You are on page 1of 30

‫أي دور للعلم في التنمية المحلية؟‬

‫التجاني بولعوالي‬

‫كيف نفهم مصطلح العلم‬

‫في الحقيقة‪ ،‬عندما نقرأ ما يكتب حول مفهوم العلم‪،‬‬

‫يستفاد من ذلك أن هذا المصطلح يعني بصفة عامة‪ ،‬نشر‬

‫الخبار والمعلومات والعلنات على الجماهير عن طريق‬

‫وسيلة ما من وسائل العلم )‪ .(1‬غير أن هذا التعريف‬

‫المتداول وغيره من التعريفات المختلفة‪ ،‬التي يكاد يحسبها‬

‫الكثيرون جامعة مانعة‪ ،‬هل من شأنها أن تبين حقيقة مصطلح‬

‫العلم بدقة ووضوح‪ ،‬لسيما في العصر الحديث حيث صار‬

‫العلم يتخذ أبعادا جديدة‪ ،‬يلتبس فيها الثقافي بالسياسي‪،‬‬

‫والعلمي باليديولوجي‪ ،‬وما إلى ذلك!‬

‫إن التحول العميق الذي شهدته حياة النسان في العصر‬

‫الحديث‪ ،‬اعترى مختلف المستويات والجوانب‪ ،‬فلم يكن العلم‬

‫بمنأى أو منجى من ذلك‪ ،‬بقدر ما كان العنصر الكثر حظا من‬

‫ذلك التحول‪ ،‬كيف ل؟ وقد كان نفسه طرفا مشاركا وفعال‬

‫في تحول العالم وتبدله‪ ،‬فلم يعد الحديث عن العلم باعتباره‬

‫مجرد آلية لتوصيل الخبر‪ ،‬وإنما بوصفه قوة لزوردية تؤثر‬

‫بشكل سحري في الجمهور‪ ،‬ومن ثم تساهم في تشكيل‬


‫أفهامهم وتوجيهها‪ ،‬كما أنه لم يعد الحديث عن الصحافة‬

‫باعتبارها سلطة رابعة‪ ،‬وإنما سلطة أولى!‬

‫على هذا الساس‪ ،‬فإن مفهوم العلم توسع أكثر‪ ،‬فاقتصرت‬

‫تعريفاته اللغوية والصطلحية العتيقة على المعاجم والبحوث‬

‫الكاديمية التقليدية‪ ،‬أما الدراسات العلمية الحديثة‪ ،‬فل‬

‫تلتفت إلى تلك التعريفات المستهلكة‪ ،‬بقدر ما تربط مفهوم‬

‫العلم بالواقع المعاصر‪ ،‬وما يعتريه من أحداث ومستجدات‬

‫سياسية واقتصادية وثقافية وتكنولوجية‪ ،‬مما سوف يجعل‬

‫مفهوم العلم يتخذ دللت جديدة تحيل على السلطة والقوة‬

‫والتأثير والهيمنة والسيطرة وغير ذلك‪ .‬فصاحب كتاب‬

‫)المتلعبون بالعقول( هربرت أ‪ .‬شيللر‪ ،‬يفسر في مقدمة‬

‫الكتاب‪ ،‬كيف يتحول العلم من جهة أولى‪ ،‬إلى عملية تضليل‪،‬‬

‫ومن جهة ثانية إلى أداة قهر وقمع! فعندما "يعمد مديرو‬

‫أجهزة العلم إلى طرح أفكار وتوجهات ل تتطابق مع حقائق‬

‫الوجود الجتماعي‪ ،‬فإنهم يتحولون إلى سائسي عقول‪ ،‬ذلك‬

‫أن الفكار التي تنحو عن عمد إلى استحداث معنى زائف‪...‬‬

‫ليست في الواقع سوى أفكار مموهة أو مضللة!"‪ .‬ثم "إن‬

‫تضليل عقول البشر هو‪ ،‬على حد قول باولو فرير‪" ،‬أداة‬

‫للقهر"‪ .‬فهو يمثل إحدى الدوات التي تسعى النخبة من خللها‬

‫إلى "تطويع الجماهير لهدافها الخاصة"‪(2) ".‬‬


‫وقد توقف المفكر المريكي نعوم تشومسكي في كتابه‬

‫)السيطرة على العلم(‪ ،‬عند جانب الدعاية المضللة للعلم‪،‬‬

‫فرأى أن مواجهة تمرد القطيع‪/‬الشعب في الدولة الشمولية أو‬

‫العسكرية يتم بسهولة تامة‪ ،‬إذ "فقط عليك أن تمسك بهراوات‬

‫فوق رؤوسهم‪ ،‬وإذا خرجوا عن الخط ما عليك إل أن تحطم‬

‫تلك الهراوات فوق رؤوسهم‪ ،‬ولكن في مجتمع أكثر‬

‫ديمقراطية وحرية‪ ،‬فقدت هذه الوسيلة‪ ،‬فعليك إذن اللجوء إلى‬

‫أساليب الدعاية والمنطق‪ ،‬فالدعاية في النظام الديمقراطي‬

‫هي بمثابة الهراوات في الدولة الشمولية‪ ،‬وهذا أمر يتسم‬

‫بالحكمة"‪(3).‬‬

‫أما المفكر المغربي د‪ .‬المهدي المنجرة‪ ،‬فيدرك بعمق أن‬

‫مفهوم العلم هو أكبر مما تحدده المعاجم‪ ،‬فهو حسب فهمه‬

‫"المادة الولية للمعرفة باعتبار أن المعرفة إعلم قد تم‬

‫تركيبه وتأليفه حسب تصور معين")‪ ،(4‬وقد أصبح العلم يتجه‬

‫حاليا إلى تحويل مجتمع النتاج الصناعي إلى مجتمع إعلم‬

‫ومعرفة‪ ،‬فترتب عن ذلك أنه صار "مصدر تفاوت وتسلط‬

‫سياسي وتفوق عسكري وهيمنة اقتصادية وثقافية")‪.(5‬‬

‫‪ -1‬ما هي أهم شروط العلم المنشود؟‬

‫في خضم هذه الرؤية‪ ،‬نشأ لدي وعي أكيد بأن الستمرارية‬

‫السليمة‪ ،‬ل تتحقق في العصر الحديث إل للمم والشعوب التي‬

‫تملك إعلما متوازنا وقويا‪ ،‬وهذا العلم ل يتشكل فجأة‪ ،‬وإنما‬


‫ينبثق من تراكم علمي ومعرفي‪ ،‬يشهد بتجارب وإنجازات‬

‫سابقة مهدت تدريجيا لنشأة هذا العلم القوي وتشكله‪ .‬هكذا‬

‫فإن آفة العالم العربي والسلمي تتحدد في غياب إعلم قوي‪،‬‬

‫يؤدي أكثر من وظيفة حضارية‪ ،‬بدءا بمحو المية‪ ...‬وصول إلى‬

‫الدعوة المنظمة إلى السلم‪ .‬مما فتح الباب أمام الغزو‬

‫العلمي الجنبي‪ ،‬فأصبح العالم السلمي كله حقل تجارب‬

‫لكل من هب ودب‪ ،‬من الشرق أو من الغرب!‬

‫لذلك‪ ،‬ليس أمامنا إل أن نمضي على هذا النحو‪ ،‬ونحن كلنا‬

‫إيمان بأنه لم يبق في أيدينا إل رهان واحد‪ ،‬يمكن أن نبين من‬

‫خلله حقيقة حضارتنا السلمية؛ للذات وللخر‪ ،‬للحاضر‬

‫وللمستقبل‪ ،‬لننا جربنا كل الرهانات من دبلوماسية ومقاطعة‬

‫ومواجهة وتبعية وغير ذلك‪ ،‬غير أننا فشلنا فشل ذريعا! وهذا‬

‫الرهان‪ ،‬هو رهان العلم‪ ،‬لكن ليس أي إعلم!‬

‫ترى بأي إعلم نستطيع أن ننفتح على الخر‪ ،‬فنتمكن من‬

‫إيصال حقيقتنا الدينية والحضارية إليه؟ في واقع المر إن ذلك‬

‫العلم‪ ،‬الذي يمكن وصفه بالقوي والمتوازن‪ ،‬يقتضي جملة‬

‫من الشروط‪ ،‬التي تتحدد أهمها كالتي‪:‬‬

‫• النهج العلمي‪ :‬والمقصود به حضور البعد العلمي في الداء‬

‫العلمي والصحافي‪ ،‬الذي من شأنه أن ينظم المعرفة‬

‫العلمية‪ ،‬مبنى ومعنى‪ ،‬مضمونا وأسلوبا‪ ،‬فيجنبها السقوط‬

‫في السفاف والعشوائية‪ ،‬لسيما وأن أغلب ما ينشر ويبث‬


‫في وسائل العلم يفتقد العلمية والتنظيم والدقة‪ ،‬لذلك فهو‬

‫يندرج في نطاق ذلك الخطاب الخباري أو الدعائي المرحلي‪،‬‬

‫حيث قلما نصادف الصحافة العلمية‪ ،‬ليس فيما يتعلق بجانب‬

‫المحتوى فحسب‪ ،‬وإنما بجانب الداء كذلك‪.‬‬

‫• الحس الموضوعي‪ :‬ويعني طلب الموضوعية باعتبارها‬

‫"دراسة الظواهر كأشياء لها وجودها الواقعي الخارجي‬

‫ومنفصلة عن كل ما هو ذاتي شخصي كالراء المسبقة‬

‫والرغبات والنزعات والهواء الشخصية")‪.(6‬‬

‫فما أحوج إعلمنا العربي والسلمي إلى البتعاد عن العاطفة‬

‫والنفعال‪ ،‬وتجاوز لغة النطباعات إذ أن معظم ما يقدمه‬

‫العلم العربي والسلمي‪ ،‬يظل حبيس دائرة الخصومات‬

‫الشخصية والصراعات اليديولوجية‪ ،‬حقا إن هذه المور يمكن‬

‫أن تشكل مضامين إعلمية ساخنة وجادة‪ ،‬غير أن ذلك يقتضي‬

‫أداء واقعيا خلوا من الراء التنميطية المسبقة والهواء‬

‫الشخصية والسياسية‪.‬‬

‫• تحري المصداقية‪ :‬وكلمة المصداقية مشتقة من الصدق‪،‬‬

‫وهي تعني مطابقة القول للعمل‪ ،‬أي أن ما يقوله النسان وما‬

‫يعد به‪ ،‬ينعكس في أعماله وسلوكاته‪ ،‬وما ينطبق على النسان‬

‫ينطبق كذلك على العلم‪ ،‬الذي يتحتم عليه أن يكون صادقا‬

‫في نقله لقضايا الواقع‪ ،‬غير أنه قلما نجد وسائط إعلم تضع‬

‫في الحسبان جانب الصدق‪ ،‬فثمة من الوسائط من يطوع تلك‬


‫القضايا ويوظفها لغراض إيديولوجية وسياسية‪ ،‬وثمة من‬

‫يروج مغالطات ل أساس لها من الصحة والواقعية‪ ،‬لذلك نشأت‬

‫في أذهان الناس مسلمات تحط من قيمة العلم‪ ،‬ول تحسبه‬

‫إل ناقل للراجيف‪ ،‬ومسوقا للشائعات‪.‬‬

‫• الرؤية المتوازنة‪ :‬ويراد بها أن يشمل العلم جوانب الحياة‬

‫ومجالتها كلها‪ ،‬فل يهتم بمجال معين على حساب مجال آخر‪،‬‬

‫كالرياضة أو السياسة أو الخبار اليومية‪ ،‬كما نجد في أغلب‬

‫وسائل العلم العربي والسلمي‪ ،‬في حين يكاد ينعدم العلم‬

‫التربوي أو التعليمي‪ ،‬ويقل إعلم الطفل‪ ،‬وغيرهما‪ .‬هذا على‬

‫المستوى العام‪ ،‬أما على المستوى الخاص‪ ،‬الذي يعني به‬

‫التوازن الذاتي لكل وسيلة إعلم على حده‪ ،‬سواء أكانت جريدة‬

‫أم إذاعة أم قناة أم موقع رقمي أم غير ذلك‪ ،‬فينبغي أن‬

‫تشمل تلك الرؤية كل حيثيات تلك الوسيلة‪ ،‬من شكل‬

‫ومضمون وأداء وآليات وما إلى ذلك‪.‬‬

‫• بصيرة الستشراف‪ :‬إن العلم ل يقف عند وصف الكائن‬

‫ونقله فحسب‪ ،‬وإنما يضيف إلى ذلك خاصية أساسية وهي‬

‫التوقع بما سوف يحصل‪ ،‬واستشراف الممكن‪ ،‬ول تتأتى هذه‬

‫الخاصية إل لذلك العلم الموجه والمتمكن‪ ،‬الذي يكتسب مع‬

‫مرور اليام وتراكم التجارب‪ ،‬بصيرة استشرافية تستشعر بناء‬

‫على أحداث الواقع ومعطياته‪ ،‬كيف سوف يكون المستقبل‬

‫القريب أو المتوسط‪ ،‬وبنسبة أقل المستقبل البعيد‪.‬‬


‫كيف نفهم مصطلح التنمية؟‬

‫إن القتصاديين يكثرون من استعمال عبارة التنمية‪ ،‬التي‬

‫يقصدون بها رفع مستوى الدخل القومي بزيادة متوسط إنتاج‬

‫الفرد‪ ،‬لكن هذه العبارة لم تبق محصورة في المجال‬

‫القتصادي‪ ،‬بقدر ما نزحت نحو أغلب حقول العلوم والمعارف‬

‫النسانية‪ ،‬فيطلق على أية طريقة تستهدف تحسين وضعية ما‬

‫أو تطويرها‪ ،‬من حالة الرداءة إلى حال الجودة والعطاء تنمية‪،‬‬

‫التي يعبر عنها في المعاجم اللغوية بتكثير الشيء وزيادته؛‬

‫فتنمية النار في إشباع وقودها‪ ،‬وتنمية التجارة في رفع‬

‫أرباحها ورأسمالها‪ ،‬وتنمية الجوار في تطوير العلقات فيما‬

‫بين الدول المجاورة‪ ،‬وهكذا دواليك‪.‬‬

‫وقد تناول د‪ .‬إبراهيم العيسوي قضية التنمية في كتابه‬

‫)التنمية في عالم متغير(‪ ،‬حيث تعرض إلى التطور التاريخي‬

‫لهذا المصطلح‪ ،‬يقول‪" :‬إذا تتبعنا تطور مفاهيم التخلف‬

‫والتنمية‪ ،‬فسوف نجد أنها قد مالت في أول المر إلى التركيز‬

‫على جانب النمو القتصادي وما يتحقق فيه من إنجاز‪ .‬فقد‬

‫كان التعريف الشائع للبلدان النامية منذ أواخر الربعينات حتى‬

‫أواخر الستينات أنها البلدان التي ينخفض فيها مستوى الدخل‬

‫الفردي كثيرا بالقياس إلى مستواه المتحقق في البلدان‬

‫المتقدمة‪ .‬وعرفت التنمية بأنها الزيادة السريعة والمستمرة‬

‫في مستوى الدخل الفردي عبر الزمن"‪ (7).‬إل أنه سوف‬


‫يكتشف بأن هذا المفهوم الذي يختزل التنمية في مجرد النمو‬

‫القتصادي السريع‪ ،‬ضيق وغير صائب‪ ،‬لن ثمة بلدانا نامية‬

‫عديدة‪ ،‬كما يستخلص الباحث‪ ،‬حققت معدلت نمو للدخل‬

‫القومي قريبة من المعدل الذي حدده خبراء التنمية‪ ،‬غير أنها‬

‫بقيت مستويات المعيشة بها متردية‪ ،‬وظلت الكثير من‬

‫قطاعاتها تتخبط في الفقر والجهل والمرض والتخلف‪(8) .‬‬

‫على هذا الساس‪ ،‬فإن مفهوم التنمية سوف يحافظ على‬

‫البعد القتصادي‪ ،‬وفي الوقت ذاته يضيف إليه أبعادا متعددة‪،‬‬

‫وهكذا فإن خبرة الخمسينات والستينات سوف تساعد "على‬

‫صقل المفهوم الوسع للتنمية‪ ،‬بتحجيم دور العنصر القتصادي‬

‫في مفهوم التنمية )أي النمو القتصادي(‪ ،‬وبإبراز دور‬

‫الجوانب المؤسسية والهيكلية والثقافية والسياسية"‪(9).‬‬

‫وتجدر الشارة في هذا الصدد إلى أن المؤرخين لمفهوم‬

‫التنمية يميزون بين ثلث مراحل أساسية مر بها هذا المفهوم‪،‬‬

‫وهي على التوالي‪:‬‬

‫• مرحلة الفكر الرأسمالي‪ :‬وتعتبر فيها الحرية الفردية من‬

‫أهم دعامات النموذج الرأسمالي‪ ،‬الذي يمنح الفرد حرية تكاد‬

‫تكون مطلقة‪ ،‬على حساب الجماعة‪ ،‬وتشمل هذه الحرية‬

‫مختلف ممارسات الحياة وجوانبها‪ ،‬كالدينية والثقافية‬

‫والجتماعية والسياسية والقتصادية‪ ،‬وقد ارتبط ظهور مفهوم‬

‫التنمية في الفكر الرأسمالي بما هو اقتصادي‪ ،‬حيث يتمتع‬


‫الفرد بالحرية في نشاطاته القتصادية‪ ،‬ول تتدخل الدولة فيها‪،‬‬

‫إل بشكل جزئي‪ ،‬عندما يتعلق المر بالضرائب‪ ،‬أو بالحماية‬

‫النسبية من المنافسة‪ .‬وقد سعت العديد من دول العالم‬

‫الثالث‪ ،‬بما فيها المنطقة العربية‪ ،‬إلى استيراد النموذج‬

‫التنموي الرأسمالي‪ ،‬غير أنها لم تفلح في أن تستنبته بشكل‬

‫سليم ومثمر في مجتمعاتها النامية‪ ،‬بقدر ما ظلت تتخبط في‬

‫مأزق التبعية للعالم الرأسمالي‪ ،‬وانتظار معوناته القتصادية‬

‫والفكرية والتكنولوجية‪ ،‬فكانت النتيجة أن فشلت معظم‬

‫مشاريع التنمية المستوردة من الغرب‪(10).‬‬

‫• مرحلة الفكر الشتراكي‪ :‬إن النموذج الماركسي جاء كرد‬

‫فعل على التوجه الرأسمالي الغربي‪ ،‬فسعى حثيثا إلى‬

‫استبدال أغلب مبادئ الرأسمالية ومقولته‪ ،‬برؤى مثالية‬

‫جديدة‪ ،‬وقد انطبق ذلك أيضا على مفهوم التنمية‪ ،‬إذ يذهب‬

‫الشتراكيون التقليديون إلى أن التغيير الواقعي ل يتم إل‬

‫بالتنمية الجتماعية الموجهة‪ ،‬اعتبارا بأن التغيير في الفكر‬

‫الماركسي ل يتأتى إل عن طريق الثورة‪ ،‬والنقلب الجذري‬

‫على المنظومة الجتماعية القديمة‪ ،‬وتعويضه بتركيبة مجتمعية‬

‫جديدة‪ ،‬تتأسس على الجماعة وليس على الفرد‪ ،‬كما في‬

‫النظام الرأسمالي‪.‬‬

‫• التوجه الجديد‪ :‬الذي أصبح فيه النسان أكثر وعيا بأهمية‬

‫المجتمع المدني في تنمية الواقع الذي ينتظم فيه‪ ،‬وقد أدت‬


‫منظمة المم المتحدة دورا مفصليا في نشر هذا النوع من‬

‫الفكر‪ ،‬من خلل مختلف التقارير والمنشورات والمواثيق التي‬

‫تصدرها‪ ،‬ويتحدد مفهوم التنمية لديها في أنها "ليست بالعبء‪،‬‬

‫وإنما هي فرصة فريدة ‪ -‬فهي تتيح‪ ،‬من الناحية القتصادية‪،‬‬

‫إقامة السواق وفتح أبواب العمل؛ ومن الناحية الجتماعية‪،‬‬

‫دمج المهمشين في تيار المجتمع؛ ومن الناحية السياسية‪ ،‬منح‬

‫كل إنسان‪ ،‬رجل ً كان أم امرأة‪ ،‬صوتا ً وقدرة على الختيار‬

‫دي مسار مستقبله"‪(11).‬‬


‫لتح ّ‬

‫وما يسترعي النتباه أن أغلب المنظرين العرب والمسلمين‬

‫لمفهوم التنمية‪ ،‬يقتصرون في ذلك على التفسيرات الغربية‪،‬‬

‫كما أنها هي وحدها الموجودة‪ ،‬وأن النسان لم يتمتع بوعي‬

‫تنموي إل في ظل الحضارة الغربية الحديثة‪ ،‬في حين أن‬

‫الدراسات التاريخية تشير‪ ،‬بشكل أو بآخر‪ ،‬إلى أن مفهوم‬

‫التنمية قديم قدم النسان‪ ،‬وأن أية مجموعة بشرية إل‬

‫وشهدت نوعا من التنمية المادية أو الموضوعية‪ .‬وتجدر‬

‫الشارة في هذا الباب‪ ،‬إلى أن التاريخ السلمي لم يخل من‬

‫البعد التنموي‪ ،‬في مختلف مستوياته‪ ،‬الجتماعية والقتصادية‬

‫والسياسية والعلمية والعسكرية‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬بل وأن المتفحص‬

‫لتعاليم الدين السلمي‪ ،‬يدرك مدى حضور الهاجس التنموي‬

‫في العديد من النصوص القرآنية والحديثية‪ ،‬هذا ناهيك عن‬


‫اجتهادات العلماء‪ ،‬وتأملت الفلسفة‪ ،‬وتوجيهات المربين‪،‬‬

‫وإنجازات الحكام‪.‬‬

‫وقد تناول د‪ .‬إبراهيم العسل هذا الموضوع في كتابه )التنمية‬

‫في السلم(‪ ،‬يقول‪" :‬يقوم التصور السلمي للتنمية على‬

‫أساس أن الله سبحانه وتعالى قد خلق الكون واستخلف‬

‫النسان في الرض ليقوم بعمارتها‪ ،‬وفق منهج الله وشريعته‪،‬‬

‫وقد خلق الله سبحانه وتعالى النسان متميزا عن سائر‬

‫المخلوقات ليكون قادرا على أداء هذه المهمة‪ ،‬وهيأ له بفضله‬

‫وكرمه كل ما يمكنه من أدائها‪ ،‬وأنه على ضوء قيام النسان‬

‫بهذه المهمة يتقرر مصيره ويتحدد مستقبله في الدنيا‬

‫والخرة"‪ (12).‬وقد توقف الباحث عند مجموعة من النصوص‬

‫القرآنية والحاديث النبوية‪ ،‬التي تتضمن إشارات بليغة حول‬

‫مفهوم التنمية‪ ،‬مثل هذه الية الكريمة التي تنبه على عدم‬

‫التبذير‪) ،‬وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ول تبذر‬

‫تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه‬

‫كفورا(‪ (13)،‬فمضمونها الداعي إلى عدم الفراط والسراف‪،‬‬

‫ل يختلف كثيرا كما هو وارد في مواثيق المم المتحدة‪،‬‬

‫وقوانين العديد من الدول‪ ،‬التي تحث على ترشيد النفقات‬

‫وتوجيهها‪ ،‬وعدم تبذير الموارد البيئية والطبيعية خاصة‪ .‬ثم إن‬

‫خاصية التنمية في السلم "ليست عملية إنتاج فحسب‪ ،‬وإنما‬

‫هي عملية كفاية في النتاج مصحوبة بعدالة في التوزيع‪ ،‬وأنها‬


‫ليست عملية مادية فقط‪ ،‬وإنما هي عملية إنسانية تهدف إلى‬

‫تنمية الفرد وتقدمه في المجالين المادي والروحي"‪(14).‬‬

‫أشكال وتجليات العلم المحلي‬

‫غالبا ما يختزل الناس العلم في جملة من الوسائل‬

‫التواصلية‪ ،‬سواء التقليدية كالجرائد والمجلت والملصقات‬

‫والذاعات والتلفاز وغيرها‪ ،‬أم الحديثة كالفضائيات والنترنت‬

‫والهواتف والفاكسات‪ ،‬وما إلى ذلك‪ .‬هكذا فإن فهم الناس‬

‫ينصرف دوما إلى وسائل العلم المستوردة من خارج الواقع‬

‫الذي يعيشون فيه‪ ،‬كأن العلم ما هو إل منتوج أجنبي وافد‬

‫عليهم‪ ،‬وهم يلغون بذلك‪ ،‬بل وعي منهم‪ ،‬العديد من الشكال‬

‫العلمية التي ينتجونها ويتداولونها‪ ،‬إما؛‬

‫• لنهم ل يستوعبون المفهوم الحقيقي لمصطلح العلم‪،‬‬

‫ووسائل التصال‪.‬‬

‫• أو لنهم يرون في بعض الشكال العلمية السائدة في‬

‫واقعهم‪ ،‬أدوات ل ترقى لن تشكل وسائل إعلمية مرضية‬

‫ومقبولة‪.‬‬

‫• أو لنهم ينبهرون بالوسائل العلمية الجنبية‪ ،‬مما يدفعهم‬

‫إلى تبنيها‪ ،‬واستبدال وسائلهم التقليدية بها‪.‬‬

‫من هذا المنطلق‪ ،‬ينبغي تصحيح هذه الرؤية المغلوطة‪،‬‬

‫والقبال على الشكال العلمية المتنوعة التي ينطوي عليها‬

‫واقعنا‪ ،‬وتتضمنها ثقافتنا المغربية والمازيغية‪ ،‬لن العلم‬


‫الحقيقي والجاد ل يكون كذلك إل إذا كان نابعا من البيئة التي‬

‫يوجد فيها‪ ،‬أما إذا تم استيراده من الخارج‪ ،‬وقمنا بإسقاطه‬

‫على مجالنا التداولي‪ ،‬فإن ذلك سوف ينتج عنه ل محالة إعلم‬

‫مفصول عن الواقع‪ ،‬ل يعبر عن هموم الناس وانشغالتهم‪.‬‬

‫وبالنظر إلى واقعنا المحلي‪ ،‬يمكن تحديد أهم مكوناته‬

‫العلمية من خلل الشكال التواصلية التية‪:‬‬

‫• أبراح‪/‬المنادي‪ :‬وعادة ما يستعمل صوته أو آلة معينة ليصال‬

‫صوته‪ ،‬كالبوق مثل‪ ،‬وتتعدد مظاهره حسب الرسائل الخبارية‬

‫والفكرية التي يسعى إلى إيصالها‪ ،‬كأن تكون رسالة تجارية‪،‬‬

‫كما هو حال البائعين في السواق‪ ،‬أو رسالة ترفيهية‪ ،‬كما هو‬

‫الشأن بالنسبة إلى )الحليقيين( في السواق‪ ،‬أو رسالة دينية‪،‬‬

‫وخير تعبير على ذلك هو صوت المؤذن الذي يدعو الناس إلى‬

‫إقامة شعيرة الصلة‪ ،‬أو رسالة ثقافية وأدبية‪ ،‬كما هو الحال‬

‫بالنسبة إلى الشاعر المازيغي )أمذياز(‪ ،‬الذي يتنقل عبر‬

‫المداشر والقبائل ليلقي أشعاره على الناس‪ ،‬وغير ذلك من‬

‫الرسائل‪.‬‬

‫• الملصقات‪ :‬وهي تتضمن مختلف العلنات الخبارية‪ ،‬التي‬

‫تعلم بنشاط أو تظاهرة معينة‪ ،‬وعادة ما تستعمل هذه اللية‬

‫في واقعنا‪ ،‬من قبل المؤسسات التعليمية والجمعيات الثقافية‬

‫والرياضية‪ .‬بالضافة إلى إشارات المرور‪ ،‬ولوحات المحلت‬


‫التجارية ومختلف المؤسسات‪ ،‬التي تكون ملونة‪ ،‬أو مضاءة‪ ،‬أو‬

‫متحركة‪.‬‬

‫• المنشورات والدلة‪ :‬وهي شكل تواصلي مفضل لدى‬

‫المؤسسات البنكية ووكالت السفار والتأمين والتصال‪،‬‬

‫أصبحت في متناول كل مواطن‪ ،‬فهي معروضة في أغلب هذه‬

‫المؤسسات‪.‬‬

‫• المنابر الورقية‪ :‬كالجرائد والمجلت والكتب‪ ،‬وهي على‬

‫المستوى المحلي شحيحة نوعا ما‪ ،‬غير أنه بدأ يظهر البعض‬

‫منها في الونة الخيرة‪.‬‬

‫• المنابر الرقمية‪ :‬من مواقع إلكترونية إخبارية ومدونات‬

‫ومنتديات‪ ،‬وغيرها كثير‪ ،‬وقد أدى هذا الشكل دورا كبيرا في‬

‫تفعيل العلم المحلي‪ ،‬والكشف عن كثير من القضايا التي‬

‫كانت مطوية‪ ،‬والتعريف بالواقع المحلي بدون حواجز مادية أو‬

‫رقابية‪.‬‬

‫• العلم المدرسي‪ :‬ويتمثل في مختلف النشطة التربوية‬

‫التي تقوم بها المؤسسات التعليمية المحلية‪ ،‬كالمسابقات‬

‫والمسيات الثقافية والمسرحيات والجتماعات‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬

‫• العلم الشعبوي‪ :‬ويتجلى من خلل مختلف السلوكات‬

‫التواصلية اليومية‪ ،‬كالمحادثات العادية‪ ،‬ومحادثات الغيبة‬

‫والنميمة‪ ،‬والتجمعات الشعبية‪ ،‬والتظاهرات الرياضية‪،‬‬


‫والحتفالت‪ ،‬والجنائز‪ ،‬والعراس‪ ،‬والشعائر الدينية‪ ،‬وغير‬

‫ذلك‪.‬‬

‫بناءً على هذه الشكال التواصلية التي يزخر بها الواقع‪ ،‬تتعين‬

‫أهم مصادر العلم المحلي‪ ،‬التي يمكن للصحافيين‬

‫والعلميين المحليين العتماد عليها‪ ،‬فيما يأتي‪:‬‬

‫• الجمعيات بمختلف أنواعها )ثقافية‪ ،‬رياضية‪ ،‬تنموية‪،‬‬

‫فلحية‪.(...‬‬

‫• المؤسسات التعليمية العمومية والخصوصية‪.‬‬

‫• المساجد ودور العبادة‪.‬‬

‫• مؤسسات الدولة )الجماعات‪ ،‬القيادات‪ ،‬الدوائر‪ ،‬المندوبيات‪،‬‬

‫الدرك‪ ،‬المن‪ ،‬المراكز الصحية‪.(...‬‬

‫• الوكالت التجارية والخدماتية والمالية )أبناك‪ ،‬أسفار‪ ،‬بريد‪،‬‬

‫اتصالت‪ ،‬وكالت عمومية‪ ،‬تأمينات‪.(...‬‬

‫• دور الشباب والثقافة )ملعب‪ ،‬نوادي‪ ،‬مقاهي النترنت‪،‬‬

‫مكتبات‪.(...‬‬

‫• المواقع الرقمية والمنتديات والمدونات‪.‬‬

‫• المقاهي العامة والسواق والحمامات‪...‬‬

‫كيف يساهم العلم التنموي في تنمية الواقع؟‬

‫يعتبر العلم التنموي أرقى مستوى بلغه العلم في تطوره‬

‫التاريخي‪ ،‬الذي مر فيه بمراحل متعددة‪ ،‬وتسلق مستويات‬

‫مختلفة‪ ،‬تتنوع بتنوع سواء الحقول المعرفية التي يشتغل‬


‫عليها العلم‪ ،‬أم التوجهات الفكرية واليديولوجية التي تهيمن‬

‫على الممارسة العلمية‪ ،‬وتجدر الشارة إلى أن تلك‬

‫المستويات تتحدد حسب البعاد التي يتخذها العلم‪،‬‬

‫كاليديولوجي‪ ،‬والوصفي‪ ،‬والجتماعي‪ ،‬والديني‪ ،‬والتربوي‪،‬‬

‫والقتصادي‪ ،‬وهلم جرا‪.‬‬

‫ول يعني هذا أن هذه المستويات كلها ما عادت تجدي‪ ،‬وإنما‬

‫تحضر بشكل لفت في المعادلة العلمية المعاصرة‪ ،‬غير أنها‬

‫طورت أكثر من قدراتها ومنهجياتها ومقاصدها‪ ،‬لتواكب البعد‬

‫التنموي للعلم‪ ،‬فتنخرط كلها في عملية التنمية التي يشهدها‬

‫الواقع‪ .‬ويعود الفضل تاريخيا في نشأة هذا النوع من العلم‪،‬‬

‫إلى الباحث ويليبر شرام الذي ألف كتابا في وسائل العلم‬

‫والتنمية‪ ،‬وهو يرى أن العلم التنموي فرع أساسي ومهم من‬

‫فروع النشاط العلمي‪" ،‬وهو قادر على إحداث التحول‬

‫الجتماعي والتغيير والتطوير والتحديث‪ ،‬يتم فيه وضع‬

‫النشاطات المختلفة لوسائل العلم في سبيل خدمة قضايا‬

‫المجتمع وأهدافه العامة أو بمعنى آخر هو العملية التي يمكن‬

‫من خللها توجيه أجهزة العلم ووسائل التصال الجماهيري‬

‫داخل المجتمع بما يتفق مع أهداف الحركة التنموية ومصلحة‬

‫المجتمع العليا"‪(15) .‬‬

‫كما أنه أومأ في هذا الكتاب الطلئعي‪ ،‬إلى أهم الدوار التي‬

‫تؤديها وسائل العلم‪ ،‬كأن "توسع من آفاق الناس‪ ،‬ويمكنها‬


‫أن تلعب دور الرقيب‪ ،‬ويمكنها أن تشد النتباه إلى قضايا‬

‫محددة‪ ،‬وكذلك يمكن أن ترفع طموحات الناس‪ ،‬ويمكنها أن‬

‫تصنع مناخا ملئما للتنمية‪ ،‬ول يخفى في النهاية‪ ،‬ما لوسائل‬

‫العلم من مهمات تعليمية ودور في صناعة القرارات"‪(16).‬‬

‫هكذا تتضح أهمية العلم التنموي في حياة النسان المعاصر‪،‬‬

‫وتتحدد أهم ملمح هذا العلم‪ ،‬وهي ملمح أساسية فيه‬

‫بإجماع العديد من الكاديميين والباحثين والمتخصصين في‬

‫علوم العلم‪ ،‬كالتي‪:‬‬

‫• العلم التنموي تجاوز الساليب التقليدية المتمثلة في نقل‬

‫المعلومة فقط‪ ،‬إلى المشاركة الفعالة في كافة خطط‬

‫التنمية‪ ،‬وتتبع سيرها من خلل مختلف النشطة والشكال‬

‫العلمية‪.‬‬

‫• يظهر دور العلم التنموي بجلء أثناء تعرض الواقع إلى‬

‫أزمات وحالت طوارئ مفاجئة‪ ،‬من خلل اعتماد العلم على‬

‫استفزاز الواقع اليومي وخلق جو من اللفة والتفاعل مع‬

‫الضحايا والمتضررين‪.‬‬

‫• يساهم العلم التنموي في تلقين الناس المهارات‬

‫والساليب اللزمة التي تقتضيها عملية التحديث والتطور‪،‬‬

‫لسيما الجرأة وانتقاد المسئولين وعدم الخوف منهم‪.‬‬

‫• يشارك العلم التنموي في تنمية المجتمع المباشرة من‬

‫خلل شتى النشطة والسهامات‪ ،‬كمحو المية الهجائية‪،‬‬


‫وتنظيم الدورات التكوينية‪ ،‬والتثقيف النسائي‪ ،‬والتربية‪ ،‬وغير‬

‫ذلك‪.‬‬

‫• كلما كان العلم التنموي متطورا في أدائه ووسائله‪ ،‬كلما‬

‫أثر ذلك أكثر في الواقع‪ ،‬فالدراسات تجمع على أن ثمة‬

‫ارتباطا وثيقا بين النمو القتصادي ونمو وسائل العلم‪.‬‬

‫• وفيما يتعلق بتوظيف وسائل العلم في التنمية المحلية‬

‫ينبغي؛‬

‫‪ .1‬أن ترتبط تلك الوسائل بالبيئة المحلية وثقافة المنطقة‪.‬‬

‫‪ .2‬التنسيق الشمولي مع مختلف المؤسسات‪ ،‬سواء أكانت‬

‫رسمية‪ ،‬أم مدنية‪.‬‬

‫‪ .3‬أن يكون المشرفون على تلك الوسائل العلمية في‬

‫الغالب العم من أبناء المنطقة‪ ،‬يستوعبون مشاكل الناس‬

‫وحاجياتهم‪.‬‬

‫بناء على ما سبق ذكره‪ ،‬وارتباطا بواقعنا المحلي‪ ،‬نخلص إلى‬

‫المحصلت التية‪:‬‬

‫• أول‪ :‬التنمية هي مسؤولية الجميع‪ ،‬سلطات ومواطنين‪،‬‬

‫مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني‪ ،‬لذلك ينبغي‬

‫تغيير تلك النظرة التقليدية التي كانت تربط كل شيء بالدولة‪.‬‬

‫• ثانيا‪ :‬آن الوان لتجاوز مرحلة العلم التنميطي الوصفي‪،‬‬

‫المبني على المعارضة من أجل المعارضة‪ ،‬كما كان سائدا في‬

‫الماضي‪ ،‬إذ ظل العلم مرهونا بما هو سياسي وأيديولوجي‬


‫وحزبي‪ ،‬متأثرا به‪ ،‬والن أصبح العلم هو الذي يؤثر فيما هو‬

‫سياسي‪ ،‬فهو ليس السلطة الرابعة كما كان سائدا في‬

‫الدبيات التقليدية‪ ،‬وإنما السلطة الولى!‬

‫• ثالثا‪ :‬النتقال من مرحلة الدعاية والتعبئة والخطابات‬

‫اليديولوجية‪ ،‬إلى مرحلة النتاجية‪ ،‬من خلل جمعيات المجتمع‬

‫المدني التنموية‪ ،‬ويؤدي العلم دورا محوريا في هذه التنمية‪،‬‬

‫باعتباره ليس محفزا فحسب‪ ،‬وإنما محفز وموجه وطرف‬

‫أساس في صناعة هذه التنمية‪.‬‬

‫هكذا ينبغي أن تشكل هذه العناصر الثلثة موجهات أساسية‬

‫لعلمنا التنموي المحلي‪ ،‬حتى ينخرط في تطوير واقعنا‬

‫المتردي‪ ،‬ويسهم بقسط وافر في التنمية المحلية‪ ،‬التي‬

‫تسعى حثيثا إلى تحقيقها كل مكونات المجتمع وأطيافه‪.‬‬

‫توجيهات أساسية للكفاءات العلمية المحلية‬

‫أود أن أضع في هذا المبحث بعض التوجيهات الساسية‪ ،‬التي‬

‫ينبغي لكل إعلمي أو صحافي محلي أن يستحضرها في‬

‫ممارسته العلمية اليومية‪ ،‬سواء في الفضاءات العامة‪،‬‬

‫كالشوارع والملعب والمقاهي‪ ،‬أم في المؤسسات الرسمية‪،‬‬

‫أم في جمعيات المجتمع المدني‪ ،‬أم في غيرها من‬

‫المؤسسات العمومية والخصوصية‪ ،‬أم عبر مختلف وسائل‬

‫العلم الورقية والرقمية‪.‬‬

‫النزول إلى الواقع وتوعية العامة‬


‫والمقصود بذلك الشعور والكتواء بهموم الناس‪ ،‬قبل الكتابة‬

‫عنها‪ ،‬إذ ل يقتصر العلم على وصف تلك الهموم فحسب‪،‬‬

‫وإنما يبحث في أسبابها وعواملها الخفية‪ ،‬ل ليواسي الناس‬

‫ويرثي حالهم‪ ،‬بل ليكون طرفا مهما في حل مشاكلهم‪،‬‬

‫والجابة عن أسئلتهم الشكالية والمستغلقة‪ ،‬ففي الغرب‬

‫على سبيل المثال‪ ،‬توجد مكاتب ومؤسسات تتخصص في هذا‬

‫المجال‪ ،‬وتقدم لها الميزانيات الهائلة للبحث في مشاكل‬

‫الناس ومعالجتها‪ ،‬وتقديم التوعية الكافية حول كيفية تجنبها‪،‬‬

‫أو كيفية التعامل معها‪.‬‬

‫نموذج ظاهرة الطلق‪ :‬يقوم العلم المحلي )الصحافة‬

‫المكتوبة‪ ،‬الصحافة الرقمية‪ ،‬العلم المدرسي‪ ،‬الجمعيات‪(...‬‬

‫بتناول ظاهرة الطلق داخل المجتمع‪ ،‬بالستناد إلى الحالت‬

‫المطروحة على المحكمة‪ ،‬والحصاءات المتوفرة لدى المصالح‬

‫القضائية المختصة‪ ،‬إضافة إلى تصريحات الطراف المعنية‬

‫)أصحاب الدعاوى‪ ،‬الضحايا‪ ،‬القضاة‪ ،‬المحامون‪ ،(...‬ثم بعد ذلك‬

‫يقوم العلم بدراسة موضوعية لهذه الظاهرة‪ ،‬والتنقيب عن‬

‫أسبابها الخفية والمعلنة‪ ،‬وعواقبها على الطفال وعلى‬

‫المجتمع‪ ،‬ثم يطرح مجموعة من الحلول الممكنة‪ ،‬ويدعو إلى‬

‫ثقافة الصلح‪ ،‬وتوعية الرأي العام بذلك‪ ،‬بإشراك بعض‬

‫الجمعيات والمصالح النسوية التي تمت بصلة ما إلى هذا‬

‫الشكال‪ ،‬على أن تكون طرفا مباشرا وأساسا في هذا‬


‫الصلح‪ ،‬دون إغفال دور الئمة في هذا المجال‪ ،‬بحيث يلتمس‬

‫منهم هذا العلم التنموي التكثيف من خطبهم ومواعظهم في‬

‫هذا الصدد‪ .‬وينطبق هذا كذلك على العديد من المعضلت‬

‫الجتماعية‪ ،‬كالعنف المنزلي‪ ،‬واستغلل الطفال‪ ،‬والهدر‬

‫المدرسي‪ ،‬والتسول‪ ،‬وتعاطي المخدرات‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬

‫البحث عن أسباب الخلل في الواقع‬

‫كما هو معلوم ل يخلو أي مجتمع من نقص ما أو خلل في‬

‫تركيبته البنيوية‪ ،‬أو التسييرية‪ ،‬أو غيرهما‪ ،‬لذلك فوظيفة‬

‫العلم التنموي هي البحث الحثيث عن مكامن الخلل الذي‬

‫يعتريه‪ ،‬سواء في بعده البيئي‪ ،‬أم التعليمي‪ ،‬أم الجتماعي‪ ،‬أم‬

‫الثقافي‪ ،‬أم التنظيمي‪ ،‬وما إلى ذلك‪ ،‬فل يكتفي العلم‬

‫بوصف المشكلة‪ ،‬وإنما مدعو إلى التنقيب في العوامل المؤدية‬

‫إليها‪ ،‬ثم تقديم الحلول الناجعة والممكنة لها‪.‬‬

‫نموذج عدم اشتغال المصابيح الكهربائية في شارع معين‪:‬‬

‫ففي هذه الحالة ل يكون دور العلم هو توصيف هذا العطب‪،‬‬

‫والكتابة عنه بأسلوب الفضح‪ ،‬كما كان سائدا في صحافة‬

‫المعارضة التقليدية‪ ،‬التي ربتنا على المعارضة من أجل‬

‫المعارضة‪ ،‬وإنما يقتضي المقام من الصحافي والعلمي أن‬

‫يحيط وصفا بهذه الحالة‪ ،‬وبشكل دقيق وموضوعي‪ ،‬بالكلمة‬

‫والصورة‪ ،‬ثم يتوجه إلى الجهات المسئولة والمعنية )مجلس‬

‫بلدي‪ ،‬سلطات‪ ،‬شركة كهرباء‪ ،‬مواطنون‪ ،(...‬ويسألها حول هذا‬


‫المشكل بأسلوب موضوعي مبني على الحوار البناء‪ ،‬ليكون‬

‫طرفا مهما في تسوية ذلك الخلل‪ ،‬فهو بذلك السلوب يحث‬

‫الجهات المسئولة على خدمة المجتمع‪ ،‬أما أنه إذا ما سارع إلى‬

‫نشر ذلك الخبر دون التحقق منه ومساءلة الجهات المعنية‪،‬‬

‫فإنه ل يخدم المجتمع في شيء‪ ،‬بقدر ما يعرقل مشروع‬

‫التنمية‪ ،‬بزرع الصراع بين العلم والدولة‪ ،‬بين المثقفين‬

‫والمسئولين‪ ،‬بين المواطنين والسلطات‪ ،‬كما أن أي مغالطة‬

‫أو مزايدة تعتري ذلك الخبر‪ ،‬قد تجعل المسئولين يضيقون‬

‫الخناق على العلميين‪ ،‬بل ويعتقلونهم باسم القانون! ثم إن‬

‫العلمي عندما يتوجه إلى الجهات المعنية‪ ،‬عليه أن ل يتعامل‬

‫معها بأسلوب انفعالي واحتجاجي‪ ،‬وإنما بأسلوب لبق‬

‫وتعاوني‪ ،‬إذا ما أراد أن يقدم إعلما تنمويا‪ ،‬يشارك من خلله‬

‫في تنمية واقعه وتطويره‪.‬‬

‫الحضور المستمر للعلم‬

‫ويتم هذا الحضور في مختلف النشطة المقررة التي تقوم بها‬

‫مصالح السلطة المحلية وهيئات المجتمع المدني‪ ،‬بل وعلى‬

‫العلم أن يكون طرفا مهما في تلك النشطة‪ ،‬ليس لتغطية‬

‫الحدث فحسب‪ ،‬وإنما لمساءلة الجهات المعنية‪ ،‬وتقديم‬

‫الملحظات الجادة‪ ،‬على هذا الساس على منظمي تلك‬

‫النشطة أن يخبروا وسائل العلم المحلية بذلك‪ ،‬في مقابل‬

‫ذلك‪ ،‬يتوجب على العلميين المحليين النفتاح على مكونات‬


‫الدولة وهيئات المجتمع المدني‪ ،‬بأسلوب جاد‪ ،‬يرتكز على‬

‫التعاون والتفاعل والصغاء والنقد البناء‪.‬‬

‫نموذج الجتماع الدوري للمجلس البلدي‪ :‬إذ يتحتم على‬

‫المجلس البلدي أن يخبر بذلك الحدث وسائل العلم المحلية‪،‬‬

‫دون تمييز أو استثناء‪ ،‬بل ويستدعيها لحضور الجتماع‪ ،‬كما‬

‫على وسائل العلم أن ل تؤدي دور الند والفاضح‪ ،‬ول تمارس‬

‫النقد المعارض والهدام‪ ،‬وإنما أن تصغي بتمعن‪ ،‬وتطرح‬

‫السئلة العميقة والجادة‪ ،‬وتغطي الحدث بشكل موضوعي‬

‫ودقيق وبعيد عن المغالطات والمزايدات والنفعالت‪ .‬فرب‬

‫سؤال وجيه يطرحه إعلمي ناشئ على أعضاء المجلس‬

‫البلدي‪ ،‬قد يكون سبب لمشروع متميز وناجح‪ ،‬خير من ألف‬

‫مقترح أو خطة عمل يطرحها المجتمعون كلهم!‬

‫أهمية العلم التربوي‬

‫يعد العلم المدرسي والتربوي مكونا رئيسا في العلم‬

‫التنموي‪ ،‬وهو ل يعني فقط المجلت الورقية والحائطية التي‬

‫تصدرها المؤسسة التعليمية‪ ،‬ول المواقع الرقمية الخاصة‬

‫بالطفال‪ ،‬ول الرسائل الخبارية الموجهة إلى الباء والمهات‪،‬‬

‫وإنما هو أكبر من ذلك كله‪ ،‬إنه التوعية المتدرجة للطفل‬

‫بقيمة العلم في حياته‪ ،‬فالوعي هو أس التربية‪ ،‬أما المعارف‬

‫والمعلومات فيلتقطها الطفل ويستوعبها بالتكرار والحفظ‪،‬‬

‫أما الخبرات واستخدام الدوات فيكتسبها بالممارسة والتمرن‪.‬‬


‫ويساهم العلم )إلى جانب المعلم‪ ،‬البيت‪ ،‬المحيط‪ ،(...‬بقسط‬

‫وافر في زرع ذلك الوعي وتشكيله‪ ،‬وتظل الشاشة‪ ،‬في يوم‬

‫الناس هذا‪ ،‬أهم وسيلة ينجذب إليها الطفل؛ تقدم له الصورة‬

‫والحركة والكلمة والغنية واللعبة والتسلية‪ ...‬غير أنها تحرمه‬

‫من أهم شيء‪ ،‬وهو الحنان والدفء السروي‪ ،‬الذي كانت‬

‫تقدمه الوسيلة العلمية التقليدية له‪ ،‬والتي هي الجدة‪ ،‬التي‬

‫كانت بمثابة الشاشة؛ تحضن أحفادها بدفء‪ ،‬وتشرع في‬

‫تلقينهم تجارب الحياة ومعارفها‪ ،‬لكنه باجتياح الشاشة لواقعنا‬

‫المحلي‪ ،‬تم إقصاء الجدة وعزلها‪ ،‬وأصبح أطفالنا مدمنين على‬

‫الصورة والشاشة‪ ،‬التي زرعت فيهم سلوكات غير سوية‪،‬‬

‫كالنعزال‪ ،‬والعنف‪ ،‬والنانية‪ ،‬وعدم التركيز‪ ،‬وغير ذلك‪ .‬وهذا ل‬

‫يعني أن هذا المعطى العلمي‪/‬الشاشة ذو تأثير سلبي على‬

‫الطفل‪ ،‬فوجوده اليوم صار أمرا لزما‪ ،‬ل يمكن الستغناء عنه‪،‬‬

‫لوظائفه المتعددة‪ ،‬كالتعليم والخبار والترفيه‪ ،‬وما إلى ذلك‪،‬‬

‫إل أن إفراط الطفل في القبال عليه‪ ،‬قد تترتب عنه نتائج‬

‫عكسية‪ ،‬لذلك ينبغي أن تكون علقة الطفل بالشاشة موجهة‬

‫ومراقبة‪" .‬وعلى الرغم من دور التلفزيون في النمو‬

‫الجتماعي والثقافي للطفل‪ ،‬فإنه قد يؤدي إلى نتيجة عكسية‬

‫وينمي لدى الطفل شخصية ضعيفة منفصلة عن مجتمعها إذا‬

‫ما ركز على عرض قيم وثقافات أخرى تؤثر على ذاتية الطفل‬

‫الجتماعية والثقافية"‪(17).‬‬
‫على هذا الساس‪ ،‬يتحتم على المدرسة أن تؤدي دورا رياديا‬

‫في توعية الطفل بقيمة العلم‪ ،‬ليس نظريا فحسب‪ ،‬وإنما‬

‫ميدانيا كذلك‪ ،‬عبر إشراكه في مختلف الممارسات العلمية‪،‬‬

‫عن طريق تنظيم ورشات إعلمية‪ ،‬تتضمن مجلت وجرائد‬

‫ورقية ورقمية‪ ،‬مسرحيات‪ ،‬إذاعة الطفل‪ ،‬رسم كاريكاتوري‪،‬‬

‫معرض الصور الفوتوغرافية‪ ،‬إعلميات‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫رقمنة العلم المحلي‬

‫ويقصد بهذه الرقمنة تأهيل الشكال العلمية المحلية لتواكب‬

‫التحولت الجديدة‪ ،‬التي أحدثتها الثورة الرقمية في وسائل‬

‫نقل المعلومة والتواصل والعلن وتبادل الخبرات والنفتاح‬

‫على التجارب الوطنية والدولية‪ ،‬ويتوجب على مختلف‬

‫المؤسسات العمومية والخصوصية‪ ،‬من مصالح الدولة‪،‬‬

‫ومكونات المجتمع المدني‪ ،‬ومؤسسات التعليم‪ ،‬وأبناك‪،‬‬

‫وشركات‪ ...‬أن تخوض هذه التجربة‪ ،‬التي أصبحت من‬

‫مستلزمات المرحلة الراهنة‪ .‬لسيما وأن ذلك أصبح ل يتطلب‬

‫إمكانات مادية هائلة‪ ،‬إذ أنه يمكن أن تكتفي في البداية بتجربة‬

‫المدونات والمنتديات المجانية‪ ،‬فتعرف بمكونات المجتمع‬

‫المحلي‪ ،‬على مختلف مستوياته‪.‬‬

‫إن حضور واقعنا المحلي على صعيد الشبكة العنكبوتية يظل‬

‫محتشما وخجول‪ ،‬ول يمثل بتاتا القيمة البشرية والعمرانية‬

‫والمؤسسية والثقافية للمنطقة‪ ،‬التي يقطنها عشرات اللف‬


‫من الناس‪ ،‬وتتضمن مختلف المؤسسات الحكومية والتعليمية‬

‫والجمعوية والبنكية والدينية والرياضية والخدماتية‪ ،‬وغير ذلك‪،‬‬

‫ومقبلة على تحديات هائلة‪ ،‬ول تملك إل بضعة مواقع إلكترونية‬

‫هزيلة معدودة على أصابع اليد الواحدة!‬

‫إن التركيز على المكون الرقمي في تنمية الواقع‪ ،‬أصبح أمرا‬

‫لزما ينبغي للجميع‪ ،‬سلطة ومنتخبين ومجتمعا مدنيا‬

‫ومواطنين‪ ،‬التفكير فيه بجدية واستراتيجية وبعد نظر‪ ،‬لن‬

‫النترنت أصبح الوسيلة الهم للتواصل السريع والبليغ‪،‬‬

‫خصوصا وأنه اكتسح أغلب البيوت‪ ،‬فأصبح في متناول المرأة‬

‫والطفل والمثقف‪ ...‬والجميع‪.‬‬

‫لذلك كله‪ ،‬أكرر الدعوة إلى استثمار هذا المكون‪ ،‬والشروع في‬

‫الرقمنة التدريجية لمختلف مؤسسات المجتمع‪ ،‬لنه من خلل‬

‫هذه الوسيلة تتحقق العديد من المكاسب‪ ،‬كالتواصل‪،‬‬

‫والتثقيف‪ ،‬والتعريف‪ ،‬وتبادل الخبرات‪ ،‬وهكذا دواليك‪.‬‬

‫دعم العلم المحلي‬

‫بناء على ما سلف‪ ،‬إن مطلب الرقمنة يتأتى‪ ،‬إما بشكل فوري‬

‫عن طريق استثمار بعض المكانات الرقمية المجانية المتاحة‪،‬‬

‫وهذا حل آني ومؤقت‪ ،‬وإما بشكل منهجي ومخطط‪ ،‬ويقتضي‬

‫المزيد من الجهد والتضحية‪ ،‬لذلك فالحاجة إلى دعمه خصوصا‬

‫المادي واردة‪ ،‬حتى يتحقق النهوض بالعلم المحلي‪ ،‬ونقدم‬

‫أنموذجا متميزا على صعيد المنطقة التي ننتمي إليها‪ .‬ثم إن‬
‫أغلب العلميين والصحافيين الشباب المحليين‪ ،‬الذي‬

‫يتجشمون هذا العبء الثقيل‪ ،‬ل يعملون‪ ،‬أو أنهم يمارسون‬

‫مهنا بعيدة كل البعد عن ميدان العلم‪ ،‬أو أن دخلهم ل يسمح‬

‫لهم بالسهام المادي في تأهيل العلم المحلي وتطويره‪،‬‬

‫فهم في مسيس الحاجة إلى مختلف الدوات التي تساعدهم‬

‫على أداء خدمتهم العلمية التطوعية‪ ،‬كالكتب والجرائد‬

‫والكاميرات والبطاريات وتعويضات النقل‪ ،‬وغيرها‪ ،‬ولم ل في‬

‫المستقبل تعويضات على الخدمات العلمية التي يقدمونها‪.‬‬

‫ول يتحقق هذا الدعم إل بواسطة تضافر جهود مختلف‬

‫المكونات التي يتشكل منها واقعنا المحلي‪ ،‬مثل‪:‬‬

‫• مساهمة الجماعات الحضرية والقروية‪ :‬وذلك عندما تتحقق‬

‫لها الموارد المادية الكافية‪ ،‬أو أنها توجه بعض الموارد‬

‫المخصصة للمجتمع المدني في هذا المضمار‪ ،‬وتفرض على‬

‫المستفيدين منها رقمنة أنشطتهم وإسهاماتهم‪ ،‬إذ ينبغي لكل‬

‫جهة تتلقى الدعم أن تفتح واجهة إلكترونية خاصة بها‪ ،‬وتخدم‬

‫من خللها الواقع المحلي‪.‬‬

‫• مساهمة المؤسسات البنكية والوكالت الخدماتية‪ :‬إذ تساهم‬

‫هذه الجهة في تمويل وسائل العلم المحلية‪ ،‬وتقديم يد‬

‫العون إلى الصحافيين والعلميين‪ ،‬في شكل تعويضات مادية‬

‫مقابل خدمة الشهار مثل‪.‬‬


‫• مساهمة المحسنين‪ :‬إذ يلحظ أن هذه الفئة غالبا ما تساهم‬

‫فيما هو ديني محض فحسب‪ ،‬فقد آن الوان لتغيير هذه‬

‫العقلية‪ ،‬وتوزيع مساعداتهم المادية بشكل شمولي‪ ،‬يشمل ما‬

‫هو ثقافي واجتماعي وإعلمي‪ ،‬فالمجتمع ل يصلح فقط‬

‫بالخطب والوعظ‪ ،‬وإنما بالخدمات التي يقدمها المجتمع‬

‫المدني عامة كذلك‪ ،‬كالتوعية‪ ،‬والتعليم‪ ،‬والحملت البيئية‬

‫والصحية‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬

‫* باحث مغربي مقيم بهولندا‬

‫‪.................................................‬‬

‫الهوامش‪:‬‬

‫‪ 1‬لقد تناول العديد من الدارسين قضية العلم‪ ،‬فحاولوا‬

‫تحديد مفهوم مصطلح العلم‪ ،‬وإليكم بعض التعريفات التي‬

‫تسنى لنا الطلع عليها‪ :‬يقول د‪ .‬جمال العطيفي أن العلم‬

‫هو "إحاطة الرأي العام علما بما يجري من أمور وحوادث سواء‬

‫في الشؤون الداخلية‪ ،‬أم في الخارجية"‪ ،‬يرى د‪ .‬إبراهيم إمام‬

‫أن العلم هو "نشر الخبار والمعلومات والراء على‬

‫الجماهير"‪ ،‬ويرى د‪ .‬د‪ .‬يوسف قاسم أن العلم هو "تزويد‬

‫الناس بالخبار الصادقة والمعلومات الصحيحة والحقائق الثابتة‬

‫التي تساعد الناس على تكوين رأي صائب في واقعة معينة"‪،‬‬

‫ينظر كتاب‪ :‬مسئولية العلم السلمي في ظل النظام‬


‫العالمي الجديد‪ ،‬د‪ .‬رشدي شحاتة أبو زيد‪ ،‬دار الفكر العربي –‬

‫القاهرة‪ ،‬ط ‪1/1419‬هـ ‪1999 -‬م‪ ،‬ص ‪22‬‬

‫‪ 2‬المتلعبون بالعقول‪ ،‬هربرت أ‪ .‬شيللر‪ ،‬ترجمة عبد السلم‬

‫رضوان‪ ،‬الصدار الثاني‪ ،‬عالم المعرفة‪/243 ،‬ذو القعدة ‪1419‬‬

‫– مارس ‪ ،1999‬المجلس الوطني للثقافة والفنون والدب –‬

‫الكويت‪ ،‬ص ‪7‬‬

‫‪ 3‬السيطرة على العلم‪ ،‬نعوم تشومسكي‪ ،‬ترجمة أميمة عبد‬

‫اللطيف‪ ،‬اتصالت سبو‪ ،‬ط ‪ ،1/2005‬ص ‪15‬‬

‫‪ 4‬الحرب الحضارية الولى‪ ،‬المهدي المنجرة‪ ،‬المركز الثقافي‬

‫العربي‪ ،‬ط ‪ ،8/2005‬ص ‪388‬‬

‫‪ 5‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪389‬‬

‫‪ 6‬معجم المصطلحات الحديثة‪ ،‬د‪ .‬سمير سعيد حجازي‪ ،‬دار‬

‫الكتب العلمية بيروت‪ ،‬ط ‪ ،1/2005‬ص ‪263‬‬

‫‪ 7‬التنمية في عالم متغير‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم العيسوي‪ ،‬ص ‪13‬‬

‫‪ 8‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪14‬‬

‫‪ 9‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪17‬‬

‫‪ 10‬دراسات في العلم والتنمية العربية‪ ،‬صلح أبو أصبع‪ ،‬دبي‪،‬‬

‫مؤسسة البيان ‪ ،1989‬ص ‪168‬‬

‫‪ 11‬من كلمة لكوفي عنان‪ ،‬المين العام السابق للمم‬

‫المتحدة‪ ،‬المصدر‪ :‬موقع التنمية المستدامة الرقمي‪:‬‬


‫‪http://www.un.org/arabic/esa/desa/aboutus/dsd.htm‬‬

‫‪l‬‬

‫‪ 12‬التنمية في السلم مفاهيم مناهج وتطبيقات‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم‬

‫العسل‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪،‬‬

‫بيروت – لبنان‪ ،‬ط ‪ ،1996 – 1/1416‬ص ‪63‬‬

‫‪ 13‬السراء‪ ،‬آية ‪17‬‬

‫‪ 14‬التنمية في السلم مفاهيم مناهج وتطبيقات‪ ،‬ص ‪64‬‬

‫‪ 15‬ينظر مقال‪ :‬العلم التنموي للستاذ إسلم عبد العزيز‪،‬‬

‫‪http://forum.selze.net‬‬

‫‪ 16‬دراسات في العلم والتنمية العربية‪ ،‬ص ‪408‬‬

‫‪ 17‬الطفل والعلم‪ ،‬د‪ .‬عبد اللطيف كدائي‪ ،‬سلسلة المعرفة‬

‫للجميع‪ ،‬منشورات رمسيس – الرباط‪ ،‬ع ‪ ،33‬يوليوز ‪ ،2006‬ص‬

‫‪51‬‬

You might also like