Professional Documents
Culture Documents
الحمد لله الذي تتحيششر دون إدراك جللششه القلششوب والخششواطر وتششدهش فششي مبششادي إشششراق
أنواره الحداق والنواظر المطلع على خفيات السرائر العالم بمكنونات الضمائر المستغني
في تدبير مملكته عششن المشششاور والمششوازر مقلشب القلششوب وغفششار الششذنوب وسششتار العيششوب
ومفرج الكروب والصلة على سيد المرسلين وجامع شششمل الششدين وقششاطع دابششر الملحششدين
وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم كثيرا أما بعد فشرف النسان وفضششيلته الششتي فششاق بهششا
جملة من أصناف الخلق باستعداده لمعرفة الله سبحانه التي هي في الدنيا جمششاله وكمششاله
وفخره وفي الخرة عدته وذخره وإنما استعد للمعرفة بقلبه ل بجارحة من جوارحه فالقلب
هو العالم بششالله وهششو المتقششرب إلششى اللششه وهششو العامششل للششه وهششو السششاعي إلششى اللششه وهششو
المكاشف بما عند الله ولديه وإنما الجوارح أتباع وخدم وآلت يستخدمها القلب ويسششتعملها
استعمال المالك للعبد واستخدام الراعي للرعية والصانع لللششة فششالقلب هششو المقبششول عنششد
الله إذا سشلم مشن غيشر اللشه وهشو المحجشوب عشن اللشه إذا صشار مسشتغرقا بغيشر اللشه وهشو
المطالب وهو المخاطب وهو المعاتب وهو الذي يسعد بالقرب من الله فيفلح إذا زكاه وهو
الذي يخيب ويشقى إذا دنسه ودساه وهو المطيع بالحقيقششة للشه تعشالى وإنمشا الششذي ينتششر
على الجوارح من العبادات أنواره وهو العاصي المتمرد على الله تعالى وإنما الساري إلششى
العضاء من الفواحش آثاره وبإظلمه واستنارته تظهر محاسن الظاهر ومساويه إذ كل إناء
ينضح بما فيه وهو الذي إذا عرفه النسان فقد عرف نفسششه وإذا عششرف نفسششه فقششد عششرف
ربه وهو الذي إذا جهله النسان فقد جهل نفسه وإذا جهل نفسه فقد جهل ربه ومششن جهششل
قلبه فهو بغيره أجهششل إذ أكششثر الخلششق جششاهلون بقلششوبهم وأنفسششهم وقششد حيششل بينهششم وبيششن
أنفسهم فإن الله يحششول بيششن المششرء وقلبششه وحيلششولته بششأن يمنعششه عششن مشششاهدته ومراقبتششه
ومعرفة صفاته وكيفية تقلبه بين أصبعين مششع أصششابع الرحمششن وأنششه كيششف يهششوي مششرة إلششى
أسفل السافلين وينخفض إلى أفق الشياطين وكيف يرتفع أخرى إلى أعلى عليين ويرتقششي
إلى عالم الملئكة المقربين ومن لم يعرف قلبششه ليراقبششه ويراعيششه ويترصششد لمششا يلششوح مششن
خزائن الملكوت عليه وفيه فهو ممن قال الله تعالى فيه نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك
هم الفاسقون فمعرفة القلب وحقيقة أوصافه أصل الششدين وأسششاس طريششق السششالكين وإذ
فرغنا من الشطر الول من هذا الكتاب من النظر فيما يجري على الجوارح مششن العبششادات
والعادات وهو العلم الظاهر ووعدنا أن نشرح في الشطر الثاني ما يجري على القلشب مشن
الصفات المهلكات والمنجيات وهو العلم الباطن فل بد أن نقدم عليه كتابين كتابا في شرح
عجائب صفات القلب وأخلقه وكتابا في كيفية رياضة القلب وتهذيب أخلقه ثم ننششدفع بعششد
ذلك في تفصيل المهلكات والمنجيات فلنذكر الن من شرح عجائب القلب بطريششق ضششرب
المثال ما يقشرب مشن الفهشام فشإن التصشريح بعجشائبه وأسشراره الداخلشة فشي جملشة عشالم
الملكوت مما يكل عن دركه أكثر الفهام.
بيان معنى النفس والروح والقلب والعقل وما هو المراد
بهذه السامي
أعلم أن هذه السماء الربعة تستعمل في هذه البواب ويقل في فحول العلماء من يحيششط
بهذه السامي واختلف معانيها وحدودها ومسمياتها وأكثر الغاليط منشؤها الجهششل بمعنششى
هذه السامي واشتراكها بين مسميات مختلفة ونحن نششرح فشي معنشى هشذه السشامي مشا
يتعلق بغرضنا اللفظ الول لفظ القلب وهو يطلق لمعنيين أحدهما اللحم الصنوبري الشكل
المودع في الجانب اليسر من الصدر وهو لحم مخصوص وفششي بششاطنه تجويششف وفششي ذلششك
التجويف دم أسود هو منبع الروح ومعدنه ولسنا نقصد الن شرح شششكله وكيفيتششه إذ يتعلششق
به غرض الطباء ول يتعلق به الغراض الدينية وهذا القلب موجششود للبهششائم بششل هششو موجششود
للميت ونحن إذا أطلقنا لفظ القلب في هذا الكتاب لم نعن به ذلك فإنه قطعة لحم ل قششدر
له وهو مششن عشالم الملشك والشششهادة إذ تششدركه البهشائم بحاسشة البصشر فضششل عشن الدمييششن
والمعنى الثاني هو لطيفة ربانية روحانية لها بهذا القلب الجسماني تعلق وتلك اللطيفة هي
حقيقششة النسششان وهششو المششدرك العششالم العششارف مششن النسششان وهششو المخششاطب والمعششاقب
والمعاتب والمطالب ولها علقة مع القلب الجسماني وقد تحيرت عقششول أكششثر الخلششق فششي
إدراك وجه علقته فإن تعلقه به يضاهي تعلق العراض بالجسام والوصششاف بالموصششوفات
أو تعلق المستعمل لللة باللة أو تعلق المتمكن بالمكان وشرح ذلششك ممششا نتوقششاه لمعنييششن
أحدهما أنه متعلق بعلوم المكاشفة وليس غرضنا من هذا الكتاب إل علوم المعاملة والثاني
أن تحقيقه يستدعي إفشاء سر الروح وذلك مما لم يتكلم فيه رسول الله صلى اللششه عليششه
وسلم 1فليس لغيره أن يتكلم فيه والمقصود أنا إذا أطلقنششا لفششظ القلششب فششي هششذا الكتششاب
أردنا بشه هشذه اللطيفشة وغرضشنا ذكشر أوصشافها وأحوالهشا ل ذكشر حقيقتهشا فشي ذاتهشا وعلشم
المعاملة يفتقر إلى معرفة صفاتها وأحوالها ول يفتقر إلى ذكر حقيقتها اللفظ الثاني الششروح
وهو أيضا يطلق فيما يتعلق بجنس غرضششنا لمعنييششن أحششدهما جسششم لطيششف منبعششه تجويششف
القلب الجمساني فينشر بواسطة العروق الضوارب إلى سششائر أجششزاء البششدن وجريششانه فششي
البدن وفيضان أنوار الحياة والحس والبصششر والسششمع والشششم منهششا علششى أعضششائها يضششاهي
فيضان النور من السراج الذي يدار في زوايا البيت فإنه ل ينتهششي إلششى جششزء مششن الششبيت إل
ويستنير به والحياة مثالها النور الحاصل في الحيطان والروح مثالها السراج وسريان الروح
وحركته في الباطن مثال حركة السششراج فششي جششوانب الششبيت بتحريششك محركششه والطبششاء إذا
أطلقوا لفظ الروح أرادوا به هذا المعنى وهششو بخششار لطيششف أنضششجته حششرارة القلششب وليششس
شرحه من غرضنا إذ المتعلق به غرض الطباء الذين يعششالجون البششدان فأمششا غششرض أطبششاء
الدين المعالجين للقلب حتى ينساق إلى جوار رب العالمين فليس يتعلق بشرح هذه الروح
أصل المعنى الثاني هو اللطيفة العالمة المدركة من النسان وهو الششذي شششرحناه فششي أحششد
معاني القلب وهو الذي أراده الله تعالى بقوله قل الروح مششن أمششر ربششي وهششو أمششر عجيششب
رباني تعجز أكثر العقول والفهام عن درك حقيقته اللفظ الثالث النفس وهو أيضا مشششترك
بين معان ويتعلق بغرضنا منه معنيان أحششدهما أنششه يششراد بششه المعنششى الجششامع لقششوة الغضششب
والشهوة في النسان على ما سيأتي شرحه وهذا الستعمال هو الغالب على أهل التصوف
لنهم يريدون بالنفس الصل الجامع للصفات المذمومششة مششن النسششان فيقولششون ل بششد مششن
مجاهدة النفس وكسرها وإليه الشارة بقوله صلى الله عليششه وسششلم أعششدى عشدوك نفسششك
التي بين جنبيك 2المعنى الثاني هي اللطيفة التي ذكرناها التي هي النسان بالحقيقة وهششي
نفس النسان وذاته ولكنها توصف بأوصاف مختلفششة بحسششب اختلف أحوالهششا فششإذا سششكنت
تحت المر وزايلها الضطراب بسبب معارضة الشهوات سميت النفس المطمئنة قال اللششه
تعالى في مثلها يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية والنفششس بششالمعنى
الول ل يتصور رجوعها إلى الله تعالى فإنها مبعدة عن الله وهي من حششزب الشششيطان وإذا
لم يتم سكونها ولكنها صارت مدافعة للنفششس الشششهوانية ومعترضششة عليهششا سششميت النفششس
اللوامة لنها تلوم صاحبها عند تقصيره في عبادة موله قال الله تعششالى ول أقسششم بششالنفس
اللوامة وإن تركششت العششتراض وأذعنششت وأطششاعت لمقتضششى الشششهوات ودواعششي الشششيطان
سميت النفس المارة بالسوء قال الله تعششالى إخبششارا عششن يوسششف عليششه السششلم أو امششرأة
العزيز وما أبرئ نفسي إن النفس لمارة بالسوء وقد يجوز أن يقال المراد بالمارة بالسوء
هي النفس بالمعنى الول فإذن النفس بالمعنى الول مذمومة غاية الذم وبششالمعنى الثششاني
محمودة لنها نفس النسان أي ذاته وحقيقته العالمة بالله تعالى وسائر المعلومات اللفششظ
1حديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يتكلم في الروح متفق عليه من حديث ابن مسعود في سؤال اليهود
عن الروح وفيه فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم فعلمت أنه يوحى إليه الحديث وقد تقدم
2حديث أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك أخرجه البيهقي في كتاب الزهد من حديث ابن عباس وفيه
محمد بن عبد الرحمن بن غزوان أحد الوضاعين
الرابع العقل وهو أيضا مشترك لمعان مختلفة ذكرناها في كتششاب العلششم والمتعلششق بغرضششنا
من جملتها معنيان أحدهما أنه قد يطلق ويراد به العلم بحقششائق المششور فيكششون عبششارة عششن
صفة العلم الذي محله القلب والثاني أنه قد يطلشق ويشراد بشه المشدرك للعلشوم فيكشون هشو
القلب أعني تلك اللطيفة ونحن نعلم أن كشل عشالم فلشه فشي نفسشه وجشود هشو أصشل قشائم
بنفسه والعلم صفة حالة فيه والصفة غيششر الموصششوف والعقششل قششد يطلششق ويششراد بششه صششفة
العالم وقد يطلق ويراد به محل الدراك أعني المدرك وهو المشراد بقشوله صشلى اللشه عليشه
وسلم أول ما خلق الله العقل 1فإن العلم عرض ل يتصششور أن يكششون أول مخلششوق بششل لبششد
وأن يكون المحل مخلوقا قبله أو معه ولنه ل يمكن الخطاب معه وفي الخششبر أنششه قششال لششه
تعالى أقبل فأقبل ثم قال له أدبششر فششأدبر الحششديث فششإذن قششد انكشششف لششك أن معششاني هششذه
السماء موجودة وهي القلب الجسماني والششروح الجسششماني والنفششس الشششهوانية والعلششوم
فهذه أربعة معان يطلق عليها اللفاظ الربعة ومعنى خامس وهي اللطيفة العالمة المدركة
من النسان واللفاظ الربعة بجملتها تتوارد عليها فالمعششاني خمسششة واللفششاظ أربعششة وكششل
لفظ أطلق لمعنيين وأكثر العلماء قد التبس عليهم اختلف هذه اللفششاظ وتواردهششا فششتراهم
يتكلمون في الخواطر ويقولون هذا خاطر العقششل وهششذا خششاطر الششروح وهششذا خششاطر القلششب
وهذا خاطر النفس وليس يدري الناظر اختلف معاني هذه السماء ولجششل كشششف الغطششاء
عن ذلك قدمنا شرح هذه السامي وحيث ورد في القرآن والسنة لفظ القلششب فششالمراد بششه
المعنى الذي يفقه من النسان ويعرف حقيقة الشششياء وقششد يكنششى عنششه بششالقلب الششذي فششي
الصدر لن بين تلك اللطيفة وبين جسم القلب علقة خاصة فإنها وإن كانت متعلقششة بسششائر
البدن ومستعملة له ولكنها تتعلق به بواسششطة القلششب فتعلقهششا الول بششالقلب وكششأنه محلهششا
ومملكتها وعالمها ومطيتها ولذلك شبه سهل التستري القلششب بششالعرش والصششدر بالكرسششي
فقال القلب هو العرش والصدر هو الكرسي ول يظن به أنه يرى أنه عششرش اللششه وكرسششيه
فإن ذلك محششال بششل أراد بششه أنششه مملكششة النسششان والمجششرى الول لتششدبيره وتصششرفه فهمششا
بالنسبة إليه كالعرش والكرسي بالنسبة إلى الله تعششالى ول يسششتقيم هششذا التشششبيه أيضششا إل
من بعض الوجوه وشرح ذلك أيضا ل يليق بغرضنا فلنجاوزه.
بيان جنود القلب
قال الله تعالى وما يعلم جنود ربك إل هو فلله سششبحانه فششي القلششوب والرواح وغيرهششا مششن
العوالم جنود مجندة ل يعرف حقيقتها وتفصيل عددها إل هششو ونحششن الن نشششير إلششى بعششض
جنود القلب فهو الذي يتعلق بغرضنا وله جندان جند يرى بالبصار وجند ل يرى إل بالبصششائر
وهو في حكم الملششك والجنششود فششي حكششم الخششدم والعششوان فهششذا معنششى الجنششد فأمششا جنششده
المشاهد بالعين فهو اليد والرجل والعين والذن واللسان وسائر العضاء الظاهرة والباطنة
فإن جميعها خادمة للقلب ومسخرة له فهو المتصرف فيها والمردد لها وقد خلقت مجبولششة
على طاعته ل تستطيع له خلفا ول عليه تمردا فإذا أمر العيششن بالنفتششاح انفتحششت وإذا أمششر
الرجل بالحركة تحركت وإذا أمر اللسان بالكلم وجزم الحكم به تكلم وكذا سششائر العضششاء
وتسششخير العضششاء والحششواس للقلششب يشششبه مششن وجششه تسششخير الملئكششة للششه تعششالى فششإنهم
مجبولون على الطاعة ل يستطيعون له خلفا بششل ل يعصششون اللششه مششا أمرهششم ويفعلششون مششا
يؤمرون وإنما يفترقان في شيء وهو أن الملئكة عليهم السشلم عالمشة بطاعتهششا وامتثالهشا
والجفان تطيع القلب في النفتاح والنطباق على سبيل التسشخير ول خشبر لهشا مشن نفسشها
ومن طاعتها للقلب وإنما افتقر القلب إلى هششذه الجنششود مششن حيششث افتقششاره إلششى المركششب
والزاد لسفره الذي لجله خلق وهو السششفر إلششى اللششه سششبحانه وقطششع المنششازل إلششى لقششائه
فلجله خلقت القلوب قال الله تعالى وما خلقششت الجششن والنششس إل ليعبششدون وإنمششا مركبششه
البدن وزاده العلم وإنما السباب التي توصله إلى الزاد وتمكنه من الششتزود منششه هششو العمششل
الصالح وليس يمكن العبد أن يصل إلى الله سبحانه ما لم يسكن البششدن ولششم يجششاوز الششدنيا
فإن المنزل الدنى ل بد من قطعه للوصشول إلشى المنشزل القصشى فالشدنيا مزرعشة الخشرة
وهي منزل من منازل الهدى وإنما سميت دنيا لنها أدنى المنزلتين فاضششطر إلششى أن يششتزود
1حديث أول ما خلق الله العقل وفي الخبر أنه قال له أقبل فأقبل وقال أدبر فأدبر الحديث تقدم في العلم
من هذا العالم فالبدن مركبه الذي يصل به إلى هذا العالم فافتقر إلى تعهد البششدن وحفظششه
وإنما يحفظ البدن بأن يجلب إليه ما يوافقه من الغذاء وغيره وأن يدفع عنه مششا ينششافيه مششن
أسباب الهلك فافتقر لجل جلب الغذاء إلى جندين بشاطن وهشو الششهوة وظشاهر وهشو اليشد
والعضاء الجالبة للغذاء فخلق في القلب من الشهوات ما احتاج إليه وخلقت العضاء التي
هي آلت الشهوات فافتقر لجل دفع المهلكات إلششى جنشدين بشاطن وهششو الغضشب الششذي بششه
يدفع المهلكات وينتقم من العداء وظاهر وهششو اليششد والرجششل للششذين بهمششا يعمششل بمقتضششى
الغضب وكل ذلك بأمور خارجة فشالجوارح مششن البششدن كالسششلحة وغيرهششا ثششم المحتششاج إلشى
الغذاء ما لم يعرف الغذاء لم تنفعه شهوة الغذاء وإلفه فافتقر للمعرفة إلششى جنششدين بششاطن
وهو إدراك السمع والبصر والشم واللمس والذوق وظاهر وهو العين والذن والنف وغيرها
وتفصيل وجه الحاجة إليها ووجه الحكمة فيها يطول ول تحويه مجلششدات كششثيرة وقششد أشششرنا
إلى طرف يسير منها في كتاب الشكر فليقتنع به فجملة جنود القلب تحصرها ثلثة أصناف
صنف باعث ومستحث إما إلى جلب النافع الموافق كالشهوة وإما إلى دفع الضار المنششافي
كالغضب وقد يعبر عن هذا الباعث بالرادة والثاني هو المحرك للعضاء إلششى تحصششيل هششذه
المقاصد ويعبر عششن هششذا الثششاني بالقششدرة وهششي جنششود مبثوثششة فششي سششائر العضششاء ل سششيما
العضلت منها والوتار والثالث هو المدرك المتعرف للشياء كالجواسيس وهي قشوة البصششر
والسمع والشم والذوق واللمشس وهشي مبثوثشة فشي أعضشاء معينشة ويعشبر عشن هشذا بشالعلم
والدراك ومع كل واحد من هذه الجنود الباطنة جنششود ظشاهرة وهششي العضشاء المركبشة مشن
الشحم واللحم والعصب والدم والعظم التي أعدت آلت لهذه الجنود فإن قوة البطش إنما
هي بالصابع وقشوة البصشر إنمشا هشي بشالعين وكشذا سشائر القشوى ولسشنا نتكلشم فشي الجنشود
الظاهرة أعني العضاء فإنها من عالم الملك والشهادة وإنما نتكلم الن فيما أيدت بششه مششن
جنود لم تروها وهذا الصنف الثالث وهو المدرك من هذه الجملة ينقسم إلى ما قششد أسششكن
المنازل الظاهرة وهي الحواس الخمس أعني السمع والبصر والشم والذوق واللمس وإلى
ما أسكن منازل باطنة وهي تجششاويف الششدماغ وهششي أيضششا خمسششة فششإن النسششان بعششد رؤيششة
الشيء يغمض عينه فيدرك صورته في نفسه وهو الخيال ثم تبقى تلك الصورة معه بسبب
شيء يحفظه وهو الجند الحافظ ثم يتفكر فيما حفظه فيركب بعشض ذلشك إلشى البعششض ثششم
يتذكر ما قد نسشيه ويعششود إليشه ثشم يجمشع جملشة معشاني المحسوسشات فششي خيششاله بششالحس
المشترك بين المحسوسات ففي الباطن حس مشترك وتخيل وتفكر وتششذكر وحفششظ ولششول
خلق الله قوة الحفظ والفكر والذكر والتخيل لكان الدماغ يخلو عنه كما تخلو اليد والرجششل
عنه فتلك القوى أيضا جنود باطنة وأماكنها أيضا باطنة فهذه هي أقسام جنود القلب وشرح
ذلك بحيث يدركه فهم الضعفاء بضرب المثلة يطول ومقصود مثل هذا الكتاب أن ينتفع بششه
القوياء والفحول من العلماء ولكنا نجتهد في تفهيم الضششعفاء بضشرب المثلشة ليقششرب ذلششك
من أفهامهم.
بيان أمثلة القلب مع جنوده الباطنة
اعلم أن جندي الغضب والشهوة قد ينقادان للقلب انقيششادا تامششا فيعينششه ذلششك علششى طريقششه
الذي يسلكه وتحسن مرافقتهما في السفر الذي هو بصدده وقد يستعصيان عليه استعصاء
بغي وتمرد حتى يملكاه ويستبعداه وفيه هلكه وانقطاعه عن سفره الششذي بششه وصششوله إلششى
سعادة البد وللقلب جند آخر وهو العلششم والحكمششة والتفكششر كمششا سششيأتي شششرحه وحقششه أن
يستعين بهذا الجند فإنه حزب الله تعالى على الجندين الخرين فإنهما قششد يلتحقششان بحششزب
الشيطان فإن ترك الستعانة وسلط على نفسه جند الغضب والشششهوة هلششك يقينششا وخسششر
خسرانا مبينا وذلك حالة أكثر الخلق فإن عقولهم صارت مسخرة لشششهواتهم فششي اسششتنباط
الحيل لقضاء الشهوة وكان ينبغي أن تكون الشهوة مسششخرة لعقششولهم فيمششا يفتقششر العقششل
إليه ونحن نقرب ذلك إلى فهمك بثلثة أمثلة المثال الول أن نقول مثل نفس النسان فششي
بدنه أعني بالنفس اللطيفة المذكورة كمثل ملك في مششدينته ومملكتششه فششإن البششدن مملكششة
النفشس وعالمهشا ومسشتقرها ومشدينتها وجوارحهشا وقواهشا بمنزلشة الصشناع والعملششة والقششوة
العقلية المفكرة له كالمششير الناصشح والشوزير العاقشل والششهوة لشه كالعبشد السشوء يجلشب
الطعام والميرة إلى المدينة والغضب والحمية له كصاحب الشرطة والعبد الجششالب للميششرة
كذاب مكار خداع خبيث يتمثل بصورة الناصششح وتحششت نصششحه الشششر الهششائل والسششم القاتششل
وديششدنه وعششادته منازعششة الششوزير الناصششح فششي آرائه وتششدبيراته حششتى ل يخلششو مششن منششازعته
ومعارضته ساعة كما أن الوالي في مملكته إذا كان مستغنيا في تدبيراته بوزيره مستشيرا
له ومعرضا عن إشارة هذا العبد الخبيث مستدل بإشارته في أن الصواب فششي نقيششض رأيششه
أدبه صاحب شرطته وساسه لوزيره وجعله مؤتمرا له مسشلطا مششن جهتشه علشى هششذا العبشد
الخبيث وأتباعه وأنصاره حتى يكون العبد مسوسا ل سائسا ومأمورا مششدبرا ل أميششرا مششدبرا
استقام أمر بلده وانتظم العدل بسببه فكذا النفشس مششتى اسشتعانت بالعقششل وأدبشت بحميشة
الغضب وسلطتها على الشهوة واسششتعانت بإحششداهما علششى الخششرى تششارة بششأن تقلششل مرتبششة
الغضب وغلوائه بمخالفة الشهوة واستدراجها وتارة بقمع الشهوة وقهرها بتسليط الغضششب
والحمية عليهششا وتقبيششح مقتضششياتها اعتششدلت قواهششا وحسششنت أخلقهششا ومششن عشدل عششن هششذه
الطريقة كان كمن قال الله تعالى فيه أفرأيت من اتخذ إلهه هششواه وأضششله اللششه علششى علششم
وقال تعالى واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تششتركه يلهششث وقششال عششز
وجل فيمن نهى النفس عن الهوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفششس عششن الهششوى فششإن
الجنة هي المأوى وسيأتي كيفية مجاهدة هذه الجنود وتسليط بعضها على بعض فششي كتششاب
رياضة النفس إن شاء الله تعششالى المثششال الثششاني اعلششم أن البششدن كالمدينششة والعقششل أعنششي
المدرك من النسان كملك مدبر لها وقواه المدركة من الحواس الظاهرة والباطنة كجنوده
وأعوانه وأعضاؤه كرعيته والنفس المارة بالسوء التي هي الشهوة والغضب كعششدو ينششازعه
في مملكته ويسعى في إهلك رعيته فصار بدنه كربشاط وثغشر ونفسششه كمقيششم فيششه مرابشط
فإن هو جاهد عدوه وهزمه وقهره على ما يحب حمد أثره وإذا عاد إلى الحضششرة كمششا قششال
الله تعالى والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل اللششه المجاهششدين بششأموالهم
وأنفسهم على القاعدين درجة وإن ضيع ثغره وأهمل رعيته ذم أثره فششانتقم منششه عنششد اللششه
تعالى فيقال له يوم القيامة يا راعي السوء أكلت اللحم وشربت اللبن ولم تأو الضالة ولششم
تجبر الكسير اليوم أنتقم منك 1كما ورد في الخبر وإلى هذه المجاهدة الشارة بقوله صششلى
الله عليه وسلم رجعنا من الجهاد الصغر إلى الجهاد الكبر 2المثال الثالث مثل العقل مثششل
فارس متصيد وشهوته كفرسه وغضبه ككلبه فمششتى كششان الفششارس حاذقششا وفرسششه مروضششا
وكلبه مؤدبا معلما كان جديرا بالنجاح ومتى كان هو في نفسه أخرق وكان الفششرس جموحششا
والكلب عقورا فل فرسه ينبعث تحته منقادا ول كلبه يسترسل بإشششارته مطيعششا فهششو خليششق
بأن يعطب فضل عن أن ينال ما طلب وإنما خرق الفارس مثل جهل النسان وقلششة حكمتششه
وكلل بصيرته وجماح الفرس مثل غلبة الشهوة خصوصا شهوة البطن والفرج وعقر الكلب
مثل غلبة الغضب واستيلئه نسأل الله حسن التوفيق بلطفه.
بيان خاصية قلب النسان
أعلم أن جملة ما ذكرناه قد أنعم الله به على سششائر الحيوانششات سششوى الدمششي إذ للحيششوان
الشهوة والغضب والحواس الظاهرة والباطنة أيضا حتى إن الشاة ترى الذئب بعينها فتعلششم
عداوته بقلبها فتهرب منه فذلك هششو الدراك البششاطن فلنششذكر مششا يختششص بششه قلششب النسششان
ولجله عظم شرفه واستأهل القرب من الله تعالى وهو راجع إلششى علششم وإرادة أمششا العلششم
فهو العلم بالمور الدنيوية والخروية والحقائق العقلية فشإن هششذه أمششور وراء المحسوسشات
ول يشاركه فيها الحيوانات بل العلوم الكلية الضرورية من خواص العقل إذ يحكششم النسششان
بأن الشخص الواحد ل يتصور أن يكون في مكانين في حالة واحدة وهذا حكم منه على كل
شخص ومعلوم أنه لم يدرك بالحس إل بعض الشخاص فحكمه على جميع الشششخاص زائد
على ما أدركه الحس وإذا فهمت هذا في العلم الظاهر الضروري فهو في سائر النظريششات
أظهر وأما الرادة فإنه إذا أدرك بالعقل عاقبة المر وطريشق الصشلح فيشه انبعشث مشن ذاتشه
1حديث يقال يوم القيامة يا راعي السوء أكلت اللحم وشربت اللبن ولم ترد الضالة الخبر لم أجد له أصل
2حديث رجعنا من الجهاد الصغر إلى الجهاد الكبر أخرجه البيهقي في الزهد من حديث جابر وقال هذا إسناد
في ضعف
شوق إلى جهة المصلحة وإلى تعاطي أسبابها والرادة لها وذلك غيششر إرادة الشششهوة وإرادة
الحيوانات بل يكون على ضد الشششهوة فششإن الشششهوة تنفششر عششن الفصششد والحجامششة والعقششل
يريدها ويطلبها ويبذل المال فيهششا والشششهوة تميششل إلششى لششذائذ الطعمششة فششي حيششن المششرض
والعاقل يجد في نفسه زاجرا عنها وليس ذلك زاجر الشهوة ولو خلق الله العقششل المعششرف
بعواقب المور ولم يخلق هذا الباعث المحرك للعضششاء علششى مقتضششى حكششم العقششل لكششان
حكم العقل ضائعا على التحقيق فإذن قلب النسان اختششص بعلشم وإرادة ينفششك عنهششا سششائر
الحيوان بل ينفك عنها الصششبي فششي أول الفطششرة وإنمششا يحششدث ذلششك فيششه بعششد البلششوغ وأمششا
الشهوة والغضب والحواس الظاهرة والباطنة فإنها موجودة في حق الصبي ثم الصبي فششي
حصول هذه العلوم فيه له درجتان إحداهما أن يشتمل قلبه علششى سششائر العلششوم الضششرورية
الولية كالعلم باستحالة المستحيلت وجواز الجائزات الظاهرة فتكون العلوم النظرية فيهششا
غير حاصلة إل أنها صارت ممكنة قريبة المكان والحصول ويكون حاله بالضافة إلى العلوم
كحال الكاتب الذي ل يعرف من الكتابة إل الدواة والقلم والحشروف المفشردة دون المركبشة
فإنه قد قارب الكتابة ولششم يبلغهششا بعششد الثانيششة أن تتحصششل لششه العلششوم المكتسششبة بالتجششارب
والفكر فتكون كالمخزونة عنده فإذا شاء رجع إليها وحاله حال الحاذق بالكتابششة إذ يقشال لششه
كاتب وإن لم يكن مباشرا للكتابة بقدرته عليها وهذه هي غاية درجششة النسششانية ولكششن فششي
هششذه الدرجششة مراتششب ل تحصششى بتفششاوت الخلششق فيهششا بكششثرة المعلومششات وقلتهششا وبشششرف
المعلومات وخستها وبطريق تحصيلها إذ تحصششل لبعششض القلششوب بإلهششام إلهششي علششى سششبيل
المبادأة والمكاشفة ولبعضهم بتعلم واكتساب وقد يكون سريع الحصششول وقششد يكششون بطششئ
الحصول وفي هذا المقام تتباين منازل العلماء والحكماء والنبياء والولياء فدرجات الترقي
فيه غير محصورة إذ معلومات الله سبحانه ل نهايششة لهششا وأقصششى الرتششب رتبششة النششبي الششذي
تنكشف له كل الحقائق أو أكثرها من غير اكتساب وتكلف بكشف إلهششي فششي أسششرع وقششت
وبهذه السعادة يقرب العبد العبد من الله تعالى قربا بالمعنى والحقيقة والصفة ل بالمكششان
والمسافة ومراقي هذه الششدرجات هششي منششازل السششائرين إلششى اللششه تعششالى ول حصششر لتلششك
المنازل وإنما يعرف كل سالك منزله الذي بلغه في سلوكه فيعرفه ويعششرف مششا خلفششه مششن
المنزل فأما ما بين يديه فل يحيط بحقيقته علما لكن قد يصششدق بششه إيمانششا بششالغيب كمششا أنششا
نؤمن بالنبوة والنبي ونصدق بوجوده ولكن ل يعرف حقيقة النبششوة إل النششبي وكمششا ل يعششرف
الجنين حال الطفل ول الطفل حال المميز وما يفتح لششه مششن العلششوم الضششرورية ول المميششز
حال العاقل وما اكتسبه من العلوم النظرية فكذلك ل يعششرف العاقششل مششا افتتششح اللششه علششى
أوليائه وأنبيائه من مزايا لطفه ورحمته ما يفتح الله للناس من رحمة فل ممسك لها وهششذه
الرحمة مبذولة بحكم الجود والكرم من الله سششبحانه وتعششالى غيششر مضششنون بهششا علششى أحششد
ولكن إنما تظهر في القلوب المتعرضه لنفحات رحمة الله تعالى كما قال صلى اللششه عليششه
وسلم إن لربكم في أيام دهركم لنفحششات أل فتعرضششوا لهششا 1والتعششرض لهششا بتطهيششر القلششب
وتزكيته من الخبث والكدورة الحاصلة من الخلق المذمومششة كمششا سششيأتي بيشانه وإلششى هشذا
الجود الشارة بقوله صلى الله عليه وسلم ينزل الله كل ليلة إلششى سششماء الششدنيافيقول هششل
من داع فأستجيب له وبقوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن ربه عز وجل لقد طال شوق
البرار إلى لقائي وأنا إلى لقائهم أشد شوقا 2وبقوله تعالى مششن تقششرب إلششي شششبرا تقربششت
إليه ذراعا 3كل ذلك إشارة إلى أن أنوار العلوم لم تحتجب عن القلوب لبخل ومنع من جهة
المنعم تعالى عن البخل والمنع علوا كبيرا ولكن حجبششت لخبششث وكششدورة وشششغل مششن جهششة
القلوب فإن القلوب كالواني فما دامت ممتلئة بالماء ل يدخلها الهواء فشالقلوب المششغولة
بغير الله ل تدخلها المعرفة بحلل الله تعالى وإليه الشارة بقششوله صششلى اللششه عليششه وسششلم
لول أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظششروا إلششى ملكششوت السششماء 4ومششن هششذه
الجملة يتبين أن خاصية النسان العلم والحكمة وأشرف أنواع العلم هو العلم بالله وصفاته
1حديث إن لربكم في أيام دهركم لنفحات الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد وقد تقدم
2حديث يقول الله عز وجل لقد طال شوق البرار إلى لقائي الحديث لم أجد له أصل إل أن صاحب
الفردوس خرجه من حديث أبي الدرداء ولم يذكر له ولده في مسند الفردوس إسنادا
3حديث يقول الله من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا متفق عليه من حديث أبي هريرة
وأفعاله فبه كمشال النسشان وفشي كمشاله سشعادته وصشلحه لجشوار حضشرة الجلل والكمشال
فالبدن مركب للنفس والنفس محل للعلم والعلم هو مقصود النسان وخاصيته التي لجلششه
خلق وكما أن الفرس يشارك الحمار فششي قششوة الحمششل ويختششص عنششه بخاصششية الكششر والفششر
وحسن الهيئة فيكون الفرس مخلوقا لجل تلك الخاصية فإن تعطلت منه نزل إلى حضيض
رتبة الحمار وكذلك النسان يششارك الحمششار والفشرس فششي أمششور ويفارقهشا فشي أمشور هشي
خاصيته وتلك الخاصية من صفات الملئكة المقربين من رب العالمين والنسان علشى رتبششة
بين البهائم والملئكة فإن النسان من حيث يتغذى وينسل فنبات ومن حيث يحس ويتحرك
بالختيار فحيوان ومن حيث صورته وقامته فكالصورة المنقوشة على الحائط وإنما خاصيته
معرفة حقائق الشياء من استعمل جميع أعضائه وقواه على وجه الستعانة بها على العلششم
والعمل فقد تشبه بالملئكة فحقيق بأن يلحق بهم وجدير بأن يسمى ملكا وربانيا كما أخششبر
الله تعالى عن صواحبات يوسف عليه السلم بقششوله مششا هششذا بشششرا إن هششذا إل ملششك كريششم
ومن صرف همته إلى أتباع اللذات البدنية يأكل كما تأكل النعام فقششد انحششط إلششى حضششيض
أفق البهائم فيصير إما غمرا كثور وإما شرها كخنزير وإما ضربا ككلششب أو سششنور أو حقششودا
كجمل أو متكبرا كنمر أو ذا روغان كثعلب أو يجمع ذلك كله كشيطان مريد ومششا مششن عضششو
من العضاء ول حاسة من الحواس إل ويمكن الستعانة به على طريق الوصششول إلششى اللششه
تعالى كما سيأتي بيان طرف منه في كتاب الشكر فمن استعمله فيه فقد فششاز ومششن عششدل
عنه فقد خسر وخاب وجملة السعادة في ذلك أن يجعشل لقشاء اللشه تعشالى مقصششده والششدار
الخرة مستقره والدنيا منزله والبدن مركبه والعضاء خدمه فيستقر هو أعني المدرك مششن
النسان في القلب الذي هو وسط مملكتششه كالملششك ويجششري القششوة الخياليششة المودعششة فششي
مقدم الششدماغ مجششرى صششاحب بريششدة إذ تجتمششع أخبششار المحسوسششات عنششده ويجششري القششوة
الحافظة التي مسكنها مؤخر الدماغ مجرى خازنه ويجري اللسان مجشرى ترجمشانه ويجشري
العضاء المتحركة مجرى كتابه ويجري الحواس الخمس مجرى جواسيسه فيوكل كل واحد
منها بأخبار صقع من الصقاع فيوكل العين بعالم اللشوان والسشمع بعشالم الصشوات والششم
بعالم الروائح وكذلك سائرها فإنها أصحاب أخبار يلتقطونها من هذه العشوالم ويؤدونهششا إلشى
القوة الخيالية التي هي كصاحب البريد ويسلمها صاحب البريد إلى الخازن وهششي الحافظششة
ويعرضها الخازن على الملك فيقتبس الملك منها ما يحتاج إليه فششي تششدبير مملكتششه وإتمششام
سفره الذي هو بصدده وقمع عدوه الذي هو مبتلي به ودفع قواطع الطريق عليه فإذا فعششل
ذلك كان موفقا سعيدا شششاكرا نعمششة اللششه وإذا عطششل هششذه الجملششة أو اسششتعملها لكششن فششي
مراعاة أعدائه وهي الشهوة والغضب وسائر الحظوظ العاجلة أو فششي عمششارة طريقششه دون
منزله إذ الدنيا طريقه التي عليها عبوره ووطنه ومستقره الخرة كان مخذول شششقيا كششافرا
بنعمة الله تعالى مضيعا لجنود الله تعالى ناصرا لعششداء اللششه مخششذل لحششزب اللششه فيسششتحق
المقت والبعاد في المنقلب والمعاد نعوذ بالله من ذلك وإلششى المثششال الششذي ضششربناه أشششار
كعب الحبار حيث قال دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت النسان عيناه هششاد وأذنششاه
قمع ولسانه ترجمان ويداه جناحان ورجله بريد والقلب منه ملك 1فإذا طاب الملك طششابت
جنوده فقالت هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وقال علي رضششي اللششه
عنه في تمثيل القلوب إن لله تعالى في أرضه آنية وهي القلوب فأحبهششا إليششه تعششالى أرقهششا
وأصفاها وأصلبها ثششم فسششره فقشال أصشلبها فشي الشدين وأصشفاها فششي اليقيشن وأرقهششا علشى
الخوان وهو إشارة إلى قوله تعالى أشداء على الكفار رحماء بينهم وقوله تعالى مثل نوره
كمشكاة فيها مصباح قال أبي بن كعب رضي الله عنه معناه مثل نور المؤمن وقلبه وقششوله
تعالى أو كظلمات في بحر لجي مثل قلب المنافق وقال زيد بن أسلم في قوله تعالى فششي
4حديث لول أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم الحديث أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة بنحوه
وقد تقدم في الصيام
1حديث عائشة النسان عيناه هاد وأذناه قمع ولسانه ترجمان الحديث أخرجه أو نعيم في الطب النبوي
والطبراني في مسند الشاميين والبيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة ونحوه وله ولحمد من حديث
أبي ذر وأما الذن فقمع وأما العين فمقرة لما يوعي القلب ول يصح منها شيء
لوح محفوظ وهو قلب المؤمن وقال سشهل مثشل القلشب والصشدر مثشل العشرش والكرسشي
فهذه أمثلة القلب.
بيان مجامع أوصاف القلب وأمثلته
اعلم أن النسان قد اصطحب في خلقته وتركيبه أربع شششوائب فلششذلك اجتمششع عليششه أربعششة
أنواع من الوصاف وهي الصفات السبعية والبهيمية والشششيطانية والربانيششة فهششو مششن حيششث
سلط عليه الغضب يتعششاطى أفعششال السششباع مششن العششداوة والبغضششاء والتهجششم علششى النششاس
بالضرب والششتم ومشن حيشث سشلطت عليشه الششهوة يتعشاطى أفعشال البهشائم مشن الششره
والحرص والشبق وغيره ومن حيث إنه في نفسه أمر رباني كما قال الله تعالى قل الششروح
من أمر ربي فإنه يدعي لنفسه الربوبية ويحب الستيلء والسششتعلء والتخصششص والسششتبداد
بالمور كلها والتفرد بالرياسة والنسلل عن ربقة العبودية والتواضع ويشتهي الطلع علششى
العلوم كلها بل يدعي لنفسه العلم والمعرفة والحاطة بحقائق المور ويفرح إذا نسب إلششى
العلم ويحزن إذا نسب إلى الجهل والحاطة بجميع الحقائق والسششتيلء بششالقهر علششى جميششع
الخلئق من أوصاف الربوبية وفي النسان حرص على ذلك ومن حيث يختششص مششن البهششائم
بالتمييز مع مشاركته لها في الغضب والشهوة حصلت فيه شيطانية فصار شريرا يسششتعمل
التمييز في استنباط وجوه الشر ويتوصل إلششى الغششراض بششالمكر والحيلششة والخششداع ويظهششر
الشر في معرض الخير وهذه أخلق الشياطين وكل إنسشان فيشه ششوب مشن هشذه الصشول
الربعة أعني الربانية والشيطانية والسبعية والبهيمية وكل ذلك مجمششوع فششي القلششب فكششأن
المجموع في إهاب النسان خنزير وكلب وشيطان وحكيم فششالخنزير هششو الشششهوة فششإنه لششم
يكن الخنزير مذموما للونه وشكله وصورته بل لجشعه وكلبه وحرصه والكلششب هششو الغضششب
فإن السبع الضاري والكلب العقور ليس كلبا وسبعا باعتبششار الصششورة واللششون والشششكل بششل
روح معنى السبعية الضراوة والعدوان والعقر وفي بشاطن النسششان ضششراوة السشبع وغضششبه
وحرص الخنزير وشبقه فالخنزير يدعو بالشره إلى الفحشاء والمنكر والسبع بالغضب إلششى
الظلم واليذاء والشيطان ل يزال يهيج شهوة الخنزير وغيظ السبع ويغششري أحششدهما بششالخر
ويحسن لهما ما هما مجبولن عليه والحكيم الشذي هشو مثشال العقشل مشأمور بشأن يشدفع كيشد
الشيطان ومكره بأن يكشف عششن تلبيسششه ببصششيرته النافششذة ونششوره المشششرق الواضششح وأن
يكسر شره هذا الخنزيششر بتسشليط الكلشب عليشه إذ بالغضشب يكسشر سشورة الششهوة ويشدفع
ضراوة الكلب بتسليط الخنزير عليه ويجعل الكلب مقهورا تحششت سياسششته فششإن فعششل ذلششك
وقدر عليه اعتدل المر وظهر العدل في مملكة البدن وجرى الكل على الصراط المستقيم
وإن عجز عن قهرها وقهروه واستخدموه فل يزال في استنباط الحيل وتدقيق الفكر ليشبع
الخنزير ويرضى الكلب فيكون دائما في عبادة كلب وخنزير وهششذا حششال أكششثر النششاس مهمششا
كان أكثر همتهم البطن والفرج ومنافسة العداء والعجب منه أنه ينكر على عبششدة الصششنام
عبادتهم للحجارة ولو كشف الغطاء عنه وكوشف بحقيقة حاله ومثل لششه حقيقششة حششاله كمششا
يمثل للمكاشفين إما في النوم أو في اليقظة لرأى نفسه ماثل بين يدي خنزيششر سششاجدا لششه
مرة وراكعا أخرى ومنتظرا لشارته وأمره فمهما هاج الخنزيششر لطلششب شششيء مششن شششهواته
انبعث على الفور في خدمته وإحضار شهوته أو رأى نفسه ماثل بين يدي كلب عقور عابششدا
له مطيعا سامعا لما يقتضيه ويلتمسه مدققا بششالفكر فششي حيششل الوصششول إلششى طششاعته وهششو
بششذلك سششاع فششي مسششرة شششيطانه فششإنه الششذي يهيششج الخنزيششر ويششثير الكلششب ويبعثهمششا علششى
استخدامه فهو من هذا الوجه يعبد الشيطان بعبادتهما فليراقب كل عبششد حركششاته وسششكناته
وسكوته ونطقه وقيامه وقعوده ولينظر بعين البصيرة فل يشرى إن أنصششف نفسششه إل سشاعيا
طول النهار في عبادة هؤلء وهذا غاية الظلم إذ جعل المالك مملوكا والرب مربوبا والسيد
عبدا والقاهر مقهروا إذ العقل هو المستحق للسيادة والقهر والستيلء وقد سششخره لخدمششة
هؤلء الثلثة فل جرم ينتشر إلى قلبه من طاعة هؤلء الثلثة صفات تتراكم عليه حتى يصير
طابعا ورينا مهلكا للقلب ومميتا له أما طاعشة خنزيشر الششهوة فتصشدر منهشا صشفة الوقاحشة
والخبث والتبششذير والتقششتير والريششاء والهتكششة والمجانششة والعبششث والحششرص والجشششع والملششق
والحسد والحقد والشماتة وغيرها وأما طاعة كلب الغضب فتنتشر منهششا إلششى القلششب صششفة
التهور والبذالة والبششذخ والصششلف والستشششاطة والتكششبر والعجششب والسششتهزاء والسششتخفاف
وتحقير الخلق وإرادة الشر وشهوة الظلم وغيرهششا وأمششا طاعششة الشششيطان بطاعششة الشششهوة
والغضب فيحصل منها صفة المكر والخداع والحيلة والدهاء والجراءة والتلبيس والتضششريب
والغش والخب والخنا وأمثالها ولو عكس المر وقهر الجميع تحت سياسششة الصششفة الربانيششة
لستقر في القلب من الصفات الربانية العلم والحكمة واليقين والحاطششة بحقششائق الشششياء
ومعرفة المور على ما هي عليه والستيلء علششى الكششل بقششوة العلششم والبصششيرة واسششتحقاق
التقدم على الخلق لكمال العلم وجلله ولستغنى عن عبادة الشهوة والغضب ولنتشر إليه
من ضبط خنزير الشهوة ورده إلى حد العتدال صفات شريفة مثل العفة والقناعة والهششدو
والزهد والورع والتقوى والنبسششاط وحسششن الهيئة والحيششاء والظششرف والمسششاعدة وأمثالهششا
ويحصل فيه من ضبط قوة الغضب وقهرها وردها إلى حد الواجب صفة الشششجاعة والكششرم
والنجدة وضبط النفس والصبر والحلم والحتمال والعفو والثبات والنبل والشششهامة والوقششار
وغيرها فالقلب في حكششم مششرآة قششد اكتنفتششه هششذه المششور المششؤثرة فيششه وهششذه الثششار علششى
التواصل واصلة إلى القلب أما الثار المحمودة التي ذكرناها فإنهششا تزيششد مششرآة القلششب جلء
وإشراقا ونورا وضياء حتى يتلل فيه جلية الحق وينكشف فيه حقيقششة المششر المطلششوب فششي
الدين وإلى مثل هذا القلب الشارة بقوله صلى اللششه عليششه وسششلم إذا أراد اللششه بعبششد خيششرا
جعل له واعظا من قلبه 1وبقوله صلى الله عليه وسلم من كششان لششه مششن قلبششه واعششظ كششان
عليه من الله حافظ 2وهذا القلب هو الذي يستقر فيه الذكر قال اللششه تعششالى أل بششذكر اللششه
تطمئن القلوب وأما الثار المذمومة فإنها مثل دخان مظلم يتصششاعد إلششى مششرآة القلششب ول
يزال يتراكم عليه مرة بعد أخرى إلى أن يسششود ويظلششم ويصششير بالكليششة محجوبششا عششن اللششه
تعالى وهو الطبع وهو الرين قال الله تعالى كل بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون وقال
عز وجل أن لو نشاء أصبناهم بذنبوهم ونطبع علششى قلششوبهم فهششم ل يسششمعون فربششط عششدم
السماع بالطبع بالذنوب كما ربط السماع بالتقوى فقال تعالى واتقوا الله واسششمعوا واتقششوا
الله ويعلمكم الله ومهما تراكمت الذنوب طبع على القلوب وعنششد ذلششك يعمششى القلششب عششن
إدراك الحق وصلح الدين ويستهين بأمر الخرة ويستعظم أمر الدنيا ويصششير مقصششور الهششم
عليها فإذا قرع سمعه أمر الخرة وما فيها من الخطار دخل من أذن وخششرج مششن أذن ولششم
يستقر في القلب ولم يحركه إلى التوبة والتدارك أولئك يئسوا من الخرة كما يئس الكفششار
من أصحاب القبور وهذا هو معنى اسوداد القلب بالذنوب كما نطق به القرآن والسنة قششال
ميمون بن مهران إذا أذنب العبد ذنبا نكت في قلبه نكتة سوداء فإذا هششو نششزع وتششاب صششقل
وإن عاد زيد فيها حتى يعلو قلبه فهو الران وقد قششال النششبي صششلى اللششه عليششه وسششلم قلششب
المؤمن أجرد فيه سراج يزهر وقلب الكافر أسود منكوس 3فطاعششة اللششه سششبحانه بمخالفششة
الشهوات مصقلة للقلب ومعاصيه مسودات له فمن أقبل على المعاصي اسود قلبششه ومششن
أتبع السيئة الحسنة ومحا أثرها لم يظلم قلبه ولكن ينقص نوره كالمرآة التي يتنفششس فيهششا
ثم تمسح ويتنفس ثم تتمسح فإنها ل تخلو عششن كششدورة وقششد قششال صششلى اللششه عليششه وسششلم
القلوب أربعة قلب أجرد فيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن وقلشب أسشود منكشوس فشذلك
قلب الكافر وقلب أغلف مربوط على غلفه فذلك قلب المنافق وقلب مصششفح فيششه إيمششان
ونفاق 4فمثل اليمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب ومثل النفاق فيششه كمثششل القرحششة
يمدها القيح والصديد فأي المادتين غلبت عليه حكم له بها وفي رواية ذهبششت بششه قششال اللششه
تعالى إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فششإذا هششم مبصششرون فششأخبر أن
جلء القلب وإبصاره يحصل بالذكر وأنه ل يتمكن منه إل الششذين اتقششوا فششالتقوى بششاب الششذكر
والذكر باب الكشف والكشف باب الفوز الكبر وهو الفوز بلقاء الله تعالى.
1حديث إذا أراد الله بعبده خيرا جعل له واعظا من قلبه أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من
حديث أم سلمة وإسناده جيد
2حديث من كان له من قلبه واعظ كان عليه من الله حافظ لم أجد له أصل
3حديث قلب المؤمن أجرد فيه سراج يزهر الحديث أخرجه أحمد والطبراني في الصغير من حديث أبي
سعيد وهو بعض الحديث الذي يليه
4حديث القلوب أربعة قلب أجرد فيه سراج يزهر الحديث أخرجه أحمد والطبراني في الصغير من حديث أبي
سعيد الخدري وقد تقدم
بيان مثل القلب بالضافة إلى العلوم خاصة
اعلم أن محل العلشم هشو القلشب أعنشي اللطيفشة المشدبرة لجميشع الجشوارح وهشي المطاعشة
المخدومة من جميع العضاء وهي بالضافة إلى حقائق المعلومات كششالمرآة بالضششافة إلششى
صور المتلونات فكما أن للمتلون صورة ومثال تلك الصورة ينطبع في المشرآة ويحصشل بهشا
كذلك لكل معلوم حقيقة ولتلك الحقيقة صورة تنطبع في مرآة القلب وتتضح فيها وكمششا أن
المرآة غير وصور الشخاص غير وحصول مثالها في المششرآة غيششر فهششي ثلثششة أمششور فكششذلك
ههنا ثلثة أمور القلب وحقائق الشياء وحصول نفس الحقششائق فششي القلششب وحضششورها فيششه
فالعالم عبارة عن القلب الذي فيه يحل مثال حقائق الشياء والمعلششوم عبششارة عششن حقششائق
الشياء والعلم عبارة عن حصول المثال في المرآة وكمششا أن القبششض مثل يسششتدعي قابضششا
كاليد ومقبوضا كالسيف ووصول بين السيف واليد بحصول السيف في اليششد ويسششمى قبضششا
فكذلك وصول مثال المعلوم إلى القلب يسمى علما وقد كانت الحقيقششة موجششودة والقلششب
موجودا ولم يكن العلم حاصل لن العلشم عبششارة عششن وصشول الحقيقشة إلشى القلشب كمششا أن
السيف موجود واليد موجودة ولم يكن اسم القبض والخذ حاصل لعدم وقششوع السششيف فششي
اليد نعم القبض عبارة عن حصول السششيف بعينششه فششي اليششد والمعلششوم بعينششه ل يحصششل فششي
القلب فمششن علششم النشار لشم تحصششل عيشن النششار فشي قلبشه ولكشن الحاصشل حششدها وحقيقتهشا
المطابقة لصورتها فتمثيله بالمرآة أولى لن عين النسان ل تحصل في المرآة وإنما يحصل
مثال مطابق له وكذلك حصول مثال مطابق لحقيقة المعلوم في القلب يسمى علما وكمششا
أن المرآة ل تنكشف فيها الصورة لخمسة أمور أحدها نقصان صورتها كجوهر الحديششد قبششل
أن يدور ويشكل ويصقل والثاني لخنثه وصدئه وكدورته وإن كان تام الشكل والثالث لكونه
معدول به عن جهة الصورة إلى غيرها كما إذا كانت الصششورة وراء المششرآة والرابششع لحجششاب
مرسل بين المرآة والصورة والخامس للجهل بالجهششة الششتي فيهششا الصششورة المطلوبششة حششتى
يتعذر بسببه أن يحاذي بها شطر الصورة وجهتها فكذلك القلششب مششرآة مسششتعدة لن ينجلششي
فيها حقيقة الحق في المور كلها وإنما خلششت القلششوب عششن العلششوم الششتي خلششت عنهششا لهششذه
السباب الخمسة أولها نقصان في ذاته كقلب الصبي فإنه ل ينجلي له المعلومات لنقصششانه
والثاني لكدورة المعاصي والخبث الذي يتراكم على وجه القلب مششن كششثرة الشششهوات فششإن
ذلك يمنع صفاء القلب وجلءه فيمتنع ظهور الحق فيه لظلمته وتراكمه وإليه الشارة بقوله
صلى الله عليه وسلم من قارف ذنبا فششارقه عقششل ل يعششود إليششه أبششدا 1أي حصششل فششي قلبششه
كدورة ل يزول أثرها إذ غايته أن يتبعششه بحسششنة يمحششوه بهششا فلششو جشاء بالحسششنة ولششم تتقششدم
السيئة لزداد ل محالة إشراق القلب فلما تقدمت السيئة سقطت فائدة الحسنة لكششن عششاد
القلب بها إلى ما كان قبل السيئة ولم يزدد بها نورا فهذا خسران مبين ونقصان ل حيلة لششه
فليست المرآة التي تتدنس ثم تمسح بالمصقلة كالتي تمسح بالمصقلة لزيششادة جلئهششا مششن
غير دنس سابق فالقبال على طاعة الله والعراض عن مقتضى الشهوات هشو الشذي يجلشو
القلب ويصفيه ولذلك قال الله تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سششبلنا وقششال صششلى اللششه
عليه وسلم من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم 2الثالث أن يكششون معششدول بششه عششن
جهة الحقيقة المطلوبة فإن قلب المطيع الصالح وإن كان صافيا فإنه ليس يتضح فيه جليششة
الحق لنه ليس يطلب الحق وليس محاذيا بمرآته شطر المطلوب بل ربما يكون متسوعب
الهم بتفصيل الطاعات البدنية أو بتهيئة أسباب المعيشة ول يصرف فكره إلششى التأمششل فششي
حضرة الربوبية والحقائق الخفية اللهية فل ينكشف لششه إل مششا هششو متفكششر فيششه مششن دقششائق
آفات العمال وخفايا عيوب النفس إن كان متفكرا فيها أو مصالح المعيشة إن كان متفكرا
فيها وإذا كان تقييد الهم بالعمال وتفصيل الطاعات مانعشا عششن انكششاف جليششة الحشق فمشا
ظنك فيمن صرف الهم إلى الشهوات الدنيوية ولذاتها وعلئقها فكيف ل يمنع عششن الكشششف
الحقيقي الرابششع الحجششاب فشإن المطيششع القششاهر لشششهواته المتجششرد الفكششر فششي حقيقششة مششن
5حديث قيل من خير الناس قال كل مؤمن مخموم القلب الحديث أخرجه ابن ماجه من حديث عبد الله بن
عمر بإسناد صحيح
بيان حال القلب بالضافة إلى أقسام العلوم العقلية والدينية
والدنيوية والخروية
أعلم أن القلب بغريزته مستعد لقبول حقائق المعلومات كما سبق ولكن العلوم التي تحششل
فيه تنقسم إلى عقلية وإلى شرعية والعقلية تنقسم إلى ضرورية ومكتسبة والمكتسبة إلى
دنيوية وأخروية أما العقلية فنعني بها ما تقضي بها غريزة العقل ول توجد بالتقليد والسماع
وهي تنقسم إلششى ضششرورية ل يششدري مششن أيششن حصششلت وكيششف حصششلت كعلششم النسششان بششأن
الشخص الواحد ل يكون في مكانين والشيء الواحد ل يكون حادثا قششديما موجششودا معششدوما
معا فإن هذه علوم يجد النسان نفسه منذ الصبا مفطورا عليهششا ول يششدري مششتى حصششل لششه
هذا العلم ول من أين حصل له أعني أنه ل يدري له سببا قريبا وإل فليششس يخفششى عليششه أن
الله هو الذي خلقه وهداه وإلى علششوم مكتسششبة وهششي المسششتفادة بششالتعلم والسششتدلل وكل
القسمين قد يسمى عقل قال علي رضي الله عنه رأيت العقل عقليششن فمطبششوع ومسششموع
ول ينفع مسموع إذا لم يك مطبوع كمششا ل تنفششع الشششمس وضششوء العيششن ممنششوع والول هششو
المراد بقوله صلى الله عليه وسلم لعلي ما خلق الله خلقا أكرم عليه مششن العقل 1والثششاني
هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم لعلششى رضششي اللششه عنششه إذا تقششرب النششاس إلششى اللششه
تعالى بأنواع البر فتقرب أنششت بعقلك 2إذ ل يمكششن التقششرب بششالغريزة الفطريششة ول بششالعلوم
الضرورية بل بالمكتسبة ولكن مثششل علششي رضششي اللششه عنششه هششو الششذي يقششدر علششى التقششرب
باستعمال العقل في اقتناص العلوم التي بها ينال القششرب مششن رب العششالمين فششالقلب جششار
مجرى العين وغريزة العقل فيه جارية مجرى قوة البصر في العيششن وقششوة البصششار لطيفششة
تفقد في العمى وتوجد في البصششر وإن كششان قششد غمششض عينيششه أو جششن عليششه الليششل والعلششم
الحاصل منه في القلب جار مجرى قششوة إدراك البصششر فششي العيششن ورؤيتششه لعيششان الشششياء
وتأخر العلوم عن عين العقل في مدة الصبا إلى أوان التمييز أو البلوغ يضاهي تأخر الرؤية
عن البصر إلى أوان إشراق الشمس وفيضان نورها علشى المبصشرات والقلشم الشذي سشطر
الله به العلوم على صفحات القلوب يجرى مجرى قرص الشمس وإنمششا لششم يحصششل العلششم
في قلب الصبي قبل التمييز لن لوح قلبه لم يتهيأ بعد لقبول نفس العلم والقلم عبارة عن
خلق من خلق الله تعالى جعله سببا لحصول نقش العلوم في قلوب البشر قال الله تعالى
الذي علم بالقلم علم النسان ما لم يعلم وقلم الله تعالى ل يشبه قلم خلقششه كمششا ل يشششبه
وصفه وصف خلقه فليس قلمه من قصب ول خشب كمششا أنششه تعششالى ليششس مششن جششوهر ول
عرض فالموازنة بين البصيرة الباطنة والبصر الظشاهر صشحيحة مشن هشذه الوجشوه إل أنشه ل
مناسبة بينهما فششي الشششرف فششإن البصششيرة الباطنششة هششي عيششن النفششس الششتي هششي اللطيفششة
المدركة وهي كالفارس والبدن كششالفرس وعمششى الفششارس أضششر علششى الفششارس مششن عمششى
الفرس بل ل نسبة لحد الضششررين إلششى الخششر ولموازنششة البصششيرة الباطنششة للبصششر الظششاهر
سماه الله تعالى باسمه فقال ما كذب الفؤاد ما رأى سمى إدراك الفؤاد رؤية وكذلك قوله
تعالى وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والرض وما أراد به الرؤية الظاهرة فإن ذلششك
غير مخصوص بإبراهيم عليه السلم حتى يعرض فششي معششرض المتنششان ولششذلك سششمى ضششد
إدراكه عمى فقال تعالى فإنها ل تعمى البصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور وقششال
تعالى ومن كان في هذه أعمى فهو في الخرة أعمى وأضل سبيل فهذا بيان العلم العقلششي
أما العلوم الدينية فهي المأخوذة بطريق التقليد مششن النبيششاء صششلوات اللششه عليهششم وسششلمه
وذلك يحصل بالتعلم لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفهششم معانيهمششا
بعد السماع وبه كمال صفة القلب وسششلمته عششن الدواء والمششراض فششالعلوم العقليششة غيششر
كافية في سلمة القلب وإن كان محتاجا إليها كما أن العقل غير كاف فششي اسششتدامة صششحة
أسباب البدن بل يحتاج إلى معرفة خواص الدوية والعقاقير بطريق التعلششم مششن الطبششاء إذ
1حديث ما خلق الله خلقا أكرم عليه من العقل أخرجه الترمذي الحكيم في نوادر الصول بإسناد ضعيف وقد
تقدم في العلم
2حديث إذا تقرب الناس إلى الله بأنواع البر فتقرب أنت بعقلك أخرجه أبو نعيم من حديث علي بإسناد
ضعيف
مجرد العقل ل يهتدي إليه ولكن ل يمكن فهمه بعد سماعه إل بالعقل فل غنى بالعقششل عششن
السماع ول غنى بالسماع عن العقل فالداعي إلى محض التقليششد مششع عششزل العقششل بالكليششة
جاهل والمكتفي بمجرد العقل عن أنوار القرآن والسششنة مغششرور فإيششاك أن تكششون مششن أحششد
الفريقين وكن جامعا بين الصلين فإن العلوم العقلية كالغذية والعلششوم الشششرعية كالدويششة
والشخص المريض يستضر بالغذاء متى فاته الدواء فكذلك أمراض القلوب ل يمكر علجهششا
إل بالدوية المستفادة من الشريعة وهششي وظششائف العبششادات والعمششال الششتي ركبهششا النبيششاء
صلوات الله عليهم لصلح القلوب فمن ل يداوي قلبه المريض بمعالجات العبادة الشششرعية
واكتفى بالعلوم العقلية استضر بها كما يستضر المريض بالغذاء وظن من يظششن أن العلششوم
العقلية مناقضة للعلوم الشرعية وأن الجمع بينهما غير ممكن هو ظن صادر عن عمى فششي
عين البصيرة نعوذ بالله منه بل هذا القائل ربما يناقض عنده بعض العلوم الشششرعية لبعششض
فيعجز عن الجمع بينهما فيظن أنه تناقض في الدين فيتحير به فينسششل مششن الششدين انسششلل
الشعرة من العجين وإنما ذلك لن عجزه في نفسه خيل إليه نقضا في الدين وهيهات وإنما
مثاله مثال العمى الذي دخل دار قوم فتعششثر فيهششا بششأواني الششدار فقششال لهششم مششا بششال هششذه
الواني تركت على الطريق لم ل ترد إلى مواضعها فقششالوا لششه تلششك الوانششي فششي مواضششعها
وإنما أنت لست تهتدي للطريق لعماك فالعجب منك أنك ل تحيل عثرتك على عماك وإنمششا
تحيلها على تقصير غيرك فهذه نسبة العلوم الدينيششة إلششى العلششوم العقليششة والعلششوم العقليششة
تنقسم إلى دنيوية وأخروية فالدنيويششة كعلششم الطششب والحسششاب والهندسششة والنجششوم وسششائر
الحرف والصششناعات والخرويششة كعلششم أحششوال القلششب وآفششات العمششال والعلششم بششالله تعششالى
وبصفاته وأفعاله كما فصلناه في كتاب العلم وهما علمششان متنافيششان أعنششي أن مششن صششرف
عنايته إلى أحدهما حتى تعمق فيه قصرت بصيرته عن الخر على الكثر ولذلك ضرب علي
رضى الله عنه للدنيا والخرة ثلثة أمثلة فقال هما ككفششتي الميششزان وكالمشششرق والمغششرب
وكالضرتين إذا أرضيت إحداهما أسخطت الخرى ولذلك ترى الكياس في أمور الدنيا وفششي
علم الطب والحساب والهندسة والفلسفة جهششال فششي أمششور الخششرة والكيششاس فششي دقششائق
علوم الخرة جهال في أكثر علوم الدنيا لن قوة العقل ل تفي بالمرين جميعا فششي الغششالب
فيكون أحدهما مانعا من الكمال في الثاني ولذلك قال صلى الله عليه وسلم إن أكثر أهششل
الجنة البله 1أي البله في أمور الدنيا وقال الحسن في بعض مواعظه لقد أدركنا أقوامششا لششو
رأيتموهم لقلتم مجانين ولو أدركوكم لقالوا شياطين فمهما سشمعت أمشرا غريبشا مشن أمشور
الدين جحده أهل الكياسة في سائر العلوم فل يغرنك جحودهم عششن قبششوله إذ مششن المحششال
أن يظفر سالك طريق المشرق بما يوجد في المغرب فكششذلك يجششري أمششر الششدنيا والخششرة
ولذلك قال تعالى إن الذين ل يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمششأنوا بهششا اليششة وقششال
تعالى يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الخرة هم غافلون وقال عز وجل فششأعرض
عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إل الحياة الدنيا ذلك مبلغهششم مششن العلششم فششالجمع بيششن كمششال
الستبصار في مصالح الدنيا والدين ل يكشاد يتيسشر إل لمشن رسشخه اللشه لتشدبير عبشاده فشي
معاشهم ومعادهم وهم النبياء المؤيدون بروح القدس المستمدون من القوة اللهيششة الششتي
تتسع لجميع المور ول تضيق عنها فأما قلوب سشائر الخلششق فإنهششا إذا اسششتقلت بششأمر الششدنيا
انصرفت عن الخرة وقصرت عن الستكمال فيها.
بيان الفرق بين اللهام والتعلم والفرق بين طريق الصوفية
في استكشاف الحق وطريق النظار
اعلم أن العلوم التي ليست ضرورية وإنما تحصل فششي القلششب فششي بعششض الحششوال تختلششف
الحال في حصولها فتارة تهجم على القلب كأنه ألقي فيه من حيث ل يدري وتارة تكتسششب
بطريق الستدلل والتعلم فالذي يحصل ل بطريق الكتسششاب وحيلششة الششدليل يسششمى إلهامششا
والذي يحصل بالستدلل يسمى اعتبارا واستبصارا ثم الواقع في القلشب بغيششر حيلششة وتعلششم
واجتهاد من العبد ينقسم إلى ما ل يدري العبد أنه كيف حصل له ومن أين حصششل وإلششى مششا
1حديث أكثر أهل الجنة البله أخرجه البزار من حديث أنس وضعفه وصححه القرطبي في التذكرة وليس
كذلك فقد قال ابن عدي أنه منكر
يطلع معه على السبب الذي منه استفاد ذلك العلم وهو مشاهدة الملك الملقى في القلب
والول يسمى إلهاما ونفثا في الروع والثاني يسمى وحيا وتختص به النبيششاء والول يختششص
به الولياء والصششفياء والششذي قبلششه وهششو المكتسششب بطريششق السششتدلل يختششص بششه العلمششاء
وحقيقة القول فيه أن القلب مستعد لن تنجلي فيه حقيقة الحششق فششي الشششياء كلهششا وإنمششا
حيل بينه وبينها بالسباب الخمسة التي سبق ذكرها فهششي كالحجششاب المسششدل الحششائل بيششن
مرآة القلب وبين اللوح المحفوظ الذي هو منقوش بجميع ما قضى الله به إلى يوم القيامة
وتجلى حقائق العلوم من مرآة اللوح في مرآة القلب يضاهي انطباع صورة من مششرآة فششي
مرآهتقابلها والحجاب بين المرآتين تششارة يششزال باليششد وأخششرى يششزول بهبششوب الريششاح تحركششه
وكذلك قد تهب رياح اللطاف وتنكشف الحجب عن أعين القلوب فينجلي فيها بعض ما هو
مسطور في اللوح المحفوظ ويكون ذلك تارة عند المنام فيعلم به ما يكون في المسششتقبل
وتمام ارتفاع الحجاب بالموت فبه ينكشف الغطاء وينكشف أيضا فشي اليقظشة حشتى يرتفشع
الحجاب بلطف خفي من الله تعالى فيلمع فششي القلششوب مششن وراء سششتر الغيششب شششيء مششن
غرائب العلم تارة كالبرق الخاطف وأخرى على التوالي إلى حد ما ودوامه في غاية النششدور
فلم يفارق اللهام الكتساب في نفس العلم ول في محله ول في سببه ولكششن يفششارقه مششن
جهة زوال الحجاب فإن ذلك ليس باختيار العبد ولم يفارق الششوحي اللهششام فششي شششيء مششن
ذلك بل في مشششاهدة الملششك المفيششد للعلششم فششإن العلششم إنمششا يحصششل فششي قلوبنششا بواسششطة
الملئكة وإليه الشارة بقوله تعالى وما كان لبشر أن يكلمه الله إل وحيا أو من وراء حجاب
أو يرسل رسول فيوحي بإذنه ما يشاء فإذا عرفت هذا فششاعلم أن ميششل أهششل التصششوف إلششى
العلوم اللهامية دون التعليمية فلذلك لم يحرصوا علششى دراسششة العلششم وتحصششيل مششا صششنفه
المصنفون والبحث عن القاويل والدلة المذكورة بل قالوا الطريق تقديم المجاهدة ومحششو
الصفات المذمومة وقطع العلئق كلها والقبال بكنه الهمة علششى اللششه تعششالى ومهمششا حصششل
ذلك كان الله هو المتولي لقلب عبده والمتكفل له بتنويره بأنوار العلم وإذا تولى اللششه أمششر
القلب فاضت عليه الرحمة وأشششرق النششور فشي القلششب وانششرح الصشدر وانكشششف لششه سشر
الملكوت وانقشع عن وجه القلب حجاب الغرة بلطف الرحمششة وتللت فيششه حقششائق المششور
اللهية فليس على العبد إل الستعداد بالتصفية المجردة وإحضار الهمة مع الرادة الصششادقة
والتعطش التام والترصد بدوام النتظار لما يفتحه الله تعالى من الرحمة فالنبياء والوليششاء
انكشف لهم المر وفاض علششى صششدورهم النششور ل بششالتعلم والدراسششة والكتابششة للكتششب بششل
بالزهد في الدنيا والتبري من علئقها وتفريغ القلب من شواغلها والقبال بكنه الهمششة علششى
الله تعالى فمن كان لله كان الله له وزعموا أن الطريق في ذلك أول بانقطاع علئق الششدنيا
بالكلية وتفريغ القلب منها وبقطع الهمششة عششن الهششل والمششال والولششد والششوطن وعششن العلششم
والولية والجاه بل يصير قلبه إلى حالة يستوي فيها وجود كل شيء وعدمه ثم يخلو بنفسه
في زواية مع القتصار على الفرائض والرواتب ويجلس فارغ القلب مجموع الهم ول يفششرق
فكره بقراءة قرآن ول بالتأمل في تفسير ول بكتب حديث ول غيره بل يجتهششد أن ل يخطششر
بباله شيء سوى الله تعالى فل يزال بعد جلوسه في الخلوة قششائل بلسششانه اللششه اللششه علششى
الدوام مع حضور القلب حتى ينتهي إلى حالة يترك تحريك اللسان ويرى كأن الكلمة جارية
على لسانه ثم يصبر عليه إلى أن يمحي أثره عن اللسان ويصادف قلبه مواظبا على الذكر
ثم يواظب عليه إلى أن يمحي عن القلب صورة اللفظ وحروفه وهيئة الكلمة ويبقى معنشى
الكلمة مجردا في قلبه حاضرا فيه كأنه لزم له ل يفارقه وله اختيار إلى أن ينتهي إلى هششذا
الحد واختيار في استدامة هذه الحالة بدفع الوسواس وليس له اختيار في استجلب رحمششة
الله تعالى بل هو بما فعله صار متعرضا لنفحات رحمة الله فل يبقى إل النتظششار لمششا يفتششح
الله من الرحمة كما فتحها على النبياء والولياء بهذه الطريق وعند ذلك إذا صدقت إرادتششه
وصفت همته وحسنت مواظبته فلم تجاذبه شهواته ولم يشغله حديث النفس بعلئق الششدنيا
تلمع لوامع الحق في قلبه ويكون في ابتدائه كالبرق الخاطف ل يثبت ثششم يعششود وقششد يتششأخر
وإن عاد فقد يثبت وقد يكون مختطفا وإن ثبت قد يطول ثباته وقششد ل يطششول وقششد يتظششاهر
أمثاله على التلحق وقد يقتصر على فن واحد ومنازل أولياء الله تعالى فيه ل تحصر كما ل
يحصى تفاوت خلقهم وأخلقهم وقد رجع هذا الطريق إلى تطهير محض من جانبك وتصفية
وجلء ثم استعداد وانتظار فقط وأما النظار وذوو العتبار فلششم ينكششروا وجششود هششذا الطريششق
وإمكانه وإفضائه إلى هذا المقصشد علشى النشدور فشإنه أكشثر أحشوال النبيشاء والوليشاء ولكشن
استوعروا هذا الطريق واسششتبطؤا ثمرتششه واسششتبعدوا اسششتجماع شششروطه وزعمششوا أن محششو
العلئق إلى ذلك الحد كالمتعششذر وإن حصششل فششي حششال فثبششاته أبعششد منششه إذ أدنششى وسششواس
وخاطر يشوش القلب وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قلب المؤمن أشد تقلبا مششن
القدر في غليانها 1أخرجه أحمد والحاكم وقال عليه أفضل الصششلة والسششلم قلششب المششؤمن
بين أصبعين من أصابع الرحمن 2وفي أثناء هذه المجاهدة قد يفسد المزاج ويختلششط العقششل
ويمرض البدن وإذا لم تتقدم رياضة النفس وتهذيبها بحقائق العلوم نشبت بششالقلب خيششالت
فاسدة تطمئن النفس إليها مدة طويلة إلى أن يزول وينقضي العمر قبل النجاح فيهششا فكشم
من صوفي سلك هذا الطريق ثم بقي في خيال واحد عشرين سنة ولو كان قد أتقن العلششم
من قبل لنفتح له وجه التبششاس ذلششك الخيششال فششي الحششال فالشششتغال بطريششق التعلششم أوثششق
وأقرب إلى الغرض وزعموا أن ذلك يضاهي ما لو ترك النسان تعلم الفقه وزعم أن النششبي
صلى الله عليه وسلم لم يتعلم ذلك وصار فقيها بالوحي واللهام من غير تكرير وتعليق وأنا
أيضا ربما انتهت بي الرياضة والمواظبة إليه ومن ظن ذلك فقد ظلششم نفسششه وضششيع عمششره
بل هو كمن يترك طريق الكسب والحراثششة رجشاء العثششور علشى كنششز مشن الكنشوز فشإن ذلشك
ممكن ولكنه بعيد جدا فكذلك هذا وقالوا ل بد أول من تحصيل ما حصششله العلمشاء وفهششم مشا
قالوه ثم ل بأس بعد ذلك بالنتظار لما لم ينكشف لسائر العلماء فعساه ينكشف بعششد ذلششك
بالمجاهدة.
بيان الفرق بين المقامين بمثال محسوس
اعلم أن عجائب القلب خارجة عششن مششدركات الحششواس لن القلششب أيضششا خششارج عششن إدراك
الحس وما لبس مدركا بالحواس تضعف الفهام عن دركه إل بمثال محسوس ونحن نقششرب
ذلك إلى الفهام الضعيفة بمثالين أحدهما أنه لو فرضنا حوضشا محفشورا فشي الرض احتمشل
أن يساق الماء من فوقه بأنهششار تفتششح فيششه ويحتمششل أن يحفششر أسششفل الحششوض ويرفششع منششه
التراب إلى أن يقرب من مستقر الماء الصافي فينفجر المششاء مششن أسشفل الحششوض ويكششون
ذلك الماء أصفى وأدوم وقد يكون أغزر وأكثر فذلك القلب مثل الحوض والعلم مثل المششاء
وتكون الحواس الخمس مثال النهار وقد يمكن أن تساق العلوم إلى القلب بواسطة أنهششار
الحواس والعتبار بالمشاهدات حششتى يمتليششء علمششا ويمكششن أن تسششد هششذه النهششار بششالخلوة
والعزلة وغض البصر ويعمد إلى عمششق القلششب بتطهيششره ورفششع طبقششات الحجششب عنششه حششتى
تنفجر ينابيع العلم من داخله فإن قلت فكيف يتفجر العلم من ذات القلششب وهششو خششال عنششه
فاعلم أن هذا من عجائب أسرارالقلب ول يسمح بذكره في علم المعاملة بل القششدر الششذي
يمكن ذكره أن حقششائق الشششياء مسششطورة فششي اللششوح المحفششوظ بششل فششي قلششوب الملئكششة
المقربين فكما أن المهندس يصور أبنية الدار في بياض ثم يخرجها إلى الوجود علششى وفششق
تلك النسخة فكذلك فاطر السموات والرض كتب نسخة العشالم مشن أولشه إلشى آخشره فشي
اللوح المحفوظ ثم أخرجه إلى الوجود علششى وفششق تلششك النسششخة والعششالم الششذي خششرج إلششى
الوجود بصورته تتأدى منه صورة أخرى إلى الحششس والخيششال فششإن مششن ينظششر إلششى السششماء
والرض ثم يغض بصره يرى صورة السماء والرض في خيششاله حششتى كششأنه ينظششر إليهششا ولششو
انعدمت السماء والرض وبقي هو في نفسه لوجد صورة السماء والرض فششي نفسششه كششأنه
يشاهدهما وينظر إليهما ثم يتأدى من خياله أثر إلى القلب فيحصل فيه حقائق الشياء التي
دخلششت فششي الحششس والخيششال والحاصششل فششي القلششب موافششق للعششالم الحاصششل فششي الخيششال
والحاصل في الخيال موافق للعالم الموجود فششي نفسششه خارجششا مششن خيششال النسششان وقلبششه
والعالم الموجود موافق للنسخة الموجودة في اللوح المحفوظ فكأن للعششالم أربششع درجششات
في الوجود وجود في اللوح المحفوظ وهو سشابق علششى وجشوده الجسشماني ويتبعششه وجششوده
1حديث قلب المؤمن أشد تقلبا من القدر في غليانها أخرجه أحمد والحاكم وصححه من حديث المقداد بن
السود
2حديث قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمر أخرجه
مسلم
الحقيقي ويتبع وجوده الحقيقي وجوده الخيالي أعني وجود صورته في الخيال ويتبع وجششوده
الخيالي وجوده العقلي أعنششي وجششود صششورته فششي القلششب وبعششض هششذه الوجششودات روحانيششة
وبعضها جسمانية والروحانية بعضها أشد روحانيششة مششن البعششض وهششذا اللطششف مششن الحكمششة
اللهية إذ جعل حدقتك على صغر حجمها بحيششث تنطبششع صششورة العششالم والسششموات والرض
على اتساع أكنافها فيها ثم يسري من وجودها في الحس وجود إلى الخيال ثششم منششه وجششود
في القلب فإنك أبدا ل تدرك إل ما هو واصل إليك فلو لم يجعل للعالم كله مثال فششي ذاتششك
لما كان لك خبر مما يباين ذاتك فسبحان من دبر هذه العجششائب فششي القلششوب والبصششار ثششم
أعمى عن دركها القلوب والبصار حتى صارت قلوب أكثر الخلق جاهلة بأنفسششها وبعجائبهششا
ولنرجع إلى الغرض المقصود فنقول القلب قد يتصور أن يحصل فيه حقيقة العالم وصورته
تارة من الحواس وتارة من اللوح المحفوظ كمششا أن العيشن يتصششور أن يحصششل فيهشا صشورة
الشمس تارة من النظر إليها وتشارة مشن النظشر إلشى المشاء الشذي يقابشل الششمس ويحكشي
صورتها فمهما ارتفع الحجاب بينه وبين اللوح المحفوظ رأى الشياء فيه وتفجر إليششه العلششم
منه فاستغنى عن القتباس من داخل الحواس فيكون ذلك كتفجر المششاء مششن عمششق الرض
ومهما أقبل على الخيالت الحاصلة من المحسوسات كان ذلك حجابا له عن مطالعة اللوح
المحفوظ كما أن الماء إذا اجتمع في النهار منع ذلك من التفجر فششي الرض وكمششا أن مششن
نظر إلى الماء الذي يحكي صورة الشمس ل يكون ناظرا إلى نفس الشمس فإذن للقلششب
بابان باب مفتوح إلى عالم الملكوت وهو اللوح المحفوظ وعالم الملئكة وباب مفتوح إلششى
الحواس الخمس المتمسكة بعالم الملك والششهادة وعشالم الششهادة والملشك أيضشا يحشاكي
عالم الملكوت نوعا من المحاكاة فأما انفتاح باب القلششب إلششى القتبششاس مششن الحششواس فل
يخفى عليك وأما انفتاح بابه الداخل إلى عالم الملكوت ومطالعة اللششوح المحفششوظ فتعلمششه
علما يقينيششا بالتأمششل فششي عجششائب الرؤيششا واطلع القلششب فششي النششوم علشى مشا سشيكون فششي
المستقبل أو كان في الماضي من غير اقتباس من جهة الحششواس وإنمششا ينفتششح ذلششك البشاب
لمن انفرد بذكر الله تعالى وقال صلى اللششه عليششه وسششلم سششبق المفششردون قيششل ومششن هششم
المفردون يا رسول الله قال المتنزهون بذكر الله تعالى وضع الذكر عنهم أوزارهم فششوردوا
القيامة خفافا ثم قال في وصفهم إخبارا عن الله تعالى فقال ثم أقبل بوجهي عليهم أتششرى
من واجهته بوجهي يعلم أحد أي شيء أريد أن أعطيه ثششم قششال تعششالى أول مششا أعطيهششم أن
أقذف النور في قلوبهم فيخبرون عنششي كمششا أخششبر عنهم 1ومششدخل هششذه الخبششار هششو البششاب
الباطن فإذا الفرق بين علوم الولياء والنبياء وبيششن علششوم العلمششاء والحكمششاء هششذا وهششو أن
علومهم تأتي من داخل القلب من الباب المنفتح إلى عالم الملكشوت وعلشم الحكمشة يتشأتى
من أبواب الحواس المفتوحة إلى عالم الملك وعجششائب عششالم القلششب وتششردده بيششن عششالمي
الشهادة والغيب ل يمكن أن يستقصى في علششم المعاملششة فهششذا مثششال يعلمششك الفششرق بيششن
مدخل العالمين المثال الثاني يعرفك الفرق بين العملين أعني عمل العلماء وعمل الوليششاء
فإن العلماء يعملششون فششي اكتسششاب نفششس العلششوم واجتلبهششا إلششى القلششب وأوليششاء الصششوفية
يعملون في جلء القلوب وتطهيرها وتصشفيتها وتصشقيلها فقششط فقشد حكشى أن أهششل الصششين
وأهل الروم تباهوا بين يدي بعض الملوك بحسن صناعة النقش والصور فاستقر رأى الملك
على أن يسلم إليهم صفة لينقش أهل الصين منها جانبا وأهل الششروم جانبششا ويرخششي بينهمششا
حجاب يمنع اطلع كل فريق على الخر ففعل ذلك فجمع أهل الروم مششن الصششباغ الغريبششة
ما ل ينحصر ودخل أهل الصين من غير صبغ وأقبلششوا يجلششون جششانبهم ويصششقلونه فلمششا فششرغ
أهل الروم ادعى أهل الصين أنهم قد فرغوا أيضششا فعجششب الملششك مششن قششولهم وأنهششم كيششف
فرغوا من النقش من غير صبغ فقيل وكيف فرغتم من غير صبغ فقالوا مششا عليكششم ارفعششوا
الحجاب فرفعوا وإذا بجانبهم يتلل منه عجائب الصنائع الرومية مع زيادة إشششراق وبريششق إذ
1حديث سبق المفردون قيل ومن هم قال المستهترون بذكر الله الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي
هريرة مقتصرا على أول الحديث وقال فيه وما المفردون قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات ورواه الحاكم
بلفظ قال الذين يستهترون بذكر الله وقال صحيح على شرط الشيخين وزاد فيه البيهقي في الشعب يضع
الذكر عنهم أثقالهم ويأتون يوم القيامة خفافا ورواه هكذا الطبراني في المعجم الكبير من حديث أبي
الدرداء دون الزيادة التي ذكرها المصنف في آخره وكلهما ضعيف
كان قد صار كالمرآة المجلوة لكثرة التصقيل فازداد حسن جانبهم بمزيد التصششقيل فكششذلك
عناية الوليششاء بتطهيششر القلششب وجلئه وتزكيتششه وصششفائه حششتى يتلل فيششه جليششة الحششق بنهايششة
الشراق كفعل أهل الصين وعناية الحكمششاء والعلمششاء بالكتسششاب ونقششش العلششوم وتحصششيل
نقشها في القلب كفعل أهل الروم فكيفما كان المر فقلب المؤمن ل يمششوت وعلمششه عنششد
الموت ل يمحى وصفاؤه ل يتكدر وإليه أشار الحسن رحمة الله عليه بقوله التراب ل يأكششل
محل اليمان بل يكون وسيلة وقربة إلى الله تعالى وأما مششا حصششله مششن نفششس العلششم ومششا
حصله من الصفاء والستعداد لقبول نفس العلم فل غنى به عنه ول سعادة لحششد إل بششالعلم
والمعرفة وبعض السعادات أشرف من بعض كما أنششه ل غنششى إل بالمششال فصششاحب الششدرهم
غني وصاحب الخزائن المترعششة غنششي وتفششاوت درجششات السششعداء بحسششب تفششاوت المعرفششة
واليمان كما تتفاوت درجات الغنياء بحسب قلة المال وكثرته فالمعششارف أنششوار ول يسششعى
المؤمنون إلى لقشاء اللششه تعششالى إل بششأنوارهم قششال اللششه تعشالى يسششعى نششورهم بيششن أيششديهم
وبأيمانهم وقد روي في الخبر إن بعضهم يعطي نورا مثل الجبل وبعضهم أصغر حتى يكششون
آخرهم رجل يعطي نورا على إبهام قدميه فيضيء مششرة وينطفيششء أخششرى فششإذا أضششاء قششدم
قدميه فمشى وإذا طفيء قام ومرورهم على الصراط على قششدر نششورهم فمنهششم مششن يمششر
كطرف العين ومنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالسحاب ومنششه مششن يمششر كانقضششاض
الكواكب ومنهم من يمر كالفرس إذا اشتد في ميدانه والذي أعطى نورا على إبهششام قششدمه
يحبوحبوا على وجهه ويديه ورجليه يجر يدا ويعلق أخرى ويصيب جوانبه النار فل يزال كذلك
حتى يخلص 1حديث صحيح على شرط الشيخين الحشديث فبهشذا يظهشر تفشاوت النشاس فشي
اليمان ولو وزن إيمان أبي بكر بإيمان العالمين سوى النبيين والمرسلين لرجح فهششذا أيضششا
يضاهي قول القائل لو وزن نور الشمس بنور السرج كلها لرجششح فإنمششا آحششاد العششوام نششوره
مثل نور السراج وبعضهم نوره كنور الشمع وإيمان الصششديقين نششوره كنششور القمششر والنجششوم
وإيمان النبياء كالشمس وكما ينكشف في نور الشمس صورة الفاق مششع اتسششاع أقطارهششا
ول ينكشف في نششور السششراج إل زوايششة ضششيقه مششن الششبيت فكششذلك تفششاوت انشششراح الصششدر
بالمعارف وانكشاف سعة الملكوت لقلوب العارفين ولذلك جاء فششي الخششبر أنششه يقششال يششوم
القيامة أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ونصف مثقال وربع مثقششال
وشعيرة وذرة 2كل ذلك تنبيه على تفاوت درجات اليمان وأن هذه المقادير مششن اليمششان ل
تمنع دخول النار وفي مفهومه أن من إيمانه يزيد على مثقال فإنه ل يدخل النار إذ لو دخششل
لمر بإخراجه أول وأن مششن فششي قلبششه مثقششال ذرة ل يسششتحق الخلششود فششي النششار وإن دخلهششا
3
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم ليس شيء خيششرا مششن ألششف مثلششه إل النسششان المششؤمن
حسن إشارة إلى تفضيل قلب العارف بالله تعالى المشوقن فشإنه خيششر مششن ألشف قلششب مششن
العوام وقد قال تعالى وأنتم العلون إن كنتشم مشؤمنين تفضشيل للمششؤمنين علشى المسششلمين
والمراد به المؤمن العارف دون المقلد وقال عز وجل يرفع الله الذين آمنوا منكششم والششذين
أوتوا العلم درجات فأراد ههنا بالذين آمنوا الذين صدقوا من غير علششم وميزهششم عششن الششذين
أوتوا العلم ويدل ذلك على أن اسم المؤمن يقششع علششى المقلششد وإن لششم يكششن تصششديقه عششن
بصيرة وكشف وفسر ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى والذين أوتششوا العلششم درجششات
فقال يرفع الله العالم فوق المششؤمن بسششبعمائة درجششة بيششن كششل درجششتين كمششا بيششن السششماء
والرض وقال صلى الله عليه وسلم أكثر أهششل الجنششة البلششه وعليششون لششذوي اللبششاب 4وقششال
صلى الله عليه وسلم فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل من أصحابي 5وفششي
رواية كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب فبهذه الشواهد يتضح لك تفاوت درجششات
1حديث إن بعضهم يعطي نورا مثل الجبل حتى يكون أصغرهم رجل يعطي نوره على إبهام قدمه الحديث
أخرجه الطبراني والحاكم من حديث ابن مسعود قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين
2حديث يقال يوم القيامة أخرجوا من النار من في قلبه ربع مثقال من إيمان الحديث متفق عليه من حديث
أبي سعيد وليس فيه قوله ربع مثقال متفق عليه
3حديث ليس شيء خيرا من ألف مثله إل النسان أو المؤمن أخرجه الطبراني من حديث سلمان بلفظ
النسان ولحمد من حديث ابن عمر ل نعلم شيئا خيرا من مائة مثله إل الرجل المؤمن وإسنادهما حسن
إسناده
4حديث أكثر أهل الجنة البله وعليون لذوي اللباب تقدم دون هذه لزيادة ولم أجد لهذه الزيادة أصل
أهل الجنة بحسب تفاوت قلوبهم ومعارفهم ولهذا كان يوم القيامة يوم التغابن إذ المحروم
من رحمة الله عظيم الغبن والخسران والمحروم يرى فوق درجته درجات عظيمششة فيكششون
نظره إليها كنظششر الغنششي الششذي يملششك عشششرة دراهششم إلششى الغنششي الششذي يملششك الرض مششن
المشرق إلى المغرب وكل واحد منهما غني ولكن ما أعظم الفرق بينهما وما أعظم الغبششن
على من يخسر حظه من ذلك وللخرة أكبر درجات وأكبر تفضيل.
بيان شواهد الشرع على صحة طريق أهل التصوف في
اكتساب المعرفة ل من التعلم ول من الطريق المعتاد
أعلم أن من انكشف له شيء ولو الشيء اليسير بطريششق اللهششاموالوقوع فششي القلششب مششن
حيث ل يدري فقد صار عارفا بصحة الطريق ومن لم يدرك ذلك من نفسه قط فينبغششي أن
يؤمن بشه فششإن درجششة المعرفشة فيششه عزيشزة جششدا ويشششهد لشذلك ششواهد الشششرع والتجشارب
والحكايات أما الشواهد فقوله تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا فكل حكمششة تظهششر
من القلب بالمواظبة على العبادة من غير تعلم فهو بطريق الكشف واللهششام وقششال صششلى
الله عليه وسلم من عمل بما علم ورثششه اللششه علششم مششا لششم يعلششم ووفقششه فيمششا يعمششل حششتى
يستوجب الجنة ومن لم يعمل بما يعلم تاه فيما يعلم ولم يوفق فيما يعمل حششتى يسششتوجب
النار 1وقال الله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا من الشششكالت والشششبه ويرزقششه مششن
حيث ل يحتسب يعلمه علما من غير تعلم ويفطنه من غير تجربة وقال اللششه تعششالى يششا أيهششا
الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا قيل نورا يفرق به بين الحق والباطل ويخرج بششه
من الشبهات ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يكثر في دعائه من سؤال النور فقال صلى
الله عليه وسلم اللهم أعطني نورا وزدني نورا واجعل لي في قلبي نورا وفششي قششبري نششورا
وفي سمعي نورا وفي بصري نورا حتى قال في شعري وفششي بشششري وفششي لحمششي ودمششي
وعظامي 2وسئل صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى أفمن شرح الله صدره للسلم
فهو على نور من ربه ما هذا الشرح فقال هو التوسششعة إن النششور إذا قششذف بششه فششي القلششب
اتسع له الصدر وانشرح 3وقال صلى الله عليه وسلم لبن عبششاس اللهششم فقهششه فششي الششدين
وعلمه التأويل 4وقال علي رضي الله عنه ما عندنا شيء أسره النبي صلى الله عليه وسلم
إلينا إل أن يؤتي الله تعالى عبدا فهما في كتابه وليس هذا بالتعلم 5وقيل في تفسششير قششوله
تعالى يؤتي الحكمة من يشاء إنه الفهم في كتاب الله وقال تعالى ففهمناها سششليمان خششص
ما انكشف باسم الفهم وكان أبو الدرداء يقول المؤمن من ينظر بنششور اللششه مششن وراء سششتر
رقيق والله إنه للحق يقذفه الله في قلوبهم ويجريه على ألسنتهم وقال بعض السلف ظششن
6
المؤمن كهانة وقال صلى الله عليه وسلم أتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعششالى
وإليه يشير قوله تعالى إن في ذلك ليات للمتوسمين وقششوله تعششالى قششد بينششا اليششات لقششوم
يوقنون وروى الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنششه قششال العلششم علمششان فعلششم
باطن في القلب فذلك هو العلم النافع 7وسئل بعض العلماء عن العلم الباطن ما هو فقششال
هو سر من أسرار الله تعالى يقذفه الله تعالى في قلشوب أحبشابه لشم يطلشع عليشه ملكشا ول
بشرا وقد قال صلى الله عليه وسلم إن من أمشتي محشدثين ومعلميشن ومكلميشن وإن عمشر
5حديث فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل من أصحابي أخرجه الترمذي من حديث أبي أمامة
وصححه وقد تقدم في العلم وكذلك الرواية الثانية أخرجه الترمذي
1حديث من عمل بما علم الحديث تقدم في العلم دون قوله ووفقه فيما يعمل فلم أرها
2حديث اللهم أعطني نورا وزدني نورا الحديث متفق عليه من حديث ابن عباس متفق عليه
3حديث سئل عن قوله تعالى أفمن شرح الله صدر للسلم الحديث وفي المستدرك من حديث ابن مسعود
وقد تقدم في العلم
4متفق عليه حديث اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل قاله لبن عباس متفق عليه من حديث ابن عباس
دون قوله وعلمه التأويل فأخرجه بهذه الزيادة أحمد وابن حبان والحاكم وصححه وقد تقدم في العلم
5حديث علي ما عندنا شيء أسره إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم إل أن يؤتي الله عبدا فهما في
كتابه تقدم في آداب تلوة القرآن
6حديث أتقوا فراسة المؤمن الحديث أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد وقد تقدم أخرجه الترمذي
7حديث العلم علمان الحديث تقدم في العلم
منهم 8وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما وما أرسلنا من قبلك من رسول ول نبي ول محدث
يعني الصديقين والمحدث هو الملهم والملهم هو الذي انكشف له في باطن قلبه من جهششة
الداخل ل مششن جهششة المحسوسششات الخارجششة والقششرآن مصششرح بششأن التقششوى مفتششاح الهدايششة
والكشف وذلك علم من غير تعلم وقال الله تعالى ومششا خلششق اللششه فششي السششموات والرض
ليات لقوم يتقون خصصها بهم وقال تعالى هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين وكششان
أبو يزيد وغيره يقول ليس العالم الذي يحفظ من كتاب فإذا نسي ما حفظه صار جاهل إنما
العالم الذي يأخذ علمه من ربه أي وقت ششاء بل حفششظ ول درس وهششذا هششو العلشم الربششاني
وإليه الشارة بقوله تعالى وعلمناه من لدنا علما مع أن كششل علششم مششن لششدنه ولكششن بعضششها
بوسائط تعليم الخلق فل يسمى ذلك علما لدنيا بل اللدني الذي ينفتح في سششر القلششب مششن
غير سبب مألوف من خارج فهذه شواهد النقل ولو جمع كل ما ورد فيه من اليات والخبار
والثار لخرج عن الحصر وأما مشاهدة ذلك بالتجارب فذلك أيضا خارج عششن الحصششر وظهششر
ذلك على الصحابة والتابعين ومن بعدهم وقال أبششو بكششر الصششديق رضششي اللششه عنششه لعائشششة
رضي الله عنها عند موته إنما هما أخواك وأختاك وكانت زوجته حامل فولدت بنتا فكان قششد
عرف قبل الولدة أنها بنت وقال عمر رضي اللششه عنششه فششي أثنششاء خطبتشه يشا سشارية الجبششل
الجبل إذ انكشف له أن العدو قد أشرف عليه فحذره لمعرفته ذلك ثم بلوغ صوته إليه مششن
جملة الكرامات العظيمة وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال دخلت على عثمان رضششي
الله عنه وكنت قد لقيت امرأة في طريقي فنظششرت إليهششا شششزرا وتششأملت محاسششنها فقششال
عثمان رضي الله عنه لما دخلت يدخل علي أحدكم وأثر الزنا ظاهر على عينيه أمششا علمششت
أن زنا العينين النظر لتتوبن أولعزرنك فقلت أوحي بعد النبي فقال ل ولكن بصيرة وبرهان
وفراسة صادقة وعن أبي سعيد الخراز قششال دخلششت المسششجد الحششرام فرأيششت فقيششرا عليششه
خرقتان فقلت في نفسي هذا وأشباهه كل على الناس فناداني وقششال واللششه يعلششم مششا فششي
أنفسكم فاحذروه فاستغفرت الله في سري فناداني وقال وهو الذي يقبل التوبة عن عباده
ثم غاب عني ولم أره وقال زكريا بن داود دخل أبو العباس بن مسروق علششى أبششي الفضششل
الهاشمي وهو عليل وكان ذا عيال ولم يعرف له سبب يعيش به قال فلما قمششت قلششت فششي
نفسي من أين يأكل هذا الرجل قال فصاح بي يا أبا العباس رد هذه الهمة الدنيششة فششإن للششه
تعالى ألطافا خفية وقال أحمد النقيب دخلت على الشبلي فقال مفتونا يا أحمششد فقلششت مششا
الخبر قال كنت جالسا فجرى بخاطري أنك بخيل فقلششت مششا أنششا بخيششل فعششاد منششي خششاطري
وقال بل أنت بخيل فقلت ما فتح اليوم على بشيء إل دفعتششه إلششى أول فقيششر يلقششاني قششال
فما استتم الخاطر حتى دخل علششى صششاحب لمششؤنس الخششادم ومعششه خمسششون دينششارا فقششال
اجعلها في مصالحك قال وقمت فأخذتها وخرجت وإذا بفقير مكفوف بين يدي مزين يحلششق
رأسه فتقدمت إليه وناولته الدنانير فقال أعطها المزين فقلت إن جملتها كذا وكششذا قششال أو
ليس قد قلنا لك إنك بخيل قال فناولتها المزيششن فقششال المزيششن قششد عقششدنا لمششا جلششس هششذا
الفقير بين أيدينا أن ل نأخذ عليه أجرا قال فرميت بها فشي دجلشة وقلشت مشا أعشزك أحشد إل
أذله الله عز وجل وقال حمزة بن عبد الله العلوي دخلت على أبي الخير النيناني وأعتقدت
في نفسي أن أسلم عليه ول آكل في داره طعاما فلما خرجت من عنده إذا به قششد لحقنششي
وقد حمل طبقا فيه طعام وقال يا فتى كل فقششد خرجششت السششاعة مششن اعتقششادك وكششان أبششو
الخير النيناني هذا مشهورا بالكرامات وقال إبراهيم الرقي قصدته مسششلما عليششه فحضششرت
صلة المغرب فلم يكد يقرأ الفاتحة مستويا فقلت في نفسي ضششاعت سششفرتي فلمششا سششلم
خرجت إلى الطهارة فقصدني سبع فعدت إلى أبي الخير وقلت قصدني سبع فخرج وصششاح
به وقال ألم أقل لك ل تتعششرض لضششيفاني فتنحششى السششد فتطهششرت فلمششا رجعششت قششال لششي
اشتغلتم بتقويم الظاهر فخفتم السد وأشتغلنا بتقويم البواطن فخافنا السد وما حكى مششن
تفرس المشايخ وإخبارهم عن اعتقادات الناس وضمائرهم يخرج عن الحصر بششل مششا حكششى
عنهم من مشاهدة الخضر عليه السلم والسؤال منه ومن سماع صوت الهاتف ومن فنششون
8أخرجه البخاري ومسلم حديث إن من أمتي محدثين ومكلمين وأن عمر منهم أخرجه البخاري من حديث
أبي هريرة لقد كان فيما قبلكم من المم محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر ورواه مسلم من حديث
عائشة
الكرامات خارج عن الحصر والحكاية ل تنفع الجاحد ما لم يشاهد ذلك من نفسه ومن أنكششر
الصل أنكر التفصيل والدليل القاطع الذي ل يقدر أحد على جحده أمششران أحششدهما عجششائب
الرؤيا الصادقة فإنه ينكششف بهشا الغيششب وإذا جششاز ذلشك فشي النششوم فل يسشتحيل أيضشا فشي
اليقظة فلم يفارق النوم اليقظة إل في ركود الحواس وعدم اشتغالها بالمحسوسششات فكششم
من مستيقظ غائص ل يسمع ول يبصر لشتغاله بنفسه والثاني إخبار رسول الله صلى اللششه
عليه وسلم عن الغيب وأمور في المستقبل كما اشتمل عليه القرآن وإذا جششاز ذلششك للنششبي
صلى الله عليه وسلم جاز لغيره إذ النبي عبارة عن شخص كوشف بحقائق المششور وشششغل
بإصلح الخلق فل يسششتحيل أن يكششون فششي الوجششود شششخص مكاشششف بالحقششائق ول يشششتغل
بإصلح الخلق وهذا ل يسمى نبيا بل يسمى وليا فمن آمن بالنبياء وصدق بالرؤيا الصششحيحة
لزمه ل محالة أن يقر بأن القلب له بابان باب إلى خارج وهو الحواس وباب إلشى الملكشوت
من داخل القلب وهو باب اللهام والنفث في الروع والوحي فإذا أقربهما جميعا لششم يمكنششه
أن يحصر العلوم في التعلم ومباشرة السباب المألوفة بل يجوز أن تكون المجاهدة سبيل
إليه فهذا ما ينبه على حقيقة ما ذكرناه من عجيب تردد القلب بيششن عششالم الشششهادة وعششالم
الملكوت وأما السبب في انكشاف المر في المنام بالمثششال المحششوج إلششى التعششبير وكششذلك
تمثل الملئكة للنبياء والولياء بصور مختلفة فذلك أيضا من أسرار عجائب القلب ول يليششق
ذلك إل بعلم المكاشفة فلنقتصر علششى مششا ذكرنششاه فششإنه كششاف للسششتحثاث علششى المجاهششدة
وطلب الكشف منها فقد قال بعض المكاشفين ظهر لي الملك فسششألني أملششي عليششه شششيئا
من ذكرى الخفي عن مشاهدتي من التوحيد وقال ما نكتب لك عمل ونحن نحششب أن نصششعد
لك بعمل تتقرب بششه إلششى اللششه عششز وجششل فقلششت ألسششتما تكتبششان الفششرائض قششال بلششى قلششت
فيكفيكما ذلك وهذه إشارة إلى أن الكرام الكششاتبين ل يطلعششون علششى أسششرار القلششب وإنمششا
يطلعون على العمال الظاهرة وقال بعض العارفين سألت بعض البششدال عششن مسششألة مششن
مشاهدة اليقين فالتفت إلى شماله فقال ما تقول رحمك الله ثم التفت إلى يمينه فقال ما
تقول رحمك الله ثم أطرق إلى صدره وقال ما تقول رحمك الله ثششم أجششاب بششأغرب جششواب
سمعته فسألته عن التفاته فقال لم يكن عندي في المسألة جششواب عتيششد فسششألت صششاحب
الشمال فقال ل أدري فسألت صاحب اليمين وهشو أعلششم منشه فقششال ل أدري فنظششرت إلششى
قلبي وسألته فحدثني بما أجبتك فإذا هو أعلم منهما وكأن هذا هششو معنششى قششوله صششلى اللششه
عليه وسلم أن في أمتي محدثين وإن عمر منهم وفي الثر إن الله تعششالى يقششول أيمششا عبششد
اطلعت على قلبشه فرأيششت الغشالب عليشه التمسشك بشذكري تشوليت سياسشته وكنشت جليسشه
ومحادثه وأنيسه وقال أبو سليمان الداراني رحمة الله عليه القلب بمنزلة القبشة المضشروبة
حولها أبواب مغلقة فأي باب فتح له عمل فيه فقد ظهر انفتاح باب من أبواب القلششب إلششى
جهة الملكوت والمل العلى وينفتح ذلك الباب بالمجاهدة والششورع والعششراض عششن شششهوات
الدنيا ولذلك كتب عمر رضي الله عنه إلى أمراء الجناد احفظوا ما تسمعون من المطيعين
فإنهم ينجلي لهم أمور صادقة وقال بعض العلماء يد الله على أفواه الحكماء ل ينطقون إل
بما هيأ الله لهم من الحق وقال آخر لو شئت لقلت إن اللششه تعششالى يطلششع الخاشششعين علششى
بعض سره.
بيان تسلط الشيطان على القلب بالوساوس ومعنى
الوسوسة وسبب غلبتها
اعلم أن القلب كما ذكرناه مثل قبة مضروبة لها أبواب تنصب إليششه الحششوال مششن كششل بششاب
ومثاله أيضا مثال هدف تنصب إليه السهام من الجوانب أو هشو مثشال مشرآة منصششوبة تجتششاز
عليها أصناف الصور المختلفة فتتراءى فيها صورة بعد صورة ول تخلو عنها أو مثششال حششوض
تنصب فيه مياه مختلفة من أنهار مفتوحة إليه وإنما مداخل هذه الثار المتجددة في القلششب
في كل حال أما من الظاهر فالحواس الخمس وأما من الباطن فالخيال والشهوة والغضب
والخلق المركبة من مزاج النسان فإنه إذا أدرك بالحواس شيئا حصل منه أثر في القلششب
وكذلك إذا هاجت الشهوة مثل بسبب كثرة الكل وبسبب قوة في المزاج حصششل منهششا فششي
القلب أثر وإن كف عن الحساس فالخيالت الحاصلة في النفس تبقى وينتقل الخيششال مششن
شيء إلى شيء وبحسب انتقال الخيال ينتقل القلب من حال إلى حال آخششر والمقصششود أن
القلب في التغير والتأثر دائمشا مشن هشذه السشباب وأخشص الثشار الحاصشلة فشي القلشب هشو
الخواطر وأعني بالخواطر ما يحصل فيه من الفكار والذكار وأعني به إدراكاته علومششا إمششا
على سبيل التجدد وإما على سبيل التذكر فإنها تسمى خواطر من حيث إنها تخطر بعششد أن
كان القلب غافل عنها والخواطر هي المحركششات للرادات فششإن النيششة والعششزم والرادة إنمششا
تكون بعد خطور المنوى بالبال ل محالة فمبدأ الفعال الخواطر ثششم الخششاطر يحشرك الرغبششة
والرغبة تحرك العزم والعزم يحرك النية والنية تحرك العضاء والخشواطر المحركشة للرغبشة
تنقسم إلى ما يدعو إلى الشر أعني إلى ما يضر في العاقبة وإلى ما يدعو إلى الخير أعني
إلى مششا ينفششع فششي الششدار الخششرة فهمششا خششاطران مختلفششان فششافتقرا إلششى اسششمين مختلفيششن
فالخاطر المحمود يسمى إلهاما والخاطر المذموم أعني الداعي إلى الشر يسمى وسواسا
ثم إنك تعلم أن هذه الخواطر حادثة ثم إن كل حادث فل بد له من محدث ومهمششا اختلفششت
الحوادث دل ذلك على اختلف السباب هششذا مششا عششرف مششن سششنة اللششه تعششالى فششي ترتيششب
المسببات على السباب فمهما استنارت حيطشان الشبيت بنشور النشار وأظلشم سشقفه واسشود
بالدخان علمت أن سبب السواد غير سبب الستنارة وكذلك لنوار القلششب وظلمتششه سششببان
مختلفان فسبب الخاطر الداعي إلى الخير يسمى ملكا وسبب الخاطر الششداعي إلششى الشششر
يسمى شيطانا واللطف الذي يتهيأ به القلب لقبول إلهششام الخيششر يسششمى توفيقششا والششذي بششه
يتهيأ لقبول وسواس الشيطان يسششمى إغششواء وخششذلنا فششإن المعششاني المختلفششة تفتقششر إلششى
أسامي مختلفة والملك عبارة عن خلق خلقه الله تعالى شأنه إفاضششة الخيششر وإفششادة العلششم
وكشف الحق والوعد بالخير والمر بالمعروف وقد خلقه وسششخره لششذلك والشششيطان عبششارة
عن خلق شأنه ضد ذلك وهو الوعد بالشششر والمششر بالفحشششاء والتخويششف عنششد الهششم بششالخير
بالفقر فالوسوسة في مقابلة اللهام والشيطان فششي مقابلششة الملششك والتوفيششق فششي مقابلششة
الخذلن وإليه الشارة بقوله تعالى ومششن كششل شششيء خلقنششا زوجيششن فششإن الموجششودات كلهششا
متقابلة مزدوجة إل الله تعالى فإنه فرد ل مقابل لشه بشل هشو الواحششد الحشق الخشالق للزواج
كلها فالقلب متجاذب بين الشيطان والملك وقد قششال صششلى اللششه عليششه وسششلم فششي القلششب
لمتان لمة من الملك إيعاد بششالخير وتصششديق بششالحق فمششن وجششد ذلششك فليعلششم أنششه مششن اللششه
سبحانه وليحمد الله ولمة من العدو إيعاد بالشر وتكذيب بالحق ونهي عن الخير فمن وجششد
ذلك فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم ثم تل قوله تعالى الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم
بالفحشاء 1الية وقال الحسن إنما هما همان يجولن في القلب هم من الله تعالى وهم من
العدو فرحم الله عبدا وقف عند همه فما كان من الله تعالى أمضششاه ومششا كششان مششن عششدوه
جاهده ولتجاذب القلب بين هذين المسلطين قال رسول الله صلى الله عليششه وسششلم قلششب
المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن 2فالله يتعالى عششن أن يكششون لششه أصششبع مركبششة مششن
لحششم ودم وعصششب منقسششمة بالنامششل ولكششن روح الصششبع سششرعة التقليششب والقششدرة علششى
التحريك والتغيير فإنك ل تريد أصبعك لشخصه بششل لفعلششه فششي التقليششب والترديششد كمششا أنششك
تتعاطى الفعال بأصابعك والله تعالى يفعل مششا يفعششل باستسششخار الملششك والشششيطان وهمششا
مسخران بقدرته في تقليب القلوب كما أن أصابعك مسخرة لك فششي تقليششب الجسششام مثل
والقلب بأصل الفطرة صالح لقبول آثار الملك ولقبول آثار الشيطان صلحا متسششاويا ليششس
يترجح أحدهما على الخر وإنما يترجح أحد الجانبين باتباع الهوى والكبششاب علششى الشششهوات
أو العراض عنهششا ومخالفتهششا فششإن اتبششع النسششان مقتضششى الغضششب والشششهوة ظهششر تسششلط
الشيطان بواسششطة الهششوى وصششار القلششب عششش الشششيطان ومعششدنه لن الهششوى هششو مرعششى
الشيطان ومرتعه وإن جاهد الشهوات ولششم يسششلطها علششى نفسششه وتشششبه بششأخلق الملئكششة
عليهم السلم صار قلبه مسششتقر الملئكششة ومهبطهششم ولمششا كششان ل يخلششو قلششب عششن شششهوة
وغضب وحرص وطمع وطول أمل إلى غير ذلك من صفات البشرية المتشعبة عششن الهششوى
ل جرم لم يخل قلب عن أن يكون للشيطان فيه جولن بالوسوسة ولذلك قششال صششلى اللششه
1حديث في القلب لمتان لمة من الملك إيعاد بالخير الحديث أخرجه الترمذي وحسنه والنسائي في الكبرى
من حديث ابن مسعود أخرجه الترمذي والنسائي
2حديث قلب المؤمن بين أصبعين الحديث تقدم
عليه وسلم ما منكم من أحد إل وله شيطان قالوا وأنت يا رسول الله قال وأنششا إل أن اللششه
أعانني عليه فأسلم فل يأمر إل بخير 1وإنما كان هذا لن الشششيطان ل يتصششرف إل بواسششطة
الشهوة فمن أعانه الله على شهوته حتى صارت ل تنبسط إل حيث ينبغي وإلى الحد الششذي
ينبغي فشهوته ل تدعو إلى الشر فالشيطان المتدرع بها ل يأمر إل بالخير ومهما غلب على
القلب ذكر الدنيا بمقتضيات الهوى وجد الشيطان مجششال فوسششوس ومهمششا انصششرف القلششب
إلى ذكر الله تعالى ارتحل الشيطان وضاق مجاله وأقبل الملك وألهم والتطارد بيششن جنششدي
الملئكشة والشششياطين فشي معركشة القلشب دائم إلششى أن ينفتشح القلشب لحششدهما فيسشتوطن
ويستمكن ويكون اجتياز الثاني اختلسا وأكثر القلوب قد فتحتها جنششود الشششياطين وتملكتهششا
فششامتلت بالوسششاوس الداعيششة إلششى إيثششار العاجلششة واطششراح الخششرة ومبششدأ اسششتيلئها اتبششاع
الشهوات والهوى ول يمكن فتحها بعد ذلك إل بتخلية القلب عن قوت الشيطان وهو الهششوى
والشهوات وعمارته بذكر الله تعالى الذي هو مطششرح أثششر الملئكششة وقششال جششابر بششن عبيششدة
العدوي شكوت إلى العلء بن زياد ما أجد في صدري من الوسوسة فقششال إنمششا مثششل ذلششك
مثل البيت الذي يمر به اللصوص فإن كان فيه شيء عشالجوه وإل مضششوا وتركششوه يعنششي أن
القلب الخالي عن الهوى ل يدخله الشيطان ولششذلك قششال اللششه تعششالى إن عبششادي ليششس لششك
عليهم سلطان فكل من اتبع الهوى فهو عبششد الهششوى ل عبششد اللششه ولششذلك سششلط اللششه عليششه
الشيطان وقال تعالى أفرأيت من اتخششذ إلهششه هششواه وهششو إشششارة إلششى أن مششن الهششوى إلهششه
ومعبوده فهو عبد الهوى ل عبد الله ولذلك قال عمرو ابششن العششاص للنششبي صششلى اللششه عليششه
وسلم يا رسول الله حال الشيطان بيني وبين صلتي وقراءتي فقال ذلك شيطان يقششال لششه
خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلثا قال ففعلت ذلك فأذهبه اللششه
عني 2وفي الخششبر إن للوضششوء شششيطانا يقششال لششه الولهششان فاسششتعيذوا بششالله منه 3ول يمحششو
وسوسة الشيطان من القلب إل ذكر ما سوى ما يوسوس به لنه إذا خطر في القلب ذكششر
شيء انعدم منه ما كان فيه من قبل ولكن كل شيء سوى الله تعالى وسوى ما يتعلششق بششه
فيجوز أيضا أن يكون مجال للشيطان وذكششر اللششه هششو الششذي يششؤمن جششانبه ويعلششم أنششه ليششس
للشيطان فيه مجال ول يعالج الشيء إل بضده وضششد جميششع وسششاوس الشششيطان ذكششر اللششه
بالستعاذة والتبري عن الحول والقوة وهو معنى قولك أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ول
حول ول قوة إل بالله العلي العظيم وذلك ل يقدر عليه إل المتقون الغالب عليهم ذكشر اللشه
تعالى وإنما الشيطان يطوف عليهم في أوقات الفلتات على سبيل الخلسة قال الله تعالى
أن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون وقششال مجاهششد فششي
معنى قول الله تعالى من شر الوسواس الخناس قال هو منبسششط علششى القلششب فششإذا ذكششر
الله تعششالى خنششس وانقبششض وإذا غفششل انبسششط علششى قلبششه فالتطششارد بيششن ذكششر اللششه تعششالى
ووسوسة الشيطان كالتطارد بين النور والظلم وبيششن الليششل والنهششار ولتضششادهما قششال اللششه
تعالى استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله وقال أنس قشال رسشول اللشه صشلى اللشه
عليه وسلم إن الشيطان واضع خرطومه على قلب ابن آدم فإن هو ذكر الله تعششالى خنششس
وإن نسي الله تعالى التقم قلبه 4وقال ابن وضاح في حشديث ذكشره إذا بلشغ الرجشل أربعيشن
سنة ولم يتب ولم يتب مسح الشيطان وجهه بيده وقششال بششأبي وجششه مششن ل يفلح 5وكمششا أن
الشهوات ممتزجة بلحم ابن آدم ودمه فسششلطنة الشششيطان أيضششا سششارية فششي لحمششه ودمششه
ومحيطة بالقلب من جوانبه ولذلك قال صلى الله عليه وسلم إن الشيطان يجري مششن ابششن
1حديث ما منكم من أحد إل وله شيطان الحديث أخرجه مسلم من حديث ابن مسعود أخرجه مسلم
2حديث ابن أبي العاص إن الشيطان حال بيني وبين صلتي الحديث أخرجه مسلم من حديث ابن أبي العاص
أخرجه مسلم
3حديث إن للوضوء شيطانا يقال له الولهان الحديث أخرجه ابن ماجه والترمذي من حديث أبي بن كعب
وقال غريب وليس إسناده بالقوي عند أهل الحديث أخرجه ابن ماجه والترمذي غريب وليس اسناده بالقوي
4حديث أنس إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب مكايد
الشيطان وأبو يعلى الموصلي وابن عدي في الكامل وضعفه
5حديث ابن وضاح إذا بلغ الرجل أربعين سنة ولم يتب مسح الشيطان بيده وجهه وقال بأبي وجه من ل يفلح
لم أجد له أصل
آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع 1وذلك لن الجوع يكسر الشهوة ومجرى الشيطان
الشهوات ولجل اكتناف الشهوات للقلب من جششوانبه قششال اللششه تعششالى إخبششارا عششن إبليششس
لقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعششن إيمششانهم وعششن
شمائلهم وقال صلى الله عليه وسلم إن الشيطان قعد لبن آدم بطششرق فقعششد لششه بطريششق
السلم فقال أتسلم وتترك دينك ودين آبائك فعصششاه وأسششلم ثششم قعششد لششه بطريششق الهجششرة
فقال أتهاجر أتدع أرضك وسمائك فعصاه وهاجر هو قعد لششه بطريششق الجهششاد فقششال أتجاهششد
وهو تلف النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح نساؤك ويقسم مالششك فعصششاه وجاهششد 2وقششال
رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك فمات كان حقا على الله أن يدخله الجنششة
فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى الوسوسة وهششي هششذه الخشواطر الشتي تخطشر
للمجاهد أنه يقتل وتنكح نساؤه وغير ذلك مما يصرفه عن الجهششاد وهششذه الخششواطر معلومششة
فإذا الوسواس معلوم بالمشاهدة وكل خاطر فلششه سششبب ويفتقششر إلششى اسششم يعرفششه فاسششم
سببه الشيطان ول يتصور أن ينفك عنه آدمي وإنما يختلفون بعصيانه ومتابعته ولششذلك قششال
عليه السلم ما مششن أحششد إل ولششه شششيطان 3فقششد اتضششح بهششذا النششوع مششن الستبصششار معنششى
الوسوسة واللهام والملك والشيطان والتوفيق والخذلن فبعد هذا نظر من ينظر فششي ذات
الشيطان أنه جسم لطيف أو ليس بجسم وإن كان جسما فكيف يدخل بدن النسان ما هششو
جسم فهذا الن غير محتاج إليه في علشم المعاملششة بششل مثششال البشاحث عششن هششذا مثششال مششن
دخلت في ثيابه حية وهو محتاج إلى إزالتها ودفع ضررها فاشتغل بالبحث عن لونها وشكلها
وطولها وعرضها وذلك عين الجهل فمصادمة الخواطر الباعثة علششى الشششر قششد علمششت ودل
ذلك على أنه عن سبب ل محالة وعلم أن الداعي إلى الشر المحذور فششي المسششتقبل عششدو
فقد عرف العدو ل محال فينبغي أن يشتغل بمجاهدته وقد عرف الله سبحانه عششداوته فششي
مواضع كثيرة من كتابه ليؤمن به ويحترز عنه فقال تعالى إن الشيطان لكم عششدو فاتخششذوه
عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير وقال تعالى ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن
ل تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين فينبغششي للعبششد أن يشششتغل بششدفع العششدو عششن نفسششه ل
بالسؤال عن أصله ونسبه ومسكنه نعششم ينبغششي أن يسششأل عششن سششلحه ليششدفعه عششن نفسششه
وسلح الشيطان الهوى والشهوات وذلك كاف للعالمين فأما معرفة ذاته وصشفاته وحقيقتششه
نعوذ بالله منه وحقيقة الملئكة فذلك ميدان العارفين المتغلغلين في علوم المكاشفات فل
يحتاج في علم المعاملة إلى معرفته نعم ينبغي أن يعلم أن الخواطر تنقسم إلششى مششا يعلششم
قطعا أنه داع إلى الشر فل يخفى كونه وسوسة وإلى ما يعلم أنه داع إلى الخيششر فل يشششك
في كونه إلهاما وإلى ما يتردد فيه فل يدري أنه من لمة الملك أو مششن لمششة الشششيطان فششإن
من مكايد الشيطان أن يعرض الشر في معششرض الخيششر والتمييششز فششي ذلششك غششامض وأكششثر
العباد به يهلكون فإن الشيطان ل يقدر على دعائهم إلى الشر الصريح فيصور الشر بصورة
الخير كما يقول للعالم بطريق الوعظ أما تنظر إلى الخلق وهششم مششوتى مششن الجهششل هلكششى
من الغفلة قد أشرفوا على النار أما لك رحمة على عباد الله تنقذهم من المعاطب بنصحك
ووعظك وقد أنعم الله عليك بقلب بصير ولسان ذلق ولهجة مقبولة فكيف تكفر نعمة اللششه
تعالى وتتعرض لسخطه وتسكت عن إشاعة العلم ودعوة الخلششق إلششى الصششراط المسششتقيم
وهو ل يزال يقرر ذلك في نفسه ويستجره بلطيف الحيل إلى أن يشتغل بوعظ النششاس ثششم
يدعوه بعد ذلك إلى أن يتزين لهم ويتصنع بتحسين اللفظ وإظهار الخيششر ويقششول لششه إن لششم
تفعل ذلك سقط وقع كلمك من قلوبهم ولم يهتدوا إلششى الحششق ول يششزال يقششرر ذلششك عنششده
وهو في أثنائه يؤكد فيه ششوائب الريشاء وقبشول الخلشق ولشذة الجشاه والتعشزز بكشثرة التبشاع
والعلم والنظر إلى الخلق بعين الحتقار فيستدرج المسكين بالنصح إلى الهلك فيتكلم وهو
يظن أن قصده الخير وإنما قصده الجشاه والقبشول فيهلشك بسشببه وهشو يظشن أنشه عنشد اللشه
بمكان وهو من الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليؤيد هششذا الششدين
1حديث ابن مسعود خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا فقال هذا سبيل الله الحديث أخرجه
النسائي في الكبرى والحاكم وقال صحيح السناد
2حديث كان راهب في بني إسرائيل فأخذ الشيطان جارية فخنقها وألقى في قلوب أهلها أن دواءها عند
الراهب الحديث بطوله في قوله تعالى كمثل الشيطان إذ قال للنسان اكفر رواه ابن أبي الدنيا في مكايد
الشيطان وابن مردويه في تفسيره في حديث عبيد بن أبي رفاعة مرسل وللحاكم نحوه موقوفا على علي
بن أبي طالب وقال صحيح السناد ووصله بطين في مسنده من حديث علي
3حديث من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه متفق عليه من حديث النعمان ابن بشير من يرتع حول
الحمى يوشك أن يواقعه لفظ البخاري
زوجته وولده وأهله حتى يولى وإياك أن تجلس إلى امرأة ليست بذات محرم فإني رسولها
إليك ورسولك إليها فل أزال حتى أفتنك بها وأفتنها بك فقد أشار بهذا إلى الشهوة والغضب
والحرص فإن الفرار من الزحف حششرص علششى الششدنيا وامتنششاعه مششن السششجود لدم ميتششا هششو
الحسد وهو أعظم مداخله وقد ذكر أن بعض الولياء قال لبليس أرني كيف تغلب ابششن آدم
فقال آخذه عند الغضب وعند الهوى فقد حكى أن إبليس ظهر لراهب فقال له الراهششب أي
أخلق بني آدم أعون لك قال الحدة فإن العبششد إذا كششان حديششدا قلبنششاه كمششا يقلششب الصششبيان
الكرة وقيل إن الشيطان يقول كيف يغلبني ابن آدم وإذا رضي جئت حتى أكششون فششي قلبششه
وإذا غضب طرت حتى أكون في رأسه ومن أبوابه العظيمة الحسششد والحششرص فمهمششا كششان
العبد حريصا على كل شيء أعمششاه حرصششه وأصششمه إذ قششال صششلى اللششه عليششه وسششلم حبششك
للشيء يعمي ويصم 1ونور البصيرة هو الذي يعرف مششداخل الشششيطان فششإذا غطششاء الحسششد
والحرص لم يبصر فحينئذ يجد الشيطان فرصة فيحسن عند الحريششص كششل مششا يوصششله إلششى
شهوته وإن كان منكرا وفاحشا فقد روي أن نوحا عليه السلم لما ركب السفينة حمل فيها
من كل زوجين اثنين كما أمره الله تعالى فرأى في السفينة شيخا لم يعرفه فقال لششه نششوح
ما أدخلك فقال دخلت لصيب قلوب أصحابك فتكون قلوبهم معي وأبدانهم معك فقششال لششه
نوح أخرج منها يا عدو الله فإنك لعين فقال له إبليس خمس أهلك بهششن النششاس وسششأحدثك
منهم بثلث ول أحدثك باثنتين فأوحى الله تعالى إلى نوح أنه ل حاجة لك بششالثلث فليحششدثك
بالثنين فقال له نوح ما الثنتان فقال همششا اللتششان ل تكششذباني همششا اللتششان ل تخلفششاني بهمششا
أهلك الناس الحرص والحسد فبالحسد لعنت وجعلت شيطانا رجيما وأما الحرص فإنه أبيششح
لدم الجنة كلها إل الشجرة فأصبت حاجتي منه بالحرص ومن أبششوابه العظيمششة الشششبع مششن
الطعام وإن كان حلل صافيا فإن الشبع يقوي الشهوات والشهوات أسلحة الشششيطان فقششد
روي أن إبليس ظهر ليحيى بن زكريا عليهما السلم فرأى عليه معاليق من كل شيء فقال
له يا إبليس ما هذه المعاليق قال هذه الشهوات التي أصبت بها ابششن آدم فقششال فهششل فيهششا
من شيء قال ربما شبعت فثقلناك عن الصلة وعن الذكر قال فهل غير ذلششك قششال ل قششال
لله علي أن ل أمل بطني من الطعام أبدا فقال له إبليس ولله علي أن ل أنصح مسلما أبدا
ويقال في كثرة الكل ست خصال مذمومة أولها أن يذهب خوف الله مششن قلبششه الثششاني أن
يذهب رحمة الخلق من قلبه لنه يظشن أنهشم كلهششم ششباع والثششالث أنششه يثقششل عشن الطاعششة
والرابع أنه إذا سمع كلم الحكمة ل يجد له رقة والخامس أنه إذا تكلم بالموعظة والحكمششة
ل يقع في قلوب الناس والسادس أن يهيج فيه المراض ومن أبوابه حب التزين من الثششاث
والثياب والدار فإن الشيطان إذا رأى ذلك غالبا على قلب النسان باض فيه وفرخ فل يزال
يدعوه إلى عمشارة الشدار وتزييشن سشقوفها وحيطانهششا وتوسششيع أبنيتهششا ويششدعوه إلشى الششتزين
بالثياب والدواب ويستسخره فيها طول عمره وإذا أوقعه فششي ذلششك فقششد اسششتغنى أن يعششود
إليه ثانية فإن بعض ذلك يجره إلى البعض فل يششزال يششؤديه مششن شششيء إلششى شششيء إلششى أن
يساق إليه أجله فيموت وهو في سششبيل الشششيطان واتبششاع الهششوى ويخشششى مششن ذلششك سششوء
العاقبة بالكفر نعوذ بالله منه ومن أبوابه العظيمة الطمع في النششاس لنششه إذا غلششب الطمششع
على القلب لم يزل الشششيطان يحبششب إليششه التصششنع والششتزين لمششن طمششع فيششه بششأنواع الريششاء
والتلبيس حتى المطموع فيه كأنه معبوده فل يزال يتفكششر فششي حيلششة التششودد والتحبششب إليششه
ويدخل كل مدخل للوصول إلى ذلك وأقل أحواله الثناء عليه بمششا ليششس فيششه والمداهنششة لششه
بترك المر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد روى صفوان بن سليم أن إبليس تمثششل لعبششد
الله بن حنظلة فقال له يا ابن حنظلة احفظ عني شيئا أعلمك به فقال ل حاجة لي به قششال
انظر فإن كان خيرا أخذت وإن كان شرا رددت يا ابن حنظلة ل تسأل أحدا غير الله سششؤال
رغبة وانظر كيف تكون إذا غضبت فششإني أملكششك إذا غضششبت ومششن أبششوابه العظيمششة العجلششة
وترك التثبت في المور وقال صلى الله عليه وسلم العجلة من الشيطان والتأني مششن اللششه
تعالى 2وقال عز وجل خلق النسان من عجل وقال تعالى وكان النسان عجول وقال لنششبيه
1حديث حبك للشيء يعمي ويصم أخرجه أبو داود من حديث أبي الدرداء بإسناد ضعيف
2حديث العجلة من الشيطان والتأني من الله أخرجه الترمذي من حديث سهل بن سعد بلفظ الناة وقال
حسن
صلى الله عليه وسلم ول تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليششك وحيششه وهششذا لن العمششال
ينبغي أن تكون بعد التبصرة والمعرفة والتبصرة تحتاج إلى تأمل وتمهل والعجلة تمنششع مششن
ذلك وعند الستعجال يروج الشيطان شره على النسان من حيششث ل يششدري فقششد روي أنششه
لما ولد عيسى بن مريم عليه السلم أتت الشششياطين إبليششس فقششالوا أصششبحت الصششنام قششد
نكست رءوسها فقال هذا حادث مكانكم فطار حتى أتى خافقي الرض فلم يجششد شششيئا ثششم
وجد عيسى عليه السلم قد ولد وإذا الملئكة حافين به فرجع إليهم فقششال إن نبيششا قششد ولششد
البارحة ما حملت أنثى قط ول وضعت إل وأنا حاضرها إل هذا فأيسوا من أن تعبششد الصششنام
بعد هذه الليلة ولكن ائتوا بني آدم من قبل العجلة والخفششة ومششن أبششوابه العظيمششة الششدراهم
والدنانير وسائر أصناف الموال من العروض والدواب والعقار فإن كل مششا يزيششد علششى قششدر
القوت والحاجة فهو مستقر الشيطان فإن من معه قوته فهو فارغ القلششب فلششو وجششد مششائة
دينار مثل على طريق انبعث من قلبه شهوات تحتاج كل شهوة منها إلى مششائة دينششار أخششرى
فل يكفيه ما وجد بل يحتاج إلى تسعمائة أخرى وقد كان قبل وجششود المششائة مسششتغنيا فششالن
لما وجد مائة ظن أنه صار بها غنيا وقشد صشار محتاجشا إلشى تسشعمائة ليششتري دارا يعمرهشا
وليششتري جاريشة وليششتري أثشاث الشبيت ويششتري الثيشاب الفشاخرة وكشل ششيء مشن ذلشك
يستدعي شيئا آخر يليق به وذلك ل آخر له فيقع في هاوية آخرها عمششق جهنششم فل آخششر لهششا
سواهقال ثابت البناني لما بعث رسول الله صلى الله عليششه وسششلم قششال إبليششس لشششياطينه
لقد حدث أمر فانظروا ما هو فانطلقوا حتى أعيوا ثم جاءوا وقالوا ما ندري قششال أنششا آتيكششم
بالخبر فذهب ثم جاء وقال قد بعث الله محمدا صلى الله عليه وسششلم قششال فجعششل يرسششل
شياطينه إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فينصرفون خششائبين ويقولششون مششا صششحبنا
قوما قط مثل هؤلء نصيب منهم ثم يقومون إلى صلتهم فيمحششي ذلششك فقششال لهششم إبليششس
رويدا بهم عسى اللششه أن يفتششح لهششم الششدنيا فنصششيب منهششم حاجتنششا 1وروي أن عيسششى عليششه
الصلة والسلم توسد يوما حجرا فمر به إبليس فقال يشا عيسشى رغبشت فشي الشدنيا فأخشذه
عيسى صلى الله عليه وسلم فرمى به مششن تحششت رأسششه وقششال هششذا لششك مششع الششدنيا وعلششى
الحقيقة من يملك حجرا يتوسد به عند النوم فقد ملك من الدنيا مششا يمكششن أن يكششون عششدة
للشيطان عليه فإن القائم بالليل مثل للصلة مهما كان بالقرب منه حجر يمكن أن يتوسده
فل يزال يدعوه إلى النوم وإلى أن يتوسده ولو لم يكن ذلك لكان ل يخطر له ذلك ببال ول
تتحرك رغبته إلى النوم هذا في حجر فكيف بمن يملك المخششاد الميششثرة والفششرش الششوطيئة
والمتنزهات الطيبة فمتى ينشط لعبادة الله تعالى ومن أبوابه العظيمة البخل وخوف الفقر
فإن ذلك هو الذي يمنع النفاق والتصدق ويدعو إلششى الدخششار والكنششز والعششذاب الليششم وهششو
الموعود للمكاثرين كما نطق به القرآن العزيز قال خيثمة بششن عبششد الرحمششن إن الشششيطان
يقول ما غلبني ابن غلبة فلششن يغلبنششي علششى ثلث أن آمششره أن يأخششذ المششال مششن غيششر حقششه
وإنفاقه في غير حقه ومنعه من حقه وقال سفيان ليس للشيطان سلح مثل خششوف الفقششر
فإذا قبل ذلك منه أخذ في الباطل ومنع من الحق وتكلششم بششالهوى وظششن بربششه ظششن السششوء
ومن آفات البخششل الحششرص علششى ملزمششة السششواق لجمششع المششال والسششواق هششي معشششش
الشياطين وقال أبو أمامة إن رسول الله صلى الله عليه وسششلم قششال إن إبليششس لمششا نششزل
إلى الرض قال يارب أنزلتني إلى الرض وجعلتني رجيما فاجعل لي بيتا قششال الحمششام قششال
أجعل لي مجلسا قال السواق ومجامع الطرق قال اجعل لي طعامششا قششال طعامششك مششا لششم
يذكر اسم الله عليه قال اجعل لي شرابا قال كل مسكر قال اجعل لي مؤذنا قال المزامير
قال اجعل لي قرآنا قال الشعر قال اجعل لي كتابا قال الوشم قال اجعششل لششي حششديثا قششال
الكذب قال اجعل لي مصايد قال النساء 2ومن أبوابه العظيمة التوصل التعصششب للمششذاهب
والهواء والحقد على الخصوم والنظششر إليهششم بعيششن الزدراء والسششتحقار وذلششك ممششا يهلششك
1حديث ثابت لما بعث صلى الله عليه وسلم قال إبليس لشياطينه لقد حدث أمر الحديث أخرجه ابن أبي
الدنيا في مكايد الشيطان هكذا مرسل
2حديث أبي أمامة إن إبليس لما نزل إلى الرض قال يارب أنزلتني إلى الرض وجعلتني رجيما فاجعل لي
بيتا قال الحمام الحديث أخرجه الطبراني في الكبير وإسناده ضعيف جدا ورواه بنحوه من حديث ابن عباس
بإسناد ضعيف أيضا
العباد والفساق جميعا فإن الطعن في الناس والشتغال بششذكر نقصششهم صششفة مجبولششة فششي
الطبع من الصفات السبعية فإذا خيل إليه الشيطان أن ذلك هو الحق وكان موافقششا لطبعششه
غلبت حلوته على قلبه فاشتغل به بكل همته وهو بذلك فرحان مسششرور يظششن أنششه يسششعى
في الدين وهو ساع في اتباع الشششياطين فششترى الواحششد منهششم يتعصششب لبششي بكششر الصششديق
رضي الله عنه وهو آكل الحرام ومطلق اللسان بالفضول والكذب ومتعششاط لنششواع الفسششاد
ولو رآه أبو بكر لكان أول عدو له إذ موالي أبي بكر من أخذ سبيله وسار بسيرته وحفظ ما
بين لحييه وكان من سيرته رضي الله عنه أن يضع حصاة في فمه ليكف لسانه عششن الكلم
فيما ل يعنيه فأنى لهذا الفضولي أن يدعى ولءه وحبه ول يسير بسيرته وترى فضوليا آخششر
يتعصب لعلي رضي الله عنه وكان من زهد علي وسيرته أنه لبس في خلفته ثوبششا اشششتراه
بثلثة دراهم وقطع رأس الكمين إلى الرسغ ونرى الفاسششق لبسششا الثيششاب الحريششر ومتجمل
بأموال اكتسبها من حرام وهو يتعاطى حب علي رضي الله عنه ويدعيه وهششو أول خصششمائه
يوم القيامة وليت شعري من أخذ ولدا عزيزا لنسان هو قرة عينه وحياة قلبه فأخذ يضششربه
و يمزقه وينتف شعره ويقطعه بالمقراض وهو مع ذلك يدعي حب أبيه وولءه فكيف يكششون
حاله عنده ومعلوم أن الدين والشرع كانا أحب إل أبششي بكششر وعمششر وعثمششان وعلششى وسششائر
الصحابة رضي الله عنهم من الهل والولد بل من أنفسشهم والمقتحمشون لمعاصشي الششرع
هم الذين يمزقون الشرع ويقطعونه بمقاريض الشهوات ويتوددون به إلى عدو الله إبليششس
وعدو أوليائه فترى كيف يكون حالهم يوم القيامة عند الصحابة وعند أولياء الله تعالى ل بل
لو كشف الغطاء وعرف هؤلء ما تحبه الصحابة في أمة رسول الله صلى الله عليه وسششلم
لستحيوا أن يجروا على اللسان ذكرهم مع قبح أفعششالهم ثششم إن الشششيطان يخيششل إليهششم أن
من مات محبا لبي بكر وعمر فالنار ل تحوم حوله ويخيل إلى الخر أنه إذا مات محبا لعلي
لم يكن عليه خوف وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لفاطمة رضششي اللششه عنهششا
وهي بضعة منه 1إعملي فإني ل أغني عنك من الله شششيئا 2وهششذا مثششال أوردنششاه مششن جملششة
الهواء وهكذا حكم المتعصبين للشافعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم من الئمة فكل
من ادعى مذهب إمام وهو ليس يسير بسيرته فذلك المام هو خصمه يوم القيامة إذ يقول
له كان مذهبي العمل دون الحديث باللسان وكان الحششديث باللسششان لجششل العمششل ل لجششل
الهذيان فما بالك خالفتني في العمل والسششيرة الششتي هششي مششذهبي ومسششلكي الششذي سشلكته
وذهبت فيه إلى الله تعالى ثم ادعيت مذهبي كاذبا وهذا مدخل عظيم من مداخل الشيطان
قد أهلك به أكثر العالم وقد سلمت المدارس لقششوام قششل مششن اللششه خششوفهم وضششعفت فششي
الدين بصيرتهم وقويت في الدنيا رغبتهم واشتد على السشتتباع حرصشهم ولشم يتمكنشوا مشن
الستتباع وإقامة الجاه إل بالتعصب فحبسوا ذلك في صششدورهم ولششم ينبهششوهم علششى مكايششد
الشيطان فيه بل نابوا عن الشيطان في تنفيذ مكيدته فاستمر الناس عليششه ونسششوا أمهششات
دينهم فقد هلكوا وأهلكوا فالله تعالى يتوب علينا وعليهم وقال الحسن بلغنا أن إبليس قال
سولت لمة محمد صلى الله عليه وسلم المعاصششي فقصششموا ظهششري بالسششتغفار فسششولت
لهم ذنوبا ل يستغفرون الله تعالى منها وهي الهواء وقد صششدق الملعششون فششإنهم ل يعلمششون
أن ذلك من السباب التي تجر إلششى المعاصششي فكيششف يسششتغفرون منهششا ومششن عظيششم حيششل
الشيطان أن يشششغل النسششان عششن نفسششه بالختلفششات الواقعششة بيششن النششاس فششي المششذاهب
والخصومات قال عبد الله بن مسعود جلششس قششوم يششذكرون اللششه تعششالى فأتششاهم الشششيطان
ليقيمهم عن مجلسهم ويفرق بينهم فلم يستطع فأتى رفقة أخشرى يتحشدثون بحشديث الشدنيا
فأفسد بينهم فقاموا يقتتلون وليس إياهم يريد فقام الششذين يششذكرون اللششه تعششالى فاشششتغلوا
بهم يفصلون بينهم فتفرقوا عن مجلسهم وذلششك مششراد الشششيطان منهششم ومششن أبششوابه حمششل
العوام الذين لم يمارسوا العلم ولم يتبحروا فيه على التفكر في ذات اللششه تعششالى وصششفاته
وفي أمور ل يبلغها حد عقولهم حتى يشككهم في أصل الدين أو يخيل إليهم في الله تعالى
خيالت يتعالى الله عنها يصير أحدهم بها كافرا أو مبتدعا وهو به فششرح مسششرور مبتهششج بمششا
وقع في صدره يظن ذلك هو المعرفة والبصيرة وأنه انكشف له ذلك بششذكائه وزيششادة عقلششه
1حديث فاطمة بضعة مني متفق عليه من حديث المسور بن مخرمة
2حديث إني ل أغني عنك من الله شيئا قاله لفاطمة متفق عليه من حديث أبي هريرة
فأشد الناس حماقة أقششواهم اعتقششادا فششي عقششل نفسششه وأثبششت النششاس عقل أشششدهم اتهامششا
لنفسه وأكثرهم سؤال من العلماء قالت عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى اللششه
عليه وسلم إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول من خلقك فيقول اللششه تبششارك وتعششالى فيقششول
فمن خلق الله فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل آمنت بالله ورسوله فإن ذلك يذهب عنه حديث
عائشة أن الشيطان يشأتي أحشدكم فيقشول مشن خلقشك فيقشول اللشه الحشديث أخرجشه أحمشد
والبزار وأبو يعلى في مسانيدهم ورجاله ثقششات وهششو متفششق عليششه مششن حششديث أبششي هريششرة
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالبحث في علج هذا الوسششواس فششإن هششذا وسششواس
يجده عوام الناس دون العلماء وإنما حششق العششوام أن يؤمنششوا ويسششلموا ويشششتغلوا بعبششادتهم
ومعايشهم ويتركوا العلم للعلماء فالعامي لو يزني ويسرق كان خيرا له من أن يتكلششم فششي
العلم فإنه من تكلم في الله وفي دينه من غير إتقششان العلشم وقششع فشي الكفشر مشن حيشث ل
يدري كمن يركب لجة البحر وهو ل يعرف السباحة ومكايد الشششيطان فيمششا يتعلششق بالعقششائد
والمذاهب ل تحصر وإنما أردنا بما أوردناه المثال ومن أبوابه سوء الظششن بالمسششلمين قششال
الله تعالى يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثششم فمششن يحكششم بشششر
على غيره بالظن بعثه الشيطان على أن يطول فيه اللسششان بالغيبششة فيهلششك أو يقصششر فششي
القيام بحقوقه أو يتوانى في إكرامه وينظر إليه بعين الحتقار ويرى نفسشه خيشرا منشه وكشل
ذلك من المهلكات ولجل ذلك منع الشرع من التعرض للتهم فقال صلى الله عليششه وسششلم
اتقوا مواضع التهم 1حتى احترز هو صلى الله عليه وسلم من ذلك روي عن علي بن حسين
أن صفية بنت حيى بن أخطب أخبرته أن النبي صششلى اللششه عليششه وسششلم كششان معتكفششا فششي
المسجد قالت فأتيته فتحدثت عنشده فلمشا أمسشيت انصشرفت فقشام يمششي معشي فمشر بشه
رجلن من النصار فسلما ثم انصرفا فناداهما وقال إنها صفة بنت حيى فقال يا رسول الله
ما نظن بك إل خيرا فقال إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجششرى الششدم مششن الجسششد وإنششي
خشيت أن يدخل عليكما 2فانظر كيف أشفق صلى الله عليه وسلم على دينهمششا فحرسششهما
وكيف أشفق على أمته فعلمهم طريق الحتراز من التهمششة حششتى ل يتسششاهل العششالم الششورع
المعروف بالدين في أحواله فيقول مثلي ل يظن به إل الخير إعجابا منه بنفسششه فششإن أورع
الناس وأتقاهم وأعلمهم ل ينظر الناس كلهششم إليششه بعيششن واحششدة بششل بعيششن الرضششا بعضششهم
وبعين السخط بعضهم ولذلك قال الشاعر وعين الرضششا عششن كششل عيششب كليلششة ولكششن عيششن
السخط تبدي المساويا فيجب الحتراز عن ظن السوء وعن تهمة الشرار فششإن الشششرار ل
يظنون بالناس كلهم إل الشر فمهما رأيت إنسانا يسيء الظن بالناس طالبا للعيوب فششاعلم
أنه خبيث الباطن وأن ذلك خبثه يترشح منه وإنمششا رأى غيششره مششن حيششث هششو فششإن المششؤمن
يطلب المعاذير والمنافق يطلب العيوب والمؤمن سليم الصدر في حق كافة الخلششق فهششذه
بعض مداخل الشيطان إلى القلب ولو أردت استقصششاء جميعهششا لششم أقششدر عليششه وفششي هششذا
القدر ما ينبه على غيره فليس في الدمي صفة مذمومة إل وهي سلح الشششيطان ومششدخل
من مداخله فإن قلت فما العلج في دفع الشيطان وهل يكفشي فشي ذلشك ذكشر اللشه تعشالى
وقول النسان ل حول ول قوة إل بالله فاعلم أن علج القلب في ذلششك سششد هششذه المششداخل
بتطهير القلب من هذه الصفات المذمومة وذلك مما يطول ذكره وغرضششنا فششي هششذا الربششع
من الكتاب بيان علج الصفات المهلكات وتحتاج كل صفة إلى كتاب منفرد على ما سششيأتي
شرحه نعم إذا قطعت من القلب أصششول هششذه الصششفات كششان للشششيطان بششالقلب اجتيششازات
وخطرات ولم يكن له استقرار ويمنعه مششن الجتيششاز ذكششر اللششه تعششالى لن حقيقششة الششذكر ل
تتمكن من القلب إل بعد عمارة القلب بالتقوى وتطهيره من الصفات المذمومة وإل فيكون
الذكر حديث نفس ل سلطان له على القلب فل يدفع سلطان الشششيطان ولششذلك قششال اللششه
تعالى إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف مششن الشششيطان تششذكروا فششإذا هششم مبصششرون خصششص
بذلك المتقى فمثل الشيطان كمثل كلب جائع يقرب منك فإن لششم يكششن بيششن يششديك خششبز أو
لحم فإنه ينزجر بأن تقول له اخسأ فمجرد الصوت يدفعه فإن كان بين يديك لحم وهو جائع
1حديث اتقوا مواضع التهم لم أجد له أصل
2حديث صفية بنت حيى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معتكفا فأتيته فتحدثت عنده الحديث وفيه أن
الشطيان يجري من ابن آدم مجرى الدم متفق عليه
فإنه يهجم على اللحم ول يندفع بمجرد الكلم فالقلب الخالي عششن قششوت الشششيطان ينزجششر
عنه بمجرد الذكر فأما الشهوة إذا غلبششت علشى القلششب دفعششت حقيقششة الششذكر إلششى حواشششي
القلب فلم يتمكن من سويدائه فيستقر الشيطان في سويداء القلب وأمششا قلششوب المتقيششن
الخالية من الهوى والصششفات المذمومششة فششإنه يطرقهششا الشششيطان ل للشششهوات بششل لخلوهششا
بالغفلة عن الذكر فإذا عاد إلى الذكر خنس الشيطان ودليل ذلك قوله تعالى فاستعذ بششالله
من الشيطان الرجيم وسششائر الخبششار واليششات الششواردة فششي الششذكر قششال أبششو هريششرة التقششى
شيطان المؤمن وشيطان الكافر فإذا شيطان الكافر دهين سمين كاس وشششيطان المششؤمن
مهزول أشعث أغبر عار فقال شيطان الكافر لشيطان المؤمن مالششك مهشزول قششال أنششا مششع
رجل إذا أكل سمى الله فأظل جائعا وإذا شرب سمى الله فأظل عطشانا وإذا لبس سمى
الله فأظل عريانا وإذا أدهن سمى الله فأظل شعثا فقال لكني مع رجل ل يفعل شششيئا مششن
ذلك فأنا أشاركه في طعامه وشرابه ولباسه وكان محمد بن واسع يقول كل يوم بعد صلة
الصبح اللهم إنك سلطت علينا عدوا بصيرا بعيوبنا يرانا هو وقبيله من حيث ل نراهششم اللهششم
فآيسه منا كما آيسته من رحمتك وقنطه منا كما قنطته من عفششوك وباعششد بيننششا وبينششه كمششا
باعدت بينه وبين رحمتك إنك على كل شيء قدير قال فتمثل لششه إبليششس يومششا فششي طريششق
المسجد فقال له يا ابن واسع هل تعرفني قال ومن أنت قال أنا إبليس فقال وما تريد قال
أريد أن ل تعلم أحد هذه الستعاذة ول أتعرض لك قال والله ل أمنعها ممششن أراد فاصششنع مششا
شئت وعن عبد الرحمن ابن أبي ليلى قال كان شيطان يأتي النبي صلى اللششه عليششه وسششلم
بيده شعلة من نار فيقوم بين يديه وهو يصلي فيقرأ ويتعوذ فل يذهب فأتششاه جبرائيششل عليششه
السلم فقال له قل أعوذ بكلمات الله التامات التي ل يجاوزهن بر ول فاجر من شر ما يلج
في الرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن فتن الليل والنهار ومن
طوارق الليل والنهار إل طارقا يطرق بخير يا رحمن فقال ذلك فطفئت شششعلته وخششر علششى
وجهه 1وقال الحسن نبئت أن جبرائيل عليه السلم أتى النبي صلى الله عليه وسششلم فقششال
إن عفريتا من الجن يكيدك فإذا أويت إلى فراشك فششاقرأ آيششة الكرسششي 2وقششال صششلى اللششه
عليه وسلم أتاني الشيطان فنازعني ثم نازعني فأخششذت بحلقششه فوالششذي بعثنششي بششالحق مششا
أرسلته حتى وجدت برد ماء لسانه على يدي ولول دعوة أخي سليمان عليه السششلم لصششبح
طريحا في المسجد 3وقال صلى الله عليه وسلم ما سلك عمر فجا إل سلك الشيطان فجا
غير الذي سلكه عمر 4وهذا لن القلوب كانت مطهرة عششن مرعششى الشششيطان وقششوته وهششي
الشهوات فمهما طمعت في أن يندفع الشيطان عنك بمجششرد الششذكر كمششا انششدفع عششن عمششر
رضي الله عنه كان محال وكنت كمن يطمع أن يشرب دواء قبل الحتماء والمعدة مشغولة
بغليظ الطعمة ويطمع أن ينفعه كما نفع الذي شربه بعد الحتمششاء وتخليششة المعششدة والششذكر
الدواء والتقوى احتماء وهي تخلي القلب عن الشهوات فإذا نزل الذكر قلبا فارغا عششن غيششر
الذكر اندفع الشيطان كما تندفع العلة بنزول الدواء في المعدة الخالية عششن الطعمششة قششال
الله تعالى إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب وقال تعالى كتب عليه أنه مششن تششوله فششأنه
يضله ويهديه إلى عذاب السعير ومششن سششاعد الشششيطان بعملششه فهششو مششواليه وإن ذكششر اللششه
1حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى كان الشيطان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بيده شعلة من نار الحديث
أخرجه ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان هكذا مرسل ولمالك في الموطأ نحوه عن يحيى بن سعيد مرسل
ووصله ابن عبد البر في التمهيد من رواية يحيى ابن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن عياش
الشامي عن ابن مسعود ورواه أحمد والبزار من حديث عبد الرحمن بن حبيش وقيل له كيف صنع رسول
الله صلى الله عليه وسلم ليلة كادته الشياطين فذكر نحوه
2حديث الحسن نبئت أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن عفريتا من الجن يكيدك الحديث
أخرجه ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان هكذا مرسل
3حديث أتاني شيطان فنازعني ثم نازعني فأخذت بحلقه الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا من رواية الشعبي
مرسل هكذا وللبخاري من حديث أبي هريرة أن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة أو كلمة نحوها ليقطع
علي صلتي فأمكنني الله منه الحديث والنسائي في الكبرى من حديث عائشة كان يصلي فأتاه الشيطان
فأخذه فصرعه فخنقه وقال حتى وجدت برد لسانه على يدي الحديث وإسناده جيد
4حديث ما سلك عمر فجا إل سلك الشيطان فجا غير فجه متفق عليه من حديث سعد بن أبي وقاص بلفظ
يا ابن الخطاب ما لقيك الشيطان سالكا فجا الحديث
بلسانه وإن كنت تقول الحديث قد ورد مطلقا بشأن الششذكر يطششرد الشششيطان 1ولششم تفهشم أن
أكثر عمومات الشرع مخصوصة بشروط نقلها علماء الدين فأنظر إلى نفسك فليس الخبر
كالعيان وتأمل أن منتهى ذكرك وعبادتك الصلة فراقششب قلبششك إذا كنششت فششي صششلتك كيششف
يجاذبه الشيطان إلى السواق وحساب العالمين وجواب المعاندين وكيف يمر بك في أودية
الدنيا ومهالكها حتى إنك ل تذكر ما قد نسيته من فضششول الششدنيا إل فششي صششلتك ول يزدحششم
الشيطان على قلبك إل إذا صليت فالصلة محشك القلشوب فبهشا يظهشر محاسشنها ومسشاويها
فالصلة ل تقبل من القلوب المشحونة بشهوات الدنيا فل جرم ل ينطرد عنك الشيطان بل
ربما يزيد عليك الوسواس كما أن الدواء قبل الحتماء ربما يزيششد عليششك الضششرر فششإن أردت
الخلص من الشيطان فقدم الحتماء بالتقوى ثم أردفه بدواء الذكر يفر الشيطان منك كمششا
فر من عمر رضي الله عنه ولذلك قال وهب بششن منبششه اتششق اللششه ول تسششب الشششيطان فششي
العلنية وأنت صديقه في السر أي أنت مطيع له وقال بعضهم يا عجبا لمن يعصى المحسن
بعد معرفته بإحسانه ويطيع اللعين بعد معرفته بطغيانه وكمشا أن اللشه تعشالى قشال ادعشوني
استجب لكم وأنت تدعوه ول يستجيب لك فكذلك تذكر الله ول يهرب الشيطان منك لفقششد
شروط الذكر والدعاء قيل لبراهيم بن أدهم ما بالنا ندعو فل يستجاب لنا وقد قششال تعششالى
ادعوني استجب لكم قال لن قلوبكم ميتة قيل وما الذي أماتها قششال ثمششان خصششال عرفتششم
حق الله ولم تقوموا بحقه وقرأتم القرآن ولم تعملوا بحدوده وقلتم نحب رسول الله صلى
الله عليه وسلم ولم تعملوا بسنته وقلتم نخشى الموت ولششم تسششتعدوا لششه وقششال تعششالى إن
الشيطان لكم عدوا فاتخذوه عدوا فواطأتموه على المعاصي وقلتششم نخششاف النششار وأرهقتششم
أبدانكم فيها وقلتم نحب الجنة ولم تعملوا لها وإذا قمتم من فرشششكم رميتششم عيششوبكم وراء
ظهوركم وافترشتم عيوب الناس أمامكم فأسخطتم ربكم فكيف يستجيب لكششم فششإن قلششت
فالداعي إلى المعاصي المختلفة شيطان واحد أو شياطين مختلفون فاعلم أنه ل حاجة لك
إلى معرفة ذلك في المعاملة فاشتغل بدفع العدو ول تسأل عن صفته كل البقل من حيششث
يؤتي ول تسأل عن المبقلة ولكن الذي يتضح بنور الستبصار في شواهد الخبار أنهم جنششود
مجندة وأن لكل نوع من المعاصي شيطانا يخصه ويدعو إليه فأما طريق الستبصار فششذكره
يطول ويكفيك القدر الذي ذكرناه وهو أن اختلف المسببات يدل على اختلف السباب كما
ذكرناه في نور النار وسواد الدخان وأما الخبار فقد قال مجاهد لبليس خمسششة مششن الولد
قد جعل كل واحد منهم على شيء من أمره ثبر والعور ومبسوط وداسم وزلنبور فأما ثبر
فهو صاحب المصائب الذي يأمر بالثبور وشق الجيوب ولطم الخدود ودعوى الجاهلية وأمششا
العور فإنه صاحب الزنا يأمر به ويزينه وأما مبسوط فهو صاحب الكذب وأمششا داسششم فششإنه
يدخل مع الرجل إلى أهله يرميهم بالعيب عنششده ويغضششبه عليهششم وأمششا زلنبششور فهششو صششاحب
السوق فبسببه ل يزالششون متظلميششن وشششيطان الصششلة يسششمى خنششزب 2وشششيطان الوضششوء
يسمى الولهان 3وقد ورد في ذلك أخبار كثيرة وكما أن الشياطين فيهشم كششثرة فكشذلك فشي
الملئكة وقد ذكرنا في كتاب الشكر السر في كششثرة الملئكششة واختصششاص كششل واحششد منهششم
بعمل منفرد به وقد قال أبو أمامة الباهلي قال رسشول اللشه صشلى اللشه عليشه وسشلم وكشل
بالمؤمن مائة وستون ملكا يذبون عنه ما لم يقدر عليه من ذلك للبصر سشبعة أملك يشذبون
عنه كما يذب الذباب عن قصعة العسل في اليوم الصائف وما لو بششدا لكششم لرأيتمششوه علششى
كل سهل وجبل كل باسط يده فاغر فاه ولو وكل العبد إلشى نفسشه طرفشة عيشن لختطفتشه
الشياطين 4وقال أيوب بن يونس بن يزيد بلغنا أنه يولد من أبناء النس من أبنششاء الجششن ثششم
ينشئون معهم وروى جابر ابن عبد الله أن آدم عليه السلم لما هبط إلى الرض قال يششارب
هذا الذي جعلت بيني وبينه عداوة إن لم تعني عليه ل أقوى عليششه قششال ل يولششد لششك ولششد إل
1حديث أبي الدرداء خلق الله الجن ثلثة أصناف صنف حيات وعقارب الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في
مكايد الشيطان وابن حبان في الضعفاء في ترجمة يزيد بن سنان وضعفه والحاكم نحوه مختصرا في الجن
فقط ثلثة أصناف من حديث أبي ثعلبة الخشني وقال صحيح السناد
2حديث أنه صلى الله عليه وسلم ما رأى جبريل في صورته إل مرتين أخرجه الشيخان من حديث عائشة
وسئلت هل رأى محمد ربه وفيه ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين
3حديث أنه كان يرى جبريل في صورة الدمي غالب أخرجه الشيخان من حديث عائشة وسئلت فأين قوله
ثم دنا فتدلى قالت ذاك جبريل كان يأتيه في صورة الرجل الحديث
4حديث أنه كان يرى جبريل في صورة دحية الكلبي أخرجه الشيخان من حديث أسامة بن زيد أن جبريل أتى
النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أم سلمة فجعل يحدث ثم قام قال النبي صلى الله عليه وسلم لم سلمة
من هذا قالت دحية الحديث
أحدهما متصل بالخر وقد بينا أن القلب له وجهان وجه إلى عالم الغيب وهو مدخل اللهششام
والوحي ووجه إلى عششالم الشششهادة فالششذي يظهششر منششه فششي الششوجه الششذي يلششي جششانب عششالم
الشششهادة ل يكششون إل صششورة متخيلششة لن عششالم الشششهادة كلششه متخيلت إل أن الخيششال تششارة
يحصل من النظر إلى ظاهر عالم الشهادة بالحس فيجوز أن ل تكششون الصششورة علششى وفششق
المعنى حتى يرى شخصا جميل الصورة وهو خبيث الباطن قبيششح السششر لن عششالم الشششهادة
عالم كثير التلبيس أما الصورة التي تحصل في الخيششال مششن إشششراق عششالم الملكششوت علششى
باطن سر القلوب فل تكون إل محاكية للصفة وموافقة لها لن الشيطان فششي صششورة كلششب
وضششفدع للصششفة وموافقششة لهششا فل جششرم ل يششرى المعنششى القبيششح إل بصششورة قبيحششة فيششرى
الشيطان في صورة كلب وضفدع وخنزير وغيرها ويرى الملششك فششي صششورة جميلششة فتكششون
تلك الصورة عنوان المعاني ومحاكية لها بالصشدق ولشذلك يشدل القشرد والخنزيشر فشي النشوم
على إنسان خبيث وتدل الشاة على إنسان سليم الصدر وهكذا جميع أبواب الرؤيا والتعششبير
وهذه أسرار عجيبة وهي من أسرار عجشائب القلششب ول يليششق ذكرهششا بعلشم المعاملششة وإنمششا
المقصود أن تصدق بششأن الشششيطان ينكشششف لربششاب القلششوب وكششذلك الملششك تششارة بطريششق
التمثيل والمحاكاة كما يكون ذلشك فشي النشوم وتشارة بطريشق الحقيقشة والكشثر هشو التمثيشل
بصورة محاكية للمعنى هشو مثشال المعنشى ل عيشن المعنشى إل أنشه يششاهد بشالعين مششاهدة
محققة وينفرد بمشاهدته المكاشف دون من حوله كالنائم.
بيان ما يؤاخذ به العبد من وساوس القلوب وهمها
وخواطرها وقصودها وما يعفى عنه ول يؤاخذ به
اعلم أن هذا أمر غامض وقد وردت فيه آيات وأخبار متعارضة يلتبس طريق الجمع بينهششا إل
على سماسرة العلماء بالشرع فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عفى عن
أمتي ما حدثت به نفوسها ما لم تتكلم به أو تعمل به 1وقششال أبششو هريششرة قششال رسششول اللششه
صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يقول للحفظشة إذا هشم عبشدي بسشيئة فل تكتبوهشا فشإن
2
عملها فاكتبوها سيئة وإذا هم بحسنة لم يعملها فاكتبوها حسنة فإن عملها فاكتبوها عشششرا
وقد خرجه البخاري ومسلم في الصحيحين وهو دليل على العفششو عششن عمششل القلششب وهمششه
بالسيئة وفي لفظ آخر من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ومن هم بحسششنة فعملهششا
كتبت له إلى سبعمائة ضعف ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتششب عليششه وإن عملهششا كتبششت
وفي لفظ آخر وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها وكل ذلك يشدل علشى
العفو فأما مششا يششدل علششى المؤاخششذة فقششوله سششبحانه إن تبششدوا مششا فششي أنفسششكم أو تخفششوه
يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وقوله تعالى ول تقف ما ليششس لششك بششه
علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئول فدل على أن عمل الفؤاد كعمل
السمع والبصر فل يعفي عنه وقوله تعالى ول تكتموا الشهادة ومششن يكتمهششا فششإنه آثششم قلبششه
وقوله تعالى ل يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلششوبكم والحششق
عندنا في هذه المسألة ل يوقف عليه ما لم تقع الحاطة بتفصيل أعمال القلششوب مششن مبششدأ
ظهورها إلى أن يظهر العمل على الجوارح فنقول أول ما يرد على القلب الخششاطر كمششا لششو
خطر له مثل صورة امرأة وأنها وراء ظهره في الطريق لو التفت إليها لرآها والثاني هيجان
الرغبة إلى النظر وهو حركة الشهوة في الطبع وهذا يتولد من الخاطر الول ونسميه ميششل
الطبع ويسمى الول حديث النفس والثالث حكم القلب بأن هذا ينبغي أن يفعششل أي ينبغششي
أن ينظر إليها فإن الطبع إذا مال لم تنبعث الهمة والنية مششا لششم تنششدفع الصششوارف فششإنه قششد
يمنعه حياء أو خوف من اللتفات وعدم هذه الصوارف ربما يكون بتأمل وهو على كل حال
حكم من جهة العقل ويسمى هذا اعتقادا وهو يتبششع الخششاطر والميششل الرابششع تصششميم العششزم
على اللتفات وجزم النية فيه وهذا نسميه هما بالفعل ونية وقصدا وهذا الهم قد يكششون لششه
1حديث عفى لمتى عما حدثت به نفوسها متفق عليه من حديث أبي هريرة إن الله تجاوز لمتي عما حدثت
به أنفسها الحديث
2حديث أبي هريرة يقول الله إذا هم عبدي بسيئة فل تكتبوها عليه الحديث قال المصنف أخرجه مسلم
والبخاري في الصحيحين قلت هو كما قال واللفظ لمسلم فلهذا والله أعلم قدمه في الذكر
مبدأ ضعيف ولكن إذا أصغى القلب إلى الخاطر الول حتى طالت مجاذبته للنفس تأكد هذا
الهم وصار إرادة مجزومة فإذا انجزمت الرادة فربما يندم بعد الجزم فيترك العمششل وربمششا
يغفل بعارض فل يعمل به ول يلتفت إليه وربما يعوقه عائق فيتعذر عليه العمل فههنششا أربششع
أحوال للقلب قبل العمل بالجارحة الخاطر وهو حديث النفس ثم الميل ثم العتقاد ثم الهم
فنقول أما الخاطر فل يؤاخذ به لنه ل يدخل تحت الختيار وكششذلك الميشل وهيجشان الشششهوة
لنهما ل يدخلن أيضا تحت الختيار وهما المرادان بقوله صلى الله عليه وسششلم صششلى اللششه
عليه وسلم عفى عن أمتي ما حدثت به نفوسها فحديث النفس عبارة عششن الخششواطر الششتي
تهجس في النفس ول يتبعها عزم على الفعل فأما الهم والعزم فل يسششمى حششديث النفششس
بل حديث النفس كما روي عن عثمان بن مظعون حيث قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا
رسول الله نفسي تحششدثني أن أطلششق خولششة قششال مهل إن مششن سششنتي النكششاح قششال نفسششي
تحدثني أن أجب نفسي قال مهل خصاء أمتي دءوب الصيام قال نفسي تحدثني أن أترهششب
قال مهل رهبانية أمتي الجهاد والحج قال نفسششي تحششدثني أن أتششرك اللحششم قششال مهل فششإني
أحبه ولو أصبته لكلته ولو سألت الله لطعمنيه 1فهذه الخواطر التي ليس معها عششزم علششى
الفعل هي حديث النفس ولذلك شاور رسول الله صلى الله عليششه وسشلم إذ لششم يكششن معششه
عزم وهم بالفعل وأما الثالث وهو العتقاد وحكم القلب بأنه ينبغي أن يفعل فهذا تردد بيششن
أن يكون اضطرارا أو اختيارا والحوال تختلف فيه فالختياري منه يؤاخذ به والضششطراري ل
يؤاخذ به وأما الرابع وهو الهم بالفعل فإنه مؤاخذ به إل أنه إن لم يفعل نظر فششإن كششان قششد
تركه خوفشا مشن اللشه تعشالى ونشدما علشى همشه كتبشت لشه حسشنة لن همشه سشيئة وامتنشاعه
ومجاهدته نفسه حسنة والهم على وفق الطبع مما يدل على تمام الغفلششة عششن اللششه تعششالى
والمتناع بالمجاهدة على خلف الطبع يحتاج إلى قوة عظيمة فجده في مخالفة الطبششع هششو
العمل لله تعالى والعمل لله تعالى أشد من جششده فششي موافقششة الشششيطان بموافقششة الطبششع
فكتب له حسنة لنه رجح جده في المتناع وهمه بششه علششى همششه بالفعششل وإن تعششوق الفعششل
بعائق أو تركه بعذر ل خوفا من الله تعالى كتبششت عليششه سششيئة فششإن همششه فعششل مششن القلششب
اختياري والدليل على هذا التفصيل مشا روى فششي الصشحيح مفصشل فششي لفشظ الحشديث قششال
رسول الله صلى الله عليه وسلم قششالت الملئكششة عليهششم السششلم رب ذاك عبششدك يريششد أن
يعمل سيئة وهو أبصر به فقال ارقبوه فإن هو عملها فاكتبوها له بمثلها وإن تركها فاكتبوهششا
له حسنة إنما تركها من جرائي 2وحيث قال فإن لم يعملها أراد به تركها للششه فأمششا إذا عششزم
على فاحشة فتعذرت عليه بسبب أو غفلة فكيف تكتب له حسنة وقد قال صلى اللششه عليششه
وسلم إنما يحشر الناس على نياتهم 3ونحن نعلششم أن مششن عششزم ليل علششى أن يصششبح ليقتششل
1حديث إن عثمان بن مظعون قال يا رسول الله نفسي تحدثني أن أطلق خولة قال مهل إن من سنتي
النكاح الحديث أخرجه الترمذي الحكيم في نوادر الصول من رواية علي بن زيد عن سعيد بن المسيب
مرسل نحوه وفيه القاسم بن عبيد الله العمري كذبه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وللدارمي من حديث
سعد بن أبي وقاص لما كان من أمر عثمان بن مظعون الذي كان من ترك النساء بعث إليه رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال يا عثمان إني لم أومر بالرهبانة الحديث وفيه من رغب عن سنتي فليس مني
وهو عندكم بلفظ رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لختصينا
وللبغوي والطبراني في معجمي الصحابة بإسناد حسن من حديث عثمان بن مظعون أنه قال يا رسول الله
إني رجل تشق علي هذه العزوبة في المغازي فتأذن لي يا رسول الله في الخصاء فأختصي قال ل ولكن
عليك يا ابن مظعون بالصيام فإنه مجفرة ولحمد والطبراني بإسناد جيد من حديث عبد الله بن عمرو خصاء
أمتي الصيام والقيام وله من حديث سعيد بن العاص بإسناد فيه ضعف إن عثمان بن مظعون قال يا رسول
الله ائذن لي في الختصاء فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد أبدلنا بالرهبانية الحنيفية
السمحة والتكبير على كل شرف الحديث وابن ماجه بسند ضعيف من حديث عائشة النكاح من سنتي
ولحمد وأبي يعلى من حديث أنس لكل نبي وقال أبو يعلى لكل أمة رهبانية ورهبانية هذه المة الجهاد في
سبيل الله وفيه زيد العمى وهو ضعيف ولبي داود من حديث أبي أمامة إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل
الله وإسناده جيد
2حديث قالت الملئكة رب ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر الحديث قال المصنف إنه في الصحيح
وهو كما قال في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة
3حديث إنما يحشر الناس على نياتهم أخرجه ابن ماجة من حديث جابر دون قوله إنما وله من حديث أبي
هريرة إنما يبعث الناس على نياتهم وإسنادهما حسن ومسلم من حديث عائشة يبعثهم الله على نياتهم وله
من حديث أم سلمة يبعثون على نياتهم
مسلما أو يزني بامرأة فمات تلك الليلة مات مصرا ويحشر على نيته وقد هششم بسششيئة ولششم
يعملها والدليل القاطع فيه ما روي عن النششبي صششلى اللششه عليششه وسششلم أنششه قششال إذا التقششى
المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار فقيل يا رسول اللششه هششذا القاتششل فمششا بششال
المقتول قال لنه أراد قتل صاحبه 1وهذا نص في أنه صار بمجرد الرادة من أهل النششار مششع
أنه قتل مظلوما فكيف يظن أن الله ل يؤاخذ بالنية والهشم بشل كشل هشم دخشل تحشت اختيشار
العبد فهو مؤاخذ به إل أن يكفره بحسنة ونقض العزم بالندم حسنة فلذلك كتبت له حسششنة
فأما فوت المراد بعائق فليس بحسنه وأما الخواطر وحديث النفشس وهيجشان الرغبشة فكشل
ذلك ل يدخل تحت اختيار فالمؤاخذة به تكليف ما ل يطاق ولذلك لما نزل قششوله تعششالى وإن
تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله جاء نششاس مششن الصششحابة إلششى رسششول اللششه
صلى الله عليه وسلم وقالوا كلفنا ما ل نطيق إن أحدنا ليحدث نفسه بما ل يحششب أن يثبششت
في قلبه ثم يحاسب بذلك فقال صلى الله عليششه وسششلم لعلكششم تقولششون كمششا قششالت اليهششود
سمعنا وعصينا قولوا سمعنا وأطعنا فقالوا سمعنا وأطعنا 2فأنزل الله الفرج بعد سنة بقوله
ل يكلف الله نفسا إل وسعها فظهر به أن كل ما ل يدخل تحت الوسع من أعمال القلب هو
الذي ل يؤاخذ به فهذا هو كشف الغطاء عن هذا اللتباس وكل من يظن أن كششل مششا يجششري
على القلب يسمى حديث النفس ولششم يفششرق بيششن هششذه القسششام الثلثششة فل بششد وأن يغلششط
وكيف ل يؤاخذ بأعمال القلب من الكبر والعجب والرياء والنفاق والحسششد وجملششة الخبششائث
من أعمال القلب بل السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئول أي ما يششدخل تحششت
الختيار فلو وقع البصر بغير اختيار على غير ذي محرم لم يؤاخذ به فإن أتبعها نظششرة ثانيششة
كان مؤاخذا به لنه مختار فكذا خواطر القلب تجري هذا المجرى بل القلب أولى بمؤاخذته
لنه الصل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التقوى ههنا وأشار إلى القلب 3وقال الله
تعالى لن ينال الله لحومها ول دماؤها ولكن يناله التقوى منكم وقال صلى الله عليه وسششلم
الثم حواز القلوب 4وقال البر ما اطمأن إليه القلب وإن أفتوك وأفتوك 5حتى إنششا نقششول إذا
حكم القلب المفتي بإيجاب شيء وكان مخطئا فيه صار مثابششا عليششه بششل مششن قششد ظششن أنششه
تطهر فعليه أن يصلي فإن صلى ثم تذكر أنه لم يتوضأ كان له ثششواب بفعلششه فششإن تششذكر ثششم
تركه كان معاقبا عليه ومن وجد على فراشه امرأة فظن أنها زوجته لم يعششص بوطئهششا وإن
كانت أجنبية فإن ظن أنها أجنبية ثم وطئها عصى بوطئها وإن كانت زوجته وكششل ذلششك نظششر
إلى القلب دون الجوارح.
بيان أن الوسواس هل يتصور أن ينقطع بالكلية عند الذكر
أم ل
اعلششم أن العلمششاء المراقششبين للقلششوب النششاظرين فششي صششفاتها وعجائبهششا اختلفششوا فششي هششذه
المسألة على خمس فرق فقالت فرقة الوسوسة تنقطع بذكر الله عز وجل لنه صلى اللشه
عليه وسلم قال فإذا ذكر الله خنس 6والخنس هو السكوت فكأنه يسششكت وقششالت فرقششة ل
ينعدم أصله ولكن يجري في القلب ول يكون له أثششر لن القلششب إذا صششار مسششتوعبا بالششذكر
كان محجوبا عششن التششأثر بالوسوسششة كالمشششغول بهمششه فششإنه قششد يتكلششم ول يفهششم وإن كششان
الصوت يمر على سمعه وقالت فرقششة ل تسششقط الوسوسششة ول أثرهششا أيضششا ولكششن تسششقط
غلبتها للقلب فكأنه يوسوس من بعد وعلى ضعف وقالت فرقة ينعدم عند الذكر في لحظة
1حديث إذا التقى بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار الحديث متفق عليه من حديث أبي بكرة
2حديث لما نزل قوله تعالى وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله جاء ناس من الصحابة إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا كلفنا ما ل نطيق الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وابن
عباس نحوه
3حديث التقوى ههنا وأشار إلى القلب أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وقال إلى صدره
4حديث الثم حواز القلوب تقدم في العلم
5حديث البر ما اطمأن إليه القلب وإن أفتوك وأفتوك أخرجه الطبراني من حديث أبي ثعلبة ولحمد نحوه
من حديث وابصة وفيه وإن أفتاك الناس وأفتوك وقد تقدما
6حديث إذا ذكر الله خنس أخرجه ابن أبي الدنيا وابن عدي من حديث أنس في أثناء حديث إن الشيطان
واضع خطمه على قلب ابن آدم الحديث وقد تقدم قريبا
وينعدم الذكر في لحظه ويتعاقبان في أزمنششة متقاربششة يظششن لتقاربهششا أنهششا متسششاوقة وهششي
كالكرة التي عليها نقط متفرقة فإنك إذا أدرتها بسرعة تواصلها بالحركة واستدل هؤلء بأن
الخنس قد ورد ونحن نشاهد الوسوسة مع الذكر ول وجه له إل هذا وقالت فرقة الوسوسة
والذكر يتساوقان في الدوام على القلب تساوقا ل ينقطع وكما أن النسان قد يششرى بعينيششه
شيئين في حالة واحدة فكذلك القلب قد يكون مجرى لشيئين فقششد قششال صششلى اللششه عليششه
وسلم ما من عبد إل وله أربعة أعين عينان في رأسه يبصر بهما أمر دنياه وعينان في قلبششه
يبصر بهما أمر دينه 1وإلششى هششذا ذهششب المحاسششبي والصششحيح عنششدنا أن كششل هششذه المششذاهب
صحيحة ولكن كلها قاصرة عن الحاطة بأصناف الوسواس وإنما نظر كل واحششد منهششم إلششى
صنف واحد من الوسواس فأخبر عنه والوسواس أصناف الول أن يكون من جهة التلششبيس
بالحق فإن الشطيان قد يلبس بششالحق فيقششول للنسششان تششترك التنعششم باللششذات فششإن العمششر
طويل والصبر عن الشهوات طول العمر ألمه عظيم فعنشد هشذا إذا ذكشر العبشد عظيشم حشق
الله تعالى وعظيم ثوابه وعقابه وقال لنفسه الصبر عن الشهوات شديد ولكن الصبر علششى
النار أشد منه ول بد من أحدهما فإذا ذكر العبد وعد الله تعالى ووعيده وجدد إيمانه ويقينششه
خنس الشيطان وهرب إذ ل يستطيع أن يقول له النار أيسر من الصشبر علشى المعاصشي ول
يمكنه أن يقول المعصية ل تفضي إلى النار فإن إيمانه بكتاب الله عز وجل يدفعه عن ذلك
فينقطع وسواسه وكذلك يوسوس إليه بالعجب بعمله فيقول أي عبد يعرف الله كما تعرفششه
ويعبده كما تعبده فما أعظم مكانك عند الله تعششالى فيتششذكر العبششد حينئذ أن معرفتششه وقلبششه
وأعضاءه التي بها عمله وعلمه كل ذلك من خلق الله تعالى فمششن أيششن يعجشب بششه فيخنشس
الشيطان إذ ل يمكنه أن يقول ليس هذا من الله فإن المعرفة واليمان يدفعه فهذا نوع من
الوسواس ينقطع بالكلية عن العارفين المستبصرين بنور اليمان والمعرفة الصششنف الثششاني
أن يكون وسواسه بتحريك الششهوة وهيجانهشا وهشذا ينقسشم إلشى مشا يعلشم العبشد يقينشا أنشه
معصية وإلى ما يظنه بغالب الظن فإن علمه يقينششا خنششس الشششيطان عششن تهييششج يششؤثر فششي
تحريك الشهوة ولم يخنس عن التهييج وإن كان مظنونا فربما يبقى مؤثرا بحيث يحتاج إلى
مجاهدة في دفعه فتكون الوسوسة موجودة ولكنها مدفوعة غير غالبششة الصششنف الثششالث أن
تكون وسوسة بمجرد الخواطر وتذكر الحوال الغالبششة والتفكششر فششي غيششر الصششلة مثل فششإذا
أقبل على الذكر تصور أن يندفع سششاعة ويعششود وينششدفع ويعششود فيتعششاقب الششذكر والوسوسششة
ويتصور أن يتساوقا جميعا حتى يكون الفهم مشتمل على فهششم معنششى القششراءة وعلششى تلششك
الخواطر كأنهما في موضعين من القلب وبعيد جدا أن يندفع هشذا الخنشس بالكليشة بحيشث ل
يخطر ولكنه ليس محال إذا قال صلى الله عليه وسلم من صلى ركعتين لششم يحششدث فيهمششا
نفسه بشيء من أمر الدنيا غفر له ما تقدم من ذنبه 2فلول أنه متصور لمششا ذكششره إل أنششه ل
يتصور ذلك إل في قلب استولى عليه الحب حتى صار كالمستهتر فإنا قد نرى المسششتوعب
القلب بعدو تأذى به قد يتفكر بمقدار ركعتين وركعات فششي مجادلششة عششدوه بحيششث ل يخطششر
بباله غير حديث عدوه وكذلك المستغرق في الحب قششد يتفكششر فششي محادثششة محبششوبه بقلبششه
ويغوص في فكره بحيث ل يخطر بباله غير حديث محبوبه ولشو كلمشه غيشره لشم يسشمع ولشو
اجتاز بين يد أحد لكان كأن ل يراه وإذا تصور هذا في خوف من عششدو وعنششد الحششرص علششى
مال وجاه فكيف ل يتصور من خوف النار والحرص علششى الجنششة ولكششن ذلششك عزيششز لضششعف
اليمان بالله تعالى واليوم الخر وإذا تأملت جملة هذه القسام وأصناف الوسواس علمششت
أن لكل مذهب من المذاهب وجها في محل مخصوص وبالجملششة فششالخلص مششن الشششيطان
في لحظة أو ساعة غير بعيد ولكن الخلص منه عمرا طويل بعيد جششدا ومحششال فششي الوجششود
ولو تخلص أحد من وساوس الشيطان بالخواطر وتهييج الرغبة لتخلششص رسششول اللششه صششلى
الله عليه وسلم فقد روي أنه نظر إلى علم ثوبه في الصلة فلما سشلم رمششى بششذلك الثششوب
1حديث ما من عبد إل وله أربعة أعين عينان في رأسه يبصر بهما أمر دنياه وعينان في قلبه يبصر بهما أمر
دينه أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث معاذ بلفظ الخرة مكان دينه وفيه الحسين
بن أحمد بن محمد الهروي السماخي الحافظ كذبه الحاكم والفة منه
2حديث من صلى ركعتين لم يحدث فيهما نفسه بشيء من الدنيا تقدم في الصلة
وقال شغلني عن الصلة وقال اذهبوا به إلى أبي جهم وائتششوني بأنبجششانيته 1وكششان فششي يششده
خاتم من ذهب فنظر إليه وهو على المنبر ثم رمى به قال نظرة إليه ونظششرة إليكم 2وكششان
ذلك لوسوسة الشيطان بتحريك لذة النظر إلى خاتم الذهب وعلم الثوب وكششان ذلششك قبششل
تحريم الذهب فلذلك لبسه ثم رمى به فل تنقطع وسوسة عروض الدنيا ونقدها إل بششالرمي
والمفارقة فما دام يملك شيئا وراء حاجته ولو دينارا واحدا ل يدعه الشيطان في صلته من
الوسوسة في الفكر في ديناره وأنه كيف يحفظه وفيماذا ينفقه وكيف يخفيه حششتى ل يعلششم
به أحد وكيف يظهره حتى يتباهى به إلى غير ذلك من الوساوس فمن أنشششب مخششالبه فششي
الدنيا وطمع في أن يتخلص من الشطيان كان كمن انغمس في العسل وظن أن الششذباب ل
يقع عليه فهو محال فالدنيا باب عظيم لوسوسة الشيطان وليس له بششاب واحششد بششل أبششواب
كثيرة قال حكيم من الحكماء الشيطان يأتي ابن آدم من قبل المعاصي فإن امتنع أتاه مششن
وجه النصيحة حتى يلقيه في بدعة فإن أبى أمششره بششالتحرج والشششدة حششتى يحششرم مششا ليششس
بحرام فإن أبى شككه في وضوئه وصلته حششتى يخرجششه عششن العلششم فششإن أبششى خفششف عليششه
أعمال البر حتى يراه الناس صابرا عفيفا فتميل قلوبهم إليه فيعجب نفسه وبه يهلكه وعنششد
ذلك يشتد إلحاحه فإنها آخر درجة ويعلم أنه لو جاوزها أفلت منه إلى الجنة.
بيان سرعة تقلب القلب وانقسام القلوب في التغير والثبات
اعلم أن القلب كما ذكرناه تكتنفه الصفات التي ذكرناها وتنصب إليششه الثششار والحششوال مششن
البواب التي وصفناها فكأنه هدف يصاب على الدوام من كل جانب فإذا أصابه شيء يتششأثر
به أصابه من جانب آخر ما يضاده فتتغير صفته فإن نزل بششه الشششيطان فششدعاه إلششى الهششوى
نزل به الملك وصرفه عنه وإن جذبه شيطان إلى شر جششذبه شششيطان آخششر إلششى غيششره وإن
جذبه ملك إلى خير جذبه آخر إلى غيره فتارة يكون متنازعا بين ملكين وتارة بين شيطانين
وتارة بين ملك وشيطان ل يكون قششط مهمل وإليششه الشششارة بقششوله تعششالى ونقلششب أفئدتهششم
وأبصارهم ولطلع رسول الله صلى الله عليششه وسششلم علششى عجيششب صششنع اللششه تعششالى فششي
عجائب القلب وتقلبه كان يحلف به فيقول ل ومقلب القلوب 3وكان كثيرا ما يقول يا مقلب
القلوب ثبت قلبي على دينك قالوا أو تخاف يا رسول اللششه قششال ومششا يششؤمنني والقلششب بيششن
أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء 4وفي لفظ آخر إن شششاء أن يقيمششه أقششامه وإن
شاء أن يزيغه أزاغه وضرب له صلى الله عليه وسلم ثلثششة أمثلششة فقششال مثششل القلششب مثششل
العصفور يتقلب في كل ساعة 5وقال صلى الله عليه وسلم مثل القلب فششي تقلبششه كالقششدر
إذا استجمعت غليانا 6وقال مثششل القلششب كمثششل ريشششة فششي أرض فلة تقلبهششا الريششاح ظهششرا
لبطن 7وهذه التقلبات وعجائب صنع الله تعالى في تقلبها من حيث ل تهدي إليه المعرفة ل
يعرفها إل المراقبون والمراعون لحوالهم مع الله تعالى والقلوب فششي الثبششات علششى الخيششر
والشر والتردد بينهما ثلثة قلب عمششر بششالتقوى وزكششا بالرياضششة وطهششر عششن خبششائث الخلق
تنقدح فيه خواطر الخير من خزائن الغيب ومداخل الملكوت فينصرف العقششل إلششى التفكششر
1حديث أنه صلى الله عليه وسلم نظر إلى علم في ثوبه في الصلة الحديث تقدم
2حديث كان في يده خاتم من ذهب فنظر إليه على المنبر فرماه فقال نظرة إليكم أخرجه النسائي من
حديث ابن عباس وتقدم في الصلة
3حديث ل ومقلب القلوب أخرجه البخاري من حديث ابن عمر
4حديث يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك الحديث أخرجه الترمذي من حديث أنس وحسنه والحاكم من
حديث جابر وقال ابن أبي الدنيا صحيح على شرط مسلم ولمسلم من حديث عبد الله ابن عمرو اللهم
مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك والنسائي في الكبرى و ابن ماجه والحاكم وصححه على شرط
البخاري ومسلم من حديث النواس بن سمعان ما من قلب إل بين أصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أقامه
وإن شاء أزاغه والنسائي في الكبرى بإسناد جيد نحوه من حديث عائشة
5حديث مثل القلب مثل العصفور يتقلب في كل ساعة أخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على
شرط مسلم والبيهقي في الشعب من حديث أبي عبيدة بن الجراح قلت رواه البغوي في معجمه من حديث
أبي عبيد غير منسوب وقال ل ادري له صحبة أم ل
6حديث مثل القلب في تقلبه كالقدر إذا استجمعت غليانا أخرجه أحمد والحاكم وقال صحيح على شرط
البخاري من حديث المقداد بن السود
7حديث مثل القلب كمثل ريشة بأرض فلة الحديث أخرجه الطبراني في الكبير والبيهقي في الشعب من
حديث أبي موسى الشعري بإسناد حسن وللبزار نحوه من حديث أنس بإسناد ضعيف
فيما خطر له ليعرف دقائق الخير فيه ويطلع على أسرار فوائده فينكشف له بنور البصشيرة
وجهه فيحكم بأنه ل بد من فعله فيستحثه عليه ويدعوه إلى العمششل بششه وينظششر الملششك إلششى
القلب فيجده طيبا في جوهره طاهرا بتقواه مستنيرا بضياء العقل معمورا بششأنوار المعرفششة
فيراه صالحا لن يكون له مستقرا ومهبطا فعند ذلك يمده بجنود ل ترى ويهديه إلى خيرات
أخرى حتى ينجر الخير إلى الخير وكذلك على الششدوام ول يتنششاهى إمششداده بششالترغيب بششالخير
وتيسير المر عليه وإليه الشارة بقششوله تعششالى فأمششا مششن أعطششى واتقششى وصششدق بالحسششنى
فسنيسره لليسرى وفي مثل هذا القلب يشرق نور المصباح من مكشششاة الربوبيششة حششتى ل
يخفى فيه الشرك الخفي الذي هو أخفى من دبيب النملة السوداء فششي الليلششة الظلمششاء فل
يخفى على هذا النور خافية ول يروج عليه شيء من مكايششد الشششيطان بششل يقششف الشششيطان
ويوحي زخرف القول غرورا فل يلتفت إليه وهذا القلب بعششد طهشارته مششن المهلكششات يصششير
على القرب معمورا بالمنجيات التي سنذكرها من الشكر والصبر والخوف والرجاء والفقششر
والزهد والمحبة والرضا والشوق والتوكل والتفكر والمحاسبة وغير ذلك وهششو القلششب الششذي
أقبل الله عز وجل بشوجهه عليشه وهشو القلشب المطمئن المشراد بقشوله تعشالى أل بشذكر اللشه
تطمئن القلوب وبقوله عز وجل يا أيتها النفس المطمئنششة القلششب الثششاني القلششب المخششذول
المشحون بالهوى المدنس بشالخلق المذمومشة والخبشائث المفتشوح فيششه أبشواب الشششياطين
المسدود عنه أبواب الملئكة ومبدأ الشر فيه أن ينقدح فيه خاطر من الهوى ويهجششس فيششه
فينظر القلب إلى حاكم العقل ليستفتي منه ويستكشف وجه الصششواب فيششه فيكششون العقششل
قد ألف خدمة الهوى وأنس به واسششتمر علششى اسششتنباط الحيششل لششه وعلششى مسششاعدة الهششوى
فتستولي النفس وتساعد عليه فينشرح الصدر بالهوى وتنبسط فيه ظلمششاته لنحبششاس جنششد
العقل عن مدافعته فيقوى سلطان الشيطان لتسششاع مكششانه بسششبب انتشششار الهششوى فيقبششل
عليه بالتزيين والغرور والماني ويوحي بشذلك زخرفشا مشن القشول غشرورا فيضشعف سشلطان
اليمان بالوعد والوعيد ويخبو نور اليقين لخوف الخرة إذ يتصاعد عن الهوى دخششان مظلششم
إلى القلب يمل جوانبه حتى تنطفيء أنواره فيصير العقل كالعين الششتي مل الششدخان أجفانهششا
فل يقدر على أن ينظششر وهكششذا تفعششل غلبششة الشششهوة بششالقلب حششتى ل يبقششى للقلششب إمكششان
التوقف والستبصار ولو بصره واعظ وأسمعه ما هو الحق فيه عمى عن الفهششم وصششم عششن
السمع وهاجت الشهوة فيه وسطا الشيطان وتحركت الجوارح على وفششق الهششوى فظهششرت
المعصية إلى عالم الشهادة من عالم الغيب بقضاء من الله تعشالى وقششدره وإلشى مثششل هششذا
القلب الشارة بقوله تعالى أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيل أم تحسب أن
أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إل كالنعام بل هم أضل سبيل وبقوله عز وجل لقد حششق
القول على أكثرهم فهم ل يؤمنون وبقوله سواء عليهم أأنشذرتهم أم لشم تنشذرهم ل يؤمنشون
ورب قلب هذا حاله بالضافة إلى بعض الشهوات كالذي يتورع عن بعض الشياء ولكنششه إذا
رأى وجها حسنا لم يملك عينه وقلبه وطاش عقله وسقط مسششاك قلبششه أو كالششذي ل يملششك
نفسه فيما فيه الجاه والرياسة والكبر ول يبقى معه مسششكة للتثبششت عنششد ظهششور أسششبابه أو
كالذي ل يملك نفسه عند الغضب مهما استحقر وذكر عيششب مششن عيششوبه أو كالششذي ل يملششك
نفسه عند القدرة على أخذ درهم أو دينار بل يتهالك عليه تهالششك الششواله المسششتهتر فينسششى
فيه المروءة والتقوى فكل ذلك لتصاعد دخان الهوى إلى القلب حتى يظلم وتنطفيششء منششه
أنواره فينطفيء نور الحياء والمروءة واليمان ويسعى في تحصيل مششراد الشششيطان القلششب
الثالث قلب تبدو فيه خواطر الهوى فتدعوه إلى الشر فيلحقه خاطر اليمششان فيششدعوه إلششى
الخير فتنبعث النفس بشششهوتها إلششى نصششرة خششاطر الشششر فتقششوى الشششهوة وتحسششن التمتششع
والتنعم فينبعث العقل إلى خاطر الخير ويدفع في وجه الشهوة ويقبشح فعلهشا وينسشبها إلشى
الجهل ويشبهها بالبهيمة والسبع فششي تهجمهشا علشى الشششر وقلششة اكتراثهشا بشالعواقب فتميششل
النفس إلى نصح العقل فيحمل الشيطان حملة على العقل فيقوي داعي الهوى ويقششول مششا
هذا التحرج البارد ولم تمتنع عن هواك فتششؤذي نفسششك وهششل تششرى أحششدا مششن أهششل عصششرك
يخالف هواه أو يترك غرضه أفتترك لهم ملذ الدنيا يتمتعون بها وتحجششر علششى نفسششك حششتى
تبقى محروما شقيا متعوبا يضحك عليشك أهشل الزمشان أفتريشد أن يزيشد منصشبك علشى فلن
وفلن وقد فعلوا مثل ما اشتهيت ولم يمتنعوا أما ترى العالم الفلني ليس يحترز مششن مثششل
ذلك ولو كان ذلك شرا لمتنع منه فتميل النفس إلى الشيطان وتنقلب إليه فيحمششل الملششك
حملة على الشيطان ويقول هل لششك إل مششن أتبششع لششذة الحششال ونسششي العاقبششة أفتقنششع بلششذة
يسيرة وتترك لذة الجنة ونعيمها أبد الباد أم تستثقل ألم الصششبر عششن شششهوتك ول تسششتثقل
ألم النار أتغتر بغفلة الناس عشن أنفسشهم واتبشاعهم هشواهم ومسشاعدتهم الششيطان مشع أن
عذاب النار ل يخففه عنك معصية غيرك أرأيت لو كنت في يوم صائف شششديد الحششر ووقششف
الناس كلهم في الشمس وكان لك بيت بارد أكنت تساعد الناس أو تطلب لنفسك الخلص
فكيف تخالف الناس خوفا من حر الشمس ول تخالفهم خوفا من حر النار فعند ذلك تمتثششل
النفس إلى قول الملك فل يزال يتردد بين الجندين متجاذبا بين الحزبين إلى أن يغلب على
القلب ما هو أولى به فإن كانت الصفات التي في القلب الغالب عليها الصفات الشششيطانية
التي ذكرناها غلب الشيطان ومال القلب إلششى جنسششه مششن أحششزاب الشششيطان معرضششا عششن
حزب الله تعالى وأوليائه ومساعدا لحزب الشيطان وأعدائه وجششرى علششى جششوارحه بسششابق
القدر ما هو سبب بعده عن الله تعالى وإن كان الغلب على القلششب الصششفات الملكيششة لششم
يصغ القلب إلى إغواء الشيطان وتحريضه إياه على العاجلة وتهششوينه أمششر الخششرة بششل مششال
إلى حزب الله تعالى وظهرت الطاعة بموجب ما سبق مششن القضششاء علششى جششوارحه فقلششب
المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن أي بين تجاذب هششذين الجنششدين وهششو الغششالب أعنششي
التقليب والنتقال من حزب إلى حزب أما الثبششات علششى الششدوام مششع حششزب الملئكششة أو مششع
حزب الشيطان فنادر من الجانبين وهذه الطاعات والمعاصي تظهر من خزائن الغيب إلششى
عالم الشهادة بواسطة خزانة القلب فإنه من خزائن الملكوت وهي أيضا إذا ظهششرت كششانت
علمات تعرف أرباب القلوب سابق القضاء فمن خلق للجنة يسششرت لششه أسششباب الطاعششات
ومن خلق للنار يسرت له أسباب المعاصي وسلط عليه أقران السوء وألقى في قلبه حكم
الشيطان فإنه بأنواع الحكم يغر الحمقى بقوله إن الله رحيم فل تبال وإن الناس كلهششم مششا
يخافون الله فل تخالفهم وإن العمششر طويششل فاصششبر حششتى تتششوب غششدا يعششدهم ويمنيهششم ومششا
يعدهم الشيطان إل غرورا يعدهم التوبة ويمنيهم المغفرة فيهلكهشم بشإذن اللشه تعشالى بهشذه
الحيل وما يجري مجراها فيوسع قلبه لقبول الغششرور ويضششيقه عششن قبششول الحششق وكششل ذلششك
بقضاء من الله وقدر فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للسلم ومن يرد أن يضله يجعل
صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد فششي السششماء إن ينصششركم اللشه فل غشالب لكشم وإن يخشذلكم
فمن ذا الذي ينصركم من بعده فهو الهادي والمضل يفعل ما يشششاء ويحكششم مششا يريششد ل راد
لحكمه ول معقب لقضائه خلق الجنة وخلق لها أهل فاستعملهم بالطاعة وخلق النار وخلششق
لها أهل فاستعمله بالمعاصي وعرف الخلق علمة أهل الجنشة وأهشل النشار فقشال إن البشرار
لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم ثم قال تعالى فيما روى عن نبيه صششلى اللششه عليششه وسششلم
هؤلء في الجنة ول أبالي وهؤلء في النار ول أبالي 1فتعالى الله الملك الحق ل يسشئل عمشا
يفعل وهم يسئلون ولنقتصر على هذا القدر اليسير من ذكر عجائب القلب فإن استقصششاءه
ل يليق بعلم المعاملة وإنما ذكرنا منه ما يحتاج إليه لمعرفة أغوار علوم المعاملة وأسرارها
لينتفع بها من ل يقنع بالظواهر ول يجتزئ بالقشر عن اللباب بل يتشوق إلى معرفة دقششائق
حقائق السباب وفيما ذكرناه كفاية له ومقنع إن شاء اللششه تعششالى واللششه ولششي التوفيششق تششم
كتاب عجائب القلب ولله الحمد والمنة ويتلوه كتاب رياضة النفس وتهذيب الخلق والحمد
لله وحده وصلى الله على كل عبد مصطفى.
1حديث قال الله عز وجل هؤلء إلى الجنة ول أبالي وهؤلء إلى النار ول أبالي أخرجه أحمد وابن حبان من
حديث عبد الرحمن بن قتادة السلمي وقال ابن عبد البر في الستيعاب أنه مضطرب السناد