Professional Documents
Culture Documents
.الموسيقي المسرحية
يرفض الملتزمون الفن الهابط وصور السفاف التي تقدم من خلله ،ويطالب
الدائمة بالبديل الملتزم أو ما يعرف بالفن السلمي الراقي ،وبين شجب ما هو هابط
والمناداة بما هو جيد ملتزم تثور عدة أسئلة مهمة للمشاركة الفاعلة والحقيقية في
صناعة الفن الملتزم بدل ً من الكتفاء بمجرد الرفض أو المناشدة بعيدا ً عن اتخاذ
الخطوات الفاعلة التي تسهم في صنع هذا النوع من الفن وتجعله حقيقة واقعة ،ومن
هذا السؤال هو أهم السئلة التي تطرح نفسها على الساحة السلمية عندما
يثار موضوع الفن ،ولشك أنه قد يثير كثيرا ً من الجدل بين الملتزمين أنفسهم خصوصا ً
مع تباين التجاهات والمذاهب الفقهية والرؤى الفكرية تجاه قضية الفن ،ولحسم هذا
الخلف والجدل ،يمكننا أن نقول إننا نحتاج إلى كل ما احتاج إليه مجتمع رسول الله ص
وصحابته الكرام رضوان الله عليهم ،ولقد عرف السلم الفنون لسيما فنون اللغة
وشجع عليها مثل الشعر والنثر والخطابة والنشاد والرجاز الذي أجازه النبي ص خلل
الحرب والسفر كما ورد أمره بذلك لعائشة رضي الله عنها في العراس) ،(1وهي
الفنون التي كافأت متطلبات عصر النبوة ،وعلينا أن ندرك أن أنواع الفنون الموجودة
اليوم ما هي إل تطور طبيعي لتلك الفنون التي سادت في المجتمع السلمي الول،
وكثير من الفنون الحالية ظهر إلى الوجود نتيجة تطور التقنية في إنتاج وسائل
التصال والعرض مثل الذاعة والسينما والتلفاز ثم الفضائيات وما إلى ذلك..
هذا التطور الطبيعي للفنون يجعلنا ل نتوقف طويل ً أمام نوع الفن بقدر ما
يجب أن نتوقف أمام مضمونه أو رسالته والشكل الذي يؤدى به ،فلقد بدأ الفن شعرا ً
وإرجازا ً وإنشادًا ،وتطورت هذه اللوان فيما بعد إلى القصة والرواية ،مع تطور حروف
الطباعة في عصر النهضة الوروبية ،ولم ينكر المسلمون هذا اللون الجديد من الفنون
ودخلوا حلبة البداع فيه ،ثم تحولت الرواية والقصة إلى دراما تمثيلية ،وهنا فإن من
واجب الملتزمين أن يواكبوا ويكافئوا وسائل ومتطلبات العصر مع الحفاظ على روح
حاجتنا للفن تنبع من وظائف الفن ذاته :وللفن وظائف يؤديها داخل المجتمع
المسلم ،ووظائف يؤديها خارجه ،ومن الوظائف التي يؤديها داخل المجتمع:
حث النبي ص عليه ،وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال :روحوا القلوب فإنها
ب وظيفة تثقيفية يجب أن يؤديها الفن في المجتمع فينقل إليه النافع من
الثقافات والمعارف.
والشباب يشكل بيئة تربوية تؤثر فيهم بشكل مباشر ،وتؤثر كذلك في القيم التي
أما الوظيفة الخارجية للفن فتتمثل في أنه الوعاء البداعي الذي ننقل من
يعتمد العمل الفني أيا ً كان نوعه على محاور أساسية يخرج من خللها للنور،
وأهمها:
ونحن نعيش الن في مرحلة الفن التجاري بحيث تسيطر عملية التسويق
التجارية على المحاور الخرى فيبدأ العمل الفني بالسؤال عن كيفية ترويجه وتسويقه
أول ً ثم وضع الشكل أو القالب الذي يضمن هذا التسويق بغض النظر عن محتواه أو
مضمونه.
كيف نصنع فن ّا ً ملتزمًا؟
لبد لنا في المقام الول أن نعترف بأن المجتمع بحاجة إلى الفن ،ويعتبره
مصدرا ً من مصادر الترويح عنه والمساهمة في تثقيفه وتربيته ،وعلينا أن نعترف أن
طبقة العلماء والدعاة ومن يحملون هموم المة ،أولئك الذين تلهيهم التبعات
لضطلعهم بما تنوء بحمله الجبال ،هذه الطبقة ل تشمل المجتمع المسلم كله ،وعلينا
أن نعترف أن الفن الهابط والمسف يسيطر على منصة التوجيه والتأثير في المليين
من أبناء المجتمعات السلمية ،وأن هذه المليين تحتاج إلى الترويح والترفيه ،وأن
فضول الوقات لديها يجب أن تستغل فيما ل يضر إن لم تستغل فيما ينفع ،وأننا
مطالبون أن نقدم لها فنا ً ملتزما ً يرتقي بالذوق ويسمو بالمشاعر ويهذب الحاسيس،
وأن صناعة الفن تخضع لمحاور ومقاييس ،ولقد شعرت الحركة السلمية في
الثلثينيات والربعينيات من القرن الفائت بأهمية الفن الملتزم فقدم مسرح الخوان
المسلمين بمصر عشرات المسرحيات في ذلك الوقت ،وقاد حركة المسرح السلمي
الشيخ عبدالرحمن البنا أخو المام حسن البنا مؤسس الجماعة) ،(3لكن هذا الهتمام
المبكر لم يتم تطويره بسبب العديد من الظروف الخارجية والداخلية ليواكب الفنون
واليوم ونحن نتساءل عن كيفية صناعة فن ملتزم ،ندرك أنه ليس عندنا أزمة
في البداع ول في المواهب والطاقات الفنية كتابة وأداءً في مختلف الفنون التي
تستطيع أن تنافس الموجود وتخرج الرديء منه من سوق الفن ،وتقود حركة الفن
وتحول مساره إلى اللتزام واحترام أخلق المجتمع ومبادئه ،لكن مشكلتنا الساسية
لصناعة فن ملتزم تكمن أول ً في إدراكنا لهمية هذا النشاط وحاجتنا إليه ،ثم اعتمادنا
على آليات صناعة الفن الناجح تسويقيًا ،فلئن كنا نملك المضمون الجيد والشكل
المناسب ،تبقى عمليات التمويل والتسويق هي العقبة الكبر ،وللتغلب على هذه العقبة
1جمهور عريض من الملتزمين يتقبل هذا اللون ويحرص عليه ويشجعه ويعمل
على شرائه وتسويقه والدعاية له ،فالفن الملتزم كغيره من أنواع النتاج الفني يحتاج
إلى تمويل ضخم ،وتسويق جيد ،فلو أعرض عنه جمهور الملتزمين والمتدينين ولم
تتقبله باقي شرائح المجتمع ،فمعنى ذلك أن الفن الملتزم سيحكم عليه بالعدام في
مهده.
2محاربة النسخ والعتداء على حقوق الملكية البداعية والفكرية ،وهي العقبة
الكؤود التي تواجه عملية إنتاج الفن الملتزم ،وعلى جمهور الملتزمين أن يدرك أن هذه
الريحية التي كانت تحكم العلقة قديما ً بين المبدع والمتلقي باعتباره مبدعا ً إسلميا ً
يبتغي بعمله مرضاة الله تعالى ،وأنه ل ينتظر من إبداعه مقابل ً ماديًا ،وأن الفن
السلمي إن جاز التعبير هو ملك للتيار السلمي عمومًا ،هذه النظرة يجب تعديلها
اليوم وليس ذلك قدحا ً في إخلص المبدعين الملتزمين ول تجردهم ،ولكن لما يكلفه
هذا النوع من البداع من تكاليف مادية تعتمد أساسا ً على عملية البيع في استرجاع ما
تم إنفاقه ،وإل عجزت قدرة المبدع المادية عن الستمرار في النتاج ،وإني لعجب من
بعض الملتزمين الذين يعتدون على حقوق الخرين المادية ،كيف يسمحون لنفسهم أن
تحتاج إلى تمويل ضخم يعجز عنه كثير من المبدعين والموهوبين ،فيبقى حلما ً في
الفنون إذا ما توافرت لها عناصر النجاح والبهار تدر عائدا ً ماديا ً كبيرًا ،وإل ما تسابقت
شركات النتاج المختلفة على صناعة الفنون وتسويقها لتحقيق العائد المادي الضخم
ولو كان ذلك بفتح سوق نخاسة جديد على حساب قيم المجتمع وأخلقه.
والذاعات والفضائيات .إن الفنان الملتزم يقدم إبداعه في ظروف غاية في الصعوبة
لنه يقدم لونا ً غير مألوف في دنيا الفن ،ويبدو إبداعه غريبا ً حين يلتزم بالقيود
والضوابط ،في زمن تستباح فيه كل الضوابط ،وهو لذلك يتعرض لهجوم شديد من
النقاد والصحفيين التقليديين ،لذا فهو في حاجة ماسه لتلقى الدعم والتوجيه والنقد
من التيار الملتزم الذي يوجه إبداعه إليه في المقام الول ،فعلى صحافتنا السلمية أن
الجتهاد ،بحيث يتاح لكل مدرسة فقهية أن تعبر عن نفسها بنوع أو لون من الفن
الملتزم الخاص بها ،بما يضمن لهذا الفن التنوع والتعدد في الشكال والقوالب مع
الحفاظ على روح المضمون الهادف الملتزم ،واحترام القواعد الفقهية المعتبرة التي
تقرر بوضوح أن الجتهاد ل يرد الجتهاد ،وأن المسائل الخلفية بين العلماء ل يجب
النهي فيها عن منكر قد يراه الخرون معروفًا ،ول المر فيها بمعروف يراه غيرهم غير
ذلك.
الهوامش:
) (1راجع تفصيل ذلك كله في كتاب "السلم والفن" للدكتور القرضاوي.
) (2إحياء علوم الدين للغزالي.
) (3عن تقرير بعنوان )مسرح الخوان المسلمين البداية رومانسية( للباحث
أحمد عز من موقع إسلم أون لين ،والجدير بالذكر أن الشيخ عبدالرحمن البنا الذي
حاول قبل وفاته إكمال "الفتح الرباني في شرح مسند المام أحمد الشيباني" الذي
بدأه والده ،وهو العضو البارز في دعوة الخوان المسلمين والمرشح فيما بعد لخلفة
أخيه "حسن البنا" في قيادة الخوان المسلمين ،هو الذي قاد حركة مسرح الخوان.
ققققققققققققققققققققققققققققققققققققققققققققققققققققققققققق
المصدر :مجلة المجتمع الكويتية /العدد 1591/6ق 3ق 2004