You are on page 1of 60

‫أزمات‬

‫الشباب‬
‫أسباب وحلول‬
‫تأليف القاضي الشيخ‬
‫محمد أحمد كنعان‬
‫شبكة مجاهد مسلم السلمية الدعوية‬
‫‪www.islammi.jeeran.com‬‬
‫‪www.geocities.com/moujahedmouslem‬‬
‫الحد ‪ 2‬شباط ‪2003‬‬
‫نشره موقع صيد الفوائد‬
‫‪/http://www.saaid.net‬‬
‫دار البشائر السلمية‬
‫بيروت لبنان‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫مقدمة‬

‫إن الحمد ل نحمده ونستعين به‪ ،‬ونستغفره ونتوب اليه من جميع ذنوبنا‪ ،‬ونعوذ به تعالى من‬
‫شرور أنفسنا‪ ،‬ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده ال فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‪.‬‬

‫وأشهد أن ل اله إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬شهادة تنجينا من عذاب أليم } يوم ل ينفع مال ول‬
‫بنون إل من أتى ال بقلب سليم{‪.‬‬

‫وأشهد أن محمد عبده ورسوله‪ ،‬ورحمته الى العالمين‪ ،‬جاء بالهدى ودين الحق‪ ،‬بشيرا ونذيرا‬
‫بين يدي الساعة‪ ،‬فبّلغ الرسالة وأّدى المانة‪ ،‬ونصح لمته في حاضرها ومستقبلها‪ ،‬وجاهد في ال‬
‫ل وغوى‪.‬‬ ‫حق جهاده‪ ،‬فمن أطاع ال ورسوله فقد اهتدى‪ ،‬ومن يعص ال ورسوله فقد ض ّ‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫ففي قول ال عز وجل‪ }:‬يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة‬
‫عليها ملئكة غلظ شداد ل يعصون ال ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون{‪ ،‬بيان واضح لمسؤولية‬
‫النسان عن نفسه أول‪ ،‬ثم عن أهله وأقاربه‪ ،‬وهي مسؤولية ل تتعلق بأمور الدنيا ومعايشها‪ ،‬بل‬
‫تتعلق بأمور الدين‪ ،‬وعاقبة النسان في الخرة‪ ،‬حيث تجد كل نفس عملها‪ ،‬من خير أو شر‪،‬‬
‫وتلقى جزاؤها الوفى‪ ،‬إما في جنة عالية‪ ..‬وإما في نار حامية‪..‬‬

‫إن ال تعالى يأمر المؤمنين بان يقوا أنفسهم وأهليهم عذاب النار‪ ،‬ومعلوم‪ :‬أن وسيلة الوقاية من‬
‫النار‪ ،‬ليست بتجهيز الملبس والقنعة الواقية من حّرها ولهبها‪ ..‬ول بإعداد وسائل إطفاء‬
‫صل هذه "الوقاية" بأمرين هما‪ " :‬صلح العقيدة"‪ ،‬بان تكون عقيدة صحيحة‪،‬‬ ‫الحرائق‪ ..‬بل تح ّ‬
‫بمطابقتها لما جاء به رسولنا المين محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬و" صلح العمل"‪ ،‬بان تكون‬
‫العمال صالحة‪ ،‬بموافقتها لشريعته الغّراء‪ ،‬ومن دون ذلك‪ ،‬فلن يكون للنسان منجاة من العذاب‪،‬‬
‫ص به ربنا عز وجل بعض عباده‬ ‫ولن يكون له ملجأ أو مفّر من العقاب يوم القيامة‪ ،‬إل ما يخت ّ‬
‫المؤمنين العصاة‪ ،‬من العفو والغفران‪.‬‬

‫والمستفاد من معنى هذه الية‪ :‬إن النسان ل يجوز له أن يتلهى بأي شيء من أمور " الدنيا"‪،‬‬
‫عما فيه مصلحته ومصلحة أهله في "الدين"‪ ،‬فيهمل واجباته‪ ،‬ويتخلى عن مسؤولياته‪ ،‬وأنه ل‬
‫يجوز له أن يلهو عن طاعة ال‪ ،‬برغبات نفسه وشهواتها‪ ،‬أو‪ :‬يلهو بأمواله وأولده عن ذكر ال‬
‫سبحانه وعبادته‪ ،‬باعتبارهم زينة الحياة الدنيا كما قال تعالى‪ }:‬المال والبنون زينة الحياة الدنيا{‪،‬‬
‫لن ال تعالى نهى عن ذلك وحّذر منه في قوله سبحانه‪ }:‬يا أيها الذين آمنوا ل تلهكم أموالكم ول‬
‫أولدكم عن ذكر ال ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون{‪.‬‬

‫إن نطاق "الوقاية" التي أمرنا ال تعالى بها‪ ،‬ل ينحصر في مجال مصلحة النفس والهل‪ ،‬بل‬
‫يتعدى هذا النطاق‪ ،‬ليشمل المجتمع كله‪ ،‬عمل بالقاعدة الشرعية الواردة في الحديث الشريف ‪":‬‬
‫كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"‪.‬‬
‫فالمجتمع مترابط بشبكة متكاملة من المسؤولية بدءا من مسؤولية النسان عن نفسه‪ ،‬وانتهاء‬
‫بمسؤولية الراعي عن الرعية‪ ،‬تكفل له في حال وفاء المسؤولية حقها‪ ،‬أن يكون مجتمعا سعيدا‪...‬‬
‫صالحا‪...‬‬

‫كما أن "الوقاية" المطلوبة للنفس وللغير‪ ،‬ل تختص بمرحلة معينة من مراحل حياة النسان‪،‬‬
‫دون سواها من المراحل‪ ،‬بل هي واجبة في جميع مراحل الحياة البشرية‪ ،‬ولجميع طبقات‬
‫المجتمع‪ ،‬من "الطفولة"‪ ..‬حتى‪ ":‬الموت"‪..‬‬

‫وقد اهتّم فقهاؤنا رحمهم ال تعالى في مؤلفاتهم‪ ،‬ببيان واجبات "المسؤول" في كل مرحلة من‬
‫ضحوا الحكام المتعلقة بواجب البوين نحو ولدهما‪ ،‬من حين ولدته‪ ،‬حتى‬ ‫هذه المراحل‪ ،‬فو ّ‬
‫صلوا أيضا واجبات المعلمين والمرشدين‪ ،‬في تعليم النشء‬
‫يموتا عنه‪ ،‬أو يموت هو عنهما‪ ،‬وف ّ‬
‫وتربية الشباب‪ ،‬وبينوا كذلك واجبات المجتمع‪ ،‬في التكافل والتضامن‪ ،‬لحمياة المسنين‪ ،‬والعجزة‪،‬‬
‫والمعّوقين‪ ،‬الذين ل معيل لهم‪ ،‬وحّددوا أيضا واجبات الحاكمين جميعا‪ ،‬ـ أي‪ ":‬المسؤولين" أيا‬
‫كانت وظائفهم ـ تجاه الشعب كله‪ :‬أطفال وشبابا‪ ..‬كهول وشيوخا‪ ..‬رجال ونساء‪..‬‬

‫ومما ل شك فيه‪ :‬أن "مرحلة الشباب" من حياة النسان‪ ،‬هي المرحلة الخطر والدق‪،‬‬
‫باعتبارها بداية التكليف الشرعي‪ ،‬ونشوة العمر وجّدته‪ ،‬ولهذا اهتم المصلحون بالشباب‪ ،‬لرعاية‬
‫شؤونهم‪ ،‬وتوجيه سلوكهم‪ ،‬وتقويم إنحرافهم‪ ،‬ووقاية أخلقهم‪ ،‬ليغيشوا حياة سعيدة مستقّرة‪،‬‬
‫ويكونوا سعداء صالحين‪.‬‬

‫ول شك أيضا في‪ :‬أن الشباب في عصرنا‪ ،‬مهملون مضّيعون‪ ..‬مغشوشون مضللون‪ ..‬تتخطفهم‬
‫جه يوجههم نحو هدف شريف‪ ..‬ول قائد لهم‬ ‫العقائد الفاشلة‪ ..‬وتتجاذبهم التيارات الفاسدة‪ ..‬ل مو ّ‬
‫يقودهم صوب غاية حميدة‪ ..‬ول حاكم يعطيهم جهده واهتمامه‪ ،‬وعطفه وحنانه‪ ..‬فلذلك‪ :‬هم في‬
‫ضياع‪ ..‬وفراغ ‪ ..‬وصراع‪ ..‬ل تمتّد لنجدتهم يد‪ ..‬ول يوضع لمأساتهم حد‪ ..‬ول تعالج أزماتهم‬
‫بالجّد‪.‬‬

‫تجاه هذا الواقع السيئ لشبابنا‪ ..‬رأيت من واجبي نحوهم‪ ،‬وهم أبنائي وإخوتي‪ ،‬أن أساعدهم‬
‫بالنصيحة والرأي‪ ،‬وأعاونهم بالمشورة والتوجيه‪ ،‬فأبّين لهم أخطر ما يعانون من أزمات‬
‫ومتاعب‪ ،‬وأعّرفهم على أسبابها‪ ..‬ومصادرها‪ ..‬والمسؤول عنها‪ ..‬وطرق حلها‪ ،‬والخروج منها‪،‬‬
‫والتغلب عليها‪..‬‬

‫هذا‪ :‬مع العلم بأن الشباب ليسوا وحدهم الذين يعانون من " الزمات"‪ ،‬بل إن أزماتهم جزء‬
‫وبعض من أزمات المجتمع كله‪ ،‬والزمات في مجتمعنا كثيرة‪ ..‬ويا للسف‪ ..‬والعلج قليل‪..‬‬

‫وربما قد يسأل سائل‪ :‬لماذا ركزتم على "الشباب" من بين طبقات المجتمع؟؟‪ ..‬ولماذا ل يصب‬
‫الهتمام على مرحلة "الطفولة والصبا"‪ ،‬باعتبارها المرحلة التأسيسية الخطيرة في حياة‬
‫النسان؟‪..‬‬

‫وعن هذا السؤال نجيب‪ :‬بأننا ل ننكر أهمية مرحلة "الطفولة" في حياة النسان‪ ،‬فهي ول شك‬
‫المرحلة الهم‪ ،‬باعتبارها مرحلة الغرس والزرع والتلقين‪ ،‬و "الطفل" يكون فيها كالعجينة اللينة‬
‫جان‪ ..‬يشكلها فتتشكل‪ ،‬ويعركها فتنعرك‪ ..‬بل معاندة ول معارضة‪ ..‬فهو يصّدق كل ما‬ ‫في يد الع ّ‬
‫يسمع‪ ..‬ويلّقن العقائد والفكار والعادات‪ ..‬فيقبل‪ ..‬إنه يثق بوالديه ثقة مطلقة‪ ..‬إذ هو يراهما‬
‫الصدق كله‪ ..‬والشجاعة والشهامة والمانة‪ ..‬فل يخطر على باله أنهما قد يلقنانه الضلل‪ ،‬أو‬
‫شانه‪ ..‬فلذلك هو يأخذ عنهما ويقلدهما من دون‬ ‫يعلمانه الفسوق والعصيان‪ ..‬أو يكذبان عليه ويغ ّ‬
‫تردد‪ ،‬وبل تحّفظ‪ ..‬فلو أنهما عّوداه عبادة الخنزير‪ ..‬لعبده‪ ..‬ول عجب في ذلك‪ ..‬فقد جاء في‬
‫الحديث الشريف‪ ،‬فيما رواه البخاري ومسلم وغيرهما بألفاظ متعددة‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬من يولد يولد على الفطرة‪ ،‬فأبواه يهّودانه‪ ..‬أو‬
‫صرانه‪ ..‬كما تنتجون البهيمة‪ ،‬هل تجدون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها؟"‪،‬‬ ‫ين ّ‬
‫والجدعاء هي مقطوعة الذن‪.‬‬

‫فالطفل حين يبلغ سن التكليف‪ ،‬يأخذ‪ ..‬ويتلقى‪ ..‬ويقلد‪ ..‬ويصٌدق أي شيء‪ ..‬ولو من الخرافات‬
‫والساطير‪ ..‬فهو إن نشأ مؤمنا‪ ،‬فإيمانه بإيمان أبويه‪ ،‬أو أحدهما‪ ،‬المعزز لفطرته السليمة‪ ،‬وإن‬
‫نشأ كافرا‪ ،‬فكفره من كفر أبويه اللذين علماه الكفر‪ ،‬وربّياه عليه‪ ،‬ولكنه ل يبني شيئا من ذلك على‬
‫قناعة شخصية‪ ،‬ول على برهان أو دليل مستقل‪ ،‬وهو في هذه المرحلة‪ ،‬غير مطالب بذلك‪ ،‬حتى‬
‫يصبح مكلفا‪.‬‬

‫والطفل بسسب واقعه هذا‪ ،‬ليس مسؤول عن أعماله وتصرفاته‪ ،‬ول هو مؤاخذ بها‪ ،‬حتى يبلغ‬
‫سن التكليف‪ ،‬فعندها يصبح مؤاخذا‪ ،‬يثاب ويعاقب‪ ،‬فقد روي المام أحمد وأبو داود وغيرهما‪،‬‬
‫عن عدد من الصحابة‪ ،‬رضوان ال عليهمن عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬أن القلم قد رفع عن‬
‫ثلثة هم‪ :‬المجنون حتى يبرأ‪ ،‬والنائم حتى يستيقط‪ ،‬والصبي حتى يحتلم‪.‬‬

‫ن النحراف الذي يتعّوده في‬ ‫إن عدم المؤاخذة الشرعية على الطفل في هذه المرحلة‪ ،‬ل يعني أ ّ‬
‫العقيدة والسلوك ل يضّره‪ ،‬ول يؤّثر عليه في المراحل التالية من حياته‪ ..‬بل إن تلك النحرافات‪،‬‬
‫ستنتقل مع الطفل الى مرحلة الشباب‪ ،‬التي هي أولى مراحل التكليف الشرعي‪ ،‬فيصير فيها مكلفا‬
‫مسؤول عن أعماله وأقواله‪ ،‬ومؤاخذا بها‪ ،‬فيثاب على الطاعة‪ ،‬ويحمل وزر المعصية‪ ..‬وعندها‬
‫سيعاني الشاب من نتائج أخطاء البوين والموجهين‪ ،‬الذين أشرفوا عليه في مرحلة "الطفولة"‪،‬‬
‫وسيكون نجاحه أو فشله مرتبطا برغبته وقدرته على ترك ذلك السوء الذي وّرثوه إّياه‪..‬‬

‫ومع ذلك‪ :‬فنحن لم نرّكز في كتابنا هذا على مرحلة "الطفولة"‪ ،‬لنه ل سلطة لنا على فكر الطفل‬
‫ي أمره‪ ..‬يفعل به ما يشاء‪ ..‬فهو ل يحسن القراءة والفهم‪..‬‬ ‫بحال‪ ،‬فهو واقع بالكلية تحت إشراف ول ّ‬
‫لنكتب له ونحّرك مداركه‪ ..‬فل ‪1‬لك رصدنا له الطريق في المرحلة التالية من حياته‪" ..‬مرحلة‬
‫الشباب"‪ ..‬حيث يكون قادرا على الفهم‪ ..‬متهيئا ومستعدا لمناقشة المور‪ ..‬فكتبنا للشاب هذا‬
‫الكتاب‪ ،‬لنساعده على التخلص من شوائب الطفولة‪ ..‬وعلى الخروج من " أزمات الشباب"‪..‬‬
‫آملين في أن يكون هذا الكتاب بإذن ال عز وجل‪ ،‬مرشدا للشباب في حياتهم‪ ،‬ودليل لهم الى الحق‬
‫والصواب‪ ،‬وأن يكونوا من أولئك الشباب الناشئين في عبادة ال تعالى وعلى طاعته‪ ،‬الذين يظلهم‬
‫ال في ظله يوم القيامة‪ ،‬يوم ل ظل إل ظله‪ ..‬الحديث‪.‬‬
‫إسم الكتاب‬

‫أزمات؟‬

‫مشاكل؟‬
‫مشكلت؟‬

‫استقر الرأي أخيرا‪ ،‬على تسمية هذا الكتاب بـ "أزمات الشباب"‪ ،‬بعد أن تردد في الخاطر‬
‫تسميته بـ " مشاكل الشباب"‪ ،‬وذلك لن البعض يعتبر كلمة‪ ":‬مشاكل" خطأ لغويا‪ ،‬صوابها "‬
‫مشكلت"‪ ،‬ولكي أحسم هذا المر عدت الى قواميس اللغة فوجدت التالي‪:‬‬

‫]" المشكل" هو‪ :‬الداخل في أشكاله‪ ،‬أي‪ :‬أمثاله وأشباهه‪ ،‬جمعه‪ ":‬مشكلت"‪ ،‬وكل مختلط "‬
‫مشكل" و "الشكلة" ‪ :‬الحمرة تختلط بالبياض‪ ،‬وهذا شيء أشكل‪ ،‬ومنه قيل للمر المشتبه‪ :‬مشكل‪،‬‬
‫ي المر‪ :‬إذا اختلط[ )انتهى من القواميس(‪.‬‬
‫وأشكل عل ّ‬

‫أما كلمة " مشاكل"‪ ،‬فلم ترد في أي من القواميس المهات التي رجعت إليها‪ ،‬ولم يذكرها إل‬
‫صاحب "تاج العروس" حيث قال‪ ]:‬وهو يفك المشاكل‪ ،‬أي‪ :‬المور الملتبسة[ ولم يذكر غير ذلك‪.‬‬

‫وهذا المعنى اللغوي‪ ،‬هو الذي استعمله علماء "أصول الفقه"‪ ،‬في باب‪":‬المشكل"‪ ،‬حيث عّرفوه‬
‫بأنه "الداخل في أشكاله" أي‪ :‬الذي أشكل على السامع طريق الوصول الى معناه‪ ،‬لدقة المعنى في‬
‫نفسه ل بعارض‪ ،‬فل يعرف إل بدليل يتمّيز به‪ ،‬وأطلقوا "المشكلة" على الكلمة التي أشكل المعنى‬
‫المراد بها‪ ،‬ومثلوا على ذلك بكلمة‪ " :‬أّنى" في قوله تعالى‪ }:‬فأتوا حرثكم أّنى شئتم{‪ ،‬فكلمة‪:‬‬
‫"أّنى" مشكلة‪ ،‬تجيء تارة بمعنى‪ ":‬من أين"‪ ،‬وتارة بمعنى ‪ ":‬كيف"‪ ،‬فاشتبه ههنا المعنى المراد‪،‬‬
‫ل اللواطة من‬‫فإن كان بمعنى‪ " :‬أين"‪ ،‬يكون المعنى‪ ":‬من أي مكان شئتم" قبل أو ‪ :‬دبرا‪ ،‬فتح ّ‬
‫إمرأته على هذا المعنى‪ ،‬وإن كان بمعنى‪" :‬كيف"‪ ،‬يكون المعنى‪ ":‬بأي كيفية شئتم" قائما أو قاعدا‬
‫ل على تعميم الحوال دون المحال‪ ،‬فإذا تأملنا في لفظ "الحرث" من قوله تعالى‬ ‫أو مضطجعا‪ ،‬فيد ّ‬
‫‪ }:‬فأتوا حرثكم{‪ ،‬علمنا أن كلمة‪ ":‬أّنى" هنا بمعنى‪ ":‬كيف"‪ ،‬لن الدبر ليس موضع الحرث‪ ،‬بل‬
‫هو موضع الفرث‪ ،‬فتكون اللواطة من امرأته حراما‪ ،‬لكن حرمتها ظنّية فل يكفر مستحلها‪ ) .‬عن‬
‫كتب الصول بتصرف(‪.‬‬

‫فيتضح مما تقّدم‪ :‬أن كل من‪ " :‬المشكل"‪ ،‬و"المشكلة" و"المشاكل" و"المشكلت"‪ ،‬هي‬
‫ل على المختلط الملتبس من الشياء‪ ،‬ول تدل على ما نعنيه في هذا الكتاب‪،‬‬ ‫مفردات وجموع‪ ،‬تد ّ‬
‫ن استعمالنا ـ كغيرنا ـ هذه الكلمات بالمعنى‬ ‫وهو النحرافات والمخالفات التي يرتكبها النسان‪ ،‬وإ ّ‬
‫سع في تحميل اللغة معاني ل تحتملها في الصل‪ ،‬ول أرى لهذا‬ ‫المذكور‪ ،‬هو من باب التو ّ‬
‫التحميل مبّررا‪ ،‬فلذلك عدلت عن تسمية الكتاب بأي إسم مشتق من "شكل"‪ ،‬وآثرت أن أسمّيه بـ "‬
‫أزمات الشباب"‪ ،‬وذلك لن من معاني "الزمة" في اللغة ‪ " :‬الشّدة"‪ ،‬يقال‪ :‬تأزم القوم‪ :‬إذا‬
‫أصابتهم أزمة‪ ،‬وتألموا لزمة الزمان‪ ،‬ومعنى "الزمة" الذي هو‪ " :‬الشّدة" عام يدخل فيه‪:‬‬
‫المصائب‪ ،‬والمعاصي‪ ،‬والضللت‪ ..‬إلخ‪ ،‬لن من ارتكب معصية‪ ،‬أو حّلت به بلّية أو مصيبة‪،‬‬
‫فقد وقع من " شدة"‪ ،‬و" الشدائد" كثيرة‪ ..‬وال المستعان‪.‬‬
‫مراحل حياة النسان‬

‫مرحلة‪" :‬الجنانة"‪.‬‬ ‫‪-1‬‬


‫مرحلة‪" :‬الطفولة والصبا"‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫مرحلة‪" :‬الشد" وهي‪ :‬مرحلة الشباب‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫مرحلة‪" :‬الشيخوخة"‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫النهاية‪" :‬الموت"‪.‬‬ ‫‪-5‬‬

‫لقد شاء ال تبارك وتعالى أن يجعل في الرض خليفة‪ ،‬فخلق "آدم" عليه السلم من تراب‪ ،‬ثم‬
‫خلق منه زوجه " حواء" عليها السلم‪ ،‬ومنهما بدأ التناسل البشري‪ ،‬كما قال عز وجل ‪ }:‬يا أيها‬
‫ث منهما رجال كثيرا ونساء‪،‬‬‫الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وب ّ‬
‫واتقوا ال الذي تساءلون به والرحام إن ال كان عليكم رقيبا{‪.‬‬

‫وقد بّين ال تبارك وتعالى في كتابه العزيز‪ :‬أنه خلق النسان على أطوار ومراحل‪ ،‬متتابعة‬
‫متلحقة متكاملة‪ ،‬كما قال عز وجل مخاطبا الكافرين خطاب توبيخ‪ }:‬ما لكم ل ترجون ل وقارا*‬
‫وقد خلقكم أطوارا{‪ ،‬والمراد بالطوار‪ :‬مراحل خلق النسان في رحم أمه‪ ،‬ومراحل نشأته‬
‫وحياته‪ ،‬وكذلك مراحل خلق أبي البشرية "آدم" عليه السلم‪.‬‬

‫فال عز وجل خلق "آدم"‪ :‬من "تراب"‪ ،‬ثم من "طين"‪ ،‬ثم من "حمإ مسنون" أي‪ :‬طين لزج‬
‫خار‪ ،‬ثم‬‫متغّير الرائحة‪ ،‬ثم من طين يابس‪ ،‬هو "الصلصال"‪ ،‬يسمع منه صوت إذا نقر عليه كالف ّ‬
‫نفخ فيه الروح‪ ،‬فصار إنسانا حّيا‪ ،‬عاقلن ناطقا‪ ،‬مستوي القامة‪ ،‬جميل الهيئة‪ ،‬كامل الخلقة‪ ،‬ثم‬
‫عّلمه ال تعالى السماء كلها‪ .‬وبعد ذلك خلق تعالى من "آدم" زوجه "حواء"‪ ،‬ليسكن إليها‪،‬‬
‫وليكون منهما تناسل البشرية بطريق الزواج‪.‬‬

‫فبدأ التناسل البشري‪ ،‬مع أول ولد من أولد "آدم"‪ ،‬عن طريق الحمل والولدة‪ ،‬في أطوار‬
‫ل على عظمة ال تعالى‪ ،‬الذي خلق النسان وسائر الكوان‪ ،‬كما قال عز وجل‪:‬‬ ‫ومراحل‪ ،‬تد ّ‬
‫} ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم* الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق النسان من‬
‫طين* ثم جعل نسله من سللة من ماء مهين{‪.‬‬

‫***‬

‫مرحلة الجنانة‬ ‫‪-1‬‬

‫ذكر ال عز وجل هذه المرحلة بالجمال والتفصيل‪ ،‬في كتابه العزيز‪ ،‬فقال تعالى‪ }:‬هو أعلم‬
‫صل ال عز وجل مراحل نمو‬ ‫بكم إذ أنشاكم من الرض وإذ أنتم أجّنة في بطون أمهاتكم{‪ ،‬ثم ف ّ‬
‫"الجنين" في بطن أمه‪ ،‬مرحلة مرحلة‪ ،‬وطورا طورا‪ ،‬وذلك في عدد كبير من اليات القرآنية‪،‬‬
‫منها قوله تعالى في سورة "المؤمنون" ‪ }:‬ولقد خلقنا النسان من سللة من طين* ثم جعلناه نطفة‬
‫في قرار مكين* ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام‬
‫لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك ال أحسن الخالقين{‪.‬‬

‫وكذلك السّنة النبوية الشريفة‪ ،‬فقد جاء فيها‪ ،‬عن رسولنا المين محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫أحاديث كثيرة‪ ،‬في أطوار نمو الجنين البشري‪ ،‬ومتى ينفخ فيه الروح‪ ،‬ومن أجمعها‪ :‬ما رواه‬
‫الشيخان‪ ،‬عن عبدال بن مسعود‪ ،‬رضي ال عنه قال‪ :‬حّدثنا رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو‬
‫الصادق المصدوق‪ ":‬إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة‪ ،‬ثم يكون علقة مثل‬
‫ذلك‪ ،‬ثم يكون مضغة مثل ذلك‪ ،‬ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح‪ ،‬ويؤمر بأربع كلمات‪ :‬بكتب‪:‬‬
‫ي أو سعيد‪ "..‬الحديث‪.‬‬‫رزقه‪ ،‬وأجله‪ ،‬وعمله‪ ،‬وشق ّ‬

‫مرحلة "الطفولة والصبا"‬ ‫‪-2‬‬

‫مرحلة " الصبا" هي فترة "الطفولة"‪ ،‬فالمولود يسمى "طفل"‪ ،‬و"صبيا" أو "صبية"‪ ،‬منذ‬
‫الولدة حتى البلوغ‪ ،‬لقوله تعالى‪ }:‬وإذا بلغ الطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من‬
‫قبلهم{‪.‬‬

‫وهذه المرحلة ل تكليف فيها على النسان‪ ،‬لما جاء في الحديث الشريف‪ ،‬الذي رواه أحمد وأبو‬
‫داود وغيرهما من طرق‪ ،‬عن عمر بن الخطاب وعلي ابن أبي طالب وعائشة‪ ،‬رضي ال عنهم‪،‬‬
‫مرفوعا الى النبي صلى ال عليه وسلم‪ ":‬رفع القلم عن ثلثة‪ :‬عن المجنون المغلوب على عقله‬
‫حتى يبرأ‪ ،‬وعن النائم حتى يستيقظ‪ ،‬وعن الصبي حتى يحتلم"‪ ،‬أي‪ :‬ل يعاقب الصبي على‬
‫ارتكابه محرما‪ ،‬ول تدّون عليه سيئة‪ ،‬حتى يبلغ فيصير مكلفا‪.‬‬

‫ي والصبية‪ ،‬إذا فعل ما يخالف الشرع‬


‫ولكن‪ :‬من واجبات الوالدين والمربين‪ ،‬ان يؤّدبوا الصب ّ‬
‫وآدابه‪ ،‬ويزجروهما عن فعل القبيح‪ ،‬ويعّودوهما على الطاعات والواجبات‪ ،‬وترك المنهيات‪،‬‬
‫طبقا لما أمر به النبي صلى ال عليه وسلم في الحديث الشريف‪ ،‬الذي رواه أبو داود والترمذي‪،‬‬
‫ولفظه لبي داود‪ ":‬مروا أولدكم بالصلة وهم أبناء سبع سنين‪ ،‬واضربوهم عليها وهم أبناء‬
‫عشر‪ ،‬وفّرقوا بينهم في المضاجع"‪ ،‬والمراد‪ :‬الضرب باليد ضربا غير مبّرح ول مؤذ‪.‬‬

‫ومما ل شك فيه‪ :‬أن هذه المرحلة هي مرحلة التأسيس‪ ،‬والتأثير والغرس‪ ،‬في شخصية الولد‪،‬‬
‫في جميع المجالت‪ ،‬والسلم قد أمر أولي المر عن الصغار‪ ،‬بإحسان توجيههم وتربيتهم‬
‫وتعليمهم‪ ،‬فقام المسلمون بالمهمة خير قيام‪ ،‬حتى صار "المسلم" مثل يحتذى به في الخلق‬
‫والمعاملة‪ ،‬واعتنوا بالعلم وبتلقين الصغار العلوم على أنواعها‪ ،‬في سن مبّكرة‪ ،‬حيث درج‬
‫الكثيرون على تحفيظ الولد القرآن الكريم من سن الخامسة‪ ،‬فل يصل الولد الى العاشرة من‬
‫عمره‪ ،‬حتى يكون قد حفظ القرآن عن ظهر قلب‪ ،‬وقد كان هذا سابقا‪ ،‬ول يزال حتى الن في بلد‬
‫المسلمين‪ ،‬وإن كان على نطاق غير واسع‪ ،‬فنبع في المسلمين جهابذة العلماء‪ ،‬في مختلف الفنون‪.‬‬

‫***‬

‫مرحلة " الشد"‬ ‫‪-3‬‬

‫جاء ذكر هذه المرحلة في مواضع من القرآن العظيم‪ ،‬منها قوله عز وجل في سورة‬
‫ب أوزعني أن‬ ‫"الحقاف"‪ ،‬عن النسان الباّر بوالديه‪ }:‬حتى إذا بلغ أشّده وبلغ أربعين سنة قال ر ّ‬
‫ي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي من ذرّيتي إني‬ ‫ي وعلى والد ّ‬‫أشكر نعمتك التي أنعمت عل ّ‬
‫تبت إليك وإني من المسلمين{‪ ،‬وقوله تعالى‪ }:‬ول تقربوا مال اليتيم إل بالتي هي أحسن حتى يبلغ‬
‫أشّده{‪.‬‬

‫و" الشد" في اللغة‪" :‬القوة‪ ،‬ومبلغ الرجل الحنكة والمعرفة"‪ ،‬وقال الزهري‪ " :‬الشد" في‬
‫كتاب ال على ثلثة معان يقرب إختلفها‪:‬‬
‫فأّما قوله تعالى في قصة "يوسف" عليه السلم‪ }:‬ولما بلغ أشّده آتيناه حكما‬ ‫‪-1‬‬
‫وعلما{‪ ،‬فمعناه‪ :‬الدراك والبلوغ‪ ،‬وحينئذ راودته امرأة العزيز عن نفسه‪ ،‬وكذلك قوله‬
‫تعالى‪ }:‬ول تقربوا مال اليتيم إل بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشّده{‪.‬‬

‫وأما قوله تعالى في قصة موسى عليه السلم‪ }:‬ولما بلغ أشّده واستوى آتيناه‬ ‫‪-2‬‬
‫حكما وعلما{‪ ،‬فإنه قرن بلوغ " الشد" بالستواء‪ ،‬وهو‪ :‬أن يجتمع أمره وقّوته‪ ،‬ويكتهل‬
‫وينتهي شبابه‪.‬‬

‫وأما قوله تعالى في سورة " الحقاف"‪ }:‬حتى إذا بلغ أشّده وبلغ أربعين سنة{‪،‬‬ ‫‪-3‬‬
‫فهو أقصى نهاية بلوغ الشد وعند تمامها بعث ال تعالى محمدا صلى ال عليه وسلم نبيا‪،‬‬
‫وقد اجتمعت حنكته وتمام عقله )انتهى قول الزهري(‪.‬‬

‫أما مبدأ هذه المرحلة ونهايتها‪ ،‬ففي ذلك أقوال‪ ،‬أهّمها‪ :‬أن " الشد" يبدأ ببلوغ النسان رشيدا‪،‬‬
‫ن الرشد بثماني‬
‫و"الرشد" هو‪ :‬أن يبلغ عاقل مأمونا على نفسه‪ ،‬حسن التصّرف‪ ،‬وحّدد بعضهم س ّ‬
‫صحاح"‪ " :‬الشد" ما بين ثماني‬‫عشرة سنة‪ ،‬وبعضهم بسبعة عشر سنة‪ ،‬وقال الجوهري في "ال ّ‬
‫عشرة الى ثلثين سنة‪.‬‬

‫وخلصة القول الذي يهمنا هنا‪ :‬أن مرحلة "الشد" هي‪ :‬مرحلة النضج والعقل وحسن‬
‫التصّرف‪ ،‬وهي "مرحلة الشباب" التي هي موضوع هذا الكتاب‪.‬‬

‫***‬

‫مرحلة " الشيخوخة"‬ ‫‪-4‬‬

‫"الشيخوخة" هي المرحلة الخيرة من مراحل حياة النسان‪ ،‬وقد إختلف العلماء في تحديد‬
‫ن الخمسين‪ ،‬وبعضهم قال غير ذلك‪ ،‬ولكن‪ :‬ل خلف على أنها‬ ‫أولها‪ ،‬فاعتبرها بعضهم من س ّ‬
‫آخر المراحل‪ ،‬وأن أحوال النسان فيها متفاوتة‪ ،‬فآخرها عجز‪ ،‬وهرم‪ ،‬وضعف‪ ،‬وخرف‪ ،‬كما‬
‫وصفها ال عز وجل بقوله‪ }:‬ونقّر في الرحام ما نشاء الى أجل مسّمى ثم نخرجكم طفل‪ ،‬ثم‬
‫لتبلغوا أشّدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرّد الى أرذل العمر لكيل يعلم من بعد علم شيئا{‪.‬‬

‫***‬

‫النهاية‪" :‬الموت"‬ ‫‪-5‬‬

‫"الموت" هو نهاية كل نفس‪ ،‬كما قال عز وجل‪} ،‬كل نفس ذائقة الموت{‪ ،‬وقال كعب بن زهير‬
‫في قصيدته "بانت سعاد"‪:‬‬
‫يوما على آلة حدباء منقول‬ ‫كل ابن أنثى وإن طالت سلمته‬

‫ونحن لم نختم مراحل حياة النسان بذكر هذه النهاية‪ ،‬إل لنذّكر أنفسنا والمسلمين جميعا بهذه‬
‫ن ما بعدها خطير وخطير‪ ،‬فهناك‪ :‬إما جّنة‬ ‫النهاية‪ ،‬وبوجوب الستعداد لها‪ ،‬والعمل لما بعدها‪ ،‬فإ ّ‬
‫أبدا‪ ..‬وإما نار أبدا‪ ..‬هناك‪ :‬ل تزر وازرة وزر أخرى‪ ،‬ول تحاسب نفس إل عنها‪ } ،‬ول يسأل‬
‫حميم حميما{‪ } ،‬يوم يفّر المرء من أخيه* وأمه وأبيه* وصاحبته وبنيه* لكل امرئ منهم يومئذ‬
‫شأن يغنيه{‪.‬‬
‫من هو النسان؟‬

‫جانب "الحيوانية" في النسان‪.‬‬ ‫‪-1‬‬


‫جانب "العقل" في النسان‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫الرابط ما بين الجانبين‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫الغرائز والشهوات‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫المادة والروح‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫الغيب والشهادة‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫"التفكير" هو‪ :‬عمل العقل‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫العقل والهوى‪.‬‬ ‫‪-8‬‬

‫من هو النسان؟‬

‫النسان مخلوق مميز‪ ،‬أكرمه ال تعالى بالعقل‪ ،‬وشّرفه بأصله "آدم " عليه السلم‪ ،‬الذي‬
‫خر له الشياء‪ ،‬ليعيش على‬ ‫خلقه من سللة من طين‪ ..‬ثم خلق ذريته من ماء مهين‪ ،‬وس ّ‬
‫خر‬
‫خر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وس ّ‬ ‫الرض ويستعمرها‪ ،‬كما قال عز وجل‪ }:‬وس ّ‬
‫خر لكم الليل والنهار* وآتاكم من كل‬
‫خر لكم الشمس والقمر دائبين وس ّ‬
‫لكم الليل والنهار* وس ّ‬
‫ما سألتموه وإن تعّدوا نعمة ال ل تحصوها إن النسان لظلوم كّفار{‪ .‬فكان من بني آدم‪:‬‬
‫مؤمن وكافر‪ .‬وصالح وفاجر‪ ..‬وظالم وعادل‪ ..‬وشينال كل إنسان جزاء ما كسبت يداه‪ :‬إن‬
‫خيرا فخير‪ ،‬وإن شّرا فشر‪.‬‬

‫إن قصدنا من هذا السؤال‪":‬من هو النسان؟" ليس الكلم في خصائص النسان‪ ،‬ومراحل‬
‫تكوينه‪ ،‬بل مرادنا أن نتوقف عند التعريف المنطقي لـ "النسان"‪ ،‬لنه تعريف يشرح‬
‫الشخصية النسانية ويفرز خصائصها‪ ،‬ويحّدد حقيقة كل جانب من جوانبها‪ ،‬فيسهل بالتالي‬
‫معرفة مستويات الناس المختلفة المتفاوتة‪ ،‬ويسهل أيضا معرفة أسباب فلح المفلحين‪،‬‬
‫وخسران الخاسرين‪ ،‬وهذا هو هدفنا من هذا الكتاب‪.‬‬

‫فأزمات الشباب ليست سوى نتيجة لفشل‪ ،‬أو‪ :‬تقصير‪ ،‬أو‪ :‬تغرير يقع فيه الشباب‪ ،‬أو بعبارة‬
‫أخرى‪ :‬فإن الزمات نتيجة سوء تصّرف يصدر عن النسان‪ ،‬بحقّ نفسه‪ ،‬أو بحق الخرين‪..‬‬

‫لقد عرف علماء المنطق "النسان" بأنه‪ ":‬حيوان ناطق"‪ ،‬وذلك للدللة على "المفرد" من‬
‫الناس‪ ،‬وتمييزه عن غيره من الحيوان‪ ،‬المشارك له في جزء من التعريف‪ ،‬كما سنرى لحقا‬
‫وإليك بيان ذلك‪.‬‬

‫جانب الحيوانية في النسان‬ ‫‪-1‬‬

‫"الحيوان"‪ :‬صيغة‪ ،‬مثل‪" :‬الغليان"‪ ،‬و"الميدان"‪ ،‬وهي تعني الحركة الحّية كقوله تعالى في‬
‫وصف الخرة‪ }:‬وإن الدار الخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون{‪ ،‬أي‪ :‬لهي الحياة الكاملة‬
‫ي‪ ،‬إل إذا دّبت فيه "الروح"‪ ،‬فالروح‬
‫السالمة من المنّغصات‪ ،‬ول تكون الحيوانية في الكائن الح ّ‬
‫ي‪ ،‬ومن هنا ندرك‪ :‬أن الذين يصّنفون "الروح"‬ ‫جزء ل غنى عنه في هذا الجانب‪ ،‬من كل كائن ح ّ‬
‫في الجانب الخر للنسان‪ ،‬فيقولون‪" :‬النسان‪ :‬مادة وروح"‪ ،‬ويعنون بالمادة‪ :‬الجسد‪ ،‬وبالروح‪:‬‬
‫العقل والفكر‪ ،‬وما يتعلق بهما‪ ،‬هم مخطئون في هذا التصنيف‪ ،‬لن المادة ل تعتبر شيئا مهما من‬
‫دون "الروح"‪ ،‬فأجرام جسد النسان وغير من الحياء‪ ،‬وخلياه كلها‪ ،‬ل تشّكل من دون الروح‬
‫جانبا يذكر‪ ،‬لذلك ل يصح التصنيف المتبع للجسم البشري والشخص النساني‪ ،‬بأنه‪ ":‬مادة‬
‫وروح"‪ ،‬بل الصحيح أن يقال‪ ":‬إنه حيوان وعقل" كما سنبّين لحقا في كلمنا عن "المادة‬
‫والروح" في البند الخامس‪.‬‬

‫إن جانب "الحيوانية" في النسان‪ ،‬يشمل جميع الشهوات والميولت والرغبات‪ ،‬التي خلقها ال‬
‫تعالى فيه‪ ،‬ومن أهمها وأخطرها‪ :‬شهوتا "البطن" و "الفرج"‪ ،‬وما يتعلق بهما‪ ،‬فشهوة"البطن"‬
‫تتعلق بالمأكل والمشرب‪ ،‬وبالسعي الى كسب ما يمّكن النسان منهما من وسائل وأسباب‪ ،‬وشهوة‬
‫"الفرج" تتعلق بالزواج‪ ،‬وما يترّتب عليه من إنجاب الذرّية‪ ،‬والنسان مأمور بسلوك السبل‬
‫المشروعة‪ ،‬وهو يسعى للحصول على هذه الشهوات‪ ،‬ول يجوز له أن يسلك المسالك المحرمة‬
‫لتحقيق رغبة من رغائبه‪ ،‬وإن فعل فهو آثم‪ ،‬تماما مثلما يؤجر ويثاب على سلوك السبل الشرعية‪،‬‬
‫وقد أشار النبي صلى ال عليه وسلم الى هذا المعنى فيما روه البخاري عن سهل بن سعد‬
‫الساعدي‪ ،‬رضي ال عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬من يضمن لي ما بين‬
‫لحييه‪ ،‬وما بين رجليه‪ ،‬أضمن له الجنة" أي‪ :‬اللسان والفرج‪ .‬وليس هذا غريبا‪ ،‬فإن المتأمل‬
‫يدرك‪ :‬أن مآل كل سعي النسان‪ ،‬ينتهي إلى إشباع شهوتي بطنه وفرجه‪.‬‬

‫ي من لحم ودم وعصب‬ ‫إذن‪ :‬فجانب "الحيوانية" في النسان هو عبارة عما يلي‪ :‬جسد ح ّ‬
‫وعظم‪ ،‬يحتاج الى‪ :‬المأكل‪ ،‬والمشرب‪ ،‬والمنكح‪ ،‬والملبس‪ ،‬والمسكن‪ ..‬إلخ‪ .‬وشهواته هذه تجوع‬
‫بعد شبع‪ ،‬وتشبع بعد جوع‪ ،‬وهكذا دواليك‪ ،‬وهو يطلب هذه المطالب الفطرية‪ ،‬ويسعى ويتعب من‬
‫ي آخر‪،‬‬
‫اجل الحصول عليها إشباعا لرغائبه وشهواته‪ ،‬فهو والحالة هذه‪ ،‬يتفق مع أي كائن ح ّ‬
‫شبه في التكوين‪ ،‬فالنسان من هذا الجانب‪" :‬حيوان"‪ ،‬و"الحصان" كذلك "حيوان"‪.‬‬ ‫يشاركه ال ّ‬

‫ولو أن النسان كان بل عقل‪ ،‬لكان بهيمة بهماء‪ ،‬وداّبة عجماء‪ ،‬وهذا الجانب هو نقطة الضعف‬
‫في النسان كما وصفه ال عز وجل بقوله‪ }:‬وخلق النسان ضعيفا{‪ ،‬فهو ضعيف في قوته‬
‫الجسدية‪ ،‬وضعيف في مواجهة الصعوبات والمغريات‪ ،‬وعلى الخص‪ :‬إغراء المال‪،...‬‬
‫والجاه‪ ،...‬والمرأة‪ ،...‬فالنسان في مواجهة هذه الغراءات أضعف ما يكون‪ ،‬لنها شهوات‬
‫ب الشهوات من النساء‬ ‫حلوة‪ ،‬مزّينة‪ ،‬مغرية فاتنة‪ ،‬كما وصفها ال تعالى بقوله‪ }:‬زّين للناس ح ّ‬
‫والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسّومة والنعام والحرث{‪.‬‬

‫لذلك كان على المسلم أن يستعين بال تعالى في مواجهة كل المغريات‪ ،‬وأن يكون حذرا في‬
‫ل قدمه على الصراط‪ ،‬ويقع في‬
‫تعامله وتعاطيه وتصّرفاته مع الناس‪ ،‬لئل يغريه الشيطان‪ ،‬فتز ّ‬
‫الزلل؛ ولكي يتمّكن النسان من الحتفاظ بتوازنه‪ ،‬فقد أكرمه ال عز وجل بالجانب الخر‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫جانب "العقل" الذي اختصه به من بين سائر "الحيوان"‪..‬‬

‫***‬

‫جانب العقل في النسان‬ ‫‪-2‬‬

‫لقد عّبر علماء المنطق عن هذا الجانب بوصف‪":‬ناطق"‪ ،‬فقالوا‪ ":‬النسان حيوان ناطق"‪ ،‬لن‬
‫"النطق" خصوصية إنسانية من بين سائر "الحيوان"‪ ،‬وهي خصوصية ظاهرة محسوسة‪ ..‬ول‬
‫تصدر إل عن كائن عاقل‪ ،‬فكان تعريف النسان بها‪ ،‬أدق من تعريفه بالعقل‪ ،‬لخفاء أمره لول‬
‫النطق‪ ،‬فالنسان لو لم يكن ناطقا‪ ،‬لما أمكن إثبات كونه عاقل‪ ،‬ولو فعل ما فعل من دقائق‬
‫العمال‪ ،‬وغرائب الصناعة والحركات والصوات‪ ،‬فإن لكل الحيوانات الخرى أعمال غريبة‪،‬‬
‫يبلغ بعضها حّد العجز عن إدراك أسراره‪ ،‬كالنحل والنمل‪ ،‬في إتقان بيوتها‪ ،‬وجني رزقها‪ ،‬مما‬
‫ن النسان‬ ‫أدهش العقول‪ ،‬وخّير اللباب‪ ،‬وهي بل شك حيوانات ل عقل عندها ول نطق‪ ،‬فلو أ ّ‬
‫كان مثلها ل يتكلم‪ ،‬لما أمكن معرفة أنه عاقل‪ ،‬لنعدام النطق المعّبر عنه كما ذكرنا‪ ،‬وأما ما جاء‬
‫في القرآن الكريم‪ ،‬من نسبة القول الى "النملة"‪ ،‬وتعليم "سليمان" عليه السلم منطق الطير‪ ،‬في‬
‫قوله تعالى‪ }:‬فلما أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ل يطمّنكم سليمان‬
‫سم من قولها‪ ،{..‬وقوله تعالى عن سليمان عليه السلم‪ }:‬وقال يا‬ ‫وجنوده وهم ل يشعرون* فتب ّ‬
‫أيها الناس علمنا منطق الطير{‪ ،‬فل يعني‪":‬النطق" بعقل‪ ،‬المماثل لنطق النسان‪ ،‬بل هو قول‬
‫ألهمه ال تعالى للحيوان‪ ،‬هو عبارة عن أصوات معّينة علمه ال إياها‪ ،‬تصدر عنه بالغريزة ل‬
‫بالعقل‪ ،‬لذلك ل يخطئ الحيوان في أصواته أبدا‪ ..‬بل هي أصوات يصدرها على نسق معّين‪،‬‬
‫يدركها أبناء جنسه من الحيوان بغرائزهم‪ ،‬أما النسان فليس أمره كذلك‪ ،‬بل إنه يفّكر قبل أن‬
‫ينطق‪ ،‬ويتكلم بالصدق وبالكذب‪ ،‬وبالخطأ وبالصواب‪ ،‬وبالحق والباطل‪ ،‬ويتصّرف بلسانه ولغته‬
‫كما يشاء‪ ..‬لنه عاقل‪ ..‬والدليل على كونه عاقل‪ :‬أنه " ناطق"‪.‬‬

‫***‬

‫الربط ما بين الجانبين‬ ‫‪-3‬‬

‫إن تقسيم شخصية النسان على نحو ما تقّدم‪ ،‬ل يعدو أن يكون تقسيما نظرّيا‪ ،‬أما من حيث‬
‫الواقع‪ ،‬فالنسان ل يكون إنسانا إل بجانبيه‪ :‬الحيواني ـ الجسدي ـ والعقلي‪ ،‬مع التأكيد على تقّدم‬
‫الجانب العقلي في النسان على الجانب الحيواني‪ ،‬في الفضل والمرتبة‪ ،‬وعلى أن "العقل" هو‬
‫الذي يعطي " النسان" المعنى الصحيح لنسانيته‪.‬‬

‫والسلم بتكاليفه وأحكامه‪ ،‬خاطب " النسان"‪ ..‬كل النسان‪ ..‬من دون فصل أو تقسيم‪ ..‬معتبرا‬
‫ي متحّرك كسائر‬ ‫إياه شيئا واحدا‪ ،‬فلم يخاطب فيه جانبا دون الخر ولم يعامله على أنه جسم ح ّ‬
‫جه إليه الخطاب بالتكليف‪ ،‬باعتباره إنسان‬
‫الحيوان‪ ..‬ول على أنه لطيف مجرد كالملئكة‪ ..‬بل و ّ‬
‫متكامل‪ ،‬وخاطبه بالترغيب والترهيب‪ ،‬اختبارا لحّواسه ومواهبه وعقله‪ ،‬وأخبره بأنه إن أحسن‬
‫سه‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن‬ ‫ل حوا ّ‬
‫فلنفسه‪ ،‬وإن أساء فعليها‪ ،‬وبأن المؤمن سيدخل الجّنة بجسده وعقله وروحه‪ ،‬وك ّ‬
‫الكافر سيدخل النار كذلك‪.‬‬

‫ب على وجه الرض‪ ،‬لنهم كفروا‪ ،‬وجّردوا أنفسهم‬ ‫وقد وّبخ ال تعالى الكافرين‪ ،‬بأنهم شّر من د ّ‬
‫ب عند ال الذين كفروا فهم ل يؤمنون{‪.‬‬
‫ن شّر الدوا ّ‬
‫من نعمة النتفاع بالعقل‪ ،‬فقال عز وجل‪ }:‬إ ّ‬

‫سهم التي هي‬ ‫كما بّين سبحانه وتعالى‪ :‬أن سبب وقوع أهل النار في الضلل‪ ،‬هو تعطيلهم لحوا ّ‬
‫روافد العقل‪ ،‬حتى صاروا وكأنهم ل أسماع لهم‪ ،‬ول أبصار ول قلوب‪ ،‬بل صاروا أجسادا حّية‬
‫متحّركة‪ ،‬كالنعام‪ ،‬فاستمع أيها المؤمن الى ما قاله ال تعالى في هذا المعنى‪ ،‬وتأّمل واعتبر‪..‬‬
‫ن والنس لهم‬‫وقل‪ :‬الحمد ل على نعمة اليمان‪ ..‬قال تعالى‪ }:‬ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الج ّ‬
‫قلوب ل يفقهون بها ولهم أعين ل يبصرون بها ولهم آذان ل يسمعون بها أولئك كالنعام بل هم‬
‫ل وعل‪ }:‬أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم‬ ‫ل أولئك هم الغافلون{‪ ،‬وقال ج ّ‬‫أض ّ‬
‫ل سبيل{‪ ،‬ويقول سبحانه مخاطبا رسوله المين محمدا صلى ال عليه وسلم‪،‬‬ ‫كالنعام بل هم أض ّ‬
‫مبّينا حال الكافرين الغافلين‪ ،‬الذين يستمعون إليه‪ ،‬ول يسمعون‪ ،‬وينظرون إليه ول يبصرون‪:‬‬
‫} ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصّم ولو كانوا ل يعقلون* ومنهم من ينظر إليك أفأنت‬
‫ن الناس أنفسهم يظلمون{‪.‬‬ ‫تهدي العمي ولو كانوا ل يبصرون* إن ال ل يظلم الناس شيئا ولك ّ‬

‫***‬
‫الغرائز والشهوات‬ ‫‪-4‬‬

‫شاع على ألسنة كثير من المتعلمين‪ ،‬وفي كتاباتهم‪ ،‬إطلق "الغريزة" على "الشهوة" في‬
‫النسان‪ ،‬وهذا خطأ فادح‪ ،‬بل إن من هؤلء من أطلق على " الفطرة السليمة" المعروفة بـ‬
‫"التدّين" وصف " الغريزة"‪ ،‬فسّموها ‪ ":‬غريزة التدّين"‪ ،‬ووجه الخطأ في ذلك‪ ،‬واضح في‬
‫المعنى اللغوي لكل واحدة من هاتين الكلمتين؛ فمن العودة الى قواميس اللغة العربية يتبّين ما يلي‪:‬‬

‫]" الغريزة"‪ :‬الطبيعة‪ ،‬وجمعها‪ " :‬غرائز"‪ ،‬و"الشهوة" هي‪ :‬إشتياق النفس إلى الشيء‪ ،‬وجمعها‬
‫"الشهوات"‪ ،‬وهي السم من فعل‪ ":‬شهي الشيء‪ ،‬واشتهاه"‪ ،‬إذا أحّبه ورغب فيه[‪.‬‬

‫ب له‪ ،‬ورغبة فيه‪ ،‬وذلك ل‬ ‫فواضح من تعريف "الشهوة" هذا‪ ،‬أنها اشتياق الى الشيء‪ ،‬وح ّ‬
‫يكون إل من عاقل‪ ،‬أي‪ :‬إنسان‪ ،‬بخلف "الغريزة"‪ ،‬فهي طبيعة في البهائم‪ ،‬أي‪ :‬جبلة جبلوا‬
‫جهها‪.‬‬
‫عليها‪ ،‬ل عقل يحّركها‪ ،‬ول إدراك يو ّ‬

‫فالبهائم ل تشتهي‪ ..‬وليس فيها "شهوة"‪ ..‬لنعدام العقل‪ ،‬فهي ل تستعرض اللذائذ والطايب كما‬
‫ست بوجود مأكلها‬ ‫يفعل النسان‪ ،‬فتثور لديها الرغبة فيها والميل إليها‪ ،‬بل هي ل تتحّرك إل إذا أح ّ‬
‫ض وتقبل‪ ،‬من دون ترّو ول تمّهل‪ ،‬وعلى سبيل المثال‪ ،‬فإن‬ ‫أو مشربها أ‪ ,‬نزوها‪ ،‬فعند ذلك تنق ّ‬
‫الفحل من البهائم‪ ،‬ينزو على النثى نزوا بل روّية‪ ،‬فيقال‪ ":‬نزا الفحل"‪ ،‬ول يقال ذلك في النسان‬
‫إذا جامع زوجته‪ ،‬لن "المجامعة" بين البشر‪ ،‬هي غير "الضراب" بين البهائم‪.‬‬

‫وبالعودة الى آيات القرآن العظيم‪ ،‬نجد إستعمال "الشهوة"‪ ،‬وسائر إشتقاقات هذه الكلمة‪ ،‬في‬
‫الكلم عن النسان فقط‪ ،‬ولم يرد ذكر "الغريزة" ول مرة واحدة في القرآن الكريم‪ ،‬لنه خطاب‬
‫للبشر‪ ،‬بل جاء تشبيه الكافرين بالدواب والنعام‪ ،‬كما ذكرنا في العنوان السابق‪.‬‬

‫أما النسان فقد خلق ال تعالى فيه "الشهوة"‪ ،‬وخلق له "الشهوات"‪ ،‬قال تعالى‪ }:‬زّين للناس‬
‫ب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسّومة والنعام‬
‫ح ّ‬
‫والحرث{‪ ،‬فهذه كلها "شهوات"‪ ،‬وقال تعالى عن قول لوط عليه السلم لقومه‪ }:‬إنكم لتأتون‬
‫الرجال شهوة من دون النساء{‪ ،‬فسّمى تلك الفاحشة‪ ":‬شهوة" ولم يقل‪":‬غريزة"‪ .‬وحّذر ال تعالى‬
‫الذين يّتبعون "الشهوات" من سوء العاقبة‪ ،‬فقال تعالى‪ }:‬فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلة‬
‫واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غّيا{‪.‬‬
‫وكذلك في الخرة حيث ينال المؤمنون في الجنة ما يشتهون‪ ،‬كما قال تعالى‪ }:‬وفيها تشتهيه‬
‫النفس وتلّذ العين{‪.‬‬

‫خص القول‪ :‬أن "الشهوة"‪ ،‬من خصائص النسان‪ ،‬وهي قد تكون مباحة‪ ،‬وقد تكون محّرمة‬ ‫ومل ّ‬
‫يأثم بها فاعلها‪ ،‬ومن "الشهوات" ما يؤجر عليها المرء‪ ،‬كشهوة الجماع بالزواج‪ ،،‬وتحّري‬
‫الكسب الحلل‪ ،‬وقد جاء ذلك في الحديث الشريف‪ ،‬فيما رواه المام مسلم من حديث أبي ذر‬
‫الغفاري‪ ،‬رضي ال عنه‪ ،‬وفيه قوله صلى ال عليه وسلم‪ ":‬وفي بضع أحدكم صدقة" أي‪ :‬في‬
‫جماعه زوجته‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر‍؟ قال‪ ":‬أرأيتم لو‬
‫وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلل‪ ،‬كان له أجر"‪.‬‬

‫أما "الغريزة" فهي من البهائم خاصة‪ ،‬فل تطلق "الغريزة" على شيء من خصائص النسان‪،‬‬
‫ب البقاء"‪ ،‬ول "غريزة التدّين"‪ ،‬بل هما فطرتان‪ ،‬فطر ال عليهما النسان‪،‬‬ ‫فل يقال‪ ":‬غريزة ح ّ‬
‫ب الحياة بالفطرة العاقلة التي فطره ال عليها‪ ،‬ل بالغريزة العجماء العمياء البهماء‪،‬‬
‫فهو يح ّ‬
‫شآه على خلف الفطرة‪ ،‬قال ال‬ ‫والنسان مّيال بفطرته الى اليمان‪ ،‬إل إذا انحرف به والداه فن ّ‬
‫تعالى‪ }:‬فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة ال التي فطر الناس عليها ل تبديل لخلق ال ذلك الدين القّيم‬
‫ن أكثر الناس ل يعلمون{‪ ،‬ومعنى قوله تعالى‪ }:‬ل تبديل لخلق ال{ أي‪ :‬ل تبدلوا خلق ال‬ ‫ولك ّ‬
‫تعالى‪ ،‬ول تغّيروا في المولود فطرته التي فطره ال عليها‪ ،‬لن كثيرا من الوالدين‪ ،‬يغّيران هذه‬
‫صه في‬‫الفطرة‪ ،‬ويبّدلنها‪ ،‬بعقائد الكفر والضللن كما جاء في الحديث الشريف الذي تقّدم ن ّ‬
‫المقدمة‪.‬‬

‫ب الحياة والبقاء"‪ ..‬إلخ‪.‬‬


‫فهي إذن‪" :‬الفطرة‪ "..‬ل "الغريزة"‪ ،‬فيقال‪" :‬فطرة التدّين" و"فطرة ح ّ‬

‫***‬

‫المادة والروح‬ ‫‪-5‬‬

‫درج الكثيرون على تعريف "النسان" بأنه‪" :‬مادة وروح"‪ ،‬من دون تحديد لمرادهم بكل منهما‪،‬‬
‫حتى شاع هذا التقسيم‪ ،‬وصار متداول مألوفا‪ ،‬ولقد كنت ممن يذكر ذلك بالتقليد للخرين‪ ،‬ولكن‪:‬‬
‫عندما فّكرت في " النسان"‪ ،‬وما أودعه ال فيه من آيات‪ ،‬أدركت كم نحن بحاجة الى إعادة‬
‫نظر‪ ،‬في كثير من المصطلحات والكلمات لتي نستعملها‪،‬ومنها كلمتا‪":‬المادة والروح"‪.‬‬

‫إن لكل من ‪":‬المادة" و"الروح"‪ ،‬إستعمالت ومعاني متعددة‪ ،‬فللمادة في المفهوم "الماركسي"‬
‫الشيوعي مفهوم خاص ملخصه‪ ] :‬أن النسان والكون‪" ،‬مادة" تتطور بنفسها ذاتيا‪ ،‬من دون‬
‫ن تطّور المادة هذا‪ ،‬هو الذي انبثق عنه وجود الكائنات‪.[..‬‬
‫خالق‪ ،‬وأ ّ‬

‫فالمادة في المفهوم الماركسي‪ ،‬ليست جانبا من شخصية النسان‪ ،‬بل هي أساس وجوده‪ ،‬ول‬
‫يخفى‪ :‬أن "الشيوعية" تنكر وجود ال الخالق عز وجل‪ ،‬لنها عقيدة إلحاد وكفر‪.‬‬

‫وهناك مذهب أو مفهوم آخر للمادة‪ ،‬فحواه‪ :‬أن "المادة" في النسان عبارة عن "الجسد"‪ ،‬يقابله‬
‫جانب "الروح"‪ ،‬فهؤلء يرون‪ :‬أن جسد النسان هو "المادة"‪.‬‬

‫وهناك من يرى "المادة" معّبرة عن الجانب الدنيوي في النسان‪ ،‬أي‪" :‬الجسد" وشهواته‬
‫سموا النسان‬
‫ي فيه‪ ،‬فق ّ‬
‫ورغائبه‪ ،‬ويرى بالمقابل‪ :‬أن "الروح" تعّبر عن الجانب المعنوي العقل ّ‬
‫على هذا الساس‪ ،‬فقالوا‪ " :‬النسان مادة وروح"‪.‬‬

‫وأيضا ل ينبغي أن نغفل التعريف "الكنسي" لللنسان‪ ،‬فإن له تأثيرا كبيرا على المفاهيم التي‬
‫ي" يتكّون من ثلثة عناصر هي ‪":‬الروح والنفس‬ ‫أشرنا إليها‪ ،‬فالنسان في المفهوم "الكنس ّ‬
‫والجسد"‪ ،‬ومستند النصارى في هذا التعريف لللنسان هو قول "بولس" بهذا المعنى الوارد في‬
‫رسالته الولى الى "أهل تسالونيقي"‪ ،‬فـ "الجسد" عنده‪ ،‬هو‪ :‬الجزء المادي في تكوين النسان‪،‬‬
‫و"النفس" هي‪ :‬عنصر الحياة الحيوانية‪ ،‬وفيها يشترك النسان مع الحيوان وعليها يتوقف الفهم‬
‫والحركة والحساس‪ ،‬و"الروح" هي‪ :‬العقل‪.‬‬

‫و"النصارى" أيضا يطلقون "الروح" على "ال"‪ ،‬تعالى عن ذلك علّوا كبيرا‪ ،‬فيقولون‪ ":‬ال‬
‫ي"‪ ،‬ومفهومهم للروح بهذا المعنى‪ ،‬هو الذي ينتسب كهنتهم إليه‪ ،‬فيسّمون‬
‫ي سرمد ّ‬
‫روح أبد ّ‬
‫ي عندهم هو ‪ :‬كل "كاهن" أعطي صفة كهنوتية‪،‬‬ ‫أنفسهم‪":‬رؤساء روحّيين"‪ ،‬فالرئيس الروح ّ‬
‫وبالمقابل‪ ،‬فهم يطلقون على غيرهم وصف‪":‬العلمانيين"‪ ،‬أي‪ :‬غير "الروحّيين اللهوتيين"‪.‬‬
‫سموا شخصية "النسان" إلى"‬
‫بعد هذا الستعراض لمفهوم "المادة والروح"‪ ،‬نرى أن الذين ق ّ‬
‫"مادة" و"روح" مخطئون‪ ،‬وذلك لسباب التالية‪:‬‬

‫أول‪ :‬عدم وضوح المراد حصرا بكل من‪" :‬المادة" و"الروح"‪ ،‬ومعلوم أن التسمية بشيء ل‬
‫ح‪ ،‬إل إذا كانت وافية بالتعريف‪ ،‬مفيدة للمعنى المقصود‪ ،‬فالذين أطلقوا هذين اللفظين على‬
‫تص ّ‬
‫النسان‪ ،‬لم يحّددوا المراد بكل منهما‪ ،‬فل يزول الشكال‪.‬‬

‫ي من دون روح‪ ،‬هو‬ ‫ثانيا‪ :‬إن "المادة" في النسان ل تنفصل عن "الروح"‪ ،‬لن الجسد البشر ّ‬
‫ي عن سائر الجمادات‪ ،‬إنما هو "الحياة" المستقّرة‬
‫جماد كالحجر‪ ،‬ومعلوم أن ما يمّيز الجسم البشر ّ‬
‫فيه‪ ،‬أي‪" :‬الجانب الحيواني" الذي ذكرناه سابقا‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬إن الذين أطلقوا "الروح" على "العقل" مخطئون‪ ،‬لن "الروح" غير "العقل"‪ ،‬فهما‬
‫مخلوقان متغايران‪ ،‬والعقل ل يعمل إل بالروح‪ ،‬فالروح هي المحّرك لكل من "الجسد والعقل"‪،‬‬
‫فكيف تكون "الروح" في جانب‪ ،‬وما تعمل هي فيه في جانب آخر؟‪...‬‬

‫فظهر واضحا‪ :‬أن تقسيم " النسان" الى "مادة وروح"‪ ،‬تقسيم غير صحيح‪ ،‬ول ينطبق على‬
‫الواقع‪ ،‬وأن التفصيل الصحيح لشخصية النسان هو أنه‪" :‬حيوان ناطق"‪ ،‬أي‪ :‬عاقل‪ ،‬كما بّيناه‬
‫سابقا‪ ،‬وإذا أردنا أن نجاري ما شاع في تعريف النسان فنقول‪ :‬النسان مادة وعقل"‪.‬‬

‫***‬

‫الغيب والشهادة‪:‬‬ ‫‪-6‬‬

‫كما أن في النسان جانبين هما‪" :‬جانب الحيوانية" وما فيه من حّواس وأعضاء‪ ،‬و"جانب‬
‫العقل" وما ينتج عنه من فهم وعلم ومعرفة‪ ،‬فإن الموجودات كلها تنقسم أيضا الى قسمين هما‪:‬‬

‫"عالم الغيب"‪ ،‬وهو‪ :‬ما ل يدرك بالحّواس‪ ،‬ويعرف هذا القسم بـ "عالم ما وراء‬ ‫‪-1‬‬
‫المادة"‪.‬‬
‫و"عالم الشهادة" أي‪ :‬عالم المحسوسات الذي تدرك بالحّواس‪ ،‬ول يلزم لدراكها‬ ‫‪-2‬‬
‫"عقل"‪.‬‬

‫ولكي يتمّكن النسان من التعّرف على هذين العالمين‪ ،‬والتصديق بهما‪ ،‬فقد خلقه ال تعالى‬
‫جامعا للحّواس وللعقل معا‪ ،‬ليدرك بحّواسه المحسوسات‪ ،‬ويصّدق بعقله بالغيب ويؤمن به‪.‬‬

‫وقد أشار القرآن العظيم الى هذه المعادلة بوضوح‪ ،‬في قوله عز وجل‪ }:‬ذلك عالم الغيب‬
‫والشهادة العزيز الرحيم* الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق النسان من طين* ثم سّواه ونفخ‬
‫فيه من روحه وجعل لكم السمع والبصار والفئدة قليل ما تشكرون{‪.‬‬

‫فبعد أن ذكر ال تعالى علمه المطلق الشامل بالغيب والشهادة‪ ،‬بّين خلق النسان من أّول أمر‬
‫تكوينه‪ ،‬حتى نفخ الروح فيه‪ ،‬وهذا هو "جانب الحيوانية" في النسان‪ ،‬ثم عّقب بالشارة الى‬
‫الجانب الخر‪ ،‬فذكر أهم الحّواس المساعدة للعقل وهما‪ :‬السمع والبصر‪ ،‬لن العقل يفّكر بما‬
‫يسمع وبما يرى‪ ،‬فيقّدر ويحكم‪ ،‬وهو "الفؤاد" أي‪" :‬القلب" هو مقّر الوعي‪ ،‬ومستقّر اليمان أو‬
‫الكفر‪..‬‬

‫إن العقل " جهاز"‪ ..‬يعمل في المحسوسات عن طريق الحّواس‪ ،‬التي تزّوده بالمعلومات اللزمة‬
‫للحكم‪ ،‬ووجوده في إدراك المحسوسات عينها‪ ،‬ليس لزما‪ ،‬فإن غير العقلء من البشر‪ ،‬وكذلك‬
‫البهائم‪ ،‬تتعّرف على المحسوسات‪ ،‬فتأكل ما ينفعها‪ ،‬وتترك ما يضّرها‪ ،‬وتبتعد عما يؤذيها‪ ،‬من‬
‫دون حاجة الى عقل تمّيز به تلك الشياء‪.‬‬

‫نعم‪ :‬إن "لعقل" يعمل في المحسوسات‪ ،‬أي‪ :‬في المادة باعتبارها من آيات ال تعالى‪،‬‬
‫لستخلص البراهين القاطعة على وجود الخالق ووحدانيته‪ ،‬والتصديق بما جاء على ألسنة‬
‫الرسل عليهم الصلة والسلم من الوحي‪ ،‬ومعلوم أن النسان مكّلف ومأمور بأعمال فكره في‬
‫الموجودات‪ ،‬لمعرفة الموجد الخالق عز وجل معرفة صحيحة‪ ،‬واليات في كتاب ال تعالى في‬
‫ن في خلق السموات والرض واختلف الليل والنهار‬ ‫هذا المعنى كثيرة جدا‪ ،‬كقوله عز وجل‪ }:‬إ ّ‬
‫ل وعل‪ }:‬وهو الذي مّد الرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن‬ ‫ليات لولي اللباب{‪ ،‬وقوله ج ّ‬
‫كل الثمرات جعل فيها زوجين إثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك ليات لقوم يتفّكرون* وفي‬
‫الرض قطع متجاورات وجّنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء‬
‫ضل بعضها على بعض في الكل إن في ذلك ليات لقوم يعقلون{‪.‬‬ ‫واحد‪ ،‬ونف ّ‬

‫أما "عالم الغيب" فل عمل للحّواس منه على الطلق‪ ،‬لن الحّواس غير صالحة لدراك‬
‫المحسوس‪ ،‬ومن طلب معرفة شيء من الغيب بحّواسه‪ ،‬فهو جاهل مغّفل‪ ،‬مثله كمثل من يحاول‬
‫إمساك الهواء أو النور بيده‪ ،‬والمؤسف حقا وجود هذه النوعية في المجتمع‪ ،‬فأحدهم ل يؤمن بال‬
‫تعالى لنه لم يره‪ ..‬وآخر ينكر الخرة لنه لم ير أحدا رجع بعد موته فأخبر بها‪ ..‬وهكذا‪..‬‬

‫ولو سألهم سائل‪ :‬أين عقولكم يا هؤلء؟؟‪ ..‬لسكتوا‪ ..‬وبهتوا‪ ..‬ولكّننا نحن نعرف‪ :‬أين هي‬
‫عقولهم؟‪ ..‬إنها في شهوات بطونهم وفروجهم‪ ،..‬فأحدهم قّزم عقله ومسخه‪ ،‬وجعله في بطنه‬
‫وفرجه‪ ..‬فلذلك هو ل يعقل‪ ..‬ول يفقه‪ ..‬ول يعلم‪ ..‬ول يتذّكر‪ ..‬ول يتفّكر‪ ..‬بل كل هّمه‪" :‬بطنه"‪..‬‬
‫أكل وشرابا‪ ..‬و"فرجه" فحشاء وبغاء‪ ..‬فهل مثل هذا‪ ..‬أهل لن يعرف ال؟‪..‬‬

‫ن الغيب كله محجوب عن حّواس الخلق‪ ،‬ول يعلم أحد من الخلق شيئا من "الغيب"‪ ،‬إل بإعلم‬ ‫إّ‬
‫ال عز وجل وإخباره‪ ،‬وهذا العلم ل يكون إل للرسل عليهم الصلة والسلم‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫} عالم الغبل فل يظهر على غيبه أحد* إل من ارتضى من رسول{‪ .‬ودور "العقل" في هذا‬
‫المجال هو‪ :‬التفكير‪ ..‬ثم‪ :‬الحكم الصحيح‪ ..‬أي‪ :‬اليمان والتصديق‪ ،‬مثل‪ :‬إيماننا بال تعالى‪،‬‬
‫وملئكته وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم الخر‪ ،‬بكل ما فيه من‪ :‬بعث‪ ..‬وحشر‪ ..‬وحساب‪ ...‬وجّنة‪ ..‬ونار‪..‬‬
‫وغير ذلك‪ ،‬والقدر خيره وشّره‪ ،‬فقد آمّنا بذلك وأمثاله‪ ،‬بعقولنا التي وهبنا ال إياها‪ ،‬تصديقا للخبر‬
‫الصادق الذي جاءنا‪ ،‬على لسان رسولنا المين محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫***‬

‫" التفكير" هو‪ :‬عمل العقل‬ ‫‪-7‬‬

‫إن "التفكير" ‪ ..‬هو العمل البديهي للعقل‪ ،‬إذ ل فائدة من وجود عقل من غير تفكير‪ ،‬لن العقل‬
‫طل‪ ،‬وجوده كعدمه‪.‬‬ ‫المشلول‪ ،‬ليس بعقل‪ ،‬بل هو جهاز مع ّ‬
‫فإذا فّكر "العاقل" في أمر ما‪..‬فسينتج عن تفكيره هذا‪ " :‬تقدير‪ ،"..‬وهذا التقدير‪ :‬قد يكون‬
‫صوابا‪ ،‬وقد يكون خطأ‪ ،‬فيترّتب على ذلك‪":‬حكم‪ "..‬على ذلك المر‪ ،‬قد يكون صوابا‪ ،‬وقد يكون‬
‫خطأ‪ ،‬تبعا للتقدير‪ ،‬وهذه العملية الفكرية هي التي سمّيناها‪":‬عمل العقل"‪..‬‬

‫وهذا التسلسل في عملية التفكير‪ ،‬ليس من عندنا‪ ،‬بل هو ما وجدناه صريحا في كتاب ال عز‬
‫وجل‪ ،‬فخذ هذا العرض القرآني الرائع‪ ،‬لعمل العقل الذي أشرنا إليه وقل‪ :‬سبحان ال العظيم‪:‬‬

‫ن ال تعالى لم‬
‫سئل أحد من العتاة الكفرة من العرب في "مكة"‪ ،‬عن القرآن الكريم" فأجاب‪ ..‬ولك ّ‬
‫يذكر جوابه فحسب‪ ،‬بل بّين لنا بالتسلسل‪ ،‬كيف فّكر ذلك الرجل؟‪ ..‬وكيف قّدر؟ وكيف حكم؟‪..‬‬
‫فاستمع الى قول ال الحكيم في سورة المّدّثر"‪.‬‬

‫}إّنه فّكر وقّدر{‪ ،‬فهذا‪ :‬تفكير‪ ..‬ثم‪ :‬تقدير‪..‬‬ ‫‪-1‬‬

‫}فقتل كيف قّدر* ثم قتل فقّدر{‪ ،‬هذا توبيخ له على سوء التفكير‪ ،‬وفساد التقدير‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫}ثم نظر* ثم عبس وبسر* ثم أدبر واستكبر{‪ ،‬وهذا بيان حال المتكّبر‪ ،‬إذا جوبه‬ ‫‪-3‬‬
‫بالحق‪ ..‬فإنه يرفضه ويعرض عنه‪.‬‬

‫قم بعد هذا‪ ،‬حكم ذلك الكافر على القرآن فقال‪ }:‬إن هذا إل سحر يؤثر* إن هذا‬ ‫‪-4‬‬
‫إل قول البشر{‪.‬‬

‫فكانت عاقبته‪ :‬وعيدا من ال تعالى له بالعذاب‪ }:‬سأصليه سقر{‪.‬‬ ‫‪-5‬‬

‫وّممن فعل مثل ذلك التفكير الفاسد‪":‬النمرود"‪ ،‬صاحب العقلية "النمرودية"‪ ،‬التي صارت مثل‬
‫لكل متجّبر معاند‪ ،‬حتى درج على ألسنة العواّم قولهم لمن هذه صفاته‪ ":‬ل تتنمرد‪ "..‬وبل‬
‫"نمردة"‪..‬‬

‫ج إبراهيم عليه الصلة والسلم‬ ‫لقد أخبرنا ال تعالى‪ ،‬كيف واجه "النمرود" الحق والحقيقة‪ ،‬وحا ّ‬
‫ج إبراهيم في رّبه أن أتاه الملك‪ ،‬إذا قال‬
‫في ال تعالى‪ ،‬كما قال سبحانه‪ :‬ألم ترى الى الذي حا ّ‬
‫إبراهيم‪ :‬رّبي الذي يحيي ويميت‪ ،‬قال‪ :‬أنا أحيي وأميت‪ ،‬قال إبراهيم‪ :‬فإن ال يأتي بالشمس من‬
‫المشرق فأت بها من المغرب‪ ،‬فبهت الذي كفر‪ ،‬وال ل يهدي القوم الظالمين{‪.‬‬

‫وبالمقابل‪ :‬فهناك كثير من الناس‪ ،‬أحسنوا التفكير والتقدير‪ ،‬فأصابوا‪ ..‬وقد أخبر ال تعالى عن‬
‫ل زمان ومكان‪،‬‬‫مشاهيرهم في المم السابقة‪ ،‬ليكونوا أسوة حسنة للعقلء من الناس‪ ،‬في ك ّ‬
‫وينكتفي هنا بذكر مثلين من هؤلء الصالحين‪ ،‬الذين فّكروا وتفّكروا‪ ،‬وقّدروا‪ ،‬وحكموا‪ ،‬فأحسنوا‬
‫التفكر والتقدير والحكم‪ ،‬هما‪:‬‬

‫مؤمن آل فرعون‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫صلة‪ ،‬في سورة "غافر"‪ ،‬التي سمّيت أيضا ‪":‬سورة‬


‫جاءت قصة "مؤمن آل فرعون" مف ّ‬
‫صته‪ ،‬آمن بما جاء به موسى عليه السلم‪ ،‬بل‬
‫المؤمن" إشارة له‪ ،‬وهو رجل من آل فرعون وخا ّ‬
‫خوف من فرعون ول وجل‪ ،‬وقد جادل قومه وحاورهم‪ ،‬محاول إفهامهم وإقناعهم‪ ،‬فلم يفهموا ولم‬
‫يعقلوا‪ ،‬وهذا أهّم ما قاله هذا المؤمن لقومه‪:‬‬
‫ي ال‪ ،‬وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟{‪.‬‬ ‫}أتقتلون رجل أن يقول رب ّ‬ ‫‪-1‬‬
‫} يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الرض‪ ،‬فمن ينصرنا من بأس ال إن‬ ‫‪-2‬‬
‫جاءنا{‪.‬‬
‫}يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الحزاب* مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود‬ ‫‪-3‬‬
‫والذين من بعدهم وما ال يريد ظلما للعباد{‪.‬‬
‫}يا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد* يوم توّلون مدبرين ما لكم من ال من عاصم‬ ‫‪-4‬‬
‫ومن يضلل ال فما له من هاد{‪.‬‬
‫}يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد* يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن‬ ‫‪-5‬‬
‫الخرة هي دار القرار{‪.‬‬
‫}ويا قوم مالي أدعوكم الى النجاة وتدعونني الى النار* تدعونني لكفر بال‬ ‫‪-6‬‬
‫وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم الى العزيز الغّفاْر‪.‬‬
‫ثم ختم نداءاته لقومه قائل لهم‪ }:‬فستذكرون ما أقول لكم وأفّوض أمري الى ال‬ ‫‪-7‬‬
‫ن ال بصير بالعباد{‪.‬‬ ‫إّ‬
‫فكانت عاقبة هذا الرجل‪ :‬النجاة‪ ،‬وكانت عاقبة آل فرعون‪ :‬الخسران‪ ،‬كما قال ال‬ ‫‪-8‬‬
‫تعالى‪ }:‬فوقاه ال سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب {‪.‬‬

‫الرجل الساعي من أقصى المدينة‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫جاءت قصة هذا الرجل في سورة "يس"‪ ،‬في خبر "القرية" التي جاءها المرسلون‪ ،‬فّكذب أهلها‬
‫المرسلين‪ ،‬وهّددوهم بالرجم والتعذيب‪ ،‬فعلم ذلك الرجل المؤمن بالمر‪ ،‬فأسرع من أقصى‬
‫المدينة‪ ،‬ناصحا ومذّكرا‪ ،‬فقتلوه‪ ،‬فاستمع وتدّبر ما قاله هذا الرجل العاقل المفكر‪ ،‬يقول تعالى‪:‬‬
‫} وجاء من أقصى المديمة رجل يسعى قال‪ :‬يا قوم اتبعوا المرسلين* اتبعوا من ل يسألكم عليه‬
‫أجرا وهم مهتدون* ومالي ل أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون* أأتخذ من دونه آلهة؟! إن يردن‬
‫الرحمن بضّر ل تغن عّني شفاعتهم شيئا ول ينقذون* إني إذا لفي ضلل مبين* إني آمنت بربكم‬
‫فاسمعون{‪ ،‬فقالت له الملئكة‪ }:‬ادخل الجنة‪ ،‬قال‪ :‬يا ليت قوم يعلمون* بما غفر لي ربي وجعلني‬
‫من المكرمين{‪.‬‬

‫‪ -8‬العقل والهوى‬

‫"العقل والهوى" قّوتان تتصارعان في النسان‪ ،‬الولى منهما وهي‪" :‬العقل" بما يمثل من وعي‬
‫ب الشهوات"‪ ،‬بما يمثل من عجلة وتهّور واغترار‪ ،‬ومن‬
‫وفهم‪ ،‬والثانية وهي ‪ ":‬الهوى"‪ ،‬أي‪ ":‬ح ّ‬
‫ن هواه عقل‪ ،‬فيض ّ‬
‫ل‬ ‫المهم جدا للنسان أن يفّرق بين‪ ":‬فكر العقل"‪ ،‬و"هوى النفس"‪ ،‬لئل يظ ّ‬
‫ويهلك‪.‬‬

‫وما أكثر الذين يتبعون أهواءهم وهم يحسبون أنها عقولهم‪ ،‬وهؤلء هم جميع المفتونين‬
‫والزنادقة‪ ،‬الذين انجرفوا مع الهوى‪ ،‬فرّوجوا الفتن والضللت بين المسلمين‪ ،‬وهم يحسبون أنهم‬
‫ل سعيهم‬
‫يعملون عمل حسنا‪ ،‬كما قال عز وجل‪ }:‬قل هل ننبئكم بالخسرين أعمال؟* الذين ض ّ‬
‫في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا* أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت‬
‫أعمالهم فل نقيم لهم يوم القيامة وزنا{‪.‬‬
‫ل ممن اتبع‬
‫لذلك حّذرنا ال تعالى من اتباع الهوى‪ ،‬مبّينا أنه ضلل‪ ،‬فقال عز وجل‪ }:‬ومن أض ّ‬
‫هواه بغير هدى من ال؟{‪ ،‬وقال سبحانه‪ }:‬ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والرض‬
‫ن{‪.‬‬
‫ومن فيه ّ‬

‫فإذا سّولت لك نفسك أمرا‪ ،‬فانتبه‪ ،‬وإذا ثار في نفسك رأي‪ ،‬فاحذر‪ ،‬واعلم‪ :‬أن "الهوى" كثيرا ما‬
‫يخالف الشرع‪ ،‬وأّنك ل تكون مؤمنا حقا‪ ،‬إل إذا كان هواك تبعا لما جاء به الرسول المين محمد‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬دون سواه من البشر‪.‬‬

‫واعلم‪ :‬أن "العقل" السليم‪ ،‬ل يتعارض مع الشرع أبدا‪ ،‬فإن خطر على بالك‪ ،‬أن شيئا من الشرع‬
‫لم يقبله عقلك‪ ،‬فاعلم أن ذاك الشرع فيك‪ ،‬ليس عقلك‪ ،‬بل هو هواك‪ ،‬فاحذر الضلل باتباعه‪،‬‬
‫والزم جانب الشرع‪ ،‬فثّمة النجاة‪..‬‬

‫ومهما كان الحال‪ ،‬فإن "العقل" و"الهوى" يجب أن يكونا طوعا لحكم الشرع‪ ،‬ول يجوز‬
‫إخضاع الحكام الشرعية لموازين العقول‪ ،‬ومقاييس الهواء‪ ،‬بل على المسلم أن يسمع حكم ال‬
‫ك ول تردد‪ ،‬كما قال ال تعالى‪ }:‬فل ورّبك ل يؤمنون حتى يحّكموك‬‫تعالى ويطيع‪ ،‬من دون ش ّ‬
‫فيما شجر بينهم ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسّلموا تسليما{‪ ،‬وال المستعان‪ ،‬وهو‬
‫الموفق والهادي‪.‬‬

‫***‬
‫"التكليف" وطوارئه‬

‫‪ -1‬تقديم‪.‬‬
‫‪ -2‬من هو "المكلف"‬
‫أول‪ :‬شروط التكليف باليمان‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬شروط التكليف بالعبادات‪.‬‬
‫‪ -3‬طوارئ التكليف‪:‬‬
‫القسم الول‪ :‬الطواءئ السماوية‪:‬‬
‫ق‪ ،‬والمرض‪ ،‬والموت[‪.‬‬
‫]الجنون‪ ،‬والعته‪ ،‬والنسيان‪ ،‬النوم‪ ،‬والر ّ‬
‫القسم الثاني‪ :‬الطوارئ المكتسبة‪:‬‬
‫سكر[‪.‬‬
‫]الجهل‪،‬الكراه‪ ،‬والهزل‪ ،‬والخطأ‪ ،‬وال ّ‬

‫تقديم‬ ‫‪-1‬‬

‫أشرنا سابقا‪ ،‬الى أن بداية "مرحلة الشباب"‪ ،‬هي بداية "مرحلة التكليف"‪ ،‬إذا توّفرت شروطه‪،‬‬
‫حيث يصير النسان من أهل الخطاب بالمر والنهي‪ ،‬ومسؤول عن أعماله‪ ،‬خيرها وشّرها‪ ،‬في‬
‫الدنيا والخرة‪ ..‬فيثاب ويعاقب‪ ،‬ويسأل ويحاسب‪.‬‬

‫سع في بحث موضوع "التكليف" هذا‪ ،‬فنبّين من هو المكلف شرعا؛‬ ‫وقد وجدنا من المفيد‪ :‬أن نتو ّ‬
‫وما هي أهّم المور المعترضة على " أهلية النسان"‪ ،‬التي تؤدي إلى أسقاط التكليف عنه‪.‬‬

‫إن كلمنا في هذا الشأن‪ ،‬سيكون طبقا لما ذكره علماء " أصول الفقه"‪ ،‬ليس " الطباء"‪ ،‬لننا ل‬
‫نبحث في هذا الكتاب عن أمراض الجسد‪ ،‬ول عن تعريفاتها الطبية‪ ،‬ول عن الدوية والعقاقير‬
‫التي تعالج بها‪ ،‬بل إننا نبحث في الناحية التكليفية للنسان‪ ،‬وشروطها‪ ،‬ومسؤوليات المكلف‪ ،‬وما‬
‫له وما عليه‪ ،‬ونبحث أيضا في المعترضات التي يسقط بسببها التكليف عن النسان‪ ،‬إما كليا‪ ،‬وإما‬
‫جزئيا‪.‬‬

‫إننا لم نتطّرق في مواضيع هذا الكتاب كلها‪ ،‬إلى الناحية الطبية أو النفسية المعروفة‪ ،‬التي تكلم‬
‫فيها علماء الطب والتشريح والتفس‪ ،‬ونحن فعلنا ذلك قصدا‪ ،‬لن هذه الناحية ليست مقصودة هنا‪.‬‬

‫لقد ذكرنا مراحل حياة النسان‪ ،‬من أولها الى آخرها‪ ،‬طبقا لما جاء في النصوص الشريفة‪ ،‬من‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬وهذا ما سنفعله هنا في كلمنا عن‪" :‬التكليف"‪ ..‬و"المكلف"‪..‬و"طوارئ‬
‫التكليف"‪ ،‬إذ ل يهمنا أن نعرف ـ مثل ـ ‪ :‬ما هو "الجنون" في عرف أطباء المراض العقلية‬
‫والعصبية‪ ،‬ول أنواع الجنون‪ ،‬ومراتبه‪ ،‬وعوراضه‪ ..‬فهذا كله ل يغنينا في كتابنا هذا‪ ،‬لن هذه‬
‫المواضيع‪ ،‬تندرج في إطار الكتابة العلمية الطبية المحضة‪ ،‬وذلك ل ينفع سوى الطباء‪،‬‬
‫والدارسين للطب‪ ،‬وزد على ذلك‪ :‬أنه ليس من اختصاصنا أصل‪.‬‬
‫إن ما يعنينا هو‪ :‬أثر تلك الطوارئ على أهلية "المكلف" من الناحية الشرعية البحتة‪ ،‬لن‬
‫ل به "أزمة"‪ ..‬وهو الذي يسأل عن‬
‫المكلف هو المعّرض لن تصدر عنه " أزمة"‪ ..‬أو أن تح ّ‬
‫حلول "الزمات"‪ ..‬ويسأل عما يصدر عنه من أسبابها‪.‬‬

‫خينا في كتابتها‪ ،‬توعية‬


‫ول ينبغي أن ننسى‪ :‬أن سلسلتنا هذه‪ ،‬هي سلسلة فكرية إصلحية‪ ،‬تو ّ‬
‫ص‪ ..‬وإرشادهم الى السبل الصحيحة‬ ‫المسلمين عامة‪ ،‬والشباب منهم خاصة‪ ،‬بواقعهم العاّم والخا ّ‬
‫لصلح‪ :‬النفوس‪ ..‬والسلوك‪ ..‬والتعامل‪ ..‬في جميع المجالت والميادين‪ ،‬فل يعنينا إل ما يساعد‬
‫على تحقيق هذه الغاية‪ ،‬ول تتحقق هذه الغاية‪ ،‬إل عن طريق السلم‪ ..‬عقيدة‪ ..‬ومنهاجا‪ ..‬وبال‬
‫المستعان على كل حال‪.‬‬

‫ي بحت‪ ،‬فإننا نجيبه‬


‫وإن سـأل سائل عن بيان فائدة هذه المور في هذا الكتاب‪ ،‬وهو كتاب فكر ّ‬
‫بالقول‪:‬‬

‫إن ما ذكرناه عن مراحل حياة النسان‪ ،‬وما سنذكره من أمور الهلية والتكليف‪ ،‬في هذا‬
‫الفصل‪ ،‬ليس مفيدا فحسب‪ ،‬بل هو مهّم جدا في موضوع الكتاب‪ ،‬لما أشرنا إليه آنفا‪ ،‬وللسباب‬
‫التالية‪:‬‬

‫أول‪ :‬لننا نبحث في هذا الكتاب في‪" :‬أزمات الشباب"‪ ،‬ومعلوم أن " الزمة" ل تكون ول تنشأ‬
‫ب غير المكلف ل أزمة منه بل هو خال‬
‫إل إذا كان صاحبها مكلفا‪ ،‬فل أزمة إل من مكّلف‪ ،‬والشا ّ‬
‫ل مسؤولية‪ ،‬فكان مهّما أن نبحث في " الهلية" وشروطها ومسقطاتها‪.‬‬‫تماما عن ك ّ‬

‫سع نظرة الشباب إلى أنفسهم‪ ،‬وإلى شخصيتهم‪ ،‬وقواهم وطاقاتهم كافة‪ ،‬وأن‬ ‫ثانيا‪ :‬أردنا أن نو ّ‬
‫ن ال تعالى بها عليهم‪ ،‬ليعرفوا قدرها‬
‫نلفت نظرهم‪ ،‬ونثير انتباههم الى تلك الّنعم الكبرى‪ ،‬التي م ّ‬
‫ومكانتها وقيمتها‪ ،‬فيشكروا ال عز وجل عليها‪ ،‬وليعرف النسان أنه لم يخلق عبثا‪ ،‬ول ليعيش‬
‫حياته عابثا‪ ،‬بل هو إنسان مكّلف مسؤول‪.‬‬

‫سهم‪ ،‬وعدم‬‫ث الشباب على صون عقولهم‪ ،‬وأسماعهم‪ ،‬وأبصارهم‪ ،‬وسائر حوا ّ‬ ‫ثالثا‪ :‬أردنا أن نح ّ‬
‫الضرار بها أو إتلفها‪ ،‬بأي نوع من أنواع الذى والتلف‪ ،‬كالخمور‪ ..‬والمخدرات‪ ..‬لنها نعم‬
‫كبرى ل تقّدر بثمن‪ ،‬ول يعادلها شيء من أمور الدنيا‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬أردنا أيضا أن يتذّكر الناس دقة التشريع السلمي‪ ،‬وشموله‪ ،‬وسمّوه‪ ،‬وروعته‪ ،‬ليزداد‬
‫ل المم والشعوب‪ ،‬وليدرك زيف كل القوانين الموضوعة‪..‬‬ ‫المؤمن إيمانا‪ ،‬وليباهي بدينه ك ّ‬
‫والنظمة المزخرفة المصنوعة‪ ..‬التي سرعان ما يتخاطاها الزمن‪ ..‬ويصيبها الوهن‪ ..‬وتسّبب‬
‫الفتن‪ ..‬وتغرق الناس في البليا والمحن‪..‬‬

‫من هو "المكلف"؟‬ ‫‪-2‬‬

‫لقد كّلف ال عز وجل النسان بتكاليف شرعية‪ ،‬هي عبارة عن‪ ":‬أوامر ونواهي"‪ ،‬أعلها "‬
‫اليمان"‪ ،‬وجعل هذه التكاليف‪ ،‬ضمن قدرة العبد واستطاعته‪ ،‬فلذلك رفع ال تعالى عن المة‬
‫الحرج فقال تعالى‪ }:‬ما جعل عليكم في الدين من حرج{‪ ،‬و"الحرج"‪ :‬في اللغة هو "المكان‬
‫ق عليكم‪ ،‬ويخرج عن طاقتكم‪ ،‬كما قال عز وجل‪:‬‬‫الضّيق‪ ،‬كثير الشجر"‪ ،‬أي‪ :‬لم يكلفكم بما يش ّ‬
‫} ل يكلف ال نفسا إل وسعها{‪.‬‬
‫ومع وجود اليسر في التشريع والتكاليف‪ ،‬فإن الشرع الحنيف‪ ،‬قد تضّمن رخصا واستثناءات في‬
‫حالت معّينة‪ ،‬راعى فيها قدرة المكلف إذا طرأ عليه عذر‪ ،‬كمرض أو سفر‪ ،‬فقد أباح للمسافر‬
‫خص للمريض بعدم الصيام فيه‪ .‬وذلك لكيل يكون للمكلف حجة أو‬ ‫الفطار في رمضان‪ ،‬ور ّ‬
‫ذريعة‪ ،‬يحاول أن يبّرر بها تقصيره في واجباته‪ ،‬ومخالفته لحكام الشرع الشريف‪.‬‬

‫ن "التكليف" في السلم على مرتبتين‪ ،‬تتقدم إحداهما الخرى‪ ،‬والولى شرطا من شروط‬ ‫إّ‬
‫المرتبة الثانية وهما‪ :‬التكليف باليمان أول‪ ،‬ثم تكليف المسلم بالتكاليف الشرعية الخرى‪ ،‬ولكل‬
‫من هاتين المرتبتين شروط‪ ،‬وإليك بيانها‪:‬‬

‫أول‪ :‬شروط التكليف باليمان‪:‬‬

‫نعني بـ " اليمان"‪ :‬اليمان الصحيح الحق‪ ،‬الذي أمر ال تعالى به عباده على ألسنة رسه‪ ،‬وذلك‬
‫بأن يؤمن النسان المكلف‪ :‬بال‪ ،‬وملئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم الخر‪ ،‬والقدر خيره وشّره‪،‬‬
‫ل عوالم الغيب‪ ،‬التي أخبر ال تعالى عنها‪ ،‬على لسان رسوله محمد صلى ال عليه وسلم‪ ..‬إلى‬ ‫وبك ّ‬
‫غير ذلك من المور التي بّيّناها في كتابنا‪ ":‬سبيل النهضة"‪.‬‬

‫والمكلف شرع باليمان‪ ،‬هو‪ :‬من توفرت فيه الشروط الربعة التالية‪ ،‬فإن لم يؤمن كان كافرا‪:‬‬

‫الشرط الول ـ البلوغ‪:‬‬

‫ي‪ :‬نزول‬‫"البالغ هو‪ :‬النسان الذي تجاوز مرحلة "الصبا"‪ ،‬ومن علمات البلوغ عند الصب ّ‬
‫المني منه باحتلم أو غيره‪ ،‬أو إحباله زوجته‪ ،‬وعند الصبّية‪ :‬أن ترى دم الحيض‪ ،‬أو أن تحبل‪،‬‬
‫ي من هذه العلمات‪ ،‬فقد بلغ صاحبها‪ ،‬وصار في سن التكليف‪ ،‬وهذا ل خلف فيه بين‬ ‫فإذا ظهر أ ّ‬
‫سن التي يعتبر النسان عند بلوغها بالغا حكما إذا لم تظهر فيه أمارة‬‫الفقهاءن ولكنهم اختلفوا في ال ّ‬
‫ن البلوغ هي‪ :‬تمام الخامسة‬‫نسّ‬ ‫من أمارات البلوغ التي ذكرناها‪ ،‬فذهب جمهور الفقهاء الى أ ّ‬
‫عشرة من العمر‪.‬‬

‫الشرط الثاني ـ العقل‪:‬‬

‫ل شك في أن "العقل" من الّنعم الكبرى‪ ،‬التي أنعم ال تعالى بها على النسان‪ ،‬فلذلك اعتبره‬
‫الشرع الشريف " مناط التكليف"‪ ،‬فلم يكلف إل عاقل‪ ،‬والعاقل المكلف باليمان هو‪ :‬النسان‪،‬‬
‫السالم من الجنون المطبق‪ ،‬أي‪ :‬الدائم الذي ل أفاقة منه أبدا‪.‬‬

‫ن‪ ،‬ولم يكن مؤمنا‪ ،‬فقد‬‫أما إذا عقل المجنون‪ ،‬أو بلغ مستجمعا شروط التكليف الخرى‪ ،‬ثم ج ّ‬
‫ن من جديد فمات‪ ،‬فإنه يدخل‬ ‫وجب عليه اليمان في فترة عقله‪ ،‬فإن لم يؤمن في تلك الفترة‪ ،‬ثم ج ّ‬
‫ن ومات مجنونا‪ ،‬فإنه يدخل النار أيضا‪،‬‬ ‫النار باعتباره كافرا‪ ،‬ومثله في الحكم‪ :‬الكافر العاقل إذا ج ّ‬
‫ن‪ ،‬فلذلك هو في‬‫لنه لم يؤمن حين عقله‪ ،‬ولن جنونه هذا بمثابة موته‪ ،‬أي‪ :‬كأنه مات ساعة ج ّ‬
‫النار‪.‬‬

‫ن قبل البلوغ‪ ،‬فإنه يدخل الجّنة‪،‬‬


‫أما المجنون المسلم‪ ،‬أو‪ :‬الذي ولد من أبوين كافرين‪ ،‬ثم ج ّ‬
‫لنعدام التكليف أصل‪.‬‬

‫س‪:‬‬
‫الشرط الثالث ـ سلمة الحوا ّ‬
‫س الخمس التي هي‪" :‬السمع‪ ،‬والبصر‪ ،‬واللمس‪ ،‬والشّم‪ ،‬والذوق" وليس‬ ‫س‪ :‬الحوا ّ‬
‫المراد بالحوا ّ‬
‫ي‪ ":‬السمع‬
‫س‪ ،‬بل المطلوب سلمة إحدى حاست ّ‬ ‫المطلوب شرعا للتكليف‪ ،‬سلمة كل هذه الحوا ّ‬
‫س‪ ،‬لقصور فائدتها وأهميتها في النسان‪.‬‬‫والبصر" فقط‪ ،‬ول عبرة ببقّية الحوا ّ‬

‫فإذا كان النسان سليم السمع‪ ،‬أي‪ :‬سميعا‪ ،‬أو سليم البصر‪ ،‬أي‪ :‬بصيرا‪ ،‬فقد توّفر في شرط من‬
‫س الخرى‪،‬‬ ‫شروط التكليف باليمان‪ ،‬وذلك لن تأثر العقل بالسمع والبصر‪ ،‬أشّد من تأثره بالحوا ّ‬
‫طى النطاق القريب من النسان‪ ،‬الى مجال أوسع‪ ،‬فالبصر‬ ‫ن كل من هاتين الحاستين‪ ،‬يتخ ّ‬‫إذا أ ّ‬
‫يمتد‪ ..‬والسمع يلتقط ويسترق‪ ..‬من دون ملمسة‪ ،‬وها نحن نرى ونسمع عبر الثير‪ ،‬من أجهزة‬
‫العلم المرئية والمسموعة‪ ،‬ما يحدث في أقصى الرض‪ ،‬وهذا ل يمكن تحصيله بغير السمع‬
‫ستين في مواضع في كتابه‬ ‫س‪ ،‬وقد أشار ال تعالى الى أهمية هاتين الحا ّ‬
‫والبصر من الحوا ّ‬
‫صهما بالذكر من بن سائر الحواس‪ ،‬كقوله سبحانه‪ }:‬ول تقف ما‬ ‫العزيز‪ ،‬حيث قرن بينهما‪ ،‬وخ ّ‬
‫ن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤول{‪ ،‬ولهذا كانت سلمة إحدى‬ ‫ليس لك به علم إ ّ‬
‫هاتين الحاستين‪ ،‬كافية لتزويد العقل بما يكفيه من الدلئل‪ ،‬لمعرفة ال تعالى‪ ،‬واليمان به عز‬
‫وجل‪.‬‬

‫الشرط الرابع ـ بلوغ الدعوة‪:‬‬

‫إن شر "بلوغ دعوة السلم" النسان‪ ،‬ليكون مكلفا باليمان‪ ،‬هو قول عاّمة العلماء‪ ،‬وقد خالف‬
‫فيه من ل يعتّد بخلفه‪ ،‬فمن لم يسمع بالسلم مطلقا‪ ،‬ولم يصله خبر رسالة محمد صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬لم يكن مكلفا‪ ،‬لن ال تعالى ل يكلف نفسا إل وسعها‪ ،‬وأمره الى ال‪ ،‬ولهذا كان واجبا على‬
‫المسلمين أن يقوموا بتبليغ العالم كله رسالة السلم‪ ،‬ول يجوز لنا أن نقاتل قوما لم تبلغهم دعوة‬
‫ي وجه من الوجوه‪.‬‬ ‫السلم بأ ّ‬

‫ل إنسان اجتمعت فيه هذه الشروط الربعة‪ ،‬فإن آمن فقد اهتدى وفاز‪،‬‬ ‫فالمكلف باليمان هو‪ :‬ك ّ‬
‫وإن لم يؤمن فقد خاب وخسر خسرانا مبينا‪ ،‬و" اليمان" هو بحد ذاته الشرط الول لتكليف‬
‫المسلم بالتكاليف الشرعية العملية كلها‪ ،‬كما سنبّين‪ ،‬وهي المسألة التالية‪.‬‬

‫***‬

‫ثانيا‪ :‬شروط التكليف بالعبادات‬

‫" العبادات" هي‪ :‬الفرائض والواجبات الشرعية؛ التي أمر ال تعالى بها المؤمن‪ ،‬و" الشروط‬
‫التكليف" بها تسّمى عند الفقهاء‪ ":‬شروط الوجوب"‪ ،‬أي‪ :‬الشروط التي يجب على المكلف فعل‬
‫المر بتوفرها فيه‪ .‬ففي " الصل"‪ :‬يشترط لوجوبها على النسان‪ ،‬أن يكون‪ :‬مسلما‪ ،‬بالغا‪ ،‬عاقل‪،‬‬
‫وأن تكون المرأة خالية عن حيض أو نفاس‪ ،‬فهي غير مكلفة بالصلة أثناء ذلك‪ ،‬فل قضاء عليها‬
‫بعد حيضها‪.‬‬

‫فتجب الصلة وجوبا عينيا‪ ،‬على من توفرت فيه هذه الشروط‪ ،‬فيثاب على فعلها‪ ،‬ويعاقب على‬
‫تركها‪ ،‬وعلى ترك غيرها من الفرائض أيضا‪.‬‬

‫أما الكافر‪ ،‬فل يطالب بالصلة‪ ،‬ول بغيرها من الفرائض في الدنيا‪ ،‬ولكنه سيعاقب على ترك‬
‫الفرائض وفعل المحرمات‪ ،‬زيادة على العذاب جزاء كفره‪.‬‬
‫وتجب " الزكاة" على‪ :‬المسلم‪ ،‬الحّر‪ ،‬مالك النصاب الشرعي بشروطه‪ ،‬فل زكاة على "العبد"‬
‫لنعدام الملكية‪ ،‬ول يطالب بها الكافر في الدنيا‪ ،‬كما أشرنا‪ ،‬بل تؤخذ منه " الجزية" إن كان من‬
‫أهلها‪ ،‬على نحو ما بّينه الفقهاء‪.‬‬

‫ولم يشترط فريق من الفقهاء‪ ،‬البلوغ ول العقل لوجوب " الزكاة"‪ ،‬فقالوا بوجوب "الزكاة" في‬
‫ي والمجنون‪ ،‬يخرجها عنه ولّيه‪.‬‬‫مال الصب ّ‬

‫ويجب "الصيام" في شهر رمضان على‪ :‬المسلم‪ ،‬البالغ‪ ،‬العاقل‪ ،‬الحر‪ ،‬المستطيع‪ ،‬على تفصيل‬
‫في معنى الستطاعة‪ ،‬مذكور في مواضعه‪ ،‬ليس هنا مجال بحثه‪.‬‬

‫إن " التكليف" ليس شرطا للقيام بالواجبات فحسب‪ ،‬بل هو أيضا شرط لقامة الحدودن ومعاقبة‬
‫الجناة في حال وقوع عدوان على الدين‪ ،‬أو النفس‪ ،‬أو المال‪ ،‬أو العرض‪ ،‬أو العقل‪ ،‬فيشترط ـ‬
‫ي قبل‬
‫مثلـ لمعاقبة الجاني‪ :‬أن يكون "مكلفا"‪ ،‬فل يعاقب المجنون‪ ،‬ول النائم‪ ،‬وكذلك الصب ّ‬
‫البلوغ‪.‬‬

‫ي دون البلوغ‪ ،‬بالصلة والصيام وغيرهما‪ ،‬فليس لنها واجبة عليه‪ ،‬بل ليتعلم‬ ‫أما أمر الصب ّ‬
‫ن الوجوب‪ ،‬فيألف العبادة ويحبها‪ ،‬فل يتركها بعد البلوغ‪ ،‬وكذلك نهي‬
‫أداءها‪ ،‬ويمارسها قبل س ّ‬
‫الصبي عن فعل المحّرمات‪.‬‬

‫وعلى كل حال‪ :‬فإن أمر الصغير بالواجبات‪ ،‬ونهيه وزجره عن المحّرمات‪ ،‬واجب على ول ّ‬
‫ي‬
‫أمره‪ ،‬بل هو من أهم واجبات البوين تجاه أولدهما‪ ،‬وهو عماد التربية الصالحة‪.‬‬

‫طوارئ التكليف‬ ‫‪-3‬‬

‫إن أهلية النسان قد تتعّرض لمور طارئة‪ ،‬يفقد بسببها أهليته‪ ،‬ل يبقى مكلفا‪ ،‬وهذه الطوارئ‬
‫تنقسم إلى قسمين هما‪ :‬الطوارئ السماوية‪ ،‬والطوارئ المكتسبة‪ ،‬وإليك بيان ذلك‪:‬‬

‫القسم الول‪ :‬الطوارئ السماوية‬

‫يراد بالطوارئ السماوية‪ ،‬المور المعترضة على الهلية‪ ،‬التي تصيب النسان المكلف‪ ،‬فيفقد‬
‫ي اختيار أو كسب‪ ،‬وأهّم هذه المور ما يلي‪:‬‬
‫بها أهليته‪ ،‬من دون أن يكون له فيها أ ّ‬

‫الجنون‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫عّرف علماء الصول " الجنون" بأنه‪ " :‬آفة باعثة للنسان على أفعال تخالف مقتضى العقل‪،‬‬
‫من غير ضعف في أعضاء المجنون"‪.‬‬

‫طعا‪ ،‬وقد يعرض مدة‬


‫و" الجنون" قد يكون مطبقا‪ ،‬دائما مع النسان حتى الموت‪ ،‬وقد يكون متق ّ‬
‫من الزمن‪ ،‬ثم يزول بالكلّية‪.‬‬

‫وفي مطلق الحوال‪ :‬فإن "الجنون" مناقض للتكليف‪ ،‬فل مسؤولية على المجنون مطلقا‪ ،‬ل في‬
‫الدنيا ول في الخرة‪ ،‬كما ذكرنا في شروط التكليف باليمان‪.‬‬
‫العته‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫" العته" بفتح العين والتاء هو‪ :‬آفة توجب خلل في العقل‪ ،‬فيصير صاحبه مختلطا‪ ،‬يشبه بعض‬
‫كلمه كلم العقلء‪ ،‬وبعضه كلم المجانين‪ ،‬وكذلك جميع أفعاله‪ ،‬تكون على هذا النحو من‬
‫الختلط‪ ،‬وسبب هذا الختلط‪ :‬نقصان عقله‪.‬‬

‫و " المعتوه" ل تجب عليه العبادات‪ ،‬ول تثبت في حقه العقوبات‪ ،‬أما سائر تصرفاته‪ ،‬ففي‬
‫أحكامها تفصيل ليس هنا موضع بسطه‪.‬‬

‫النسيان‪:‬‬ ‫‪-3‬‬

‫" النسيان" معروف‪ ،‬وقيل في تعريفه‪ :‬إنه " أمر يعرض للعقل‪ ،‬فيصرفه عن تذكر مطلوب‪،‬‬
‫أو‪ :‬عن فعل أمر لزم"‪ ،‬وهو مغافر في حقوق ال تعالى‪ ،‬فل يترتب على نسيان واجب من‬
‫الواجبات الشرعية إثم‪ ،‬كمن نسي صلة ثم ذكرها‪ ،‬فإن عليه أن يصليها حين يذكرها‪ ،‬ول إثم‬
‫عليه في هذا النسيان‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬في الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم‪ ،‬واللفظ‬
‫ل إذا ذكرها‪ ،‬ل كفارة لها‬
‫للبخاري‪ ،‬عن أنس بن مالك‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ":‬من نسي صلة‪ ،‬فليص ّ‬
‫إل ذلك"‪ ،‬وعن إبراهيم النخعي قال‪ ":‬من ترك صلةواحدة عشرين سنة‪ ،‬لم يعد إل تلك الصلة‬
‫الواحدة"‪ ،‬أي‪ :‬لم يجب عليه سوى قضائها كما هي‪ ،‬صلة واحدة ولو تركها من دون قضاء‪،‬‬
‫عشرين سنة‪.‬‬

‫أما في حقوق العباد‪ ،‬فل يكون النسيان عذرا فيها‪ ،‬فمن أتلف مال إنسان ناسيا‪ ،‬ضمن له قيمته‪،‬‬
‫ولكن ل إثم عليه‪ ،‬لما جاء في الحديث عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فيما رواه الطبراني عن‬
‫ثوبان مولى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬رفع عن أمتي‪ :‬الخطأ‪ ،‬والنسيان‪ ،‬وما استكرهوا‬
‫عليه"‪ ،‬أي‪ :‬رفع عنهم الثم‪ ،‬إن فعلوا محرما خطأ‪ ،‬أو‪ :‬بالكراه‪ ،‬وسيأتي تفصيل حكم "‬
‫الكراه" لحقا‪ ،‬في "الطوارئ المكتسبة"‪.‬‬

‫النوم‪:‬‬ ‫‪-4‬‬

‫"النوم" راحة للبدن‪ ،‬لقوله تعالى‪ }:‬وجعلنا نومكم سباتا{‪ ،‬وهو من آيات ال تعالى‪ ،‬الذي خلق‬
‫"النوم" وهو شبيه بالموت‪ ،‬ويسّمى‪" :‬الموتة الصغرى"‪ ،‬ليكون راحة لبدن النسان من عناء‬
‫السعي والعمل‪ ،‬قال تعالى‪ }:‬ومن آياته منامكم بالليل{‪.‬‬

‫وقد عّرف علماء الصول " النوم" بأنه‪ ":‬عجز عن إستعمال القدرة لفترة عارضة"‪ ،‬فالنسان‬
‫سه ليدرك المحسوسات‪ ،‬ول يقدر أيضا على إستعمال نور العقل‬ ‫النائم‪ ،‬ل يقدر على إستعمال حوا ّ‬
‫ليدرك المعقولت‪ ،‬ول يقدر على أفعاله الختيارية‪ ،‬كالقيام والقعود‪ ،‬والركوع والسجود‪.‬‬

‫ويترتب على "النوم"‪ :‬تأخير الخطاب بأداء التكاليف‪ ،‬لوجود العجز‪ ،‬و"النوم" ينافي الختيار‬
‫أصل‪ ،‬فل عبرة بما يلفظه النائم من عبارات‪ :‬الطلق‪ ،‬والسلم‪ ،‬والّرّدة‪ ،‬فمن طّلق زوجته وهو‬
‫نائم‪ ،‬فل يقع طلقه‪ ،‬وإن أسلم كافر وهو نائم‪ ،‬فل يعتبر إسلمه‪ ،‬وإن ارتّد مسلم وهو نائم‪ ،‬فل‬
‫صه في "مرحلة الطفولة"‪ :‬أن القلم رفع‬
‫تعتبر رّدته‪ ،‬وقد جاء في الحديث الشريف الذي ذكرنا ن ّ‬
‫عن النائم حتى يستيقظ‪.‬‬

‫ويشبه "النوم" في كثير من أحكامه‪ ":‬الغماء" الذي هو‪ :‬مرض يضعف القوى‪ ،‬ول يزيل‬
‫العقل‪ ،‬وهو أشد على القوى من النوم‪ ،‬لن النائم إذا نّبه تنّبه‪ ،‬وليس كذلك المغمى عليه‪.‬‬

‫الّرق‪:‬‬ ‫‪-5‬‬

‫صل‬
‫"الّرق" مشروع في السلم‪ ،‬ول يكون إل من سبايا القتال ضّد الكفار‪ ،‬على نحو ما هو مف ّ‬
‫في كتب الفقه‪ ،‬وقد شرع "الّرق" جزاء للكافر على كفره‪ ،‬لن الكفار لما استنكفوا واستكبروا أن‬
‫يكونوا عبيدا ل‪ ،‬فجازاهم ال تعالى بأن جعلهم عبيدا لعبيده‪.‬‬

‫و"الٌرق"‪ :‬عجز حكمي‪ ،‬غير حقيقي‪ ،‬أي‪ :‬إن الرقيق عاجز بحكم الشرع عن التصرفات‪ ،‬فهو‬
‫جة السلم‪ ،‬ول تجب عليه صلة الجمعة‪ ،‬وله أحكام أخرى‬ ‫مملوك ول يملك‪ ،‬ول تصح منه ح ّ‬
‫صلة في كتب الفقه‪.‬‬
‫مف ّ‬

‫ونؤكد هنا‪ :‬أنه ل عبرة مطلقا بزعم من يزعم‪ ،‬أن " الّرق" في السلم‪ ،‬غير مشروع دائما‪،‬‬
‫وأصحاب هذا الزعم‪ ،‬جاهلون بنصوص اليات القرآنية‪ ،‬وبالحاديث النبوية‪ ،‬وبأقوال الئمة‬
‫الفقهاء‪ ،‬الذين أجمعوا على أن "الّرق" مشروع ول يزال‪ ،‬وسيظل مشروعا الى قيام الساعة‪ ،‬وإن‬
‫لم توجد الدولة التي تجري أحكامه‪.‬‬

‫أما الزعم بأن " الرق" ينافي كرامة النسان وحرّية النسان‪ ،‬فهو زعم مردود من وجهين‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬أن الكافر ل كرامة له أصل‪ ،‬إذ كيف يكون كريما من أهانه ال تعالى القائل‪ }:‬ومن‬
‫يهن ال فما له من مكرم{‪ ،‬والنسان ل يكون كريما عزيزا إل باليمان‪ ،‬وبغير ذلك فل كرامة‬
‫ول عزة‪.‬‬

‫وثانيهما‪ :‬أن الذين يّدعون الغيرة على "حرية النسان"‪ ،‬و"حقوق النسان"‪ ،‬من المم الكافرة‪،‬‬
‫وعلى الخص الدول الغربية كافة‪ ،‬هم كاذبون في دعواهم‪ ،‬لن تاريخهم حافل بالمخازي‬
‫والضطهاد ضد " النسان" وكرامة النسان‪ ،‬والعالم لم ينس بعد‪ :‬كيف كان يذهب تجار الرقيق‪،‬‬
‫من بلد أمريكا وأوروبا الى القارة الفريقية‪ ،‬ويخطفون النساء والولد‪ ،‬ليبيعوهم عبيدا في‬
‫بلدهم‪ ،‬وهم أحرار أولد أحرار‪ ،‬وفيهم مسلمون نصارى‪.‬‬

‫المرض‪:‬‬ ‫‪-6‬‬

‫"المرض" هو‪ " :‬حالة تعرض للبدن‪ ،‬يزول بها اعتدال الطبيعة"‪ ،‬وهو سبب من أسباب العجز‪،‬‬
‫فلذلك شرعت العبادات عليه بقدر مكنته‪ ،‬فيصلي المريض قاعدا أو مستلقيا‪ ،‬كما يستطيع‪ ،‬ويسقط‬
‫عنه وجوب الصيام والحج‪ ،‬إن كان مرضه يعجزه عنهما‪ ،‬وهناك أحكام كثيرة تتعلق بهذا‬
‫الموضوع‪ ،‬مبسوطة في كتب الفقه‪.‬‬

‫الموت‪:‬‬ ‫‪-7‬‬
‫"الموت" شيء مخلوق‪ ،‬مناقض للحياة‪ ،‬قال تعالى‪ }:‬تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء‬
‫قدير* الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عمل وهو العزيز الغفور{‪.‬‬

‫و"الموت" هادم لساس التكليف‪ ،‬فينتهي به التكليف كله‪ ،‬ول تكليف بعده مطلقا‪ ،‬بل هناك‪:‬‬
‫صر أن يعود الى الدنيا‪ ،‬ليعمل صالحا كما قال‬
‫حساب وجزاء‪ ..‬فلذلك يطلب النسان الفاشل المق ّ‬
‫ب أرجعون* لعلي أعمل صالحا فيما تركت كل‬ ‫عز وجل‪ }:‬حتى إذا جاء أحدهم الموت قال‪ :‬ر ّ‬
‫إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون{‪.‬‬

‫***‬

‫القسم الثاني‪ :‬الطوارئ المكتسبة‬

‫"الطوارئ المكتسبة" هي‪ :‬التي تكون بإختيار العبد وكسبه‪ ،‬وأهّمها ما يلي‪:‬‬

‫الجهل‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫"الجهل" كما عّرفه البعض هو‪ ":‬إعتقاد الشيء على خلف ما هو عليه" وهو ضّد "العلم"‪،‬‬
‫وإنما عّد "الجهل" من العوارض المكتسبة‪ ،‬لنه لما كان النسان قادرا على إزالته بتحصيل‬
‫العلم‪ ،‬جعل كأنه اكتسبه‪.‬‬

‫ول شك في أن "الجهل" آفة خطيرة‪ ،‬ل يجني "الجاهل" منها سوى‪ :‬البلء والتخلف‪ ،‬وعمى‬
‫القلب‪.‬‬

‫وإن أسوأ أنواع الجهل وأضّرها هو‪ " :‬جهل الكافر" بال تعالى وصفاته وكماله‪ ،‬ووجوب‬
‫ل‪ ،‬فجهل الكافر باطل‪ ،‬ول عذر له في كفره‪ ،‬لنه مكابرة وجحود‪ ،‬بعد وضوح‬ ‫اليمان به عّز وج ّ‬
‫الدلئل على وحدانية ال تعالى‪ ،‬ورسالة الرسل‪ ،‬ولهذا سيعاقب في الخرة بالعذاب الشديد الدائم‬
‫أبدا‪ ،‬جزاء كفره وعناده‪ ،‬إذا مات على ذلك‪.‬‬

‫و"الجهل" في أمور الدين‪ ،‬ليس عذرا للمسلم‪ ،‬مما هو معلوم من الدين بالضرورة‪ ،‬كأركان‬
‫ل محّرما لعينه‪ ،‬كالزنا‬
‫السلم‪ ،‬والجهاد‪ ..‬فمن جحد أمرا من هذه المور‪ ،‬أو استباح واستح ّ‬
‫وشرب الخمر‪ ،‬فهو كافر‪ ،‬لن طلب العلم فريضة على كل مسلم‪.‬‬

‫ول عذر في "الجهل" إل‪ :‬لنسان أسلم حديثا‪ ،‬حتى يمضي عليه وقت يمكنه فيه أن يتعلم أمور‬
‫الدين‪ ،‬ولنسان نشأ في بادية بعيدا عن الناس‪ ،‬فأمره كذلك‪ ،‬وما سوى ذلك فل عذر بالجهل‪.‬‬

‫الكراه‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫"الكراه" هو‪ ":‬حمل النسان على ما يكرهه‪ ،‬ول ايريد ذلك النسان مباشرته‪ ،‬لول إكراهه‬
‫عليه"‪ ،‬وقد اتعبر "الكراه" من العوارض المكتسبة‪ ،‬لنه واقع بالختيار‪ ،‬من الغير على الغير‪،‬‬
‫ولن " المكره" هو أيضا‪ ،‬مخّير من "المكره" بين أمرين‪ ،‬وبإمكانه أن يفعل أحدهما‪.‬‬
‫ول شك أن للكراه تأثيرا على أهلية النسان "المكره" وقد استوفى العلماء بحث في هذا‬
‫سموا الحكام المتعلقة بإجابة طلب "المكره"‪ ،‬أي‪ :‬تنفيذ ما طلبه‪ ،‬إلى ثلثة أقسام‬
‫الموضوع‪ ،‬فق ّ‬
‫هي‪:‬‬

‫القسم الول ـ ما يكون العمل به فرضا‪:‬‬

‫هناك حالت يجب على المكره ‪ ،‬أن يفعل ما طلبه منه مكرهه ولو كان محرما‪ ،‬كأن يكرهه‬
‫على أكل لحم الميتة أو شرب الخمر‪ ،‬وإل فيؤذيه بما ل يطيق‪ ،‬ففي هذه الحالة يحب على المكره‬
‫أن يلجأ الى الجابة‪ ،‬فيأكل الميتة ويشرب الخمر‪ ،‬ولو صبر حتى مات عوقب عليه‪ ،‬لنه كان‬
‫قادرا على إنقاذ نفسه‪ ،‬فلم يفعل‪ ،‬بل ألقى بها في الهلك‪ ،‬وإن أكل أو شرب فهو مثاب‪.‬‬

‫القسم الثاني ـ ما يكون العمل به حراما‪:‬‬

‫وهناك حالت أخرى ل يجوز إجابة طلب المكره‪ ،‬كأن يكون الكراه على قتل النفس‬
‫المعصومة‪ ،‬أو‪ :‬على الزنا‪ ،‬فل يجوز للمكره أن يقتل أو يزني‪ ،‬لن فعل هذين المرين حرام‪،‬‬
‫وفيه عدوان على الغير‪ ،‬بل عليه أن يصبر حتى يموت فيكون شهيدا‪ ،‬ولن قتل المسلم‪ ،‬ل يح ّ‬
‫ل‬
‫ل لي‬‫لضرورة ما‪ ،‬كما أنه ل فضل لنفسه على نفس غيره‪ ،‬وكذلك "الزنا"‪ ،‬فهو محّرم ل يح ّ‬
‫ضرورة‪ ،‬فإن زنى ولو مكرها فهو آثم‪ ،‬وعليه حّد الزنا‪ ،‬إذا توّفرت شروطه الشرعية‪.‬‬

‫القسم الثالث ـ ما يكون العمل به جائزا‪:‬‬

‫وذلك كالكراه على الكفر‪ ،‬بأي سبب كان‪ ،‬من أسباب الكفر‪ ،‬شرط أن يكون الكراه ملجئا الى‬
‫إجابته‪ ،‬فالمكره‪ ،‬هنا مخّير‪ ،‬فإن شاء صبر وثبت‪ ،‬فإن قتل فهو شهيد‪ ،‬وإن شاء أجرى الكفر على‬
‫لسانه‪ ،‬وقلبه مطمئن باليمان‪ ،‬إنقاذا لحياته‪ ،‬ول مؤاخذة عليه‪ ،‬لقوله عز وجل‪ }:‬من كفر بال بعد‬
‫إيمانه إل من أكره وقلبه مطمئن باليمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من ال ولهم‬
‫عذاب عظيم{‪.‬‬

‫الهزل‬ ‫‪-3‬‬

‫"الهزل" ضد " الجّد"‪ ،‬وهو‪ :‬ما يكون لعبا محضا من القول‪ ،‬وللعلماء في بيان أحكام "الهزل"‬
‫تفصيل واسع بديع‪ ،‬ليس هنا موضع بسطه ولكن‪ :‬يكفي أن نشير إلى أن "الهزل" يؤثر على‬
‫ح مع "الهزل"‪ ،‬ومن أشهر هذه‬ ‫بعض التصرفات فيبطلها‪ ،‬ول يؤثر على البعض الخر‪ ،‬فتص ّ‬
‫المور‪ :‬ما ورد في الحديث الشريف‪ ،‬الذي رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه‪ ،‬عن أبي هريرة‬
‫ن جّد‪ :‬الّنكاح‪،‬‬
‫ن جد‪ ،‬وهزله ّ‬
‫رضي ال عنه‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ ":‬ثلث جّده ّ‬
‫والطلق‪ ،‬والّرجعة" أي‪ :‬مراجعة الزوجة بعد طلق رجعي‪ ،‬فهذه التصّرفات صحيحة ومعتبرة‪،‬‬
‫ولو كانت بالهزل فعل‪.‬‬

‫و"الهزل" في الّرّدة" كفر‪ ،‬أي‪ :‬إذا تلفظ بألفاظ الكفر هزل‪ ،‬يصير كافرا‪ ،‬وهذا أمر خطير يقع‬
‫فيه كثير من الناس وهم جاهلون‪ ،‬وإليك بيانه‪:‬‬

‫إن "الهزل" في التلفظ بألفاظ الكفر‪ ،‬أو بفعل ما هو كفر‪ ،‬كسجود لصنم‪ ،‬يعتبر رّدة وكفرا‪ ،‬ولو‬
‫كان ل يعتقد بما يقول‪ ،‬لن كفره‪ ،‬ليس يلفظ هزل به من غير إعتقاد‪ ،‬ولكنه كفر بعين الهزل"‪،‬‬
‫لكونه استخفافا بالدين‪ ،‬وهو كفر‪ ،‬لقوله تعالى‪ }:‬قل أبال وآياته ورسوله كنتم تستهزئون* ل‬
‫تعتذروا اليوم قد كفرتم بعد إيمانكم{‪ ،‬ولن الهازل جاّد في نفس "الهزل"‪ ،‬مختار راض‪ ،‬فيكون‬
‫هزله بذاته كفرا‪ ،‬سواء عليه أعتقد ما هزل به أم لم يعتقده‪.‬‬

‫ومن هذا القبيل‪ :‬ما يعرف اليوم بـ "التمثيل" في المسرحّيات والفلم ـ المسّماة ـ دينية حيث‬
‫يتقّمص الممثل شخصية أبي جهل وأبي لهب‪ ،‬ويطلق لسانه بالكفر‪ ..‬والعياذ بال تعالى‪ ..‬زاعمين‬
‫أن هذا "تمثيل"‪ ..‬وأيضا‪ :‬هم يمثلون الفجور‪ ..‬وشرب الخمور‪ ..‬ويمارسون الدعارة أمام الناس‪..‬‬
‫كل ذلك بزعم ‪ ":‬التمثيل"‪ ..‬وبإسم السلم‪..‬‬

‫وهنا نسأل‪ :‬هل "التمثيل" عذر شرعي‪ ،‬يبيح النطق بالكفر‪ ،‬وسب الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬والرقص العاري‪ ..‬ومعانقة النساء‪ ..‬وغير ذلك من المنكرات التي يرتكبونها؟؟‪..‬‬

‫ن هؤلء ينطبق عليهم قوله تعالى‪ }:‬الذين ض ّ‬


‫ل‬ ‫إن الجواب معروف قطعا هو النفي مطلقا‪ ،‬ولك ّ‬
‫سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا{‪.‬‬

‫لقد سبق في " الكراه" بيان‪ :‬أنه ل يجوز إجراء لفظ الكفر إل للمكره‪ ،‬شرط أن يكون قلبه‬
‫مطمئن باليمان‪ ..،‬وما سوى ذلك فل‪ ..‬ونعوذ بال من "الجهل" ‪ ..‬و" آباء الجهل"‪ ..‬في كل زمان‬
‫ومكان‪..‬‬

‫الخطأ‪:‬‬ ‫‪-4‬‬

‫"الخطأ" لغة‪ :‬ضد "الصواب"‪ ،‬وفي إصطلح العلماء‪ ":‬وقوع الشيء على خلف ما أريد"‪،‬‬
‫وهو عذر صالح لسقوط حق ال تعالى‪ ،‬إذا حصل عن اجتهاد‪ ،‬فإن أخطأ "المجتهد" في الفتوى‬
‫بعد إستفراغ جهده‪ ،‬ل يكون إثما‪ ،‬بل يستحق أجرا واحدا‪ ،‬لما جاء في الحديث الشريف‪ ،‬الذي‬
‫رواه البخاري ومسلم وغيرهما‪ ،‬عن عمرو بن العاص‪ ،‬رضي ال عنه‪ :‬أنه سمع رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم يقول‪ ":‬إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران‪ ،‬وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله‬
‫أجر"‪ ،‬والمراد به‪ :‬العالم المستجمع شروط الجتهاد‪ ،‬ل الذي يحكم عن جهل‪ ،‬أو يخالف الحق‬
‫الذي يعرفه‪.‬‬

‫ويصير " الخطأ" شبهة في العقوبة‪ ،‬فل يأثم المخطئ‪ ،‬ول يؤخذ بحّد أو قصاص‪ ،‬كمن قتل‬
‫إنسانا خطأ‪ ،‬لقوله تعالى‪}:‬وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إل خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير‬
‫صّدقوا{‪ ،‬وسبق في الكلم على "النسيان" ذكر الحديث‬ ‫رقبة مؤمنة ودّية مسلمة إلى أهله إل أن ي ّ‬
‫الشريف‪ ":‬رفع عن أمتي الخطأ‪ ،‬والنسيان‪ ،‬وما استكرهوا عليه"‪ ،‬أي‪ :‬رفع عنهم إثم المحّرم إذا‬
‫فعلوه خطأ‪ ،‬أو نسيانا‪ ،‬أو إكراها‪ ،‬على نحو ما بّيناه في موضعه‪.‬‬

‫ن " الخطأ" ل يكون عذرا في حقوق العباد‪ ،‬فإذا أتلف أحد مال آخر خطأ‪ ،‬وجب عليه‬ ‫ولك ّ‬
‫الضمان‪ ،‬ووجبت الدية في القتل الخطأ كما ذكرنا‪.‬‬

‫السكر‪:‬‬ ‫‪-5‬‬

‫سم الفقهاء أحكام "السكران" إلى قسمين‪:‬‬


‫يق ّ‬

‫إذا سكر بمباح‪:‬‬ ‫‪-1‬‬


‫وذلك كشرب دواء مسكر كالبنج‪ ،‬أو‪ :‬سكر من شرب الخمر مكرها‪ ،‬أو مضطرا‪ ،‬فحكم‬
‫"السكران" هذا‪ ،‬حكم المغنى عليه‪ ،‬فل يقع طلقه‪ ،‬ول تعتبر سائر تصّرفاته‪ ،‬وهذا مجمع عليه‬
‫بين العلماء‪.‬‬

‫إذا سكر بمحّرم‪:‬‬ ‫‪-2‬‬


‫حة عبارته‪،‬‬
‫وذلك كشرب الخمر من غير إكراه ول ضرورة‪ ،‬فإن جمهور الفقهاء يقولون بص ّ‬
‫ح رّدته‪ ،‬فإذا ارتّد السكران ولو‬
‫في الطلق والبيع والشراء‪ ،‬فيقع طلقه على زوجته‪ ،‬ولكن ل تص ّ‬
‫سكر بمحظور‪ ،‬وتكّلم بكلمة الكفر‪ ،‬فل يحكم بكفره‪ ،‬لن الّرّد عبارة عن تبّدل العتقاد‪ ،‬وهو غير‬
‫معتقد لما يقول‪ ،‬بل هو ل يعي أساسا ما يقول‪ ،‬كالمغمى عليه‪.‬‬

‫***‬
‫الشباب‬

‫أي "الشباب" نعني؟‬ ‫‪-1‬‬


‫دور "الشباب" في المجتمع‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أي الشباب نعني؟‬ ‫‪-1‬‬

‫ذكرنا في "مراحل حياة النسان"‪ ،‬أن مرحلة "الشباب" هي "مرحلة الشّد"‪ ،‬والتي تبدأ من سن‬
‫البلوغ‪ ،‬على نحو ما بّيناه آنفا‪.‬‬

‫ونحن في كتابنا هذا‪ ،‬ل نريد أن نبحث في "مرحلة الشّد" كلها‪ ،‬بل سنركز الهتمام على القسم‬
‫الول منها الذي يبدأ من سن " الخامسة عشرة"‪ ،‬حيث يكون الشاب والشابة في سن المراهقة‪،‬‬
‫التي هي أخطر فترة في حياة النسان‪ ،‬وذلك لن "الشاب" في هذه الفترة يكون إندفاعه قويا‪،‬‬
‫ويتـأثر سريعا بما يقرأ أو يسمع أو يشاهد‪ ،‬ولهذا كانت أزمات "الشباب" في هذه الفترة أكثر‬
‫وأخطر‪.‬‬

‫ن التكليف‪ ،‬متتبعين أحواله‪،‬‬‫إننا نريد أن نرافق "الشاب" ـ ذكرا كان أو أنثى ـ منذ بداية بلوغه س ّ‬
‫مراقبين نمّوه وتطوره‪ ،‬الجسدي والفكري والسلوكي‪ ،‬لنرشده وننصحه‪ ،‬لئل يقع فريسة في أيدي‬
‫الفاسدين‪ ،‬ولكي ينمو بفكره وجسده معا‪ ،‬نموا سليما صحيحا‪ ،‬يكون به إنسانا مثاليا‪ ،‬وفردا من‬
‫أفراد المجتمع‪.‬‬

‫دور الشباب قفي المجتمع‬ ‫‪-2‬‬

‫إن "الشباب" هم‪ :‬أساس المجتمع البشري‪ ،‬فإن صلحوا صلح المجتمعن وإن فسدوا كان المجتمع‬
‫فاسدا‪ ،‬و"الشباب" غرس نما‪ ..‬وأزهر‪ ..‬وبدت تباشير ثماره‪ ..‬وهم سيكونون القادة‪ ..‬والحاكمون‪..‬‬
‫والضباط‪ ..‬وكبار الموظفين‪ ..‬والتجار‪ ،‬ورجال العمال‪ ..‬والساتذة والعلماء‪ ..‬إلخ‪ .‬فهل أحسن‬
‫توجيههم؟؟‪..‬‬

‫إن "الشباب" درر المجتمع‪ ،‬وجواهره الثمينة‪ ،‬وهم أكثر فئات المجتمع حبا للتضحية ولو‬
‫ل جيوش العالم من "الشباب"‪ ،‬وقامت "الثورات" بهم وعلى سواعدهم‪.‬‬ ‫بالنفس‪ ..‬ولذلك كانت ك ّ‬
‫وهم أكثر أتباع المرسلين عليهم الصلة والسلم‪ ،‬كما قال الحافظ إبن كثير في تفسير آيات "‬
‫أصحاب الكهف"‪} :‬فذكر تعالى أنهم }فتية{ وهم‪ ":‬الشباب"‪ ،‬وهم أقبل للحق‪ ،‬وأهدى للسبيل من‬
‫الشيوخ‪ ،‬الذين عتو في دين الباطل‪ ،‬ولهذا كان أكثر المستجيبين ل ولرسوله شبابا‪ ،‬وأما المشايخ‬
‫من قريش‪ ،‬فعاّمتهم بقوا على دينهم‪ ،‬ولم يسلم منهم إل القليل‪ ،‬وهكذا أخبر تعالى عن " أصحاب‬
‫الكهف"‪ :‬أنهم كانوا فتية شبابا[‪ ،‬فقال تعالى‪ }:‬إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى{‪.‬‬

‫و"الشباب" هم‪ :‬ناقلوا التراث والمجاد‪ ،‬من الباء الى الحفاد‪ ،‬وهم ذخر المجتمع وكنزه‪ ،‬فإذا‬
‫أفلست المة من شبابها‪ ،‬فقدت وجودها وانهار كيانها‪ ،‬لذلك كان سيدنا محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫يولي "الشباب" عنايته واهتمامه‪ ،‬فكان حريصا على استقرار نفوسهم بالزواج‪ ،‬لئل يقعوا في‬
‫الفواحش‪ ،‬فيفسدوا ويضيعوا وتتخطفهم المغريات والشهوات‪ ،‬روى المام مسلم‪ ،‬من حديث‬
‫عبدال بن مسعود‪ ،‬رضي ال عنه قال‪ :‬قال لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬يا معشر‬
‫ض للبصر وأحصن للفرج‪ ،‬ومن لم يستطع‬ ‫الشباب‪ ،‬من استطاع منكم الباءة فليتزّوج‪ ،‬فإنه أغ ّ‬
‫فعليه بالصوم‪ ،‬فإنه له وجاء"‪ ،‬و"الباءة"‪ :‬هي القدرة على تكاليف الزواج من مهر ونفقة‪،‬‬
‫و"الوجاء" يعني به هنا‪ :‬أن الصوم يكسر حّدة الشهوة‪.‬‬

‫شر النبي الكريم صلى ال عليه وسلم "الشاب" الذي ينشأ في طاعة ال تعالى‪ ،‬بانه سيكون‬
‫وقد ب ّ‬
‫يوم القيامة آمنا في ظل عرشه الظليل‪ ،‬فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة‪ ،‬رضي ال عنه‪،‬‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪ ":‬سبعة يظلهم ال في ظله يوم ل ظل إل ظله‪ :‬إمام عادل‪،‬‬
‫وشاب نشأ في عبادة ال عز وجل‪ ،‬ورجل قلبه معلق بالمساجد‪ ،‬ورجلن تحاّبا في ال اجتمعا‬
‫عليه وتفّرقا عليه‪ ،‬ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقل‪ :‬إني اخاف ال‪ ،‬ورجل تصّدق‬
‫بصدقة فأخفاها حتى ل تعلم شماله ما تنفق يمينه‪ ،‬ورجل ذكر ال خاليا ففاضت عيناه"‪.‬‬

‫ول شك في أن " الشباب" هم المعنّيون أكثر من غيرهم‪ ،‬بعدد من هؤلء الصناف‪ ،‬وفي هذا‬
‫اهتمام كبير بالشباب‪ ،‬وحرص شديد على دينهم وأخلقهم‪ ،‬ودنياهم وآخراهم‪..‬‬

‫ب الفتى‪ ":‬أسامة بن زيد"‪ ،‬رضي ال عنهما‪،‬‬ ‫وما تولية رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬للشا ّ‬
‫قيادة جيش فيه كبار الصحابة‪ ،‬إل دليل على رغبته صلى ال عليه وسلم في إعطاء "الشباب"‬
‫حقهم‪ ،‬وعدم إهمال كفاءاتهم‪ ،‬وكان "أسامة"‪ ،‬رضي ال عنه حينها‪ ،‬في العشرين من عمره‪ ،‬ولم‬
‫يأبه النبي صلى ال عليه وسلم باعتراض المنافقين‪ ،‬على توليته قيادة الجيش لصغر سنه‪ ،‬بل أّكد‬
‫انه أهل للقيادة وكفء لها‪.‬‬

‫وفي أيام حصار " الحزاب" للمدينة‪ ،‬في السنة الرابعة للهجرة‪ ،‬خرج عمرو بن عبد وّد‪،‬‬
‫المعروف ببأسه وقوته‪ ،‬ودعا المسلمين الى المبارزة‪ ،‬فلم ينبر له أحد‪ ،‬ولم يأذن الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬إل للشاب الفتى‪ ":‬علي بن أبي طالب"‪ ،‬رضي ال عنه‪ ،‬بمبارزته‪ ،‬فبارزه وقتله‪.‬‬

‫وما كتابنا هذا سوى قبسات من هدي الرسول المصطفى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬نحاول بها أن‬
‫نرشد شبابنا‪ ،‬وندّلهم على المنهج السليم‪ ،‬ونحذرهم من النحراف‪ ،‬والوقوع في حبائل الشياطين‪.‬‬

‫***‬
‫أزمات الشباب‬

‫تقديم‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫الزمات‪ :‬عامة‬ ‫‪-2‬‬
‫وخاصة‪.‬‬

‫تقديم‬ ‫‪-1‬‬

‫تعتبر "أزمات الشباب" ـ ذكورا وإناثا ـ جزءا من أزمات المجتمع بجميع فئاته‪ ،‬ولكنها الخطر‬
‫والضّر من بين الزمات كلها‪ ،‬لما للشباب من دور كبير في نهضة المة‪ ،‬كما ذكرنا في الفصل‬
‫السابق‪.‬‬

‫ولقد سبق أن بّينا معنى‪ " :‬الزمة"‪ ،‬ولماذا اخترنا تسمية الكتاب بـ " أزمات الشباب"‪ ،‬وملخصه‬
‫أن " الزمة" هي‪ :‬الشدة‪..‬ومعنى "الشدة" واسع‪ ،‬يشمل كل ما يضايق النسان‪ ،‬أو يضّره أو‬
‫يؤذيه‪ ،‬سواء أكان بفعله وكسبه هو‪ ،‬أم بفعل سواه وجنايته عليه‪.‬‬

‫ل بالناس‪ ،‬لما استطاع‬


‫وإذا أراد أحد أن يعّد " الزمات"‪ ،‬ويحصي الضوائق والشدائد التي تح ّ‬
‫إحصاءها‪ ،‬لنها ـ وللسف ـ في عصرنا كثيرة جدا‪ ،‬وكذلك المر فيما لو أراد أحد تضنيفها‬
‫وتبويبها‪ ،‬فإنه لن يصل إلى قرار واحد في هذا الموضوع‪ ،‬فيبقى المر بحسب النظرة‪ ..‬والخبرة‪..‬‬
‫واللهام‪...‬‬

‫صلنا إليها في‬


‫نقول هذا لنستبق به أي إعتراض‪ ،‬قد يدلي به معترض‪ ،‬على النتيجة التي تو ّ‬
‫تقسيم " الزمات"‪ ،‬وفي تحديد أهمها وأخطرها على الشباب‪ ،‬كما سترى‪ ،‬فنحن ل نرى أن‬
‫الطريقة التي سلكناها في هذا المجال هي الطريقة الوحيدة الفريدة‪ ،‬وأن ما سواها خطأ‪ ،‬بل إن‬
‫عرضنا التالي للزمات‪ ،‬ما هو إل وسيلة‪ ،‬اعتمدناها على هذا النسق‪ ،‬لتبسيط المسائل‪ ،‬وتسهيل‬
‫عرضها وبحثها وبيانها‪ ..‬وفي مطلق الحوال‪ :‬فإن هذه هي وجهة نظرنا في هذا الشأن الخطير‪..‬‬
‫فإن كان لحد غيرنا وجهة نظر أخرى فليدل بها‪ ،‬ليحصل التكامل والتعاون‪ ..‬وال المستعان‪...‬‬

‫***‬

‫صة‬
‫" الزمات"‪ :‬عاّمة‪ ،‬وخا ّ‬ ‫‪-2‬‬

‫يمكن فرز " الزمات" وقسمتها الى قسمين هما‪ " :‬الزمات العامة"‪ ،‬و" الزمات الخاصة"‪،‬‬
‫والفارق ما بين النوعين هو‪ ":‬التسبب أو الكسب"‪ ،‬فما كان منها بكسب النسان على نفسه فهي‪":‬‬
‫أزمة خاصة"‪ ،‬كترك الصلة‪ ،‬وشرب الخمور‪ ،‬فتارك الصلة وشارب الخمر‪ ،‬هو الذي كسبت‬
‫يداه هذا المنكر‪ ،‬وجنى به على نفسه‪ ،‬وسّبب لها الثم واستحقاق العقاب‪.‬‬
‫أما وقوع " الشباب" في " الضياع‪ "..‬وتوجيههم التوجيه السيئ الفاسد‪ ،‬فذاك ليس من كسبهم‬
‫في الصل‪ ،‬بل هو من كسب سواهم من المسؤولين والمتسلطين على المة‪ ،‬وما الناس عامة‬
‫و"الشباب" خاصة‪ ،‬سوى ضحية من ضحايا تلك التصرفات السيئة‪ ،‬لولئك المتسلطين‪ ..‬والجميع‬
‫متضررون من هذه المصائب ـ كما هو مشاهد ـ فهي وأمثالها " أزمات عامة"‪ ،‬كما سنبين لحقا‪.‬‬

‫ن أحد‪ :‬أننا ننسب هذه "الزمات" إلى جميع الشباب‪ ،‬وأننا نراهم جميعا متورطين‬ ‫ول يفهم ّ‬
‫ن بالمسلمين عاّمة‪ ،‬وبالخص "‬ ‫فيها‪ ..‬فهذا ليس مطابقا لمرادنا ول للواقع‪ ..‬فنحن نحسن الظ ّ‬
‫الشباب" الذين نحبهم‪ ،‬ونحرص عليهم‪ ،‬ونريد لهم كل خير‪ ..‬فهم إخواننا‪ ..‬وأبناؤنا‪ ..‬وحملة فكرنا‬
‫ل بالمجتمع كالمرض الفتاك‪ ..‬نحاول مع المصلحين‪..‬‬ ‫وأمجادنا وتراثنا‪ ..‬ولكنها "أزمات"‪ ..‬تح ّ‬
‫مكافحتها وتحذير شبابنا منها‪ ،‬ليعوا الخطر ويجتنبوه‪ ..‬ويصّدوه ويرّدوه‪ ..‬ويزيلوا أسبابه‬
‫ومسّببيه‪..‬‬

‫***‬
‫الزمات العامة‪:‬‬

‫أول‪ :‬الفراغ الفكري‪.‬‬


‫ثانيا‪ :‬تدني المستوى العلمي‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الزمات الجتماعية‪:‬‬
‫أزمة العمل‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫سكن‪.‬‬‫أزمة ال ّ‬ ‫)‪(2‬‬
‫)ج( أزمة الزواج‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬التوجيه السيئ‪.‬‬

‫الزمات العامة‬

‫بناء على المعنى الذي أشرنا إليه آنفا‪ ،‬في تحديد المراد بالزمات العامة‪ ،‬فإن هذا النوع من "‬
‫الزمات" ينتج عن سوء تصّرف "الحاكمين"‪ ،‬أو إهمالهم لواجباتهم نحو الرعية‪ ،‬وأهم تلك‬
‫الزمات وأشّدها ضررا وسوءا في نظرنا هي التالية‪:‬‬

‫أول‪ :‬الفراغ الفكري‬

‫نعني بهذا العنوان‪ :‬أنه‪ ..‬ل هدف للشباب‪ ..‬ول رسالة‪ ..‬ول مسؤولية‪ ..‬فإذا سئل أي شاب اليوم‪":‬‬
‫ما هو هدفك في الحياة؟!‪ "..‬فبماذا سيجيب؟‪ ..‬كلنا يعرف جوابه‪ ..‬المألوف‪ ..‬المعروف‪ ،‬إنه‬
‫سيقول‪ :‬هدفي‪ :‬إكمال الدراسة الجامعية‪ ..‬ثم‪ ..‬وظيفة‪ ...‬ثم زواج‪ ..‬ثم عيشة هنّية رغيدة‪ ..‬وسيارة‬
‫مرتبة‪ ..‬إلخ‪.‬‬

‫أصحيح‪ :‬أن هذا هو هدف " الشاب" المسلم؟؟‪ .‬أهذا هو الهدف السامي الذي لجله خلق‪..‬‬
‫ولتحقيقه يسعى ويتعب‪..‬؟؟!‪ ..‬إذن‪ :‬فما هو الفارق ما بينه وبين الملحد‪ ..‬والمشرك‪..‬‬
‫والفاجر‪..‬؟؟!!!‬

‫ليس صحيحا كما يظنه الكثيرون من الشباب‪ ":‬هدف"‪ ..‬فهم فهموا المور كما صّوروها لهم‪..‬‬
‫فهكذا علموهم في المدارس‪ ..‬والمعاهد‪ ..‬وهكذا لقنوهم عبر وسائل العلم‪ ..‬فغرسوا في عقولهم‪:‬‬
‫أن هدفهم الخير‪ ..‬والعلى‪ ..‬والسمى‪ ..‬هو‪ :‬شهادة عالية‪ ..‬أو‪ :‬عليا‪ ..‬ثم وظيفة‪ ..‬محترمة‪..‬‬
‫براتب كبير‪ ..‬إلخ‪.‬‬

‫إن "الوالد" منذ يدخل المدرسة في مرحلة الحضانة‪ ..‬حتى يتخّرج من الجامعة ـ هذا إن أتيح له‬
‫ذلك ـ ماذا يقال له؟؟ وفي أي شيء يطلب منه أن يفّكر؟‪:..‬‬
‫يقال له‪ :‬اهتّم بنفسك ومستقبلك‪ ..‬ول تهتم بسواك‪ ..‬فل فائدة لك في ذلك‪ ..‬أّمن لنفسك‪ :‬الشهادة‪..‬‬
‫والوظيفة‪ ..‬والراتب العالي‪ ..‬والعروس‪ ..‬والسيارة‪ ..‬وعش حياتك‪ ..‬ودع سواك‪..‬‬

‫يقال له‪ :‬ماذا يعنيك أنت غير نفسك؟‪ ..‬أّما مصالح المة‪ ..‬ودين المة‪ ..‬وكرامة المة‪ ..‬فليس‬
‫ذلك شغلك‪..‬‬

‫يقال له‪ :‬ذهبت أيام الفتوحات‪ ..‬وحمل السلم الى العالمين‪ ..‬فلست مسؤول عن إيمان غيرك‪..‬‬
‫أو عدم إيمانه‪ ..‬فاترك هذا المر للمشايخ‪ ..‬وعلماء الدين‪..‬‬

‫يقال له‪ :‬لست مسؤول إل بالدفاع عن وطنك‪ ..‬وطنك هذا الصغير‪ ..‬المسمى بـ "دولة ‪ ..‬كذا‪،"..‬‬
‫فأنت ل تنتسب إلى غيره‪ ،‬فأنت‪ :‬مصري‪ ..‬نيجيري‪ ..‬باكستاني‪ ..‬تركي‪ ..‬أرأيت؟؟‪ ..‬فدافع عن‬
‫"النظام" ‪ ..‬ل عن سواه‪..‬‬

‫حدهم " الدين"‪ ..‬وهم ل يزالون مسلمين‪ ..‬وعدد‬ ‫يقال له‪ :‬المسلمون في العالم‪ ":‬أمة واحدة"‪ ..‬و ّ‬
‫دولهم تجاوزت الخمسين‪ ..‬وكل "دولة‪ "..‬تهتم برعاياها‪ ..‬فل تهتم أنت بغير أبناء وطنك الذي‬
‫تجّذرت جذوره في أسفل الرضين‪ ..‬وشمخت الى العالي‪ ،‬من دون أن يقولوا له‪ :‬من الذي رسم‬
‫حدود تلك الدول؟‪ ..‬ولماذا رسموها؟‪ ..‬وما حكم السلم فيها؟‪..‬‬

‫يقال له‪ :‬إن "اليهود"‪ ،‬قد احتلوا بلد "فلسطين"‪ ..‬ونحن مع "أهل فلسطين"‪ ..‬إن صالحوا اليهود‬
‫صالحنا معهم؛ وإن رفضوا الصلح وأرادوا الحرب‪ ..‬فلن نحارب معهم‪ ..‬فاترك "فلسطين"‬
‫لهلها‪ ..‬وحافظ على بلدك‪..‬‬

‫يقال له‪ :‬إن أجمل بلد الدنيا‪ :‬بلدك‪ ..‬وإن أقدس بلد الرض‪ :‬أرض بلدك‪ ..‬وإن أعدل‬
‫"الحاكمين" وأعظمعهم‪ :‬هم حاكومك‪ ..‬فحافظ على "وطنك‪ "..‬المحّدد‪ ..‬دون سواه‪ ..‬وأعلن‬
‫ولءك المطلق لحاكمك‪ ..‬دون سواه‪ ..‬وإن شكوت من ‪ :‬الظلم‪ ..‬والحرمان‪ ..‬والكبت‪ ..‬والرهاب‪..‬‬
‫إلخ‪ .‬فاعلم أيها المواطن‪ :‬أن هذه المور التي تشكو منها‪ ،‬ما هي إل إبر الّنحل‪ ..‬التي ل بد منها‬
‫لمن يجني العسل‪..‬و" ضرب الحبيب زبيب"‪ ..‬كما قال المثل‪..‬‬

‫يقال له‪ :‬أنت عندما ستدخل "الخدمة العسكرية"‪ ،‬أو تنتسبق الى "لجيش"‪ ،‬فأنت تقوم بواجب‬
‫"وطني"‪ ..‬وواجب "قومي"‪ ..‬إذ أنت أول‪ :‬تحمي "النظام‪ "..‬الذي ل مثيل له في الدنيت‪ ..‬وثانيا‪..‬‬
‫وأخيرا‪ ..‬أنت تخدم نفسك بخدمة "النظام‪ .."..‬فاشكر ربك على هذه النعمة‪..‬‬

‫هذا بعض ما يحشون به أفكار "الشباب" في عصرنا‪ ..‬فأين هو‪" :‬الهدف‪"..‬؟؟‪ .‬وأين هي رسالة‬
‫المسلم ومهمته؟؟‪ ..‬وأين هو دور المة السلمية‪ ،‬التي جعلها ال عز وجل شاهدة على المم‬
‫كافة‪ ،‬بقوله تعالى‪ }:‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكون شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم‬
‫شهيدا{‪ ،‬وقوله سبحانه‪ }:‬وجاهدوا في ال حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من‬
‫حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سّماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا‬
‫شهداء على الناس{‪ ،‬ومفهوم "الشهادة" هنا‪ :‬هو الشراف والتوجيه والرشاد‪.‬‬

‫أين هو هدف‪ ":‬الجهاد في سبيل ال‪ "..‬لنشر السلم وحمل هداه الى كل أنحاء العالم؟؟‪ ..‬وهل‬
‫يرّبى "الشباب" في زماننا‪ ،‬كما رّبى رسول ال صلى ال عليه وسلم أصحابه؟؟‪..‬‬
‫ي الشاب‪ ":‬قثم بن العباس بن عبدالمطلب"‪ ،‬في مدينة "سمرقند" إحدى مدن‬ ‫لقد كات التابع ّ‬
‫جمهورية " أوزبكستان"‪ ،‬الواقعة حاليا تحت السلطة الشيوعية الروسية‪ ،‬وقبره فيها معروف‪ ،‬فما‬
‫الذي أخرجه من "المدينة المنورة" في بلد الحجاز‪ ..‬ليموت في تلك البلد البعيدة‪..‬؟؟‪ ..‬إنه‪:‬‬
‫"الهدف‪ .. "..‬إنه‪ :‬نشر السلم‪ ..‬إنه‪ :‬الفتح‪ ..‬فهو " شاب" لم يفهم الحياة تحصيل شهوات وتحقيق‬
‫رغبات‪ ..‬ولم يفهم " السلم" إل‪ :‬رسالة‪ ..‬وهدى‪..‬‬

‫هكذا فهم المسلمون السلم‪ ..‬وعلى هذا رّبوا شبابهم‪ ..‬فتتالت أجيال من " الشباب"‪ ،‬كانوا حملة‬
‫رسالة‪ ،‬وأصحاب " هدف"‪ ..‬ففتحوا البلد شرقا وغربا‪ ،‬وأناروا الكون بنور السلم‪..‬‬

‫لقد كانت أمتنا قوية كريمة‪ ،‬عندما كان لها " هدف"‪ ..‬ولشبابها "غاية"‪ ..‬أما الن فأوهموها بأن‪:‬‬
‫ل هدف لنا‪ ..‬وضّيعوا شبابنا‪ ..‬وأطفأوا فيهم شعلة الحماس‪ ..‬فصاروا على غير هدى يسيرون ‪..‬‬
‫وإلى غير هدف يسعون‪ ..‬بل وعكس " الهدف" المنشود يعملون‪..‬‬

‫وبإختصار نقول‪ :‬شبابنا فارغ الفكر‪ ..‬بل رسالة ول هدف‪ ..‬إل ما شغلوه به‪ ،‬ومن اهتمامه‬
‫بنفسه‪ ،‬وبترتيب أمور معيشته‪ ،‬حتى انطبق عليهم قول الشاعر‪:‬‬
‫دع المكارم ل ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي‬

‫ثانيا‪ :‬تدّني المستوى العلمي‬

‫"العلم نور"‪ ،‬و"النور" هدى وبصيرة ووعي‪ ،‬و"الجهل"‪ :‬ظلمات‪ ،‬وثّمة فرق كبير بين‬
‫المرين‪ ،‬فهما ل يستويان مطلقا‪ ..‬قال ال عز وجل‪ }:‬قل هل يستوي الذين يعلمون والذين ل‬
‫يعلمون{‪ ،‬وقال تعالى‪ }:‬وما يستوي العمى والبصير* ول الظلمات ول النور* ول الظل ول‬
‫الحرور* وما يستوي الحياء ول الموات{‪.‬‬

‫وإن مستوى الوعي عند النسان‪ ،‬يتحّدد بمستواه العلمي‪ ،‬فكلما ازداد علما ازداد وعيا وفقها‬
‫ومعرفة‪ ،‬لذلك أرشد ال تعالى رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم‪ ،‬إلى طلب الزيادة في العلم فقال‬
‫ث لها على تحصيل العلم‪ ،‬والستزادة‬ ‫ب زدني علما{‪ ،‬وهذا إرشاد للمة كلها‪ ،‬وح ّ‬ ‫له‪ }:‬وقل ر ّ‬
‫منه دائما‪.‬‬

‫و"الشباب" هم طلبة العلم في الغالب‪ ،‬فهم تلميذ المعاهد والجامعات‪ ،‬وهم المتخرجون وحملة‬
‫الشهادات‪ ،‬وهم حاملوا أمانة العلم‪ ،‬ومسؤولية تعليم الجيال‪ ،‬فبمقدار علمهم يعّلمون‪ ،‬وعلى حسب‬
‫ي لدى "الشباب" عاليا‪ ،‬كانت‬
‫مستواهم ومعرفتهم يدّرسون ويرّبون‪ ،‬فكلما كان المستوى العلم ّ‬
‫قدرتهم على العطاء أقوى وأكبر‪.‬‬

‫لقد جزمنا من خلل عنوان هذا البند‪ ،‬بأن المستوى العلمي قد تدّنى وهبط‪ ،‬وهذا ما قد يستغربه‬
‫الكثيرون‪ ،‬وربما اعتبروه غير صحيح‪ ..‬مستندين في ذلك الى‪ :‬وجود هذه العداد الكبيرة من‬
‫المدارس والمعاهد والجامعات‪ ،‬على اختلف اختصاصاتها العلمية‪ ،‬وإلى‪ :‬الفواج التي ل تكاد‬
‫تحصى من الطلبة في بلد المسلمين‪..‬‬

‫إن رّدنا على هؤلء‪ ،‬ل ينطبق من معارضة في " أرقام عددية" للمعاهد والجامعات‪ ،‬أو‪ :‬للطلبة‬
‫والمتخرجين‪ ،‬فنحن ل نناقش في "الكم والعدد"‪ ،‬ول ننكر وفرة دور التعليم‪ ،‬وكثرة المتعلمين‪،‬‬
‫ولكننا بنينا حكمنا بتدّني المستوى العلمي في عصرنا‪ ،‬على ما يسّمى بـ "النوعية‪ ،"..‬أي‪ :‬على‬
‫مستوى البرامج المقررة‪ ،‬والنتجية العلمية التي يحصل عليها الطالب في آخر المطاف‪ ،‬ونطرح‬
‫بالتالي هذا السؤال‪ :‬هل الشاب المتخرج بشهادة علمية ما‪ ،‬هو فعل بالمستوى العلمي الصحيح‬
‫صل ذلك الطالب علما يوازي مستوى الشهادة الورقية التي منحت‬
‫لتلك الشهادة؟؟‪ ..‬أي‪ :‬هل ح ّ‬
‫له؟؟‪..‬‬

‫صلها "الشباب"‪ ،‬هي بمستوى الشهادات التي تمنح لهم‪ ،‬ول نرى‬‫إننا ل ترى أن العلوم التي يح ّ‬
‫أن " الشاب" المتخرج قد استوعب العلم الذي تخصص فيه‪ ،‬إل ما ندر‪ ..‬والنادر ل حكم له‪..‬‬
‫وهذه كارثة حّلت بالشباب‪ ،‬ل يد لهم فيها‪ ،‬ومكيدة دّبرت بحقهم‪ ،‬وهم ل يعلمون‪.‬‬

‫نقول هذا‪ ،‬ل لنلقي اللوم والمسؤولية على " الشباب"‪ ،‬وإنما لنبين‪ :‬أن " الشباب" هم الضحية‪،‬‬
‫وأن الذين مسخوا‪ ..‬البرامج‪ ..‬والمقررات‪ ..‬والمواد‪ ..‬وساعات التدريس‪ ..‬وسنوات التعليم‪ ..‬لم‬
‫يريدوا بالمة من خلل شبابها إل السوء والذى‪.‬‬

‫فتحت شعار "التطوير" أو‪" :‬التحديث‪ ،"..‬مسخت المقررات‪ ،‬وطار العلم‪ ..‬وحدث التجهيل‬
‫ظم‪ ..‬ضمن خطة خبيثة محكمة‪ ،‬أعّدها أعداؤنا ونّفذوها بدقة‪ ..‬فصارت الدراسات عبارة عن‬ ‫المن ّ‬
‫"أخذ فكرة‪ "..‬عن العلوم‪ ،‬ل أكثر ول أقل‪ ،‬أي‪ :‬مجرد تعّرف على العلوم المقررة‪ ،‬حتى العلوم‬
‫الشرعية‪ ،‬لم تنج من أيدي العابثين‪ ،‬والقصد من ذلك كله‪ :‬تخريج أفواج غير عالمة‪ ..‬ل بعلوم‬
‫الدين‪ ..‬ول بعلوم الدنيا‪ ..‬ومعلوم كم الخطر كبير من مثل هؤلء‪ ،‬على المة وأجيالها‪ ،‬وقد حذرنا‬
‫النبي الكريم صلى ال عليه وسلم من مثل هؤلء‪ ،‬فيما رواه البخاري ومسلم‪ ،‬عن عبدال بن‬
‫عمرو بن العاص‪ ،‬رضي ال عنهما قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪ ":‬إن ال ل‬
‫يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس‪ ،‬ولكن يقبض العلماء‪ ،‬حتى إذا لم يبق عالما‪ ،‬اتخذ الناس‬
‫رؤساء جهال‪ ،‬فسئلوا فأفتوا بغير علم‪ ،‬فضّلوا وأضّلوا"‪.‬‬

‫إننا نفتقد في " شبابنا" العلماء بحق في جميع العلوم‪ ،‬فأين علماء الدين؟؟‪ ..‬وأين الدباء‬
‫والشعراء؟؟‪ ..‬وأين الباحثون والمخترعون؟؟‪ ..‬بل‪ :‬وأين الضباط والعسكريون الفذاذ؟؟‪.‬‬

‫إننا نعجب كل العجب من واقعنا العلمي المتخلف‪ ..‬وواقع الغرب العلمي المتقدم‪ .‬ونحن‬
‫المؤسسون للعلوم‪ ..‬الرّواد في جميع المجالت والختصاصات‪...‬‬

‫إننا نرى في بلد العرب خاصة والمسلمين عامة‪ ،‬أن في طريق العلوم عوائق‪ ..‬وحواجز‪ ..‬بينما‬
‫سبيل العلم في الغرب مفتوح على سعته‪ ..‬ونرى "المتحانات" أشبه باللغاز‪ ..‬لتعجيز الطالب‪.‬‬
‫وتفشيله وإدخال اليأس من نفسه في قلبه‪.‬‬

‫وهنا نسأل‪ :‬هل هكذا تعلم سلفنا وعلموا؟؟‪ ..‬هل كانوا يعطون " الجازة‪ "..‬لي " طالب"‪ ،‬كتب‬
‫على أوراق "الجابة" كلما وافق السؤال‪ ،‬ولو من دون علم؟؟‪ ..‬هل كانوا يلقنون الطلبة من كل‬
‫علم مسائل منثورة‪ ،‬ومعلومات عامة متفرقة‪ ..‬هل كانوا يمتحنون الطلبة بـ "المقروء‪ "..‬من‬
‫"المقرر‪ "..‬فقط‪ ،‬وهو القليل من الكثير؟؟‪ ..‬الجواب عن كل ذلك هو‪ :‬ل‪ ..‬لم يكن أمرهم كذلك‪ ،‬بل‬
‫كان "العلم" يطلب من المهد الى اللحد‪ ..‬وشعارهم‪ :‬أعط العلم كلك ليعطيك بعضه‪ .‬ومن طلب‬
‫العلى سهر الليالي‪ ..‬وكان الهدف الوحيد عندهم‪ :‬طلب العلم لوجه ال تعتالى‪ ،‬وابتغاء رضوانه‪،‬‬
‫فكان في علمهم كل البركة والخير‪ ،‬فنفعهم ال تعالى بعلمهم‪ ،‬ونفع لهم المة‪ ،‬وكانوا خير أمناء‬
‫على حمل العلوم‪ ..‬إلى الجيال‪.‬‬
‫لذلك ندعو الى تعديل جذري لساسات التعليم‪ ،‬واعتماد مناهج ومقررات وافية‪ ،‬وإلى إعطاء‬
‫الطلبة الوقت الكافي لدراستها وإتقانها‪ ،‬وإلى فتح أبواب العلوم على مصارعها أمام الطلبة‪،‬‬
‫ومنحهم كل الرعاية والهتمام‪ ،‬ليتخّرجوا "علماء" بكل معنى الكلمة‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الزمات الجتماعية‬

‫نعني بهذا العنوان ثلث أزمات هي‪:‬‬


‫أزمة العمل‬
‫أزمة السكن‬
‫أزمة الزواج‪.‬‬

‫وذلك لن "الشاب" ينشأ في "أسرة"‪ ،‬وأسرته تؤمن له "مصروفه"‪ ..‬و"مسكنه"‪ ..‬ويكون‬


‫ن الزواج المألوفة‪ ،‬فهو في الغالب "طالب‪ "..‬يتابع الدراسة‪ ،‬ولكنه فور‬
‫"عزبا"‪ ..‬لنه لم يبلغ س ّ‬
‫تخّرجه‪ ،‬أو عندما يتوقف عن متابعة الدراسة‪ ،‬فإنه يتجه إلى البحث عن "عمل"‪ ..‬ليؤمن دخل‬
‫له‪ ..‬ثم‪ :‬منزل‪ ..‬ثم زوجة‪ ..‬ليستقّر ويعيش‪ ...‬وهذا بديهي في كل إنسان‪ ،‬وأمر فطري‪ ،‬فطره ال‬
‫عز وجل عليه‪.‬‬

‫ل شك في أن " الشباب"‪ ،‬وفي أول مواجهة لهم مع الواقع‪ ،‬يشعرون بوطأة " ال‪.‬مة"‪..‬‬
‫ويعرفون ما هي؟؟‪ ..‬وما تحدثه في نفس النسان من حسرة وتعاسة‪ ،‬وتزداد حسرة النسان‬
‫وتعاسته‪ ،‬إذا واجه "الزمات" وحده‪ ،‬من دون أبوين يساعدانه‪ .‬أو مسؤول يمّد اليه يد العون‪...‬‬

‫و"الشباب" في عصرنا يعانون من كل أنواع الزمات‪ ،‬ومن جملتها " الزمات الجتماعية"‬
‫التي ذكرنا أهمها وأخطرها‪ ،‬وهي‪" :‬العمل‪ ،‬والسكن‪ ،‬والزواج"‪ ،‬فمما ل شك فيه‪ :‬أن الشاب في‬
‫غالب الحال‪ ،‬ل يعرف ماذا يعمل‪ ..‬وإن كان له اختصاص‪ ..‬فل يجد عمل‪ ..‬إل بعد جهد‬
‫ووساطات‪ ،‬أما " الجر"‪ ..‬أي الراتب والمعاش‪ ..‬فهو أيضا هّم آخر‪ ،‬وأزمة أخرى‪ ،‬فغالبا ما‬
‫يكون الجر أو‪ :‬الراتب دون حّد الكفاية‪ ،‬بحيث ل يشعر هذا العامل أو الموظف‪ ،‬بالكفاية‬
‫ل أسير الحاجة‪ ،‬ليظل أسير صاحب العمل‪ ،‬أو‪ :‬أسير الوظيفة‪ ،‬فهو‬ ‫والسعادة في حياته أبدا‪ ،‬بل يظ ّ‬
‫يختار أهون الشّرين وأخف الضررين‪ ،‬لنه إذا ترك العمل أو إستقال من تلك الوظيفة‪ ،‬فلن يجد‬
‫عمل آخر‪ ،‬وإن وجد بعده عناء‪ ..‬فلن يكون أجره وراتبه أعلى وأكبر‪..‬‬

‫أما "أزمة السكن" ‪ ..‬فأمرها عجيب‪ ..‬وكأن الدنيا ضاقت بأهلها وعلى أهلها‪ ..‬ففي كل أنحاء‬
‫العالم يوجد " أزمة سكن‪ ،"..‬مع وفرة الموال والرض في كثير من البلد‪ ..‬حتى بات الحصول‬
‫على "مأوى‪ "..‬ولو غرفة واحدة‪ ..‬هدفا كبيرا‪ ..‬وإن توفر للنسان هذا الهدف‪ ..‬فهو محظوظ ‪..‬‬

‫أما " أزمة الزاج"‪ ،‬فهي مرتبطة بالزمتين السابقتين‪ ،‬إذ ل زواج من دون عمل أو مسكن‪،‬‬
‫ولكي ندرك خطر هذه الزمة‪ ،‬فإن علينا أن نتذكر‪ :‬كم الشاب وهو في مقتبل العمر يتمناه‪..‬‬
‫ويطلبه ويسعى إليه‪ ..‬فهو حاجة شخصية دافعة‪ ..‬ورغبة شديدة جعلها ال تعالى في النسان‪..‬‬
‫لبقاء النوع البشري‪ ،‬واستمرار التناسل النساني‪ ،‬حتى يرث ال الرض ومن عليها‪.‬‬

‫وهنا ل بد من التساؤل‪ :‬ما هو سبب هذه الزمات؟؟‪ ..‬وما هو الحل والمخرج منها؟؟ وجوابنا‬
‫عن ذلك بإختصار هو‪ :‬أن الزمات ل تكون إل بسبب وجود خلل‪ ،‬ومعلوم أن النظكة المعمول‬
‫بها في أكثر بلد المسلمين في عصرنا‪ ،‬هي أنظمة وقوانين مستوردة من الخارج‪ ،‬فاشلة خاسرة‪،‬‬
‫ل خير فيها للبشرية ول فائدة‪ ،‬بل هي سبب كل الزمات والمصائب التي تحل بالناس‪.‬‬

‫أما الحل‪ :‬فهو بطرح جميع هذه المخلفات المستوردة من النظمة جانبا‪ ،‬ثم‪ :‬بتطبيق احكام‬
‫س الناس بالسعادة‪ ،‬ويتوفر لهم المن‪،‬‬‫السلم كلها‪ ،‬في جميع مجالت الحياة‪ ،‬فعند ذلك يح ّ‬
‫والطمئنان‪ ،‬والسلم‪.‬‬
‫ويكفي هنا أن نشير الى بعض ما يحظى به الناس من حكم السلم‪ ،‬وذلك بما كتبه الخليفة‬
‫العادل عمر بن عبدالعزيز‪ ،‬رحمه ال تعالى إلى ولته‪ ،‬قائل لهم‪:‬‬

‫]ل بد لكل مسلم من‪:‬‬

‫مسكن يأوي إليه‪..‬‬


‫وخادم يكفيه مهنته‪..‬‬
‫وفرس يجاهد عليه عدّوه‪..‬‬
‫وأثاث في بيته‪..‬‬

‫فوّفروا ذلك كله‪ ..‬ومن كان غارما فاقطوا عنه دينه‪.[..‬‬

‫رابعا‪ :‬التوجيه السيئ‬

‫ينشأ الولد في أسرة‪ ،‬وفي مجتمع‪ ،‬وهو حين ولد‪ ،‬كان على الفطرة السليمة‪ ،‬صفحة بيضاء نقية‪،‬‬
‫كله براءة وطهارة‪ ،‬في أقواله وتصرفاته كافة‪ ،‬حتى يتدخل في فكره وعقيدته وسلوكه متدخل‪ ،‬من‬
‫أب‪ ،‬أو أم‪ ،‬أو‪ :‬ولي لمره‪ ،‬أو معلم‪ ،‬أو حاكم‪ ،‬أو صديق‪ ،‬فتزول تلك البراءة‪ ،‬في أكثر الحوال‪،‬‬
‫ل في الشباب عقيدة البوين‪ ،‬ويتأثر بأخلق أستاذه‪ ،‬وتوجيه حاكميه المبثوثبواسطة وسائل‬
‫وتح ّ‬
‫العلم‪.‬‬

‫إن "الشباب" في زماننا‪ ،‬واقعون تحت تأثير توجيه متعارض‪ ،‬متضارب‪ ،‬متناقض‪ ،‬ينتهي بهم‬
‫الى الضياع والفراغ‪ ،‬فهم يقرأون في الكتب والمنشورات‪ ،‬ويسمعون ويشاهدون بأجهزة العلم‪،‬‬
‫المرئية والمسموعة‪ ،‬جميع المتعارضات من الفكار‪ ،‬فيطرح عليهم‪ :‬عقائد اليمان‪ ،‬وأقاويل‬
‫ت ول فصل‪ ،‬وتلقى عليهم المعلومات مجترأة مبتورة‪ ،‬أو مشوهة‬‫اللحاد والزندقة‪ ،‬من دون ب ّ‬
‫مغشوشة‪.‬‬

‫إنهم يسمعون عن "العدل" وعنه يقرأون‪ ..‬لكنهم في الواقع ل يرونه‪ ،‬بل يرون‪ :‬أن الحق دائما‬
‫مع القوي‪ ..‬مع زمرة الحاكمين‪ ..‬وأعوان الحاكمين‪ ..‬أما الضعيف‪ ..‬والفقير‪ ..‬ومن ل سند له‪ ..‬فل‬
‫شيء له‪..‬‬

‫إنهم يقرأون ويسمعون عن " الداب" العامة والخاصة‪ ،‬وعن " الخلق"‪ ..‬ولكنهم يفاجأون بما‬
‫ينسف أسس الخلق والداب‪ ،‬من مجلت وكتب "شهوانية" ـ جنسية ـ‪ ،‬وأفلم عربية‪..‬‬
‫نعم‪":‬عربية"‪ ..‬مخزية كلها دعارة‪ ..‬وسفالة ورذالة‪ ..‬وحقارة‪ ..‬ناهيك عن المسارح المليئة‬
‫بالتهريج‪ ..‬والمسخرة‪ ..‬وهزء الناس بعضهم ببعض‪ ..‬كل ذلك بإسم‪ ":‬الفن"‪ ..‬وبئس "الفن"‪..‬‬
‫فكيف سيستقيم شبابنا وشاباتنا في هذا الجو الموبوء؟؟!‪ ..‬وكيف ستصلح أخلقهم‪ ...‬وهم في هذا‬
‫الواقع يعيشون؟؟!‪..‬‬
‫إنهم يسمعون عن "الحرية"‪ ..‬حرية الوطن‪ ..‬وحرية المواطن‪ ..‬ولكنهم ل يرون من ذلك شيئا‬
‫على أرض الواقع‪ ،‬ل يعانون من التسلط‪ ،‬والكبت‪ ،‬والحرمان‪ ،‬ويرون "الوطن" أسير قوى‬
‫الشرق أو الغرب‪..‬‬

‫إن " الشباب" ل يجدون من يوجههم نحو الفضائل‪ ،‬ول من يأخذ بأيديهم الى هدف سام‪ ،‬وغاية‬
‫شريفة‪ ،‬ول من يرشدهم الى سبيل الرشاد والخير‪ ،‬بل هم مبتلون بالتوجيه السيء‪ ،‬ومزاعم‬
‫التربية والتعليم‪ ..‬فهم كالضحية بين يدي الجزار‪..‬‬

‫إن " الشباب" غرس بستان أهمله أهله‪ ،‬وتركوه عرضة للطفيليات‪ ،‬من الحشرات والنباتات‪،‬‬
‫فصارت كل غرسة منه‪ ،‬نهبا للطوارئ والعاديات‪ ،‬ولو أن أصحابه خدموه وحموه‪ ،‬واعتنوا به‪،‬‬
‫لصار "جنة"‪ ..‬يجنون منها أشهى الثمرات وأطيب الفواكه‪ ..‬فأين المربون؟؟‪..‬‬

‫***‬
‫الزمات الخاصة‬

‫القسم الول‪ :‬ترك الواجبات والطاعات‪.‬‬


‫القسم الثاني‪ :‬ارتكاب الفواحش وتعاطي الخبائث‪:‬‬
‫الزنا‪.‬‬ ‫‪(1‬‬
‫الخمور‪.‬‬ ‫‪(2‬‬
‫المخدرات‪.‬‬ ‫‪(3‬‬
‫التدخين‪.‬‬ ‫‪(4‬‬
‫الملهي‪.‬‬ ‫‪(5‬‬

‫الزمات الخاصة‬

‫أسلفنا في بداية هذا الفصل‪ :‬أن " الزمة الخاصة" هي‪ :‬التي يطلبها النسان بإرادته هو وكسبه‬
‫لها‪ ،‬فهو الذي يجنيها ويكسبها‪ ،‬مثل‪ ":‬ترك الصلة"‪..‬و" تعاطي المخدرات"‪ ..‬أما " الزمات‬
‫العامة" فهي التي ل يطلبها المجتمع‪ ،‬ول يسعى إليها‪ ،‬بل تلقى عليه ويلزم بها‪ ،‬كما ذكرنا آنفا‪.‬‬

‫إن " الشباب" أكثر طبقات المجتمع تعّرضا للزمات‪ ،‬بسبب توفر أسبابها فيهم‪ ،‬ففي "الشباب"‪:‬‬
‫كمال الصحة‪ ،‬وحّدة النشاط وهم أقل شغل من غيرهم‪ ،‬وهذه المور هي مجلبة المفاسد‬
‫والمتاعب‪ ،‬كما قال القائل‪:‬‬
‫إن الشباب والفراغ‪ ،‬والجده مفسدة للمرء‪ ،‬أي مفسده‬

‫فإذا كان النسلن‪ :‬شابا‪ ،‬فارغا ل هّم عنده‪ ،‬ول هّم له‪ ،‬نشيطا قوي الجسم‪ ،‬فقد استجمع أسباب‬
‫الوقوع في المفسدة‪ ،‬إل ما رحم ربي عز وجل‪.‬‬

‫لذلك جاء السلم بأحكام تمل وقت النسان‪ ،‬وتصرفه عن التفكير في الفساد‪ ،‬وتحميه من‬
‫إغراءات الهوى ووساوس الشيطان‪ ،‬كالصلة‪ ..‬وطلب العلم‪ ..‬ودوام ذكر ال تعالى‪ ..‬وصيام‬
‫التطوع‪ ..‬إلخ‪.‬‬

‫واعتبر ذلك حصنا ودرعا‪ ،‬يحمي النسان المسلم من المفاسد كافة‪ ،‬كما قال عز وجل في‬
‫"الصلة"‪ } :‬إن الصلة تنهى عن الفحشاء والمنكر{‪ ..‬وقال سبحانه‪ }:‬أل بذكر ال تطمئن‬
‫القلوب{‪.‬‬

‫ولكي يظل " الشاب" في مأمن من الخطار‪ ،‬فعليه‪ :‬أن يبقى حذرا متنبها‪ ،‬واعيا فطنا‪ ،‬وأن يمل‬
‫فراغ وقته بالعمل الصالح‪ ،‬وأن يجتنب كل المثيرت والمهيجات‪ ،‬من مجلت وصور وأفلم‬
‫ض البصر ويحفظ الفرج‪.‬‬
‫وأغاني وأن يغ ّ‬
‫ومما يستحسن للشاب أن يفعله بالضافة الى ما تقدم‪:‬‬

‫أن ل يأوي الى فراشه ال عندما يغلبه النوم‪.‬‬


‫وأن ل ينام على صوف‪ ،‬كجلد غنم‪ ،‬أو‪ :‬ما اشتبه‪.‬‬
‫وأن ينام على ذكر ال تعالى‪ ،‬بقراءة ما تيسر من السور القصار‪ ،‬والوردة المأثورة‪.‬‬
‫وأن ينهض من فراشه فور استيقاظه من النوم‪ ،‬من دون إبطاء‪.‬‬

‫إن هذه المور عبارة عن دروع وإحتياطات‪ ،‬تجعل الشباب ـ إذا هم طبقوها ـ في مأمن من‬
‫أخطار الزمات‪ ،‬وأضرارها وعواقبها‪ ،‬ومن دونها ل يبقى للشباب حماية ول وقاية‪ ،‬فتحل بهم‬
‫الزمات‪ ،‬ويقعون في المعاصي والسيئات‪.‬‬

‫بعد هذا نعود الى بيان " الزمات الخاصة"‪ ،‬والتي نرى‪ :‬أنها تنحصر في قسمين إثنين هما‪:‬‬
‫ترك الواجبات والطاعات‪ ،‬وفعل الفواحش والخبائث‪ ،‬فنقول‪:‬‬

‫القسم الول‪ :‬ترك الواجبات والطاعات‬

‫ن تركها خطر كبير‪،‬‬


‫مما ل شك فيه‪ :‬أن العبادة رحمة للعبد‪ ،‬وعون على التصدي لكل سوء‪ ،‬وأ ّ‬
‫وكارثة شنيعة حلت به‪ ،‬وأزمة شديدة وقعت عليه‪.‬‬

‫فالصلة‪ ،‬عماد الدين‪ ،‬تركها " أزمة" من دون سك‪ ..‬بل ومن أكبر الزمات التي تحل بالمسلم‪،‬‬
‫لن من عرف مكانة الصلة في السلم‪ ،‬وفضلها وعظيم ثوابها‪ ،‬وأنها أول ما يحاسب عليه‬
‫العبد يوم القيامة من عمله‪ ،‬وأنها حق ال تعالى على عبده الذي خلقه‪ ..‬وسّواه‪ ..‬ورزقه‪ ..‬وأنعم‬
‫عليه لما ل يحصى من النعم‪ ..‬وأنها مناعة للمسلم ضد الفساد‪ ،‬لنها تنهى المصلي عن الفحشاء‬
‫والمنكر‪ ،‬فإنه يدرك قيمة هذه العبادة‪ ،‬وأهميتها في حياته وآخرته‪ ،‬فل يتركها من بلوغه س ّ‬
‫ن‬
‫التكليف‪ ،‬حتى ياتيه الموت‪ ،‬عمل بقوله تعالى‪ }:‬واعبد ربك حتى يأتيك اليقين{‪.‬‬

‫وبالمقابل‪ :‬تظهر الزمة الشديدة التي يقع فيها المسلم‪ ،‬إن هو ترك "الصلة" عامدا‪ ،‬حيث‬
‫يعّرض نفسه لغضب خالقه عز وجل‪ ،‬ولعقابه وعذابه‪ ،‬وسوء مصيره‪ ،‬وفي الوقت عينه‪ ،‬يجّرد‬
‫نفسه من هذه الوقاية العظيمة‪ ،‬التي كانت تقيه الكثير من الفواحش والمنكرات‪ ،‬ويبقى عرضة‬
‫للوقوع في كثير من الضللت‪.‬‬

‫و"الزكاة"‪ ،‬التي هي "قنطرة السلم"‪ ،‬ودرع المجتمع المالي‪ ،‬أليس تركها أزمة؟؟‪ ..‬بل كارثة‪..‬‬

‫إن من أحاط علما بمكانة "الزكاة" في السلم‪ ،‬ودورها في إسعاد المجتمع ومساعدته‪ ،‬يعرف‬
‫قيمة هذا اركن العظيم من أركان السلم‪ ،‬ويعرف أيضا‪ :‬أن منعها عن مستحقيها وأصحابها‪ ،‬هو‬
‫عدوان على حقوق الفقراء‪ ،‬وسائر المستحقين للزكاة‪ ،‬وبخل بحق ال تعالى وعباده‪ ،‬وأكل لذلك‬
‫الحق بالباطل‪.‬‬

‫وعندما نتذكر‪ :‬أن خليفة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أبا بكر الصديق‪ ،‬رضي ال عنه‪،‬‬
‫عندما أصّر على مقاتلة الذين ارتدوا عن السلم‪ ،‬عقيب وفاة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫ن من فّرق بين‬
‫أصّر على مقاتلة الذين تركوا الصلة ومنعوا الزكاة‪ ،‬وأعلن ذلك قائل‪" :‬وال لقاتل ّ‬
‫الصلة والزكاة‪ ،"..‬ندرك كم كان رضوان ال عليه فقيها‪ ،‬وكم كان علما خبيرا‪.‬‬
‫صّديق رضي ال عنه‪ ،‬يعلم‪ :‬أن مجتمع السلم ل يقوم سليما‪ ،‬إل بالصلة والزكاة‪،‬‬ ‫لقد كان ال ّ‬
‫وسائر أركان السلم‪ ،‬فلذلك أصّر على قتال الجميع من دون هوادة‪ ،‬حتى أعاد الناس الى جاّدة‬
‫الصواب والحق‪ ،‬التي تركهم عليها سيدنا محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫أما "الصوم"‪ ،‬في شهر رمضان المبارك‪ ،‬ولمن شاء في غيره‪ ،‬فعبادة وطاعة‪ ،‬وقربة الى ال‬
‫ل عدم‬‫تعالى ل يعلم ثوابها إل هو عز وجل‪ ،‬أفليس ترك الصيام في رمضان أزمة؟؟‪ ..‬وأل يد ّ‬
‫الصيام من دون عذر مشروع‪ ،‬على ضعف نفس المفطر‪ ،‬وعلى حّبه لبطنه وشهوته؟؟!‪..‬‬

‫ل الفطار في رمضان‪ ،‬على حيوانية بهيمية‪ ،‬تهبط بالنسان المفطر هذا‪ ،‬إلى درك‬‫أل يد ّ‬
‫الحيوان العجم غير المكلف؟؟!‪..‬‬

‫إن إنسانا ل يصبر على تأخير وجبة طعام‪ ،‬من وقت الظهر حتى الغروب‪ ،‬ليس بإنسان‪ ..‬لن‬
‫مزية النسان الولى‪ :‬أنه يتحكم هو بشهواته‪ ،‬ل أن تحكمه شهواته‪ ..‬وأن يكون عقله سّيد هواه‪ ،‬ل‬
‫أن يكون هواه أسير عقله‪ ..‬وأن يؤثر الطاعة على المعصية‪ ،‬ورضاء ال تعالى على سخطه‪.‬‬

‫و"الحج" ذاك الركن الجامع العظيم‪ ،‬الذي جعله ال تعالى للمسلمين نعمة ورحمة‪ ،‬والذي هو‬
‫الركن الوحيد من أركان السلم الذي يجتمع فيه المسلمون من كل بقاع الرض‪ ،‬رغم ما فعله‬
‫العداء بهم من تفريق‪ ..‬وتمزيق‪ ..‬وتفتيت‪ .‬فترك "الحج"‪" :‬أزمة"‪ ..‬و" أزمة" شديدة‪ ..‬وخسارة‬
‫كبيرة‪. .‬‬

‫ول نستطيع أن ننسى "الجهاد"‪ ..‬عنفوان المة السلمية‪ ..‬وسبيل عزتها وكرامتها‪ ..‬وباب‬
‫المجاهدين الى "الجنة"‪..‬‬

‫إن " الجهاد" وسيلة من وسائل نشر السلم‪ ،‬وهداية العالم بنوره وهداه‪ ،‬عندما ل يكون أمامنا‬
‫سبيل سواه‪ ،‬فإذا لم يكن تعطيل "الجهاد" أزمة‪ ..‬فمتى تكون "الزمة"؟‪ ..‬وكيف؟؟‪ ..‬وبأي‬
‫شيء؟‪..‬‬

‫إن المسلمين لم يضعفوا إل عندنا صرف "الشباب" عن "الجهاد"‪ ،‬وغمسوا في اللهو‬


‫والشهوات‪ ..‬فلقد بذل أعداؤنا قصارى جهودهم‪ ،‬ليقتلوا في شبابنا روح الجهاد‪ ،‬ومع السف‪ ..‬فقد‬
‫حققوا كثيرا مما أرادوا‪..‬‬

‫وإن قال قائل‪ :‬كيف تقول هذا‪ ..‬والشباب في كل بلد السلم‪ ،‬مجندون للخدمة العسكرية في كل‬
‫بلد؟؟‪ .‬فإننا نقول لهذا السائل‪ :‬هل ترى أنت أن هذه الجيوش المجّندة‪ ،‬في بلد السلم‪ ،‬هي للجهاد‬
‫في سبيل ال؟؟!‪ ..‬فإن كنت أنت ترى ذلك‪ ،‬فواأسفا عليك وعلى أمثالك‪..‬‬

‫إن ما ذكرناه في هذا القسم من " الزمات الخاصة"‪ ،‬هو الهم والدهى والمّر‪ ..‬وقد وقع‬
‫الكثير من "الشباب" في " أزمة ترك الواجبات"‪ ..‬فتركوا الصلة‪ ..‬ومنع القادرون منهم الزكاة‪،‬‬
‫وأفطروا في شهر رمضان‪ ،‬وتخّلف المستطيع منهم عن الحج‪ ..‬أما الجهاد‪ ..‬فل تسل عنه‪ ..‬بل‬
‫ابحث عنه‪..‬‬

‫والمخرج لشبابنا من هذه الزمات الخطيرة‪ ،‬ل يكون إل بتوعيتهم‪ ،‬وحملهم على عبادة ربهم‬
‫وخالقهم عز وجل‪ ،‬وإذكاء شعلة النور واليمان في قلوبهم‪ ..‬ونسأل ال تعالى أن يهدينا ويهديهم‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬إرتكاب الفواحش وتعاطي الخبائث‬

‫لقد جمعنا في هذا العنوان بين‪" :‬الفواحش" و"الخبائث"‪ ،‬وذلك لننا سنذكر في هذا القسم من "‬
‫الزمات الخاصة"‪ ،‬عددا من "الفواحش" الكبائر‪ ،‬وبعضا من "الخبائث"‪ ،‬التي ل تصل في خبثها‬
‫ل هذه المور " أزمات"‪ ،‬يتعاطاها كثير من الناس‪،‬‬ ‫الى حد "الفاحشة" الكبيرة‪ ،‬مع أننا نرى ك ّ‬
‫والشباب منهم على الخصوص‪ ،‬فلذلك رّتبنا العنوان على هذا النحو‪ ،‬لنتمّكن من تحذير "الشباب"‬
‫من تلك "الخبائث"‪ ،‬التي يحاول البعض التهوين من خطرها‪ ،‬والتقليل من آثار أضرارها‬
‫وسوئها‪ ،‬ومن أهم " أزمات الشباب" في هذا المجال ما يلي‪:‬‬

‫الزنا‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫"الزنا"‪ :‬فاحشة‪ ،‬وكبيرة من كبائر الذنوب‪ ،‬بل خلف بين جميع الشرائع السماوية‪ ،‬فلم تبحه‬
‫شريعة رسول‪ ،‬ول حتى نظرية حكيم أو فيلسوف‪ ،‬إل " الباحيون"‪ ،‬وهؤلء قوم ساقطون من‬
‫عداد البشر‪ ،‬داخلون في تجمع البهائم‪ ..‬فل عبرة بهم‪ ،‬ول قيمة لرائهم‪ ..‬إل عند أشكالهم‬
‫وأمثالهم‪..‬‬

‫ومبدأ طريق "الزنا"‪ ،‬يتسلسل من‪ :‬النظرة المحّرمة‪ ..‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫نظرة‪ ..‬فابتسامة‪ ..‬فسلم‪ ..‬فكلم‪ ..‬فموعد‪ ..‬فلقاء‬

‫إن ما يدفع "الشاب" الى سلوك هذا الطريق‪ ،‬بدءا من النظرة‪ ..‬وهلّم جرا‪ ..‬هو‪ :‬تهييجه باتجاه‬
‫المرأة‪ ،‬بالمهّيجات والمثيرات‪ ،‬من كتب‪ ..‬وصور‪ ..‬وأفلم‪ ..‬وتوجيه سيئ‪ ..‬كما ذكرنا في قسم "‬
‫الزمات العامة"‪.‬‬

‫فبسبب ذلك‪ ،‬ومع عدم وجود الوازع الديني‪ ،‬والّرادع الخلقي السليم‪ ،‬يميل " الشاب" مع هواه‪..‬‬
‫ول يحسب حسابا للعواقب ول للعقاب‪ ،‬فيغلبه شيطانه‪ ..‬ويغريه‪ ..‬فيقع في الفاحشة‪..‬‬

‫إن وقوع "الشاب" في "الزنا" أزمة خطيرة العواقب‪ ،‬ل يقلل من ضررها وخطرها إل جاهل‬
‫قصير النظر‪ ،‬أعمى البصيرة‪ ،‬غافل القلب‪ ،‬أما النسان الواعي البصير المستبصر‪ ،‬فإنه ينظر‬
‫الى هذه تافاحشة نظرة عداوة وكره لها‪ ..‬واشمئزاز منها‪ ..‬ونفور عنها‪ ..‬لنه وإن كان ظاهرها‬
‫س في الدسم‪ ،‬وخزي وعار‪ ،‬وحسرة وندامة‪ ،‬ودناءة‬ ‫متعة‪ ..‬وقضاء شهوة‪ ..‬فإن واقعها‪ :‬سّم د ّ‬
‫وحقارة‪ ،‬يترفع عنها المؤمن‪ ،‬وينأى بنفسه أن تتدّنس بها‪ ..‬وصدق رسول ال تعالى القائل‪ }:‬ول‬
‫تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيل{‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬يحاول أهل الهوى‪ ،‬ودعاة الباحيةن من الغربيين والمستغربين‪ ،‬أن يوهموا الناس‪،‬‬
‫بأن العلقة غير المشروعة‪ ،‬بين الرجل والمرأة‪ ،‬هي علقة طبيعية‪ ،‬ل تستأهل هذا النكار‪ ،‬بل‬
‫يرون أن تترك هذه العلقة عل راحتها‪ ،‬ينشئها الرجل والمرأة متى شاءا‪ ،‬وأين أرادا‪ ..‬فالمر‬
‫يعنيهما وحدهما‪ ،‬ول يحق لحد غيرهما‪ ،‬أن يتدخل في شؤونهما الخاصة‪..‬‬

‫جع أصحاب‬ ‫ومن أجل تحقيق هدفهم هذا‪ ،‬المؤدي في النتيجة إلى إباحية كاملة في المجتمع‪ ،‬يش ّ‬
‫هذا التجاه‪ ،‬على كل ما يثير الشهوة‪ ،‬لدى الرجل والمرأة‪ ،‬فيشجعون الرجل على إبراز ما يثير‬
‫شهوة المرأة‪ ،‬وعلى إستدراج المرأة بوسائل الغراء كافة‪ ،‬ليقاعها في شركه‪ ..‬وبالمقابل‪:‬‬
‫يشجعون المرأة على إبراز مفاتنها‪ ..‬وإظهار أنوثتها‪ ..‬واستدراج الرجل نحوها‪..‬‬
‫ولم يتوقف المر بهؤلء عند هذا الحد‪ ،‬بل تجاوزه الى مستوى غريب‪ ..‬عجيب‪ ..‬هو‪ :‬التعري‬
‫الكامل المختلط‪ ،‬في النوادي‪ ،‬والمسابح‪ ،‬وأماكن اللهو‪ ..‬وهم يقصدون بذلك كله‪ ،‬حمل الناس‬
‫جميعا‪ ،‬رجال ونساء‪ ،‬على تقليدهم‪ ..‬وبالتالي على التجرد من إنسانيتهم‪ ..‬وبشريتهم‪ ..‬وتحويل‬
‫حياتهم من حياة بشرية‪ ..‬إلى عيشة بهيمية‪..‬‬

‫لقد ذكرنا هذا التجاه الشرير‪ ،‬لنه أوسع باب للفتنة‪ ،‬يفتح على البشر‪ ،‬وعلى الشباب خاصة‪،‬‬
‫وكم يعاني كثير من المسلمين‪ ..‬ومن غير المسلمين أيضا‪ ،‬في بلد الغرب‪ ،‬من تلك الباحية التي‬
‫ل تطاق ول تحتمل‪ ..‬إل من استعصم‪ ..‬واستعاذ بال تعالى ولجأ إليه‪ ..‬فبه سبحانه المستعان‪...‬‬

‫إن وقوع الكثير من "الشباب" في أزمة "الزنا"‪ ،‬ما هو إل أثر من آثار هذه الموجة الباحية‪،‬‬
‫التي ظهرت في‪ :‬أزياء النساء العاريات‪ ..‬والختلط‪ ..‬والخلط‪ ..‬ورفع التكّلف بين الرجل‬
‫والمرأة‪ ،‬وفي‪ :‬المجلت الخلعية‪ ،‬المنخلعة من كل خلق فاضل‪ ،‬وفي الفلم الفاسدة المفسدة‪..‬‬
‫وفي مقدمتها‪ :‬ما يسّمى بـ " الفلم العربية"‪ ..‬التي دّنست شرف "العرب"‪..‬ونخوة "العرب"‪..‬‬
‫وشهامة العرب"‪..‬‬

‫فالعرب لم يكونوا هكذا‪ :‬يمارسون الدعارة على رؤوس الشهاد‪ ،‬وأمام أعين المشاهدين‪..‬‬
‫ويحثون الناس على تقليدهم‪ ..‬ليتحّرروا من "التقاليد"‪ ..‬بل إن العرب حتى قبل السلم‪ ،‬كانوا‬
‫مشهورين بالحرص على العراض‪ ،‬والشرف‪ ،‬وكانوا أهل مروءة ونخوة‪..‬‬

‫إن تخصيصنا "الشباب" بالقول هنا‪ ،‬ل يعني أن غيرهم من فئات المجتمع ل يزني‪ ،‬وأن "لزنا"‬
‫محصور فيهم‪ ،‬فليس هذا هو قصدنا‪ ،‬ولكننا ونحن نبحث في " أزمات الشباب"‪ ،‬ل بّد من ذكر ما‬
‫يعانونه من تلك الزمات‪ ،‬على وجه الخصوص‪ ،‬مع تسليمنا بأن في الشباب كثرة ساحقة‪ ،‬قد‬
‫حفظها ال وأكرمها‪ ،‬فلم تتلّوث بفاحشة "الزنا"‪ ،‬ولم تقض وطرها بغير "الزواج" الذي شرعه‬
‫ال عز وجل‪.‬‬

‫الخمور‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫إن "الخمور" ليست من الخبائث ولفواحش فحسب‪ ،‬بل هي‪ ":‬أم الخبائث"‪ ،‬وهي محّرمة‬
‫ن من ل يرى الخمر حراما‪ ،‬أو يحاول تفسير‬
‫تحريما قطعيا ل خلف فيه على الطلق‪ ،‬بل إ ّ‬
‫اليات على هواه لباحتها‪ ،‬فهو كافر‪..‬‬

‫والمسلمون هم وحدهم الذين يقاطعون الخمور مقاطعة تامة شاملة‪ ،‬لن ال عز وجل قد حّرم‬
‫"الخمر" بعينها‪ ،‬وحّرم على المسلمين كل ما يتصل بها‪ ،‬من شرب‪ ،‬وإنتاج‪ ،‬وبيع‪ ،‬وشراء‪،‬‬
‫وحمل‪ ،‬ونقل‪ ،‬وغير ذلك‪ .‬وذلك عمل بأمر‪" :‬الجتناب"‪ ،‬الوارد في قول ال سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫} إنما الخمر والميسر والنصاب والزلم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون{‪،‬‬
‫صل هذا المعنى الرسول الكريم‪ ،‬سيدنا محمد‬ ‫و"الجتناب" معناه‪ :‬البتعاد عن الشيء‪ ،‬وفد ف ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فيما رواه عنه المام أحمد بإسناد صحيح‪ ،‬وأبو داود والترمذي وابن ماجه‪،‬‬
‫وابن حّبان وغيرهم‪ ،‬عن عدد من الصحابة‪ ":‬لعن ال الخمر‪ ،‬وشاربها‪ ،‬وساقيها‪ ،‬ومبتاعها‪،‬‬
‫وبائعها‪ ،‬وعاصرها‪ ،‬ومعتصرها‪ ،‬وحاملها‪ ،‬والمحمولة إليه‪ ،‬وآكل ثمنها"‪.‬‬

‫ومما هو معلوم شرعا‪ :‬أن لشرب الخمر حّدا من الحدود‪ ،‬يعاقب به "الشارب"‪ ،‬وهو‪ :‬جلده‬
‫ثمانين جلدة‪ ،‬وهذا "الحد"‪ ،‬قد طّبق زمن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬واقيم على شارب‬
‫طله الحاكمون‪..‬‬
‫الخمر من بعده أيضا‪ ،‬ول يزال الحكم قائما‪ ،‬وإن ع ّ‬
‫أما في المجتمعات الخرى‪ ،‬فإن الخمور تعتبر جزءا من حياتهم الجتماعية‪ ،‬ومن أهم‬
‫ضيافاتهم‪ ،‬وتوضع دائما في مقدمة ما يوضع على موائدهم‪ ،‬وهم يشربونها بشراهة ونهم‪..‬‬
‫ويسقونها نساءهم وأطفالهم‪ ..‬ويزداد اهتمامهم بالخمور‪ ،‬في السهرات والحفلت‪ ،‬لنهم إباحيّون‪..‬‬
‫ماجنون‪ ،‬يحبون‪":‬المرأة‪ ..‬والكأس"‪..‬‬

‫ومن المؤسف والمؤلم‪ ،‬كل السف وكل اللم‪ ،‬أن تنتشر "الخمور" في كثير من بلد المسلمين‪،‬‬
‫بموافقة السلطات الحاكمة وتشجيعها‪ ،‬بحجة تشجيع "السياحة"‪ ..‬واسترضاء " الجانب"‪ ..‬فأّدى‬
‫انتشارها في بلدنا إلى وقوع الكثيرين في الدمان على شربها‪ ،‬ومنهم نسبة عالية من الشباب‬
‫المراهقين‪ ،‬الذين استهوتهم العلنات‪ ..‬وجذبتهم الغراءات‪.‬‬

‫إن "المسؤولين‪ "..‬الذين يتوخون من نشر الخمور في المجتمع‪ ،‬استدرار أموال " الجانب"‪..‬‬
‫السّكيرين‪ ..‬بحجة دعم "اقتصاد البلد‪ "..‬ليسوا بالمسؤولين المدركين معنى المسؤولية‪ ،‬ول أراهم‬
‫إل أفاعي‪ ،‬سلطهم أعداؤنا علينا‪ ،‬لتدميرنا من الداخل بشّتى الوسائل‪ ،‬ولتخريب أخلق شبابنا‪،‬‬
‫وإفسادهم وإغراقهم في الشهوات‪ ،‬لئل يفكروا بالمثل العليا‪ ..‬ول بالقيم السلمية السامية‪..‬‬

‫إن "الشباب" ضحية مؤامؤة كبيرة‪ ،‬متعددة الوجوه والشكال والساليب‪ ،‬تنّفذها فئة متسلطة‬
‫على مقدرات المة‪ ..‬ومن أخطر وسائل هذه المؤامرة‪":‬الخمور"‪..‬‬

‫أيها الشاب‪:‬‬

‫إذا أراد أعداؤكم أن يسكروكم‪ ..‬بالخمور‪ ..‬فأسكروهم أنتم بالصمود والوعي‪ ،‬وقولوا لهم‪ :‬خاب‬
‫فألكم‪ ..‬فنحن لن نسعى بأنفسنا إلى دمار أنفسنا‪ ..‬ورّددوا قول ابن الوردي رحمه ال تعالى‪:‬‬
‫كيف يسعى في جنون من عقل‬ ‫واترك الخمر إن كنت فتى‬

‫وتذكروا أيها الشباب‪ :‬أن أسلفنا من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ورضي عنهم‪ ،‬ما‬
‫صاروا بشرا حقا‪ ..‬ول شعروا بإنسانيتهم‪ ..‬ولم يفتحوا الفتوح‪ ..‬إل بعد أن خرجوا من سكرات‪..‬‬
‫الخمور‪ ..‬والجهل‪ ..‬والعصبية‪ ..‬فل تعودوا أنتم الى تلك السكرات‪ ..‬فتعودوا الى " الجاهلية"‪..‬‬
‫}واعتصموا بال هو مولكم فنعم المولى ونعم النصير{‪.‬‬

‫المخدرات‪:‬‬ ‫‪-3‬‬

‫تطلق "المخدرات" في عصرنا على أنواع معينة‪ ،‬مستخرجة من بعض المزروعات‪،‬‬


‫وأهمها‪":‬حشيش الكيف"‪ ،‬و"الفيون"‪ ،‬و"الهيرويين"‪ ،‬و"الكوكايين"‪ ،‬وتعتبر "المخدرات" من‬
‫أكبر المصائب التي حلت بالناس في عصرنا‪ ،‬فقد تفشى تعاطي هذه الخبائث‪ ،‬في طبقات‬
‫المجتمع‪ ،‬تفشيا لم يسبق له مثيل‪ ،‬وتحاول جميع الدول‪ ،‬وبشتى الوسائل‪ ،‬مكافحة هذه الفة‪ ،‬ومنع‬
‫الناس عن تعاطيها‪..‬‬

‫إن الحكم الشرعي في "المخدرات" معروف‪ ،‬أل إنه ‪ :‬التحريم المطلق لي نوع منها‪ ،‬ول عبرة‬
‫بمحاولة البعض‪ ،‬التقليل من ضرر "المخدرات"‪ ،‬والتخفيف من حرمتها‪ ،‬ول قيمة لزعمهم‬
‫بكراهتها‪ ..‬والغرب‪ :‬أن ثمة من يقول بإباحتها‪..‬‬
‫إن النصوص الشرعية‪ ،‬والقواعد العامة في السلم‪ ،‬متضافرة على وجوب صيانة‪ :‬النفس‪،‬‬
‫والعقل‪ ،‬والمال‪ ،‬والدين‪ ،‬والعرض‪ ،‬ول شك في أن تعاطي المخدرات‪ ،‬عدوان عليها جميعا‪..‬‬

‫إن وباء تعاطي "المخدرات"‪ ،‬قد تفشى كما ذكرنا في أكثر طبقات المجتمع‪ ،‬وعلى الخصوص‪:‬‬
‫في "الشباب"‪ ،‬فإن هذه العادة السيئة منتشرة في المدارس والجامعات‪ ،‬وعلى نطاق واسع‪ ،‬ينذر‬
‫بخطر كبير على الجيال‪ ،‬ومستقبل هذه الجيال‪..‬‬

‫إن أزمة "المخدرات" لدى الشباب‪ ،‬قد نتجت عن الفراغ الفكري الذي يعانون منه‪ ،‬كما أشرنا‬
‫آنفا‪ ،‬فالشباب الذين ل هدف لهم‪ ،‬ول رسالة‪ ..‬ول قضية تشغل بالهم‪ .‬وتمل فراغهم‪ ..‬سيبحثون‬
‫في الغالب على وسائل غير مشروعة‪ ،‬تتلءم مع الهوى‪ ،‬وتتوافق مع ميولهم وشهواتهم‪ ،‬ول‬
‫نستطيع أن نتجاهل وجود أولئك المترّبصين بنا‪ ..‬المترصّدين لشبابنا‪ ..‬فهم جاهزون لطرح‬
‫البدائل‪ ..‬ولن تكون بدائل خير ونفع‪ ،‬ل للشباب‪ ..‬ول للمة‪ ..‬فهم لن يطرحوا لنا الحلول المثلى‪..‬‬
‫ولن يدّلونا على سبيل الهدى والرشاد‪ ..‬ولكنهم سيلقون بكل ثقلهم علينا‪ ..‬لغراقنا في الضساع‪..‬‬
‫وللمعان في إفساد شبابنا‪ ..‬وتدمير شخصيتهم ونفوسهم‪..‬‬

‫أليس كارثة كبيرة‪ :‬أن نرى شبابنا في مقتبل العمر‪ ،‬طلبة جامعيين‪ ..‬كالزهرات يتعاطون‬
‫المخدرات؟؟!‪..‬‬

‫أليست مصيبة كبرى‪ :‬أن نرى مراكز الجمارك‪ ،‬والمن‪ ،‬في جميع الدول‪ ،‬مشغولة كل الشغل‪،‬‬
‫في التفتيش عن "المخدرات"‪ ..‬أكثر من أي شيء آخر‪ ..‬في حقائب المسافرين‪ ..‬وأمتعتهم‪..‬‬
‫وسياراتهم‪ ..‬وفي المعدة‪ ..‬والمعاء‪ ..‬بل ويفتشون عنها في أدبار الرجال‪ ..‬وفروج النساء‪..‬؟؟!!‪..‬‬

‫ألهذا الحد وهذا المستوى ‪ ،‬يبلغ بنا المر‪ ،‬بحثا عن هذا "الغول‪ "..‬الذي أرعب العالم؟؟!‪ ..‬بينما‬
‫خطره يزداد‪ ..‬وضرره يستطير ويستثري‪..‬‬

‫جه "الشباب" التوجيه السليم‪ ،‬فنحن‬‫صن المجتمع‪ ،‬ونو ّ‬


‫إن علينا في مواجهة هذه الفة‪ ،‬أن نح ّ‬
‫والحمد ل مسلمون‪ ..‬وفي السلم علج لكل داء‪ ..‬وكيف نخاف من البلء‪ ..‬أيا كان‪ ..‬طالما أننا‬
‫مسلمون؟؟!‪..‬‬

‫التدخين‪:‬‬ ‫‪-4‬‬

‫ل أريد هنا أن أناقش أقوال العلماء فيس "التدخين"‪ ،‬ولكنني سأكتفي بطرح سؤال واحد على‬
‫خصوا به‪ ..‬هو‪ :‬هل تعتبرون أيها الفاضل‪ ،‬نبتة "التبغ والتنباك"‬
‫أولئك الذين أباحوه‪ ..‬ور ّ‬
‫هذه‪ ،‬من "الطيبات"؟؟‪..‬‬

‫ل أظن أن عاقل يعتبر "التدخين" من "الطيبات"‪ ،‬بل ‪ :‬هو من "الخبائث"‪ ،‬وطالما أنها من‬
‫"الخبائث"‪ ،‬فل يهمني كثيرا الخوض في المسألة أكثر من ذلك‪..‬‬

‫وإن قال قائل‪ :‬لماذا حكمت على "التدخين" بأنه‪" :‬خبائث"؟ وما هو الدليل؟‪ ..‬قلنا‪ :‬إن "التدخين"‬
‫بإتفاق علماء الطب‪ ،‬سبب لخطر المراض‪ ،‬ومنها‪":‬السرطان"‪ ..‬وبعض أمراض الجهاز‬
‫الهضمي والقلب‪.‬‬
‫إن علماء الطب‪ ،‬وهم أصحاب الختصاص‪ ،‬والمعتبر قولهم في هذا المجال‪ ،‬متفقون على أنه ل‬
‫خير في التدخين مطلقا‪ ،‬وأنه ل ينجو مدخن من مرض‪ ..‬بسببه‪ ..‬فهل بعد هذا يبقى قول لقائل‪ ،‬أو‬
‫زعم لزاعم بخلف ذلك؟؟‪..‬‬

‫ثم‪ :‬أليس "التدخين" من أسباب نتن الفم‪ ،‬كالثوم‪ ..‬والبصل‪..‬؟؟‪ ..‬والمدخن يؤذي الذين ل يدخنون‬
‫برائحة فمه المنتنة‪ ..‬ونحن نعلم من عملنا في "المحاكم الشرعية"‪ ،‬أن هناك حالت طلق سببها‪:‬‬
‫نتن رائحة الفم لدى أحد الزوجين‪ ،‬من جّراء التدخين‪..‬‬

‫نعود بعد هذا إلى "الشاب"‪ ،‬ضحية " الزمات" الولى‪ ،‬فنقول‪ :‬لقد تفشت عادة "التدخين" في‬
‫"الشباب"‪ ،‬على نطاق واسع‪ ،‬وفي سن مبكرة جدا‪ ،‬وهذه أزمة خطيرة‪ ،‬وقع فيها "الشباب"‪،‬‬
‫ي‪ ،‬ومل رئتيه‬
‫واستدرجوا إليها‪ ..‬وبعد فوات الوان‪ ..‬حيث يكون "الشاب" قد أفسد جهازه التنفس ّ‬
‫بالوساخ والرواسب‪..‬‬

‫وأهم السباب التي تدفع الشاب الى التدخين‪ :‬إغراء الصحاب والصدقاء‪ ..‬الذين يدخنون‪ ..‬إذ‬
‫يعرضون عليه "السيجارة"‪ ..‬ويطلبون منه‪ :‬أن ينّفخها‪ ..‬في الهواء‪ ..‬فل يلبث أن يعتاد عليها‪ ،‬ثم‬
‫يدمن على تدخينها‪ ..‬ويساعد على ذلك " العلنات"‪ ،‬التي تبثها وتنشرها وسائل "العلم" عن‬
‫سلوى‪..‬‬ ‫ن وال ّ‬
‫"التدخين"‪ ،‬حيث يصّورون "التدخين"‪ :‬متعة‪ ..‬ونكهة‪ ..‬وكأنه‪ :‬شهد العسل‪ ..‬أو‪ :‬الم ّ‬

‫ومن المضحك المبكي‪ :‬أن الدول التي تسمي نفسها "متحضرة"‪ ..‬تكتب على علب التدخين‬
‫عبارة‪ ":‬التدخين مضّر بصحتك‪ ،‬ننصحك بعدم التدخين"‪ ،‬وأن بعض أجهزة العلم‪ ،‬تعرض‬
‫"الدعاية‪ "..‬للتدخين‪ ،‬ثم بعد ذلك‪ ،‬تظهر على الشاشة عبارة‪ ":‬وزارة الصحة العامة تحذرك من‬
‫التدخين‪ "..‬أو‪ :‬ما أشبه ذلك‪..‬‬

‫فطالما أن التدخين مضّر بالصحة‪ ،‬بل خلف‪ ،‬فمن واجب الدول على القل‪ :‬أن ل ترّوج أجهزة‬
‫العلم فيها‪ ،‬أمر بيعه وتعاطيه‪ ،‬وأن ل تغش الناس‪ ،‬وتغّرر بالشباب بهذه الساليب المغرية‪،‬‬
‫وهم في مقتبل العمر وريعان الشباب‪.‬‬

‫الملهي‪:‬‬ ‫‪-5‬‬

‫نقصد بالملهي‪ :‬جميع وسائل اللهو‪ ،‬من سينما‪ ،‬ومسرح‪ ،‬وأغاني‪ ،‬وموسيقى‪ ،‬ورقص‪ ..‬إلخ‪،‬‬
‫ول نريد تفصيل الحكام الشرعية‪ ،‬المتعلقة بكل منها‪ ،‬لن هذا الباب ليس لهذا الكتاب‪ ،‬وإنما‬
‫أردنا من إثارة هذا الباب‪ ،‬أن ننّبه إلى الضرار الكبيرة التي أصيب بها الناس‪ ،‬وعلى الخص‬
‫"الشباب"‪ ،‬من جّراء هذه الملهي‪.‬‬

‫وهنا ينبغي أن نذّكر بأن السلم دين جّد‪ ،‬وانضباط وعمل‪ ،‬وأن معيشة اللهين العابثين ليست‬
‫من أهلق المسلمين‪ ،‬لن المسلم يعرف قيمة الحياة‪ ،‬وقيمة عمره الذي كتبه ال له‪ ،‬فل يضّيعه‬
‫سدى‪ ،‬ول يفنيه في اللهو والفجور‪..‬‬

‫لقد عّم في عصرنا بلء "الملهي" فانتشرت "المسارح" و"السنمات"‪ ،‬تعرض على‬
‫المشاهدين ما يسمى بـ "التمثيليات"‪ ،‬و"لمسرحيات" الفكاهية‪ ..‬والمسلّية‪..‬‬

‫ث الذاعي والتلفزيوني‪ ،‬بهدف إفراح‬


‫وعّم أيضا "الغناء" و "الموسيقى"‪ ،‬من خلل أجهزة الب ّ‬
‫الناس‪ ..‬وإطرابهم‪..‬‬
‫ي‪ ..‬وصار الراقصون والراقصات‬
‫ي منه والغرب ّ‬
‫وكثر في المجتمعات "الّرقص"‪ ،‬الشرق ّ‬
‫ينبارون فيه‪ ،‬ويعتبرونه "فّنا" من الفنون‪ ..‬بل‪" :‬فنا" رفيعا‪.‬‬

‫هكذا يقولون في هذه "الملهي"‪ ..‬وهكذا يزعمون‪ ..‬وال يعلم إنهم لكاذبون‪..‬‬

‫إننا نسأل هؤلء الذين يرّوجون هذه المفاسد‪ :‬ما انتفعت المة من ملهيكم هذه؟؟‪ ..‬هل عّززتم‬
‫بها الخلق والشيم؟؟‪ ..‬هل رفعتم مستوى الشعب الثقافي؟؟‪ ..‬هل غرستم بها في نفوس الشباب‬
‫فضيلة‪ ..‬ولو واحدة؟؟‪ ..‬ماذا فعلتم أيها الفنانون‪ ..‬الفتانون‪ ..‬المفتونون؟؟‪..‬‬

‫إنكم وال لم تقدموا برقصكم‪ ،‬وأغانيكم‪ ،‬وأفلمكم‪ ،‬وموسيقاكم‪ ،‬للمة إل البلء والذى‪ ،‬وإننا‬
‫نتحداكم أن تأتوا بأغنية واحدة لكم‪ ،‬ليس فيها تهييج للشهوات‪ ..‬أو إفساد للشباب والبنات‪..‬‬

‫هل خدمتم المة بتعشيق البنات بالسمر‪ ..‬والشباب بالسمراء‪..‬؟؟ هل خدمتم المة بعري‬
‫الراقصة‪ ،‬واهتزازاتها‪ ،‬المثيرة للشهوات‪..‬؟؟‪ ..‬أبهذا خدمتم الشعب؟؟‪ ..‬أم بأفلمكم الخليعة‬
‫البائخة‪ ..‬التي ل تصّور عالم البشر‪ ..‬بل عالم البهائم‪..‬؟؟‪..‬‬

‫هل مات فيكم الحساس‪ ،‬فلم تشفقوا على "الشباب" المتفجر نشاطا وقوة‪ ،‬وعلى "الشابات"‬
‫ن‪ ،‬فقدمتم لهم جميعا كل المشاهد‪ ،‬المثيرة لكوامن‬
‫المعتصمات بالحياء الضاغط على عواطفه ّ‬
‫الشهوة عندهم؟؟‪..‬‬

‫إنكم يا أهل "الفن" تزعمون أنكم تعالجون قضايا "الحب"‪ ،‬ومتى كان علج "الحب" بين‬
‫الرجل والمرأة يتم على نحو ما تفعلون؟؟‪ ..‬هل من الضروري‪ :‬أن نعلم الرجل كيف يعشق زوجة‬
‫أخيه‪..‬؟؟!‪ .‬وأن نعلم المرأة كيف تعشق شقيق زوجها؟؟‪ ..‬وأن نعّلم الشاب والشابة كيف يتبادلن‬
‫عبارات العجاب؟؟ وأنتم تعلمون‪ :‬أن الناس يعيشون معا‪ ،‬أهل وأقارب‪ ،‬فكأنكم تقولون للناس‪:‬‬
‫هكذا افعلوا‪ ..‬وتزرعون في أفكارهم بذور الشك وسوء النية‪.‬‬

‫هل من الضروري‪ ،‬هذا الذي أفسدتم به أخلق شبابنا وبناتنا؟؟‪ ..‬ومع ذلك تزعمون بكل وقاحة‬
‫أنكم "فنانون"‪ ..‬وما أنتم وال إل‪" :‬فتانون‪" .."..‬مفتونون‪ .. "..‬مأجورون‪..‬‬

‫لقد انساق السواد العظم من"الشباب"‪ ،‬مع هذه الموجة العاتية من "الملهي"‪ ،‬فصار " الغناء"‬
‫لهم عادة‪ ،‬يسمعون المطربين والمطربات‪ ،‬ليل ونهارا‪ ،‬فطمس على قلوبهم‪ ،‬فنسوا ذكر ال عز‬
‫وجل‪ ،‬وانصرفوا الى أبواب "المسارح والسينمات"‪ ،‬عوض " المساجد"‪ ..‬ومجالس العلم والدين‪..‬‬
‫وصار مثلهم العلى الذي به يعجبون‪ ،‬وله يقلدون‪" :‬مطرب" مشهور"‪ ..‬أو "مطربة" محبوبة‪..‬‬
‫فانخلعت قلوبهم للهو والغناء‪ ،‬وانشغلت بالموسيقى‪ ..‬والرقص‪ ..‬إلخ‪...‬‬

‫ل هذا النتشارن لول وجود الدعم‬ ‫نحن نعلم‪ :‬أن هذه الموجة من المفاسد الفنية هذهن لم تنتشر ك ّ‬
‫والتأييد‪ ،‬من الدول والمؤسسات الرسمية‪ ،‬التي وضعت تحت تصّرف هؤلء المفتونين‪ ،‬جميع‬
‫وسائل العلم‪ ،‬ومنحتهم الوسمة والمنح المالية الكبيرة‪ ،‬وبّرزتهم في المجتمع‪ ،‬حتى صار‬
‫"المطرب" أو‪" :‬المطربة"‪ ،‬و "الفنان" و"الفنانة"‪ ،‬هو المثل العلى الذي يتطلع إليه النشء‪،‬‬
‫وصاروا بدل أن يتمنوا أن يكونوا‪ :‬علماء‪ ..‬باحثين‪ ..‬مخترعين‪ ..‬إذا بهم يتمنون أن يكونوا‪..‬‬
‫فنانين‪..‬‬
‫ولقائل يقول‪ :‬هل معنى قولك هذا أنك ضّد الترفيه عن النفس‪ ،‬وضّد "الفن"؟؟ نقول‪ :‬ليس هذا‬
‫الذي نكشف الستر عنه من المخازي ترفيها عن النفس‪ ،‬ول هو بالفن‪ ..‬بل هو حرق للنفس‪..‬‬
‫وإفساد لها‪ ..‬وبعيد كل البعد عن معنى‪ " :‬الفن"‪..‬‬

‫إن "السعادة" ليست بلحس المبرد‪ ..‬ول بحكة الجربان‪ ..‬ول بتعليم الناس أسباب الفساد‪ ،‬ووسائل‬
‫ن "السعادة" الحقيقية‪ ،‬هي سعادة القلب واطمئنانه‪ ..‬واستقرار النفس‬
‫الغراء والفتنة‪ ..‬ولك ّ‬
‫وراحتها‪ ..‬وأن ينام النسان مطمئنا‪ ..‬ويستيقظ مطمئنا‪ ..‬فهل هذا الفن المزعوم‪ ،‬يحقق للنسان‬
‫هذا الطمئنان؟؟‪..‬‬

‫***‬
‫ملحق‬

‫أزمات الطفال‪.‬‬ ‫‪-1‬‬


‫أزمات الشيوخ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أزمات المرأة‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫أزمات المعوقين‪.‬‬ ‫‪-4‬‬

‫هناك فئات أخرى في المجتمع لها أزماتها‪ ،‬وهي أزمات قاسية شديدة‪ ،‬أردنا أن نشير إليها‬
‫بإيحاز‪ ،‬ومع أن كتابنا هذا ليس مخصصا للبحث في أزمات غير الشبابن وذلك لن أزمات‬
‫المجتمع مترابطة‪ ،‬يجمعها كلها كونها "مصائب"‪ ،‬أصابت الناس‪ ،‬فأضّرتهم وأذلتهم‪ ،‬كما أن‬
‫أسبابها متشابهة‪ ،‬وكثيرا ما تكون واحدة‪ ،‬وبالتالي فإن علجها وسبل الخروج منها واحدة أيضا‪..‬‬

‫وسنتناول في هذا "الملحق" "الزمات" التالية‪:‬‬

‫أول‪ :‬أزمات الطفال‬

‫ب مسلما صالحا‪،‬‬‫الطفل أمانة في عنق الوالدين‪ ،‬يجب عليهما أن يحسنا تريته‪ ،‬وتعليمه‪ ،‬حتى يش ّ‬
‫ولكن الكثيرين من الباء والمهات‪ ،‬يهملون أطفالهم‪ ،‬ويفشلون في حمل مسؤوليتهم‪ ،‬وهذه نماذج‬
‫من هؤلء الناس‪:‬‬

‫سّكير أو المقامر الذي أدمن على لعب القمار‪ ،‬أو المراهنة على سباق‬ ‫أ( الب ال ّ‬
‫الخيل‪ ،‬ل يهتم بأولده‪ ،‬بل يحرمهم الطعام‪ ،‬والدواء‪ ،‬والكساء‪ ،‬والتعليم‪ ،‬ليقامر‬
‫ن منهم من يبيع أثاث بيته ويحرم منه أولده‪ ،‬لشباع رغبته‬ ‫ويعاقر الخمر‪ ،‬بل إ ّ‬
‫الفاسدة هذه‪.‬‬

‫ب( هناك آباء قساة القلوب‪ ،‬ل يرحمون أولدهم‪ ،‬ول يشفقون عليهم‪ ،‬فيضربونهم‬
‫ضربا مبّرحا‪ ،‬لتفه السباب‪ ،‬بحجة‪ :‬أنهم يرّبونهم‪..‬‬

‫ي أمرهم‪ ،‬فالب البخيل‪،‬‬‫ج( أطفال الناس البخلء‪ ،‬هم ضحية بخل خانق‪ ،‬من ول ّ‬
‫يحرم أطفاله من أدنى مستويات العيش‪ ،‬فهم ل يشعرون لبخله‪ ،‬بسعادة‪ ..‬ول هناءة‪..‬‬
‫وهم يشتهون القمة‪ ..‬وحّبة الفاكهة‪ ..‬والثوب‪ ..‬ولحذاء‪..‬‬

‫نقول هذا في الطفال الذين لهم آباء‪ ..‬فماذا عسى نقول في أولئك الطفال "اليتام"‪ ..‬أو أولئك‬
‫الطفال "اللقطاء"؟؟‪.‬‬
‫ي والمنفق‪ ،‬ل يجدون‬‫إن " اليتام" الفقراء‪ ،‬يعانون أكثر من أزمة‪ ،‬فهم بعد فقد الب‪ ،‬وهو الول ّ‬
‫ن ول أذى‪ ،‬فل دولة تهتم بيتيم‪ ،‬ول سلطة تسأل عنه‪ ،‬بل‬ ‫في المجتمع الكفالة الصحيحة‪ ،‬بل م ّ‬
‫ترك المسؤولون المسؤواية‪ ..‬فضاع بسبب ذلك أصحاب الحقوق‪ ..‬ومنهم "اليتام"‪..‬‬

‫ول تكفي مؤسسات "الرعاية الجتماعية" أو‪" :‬دور اليتام"‪ ،‬لسّد حاجة أيتام المجتمع‪ ،‬وكفايتهم‬
‫ورعايتهم‪ ،‬فإن تلك المؤسسات ل تقوم فعل بكفاية اليتيم الكفاية الكاملة‪ ،‬من تعليم لئق‪ ..‬حتى‬
‫أعلى مستويات التعليم‪ ..‬مثلما يتعلم سائر الولد‪ ،‬مع العلم بأن في " اليتام" نوابغ‪ ..‬ولكنهم‬
‫مهملون‪ ..‬لنهم‪ :‬أيتام‪..‬‬

‫أما الطفال "اللقطاء"‪ ،‬وهم الذين يلقون في الشوارع وعلى المزابل‪ ..‬ول يعرف أهلهم‪ ..‬فإن‬
‫حالهم أسوأ وأضيع‪ ..‬فهؤلء إذا توفرت لهم مؤسسة تؤويهم‪ ،‬فإنهم ل يحظون بتابعية الدلوة ـ أي‪:‬‬
‫الجنسية ـ ول يمنحون بطاقة الدولة ليعتبروا من رعاياها‪ ..‬فيكبرون وهم معزولون في المجتمع‪..‬‬
‫يعاملون معاملة غير لئقة‪ ..‬ويشعرون في أنفسهم بالحسرة والغربة‪ ..‬مع أنهم لم يكتسبوا إثما‬
‫بوجودهم في الدنيا‪ ..‬وإنما الثم على من ألقاهم على أرصفة الشوارع‪..‬‬

‫ثانيا‪ :‬أزمات الشيوخ‬

‫نعني بالشيوخ هنا‪ :‬الناس الذين أدركهم الهرم والعجز والمرض‪ ،‬فقعد بهم ذلك عن القيام‬
‫بحاجاتهم‪ ،‬ونشير أيضا إلى أن إكرام ذي الشيبة المسلم‪ ،‬هو‪ :‬من إجلل ال عز وجل‪ ،‬كما جاء‬
‫في حديث أبي داود عن أبي موسى الشعري‪ ،‬رضي ال عنه‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫صص حالة "الكبر" فقال سبحانه وتعالى‪}:‬‬‫وقد أمر ال تعالى بالحسان إلى الوالدين مطلقا‪ ..‬وخ ّ‬
‫ف ول تنهرهما وقل لهما قول كريما*‬ ‫ن عندك الكبر أحدهما أو كلهما فل تقل لهما أ ّ‬‫إّما يبلغ ّ‬
‫ب ارحمهما كما رّبياني صغيرا{‪.‬‬‫ل من الرحمة وقل ر ّ‬‫واخفض لهما جناح الذ ّ‬

‫ومن أصعب أزمات هؤلء الشيوخ‪:‬‬

‫أن ل يتوفر للبوين منهم‪،‬‬ ‫‪-‬‬


‫ولد صالح يحسن إليهما‪ ،‬ويكرمهما‪ ،‬ويعتني بهما في أيام عجزهما‬
‫وضعفهما‪.‬‬
‫أن ل يتوفر للعجز‪ ،‬وعلى‬ ‫‪-‬‬
‫الخص‪ :‬الفقراء منهم‪ ،‬من يؤويهم ويرعاهم ويهتم بهم‪ ..‬نعم‪ :‬هناك‬
‫دور للعجزة‪ ،‬تقوم بهذه المهمة‪ ..‬ولكنها ل تستطيع أن تؤوي كل‬
‫العجزة‪ ..‬لنعدام المقدرة المالية‪ ..‬كما هو معلوم‪ ..‬فيبقى كثير من‬
‫العجزة مهملين‪ ،‬ل يجدون من البشر مساعدا‪ ..‬إل من رحمه ال تعالى‬
‫بجار صالح‪ ..‬أو مؤسسة بواسطة‪..‬‬
‫عدم إستطاعة كثير من‬ ‫‪-‬‬
‫هؤلء العجزة والشيوخ‪ ،‬تأمين الدوية المطلوبة‪ ،‬لمعالجة أمراضهم‬
‫المتكاثرة‪ ..‬بل إن كثيرا منهم ل يجد ما يسّد به رمقه‪ ..‬ول من يسأل‪..‬‬

‫ثالثا‪ :‬أزمات المرأة‬


‫أزمات المرأة كثيرة جدا‪ ،‬بسبب تناقض مواقف الشعوب والديانات الرضية منها‪ ،‬فالمرأة عند‬
‫كثير من المم‪ ،‬ليس إنسانا كامل النسانية‪ ..‬وهي عند بعضهم من توابع الحياة وأمتعتها‪ ،‬كالفرس‬
‫والناقة‪ ..‬وهي عند بعضهم‪ :‬شيطان‪ ..‬إلخ‪.‬‬

‫فكان بديهيا بسبب هذه المواقف‪ ،‬والمعتقدات الفاسدة‪ ،‬أن تنشأ لدى المرأة أزمات كثيرة‪ ،‬وأن‬
‫تعاني المرأة بسبب ذلك متاعب كبيرة‪.‬‬

‫والغريب في أمر " المراة"‪ :‬أن أشّد ما تعانيه وأسوأه‪ ،‬قد أتاها من قبل أولئك الزاعمين أنهم‬
‫يدافعون عن حقوقها ويطالبون بتحريرها‪ ،‬وحرّيتها‪ ..‬وأمير هذا الركب‪ :‬هم الغربيون‬
‫والمستغربون‪ ..‬فهؤلء زعموا أن المرأة في السلم " مسجونة"‪ ..‬غير حّرة‪ ..‬فرفعوا شعار‬
‫تحريرها‪ ..‬فأخرجوها من بيتها‪ ،‬ليبتزوا أنوثتها في‪ :‬الشركات‪ ..‬وعرض الزياء‪ ..‬والنوادي‬
‫الليلية‪ ..‬وجعلوها مشاعا للجميع‪..‬‬

‫إن أسوأ النساء حظا‪ ،‬وأتعسهن معيشة‪ ،‬هي المرأة الغربية‪ ..‬والمرأة المسلمة التي غّربوها‪..‬‬
‫وضحكوا عليها‪ ..‬وخدعوها‪ ..‬فأنزلوها الى العمل والوظيفة‪ ..‬لتكون هي‪" ..‬العمل"‪ ..‬وهي‪..‬‬
‫"الوظيفة"‪ ..‬فحرموها بذلك من شرف المرأة‪ :‬الم‪ ..‬والزوجة الكريمة‪ ..‬والسيدة الفاضلة‪..‬‬
‫جهة‪ ..‬التي قال فيها الشاعر‪:‬‬
‫المربية‪ ..‬المو ّ‬
‫أعددت شعبا طّيب العراق‬ ‫الّم مدرسة إذا أعددتها‬

‫لقد زّوروا الواقع عندما اتهموا السلم بأنه يسجن المرأة‪ ،‬وهم يعلمون أن السلم هو الدين‬
‫الوحيد في العالم‪ ،‬الذي منح المرأة مكانتها‪ ،‬وأعاد إليها اعتبارها‪.‬‬

‫لقد تجاهل أولئك المزّورون‪ :‬أن المرحلة التي ظهروا هم فيها‪ ،‬لم يكن السلم مطبقا في‬
‫مجالت الحياة‪ ،‬فإذا كانت المرأة قد عانت شيئا من سوء المعاملة‪ ،‬فإن مرّد ذلك الى سوء تصّرف‬
‫الناس وجهلهم‪ ،‬ل إلى أحكام السلم‪ ..‬البعيدة عن التطبيق‪ ..‬والمبعدة عن الحياة‪..‬‬

‫فبدل من المتاجرة بالمرأة‪ ،‬كان عليهم أن يصلحوا الواقع‪ ..‬وأن يطالبوا بتطبيق أحكام السلم‬
‫كلها‪ ..‬ليصلح المجتمع برجاله ونسائه‪ ..‬ل ان يتهموا السلم بما ل يد له فيه‪ ،‬ويلقوا عليه‬
‫مسؤولية عمل جناة‪ ..‬فسقة‪ ..‬ظلمة‪ ..‬جاهلين‪..‬‬

‫رابعا‪ :‬أزمات المعّوقين‬

‫نعني بالمعوقين‪ :‬أصحاب العاهات الجسدية‪ ،‬كالعمى‪ ،‬والشلل‪ ،‬فإن هؤلء على اختلف‬
‫عاهاتهم‪ ،‬هم من أبناء هذا المجتمع‪ ،‬وجزء منه‪ ،‬وبإمكانهم أن يعطوا وينتجوا إذا توّفر لهم من‬
‫يساعدهم على ذلك‪ ،‬فكلنا يعلم‪ :‬أن عددا وفيرا من كبار العلماء والحفاظ‪ ،‬هم من العمي أو‪:‬‬
‫المصابين بعاهة جسدية أخرى‪ ،‬ولم يمنعهم ذلك من تحصيل العلوم‪ ،‬والوصول الى مراتب‬
‫العلماء الكبار‪.‬‬

‫إن المجتمع المعاصر ل يهتم بهؤلء‪ ،‬ول يلقي لهم بال‪ ..‬اللهم إل القلة منهم‪ ،‬الذين توفرت لهم‬
‫مؤسسة إنسانية حضنتهم واهتمت بهم‪..‬‬
‫إننا ل ننكر وجود هذه المؤسسات‪ ،‬هنا وهنالك‪ ،‬بل نحن نقّدر جهودها الطيبة‪ ..‬ولكننا نريد أن‬
‫تقوم السلطة الحاكمة بواجبها نحو كل أولئك‪ ..‬بحيث ل يبقى في المجتمع يتيم‪ ..‬ول عاجز‪ ..‬ول‬
‫معّوق‪ ..‬إل وهو مرتاح‪ ..‬مكفول‪ ..‬مخدوم‪ ..‬فل يشكو ‪ ..‬ول يئن‪..‬‬

‫***‬

‫من هو المسؤول؟‬

‫مسؤولية الحاكم‪.‬‬ ‫‪-1‬‬


‫مسؤولية الوالدين‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫مسؤولية المدرسة‬ ‫‪-3‬‬
‫والجامعة‪.‬‬
‫مسؤولية الصديق‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫مسؤولية المجتمع‪.‬‬ ‫‪-5‬‬

‫عندما تحل بالناس أزمة‪ ،‬أو‪ :‬تنزل بهم نازلة‪ ،‬يتساءلون‪ :‬من هو المسؤول؟‪ ..‬وكذلك عندما‬
‫يرتكب أحد جريمة‪ ،‬أو‪ :‬يجني ذنبا‪ ،‬أو‪ :‬يسيء معاملة غيره‪..‬‬

‫إن السؤال عن "المسؤول"‪ ،‬أمر بديهي لدى الناس‪ ،‬لنهم يريدون أن يعرفوا‪ :‬من هو المسّبب‬
‫لما يحصل من أضرار‪ ،‬ومن هو الملكف برعاية مصالح الناس‪ ،‬أو‪ :‬تربية الولد‪ ..‬إلخ‪ .‬وهذا حق‬
‫من حقوقهم‪..‬‬

‫ونحن قد ذكرنا في هذا الكتاب "أزمات الشباب"‪ ،‬العاّمة منها والخاصة‪ ،‬وأشرنا إلى مصادرها‬
‫وأسبابها‪ ،‬وألحقنا ذلك بموجز عن أزمات‪ :‬الطفال‪ ،‬والشيوخ‪ ،‬والمرأة‪ ،‬والمعّوقين‪ ..‬فكان مهّما‬
‫أن نطرح السؤال عينه‪ ،‬لنعرف‪ :‬من هو المسؤول؟‪..‬‬

‫يختلف الناس في تعيين "المسؤول"‪ ،‬الذي يحّملونه مسؤولية أمر جرى‪ ،‬ول نريد تفصيل هذا‬
‫الختلف‪ ،‬ولكننا سندخل في تحديد المسؤولية‪ ،‬على نحو ما فهمناه من النصوص الشرعية‬
‫المباركة‪ ،‬بدءا من مسؤولية "الحاكم"‪ ..‬وذلك انطلقا من معنى الحديث الشريف‪ ،‬الذي رواه‬
‫البخاري ومسلم‪ ،‬عن عبدال بن عمر بن الخطاب‪ ،‬رضي ال عنهما‪ ،‬قال‪ :‬سمعت رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يقول‪ ":‬كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته‪ ،‬المام راع ومسؤول عن‬
‫رعيته‪ ،‬والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته‪ ،‬والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة‬
‫عن رعيتها‪ ،‬والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته‪ ،‬فكلكم راع ومسؤول عن رعيته"‪.‬‬

‫أول‪ :‬مسؤولية الحاكم‬


‫"الحاكم" هو الراعي الول للمسلمين‪ ،‬أن‪ :‬الخليفة‪ ..‬والمام‪ ..‬وأمير المؤمنين‪ ..‬في الصطلح‬
‫الشرعي‪ ،‬ويعرف "الحاكم" في هذه اليام بالملك‪ ..‬أو الرئيس‪ ..‬أو المير‪ ..‬بحسب "النظام"‬
‫الموجود‪..‬‬

‫صر في‬
‫تختلف نظرة الناس الى "الحاكم"‪ ،‬وبناء عليها تختلف أحكامهم على "الحاكم"‪ :‬أهو مق ّ‬
‫حمل المسؤولية‪ ،‬أم ل؟؟‪ ..‬فأكثر الناس ينظر الى "الحاكم" على أنه‪ :‬صاحب سلطة‪ ..‬تقّدم له‬
‫مظاهر التكريم والتبجيل‪ ..‬يعطى الولء المطلق‪ ..‬يتصّرف بأموال الدولة بل حساب‪ ..‬ل يحق‬
‫ي المر‪ ،‬المر الناهي‪ ..‬مطلق‬‫لحد أن يسأله عن أعماله‪ ،‬ول أن يناقشه في أقواله‪ ..‬لنه ول ّ‬
‫الصلحية‪ ..‬إلخ‪.‬‬

‫ثم بنى هؤلء‪ ،‬على نظرتهم هذه‪ :‬أن "الحاكم" هذا‪ ،‬يقوم بواجباته‪ ،‬طالما هو يستقبل الوفود‬
‫ويوّدع الزّوار‪ ..‬ويراقب من أعلى‪ ..‬ما يجري تحت‪ ..‬وبالتالي فهو غير مسؤول عن " أزمات‬
‫الشباب" ول عن أزمات غيرهم من فئات الشعب‪ ،‬بل الحق على "الشباب"‪ ،‬والمسؤولية على‬
‫"الشعب"‪..‬‬

‫أما نحن فنقول‪ :‬إن نظرة هؤلء الناس الى "الحاكم"‪ ،‬وسلطته‪ ..‬وصلحياته‪ ..‬وأعماله‪ ..‬مخطئة‬
‫جدا‪ ..‬بل "الحاكم" هو المسؤول الول عن "الرعية"‪ ،‬كل الرعية‪ ..‬ولعل الناس قد نسوا مسؤولية‬
‫"الحاكم" الواسعة هذه لنهم لم يعودوا يرون حاكما يحمل الطحين على ظهره للرملة‪ ،‬كما فعل‬
‫عمر بن الخطاب رضي ال عنه‪ ،‬فظنوا هذا النوع من التصرف‪ ،‬قد فعله أمير المؤمنين عمر‪،‬‬
‫على سبيل التواضع فقط‪ ..‬وأنه في الواقع غير مكلف بذلك ول هو مسؤول عنه‪ ،‬وبالتالي فليس‬
‫من مهمات "الحاكمين"‪ :‬أن يخدموا الشعب على هذا النحو‪ ..‬بل ظّنوا‪ :‬أن من واجبات "الشعب"‪،‬‬
‫أن يحملوا هم "الطحين" الى قصور "الحاكمين"‪..‬‬

‫إن هذا الظن في غير محله‪ ،‬فسيدنا عمر بن الخطاب رضي ال عنه‪ ،‬لم يحمل الطحين على‬
‫ظهره‪ ،‬إل لنه يعلم‪ :‬أن ذلك من مسؤولياته هو‪ ..‬فلذلك عندما عرض عليه مرافقه‪ ،‬أن يحمل عنه‬
‫الطحين‪ ،‬قال له‪ ":‬أفأنت تحمل عني وزري يوم القيامة؟؟"‪..‬‬

‫ل ما‬
‫إننا نقول هذا ونحن نعلم‪ :‬أنه لن ينبري حاكم‪ ..‬فيحمل طحينا‪ ..‬ول سكرا‪ ..‬الى شعبه‪ ..‬بل ك ّ‬
‫يرجوه الناس هو‪ :‬أن يتركهم حاكموهم يعيشون‪..‬‬

‫نحن نقول هذا‪ ،‬لننطلق منه الى بيان مسؤولية "الحاكم" الكاملة‪ ،‬عن جميع " الزمات" التي‬
‫تصيب الناس‪ ..‬وإل‪ ..‬فلماذا هو مسؤول؟؟‪..‬‬

‫ل الناس عليها‪ ،‬ويدفعهم‬‫إن من واجبات "الحاكم"‪ :‬أن يبحث هو عن سبيل الخير والرشاد‪ ،‬ويد ّ‬
‫الى سلوكها‪ ..‬وأن يرصد أبواب الفساد ومنافذه‪ ،‬فيقفلها‪ ..‬ويمنع أحدا أن يفتحها‪..‬‬

‫جه "الشباب" الى هدف رفيع‪ ،‬وأن يقود الشعب برسالة إيلمية‬ ‫إن من واجبات "الحاكم"‪ :‬أن يو ّ‬
‫واضحة‪ ،‬وأن ل يدع الناس ضحية الفراغ‪ ..‬والضياع‪..‬‬

‫ي‪،‬‬
‫إن من واجبات "الحاكم"‪ :‬أن يفتح للشباب أبواب العلوم كافة‪ ،‬ويرفع مستواهم العلم ّ‬
‫ويشجعهم على التحصيل‪ ..‬والتأليف‪ ..‬والختراع‪..‬‬
‫إن من واجبات "الحاكم"‪ :‬أن يساعد الناس على معيشتهم‪ ،‬بأن يسّهل لهم سبل العمل‪ ،‬بالتجارة‬
‫صن "الشباب" من المفاسد‪..‬‬
‫والزراعة والصناعة‪ ..‬وأن يح ّ‬

‫خر إعلمه كله‪ ..‬لتوجيه "الشباب" والناس عامة التوجيه‬ ‫إن من واجبات "الحاكم"‪ :‬أن يس ّ‬
‫السليم‪ ،‬وأن يغرس فيهم الخلق الفاضلة الحسنة‪ ،‬ويربّيهم التربية الصالحة‪.‬‬

‫إن من واجبات "الحاكم"‪ :‬أن يكون هو إمام المسلمين في صلتهم‪ ،‬وأول المواظبين على‬
‫الفرائض‪ ..‬وأحرص الناس على طاعة ال عز وجل‪ ..‬كما كان خلفاؤنا الصالحون‪..‬‬

‫إن من واجبات "الحاكم" أن يتلك هو الفواحش‪ ،‬ويجتنب الخبائث‪ ،‬ويستأصل من المجتمع‬


‫أسباب المنكرات‪ ،‬ويعمل على تحصين المجتمع بالخلق الحسن‪ ،‬ويمنع كل أسباب الفساد‪.‬‬

‫إن من واجبات "الحاكم"‪ :‬أن ل يكون في الناس مظلوم‪ ..‬أو مضطهد‪ ..‬أو‪ :‬مقهور‪ ..‬أو يتيم‬
‫مشّرد‪ ..‬أو‪ :‬عاجز‪ ..‬أو‪ :‬هرم‪ ..‬لمعيل له‪..‬‬

‫فإذا لم تكن هذه المور من مهمات "الحاكم"‪ ..‬فما هي مهمته يا ترى؟‪...‬‬

‫ثانيا‪ :‬مسؤولية الوالدين‬

‫"الوالدان" مسؤولن من دون شك عن أولدهما‪ ،‬وعلى الخص الب‪ ،‬الذي تقع على عاتقه‬
‫مسؤولية إعالة أسرته‪ ،‬والنفاق عليها‪ ،‬الى حد كفايتها جميع جاحاتها‪.‬‬

‫وليس هذا هو غرضنا في موضوعنا هنا‪ ،‬بل إن غرضنا هو‪ :‬بيان مسؤولية كل من البوين‬
‫عن الولد‪ ،‬من حيث‪ :‬التربية‪ ،‬والتوجيه‪ ،‬والرشاد‪ ،‬والتعليم‪ ،‬وذلك عمل بما أمرنا ال تعالى به‪،‬‬
‫ورسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫إن ال عز وجل أمر المسلمين بأن يجّنبوا أنفسهم وأهليهم النار‪ ،‬فقال تعالى‪ }:‬يا أيها الذين آمنوا‬
‫قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملئكة غلظ شداد ل يعصون ال ما‬
‫أمرهم ويفعلون ما يؤمرون{‪.‬‬

‫والنبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أمر البوين‪ :‬بتربية الولد على اليمان والعمل الصالح‪،‬‬
‫وبتعليمهم "الصلة" وهم أبناء سبع سنين‪ ،‬وبضربهم عليها ضربا غير مبّرح وهم ابناء عشر‪،‬‬
‫وبتعويدهم على ترك المحّرمات‪ ،‬وفعل الطاعات والداب‪.‬‬

‫ولذلك‪ :‬فإنه ل يجوز للبوين أيضا أن يهمل هذه المسؤولية‪ ،‬ولو كان أولدهما في مدرسة‬
‫تعلمهم أمور الدين‪ ،‬بل عليهما أن يثبتا من معرفة أولدهما أمور بأمور دينهم‪ ،‬ل أن يتركا المر‬
‫على عواهنه‪..‬‬

‫ول يجوز للبوين أيضا‪ :‬أن يتركا تتبع أحوال أولدهما‪ ،‬بل عليهما أن يسأل عمن يعاشرون من‬
‫الّرفقة والصحاب‪ ،‬وإلى أين يذهبون‪ ..‬وأن يحذراهم دائما من معشر السوء‪ ..‬وأن يراقبا ما‬
‫يقرأون من كتب ومجلت‪ ..‬وما يشاهدونه ويسمعونه من أفلم وتسجيلت‪ ..‬وخصوصا في هذا‬
‫اليام‪ ،‬التي كثرت فيها أفلم الخلعة والدعارة ـ الجنس ـ بواسطة ما يعرف بـ "الفيديو"‪..‬‬
‫إن البوين مؤتمنان على أمانة غالية‪ ،‬هي‪ :‬ولدهما‪ ..‬فلذة كبدهما‪ ..‬فليحسنا إليه‪ ..‬وليقّدما إليه‬
‫النصيحة والرشاد‪ ..‬وليبذل جهدهما من أجل تنشئته تنشئة صالحة‪ ،‬لتقّر به عيونهما‪ ..‬وإن هما‬
‫جانبهما النجاح‪ ..‬فلم يصلح حال ولدهما بعد بذل الجهد‪ ..‬فقد وضعا عنهما المسؤولية‪ ..‬وبرئا الى‬
‫ي العظيم‪.‬‬
‫ال عز وجل من سوء عمله‪ ..‬ول حول ول قوة إل بال العل ّ‬

‫ثالثا‪ :‬مسؤولية المدرسة والجامعة‬

‫ب المدرسة‪ ،‬إذ من دونهما ل فائدة للمدارس‬‫نعني بالمدرسة والجامعة‪ :‬المعلم والستاذ‪ ..‬فهما ل ّ‬
‫ول للجامعات‪ ،‬و"المعلم" هو الحامل لمانة "العلم"‪ ،‬الناقل لهذه المانة إلى الجيال‪.‬‬

‫إن مهمة "المعلم" ليست محصورة في تلقين "العلم" كما يلقن "الببغاء"‪ ،‬ليردده الطالب‬
‫ل الطالبة على نور‬
‫ويحفظه‪ ،‬بل‪ :‬إن العلم نوران وهو هدى وضياء‪ ،‬وواجب " الستاذ" إن يد ّ‬
‫العلم وهداه‪ ..‬وأن يرشدهم الى فضائله ومنافعه‪ :‬الدنيوية والخروية‪ ..‬وأن يطبعهم بطابع‬
‫شخصيته المسلمة الصحيحة‪ ،‬فيكون لهم القدوة الحسنة‪ ،‬والمثل الفضل‪ ،‬في علمه‪ ..‬وعمله‪..‬‬
‫وأخلقه‪..‬‬

‫وكلمنا عن "العلم" ل ينحصر في‪ :‬المعلم الرجل‪ ،‬بل يتناول المعلمة المرأة أيضا‪ ،‬التي صار‬
‫لها في مجال التعليم أثر كبير‪ ،‬فهي مدعّوة الى إحسان تعليم الطالبات‪ ،‬لينشأن متعلمات مؤمنات‬
‫صالحات‪ ..‬وهي مأمورة بأن تكون قدوة للطالبات في حشمتها‪ ..‬وأخلقها‪ ..‬ووقارها‪ ..‬وتدّينها‪ ..‬ل‬
‫أن تكون مفسدة للبنات‪ ..‬بتهتكها واستخفافها بالخلق والداب‪..‬‬

‫إن هدفنا من كل هذا الكلم‪ :‬أن ل تكون المدرسة مركز‪" :‬محو أمية"‪ ،‬يعّلم الطلبة القراءة‬
‫والكتابة‪ ..‬فحسب‪ ..‬ومع السف‪ :‬فإن كثيرا من المعاهد هي من هذا النوع‪ ..‬إذ ل شيء فيها يطّبق‬
‫مبادئ "التربية"‪ ،‬بل هناك "تعليم" فقط‪ ..‬أي‪" :‬محو أمّية"‪ ..‬أما "التربية" فل وجود لها في تلك‬
‫المعاهد‪ ..‬فينشأ الطالب فيها متعلما‪ ..‬مثقفا‪ ..‬يحمل أعلى الشهادات‪ ..‬ولكنه‪ :‬من دون تربية‪ ..‬فهو‬
‫ل‪ ..‬مائع‪ ..‬ل مبالي بأمور الدين‪ ..‬ل يعرف معنى‪" :‬الحياء" ول "ألعيب"‪..‬‬ ‫منح ّ‬

‫ومن المؤسف أيضا‪ :‬أن كثيرا ممن يقومون بالتعليم‪ ،‬ليسوا أهل للتربية‪ ..‬لنهم أنفسهم بحاجة‬
‫الى "تربية"‪ ..‬وعندما يكون "المعلم" بحاجة الى "تربية"‪ ،‬فكيف نتوقع من إنتاجه جيل ذا تربية‬
‫سليمة؟؟‪ ..‬وهنا يجضرني بيت من الشعر قاله أحد العلماء‪ ،‬في بعض علماء عصره‪ ،‬الذين‬
‫صروا في حمل المسؤولية‪:‬‬
‫ق ّ‬
‫من يصلح الملح إذا الملح فسد؟‬ ‫يا معشر العلماء يا ملح البلد‬

‫رابعا‪ :‬تأثير الصديق‬

‫آثرنا أن يكون عنوان هذا البند‪ ":‬تأثير الصديق"‪ ،‬لن "الصديق" ل يتميز عن صديقه بشيء‪،‬‬
‫فهما يتبادلن التأثير‪ ،‬فأيهما كان أقوى شخصية أثر في صاحبه‪ ،‬وقاده الى حيث يريد‪..‬‬

‫ومرادنا بالصديق‪ :‬هو الرفيق والصاحب‪ ،‬الذي يعاشره النسان‪ ،‬ويسهر معه‪ ..‬ويرافقه‪ ..‬ولهذا‬
‫الصاحب تأثير كبير على صاحبه‪ ،‬فلذا قيل‪ ":‬قل لي من تعاشر‪ ..‬أقل لك‪ :‬من أنت‪."..‬‬

‫وقد حذر النبي صلى ال عليه وسلم من مصاحبة الشرار‪ ،‬وبين أضرار ذلك‪ ،‬فروى أبو داود‬
‫والترمذي‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري‪ ،‬رضي ال عنه‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪ ":‬ل‬
‫ي"‪ ،‬وروى أبو والترمذي‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬رضي ال‬ ‫تصاحب إل مؤمنا‪ ،‬ول يأكل طعامك إل تق ّ‬
‫عنه‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪ ":‬الرجل على دين خليله‪ ،‬فلينظر أحدكم من يخالل"‪،‬‬
‫و"الخليل" ‪ :‬هو الصديق القريب المحبوب‪ ،‬وفي هؤلء يقول ال عز وجل‪ }:‬الخلء يومئذ‬
‫بعضهم لبعض عدو إل المتقين{‪ ،‬أي‪ :‬الصحاب في الدنيا‪ ،‬المتفقون فيهاعلى معصية ال تعالى‪،‬‬
‫يكونون يوم القيامة أعداء‪ ،‬يتبادلون اللوم والتعنيف‪ ،‬أما المتقون من الصدقاء‪ ،‬الذين تلقوا في‬
‫الدنيا على محبة ال تعالى وطاعته‪ ،‬فليسوا في الخرة كذلك‪ ،‬بل يزداد ودهم‪ ،‬وتقوى صداقتهم‪،‬‬
‫ويشكرون ال عز وجل على رحمته ورضوانه‪.‬‬

‫فعلى كل شاب أو شابة‪ ،‬أن يحسن اختيار صديقه ورفيقه‪ ،‬فإن نفع الصديق كبير‪ ،‬كما أن ضرره‬
‫خطير‪ ..‬فمن صادق الصالحين اكتسب منهم وأخذ عنهم‪ ..‬ومن عاشر الفاسقين المائعين‪ ..‬أصيب‬
‫بمرضهم‪ ..‬والصابة إذا وقعت‪ ،‬فهي خطيرة جدا‪ ..‬وقلما شفي شاب طول عمره‪ ..‬من عادة‬
‫سيئة‪ ..‬علمه إّياها‪ ..‬صديق‪..‬‬

‫خامسا‪ :‬مسؤولية المجتمع‬

‫نعني بالمجتمع‪ :‬عموم الناس‪ ،‬أي‪ :‬ما يعرف اليوم بالرأي العام‪ ،‬فالناس بمشاعرهم العامة‪،‬‬
‫بإمكانهم أن يساعدوا على إصلح الفاسد‪ ،‬وتقويم المعّوج‪ ،‬وإذا سلطوا ألسنتهم على إنسان قضوا‬
‫عليه‪.‬‬

‫ومن واجبات المجتمع‪ :‬أن يكون يقظا حذرا‪ ،‬لئل تتسرب إليه الخلق السيئة‪ ،‬والمفاسد‬
‫والمنكرات‪ ،‬وأن يحارب كل انحراف عن جاّدة الصواب والحق‪ ،‬وأن يحمي نشأة شبابه من‬
‫المؤذيات‪ ،‬فيكون دائنافي موقف الحذر‪ ..‬المدافع‪ ..‬الحريص‪..‬‬

‫ومن ناحية أخرى‪ :‬فإن على المجتمع أن يساعد المنحرفين على الستقامة‪ ،‬إذا هم سلكوا سبيلها‪،‬‬
‫وعلى التوبة إذا هم أعلنوها‪ ،‬وأن يغفر لهم‪ ،‬وينسى سوء أعمالهم‪ ،‬كما قال تعالى‪ }:‬قل للذين‬
‫آمنوا يغفروا للذين ل يرجون أيام ال ليجزي قوما بما كانوا يكسبون{‪ ،‬وهذه مسألة مهّمة جدا‪،‬‬
‫فإن الناس ـ مع السف ـ ل ينسون ذنوب سواهم‪ ،‬ول يعرضون عنها‪ ،‬ولو تاب المذنب وأصلح‬
‫عمله‪ ..‬وهذا الموقف‪ ،‬يدفع بالكثيرين من هؤلء التائبين‪ :‬إما الى اليأس‪ ..‬والنزواء‪ ..‬وإما الى‬
‫العودة الى حياة الجرام والرذيلة‪...‬‬

‫ل بحسب طاقته واستطاعته‪ ،‬لنهم كالجسد‬ ‫إن المسلمين مسؤولون جميعا‪ ،‬بعضهم عن بعض‪ ،‬ك ّ‬
‫ب لخيه ما يحّبه‬
‫الواحد‪ ،‬إذا اشتكى منه عضو اشتكى كله‪ ،‬والمؤمن ل يكمل إيمانه إل إذا أح ّ‬
‫ب الذات‪ ،‬وعلى‬ ‫لنفسه‪ ،‬وكره لخيه ما يكرهه لنفسه‪ ،‬وما سوى ذلك فهي‪ :‬النانية‪ ..‬والثرة‪ ..‬وح ّ‬
‫حساب الخرين‪ ..‬وليس ذلك من أخلق المؤمنين‪.‬‬
‫ل؟‬
‫ما هو الح ّ‬

‫ل؟‪ ..‬وهو أمر بديهي‪ :‬أن يسأل‬


‫بعد كل " أزمة"‪ ،‬وعند كل كارثة‪ ..‬يتساءل الناس‪ :‬ما هو الح ّ‬
‫الناس‪ ،‬عن المسؤول‪ ..‬وعن الحل‪..‬‬

‫ونحن ذكرنا في الفصل السابق‪ :‬من هو المسؤول‪ ..‬على نحو ما جعل المسؤولية على عاتق‬
‫الجميع‪ ..‬فل أحد غير مسؤول‪ ..‬بدءا من "الحاكم"‪ ..‬وانتهاء بالمواطن الفرد‪ ..‬فكلنا مسؤول‪..‬‬
‫وسوف نسأل عن هذه المسؤولية‪..‬‬

‫ل لهذه الزمات‪ ..‬والمخرج من هذه الورطات‪ ..‬فإنه بإيجاز‪" :‬السلم"‪ ..‬أجل‪ :‬إنه‬ ‫أما الح ّ‬
‫السلم‪ ..‬بتشريعاته واحكامه‪ ،‬وآدابه وأخلقه‪ ..‬وتكاليفه‪ ،‬وأوامره‪ ،‬ونواهيه‪..‬‬

‫ل لمآسي البشرية في سواه‪ ..‬ول ملجأ لها إل الى أحكامه الغّراء‪..‬‬


‫إنه "السلم" وحده‪ ..‬ل ح ّ‬
‫وأنظمته المحكمة العظيمة‪..‬‬

‫هذا هو الجواب عن هذا السؤال بإيجاز‪..‬‬

‫أما الجوب بالتفصيل‪ ..‬فتجده في كتابنا‪ ":‬سبيل النهضة"‪.‬‬

‫خاتمة‬
‫تّم بعونه تعالى تبييض هذا الكتاب‪:‬‬
‫"أزمات الشباب"‬
‫في شهر محّرم عام ‪1411‬ه‬
‫الموافق لشهر آب عام ‪ 1990‬م‬
‫في مدينة "بيروت"‬
‫والحمد ل رب العالمين‬

‫هذا الكتاب‬
‫قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي ال عنه‪:‬‬
‫ن‪ ،‬فسيح الصدر‪ ،‬بّين اللسان‪.‬‬
‫سّ‬‫ب ال ّ‬
‫"يا قبيضة بن جابر إني أراك شا ّ‬
‫ب‪ ،‬يكون فيه تسعة أخلق حسنة‪ ،‬وخلق سيء‪ ،‬فيفسد الخلق السيء الخلق الحسنة‪.‬‬ ‫ن الشا ّ‬
‫وإ ّ‬
‫فإياك وعثرات الشباب"‪.‬‬
‫رواه البيهقي والحاكم‪.‬‬

‫إن هذا الكتاب يعالج عثرات الشباب؛‬


‫وال المستعان‬

‫تم بحمد ال كتابة هذا كتاب على الورد‬


‫في يوم عرفة لعام ‪ 1423‬هجرية \ ‪ 10‬شباط ‪ 2003‬ميلدية‬

You might also like