You are on page 1of 10

‫التمثيل المسرحي‬

‫إذا كقققان اللققققاء "فقققن النطقققق بقققالكلم"‪ ،‬فقققإن اللققققاء‬


‫المسرحي هو فن النطققق بققالحوار‪ .‬والمسققرح أكققثر فنققون‬
‫الكلم حاجة إلى إخضاع فنون الكلم بققالتغيير أو الضققافة‪.‬‬
‫والحوار هو المسقرحية‪ ،‬القتي تققوم برمتهقا علقى الحقوار‪،‬‬
‫ومهما امتلت بالفعققال صققغيرها وكبيرهققا مققن المصققافحة‬
‫وهز الرأس إلى حتى القتل فإن الحوار هو الذي يصققوغها‪.‬‬
‫ويقوم الممثل المحترف بقراءة الدور وفهمقه ليتسقنى لقه‬
‫أداؤه على المسرح بالشكل الذي يريده كاتب المسرحية‪.‬‬

‫لم يكن "بيس" هو الممثل الوحيد لدى اليونان الذي يصققلنا‬


‫اسمه‪ ،‬فهنالك كثيرون من بينهم أسخيلوس وسققوفوكليس‬
‫اللذان كانا يقومان بالتمثيل فيمققا يكتبقان مقن مسقرحيات‪،‬‬
‫كما كانت حال سبيس ول ريب أن هؤلء الممثلين بنعققالهم‬
‫العالية‪" ،‬الكوثورنوس"‪ ،‬وأقنعتهم المرتفعة‪" ،‬الونكققوس"‪،‬‬
‫قد اهتدوا إلى ضرورة الصوت الجهوري‪ ،‬واللقاء المفخم‪،‬‬
‫والحركققققة السققققلوبية للتلؤم مققققع المسققققارح الضققققخمة‬
‫المكشوفة التي كانوا يعملون فيها‪.‬‬

‫ومع ذلك فإن الفكرة الشائعة بأن التمثيل الكلسيكي كققان‬


‫عرفيا ً وافتعاليا ً إلى درجة كبيرة تجققانب الصققواب‪ ،‬ذلققك أن‬
‫ُسبيس كققان أول مققن اسققتخدم اثنيققن مققن الممثليققن علققى‬
‫المسققرح فققي وقققت واحققد‪ ،‬وسققوفوكليس كققان أول مققن‬
‫استخدم ثلثة ممثلين‪ .‬وبينما كان ممثلو اليونققان يتمتعققون‬
‫في العادة بمركز اجتماعي رفيع نسقبيًا‪ ،‬كقان ممثلقو رومقا‬
‫بل استثناء من الغراب والعبيد‪.‬‬

‫وكان "ريتشارد بيرباج ‪ "Richard Burbage 1619 - 1567‬م‪،‬‬


‫أول ممثل يؤدي أدوارا ً معروفة على المسرح مثققل هققاملت‬
‫ولير وعطيل‪ .‬وقد ظهرت النساء لول مرة علققى المسققرح‬
‫النجليزي في عصر عودة الملكيققة‪ ،‬وبققرزت إلققى الصققفوف‬
‫الولقققى أسققماء مثققل‪ :‬آن بريسقققجردل ‪،Anne Bracegirdle‬‬
‫وإليزابيققث بققاري ‪ ،Elizabeth Barry‬ونيققل جقوين ‪،Nell Gwyn‬‬
‫وأخذن يكتسبن أهمية متزايدة مع أعلم الممثلين‪.‬‬

‫ويعدّ ديفيد جاريك ‪David Garrick 1717-1779‬م‪ ،‬أهم ممثلققي‬


‫إنجلترا فققي القققرن الثققامن عشققر الميلدي ‪ ،‬وكققان تنققاوله‬
‫يتميز بالجدة والصالة والطبيعية حقتى قيقل فيقه "إذا كقان‬
‫هذا الفتي على صواب‪ ،‬فمعني هققذا أننققا كنققا جميع قا ً علققى‬
‫خطأ"‪ .‬أما )السير هنري إرفنققج ‪ ، (Henry Irving‬فقققد كققان‬
‫يتميز فوق كل شيء بالوقار والثبققات‪ ،‬وكققان متفوققا ً إلققى‬
‫جانب التمثيل في الدارة‪.‬‬

‫فققي فرنسققا تميققز القققرن التاسققع عشققر الميلدي بظهققور‬


‫)سارة برنار ‪ (Sarah Bernhardt 1844-1923‬الققتي تعققد واحققدة‬
‫مققن أقققوى الشخصققيات الققتي عرفهققا العققالم فققي التمثيققل‬
‫المسققرحي‪ ،‬إذ إن أهواءهققا المتقلبققة‪ ،‬وإشققعاعتها المققثيرة‬
‫داخل المسرح وخارجه‪ ،‬جعلت منها شخصية عديدة اللققوان‬
‫تلحقها طبول الدعاية‪ .‬وفي إيطاليا جاء توماسو سالفيني‬
‫‪1916 - 1829‬م يجمع بين التناول الصادق‪ ،‬وقوة اللهام‪،‬‬
‫وقد بلغ من الشهرة حدا ً بعيدا ً ل يجعل ناقققدا ً حيققن يتحققدث‬
‫عن التمثيل المسرحي أن يتجاهله‪.‬‬

‫في أمريكا استطاع ثلثة ممثلين في القرن التاسققع عشققر‬


‫الميلدي أن يحرزوا شهرة عالمية وهققم ‪ :‬إدويققن فورسققت‬
‫‪Edwin Forrest 1806-1872‬م‪ ،‬وإدوين بوث ‪Edwin Thomas Booth‬‬
‫‪1833-1893‬م‪ ،‬وجوزيققف جيفرسققون ‪Joseph Jefferson 1829-‬‬
‫‪1905‬م‪. ،‬‬

‫وتبدو التجاهات في هذا الموضوع في حالة مربكة‪ ،‬فبعض‬


‫المسارح يحاول تجنب الستعانة بالموسيقي مققن أي نققوع‪،‬‬
‫والبعض يستعين بها عندما يقتضي النص وجودها‪ ،‬وآخرون‬
‫يستخدمونها أكثر من ذي قبل‪.‬‬

‫ويقول بعض المتابعين للحركة المسققرحية "إن الموسققيقي‬


‫الجيدة والمناسبة في العققرض المسققرحي ل تسققاعد فقققط‬
‫المشاهدين‪ ،‬ولكنها تساعد كذلك الممثل‪ ،‬وردهم على مققن‬
‫يزعم أنها تحطم نقاء الدراما‪ ،‬أن المسققرح الحقيقققي كققان‬
‫مزيجا ً من فنققون عققدة وحققرف ول يققزال‪ ،‬وأن تققأثيره يجققب‬
‫الحكم عليه من تكامل هذه الفنون والحققرف بشققكل موحققد‬
‫وفعال‪ ،‬وليس بالحكم على عنصر واحد فقط‬

‫‪ .‬الموسيقي المسرحية‬

‫غالبا ً ما يعدّ الصققوت والموسققيقي جزئيققن متمميققن للعمققل‬


‫المسقققرحي الناجقققح‪ ،‬والمقققؤثرات الصقققوتية والموسقققيقي‬
‫التصققويرية قققديمان قققدم المسققرح‪ ،‬فمققن عصققر الطبققول‬
‫البدائية التي كانت تصاحب الطقوس الدينيققة إلققى الصققوت‬
‫والموسيقي المصاحبة‪.‬‬
‫وبمراجعة كشف تكاليف مسقرحية "العاطفققة" الققتي مثلقت‬
‫بمدينة مونز عام ‪1501‬م‪ ،‬نجده يتضمن لوحتين من البرواز‬
‫ووعاءين كققبيرين مققن النحققاس اسققتعملت لحققداث الرعققد‪.‬‬
‫وفي نص المسرحية مذكرة لطيفة للخراج تقول‪" :‬ذكققروا‬
‫هؤلء الذين يتولون السرار اللية لبراميل الرعد بققأداء مققا‬
‫يوكل إليهم وذلك باتباع التعليمات‪ ،‬ول تققدعهم ينسققون أن‬
‫يتوقفوا عندما يقول الله‪ :‬كفوا ودعوا السكينة تسود"‪.‬‬

‫هذا يدل على أن الموسيقي المسرحية تزامنت بداياتها مع‬


‫بدايات المسرح نفسه‪ ،‬فالنسان عرف فن الموسيقى منذ‬
‫قققديم الزمققان‪ ،‬وكققان مققن البققديهي أن يسققتخدمه عققامل ً‬
‫مساعدا ً في الفن المسرحي‪.‬‬

‫وكققل مققن قققرأ شكسققبير ل بققد أن يققدرك أهميققة الصققوت‬


‫ون من‬ ‫والموسيقي في المسرح الليزابيثي‪ ،‬ولوحظ مما د ّ‬
‫كون نسبة كبيرة من التوجيهققات‬ ‫مذكرات عن الصوت أنها ت ّ‬
‫المسققرحية‪ ،‬بينمققا نجققد مثل "موسققيقى جديققة عميقققة مققن‬
‫البراجيل"‪" ،‬موسيقى ناعمة"‪" ،‬موسققيقى جديقة وغريبققة"‪،‬‬
‫"أبواق من الداخل"‪" ،‬نققداءات السققلح"‪" ،‬طبققول وأبققواق"‪،‬‬
‫"عاصفة ورعد"‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫وقد بلغ اسقتعمال الموسقيقي والمققؤثرات حقد الدقققة فقي‬


‫حالة الميلودراما وكما يفرض السقم علقى هقذا النقوع مقن‬
‫المسرحيات أن يعتمد اعتمادا ً كبيرا ً على الموسيقي بعنصر‬
‫مهيأ للجو خاصة في مشققاهد الحققب واسققتدرار الشققفقة أو‬
‫الصراع العنيف لمواقف الشر‪.‬‬

‫والواقع أنه لم يحدث أي تغير جققوهري بالنسققبة للمققؤثرات‬


‫الصوتية والموسيقي التصقويرية منقذ عهقد شكسقبير حقتى‬
‫القرن العشرين الميلدي‪.‬‬

‫وتبدو التجاهات في هذا الموضوع في حالة مربكة‪ ،‬فبعض‬


‫المسارح يحاول تجنب الستعانة بالموسيقي مققن أي نققوع‪،‬‬
‫والبعض يستعين بها عندما يقتضي النص وجودها‪ ،‬وآخرون‬
‫يستخدمونها أكثر من ذي قبل‪.‬‬

‫ويقول بعض المتابعين للحركة المسرحية "إن الموسيقي‬


‫الجيدة والمناسبة في العرض المسرحي ل تساعد فقط‬
‫المشاهدين‪ ،‬ولكنها تساعد كذلك الممثل‪ ،‬وردهم على من‬
‫يزعم أنها تحطم نقاء الدراما‪ ،‬أن المسرح الحقيقي كان‬
‫مزيجا ً من فنون عدة وحرف ول يزال‪ ،‬وأن تأثيره يجب‬
‫الحكم عليه من تكامل هذه الفنون والحرف بشكل موحد‬
‫وفعال‪ ،‬وليس بالحكم على عنصر واحد فقط‪.‬‬

‫نعم‪ ..‬نحن في حاجة إلى المسرح‬


‫السلمي‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬حسين علي محمد‬

‫تساءلت صحيفة "المسلمون" في نهاية التحقيققق الققذي اسققتطلعت فيققه‬


‫آراء عققدد مققن السققاتذة الجققامعيين والنقققاد‪ :‬هققل نحققن فققي حاجققة إلققى‬
‫المسرح أصل؟ وأرى أن هذا التساؤل الذي طرحته الصققحيفة فققي نهايققة‬
‫حوارها ُيثير عددا ً من السئلة الملحة‪:‬‬
‫هل نحن المهتمين بالدب السلمي فعل يدفعنا توق حضاري إسلمي إلى تحقيق فكققرة‬
‫الدب السلمي نظريقا وتطبيقيققا‪ ،‬أم أننققا نأخقذ المقور أخقذا ً سقطحيا‪ ،‬ونكتفقي برفققض‬
‫الشققياء دون اسققتكناه حقيقتهققا‪ ،‬والسققتفادة مققن إمكاناتهققا فققي "الققدعوة والتنققوير‬
‫السلمي" حتى ل يبقى التنوير حكرا ً على المستغربين وأشياعهم؟‬
‫هل الذين يتكلمون عن المسرح وإمكاناته وهل تكون فيقه نسقاء أم ل درسقوا "الظقاهرة‬
‫المسرحية" وقرأوا نصوصا ً مسرحية قق أو علقى الققل تلقك القتي كتبهقا مؤلفقون عقرب‬
‫باللغة العربية حتى يكون كلمهم مقنعا ً بعض الشيء ومنطلقا ً من أسس ثابتة؟‬
‫لمققاذا ل تعقققد صققحيفة "المسققلمون" بالشققتراك مققع غيرهققا مققن الجققرائد والمطبوعققات‬
‫المهتمة بأن يكون السلم منهاج حياة نققدوة عققن "السققلم وإشققكالت الدب المعاصققر"‬
‫ولتكققن نققدوة سققنوية تققدعو فيهققا المختصققين فققي الدب السققلمي‪ ،‬مققع بعققض الفقهققاء‬
‫المهتمين بهذه القضققية ليققدلوا فيهققا بققدلئهم فققي الفنققون السققلمية ومنهققا المسققرح‪،‬‬
‫وستكون هذه الندوة بأبحاثها ومناقشاتها مجال لختبار بعض الراء حتى ل تبقى الساحة‬
‫وقفا ً على بعض القلم التي قد ت ّ‬
‫دعي في العلققم معرفققة‪ ،‬بينمققا تفوتهققا معرفققة أشققياء‬
‫كثيرة؟‬
‫وبعد طرح هذه السئلة وحتى يكون الكلم بعيدا ً عن التعميم‪ ،‬أحد التي‪:‬‬
‫أول‪ :‬يجب التفريق بين العروض المسرحية التي تمتلئ بها المسققارح العربيققة بالعاميققات‬
‫المحلية والمسرح الصحيح‪ .‬فما ُيرى على خشبات المسارح الن هو "كبققاريه" أو عققروض‬
‫حركية تستخدم الجسققام العاريققة والنكققات القبيحققة‪ ،‬والشققارات السياسققية الفجققة كققي‬
‫تجتذب الجمهور‪ .‬هذا في الغالب العم‪ ،‬فل بد أن هناك بعققض المسققرحيات ذات القيمققة‪،‬‬
‫ولكنها نادرة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬عندما ُتطالب القلم السلمية الواعية بمسرح إسلمي فهي ُتطالب بفققن يتجققاوز‬
‫ما هو واقع‪ ،‬ويتجاوب مع أحلم المة في فن نظيف ُيثّبت القيم السلمية‪ ،‬ول يتنققاقض‬
‫سل بالمرأة أو بالجنس أو بأية وسققيلة‬
‫دم النماذج الطيبة‪ ،‬ول يتو ّ‬
‫مع التصور الديني‪ ،‬وُيق ّ‬
‫يرى السلم أنها خارجة عن القصد‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬العرض المسرحي يتكون مقن أشققياء كقثيرة أهمهققا النققص‪ ،‬ولكقن هنقاك المكقان أو‬
‫المسققرح‪ ،‬والممثققل‪ ،‬والضققاءة‪ ،‬والمخققرج … إلققخ‪ .‬فققالعرض المسققرحي إذن غيققر النققص‬
‫المسرحي‪ .‬والعرض المسققرحي ُينسققب للمخققرج وليققس للمؤلققف؛ فلمققاذا ل تهتققم أمتنققا‬
‫السلمية بتكوين كوادر إسلمية ذات رؤية ناصعة؟‬
‫وينبغي على جامعاتنا السلمية أل تغض العيققن عققن هققذا الهققدف‪ .‬فكمققا أنشققأت جامعققة‬
‫الزهر وجامعة المام محمد بن سعود السلمية أقساما ً للعلم لتخريج رجال إعلم ذوي‬
‫عقيدة ناصعة ورؤية إسلمية نقية فلمققاذا ل تهتققم أيضققا بعققض جامعاتنققا بإنشققاء أقسققام‬
‫للمسرح السققلمي لعققداد الحرفييققن المختصققين بهققذا الفققن‪ :‬كققالمخرجين‪ ،‬ومهندسققي‬
‫الضاءة‪ ،‬ومهندسي الديكور على أل يلتحق بهذه القسام إل خريجو الدراسات السلمية‬
‫أو الشريعة أو أصول الدين أو غيرها من كليات الجامعة السققلمية الققتي ُتقيققم القسققم‪،‬‬
‫وأن يكون هذا القسم ق قسم المسرح ق قسما عاليا ً يمنققح درجققة الماجسققتير للمختصققين‬
‫السلميين الذين سيقع على عواتقهم عبء تقديم النص للجمهور‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬إذا تحققت هذه الفكرة فإننا نضمن مسرحا ً إسلميا‪ ،‬ولن نسأل عن المسرح‪ :‬هل‬
‫فيه نساء أم ل؟‬
‫مثلققى للمسققرح‬
‫وقققد اسققتطاعت بعققض المسققرحيات السققلمية أن تحقققق الصققورة ال ُ‬
‫السلمي‪ ،‬حيث تلتزم بالضقوابط الشقرعية والفنيقة للعمققل البققداعي دون أن تققع فقي‬
‫هزال الفني‪ ،‬أو ضعف عناصر البناء المسرحي فيها‪ ،‬ومنها مسققرحية‬
‫وهدة التقريرية وال ُ‬
‫"غزوة بدر" التي كتبها عبد الرحمن أحمد البنا عام ‪1946‬م‪.‬‬
‫مد الغريب في مقالته "مسرحية "غزوة بدر"‪ :‬الملئكة فققي مواجهققة‬
‫يقول عنها علي مح ّ‬
‫الشياطين"‪ ،‬في موقع "لها أون لين" على النترنت في ‪29/11/2002‬م‪:‬‬
‫ن الفن والبققداع إذا أريققد بهمققا الصققلح‬
‫"تؤكد هذه المسرحية ‪ ...‬حقيقة مهمة مفادها أ ّ‬
‫ن‬
‫والدعوة‪ ،‬كانا من أنجع الوسائل المؤدية إلى هذا الغرض‪ ،‬كما تؤكد حقيقة أخرى هي أ ّ‬
‫غياب المرأة من العمل الفني أو الدرامي ليس بالمعضلة‪ ،‬وليس بالمشققكلة الققتي تققودي‬
‫بالعمل وتجعله مبتورًا! فالمسرحية التي بين أيدينا نموذج حي ومثال على ذلققك‪ ،‬ففيهققا‬
‫ذكر للنساء دون ظهورهن على خشبة المسرح‪ ،‬من غيققر اعتسققاف ول إخلل بمتطلبققات‬
‫العمل الدرامي")‪.(1‬‬
‫وهذا مشهد من هذه المسرحية من الفصل الثالث حيث نرى جماعة من قريققش يلتقققون‬
‫مققد وأصققحابه‬
‫في صحن الكعبة‪ ،‬يتعجبون مما لحق بأهلهم فققي بققدر‪ ،‬وكيققف اسققتطاع مح ّ‬
‫اليقاع بهم وقتل صناديدهم‪ ،‬وأسر الكثير منهم وقرنهم في الحبال!‬
‫ي فعندك لعمري الخبر‪ ،‬اصدقني يا ابن أخي‪،‬‬
‫م إل ّ‬
‫أبو لهب‪ :‬يا أبا سفيان‪ ،‬هل ّ‬
‫أخبرني كيف كان أمر الناس؟‬
‫أبو سفيان‪ :‬والله يا أبا لهب‪ ،‬ما هو إل لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا‪ ،‬يقتلوننا‬
‫كيف شاؤوا ويأسروننا كيف شاؤوا‪.‬‬
‫أبو لهب‪ :‬وهل شّلت أيديكم وقطعت أسيافكم؟‬
‫أبو سفيان‪ :‬وأيم الله مع ذلك ما لمت الناس‪ ،‬لقينا رجال ً بيضا ً على خيل بلق بين‬
‫السماء والرض‪ ،‬والله ما تبقي شيئا ً ول يقوم لها شيء‪.‬‬
‫أبو رافع‪) :‬يصيح( أحد أحد‪ ،‬لقد أّيد الله رسوله‪ ،‬تلك والله الملئكة‪.‬‬
‫ود الجبين‪.‬‬
‫أبو لهب‪) :‬يرفع يده ويلطمه على وجهه( اخسأ يا مس ّ‬
‫أبو رافع‪ :‬لقد أشرق جبيني باليمان‪ ،‬إنما يخسأ المشركون‪.‬‬
‫أبو لهب‪ :‬واللت لضربن بك الرض )يحمله فيضرب به الرض ثم يبرك عليه(‪.‬‬
‫الحسيمان‪ :‬يا أبا لهب‪ ،‬خ ّ‬
‫ل سبيل أبي رافع‪.‬‬
‫أبو سفيان‪ :‬دعه رعاية لحق موله العباس‪.‬‬
‫أبو لهب‪) :‬ينهض متثاقل ً صائحًا( آه‪ ..‬ماذا دهاني؟‬
‫صفوان‪ :‬ماذا أصابك؟)‪.(2‬‬
‫أبو لهب‪ :‬كأن بظهري قرحة أحس لها ألما ً بالغا ً )ينصرف ذليل ً يجّر ساقيه(‪.‬‬
‫ونلحظ أن الحوار حي‪ ،‬سريع‪ ،‬قادر على نقل توتر الشخصية‪ ،‬وتفكيرها‪ ،‬وهذا ما يقققوم‬
‫به الحوار الحي في المسرحية الجيدة‪.‬‬

‫الفن الملتزم‪ ..‬من يشارك في صناعته؟‬


‫علء سعد حسن‬

‫يرفض الملتزمون الفن الهابط وصور السفاف التي تقدم من خلله‪ ،‬ويطالب‬

‫كثير من جمهور الملتزمين بتنقية ما يقدم في وسائل العلم من صور مستفزة‬

‫لمشاعر المسلمين من المجون أو الخلعة أو النحلل الديني والخلقي‪ ،‬مع المناداة‬

‫الدائمة بالبديل الملتزم أو ما يعرف بالفن السلمي الراقي‪ ،‬وبين شجب ما هو هابط‬

‫والمناداة بما هو جيد ملتزم تثور عدة أسئلة مهمة للمشاركة الفاعلة والحقيقية في‬

‫صناعة الفن الملتزم بدل ً من الكتفاء بمجرد الرفض أو المناشدة بعيدا ً عن اتخاذ‬

‫الخطوات الفاعلة التي تسهم في صنع هذا النوع من الفن وتجعله حقيقة واقعة‪ ،‬ومن‬

‫أهم هذه السئلة ‪:‬‬

‫هل نحن في حاجة إلى الفن؟‬

‫هذا السؤال هو أهم السئلة التي تطرح نفسها على الساحة السلمية عندما‬

‫يثار موضوع الفن‪ ،‬ولشك أنه قد يثير كثيرا ً من الجدل بين الملتزمين أنفسهم خصوصا ً‬

‫مع تباين التجاهات والمذاهب الفقهية والرؤى الفكرية تجاه قضية الفن‪ ،‬ولحسم هذا‬

‫الخلف والجدل‪ ،‬يمكننا أن نقول إننا نحتاج إلى كل ما احتاج إليه مجتمع رسول الله ص‬

‫وصحابته الكرام رضوان الله عليهم‪ ،‬ولقد عرف السلم الفنون لسيما فنون اللغة‬

‫وشجع عليها مثل الشعر والنثر والخطابة والنشاد والرجاز الذي أجازه النبي ص خلل‬

‫الحرب والسفر كما ورد أمره بذلك لعائشة رضي الله عنها في العراس)‪ ،(1‬وهي‬

‫الفنون التي كافأت متطلبات عصر النبوة‪ ،‬وعلينا أن ندرك أن أنواع الفنون الموجودة‬

‫اليوم ما هي إل تطور طبيعي لتلك الفنون التي سادت في المجتمع السلمي الول‪،‬‬

‫وكثير من الفنون الحالية ظهر إلى الوجود نتيجة تطور التقنية في إنتاج وسائل‬
‫التصال والعرض مثل الذاعة والسينما والتلفاز ثم الفضائيات وما إلى ذلك‪..‬‬

‫هذا التطور الطبيعي للفنون يجعلنا ل نتوقف طويل ً أمام نوع الفن بقدر ما‬

‫يجب أن نتوقف أمام مضمونه أو رسالته والشكل الذي يؤدى به‪ ،‬فلقد بدأ الفن شعرا ً‬

‫وإرجازا ً وإنشادًا‪ ،‬وتطورت هذه اللوان فيما بعد إلى القصة والرواية‪ ،‬مع تطور حروف‬

‫الطباعة في عصر النهضة الوروبية‪ ،‬ولم ينكر المسلمون هذا اللون الجديد من الفنون‬

‫ودخلوا حلبة البداع فيه‪ ،‬ثم تحولت الرواية والقصة إلى دراما تمثيلية‪ ،‬وهنا فإن من‬

‫واجب الملتزمين أن يواكبوا ويكافئوا وسائل ومتطلبات العصر مع الحفاظ على روح‬

‫الشرع الحنيف وضوابطه‪.‬‬

‫حاجتنا للفن تنبع من وظائف الفن ذاته‪ :‬وللفن وظائف يؤديها داخل المجتمع‬

‫المسلم‪ ،‬ووظائف يؤديها خارجه‪ ،‬ومن الوظائف التي يؤديها داخل المجتمع‪:‬‬

‫أ وظيفة ترويحية في العراس والعياد والمناسبات المختلفة‪ ،‬وهو ما تقدم‬

‫حث النبي ص عليه‪ ،‬وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال‪ :‬روحوا القلوب فإنها‬

‫إذا أكرهت عميت)‪.(2‬‬

‫ب وظيفة تثقيفية يجب أن يؤديها الفن في المجتمع فينقل إليه النافع من‬

‫الثقافات والمعارف‪.‬‬

‫ج وظيفة تربوية‪ ،‬حيث إن المناخ الفني المحيط بالنسان لسيما النشء‬

‫والشباب يشكل بيئة تربوية تؤثر فيهم بشكل مباشر‪ ،‬وتؤثر كذلك في القيم التي‬

‫يكتسبها الفراد في المجتمع‪.‬‬

‫أما الوظيفة الخارجية للفن فتتمثل في أنه الوعاء البداعي الذي ننقل من‬

‫خلله ثقافتنا وتراثنا وقيمنا إلى الخرين‪ ،‬ونعرفهم بنا عن طريقه‪.‬‬

‫المحاور الساسية في العملية الفنية‬

‫يعتمد العمل الفني أيا ً كان نوعه على محاور أساسية يخرج من خللها للنور‪،‬‬

‫وأهمها‪:‬‬

‫الفكرة أو المضمون أو الرسالة والهدف الذي يتم العمل من أجله‪.‬‬

‫الشكل أو القالب أو الوسيلة التي يتم إخراج العمل الفني فيه‪.‬‬

‫التسويق التجاري للعمل الفني بهدف النتشار وتحقيق العائد المادي‪.‬‬

‫ونحن نعيش الن في مرحلة الفن التجاري بحيث تسيطر عملية التسويق‬

‫التجارية على المحاور الخرى فيبدأ العمل الفني بالسؤال عن كيفية ترويجه وتسويقه‬

‫أول ً ثم وضع الشكل أو القالب الذي يضمن هذا التسويق بغض النظر عن محتواه أو‬

‫مضمونه‪.‬‬
‫كيف نصنع فن ّا ً ملتزمًا؟‬

‫لبد لنا في المقام الول أن نعترف بأن المجتمع بحاجة إلى الفن‪ ،‬ويعتبره‬

‫مصدرا ً من مصادر الترويح عنه والمساهمة في تثقيفه وتربيته‪ ،‬وعلينا أن نعترف أن‬

‫طبقة العلماء والدعاة ومن يحملون هموم المة‪ ،‬أولئك الذين تلهيهم التبعات‬

‫والمسؤوليات عن بعض حظوظ أنفسهم‪ ،‬وأولئك الذين يترفعون عن المباحات‬

‫لضطلعهم بما تنوء بحمله الجبال‪ ،‬هذه الطبقة ل تشمل المجتمع المسلم كله‪ ،‬وعلينا‬

‫أن نعترف أن الفن الهابط والمسف يسيطر على منصة التوجيه والتأثير في المليين‬

‫من أبناء المجتمعات السلمية‪ ،‬وأن هذه المليين تحتاج إلى الترويح والترفيه‪ ،‬وأن‬

‫فضول الوقات لديها يجب أن تستغل فيما ل يضر إن لم تستغل فيما ينفع‪ ،‬وأننا‬

‫مطالبون أن نقدم لها فنا ً ملتزما ً يرتقي بالذوق ويسمو بالمشاعر ويهذب الحاسيس‪،‬‬

‫وأن صناعة الفن تخضع لمحاور ومقاييس‪ ،‬ولقد شعرت الحركة السلمية في‬

‫الثلثينيات والربعينيات من القرن الفائت بأهمية الفن الملتزم فقدم مسرح الخوان‬

‫المسلمين بمصر عشرات المسرحيات في ذلك الوقت‪ ،‬وقاد حركة المسرح السلمي‬

‫الشيخ عبدالرحمن البنا أخو المام حسن البنا مؤسس الجماعة)‪ ،(3‬لكن هذا الهتمام‬

‫المبكر لم يتم تطويره بسبب العديد من الظروف الخارجية والداخلية ليواكب الفنون‬

‫المستحدثة في عصرنا الراهن‪.‬‬

‫واليوم ونحن نتساءل عن كيفية صناعة فن ملتزم‪ ،‬ندرك أنه ليس عندنا أزمة‬

‫في البداع ول في المواهب والطاقات الفنية كتابة وأداءً في مختلف الفنون التي‬

‫تستطيع أن تنافس الموجود وتخرج الرديء منه من سوق الفن‪ ،‬وتقود حركة الفن‬

‫وتحول مساره إلى اللتزام واحترام أخلق المجتمع ومبادئه‪ ،‬لكن مشكلتنا الساسية‬

‫لصناعة فن ملتزم تكمن أول ً في إدراكنا لهمية هذا النشاط وحاجتنا إليه‪ ،‬ثم اعتمادنا‬

‫على آليات صناعة الفن الناجح تسويقيًا‪ ،‬فلئن كنا نملك المضمون الجيد والشكل‬

‫المناسب‪ ،‬تبقى عمليات التمويل والتسويق هي العقبة الكبر‪ ،‬وللتغلب على هذه العقبة‬

‫لبد من توافر مجموعة من العوامل‪:‬‬

‫‪ 1‬جمهور عريض من الملتزمين يتقبل هذا اللون ويحرص عليه ويشجعه ويعمل‬

‫على شرائه وتسويقه والدعاية له‪ ،‬فالفن الملتزم كغيره من أنواع النتاج الفني يحتاج‬

‫إلى تمويل ضخم‪ ،‬وتسويق جيد‪ ،‬فلو أعرض عنه جمهور الملتزمين والمتدينين ولم‬

‫تتقبله باقي شرائح المجتمع‪ ،‬فمعنى ذلك أن الفن الملتزم سيحكم عليه بالعدام في‬

‫مهده‪.‬‬

‫‪ 2‬محاربة النسخ والعتداء على حقوق الملكية البداعية والفكرية‪ ،‬وهي العقبة‬
‫الكؤود التي تواجه عملية إنتاج الفن الملتزم‪ ،‬وعلى جمهور الملتزمين أن يدرك أن هذه‬

‫الريحية التي كانت تحكم العلقة قديما ً بين المبدع والمتلقي باعتباره مبدعا ً إسلميا ً‬

‫يبتغي بعمله مرضاة الله تعالى‪ ،‬وأنه ل ينتظر من إبداعه مقابل ً ماديًا‪ ،‬وأن الفن‬

‫السلمي إن جاز التعبير هو ملك للتيار السلمي عمومًا‪ ،‬هذه النظرة يجب تعديلها‬

‫اليوم وليس ذلك قدحا ً في إخلص المبدعين الملتزمين ول تجردهم‪ ،‬ولكن لما يكلفه‬

‫هذا النوع من البداع من تكاليف مادية تعتمد أساسا ً على عملية البيع في استرجاع ما‬

‫تم إنفاقه‪ ،‬وإل عجزت قدرة المبدع المادية عن الستمرار في النتاج‪ ،‬وإني لعجب من‬

‫بعض الملتزمين الذين يعتدون على حقوق الخرين المادية‪ ،‬كيف يسمحون لنفسهم أن‬

‫يحصلوا على عمل جيد دون مقابل مادي؟‪.‬‬

‫‪ 3‬الستثمار القتصادي المؤسس في مجال الفن الملتزم‪ ،‬فعملية النتاج الفني‬

‫تحتاج إلى تمويل ضخم يعجز عنه كثير من المبدعين والموهوبين‪ ،‬فيبقى حلما ً في‬

‫صدورهم أو أمنية في نفوسهم ل ترى النور‪ ،‬على أن عملية الستثمار في مجال‬

‫الفنون إذا ما توافرت لها عناصر النجاح والبهار تدر عائدا ً ماديا ً كبيرًا‪ ،‬وإل ما تسابقت‬

‫شركات النتاج المختلفة على صناعة الفنون وتسويقها لتحقيق العائد المادي الضخم‬

‫ولو كان ذلك بفتح سوق نخاسة جديد على حساب قيم المجتمع وأخلقه‪.‬‬

‫‪ 4‬الدعم العلمي للفن الملتزم ورموزه ومنتجيه ومبدعيه عبر الصحافة‬

‫والذاعات والفضائيات‪ .‬إن الفنان الملتزم يقدم إبداعه في ظروف غاية في الصعوبة‬

‫لنه يقدم لونا ً غير مألوف في دنيا الفن‪ ،‬ويبدو إبداعه غريبا ً حين يلتزم بالقيود‬

‫والضوابط‪ ،‬في زمن تستباح فيه كل الضوابط‪ ،‬وهو لذلك يتعرض لهجوم شديد من‬

‫النقاد والصحفيين التقليديين‪ ،‬لذا فهو في حاجة ماسه لتلقى الدعم والتوجيه والنقد‬

‫من التيار الملتزم الذي يوجه إبداعه إليه في المقام الول‪ ،‬فعلى صحافتنا السلمية أن‬

‫تخصص صفحات فنية لمتابعة هذا البداع والنتاج ودعمه وتشجيعه‪.‬‬

‫‪ 5‬قبول الجتهادات والراء الفقهية في سعة صدر ل تصادر حق الخرين في‬

‫الجتهاد‪ ،‬بحيث يتاح لكل مدرسة فقهية أن تعبر عن نفسها بنوع أو لون من الفن‬

‫الملتزم الخاص بها‪ ،‬بما يضمن لهذا الفن التنوع والتعدد في الشكال والقوالب مع‬

‫الحفاظ على روح المضمون الهادف الملتزم‪ ،‬واحترام القواعد الفقهية المعتبرة التي‬

‫تقرر بوضوح أن الجتهاد ل يرد الجتهاد‪ ،‬وأن المسائل الخلفية بين العلماء ل يجب‬

‫النهي فيها عن منكر قد يراه الخرون معروفًا‪ ،‬ول المر فيها بمعروف يراه غيرهم غير‬

‫ذلك‪.‬‬

‫الهوامش‪:‬‬
‫)‪ (1‬راجع تفصيل ذلك كله في كتاب "السلم والفن" للدكتور القرضاوي‪.‬‬
‫)‪ (2‬إحياء علوم الدين للغزالي‪.‬‬
‫)‪ (3‬عن تقرير بعنوان )مسرح الخوان المسلمين البداية رومانسية( للباحث‬
‫أحمد عز من موقع إسلم أون لين‪ ،‬والجدير بالذكر أن الشيخ عبدالرحمن البنا الذي‬
‫حاول قبل وفاته إكمال "الفتح الرباني في شرح مسند المام أحمد الشيباني" الذي‬
‫بدأه والده‪ ،‬وهو العضو البارز في دعوة الخوان المسلمين والمرشح فيما بعد لخلفة‬
‫أخيه "حسن البنا" في قيادة الخوان المسلمين‪ ،‬هو الذي قاد حركة مسرح الخوان‪.‬‬
‫ققققققققققققققققققققققققققققققققققققققققققققققققققققققققققق‬
‫المصدر‪ :‬مجلة المجتمع الكويتية‪ /‬العدد ‪ 1591/6‬ق ‪ 3‬ق ‪2004‬‬

You might also like