Professional Documents
Culture Documents
المنشورة في كتاب “بحوث إجتماعية” لمؤلفه “بدر أحمد كريم” والكتاب نشر في
طبعته الولى سنة .1996
محتويات الدراسة:
مقدمة -
رابعا :التأثير في المواقف الضعيفة وتوجيه المواقف القوى توجيها بسيطا -
مقدمة:
إذا كانت الدول النامية قد تباينت في السبل والوسائل التي سلكتها واستخدمتها
لتنمية مجتمعاتها وفقا لما توافر لديها من إمكانات وقدرات متاحة بشرية ومادية ،إل
أن القاسم المشترك العظم في هذا التجاه ،هو إحساس هذه الدول بضرورة
تطوير مجتمعاتها من الحالة التي هي عليها إلى وضع أفضل وأحسن.
1
وليس ثمة شك في أن ذلك لم يكن ليتم في معزل عن الحساس بأن الحاجة تدعو
إلى وجود مجموعة من البنية المترابطة والمتوازنة للقضايا الجتماعية والقتصادية
والثقافية التي ينبغي أن يحكمها تخطيط علمي شامل ومتكامل ،لتطوير المستوى
الجتماعي والتعليمي وزيادة نواتج الدخل الوطني ،ورفع المستوى الثقافي والصحي
والسكاني والبيئي ،وقبل كل هذا وبعده المحافظة على القيم الدينية وتدعيمها من
واقع البناء الديني )العقدي( الذي يقوم عليه هذا المجتمع أو ذاك.
ولن التنمية ،على هذا النحو ،ضخمة ومتشعبة ،فقد غدت الحاجة ماسة إلى وجود
وسائل إعلم فاعلة ومؤثرة يصبح لزاما عليها ،ومن ثم ،أن تمارس تأثيرا على أفكار
وآراء ومعلومات وسلوكيات المجتمع ،بما يتفق وخطط التنمية ،حتى أن ذلك أدى –
كما يقول أحد خبراء العلم – “إلى بروز الدور التنموي لوسائل التصال
الجماهيري”.
ولما كانت التنمية تستهدف )النسان( في المقام الول باعتباره المحرك لكل
عناصر التنمية فإننا نستطيع أن نلمس دور تلك الوسائل في إعادة صياغة وتشكيل
كثير من النماط السلوكية لدى مواطني الدول النامية.
إن هذا البحث يتحدث عن العلقة بين العلم من جهة والتنمية من جهة أخرى ،إذ
يعّرف في البداية مفهوم التنمية ،ثم يعرج بعد ذلك إلى تناول نماذجها المنتشرة في
الدول النامية ويستعرض النتقادات الموجهة إليها.
تعريف التنمية:
من الشائع في العلوم الجتماعية عدم وجود تعريف شامل جامع مانع لظاهرة ما
من الظاهرات الجتماعية.
2
ونعفي أنفسنا من الخوض في تفاصيل ذلك ،إذ غدت معروفة ومعلومة لدى
المشتغلين والدارسين للعلوم الجتماعية.
وهي ،على أي حال ،ليست قضية من القضايا التي تعوق هذه العلوم أو تحد من
انطلقتها على الصعيدين النظري والعملي ،بل على العكس من ذلك ،فقد أصبحت
هناك تعريفات ومفهومات شكلت ثراء فكريا لهذه العلوم.
ومع أنه يصعب علينا حصر تعريفات التنمية لكثرتها وتنوعها ،إل أن ما ينبغي أن
ندركه جيدا أن مفهوم التنمية ارتبط على وجه الخصوص بالدول النامية ،وأصبح
ينظر إليه على أنه أداة أو وسيلة تستطيع من خللها تلك الدول التصدي لعوامل
التخلف بتبني خصائص أو سمات المجتمعات المتقدمة.
وعلى هذا النحو يمكن القول باختصار :إن التنمية تقصي التخلف وتدني التقدم.
بيد أن ذلك لن يتحقق إل إذا روعيت اعتبارات كثيرة يدركها علماء التنمية
والمتخصصون فيها والمشتغلوم بها.
ولعل من الهمية بمكان أن نشير هنا إلى أن المحاولت العديدة التي بذلت قصد
تحديد تعريف التنمية تفاوتت فيها الراء.
إل أن الحقيقة الساسية التي يتعين علينا أن نأخذها بعين العتبار ،سواء قصدنا أن
نقيم تصورا عاما لظاهرة التخلف ،أو تحديدا دقيقا للتنمية ،أن التنمية ليست عملية
شهلة ،بل هي معقدة وشاملة تحوي الحياة القتصادية والسياسية والجتماعية
والثقافية وقبل ذلك وبعده الدينية )العقدية).
ولكي ندلل على ذلك التفاوت في الراء يرى بعض علماء التنمية”أن التنمية هي
عملية تستند إلى الستغلل الرشيد للموارد بهدف إقامة مجتمع حديث”] [1بينما
عرفت المم المتحدة التنمية بأنها ” تدعيم المجهودات ذات الهمية للمجتمع
المحلي بالمجهودات الحكومية ،وذلك لتحسين الحالة القتصادية والجتماعية
والحصارية لهذا المجتمع على أن تكون خطط الصلح العامة للدولة”[2].
3
ومن واقع التعريف الول نستطيع أن نستنتج أن المجتمع المتقدم هو الذي يستخدم
التقنية الحديثة )التكنولوجيا( ،كما يتميز بالتحضر والتعليم والحراك الجتماعي،
وتسانده الجتماعي يكون واسع النطاق إلى جانب أن تاريخه والمنطقة التس تضمه
وكيانه القومي وتراثه الشعبي تكون موحدة.
أما التعريف الثاني ،فإننا نرى أنه في الوقت الذي ركز فيه على تحسين العوامل
القتصادية والجتماعية والثقافية ،فقد دعا إلى استنهاض همم أبناء المجتمع لتتصل
جهودهم مع جهود الدولة في عملية التحسين أو التطوير أو التحديث التي ينبغي أن
تتواءم وتتفق مع ما تخطط له الدولة من تطوير عام في كل جوانب الحياة.
ويطلق علماء الجتماع عادة على هذا النوع من التنمية “التنمية المقصودة”
والمخطط لها من قبل النظام السياسي للدولة ،بغية نقل المجتمع من الحالة التي
هو عليها إلى حالة أكثر تقدما وتطورا.
ويعد التخلف مشكلة إنسانية عامة كما أن حدته تختلف من مجتمع إلى آخر وتعريفه
ومفهومه يختلفان من مجتمع إلى مجتمع.
ولعل أوضح صورة لذلك التخلف عائلتي “إيفي وبوفاني” اللتين تحدث عنهما )ولبور
شرام(].[3
على الرغم من أنه تل انقضاء الحرب العالمية الثانية ظهور إسهامات كبيرة من
بعض علماء الجتماع والقتصاد في قضايا التنمية ومشكلتها ،إل أن البدايات الولى
تمثلت في ظهور رواد “المدرسة الحديثة” الذين لم يكن اهتمامهم منصبا بشكل
رئيس على التنمية طويلة الجل ،بينما أخذ أتباع “مدرسة الركود” ينادون بفكرة
“الركود طويل الجل”.
4
ومن بين النماذج المنتشرة في الدول النامية نموذج )كيندلبرجر( الذي يرى أن
التنمية تتبدى في صورة مؤشرات كمية عديدة مثل :متوسط الدخل الفردي ،ونسبة
السكان الذين يعملون في الزراعة ،ودرجة التعليم ،والنسبة المئوية للسكان
الحضريين ،ومعدل أو نسبة توزيع الصحف ،وعدد أجهزة المذياع )الراديو(
والسيارات بالنسبة لكل شخص[4].
و إلى جانب ذلك النموذج ظهر نموذج “التجاه التطوري المحدث” ثم نموذج
“التجاه النتشاري” وهو التجاه الذي يذهب إلى أن عناصر التنمية المادية والثقافية
التي تسود في الدول المتقدمة إذا انتقل إلى الدول النامية فإن انتقالها كفيل
بتحقيق التنمية.
وثمة نماذج أخرى مثل“ :نموذج اتجاه المكانة الدولية” ،و”النموذج السيكولوجي” أو
“السولكي” ،و”نموذج التنمية المزدوجة”[5].
ومع أننا ل يمكن أن نستبعد أثر وتأثير تلك النماذج ،إل أن النموذج السائد هو نموذج
)دانيل ليرنر( الذي ظهر عام 1958م ،والذي يرى فيه “أن الدول المتخلفة يمكن
أن تنتقل إلى مصاف الدول المتقدمة إذا استطاعت أن تكتسب خصائص سلوكية
وسيكولوجية معينة”.
ومن هنا فإن )ليرنر( نادى بأربع متغيرات أساسية للتنمية هي :التحضر ،والتعليم،
والمشاركة في وسائل التصال ،والمشاركة السياسية.
ولكي نميز بين المجتمع الحديث والمجتمع المتخلف فإن )ليرنر( ذهب إلى القول:
“إن المجتمع الحديث هو المجتمع الذي يحقق درجة عالية على سلم هذه الخصائص
في حين أن المجتمع التقليدي هو الذي ل يحقق سوى درجة ضعيفة على لذك
السلم”[6].
كما يرى )ليرنر( أن تنمية المجتمع تتم من خلل التعاطف مع الخرين ،وحينما
يكتسب المجتمع التقليدي هذه الخاصية التي تعينه على التنمية يصبح مجتمعا حديثا.
5
وفي هذا السياق يرى )ليرنر( أن وسائل العلم أحاطت – ول تزال تحيط – الناس
بالمعلومات والفكار والراء والحداث والتغيرات ،ومن ثم فإن في إمكانها أن تقدم
أنماطا من سبل الحياة المعيشية الجديدة فترتقي بمستوى البيئة التقليدية.
] -[1أن ترتبط خطة وسائل العلم ارتباطا عضويا بخطة التنمية إذ إن مقومات
خطة التنمية هي نفسها مقومات خطة وسائل العلم.
] -[2السعي إلى تقسيم خطة وسائل العلم في التنمية إلى قسمين الول نسميه
)بنائيا( والخر نسميه )دفاعيا( ونبادر إلى القول :بأن التسميتين مجازيتان.
فالقسم الول يتركز على بناء النسان والدعوة إلى قيم المجتمع الجديد ،والقسم
الثاني يتطلب الدفاع ضد هجوم وسائل العلم المضادة لبطال مفعوله وكشفه
وفضح أساليبهأمام الناس.
] -[3أن نفهم وسائل العلم التي تخدم أهداف تنمية الواقع فهما موضوعيا،
والساحة التي تعمل فيها حتى ل تكون غريبة عنه فتفقد إحدى خصائصها المهمة.
] -[4إن رجل العلم مطالب بأن يكون متسلحا في رؤيته للهداف بالنظرة
العلمية ،فيرى الجزء دائما في إطار الكل ويستوعب قوانين الترابط.
] -[5لما كان لكل وسيلة إعلمية قدرة على القناع تقل عن غيرها أو تزيد ،فإنه
ينبغي اختيار أنسب الوسائل العلمية لحث الناس على تقبل عمليات التنمية إذ أن
تبادل الرسالة العلمية ل يمكن أن يتم إل في إطار دللة المرسل ودللة
المستقبل.
] -[6إن علم المرسل بإطار دللة المتلقين ،له ضرورته وأهميته ولذلك ينبغي أن
يكون رجل العلم قريبا من الناس الذين يخاطبهم ويعايشهم.
6
ولعل قول الحق تبارك وتعالى)) :ربنا وابعث فيهم رسول منهم(( أصدق تأكيد على
أن يكون رجل العلم من الناس ،بدليل أن كل رسول من الرسل الذين بعثهم الله
لهداية البشر كان يخاطب قومه بلسانهم.
7