Professional Documents
Culture Documents
إن السحر قديم قدم النسانية ،عرفته حضارات عديدة وأمم مختلفة حتى
أن كل رسول كان يبعثه ال عز وجل إلى قومه كانوا يتهمونه بالسحر
َ
هم من َ
قب ْل ِ ِ ن ِذي َما أَتى ال ّ ِك َ يقول سبحانه وتعالى﴿ :ك َذَل ِ َ
ن﴾ .سورة قاُلوا ْ سا ِ َ ل إ ِل ّ َ
جُنو ٌ
م ْ و َحٌر أ ْ َ سو ٍ
من ّر ُّ
الذاريات ،الية.52 :
وهنا تطرح أسئلة محيرة حول مصدر السحر! هل مصدره الرض
بحيث يكون الجن أو النس قد وضعوا علومه؟ أم أنه أنزل من السماء مع
هاروت وماروت؟ ومتى ظهر السحر على هذه البسيطة؟ وفي أي مكان؟.
ماعوا ْ َ وات ّب َ ُ إن العمدة في الجابة عن هذه السئلة هو قوله تعالىَ ﴿ :
فَر مآ ك َ َ و َ ن َ ما َ سل َي ْ َ ك ُ مل ْ ِ عَلى ُ ن َ طي ُ شَيا ِ ت َت ُْلوا ْ ال ّ
سن الّنا َ مو َ عل ّ ُفُروا ْ ي ُ َ ن كَ َ طي َ شَيا ِ ن ال ْ ّ ول َك ِ ّ ن َ ما ُ سل َي ْ َ ُ
َ ْ َ ُ
ت هاُرو َ ل َ ن ب َِباب ِ َ ملك َ َي ْ ِ على ال َ ل َ ز َ مآ أن ِ و َ حَر َ س ْ ال ْ ّ
ماقول إ ِن ّ َ حّتى ي َ ُ د َ ح ٍ نأ َ م ْ ن ِ ما ِ عل ّ َ ما ي ُ َ و َ تج َ ماُرو َ و َ َ
ن
قو َ فّر ُ ما ي ُ َ ما َ ه َ من ْ ُ ن ِ مو َ عل ُ ّ في َت َ َ فْر َ ْ
فل ت َك ُ َ ة َ فت ْن َ ٌ ن ِ ح ُ نَ ْ
ن م ْ ه ِ ن بِ ِ ضآّري َ هم ب ِ َ ما ُ و َ هج َ ج ِ و ِ وَز ْ ء َ مْر ِ ن ال ْ َ ه ب َي ْ َ بِ ِ
َ
ول َ م َ ه ْ ضّر ُ ما ي َ ُ ن َ مو َ عل ّ ُ وي َت َ َ ن الله ج َ د إ ِل ّ ب ِإ ِذْ ِ ح ٍ أ َ
في ه ِ ما ل َ ُ شت ََراهُ َ نا ْ ِ م موا ْ ل َ َ عل ِ ُ قد ْ َ ول َ َ مج َ ه ْ ع ُ ف ُ َين َ
م
ه ْ س ُ ف َ ه َأن ُ وا ب ِ ِ شَر ْ ما َ س َ ول َب ِئ ْ َ قج َ خل َ ٍ ن َ م ْ ة ِ خَر ِ ال ِ
ن﴾ سورة البقرة ،الية ،102 :وقد مو َ عل َ ُ كاُنوا ْ ي َ ْ و َ ج لَ ْ
وردت تفاسير عدة لهذه اليات واختلفت ويمكن حصرها في ثلثة أقوال:
-1أن السحر لم ينزل من السماء وإنما أصله الرض وهو من عمل
عَلى ُ
ل َز َمآ أن ِ الشياطين بناء على }أن)ما( في قوله تعالىَ ﴿ :
و َ
ال ْ َ َ
ن﴾ نافية ،وذلك أن اليهود كانوا يزعمون أنه نزل به جبريلملك َي ْ ِ
ت ج﴾ بدًلماُر َو َ
ت َهاُرو َ وميكائيل فأكذبهم ال وجعل قوله تعالىَ ﴿ :
من الشياطين{ تفسير القرآن العظيم /ابن كثير ج 1:ص:
.130
ويعتمد أصحاب هذا القول على الرواية التالية وقد جاءت بصيغ
مختلفة:
أ -ما رواه ابن جرير الطبري} :عن شهر بن حوشب قال :لما سلب
سليمان عليه السلم ملكه كانت الشياطين تكتب السحر في غيبة سليمان
فكتبت :من أراد أن يأتي كذا وكذا فليستقبل الشمس وليقل كذا وكذا ،ومن
أراد أن يفعل كذا وكذا فليستدبر الشمس وليقل كذا وكذا فكتبته وجعلت
عنوانه :هذا ما كتب آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخائر
كنوز العلم ثم دفنته تحت كرسيه فلما مات سليمان عليه السلم قام إبليس
خطيًبا فقال :يا أيها الناس إن سليمان لم يكن نبًيا إنما كان ساحًرا
فالتمسوا سحره في متاعه وبيوته ،ثم دلهم على المكان الذي دفن فيه
فقالوا :وال كان سليمان ساحًرا هذا سحره بهذا تعبدنا وبهذا قهرنا فقال
المؤمنون :بل كان نبًيا مؤمًنا فلما بعث ال تعالى النبي محمًدا صلى ال
عليه وسلم جعل يذكر النبياء حتى ذكر داود وسليمان ،فقالت اليهود:
انظروا إلى محمد صلى ال عليه وسلم يخلط الحق بالباطل يذكر سليمان
مع النبياء وإنما كان ساحًرا يركب الريح فأنزل ال عذر سليمان ﴿
ن﴾{. ما َ سل َي ْ َ مل ْ ِ
ك ُ عَلى ُن َ طي ُ
شَيا ِما ت َت ُْلوا ْ ال ّ
عوا ْ َ
وات ّب َ ُ
َ
جامع البيان عن تأويل أي القرآن /ج 1:ص.451-450:
ب -يقول الخفاجي} :فإن كانت)ما( في ﴿ما أنزل﴾ نافية كان معطوًفا على
ما كفر سليمان أي لم يكفر ولم ينزل على الملكين شيء من السحر،
وهاروت وماروت بدل من الشياطين بدل بعض وما بينهما اعتراض ،وهو
رد على اليهود لعنهم ال فيما افتروه على النبياء -عليهم السلم -
والملئكة ) (...والقول بأن )ما( نافية هو قول ابن عباس رضي ال عنهما
) (...وهذا القول لم يقل به جمهور المفسرين والمحدثين كما عرفته وهو
قول ضعيف{ نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي
عياض /ج 4:ص.235-233:
ب -الحديث الذي ورد في مسند المام أحمد بن حنبل ،فعن عبد ال بن
عمر رضي ال عنهما أنه سمع النبي صلى ال عليه وسلم يقول﴿ :إن آدم
عليه السلم لما أهبطه ال إلى الرض قالت الملئكة :أي رب أتجعل فيها
من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال :إني
أعلم ما ل تعلمون قالوا :ربنا نحن أطوع لك من بني آدم ،قال ال تعالى
للملئكة هلموا ملكين من الملئكة حتى يهبط بهما إلى الرض ،فننظر
كيف يعملن ،قالوا ربنا هاروت وماروت قال :فاهبطا إلى الرض ومثلت
لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر ،فجاءاها فسألها نفسها ،فقالت :ل
وال حتى تتكلما بهذه الكلمة من الشراك فقال :وال ل نشرك بال شيًئا
أبًدا فذهبت ثم رجعت بصبي تحمله فسألها نفسها ،فقالت ل وال حتى
تقتل هذا الصبي ،فقال وال ل نقتله أبًدا ،فذهبت ثم رجعت بقدح خمر
تحمله ،فسألها نفسها قالت :ل وال حتى تشربا هذا الخمر فشربا فسكرا
فوقعا عليها وقتل الصبي فلما أفاقا قالت المرأة وال ما تركتما شيًئا
أبيتماه علي إل قد فعلتماه حين سكرتما فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب
الخرة فاختارا عذاب الخرة﴾ .مسند المام أحمد بن حنبل/م2:
ص.134:
يقول ابن حجر معلًقا على هذه الرواية} :وقصة هاروت وماروت
جاءت بسند حسن من حديث ابن عمر في مسند أحمد وأطنب الطبري في
ل خلفًا لمن زعمإيراد طرقها بحيث يقضى بمجموعها على أن للقصة أص ً
بطلنها كعياض ومن تبعه ،وذلك أن ال ركب الشهوة في ملكين من
الملئكة اختباًرا لهما وأمرهما أن يحكما في الرض فنزل على صورة
البشر وحكما بالعدل مدة ثم افتتنا بامرأة جميلة فعوقبا بسبب ذلك بأن
حبسا في بئر ببابل منكسين وابتليا بالنطق بعلم السحر فصار يقصدهما
من يطلب ذلك فل ينطقان بحضرة أحد حتى يحذراه وينهياه فإذا أصر تكلما
بذلك ليتعلم منهما ذلك وهما قد عرفا ذلك فيتعلم منهما ما قص ال عنهما
وال أعلم{ فتح الباري شرح صحيح البخاري /ابن حجر م:
10ص 276:كتاب الطب باب السحر ،.يشير ابن حجر إلى
قول القاضي عياض} :فاعلم أكرمك ال أن هذه الخبار لم يرو منها
شيء سقيم ول صحيح عن رسول ال صلى ال عليه وسلم وليس هو
شيئًا يؤخذ بالقياس والذي منه في القرآن اختلف المفسرون في معناه
وأنكر ما قال بعضهم فيه كثير من السلف ) (...وهذه الخبار من كتب
اليهود وافترائهم كما نص ال في أول اليات من افترائهم بذلك على
سليمان وتكفيرهم إياه وقد انطوت القصة على شنع عظيمة{ الشفا
بتعريف حقوق المصطفى /القاضي عياض اليحصبي
ج 2:ص 175:ط.179: