتَّى َي َر ُوا ال َْع َذ َ‬ ‫قال‪َ + :‬ر َّبنَا اطْم ْ‬
‫(‪)3‬‬

‫[يونس‪.»]88:‬‬
‫فشبه أبا بكر بإبراهيم وعيسى‪ ,‬وشبه عمر بنوح وموسى‪ ,‬وأولئك من أولي العزم‬
‫وهم خير البشر بعد رسول هللا ×‪ ,‬وهم أفضل من هارون بدرجات صلوات هللا وسالمه‬
‫عليهم أجمعين‪ ,‬وتشبيه النبي × لعلي بهارون تكريم له‪ ,‬كما كرَّم النبي × أبا بكر وعمر‬
‫عندما شبههم بإبراهيم وعيسى وموسى ونوح(‪ )4‬عليهم السالم‪.‬‬
‫ز‪ -‬من أقوال العلماء في شرح الحديث‪:‬‬
‫قال النووي رحمه الله‪ :‬وهذا الحديث ال حُجة فيه ألحد منهم‪ ,‬بل فيه إثبات‬
‫فضيلة لعلي وال تعرض فيه لكونه أفضل من غيره أو مثله‪ ,‬وليس فيه داللة الستخالفه‬
‫بعده‪ ,‬ألن النبي × إنما قال هذا لعلي حين استخلفه في المدينة في غزوة تبوك‪ .‬ويؤيد هذا‬
‫أن هارون المشبه به لم يكن خليفة بعد موسى‪ ,‬بل توفي في حياة موسى‪ ,‬وقبل وفاة موسى‬
‫بنحو أربعين سنة على ما هو مشهور عند أهل األخبار والقصص‪ ,‬قالوا وإنما استخلفه‬
‫حين ذهب لميقات ربه للمناجاة(‪.)5‬‬
‫وقال ابن حزم رحمه الله بعد ذكر احتجاج الرافضة بالحديث‪ :‬وهذا ال‬
‫يل أمر بني‬ ‫يوجب له فضالً على من سواه وال استحقاق اإلمامة بعده‪ :‬ألن هارون لم ِ‬
‫إسرائيل بعد موسى عليهما السالم‪ ,‬وإنما ولي األمر بعد موسى عليه السالم يوشع بن نون‬
‫فتى موسى وصاحبه الذي سافر معه في طلب الخضر عليهما السالم‪ ,‬كما ولى األمر بعد‬
‫رسول هللا × صاحبه في الغار الذي سافر معه إلى المدينة‪ ,‬وإذا لم يكن علي نبيًا كما كان‬
‫هارون نبيًا‪ ,‬وال كان هارون خليفة بعد موت موسى على بني إسرائيل فصح أن كونه‬
‫‪1‬‬
‫() السيرة النبوية البن هشام (‪.)2/806،804,650‬‬
‫‪2‬‬
‫() ثم أبصرت الحقيقة‪ ,‬ص ‪.215‬‬
‫‪3‬‬
‫() مسند أحمد (‪ )1/383‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() حقبة من التاريخ‪ ,‬ص ‪.200‬‬
‫‪5‬‬
‫() شرح صحيح مسلم (‪.)13/174‬‬
‫‪53‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫رضي هللا عنه من رسول هللا بمنزلة هارون من موسى إنما هو في القرابة فقط‪ ,‬وأيضًا‬
‫فإنما قال له رسول هللا × هذا القول إذ استخلفه على المدينة في غزوة تبوك‪ ,‬ثم إنه قد‬
‫استخلف × قبل تبوك وبعد تبوك في أسفاره رجاالً سوى علي رضي هللا عنه فصح أن‬
‫هذا االستخالف ال يوجب لعلي فضالً على غيره‪ ,‬وال والية األمر بعده‪ ,‬كما لم يوجب ذلك‬
‫لغيره من المستخلفين(‪.)1‬‬
‫وقال ابن حجر رحمه الله‪ :‬واستدل بحديث الباب على استحقاق علي للخالفة‬
‫دون غيره من الصحابة‪ ,‬فإن هارون كان خليفة موسى وأجيب بأن هارون لم يكن خليفة‬
‫موسى إال في حياته ال بعد موته ألنه مات قبل موسى باتفاق‪ ..‬أشار إلى ذلك الخطابي(‪.)2‬‬
‫وقال ابن تيمية رحمه الله في سياق رده على الشيعة الرافضة في‬
‫استدلالهم بهذا الحديث‪ :‬وقول القائل هذا بمنزلة هذا‪ ,‬وهذا مثل هذا‪ ,‬هو كتشبيه‬
‫الشيء بالشيء يكون بحسب ما دل عليه السياق‪ ,‬ال يقتضي المساواة –المطلقة‪ -‬في كل‬
‫شيء‪ ,‬وكذلك هنا بمنزلة هارون‪ ,‬وهذا االستخالف ال يسمى من خصائص علي‪ ,‬بل وال‬
‫هو مثل استخالفاته فضالً أن يكون أفضل منها‪ ,‬وقد استخلف من هو على أفضل منه في‬
‫كثير من الغزوات‪ ,‬ولم تكن تلك االستخالفات توجب تقديم ال ُمستخلف على عل ّي إذا قعد‬
‫معه‪ ,‬فكيف يكون موجبًا لتفضيله على عل ّي؟ قد استخلف على المدينة غير واحد‪ ,‬وأولئك‬
‫المستخلفون منه بمنزلة هارون من موسى من جنس استخالف علي بل كان ذلك‬
‫االستخالف يكون على أكثر وأفضل ممن استخلف عليه عام تبوك وكانت الحاجة إلى‬
‫االستخالف أكثر‪ ,‬فإنه كان يخاف من األعداء على المدينة‪ ,‬فأما عام تبوك فإنه كان قد‬
‫أسلمت العرب بالحجاز‪ ,‬وفتحت مكة وظهر اإلسالم وعز‪ ,‬ولهذا أمر هللا نبيه أن يغزو‪,‬‬
‫ولهذا لم يَدَع النبي × عند علي أحدًا من المقاتلة‪ ,‬كما كان يدع النبي × بها في سائر‬
‫الغزوات بل أخذ المقاتلة(‪ )3‬كلهم‪.‬‬
‫ج‪ -‬الحكمة في عدم تخصيص رسول هللا × من بعده أحدًا ليتولى أمر األمة‪ :‬إن‬
‫الحكمة في عدم تخصيص رسول هللا × من بعده أحدًا يتولى أمر األمة تتضح في إدراكنا‬
‫لحقيقة اإلسالم كدين رباني للبشرية‪ ,‬وأنه لو حدد الرسول × رجالً من بعده‪ ,‬فإنه يكون قد‬
‫أعطى المسوغ الشرعي ليدعي المدعون –وقد فعلوا بدون برهان‪ -‬بأن قيادة األمة من‬
‫حق أسرة بعينها‪ ,‬ويصبح الحكم الوراثي هو الحكم السائد في اإلسالم‪ ,‬ولكن رسول هللا ×‬
‫وحى"‪ -‬أن يترك هذا األمر مطلقًا‬ ‫أراد –وهو ال ينطق عن الهوى ‪+‬إِ ْن ُه َو إِالَّ َو ْح ٌي يُ َ‬
‫للمسلمين أن يختاروا أصلحهم وخيرهم‪ ,‬وإن كان لمح بعض التلميحات إلى أبي بكر وكان‬
‫بمقدوره عليه السالم أن يصرح‪ ,‬ولكنه لم يفعل لهذا القصد‪ ,‬إال أن التلميح ال يعطي‬
‫شرعية التولية المباشرة‪ ,‬ولو كانت هناك وصية ألحد من الخلق لما حصل اختالف في‬
‫سقيفة بني ساعدة في بداية األمر‪ ,‬ولما استشار أبو بكر الناس في تولية عمر رضي هللا‬
‫عنه‪ ,‬ولما ترك عمر الخالفة بيد ستة من المهاجرين‪ ..‬إلخ‪ ,‬ولو كانت المسألة وراثة لكان‬
‫بنو هاشم أول من ينالون هذا األمر(‪.)4‬‬
‫إن هذا الدين للبشرية‪ ,‬وال يصح بأي حال من األحوال أن يكون محصورًا في أسرة‬
‫حاكمة واحدة‪ ,‬ويظل متوارثًا‪ ,‬كالمتاع‪ ,‬وإذا كانت العصور التالية فعلت ذلك‪ ,‬كعصر بني‬
‫‪1‬‬
‫() الفصل (‪.)4/160،159‬‬
‫‪2‬‬
‫() فتح الباري (‪ ,)7/74‬االنتصار للصحب واآلل‪ ,‬ص ‪.540‬‬
‫‪3‬‬
‫() منهاج السنة (‪ ,)332-7/330‬مجموع الفتاوى (‪.)4/416‬‬
‫‪4‬‬
‫()‪ )3( ,‬دراسات في عهد النبوة للشجاع‪ ,‬ص ‪.270‬‬
‫‪53‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫أمية‪ ,‬وبني العباس وغيرهم‪ ,‬فإن هذا خالف القاعدة الشرعية‪ ,‬وما كان خالف القاعدة فهو‬
‫طارئ وغريب على دين هللا‪ ,‬وينبغي أن ينحى هذا المفهوم القاصر كلية من الفكر‬
‫اإلسالمي حتى يصبح ناصعًا نقيًا(‪.)1‬‬
‫بعض األحاديث الضعيفة والموضوعة التي يستدلون بها في اإلمامة‪:‬‬
‫‪ -1‬حديث الطائر‪ :‬ومن أهم أدلةالشيعة اإلمامية كذلك‪ :‬حديث الطائر المشوي‪ ,‬روى‬
‫الحاكم في المستدرك عن أنس بن مالك رضي هللا عنه قال‪ :‬كنت أخدم رسول هللا ×‪ ,‬فقدم‬
‫لرسول هللا فرخ مشوي فقال‪ :‬اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير‪ ,‬قال‪:‬‬
‫فقلت‪ :‬اللهم اجعله رجالً من األنصار‪ ,‬فجاء علي رضي هللا عنه فقلت‪ :‬إن رسول هللا على‬
‫حاجة‪ ,‬ثم جاء فقال رسول هللا ×‪ :‬افتح‪ ,‬فدخل‪ ,‬فقال رسول هللا ×‪ :‬ما حبسك يا علي؟‪,‬‬
‫فقال‪ :‬إن هذه آخر ثالث كرات يَ ُر ُّدني أنس‪ ,‬يزعم أنك على حاجة‪ ,‬فقال‪ :‬ما حملك على ما‬
‫صنعت؟‪ ,‬فقلت‪ :‬يا رسول هللا‪ ,‬سمعت دعاءك‪ ,‬فأحببت أن يكون رجالً من قومي‪ ,‬فقال‬
‫رسول هللا ×‪ :‬إن الرجل قد يحب قومه(‪ .)2‬روى هذا الحديث بأسانيد ال تخلو من ضعف‪,‬‬
‫باإلضافة إلى أن كثرة الروايات المسندة إلى أنس بن مالك رضي هللا عنه وعدم صحة‬
‫سند واحد منها أمر يدعو للعجب والدهشة‪ ,‬فأين أصحاب أنس من هذا الحديث وقد‬
‫صحبوه السنين الطوال؟ لم نر أي واحد منهم قد روى هذا الحديث‪ ,‬وهم من هم في الثقة‬
‫والضبط‪ ,‬كأمثال الحسن البصري‪ ,‬وثابت البناني‪ ,‬وحميد الطويل‪ ,‬وحبيب بن أبي ثابت‪,‬‬
‫وبكر بن عبد هللا المزني‪ ,‬وأسعد بن سهل بن حنيف‪ ,‬وإسحاق بن عبد هللا بن أبي طلحة‪,‬‬
‫وأبان بن صالح‪ ,‬وإبراهيم بن ميسرة‪ ,‬وغيرهم كثير ممن يروي عن أنس وال يُعرف‪ ,‬قال‬
‫ابن كثير‪ :‬ثم وقفتـ على مجلد كبير في رده وتضعيفه –أي حديث الطير‪ -‬سندًا ومتنًا‬
‫للقاضي أبي بكر الباقالني(‪ ,)3‬وقال ابن الجوزي‪ :‬قد ذكره ابن مردويه من نحو عشرين‬
‫طريقًا كلها مظلم‪ ,‬وفيها مطعن‪ ,‬فلم أر اإلطالة بذلك(‪ ,)4‬وقال ابن تيمية‪ :‬حديث الطائر من‬
‫المكذوبات والموضوعات عند أهل العلم والمعرفة بحقائق النقل(‪ ,)5‬وقال الزيلعي‪ :‬كم من‬
‫حديث كثرت رواته وتعددت طرقه‪ ,‬وهو حديث ضعيف(‪.)6‬‬
‫‪ -2‬حديث الدار‪ :‬ومن األحاديث التي يستدل بها الشيعة االثنى عشرية على نصية‬
‫اإلمامة حديث الدار‪ ,‬حيث يرى الشيعة أن رسول هللا × نص على إمامة علي منذ بداية‬
‫البعثة‪ ,‬وأثناء عرضه اإلسالم على كفار مكة‪ ,‬ومنذ مطالبته إياهم بترك األوثان وإفراد‬
‫َنذ ْر َع ِش َيرتَ َ‬
‫ك األق َْربِ َ‬
‫ين"‬ ‫الواحد القهار بالعبادة‪ ,‬لما نزلت هذه اآلية على رسول هللا × ‪+‬وأ ِ‬
‫َ‬
‫[الشعراء‪ ]214:‬دعاني رسول هللا × فقال‪ :‬يا علي إن هللا أمرني أن أنذر عشيرتك األقربين‬
‫فضقت بذلك ذرعًا وعرفت أني متى أبادئهم بهذا األمر أرى منهم ما أكره‪ ,‬فصمت علي‬
‫حتى جاء جبرائيل‪ ,‬فقال‪ :‬يا محمد إنك إال تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك‪ ,‬فاصنع لنا صاعًا‬
‫من الطعام واجعل عليه رجل شاة‪ ,‬وامأل لنا عسًا من لبن‪ ,‬ثم اجمع لي بني عبد المطلب‬
‫حتى أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به‪ ,‬ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له وهم يومئذ أربعون‬

‫‪1‬‬
‫()‬

‫‪2‬‬
‫() المستدرك (‪ )3/131،130‬ضعيف من حيث السند والمتن‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫()البداية والنهاية (‪.)4/354‬‬
‫‪4‬‬
‫() العلل المتناهية (‪.)234 , 1/225‬‬
‫‪5‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)4/99‬‬
‫‪6‬‬
‫() تحفة األحوذي (‪.)10/24‬‬
‫‪53‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫رجالً يزيدون رجالً أو ينقصونه‪ ,‬فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب‪ ,‬فلما‬
‫اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به فلما وضعته تناول رسول هللا خدية‬
‫من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة‪ ,‬ثم قال‪ :‬خذوا باسم هللا‪ ,‬فأكل القوم‬
‫حتى ما لهم بشيء حاجة‪ ,‬وما أرى إال موضع أيديهم وايم هللا الذي نفسي بيده‪ ,‬وإن كان‬
‫الرجل الواحد منهم يأكل ما قدمت لجميعهم‪ ,‬ثم قال‪ :‬اسق القوم‪ ,‬فجئتهم بذلك العس فشربوا‬
‫حتى رووا منه جميعًا‪ ,‬وايم هللا إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله‪ ,‬فلما أراد رسول‬
‫هللا أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكالم فقال‪ :‬لقد سحركم صاحبكم‪ ,‬فتفرق القوم ولم يكلمهم‬
‫رسول هللا‪ ,‬فقال‪ :‬الغد يا علي‪ ,‬إن هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول فتفرق‬
‫القوم قبل أن أكلمهم فعد لنا من الطعام بمثل ما صنعت‪ ,‬ثم اجمعهم إل ّي‪ .‬فقال‪ :‬ففعلت‪ ,‬ثم‬
‫جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقربته لهم ففعل كما فعل باألمس فأكلوا حتى ما لهم بشيء‬
‫حاجة‪ ,‬ثم قال‪ :‬أسقهم فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا منه جميعًا‪ ,‬ثم تكلم رسول هللا‬
‫×‪ ,‬فقال‪ :‬يا بني عبد المطلب‪ ,‬إني وهللا ما أعلم شابًا في العرب جاء قومه بأفضل مما‬
‫جئتكم به‪ ,‬إني قد جئتكم بخير الدنيا واآلخرة‪ ,‬وقد أمرني هللا تعالى أن أدعوكم إليه فأيكم‬
‫يؤازرني على هذا األمر على أن يكون أخي ووصيـ وخليفتي فيكم‪ .‬قال‪ :‬فأحجم القوم‬
‫عنها جميعًا وقلت –وإني ألحدثهم سنًا وأرمصهم عينًا وأعظمهم بطنًا وأحمشهم ساقًا(‪:- )1‬‬
‫أنا يا رسول هللا أكون وزيرك عليه‪ ,‬فأخذ برقبتي‪ ,‬ثم قال‪ :‬إن هذا أخي ووصيي وخليفتي‬
‫فيكم فاسمعوا له وأطيعوا‪ ,‬فقام القوم يضحكون ويقولونـ ألبي طالب‪ :‬قد أمرك أن تسمع‬
‫البنك وتطيع‪ ,‬وفي سياق آخر‪ ..‬فلم يجبه أحد منهم فقام علي وقال‪ :‬أنا يا رسول هللا قال‪:‬‬
‫أجلس ثم أعاد القول على القوم ثانيًا‪ ,‬فصمتوا‪ ,‬فقام علي وقال‪ :‬أنا يا رسول هللا‪ ,‬قال‪:‬‬
‫أجلس ثم أعاد القول على القوم ثالثًا فلم يجبه أحد منهم‪ ,‬فقام علي فقال‪ :‬أنا يا رسول هللا‪,‬‬
‫فقال‪ :‬اجلس أنت أخي(‪.)2‬‬
‫وهذا الحديث باطل سندًا ومتنًا‪:‬‬
‫أما سندًا‪ :‬ففي سنده عبد الغفار بن القاسم وعبد هللا بن عبد القدوس‪ ,‬فأما عبد الغفار‬
‫ابن القاسم فهو متروك ال يُحتج به‪ ,‬قال عنه علي بن المديني‪ :‬كان يضع الحديث‪ ,‬وقال‬
‫يحيى ابن معين(‪ :)3‬ليس بشيء‪ .‬وروى عباس بن يحيى‪ :‬ليس بشيء‪ .‬وقال البخاري‪ :‬ليس‬
‫بالقوي عندهم –أي عند علماء الجرح والتعديل‪ -‬وقال عنه ابن حبان‪ :‬يقلب األخبار وال‬
‫يجوز االحتجاج به‪ ,‬تركه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين‪ ,‬وقال النسائي‪ :‬متروك‬
‫الحديث(‪ ,)4‬وليس عبد هللا بن عبد القدوس بأحسن حاالً من سابقه‪ ,‬بل هو مجروح أيضًا‬
‫عند عامة علماء الحديث‪ ,‬قال النسائي‪ :‬ليس بثقة‪ ,‬وقال الدارقطني‪ :‬ضعيف(‪.)5‬‬
‫وأما من ناحية المتن فالحديث واضح البطالن ألسباب وهي‪:‬‬
‫أ‪ -‬هذه الرواية معارضة لرواية أخرى اتفق أهل الحديث على صحتها وثبوتها‪ ,‬فقد‬
‫أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس رضي هللا عنه قال‪ :‬لما نزلت‬
‫ين" [الشعراء‪ ,]214:‬صعد النبي × على الصفا‪ ,‬فجعل ينادي‪« :‬يا‬ ‫َنذ ْر َع ِش َيرتَ َ‬
‫ك األق َْربِ َ‬
‫‪ +‬وأ ِ‬
‫َ‬
‫‪1‬‬
‫() مع أن عمره آنذاك ما يقارب عشر سنوات‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() المراجعات المراجعة (‪ )1/350‬من كتاب الحجج الدامغات لنقض كتاب المراجعات‪ ,‬أبو مريم بن‬
‫محمد األعظمي‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() المجروحين البن حبان‪ ,‬ص ‪.13‬‬
‫‪4‬‬
‫() الضعفاء والمتروكين للنسائي‪ ,‬ص ‪.210‬‬
‫‪5‬‬
‫() ميزان االعتدال (‪.)2/457‬‬
‫‪53‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫بني فهر‪ ,‬يا بني عدي»‪ ,‬لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن‬
‫يخرج أرسل رسوالً لينظر ما هو‪ ,‬فجاء أبو لهب وقريش فقال‪« :‬أرأيتكم أن خيلاً‬
‫بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيّ»‪ ,‬قالوا‪ :‬نعم ما جربنا عليك إال صدقا‪ً,‬‬
‫قال‪« :‬فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد»‪ ,‬فقال أبو لهب‪ :‬تبًا لك سائر اليوم‪ ,‬ألهذا‬
‫ب"(‪[ )1‬المسد‪.]2،1:‬‬ ‫ب ‪َ ‬ما أَ ْغنَى َع ْنهُ َمالُهُ َو َما َك َس َ‬ ‫ت يَ َدا أَبِي ل ََه ٍ‬
‫ب َوتَ َّ‬ ‫جمعتنا‪ ,‬فنزلت ‪َ+‬تبَّ ْ‬
‫ب‪ -‬الشيعة االثنى عشرية طالما ادعوا النص الصريح على خالفة علي وأنه هو‬
‫الوصي والمستحق الوحيد لهذا المنصب‪ ,‬وأن النصوص متضافرة في إثبات ذلك‪ ,‬وهذا‬
‫الحديث يدحض قولهم‪ ,‬إذ فيه أن النبي × دعا قومه لنصرته وأن من يقبل نصرته‬
‫فسيصبح أخاه ووصيه وخليفته من بعده‪ ,‬ولم يخص عليًا بذلك بل وأعرض عنه ثالث‬
‫مرات‪ ,‬ولما لم يجد ناصرًا غير علي قال له ما قال‪ ,‬وهذا يدل على أن عليًا ال يستحق هذا‬
‫المنصب ابتداء وأن النبي × اضطر مع إحجام قومه أن يجعل هذا األمر في علي‪ ,‬فهل‬
‫هذا يتوافق مع ما يدعيه القوم من أن عليًا منصوص عليه من قبل السماء(‪.)2‬‬
‫‪ -3‬حديث‪ :‬أنا مدينة العلم وعلي بابها وأحاديث أخرى موضوعة‪ :‬واألحاديث‬
‫الموضوعة في هذا الباب كثيرة جدًا‪ ,‬ومن ذلك ما رواه جابر بن عبد هللا عن النبي × أنه‬
‫قال‪ :‬أنا مدينة العلم وعلي بابها‪ ,‬فهذا الخبر مطعون فيه‪ ,‬إذ أنكره البخاري وقال عنه يحيى‬
‫ابن معين‪ :‬ال أصل له وذكره ابن الجوزي في الموضوعات‪ ,‬وقال النووي والذهبي‪ :‬إنه‬
‫موضوعـ(‪ ,)3‬ويقولـ األلباني –رحمه هللا‪ :-‬وحديث «أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد‬
‫العلم فليأت الباب» موضوع‪ ,‬رواه العقيلي في الضعفاء وابن عدي في الكامل‪ ,‬والطبراني‬
‫في الكبير والحاكم عن ابن عباس ورواه ابن عدي والحاكم عن جابر رضي هللا عنه(‪,)4‬‬
‫وكذلك حديث «من ناصب عليًا بالخالفة فهو كافر»‪ .‬فال أثر له بوجه في كتب أهل‬
‫السنة(‪ )5‬أصالً‪ ,‬وهذه النماذج تكشف عن ضعف ما استند إليه الروافض من حجج‬
‫اختصاص علي رضي هللا عنه وتعيينه دون غيره للخالفة‪ ,‬ويؤيد هذا ما ذهب إليه ابن‬
‫خلدون من أن ما استدل به الشيعة الروافض من نصوص ينقلونها ويؤولونها على‬
‫مقتضىـ مذهبهم‪ ,‬ال يعرفها جهابذة السنة وال نقلة الشريعة‪ ,‬بل أكثرها موضوع أو‬
‫مطعون في طريقه أو بعيد عن تأويالتهم(‪ ,)6‬وما أورده ابن حزم من أن سائر األحاديث‬
‫التي تتعلق بها الرافضة‪ ,‬فموضوعة يعرف ذلك من له أدنى علم باألخبار ونقلها(‪.)7‬‬
‫ويعترف الكاتب الشيعي ابن أبي الحديد بأثر الشيعة في وضع األحاديث لتأييد‬
‫مذهبهم في اإلمامة فيقول‪ :‬إن أصل األكاذيب في أحاديث الفضائل كان من جهة الشيعة‬
‫فإنهم وضعوا في مبدأ األمر أحاديث مختلفة في صاحبهم حملهم على وضعها عداوة‬
‫خصومهم‪ ,‬فلما رأت البكرية «يريد بعض السنيين» ما صنعت الشيعة وضعت لصاحبها‬

‫‪1‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)4492‬‬
‫‪2‬‬
‫() ثم أبصرت الحقيقة‪ ,‬ص ‪.224‬‬
‫‪3‬‬
‫() الفوائد الموضوعة في األحاديث الموضوعة‪ ,‬ص ‪ 71‬رقم (‪ ,)257‬الفتاوى (‪.)4/410‬‬
‫‪4‬‬
‫() ضعيف الجامع الصغير (‪ )2/13‬رقم (‪.)1416‬‬
‫‪5‬‬
‫() منهاج السنة (‪ )4/108،107‬دراسة عن الفرق‪ ,‬جلي‪ ,‬ص ‪.195‬‬
‫‪6‬‬
‫() المقدمة‪ ,‬ابن خلدون‪ ,‬ص ‪.197‬‬
‫‪7‬‬
‫() الفصل‪ ,‬ابن حزم (‪.)4/148‬‬
‫‪53‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫«أبي بكر» أحاديث في مقابلة هذه األحاديث‪ ..‬فلما رأت الشيعة ما قد وضعت البكرية‬
‫أوسعوا في وضع األحاديث‪ ,‬ولقد كان الفريقان في غنية عما اكتسباه‪ ,‬ولقد كان في فضائل‬
‫علي الثابتة الصحيحة وفضائل أبي بكر المحققة المعلومة ما يغني عن تكلف العصبية(‪,)1‬‬
‫ورغم ضعف هذه الحجج وعدم قوتها فإننا نجد أن بعض الشيعة المعاصرين ال زالوا‬
‫يرددونها في كتاباتهم ويستشهدون بها إلثبات معتقداتهم في اإلمامة‪ ,‬وهذا أحد أئمتهم‬
‫يذهب إلى أن الرسول يُعد غير مبلغ للرسالة لو لم يعين عليًا خليفة من بعده(‪ ,)2‬ويقول‪ :‬إن‬
‫الرسول الكريم قد كلمه هللا وحيًا أن يبلغ ما أنزل هللا إليه‪ ,‬فيمن يخلفه في الناس وبحكم‬
‫هذا األمر فقد اتبع ما أمر به وعين أمير المؤمنين عليًا للخالفة(‪ .)3‬وقولهم هذا يناقض كل‬
‫ما يدعون من آيات وأحاديث يستدلون بها على اإلمامة‪ ,‬ألنه يلزم من قولهم هذا أنه على‬
‫واقعة حديث غدير خم‪ ,‬لم يكن هللا سبحانه وتعالى ورسوله قد نصا على إمامة علي‪.‬‬
‫ويكفي في نقد نظرية اإلمامة عند الشيعة اإلمامية أنه ال سند لهم فيها إال عبد هللا ابن‬
‫سبأ اليهودي‪ ,‬الذي بدأ يشيع القول بأن اإلمامة هي وصية من النبي ×‪ ,‬ومحصورة‬
‫بالوحي‪ ,‬وإذا توالها سواه يجب البراءة منه وتكفيره‪ ,‬فقد اعترفت كتب الشيعة بأن ابن‬
‫سبأ‪ ,‬كان أول من أشهر القول بفرض إمامة علي‪ ,‬وأظهر البراءة من أعدائه‪ ,‬وكاشف‬
‫مخالفيه وكفرهم(‪ ,)4‬ألنه كان يهودي األصل يرى أن يوشع بن نون هو وصي موسى‪ ,‬فلما‬
‫أسلم أظهر هذه المقالة في علي بن أبي طالب رضي هللا عنه(‪.)5‬‬
‫رابعًا‪ :‬التوحيد والشيعة االثنا عشرية‪:‬‬
‫جعل الشيعة العقيدة في اإلمام أساسًا لمذهبهم وركنًا من أركان الدين‪ ,‬وأصبح اإلمام‬
‫عندهم جز ًءا من العقيدة‪ ,‬وينسب الشيعة إلى بعض أئمتهم القول بأن من أصبح من هذه‬
‫األمة ال إمام له أصبح ضاالً تائهًا‪ ,‬وأن مات على هذا الحال مات ميتة جاهلية(‪ ,)6‬ذلك ألن‬
‫اإلمام في تصور الشيعة يختلف اختالفًا كليًا عن تصور المسلمين جميعًا لخليفتهم‪ ,‬إذ أن‬
‫المسلمين يعدون اإلمام أو خليفة المسلمين شخصًا عاديًا في تكوينه ومعارفه‪ ,‬وأن دوره ال‬
‫يتجاوز دور المنفذ لشرع هللا وأنه يعرض له الخطأ واالنحراف‪ ,‬كما يعرض لسائر الناس‬
‫فيُقَ َّوم ويعارض إذا خالف أمر هللا‪ ,‬وفوق هذا‪ ,‬فإن الخليفة يختار وينتخب من قبل الجماعة‬
‫المسلمة وفقًا لمبدأ الشورى(‪ ,)7‬وخالفًا لهذا التصور يذهب الشيعة إلى أن األئمة كانوا قبل‬
‫هذا العالم أنوارًا‪ ,‬وأن لهم والية تكوينية إلى جانب الوالية الحكمية‪ ,‬وقد نسبوا إلى رسول‬
‫هللا حديثًا أسندوه إلى علي بن أبي طالب رضي هللا عنه(‪ ,)8‬ويقول أحد أئمة الشيعة‬
‫المعاصرين‪ :‬وثبوت الوالية والحاكمية لإلمام‪ ,‬ال يعني تجرده من منزلته التي هي له عند‬
‫هللا وال تجعله مثل من عداه من الحكام‪ ,‬فإن لإلمام مقا ًما محمودًا ودرجة سامية وخالفة‬
‫‪1‬‬
‫() شرح نهج البالغة (‪ )50-11/48‬نقالً عن دراسة عن الفرق‪ ,‬لشيخي الدكتور أحمد جلي‪ ,‬ص ‪-195‬‬
‫‪.196‬‬
‫‪2‬‬
‫() دراسة عن الفرق ص ‪.196‬‬
‫‪3‬‬
‫() الحكومة اإلسالمية للخميني ص ‪ ,43،42‬دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين‪ ,‬ص ‪.196‬‬
‫‪4‬‬
‫() رجال الكشي ص ‪ ,109،108‬أصول مذهب الشيعة اإلمامية (‪.)2/792‬‬
‫‪5‬‬
‫() أصول مذهب الشيعة (‪.)2/792‬‬
‫‪6‬‬
‫() دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين‪ ,‬ص ‪.197‬‬
‫‪7‬‬
‫() النظام السياسي للدولة اإلسالمية‪ ,‬ص ‪.236-147‬‬
‫‪8‬‬
‫() دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين‪ ,‬ص ‪.198‬‬
‫‪53‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫تكوينية تخضع لواليتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون‪ ,‬وإن من ضروريات مذهبنا أن‬
‫ألئمتنا مقا ًما ال يبلغه ملك مقرب وال نبي مرسل‪ ,‬وبموجب ما لدينا من الروايات‬
‫واألحاديث‪ ,‬فإن الرسول األعظم × واألئمة –عليهم السالم‪ -‬كانوا قبل هذا العالم أنوارًا‪,‬‬
‫فجعلهم هللا بعرشه محدقين‪ ,‬وجعل لهم من المنزلة والزلفى ما ال يعلمه إال هللا‪ ,‬وقد قال‬
‫جبرائيل –كما ورد في روايات المعراج‪ -‬لو دنوت أنملة الحترقت‪ ,‬وقد ورد عنهم عليهم‬
‫السالم إن لنا حاالت ال يسعها ملك مقرب وال نبي مرسل(‪.)1‬‬
‫وبناء على هذا التصور لإلمام فإن دوره ال يقف عند تنفيذ شرع هللا بل له هيمنه على‬
‫شئون الكون ومجرياته‪ ,‬فعلي عندهم الحاكم المهيمن الشرعي على شئون البالد والعباد‪,‬‬
‫وأن المالئكة تخضع له‪ ,‬ويخضع له الناس حتى األعداء منهم‪ ,‬ألنهم يخضعون للحق في‬
‫قيامه‪ ,‬وقعوده في كالمه وصمته‪ ,‬وفي خطبه وصلواته وحروبه(‪ ,)2‬وقد أثر اعتقاد الشيعة‬
‫في األئمة على عقيدتها في توحيد هللا سبحانه بسبب الغلو‪ ,‬وإليك بيان ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬نصوص التوحيد جعلوها في ولاية الأئمة‪ :‬فأول ما نفاجأ به أن نصوص‬
‫القرآن التي تأمر بعبادة هللا وحده‪ ,‬غيروا معناها إلى اإليمان بإمامة علي واألئمة‪,‬‬
‫والنصوص التي تنهى عن الشرك جعلوا المقصود بها الشرك في والية األئمة‪ ,‬ففي قوله‬
‫ك" [الزمر‪.]65:‬‬ ‫ت لَيَ ْحبَطَ َّن َع َملُ َ‬‫ك لَئِ ْن أَ ْش َر ْك َ‬‫ين ِمن َق ْبلِ َ‬ ‫َّ ِ‬
‫ك َوإِلَى الذ َ‬
‫تعالى‪+ :‬ولََق ْد أ ِ‬
‫ُوح َي إِل َْي َ‬ ‫َ‬
‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫جاء في الكافي –أصح كتاب عندهم في الرواية‪ ,-‬وفي تفسير القمي ‪-‬عمدة‬
‫تفاسيرهم‪ -‬وفي غيرهما من مصادرهم المعتمدة(‪ ,)5‬تفسيرها بما يلي‪ :‬يعني إن أشركت في‬
‫الوالية غيره(‪ ,)6‬وفي لفظ آخر‪ :‬لئن أمرت بوالية أحد مع والية علي من بعدك ليحبطن‬
‫عملك(‪ .)7‬وقد ساق صاحب البرهان في تفسير القرآن أربع روايات لهم في تفسير اآلية‬
‫السابقة بالمعنى المذكور(‪ ,)8‬وقد جاء في سبب نزولها عندهم‪ :‬أن هللا عز وجل حيث أوحى‬
‫إلى نبيه × أن يقيم عليًا للناس عل ًما اندس إليه معاذ بن جبل فقال‪ :‬أشرك في واليته األول‬
‫والثاني (يعنون أبا بكر وعمر)‪ ,‬حتى يسكن الناس إلى قولك ويصدقوك‪ ,‬فلما أنزل هللا عز‬
‫ك" [المائدة‪ ,]67:‬شكا رسول هللا إلى جبرائيل‬ ‫ك ِمن َّربِّ َ‬ ‫ول َبلِّ ْغ َما أُنْ ِز َل إِل َْي َ‬‫الر ُس ُ‬
‫وجل ‪+‬يَا أ َُّي َها َّ‬
‫ِ‬
‫ك َوإلَى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فقال‪ :‬إن الناس يكذبونني وال يقبلون مني‪ ,‬فأنزل هللا عز وجل‪َ + :‬ولََق ْد أُوح َي إل َْي َ‬
‫ك" [الزمر‪ ,]65:‬وحتى يدرك القارئ مدى تحريفهم‬ ‫ت لَيَ ْحبَطَ َّن َع َملُ َ‬ ‫ين ِمن َق ْبلِ َ‬
‫ك لَئِ ْن أَ ْش َر ْك َ‬ ‫َّ ِ‬
‫الذ َ‬
‫آليات هللا وتآمرهم لتغيير اآلية وما قبلها وما بعدها وتتبع ذلك بيان معناها قال تعالى‪:‬‬
‫ت‬‫ك لَئِ ْن أَ ْش َر ْك َ‬‫ين ِمن َق ْبلِ َ‬ ‫َّ ِ‬
‫ك َوإِلَى الذ َ‬
‫اهلُو َن ‪ ‬ولََق ْد أ ِ‬
‫ُوح َي إِل َْي َ‬ ‫َ‬
‫اهلل تَأْمرونِّي أَ ْعب ُد أ َُّيها الْج ِ‬
‫ُ َ َ‬ ‫ُُ‬
‫‪+‬قُل أَ َفغَْير ِ‬
‫ْ َ‬
‫ين" [الزمر‪ ,]66-64 :‬فاآلية‬ ‫ر‬‫ِ‬ ‫الشاكِ‬
‫َّ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫لَيَ ْحبَطَ َّن َع َ ُ َ َ َ ُ َ َّ َ َ َ َ َ َ ْ ُ ْ َ ُ ِّ َ‬
‫م‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ا‬‫ف‬ ‫اهلل‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫‪‬‬ ‫ين‬ ‫ر‬ ‫اس‬ ‫خ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫و‬‫ك‬ ‫َت‬‫ل‬ ‫و‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫م‬

‫‪1‬‬
‫() الحكومة اإلسالمية‪ ,‬آية هللا الخميني‪ ,‬ص ‪.94،93‬‬
‫‪2‬‬
‫() دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين‪ ,‬ص ‪.200‬‬
‫‪3‬‬
‫() أصول الكافي (‪ )1/427‬رقم ‪.76‬‬
‫‪4‬‬
‫() تفسير القمي (‪.)2/251‬‬
‫‪5‬‬
‫() البرهان (‪ ,)4/83‬وتفسير الصافي (‪.)4/328‬‬
‫‪6‬‬
‫() هذا لفظ الكليني في الكافي‪ ,‬أصول الشيعة (‪.)2/519‬‬
‫‪7‬‬
‫() أصول الشيعة (‪.)2/519‬‬
‫‪8‬‬
‫() البرهان (‪ ,)4/83‬أصول الشيعة (‪.)2/519‬‬
‫‪53‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫كما هو واضح من سياقها تتعلق بتوحيد هللا في عبادته‪ ,‬فهم غيروا األمر فاعتبروا اآلية‬
‫متعلقة بعلي‪ ,‬مع أنه ليس له ذكر في اآلية أصالً‪ ,‬فكأنهم جعلوه هو المعبر عنه بلفظ‬
‫الجاللة (هللا) وجعلوا (العبادة) هي الوالية‪ ,‬واآلية واضحة المعنى بينة الداللة‪ ,‬ليس بين‬
‫معناها وتأويلهم المذكور أدنى صلة(‪ ,)1‬قال أهل العلم في تفسيرها‪ :‬إن هللا سبحانه أمر نبيه‬
‫أن يقول هذا للمشركين لما دعوه إلى ما هم عليه من عبادة األصنام‪ ,‬وقالوا‪ :‬هو دين‬
‫آبائك(‪ ,)2‬والمعنى‪ :‬قل يا محمد لمشركي قومك‪ :‬أتأمرونني بعبادة غير هللا أيها الجاهلون‬
‫باهلل‪ ,‬وال تصلح العبادة لشيء سواه سبحانه‪ .‬ولما كان األمر بعبادة غير هللا ال يصدر إال‬
‫اهلُو َن" [الزمر‪ ,]64 :‬ثم بين‬ ‫عن غبي جاهل ناداهم بالوصف المقتضي ذلك فقال‪+ :‬أ َُّيها الْج ِ‬
‫َ َ‬
‫سبحانه أنه قد أوحى إلى نبيه وإلى الرسل من قبله‪ :‬لئن أشركت باهلل ليبطلن عملك‪ .‬وهذا‬
‫في بيان خطر الشرك وشناعته‪ ,‬وكونه بحيث ينهى عنه من ال يكاد يباشره فكيف بمن‬
‫عداه؟‪ ,‬ثم قال سبحانه‪+ :‬بَ ِل اهللَ فَا ْعبُ ْد" ال تعبد ما أمرك به المشركون بل اعبد هللا وحده‬
‫دون كل ما سواه من اآللهة الباطلة واألوثان(‪ .)3‬فالمعنى كما ترى واضح جلي‪ ,‬ال يلتبس‬
‫إال على صاحب هوى مغرض‪ ,‬قد أعماه هواه عن رؤية الحق‪ ..‬فهذه الزمرة التي وضعت‬
‫هذه الروايات كان جل همها‪ ,‬وغاية قصدها البحث عن سند لدعواهم في اإلمامة في‬
‫القرآن الكريم حتى ولو حرفوا آيات هللا‪ ,‬فكانت تخبط في هذا األمر خبط عشواء‪ ,‬ال تستند‬
‫في االستدالل إلى أصل في لغة أو عقل فضالً عن الشرع والدين‪ ,‬كما يظهر في النص‬
‫اإلساءة للنبي × بتصويره في موقف الخائف الوجل من قومه‪ ,‬المتردد في تنفيذ أمر ربه‪,‬‬
‫حتى إنه لم يفارق هذا الموقف إال حينما نزل عليه التهديد بإحباط عمله(‪.)4‬‬
‫‪ -2‬الولاية أصل قبول الأعمال عندهم‪ :‬قالوا‪ :‬إن هللا عز وجل نصب‬
‫عليًا عل ًما بينه وبين خلقه‪ ,‬فمن عرفه كان مؤمنًا ومن أنكره كان كافرًا‪ ,‬ومن جهله كان‬
‫ضاالً‪ ,‬ومن نصب معه شيئًا كان مشر ًكا‪ ,‬ومن جاء بواليته دخل الجنة(‪ ,)5‬وقالوا‪ :‬فإن من‬
‫أقر بواليتنا ثم مات عليها قبلت منه صالته‪ ,‬وصومه‪ ,‬وزكاته وحجه‪ ,‬وإن من لم يقر‬
‫بواليتنا بين يدي هللا عز وجل لم يقبل هللا عز وجل شيئًا من أعماله(‪ ,)6‬وزعموا أن‬
‫جبرائيل عليه السالم نزل على النبي × فقال‪ :‬يا محمد‪ ,‬السالم يقرئك السالم ويقول‪ :‬خلقت‬
‫السماوات السبع وما فيهن‪ ,‬واألرضين السبع وما عليهن‪ ,‬وما خلقت موضعًا أعظم من‬
‫الركن والمقام‪ ,‬ولو أن عبدًا دعاني هناك منذ خلقت السماوات واألرضين ثم لقيني جاحدًا‬
‫لوالية علي ألكببته في سقر(‪ ,)7‬والرويات في هذا المعنى كثيرة باطلة ال يصح منها شيء‪,‬‬
‫وكل هذه الروايات ليست من اإلسالم في شيء‪ ,‬فأمامنا كتاب هللا سبحانه ليس فيه مما‬
‫يدعون شيء وهو الفيصل األول‪ ,‬والمرجح األول في كل خالف‪ ,‬فالقرآن الكريم ذكر أن‬
‫أصل قبول األعمال هو التوحيد وسبب الحرمان هو الشرك‪ ,‬قال تعالى‪+ :‬من ي ْش ِر ْك بِ ِ‬
‫اهلل‬ ‫َ ُ‬
‫‪1‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/520‬‬
‫‪2‬‬
‫() تفسير ابن كثير (‪ ,)4/67‬تفسير البغوي (‪.)4/284‬‬
‫‪3‬‬
‫() تفسير الطبري (‪ ,)24،24‬تفسير القرطبي (‪ ,)15/277،276‬فتح القدير (‪ ,)4/474‬روح المعاني‬
‫لأللوسي (‪.)24/24/23‬‬
‫‪4‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/522‬‬
‫‪5‬‬
‫() أصول الكافي (‪.)1/437‬‬
‫‪6‬‬
‫() أمالي الصدوق‪ ,‬ص ‪.155-154‬‬
‫‪7‬‬
‫() أمالي الصدوق‪ ,‬ص ‪ ,290‬بحار األنوار (‪.)27/167‬‬
‫‪53‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫َّار" [المائدة‪ ,]72:‬وقوله‪+ :‬إِ َّن اهللَ الَ َيغْ ِف ُر أَن يُ ْش َر َك بِ ِه َو َيغْ ِف ُر َما‬ ‫ْجنَّةَ َو َمأ َْواهُ الن ُ‬
‫ِ‬
‫َف َق ْد َح َّر َم اهللُ َعلَْيه ال َ‬
‫ك لِ َمن يَّ َشاء" [النساء‪ ,]48:‬وكل ما ذكر من مبالغات الشيعة تكذبها آيات القرآن‪ ,‬فاهلل‬ ‫ُدو َن ذَلِ َ‬
‫َج ُر ُه ْم ِع ْن َد َربِّ ِه ْم َوالَ َخ ْو ٌ‬ ‫اهلل والْيوِم اآل َِخ ِر و َع ِمل ِ‬ ‫ِ‬
‫ف َعلَْي ِه ْم‬ ‫صال ًحا َفلَ ُه ْم أ ْ‬‫َ َ َ‬ ‫آم َن بِ َ َ ْ‬ ‫سبحانه يقول‪َ + :‬م ْن َ‬
‫َوالَ ُه ْم يَ ْح َزنُو َن" [المائدة‪ ,]69 :‬وهم يزعمون أن والية االثنى عشر أعظم من الصالة وسائر‬
‫أركان اإلسالم‪ ,‬والصالة ذكرت في القرآن بلفظ صريح واضح في أكثر من ثمانين‬
‫موضعًا‪ ,‬ولم تذكر واليتهم مرة واحدة‪ ,‬فهل أراد هللا جل شأنه ضالل عباده‪ ,‬أو لم يبين لهم‬
‫اه ْم َحتَّى‬ ‫طريق الوصول إليه‪ ,‬سبحانه هذا بهتان عظيم‪+ :‬وما َكا َن اهلل لِي ِ‬
‫ض َّل َق ْو ًما َب ْع َد إِ ْذ َه َد ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ََ‬
‫ُيَبيِّ َن ل َُهم َّما َيَّت ُقو َن" [التوبة‪ ,]115:‬وقد جاء في رواياتهم ما ينقض ما قالوه‪ ,‬وإن كانت ال‬
‫تلبث تأويالتهم‪ ,‬أو تقيتهم من وأد مثل هذه النصوص المعتدلة‪ ,‬ولكن نذكر ذلك لعل عاقالً‬
‫يتعظ‪ ,‬أو غافالً ينتبه‪ ,‬أو نائ ًما يستيقظ‪ ,‬وإلقامة الحجة على المعاند من كتبهم‪ ,‬وبيان ما‬
‫عليه نصوصهم من تناقض‪ ..‬جاء في تفسير فرات‪ :‬قال علي بن أبي طالب‪ :‬سمعت‬
‫ْم َو َّدةَ فِي الْ ُق ْربَى" [الشورى‪]23:‬‬ ‫َج ًرا إِالَّ ال َ‬
‫ِ‬
‫رسول هللا × يقول لما نزلت ‪+‬قُل الَّ أ ْ‬
‫َسأَلُ ُك ْم َعلَْيه أ ْ‬
‫قال جبرائيل‪ :‬يا محمد إن لكل دين أصالً ودعامة‪ ,‬وفرعًا وبنيانًا‪ ,‬وإن أصل الدين‬
‫ودعامته قول‪ :‬ال إله إال هللا‪ ,‬وإن فرعه وبنيانه محبتكم أهل البيت ومواالتكم فيما وافق‬
‫الحق ودعا إليه(‪.)1‬‬
‫فهذا النص يخالف ما تذهب إليه أخبارهم‪ ,‬حين يجعل أصل الدين شهادة التوحيد ال‬
‫الوالية‪ ,‬ويعد محبة أهل البيت هي الفرع وهي مشروطة بمن وافق الحق منهم ودعا‬
‫إليه(‪.)2‬‬
‫‪ -3‬اعتقادهم أن األئمة هم الواسطة بين هللا وخلقه‪ :‬تقول الشيعة اإلمامية‪ :‬إن‬
‫األئمة االثنى عشرية هم الواسطة بين هللا وخلقه‪ ,‬قال المجلسي عن أئمته‪ :‬فإنهم حجب‬
‫الرب والوسائط بينه وبين الخلق(‪ ,)3‬وعقد لذلك بابًا بعنوان‪ :‬باب أن الناس ال يهتدون إال‬
‫بهم‪ ,‬وأنهم الوسائل بين الخلق وبين هللا‪ ,‬وأنه ال يدخل الجنة إال من عرفهم(‪ ,)4‬وجاء في‬
‫كتاب عقائد اإلمامية أن األئمة االثنى عشر هم‪ :‬أبواب هللا والسبل إليه‪ ..‬إنهم كسفينة نوح‬
‫من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق(‪ ,)5‬ومن المسائل الموجودة في كتبهم ومصادرهم‬
‫والتي هي تصب في هذه المعاني‪:‬‬
‫أ‪ -‬قولهم‪ :‬ال هداية للناس إال باألئمة‪ :‬قال أبو عبد هللا –على حد زعمهم‪ -‬بلية الناس‬
‫عظيمة‪ ,‬إن دعوناهم لم يُجيبونا‪ ,‬وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا(‪ .)6‬وتقولـ أخبارهم‪ :‬قال أبو‬
‫ُرف هللا‪ ,‬وبنا وُحِّ د هللا(‪ ,)7‬فهذه النصوص ال تنفي الهداية عن‬ ‫جعفر‪ :‬بنا ُعبِد هللا‪ ,‬وبنا ع ِ‬
‫‪1‬‬
‫() تفسير فرات ص ‪ ,149-148‬بحار األنوار (‪.)23/247‬‬
‫‪2‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/535‬‬
‫‪3‬‬
‫()‪ )4( ,‬بحار األنوار (‪.)23/97‬‬
‫‪4‬‬
‫()‬

‫‪5‬‬
‫() عقائد اإلمامية للمظفر‪ ,‬ص ‪.99-98‬‬
‫‪6‬‬
‫() أمالي الصدوق‪ ,‬ص ‪ ,363‬أصول الشيعة (‪.)2/539‬‬
‫‪7‬‬
‫() بحار األنوار (‪.)23/103‬‬
‫‪53‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫األمة‪ ,‬ولكن تجعل مصدرها األئمة والحق أن الهداية بمعنى التوفيق إلى الحق وقبوله‪ ,‬ال‬
‫يملكها إال رب العباد‪ ,‬ومقلب القلوب واألبصار والذي يحول بين المرء وقلبه‪ ,‬والذي إذا‬
‫قال للشيء‪ :‬كن فيكون‪ ..‬والشيعة في إطالقها هذه العبارات بال أي قيد تجعل ألئمتها‬
‫مشاركة هلل في هذه الهداية‪ ,‬وهللا سبحانه هو الهادي وحده ال شريك له(‪ ,)1‬قال تعالى‪َ + :‬من‬
‫ك الَ‬ ‫ضلِ ْل َفلَن تَ ِج َد لَهُ َولِيًّا ُّم ْر ِش ًدا" [الكهف‪ ]17 :‬ويقول لنبيه ×‪+ :‬إِنَّ َ‬ ‫َي ْه ِد اهللُ َف ُه َو ال ُْم ْهتَ ِد َو َمن يُ ْ‬
‫َك َّن اهللَ َي ْه ِدي َمن يَ َشاءُ" [القصص‪ ,]56:‬أما هداية الداللة على الحق‬ ‫ت ول ِ‬
‫َحبَْب َ َ‬
‫ِ‬
‫َت ْهدي َم ْن أ ْ‬
‫واإلرشاد إليه فهذه وظيفة الرسل ومن تبعهم بإحسان‪ ,‬وال تنحصر في االثنى عشر ‪+‬قُ ْل‬
‫ص َير ٍة أَنَا َو َم ِن َّاتَب َعنِي" [يوسف‪ ,]108:‬وإطالق القول بأن هداية‬ ‫اهلل َعلَى ب ِ‬
‫َ‬
‫َه ِذ ِه سبِيلِي أَ ْدعُو إِلَى ِ‬
‫َ‬
‫(‪) 2‬‬
‫العباد ال تتم إال باألئمة جرأة على هللا ‪.‬‬
‫ب‪ -‬قولهم‪ :‬ال يُقبل الدعاء إال بأسماء األئمة‪ :‬قالوا‪ :‬ال يفلح من دعا بغير األئمة‪ ,‬ومن‬
‫فعل ذلك فقد هلك‪ ,‬جاء في أخبارهم عن األئمة‪ :‬من دعا هللا بنا أفلح‪ ,‬ومن دعا بغيرنا هلك‬
‫واستهلك(‪ ,)3‬وبلغت جرأتهم في هذا الباب أن قالوا‪ :‬إن دعاء األنبياء استجيب بالتوسل‬
‫واالستشفاع بهم‪ ,‬صلوات هللا عليهم أجمعين(‪ ,)4‬هذا ما تقوله الشيعة الرافضة وتفتريه‪ ,‬لكن‬
‫ْح ْسنَى فَا ْدعُوهُ بِ َها" [األعراف‪ ,]180:‬ولم يقل سبحانه‪ :‬فادعوه‬ ‫هللا يقول‪+ :‬و ِ‬
‫َس َماءُ ال ُ‬ ‫هلل األ ْ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ج‬‫ال ربُّ ُكم ا ْدعُونِي أَستَ ِ‬ ‫ق‬ ‫و‬
‫ْ ْ‬ ‫ََ َ َ ْ‬ ‫‪+‬‬ ‫شأنه‪:‬‬ ‫جل‬ ‫قال‬ ‫كما‬ ‫مشاهدهم‪.‬‬ ‫أو‬ ‫األئمة‬ ‫ومقامات‬ ‫األئمة‬ ‫بأسماء‬
‫لَ ُك ْم" [غافر‪ ,]60:‬ولو كان أساس قبول الدعاء ذكر أسماء األئمة لقال‪ :‬ادعوني بأسماء‬
‫األئمة استجب لكم‪ ,‬بل إن هذا األمر الذي تدعيه الشيعة وتفتريه من أسباب رد الدعاء‬
‫وعدم قبوله‪ ,‬ألن اإلخالص في الدعاء هلل أصل في اإلجابة والقبول‪ ,‬قال تعالى‪+ :‬فَا ْدعُوا‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ِّين" [األعراف‪:‬‬ ‫ين لَهُ الد َ‬ ‫ِّين َول َْو َك ِر َه الْ َكاف ُرو َن" [غافر‪َ + ,]14:‬وا ْدعُوهُ ُم ْخلص َ‬ ‫ين لَهُ الد َ‬‫اهللَ ُم ْخلص َ‬
‫وه ْم‬ ‫ون ِ ِ‬ ‫‪ ]29‬وهؤالء األئمة من سائر البشر ‪+‬إِ َّن الَّ ِذين تَ ْدعُو َن ِمن ُد ِ‬
‫اهلل عبَا ٌد أ َْمثَالُ ُك ْم فَا ْدعُ ُ‬ ‫َ‬
‫ين" [األعراف‪ ,]194:‬ولم يجعل هللا عز وجل بينه وبين خلقه‬ ‫َفلْيستَ ِجيبوا لَ ُكم إِن ُك ْنتُم ِ ِ‬
‫صادق َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ ُ‬
‫في عبادته ودعائه وليًا صالحًا‪ ,‬وال مل ًكا مقربًا‪ ,‬وال نبيًا مرسالً‪ ,‬بل الجميع عباد هللا ‪+‬لَن‬
‫هلل َوالَ ال َْمالَئِ َكةُ ال ُْم َق َّربُو َن" [النساء‪ ]172:‬وقوله‪+ :‬إِن ُك ُّل َمن ِفي‬ ‫ف الْم ِسيح أَن ي ُكو َن َع ْب ًدا ِ‬
‫يَ ْستَنك َ َ ُ َ‬
‫ِ‬
‫الر ْح َم ِن َع ْب ًدا" [مريم‪.]93:‬‬ ‫ض إِالَّ آتِي َّ‬ ‫ات َواأل َْر ِ‬ ‫السماو ِ‬
‫َّ َ َ‬
‫وأما دعوى أن دعاء األنبياء استجيب بالتوسل باألئمة فهي دعوى باطلة‪ ,‬إنما األنبياء‬
‫دعوا هللا عز وجل باسمه سبحانه وبوحدانيته جل شأنه‪ ,‬وأيوب عليه السالم توسل بأسماء‬
‫سنِ َي الض ُُّّر َوأ َ‬
‫َنت‬ ‫ادى َربَّهُ أَنِّي َم َّ‬ ‫وب إِ ْذ نَ َ‬
‫هللا الحسنى وأنه –عز وجل‪ -‬أرحم الراحمين ‪َ +‬وأَيُّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫استَ َج ْبنَا لَهُ فَ َك َش ْفنَا َما بِ ِه ِمن ُ‬
‫ض ٍّر َوآَت ْينَاهُ أ َْهلَهُ َوم ْثلَ ُهم َّم َع ُه ْم َر ْح َمةً ِّم ْن ع ْندنَا‬ ‫أَرحم َّ ِ ِ‬
‫ين ‪ ‬فَ ْ‬‫الراحم َ‬ ‫َُْ‬
‫ين" [األنبياء‪ ,]84،83:‬وأما يونس عليه السالم فتوسل هلل بوحدانيته‪ ,‬قال تعالى‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوذ ْك َرى لل َْعابد َ‬

‫‪1‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/540‬‬
‫‪2‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/540‬‬
‫‪3‬‬
‫() وسائل الشيعة (‪ ,)4/1142‬أصول الشيعة (‪.)2/541‬‬
‫‪4‬‬
‫() وهذا أحد أبواب بحار األنوار (‪.)26/319‬‬
‫‪54‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ك‬ ‫ات أَن الَّ إِلَهَ إِالَّ أ َ‬
‫َنت ُس ْب َحانَ َ‬ ‫ادى فِي الظُّلُم ِ‬ ‫اضبًا فَظَ َّن أَن لَّن َّن ْق ِد َر َعلَْي ِه َفنَ َ‬‫ُّون إِذ ذَّ َهب مغَ ِ‬
‫‪+‬وذَا الن ِ‬
‫ِ‬ ‫َِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َِ ُ‬ ‫إِنِّ َي ُك ُ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين" [األنبياء‪.]88،87:‬‬ ‫ك ُن ْنجي ال ُْم ْؤمن َ‬
‫استَ َج ْبنَا لَهُ َونَ َّج ْينَاهُ م َن الْغَ ِّم َو َك َذل َ‬ ‫نت م َن الظَّالم َ‬
‫ين ‪ ‬فَ ْ‬
‫والكلمات التي قالها آدم عليه السالم وزوجه هي كما قال هللا سبحانه‪+ :‬قَاال َر َّبنَا ظَلَ ْمنَا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫أَن ُف َسنَا َوإِن ل ْم َت ْغف ْر لَنَا َوَت ْر َح ْمنَا لَنَ ُكونَ َّن م َن الْ َخاس ِر َ‬
‫ين" [األعراف‪.]23:‬‬
‫وهذه المقالة من الشيعة معلومة فسادها من الدين بالضرورة وقد نقلت كتب الشيعة‬
‫نفسها ما يناقض هذه الدعوة عن األئمة في مناجاتهم هلل ودعائهم له‪ ,‬وما من إمام إال قد‬
‫رووا عنه الكثير من الدعاء ومناجاته وقد أتى على أكثره المجلسي في بحاره(‪.)1‬‬
‫ج‪ -‬قولهم‪ :‬إن الحج إلى المشاهد أعظم من الحج إلى بيت هللا‪ :‬قال ابن تيمية رحمه‬
‫هللا‪ :‬حدثني الثقات أن فيهم من يرى الحج إلى المشاهد أعظم من الحج إلى البيت العتيق‪,‬‬
‫فيرون اإلشراك باهلل أعظم من عبادة هللا وحده‪ ,‬وهذا من أعظم اإليمان بالطاغوت(‪,)2‬‬
‫وجاء في الكافي وغيره‪ :‬إن زيارة قبر الحسين تعدل عشرين حجة‪ ,‬وأفضل من عشرين‬
‫عمرة وحجة(‪ ,)3‬وخصت الروايات الشيعية الموضوعة زيارة الحسين يوم عرفة بفضل‬
‫خاص‪ ,‬تقول‪ :‬من أتى الحسين عارفًا بحقه في غير يوم عيد كتب هللا له عشرين حجة‬
‫وعشرين عمرة مبرورات مقبوالت‪ ..‬ومن أتاه في يوم عيد كتب هللا له عشرين حجة‬
‫ومائة عمرة‪ ,‬ومن أتاه يوم عرفة عارفًا بحقه كتب هللا له ألف حجة وألف عمرة مبرورات‬
‫متقبالت‪ ,‬وألف غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل(‪ .)4‬وليست زيارة قبر الحسين عند‬
‫هؤالء أفضل من الحج فحسب‪ ,‬بل هي أفضل األعمال‪ ,‬جاء في رواياتهم‪ :‬إن زيارة قبر‬
‫الحسين أفضل ما يكون من األعمال(‪ ,)5‬وفي رواية أخرى‪ :‬من أحب األعمال زيارة قبر‬
‫الحسين(‪.)6‬‬
‫وهكذا تنسى شرائع اإلسالم وأوامره‪ ,‬ويهتم بالقبور واألضرحة‪ ,‬ويجعلونها من‬
‫أفضل األعمال بال دليل إال ما صنعته أوهامهم‪ ,‬وأوحاه لهم شياطينهم‪ ,‬ليشرعوا من الدين‬
‫ما لم يشرعه هللا(‪.)7‬‬
‫وقد جعل هؤالء القوم زيارة األضرحة فريضة من فرائض مذهبهم ووضعواـ لها‬
‫مناسك كمناسك الحج إلى بيت هللا الحرام‪ ,‬قال ابن تيمية –رحمه هللا‪ :-‬وقد صنف شيخهم‬
‫ابن النعمان المعروف عندهم بالمفيد كتابًا سماه «مناسك المشاهد» جعل قبور المخلوقين‬
‫تحج كما تحج الكعبة البيت الحرام الذي جعله هللا قيا ًما للناس‪ ,‬وهو أول بيت وضع للناس‪,‬‬
‫فال يطاف إال به وال يصلى إال إليه‪ ,‬ولم يؤمر إال بحجه(‪ ,)8‬ومن رجع إلى مصادر الشيعة‬
‫الرافضة التي تتحدث عن المشاهد يرى العجب العجاب‪ ,‬واالنحراف عن كتاب هللا وهدي‬
‫‪1‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/545‬‬
‫‪2‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)2/124‬‬
‫‪3‬‬
‫() ثواب األعمال‪ ,‬ابن بابويه‪ ,‬ص ‪ ,52‬تهذيب األحكام للطوسي (‪.)2/16‬‬
‫‪4‬‬
‫() فروع الكافي (‪ )1/324‬للكليني‪ ,‬من ال يحضره الفقيه‪ ,‬بابويه (‪.)1/182‬‬
‫‪5‬‬
‫() كامل الزيارات‪ ,‬ص ‪ ,146‬أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/561‬‬
‫‪6‬‬
‫()‪ )7( ,‬أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/561‬‬
‫‪7‬‬
‫()‬

‫‪8‬‬
‫() منهاج السنة (‪ ,)1/175‬مجموع الفتاوى (‪.)17/498‬‬
‫‪54‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الرسول ×‪ ,‬ومن أراد التوسع فلينظر إلى كتاب أصول مذهب الشيعة اإلمامية(‪.)1‬‬
‫إن للمسلمين كعبة واحدة يتجهون إليها في صالتهم ودعائهم‪ ,‬ويحجون إليها‪,‬‬
‫ويطوفون بها‪ ,‬أما الشيعة فلهم مزارات ومشاهد عبارة عن أضرحة الموتى من األئمة(‪,)2‬‬
‫وهذا كله مما نهى هللا عنه ورسوله‪ ,‬وكل ما نهى هللا عنه ورسوله فهو مذموم منهي عنه‬
‫سواء أكان فاعله منتسبًا إلى السنة أم إلى التشيع‪ ,‬وقد علم باالضطرار من دين اإلسالم أن‬
‫النبي × لم يأمر بما ذكروه من أمر المشاهد وال شرع ألمته مناسك عند قبور األنبياء‬
‫والصالحين‪ ,‬بل هذا من دين المشركين الذين قال هللا تعالى فيهم‪َ + :‬وقَالُوا الَ تَ َذ ُر َّن آلِ َهتَ ُك ْم‬
‫وث َو َيعُو َق َونَ ْس ًرا" [نوح‪.]23 :‬‬ ‫َوالَ تَ َذ ُر َّن َودًّا َوالَ ُس َو ً‬
‫اعا َوالَ َيغُ َ‬
‫قال ابن عباس وغيره‪ :‬هؤالء‪ ..‬أسماء رجال صالحين من قوم نوح‪ ,‬فلما هلكوا أوحى‬
‫الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا‪ ,‬وسموها‬
‫بأسمائهم‪ ,‬ففعلوا‪ ,‬فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عُبدت(‪ .)3‬وقد قال أمير‬
‫المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي هللا عنه ألبي الهياج األسدي‪ :‬أال أبعثك على ما بعثني‬
‫عليه رسول هللا ×؟ «أن ال تدع تمثاالً إال طمسته‪ ,‬وال قبرًا مشرفًا إال سويته»(‪ ,)4‬وهذا‬
‫المعنى أقرت به بعض روايات الشيعة‪ ,‬فقد روى الكليني عن أبي عبد هللا‪ ,‬قال أمير‬
‫المؤمنين‪ :‬بعثني رسول هللا × إلى المدينة فقال‪« :‬لا تدع صورة إلا محوتها ولا‬
‫قبرًا إلا سويته»(‪ ,)5‬وعن أبي عبد هللا قال‪ :‬نهى رسول هللا × وآله أن يصلى على قبر‬
‫أو يقعد عليه أو يبنى عليه(‪ ,)6‬وعن أبي عبد هللا قال‪ :‬ال تبنوا على القبور‪ ..‬فإن رسول هللا‬
‫× كره ذلك(‪ ,)7‬وعنه أيضًا أن آبائه عن رسول هللا نهى أن تجصص المقابر(‪.)8‬‬
‫وقد زعم الحر العاملي أن هذا النهي يشمل كل قبر غير قبر النبي × واألئمة عليهم‬
‫السالم‪ ,‬وأن هذا النهي لمجرد الكراهة(‪ ,)9‬وصيغة العموم واضحة في هذه الروايات‪ ,‬كما‬
‫أن داللة التحريم بينة‪ ,‬وال دليل عند العاملي سوى ما شذت به طائفته في واقعها وفي‬
‫جملة من رواياتها‪ ,‬والشذوذ دليل على البطالن لمخالفته لكتاب هللا وسنة رسوله ×‬
‫وإجماع األمة بمن فيهم أهل البيت الذين أُثر عنهم التحذير من ذلك‪ ,‬ألن ذلك وسيلة‬
‫للشرك باهلل‪ ,‬ثم إن الحكمة التي ورد من أجلها النهي ال تفرق بين قبر وقبر‪ ,‬وقد يكون‬
‫الخطر في قبور األئمة أشد لعظيم االفتتان بهم‪ ,‬ولهذا كان أصل الشرك هو الغلو في‬
‫الصالحين(‪.)10‬‬
‫‪1‬‬
‫() أصول مذهب الشيعة اإلمامية (‪.)586-2/550‬‬
‫‪2‬‬
‫() أصول مذهب الشيعة اإلمامية (‪.)2/580‬‬
‫‪3‬‬
‫() البخاري‪ ,‬فتح الباري (‪ ,)8/667‬موقوف على ابن عباس من حكم المرفوع قاله األلباني –رحمه هللا‪-‬‬
‫في شرح العقيدة الطحاوية‪ ,‬ص ‪.80‬‬
‫‪4‬‬
‫() مسلم‪ ,‬كتاب الجنائز‪ ,‬رقم ‪.969‬‬
‫‪5‬‬
‫() فروع الكافي (‪ ,)2/227‬وسائل الشيعة (‪.)2/869‬‬
‫‪6‬‬
‫() تهذيب األحكام للطوسي (‪ ,)1/130‬وسائل الشيعة (‪.)2/869‬‬
‫‪7‬‬
‫() تهذيب األحكام (‪ ,)1/30‬المحاسنـ للبرقي ص ‪.612‬‬
‫‪8‬‬
‫() من ال يحضره الفقيه (‪ ,)2/194‬ابن بابويه‪ ,‬وسائل الشيعة (‪.)2/870‬‬
‫‪9‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/584‬‬
‫‪10‬‬
‫() تيسير العزيز الحميد لشرح كتاب التوحيد‪ ,‬ص ‪.305‬‬
‫‪54‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -4‬قولهم‪ :‬إن اإلمام يحرم ما يشاء ويحل ما يشاء‪ :‬تزعم الشيعة اإلمامية في‬
‫رواياتها أن هللا سبحانه وتعالى خلق محمدًا وعليًا وفاطمة‪ ,‬فمكثوا ألف دهر ثم خلق جميع‬
‫األشياء فأشهدهم خلقها وأجرى طاعتهم عليها وفوض أمورها إليهم‪ ,‬فهم يحلون ما‬
‫يشاؤون ويحرمون ما يشاؤون(‪ .)1‬شرح شيخهم المجلسي النص السابق‪ :‬فقال‪ :‬وأجرى‬
‫طاعتهم عليها‪ ,‬أي أوجب وألزم على جميع األشياء طاعتهم حتى الجمادات من‬
‫السماويات واألرضيات‪ ,‬كشق القمر وإقبال الشجر وتسبيح الحصى وأمثالها مما ال‬
‫يحصى‪ ,‬وفوض أمورها إليهم من التحليل والتحريم والعطاء والمنع(‪ ...)2‬وجاءت الرواية‬
‫عندهم صريحة بهذا فيما ذكره المفيد في االختصاص‪ ,‬والمجلسي في البحار وغيرهما‬
‫عن أبي جعفر قال‪ :‬من أحللنا له شيئًا أصابه من أعمال الظالمين(‪ )3‬فهو حالل ألن األئمة‬
‫منا مفوضـ إليهم‪ ,‬فما أحلوا فهو حالل‪ ,‬وما حرموا فهو حرام(‪ ,)4‬ومن المعلوم في كتاب‬
‫هللا وسنة رسوله × أن من أصول التوحيد اإليمان بأن هللا سبحانه هو المشرع وحده‬
‫سبحانه يحل ما يشاء ويحرم ما يشاء‪ ,‬ال شريك له في ذلك‪ ,‬ورسل هللا يبلغون شرع هللا‬
‫لعباده‪ ,‬ومن ادعى أن له إما ًما يحل ما يشاء ويحرم ما يشاء فهو داخل في قوله سبحانه‪:‬‬
‫َم يَأْذَن بِ ِه اهللُ"‬
‫‪+‬أ َْم ل َُه ْم ُش َر َكاءُ َش َرعُوا ل َُهم ِّم َن الدِّي ِن َما ل ْ‬
‫[الشورى‪.]21:‬‬
‫إن حق التشريع ال يملكه إال رب العباد‪ ,‬والرسل عليهم الصالة والسالم إنما هم‬
‫مبلغون عن هللا سبحانه ال يحرمون وال يحلون إال ما يأمرهم هللا به‪ ,‬ويوحيه إليهم‪ ,‬وقد‬
‫قال هللا جل شأنه فيمن اتبع مشايخه فيما يحلون ويحرمون من دون شرع هللا وحكمه‪ ,‬قال‬
‫ون ِ‬ ‫َحبار ُهم ور ْهبا َن ُهم أَربابا ِّمن ُد ِ‬
‫اهلل" [التوبة‪ ,]31:‬فجعل سبحانه اتباعهم‬ ‫سبحانه‪+ :‬اتَّ َخ ُذوا أ ْ َ َ ْ َ ُ َ ْ ْ َ ً‬
‫(‪)5‬‬
‫فيما يُحلون من الحرام ويُحرمون من الحالل كما جاء في تفسير اآلية عبادة لهم‪ ,‬حيث‬
‫تلقوا الحالل والحرام من جهتهم‪ ,‬وهو أمر ال يتلقى إال من جهة هللا عز وجل(‪.)6‬‬
‫‪ -5‬قولهم‪ :‬بأن الدنيا واآلخرة كلها لإلمام يتصرف بهما كيف يشاء‪ :‬عقد صاحب‬
‫الكافي لهذا بابًا بعنوان‪ :‬باب أن األرض كلها لإلمام(‪ ,)7‬ومما جاء فيه عن أبي بصير عن‬
‫أبي عبد هللا عليه السالم قال‪ :‬أما علمت أن الدنيا لإلمام يضعها حيث يشاء ويدفعها إلى‬
‫من يشاء جائز له ذلك من هللا(‪.)8‬‬
‫َم َت ْعلَ ْم أ َّ‬
‫َن اهللَ لَهُ‬ ‫النص شرك في ربوبية هللا سبحانه‪ ,‬ألن هللا جل شأنه يقول‪+ :‬أَلِْ‬ ‫فهذا‬
‫ض َو َما‬‫الس َم َاوات َواأل َْر ِ‬ ‫ْك َّ‬ ‫ِ‬
‫ض" [البقرة‪ ,]107 :‬ويقولـ سبحانه‪َ + :‬وهلل ُمل ُ‬ ‫ِ‬
‫الس َم َاوات َواأل َْر ِ‬
‫ْك َّ‬ ‫ُمل ُ‬

‫‪1‬‬
‫() أصول الكافي (‪ ,)1/441‬بحار األنوار (‪.)25/340‬‬
‫‪2‬‬
‫() بحار األنوار (‪.)25/342،341‬‬
‫‪3‬‬
‫() الظالمون في معتقدهم هم خلفاء الدولة اإلسالمية‪ ,‬ما عدا أمير المؤمنين عليًا وابنه الحسين رضي هللا‬
‫عنهما‪ ,‬ألن بقية أئمتهم لم يتولوا الخالفة وال يو ًما واحدًا‪ ,‬وكل خليفة من غيرهم هو ظالم وغاصب لحق‬
‫األئمة على حد زعمهم‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() االختصاص ص ‪ ,330‬بحار األنوار (‪.)25/334‬‬
‫‪5‬‬
‫() تفسير الطبري (‪ ,)1/114،113‬تفسير ابن كثير (‪.)2/374،373‬‬
‫‪6‬‬
‫() تفسير ابن عطية (‪.)8/166‬‬
‫‪7‬‬
‫() أصول الكافي (‪.)410-1/407‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)1/409‬‬
‫‪54‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ض َو َما فِي ِه َّن"‬ ‫ات َواأل َْر ِ‬‫السماو ِ‬
‫ْك ِ َّ َ َ‬
‫صير" [المائدة‪ ,]18:‬ويقول جل شأنه‪ِ + :‬‬
‫هلل ُمل ُ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َب ْيَن ُه َما َوإل َْيه ال َْم ُ‬
‫ِ‬
‫يك في‬ ‫َم يَ ُكن لَّهُ َش ِر ٌ‬ ‫ِ‬
‫الس َم َاوات َواأل َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫[المائدة‪ ,]120:‬وقال‪+ :‬الَّذي لَهُ ُمل ُ‬
‫َم َيتَّخ ْذ َولَ ًدا َول ْ‬
‫ض َول ْ‬ ‫ْك َّ‬
‫َخ َرةُ َواألُولَى" [النجم‪ ,]25 :‬كما قال سبحانه‪+ :‬قُ ْل‬ ‫ْك" [الفرقان‪ ,]2:‬وقال سبحانه‪+ :‬فَلِلَّ ِه اآل ِ‬ ‫الْمل ِ‬
‫ُ‬
‫ض" [سبأ‪ ,]24:‬وقال سبحانه‪َ + :‬هل ِمن َخالِ ٍق غَْير ِ‬
‫اهلل َي ْر ُزقُ ُك ْم ِّم َن‬ ‫ِ‬ ‫َر‬‫أل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫السماو ِ‬
‫ات‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِّ‬ ‫م‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫ق‬
‫ُ‬ ‫ز‬
‫َم َ ْ ُ‬
‫ر‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ َّ َ َ َ ْ‬
‫ك ُروا لَهُ" [العنكبوت‪:‬‬ ‫الر ْز َق َوا ْعبُ ُدوهُ َوا ْش ُ‬
‫اهلل ِّ‬ ‫ِ‬
‫ض" [فاطر‪ ,]3:‬وقال‪+ :‬فَ ْابَتغُوا ع ْن َد ِ‬ ‫الس َم ِاء َواأل َْر ِ‬
‫َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ .]17‬فهو سبحانه قد تفرد بالملك والرزق والتدبير‪ ,‬ال شريك له في ذلك ‪.‬‬
‫‪ -6‬إسناد الحوادث الكونية إلى األئمة‪ :‬عن سماعة بن مهران قال‪ :‬كنت عند عبد هللا‬
‫عليه السالم‪ ,‬فأرعدت السماء وأبرقت‪ ,‬فقال أبو عبد هللا عليه السالم‪ :‬أما إنه ما كان من‬
‫هذا الرعد ومن هذا البرق فإنه من أمر صاحبكم‪ ,‬قلت‪ :‬من صاحبنا؟‪ ,‬قال‪ :‬أمير المؤمنين‬
‫عليه السالم(‪ ,)2‬يعني‪ :‬كل ما وقع من رعد وبرق فهو من أمر علي‪ ,‬ال من أمر الواحد‬
‫القهار‪ ,‬فماذا يستنبط المسلم المنصف من هذه الرواية‪ ,‬وهللا جل شأنه يقول‪ُ + :‬ه َو الَّ ِذي‬
‫ال" [الرعد‪]12 :‬؟‪ ,‬أليست هذه هي السبئية قد‬ ‫الث َق َ‬
‫اب ِّ‬ ‫وي ْن ِش ُئ َّ‬
‫الس َح َ‬ ‫يُ ِري ُك ُم الَْب ْر َق َخ ْوفًا َوطَ َم ًعا ُ‬
‫أطلت برأسها المشوه من خالل كتب االثنى عشرية؟‪ ,‬أليس هذا ادعاء لربوبية علي‬
‫رضي هللا عنه‪ ,‬أو أن له شر ًكا في الربوبية؟‪ ,‬كيف يتجرأ قلم المجلسي ومن قبله المفيد‬
‫على كتابة هذه األسطورة ونسبتها إلى جعفر؟‪ ,‬فإن هذا اإليحاء ال يخفى على أمثالهم‪ ,‬وال‬
‫يؤمن بهذا ويدعو إليه إال كل زنديق و ُملحد‪ ,‬والعجب من قوم يستقون دينهم من كتب‬
‫حوت هذا الغثاء‪ ,‬ويعظمون شيو ًخا يجاهرون بهذا البالء‪ ,‬أليس في هذه الطائفة من‬
‫صاحب عقل ودين يعلن الصيحة والنكير على هذا الضالل المنتشر والكفر المبين‪ ,‬ويبرئ‬
‫أهل البيت األطهار من هذا الدرن القاتل وينقي ثوب التشيع مما لطخه به شيوخ الدولة‬
‫الصفوية من ُكفر وضالل‪ ,‬أم أن كل صوت صادق إما أن يعاجل بالقتل كما فعلوا مع‬
‫الكسروي‪ ,‬أو يحمل قوله على التقية كما صنعوا في الكثير من رواياتهم‪ ,‬وطائفة من‬
‫أقوال شيوخهم‪ ,‬فهل وصل هذا المذهب في سبيل دعوته إلى نور الحق إلى طريق‬
‫مسدود(‪)3‬؟‪.‬‬
‫‪ -7‬الجزء اإللهي الذي حل في األئمة‪ :‬وترد روايات عند الشيعة اإلمامية تدعي بأن‬
‫جز ًءا من النور اإللهي حل بعلي(‪ ,)4‬قال أبو عبد هللا‪ :‬ثم مسحنا بيمينه فأفضى نوره فينا ‪,‬‬
‫(‪)5‬‬

‫ولكن هللا خلطنا بنفسه(‪ ,)6‬وهذا الجزء اإللهي الذي في األئمة –كما يزعمون‪ -‬أعطوا به‬
‫قدرات مطلقة‪ ,‬ولذلك فإن من يقرأ ما يسمونه معجزات األئمة –وتبلغ مئات الروايات‪-‬‬
‫يالحظ أن األئمة أصبحوا كرب العالمين –تعالى وتقدس عما يقولون‪ -‬في اإلحياء واإلماتة‬
‫والخلق والرزق(‪ ,)7‬إال أن رواياتهم تربط هذا بأنه من هللا كنوع من التلبيس واإليهام‪,‬‬

‫‪1‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/622‬‬
‫‪2‬‬
‫() االختصاص للمفيد‪ ,‬ص ‪ ,327‬بحار األنوار (‪.)27/33‬‬
‫‪3‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/624‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)2/628‬‬
‫‪5‬‬
‫() أصول الكافي (‪.)1/440‬‬
‫‪6‬‬
‫() أصول الكافي (‪.)1/435‬‬
‫‪7‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/628‬‬
‫‪54‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ويكفيـ في فساده مجرد تصوره‪ ,‬إذ هو ُمخالف للنقل والعقل والسنن الكونية‪ ,‬كما هو‬
‫منقوضـ بواقع األئمة وإقراراتهم‪ ,‬حيث يزعم الشيعة أن األئمة عاشوا مظلومين‬
‫ك لَِن ْف ِسي َن ْف ًعا َوالَ َ‬
‫ض ًّرا إِالَّ‬ ‫ومضطهدين‪ ,‬ورسول الهدى × يقول –كما أمره ربه‪+ -‬قُل الَّ أ َْملِ ُ‬
‫اء اهللُ" [األعراف‪.]188:‬‬
‫َما َش َ‬
‫ومن الطريف أن كتب الشيعة مع تعظيم األئمة والغلو فيهم تروي ما يخالف هذا‪,‬‬
‫لتثبت تناقضها فيما تقول‪ ,‬كالعادة في كل كذب وباطل‪ ,‬فقد جاء في رجال الكشي أن جعفر‬
‫ابن محمد قال‪ :‬فوهللا ما نحن إال عبيد الذي خلقنا واصطفانا‪ ,‬ما نقدر على ضر وال نفع‪,‬‬
‫وإن رحمنا فبرحمته‪ ,‬وإن عذبنا فبذنوبنا‪ ,‬وهللا ما لنا على هللا حجة‪ ,‬وال معنا من هللا براءة‪,‬‬
‫ولنا لميتون ومقبورون‪,‬ـ ومنشورون‪ ,‬ومبعوثون وموقوفونـ ومسئولون‪ ,‬ويلهم‪ ,‬مالهم‬
‫لعنهم هللا فقد آذوا هللا وآذوا رسوله × في قبره‪ ,‬وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين‬
‫وعلي بن الحسن ومحمد بن علي صلوات هللا عليهم‪ ..‬أشهدكم أني امرؤ ولدني رسول هللا‬
‫×‪ ,‬وما معي براءة من هللا‪ ,‬إن أطعته رحمني وإن عصيته عذبني عذابًا شديدًا(‪ .)1‬ولكن‬
‫شيوخ الشيعة يعدون مثل هذه اإلقرارات من باب التقية‪ ,‬فأضلوا قومهم سواء السبيل‪,‬‬
‫وأصبح مذهب الشيعة مذهب الشيوخ ال مذهب األئمة(‪.)2‬‬
‫‪ -8‬قولهم‪ :‬إن األئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه ال يخفى عليهم شيء‪ :‬عقد‬
‫لذلك صاحب الكافي بابًا بعنوان‪« :‬باب أن األئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه ال‬
‫يخفى عليهم شيء»(‪ ,)3‬وضمه طائفة من رواياتهم‪ ,‬وعقد بابًا آخر بعنوان «باب أن األئمة‬
‫إذا شاؤوا أن يعلموا علموا»(‪ ,)4‬وذكر فيه جملة من أحاديثهم‪ ,‬ومن روايات هذه‬
‫األبواب(‪ :)5‬قال أبو عبد هللا –كما يكذبون‪ :-‬إني ألعلم ما في السموات وما في األرض‬
‫وأعلم ما في الجنة وأعلم ما في النار‪ ,‬وأعلم ما كان وما يكون(‪ ,)6‬وعن سيف التمار قال‪:‬‬
‫كان مع أبي عبد هللا رضي هللا عنه جماعة من الشيعة في الحجر فقال‪ :‬علينا عين؟ فالتفتنا‬
‫يمنة ويسرة فلم نر أحدًا‪ ,‬فقلنا‪ :‬ليس علينا عين‪ ,‬فقال‪ :‬ورب الكعبة ورب البنية –ثالث‬
‫مرات‪ -‬لو كنت بين موسى والخضر ألخبرتهما أني أعلم منهما وألنبأتهما بما ليس في‬
‫أيديهما‪ ,‬ألن موسى والخضر عليهما السالم أعطيا علم ما كان‪ ,‬ولم يعطيا علم ما يكون‬
‫وما هو كائن حتى تقوم الساعة‪ ,‬وقد ورثناه من رسول هللا × وآله وراثة(‪.)7‬‬
‫فهذا نموذج من غلو الشيعة الرافضة‪ ,‬وهذا بعض ما عندهم‪ ,‬فالغلو أساس مذهبهم‬
‫وأصله‪ ,‬وقد نهى هللا عز وجل وحذر من الغلو لما فيه من منافاة التوحيد وأصل الشرك‬
‫ْح ِّق" [المائدة‪ ,]77:‬قال‬ ‫ِ ِِ‬ ‫قدي ًما وحديثًا‪ ,‬قال تعالى‪+ :‬قُل يا أ َْهل ال ِ‬
‫ْكتَ ِ‬
‫اب الَ َت ْغلُوا في دين ُك ْم غَْي َر ال َ‬ ‫َْ َ‬
‫ابن كثير –رحمه هللا‪ -‬في تفسيره هذه اآلية‪ :‬أي ال تجاوز الحد في اتباع الحق‪ ,‬وال تطروا‬
‫من أمرتكم بتعظيمه فتبالغوا فيه حتى تخرجوه من حيز النبوة إلى مقام اإللهية كما صنعتم‬

‫‪1‬‬
‫() رجال الكشي‪ ,‬ص ‪.226-225‬‬
‫‪2‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/630‬‬
‫‪3‬‬
‫() أصول الكافي (‪.)262-1/260‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)1/258‬‬
‫‪5‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/679‬‬
‫‪6‬‬
‫() أصول الكافي (‪.)1/261‬‬
‫‪7‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)1/261،260‬‬
‫‪54‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫في المسيح وهو نبي من األنبياء فجعلتموه إلهًا من دون هللا‪ ,‬وما ذاك إال القتدائكم‬
‫َضلُّوا َكثِ ًيرا‬ ‫ضلُّوا ِمن َق ْب ُل َوأ َ‬ ‫بشيوخكم شيوخ الضالل الذين هم سلفكم ممن ضل قدي ًما ‪+‬قَ ْد َ‬
‫يل" [المائدة‪ ]77:‬أي خرجوا عن طريق االستقامة واالعتدال إلى طريق‬ ‫ضلُّوا َعن َس َو ِاء َّ‬
‫السبِ ِ‬ ‫َو َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الغواية والضالل ‪ ,‬وقال تعالى‪+ :‬يَا أ َْه َل الْكتَاب الَ َتغْلُوا في دين ُك ْم َوالَ َت ُقولُوا َعلَى اهلل إالَّ‬ ‫(‪) 1‬‬

‫ْح َّق" [النساء‪ ,]171:‬فاهلل عز وجل في هاتين اآليتين ينهى عن الغلو واإلطراء وتجاوز‬ ‫ال َ‬
‫الحد‪ ,‬وفيه رد صريح على الشيعة الرافضة وكل من سلك هذا المسلك تجاه من يعظهم‪,‬‬
‫وقد أمر هللا عز وجل نبيه محمدًا × أن يُبين للناس أنه ال يملك لنفسه شيئًا وأن النفع‬
‫ول لَ ُك ْم ِع ْن ِدي َخ َزائِ ُن‬ ‫والضر بيد هللا‪ ,‬وأن علم الغيب ال يعلمه إال هللا‪ ,‬قال تعالى‪+ :‬قُل الَّ أَقُ ُ‬
‫َي قُل َهل يستَ ِوي األ ْعمى والْب ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ُير‬ ‫َ َ َ‬ ‫وحى إِل َّ ْ ْ َ ْ‬ ‫ك إِ ْن أَتَّبِ ُع إِالَّ َما يُ َ‬ ‫ول لَ ُك ْم إِنِّي َملَ ٌ‬ ‫ب َوالَ أَقُ ُ‬ ‫اهلل َوالَ أَ ْعلَ ُم الْغَْي َ‬
‫ك لَِن ْف ِسي َن ْف ًعا َوالَ َ ِ‬ ‫أَفَالَ َتَت َف َّك ُرو َن" [األنعام‪ .]50:‬وقال تعالى‪+ :‬قُل الَّ أ َْملِ ُ‬
‫اء اهللُ َول َْو‬ ‫ض ًّرا إالَّ َما َش َ‬
‫السوءُ إِ ْن أَنَا إِالَّ نَ ِذ ٌير َوبَ ِش ٌير لَِّق ْوٍم ُّي ْؤ ِمنُو َن"‬‫سنِ َي ُّ‬ ‫ت ِم َن الْ َخ ْي ِر َو َما َم َّ‬‫ب الَ ْستَك َْث ْر ُ‬ ‫نت أَ ْعلَ ُم الْغَْي َ‬
‫ُك ُ‬
‫[األعراف‪ ,]188 :‬فاهلل عز وجل أمره أن يفوض األمور إليه وأن يخبرهم عن نفسه أنه ال‬
‫يعلم غيب المستقبل وال اطالع له على شيء من ذلك(‪.)2‬‬
‫كل ذلك سدًا للطرق الموصلة إلى الغلو فيه ×‪ ,‬وتحذيرًا ألمته أن يغلوا فيه كما غالت‬
‫اليهود والنصارى في أنبيائهم‪ ,‬فإذا كان هذا في حق سيد الخلق‪ ,‬وأعظمهم منزلة عند هللا‬
‫فغيره من باب أولى‪.‬‬
‫وبهذا يظهر بطالن دعوى الرافضة في األئمة وزعمهم أنهم يعلمون الغيب ويعلمون‬
‫ما كان وما سيكون‪ ,‬وجعلهم شركاء هلل في الخلق واإلحياء وفي األسماء والصفات‪ ,‬وكيف‬
‫يستقيم لهم ذلك مع قوله تعالى أيضًا في غير ما آية من كتابه العزيز‪ ,‬قال تعالى‪َ + :‬و َما‬
‫س بِأ ِّ‬ ‫ِ‬
‫وت" [لقمان‪:‬ـ‪ .]34‬وقال تعالى‪َ + :‬ي ْو َم‬ ‫ض تَ ُم ُ‬ ‫َي أ َْر ٍ‬ ‫ب غَ ًدا َو َما تَ ْد ِري َن ْف ٌ‬ ‫س َّما َذا تَكْس ُ‬ ‫تَ ْد ِري َن ْف ٌ‬
‫وب" [المائدة‪.]109:‬‬ ‫َنت َعالَّ ُم الْغُيُ ِ‬ ‫كأ َ‬ ‫ْم لَنَا إِنَّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول َماذَا أُج ْبتُ ْم قَالُوا الَ عل َ‬ ‫الر ُس َل َفَي ُق ُ‬ ‫يَ ْج َم ُع اهللُ ُّ‬
‫ِ‬
‫اد" [الرعد‪ ,]8:‬وقال‬ ‫ام َو َما َت ْز َد ُ‬
‫ُ‬ ‫األر َح‬
‫ْ‬ ‫وقال تعالى‪+ :‬اهللُ َي ْعلَ ُم َما تَ ْح ِم ُل ُك ُّل أُْنثَى َو َما تَغ ُ‬
‫يض‬
‫ب‬ ‫ْح ُّق َوأَنَّهُ يُ ْحيِي ال َْم ْوتَى" [الحج‪ ,]6:‬وقال تعالى‪َ + :‬و ِع ْن َدهُ َم َفاتِ ُح الْغَْي ِ‬ ‫َن اهللَ ُه َو ال َ‬ ‫ك بِأ َّ‬‫تعالى‪+ :‬ذَلِ َ‬
‫ض َواهللُ َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء‬ ‫ات َواأل َْر ِ‬ ‫السماو ِ‬
‫ْك َّ َ َ‬ ‫هلل ُمل ُ‬ ‫الَ ي ْعلَم َها إِالَّ ُهو" [األنعام‪ ,]59:‬وقوله تعالى‪+ :‬و ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ْك َو ُه َو َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير"‬ ‫َ ُ ُ‬‫ل‬ ‫ْم‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ِ‬
‫ه‬ ‫د‬‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫ي‬ ‫ذ‬‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ك‬ ‫ار‬ ‫ب‬
‫ََ َ َ‬ ‫ت‬ ‫‪+‬‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫وقوله‬ ‫‪,‬‬ ‫]‬ ‫‪189‬‬ ‫عمران‪:‬‬ ‫[آل‬ ‫قَ ِد ٌير"‬
‫[الملك‪ ,]1:‬وغير ذلك من اآليات الواردة في هذا الباب والتي تثبت تفرده جل وعال بعلم‬
‫الغيب والتصرف بالكون‪ ,‬فمن نسب شيئًا من ذلك إلى أحد من المخلوقين فقد نازع هللا في‬
‫ربوبيته وألوهيته وهوى في الشرك‪ ,‬فأنى له اإلسالم مع ذلك‪ ,‬قال تعالى‪+ :‬إِ َّن اهللَ الَ َي ْغ ِف ُر‬
‫ِ‬ ‫أَن ي ْشر َك بِ ِه ويغْ ِفر ما ُدو َن ذَلِ َ ِ‬
‫ك ل َمن يَّ َشاءُ" [النساء‪ ,]48:‬وقال‪+ :‬إِنَّهُ َمن يُ ْش ِر ْك بِاهلل َف َق ْد َح َّر َم اهللُ‬ ‫ََ ُ َ‬ ‫ُ َ‬
‫صا ٍر" [المائدة‪ ,]72:‬وذلك أن هللا عز وجل خلق الخلق‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬‫علَي ِه الْجنَّةَ ومأْواه النَّار وما لِلظَّالِ ِمين ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫َ ْ َ ََ َ ُ ُ ََ‬
‫ون" [الذاريات‪ ,]56:‬أي ليوحدوه‬ ‫ْج َّن وا ِإلنس إِالَّ لِي ْعب ُد ِ‬ ‫ت ال ِ‬ ‫لعبادته‪ ,‬قال تعالى‪َ + :‬و َ َ َ ْ ُ‬
‫ق‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫َ َ َُ‬
‫فأرسل الرسل‪ ,‬وأنزل الكتب من أجل إفراده بالعبادة‪ ,‬قال تعالى‪َ + :‬ولََق ْد َب َع ْثنَا فِي ُك ِّل أ َُّم ٍة‬
‫‪1‬‬
‫() تفسير ابن كثير (‪.)2/85‬‬
‫‪2‬‬
‫() تفسير القرآن العظيم (‪.)2/373‬‬
‫‪54‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وت" [النحل‪ ]36:‬والغلو ينافي تحقيق العبادة(‪ ,)1‬وكما حذر‬ ‫اجتَنِبُوا الطَّاغُ َ‬ ‫َّرسوالً أ ِ‬
‫َن ا ْعبُ ُدوا اهللَ َو ْ‬ ‫ُ‬
‫هللا عز وجل من الغلو بكل مظاهره وصوره‪ ,‬فقد حذر النبي × أيضًا حماية لتوحيد هللا‬
‫وسدًا لكل ذريعة‪ ,‬تكون سببًا في نقص توحيده‪ ,‬ألن الغلو مطية الشرك ووسيلته وما دب‬
‫في أمة إال أهلكها‪ ,‬فقال × محذرًا أمته من هذا الداء‪« :‬إياكم والغلو‪ ,‬فإنما أهلك من‬
‫كان قبلكم الغلو في الدين»(‪ ,)2‬وعن ابن عباس رضي هللا عنهما أنه سمع عمر‬
‫رضي هللا عنه يقول على المنبر سمعت النبي × يقول‪« :‬لا تطروني كما أطرت النصارى‬
‫ابن مريم‪ ,‬فإنما أنا عبد‪ ,‬فقولوا عبد الله ورسوله»(‪ ,)3‬فالنبي × يحذر أمته من‬
‫الغلو ومجاوزة الحد في مدحه‪ ,‬كما فعلت النصارى في عيسى عليه السالم‪ ,‬ويأمر × أن‬
‫ِ‬
‫يوصف بصفة العبودية والتي قد وصفه هللا بها في اإلسراء فقال‪ُ + :‬س ْب َحا َن الَّذي أ ْ‬
‫َس َرى‬
‫بِع ْب ِد ِه ل َْيالً" [اإلسراء‪ ,]1:‬كما وصفه بذلك في مقام الدعوة إليه فقال‪+ :‬وأَنَّهُ ل ََّما قَام َع ْب ُد ِ‬
‫اهلل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ادوا يَ ُكونُو َن َعلَْي ِه لِبَ ًدا" [الجن‪ ,]19:‬وكذلك وصفه عند إنزال الكتاب عليه ونزول‬ ‫يَ ْ ُ ُ َ ُ‬
‫ك‬ ‫وه‬ ‫ع‬ ‫د‬
‫الملك إليه فقال‪َ+ :‬تبَ َار َك الَّ ِذي َن َّز َل الْ ُف ْرقَا َن َعلَى َع ْب ِد ِه" [الفرقان‪ ,]1:‬فتلك ثالثة مقامات من‬
‫أشرف المقامات وصفه ومدحه ربه جل وعال فيها بصفة العبودية له‪ ,‬فأين الشيعة‬
‫الرافضة من تلك اآليات واألحاديث الواردة في النهي عن الغلو والتحذير منه‪ ,‬الداعية إلى‬
‫تحقيق العبودية؟‪.‬‬
‫إن الناظر إلى أقوال أمير المؤمنين علي وأبنائه رضي هللا عنهم‪ ,‬يجد فيها الرد البليغ‬
‫على هذا الغلو واإلفراط وبراءتهم من أقوال الشيعة الرافضة وكل من غالى فيهم‪ ,‬كما‬
‫تبين كذب تلك الروايات المنسوبة إليهم وضاللها(‪ .)4‬فقد روى اإلمام مسلم في صحيحه‬
‫من حديث أبي الطفيل عامر بن واثلة رضي هللا عنه قال‪ :‬كنت عند علي بن أبي طالب‬
‫فأتاه رجل فقال‪ :‬ما كان النبي × يُسر إليك؟‪ ,‬قال‪ :‬فغضب وقال‪ :‬ما كان النبي × يسر إلي‬
‫شيئًا يكتمه عن الناس‪ ,‬غير أنه قد حدثني بكلمات أربع‪ ,‬قال‪ :‬فقال‪ :‬ما هن يا أمير‬
‫المؤمنين؟‪ ,‬قال‪« :‬لعن الله من لعن والده‪ ,‬ولعن الله من ذبح لغير الله‪ ,‬ولعن‬
‫الله من آوى محدثًا‪ ,‬ولعن الله من غيَّر منار الأرض»‪ .‬وفي رواية‪ :‬أخصَّكم‬
‫رسول هللا ×؟ فقال‪ :‬ما خصنا رسول هللا × بشيء(‪.)5‬‬
‫وفي رواية عند اإلمام أحمد‪ ...:‬ما عهد إل ّي رسول هللا × شيئًا خاصة دون الناس(‪,)6‬‬
‫وروى البخاري في صحيحه عن أبي جحيفة رضي هللا عنه قال‪ :‬قلت لعلي‪ :‬هل عندكم‬
‫كتاب؟‪ ,‬قال‪ :‬ال‪ ,‬إال كتاب هللا‪ ,‬أو فهم أعطيه رجل مسلم‪ ,‬أو ما في هذه الصحيفة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬فما هذه الصحيفة؟‪ ,‬قال‪ :‬العقل‪ ,‬وفكاك األسير‪ ,‬وال يقتل مسلم بكافر(‪ ,)7‬وفي رواية‪:‬‬
‫هل عندكم شيء من الوحي إال ما في كتاب هللا؟‪ ,‬قال‪ :‬ال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة‪ ,‬ما‬

‫‪1‬‬
‫() العقيدة في أهل البيت‪ ,‬ص ‪.398‬‬
‫‪2‬‬
‫() صحيح سنن ابن ماجة (‪ )2/177‬صححه األلباني‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() البخاري‪ ,‬كتاب أحاديث األنبياء‪ ,‬رقم (‪.)3445‬‬
‫‪4‬‬
‫() العقيدة في أهل البيت‪ ,‬ص ‪.399‬‬
‫‪5‬‬
‫() مسلم‪ ,‬كتاب األضاحي رقم (‪.)1978‬‬
‫‪6‬‬
‫() المسند (‪.)1/119‬‬
‫‪7‬‬
‫() البخاري‪ ,‬كتاب العلم رقم (‪.)111‬‬
‫‪54‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫أعلمه إال فه ًما يعطيه هللا(‪ ...)1‬قال ابن حجر‪ :‬وإنما سأله أبو جحيفة عن ذلك ألن جماعة‬
‫من الشيعة كانوا يزعمون أن عند أهل البيت –السيما عليًا‪ -‬أشياء من الوحي خصهم‬
‫النبي × بها لم يطلع غيرهم عليها(‪ ,)2‬وقال ابن تيمية –رحمه هللا‪ -‬عقب إيراده لهذا‬
‫الحديث‪ :‬والكتب المنسوبة إلى علي‪ ,‬أو غيره من أهل البيت في اإلخبار بالمستقبالت كلها‬
‫كذب مثل كتاب الجفر والبطاقة وغير ذلك‪ ,‬وكذلك ما يضاف إليه من أنه عنده علم من‬
‫النبي × خصه به دون غيره من الصحابة‪ ,‬وكذلك ما ينقل عن غير علي من الصحابة‪ ,‬أن‬
‫النبي × خصه بشيء من علم الدين الباطن‪ ,‬كل ذلك باطل(‪.)3‬‬
‫ومما يبين بطالن ذلك‪ ,‬ما روى ابن سعد عن علي بن الحسين زين العابدين أنه قال‬
‫عن سعيد بن جبير –رحمهما هللا‪ :-‬ذلك رجل كان يمر بنا فنسأله عن الفرائض وأشياء‬
‫مما ينفعنا هللا بها‪ ,‬إنه ليس عندنا ما يرمينا به هؤالء‪ ,‬وأشار بيده إلى العراق(‪ .)4‬وجاء عن‬
‫محمد ابن الحنفية محذرًا الشيعة الرافضة مما تنسبه إليهم من علم خصهم به رسول هللا ×‬
‫حيث قال‪ :‬إنا وهللا ما ورثنا من رسول هللا × إال ما بين اللوحين(‪ ,)5‬وقد تواتر عن آل‬
‫البيت أنهم كانوا يقولون لشيعتهم‪ :‬أيها الناس أحبونا حب اإلسالم‪ ,‬فما برح بنا حبكم حتى‬
‫صار علينا عارًا(‪ .)6‬وزيادة على ذلك فقد جاء في كتب الشيعة الرافضة التحذير من الغلو‬
‫وبراءة آل البيت من ذلك‪ ,‬فقد روى المجلسي بسنده عن علي بن أبي طالب رضي هللا عنه‬
‫أنه قال‪ :‬إياكم والغلو فينا‪ ,‬قولوا إنا عبيد مربوبون(‪ .)7‬وروي عن علي رضي هللا عنه أنه‬
‫قال‪ :‬اللهم إني برئ من الغالة كبراءة عيسى ابن مريم من النصارى‪ ,‬اللهم اخذلهم أبدًا‪,‬‬
‫وال تنصر منهم أحدًا(‪.)8‬‬
‫روى الكليني بسنده عن سديد قال‪ :‬كنت أنا وأبو بصير ويحيى البزار وداود بن كثير‬
‫في مجلس أبي عبد هللا إذ خرج إلينا وهو مغضب‪ ,‬فلما أخذ في مجلسه قال‪ :‬يا عجبًا‬
‫ألقوام يزعمون أنا نعلم الغيب‪ ,‬ما يعلم الغيب إال هللا عز وجل‪ .‬لقد هممت بضرب جاريتي‬
‫فالنة فهربت مني فما علمت في أي بيوت الدار هي(‪ .)9‬وروى الكشي عن أبي بصير قال‪:‬‬
‫قلت ألبي عبد هللا عليه السالم إنهم يقولون‪ .‬قال وما يقولون؟ قلت‪ :‬يقولون تعلم قطر‬
‫المطر وعدد النجوم وورق الشجر ووزن ما في البحر وعدد التراب‪ ,‬فرفع يده إلى السماء‬
‫وقال‪ :‬سبحان هللا‪ ,‬ال وهللا ما يعلم هذا إال هللا(‪ .)10‬فهذه أقوال أئمة آل البيت الطيبين‬
‫الطاهرين‪ ,‬كما صرحت بذلك كتب الشيعة الرافضة وهم براء مما ترميهم به الشيعة‬
‫الرافضة‪ ,‬إذ الرافضة من أكذب خلق هللا‪ ,‬فالنفاق دينهم والكذب ديدنهم‪ ,‬ولذلك قال ابن‬

‫‪1‬‬
‫() البخاري‪ ,‬كتاب الجهاد رقم (‪.)3047‬‬
‫‪2‬‬
‫() فتح الباري (‪.)1/204‬‬
‫‪3‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)8/136‬‬
‫‪4‬‬
‫() الطبقات الكبرى (‪.)5/216‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)5/105‬‬
‫‪6‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)9/110‬‬
‫‪7‬‬
‫() بحار األنوار (‪.)25/270‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)25/284‬‬
‫‪9‬‬
‫() أصول الكافي (‪.)1/257‬‬
‫‪10‬‬
‫() رجال الكشي ص ‪ ,193‬العقيدة في أهل البيت‪ ,‬ص ‪.402‬‬
‫‪54‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫تيمية –رحمه هللا‪ -‬إنهم من أكذب الناس في النقليات ومن أجهل الناس في العقليات(‪.)1‬‬
‫إن روايات الشيعة تكشف نفسها وتتناقض نصوصها‪ ,‬وقول األئمة إنهم مصدر‬
‫الرزق وإنزال الغيث‪ ..‬إلخ‪ ,‬والذي يرويه شيوخ االثنى عشرية هو من مخلفات غالة‬
‫الشيعة‪ ,‬والذين أنكر األئمة مذهبهم‪ ,‬فقد جاء عن أخبارهم أن أبا عبد هللا قال حينما قيل له‪:‬‬
‫إن المفضل بن عمر يقول‪ :‬إنكم تقدرون أرزاق العباد‪ .‬قال‪ :‬وهللا ما يقدر أرزاقنا إال هللا‬
‫ولقد احتجت إلى الطعام لعيالي فضاق صدري وأبلغت إل ّي الفكرة في ذلك حتى أحرزت‬
‫قوتهم‪ ,‬فعندها طابت نفسي‪ ,‬لعنه هللا وبرئ منه(‪.)2‬‬
‫ولكن هذه الروايات هي كالشعرة البيضاء في الثور األسود‪ ,‬وفي التقية متسع لكل‬
‫نص تضيق به نفوس شيوخ الشيعة‪ ,‬وإليك مثاالً على ذلك فاسمع ما يقوله شارح الكافي‬
‫تعقيبًا على قول أبي عبد هللا الذي نقلناه آنفًا‪ ,‬والذي يتعجب فيه أبو عبد هللا من قوم نسبوا‬
‫له العلم بالغيب‪ ,‬ويذكر للرد عليهم أن جاريته قد اختفت في داره‪ ,‬فلم يدر أين هي‪ ,‬فكيف‬
‫يقال عنه إنه يعلم ما كان وما يكون؟! قال شارح الكافي‪ ....:‬الغرض من هذا التعجب‬
‫وإظهاره هو أال يتخذه الجهال إلهًا‪ ,‬أو يدفع عن وهم بعض الحاضرين المنكر لفضله ما‬
‫نسبوه إليه من العلم بالغيب حفظًا لنفسه‪ ,‬وإال فهو رضي هللا عنه كان عال ًما بما كان وما‬
‫يكون‪ ,‬فكيف يخفى عليه مكان الجارية؟‪ ,‬فإن قلت‪ :‬إخباره بذلك على هذا يوجب الكذب‪,‬‬
‫قلت‪ :‬إنما يوجب الكذب لو لم يقصد التورية وقد قصدها‪ .‬فإن المعنى ما علمت به عل ًما‬
‫غير مستفاد منه تعالى بأنها في أي بيوت الدار(‪ ,)3‬انظر التكلف العجيب في رد هذه‬
‫الرواية إلثبات أن اإلمام يعلم ما كان وما يكون حتى ارتكب في سبيل ذلك نسبة اإلمام إلى‬
‫الكذب‪ ,‬وهدم أصالً من أصولهم وهو العصمة(‪ .)4‬وأما شيخهم اآلخر الشعراني المعلق‬
‫على الشرح فلم يعجبه هذا التكلف في تأويل الرواية‪ ,‬ورام ردها بأقصد طريق وهو الحكم‬
‫بأن الرواية كذب‪ ,‬وهكذا يشيعون عن علماء أهل البيت مثل هذه اإلشاعات الكاذبة‪ ,‬فإذا‬
‫أنكروا على هؤالء الكذابين فريتهم‪ ,‬وفضحوا باطلهم أمام المأل حمل شيوخ الشيعة هذا‬
‫التكذيب واإلنكار على التقية‪ ..‬فصارت التقية حيلة بيد غالة الشيعة إلبقاء التشيع في دائرة‬
‫الغلو‪ ,‬ورد الحق واإلساءة ألهل البيت(‪ ,)5‬وقد ادعى زرارة بن أعين أن جعفر بن محمد‬
‫يعلم أهل الجنة‪ ,‬وأهل النار‪ ,‬فأنكر ذلك جعفر لما بلغه ذلك‪ ,‬وكفَّر من قاله‪ ,‬ولكن زرارة‬
‫حينما نقل له موقف جعفر قال لمحدثه‪ :‬لقد عمل معك بالتقية(‪.)6‬‬
‫‪ -9‬الغلو في اإلثبات «التجسيم»‪ :‬اشتهرت ضاللة التجسيم بين اليهود‪ ,‬ولكن أول من‬
‫ابتدع ذلك بين المسلمين هم الشيعة الروافض‪ ,‬ولهذا قال الرازي‪ :‬اليهود أكثرهم مشبهة‪,‬‬
‫وكان بدء ظهور التشبيه في اإلسالم من الروافض مثل هشام بن الحكم‪ ,‬وهشام بن سالم‬
‫الجواليقي‪ ,‬ويونس بن عبد الرحمن القمي‪ ,‬وأبي جعفر األحول(‪ ,)7‬وكل هؤالء الرجال‬

‫‪1‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)1/3‬‬
‫‪2‬‬
‫() رجال الكشي ص ‪ ,274‬أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/685‬‬
‫‪3‬‬
‫() شرح جامع علي الكافي (‪ )6/31،30‬للمازندراني‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/686‬‬
‫‪5‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/686‬‬
‫‪6‬‬
‫() ميزان االعتدال (‪.)2/70،69‬‬
‫‪7‬‬
‫() اعتقادات فرق المسلمين والمشركين‪ ,‬ص ‪.97‬‬
‫‪54‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫المذكورين هم ممن تعدهم االثنا عشرية في الطليعة من شيوخها‪ ,‬والثقات من نقلة‬
‫مذهبها(‪ ,)1‬وقد حدد ابن تيمية أول من تولى ِكبر هذه الفرية من هؤالء‪ ,‬فقال‪ :‬وأول من‬
‫ُرف في اإلسالم أنه قال‪ :‬إن هللا جسم هو هشام بن الحكم(‪ ,)2‬وقد نقل أصحاب الفرق‬ ‫ع ِ‬
‫كلمات مغرقة في التشبيه والتجسيم منسوبة إلى هشام بن الحكم وأتباعه تقشعر من‬
‫سماعها جلود المؤمنين‪ ,‬يقول عبد القاهر البغدادي‪ :‬زعم هشام بن الحكم أن معبوده جسم‬
‫ذو حد ونهاية وأنه طويل عريض عميق وأن طوله مثل عرضه(‪ ,)3‬وقد استفاض عن‬
‫هشام بن الحكم ومن تبعه أمر الغلو في التجسيم في كتب الفرق وغيرها(‪ .)4‬فقد كان تشبيه‬
‫هللا سبحانه بخلقه كان في اليهود‪ ,‬وتسرب إلى التشيع‪ ,‬وأول من تولى كبره هشام بن‬
‫الحكم‪ ,‬ثم تعدى أثره إلى آخرين عرفوا بكتب الفرق بمذاهب ضالة غالية منسوبة إليهم(‪,)5‬‬
‫ولكن شيوخ االثنى عشرية يدافعون عن هؤالء الضالل الذي استفاض خبر فتنتهم‪,‬‬
‫واستطار شرهم‪ ,‬ويتكلفونـ تأويل كل بائقة منسوبة إليهم أو تكذيبها(‪ ,)6‬وقد كان لهشام بن‬
‫الحكم وهشام بن سالم الجواليقي بالذات دور ظاهر في اتجاه التجسيم عند الشيعة كما تذكر‬
‫ذلك مجموعة من رواياتهم(‪ )7‬وكان األئمة يتبرؤون منهما ومن قولهما‪ ,‬وحينما جاء بعض‬
‫الشيعة إلى إمامهم وقال له‪ :‬إني أقول بقول هشام‪ .‬قال إمامهم أبو الحسن علي بن محمد‪:‬‬
‫ما لكم وقول هشام‪ ,‬إنه ليس منا من زعم أن هللا جسم‪ ,‬ونحن منه براء في الدنيا‬
‫واآلخرة(‪ ,)8‬وتفصح بعض رواياتهم عما قالوه في الرب جل شأنه وتقدست أسماؤه‪ ,‬فهذا‬
‫أحد رجالهم(‪ )9‬ينقل ألبي عبد هللا –كما تقول الرواية‪ -‬ما عليه طائفة من الشيعة من‬
‫التجسيم فيقول‪ :‬إن بعض أصحابنا يزعم أن هللا صورة مثل اإلنسان‪ ,‬وقال آخر‪ :‬إنه في‬
‫صورة أمرد جعد قطط‪ ,‬فخر أبو عبد هللا عليه السالم ساجدًا‪ ,‬ثم رفع رأسه فقال‪ :‬سبحان‬
‫الذي ليس كمثله شيء‪ ,‬وال تدركه األبصار‪ ,‬وال يُحيط به علم(‪.)10‬‬
‫فأنت ترى أن كبار متكلميهم قد غلوا في اإلثبات‪ ,‬حتى شبهوا هللا جل شأنه بخلقه‬
‫س َك ِمثْلِ ِه َش ْيءٌ" [الشورى‪,]11:‬‬
‫وهو كفر باهلل سبحانه‪ ,‬ألنه تكذيب لقوله سبحانه‪+ :‬ل َْي َ‬
‫وعطلوا صفاته الالئقة به سبحانه فوصفوهـ بغير ما وصف به نفسه‪ ,‬ورواياتهم في هذا‬
‫الباب كثيرة(‪ ,)11‬فهذا االتجاه إلى الغلو في اإلثبات‪ ,‬قد طرأ على اإلثبات الحق الذي عليه‬
‫علماء أهل البيت‪ ,‬وأصبح المذهب يتنازعه اتجاهان اتجاه التجسيم الذي يتزعمه هشام‪,‬‬
‫واتجاه التنزيه الذي عليه أهل البيت كما تشير إليه روايات الشيعة نفسها‪ ,‬وكما هو ثابت‬

‫‪1‬‬
‫() أعيان الشيعة (‪ ,)1/106‬أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/641‬‬
‫‪2‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)1/20‬‬
‫‪3‬‬
‫() الفرق بين الفرق‪ ,‬ص ‪.65‬‬
‫‪4‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/642‬‬
‫‪5‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/643‬‬
‫‪6‬‬
‫() بحار األنوار (‪ )292-3/290‬دفاع المجلسي عن هؤالء‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/646‬‬
‫‪8‬‬
‫() التوحيد‪ ,‬ص ‪ 104‬ابن بابويه‪ ,‬أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/646‬‬
‫‪9‬‬
‫() سمته الرواية‪ :‬يعقوب السراج‪ ,‬وهو من ثقاتهم‪ ,‬الفهرست للطوسي‪ ,‬ص ‪.214‬‬
‫‪10‬‬
‫() التوحيد ص ‪ ,104،103‬ابن بابويه‪ ,‬أصول الشيعة (‪.)2/647‬‬
‫‪11‬‬
‫() أصول الكافي (‪ ,)106-1/104‬أصول الشيعة (‪.)2/648‬‬
‫‪55‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫مستفيض في كتب أهل العلم(‪.)1‬‬
‫‪ -10‬التعطيل عندهم‪ :‬بعد هذا الغلو في اإلثبات بدأ تغير المذهب في أواخر المائة‬
‫الثالثة‪ ,‬حيث تأثر بمذهب المعتزلة في تعطيل البارئ سبحانه من صفاته الثابتة له في‬
‫الكتاب والسنة‪ ,‬وكثر االتجاه إلى التعطيل عندهم في المائة الرابعة لما صنف لهم المفيد‬
‫وأتباعه كالموسوي الملقب بالشريف الرضي‪ ,‬وأبي جعفر الطوسي‪ ,‬واعتمدوا في ذلك‬
‫على كتب المعتزلة(‪ ,)2‬وكثير مما كتبوه في ذلك منقولـ عن المعتزلة نقل المسطرة‪ ,‬وكذلك‬
‫ما يذكرونه في تفسير القرآن العظيم في آيات الصفات والقدر ونحو ذلك هو منقولـ من‬
‫تفاسير المعتزلة(‪ ,)3‬ولهذا ال يكاد القارئ لكتب متأخري الشيعة يلمس بينها وبين كتب‬
‫المعتزلة في باب األسماء والصفاتـ فرقًا فالعقل –كما يزعمون‪ -‬هو عمدتهم فيما ذهبوا‬
‫إليه‪ ,‬والمسائل التي يقرررها المعتزلة في هذا الباب أخذ بها شيوخ الشيعة المتأخرون‪,‬‬
‫كمسألة خلق القرآن‪ ,‬ونفى رؤية المؤمنين لربهم في اآلخرة‪ ,‬وإنكار الصفات‪ ,‬بل إن‬
‫الشبهات التي يثيرها المعتزلة في هذا‪ ,‬هي الشبهات التي يثيرها شيوخ الشيعة المتأخرون‪,‬‬
‫والفرق الذي يلمسه القارئ في هذه المسألة‪ ,‬هو أن الشيعة أسندوا روايات إلى األئمة‬
‫تصرح بنفي الصفات وتقول بالتعطيل‪ ,‬فقد جاؤوا بروايات كثيرة في األئمة يسندون بها‬
‫مذهبهم في التعطيل‪ ,‬ويفترون على أمير المؤمنين علي رضي هللا عنه وبعض علماء أهل‬
‫البيت كمحمد الباقر وجعفر الصادق بأنهم يقولون بالتعطيل‪ ,‬واعتبر بعض شيوخهم‬
‫المعاصرين أن هذا هو عمدتهم في نفي الصفات‪ ,‬حيث قال تحت عنوان طريقة معرفة‬
‫الصفات‪ :‬هل يبقى مجال للبحث عن الصفات وهل له طريقة إال اإلذعان بكلمة أمير‬
‫المؤمنين‪ :‬كمال اإلخالص نفي الصفات عنه(‪.)4‬‬
‫هذا والثابت عن أمير المؤمنين علي رضي هللا عنه وأئمة أهل البيت إثبات الصفات‬
‫هلل‪ ,‬والنقل بذلك ثابت مستفيض في كتب أهل العلم(‪ ,)5‬وهذا أيضًا ما تعترف به بعض‬
‫روايات لهم موجودة وسط ركام هائل من التعطيل‪ ,‬إن مجموعة من رواياتهم وصفتـ رب‬
‫العالمين بالصفات السلبية التي ضمنوها نفي الصفات الثابتة له سبحانه‪ ,‬وليس هذا بجديد‬
‫فهو سبيل من زاغ وحاد عن منهج الرسل عليهم السالم من المتفلسفة والجهمية وغيرهم‪.‬‬
‫إن هللا سبحانه بعث رسله في صفاته بإثبات مفصل‪ ,‬ونفي مجمل‪ ,‬ولهذا يأتي اإلثبات‬
‫يع‬ ‫للصفات في كتاب هللا مفصالً والنفي مجمالً(‪ ,)6‬قال تعالى‪+ :‬ل َْيس َك ِمثْلِ ِه َشيء و ُهو َّ ِ‬
‫السم ُ‬ ‫ٌْ َ َ‬ ‫َ‬
‫س َك ِمثْلِ ِه َش ْيءٌ" وهذه طريقة القرآن في النفي‬ ‫ِ‬
‫الْبَص ُير" [الشورى‪ .]11:‬فالنفي جاء مجمال‪+ :‬ل َْي َ‬
‫ً‬
‫غالبًا‪ ,‬قال تعالى‪َ + :‬ه ْل َت ْعلَ ُم لَهُ َس ِميًّا" [مريم‪ ,]65 :‬أي‪ :‬نظيرًا يستحق مثل اسمه‪ ,‬ويقال‪:‬‬
‫مساميًا يساميه(‪ ,)7‬وهذا معنى ما يروى عن ابن عباس‪ :‬هل تعلم له مثالً أو شبيهًا(‪ ,)8‬وقال‬
‫‪1‬‬
‫() أصول الشيعة (‪.)2/648‬‬
‫‪2‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)1/229‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)1/356‬‬
‫‪4‬‬
‫() عقائد اإلمامية االثنى عشرية للزنجاني‪ ,‬ص ‪.28‬‬
‫‪5‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)2/144‬‬
‫‪6‬‬
‫() شرح الطحاوية‪ ,‬ص ‪ ,49‬التدمرية البن تيمية‪ ,‬ص ‪.8‬‬
‫‪7‬‬
‫() التدمرية‪ ,‬ص ‪.8‬‬
‫‪8‬‬
‫() تفسير الطبري (‪.)16/106‬‬
‫‪55‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الس ِميع‬‫َح ٌد" [اإلخالص‪ ,]4:‬وأما اإلثبات فيأتي التفصيل‪َ + :‬و ُه َو َّ‬ ‫َم يَ ُكن لَّهُ ُك ُف ًوا أ َ‬‫سبحانه‪َ + :‬ول ْ‬
‫ادُةِ‬ ‫ه‬ ‫َّ‬
‫الش‬ ‫و‬ ‫ب‬
‫َ َ ُ َ َ ُ َْ َ َ َ‬‫ِ‬ ‫ي‬‫غ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫َّ‬
‫ال‬ ‫ِ‬
‫إ‬ ‫َه‬ ‫ل‬‫ِ‬‫إ‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫ذ‬ ‫َّ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫اهلل‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫‪+‬‬ ‫الحشر‪:‬‬ ‫سورة‬ ‫وكآخر‬ ‫‪.‬‬ ‫الْب ِ‬
‫ص ُير"‬
‫َُ ُ‬ ‫]‬ ‫‪11‬‬ ‫[الشورى‪:‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السالَ ُم ال ُْم ْؤم ُن ال ُْم َه ْيم ُن ال َْعز ُيز‬
‫ُّوس َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ك الْ ُقد ُ‬ ‫يم ‪ُ ‬ه َو اهللُ الذي الَ إلَهَ إال ُه َو ال َْمل ُ‬ ‫الرح ُ‬ ‫الر ْح َم ُن َّ‬ ‫ُه َو َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْح ْسنَى يُ َسبِّ ُح‬ ‫َس َماءُ ال ُ‬ ‫ص ِّو ُر لَهُ األ ْ‬ ‫ار ال ُْمتَ َكِّب ُر ُس ْب َحا َن اهلل َع َّما يُ ْش ِر ُكو َن ‪ُ ‬ه َو اهللُ الْ َخال ُق الْبَا ِر ُ‬
‫ئ ال ُْم َ‬ ‫ْجبَّ ُ‬
‫ال َ‬
‫ض وهو الْع ِزيز ال ِ‬ ‫ِ‬ ‫لَهُ َما فِي َّ‬
‫يم" [الحشر‪ .]24-22:‬وشواهد هذا كثيرة ‪.‬‬ ‫ْحك ُ‬ ‫الس َم َاوات َواأل َْر ِ َ ُ َ َ ُ َ‬
‫(‪)1‬‬

‫إن الشيعة تروي عن أئمتها‪ :‬أن الخالق ال يوصف إال بما وصف به نفسه(‪,)2‬‬
‫ولكنها تعرض عن ذلك كما أعرضت عن كتاب هللا سبحانه‪ ,‬وعن مقتضى العقل‬
‫والفطرة‪ ,‬وتؤثر في ذلك التقليد المحض‪ ,‬واألخذ من «نفايات» الفلسفات البائدة‪ .‬وإال‬
‫فكيف يتجرأ عاقل على االعتماد في أمر غيبي ال سبيل للوصول إلى المعرفة فيه على‬
‫سبيل التفصيل إال بخبر السماء على العقل القاصر والفكر العاثر‪ ,‬وتحكيم خياالت البشر‬
‫المتناقضة‪ ,‬وتصوراتهم المتعارضة؟ (‪.)3‬‬
‫أ‪ -‬مسألة خلق القرآن‪ :‬القرآن كالم هللا منزل غير مخلوق‪ ,‬وعلى هذا دل الكتاب‬
‫والسنة‪ ,‬وإجماع السلف(‪ ,)4‬واالثنا عشرية حذت حذو الجهمية في القول بخلق القرآن‪ ,‬فقد‬
‫عقد شيخ الشيعة في زمنه المجلسي في البحار في كتاب القرآن بابًا بعنوان‪ :‬باب أن‬
‫القرآن مخلوق(‪ ,)5‬أورد فيه إحدى عشرة رواية‪ ,‬ومعظم هذه الروايات تخالف ما ذهب‬
‫إليه‪ ,‬ولكن لشيوخ الشيعة مسل ًكا في تأويلها‪ ,‬سنذكره بعد قليل –بإذن هللا تعالى‪ -‬ويقول آية‬
‫الشيعة محسن األمين‪ :‬قالت الشيعة والمعتزلة‪ :‬القرآن مخلوق(‪ ,)6‬وهذا بناء على إنكارها‬
‫لصفة الكالم هلل وزعمهم أن هللا سبحانه يوجد الكالم في بعض مخلوقاته كالشجرة حين كلم‬
‫موسى‪ ,‬وكجبرائيل حين أنزله بالقرآن(‪ ,)7‬هذا بعض ما يقوله شيوخهم في هذا األمر(‪,)8‬‬
‫وذا رجعت إلى الروايات التي ينقلونها في «آل البيت»‪ ,‬وجدتها تخالف في أكثرها ما‬
‫يذهب إليه هؤالء فمن ذلك ما جاء في تفسير العياشي عن الرضا أنه سئل عن القرآن‬
‫فقال‪ :‬إنه كالم هللا غير مخلوق(‪ .)9‬وفي التوحيد البن بابوية القمي قيل ألبي الحسن موسى‬
‫رضي هللا عنه‪ :‬يا ابن رسول هللا ما تقول في القرآن‪ ,‬فقد اختلف فيه من قبلنا‪ ,‬فقال قوم‪:‬‬
‫إنه مخلوق‪ ,‬وقال قوم‪ :‬إنه غير مخلوق؟‪ ,‬فقال رضي هللا عنه‪ :‬أما إني ال أقول في ذلك ما‬
‫يقولون‪ ,‬ولكن أقول‪ :‬إنه كالم هللا عز وجل(‪.)10‬‬

‫‪1‬‬
‫() انظر التدمرية البن تيمية‪ ,‬ص ‪ 8‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/656‬‬
‫‪3‬‬
‫()المصدر نفسه (‪.)2/656‬‬
‫‪4‬‬
‫() الرد على الزنادقة لإلمام أحمد‪ ,‬خلق أفعال العباد للبخاري‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() بحار األنوار (‪.)121-92/117‬‬
‫‪6‬‬
‫() أعيان الشيعة (‪.)1/461‬‬
‫‪7‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)1/453‬‬
‫‪8‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/658‬‬
‫‪9‬‬
‫() تفسير العياشي (‪.)1/8‬‬
‫‪10‬‬
‫() التوحيد‪ ,‬ابن بابويه‪ ,‬ص ‪.224‬‬
‫‪55‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وفي هذا المعنى روايات كثيرة عندهم(‪ ,)1‬ولكن يالحظ أن شيخ الشيعة في زمنه ابن‬
‫بابويه القمي قد ذهب في تأويل هذه النصوص إلى اتجاه آخر‪ ,‬فأثبت أن قول األئمة‪:‬‬
‫القرآن غير مخلوق يعني أنه غير مخلوق أي غير مكذوب ال يعني به أنه غير محدث(‪,)2‬‬
‫وقال‪ :‬وإنما امتنعنا من إطالق المخلوق عليه ألنه المخلوق في اللغات قد يكون مكذوبًا‪,‬‬
‫ويقال‪ :‬كالم مخلوق مكذوب(‪ ,)3‬وقد قال علماء السلف ردًا عليهم‪ :‬إنه غير مخلوق ولم‬
‫يريدوا بذلك أنه غير مكذوب‪ ,‬بل هذا كفر ظاهر يعلمه كل مسلم‪ ,‬وإنما قالوا‪ :‬إنه مخلوق‬
‫خلقه في غيره فرد السلف هذا القول‪ ,‬كما تواترت اآلثار عنهم بذلك‪ ,‬وصنف في ذلك‬
‫مصنفاتـ متعددة(‪ ,)4‬وفي كتاب تفسير الصراط المستقيم‪ ,‬لعالمتهم وآليتهم البروجوردي‬
‫ضا‪ -‬يحيل فيه النصوص التي فيها المعنى السابق على التقية‬ ‫نقل نصًا عن ابن بابويه –أي ً‬
‫فقال‪ :‬ولعل المنع من إطالق الخلق على القرآن إما للتقية مماشاة مع العامة‪ ,‬أو لكونه‬
‫موه ًما لمعنى آخر أطلق الكفار عليه بهذا المعنى في قولهم‪« :‬إن هذا إال اختالق»(‪ ,)5‬فلم‬
‫يجد هؤالء الشيوخ ما يلوذون به إال القول (بالتقية) أو ما ماثلها‪..‬‬
‫وهذا المنهج يثبت أنهم ليسوا على شيء‪ ,‬وأن احتمال التقية في كل نص قد أفسد‬
‫عليهم أمرهم أو أضاع حقيقة المذهب‪ ,‬فأصبح دينهم دين المجلسي أو الكليني أو ابن‬
‫بابويه القمي ال روايات األئمة(‪ ,)6‬وهكذا يضيع العلم والحق بهذه الطريقة الماكرة‪ ,‬ويكتب‬
‫على األمة الفرقة والخالف بهذه األساليب التي هي من وحي الشيطان ومكره‪ ,‬ولو أحسن‬
‫محسن للشيعة وأراد بها الخير من شيوخها لسلك بها طريق الجماعة‪ ,‬وأخذ من رواياتهم‬
‫ما يتفق مع كتاب هللا‪ ,‬وسنة رسوله × وهدي الصحابة الكرام وعلماء أهل السنة‬
‫والجماعة‪ ,‬وتخلص من مكر القمي والكليني والمجلسي‪ ,‬والسيما واألئمة تشتكي من كثرة‬
‫الكذابين عليهم حتى قالوا‪ :‬بأن الناس أولعوا بالكذب علينا(‪ .)7‬ولو أردت أن تطبق هذه‬
‫النظرية –أي ما تتفق فيه روايات أهل السنة مع روايات الشيعة عن أهل البيت في هذه‬
‫المسألة‪ -‬لوجدت أن كتب الشيعة روت –كما سبق‪ -‬روايات عن أهل البيت بأن كالم هللا‬
‫منزل غير مخلوق‪ ,‬وكتب أهل السنة روت مثل هذا‪ ,‬فقد أخرج البخاري في كتاب أفعال‬
‫العباد(‪ ,)8‬وابن أبي حاتم(‪ ,)9‬وأبو سعيد الدارمي‪ ,‬واآلجري في الشريعة(‪ ,)10‬والبيهقيـ في‬

‫‪1‬‬
‫() البحار (‪ ,)121 ،92/117‬أصول الشيعة (‪.)2/659‬‬
‫‪2‬‬
‫() البحار (‪ ,)92/119‬أصول الشيعة (‪.)2/659‬‬
‫‪3‬‬
‫() أصول الشيعة (‪.)2/659‬‬
‫‪4‬‬
‫() مجموع فتاوى شيخ اإلسالم (‪.)12/301‬‬
‫‪5‬‬
‫() تفسير الصراط المستقيم (‪.)1/304‬‬
‫‪6‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/600‬‬
‫‪7‬‬
‫() رجال الكشي ص ‪.136-135‬‬
‫‪8‬‬
‫() خلق أفعال العباد‪ ,‬ص ‪ 36‬تحقيق البدر‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() منهاج السنة البن تيمية (‪.)2/188،187‬‬
‫‪10‬‬
‫() الشريعة‪ ,‬ص ‪.77‬‬
‫‪55‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫االعتقاد(‪ ,)1‬واألسماء والصفاتـ(‪ ,)2‬والاللكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة(‪ ,)3‬وأبو‬
‫داود في مسائل اإلمام أحمد(‪ ,)4‬عن جعفر الصادق أنه قال حينما سئل عن القرآن قال‪:‬‬
‫ليس بخالق وال مخلوق‪ ,‬قال ابن تيمية‪ :‬إنه قد استفاض ذلك عن جعفر(‪ ,)5‬فلماذا ال يؤخذ‬
‫بالمعنى المتفق عليه ويترك الباطل الذي ال يسنده إال أقوال شيوخ يبغون في األمة الفرقة‬
‫والخالف‪ ,‬وينشدون الشذوذ والعزلة ليتسنى لهم تحصيل األموال الطائلة باسم الخمس‪,‬‬
‫وتتحقق لهم الوجاهة االجتماعية‪ ,‬والمنزلة «المقدسة» باسم النيابة عن اإلمام الغائب؟‪,‬‬
‫ولهذا ما برحوا يؤكدون على القول‪ :‬إن ما خالف العامة ففيه الرشاد(‪ ,)6‬ويقصدون بذلك‬
‫أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫إن الروايات الواردة في كتب الشيعة والتي تنص على أن القرآن منزل غير مخلوق‪,‬‬
‫قد تمثل مذهب قدماء الشيعة الذين كانوا على هذا االعتقاد كما أشار إلى ذلك أهل العلم(‪,)7‬‬
‫ألن القول بأن القرآن مخلوق هو إحداث متأخري الشيعة(‪ ,)8‬كما أن االعتقاد بأن القرآن‬
‫ُمنزل غير مخلوق‪ ,‬هو الثابت عن أهل البيت‪ ,‬إذ ليس من أئمة أهل البيت مثل علي بن‬
‫الحسين وأبي جعفر الباقر وابنه جعفر بن محمد من يقول بخلق القرآن‪ ,‬ولكن اإلمامية‬
‫تخالف أهل البيت في عامة أصولهم(‪ ,)9‬وبعد‪ ,‬أليس يكفي في بيان فساد مذهبهم أنه خالف‬
‫ما عليه أهل البيت‪ ,‬وخالف ما اتفقت فيه روايات لهم مع ما جاء عند أهل السنة‪ ,‬وأن‬
‫رواياتهم كلها متعارضة متناقضة؟ (‪.)10‬‬
‫إن معتقد أهل السنة والجماعة في هذه المسألة هو‪ :‬إن القرآن كالم هللا‪ ,‬منه بدا بال‬
‫كيفية قوالً‪ ,‬وأنزله على رسوله وحيًا‪ ,‬وصدقه المؤمنون على ذلك حقًا‪ ,‬وأيقنوا أنه كالم‬
‫هللا تعالى بالحقيقة‪ ,‬ليس بمخلوق ككالم البرية‪ ,‬فمن سمعه فزعم أنه كالم البشر‪ ,‬فقد كفر‪,‬‬
‫ُصلِ ِيه َس َق َر" [المدثر‪ ,]26:‬فلما أوعد‬
‫وقد ذمه هللا وعابه وأوعده بسقر حيث قال تعالى‪َ + :‬سأ ْ‬
‫هللا بسقر لمن قال‪+ :‬إِ ْن َه َذا إِالَّ َق ْو ُل الْبَ َش ِر" [المدثر‪ ,]25:‬علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر‪,‬‬
‫وال يشبه قول البشر(‪.)11‬‬
‫ب‪ -‬مسألة الرؤية‪ :‬ذهبت الشيعة اإلمامية بحكم مجاراتهم للمعتزلة إلى نفي الرؤية‬
‫وجاءت روايات عديدة ذكرها ابن بابويه في كتابه التوحيد‪ ,‬وجمع أكثرها صاحب البحار‬
‫تنفي ما جاءت به النصوص من رؤية المؤمنين لربهم في اآلخرة‪ ,‬فتفترى –مثالً‪ -‬على‬

‫‪1‬‬
‫() االعتقاد‪ ,‬ص ‪.36‬‬
‫‪2‬‬
‫() األسماء والصفات‪ ,‬ص ‪.247‬‬
‫‪3‬‬
‫() شرح أصول اعتقاد أهل السنة (‪.)2/242،241،238‬‬
‫‪4‬‬
‫() مسائل اإلمام أحمد ص ‪.265‬‬
‫‪5‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)1/278‬‬
‫‪6‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/662‬‬
‫‪7‬‬
‫() منهاج السنة (‪ ,)1/286‬أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/664‬‬
‫‪8‬‬
‫() مقاالت اإلسالميين لألشعري (‪.)1/114‬‬
‫‪9‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)1/296‬‬
‫‪10‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/668‬‬
‫‪11‬‬
‫() المنحة اإللهية في تهذيب شرح الطحاوية‪ ,‬عبد اآلخر الغنيمي‪ ,‬ص ‪.109‬‬
‫‪55‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫أبي عبد هللا جعفر الصادق بأنه سئل عن هللا تبارك وتعالى هل يرى في المعاد؟‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫سبحانه وتعالى عن ذلك عل ًوا كبيرًا‪ ,‬إن األبصار ال تدرك إال ما له لون وكيفية‪ ,‬وهللا خالق‬
‫األلوان والكيفية(‪ ,)1‬وقال شيخهم وآيتهم جعفر النجفي صاحب كشف الغطاء‪ :‬ولو نسب‬
‫إلى هللا بعض الصفات‪ ..‬كالرؤية حكم بارتداده(‪ ,)2‬وجعل الحر العاملي نفي الرؤية من‬
‫أصول األئمة‪ ,‬وعقد لذلك بابًا بعنوان «باب إن هللا سبحانه ال تراه عين وال يدركه بصر‬
‫في الدنيا وال في اآلخرة»(‪ ,)3‬لنفيهم رؤية المؤمنين لربهم في اآلخرة خروج عن مقتضىـ‬
‫النصوص الشرعية‪ ,‬وهو أيضًا خروج عن مذهب أهل البيت‪ ,‬وقد اعترفت بعض‬
‫رواياتهم بذلك‪ ,‬فقد روى ابن بابويه القمي عن أبي بصير‪ ,‬عن أبي عبد هللا عليه السالم‬
‫قال‪ :‬قلت له‪ :‬أخبرني عن هللا عز وجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة؟ قال‪ :‬نعم(‪,)4‬‬
‫والرؤية حق آلل الجنة يرونه بغير إحاطة وال كيفية‪ ,‬كما نطق به كتاب ربنا مثل قوله‬
‫اضرةٌ ‪ ‬إِلَى ر ِّبها نَ ِ‬ ‫ٍِ ِ‬
‫اظ َرةٌ" [القيامة‪ ,]23،22:‬وقوله تعالى‪+ :‬ل َُهم َّما يَ َشاءُو َن‬ ‫ََ‬ ‫تعالى‪ُ + :‬و ُجوهٌ َي ْو َمئذ نَّ َ‬
‫فِ َيها َولَ َد ْينَا َم ِزي ٌد" [ق‪ ,]35:‬قال أنس بن مالك رضي هللا عنه‪ :‬هو النظر إلى وجه هللا عز‬
‫ِ‬
‫ادةٌ" [يونس‪ ,]26:‬فالحسنى‪ :‬الجنة‪,‬‬ ‫ْح ْسنَى َو ِزيَ َ‬ ‫َح َسنُوا ال ُ‬ ‫وجل ‪ ,‬وقوله تعالى‪+ :‬لِّلَّذ َ‬
‫ين أ ْ‬
‫(‪)5‬‬

‫والزيادة‪ ,‬هي النظر إلى وجهه الكريم‪ ,‬فسرها بذلك رسول هللا × والصحابة بعده‪ ,‬كما‬
‫ِ‬
‫ْح ْسنَى‬
‫َح َسنُوا ال ُ‬ ‫روى مسلم في صحيحه عن صهيب قال‪ :‬قرأ رسول هللا ×‪+ :‬لِّلَّذ َ‬
‫ين أ ْ‬
‫ادةٌ" قال‪« :‬إذا دخل أهل الجنة الجنة‪ ,‬وأهل النار النار‪ ,‬نادى مناد‪ :‬يا‬ ‫َو ِزيَ َ‬
‫أهل الجنة‪ ,‬إن لكم عند الله موعدًا ويريد أن ينجزكموه‪ ,‬فيقولون‪ :‬ما هو؟‬
‫ألم يُثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويُدخلنا الجنة ويُجرنا من النار؟ فيكشف‬
‫الحجاب‪ ,‬فينظرون إليه‪ ,‬فما أعطاهم شيئًا أحب إليهم من النظر إليه‪ ,‬وهي‬
‫الزيادة»(‪.)6‬‬
‫وقال تعالى‪َ + :‬كالَّ إِ َّن ُه ْم َعن َّربِّ ِه ْم َي ْو َمئِ ٍذ لَّ َم ْح ُجوبُو َن" [المطففين‪.]15:‬‬
‫احتج الشافعي رحمه هللا وغيره من األئمة بهذه اآلية على الرؤية ألهل الجنة‪ ,‬ذكر‬
‫الطبري وغيره عن المزني عن الشافعي‪ ,‬وقال الحاكم‪ :‬حدثنا األصم حدثنا الربيع بن‬
‫سليمان قال‪ :‬حضرت محمد بن إدريس الشافعي‪ ,‬وقد جاءت رقعة من الصعيد فيها‪ ,‬ما‬
‫تقول في قول هللا عز وجل‪َ + :‬كالَّ إَِّن ُه ْم َعن َّربِّ ِه ْم َي ْو َمئِ ٍذ لَّ َم ْح ُجوبُو َن" [المطففين‪:‬ـ‪.]15‬‬
‫فقال الشافعي رحمه هللا‪ :‬لما أن حُجب في السخط‪ ,‬كان في هذا دليل على أن أولياءه‬
‫يرونه في الرضا(‪ ,)7‬وأما األحاديث عن النبي × وأصحابه الدالة على الرؤية فمتواترة‬
‫رواها أصحاب الصحاح والمسانيد والسنن(‪ ,)8‬وقد قال بثبوت الرؤية الصحابة والتابعون‪,‬‬

‫‪1‬‬
‫() بحار األنوار (‪.)4/31‬‬
‫‪2‬‬
‫() كشف الغطاء ص ‪ ,417‬أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/670‬‬
‫‪3‬‬
‫() أصول الشيعة (‪.)2/670‬‬
‫‪4‬‬
‫() الفصول المهمةـ في أصول األئمة‪ ,‬ص ‪.12‬‬
‫‪5‬‬
‫() مجمع الفوائد (‪.)7/112‬‬
‫‪6‬‬
‫() مسلم رقم (‪.)181‬‬
‫‪7‬‬
‫() مناقبـ الشافعي (‪ )1/419‬للبيهقي‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() شرح الطحاوية‪ ,‬ص ‪.151‬‬
‫‪55‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وأئمة اإلسالم المعروفون باإلمامة في الدين‪ ,‬وسائر طوائف أهل الكالم المنسوبين إلى‬
‫السنة والجماعة(‪.)1‬‬
‫‪ -11‬تفضيلهم األئمة على األنبياء والرسل‪ :‬الرسل أفضل البشر وأحقهم بالرسالة‪,‬‬
‫حيث أعدهم هللا تعالى لكمال العبودية والتبليغ والدعوة والجهاد ‪+‬اهللُ أَ ْعلَ ُم َح ْي ُ‬
‫ث يَ ْج َع ُل‬
‫ِر َسالَتَهُ" [األنعام‪ ,]124:‬فهم قد امتازوا برتبة الرسالة عن سائر الناس(‪ ,)2‬وقد أوجب هللا على‬
‫اع بِِإ ْذ ِن ِ‬ ‫الخلق متابعتهم‪ ,‬قال تعالى‪+ :‬وما أَرسلْنا ِمن َّرس ٍ ِ‬
‫اهلل" [النساء‪ ]64:‬وال يفضل‬ ‫ول إِالَّ ليُطَ َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ ْ َ َ‬
‫أحد من البشر عليهم‪ .‬قال الطحاوي في بيان اعتقاد أهل السنة‪ :‬وال نفضل أحدًا من‬
‫األولياء على أحد من األنبياء عليهم السالم ونقول‪ :‬نبي واحد أفضل من جميع األولياء(‪,)3‬‬
‫وتفضيلـ األئمة على األنبياء هو مذهب غالة الروافض‪ ,‬كما نبه على ذلك عبد القاهر‬
‫البغدادي(‪ )4‬والقاضي عياض(‪ ,)5‬وابن تيمية(‪ ,)6‬وهذا المذهب بعينه قد غدا من أصول‬
‫االثنى عشرية‪ ,‬فقد قرر صاحب الوسائل أن تفضيل األئمة على األنبياء من أصول مذهب‬
‫الشيعة التي نسبها لألئمة(‪ ,)7‬وقال بأن الروايات عندهم في ذلك أكثر من أن تحصى(‪,)8‬‬
‫وفي بحار األنوار للمجلسي عقد بابًا بعنوان «باب تفضيلهم عليهم السالم على األنبياء‬
‫وعلى جميع الخلق» وأخذ ميثاقهم عنهم وعن المالئكة وعن سائر الخلق‪ ,‬وأن أولي العزم‬
‫إنما صاروا أولي العزم بحبهم صلوات هللا عليهم(‪ ,)9‬وهذا المذهب الذي استقر عليه‬
‫مذهب االثنى عشرية مر بتغيرات وتطورات نحو الغلو‪ ,‬فإن الشيعة في مسألة تفضيل‬
‫األنبياء على األئمة كانوا ثالث فرق –كما يقول األشعري‪:-‬‬
‫الفرقة األولى‪ :‬يقولون بأن األنبياء أفضل من األئمة‪ ,‬غير أن بعض هؤالء جوزوا‬
‫أن يكون األئمة أفضل من المالئكة‪.‬‬
‫الفرقة الثانية‪ :‬يزعمون أن األئمة أفضل من األنبياء والمالئكة‪.‬‬
‫والفرقة الثالثة‪ :‬وهم القائلون باالعتزال واإلمامة‪ ,‬يقولون‪ :‬إن المالئكة واألنبياء‬
‫أفضل من األئمة(‪.)10‬‬
‫ويضيف المفيد في أوائل المقاالت مذهبًا رابعًا لهم وهو أفضلية األئمة على سائر‬
‫األنبياء ما عدا أولي العزم(‪ ,)11‬ثم ال يبوح بذكر المذهب الذي يعتمده من هذه المذاهب‪ ,‬بل‬

‫‪1‬‬
‫() المصدر السابق ص ‪.146‬‬
‫‪2‬‬
‫() المنهاج في شعبـ اإليمان للحليمي (‪.)1/238‬‬
‫‪3‬‬
‫() شرح الطحاوية‪ ,‬ص ‪.493‬‬
‫‪4‬‬
‫() أصول الدين‪ ,‬ص ‪.298‬‬
‫‪5‬‬
‫() الشفاء‪ ,‬ص ‪.1078‬‬
‫‪6‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)1/177‬‬
‫‪7‬‬
‫()‪ )7( ,‬أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/745‬‬
‫‪8‬‬
‫()‬

‫‪9‬‬
‫() بحار األنوار (‪.)26/267‬‬
‫‪10‬‬
‫() مقاالت اإلسالميين (‪.)1/120‬‬
‫‪11‬‬
‫() أوائل المقاالت‪ ,‬ص ‪.43-42‬‬
‫‪55‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫يذكر توقفه للنظر في ذلك(‪ ,)1‬ولكن يظهر أن كل هذه المذاهب تالشت بسعي شيوخ الدولة‬
‫الصفوية ومن تبعهم واستقر المذهب على الغلو في األئمة‪ ,‬حتى أن المجلسي يقول في‬
‫عنوان الباب الذي عقده في بحاره لهذا الغرض‪ :‬إن أولي العزم إنما صاروا أولي عزم‬
‫بحبهم صلوات هللا عليهم(‪ ,)2‬إن من يرجع إلى كتاب هللا سبحانه يجد أنه ليس ألئمتهم‬
‫االثنى عشر ذكر‪ ,‬فضالً عن أن يقدموا على أنبياء هللا ورسله‪ ,‬كما أنه يالحظ‪ :‬أن األنبياء‬
‫ك‬‫لكونهم أرفع رتبة يقدمون بالذكر على غيرهم من صالحي عباد هللا‪ ,‬قال تعالى‪+ :‬فَأُولَئِ َ‬
‫الشه َد ِاء و َّ ِ ِ‬ ‫مع الَّ ِذين أَ ْنعم اهلل َعلَي ِهم ِّمن النَّبِيِّين و ِّ ِ‬
‫ين" [النساء‪ .]69:‬فرتب هللا‬ ‫الصالح َ‬ ‫ين َو ُّ َ َ‬ ‫الصدِّيق َ‬ ‫ََ‬ ‫ََ َ ََ ُ ْ َ‬
‫سبحانه عباده السعداء المنعم عليهم أربع مراتب(‪ ,)3‬وكتاب هللا يدل في جميع آياته على‬
‫اصطفاء األنبياء واختيارهم على جميع العالم(‪ ,)4‬وقد أجمع أهل القرون الثالثة على‬
‫تفضيل األنبياء على من سواهم واإلجماع حجة‪ ,‬وقال ابن تيمية‪ :‬اتفق سلف األمة وأئمتها‬
‫وسائر أولياء هللا تعالى على أن األنبياء أفضل من األولياء الذين ليسوا بأنبياء(‪ ,)5‬والعقل‬
‫يدل صريحًا على أن جعل النبي واجب الطاعة وجعله آمرًا وناهيًا وحاك ًما على اإلطالق‪,‬‬
‫واإلمام نائبًا وتابعًا له ال يعقل بدون فضيلة النبي عليه‪ ,‬ولما كان هذا المعنى موجودًا في‬
‫حق كل نبي مفقودًا في حق كل إمام لم يكن إمام أفضل من نبي أصالً‪ ,‬بل يستحيل(‪ .)6‬ثم‬
‫قد ورد في كتب الشيعة نفسها ما يتفق مع النص واإلجماع والعقل‪ ,‬وينفيـ ذلك الشذوذ‪,‬‬
‫وهو ما رواه الكليني عن هشام األحول عن زيد بن علي أن األنبياء أفضل من األئمة‪ ,‬وأن‬
‫من قال غير ذلك فهو ضال(‪ ,)7‬وروى ابن بابويه عن الصادق ما ينص على أن األنبياء‬
‫أحب إلى هللا من علي(‪.)8‬‬
‫خامسًا‪ :‬موقف الشيعة اإلمامية من القرآن الكريم‬
‫قد كان لمعتقد الشيعة في اإلمامة ومحاولة الدفاع عنها أثر كبير في دفع بعض الشيعة‬
‫إلى تبني أفكار خطيرة حول القرآن والسنة‪ ,‬والصحابة رضوان هللا عليهم‪ ,‬فشككوا في‬
‫القرآن‪ ,‬وأنكروا كثيرًا من األحاديث الثابتة‪ ,‬وطعنوا في الصحابة رضي هللا عنهم‬
‫وجرحوهم ونسبوا إليهم تعمد الكذب وتحريف كتاب هللا تعالى‪.‬‬
‫‪ -1‬اعتقاد بعضهم في تحريف كتاب هللا عز وجل والرد عليهم‪ :‬فقد زعم‬
‫بعض الشيعة الرافضة أن القرآن الكريم قد حُرف وأسقطت منه بعض السور وكثير من‬
‫اآليات التي أنزلت في فضائل أهل البيت واألمر باتباعهم‪ ,‬والنهي عن مخالفتهم وإبجاب‬
‫محبتهم‪ ,‬وأسماء أعدائهم والطعن فيهم‪ ,‬ولعنهم‪ ,‬وقد اتهم الشيعة الصحابة رضي هللا عنهم‪,‬‬
‫بأنهم أسقطوا من القرآن من جملة ما أسقطوه «وجعلنا عليًا صهرك» من سورة (الشرح)‬
‫والتي تشير إلى تخصيص علي بمصاهرة الرسول × دون عثمان‪ .‬وقد جهل هؤالء أن‬

‫‪1‬‬
‫() المصدر السابق‪ ,‬ص ‪.43‬‬
‫‪2‬‬
‫() بحار األنوار (‪.)26/267‬‬
‫‪3‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)2/749‬‬
‫‪4‬‬
‫()‪ )6( ,‬الفتاوي (‪.)11/221‬‬
‫‪5‬‬
‫()‬

‫‪6‬‬
‫() مختصر التحفة‪ ,‬ص ‪.101‬‬
‫‪7‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪ )2/753‬مختصر التحفة‪ ,‬ص ‪.100‬‬
‫‪8‬‬
‫() مختصر التحفة‪ ,‬ص ‪.101‬‬
‫‪55‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫هذه السورة مكية‪ ,‬وأنها حين نزلت لم يكن عل ّي صهرًا للرسول ×‪ ,‬إذ أن عليًا تزوج‬
‫فاطمة بالمدينة وبعد غزوة بدر‪ ,‬كما سبق أن أشرنا‪ ,‬ويذهب الشيعة أيضًا إلى أنه من بين‬
‫ما أسقط من (القرآن) سورة الوالية‪ ,‬ويزعمون أنها سورة طويلة قد ُذ ِك َر فيها فضائل أهل‬
‫البيت(‪.)1‬‬
‫وهكذا تدور معظم مزاعم هذا النفر من الشيعة في القرآن حول هذه القضايا‪ ,‬إذ أنهم‬
‫لم ينكروا حك ًما من أحكامه أو قاعدة من قواعده‪ ,‬ولكن تدور آراؤهم حول إسقاط بعض‬
‫اآليات التي تشير إلى والية علي ومن بعده من األئمة‪ ,‬وقد ردد هذه االفتراءات على‬
‫القرآن الكريم العديد من علماء الشيعة اإلمامية وعلى رأسهم حجتهم المشهور أبو جعفر‬
‫محمد بن يعقوب الكليني ت‪329‬هـ صاحب كتاب الكافي‪ ,‬الذي يعتبر في حجيته لدى‬
‫الشيعة في مرتبة كتاب البخاري عند أهل السنة‪ ,‬وقد ذكر صاحب تفسير الصافي الشيعي‪:‬‬
‫إن الظاهر من ثقة اإلسالم محمد بن يعقوبـ الكليني –طاب ثراه‪ -‬أنه كان يعتقد أيضًا في‬
‫التحريف والنقصان في القرآن ألنه روى روايات في هذا المعنى في كتابه الكافي ولم‬
‫يتعرض بقدح فيها‪ ,‬على أنه ذكر في أول كتابه أنه يثق بما رواه فيه(‪ ,)2‬وكتاب الكليني هذا‬
‫مليء بهذه المزاعم المنحرفة‪ ,‬والتي تهدف في األساس إلى إثبات إمامة علي بن أبي‬
‫طالب رضي هللا عنه واألئمة من بعده‪ .‬ومن ذلك ما رواه الكليني عن أبي بصير عن أبي‬
‫عبد هللا عليه السالم في قول هللا عز وجل‪َ + :‬و َمن يُ ِط ِع اهللَ َو َر ُسولَهُ" –عن والية علي‬
‫يما" هكذا نزلت(‪ ,)3‬ويروي أيضًا عن جابر عن أبي جعفر‬ ‫ِ‬
‫واألئمة بعده‪َ + -‬ف َق ْد فَ َاز َف ْو ًزا َعظ ً‬
‫عليه السالم قال‪ :‬قلت له لم سمي «علي بن أبي طالب» أمير المؤمنين؟‪ .‬قال‪ :‬هللا سماه‬
‫وهكذا أنزل في كتابه‪« :‬وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على‬
‫أنفسهم ألست بربكم وأن محمدًا رسولي وأن عليًا أمير المؤمنين»(‪ ,)4‬ويروى الكليني عن‬
‫أحمد بن محمد بن أبي نصر قال‪ :‬رفع إلى أبو الحسن عليه السالم مصحفًا وقال‪ :‬ال تنظر‬
‫َّ ِ‬
‫ين َك َف ُروا" فوجدت فيهم سبعين رجالً من قريش‬ ‫َم يَ ُك ِن الذ َ‬
‫فيه‪ ,‬ففتحته وقرأت فيه ‪+‬ل ْ‬
‫(‪)5‬‬
‫بأسمائهم وأسماء آبائهم قال‪ :‬فبعث إل ّي بالمصحف ‪ ,‬وقد زعم الكليني أنه لم يجمع القرآن‬
‫كله إال األئمة‪ ,‬وأنهم (أي األئمة) يعلمون علمه كله‪ ,‬فما جمعه وحفظه كما أنزل إال علي‬
‫بن أبي طالب واألئمة من بعده(‪ ,)6‬وقد ردد هذه الفرية التي ربطت جمع القرآن بعلي‬
‫رضي هللا عنه‪ ,‬وقد ذهب صاحب االحتجاج إلى أنه لما توفي الرسول ×‪ ,‬جمع علي‬
‫(عليه السالم) القرآن وجاء به إلى المهاجرين واألنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه‬
‫بذلك رسول هللا‪ ,‬فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم‪ ,‬فوثب عمر‬
‫وقال‪ :‬يا علي اردده فال حاجة لنا فيه‪ ,‬فأخذه عليه السالم وانصرف‪ ,‬ثم أحضروا زيد بن‬
‫ثابت وكان قارئًا للقرآن‪ ,‬فقال له عمر‪ :‬إن عليًا جاء بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين‬
‫واألنصار‪ ,‬وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين‬
‫واألنصار‪ ,‬فأجابه زيد إلى ذلك ثم قال‪ :‬فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر‬

‫‪1‬‬
‫() دراسات عن الفرق في تاريخ المسلمين‪ ,‬ص ‪.226‬‬
‫‪2‬‬
‫() تفسير الصافي‪ ,‬ص ‪ ,13‬اإلمام الصادق‪ ,‬ألبي زهرة‪ ,‬ص ‪.333‬‬
‫‪3‬‬
‫() أصول الكافي (‪.)1/414‬‬
‫‪4‬‬
‫() أصول الكافي (‪ ,)1/412‬السنة والشيعة‪ ,‬إحسان إلهي‪ ,‬ص ‪.103‬‬
‫‪5‬‬
‫() أصول الكافي (‪ ,)2/631‬السنة والشيعة ص ‪.87‬‬
‫‪6‬‬
‫() أصول الكافي (‪.)1/228‬‬
‫‪55‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫علي القرآن الذي ألفه أليس قد بطل كل ما عملتم؟‪ ,‬قال عمر‪ :‬فما الحيلة؟‪ ,‬قال زيد‪ :‬أنتم‬
‫أعلم بالحيلة‪ ,‬فقال عمر‪ :‬فما حيلته دون أن نقتله ونستريح منه‪ ,‬فدبر في قتله على يد خالد‬
‫بن الوليد‪ ,‬فلم يقدر على ذلك(‪ ,)1‬وال شك أن مثل هذه الرواية من نسج خيال مريض فاسد‬
‫أراد أن يتهم الصحابة بتحريف القرآن‪ ,‬والتآمر على حرمان علي من إمامة المسلمين‬
‫وهو إذ يمدح عليًا يذمه إذ يصفه بالسكوت السلبي حينما رفض الصحابة األخذ بقرآنه‪,‬‬
‫فكيف يتفق هذا مع مواقف علي رضي هللا عنه البطولية في سبيل الدفاع عن اإلسالم‪,‬‬
‫ويرد على مثل هذه الترهات قول علي رضي هللا عنه‪ :‬أعظم الناس أجرًا في المصحف‬
‫أبو بكر‪ ,‬رحمة هللا على أبي بكر‪ ,‬هو أول من جمع ما بين اللوحين(‪ ,)2‬ولم يكتف الكليني‬
‫بهذا‪ ,‬بل نسب هذه االفتراءات والمزاعم الباطلة حول التحريف في القرآن إلى جعفر‬
‫الصادق‪ ,‬إذ ينسب إليه أنه قال‪ :‬إن القرآن الذي نزل به الوحي على محمد سبعة آالف آية‪,‬‬
‫واآليات التي نتلوها ثالث وستون ومائتان وست آالف فقط‪ ,‬والباقي مخزون عند آل‬
‫البيت(‪ ,)3‬وزعم الكليني أن الصادق قال عن القرآن الذي جمعه علي بن أبي طالب في‬
‫زعمه‪ :‬قيل هو مثل قرآنكم هذا ثالث مرات وهللا ما فيه من قرآنكم حرف واحد(‪,)4‬‬
‫ويقولون‪ :‬إن فاطمة رضي هللا عنها مكثت بعد النبي خمسة وسبعين يو ًما‪ ,‬صبت عليها‬
‫مصائب من الحزن ال يعلمها إال هللا‪ ,‬فأرسل هللا إليها جبرائيل يسليها ويعزيها ويحدثها‬
‫عن أبيها‪ ,‬وعما يحدث لذريتها‪ ,‬وكان علي يستمع ويكتب ما يسمع حتى جاء به مصحفًا‬
‫قدر القرآن ثالث مرات ليس فيه شيء من حالل وحرام‪ ,‬ولكن فيه علم ما يكون(‪.)5‬‬
‫ويردد عالم شيعي آخر‪ :‬وهو علي بن إبراهيم القمي نفس المزاعم التي ذهب إليها‬
‫الكليني ويورد عنه محمد محسن الملقب بالفيض الكاشي في تفسيره فيقول‪ :‬المستفاد من‬
‫الروايات عن طريق آل البيت أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أنزل على‬
‫محمد بل منه ما هو خالف ما أنزل هللا‪ ,‬ومنه ما هو مغير محرف وأنه قد حذف منه‬
‫أشياء كثيرة منها اسم علي في كثير من المواضع ومنها لفظ (آل محمد) غير مرة‪ ,‬ومنها‬
‫أسماء المنافقين في مواضعها‪ ,‬ومنها غير ذلك وأنه ليس على الترتيب المرضي عند هللا‬
‫ورسوله‪ ,‬وبه –أي بهذا الرأي‪ -‬قال علي بن إبراهيم المسمى بالقمي –وله تفسير مليء‬
‫بهذه الدعاوى والغلو فيها‪ ,‬وأخذ يخلط ويزعم أن هناك آيات في والية علي حذفت(‪.)6‬‬
‫وقال صاحب كتاب بصائر الدرجات الصفّار بسنده عن أبي جعفر –على حد‬
‫(‪)7‬‬
‫زعمه‪ :-‬ما يستطيع أحد أن يدعي أنه جمع القرآن كله ظاهره وباطنه غير األوصياء ‪,‬‬
‫وعنه أيضًا‪ :‬مامن أحد من الناس يقول إنه جمع القرآن كله كما أنزل هللا إال كذاب‪ ,‬وما‬
‫جمعه وما حفظه كما أنزل إال علي بن أبي طالب واألئمة من بعده(‪.)8‬‬
‫وفي تفسير العياشي عن أبي عبد هللا‪ :‬لو قُرئ القرآن كما أنزل أللفيتنا فيه‬
‫‪1‬‬
‫() االحتجاج للطبرسي‪ ,‬ص ‪ 225،228‬دراساتـ عن الفرق في تاريخ المسلمين‪ ,‬ص ‪.228‬‬
‫‪2‬‬
‫() كتاب المصاحف‪ ,‬للسجستاني (‪.)5/1‬‬
‫‪3‬‬
‫() اإلمام الصادق‪ ,‬ص ‪.323‬‬
‫‪4‬‬
‫() أصول الكافي (‪.)1/239‬‬
‫‪5‬‬
‫() أصول الكافي (‪ ,)1/240‬بحار األنوار (‪ ,)26/44‬بصائر الدرجات‪ ,‬ص ‪.43‬‬
‫‪6‬‬
‫() دراسات عن الفرق في تاريخ المسلمين‪ ,‬ص ‪.230, 229‬‬
‫‪7‬‬
‫() بصائر الدرجات‪ ,‬ص ‪.213‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ,‬ص ‪.213‬‬
‫‪55‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫مسمين(‪ ,)1‬وفيه عن أبي جعفر‪ :‬لوال أنه زيد في كتاب هللا ونقص منه ما خفي حقنا على‬
‫ذي حجي(‪ .)2‬والروايات في كتب الشيعة الرافضة المصرحة بتحريف القرآن كثيرة جدًا‪,‬‬
‫وقد أخبر عن استفاضتها وتواترها عندهم كبار علمائهم ومحققيهم‪ ,‬يقول المفيد‪ :‬إن‬
‫األخبار جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد × باختالف القرآن‪ ,‬وما أحدثه‬
‫بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان(‪.)3‬‬
‫ويقول هاشم البحراني(‪ )4‬أحد كبار مفسريهم‪ :‬اعلم أن الحق الذي ال محيص عنه‬
‫بحسب األخبار المتواترة اآلتية وغيرها أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد‬
‫رسول هللا × شيء من التغييرات‪ ,‬وأسقط الذين جمعوه بعده كثيرًا من الكلمات واآليات(‪,)5‬‬
‫ويقولـ أيضًا‪ :‬وعندي في وضوح صحة هذا القول –أي تحريف القرآن‪ -‬بعد تتبع األخبار‬
‫وتفحص اآلثار بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع وأنه من أكبر‬
‫مقاصد الخالفة(‪.)6‬‬
‫ويقول نعمة هللا الجزائري(‪ :)7‬إن األخبار الدالة على هذا (التحريف) تزيد على‬
‫ألفي حديث‪ ,‬وادعى استفاضتها جماعة كالمفيد والمحقق الداماد‪ ,‬والعالمة المجلسي(‪,)8‬‬
‫فهذه أقوال أئمتهم ومحققيهم الكبار تقطع بتواتر واستفاضة الروايات في كتبهم بدعوى‬
‫تحريف القرآن وتبديله‪ ,‬وأنها تبلغ اآلالف مما جعل بعض هؤالء العلماء يقطع بأن هذه‬
‫العقيدة من ضروريات المذهب عندهم وأكبر مقاصد اإلمامة‪ ,‬وزيادة على ما جاء في‬
‫كتبهم من آالف الروايات الدالة على دعوى تحريف القرآن‪ ,‬فإن أقوال علمائهم ومنظريهم‬
‫وأهل االجتهاد فيهم‪ ,‬جاءت مؤكدة لتلك العقيدة الفاسدة‪ ,‬ولعل المقام ال يتسع لنقل كالمهم‬
‫هنا وإنما أذكر من نقل إجماعهم على ذلك من كبار علمائهم‪ ,‬يقول المفيد ناقالً إجماعهم‬
‫على ذلك‪ :‬واتفقوا (أي اإلمامية) أن أئمة الضالل خالفوا في كثير من تأليف القرآن‪,‬‬
‫وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي ×‪ ,‬وأجمعت المعتزلة والخوارج والمرجئة‪,‬‬
‫وأصحاب الحديث على خالف اإلمامية في جميع ما عددناه(‪.)9‬‬
‫وقد قام النوري الطبرسي‪ ,‬أحد كبار علمائهم المتأخرين الهالك في سنة ‪1320‬هـ‬
‫بتأليف كتاب ضخم في إثبات دعوى القرآن عند الشيعة الرافضة‪ ,‬سماه «فصل الخطاب‬
‫في إثبات تحريف كتاب رب األرباب»(‪ ,)10‬صدره بثالث مقدمات يتبعها بابان‪:‬‬
‫الأول‪ :‬في األدلة على تحريف القرآن بزعمه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬في الرد على القائلين بصحة القرآن في األمة‪ .‬وقد أودع الطبرسي في كتابه‬
‫‪1‬‬
‫()‪ )7( ,‬تفسر العياشي (‪.)1/13‬‬
‫‪2‬‬
‫()‬

‫‪3‬‬
‫() أوائل المقاالت‪ ,‬ص ‪.91‬‬
‫‪4‬‬
‫() هاشم بن سليمان البحراني‪ ,‬توفي سنة ‪1107‬هـ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() مقدمة تفسير البرهان في تفسير القرآن‪ ,‬ص ‪.36‬‬
‫‪6‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ,‬ص ‪.49‬‬
‫‪7‬‬
‫() متوفي سنة ‪1112‬هـ‪ ,‬قال عنه الحر العاملي‪ :‬فاضل عالم محقق جليل القدر‪ ,‬أمل اآلمل (‪.)2/336‬‬
‫‪8‬‬
‫() فصل الخطاب‪ ,‬ص ‪.248‬‬
‫‪9‬‬
‫() أوائل المقاالت‪ ,‬ص ‪.49‬‬
‫‪10‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل ص ‪.61‬‬
‫‪56‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫هذا آالف الروايات الدالة على تحريف القرآن بزعمهم‪ ,‬حيث أورد في الفصلين األخيرين‬
‫فقط من الباب األول المكون من اثنى عشر فصالً (‪ )1602‬رواية هذا غير ما أورده في‬
‫الفصولـ األخرى من هذا الباب والمقدمات الثالث والباب الثاني وقال معتذرًا عن قلة ما‬
‫جمعه‪« :‬ونحن نذكر منها ما يصدق دعواهم مع قلة البضاعة»(‪ ,)1‬وقال موثقًا هذه‬
‫الروايات‪ :‬واعلم أن تلك األخبار منقولة من الكتب المعتبرة التي عليها معول أصحابنا في‬
‫إثبات األحكام الشرعية واآلثار النبوية(‪ ,)2‬وقال بعد أن سرد حشدًا هائالً من أسماء‬
‫علمائهم القائلين بالتحريف استغرقت خمس صفحات من كتابه‪ :‬ومن جميع ما ذكرنا‬
‫ونقلنا‪ ,‬بتتبعي القاصر‪ ,‬يمكن دعوى الشهرة العظيمة بين المتقدمين وانحصار المخالفين‬
‫فيهم بأشخاص معينين يأتي ذكرهم(‪ .)3‬ثم ذكر أن هؤالء المخالفين هم‪ :‬الصدوق‪,‬‬
‫والمرتضى‪ ,‬وشيخ الطائفة الطوسي‪ ,‬قال‪ :‬ولم يعرف من القدماء موافق لهم(‪.)4‬‬
‫وذكر أنه تبعهم الطبرسي صاحب كتاب «مجمع البيان»‪ ,‬قال‪ :‬وإلى طبقته لم‬
‫يعرف الخالف صريحًا إال من هؤالء المشايخ األربعة(‪ ,)5‬ثم اعتذر بعد ذلك عن بعض‬
‫هؤالء العلماء في عدم قولهم بتحريف القرآن بأن الذي حملهم على ذلك التقية والمداراة‬
‫للمخالفين‪ ,‬قال معتذرًا عن الطوسي عما أورده في كتابه (التبيان) من القول بعدم‬
‫التحريف‪ :‬ثم ال يخفى على المتأمل في كتاب التبيان أن طريقته فيه على نهاية المداراة‬
‫والمماشاة مع المخالفين‪ ..‬وهو بمكان من الغرابة ولو لم يكن على وجه المماشاة(‪.)6‬‬
‫وقد سبق النوري الطبرسي االعتذار لهؤالء العلماء‪ :‬نعمة هللا الجزائري حيث‬
‫قال بعد أن نقل إجماع علماء اإلمامية على عقيدة التحريف‪ :‬نعم قد خالف فيها المرتضى‬
‫والصدوق والشيخ الطبرسي‪ ,‬وحكوا أن ما بين دفتي هذا المصحف هو القرآن ال غير‪,‬‬
‫ولم يقع فيه تحريف وال تبديل‪ ,‬والظاهر أن هذا القول صدر منهم ألجل مصالح كثيرة‬
‫منها‪ :‬سد باب الطعن عليها‪ ,‬بأنه إذا جاز في القرآن‪ ,‬فكيف جاز العمل بقواعدة وأحكامه‪,‬‬
‫مع جواز لحوق التحريف لها‪ ,‬كيف روى هؤالء األعالم في مؤلفاتهم أخبارًا كثيرة تشتمل‬
‫على وقوع تلك األمور في القرآن وأن اآلية هكذا أنزلت ثم غيرت إلى هذا(‪ .)7‬وبهذا يظهر‬
‫أن القول بتحريف القرآن واعتقاد تغييره وتبديله هو محل إجماع علماء الشيعة الرافضة‬
‫قاطبة‪ ,‬ما حقق ذلك الطبرسي في فصل الخطاب‪ ,‬ودلت عليه النقول السابقة عن كبار‬
‫علمائهم‪ ,‬وأنه لم يخالف في هذه العقيدة أحد من علمائهم‪ ,‬حتى وقت تأليف فصل الخطاب‬
‫إال أربعة منهم حملهم على ذلك التقية والمداراة للمخالفين‪ ,‬على ما نص عليه الطبرسي‬
‫ومن قبله نعمة هللا الجزائري‪ .‬وكما أثبتت ذلك البحوث المعاصرة التي بحثت هذه المسألة‬
‫وأيدت ذلك بذكر شواهد كثيرة من الروايات الدالة على التحريف الوارد في كتب هؤالء‬
‫المشايخ األربعة(‪ )8‬مما يدل على اعتقادهم مضمونها وموافقتهم لسائر علماء الشيعة‬

‫‪1‬‬
‫() فصل الخطاب‪ ,‬ص ‪ ,249‬االنتصار للصحب واآلل‪ ,‬ص ‪.62‬‬
‫‪2‬‬
‫() فصل الخطاب‪ ,‬ص ‪.249‬‬
‫‪3‬‬
‫()‪ )4( ,‬فصل الخطاب‪ ,‬ص‪.30‬‬
‫‪4‬‬
‫() فصل‬

‫‪5‬‬
‫()‪ )6( ,‬فصل الخطاب‪ ,‬ص ‪.34‬‬
‫‪6‬‬
‫()‬

‫‪7‬‬
‫() األنوار النعمانية (‪.)2/359،328‬‬
‫‪8‬‬
‫() الشيعة والقرآن إلحسان إلهي ظهير‪ ,‬ص ‪.71-68‬‬
‫‪56‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الرافضة فيما ذهبوا إليه‪ ,‬من اعتقاد تحريف القرآن وتبديله وإن أظهروا تقية ونفاقًا‬
‫وخداعًا ألهل السنة(‪.)1‬‬
‫ومما يدل على ما ذهبت إليه أنه لم يتعرض واحد من هؤالء الذين زعموا التحريف‬
‫في القرآن إلى نقد من قبل الشيعة إذ ظل الكليني موضع الثقة والتبجيل واإلكرام والمرجع‬
‫األول عند جميع الشيعة اليوم‪ .‬ورغم أن الشيعة المعاصرين أكدوا نفي التحريف عن‬
‫صا‪ ,‬فإننا ال نجد أحدًا منهم يرد على الكليني ردًا صريحًا أو يظهر عدم‬ ‫القرآن زيادة ونق ً‬
‫الثقة به أو يرفض ما ذهب إليه‪ ,‬بل إن البعض حاول بطريقة ملتوية أن يدافع عنه ويجد له‬
‫المعاذير(‪.)2‬‬
‫وإن كان هؤالء القوم صادقين‪ ,‬فعليهم أن يتبرؤوا ممن قال بتحريف القرآن الكريم‪,‬‬
‫وال يترددوا في تكفير من أنكر كلمة واحدة من القرآن‪ ,‬وأن يبينوا أن جحود البعض‬
‫كجحود الكل‪ ,‬ألن ذلك طعن صريح فيما ثبت عن النبي × بضرورة الدين‪ ,‬واتفاق‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫أن القرآن الكريم هو الكتاب اإللهي الذي لم يتطرق إليه التحريف والتبديل وذلك ألن‬
‫هللا تبارك وتعالى تعهد وتكفلـ بحفظه‪ ,‬بخالف التوراة واإلنجيل‪ ,‬فإن هللا لم يتكفل‬
‫بحفظهما‪ ,‬بل استحفظ عليهما أهلهما فضيعوهما‪ ,‬حكى الشاطبي عن أبي عمر الداني عن‬
‫أبي الحسن المنتاب قال‪ :‬كنت يو ًما عند القاضي أبي إسحاق إسماعيل بن إسحاق‪ ,‬فقيل له‪:‬‬
‫لم جاز التبديل على أهل التورة‪ ,‬ولم يجز على أهل القرآن؟‪ ,‬فقال القاضي‪ :‬قال هللا عز‬
‫اهلل" [المائدة‪ .]44:‬فوكل الحفظ إليهم‪ ,‬فجاز‬ ‫اب ِ‬ ‫استُ ْح ِفظُوا ِمن كِتَ ِ‬ ‫وجل في أهل التوراة‪+ :‬بِ َما ْ‬
‫َحافِظُو َن" [الحجر‪ ,]9:‬فلم يجز‬ ‫الذ ْك َر َوإِنَّا لَهُ ل َ‬
‫التبديل عليهم‪ ,‬وقال في القرآن‪+ :‬إِنَّا نَ ْح ُن َن َّزلْنَا ِّ‬
‫التبديل عليهم‪ ,‬قال علي‪ :‬فمضيت إلى أبي عبد هللا المحاملي فذكرت له الحكاية‪ ,‬فقال‪ :‬ما‬
‫سمعت كال ًما أحسن من هذا(‪ ,)3‬وقد أجمعت األمة على مر العصور والدهور على أن‬
‫القرآن الكريم الذي أنزله هللا تعالى على نبيه محمد × هو القرآن الموجود اآلن بأيدي‬
‫المسلمين ليس فيه زيادة أو نقصان‪ ,‬وال تغيير فيه وال تبديل‪ ,‬وال يمكن أن يتطرق إليه‬
‫شيء من ذلك لوعد هللا بحفظه وصيانته ولم يخالف في هذا إال الشيعة الرافضة حيث‬
‫زعموا أن القرآن الكريم قد حدث فيه تحريف وتغيير وتبديل‪ ,‬وزعموا أن الصحابة هم‬
‫الذين حرفوا القرآن من أجل مصالحهم الدنيوية‪ ,‬وعقيدتهم هذه باطلة‪ ,‬ودل على بطالنها‬
‫األدلة من القرآن الكريم‪ ,‬وأقوال األئمة من أهل البيت والعقل‪ ,‬وإليك بيان ذلك‪:‬‬
‫أ‪ -‬األدلة من القرآن الكريم‪ :‬اآليات الصريحة الدالة على تكفل هللا تعالى بحفظ‬
‫القرآن وأنه ال يمكن أن يتطرق إليه التحريف أو التبديل‪ ,‬واآليات في هذا الشأن كثيرة‬
‫منها‪:‬‬
‫َحافِظُو َن" [الحجر‪.]9:‬‬ ‫الذ ْك َر َوإِنَّا لَهُ ل َ‬
‫* قوله تعالى‪+ :‬إِنَّا نَ ْح ُن َن َّزلْنَا ِّ‬
‫ِّل لِ َكلِ َماتِِه َولَن تَ ِج َد ِمن ُدونِِه‬
‫ك الَ ُمبَد َ‬ ‫اب َربِّ َ‬‫ك ِمن كِتَ ِ‬ ‫* قوله تعالى‪+ :‬واتْل ما أ ِ‬
‫ُوح َي إِل َْي َ‬ ‫َ َُ‬
‫ُملْتَ َح ًدا" [الكهف‪.]27:‬‬
‫يم ح ِم ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ ِ ِ‬
‫يد"‬ ‫يل ِّم ْن َحك ٍ َ‬ ‫* قوله تعالى‪+ :‬الَ يَأْتيه الْبَاط ُل من َب ْي ِن يَ َديْه َوالَ م ْن َخلْفه تَن ِز ٌ‬
‫‪1‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ ,‬ص ‪.65‬‬
‫‪2‬‬
‫() أضواء على خطوط محب الدين‪ ,‬ص ‪ 42‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() الموافقات (‪.)2/59‬‬
‫‪56‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫[فصلت‪.]42:‬‬
‫ين" [البقرة‪.]2،1:‬‬ ‫ْكتَاب الَ ريب فِ ِيه ه ًدى لِّل ِ‬ ‫* قوله تعالى‪+ :‬الم ‪ ‬ذَلِ َ ِ‬
‫ْمتَّق َ‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك ال ُ َ ْ َ‬
‫يم َخبِي ٍر" [هود‪.]1:‬‬ ‫ت ِمن لَّ ُد ْن َح ِك ٍ‬ ‫صلَ ْ‬
‫ت آيَاتُهُ ثُ َّم فُ ِّ‬ ‫ُح ِك َم ْ‬
‫اب أ ْ‬
‫ِ‬
‫* قوله تعالى‪+ :‬الر كتَ ٌ‬
‫الش ْيطَا ُن فِي‬ ‫ك ِمن َّر ُس ٍ‬
‫ول َوالَ نَبِ ٍّي إِالَّ إِذَا تَ َمنَّى أَلْ َقى َّ‬ ‫* وقوله تعالى‪َ + :‬و َما أ َْر َسلْنَا ِمن َق ْبلِ َ‬
‫يم" [الحج‪.]52:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نس ُخ اهللُ َما ُيل ِْقي َّ‬ ‫ِ ِِ‬
‫يم َحك ٌ‬ ‫الش ْيطَا ُن ثُ َّم يُ ْحك ُم اهللُ آيَاته َواهللُ َعل ٌ‬ ‫أ ُْمنيَّته َفيَ َ‬
‫ك لَِت ْع َج َل بِ ِه ‪ ‬إِ َّن َعلَْينَا َج ْم َعهُ َو ُق ْرآنَهُ"‬ ‫* وقوله تعالى‪+ :‬الَ تُ َح ِّر ْك بِ ِه لِ َسانَ َ‬
‫[القيامة‪.]17،16:‬‬
‫فقد دلت هذه اآليات الكريمات على حفظ هللا لكتابه الكريم وإحكامه آلياته‪ ,‬وأنه ال‬
‫اهلل قِيالً" [النساء‪.]122:‬‬ ‫َص َد ُق ِمن ِ‬ ‫يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه ‪+‬و ْع َد ِ‬
‫اهلل َح ًّقا َو َم ْن أ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وهذه اآليات في صراحتها على حفظ هللا لكتابه وصيانته من التحريف‪ ,‬والتبديل حيث ال‬
‫يُحتاج إلى شرح أو توضيح‪ ,‬كما أن ثناء هللا تعالى في القرآن الكريم على الصحابة‬
‫رضوان هللا عليهم مما يؤكد كذب ما نسبته إليهم الشيعة الرافضة من دعوى تحريف‬
‫وهم بِِإ ْحس ٍ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫السابِ ُقو َن َّ ِ‬
‫ان‬ ‫ين َّاتَبعُ ُ‬‫صا ِر َوالذ َ‬ ‫ين َواألنْ َ‬‫األولُو َن م َن ال ُْم َهاج ِر َ‬ ‫القرآن ‪ ,‬قال تعالى‪َ + :‬و َّ‬
‫(‪) 1‬‬
‫َ‬
‫ين فِ َيها أَبَ ًدا َذلِ َ‬
‫ك الْ َف ْو ُز‬ ‫َّات تَج ِري تَحَتها األ ْنه ِ ِ‬
‫ار َخالد َ‬‫َُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َع َّد ل َُه ْم َجن ٍ ْ‬ ‫ضوا َع ْنهُ َوأ َ‬
‫ض َي اهللُ َع ْن ُه ْم َو َر ُ‬‫َّر ِ‬
‫يم" [التوبة‪.]100:‬‬ ‫ِ‬
‫ال َْعظ ُ‬
‫الش َج َر ِة َف َعلِ َم َما فِي ُقلُوبِ ِه ْم‬ ‫ت َّ‬ ‫ين إِ ْذ ُيبَايِعُونَ َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ك تَ ْح َ‬ ‫وقوله تعالى‪+ :‬لََق ْد َرض َي اهللُ َع ِن ال ُْم ْؤمن َ‬
‫الس ِكينَةَ َعلَْي ِه ْم َوأَثَ َاب ُه ْم َف ْت ًحا قَ ِريبًا" [الفتح‪ .]18:‬وغير ذلك من اآليات في مدح الصحابة‬ ‫فَأَْن َز َل َّ‬
‫التي سيأتي شرحها وبيانها في موضعه بإذن هللا تعالى‪.‬‬
‫وبعد إيراد هذه اآليات بقسميها المتقدمين نقول للشيعة الرافضة‪ :‬إن قولكم بتحريف‬
‫القرآن تعارضه هذه اآليات الكريمة‪ ,‬التي أكد هللا فيها أن هذا القرآن لم يحرف ولن‬
‫يحرف ألنه هو الذي تكفل بحفظه وصيانته عن التحريف والتبديل‪ ,‬كما أثنى على صحابة‬
‫نبيه × الذين اتهمتموهم بالتحريف‪ ,‬ووصفهم بالصدق‪ ,‬واإليمان باهلل ورسوله‪ ,‬وزكاهم‬
‫أعظم تزكية‪ ,‬فليلزمكم تجاه هذه اآليات‪ :‬إما أن تعترفوا وتقروا أن هذه اآليات جاءت من‬
‫هللا تعالى‪ ,‬فعند ذلك ال يسعكم إال قبول واعتقاد ما دلت عليه‪ ,‬من سالمة القرآن الكريم من‬
‫التحريف والتبديل‪ ,‬وإما أن تنكروا أنها من هللا‪ ,‬فهذا كفر باهلل بإجماع المسلمين‪ ,‬إذ من‬
‫أنكر إية واحدة من القرآن‪ ,‬واعتقد عدم صحة نسبتها إلى هللا‪ ,‬فهو كافر بإجماع‬
‫المسلمين(‪.)2‬‬
‫ب‪ -‬األدلة من أقوال أئمتهم‪ :‬فقد جاءت روايات كثيرة عن أئمتهم الذين يعتقدون‬
‫عصمتهم يحثون فيها الشيعة على التمسك بكتاب هللا ورد كل شيء إلى الكتاب والسنة‪.‬‬
‫ومن هذه الروايات‪ :‬ما جاء عن موسى بن جعفر أنه سئل‪ :‬أكل شيء في كتاب هللا‬

‫‪1‬‬
‫() بذل المجهود (‪ )1/434‬عبد هللا الجميلي‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)1/325‬‬
‫‪56‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وسنة نبيه أو تقولون فيه؟‪ ,‬فقال‪ :‬بل كل شيء في كتاب هللا وسنة نبيه ×(‪ .)1‬وجاء عن أبي‬
‫عبد هللا أنه قال‪ :‬من خالف كتاب هللا وسنة نبيه محمد × فقد كفر(‪ .)2‬وعن أبي جعفر أنه‬
‫قال‪ :‬إن هللا تبارك وتعالى لم يدع شيئًا تحتاج إليه األمة إال أنزله في كتابه‪ ,‬وبينه لرسوله‬
‫×‪ ,‬وجعل لكل شيء حدًا وجعل عليه دليالً يدل عليه(‪ .)3‬وعن ابي عبد هللا قال‪ :‬ما من‬
‫شيء إال وفيه كتاب أو سنة(‪.)4‬‬
‫والمتأمل لهذه الروايات يخرج بفائدتين مهمتين‪:‬‬
‫* أن األئمة من آل البيت كانوا يعتقدون كغيرهم من سلف األمة صحة القرآن الكريم‬
‫وإال لم يطلبوا من تالميذهم التمسك بكتاب هللا وسنة نبيه × ونبذ ما سواهما‪ ,‬ثم‬
‫إخبارهم إياهم أنه ما من شيء إال وهو في كتاب هللا والسنة وأنه ليس عندهم إال‬
‫ما فيهما‪.‬‬
‫* أن الروايات المنسوبة إليهم من القول بتحريف القرآن لم يقولوها بل هم بُرءاء‬
‫منها وممن افتراها(‪.)5‬‬
‫ج‪ -‬األدلة العقلية‪ :‬وكما دل النقل على بطالن دعوى الرافضة في تحريف القرآن‬
‫الكريم‪ ,‬فإن العقل يدل على بطالن دعواهم تلك‪ ,‬وذلك لما يترتب على القول بتحريف‬
‫القرآن من المفاسد العظيمة التي يستلزم منها الطعن في هللا تبارك وتعالى‪ ,‬وفي النبي ×‪,‬‬
‫وصحابته رضوان هللا عليهم‪ ,‬واألئمة من آل البيت األطهار‪ ,‬بحفظ القرآن من التحريف –‬
‫تعالى هللا عن ذلك عل ًوا كبي ًرا‪ -‬ويستلزم الطعن في النبي × حيث إنه لم يبلغ القرآن الكريم‬
‫البالغ الكامل بل خص عليًا رضي هللا عنه بكثير من اآليات التي لم يطلع عليها غيره‪,‬‬
‫ويستلزم الطعن في الصحابة الذين حرفوا القرآن من أدل مصالحهم الخاصة‪ ,‬على حسب‬
‫ما يدعيه الشيعة الرافضة‪ ,‬ويستلزم الطعن في علي واألئمة من بعده‪ ,‬وذلك ألنهم لم‬
‫يسلموا القرآن الذي معهم –على حد زعم الشيعة الرافضة‪ -‬إلى الناس ويدعوهم إليه‪ ,‬وهذا‬
‫ات َوال ُْه َدى ِمن‬
‫كتم لكتاب هللا‪ ,‬وقد توعد على ذلك بقوله‪+ :‬إِ َّن الَّ ِذين يكْتُمو َن ما أَ ْنزلْنَا ِمن الْبِّينَ ِ‬
‫ََ ُ َ َ َ َ‬
‫لعُن ُه ُم اهللُ َو َيل َْعُن ُه ُم الالَّ ِعنُو َن" [البقرة‪ ,]159 :‬ولو كان‬ ‫اب أُولَئِ َ‬
‫ك يَ َ‬ ‫ْكتَ ِ‬ ‫َب ْع ِد َما َبَّينَّاهُ لِلن ِ‬
‫َّاس فِي ال ِ‬
‫للشيعة الرافضة اعتراف باألدلة العقلية‪ ,‬لكانت هذه اللوازم الفاسدة المترتبة على تلك‬
‫العقيدة الخبيثة أكبر رادع لهم لإلقالع عن هذه العقيدة والتوبة إلى هللا‪ ,‬من كل ما افتروه‬
‫عليه وعلى نبيه ×‪ ,‬وصحابة نبيه الكرام‪ ,‬وأهل البيت األطهار(‪.)6‬‬
‫‪ -2‬اعتقادهم أن القرآن ليس حُجة إال بقيم‪ :‬قال الكليني صاحب أصول الكافي‬
‫والذي هو عندهم كصحيح البخاري عند أهل السنة(‪ ,)7‬يروى ما نصه‪ ..« :‬أن القرآن ال‬
‫يكون حُجة إال بقيم‪ ,‬وأن عليًا كان قيم القرآن وكانت طاعته مفترضة‪ ,‬وكان الحجة على‬

‫‪1‬‬
‫() أصول الكافي (‪.)1/62‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)1/70‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه (‪)1/59‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)1/59‬‬
‫‪5‬‬
‫() بذل المجهود (‪.)1/437‬‬
‫‪6‬‬
‫() بذل المجهود (‪.)1/437‬‬
‫‪7‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)1/155‬‬
‫‪56‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الناس بعد رسول هللا»(‪ ,)1‬كما توجد هذه المقالة في طائفة من كتبهم المعتمدة كرجال‬
‫الكشي(‪ ,)2‬وعلل الشرائع(‪ ,)3‬والمحاسن(‪ ,)4‬ووسائل الشيعة(‪ ,)5‬وغيرها‪ .‬وكيف يقال مثل‬
‫ِ ِِ ِ‬
‫ْو ُم" [اإلسراء‪:‬‬ ‫هذا في كتاب هللا سبحانه ليكون هداية للناس ‪+‬إِ َّن َه َذا الْ ُق ْرآ َن َي ْهدي للَّتي ه َي أَق َ‬
‫‪.]9‬‬
‫قال الخليفة الراشد علي رضي هللا عنه‪ :‬كتاب هللا فيه نبأ ما قبلكم‪ ,‬وخبر ما‬
‫بعدكم‪ ,‬وحُكم ما بينكم‪ ,‬هو الفصل ليس بالهزل‪ ,‬من تركه من جبار قصمه هللا‪ ,‬ومن ابتغى‬
‫الهدى في غيره أضله هللا‪ ,‬وهو الحبل المتين‪ ,‬وهو الذكر الحكيم‪ ,‬وهو الصراط المستقيم‪,‬‬
‫وهو الذي ال تزيغ به األهواء‪ ,‬وال تلتبس به األلسن‪ ,‬وال تنقضي عجائبه‪ ,‬وال يشبع منه‬
‫العلماء‪ ,‬من قال به صدق‪ ,‬ومن عمل به أجر‪ ,‬ومن حكم به عدل‪ ,‬ومن دعا إليه هدي إلى‬
‫صراط مستقيم(‪ ,)6‬وقال ابن عباس رضي هللا عنه‪« :‬يضمن هللا لمن قرأ القرآن وعمل بما‬
‫ال ْاهبِطَا ِم ْن َها َج ِم ًيعا‬
‫فيه أال يضل في الدنيا وال يشقى في اآلخرة»‪ ,‬ثم قرأ هذه اآلية‪+ :‬قَ َ‬
‫ض ُّل َوالَ يَ ْش َقى" [طه‪.]123:‬‬
‫(‪)7‬‬
‫َ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫ََ‬ ‫ض ُك ْم لَِب ْع ٍ‬
‫ض َع ُد ٌّو فَِإ َّما يأْتِينَّ ُكم ِّمنِّي ُه ًدى فَم ِن َّاتبع ُه َداي فَالَ ي ِ‬ ‫َب ْع ُ‬
‫وقد جاء في كتب الشيعة نفسها عن أهل البيت ما ينقض هذه المقولة في بعض‬
‫مصادرهم المعتمدة‪ ,‬فقد جاء فيها‪ ...:‬فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم‪ ,‬فعليكم‬
‫بالقرآن‪ ,‬فإنه شافع مشفع‪ ,‬من جعله أمامه قاده إلى الجنة‪ ,‬ومن جعله خلفه ساقه إلى النار‪,‬‬
‫وهو الدليل على خير سبيل(‪ .)8‬وفي نهج البالغة المنسوب لعلي رضي هللا عنه وهو الذي‬
‫عند الشيعة من أوثق المراجع‪ :‬جاء النص التالي‪ :‬فالقرآن آمر زاجر‪ ,‬وصامت ناطق‪,‬‬
‫حُجة هللا على خلقه(‪.)9‬‬
‫ولهذه النصوص شواهد أخرى وهي تكشف لنا مدى التناقض واالضطراب الواقع‬
‫في مصادر هؤالء القوم‪ :‬فرواياتهم –كما ترى‪ -‬يعارض بعضها بعضًا‪ ,‬لكنهم في حالة‬
‫التناقض تلك قد وضعوا لهم منهجًا خطيرًا وهو األخذ بما خالف العامة –وهم أهل السنة‬
‫عندهم‪ -‬والمتأمل لتلك المقالة التي تواترت في كتب الشيعة يالحظ أنها من وضع عدو‬
‫حاقد أراد أن يصد الشيعة عن كتاب هللا سبحانه‪ ,‬ويضلهم عن هدى هللا‪ ,‬فما دامت تكل‬
‫المقالة ربطت حجية القرآن بوجود القيم‪ ,‬والقيم هو أحد األئمة االثنى عشر‪ ,‬ألن القرآن‬
‫فسر لرجل واحد وهو علي‪ ,‬وقد انتقل علم القرآن من علي إلى سائر األئمة االثنى عشر‪,‬‬
‫كل إمام يعهد بهذا العلم إلى من بعده‪ ,‬حتى انتهى إلى اإلمام الثاني عشر‪ ,‬وهو غائب‬
‫مفقود عند االثنى عشرية منذ ما يزيد على أحد عشر قرنًا‪ ,‬ومعدوم عند طوائف من‬
‫الشيعة وغيرهم‪ ,‬فما دامت هذه المقالة ربطت حجية القرآن بهذا الغائب أو المعدوم فكأن‬
‫‪1‬‬
‫() أصول الكافي (‪.)1/188‬‬
‫‪2‬‬
‫() رجال الكشي‪ ,‬ص ‪.420‬‬
‫‪3‬‬
‫() الصدوق‪ ,‬علل الشرائع ص ‪.192‬‬
‫‪4‬‬
‫() المحاسن للبرقي‪ ,‬ص‪.268‬‬
‫‪5‬‬
‫() وسائل الشيعة للحر العاملي (‪.)18/141‬‬
‫‪6‬‬
‫() فضائل القرآن البن كثير‪ ,‬ص ‪ ,15‬موقوف على أمير المؤمنين علي رضي هللا عنه‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() تفسير الطبري (‪.)16/225‬‬
‫‪8‬‬
‫() تفسير العياشي (‪ ,)1/2‬البحار (‪.)92/17‬‬
‫‪9‬‬
‫() نهج البالغة‪ ,‬ص ‪ ,265‬أصول الشيعة اإلمامية (‪.)1/160‬‬
‫‪56‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫نهايتها أن االحتجاج بالقرآن متوقف لغياب قيمه أو عدمه‪ ,‬وأنه ال يرجع إلى كتاب هللا‪,‬‬
‫وال يعرج عليه في مقام االستدالل‪ ,‬ألن الحجة في قول اإلمام فقط‪ ,‬وهو غائب فال حجة‬
‫فيه حينئذ‪ ,‬وحسبك بهذا الضالل‪ ,‬واإلضاللـ عن صراط هللا‪ ,‬وتلك ليست نهاية التآمر على‬
‫كتاب هللا‪ ,‬وعلى الشيعة‪ ,‬ولكنها حلقة من حلقات‪ ,‬ومؤامرة ضمن سلسلة مؤامرات‪ ,‬تريد‬
‫أن تبعد الشيعة عن كتاب هللا عز وجل(‪.)1‬‬
‫إن مما علم من اإلسالم بالضرورة أن علم القرآن الكريم لم يكن سرًا تتوارثه ساللة‬
‫معينة‪ ,‬ولم يكن لعلي اختصاص بهذا دون سائر صحابة رسول هللا × وأن الصحابة‬
‫رضوان هللا عليهم هم الطليعة األولى التي حازت شرف تلقي هذا القرآن عن رسول‬
‫البشرية محمد × ونقله إلى األجيال كافة‪ ,‬ولكن الشيعة تخالف هذا األصل‪ ,‬وتعتقد أن هللا‬
‫سبحانه وتعالى قد اختص أئمتهم االثنى عشر بعلم القرآن كله‪ ,‬وأنهم اختصوا بتأويله‪ ,‬وأن‬
‫من طلب علم القرآن من غيرهم فقد ضل(‪ ,)2‬وتذكر بعض مصادر أهل السنة أن بداية هذه‬
‫المقالة‪ ,‬وجذورها األولى ترجع البن سبأ‪ ,‬فهو القائل‪ :‬بأن القرآن جزء من تسعة أجزاء‬
‫وعلمه عند علي(‪ ,)3‬وقد استفاض ذكر هذه المقالة في كتب الشيعة اإلمامية االثنى عشرية‬
‫بألوان األخبار وصنوفـ الروايات‪:‬‬
‫أ‪ -‬جاء في أصول الكافي في خبر طويل عن أبي عبد هللا قال‪ :‬إن الناس يكفيهم‬
‫القرآن لو وجدوا له مفسرًا‪ ,‬وإن رسول هللا × فسره لرجل واحد‪ ,‬وفسره لألئمة شأن ذلك‬
‫الرجل وهو علي بن أبي طالب(‪ ,)4‬وجاء في طائفة من مصادر الشيعة المعتمدة لديهم أن‬
‫رسول هللا × قال‪ :‬إن هللا أنزل عل ّي القرآن وهو الذي من خالفه ضل‪ ,‬ومن يبتغي علمه‬
‫عند غير علي هلك(‪ .)5‬وزعمت أيضًا كتب الشيعة أن أبا جعفر قال‪ :‬يا قتادة أنت فقيه أهل‬
‫البصرة؟‪ ,‬فقال‪ :‬هكذا يزعمون‪ ,‬قال أبو جعفر رضي هللا عنه‪ :‬بلغني أنك تفسر القرآن؟‬
‫فقال له قتادة‪ :‬نعم –إلى أن قال‪ :-‬ويحك يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به(‪.)6‬‬
‫ورواياتهم في هذا الباب كثيرة جدًا‪ ,‬وربما تستغرق مجلدًا وكلها تحوم حول معنى‬
‫واحد وهو اختصاص األئمة االثنى عشر بعلم القرآن وأنه مخزون عندهم وبه يعلمون كل‬
‫شيء(‪ ,)7‬والرد على ذلك كما قال هللا تعالى لمن طلب آية تدل على صدق رسول هللا ×‪:‬‬
‫اب ُي ْتلَى َعلَْي ِه ْم" [العنكبوت‪ ,]51:‬فالقرآن الكريم العظيم هو‬ ‫ْف ِهم أَنَّا أَْنزلْنَا َعلَي َ ِ‬
‫‪+‬أَو ل ِ‬
‫ك الْكتَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َم يَك ْ‬ ‫َ ْ‬
‫الشاهد والدليل والحجة‪ ,‬ومن ابتغى علم القرآن من القرآن‪ ,‬أو من ُسنَّة المصطفى ×‪ ,‬أو‬
‫من صحابة رسول هللا × بمن فيهم علي فقد اهتدى‪ .‬والقول بأن من طلب علم القرآن عند‬
‫غير علي هلك ليس من دين اإلسالم‪ ,‬وهو مما علم بطالنه من اإلسالم بالضرورة‪ ,‬فلم‬
‫ك‬‫يخص النبي × أحدًا من الصحابة بعلم الشريعة دون اآلخرين‪ ,‬قال تعالى‪َ + :‬وأَ ْن َزلْنَا إِل َْي َ‬
‫َّاس َما ُن ِّز َل إِل َْي ِه ْم" [النحل‪ ,]44:‬فاآلية تدل على أن البيان للناس وليس لفرد أو‬ ‫الذ ْك َر لِتَُبيِّ َن لِلن ِ‬
‫ِّ‬

‫‪1‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)1/161‬‬
‫‪2‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)1/162‬‬
‫‪3‬‬
‫() أحوال الرجال‪ ,‬ص ‪ 38‬للجوزجاني‪ ,‬أصول الشيعة اإلمامية (‪.)1/162‬‬
‫‪4‬‬
‫() أصول الكافي (‪ ,)1/25‬وسائل الشيعة (‪.)18/131‬‬
‫‪5‬‬
‫() أمالي الصدوق‪ ,‬ص ‪ ,40‬وسائل الشيعة (‪.)18/131‬‬
‫‪6‬‬
‫() بحار األنوار (‪ ,)238 ،2/237‬أصول الشيعة (‪.)1/163‬‬
‫‪7‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)1/166‬‬
‫‪56‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫طائفة منهم ولو كانوا أهل بيته‪ ,‬وقد نفى أمير المؤمنين علي أن يكون خصه رسول هللا ×‬
‫بعلم دون الناس(‪ ,)1‬وقد خاطب النبي × الصحابة ومن بعدهم‪ ,‬ورغبهم في تبليغ سُنته ولم‬
‫يخص أحدًا منهم‪ ,‬فقال ×‪« :‬نضر الله أمرأ سمع منا حديثًا فحفظه حتى يبلغه‬
‫(‪)2‬‬
‫غيره‪ ,‬فإنه رب حامل فقه ليس بفقيه‪ ,‬ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» ‪.‬‬
‫وقد روت هذا الحديث كتب الشيعة اإلمامية االثنى عشرية المعتمدة(‪ ,)3‬فيكون حُجة عليهم‪,‬‬
‫وأما الدعوة بأن القرآن الكريم لم يخاطب به سوى األئمة االثنى عشر‪ ,‬ومن هنا فال‬
‫يعرف القرآن سواهم –إنما يعرف القرآن من خوطب به(‪ ,-)4‬بهذا الفهم السقيم يُعد صحابة‬
‫رسول هللا ×‪ ,‬والتابعون وأئمة اإلسالم على امتداد العصور قد هلكوا وأهلكوا –على حد‬
‫زعمهم‪ -‬بقيامهم بتفسير القرآن وفق أصوله‪ ,‬أو اعتقادهم أن في كتاب هللا ما ال يعذر أحد‬
‫بجهالته‪ ,‬ومنه ما تعرفه العرب من كالمها‪ ,‬ومنه ما ال يعرفه إال العلماء‪ ,‬ومنه ما ال يعلمه‬
‫إال هللا(‪ ,)5‬فالشيعة تزعم أنه ال يعرف القرآن سوى األئمة‪ ,‬وأنهم يعرفون القرآن كله‪ ,‬وهذه‬
‫دعوة تفتقر إلى الدليل‪ ,‬وزعم يكذبه العقل والنقل‪ ,‬فمما يجب أن يعلم أن النبي × بين‬
‫الذ ْك َر لِتَُبيِّ َن لِلنَّاسِ‬
‫ك ِّ‬‫ألصحابه معاني القرآن‪ ,‬كما بيَّن لهم ألفاظه‪ ,‬فقوله تعالى‪َ + :‬وأَ ْن َزلْنَا إِل َْي َ‬
‫َما نُ ِّز َل إِل َْي ِه ْم" [النحل‪ ,]44:‬يتناول هذا وهذا‪.‬‬
‫وقد قال أبو عبد الرحمن السلمي‪ :‬حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن –كعثمان بن‬
‫عفان‪ ,‬وعبد هللا بن مسعود وغيرهما –أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي × عشر آيات لم‬
‫يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل‪ ,‬قالوا‪ :‬فتعلمنا القرآن والعلم والعمل‬
‫اب أَ ْن َزلْنَ ُاه‬ ‫ِ‬
‫جميعًا ‪ ,‬ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة‪ ,‬وذلك أن هللا تعالى قال‪+ :‬كتَ ٌ‬
‫(‪)6‬‬

‫اب" [ص‪ ,]29:‬وقال‪+ :‬أَفَالَ َيتَ َد َّب ُرو َن الْ ُق ْرآ َن" [النساء‪:‬‬ ‫َّبروا آيَاتِِه َولِيَتَ َذ َّكر أُولُو األلْبَ ِ‬ ‫ِّ‬ ‫إِل َْي َ‬
‫َ‬ ‫ك ُمبَ َار ٌك ليَد َّ ُ‬
‫َّب ُروا الْ َق ْو َل" [المؤمنون‪ ,]68:‬وتدبر القرآن بدون فهم معانيه ال يمكن‪,‬‬ ‫‪ ,]82‬وقال‪+ :‬أَ َفلَ ْم يَد َّ‬
‫ِ‬
‫وكذلك قال تعالى‪+ :‬إِنَّا أَْن َزلْنَاهُ ُق ْرآنًا َع َربِيًّا لَّ َعلَّ ُك ْم َت ْعقلُو َن" [يوسف‪ ,]2 :‬وعقل القرآن متضمن‬
‫لفهمه‪ ,‬ومن المعلوم أن كل كالم فالمقصود منه فهم معانيه دون مجرد ألفاظه‪ ,‬فالقرآن‬
‫أولى‪.‬‬
‫ولهذا لم تعد فئة من الشيعة تهضم هذه المقالة‪ ,‬وخرجت عن القول بكل ما فيها‪,‬‬
‫فقالت بأن ظواهر القرآن ال يختص بعلمها االثنا عشر بل يشركهم غيرهم فيها‪ ,‬أما بواطن‬
‫اآليات فمن اختصاص األئمة‪ .‬وقام خالف كبير حول حجية ظواهر القرآن بين‬
‫األخباريين واألصوليين‪ ,‬فالفئة األولى ترى أنه ال يعلم تفسير القرآن كله ظاهره وباطنه‬
‫إال األئمة‪ ,‬واألخرى ترى حجية ظواهر القرآن لعموم األدلة في الدعوة لتدبر القرآن‬
‫وفهمه(‪.)7‬‬

‫‪1‬‬
‫() مسلم رقم (‪.)1978‬‬
‫‪2‬‬
‫() سلسلة األحاديث الصحيحة (‪.)690 ،1/689‬‬
‫‪3‬‬
‫() أصول الكافي (‪ ,)1/403‬وسائل الشيعة للحر العاملي (‪.)18/64‬‬
‫‪4‬‬
‫() بحار األنوار (‪ ,)24/238،237‬أصول الشيعة (‪.)1/163‬‬
‫‪5‬‬
‫() تفسير الطبري (‪ )1/76‬كالم ابن عباس‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() مجموع الفتاوي (‪.)13/331‬‬
‫‪7‬‬
‫() البيان للخوئي‪ ,‬ص ‪ ,463‬أصول الفقه للمظفر (‪.)3/130‬‬
‫‪56‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الزبُ ِر‬ ‫إن دعوى أن القرآن لم يُفسر إلى لعلي مخالفة لقول هللا سبحانه‪+ :‬بِالْبِّينَ ِ‬
‫ات َو ُّ‬ ‫َ‬
‫الذ ْك َر لِتَُبيِّ َن لِلن ِ‬
‫َّاس َما ُن ِّز َل إِل َْي ِه ْم َول ََعلَّ ُه ْم َيَت َف َّك ُرو َن" [النحل‪ ,]44 :‬فالبيان للناس ال‬ ‫ك ِّ‬‫َوأَ ْن َزلْنَا إِل َْي َ‬
‫لعلي وحده –كما سبق‪ -‬فليس لمن قال هذه المقالة إال أحد طريقين‪ :‬إما القول بأن الرسول‬
‫لم يبلغ ما أنزل إليه‪ ,‬وإما أن يُكذب القرآن‪ ,‬وهي مخالفة للعقل ومما علم من اإلسالم‬
‫بالضرورة‪ ,‬ودعوى أن علم القرآن اختص به األئمة ينافيه اشتهار عدد كبير من صحابة‬
‫رسول هللا × بتفسير القرآن كالخلفاء األربعة‪ ,‬وابن مسعود‪ ,‬وابن عباس‪ ,‬وزيد بن ثابت‬
‫وغيرهم‪ ,‬وكان علي رضي هللا عنه يثني على تفسير ابن عباس رضي هللا عنهما(‪ ,)1‬وقال‬
‫ابن تيمية رحمه هللا‪ :‬وهذا ابن عباس نقل عنه من التفسير ما شاء هللا باألسانيد الثابتة ليس‬
‫في شيء منها ذكر علي‪ ,‬وابن عباس يروي عن غير واحد من الصحابة‪ ,‬يروى عن‬
‫عمر‪ ,‬وأبي هريرة‪ ,‬وعبد الرحمن بن عوف‪ ,‬وعن زيد بن ثابت‪ ,‬وأبي بن كعب‪ ,‬وأسامة‬
‫بن زيد وغير واحد من المهاجرين واألنصار‪ ,‬وروايته عن علي قليلة جدًا‪ ,‬ولم يخرج‬
‫أصحاب الصحيح شيئًا من حديثه عن علي‪ ,‬وخرجوا حديثه عن عمر وعبد الرحمن بن‬
‫عوف وأبي هريرة وغيرهم‪ ..‬وما يعرف بأيدي المسلمين تفسير ثابت عن علي‪ ,‬وهذه‬
‫كتب الحديث والتفسير مملوءة باآلثار عن الصحابة والتابعين‪ ,‬والذي منها عن علي قليل‬
‫جدًا‪ ,‬وما ينقل من التفسير عن جعفر الصادق كذب على جعفر(‪ ,)2‬وقد تحدث جعفر بولع‬
‫الناس بالكذب عليه‪ ,‬وإن قولهم بأن علم القرآن انفرد بنقله علي يفضي إلى الطعن في‬
‫تواتر شريعة القرآن من الصحابة إلى سائر األجيال‪ ,‬ألنه لم ينقلها –على حد زعمهم‪ -‬عن‬
‫رسول هللا إال واحد وهو علي رضي هللا عنه‪ ,‬فهذه المقالة مؤامرة‪ ,‬الهدف منها الصد عن‬
‫كتاب هللا سبحانه واإلعراض عن تدبره‪ ,‬واستلهام هديه‪ ,‬والتفكر في عبره‪ ,‬والتأمل في‬
‫معانيه ومقاصده‪ ,‬فالقرآن في دين الشيعة ال وسيلة لفهم معانيه إال من طريقة األئمة االثنى‬
‫عشر‪ ,‬أما غيرهم فمحروم من االنتفاع به‪ ,‬وهي محاولة أو حيلة مكشوفة الهدف‪,‬‬
‫مفضوحة القصد‪ ,‬ألن كتاب هللا نزل بلسان عربي مبين وخوطب به الناس أجمعون ‪+‬إِنَّا‬
‫َّاس وه ًدى ومو ِعظَةٌ لِّل ِ‬ ‫ِ‬
‫ين" [آل‬ ‫ْمتَّق َ‬
‫ُ‬ ‫أَ ْن َزلْنَاهُ ُق ْرآنًا َع َربِيًّا لَّ َعلَّ ُك ْم َت ْعقلُو َن" [يوسف‪َ + ,]2:‬ه َذا َبيَا ٌن لِّلن ِ َ ُ َ َ ْ‬
‫عمران‪:‬ـ‪ ,]138‬وأمر هللا عباده بتدبره‪ ,‬واالعتبار بأمثاله‪ ,‬واالتعاظ بمواعظه‪ ,‬ومحال أن‬
‫يقال لمن ال يفهم ما يقال له وال يعقل تأويله‪ :‬اعتبر بما ال فهم لك به وال معرفة من البيان‬
‫والكالم(‪ ,)3‬وهي محاولة للصد عن ذلك العلم العظيم في تفسير القرآن‪ ,‬والذي نقله إلينا‬
‫صحابة رسول هللا × والسلف واألئمة‪ ,‬فهذه الكنوز العظيمة ال عبرة بها وال قيمة لها في‬
‫دين الشيعة‪ ,‬ألنها ليست واردة عن األئمة االثنى عشر‪ ,‬وقد صرح بذلك بعض شيوخهم‬
‫المعاصرين فقال‪ :‬إن جميع التفاسير الواردة عن غير أهل البيت ال قيمة لها وال يعتد‬
‫بها(‪ ,)4‬لقد حاولت كتب التفسير المعتمدة عندهم كتفسير القمي والعياشي والصافي‬
‫والبرهان‪ ,‬وكتب الحديث كالكافي والبحار تأويالت لكتاب هللا منسوبة آلل البيت تكشف‬
‫في الكثير الغالب عن جهل فاضح بكتاب هللا‪ ,‬وتأويل منحرف آلياته‪ ,‬وتعسف بالغ في‬
‫تفسيره‪ ,‬وال يمكن أن تصح نسبتها لعلماء آل البيت‪ ,‬فهي تأويالت ال تتصل بمدلوالتـ‬
‫األلفاظ‪ ,‬وال بمفهومها وال بالسياق القرآني –كما سيأتي أمثلة على ذلك بإذن هللا‪ -‬وبناء‬
‫على هذه العقيدة فإن هذا هو مبلغ علم علماء آل البيت‪ ,‬وفي ذلك من الزراية عليهم ونسبة‬
‫‪1‬‬
‫() تفسير ابن عطية (‪ ,)1/19‬تفسير ابن جزي (‪.)1/9‬‬
‫‪2‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)4/155‬‬
‫‪3‬‬
‫() تفسير الطبري (‪.)1/82‬‬
‫‪4‬‬
‫() الشيعة والرجعة‪ ,‬ص‪ ,19‬محمد رضا النجفي‪.‬‬
‫‪56‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الجهل إليهم الشيء الكثير من قوم يزعمون محبتهم والتشيع لهم(‪.)1‬‬
‫‪ -3‬اعتقادهم بأن للقرآن معاني باطنة تخالف الظاهر‪ :‬ذهب الشيعة إلى أن‬
‫للقرآن ظاهرًا وباطنًا‪ ,‬وأن الناس ال يعلمون إال الظاهر‪ ,‬وأما الباطن فال يعلمه إال األئمة‬
‫ومن يستقي منهم‪ ,‬وبمثل هذه األفكار فتح الشيعة الباب للزنادقة والملحدين وأصحاب‬
‫األهواء والمذاهب الهدامة لكي يتالعبوا بالقرآن‪ ,‬وحاولوا جميعًا الكيد له وأرادوا أن‬
‫يطفئوا نور اإلسالم بأفواههم ولكن هللا متم نوره ولو كره الكافرون‪ ,‬وقد استغل الشيعة‬
‫فكرة الظاهر والباطن هذه وحاولوا بها تفسير القرآن لكي يوافق معتقداتهم ويخدم مذهبهم‬
‫في اإلمامة‪ ,‬كما اتخذوا القرآن تكأة للهجوم على الصحابة رضي هللا عنهم وتجريحهم في‬
‫الوقت الذي يمجدون فيه أهل البيت وينسبون إليهم أشياء يدفعونها هم عن أنفسهم‪ ,‬وقد أتى‬
‫الشيعة الرافضة في هذا الباب بآراء تخالف كل ما أثر في تفسير القرآن‪ ,‬وال يسندها أثر‬
‫وال عقل وال لغة وال منطق(‪.)2‬‬
‫إن جذور التأويل الباطني نبتت في أروقة السبئية‪ ,‬ألن ابن سبأ حاول أن يجد لقوله‬
‫بالرجعة مستندًا من كتاب هللا بالتأويل الباطل وذلك حينما قال‪ :‬العجب ممن يزعم أن‬
‫ِ‬
‫ك الْ ُق ْرآ َن‬‫ض َعلَْي َ‬ ‫عيسى يرجع ويكذب بأن محمدًا يرجع‪ ,‬وقد قال هللا عز وجل‪+ :‬إِ َّن الَّذي َف َر َ‬
‫اد" [القصص‪ ,)3( ]85:‬وقد نقلت لنا بعض كتب أهل السنة نماذج من تأويالت‬ ‫ُّك إِلَى مع ٍ‬
‫ل ََراد َ‬
‫ََ‬
‫الشيعة لكتاب هللا‪ ,‬ولكن ما انكشف لنا اليوم أمر خطير على عقائد الناس وفكرهم‬
‫وثقافتهم‪ ,‬فقد تحدث اإلمام األشعري(‪ ,)4‬والبغدادي(‪ ,)5‬والشهرستاني(‪ ,)6‬وغيرهم يحكون‬
‫عن المغيرة بن سعيد أحد الغالة باتفاق ال ُّسنَّة والشيعة والذي تنسب إليه الطائفة المغيرية‬
‫ال لِ ِإلنْس ِ‬
‫ان ا ْك ُف ْر"‬ ‫الش ْيطَ ِ‬
‫ان إِ ْذ قَ َ‬ ‫أنه ذهب بتأويل الشيطان في قول هللا جل شأنه‪َ + :‬ك َمثَ ِل َّ‬
‫َ‬
‫[الحشر‪ ,]16:‬بعمر بن الخطاب رضي هللا عنه‪ ,‬وهذا التأويل بعينه قد ورثته االثنا عشرية‪,‬‬
‫ودونته في مصادرها المعتمدة‪ ,‬حيث جاء في تفسير العياشي(‪ ,)7‬والصافي(‪ ,)8‬والقمي(‪,)9‬‬
‫الش ْيطَا ُن ل ََّما قُ ِ‬
‫ض َي‬ ‫ال َّ‬ ‫والبرهان(‪ ,)10‬وبحار األنوار(‪ ,)11‬عن أبي جعفر في قول هللا‪َ + :‬وقَ َ‬
‫األم ُر" [إبراهيم‪ ,]22:‬قال‪ :‬وهو الثاني وليس في القرآن شيء «وقال الشيطان» إال وهو‬ ‫ْ‬
‫الثاني‪ ,‬فكانت كتب االثنى عشرية تزيد على المغيرية بوضع هذا االنحراف في كتاب هللا‬

‫‪1‬‬
‫() أصول الشيعة األمامية (‪.)1/176‬‬
‫‪2‬‬
‫() دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين ص ‪.234،233‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)5/347‬‬
‫‪4‬‬
‫() مقاالت اإلسالميين (‪.)1/73‬‬
‫‪5‬‬
‫() الفرق بين الفرق ص ‪.24‬‬
‫‪6‬‬
‫() الملل والنحل (‪.)1/177‬‬
‫‪7‬‬
‫() تفسير العياشي (‪.)2/223‬‬
‫‪8‬‬
‫() تفسير الصافي (‪.)3/223‬‬
‫‪9‬‬
‫() تفسير القمي (‪.)3/84‬‬
‫‪10‬‬
‫() البرهان (‪.)2/309‬‬
‫‪11‬‬
‫() بحار األنوار (‪.)3/378‬‬
‫‪56‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫قاعدة مطردة(‪.)1‬‬
‫فهذه الروايات التي تسندها كتب الشيعة االثنى عشرية إلى أبي جعفر الباقر هي من‬
‫أكاذيب المغيرة بن سعيد وأمثاله‪ ,‬فقد ذكر الذهبي عن كثير النواء(‪ ,)2‬أن أبا جعفر قال‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫برئ هللا ورسوله من المغيرة بن سعيد‪ ,‬وبيان بن سمعان فإنهما كذبا علينا أهل البيت ‪,‬‬
‫وروى الكشي في رجاله عن أبي عبد هللا قال‪ :‬لعن هللا المغيرة بن سعيد كان يكذب‬
‫علينا(‪ ,)4‬وساق الكشي روايات عديدة في هذا الباب(‪ ,)5‬ويالحظ أنه اتفق كل من األشعري‪,‬‬
‫والبغدادي وابن حزم‪ ,‬ونشوان الحميري على أن جابرًا الجعفي الذي وضع أول تفسير‬
‫للشيعة على ذلك النهج الباطني كان خليفة المغيرة بن سعيد(‪ )6‬الذي قال بأن المراد‬
‫بالشيطان في القرآن هو أمير المؤمنين عمر‪ ,‬فهي عناصر خطر يستقي بعضها من بعض‬
‫عملت على فساد التشيع(‪.)7‬‬
‫وحين احتج شيخ الشيعة في زمنه –والذي إذا أطلق لقب العالمة عندهم انصرف إليه‬
‫(ابن المطهر الحلي)‪ -‬على استحقاق علي لإلمامة بقوله‪« :‬البرهان الثالثون قوله تعالى‪:‬‬
‫خ الَّ ي ْب ِغي ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ان" [الرحمن‪ ]20،19:‬قال علي وفاطمة ‪َ +‬ب ْيَن ُه َما‬ ‫‪َ +‬م َر َج الْبَ ْح َريْ ِن َيلْتَقيَان ‪َ ‬ب ْيَن ُه َما َب ْر َز ٌ َ َ‬
‫ج ِم ْن ُه َما اللُّ ْؤل ُُؤ َوال َْم ْر َجا ُن" الحسن والحسين‪ ,‬فحينما احتج ابن‬ ‫ِ ِ‬
‫خ الَّ َي ْبغيَان" النبي × ‪+‬يَ ْخ ُر ُ‬ ‫َب ْر َز ٌ‬
‫المطهر بذلك قال ابن تيمية رحمه هللا‪ :‬إن هذا وأمثاله إنما يقوله من ال يعقل ما يقول‪,‬‬
‫وهذا بالهذيان أشبه منه بتفسير القرآن وهو من جنس تفسير المالحدة والقرامطة الباطنية‬
‫للقرآن‪ ,‬بل هو شر من كثير منه‪ ,‬والتفسير بمثل هذا طريق للمالحدة على القرآن والطعن‬
‫فيه‪ ,‬بل تفسير القرآن بمثل هذا من أعظم القدح فيه والطعن فيه(‪ ,)8‬وهذه أمثلة من تحريف‬
‫الشيعة الرافضة آليات القرآن الكريم‪ ,‬وذلك بفتحهم باب التفسير الباطني للقرآن الكريم‬
‫على مصراعيه‪:‬‬
‫أ‪ -‬تحريفهم معنى التوحيد الذي هو أصل الدين إلى معنى آخر هو ولاية‬
‫الإمامة‪ :‬فعن أبي جعفر أنه قال‪ :‬ما بعث هللا نبيًا قط إال بواليتنا والبراءة من عدونا(‪ ,)9‬وذلك‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وت" [النحل‪.]36:‬‬ ‫قول هللا في كتابه‪َ + :‬ولََق ْد َب َع ْثنَا في ُك ِّل أ َُّمة َّر ُسوالً أ َِن ا ْعبُ ُدوا اهللَ َو ْ‬
‫اجتَنِبُوا الطَّاغُ َ‬
‫ال اهلل الَ َتت ِ‬
‫َّخ ُذوا‬ ‫ب‪ -‬تحريفهم معنى الإله إلى معنى الإمام‪ :‬ففي قوله تعالى‪َ + :‬وقَ َ ُ‬
‫اح ٌد" [النحل‪ ]51:‬قال أبو عبد هللا‪ :‬يعني بذلك‪ :‬وال تتخذوا إمامين‬ ‫إِلَهي ِن ا ْثني ِن إِنَّما هو إِلَهٌ و ِ‬
‫َْ َْ َ َُ َ‬
‫إنما هو إمام واحد(‪.)10‬‬

‫‪1‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)1/206‬‬
‫‪2‬‬
‫() كثير النواء‪ :‬شيعي وروي أنه رجع عن تشيعه‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() ميزان االعتدال (‪.)4/161‬‬
‫‪4‬‬
‫()‪ )8( ,‬رجال الكشي ص ‪.195‬‬
‫‪5‬‬
‫()‬

‫‪6‬‬
‫() مقاالت اإلسالميين (‪ ,)1/73‬الفرق بين الفرق‪ ,‬ص ‪ ,242‬المحلى (‪ ,)5/44‬أصول الشيعة (‪)1/207‬‬
‫‪7‬‬
‫() أصول الشيعة (‪.)1/208‬‬
‫‪8‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)4/66‬‬
‫‪9‬‬
‫() تفسير العياشي (‪ ,)2/261‬البرهان (‪.)2/373‬‬
‫‪57‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ج‪ -‬تحريفهم معنى الرب في القرآن إلى معنى الإمام‪ :‬ففي تفسير قول هللا‬
‫تعالى‪َ + :‬و َكا َن الْ َكافِ ُر َعلَى َربِِّه ظَ ِه ًيرا" [الفرقان‪ ,]55:‬قال القمي في تفسيره‪ :‬الكافر‪ :‬الثاني‬
‫(يعني عمر بن الخطاب)‪ ,‬كان على أمير المؤمنين عل ّي عليه السالم ظهيرًا(‪.)1‬‬
‫وقال الكاشاني في البصائر‪ :‬إن الباقر عليه السالم سُئل عن تفسير هذه اآلية فقال‪ :‬إن‬
‫تفسيرها في بطن القرآن‪ :‬علي هو ربه في الوالية(‪.)2‬‬
‫د‪ -‬تحريفهم معاني الكلمة إلى معاني الأئمة‪ :‬فقالوا في تفسير قول هللا‪َ + :‬ول َْوالَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ِل لَ ُقض َي َب ْيَن ُه ْم" [الشورى‪ ,]21 :‬الكلمة‪ :‬اإلمام ‪ ,‬وقوله سبحانه‪+ :‬الَ َت ْبد َ‬
‫يل‬ ‫َكل َمةُ الْ َف ْ‬
‫(‪)3‬‬

‫اهلل" [يونس‪ .]64:‬قالوا‪ :‬ال تفسير لإلمامة(‪.)4‬‬ ‫ات ِ‬ ‫لِ َكلِم ِ‬


‫َ‬
‫هـ‪ -‬تحريفهم معاني المسجد والكعبة والقبلة إلى معاني الأئمة‪ :‬فقالوا في‬
‫وه ُك ْم ِع ْن َد ُك ِّل َم ْس ِج ٍد" [األعراف‪ ]29:‬قال‪ :‬يعني‬ ‫يموا ُو ُج َ‬
‫ِ‬
‫تفسير قول هللا تعالى‪َ + :‬وأَق ُ‬
‫األئمة(‪ ,)5‬وفي قوله‪ُ + :‬خ ُذوا ِزينَتَ ُك ْم ِع ْن َد ُك ِّل َم ْس ِج ٍد" [األعراف‪ ]31:‬قال‪ :‬يعني األئمة(‪ ,)6‬وفي‬
‫َح ًدا" [الجن‪ ,]18:‬قال‪ :‬إن اإلمام من آل‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫قوله تعالى‪َ + :‬وأ َّ‬
‫َن ال َْم َساج َد هلل فَالَ تَ ْدعُوا َم َع اهلل أ َ‬
‫(‪)7‬‬
‫محمد‪ ,‬فال تتخذوا من غيرهم إما ًما ‪ ,‬ويقولـ الصادق عنهم‪ :‬نحن البلد الحرام ونحن كعبة‬
‫هللا ونحن قبلة هللا(‪ ,)8‬والسجود‪ :‬هو والية األئمة وبهذا يفسرون قوله تعالى‪َ + :‬وقَ ْد َكانُوا‬
‫ود َو ُه ْم َسالِ ُمو َن" [القلم‪ ]43:‬حيث قالوا‪ :‬يدعون إلى والية علي في الدنيا(‪.)9‬‬ ‫السج ِ‬
‫يُ ْد َع ْو َن إِلَى ُّ ُ‬
‫و‪ -‬تحريفهم معاني التوبة في القرآن إلى الرجوع عن ولاية أبي بكر وعمر‬
‫ين تَابُوا َو َّاتَبعُوا َسبِيلَ َ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ك"‬ ‫وعثمان إلى ولاية علي وحده‪ :‬ففي قوله سبحانه‪+ :‬فَا ْغف ْر للَّذ َ‬
‫ِ ِِ‬
‫ين تَابُوا" من‬ ‫[غافر‪ .]7:‬جاء تأويلها عندهم في ثالث روايات‪ ,‬تقولـ األولى‪+ :‬فَا ْغف ْر للَّذ َ‬
‫ِ ِِ‬
‫والية فالن وفالن «يعنون أبا بكر وعمر وبني أمية»‪ ,‬وتقول الرواية الثانية‪+ :‬فَا ْغف ْر للَّذ َ‬
‫ين‬
‫تَابُوا" من والية الطواغيت الثالثة «يعنون أبا بكر وعمر وعثمان»‪ ,‬ومن بني أمية‪,‬‬
‫ِ ِِ‬ ‫‪َ +‬و َّاتَبعُوا َسبِيلَ َ‬
‫ين تَابُوا" من والية هؤالء‬ ‫ك" يعني والية علي‪ ,‬وتقول الثالثة‪+ :‬فَا ْغف ْر للَّذ َ‬

‫‪10‬‬
‫() البرهان (‪ ,)2/373‬أصول الشيعة (‪.)1/209‬‬
‫‪1‬‬
‫() تفسير القمي (‪.)2/115‬‬
‫‪2‬‬
‫() تفسير نور الثقلين (‪.)4/25‬‬
‫‪3‬‬
‫() تفسير القمي (‪ ,)2/274‬بحار األنوار (‪.)24/174‬‬
‫‪4‬‬
‫() تفسير القمي (‪ ,)1/314‬بحار األنوار (‪.)24/175‬‬
‫‪5‬‬
‫() تفسر العياشي (‪ ,)2/12‬أصول الشيعة (‪.)1/216‬‬
‫‪6‬‬
‫() تفسير العياشي (‪ ,)2/13‬أصول الشيعة (‪.)1/216‬‬
‫‪7‬‬
‫() البرهان (‪ ,)4/393‬أصول الشيعة (‪.)1/216‬‬
‫‪8‬‬
‫() بحار األنوار (‪.)24/303‬‬
‫‪9‬‬
‫() تفسير القمي (‪ ,)2/383‬مرآة األنوار‪ ,‬ص ‪.176‬‬
‫‪57‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ك" هو أمير المؤمنين(‪ .)1‬وكل الروايات الثالث المذكورة منسوبة‬
‫(‪)2‬‬
‫وبني أمية ‪َ +‬و َّاتَبعُوا َسبِيلَ َ‬
‫ألبي جعفر محمد الباقر‪ ,‬وعلمه ودينه ينفيان صحة ذلك ‪ .‬وهذا قليل من كثير من‬
‫تأويالتهم الباطلة‪ ,‬فقد قامت مصادرهم في التفسير –غالبًا‪ -‬على هذا المنهج الباطني في‬
‫التأويل الذي استقته من أبي الخطاب وجابر الجعفي والمغيرة بن سعيد وغيرهم من‬
‫الغالة‪ ,‬ويالحظ أنه في القرن الخامس بدأ اتجاه التفسير عندهم يحاول التخلص من تلك‬
‫النزعة المفرطة في التأويل الباطني‪ ,‬حيث بدأ شيخ الطائفة عندهم أبو جعفر محمد بن‬
‫الحسن الطوسي (المتوفي ‪460‬هـ) يؤلف لهم كتابًا في التفسير‪ ,‬ويحاول فيه أن يتخلص أو‬
‫يخفف من ذلك الغلو الظاهر في تفسير القمي والعياشي وفي أصول الكافي وغيرها‪ ,‬وهو‬
‫وإن كان يدافع عن أصول طائفته ويقرر مبادئهم المبتدعة‪ ,‬إال أنه ال يهبط ذلك الهبوط‬
‫الذي نزل إليه القمي ومن تأثر به‪ ,‬ومثل الطوسي في هذا النهج الفضل بن الحسن‬
‫الطبرسي في مجمع البيان‪ ,‬وقد أشار ابن تيمية إلى ذلك حيث يقول‪ :‬الطوسي ومن معه‬
‫في تفسيرهم يأخذون من تفسير أهل السنة‪ ,‬وما في تفاسيرهم من علم يستفاد إنما هو‬
‫مأخوذ من تفاسير أهل السنة(‪.)3‬‬
‫سادسًا‪ :‬موقف الشيعة اإلمامية من الصحابة الكرام‬
‫يقف الشيعة الرافضة من أصحاب النبي × موقف العداوة والبغضاء والحقد‬
‫والضغينة‪ ,‬يبرز ذلك من خالل مطاعنهم الكبيرة على الصحابة التي تزخر بها كتبهم‬
‫القديمة والحديثة‪ ,‬فمن ذلك اعتقادهم ُكفرهم وردتهم إال نفرًا يسيرًا منهم‪ ,‬وعلى ما جاء‬
‫مصرحًا بذلك في بعض الروايات الواردة في أصح كتبهم وأوثقها عندهم‪ ,‬فقد روى‬
‫الكليني عن أبي جعفر أنه قال‪ :‬كان الناس أهل ردة بعد النبي × إال ثالثة‪ .‬فقلت‪ :‬ومن‬
‫الثالثة؟ فقال‪ :‬المقداد بن األسود‪ ,‬وأبو ذر الغفاري‪ ,‬وسلمان الفارسي‪ ,‬رحمة هللا وبركاته‬
‫عليهم ثم عرف أناس بعد يسير وقال‪ :‬هؤالء الذين دارت عليهم الرحا وأبوا أن يبايعوا‬
‫حتى جاؤوا بأمير المؤمنين مكرهًا فبايع(‪.)4‬‬
‫وقال نعمة هللا الجزائري‪ :‬اإلمامية قالوا بالنص الجلي على إمامة علي‪ ,‬وكفروا‬
‫الصحابة‪ ,‬ووقعوا فيهم‪ ,‬وساقوا اإلمامة إلى الجعفر الصادق وبعده إلى أوالده المعصومين‬
‫عليهم السالم‪ ,‬ومؤلفـ هذا الكتا من هذه الفرقة وهي الناجية إن شاء هللا(‪.)5‬‬
‫وقدح الشيعة الرافضة في الصحابة ال يقف عند هذا الحد من اعتقاد تكفيرهم وردتهم‪,‬‬
‫بل يعتقدون أنهم شر خلق هللا‪ ,‬وأن اإليمان باهلل ورسوله ال يكون إال بالتبرؤ منهم‪,‬‬
‫وخاصة الخلفاء الثالثة أبا بكر وعمر وعثمان‪ ,‬وأمهات المؤمنين(‪.)6‬‬
‫يقول محمد باقر المجلسي‪ :‬وعقيدتنا في التبرؤ أننا نتبرأ من األصنام األربعة؛ أبي‬
‫بكر‪ ,‬وعمر‪ ,‬وعثمان‪ ,‬ومعاوية‪ ,‬والنساء األربع‪ :‬عائشة‪ ,‬وحفصة‪ ,‬وهند‪ ,‬وأم الحكم‪ ,‬ومن‬
‫جميع أشياعهم وأتباعهم وأنهم شر خلق هللا على وجه األرض‪ ,‬وأنه ال يتم اإليمان باهلل‬

‫‪1‬‬
‫() تفسير الصافي (‪ ,)4/335‬تفسيرالقمي (‪.)2/255‬‬
‫‪2‬‬
‫() أصول الشيعة (‪.)1/218‬‬
‫‪3‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)3/246‬‬
‫‪4‬‬
‫() الروضة من الكافي (‪ ,)246-8/245‬االنتصار للصحب واآلل‪ ,‬ص ‪.76‬‬
‫‪5‬‬
‫() األنوار النعمانية (‪.)2/244‬‬
‫‪6‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ ,‬ص‪.77‬‬
‫‪57‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ورسوله واألئمة إال بعد التبرؤ من أعدائهم(‪ .)1‬وقد بلغ من حقد هؤالء على أصحاب النبي‬
‫×‪ :‬استباحة لعنهم بل تقربهم إلى هللا بذلك بشكل يفوق الوصف‪ ,‬فقد روي المال كاظم عن‬
‫أبي حمزة الثمالي –افتراء على زين العابدين رحمه هللا‪ -‬أنه قال‪ :‬من لعن الجبت‬
‫والطاغوت لعنة واحدة كتب هللا له سبعين ألف ألف حسنة ومحا عنه سبعين ألف ألف‬
‫سيئة‪ ,‬ورفع له سبعين ألف ألف درجة‪ ,‬ومن أمسى يلعنهما لعنة واحدة كتب له مثل ذلك‪,‬‬
‫قال‪ :‬فمضى موالنا علي بن الحسين‪ ,‬فدخلت على موالنا أبي جعفر محمد الباقر‪ ,‬فقلت‪ :‬يا‬
‫موالي حديث سمعته من أبيك‪ ,‬قال‪ :‬هات يا ثمالى‪ ,‬فأعدت عليه الحديث‪ .‬فقال‪ :‬نعم يا‬
‫ثمالى أتحب أن أزيدك؟‪ ,‬فقلت‪ :‬بلى يا موالي‪ .‬فقال‪ :‬من لعنهما لعنة واحدة في كل غداة لم‬
‫يكتب عليه ذنب في ذلك اليوم حتى يمسي‪ ,‬ومن أمسى فلعنهما لعنة واحدة لم يكتب عليه‬
‫ذنب في ليله حتى يصبح(‪ ,)2‬ومن األدعية المشهورة عندهم الواردة في كتب األذكار‪:‬‬
‫دعاء يسمونه دعاء صنمي قريش «يعنون بهما أبا بكر وعمر» وينسبون هذا الدعاء ظل ًما‬
‫وزورًا لعلي رضي هللا عنه وهو يتجاوز صفحة ونصف الصفحة وفيه‪ :‬اللهم صل على‬
‫محمد وآل محمد والعن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيهما وإفكيهما‪ ,‬وابنتيهما‪ ,‬اللذين‬
‫خالفا أمرك‪ ,‬وأنكرا وحيك‪ ,‬وجحدا إنعامك‪ ,‬وعصيا رسولك‪ ,‬وقلبا دينك‪ ,‬وحرفا كتابك‪..‬‬
‫إلى أن جاء في آخره‪ :‬اللهم العنهما في مكنون السر‪ ,‬وظاهر العالنية‪ ,‬لعنًا كثيرًا أبدًا‪ ,‬دائ ًما‬
‫سرمدًا‪ ,‬ال انقطاع ألمره‪ ,‬وال نفاد لعدده‪ ,‬لعنًا يعود أوله وال يروح آخره‪ ,‬لهم وألعوانهم‪,‬‬
‫وأنصارهم ومحبيهم ومواليهم‪ ,‬والمسلمين لهم‪ ,‬والمائلين إليهم‪ ,‬والناهضين باحتجاجهم‪,‬‬
‫والمقتدين بكالمهم‪ ,‬والمصدقين بأحكامهم‪( ,‬قل أربع مرات)‪ :‬اللهم عذبهم عذابًا يستغيث‬
‫منه أهل النار‪ ,‬آمين يا رب العالمين(‪.)3‬‬
‫هذا الدعاء مرغب فيه عندهم‪ ,‬حتى –إنهم رووا في فضله نسبة إلى ابن عباس أنه‬
‫قال‪ :‬إن عليًا –عليه السالم‪ -‬كان يقنت بهذا الدعاء في صلواته‪ ,‬وقال‪ :‬إن الداعي به‬
‫كالرامي مع النبي × في بدر وأُحد وحنين‪ ,‬بألف ألف سهم(‪ ,)4‬ولهذا كان هذا الدعاء محل‬
‫عناية علمائهم‪ ,‬حتى إن أغا برزك الطهراني ذكر أن شروحه بلغت العشرة(‪.)5‬‬
‫فهذا ما جاء في كتبهم القديمة وعلى ألسنة علمائهم المتقدمين‪ ,‬أما المعاصرون منهم‬
‫فهم على عقيدة سلفهم سائرون وبها متمسكون‪ ,‬فهذا إمامهم المقدس وآيتهم العظمى‬
‫الخميني –يقول في كتابه كشف األسرار‪ :‬إننا هنا ال شأن لنا بالشيخين‪ ,‬وما قاما به من‬
‫مخالفات للقرآن‪ ,‬ومن تالعب بأحكام اإلله‪ ,‬وما حلاله وحرماه من عندهما‪ ,‬وما مارساه‬
‫من ظلم ضد فاطمة ابنة النبي × وضد أوالدها‪ ,‬ولكنننا نشير إلى جهلهما بأحكام اإلله‬
‫والدين(‪ ,)6‬ويقول عن الشيخين رضي هللا عنهما‪ :‬وهنا نجد أنفسنا مضطرين إلى إيراد‬
‫شواهد من مخالفتهما الصريحة للقرآن لنثبت بأنهما كانا يخالفان ذلك(‪ ,)7‬ويقولـ متهمهما‬
‫‪1‬‬
‫() حق اليقين‪ ,‬ص‪( 519‬فارسي) وقد قام بترجمة النص إلى العربية الشيخ محمد عبد الستار التونسوي‪,‬‬
‫في كتابه بطالن عقائد الشيعة‪ ,‬ص ‪.53‬‬
‫‪2‬‬
‫() أجمع الفضائح‪ ,‬للمال كاظم‪ ,‬ص‪ ,513‬نقالً عن الشيعة وأهل البيت‪ ,‬ص ‪.157‬‬
‫‪3‬‬
‫() مفتاح الجنان في األدعية والزيارات واألذكار‪ ,‬ص ‪ ,114-113‬وتحفة عوام مقبول‪ ,‬ص ‪.215-214‬‬
‫وهذا الكتاب األخير موثق من كبار علمائهم المعاصرين‪ ,‬ورد ذكر أسمائهم على غالف الكتاب‪ ,‬ومنهم‬
‫الخميني‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() علم اليقين في أصول الدين لمحسن الكاشاني (‪.)2/101‬‬
‫‪5‬‬
‫() الذريعة إلى تصانيف الشيعة (‪.)8/192‬‬
‫‪6‬‬
‫() كشف األسرار‪ ,‬ص ‪.126‬‬
‫‪7‬‬
‫() المرجع نفسه‪ ,‬ص‪.131‬‬
‫‪57‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫بتحريف القرآن‪ :‬لقد ذكر هللا ثماني فئات تستحق سه ًما من الزكاة‪ ,‬لكن أبا بكر أسقط‬
‫واحدة من هذه الفئات‪ ,‬بإيعاز من عمر ولم يقل المسلمون شيئًا(‪ ,)1‬ويقول‪ :‬الواقع أنهم ما‬
‫أعطوا الرسول حق قدره‪ ,‬الرسول الذي ك ّد وجد وتحمل المصائب من أجل إرشادهم‬
‫وهدايتهم‪ ,‬وأغمض عينيه وفي أذنيه كلمات ابن الخطاب القائمة على الفرية والنابعة من‬
‫أعمال الكفر والزندقة(‪.)2‬‬
‫وقد خرجت أصوات شيعية معاصرة تدعو للتقارب بين الشيعة وأهل السنَّة وتزعم‬
‫أنها تقدر الصحابة‪ ,‬كالخنيزي وأحمد مغنية والرفاعي‪ ,‬ومحمد جواد مغنية‪ ,‬فعليهم أن‬
‫يعلنوا موقفهم في تقديمهم للصحابة في األوساط الشيعية‪ ,‬وأن يعملوا على تنقية التراث‬
‫الشيعي من كل ما يخالف كتاب هللا وسنة رسوله وأن يتصدوا لمشايخ الشيعة المعاصرين‬
‫الذين ال يزالون يهذون في هذا الضالل‪ ,‬وأال يتجاهلوا ما جاء في كتبهم قدي ًما وحديثًا وما‬
‫يجري في واقعهم من عوامهم وشيوخهم‪ ,‬وأن يصدقوا وال يتناقضوا‪ ,‬حتى يقبل منهم‬
‫موقفهم(‪.)3‬‬
‫إن عقيدة الشيعة الرافضة في الصحابة موجودة في أصول كتبهم‪ ,‬التي يقوم عليها‬
‫المذهب من مطاعن وسباب وشتائم بذيئة‪ ,‬يتنزه أصحاب المروءة والدين عن إطالقها‬
‫على أكفر الناس‪ ,‬بينما تنشرح بها صدور الشيعة الرافضة‪ ,‬وتسارع بها ألسنتهم في حق‬
‫أصحاب رسول هللا × وخلفائه ووزرائه وأصهاره‪ ,‬ويعدون ذلك دينًا يرجون عليه من هللا‬
‫أعظم األجر والمثوبة‪ .‬وفي الحقيقة إن المسلم إذا ما تأمل حال هؤالء الناس من بُعد‬
‫وضالل‪ ,‬فإنه البد له من موقفين‪:‬‬
‫أ‪ -‬موقف استشعار نعمة هللا‪ ,‬وعظم لطفه‪ ,‬وسابغ كرمه أن أنقذه من هذا الضالل‪,‬‬
‫األمر الذي يستوجب شكرًا هلل على ذلك‪.‬‬
‫ب‪ -‬موقف االتعاظ واالعتبار بما بلغ هؤالء القوم من زيغ وانحراف‪ ,‬يعلمه من له‬
‫أدنى ذرة عقل‪ ,‬كتقربهم إلى هللا بلعن أبي بكر وعمر صباحًا ومسا ًء‪ ,‬وزعمهم أن من‬
‫لعنهما لعنة واحدة لم تكتب عليه خطيئة يومه‪ ,‬وذلك أن عامة العقالء من هذه األمة‪ ,‬بل‬
‫ومن أصحاب الملل السماوية يدركون إدرا ًكا ضروريًا من دين هللا‪ ,‬أن هللا ما تعبد أمة من‬
‫األمم بلعن أحد من الكفار‪ ,‬ولو كان أكفر الناس‪ ,‬بل ما تعبدهم بلعن إبليس اللعين المطرود‬
‫من رحمة هللا صباحًا ومساء‪ ,‬في أوراد مخصوصة تقربنا إلى هللا كما تتقرب الشيعة‬
‫الرافضة بلعن أبي بكر وعمر‪ .‬بل إني ال أعلم(‪ ,)4‬فيما أطلعت عليه من كتب الرافضة‬
‫أنفسهم أنها تضمنت دعاء مخصوصًا أو غير مخصوص في لعن أبي جهل‪ ,‬أو أمية بن‬
‫خلف‪ ,‬أوالوليد بن المغيرة الذين هم أشد الناس كفرًا وتكذيبًا لرسوله ×‪ ,‬بل وال في لعن‬
‫إبليس في حين أن كتبهم تمتلئ بالروايات في لعن أبي بكر وعمر‪ ,‬كما في دعاء صنمي‬
‫قريش وغيره‪ ,‬ففي هذا عبرة لكل معتبر فيما يبلغ بالعبد من الضالل إن هو أعرض عن‬
‫شرع هللا‪ ,‬واتبع األهواء والبدع يزين له سوء عمله وقبيح أفعاله حتى يصبح ال يعرف‬
‫معروفًا من منكر‪ ,‬وال يميز حقًا من باطل‪ ,‬بل يتخبط في الظلمات‪ ,‬ويعيش سكرة‬
‫الشهوات‪ ،‬وهذا ما أخبر هللا عنه في كتابه وبين حال أصحابه في قوله ‪+‬أَفَ َم ْن ُزيِّ َن لَهُ‬
‫(‪)5‬‬

‫‪1‬‬
‫() المرجع نفسه‪ ,‬ص‪.135‬‬
‫‪2‬‬
‫() المرجع نفسه‪ ,‬ص‪.137‬‬
‫‪3‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)1342-3/1319‬‬
‫‪4‬‬
‫() هو الدكتور إبراهيم الرحيلي صاحب كتاب االنتصار للصحب واآلل‪ ,‬ص ‪.85‬‬
‫‪5‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ ،‬ص ‪.85‬‬
‫‪57‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ض َّل‬
‫ين َ‬‫ُسوءُ َع َمِله َف َرآهُ ِ َح َسنًا فَِإ َّن اهللَ يُض ُّل َمن يَ َشاءُ َو َِي ْهدي َمن يَ َشاءُ" [فاطر‪ ،]8 :‬وقال‪+ :‬الذ َ‬
‫ص ْن ًعا" [الكهف‪ ،]104 :‬وقال تعالى‪+ :‬قُ ْل‬ ‫الد ْنيَا َو ُه ْم يَ ْح َسبُو َن أ ََّن ُه ْم يُ ْحسنُو َن ُ‬
‫ْحيَاة ُّ‬ ‫َس ْعُي ُه ْم في ال َ‬
‫اعةَ‬ ‫اب َوإِ َّما َّ‬
‫الس َ‬ ‫وع ُدو َن إِ َّما ال َْع َذ َ‬ ‫الضالَل َِة َفلْيَ ْم ُد ْد لَهُ َّ‬
‫الر ْح َم ُن َمدًّا َحتَّى إِذَا َرأ َْوا َما يُ َ‬ ‫َمن َكا َن فِي َّ‬
‫ف ُج ْن ًدا" [مريم‪.]75 :‬‬ ‫ض َع ُ‬‫فَ َسَي ْعلَ ُمو َن َم ْن ُه َو َش ٌّر َّم َكانًا َوأَ ْ‬
‫نماذج للمزاجية في تفسير الآيات عند الشيعة الرافضة المتعلقة بردة‬
‫الصحابة ‪-‬على حد زعمهم‪ -‬والرد على باطلهم‪.‬‬
‫أ‪ -‬آية آل عمران‪ :‬استدل الشيعة الرافضة بقول هللا تعالى في كتابه العزيز‪َ + :‬ولََق ْد‬
‫ت‬
‫ول قَ ْد َخ ْ‬
‫ل‬
‫َ‬ ‫ت ِمن َق ْب ِل أَن َت ْل َق ْوهُ َف َق ْد َرأ َْيتُ ُموهُ َوأَْنتُ ْم َت ْنظُُرو َن ‪َ ‬و َما ُم َح َّم ٌد إِالَّ َر ُس ٌ‬ ‫ُك ْنتُ ْم تَ َمن َّْو َن ال َْم ْو َ‬
‫ب َعلَى َع ِقَب ْي ِه َفلَن يَّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫الرسل أَفَِإن َّم َ ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ض َّر اهللَ َش ْيئًا‬ ‫ات أ َْو قُت َل ا ْن َقلَْبتُ ْم َعلَى أَ ْع َقابِ ُك ْم َو َمن َي ْن َقل ْ‬ ‫من َق ْبله ُّ ُ ُ‬
‫وسيج ِزي اهلل َّ ِ‬
‫ين" [آل عمران‪:‬ـ ‪ ،]144 ،143‬إن هذه اآلية يزعمون أنها صريحة في‬ ‫الشاك ِر َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ََ ْ‬
‫الداللة على انقالب الصحابة بعد رسول هللا ×‪ ،‬وعد الصحابة المنقلبين على أعقابهم هم‬
‫الكثرة الغالبة من الصحابة فيما ثبت من الصحابة قلة قليلة‪ ،‬وهي الفئة التي ترى الشيعة‬
‫الرافضة ثبوتها على اإلسالم‪ ،‬وهؤالء الثابتون هم الشاكرون وال يكونون إال قلة كما قال‬
‫ور" [سبأ‪ ،]13 :‬والمهم عندهم أن آية االنقالبـ تقصد‬ ‫ي َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الش ُك ُ‬ ‫يل ِّم ْن عبَاد َ‬
‫تعالى‪َ + :‬وقَل ٌ‬
‫الصحابة مباشرة‪ ،‬الذين يمشون مع رسول هللا × في المدينة‪ ،‬وترمي إلى االنقالبـ مباشرة‬
‫بعد وفاته دون فصل (‪ ،)1‬وقد حولوها وطبقوها على ما حدث في سقيفة بني ساعدة عندما‬
‫انتخب الصحابة الكرام أبا بكر الصديق ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬والرد على هذا الكذب العظيم‬
‫كاآلتي‪:‬‬
‫‪ -‬روي الطبري في تفسيره بسنده عن الضحاك قال في قوله تعالى‪َ + :‬و َما ُم َح َّم ٌد إِالَّ‬
‫الر ُس ُل" [آل عمران‪:‬ـ ‪ ،]144‬ناس من أهل االرتياب ومرضى النفاق‪،‬‬ ‫ت ِمن َق ْبلِ ِه ُّ‬ ‫ول قَ ْد َخلَ ْ‬ ‫َر ُس ٌ‬
‫قالوا يوم فر الناس عن نبي هللا ×‪ ،‬وشج فوق حاجبيه‪ ,‬وكسرت رباعيته‪ :‬قتل محمد‬
‫ك ْم" [آل عمران‪]144 :‬‬ ‫ات أ َْو قُتِ َل ا ْن َقلَْبتُ ْم َعلَى أَ ْع َقابِ ُ‬
‫فالحقوا بدينكم األول‪ ,‬فذلك قوله‪+ :‬أَفَِإن َّم َ‬
‫(‪.)2‬‬
‫وروي أيضا عن ابن جريج قال‪ :‬قال أهل المرض واالرتياب والنفاق‪ ،‬حين فر الناس‬
‫عن النبي ×‪ :‬قد قتل محمد‪ ،‬فالحقوا بدينكم األول‪ ،‬فنزلت اآلية (‪ ،)3‬فالمقصود باالنقالبـ‬
‫على األعقاب في اآلية هو‪ :‬ما قاله المنافقون لما أشيع في الناس أن رسول هللا × قتل‪،‬‬
‫وهو قولهم‪ :‬ارجعوا إلى دينكم األول‪ ،‬ولم تكن هذه اآلية فيمن ارتد بعد موت النبي × وإن‬
‫كانت حجة عليهم‪ ،‬مع أنها لو كانت فيمن ارتد بعد موت النبي × لكانت أظهر في الداللة‬
‫على براءة أصحاب النبي × من المرتدين‪ ،‬فإنهم هم الذين قاتلوهم‪ ،‬وأظهر هللا دينه على‬
‫أيديهم‪ ،‬وخذل المرتدين بحربهم لهم‪ ،‬فرجع منهم من رجع إلى الدين‪ ،‬وهلك من هلك على‬
‫ردته‪ ،‬وظهر فضل الصديق بمقاتلهم لهم (‪ ،)4‬ولهذا ثبت عن علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬أنه‬
‫كان يقول في قوله تعالى‪+ :‬وسيج ِزي اهلل َّ ِ‬
‫ين" [آل عمران‪ ،]144 :‬الثابتين على دينهم‬ ‫الشاك ِر َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ََ ْ‬

‫‪1‬‬
‫() ثم اهتديت للتيجاني‪ ،‬ص ‪.115 ،114‬‬
‫‪2‬‬
‫() تفسير الطبري (‪.)458 /3‬‬
‫‪3‬‬
‫() تفسير الطبري (‪.)458 /3‬‬
‫‪4‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ ،‬ص ‪.322‬‬
‫‪57‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫أبا بكر وأصحابه (‪ ،)1‬وكان يقول كان أبو بكر أمين الشاكرين وأمين أحباء هللا‪ ،‬وكان‬
‫أشكرهم وأحبهم إلى هللا (‪.)2‬‬
‫لقد كان لموقعة أحد ظروفها الخاصة ومالبستها‪ ،‬ولذلك جاءت اآليات الكريمة في‬
‫سورة آل عمران وفقا لتلك الظروف والمالبسات‪ ،‬واستخدام اآلية الكريمة لالستدالل على‬
‫وقائع كحادثة السقيفة أو موقعة الجمل ال يخلو من غرابة ومن مزاجية‪ ،‬ال تمت بصلة‬
‫للمنهجية العلمية‪ ،‬وتُعد هذه اآلية من أكبر الدالئل على عظم إيمان أبي بكر وحكمته‬
‫وتفانيه في الدفاع عن دين هللا‪ ،‬فموقفه الثابت يوم أن توفي رسول هللا × خير شاهد على‬
‫ذلك‪ ،‬يوم أن وقف وقفته الثابتة مخاطبا الناس بعدما أصابه الوهن والضعف على فقد‬
‫ت َوإِ َّن ُهم َّميِّتُو َن" [الزمر‪ ،]30 :‬ويقول‬ ‫ك َميِّ ٌ‬‫رسول هللا × فقال‪ :‬إن هللا عز وجل يقول‪+ :‬إِنَّ َ‬
‫ِ‬ ‫الرسل أَفَِإن َّم َ ِ‬ ‫ول قَ ْد َخلَ ْ ِ ِ ِ‬
‫ب‬‫ات أ َْو قُت َل ا ْن َقلَْبتُ ْم َعلَى أَ ْع َقابِ ُك ْم َو َمن َي ْن َقل ْ‬ ‫ت من َق ْبله ُّ ُ ُ‬ ‫‪َ +‬و َما ُم َح َّم ٌد إِالَّ َر ُس ٌ‬
‫ض َّر اهلل َشيئًا وسيج ِزي اهلل َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين" [آل عمران‪:‬ـ ‪ ،]144‬فمن كان يعبد هللا عز‬ ‫الشاك ِر َ‬ ‫ُ‬ ‫َعلَى َعقَب ْيه َفلَن يَّ ُ َ ْ َ َ َ ْ‬
‫وجل فإن هللا عز وجل حي ال يموت‪ ،‬ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات (‪،)3‬‬
‫وموقفه الصارم من الذين ارتدوا على أعقابهم واستبدلوا اإليمان بالكفر‪ ،‬فاتبعوا مسيلمة‪،‬‬
‫وسجاح وطليحة بن خوليد واألسود العنسي وأمثالهم‪ ،‬ومن الذين قالوا‪ :‬ال نصلي وال‬
‫نزكي‪ ،‬فأسقطوا شعائر اإلسالم بالهوى ألروع مثال على عظمة أبي بكر و الصحابة‬
‫وعلى حرصهم على الدين (‪ ،)4‬وقد وقف أمير المؤمنين عل ّى بجانب الخليفة الراشد‬
‫الصديق في جهاد المرتدين ومانعي الزكاة‪ ،‬أما التيجاني وشرف الدين الموسوي وفالن‬
‫وفالن من أئمة علماء الشيعة االثني عشرية فال زالوا يدندنون حول قضية مانعي الزكاة‬
‫محاولين تبرئة ساحتهم‪ ،‬ورمي أبي بكر والصحابة بالمقابل باألباطيل والردة‪ ،‬فأي ضالل‬
‫ينطق به هؤالء حين يطعنون في أصحاب رسول هللا‪ ،‬ويجعلون من الذين جاهدوا (‪ )5‬في‬
‫سبيل هللا رفعة لهذا الدين رموزا للكفر والردة والنفاق‪ ،‬ولذلك ال نعجب إن علمنا مدى‬
‫إكبار اإلمام جعفر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ألبي بكر الصديق وإجالال‬
‫له‪ ،‬يذكر األربلي ‪-‬في كتاب كشف الغمة في معرفة األئمة‪ -‬عن عروة بن عبد هللا أنه قال‪:‬‬
‫سألت أبا جعفر محمد بن علي عن حلية السيوف‪ ،‬فقال‪ :‬ال بأس بها‪ ،‬قد حلى أبو بكر‬
‫الصديق ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬سيفه‪ ،‬قلت‪ :‬فتقول الصديق؟ قال‪ :‬فوثب وثبة واستقبل القبلة‪،‬‬
‫وقال‪ :‬نعم الصديق‪ ،‬فمن لم يقل له الصديق فال صدق هللا له قوالً في الدنيا واآلخرة (‪،)6‬‬
‫فرحم هللا اإلمام أبا جعفر‪ ،‬ورحم هللا كلماته التي طوتها صحف األمس ولم تنطق بها‬
‫ضمائر اليوم (‪.)7‬‬
‫ب‪ -‬آية سورة المائدة‪ :‬وقد استدل بعض المتنطعين على ردة الصحابة وانقالبهم على‬
‫ف يَأْتِي اهللُ بَِق ْوٍم يُ ِحُّب ُه ْم‬
‫آمنُوا َمن َّي ْرتَ َّد ِم ْن ُك ْم َعن ِدينِ ِه فَ َس ْو َ‬
‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫أعقابهم بقول هللا تعالى ‪+‬يَا أ َُّي َها الذ َ‬
‫ك‬‫اهلل َوالَ يَ َخافُو َن ل َْو َمةَ الئِ ٍم َذلِ َ‬‫يل ِ‬ ‫اه ُدو َن ِفي َسبِ ِ‬ ‫َع َّز ٍة َعلَى الْ َكافِ ِرين يج ِ‬‫وي ِحبُّونَه أ َِذلَّ ٍة علَى الْم ْؤ ِمنِين أ ِ‬
‫َ َُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َُ ُ‬
‫يم" [المائدة‪.]54 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ُل اهلل ُي ْؤتيه َمن يَ َشاءُ َواهللُ َواس ٌع َعل ٌ‬ ‫فَ ْ‬
‫إن هذه اآلية التي بين أيدينا والتي يستدل بها علماء الشيعة األثني عشرية‪ ،‬على ردة‬
‫‪1‬‬
‫() تفسير الطبري (‪.)455 /3‬‬
‫‪2‬‬
‫() تفسير الطبري (‪.)455 /3‬‬
‫‪3‬‬
‫() البخاري‪ ،‬فضائل الصحابة رقم (‪.)3668‬‬
‫‪4‬‬
‫() ثم أبصرت الحقيقة‪ ،‬ص ‪.302‬‬
‫‪5‬‬
‫() ثم أبصرت الحقيقة‪ ،‬ص ‪.303 ،302‬‬
‫‪6‬‬
‫() ثم أبصرت الحقيقة‪ ،‬ص ‪.304‬‬
‫‪7‬‬
‫() تفسير الطبري (‪.)624- 623 /4‬‬
‫‪57‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الصحابة وانقالبهم على أعقابهم(‪ ،)1‬لهي أعظم دليل على عظمة هؤالء الصحابة وتفانيهم‬
‫في الدفاع عن اإلسالم‪ ،‬ال على ردتهم وانقالبهم على أعقابهم‪ ،‬فقد روى الطبري بسنده‬
‫ف يَأْتِي اهللُ بَِق ْوٍم يُ ِحُّب ُه ْم َويُ ِحبُّونَهُ"‬ ‫عن علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬أنه قال في قوله تعالى‪+ :‬فَ َس ْو َ‬
‫[المائدة‪ ،]54 :‬بأبي بكر وأصحابه‪ ،‬وعن الحسن البصري قال‪ :‬هذا وهللا أبو بكر وأصحابه‪،‬‬
‫وعن الضحاك قال‪ :‬هو أبو بكر وأصحابه‪ ،‬حتى ردهم إلى اإلسالم‪ ،‬وبهذا قال قتادة وابن‬
‫جريج وغيره من أئمة التفسير (‪.)2‬‬
‫إن اآلية الكريمة تحدثت عن صفات جيل التمكين وبأن أهل اإليمان سيحالفهم النصر‬
‫والتمكين فينالون العزة و الكرامة بينما سيحيق بأهل الردة مكرهم السيئ وتغشاهم الذلة‪،‬‬
‫وهذه حقيقة يلمسها كل من قرأ التاريخ الصحيح وتجلت له عزة الصحابة وعلى رأسهم‬
‫الخليفة الراشد أبو بكر‪ ،‬وذل زعماء الردة‪ ،‬كمسيلمة والعنسي وسجاح وخيبتهم (‪.)3‬‬
‫إن هذه الصفات المذكورة في هذه اآلية الكريمة أول من تنطبق عليه أبو بكر‬
‫الصديق ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬وجيوشه من الصحابة الذين قاتلوا المرتدين‪ ،‬فقد مدحهم هللا‬
‫بأكمل الصفات وأعلى المبرات‪ ،‬فاهلل سبحانه وتعالى ذكر أنه يحبهم ويحبونه‪ ،‬أذلة على‬
‫المؤمنين‪ ،‬أعزة على الكافرين‪ ،‬يجاهدون في سبيل هللا‪ ،‬ال يخافون لومة الئم‪ ،‬وقد شرحت‬
‫هذه الصفات في كتابي االنشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق (‪ )4‬فمن أراد‬
‫المزيد فليرجع إليه‪.‬‬
‫يل لَ ُك ُم انْ ِف ُروا فِي َسبِ ِ‬
‫يل‬ ‫ِ ِ‬
‫آمنُوا َما لَ ُك ْم إِذَا ق َ‬ ‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫تعالى‪+ :‬يَاِ أ َُّي َها اِلذ ِ َ‬ ‫ج‪ -‬آية سورة التوبة‪ :‬قال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل اثَّا َقلْتُم إِلَى األَر ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الد ْنيَا في اآلَخرة إِالَّ قَليل ‪‬‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫اة‬ ‫ي‬‫ْح‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫اع‬ ‫ت‬‫م‬
‫َْ َ َ َ ََ ُ َ َ‬ ‫ا‬‫م‬‫َ‬‫ف‬ ‫ة‬‫ر‬ ‫َخ‬ ‫آل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫ي‬‫ن‬ ‫ُّ‬
‫الد‬ ‫اة‬‫ض أ ََرضيتُ ْم بِا َ َ‬
‫ي‬‫ْح‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ض ُّروهُ َش ْيئًا َواهللُ َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير"‬ ‫يما َويَ ْستَْب ِد ْل َق ْو ًما غَْي َر ُك ْم َوالَ تَ ُ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إِالَّ تَنف ُروا ُي َع ِّذبْ ُك ْم َع َذابًا أَل ً‬
‫[التوبة‪ ،]39 ،38 :‬فقد قال بعض علماء الشيعة الرافضة‪ :‬هذه اآلية صريحة في أن الصحابة‬
‫تثاقلوا عن الجهاد‪ ،‬واختاروا الركون إلى الحياة الدنيا‪ ،‬رغم علمهم بأنها متاع قليل‪ ،‬حتى‬
‫استوجبوا توبيخ هللا سبحانه‪ ،‬وتهديده إياهم بالعذاب األليم‪ ،‬واستبدال غيرهم من المؤمنين‬
‫الصادقين‪ ،‬وقد جاء هذا التهديد باستبدال غيرهم في العديد من اآليات‪ ،‬مما يدل داللة‬
‫واضحة على أنهم تثاقلوا عن الجهاد في مرات عديدة‪ ،‬فقد جاء في قول هللا تعالى‪َ + :‬وإِن‬
‫َتَت َولَّ ْوا يَ ْستَْب ِد ْل َق ْو ًما غَْي َر ُك ْم ثُ َّم الَ يَ ُكونُوا أ َْمثَالَ ُك ْم" [محمد‪ ،]38 :‬عند صاحب كتاب (ثم‬
‫اهتديت)‪ :‬ومن البديهي المعلوم أن الصحابة تفرقوا بعد النبي × واختلفوا وأوقدوا نار‬
‫الفتنة‪ ،‬حتى وصل بهم األمر إلى القتال والحرب الدامية‪ ،‬التي سببت انتكاس المسلمين‬
‫وتخلفهم وأطمعت فيهم أعداءهم (‪ .)5‬والرد على هذا الشيعي الرافضي كاآلتي‪ :‬أنه ليس في‬
‫اآليتين مطعن على أصحاب النبي × وإنما فيها حث هللا تعالى الصحابة على الجهاد‪ ،‬وذلك‬
‫عندما أمر النبي × أصحابه في غزوة تبوك بغزو الروم‪ ،‬وكان ذلك في زمن العسرة وفاقة‬
‫من أصحاب النبي × مع شدة الحر وبعد السفر‪ ،‬فشق ذلك على بعضهم‪ ،‬فنزلت اآليات في‬
‫الترغيب في الجهاد في سبيل هللا والتحذير من التثاقل عنه‪ ،‬فاستجاب أصحاب النبي ألمر‬
‫ربهم‪.‬‬
‫يل لَ ُك ُم انْ ِف ُروا فِي‬ ‫ِ ِ‬
‫آمنُوا َما لَ ُك ْم إذَا ق َ‬ ‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫قال الطبري في تفسير قوله تعالى‪+ :‬يَا أ َُّي َها الذ َ‬
‫‪1‬‬
‫() ثم أبصرت الحقيقة ص ‪.311‬‬
‫‪2‬‬
‫() تفسير الطبري (‪.)624-4/123‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ,‬ص ‪.312‬‬
‫‪4‬‬
‫() االنشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق‪ ،‬ص ‪ 288‬إلى ‪ ،291‬للمؤلف‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() ثم اهتديت‪ ،‬ص ‪.115‬‬
‫‪57‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ض" [التوبة‪ ،]38 :‬وهذه اآلية حث من هللا جل ثناؤه للمؤمنين به من‬ ‫يل ِ‬
‫اهلل اثَّا َقلْتُ ْم إِلَى األ َْر ِ‬ ‫َسبِ ِ‬
‫(‪)1‬‬
‫أصحاب رسوله على غزو الروم‪ ،‬وذلك في غزوة رسول هللا × تبوك ‪ .‬وال شك أن في‬
‫هاتين اآليتين تضمنتا نوع من عتاب من هللا عز وجل لبعض من ثقل عليهم الخروج في‬
‫الجهاد‪ ،‬وهذا قطعًا ال يرد على عامة أصحاب النبي × الذين استجابوا هلل ورسوله‬
‫بالمسارعة في الخروج في سبيل هللا‪ ،‬وعن غالب الصحابة وأكثرهم (‪ ،)2‬وقال ابن كثير‪:‬‬
‫هذا شروع في عتاب من تخلف عن رسول هللا × في غزوة تبوك (‪ ،)3‬ومعلوم أنه لم‬
‫يتخلف عن النبي × في غزوة تبوك أحد من أصحابه من غير أهل األعذار‪ ،‬إال ثالثة نفر‬
‫كما دل على ذلك حديث كعب بن مالك المشهور في الصحيحين (‪ ،)4‬وهم كعب بن مالك‪،‬‬
‫وهالل بن أمية‪ ،‬ومرارة بن الربيع‪ ،‬ومع هذا فقد ثبت بنص كتاب هللا الذي ال يأتيه الباطل‬
‫من بين يديه وال من خلفه أن هللا تاب على الجميع‪ ،‬وأنزل في توبته على سائر الصحابة‪،‬‬
‫ين َّاتَبعُوهُ فِي‬ ‫َّ ِ‬
‫َنصا ِر الذ َ‬ ‫ين َواأل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب اهللُ َعلَى النَّب ِّي َوال ُْم َهاج ِر َ‬ ‫وحيا يتلى في كتابه في قوله‪+ :‬لََقد تَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ‪َ ‬و َعلَى‬‫وف َّرح ٌ‬ ‫اب َعلَْي ِه ْم إِنَّهُ بِ ِه ْم َر ُؤ ٌ‬‫وب فَ ِر ٍيق ِّم ْن ُه ْم ثُ َّم تَ َ‬ ‫اع ِة الْعُ ْس َر ِة من َب ْع ِد َما َك َ‬
‫اد يَ ِزي ُغ ُقلُ ُ‬ ‫َس َ‬
‫ض بِ َما َر ُحبَ ْ‬ ‫ين ُخلِّ ُفوا َحتَّى إِذَا َ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫س ُه ْم َوظَنُّوا أَن الَّ‬ ‫ت َعلَْي ِه ْم أَْن ُف ُ‬‫ضاقَ ْ‬‫ت َو َ‬ ‫ت َعلَْي ِه ُم األ َْر ُ‬‫ضاقَ ْ‬ ‫الثَّالَثَة الذ َ‬
‫َّواب َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مل ِ ِ‬
‫يم" [التوبة‪،]118 ،117 :‬‬ ‫الرح ُ‬ ‫اب َعلَْي ِه ْم ليَتُوبُوا إِ َّن اهللَ ُه َو الت َّ ُ‬‫ْجأَ م َن اهلل إِالَّ إِل َْيه ثُ َّم تَ َ‬
‫َ َ‬
‫وتضمنت هذه اآليات إخبار هللا تعالى عن توبته على المهاجرين واألنصار الذين اتبعوا‬
‫الرسول × في غزوة تبوك‪ ،‬والتي تسمى غزوة العسرة فلم يتخلفوا عنه مع ما أصابهم‬
‫فيها من الجهد والشدة والفقر‪،‬ـ حتى جاء في بعض الروايات أن النفر منهم كانوا يتناولون‬
‫التمرة بينهم يمصها هذا ثم يشرب عليها‪ ،‬ثم يمصها هذا ثم يشرب عليها حتى تأتي على‬
‫آخرهم (‪ ,)5‬كما تضمنت توبة هللا على الثالثة المخلفين‪ ،‬الذين تأخروا عن رسول هللا × في‬
‫تلك الغزوة بعد هجر النبي × لهم‪ ،‬وندمهم ندما عظيما حتى ضاقت عليهم األرض بما‬
‫رحبت (‪ ،)6‬فلم يبق بعد ذلك عذر ألحد في النيل من أصحاب النبي × أو غمزهم بشيء‬
‫مما قد يقع منهم بعد مغفرة هللا لهم وتوبته عليهم‪ ،‬وثنائه عليهم الثناء العظيم في كتابه‪،‬‬
‫وتزكية الرسول × لهم في سنته ‪-‬رضي هللا عنهم‪ ،)7( -‬وأما اقتتال الصحابة ‪-‬رضي هللا‬
‫عنهم‪ -‬فقد نشأ في عهد علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ ،-‬وقد بينا الحديث عن أسباب االختالف بين‬
‫الصحابة في الفتنة‪ ،‬وبيان وجهة كل فريق‪ ،‬وبراءتهم من كل ما يلصق بهم من ذلك‪ ،‬وأن‬
‫عامة ما صدر منهم إنما كانوا مجتهدين فيه‪ ،‬ليس ألحد أن يذمهم بشيء منه (‪ ،)8‬وإنما‬
‫اإلمساك عما شجر بينهم والترحم عليهم هو السبيل األمثل‪ ،‬والمنهج األقوم في حقهم‪،‬‬
‫فرضي هللا عنهم أجمعين (‪.)9‬‬
‫د‪ -‬حديث المذادة عن الحوض‪ :‬قال رسول هللا ×‪« :‬بينما أنا قائم فإذا زمرة‬
‫حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال‪ :‬هلم‪ ،‬فقلت‪ :‬إلى أين؟‪،‬‬
‫فقال‪ :‬إلى النار والله‪ ،‬قلت‪ :‬ما شأنهم؟ قال‪ :‬ارتدوا على أدبارهم‬
‫القهقري‪ ،‬فلا أرى يخلص منهم إلا همل النعم» (‪ ،)10‬فقال ×‪« :‬ني فرطكم على‬
‫‪1‬‬
‫() تفسير الطبري (‪.)372 /6‬‬
‫‪2‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ ،‬ص ‪.327‬‬
‫‪3‬‬
‫() تفسير ابن كثير (‪.)372 /2‬‬
‫‪4‬‬
‫() البخاري رقم (‪ ،)4118‬مسلم (‪.)2769‬‬
‫‪5‬‬
‫() تفسير الطبري (‪ ،)502 /6‬تفسير البغوي (‪.)333 /2‬‬
‫‪6‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ ،‬ص ‪.329‬‬
‫‪7‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.328‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص (‪.)330‬‬
‫‪9‬‬
‫() البخاري‪ ،‬ك الرقاق‪ ،‬رقم (‪.)6587( ،)6584‬‬
‫‪10‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ ،‬ص ‪.330‬‬
‫‪57‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الحوض‪ ،‬من مر عليّ شرب‪ ،‬ومن شرب لم يظمأ أبدًا‪ ،‬ليردن علي أقوامه‬
‫أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم‪ ،‬فأقول‪ :‬أصحابي‪ ،‬فيقال‪ :‬إنك لا‬
‫تدري ما أحدثوا بعدك‪ ،‬فأقول‪ :‬سحقا سحقا لمن غير بعدي» (‪.)1‬‬
‫يقول بعض الشيعة‪ :‬فالمتمعن في هذه األحاديث العديدة التي أخرجها علماء أهل‬
‫السنة في صحاحهم ومسانيدهم‪ ،‬ال يتطرق إليه الشك في أن أكثر الصحابة قد بدلوا‬
‫وغيروا‪ ،‬بل ارتدوا على أدبارهم بعده × إال القليل عبر عنه بهمل النعم‪ ،‬وال يمكن بأي‬
‫حال من األحوال حمل هذه األحاديث على القسم الثالث‪ ،‬وهم المنافقون ألن النص يقول‪:‬‬
‫فأقول‪ :‬أصحابي‪ ،‬وألن المنافقين لم يبدلوا بعد النبي ×‪ ،‬وإال ألصبح المنافق بعد وفاة النبي‬
‫× مؤمنا(‪ ،)2‬والرد على هذه الشبهة كالتالي‪ :‬إن أصحاب النبي × مما ال يقبل النزاع في‬
‫عدالتهم أو التشكيك في إيمانهم بعد تعديل العليم الخبير لهم في كتابه‪ ،‬وتزكية رسوله لهم‬
‫في سنته‪ ،‬وثناء هللا ورسوله عليهم أجمل الثناء‪ ،‬ووصفهم بأحسن الصفات‪ ،‬مما هو معلوم‬
‫ومتواتر من كتاب هللا وسنة رسوله × ‪-‬ويأتي بيان ذلك بإذن هللا‪.-‬‬
‫ولهذا اتفق شراح الحديث من أهل السنة‪ ،‬على أن الصحابة غير معينين بهذه‬
‫األحاديث‪ ،‬وأنها ال توجب قدحا فيهم‪ ،‬قال ابن قتيبة ‪-‬في معرض رده على الشيعة‬
‫الرافضة‪ -‬في استداللهم بالحديث على ردة الصحابة‪ :‬فكيف يجوز أن يرضى هللا عز وجل‬
‫عن أقوام ويحمدهم‪ ،‬ويضرب لهم مثال في التوراة واإلنجيل‪ ،‬وهو يعلم أنهم يرتدون على‬
‫أعقابهم بعد رسول هللا × إال أن يقولوا‪ :‬إنه لم يعلم وهذا هو شر الكفرين (‪ ،)3‬وقال‬
‫الخطابي‪ :‬لم يرتد من الصحابة أحد‪ ،‬وإنما ارتد من جفاة العرب‪ ،‬ممن ال نصرة له في‬
‫الدين‪ ،‬وذلك ال يوجب قدحا في الصحابة المشهورين‪ ،‬ويدل القول‪( :‬أصيحابي) على قلة‬
‫عددهم(‪ ،)4‬وقال النووي في شرح بعض روايات الحديث عند قوله ×‪( :‬هل تدري ما‬
‫أحدثوا بعدك)‪ ،‬وهذا اختلف العلماء في المراد به على أقوال‪:‬‬
‫‪ -1‬إن المراد به المنافقون والمرتدون‪ ،‬فيجوز أن يحشروا بالغرة والتحجيل‪،‬‬
‫فيناديهم النبي × للسيما التي عليهم‪ ،‬فيقال‪ :‬ليس هؤالء مما وعدت بهم‪ ،‬إن‬
‫هؤالء بدلوا بعدك‪ :‬أي لم يموتوا على ما ظهر من إسالمهم‪.‬‬
‫‪ -2‬إن المراد من كان في زمن النبي × ثم ارتد بعده فيناديهم النبي × لما كان يعرفه‬
‫× في حياته من إسالمهم‪ ،‬فيقال‪ :‬ارتدوا بعدك‪.‬‬
‫‪ -3‬إن المراد به أصحاب المعاصيـ والكبائر الذين ماتوا على التوحيد‪ ،‬وأصحاب البدع‬
‫الذين لم يخرجوا ببدعتهمـ عن اإلسالم‪ ،‬وعلى هذا ال يقطع بهؤالء الذي يذادون بالنار‬
‫يجوز أن يذادوا عقوبة لهم‪ ،‬ثم يرحمهم هللا سبحانه وتعالىـ فيدخلهم الجنة بغير‬
‫عذاب(‪ ،)5‬ونقل هذه األقوال‪ ،‬أو قريبا منها‪ ،‬القرطبي وابن حجر رحمهماـ هللا‬
‫تعالى(‪.)6‬‬
‫وال يمتنع أن يكون أولئك المذادون عن الحوض من مجموع تلك األصناف‬
‫المذكورة‪ ،‬فإن الروايات محتملة لكل هذا‪ ،‬ففي بعضها يقول النبي ×‪« :‬فأقول أصحابي‬
‫أو أصيحابي ‪-‬بالتصغير‪ -‬وفي بعضها يقول‪« :‬سيؤخذ أناس من دوني‪ ،‬فأقول‪ :‬يا‬
‫ربي مني ومن أمتي»‪ ،‬وفي بعضها يقول‪« :‬ليردن علي أقوام أعرفهم‬
‫‪1‬‬
‫() البخاري‪ ،‬كتاب الرقاق رقم (‪.)6587 ،6584‬‬
‫‪2‬‬
‫() ثم اهتديت‪ ،‬ص‪.119‬‬
‫‪3‬‬
‫() تأويل مختلف الحديث ص ‪.279‬‬
‫‪4‬‬
‫() فتح الباري (‪.)285 /11‬‬
‫‪5‬‬
‫() شرح صحيح مسلم (‪.)137 ،136 /3‬‬
‫‪6‬‬
‫() المفهم للقرطبي (‪ ،)504 /1‬فتح الباري (‪.)385 /11‬‬
‫‪57‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ويعرفونني»(‪ ،)1‬وظاهر ذلك أن المذادين ليسوا طائفة واحدة‪،‬وهذا هو الذي تقتضيه‬
‫الحكمة‪ ،‬فإن العقوبات في الشرع تكون بحسب الذنوب‪ ،‬فيجتمع في العقوبة الواحدة كل‬
‫من استوجبها من أصحاب ذلك الذنب (‪ ،)2‬وإذا كان النبي × قد بين أن سبب الذود عن‬
‫الحوض‪ ،‬هو االرتداد كما في قوله‪« :‬إنهم ارتدوا على أدبارهم»‪ ،‬أو اإلحداث في‬
‫الدين‪ ،‬كما في قوله‪« :‬إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» (‪ ،)3‬فمقتضى ذلك هو أن يزاد‬
‫عن الحوض كل مرتد عن الدين سواء أكان ممن ارتد بعد موت النبي × من األعراب‪ ،‬أم‬
‫من كان بعد ذلك‪ ،‬يشاركهم في هذا أهل اإلحداث وهم المبتدعة‪ ،‬وهذا ما ذهب إليه بعض‬
‫أهل العلم‪ ،‬قال ابن عبد البر ‪-‬رحمه هللا‪ -‬كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن‬
‫الحوض‪ ،‬كالخوارج والروافض‪ ،‬وسائر أصحاب األهواء‪ ،‬قال‪ :‬وكذلك الظلمة المسرفون‬
‫في الجور وطمس الحق‪ ،‬والمعلنون بالكبائر‪ ،‬قال‪ :‬وكل هؤالء يخاف عليهم أن يكونوا‬
‫ممن عنوا بهذا الخبر‪ ،‬وهللا أعلم (‪ ،)4‬وقال القرطبي رحمه هللا في التذكرة‪ :‬قال علماؤنا‬
‫رحمة هللا عليهم أجمعين‪ :‬فكل من ارتد عن دين هللا‪ ،‬أو أحدث فيه ما ال يرضاه‪ ،‬ولم يأذن‬
‫به هللا‪ ،‬فهو من المطرودين عن الحوض المبعدين عنه‪ ،‬وأشدهم طردا من خالف جماعة‬
‫المسلمين وفارق سبيلهم‪ ،‬كالخوارج على اختالف فرقها‪ ،‬والروافض على تباين ضاللها‪،‬‬
‫والمعتزلة على أصناف أهوائها‪ ،‬فهؤالء كلهم مبدلون (‪.)5‬‬
‫إذا ما تقرر هذا ظهرت براءة الصحابة من كل ما يرميهم به الشيعة الرافضة‪ ،‬فالذود‬
‫عن الحوض‪ ،‬إنما هو بسبب الردة واإلحداث في الدين‪ ،‬والصحابة من أبعد الناس عن‬
‫ذلك‪ ،‬بل هم أعداء المرتدين الذين قاتلوهم وحاربوهم في أصعب الظروف وأحرجها بعد‬
‫موت النبي ×‪ ،‬على ما روى الطبري في تاريخه بسنده عن عروة بن الزبير عن أبيه قال‪:‬‬
‫ارتد العرب إما عامة وإما خاصة في كل قبيلة‪ ،‬ونجم النفاق‪ ،‬وأشرأبت اليهود‬
‫والنصارى‪ ،‬والمسلمون كالغنم في الليلة المطيرة الشاتية لفقد نبيهم × وقلتهم وكثرة‬
‫عدوهم (‪.)6‬‬
‫ومع هذا تصدى أصحاب النبي × لهؤالء المرتدين وقاتلوهم قتاال عظيما وناجزوهم‬
‫حتى أظهرهم هللا عليهم‪ ،‬فعاد للدين من أهل الردة من عاد‪ ،‬وقتل منهم من قتل‪ ،‬وعاد‬
‫لإلسالم عزه وقوته وهيبته على أيدي الصحابة ‪-‬رضي هللا عنهم‪ -‬وكذلك أهل البدع كان‬
‫الصحابة ‪-‬رضوان هللا عليهم‪ -‬أشد الناس إنكارا عليهم‪ ،‬ولهذا لم تشتد البدع وتقوىـ إال بعد‬
‫انقضاء عصرهم‪ ،‬ولما ظهرت بعض بوادر البدع في عصرهم أنكروها وتبرؤوا منها‬
‫ومن أهلها‪ ،‬فعن ابن عمر ‪-‬رضي هللا عنهما‪ -‬أنه قال لمن أخبره عن مقالة القدرية‪ :‬إذا‬
‫لقيت هؤالء‪ ،‬فأخبرهم أن ابن عمر منهم برئ‪ ،‬وهم منه براء ثالث مرات (‪ ،)7‬ويقولـ‬
‫البغوي ناقال إجماع الصحابة وسائر السلف على معاداة أهل البدع‪ ،‬وقد مضت الصحابة‬
‫والتابعون وأتباعهم وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدع‬
‫ومهاجرتهم (‪.)8‬‬
‫وهذه المواقف العظيمة للصحابة من أ هل الردة وأهل البدع‪ ،‬من أكبر الشواهد‬
‫الظاهرة على صدق تدينهم‪ ،‬وقوة إيمانهم وحسن بالئهم في الدين‪ ،‬وجهادهم أعداءه بعد‬
‫‪1‬‬
‫() الروايات في البخاري‪ ،‬كتاب الرقاق‪ ،‬فتح الباري (‪.)465 ،463 /11‬‬
‫‪2‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ ،‬ص ‪.354‬‬
‫‪3‬‬
‫() مسلم‪ ،‬كتاب الفضائل وإثبات الحوض (‪.)1082 -1792 /4‬‬
‫‪4‬‬
‫() شرح النووي على صحيح مسلم (‪.)137 /3‬‬
‫‪5‬‬
‫() التذكرة في أحوال الموتى وأمور اآلخرة (‪.)348 /1‬‬
‫‪6‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ ،‬ص ‪ ،356‬نقال عن تاريخ الطبري (‪.)225 /3‬‬
‫‪7‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد (‪.)420 /2‬‬
‫‪8‬‬
‫() شرح السنة للبغوي (‪.)194 /1‬‬
‫‪58‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫موت رسول هللا × حتى أقام هللا بهم السنة وقمع البدع‪ ،‬األمر الذي يظهر به كذب‬
‫الرافضة في رميهم لهم بالردة واإلحداث في الدين‪ ،‬والذود عن حوض النبي ×‪ ،‬بل هم‬
‫أولى الناس بحوض نبيهم لحسن صحبتهم له في حياته وقيامهم بأمر الدين بعد وفاته‪ ،‬وال‬
‫يشكل على هذا قول النبي ×‪« :‬ليردن على ناس من أصحابي الحوض حتى إذا‬
‫عرفتهم اختلجوا دوني» (‪ ،)1‬فهؤالء هم من مات النبي × وهم على دينه‪ ،‬كما ارتدت‬
‫كثير من قبائل العرب بعد موت النبي × فهؤالء في علم النبي × أصحابه‪ ،‬ألنه مات وهم‬
‫على دينه‪ ،‬ثم ارتدوا بعد وفاته ولذا يقول له‪« :‬إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك»‪ ،‬وفي‬
‫بعض الروايات «إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك‪ ،‬إنهم ارتدوا على‬
‫أدبارهم القهقري» (‪.)2‬‬
‫فظاهر أن هذا في حق المرتين بعد موت النبي ×‪ ،‬وأين أصحاب النبي × الذين‬
‫قاموا بأمر الدين بعد نبيهم خير قيام‪ ،‬فقاتلوا المرتدين وجاهدوا الكافرين والمنافقين‪،‬‬
‫كثيرا من األمصار‪ ،‬من أولئك المنقلبين على‬ ‫ً‬ ‫وفتحوا بعد ذلك األمصار‪ ،‬حتى عم دين هللا‬
‫أدبارهم‪ ،‬وهؤالء المرتدون ال يدخلون عند أهل السنة في الصحابة‪ ،‬وال يشملهم مصطلح‬
‫الصحبة إذا ما أطلق‪ ،‬فالصحابي كما عرفه العلماء المحققون‪ :‬من لقي النبي × مؤمنًا به‬
‫ومات على اإلسالم (‪.)3‬‬
‫وأما قول النبي ×‪« :‬فلا أراه يخلص منه إلا مثل همل النعم» (‪ ،)4‬واحتجاج‬
‫الشيعة الرافضة به على تكفير الصحابة إال القليل منهم فالحجة عليهم فيه‪ ،‬ألن الضمير‬
‫في قوله (منهم) إنما يرجع على أولئك القوم يدنون من الحوض ثم يذادون عنه‪ ،‬فال‬
‫يخلص منهم إال القليل‪ ،‬وهذا ظاهر من سياق الحديث فإن نصه‪« :‬بينما أنا قائم‬
‫فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال‪ :‬هلم‪ ،‬فقلت‪ :‬إلى أين؟‪،‬‬
‫فقال‪ :‬إلى النار وهللا‪ ،‬قلت‪ :‬ما شأنهم؟ قال‪ :‬ارتدوا على أدبارهم القهقري‪ ،‬ثم إذا زمرة‬
‫حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال‪ :‬هلم‪ ،‬فقلت‪ :‬إلى أين؟‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫إلى النار والله‪ ،‬قلت‪ :‬ما شأنهم؟ قال‪ :‬إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم‬
‫القهقرى‪ ،‬فلا أراه يخلص منه إلا مثل همل النعم) (‪ ،)5‬فليس في الحديث‬
‫للصحابة ذكر وإنما ذكر زمرا من الرجال يذادون من دون الحوض‪ ،‬ثم ال يصل إليهم‬
‫منهم إال القليل (‪ ،)6‬قال ابن حجر في شرح الحديث عند قوله‪( :‬فلا أراه يخلص منهم‬
‫إلا مثل همل النعم)‪ ،‬يعني به هؤالء الذين دنوا من الحوض وكادوا يردونه فصدوا‬
‫عنه‪ ،‬والمعنى ال يرده منهم إال القليل ألن الهمل في اإلبل قليل بالنسبة لغيره (‪ ،)7‬ولهذا‬
‫يظهر بطالن احتجاج الشيعة الرافضة وتلبيسهم وبراءة الصحابة من طعنهم وتجريحهم‬
‫(‪.)8‬‬
‫‪ -2‬عدالة الصحابة ‪-‬رضي الله عنهم‪ :-‬إن تعريفات أهل العلم للعدالة في‬
‫االصطالح ترجع إلى معنىـ واحد وهو أن العدالة ملكة في النفس تحمل صاحبهاـ على مالزمة‬
‫التقوى والمروءة وال تتحقق لإلنسان إال بفعل المأمور وترك المنهي وأن يبعد عما يخل‬
‫بالمروءة‪ ،‬وال تتحقق إال باإلسالم والبلوغ‪ ،‬والعقل‪ ،‬والسالمة من الفسق‪ ،‬ولم تتحقق العدالة في‬
‫‪1‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)6582‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسلم‪ ،‬الفضائل (‪.)1796 /4‬‬
‫‪3‬‬
‫() اإلصابة في تمييز الصحابة (‪.)7 /1‬‬
‫‪4‬‬
‫() البخاري‪ ،‬رقم (‪.)6587 -6584‬‬
‫‪5‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)6584‬‬
‫‪6‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ ،‬ص ‪.359‬‬
‫‪7‬‬
‫() فتح الباري (‪.)475 ،474 /11‬‬
‫‪8‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ ،‬ص ‪.360‬‬
‫‪58‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫أحد تحققها في أصحاب رسول هللا ×‪ ،‬فجميعهم ‪-‬رضي هللا عنهم‪ -‬عدول تحققت فيهم صفة‬
‫العدالة(‪.)1‬‬
‫والمراد بها رواياتهم للحديث عن رسول هللا‪ ،‬وحقيقتها التجبن عن تعمد الكذب في‬
‫الرواية واالنحراف فيها‪ ،‬قال العالمة الدهلوي‪ :‬ولقد تتبعنا سيرة الصحابة كلهم‪ ،‬فوجدناهم‬
‫يعتقدون الكذب على النبي × أشد الذنوب‪ ،‬ويحترزون عنه غاية االحتراز كما ال يخفى‬
‫على أهل السير (‪.)2‬‬
‫ولقد تضافرت األدلة في كتاب هللا وسنة رسوله × على تعديل الصحابة الكرام‬
‫‪-‬رضي هللا عنهم‪ -‬مماال يبقى معها شك لمرتاب في تحقق عدالتهم‪ ،‬فكل حديث له سند‬
‫متصل بين من رواه وبين المصطفى لم يلزم العمل به إال بعد أن تثبت عدالة رجاله‪،‬‬
‫ويدب النظر في أحوالهم سوى الصحابي الذي رفعه إلى النبي × ألن عدالة الصحابة ثابتة‬
‫معلومة بتعديل هللا لهم‪ ،‬وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم بنص القرآن الكريم الذي ال‬
‫يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه (‪.)3‬‬
‫ول‬
‫الر ُس ُ‬ ‫َّاس َويَ ُكو َن َّ‬ ‫اء َعلَى الن ِ‬ ‫ِّ‬
‫ك َج َعلْنَا ُك ْم أ َُّمةً َو َسطًا لتَ ُكونُوا ُش َه َد َ‬ ‫‪ -1‬قوله تعالى‪َ + :‬و َك َذلِ َ‬
‫َعلَْي ُك ْم َش ِهي ًدا" [البقرة‪ ،]143:‬ووجه االستدالل بهذه اآلية على عدالة الصحابة ‪-‬رضي هللا‬
‫عنهم‪ -‬أن وسطا تعني‪ :‬عدوال خيارا ألنهم المخاطبون بهذه اآلية مباشرة (‪.)4‬‬
‫وف َوَت ْن َه ْو َن َع ِن ال ُْم ْن َك ِر‬ ‫َّاس تَأمرو َن بِالْمعر ِ‬ ‫‪ -2‬قوله تعالى‪ُ + :‬ك ْنتم َخير أ َُّم ٍة أُ ْخ ِرج ْ ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫ت ل لن ِ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُْ َْ‬ ‫و ُت ْؤ ِمنُو َن بِ ِ‬
‫اهلل" [آل عمران‪ ،]110 :‬ووجه داللة هذه اآلية على عدالة الصحابة ‪-‬رضي هللا‬ ‫َ‬
‫عنهم‪ :-‬أنها أثبتت الخيرية المطلقة لهذه األمة على سائر األمم قبلها‪ ،‬وأول من يدخل في‬
‫هذه الخيرية المخاطبون بهذه اآلية مباشرة عند النزول وهم الصحابة الكرام ‪-‬رضي هللا‬
‫عنهم‪ ،-‬ذلك يقتضي استقامتهم في كل حال‪ ،‬وجريان أحوالهم على الموافقة دون المخالفة‪،‬‬
‫ومن البعيد أن يصفهم هللا عز وجل بأنهم خير أمة وال يكونون أهل عدل واستقامة‪ ،‬وهل‬
‫الخيرية إال ذلك (‪.)5‬‬
‫وهم بِِإ ْحس ٍ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫السابِ ُقو َن َّ ِ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ين َّاتَبعُ ُ‬ ‫صا ِِر َِوالذِ َ‬ ‫ين َواألنْ َ‬ ‫األولُوٍ َن م َن ال ُْم َهاج ِر َ‬ ‫‪ -3‬قوله تعالى‪َ + :‬و َّ‬
‫َّر ِ‬
‫ك الْ َف ْو ُز‬ ‫ضوا َع ْنهُ َوأ َ ُ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ُ َ َ َ َ ً َ َ‬
‫ل‬ ‫ذ‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫َب‬
‫أ‬ ‫ا‬ ‫يه‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫خ‬ ‫ار‬ ‫ه‬‫ن‬ ‫األ‬ ‫ا‬ ‫ه‬‫ت‬ ‫ح‬‫ت‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫ر‬ ‫ج‬ ‫ت‬ ‫َّات‬‫ن‬ ‫ج‬ ‫م‬ ‫َه‬
‫ل‬ ‫َّ‬
‫د‬ ‫َع‬ ‫ض َي اهللُ َع ْن ُه ْم َو َر ُ‬
‫يم" [التوبة‪ ،]100 :‬ووجه داللة هذه اآلية على عدالتهم ‪-‬رضي هللا عنهم‪ :-‬أن هللا تعالى‬ ‫ِ‬
‫ال َْعظ ُ‬
‫أخبر فيها برضاه عنهم‪ ،‬وال يثبت هللا رضاه إال لمن كان أهل للرضا‪ ،‬وال توجد األهلية‬
‫عدال في دينه‪ ،‬ومن أثنى هللا تعالى‬ ‫ً‬ ‫لذلك إال من كان من أهل االستقامة في أموره كلها‬
‫عدال؟‪ ،‬وإذا كان التعديل يثبت بقول اثنين من الناس فكيف ال‬ ‫ً‬ ‫عليه هذا الثناء كيف ال يكون‬
‫يثبت عدالة صفوة الخلق وخيارهم بهذا الثناء‪ ،‬الصادر من رب العالمين (‪.)6‬‬
‫ِ‬ ‫اهلل َوالَّ ِذ‬
‫ول ِ‬
‫اه ْم‬‫ين َم َعهُ أَشدَّاءُ َعلَى الْ ُك َّفا ِر ُر َح َماءُ َب ْيَن ُه ْم َت َر ُ‬ ‫َ‬ ‫‪ -4‬قوله تعالى‪ُ + :‬م َح َّم ٌد َّر ُس ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضالً ِّمن ِ‬
‫ك َم َثلُ ُه ْم في‬ ‫الس ُجود ذَل َ‬ ‫ِ‬
‫اه ْم في ُو ُجوههم ِّم ْن أَثَر ُّ‬ ‫يم ُ‬‫ض َوانًا س َ‬ ‫اهلل َو ِر ْ‬ ‫ُر َّك ًعا ُس َّج ًدا َي ْبَتغُو َن فَ ْ َ‬
‫اع‬
‫الز َّر َ‬
‫ب ُّ‬ ‫ِِ ِ‬
‫اسَت َوى َعلَى ُسوقه ُي ْعج ُ‬ ‫ظ فَ ْ‬ ‫اسَتغْلَ َ‬ ‫يل َك َز ْر ٍع أَ ْخ َر َج َشطْأَهُ فَ َ‬
‫آز َرهُ فَ ْ‬ ‫الت َّْو َر ِاة َو َم َثلُ ُه ْم فِي ا ِإلنْ ِج ِ‬
‫‪1‬‬
‫() عقيدة أهل السنة في الصحابة الكرام (‪.)799 /2‬‬
‫‪2‬‬
‫() ظفر األماني في مختصر الجرجاني للكنوي‪ ،‬ص (‪.)507 ،506‬‬
‫‪3‬‬
‫() عقيدة أهل السنة في الصحابة الكرام (‪.)800 /2‬‬
‫‪4‬‬
‫() الكفاية‪ ،‬للخطيب ا لبغدادي‪ ،‬ص ‪.64‬‬
‫‪5‬‬
‫() عقيدة أهل السنة في الصحابة (‪.)804 /2‬‬
‫‪6‬‬
‫() عقيدة أهل السنة في الصحابة (‪.)804 /2‬‬
‫‪58‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصالِح ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫لِيَ ِغي َ ِ‬
‫يما" [الفتح‪،]29 :‬‬ ‫َج ًرا َعظ ً‬ ‫ات م ْن ُهم َّمغْف َرةً َوأ ْ‬ ‫آمنُوا َو َعملُوا َّ َ‬ ‫ين َ‬ ‫ظ ب ِه ُم الْ ُك َّف َار َو َع َد اهللُ الذ َ‬
‫فهذا الوصف الذي وصفهم هللا به في كتبه‪ ،‬وهذا الثناء الذي أثنى به عليهم ال يتطرق على‬
‫النفس معه الشك في عدالتهم؟ قال القرطبي رحمه هللا عند تفسير هذه اآلية‪ :‬فالصحابة‬
‫كلهم عدول ‪-‬أولياء هللا تعالى وأصفياؤه‪،‬ـ وخيرته من خلقه بعد أنبيائه ورسله‪ -‬هذه األمة‪,‬‬
‫وقد ذهبت شرذمة ال مباالة بهم إلى أن حال الصحابة كحال غيرهم‪ ،‬فيلزم البحث عن‬
‫عدالتهم‪ ،‬ومنهم من فرق بين حالهم في بداءة األمر‪ ،‬فقال‪ :‬إنهم كانوا على العدالة إذ ذاك‪،‬‬
‫ثم تغيرت بهم األحوال‪ ،‬فظهرت فيهم الحروب وسفك الدماء‪ ،‬فالبد من البحث وهذا‬
‫مردود‪ ،‬فإن خيار الصحابة وفضالئهم كعلي وطلحة والزبير وغيرهم ‪-‬رضي هللا عنهم‪-‬‬
‫ممن أثنى هللا عليهم وزكاهم ورضي عنهم وأرضاهم‪ ،‬ووعدهم الجنة بقوله تعالى‪َ + :‬و َع َد‬
‫يما"‪ ،‬وخاصة العشرة المقطوع لهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصالِح ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َج ًرا َعظ ً‬
‫ات م ْن ُهم َّمغْف َرةً َوأ ْ‬ ‫آمنُوا َو َعملُوا َّ َ‬ ‫ين َ‬ ‫اهللُ الذ َ‬
‫بالجنة بإخبار الرسول هم القدوة مع علمهم بكثير من الفتن واألمور الجارية عليهم بعد‬
‫نبيهم بإخباره لهم بذلك‪ ،‬وذلك غير مسقط من مرتبتهم وفضلهم إذا كانت تلك األمور مبنية‬
‫على االجتهاد(‪.)1‬‬
‫ضالً ِّم َن‬ ‫ين أُ ْخ ِر ُجوا ِمن ِديَا ِر ِه ْم َوأ َْم َوالِ ِه ْم َي ْبَتغُو َن فَ ْ‬ ‫ين الَّ ِذ‬ ‫هـ‪ -‬قوله تعالى‪+ :‬لِ ْل ُف َقر ِاء الْم َه ِ‬
‫اج ِر‬
‫ِ‬
‫يما َن من َق ْبلِ ِه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ادقُو َن ‪ ‬والَّ ِ‬ ‫َ‬
‫الص ِ‬ ‫َ‬ ‫ضوانًا وينصرو َن اهلل ورَسولَهُ ُأُولَئِ‬ ‫ِ‬
‫ََ َ‬‫إل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫َّار‬‫الد‬ ‫وا‬ ‫ء‬‫و‬‫َّ‬
‫َ َ ُ‬‫ب‬
‫َ‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫ين‬ ‫ذ‬ ‫َّ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫اهلل َو ِر ْ َ َ َ ُ ُ‬
‫اجةً ِّم َّما أُوتُوا َو ُي ْؤثُِرو َن َعلَى أَن ُف ِس ِه ْم َول َْو َكا َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ُدو ِره ْم َح َ‬ ‫اج َر إِل َْي ِه ْم َوالَ يَج ُدو َن في ُ‬ ‫يُحبُّو َن َم ْن َه َ‬
‫ك ُه ُم ال ُْم ْفلِ ُحو َن" [الحشر‪ ،]9 ،8 :‬فالصادقون هم‬ ‫اصةٌ َو َمن يُو َق ُش َّح َن ْف ِس ِه فَأُولَئِ َ‬ ‫ص َ‬ ‫بِ ِه ْم َخ َ‬
‫المهاجرون‪ ،‬والمفلحون هم األنصار‪ ،‬بهذا فسر أبو بكر الصديق ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬هاتين‬
‫الكلمتين من اآليتين حيث قال في خطبته يوم السقيفة مخاطبا األنصار‪ :‬إن هللا سمانا‬
‫ِ‬
‫(الصادقين) وسماكم (المفلحون) وقد أمركم أن تكونوا حيثما كنا‪ ،‬فقال‪+ :‬يَا أ َُّي َها الَّذ َ َ‬
‫آمنُوا‬ ‫ين‬
‫ين" [التوبة‪.]119 :‬‬ ‫َّات ُقوا اهلل و ُكونُوا مع َّ ِ ِ‬
‫الصادق َ‬ ‫ََ‬ ‫ََ‬
‫فهذه الصفات الحميدة في هاتين اآليتين كلها حققها المهاجرون واألنصار من‬
‫أصحاب رسول هللا ×‪ ،‬واتصفوا بها‪ ،‬ولذلك ختم صفات المهاجرين بالحكم بأنهم‬
‫صادقون‪ ،‬وختم صفات الذي آزروهم ونصروهم وآثروهم على أنفسهم بالحكم لهم بأنهم‬
‫مفلحون‪ ،‬وهذه اآليات البينة الدالة على عدالة الصحابة ‪-‬رضي هللا عنهم‪ ،-‬فعدالتهم ثابتة‬
‫بنص القرآن الكريم (‪.)2‬‬
‫وأما داللة السنة على تعديلهم ‪-‬رضي هللا عنهم‪ :-‬فقد وصفهم النبي × في أحاديث‬
‫يطول تعدادها وأحسن الثناء عليهم بتعديلهم‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫‪ -1‬ما رواه الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي بكر أن النبي × قال‪ ...( :‬ألا‬
‫ليبلغ الشاهد منكم الغائب) (‪ ،)3‬وجه داللة الحديث على عدالتهم ‪-‬رضي هللا عنهم‪:-‬‬
‫أن هذا القول صدر من النبي × في أعظم جمع من الصحابة في حجة الوداع‪ ،‬وهذا من‬
‫أعظم األدلة على ثبوت عدالتهم حيث طلب منهم أن يبلغوا ما سمعوه منه من لم يحضر‬
‫ذلك الجمع دون أن يستثني منهم أحدا (‪ .)4‬قال ابن حبان رحمه هللا‪ :‬وفي قوله ×‪( :‬ألا‬
‫ليبلغ الشاهد منكم الغائب)‪ ،‬أعظم دليل على أن الصحابة كلهم عدول ليس فيهم‬
‫‪1‬‬
‫() تفسير الطبري (‪.)299 /16‬‬
‫‪2‬‬
‫() عقيدة أهل السنة في الصحابة الكرام (‪.)802 /2‬‬
‫‪3‬‬
‫() اإلحسان بترتيب صحيح ابن حبان (‪.)91 /1‬‬
‫‪4‬‬
‫() عقيدة أهل السنة في الصحابة الكرام (‪.)807 /2‬‬
‫‪58‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫مجروح وال ضعيف‪ ،‬إذ لو كان فيهم أحد غير عدل الستثنى في قوله × وقال‪ :‬أال ليبلغ‬
‫فالن منك الغائب‪ ،‬فلما أجملهم في الذكر باألمر بالتبليغ من بعدهم دل على أنهم كلهم‬
‫عدول‪ ،‬وكفى بمن عدله رسول هللا × شرفا (‪.)1‬‬
‫‪ -2‬روى البخاري بإسناده إلى أبي سعيد الخدري ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬قال‪ :‬قال النبي‬
‫×‪( :‬لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا‪ ،‬ما بلغ مد أحدهم‬
‫ولا نصيفه)(‪ ،)2‬وجه االستدالل بهذا الحديث على عدالة الصحابة ‪-‬رضي هللا عنهم‪ :-‬أن‬
‫الوصف لهم بغير العدالة سب‪ ،‬ال سيما وقد نهى × بعض من أدركه وصحبه عن‬
‫التعرض لمن تقدمه لشهود المواقف الفاضلة‪ ،‬فيكون من بعدهم بالنسبة لجميعهم من باب‬
‫أولى (‪ ،)3‬فالصحابة كلهم عدول بتعديل هللا لهم وثنائه عليهم‪ ،‬وثناء رسول هللا × عليهم‪،‬‬
‫فليسوا بحاجة إلى تعديل أحد من الخلق (‪.)4‬‬
‫ولو لم تكن عدالتهم منصوصا عليها في كتاب هللا وسنة رسوله × لجزم أهل العقول‬
‫الصحيحة والقلوبـ السليمة بعدالتهم‪ ،‬استنادا إلى ما تواترت به األخبار عنهم من األعمال‬
‫الجليلة والخيرات الوفيرة التي قدموها لنصرة دين هللا الحنيف‪ ،‬فقد بذلوا ما أمكنهم بذله‬
‫في سبيل نصرة الحق ورفع رايته وإرساء قواعده ونشر أحكامه في جميع األقطار‬
‫‪-‬رضي هللا عنهم أجمعين‪ ،-‬والعدالة المرادة هنا ليس المقصود بها عدم الوقوع في‬
‫الذنوب والخطايا فإن هذا ال يكون إال لمعصوم (‪ ،)5‬قال ابن األنباري‪ :‬وليس المراد‬
‫بعدالتهم ثبوت العصمة لهم واستحالة المعصية منهم‪ ،‬وإنما المراد قبول رواياتهم من غير‬
‫تكلف البحث عن أسباب العدالة‪ ،‬وطلب التزكية إلى أن يثبت ارتكاب قادح ولم يثبت ذلك‬
‫وهلل الحمد والمنة‪ ،‬فنحن على استصحاب ما كانوا عليه في زمن رسول هللا × حتى يثبت‬
‫خالفه (‪.)6‬‬
‫الإجماع على عدالتهم‪ :‬أجمع أهل السنة والجماعة على أن الصحابة جميعهم‬
‫عدول بال استثناء من البس الفتن وغيرها وال يفرقون بينهم‪ ،‬الكل عدول إحسانا للظن بهم‬
‫ونظرا لما أكرمهم هللا به من شرف الصحبة لنبيه عليه الصالة و السالم‪ ،‬ولما لهم من‬
‫المآثر الجليلة من مناصرتهم للرسول × والهجرة إليه والجهاد بين يديه والمحافظة على‬
‫أمور الدين والقيام بحدوده‪ ،‬فشهادتهم ورواياتهم مقبولة دون تكلف بحث عن أسباب‬
‫عدالتهم بإجماع من يعتد بقوله‪ ،‬وقد نقل اإلجماع على عدالتهم جمع غفير من أهل العلم‪،‬‬
‫ومن تلك النقول‪:‬‬
‫‪ -1‬قال الخطيب البغدادي ‪-‬رحمه هللا‪ -‬بعد أن ذكر األدلة من كتاب هللا وسنة‬
‫رسوله × التي دلت على عدالة الصحابة ‪-‬رضي هللا عنهم‪ -‬وأنهم كلهم عدول‪ ،‬قال‪ :‬هذا‬
‫مذهب كافة العلماء ومن يعتد بقوله من الفقهاء (‪.)7‬‬
‫‪ -2‬وقال أبو عمر ابن عبد البر ‪-‬رحمه هللا‪ :-‬ونحن وإن كان الصحابة ‪-‬رضي هللا‬
‫عنهم‪ -‬قد كفينا البحث عن أحوالهم إلجماع أهل الحق من المسلمين‪ ،‬وهم أهل السنة‬
‫والجماعة‪ ،‬على أنهم عدول‪ ،‬فواجب الوقوف على أسمائهم (‪.)8‬‬
‫‪1‬‬
‫() اإلحسان بترتيب صحيح ابن حبان (‪.)91 /1‬‬
‫‪2‬‬
‫() البخاري (‪.)292 /2‬‬
‫‪3‬‬
‫() فتح المغيث شرح ألفية الحديث (‪.)111 - 110 /3‬‬
‫‪4‬‬
‫() عقيدة أهل السنة في الصحابة الكرام (‪.)809 /2‬‬
‫‪5‬‬
‫() عقيدة أهل السنة في الصحابة الكرام (‪.)809 /2‬‬
‫‪6‬‬
‫() فتح المغيث (‪.)115 /3‬‬
‫‪7‬‬
‫() الكفاية‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫‪8‬‬
‫() االستيعاب على حاشية اإلصابة (‪.)8 /1‬‬
‫‪58‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -3‬وحكى اإلجماع على عدالتهم إمام الحرمين الجويني ‪-‬رحمه هللا‪ -‬وعلل حصول‬
‫اإلجماع على عدالتهم بقوله‪ :‬ولعل السبب فيه أنهم نقلة الشريعة‪ ،‬فلو ثبت توقف رواياتهم‬
‫النحصرت الشريعة على عصر الرسول × ولما استرسلت على سائر األعصار (‪.)1‬‬
‫‪ -4‬ذكر ابن الصالح‪ :‬أن اإلجماع على عدالة الصحابة خصيصة فريدة تميزوا بها‬
‫عن غيرهم‪ ،‬فقد قال‪ :‬للصحابة بأسرهم خصيصة وهي أنه ال يسأل عن عدالة أحد منهم‪،‬‬
‫بل ذلك أمر مفروغـ منه لكونهم على اإلطالق معدلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع‬
‫من يعتد به في اإلجماع من األمة‪ ،‬وقال أيضا‪ :‬إن األمة مجمعة على تعديل جميع‬
‫الصحابة‪ ،‬ومن البس الفتن منهم‪ ،‬فكذلك بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في اإلجماع‬
‫إحسانا للظن ذلك لكونهم نقلة الشريعة (‪ ،)2‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪ -5‬قال اإلمام النووي ‪-‬رحمه هللا‪ :-‬بعد أن ذكر أن الحروب التي وقعت بينهم كانت‬
‫عن اجتهاد وأن جميعهم معذورون ‪-‬رضي هللا عنهم‪ -‬فيما حصل بينهم‪ ،‬قال‪ :‬ولهذا اتفق‬
‫أهل الحق ومن يعتد به في اإلجماع على قبول شهاداتهم ورواياتهم وكمال عدالتهم‬
‫‪-‬رضي هللا عنهم‪ ,)3( -‬وقال في التقريب‪ :‬الصحابة كلهم عدول من البس الفتن وغيرهم‬
‫بإجماع من يعتد به (‪.)4‬‬
‫‪ -6‬وقال الحافظ ابن كثير ‪-‬رحمه هللا‪ :-‬والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة‬
‫والجماعة لما أثنى هللا عليهم في كتابه العزيز‪ ،‬وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم‬
‫في جميع أخالقهم وأفعالهم‪ ،‬وما بذلوا من األموال واألرواح بين يدي رسول هللا ×‬
‫ورغبة فيما عند هللا من الثواب الجزيل والجزاء الجميل (‪.)5‬‬
‫‪ -7‬وقال العراقي في شرح ألفيته‪ :‬بعد ذكره لبعض اآليات القرآنية واألحاديث‬
‫الدالة على عدالة الصحابة‪ :‬إن جميع األمة مجمعة على تعديل من لم يالبس الفتن منهم‪،‬‬
‫وأما من البس الفتن منهم وذلك حين مقتل عثمان‪ ،‬فأجمع من يعتد به أيضا في اإلجماع‬
‫على تعديلهم إحسانا للظن بهم وحمال لهم في ذلك على االجتهاد (‪.)6‬‬
‫‪ -8‬وقال الحافظ ابن حجر ‪-‬رحمه هللا تعالى‪ :-‬مبينا أن أهل السنة مجموعون على‬
‫عدالة الصحابة فقال‪ :‬اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول‪ ،‬ولم يخالف في ذلك إال شذوذ‬
‫من المبتدعة (‪ ،)7‬فهذه النقول المباركة لإلجماع من هؤالء األئمة كلها فيها بيان واضح‬
‫ودليل قاطع على أن ثبوت عدالة الصحابة عموما أمر مفروغ منه ومسلم به فال يبقى‬
‫ألحد شك وال ارتياب بعد تعديل هللا ورسوله وإجماع األمة على ذلك (‪.)8‬‬
‫‪ -3‬وجوب محبتهم والدعاء واالستغفار لهم‪ :‬من عقائد أهل السنة والجماعة وجوب‬
‫محبة أصحاب رسول هللا × وتعظيمهم وتوقيرهم وتكريمهم و االحتجاج بإجماعهم‬
‫واالقتداء بهم‪ ،‬وحرمة بغض أحد منهم لما شرفهم هللا به من صحبة رسوله × والجهاد‬
‫معه لنصرة دين اإلسالم‪ ،‬وصبرهم على أذى المشركين والمنافقين‪ ،‬والهجرة عن أوطانهم‬
‫ين َجاءُوا ِمن َب ْع ِد ِه ْم‬ ‫َّ ِ‬
‫وأموالهم وتقديم حب هللا ورسوله × على ذلك كله‪ ،‬قال تعالى‪َ + :‬والذ َ‬
‫‪1‬‬
‫() فتح المغيث شرح ألفية الحديث (‪ ،)112 /3‬وذكره السيوطي في تدريب الراوي (‪.)214 /2‬‬
‫‪2‬‬
‫() مقدمة ابن الصالح‪ ،‬ص ‪.147 - 146‬‬
‫‪3‬‬
‫() شرح النووي على صحيح مسلم (‪.)149 /15‬‬
‫‪4‬‬
‫() تقريب النووي مع شرح تقريب الراوي (‪.)214 /2‬‬
‫‪5‬‬
‫() الباعث الحثيث ص ‪.182 - 181‬‬
‫‪6‬‬
‫() شرح ألفية العراقي المسماةـ بالتبصرة والتذكرة (‪.)14 -13 /3‬‬
‫‪7‬‬
‫() اإلصابة (‪.)17 /1‬‬
‫‪8‬‬
‫() عقيدة أهل السنة في الصحابة الكرام (‪.)813 /2‬‬
‫‪58‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬

‫آمنُوا َر َّبنَا إِنَّ َ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي ُقولُو َن ر َّبنَا ا ْغ ِفر لَنَا و ِإل ْخوانِنَا الَّ ِذين سب ُقونَا بِا ِإل ِ‬
‫ك‬ ‫ين َ‬ ‫يمان َوالَ تَ ْج َع ْل في ُقلُوبنَا غالًّ لِّلَّذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َر ُؤ ٌ َ ِ‬
‫يم" [الحشر‪ ،]10 :‬هذه اآلية دليل على وجوب محبة الصحابة‪ ،‬ألنه جعل لمن‬ ‫وف َّرح ٌ‬ ‫َ‬
‫بعدهم حظا في الفئ ما قدموا على محبتهم ومواالتهم واالستغفار لهم‪ ،‬وأن من سبهم أو‬
‫أحدا منهم أو اعتقد فيه شرا أنه ال حق له في الفئ‪ ،‬روى ذلك عن اإلمام مالك وغيره‪ ،‬قال‬
‫مالك‪ :‬من كان يبغض أحدا من أصحاب محمد × أو كان في قلبه عليهم غل‪ ،‬فليس له حق‬
‫ين َجاءُوا ِمن َب ْع ِد ِه ْم" (‪ ،)1‬وقد فهم متقدمو أهل السنة‬ ‫َّ ِ‬
‫في فئ المسلمين‪ ،‬ثم قرأ ‪َ +‬والذ َ‬
‫والجماعة ومتأخروهم أن المراد من اآلية السابقة األمر بالدعاء واالستغفار لهم من‬
‫الالحق للسابق‪ ،‬ومن الخلف للسلف‪ ،‬الذين هم أصحاب رسول هللا ×‪ ،‬روى مسلم بإسناده‬
‫على هشام بن عروة عن أبيه قال‪ :‬قالت لي عائشة‪ :‬يا ابن أختي أُمروا أن يستغفروا‬
‫ألصحاب النبي × فسبوهم (‪.)2‬‬
‫وروى ابن بطة وغيره من حديث أبي بدر قال‪ :‬حدثنا عبد هللا بن زيد عن طلحة بن‬
‫مطرف عن مصعب بن سعد بن سعد بن أبي وقاص قال‪ :‬الناس على ثالث منازل‪،‬‬
‫فمضت منزلتان‪ ،‬وبقيت واحدة‪ ،‬فأحسن ما أنتم عليه كائنون أن تكونوا بهذه المنزلة التي‬
‫ضالً ِّمن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫اج ِر َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اهلل‬ ‫ين أُ ْخ ِر ُجوا من ديَا ِره ْم َوأ َْم َوال ِه ْم َي ْبَتغُو َن فَ ْ َ‬ ‫ين الذ َ‬ ‫بقيت ثم قرأ‪+ :‬ل ْل ُف َق َراء ال ُْم َه َ‬
‫ين َتَب َّوءُوا‬ ‫َّ ِ‬ ‫َو ِر ْ‬
‫ض َوانًا" [الحشر‪ ،]8 :‬هؤالء المهاجرين وهذه منزلة قد مضت‪ ،‬ثم قرأ‪َ + :‬والذ َ‬
‫اجةً ِّم َّما أُوتُوا َو ُي ْؤثُِرو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ص ُدو ِره ْم َح َ‬‫اج َر إِل َْي ِه ْم َوالَ يَج ُدو َن في ُ‬
‫يما َن من َق ْبل ِه ْم يُحبُّو َن َم ْن َه َ‬ ‫َّار َوا ِإل َ‬
‫الد َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك ُه ُم ال ُْم ْفل ُحو َن" [الحشر‪ ،]9 :‬ثم‬ ‫اصةٌ َو َمن يُو َق ُش َّح َن ْفسه فَأُولَئ َ‬
‫ص َ‬ ‫َعلَى أَن ُفس ِه ْم َول َْو َكا َن بِ ِه ْم َخ َ‬
‫ين َجاءُوا ِمن َب ْع ِد ِه ْم َي ُقولُو َن َر َّبنَا‬ ‫َّ ِ‬
‫قال‪ :‬هؤالء األنصار وهذه المنزلة قد مضت ثم قرأ‪َ + :‬والذ َ‬
‫آمنُوا َر َّبنَا إِنَّ َ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا ْغ ِفر لَنَا و ِإل ْخوانِنَا الَّ ِذين سب ُقونَا بِا ِإل ِ‬
‫وف‬
‫ك َر ُؤ ٌ‬ ‫ين َ‬‫يمان َوالَ تَ ْج َع ْل في ُقلُوبنَا غالًّ لِّلَّذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬ ‫ْ َ َ‬
‫يم"‪ ،‬قد مضت هاتان وبقيت هذه المنزلة التي بقيت أن تستغفروا لهم (‪ ،)3‬وال يتردد من‬ ‫ِ‬
‫َّرح ٌ‬
‫له أدنى علم في أن الشيعة الرافضة خارجون من هذه المنزلة ألنهم لم يترحموا على‬
‫الصحابة ولم يستغفروا لهم‪ ،‬بل سبوهم وحملوا لهم الغل في قلوبهم‪ ،‬فحرموا من تلك‬
‫المنزلة‪ ،‬التي يجب على المسلم أن يكون فيها وال يحيد عنها بحال حتى يلقى ربه (‪.)4‬‬
‫وقد قال ابن تيمية ‪-‬رحمه هللا‪ -‬وهذه اآليات تتضمن الثناء على المهاجرين واألنصار‬
‫وعلى الذين جاءوا من بعدهم‪ ،‬يستغفرون لهم‪،‬ويسألون هللا أال يجعل في قلوبهم غال لهم‬
‫وتتضمن أن هؤالء األصناف هم المستحقون للفئ‪ ،‬وال ريب أن هؤالء الرافضة خارجون‬
‫من األصناف الثالثة‪ ،‬فإنهم لم يستغفروا للسابقين‪ ،‬وفي قلوبهم غل عليهم‪ ،‬ففي اآليات‬
‫الثناء على الصحابة وعلى أهل السنة الذين يتلونهم وإخراج الرافضة من ذلك وهذا ينقض‬
‫مذهب الرافضة (‪.)5‬‬
‫‪ -4‬تحريم سب الصحابة ‪-‬رضي اهلل عنهم‪ -‬في الكتاب والسنة‪:‬‬
‫ِ‬
‫الد ْنيَا َواآلَخ َر ِة َوأ َ‬
‫َع َّد ل َُه ْم‬ ‫ين ُي ْؤذُو َن اهللَ َو َر ُسولَهُ ل ََعَن ُه ُم اهللُ فِي ُّ‬ ‫َّ ِ‬
‫‪ -1‬قال تعالى‪+ :‬إِ َّن الذ َ‬
‫‪1‬‬
‫() تفسير القرطبي (‪.)32 /18‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسلم (‪.)2317 /4‬‬
‫‪3‬‬
‫() منهاج السنة (‪ ،)153 /1‬المستدرك (‪ ،)484 /2‬وقال الحاكم‪ :‬هذا حديث صحيح اإلسناد‪ ،‬ولم يخرجاه‬
‫ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() عقيدة أهل السنة (‪.)770 /2‬‬
‫‪5‬‬
‫() منهاج السنة (‪ ،)153 /1‬عقيدة أهل السنة (‪.)772 /2‬‬
‫‪58‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫َع َذابًا ُّم ِهينًا" [األحزاب‪ ،]57 :‬هذه اآلية تضمنت التهديد والوعيد بالطرد واإلبعاد من رحمة‬
‫هللا والعذاب المهين لمن آذاه ‪-‬جل جالله‪ -‬بمخالفة أوامره وارتكاب زواجره وإصراره‬
‫على ذلك‪ ،‬وإيذاء رسوله (‪ ،)1‬شمل كل أذية قولية أو فعلية من سب وشتم أو تنقص له أو‬
‫لدينه‪ ،‬أو ما يعود إليه باألذى (‪ ،)2‬ومما يؤذيه × سب أصحابه وقد أخبر × أن إيذاءهم‬
‫إيذاء له‪ ،‬ومن آذاه فقد آذى هللا (‪ ،)3‬وأي أذية للصحابة أبلغ من سبهم؟! واآلية فيها إشارة‬
‫قوية ظاهرة إلى أنه يحرم سبهم ‪-‬رضي هللا عنهم‪.-‬‬
‫احتَ َملُوا ُب ْهتَانًا َوإِثْ ًما ُّمبِينًا"‬ ‫ِ‬
‫ات بِغَْي ِر َما ا ْكتَ َسبُوا َف َقد ْ‬ ‫‪+ -2‬والَّ ِذين ي ْؤذُو َن الْم ْؤ ِمنِين والْم ْؤ ِمنَ ِ‬
‫ُ َ َ ُ‬ ‫َ َُ‬
‫[األحزاب‪ ،]58 :‬وهذه اآلية فيها التحذير من إيذاء المؤمنين والمؤمنات بما ينسب إليهم مما‬
‫هم منه براء لم يعملوه‪ ،‬ولم يفعلوه‪ ،‬والبهت الكبير أن يحكى أو ينقل عن المؤمنين‬
‫والمؤمنات‪،‬ـ ما لم يفعلوه علي سبيل العيب والتنقص لهم (‪ ،)4‬ووجه داللة اآلية على تحريم‬
‫سب الصحابة ‪-‬رضي هللا عنهم‪ :-‬أنهم في صدارة المؤمنين فإنهم المواجهون بالخطاب‬
‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫آمنُوا‬
‫ين َ‬ ‫آمنُوا" [البقرة‪ ،]104 :‬ومثل قوله‪+ :‬إِ َّن الذ َ‬ ‫ين َ‬ ‫في كل آية مفتتحة بقوله ‪+‬يَا أ َُّي َها الذ َ‬
‫ات" [الكهف‪ ،]107 :‬في جميع القرآن فاآلية دلت على تحريم سب الصحابة‬ ‫الصالِح ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َعملُوا َّ َ‬
‫ألن لفظ المؤمنين أول ما ينطبق عليهم؛ ألن الصدارة في المؤمنين لهم ‪-‬رضي هللا عنهم‪،-‬‬
‫وسبهم والنيل منهم من أعظم األذى‪ ،‬وأن من نال منهم بذلك فقد آذى خيار المؤمنين بما لم‬
‫يكتسبوا‪ ،‬وأن من اتخذ شتمهم والنيل منهم دينا له‪ ،‬فإن الوعيد المذكور في اآلية يصيبه‬
‫(‪.)5‬‬
‫قال ابن كثير ‪-‬رحمه هللا‪ -‬عند هذه اآلية‪ :‬ومن أكثر من يدخل في هذا الوعيد الكفرة‬
‫باهلل وبرسوله‪ ،‬ثم الرافضة الذين ينتقصون الصحابة ويعيبونهم بما قد برأهم هللا منه‪،‬‬
‫ويصفونهم بنقيض ما أخبر هللا عنهم‪ ،‬فإن هللا ‪-‬عز وجل‪ -‬وقد أخبر أنه قد رضي عن‬
‫المهاجرين واألنصار ومدحهم‪ ،‬وهؤالء الجهلة األغبياء يسبونهم وينتقصونهم ويذكرون‬
‫عنهم ما لم يكن وال فعلوه أبدا‪ ،‬فهم في الحقيقة منكسو القلوب يذمون الممدوحين‬
‫ويمدحون المذمومين (‪.)6‬‬
‫ِ‬ ‫اهلل َوالَّ ِذ‬
‫ول ِ‬
‫ين َم َعهُ أَشدَّاءُ َعلَى الْ ُك َّفا ِر ُر َح َماءُ َب ْيَن ُه ْم َت َر ُ‬
‫اه ْم‬ ‫َ‬ ‫‪ -3‬قوله تعالى‪ُ + :‬م َح َّم ٌد َّر ُس ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضالً ِّمن ِ‬
‫ك َم َثلُ ُه ْم في‬ ‫الس ُجود ذَل َ‬ ‫ِ‬
‫اه ْم في ُو ُجوههم ِّم ْن أَثَر ُّ‬ ‫يم ُ‬ ‫اهلل َو ِر ْ‬
‫ض َوانًا س َ‬ ‫ُر َّك ًعا ُس َّج ًدا َي ْبَتغُو َن فَ ْ َ‬
‫اع‬
‫الز َّر َ‬
‫ب ُّ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫يل َك َز ْر ٍع أَ ْخ َر َج َشطْأَهُ فَ َ‬ ‫نج ِ‬‫التَّور ِاة وم َثلُ ُهم فِي ا ِإل ِ‬
‫اسَت َوى َعلَى ُسوقه ُي ْعج ُ‬ ‫ظ فَ ْ‬‫اسَتغْلَ َ‬
‫آز َرهُ فَ ْ‬ ‫ْ َ ََ ْ‬
‫يما" [الفتح‪،]29 :‬‬ ‫ظ‬‫ات ِم ْنهم َّم ْغ ِفر ًة وأَجرا َع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ح‬ ‫الصالِ‬
‫َّ‬ ‫وا‬‫ل‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫وا‬ ‫ن‬‫آم‬ ‫ين‬ ‫ِ‬
‫ظ بِ ِه ُم الْ ُك َ َ َ َ ُ َ َ ُ َ َ‬
‫ذ‬ ‫َّ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫اهلل‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ار‬ ‫َّ‬
‫ف‬ ‫لِيَ ِغي َ‬
‫ً‬ ‫َ َ ًْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ووجه داللة اآلية على تحريم سب الصحابة ‪-‬رضي هللا عنهم‪ :-‬أنه ال يسبهم شخص إال‬
‫لما وجد في قلبه من الغيظ عليهم‪ ،‬وقد بين تعالى في هذه اآلية إنما يغاظ بهم الكفار‪ ،‬فدلت‬
‫على تحريم سبهم‪ ،‬والتعرض لهم لما وقع بينهم على وجه العيب‪.‬‬
‫‪ -4‬وعن أبي سعيد الخدري ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول هللا ×‪« :‬لا تسبوا‬
‫أصحابي‪ ،‬فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك‬

‫‪1‬‬
‫() عقيدة أهل السنة في الصحابة (‪.)832 /2‬‬
‫‪2‬‬
‫() تفسير السعدي (‪.)121 /6‬‬
‫‪3‬‬
‫() مسند أحمد (‪.)87 /4‬‬
‫‪4‬‬
‫() تفسير ابن كثير (‪.)535 /3‬‬
‫‪5‬‬
‫() عقيدة أهل السنة في الصحابة (‪.)823 /2‬‬
‫‪6‬‬
‫() عقيدة أهل السنة‪ ،‬نقال عن تفسير ابن كثير‪.‬‬
‫‪58‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫أحدهم ولا نصيفه»(‪ ،)1‬فهذا الحديث اشتمل على النهي والتحذير من سب الصحابة‬
‫‪-‬رضي هللا عنهم‪ -‬وفيه التصريح بتحريم سبهم (‪ ،)2‬واألحاديث في هذا الباب كثيرة‪.‬‬
‫نهي السلف عن سب الصحابة ‪-‬رضيـ هللا عنهم‪:-‬‬
‫إن النصوص الواردة عن سلف األمة وأئمتها من الصحابة‪ ،‬ومن جاء بعدهم من‬
‫التابعين لهم بإحسان‪ ،‬والتي تقضى بتحريم سب الصحابة والدفاع عنهم‪ ،‬كثيرة جدا منها‪:‬‬
‫‪ -1‬قال أحمد بن حنبل ‪-‬رحمه هللا‪ :-‬إذا رأيت رجال يذكر أحدا من أصحاب رسول‬
‫هللا × بسوء‪ ،‬فاتهمه على اإلسالم (‪.)3‬‬
‫‪ -2‬قال أبو زرعة الرازي ‪-‬رحمه هللا‪ :-‬إذا رأيت رجال ينتقص أحدا من أصحاب‬
‫رسول هللا ×‪ ،‬فاعلم أنه زنديق‪ ،‬وذلك أن الرسول × عندنا حق‪ ،‬والقرآن حق‪ ،‬وإنما أدى‬
‫إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول هللا ×‪ ،‬وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬والجرح بهم أولى وهم زنادقة (‪.)4‬‬
‫‪ -3‬وقد ذكر اإلمام الشوكاني ‪-‬رحمه هللا‪ :-‬بإجماع أهل البيت ‪-‬رضي هللا عنهم‪،-‬‬
‫على تحريم سب الصحابة رضوان هللا عليهم‪ ،‬من اثنى عشر طريقا (‪ ،)5‬وقد روى أبو عبد‬
‫هللا محمد بن عبد الواحد المقدسي بإسناده إلى محمد بن علي بن الحسين بن علي أنه قال‬
‫لجابر الجعفي‪ :‬يا جابر بلغني أن قوما بالعراق يزعمون أنهم يحبوننا ويتناولون أبا بكر‬
‫وعمر‪ ،‬ويزعمون أني آمرهم بذلك‪ ،‬فأبلغهم عني أني إلى هللا منهم برئ‪ ،‬والذي نفس‬
‫محمد بيده لو وليت لتقربت إلى هللا بدمائهم‪ ،‬ال نالتني شفاعة محمد × إن لم أكن استغفر‬
‫لهما وأترحم عليهما‪ ،‬إن أعداء هللا لغافلون عن فضلهما‪ ،‬فأبلغهم أني برئ منهم وممن تبرأ‬
‫من أبي بكر وعمر رضي هللا عنهما (‪ ،)6‬روى أيضا بسنده إلى عبد هللا بن الحسن بن علي‬
‫أنه قال‪ :‬ما أرى رجال يسب أبا بكر وعمر تيسر له توبة أبدا (‪.)7‬‬
‫‪ -5‬حب أمير المؤمنين علي وأبنائه للصحابة ‪-‬رضي اهلل عنهم‪ :-‬الصورة الحقيقية الناصعة‬
‫البياض تبقى وما سواها يزول‪ ،‬إنها تتجلى في أهم كتاب عند الشيعة االثنى عشرية نهج‬
‫البالغة‪ ،‬تلك النصوص كفيلة بهدم األطروحة القائمة على لعن وسب صحابة رسول هللا‬
‫×‪ ،‬والقولـ بردتهم وانقالبهم على أعقابهم من بعده‪ ,‬فهذا أمير المؤمنين علي يصور لنا‬
‫بنفسه صحابة رسول هللا × كما رآهم وعاينهم‪ ،‬إذ يقول‪ :‬لقد رأيت أصحاب محمد فما‬
‫أرى أحدا يشبههم‪ ،‬لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا‪ ،‬وقد باتوا سجدا وقياما يراوحون بين‬
‫جباههم وخدودهم‪ ،‬ويقفونـ على مثل الجمر من ذكر معادهم‪ ،‬كأن بين عينهم ركب‬
‫المعزى من طول السجود‪ ،‬إذا ذكر هللا هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم‪ ،‬ومادوا كما يميد‬
‫خوفا من العقاب ورجاء الثواب (‪ ،)8‬وهو يتحسر على فراقهم‬ ‫الشجر يوم الريح العاصف ً‬
‫ويرثيهم بعد موتهم كحال أي محب فارق من يحبه فيقول‪ :‬أين القوم الذي دُعوا إلى‬
‫اإلسالم فقبلوه‪ ،‬وقرأوا القرآن فأحكموه‪ ،‬وسلبوا السيوف أغمادها‪ ،‬وأخذوا بأطراف‬
‫زحفا وصفًا صفًا‪ ،‬مره العيون من البكاء‪ ،‬خمص البطون من‬ ‫ً‬ ‫زحفا‬
‫ً‬ ‫األرض أطرافها‬
‫الصيام‪ ،‬ذبل الشفاه من الدعاء‪ ,‬صفر األلوان من السهر‪ ،‬على وجوههم غبرة الخاشعين‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫() مسلم (‪.)1698 - 1697 /4‬‬
‫‪2‬‬
‫() عقيدة أهل السنة في الصحابة (‪.)838 /2‬‬
‫‪3‬‬
‫() مناقب اإلمام أحمد البن الجوزي‪ ،‬ص‪.160‬‬
‫‪4‬‬
‫() الكفاية في علم الرواية ص‪.67‬‬
‫‪5‬‬
‫() إرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي‪ ،‬ص‪.64 - 50‬‬
‫‪6‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)349 /9‬‬
‫‪7‬‬
‫() عقيدة أهل السنة في الصحابة (‪.)851 /2‬‬
‫‪8‬‬
‫() نهج البالغة‪ ،‬ص ‪ ،189 - 182‬ثم أبصرت الحقيقة‪ ،‬ص ‪.324‬‬
‫‪58‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫أولئك إخواني الذاهبون‪ ،‬فحق لنا أن نظمأ إليهم‪ ،‬ونعض األيدي على فراقهم (‪ ،)1‬فيا‬
‫أحباب أمير المؤمنين علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬تأملوا في نظرته إلى أصحاب رسول هللا ×‪.‬‬
‫وأما اإلمام علي بن الحسين زين العابدين ‪-‬رحمه هللا‪ -‬فكان يذكر أصحاب رسول هللا‬
‫ويدعو لهم في صالته بالرحمة والمغفرة لنصرتهم سيد الخلق في نشر دعوة التوحيد‪ ،‬وتبليغ‬
‫رسالة هللا إلى خلقه‪ ،‬فيقول‪ :‬فاذكرهم منك بمغفرة ورضوان‪ ،‬اللهم وأصحاب محمد خاصة‪،‬‬
‫الذين أحسنوا الصحبة‪ ،‬والذين أبلوا البالء الحسن في نصره‪ ،‬وكانفوه وأسرعوا إلى وفادته‪،‬‬
‫وسابقوا على دعوته‪ ،‬واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالته‪ ،‬وفارقوا األزواج واألوالد في‬
‫إظهار كلمته‪ ،‬وقاتلوا اآلباء واألبناء في تثبيت نبوته‪ ،‬والذين هجرتهم العشائر إذ علقوا‬
‫بعروته‪ ،‬وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في قرابته‪ ،‬اللهم ما تركوا لك وفيك‪ ،‬وأرضهم من‬
‫رضوانك وبما حاشوا الحق عليك‪ ،‬وكانوا من ذلك لك وإليك‪ ،‬واشكرهم على هجرتهم فيك‬
‫ديارهم‪ ،‬وخروجهم من سعة العيش إلى ضيقه‪ ،‬ومن أكثره في اعتزاز دينك إلى أقله‪ ،‬اللهم‬
‫وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان الذين يقولون ربنا اغفر إلخواننا الذين سبقونا باإليمان خير‬
‫جزائك‪ ،‬والذين قصدوا سمتهم‪،‬وتحروا جهتهم‪ ،‬ولو مضوا إلى شاكلتهم لم يثنهم ريب في‬
‫بصيرتهم‪ ،‬ولم يختلجهم شك في قفو آثارهم واالئتمام بهداية منارهم‪ ،‬مكانفين وموازرين لهم‪،‬‬
‫يدينون بدينهم‪ ،‬ويهتدون بهديهم‪ ،‬يتفقون عليهم وال يتهمونهم فيما أدوا إليهم (‪.)2‬‬
‫فهذا موقف أئمة أهل البيت رضوان هللا عليهم من الصحابة‪ ،‬ال ما يدعيه المندسون‬
‫من الرافضة‪ ،‬والمتسترون بستار التشيع‪ ،‬أعداء القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة‬
‫وأئمة أهل البيت األطهار‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬موقف الشيعة من السنة النبوية‬
‫معنى السنة النبوية في اصطالح األصوليين‪ ،‬ما نقل عن النبي × من قول أو فعل أو‬
‫تقرير (‪ ،)3‬ولقد اهتم علماء أهل السنة بتدوين السنة الصحيحة وبذلوا جهودا عظيمة من‬
‫أجل حمايتها من الوضع والوضاعين‪ ،‬وقد بذلوا جهدا ال مزيد عليه‪ ،‬وقد سلكوا طرقا هي‬
‫أقوم الطرق العلمية للنقد والتمحيص‪ ،‬حتى لنستطيع أن نجزم بأن علماءنا ‪-‬رحمهم هللا‪-‬‬
‫هم أول من وضعوا قواعد النقد العلمي الدقيق لألخبار والمرويات بين أمم األرض كلها‪،‬‬
‫وأن جهدهم في ذلك جهد تفاخر به األجيال وتتيه به على األمم‪ ،‬وذلك فضل هللا يؤتيه من‬
‫يشاء‪ ،‬وهللا واسع عليم‪.‬‬
‫وقد سار علماء أهل السنة على الخطوات التالية في سبيل النقد حتى أنقذوا السنة مما‬
‫دبر لها من كيد‪ ،‬ونظفوها مما علق بها من أوحال (‪.)4‬‬
‫‪ -1‬إسناد الحديث‪ :‬لم يكن صحابة رسول هللا × بعد وفاته يشك بعضهم في بعض‪,‬‬
‫ولم يكن التابعون يتوقفون عن قبول أي حديث يرويه صحابي عن رسول هللا ×‪ ،‬حتى‬
‫وقعت الفتنة وقام اليهودي الخاسر عبد هللا بن سبأ بدعوته اآلثمة التي يتبناها على فكرة‬
‫التشيع الغالى القائل بإلهية علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ ،-‬وأخذ الدس على السنة يربو عصرا بعد‬
‫عصر‪ ،‬عندئذ بدأ العلماء من الصحابة والتابعين يتحرون في نقل األحاديث وال يقبلون‬
‫منها إال ما عرفوا طريقها وروايتها واطمأنوا إلى ثقتهم وعدالتهم‪.‬‬
‫يقول ابن سيرين فما يرويه عن الإمام مسلم في مقدمة صحيحه‪ :‬لم يكونوا‬
‫يسألون عن اإلسناد فلما وقعت الفتنة قالوا‪ :‬سموا لنا رجالكم‪ ،‬فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ‬
‫‪1‬‬
‫() نهج البالغة‪ ،‬ص ‪ ،235‬ثم أبصرت الحقيقة‪ ،‬ص ‪.325‬‬
‫‪2‬‬
‫() صحيفة كاملة لزين العابدين ص ‪ ،13‬نقال عن‪ :‬ثم أبصرت الحقيقة‪ ،‬ص ‪.329‬‬
‫‪3‬‬
‫() السنة ومكانتها في التشريع اإلسالمي‪ ،‬ص‪.47‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.90‬‬
‫‪58‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫حديثهم‪ ،‬وينظر إلى أهل البدع فال يؤخذ حديثهم‪ ،‬وقد ابتدأ هذا التثبيت منذ عهد صغار‬
‫الصحابة الذين تأخرت وفاتهم إلى زمن الفتنة‪ ،‬فقد روى مسلم في مقدمة صحيحه عن‬
‫مجاهد أن بشيرا العدوي جاء إلى ابن عباس فجعل يحدث ويقول‪ :‬قال رسول هللا كذا‪،‬‬
‫فجعل ابن عباس ال يأذن لحديثه وال ينظر إليه‪ ،‬فقال‪ :‬يا ابن عباس مالي أراك ال تسمع‬
‫لحديثي‪ ،‬أحدثك عن رسول هللا وال تسمع؟ فقال ابن عباس‪ :‬إنا كنا مرة إذا سمعنا رجال‬
‫يقول‪ :‬قال رسول هللا ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا‪ ،‬فلما ركب الناس الصعب و‬
‫الذلول لم نأخذ من الناس إال ما نعرف‪ ،‬ثم أخذ التابعون في المطالبة باإلسناد حين فشا‬
‫الكذب‪ ،‬يقول أبو العالية‪ :‬كنا نسمع الحديث عن الصحابة فال نرضى حتى نركب إليهم‬
‫فنسمعه منهم‪ ،‬ويقولـ ابن المبارك‪ :‬اإلسناد من الدين‪ ،‬ولوال اإلسناد لقال من شاء ما شاء‪،‬‬
‫ويقولـ ابن المبارك أيضا‪ :‬بيننا وبين القوم القوائم‪ ،‬يعني اإلسناد (‪.)1‬‬
‫‪ -2‬التوثق من األحاديث‪ :‬وذلك بالرجوع إلى الصحابة والتابعين وأئمة هذا الفن‪ ،‬فلقد‬
‫كان من عناية هللا بسنة نبيه أن مد أعمار عدد من أقطاب الصحابة وفقهائهم ليكونوا‬
‫مرجعا يهتدي الناس بهديهم‪ ،‬فلما وقع الكذب لجأ الناس إلى هؤالء الصحابة يسألونهم ما‬
‫عندهم أوال‪ ،‬ويستفتونهم فيما يسمعونه من أحاديث وآثار‪ ،‬ولهذا الغرض كثرت رحالت‬
‫التابعين بل بعض الصحابة أيضا من مصر إلى مصر‪ ،‬ليسمعوا األحاديث الثابتة من‬
‫الرواة الثقات‪ ،‬ولذلك سافر جابر بن عبد هللا إلى الشام‪ ،‬وأبو أيوب إلى مصر لسماع‬
‫الحديث‪.‬‬
‫‪ -3‬نقد الرواة‪ ،‬وبيان حالهم من صدق وكذب‪ :‬وهذا باب عظيم وصل منه العلماء إلى تمييز‬
‫الصحيح من المكذوب والقوي من الضعيف وقد أبلوا فيه بالء حسنان وتتبعوا الرواة ودرسوا‬
‫حياتهمـ وتاريخهم وسيرتهم‪ ،‬ما خفي من أمرهم وما ظهر‪ ،‬ولم تأخذهم في هللا لومة الئم (‪.)2‬‬
‫وقد وضعوا لذلك قواعد ساروا عليها فيمن يؤخذ منه ومن ال يؤخذ‪ ،‬ومن يكتب عنه‬
‫ومن ال يكتب‪ ..‬ومن أهم أصناف المتروكين الذين ال يؤخذ حديثهم‪:‬‬
‫‪-1‬الكذابون على رسول هللا ×‪ :‬وقد أجمع أهل العلم على أنه ال يؤخذ حديث من كذب‬
‫على النبي ×‪ ،‬كما أجمعوا على أنه من أكبر الكبائر‪ ،‬واختلفوا في كفره‪ ،‬فقال به جماعة‪،‬‬
‫وقال آخرون بوجوب قتله‪ ،‬واختلفوا في توبته هل تقبل أما ال؟‪.‬‬
‫‪-2‬الكذابون في أحاديثهم العامة‪ :‬ولو لم يكذبوا على رسول هللا ×‪ ،‬وقد اتفقوا على أن‬
‫من عرف عنه الكذب ولو مرة واحدة ترك حديثه‪.‬‬
‫‪-3‬أصحاب البدع واألهواء‪ :‬وكذلك اتفقوا على أنه ال يقبل حديث صاحب البدعة إذا‬
‫كفر ببدعته‪ ،‬وكذا إذا استحل الكذب وإن لم يكفر ببدعته‪ ،‬أما إذا لم يستحل الكذب فهل‬
‫يقبل أم ال؟ أو يفرق بين كونه داعية أو غير داعية؟ قال ابن كثير‪ :‬في ذلك نزاع قديم‬
‫وحديث‪ ,‬والذي عليه األكثرون التفصيل بين الداعية وغيره(‪ )3‬والذي يظهر لي أنهم‬
‫يرفضون رواية المبتدع إذا روى ما يوافق بدعته‪ ،‬أو كان من طائفة عرفت بإباحة الكذب‬
‫ووضع الحديث في سبيل أهوائها‪ ،‬ولهذا رفضوا رواية الرافضة‪ ،‬وقبلوا رواية المبتدع إذا‬
‫كان هو أو جماعته ال يستحلون الكذب كعمران بن حطان (‪.)4‬‬
‫‪-4‬الزنادقة والفساق والمغفلونـ الذين ال يفهمون ما يحدثون‪ :‬وكل من ال تتوافر فيهم‬
‫صفات الضبط والعدالة والفهم‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() مقدمة صحيح مسلم (‪.)10 /1‬‬
‫‪2‬‬
‫() السنة ومكانتها في التشريع‪ ،‬ص‪.93‬‬
‫‪3‬‬
‫() السنة ومكانتها في التشريع‪ ،‬ص‪.93‬‬
‫‪4‬‬
‫() السنة ومكانتها في التشريع‪ ،‬ص‪.94‬‬
‫‪59‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وقد وضع علماء الحديث القواعد لمعرفة الصحيح والحسن والضعيف من أقسام‬
‫الحديث‪ ،‬ووضعوا قواعد لمعرفة الموضوعـ وذكروا له عالمات يعرف بها‪ ،‬كركاكة‬
‫اللفظ‪ ،‬وفساد المعنى‪ ،‬ومخالفته لصريح القرآن ومخالفته لحقائق التاريخ المعروفة في‬
‫عهد النبي × وغيرها من العالمات (‪.)1‬‬
‫وبتلك الجهود الموفقة استقام أمر الشريعة بتوطيد دعائم السنة التي هي ثاني‬
‫مصادرها التشريعية‪ ،‬واطمأن المسلمون على حديث نبيهم فأقصى عنه كل دخيل‪ ،‬وميز‬
‫بين الصحيح والحسن والضعيف‪ ،‬وصان هللا شرعه من عبث المفسدين ودس الدساسين‬
‫وتآمر الزنادقة والشعوبيين‪ ،‬وقطف المسلمون ثمار النهضة الجبارة المباركة التي كان‬
‫من أبرزها تدوين السنة وعلم مصطلح الحديث‪ ،‬وعلم الجرح والتعديل‪ ،‬وعلوم الحديث‬
‫(‪.)2‬‬
‫موقف الشيعة من السنة بسبب تكفيرهم للصحابة‪ :‬كان لنظرة الشيعة ورأيهم في‬
‫اإلمامة أثر في تكفيرهم لمعظم الصحابة ‪-‬رضي هللا عنهم‪ ،-‬وهذا التكفير الشنيع ترتب‬
‫عليه إنكار الشيعة كل األحاديث الورادة عن طريق الصحابة ولم يقبلوا إال األحاديث‬
‫الواردة عن طريق األئمة من أهل البيت أو ممن نسبوهم إلى التشيع كسلمان الفارسي‬
‫وعمار وياسر وأبي ذر والمقداد بن األسود‪ ،‬وقد شنوا هجوما عنيفا على رواة الحديث‬
‫كأبي هريرة وسمرة بن جندب‪ ،‬وعروة بن الزبير‪ ،‬وعمرو بن العاص‪ ،‬والمغيرة بن‬
‫شعبة وغيرهم‪ ،‬واتهموهم بالوضع والتزوير والكذب (‪ ،)3‬وعد اإلمام عبد القاهر البغدادي‬
‫الشيعة من المنكرين للسنة لرفضهم قبول مرويات صحابة رسول الهدى × (‪.)4‬‬
‫فالشيعة تحارب السنة‪ ،‬ولهذا فإن أهل السنة اختصوا بهذا االسم التباعهم سنة‬
‫المصطفى × (‪ ،)5‬هذا ما جاء به بعض مصادر أهل السنة‪ ،‬ولكن الشيعة تروي عن أئمتها‪:‬‬
‫أن كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة وكل حديث ال يوافق الكتاب والسنة فهو زخرف‬
‫(‪ ،)6‬وبهذا المعنى روايات أخر (‪ )7‬عندهم‪ ،‬وهو يفيد أن الشيعة ال تنكر سنة رسول هللا ×‪،‬‬
‫بل تعتمد عليها‪ ،‬وتجعلها مع كتاب هللا الميزان والحكم‪ ،‬والدارس لنصوص الشيعة‬
‫اتجاها مجانبًا عن السنة‬
‫ً‬ ‫ورواياتها ينتهي إلى الحكم بأن معظم رواياتهم وأقوالهم تتجه‬
‫التي يعرفها المسلمون‪ ،‬في الفهم والتطبيق‪ ،‬وفي األسانيد والمتون ويتبين ذلك فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬قول اإلمام كقول هللا ورسوله‪ :‬فالسنة عندهم هي‪ :‬كل ما يصدر عن المعصوم‪ ،‬من‬
‫قول أو فعل أو تقرير (‪ ،)8‬ومن ال يعرف طبيعة مذهبهم ال يلمح مدى مجانبتهم للسنة في هذا‬
‫القول‪ ،‬إذ إن المعصوم هو رسول هللا‪ ،‬ومن يجعلون كالمهم مثل كالم هللا وكالم رسوله‪ ،‬وهم‬
‫األئمة االثنا عشر‪ ,‬ال فرق عندهم في هذا بين هؤالء االثنى عشر وبين من ال ينطق عن‬
‫الهوى‪ ،‬إن هو إال وحي يوحى (‪ ،)9‬فهم ليسوا من قبيل الرواة عن النبي والمحدثين عنه‪،‬‬
‫ليكون قولهم حجة من جهة أنهم ثقات في الرواية‪ ،‬بل ألنهم هم المنصوبون من هللا تعالى‬
‫على لسان النبي لتبليغ األحكام الواقعية‪ ،‬فال يحكمون إال عن األحكام الواقعية عند هللا تعالى‬

‫‪1‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص‪ ،94‬إلى ‪.98 ،97‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه ص ‪.103‬‬
‫‪3‬‬
‫() أضواء على خطوط محب الدين ص ‪.68 ،65 ،48‬‬
‫‪4‬‬
‫() الفرق بين الفرق ص ‪.346 ,327 ,322‬‬
‫‪5‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)175 /2‬‬
‫‪6‬‬
‫() صحيح الكافي (‪ ،)11 /1‬أصول الشريعة اإلمامية (‪.)373 /1‬‬
‫‪7‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)373 /1‬‬
‫‪8‬‬
‫() األصول العامة في الفقه المقارن‪ ,‬محمد تقي الحكيم‪ ,‬ص‪.122‬‬
‫‪9‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)373 /1‬‬
‫‪59‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫كما هي(‪.)1‬‬
‫وال فرق في كالم هؤالء االثنى عشر بين سن الطفولة‪ ،‬وسن النضج العقلي‪ ،‬إذ إنهم‬
‫‪-‬في نظرهم‪ -‬ال يخطئون عمداً وال سهوا وال نسيانا طوال حياتهم ‪-‬كما مر معنا في مسألة‬
‫العصمة‪ -‬ولهذا قال أحد شيوخهم المعاصرين‪ :‬إن االعتقاد بعصمة األئمة جعل األحاديث‬
‫التي تصدر عنهم صحيحة دون أن يشترطوا إيصال سندها إلى النبي × كما هو الحال‬
‫عند أهل السنة (‪ ،)2‬فالسنة عندهم ليست سنة النبي فحسب‪ ،‬بل سنة األئمة‪ ،‬وأقوال هؤالء‬
‫األئمة كأقوال هللا ورسوله‪ ،‬ولهذا اعترفوا بأن هذا مما ألحقته الشيعة بالسنة المطهرة‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬وألحق الشيعة اإلمامية كل ما يصدر عن أئمتهم االثنى عشر من قول أو فعل أو‬
‫تقرير بالسنة الشريفة (‪.)3‬‬
‫هم يقولون بهذا القول من منطلقين خطيرين‪ ،‬وقاعدتين أساسيتين عندهم في هذه‬
‫المسألة‪ ،‬وقد أشار أحد شيوخهم المعاصرين إليهما حينما ذكر أن قول اإلمام يجري‬
‫مجرى قول النبي ×‪ ,‬من كونه حجة على العباد واجب الاتباع‪ ،‬وأنهم ال يحكمون إال عن‬
‫األحكام الواقعية عند هللا تعالى كما هي‪ ،‬فبين أن ذلك يتحقق لهم من طريقين‪ :‬من طريق‬
‫اإللهام كالنبي‪ ،‬أي من طريق الوحي‪ ،‬أو من طريق التلقي عن المعصوم قبله (‪.)4‬‬
‫وهم يزعمون أن األئمة هم خزنة علم هللا ووحيه‪ :‬وقد عقد صاحب الكافي بابا لهذا‬
‫بعنوان‪ :‬باب أن أئمة ‪-‬عليهم السالم‪ -‬والة أمر هللا وخزنة علمه (‪ ،)5‬وضمن هذا الباب ست‬
‫روايات في هذا المعنى‪ ،‬وبابا آخر بعنوان‪ :‬إن األئمة ورثوا علم النبي وجميع األنبياء‬
‫واألوصياء الذين من قبلهم (‪ ،)6‬وفيه سبع روايات‪ ،‬وبابا ثالثا بعنوان‪ :‬إن األئمة يعلمون‬
‫جميع العلوم التي خرجت إلى المالئكة واألنبياء والرسل ‪-‬عليهم السالم‪ ،)7( -‬وفيه أربع‬
‫روايات (‪ ،)8‬وقد توسع الشيعة الرافضة في هذا الباب ونكتفيـ بهذا القدر من المصادر‬
‫الوهمية التي تزعمها الرافضة‪ ،‬والتي يغني في بيان فسادها مجرد عرضها وتصورها‪.‬‬
‫ونتيجة لذلك التصور عن األئمة‪ ،‬فإن الشيعة الرافضة لم يهتموا بصحة اإلسناد‬
‫وتقويم الرجال‪ ،‬كما اهتم علماء الحديث من أهل السنة وفي الوقت الذي رفض فيه الشيعة‬
‫صحيحي البخاري ومسلم وكتب السنة‪ ،‬المعتمدة الموثقة‪ ،‬اعتمدوا في أحاديثهم على ما‬
‫نقله الكليني الذي سبق أن أوردنا أقواله في كثير من عقائدهم وعدوه حجة‪ ،‬ويعد كتابه‬
‫الكافي (‪ )9‬من أقدم كتب الشيعة في الحديث وأوثقها عندهم‪ ،‬ويصور أحد الشيعة مكانة هذا‬
‫الكتاب لديهم فيقول‪ :‬وقد اتفق أهل اإلمامة وجمهور الشيعة على تفضيل هذا الكتاب‪،‬‬
‫واألخذ به والثقة بخبره واالكتفاء بأحكامه‪ ،‬وهم مجمعون على اإلقرار بارتفاع درجته‬
‫وعلو قدره‪ ،‬وعلى أنه القطب الذي عليه مدار روايات الثقات المعروفين بالضبط واإلتقان‬
‫إلى اليوم‪ ،‬وهو عندهم أجل وأفضل من جميع أصول األحاديث‪ ،‬علما بأن جل ما في‬
‫الكافي ‪-‬كما يقول أبو زهرة‪ -‬أخبار تنتهي عند األئمة‪ ،‬وال يصح أن نقول أنه يذكر سندا‬
‫متصال بالنبي ×‪ ،‬وال أن يدعي أن هذه أقوال النبي ×‪ ،‬إال على أساس أن أقوال أئمتهم هي‬
‫أقوال النبي ×‪ ،‬وأنها دين هللا تعالى‪ ..‬وأكثر ما يروى في الكافي واقف عند الصادق وقليل‬
‫‪1‬‬
‫() أصول الفقه المقارن (‪ )3/50‬أصول الشيعة (‪.)1/374‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ اإلمامية ص ‪ ،140‬عبد هللا فياض‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() سنة أهل البيت‪ ،‬محمد تقي الحكيم‪ ،‬ص ‪.90‬‬
‫‪4‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)377 /1‬‬
‫‪5‬‬
‫() أصول الكافي (‪.)193- 192 /1‬‬
‫‪6‬‬
‫()أصول الكافي (‪.)226 - 223 /1‬‬
‫‪7‬‬
‫() أصول الشيعة (‪.)385 /1‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)386 ،385 /1‬‬
‫‪9‬‬
‫() أثر اإلمامةـ في الفقه الجعفري وأصوله للسالوس‪ ،‬ص ‪.275 - 274‬‬
‫‪59‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫منه ما يعلو إلى أبيه الباقر‪ ،‬وأقل من ذلك ما يعلو إلى أمير المؤمنين علي ‪-‬رضي هللا‬
‫عنه‪ -‬ونادرا ما يقف عند النبي ×(‪ ،)1‬كما أن هناك كتاب‪( :‬من ال يحضره الفقه) جمعه أبو‬
‫جعفر محمد بن علي بن بابويه‪ ،‬الذي يلقبونه بالشيخ الصدوق‪ ،‬وهو أيضا من أكبر‬
‫علمائهم بخراسان (توفي ‪381‬هـ)‪ ،‬ومن الكتب المعتمدة عند الشيعية‪ :‬كتابا (تهذيب‬
‫األحكام) و (االستبصار فيما اختلف من األخبار) لمحمد بن الحسن الطوسي‪ ،‬وهذه الكتب‬
‫الشيعية مليئة بعشرات األلوف من األحاديث التي ال يمكن إثبات صحتها‪ ،‬بل معظمها‬
‫موضوعـ مختلق (‪ ،)2‬مثل ما سبق أن أشرنا إليه من األحاديث التي اعتمدوا عليها في‬
‫دفاعهم عن أحقية اإلمام علي باإلمامة‪ ,‬من هذا العرض آلراء الشيعة ومعتقداتهم‪،‬‬
‫والشيعة يعترفون أو على األقل بعض منهم بأن في تلك الكتب بعض الروايات‬
‫الموضوعة‪ ،‬كما أنهم أنفسهم جرحوا بعض رواتهم‪ ،‬وإذا كان األمر كذلك فيمكن أن يأخذ‬
‫الشيعة بوصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬عندما قال‪ :‬الزموا‬
‫دينكم واهتدوا بهدي نبيكم واتبعوا سنته‪ ،‬واعرضوا ما أشكل عليكم على القرآن فما عرفه‬
‫فالزموه‪ ،‬وما أنكره فردوه (‪ ،)3‬وقوله ‪-‬رضي هللا عنه‪( :-‬واقتدوا بهدي نبيكم ×‪ ،‬فإنه‬
‫أفضل الهدي واستنوا بسنته‪ ،‬فإنه أفضل السنن) (‪ ،)4‬وأن يلتزموا بطريقة أمير المؤمنين‬
‫علي بن أبي طالب ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬في فهم األحكام من القرآن الكريم ومعاني اآليات‬
‫فيلتزموا بظاهر القرآن الكريم‪ ،‬وحمل المجمل على المفسر‪ ،‬والمطلق على المقيد‪ ،‬وأن‬
‫يراعوا الناسخ والمنسوخ والنظر في لغة العرب‪ ،‬وفهم النص بنص آخر‪ ،‬والسؤال عن‬
‫مشكله‪ ،‬والعلم بمناسبة اآليات‪ ،‬وتخصيص العام‪ ،‬وأن يتعلموا من أمير المؤمنين علي‬
‫‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬كيف يحترمون مقام النبوة‪ ،‬ويتعاملون مع سنة الرسول × وفق هديه‬
‫الذي بينته في هذا الكتاب‪ ،‬ثم يعرضون رواياتهم التي في كتبهم على العدلين‪ ،‬كتاب هللا‬
‫وسنة رسوله‪ ،‬فما وافق كتاب هللا وسنة رسوله × قبلوه وما خالفها نبذوه‪ ،‬وحذروا أتباعهم‬
‫منه‪ ،‬وخصوصا تلك الروايات التي تسيء إلى أئمتهم أنفسهم فضال عن اإلسالم‪.‬‬
‫ْت لَ ُك ْم ِدينَ ُك ْم" [المائدة‪ ،]3 :‬ورسول هللا × بلغ‬ ‫إن دين هللا كمل‪ ،‬قال تعالى‪+ :‬الَْي ْو َم أَ ْك َمل ُ‬
‫ِ‬
‫ك َوإن‬ ‫ِ‬
‫ك من َّربِّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫ول َبل ْغ َما أُنْ ِز َل إل َْي َ‬‫الر ُس ُ‬‫جميع ما أنزل إليه وامتثل أمر ربه في قوله‪+ :‬يَا أ َُّي َها َّ‬
‫ت ِر َسالَتَهُ" [المائدة‪.]67 :‬‬ ‫لَّ ْم َت ْف َع ْل فَ َما َبلَّ ْغ َ‬
‫وقد بلغ النبي × البالغ المبين‪ ،‬وأقام الحجة على العالمين‪ ،‬وأعلن ذلك بين المسلمين‪،‬‬
‫ين يَكْتُ ُمو َن َما أَْن َزلْنَا ِم َن‬ ‫َّ ِ‬
‫ولم يسر ألحد بشيء من الشريعة ويستكتمه إياه‪ ،‬قال تعالى‪+ :‬إِ َّن الذ َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب أُولَئِ َ‬ ‫َّاس فِي ال ِ‬ ‫ات َوال ُْه َدى ِمن َب ْع ِد َما َبَّينَّاهُ لِلن ِ‬ ‫الْبِّينَ ِ‬
‫لعُن ُه ُم اهللُ َو َيل َْعُن ُه ُم الالَّعنُو َن ‪ ‬إِالَّ الذ َ‬
‫ين‬ ‫ك يَ َ‬ ‫ْكتَ ِ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫اب إال لتَُبيِّ َن ل َُه ُم الذي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َصلَ ُحوا َو َبَّينُوا" [البقرة‪ ،]160 ،159 :‬وقال‪َ + :‬و َما أَْن َزلْنَا َعلَْي َ‬
‫ك الْكتَ َ‬ ‫تَابُوا َوأ ْ‬
‫ا ْخَتلَ ُفوا فيه" [النحل‪ ،]64 :‬فالدين قد تم وكمل‪ ،‬ال يزاد فيه وال ينقص منه وال يبدل ‪ ،‬ال من‬
‫(‪)5‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إمام مزعوم‪ ،‬وال من غائب موهوم (‪ ،)6‬وقد ودع المصطفى الدنيا بعد أن بلغ الدين كله‬
‫وبين جميعه كما أمره ربه‪ ،‬قال ×‪« :‬تركتم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا‬
‫يزيغ عنها بعدي إلا هالك»(‪ ،)7‬وقال أبو ذر ‪-‬رضي هللا عنه‪ :-‬لقد تركنا محمد × وما‬
‫‪1‬‬
‫() اإلمام الصادق‪ ،‬أبو زهرة‪ ،‬ص ‪.429‬‬
‫‪2‬‬
‫() الخطوط العريضة‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫‪3‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)246 /7‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)319 /7‬‬
‫‪5‬‬
‫() المحلى (‪.)26 /1‬‬
‫‪6‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)398 /1‬‬
‫‪7‬‬
‫() هذا المعنى صحح األلباني ‪-‬رحمه هللا‪ -‬معظمه‪.‬‬
‫‪59‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫يحرك طائر جناحيه في السماء إال ذكر لنا منه علما (‪.)1‬‬
‫ثامنًا‪ :‬التقية عند الشيعة‬
‫‪ -1‬تعريفها عند الشيعة الرافضة‪ :‬فيقول شيخهم المفيد‪ :‬التقية كتمان الحق‪ ،‬وستر‬
‫االعتقاد فيه‪ ،‬وكتمان المخالفين‪ ،‬وترك مظاهرتهم بما يعقب ضررا في الدين والدنيا (‪،)2‬‬
‫ويقولـ يوسف البحراني ‪-‬أحد كبار علمائهم في القرن الثاني عشر‪ :-‬المراد بها إظهار‬
‫موافقة أهل الخالف فيما يدينون به خوفا (‪ ،)3‬ويقول الخميني‪ :‬التقية معناها أن يقول‬
‫اإلنسان قوال مغايرا للواقع أو يأتي بعمل مناقض لموازين الشريعة وذلك حفظا لدمه‬
‫وعرضه أو ماله (‪ ،)4‬فهذه ثالثة تعريفات للتقية لثالثة من كبار علماء الشيعة الرافضة‬
‫جاؤوا في فترات زمنية مختلفة‪ ،‬وهذا التعريفات تدور حول أربعة أحكام رئيسية للتقية‬
‫عندهم وهي‪:‬‬
‫* أن معنى التقية أن يُظهر اإلنسان لغيره خالف ما يبطن‪.‬‬
‫* أن التقية تستعمل مع المخالفين وال يخفي دخول كافة المسلمين تحت هذا العموم‪.‬‬
‫* أن التقية تكون فيما يدين به المخالفون من أمور الدين‪.‬‬
‫* أن التقية إنما تكون عند الخوف على الدين أو النفس أو المال‪ ،‬وهذه أربعة أحكام‬
‫هي محور عقيدة التقية عندهم (‪.)5‬‬
‫‪ -2‬مكانتها عند الشيعة الرافضة‪ :‬فهي تحتل منزلة عظمية ومكانة رفيعة‪ ،‬دلت‬
‫عليها روايات عديدة جاءت في أمهات الكتب عندهم‪ ،‬فقد روى الكليني وغيره عن جعفر‬
‫الصادق أنه قال‪ :‬التقية من ديني ودين آبائي وال إيمان لمن ال تقية له (‪.)6‬‬
‫وعن أبي عبد هللا أنه قال‪ :‬إن تسعة أعشار الدين في التقية‪ ،‬وال دين لمن ال تقية له‪،‬‬
‫والتقية في كل شيء إال في النبيذ والمسح على الخفين (‪.)7‬‬
‫وفي المحاسن‪ :‬عن حبيب بين بشير عن أبي عبد هللا أنه قال‪ :‬ال وهللا ما على األرض‬
‫شيء أحب إلى من التقية‪ ،‬يا حبيب إنه من كانت له تقية رفعه هللا‪ ،‬يا حبيب من لم يكن له‬
‫تقية وضعه هللا (‪.)8‬‬
‫وفي أمالي الطوسي عن جعفر الصادق أنه قال‪ :‬ليس منا من لم يلزم التقية ويصوننا‬
‫عن سفلة الرعية (‪.)9‬‬
‫وفي األصول األصلية‪ :‬عن علي بن محمد من مسائل داود الصرمي‪ :‬قال‪ :‬قال لي‪ :‬يا‬
‫داود لو قلت لك إن تارك التقية كتارك الصالة لكنت صادقا (‪.)10‬‬
‫وعن الباقر أنه سئل‪ :‬من أكمل الناس؟ قال‪ :‬أعملهم بالتقية وأقضاهم لحقوق إخوانه(‪.)11‬‬

‫‪1‬‬
‫() مسند أحمد (‪.)153 /5‬‬
‫‪2‬‬
‫() تصحيح االعتقاد‪ ،‬ص ‪.115‬‬
‫‪3‬‬
‫() الكشكول (‪.)202 /1‬‬
‫‪4‬‬
‫() كشف األسرار‪ ،‬ص ‪.147‬‬
‫‪5‬‬
‫() بذل المجهود (‪.)638 /2‬‬
‫‪6‬‬
‫() أصول الكافي (‪ ،)219 /2‬المحاسن ص ‪.255‬‬
‫‪7‬‬
‫()أصول الكافي (‪ ،)217 /2‬بذل المجهود (‪.)236 /2‬‬
‫‪8‬‬
‫() المحاسنـ للبرقي‪ ،‬ص ‪.257‬‬
‫‪9‬‬
‫() أمالي الطوسي‪ ،‬ص ‪.287‬‬
‫‪10‬‬
‫() األصول األصلية‪ ،‬عبد هللا شبر‪ ،‬ص ‪.320‬‬
‫‪11‬‬
‫() األصول األصلية‪ ،‬ص ‪.324‬‬
‫‪59‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وعنه أيضا أنه قال‪ :‬أشرف أخالق األئمة الفاضلين من شيعتنا استعمال التقية (‪.)1‬‬
‫فدلت هذه الروايات على مكانة التقية عندهم‪ ،‬ومنزلتها العظيمة في دينهم‪ ،‬فالتقية عند‬
‫الشيعة الرافضة من أهل أصول الدين‪ ،‬فال إيمان لمن ال تقية له‪ ،‬والتارك للتقية كالتارك‬
‫للصالة‪ ،‬بل أن التقية عندهم أفضل من سائر أركان اإلسالم‪ ،‬فالتقية تمثل تسعة أعشار‬
‫دينهم‪ ،‬وسائر أركان اإلسالم وفرائضه تمثل العشر الباقي (‪ ،)2‬وقد ذكر صاحب الكافي‬
‫أخبارا في (باب التقية) (‪ ،)3‬و(باب الكتمان) (‪( ،)4‬باب اإلذاعة) (‪ ،)5‬وذكر المجلسي في‬
‫ً‬
‫بحاره من رواياتهم فيها مائة وتسع رواياتهم في باب عقده بعنوان (باب التقية والمداراة)‬
‫(‪.)6‬‬
‫‪ -3‬سبب الغلو في أمر التقية يعود إلى عدة أمور منها‪:‬‬
‫(‪ )1‬أن الشيعة الرافضة تعد إمامة الخلفاء الثلاثة باطلة‪ :‬وهم من‬
‫بايعهم في عداد الكفار‪ ،‬مع أن عليا ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬بايعهم وصلى خلفهم‪ ،‬وجاهد معهم‬
‫وزوج عمر ابنته أم كلثوم‪ ،‬وتسرى من جهاده مع أبي بكر‪ ،‬ولما ولي الخالفة سار على‬
‫نهجهم ولم يغير شيئا مما فعله أبو بكر وعمر‪ ،‬كما تعترف بذلك كتب الشيعة نفسها‪ ،‬وهذا‬
‫يبطل مذهب الشيعة من أساسه‪ ،‬فحاولوا الخروج من هذا التناقض المحيط بهم بالقول‬
‫بالتقية (‪ ،)7‬واستخدموا مبدأ التقية لتفسير أحداث تاريخهم فذهبوا إلى أن سكوت على عن‬
‫أبي بكر رضي هللا عنهما كان تقية‪ ،‬وتنازل الحسن بن علي عن الخالفة لمعاوية كان‬
‫تقية‪ ،‬واختفاء أئمتهم وسترهم كان تقية منهم‪ ،‬وهكذا يمكن تفسير كل األحداث التي تناقض‬
‫عقيدتهم بالتقية (‪.)8‬‬
‫(ب) أنهم قالوا بعصمة األئمة وأنهم ال يسهون وال يخطئون وال ينسون‪ :‬وهذه الدعوى‬
‫خالف ما هو معلوم من حالهم‪ ،‬حتى إن روايات الشيعة نفسها المنسوبة لألئمة مختلفة‬
‫متناقضة حتى ال يوجد خبر منها إال وبإزائه ما يناقضه‪ ،‬كما اعترف بذلك شيخهم‬
‫الطوسي (‪ ،)9‬وهذا ينقض مبدأ العصمة من أصله فقالوا بالتقية لتبرير هذا التناقض‬
‫واالختالف والتستر على كذبهم على األئمة‪ ،‬روى صاحب الكافي عن منصور بن حازم‬
‫قال‪ :‬قلت ألبي عبد هللا ‪-‬عليه السالم‪ :-‬ما بالي أسألك عن المسألة فتجيبني فيها بالجواب‪،‬‬
‫ثم يجيئك غيري فتجيبه فيه بجواب آخر؟ فقال‪ :‬إنا نجيب الناس على الزيادة والنقصان‬
‫(‪ ،)10‬قال شارح الكافي‪ :‬أي زيادة حكم عند التقية‪ ،‬ونقصانه عند عدمها‪ ،‬ولم يكن ذلك‬
‫مستندا إلى النسيان والجهل‪ ،‬بل لعلمهم بأن اختالف كلمتهم أصلح لهم‪ ،‬وأنفع لبقائهم إذ لو‬
‫اتفقوا لعرفوا بالتشيع‪ ،‬وصار ذلك سببا لقتلهم وقتل األئمة عليهم السالم (‪.)11‬‬
‫(ج) تسهيل مهمة الكذابين على األئمة‪ :‬ومحاولة التعتيم على حقيقة مذهب أهل البيت‬
‫بحيث يوهمون األتباع أن ما ينقله (واضعوا مبدأ التقية) عن األئمة هو مذهبهم‪ ،‬وإنما‬
‫‪1‬‬
‫() المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.323‬‬
‫‪2‬‬
‫() بذل المجهود (‪.)637 /2‬‬
‫‪3‬‬
‫() أصول الكافي (‪.)217 /2‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)221 /2‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)369 /2‬‬
‫‪6‬‬
‫() بحار األنوار (‪.)443 - 393 /75‬‬
‫‪7‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)984 /2‬‬
‫‪8‬‬
‫() دراسات عن الفرق في تاريخ المسلمين‪ ،‬ص‪.217‬‬
‫‪9‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)985 /2‬‬
‫‪10‬‬
‫() أصول الكافي (‪.)65 /1‬‬
‫‪11‬‬
‫() شرح جامع للماندراني (‪.)65 /1‬‬
‫‪59‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫اشتهر وذاع عنهم‪ ،‬وما يقولونه‪ ،‬ويفعلونه أمام المسلمين ال يمثل مذهبهم وإنما يفعلونه‬
‫تقية فيسهل عليهم بهذه الحيلة أقوال األئمة‪ ،‬والدس عليهم‪ ،‬وتكذيب ما يروى عنهم من‬
‫حق‪ ،‬فتجدهم مثال يردون كالم اإلمام محمد الباقر أو جعفر الصادق الذي قاله أمام مأل من‬
‫الناس‪ ،‬أو نقله العدول من المسلمين بحجة أنه حضره بعض أهل السنة‪ ،‬فاتقى في كالمه‪،‬‬
‫ويقبلون ما ينفرد بنقله الكذبة أمثال جابر الجعفي بحجة أنه ال يوجد أحد يتقيه في كالمه‪،‬‬
‫وبحسبك أن تعرف أن اإلمام زيد بن علي وهو من أهل البيت يروي عن علي ‪-‬رضي هللا‬
‫عنه‪ -‬كما تنقله كتب االثنى عشرية نفسها ‪ -‬أنه غسل رجليه في الوضوء‪ ،‬ولكن من‬
‫يلقبونه بـ (شيخ الطائفة) ال يأخذ بهذا الحديث وال يجد حجة يحتج بها سوى التقية‪ ،‬فهو‬
‫يرد الحديث في االستبصار عن زيد بن علي عن جده علي بن أبي طالب قال‪ :‬جلست‬
‫أتوضأ فأقبل رسول هللا × حين ابتدأت الوضوء ‪-‬إلى أن قال‪ -‬وغسلت قدمي‪ ،‬فقال لي‪( :‬يا‬
‫علي خلل بين األصابع‪ ،‬ال تخلل بالنار)(‪ ،)1‬فأنت ترى أن عليا كان يغسل رجليه في‬
‫وضوئه‪ ،‬وأن رسول هللا × أكد عليه بأن يخلل أصابعه والشيعة تخالف في سنة رسول هللا‬
‫× وهدي علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬في ذلك‪ ،‬وال تلتفت لمثل هذه الروايات‪ ،‬وإن جاء في‬
‫كتبها بروايات أئمة أهل البيت‪ ،‬وال يكلف شيوخ الشيعة أنفسهم بالتفكير في أمر هذه‬
‫الروايات ودراستها‪ ،‬فلديهم هذه الحجة الجاهزة (‪« )2‬التقية»‪.‬‬
‫ولهذا قال الطوسي‪ :‬هذا خبر موافق للعامة ‪-‬يعني أهل السنة‪ -‬وقد ورد مورد التقية‬
‫ألن المعلوم الذي ال يتخالج منه الشك من مذاهب أئمتنا ‪-‬عليهم السالم‪ -‬القول بالمسح على‬
‫الرجلين‪ ،‬ثم قال‪ :‬إن رواة هذا الخبر كلهم عامة‪ ،‬ورجال الزيدية‪ ،‬وما يختصون به (‪ )3‬ال‬
‫يعمل به‪ ،‬وفي النكاح‪ :‬جاءت عندهم روايات في تحريم المتعة‪ ،‬ففي كتبهم عن زيد بن‬
‫علي عن آبائه عن علي ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬قال‪ :‬حرم رسول هللا × يوم خيبر لحوم الحمر‬
‫األهلية ونكاح المتعة (‪ )4‬وقال شيخهم الحر العاملي أقول‪ :‬حمله الشيخ (‪ ،)5‬وغيره على‬
‫التقية يعني في الرواية‪ ،‬ألن إباحة المتعة من ضروريات مذهب اإلمامية (‪ ،)6‬وفي قسمة‬
‫المواريث‪ :‬أن المرأة ال ترث من العقار والدور واألرضين شيئا (‪ ،)7‬ولما يأتي عندهم‬
‫نص عن األئمة يخالف ذلك وهو حديث أبي يعقوب عن أبي عبد هللا قال‪ :‬سألته عن‬
‫الرجل هل يرث من دار امرأته أو أرضها من التربة شيئا؟‪ ،‬أو يكون في ذلك منزلة‬
‫المرأة فال يرث من ذلك شيئا؟‪ ،‬فقال‪ :‬يرثها وترثه من كل شيء ترك وتركت (‪ ،)8‬قال‬
‫الطوسي‪ :‬نحمله على التقية‪ ،‬ألن جميع من خالفنا يخالف في هذه المسألة‪ ،‬وليس يوافقنا‬
‫عليها أحد من العامة‪ ،‬وما يجري هذا المجرى يجوز التقية فيه (‪.)9‬‬
‫(د) وضع مبدأ التقية لعزل الشيعة عن المسلمين‪ :‬لذلك جاءت أخبارهم فيها‬
‫علي هذا المنط‪ ،‬يقول إمامهم «أبو عبد هللا»‪ :‬ما سمعت مني يشبه قول الناس فيه التقية‪،‬‬
‫وما سمعت مني ال يشبه قول الناس فال تقية فيه (‪ ،)10‬وقد كان من آثار عقيدة التقية ضياع‬
‫مذهب األئمة عند الشيعة‪ ،‬حتى إن شيوخهم ال يعلمون في الكثير من أقوالهم أيها تقية‬

‫‪1‬‬
‫() االستبصار (‪.)66 ،65 /1‬‬
‫‪2‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)987 /2‬‬
‫‪3‬‬
‫() االستبصار (‪.)66 ،65 /1‬‬
‫‪4‬‬
‫() تهذيب األحكام للطوسي (‪.)184 /1‬‬
‫‪5‬‬
‫() إذا أطلق الشيخ في كتب الشيعة‪ ،‬فالمراد به شيخهم الطوسي‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() وسائل الشيعة (‪.)441 /7‬‬
‫‪7‬‬
‫() االستبصار للطوسي (‪.)155-151 /4‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)154 /4‬‬
‫‪9‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)155 /4‬‬
‫‪10‬‬
‫() بحار األنوار (‪.)252 /2‬‬
‫‪59‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وأيها حقيقة (‪ ،)1‬ووضعوا لهم ميزانا‪ ،‬أخرج المذهب إلى دائرة الغلو‪ ،‬وهو أن من خالف‬
‫العامة فيه الرشاد (‪.)2‬‬
‫وقد اعترف صاحب الحدائق بأنه لم يعلم من أحكام دينهم إال القليل بسبب التقية‪ ،‬حيث‬
‫قال‪ :‬فلم يعلم من أحكام الدين على اليقين إلى القليل المتزاج أخباره بأخبار التقية‪ ،‬كما قد‬
‫اعترف بذلك ثقة اإلسالم محمد بن يعقوبـ الكليني في جامعه الكافي‪ ،‬حتى إنه تخطى‬
‫العمل بالترجيحات المروية عند تعارض األخبار والتجأ إلى مجرد الرد والتسليم لألئمة‬
‫األبرار (‪.)3‬‬
‫وأما تطبيق التقية عندهم فهو خبر كاشف بأن تقيتهم غير مرتبطة بحالة الضرورة‪ ،‬وقد‬
‫اعترف يوسف البحراني بأن األئمة يخالفون بين األحكام وإن لم يحضرهم أحد من أولئك‬
‫األنام‪ ،‬فتراهم يجيبون في المسألة الواحدة بأجوبة متعددة‪ ،‬وإن لم يكن بها قائل من‬
‫المخالفين(‪.)4‬‬
‫‪-4‬مفهوم التقية عند أهل السنة‪ :‬إن مفهوم التقية في اإلسالم غالبا‪ ،‬إنما هي مع الكفار‪،‬‬
‫قال تعالى‪+ :‬إِالَّ أَن َتَّت ُقوا ِم ْن ُه ْم ُت َقاةً" [آل عمران‪:‬ـ ‪ ،]28‬قال ابن جرير الطبري‪ :‬التقية التي‬
‫ذكرها هللا في هذه اآلية إنما هي تقية من الكفار ال غيرهم (‪ ،)5‬ولهذا يرى بعض السلف أنه‬
‫ال تقية بعد أن أعز هللا اإلسالم‪ ،‬قال معاذ بن جبل ومجاهد‪ :‬كانت التقية في جدة اإلسالم‬
‫قبل قوة المسلمين‪ ،‬أما اليوم فقد أعز هللا المسلمين أن يتقوا منهم تقاة (‪.)6‬‬
‫ولكن تقية الشيعة هي مع المسلمين وال سيما أهل السنة حتى إنهم يرون عصر القرون‬
‫المفضلة عهد تقية‪ ،‬كما قرره شيخهم المفيد‪ ،‬وكما تلحظ ذلك من نصوصهم التي ينسبونها‬
‫لألئمة‪ ،‬ألنهم يرون أهل السنة أشد كفرا من اليهود والنصارى‪ ،‬ألن منكر إمامة االثنى‬
‫عشر أشد من منكر النبوة (‪.)7‬‬
‫والتقية رخصة في حالة االضطرار‪ :‬ولذلك استثناها ‪-‬سبحانه‪ -‬من مبدأ النهي عن مواالة‬
‫س‬ ‫ين َو َمن َي ْف َع ْل َذلِ َ‬‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َّخ ِذ الْم ْؤ ِمنو َن الْ َكافِ ِرين أَولِي ِ‬
‫الكفار فقال سبحانه‪+ :‬الَ َيت ِ ُ ُ‬
‫ك َفلَْي َ‬ ‫اء من ُدون ال ُْم ْؤمن َ‬
‫َ ََْ‬
‫ص ُير" [آل عمران‪،]28 :‬‬ ‫اهلل ِفي َشي ٍء إِالَّ أَن َتَّت ُقوا ِم ْن ُهم ُت َقاةً ويح ِّذر ُكم اهلل َن ْفسهُ وإِلَى ِ‬
‫اهلل الْم ِ‬ ‫ِمن ِ‬
‫َ‬ ‫َُ َ ُ ُ ُ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫ذ‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫ََ َ َ ْ َ‬ ‫ف‬
‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫‪+‬‬ ‫فقال‪:‬‬ ‫الوعيد‬ ‫أبلغ‬ ‫ذلك‬ ‫على‬ ‫وتوعد‬ ‫الكفار‪،‬‬ ‫مواالة‬ ‫عن‬ ‫‪-‬سبحانه‪-‬‬ ‫هللا‬ ‫فنهى‬
‫اهلل ِفي َش ْي ٍء" [آل عمران‪ ،]28 :‬أي‪ :‬من يرتكب نهي هللا فقد برئ من هللا‪ ،‬ثم قال‬ ‫َفلَْيس ِمن ِ‬
‫َ َ‬
‫سبحانه‪+ :‬إِالَّ أَن َتَّت ُقوا ِم ْن ُه ْم ُت َقاةً" أي‪ :‬من خاف في بعض البلدان واألوقاتـ من شرهم‪ ،‬فله‬
‫أن يتقيهم بظاهره ال بباطنه ونيته (‪.)8‬‬
‫وأجمع أهل العلم على أن التقية رخصة في حال الضرورة‪ ،‬قال ابن المنذر‪ :‬أجمعوا‬
‫على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل فكفر وقلبه مطمئن باإليمان أن ال‬
‫يحكم عليه بالكفر (‪ ،)9‬ولكن من اختار العزيمة في هذا المقام فهو أفضل‪ ،‬قال ابن بطال‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)989 /2‬‬
‫‪2‬‬
‫()أصول الشيعة اإلمامية (‪.)989 /2‬‬
‫‪3‬‬
‫() الحدائق الناضرة‪ ،‬يوسف البحراني (‪.)5 /1‬‬
‫‪4‬‬
‫()الحدائق الناضرة‪ ،‬يوسف البحراني (‪.)5 /1‬‬
‫‪5‬‬
‫() تفسير الطبري (‪.)316 /6‬‬
‫‪6‬‬
‫() تفسير الطبري (‪ ،)75 /4‬فتح القدير (‪.)331 /1‬‬
‫‪7‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)978 /2‬‬
‫‪8‬‬
‫() تفسير ابن كثير (‪.)371 /1‬‬
‫‪9‬‬
‫() فتح الباري (‪.)314 /12‬‬
‫‪59‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وأجمعوا على أن من أكره على الكفر واختار القتل أنه أعظم أجرًا عند هللا (‪ ،)1‬ولكن‬
‫(‪)2‬‬
‫التقية عند الشيعة خالف ذلك فهي عندهم ليست رخصة بل هي ركن من أركان دينهم ‪.‬‬
‫والتقية في دين اإلسالم دين الجهاد والدعوة ال تمثل نهجا عاما في سلوك المسلم وال‬
‫سمة من سمات المجتمع المسلم‪ ،‬بل هي ‪-‬غالبا‪ -‬حالة فردية مؤقتة‪ ،‬مقرونة باالضطرار‪،‬‬
‫ومرتبطة بالعجز عن الهجرة‪ ،‬وتزول بزوال حالة اإلكراه أما في المذهب الشيعي تعد‬
‫طبيعة ذاتية في بنية المذهب‪ ،‬وحالة مستمرة وسلوك اجتماعي دائم (‪ ،)3‬وقد قرر أهل‬
‫العلم من خالل معرفتهم بواقع الشيعة أن تقيتهم إنما هي الكذب والنفاق ليس إال‪ ،‬وقد فرق‬
‫ابن تيمية ‪-‬رحمه هللا‪ -‬بين تقية النفاق والتقية في اإلسالم فقال‪ ....:‬ليست بأن أكذب وأقول‬
‫بلساني ما ليس في قلبي‪ ،‬فإن هذا نفاق ولكن أفعل ما أقدر عليه‪ ...‬فالمؤمن إذا كان بين‬
‫الكفار والفجار‪ ،‬لم يكن عليه أن يجاهدهم بيديه مع عجزه‪ ،‬ولكن إن أمكنه بلسانه‪ ،‬وإال‬
‫فبقلبه مع أنه ال يكذب ويقولـ بلسانه ما ليس في قلبه‪ ،‬إما أن يظهر دينه وإما أن يكتمه‬
‫ومع هذا ال يوافقهم على جميع دينهم كله‪ ,‬بل غايته أن يكون كمؤمن آل فرعون‪ ,‬حيث لم‬
‫يكن موافقًا لهم على جميع دينهم وال كان يكذب‪ ،‬وال يقول بلسانه شيئا‪ ،‬وإظهاره الدين‬
‫الباطل شيء آخر‪ ،‬فهذا لم يبحه هللا قط إال من أكره بحيث أتيح لهم النطق بكلمة الكفر‬
‫فيعذره هللا بذلك‪ ،‬والمنافق والكاذب ال يعذر بحال‪ ،‬ثم إن المؤمن الذي يعيش بين الكفر‬
‫مضطرا ويكتم إيمانه يعاملهم ‪-‬بمقتضىـ اإليمان الذي يحمله‪ -‬بصدق أمانة ونصح وإرادة‬
‫الخير بهم وإن لم يكن موفقا لهم على دينهم‪ ،‬كما كان يوسف الصديق في أهل مصر‬
‫وكانوا كفارا‪ ،‬وبخالف الرافض الذي ال يترك شرا يقدر عليه إال فعله بمن يخالفه (‪.)4‬‬
‫ولقد لخص الشيخ سلمان العودة الفروق بين التقية عن أهل السنة والرافضة فقال‪ :‬إن‬
‫التقية عند أهل السنة استثناء مؤقت مخالف لألصل‪ ،‬أما عند الشيعة فواجب مفروض حتى‬
‫يقوم القائم من آل البيت‪ ،‬وينتهى العمل بها عند أهل السنة بمجرد زوال السبب الداعي‬
‫إليها‪ ،‬أما عند الشيعة فواجب جماعي مستمر ال ينتهي العمل به حتى يخرج مهديهم الذي‬
‫ال يخرج أبدًا‪ ،‬وتقية أهل السنة هي مع الكفار في الغالب‪ ،‬وقد تكون مع الفساق الظلمة‪،‬‬
‫أما تقية الشيعة فهي أصال مع المسلمين المخالفين لهم من أهل السنة‪ ،‬إن التقية عند أهل‬
‫السنة حالة ممقوتة يلجأ إليها المسلم دون رضا واطمئنان إليها‪ ،‬أما عند الشيعة فقد‬
‫أصبحت خلة ممدوحة مرضية‪ ،‬جاء في مدحها النصوص عن أئمتهم الكثير (‪.)5‬‬
‫تاسعا‪ :‬المهدي المنتظرـ بين الشيعة والسنة‬
‫‪-1‬عقيدة المهدي المنتظر عند الشيعة‪ :‬من أبرز عقائد الشيعة الرافضة التي تكاد تمتليء بها‬
‫كتبهم عقيدة المهدي المنتظر‪ ،‬ويقصد الرافضة اإلمامية بالمهدي المنتظر‪ :‬محمد بن الحسن‬
‫( ‪)6‬‬
‫العسكري‪ ،‬وهو اإلمام الثاني عشر عندهم‪ ،‬ويطلقون عليه الحجة‪ ،‬كما يطلقون عليه القائم ‪،‬‬
‫ويزعمون أنه ولد سنة ‪255‬هـ واختفى في سرداب (سر من رأى) سنة ‪265‬هـ‪ ،‬وهم ينتظرون‬
‫خروجه في آخر الزمان‪ ،‬لينتقم لهم من أعدائهم وينتصر لهم (‪ ،)7‬وال زال الشيعة الرافضة‬

‫‪1‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)317 /12‬‬
‫‪2‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)979 /2‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)981 /2‬‬
‫‪4‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)995 /2‬‬
‫‪5‬‬
‫() العزلة والخلطة‪ ،‬سلمان بن فهد العودة‪ ،‬ص‪.149‬‬
‫‪6‬‬
‫() اإلرشاد للمفيد‪ ،‬ص ‪ ،363‬كشف الغمة‪ ،‬األربلي (‪ ،)437 /2‬بذل المجهود (‪.)237 /1‬‬
‫‪7‬‬
‫() بذل المجهود (‪ ،)237 /1‬معجم البلدان (‪.)173 /3‬‬
‫‪59‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫يزورونه بسرداب (سر من رأى)(‪ )1‬ويدعونه للخروج (‪ ،)2‬وهذا المهدي الذي يدعيه الرافضة‬
‫معدوم ال وجود له‪ :‬فالحسن العسكري الذي ينسبون إليه المهدي مات ولم يعقب أحدًا‪ ،‬فقسم ميراثه‬
‫بين أمه وأخيه جعفر‪ ،‬وقد صاحب عقيدة المهدي المنتظر عند الشيعة الرافضة‪ ،‬خرافات وأساطير‬
‫كبيرة ال يصدقها عاقل‪ ،‬ويعتقدون أن المهدي من ولد الحسين (‪ ،)3‬ويروون العجائب في والدته‬
‫(‪ ،)4‬ويقولون عندما يخرج يجتمع إليه الشيعة الرافضة من كل مكان (‪ ،)5‬ويخرج الصحابة من‬
‫قبورهم ويعذبهم (‪ ،)6‬ويقتل العرب‪ ،‬وقريش (‪ ،)7‬ويهدم الكعبة والمسجد النبوي وكل المساجد ‪،‬‬
‫( ‪)8‬‬

‫ويدعو إلى دين جديد وكتاب جديد وقضاء جديد (‪ ،)9‬ويستفتح المدن بتابوتـ اليهود (‪ ،)10‬وتنبع له‬
‫عينانـ من ماء ولبن‪ ،‬ويصير الرجل من الشيعة الرافضة بقوة أربعين رجال‪ ،‬ويمد لهم في‬
‫أسماعهم وأبصارهم ويحكم بحكم آل داود (‪.)11‬‬
‫وعقيدة الشيعة الرافضة في مهديهم المنتظر باطلة‪ ،‬وقد دل على بطالنها عدة‬
‫أوجه‪:‬‬
‫(أ) ثبوت عدم والدة هذا المهدي‪ :‬فقد اقتضت حكمة العلي القدير أن يموتـ الحسن العسكري‬
‫اإلمامـ الحادي عشر عند الرافضة ولي له ولد‪ ،‬فكانت فضيحة كبيرة وخذالنا عظيماـ للشيعة‬
‫الرافضة إذ كيف يموت اإلمامـ وال يوجد له من األوالد من يخلفه في اإلمامة‪،‬ـ فعقيدة الشيعة‬
‫الرافضة تنص على أن الذي يخلف اإلمامـ بعد موته ولده‪ ،‬وال يجوز أن تكون اإلمامةـ في‬
‫اإلخوة بعد الحسن والحسين (‪ ،)12‬وعدم والدة المهدي ثابتة في كتب الشيعة أنفسهم (‪.)13‬‬
‫(ب) ال معنى الختفاء المهدي‪ :‬لو سلمنا جدال بوالدة هذا المهدي‪ ،‬فإنه ال معنى الختفاءه‬
‫هذه الفترة الطويلة في السرداب‪ ،‬وإذا سئل الشيعة الرافضة عن الحكمة من اختفائه في‬
‫السرداب وعدم خروجه للناس‪ ،‬فإنهم يعللون ذلك بأنه خشي على نفسه القتل (‪ ،)14‬وهذه‬
‫علة واهية قد دل على بطالنها عدة أدلة منها‪ :‬أنه قد جاء في كتبكم أنه سيكون منصورا‬
‫ومؤيدا من هللا تعالى‪ ،‬وأنه يملك مشارق األرض ومغاربها فيمأل األرض عدال كما ملئت‬
‫جورا‪ ،‬ويعيش حتى زمن نزول عيسى بن مريم ‪-‬عليه السالم‪ ،)15( -‬كما أن قولهم هذا‬
‫يترتب عليه أن المهدي لن يخرج حتى تذهب دول الجور والظلم والفساد ليأمن على نفسه‬
‫من القتل‪ ،‬وعندئذ ال حاجة في خروجه‪ ،‬وهذه الدول تستطيع أن تحمي المهدي لو خرج‬
‫فلماذا لم يخرج؟‪ ،‬إن من ال يستطيع أن يحمي نفسه من القتل‪ ،‬فمن باب أولى عجزه عن‬
‫حماية غيره‪ ،‬فإن فاقد الشيء ال يعطيه‪ ،‬فكيف تنتظرون من هذه صفته أن ينتقم لكم من‬
‫أعدائكم وينصركم نصرا مؤزرا‪ ،‬وبهذا تكون قد بطلت دعواهم‪ ،‬بأن العلة من عدم‬
‫‪1‬‬
‫() المفيد‪ ،‬ص ‪ ،346‬كشف الغمة‪ ،‬ص (‪ )446 /2‬بذل المجهود (‪.)237 /1‬‬
‫‪2‬‬
‫() مصابيح الجنات‪ ،‬محسن العصفور‪ ,‬ص ‪.255‬‬
‫‪3‬‬
‫() الغيبة‪ ،‬ص ‪ ،115‬بذل المجهود (‪.)238 /1‬‬
‫‪4‬‬
‫() بذل المجهود (‪.)239 /1‬‬
‫‪5‬‬
‫() بحار األنوار (‪.)291 /52‬‬
‫‪6‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)386 /2‬‬
‫‪7‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)355 /52‬‬
‫‪8‬‬
‫() الرجعة لإلحسائي‪ ،‬ص‪.184‬‬
‫‪9‬‬
‫() الغيبة‪ ،‬ص ‪.154‬‬
‫‪10‬‬
‫() بذل المجهود (‪.)247 /1‬‬
‫‪11‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)249 /1‬‬
‫‪12‬‬
‫() كمال الدين وتمام النعمة للصدوق‪ ،‬ص‪.414‬‬
‫‪13‬‬
‫() أصول الكافي (‪ ،)505 /1‬بذل المجهود (‪.)267 /1‬‬
‫‪14‬‬
‫() الغيبة‪ ،‬ص‪.119‬‬
‫‪15‬‬
‫() الغيبة‪ ،‬ص‪ ،199‬بذل المجهود (‪.)271 /1‬‬
‫‪59‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫خروج المهدي هي‪ :‬الخوف من القتل‪ ،‬وبناء على هذا تبطل دعوى وجود المهدي أصال‪،‬‬
‫إذ ال سب يمنعه من االستتار غير خوفه من القتل‪ ،‬كما صرح بذلك شيخ الطائفة الطوسي‬
‫(‪ ،)1‬فتكون دعوى وجود المهدي باطلة بشهادة علمائهم‪ ،‬وهذا من توفيق هللا وعظيم فضله‪.‬‬
‫(ج) أنه لم تحصل منفعة بهذا المهدي‪ :‬ومما يدل على بطالن عقيدة الشيعة الرافضة في‬
‫المهدي المنتظر‪ :‬أن هذا المهدي الذي تدعيه الرافضة لم تحصل به مصلحة في شيء من‬
‫أمور الدين أو الدنيا ولم ينتفع منه المسلمون بشيء ال الرافضة وال غيرهم‪ ،‬قال ابن تيمية‬
‫رحمه هللا‪ :‬إن هذا المعصوم الذي يدعون أنه في وقت ما قد ولد عندهم ألكثر من أربعمائة‬
‫وخمسين سنة (‪ ،)2‬فإنه دخل السرداب عندهم سنة ستين ومائتين‪ ،‬وله خمس سنين عند‬
‫بعضهم وأقل من ذلك عند آخرين‪ ،‬ولم يظهر عنه شيء مما يفعله اإلمام المعصوم‪ ،‬فأي‬
‫منفعة للوجود في مثل هذا لو كان موجودا فكيف إذا كان معدوما‪ ،‬والذين آمنوا بهذا‬
‫المعصوم أي لطف وأي منفعة حصلت لهم به نفسه في دينهم أو دنياهم‪ ...‬إلى أن قال‪:‬‬
‫وهذا الذي تدعيه الرافضة إما مفقود عندهم‪ ،‬وإما معدوم عند العقالء‪ ،‬وعلى التقدير فال‬
‫منفعة ألحد به في دين وال دنيا(‪ ،)3‬والشيعة االثنا عشرية في هذا العصر نقضوا هذه‬
‫العقيدة عمليا من خالل اعتقادهم بنظرية والية الفقيه‪ ،‬وهي تجويز الحكم والوالية للمسلم‬
‫العادي غير المعصوم‪ ،‬أو الذي ليس عليه نص من هللا ورسوله بشرط العلم والعدل‪.‬‬
‫‪-2‬عقيدة أهل السنة والجماعة في المهدي‪ :‬بينت األحاديث الصحيحة أن هللا تعالى يخرج‬
‫في آخر الزمان رجال من أهل البيت يؤيد هللا به الدين‪ ،‬يملك سبع سنين يمأل األرض عدال‬
‫وسالما‪ ،‬كما ملئت جورا وظلما‪ ،‬تنعم األمة في عهده نعمة لم تنعمها قط‪ ،‬وتخرج األرض‬
‫نباتها‪ ،‬وتمطر السماء قطرها‪ ،‬ويعطى المال بغير عدد‪ ،‬ومن هذه األحاديث‪:‬‬
‫(أ) عن أبي سعيد الخدري ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول هللا ×‪« :‬يخرج في آخر‬
‫أمتي المهدي يسقيه الله الغيث‪ ،‬وتخرج الأرض نباتها‪ ،‬ويعطي المال‬
‫صحاحا(‪ )4‬وتكثر الماشية‪ ،‬وتعظم الأمة ويعيش سبعا أو ثماني» (‪ ،)5‬يعني حججا‬
‫(‪.)6‬‬
‫(ب) وعن أبي سعيد الخدري ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول هللا × «لا تقوم‬
‫الساعة حتى تمتليء الأرض ظلما وعدوانا» قال‪« :‬ثم يخرج رجل من عترتي ‪-‬أو‬
‫من أهل بيتي‪ -‬يملؤها قسطا‪ ،‬وعدلا‪ ،‬كما ملئت ظلما وعدواناً»(‪.)7‬‬
‫(ج) وعن ثوبان قال ‪-‬رضي هللا عنه‪ :-‬قال رسول هللا ×‪« :‬يقتل عند كنزكم ثلاثة‬
‫كلهم ابن خليفة‪ ،‬وتطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلا لم‬
‫يقتله قوم»‪ -‬ثم ذكر شيئا ال أحفظه فقال‪«- :‬فإذا رأيتموه‪ ،‬فبايعوه‪ ،‬ولو حبوا‬
‫على الثلج‪ ،‬فإنه خليفة الله المهدي»(‪ ،)8‬قال ابن كثير رحمه هللا‪ :‬والمراد بالكنز‬
‫المذكور في هذا السياق كنز الكعبة‪ ،‬يقتل عنده ليأخذه ثالثة من أوالد الخلفاء حتى يكون‬
‫آخر الزمان فيخرج المهدي‪ ،‬يكون ظهوره من بالد المشرق‪ ،‬ال من سرداب سامراء كما‬
‫‪1‬‬
‫() بذل المجهود (‪.)271 /1‬‬
‫‪2‬‬
‫() هذا بالنسبة لعصر ابن تيمية‪ ،‬أما اآلن فقد مضى عليه ما يزيد عن ألف ومئة وخمسين عاما‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)262-261 /8‬‬
‫‪4‬‬
‫() بمعنى الصحيح‪ ،‬النهاية البن األثير (‪.)12 /3‬‬
‫‪5‬‬
‫() المستدرك (‪ ،)558-557 /4‬قاال األلباني‪ :‬سنده صحيح رجاله ثقات‪ ،‬سلسلة األحاديث الصحيحة رقم (‬
‫‪.)711‬‬
‫‪6‬‬
‫() المهدي وفقه أشراطه الساعة‪ ،‬محمد إسماعيل‪ ،‬ص‪.33‬‬
‫‪7‬‬
‫() السلسلة الصحيحة (‪ ،)1259‬وحكم األلباني بتواتره‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() سنن ابن ماجة (‪ ،)1367 /2‬مستدرك الحاكم (‪ ،)464 /4‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح على شرط الشيخين‬
‫ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫‪60‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫يزعم جهلة الرافضة من أنه موجود فيه إلى اآلن‪ ،‬وهم ينتظرون خروجه في آخر‬
‫الزمان‪ ،‬فإن هذا نوع من الهذيان‪ ،‬وقسط كبير من الخذالن شديد من الشيطان‪ ،‬إذ ال دليل‬
‫على ذلك وال برهان‪ ،‬ال من كتاب وال من سنة‪ ،‬وال معقول صحيح وال استحسان‪ ...‬إلى‬
‫أن قال‪ :‬ويؤيد بناس من أهل المشرق ينصرونه‪ ،‬ويقيمون سلطانه‪ ،‬ويشدون أركانه‪،‬‬
‫وتكون راياتهم سودًا أيضًا وهو زي عليه الوقار‪ ،‬ألن راية رسول هللا × كانت سوادء‬
‫يقال لها العقاب‪ ...‬إلى أن قال‪ :‬والمقصود أن المهدي الممدوح الموعود بوجوده في آخر‬
‫الزمان يكون أصله وظهوره‪ ،‬وخروجه من ناحية المشرق ويبايع له عند البيت كما دلت‬
‫(‪)1‬‬
‫على ذلك بعض األحاديث‬
‫(د) وعن أبي هريرة ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬قال‪ :‬سمعت رسول هللا × قال‪« :‬كيف أنتم‬
‫إذا نزل ابن مريم‪ ،‬وإمامكم منكم» (‪.)2‬‬
‫(هـ) وعن جابر بن عبد هللا ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬قال‪ :‬سمعت رسول هللا × قال‪« :‬لا‬
‫تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة» إلى أن‬
‫قال‪« :‬فينزل عيسى بن مريم ‪-‬عليه السلام‪ -‬فيقول أميرهم‪ :‬صل بنا فيقول‪ :‬لا‬
‫إن بعضكم على بعض أمراء‪ ،‬تكرمة الله هذه الأمة»(‪.)3‬‬
‫واألحاديث التي وردت في الصحيحين تدل على أمرين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أنه عند نزول عيسى ابن مريم ‪-‬عليه السالم‪ -‬من السماء يكون المتولي إلمرة‬
‫المسلمين رجالً منهم‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن حضور أميرهم للصالة‪ ،‬وصالته بالمسلمين‪ ،‬وطلبه من عيسى ‪-‬عليه‬
‫السالم‪ -‬عند نزوله أن يتقدم ليصلي بهم يدل على صالح هذا األمير وهداه‪ ،‬وجاءت‬
‫األحاديث في السنن والمسانيد وغيرها مفسرة لهذه األحاديث التي في الصحيحين‪ ،‬ودالة‬
‫على أن ذلك الرجل الصالح يسمى‪ :‬محمد بن عبد هللا‪ ،‬ويقال له المهدي‪ ،‬والسنة يفسر‬
‫بعضها بعضا‪.‬‬
‫(و) فعن أبي سعيد الخدري ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول هللا × قال‪« :‬منا الذي‬
‫عيسى بن مريم يصلي خلفه»(‪.)4‬‬
‫(ز) وعن أبي سعيد الخدري ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول هللا ×‪« :‬المهدي مني‬
‫أجلى الجبهة‪ ،‬أقنى الأنف‪ ،‬يملأ الأرض قسطا وعدلا‪ ،‬كما ملئت ظلما‬
‫وجورا‪ ،‬ويملك سبع سنين»(‪ ،)5‬وال توجد أية صلة أو عالقة بين مهدي السنة ومهدي‬
‫الشيعة الرافضة‪ ،‬وهناك بعض الفروق بينهما منها‪:‬‬
‫* أن المهدي عند أهل السنة اسمه (محمد بن عبد هللا) فاسمه يوافق اسم النبي × واسم‬
‫أبيه يوافق اسم أبيه‪ ،‬أما مهدي الشيعة الرافضة‪ ،‬فاسمه محمد بن الحسن العسكري‪.‬‬
‫* أن المهدي عند أهل السنة من ولد الحسن ‪-‬رضي هللا عنه‪ ،-‬ومهدي الشيعة‬
‫الرافضة من ولد الحسين‪.‬‬
‫* أن المهدي عند أهل السنة تكون والدته ومدة حياته طبيعية‪ ،‬ولم يوجد في األحاديث‬
‫ما يدل على أنه يمتاز عن غيره من الناس بشيء من ذلك‪ ،‬أما مهدي الشيعة الرافضة فإن‬
‫‪1‬‬
‫() النهاية‪ ،‬الفتن والمالحم (‪.)31 /1‬‬
‫‪2‬‬
‫() البخارى‪ ،‬كتاب أحاديث األنبياء (‪.)491 /6‬‬
‫‪3‬‬
‫() مسلم‪ ،‬كتاب اإليمان (‪ )193 /2‬مع شرح النووي‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() رواه أبو نعيم في أخبار المهدي‪ ،‬صححه األلباني صحيح الجامع (‪.)7170 /5‬‬
‫‪5‬‬
‫() سنن أبي داود‪ ،‬كتاب المهدي رقم (‪.)4265‬‬
‫‪60‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫حملة ووالدته كانت في ليلة واحدة ودخل السرداب وعمره تسع سنوات ومضى عليه اآلن‬
‫ما يزيد على ألف ومئة وخمسين سنة وهو في السرداب‪.‬‬
‫* أن المهدي عند أهل السنة يخرج لنصرة اإلسالم والمسلمين‪ ،‬وال يفرق بين جنس‬
‫وجنس‪ ،‬وأما مهدي الشيعة الرافضة فيخرج لنصرة الشيعة الرافضة خاصة واالنتقام من‬
‫أعدائهم‪ ،‬ويكره العرب وقريشا فال يعطيهم إال السيف وال يكون من أتباعه عربي‪ ،‬كما‬
‫دلت على ذلك رواياتهم‪.‬‬
‫* أن مهدي السنة يحب صحابة النبي ×‪ ،‬ويرتضي عنهم ويتمسك بسنتهم‪ ،‬كما يحب‬
‫أمهات المؤمنين وال يذكرهن إال بالثناء الجميل‪ ،‬أما مهدي الشيعة الرافضة فيبغض‬
‫أصحاب النبي × ويخرجهم من قبورهم ويعذبهم ثم يحرقهم ‪-‬على حد زعمهم‪ -‬وكذلك‬
‫يبغض أمهات المؤمنين‪ ،‬ويحاد أحب نساء النبي × إليه‪ ,‬الصديقة بنت الصديق عائشة‬
‫‪-‬رضي هللا عنها‪ -‬على حد زعمهم‪.‬‬
‫* أن مهدي أهل السنة يعمل بسنة النبي × فال يترك سنة إال أقامها‪ ،‬وال بدعة إال‬
‫قمعها‪ ،‬أما مهدي الشيعة الرافضة فإنه يدعو إلى دين جديد وكتاب جديد‪.‬‬
‫* أن مهدي السنة يقيم المساجد ويعمرها‪ ،‬وأما مهدي الشيعة الرافضة فيهدم المساجد‬
‫ويخربها‪ ،‬فيهدم المسجد الحرام والكعبة‪ ،‬ومسجد النبي ×‪ ،‬وال يبقي مسجدا واحدا على‬
‫وجه األرض ‪-‬كما صرحت بذلك رواياتهم‪.-‬‬
‫* أن مهدي السنة يحكم بكتاب هللا وسنة نبيه ×‪ ،‬أما مهدي الشيعة الرافضة فيحكم‬
‫بحكم آل داود‪.‬‬
‫* أن مهدي السنة يخرج من المشرق‪ ،‬أما مهدي الشيعة الرافضة فيخرج من سرداب‬
‫سامراء‪.‬‬
‫* أن مهدي السنة حقيقة ثابتة دلت عليها أحاديث النبي × وأقوال العلماء قديما وحديثا‪،‬‬
‫أما مهدي الشيعة الرافضة فوهم من األوهام لم يخرج ولن يخرج في يوم من األيام(‪.)1‬‬
‫عاشرًا‪ :‬عقيدة الرجعة عند الشيعة الرافضة‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الرجعة من أصول المذهب الشيعي‪ ،‬فمن رواياتهم‪ :‬ليس منا من لم يؤمن بكرتنا ‪،‬‬
‫وقال ابن بابويه في االعتقادات‪ :‬واعتقادنا في الرجعة أنه حق (‪ ،)3‬وقال المفيد‪ :‬واتفقت‬
‫اإلمامية على وجوب رجعة كثير من األموات (‪ ،)4‬وقال الطبرسي والحر العاملي‬
‫وغيرهما من شيوخ الشيعة‪ :‬إنها موضع إجماع الشيعة اإلمامية (‪ ،)5‬وإنها من ضروريات‬
‫مذهبهم‪ ،‬وإنهم مأمورون باإلقرار بالرجعة واعتقادها‪ ،‬وتحديد االعتراف بها في األدعية‬
‫والزيارات ويوم الجمعة وكل وقت كاإلقرار بالتوحيد والنبوة واإلمامة والقيامة (‪،)6‬‬
‫ومعنى الرجعة‪ :‬الرجوع إلى الدنيا بعد الموت (‪ ،)7‬وقد ذهبت فرق شيعية كثيرة إلى القول‬
‫برجوع أئمتهم إلى هذه الحياة ومنهم من يقر بموتهم ثم رجعتهم‪ ،‬ومنهم من ينكر موتهم‬
‫ويقولـ بأنهم غابوا وسيرجعون‪ ،‬وكان أول من قال بالرجعة ابن سبأ‪ ،‬إال أنه قال بأنه غاب‬
‫وسيرجع ولم يصدق بموته‪ ،‬وكانت عقيدة الرجعة خاصة برجعة اإلمام عند السبئية‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫() بذل المجهود (‪.)257 /256 /1‬‬
‫‪2‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)1103 /2‬‬
‫‪3‬‬
‫() االعتقادات‪ ،‬ص‪.90‬‬
‫‪4‬‬
‫() أوائل المقاالت‪ ,‬ص‪.51‬‬
‫‪5‬‬
‫() مجمع البيان (‪ ,)5/52‬اإليقاظ من الهجعة ص‪.33‬‬
‫‪6‬‬
‫() المصدر السابق‪ ،‬ص‪.64‬‬
‫‪7‬‬
‫() القاموس (‪ ،)28 /3‬مجمع البحرين (‪.)334 /4‬‬
‫‪60‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫والكيسانية وغيرهما‪ ،‬ولكنها صارت عن االثنى عشرية عامة لإلمام وكثير من الناس‪،‬‬
‫ويشير األلوسي إلى أن تحول مفهوم الرجعة عند الشيعة من رجعة اإلمام فقط‪ ،‬إلى ذلك‬
‫المعنى العام كان في القرن الثالث (‪ ،)1‬وأما المفهوم العام لمبدأ الرجعة عند االثنى عشرية‬
‫فهو يشمل ثالثة أصناف هم‪:‬‬
‫(‪ )1‬األئمة االثنا عشر‪ ،‬حيث يخرج المهدي من مخبئه‪ ،‬ويرجع عن غيبته‪ ،‬وباقي‬
‫األئمة يحيون بعد موتهم ويرجعون لهذه الدنيا‪.‬‬
‫(‪ )2‬والة المسلمين الذين اغتصبوا الخالفة ‪-‬في نظرهم ‪ -‬من أصحابها الشرعيين‬
‫«األئمة االثنى عشر» فيبعث خلفاء المسلمين وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر وعثمان‪...‬‬
‫ومن قبورهم يرجعون لهذه الدنيا ‪-‬كما يزعم الشيعة ‪ -‬لالقتصاص منهم بأخذهم الخالفة‬
‫من أهلها فتجري عليهم عمليات التعذيب والقتل و الصلب‪.‬‬
‫(‪ )3‬عامة الناس‪ ،‬ويخص منهم‪ :‬من محض اإليمان محضا‪ ،‬وهم الشيعة عموما‪ ،‬وألن‬
‫اإليمان خاص بالشيعة‪ ،‬كما تتفق على ذلك رواياتهم وأقوال شيوخهم ومن محض الكفر‬
‫محضا وهم كل الناس ما عدا المستضعفين (‪.)2‬‬
‫ولهذا قالوا في تعريف الرجعة‪ :‬إنها رجعة كثر من األموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة‬
‫(‪ ،)3‬وعودتهم إلى الحياة بعد الموت (‪ )4‬في صورهم التي كانوا عليها (‪.)5‬‬
‫واتجه شيوخ الشيعة إلى كتابـ هللا سبحانه ليأخذوا منه الدليل على ثبوت الرجعة التي‬
‫يتفردون بها عن سائر المسلمين‪ ،‬ولما لم يجدوا بغيتهم تعلقوا كعادتهم بالتأويلـ الباطني‪،‬‬
‫وركبوا متن الشطط‪ ،‬وتعسفوا أيما تعسف في هذا السبيل‪ ،‬حتى أصبح استداللهم حجة عليهم‪،‬‬
‫ودليال على زيف معتقدهم‪ ،‬وبرهانا على بطالن مذهبهم‪ ،‬وإليك مثاال على تفسيرهم‬
‫لآليات‪،‬يرى شيخ المفسرين عندهم أن من أعظم الداللة على الرجعة قوله سبحانه‪َ + :‬و َح َر ٌام‬
‫َعلَى َق ْريٍَة أ َْهلَكْنَ َاها أ ََّن ُه ْم الَ َي ْر ِجعُو َن" [األنبياء‪ ،]95 :‬حيث يقول ما نصه‪ :‬هذه اآلية من أعظم األدلة‬
‫على الرجعة‪ ،‬ألن أحدا من أهل اإلسالم ال ينكر أن الناس كلهم ‪-‬يرجعون‪ -‬يوم القيامة من هلك‬
‫ومن لم يهلك (‪ ،)6‬ومع أن اآلية حجة عليهم‪ ،‬فهي تدل على نفي الرجعة في الدنيا‪ ،‬إذ معناهاـ كما‬
‫صرح به ابن عباس وأبو جعفر الباقر وقتادةـ وغير واحد‪ :‬حرام على أهل كل قرية أهلكوا‬
‫بذنوبهم أنهم يرجعونـ إلى الدنيا قبل يوم القيامة (‪ ،)7‬وهذا كقوله سبحانه‪+ :‬أَل َْم َي َر ْوا َك ْم أ َْهلَكْنَا‬
‫ون أ ََّن ُه ْم إِل َْي ِه ْم الَ َي ْر ِجعُو َن" [يس‪ ،]31 :‬وقوله‪+ :‬فَالَ يَ ْستَ ِطيعُو َن َت ْو ِصيَةً َوالَ إِلَى أ َْهلِ ِه ْم‬
‫َق ْبلَ ُهم ِّمن الْ ُقر ِ‬
‫َ ُ‬
‫َي ْر ِجعُو َن" [يس‪ ،]50 :‬زيادة ‪+‬الَ" هنا لتأكيد معنى النفي من ‪َ +‬و َح َر ٌام" وهذا من أساليب التنزيل‬
‫البديعة النهائية في الدقة‪ ،‬وسر اإلخبار بعدم الرجوع مع وضوحه‪ ،‬هو الصدع بما يزعجهم‬
‫ويؤسفهم‪ ،‬وفوات أمنيتهمـ الكبرى‪ ،‬وهي حياتهمـ الدنيا(‪ ،)8‬وإذا كان المقصود إثبات الرجعة فيه‬
‫رجعة للناس ليوم القيامة بال ريب (‪ )9‬أي ممتنع البتة عدم رجوعهم إلينا للجزاء (‪.)10‬‬
‫‪1‬‬
‫() روح المعاني (‪ ،)27 /5‬ضحى اإلسالم أحمد أمين (‪.)237 /3‬‬
‫‪2‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)1105 /2‬‬
‫‪3‬‬
‫() أوائل المقاالت‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫‪4‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)1105 /2‬‬
‫‪5‬‬
‫() أوائل المقاالت‪ ،‬ص‪.95‬‬
‫‪6‬‬
‫() تفسير القمي (‪ )76 /2‬وضع عنوان في أعلى الصفحة‪ :‬أعظم دليل على الرجعة‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() تفسير ابن كثير (‪.)205 /3‬‬
‫‪8‬‬
‫() تفسر القاسمي (‪.)293 /11‬‬
‫‪9‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)1112 /2‬‬
‫‪10‬‬
‫() فتح القدير (‪.)426 /3‬‬
‫‪60‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫إن فكرة الرجعة عند الشيعة الرافضة بعد الموت مخالفة صريحة لنص القرآن‬
‫ِ‬
‫جعُون ‪‬‬ ‫ب ار ِ‬
‫ال َر ِّ ْ‬ ‫الكريم‪ ،‬وباطلة بداللة آيات عديدة من كتاب هللا سبحانه‪ ،‬قال تعالى‪+ :‬قَ َ‬
‫ِ‬
‫خ إِلَى َي ْوم ُي ْب َعثُو َن"‬ ‫ت َكالَّ إِ َّن َها َكلِ َمةٌ ُه َو قَائِلُ َها َو ِمن َو َرائِ ِه ْم َب ْر َز ٌ‬
‫يما َت َر ْك ُ‬ ‫لَعلِّي أَ ْعمل ِ ِ‬
‫صال ًحا ف َ‬ ‫َُ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خ إلَى َي ْوم ُي ْب َعثُو َن" [المؤمنون‪،99 :‬‬ ‫[المؤمنون‪ ،]100 ،99 :‬فقوله سبحانه‪َ + :‬ومن َو َرائ ِه ْم َب ْر َز ٌ‬
‫‪ ،]100‬صريح في نفي الرجعة مطلقا (‪.)1‬‬
‫فهؤالء جميعا يسألون الرجوع عند الموت‪ ،‬وعند العرض على الجبار جل عاله‪ ،‬وعند‬
‫رؤية النار يجابون‪ ،‬لما سبق في قضائه أنهم إليها ال يرجعون‪ ،‬ولذلك عد أهل العلم القول‬
‫بالرجعة إلى الدنيا بعد الموت من أشد مراحل الغلو في بدعة التشيع (‪ ،)2‬وقد جاء في مسند‬
‫أحمد أن عاصم بن ضمرة‪ :‬وكان من أصحاب علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬قال للحسن بن علي‪:‬‬
‫إن الشيعة يزعمون أن عليا يرجع‪ ،‬قال الحسن‪ :‬كذب أولئك الكذابون‪ ،‬ولو علمنا ذاك ما‬
‫تزوج نساؤه وال قسمنا ميراثه (‪ ،)3‬والقول بالرجعة بعد الموت إلى الدنيا لمجازاة المسيئين‬
‫ور ُك ْم َي ْو َم‬ ‫وإثابة المحسنين‪ ،‬ينافي طبيعة هذه الدنيا وأنها ليست دار جزاء ‪َ +‬وإِنَّ َما ُت َو َّف ْو َن أ ُ‬
‫ُج َ‬
‫الد ْنيَا إِالَّ َمتَاعُ الْغُُرو ِر" [آل عمران‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْحيَاةُ ُّ‬ ‫ِح َع ِن النَّا ِر َوأُ ْدخ َل ال َ‬
‫ْجنَّةَ َف َق ْد فَ َاز َو َما ال َ‬ ‫الْقيَ َامة فَ َمن ُز ْحز َ‬
‫‪ ،]185‬وقد كان البن سبأ اليهودي دور التأسيس لمبدأ الرجعة‪ ،‬إال أنها رجعة خاصة‬
‫بعلي‪ ،‬كما أنه ينفي وقوع الموت عليه أصال كحال االثنى عشرية مع مهديهم الذي‬
‫يزعمون وجوده‪ ،‬وعقيدة الرجعة عند الشيعة اإلمامية خالف ما علم من الدين بالضرورة‬
‫من أنه ال حشر قبل يوم القيامة‪ ،‬وأن هللا حين توعد كافرا أو ظالما إنما توعده بيوم‬
‫القيامة‪ ،‬كما أنها خالف اآليات واألحاديث المتواترة المصرحة بأنه ال رجوع إلى الدنيا‬
‫قبل يوم القيامة (‪.)4‬‬
‫الحادي عشر‪ :‬قولهمـ بالبداء على هللا سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫من أصول االثنى عشرية القول بالبداء على هللا‪ ،‬سبحانه وتعالى حتى بالغوا في أمره‬
‫فقالوا‪ :‬ما عبد هللا بشيء مثل البداء (‪ ،)5‬وما عظم هللا عز وجل بمثل البداء (‪ ،)6‬ولو علم‬
‫الناس ما في القول بالبداء من األجر ما فتروا من الكالم فيه (‪ ،)7‬وما بعث هللا نبيا قط إال‬
‫بتحريم الخمر وأن يقر هلل بالبداء (‪ ،)8‬ويبدو أن الذي أرسى هذا المعتقد عند االثنى عشرية‬
‫هو الملقب عندهم بثقة اإلسالم وهو شيخهم الكليني (ت ‪ 328‬أو ‪329‬هـ)‪ ،‬حيث يوضع‬
‫هذا المعتقد في قسم األصولـ من الكافي‪ ،‬وجعله ضمن كتاب التوحيد‪ ،‬وخصص له بابا‬
‫بعنوان (باب البداء) وذكر فيه ستة عشر حديثا من األحاديث المنسوبة لألئمة (‪.)9‬‬
‫وإذا رجعت إلى اللغة العربية لتعريف معنى البدء تجد أن القاموس يقول‪ :‬بدا بد ًوا‬
‫‪1‬‬
‫() مختصر التحفة ص (‪.)201‬‬
‫‪2‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)112 /2‬‬
‫‪3‬‬
‫() مسند أحمد (‪ ،)312 /2‬قال أحمد شاكر‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫()أصول الشيعة اإلمامية (‪.)1124 /2‬‬
‫‪5‬‬
‫() أصول الكافي (‪.)146 /1‬‬
‫‪6‬‬
‫(‪ )6‬أصول الكافي (‪.)146 /1‬‬
‫‪7‬‬
‫()‪ )2( ,‬أصول الكافي (‪.)148 /1‬‬
‫‪8‬‬

‫‪9‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)1133 /2‬‬
‫‪60‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫بدأة‪ :‬ظهر‪ ،‬وبدا له في األمر وبداء وبداة‪ :‬نشأ له فيه رأي (‪ ،)1‬فالبداء في اللغة له معنيان‪:‬‬
‫[‪ ]1‬الظهور بعد الخفاء‪ ،‬تقول‪ :‬بدا سور المدينة أي ظهر‪.‬‬
‫[‪ ]2‬نشأة الرأي الجديد‪ ،‬قال الفراء‪ :‬بدا لي بداء أي‪ :‬ظهر لي رأي آخر‪ ،‬قال‬
‫الجوهري‪ :‬بدا له في األمر بداء أي‪ :‬نشأ له فيه رأي (‪ ،)2‬وكال المعنيين وردا في القرآن‪،‬‬
‫اس ْب ُك ْم بِ ِه اهللُ" [البقرة‪،]284 :‬‬ ‫فمن األول قوله تعالى‪+ :‬وإِن ُتب ُدوا ما فِي أَْن ُف ِس ُكم أَو تُ ْخ ُفوهُ يح ِ‬
‫َُ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومن الثاني قوله‪+ :‬ثُ َّم بَ َدا ل َُهم ِّمن َب ْعد َما َرأ َُوا اآلَيَات لَيَ ْس ُج ُننَّهُ َحتَّى حي ٍن" [يوسف‪،]35 :‬‬
‫وواضح أن البداء بمعنييه يستلزم سبق الجهل وحدوث العلم‪ ،‬وكالهما محال على هللا‬
‫سبحانه‪ ،‬ونسبته إلى هللا من أعظم الكفر‪ ،‬فكيف تجعل الشيعة االثنى عشرية هذا من أعظم‬
‫العبادات‪ ،‬وتدعي أنه ما عظم هللا عز وجل بمثل البداء؟‪ ،‬سبحانك هذا بهتان عظيم (‪.)3‬‬
‫وهذا المعنى المنكر يوجد في كتب اليهود فقد جاء في التوراة التي حرفها اليهود وفق‬
‫ما شاءت أهواؤهم نصوص صريحة تتضمن نسبة معنى البداء إلى هللا سبحانه (‪ ،)4‬ويبدو‬
‫أن ابن سبأ اليهودي قد حاول إشاعة هذه المقالة‪ ،‬التي أخذها من (توراته) في المجتمع‬
‫اإلسالمي الذي حاول التأثير فيه باسم التشيع تحت مظلة الدعوة إلى والية علي ‪-‬رضي‬
‫هللا عنه‪ ،-‬ذلك أن فرق السبئية كلهم يقولون بالبداء وأن هللا تبدوا له البداوات (‪ )5‬ثم انتقلت‬
‫هذه المقالة إلى فرقة (الكيسانية) أو المختارية أتباع المختار بن أبي عبيد الثقفيـ وهي‬
‫الفرقة التي اشتهرت بالقول بالبداء واالهتمام به‪ ،‬والتزامه عقيدة (‪.)6‬‬
‫وكان شيوخ الشيعة يمنون أتباعهم بأن األمر سيعود إليهم‪ ،‬والدولة ستكون لهم‪ ،‬حتى‬
‫إنهم حددوا ذلك بسبعين سنة‪ ،‬في رواية نسبوها ألبي جعفر‪ ،‬فلما مضت السبعون ولم‬
‫يتحقق شيء من تلك الوعود اشتكى األتباع من ذلك‪ ،‬فحاول مؤسس المذهب الخروج من‬
‫هذا المأزق بأنه قد بدا هلل سبحانه ما اقتضى تغيير هذا الوعد (‪.)7‬‬
‫وقد دل القرآن الكريم على إثبات صفة العلم هلل تعالى وعلى بطالن ما نسبته الشيعة‬
‫الرافضة من عقيدة البداء هلل‪ ،‬التي أفضت إلى نسبة الجهل إليه تعالى‪ :‬واآليات الدالة على‬
‫إثبات صفة العلم هلل تعالى كثيرة‪ ،‬منها قوله تعالى‪َ + :‬و ِع ْن َدهُ َم َفاتِ ُح الْغَْي ِ‬
‫ب الَ َي ْعلَ ُم َها إِالَّ ُه َو‬
‫ض َوالَ َرط ٍ‬ ‫ط ِمن ورقَ ٍة إِالَّ ي ْعلَم َها والَ حبَّ ٍة ِفي ظُلُم ِ‬ ‫ِ‬
‫ْب َوالَ‬ ‫ات األ َْر ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫َو َي ْعلَ ُم َما في الَْب ِّر َوالْبَ ْح ِر َو َما تَ ْس ُق ُ َ َ‬
‫ِ‬ ‫س إِالَّ ِفي كِتَ ٍ‬
‫َّها ِر" [األنعام‪،]60 :59 :‬‬ ‫اب ُّمبِي ٍن ‪َ ‬و ُه َو الَّذي َيَت َوفَّا ُكم بِاللَّْي ِل َو َي ْعلَ ُم َما َج َر ْحتُم بِالن َ‬ ‫يَابِ ٍ‬
‫يف الْ َخبِ ُير" [الملك‪.]14 :‬‬ ‫وقال تعالى‪+ :‬أَالَ َي ْعلَ ُم َم ْن َخلَ َق َو ُه َو اللَّ ِط ُ‬
‫قال ابن تيمية رحمه هللا‪ :‬قد دلت هذه اآلية على وجوب علمه باألشياء من وجوه‬
‫انتظمت‪ ...‬ألهل النظر واالستدالل القياسي العقلي‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أنه خالق لها‪ ،‬والخلق هو اإلبداع بتقدير‪ ،‬وذلك يتضمن تقديرها في العلم قبل‬
‫تكونها في الخارج‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() القاموس المحيط (‪.)302 /4‬‬
‫‪2‬‬
‫() الصحاح (‪ ،)2278 /6‬لسان العرب (‪.)614 /6‬‬
‫‪3‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)1135 /2‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)1136 /2‬‬
‫‪5‬‬
‫() التنبيه والرد للملطي‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪6‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)1135 /2‬‬
‫‪7‬‬
‫() تفسير العياشي (‪ ،)218 /2‬بحار األنوار (‪.)214 /4‬‬
‫‪60‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الثاني‪ :‬أن ذلك مستلزم لإلرادة والمشيئة‪ ،‬واإلرادة مستلزمة لتصور المراد والشعور‬
‫به‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنها صادرة عنه‪ ،‬وهو سببها التام‪ ،‬والعلم بأصل األمر‪ ،‬وسببه يوجب العلم‬
‫بالفرع المسبب‪ ،‬فعلمه بنفسه مستلزم بكل ما يصدر عنه‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أنه في نفسه لطيف يدرك الدقيق‪ ،‬خبير يدرك الخفي‪ ،‬وهذا هو مقتضى العلم‬
‫باألشياء‪ ،‬مستغن عنها‪ ،‬كما هو غني بنفسه في جميع صفاته (‪ ،)1‬وقد دلت اآليات كذلك‬
‫على تقدير هللا تعالى للكون قبل أن يخلقه‪ ،‬وذلك بناء على علمه السابق بهذا الكون قبل‬
‫َّرهُ َت ْق ِد ًيرا" [الفرقان‪ ،]2 :‬وقال تعالى‪+ :‬الَّ ِذي َخلَ َق‬ ‫ٍ‬
‫وجوده‪ ،‬قال تعالى‪َ + :‬و َخلَ َق ُك َّل َش ْيء َف َقد َ‬
‫َّر َف َه َدى" [األعلى‪ ،]4 ،3 :‬فهذه اآليات الكريمات فيها أعظم رد على‬ ‫َّ ِ‬
‫فَ َس َّوى ‪َ ‬والذي قَد َ‬
‫الشيعة الرافضة الذين زعموا أن هللا تعالى ال يعلم الحوادث إال بعد حدوثها‪ ،‬وأنه قد يأمر‬
‫بأمر ثم يتغير رأيه بناء على تجديد المصلحة‪ ،‬فاهلل تعالى قبل أن يخلق هذا الخلق قدره‪،‬‬
‫وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره‪ ،‬وال تدبيره‪ ،‬وال يتجاوز ما كتب هللا في اللوح‬
‫المحفوظ قبل خلق المخلوقات ووجود الكائنات ولكن الظالمين بآيات هللا يجحدون (‪.)2‬‬
‫وقد دلت السنة على إثبات صفة العلم هلل تعالى‪ ،‬روى البخاري أن رسول هللا × قال‪:‬‬
‫«مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله‪ ،‬لا يعلم ما في غد إلا الله‪،‬‬
‫ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله‪ ،‬ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا‬
‫الله‪ ،‬ولا تدري نفس بأي أرض تموت‪ ،‬ولا يعلم حتى تقوم الساعة أحد إلا‬
‫الله» (‪ ،)3‬وهذه األمور التي جاءت في الحديث أمور مستقبلية دل الحديث على علم هللا‬
‫بها قبل حدوثها‪ ،‬وقال النبي ×‪« :‬قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات‬
‫والأرض بخمسين ألف سنة‪ ،‬وكان عرشه على الماء» (‪.)4‬وقد جاءت في كتب الشيعة‬
‫في ذلك الركام الهائل من األباطيل روايات قد تكون وثيقة الصلة بعلماء آل البيت ألنها‬
‫تعبر عن المعنى الحق وهو ما يليق بأولئك الصفوة‪ ،‬وقد تكون من آثار الشيعة المعتدلة‪،‬‬
‫فعن منصور بن حازم قال‪ :‬سألت أبا عبد هللا ‪-‬عليه السالم‪ -‬يكون اليوم شيء لم يكن في‬
‫علم هللا تعالى باألمس؟‪ ،‬قال‪ :‬من قال هذا فأخزاه هللا‪ ،‬قلت‪ :‬أرأيت ما كان وما هو كائن‬
‫إلى يوم القيامة أليس في علم هللا؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬قبل أن يخلق الخلق (‪.)5‬‬
‫الثاني عشر‪ :‬موقفـ أهل البيت من الشيعة الرافضة‬
‫أئمة أهل البيت كسائر أهل السنة في موقفهم من الرافضة ومن عقائدهم‪ ،‬فهم‬
‫يعتقدون ضاللهم وانحرافهم عن السنة‪ ،‬وبعدهم عن الحق‪ ،‬وهم من أشد الناس ذما ومقتا‬
‫لهم‪ ،‬وذلك لنسبتهم تلك العقائد الفاسدة إليهم‪ ،‬وكثرة كذبهم عليهم‪ ،‬وقد تعددت عبارات أهل‬
‫البيت وتنوعت في ذم الشيعة الرافضة وبراءتهم من عقيدتهم‪ ،‬فمما جاء عنهم في براءتهم‬
‫من عقائد الشيعة الرافضة وتأصيلهم عقيدة أهل السنة (‪:)6‬‬
‫‪ -1‬ما ثبت عن علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬وتواتر عنه أنه قال وهو على منبر‬

‫‪1‬‬
‫() الفتاوى (‪.)211 /2‬‬
‫‪2‬‬
‫() بذل المجهود (‪.)340 /1‬‬
‫‪3‬‬
‫() البخاري رقم (‪.)4967‬‬
‫‪4‬‬
‫() مسلم رقم (‪.)16‬‬
‫‪5‬‬
‫() التوحيد البن بابويه‪ ،‬ص‪ ،334‬أصول الكافي (‪ )48 /1‬رقم (‪.)10‬‬
‫‪6‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪60‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الكوفة‪ :‬خير هذه األمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ‪-‬رضي هللا عنهما‪ ،)1( -‬وعنه ‪-‬رضي هللا‬
‫عنه‪ -‬قال‪ :‬ال يفضلني أحد على الشيخين إال جلدته حد المفتري (‪ ،)2‬وفي الصحيحين أنه‬
‫قال في حق عمر عند تشييعه‪ :‬ما خلفت أحدا أحب إلى من أن ألقى هللا بمثل عمله منك‪،‬‬
‫وايم هللا إن كنت ألظن أن يجعلك هللا مع صاحبيك‪ ،‬وذلك أني كنت أسمع كثيرا رسول هللا‬
‫× يقول‪ :‬ذهبت أنا وأبو بكر وعمر وإن كنت ألظن أن يجعلك هللا معهما (‪.)3‬‬
‫وهذه اآلثار ‪-‬الثابتة‪ -‬عن أمير المؤمنين علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬تناقض عقيدة الشيعة‬
‫في الشيخين كما تقدم‪ ،‬وتدل على براءة علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬من الشيعة الرافضة ومن‬
‫عقيدتهم‪ ،‬وتوليه للشيخين وسائر أصحاب النبي × وحبه لهم ‪-‬كما بينا سابقا‪ -‬وإقراره‬
‫للشيخين بالفضل عليه‪ ،‬وعقوبته من فضله عليهما‪ ،‬وتمنيه أن يلقى هللا بمثل عمل عمر‪،‬‬
‫فرضي هللا عنه‪ ،‬وعن سائر أصحاب النبي الطيبين المطهرين من كل ما ينسبه إليهم أهل‬
‫البدع من الشيعة الرافضة والخوارج المارقين‪ ،‬ثم من بعد علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬جاءت‬
‫أقوال أبنائه‪ ،‬في البراءة من الرافضة ومن عقيدتهم وانتقادهم لعقيدة أهل السنة (‪.)4‬‬
‫‪ -2‬قول الحسن بن علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ :-‬عن عمرو بن األصم قال‪ :‬قلت‬
‫للحسن‪ :‬إن الشيعة تزعم أن عليا مبعوث قبل يوم القيامة قال‪ :‬كذبوا وهللا ما هؤالء بالشيعة‬
‫لو علمنا أنه مبعوث‪ ،‬ما زوجنا نساءه‪ ،‬وال اقتسمنا ماله (‪.)5‬‬
‫وروى أبو نعيم‪ :‬قيل للحسن بن علي ‪-‬رضي هللا عنهما‪ :‬إن الناس يقولون‪ :‬إنك تريد‬
‫الخالفة‪ ،‬قال‪ :‬كانت جماجم العرب في يدي‪ ،‬يحاربون من حاربت ويسالمون من سالمت‪،‬‬
‫فتركتها ابتغاء وجه هللا‪ ،‬وحقن دماء أمة محمد × (‪.)6‬‬
‫‪ -3‬قول الحسن بن علي ‪-‬رضي هللا عنهما‪ :-‬كان يقول في شيعة العراق ‪-‬الذين‬
‫كاتبوه ووعدوه بالنصر‪ ،‬ثم تفرقوا عنه وأسلموه إلى أعدائه‪« -‬اللهم إن أهل العراق‬
‫غروني وخدعوني‪ ،‬صنعوا بأخي ما صنعوا‪ ،‬اللهم شتت عليهم أمرهم وأحصهم عددا»‬
‫(‪ ،)7‬ثم كانت نتيجة غدرهم وخذالنهم له استشهاده ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬هو وعامة من كان‬
‫معه من أهل بيته‪ ،‬بعد أن تفرق عنه هؤالء الخونة‪ ،‬فكان مقتله ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬معيبة‬
‫عظيمة‪ ،‬ومأساة جسيمة يتفطر لها قلب كل مسلم (‪.)8‬‬
‫‪ -4‬قول علي بن الحسين ‪-‬رحمه هللا‪ :-‬ثبت عنه أنه قال‪ :‬يا أهل العراق أحبونا حب‬
‫اإلسالم‪ ،‬وال تحبونا حب األصنام‪ ،‬فما زال بنا حبكم حتى صار علينا شينا (‪ .)9‬وعنه‬
‫رحمه هللا‪ ،‬أنه جاءه نفر من أهل العراق‪ ،‬فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان ‪-‬رضي هللا‬
‫عنه‪ -‬فلما فرغوا قال لهم‪ :‬أال تخبروني‪ ،‬أنتم المهاجرون األولون الذين أخرجوا من‬
‫ديارهم وأموالهم يبتغون فضال من هللا ورضوانا وينصرون هللا ورسوله أولئك هم‬
‫الصادقون؟ قالوا‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فأنتم الذين تبوءوا الدار واإليمان من قبلهم يحبون من هاجر‬
‫إليهم وال يجدون في صدروهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم‬
‫خصاصة‪ ،‬ومن يوق شح نفسه‪ ،‬فأولئك هم المفلحون؟‪ ،‬قالوا‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬أشهد أنكم لستم من‬
‫‪1‬‬
‫() الاللكائي (‪.)1397 -1366 /7‬‬
‫‪2‬‬
‫() السنة البن أبي عاصم‪ ،‬ص ‪.561‬‬
‫‪3‬‬
‫() البخاري‪ ،‬رقم (‪.)3685‬‬
‫‪4‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ ،‬ص‪.144‬‬
‫‪5‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)263 /3‬‬
‫‪6‬‬
‫() حلية األولياء (‪.)37 /2‬‬
‫‪7‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)302 /4‬‬
‫‪8‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)302 /4‬‬
‫‪9‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)390 /4‬‬
‫‪60‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َجِاءُوا من َب ْعده ْم َي ُقولُو َن َر َّبنَا اِ ْغف ْر لَنَا َو ِإل ْخ َواننَا الذ َ‬
‫ين‬ ‫فيهم‪َ + :‬وال ِذ َ‬ ‫ِ‬
‫الذين قال هللا عز وجل‬
‫سب ُقونَا بِا ِإل ِ‬
‫يم" [الحشر‪،]10 :‬‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫وف‬ ‫ؤ‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫َّ‬
‫ن‬ ‫ِ‬
‫إ‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ب‬‫ر‬ ‫وا‬‫ن‬‫آم‬ ‫ين‬ ‫ذ‬‫َّ‬
‫ل‬ ‫ِّ‬
‫ل‬ ‫ًّ‬
‫ال‬ ‫غ‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫ِ‬‫ب‬ ‫و‬‫ل‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ل‬
‫َّ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َ َ ُ َ َّ َ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يمان َوالَ تَ ْج َع ْ‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫(‪)1‬‬
‫اخرجوا فعل هللا بكم !!‪.‬‬
‫‪-5‬قول محمد بن علي (الباقر)‪ :‬عن محمد بن علي أنه قال‪ :‬أجمع بنوا فاطمة على‬
‫أن يقولوا في أبي بكر وعمر‪ ،‬أحسن ما يكون من القول (‪ ،)2‬وعنه ‪-‬رحمه هللا‪ -‬أنه قال‬
‫لجابر الجعفي‪ :‬إن قوما بالعراق يزعمون أني أمرتهم بذلك‪ ،‬فأخبرهم أني أبرأ إلى هللا‬
‫تعالى منهم‪ ،‬وهللا بريء منهم‪ ،‬والذي نفس محمد بيده لو وليت لتقربت إلى هللا بدمائهم‪ ،‬ال‬
‫نالتني شفاعة محمد إن لم أكن أستغفر هللا لهما‪ ،‬وأترحم عليهما‪ ،‬إن أعداء هللا غافلون‬
‫عنهما (‪ ،)3‬وعن بسام الصيرفي قال‪ :‬سألت أبا جعفر عن أبي بكر وعمر قال‪ :‬وهللا إني‬
‫ألتوالهما وأستغفر لهما‪ ،‬وما أدركت من أهل بيتي إال وهو يتوالهما (‪.)4‬‬
‫‪-6‬قول زيد بن علي رحمه هللا‪ :‬عن زيد بن علي أنه قال‪ :‬كان أبو بكر إمام‬
‫الشاكرين‪ ،‬ثم تال‪+ :‬وسيج ِزي اهلل َّ ِ‬
‫ين" [آل عمران‪:‬ـ ‪ ،]143‬ثم قال‪ :‬البراءة من أبي بكر‬ ‫الشاك ِر َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ََ ْ‬
‫هي البراءة من علي (‪- )5‬رضي هللا عنهما‪ -‬فإن شئت فتقدم‪ ،‬وإن شئت فتأخر ‪.‬‬
‫(‪)6‬‬

‫‪-7‬قول جعفر بن محمد (الصادق)‪ :‬عن عبد الجبار بن عباس الهمداني‪ ،‬أن جعفر‬
‫بن محمد أتاهم وهم يريدون أن يرتحلوا من المدينة فقال‪ :‬إنكم إن شاء هللا من صالحي‬
‫أهل مصركم‪ ،‬فأبلغوا عني من زعم أني إمام معصوم مفترض الطاعة‪ ،‬فأنا منه بريء‬
‫(‪ ،)7‬ومن زعم أني أبرأ من أبي بكر وعمر‪ ،‬فأنا منه بريء‪ ،‬وعن سالم بن عبد هللا بن‬
‫عمر أنه قال له‪ :‬يا سالم تولهما وابرأ من عدوهما‪ ،‬فإنهما كانا إمامي هدى‪ ،‬ثم قال جعفر‪:‬‬
‫أيسب الرجل جده؟‪ ،‬أبو بكر جدي‪ ،‬ال نالتني شفاعة محمد × يوم القيامة إن لم أكن‬
‫أتوالهما وأبرأ من عدوهما (‪ ،)8‬وعن جعفر بن محمد أنه كان يقول‪ :‬ما أرجو من شفاعة‬
‫على شيئا‪ ،‬إال وأنا أرجو من شفاعة أبي مثله‪ ،‬لقد ولدني مرتين (‪.)9‬‬
‫وعنه ‪-‬رحمه هللا‪ -‬أنه سئل عن أبي بكر وعمر‪ ،‬فقال‪ :‬إنك تسألني عن رجلين قد أكال‬
‫من ثمار الجنة (‪ ،)10‬وعنه أنه قال‪ :‬بريء هللا ممن تبرأ من أبي بكر وعمر (‪ ،)11‬قال‬
‫الذهبي معقبا على هذا األثر‪:‬قلت‪ :‬هذا القول متواتر عن جعفر الصادق‪ ،‬أشهد باهلل إنه لبار‬
‫في قوله غير منافق ألحد‪ ،‬فقبح هللا الرافضة (‪.)12‬‬
‫فهذه هي أقوال أئمة أهل البيت‪ ،‬الطيبين الطاهرين‪ ،‬الذين تدعي الشيعة الرافضة‬
‫إمامتهم وواليتهم‪ ،‬وينسبون إليهم عقيدتهم‪ ,‬موضحة ومبينة موقفهم من الشيعة الرافضة‪،‬‬
‫ومن دينهم‪ ،‬وبراءتهم منهم ومن كل ما يفعلونه بهم من عقائدهم الفاسدة‪ ،‬ومطاعنهم على‬
‫خيار الصحابة‪ ،‬وأمهات المؤمنين‪ ،‬وأن هؤالء األئمة من أهل البيت على عقيدة السنة‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫() الحلية (‪.)137 /3‬‬
‫‪2‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪)406 /4‬‬
‫‪3‬‬
‫() االعتقاد للبيهقي ص (‪)361‬‬
‫‪4‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪)403 /4‬‬
‫‪5‬‬
‫() شرح أصول اعتقاد أهل السنة (‪.)1302 /7‬‬
‫‪6‬‬
‫() النهي عن سب األصحاب للمقدسي ص ‪.75‬‬
‫‪7‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)259 /6‬‬
‫‪8‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)258 /6‬‬
‫‪9‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)255 /6‬‬
‫‪10‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ ،‬ص‪.119‬‬
‫‪11‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪)260 /6‬‬
‫‪12‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)260 /6‬‬
‫‪60‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ظاهرا وباطنا‪ ،‬في كل كبير وصغير‪ ،‬فهي عقيدتهم التي بها يدينون‪ ،‬عليها يوالون‬
‫ويعادون‪ ،‬وأن من نسب لهم غير ذلك فهو كاذب عليهم ظالم لهم‪ ،‬فرحمهم هللا رحمة‬
‫واسعة‪ ،‬وأخزى هللا من ألصق بهم األكاذيب (‪.)1‬‬
‫الثالث عشر‪ :‬وجهة نظر التقريب بين أهل السنة والشيعة‪:‬‬
‫لقد تبين لنا من خالل البحث مدى ما عند الشيعة الروافض من ضالل وبدع‬
‫وانحراف عن كتاب هللا وسنة رسوله والخلفاء الراشدين رضوان هللا عليهم‪ ،‬ومدى‬
‫األخطار واألضرار الكبيرة التي احتوت عليها كتبهم المعتمدة في مجال التفسير والتوحيد‬
‫و الحديث وغيرها‪ ،‬وأنها تصيب المسلمين في صميم االعتراف بهذه الكتب‪ ،‬التي ال‬
‫يصل الكيد االستشراقي والتبشيري إلى مستوى ما وصلت إليه من محاوالتـ لتغيير دين‬
‫هللا وشرعه باسم اإلسالم‪ ،‬بل إن االستشراق والتبشير من معينها يرتوي‪ ،‬وعلى شبهاتها‬
‫وأساطيرها يعتمد في إفساده وتآمره على الدين وأهله‪ ،‬ولهذا فإن هناك عالقة وثيقة بل‬
‫تشابها تاما بين شبهات المستشرقين والمبشرين‪ ،‬وآراء الشيعة والروافض‪ ،‬وليس هذا‬
‫بجديد ‪-‬وهذه العالقة تستحق أن يفرد لها رسالة علمية خاصة‪ -‬فمن قديم كان األعداء‬
‫يستخدمون (آراء) الشيعة الروافض تكأة لهم في محاربة اإلسالم وأهله‪ ،‬بل كان جنود‬
‫الشيعة الروافض أمضى سالحا في يد األعداء‪ ،‬وكان التشيع الرافضي مأوى لكل من أراد‬
‫هدم اإلسالم من ملحد وحاقد وموتور‪،‬ـ وأيام التاريخ مليئة بمؤامراتهم وخياناتهم‬
‫ومؤازرتهم لألعداء‪ ،‬ومن أبرز األسباب في ذلك أن هؤالء الشيعة الروافض ال يؤمنون‬
‫بشرعية حكومة إسالمية إال حكومة المنتظر الذي غاب أكثر من أحد عشر قرنا‪ ،‬ولهذا‬
‫وجد األعداء مدخال إلى قلوبهم من هذا الطريق (‪ ،)2‬قال ابن تيمية رحمه هللا‪ :‬وكثير منهم‬
‫يواد الكفار من وسط قلبه أكثر من مودته للمسلمين‪ ،‬ولهذا لما خرج الترك الكفار من جهة‬
‫المشرق وقتلوا المسلمين وسفكوا دماءهم ببالد خراسان والعراق والشام والجزيرة‬
‫وغيرها‪ ،‬كانت الرافضة معاونة لهم على المسلمين‪ ،‬وكذلك كانوا بالشام وحلب وغيرها‬
‫من الرافضة كانوا من أشد الناس معاونة لهم على قتال المسلمين‪ ،‬وكذلك النصارى الذين‬
‫قاتلوا المسلمين بالشام‪ ،‬كانت الرافضة من أعظم المعاونين لهم‪ ،‬فهم دائما يوالون الكفار‬
‫‪-‬من المشركين والنصارى‪ -‬ويعاونونهم على قتال المسلمين ومعاداتهم (‪ ،)3‬ويكفيـ للتأكيد‬
‫على ذلك شواهد تاريخية منها‪:‬‬
‫‪ -1‬مؤامرة ابن العلقمي الرافضي في إسقاط بغداد ‪656‬هـ‪ :‬وملخص الحادثة أن‬
‫ابن العلقمي كان وزيرا للخليفة العباسي المستعصم وكان الخليفة على مذهب أهل السنة‪،‬‬
‫كما كان أبوه وجده‪ ،‬ولكن كان فيه لين وعدم تيقظ‪ ،‬فكان هذا الوزير الرافضي يخطط‬
‫للقضاء على دولة الخالفة‪ ،‬وإبادة أهل السنة‪ ،‬وإقامة دولة على مذهب الشيعة الرافضة‪،‬‬
‫فاستغل منصبه‪ ،‬وغفلة الخليفة لتنفيذ مؤامرته ضد الخالفة‪ ،‬وكانت خيوط المؤامرة تتمثل‬
‫في ثالث مراحل‪:‬‬
‫أ‪-‬المرحلة األولى‪ :‬إضعاف الجيش‪ ،‬ومضايقة الناس حيث سعى في قطع أرزاق‬
‫عسكر المسلمين قال ابن كثير رحمه هللا‪ :‬وكان الوزير ابن العلقمي يجتهد في صرف‬
‫الجيوش‪ ،‬وإسقاط اسمهم من الديوان فكانت العساكر في آخر أيام المستنصر قريبا من‬
‫مائة ألف مقاتل‪ ..‬فلم يزل يجتهد في تقليلهم‪ ،‬إلى أن لم يبق سوى عشرة آالف (‪.)4‬‬

‫‪1‬‬
‫() االنتصار للصحب واآلل‪ ،‬ص‪.120‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسألة التقريب (‪ 216 /2‬إلى ‪.)278‬‬
‫‪3‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)104 /2‬‬
‫‪4‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)202 /13‬‬
‫‪60‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ب‪ -‬المرحلة الثانية‪ :‬مكاتبة التتار‪ :‬يقولـ ابن كثير رحمه هللا‪ :‬ثم كاتب التتار وأطمعهم‬
‫في أخذ البالد وسهل عليهم ذلك‪ ،‬وحكى لهم حقيقة الحال وكشف لهم ضعف الرجال (‪.)1‬‬
‫ج‪-‬المرحلة الثالثة‪ :‬النهي عن قتال التتار وتثبيط الخليفة والناس‪ :‬فقد نهى العامة‬
‫عن قتالهم (‪ ،)2‬وأوهم الخليفة وحاشيته أن ملك التتار يريد مصالحتهم‪ ،‬وأشار على الخليفة‬
‫بالخروج إليه والمثول بين يديه لتقع المصالحة على أن يكون نصف خراج العراق لهم‪،‬‬
‫ونصفه للخليفة‪ ،‬فخرج الخليفة إليه في سبعمائة راكب من القضاة والفقهاء‪ ،‬واألمراء‬
‫واألعيان‪ ،‬فتم بهذه الحيلة قتل الخليفة ومن معه من قواد األمة وطالئعها‪ ،‬بدون أي جهد‬
‫من التتار‪.‬‬
‫وقد أشار أولئك المأل من الشيعة الرافضة وغيرهم من المنافقين على هوالكو أن ال‬
‫يصالح الخليفة‪ ،‬وقال له الوزير ابن العلقمي‪ :‬متى وقع الصلح على المناصفة ال يستمر‬
‫هذا إال عاما أو عامين‪ ،‬ثم يعود األمر إلى ما كانت عليه قبل ذلك‪ ،‬وحسنوا له قتل الخليفة‪،‬‬
‫ويقال‪ :‬إن الذي اشار إليه بقتله الوزير العلقمي ونصير الطوسي (‪ ،)3‬ثم مالوا على البلد‬
‫فقلتوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والمشايخ والكهول والشباب‪ ،‬ولم ينج‬
‫منهم أحد سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى‪ ،‬ومن التجأ إليهم‪ ،‬وإلى دار الوزير ابن‬
‫العلقمي الرافضي‪ ،‬وقد قتلوا من المسلمين ما يقال إنه بضعة عشر ألف ألف إنسان أوأكثر‬
‫أو أقل‪ ،‬ولم ير اإلسالم ملحمة مثل ملحمة الترك الكفار المسمين بالتتار‪ ،‬وقتلوا‬
‫الهاشميين‪ ،‬وسبوا نساءهم من العباسيين وغير العباسيين‪ ،‬فهل يكون مواليا آلل رسول هللا‬
‫× من يسلط الكفار على قتلهم وسبيهم وعلى سائر المسلمين (‪.)4‬‬
‫وقتل الخطباء واألئمة‪ ،‬حملة القرآن‪ ،‬وتعطلتـ المساجد‪ ،‬والجماعات‪ ،‬مدة شهور‬
‫ببغداد(‪.)5‬‬
‫وكان هدف ابن العلقمي‪ :‬أن يزيل السنة بالكلية وأن يظهر البدعة الرافضة‪ ،‬وأن يبني‬
‫للرافضة مدرسة هائلة‪ ،‬ينشرون بها مذهبهم‪ ،‬فلم يقدره هللا على ذلك‪ ،‬بل أزال نعمته عنه‬
‫وقصف به عمره بعد شهور يسيرة من هذه الحادثة‪ ،‬وأتبعه بولده (‪.)6‬‬
‫‪-2‬الدولة الصفوية‪ :‬في الدولة الصفوية والتي أسسها الشاه إسماعيل الصفوي‪،‬‬
‫فرض تشيع االثنى عشرية على اإليرانيين قسرا‪ ،‬وجُعل المذهب الرسمي إليران وكان‬
‫إسماعيل قاسيا متعطشا للدماء إلى حد ال يكاد يصدق (‪ ،)7‬ويشيع عن نفسه أنه معصوم‬
‫وليس بينه وبين المهدي فاصل‪ ،‬وأنه ال يتحرك إال بمقتضى أوامر األئمة االثنى عشر (‪،)8‬‬
‫ولقد تقلد سيفه وأعمله في أهل السنة‪ ،‬وكان يتخذ سب الخلفاء الثالثة وسيلة المتحان‬
‫اإليرانيين‪ ،‬وقد أمر الشاه أن يعلن السب في الشوارع‪ ،‬واألسواق‪ ،‬وعلى المنابر‪ ،‬منذر‬
‫المعاندين بقطع رقابهم‪ ،‬وكان إذا فتح مدينة أرغم أهلها على اعتناق الرفض بقوة السالح‬
‫(‪ ،)9‬ولقد آزر شيوخ الروافض سالطين الصفويين في األخذ بالتشيع إلى مراحل من الغلو‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫()البداية والنهاية (‪.)202 /13‬‬
‫‪2‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)83 /3‬‬
‫‪3‬‬
‫() كان النصر عند هوالكو قد استصحبه في خدمته لما فتح قالع األلموت وانتزعها من أيدي اإلسماعيلية‪،‬‬
‫البداية والنهاية (‪.)201 /13‬‬
‫‪4‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)83 /3‬‬
‫‪5‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)203 /12‬‬
‫‪6‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)203 -202 /13‬‬
‫‪7‬‬
‫() لمحات اجتماعية من تاريخ العراق‪ ،‬على الوردي‪ ،‬ص‪.56‬‬
‫‪8‬‬
‫() الفكر الشيعي والنزعات الصوفية‪ ،‬كامل الشيبي‪ ،‬ص‪.413‬‬
‫‪9‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)1475 /3‬‬
‫‪61‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وفرض ذلك على مسلمي إيران بقوة الحديد والنار‪ ،‬وكان من أبرز هؤالء الشيوخ شيخهم‬
‫على الكركي (‪ ،)1‬الذي يلقبه الشيعة بالمحقق الثاني قربه الشاه طهماسب‪ ،‬ابن الشاه‬
‫إسماعيل وجعله اآلمر المطاع في الدولة‪ ،‬وكذلك كان من شيوخ الدولة الصفوية‬
‫المجلسي‪ ،‬والذي شارك السلطة في التأثير على المسلمين في إيران‪ ،‬حتى يقال إن كتابه‬
‫(حق اليقين) كان سببا في تشيع سبعين ألف سني من اإليرانيين (‪ ،)2‬واألقرب أن هذا من‬
‫مبالغات الشيعة‪ ،‬فإن الرفض في إيران لم يجد مكانه إال بالقوة واإلرهاب ال بالفكر‬
‫واإلقناع (‪.)3‬‬
‫وال ينسى الجانب اآلخر من أثر الدولة الصفوية‪ ،‬وذلك في حروبها لدولة الخالفة‬
‫اإلسالمية العثمانية‪ ،‬وتعاونها مع األعداء من البرتغال ثم اإلنجليز ضد المسلمين‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وتشجيعها لبناء الكنائس ودخول المبشرين والقسس‪ ،‬مع محاربتهم للسنة وأهلها ‪.‬‬
‫هذه بعض آثار دولتهم وأفرادهم في هذا المجال‪ ،‬ومن كلمات ابن تيمية رحمة هللا‬
‫الخالدة والمهمة في هذا الموضوع‪ ،‬والتي إذا طبقتها على الواقع‪ ،‬وإذا استقرأت من‬
‫خاللها وقائع التاريخ رأيت صدقها كالشمس‪ ،‬قوله رحمه هللا‪ :‬فلينظر كل عاقل فيما يحدث‬
‫في زمانه‪ ،‬وما يقرب من زمانه من الفتن والشرور والفساد في اإلسالم فإنه يجد معظم‬
‫ذلك من قبل الرافضة‪ ،‬وتجدهم من أعظم الناس فتنا وشرا‪ ،‬وأنهم ال يقعدون عما يمكنهم‬
‫من الفتن والشرور وإيقاع الفساد بين األمة (‪ ،)5‬ونحن قد علمنا بالمعاينة والتواتر أن الفتن‬
‫والشرور العظيمة التي ال تشابهها فتن‪ ،‬إنما تخرج عنهم (‪.)6‬‬
‫فمع من نتحد يا معشر أهل السنة؟‪،‬مع من يطعن في قرآننا ويفسره على غير تأويله‬
‫ويحرف الكلم عن مواضعه‪ ،‬ويكفر الصديق والفاروق وأم المؤمنين وأحب نساء النبي ×‬
‫إليه عائشة ‪-‬رضي هللا عنه‪ ،-‬وطلحة والزبير وغيرهم من أجلة الصحابة رضوان هللا‬
‫عليهم‪ ،‬ويخادع المسلمين باسم التقية (‪.)7‬‬
‫‪ -3‬من التجارب المعاصرة في التقريب‪:‬‬
‫أ‪ -‬تجربة مصطفى السباعي‪ :‬بذل الدكتور مصطفى السباعي عدة مساع مع بعض‬
‫علماء الشيعة في مسألة التقريب‪ ،‬وسعى لعقد مؤتمر إسالمي لدراسة السبل الكفيلة‬
‫إلرساء دعائم األلفة والمودة والتقارب بين الفريقين‪ ،‬وكان يرى من أكبر العوامل في‬
‫التقريب أن يزور علماء الفريقين بعضهم بعضا‪ ،‬وأن تصدر الكتب والمؤلفات التي تدعوا‬
‫إلى التقارب‪ ،‬وكان يرى عدم إصدار الكتب التي تثير أحد الطرفين‪ ،‬وقام مصطفى‬
‫السباعي بزيارة أحد مراجع الشيعة الكبار‪ ،‬ومن يعد عندهم من أكبر دعاة الوحدة‬
‫اإلسالمية والتقريب بين المذاهب والدعوة إلى توحيد الصف وجمع الكلمة‪ ،‬وهو شيخهم‬
‫عبد الحسين شرف الدين الموسوي فألفاه متحمسا لهذه الفكرة ومؤمنا بها‪ ،‬واتفق معه على‬
‫عقد مؤتمر إسالمي بين علماء السنة والشيعة لهذا الغرض‪ ،‬كما قام السباعي بزيارة‬
‫وجوه الشيعة من سياسيين وتجار وأدباء للغرض نفسه‪ ،‬وخرج من هذه االتصاالتـ فرحا‬
‫لحصوله على تلك النتائج‪ ،‬وما كان يخطر ببال السباعي ‪-‬رحمه هللا ‪ -‬أو يدور بخلده ما‬
‫تنطوي عليه نفوس القوم من أهداف‪ ،‬وما يرمون إليه من وراء دعوة التقريب من خطط‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)1476 /3‬‬
‫‪2‬‬
‫() عقيدة الشيعة‪ ،‬دونلدسن‪.302 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫() أصول الشيعة اإلمامية (‪.)1478 /2‬‬
‫‪4‬‬
‫()أصول الشيعة اإلمامية (‪.)1478 /2‬‬
‫‪5‬‬
‫() منهاج السنة (‪.)243 /3‬‬
‫‪6‬‬
‫() المصدر السابق (‪.)245 /3‬‬
‫‪7‬‬
‫() مسألة التقريب (‪.)280 /2‬‬
‫‪61‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫حتى فوجيء السباعي ‪-‬كما يقول‪ -‬بعد فترة بأن هذا الموسوي المتحمس للتقريب قام‬
‫بإصدار كتاب في أبي هريرة ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬مليء بالسباب والشتائم‪ ،‬بل انتهى فيه إلى‬
‫القول بأن هريرة ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬كان منافقا كافرا‪ ،‬وأن الرسول قد أخبر عنه بأنه من‬
‫أهل النار (‪ .)1‬ثم يقول السباعي‪ :‬لقد عجبت من موقف عبد الحسين في كالمه وفي كتابه‬
‫معا‪ ،‬ذلك الموقف الذي ال يدل على رغبة صادقة في التقارب ونسيان الماضي (‪ ،)2‬وذكر‬
‫السباعي أن غاية ما قدم شيوخ الشيعة تجاه فكرة التقريب هي جملة من المجاملة في‬
‫الندوات والمجالس‪ ،‬مع استمرار كثير منهم في سب الصحابة وإساءة الظن بهم‪ ،‬واعتقاد‬
‫كل ما يروى في كتب أسالفهم من تلك الروايات واألخبار (‪ ،)3‬ويذكر أنهم وهم ينادون‬
‫بالتقريب ال يوجد لروح التقريب أثر لدى علماء الشيعة في العراق وإيران‪ ،‬فال يزال القوم‬
‫مصرين على ما في كتبهم من ذلك الطعن الجارح والتصوير المكذوب لما كان بين‬
‫الصحابة من خالف‪ ،‬كأن المقصود من دعوة التقريب هي تقريب أهل السنة إلى مذهب‬
‫الشيعة (‪ ،)4‬ويذكر السباعي أن كل بحث علمي في تاريخ السنة أو المذاهب اإلسالمية ال‬
‫يتفق مع وجهة نظر الشيعة يقيم بعض علمائهم النكير على من يبحث في ذلك‪ ،‬ويتسترون‬
‫وراء التقريب ويتهمون صاحب هذا البحث بأنه متعصب معرقل لجهود المصلحين في‬
‫التقريب‪ ،‬ولكن كتابا ككتاب عبد الحسين شرف الدين في الطعن في أكبر صحابي موثوق‬
‫في روايته لألحاديث في نظر أهل السنة ال يراه أولئك العائبون أو الغاضبون عمال‬
‫معرقال لجهود الساعين إلى التقريب‪ ،‬ويقول‪ :‬لست أحصر المثال بكتاب‪« :‬أبي هريرة»‬
‫المذكور‪ ،‬فهناك كتب تطبع في العراق وفي إيران وفيها من التشنيع على جمهور‬
‫الصحابة ما ال يتحمل سماعه إنسان ذو وجدان وضمير‪ ،‬مما يؤجج نيران التفرقة من‬
‫جديد (‪ ،)5‬هذه تجربة الشيخ السباعي رحمه هللا ومحاولته أفلست أمام تعصب شيوخ‬
‫الشيعة وإصرارهم في عدوانهم على خير جيل وجد في خير القرون (‪.)6‬‬
‫لقد أصبح التقريب في مفهوم الشيعة الرافضة‪ ،‬أن يتاح لهم المجال لنشر عقائدهم في‬
‫ديار السنة‪ ،‬وأن يستمروا في نيلهم من أصحاب رسول هللا ×‪ ،‬وأن يسكت أهل السنة عن‬
‫بيان الحق‪ ،‬وإن سمع الروافض الحق يعلوا هاجوا وماجوا قائلين إن الوحدة في خطر (‪.)7‬‬
‫ب‪ -‬تجربة الشيخ موسى جار هللا‪ :‬هذا الشيخ الجليل من علماء روسيا فهو موسى‬
‫بن جار هللا التركستاني القازاني الروسي‪ ،‬شيخ مشايخ روسيا في نهاية العصر القيصري‬
‫وبداية الحكم السوفيتي‪ ،‬كان صاحب الكلمة األولى واألخيرة في أمور مسلمي روسيا‬
‫الذين كانوا يزيدون عن الثالثين مليون نسمة‪ ،‬ثم هب عليه إعصار الشيوعية فأصبح بعيدا‬
‫عن دياره وأهله‪ ،‬قام بتأليف رسائل وكتب‪ ،‬تنقل بين الهند والحجاز ومصر والعراق‪ ،‬قال‬
‫عن نفسه‪ :‬كان بوسعي أن أعد كاتب روسيا األول وأحد زعماء الطليعة فيها لو أنني‬
‫تخليت عن إيماني‪ ،‬ولكنني آثرت أن أشترى اآلخرة بالدنيا (‪.)8‬‬
‫حاول هذا العالم الجليل أن يجمع شمل األمة‪ ،‬وأن يوحد أهل السنة والشيعة وبذل‬
‫جهودا في هذا الجانب عظيمة‪ ،‬فبدأ بدراسة كتب الشيعة وطالعها باهتمام كما يذكر أنه‬
‫طالع (أصول الكافي وفروعه) و(من ال يحضره الفقيه)‪ ،‬وكتاب (الوافي) و(مرآة العقول)‬
‫‪1‬‬
‫() السنة ومكانتها‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫‪2‬‬
‫() السنة ومكانتها‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.10 -9‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.10 -9‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر السابق ص ‪.10‬‬
‫‪6‬‬
‫() مسألة التقريب (‪.)198 /2‬‬
‫‪7‬‬
‫() مسألة التقريب (‪.)198 /2‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)201 /2‬‬
‫‪61‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫و(بحار األنوار) و (غاية المرام) و كتبا كثيرة وغير هذه الكتب (‪ ،)1‬ثم زار ديار الشيعة‬
‫وعاش فيها أكثر من سبعة أشهر يزور معابدها ومشاهدا ومدارسها ويحضر محافلها‬
‫وحفالتها في العزائم والمآتم‪ ،‬ويحضر حلقات الدروس في البيوت والمساجد وصحونها‪،‬‬
‫والمدارس وحجراتها‪ ،‬وأقام بالنجف أيام المحرم ورأى كل ما تأتي به الشيعة أيام العزاء‬
‫ويوم عاشوراء‪ ،‬وخرج هذه العالم بنتيجة علمية‪ ،‬فرأى ببصيرته النافذة وعلمه الغزير أن‬
‫نقد عقائد الشيعة وواقعها هو أول مرحلة من تأليف قلوب األمة‪ ،‬ال تأليف بدونها‪ ،‬وكان‬
‫أول مساعيه في التقريب لقاؤه مع شيخ الشيعة محسن األمين في طهران‪ ،‬وجرى بينهما‬
‫بعض الحديث ثم قدم له الشيخ موسى ورقة صغيرة كان تاريخ الرسالة ‪1934 /8 /26‬‬
‫وأرسل منها نسخة إلى علماء النجف‪ ،‬وأخرى إلى علماء الكاظمية‪ ،‬فكتب فيها‪ :‬أقدم هذه‬
‫المسائل ألساتذة النجف األشرف بيد االحترام بأمل االستفادة بقلب سليم صادق‪ ،‬كله رغبة‬
‫في تأليف عالمي اإلسالم الشيعة اإلمامية الطائفة المحقة ‪-‬يعني على زعمهم‪ ،)2( -‬وعامة‬
‫أهل السنة والجماعة راجيا إجابة األساتذة جميعا أو فرادى‪ ،‬وكل ببيانه البليغ‪ ،‬وبتوقيع يده‬
‫مؤكدًا بخاتمه ومهره‪ ،‬ثم أورد في الرسالة ما في كتب الشيعة من أمور منكرة مشيرا إلى‬
‫أرقام الصفحات في كل ما يذكره‪ ،‬فذكر عدة قضايا خطيرة في كتب الشيعة‬
‫الرافضة‪،‬تحول بين األمة واالئتالف مثل‪:‬‬
‫‪ ‬تكفير الصحابة‪.‬‬
‫‪ ‬اللعنات على العصر األول‪.‬‬
‫‪ ‬تحريف القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ ‬حكومات الدول اإلسالمية وقضاتها وكل علمائها طواغيت في كتب الشيعة‪.‬‬
‫‪ ‬كل الفرق اإلسالمية كافرة ملعونة خالدة في النار إال الشيعة‪.‬‬
‫‪ ‬الجهاد في كتب الشيعة مع غير اإلمام المفترض طاعته حرام مثل حرمة الميتة‬
‫وحرمة الخنزير‪ ،‬وال شهيد إال للشيعة‪ ،‬والشيعي شهيد ولو مات على فراشه‪،‬‬
‫والذين يقاتلون في سبيل هللا من غير الشيعة فالويل يتعجلون‪.‬‬
‫ثم قال الشيخ بعد ما نقل شواهد هذه المسألة من كتب الشيعة المعتمدة مخاطبا شيوخ‬
‫الشيعة‪ :‬هذه ست من المسائل‪ ،‬عقدية الشيعة فيها يقين فهل يبقى لتوحيد كلمة المسلمين في‬
‫عالم اإلسالم من أمل وهذه عقدية الشيعة؟‬
‫وهل يبقى بعد هذه المسائل‪ ،‬وبعد هذه العقيدة لكلمة التوحيد في قلوب أهليها من أثر؟‪.‬‬
‫وهل يمكن أن يكون لألمم اإلسالمية ‪-‬ولهم هذه العقيدة‪ -‬في سبيل غلبة اإلسالم في‬
‫مستقبل األيام من سعى؟ ثم أردف ذلك بمسائل منكرة أخرى مثل‪:‬‬
‫‪ ‬رد الشيعة ألحاديث األمة ودعواهم أن كل ما خالف األمة فيه الرشاد‪ ،‬ويرى أن‬
‫هذا المبدأ هدم لدين الشيعة قبل أن يهدم دين اإلسالم‪.‬‬
‫‪ ‬وما في كتب الشيعة من أبواب في آيات وسور نزلت في األئمة والشيعة‪ ،‬وفي‬
‫آيات وسور نزلت في كفر أبي بكر وعمر وكفر من اتبعهما‪.‬‬
‫‪ ‬وغلو الشيعة في التقية‪.‬‬
‫‪ ‬ثم ذكر أباطيل أخرى شنيعة في كتب الشيعة مثل‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫() الوشيعة‪ ،‬ص ‪ 19‬مسألة التقريب (‪.)199 /2‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسألة التقريب (‪.)205 /2‬‬
‫‪61‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -‬أن رسول هللا × طلق عائشة فخرجت من كونها أم المؤمنين‪.‬‬
‫‪ -‬أن القائم عندما يقوم يقيم الحد على عائشة انتقاما ألمه ابنة النبي × فاطمة عليها‬
‫وعلى أبيها وأوالده الصالة والسالم‪.‬‬
‫‪ -‬أن القائم إذا ظهر يهدم مساجد اإلسالم‪.‬‬
‫‪ ‬ثم ذكر أن دين الشيعة روحه العداء‪ ،‬وأن ما في كتب الشيعة من حكايات العداء‬
‫بين الصديق والفاروق‪ ،‬وبين أن كلها موضوعة‪.‬‬
‫‪ ‬وذكر أن كتب الشيعة تقول على لسان بعض األئمة‪ :‬إن األمة وإن كانت لها‬
‫أمانه وصدق ووفاء‪ ،‬ال تكون مؤمنة إلنكارها الوالية‪.‬‬
‫وأن الشيعة وإن لم يكن عندها شيء من الدين ال عتب لها ألنها تدين بوالية إمام‬
‫عادل‪ ،‬وذكر مسائل أخرى ثم قال‪ :‬فتفضلوا أيها األساتذة السادة باإلفادة حتى يتحد اإلسالم‬
‫وتجتمع كلمة المسلمين حول كتاب هللا المبين‪ ،‬فماذا كان جواب الشيعة بهذه المسائل التي‬
‫نقلتها من أمهات كتب الشيعة عرضا على سبيل االستيضاح‪ ،‬عمال بأمر هللا في كتابه‪:‬‬
‫الذ ْك ِر إِن ُك ْنتُ ْم الَ َت ْعلَ ُمو َن" [النحل‪ /43 :‬األنبياء‪ ،]70 :‬يقول‪ :‬ثم انتظرت سنة‬
‫اسأَلُوا أ َْهل ِّ‬
‫َ‬ ‫‪+‬فَ ْ‬
‫وزيادة‪ ،‬ولم أسمع جوابا من أحد إال من كبير مجتهدي الشيعة بالبصرة‪ ،‬قد قام بوظيفته‬
‫وتفضلـ علي بكل أجوبته في كتاب تزيد صفحاته على تسعين‪ ،‬بكلمات في الطعن في‬
‫العصر األول أشد وأجرح من كلمات كتب الشيعة‪ ،‬ثم كتب الشيخ موسى كتابه (الوشيعة‬
‫في نقد عقائد الشيعة)‪ ،‬بعد أن لم ير استجابة من شيوخ الشيعة‪ ،‬ويقولـ إنني أدافع بذلك‬
‫عن شرف األمة وحرمة الدين‪ ،‬وأقضى به حقوق العصر األول على وعلى كل األمة (‪.)1‬‬
‫وإذا كان الشيخ موسى جار هللا يرى في نشره كتابـ (الوشيعة) وفي نصحه لشيوخ الشيعة‬
‫أن ذلك أول تدبير في التأليف والتقريب فإن شيوخ الشيعة ترى أن ما كشفه الشيخ موسى يجب‬
‫أن يكونـ دفينا ويستفزهم مثل هذا الكشف غاية االستفزاز‪ ،‬والسبب في انزعاج شيوخ الشيعة‬
‫من أي كشف لما في كتبهم من أباطيل أن في ذلك فضحا ألغراضهم ومآربهم‪ ،‬وكشفا‬
‫الستغاللهم لجمهور البسطاء من الشيعة‪ ،‬دينياـ باسم النيابة عن المعصوم المنتظر‪ ،‬ومالياـ باسم‬
‫خمس هذا المنتظر (‪.)2‬‬
‫‪-4‬المنهج السليم للتقريب‪ :‬هو أن يقوم علماء السنة بجهد كبير لنشر اعتقادهم‬
‫الصحيح المنبثق من كتاب هللا وسنة رسوله ×‪ ،‬وبيان صحته وتميزه عن مذاهب أهل‬
‫البدع‪ ،‬وكشف مؤامرات الشيعة الرافضة وأكاذيبهم وما يستدلون به من كتاب أهل السنة‬
‫والرد على الشبهات الموجهة ألهل السنة بعلم وعدل وبرهان‪ ،‬والبد من مصاحبة ذلك كله‬
‫ببيان النحرافات الشيعة الرافضة‪ ،‬وكشف ضالالتهم وأصولهم الفاسدة‪ ،‬وإذا كان أئمة‬
‫السنة قد شاركوا في ذلك فإنه يجب مضاعفة الجهد وأن يكون جهدا جماعيا مخططا له‪.‬‬
‫إن المنهج األصيل للتقريب هو بيان الحق وكشف الباطل وتقريب الشيعة إلى كتاب‬
‫هللا وسنة رسول هللا ×‪ ،‬وفهم اإلسالم الصحيح‪ ،‬من خالل علماء أهل السنة وعلى رأسهم‬
‫فقهاء وعلماء أهل البيت كأمير المؤمنين علي وأبنائه وأحفاده من العلماء‪ ،‬والبد من‬
‫الوقوف في وجه المد التبشيري الرافضي‪ ،‬الذي يشين ألهل البيت األطهار‪ ،‬والذي ينشط‬
‫اليوم بشكل قوي في العالم اإلسالمي‪ ،‬وفي أوروبا وأمريكا‪ ،‬وحتى يجتمع المسلمون على‬
‫كلمة سواء‪ ،‬ويعتصموا بحبل هللا جميعا وال يتفرقوا‪.‬‬
‫وإذا كان ال يجدي مع بعض علماء الشيعة الرافضة االحتجاج عليهم بالقرآن والسنة‬
‫‪1‬‬
‫() الوشيعة ص‪ ،39‬مسألة التقريب (‪.)208 /2‬‬
‫‪2‬‬
‫() مسألة التقريب‪.‬‬
‫‪61‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫واإلجماع‪ ،‬وبيان الحق بهذه األصول لمخالفتهم ألهل السنة في ذلك‪ ،‬فال يعني ذلك أن‬
‫نتوقف عن بيان مذهب أهل السنة وصحته‪ ،‬وبطالن مذهب الشيعة وضالله في تلك‬
‫األصول‪،‬ـ فذلك سيحد من انتشار عقيدة الروافض بين أهل السنة ‪-‬بإذن هللا تعالى‪.-‬‬
‫وعلينا أن نبحث عما يكشف باطلهم من كتبهم نفسها‪ ،‬وهذا المنهج لم يسلكه علماؤنا‬
‫المتقدمون الذين اهتموا بالرد على الروافض‪ ،‬وتفنيد حججهم ودحض دعواهم‪ ،‬ولعل‬
‫السبب في ذلك أن كتب القوم لم يكن لها ذلك الذيوع واالنتشار‪ ،‬وكانت موضع التداول‬
‫الخاص بهم‪ ,‬أو أن السبب أن هناك بعض كتبهم األساسية قد وضعت من المتأخرين‬
‫ونسبت للمتقدمين‪ ،‬أو زيد عليها في العصور المتأخرة (الدول الصفوية) أيا كان السبب‬
‫هذا أو ذاك أو جميعا فإن كتب الروافض اليوم قد انتشرت ودان بقدسيتها وآمن بصحتها‬
‫الكثير من الشيعة الروافض‪ ،‬فهم ال يؤمنون إال بما جاء فيها وال يحتجون إال بها‪ ،‬ويردون‬
‫بها السنة الصحيحة بل نصوص الكتاب الظاهرة بل منهم من يصدق أساطيرها التي تمس‬
‫كتاب هللا العظيم وتزعم الوحي لألئمة وعلم الغيب‪ ،‬فليكن تصحيح وضع الشيعة من‬
‫كتبهم‪ ،‬وكشف ضاللهم من وراياتهم‪ ،‬ومنطلق التقريب الصحيح من مدوناتهم (‪.)1‬‬
‫وقد قامت جهود مشكورة في هذا المجال وظهرت بعض الكتب‪ ،‬مثل (اإلمامة‬
‫والنص) فيصل نور‪( ،‬ثم أبصرت الحقيقة)‪ ،‬محمد بن علي القفاري‪ ،‬و(دراسة عن الفرق‬
‫وتاريخ المسلمين)‪ ،‬للدكتور أحمد جلي‪ ،‬إن هذا المسلك ينبغي أن يدرس بعناية واهتماما‪،‬‬
‫فإن القاريء لكتب الشيعة يتلمس خيوطا بيضاء وسط ركام هائل من الضالل‪ ،‬ومن‬
‫الممكن أن ينسج من هذه الخيوط العقيدة الحقة لألئمة الموافقة للكتاب والسنة الصحيحة‪،‬‬
‫من الضياع والتيه الذي يعيشونه‪ ،‬وهذه الخيوط كما تشمل األصول تشمل الفروع وعلى‬
‫ذلك يمكن اللقاء والتقارب (‪ ،)2‬كما ينبغي التنويه وتشجيع األصوات اإلصالحية الشيعية‬
‫الصادقة واحترامهم وتقديرهم‪ ،‬والوقوفـ معهم في نصيحة أقوامهم‪ ،‬كالذي قام به السيد‬
‫حسين الموسوي ‪-‬رحمه هللا‪ -‬في كتابه (هلل ثم التاريخ‪ ،‬كشف األسرار في تبرئة األئمة‬
‫األطهار)‪ ،‬وكالجهد العلمي الذي قام به السيد أحمد الكاتب مشكورا في كتاب (تطور الفكر‬
‫السياسي الشيعي من الشورى إلى والية الفقيه)‪ ،‬وعلينا أن نقف مع كل محب صادق ألهل‬
‫البيت مقتفيا آلثارهم الصحيحة وهديهم الجميل في إرشاد الناس لكتاب هللا وسنة نبيه عليه‬
‫أفضل الصالة والسالم‪ ،‬ونعاملهم بكل احترام وتقدير‪ ،‬ونأخذ بأيديهم نحو شواطيء‬
‫األمان‪ ،‬ونبين القرآن الكريم طبقا لقواعد اللغة العربية من غير تكلف وال تعسف‪ ،‬ويرجع‬
‫في فهم السنة المطهرة إلى رجال الحديث الثقات (‪ ،)3‬وأن كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إال‬
‫المعصوم × وكل ما جاء عن السلف رضي هللا عنهم موافقا للكتاب والسنة قبلناه‪ ،‬وإال‬
‫فكتاب هللا وسنة رسوله أولى باالتباع‪ ,‬ولكنا ال نعرض لألشخاص فيما اختلفوا فيه بطعن‬
‫أو تجريح ونكلهم إلى نياتهم وقد أفضوا إلى ما قدموا (‪ ،)4‬وكل بدعة في دين هللا ال أصل‬
‫(‪)5‬‬
‫لها استحسنها الناس بأهوائهم سواء بالزيادة فيه أو بالنقص منه ضاللة تجب محاربتها ‪،‬‬
‫والقضاء عليها بأفضل الوسائل التي ال تؤدي على ما هو شر منها‪ ،‬ومحبة الصالحين‬
‫واحترامهم والثناء عليهم بما عرف من طيب أعمالهم قربة إلى هللا تعالى‪ ،‬واألولياء هم‬
‫آمنُوا َو َكانُوا َيَّت ُقو َن" [يونس‪ ،]63 :‬والكرامة ثابتة لهم‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َ‬
‫المذكورون في قوله تعالى‪+ :‬الذ َ‬
‫بشرائطها الشرعية مع اعتقاد أنهم رضوان هللا عليهم ال يملكون ألنفسهم نفعا وال ضرا‬

‫‪1‬‬
‫() مسألة التقريب (‪.)283-282 /2‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)296 /2‬‬
‫‪3‬‬
‫() النهج المبين لشرح األصول العشرين د‪ .‬عبد هللا الوشلي‪ ،‬ص ‪.126‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.157‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر نفسه ص ‪.234‬‬
‫‪61‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫في حياتهم أو بعد مماتهم فضال عن أن يهبوا شيئا من ذلك لغيرهم (‪ ،)1‬وزيارة القبور أيا‬
‫كانت سنة مشروعة بالكيفية المأثورة ولكن االستعانة بالمقبورين وطلب الحاجات منهم‬
‫عن قرب أو بعد والنذر لهم وتشييد القبور وسترها والتمسح بها والحلف بغير هللا وما‬
‫(‪)2‬‬
‫يلحق بذلك من المبتدعات كبائر تجب محاربتها‪ ،‬ال نتأول لهذه األعمال سدا للذريعة ‪،‬‬
‫والعرف الخاطيء ال يغير من حقائق األلفاظ الشرعية‪ ،‬بل يجب التأكد من حدود المعاني‬
‫المقصود بها والوقوف عندها كما يجب االحتراز من الخداع اللفظي من كل نواحي الدنيا‬
‫والدين‪ ،‬فالعبرة بالمسميات ال باألسماء(‪ ،)3‬واإلسالم يحرر العقل‪ ،‬ويحث على النظر في‬
‫الكون ويرفع قدر العلم والعلماء ويرحب بالصالح والنافع من كل شيء‪ ،‬والحكمة ضالة‬
‫المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها (‪ ،)4‬وال نكفر مسلما أقر بالشهادتين‪ ،‬وعمل‬
‫بمقتضاها وأدى الفرائض‪ ،‬برأي أو معصية إال إن أقر بكلمة الكفر‪ ،‬أو أنكر معلوما من‬
‫الدين بالضرورة أو كذب صريح القرآن أو فسره على وجه ال تحتمله أساليب اللغة‬
‫العربية بحال‪ ،‬أو عمل عمال ال يحتمل تأويال غير الكفر (‪.)5‬‬
‫إنه مثل هذه األصولـ والمفاهيم تعين الناس عموما في فهم اإلسالم المتمثل في كتاب‬
‫هللا وسنة رسوله × ومنهج أهل السنة والجماعة‪ ،‬الذي أصل ألصوله رسول هللا ×‬
‫والخلفاء الراشدون المهديون‪ ،‬ومن سار على نهجهم من العلماء والفقهاء‪.‬‬
‫إن أهل الحق المتمسكين بنهج أهل السنة‪ ،‬ليس عندهم بدع بحمد هللا‪ ،‬ومستندهم‬
‫القرآن والسنة الصحيحة‪ ،‬وال يمكنهم التنازل عن شيء من ذلك مما قد يحعل الدين‬
‫عرضة للمساومة‪ ،‬وأما الشيعة الرافضة فعندهم من البدع الشيء الكثير ال يمنعهم شيء‬
‫من التنازل عنها إال التعصب واتباع الهوى والمصالح المادية لبعض شيوخهم المنحرفين‬
‫عن هدي أمير المؤمنين علي وعلماء أهل البيت رضي هللا عنهم جميعا‪ ،‬وذكر العلماء أن‬
‫أهل السنة عليهم إنكار بدع المبتدعة‪ ،‬وإن كان المبتدع متعبدا بها معتقدا صوابه‪ ،‬وال بأن‬
‫أن نقيد إنكارنا على هذه البدع بالقيد المصلحي وفق قاعدة الترجيح بين المفاسد والمصالح‬
‫المتعارضة بأن نحتمل المفسدة اليسيرة من أجل درء المفسدة الكبيرة‪ ،‬ونحتمل تفويت‬
‫المعروف األصغر حرصا على جلب األكبر‪ ،‬وهذه قاعدة صحيحة عند الفقهاء‪ ،‬والعمل‬
‫بهذه القاعدة قد يجعلنا نسكت عن إنكار بدعة الشيعة الرافضة في وقت من األوقات أو في‬
‫مكان من األمكنة سدا للذريعة وخروجا عن أصل اإلنكار إذا كان اإلنكار يؤدي إلى هياج‬
‫الفتن وإراقة الدماء واالقتتال بين أهل بلد يتكافأ فيه عدد الشيعة مع عدد السنة‪ ،‬وأما في‬
‫األحوال االعتيادية التي ال تكون هناك مفسدة تصاحب هذا اإلنكار يكون مستساغا أو‬
‫واجبا (‪.)6‬‬
‫وعلى علماء أهل السنة أن يلتزموا أسلوب البحث العلمي الهادئ في مناقشة بدع‬
‫المبتدعة‪ ،‬وأن يترفقوا معهم‪ ،‬وقد يكون من تمام الترفق زيارتهم ومعاونتهم في الحدود‬
‫التي ال خالف فيها أو نجدتهم في الملمات وأيام المصاعب أو نصرتهم إذا كانوا في نزاع‬
‫مع كافر أو ظالم‪ ،‬وفق السياسة الشرعية الخاضعة للمصالح والمفاسد‪ ،‬إال أن األصل في‬
‫التعاون وحسن العالقة وهدوء البحث ال يمكن أن يطرد دائما‪ ،‬ليشمل من يأتي من الشيعة‬
‫الرافضة بغلو قد يكون في السكوت عنه تحرك الغوغاء والدهماء‪ ،‬بل الواجب أن ننكر‬
‫على أهل الغلو الشديد واألقوال الشاذة في كل األحوال‪ ،‬والحد المميز بين الطائفتين‬
‫‪1‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.259‬‬
‫‪2‬‬
‫() المصدر نفسه‪.279 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.305‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.323‬‬
‫‪5‬‬
‫() المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.343‬‬
‫‪6‬‬
‫() مسألة التقريب (‪.)360 /2‬‬
‫‪61‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫األولى التي نترفق معها في الكالم‪ ،‬والثانية التي نغلظ لها الكالم إنما يكون كامنا في مدى‬
‫اعتماد القائل على نص شرعي يتكون منه شبهة له أو على تأويل قد تميل إله بعض‬
‫األذهان‪ ،‬وأما من يتبع غرائب النقول عن المجاهيل والمتأخرين ومن ال تأويل له فاإلنكار‬
‫‪-‬من تجاهه أولى‪ -‬وربما كان اإلغالظ له أوجب (‪.)1‬‬
‫إن أهل الحل والعقد من أهل السنة في المجتمعات الطائفية هم الذين يقدرون المواقف‬
‫السياسية‪ ،‬والتحالفات الحزبية مع الطوائف األخرى وفق فقه المصالح والمفاسد الذي‬
‫تضبطه قواعد السياسة الشرعية‪ ،‬وهذا ال يمنع العلماء والدعاة من تعليم المسلمين أصول‬
‫منهج أهل السنة وتربيتهم عليه‪ ،‬والتحذير من العقائد المنحرفة المندسة في أوساط‬
‫المسلمين‪ ،‬حتى ال يتأثروا بتلك األفكار الفاسدة التي يجتهد دعاتها في نشرها بالليل‬
‫والنهار‪ ،‬والسر واإلعالن بدون ملل وال كلل‪ ،‬وقد قام رسول هللا × إبان هجرته للمدينة‬
‫بعقد المعاهدات مع اليهود‪ ،‬التي تؤمن لهم حياة كريمة في ظل الدولة اإلسالمية‪ ،‬وكان‬
‫القرآن الكريم في نفس الوقت يتحدث عن عقائد اليهود وتاريخهم وأخالقهم‪ ،‬حتى يعرف‬
‫المسلمون الحقيقة الشخصية لليهودية‪ ،‬فال ينخدعوا بها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)361 /2‬‬
‫‪61‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫المبحث الثالث‬
‫األيام األخيرة من حياة أمير المؤمنين على بن أبي طالب‬
‫واستشهاده رضي هللا عنه‬
‫أوالً‪ :‬في أعقاب النهروان‪:‬‬
‫كان قتال أمير المؤمنين ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬لهذه الفرقة الخارجة المارقة دليال قويا‬
‫وحجة ظاهرة في أنه مصيب في قتاله ألهل الشام‪ ،‬وأنه أولى بالحق من معاوية‪ ،‬فقد جاء‬
‫عن رسول هللا × أنه قال‪« :‬تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى‬
‫الطائفتين بالحق»(‪ ،)1‬فالقارئ يتوقع أن الجيش سيكون أشد عزيمة في قتال أهل الشام‬
‫لما تيقن لديهم هذه البراهين وغيرها مما سبق‪ ،‬كمقتل عمار بن ياسر ‪-‬رضي هللا عنه‪،-‬‬
‫إال أنه بالرغم من ذلك فالذي حدث عكس ما هو متوقع منهم‪ ،‬فالخطة التي رسمها أمير‬
‫المؤمنين علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬هي الذهاب إلى الشام بعد االنتهاء من قتال الخوارج‪ ،‬ألن‬
‫إدخال الشام تحت خالفته وإعادة وحدة األمة هدف يجب تحقيقه وغاية يسعى إلى‬
‫الوصول إليها‪ ،‬وما حربه للخوارج إال تأمين للجبهة الداخلية خشية أن يقعوا بمن في‬
‫العراق من الذراري أثناء غيابه ‪-‬كما ذكر ذلك في خطبته‪ -‬ولكن تجري الرياح بما ال‬
‫تشتهي السفن‪ ،‬إذا لم يستطع ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬غزو الشام حتى استشهد (‪ ،)2‬فلقد كان‬
‫لخروج الخوارج أثر في إضعاف جيش أمير المؤمنين علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ ،-‬كما أن‬
‫الحروب في الجمل وصفين والنهروان‪ ،‬تسببت في ملل أهل العراق للحرب ونفورهم‬
‫منها‪ ،‬وخاصة أهل الشام في صفين‪ ،‬فإن حربهم ليس كحرب غيرهم‪ ،‬فمعركة صفين‬
‫الطاحنة لم تفارق مخيلتهم‪ ،‬فكم يتمت أطفال ورملت نساء‪ ،‬بدون أن يتحقق مقصودهم‪،‬‬
‫ولوال الصلح أو التحكيم الذي رحب به أمير المؤمنين علي وكثير من أصحابه لكانت‬
‫مصيبة على العالم اإلسالمي ال ُيتخيل آثارها السيئة‪ ،‬فكان هذا التخاذل عن المسير مع‬
‫علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬إلى الشام مرة أخرى أحب إليهم وتميل إليه نفوسهم‪ ،‬وإن كانوا‬
‫يعلمون أن عليًّا على حق (‪ ،)3‬ومن المعضالت التي أوهنت جانب أمير المؤمنين علي‬
‫‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬خروج فرقة تغالى في تعظيم أمير المؤمنين علي وترفعه إلى مقام‬
‫(‪)4‬‬
‫األلوهية‪ ،‬حتى بدا للبعض أن هذا رد فعل للخوارج الذين يتبرءون من علي ويكفرونه ‪،‬‬
‫ولكن هؤالء كان مقصدهم سيئا وهو إدخال معتقدات فاسدة على المسلمين لهدم الدين‬
‫وإضعاف المسلمين عامة‪ ،‬وليس جيش علي فقط (‪ ،)5‬ولقد تصدى لهم أمير المؤمنين علي‬
‫‪-‬رضي هللا عنه‪- -‬كما بينا‪ ،-‬والشك أن مباينة الخوارج وقتلهم أضعف جانب علي كثيرا‪،‬‬
‫تم تتابعت الفتوق على علي من بعد‪ ،‬فخرج الخريت بن راشد‪ ،‬وقيل اسمه الحارث بن‬
‫راشد في قومه من بني ناجية‪ ،‬وكان من والة علي على األهواز‪ ،‬فدعا إلى خلع علي‪،‬‬
‫فأجابه خلق كثير واحتوى على البالد وجبى األموال‪ ،‬فبعث إليه جيشا بقيادة معقل بن‬
‫قيس الرياحي فهزمه وقتله (‪ ،)6‬وطمع أهل الخراج في ناحية علي في كسر الخراج‪،‬‬
‫وانتقض أهل األهواز‪ ،‬والبد أن عليا واجه من أجل ذلك بعض الصعوبات المالية‬
‫والعسكرية‪ ،‬وقد روى عن الشعبي في هذا الخصوص قوله‪ :‬لما قتل على أهل النهروان‪،‬‬
‫خالفه قوم كثير‪ ،‬وانقضتـ عليه أطرافه‪ ،‬وخالفه بنو ناجية‪ ،‬وقدم ابن الحضرمي البصرة‬
‫وانتقض أهل األهواز‪ ،‬وطمع أهل الخراج في كسره وأخرجوا سهل بن حنيف عامل علي‬
‫‪1‬‬
‫() مسلم (‪.)746 ،745 /2‬‬
‫‪2‬‬
‫() خالفة علي بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)345‬‬
‫‪3‬‬
‫() خالفة علي بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)345‬‬
‫‪4‬‬
‫() نظام الخالفة في الفكر اإلسالمي‪ ،‬ص (‪ )16 ،15‬مصطفى حلمي‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() خالفة علي بن أبي طالب‪ ،‬عبد الحميد علي‪ ،‬ص (‪.)350‬‬
‫‪6‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)47 - 27 /6‬‬
‫‪61‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫بن أبي طالب من فارس (‪.)1‬‬
‫وفي الجانب اآلخر كان معاوية ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬يعمل بشتى الوسائل سرا وعالنية‬
‫على إضعاف جانب أمير المؤمنين علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ ،-‬واستغل ما أصاب جيشه من‬
‫تفكك وخالف‪ ،‬فأرسل جيشا إلى مصر بقيادة عمرو بن العاص ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬سيطر‬
‫عليها وضمها إليه‪ ،‬وقد ساعده على ذلك عدة عوامل منها‪:‬‬
‫‪ ‬انشغال أمير المؤمنين علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬بالخوارج‪.‬‬
‫‪ ‬عامل أمير المؤمنين علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬على مصر محمد بن أبي بكر لم يكن‬
‫على قدر من الدهاء كسلفه قيس بن سعد بن عبادة الساعدي األنصاري‪ ،‬فدخل‬
‫في حرب مع المطالبين بدم عثمان‪ ،‬ولم يسايسهم كما كان يصنع الوالي السابق‬
‫فهزموه‪.‬‬
‫‪ ‬اتفاق معاوية مع المطالبين بدم عثمان في مصر في الرأي ساعده في السيطرة‬
‫عليها(‪.)2‬‬
‫‪ ‬بعد مصر عن مركز أمير المؤمنين علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬وقربها من الشام‪.‬‬
‫‪ ‬طبيعتها الجغرافية فيهي متصلة بأرض الشام عن طريق سيناء وتمثل امتدادا‬
‫طبيعيا‪ ،‬وقد أضافت مصر لمعاوية ‪-‬رضي هللا عنه‪ ،-‬قوة بشرية واقتصادية كبيرة‪ ،‬وكذلك‬
‫أرسل معاوية بعوثه إلى الجزيرة العربية‪ ،‬ومكة والمدينة وإلى اليمن‪ ،‬ولكن لم تلبث هذه‬
‫البعوث أن ردت على أعقابها عندما أرسل أمير المؤمنين علي من يصدها (‪ ،)3‬وعمل‬
‫معاوية ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬على استمالة كبار أعيان القبائل وعمال علي ‪-‬رضي هللا عنه‪،-‬‬
‫فقد حاول سحب قيس بن سعد ‪-‬رضي هللا عنه‪ ،-‬عامل علي على مصر إليه فلم يستطع‪,‬‬
‫ولكنه استطاع أن يثير شك حاشية علي ومستشاريه فيه فعزله (‪ ،)4‬وكان عزل سعد بن‬
‫قيس مكسبا كبيرا لمعاوية‪ ،‬كما حاول سحب زياد بن أبيه عامل علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬على‬
‫فارس ففشل في ذلك (‪ ،)5‬وقد استطاع معاوية ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬أن يؤثر على بعض األعيان‬
‫والوالة بسبب ما يمنيهم ويعدهم به‪ ،‬ولما يرونه من علو أمر معاوية‪ ،‬وتفرق أمر علي‬
‫‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬إذ يقول في إحدى خطبه‪ :‬إال أن بسرا قد اطلع من قبل معاوية‪ ،‬وال أرى‬
‫هؤالء القوم إال سيظهرون عليكم باجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم‪ ،‬وبطاعتهم‬
‫أميرهم ومعصيتكم أميركم‪ ،‬وبأدائهم األمانة وبخيانتكم‪ ،‬استعملت فالنا فغل وغدر وحمل‬
‫المال إلى معاوية‪ ،‬واستعملت فالنا آخر فخان وغدر وحمل المال إلى معاوية‪ ،‬حتى لو‬
‫ائتمنت أحدهم على قدح خشيت علي عالقته‪ ،‬اللهم إني أبغضتهم وأبغضوني فأرحهم مني‬
‫وأرحني منهم(‪.)6‬‬
‫ثانيًا‪ :‬استنهاض أمير المؤمنين على همة جيشه ثم الهدنة مع معاوية‪:‬‬
‫لم يستسلم أمير المؤمنين على ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬لهذه المصائب‪ ،‬وهذا التقاعس‬
‫والتخاذل‪ ،‬فقد بذل جهده في انتهاض همة جيشه بكل ما أوتي من علم وحجة وفصاحة‬
‫وبيان‪ ،‬فخطبه الحماسية المشهورة ‪-‬التي اشتهرت عنه‪ ،‬تعتبر من عيون التراث‪ -‬لم يقلها‬
‫‪1‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)53 /6‬‬
‫‪2‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق‪ ،‬الطبقات البن سعد (‪ )83 /3‬خالفة علي بن أبي طالب‪ ،‬عبد الحميد علي ص (‬
‫‪ )351‬سنده صحيح‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ خليفة‪ ،‬ص (‪ )198‬بدون سند‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() والة مصر‪ ،‬ص (‪.)46 ،45‬‬
‫‪5‬‬
‫() االستيعاب (‪.)526 - 525 /2‬‬
‫‪6‬‬
‫() التاريخ الصغير للبخاري (‪ )125 /1‬بسند منقطع وله شواهده‪.‬‬
‫‪61‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫من فراغ أو خيال‪ ،‬بل من مر تجرعه وواقع أليم عاصره‪ ،‬فمن خطبه التي قالها لما أغير‬
‫على أطرافه قال‪ :‬أما بعد‪ ،‬فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه هللا لخاصة أوليائه‪ ،‬وهو‬
‫وجنته (‪ )1‬الوثيقة‪ ،‬فمن تركه رغبة عنه ألبسه هللا ثوب‬
‫لباس التقوى ودرع هللا الحصينة ُ‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الذل وشمله البالء‪ ،‬وديث بالصغار والقماءة ‪ ،‬وضرب على قلبه باألسداد ‪ ،‬وأوديل‬
‫النصف (‪ .)6‬أال وإني قد دعوتكم إلى‬ ‫(‪ ،)4‬الحق منه بتضييع الجهاد‪ ،‬وسيم الخس(‪ ،)5‬ومنع َّ‬
‫قتال هؤالء القوم ليال ونهارا وسرا وإعالنا‪ ,‬وقلت لكم اغزوهم قبل أن يغزوكم‪ ،‬فوهللا ما‬
‫غزي قوم في عقر دارهم(‪ )7‬إال ذلوا‪ ،‬فتواكلتم وتخاذلتم‪ ،‬حتى شنت عليك الغارات‪،‬‬
‫وملكت عليكم األوطان‪ ،‬وهذا أخو غامد قد وردت خيله األنبار(‪ ،)8‬وقد قتل حسان‬
‫البكري‪ ،‬وأزال خيلكم من مسالحها(‪ ،)9‬ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة‬
‫وقلبها وقالئدها ورغاثها (‪ ،)11‬ما تمتنع منه‬
‫حجلها ُ‬‫المسلمة واألخرى المعاهدة (‪ ،)10‬فينتزع ْ‬
‫إال باالسترجاع (‪ ،)12‬واالسترحام‪ ،‬ثم انصرفوا وافرين (‪ ،)13‬ما نال رجل منهم كلم وال‬
‫مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما بل كان عندي‬‫ً‬ ‫أريق له دم‪ ،‬فلو أن امرأً‬
‫جديرا‪ ،‬فيا عجبا وهللا يميت القلب ويجلب الهم من اجتماع هؤالء القوم على باطلهم‬
‫وتفرقكم عن حقكم‪ ،‬فقبحا لكم وترحا (‪ ،)14‬حيث صرتم غرضا يرمى‪ ،‬يغار عليكم وال‬
‫تغيرون‪ ،‬وتُغزون وال تَغزون‪ ,‬ويعصى هللا وترضون فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام‬
‫الحر قلتم‪ :‬هذه حمارة القيظ(‪ ،)15‬أمهلنا يسبخ عنا الحر‪ ،‬وإذا أمرتكم بالسير إليهم في‬
‫الشتاء قلتم‪ :‬هذه صبارة القر(‪ ،)16‬أمهلنا يسبخ عنا البرد‪ ،‬كل هذا فرارا من الحر والقر‪،‬‬
‫فإذا كنتم من الحر والقر تفرون‪ ،‬فإذا أنتم وهللا من السيف أفر يا أشباه الرجال وال رجال‬
‫(‪ ،)17‬حلوم األطفال وعقولـ ربات الحجال(‪ ،)18‬لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم‪ ،‬معرفة‬
‫وهللا جرت ندما‪ ،‬وأعقبت سدما(‪ ،)19‬قاتلكم هللا‪ ،‬لقد مألتم قلبي قيحا(‪ ،)20‬وشحنتم صدري‬
‫غيظا‪ ،‬وجرعتموني نغب التهام أنفاسا (‪ ،)21‬وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذالن حتى‬
‫لقد قالت قريش‪ :‬إن ابن أبي طالب رجل شجاع‪ ،‬ولكن ال علم له بالحرب‪ ..‬هلل أبوهم‪ ،‬وهل‬
‫أحد منهم أشد لها مراسا مني(‪ ،)22‬وأقدم فيها مقاما؟ لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫() الجنة بالضم‪ :‬الوقاية‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() ديث‪ :‬ذلل‪ ،‬الصغار‪ :‬الذل والصغر‪ ،‬القماءة‪ :‬الذل والصغار‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() األسداد‪ :‬الحجب التي تحجب عنه الهدي والرشاد‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() أديل الحق منه‪ :‬تحول األمر عنه إلى الحق فألمت به الكوارث‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() سيم الخسف‪ :‬أصبح محل اإلذالل و المهانة‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() منع النصف‪ :‬النصف‪ :‬العدل‪ :‬أي حرم العدل‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() عقر الدار‪ :‬وسطها وأصلها‪ ،‬تواكلتم‪ :‬وكل كل منكم أمر الجهاد إال اآلخر‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() األنبار‪ :‬بلدة شرقي الفرات‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() مسالح‪ :‬جمع مسلحة وهي الثغر‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫() المعاهدة‪ :‬الذمية وهي غير المسلمة المقيمة في بالد المسلمين‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫() الحجل‪ :‬الخلخل‪ ،‬القلب‪ :‬السوار‪ ،‬الرغاث‪ :‬جمع رغثة وهو القرط‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫() االسترجاع‪ :‬ترديد الصوت بالبكاء‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫() وافرين‪ :‬تامين لم ينقص عددهم‪ ،‬الكلم‪ :‬الجرح‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫() ترحا‪ :‬هما أو حزنا أو فقرا‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫() القيظ‪ :‬الحر‪ ،‬حمارة القيظ‪ :‬شدته‪ ،‬يسبخ‪ :‬يخفف‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫() صبارة الشتاء‪ :‬شدة البرد‪ ،‬القر‪ :‬البرد‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫() يقصد أن صفات الرجولة انعدمت فيهم‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫() حلوم‪ :‬عقول‪ ،‬ربات الحجال‪ :‬كناية عن النساء‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫() سدم‪ :‬الهم المشوب باألسف والغيظ‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫() القيح‪ :‬ما في القرحة من الصديد‪ ،‬شحنتم صدري‪ :‬مألتموه‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫() النغب‪ :‬جمع نغبة (كجرعة)‪ :‬الجرعة‪ ،‬التهام‪ :‬الهم‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫() المراس‪ :‬المعالجة‪ :‬المعالجة والمزاولة والمعاناة‪.‬‬
‫‪62‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وها أنذا قد ذرفت على الستين ولكن ال رأي لمن ال يطاع(‪.)1‬‬
‫إن هذه الخطبة كتلة نارية يصبها أمير المؤمنين علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬قذائف ساخنة‬
‫فوق رءوس أولئك القوم‪ ،‬الذين حرموه من قطف ثمار جهاده‪ ،‬وتحقيق النصر الذي كان‬
‫يسعى له‪ ،‬وقد صاغها بأسلوب أدبي رائع‪ ،‬يهز بعباراتها المشاعر‪ ،‬ويحرك بألفاظها‬
‫مكامن النفوس‪ ،‬بعيدا عن الغموض واإلبهام‪ ،‬كما أنها خالية من السجع والصناعة اللفظية‬
‫(‪.)2‬‬
‫إن الخطب التي تثبت عن أمير المؤمنين علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬وأعني بها التي‬
‫تتحدث عن خالفته تعكس صورة تاريخية تتعدى الوصف الظاهري لتكشف عن شعور‬
‫أمير المؤمنين ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬تجاه ما يلقاه من جيشه من تخاذل بعد معركة النهروان‪،‬‬
‫ولكن معظم الخطب التي نسبت إليه ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬ال تصح‪ ،‬فعدد من العلماء يقولون‬
‫عن خطب علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬في نهج البالغة إنها من تأليف ووضع الشريف الرضى‬
‫(‪ ،)3‬فالبد من إعمال منهج نقدي دقيق عند التعامل معها باعتبارها مصدرا تاريخيا‪ ،‬هذا‬
‫ومن ناحية أخرى أخذ علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬يذكر أصحابه بفضائله ومناقبه ومنزلته‬
‫الرفيعة في اإلسالم‪ ،‬فيحدثنا عدد من شهود العيان أن عليا ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬ناشد الناس‬
‫في الرحبة‪ :‬من سمع رسول يوم غدير خم‪« :‬ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من‬
‫أنفسهم؟ قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه‬
‫وعاد من عاداه» فقام اثنا عشر رجل ‪-‬وفي رواية‪ -‬ستة عشر رجال فشهدوا بذلك(‪،)4‬‬
‫وهذا يذكرنا بعثمان ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬عندما كان يستشهد بالصحابة على مناقبه وفضائله‬
‫عندما حصره الغوغاء‪ ،‬وكأنه يقول‪ :‬من هذا عمله وخدمته لإلسالم أهكذا يكون جزاؤه مع‬
‫اختالف المناسبات‪ ،‬وبالرغم من كل هذه المحاوالت والجهود المضنية لم يستطع ‪-‬رضي‬
‫هللا عنه‪ -‬أن يحقق ما يريد‪ ،‬إذ لم يستطع أن يغزوا الشام بسبب التفكك والتصدع الذي‬
‫حدث في داخل جيشه‪ ،‬وتفرق كلمتهم وظهور األهواء فاضطر أمير المؤمنين علي‬
‫‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬في سنة أربعين للهجرة أن يوافق لمعاوية بن أبي سفيان‪- ،‬رضي هللا‬
‫عنه‪ ،-‬على أن يكون العراق له‪ ،‬والشام لمعاوية‪ ،‬وال يدخل أحدهما على صاحبه في عمله‬
‫بجيش وال غارة وال غزو (‪ ،)5‬قال الطبري في تاريخه‪ :‬وفي سنة ‪40-‬هـ‪ -‬جرت بين علي‬
‫ومعاوية المهادنة بعد مكاتبات جرت بينهما يطول بذكرها الكتاب على وضع الحرب‬
‫بينهما‪ ،‬ويكون لعلي العراق ولمعاوية الشام‪ ،‬فال يدخل أحدهما على صاحبه في عمله‬
‫بجيش وال غارة وال غزو (‪.)6‬‬
‫ثالثًا‪ :‬دعاء أمير المؤمنين علي هلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬أن يعجل له بالشهادة‪:‬‬
‫هادن أمير المؤمنين علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬معاوية‪ ،‬ويبدو أن هذه الهدنة لم تستمر‪،‬‬
‫فمعاوية أرسل بسر بن أبي أرطأة إلى الحجاز في العام الذي استشهد فيه علي ‪-‬رضي هللا‬
‫عنه‪ ،)7( -‬ولما لم يتمكن علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬من تجهيز الجيش بما يصبوا ويريد‪ ،‬ورأى‬
‫خذالنهم كره الحياة وتمنى الموت‪ ،‬وكان يتوجه إلى هللا بالدعاء ويطلب منه عز وجل أن‬
‫يعجل منيته‪ ،‬فمما روى عنه أنه خطب يوما فقال‪ :‬اللهم إني قد سئمتهم وسئموني‪ ،‬ومللتهم‬
‫وملوني‪،‬ـ فأرحني منهم وأرحهم مني‪ ،‬فما يمنع أشقاكم أن يخضبها بدم‪ ،‬ووضع يده على‬
‫‪1‬‬
‫() البيان والتبيين للجاحظ‪ ،‬ص (‪.)239 ،238‬‬
‫‪2‬‬
‫() األدب اإلسالمي‪ ،‬نايف معروف‪ ،‬ص(‪.)59‬‬
‫‪3‬‬
‫() ميزان االعتدال (‪ )124 /3‬وله نقد جيد في هذا الموضوع‪ ،‬خالفة علي بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)355‬‬
‫‪4‬‬
‫() فضائل الصحابة (‪ )705 /2‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() خالفة علي بن أبي طالب‪ ،‬عبد الحميد‪ ،‬ص (‪.)356‬‬
‫‪6‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)56 -6‬‬
‫‪7‬‬
‫() التاريخ الصغير للبخاري (‪ ،)41 /1‬خالفة علي بن أبي طالب‪ ،‬عبد الحميد‪ ،‬ص (‪.)431‬‬
‫‪62‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫لحيته(‪ ،)1‬وقد ألح علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬في الدعاء في أيامه األخيرة‪ ،‬فعن جندب قال‪:‬‬
‫ازدحموا على علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬حتى وطئوا على رجله فقال‪ :‬إني قد مللتهم وملوني‪،‬ـ‬
‫وأبغضتهم وأبغضوني‪ ،‬فأرحني منهم وأرحهم مني (‪ ،)2‬وفي رواية أخرى عن أبي صالح‬
‫قال‪ :‬شهدت عليا وضع المصحف على رأسه حتى تقعقع الورق فقال‪ :‬اللهم إني سألتهم ما‬
‫فيه فمعنوني‪،‬ـ اللهم إني قد مللتهم وملوني‪،‬وأبغضتهم وأبغضوني‪ ،‬وحملوني على غير‬
‫أخالقي‪ ،‬فأبدلهم بي شرا مني‪ ،‬وأبدلني بهم خيرا منهم‪ ،‬ومث قلوبهم ميثة الملح في الماء‬
‫(‪ ،)3‬وفي رواية فلم يلبث إال ثالثا أو نحو ذلك‪ ،‬حتى قتل رحمه هللا (‪.)4‬‬
‫وقال الحسن بن علي‪ :‬قال لي علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ :-‬إن رسول هللا × سنح لي‬
‫الليلة في منامي‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول هللا ماذا لقيت من أمتك من األود واللدد؟ (‪ ،)5‬قال‪ :‬ادع‬
‫عليهم‪ ،‬قلت‪ :‬اللهم أبدلني بهم من هو خيرا منهم‪ ،‬وأبدلهم من هو شر مني لهم‪ ،‬قال الحسن‬
‫‪-‬رضي هللا عنه‪ :-‬فخرج فضربه الرجل (‪.)6‬‬
‫رابعًا‪ :‬علم أمير المؤمنين بأنه سيستشهد‪:‬‬
‫تفيد بعض أحاديث النبي × التي تعد من دالئل نبوته × إخباره بأن عليا سيكون من‬
‫الشهداء‪ ،‬فقد جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة ‪-‬رضي هللا عنه‪ :-‬أن رسول هللا × كان‬
‫على حراء‪ ،‬هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال‬
‫رسول هللا ×‪« :‬اهدأ فما عليك إال نبي أو صديق أو شهيد» (‪ ،)7‬وهناك أحاديث أخص من‬
‫هذا الحديث‪ ،‬تخبر أن عليا سيستشهد بأرض العراق وتبين كيفية اغتياله أيضا‪ ،‬وهذا كله‬
‫يبين صدق نبوة محمد ×‪ ،‬وبأنه ال ينطق عن الهوى‪ ،‬وإنما يخبر بما أطلعه هللا عز وجل‬
‫عليه عن طريق الوحي‪ ،‬وقد أطلع النبي × عليا على ما سيحدث له‪ ،‬وقد آمن علي بذلك‬
‫وأيقن‪ ،‬فكان يتحدث إلى الناس بذلك‪ ،‬فمما حدث من ذلك في العراق‪ ،‬إذ يروي عنه أبو‬
‫األسود الدؤلي‪ ،‬يقول أبو األسود‪ :‬سمعت عليا يقول‪ :‬أتاني عبد هللا بن سالم وقد أدخلت‬
‫رجلي في الغرز‪ ،‬فقال لي‪ :‬أين تريد؟ فقلت‪ :‬العراق‪ ،‬فقال‪ :‬أما إنك إن جئتها ليصيبك بها‬
‫ذباب السيف‪ ،‬فقال علي‪ :‬وايم هللا لقد سمعت رسول هللا × قبله يقوله‪ ،‬قال أبو األسود‪:‬‬
‫فعجبت منه‪ ،‬وقلت‪ :‬رجل محارب يحدث بمثل هذا عن نفسه (‪ ،)8‬وحدث بهذا الحديث في‬
‫ينبع قبل توليه الخالفة‪ ،‬من عاده في مرضه‪ ،‬وهو أبو فضالة األنصاري البدري‪- ،‬رضي‬
‫هللا عنه‪ :-‬إني لست ميتا في مرضي هذا‪ ،‬أو من وجعي هذا‪ ،‬إنه عهد إلى النبي × أني ال‬
‫أموت حتى تخضب هذه ‪-‬يعني لحيته‪ -‬من هذه ‪ -‬يعني هامته (‪ ،)9‬وحدث به الخوارج‬
‫وحدث به أصحابه‪ ،‬وقد جمع البيهقي هذه األحاديث ونحوها في كتاب (دالئل النبوة) (‪،)10‬‬
‫وجمعها الحافظ ابن كثير في كتابه البداية والنهاية (‪ ،)11‬وعن عبد هللا بن داود قال سمعت‬
‫األعمش‪ ،‬عن مسلمة بن سهيل عن سالم بن أبي جعدة عن عبد هللا بن سبع قال‪ :‬سمعت‬
‫عليا ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬على المنبر يقول‪ :‬ما ننتظر إال شقيا‪ ،‬عهد إلي رسول هللا ×‬
‫‪1‬‬
‫() مصنف عبد الرزاق (‪ )154 / 10‬بإسناد صحيح‪ ،‬الطبقات (‪ )4 /3‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() اآلحاد والمثاني البن أبي عاصم (‪ )37 /1‬بإسناد حسن‪ ،‬خالفة علي‪ ،‬ص (‪.)432‬‬
‫‪3‬‬
‫() سير أعالم النبالء (‪.)144 /3‬‬
‫‪4‬‬
‫() المحن‪ ،‬ص (‪ )99‬ألبي العرب‪ ،‬خالفة علي‪ ،‬عبد الحميد‪ ،‬ص (‪.)432‬‬
‫‪5‬‬
‫() األود‪ :‬العوج‪ ،‬اللدد‪ :‬الخصومة‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() تاريخ الذهبي‪ ،‬عهد الخلفاء الرشدين‪ ،‬ص (‪.)649‬‬
‫‪7‬‬
‫() مسلم (‪.)1880 /4‬‬
‫‪8‬‬
‫() تاريخ الذهبي‪ ،‬عهد الخلفاء الرشدين‪ ،‬ص (‪.)648‬‬
‫‪9‬‬
‫() خالفة علي بن أبي طالب‪ ،‬عبد الحميد‪ ،‬ص (‪ )433‬طرق الرواية صحيحة بمجموعها‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫() دالئل النبوة (‪ )441 -438 /6‬تحقيق عبد المعطي قلعجي‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)325 -323 /7‬‬
‫‪62‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫لتخضبن هذه من دم هذا‪ ،‬قالوا‪ :‬أخبرنا بقاتلك حتى نبير عترته‪ ،‬قال‪ :‬أنشد هللا رجال قتل‬
‫بي غير قاتلي (‪ ،)1‬وقد تمثل ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬بأبيات شعر فقال‪:‬‬
‫فإن الموت القيكا‬ ‫اشدد حيازيمك للموت‬
‫(‪)2‬‬
‫إذا حل بواديكا‬ ‫وال تجزع من القتل‬

‫وتذهب بعض الروايات إلى أبعد من هذا‪ ،‬إذ تفيد أن عليا ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬يعرف‬
‫هذا الشقي الذي سيقتله‪ ،‬فيروى عبيدة السلماني بسند صحيح إليه يقول‪ :‬كان علي إذا رأى‬
‫ابن ملجم قال‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫عذيرك من خليلك من مرادي‬ ‫أريد حياته ويرد قتلي‬

‫وفي رواية أخرى قال علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ ،-‬عن عبد الرحمن بن ملجم‪:‬أما إن هذا‬
‫قاتلي‪ ،‬قيل‪ :‬فما يمنعك منه؟ قال‪ :‬إنه لم يقتلني بعد (‪ ،)4‬وقد طلب منه الناس أن يستخلف‬
‫لما أخبرهم أنه مقتول‪ ،‬فاعتذر عن ذلك‪ ،‬فعن عبد هللا بن واسع‪ ،‬قال‪ :‬سمعت عليا يقول‪:‬‬
‫لتخضبن هذه من هذا‪ ،‬فما ينتظر بي األشقى؟ قالوا‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬فأخبرنا به نبير‬
‫عترته(‪ ،)5‬قال إذن تاهلل تقتلون بي غير قاتلي‪ ،‬قالوا‪ :‬فاستخلف علينا‪ ،‬قال‪ :‬ال ولكن أترككم‬
‫إلى ما ترككم إليه رسول هللا ×‪ ،‬قالوا‪ :‬فما تقول لربك إذا أتيته؟ ‪-‬وقال وكيع مرة‪ :‬إذا‬
‫لقيته؟ ‪ -‬قال‪ :‬أقول‪ :‬اللهم تركتني فيهم ما بدا لك‪ ،‬ثم قبضتني إليك وأنت فيهم‪ ،‬فإن شئت‬
‫أصلحتهم‪ ،‬وإن شئت أفسدتهم (‪ ،)6‬وعن علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬قال‪ :‬سمعت الصادق‬
‫المصدوق × يقول‪« :‬إنك ستضرب ضربة ههنا ‪-‬وأشار إلى صدغيه‪ -‬فيسيل دمها‬
‫حتى يخضب لحيتك‪ ،‬ويكون صاحبها أشقاها كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود»‬
‫(‪.)7‬‬
‫خامسا‪ :‬استشهاد أمير المؤمنين علي ‪ -‬رضي هللا عنه‪ -‬وما فيه من دروس‬
‫وعبر وفوائد‪:‬ـ‬
‫لقد تركت معركة النهروان في نفوس الخوارج جرحا غائرا لم تزده األيام والليالي‬
‫إال إيالما وحسرة‪ ،‬فاتفق نفر منهم على أن يفتكوا بعلي ‪-‬رضي هللا عنه‪ ،-‬ويثأروا لمن قتل‬
‫من إخوانهم في النهروان‪ ،‬وأجمع أهل السير والمؤرخون على ذكر رواية مشهورة (‪ )8‬ال‬
‫تسلم من انتقادات الحتوائها على عناصر متضاربة وأخرى مختلفة‪ ،‬وال نستبعد بدورنا‬
‫أن تكون هذه الحادثة المهمة قد تعرضت مثل غيرها إلى إضافات وزيادات في الفترات‬
‫المتأخرة‪ ،‬ويبدو من خالل المصادر والدراسات أن هناك إجماعًا على أن عملية قتل علي‬
‫تمت علي أيدي عناصر خارجية انتقاما لضحايا معركة النهروان‪ ،‬أما بقية المعلومات‬
‫‪1‬‬
‫() كتاب الشريعة لآلجري (‪ )2105 /4‬تحقيق الدميجي‪ ،‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ الذهبي‪ ،‬عهد الخلفاء الراشدين‪ ،‬ص (‪.)648‬‬
‫‪3‬‬
‫() طبقات ابن سعد (‪ )34 ،33 /3‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() االستيعاب (‪.)127 /3‬‬
‫‪5‬‬
‫() نبير عترته‪ :‬نهلك ذريته‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() مسند أحمد (‪ )325 /2‬الموسوعة الحديثية حسن لغيره‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫() خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪ ،)164 /163‬حكم المحق أحمد ميرين البلوشي‬
‫‪-‬رحمه هللا‪ -‬بالصحة‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() الطبقات البن سعد (‪ )35 /3‬تاريخ الطبري تاريخ (‪ 58 /6‬إلى ‪ )66‬بسند منقطع‪ ،‬مروج الذهب (‪/3‬‬
‫‪ ،)423‬الطبراني الكبير (‪ ،)85 -55 /1‬مجمع الزوائد (‪ ،)249 /6‬تاريخ اإلسالم والخلفاء الراشدين‬
‫للذهبي‪ ،‬ص (‪ ،)649‬وفيات األعيان (‪ ،)218 /7‬البداية والنهاية (‪.)325 /7‬‬
‫‪62‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الخاصة بالعملية مثل قصة الحب بين ابن ملجم و قطام والدور المزعوم لألشعث الكندي‬
‫‪-‬سيأتي بيان براءته بإذن هللا الحقا‪ -‬وغيرها فيصعب قبولها والتصديق بها وإليك تفصيل‬
‫مقتله ‪-‬رضي هللا عنه‪.-‬‬
‫‪-1‬اجتماع المتآمرين‪ :‬كان من حديث ابن ملجم وأصحابه أن ابن ملجم والبُرك بن‬
‫عبد هللا وعمرو بن بكر التيمي اجتمعوا‪ ،‬فتذاكروا أمر الناس‪ ،‬وعابوا على والتهم‪ ،‬ثم‬
‫ذكروا أهل النهر‪ ،‬فترحموا عليهم‪ ،‬وقالوا‪ :‬ما نصنع بالبقاء بعدهم شيئا‪ ،‬إخواننا الذين‬
‫كانوا دعاة الناس لعبادة ربهم‪ ،‬والذين كانوا ال يخافون في هللا لومة الئم‪ ،‬فلو شرينا أنفسهم‬
‫فأتينا أئمة الضاللة فالتمسنا قتلهم فأرحنا منهم البالد‪ ،‬وثأرنا بهم إخواننا‪ ،‬فقال ابن ملجم‪:‬‬
‫أنا أكفيكم علي بن أبي طالب ‪-‬وكان من أهل مصر‪ -‬وقال البرك بن عبد هللا‪ :‬وأنا أكفيكم‬
‫معاوية‪ ،‬وقال عمرو بن أبي بكر‪ :‬وأنا أكفيكم عمرو بن العاص‪ ،‬فتعاهدوا وتواثقوا باهلل ال‬
‫ينكص رجل منا عن صاحبه الذي توجه إليه حتى يقتله أو يموت دونه‪ ،‬فأخذوا أسيافهم‪،‬‬
‫فسموها واتعدوا لسبع عشرة تخلو من رمضان أن يثب كل واحد منهم على صاحبه الذي‬
‫توجه إليه‪ ،‬وأقبل كل رجل منهم إلى المصر الذي صاحبه فيه يطلب (‪.)1‬‬
‫‪ -2‬خروج ابن ملجم ولقاؤه بقطام ابنة الشجنة‪ :‬فأما ابن ملجم المرادي فكان‬
‫عداده في كندة‪ ،‬فخرج فلقي أصحابه بالكوفة وكاتمهم أمره كراهة أن يظهروا شيئا من‬
‫أمره‪ ،‬فإنه رأى ذات يوم أصحابا من تيم الرباب ‪-‬وكان علي قتل منهم يوم النهر عشرة‪-‬‬
‫فذكروا قتالهم‪ ،‬ولقي من يومه ذلك امرأة من تيم الرباب يقال لها‪ :‬قطام ابنة الشجنة ‪ -‬وقد‬
‫قتل أبوها وأخوها يوم النهر‪ ،‬وكانت فائقة الجمال‪ ،‬فلما رآها التبست بعقله‪ ،‬ونسى حاجته‬
‫التي جاء لها‪ ،‬ثم خطبها‪ ،‬فقالت‪ :‬ال أتزوجك حتى تشفي لي‪ ،‬قال‪ :‬وما يشفيك؟ قالت‪ :‬ثالثة‬
‫آالف وعبد وقينة وقتل علي بن أبي طالب‪ ،‬قال‪ :‬هو مهر لك‪ ،‬فأما قتل علي فال أراك‬
‫ذكرته لي وأنت تريديني‪ ،‬قالت‪ :‬بلى التمس غرته‪ ،‬فإن أصبت شفيت نفسك ونفسي‪،‬‬
‫ويهنئك العيش معي‪ ،‬وإن قتلت فما عند هللا خير من الدنيا وزينة أهلها‪ ،‬قال فوهللا ما جاء‬
‫بي إلى هذا المصر إال قتل علي‪ ،‬فلك ما سألت‪ ،‬قالت‪ :‬إني أطلب لك من يسند ظهرك‪،‬‬
‫ويساعدك على أمرك‪ ،‬فبعثت إلى رجل من قومها من تيم الرباب يقال له‪ :‬وردان‪ ،‬فكلمته‬
‫فأجابها‪ ،‬وأتى ابن ملجم رجال من أشجع يقال له‪ :‬شبيب بن بجرة فقال له‪ :‬هل لك في‬
‫شرف الدنيا واآلخرة؟ قال‪ :‬وما ذاك؟ قال‪ :‬قتل علي بن أبي طالب‪ ،‬قال‪ :‬ثكلتك أمك‪ ،‬لقد‬
‫جئت شيئا إدا‪ ،‬كيف تقدر على علي‪ ،‬قال‪ :‬أكمن له في المسجد فإذا خرج لصالة الغداة‬
‫شددنا عليه فقتلناه‪ ،‬فإن نجونا شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا‪ ،‬وإن قتلنا فما عند هللا خير من‬
‫الدنيا وما فيها‪ ،‬قال‪ :‬ويحك لو كان غير علي لكان أهون علي‪ ،‬قد عرفت بالءه في‬
‫اإلسالم‪ ،‬وسابقته مع النبي × وما أجدني أنشرح لقتله‪ ،‬قال‪ :‬أما تعلم أنه قتل أهل النهر‬
‫العباد الصالحين؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فنقتله بمن قتل من إخواننا‪ ،‬فأجابه‪ ،‬فجاءوا قطام وهي‬
‫في المسجد األعظم معتكفة ‪-‬فقالوا لها‪ -‬قد أجمع رأينا على قتل علي‪ ،‬قالت‪ :‬فإذا أردتم‬
‫فأتوني‪ ،‬ثم عاد إليها ابن ملجم في ليلة الجمعة‪ -‬التي قتل في صبيحتها علي سنة ‪ -40‬فقال‪:‬‬
‫هذه الليلة التي وعدت فيها صاحبي أن يقتل كل منا صاحبه‪ ،‬فدعت لهم بالحرير فعصبتهم‬
‫به‪ ،‬وأخذوا أسيافهم وجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي‪ ،‬فلما خرج ضربه شبيب‬
‫بالسيف‪ ،‬فوقع سيفه بعضادة الباب أو الطاق‪ ،‬وضربه ابن ملجم في قرنه بالسيف وهرب‬
‫وردان حتى دخل منزله فدخل عليه رجل من بني أبيه وهو ينزع الحرير عن صدره‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ما هذا الحرير والسيف؟ فأخبره لما كان وانصرف‪ ،‬فجاء بسيفه فعال به وردان‬
‫حتى قتله‪ ،‬وخرج شبيب نحو أبواب كندة في الغلس‪ ،‬وصاح الناس‪ ،‬فلحقه رجل من‬
‫حضرموت يقال له عويمر‪ ،‬وفي يد شبيب السيف‪ ،‬فأخذه وجثم عليه الحضرمي فلما رأى‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)59 /6‬‬
‫‪62‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الناس قد أقبلوا في طلبه‪ ،‬وسيف شبيب في يده‪ ،‬خشي على نفسه‪ ،‬فتركه‪ ،‬ونجا شبيب في‬
‫غمار الناس فشدوا على ابن ملجم‪ ،‬فأخذوه‪ ،‬إال أن رجال من همدان يكنى أبا أدماء أخذ‬
‫سيفه فضرب به رجله‪ ،‬فصرعه‪ ،‬وتأخر علي‪ ،‬ورفع في ظهره جعدة بن هبيرة بن أبي‬
‫وهب‪ ،‬فصلى بالناس الغداة قال علي‪ :‬علي بالرجل‪ ،‬فأدخل عليه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أي عدو هللا‪ ،‬الم‬
‫أحسن إليك؟‪ ،‬قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬ما حملك على هذا؟ قال‪ :‬شحذته أربعين صباحا‪ ،‬وسألت هللا‬
‫أن يقتل به شر خلقه‪ ،‬فقال علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬ال أراك إال مقتوال به‪،‬وال أراك إال من‬
‫شر خلقه (‪.)1‬‬
‫‪ -3‬محمد ابن الحنفية يروى قصة مقتل أمير المؤمنين علي‪ :‬قال ابن الحنفية‪:‬‬
‫كنت وهللا إني ألصلي تلك الليلة التي ضرب فيها علي في المسجد األعظم في رجال كثير‬
‫من أهل المصر‪ ،‬يصلون قريبا من السدة‪ ،‬ما هم إال قيام وركوعـ وسجود‪ ،‬وما يسأمون‬
‫من أول الليل إلى آخره‪ ،‬إذا خرج علي لصالة الغداة‪ ،‬فجعل ينادي‪ :‬أيها الناس الصالة‬
‫الصالة‪ ،‬فما أدري أخرج من السدة‪ ،‬فتكلم بهذه الكلمات أم ال‪ ،‬فنظرت إلى بريق‪،‬‬
‫وسمعت‪ :‬الحكم هلل يا علي ال لك وال ألصحابك‪ ،‬فرأيت سيفا‪ ،‬ثم رأيت ثانيا‪ ،‬ثم سمعت‬
‫عليا يقول‪ :‬ال يفوتنكم الرجل‪ ،‬وشد الناس عليه من كل جانب‪ ،‬قال‪ :‬فلم أبرح حتى أخذ ابن‬
‫ملجم وأدخل على علي‪ ،‬فدخلت فيمن دخل من الناس‪ ،‬فسمعت عليا يقول‪ :‬النفس بالنفس‪،‬‬
‫أنا إن مت فاقتلوه كما قتلني‪ ،‬وإن بقيت رأيت فيه رأيي (‪ ،)2‬وذكر أن الناس دخلوا على‬
‫الحسن فزعين لما حدث من أمر علي‪ ،‬فبينما هم عنده وابن ملجم مكتوف بين يديه‪ ،‬إذا‬
‫نادته أم كلثوم بنت علي وهي تبكي‪ :‬أي عدو هللا‪ ،‬ال بأس على أبي‪ ،‬وهللا مخزيك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فعلى من تبكين؟ وهللا لقد اشتريته بألف‪ ،‬وسممته بألف‪ ،‬ولو كانت هذه الضربة على جميع‬
‫أهل المصر ما بقي منهم أحد (‪.)3‬‬
‫‪ -4‬وصية الطبيب لعلي وميل أمير المؤمنين للشورى‪ :‬عن عبد هللا بن مالك‪،‬‬
‫قال جمع األطباء لعلي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬يوم جرح‪ ،‬وكان أبصرهم بالطب أثير بن عمرو‬
‫السكوني‪ ،‬وكان صاحب كسرى يتطبب‪ ،‬فأخذ أثير رئة شاة حارة‪ ،‬فتتبع عرقا منها‪،‬‬
‫فاستخرجه فأدخله في جراحة علي‪ ،‬ثم نفخ العرق فاستخرجه فإذا عليه بياض الدماغ‪،‬‬
‫وإذا الضربة قد وصلت إلى أم رأسه‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬اعهد عهدك فإنك ميت (‪،)4‬‬
‫وذكر أن جندب بن عبد هللا دخل على علي فسأله‪ ،‬فقال يا أمير المؤمنين إن فقدناك ‪ -‬وال‬
‫نفقدك‪ -‬فنبايع الحسن؟ قال‪ :‬ما آمركم وال أنهاكم‪ ،‬أنتم أبصر (‪.)5‬‬
‫‪ -5‬وصية أمير المؤمنين علي ألوالده الحسن والحسين ‪-‬رضي هللا عنهم‪:-‬‬
‫دعا أمير المؤمنين علي حسنا وحسينا‪ ،‬فقال‪« :‬أوصيكما بتقوى هللا‪ ،‬وأال تبغيا الدنيا وإن‬
‫بغتكما‪ ،‬وال تبكيا علي شيء زوى عنكما‪ ،‬وقوال الحق‪ ،‬وارحما اليتيم‪ ،‬وأغيثا الملهوف‪،‬‬
‫واصنعا لآلخرة‪ ،‬وكونا للظالم خصما وللمظلوم ناصرا‪ ،‬واعمال بما في الكتاب وال‬
‫تأخذكما في هللا لومة الئم» ثم نظر إلى محمد ابن الحنفية‪ ،‬فقال‪ :‬هل حفظت ما أوصيت به‬
‫أخويك (‪)6‬؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فإني أوصيك بمثله وأوصيك بتوقير أخويك‪ ،‬لعظم حقهما‬
‫عليك‪ ،‬فاتبع أمرهما‪ ،‬وال تقطع أمرا دونهما‪ ،‬ثم قال‪ :‬أوصيكما به‪ ،‬فإنه ابن أبيكما‪ ،‬وقد‬
‫علمتما أن أباكما كان يحبه‪ ،‬وقال للحسن‪« :‬أوصيك أي بني بتقوى هللا‪،‬وإقام الصالة‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)62 /6‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)62 /6‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)62 /6‬‬
‫‪4‬‬
‫() االستيعاب (‪.)1128 /3‬‬
‫‪5‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)62 /6‬‬
‫‪6‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)63 /6‬‬
‫‪62‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫لوقتها‪ ،‬وإيتاء الزكاة عند محلها‪ ،‬وحسن الوضوء‪ ،‬فإنه ال صالة إال بطهور‪ ،‬وال تقبل‬
‫صالة من مانع زكاة‪ ،‬وأوصيك بغفر الذنب‪ ،‬وكظم الغيظ‪ ،‬وصلة الرحم‪ ،‬والحلم عند‬
‫الجهل‪ ،‬والتفقه في الدين‪ ،‬والتثبت في األمر‪ ،‬والتعهد للقرآن‪ ،‬وحسن الجوار‪ ،‬واألمر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬واجتناب الفواحش»(‪.)1‬‬
‫فلما حضرته الوفاة أوصى‪ ،‬فكانت وصيته‪:‬‬
‫«بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب‪ ،‬أوصى أنه يشهد أن‬
‫ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأن محمدا عبده ورسوله‪ ،‬أرسله بالهدى ودين الحق‬
‫ليظهر على الدين كله ولو كره المشركون‪ ،‬ثم إن صالتي ونسكي ومحياي ومماتي هلل‬
‫رب العالمين‪ ،‬ال شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين‪ ،‬ثم أوصيك يا حسن وجميع‬
‫ولدي وأهلي بتقوى هللا ربكم‪ ،‬وال تموتن إال وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل هللا جميعا‪،‬‬
‫وال تفرقوا‪ ،‬فإني سمعت أبا القاسم يقول‪ :‬إن صالح ذات البين أفضل من عامة الصالة‬
‫والصيام‪ ،‬انظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوهم يهون هللا عليكم الحساب‪ ،‬هللا هللا في األيتام‪،‬‬
‫فال تُعنوا أفواههم‪ ،‬وال يضيعن بحضرتكم‪ ،‬وهللا هللا في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم ×‪،‬‬
‫مازال يوصي به حتى ظننا أنه سيورثه‪ ،‬وهللا هللا في القرآن‪ ،‬فال يسبقكم إلى العمل به‬
‫غيركم‪ ،‬وهللا هللا في الصالة فإنها عمود دينكم‪ ،‬وهللا هللا في بيت ربكم فال تخلوه ما بقيتم‪،‬‬
‫فإنه إن ترك لم يناظر‪ ،‬وهللا هللا في الجهاد في سبيل هللا بأموالكم وأنفسكم‪ ،‬وهللا هللا في‬
‫الزكاة‪ ،‬فإنها تطفيء غضب الرب‪ ،‬وهللا هللا فيما ملكت أيمانكم‪ ،‬الصالة الصالة ال تخافن‬
‫في هللا لومة الئم‪ ،‬يكفيكم من أرادكم وبغى عليكم‪ ،‬وقولوا للناس حسنا كما أمركم هللا‪ ،‬وال‬
‫تتركوا األمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولى األمر أشراركم ثم تدعون فال يستجاب‬
‫لكم‪ ،‬وعليكم بالتواصل والتباذل‪ ،‬وإياكم والتدابر والتقاطع والتفرق‪ ،‬وتعاونوا على البر‬
‫والتقوى وال تعاونوا على اإلثم والعدوان‪ ،‬واتقوا هللا إن هللا شديد العقاب‪ ،‬حفظكم هللا من‬
‫أهل بيت‪ ،‬وحفظ فيكم نبيكم‪ ،‬أستودعكم هللا‪ ،‬وأقرأ عليكم السالم ورحمة هللا» ثم لم ينطق‬
‫إال بال إله إال هللا حتى قبض ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬في شهر رمضان سنة أربعين (‪ ،)2‬وجاء في‬
‫رواية أنه قتل في صبيحة إحدى وعشرين من رمضان (‪ ،)3‬وتحمل هذه الرواية على اليوم‬
‫الذي فارق فيه الدنيا‪ ،‬ألنه بقي ثالثة أيام بعد ضربة الشقي (‪.)4‬‬
‫‪ -6‬نهى أمير المؤمنين عن المثلة بقاتله‪ :‬فقد قال ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬احبسوا الرجل‬
‫فإن مت فاقتلوه‪ ،‬وإن أعش فالجروح قصاص (‪ ،)5‬وفي رواية أخرى قال‪ :‬أطعموه واسقوه‬
‫وأحسنوا إساره‪ ،‬فإن صححت فأنا ولي دمي أعفو إن شئت وإن شئت استقدت (‪ ،)6‬وفي‬
‫رواية أخرى زيادة‪ ،‬وهي قوله‪ :‬إن مت فاقتلوه قتلتي وال تعتدوا إن هللا ال يحب المعتدين‬
‫(‪ ،)7‬وقد كان علي نهى الحسن عن المثلة‪ ،‬وقال‪ :‬يا بني عبد المطلب‪ ،‬ال ألفينكم تخوضون‬
‫في دماء المسلمين‪ ،‬تقولون‪ :‬قتل أمير المؤمنين‪ ،‬قتل أمير المؤمنين‪ ،‬أال ال يقتلن‪ ،‬انظر يا‬
‫حسن‪،‬إن مت من ضربته هذه فاضربه ضربة بضربة‪ ،‬وال تمثل بالرجل‪ ،‬فإني سمعت‬

‫‪1‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)63 /6‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)64 /6‬‬
‫‪3‬‬
‫() التاريخ الكبير للبخاري (‪ )99 /1‬بسند صحيح‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() خالفة علي بن أبي طالب‪ ،‬عبد الحميد‪.)439( ،‬‬
‫‪5‬‬
‫() فضائل الصحابة (‪.)560 /2‬‬
‫‪6‬‬
‫() المحن ألبي العرب‪ ،‬ص (‪ ،)4‬خالفة علي بن أبي طالب‪ ،‬ص (‪.)439‬‬
‫‪7‬‬
‫() الطبقات (‪ ،)35 /3‬تاريخ اإلسالم‪.‬‬
‫‪62‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫رسول هللا × يقول‪« :‬إياكم والمثلة ولو أنها بالكلب العقور» (‪ ،)1‬وقد جاء في‬
‫شأن وصية أمير المؤمنين بأمر قاتله روايات كثيرة تتفاوت‪،‬ـ منها الصحيح ومنها‬
‫الضعيف‪ ،‬فالرواية التي فيها أمر علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬بإحراق الشقي بعد قتله إسنادها‬
‫ضعيف‪ ،‬والروايات األخرى تسير في اتجاه واحد فكلها فيها أمر علي بقتل الرجل إن‬
‫مات من ضربته ونهاهم عما سوى ذلك‪ ،‬فهذه الروايات يعضد بعضها‪ ،‬وتنهض‬
‫لالحتجاج بها‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬كما أن أمير المؤمنين على لم يجعله مرتدا‪ ،‬فيأمر بقتله‪ ،‬بل‬
‫نهاهم عن ذلك لما هم بعض المسلمين بقتله وقال‪ :‬ال تقتلوا الرجل‪ ،‬فإن برئت فالجروح‬
‫قصاص‪ ،‬وإن مت فاقتلوه (‪ ،)2‬وتذكر الرواية التاريخية المشهورة‪ :‬فلما قبض على‬
‫‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬بعث الحسن إلى ابن ملجم‪ ،‬فقال للحسن‪ :‬هل لك في خصلة؟ إني وهللا ما‬
‫أعطيت هللا عهدا إال وفيت به‪ ،‬إني كنت قد أعطيت هللا عهدا عند الحطيم أن أقتل عليا‬
‫ومعاوية أو أموت دونهما‪ ،‬فإن شئت خليت بيني وبينه‪ ،‬ولك هللا على إن لم أقتله ‪-‬أو قتلته‪-‬‬
‫ثم بقيت أن آتيك حتى أضع يدي في يدك فقال له الحسن‪ :‬أما وهللا حتى تعاين النار ثم قدمه‬
‫فقتله (‪ ،)3‬ثم أن الناس أخذوه فأحرقوه بالنار ولكن هذه الرواية منقطعة (‪ ،)4‬والصحيح من‬
‫الروايات والذي يليق بالحسن والحسين وأبناء أهل البيت أنهم التزموا بوصية أمير‬
‫المؤمنين على في معاملة عبد الرحمن بن ملجم‪ ،‬وال تثبت الرواية التي تقول‪ :‬فلما دفن‬
‫أحضروا ابن ملجم‪ ،‬فاجتمع الناس‪ ،‬وجاءوا بالنفط والبواري‪ ،‬فقال محمد ابن الحنفية‪،‬‬
‫والحسين‪ ،‬وعبد هللا بن جعفر بن ابي طالب‪ :‬دعونا نشتف منه‪ ،‬فقطع عبد هللا يديه‬
‫ورجليه‪ ،‬فلم يجزع ولم يتكلم‪ ،‬فكحل عينيه فلم يجزع‪ ،‬وجعل يقول إنك لتكحل عيني‬
‫ك الَّ ِذي َخلَ َق" [العلق‪ ،]1 :‬حتى ختمها‪ ،‬وإن عينيه‬ ‫عمك‪ ،‬وجعل يقرأ‪+ :‬اق َْرأْ بِ ْ‬
‫اس ِم َربِّ َ‬
‫لتسيالن‪ ،‬ثم أمر به فعولج عن لسانه ليقطع‪ ،‬فجزع‪ ،‬فقيل له في ذلك‪ ،‬فقال ما ذلك بجزع‬
‫ولكني أكره أن أبقى في الدنيا فواقا ال أذكر هللا‪ ،‬فقطعوا لسانه‪ ،‬ثم أحرقوه وكان أسمر‬
‫حسن الوجه‪ ،‬افلج‪ ،‬شعره من شحمة أذنيه‪ ،‬وفي جبهته أثر السجود (‪.)5‬‬
‫وقال الذهبي عن عبد الرحمن بن ملجم‪ :‬قاتل علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ ،-‬خارجي مفتر‪..،‬‬
‫شهد فتح مصر‪ ،‬واختط بها مع األشراف‪ ،‬وكان ممن قرأ القرآن والفقه‪ ،‬وهو أحد بني‬
‫تدول وكان فارسهم بمصر‪ ،‬قرأ القرآن على معاذ بن جبل‪ ،‬وكان من العباد‪ ،‬ويقال‪ :‬هو‬
‫الذي أرسل صبيغا التميمي إلى عمر‪- ،‬رضي هللا عنه‪ ،-‬فسأله عما سأله مستعجم القرآن‪..‬‬
‫إلى أن قال الذهبي ثم أدركه الكتاب‪ ،‬وفعل ما فعل‪ ،‬وهو عند الخوارج من أفضل األمة‪،‬‬
‫وفي ابن ملجم يقول عمران بن حطان الخارجي‪:‬‬
‫إال ليبلغ من ذي العرش رضوانا‬ ‫يا ضربة من تقي ما أراد بها‬

‫أوفى البرية عند هللا ميزانا‬ ‫إني ألذكره حينا فأحسبه‬

‫وابن ملجم عند الروافض أشقى الخلق في اآلخرة‪ ،‬وهو عندنا أهل السنة ممن نرجو‬
‫له النار‪ ،‬ونجوز أن هللا يتجاوز عنه‪ ،‬ال كما يقول الخوارج والروافض فيه‪ ،‬وحكمه حكم‬
‫قاتل عثمان وقاتل الزبير‪ ،‬وقاتل طلحة‪ ،‬وقاتل سعيد بن جبير‪ ،‬وقاتل عمار وقاتل خارجة‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)64 /6‬‬
‫‪2‬‬
‫() منهاج السنة (‪405( )،245 /5‬ـ ‪ ،)406‬منهج ابن تيمية في مسألة التكفير‪ ،‬ص(‪.)309‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)64 /6‬‬
‫‪4‬‬
‫() خالفة علي بن أبي طالب‪ ،‬عبد الحميد‪ ،‬ص (‪.)440‬‬
‫‪5‬‬
‫() طبقات ابن سعد (‪ ،)39 /3‬األخبار الطوال‪ ،‬ص (‪.)215‬‬
‫‪62‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وقاتل الحسين‪ ،‬فكل هؤالء نبرأ منهم ونبغضهم في هللا‪ ،‬ونكل أمورهم إلى هللا عز وجل‬
‫(‪.)1‬‬
‫وأما البرك بن عبد هللا فإنه في تلك الليلة التي ضُرب فيها علي قعد لمعاوية‪ ،‬فلما‬
‫خرج ليصلي الغداة شد عليه بسيفه‪ ،‬فوقع السيف في إليته‪ ،‬فأُخذ‪ ،‬فقال‪ :‬إن عندي خبرا‬
‫أسرك به الليلة فألن أخبرتك فنافعي ذلك عندك؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬إن أخا لي قتل عليا في‬
‫مثل هذه الليلة‪ ،‬قال‪ :‬فلعله لم يقدر على ذلك‪ ،‬قال‪ :‬بلى‪ ،‬إن عليا يخرج ليس معه أحد‬
‫يحرسه‪ ،‬فأمر به معاوية فقتل‪ ،‬وبعث معاوية إلى الساعدي ‪ -‬وكان طبيبا‪ -‬فلما نظر إليه‬
‫قال اختر إحدى خصلتين‪ :‬إما أن أحمي حديدة‪ ،‬فأضعها موضع السيف‪ ،‬وإما أن أسقيك‬
‫شربة تقطع منها الولد‪ ،‬وتبرأ منها‪ ،‬فإن ضربتك مسمومة‪ ،‬فقال معاوية أما النار فال صبر‬
‫لي عليها‪ ،‬وأما انقطاع الولد فإن في يزيد وعبد هللا ما تقر به عيني‪ ،‬فسقاه تلك الشربة‬
‫فبرأ‪ ،‬ولم يولد له بعدها‪ ،‬وأمر معاوية عند ذلك بالمقصوراتـ وحرس الليل وقيام الشرطة‬
‫على رأسه إذا سجد‪ ،‬وأما عمرو بن بكر فجلس لعمرو بن العاص تلك الليلة‪ ،‬فلم يخرج‪،‬‬
‫وكان اشتكى بطنه‪ ،‬فأمر خارجة بن حذافة‪ ،‬وكان صاحب شرطته‪ ،‬وكان من بني عامر‬
‫بن لؤي‪ ،‬فخرج ليصلي‪ ،‬فشد عليه فقتله وهو يرى أنه عمرو فضربه فقتله‪ ،‬فأخذه الناس‬
‫فانطلقوا به على عمرو يسلمون عليه باإلمرة‪ ،‬فقال‪ :‬من هذا؟ قالوا‪:‬عمرو قال‪:‬فمن قتلت؟‬
‫قالوا خارجة بن حذافة‪ ،‬قال‪ :‬أما وهللا يا فاسق وما ظننته غيرك‪ ،‬فقال عمرو‪ :‬أردتني‬
‫وأراد هللا خارجة‪ ،‬فقدمه عمرو فقتله (‪.)2‬‬
‫‪ -7‬مدة خالفة أمير المؤمنين علي‪ ،‬وموضع قبره وسنه يوم قتل‪ :‬كانت مدة‬
‫خالفته على قول خليفة بن خياط‪ ،‬أربع سنين وتسعة أشهر وستة أيام‪ ،‬ويقال ثالثة أيام‪،‬‬
‫ويقال أربعة عشر يوما (‪ ،)3‬والذي يظهر أنها أربع سنين وتسعة أشهر وثالثة أيام‪ ،‬وذلك‬
‫ألنه بويع بالخالفة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عام خمس وثالثين‪ ،‬وكانت وفاته‬
‫شهيدا في اليوم الحادي والعشرين من شهر رمضان عام أربعين للهجرة (‪.)4‬‬
‫وقد تولى غسل أمير المؤمنين علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬الحسن والحسين وعبد هللا بن جعفر‪،‬‬
‫رضوان هللا عليهم‪ ،‬وكفن في ثالثة أثواب ليس فيهاـ قميص (‪ ،)5‬وصلى عليه الحسن ابن علي‪،‬‬
‫‪-‬رضي هللا عنهما‪ ،-‬فكبر عليه أربع تكبيرات (‪ ،)6‬وفي رواية دون إسناد كبر عليه تسع‬
‫تكبيرات(‪.)7‬‬
‫وأما موضع قبره فقد اختلف فيه وذكر ابن الجوزي عددا من الروايات في ذلك ثم‬
‫قال‪ :‬وهللا أعلم أي األقوال أصح (‪ ،)8‬ومن الروايات التي جاءت في هذا الشأن ما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬أن الحسن بن علي ‪-‬رضي هللا عنهما‪ -‬دفنه عند مسجد الجماعة في الرحبة مما‬
‫يلي أبواب كندة قبل أن ينصرف الناس من صالة الفجر (‪.)9‬‬
‫‪ ‬رواية مثلها أنه دفن بالكوفة عند قصر اإلمارة عند المسجد الجامع ليال وعمى‬

‫‪1‬‬
‫() تاريخ اإلسالم‪ ،‬عهد الخلفاء الراشدين‪ ،‬ص (‪.)654‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)65 /6‬‬
‫‪3‬‬
‫() التاريخ‪ ،‬ص (‪.)199‬‬
‫‪4‬‬
‫() التاريخ الكبير للبخاري (‪ )99 /1‬بسند صحيح‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫() المنتظم (‪ ،)175 /5‬الطبقات (‪.)337 /3‬‬
‫‪6‬‬
‫() الطبقات (‪.)338 ،337 /3‬‬
‫‪7‬‬
‫() المنتظم (‪.)175 /5‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)178 /5‬‬
‫‪9‬‬
‫() الطبقات (‪ ،)38 /3‬خالفة علي بن أبي طالب‪ ،‬عبد الحميد‪ ،‬ص (‪.)441‬‬
‫‪62‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫موضع قبره (‪.)1‬‬
‫‪ ‬رواية تذكر أن ابنه الحسن ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬نقله إلى المدينة (‪.)2‬‬
‫‪ ‬رواية تذكر أن القبر الذي بظاهر الكوفة المشهد الذي بالنجف هو قبر علي‬
‫‪-‬رضي هللا عنه‪ ،-‬وأنكر بعض أهل العلم مثل شريك بن عبد هللا النخعي قاضي الكوفة‬
‫(ت ‪178‬هـ) ومحمد بن سليمان الحضرمي (ت‪297‬هـ) (‪ ،)3‬وفي الحقيقة فإن ابتداع ما‬
‫يسمى مشهد علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬بالنجف كان أيام بني بويه في عهد الدولة العباسية‬
‫وكانوا من الشيعة الروافض‪ ،‬وقد صنع الشيعة ذلك على عاداتهم في القرن الرابع‪ ،‬وأهل‬
‫المعرفة متفقونـ على أنه ليس بقبر علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬بل قيل‪ ،‬هو قبر المغيرة بن‬
‫شعبة‪ ،‬قال ابن تيمية‪ :‬وأما المشهد الذي بالنجف‪ ،‬فأهل المعرفة متفقون على أنه ليس بقبر‬
‫علي‪ ،‬بل قيل‪ :‬إنه قبر المغيرة بن شعبة‪ ،‬ولم يكن أحد يذكر أن هذا قبر على وال يقصده‬
‫أحد أكثر من ثالثمائة سنة‪ ،‬مع كثرة المسلمين من أهل البيت والشيعة وغيرهم وحكمهم‬
‫بالكوفة‪ ،‬إنما اتخذ ذلك مشهدا في ملك بني بويه ‪ -‬األعاجم‪ -‬بعد موت علي بأكثر من‬
‫ثالثمائة سنة (‪ ،)4‬وقال‪ :‬وأما مشهد علي فعامة العلماء على أنه ليس قبره‪ ،‬بل قد قيل‪ :‬إنه‬
‫قبر المغيرة بن شعبة‪ ،‬وذلك أنه إنما أظهر بعد نحو ثالثمائة سنة من موت علي في إمارة‬
‫بني بويه (‪.)5‬‬
‫‪ ‬واختلف في سنة يوم قتل‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬قتل وهو ابن تسع وخمسين سنة‪ ،‬وقيل‬
‫وهو ابن خمس وستين سنة‪ ،‬وقيل وهو ابن ثالث وستين سنة‪ ،‬وذلك أصح ما قيل فيه (‪.)6‬‬
‫‪-8‬خطبة الحسن بن علي ‪-‬رضي هللا عنهما‪ -‬بعد مقتل أبيه‪ :‬عن عمرو بن‬
‫حُبنشى‪ ،‬قال‪ :‬خطبنا الحسن بن علي بعد قتل علي ‪-‬رضي هللا عنهما‪ ،-‬فقال‪ :‬لقد فارقكم‬
‫رجل أمس ما سبقه األولون بعلم وال أدركه اآلخرون‪ ،‬إن كان رسول هللا × ليبعثه ويعطيه‬
‫الراية فال ينصرف (‪ )7‬حتى يفتح له‪ ،‬ما ترك من صفراء وال بيضاء إال سبعمائة درهم من‬
‫عطائه كان يرصدها لخادم أهله (‪.)8‬‬
‫‪-9‬سعد بن أبي وقاص ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬يثنى على علي ‪-‬رضي هللا عنه‪:-‬‬
‫عن ربيعة الجرشي‪ :‬أنه ذكر علي عند رجل وعنده سعد بن أبي وقاص فقال له سعد‪:‬‬
‫أتذكر عليا‪ ،‬إن له مناقب أربعًا ألن تكون لي واحدة منهن أحب إلى من كذا وكذا‪ ،‬وذكر‬
‫حمر النعم قوله‪ :‬ألعطين الراية‪ ،‬وقوله‪ :‬أنت مني بمنزلة هارون من موسى‪ ،‬وقوله‪ :‬من‬
‫كنت موااله فعلي مواله (‪ ،)9‬ونسى سفيان واحدة‪.‬‬
‫‪-10‬عبد هللا بن عمر يثنى على علي بن أبي طالب ‪-‬رضي هللا عنه‪ :-‬عن‬
‫سعد بن عبيدة قال‪ :‬جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن عثمان فذكر من محاسن عمله‪،‬‬
‫قال‪ :‬لعل ذلك يسوؤك قالك نعم قال‪ :‬فأرغم هللا بأنفك‪ ،‬ثم سأله عن علي فذكر من محاسن‬
‫عمله قال‪ :‬هو ذاك‪ ،‬بيته أوسط بيوت النبي ×‪ ،‬ثم قال‪ :‬لعل ذاك يسوؤك؟ قال‪ :‬أجل‪ ،‬قال‬

‫‪1‬‬
‫() المنتظم (‪ ،)177 /5‬تاريخ اإلسالم‪ ،‬عهد الخلفاء‪ ،‬ص(‪.)615‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ بغداد (‪.)137 /1‬‬
‫‪3‬‬
‫() خالفة علي بن أبي طالب‪ ،‬عبد الحميد ص (‪.)441‬‬
‫‪4‬‬
‫() الفتاوى (‪ ،)502 /4‬دراساتـ في األهواء والفرق والبدع‪ ،‬ص (‪.)280‬‬
‫‪5‬‬
‫() الفتاوى (‪.)446 /27‬‬
‫‪6‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)67 /6‬‬
‫‪7‬‬
‫() فضائل الصحابة (‪ )737 /2‬إسناده صحيح‪ :‬فال ينصرف‪ :‬فال يرجع‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() المصدر نفسه (‪ )737 /2‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫() المصدر نفسه (‪ )78 /2‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪62‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫فأرغم هللا بأنفك‪ ،‬انطلق‪ ،‬فأجهد على جهدك (‪.)1‬‬
‫‪-11‬استقبال معاوية خبر مقتل علي‪ :‬ولما جاء خبر قتل علي إلى معاوية جعل‬
‫يبكي‪ ،‬فقالت له امرأته أتبكيه وقد قاتلته؟ فقال‪ :‬ويحك إنك ال تدرين ما فقد الناس من‬
‫الفضل والفقه والعلم (‪ ،)2‬وكان معاوية يكتب فيما ينزل به يسأل له علي بن أبي طالب‬
‫‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬عن ذلك‪ ،‬فلما بلغه قتله قال‪ :‬ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب‪،‬‬
‫فقال له أخوه عتبة‪ :‬ال يسمع هذا منك أهل الشام‪ ،‬فقال له‪ :‬دعني عنك (‪ ،)3‬وقد طلب‬
‫معاوية‪- ،‬رضي هللا عنه‪ -‬في خالفته من ضرار الصدائي أن يصف له عليا‪ ،‬فقال‪ :‬اعفني‬
‫يا أمير المؤمنين قال‪ :‬لتصفنه‪ ،‬قالك أما إذ البد من وصفه فكان وهللا بعيد المدى‪ ،‬شديد‬
‫القوى‪ ،‬يقول فصال (‪ ،)4‬ويحكم عدال‪ ،‬يتفجر العلم من جوانبه‪ ،‬وتنطق الحكمة من نواحيه‪،‬‬
‫ويستوحش من الدنيا وزهرتها‪ ،‬ويستأنس بالليل ووحشته‪ ،‬وكان غزير العبرة‪ ،‬طويل‬
‫الفكرة‪ ،‬يعجبه من اللباس ما قصر‪ ،‬ومن الطعام ما خشن‪ ،‬وكان فينا كأحدنا‪ ،‬يجيبنا إذا‬
‫سألناه‪ ،‬وينبئنا إذا استنبأناه‪ ،‬ونحن وهللا ‪ -‬مع تقريبه إيانا وقربه منا‪ -‬ال نكاد نكلمه هيبة له‪،‬‬
‫يعظم أهل الدين ويقرب المساكين‪ ،‬ال يطمع القوى في باطله‪ ،‬وال ييأس الضعيف من‬
‫عدله‪ ،‬وأشهد أني قد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله (‪ ،)5‬وغارت نجومه‪،‬‬
‫قابضا على لحيته‪ ،‬يتململ تململ السليم‪ ،‬ويبكي بكاء الحزين‪ ،‬ويقول‪ :‬يا دنيا غري‬
‫غيري‪ ،‬إلى تعرضت أم إلى تشوفت! هيهات هيهات‪ ،‬قد باينتك ثالثا ال رجعة فيها‪،‬‬
‫فعمرك قصير‪ ،‬وخطرك قليل‪ ،‬آه من قلة الزاد‪ ،‬وبعد السفر‪ ،‬ووحشة الطريق‪ ،‬فبكى‬
‫معاوية وقال‪ :‬رحم هللا أبا الحسن‪ ،‬كان وهللا كذلك‪ ،‬فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال‪:‬‬
‫حزن من ذبح ولدها وهو في حجرها (‪.)6‬‬
‫وعن عمر بن عبد العزيز قال‪ :‬رأيت رسول هللا × في المنام وأبو بكر وعمر‬
‫جالسان عنده‪ ،‬فسلمت عليه وجلست‪ ،‬فبينما أنا جالس إذ أتي بعلي ومعاوية فأدخال بيتا‬
‫وأجيف (‪ )7‬الباب وأنا أنظر‪ ،‬فما كان بأسرع من أن خرج علي وهو يقول قضى لي ورب‬
‫الكعبة‪ ،‬فما كان بأسرع من أن خرج معاوية وهو يقول غفر لي ورب الكعبة (‪.)8‬‬
‫وروى ابن عساكر عن أبي زرعة الرازي أنه قال له رجل‪ :‬إني أبغض معاوية فقال‬
‫له‪ :‬ولم؟ قال‪ :‬ألنه قاتل عليا‪ ،‬فقال له أبو زرعة‪ :‬ويحك إن رب معاوية رحيم‪ ،‬وخصم‬
‫معاوية خصم كريم‪ ،‬فإيش دخولك أنت بينهما؟ ‪-‬رضي هللا عنهما‪.)9( -‬‬
‫‪ -12‬ما قال الحسن البصري رحمه هللا‪ :‬سئل الحسن البصري عن علي بن أبي‬
‫طالب ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬فقال‪ :‬كان علي وهللا سهما صائبا من مرامي هللا على عدوه‪،‬‬
‫ورباني هذه األمة‪ ،‬وذا فضلها‪ ،‬وذا سابقتها‪ ،‬وذا قرابتها من رسول هللا ×‪ ،‬لم يكن بالنوامة‬
‫(‪ )10‬عن أمر هللا‪ ،‬وال بالملومة في دين هللا‪ ،‬وال بالسروقة لمال هللا‪ ،‬أعطى القرآن عزائمه‪،‬‬
‫ففاز منه برياض مونقة‪ ،‬ذلك علي بن أبي طالب ‪-‬رضي هللا عنه‪.)11( -‬‬
‫‪1‬‬
‫() الصحيح المسند من فضائل الصحابة‪ ،‬ص (‪ )140‬للعدوي‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)133 /8‬‬
‫‪3‬‬
‫() االستيعاب (‪.)1108 /3‬‬
‫‪4‬‬
‫() المصدر نفسه (‪.)1107 /3‬‬
‫‪5‬‬
‫() سدوله‪ :‬سدلته‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() االستيعاب (‪.)1108 /3‬‬
‫‪7‬‬
‫() أجيف الباب‪ :‬رد وأغلق‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)133 /8‬‬
‫‪9‬‬
‫() البداية والنهاية (‪.)133 /8‬‬
‫‪10‬‬
‫() النومة‪ :‬الخامل الذكر الذي ال يؤبه له‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫() االستيعاب (‪.)1110 /3‬‬
‫‪63‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -13‬ما قاله أحمد بن حنبل في خالفة علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ :-‬قال عبد هللا بن‬
‫أحمد بن حنبل‪ :‬كنت بين يدي أبي جالسا ذات يوم‪ ،‬فجائت طائفة من الكرخيين فذكروا‬
‫خالفة أبي بكر وخالفة عمر بن الخطاب وخالفة عثمان فأكثروا‪ ،‬وذكروا خالفة علي بن‬
‫أبي طالب وزادوا فأطالوا‪ ،‬فرفع أبي رأسه إليهم‪ ،‬فقال‪ :‬يا هؤالء‪ ،‬قد أكثرتم القول في‬
‫علي والخالفة‪ ،‬والخالفة وعلى (‪ ،)1‬أتحسبون أن الخالفة تزين عليا؟ بل زينها علي (‪.)2‬‬
‫‪ -14‬براءة األشعث بن قيس من دم علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ :-‬ذهبت بعض‬
‫الروايات إلى اتهام األشعث بن قيس‪ ،‬قال اليعقوبي‪ :‬إن عبد الرحمن بن ملجم نزل على‬
‫األشعث بن قيس‪ ،‬فأقام عنده شهرًا يستحد سيفه (‪ ،)3‬وذكر ابن سعد في الطبقات‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وبات عبد الرحمن ابن ملجم تلك الليلة التي عزم فيها أن يقتل عليا صبيحتها يناجي‬
‫األشعث بن قيس في مسجده حتى كاد أن يطلع الفجر‪ ،‬فقال له األشعث‪ :‬فضحك الصبح‪،‬‬
‫فقام عبد الرحمن ابن ملجم وشبيب بن بجرة فأخذا أسيافهما ثم جاءا حتى جلسا مقابل‬
‫السدة التي يخرج منها علي(‪ ،)4‬وهذه روايات ضعيفة (‪.)5‬‬
‫إن اتهام األشعث ليس عليه دليل‪ ،‬وذلك ألن األشعث بن قيس عند استعراض دوره‬
‫في خالفة علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬نجده مخلصا ووفيا‪ ،‬فهو أول من حارب أهل الشام أثناء‬
‫القتال على الماء‪ ،‬وأظهر العداوة للخوارج منذ نشأتهم‪ ،‬فهو الذي أبلغ عليا ‪-‬رضي هللا‬
‫عنه‪ -‬أن الخوارج يقولون‪ :‬إن عليا تاب من خطيئته ورجع عن التحكيم وقاتلهم في‬
‫النهروان‪ ،‬وقد حرص كل الحرص على أن يوطد عالقته بعلي وآل بيته‪ ،‬فزوج ابنته من‬
‫الحسن بن علي‪- ،‬رضي هللا عنه‪ ،-‬وعندما أراد الحسن أن يبني بها قامت كندة وجعلت‬
‫أرديتها بسطا من بابه إلى باب األشعث (‪ ،)6‬وقد مات األشعث من بعد مقتل علي بأربعين‬
‫ليلة‪ ،‬وصلى عليه الحسن بن علي بن أبي طالب (‪ ،)7‬وهو زوج بنت األشعث بن قيس‪،)8(،‬‬
‫ولم ينقل عن آل علي بن أبي طالب ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬أنهم اتهموا األشعث بهذه التهمة أو‬
‫كاشفوا أحدا من آل األشعث بهذا السبب‪ ،‬ويظل قتل علي عمال من تدبير الخوارج جاء‬
‫في األرجح ثأرا لقتلى النهروان (‪.)9‬‬
‫‪ -15‬خطورة الفرق الضالة والفرق المنحرفة على المسلمين‪ :‬إن الفرق الضالة‬
‫والطوائف المنحرفة عندما تنتشر في بالد المسلمين تعرض أهله للخطر‪ ،‬وتهدد األمن‬
‫واالستقرار وتشكك الناس في عقيدتهم‪ ،‬وتعيث في األرض فسادا وخرابا‪ ،‬وتلك هي حال‬
‫الخوارج المارقين الذين خرجوا على علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬وكفروه‪ ،‬وقتله نفر منهم على‬
‫حين بغتة كما بينا ذلك من قبل‪ ،‬زاعمين أنهم يشرون أنفسهم بهذا الفعل ابتغاء مرضات‬
‫هللا‪ ،‬وما عندهم في ذلك مستند و ال برهان‪ ،‬إن هو إال اتباع األهواء وطاعة الشياطين‪،‬‬
‫وإذا تبين لنا مما سبق أن الخوارج قد تسببوا في قتل علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬وعرفنا‬
‫مناهجهم الفاسدة‪ ،‬فالواجب على أمة اإلسالم أن تحذر منهم‪ ،‬وتحارب مناهجهم‪ ،‬ويقوم‬
‫العلماء والدعاة بواجبهم في ذلك ليستقر األمن‪ ،‬وتظهر أنوار السنة‪ ،‬وتخمد نيران البدعة‪،‬‬
‫وفعل ذلك وأداؤه على الوجه األمثل بالتمكين لعقدية أهل السنة والجماعة‪ ،‬ومقارعة‬
‫‪1‬‬
‫() تاريخ مدينة السالم (‪.)426 /1‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ مدينة السالم (‪.)426 /1‬‬
‫‪3‬‬
‫() تاريخ اليعقوبي (‪.)212 /2‬‬
‫‪4‬‬
‫() الطبقات (‪.)444 /3‬‬
‫‪5‬‬
‫() خالفة علي بن أبي طالب‪ ،‬عبد الحميد‪ ،‬ص (‪.)353‬‬
‫‪6‬‬
‫() تهذيب الكمال (‪.)34 ،33 /3‬‬
‫‪7‬‬
‫() الكامل في التاريخ (‪.)444 /3‬‬
‫‪8‬‬
‫() تهذيب التهذيب (‪.)300 /2‬‬
‫‪9‬‬
‫() دراسة في تاريخ الخلفاء األمويين‪ ،‬محمد ضيف هللا بطاينة‪ ،‬ص (‪.)52‬‬
‫‪63‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫البدعة والمبتدعين‪ ،‬وهذا كله من أسباب نهوض المجتمعات‪ ،‬وهذه هي الطريقة المثلى‬
‫لجمع الشمل ووحدة الصف‪ ،‬ومن تأمل تاريخ اإلسالم الطويل وجد أن الدول التي قامت‬
‫على السنة هي التي جمعت شمل المسلمين‪ ،‬وقام بها الجهاد‪ ،‬واألمر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر‪ ،‬وعز به اإلسالم قديما وحديثا‪ ،‬وهذا بخالف الدول التي قامت على البدعة‪،‬‬
‫وأشاعت الفوضى والفرقة والمحدثات‪ ،‬وفرقت الشمل فهذه سرعان ما تندثر‪ ،‬وتنقرض‬
‫(‪.)1‬‬
‫‪-16‬الحقد الدفين الذي امتألت به قلوب الحاقدين من الخوارج على المؤمنين‬
‫الصادقين‪:‬‬
‫الكشف عن الحقد الدفين الذي امتألت به قلوب الحاقدين من الخوارج على المؤمنين‬
‫الصادقين‪ ،‬دل على ذلك قول عبد الرحمن بن ملجم ‪-‬يعني سيفه‪ :-‬وهللا لقد اشتريته بألف‪،‬‬
‫وسممته بألف‪ ،‬ولو كانت هذه الضربة على جميع أهل المصر ما بقى منهم أحد (‪.)2‬‬
‫إن كلماته هذه تبرز لنا العداء السافر الذي يكنه هؤالء الخوارج‪ ،‬ال علىعموم‬
‫المؤمنين فحسب‪ ،‬بل على القادة الكبار من أمثال علي بن أبي طالب‪- ،‬رضي هللا عنه‪-‬‬
‫الذي تجتمع في شخصه ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬أعظم المناقب وأجل السجايا‪ ،‬وانظر ‪-‬رعاك‬
‫هللا‪ -‬كيف تورد المناهج الباطلة‪ ،‬واألفكار المنحرفة وأصحابها إلى دركات من التعاسة‬
‫والشقاء‪ ،‬عندما يغتالون أهل اإليمان ويدعون أهل األوثان (‪.)3‬‬
‫‪ -17‬تأثير البيئة الفاسدة على أصحابها‪ :‬إذ البيئة الفاسدة تؤثر على أصحابها حتى‬
‫لو كان منهم من يحب العدل ويسعى إليه‪ ،‬فهذا عبد الرحمن بن ملجم يقابل شبيب بن بجرة‬
‫فيقولـ له‪ :‬هل لك في شرف الدنيا واآلخرة؟ قال‪ :‬وما ذاك؟ قال‪ :‬قتل علي بن أبي طالب‪،‬‬
‫قال‪ :‬ثكلتك أمك‪ ،‬لقد جئت شيئًا إ ًّدا‪ ،‬كيف تقدر على علي! قال‪ :‬أكمن له في المسجد‪ ،‬فإذا‬
‫خرج لصالة الغداة شددنا عليه فقتلناه‪ ،‬فإن نجونا شفينا أنفسنا‪ ،‬وأدركنا ثأرنا‪ ،‬وإن قتلنا‬
‫فما عن هللا خير من الدنيا وما فيها‪ ،‬قال‪ :‬ويحك! لو كان غير علي لكان أهون علي‪ ،‬قد‬
‫عرفت بالءه في اإلسالم‪ ،‬وسابقته مع النبي ×‪ ،‬وما أجدني أنشرح لقتله‪ ،‬قال‪ :‬أما تعلم أنه‬
‫قتل العباد الصالحين؟! قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فنقتله بمن قتل من إخواننا‪ ،‬تقول رواية الطبري‪:‬‬
‫فأجابه (‪.)4‬‬
‫فانظر ‪-‬رعاك هللا‪ -‬كيف يؤثر أصحاب اآلراء الضالة واألفكار المنحرفة على من‬
‫يخالطونهم ويجلسون معهم؟ إنه على الرغم من أن شبيبًا لم ينشرح صدره لقتل علي لما‬
‫يعلمه عنه بالئه في اإلسالم وسابقته مع النبي ×‪ ،‬إال أنه استجاب البن ملجم لما أثر عليه‬
‫بالشبهة التي ألقاها عليه عندما ذكره بقتل علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬إلخوانه من الخوارج‬
‫المارقين‪ ،‬فأثار فيه العاطفة تجاههم‪ ،‬رغم أنهم قتلوا بالحق ال الباطل‪ ،‬فاستجاب لصاحبه‪،‬‬
‫وانقاد له فكانت النتيجة‪ :‬إفساد األفكار‪،‬وتلويثـ السمعة‪ ،‬والخسران المبين‪ ،‬وذلك يدعو كل‬
‫مسلم أن يحذر من مصاحبة من كان على نهج هؤالء من فاسدي االعتقاد ملوثي األفكار‪،‬‬
‫وأن يسارع إلى مجالسة العلماء الربانيين الذين يعلمون الحق ويعملون به‪ ،‬ويرشدونه إلى‬
‫ما فيه صالحه في الدنيا واآلخرة‪ ،‬وإنه إن لم يرض بهذه السبيل القويمة‪ ،‬وخالط أولئك‬
‫المنحرفين في عقيدتهم فسيعض أصابع الندم‪ ،‬والت ساعة مندم (‪ )5‬كما قال هللا تعالى‪:‬‬
‫َم أَتَّ ِخ ْذ‬ ‫ِ‬
‫الر ُسول َسبيالً ‪ ‬يَا َو ْيلَتَى ل َْيتَني ل ْ‬ ‫ض الظَّالِ ُم َعلَى يَ َديْ ِه َي ُق ُ‬
‫ول يَا ل َْيتَنِي اتَّ َخذ ُ‬
‫ْت َم َع َّ ِ ِ‬ ‫‪َ +‬و َي ْو َم َي َع ُّ‬
‫‪1‬‬
‫() سير الشهداء‪ ...‬دروس وعبر‪ ،‬عبد الحميد السحيباني‪ ،‬ص (‪.)77‬‬
‫‪2‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)62 /6‬‬
‫‪3‬‬
‫() سير الشهداء‪ ..‬دروس وعبر‪ ،‬ص (‪.)87‬‬
‫‪4‬‬
‫() تاريخ الطبري (‪.)62 /6‬‬
‫‪5‬‬
‫() سير الشهداء‪ ..‬دروس وعبر‪ ،‬ص (‪.)79‬‬
‫‪63‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الش ْيطَا ُن لِ ِإلنس ِ‬
‫اءنِي َو َكا َن َّ‬ ‫ِ‬ ‫فُالَنًا َخلِيالً ‪ ‬لََق ْد أ َ‬
‫َضلَّنِي َع ِن ِّ‬
‫ان َخ ُذوالً" [الفرقان‪-27 :‬‬ ‫َ‬ ‫الذ ْك ِر َب ْع َد إ ْذ َج َ‬
‫‪.]29‬‬
‫هذه بعض الدروس والعبر والفوائد من حادثة مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب‬
‫‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬العالم الرباني‪ ،‬الذي أفنى عمره كله خاشعا له تعالى‪ ،‬أواهًا منيبا‪ ،‬وخط‬
‫لنا طريقا مباركا لالقتداء والتأسي به‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬ما قيل في أمير المؤمنين علي ‪ -‬رضيـ هللا عنه‪ -‬من رثاء‪:‬‬
‫‪ -1‬ما قاله أبو األسود الدؤلي‪ :‬وقال ابن عبد البر‪ :‬وأكثرهم يرويها ألم الهيثم بنت‬
‫العريان النخعية أولها‪:‬‬
‫أال تبكي أمير المؤمنينا‬ ‫أال يا عين ويحك أسعدينا‬

‫بعبرتها وقد رأيت اليقينا‬ ‫تبكي أم كلثوم عليه‬

‫فال قرت عيون الشامتينا‬ ‫اال قل للخوارج حيث كانوا‬

‫بخير الناس ط ًّرا أجمعينا‬ ‫أفي شهر الصيام فجعتمونا‬

‫وذللها ومن ركب السفينا‬ ‫قتلتم خير من ركب المطايا‬

‫ومن قرأ المثاني والمئينا‬ ‫ومن لبس النعال ومن حذاها‬

‫وحب رسول رب العالمينا‬ ‫فكل مناقب الخيرات فيه‬

‫بأنك خيرها حسبا ودينا‬ ‫لقد علمت قريش حيث كانت‬

‫رأيت البدر فوق (‪ )1‬الناظرينا‬ ‫وإذا استقبلت وجه أبي حسين‬

‫نرى مولى رسول هللا فينا‬ ‫وكنا قبل مقتله بخير‬

‫ويعدل في العدا واألقربينا‬ ‫يقيم الحق ال يرتاب فيه‬

‫ولم يخلق من المتجبرينا‬ ‫وليس بكاتم علما لديه‬


‫(‪)2‬‬
‫نعم حار في بلد سنينا‬ ‫كأن الناس إذا فقدوا عليا‬

‫‪-2‬ما قاله إسماعيل بن محمد الحميري من شعر له‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫() فوق‪ :‬في رواية راق‪ ،‬االستيعاب (‪.)1132 /3‬‬
‫‪2‬‬
‫() االستيعاب (‪.)1132 /3‬‬
‫‪63‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫من كان أثبتها في الدين أوتادا‬ ‫سائل قريشا به إن كنت ذا َع َم ٍه‬

‫علما وأطهرها أهال وأوالدا‬ ‫من كان أقدم إسالما وأكثرها‬

‫تدعو مع هللا أوثانا وأندادا‬ ‫منن وحد هللا إذ كانت مك ِّذبة‬

‫عنها وإن يبخلوا في أزمة جادا‬ ‫من كان يقدم في الهيجاء إن نكلوا‬

‫علما وأصدقها وعدا وإيعادا‬ ‫من كان أعدلها حكما وأبسطها‬

‫إن أت لم تلق لألبرار حسادا‬ ‫إن يصدقوك فلن يعدوا أبا حسن‬
‫(‪)1‬‬
‫وذا عناد لحق هللا جحادا‬ ‫إن أنت تلق أقواما ذوي صلف‬

‫‪ -3‬ما قاله بكر بن حماد التاهرتي (‪ )2‬ردا على شاعر الخوارج عمران بن حطان‬
‫(‪:)3‬‬
‫قال شاعر الخوارج عمران بن حطان‪:‬‬
‫إال ليبلغ من ذي العرش رضوانا‬ ‫يا ضربة من تقي ما أرد بها‬

‫أوفى البرية عند هللا ميزانا‬ ‫إني ألذكره حينا فأحسبه‬

‫فقال بكر بن حماد التاهرتي معارضا في ذلك‪:‬‬


‫هدمت ويلك لإلسالم أركانا‬ ‫قل البن ملجم واألقدار غالبة‬

‫وأول الناس إسالما وإيمانا‬ ‫قتلت أفضل من يمشي على قدم‬

‫سن الرسول لنا شرعا وتبيانا‬ ‫وأعلم الناس بالقرآن ثم بما‬

‫ليثا إذا لقى األقران أقرانا‬ ‫وكان من الحرب سيفا صارما ذكرا‬

‫فقلت سبحان رب الناس سبحانا‬ ‫ذكرت قاتله والدمع منحدر‬

‫يخشى المعاد ولكن كان شيطانا‬ ‫إني ألحسبه ما كان من بشر‬

‫‪1‬‬
‫() االستيعاب (‪.)1132 /3‬‬
‫‪2‬‬
‫() بكر بن حماد التاهرتي نسبة إلى تاهرت المغربية ‪-‬رحل إلى الشرق وسمع مسند بن مسدد بن مسرهد‬
‫ورواه عنه في المغرب‪،‬وكان معاصرا للبخاري وكان شاعرا‪ ،‬اإلصابة (‪.)177 /3‬‬
‫‪3‬‬
‫() عمران بن حطان البصري من رؤساء الخوارج ومن الشعراء المقلين توفي سنة ‪ 84‬هـ‪ ،‬اإلصابة (‪/3‬‬
‫‪.)177‬‬
‫‪63‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وآخسر الناس عند هللا ميزانا‬ ‫أشقى مرادا إذا عدت قبائلها‬

‫على ثمود بأرض الحجر خسرانا‬ ‫كعاقر الناقة األولى التي جلبت‬

‫قبل المنية أزمانا فأزمانا‬ ‫قد كان يخبرهم أن سوف يخضبها‬

‫وال سقى قبر عمران بن حطانا‬ ‫فال عفا هللا عنه ما تحمله‬

‫إال ليبلغ من ذي العرش رضوانا‬ ‫لقوله في شقي ما أراد بها‬

‫فسوف يلقى بها الرحمن غضبانا‬ ‫بل ضربة من غوي أوردته لظى‬
‫(‪)1‬‬
‫إال ليصلى عذاب الخلد نيرانا‬ ‫كأنه لم يرد قصدا بضربته‬

‫وهكذا خرج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب من هذه الدنيا بعد جهاد عظيم‪ ،‬وقد‬
‫طويت بوفاته صفحة من أنصع صفحات التاريخ وأنقاها‪ ،‬فقد عرف فيه التاريخ رجل فذا‬
‫من طراز فريد‪ ،‬كانت همته في رضا هللا تعالى‪ ،‬وكان همة انتصار اإلسالم‪ ،‬وأعظم‬
‫أمانيه سيادة أحكام هللا في دنيا الناس‪ ،‬وأقصى غايته تحقيق العدالة بين أفراد رعيته‪.‬‬
‫إن دراسة عهد الخلفاء تمد أبناء الجيل بالعزائم الراشدية‪ ،‬التي تعيد إلى الحياة روعة‬
‫األيام الجميلة الماضية‪ ،‬وبهجتها‪ ،‬وترشد األجيال بأنه لن يصلح أواخر هذا األمر إال بما‬
‫صلحت به أوائله‪ ،‬وتساعد الدعاة والعلماء‪ ،‬وطالب العلم على التأسي بذلك العهد‬
‫الراشدي ومعرفة خصائصه ومعالمه وصفات قادته وجيله‪ ،‬ونظام حكمه ومنهجه في‬
‫السير في دنيا الناس‪ ،‬وذلك يساعد أبناء األمة على إعادة دورها الحضاري من جديد‪.‬‬
‫هذا وقد انتهيت من هذا الكتاب يوم السبت الساعة الواحدة إال خمس دقائق ظهرا‬
‫بتاريخ ‪ 7‬ربيع اآلخر ‪1424‬هـ الموافق ‪ 7‬يونيو ‪2003‬م‪ ،‬والفضلـ هلل من قبل ومن بعد‪،‬‬
‫وأسأله سبحانه وتعالى أن يتقبل هذا العمل ويشرح صدور العباد لالنتفاع به‪ ،‬ويبارك فيه‬
‫ك فَالَ‬‫ك ل ََها َو َما يُ ْم ِس ْ‬ ‫َّاس ِمن َّر ْح َم ٍة فَالَ ُم ْم ِس َ‬ ‫بمنه وكرمه وجوده‪ ،‬قال تعالى ‪َ +‬ما َي ْفتَ ِح اهللُ لِلن ِ‬
‫يم" [فاطر‪.]2 :‬‬ ‫مر ِسل لَهُ ِمن بع ِد ِه وهو الْع ِزيز ال ِ‬
‫ْحك ُ‬‫َْ َ َُ َ ُ َ‬ ‫ُْ َ‬
‫وال يسعني في نهاية هذا الكتاب إال أن أقف بقلب خاشع منيب بفضله وكرمه وجوده‪،‬‬
‫متبرئا من حولي وقوتي‪،‬ـ فاهلل هو المتفضل‪ ،‬وهو المكرم‪ ،‬وهو المعين‪ ،‬وهو الموفق‪ ،‬فله‬
‫الحمد على ما من به علي أوال وآخرا‪ ،‬وأسأله سبحانه بأسماءه الحسنى وصفاته العلى أن‬
‫يجعل عملي لوجهه خالصا ولعباده نافعا‪ ،‬وأن يثيبني على كل حرف كتبته ويجعله في‬
‫ميزان حسناتي‪ ،‬وأن يثيب إخواني الذين أعانوني بكل ما يملكون من أجل إتمام هذا الجهد‬
‫المتواضع‪ ،‬ونرجو من كل مسلم يطلع على هذا الكتاب أال ينسى العبد الفقير إلى عفو ربه‬
‫ومغفرته ورحمته ورضوانه من دعائه‪ ،‬فإن دعوة األخ ألخيه بظهر الغيب مستجابة إن‬
‫ت َعلَ َّي‬ ‫ك الَّتِي أَ ْن َع ْم َ‬
‫ب أ َْو ِز ْعنِي أَ ْن أَ ْش ُك َر نِ ْع َمتَ َ‬
‫شاء هللا تعالى‪ ،‬وأختم الكتاب بقول هللا تعالى‪َ + :‬ر ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك في عب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضاهُ َوأَ ْد ِخلْنِي بَِر ْح َمتِ َ‬
‫صالِ ًحا َت ْر َ‬ ‫َو َعلَى َوالِ َد َّ‬
‫ين" [النمل‪.]19 :‬‬ ‫الصالح َ‬ ‫اد َك َّ‬ ‫َ‬ ‫ي َوأَ ْن أَ ْع َم َل َ‬
‫‪1‬‬
‫() االستيعاب (‪.)1129 /3‬‬
‫‪63‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫سبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬أشهد أال إله إال أنت‪ ،‬أستغفرك وأتوب إليك‪ ،‬وآخر دعوانا أن‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته‬
‫ورضوانه‬
‫على محمد محمد الصالبي‬
‫‪ 7‬ربيع اآلخر ‪1424‬هـ‬
‫‪63‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬

‫الخاتمة‬
‫وبعد‪ ،‬فهذا ما يسره هللا لي من جمع وترتيب فصول هذا الكتاب الذي سميته (سيرة‬
‫أمير المؤمنين علي بن أبي طالب‪ ..‬شخصيته وعصره) فما كان فيه من صواب فهو‬
‫محض فضل هللا علي‪ ،‬فله الحمد حتى يرضى‪ ،‬وله الحمد عند الرضا‪ ،‬وله الحمد بعد‬
‫الرضا‪ ،‬وما كان فيه من خطأ فأستغفر هللا وأتوب إليه‪ ،‬وهللا ورسوله بريء منه‪ ،‬وحسبي‬
‫أني كنت حريصا أن ال أقع في الخطأ‪ ،‬وعسى أن ال أحرم من األجر‪ ،‬وأدعو هللا تعالى أن‬
‫ينفع بهذا الكتاب إخواني المسلمين‪ ،‬وأن يذكرني من يقرؤه في دعاءه‪ ،‬فإن دعوة األخ‬
‫ين‬ ‫ألخيه بظهر الغيب مستجابة إن شاء هللا تعالى‪ ،‬وأختم هذا الكتاب بقول هللا تعالى‪+ :‬والَّ ِ‬
‫ذ‬
‫َ َ‬
‫ان َوالَ تَ ْج َع ْل فِي ُقلُوبِنَا ِغالًّ‬
‫جاءوا ِمن ب ْع ِد ِهم ي ُقولُو َن ر َّبنَا ا ْغ ِفر لَنَا و ِإل ْخوانِنَا الَّ ِذين سب ُقونَا بِا ِإليم ِ‬
‫َ‬ ‫َ ََ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َُ‬
‫يم" [الحشر ‪.]10‬‬ ‫ح‬‫وف َّر ِ‬
‫ٌ‬ ‫ؤ‬‫لِّلَّ ِذ َ َ ُ َ َ َ َ ُ‬
‫ر‬ ‫ك‬ ‫َّ‬
‫ن‬ ‫ِ‬
‫إ‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ب‬
‫َّ‬ ‫ر‬ ‫وا‬‫ن‬‫آم‬ ‫ين‬
‫ٌ‬
‫وبقول الشاعر أبو محمد القحطاني‪:‬‬
‫وأجل من يمشي على الكثبان‬ ‫قل‪ :‬إن خير األنبياء محمد‬
‫(‪)1‬‬
‫وكذلك أفضل صحبه العمران‬ ‫وأجل صحب الرسل صحب محمد‬
‫|‬
‫بدمي ونفسي ذانك الرجالن‬ ‫رجالن قد ُخلقا لنصر محمد‬

‫في نصره وهما له صهران‬ ‫فهما اللذان تظاهرا لنبينا‬

‫وهما له بالوحي صاحبتان‬ ‫بنتاهما أسنى نساء نبينا‬

‫يا حبذا األبوان والبنتان‬ ‫أبواهما أسنى صحابة أحمد‬

‫لفضائل األعمال مستبقان‬ ‫وهما وزيراه اللذان هما هما‬

‫وبقربه في القبر مضطجعان‬ ‫وهما ألحمد ناظراه وسمعه‬

‫وهما لدين محمد جبالن‬ ‫كانا على اإلسالم أشفق أهله‬

‫أتقاهما في السر واإلعالن‬ ‫أصفاهما أقواهما أخشاهما‬

‫أوفاهما في الوزن والرجحان‬ ‫أسناهما أزكاهما أعالهما‬

‫هو في المغارة والنبي اثنان‬ ‫صديق أحمد صاحب الغار الذي‬

‫من شرعنا في فضله رجالن‬ ‫أعني‪ :‬أبا بكر الذي لم يختلف‬

‫‪1‬‬
‫() العمران‪ :‬أبو بكر وعمر رضي هللا عنهما‪.‬‬
‫‪63‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وإمامهم حقا بال بطالن‬ ‫هو شيخ أصحاب النبي وخيرهم‬

‫قد جاءنا في النور والفرقان‬ ‫وأبو المطهرة التي تنزيهها‬

‫بكر مطهرة اإلزار حصان‬ ‫أكرم بعائشة الرضا من حرة‬

‫وعروسه من جملة النسوان‬ ‫هي زوج خير األنبياء وبكره‬

‫هي حبه صدقا بال إدهان‬ ‫هي عرسه‪ ،‬هي أنسه هي إلفه‬

‫وهما بروح هللا مؤتلفان‬ ‫أو ليس والدها يصافي بعلها‬

‫دفع الخالفة لإلمام الثاني‬ ‫لما قضى صديق أحمد نحبه‬

‫بالسيف بين الكفر واإليمان‬ ‫أعني به‪ :‬الفاروق فرق عنوة‬

‫ومحا الظالم وباح بالكتمان‬ ‫هو أظهر اإلسالم بعد خفائه‬

‫في األمر فاجتمعوا على عثمان‬ ‫ومضى وخلى األمر شورى بينهم‬

‫وترا فيكمل ختمة القرآن‬ ‫من كان يسهر ليلة في ركعة‬

‫أعني عل َّي العالم الرباني‬ ‫ولي الخالفة صهر أحمد بعده‬

‫ليث الحروب منازل األقران‬ ‫زوج البتول أخا الرسول وركنه‬

‫وبنى اإلمامة أيما بنيان‬ ‫سبحان من جعل الخالفة رتبة‬

‫من بعد أحمد في النبوة ثاني‬ ‫واستخلف األصحاب كي ال يدعي‬

‫وبمن هما لمحمد سبطان‬ ‫أكرم بفاطمة البتول وبعلها‬

‫هلل در األصل والغصنان‬ ‫غصنان أصلهما بروضة أحمد‬

‫وسعيدهم وبعابد الرحمن‬ ‫أكرم بطلحة والزبير وسعدهم‬

‫وامدح جماعة بيعة الرضوان‬ ‫وأبي عبيدة ذي الديانة والتقى‬


‫‪63‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫وامدح جميع اآلل والنسوان‬ ‫قل خير قول في صحابة أحمد‬

‫بسيوفهم يوم التقى الجمعان‬ ‫دع ما جرى بين الصحابة في الوغى‬

‫وكالهما في الحشر مرحومان‬ ‫فقتيلهم منهم وقاتلهم لهم‬

‫تحوي صدورهم من األضغان‬ ‫وهللا يوم الحشر ينزع كل ما‬

‫إلى عثمان فاجتمعوا على العصيان‬ ‫والويل للركب الذين سعوا‬

‫قد باء من مواله بالخسران‬ ‫ويل لمن قتل الحسين‪ ،‬فإنه‬

‫فاهلل ذو عفو وذو غفران‬ ‫لسنا نكفر مسلما بكبيرة‬


‫|‬
‫ويقول الشاعر‪:‬‬
‫أنا المسكين في مجموع حاالتي‬ ‫أنا الفقير إلى رب البريات‬

‫والخير إن يأتينا من عنده ياتي‬ ‫أنا المظلوم لنفسي وهي ظالمتي‬

‫وال عن النفس لي دفع المضرات‬ ‫ال أستطيع لنفسي جلب منفعة‬

‫كما الغني أبدا وصف له ذات‬ ‫والفقر لي وصف ذات الزم أبدا‬

‫وكلهم عنده عبد له آت‬ ‫وهذه الحال حال الخلق أجمعهم‬

‫ويقول الشاعر‪:‬‬
‫أبعد الخير على أهل الكسل!‬ ‫اطلب العلم وال تكسل فما‬

‫تشتغل عنه بمال وحول‬ ‫احتفل للفقه في الدين وال‬

‫يعرف المطلوب يحقر ما بذل‬ ‫واهجر النوم وحصله فمن‬

‫كل من صار على الدرب وصل‬ ‫ال تقل قد ذهبت أربابه‬

‫(سبحانك اللهم ربنا وبحمدك أشهد أال إله إال أنت أستغفرك و أتوب إليك)‬
‫‪63‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫أحاديث ضعيفة وموضوعة في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي‬
‫هللا عنه‬
‫‪ -1‬إن هللا أوحى إلى في علي ثالثة أشياء ليلة أسري بي‪ ،‬أنه سيد المؤمنين وإمام المتقين‬
‫وقائد الغر المحجلين (موضوع) السلسلة الضعيفة لأللباني‪ ،‬رقم (‪.)353‬‬
‫‪ -2‬السبق ثالثة‪ :‬فالسابق إلى موسى يوشع بن نون والسابق إلى عيسى صاحب ياسين‬
‫والسابق إلى محمد علي بن أبي طالب‪( ،‬ضعيف جدا) السلسلة الضعيفة رقم ‪358‬‬
‫وضعيف الجامع‪ ،‬رقم (‪.)3334‬‬
‫‪ -3‬على أمام البررة‪ ,‬وقاتل الفجرة‪ ،‬منصور من نصره ومخذول من خذله‪( ،‬موضوع)ـ‬
‫السلسلة الضعيفة لأللباني‪ ،‬رقم (‪ )357‬وضعيف الجامع (‪.)37799‬‬
‫‪ -4‬لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتى إلى‬
‫يوم القيامة‪( ،‬كذب) السلسلة الضعيفة‪ ،‬برقم (‪.)400‬‬
‫‪ -5‬اللهم إن عبدك عليا احتبس نفسه على نبيك فرد عليه شرقها‪ ،‬و(في رواية) اللهم إنه‬
‫كان في طاعتك وطاعة رسولك‪ ،‬فاردد عليه الشمس‪ ،‬قالت أسماء‪ :‬فرأيتها غربت‬
‫ثم رأيتها طلعت بعدما غربت‪( ،‬موضوع) السلسلة الضعيفة‪ ،‬برقم (‪ )971‬لأللباني‪.‬‬
‫‪ -6‬إن هللا أمرني بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم‪ ،‬قيل‪ :‬يا رسول هللا من هم؟ (وفي رواية‬
‫سمهم لنا) قال‪ :‬علىمنهم يقول ذلك ثالثة وأبو ذر وسلمان والمقداد‪ ،‬أمرني بحبهم‬
‫وأخبرني أنه يحبهم‪( ،‬ضعيف) السلسلة الضعيفة لأللباني برقمي (‪،)3128 ،1549‬‬
‫وضعيف الجامع (‪ ،)1566‬وضعيف سنن الترمذي (‪ ،)771‬وضعيف سنن ابن‬
‫ماجة (‪ ،)28‬المشكاة (‪.)6249‬‬
‫‪ -7‬أنا مدينة العلم وعلي بابها‪ ،‬فمن أراد العلم فليأت بابه‪( ،‬موضوع)ـ السلسلة الضعيفة‪،‬‬
‫برقم (‪.)2955‬‬
‫‪ -8‬أنا عبد هللا وأخو رسول هللا وأنا الصديق األكبر ال يقولها بعدي إال كذاب‪ ،‬صليت قبل‬
‫الناس لسبع سنين‪( ،‬باطل) ضعيف سنن ابن ماجة‪ ،‬برقم (‪.)23‬‬
‫‪ -9‬رحم هللا عليا‪ ،‬اللهم در الحق معه حيث دار‪( ،‬ضعيف جدا) السلسلة الضعيفة (‬
‫‪ )2094‬وضعيفـ الجامع (‪ )3095‬وضعيف سنن الترمذي (‪ ،)767‬والمشكاة (‬
‫‪.)6125‬‬
‫‪ -10‬على مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا على الحوض‪( ،‬ضعيف)‬
‫ضعيف الجامع برقم (‪.)3802‬‬
‫‪ -11‬على يعسوب المؤمنين والمال يعسوب المنافقين‪( ،‬ضعيف) ضعيف الجامع (‬
‫‪.)3805‬‬
‫‪ -12‬ليلة أسري بي انتهيت إلى ربي عز وجل‪ ،‬فأوحى إلي في علي بثالث‪ :‬أنه سيد‬
‫المسلمين وولي المتقين وقائد الغر المحجلين‪( ،‬موضوع)ـ السلسلة الضعيفة (‬
‫‪.)4889‬‬
‫‪ -13‬يا أنس‪ :‬انطلق فادع لي سيد العرب – يعني عليا‪ -‬فقالت عائشة‪ :‬ألست سيد العرب‬
‫قال‪ :‬أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب يا معشر األنصار أال أدلكم على ما إن‬
‫تمسكتم به لم تضلوا بعده؟! قالوا‪ :‬بلى يا رسول هللا! قال‪ :‬هذا علي فأحبوه بحبي‬
‫وأكرموه لكرامتي‪ ،‬فإن جبريل أمرني بالذي قلت لكم عن هللا عز وجل‬
‫(موضوع)‪.‬السلسلة الضعيفة‪ ،‬برقم (‪.)4890‬‬
‫‪ -14‬أنت تبين ألمتي ما اختلفوا فيه من بعدي (موضوع)ـ السلسلة الضعيفة‪ ،‬برقم (‬
‫‪.)4891‬‬
‫‪ -15‬أنا المنذر وعلى الهادي‪ ،‬بك يا علي يهتدي المهتدون بعدي‪( ،‬موضوع)ـ السلسلة‬
‫الضعيفة‪ ،‬برقم (‪.)4899‬‬
‫‪64‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -16‬لما أسري بي رأيت في ساق العرش مكتوب‪ :‬ال إله إال هللا محمد رسول هللا‪،‬‬
‫صفوتي من خلقي أيدته بعلي ونصرته‪( ،‬موضوع) السلسلة الضعيفة‪ ،‬برقم (‬
‫‪.)4902‬‬
‫‪ -17‬من أراد أن ينظر عإل آدم في عمله‪ ،‬وإلى نوح في فهمه‪ ،‬وإلى إبراهيم في حلمه‪،‬‬
‫وإلى يحيى في زهده‪ ،‬وإلى موسى في بطشه فلينظر إلى علي‪( ،‬موضوع)ـ السلسلة‬
‫الضعيفة‪ ،‬برقم (‪.)4903‬‬
‫‪ -18‬تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بالطرقات والنهروانات والشعفات‪( ،‬موضوع)ـ‬
‫السلسلة الضعيفة‪ ،‬برقم (‪.)907‬‬
‫ك" يوم غدير خم في علي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ول َبلِّ ْغ َما أُنْ ِز َل إِل َْي َ‬
‫ك من َّربِّ َ‬ ‫الر ُس ُ‬ ‫‪ -19‬نزلت هذه اآلية ‪+‬يَا أ َُّي َها َّ‬
‫(موضوع) السلسلة الضعيفة‪ ،‬برقم (‪.)4922‬‬
‫‪ -20‬لما نصب رسول هللا عليا بغدير ختم فنادى له بالوالية هبط جبريل بهذه اآلية‬
‫ت َعلَْي ُك ْم نِ ْع َمتِي"‪( ،‬موضوع)ـ السلسلة الضعيفة‪ ،‬برقم‬ ‫ْت لَ ُك ْم ِدينَ ُك ْم َوأَتْ َم ْم ُ‬
‫‪+‬الَْي ْو َم أَ ْك َمل ُ‬
‫(‪.)4923‬‬
‫‪ -21‬هذا أخي ووصييـ وخليفتي فيكم‪ ،‬فاسمعوا له وأطيعوا يعني‪ :‬عليا‪( ،‬موضوع)ـ‬
‫السلسلة الضعيفة‪ ،‬برقم (‪.)4932‬‬
‫‪ -22‬أنشدكم هللا‪ :‬هل فيكم أحد آخى رسول هللا بينه وبينه –إذ آخى بين المسلمين‪ -‬غيري؟‬
‫قالوا اللهم ال‪( ،‬موضوع)ـ السلسلة الضعيفة‪ ،‬برقم (‪.)4949‬‬
‫‪ -23‬ال سيف إال ذو الفقار وال فتى إال علي‪( ،‬مكذوب) على علي‪ ،‬منهاج السنة (‪/5‬‬
‫‪.)70‬‬
‫‪ -24‬حب علي حسنة ال تضر معها سيئة وبغضه سيئة ال تنفع معها حسنة‪( ،‬مكذوب)‬
‫على علي منهاج السنة (‪.)73 /5‬‬
‫‪ -25‬الثقالن كتاب هللا طرف بيد هللا وطرف بأيديكم‪ ،‬فتمسكوا به وال تضلوا‪ ،‬واآلخر‬
‫عترتي‪ ،‬وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض‪ ،‬فسألت‬
‫ذلك لهما ربي فال تقدمهما فتهلكوا‪ ،‬وال تقصروا عنهما فتهلكوا‪ ،‬وال تعلموهم فهم‬
‫أعلم منكم‪( ،‬ضعيف) السلسلة الضعيفة‪ ،‬برقم (‪.)4914‬‬
‫‪ -26‬معرفة آل محمد براءة من النار‪ ،‬وحب آل محمد جواز على الصراط‪ ،‬والوالية آلل‬
‫محمد أمان من العذاب‪( .‬موضوع) السلسلة الضعيفة‪ ،‬برقم (‪.)4917‬‬
‫‪ -27‬إن هذا أخي ووصييـ وخليفتي من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا‪.‬‬
‫هذا الحديث باطل متنا وسندا‪ ,‬أما من ناحية السند فيه عبد الغفار بن القاسم‪ :‬قال عنه‬
‫الذهبي‪ :‬أبو مريم األنصاري رافضي‪ ،‬ليس بثقة‪ ،‬قال علي بن المديني‪ :‬كان يضع‬
‫الحديث ميزان االعتدال (‪.)640 /2‬‬
‫‪ -28‬إن وصيي وموضع سري هو علي بن أبي طالب‪ ،‬وخير من أترك بعدي وينجز‬
‫عدتي ويقضي ديني علي بن أبي طالب‪ .‬رواه الهيثمي في مجمع الزوائد (‪/9‬‬
‫‪ .)141‬وعزاه إلى الطبراني وقال‪ :‬فيه ناصح بن عبد هللا وهو متروك‪.‬‬
‫‪ -29‬أنا دار الحكمة وعلي بابها‪ .‬رواه الترمذي وأبو نعيم سكت عن قول الترمذي‪ :‬هذا‬
‫حديث غريب منكر‪ ..‬وال نعرف هذا الحديث عن واحد من الثقات عن شريك‬
‫حديث‪ ،‬رقم (‪ ،)3723‬وقال ابن الجوزي‪ :‬هذا حديث موضوع‪ ،‬مشكاة المصابيح (‬
‫‪ )1777 /3‬وحكم ابن الجوزي بأنه مكذوب (الموضوعات ‪.)349 /1‬‬
‫ك ُه ْم َخ ْي ُر الْبَ ِريَِّة"‪ .‬فيه أبو الجارود‪ :‬زياد بن المنذر‬ ‫‪ -30‬أنت يا علي وشيعتك ‪+‬أُولَئِ َ‬
‫الكوفي‪ ،‬قال عنه الحافظ بن حجر‪:‬رافضي كذبه يحيى بن معين (التقريب ‪.)2101‬‬
‫‪ -31‬أوحى هللا إل ّي في علي ثالثا‪ :‬إنه سيد المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين‪.‬‬
‫‪64‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫قال الحافظ‪ :‬قال الحاكم في المناقب‪ :‬صحيح اإلسناد‪ .‬قلت‪ :‬بل هو ضعيف جدا‬
‫ومنقطع أيضًا‪ ،‬إتحاف المهرة (‪ )344 /1‬قائال بأن عمر بن الحصين العقيلي‬
‫وشيخه يحيى بن العالء الرازي متروكان‪ ،‬بل صرح بأن الحديث موضوع‪.‬ـ‬
‫بخ بخ لك يا علي‪ ،‬أصبحت موالنا ومولى كل مؤمن ومؤمنة‪ .‬فيه علي بن زيد بن‬ ‫‪-32‬‬
‫جدعان‪ ،‬قال عنه الجوزجاني‪ :‬واهي الحديث ضعيف‪ ،‬الشجرة في أحوال الرجال‪،‬‬
‫ص (‪ )194‬قال ابن الجوزي في العلل المتناهية في األحاديث الواهية (‪:)226 /1‬‬
‫هذا الحديث ال يجوز االحتجاج به‪ .‬ومن فوقه إلى أبي هريرة ضعفاء‪ .‬وقال البزار‪:‬‬
‫تكلم فيه جماعة من أهل العلم (كشف األستار ‪ )490‬وقال الدارقطني‪ :‬ليس بالقوي‪.‬‬
‫سنن الدارقطني (‪.)103 /1‬‬
‫رحم هللا عليا‪ ،‬اللهم أدر الحق معه حيث دار‪ .‬رواه الحاكم وقال‪ :‬صحيح على شرط‬ ‫‪-33‬‬
‫الشيخين (المستدرك ‪ )125 /3‬فيه المختار بن نافع التميمي‪ ،‬قال الذهبي تعقيبا على‬
‫الحاكم‪ :‬المختار ساقط‪ .‬وقال الحافظ‪ :‬المختار ضعيف (التقريب ‪.)6522‬‬
‫على أخي في الدنيا واآلخرة‪ .‬ضعيف (انظر ضعيف الجامع لأللباني ‪.)3801‬‬ ‫‪-34‬‬
‫على باب حطة ومن دخله كان آمنًا‪ .‬موضوع‪ :‬فيه حسين األشقر‪ .‬قال البخاري‪ :‬فيه‬ ‫‪-35‬‬
‫نظر (التاريخ الكبير ‪ )2862 /2‬وقال‪ :‬عنده مناكير (التاريخ الصغير ‪)319 /2‬‬
‫انظر السلسلة الضعيفة لأللباني (‪.)3913‬‬
‫علي خير البشر فمن أبي فقد كفر‪ .‬موضوع‪ :‬قال الحافظ بن حجر‪ :‬أخرجه ابن‬ ‫‪-36‬‬
‫عدي من طرق كلها ضعيفة‪ ،‬تسديد القوس (‪ .)89 /3‬قال الذهبي‪ :‬هذا حديث منكر‪.‬‬
‫ووصف الذهبي هذا الحديث بأنه باطل جلي (ميزان االعتدال ‪ )521 /1‬وابن‬
‫الجوزي في الموضوعاتـ (‪.)348 /1‬‬
‫لقد علمت أن عليا أحب إليك من أبي مرتين أو ثالثا‪ .‬ضعفه األلباني (ضعيف أبي‬ ‫‪-37‬‬
‫داود‪ ،‬ص ‪.)491‬‬
‫مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح‪ ،‬من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق‪ .‬رواه‬ ‫‪-38‬‬
‫الطبراني في الكبير (‪ )37 /3‬والهيثمي (‪ )168 /9‬في إسناده عبد هللا بن داهر‬
‫والحسن بن أبي جعفر وهما متروكان‪ ،‬قاله الهيثمي‪.‬‬
‫من أحب أن يحيا حياتي ويموت موتتي ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي عز‬ ‫‪-39‬‬
‫وجل وغرس قضبانها بيديه فليتول علي بن أبي طالب‪ .‬صححه الحاكم (‪)128 /3‬‬
‫وتعقبه الذهبي فيه القاسم متروك وشيخه ضعيف‪ ،‬وهو‪ :‬يحيى بن العلي األسلمي‪.‬‬
‫قال الحافظ في التقريب (‪ :)7677‬شيعي ضعيف‪ .‬لكنه أخطأ في ذكر اسم األسلمي‬
‫فسماه المحاربي واستغل عبد الحسين في المراجعات ذلك أبشع استغالل‪.‬‬
‫ما صب هللا في صدري شيئا إال صببته في صدر علي‪ .‬حديث موضوع‬ ‫‪-40‬‬
‫(المضوعات ‪ ،)131 /1‬أسس الطالب (‪.)1262‬‬
‫محبك محبي ومحبي محب هللا‪ ،‬ومبغضك مبغضي ومبغضيـ مبغض هللا‪ .‬قال‬ ‫‪-41‬‬
‫الحافظ‪ :‬رواه ابن عدي وهو باطل‪( .‬لسان الميزان ‪.)109 /2‬‬
‫يا علي أبشر فإنك وأصحابك وشيعتك في الجنة‪ ،‬يا علي صليت العصر؟ قال‪ :‬ال‬ ‫‪-42‬‬
‫قال‪ :‬اللهم إنك تعلم أنه في حاجتك وحاجة رسولك فرد عليه الشمس قال‪ :‬فردها‬
‫عليه فصلى علي وغابت الشمس‪.‬‬
‫‪64‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫أهم المصادر والمراجع‬
‫المهدي وفقه أشراط الساعة‪ ،‬الدكتور محمد أحمد إسماعيل المقدم‪ ،‬الدار العالمية‪،‬‬ ‫‪-1‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬الطبعة األولى ‪1423‬هـ‪.‬‬
‫االنتصار للصحب واآلل من افتراءات السماوي الضال‪ ,‬للدكتور إبراهيم بن عامر‬ ‫‪-2‬‬
‫الرحيلي‪ ،‬مكتبة الغرباء األثرية‪ ،‬الطبعة األولى ‪1418‬هـ‪1997-‬م‪.‬‬
‫النهج المبين لألصول العشرين‪ ،‬عبد هللا القاسم الوشلي‪ ،‬دار المجتمع‪ ،‬جدة‪1411 ،‬‬ ‫‪-3‬‬
‫هـ‪1990 -‬م‪.‬‬
‫مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة‪ ،‬د‪.‬ناصر بن عبد هللا بن علي القفاري‪ ،‬دار‬ ‫‪-4‬‬
‫طيبة‪.‬‬
‫أصول مذهب الشيعة اإلمامية االثنى عشرية‪ ،‬عرض ونقد د‪ .‬ناصر بن عبد هللا‬ ‫‪-5‬‬
‫القفاري‪ ،‬دار الرضا للنشر والتوزيع‪ ،‬الجيزة بمصر‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1418‬هـ‪-‬‬
‫‪1998‬م‪.‬‬
‫بذل المجهود في إثبات مشابهة الرافضة لليهود‪ ،‬عبد هللا الجميلي‪ ،‬مكتبة الغرباء‬ ‫‪-6‬‬
‫األثرية‪ ،‬المدينة المنورة‪ ،‬الطبعة الثانية‪1414 ،‬هـ‪1994-‬م‪.‬‬
‫السنة ومكانتها في التشريع‪ ،‬د‪ .‬مصطفى السباعي‪ ،‬المكتب اإلسالمي ‪1405‬هـ‪-‬‬ ‫‪-7‬‬
‫‪1985‬م‪.‬‬
‫انتصار الحق‪ ...‬مناظرة علمية مع بعض الشيعة اإلمامية‪ ،‬مجدي محمد علي‪ ،‬دار‬ ‫‪-8‬‬
‫طيبة‪ ،‬الطبعة األولى ‪1418‬هـ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫الدر المنثور في التفسير بالمأثور لإلمام عبد الرحمن جالل الدين السيوطي‪ ،‬دار‬ ‫‪-9‬‬
‫الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1403‬هـ ‪1983-‬م‪.‬‬
‫سنن سعيد بن منصور‪ ،‬دار الصميعي‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1420‬هـ ‪2000‬م‪.‬‬ ‫‪-10‬‬
‫مسند الدارمي‪ ،‬ألبي محمد عبد هللا الدارمي‪ ،‬دار المغني‪ ،‬الرياض‪1421 ،‬هـ ‪-‬‬ ‫‪-11‬‬
‫‪2000‬م‪.‬‬
‫الموسوعة الحديثية‪ ،‬السنن الكبرى لإلمام أبي عبد الرحمن أحمد بن سعيد النسائي‪،‬‬ ‫‪-12‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة األولى ‪1421‬هـ ‪2001 -‬م‪.‬‬
‫ثم أبصرت الحقيقة‪ ،‬محمد سالم الخضر‪ ،‬دار اإليمان للطباعة والنشر ‪2003‬م‪.‬‬ ‫‪-13‬‬
‫المحصول في علم األصول‪،‬ـ لفخر الدين محمد عمر بن لحسين الرازي‪ ،‬مؤسسة‬ ‫‪-14‬‬
‫الرسالة‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1418‬هـ ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫فقه اإلمام علي بن أبي طالب‪ ،‬أحمد محمد طه‪ ،‬رسالة مقدمة لجامعة بغداد قسم‬ ‫‪-15‬‬
‫الدراسات اإلسالمية‪ ،‬لم تطبع‪.‬‬
‫أحكام القرآن ألبي بكر بن العربي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت ‪1408‬هـ ‪1988 -‬م‪.‬‬ ‫‪-16‬‬
‫تفسير القرطبي‪ ،‬ألبي عبد هللا محمد بن أحمد األنصاري القرطبي‪ ،‬مكتبة الرشد‪،‬‬ ‫‪-17‬‬
‫الطبعة األولى ‪1418‬هـ ‪1991 -‬م‪.‬‬
‫التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج‪ ،‬للدكتور وهبة الزحيلي‪ ،‬دار الفكر‬ ‫‪-18‬‬
‫المعاصر بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1411‬هـ ‪1991 -‬م‪.‬‬
‫في ظالل القرآن‪ ،‬سيد قطب‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬الطبعة الشرعية الخامسة والعشرون‪.‬‬ ‫‪-19‬‬
‫سورة الحجرات‪ ،‬د‪ .‬ناصر العمر‪ ،‬دار الصديق‪ ،‬صنعاء‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1422‬هـ‪.‬‬ ‫‪-20‬‬
‫منهج القرآن الكريم في إصالح النفوس‪ ،‬عبدو الحاج محمد الحريري‪ ،‬رسالة مقدمة‬ ‫‪-21‬‬
‫لجامعة بغداد‪.‬‬
‫الدعاء ومنزلته من العقيدة اإلسالمية ألبي عبد الرحمن جيالن بن خضر‬ ‫‪-22‬‬
‫العروسي‪ ،‬مكتبة الرشد‪،‬الطبعة األولى ‪1417‬هـ ‪1996 -‬م‪.‬‬
‫مع الشيعة االثنى عشرية في األصولـ والفروع‪ ،‬د‪ .‬على السالوس‪ ،‬دار التقوى‪.‬‬ ‫‪-23‬‬
‫‪64‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫سيد الشهداء‪ ،‬دروس وعبر‪ ،‬عبد الحميد بن عبد الرحمن السحيباني‪ ،‬دار الوطن‪.‬‬ ‫‪-24‬‬
‫نساء أهل البيت‪،‬منصور عبد الحكيم‪ ،‬المكتبة التوفيقية‪.‬‬ ‫‪-25‬‬
‫اإلمام علي بن أبي طالب‪ ،‬رابع الخلفاء الراشدين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪-26‬‬
‫تاريخ مدينة السالم وأخبار محدثيها وذكر قاطنيها العلماء من غير أهلها ووارديها‪،‬‬ ‫‪-27‬‬
‫ألبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي ‪2001‬م‪.‬‬
‫خالفة علي بن أبي طالب ‪-‬رضي هللا عنه‪ ،-‬عبد الحميد على ناصر فقيهي‪ ،‬رسالة‬ ‫‪-28‬‬
‫علمية قدمت للجامعة اإلسالمية بالمدينة المنورة لم تطبع حتى اآلن أشرف عليها‬
‫الدكتور أكرم ضياء العمري‪.‬‬
‫االستيعاب في معرفة األصحاب ألبي عمر يوسف بن محمد بن عبد البر‪ .‬تحقيق‬ ‫‪-29‬‬
‫على محمد البجاوي‪ ،‬دار الجيل بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1412‬هـ ‪1992-‬م‪.‬‬
‫البداية والنهاية‪ ،‬ألبي الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي دار الريان‪1998 ،‬م‪.‬‬ ‫‪-30‬‬
‫جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬محمد السيد الوكيل‪ ،‬دار المجتمع‪،‬‬ ‫‪-31‬‬
‫المدينة‪ ،‬الطبعة الخامسة ‪1416‬هـ ‪1995 -‬م‪.‬‬
‫الصحيح المسند في فضائل الصحابة‪ ،‬ألبي عبد هللا مصطفى العدوي‪ ،‬دار ابن‬ ‫‪-32‬‬
‫عفان‪ ،‬السعودية‪ ،‬الخبر‪ ،‬الطبعة األولى ‪1416‬هـ ‪1995 -‬م‪.‬‬
‫االنشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق‪ ،‬د‪.‬علي محمد الصالبي‪ ،‬دار‬ ‫‪-33‬‬
‫التوزيع والنشر اإلسالمية‪1423 ،‬هـ ‪2002 -‬م‪.‬‬
‫دراسات في األهواء الفرق والبدع وموقف السلف منها‪ ،‬د‪ .‬ناصر بن عبد الكريم‬ ‫‪-34‬‬
‫العقل‪ ،‬دار إشبيليا‪ ،‬الطبعة األولى ‪1418‬هـ ‪1997 -‬م‪ .‬الرياض‪.‬‬
‫دراسة في تاريخ الخلفاء األمويين‪ ،‬د‪ .‬محمد ضيف هللا بطاينة‪ ،‬دار الفرقان‪ ،‬عمان‪.‬‬ ‫‪-35‬‬
‫الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضالل والزندقة‪ ،‬ألبي العباس أحمد بن‬ ‫‪-36‬‬
‫محمد ابن علي بن حجر الهيثمي‪ ،‬مؤسسة الرسالة بيروت‪1417 ،‬هـ ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫فرائد الكالم للخلفاء الكرام‪ ،‬قاسم عاشور‪ ،‬دار طويق الرياض‪1419 ،‬هـ ‪-‬‬ ‫‪-37‬‬
‫‪1998‬م‪.‬‬
‫الخوارج في العصر األموي‪ ،‬د‪ .‬نايف معروف‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪-38‬‬
‫الرابعة‪.‬‬
‫شرح الصدور ببيان بدع الجنائز والقبور ألبي عمر عبد هللا بن محمد الحمادي‪،‬‬ ‫‪-39‬‬
‫مكتبة الصحابة‪ ،‬الشارقة‪ ،‬الطبعة الثانية‪1420 .‬هـ ‪1999 -‬م‪.‬‬
‫الموسوعة الحديثية‪ .‬مسند اإلمام أحمد بن حنبل‪ ،‬توزيع وزارة الشئون اإلسالمية‬ ‫‪-40‬‬
‫واألوقاف والدعوة واإلرشاد‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1420‬هـ ‪1999 -‬م‪.‬‬
‫األدب العربي من ظهور اإلسالم إلى نهاية العصر الراشدي‪ ،‬د‪ .‬حبيب يوسف‬ ‫‪-41‬‬
‫مغنية‪ ،‬دار مكتبة الهالل‪ ،‬الطبعة األولى ‪1995‬م بيروت لبنان‪.‬‬
‫الطبقات البن سعد‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪-42‬‬
‫عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام‪ ،‬د‪ .‬ناصر على عائض حسن‬ ‫‪-43‬‬
‫الشيخ‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1413‬هـ ‪1993 -‬م‪.‬‬
‫السنة ألبي بكر أحمد بن محمد الخال‪ ،‬تحقيق د‪ .‬عطية الزهراني‪ ،‬دار الراية‪.‬‬ ‫‪-44‬‬
‫بيعة علي بن أبي طالب‪ ،‬أم مالك الخالدين‪ ،‬حسن فرحان المالكي‪ ،‬مركز الدراسات‬ ‫‪-45‬‬
‫التاريخية‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬عمان‪.‬‬
‫تاريخ اإلسالم في عهد الخلفاء الراشدين‪ ،‬محمد أحمد الذهبي‪ ،‬دار الكتاب العربي‪.‬‬ ‫‪-46‬‬
‫فتح الباري‪ ،‬المطبعة السلفية‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1410‬هـ‪.‬‬ ‫‪-47‬‬
‫المدينة النبوية‪ ،‬فجر اإلسالم والعصر الراشدي‪ ،‬محمد محمد حسن شراب‪ ،‬دار‬ ‫‪-48‬‬
‫القلم ‪ -‬بيروت‪ ،‬الدراسات الشامية‪،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1415‬هـ ‪1994 -‬م‪.‬‬
‫‪64‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫تاريخ الطبري ألبي جعفر‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1407‬هـ ‪1987 -‬م‪.‬‬ ‫‪-49‬‬
‫استشهاد عثمان ووقعة الجمل في مرويات سيف بن عمر في تاريخ الطبري‪،‬‬ ‫‪-50‬‬
‫دراسة نقدية د‪ .‬خالد بن محمد الغيث‪ ،‬دار األندلس الخضراء‪ ،‬جدة ‪1418‬هـ‪.‬‬
‫سنن أبي داود‪ ،‬اإلمام أبي داود‪ ،‬سليمان السجستاني‪ ،‬تحقيق وتعليق عزت الدعاس‬ ‫‪-51‬‬
‫‪1391‬هـ‪ ،‬سوريا‪.‬‬
‫سنن ابن ماجة‪ ،‬الحافظ أبو عبد هللا محمد بن زيد القزويني‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬ ‫‪-52‬‬
‫سنن الترمذي أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي‪ ،‬دار الفكر ‪1398‬هـ‪.‬‬ ‫‪-53‬‬
‫سنن النسائي‪ ،‬أحمد بن شعيب بن علي بن بحر بن سنان بن دينار النسائي بشرح‬ ‫‪-54‬‬
‫جالل الدين السيوطي وحاشية اإلمام السندي‪ ،‬دار الفكر بيروت‪.‬‬
‫اإلحسان في صحيح ابن حبان‪ ،‬عالء الدين على بن بلبان الفارسي‪ ،‬مؤسسة‬ ‫‪-55‬‬
‫الرسالة بيروت الطبعة األولى ‪1412‬هـ ‪1991 -‬م‪.‬‬
‫السلسلة الصحيحة‪ ،‬لأللباني‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪.‬‬ ‫‪-56‬‬
‫معجم الطبراني الكبير‪ ،‬ألبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني‪ ،‬مكتبة العلوم‬ ‫‪-57‬‬
‫والحكم الطبعة الثانية ‪1416‬هـ ‪1995 -‬م‪.‬‬
‫السنة لعبد هللا بن أحمد حنبل‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبي هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول‪،‬‬ ‫‪-58‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫شرح العقيدة الطحاوية‪ ،‬للعالمة محمد بن علي بن محمد األذرعي‪ ،‬خرج أحاديثها‪:‬‬ ‫‪-59‬‬
‫محمد ناصر الدين األلباني‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪1391 ،‬هـ‪.‬‬
‫النهاية في غريب الحديث واألثر‪ ،‬لمجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد‬ ‫‪-60‬‬
‫الجزري‪ ،‬تحقيق‪ :‬طاهر أحمد الزاوي‪ ،‬ومحمود الطناحي‪ ،‬المكتبة اإلسالمية‪.‬‬
‫صحيح البخاري‪ ،‬ألبي عبد هللا محمد بن إسماعيل البخاري‪ ،‬دار الفكر ‪1991‬م‪.‬‬ ‫‪-61‬‬
‫صحيح مسلم‪ ،‬تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء التراث‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬ ‫‪-62‬‬
‫صحيح مسلم بشرح النووي‪ ،‬المطبعة المصرية باألزهر الشريف الطبعة األولى‪،‬‬ ‫‪-63‬‬
‫‪ 1347‬هـ‪.‬‬
‫مجموعة الفتاوى‪ ،‬تقي الدين أحمد بن تيمية الحراني‪ ،‬دار الوفاء بالمنصورة‪ ،‬مكتبة‬ ‫‪-64‬‬
‫العبيكان بالرياض‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1418‬هـ ‪ 1997 -‬م‪.‬‬
‫المصنف في األحاديث واآلثار‪ ،‬للحافظ أبي بكر بن أبي شيبة‪ ،‬طبع الدار السلفية‪،‬‬ ‫‪-65‬‬
‫الطبعة األولى ‪ 1403‬هـ‪ ،‬بومباي الهند‪.‬‬
‫المصنف لعبد الرزاق بن همام الصنعاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬حبيب الرحمن األعظمي‪ ،‬طبع‬ ‫‪-66‬‬
‫المكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية‪ 1403 ،‬هـ‪.‬‬
‫العواصم من القواصم‪ ،‬القاضي أبو بكر بن العربي‪ ،‬تحقيق محب الدين الخطيب‪،‬‬ ‫‪-67‬‬
‫إعداد محمد بن سعيد مبيض‪ ،‬درا الثقافة‪ ،‬قطر الدوحة‪ ،‬الطبعة الثانية‪ 1989 ،‬م‪.‬‬
‫تحقيق مواقف الصحابة في الفتن من روايات الطبري والمحدثين‪ ،‬تأليف د‪ .‬محمد‬ ‫‪-68‬‬
‫أمحزون‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬مكتبة الكوثر‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1415‬هـ ‪ 1994 -‬م‪.‬‬
‫اإلبانة في أصول الديانة‪ ،‬ألبي الحسن األشعري‪ ،‬طبعة الجامعة اإلسالمية‪1975 ،‬‬ ‫‪-69‬‬
‫م‪.‬‬
‫اإلمامة والرد على الرافضة‪ ،‬للحافظ أبي نعيم األصبهاني‪ ،‬تحقيق وتعليق د‪ .‬علي‬ ‫‪-70‬‬
‫بن محمد ناصر الفقيهي‪ ،‬طبع مكتبة العلوم والحكم‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1407 ،‬هـ‪.‬‬
‫أصول الدين‪ ،‬لعبد القاهر البغدادي‪ ،‬طبع دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬ ‫‪-71‬‬
‫االعتقاد على مذهب السلف أهل السنة والجماعة ألبي بكر أحمد بن الحسين‬ ‫‪-72‬‬
‫البيهقي‪ ،‬الناشر‪ ،‬نشاط آباد‪ ،‬فيصل آباد‪ ،‬باكستان‪.‬‬
‫االقتصاد في االعتقاد‪ ،‬ألبي حامد الغزالي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬ ‫‪-73‬‬
‫‪64‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪ -74‬المقدمة لابن خلدون‪.‬‬
‫‪ -75‬عبد هللا بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة في صدر اإلسالم‪ ،‬سليمان بن حمد العودة‪،‬‬
‫دار طيبة‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ 1412‬هـ‪.‬‬
‫‪ -76‬الوصية الكبريى‪ ،‬لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬دار المطبعة السلفية ومكتبتها‪ ،‬نشر‪:‬‬
‫قصي محب الدين الخطيب‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ 1401‬هـ‪.‬‬
‫‪ -77‬تمهيد األوائل وتلخيص الدالئل‪ ،‬للقاضي أبي على محمد بن الطيب الباقالني‪،‬‬
‫مؤسسة الكتب الثقافية‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1407‬هـ ‪ 1987 -‬م‪.‬‬
‫‪ -78‬دراسات في عهد النبوة والخالفة الراشدة‪ ،‬د‪ .‬عبد الرحمن الشجاع‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪ 1419‬هـ ‪1999 -‬م‪ ،‬دار الفكر المعاصر ‪ -‬صنعاء‪.‬‬
‫‪ -79‬الخالفة بين التنظير والتطبيق‪ ،‬محمود المرداوي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1403‬هـ ‪-‬‬
‫‪ 1983‬م‪.‬‬
‫‪ -80‬منهج علي بن أبي طالب في الدعوة إلى هللا‪ ،‬د‪ .‬سليمان بن قاسم العيد‪ ،‬دار الوطن‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1422‬هـ ‪ 2002 -‬م‪.‬‬
‫‪ -81‬الدور السياسي للصفوة في صدر اإلسالم‪ ،‬السيد عمر‪ ،‬معهد الفكر العالمي‪.‬‬
‫‪ -82‬عبقرية اإلمام‪ ،‬عباس محمود العقاد‪ ،‬المكتبة العصرية ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -83‬خلفاء الرسول‪ ،‬خالد محمد خالد‪ ،‬دار ثابت‪ ،‬القاهرة دار الفكر‪ ،‬دمشق ‪ 1994‬م‪.‬‬
‫‪ -84‬علي بن أبي طالب‪ ،‬خالد البيطار‪.‬‬
‫‪ -85‬علي بن أبي طالب‪ ،‬عبد الستار الشيخ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1412‬هـ ‪ 1991 -‬م‪.‬‬
‫‪ -86‬األدب اإلسالمي في عهد النبوة‪ ،‬نايف معروف‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -87‬الخلفاء الراشدون‪ ،‬عبد الوهاب النجار‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت‪ 1406 ،‬هـ ‪ 1986 -‬م‪.‬‬
‫‪ -88‬المرتضى سيرة أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب‪ ،‬ألبي الحسن‬
‫الندوي‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1419‬هـ ‪ 1998 -‬م‪.‬‬
‫‪ -89‬لسان العرب‪ ،‬محمد بن مكرم بن منظور‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -90‬تاريخ المذاهب‪ ،‬ألبي زهرة‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫‪ -91‬دار الحكم في اإلسالم‪ ،‬عارف أبو عبيد‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬األردن ‪ 1416‬هـ ‪1996 -‬‬
‫م‪.‬‬
‫‪ -92‬اإلمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة‪ ،‬عبد هللا بن عمر بن سليمان الدميجي‪،‬‬
‫دار طيبة‪ ،‬السعودية‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1409‬هـ‪.‬‬
‫‪ -93‬مشكاة المصابيح للبغوي‪.‬‬
‫‪ -94‬فتاوى في التوحيد‪ ،‬عبد هللا بن جبرين‪.‬‬
‫‪ -95‬الناهية عن طعن أمير المؤمنين معاوية‪ ،‬عبد العزيز بن أحمد بن حامد‪ ،‬غراس‬
‫للتوزيع‪ ،‬الكويت‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1422‬هـ‪.‬‬
‫‪ -96‬مسند اإلمام زيد بن علي‪ ،‬جمع عبد العزيز بن إسحاق البغدادي‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ 1403 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -97‬صحيح سنن الترمذي‪ ،‬محمد ناصر الدين األلباني‪ ،‬مكتب التربية العربي لدول‬
‫الخليج‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1408‬هـ‪.‬‬
‫‪ -98‬صحيح سنن ابن ماجة لأللباني‪ ،‬مكتب التربية العربي لدول الخليج‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -99‬صحيح النسائي لأللباني‪ ،‬مكتب التربية العربي لدول الخليج‪ ،‬الرياض ‪ 1408‬هـ‪.‬‬
‫‪ -100‬مشكاة المصابيح لأللباني‪.‬‬
‫‪ -101‬حلية األولياء وطبقات األصفياء ألبي نعيم أحمد عبد هللا األصفهاني‪ ،‬درا الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -102‬فضائل الصحابة‪ ،‬ألبي عبد هللا أحمد بن محمد بن حنبل‪ ،‬دار ابن الجوزي‬
‫‪64‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫السعودية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ 1999 -1420 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -103‬الجامع ألخالق الراوي وآداب السامع‪ ،‬الحافظ الخطيب البغدادي‪ ،‬تحقيق د‪ .‬محمود‬
‫الطحان‪ ،‬مكتبة المعارف‪ ،‬الرياض‪ 1403 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -104‬شرف أصحاب الحديث‪ ،‬الخطيب البغدادي‪ ،‬تحقيق سعيد أوغلي‪ ،‬نشر دار إحياء‬
‫السنة النبوية‪.‬‬
‫‪ -105‬مسند أحمد‪ ،‬تحقيق أحمد شاكر‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬مصر‪ 1368 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -106‬تذكر السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم‪ ،‬سعد هللا بن جماعة‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪.‬‬
‫‪ -107‬تاريخ اليعقوبي‪ ،‬أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر‪ ،‬دار بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -108‬جامع بيان العلم وفضله ألبي عمر يوسف بن عبد البر النمري القرطبي‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬دار الكتب اإلسالمية‪ 1402 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -109‬ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى‪ ،‬محب الدين الطبري‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -110‬تاريخ الخلفاء للسيوطي‪ ،‬دار صادر بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1417‬هـ ‪ 1997 -‬م‪.‬‬
‫‪ -111‬صفة الصفوة لإلمام أبي الفرج بن الجوزي‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -112‬التاريخ اإلسالمي‪ ،‬مواقف وعبر؛ د‪ .‬عبد العزيز عبد هللا الحميدي‪ ،‬دار الدعوة‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬دار األندلس الخضراء‪ ،‬جدة‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1418‬هـ ‪ 1998 -‬م‪.‬‬
‫‪ -113‬أدب الدين والدنيا للماوردي‪.‬‬
‫‪ -114‬المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح للدمياطي‪.‬‬
‫‪ -115‬الكامل في التاريخ‪ ،‬أبو الحسن علي بن أبي المكارم الشيباني‪ ،‬المعروف‬
‫بابن األثير‪ ،‬تحقيق علي شيري‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪1408 ،‬‬
‫هـ ‪ 1989 -‬م‪.‬‬
‫‪ -116‬صحيح التوثيق في سيرة علي بن أبي طالب‪ ،‬مجدي فتحي السيد‪ ،‬دار‬
‫الصحابة بطنطا‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1417‬هـ ‪ 1996 -‬م‪.‬‬
‫‪ -117‬اإلمام علي بن أبي طالب‪ ،‬محمد رشيد رضا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪1983‬م‪.‬‬
‫‪ -118‬رجال الفكر والدعوة للندوي‪ ،‬دار ابن كثير‪.‬‬
‫‪ -119‬كنز العمال في سنن األقوال واألفعال‪ ،‬تصنيف نديم مرعشلي‪ ،‬أسامة‬
‫مرعشلي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ 1413 ،‬هـ ‪ 1993 -‬م‪.‬‬
‫‪ -120‬أخالق النبي في القرآن والسنة‪ ،‬د‪ .‬أحمد الحداد‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‬
‫‪ 1999‬م‪.‬‬
‫‪ -121‬روح المعاني‪ ،‬لأللوسي‪.‬‬
‫‪ -122‬الزهد لإلمام أحمد بن حنبل‪.‬‬
‫‪ -123‬أصحاب الرسول‪ ،‬محمود المصري‪ ،‬مكتبة أبي حذيفة السلفي‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪1420‬هـ ‪ 1999 -‬م‪.‬‬
‫‪ -124‬نيل األوطار‪ ،‬محمد بن علي الشوكاني‪ ،‬الطبعة األخيرة‪ ،‬مصطفى البابي‬
‫الحلبي وشركاه‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -125‬تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء‪ ،‬د‪ .‬صبحي محمصاني‪ ،‬دار العلم‬
‫للماليين الطبعة األولى ‪ 1984‬م‪.‬‬
‫‪ -126‬مفتاح دار السعادة البن القيم‪ ،‬تحقيق محمد حامد الفقي‪ ،‬دار الكتاب العربي‪،‬‬
‫بيروت‪ 1392 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -127‬مدارج السالكين‪ ،‬ابن القيم‪ ،‬تحقيق محمد حامد الفقي‪ ،‬دار الكتاب العربي‪،‬‬
‫بيروت‪ 1392 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪64‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫تاريخ دمشق‪ ،‬دار إحياء التراث‪ ،‬الطبعة األولى‪.‬‬ ‫‪-128‬‬
‫لطائف المعارف البن رجب‪ ،‬دار ابن كثير‪.‬‬ ‫‪-129‬‬
‫عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين‪ ،‬البن القيم‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪-130‬‬
‫التوقيف على مهمات التعاريف لمحمد عبد الرءوف المناوي‪ ،‬تحقيق د‪.‬‬ ‫‪-131‬‬
‫محمد رضوان الداية‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1410‬هـ‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫معرفة الصحابة ألبي نعيم‪ ،‬تحقيق محمد راضي ابن حاج عثمان‪ ،‬مكتبة‬ ‫‪-132‬‬
‫الدار المدينة‪ ،‬ومكتبة الحرمين ‪-‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1408‬هـ‪.‬‬
‫موسوعة فقه علي بن أبي طالب‪ ،‬قلعجي‪ ,‬دار النفائس‪ ،‬بيروت‪ 1417 ،‬هـ ‪-‬‬ ‫‪-133‬‬
‫‪ 1996‬م‪.‬‬
‫فقه التمكين في القرآن الكريم‪ ،‬على محمد الصالبي‪ ،‬دار الوفاء‪ ،‬المنصورة‪،‬‬ ‫‪-134‬‬
‫الطبعة األولى ‪ 1421‬هـ ‪ 2001 -‬م‪.‬‬
‫شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة‪ ،‬ألبي القاسم هبة هللا بن الحسن بن‬ ‫‪-135‬‬
‫منصور الطبري الاللكائي‪ ،‬تحقيق د‪ .‬أحمد سعد حمدان الغامدي‪ ،‬دار‬
‫طيبة‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫المختصر من كتاب الموافقة بين أهل البيت والصحابة للزمخشري‪ ،‬تحقيق‬ ‫‪-136‬‬
‫سيد إبراهيم صادق‪ ،‬دار الحديث‪ ،‬طبعة ‪ 1422‬هـ ‪ 2001 -‬م‪.‬‬
‫الشيخان أبو بكر وعمر من رواية البالذري في أنساب األشراف‪ ،‬تحقيق‬ ‫‪-137‬‬
‫إحسان صديق العمد‪ ،‬المؤتمن للنشر‪ ،‬السعودية‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ 1414‬هـ ‪-‬‬
‫‪ 1994‬م‪.‬‬
‫نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين‪ ،‬حمد محمد الصمد‪ ،‬المؤسسة‬ ‫‪-138‬‬
‫الجماعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1414‬هـ ‪-‬‬
‫‪ 1994‬م‪.‬‬
‫الدولة والسيادة في الفقه اإلسالمي‪ ،‬فتحي عبد الكريم‪ ،‬مكتبة وهبة‪.‬‬ ‫‪-139‬‬
‫النظام السياسي في اإلسالم‪ ،‬د‪ .‬محمد أبو فاس‪ ،‬دار الفراقان‪ ،‬عمان‪،‬‬ ‫‪-140‬‬
‫األردن‪.‬‬
‫روضة الناظر وجنة المناظر البن قدامة‪ ،‬موفق الدين عبد هللا بن أحمد‬ ‫‪-141‬‬
‫المقدسي‪ ،‬المطبعة السلفية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪ 1391‬هـ‪.‬‬
‫اإلدارة العسكرية في الدولة اإلسالمية نشأتها وتطورها حتى منتصف القرن‬ ‫‪-142‬‬
‫الثالث الهجري‪ ،‬د‪ .‬سليمان بن صالح بن سليمان آل كمال‪ ،‬منشورات‬
‫جامعة أم القرى‪.‬‬
‫نهاية األرب في فنون األدب‪ ،‬شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري‪،‬‬ ‫‪-143‬‬
‫مطبعة كوتسا توماس القاهرة‪.‬‬
‫فن الحكم اإلسالمي‪ ،‬مصطفى أبو زيد فهيم‪ ،‬المكتب المصري الحديث‪.‬‬ ‫‪-144‬‬
‫الشورى بين األصالة والمعاصرة‪ ،‬عز الدين التميمي‪ ،‬دار البشير‪ 1405 ،‬هـ ‪-‬‬ ‫‪-145‬‬
‫‪1985‬م‪.‬‬
‫المستدرك على الصحيحين‪ ،‬لإلمام أبي عبد هللا النيسابوري بذيله التلخيص‬ ‫‪-146‬‬
‫للذهبي‪ ،‬طبعة ‪ 1390‬هـ ‪1970 -‬م‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫نهج البالغة شرح الشيخ محمد عبده‪ ،‬دار البالغة‪ 1421 ،‬هـ ‪ 2000 -‬م‪.‬‬ ‫‪-147‬‬
‫مسند أبي يعلى‪ ،‬أحمد بن علي المثنى التميمي‪ ،‬تحقيق وتخريج حسين سليم‬ ‫‪-148‬‬
‫أسد‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار المأمون للتراث‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫مجمع الزوائد‪ ،‬ومنبع الفوائد‪ ،‬نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي‪ ،‬دار‬ ‫‪-149‬‬
‫الريان القاهرة‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪64‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الوسطية في القرآن الكريم‪ ،‬على محمد الصالبي‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬دار البيارق‬ ‫‪-150‬‬
‫عمان‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1999‬م‪.‬‬
‫التوضيح والبيان لشجرة اإليمان للشيخ عبد الرحمن السعدي‪.‬‬ ‫‪-151‬‬
‫االستذكار لمذاهب فقهاء األمصار وعلماء األقطار‪ ،‬البن عبد البر‪ ،‬لجنة‬ ‫‪-152‬‬
‫إحياء التراث اإلسالمي‪.‬‬
‫الغلو في الدين‪ ،‬د‪ .‬الصادق عبد الرحمن الغرياني‪ ،‬دار السالم ‪ 1422‬هـ ‪-‬‬ ‫‪-153‬‬
‫‪2001‬م‪.‬‬
‫المواعظ واالعتبار‪ ،‬أحمد بن علي عبد القادر المقريزي‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬ ‫‪-154‬‬
‫مكتبة الثقافة الدينية القاهرة‪1987 ،‬م‪.‬‬
‫االعتصام للشاطبي‪ ،‬تحقيق محمد رشيد رضا‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬بيروت‬ ‫‪-155‬‬
‫‪ 1402‬هـ‪.‬‬
‫الطرق الحكمية في السياسة الشرعية‪ ،‬البن القيم الجوزية‪.‬‬ ‫‪-156‬‬
‫في ظالل اإليمان‪ ،‬صالح عبد الفتاح الخالدي‪ ،‬مكتبة المنار‪ ،‬األردن‪،‬‬ ‫‪-157‬‬
‫الزرقاء‪.‬‬
‫تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم‪ ،‬علي محمد‬ ‫‪-158‬‬
‫الصالبي‪ ،‬دار الصحابة‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 2001‬م‪.‬‬
‫تفسير الفخر الرازي‪ ،‬أبو عبد هللا محمد بن عمر‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪،‬‬ ‫‪-159‬‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫السيرة النبوية‪ ،‬البن هشام‪ ،‬ألبي محمد بن عبد الملك بن هشام‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬ ‫‪-160‬‬
‫بدون تاريخ‪.‬‬
‫معجم األدباء‪ ،‬ياقوت الحموي‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪-161‬‬
‫عيون األخبار ألبي محمد عبد هللا بن مسلم بن قتيبة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬ ‫‪-162‬‬
‫‪1986‬م‪.‬‬
‫اإلعجاز واإليجاز‪ ،‬أبو منصور الثعالبي‪ ،‬دار الرائد العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪-163‬‬
‫مروج الذهب ومعادن الجوهر ألبي الحسن علي بن الحسين بن علي‬ ‫‪-164‬‬
‫المسعودي‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ 1403 ،‬هـ ‪ 1982 -‬م‪.‬‬
‫الشريعة لإلمام المحدث أبي بكر محمد بن الحسين اآلجري‪ ،‬تحقيق د‪ .‬عبد‬ ‫‪-165‬‬
‫هللا بن سليمان الدميجي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار الوطن الرياض‪ 1418 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪1997‬م‪.‬‬
‫الشرك في القديم والحديث‪ ،‬أبو بكر محمد زكريا‪ ,‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪،‬‬ ‫‪-166‬‬
‫‪ 1421‬هـ‪.‬‬
‫مختصر منهاج القاصدين‪ ،‬أحمد بن عبد الرحمن المقدسي‪ ،‬مكتبة البيان‪،‬‬ ‫‪-167‬‬
‫دمشق ‪1398‬هـ‪.‬‬
‫سير أعالم النبالء‪ ،‬محمد بن أحمد عثمان الذهبي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪1999 ،‬‬ ‫‪-168‬‬
‫م‪.‬‬
‫إحياء علوم الدين الغزالي‪.‬‬ ‫‪-169‬‬
‫معالم السلوك وتزكية النفوس‪ ،‬عبد العزيز محمد عبد اللطيف‪ ،‬دار الوطن‬ ‫‪-170‬‬
‫السعودية‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1414‬هـ‪.‬‬
‫بدائع الفوائد البن القيم‪ ،‬مكتبة الرياض‪.‬‬ ‫‪-171‬‬
‫صيد الخاطر البن الجوزي‪.‬‬ ‫‪-172‬‬
‫األخالق والسير البن حزم‪.‬‬ ‫‪-173‬‬
‫الدر المنثور في التفسير بالمأثور‪ ،‬لإلمام عبد الرحمن جالل الدين‬ ‫‪-174‬‬
‫‪64‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫السيوطي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1403‬هـ ‪ 1983 -‬م‪.‬‬
‫الرياض النضرة في مناقب العشرة‪ ،‬ألبي جعفر أحمد الشهير بالمحب‬ ‫‪-175‬‬
‫الطبري‪ ،‬المكتبة القيمة‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫المنتظم في تاريخ الملوك واألمم ألبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن‬ ‫‪-176‬‬
‫الجوزي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫نظام الحكومة اإلسالمية للكتاني‪ :‬المسمى التراتيب اإلدارية‪ ،‬محمد عبد‬ ‫‪-177‬‬
‫الحي الكتاني اإلدريسي الحسني‪ ،‬دار األرقم بن أبي األرقم ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫األموال‪ ،‬ألبي عبيد‪ ،‬تحقيق محمد خليل هراس‪ ،‬مكتبة الكليات األزهرية‪.‬‬ ‫‪-178‬‬
‫الحياة االقتصادية في العصور اإلسالمية األولى‪ ،‬د‪ .‬محمد ضيف هللا‬ ‫‪-179‬‬
‫بطاينة‪ ،‬دار طارق‪ ،‬دار الكندي‪ ،‬األردن‪.‬‬
‫الهبة في العصر النبوي وعصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬د‪ .‬فضل إلهي‪ ،‬مؤسسة‬ ‫‪-180‬‬
‫المجريسي‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ 1420‬هـ ‪ 1999 -‬م‪.‬‬
‫المغني لإلمام العالمة ابن قدامة المقدسي‪ ،‬دار الحديث‪ ،‬القاهرة‪ 1416 ،‬هـ ‪-‬‬ ‫‪-181‬‬
‫‪ 1996‬م‪.‬‬
‫الخراج‪ ،‬ألبي يوسف يعقوبـ بن إبراهيم‪ ،‬المكتبة السلفية‪ ،‬القاهرة‪1382 ،‬‬ ‫‪-182‬‬
‫هـ‪.‬‬
‫والية الشرطة في اإلسالم‪ ،‬د‪ .‬نمر الحميداني‪ ،‬دار عالم الكتب‪ ،‬الرياض‪1414 ،‬‬ ‫‪-183‬‬
‫هـ‪.‬‬
‫تاريخ خليفة بن خياط‪ ،‬أبو عمر خليفة بن خياط بن أبي هبيرة الليثي‪ ،‬تحقيق‬ ‫‪-184‬‬
‫أكرم ضياء العمري‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ودار القلم‪ ،‬بيروت‬
‫‪ 1397‬هـ‪.‬‬
‫اإلصابة في تمييز الصحابة‪ ،‬أحمد بن علي بن حجر‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬ ‫‪-185‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫علي بن أبي طالب‪ ،‬د‪ .‬علي شرفي‪ ،‬دار الكندي‪ ،‬إربد‪ ،‬األردن‪ 2001 ،‬م‪.‬‬ ‫‪-186‬‬
‫الوالية على البلدان في عصر الخلفاء الراشدين‪ ،‬د‪ .‬عبد العزيز إبراهيم‬ ‫‪-187‬‬
‫العمري‪.‬‬
‫من أصول الفكر السياسي‪ ،‬محمد فتحي عثمان‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬مؤسسة‬ ‫‪-188‬‬
‫الرسالة‪ ،‬بيروت ‪ 1404‬هـ ‪ 1984 -‬م‪.‬‬
‫النظم المالية في اإلسالم‪ ،‬عيسى عبده‪ ،‬معهد الدارسات اإلسالمية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫‪-189‬‬
‫السياسة المالية لعثمان بن عفان‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ 1986 ،‬م‪.‬‬ ‫‪-190‬‬
‫تاريخ العرب‪ ،‬مطول‪ ،‬د‪ .‬فيليب حتى‪ ،‬ترجمة إدوارد جرجي‪ ،‬د‪ .‬جبرائيل‬ ‫‪-191‬‬
‫جبور‪ ،‬دار الكشاف‪ ،‬بيروت‪ 1949 ،‬م‪.‬‬
‫وقائع ندوة النظم اإلسالمية‪ ،‬أبو ظبي‪ 1405 ،‬هـ ‪ 1984 -‬م‪.‬‬ ‫‪-192‬‬
‫نظام الحكم في الشريعة والتاريخ اإلسالمي‪ ،‬ظافر القاسمي‪ ،‬دار النفائس‪،‬‬ ‫‪-193‬‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ 1407‬هـ ‪ 1987 -‬م‪.‬‬
‫إعالم الموقعين عن رب العالمين‪ ,‬لشمس الدين أبي عبد هللا محمد بن أبي‬ ‫‪-194‬‬
‫بكر ابن القيم‪ ،‬تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد‪ ،‬المكتبة العصرية‪،‬‬
‫صيدا‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫االجتهاد في الفقه اإلسالمي ضوابطه ومستقبله‪ ،‬عبد السالم السليماني‪،‬‬ ‫‪-195‬‬
‫وزارة األوقاف والشئون اإلسالمية‪ ،‬المملكة المغربية‪.‬‬
‫خالصة التشريع اإلسالمي‪ ،‬عبد الوهاب خالف‪ ،‬دار القلم‪ 1402 ،‬هـ ‪-‬‬ ‫‪-196‬‬
‫‪1982‬م‪.‬‬
‫‪65‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫تاريخ القضاعي‪ ،‬كتاب عيون المعارف وفنون أخبار الخالئف‪ ،‬لإلمام‬ ‫‪-197‬‬
‫القاضي محمد بن سالمة بن جعفر الشافعي‪ ،‬مطبوعات جامعة أم القري‪.‬‬
‫تاريخ القضاء في اإلسالم‪ ،‬د‪ .‬محمد الزحيلي‪ ،‬دار الفكر دمشق‪ ،‬دار الفكر‬ ‫‪-198‬‬
‫المعاصر لبنان‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1415‬هـ‪ 1995 -‬م‪.‬‬
‫أخبار القضاة لوكيع‪ ،‬وكيع محمد بن خلف بن حيان‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة‬ ‫‪-199‬‬
‫االستقامة بالقاهر‪ 1366 ،‬هـ ‪ 1947 -‬م‪.‬‬
‫األحكام السلطانية‪ ،‬ألبي الحسن علي بن محمد بن حبيب‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬ ‫‪-200‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫شرح منهج البالغة البن أبي الحديد‪ ،‬تحقيق حسن تميم‪ ,‬مكتبة الحياة‪،‬‬ ‫‪-201‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫صحيح سنن أبي داود‪ ،‬مكتب التربية العربي لدول الخليج‪.‬‬ ‫‪-202‬‬
‫شرح صحيح مسلم‪ ،‬لإلمام النووي‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الفكر‪ 1401 ،‬هـ ‪1981 -‬‬ ‫‪-203‬‬
‫م‪.‬‬
‫المجموع شرح المهذب‪ ،‬لإلمام أبي زكريا يحيي بن شرف النووي‪ ،‬مطبعة‬ ‫‪-204‬‬
‫اإلمام بمصر‪.‬‬
‫المبسوط لمحمد بن أحمد بن أبي سهل شمس األئمة السرخسي‪ ،‬دار المعرفة‬ ‫‪-205‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫المحلى باآلثار‪ ،‬لإلمام أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم األندلسي‪،‬‬ ‫‪-206‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت لبنان‪.‬‬
‫معجم الطبراني‪ ،‬سليمان بن أحمد الطبراني‪ ،‬الدار العربية‪ ،‬بغداد ‪ 1398‬هـ‪.‬‬ ‫‪-207‬‬
‫جمع الجوامع بحاشية العطار لإلمام ابن السبكي مع شرح الجالل المحلى‪،‬‬ ‫‪-208‬‬
‫دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للعالمة عالء الدين أبي بكر بن مسعود‬ ‫‪-209‬‬
‫الكاساني الحنفي‪ ،‬الناشر زكريا علي يوسف‪.‬‬
‫فتح العزيز شرح الوجيز لإلمام أبي القاسم عبد الكريم محمد الرافعي‪،‬‬ ‫‪-210‬‬
‫المطبوع في هامش المجموع‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‪ ،‬لمحمد بن أحمد بن رشد القرطبي‪ 1386 ،‬هـ‬ ‫‪-211‬‬
‫‪1966 -‬م‪ ،‬مطبعة الكليات األزهرية‪.‬‬
‫المنتقى شرح موطأ مالك بن أنيس للقاضي أبي الوليد سليمان بن خلف‬ ‫‪-212‬‬
‫الباجي األندلسي‪ ،‬طبعة مصورة على الطبعة األولى سنة ‪ 1313‬هـ‪،‬‬
‫مطبعة السعادة‪.‬‬
‫إعالء السنن للمحدث الناقد ظفر أحمد العثماني علي ضوء ما أفاده اإلمام‬ ‫‪-213‬‬
‫الفقيه الشيخ أشرف علي التهانوي بتحقيق وتعليق عبد الفتاح أبو غدة ‪-‬‬
‫منشورات إدارة القرآن والعلوم اإلسالمية باكستان‪.‬‬
‫اإلشراف على مذاهب أهل العلم للحافظ محمد بن إبراهيم بن المنذر‬ ‫‪-214‬‬
‫النيسابوري‪ ،‬بتحقيق محمد نجيب سراج الدين‪ ،‬دار إحياء التراث اإلسالمي‬
‫بدولة قطر‪.‬‬
‫السيل الجرار المتدفق على حدائق األزهار للشيخ محمد بن علي الشوكاني‪،‬‬ ‫‪-215‬‬
‫تحقيق محمود إبراهيم‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ 1405‬هـ ‪1985 -‬‬
‫م‪.‬‬
‫المدونة الكبرى لإلمام مالك بن أنس‪ ،‬طبعة باألوفسيت ‪ 1323‬هـ‪ ،‬دار‬ ‫‪-216‬‬
‫صادر بيروت‪.‬‬
‫‪65‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫سبل السالم‪ ،‬لألمير الصنعاني‪.‬‬ ‫‪-217‬‬
‫مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ ،‬د‪ .‬محمد سعد اليوبي‪ ،‬دار الهجرة‪ ،‬الرياض‪،‬‬ ‫‪-218‬‬
‫الطبعة األولى‪ 1418 ،‬هـ ‪ 1996 -‬م‪.‬‬
‫الحكم والتحاكم في خطاب الوحي‪ ،‬عبد العزيز مصطفى كامل‪ ،‬دار طيبة‪.‬‬ ‫‪-219‬‬
‫الخالفة الراشدة والدولة األموية من فتح الباري‪ ،‬يحيى بن إبراهيم اليحيى‪،‬‬ ‫‪-220‬‬
‫دار الهجرة الطبعة األولى‪ 1417 ،‬هـ‪ 1996 -‬م‪.‬‬
‫عصر الخالفة الراشدة‪ ،‬د‪ .‬أكرم ضيام العمري‪ ،‬مكتبة العلوم والحكم‪،‬‬ ‫‪-221‬‬
‫المدينة المنورة‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1414 ،‬هـ ‪ 1994 -‬م‪.‬‬
‫حقيقة البدعة وأحكامها‪ ،‬سعيد ناصر الغامدي‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪،‬‬ ‫‪-222‬‬
‫‪1412‬هـ‪.‬‬
‫الموافقات في أصول الشريعة ألبي إسحاق الشاطبي‪ ،‬تحقيق عبد هللا دراز‪،‬‬ ‫‪-223‬‬
‫دار الباز‪ ،‬مكة المكرمة‪.‬‬
‫شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي‪ ،‬تحقيق محمد محمد سعيد‬ ‫‪-224‬‬
‫الخطيب أوغلي‪ ،‬دار إحياء السنة النبوية‪.‬‬
‫األم للشافعي‪ ،‬دار المعرفة بيروت‪.‬‬ ‫‪-225‬‬
‫مسائل اإلمام أحمد ألبي داود سليمان بن األشعث‪ ،‬مطبعة المنار بمصر‪،‬‬ ‫‪-226‬‬
‫‪ 1353‬هـ‪.‬‬
‫مناقب الشافعي للرازي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم‪ ،‬تحقيق عبد الغني‬ ‫‪-227‬‬
‫عبد الخالق‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫تهذيب التهذيب‪ ،‬البن حجر العسقالني‪،‬ـ عن طبعة حيدر آباد‪.‬‬ ‫‪-228‬‬
‫اإلنصاف فيما وقع في تاريخ العصر الراشدي من خالف‪ ،‬د‪ .‬حامد محمد‬ ‫‪-229‬‬
‫الخليفة‪ ،‬مطابع الدوحة المدينة الرياضية عمان‪ ،‬األردن‪ 1423 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪ 2002‬م‪.‬‬
‫االستبصار في نسب الصحابة من األنصار‪ ،‬تحقيق د‪ .‬علي نويهض‪ ،‬دار‬ ‫‪-230‬‬
‫الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫تهذيب تاريخ دمشق‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ 1407 ،‬هـ ‪-‬‬ ‫‪-231‬‬
‫‪ 1987‬م‪.‬‬
‫األخبار الطوال‪ ،‬ألبي حنيفة أحمد بن داود‪ ،‬تحقيق عبد المنعم عامر‪،‬‬ ‫‪-232‬‬
‫مراجعة د‪ .‬جمال الدين الشيال‪ ،‬مكتبة المتنبي‪ ،‬بغداد‪.‬‬
‫كتاب الفتوح‪ ،‬أبو محمد بن أعثم‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دائرة المعارف العثمانية‬ ‫‪-233‬‬
‫حيدر آباد‪ ،‬الهند ‪ 1388‬هـ ‪ 1998 -‬م‪.‬‬
‫والة مصر‪ ،‬ألبي يوسف محمد بن يوسف الكندي‪ ،‬تحقيق د‪ .‬حسين نصار‪،‬‬ ‫‪-234‬‬
‫دار صادر‪ ،‬بيروت بدون تاريخ‪.‬‬
‫مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري‪ ،‬يحيى إبراهيم اليحيى‪ ،‬دار العاصمة‬ ‫‪-235‬‬
‫الرياض‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1410‬هـ‪.‬‬
‫النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة‪ ،‬جمال الدين أبي المحاسن يوسف‬ ‫‪-236‬‬
‫بن تغري بردي‪ ،‬وزارة الثقافة واإلرشاد القومي‪ ،‬القاهرة بدون تاريخ‪.‬‬
‫تيسير الكريم المنان في سيرة عثمان بن عفان‪ ،‬على محمد الصالبي‪ ،‬دار‬ ‫‪-237‬‬
‫التوزيع والنشر اإلسالمية القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1413‬هـ ‪ 2002 -‬م‪.‬‬
‫منهاج السنة النبوية البن تيمية‪ ،‬تحقيق محمد رشاد‪ ،‬مؤسسة قرطبة‪.‬‬ ‫‪-238‬‬
‫الثقات‪ ،‬محمد بن حبان بن أحمد‪ ،‬مكتبة مدينة العلم‪ ،‬مكة المكرمة‪1393 ،‬‬ ‫‪-239‬‬
‫هـ‪.‬‬
‫‪65‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫فتنة مقتل عثمان بن عفان‪ ،‬محمد عبد هللا الغبان‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ 1419 ،‬هـ‪.‬‬ ‫‪-240‬‬
‫تهذيب الكمال في أسماء الرجال‪ ،‬يوسف عبد الرحمن المزي‪ ،‬بشار عواد‬ ‫‪-241‬‬
‫معروف‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1405‬هـ‪.‬‬
‫آثار الحرب في الفقه اإلسالم‪ ،‬د‪ .‬وهبة الزحيلي‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬ ‫‪-242‬‬
‫الجرح والتعديل‪ ،‬البن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد بن إدريس‪ ،‬دار‬ ‫‪-243‬‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1271‬هـ‪.‬‬
‫وقعة صفين‪ ،‬نصر بن مزاحم المنقري‪ ،‬تحقيق عبد السالم هارون‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪-244‬‬
‫الثانية القاهرة ‪ 1382‬هـ‪.‬‬
‫تفسير التابعين‪ ،‬عرض ودراسة مقارنة‪ ،‬د‪ .‬محمد عبد هللا على الخضيري‪،‬‬ ‫‪-245‬‬
‫دار الوطن‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1420 ،‬هـ ‪ 1999 -‬م‪.‬‬
‫فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب‪ ،‬علي محمد‬ ‫‪-246‬‬
‫الصالبي‪ ،‬دار الصحابة‪ ،‬اإلمارات‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 2002‬م‪.‬‬
‫أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم علي شعوط‪ ،‬المكتب‬ ‫‪-247‬‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫الفتنة الكبرى ‪ -‬على وبنوه‪ ،‬طه حسين‪ ،‬دار المعارف بمصر ‪ 1966‬م‪.‬‬ ‫‪-248‬‬
‫الدراهم المضروبة على الطراز الساساني للخلفاء الراشدين في المتحف‬ ‫‪-249‬‬
‫العراقي‪ ،‬وداد علي قزاز‪ ،‬مجلة المسكوكات‪،‬ـ مديرية اآلثار العامة بغداد‪،‬‬
‫الجزء‪ )1( ،‬المجلد (‪ 1969 )1‬م‪.‬‬
‫األنساب‪ ،‬ألبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي‪ ،‬تحقيق‬ ‫‪-250‬‬
‫وتعليق األستاذ محمد عوامة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬نشر محمد أمين دمج‪،‬‬
‫بيروت ‪ 1396‬هـ ‪1976 -‬م‪.‬‬
‫التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان‪ ،‬محمد بن يحيى بن أبي بكر المالقي‬ ‫‪-251‬‬
‫األندلسي‪ ،‬حققه د‪ .‬محمود يوسف زايد‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬الدوحة‪ 1985 ،‬م‪.‬‬
‫األساس في السنة وفقهها‪ ،‬سعيد حوى‪ ،‬دار السالم‪ 1409 ،‬هـ ‪ 1989 -‬م‪.‬‬ ‫‪-252‬‬
‫اإلدارة والنظام اإلداري عند اإلمام علي‪ ،‬د‪ .‬محسن باقر الموسوي‪ ،‬الغدير‪،‬‬ ‫‪-253‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1419‬هـ ‪ 1998 -‬م‪.‬‬
‫النظم اإلسالمية‪ ،‬صبحي الصالح‪ ،‬الطبعة الخامسة‪ ،‬دار العلم للماليين‪،‬‬ ‫‪-254‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫الحياة االجتماعية واالقتصادية في الكوفة في القرن األول الهجري‪ ،‬القاهرة‬ ‫‪-255‬‬
‫‪1970‬م‪ ،‬محمد حسين الزبيدي‪.‬‬
‫العرافة والنقابة مؤسستان اجتماعيتان مهمتان في العهد النبوي‪ ،‬محمد‬ ‫‪-256‬‬
‫يوسف الفاروقي‪،‬ـ مجمع البحوث اإلسالمية‪ - ،‬الجامعة اإلسالمية ‪ -‬إسالم‬
‫آباد باكستان‪ 1982 ،‬م‪.‬‬
‫تفسير المنير‪ ،‬د‪ .‬وهبة الزحيلي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ 1411 ،‬هـ ‪1991 -‬‬ ‫‪-257‬‬
‫م‪.‬‬
‫التفسير الصحيح‪ ،‬موسوعة الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور‪ ،‬د‪.‬‬ ‫‪-258‬‬
‫حكمت بن بشير بن ياسين‪ ،‬دار المآثر‪ ،‬المدينة النبوية‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪ 1420‬هـ ‪ 1999 -‬م‪.‬‬
‫منهج القرآن الكريم في إصالح النفوس‪ ،‬د‪ .‬عبدو الحريري‪ ،‬رسالة‬ ‫‪-259‬‬
‫ماجستير‪ ،‬جامعة بغداد‪ ،‬لم تطبع‪.‬‬
‫دعاوى اإلنقاذ للتاريخ اإلسالمي‪ ،‬سليمان العودة‪ ،‬رسالة نشرت على‬ ‫‪-260‬‬
‫اإلنترنت‪.‬‬
‫‪65‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫تذكرة الحفاظ‪ ،‬شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار‬ ‫‪-261‬‬
‫إحياء التراث‪.‬‬
‫شذرات الذهب في أخبار من ذهب‪ ،‬أبو الفالح عبد الحي بن أحمد بن محمد‬ ‫‪-262‬‬
‫الحنبلي‪ ،‬بيروت‪ ،‬المكتب التجاري للطباعة والنشر‪.‬‬
‫وفيات األعيان وأبناء الزمان‪ ،‬البن خلكان‪ ،‬أبو العباس شمس الدين أحمد‪،‬‬ ‫‪-263‬‬
‫تحقيق‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫البيان والتبيين للجاحظ‪ ،‬أبو عثمان عمرو بن بحر‪ ،‬دار الخانجي بمصر‪،‬‬ ‫‪-264‬‬
‫‪ 1388‬هـ ‪ 1968 -‬م‪.‬‬
‫ميزان االعتدال للذهبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي محمد البجاوي‪ ،‬دار المعرفة‪،‬‬ ‫‪-265‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين البن حبان البستي محمود‬ ‫‪-266‬‬
‫إبراهيم زيد‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫لسان الميزان‪ :‬البن حجر العسقالني‪ ،‬مؤسسة األعلمي للمطبوعات‪،‬‬ ‫‪-267‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫رجال الكشي‪ ،‬ألبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي‪ ،‬قدم له‬ ‫‪-268‬‬
‫وعلق عليه أحمد السيد الحسيني‪.‬‬
‫عبد هللا بن سبأ الحقيقة المجهولة‪ ،‬لمحمد على العلم‪.‬‬ ‫‪-269‬‬
‫الخوارج والشيعة‪ ،‬يوليوس فلهاوزن‪.‬‬ ‫‪-270‬‬
‫السيادة العربية والشيعة واإلسرائيليات‪ ،‬فان فولتن‪ ،‬ترجمة حسن إبراهيم‬ ‫‪-271‬‬
‫حسن‪ ،‬ومحمد زكي إبراهيم‪ ،‬القاهرة مكتبة النهضة المصرية‪ 1385 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪ 1965‬م‪.‬‬
‫العقيدة والشريعة اإلسالمية‪ ،‬جولد تسيهر‪ ،‬أجناس ترجمة د‪ .‬محمد يوسف‬ ‫‪-272‬‬
‫موسى وآخرين‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار الكتب الحديثة‪.‬‬
‫تاريخ األدب العربي في الجاهلية وصدر اإلسالم‪ ،‬نكلسن‪ ,‬رينولد‪ ،‬ترجمة‬ ‫‪-273‬‬
‫صفاء خلوصي‪ ،‬بغداد‪ ،‬مطبعة المعارف ‪ 1388‬هـ ‪ 1969 -‬م‪.‬‬
‫عقائد الشيعة‪ ،‬رونلدسن‪ ،‬دوايت تعريب (ع م) القاهرة‪ ،‬مكتبة الخانجي‪.‬‬ ‫‪-274‬‬
‫أصول اإلسماعيلية‪ ،‬لويس بارنارد‪ ،‬ترجمه إلى العربية خليل أحمد جلو‪،‬‬ ‫‪-275‬‬
‫جاسم محمد الرجب‪ ،‬بغداد‪ ،‬مكتبة المثنى‪ 1317 ،‬هـ ‪ 1947 -‬م‪.‬‬
‫عائشة والسياسية‪ ،‬سعيد األفغاني‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ 1391 ،‬هـ ‪1971 -‬‬ ‫‪-276‬‬
‫م‪.‬‬
‫الدولة األموية‪ ،‬يوسف العشي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬الطبعة الثانية‪ 1406 ،‬هـ ‪-‬‬ ‫‪-277‬‬
‫‪ 1985‬م‪.‬‬
‫أحداث وأحاديث فتنة الهرج‪ ،‬د‪ .‬عبد العزيز دخان‪ ،‬رسالة دكتوراة بفاس‬ ‫‪-278‬‬
‫بالمغرب‪ ،‬لم تطبع‪.‬‬
‫المغني في الضعفاء‪ ،‬الذهبي‪ ،‬تحقيق نور الدين عتر‪.‬‬ ‫‪-279‬‬
‫التاريخ الكبير للبخاري‪ ،‬مؤسسة الثقافة‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪-280‬‬
‫دور المرأة السياسي في عهد النبي والخلفاء الراشدين‪ ،‬أسماء محمد أحمد‬ ‫‪-281‬‬
‫زيادة‪ ،‬دار السالم‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1421‬هـ ‪ 2001 -‬م‪.‬‬
‫اإلمامة والسياسية‪ ،‬المنسوب البن قتيبة‪ ،‬مؤسسة الحلبي‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫‪-282‬‬
‫لمع األدلة في عقائد أهل السنة‪ ،‬للجويني‪ ,‬عبد الملك بن عبد هللا بن يوسف‪،‬‬ ‫‪-283‬‬
‫تحقيق فوقية حسين محمود‪ ،‬الناشر الدار المصرية‪.‬‬
‫غياث األمم في التياث الظلم إلمام الحرمين الجويني‪ ،‬تحقيق عبد العظيم‬ ‫‪-284‬‬
‫‪65‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الديب‪ ،‬مطابع الدوحة الحديثة‪ ،‬قطر‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1400‬هـ‪.‬‬
‫التذكرة في أحوال الموتى واآلخرة‪ ،‬ألبي عبد هللا محمد بن أحمد األنصاري‬ ‫‪-285‬‬
‫القرطبي‪ ،‬حققه وأخرج أحاديثه فؤاد أحمد زمرلي‪ ،‬دار الكتاب العربي‪.‬‬
‫حقبة من التاريخ‪ ،‬عثمان الخميس‪ ،‬دار اإليمان‪ ،‬اإلسكندرية‪.‬‬ ‫‪-286‬‬
‫العقيدة في أهل البيت ببن اإلفراط والتفريط‪ ،‬د‪ .‬سليمان بن سالم بن رجاء‬ ‫‪-287‬‬
‫السحيمي‪ ،‬مكتبة البخاري‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1420‬هـ ‪ 2000 -‬م‪.‬‬
‫إفادة األخيار ببراءة األبرار‪ ،‬محمد العربي التباني‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬ ‫‪-288‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫أعالم النصر المبين ألبي الخطاب عمر بن الحسن بن دحية الكلبي‪ ،‬تحقيق‬ ‫‪-289‬‬
‫د‪ .‬محمد أمحزون‪ ،‬دار الغرب‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1998‬م‪.‬‬
‫أسد الغابة في معرفة الصحابة‪ ،‬تحقيق محمد إبراهيم البنا‪ ,‬مطبعة الشعب‪.‬‬ ‫‪-290‬‬
‫تقريب التهذيب البن حجر‪.‬‬ ‫‪-291‬‬
‫الكامل في ضعفاء الرجال البن عدي‪ ،‬الحافظ أحمد بن عبد هللا الجرجاني‪،‬‬ ‫‪-292‬‬
‫دار الفكر للطباعة‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1405‬هـ‪.‬‬
‫األنصار في العصر الراشدي‪ ،‬سياسيا وعسكريا وفكريا‪ ،‬د‪ .‬حامد محمد‬ ‫‪-293‬‬
‫خليفة‪ ،‬رسالة دكتوراه من كلية اآلداب في جامعة بغداد لم تطبع‪ ،‬من‬
‫صورة مصورة‪.‬‬
‫العثمانية‪ ،‬للجاحظ‪ ،‬تحقيق عبد السالم محمد هارون‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪-294‬‬
‫خالصة الخالفة الراشدة من تاريخ ابن كثير‪ ،‬محمد كنعان‪ ،‬مؤسسة‬ ‫‪-295‬‬
‫المعارف‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1417‬هـ ‪ 1998 -‬م‪.‬‬
‫نسب قريش‪ ،‬أبو عبد هللا مصعب بن عبد هللا الزبيري‪ ،‬دار المعارف‪،‬‬ ‫‪-296‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫التاريخ الصغير البخاري‪ ،‬محمد بن إسماعيل البخاري‪ ،‬تحقيق محمود‬ ‫‪-297‬‬
‫إبراهيم زايد‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1406‬هـ‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫أنساب األشراف‪ ،‬ألبي الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البالذري‪.‬‬ ‫‪-298‬‬
‫كتاب أهل البغي من الحاوي الكبير‪ ،‬ألبي الحسن المارودي‪.‬‬ ‫‪-299‬‬
‫المنتقي من منهاج االعتدال في نقض كالم أهل الرفض واالعتزال‪ ،‬للحافظ‬ ‫‪-300‬‬
‫أبي عبد هللا محمد عثمان الذهبي‪ ،‬مكتبة دار البيان‪ ،‬حققه وعلق عليه‪:‬‬
‫محب الدين الخطيب‪.‬‬
‫سير السلف ألبي القاسم األصفهاني‪ ،‬دار الراية‪ ،‬الرياض‪ 1420 ،‬هـ ‪ 1999 -‬م‪.‬‬ ‫‪-301‬‬
‫أهل الشورى الذين اختارهم عمر رضي هللا عنه‪ ،‬رياض العبد هللا‪ ،‬دار‬ ‫‪-302‬‬
‫الرشيد‪ ،‬بيروت دمشق‪ ،‬مؤسسة اإليمان‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1412‬هـ‬
‫‪ 1992 -‬م‪.‬‬
‫عمدة القارئ شرح صحيح البخاري‪ ،‬بدر الدين العيني‪.‬‬ ‫‪-303‬‬
‫تحفة األحوزي بشرح الترمذي‪ ،‬لمحمد بن عبد الرحمن المباركفوري‪،‬ـ‬ ‫‪-304‬‬
‫مطبعة االعتماد‪ ،‬نشر محمد عبد المحسن الكتبي‪ ،‬تصحيح عبد الرحمن‬
‫محمد عثمان‪.‬‬
‫دراسات تربوية في األحاديث النبوية‪ ،‬للأعظمي محمد لقمان األعظمي‬ ‫‪-305‬‬
‫الندوي‪ ،‬دار العبيكان‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1417‬هـ ‪ 1996 -‬م‪.‬‬
‫الزهد البن المبارك‪.‬‬ ‫‪-306‬‬
‫الزبير بن العوام‪ ،‬الثروة والثورة‪ ،‬عبد العظيم الديب‪ ،‬مكتبة ابن تيمية‪،‬‬ ‫‪-307‬‬
‫البحرين‪.‬‬
‫‪65‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫فرسان في عصر النبوة‪ ،‬أحمد خليل جمعة‪ ،‬اليمامة‪ ،‬دمشق‪ 1420 ،‬هـ ‪1999 -‬‬ ‫‪-308‬‬
‫م‪.‬‬
‫تاريخ الدعوة اإلسالمية‪ ،‬محمد جميل عبد هللا المصري‪ 1407 ،‬هـ ‪1987 -‬‬ ‫‪-309‬‬
‫م‪.‬‬
‫معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬صحابي كبير وملك مجاهد‪ ،‬منير الغضبان‪ ،‬دار القلم‬ ‫‪-310‬‬
‫دمشق‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ 1417‬هـ ‪ 1996 -‬م‪.‬‬
‫المعرفة والتاريخ‪ ،‬للفسوي‪ ،‬ألبي يؤسف الفسوي‪ ،‬تحقيق أرم ضياء‬ ‫‪-311‬‬
‫العمري‪ ،‬مطبعة اإلرشاد بغداد‪ 1394 ،‬هـ‪.‬‬
‫األعالم للزركلي‪ ،‬دار العلم للماليين ‪ -‬بيروت لبنان‪ -‬الطبعة السادسة‪،‬‬ ‫‪-312‬‬
‫‪ 1984‬م‪.‬‬
‫إرواء الغليل تخريج أحاديث منار السبيل‪ ،‬للشيخ محمد ناصر الدين‬ ‫‪-313‬‬
‫األلباني‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1399 ،‬هـ‪ ،‬نشر المكتب اإلسالمي‪.‬‬
‫الدولة اإلسالمية في عصر الخلفاء الراشدين د‪ .‬حمدي شاهين‪ ،‬دار القاهرة‪.‬‬ ‫‪-314‬‬
‫مسند أحمد مع الفتح الرباني‪ ،‬للساعاتي‪ ،‬أحمد عبد الرحمن الساعاتي‪ ،‬في‬ ‫‪-315‬‬
‫ترتيب اإلمام‪ ،‬مطبعة الفتح الرباني بالقاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫تهذيب األسماء واللغات‪ :‬لإلمام محيي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف‬ ‫‪-316‬‬
‫النووي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫تلخيص الحبير في أحاديث الرافعي الكبير‪ :‬ألبي الفضل أحمد بن علي بن‬ ‫‪-317‬‬
‫حجر العسقالني‪،‬ـ مراجعة‪ :‬السيد عبد هللا هاشم اليماني المدني‪ ،‬المدينة‬
‫المنورة‪.‬‬
‫عمرو بن العاص األمير المجاهد‪ ،‬د‪ .‬منير الغضبان‪ ،‬جامعة أم القرى‪،‬‬ ‫‪-318‬‬
‫‪ 1420‬هـ‪.‬‬
‫عمار بن ياسر‪ ،‬أسامة بن أحمد سلطان‪ ،‬المكتبة المكية‪ ،‬السعودية‪1420 ،‬‬ ‫‪-319‬‬
‫هـ‪.‬‬
‫قصص ال تثبت‪ ،‬سليمانـ بن صالح الخراشي‪ ،‬دار الصميعي‪ ،‬الرياض‪1420 ،‬‬ ‫‪-320‬‬
‫هـ‪.‬‬
‫تنزيه أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان من الظلم والفسق في مطالبته بدم‬ ‫‪-321‬‬
‫أمير المؤمنين عثمان‪ ،‬ألبي يعلى محمد الفراء‪ ،‬تحقيق دار النبالء عمان‪،‬‬
‫‪ 2001‬م‪.‬‬
‫أبو موسى األشعري‪ ،‬الصحابي العالم المجاهد‪ ،‬محمد طهماز‪ ،‬دار القلم‪،‬‬ ‫‪-322‬‬
‫دمشق‪.‬‬
‫أنس بن مالك الخادم األمين‪ ،‬عبد الحميد طهماز‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪.‬‬ ‫‪-323‬‬
‫مناقب عمر البن الجوزي‪.‬‬ ‫‪-324‬‬
‫مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي‪ ،‬والخالقة الراشدة‪ ،‬محمد حميد‬ ‫‪-325‬‬
‫هللا‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬الطبعة الخامسة‪ 1405 ،‬هـ ‪ 1985 -‬م‪.‬‬
‫صحيح السيرة النبوية‪ ،‬إبراهيم العلي‪ ،‬دار النفائس‪ 1408 ،‬هـ ‪ 1988 -‬م‪.‬‬ ‫‪-326‬‬
‫السيرة النبوية الصحيحة‪ ،‬د‪ .‬أكرم العمري‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1412‬هـ ‪-‬‬ ‫‪-327‬‬
‫‪ 1992‬م‪ ،‬مكتبة المعارف والحكم بالمدينة المنورة‪.‬‬
‫السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة‪ ،‬محمد أبو شهبة‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪.‬‬ ‫‪-328‬‬
‫صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان‪ ،‬لأللباني‪ ،‬دار الصميعي‬ ‫‪-329‬‬
‫السعودية‪.‬‬
‫غزوة الحديبية‪ ،‬ألبي فارس‪ ،‬دار الفرقان‪ ،‬األردن‪.‬‬ ‫‪-330‬‬
‫‪65‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫من معين السيرة‪ ،‬صالح أحمد الشامي‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ 1413 ،‬هـ ‪-‬‬ ‫‪-331‬‬
‫‪1992‬م‪.‬‬
‫إتمام الوفاء بسيرة الخلفاء‪ ،‬محمد الخضري‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪1996 ،‬‬ ‫‪-332‬‬
‫م‪.‬‬
‫فتوح الشام‪ ،‬محمد عبد هللا األزدي‪ ،‬تحقيق عبد المنعم عبد هللا عامر‪ ،‬نشر‬ ‫‪-333‬‬
‫مؤسسة القاهرة ‪ 1970‬م‪.‬‬
‫القيادة العسكرية في عهد الرسول‪ ،‬دار القلم‪ 1410 ،‬هـ ‪ 1990 -‬م‪.‬‬ ‫‪-334‬‬
‫سفراء النبي ×‪،‬محمود شيت خطاب‪ ،‬مؤسسة الريان‪ ،‬دار األندلس‬ ‫‪-335‬‬
‫الخضراء‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1417‬هـ ‪ 1996 -‬م‪.‬‬
‫عمرو بن العاص‪ ،‬عبد الخالق سيد أبو رابية‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1408‬هـ ‪-‬‬ ‫‪-336‬‬
‫‪ 1988‬م‪.‬‬
‫عمرو بن العاص‪ ،‬عباس محمود العقاد‪ ،‬الناشر دار الكتاب العربي‪،‬‬ ‫‪-337‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‪ 1969 ،‬م‪.‬‬
‫المراسيل‪ ،‬البن أبي حاتم‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1397‬‬ ‫‪-338‬‬
‫هـ‪.‬‬
‫التاريخ‪ ،‬ألبي محمد عبد هللا بن عبد الرحمن الدارمي‪ ،‬تحقيق أحمد محمد‬ ‫‪-339‬‬
‫نور سيف‪ ،‬دار المأمون للتراث‪.‬‬
‫األحكام السلطانية‪ ،‬ألبي يعلى محمد بن الحسين تعليق‪ :‬محمد حامد الفقي‪،‬ـ‬ ‫‪-340‬‬
‫دار الكتب العلمية ‪ /‬بيروت ‪ 1403‬هـ‪.‬‬
‫الجهاد والقتال في السياسة الشرعية‪ ،‬محمد خير هيكل‪1414 ،‬هـ ‪1993 -‬م‬ ‫‪-341‬‬
‫اإلنصاف فيما يجب اعتقاده وال يجوز الجهل به‪ ،‬للقاضي أبي بكر بن‬ ‫‪-342‬‬
‫الطيب الباقالني‪ ،‬تحقيق محمد زاهد الكوثري‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬مؤسسة‬
‫الخانجي ‪ 1382‬هـ‪.‬‬
‫مناقب اإلمام أحمد بن حنبل‪ ،‬ألبي الفرج بن الجوزي‪ ،‬تحقيق‪ :‬لجنة إحياء‬ ‫‪-343‬‬
‫التراث‪ ،‬طبع دار اآلفاق الجديدة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ 1402 ،‬هـ‪.‬‬
‫مناقب اإلمام ابن قتيبة‪ ،‬د‪ .‬على بن نفيع العلياني‪ ،‬مكتبة الصديق‪ ،‬السعودية‪.‬‬ ‫‪-344‬‬
‫المعارف البن قتيبة‪ ،‬تحقيق ثروت عكاشه‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬دار المعارف‬ ‫‪-345‬‬
‫مصر‪.‬‬
‫مختصر التحفة الاثنى عشرية‪ ،‬للسيد محمود شكري األلوسي‪ ،‬مكتبة إيشيق‬ ‫‪-346‬‬
‫‪ -‬استانبول‪ ،‬تركيا‪ 1399 ،‬هـ ‪ 1979 -‬م‪.‬‬
‫السيف اليماني في نحر األصفهاني‪،‬ـ وليد األعظمي‪ ،‬دار الوفاء‪ ،‬مصر‪.‬‬ ‫‪-347‬‬
‫منهج كتابة التاريخ اإلسالمي‪ ،‬محمد صامل العلياني السلمي‪ ،‬دار طيبة‪،‬‬ ‫‪-348‬‬
‫الرياض‪.‬‬
‫أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن األول الهجري‪ ،‬د‪ .‬عبد العزيز‬ ‫‪-349‬‬
‫محمد نور ولي‪ ،‬دار الخضيري‪ ،‬المدينة النبوية‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1417‬هـ‬
‫‪ 1996 -‬م‪.‬‬
‫منهج المسعودي في كتابه التاريخ‪ ،‬سليمان بن عبد هللا المديد السويكت‪.‬‬ ‫‪-350‬‬
‫تاريخ عمرو بن العاص‪ ،‬حسن إبراهيم حسن‪ ،‬مطبعة السعادة‪ 1922 ،‬م‪.‬‬ ‫‪-351‬‬
‫الشيعة والسنة‪ ،‬إحسان إلهي ظهير‪.‬‬ ‫‪-352‬‬
‫دراسات عن الفرق وتاريخ المسلمين‪ ،‬د‪ .‬أحمد محمد جلي‪ ،‬شركة الطباعة‬ ‫‪-353‬‬
‫العربية السعودية‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1406‬هـ‪.‬‬
‫اإلمام الصادق‪ ،‬محمد أبو زهرة‪ ،‬دار الفكر العربي‪.‬‬ ‫‪-354‬‬
‫‪65‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الشيعة والقرآن‪ ،‬إحسان إلهي ظهير‪ ،‬إدارة ترجمان السنة‪ ،‬الهور‪ ،‬باكستان‪.‬‬ ‫‪-355‬‬
‫تأويل مختلف الحديث‪ ،‬ألبي محمد عبد هللا بن قتيبة‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد محيى‬ ‫‪-356‬‬
‫الدين األصفر‪ ,‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1409‬هـ‪.‬‬
‫المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم‪ ،‬ألبي العباس أحمد بن عمر القرطبي‪،‬‬ ‫‪-357‬‬
‫تحقيق‪ :‬محيي الدين ديب مستو‪ ،‬يوسف بدوي‪ ،‬دار ابن كثير‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫دمشق‪.‬‬
‫الكفاية‪ ،‬أحمد بن علي الخطيب‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1405‬هـ‪ ،‬دار الكتاب‬ ‫‪-358‬‬
‫العربي‪ ،‬تحقيق وتعليق‪ :‬الدكتور أحمد عمر هاشم‪.‬‬
‫فتح المغيث شرح ألفية الحديث‪ ،‬محمد بن عبد الرحمن السخاوي‪ ،‬دار الكتب‬ ‫‪-359‬‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي‪ ،‬لجالل الدين عبد الرحمن بن أبي‬ ‫‪-360‬‬
‫بكر السيوطي‪ ،‬منشورات المكتبة العلمية بالمدينة المنورة‪ 1392 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪ 1972‬م‪.‬‬
‫مقدمة ابن الصالح في علوم الحديث ألبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن‬ ‫‪-361‬‬
‫المعروف بابن الصالح‪ ،‬طبع دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫الباعث الحثيث‪ ،‬شرح اختصار علوم الحديث‪ ،‬إسماعيل بن عمر بن كثير‪،‬‬ ‫‪-362‬‬
‫تحقيق أحمد شاكر‪ ،‬طبع مكتبة ومطبعة محمد على صبيح وأوالده ‪1370‬‬
‫هـ‪.‬‬
‫جالء األفهام في الصالة والسالم على خير األنام‪ ،‬ألبي عبد هللا محمد بن‬ ‫‪-363‬‬
‫أبي بكر بن أيوب الشهير بابن قيم الجوزية‪ ،‬دار القلم‪ ,‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫تفسير السعدي‪ ،‬المسمى تيسير الكريم المنان في تفسير كالم الرحمن‪ ،‬للشيخ‬ ‫‪-364‬‬
‫عبد الرحمن بن ناصر السعدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد زهري النجار‪ ،‬المؤسسة‬
‫السعدية‪.‬‬
‫تفسير القرآن العظيم‪ ،‬ألبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي‪ ،‬دار‬ ‫‪-365‬‬
‫الفكر للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية‪ 1389 ،‬هـ ‪ 1970 -‬م‪.‬‬
‫الفرق بين الفرق‪ ،‬لعبد القاهر بن طاهر البغدادي‪ ،‬تعليق محمد محيي الدين‬ ‫‪-366‬‬
‫عبد الحميد‪ ،‬مكتبة محمد على صبيح‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫أثر اإلمامة في الفقه الجعفري وأصوله‪ ،‬علي أحمد السالوس‪ ،‬دار وهدان‬ ‫‪-367‬‬
‫للطباعة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1402‬هـ‪.‬‬
‫الخطوط العريضة لألسس التي قام عليها دين الشيعة اإلمامية الاثني‬ ‫‪-368‬‬
‫عشرية‪ ،‬محب الدين الخطيب‪ ،‬المطبعة السلفية القاهرة ‪ 1393‬هـ‪.‬‬
‫المحاسن النفسانية في أجوبة المسائل الخراسانية‪ ،‬الشيخ حسين آل عصفور‬ ‫‪-369‬‬
‫البحراني‪ ،‬دار المشرق العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬البحرين‪.‬‬
‫فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير‪ ،‬محمد على‬ ‫‪-370‬‬
‫الشوكاني‪ ،‬مطبعة مصطفى البابي الحلبي‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1383‬هـ‪.‬‬
‫النهاية في الفتن والمالحم‪ ،‬البن كثير‪ ،‬دار المعرفة بيروت‪ ،‬لبنان‪ 2003 ،‬م‪.‬‬ ‫‪-371‬‬
‫ضحى اإلسالم‪ ،‬أحمد أمين‪.‬‬ ‫‪-372‬‬
‫النهي عن سب األصحاب‪ ،‬للمقدسي‪ ،‬محمد عبد الواحد المقدسي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬ ‫‪-373‬‬
‫عبد الرحمن التركي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫لمحات اجتماعية من تاريخ العراق‪ ،‬د‪ .‬علي الوردي‪ ,‬مطبعة اإلرشاد‪،‬‬ ‫‪-374‬‬
‫بغداد‪.‬‬
‫الفكر الشيعي والنزعات الصوفية‪ ،‬كامل الشيبي‪ ،‬مكتبة النهضة‪ ،‬بغداد‪.‬‬ ‫‪-375‬‬
‫‪65‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫نظام الخالفة في الفكر اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬مصطفى حلمي‪ ,‬دار الدعوة‪،‬‬ ‫‪-376‬‬
‫اإلسكندرية‪.‬‬
‫خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب‪ ،‬ألبي عبد الرحمن أحمد بن‬ ‫‪-377‬‬
‫شعيب النسائي‪ ،‬تحقيق أحمد ميرين البلوشي‪ ،‬مكتبة المعال‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫منهج ابن تيمية في مسألة التكفير‪ ،‬الدكتور عبد المجيد بن سالم الشعبي‪،‬‬ ‫‪-378‬‬
‫أضواء السلف‪ ،‬السعودية‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1418‬هـ ‪ 1997 -‬م‪.‬‬
‫مقاالتـ اإلسالميين واختالف المصلين‪ ،‬ألبي الحسن األشعري‪ ،‬تحقيق‬ ‫‪-379‬‬
‫محمد محيي الدين عبد الحميد‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية‪.‬‬
‫هدي الساري‪ ،‬مقدمة فتح الباري‪ ،‬الحافظ ابن حجر العسقالني‪،‬ـ المطبعة‬ ‫‪-380‬‬
‫السلفية‪.‬‬
‫التنبيه والرد على أهل األهواء والبدع‪ ،‬ألبي الحسين محمد بن أحمد‬ ‫‪-381‬‬
‫الملطي‪ ،‬مكتبة المثنى‪ ،‬بغداد ‪ 1388‬هـ ‪ 1968 -‬م‪.‬‬
‫الخوارج‪ ،‬ناصر العقل‪ ،‬دار الوطن‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1416‬هـ‪.‬‬ ‫‪-382‬‬
‫الوظيفة العقيدية للدولة اإلسالمية‪ ،‬حامد عبد الماجد قويسي‪ ،‬الطبعة األولى‬ ‫‪-383‬‬
‫‪ 1413‬هـ‪ 1993 ،‬م‪ ،‬دار التوزيع والنشر اإلسالمية‪.‬‬
‫تلبيس إبليس‪ ،‬البن الجوزي‪ ،‬بتحقيق محمود مهدي استانبولي ‪ 1395‬هـ‪.‬‬ ‫‪-384‬‬
‫الخوارج‪ ،‬دراسة ونقد لمذهبهم‪ ،‬ناصر بن عبد هللا السعوي‪ ،‬دار المعارج‬ ‫‪-385‬‬
‫الدولية‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1417‬هـ ‪ 1996 -‬م‪.‬‬
‫نصب الراية ألحاديث الهداية‪ ،‬جمال الدين أبو محمد أبو عبد هللا يوسف‬ ‫‪-386‬‬
‫الزيلعي‪ ،‬دار المأمون‪ ،‬القاهرة‪ 1357 ،‬هـ ‪ 1938 -‬م‪.‬‬
‫ظاهرة الغلو في الدين في العصر الحديث‪ ،‬محمد عبد الكريم‪ 1991 ،‬م‪.‬‬ ‫‪-387‬‬
‫اإلباضية في موكب التاريخ‪ ،‬علي يحيي معمر‪ ،‬مكتبة وهبة‪.‬‬ ‫‪-388‬‬
‫السياسة في إصالح الراعي والرعية‪ ،‬ابن تيمية‪ ،‬المطبعة السلفية ومكتبتها‪.‬‬ ‫‪-389‬‬
‫فيض القدير في شرح الجامع الصغير‪ ,‬عبد الرءوف المناوي‪ ،‬دار الفكر‬ ‫‪-390‬‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬الطبعة الثانية‪ 1391 ،‬هـ ‪ 1972 -‬م‪.‬‬
‫قواعد في التعامل مع العلماء‪ ،‬د‪ .‬عبد الرحمن بن معال اللويحق‪ ،‬دار‬ ‫‪-391‬‬
‫الوراق‪ ،‬السعودية‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1410‬هـ ‪ 1992 -‬م‪.‬‬
‫التكفير جذوره وأسبابه‪ ،‬د‪ .‬نعمان عبد الرزاق السامرائي‪- ،‬دار المنارة‪-‬‬ ‫‪-392‬‬
‫جدة‪.‬‬
‫ظاهرة التكفير‪ ،‬األمين الحاج محمد أحمد‪ ،‬مكتبة دار المطبوعات الحديثة‪،‬‬ ‫‪-393‬‬
‫جدة‪ ،‬السعودية‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1412‬هـ ‪ 1992 -‬م‪.‬‬
‫الصحوة اإلسالمية بين الجحود والتطرف‪ ،‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬كتاب‬ ‫‪-394‬‬
‫األمة (‪.)2‬‬
‫مصباح الظالم في الرد على من كذب على الشيخ اإلمام‪ ،‬عبد اللطيف بن‬ ‫‪-395‬‬
‫عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ‪ ،‬دار الهداية‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية‪ ،‬إسماعيل بن حماد الجوهري‪ ،‬تحقيق‬ ‫‪-396‬‬
‫أحمد عبد الغفور‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬القاهرة ‪ 1402‬م‪.‬‬
‫المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي‪ ،‬تأليف أحمد بن محمد‬ ‫‪-397‬‬
‫المقري الفيومي‪،‬ـ المكتبة العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫القاموس المحيط‪ ،‬لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي‪ ،‬المؤسسة‬ ‫‪-398‬‬
‫العربية للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫مقاييس اللغة‪ ،‬ألبي الحسين أحمد فارس‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم هارون‪ ،‬دار‬ ‫‪-399‬‬
‫‪65‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1411‬هـ‪.‬‬
‫الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة للحافظ قوام السنة أبي‬ ‫‪-400‬‬
‫القاسم إسماعيل األصبهاني‪،‬ـ د‪ .‬محمد ربيع مدخلي‪ ،‬و محمد بن محمود أبو‬
‫رحيم‪ ،‬دار الراية‪.‬‬
‫اعتقادات فرق المسلمين والمشركين‪ ،‬لفخر الدين الرازي‪ ،‬دار الكتب العلمية‬ ‫‪-401‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ 1402 ،‬هـ‪.‬‬
‫الرواة الذين تأثروا بابن سبأ‪ ،‬د‪ .‬سعد الهاشمي‪ 1413 ،‬هـ ‪ 1992 -‬م‪.‬‬ ‫‪-402‬‬
‫االقتصاد في االعتقاد‪ ،‬ألبي حامد الغزالي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪-403‬‬
‫لبنان‪.‬‬
‫الصارم المسلول في شاتم الرسول‪ ،‬لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬تحقيق‪ :‬محيي‬ ‫‪-404‬‬
‫الدين عبد الحميد‪ ،‬عالم الكتب‪ 1402 ،‬هـ ‪ 1982 -‬م‪.‬‬
‫الكشاف للزمخشري‪ ،‬جار هللا محمود الزمخشري‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪-405‬‬
‫تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬محمد مرتضى الزبيدي‪ ،‬دار مكتبة‬ ‫‪-406‬‬
‫الحياة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫آية التطهير‪ ،‬وعالقتها بعصمة األئمة‪ ،‬عبد الهادي الحسيني‪.‬‬ ‫‪-407‬‬
‫تفسير البغوي‪ ،‬المسمى معالم التنزيل‪ ،‬ألبي محمد الحسين بن مسعود الفراء‬ ‫‪-408‬‬
‫البغوي الشافعي‪ ،‬تحقيق‪ :‬خالد عبد الرحمن العك‪ ،‬ومروان سوار‪ ،‬دار‬
‫المعرفة بيروت‪.‬‬
‫الحجج الدامغة لنقض كتاب المراجعات‪ ،‬أبو مريم بن محمد األعظمي‪.‬‬ ‫‪-409‬‬
‫تيسير العزيز الحميد لشرح كتاب التوحيد‪ ،‬للشيخ سليمان عبد هللا بن محمد‬ ‫‪-410‬‬
‫بن عبد الوهاب‪ ،‬مكتبة الرياض الحديثة‪.‬‬
‫الرسالة التدمرية البن تيمية‪ ،‬تحقيق‪ :‬زهير الشاويش‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪.‬‬ ‫‪-411‬‬
‫الشفا بتعريف حقوق المصطفى‪ ،‬ألبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي‬ ‫‪-412‬‬
‫األندلسي‪ ،‬مطبعة البابي الحلبي‪ ،‬الطبعة األخيرة ‪ 1369‬هـ ‪ 1950 -‬م‪.‬‬
‫المنحة اإللهية في تهذيب الطحاوية‪ ،‬عبد اآلخر حماد الغنيمي‪ ،‬دار‬ ‫‪-413‬‬
‫الصحابة‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬جمادي الثانية‪ 1418 ،‬هـ ‪ 1997 -‬م‪.‬‬
‫الملل والنحل‪ ،‬ألبي الفتح محمد عبد الكريم الشهرستاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬األستاذ‬ ‫‪-414‬‬
‫أحمد فهمي محمد‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1413‬هـ‪.‬‬
‫مختصر تفسير القرآن العظيم المسمى عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير‪،‬‬ ‫‪-415‬‬
‫اختصار وتحقيق‪ :‬أحمد شاكر‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬دار الوفاء‪ 1424 ،‬هـ ‪2003 -‬‬
‫م‪.‬‬
‫روايات تاريخ الصحابة في ميزان الجرح والتعديل‪ ،‬د‪ .‬عبد العزيز صغير‬ ‫‪-416‬‬
‫دخان‪ ،‬طبعة أولى ‪ 1998‬م‪ ،‬الشوكاني باليمن‪.‬‬
‫اليهود في السنة المطهرة‪ ،‬عبد هللا الشقاري‪ ،‬دار طيبة‪ 1417 ،‬هـ ‪1996 -‬‬ ‫‪-417‬‬
‫م‪.‬‬
‫المروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في التفسير من سورة المائدة‬ ‫‪-418‬‬
‫إلى سورة الناس‪ ،‬رسالة ماجستير جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‪،‬‬
‫للطالب فهد عبد العزيز إبراهيم الفاضل‪ ،‬لم تطبع‪.‬‬
‫خالفة علي بن أبي طالب‪ ،‬رتبه وهذبه‪ ،‬د‪ .‬محمد بن صامل السلمي‪،‬‬ ‫‪-419‬‬
‫مستخرج من البداية والنهاية‪ ،‬دار الوطن‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1422‬هـ ‪-‬‬
‫‪ 2002‬م‪.‬‬
‫وسطية أهل السنة بين الفرق‪ ،‬د‪ .‬محمد باكريم‪ ،‬دار الراية‪ ،‬الرياض‪،‬‬ ‫‪-420‬‬
‫‪66‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪ -421‬عقائد الثالث والسبعين فرقة‪ ،‬ألبي محمد اليمني‪ ،‬تحقيق ودراسة‪ :‬محمد عبد‬
‫هللا زربان الغامدي‪ ،‬مكتبة دار العلوم‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1414‬هـ‪.‬‬
‫‪ -422‬العزلة والخلطة‪ ،‬أحكام وأحوال‪ ،‬سلمان بن فهد العودة‪ 1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -423‬أمير المؤمنين علي بن أبي طالب‪ ،‬أحمد السيد يعقوب الرفاعي‪ ،‬دار‬
‫الفضيلة‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -424‬السلسلة الضعيفة‪ ،‬لأللباني‪ ،‬مكتبة المعارف‪ ،‬الرياض‪ 1422 ،‬هـ ‪2002 -‬‬
‫م‪.‬‬
‫‪ -425‬زاد المعاد‪ ،‬ابن القيم‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب و عبد القادر األرناؤوط‪ ،‬دار الرسالة‪.‬‬
‫‪ -426‬فقه السيرة النبوية‪ ،‬محمد سعيد رمضان‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪.‬‬
‫‪ -427‬فصول من السيرة النبوية‪ ،‬عبد المنعم السيد‪.‬‬
‫‪ -428‬هجرة الرسول وصحابته في القرآن والسنة‪ ،‬أحمد عبد الغني الجمل‪ ،‬دار‬
‫الوفاء‪.‬‬
‫‪ -429‬السيرة النبوية في ضوء المصادر األصلية‪ ،‬د‪ .‬مهدي رزق هللا أحمد‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪ 1412‬هـ ‪ 1992 -‬م‪ ،‬مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -430‬الخليفتان عثمان وعلي بين السنة والشيعة‪ ،‬أنور عيسى‪ ،‬لم تطبع‪.‬‬
‫‪ -431‬مرويات غزوة الحديبية‪ ،‬حافظ الحكمي‪ ،‬دار ابن القيم‪.‬‬
‫‪ -432‬القول المفيد على كتاب التوحيد‪ ،‬لمحمد صالح العثيمين‪ ،‬دار العاصمة‪.‬‬
‫‪ -433‬التاريخ السياسي‪ ،‬د‪ .‬علي معطي‪ ،‬مؤسسة المعارف بيروت‪.‬‬
‫‪ -434‬قراءة سياسية للسيرة النبوية‪ ،‬محمد قلعجي‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -435‬علي بن أبي طالب مستشار أمين للخلفاء الراشدين‪ ،‬د‪ .‬محمد عمر الحاجي‪،‬‬
‫دار الحافظ بدمشق‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1998‬م‪.‬‬
‫‪ -436‬زواج عمر بن الخطاب رضي هللا عنه‪ ،‬من أم كلثوم بنت علي بن أبي‬
‫طالب‪ ،‬رضي هللا عنهما‪ ،‬حقيقة وليس افتراء‪ ،‬تأليف أبي معاذ اإلسماعيلي‪.‬‬
‫‪ -437‬عثمان بن عفان‪ ،‬صادق عرجون‪ ،‬الدار السعودية‪ 1410 ،‬هـ ‪ 1990 -‬م‪.‬‬
‫‪ -438‬مجلة البحوث اإلسالمية‪ ،‬العدد العاشر‪.‬‬
‫‪ -439‬رياض النفوس للمالكي‪ ،‬أبو بكر عبد هللا بن محمد المالكي‪ ،‬دار الغرب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬عام ‪ 1403‬هـ ‪ 1983 -‬م‪.‬‬
‫‪ -440‬فتنة قتل عثمان‪ ،‬محمد بن عبد هللا الغبان‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬السعودية‪.‬‬
‫‪ -441‬عثمان بن عفان‪ ،‬الخليفة الشاكر الصابر‪ ،‬دار القلم دمشق‪.‬‬
‫‪ -442‬ليس من اإلسالم‪ ،‬محمد الغزالي‪ ،‬دار القلم‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1420‬هـ ‪ 1999 -‬م‪.‬‬
‫‪66‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫فهرس الكتاب‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪3‬‬ ‫اإلهداء ‪..................................................................................‬‬
‫‪4‬‬ ‫المقدمة ‪..........................................................................‬‬
‫الفصل األول‬
‫علي بن أبي طالب رضي اهلل عنه بمكة‬
‫‪20‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬اسمه ونسبه وكنيته وصفته وأسرته‪...........................‬‬
‫‪20‬‬ ‫أوالً‪ :‬اسمه وكنيته ولقبه ‪........................................................‬‬
‫‪21‬‬ ‫ثانياً‪ :‬مولده ‪......................................................................‬‬
‫‪21‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬األسرة وأثرها في األعقاب ‪...............................................‬‬
‫‪31‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬إسالمه وأهم أعماله في مكة قبل الهجرة‪......................‬‬
‫‪31‬‬ ‫أوالً‪ :‬إسالمه ‪............................................................................‬‬
‫‪32‬‬ ‫ثانياً‪ :‬كيف أسلم علي؟‪...........................................................‬‬
‫‪32‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬بين علي رضي هللا عنه وأبي طالب‪......................................‬‬
‫‪32‬‬ ‫رابعاً‪ :‬هل كسر علي رضي هللا عنه األصنام مع رسول هللا في مكة؟‪........‬‬
‫‪33‬‬ ‫خامساً‪ :‬هل دفن علي رضي هللا عنه أبا طالب بإرشاد رسول هللا؟‪............‬‬
‫‪33‬‬ ‫سادساً‪ :‬الحس األمني عند علي رضي هللا عنه ودوره في إيصال أبي ذر‬
‫رضي هللا عنه لرسول هللا ×‪....................................................‬‬
‫‪35‬‬ ‫سابعاً‪ :‬على رضي هللا عنه مع رسول هللا في طوافه على القبائل وعرضه‬
‫للدعوة عليها وحضوره المفاوضات مع بني شيبان‪............................‬‬
‫‪38‬‬ ‫ثامناً‪ :‬تقديمه نفسه فداء للنبي ×‪.................................................‬‬
‫‪40‬‬ ‫تاسعاً‪ :‬هجرته‪....................................................................‬‬
‫‪42‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬معايشة أمير المؤمنين على للقرآن الكريم وأثرها عليه في‬
‫حياته‪.............................................................................‬‬
‫‪42‬‬ ‫أوالً‪ :‬تصوره عن هللا والكون‪ ،‬والحياة‪ ،‬والجنة والنار‪ ،‬والقضاء والقدر‬
‫‪45‬‬ ‫ثانياً‪ :‬مكانة القرآن الكريم عنده‪..................................................‬‬
‫‪46‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬ما نزل فيه من القرآن الكريم ‪.............................................‬‬
‫‪48‬‬ ‫رابعاً‪ :‬تبليغه تفسير رسول هللا لبعض آيات القرآن الكريم ‪....................‬‬
‫‪49‬‬ ‫خامساً‪ :‬األصول واألسس التي سار عليها أمير المؤمنين على في استنباط األحكام من‬
‫القرآن الكريم وفهم معانيه ‪............................................................‬‬
‫‪49‬‬ ‫‪ -1‬االلتزام بظاهر القرآن الكريم ‪..........................................‬‬
‫‪50‬‬ ‫‪ -2‬حمل المجمل على المفسر‪..............................................‬‬
‫‪50‬‬ ‫‪ -3‬حمل المطلق على المقيد في القرآن الكريم ‪...........................‬‬
‫‪51‬‬ ‫‪ -4‬العمل بالناسخ والمنسوخ‪...............................................‬‬
‫‪51‬‬ ‫‪ -5‬النظر في لغة العرب‪...................................................‬‬
‫‪52‬‬ ‫‪ -6‬فهم النص بنص آخر‪...................................................‬‬
‫‪66‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪53‬‬ ‫‪ -7‬السؤال عن مشكله‪......................................................‬‬
‫‪53‬‬ ‫‪ -8‬العلم بمناسبة اآليات‪....................................................‬‬
‫‪53‬‬ ‫‪ -9‬تخصيص العام‪..........................................................‬‬
‫‪55‬‬ ‫‪ -10‬معرفة عادات العرب ومن حولهم‪...................................‬‬
‫‪55‬‬ ‫‪ -11‬قوة الفهم وسعة اإلدراك‪..............................................‬‬
‫‪55‬‬ ‫سادساً‪ :‬تفسير أمير المؤمنين علي لبعض اآليات الكريمة‪.....................‬‬
‫‪55‬‬ ‫‪ -1‬الذاريات‪.................................................................‬‬
‫‪56‬‬ ‫َّس"‪........................................‬‬ ‫‪ -2‬قوله تعالى‪+ :‬فَالَ أُق ِ‬
‫ْس ُم بِالْ ُخن ِ‬
‫‪56‬‬ ‫‪ -3‬بكاء األرض على العبد الصالح‪........................................‬‬
‫‪56‬‬ ‫‪ -4‬الخشوع في القلب وأن تلين كنفك للمرء المسلم‪.......................‬‬
‫‪56‬‬ ‫‪ -5‬خليالن مؤمنان‪ ،‬وخليالن كافران‪......................................‬‬
‫‪57‬‬ ‫‪ -6‬الزهد في كلمتين في القرآن ‪...........................................‬‬
‫‪57‬‬ ‫‪ -7‬أمير المؤمنين علي رضي هللا عنه وتدبره في الصالة‪................‬‬
‫‪57‬‬ ‫‪ -8‬قوله تعالى‪َ + :‬ي ْو َم الَ يَن َف ُع َم ٌ‬
‫ال َوالَ َبنُو َن"‪................................‬‬
‫‪58‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬مالزمته لرسول هللا × ‪........................................‬‬
‫‪58‬‬ ‫أوالً‪ :‬أمير المؤمنين ومقام النبوة‪................................................‬‬
‫‪59‬‬ ‫‪ -1‬وجوب طاعة النبي × ولزوم سنته والمحافظة عليها‪.................‬‬
‫‪60‬‬ ‫‪ -2‬حديث أمير المؤمنين علي رضي هللا عنه عن دالئل نبوة الرسول ×‬
‫‪62‬‬ ‫‪ -3‬الترغيب في هدي الني × ‪.............................................‬‬
‫‪62‬‬ ‫‪ -4‬بيان فضله‪ ،‬وبعض حقوقه على أمته × ‪..............................‬‬
‫‪64‬‬ ‫‪ -5‬المعرفة الدقيقة الشاملة لمالمح الشخصية النبوية‪.....................‬‬
‫‪66‬‬ ‫‪ -6‬نماذج من اتباع أمير المؤمنين للسنة‪...................................‬‬
‫‪69‬‬ ‫ثانياً‪ :‬الرواة عن علي بن أبي طالب ‪............................................‬‬
‫‪75‬‬ ‫المبحا المبحث الخامس‪ :‬أهم أعمال علي بن أبي طالب رضي هللا عنه ما بين‬
‫الهجرة واألحزاب ‪.....................................................................‬‬
‫‪75‬‬ ‫أوالً‪ :‬حركة السرايا‪..............................................................‬‬
‫‪75‬‬ ‫‪ -1‬غزوة العشيرة‪..........................................................‬‬
‫‪76‬‬ ‫‪ -2‬غزوة بدر األولى‪.......................................................‬‬
‫‪76‬‬ ‫ثانياً‪ :‬غزوة بدر‪..................................................................‬‬
‫‪78‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬زواج على من فاطمة رضي هللا عنهما‪...................................‬‬
‫‪78‬‬ ‫‪ -1‬مهرها وجهازها‪........................................................‬‬
‫‪79‬‬ ‫‪ -2‬زفافها‪...................................................................‬‬
‫‪79‬‬ ‫‪ -3‬وليمة العرس‪............................................................‬‬
‫‪80‬‬ ‫‪ -4‬معيشة على وفاطمة رضي هللا عنهما‪.................................‬‬
‫‪66‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪81‬‬ ‫‪ -5‬زهد السيدة فاطمة وصبرها‪............................................‬‬
‫‪82‬‬ ‫‪ -6‬إنما أنفسنا بيد هللا فإذا شاء هللا أن يبعثنا بعثنا‪..........................‬‬
‫‪82‬‬ ‫رابعاً‪ :‬ولداها‪ :‬الحسن والحسين رضي هللا عنهما‪..............................‬‬
‫‪82‬‬ ‫‪ -1‬الحسن بن علي بن أبي طالب رضي هللا عنه ‪........................‬‬
‫‪84‬‬ ‫‪ -2‬الحسين بن علي بن أبي طالب رضي هللا عنه ‪........................‬‬
‫‪85‬‬ ‫‪ -3‬ما ورد من أحاديث في مناقب مشتركة بين الحسن والحسين‪.........‬‬
‫‪87‬‬ ‫خامساً‪ :‬حديث الكساء ومفهوم أهل البيت‪.......................................‬‬
‫‪88‬‬ ‫سادساً‪ :‬ما يخص آل رسول هللا × من األحكام‪.................................‬‬
‫‪88‬‬ ‫‪ -1‬تحرم عليهم الزكاة‪......................................................‬‬
‫‪88‬‬ ‫‪ -2‬ال يرثون رسول هللا × ‪.................................................‬‬
‫‪88‬‬ ‫‪ -3‬لهم خمس الخمس في الغنيمة والفيء‪..................................‬‬
‫‪88‬‬ ‫‪ -4‬الصالة عليهم مع النبي × ‪.............................................‬‬
‫‪89‬‬ ‫‪ -5‬لهم مودة خاصة‪.........................................................‬‬
‫‪90‬‬ ‫سابعاً‪ :‬علي رضي هللا عنه في غزوة أحد‪......................................‬‬
‫‪91‬‬ ‫ثامناً‪ :‬علي رضي هللا عنه في غزوة بني النضير‪..............................‬‬
‫‪92‬‬ ‫تاسعاً‪ :‬علي رضي هللا عنه في غزوة حمراء األسد‪............................‬‬
‫‪93‬‬ ‫عاشراً‪ :‬علي رضي هللا عنه وموقفه من حادثة اإلفك‪..........................‬‬
‫‪95‬‬ ‫المبحث السادس‪ :‬أهم أعمال علي رضي هللا عنه ما بين األحزاب إلى وفاة النبي‬
‫×‬
‫‪95‬‬ ‫أوالً‪ :‬علي رضي هللا عنه في غزوة األحزاب‪..................................‬‬
‫‪96‬‬ ‫ثانياً‪ :‬علي رضي هللا عنه في غزوة بني قريظة‪................................‬‬
‫‪97‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬علي رضي هللا عنه في صلح الحديبية وبيعة الرضوان‪.................‬‬
‫‪100‬‬ ‫رابعاً‪ :‬عمرة القضاء ‪ 7‬هـ وعلي رضي هللا عنه وحضانة ابنة حمزة ‪...... ‬‬
‫‪101‬‬ ‫خامساً‪ :‬علي رضي هللا عنه في غزوة خيبر ‪ 7‬هـ‪..............................‬‬
‫‪105‬‬ ‫سادساً‪ :‬علي رضي هللا عنه في فتح مكة وغزوة حنين ‪ 8‬هـ‪..................‬‬
‫‪105‬‬ ‫‪ -1‬إحباط محاولة تجسس لصالح قريش‪...................................‬‬
‫‪106‬‬ ‫‪ -2‬أجرنا من أجرت يا أم هانئ‪............................................‬‬
‫‪106‬‬ ‫‪ -3‬مقتل الحويرث بن نقيذ بن وهب‪.......................................‬‬
‫‪107‬‬ ‫‪ -4‬علي رضي هللا عنه في مهمة إصالحية‪...............................‬‬
‫‪107‬‬ ‫‪ -5‬علي رضي هللا عنه في غزوة حنين‪...................................‬‬
‫‪108‬‬ ‫‪ -6‬سرية علي رضي هللا عنه لهدم الفلس في بالد طيء‪..................‬‬
‫‪108‬‬ ‫سابعاً‪ :‬استخالف النبي × لعلي على المدينة في غزوة تبوك ‪ 9‬هـ‪............‬‬
‫‪108‬‬ ‫ثامناً‪ :‬علي رضي هللا عنه ودوره اإلعالمي في حجة أبي بكر بالناس ‪ 9‬هـ‪. .‬‬
‫‪110‬‬ ‫تاسعاً‪ :‬علي رضي هللا عنه ووفد نصارى نجران‪ ،‬وآية المباهلة ‪ 9‬هـ‪........‬‬
‫‪66‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪112‬‬ ‫عاشراً‪ :‬علي رضي هللا عنه داعيا وقاضيا في اليمن ‪ 10‬هـ‪...................‬‬
‫‪113‬‬ ‫‪ -1‬قضاؤه في األربعة الذين تدافعوا عند زبية لألسد‪.....................‬‬
‫‪113‬‬ ‫‪ -2‬ثالثة وقعوا على امرأة في طهر‪.......................................‬‬
‫‪114‬‬ ‫الحادي عشر‪ :‬على رضي هللا عنه في حجة الوداع‪............................‬‬
‫‪115‬‬ ‫الثاني عشر‪ :‬تشرفه بغسل النبي × ودفنه‪.......................................‬‬
‫‪115‬‬ ‫الثالث عشر‪ :‬قصة الكتاب الذي هم النبي × بكتابته في مرض موته‪..........‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫علي بن أبي طالب ‪ ‬في عهد الخلفاء الراشدين‬
‫‪121‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬علي بن أبي طالب ‪ ‬في عهد الصديق‪...........................‬‬
‫‪121‬‬ ‫أوالً‪ :‬مبايعة علي ألبي بكر بالخالفة رضي هللا عنهما‪.........................‬‬
‫‪123‬‬ ‫ثانياً‪ :‬على رضي هللا عنه ومساندته ألبي بكر في حروب الردة‪...............‬‬
‫‪124‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬تقديم علي رضي هللا عنه ألبي بكر‪.......................................‬‬
‫‪126‬‬ ‫رابعاً‪ :‬اقتداء علي بالصديق في الصلوات وقبول الهدايا منه‪..................‬‬
‫‪129‬‬ ‫خامساً‪ :‬الصديق والسيدة فاطمة وميراث النبي × ‪.............................‬‬
‫‪139‬‬ ‫سادساً‪ :‬مصاهرات بين الصديق وأهل البيت وتسمية أهل البيت بعض أسمائهم باسم‬
‫أبي بكر‪................................................................................ .‬‬
‫‪140‬‬ ‫سابعاً‪ :‬علي رضي هللا عنه في وفاة الصديق‪...................................‬‬
‫‪142‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬علي رضي هللا عنه في عهد الفاروق‪.........................‬‬
‫‪142‬‬ ‫أوالً‪ :‬في األمور القضائية‪.......................................................‬‬
‫‪145‬‬ ‫ثانيًا‪ :‬علي رضي هللا عنه والتنظيمات المالية واإلدارية العمرية‪..............‬‬
‫‪146‬‬ ‫ثالثًا‪ :‬استشارة عمر لعلي رضي هللا عنهما في أمور الجهاد وشئون الدولة‪...‬‬
‫‪148‬‬ ‫رابعًا‪ :‬علي رضي هللا عنه وأوالده وعالقتهم بعمر رضي هللا عنهم‪..........‬‬
‫‪150‬‬ ‫خامسًا‪ :‬زواج عمر من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب‪......................‬‬
‫‪152‬‬ ‫سادسًا‪ :‬قول عمر لفاطمة رضي هللا عنهما‪ :‬يا بنت رسول هللا ما أحد من‬
‫الخلق أحب إلينا من أبيك‪........................................................‬‬
‫‪153‬‬ ‫سابعاً‪ :‬الخالف بين العباس وعلى وحكم عمر رضي هللا عنه بينهما‪..........‬‬
‫‪154‬‬ ‫ثامناً‪ :‬ترشيح عمر عليا للخالفة مع أهل الشورى وما قاله على في عمر بعد‬
‫استشهاده‬
‫‪154‬‬ ‫‪ -1‬ترشيح على مع أهل الشورى‪..........................................‬‬
‫‪155‬‬ ‫‪ -2‬ما قاله علي في عمر بعد استشهاده‪....................................‬‬
‫‪155‬‬ ‫‪ -3‬قول علي في عمر‪ :‬إن عمر كان رشيد األمر‪...........................‬‬
‫‪156‬‬ ‫‪ -4‬إن عمر كان يكره نزوله‪ ،‬فأنا أكرهه لذلك‪............................‬‬
‫‪156‬‬ ‫‪ -5‬حب أهل البيت لعمر رضي هللا عنه ‪..................................‬‬
‫‪157‬‬ ‫‪ -6‬عمر بن الخطاب جعله هللا سببا في ذرية الحسين بن علي بن أبي‬
‫طالب‬
‫‪157‬‬ ‫‪ -7‬قول عبد هللا بن الحسن بن علي بن أبي طالب في عمر‪..............‬‬
‫‪66‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪158‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬علي ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬في عهد عثمان بن عفان‪..............‬‬
‫‪158‬‬ ‫أوالً‪ :‬بيعة علي لعثمان رضي هللا عنه ‪.........................................‬‬
‫‪159‬‬ ‫ثانياً‪ :‬أباطيل رافضية دست في قضية الشورى‪................................‬‬
‫‪160‬‬ ‫‪ -1‬اتهام الصحابة بالمحاباة في أمر المسلمين ‪............................‬‬
‫‪160‬‬ ‫‪ -2‬حزب أموي وحزب هاشمي‪...........................................‬‬
‫‪161‬‬ ‫‪ -3‬أكاذيب نسبت بهتانا وزورًا لعلي رضي هللا عنه ‪.....................‬‬
‫‪161‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬المفاضلة بين عثمان وعلي رضي هللا عنهما‪.............................‬‬
‫‪162‬‬ ‫رابعاً‪ :‬رابعًا‪ :‬علي رضي هللا عنه يقيم الحدود ويستشار في شئون دولة عثمان ‪. . ‬‬
‫‪162‬‬ ‫‪ -1‬إقامة علي للحدود في عهد عثمان رضي هللا عنهما‪...................‬‬
‫‪163‬‬ ‫‪ -2‬استشارة عثمان لعلي وكبار الصحابة في فتح إفريقية‪................‬‬
‫‪163‬‬ ‫‪ -3‬رأي علي في جمع عثمان للناس على قراءة واحدة‪...................‬‬
‫‪164‬‬ ‫خامساً‪ :‬موقف علي رضي هللا عنه في فتنة مقتل عثمان رضي هللا عنه ‪.....‬‬
‫‪165‬‬ ‫‪ -1‬موقف علي رضي هللا عنه في بداية الفتنة‪.............................‬‬
‫‪167‬‬ ‫‪ -2‬موقف علي رضي هللا عنه أثناء الحصار‪.............................‬‬
‫‪169‬‬ ‫‪ -3‬المصاهرات بين آل علي وآل عثمان رضي هللا عنهم‪................‬‬
‫‪170‬‬ ‫سادساً‪ :‬من أقوال علي في الخلفاء الراشدين ‪...................................‬‬
‫‪171‬‬ ‫‪ -1‬سيدا كهول أهل الجنة وشبابها‪.........................................‬‬
‫‪171‬‬ ‫‪ -2‬ما أضمر لهما إال الذي أتمنى المضي عليه‪...........................‬‬
‫‪172‬‬ ‫‪ -3‬هذا عثمان بن علي سميته بعثمان بن عفان‪............................‬‬
‫‪173‬‬ ‫‪ -4‬أبو بكر وعمر وعثمان رضي هللا عنهم كان لهم بالنبي اختصاص‬
‫عظيم‪.............................................................................‬‬
‫‪173‬‬ ‫‪ -5‬ما يترتب عليه في مذهب الرافضة من تكفير الصحابة‪...............‬‬
‫‪173‬‬ ‫‪ -6‬قرائن عملية وأدلة واقعية على حقيقة العالقة بين على و الخلفاء‬
‫الراشدين‬
‫‪175‬‬ ‫سابعاً‪ :‬وصف ألصحاب النبي × في القرآن الكريم ‪...........................‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫بيعة علي ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬وأهم صفاته وحياته في المجتمع‬
‫‪178‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬بيعة علي رضي هللا عنه ‪......................................‬‬
‫‪178‬‬ ‫أوالً‪ :‬كيف تمت بيعة على رضي هللا عنه ‪.....................................‬‬
‫‪181‬‬ ‫ثانياً‪ :‬أحقية علي بالخالفة‪........................................................‬‬
‫‪184‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬بيعة طلحة والزبير رضي هللا عنهما‪.....................................‬‬
‫‪186‬‬ ‫رابعاً‪ :‬انعقاد اإلجماع على خالفة علي رضي هللا عنه ‪........................‬‬
‫‪192‬‬ ‫خامساً‪ :‬شروط أمير المؤمنين علي رضي هللا عنه في بيعته وأول خطبة‬
‫خطبها ‪...................................................................................‬‬
‫‪192‬‬ ‫‪ -1‬مبدأ الشورى‪............................................................‬‬
‫‪66‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪193‬‬ ‫‪ -2‬أهل الحل والعقد في عهد أمير المؤمنين علي ‪........................‬‬
‫‪194‬‬ ‫‪ -3‬الحرص على أن ال يظل منصب الخليفة شاغرا‪........................‬‬
‫‪194‬‬ ‫‪ -4‬الرد على بعض الكتب المعاصرة التي تحدثت عن بيعة علي رضي هللا‬
‫عنه ‪..............................................................................‬‬
‫‪196‬‬ ‫‪ -5‬أول خطبة خطبها علي رضي هللا عنه ‪................................‬‬
‫‪197‬‬ ‫‪ -6‬الترادف بين ألفاظ‪ :‬اإلمام والخليفة وأمير المؤمنين‪...................‬‬
‫‪198‬‬ ‫‪ -7‬أيهما أصح عند ذكر أمير المؤمنين علي‪ :‬هل نقول رضي هللا عنه أم كرم هللا‬
‫وجهه أم عليه السالم؟‪...........................................................‬‬
‫‪199‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬شيء من فضائله وأهم صفاته وقواعد نظام حكمه‪............‬‬
‫‪201‬‬ ‫أوالً‪ :‬العلم والفقه في الدين‪.......................................................‬‬
‫‪210‬‬ ‫ثانياً‪ :‬زهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي هللا عنه وورعه‪.........‬‬
‫‪215‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬تواضع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي هللا عنه ‪..............‬‬
‫‪218‬‬ ‫رابعاً‪ :‬كرمه وجوده‪..............................................................‬‬
‫‪220‬‬ ‫خامساً‪ :‬الحياء من هللا تعالى‪.....................................................‬‬
‫‪221‬‬ ‫سادساً‪ :‬شدة عبوديته وصبره وإخالصه هلل تعالى‪..............................‬‬
‫‪225‬‬ ‫سابعاً‪ :‬شكره هلل‪..................................................................‬‬
‫‪226‬‬ ‫ثامناً‪ :‬الدعاء هلل‪..................................................................‬‬
‫‪229‬‬ ‫تاسعاً‪ :‬المرجعية العليا لدولة أمير المؤمنين علي رضي هللا عنه ‪.............‬‬
‫‪229‬‬ ‫‪ -1‬المصدر األول‪ :‬كتاب هللا تعالى‪........................................‬‬
‫‪229‬‬ ‫‪ -2‬المصدر الثاني‪ :‬السنة المطهرة‪........................................‬‬
‫‪229‬‬ ‫‪ -3‬االقتداء بالخلفاء الراشدين الذين سبقوه‪................................‬‬
‫‪230‬‬ ‫عاشراً‪ :‬حق األمة في الرقابة على الحكام‪......................................‬‬
‫‪231‬‬ ‫الحادي عشر‪ :‬الشورى‪..........................................................‬‬
‫‪232‬‬ ‫الثاني عشر‪ :‬العدل والمساواة‪...................................................‬‬
‫‪236‬‬ ‫الثالث عشر‪ :‬الحريات‪...........................................................‬‬
‫‪237‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬حياته في المجتمع واهتمامه باألمر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر‪............................................................................‬‬
‫‪237‬‬ ‫أوالً‪ :‬دعوته للتوحيد ومحاربته للشرك‪..........................................‬‬
‫‪237‬‬ ‫‪ -1‬قوله رضي هللا عنه‪ :‬ال يرجون عبد إال هللا وال يخافن إال ذنبه‪.......‬‬
‫‪240‬‬ ‫‪ -2‬تعريف أمير المؤمنين على الناس بأسماء هللا وصفاته‪................‬‬
‫‪241‬‬ ‫‪ -3‬تعريف أمير المؤمنين على الناس بنعم هللا المستوجبة للشكر‪........‬‬
‫‪242‬‬ ‫‪ -4‬حرص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على محو آثار الجاهلية‪...‬‬
‫‪244‬‬ ‫أ‪ -‬الزيارة الشرعية للقبور‪..................................................‬‬
‫‪244‬‬ ‫ب‪ -‬تاريخ االحتفال بالمزارات في األضرحة‪.............................‬‬
‫‪245‬‬ ‫جـ‪ -‬ارتباط المزارات بالتخلف والجهل‪....................................‬‬
‫‪66‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪246‬‬ ‫د‪ -‬الحمالت االستعمارية وإقامة األضرحة‪................................‬‬
‫‪246‬‬ ‫هـ‪ -‬هل المزارات من اإلحداث في الدين‪..................................‬‬
‫‪249‬‬ ‫و‪ -‬حرص أمير المؤمنين علي على بطالن االعتقاد بالكواكب‪...........‬‬
‫‪249‬‬ ‫ز‪ -‬إحراق أمير المؤمنين علي رضي هللا عنه لمن غلوا فيه وادعوا فيه‬
‫األلوهية ‪..................................................................................‬‬
‫‪251‬‬ ‫ح‪ -‬كيفية بداية اإليمان في القلب عند أمير المؤمنين علي وتعريفه للتقوى‪...‬‬
‫‪253‬‬ ‫ط‪ -‬القضاء والقدر عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ‪...............‬‬
‫‪254‬‬ ‫ى‪ -‬كيف يحاسب هللا العباد على كثرة عددهم؟‪............................‬‬
‫‪254‬‬ ‫ثانياً‪ :‬خطبة ألمير المؤنين علي بن أبي طالب وتحليها ‪........................‬‬
‫‪257‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والشعر‪................................‬‬
‫‪259‬‬ ‫‪ -1‬في الفرج والشدة‪........................................................‬‬
‫‪259‬‬ ‫‪ -2‬في الصبر‪...............................................................‬‬
‫‪260‬‬ ‫‪ -3‬في حرص الناس على الدنيا ‪...........................................‬‬
‫‪260‬‬ ‫‪ -4‬في الصداقة‪.............................................................‬‬
‫‪260‬‬ ‫‪ -5‬في التواضع والقناعة‪...................................................‬‬
‫‪261‬‬ ‫‪ -6‬في السر وكتمانه‪........................................................‬‬
‫‪261‬‬ ‫رابعاً‪ :‬من حكم أمير المؤمنين علي التي سارت بين الناس‪....................‬‬
‫‪265‬‬ ‫خامساً‪ :‬حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عن صفات خيار العباد‪،‬‬
‫وعن تطوع النبي ×‪ ،‬ووصف الصحابة الكرام ‪...................................‬‬
‫‪265‬‬ ‫‪ -1‬صفات الخيار العباد ‪...................................................‬‬
‫‪266‬‬ ‫‪ -2‬إجابته لمن سأل عن تطوع النبي × ‪...................................‬‬
‫‪266‬‬ ‫‪ -3‬وصف أمير المؤمنين للصحابة الكرام‪................................‬‬
‫‪267‬‬ ‫‪ -4‬تنبيه أمير المؤمنين على أصحابه على فضائل األعمال ‪.............‬‬
‫‪267‬‬ ‫‪ -5‬معايدة المريض‪.........................................................‬‬
‫‪267‬‬ ‫‪ -6‬تشجيعه البنه الحسن على الخطابة‪....................................‬‬
‫‪268‬‬ ‫‪ -7‬إني لست كما تقول‪.....................................................‬‬
‫‪268‬‬ ‫‪ -8‬التحذير من االنقياد للشهوات‪...........................................‬‬
‫‪268‬‬ ‫‪ -9‬إدخال السرور على المسلم‪.............................................‬‬
‫‪268‬‬ ‫‪ -10‬أشد األعمال ثالثة ‪....................................................‬‬
‫‪268‬‬ ‫سادساً‪ :‬التحذير من األمراض الخطيرة التي حذر منها أمير المؤمنين ‪........‬‬
‫‪268‬‬ ‫‪ -1‬جزاء المعصية ‪.........................................................‬‬
‫‪268‬‬ ‫‪ -2‬طول األمل واتباع الهوى‪..............................................‬‬
‫‪269‬‬ ‫‪ -3‬الرياء‪....................................................................‬‬
‫‪271‬‬ ‫‪ -4‬العجب‪...................................................................‬‬
‫‪274‬‬ ‫سابعا ً اهتمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بترشيد األسواق ومواقف‬
‫‪66‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫متنوعة مع الناس‪................................................................‬‬
‫‪276‬‬ ‫‪ -1‬إنكاره على مزاحمة النساء والرجال في األسواق‪......................‬‬
‫‪276‬‬ ‫‪ -2‬ال تردوا قليل الربح فتحرموا كثيره ‪...................................‬‬
‫‪277‬‬ ‫‪ -3‬خطورة التجارة قبل التفقه في أحكامها‪................................‬‬
‫‪277‬‬ ‫‪ -4‬من سبق إلى موضع فهو أحق به‪......................................‬‬
‫‪278‬‬ ‫‪ -5‬المحتكر عاص ملعون‪..................................................‬‬
‫‪278‬‬ ‫‪ -6‬الخسارة على المال والربح على ما اصطلحوا عليه ‪.................‬‬
‫‪278‬‬ ‫‪ -7‬تحريقه قرية كانت تباع فيها الخمر‪....................................‬‬
‫‪278‬‬ ‫‪ -8‬احتسابه فيما يتعلق باللباس والهيئة‪....................................‬‬
‫‪278‬‬ ‫‪ -9‬حبسه أهل الشر والفساد‪................................................‬‬
‫‪278‬‬ ‫‪ -10‬الترهيب من عدم اإلنفاق‪.............................................‬‬
‫‪279‬‬ ‫‪ -11‬مناداته للصالة ‪.......................................................‬‬
‫‪279‬‬ ‫‪-12‬االهتمام بالطرق العامة‪................................................‬‬
‫‪279‬‬ ‫‪ -13‬ظهور بدعة القصص ومحاربة أمير المؤمنين علي لها‪............‬‬
‫‪280‬‬ ‫ثامناً‪ :‬والية الشرطة في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب‬
‫الفصل الرابع‬
‫المؤسسة المالية والقضائية في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب‬
‫وبعض اجتهاداته الفقهية‬
‫‪282‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬المؤسسة المالية‪.................................................‬‬
‫‪284‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬المؤسسة االقتصادية‪...........................................‬‬
‫‪285‬‬ ‫أوالً‪ :‬الخطة االقتصادية والتشريعية في عهد الخلفاء الراشدين والمصادر‬
‫التي اعتمدها الصحابة في ذلك العهد‪...................................‬‬
‫‪288‬‬ ‫ثانياً‪ :‬ميزات القضاء في العهد الراشدي ‪.......................................‬‬
‫‪290‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬أشهر قضاة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي هللا عنه ‪..........‬‬
‫‪292‬‬ ‫رابعاً‪ :‬األسلوب القضائي عند أمير المؤمنين علي‪.............................‬‬
‫‪292‬‬ ‫‪ -1‬إبقاؤه على أسلوب القضاء ‪............................................‬‬
‫‪292‬‬ ‫‪ -2‬عدم نقضه األحكام الصادرة قبله‪......................................‬‬
‫‪293‬‬ ‫‪ -3‬األهلية للقضاء‪..........................................................‬‬
‫‪293‬‬ ‫‪ -4‬مكان القضاء‪............................................................‬‬
‫‪293‬‬ ‫‪ -5‬مجانية الحصول على الحكم‪...........................................‬‬
‫‪293‬‬ ‫‪ -6‬بذور المحاماة‪...........................................................‬‬
‫‪294‬‬ ‫خامساً‪ :‬ما يجب على القاضي‪...................................................‬‬
‫‪294‬‬ ‫‪ -1‬دراسة القضية المعروضة عليه دراسة واعية‪........................‬‬
‫‪294‬‬ ‫‪ -2‬المساواة بين الخصوم‪..................................................‬‬
‫‪294‬‬ ‫‪ -3‬عدم الصياح بالمتخاصمين ‪............................................‬‬
‫‪66‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪294‬‬ ‫‪ -4‬االبتعاد عن المؤثرات ومجاهدة النفس‪................................‬‬
‫‪294‬‬ ‫‪ -5‬الشورى‪.................................................................‬‬
‫‪295‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬من فقه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ‪....................‬‬
‫‪295‬‬ ‫أوالً‪ :‬في العبادات‪................................................................‬‬
‫‪295‬‬ ‫‪ -1‬أحكام في الطهارة ‪......................................................‬‬
‫‪296‬‬ ‫‪ -2‬أحكام في الصالة ‪............................................................‬‬
‫‪299‬‬ ‫‪ -3‬أحكام متعلقة بالزكاة‪....................................................‬‬
‫‪301‬‬ ‫‪ -4‬أحكام متعلقة بالصيام‪...................................................‬‬
‫‪303‬‬ ‫‪ -5‬من أحكام الحج‪..........................................................‬‬
‫‪303‬‬ ‫‪ -6‬بعض األحكام ألحقت بالعبادات‪........................................‬‬
‫‪308‬‬ ‫‪ -7‬بعض األحكام المتعلقة بالمعامالت المالية‪...............................‬‬
‫‪310‬‬ ‫ثانياً‪ :‬الحدود‪......................................................................‬‬
‫‪310‬‬ ‫‪ -1‬عقوبة المرتد‪............................................................‬‬
‫‪312‬‬ ‫‪ -2‬حد الزنا ‪................................................................‬‬
‫‪312‬‬ ‫أ‪ -‬قصة رجم ‪....................................................................‬‬
‫‪313‬‬ ‫ب‪ -‬تأجيل رجم الحامل‪..........................................................‬‬
‫‪313‬‬ ‫جـ‪ -‬المستكرهة على الزنا ‪......................................................‬‬
‫‪313‬‬ ‫د‪ -‬زنا المضطرة‪.................................................................‬‬
‫‪314‬‬ ‫هـ‪ -‬درء ا لحدود بالشبهات‪......................................................‬‬
‫‪314‬‬ ‫و‪ -‬زنا النصرانية‪................................................................‬‬
‫‪314‬‬ ‫ز‪ -‬الحد كفارة لذنب من أقيم عليه عند علي ‪...................................‬‬
‫‪315‬‬ ‫‪ -3‬حد الخمر‪...............................................................‬‬
‫‪315‬‬ ‫أ‪ -‬شرب الخمر في رمضان‪.....................................................‬‬
‫‪315‬‬ ‫ب‪ -‬حكم الموت بإقامة حد الخمر‪...............................................‬‬
‫‪316‬‬ ‫‪ -4‬حد السرقة‪...............................................................‬‬
‫‪316‬‬ ‫أ‪ -‬اشتراط الحرز‪................................................................‬‬
‫‪316‬‬ ‫ب‪ -‬سرقة ما فيه شبهة ملك‪......................................................‬‬
‫‪316‬‬ ‫جـ‪ -‬سرقة الحر‪..................................................................‬‬
‫‪316‬‬ ‫د‪ -‬سرقة العبد مواله‪.............................................................‬‬
‫‪316‬‬ ‫هـ‪ -‬إثبات السرقة‪................................................................‬‬
‫‪317‬‬ ‫و‪ -‬كشف السارق قبل أن يسرق ‪.....................................................‬‬
‫‪317‬‬ ‫ز‪ -‬تكرار السرقة‪................................................................‬‬
‫‪317‬‬ ‫ح‪ -‬قطع اليد وتعليقها‪............................................................‬‬
‫‪318‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬في القصاص والجنايات‪...................................................‬‬
‫‪67‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪318‬‬ ‫أ‪ -‬االشتراك في القتل العمد‪......................................................‬‬
‫‪318‬‬ ‫ب‪ -‬من أمر عبده بالقتل ‪.........................................................‬‬
‫‪318‬‬ ‫جـ‪ -‬المقتول في الزحام‪..........................................................‬‬
‫‪318‬‬ ‫د‪ -‬جناية السائق والقائد الراكب‪.................................................‬‬
‫‪319‬‬ ‫هـ‪ -‬ما أنشئت بتعد فأحدثت تلفا‪..................................................‬‬
‫‪319‬‬ ‫و‪ -‬الخطأ في الشهادة‪............................................................‬‬
‫‪320‬‬ ‫ز‪ -‬اشتراك جماعة في قتل بعضهم بعضا خطأ‪................................‬‬
‫‪320‬‬ ‫ح‪ -‬من استخدم صغيرا أو عبدا بغير إذن‪.......................................‬‬
‫‪320‬‬ ‫ط‪ -‬الفعل المعنوي ‪..............................................................‬‬
‫‪320‬‬ ‫ى‪ -‬جناية الطبيب‪................................................................‬‬
‫‪320‬‬ ‫ك‪ -‬الميت من القصاص والحد‪..................................................‬‬
‫‪321‬‬ ‫ل‪ -‬قاطع طريق ألقى القبض عليه‪...............................................‬‬
‫‪321‬‬ ‫م‪ -‬قاتل اعترف بالقتل لدفع التهمة عن متهم برئ‪..............................‬‬
‫‪322‬‬ ‫ن‪ -‬امرأة قتلت زوجها يوم زفافها بحضور صديقها‪...........................‬‬
‫‪322‬‬ ‫س‪ -‬بدل اإلبل في دفع الدية‪ ،‬وكيف تدفع الدية؟‪................................‬‬
‫‪322‬‬ ‫ع‪ -‬دية الكتابي‪...................................................................‬‬
‫‪323‬‬ ‫ف‪ -‬دية الصلب‪..................................................................‬‬
‫‪323‬‬ ‫ص‪ -‬عين األعور‪................................................................‬‬
‫‪323‬‬ ‫ق‪ -‬دية األصابع‪..................................................................‬‬
‫‪323‬‬ ‫رابعاً‪ :‬التعزير‪...................................................................‬‬
‫‪323‬‬ ‫‪ -1‬الضرب باليد ‪...........................................................‬‬
‫‪324‬‬ ‫‪ -2‬الجلد دون الحد ‪...............................................................‬‬
‫‪324‬‬ ‫‪ -3‬التشهير‪..................................................................‬‬
‫‪324‬‬ ‫‪ -4‬الحبس‪...................................................................‬‬
‫‪324‬‬ ‫‪ -5‬التقييد في الحبس‪........................................................‬‬
‫‪324‬‬ ‫‪ -6‬الغمس في األقذار‪......................................................‬‬
‫‪324‬‬ ‫‪ -7‬القتل ‪....................................................................‬‬
‫‪324‬‬ ‫‪ -8‬إتالف أداة الجريمة وما يتابعها‪........................................‬‬
‫‪325‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬حجية قول الصحابي والخلفاء الراشدين ‪.....................‬‬
‫الفصل الخامس‬
‫مؤسسة الوالية في عهد أمير المؤمنين‬
‫علي بن أبي طالب رضي اهلل عنه‬
‫‪332‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬أقاليم الدولة‪.....................................................‬‬
‫‪332‬‬ ‫أوالً‪ :‬مكة المكرمة‪...............................................................‬‬
‫‪67‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪333‬‬ ‫ثانياً‪ :‬المدينة المنورة‪.............................................................‬‬
‫‪333‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬والية البحرين وعمان‪.....................................................‬‬
‫‪334‬‬ ‫رابعاً‪ :‬والية اليمن‪...............................................................‬‬
‫‪335‬‬ ‫خامساً‪ :‬والية الشام‪..............................................................‬‬
‫‪338‬‬ ‫سادساً‪ :‬والية الجزيرة‪...........................................................‬‬
‫‪339‬‬ ‫سابعاً‪ :‬والية مصر‪...............................................................‬‬
‫‪349‬‬ ‫ثامناً‪ :‬والية البصرة‪..............................................................‬‬
‫‪356‬‬ ‫تاسعاً‪ :‬والية الكوفة‪..............................................................‬‬
‫‪357‬‬ ‫عاشراً‪ :‬واليات الشرق‪..........................................................‬‬
‫‪357‬‬ ‫‪ -1‬فارس ‪...................................................................‬‬
‫‪359‬‬ ‫‪ -2‬خراسان‪.................................................................‬‬
‫‪360‬‬ ‫‪ -3‬أذربيجان‪................................................................‬‬
‫‪362‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬تعيين الوالة في عهد علي رضي هللا عنه ‪....................‬‬
‫‪362‬‬ ‫أوالً‪ :‬موقف علي من والة عثمان وتعيينه ألقاربه‪..............................‬‬
‫‪362‬‬ ‫‪ -1‬موقف على من والة عثمان‪............................................‬‬
‫‪367‬‬ ‫‪ -2‬تعيين أمير المؤمنين علي بعض أقاربه على الواليات‪.................‬‬
‫‪370‬‬ ‫ثانياً‪ :‬مراقبة أمير المؤمنين على لعماله وبعض توجيهاته‪.....................‬‬
‫‪372‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬الصالحيات الممنوحة للوالة في عهد علي رضي هللا عنه‪................‬‬
‫‪372‬‬ ‫‪ -1‬تعيين الوزراء ‪..........................................................‬‬
‫‪373‬‬ ‫‪ -2‬تشكيل مجالس الشورى‬
‫‪374‬‬ ‫‪ -3‬إنشاء الجيش وتجهيزه‪..................................................‬‬
‫‪375‬‬ ‫‪ -4‬ترسيم السياسة الخارجية في مجال الحرب والسلم‪....................‬‬
‫‪376‬‬ ‫‪ -5‬الحفاظ على األمن الداخلي‪.............................................‬‬
‫‪376‬‬ ‫‪ -6‬تشكيل الجهاز القضائي في الوالية‪....................................‬‬
‫‪377‬‬ ‫‪ -7‬النفقات المالية‪...........................................................‬‬
‫‪378‬‬ ‫‪ -8‬العمال التابعون للوالة ومتابعتهم‪.......................................‬‬
‫‪380‬‬ ‫‪ -9‬أصناف وطبقات المجتمع‪..............................................‬‬
‫‪381‬‬ ‫‪ -10‬التربية بالعقاب والثواب‪..............................................‬‬
‫‪382‬‬ ‫‪ -11‬دور العرفاء والنقباء في تثبيت نظام الواليات‪.......................‬‬
‫‪383‬‬ ‫رابعاً‪ :‬من المفاهيم اإلدراية عند أمير المؤمنين علي رضي هللا عنه ‪.........‬‬
‫‪383‬‬ ‫‪ -1‬التأكيد على العنصر البشري‪...........................................‬‬
‫‪383‬‬ ‫‪ -2‬عامل الخبرة والعلم‪.....................................................‬‬
‫‪384‬‬ ‫‪ -3‬العالقة بين الرئيس والمرءوس‪........................................‬‬
‫‪385‬‬ ‫‪ -4‬مكافحة الجمود ‪..............................................................‬‬
‫‪67‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪385‬‬ ‫‪ -5‬الرقابة الواعية‪..........................................................‬‬
‫‪385‬‬ ‫‪ -6‬التوظيف يتم عبر الضوابط وليس عبر الروابط الشخصية‪...........‬‬
‫‪386‬‬ ‫‪ -7‬الضبط‪...................................................................‬‬
‫‪386‬‬ ‫‪ -8‬المشاركة في صنع القرار‪..............................................‬‬
‫‪387‬‬ ‫‪ -9‬حسن االختيار لدي الوالي والضمانات المادية والنفسية لموظفي الدولة‬
‫‪388‬‬ ‫‪ -10‬مرافقة ذوي الخبرات‪.................................................‬‬
‫‪388‬‬ ‫‪ -11‬اإلدارة األبوية‪.........................................................‬‬
‫الفصل السادس‬
‫معركتا الجمل وصفين وقضية التحكيم‬
‫‪392‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬األحداث التي سبقت معركة الجمل‪............................‬‬
‫‪393‬‬ ‫أوالً‪ :‬أثر السبئية في إحداث الفتنة‪...............................................‬‬
‫‪393‬‬ ‫‪ -1‬السبئية حقيقة أم خيال‪ :‬حقيقة عبد هللا سبأ‪.............................‬‬
‫‪397‬‬ ‫‪ -2‬دور عبد هللا بن سبأ في تحريك الفتنة‪..................................‬‬
‫‪400‬‬ ‫ثانياً‪ :‬اختالف الصحابة في الطريقة التي يؤخذ بها القصاص من قتلة عثمان‬
‫رضي هللا عنه ‪.........................................................................‬‬
‫‪401‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬خروج الزبير وطلحة وعائشة ومن معهم إلى البصرة لإلصالح‪.......‬‬
‫‪405‬‬ ‫‪ -1‬هل أكرهت السيدة عائشة على الخروج؟‪..............................‬‬
‫‪406‬‬ ‫‪ -2‬هل كانت متسلطة على من معها؟‪......................................‬‬
‫‪406‬‬ ‫‪ -3‬موقف أزواج النبي × من الخروج للطلب بدم عثمان‪.................‬‬
‫‪408‬‬ ‫‪ -4‬مرور السيدة عائشة على ماء الحوأب‪.................................‬‬
‫‪410‬‬ ‫‪ -5‬أعمالهم في البصرة‪.....................................................‬‬
‫‪411‬‬ ‫‪ -6‬مقتل حكيم بن جبلة ومن معه من الغوغاء‪............................‬‬
‫‪413‬‬ ‫‪ -7‬رسائل السيدة عائشة إلى األمصار األخرى‪...........................‬‬
‫‪413‬‬ ‫‪ -8‬الخالف بين عثمان بن حنيف وجيش عائشة والزبير وطلحة‪........‬‬
‫‪414‬‬ ‫رابعاً‪ :‬خروج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى الكوفة‪.....................‬‬
‫‪416‬‬ ‫‪ -1‬نصيحة عبد هللا بن سالم ألمير المؤمنين علي‪........................‬‬
‫‪416‬‬ ‫‪ -2‬نصيحة الحسن بن على لوالده‪..........................................‬‬
‫‪417‬‬ ‫‪ -3‬استنفار أمير المؤمنين علي ألهل الكوفة من ذي قار‪.................‬‬
‫‪418‬‬ ‫‪ -4‬اختالف الرأي ال يفسد للود قضية‪.....................................‬‬
‫‪419‬‬ ‫‪ -5‬تساؤالت على الطريق‪.................................................‬‬
‫‪420‬‬ ‫خامساً‪ :‬محاوالت الصلح ‪.......................................................‬‬
‫‪420‬‬ ‫‪ -1‬عمران بن حصين رضي هللا عنه ‪....................................‬‬
‫‪420‬‬ ‫‪ -2‬كعب بن سور‪...........................................................‬‬
‫‪420‬‬ ‫‪ -3‬القعقاع بن عمرو التميمي‪..............................................‬‬
‫‪67‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪422‬‬ ‫سادساً‪ :‬نشوب القتال‪.............................................................‬‬
‫‪422‬‬ ‫‪ -1‬دور السبئية في نشوب الحرب‪.........................................‬‬
‫‪427‬‬ ‫‪ -2‬الجولة األولى في معركة الجمل‪.......................................‬‬
‫‪429‬‬ ‫‪ -3‬الجولة الثانية‪............................................................‬‬
‫‪431‬‬ ‫‪ -4‬عدد القتلى‪...............................................................‬‬
‫‪433‬‬ ‫‪ -5‬هل يصح قتل مروان بن الحكم لطلحة بن عبيد هللا؟‪..................‬‬
‫‪433‬‬ ‫‪ -6‬نداء أمير المؤمنين بعد الحرب‪........................................‬‬
‫‪434‬‬ ‫‪ -7‬تفقده للقتلى وترحمه عليهم‪.............................................‬‬
‫‪434‬‬ ‫‪ -8‬مبايعة أهل البصرة‪.....................................................‬‬
‫‪435‬‬ ‫‪ -9‬حديث أبي بكرة عن رسول هللا ×‪ :‬إذا توجه المسلمان بسيفهما‬
‫فالقاتل والمقتول في النار‪........................................................‬‬
‫‪436‬‬ ‫‪ -10‬تاريخ معركة الجمل‪..................................................‬‬
‫‪437‬‬ ‫‪ -11‬أفال نكف عنهن وهن مسلمات‪........................................‬‬
‫‪437‬‬ ‫‪ -12‬اعتذار أبي بكر الثقفي عن إمارة البصرة‪............................‬‬
‫‪437‬‬ ‫‪ -13‬موقف أمير المؤمنين على ممن ينال من عائشة ‪....................‬‬
‫‪437‬‬ ‫‪-14‬دفاع عمار بن ياسر عن أم المؤمنين عائشة‪..........................‬‬
‫‪437‬‬ ‫سابعاً‪ :‬بين عائشة ‪ -‬أم المؤمنين‪ -‬وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ‪........‬‬
‫‪450‬‬ ‫ثامناً‪ :‬سيرة الزبير بن العوام رضي هللا عنه واستشهاده‪.......................‬‬
‫‪464‬‬ ‫تاسعاً‪ :‬سيرة طلحة بن عبيد هللا رضي هللا عنه واستشهاده‪.....................‬‬
‫‪470‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬معركة صفين‪...................................................‬‬
‫‪470‬‬ ‫أوالً‪ :‬تسلسل األحداث التي قبل المعركة‪........................................‬‬
‫‪470‬‬ ‫‪ -1‬أم حبيبة بنت أبي سفيان ترسل النعمان بن بشير بقميص عثمان إلى‬
‫معاوية وأهل الشام‪...............................................................‬‬
‫‪471‬‬ ‫‪ -2‬دوافع معاوية في عدم البيعة‪...........................................‬‬
‫‪472‬‬ ‫‪ -3‬معاوية يرد على أمير المؤمنين على رضي هللا عنهما‪...............‬‬
‫‪472‬‬ ‫‪ -4‬تجهيز أمير المؤمنين علي لغزو الشام واعتراض الحسن على ذلك ‪.‬‬
‫‪473‬‬ ‫‪ -5‬بعد معركة الجمل‪ ،‬أرسل أمير المؤمنين على جرير بن عبد هللا إلى‬
‫معاوية ‪...........................................................................‬‬
‫‪474‬‬ ‫‪ -6‬مسيرة أمير المؤمنين إلى الشام ‪............................................‬‬
‫‪474‬‬ ‫‪ -7‬خروج معاوية إلى صفين ‪..................................................‬‬
‫‪476‬‬ ‫‪ -8‬القتال على الماء‪........................................................‬‬
‫‪477‬‬ ‫‪ -9‬الموادعة بينهما ومحاوالت الصلح ‪...................................‬‬
‫‪478‬‬ ‫ثانياً‪ :‬نشوب القتال ‪.....................................................................‬‬
‫‪478‬‬ ‫‪ -1‬اليوم األول‪..............................................................‬‬
‫‪479‬‬ ‫‪ -2‬اليوم الثاني ‪.............................................................‬‬
‫‪67‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪481‬‬ ‫‪ -3‬ليلة الهرير يوم الجمعة ‪................................................‬‬
‫‪482‬‬ ‫‪ -4‬الدعوة إلى التحكيم‪......................................................‬‬
‫‪485‬‬ ‫‪ -5‬مقتل عمار بن ياسر رضي هللا عنه وأثره على المسلمين ‪...........‬‬
‫‪486‬‬ ‫‪ -6‬فهم العلماء للحديث‪.....................................................‬‬
‫‪488‬‬ ‫‪ -7‬الرد على قول معاوية رضي هللا عنه‪ :‬إنما قلته من جاء به ‪..........‬‬
‫‪489‬‬ ‫‪ -8‬من هو قاتل عمار بن ياسر؟‪...........................................‬‬
‫‪490‬‬ ‫‪ -9‬المعاملة الكريمة أثناء الحرب والمواجهة ‪............................‬‬
‫‪492‬‬ ‫‪ -10‬معاملة األسرى‪.......................................................‬‬
‫‪493‬‬ ‫‪ -11‬عدد القتلى‪.............................................................‬‬
‫‪493‬‬ ‫‪ -12‬تفقد أمير المؤمنين على القتلى وترحمه عليهم ‪......................‬‬
‫‪494‬‬ ‫‪ -13‬موقف لمعاوية مع ملك الروم‪........................................‬‬
‫‪494‬‬ ‫‪ -14‬قصة باطلة في حق عمرو بن العاص بصفين ‪......................‬‬
‫‪495‬‬ ‫‪ -15‬مرور أمير المؤمنين علي بالمقابر بعد رجوعه من صفين‪.........‬‬
‫‪496‬‬ ‫‪ -16‬إصرار قتلة عثمان رضي هللا عنه على أن تستمر المعركة‪........‬‬
‫‪496‬‬ ‫‪ -17‬نهي أمير المؤمنين على عن شتم معاوية ولعن أهل الشام‪..........‬‬
‫‪497‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬التحكيم ‪.........................................................‬‬
‫‪498‬‬ ‫أوالً‪ :‬سيرة أبي موسى األشعري‪................................................‬‬
‫‪505‬‬ ‫ثانياً‪ :‬سيرة عمرو بن العاص رضي هللا عنه ‪..................................‬‬
‫‪512‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬نص وثيقة التحيكم‪.........................................................‬‬
‫‪514‬‬ ‫رابعاً‪ :‬قصة التحكيم المشهورة وبطالنها من وجوه‪............................‬‬
‫‪522‬‬ ‫خامساً‪ :‬هل يمكن االستفادة من حادثة التحكيم في فض النزاعات بين الدول‬
‫اإلسالمية‪.........................................................................‬‬
‫‪524‬‬ ‫سادساً‪ :‬موقف أهل السنة من تلك الحروب‪.....................................‬‬
‫‪528‬‬ ‫سابعاً‪ :‬التحذير من بعض الكتب التي شوهت تاريخ الصحابة‪.................‬‬
‫‪528‬‬ ‫‪ -1‬اإلمامة والسياسة المنسوب البن قتيبة‪.................................‬‬
‫‪530‬‬ ‫‪ -2‬نهج البالغة ‪............................................................‬‬
‫‪532‬‬ ‫‪ -3‬كتاب األغاني لألصفهاني‪..............................................‬‬
‫‪533‬‬ ‫‪ -4‬تاريخ اليعقوبي‪..........................................................‬‬
‫‪534‬‬ ‫‪ -5‬مروج الذهب ‪...........................................................‬‬
‫‪535‬‬ ‫ثامناً‪ :‬االستشراق والتاريخ اإلسالمي ‪..........................................‬‬
‫الفصل السابع‬
‫موقف أمير المؤمنين على من الخوارج والشيعة‬
‫‪540‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬الخوارج‪.........................................................‬‬
‫‪540‬‬ ‫أوالً‪ :‬نشأة الخوارج والتعريف بهم ‪.............................................‬‬
‫‪67‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪543‬‬ ‫ثانياً‪ :‬ذكر األحاديث التي تتضمن ذم الخوارج‪.................................‬‬
‫‪547‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬انحياز الخوارج إلى حروراء ومناظرة ابن عباس لهم‪..................‬‬
‫‪550‬‬ ‫رابعاً‪ :‬خروج أمير المؤمنين لمناظرة الخوارج وسياسته في التعامل معهم‬
‫بعد رجوعهم للكوفة ثم خروجهم من جديد‪.....................................‬‬
‫‪554‬‬ ‫خامساً‪ :‬معركة النهروان‪........................................................‬‬
‫‪560‬‬ ‫سادساً‪ :‬من اآلثار الفقهية من معارك أمير المؤمنين علي رضي هللا عنه ‪....‬‬
‫‪564‬‬ ‫سابعاً‪ :‬من أهم صفات الخوارج‪.................................................‬‬
‫‪564‬‬ ‫‪ -1‬الغلو في الدين ‪..........................................................‬‬
‫‪565‬‬ ‫‪ -2‬الجهل في الدين ‪........................................................‬‬
‫‪565‬‬ ‫‪ -3‬شق عصا الطاعة‪.......................................................‬‬
‫‪567‬‬ ‫‪ -4‬التكفير بالذنوب واستحالل دماء المسلمين وأموالهم‪..................‬‬
‫‪568‬‬ ‫‪ -5‬تجويزهم على النبي × ما ال يجوز في حقه كالجور‪..................‬‬
‫‪568‬‬ ‫‪ -6‬الطعن والتضليل‪........................................................‬‬
‫‪568‬‬ ‫‪ -7‬سوء الظن ‪..............................................................‬‬
‫‪569‬‬ ‫‪ -8‬الشدة على المسلمين ‪...................................................‬‬
‫‪569‬‬ ‫أهم مظاهر الغلو في العصر الحديث ‪..........................................‬‬
‫‪569‬‬ ‫‪ -1‬التشدد في الدين على النفس والتعسير على اآلخرين‪..................‬‬
‫‪569‬‬ ‫‪ -2‬التعالي والغرور وما يؤدي إليه من تصدر األحداث‪..................‬‬
‫‪570‬‬ ‫‪ -3‬االستبداد بالرأي وتجهيل اآلخرين‪.....................................‬‬
‫‪571‬‬ ‫‪ -4‬الطعن في العلماء العاملين‪.............................................‬‬
‫‪573‬‬ ‫‪ -5‬سوء الظن‪...............................................................‬‬
‫‪574‬‬ ‫‪ -6‬الشدة والعنف مع اآلخرين‪.............................................‬‬
‫‪577‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬أمير المؤمنين على وفكر الشيعة‪..............................‬‬
‫‪577‬‬ ‫أوالً‪ :‬الشيعة في اللغة واالصطالح‪ ،‬والرفض في اللغة واالصطالح‪.........‬‬
‫‪582‬‬ ‫ثانياً‪ :‬نشأة الشيعة الرافضة وبيان دور اليهود في نشأتهم‪......................‬‬
‫‪587‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬المراحل التي مرت بها الشيعة الرافضة‪..................................‬‬
‫‪591‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬من أهم عقائد الشيعة الرافضة (اإلمامية)‪.....................‬‬
‫‪592‬‬ ‫أوالً‪ :‬منزلة اإلمامة عندهم وحكم من جحدها‪...................................‬‬
‫‪601‬‬ ‫ثانياً‪ :‬العصمة عند الشيعة الرافضة‪.............................................‬‬
‫‪618‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬النص من شروط اإلمامة عند الشيعة اإلمامية االثنى عشرية‪...........‬‬
‫‪625‬‬ ‫‪-‬ما يحتج به االثنا عشرية من أمر تحديد األئمة بما جاء في كتاب السنة‪:‬‬
‫‪626‬‬ ‫‪ -‬أدلتهم من القرآن على النص‪.............................................‬‬
‫‪627‬‬ ‫‪ -1‬آية الوالية‪...............................................................‬‬
‫‪631‬‬ ‫‪ -2‬آية المباهلة‪..............................................................‬‬
‫‪67‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫ِ‬
‫‪634‬‬ ‫َج ًرا"‪..................................‬‬ ‫‪ -3‬قوله تعالى ‪+‬قُل الَّ أ ْ‬
‫َسأَلُ ُك ْم َعلَْيه أ ْ‬
‫‪635‬‬ ‫‪ -‬أدلتهم من السنة‪...........................................................‬‬
‫‪635‬‬ ‫‪ -1‬خطبة غدير خم‪.........................................................‬‬
‫‪635‬‬ ‫‪ -2‬حديث استخالف على رضي هللا عنه على المدينة في تبوك‪..................‬‬
‫‪642‬‬ ‫بعض األحاديث الضعيفة والموضوعة التي يستدلون بها في اإلمامة‬
‫‪647‬‬ ‫‪ -1‬حديث الطائر ‪........................................................................‬‬
‫‪648‬‬ ‫‪ -2‬حديث الدار ‪..........................................................................‬‬
‫‪650‬‬ ‫‪ -3‬حديث‪ :‬أنا مدينة العلم وعلى بابها وأحاديث أخرى موضوعة‪................‬‬
‫‪651‬‬ ‫رابعًا‪:‬التوحيد والشيعة االثنا عشرية ‪..................................................‬‬
‫‪652‬‬ ‫‪ -1‬نصوص التوحيد جعلوها في والية األئمة ‪.......................................‬‬
‫‪654‬‬ ‫‪ -2‬الوالية أصل قبول األعمال عندهم ‪...............................................‬‬
‫‪655‬‬ ‫‪ -3‬اعتقادهم أن األئمة هم الواسطة بين هللا وخلقه‪..................................‬‬
‫‪655‬‬ ‫أ‪ -‬قولهم‪ :‬ال هداية للناس إال باألئمة ‪...................................................‬‬
‫‪656‬‬ ‫ب‪ -‬قولهم‪ :‬ال يقبل الدعاء إال بأسماء األئمة ‪.........................................‬‬
‫‪657‬‬ ‫جـ‪ -‬إن الحج إلى المشاهد أعظم من الحج إلى بيت هللا‪.............................‬‬
‫‪659‬‬ ‫‪ -4‬قولهم‪ :‬إن اإلمام يحرم ما يشاء ويحل ما يشاء ‪..................................‬‬
‫‪660‬‬ ‫‪ -5‬قولهم‪ :‬بأن الدنيا واآلخرة كلها لإلمام يتصرف بهما كيف يشاء‪..............‬‬
‫‪661‬‬ ‫‪ -6‬إسناد الحوادث الكونية إلى األئمة ‪................................................‬‬
‫‪661‬‬ ‫‪ -7‬الجزء اإللهي الذي حل في األئمة‪................................................‬‬
‫‪662‬‬ ‫‪ -8‬قولهم‪ :‬إن األئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه ال يخفى عليهم شيء ‪.‬‬
‫‪668‬‬ ‫‪ -9‬الغلو في اإلثبات (التجسيم) ‪........................................................‬‬
‫‪669‬‬ ‫‪ -10‬التعطيل عندهم ‪....................................................................‬‬
‫‪671‬‬ ‫أ‪ -‬مسألة خلق القرآن ‪....................................................................‬‬
‫‪673‬‬ ‫ب‪ -‬مسألة الرؤية ‪........................................................................‬‬
‫‪675‬‬ ‫‪ -11‬تفضيلهم األئمة على األنبياء والرسل ‪..........................................‬‬
‫‪677‬‬ ‫خامسًا‪:‬موقف الشيعة األمامية من القرآن الكريم‪....................................‬‬
‫‪677‬‬ ‫‪ -1‬اعتقاد بعضهم في تحريف كتاب هللا عز وجل والرد عليهم‪..................‬‬
‫‪686‬‬ ‫‪ -2‬اعتقادهم أن القرآن ليس حجة إال بقيم ‪............................................‬‬
‫‪691‬‬ ‫‪ -3‬اعتقادهم بأن للقرآن معاني باطنة تخالف الظاهر‪..............................‬‬
‫‪695‬‬ ‫سادسًا‪ :‬موقف الشيعة األمامية من الصحابة الكرام‪................................‬‬
‫‪698‬‬ ‫‪ -1‬نماذج للمزاجية في تفسير اآليات عند الشيعة الرافضة المتعلقة بردة‬
‫الصحابة – على حد زعمهم – والرد على باطلهم‪.................................‬‬
‫‪398‬‬ ‫أ‪ -‬آية آل عمران ‪.........................................................................‬‬
‫‪700‬‬ ‫ب‪ -‬آية سورة المائدة ‪....................................................................‬‬
‫‪701‬‬ ‫جـ‪ -‬آية سورة التوبة ‪....................................................................‬‬
‫‪703‬‬ ‫د‪ -‬حديث المذادة على الحوض ‪........................................................‬‬
‫‪707‬‬ ‫‪ -2‬عدالة الصحابة رضي هللا عنهم ‪...................................................‬‬
‫‪713‬‬ ‫‪ -3‬وجوب محبتهم والدعاء واالستغفار لهم ‪.........................................‬‬
‫‪714‬‬ ‫‪ -4‬تحريم سب الصحابة رضي هللا عنهم في الكتاب والسنة‪......................‬‬
‫‪716‬‬ ‫‪ -5‬حب أمير المؤمنين على وأبنائه الصحابة ‪......................................‬‬
‫‪718‬‬ ‫سابعًا‪ :‬موقف الشيعة من السنة النبوية ‪...............................................‬‬
‫‪724‬‬ ‫ثامنًا‪:‬التقية عند الشيعة ‪..................................................................‬‬
‫‪730‬‬ ‫تاسعًا‪ :‬المهدي المنتظر بين الشيعة والسنة ‪.........................................‬‬
‫‪67‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪730‬‬ ‫‪ -1‬عقيدة المهدي المنتظر عن الشيعة ‪................................................‬‬
‫‪733‬‬ ‫‪ -2‬عقيدة أهل السنة والجماعة في المهدي‪..........................................‬‬
‫‪736‬‬ ‫عاشرًا‪ :‬عقيدة الرجعة عند الشيعة الرافضة ‪.........................................‬‬
‫‪738‬‬ ‫الحادي عشر‪ :‬قولهم بالبداء على هللا سبحانه وتعالى‪..............................‬‬
‫‪741‬‬ ‫الثاني عشر‪ :‬موقف أهل البيت من الشيعة الرافضة‪...............................‬‬
‫‪744‬‬ ‫الثالث عشر‪ :‬وجهة نظر التقريب بين أهل السنة والشيعة‪........................‬‬
‫‪745‬‬ ‫‪ -1‬مؤامرة ابن العلقمى الرافضي في إسقاط بغداد ‪656‬هـ‪........................‬‬
‫‪747‬‬ ‫‪ -2‬الدولة الصفوية ‪......................................................................‬‬
‫‪748‬‬ ‫‪ -3‬من التجارب المعاصرة في التقريب ‪.............................................‬‬
‫‪748‬‬ ‫أ‪ -‬تجربة مصطفى السباعي ‪..........................................................‬‬
‫‪749‬‬ ‫ب‪ -‬تجربة الشيخ موسى جار هللا ‪.....................................................‬‬
‫‪752‬‬ ‫‪ -4‬المنهج السليم للتقريب ‪..............................................................‬‬
‫‪757‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬األيام األخيرة في حياة أمير المؤمنين على بن أبى‬
‫طالب واستشهاده‪ ،‬رضي هللا عنه ‪.................................................‬‬
‫‪757‬‬ ‫أوالً‪ :‬في أعقاب النهروان ‪..............................................................‬‬
‫‪759‬‬ ‫ثانيًا‪ :‬استنهاض أمير المؤمنين على همة جيشه ثم الهدنة مع معاوية‪............‬‬
‫‪762‬‬ ‫ثالثًا‪ :‬دعاء أمير المؤمنين على هللا عز وجل أن يعجل له بالشهادة‪...............‬‬
‫‪763‬‬ ‫رابعًا‪ :‬علم أمير المؤمنين بأنه سيستشهد ‪............................................‬‬
‫‪764‬‬ ‫خامسًا‪ :‬استشهاد أمير المؤمنين على رضي هللا عنه وما فيه من دروس‬
‫وعبر وفوائد ‪............................................................................‬‬
‫‪765‬‬ ‫‪ -1‬اجتماع المتآمرين ‪..................................................................‬‬
‫‪765‬‬ ‫‪ -2‬خروج ابن ملجم ولقاؤه بقطام ابنة الشجنة‪......................................‬‬
‫‪766‬‬ ‫‪ -3‬محمد ابن الحنفية يروى قصة مقتل أمير المؤمنين على‪......................‬‬
‫‪767‬‬ ‫‪ -4‬وصية الطبيب لعلي وميل أمير المؤمنين للشورى ‪.............................‬‬
‫‪767‬‬ ‫‪ -5‬وصية أمير المؤمنين على ألوالده الحسن والحسين رضي هللا عنهم‪.......‬‬
‫‪769‬‬ ‫‪ -6‬نهى أمير المؤمنين على عن المثلة بقاتله ‪........................................‬‬
‫‪771‬‬ ‫‪ -7‬مدة خالفة أمير المؤمنين على‪ ،‬وموضع قبره وسنه يوم قتل‪.................‬‬
‫‪772‬‬ ‫‪ -8‬خطبة الحسن بن على رضي هللا عنهما بعد مقتل أبيه‪.........................‬‬
‫‪773‬‬ ‫‪ -9‬سعد بن أبى وقاص رضي هللا عنه يثنى على علي رضي هللا عنه ‪.........‬‬
‫‪773‬‬ ‫‪ -10‬عبد هللا بن عمر يثنى على علي بن أبى طالب رضي هللا عنه‪.............‬‬
‫‪773‬‬ ‫‪ -11‬استقبال معاوية خبر مقتل على رضي هللا عنه‪...............................‬‬
‫‪774‬‬ ‫‪ -12‬ما قاله الحسن البصري – رحمه هللا – ‪.......................................‬‬
‫‪774‬‬ ‫‪ -13‬ما قاله أحمد بن حنبل في خالفة على رضي هللا عنه‪........................‬‬
‫‪775‬‬ ‫‪ -14‬براءة األشعت بن قيس من دم على رضي هللا عنه‪..........................‬‬
‫‪775‬‬ ‫‪ -15‬خطورة الفرق الضالة والفرق المنحرفة على المسلمين‪.....................‬‬
‫‪776‬‬ ‫‪ -16‬الحقد الدفين الذي امتألت به قلوب الحاقدين من الخوارج على المؤمنين‬
‫الصادقين ‪.................................................................................‬‬
‫‪776‬‬ ‫‪ -17‬تأثير البيئة الفاسدة على أصحابها ‪...............................................‬‬
‫‪777‬‬ ‫سادسًا‪ :‬ما قيل في أمير المؤمنين على رضي هللا عنه رثاء‪.......................‬‬
‫‪777‬‬ ‫‪ -1‬ما قاله أبو األسود الدؤلى وقال ابن عبد البر‪ :‬وأكثرهم يرويها ألم الهيثم‬
‫بنت العريان النخعية ‪....................................................................‬‬
‫‪778‬‬ ‫‪ -2‬ما قاله إسماعيل بن محمد الحميري من شعر ‪...................................‬‬
‫‪779‬‬ ‫‪ -3‬ما قاله بكر بن حماد التاهرتى ردًا على شاعر الخوارج عمران بن حطان‬
‫‪782‬‬ ‫الخاتمة ‪....................................................................................‬‬
‫‪67‬‬ ‫على بن أبي طالب شخصيته‬
‫وعصره‬
‫‪786‬‬ ‫فهرس لألحاديث الضعيفة والموضوعة في أمير المؤمنين على‪..........‬‬
‫‪790‬‬ ‫أهم المصادر والمراجع ‪..............................................................‬‬
‫‪815‬‬ ‫فهرس الكتاب ‪...........................................................................‬‬

You might also like