You are on page 1of 23

‫كتاب القوانين الروحية السبع للنجاح‬

‫ديباك تشوبرا‬
‫ترجمة كامل السعدون‬
‫‪kamilalsaadon@hotmail.com‬‬

‫تنسيق حصة الحشاش‬


‫‪www.h-alhashash.com‬‬

‫‪1‬‬
‫القوانين النجاح الروحية السبع‬
‫القانون الثاني‬

‫قانون اإليمان بالعطاء وممارسته‬


‫قانون العطــاء‬

‫الكون كلّ ه ينشط ويتفاعل مع بعضه البعض ‪ ،‬عبر التبادل الديناميكي للخ يرات والنعم ‪.‬األخ ذ والعط اء‬
‫هما مجالين مختلفين من مجاالت تبادل تي ار الطاق ة في الك ون ‪ .‬في إرادة العط اء ل دينا ‪ ،‬عط اء ه ذا‬
‫الذي نرغب في نيله ‪ ،‬نحافظ نحن على فائض الخير الكوني جاريا ً في محيطنا اإلنساني ‪.‬‬

‫تلك العربة الرعناء ‪ ،‬تفرغها أنت مرات ومرات ‪ ،‬وتعود لتمتلئ باستمرار بحيا ٍة جديدة ‪.‬‬
‫هذا الناي الصغير من قصب الخيزران ‪ ،‬هذا الذي جلته به عبر الجبال والغابات ‪ ،‬وعبره نفخت‬
‫دوماً أناشيد خلو ٍد جديد ٍة جميلة ‪.‬‬
‫هباتك التي ال حدود لها ‪ ،‬تمأل يداي الصغيرتان وتفيضان …‪ … ،‬تفيضان لتمألن الكون كل ّه …!‬
‫ع للمزيد …!‬ ‫وتدور عجلة الزمان ‪ ،‬ودوماً تصب أنت في الكأس ودوماً هناك متس ٌ‬

‫راباندرا طاغور‬

‫المبدأ الثاني من مبادئ النجاح هو ( مبدأ العطاء ) ‪ ،‬أو لنقل مبدأ األخذ والعطاء ‪ ،‬ألن الكون كلّه ق ائم‬
‫تبادل ديناميكيٍ ‪ .‬ال شيء ثابت‬‫ٍ‬ ‫على هذا المبدأ ضمن جملة مبادئ طبيعي ٍة أخرى ‪ .‬الكون كلّه قائ ٌم على‬
‫دائم‬
‫ادل ٍ‬ ‫وال شيء غير قابل للتغيير ‪ .‬أجسامنا مثالً تقوم طوال الوقت وبدون أن نشعر طبع ا ً بعملي ة تب ٍ‬
‫تبادل ال ينقطع مع العق ل الك وني ‪ ،‬والطاق ة هي التعب ير الص ريح عن‬ ‫ٍ‬ ‫مع الكون ‪ ،‬عقولنا تقوم بعملية‬
‫الطاقة الكونية ‪ .‬تيار الحياة ما هو إال تع اونٌ هرم وني بين مختل ف العناص ر والق وى الكوني ة لتعطي‬
‫للوجود هذا الهيكل الذي هو عليه ‪.‬ه ذا التع اون الهرم وني بين العناص ر ينش طك وفق ا ً لق انون األخ ذ‬
‫اء ‪.‬‬ ‫والعط‬
‫طالما الجسم والعقل والكون كلّه هو في حال ة تواف ٍق هرم وني س لمي ‪ ،‬تتم ع بره عملي ة تب ادل النع ْم‬
‫ف لتي ار التب ادل ‪ ،‬ه و ش بيه بدق ة لتوق ف ال دم في الجس م عن الج يران إذ‬ ‫( الطاقات ) ‪ ،‬فإن أي توق ٍ‬
‫يحصل تخث ٌر وتكت ل ي ؤدي بالنتيج ة إلى الم وت ‪ .‬له ذا ينبغي أن نعطي ونأخ ذ لكي نحاف ظ على ت دفق‬
‫كل م رنْ ‪ ،‬ب ل وتناميه ا وتكاثره ا بال توق ف …!‬ ‫تي ارات الخ ير بين الن اس وتبادله ا بش ٍ‬
‫المال … النقود … ما هي إال رم ٌز للطاق ة الحياتي ة ال تي نتبادله ا ونس تخدمها مقاب ل الخ دمات ال تي‬
‫ننالها والنعم التي ننعم بها ‪ ،‬أو التي نقدمها لآلخرين فنأخذ مقابله ا م اال …! ل و إن رغبتن ا الوحي دة‬
‫كانت االحتفاظ بالنقود واالستمتاع بجمعها وعدّ ها ‪ ،‬فأننا نعطل تدفقها ( إذ تتوقف طاقتها الحيوي ة عن‬

‫‪2‬‬
‫الجريان ) وبالتالي فأنها ال تقوى على أن تعود إلين ا بطاق ات إض افية جدي دة ‪ ،‬ألن حي اة الم ال قائم ة‬
‫على أن ينشط وتتداوله األيدي ليحيا ويتنفس ويكبر ‪.‬‬

‫دوران الطاقة للمال أو ألي نعم ٍة أخرى ‪ ،‬ولو كانت الكلمة الجميل ة ال تي ننفحه ا للص ٍ‬
‫ديق أو ح بيب ‪،‬‬
‫ه و ال ذي يحاف ظ له ا على الحي اة ويعي دها لن ا وق د تض اعفت حجم ا ً وتحس نت نوع ا ً ‪.‬‬
‫كل التعامل بين البشر قائ ٌم على هذا المبدأ ‪ ،‬مب دأ العط اء واألخ ذ ‪ ،‬والعط اء ي دفع بالمقاب ل إلى األخ ذ‬
‫كمحص لة طبيعي ة ‪ ،‬ال تحت اج م ّن ا إلى جه ٍد كب ير لتحقيقه ا ‪ ،‬فق ط عبن ا أن نعطي ليعطى لن ا …!‬
‫م ا ي ذهب في اله واء ‪ ،‬يع ود إلى األرض ‪ ،‬وك ل م ا يط ير ‪ ،‬ال ب د ل ه بالنتيج ة أن يح ط‪.‬‬
‫تعطيل ألي حلق ة من حلق ات ه ذا التي ار ‪ ،‬األخ ذ والعط اء ‪ ،‬ي ؤدي إلى التجم د والتخ ثر والتوق ف‬ ‫ٍ‬ ‫أي‬
‫لجريان الطاقة ‪ ،‬وبالتالي تنامي هذه الطاقة …!في كل حبة ألي نبتة ‪ ،‬هن اك م ا ال يع د من اإلمكان ات‬
‫ت عديدة ‪ ،‬لكن إذا ما ُخزنت تلك الحبة فال أمل بإنتاج شيء منها مطلقا ً ‪ ،‬ألنك تقت ل طاق ة الحي اة‬ ‫لغابا ٍ‬
‫بها عبر تخزينها …!‬

‫تل ك الحب ة ينبغي أن ت زرع في األرض المناس بة لتتح ول إلى نبت ٍة وارف ة الظالل ‪.‬‬
‫وكلما أزداد العطاء ‪ ،‬أزداد بالمقابل ما نأخذ ‪ .‬يصح هذا مع المال ومع كل ش يء ذو قيم ة ‪ ،‬أم ا م ا ال‬
‫بخير أو نعمة ‪ ،‬فهو الشيء الذي ال قيمة له أص الً وم ا ك ان يجب أن يس تثمر ويعطى ‪ ،‬ألن ه‬ ‫ٍ‬ ‫يعود لنا‬
‫أصالً ال يستحق أن يؤخذ …! وإذا ما شعر المرء بأنه خاس ٌر إذا م تى أعطى ش يئا ً ‪ ،‬ف أن العط اء في‬
‫الواقع كأنه لم يعطى ‪ ،‬وال تتوقعن منه خيراً ‪ .‬لماذا ؟ ألن طاقة العطاء تعتمد على الحب والحب وح ده‬
‫ف إذا انتفى الحب في هب ٍة تهبه ا ‪ ،‬ف أن تل ك الهب ة ميت ٍة أص الً وال تت وقعن منه ا م ردوداً ق ط …!‬
‫ٌ‬
‫مهمة للغاية في األخذ كم ا في العط اء ‪ ،‬وتل ك الني ة ينبغي أن تك ون ودي ٍة لكي م ا تمتل ك طاق ة‬ ‫النية‬
‫الحياة والنمو ‪ .‬لهذا يجب أن تكون األجواء الشعورية والعقلية لحظ ة العط اء أج واءٍ متفائل ة إيجابي ة‬
‫منزوعة من الرغبة المباشرة بالكسب ‪ ،‬ومحملة بدعوات الخير والرجاء بالتوفيق لهذا الذي نعطيه ما‬
‫نود إعطاءه ‪.‬‬
‫ٌ‬
‫منطقية للغاية تحكم قانون أو مبدأ األخ ذ والعط اء ‪ :‬أتري د أن يهب ك اآلخ رون الس عادة ‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫معادلة‬ ‫هناك‬
‫بصدق وح رارة ‪ ،‬أتري د م االً وف يراً ‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫هبهم السعادة التي يستحقون ‪ ،‬أتريد حبا ً من اآلخرين ‪ ،‬أحببهم‬
‫ساعد اآلخرين على أن ينالوا المال ‪ ،‬ولو باقتراح تقترحه أو دعو ٍة تدعوها لهم فتحسسهم بأن ك مهت ٌم‬
‫بهم ‪ ،‬أتريد اعترافا بالقيمة واألهمية ‪ ،‬أعط اآلخرين ما يستحقون من أهمية ‪ ،‬ولن تعدم جانبا ً إيجابي ا ً‬
‫يمكن أن تطريه فتعززه ليعود لك الحقا ً بما تريد ‪.‬وهذا المبدأ هو ذاته قائ ٌم في الطبيعة والكون كله كما‬
‫خاص وله أبعاده التي ال يستوعبها العقل البشري ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫أسلفنا ‪ ،‬وضمن وعيٍ كونيٍ‬
‫وذات األمر ما تفعله ال دول م ع بعض ها البعض وم ا تفعل ه الش ركات والمس تثمرين إذ يق دمون الم ال‬
‫روض أو مس اعدات لل دول الفق يرة أو لبعض المؤسس ات والجامع ات والمستش فيات فيه ا ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بش كل ق‬
‫فينالوا بالنتيجة محبة شعوب تلك الدول ويرفعوا من مستوى أهلها االقتصادي والمع رفي ‪ ،‬فيع ود لهم‬
‫هذا كله عقب تحسن القدرة الشرائية وتنامي نمط جديد من االس تهالك ‪ ،‬يع ود لهم بربحي ٍة أك بر …!‬
‫إن أضأل عطاء ولو كان مجرد فكرةٌ أو دعوة صادقة أو كلم ة تنب ع من القلب ‪ ،‬له ا ق وة ت ٍ‬
‫أثير هائل ٍة‬
‫على المعطى إليه …!‬

‫‪3‬‬
‫كيف …؟ ألن أجسامنا وفي جوهرها األصلي هي باق ٌة مح دودةٌ من الطاق ات والمعلوم ات ‪ ،‬في ك ٍ‬
‫ون‬
‫كون واعي ‪ .‬وما هو ال وعي ؟ …‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬
‫واعية في‬ ‫حافل بكنوز ال تحد من الطاقة والمعلومات ‪ .‬إننا كائناتٌ‬
‫ٍ‬
‫ْ‬ ‫اتٌ‬ ‫ٌ‬
‫إنه شيء أكبر من الطاق ة والمعلوم ات ‪ ،‬إن ه طاق ة ومعلوم حي ة إذ ترت دي جس د األفك ار ‪ .‬أي أن‬
‫الم مفك ر ‪.‬‬ ‫وطاقة ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫جسم أس مه الفك رة …! أي أنن ا كائن ات تمل ك أفك ار في ع ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حية في‬ ‫معلومة‬ ‫الوعي‬
‫دع ك من األجس ام فمكوناته ا موج ودة في ت راب األرض وفي ك ل األحي اء والجم ادات ‪ ،‬نحن كائن ات‬
‫تمتلك معلومة وطاقة نشطة حية عبر الفكرة والقدرة على إنتاج الفكرة …! وال شيء أكثر من ذلك‪.‬‬

‫والفكرة لها القدرة على أن تغير كل شيء … كل ش يء …! الحي اة هي رقص ة ال وعي الخال دة حيث‬
‫يتم تبادل نبضات الذكاء بين جسم الفرد والجسد الكوني الكبير األوحد بمختل ف عناص ره ‪ ،‬من أجس اد‬
‫ت عاقل ٍة أو جمادات …! لو إنك أعطيت هذا الذي تود أخ ذه ‪ ،‬فأن ك تنش ط رقص ة ال وعي‬ ‫ْ‬
‫فردية لكائنا ٍ‬
‫الخالدة إذ تهبها طاق ٍة جديدة تدعم استمرارها وتناميها …‬

‫شخص مؤمن بهذا المبدأ أن نضعه على محك التطبيق بأن نبدأ دورة العط اء من‬ ‫ٍ‬ ‫يمكننا أنت وأنا وأي‬
‫ألفها قبل أن نصل يائه ا ‪ ،‬بمع نى أن نق رر أن نعطي ‪ ،‬ألي ك ان نوش ك أن نك ون على تواص ٍل مع ه ‪.‬‬
‫ليس مهم أن يكون العطاء ماديا ً ‪ ،‬بل يمكن أن يكون زهر ٍة صغير ٍة نقطفه ا من حديق ة بيوتن ا أو يمكن‬
‫ٌ‬
‫خارجة من القلب ‪ ،‬لتص ل قلب اآلخ ر وتس تنبت‬ ‫أن يكون كلم ٍة جميل ٍة نقولها بحرارة وصدق ‪ ،‬وتكون‬
‫وجوده ا الحي في وعي ه ‪ ،‬فتع ود إلين ا الحق ا ً ب أكبر من حجمه ا ‪ .‬الحن ان والحب والرعاي ة والعط ف‬
‫واالهتمام ‪ ،‬هي أكثر ما يحتاج ه الن اس ونحن منهم ‪ ،‬وهي أص دق وأجم ل الهب ات ال تي تمنح وتخل د‬
‫ثمن م اديٍ وال يمكن أن تش ترى على اإلطالق …!‬ ‫وتنم و بس رعة …! وهي مم ا ال يعادل ه أي ٍ‬
‫جمي ل ٌ أن نتعلم أن نعطي ‪ ،‬ال أن ننتظ ر من اآلخ رين أن يعطون ا ‪ ،‬وجمي ل ٌ أن نعلم أبنائن ا العط اء‬
‫ونشجعهم عليه ونجعله مبد ٍأ وعاد ٍة واستثمار مستقبلي لديهم …! حبذا لو نشجع أنت وأنا أبنائنا على‬
‫أن ال يذهبوا لزي ارة ج ٍد أو عم ٍة أو ص ديق دون أن يأخ ذوا معهم ش يئا ً ول و بش كل بطاق ة جميل ة أو‬
‫رسم ٍة لطيفة أو زهرة …!‬

‫لنقرر … مع أنفسنا أن نعطي شيئا ً حيث نذهب ‪ ،‬وكما نعطي ال بد سنأخذ ح تى وإن لم نكن ق د فكرن ا‬
‫بذلك ‪ ،‬وعليه ال ينبغي أن نتعفف ‪ ،‬إذ بمثل ه ذا التعف ف نمن ع ت دفق النعم ة ( طاق ة الخ ير الكوني ة )‬
‫وبالتالي فقد نؤلم اآلخرين ونشككهم بأنفسهم ‪ ،‬ونحرم أنفسنا فرصة صداقتهم واحترامهم وح ّبهم …!‬
‫ير‬
‫إن جوهرنا اإلنساني ‪ ( ،‬قبل أن تشوهه عقولنا ومعطيات حض ارتنا ) ‪ ،‬ه و في األس اس ج وهر خ ٍ‬
‫وثراء …!‬
‫ْ‬ ‫ونعمة وعطا ٌء‬
‫ْ‬
‫ثرية ‪ ،‬والعق ل الك وني األوح د ال ذي يش د‬ ‫نحن أثرياء جميعا ً في واقع الحال ألن الكون ثر ٌ‬
‫ي والطبيعة‬
‫ريص على أن ال يح رم أح ٍد من حق ه في‬‫ٌ‬ ‫ي غاية الثراء ‪ ،‬وهو ح‬‫كل عناصر الخليقة ببعضها ‪ ،‬هو ثر ٌ‬
‫فيوض النعمة والخير ‪ ،‬ولكن طمع البعض م ّنا وقسوتهم ‪ ،‬وتعطيلهم لمب دأ العط اء الط بيعي الك وني ‪،‬‬
‫يدفع الكثيرين م ّنا إلى الوقوع في مستنقع الحرمان… حرمان ما هم مس تحقون ل ه ‪ ،‬ب ل و محت اجين‬
‫إليه من هذه الفيوض …!‬

‫‪4‬‬
‫إننا أثري اء بال ح دود …ولكنن ا ال نع رف ‪ ،‬ألنن ا أض عنا مفت اح ال ثروة المختزن ة في جوهرن ا … في‬
‫جوهر عقولنا وأرواحنا وضمائرنا …! لق د ول دنا مجه زين بإمكاني ات رهيب ة في جوهرن ا ال روحي ‪،‬‬
‫يكفي أن نؤمن بها ونتخيلها ونسعى لها حسب القوانين الطبيعية التلقائية السلمية للسعي ‪.‬‬

‫قوانين النجاح الروحية السبع‬


‫القانون الثالث‬

‫قانون السببية‬
‫الكارمــا‬

‫‪5‬‬
‫الكارما مبدأ ٌ في العقيدة البوذية ‪ ،‬يعنى به الفعل ورد الفع ل أو الس بب والنتيج ة مع ا ً في تعب ٍ‬
‫ير واح ٍد‬
‫يضمهما ‪ ،‬ليعير بالتالي عن الحرية اإلنسانية الخالدة ‪ ،‬عكس ما تقول به بعض األدي ان الس ماوية من‬
‫أن اإلنسان مجب ٌر إلى ح ٍد كبير وأنه بال خيار أو بأقل الخيارات ‪.‬‬

‫وكما يقول الحكيم الهندي العظيم سوامي فيفا كناندا ‪ " :‬أفكارنا ‪ ،‬أفعالنا وكلماتنا هي خي وط الش بكة‬
‫ثر في داخله ا " ‪ .‬تق ول الكارم ا ( ب ل وكم ا تق ول‬ ‫التي نلقيها ح ول أنفس نا بأنفس نا ‪ ،‬ثم ُن ْ‬
‫حبس ونتع ْ‬
‫شراً ك انت‬
‫فعل تعقبه نتيجة تعود إلينا بذات العملة التي دفعنا بها ‪ ،‬فإن فعلنا ّ‬
‫الفيزياء الكالسيكية ) كل ٍ‬
‫عاقبته وال شك من جنسه وإن فعلنا خيراً فال بد أن ننال الخير ‪ .‬ليس ه ذا الق انون بجدي د ‪ ،‬فق د ج اء‬
‫في أغلب األديان والفلسفات ‪ ،‬ونحن نعرفه جميعا ً ولكننا بالكاد نعتمده في تصريف شؤوننا الحياتي ة ‪.‬‬
‫كيف نعتمده يا ترى …؟‬

‫حسنا ً … حين قلنا أن هذا القانون يعبر عن الحرية اإلنسانية فهو يعبر في واق ع الح ال عن حجم وك ّم‬
‫ف نواجه ه ‪ ،‬وفي ك ل ثاني ة من ث واني العم ر ‪.‬‬ ‫الخي ارات المطروح ة أمامن ا في ك ل موق ٍ‬
‫تام أو جزئي ‪ ،‬وبعضها غير واعي ة ‪ ،‬أي‬ ‫بعض هذه الخيارات ‪ ،‬خيارات واعية نتخذها في حالة وعيٍ ٍ‬
‫إنها تنبع من الداخل بشكل أوتوماتيكي ‪ .‬وإذن فنحن نعتمد قانون الكارما أو العلة ومعلولها بأن ن ؤمن‬
‫ب ه أوالً ثم نس لط ال وعي الناف ذ على المس احات غ ير المض اءة من دواخلن ا ‪ ،‬فننتج بالت الي خي ارات‬
‫واعية ومتحسبة للنتائج ‪!!..‬‬

‫أنظر إلى هذه اللحظة التي أنت فيها اآلن عزيزي القارئ ‪ ،‬سواء شئت أم أبيت ‪ ،‬أنت هنا اآلن في هذا‬
‫المكان الذي أنت فيه ‪ ،‬في هذه اللحظة الزمنية التي أنت فيها ‪ ،‬بما في ه ذا المك ان وه ذه اللحظ ة من‬
‫سوء أو خير ‪ ،‬كل هذا الذي أنت فيه هو محصلة لخي ارات س ابقة ‪ ،‬س يئة ك انت أم حس نة ‪ ،‬أوص لتك‬
‫شر ‪.‬‬
‫إلى ما أنت فيه من خير أو ّ‬
‫ٌ‬
‫بديهية هذه أليس كذلك …؟ طبعا ً …لكن من م ّنا مستعد ألن يعيها ويحس بها بعناي ة في حال ة انتخ اب‬
‫هذا الخيار أو ذاك ‪..‬؟ إنن ا مخ يرون بالكام ل ‪ ،‬ولكنن ا حين نق ع أس رى للخي ارات الس يئة ‪ ،‬ن دعي أن‬
‫اآلخرين أو الظروف أو …الخ ‪ ،‬هو السبب وراء هذا الذي وقع علين ا …! لكن حين ننجح أو نت وهم‬
‫أننا نجحنا ‪ ،‬نسارع إلى اإلدعاء أن السبب وراء نجاحنا هو ذكائنا وعبقريتنا …!!‬

‫لو إنني شتمت الناس يوما ً فماذا أنا متوق ٌع منهم ‪ ،‬في الغالب ‪ ،‬ال ّرد بالمث ل أو بم ا ه و أس وأ ‪ ،‬ك ذلك‬
‫فأنا أمتلك خيار أن أتقبل اإلس اءة أو أتجاوزه ا …! نحن مخ يرون ‪ ،‬ه ذه حقيق ة أكي دة …! لكن …‬
‫رغم إننا نمتلك دوما ما ال يعد من الخي ارات ‪ ،‬فنحن فق راء لألس ف في اختيارن ا ‪ ،‬وفي الغ الب نعتم د‬
‫على ردود أفعال انعكاسية شرطية ‪ ،‬تنبثق من العقل الباطن إلى اللسان واليد والفك ر كأس لحة مأمون ة‬
‫االستعمال ونمتلك الخبرة الكافية إلطالقها ‪ ،‬إنها تنبث ق من الع ادة أو التص ورات الس الفة أو األمني ات‬
‫القديم ة أو نم ط فهمن ا ألنفس نا والب ديهيات ال تي نملكه ا عن حجمن ا وح دودنا وص ورتنا الذاتي ة ‪.‬‬
‫لو إني مثالً قابلت إنسانا ً ما ألول مرة ‪ ،‬تجدني أسلك معه س لوكا ً مقارب ا ً أو متطابق ا ً م ع م ا أمل ك في‬
‫الذاكرة من سلوك سلف لي أن استعملت أو ربما من خالل عقدة نفسية قديمة أو تجربة غير س ارة أو‬
‫ربما سارة عشتها ذات مرة مع من هو مشاب ٌه لهذا اإلنسان ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫من الطريف أن ردود أفعالن ا االنعكاس ية الش رطية ت ذكر إلى ح د كب ير به ذا االكتش اف الم ذهل للع الم‬
‫جرس يدق في ذات اللحظ ة ‪ ،‬بع د ف ترة‬‫ٌ‬ ‫الروسي ( بافلوف ) ‪ ،‬حين ربط بين تقديم الغذاء للكلب وبين‬
‫صار لعاب الكلب يسيل لمجرد أن يدق الجرس ‪ ،‬سواءٍ جاء الطع ام أم لم ي أتي ‪ .‬كي ف …؟ لق د س جل‬
‫الكلب في ذاكرته خياراً مأمونا ً تعود عليه وهذا ما نفعله نحن ‪ .‬وإذن ف إن من الض روري ج داً أن نعي‬
‫خياراتنا وال ندعها تنطل ق بتلقائي ٍة وبحكم الع ادة أو ال ذكرى أو االنعك اس الش رطي ‪ ،‬وبالت الي فحيث‬
‫نعي ‪ ،‬نتحم ل المس ؤولية عن أفعالن ا فال نلقي به ا على أكت اف الق در أو الن اس أو الظ روف …!!‬
‫بل إن وعي الخيارات التي حصلت أو التي توشك أن تحصل واالنتباه لخلفيتها ‪ ،‬سيعطينا سيطرة طيبة‬
‫على آثارها ونتائجها ‪.‬‬

‫خيار ورد للتو على الذهن ‪:‬‬


‫ٍ‬ ‫لنسأل إذن أنفسنا ونحن بوارد اتخاذ‬

‫لماذا هذا الخيار دون غيره‬ ‫‪‬‬


‫ما هي النتائج المتوقعة من وراء هذا الخيار‬ ‫‪‬‬
‫هل سيسعدني هذا الخيار ويسعد من حولي بذات الوقت‬ ‫‪‬‬

‫لو إني وجدتني أقتنع حقا ً بهذا الخيار وأراه ملبيا ً للحد المعق ول من األم ان والتق دم والس عادة وأن ه ال‬
‫يس يء أو يج رح اآلخ رين ‪ ،‬ف إن من الض روري أن أتخ ذه ‪ ،‬بعكس ذل ك علي أن أبحث عن خي ارات‬
‫رى ‪.‬‬ ‫أخ‬
‫من الطري ف أن هن اك ميكانيكي ة جس مانية ( له ا ارتب اط بالميكانيكي ة الكوني ة في وعي وح دس‬
‫النت ائج ) ‪ ،‬ه ذه الميكانيكي ة تتمث ل في ظه ور أع راض جس مانية معين ة من قبي ل اض طراب األجف ان‬
‫عور ع ام‬
‫المتس ارع أو ش عورك وك أن قلب ك يهب ط من مكان ه أو اض طراب الس اقين أو غيره ا م ع ش ٍ‬
‫بالهدوء والراحة النفسية أو االضطراب الجس ماني والت وتر ‪ ،‬عن دما تك ون على وش ك انتخ اب خي ا ٌر‬
‫معين ‪.‬‬

‫يستحسن أن ننتبه لتلك الظواهر ‪ ،‬بل ويستحسن أن نفعلّها إن لم تظهر تلقائيا ً ‪ ،‬وذلك بأن أوجه لقلبي‬
‫السؤال ‪ ،‬هل هذا الخيار ناجح أم ال ؟ سيأتي الجواب بالحال بشكل طمأنينة نفسية أو توتر واض طراب‬
‫أو غيرها …! لألسف ‪ ،‬يضن الكثير من الناس وبينهم الكثير من المثقف ون أن القلب ه و ال أك ثر من‬
‫مضخ ٍة إسفنجي ٍة تضخ الدم ليل نهار بال انقطاع …! هذا ليس صحيح …أبداً …! القلب جها ٌز حدس ٌي‬
‫ٌ‬
‫كونية ن ؤمن به ا من خالل التجرب ة أو في ح االت الص فاء النفس ي الخ الص ‪ ،‬وال نمل ك‬ ‫له ارتباطات‬
‫معرف ٍة يقينية مجربة مختبريا ً عنها …!‬

‫كل ش موليٍ ‪ ،‬أي إن ه يأخ ذ كاف ة العالئ ق كوح دة واح دة‬


‫القلب لدي ه الق درة على التق ييم والحكم بش ٍ‬
‫ويعالجه ا بمنتهى الس رعة ويعطي ك ال رد مكتمالً ‪ ،‬وليس كالعق ل ال ذي يحكم من خالل الظ واهر‬
‫بشكل منفص ٍل أي‬
‫ٍ‬ ‫والحواس والخبرات السابقة وآراء الناس ثم يعالج العالئق التي ترتبط بمادة التقييم‬
‫واحد ٍة إثر األخرى ‪ .‬ثم إن القلب ال يفكر بمنطق ال ربح أو الخس ارة ‪ ،‬بمع نى كم أربح من ه ذا الخي ار‬

‫‪7‬‬
‫وكم أخسر ‪ ،‬بل هو ينظر إلى مدى انسجام هذا الخي ار أو ذاك م ع اعتب ارات الض مير وس عادة الن اس‬
‫واالنسجام الكوني ‪.‬‬

‫ق انون الكارم ا الب وذي ‪ ،‬يمكن إن أحس ن الم رء اس تخدامه أن يفض ي للكس ب الم ادي والرفاهي ة‬
‫الحياتية ‪ ،‬شريطة أن نعي ‪ ،‬إن ما نفعله اليوم سيكون له في الغ د نت ائج ‪ ،‬وإن مس تقبلنا يعتم د بق وة‬
‫على خياراتنا في اللحظة هذه التي نحن فيها اآلن ‪ .‬حسنا ً …ماذا بشأن أفعال الماض ي وال تي م ا ع اد‬
‫بمق دورنا تغي ير خياراتن ا فيه ا ‪ ،‬وال تي نع اني بالت الي في يومن ا ه ذا من آثاره ا الس البة ؟‬
‫نعم …هناك ثالث خيارات يمكنك أن تختار كيفية التعامل مع ( كارما ) الماضي من خاللها ‪:‬‬

‫دين ال يسدد ‪ ،‬والحقيقة أن أغلبي ة الن اس‬


‫الخيار األول ‪ :‬هو أن تدفع الثمن بغير تردد ‪ ،‬ألن ليس من ٍ‬
‫يفعلون هذا بال وعي منهم أو ببعض الوعي ‪ .‬كثيراً ما يبدو الثمن الذي ندفعه ثقيالً ‪ ،‬وكثيراً ما نش عر‬
‫بالمرارة والتلكؤ في الدفع أو ربما نقاوم بهذا القدر أو ذاك ‪ ،‬ولكننا في النهاية ندفع ‪.‬‬

‫الخيار الثاني ‪ :‬هو أن تحيل هذا الدين الذي تدفعه إلى تجربه مفيدة لك ولآلخرين ‪ ،‬وهذا خيا ٌر حكيم ‪،‬‬
‫يعتمد على أنك تعي مسئوليتك عن خيارات الماض ي ثم تط رح على نفس ك س ؤال ‪ ،‬كي ف أس تطيع أن‬
‫ه؟‬ ‫ز ٌم بدفع‬ ‫دني مل‬ ‫ذي أج‬ ‫دين ال‬ ‫ذا ال‬ ‫ة أو ه‬ ‫ذه التجرب‬ ‫ع به‬ ‫أنتف‬
‫بهذه الطريقة سينشط وعيك باحثا ً عن إمكانيات الستخدام ه ذه التجرب ة وإحالته ا إلى منفع ة ق د تفي د‬
‫ناسا ً كثيرين وقد تجلب لك م االً كث يراً ‪ ،‬من قبي ل أن تخ ترع جه ازاً على ض وء تجربت ك المؤلم ة في‬
‫اإلصابة إثناء ممارس ة رياض ة أو إثن اء العم ل على ماكن ة غ ير س ليمة وأدت ب ك إلى اإلص ابة أو أن‬
‫تكتب كتاب ا ً تعليمي ا ً أو ح تى م ذكرات تش رح فيه ا قس وة تجربت ك ‪ ،‬كائن ة م ا ك انت تل ك التجرب ة ‪.‬‬
‫أو ربما تكون التجربة إنذارا لك بضرورة أن تأخ ذ األم ور بقس ط أك بر من اله دوء والروي ة وبالت الي‬
‫تحفظ صحتك وتطيل عمرك ‪.‬‬

‫ت ذكر … هن اك دائم ا ً ب ذرة خ ير في أي تجرب ة ومهم ا ك انت تل ك التجرب ة مؤلم ة …!‬


‫بمثل هذا تدفع أنت دين الماضي ( نتائج خي ارات الماض ي الخاطئ ة ) ويفيض ل ديك قس طا ً من الطاق ة‬
‫تستخدمه لتحقيق النفع لنفسك وغيرك ‪.‬‬

‫الخيار الثالث ‪ :‬أن تتجاوز التجربة بالكامل فال يتخلف منها في ذهنك شيء وتتابع حيات ك بش كل ربم ا‬
‫أفضل من السابق ‪ ،‬ويتم هذا من خالل أن تعي بأنك لست ملزما ً بعد أن تدفع الثمن في أن تظل عائش ا ً‬
‫بالفكر والفعل والخيال في هذه التجربة ‪ ،‬بل تنساها وتتابع حياتك ‪ ،‬هن ا يحت اج الم رء للتأم ل لتحري ر‬
‫عقل ه وفك ره وحيات ه بالكام ل من أعب اء القل ق بش أن الثمن ال ذي دف ع أو س يدفع ‪.‬‬
‫هنا نود أن نضيف أن كل األحداث الحياتية صغيرها وكبيرها هي سالسل كارمية ‪Karma Episodes‬‬
‫ي جداً هو فعل ٌ ‪ karma‬ألن احتساء القهوة في لحظ ٍة م ا يخل ق‬ ‫‪ ،‬تناول قدح قهوة مثالً وهو فعل ٌ عاد ٌ‬
‫ذك رى ص غيرة تتخل ف في ال ذاكرة ‪ ،‬ه ذه ال ذكرى ب دورها ل ديها الق درة على خل ق رغب ة ‪Desire‬‬
‫والرغبة بدورها تؤدي إلى تكرار شرب القهوة ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫لو إنك وعيت هذه السالسل من األفعال ونتائجها ‪ ،‬فإن بمقدور انتباهك أن يفضي إلى سيطرة العقل‬
‫على الفعل فال يخرج الفعل من نطاق المنفعة والخير ‪ .‬تماما ً كما يفعل هذا الذي يجرب الخمر ّ‬
‫مرة‬
‫ويعي سخف التجربة في حينها فال يكررها …‪ !.‬نكرر نحن مخيرون ولكننا نلقي بشباك الخيارات‬
‫السيئة حول أجسامنا وعقولنا وحين نتعثر ‪ ،‬ندعي أن هللا أو القدر أو الناس أو الظروف هي السبب‬
‫…!! هذا القانون الجميل القديم قدم الدهر ‪ ،‬يمكن لنا لو إننا وعيناه وآم ّنا به ‪ ،‬أن ننال عبر تطبيقه‬
‫ونجاح منقطع النظير …!‬
‫ٍ‬ ‫هو والقوانين الروحية األخرى ‪ ،‬سعاد ٍة‬

‫قوانين النجاح الروحية السبع‬


‫القانون الرابع‬

‫الطريق األقل مقاومة‬


‫( اإلنسان األقدس هو هذا الذي يعرف دون أن يتفحص ‪ ،‬يرى دون أن يفتح عينين ‪ ،‬ينال دون أن‬
‫يفعل شيء )‬

‫فيلسوف الصين العظيم‬


‫الوتسي‬

‫‪9‬‬
‫تعتمد الطبيعة الخالدة في ديناميكيتها األزلية على عوامل الحب واالنسجام والتوافق ‪.‬الطبيعة وهي‬
‫تنشط و ُك ٍل يؤدي وظيفته ‪ ،‬ليس فيها من يبدو وكأنه يعاني في أداء مهمته ‪ ،‬بل كل شيءٍ يجري‬
‫بانسيابية شديد ٍة …الكواكب تدور منذ األزل في مداراتها أو تسبح في الفضاء بغاية الحرية‬
‫واالنضباط بذات الوقت …النهر يتدفق في مجراه بغير عناء … والطير يسبح في سماءه بحرية ‪،‬‬
‫وكل متج ٍه إلى هدفه بال توتر وال اضطراب …!‬‫ٍ‬
‫سيقول قائل ‪ ،‬ولكنها عناص ُر جامد ٍة غير حية ‪ ،‬ومحكومة بقوانينها ‪ ،‬وبالتالي ال فضل لها أو ذكاء‬
‫وهي مقهورةٌ مجبرةٌ على إتباع ثوابتها األزلية …؟‬
‫هذا صحيح تماما ً …والصحيح أيضا ً هو أن قوانينها هو ما يعنينا ‪ ،‬ألن تلك القوانين تدل على ذكاءٍ‬
‫عجيب ‪ ،‬وحيث تكون القوانين محكم ٍة ذكي ٍة يتحقق الوفاق والوئام والسالم والشفافية وتنتفي المعاناة‬
‫…!‬
‫ماذا لو أعتمد البشر قوانين الطبيعة أو كيفوها لمصالحهم ؟‬
‫هذا هو الذي أردنا الوصول إليه عبر كافة فصول هذا الكتاب ‪.‬أن نؤكد أن قوانين الطبيعة الخالدة ‪،‬‬
‫تتبع إذا ما أ ُريد النجاح الحق‪.‬مبدأ الشفافية والتوافق واالنسجام بين العناصر ‪ ،‬يسمى‬
‫هي األصلح أن ّ‬
‫في الكتاب المقدس لدى الهنود ( الفيدا ‪ VEDA -‬بـ( مبدأ االقتصاد في الجهد ) أو افعل قليالً ونل‬
‫كثيراً ‪ ،‬لغاية ما تصل إلى اليوم الذي ال تفعل فيه شيء وتنال كل شيء ( تماما ً مثل هذا المليونير‬
‫الذي تتكدس ماليينه وهو نائم على سريره ‪.‬‬

‫بمعنى آخر ‪ ،‬أن تصل إلى اللحظة التي يكفي لومضة من حلم في الفكر أن تتجسم إلى شيءٍ ماديٍ‬
‫حقيقيٍ ملموس ‪.‬‬
‫ٌ‬
‫شفافية وانسيابية وتسامي‬ ‫أهو سح ٌر أم ماذا ؟ سيسألنا الكثيرون ‪ ،‬ونجيب …ال …ليس بسحر ولكن‬
‫عن الصغائر ورق ٌي في الوعي يفضي إلى أن تغدو الروح قادرةٌ على التأثير في الخارج بمجرد أن‬
‫تفكر أو تريد …!‬
‫متى يكون التعب أقل والربح أكبر …؟‬
‫حين يكون الحب والحب وحده هو الهدف والدافع وراء أفعالنا وليس األطماع الشخصية والرغبة في‬
‫الكسب الرخيص ‪ ،‬إذ إن الحب هو منتج كل الطاقات وهو وحده الذي يشد الكواكب واألجرام واألرواح‬
‫إلى بعضها ويمنح األمان والثقة والسالم والتفاؤل والمعنى لوجودنا على هذه األرض ‪ ،‬ووحده من‬
‫يجعلنا نعي الجمال ونستمتع به ‪.‬‬

‫لو إنك بحثت عن السيطرة واستالب اآلخرين ‪ ،‬فإنك تهدر طاقات عظيمة فيما ال طائل منه على‬
‫اإلطالق ‪ ،‬القوة المادية التي ال تأتي من خالل الحب وال تتوجه نحو اآلخرين بدافع الحب ‪ ،‬تمنحك قوة‬
‫زائفة ‪ ،‬موهومة ( ‪. ) ILLUSION‬‬
‫من المفيد أن تنظر إلى كيانك الجسماني على أنه أداة إدارة وتنظيم وتخزين واستهالك الطاقة ‪ ،‬فلو‬
‫كان بمقدورك أن تستهلك طاقتك الشعورية والنفسية عامة بشكل عقالني فعال ّ ‪ ،‬فإن بإمكانك أن تنال‬
‫ما تتوق إليه من ثراء ‪.‬‬
‫المؤسف أن أغلب البشر مستلبون للذات األنانية ( ‪ ) EGO‬برغباتها وعواطفها الجامحة وأحالمها‬

‫‪10‬‬
‫وأخيلتها المريضة ( غالبا ً ) ‪ ،‬وجميع تلك العواطف واألحالم تنبع في األصل من الخوف وليس‬
‫القوة ‪.‬‬
‫لكن لو كانت مرجعيتك الذاتية هي ذاتك العليا ‪ ،‬روحك بشمولية وسعة نظرتها وثقتها العالية بذاتها‬
‫وإيمانها بالوحدة الكونية وبأن كل نعم الدنيا موجودة في خزين الروح الداخلي الهائل ‪ ،‬نقول لو كانت‬
‫مرجعيتك تلك فإنك لن تخاف ولن تخجل ولن تتردد ولن تكذب ولن تنتظر من اآلخرين حبا ً أو‬
‫إعجابا ‪ ،‬رغم إن اآلخرين حين يرونك متوهجا ً بقو ٍة روحي ٍة ال يستطيعون الوصول إليها ‪ ،‬فإنهم‬
‫سيمنحونك ما تريد من الحب واإلعجاب واالهتمام ويسلمون لك قيادهم وهم آمنون وواثقون بك ومنك‬
‫‪.‬‬

‫في كتاب فن الحلم ‪ The Art Of Dreaming‬يقول دون جوان لكارلوس كاستنادا ( نحن نستهلك‬
‫الجزء األكبر من طاقتنا للمحافظة على قيمتنا الذاتية في عيون الناس وعين أنفسنا ‪ ،‬لو إننا أرخينا‬
‫قبضتنا قليالً على وهم القيمة واالعتبار ألمكن لنا أن نحقق شيئين بآن واحد ‪ ،‬األول أن نوفر طاقة‬
‫هائلة مضاعفة في الدفاع عن أنفسنا وتجميل صورتنا ‪ ،‬والثاني أن نستهلك جزء بسيط من هذه‬
‫الطاقة في رؤية عظمة الكون وجماله ‪ ،‬خارج حدود القوقعة التي تغلف قيمتنا الذاتية الزائفة ) ‪.‬‬

‫حسنا ً كيف يتسنى لنا يا ترى أن نستخدم هذا المبدأ الطبيعي الكوني في حياتنا الشخصية ‪:‬‬

‫أوالً ‪ :‬بالقبول والتسليم ‪ ،‬قبول الناس كما هم والحياة كما هي والظروف كما هي كائنة ‪ ،‬ال كما أريدها‬
‫أن تكون ‪ .‬أن نؤمن بأن هذه اللحظة القائمة اآلن هي لحظة كونية ‪ ،‬قائمة بذات اآلن في كل مكان في‬
‫العالم ‪ ،‬وال مجال لتغييرها في زمنها هذا وال مندوحة من قبولها والتسليم بها كما هي ‪ ،‬ألنني لو‬
‫تنكرت للحظتي أو ألي موجو ٍد من موجودات لحظتي هذه وحاولت إلغاءه أو تغييره أو إقصائه فإني‬
‫لن أنجح إال بأن أعكر مزاجي وأسيء لصحتي النفسية وبالتالي الجسدية ‪ ،‬بل وألجل أن أغير شيئا ً‬
‫في هذا الموجود ‪ ،‬علي أن أقبل به كما هو ثم أخطط لكيفية تغييره في المستقبل تأسيسا ً على واقعية‬
‫وجوده في الحاضر وعلى قبولي ورضاي عن هذا الوجود ‪.‬‬

‫ال أعني هنا أنني يجب أن أرقص وأطبل للحاضر وأذوب فيه شغفا ً مع استنكاري لبعض مفرداته أو‬
‫كلّ ها ‪ ،‬ال ولكن أسلم به حسب كحقيقة واقعية قائمة ثم أبحث عن الفرص لتغييره بالحب ال الكراهية‬
‫وبالرضا ال الرفض المطلق ‪.‬‬
‫هذه اللحظة التي أنا فيها اآلن ‪ ،‬هي ثمرة الختياراتي واختباراتي الشخصية في الماضي ‪ ،‬وحيث أن‬
‫الماضي لم يعد له وجود ألحاسبه أو أعيد رسمه ‪ ،‬فإذن لماذا أثور على لحظتي وأرهقها بالحساب‬
‫الثقيل والندم واأللم والحسرة ‪ ،‬لماذا ال أقبلها برضا ‪ ،‬ومن خالل الرضا يمكن أن أنتج لحظة مستقبلية‬
‫جميلة ‪ ،‬ألن المستقبل نبت الحاضر كما هو الحاضر نبت الماضي ‪.‬‬

‫األمر اآلخر الذي يجب أن نضعه في االعتبار ونحن نناقش مسألة التسليم بالواقع ‪ ،‬هذا األمر هو أني‬
‫حينما أستنكر شيء أو شخص أو موقف في لحظتي الزمنية الحاضرة ‪ ،‬فأنا في الحقيقة ال أستنكر‬
‫سالف لما كنت أريده أو أتوهمه في هذا‬
‫ْ‬ ‫بتصور‬
‫ٍ‬ ‫الشخص أو الحدث أو اللحظة لذاتها ‪ ،‬بل إلني متأثر‬
‫الشخص أو هذه اللحظة ‪.‬‬
‫إنني أحاسب اللحظة وناسها وظروفها من خالل تصوراتي السالفة المسبقة ‪ ،‬فمن قال أن هذه‬

‫‪11‬‬
‫التصورات صحيحة ونافذة اآلن كما كانت يومها ؟‬
‫وما مسؤولية الناس والظروف واللحظة عن تصوراتي التي حلمت بها يوما ً وخذلت نفسي أو خذلتني‬
‫خياراتي الغير واقعية ربما‪.‬‬

‫متشكل للتو ‪ ،‬وهذا غير صحيح …‪!.‬‬


‫ٍ‬ ‫حاضر‬
‫ٍ‬ ‫نحن نسقط تصوراتنا الماضية على‬
‫بمرض عضال أو أسجن مثالً أو تحل بي أي كارثة ‪ ،‬تجدني أتذمر ‪ ،‬لماذا …؟‬‫ٍ‬ ‫حين أصاب‬

‫ألنني توهمت أني قد تمكنت من رسم حياتي بالشكل الذي ال تحصل فيه اختراقات ‪ ،‬وهذا خطأ ألني‬
‫رسمت في الماضي وبوعي الماضي ‪ ،‬وال شك أن أخطاء إستراتيجية حصلت في خططي ‪ ،‬طيب لماذا‬
‫ال أتقبل الواقع كما هو فال أهدره بالحزن واألسى وبذات اآلن أرسم اللحظة القادمة انطالقا من وعي‬
‫الحاضر ال وعي الماضي ‪ ،‬فأعيش حاضراً متفائالً جميالً وقطعا ً حيث يكون الحاضر دافئا ً رحبا ً يكون‬
‫المستقبل مشرقا ً ‪.‬‬

‫وهذه هي النقطة الثانية ( المسؤولية )‪:‬‬


‫مسئوليتي عن أفعالي وتصرفاتي وخياراتي بحيث ال أحمل شخصا ً أو ظرفا ً أو لحظة زمنية أو قدراً‬
‫مسؤولية هذا الذي يحصل لي في حاضري ‪.‬‬

‫لو إنني فعلت هذا ووجدت العذر دوما ً لآلخرين والظ روف في ه ذا الحاص ل لي على أس اس خي اراتي‬
‫وتصوراتي السابقة وبوعيي السابق ‪ ( ،‬الذي هو قطعا ً دون مستوى وعيي الحالي ) ‪ ،‬ف إنني س أحرر‬
‫طاقة هائلة مستخدمة لألسف في اللوم والندم والكراهية والحسد والحزن والكآبة ‪ ،‬وبالتالي بمقدوري‬
‫الحر من آث ار الماض ي النفس ية ‪ ،‬ق ادر على أن أدف ع به ذه الطاق ات الهائل ة جه ة العم ل النش ط‬
‫ّ‬ ‫وأنا‬
‫الدؤوب لتغيير واقعي وخلق مستقبل جميل ومشرق لي ولمن حولي ‪ .‬ت ذكر أيه ا العزي ز الق ارئ ‪ ،‬أن‬
‫الماضي ال كثافة له وال وزن وال طعم وال رائحة إال في الخيال ‪ ،‬أما الواقع الحاضر فه و وح ده الق ائم‬
‫والموجود والذي له كل األعراض الفيزيائية الحقيقية المرئية والمحسوسة ( لون وطعم ونكه ة ووزن‬
‫اد) ‪.‬‬ ‫وأبع‬
‫أما المستقبل فهو لما يزل حلم ا ً في ع الم المجه ول وبذرت ه موج ودة في ه ذه اللحظ ة حس ب ‪ ،‬ال في‬
‫الماضي ‪ ،‬ب ل هن اك وحيث يك ون حاض ري منس جما ً متوازن ا ً س عيداً جميالً ‪ ،‬يك ون مس تقبلي ك ذلك ‪.‬‬
‫وحين أقول حرر طاقاتك بالكف عن اللوم والتأنيب والتثريب والكراهية ‪ ،‬فأن ا ال أعفي نفس ي وأعفي ك‬
‫من تحرير ذاتك أيضا ً من المسؤولية ‪.‬‬

‫كي ف …ومن المس ؤول إذن ‪ ،‬سيس أل أك ثر من واح د …؟ طبع ا ً أن ا وأنت مس ؤولين عن تص وراتنا‬
‫وعن خياراتنا في الماضي ‪ ،‬لكن ما فائدة أن أجلد نفسي على ما فعلت في الماضي ؟ ما الج دوى وق د‬
‫رحل الماضي وال مج ال لمحاس بته أو محاس بة نفس ي علي ه ‪ .‬إذن فكم ا أح رر الن اس والظ روف من‬
‫أعباء مسئوليتي عن أخطائي وتصوراتي وخي اراتي الس يئة ‪ ،‬فأن ا أفع ل األم ر ذات ه م ع نفس ي ذاته ا‬
‫أقول ‪:‬‬ ‫ف‬
‫لقد أخطأت ألني كنت فقير الوعي ‪ ،‬ض حل التفك ير ‪ ،‬متس رعا ً في خي اراتي ‪ ،‬وه ذا زمن وانقض ي فال‬
‫ينبغي أن أعيش فيه إال األبد ‪ ،‬أعترف وأبكي قليالً ربما أو أتألم قليالً ثم أغلق ملف الماض ي وأس امح‬

‫‪12‬‬
‫نفسي وأشفق عليها وأقول لها ‪ ،‬ال بأس يا نفس سنعوض الماض ي بخي ارات حاض ر ٍة حس نة ومتقن ة‬
‫غاية اإلتقان ‪ ،‬فلنكف عن النحيب ولنتفرغ للعمل ‪.‬‬

‫األمر الثالث ‪:‬إتباع سياسة ( الال دفاع ) ‪ ،‬بمعنى أن يكون وعيي غير منصب على الدفاع عن آرائي‬
‫ووجهات نظري ‪ .‬لو الحظت الناس عام ٍة من حولك ‪ ،‬لوجدت أنهم يستهلكون أكثر من تسعون بالمائة‬
‫من الوقت في الدفاع عن آرائهم ‪ .‬تخيل كم من الطاقة يستهلكون وكم من وقت…‪.‬؟ ‪ ،‬ما الفائدة ‪ ،‬بل‬
‫وما الضرر ‪ ،‬إذا قال لنا اآلخرون أننا مخطئون ‪ ،‬ال شيء ‪ ،‬ربما يكونوا على حق ‪ ،‬وربما تكون‬
‫لديهم ظروفهم وتصوراتهم التي أنتجت هذه اآلراء ‪ ،‬طيب لماذا أحرمهم من حقهم هذا ‪ ،‬وما الداعي‬
‫للدفاع وكم سأخسر لو قلت لمن يخطئني ‪ ،‬بال إنك على حق …!‬

‫أوالً ‪ :‬سأكسب هذا الشخص وأنال وده واحترامه ألني تنازلت له بسهولة عن نقطة ليس بالضرورة‬
‫نفع لي أو حتى له ‪ ،‬والثاني أني وفرت وقتي وجهدي وراحة أعصابي ‪ ،‬وكل هذه طاقات (‬
‫ذات ٍ‬
‫‪ ) ENERGY‬يمكن أن تنفع في شيء حقيقي مفيد لي ‪.‬‬

‫ليس من الحكمة أن يتصلب المرء في آرائه كالشجرة المتيبسة ‪ ،‬فيكسر بسهولة ‪ .‬من الضروري أن‬
‫يكون المرء مرنا ً يميل مع الريح إن كانت قوي ٍة ‪ ،‬فيحفظ ثماره بعيداً عن عصفها ‪ ،‬ثم يعود ليعرض‬
‫لشمس الواقع ( ال لظى النقد ) ثماره فتزداد نضوجا ً وحالوة ‪.‬‬

‫حسنا ً ‪ ،‬لو أننا أنا وأنت اعتمدنا هذا الثالثي الجميل في قبول الواقع وتحمل المسؤولية عن عثراته ثم‬
‫التحرر من هذه العثرات وأخيراً الكف عن الدفاع غير المجدي ‪ ،‬لو فعلنا هذا تخيل كم من النجاحات‬
‫العظيمة سنحقق ‪ .‬هذه هي حكمة البوذيين الرائعة العبقة الغنية ‪ ،‬وهذا مبدأ ٌ من مبادئهم ‪.‬وإلى مقال ٍة‬
‫وقانون طبيعيٍ آخر يفضي إلى النجاح الحق الدائم الذي ال يزول ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫أخرى‬

‫‪13‬‬
‫‪The Seven Spirtual Laws Of Success‬‬
‫‪Inention & Desire‬‬

‫القانون الخامس‬

‫النيـة و الرغبـة‬
‫ف وكل رغبة ‪ ،‬تكمن في جسد الرغبة ذاتها وجوهر الهدف ذاته … في عالم‬ ‫ميكانيكية تحقق كل هد ٍ‬
‫الطاقات والقوى الكامنة المجهولة النقية ‪ ،‬غير المرئية وال المحسوسة ‪ ،‬تملك الرغبات واألهداف‬
‫ب وتنظيم وتجني ٍد ال نهائية ‪ ،‬للعالقات والظروف بما يحقق كل الرغبات وكل األهداف ‪ .‬حين‬
‫قوة ترتي ٍ‬
‫نستنبتُ غرضا ً ما في جوف حقل المجهول الغامض الخفي ‪ ،‬فإن كل القوى غير المرئية ستسعى‬
‫إلنماء تلك البذور وإنضاجها في موسمها المناسب ‪.‬‬

‫في البدء كانت هناك رغبة ‪ ،‬وكانت تلك بذرةُ الفكر األول ‪ ،‬الحكماء الذين كانوا يتأملون صادق التأمل‬
‫في أعماق قلوبهم ‪ ،‬أمكن لهم من خالل قلوبهم اكتشاف العالقة بين ما هو كائن وما هو لم يوجد‬
‫بعد ‪.‬‬
‫قانون أو مبدأ الرغبة والهدف والسبيل لتحقيقهما ‪ ،‬يعتمد في واقع الحال على حقيقة أن الطاقة‬
‫والمعلوماتية موجودة في كل شيء في الطبيعة ‪ ،‬ولو عدنا إلى نظرية الكم ( ‪) Quantum Theory‬‬
‫طاقة ومعلومات ‪ .‬إن عالم الكم ( ‪Quantum‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪ ،‬لوجدنا أن ليس في كل هذا الكون في واقع الحال إال‬
‫‪ ) World‬هو في واقع الحال ليس أكثر من تعبير آخر للوعي الخالص أو المجهول الكامن الخالص ‪،‬‬
‫وإن الحقل الك ّمي يتأثر بقوة باألهداف والرغبات ‪.‬‬

‫حسنا ً لننظر إلى المسألة بشكل أكثر دقة ‪:‬‬

‫لو أخذت أي جسم مادي ( جسم إنسان أو نبات أو حيوان أو حتى جماد ) ‪ ،‬بل ولو أخذت أيضا ً أي‬
‫ظاهرة فيزيائية ( كالبرق أو الرعد أو قوس القزح ) ‪ ،‬ووضعتها في المختبر وحللتها وقسمتها إلى‬
‫أصغر جزيءٍ فيها فماذا ترى …؟‬
‫ماديا ً … أنت وأنا والحجر والبرق ولحاء الشجر ‪ ،‬يتكون جوهرنا المادي ( أصغر مكوناته ) من ذات‬
‫ومرات ‪ ،‬أوكسجين ‪ ،‬هيدروجين ‪،‬‬ ‫مرات ّ‬ ‫المواد الكيماوية األساسية المعاد تجميعها واستخدامها ّ‬
‫نتروجين ‪ ،‬حديد ‪ ،‬كاربون‪ ،‬جميع تلك المواد يمكن لي ولك وبمنتهى البساطة أن نشتريها ببضع‬
‫محل للمواد اإلنشائية …!طيب ‪ ،‬فما الفرق إذن بيني وبين الشجرة والحجر و…‬‫ٍ‬ ‫دوالرات من أي‬
‫الخ ؟‬

‫‪14‬‬
‫الفرق ليس في المواد الكيماوية البنائية األساسية ‪ ،‬بل في نوع الطاقة ونوع المعلومات المختزنة في‬
‫تلك العناصر األساسية البنائية …!!‬
‫ومن محاسن الطبيعة وحكمة الخلق أن اإلنسان تميز عن بقية الجمادات واألحياء بمميزات خاص ٍة‬
‫تمثلت بمنظومتنا العصبية المدهشة والقادرة على االنتباه والوعي لمحتوى الطاقة ونوع المعلومات‬
‫المختزنة في جوهرنا المادي األساسي الذي منه تشكل كامل كياننا الفيزيائي ‪.‬‬

‫بشكل ذاتيٍ فنقول ‪ ،‬أفكارنا ‪،‬‬


‫ٍ‬ ‫نحن نعيش جوهرنا المعلوماتي وطاقتنا الفكرية والذهنية والشعورية‬
‫أحاسيسنا ‪ ،‬مشاعرنا ‪ ،‬عواطفنا ‪ ،‬رغباتنا …الخ ‪ ،‬وذات جوهرنا المادي بمحتواه من الطاقة‬
‫والمعلومات ‪ ،‬نعيشه بشكل موضوعي على أنه جسم مادي ‪ ،‬وإن هذا الجسم هو جزء من الكينونة‬
‫المادية الكونية ‪.‬‬
‫بقية األحياء أو الكائنات ‪ ،‬ال تمتلك ما نملك من قدرة على االنتباه والتركيز الذاتي والموضوعي على‬
‫جوهرها المادي ومحتواها من الطاقة والمعلوماتية ‪ ،‬وبما تتميز به عن غيرها‪.‬وهذا هو تميزنا‬
‫كبشر‪.‬‬

‫ما نغفله ربما ‪ ،‬هو أن كل هذه الحاالت تمثل حقيقة واحدة ‪ ،‬ألن أجسامنا ليست منفصلة على اإلطالق‬
‫عن هذا الكون بكل تكويناته المادية ‪ ،‬ألنه حسب نظرية الك ّم ‪ ،‬ال يوجد أي حدود واضحة المعالم بين‬
‫جسم وآخر ‪ .‬أنت وأنا تماما ً كنبضة إلكترونية أو موجة راديوية في هذا الحقل الك ّمي الكبير‬ ‫ٍ‬ ‫أي‬
‫المسمى الكون ‪.‬‬
‫مخه أو في أصغر خلية من‬ ‫الجهاز العصبي لإلنسان ال يعي نوع الطاقة والمعلوماتية المختزنة في ّ‬
‫جسمه ‪ ،‬ال بل هو قادر أيضا ً على أن يغير محتوى المعلومات المختزنة فيه ‪ .‬بال ‪ ،‬بحكم مرونة‬
‫جهازنا العصبي ‪ ،‬نستطيع تغيير الطاقة ونوع المعلومات وبالتالي وألن كل األجسام مترابطة بشبك ٍة‬
‫تحس وال ترى ‪ ،‬فإننا نستطيع تغيير والتأثير في الناس واألشياء والظروف المحيطة بنا ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫سري ٍة‬
‫هذا التغيير الواعي يتم من خالل هذين الشكلين من الوعي ‪ ،‬االنتباه واالهتمام ثم القصد والهدف ‪.‬‬
‫االنتباه أو التركيز على شيء ما يؤدي إلى اندفاع سيال فاعل ٌ من الطاقة ‪ ،‬أما الغرض أو الهدف فإنه‬
‫يجند هذه الطاقة للتغيير ‪ ،‬وكما نعلم فإن كل شيءٍ ننظر له باعتبار واهتمام يمكن أن يتألق وينمو ‪،‬‬
‫وكل ما نشيح باهتمامنا وانتباهنا عنه ‪ ،‬يذبل ويذوي ‪ .‬وإذن فالغرض يمتلك آلية تحققه من خالل‬
‫تنظيم أدوات التحقق لهذا الغرض ‪.‬‬
‫ٌ‬
‫رغبة غير‬ ‫الهدف أو الغرض هو القوة الحقيقية التي تدعم الرغبات ‪ ،‬إنه يملك القوة الكبيرة ‪ ،‬إنه‬
‫مرتبطة بنتيج ٍة محددة ‪ ،‬بل هو أكبر من الرغبات الصغيرة ‪ ،‬الرغبات والشهوات الثانوية هي في‬
‫واقع الحال ظواهر ضعيفة تخفي حاجات أنانية صغيرة تنبع من العوز أو الخوف أو الضعف ‪ ،‬أما‬
‫األهداف أو األغراض فهي بلغة السياسة ‪ ،‬حاجات إستراتيجية تشبع رغبات أكبر من رغباتنا‬
‫اليومية ‪ ،‬فمثالً خذ هذا الطالب النابه الذي لما يزل ّ بعد في مقعد الدرس في الثانوية ويمتلك اعتبارا‬
‫كبيراً لنفسه ولديه خيال خصب وإيمان عميق بشخصيته ونتيجة كل هذا ‪ ،‬أمكن له أن يستنبت في‬
‫عقله الباطن طموحا ً في أن يغدو وزيراً أو فنانا ً كبيراً مثل بيكاسو أو عالما ً المعا ً ‪ ،‬مثل هذا ال تحركه‬
‫رغبة آنية لنيل الحب أو رضا األبوين أو المجتمع أو إشباع حاجات معدته للطعام ‪ ،‬إذن فما لديه حل ٌم‬

‫‪15‬‬
‫غرض إستراتيجي ‪ ،‬ومثل هذا الغرض يحتاج ليتحقق إلى أن يفعل فعله في تعديل‬‫ٌ‬ ‫ح أو‬‫أو طمو ٌ‬
‫منظومة المعلوماتية وتجنيد كم هائل من الطاقة الروحية الداخلية لتحقيق الهدف‪.‬‬
‫طالما أن مثل هذا الشخص وأي شخص طامح لتغييرات إستراتيجية في حياته ‪ ،‬عليه أن يفكر تفكيراً‬
‫إستراتيجيا ً ويجند أدوات إستراتيجية أبرزها االنتباه والتركيز الشديد على الهدف ‪ ،‬ومجرد أن يكون‬
‫الهدف إستراتيجيا واالنتباه عليه شديداً فإنه يملك ذاته أدوات تنظيم العالئق الزمكانية ( – ‪Time‬‬
‫‪ ) Place Events‬واإلنسانية باتجاه خدمته ‪.‬لكن ينبغي أن نتذكر أن ال تكون أغراضنا موجهه صوب‬
‫إيذاء الناس ألن هذا منافي ليس للقيم اإلنسانية حسب ‪ ،‬بل ومناقض للطبيعة وقوانينها األزلية‬
‫الكونية ‪.‬‬

‫الحقيقة أن هناك عامل ٌ إضاف ٌي فاعل في تحقيق األغراض اإلستراتيجية ‪ ،‬إال وهو عامل التباعد أو‬
‫اخذ مسافة معينة عن النتيجة دون أن ننسى أو نضحي بالهدف ‪ .‬هذا العامل مهم جداً جداً في تحقيق‬
‫األهداف اإلستراتيجية ونعني به أن ال أكون منشغال ب( متى الوصول إلى الهدف …؟ ) ‪ ،‬بل أكتفي‬
‫بأن أستنبت هدفي في العقل الباطن وأعمل أجندتي الخاصة العملية والروحية ( تمارين التأمل وإعادة‬
‫استذكار الهدف عبر اإليحاء والتصور المكثف ) ثم أعود إلى واقعي اليومي بشكل اعتيادي وأؤدي‬
‫واجباتي الحياتية كما ينبغي أن تنجز ‪ ،‬وأبدو وكأني غير مهتم بالهدف ‪ ،‬مثل هذا يجعلني سعيداً وآمنا ً‬
‫ومتطوراً في حياتي اليومية ‪ ،‬آلني أعيش الحاضر وال أنشغل بالمستقبل ‪ ،‬بذات الوقت أجد أن‬
‫قسر أو ضغطٍ مني ‪ ،‬وبذات اآلن فإن التركيز‬
‫المستقبل الذي أحلم به يقترب بسرعته الذاتية وبدون ٍ‬
‫الداخلي ( في العقل الباطن ) على الهدف يؤدي بآليته الخاصة غير المرئية ‪ ،‬إلى تقريب الهدف‬
‫وتجنيد الظروف الكونية عامة لخدمة إيصالي إلى هدفي ‪.‬‬

‫كيف ال أنشغل بهدفي اإلستراتيجي ‪ ،‬وكيف أجمع بين وعي المستقبل وانتظاره المتلهف واحتياجات‬
‫الحاضر والتزاماته ؟ يمكنني ذلك بأن أؤمن بأن ما لليوم لليوم وما للغد للغد وإني ال أستطيع أن‬
‫أعيش الغد في يومي هذا ‪ ،‬ألن هذا الغد له زمنه الخاص الذي ال قدرة لي على التعجيل به أو‬
‫السيطرة عليه ‪ ،‬فلم أنشغل به أو بأجندتي التي أريد تنفيذها على ساحته …!‬
‫علي أن أتقبل الحاضر كما هو وأترك للمستقبل أغراضه وأحالمه ورغباتي التي أود تنفيذها فيه‬ ‫ّ‬
‫‪.‬وكلما عشت الحاضر بسالم وانسجام وعمل دؤوب وهادئ وسلوك متزن مع نفسي ومع اآلخرين ‪،‬‬
‫كلما أمكن لي أن أطمئن إلى أن المستقبل سيكون كما أريد ألن المستقبل جنينٌ في رحم الحاضر ‪،‬‬
‫وحيث يكون الحاضر سليم البنية ومعافى ‪ ،‬يخرج الجنين في موعده وهو صحيح البنية ومعافى‬
‫وليس فيه أدنى تشوه أو نقص ‪.‬الحاضر ‪ ،‬الماضي ‪ ،‬المستقبل ما هي إال أشكال ٌ من الوعي ‪.‬الماضي‬
‫ذكريات ‪ ،‬المستقبل تصورات ‪ ،‬أما الحاضر فهو الحقيقة الوحيدة والقائمة دائما ً ‪ ،‬إذ هي ذاتها كانت‬
‫ماضي وهي ذاتها ستكون مستقبل ‪ .‬الحاضر هو شكل الوعي الذي له بنية مادية فيزيائية لها كتلة‬
‫ووزن وجاذبية ونكهة ورائحة ‪ ،‬فهل للماضي أو للمستقبل تلك الخواص المحسوسة التي يملكها‬
‫الحاضر ؟ قطعا ً ال …!ثم … حين يضع المرء أهدافا ً إستراتيجية كبيرة ‪ ،‬من قبيل نيل الثراء الواسع‬
‫أو الوصول إلى النجومية في نشاطٍ ما أو غيره ‪ ،‬وبذات اآلن يعيش الحاضر بمنتهى الحيوية‬
‫والفعالية والكفاءة ‪ ،‬فإن مجمل المعوقات التي يمكن أن يتخيلها في سبيل تحقيق حلمه اإلستراتيجي‬
‫ستختفي ‪ ،‬ألن تسعون بالمائة من المعوقات هي معوقات زائفة قائمة على المخاوف واألوهام وغياب‬

‫‪16‬‬
‫التخطيط السليم للهدف وك ّم من المشاعر اإلحباطية المترسبة في العقل الباطن وعقد في الماضي‬
‫وغيرها ‪ ،‬وبالتالي لو إنني أقصيت هدفي إلى زاوية قصية في العقل الباطن ثم عشت حياتي اليومية‬
‫بكل شجاعة وحيوية وامتالء ومواجهة عاجلة وسريعة وحكيمة لمتاعبي فإن المستقبل حين يغدو‬
‫حاضراً سيجد األرضية مهيأة له وسترى أن أغلب المتاعب والمعوقات أمام الهدف ستختفي أما البقية‬
‫الباقية فإنها يمكن أن تحيد أو أن ينتفع بها إذا ما عوملت بحكمة ومن خالل رؤية عقالنية موضوعية‬
‫ومن خالل العيش بكامل الحيوية والحرارة في الحاضر ال في الماضي وال في المستقبل ‪.‬‬

‫أود أن أضرب مثالً وهو متكر ٌر في يومنا هذا وفي كل مكان ‪:‬‬
‫شاب في مقتبل العمر لديه طموحات إستراتيجية كبيرة من قبيل نيل الدكتوراه والوصول إلى مركز‬ ‫ٌ‬
‫وظيفي مرموق في بلده أو في الغرب ‪ ،‬وحلمه يتطلب كفاحا ً دؤوبا ً ربما لعشرة أعوام أخرى ‪ ،‬لو إن‬
‫هذا الشاب أنشغل بالقراءة المكثفة لعشر ساعات يوميا ً وتجاوز على أوقات األكل واالستحمام وأمتنع‬
‫عن تناول العقاقير حين يمرض ‪ ،‬ألنه في حالة انشغال تام بهدفه ‪ ،‬وتراه غالب الوقت ساهما ً شارد‬
‫الفكر يحاول أن يحرق الزمن للوصول إلى الهدف رغم قناعته أن الزمن ال يحرق دائما ً ألن له آليته‬
‫التي يجب أن توضع في االعتبار ‪.‬‬
‫مثل هذا الشاب سيصاب وال شك بأمراض فسيولوجية وربما سيكولوجية وستضطرب عالقاته‬
‫االجتماعية ‪ ،‬بل وسيضطرب عمل الذاكرة والمخ وربما يصاب بأمراض عقلية وقد يفشل في النهاية ‪،‬‬
‫في حين تجد آخر أحترم الزمن وآمن بالحاضر ووضع إستراتيجية عقالنية وحافظ على صحته‬
‫النفسية والجسمانية وعلى عالقاته االجتماعية ووضع في ذهنه أن المستقبل ال يتحقق باستعجاله بل‬
‫بالثقة بالنفس وبأنه سيكون كما نريد شريطة أن نعيش حاضراً متزنا ً منسجما ً ‪ ،‬مثل هذا سيصل إلى‬
‫وبشكل أكثر تطوراً وسرعة من األول ‪ ،‬بل وسينال سعادة أكبر‬‫ٍ‬ ‫هدفه وسيحصد النتائج ربما قبل األول‬
‫ألنه لم يعش ملتصقا ً بهدفه بحيث حين يصل إليه يسأم منه بسرعة ‪ ،‬ال إنه أختزن المستقبل وحافظ‬
‫على فرحته به مؤجلة حتى يناله ‪ ،‬فكانت فرحته بالتالي أكبر وأعظم ‪ .‬حسنا ً …كيف نستطيع أن نصل‬
‫إلى أغراضنا اإلستراتيجية بأقل جه ٍد وأكثر كفاءه‪:‬‬

‫بممارسة التأمل بشكل يومي منتظم ‪ ،‬ألن التأمل يحرر المخ من ضجيج عمله غير المجدي‬ ‫‪-1‬‬
‫مكررة ومملة ‪ ،‬ومتى تحرر المخ‬ ‫ّ‬ ‫في طحن ما سلف طحنه من أفكار وصور ومشاهد‬
‫وراقت بحيرة العقل أمكن لك أن تنال سعادة خاصة ونقية غاية النقاوة وأمكن لك بالتالي‬
‫وفي لحظة هدوء المخ وصفاء العقل وغياب األفكار ‪ ،‬يمكنك أن تستنبت ما تريد من‬
‫األحالم واألهداف ‪ ،‬ليس كشعارات أو كلمات فقط من قبيل أن تقول لنفسك ( يجب أن أكون‬
‫وزيراً في بلدي بعد كذا سنة ) ‪ ،‬ال وإنما أن تتصور نفسك وتزرع في العقل الباطن صورتك‬
‫وأنت وزير وبمنتهى الحيوية والحرارة والنكهة ‪ ،‬إذ كلما كانت الصورة ساخنة حية لها‬
‫لون ونكهة ووضوح على شاشة الذهن ‪ ،‬كلما أمكن لك أن تحققها ألنها ستكون أكثر‬
‫إلحاحا وستنشط آليات تحققها بنفسها ‪ ،‬ألن الكون كما أسلفنا يتأثر بالخيال واألفكار‬
‫وينفذها دون أن نعرف الكيفية وآلية التنفيذ‬

‫‪ - 2‬وهذا ما نؤكده دائما عبر كل فصول هذا الكتاب ‪ ،‬أؤمن بالغامض المجهول المخبوء ‪،‬‬
‫أؤمن بأن الكون غن ٌي بكنوز ال ترى ولكنها موجودة ومن حصة أولئك المؤمنين بها والذين‬

‫‪17‬‬
‫يعيشون الحياة مع الحب وفي أحضان الحب وينشرون الحب دوما ً وال يطلبون شيئا ً‬
‫ويأتيهم كل شيء ‪ .‬حافظ على تواصلك مع معدنك الروحي غير المرئي ‪ ،‬وال تتوهم أنك‬
‫ي فقط وأن هذا الجسد وتلك العضالت هي وحدها الموجودة ووحدها الفاعلة في‬ ‫جس ٌد ماد ٌ‬
‫هذا الكون ‪ ،‬ال …الروح موجودة ومجاالت عملها ال تعد وال تحصى وقدراتها عظيمة‬
‫ولديها شبكة كونية من العالقات ‪ ،‬يمكنها أن تحقق كل األغراض بآلية ال نعرفها ولكننا‬
‫نؤمن بها ومن مصلحتنا أن نؤمن بها ‪.‬طبعا ً ‪ ،‬حين أتحدث عن الروح والقوى الروحية فأنا‬
‫ال أعني ربا ً معينا ً من أرباب اليهود والمسيحيين والمسلمين وغيرهم ‪ ،‬ال مطلقا ً وإنما أعني‬
‫روح الحياة وجوهر الخلق والقوة األزلية األبدية الفاعلة المهيمنة التي تنظم سرا وبآلياتها‬
‫الخاصة ‪ ،‬كل األنشطة والفعاليات وعمليات تبادل الطاقة والمعلومات ‪ ،‬وتلك القوة العظمى‬
‫يمكن أن أشبهها بكمبيوتر جبار ‪ ،‬يمكن أن أرى واجهته وقرصه الصلب ولكنني ال أستطيع‬
‫أن أرى كيف يعمل وأين تخزن تلك األطنانٌ الهائلة من المعلومات وكيف يقوم بتوزيع‬
‫األوامر وإصدارها ورصد الظواهر وتسجيل البيانات ‪.‬‬

‫قوانين النجاح الروحية‬


‫القانون السادس‬

‫فك اإلرتبـاط‬

‫القانون أو المبدأ الروحي السادس لتحقيق النجاح يعتمد على فكرة التباعد المحسوب بين وعيك‬
‫والهدف ‪ ،‬بمعنى إن أردت أن تحقق هدفا ً ما في الحياة ‪ ،‬وبالذات األهداف السامية ذات القيمة الكبيرة‬
‫‪ ،‬فعليك أن تحافظ على ‪ Distance‬مسافة معينة بينك وبين هدفك ‪ ،‬فال يصبح هذا الهدف شغلك‬
‫الشاغل في يومك العادي ‪ ،‬بحيث تفسد عليك حياتك ‪ ،‬دون أن تنفع الهدف كثيراً أو تقربه ‪.‬‬
‫ال يعني هذا أن تسقط الهدف من حسابك أو أن ال تركز عليه ‪ ،‬لكن أن ال تتعلق به بشكل مرضي‬
‫بحيث أن ال تنشغل إال به وال تفكر إال بشأنه ‪ ،‬حتى ليغدو قيداً يفسد أيامك واستمتاعك بالحياة ‪.‬‬

‫صراح ٍة …هذا المبدأ يشكل تقنية خطيرة لتحقيق األهداف بانسيابية شديدة ‪ ،‬من خالل أن يكون لديك‬
‫هدف مستنبت في العقل الباطن ‪ ،‬وبذات اآلن هناك مساحة فاصلة وبأحكام وبوعي بينك وبين هذا‬
‫الهدف ‪ ،‬مسافة أنت من خلقها وأنت من سيطر على بواباتها وأمسك مفاتيحها ‪ .‬حيث تستزرع هدفا ً‬
‫وتسقيه بماء اإلرادة واإليمان والثقة ومبررات التحقيق ‪ ،‬ثم تودعه في العقل الباطن وتتابع عيش‬
‫حياتك حسب آلياتها االعتيادية ‪ ،‬فأنت بهذا تضمن للهدف التحقق في وقته وحينه ‪ ،‬وإذ يأتيك يأتيك‬
‫وأنت سعيد أصالً وناجح ومنسجم ومتوازن ذهنيا ً وسيكولوجيا ً ‪ ،‬ألنك تعيش الواقع كما هو دون أن‬
‫تترك هدفك المؤجل يفسد هذا الواقع أو يعكر صفوه ‪.‬‬

‫لماذا نتشبث نحن وبقوة بأهداف معينة أو أحالم أو رغبات ‪ ،‬بحيث نتلف أيامنا بأحالم اليقظة والتفكير‬
‫المواظب بها ؟ إنه الشعور بالال أمان ‪ ،‬إنه الخوف ‪ ،‬وتلك ثمار الجهل بالذات ‪ ،‬الجهل بذواتنا‬

‫‪18‬‬
‫الحقيقية األصلية ‪ ،‬التي هي منبع كل الثروات والنعم ‪ .‬الذات الحقة هي الوعي الجوهري الذي يعرف‬
‫كيف تشبع كل االحتياجات وكيف يتحقق التوازن النفسي والشعوري وكيف ينسجم الكائن الفرد مع‬
‫ظروفه االجتماعية وحركة الواقع خارج إطار الجسد والذات الفردية ‪ .‬الذات العليا هي الجوهر‬
‫الروحي الشفيف العادل المنسجم ‪ ،‬أما الذات السفلى ال ( ‪ ، ) EGO‬فما هي إال تلك الذات التي تربت‬
‫على الخوف والجهل والطمع والقسوة والجبن بذات الحين ‪ ،‬إنها الذات االجتماعية ‪ ،‬القناع الذي‬
‫استعرناه من المجتمع لنعيش فيه مع هذا المجتمع وننسجم فيه مع العقل الجمعي لهذا المجتمع ‪.‬‬
‫السعادة الحقة ال يمكن أن تنال بالمقتنيات المادية ‪ ،‬كائنة ما كانت تلك المقتنيات ‪ ،‬سيارات ‪ ،‬فلل ‪،‬‬
‫أطيان ‪ ،‬أرصدة مصرفية …الخ …الخ ‪.‬جميع هذا ليس إال رموز للثروة وليست الثروة الحقة ‪ ،‬إنها‬
‫رموز تذهب وتجيء ‪ ،‬وغالبا ً ما تخذلنا ألنها ال تمنح إال شبح سعادة وليس السعادة الحقيقية ‪،‬‬
‫خصوصا ً ما إذا جاءت تلك الثروات على النقيض من جواهرنا وقيمنا الجوهرية األصيلة ‪ .‬التعلق‬
‫المرضي بالهدف ‪ ،‬يدل على الفقر الروحي ‪ ،‬فقر الوعي الذي يجعل الواحد منا يتشبث بالرمز المادي‬
‫كدليل على الغنى أو القوة أو الحرية ‪ ،‬ويستبدل بالرمز ما هو جدي ٌر باالعتبار وهو الثراء النفسي ‪،‬‬
‫ثراء الجاذبية الروحية والنفسية ‪ ،‬ثراء المعرفة الحقة ‪ ،‬ثراء االقتدار الروحي الحق الذي ال يغلب وال‬
‫يهز ْم ‪.‬‬
‫بعكسه ‪ ،‬فوعي التباعد المحسوب عن الهدف ‪ ،‬يدل على أنك غني وواثق من وصولك إلى الهدف ‪،‬‬
‫وواثق من امتالكك للقوة والقدرة والطاقة الداخلية الهائلة التي تمكنك من الوصول إلى هدفك في وقت‬
‫نضوجه ‪ ،‬ال في الوقت الذي تقرره ذاتك الخائفة المترددة الخائرة ‪.‬‬

‫وعي التباعد المحسوب عن التعلق بالهدف ‪ ،‬يضمن لك حرية الخلق ألنك ح ٌر من أي هدف قريب‬
‫( دون أن تكون بال هدف ) ‪ ،‬يضمن لك حرية االستمتاع بيومك ‪ ،‬بحاضرك ‪ ،‬بإمكاناتك الموجودة في‬
‫فخاخ عديد ٍة متنوعة ‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫يومك هذا ‪ ،‬ال في المستقبل ‪ .‬التعلق المرضي باألهداف يفضي إلى الوقوع في‬
‫الشعور بالتوتر ‪ ،‬الكآبة بين الحين واآلخر ‪ ،‬الشعور بالعجز ‪ ،‬اليأس ( وجميع تلك المشاعر تنبع من‬
‫الشك بتحقق الهدف والتعلق الشديد به ‪ ،‬بحيث نضع كل رصيدنا من الطاقة النفسية والفسيولوجية‬
‫والروحية في ك ّفة هذا الهدف‬

‫الوعي الحقيقي الصادق هو وعي الثراء الموجود ال المنتظر ‪ ،‬وعي أننا في واقع الحال أثرياء ونملك‬
‫كل شيء في داخلنا ‪ ،‬وما هذا الذي نريده في الخارج أو من الخارج فهو ال أكثر من استعراض قوتنا‬
‫الداخلية وليس ألننا محتاجون لثراء الخارج ‪ ،‬مثل هكذا وعي هو وحده الذي يحررنا من األمل‬
‫الخائب واالنتظار القلق للنتائج ‪ ،‬وبذات اآلن مثل هكذا وعي ‪ ،‬هو ما يجعلنا نحوز على أفضل‬
‫النتائج ‪.‬‬
‫هناك شيء عرفه الحكماء والمتصوفة منذ فجر التاريخ ‪ ،‬إال وهو اإليمان بالمجهول وما يسمى حكمة‬
‫المجهول ‪ ،‬اإليمان بأن هناك شيء عظي ٌم في االنتظار ‪ ،‬هناك شي ٌء جميل وكبير سيحصل وسيغني‬
‫حياتنا ويجعلها أكثر رحاب ٍة واكثر حرية ‪ ،‬هكذا إيمان يتميز بأنه غير متلهف ‪ ،‬هادئ ومستقر وقائم‬
‫على ثقة وأيمان داخلي بأن شيء سيحصل وأن الحياة في الخارج غنية جداً ولها قوانينها الخفية في‬
‫أن تهب الثروة والقوة والجمال والسعادة ألولئك غير المتلهفين ‪ ،‬غير الخائفين ‪ ،‬غير القلقين ‪ ،‬بل‬
‫الواثقين المؤمنين بالمجهول وكنوز المجهول ‪.‬‬
‫هذه الحكمة ال تقوم على التعلق الشديد حد االلتصاق بهدف واحد أو أمل واحد والتشبث به واستعجاله‬
‫‪19‬‬
‫للتحقق ‪ ،‬فإن تحقق كان زائفا ً هشا ً رخيصا ً سهل الكسر ‪.‬‬
‫إن لم تؤمن بأنك قويا ً في داخلك ‪ ،‬لن تستطيع أي قوة في الخارج أن تغني ضعفك أو تزيله ‪ ،‬وإن‬
‫كنت فقيراً في داخلك فإن كل ثروات العالم لن تغنيك ‪ ،‬وإن كنت تعيسا ً مع نفسك وفي داخلك ‪ ،‬فلن‬
‫يسعدك شيء آت من الخارج ‪ ،‬وعليه فإن بناء قوة الداخل وحكمة الداخل وسعادة الداخل هي األساس‬
‫لتحقيق النجاح والتطور والنمو الطبيعي للشخصية ‪ ،‬في الخارج ‪.‬‬
‫أولئك الذين يبحثون عن األمان في الخارج ‪ ،‬يطاردون شبحا ً ال يمكن اإلمساك به ‪ ،‬ألن األمان ال‬
‫يمكن أن يتحقق عبر المال ‪ ،‬والقلق الشديد على األمان الموهوم المنتظر مجيئه من الخارج ‪ ،‬يفضي‬
‫بالمرء ألن يخسر الكثير من روحه وال يكسب أمانا ولو أجتمع له كل مال الدنيا ‪.‬‬

‫ثم ما هو األمان وممن تريد أن تأمن ؟‬


‫أتريد األمان لتعيش حياة عادية ال جديد فيها وال تغيير وال تطور ؟‬
‫وما الجدوى وهل هذه هي الحياة الحقيقية التي تستحق أن تعاش ؟‬
‫ال … فأنت هنا مجرد تكرر نفسك أو تكرر ذات التجربة التي يعيشها كل العجزة والمعوقين‬
‫والمسطحين ‪ ،‬ومم تريد أن تأمن ؟‬
‫من الفقر ‪ ،‬من المرض ‪ ،‬من األعداء ‪ ،‬من السلطة والمجتمع ؟‬

‫حس نا ً …ك ل ه ذا يمكن أن ت أمن من ه ب أن تط ور وعي ك وتث ق بق دراتك وإمكانات ك وت برمج مس ارك‬


‫الحياتي وتستحصل المعرفة وبذات اآلن تؤمن بكنوز العالم ‪ ،‬كنوز المجه ول ال تي يمكن أن يك ون ل ك‬
‫فيه ا حص ة ‪ ،‬إذا م ا أبع دت ذهن ك عن أه دافك المس تقبلية وت ركت فض اءٍ واس عا ً للحرك ة ‪ ،‬يمكن أن‬
‫تتسرب منه رياح المجهول ‪.‬‬

‫تخلى عن التعلق الشديد بهذا الذي تع رف ولج بنفس ك في فض اءات م ا ال تع رف ‪ ،‬به ذا يمكن ل ك أن‬
‫تضمن لك نصيبا ً أسمى من هذا ال ذي حس بته وخططت ل ه ‪ ،‬وكلن ا ع اش غ رائب الحي اة ورأى كي ف‬
‫يمكن أن تأتي الفرصة الغير متوقعة بل ما تبدو وكأنها معجزات ‪ ،‬تأتي عبر بوابة اإليمان بثراء العالم‬
‫واالبتع اد عن التعل ق الض يق ب وهم األم ان ووهم ( م ا تعرف ه خ ير مم ا ال تعرف ه ) ‪.‬‬
‫المجهول الذي ال نعرف ‪ ،‬هو تلك اإلمكانات الجبارة ال تي ال تع د وال تحص ى وال تي يمكن أن تفتح لن ا‬
‫عبر اإليمان بها وعبر عيش الحاضر بحميمية واالبتعاد عن األهداف الكبرى عقب ترسيخها في العق ل‬
‫اطن ‪.‬‬ ‫الب‬
‫طبعا ً ال نق ول أن ك ال ينبغي أن تض ع إس تراتيجية أو خط ة عم ل للوص ول إلى أه دافك ‪ ،‬قطع ا ً ال …!‬
‫ولكن نقول ال تضع خطة تفتقد المرونة وال تستوعب احتماالت التغيير أو التعديل ‪ ،‬وال تعش المستقبل‬
‫بذهنك وخيال ك ‪ ،‬بينم ا جس دك وروح ك في الحاض ر ‪ ،‬ال …ض ع خط ة مرن ة وقابل ة للتغي ير وأحبب‬
‫حاض رك وأؤمن بأن ه ه و األجم ل وه و الممكن الوحي د ال ذي تملك ه اآلن ويجب أن تعيش ه بعقل ك‬
‫يوم لديك ‪ ،‬بذات الوقت… أت رك في خطت ك أو إس تراتيجيتك فراغ ات‬ ‫وعواطفك وروحك ‪ ،‬وكأنه آخر ٍ‬
‫تستوعب االحتماالت القادمة ‪.‬‬

‫الجميل في المجهول أو الغامض الذي ال ي رى ولكن ه موج ود ‪ ،‬ه و أن هن اك إمكاني ات تنظيم وتع ديل‬
‫مسارات زمنية – مكانية ال تعد وال تحص ى لتحقي ق األغ راض اإلس تراتيجية ال تي وض عتها لنفس ك ‪،‬‬
‫‪20‬‬
‫بحيث بينما أنت تبدو وكأنك ناسيا ً لهدفك اإلستراتيجي ‪ ،‬تج د أن ق وى المجه ول تنظم نفس ها وتنس ق‬
‫العالئق واألحداث الزمكانية ‪ ،‬بحيث تحقق لك هدفك في الوقت والمكان المناسب ‪ ،‬وبطريقة ربم ا أنت‬
‫لم تفكر فيها أبداً ‪.‬‬

‫إنك إذا تشبثت بشكل مرضي بهدفك ‪ ،‬تكون قد ض يقت إب داعات المجه ول وقللت ف رص تحرك ه الح ر‬
‫ألنك فرضت عليك ما تعرف فقط من خيارات وفرص مصطنعة وقد تكون زائفة كالورود البالس تيكية ‪،‬‬
‫أفتس تبدل ورود الك ون الجميل ة المتم يزة بنكهته ا وعطره ا ‪ ،‬ب ورود بالس تيكية ؟‬
‫بالمناسبة ‪ ،‬قانون التباعد المحسوب عن الهدف واالمتناع عن التشبث المرضي بالهدف ‪ ،‬ال يتعارض‬
‫أبداً مع القانون السابق الذي تحدثنا عنه في الفصل السابق ‪ ،‬أي ق انون الرغب ة والغ رض ‪ ،‬ال أب داً ‪،‬‬
‫ولكن قانوننا هذا يقول أنك وبينما تضع لك هدف إستراتيجي سامي ‪ ،‬أترك بين النقطة ( أ ) التي تمثل‬
‫نقطة الطالق الهدف ‪ ،‬والنقطة ( ب ) نقطة الوصول إليه ونيل النتيجة ‪ ،‬ات رك فراغ ا ً لك ل االحتم االت‬
‫ال تي ال تب دو متوقع ة في الحاض ر ‪ ،‬ولكنه ا موج ودة في المجه ول ويمكن أن تنظم نفس ها وتخ دمك‬
‫س اعة تكتم ل الظ روف الزمكاني ة والعالئ ق الض رورية ‪ ،‬ودون ت دخل حاس م من ك ‪.‬‬
‫هذا الفراغ الذي تتركه من خالل عدم االلتصاق بالتفاصيل ‪ ،‬يؤدي إلى أنك لن تض غط حل ول متس رعة‬
‫ربما تنسف الهدف بأكمله أو تشوهه أو تؤدي بك إلى الكآبة والضيق والي أس والش عور ب العجز ‪ ،‬إذا‬
‫ما فشلت في أن توصلك لما تريد‪.‬‬

‫حين خلق الخالق الكون ‪ ،‬خلقه ال ألنه يشعر بالعجز أو الضعف أو المل ل أو الكآب ة ‪ ،‬ب ل ألن ه أراد أن‬
‫يستعرض أمام عينيه قوته وعظمة إبداعه ‪.‬‬

‫كن مث ل ه ذا الخ الق ‪ ،‬ألن ك في ج وهرك تمل ك س مات الخ الق ‪ ،‬الثق ة والق وة والرغب ة بالتجس د في‬
‫الخارج …!جسد نفسك وإبداعك في الخارج وال تنتظر من هذا الخارج أن يعطيك ما ال تملك ‪ ،‬بل إن ه‬
‫يعطيك حسب…‪ .‬أرباح ما تملك أصالً ‪ ،‬مزيد من السعادة ‪ ،‬مزيد من التألق ‪ ،‬مزيد من الجم ال ‪ ،‬ف إن‬
‫لم يعطي ك ش يئا ً ف أنت لم تخس ر ش يء ألن م ا ل ديك من رأس مال موج ود في ج وهرك وس يبقى ولن‬
‫يستهلك ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫قوانين النجاح الروحية السبع‬
‫القانون السابع‬

‫المعنى والهدف من وراء حياة كل واحد منا‬


‫قانون الدارما‬

‫هناك معنى لوجودنا ‪ ،‬وهناك غرض يتحقق من وراء هذا الوجود ‪ ،‬وهذين الثنائيين الجميلين‬
‫ٌ‬
‫تسمية واحدةٌ هي ال‬ ‫( المعنى والهدف ) يضمهما في الفكر الهندوسي وباللغة السنسكريتية‬
‫‪ ، ) ) DHARMA‬وقانوننا أو مبدأنا هذا الذي هو سابع القوانين الطبيعية السبعة للحياة الناجحة‬
‫بغرض ما ‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫السعيدة يقول ‪ ،‬أن وجودنا في هذه الحياة ‪ ،‬وجود أي واحد منا ليس عبثا ً وإنما محكو ٌم‬
‫ف ما ‪ ،‬بمعنى أنت تضع لنفسك هدف وهذا الهدف يماثل أو يلبي حاجة الوجود من‬ ‫عبر الوصول لهد ٍ‬
‫وجودك فيه ‪ ،‬لكي ما ال يكون وجودك عبئا ً وعبثا ً ‪.‬‬

‫تقول الهندوسية أن هذا المجهول الغامض السامي ( الخالق ) ‪ ،‬اإلله في شكله الجوهري المطلق ‪،‬‬
‫يتجسم عبر كل فر ٍد فينا ‪ ،‬ليخدم غرضا ً حياتيا ً ‪ ،‬وبالتالي فإنك كفرد ‪ ،‬تتميز ال شك بخصيص ٍة ال‬
‫يملكها غيرك أو ال يملك تحقيقها بتلك الكفاءة التي ال تضاهيها مطلقا ً كفاءةُ غيرك ‪ ،‬وإن هذا الذي‬
‫معين ينتظر منك إشباعه ‪ ،‬هنا‬
‫ٍ‬ ‫لغرض‬
‫ٍ‬ ‫لديك ‪ ،‬والذي ال يجيده غيرك كما تجيده ‪ ،‬ينبغي أن يتوجه‬
‫مستخدم لقدراتك الخاصة بشكل جيد ‪ ،‬ولمن يحتاج منك‬
‫ٍ‬ ‫كفاعل‬
‫ٍ‬ ‫حسب يمكن للحياة أن تغدو سعيد ٍة لك‬
‫هذه الخدمة أو هذا اإلشباع الحتياجاته ‪ ،‬وبالتالي لو إن كل واحد م ّنا عرف ما يملك وكيف يحقق ما‬
‫يملك ووجه هذا الذي عنده لمن يحتاجه ‪ ،‬لنلنا السعادة وأسعدنا اآلخرين بذات الوقت ‪.‬‬

‫لو عمد الواحد منا على تعليم أطفاله أو لو إن أنظمتنا الدراسية تعتمد هذا المبدأ باكرا وتعلمه لألطفال‬
‫‪ ،‬ألمكن للمدرسة أو البيت أن تنشئ أجياالً من النشء يعرفون ما يريدون ويصلون إلى أهدافهم‬
‫بأقصر السبيل وأنجعها ‪ ،‬لقد فعلت هذا مع أبنائي منذ الطفولة الباكرة ‪ .‬لقد أوحيت لهم بأن لدى كل‬
‫واحد منهم قدرات أو قدرة خاصة ‪ ،‬ولدى كل واحد منهم طريقته الخاصة لتحقيق أو تنفيذ هذه القدرة‬
‫مهمة ُخلق من أجلها ‪ ،‬وعلى كل واحد منهم أن يسعى بجهوده الخاصة‬ ‫ٌ‬ ‫واجب أو‬
‫ٌ‬ ‫ولكل واحد منهم‬
‫الكتشاف ما هذا الشيء الخاص الذي يملكه دون سواه أو الذي يملك طريقة خاصة في األداء ال‬
‫يملكها سواه ‪ ،‬كما وأن يكتشف بذاته المهمة الخاصة التي خلق من أجلها وعليه تنفيذها لسد‬
‫احتياجات معينة لدى ناس آخرين ال يملكون القدرة على تغطية تلك االحتياجات بإمكاناتهم الخاصة‬
‫‪.‬مضافا ً لهذا فمنذ الصغر علمت أبنائي أن يمارسوا التأمل ‪ ،‬ومنذ البدء قلت لهم أنهم ال ينبغي أن‬
‫يقلقوا من أجل رغيفهم أو منامهم ‪ ،‬فأنا معهم على طول الخط ‪ ،‬بل وأن ال يحاولوا أن يجبروا أنفسهم‬
‫على اختيار مدرسة معينة أو نيل شهادة معينة ليس لديهم فيها رغبة حقيقية بل لمجرد أن يرضوني‬
‫أو يرضوا أمهم أو المجتمع ‪.‬‬
‫ال …لقد عودتهم على أن يكونوا أحراراً ويفكرون بحرية ويختاروا الخيار الذي يضنون أنه فعالً‬
‫يناسب استعداداتهم وقابلياتهم ورغباتهم ‪ ،‬ثم أوحيت لهم بأن يبحثوا عن كل عن طريقه الخاص‬

‫‪22‬‬
‫لخدمة اإلنسانية وقلت لهم على كل واحد منكم أن يسأل نفسه ‪ ،‬ما هذا الشيء الخاص الذي أملكه وال‬
‫يملكه غيري أو ال يجيد غيري استعماله كما أفعل أنا ‪.‬‬
‫وفعالً نجحت في أن أستنبت في كل واحد منهم القناعة بأن لديه ما يتميز به عن غيره ‪ ،‬وكل واح ٍد‬
‫منهم لديه الطريقة الخاصة التي ال يجيدها غيره ألداء هذه القابلية أو تلك الموهبة وإن كل واحد لديه‬
‫التزام أدبي تاه الجنس البشري عامة ‪ ،‬والنتيجة كبر أبنائي ونجحوا كل في طريقه الخاص وخدموا‬
‫البشرية وغدوا مواطنين ناجحين ‪.‬‬

‫‪23‬‬

You might also like