Professional Documents
Culture Documents
تأليف
المام عبد الرحمن بن حسن بن شيخ
السلم محمد بن عبد الوهاب
رحمهم الله تعالى
) حقوق النشر لكل مسلم (
مقدمة الشارح
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين وعليه التكلن
الحمد لللله رب العللالمين ،والعاقبللة للمتقيللن ،ول عللدوان إل علللى
الظالمين ،كالمبتدعة والمشركين ،وأشهد أن ل إله إل الللله وحللده
ول شريك له ،إله ً الولين والخرين ،وقيوم السللماوات والرضللين.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ،وخيرته من خلقه أجمعين.
محمللد ًوأصللحابه ومللن تبعهللم اللهللم صللل علللى محمللد وعلللى آل
بإحسان إلى يوم الدين ،وسلم تسليما ً كثيرا.
أما بعد:
2 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
فإن كتاب التوحيد الذى ألفه المام شليخ السللم محمللد بلن عبللد
الوهاب أجزل الله له الجر والثوابً ،وغفر له ولمن أجللاب دعللوته
التوحيلد إلى يوم يقوم الحساب ،قد جاء بديعا فى معناه ملن بيللان
فصللار علم لا ً بللبراهينه ،وجمللع جمل مللن أدلتلله ليضللاحه وتللبيينه.
للموحدين ،وحجة على الملحدين .فانتفع به الخللق الكلثير ،والجلم
الغفير .فإن هذا المام رحمه الله فى مبدأ منشللئه قللد شللرح الللله
صدره للحق المبين ،الللذى بعللث الللله بلله المرسلللين :مللن إخلص
العبادة بجميع أنواعها لله رب العالمين ،وإنكار ما كان عليه الكللثير
من شرك المشركين ،فأعلى الله همتله ،وقلوى عزيمتله ،وتصلدى
لدعوة أهل نجد إلى التوحيد ،الذى هللو أسللاس السلللم واليمللان،
ونهاهم عن عبادة الشجار والحجار والقبور ،والطواغيت والوثان،
وعن اليمان بالسحرة والمنجمين والكهان.
فأبطل الله بدعوته كل بدعة وضللة يدعو إليها كل شيطان ،وأقام
الله به علم الجهاد ،وأدحض به شبه المعارضين مللن أهللل الشللرك
والعناد ،ودان بالسلم أكثر أهللل تلللك البلد ،الحاضللر منهللم والبللاد
وانتشرت دعوته ومؤلفاته فى الفاق ،حلتى أقلر اللله لله بالفضللل
من كان من أهل الشقاق .إل من استحوذ عليلله الشلليطان .وكللره
إليه اليمان ،فأصر على العناد والطغيان .وقللد أصللبح أهللل جزيللرة
العرب بدعوته ،كما قال قتادة رحمه الله عن حال أول هللذه المللة
إن المسللمين لملا قلالوا ) ل إلله إل اللله( أنكلر ذللك المشلركون
وكبرت عليهم ،وضاق بها إبليس ،وجنوده .فأبى الله إل أن يمضيها
ويظهرها ،ويفلجها وينصرها على من ناوأها ،إنها كلمة مللن خاصللم
بها فلج ،ومن قاتل بها نصر ،إنما يعرفها أهللل هللذه الجزيللرة الللتى
يقطعها الراكب فى ليال قلئل ،ويسير مللن الللدهر ،فللي فئام مللن
الناس ،ل يعرفونها ول يقرون بها .
كثير من ًالعلماء لدعوته ،وسروا واستبشللروا وقد شرح الله صدور
بطلعته ،وأثنوا عليه نثرا ً ونظما.
فمن ذلك ما قاله عالم صنعاء :محمد بن إسماعيل المير فى هللذا
الشيخ رحمه الله تعالى:
يعد لنا الشرع الشريف وقد جاءت الخبار عنه بأنه
بما يبدى
ومبتدع منه ،فوافق وينشر جهرا ً ما طوى كل جاهل
ما عندى
مشاهد ،ضل الناس فيها ويعمر أركان الشريعة هادما ً
عن الرشد
يغوث وود ،بئس أعادوا بها معنى سواع ومثله
ذلك من ود
كما يهتف المضطر وقد هتفوا عند الشدائد باسمها
بالصمد الفرد
أهلت لغير الله وكم عقروا فى سوحها من عقيرة
جهرا ً على عمد
ومستلم الركان منهن وكم طائف حول القبور مقبل
باليدى
وقال شيخنا عالم الحساء أبو بكر حسين بن غنام رحمه الله
تعالى فيه:
بوقت به يعلى لقد رفع المولى به رتبة الهدى
الضلل ويرفع
وعام بتيار سقاه نمير الفهم موله فارتوى
المعارف يقطع
وأوهى به من مطلع فأحيا به التوحيد بعد اندراسه
الشرك مهيع
سواه ول حاذى سما ذروة المجد التى ما ارتقى لها
فناها سميذع
يشيد ويحيى ما وشمرفى منهاج سنة أحمد
تعفى ،ويرفع
أمرنا إليها فى التنازع يناظر باليات والسنة التى
نرجع
3 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
دونه من شيء " ،فمشيئة الله تعالى الشرعية عنهللم منفيللة ،لنلله
نهاههم عن ذلك على ألسن رسللله ،وأمللا مشلليئته الكونيللة -وهللى
تمكينهم من ذلك قدرا ً -فل حجة لهم فيها ،لنه تعللالى خلللق النللار
وأهلها من الشياطين والكفرة ،وهللو ل يرضللى لعبلادة الكفللر ،وللله
فى ذلك الحجة البالغة والحكمة القاطعة ،ثم إنه تعالى قد أخبر أنه
أنكر عليهللم بالعقوبللة فللى الللدنيا بعللد إنللذار الرسللل ،فلهللذا قللال:
"فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضللة" انتهى.
قلت :وهذه الية تفسير الية التي قبلها .وذلك قوله" :فمنهللم مللن
هدى الله ومنهم من حقت عليه الضللة" فتدبر.
ودلت هلذه اليللة عللى أن الحكملة فلي ارسللال الرسلل ،دعللوتهم
أممهم إلى عبادة الله وحده ،والنهي عن عبادة ما سواه ،وأن هللذا
هو دين النبياء والمرسلين ،وإن ًاختلفت شريعتهم كما قال تعللالى
"لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا" وأنه ل بد في اليمان من عمللل
القلب والجوارح.
قال المصنف رحمه الله تعالى) :قوله تعالى " :وقضممى
ربك أن ل تعبدوا إل إياه وبالوالدين إحسانا "(:
قال مجاهد قضى يعني وصى ،وكذا قرأ أبي بن كعب وابن مسعود
وغيرهم ولبن جرير عن ابن عباس وقضى ربك يعني أمر.
وقوله تعالى " :أن ل تعبللدوا إل إيللاه " المعنللى ،أن تعبللدوه وحللده
دون ما سواه ،وهذا معنى ل إله إل الله.
قال ابن القيم رحمه الللله تعللالى ،والنفللي المحللض ليللس توحيللدًا،
وكذلك الثبات بدون النفللي ،فل يكللون التوحيللد إل متضللمنا ً للنفللي
والثبات ،وهذا هو حقيقة التوحيد.
وقللوله ":وبالوالللدين إحسللانا "أي وقضللى أن تحسللنوا بالوالللدين
إحسانًا ،كما قضى بعبادته وحده ل شريك له .كما قلال تعلالى فلي
الية الخرى " :أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير"
أحدهما ً أو كلهما فل تقل لهمللا أف وقوله" :إما يبلغن عندك الكبر
ول تنهرهما" أى أل تسمعهما قول ً سيئا ،حتى ول التأفيف الذي هللو
أدنى مراتب القول السيء "ول تنهرهما" أي :ل يصدر منك إليهمللا
فعل قبيح ،كما قال عطاء بن أبي رباح ل تنفض يديك عليهما.
الحسللن ولما نهاه عن الفعل القبيح والقللول القبيللح أمللره بالفعللل
والقول الحسن فقال" :وقل لهما قول ً كريمًا" أي لين لا ً طيب لا ً بللأدب
وتوقير وقوله "واخفض لهما جنلاح اللذل ملن الرحملة" أى تواضلع
لهمللا "وقللل رب ارحمهمللا" أي فلي كبرهمللا وعنللد وفاتهمللا " كملا
ربياني صغيرا " وقللد ورد فللي بللر الوالللدين أحللاديث كللثيرة ،منهللا:
الحديث المروي من طرق عن أنس وغيره "أن رسول الللله صلللى
الله عليه وسلم لما صعد المنبر قال :آمين ،آمين ،آمين ،فقالوا يللا
رسول الله ،على ما أمنت ؟ قال أتاني جبريل فقال :يا محمد رغم
أنف امرىء ذكرت عنده فلم يصل عليك قل :آمين ،فقلللت :آميللن
ثم قال :رغم أنف امرىء دخل عليه شللهر رمضللان ثللم خللرج ولللم
يغفر له ،قل آمين :فقلت آمين ،ثم قلال :رغللم أنللف امرىلء أدرك
أبويه أو أحدهما فلم يدخله الجنة قل :آميللن ،فقلللت آميللن" وروى
المام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلللى
الله عليه وسلم "رغم أنف ،ثم رغم أنف ،ثم رغم أنف رجللل أدرك
والديه ،أحدهما أو كلهما لم يدخل الجنة " قال العمللاد ابللن كللثير:
صحيح من هذا الوجه عللن أبللى بكللرة رضللى الللله عنلله قللال :قللال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :أل أنبئكم بللأكبر الكبللائر قلنللا:
بلى يا رسول الله ،قال :الشراك بللالله ،وعقللوق الوالللدين .وكللان
متكئا ً فجلس ،فقال أل وقول الللزور ،أل وشللهادة الللزور ،فمللا زال
يكررها حتى قلنا :ليته سللكت" رواه البخللارى ومسلللم .وعللن عبللد
الله بن عمرو رضي الله عنهما قال :قال رسللول الللله صلللى الللله
عليه وسلم" :رضى الرب فى رضى الوالدين ،وسخطه فى سخط
الوالدين " ،عن أسيد الساعدى رضللى الللله عنلله قللال" :بينللا نحللن
جلوس عند النبى صلى الله عليلله وسلللم إذ جللاءه رجللل مللن بنللى
سلمة فقال :يا رسول الله ،هل بقى من بر أبوي شللئ أبرهمللا بلله
بعد موتهما ؟ فقال :نعم ،الصلة عليهمللا والسللتغفار لهمللا ،وإنفللاذ
عهدهما من بعدهما ،وصلة الرحم التى ل توصللل إل بهمللا ،وإكللرام
صديقهما ً" رواه أبو داود وابن ماجة .والحلاديث فلى هللذا المعنلى
كثيرة جدا.
10 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
قللوله) :أتلدرى ملا حلق الللله علللى العبللاد( أخلرج السلؤال بصليغة
الستفهام ليكون أوقع في النفس وأبلللغ فللي فهللم المتعلللم وحللق
الله على العباد وهو ما يستحقه عليهم وحق العباد على الله معناه
أنه متحقق ل محالة ،لنه وعدهم ذلللك جللزاء لهللم علللى توحيللده :
"وعد الله ل يخلف الله وعده".
قال شيخ السلم :كون المطيع يستحق الجزاء هو استحقاق إنعام
وفضل ،ليس هو اسللتحقاق مقابلللة ،كمللا يسللتحق المخلللوق علللى
المخلوق ،فمن الناس من يقول :ل معنى للستحقاقً ،إل أنه ً أخللبر
بذلك ووعده صدق ،ولكن أكثر الناس يثبتون اسللتحقاقا زائداً علللى
هذا ،كما دل عليه الكتاب والسنة قللال تعللالى " :وكللان حق لا علينللا
نصر المؤمنين" لكن أهل السنة يقولون :هو الذي كتب على نفسه
الرحمللة وأوجللب علللى نفسلله الحللق ،ولللم يللوجبه عليلله مخلللوق،
والمعتزلة يللدعون أنلله واجللب عليلله بالقيللاس علللى المخلللوق وأن
العباد هللم الللذين أطللاعوه بللدون أن يجعلهللم مطيعيللن للله ،وأنهللم
يستحقون الجزاء بدون أن يكون هو الموجب ،وغلطللوا فللي ذلللك،
وهلذا البلاب غلطللت فيلله الجبريللة والقدريللة أتبللاع جهلم والقدريلة
النافية.
قوله )قلت الله ورسوله أعلم( فيه حسن الدب من المتعلم ،وأنله
ينبغللي لمللن سللئل عمللا ل يعلللم أن يقللول ذلللك ،بخلف أكللثر
المتكلفين.
قوله) :أن يعبدوه ول يشركوا به شيئًا( أي يوحللدوه بالعبللادة .ولقللد
أحسن العلمة ابن القيم رحمه اللله حيلث عللرف العبللادة بتعريلف
جامع فقال:
مع ذل عابده هما قطبان وعبادة الرحمن غاية حبه
ل بالهوى والنفس والشيطان ومداره بالمر أمر رسوله
التجرد قوله) :ول يشركوا به شيئًا( أى يوحدوه بالعبادة ،فلبد من
يكن آتيا ً من الشرك فى العبادة ،ومن لم يتجرد من الشرك لم
بعبادة الله وحده ،بل هو مشرك قد جعل لله ندًا .وهذا معنى قول
المصنف رحمه الله) :وفيه أن العبادة هى التوحيد ،لن الخصومة
فيه ،وفى بعض الثار اللهية :إنى والجن والنس فى نبأ عظيم،
أخلق ويعبد غيرى ،وأرزق ويشكر سواى ،خيري إنى العباد نازل،
وشرهم إلى صاعد ،أتحبب إليهم بالنعم ،ويتبغضون إلى
بالمعاصى(.
قوله) :وحق العباد على الله أل يعذب من ل يشرك به شلليئًا( قللال
الحللافظ :اقتصللر علللى نفللي الشللراك لنلله يسللتدعي التوحيللد
بالقتضاء ،ويستدعى إثبات الرسالة باللزوم ،إذ مللن كللذب رسللول
الله صلى الله عليه وسلم فقد كللذب الللله ،ومللن كللذب الللله فهللو
مشرك وهو مثل قول القللائل :ومللن توضللأ صللحت صللته ،أى مللع
سائر الشروط .ا هل.
قوله) :أفل أبشر الناس( فيه استحباب بشارة المسلم بما يسللره،
وفيه ما كان عليه الصحابة من الستبشار بمثل هذا .قال المصللنف
رحمه الله.
التنللافس
فيللتركوا أى تحرجا ً قوله )ل تبشرهم فيتكلوا( أى يعتمدوا على ذلك
موته تأثما ً فى العمال .وفى رواية :فأخبر بها معاذ عند
من الثم .قال الوزير أبو المظفر :لللم يكللن يكتمهللا إل عللن جاهللل
يحمله جهللله علللى سللوء الدب بللترك الخدمللة فللى الطاعللة ،فأمللا
الكياس الذين إذا سمعوا بمثللل هللذا زادوا فللى الطاعللة ،ورأوا أن
زيادة النعم تستدعى زيادة الطاعة ،فل وجه لكتمانها عنهم.
وفى الباب من الفوائد غير ما تقللدم ،الحللث علللى إخلص العبللادة
لله وأنها ل تنفع مللع الشللرك ،بللل ل تسللمى عبللادة .والتنللبيه علللى
عظمة حق الوالدين .وتحريم عقوقهما .والتنبيه على عظمة اليات
المحكمات فى سورة النعام .وجواز كتمان العلم للمصلحة.
قوله) :أخرجاه( أى البخللارى ومسلللم .و البخللارى رحملله الللله هللو
المللام محمللد ابللن إسللماعيل بللن إبراهيللم بللن بردزبلله الجعفللي
مولهم،الحلافظ الكلبير صلاحب الصلحيح والتاريلخ والدب المفلرد
وغير ذلك من مصنفاته .روى عن المام أحمد بن حنبل والحميللدى
وابن المللدينى وطبقتهللم .وروى عنلله مسلللم والنسللائي والترمللذي
14 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
والفربرى رواى الصحيح .ولد سنة أربع وتسعين ومائة ومات سللنة
ست وخمسين ومائتين.
ومسلم رحمه الله هو ابن حجاج بن مسلم أبو الحسللين القشلليرى
النيسابورى صاحب الصحيح والعلل والوجدان وغير ذلللك روى عللن
أحمد بللن حنبللل ويحيللى بللن معيللن وأبللى خيثمللة وابللن أبللى شلليبة
وطبقتهللم .وروى عللن البخللاري .وروى عنهالترمللذي وإبراهيللم بللن
محمد بن سفيان راوى الصحيح وغيرهما .ولد سللنة أربللع ومللائتين.
ومات سنة إحدى وستين ومائتين بنيسابور رحمهما الله.
باب
بيان فضل التوحيد وما يكفر من
الذنوب
قوله) :باب بيان فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب( :
باب خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا )قلت( ويجللوز أن يكللون مبتللدأ
خبره محذوف تقديره هذا .و ما يجللوز أن تكللون موصللولة والعللائد
محللذوف ،أي وبيللان الللذي يكفللره مللن الللذنوب ،ويجللوز أن تكللون
مصدرية ،أي وتكفيره الذنوب ،وهذا الثانى أظهر.
قموله) :وقمول اللمه تعمالى" :المذين آمنموا ولمم يلبسموا
إيمانهم بظلم أولئك لهم المن وهم مهتدون"( :
قال ابن جرير :حدثنى المثنللى -وسللاق بسللنده -عللن الربيللع ابللن
أنس قال :اليمان الخلص لله وحده.
الية :أى هؤلء الذين أخلصوا العبادة لله وحللده وقال ابن كثير فى
ولم يشركوا به شيئا ً هم المنون يوم القيامة ،المهتدون فى الللدنيا
والخرة .وقال زيد بن أسلم وابن إسحاق :هذا من الله على فصل
القضاء بين إبراهيم وقومه.
وعن ابن مسللعود) :لمللا نزلللت هللذه اليللة قللالوا :فأينللا لللم يظلللم
نفسه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :ليس بذلكم ،ألللم
تسمعوا إلى قول لقمان" :إن الشرك لظلم عظيم" (.
وساقه البخارى بسنده فقال "حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا
أبي حدثنا العمش حدثنى إبراهيم عن علقمة عن عبد الللله رضللي
الله عنه قال :لما نزلت" :الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمللانهم بظلللم"
قلنا :يا رسول الله ،أينا ل يظلم نفسه ؟ قال :ليللس كمللا تقولللون،
15 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
لم يلبسوا إيمانهم بظلم ،بشرك .أو لم تسمعوا إلللى قللول لقمللان
لبنه " :يا بني ل تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم " ".
ولحمد بنحوه عن "عبد الله قال ) :لمللا نزلللت "الللذين آمنللوا ولللم
يلبسوا إيمانهم بظلم" شق ذلك على أصللحاب رسللول الللله صلللى
الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله :فأينا ل يظلم نفسلله ؟ قللال:
إنه ليس الذى تعنون .ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح " :يا بني ل
تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم " إنمللا هللو الشللرك( " .وعللن
عمر أنه فسره بالللذنب .فيكللون المعنللى :المللن مللن كللل عللذاب.
وقال الحسن والكلبي :أولئك لهم المن ،فى الخرة ،وهم مهتدون
فى الدنيا.
قللال شلليخ السلللم :والللذى شللق عليهللم أنهللم ظنللوا أن الظللالم
المشروط عدمه هو ظلم العبد نفسلله ،وأنلله ل أمللن ول اهتللداء إل
لمن لم يظلم نفسه ،فبين لهم النللبى صلللى الللله عليلله وسلللم مللا
دلهللم علللى أن الشللرك ظلللم فللى كتللاب الللله ،فل يحصللل المللن
وإلهتداء إل لمن يلبللس إيمللانه بهللذا الظلللم ،فللإن مللن لللم يلبللس
إيمانه بهذا الظلم كان من أهل المن والهتداء ،كما كان مللن أهللل
الصطفاء فى قوله" :ثم أورثنا الكتاب الذين اصللطفينا مللن عبادنللا
فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهللم سللابق بللالخيرات بللإذن
الله ذلك هو الفضل الكبير" وهذا ل ينفى أن يؤاخذ أحدهم بظلملله
لنفسه بذنب إذا لم يتب كما قال تعالى " ، :فمن يعمل مثقال ذرة
خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " وقد " سأل أبللو بكللر
الصديق رضى الله عنلله النللبى صلللى الللله عليلله وسلللم فقللال :يللا
رسول الله ،أينا لم يعمل سوءا ً ؟ فقال :يا أبا بكر ألست تنصللب ؟
ألست تحزن ؟ أليس يصيبك اللواء ؟ فذلك ما تجللزون بلله" فللبين
أن المللؤمن إذا مللات دخللل الجنللة قللد يجللزى بسلليئاته فللى الللدنيا
بالمصائب .فمن سلم من أجناس الظلللم الثلثللة :الشللرك ،وظلللم
العبللاد .وظلملله لنفسلله بمللا دون الشللرك .كللان للله المللن التللام
والهتداء التام .ومن لم يسللم ملن ظلمله لنفسلله كلان للله الملن
والهتداء المطلق .بمعنى أنه لبد أن يدخل الجنة كمللا وعللد بللذلك
فى الية الخرى :وقللد هللداه الللله إلللى الصللراط المسللتقيم الللذى
تكون عاقبته فيه إلى الجنة .ويحصل له من نقص المللن والهتللداء
بحسب ما نقص من إيمانه بظلمه لنفسه وليس مراد النللبى صلللى
الله عليه وسلم بقوله إنما هو الشرك أن من لللم يشللرك الشللرك
الكبر يكون له المن التام والهتداء التام .فإن أحاديثه الكثيرة مللع
نصوص القرآن تبين أن أهل الكبائر معرضون للخوف ،لللم يحصللل
لهم المن التام والهتداء التام اللللذين يكونللون بهمللا مهتللدين إلللى
الصراط المستقيم ،صراط الذين أنعم الله عليهم ،من غير عللذاب
يحصل لهم .بل معهم أصل الهتداء إلى هذا الصراط ،ومعهم أصل
نعمة الله عليهم ولبد لهم من دخول الجنة .وقوله إنما هو الشرك
إن أراد الكبر ،فمقصوده أن من لم يكن من أهللله فهللو آمللن ممللا
وعد بلله المشلركون ملن علذاب اللدنيا والخللرة .وإن كلان مللراده
جنس الشرك .يقال ظلم العبد نفسلله،كبخللله لحللب المللال ببعللض
الواجب -هو شرك أصغر .وحبه ما يبغضه الله تعللالى حللتى يقللدم
هواه على محبة الله الشرك أصغر ونحو ذلك .فهذا فاته من المن
والهتداء بحسللبه .ولهللذا كل ًلان السلللف يللدخلون الللذنوب فللى هللذا
الشرك بهذا العتبار ملخصا.
وقال ابن القيم رحمه الله :قوله" :الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم
بظلم أولئك لهم المن وهم مهتدون" قال الصحابة :وأينا يا رسول
الله لم يلبس إيمانه بظلم ؟ قال :ذلك الشرك .ألم تسللمعوا قللول
العبد الصالح "إن الشرك لظلم عظيم" لملا أشلكل عليهلم الملراد
بالظلم فظنوا أن ظلم النفس داخل فيه.
وأن من ظلم نفسه أى ظلم كان لم يكن آمن لا ً ول مهتللديًا .أجللابهم
صلوات الله وسلمه عليه بأن الظلم الرافع للمللن والهدايللة علللى
الطلق هو الشرك .وهذا والله هو الجللواب ،الللذى يشللفي العليللل
ويروي الغليل .فإن الظللم المطللق التللام هلو الشلرك .الللذى هللو
وضع العبادة فى غير موضعها .والمن والهدى المطلق :هما الملن
فى الدنيا والخرة.
والهدى إلى الصراط المستقيم .فالظلم المطلق التام ً رافع للمللن
والهتداء المطلق التام .ول يمنع أن يكون الظلم مانعا من مطلللق
ومطلق الهدى .فتأمله .فالمطلق للمطلق ،والحصة للحصللة المن
ا ه ملخصًا.
وقوله") :عن عبادة بن الصممامت رضممي اللممه عنممه قممال:
مهد أن ل قال رسول الله صلى الله عليه وسمملم :ممن شم
إلممه إل اللممه وحممده ل شممريك لممه ،وأن محمممدا ً عبممده
ورسوله ،وأن عيسى عبد اللممه ورسمموله وكلمتممه ألقاهمما
16 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
إلى مريم وروح منه .والجنة حق ،أدخله الله الجنة علممى
ما كان من العمل " .أخرجاه(:
عبادة بن الصامت بن قيس النصارى الخزرجللى ،أبللو الوليللد ،أحللد
النقباء بدرى مشهور مات بالرملللة سللنة أربللع وثلثيللن وللله اثنتللان
وسبعون سنة ،وقيل :عاش إلى خلفة معاوية رضى الله عنه.
الله( أى من تكلم بهللا عارفلا ً لمعناهللا، قوله )من شهد أن ل إله إل
عامل ً بمقتضاها ،باطنا ً وظللاهرًا ،فلبللد فللى الشللهادتين مللن العلللم
واليقين والعمل بمدلولها ،كما قال الله تعالى" :فاعلم أنه ل إله إل
الله" وقوله " :إل من شهد بالحق وهم يعلمون" أما النطق بها من
غير معرفة لمعناها ول يقين ول عمل بما تقتضيه :من البراءة مللن
الشللرك ،وإخلص القللول والعمللل :قللول القلللب واللسللان وعمللل
القلب والجوارح -فغير نافع بالجماع.
قال القرطبى فى المفهم على صحيح مسلم :باب ل يكفى مجللرد
التلفظ بالشهادتين بل لبللد مللن اسللتيقان القلللب -هللذه الترجمللة
تنللبيه علللى فسللاد مللذهب غلة المللرجئة ،القللائلين بللأن التلفللظ
بالشللهادتين كللاف فللى اليمللان .وأحللاديث هللذا البللاب تللدل علللى
فساده .بل هلو مللذهب معلللوم الفسلاد ملن الشللريعة لملن وقلف
عليها .ولنه يلزم منلله تس ًللويغ النفللاق ،والحكللم للمنللافق باليمللان
الصحيح .وهو باطل قطعا ا هل.
وفى هذا الحديث ما يللدل علللى هللذا .وهللو قللوله :مللن شللهد فللإن
الشهادة ل تصح إل إذا كانت عن علم ويقين وإخلص وصدق.
قال النووي :هذا حديث عظيم جليل الموقللع ،وهللو أجمللع -أو مللن
أجمع -الحاديث المشللتملة علللى العقللائد .فللإنه صلللى الللله عليلله
وسلم جمع فيه ما يخرج من ملللل الكفللر علللى اختلف عقللائدههم
وتباعدها .فاقتصر صلى الله عليه وسلم فى هذه الحرف على مللا
يباين جميعهم ا هل.
ومعنى ل إله إل الله ل معبود بحق إل الله .وهو فى غير موضع من
القللرآن ،ويأتيللك فللى قللول البقللاعى صللريحا قللوله )وحللده( تأكيللد
للثبات )ل شريك له( تأكيد للنفى .قال الحافظ :كمللا قللال تعللالى:
"وإلهكم إللله واحللد ل إللله إل هللو الرحمللن الرحيللم" وقللال " :ومللا
أرسلنا من قبلك من رسول إل ًنوحي إليه أنه ل إله إل أنا فاعبدون
" وقال" :وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من
إله غيره" فأجابوه ردا ً عليه بقولهم " :أجئتنا لنعبد الله وحده ونللذر
ما كان يعبد آباؤنا " وقال تعالى " :ذلك بأن الله هو الحللق وأن مللا
يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير ".
فتضمن ذلك نفى اللهية عما سوى الله ،وهي العبادة .وإثباتها لللله
وحده ل شريك له ،والقرآن من أوله إلى آخللره يللبين هللذا ويقللرره
ويرشد إليه.
فالعبادة بجميع أنواعها إنما تصدر عن تأله القلب بالحب والخضوع
والتذلل رغبا ً ورهبًا ،وهذا كله ل يستحقه إل الله تعالىً ،كمللا تقللدم
الباب وما قبله .فمن صرف من ذلك شلليئا لغيللر الللله فى أدلة هذا
فقد جعله لله ندًا ،فل ينفعه مع ذلك قول ول عمل.
الفصللاح: قد تقدم كلم ابن عباس ،وقال الوزير أبو المظفللر فللى
قوله :شهادة أن ل إله إل الله يقتضى أن يكون الشاهد عالما ً بللأنه
ل إله إل الله ،كما قللال تعللالى" :فللاعلم أنلله ل إللله إل الللله" قللال:
واسم )الله( بعد )إل( من حيث أنه الواجب له اللهية ،فل يستحقها
غيره سبحانه .قللال :وجملللة الفللائدة فللى ذلللك :أن تعلللم أن هللذه
الكلمة مشتملة على الكفر بالطللاغوت واليمللان بللالله ،فإنللك لمللا
نفيت اللهية وأثبت اليجاب لله سبحانه كنت ممن كفر بالطللاغوت
وآمن بالله.
وقال ابن القيم فى البدائع ردا ً لقول من قال :إن المستثنى مخرج
من المستثنى منه .قال ابن ً القيم :بللل هللو مخللرج مللن المسللتثنى
منه وحكمه ،فل يكون داخل فى المسللتثنى ،إذ لللو كللان كللذلك لللم
يدخل الرجل فى السلم بقوله :ل إله إل الله لنه لم يثبت اللهيللة
لله تعالى .وهذه أعظللم كلمللة تضلمنت بالوضلع نفلى اللهيللة عملا
سوى الله وإثباتها له بوصف الختصاص .فدللتها على إثبات إلهيته
أعظم من دللة قولنا) :الله إله( ول يستريب أحللد فللى هللذا البتللة.
انتهى بمعناه.
17 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
الوجه الثانى :أن يضاف إليه لما خصه به من معنى يحبه ويأمر بلله
ويرضاه ،كما خص الللبيت العللتيق بعبللادة فيلله ل تكللون فلى غيللره.
وكما يقال فى مال الخمس والفىء :هو مال الللله ورسللوله .ومللن
هذا الوجه :فعباد الله هم الذين عبدوه وأطاعوا أمره .فهذه إضافة
ألوهيته وشرعه ودينه ،وتلك إضافة تتضمن ربوبيته وخلقه. تتضمن
ا .ه ملخصًا.
قوله) :والجنة حق والنار حق( أى وشهد أن الجنللة الللتى أخللبر بهللا
الله تعالى فى كتابه أنه أعدها للمتقين حق ،أى ثابتة ل شك فيهللا،
وشهد أن النار التى أخبر بها تعالى فى كتابه أنلله أعللدها للكللافرين
حق كذلك ثابتة ،كما قال تعالى " :سابقوا إلللى مغفللرة مللن ربكللم
وجنة عرضللها كعللرض السللماء والرض أعللدت للللذين آمنللوا بللالله
ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والللله ذو الفضللل العظيللم "
وقال تعالى " :فاتقوا النار الللتي وقودهللا النللاس والحجللارة أعللدت
للكافرين " وفللى اليللتين ونظائرهمللا دليللل علللى أن الجنللة والنللار
مخلوقتان الن ،خلفا للمبتدعة .وفيهما اليمان بالمعاد.
وقوله) :أدخله الله الجنة على مللا كللان مللن العمللل( هللذه الجملللة
جواب الشرط وفى رواية :أدخله الله من أى أبواب الجنة الثمانيللة
شاء .قال الحافظ :معنى قوله :على مللا كللان مللن العمللل أى مللن
صلللح أو فسللاد ،لن أهللل التوحيللد لبللد لهللم مللن دخللول الجنللة،
ويحتمل أن يكون معنى قوله :على ما كللان مللن العمللل أن يللدخله
الجنه على حسب أعمال كل منهم فى الدرجات.
قال القاضى عياض :ما ورد فى حديث عبادة يكون مخصوصا ً لمن
قال ما ذكللره صلللى الللله عليلله وسلللم وقللرن بالشللهادتين حقيقللة
اليمان والتوحيد الذي ورد في حديثه فيكون له من الجر ما يرجح
على سيئاته ويوجب له المغفرة والرحمة ودخول الجنة لول وهلة.
قال) :ولهما في حديث عتبان فإن الله حرم علممى النممار
من قال ل إله إل الله يبتغي بذلك وجه الله( :
قوله) :ولهما( أي البخاري ومسلللم فللي صللحيحيهما بكمللاله .وهللذا
طرف من حديث طويل أخرجه الشيخان.
وعتبان بكسر المهملة بعدها مثناة فوقية ثم موحدة ،ابن مالك بللن
عمرو بن العجلن النصاري ،مللن بنللى سللالم بللن عللوف ،صللحابي
مشهور ،مات فى خلفة معاوية.
وأخرج البخاري فى صحيحه بسنده "عن قتادة قال :حدثنا أنس بن
مالك أن النبي صلى الله عليلله وسلللم ومعللاذ رديفلله علللى الرحللل
قال :يا معاذ ،قال :لبيك يا رسللول الللله وسللعديك .قللال :يللا معللاذ،
وسللعديك .قللال :يللا معللاذ ،قللال :لبيللك يللا قال لبيك يا رسول الللله
قال :ما من أحللد يشللهد أن ل إللله إل وسعديك -ثلثا ً - رسول الله
الله وأن محمدا ً رسول الله صدقا من قلبلله إل حرملله الللله تعللالى
ً
النللاس فيستبشللروا ؟ على النار ،قال :يا رسول الله أفل أخللبر بلله
وساق بسند آخر: ً قال :إذا ً يتكلوا ،فأخبر بها معاذ عند موته تأثما ً ".
"حدثنا معتمر قال :سمعت أبي ،قال :سمعت أنسا قال :ذكللر لللي
أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ ابن جبل :من لقى الللله
ل يشرك به شيئا دخل الجنة .قال :أل أبشر الناس ؟ قال :ل ،إنللى
أخاف أن يتكلوا ".
قلت :فتبين بهللذا السللياق معنللى شللهادة أن ل إللله إل الللله ،وأنهللا
تتضمن ترك الشرك لمن قالها بصدق ويقين وإخلص.
ونحوه أنها فيمللن قالهللا قال شيخ السلم وغيره :فى هذا الحديث
ومات عليها ،كما جاءت مقيدة بقوله :خالصا ً مللن قلبلله غيللر شللاك
فيها بصدق ويقين فللإن حقيقللة التوحيللد انجللذاب ًالللروح إلللى الللله
تعالى جملة ،فمن شللهد أن ل إللله إل الللله خالصلا ملن قلبلله دخللل
الجنة ،لن الخلص هو ًانجذاب القلب إلى الللله تعللالى بللأن يتللوب
من الذنوب توبة نصوحا ،فإذا مات على تلك الحال نلال ذلللك فللإنه
قد تواترت الحاديث بأنه "يخرج من النار من قللال ل إللله إل الللله،
وكان فى قلبه من الخير ما يزن شعيرة ،وما يزن خردلة ،وما يزن
ذرة" وتواترت بأن كثيرا ً ممن يقول ل إله إل الللله يللدخل النللار ثللم
يخرج منها ،وتواترت بأن الله حرم على النار أن تأكل أثر السللجود
من ابن آدم ،فهؤلء كللانوا يصلللون ويسللجدون لللله ،وتللواترت بللأنه
يحرم على ًالنار من قال ل إله إل الله ،ومن شهد أن ل إله إل الللله
وأن محمدا رسول الله ،لكن جاءت مقيللدة بللالقيود الثقللال ،وأك ًللثر
من يقولها ل يعرف الخلص ،وأكثر من يقولها إنما يقولها تقليدا أو
عادة ،ولم تخالط حلوة اليمان بشاشة قلبه .وغالب من يفتن عند
20 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
وفيه إن العمل ل ينفع إل إذا كان خالصا ً لوجه الله تعالى علللى مللا
شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
)تنبيه( قال القرطبي في تذكرته :قوله فللي الحللديث مللن إيمللان
أي من أعمال اليمان التي هي من أعمللال الجللوارح ،فيكللون فيلله
دللة على أن العمال الصالحة من اليمان ،والدليل على أنلله أراد
باليمان ما قلناه ،ولم يرد مجرد اليمان الللذي هللو التوحيللد ونفللي
الشركاء والخلص بقول ل إله إل الله ما في الحللديث نفسلله ًمللن
لم أخرجوا -ثم بعد ذلك يقبض سبحانه قبضة فيخللرج قوم لا لل
ملخصا ً قوله
يعملوا خيرا ً قط يريد بذلك التوحيد المجرد من العمال ا ه
من شرح سنن ابن ماجة.
قال المصنف رحمممه اللممه") :وعممن أبممي سممعيد الخممدري
ملم
وسممميئا ً رضي الله عنه عن رسول اللممه صمملى اللممه عليممه
قال :قممال موسممى عليممه السمملم :يمما رب علمنممي ش
أذكرك وأدعوك به ،قال :قل يمما موسممى ل إلممه إل اللممه.
قال :كل عبمادك يقولممون هممذا ،قمال :يمما موسممى لمو أن
السموات السبع وعامرهن غيري والرضين السممبع فممي
كفة ،ول إله إل الله في كفة ،مالت بهممن ل إلممه إل اللممه
رواه ابن حبان والحاكم وصححه"( :
أبو سلعيد :اسلمه سلعد بلن ماللك بلن سلنان بلن عبيلد النصلاري
الخزرجي ،صحابي جليل وأبللوه كللذلك ،استصللغر أبللو سللعيد بأحللد
وشهد ما بعدها ،مات بالمدينة سنة ثلث أو أربع أو خمللس وسللتين
وقيل سنة أربع وستين.
قوله )أذكرك( أي أثني عليك به )وأدعوك( أي اسألك به.
قوله )قل يا موسى ل إله إل الله( فيه أن الذاكر بهللا يقولهللا كلهللا،
ول يقتصر على لفظ الجللة ،ول علللى هللو كمللا يفعللله غلة جهللال
المتصوفة ،فإن ذلك بدعة وضلل.
قوله) :كل عبادك يقولون هذا( ثبت بخط المصنف بالجمع ،والللذى
فى الصول يقول بالفراد مراعاة للفظة كل وهو فى المسند مللن
لى
علللليئا ً حديث عبد الله بن عمللر بلفللظ الجمللع كمللا ذكللره المصللنف
معنى كل ومعنى قوله كل عبادك يقولون هذا أي إنمللا أريللد ش
تخصني به من بين عموم عبادك ،وفى رواية بعد قوله كللل عبللادك
يقولون هذا -قل ل إله إل الله ،قال ل إله إل أنت يارب،إنمللا أريللد
شيئا ً تخصنى به.
الله الضرورة إلى ل إله إل ولما كان بالناس -بل بالعالم كله -من
حصللو ً
ل، ما ل نهاية له ،كللانت مللن أكللثر الذكللار وجللودًا ،وأيسللرها
وأعظمهللا معنللى .والعللوام والجهللال يعللدلون عنهللا إلللى الللدعوات
المبتدعة التى ليست في الكتاب ول في السنة.
قوله )وعامرهن غيري( هو بالنصب عطف على السللموات ،أي لللو
أن السللموات السللبع ومللن فيهللن مللن العمللار غيللر الللله تعللالى،
والرضين السبع ومن فيهن ،وضللعوا فللى كفللة الميللزان ول إللله إل
الله في الكفة الخرى ،مالت بهن ل إله إل الله.
وروى المام أحمد ًعن "عبد الله بن عمللرو عللن النللبى صلللى الللله
عليه وسلم أن نوحا عليه السلم قال لبنه عند موته :آمرك بل إله
إل الله ،فإن السموات السبع والرضين السبع لو وضعت في كفة،
ول إللله إل الللله فللى كفللة رجحللت بهللن ل إللله إل الللله ،ولللو أن
السموات السبع والرضين السبع كن حلقة مبهمة لقصمتهن ل إله
إل الله ".
قوله) :في كفة( هو بكسر الكاف وتشديد الفاء ،أي كفة الميزان.
قوله) :مالت بهن( أي رجحت .وذلك لما اشللتملت عليلله مللن نفللي
الشرك ،وتوحيللد الللله الللذي هللو أفضللل العمللال .وأسللاس الملللة
واللدين ،فملن قالهلا بلإخلص ويقيلن ،وعملل بمقتضلاها ولوازمهلا
وحقوقها ،واستقام على ذلك ،فهذه الحسللنة ل يوازنهللا شللئ ،كمللا
قال الله تعالى" :إن الذين قالوا ربنا الللله ثللم اسللتقاموا فل خللوف
عليهم ول هم يحزنون".
22 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
على أن ل إله إل الله أفضل الذكر .كحديث عبد الللله ودل الحديث
بن عمرو مرفوعًا :خير الدعاء دعاء يوم عرفلة وخيلر ملا قللت أنلا
والنبيون من قبلى :ل إله إل الله وحده ل شريك له ،له الملك وللله
الحمد ًوهو على كل شئ قدير رواه أحمللد والترمللذي ،وعنلله أيضللا
علللى رؤوس الخلئق يللوم القيامللة مرفوعا يصاح برجل من أمللتى
لج ً
ل ،كللل سللجل منهللا مللد البصللر ثللم فينشر له تسعة وتسللعون سل
يقال :أتنكر من هذا شلليئا ؟ أظلمللك كتبللتى الحللافظون فيقللول :ل
يارب .فيقللال :أفلللك عللذر أو حسللنة ؟ فيهللاب الرجللل فيقللول :ل،
فيقال :بلى إن لك عندنا حسنة وإنه ل ظلم عليك اليوم ،فيخرج له
بطاقة فيها :أشللهد أن ل إللله إل الللله وأن محمللدا ً عبللده ورسللوله.
فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السللجلت ؟ فيقللال :إنللك ل
تظلم ،فتوضع السللجلت فللي كفللة ،والبطاقللة فللي كفللة فطاشللت
السجلت وثقلت البطاقة رواه الترمذي وحسنه.
والنسائى وابن حبان والحاكم .وقال :صللحيح علللى شللرط مسلللم،
وقال الذهبي في تلخيصه :صحيح.
قال ابن القيم رحمه الله :فالعمللال ل تتفاضللل بصللورها وعللددها،
وإنما تتفاضللل بتفاضللل مللا فللي القلللوب ،فتكللون صللورة العمليللن
لل واحدة وبينهما من التفاضل كما بين السماء والرض .قللال :وتأمل
سللجل ً حديث البطاقة التى توضع فى كفة ويقابلها تسعة وتسعون
كل سجل منها مدى البصر ،فتثقل البطاقة وتطيش السللجلت ،فل
يعذب .ومعلوم أن كل موحد له هلذه البطاقلة وكللثير منهللم يلدخل
النار بذنوبه.
قوله) :رواه ابن حبان والحاكم( ابن حبان اسمه محمد بن حبللان -
بكسر المهملة وتشديد الموحدة -ابن أحمد بن حبان بن معاذ ،أبو
حللاتم التميمللي البسللتي الحللافظ صللاحب التصللانيف :كالصللحيح،
والتاريخ ،والضعفاء ،والثقللات وغيللر ذلللك .قللال الحللاكم :كللان مللن
أوعيللة العلللم فللي الفقلله واللغللة والحللديث والللوعظ ،ومللن عقلء
الرجال .مات سنة أربع وخمسللين وثلثمللائة بمدينللة بسللت -بضللم
الموحدة وسكون المهملة.
وأما الحاكم فاسللمه محمللد بللن عبللد الللله بللن محمللد النيسللابورى
أبوعبد الله الحافظ ويعرف بابن الللبيع ولللد سللنة إحللدى وعشللرين
وثلثمائة،وصنف التصانيف ،كالمستدرك وتاريخ نيسللابور وغيرهمللا،
ومات سنة خمس وأربعمائة.
قال المصنف رحمممه اللممه )وللترمممذي -وحسممنه " -عممن
أنس :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسمملم يقممول:
قال الله تعالى يا بن آدم لو ًأتيتني بقراب الرض خطايا
ثم لقيتني ل تشرك بي شيئا لتيتك بقرابها مغفرة"( :
ذكر المصنف رحمه الله الجملللة الخيللرة مللن الحللديث ،وقللد رواه
الترمذي بتمامه فقال" :عن أنس قال سللمعت رسللول الللله صلللى
الله عليه وسلم يقول :قال الله تبارك وتعالى :يللا بللن آدم إنللك مللا
دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ول أبالي ،يا بن آدم
لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ول أبالى يا
بن آدم ،إنك لو أتيتني -الحديث ".
الترمذي :اسمه محمد بن عيسى بن سورة -بفتللح المهملللة -بللن
موسى بن الضللحاك السلللمي أبللو عيسللى ،صللاحب الجللامع وأحللد
الحفاظ ،كان ضرير البصر ،روى عن قتيبة وهناد والبخاري وخلللق.
مات سنة تسع وسبعين ومائتين.
وأنس :هو ابن مالك بن النضر النصللاري الخللزرج[ ،خللادم رسللول
الله صلى الله عليه وسلم خدمه عشر سنين ،وقال له :اللهم أكثر
ماله وولده وأدخله الجنة مات سللنة اثنللتين وقيللل :ثلث وتسللعين،
وقد جاوز المائة.
والحديث قد رواه المام أحمللد مللن حللديث أبللي ذر بمعنللاه ،وهللذا
لفظه "ومن عمللل قللراب الرض خطيئة ثللم لقينللي ل يشللرك بللي
جعلللت للله مثلهللا مغفللرة" ورواه مسلللم ،وأخرجلله الطللبرانى مللن
حديث ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم.
قللوله) :لللو أتيتنللي بقللراب الرض( بضللم القللاف :وقيللل بكسللرها
والضم أشهر وهو ملؤها أو ما يقارب ملئها.
قللوله) :ثللم لقيتنللي ل تشللرك بللي شلليئًا( شللرط ثقيللل فللى الوعللد
بحصول المغفرة ،وهو السلمة من الشرك :كثيره وقليله ،صللغيره
23 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
وكبيره .ول يسلللم ملن ذللك إل ملن سلللم اللله تعلالى ،وذلللك هللو
القلب السليم كما قال تعالى " :يوم ل ينفع مال ول بنون * إل من
أتى الله بقلب سليم ".
قال ابن رجب :من جاء مع التوحيد بقراب الرض خطايا لقيه الللله
بقرابها مغفرة -إلى أن قال -فإن كمل توحيد العبللد وإخلصلله لللله
تعالى فيه ،وقام بشروطه بقلبه ولسانه وجوارحه ،أو بقلبه ولسانه
عند الموت ،أعقب ذلللك مغفللرة مللا قللد سلللف مللن الللذنوب كلهللا
ومنعه من دخول النلار بالكليلة .فملن تحقلق بكلملة التوحيلد قلبله
أخرجت منه ك ًللل مللا سللوى الللله :محبللة وتعظيم لًا ،وإجلل ً ومهابللة
وحينئذ تحرق ذنوبه وخطاياه كلها ،وإن كللانت مثللل وخشية وتوكل،
زبد البحر ا ه ملخصًا.
قال العلمة ابن القيم رحمه الله تعالى فى معنى الحديث :ويعفى
لهل التوحيد المحض الذي لم يشوبوه بالشللرك مللا ل ًيعفللى لمللن
ليس كذلك .فلو لقى الموحد الذي لم يشرك بالله شيئا ألبتلله ربلله
بقراب الرض خطايا أتاه بقرابها مغفرة ،ول يحصل هذا لمن نقص
توحيده .فإن التوحيد الخالص الذى ل يشللوبه شللرك ل يبقللى معلله
ذنب ،لنه يتضمن من محبة الله وإجلله وتعظيمه ،وخوفه ورجللائه
وحده ما يوجب غسل الذنوب ولو كلانت قلراب الرض ،فالنجاسلة
عارضة والدافع لها قوى .ا هل.
وفى هذا الحديث :كثرة ثللواب التوحيللد ،وسللعة كللرم الللله وجللوده
ورحمتله واللرد عللى الخلوارج اللذين يكفلرون المسللم باللذنوب،
وعلى المعتزلة القائلين بالمنزلللة بيللن المنزلللتين ،وهلي الفسللوق،
ويقولون ليس بمؤمن ول كافر ،ويخلد فللي النللار .والصللواب قللول
أهللل السللنه :أنلله ل يسلللب عنلله اسللم اليمللان ،و ل يعطللاه علللى
الطلق ،بللل يقللال هللو مللؤمن عللاص ،أو مللؤمن بإيمللانه ،فاسللق
بكبيرته .وعلى هذا يللدل الكتللاب والسللنة وإجمللاع سلللف المللة .و
"عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال :لما أسللرى برسللول
الله ً صلى الله عليه وسلم انتهي به إلى سللدرة المنتهللى ،فللأعطي
الخمس ،وخواتيم سورة البقرة ،وغفر لمللن ثلثا :أعطى الصلوات
ل يشرك بالله من أمته شيئًا :المقحمات " رواه مسلم.
قال ابن كثير فى تفسلليره :وأخللرج المللام أحمللد والترمللذي وابللن
ماجه والنسائى "عن أنس ابن مالك قال :قللرأ رسللول الللله صلللى
الله عليبه وسلم هللذه اليللة " :هللو أهللل التقللوى وأهللل المغفللرة"
أن أتقى فل يجعل معي إله ،فمللن اتقللى وقال :قال ربكم :أنا أهل
أن يجعل معي إلها ً كان أهل ً أن أغفر له ".
قال المصنف رحمه الله) :تأمل الخمس اللواتي فى حديث عبللادة
فإنك إذا جمعت بينه وبين حديث عتبان تبين لك معنى قوله :ل إله
إل الله وتبين لك خطأ المغرورين.
وفيه أن النبياء يحتاجون للتنبيه على فضل ل ًإللله إل الللله والتنللبيه
لرجحانهللا بجميللع المخلوقللات ،مللع أن كللثيرا ممللن يقولهللا يخللف
ميزانه .وفيه إثبات الصفات خلفا ً للمعطلة .وفيلله أنللك إذا عرفللت
حديث أنس وقوله فى "حديث عتبان إن الله حرم على النللار مللن
قللال ل إللله إل الللله يبتغللى بللذلك وجله الللله " تللبينت لللك أن تللرك
الشرك في قولها باللسان فقط.
باب
من حقق التوحيد دخل الجنة بغير
حساب
قوله) :باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب( :
أي ول عذاب.
24 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
قوله) :ل رقية إل من عين أو حمة( وقد رواه أحمد وابن ماجة عنه
مرفوع ًًا .ورواه أحمد وأبو داود والترمذى عن عمران بن حصين به
مرفوعا قال الهيثمى :رجال أحمد ثقات.
والعيلن هلى إصلابة العلائن غيلره بعينله .والحملة -بضلم المهمللة
وتخفيلف الميلم -سلم العقلرب وشلبهها .قلال الخطلابى :ومعنلى
الحديث :ل رقية أشفى وأولى من رقية العين والحمللة .وقللد رقللى
النبى صلى الله عليه وسلم ورقي.
قوله) :قد أحسن من انتهى إلى ما سمع( أى من أخذ بما بلغه من
العلم وعمل به فقد أحسن بخلف من يعمل بجهل ،أو ل يعمل بما
يعلم فإنه مسىء آثم .وفيه فضيلة علم السلف وحسن أدبهم.
قوله) :ولكن حدثنا ابن عباس( هللو عبللد الللله بللن عبللاس بللن عبللد
المطلب ،ابن عم النللبي صلللى الللله عليلله وسلللم .دعللا للله فقللال:
"اللهللم فقهلله فللى الللدين ،وعلملله التأويللل " فكللان كللذلك .مللات
بالطائف سنة ثمان وستين.
قال المصنف رحملله الللله) :وفيلله عمللق علللم السلللف لقللوله :قللد
أحسن من انتهى إلى ما سمع ولكن كلذا وكلذا .فعللم أن الحلديث
الول ل يخالف الثانى(.
قوله) :عرضت على المللم( وفللى الترمللذي والنسللائي مللن روايللة
الرحملن أن ذللك كلان ليللة عبثر بن القاسم عن حصلين بلن عبلد
السراء قال الحافظ :فإن كان ذلك محفوظا ً ك ًللان فيلله قللوة لمللن
ذهب إلى تعدد السراء ،وأنه وقع بالمدينة أيضا )قلللت( وفللي هللذا
نظر.
قللوله) :فرأيللت النللبي ومعلله الرهللط( والللذي فللى صللحيح مسلللم
الرهيط بالتصغير ل غير ،وهم الجماعة دون العشرة ،قاله النووي.
قوله) :والنبى ومعه الرجل والرجلن ،والنبى وليس معه أحد( فيلله
الرد على من احتج بالكثرة.
قوله) :إذ رفع لي سواد عظيم( المراد هنا الشخص الذى يرى مللن
بعيد.
قوله) :فظننت أنهم أمتى( لن الشخاص التى تللرى فللى الفللق ل
يدرك منها إل الصورة وفى صحيح مسلم ولكللن انظللر إلللى الفللق
ولم يذكره المصنف ،فلعله سقط فى الصللل الللذى نقللل الحللديث
منه .والله أعلم.
قوله) :فقيل له :هذا موسى وقومه( أي موسى بللن عمللران كليللم
الرحمن ،وقومه :أتباعه على دينه من بنى إسرائيل.
قوله) :فنظرت فللإذا سللواد عظيللم فقيللل لللى هللذه أمتللك ومعهللم
سبعين ألفا يدخلون الجنة بغيللر حسللاب ول عللذاب( أي لتحقيقهللم
التوحيد،وفى رواية ابن فضيل ويدخل الجنة مللن هللؤلء مللن أمتللك
سبعون ألفا ً و"فى حديث أبي هريرة فى الصللحيحين أنهللم تضلليء
وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر " وروى المام أحمد والبيهقي فى
"حديث أبى هريرةفاسللتزدت ربللى فزادنللى مللع كللل ألللف سللبعين
ألفًا" قال الحافظ :وسنده جيد.
قوله) :ثم نهض( أي قام ،قوله) :فخاض الناس فللى أولئك( خللاض
بالخاء والضاد المعجمتين وفى هذا إباحة المناظرة والمباحثللة فللي
نصوص الشرع على وجه الستفادة وبيان الحق ،وفيلله عمللق علللم
السلف لمعرفتهم أنهم لم ينالوا ذلك إل بعمل ،وفيه حرصهم على
الخير ،ذكره المصنف.
قوله) :فقال هم الذين ل يسترقون( هكذا ثبت فى الصحيحين وهو
كذلك فى حديث ابن مسعود فى مسند أحمد .وفى رواية لمسلللم
ول يرقون قال شلليخ السلللم ابللن تيميللة :هللذه الزيللادة وهللم مللن
الراوي ،لم يقل النبى صلى الله عليه وسلم و ل يرقون وقد "قللال
النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل علللى الرقللى :مللن اسللتطاع
منكم أن ينفع أخاه فلينفعه" .و"قال :ل بأس بللالرقى مللا لللم تكللن
27 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
شركًا" قال :وأيضا ً فقد "رقى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم"
و "رقى النبي صلى الله عليه وسلللم أصللحابه" قللال والفللرق بيللن
الراقي والمسترقي :أن المسللترقى سللائل مسللتعط ملتفللت إلللى
بقلللب ،والراقللى محسللن .قللال :وإنمللا المللراد وصللف غيللر الللله
السللبعين ألفلا ً بتمللام التوكللل ،فل يسللألون غيرهللم أن يرقيهللم ول
يكويهم .وكذا قال ابن القيم.
يكللويهم كمللا ل قللوله) :ول يكتللوون( أي ل يسللألون غيرهللم أن
يسألون غيرهم أن يرقيهم ،استسلما ً للقضاء ،وتلذذا ً بالبلء.
قلت :والظاهر أن قوله ل يكتوون أعم من أن يسألوا ذلك أو يفعل
ذلك باختيارهم .أما الكي فى نفسه فجائز ،كما فى الصللحيح "عللن
عبد الله أن النبى ً صلى الله عليه وسلم بعث إلى أبى بللن جابر بن
كعب طبيبا ً فقطع له عرقا وكواه".
وفى صحيح البخارى "عن أنس أنه كللوى مللن ذات الجنللب والنللبى
صلى الله عليه وسلم حى" وروى الترمذى وغيللره "عللن أنللس أن
النبى صلى الله عليه وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة".
وفي صحيح البخارى "عن ابن عبللاس مرفوع لا ً الشللفاء فللى ثلث:
شربة عسل ،وشرطة محجم ،وكية نار ،وأنا أنهى أمتى عللن الكللى
وفى لفظ:وما أحب أن أكتوى".
قال ابن القيم رحمه الله :قد تضمنت أحللاديث الكللى أربعللة أنللواع
)أحدها( فعله) .والثانى( عللدم محبتلله) .والثللالث( الثنللاء علللى مللن
تركه) .والرابع( النهي عنه .ول تعارض بينها بحمد الللله ،فللإن فعللله
يدل على جوازه ،وعدم محبتلله للله ل يللدل علللى المنللع منلله ،وأمللا
الثناء على تاركه فيدل على أن تركه أولى وأفضل ،وأما النهي عنه
فعلى سبيل الختيار والكراهة.
قوله) :ول يتطيرون( أي ل يتشاءمون بالطيور ونحوها .وسيأتي إن
شاء الله تعالى بيان الطيرة وما يتعلق بها فى بابها.
قوله) :وعلى ربهم يتوكلون( ذكر الصل الجامع الذى تنللوعت عنلله
هذه الفعال والخصال وهو التوكل على الله ،وصدق اللتجاء إليلله،
لر
ربللا ً
والعتماد بالقلب عليه ،الذي هو نهاية تحقيللق التوحيللد الللذي يثم
كل ًمقام شريف :من المحبللة والرجللاء والخللوف ،والرضللا بلله
وإلها ،والرضا بقضائه.
ل ،فإن واعلم أن الحديث ل يدل على أنهم ل يباشرون السباب أص ً
مباشرة السباب فى الجملة أمر فطري ضروري ،ل انفكللاك لحللد
عنه ،بل نفس التوكل :مباشرة لعظم السللباب كمللا قللال تعللالى:
"ومن يتوكل على الله فهللو حسللبه" أي كللافيه ًوإنمللا المللراد أنهللم
الللله تعللالى، يتركون المور المكروهة مع حاجتهم إليها ،توكل على
له لكللونه سللببا ً مكروهلًا ،ل سلليما كالكتواء والسللترقاء ،فللتركهم لل
والمريض يتشبث -فيما يظنه سببا ً لشفائه -بخيط العنكبوت.
وأما مباشرة السباب والتداوي على وجه ل كراهة فيه ،فغير قادح
فل يكون تركه مشروعًا ،لما فى الصحيحين "عن أبللي فى التوكل،
هريرة مرفوعا ً ما أنزل الله من داء إل أنزل له شللفاء ،علملله مللن
علمه ،وجهله من جهله"" .وعن أسامة بن شريك قللال :كنللت عنللد
النبى صلى الله عليه وسلم وجاءت العراب ،فقالوا يا رسول الله
أنتداوى ؟ قال :نعم .يا عباد الله تداووا ،فإن الله عز وجل لم يضع
داء إل وضع له شفاء ،غير داء واحد .قالوا :وما هو ؟ قال :الهللرم"
رواه أحمد.
وقال ابن القيلم رحمله اللله تعلالى :وقلد تضلمنت هلذه الحلاديث
إثبللات السللباب والمسللببات ،وإبطللال قللول مللن أنكرهللا ،والمللر
بالتللداوى ،وأنلله ل ينللافى التوكللل ،كمللا ل ينللافيه دفللع ألللم الجللوع
إلً والعطش ،والحر والللبرد :بأضللدادها بللل ل تتللم حقيقللة التوحيللد
بمباشرة السباب التى نصبها الله تعالى مقتضللية لمسللبباتها قللدرا
وشرعًا ،وأن تعطيلها يقدح فى نفس التوكل ،كما يقدح فللى المللر
والحكمة .ويضعفه مللن حيللث يظللن معطلهللا أن تركهللا أقللوى فللى
التوكل ،فإن تركها عجز ينافى التوكل الذى حقيقته اعتمللاد القلللب
على الله تعالى في حصول ما ينفع العبد فى دينه ودنياه ،ودفع مللا
يضللره فللى دينلله ودنيللاه .ول بللد مللع هللذا العتمللاد مللن مباشللرة
معطل ً للحكمة والشرع ،فل يجعل العبللد عجللزه السباب ،وإل كان
توكل ً ول توكله عجزًا.
28 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
وقد اختلف العلماء فى التللداوى هللل هللو مبللاح ،وتركلله أفضللل ،أو
مستحب أو واجب ؟
فالمشللهور عنللد أحمللد :الول لهللذا الحللديث ومللا فللي معنللاه،
والمشللهور عنللد الشللافعية الثللاني ،حللتى ذكللر النللووى فللى شللرح
مسلللم :أنلله مللذهبهم ومللذهب جمهللور السلللف وعامللة الخلللف،
واختاره الوزير أبو الظفر .قال :ومذهب أبي حنيفة أنه مؤكد حللتى
يدانى به الوجوب .قال :ومذهب مالك أنه يستوي فعله وتركه فإنه
قال :ل بأس بالتداوي ول بأس بتركه.
وقان شيخ السلم :ليس بواجب عند جملاهير الئملة وإنملا أوجبلله
طائفة قليلة من أصحاب الشافعي وأحمد.
فقوله) :فقام عكاشة بن محصن( هو بضم العين وتشللديد الكللاف،
ومحصن بكسر الميم وسكون الحللاء وفتللح الصللاد المهملللتين ابللن
حرثان -بضبم المهملة وسكون الراء بعدها مثلثللة -السللدي :مللن
بني أسد بن خزيمة .كان ً من السابقين إلللى السلللم ومللن أجمللل
الرجال ،هاجر وشهد بدرا وقاتل فيها ،واستشللهد فللى قتللال الللردة
مع خالد بن الوليد بيد طليحة السدي سنة اثنتى عشرة ،ثم أسلللم
طليحة بعد ذلك وجاهد الفرس يلوم القادسلية ملع سلعيد بلن أبلي
وقاص ،واستشهد في وقعة الجسر المشهورة.
قوله) :فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهللم ،فقللال أنللت
منهم( وللبخاري فى رواية :فقال اللهم اجعللله منهللم وفيلله :طلللب
الدعاء من الفاضل.
قوله) :ثم قام رجل آخر( ذكر مبهما ً ول حاجة بنا إلللى البحللث عللن
اسمه.
قوله) :فقال سبقك بها عكاشة( قال القرطبي :لم يكن عند الثانى
فلذلك لم يجبه ،إذ لو أجابه لجللاز من الحوال ما كان عند عكاشة،
أن يقلب ذلك كل من كان حاضللرا ً فيتسلسللل المللر ،فسللد البللاب
بقوله ذلك ا هل.
قال المصنف رحمه الله تعالى :وفيه استعمال المعللاريض وحسللن
خلقه صلى الله عليه وسلم.
باب
الخوف من الشرك
قوله) :باب الخوف من الشرك ،وقول الله عممز وجممل :و
"إن الله ل يغفر أن يشرك به ويغفر ممما دون ذلممك لمممن
يشاء"(.
قال ابن كثير :أخبر تعالى أنه )ل يغفللر أن يشللرك بلله( أي ل يغفللر
لعبد لقيه وهو مشللرك )ويغفللر ملا دون ذلللك لمللن يشللاء( أي ملن
الذنوب لمن يشاء من عباده .انتهى.
29 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
فتبين بهذه الية أن الشرك أعظم الذنوب ،لن الله تعالى أخبر أنه
ل يغفره لمن لم يتب منه ،وما دونه من الذنوب فهللو داخللل تحللت
المشيئة إن شاء غفره لمللن لقيلله بلله ،وإن شللاء عللذبه بلله ،وذلللك
يوجب للعبد شدة الخوف من الشرك الللذي هللذا شللأنه عنللد الللله،
لنه أقبح القبيح وأظلللم الظلللم ،وتنقللص لللرب العللالمين ،وصللرف
خالص حقه لغيره وعللدل غيللره بلله ،كمللا قللال تعللالى" :ثللم الللذين
كفروا بربهم يعدلون" ولنه مناقض للمقصود بالخلق والمر منللاف
له من كل وجه ،وذلك غايللة المعانللدة لللرب العللالمين ،والسللتكبار
عن طاعته ،والذل له ،والنقيللاد لوامللره الللذي ل صلللح للعللالم إل
بذلك ،فمتى خل منه خرب وقامت القيامة ،كمللا "قللال صلللى الللله
عليه وسلللم ل تقللوم السللاعة حللتى ل يقللال فللى الرض الللله الللله
"رواه مسلللم .ولن الشللرك تشللبيه للمخلللوق بالخللالق تعللالى
ومشاركة فى خصائص اللهيلة :مللن ملللك الضلر والنفلع ،والعطلاء
والمنع ،الذى يوجب تعلق الدعاء والخوف والرجاء ،والتوكل وأنواع
لوق فقللد شللبهه العبللادة كلهللا بللالله وحللده ،فمللن علللق ذلللك بمخلل
لالق وجع ًللل مللن ل يملللك لنفسلله ضللرا ً ول موت لا ً ول حيللاة ول بالخل
نشورًا ،شبيها بمن له الحمد كله ،وله الخلق كله ،وله الملللك كللله،
وإليه يرجع المر كله ،وبيده الخيللر كللله ،فأزمللة المللور كلهللا بيللده
سبحانه ومرجعها إليه ،فما شاء كان وما لم يشأ لللم يكللن .ل مللانع
لما أعطللى ول معطللي لمللا منللع ،الللذي إذا فتللح للنللاس رحمللة فل
ممسللك لهللا ،ومللا يمسللك فل مرسللل للله مللن بعللده وهللو العزيللز
الحكيم .فأقبح التشبيه تشبيه العاجز الفقير بالذات :بالقادر الغنللي
بالذات .ومن خصائص اللهية :الكمال المطلق من جميللع الوجللوه،
الذى ل نقص فيه بوجه من الوجوه .وذلك يوجب أن تكون العبللادة
كلهللا للله وحللده ،والتعظيللم والجلل ،والخشللية والللدعاء ،والرجللاء
كل
الذل:عقل ً والنابة والتوكل والتوبة والستعانة ،وغاية الحب مع غاية
يجب عقل ً وشرعا ً وفطرة أن يكللون لللله وح ًللده ،ويمتنللع ذلك
وشرعا ً وفطرة أن يكون لغيره .فمن فعللل شلليئا مللن ذلللك لغيللره
فقد شبه ذلك الغير بمن ل شبيه له ول مثيل له ،ول نللد للله ،وذلللك
أقبح التشبيه وأبطله .فلهذه المور وغيرهللا أخللبر سللبحانه وتعللالى
أنه ل يغفره،مع أنه كتب على نفسه الرحمة .هللذا معنللى كلم ابللن
القيم رحمه الله.
وفى الية رد على الخللوارج المكفريللن بالللذنوب .وعلللى المعتزلللة
القائلين بأن أصللحاب الكبللائر يخلللدون فلى النلار ،وليسللوا عنللدهم
بمؤمنين ول كفار.
ول يجوز أن يحمل قوله" :ويغفر مللا دون ذلللك لمللن يشللاء" علللى
التائب ،فإن التائب من الشرك مغفور له كما قال تعالى " :قل يللا
عبادي الذين أسرفوا على أنفسللهم ل تقنطللوا مللن رحمللة الللله إن
الله يغفر الذنوب جميعا " فهنا عمم وأطلق ،لن المراد به التائب،
وهناك خص وعلق ،لن المراد به من لللم يتللب .هللذا ملخلص قلول
شيخ السلم.
باب
الدعاء إلى شهادة أن ل إله إل الله
قوله) :باب الدعاء إلى شهادة أن ل إله إل الله( :
لما ذكر المصنف رحمه الله التوحيد وفضللله ،ومللا يللوجب الخللوف
من ضده ،نبه بهذه الترجمة على أنه ل ينبغى لمن عللرف ذلللك أن
يقتصر على نفسه ،بل يجب عليه أن يدعو إلى الله تعالى بالحكمة
والموعظة الحسنة .كما هو سللبيل المرسلللين وأتبللاعهم كمللا قللال
الحسن البصري لما تل قوله تعالى " :ومن أحسن قول ممللن دعللا
إلى الله وعمل صللالحا وقللال إننللي مللن المسلللمين " فقللال :هللذا
حبيب الله ،هذا ولي الله ،هللذا صللفوة الللله ،هللذا خيللرة الللله ،هللذا
أحب أهل الرض إلى الله ،أجاب الله فى ًدعوته .ودعا الناس إلللى
ما أجاب الله فيه من دعوته ،وعمل صالحا فللى إجللابته :إننللي مللن
المسلمين .هذا خليفة الله.
قال رحمه الله) :وقوله " :قممل هممذه سممبيلي أدعممو إلممى
الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسممبحان اللممه وممما أنمما
من المشركين"( :
قال أبو جعفر ابن جرير :يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلللى الللله
عليلله وسلللم )قللل( يللا محمللد )هللذه( الللدعوة الللتى أدعللو إليهللا،
والطريقة الللتي أنللا عليهلا ،مللن الللدعاء إلللى توحيللد الللله ،وإخلص
العبادة له دون اللهة والوثان .والنتهاء إلى طاعته وترك معصلليته
)سبيلي( طريقتي ،ودعوتي )أدعو إلى الله( تعالى وحده ل شللريك
له )على بصيرة( بذلك ،ويقين علم مني به )أنا( ويللدعو إليلله علللى
بصيرة أيضا ً من اتبعني ًوصدقني وآمن بي ً)وسبحان الله( يقول له
تعالى ذكره :وقل .تنزيها لله تعالى وتعظيما للله مللن أن يكللون للله
شللريك فللى ملكلله أو معبللود سللواه فللى سلللطانه )ومللا أنللا مللن
المشركين( يقول :وأنا برىللء مللن أهللل الشللرك بلله .لسللت منهللم
ولهم منى انتهى.
قال فى شرح المنازل :يريد أن تصل باستدللك إلى أعلى درجات
العلم وهى البصيرة الللتى تكللون نسللبة المعلللوم فيهللا إلللى القلللب
كنسبة المائي إلى البصر ،وهللذه هللي الخصيصللة الللتى اختللص بهللا
الصحابة عن سائر المة وهي أعلى درجلات العلمللاء .قللال تعلالى:
"قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني" أي أنا
وأتباعي على بصيرة .وقيل )من اتبعنى( عطف على المرفوع فللى
)أدعو( أى أنا أدعو إلى الله على بصيرة ،ومن اتبعنى كللذلك يللدعو
إلى الله تعالى على بصيرة ،وعلى القللولين :فاليللة تللدل علللى أن
أتباعه هم أهل البصائر الداعون إلى الله تعالى ،ومللن ليللس منهللم
فليس من أتباعه عللى الحقيقلة والموافقلة ،وإن كلان ملن أتبلاعه
على النتساب والدعوى.
المصنف رحمه الله) :فيه مسائل :منها التنللبيه علللى الخلص قال
لن كثيرا ً ولللو دعللا إلللى الحللق فهللو يللدعو إلللى نفسلله ،ومنهللا :أن
البصيرة من الفرائض .ومنها :أن من دلئل حسن التوحيد أنه تنزيه
لله تعالى عن المسبة .ومنها أن من قبح الشرك كللونه مسللبة لللله
تعالى .ومنها إبعاد المسلم عن المشركين ل يصللير منهللم ولللو لللم
يشرك( ا هل.
33 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
وقال العلمة ابن القيم رحمه الله تعالى فى معنى قوله تعللالى" :
ادع إلللى سللبيل ربللك بالحكمللة والموعظللة الحسللنة " اليللة .ذكللر
بحسللب حللال المللدعو، سبحانه مراتب الدعوة وجعلها ثلثة أقسام
فإنه إما أن يكون طالبا ً للحق محب لا ً للله .مللؤثرا ً للله علللى غيللره إذا
يدعى بالحكمة .ول يحتاج إلللى موعظللة وجللدال .وإمللا عرفه .فهذا
يحتاج أن يكون مشتغل ً بضد الحق .لكن لو عرفه آثره واتبعهً .فهذا
معارض لاً، إلى الموعظة بالترغيب والترهيب .وإما أن يكون معانللدا
فهذا يجادل بالتي هى أحسن .فإن رجع وإل انتقل معله إللى الجلد
إن أمكن .انتهى.
عنهما أن رسمول اللمه قال) :وعن ابن عباس رضى الله
صلى الله عليه ًوسلم لما بعث معمماذا ً إلممى اليمممن قممال:
"إنك تأتي قوما من أهل الكتاب .فليكن أول ما تدعوهم
إليممه شممهادة أن ل إلممه ال اللممه -وفممى روايممة :إلممى أن
يوحدوا الله -فإن هم أطاعوك لممذلك فممأعلمهم أن اللممه
افترض عليهم خمس صلوات فى كممل يمموم وليلممة .فممإن
هممم أطمماعوك لممذلك فممأعلمهم أن اللممه افممترض عليهممم
صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم .فممإن هممم
أطمماعوك لممذلك فإيمماك وكممرائم أممموالهم .واتممق دعمموة
المظلوم .فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" أخرجاه( :
قال الحافظ :كان بعث معاذ إلى اليمن سنة عشر .قبل حج النللبى
صلى الله عليه وسلللم كمللا ذكللره المصللنف -يعنللى البخللارى فللى
أواخر المغازي -وقيل :كان ذلك فى آخر سنة تسع عنللد منصللرفه
صلى الله عليه وسلم من تبوك .رواه الواقللدي بإسللناد إلللى كعللب
بن مالك .وأخرجه ابن سعد في لطبقات عنه واتفقوا على أنلله لللم
يزل على اليمن إلى أن قدم فى خلفة أبى بكر رضى الله عنه ثم
توجه إلى الشام فمات بها.
أنه صلى ً الللله قال شيخ السلم :ومن فضائل معاذ رضى الله عنه
عليه وسلم بعثه إلى اليمن مبلغا ً عنه .ومفقها ً ومعلما ً وحاكما.
قوله )إنك تأتي قوما ً من أهل الكتاب( قال القرطبي :يعني اليهللود
والنصارى ،لنهللم كللانوا فللي اليمللن أكللثر مللن مشللركي العللرب أو
أغلب ،وإنما نبه على ذلك ليتهيأ لمناظرتهم.
وقال الحافظ :هو كالتوطئة للوصية لجمع همته عليها.
قوله )فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن ل إله إل الللله شللهادة
رفع على أنه اسم يكن مؤخر .و أول خبرها مقدم .ويجوز العكس.
قوله) :وفى رواية إلى أن يوحدوا الله( هذه الرواية ثابتة فى كتاب
التوحيد من صحيح البخارى .وأشار المصنف بذكر هذه الرواية إلى
التنبية على معنى شهادة أن ل إله إل الله فإن معناهللا توحيللد الللله
بالعبادة ونفي عبادة ما سواه .وفى رواية فليكلن أول ملا تلدعوهم
إليه عبادة الله وذلك هو الكفر بالطاغوت واليمان بالله ،كمللا قللال
تعالى " :فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة
الوثقى ل انفصام لها " والعروة الوثقى هى )ل إللله إل الللله( وفللى
رواية للبخارى فقال :ادعهللم إلللى شللهادة أن ل إللله إل الللله وأنللي
رسول الله.
قلت :ل بد فى شهادة أن ل إله إل الله من سبعة شللروط ،ل تنفللع
قائلها إل باجتماعها ،أحدها :العلم المنافي للجهللل .الثللانى :اليقيللن
المنللافي للشللك .الثللالث :القبللول المنللافي للللرد .الرابللع :النقيللاد
المنافي للللترك .الخللامس :الخلص المنللافي للشللرك .السللادس:
الصدق المنافي للكذب .السابع :المحبة المنافية لضدها.
وفيه دليل على أن التوحيد -الذي هو إخلص العبادة لللله وحللده ل
شريك له وترك عبادة ما سواه -هو أول واجب .ولهذا كان أول ما
دعت إليه الرسل عليهم السلم" :أن اعبدوا الله ما لكللم مللن إللله
غيره" وقال نوح" :أن ل تعبدوا إل الله" وفيه معنى )ل إله إل الله(
مطابقة.
قال شيخ السلم :وقد علم بالضللطرار مللن ديللن الرسللول صلللى
السلم وأول ما يؤمر الله عليه وسلم واتفقت عليه المة أن أصل
الله ،وأن محمدا ً رسول الله ،فبذلك به الخلق :شهادة أن ل إله إل
يصير الكافر مسلمًا ،والعدو وليًا ،والمباح دمه وماله :معصوم الدم
والمال .ثم إن كان ذلك من قلبه فقد دخل فللى اليمللان وإن قللاله
بلسانه دون قلبه فهو فى ظاهر السلم دون باطن اليمللان .قللال:
34 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
وأما إذا لم يتكلم بها مع القدرة فهو كافر باتفاق المسلمين باطنللا ً
وظاهرًا ،عند سلف المة وأئمتها وجماهير العلماء ا هل.
قال المصنف رحمه الله تعالى) :وفيه أن النسان قد يكون عالمللا ً
وهو ل يعرف معنى ل إله إل الله أو يعرفه ول يعمل به( .
قلت :فما أكثر هؤلء -ل كثرهم الله تعالى.
قوله) :فإن هم أطاعوك لذلك( أي شهدوا وانقادوا لذلك )فأعلمهم
أن الللله افللترض عليهللم خمللس صلللوات( فيلله :أن الصلللة أعظللم
واجب بعد الشهادتين .قللال النللووى مللا معنللاه :أنلله يللدل علللى أن
المطالبة بالفرائض فى الدنيا ل تكون إل بعد السلم .ول يلزم من
ذلللك أن ل يكونللا مخللاطبين بهللا ،ويللزاد فللى عللذابهم بسللببها فللى
الخرة .والصحيح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة المأمور بلله
والمنهى عنه .وهذا قول الكثرين ا هل.
قوله) :فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخللذ مللن أغنيللائهم
فترد على فقرائهم(.
فيه دليل على أن الزكاة أوجب الركان بعد الصلوات ،وأنهللا تؤخللذ
من الغنياء وتصرف إلى الفقراء ،وإنما خص النبى صلى الله عليه
وسلم الفقراء لن حقهم في الزكاة آكللد مللن حللق بقيللة الصللناف
الثمانية.
لرفها :إمللا بنفسلله وفيه :أن المام هو الذى يتولى قبض الزكاة وصل
أو نائبه ،فمن امتنع عن آدائها إليه أخذت منه قهرًا.
في الحديث دليل على أنه يكفي إخراج الزكللاة فللى صللنف واحللد،
كما هو مذهب مالك وأحمد.
وفيه :أنه ل يجوز دفعها إلى غني ول إلى كللافر غيللر المؤلللف ،وإن
الزكاة واجبة فى مال الصبى والمجنلون ،كملا هلو قلول الجمهلور،
لعموم الحديث.
قلللت :والفقيللر إذا أفللرد فللى اللفللظ تنللاول المسللكين وبللالعكس،
كنظائره .كما قرره شيخ السلم.
قوله )إياك وكرائم أمللوالهم( بنصللب كللرائم علللى التحللذير ،وجمللع
كريمة قلال صلاحب المطلالع هلي الجامعلة للكملال الممكلن فلي
لم وصللوف .ذكللر حقها ،من غزارة لبن ،وجمللال صللورة ،وكللثرة لحل
النووي )قلت( وهي خيار المال وأنفسه وأكثره ثمنًا.
وفيه :أنه يحرم على العامل فى الزكاة أخذ كلرائم الملال ،ويحلرم
على صاحب المال إخراج شللرار المللال .بللل يخللرج الوسللط ،فللإن
طابت نفسه بالكريمة جاز.
قوله) :واتق دعوة المظلوم( أي اجعل بينللك وبينهللا وقايللة بالعللدل
وترك الظلم ،وهذان المران يقيان من رزقهما من جميع الشللرور
دنيا وأخرى.
وفيه تنبيه على التحذير من جميع أنواع الظلم.
قوله) :فإنه( أي الشأن )ليس بينها وبين الله حجاب( هللذه الجملللة
مفسرة لضمير الشأن ،أي فإنها ل تحجب عن الله فيقبلها.
وفى الحديث أيضا ً قبول خبر الواحللد العللدل ،ووجللوب العمللل بلله.
وبعللث المللام العمللال لجبايللة الزكللاة .وأنلله يعللظ عمللاله وولتلله،
ويأمرهم بتقوى الله تعالى ،ويعلمهم ،وينهاهم عن الظلم ويعرفهم
سوء عاقبته .والتنبيه على التعليم بالتدريج .قاله المصنف.
قلت :ويبدأ بالهم فالهم.
35 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
قال شيخ السلم :ليس هذا الوصف مختصا ً بعلي ول بالئمة ،فللإن
الله ورسوله يحب كل مؤمن تقي ،يحب الللله ورسللوله ،لكللن هللذا
الحديث من أحسن ما يحتج به على النواصب الللذين ل يتولللونه ،أو
يكفرونه أو يفسقونه ،كلالخوارج .لكللن هللذا الحتجللاج ل يتللم علللى
قول الرافضة الذين يجعلون النصوص الدالة على فضائل الصحابة
كانت قبل ردتهم ،فإن الخوارج تقول فللي علللي مثللل ذلللك ،ولكللن
ورسوله ل يطلق مثل هذا المللدح علللى هذا باطل ،فإن الله تعالى
من يعلم الله أنه يموت كافرًا.
وفيه إثبات صفة المحبة خلفا ً للجهمية ومن أخذ عنهم.
قوله) :يفتح الله على يديه( صريح فى البشارة بحصول الفتح ،فهو
علم من أعلم النبوة.
قوله) :فبات الناس يدوكون ليلتهم( بنصب )ليلتهم( و يدوكون قال
المصنف :يخوضون .أي فيمن يدفعها إليلله .وفيلله حللرص الصللحابة
على الخير واهتمامهم به ،وعلو مرتبتهم فى العلم واليمان.
قوله) :أيهم( هو برفع أي على البناء لضافتها وحذف صدر صلتها.
قوله) :فلما أصبحوا غدوا على رسول الله صلى اللله عليلله وسلللم
كلهم يرجو أن يعطاها( وفى رواية أبي هريرة عند مسلم أن عمللر
قال" :ما أحببت المارة إل يومئذ".
شهادة النبى صلى الله عليه وسلم قال شيخ إلسلم :إن فى ذلك
لعلي بإيمللانه باطنلا ً وظللاهرا ً وإثباتلا ً لمللوالته لللله تعللالى ورسللوله
ووجوب موالة المؤمنين له ،وإذا شهد النبى صلى الله عليه وسلم
لمعين بشهادة ،أو دعا له أحب كثير من الناس أن يكللون للله مثللل
تلك الشهادة ومثل ذلك الدعاء ،وإن كان النبى يشهد بللذلك لخلللق
كثير ويدعو لخلق كثير ،وهذا كالشهادة بالجنة لثابت بن قيس.
وعبد الله بن سلم وإن كان شهد بالجنة لخرين ،والشهادة بمحبللة
الله ورسوله للذي ضرب فى الخمر.
قوله) :فقال أين علي بن أبى طالب( فيه سؤال المام عن رعيته،
وتفقد أحوالهم.
قوله) :فقيل هو يشللتكي عينيلله( أي مللن الرمللد ،كمللا فللى صللحيح
مسلم عن سعد بن أبي وقاص فقال :ادعوا لي عليا ً فأتي به أرمللد
الحديث ،وفى نسخة صللحيحة بخللط المصللنف :فقيلل هلو يشلتكي
الفعللل عينيه ،فأرسل إليه مبني للفاعل ،وهللو ضللمير مسللتتر فللي
راجع إلى النبى صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون مبنيللا ً لمللا
لم يسم فاعله .ولمسلم من طريق إياس بن سلمة بن الكوع عن
أبيه قال :فأرسلنى إلى علي فجئت به أقوده أرمد.
قوله) :فبصق( بفتح الصاد ،أي تفل.
وقوله )ودعللا للله فللبرأ( هللو بفتللح الللراء والهمللزة ،أي عللوفي فللي
الحال ،عافية كاملة كأن لم يكن به وجع من رمد ول ضعف بصر.
وعند الطبراني من حديث علي فما رمللدت ول صللدعت منللذ دفللع
النبي صلى الله عليه وسلم إلي الراية وفيه دليل على الشهادتين.
قوله )فأعطاه الراية( قال المصنف :فيه اليمان بالقللدر لحصللولها
لمن لم يسع ومنعها عمن سعى.
وفيه إن فعل السلباب المباحلة أو الواجبللة أو المسلتحبة ل ينللافي
التوكل.
قوله )وقال انفذ على رسلك( بضم الفاء ،اي امض ورسلك بكسللر
الراء وسكون السين ،أي على رفقللك مللن غيللر عجلللة .وسللاحتهم
فناء أرضهم وهو ما حولها.
37 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
باب
تفسير التوحيد وشهادة أن ل إله إل
الله
قوله) :باب :تفسير التوحيد وشهادة أن ل إله إل الله( :
قلت :هذا من عطف الدال على المدلول.
فإن قيل :قد تقدم في أول الكتاب من اليات ما يبين معنى ل إللله
ال الله وما تضمنته من التوحيد كقوله تعالى " :وقضى ربللك أن ل
تعبدوا إل إياه " وسابقها ولحقهللا ،وكللذلك مللا ذكللره فللي البللواب
بعدها ،فما فائدة هذه الترجمة ؟
قيللل :هللذه اليللات المللذكورات فللي هللذا البللاب فيهللا مزيللد بيللان
بخصوصها لمعنى كلمة الخلص وما دلت عليه :من توحيد العبادة.
فيهللا :الحجللة علللى مللن تعلللق مللن النبيللاء والصللالحين يللدعوهم
ويسألهم .لن ذلك هو سبب نزول بعض هذه اليات ،كالية الولى:
"قل ادعوا الذين زعمتم من دونه" أكثر المفسرين على أنها نزلت
فيمن يعبد المسيح وأمه ،والعزيللر والملئكللة ،وقللد نهللى الللله عللن
ذلك أشد النهى ،كما فى هذه الية من التهديد والوعيد على ذلللك.
وهللذا يللدل علللى أن دعللاءهم مللن دون الللله شللرك بللالله ،ينللافي
التوحيد وينافي شهادة أن ل إله إل الله ،فللإن التوحيللد أن ل يللدعى
إل الله وحده .وكلمة الخلص نفللت هللذا الشللرك ،لن دعللوة غيللر
الله تأليه وعبادة له .و الدعاء مخ العبادة.
تحللويله وفى هذه الية :أن المدعو ل يملك لداعيه كشف ضرر ول
المدعو نبيللا ً من مكان إلى مكان ،ول من صفة إلى صفة .ولو كان
أو ملكًا .وهذا يقرر بطلن دعوة كل مدعو من دون الله كائن لا مللن
ً
كان ،لن دعوته تخون داعيه أحوج ما كللان إليهللا ،لنلله أشللرك مللع
الله من ل ينفعه ول يضره .وهذه الية تقرر التوحيد ،ومعنى ل إللله
إل الله.
وقوله تعالى" :أولئك الذين يممدعون يبتغممون إلممى ربهممم
الوسيلة":
يبين أن هذا سبيل النبياء والمرسلين وملن تبعهلم ملن الملؤمنين.
قال قتادة :تقربوا إليه بطاعته والعمل فيما يرضيه وقرأ ابن زيللد":
أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسلليلة أيهللم أقللرب " قللال
العماد ابن كثير :وهللذا ل خلف فيلله بيللن المفسللرين .وذكللره عللن
عدة من أئمة التفسير.
قلال العلمللة ابلن القيللم رحمله الللله تعلالى :فللي هللذه اليللة ذكلر
المقامات الثلث :الحب ،وهو ابتغللاء التقللرب إليلله .والتوسللل إليلله
بالعمللال الصللالحة .والرجللاء والخللوف .وهللذا هللو حقيقللة التوحيللد
وحقيقة دين السلم كما في المسند عن بهز بللن حكيللم عللن أبيلله
عن جده أنه قال للنبى صلى الله عليلله وسلللم " والللله يللا رسللول
الله ملا أتيتللك إل بعلد ملا حلقلت عللدد أصلابعي هللذه :أن ل آتيللك.
فبالذي بعثك بالحق ،ما بعثك به ؟ قال :السلم .قال :وما السلللم
؟ قللال :أن تسلللم قلبللك وأن تللوجه وجهللك إلللى الللله ،وأن تصلللي
39 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
من المعاصي التي يعتقد أنها معاص ،فهؤلء لهم حكم أمثالهم مللن
أهل الذنوب ،كما قد ثبت "عن النبي صلللى الللله عليلله وسلللم أنلله
قال :إنما الطاعة في المعروف".
ثم ذلك المحرم للحلل والمحلللل للحللرام إن كللان مجتهللدا ً قصللده
اتباع الرسل لكن خفى عليه الحق في نفس المر وقد اتقللى الللله
ما استطاع ،فهذا ل يؤاخذه الله بخطئه بل يثيبه على اجتهاده الذي
أطاع به ربه .ولكن من علم أن هذا أخطأ فيما جاء به الرسول ثللم
اتبعه على خطئه وعدل عن قول الرسول .فهذا له نصيب من هللذا
الشرك الذي ذمه الله ،ل سلليما إن اتبللع ذلللك هللواه ونصللره باليللد
واللسللان مللع علملله أنلله مخللالف للرسللول .فهللذا شللرك يسللتحق
صاحبه العقوبة عليه ،ولهذا اتفق العلماء على أنه إذا عللرف الحللق
ل يجوز له تقليد أحد في خلفلله ،وإنمللا تنللازعوا فللي جللواز التقليللد
للقادر علللى السللتدلل .وإن كللان عللاجز عللن إظهللار الحللق الللذي
يعلمه .فهذا يكللون كمللن عللرف أن الللدين السلللم حلق وهللو بيللن
النصارى ،فإذا فعل ما يقدر عليه من الحق ل يؤاخذ بما عجز عنلله،
وهؤلء كالنجاشي وغيره .وقد أنزل الله في هؤلء اليات من كتابه
كقوله تعالى" :وإن من أهللل الكتللاب لملن يللؤمن بللالله ومللا أنللزل
إليكم وما أنزل إليهم" وقوله" :وإذا سمعوا ما أنزل إلللى الرسللول
ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق " الية وقللوله :
أمة يهدون بالحق وبه يعللدلون " .وأمللا إن كللان "ومن قوم موسى
المتبع للمجتهد عاجزا ً عن معرفة الحق على التفضيل وقد فعل ما
التقليللد فهللذا ل يؤاخللذ إن أخطللأ يقدر عليه مثله :من الجتهاد فللي
كما في القبلة .وأمللا مللن قلللد شخصلا ً دون نظيللره بمجللرد هللواه،
لذا مللن أهللل ونصره بيده ولسانه من غير علللم أن معلله الحللق ،فهل
متبوعه مصيبا ً لم يكن عمللله صللالحًا ،وإن كللان الجاهلية ،وإن كان
متبوعه مخطئا ً كان آثمًا .كمن قال فى القرآن برأيلله ،فللإن أصللاب
فقد أخطأ ،وإن أخطأ فليتبوأ مقعده من النللار ،وهللؤلء مللن جنللس
مللانع الزكللاة الللذي تقللدم فيلله الوعيللد ،ومللن جنللس عبللد الللدينار
والخميصة ،فإن ذلك لما أحب المال منعلله مللن والدرهم والقطيفة
عبادة الله وطاعته وصار عبدا ً له،وكذلك هؤلء فيكون فيهم شللرك
أصغر ،ولهم من الوعيللد بحسللب ذلللك ،وفللي الحللديث" :إن يسللير
الرياء شرك" وهذا مبسوط عند النصوص التى فيهللا إطلق الكفللر
والشرك على كثير الذنوب .انتهى.
وقال أبو جعفر بن جرير فى معنى قول الله تعللالى "وتجعلللون للله
أندادًا" أي وتجعلون لمن خلق ذلك أندادا ً وهم الكفاء مللن الرجللال
تطيعونهم فى معاصى الله .انتهى.
قلت :كما هو الواقع من كثير ومن عباد القبور.
قمال) :وقموله " :وممن النماس ممن يتخمذ ممن دون اللمه
أندادا ً يحبونهم كحب الله " ...الية( :
لى
أمثفلللال ً
المشركين بلله قال العماد ابن كثير رحمه الله :يذكر الله حال
الدنيا ومآلهم فى الدار الخرة ،حيث جعلللوا لللله أنللدادًا ،أي
ونظراء يعبدونهم معه ويحبونهم كحبه ،وهو الللله ل إللله إل هللو ،ول
ضد له ول ند له ،ول شريك معه .وفى لصحيحين عن "عبد الله بن
مسعود رضى الللله عنلله قلال ً :قللت :يلا رسللول الللله ؟ أي اللذنب
أعظم ؟ قال :أن تجعل لله ندا وهو خلقك".
وقوله" :والللذين آمنللوا أشللد حبلا ً لللله" ولحبهللم لللله ًتعللالى وتمللام
معرفتهم به وتوقيرهم وتوحيدهم ل يشركون به شيئا .بللل يعبللدونه
وحده ويتوكلون عليه ،ويلجأون فى جميع أمللورهم إليلله .ثللم توعللد
لالى" :ولللو تعالى المشركين به ،الظالمين لنفسهم بذلك .فقال تعل
يللرى الللذين ظلمللوا إذ يللرون العللذاب أن القللوة لللله جميعلًا" قللال
بعضهم تقدير الكلم ،لو عاينوا العذاب لعلموا حينئذ أن القللوة لللله
جميعًا ،أي أن الحكم للله وحللده ل شللريك للله ،فللإن جميللع الشللياء
تحت قهره وغلبته وسلطانه " وأن الله شديد العللذاب " كمللا قللال
تعلالى " ، :فيلومئذ ل يعلذب علذابه أحلد * ول يوثلق وثلاقه أحلد "
يقول :لو علموا ما يعانون هناك وما يحللل بهللم مللن المللر الفظيللع
المنكر الهللائل علللى شللركهم وكفرهللم لنتهللوا عمللا هللم فيلله مللن
الضلللل .ثللم أخللبر عللن كفرهللم بللأعوانهم وتللبرؤ المتبللوعين مللن
التابعين .فقال تعالى" :إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا" ترأت
منهم الملئكة الذين كانوا يزعمون أنهم يعبدونهم فى الدار الللدنيا،
فتقول الملئكة " :تبرأنا إليللك مللا كللانوا إيانللا يعبللدون" ويقولللون :
"سبحانك أنت ولينا ًمن دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكللثرهم بهللم
مؤمنون" الجن أيضا يتبرأون منهللم ويتنصلللون مللن عبللادتهم لهللم،
كما قال تعالى " ، :ومللن أضللل ممللن يللدعو مللن دون الللله مللن ل
يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر
الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين " .انتهى كلمه.
43 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
العرب وأهل الوثان ،فأما غيرهم ممللن يقللر بالتوحيللد ،فل يكتفللى
عصمته بقول ل إله إل الللله إذ كللان يقولهللا فللى كفللره .انتهللى فى
ملخصًا.
وقال النووى :لبد مع هذا من اليمان بجميع مللا جللاء بلله الرسللول
صلى الله عليه وسلم كما جاء فى الرواية ويؤمنللوا بللى وبمللا جئت
به.
وقال شيخ السلم ،لما سئل عللن قتللال التتللار فقللال :كللل طائفللة
ممتنعة عن التزام شللرائع السلللم الظللاهرة مللن هللؤلء القللوم أو
غيرهم فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه ،وإن كانوا مللع ذلللك
ناطقين بالشهادتين وملتزمين بعلض شللرائعه .كملا قاتلل أبلو بكللر
والصحابة رضى الله عنهم مانعى الزكاة .وعلى هذا اتفللق الفقهللاء
بعدهم .قال :فأيما طائفة امتنعت عن بعض الصلوات المفروضات
أو الصلليام ،أو الحللج أو عللن الللتزام تحريللم الللدماء ،أو المللوال أو
الخمللر ،أو الميسللر أو نكللاح ذوات المحللارم ،أو عللن الللتزام جهللاد
الكفار .أو غير ذلك مللن الللتزام واجبللات الللدين ومحرمللاته الللتى ل
عذر لحد فى جحودها أو تركها ،التى يكفر الواحللد بجحودهللا .فللإن
الممتنعة تقاتل عليهللا وإن كللانت مقللرة بهللا ،وهللذا مملا ل الطائفة
أعلم فيه خلفا ً بين العلمللاء .قللال :وهللؤلء عنللد المحققيللن ليسللوا
بمنزلة البغاة ،بل هم خارجون عن السلم .انتهى.
قوله) :وحسابه على الله( أي الله تبارك وتعللالى هللو الللذى يتللولى
بهذه الشهادة ،فإن كللان صللادقا ً جللازاه حساب الذي يشهد بلسانه
الللدنيا
فى ظاهرا ً بجنات النعيم ،وإن كان منافقا ً عذبه العذاب الليم .وأما
فالحكم على الظاهر ،فمن أتى بالتوحيد ولم يأت بما ينافيه
والتزم شرائع السلم وجب الكف عنه.
قلت :وأفاد الحديث أن النسان قد يقللول ل إللله إل الللله ول يكفللر
بما يعبدون من دون الله فلم يأت بملا يعصلم دمله وملاله كملا دل
على ذلك اليات المحكمات والحاديث.
قوله) :وشرح هذه الترجمة ما بعدها من البواب( :
قلت :وأن ما بعدها من ًالبواب فيه ما يبين التوحيد ويوضح معنللى
ل إله إل الله وفيه أيضلا :بيللان أشللياء كللثيرة مللن الشللرك الصللغر
والكبر ومللا يوصللل إلللى ذلللك مللن الغلللو والبللدع ،ممللا تركلله مللن
مضمون ل إله إل الله فمن عرف ذلك وتحققه تبين له معنى ل إله
إل الله وما دلت عليه من الخلص ونفللى الشللرك ،وبضللدها تتللبين
الشياء ،فبمعرفة الصغر من الشرك يعرف ما هو أعظم منه مللن
للتوحيد ،وأما الصللغر فإنمللا ينللافى كمللاله، الشرك الكبر المنافى
فمن اجتنبه فهو الموحد حقًا ،وبمعرفة وسائل الشرك والنهى عنها
لتجتنب تعرف الغايات التى نهى عن الوسائل لجلها ،فإن ً اجتنللاب
ذلك كله يستلزم التوحيد والخلص بل يقتضيه .وفيه أيضا من أدلة
التوحيد إثبات الصفات وتنزيه الرب تعالى عما ل يليق بجلله وكللل
ما يعرف بالله من صفات كماله وأدلة ربللوبيته يللدل علللى أنلله هللو
المعبللود وحللده ،وأن العبللادة ل تصلللح إل للله ،وهللذا هللو التوحيللد،
ومعنى شهادة أن ل إله إل الله.
46 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
باب
من الشرك لبس الحلقة والخيط
ونحوهما ،لرفع البلء أو دفعه
قوله) :باب من الشرك لبس الحلقة والخيممط ونحوهممما،
لرفع البلء أو دفعه( :
رفعه :إزالته بعد نزوله .دفعه :منعه قبل نزوله.
قال) :وقول الله تعالى " :قل أفرأيتممم ممما تممدعون مممن
دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضممره أو
أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته "( :
قال ابن كثير :أي ل تستطيع شيئا ً من المر )قل حسللبى الللله( أي
الله كافى من توكل عليه )عليه يتوكل المتوكلللون( كمللا قللال هللود
عليه السلم حين قال قومه " - :إن نقول إل اعتراك بعللض آلهتنللا
بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشللركون * مللن
دونه فكيدوني جميعا ثم ل تنظرون * إني تللوكلت علللى الللله ربللي
وربكللم مللا مللن دابللة إل هللو آخللذ بناصلليتها إن ربللي علللى صللراط
مستقيم " قال مقاتل فى معنللى اليللة :فسللألهم النللبى صلللى اللله
عليه وسلم فسكتوا .أي لنهم ل يعتقدون ذلك فيها.
وإنما كانوا يدعونها على معنى أنهلا وسلائط وشلفعاء عنلد اللله ،ل
على أنهم يكشفون الضر ،ويجيبون دعاء المضطر،فهم يعلمون أن
ذلك لله وحللده .كمللا قللال تعللالى " ، :ثللم إذا مسللكم الضللر فللإليه
تجأرون * ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون
".
قلت :فهذه الية وأمثالها تبطل تعلق القلب بغير الله فى جلللب أو
دفع ضر ،وأن ذلك شرك بالله .وفى الية بيان أن الله تعالى وسم
أهل الشرك بدعوة غير الله والرغبة إليه مللن دون الللله .والتوحيللد
ضد ذلك .وهو أن ل يدعو إل الله ،ول يرغب إل إليلله ،ول يتوكللل إل
عليه ،وكذا جميع أنواع العبادة ل يصلح منها شئ لغير الله .كما دل
على ذلك الكتاب والسنة وإجماع سلف المة وأئمتها كما تقدم.
عمران بن حصين أن النبى صلى الله عليه قال") :وعن
وسمملم رأى رجل ً فممى يممده حلقممة مممن صممفر فقممال :ممما
هذه ؟ قال :من الواهنة .قال :انزعها فإنها ل تزيدك إل
وهنًا ،فإنك لو مممت وهمى عليممك ممما أفلحممت أبممدا ً " رواه
أحمد بسند ل بأس به( :
قللال المللام أحمللد :حللدثنا خلللف بللن الوليللد حللدثنا المبللارك عللن
"الحسن قال :أخبرنى عمران بن حصين أن النبى صلى الله عليلله
لال: وسلم أبصر على عضد رجل حلقة -قال أراها مللن صللفر -فقل
لدك إل وهن لًا. ويحك ما هذه ؟ قال :من الواهنة .قال :أما إنها ل تزيل
انبذها عنك فإنك لو مت وهللي عليللك مللا أفلحللت أبللدا ً " رواه ابللن
حبان في صحيحه فقال :فإنك لو مت وكلت إليهلا والحلاكم وقلال:
صحيح السناد ،وأقره الذهبي ،وقال الحللاكم :أكللثر مشللايخنا علللى
أن الحسن سمع من عمران ،وقوله في السللناد :أخللبرني عمللران
يدل على ذلك.
قوله )عن عمران بن حصللين( أي ابللن عبيللد خلللف الخللذاعي ،أبللو
نجيللد -بنللون وجيللم -مصللغر ،صللحابي عللن صللحابي ،أسلللم عللام
خيبر،ومات سنة اثنتين وخمسين بالبصرة.
ل( في رواية الحاكم دخلت على رسللول الللله صلللى قوله )رأى رج ً
الله عليه وسلم وفي عضدي حلقة صفر ،فقال :مللا هللذه الحللديث
فالمبهم في رواية أحمد هو عمران راوي الحديث.
قوله )ما هذه( يحتمل أن الستفهام للستفسار عن سللبب لبسللها،
ويحتمل أن يكون للنكار وهو أشهر.
قوله) :من الواهنة( قال أبللو السللعادات :الواهنللة عللرق يأخللذ فللي
المنكب واليد كلها ،فيرقى منها ،وقيل هو مرض يأخذ فللي العضللد،
47 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
وهي تأخذ الرجال دون النساء وإنمللا نهللى عنهللا لنلله إنمللا اتخللذها
على أنها تعصمه من اللم ،وفيه اعتبار المقاصد.
قوله)انزعها فإنها ل تزيدك إل وهنًا( النزع هو الجللذب بقللوة ،أخللبر
أنها ل تنفعه ً بل تضره وتزيده ضعفًا ،وكذلك كل أمر نهى عنه فللإنه
ل ينفع غالبا وإن نفع بعضه فضره أكبر من نفعه.
قوله )فإنك لو مت وهو عليك ما أفلحت أبدًا( لنلله شللرك ،والفلح
هو الفوز والظفر والسعادة.
قال المصنف رحمه الللله تعللالى ) :فيلله شللاهد لكلم الصللحابة :إن
الشرك الصغر أكبر الكبائر ،وأنه لم يعللذر بالجهالللة .وفيلله النكللار
بالتغليظ على من فعل مثل ذلك (.
قوله ) :رواه أحمد بسند ل بأس به ( هو المام أحمد بن حنبل بللن
هلل ابن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حسان بن عبللد الللله بللن
أنس بن عوف بن قاسط بن مازن ابن شيبان بللن ذهللل بللن ثعلبللة
بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسللط بللن هنللب
بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسعد بن ربيعة بن نزار بن معللد
بللن عللدنان _ المللام العللالم أبللو عبللد الللله الللذهلي ثللم الشلليباني
المروزي ثم البغدادي ،إمام أهل عصره وأعلمهم بالفقه والحديث،
وأشدهم ورعا ً ومتابعلة للسلنة ،وهلو اللذي يقلول فيله بعلض أهلل
السنة :عن الدنيا ما كان أصبره ،وبالماضين مللا كللان أشللبهه ،أتتلله
الدنيا فأباها ،والشبه فنفاها ،خللرج بلله مللن مللرو وهللو حمللل فولللد
ببغداد سنة أربع وستين ومائة في شهر ربيع الول.
وطلب أحملد العللم سلنة وفلاة ماللك ،وهلي سلنة تسلع وسلبعين
فسمع من هشيم وجرير بن عبد الحميد وسفيان بن عيينة ومعتمر
بن سليمان ويحيى بن سعيد القطان ومحمد بن إدريس الشللافعي
ويزيد بن هرون وعبد الللرزاق وعبللد الرحمللن بللن مهللدي وخلللق ل
يحصون بمكة والبصرة والكوفة وبغداد واليمللن وغيرهللا ملن البلد.
روى عنلله ابنللاه صللالح وعبللد الللله ،والبخللاري ومسلللم وأبللو داود
وإبراهيم الحربي وأبو زرعلة اللرازي وأبلو زرعلة الدمشلقي وعبلد
الله بن أبي الدنيا وأبو بكر الثرم وعثمان بن سعيد الللدارمي وأبللو
القاسم البغوى ،وهو آخر من حدث عنلله ،وروى عنلله مللن شلليوخه
عبللد الرحمللن بللن مهللدي والسللود بللن عللامر ،ومللن أقرانلله علللي
المديني ويحيى بن معين .قال البخاري :مرض أحمللد لليلللتين خلتللا
من ربيع الول ومات يوم الجمعة لثنتي عشللرة خلللت منلله ،وقللال
حنبللل :مللات يللوم الجمعللة فللي ربيللع الول سللنة إحللدى وأربعيللن
ومائتين وله سبع وسبعون سنة .وقال ابنه عبللد الللله والفضللل بللن
زياد :مات في ثاني عشر ربيع الخر رحمه الله تعالى.
قوله ) :وله عن عقبة بن عامر مرفوعا ً من تعلق تميمممة
فل أتم الله له ،ومن تعلق ودعممة فل ودع اللممه لممه وفممي
رواية :من تعلق تميمة فقد أشرك ( :
الحديث الول رواه المام أحمد كما قال المصنف ،ورواه أيضا ً أبللو
يعلى والحاكم وقال :صحيح السناد وأقره الذهبى.
قوله) :وفى رواية( أي من حديث آخر رواه أحمد فقال :حدثنا عبد
الصمد بن عبد الوارث حدثنا عبد العزيز بن مسلم حللدثنا يزيللد بللن
أبي منصور عن دجين الحجرى عللن عقبللة بللن عللامر الجهنللى "أن
رسول الله صلى الله عليلله وسلللم أقبللل إليلله رهللط فبللايع تسللعة
وأمسك عن واحد ،فقالوا يا رسول الللله ،بللايعت تسللعة وأمسللكت
عن هذا ؟ فقال :إن عليه تميمة فأدخل يده فقطعها ،فبايعه وقال:
من تعلق تميمة فقد أشرك" ورواه الحاكم ونحوه .ورواته ثقات.
لهور فقيلله فاضللل ،ولللى قوله) :عن عقبة بللن عللامر( صللحابى مشل
إمارة مصر لمعاوية ثلث سنين ومات قريبا ً من الستين.
قوله) :من تعلق تميمة( أي علقها متعلقا ً بها قلبه فللى طلللب خيللر
أو دفع شر ،قال المنذري :خرزة كللانوا يعلقونهللا يللرون أنهللا تللدفع
عنهم الفللات ،وهللذا جهللل وضللللة ،إذ ل مللانع ول دافللع غيللر الللله
تعالى.
وقال أبو السعادات :التمائم جمع تميمة وهى خرزات كانت العرب
تعلقهللا علللى أولدهللم يتقللون بهللا العيللن ،فللى زعمهللم ،فأبطلهللا
السلم.
48 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
باب
ما جاء في الرقي والتمائم
قوله) :باب ما جاء فى الرقى والتمائم( :
أي من النهي وما ورد عن السلف في ذلك.
قوله) :وفي الصحيح عن أبي بشمير النصماري أنمه كمان
صملى اللمه عليمه وسملم فمي بعمض أسمفاره ممع النمبي
رسو ً
ل :أن ل يبقين فممى رقبممة بعيممر قلدة مممن فأرسل
وتر أو قلدة إل قطعت( :
هذا الحديث فى الصحيحين.
قوله) :عن أبى بشير( بفتح أوله وكسر المعجمة ،قيل اسمه قيس
بن عبيد قاله ابن سعد .وقال ابن عبد البر :ل يوقف له على اسللم
صحيح ،هو صحابى شهد الخندق ومللات بعللد السللتين .ويقللال :إنلله
جاوز المائة.
قوله) :فى بعض أسفاره( قال الحافظ :لم أقف على تعيينه.
قوله) :فأرسل رسو ً
ل( هو زيد بللن حارثللة .روى ذلللك الحللارث بللن
أبى أسامة فى مسنده قاله الحافظ.
قوله) :أن ل يبقيللن( بالمثنللاة التحتيللة والقللاف المفتوحللتين وقلدة
مرفوع على أنه فاعل و الوتر بفتحتين ،وأحد أوتار القللوس .وكللان
الجاهلية إذا اخلولللق اللوتر أبللدلوه بغيلره وقلللدوا بلله الللدواب أهل
إعتقادا ً منهم أنه يدفع عن الدابة العين.
قوله) :أو قلدة إل قطعت( معناه :أن الراوى شك هل قال شيخه:
قلدة من وتر أو قال :قلدة وأطلق ولللم يقيللده ؟ ويؤيللد الول مللا
روى عن مالك أنه سئل عن القلدة ؟ فقال :ما سللمعت بكراهتهللا
إل فى الوتر .ولبى داود ول قلدة بغير شك.
قللال البغللوى فللى شللرح السللنة :تللأول مالللك أمللره عليلله الصلللة
والسلم بقطع القلئد على أنه مللن أجللل العيللن وذلللك أنهللم كلانوا
يشدون الوتار والتمائم ويعلقون عليها العوذ ،يظنون أنها تعصلمهم
النبى صلى الله عليه وسلم عنها وأعلمهم أنها من الفات .فنهاهم
ل ترد من أمر الله شيئًا.
50 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
قللال أبللو عبيللد :كللانوا يقلللدون البللل الوتللار ،لئل تصلليبها العيللن،
النبى صلى الله عليه وسلم بإزالتها إعلما ً لهم بأن الوتللار فأمرهم
ل ترد شيئًا .وكذا قال إبن الجوزى وغيره.
قال الحافظ :ويؤيده حديث عقبة بن عامر ،رفعه من تعلق تميمللة
فل أتم الله له رواه أبو داود .وهى ما علق من القلئد خشية العين
ونحو ذلك .انتهى.
يطوف بالبيت فقلت :حدثني حديثا ً أحفظه عنللك فللي مقللامي هللذا
وأوجز .قال :نعم ،اوحى الله تبارك وتعالى إلى داود :يللا داود،وأمللا
عزتي وعظمتي ل يعتصم بي عبد مللن عبللادي دون خلقللي أعللرف
ومن فيهن والرضون السبع ذلك من نيته ،فتكيده السموات السبع
ومن فيهلن إل جعلللت للله بينهلن مخرجلا ً وأملا عزتللي وعصللمتي ل
يعتصم عبد من عبللادي بمخلللوق دونللي أعللرف ذلللك مللن نيتلله ،إل
قطعت أسباب السماء من يده وأسللخت الرض مللن تحللت قللدميه
ثم ل أبالى بأي أوديتها هلك.
قال المصنف) :وروى المام أحمد عن رويفع قال :قال
رسول اللممه صمملى اللممه عليممه وسمملم " يمما رويفممع ،لعممل
أو ستطول بك ،فأخبر الناس أن من عقممد لحيتممه
محمممدا ً الحياة
تقلد وترا ً أو استنجى برجيع دابة أو عظم ،فممإن
بريء منه "( :
الحلديث رواه الملام أحملد علن يحيللى بللن إسللحاق والحسلن بلن
موسللى الشلليب كلهمللا عللن ابللن لهيعللة .وفيلله قصللة اختصللرها
المصنف .وهلذا لفلظ حسلن :حلدثنا ابلن لهيعللة حللدثنا عيلاش بلن
عباس عن شييم بن بيتان قال :حدثنا رويفللع بللن ثللابت قللال :كللان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ جمل أخيه علللى أن يعطيلله
النصف مما غنللم وللله النصللف ،حللتى إن أحللدنا ليصللير للله النصللل
والريش وللخر القدح .ثم قال لللي رسللول الللله صلللى الللله عليلله
وسلم ...الحديث.
ثم رواه أحمد بن يحيى بن غبلن حدثنى الفضل عياش بللن عبللاس
أن شييم بن بيتان أخبره أنه سمع شييان القتباني -الحللديث .ابللن
لهيعة فيه مقال .وفلي السلناد الثلاني شليبان القتبلانى ،قيلل فيله
مجهول .وبقية رجالهما ثقات.
قوله)ً :فأخبر الناس( دليل على وجوب إخبللار النللاس ،وليللس هللذا
مختصا برويفع ،بل كل من كان عنللده علللم ليللس عنللد غيللره ممللا
يحتاج إليه الناس وجب إعلمهم به ،فللإن إشللترك هللو وغيللره فللي
علم ذلك فالتبليغ فرض كفاية .قاله أبو زرعة في شرح سللنن أبللي
داود.
قوله) :لعل الحياة ستطول بك( فيلله علللم مللن أعلم النبللوة ،فللإن
رويفعا ً طالت حيا ًته إلى سللنة سللت وخمسللين فمللات ببرقللة مللن
أعمال مصر أميرا عليها ،وهو من النصللار .وقيللل مللات سللنة ثلث
وخمسين.
قوله) :إن من عقد لحيته( بكسر اللم ل غير ،والجمع لحى بالكسر
والضم قاله الجوهري.
قال الخطابي :أما نهيه عن عقد اللحية فيفسر على وجهين.
أحدهما :ما كانوا يفعلونه في الحرب ،كانوا يعقدون لحلاهم ،وذلللك
لض العللاجم يفتلونهللا ويعقللدونها .قللال أبللو السللعادات: من زى بعل
تكبرا ً وعجبًا.
ثانيهما :أن معناه معالجة الشعر ليتعقللد ويتجعللد ،وذلللك مللن فعللل
أهل التأنيث وقال أبو زرعة بن العراقى :والولى حمله علللى عقللد
اللحية في الصلة ،كما دلت عليه رواية محمد بن الربيللع .وفيلله أن
من عقد لحيته في الصلة.
قوله :أو تقلد وترا ً أي جعله قلدة ًفللي عنقلله أو عنللق دابتلله .وفللي
رواية محمد بن الربيع أو تقلد وترا يريد تميمة .
فإذا كان هذا فيمن تقلد وترا ً فكيف بمن تعلللق بللالموات وسللألهم
قضاء الحاجات ،وتفريج الكربات ،الللذي جللاء النهللى عنلله وتغليظلله
في اليات المحكمات ؟
قوله :أو استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمدا ً بريللء منلله قللال
لنووي :أي بريء من فعله ،وهذا خلف الظاهر .والنووي كللثيرا ً مللا
يتأول الحاديث بصرفها عن ظاهرها فيغفر الله تعالى له.
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضللي الللله عنلله مرفوعلًا " :ل
تستنجوا بالروث ول العظام فإنه زاد إخوانكم من الجن " وعليلله ل
يجزى الستنجاء بهما كما هللو ظللاهر مللذهب أحمللد ،لمللا روى ابللن
53 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
خزيمة والدارقطني عن أبي هريللرة " :أن النللبي صلللى الللله عليلله
وسلم نهى أن يستنجي بعظم أو روث ،وقال :إنهما ل يطهران ".
قوله) :وعن سعيد بن جبير قال " :من قطع تميمة مممن
إنسان كان كعدل رقبة " رواه وكيع( :
الرفللع ،لن مثللل ذلللك ل يقللال بللالرأي هذا عند أهل العلم له حكم
ويكون هذا مرسل ً لن سعيدا ً تابعى .وفيه فضل قطع التمائم لنهللا
شرك .ووكيع هو ابن الجراح ابن وكيع الكوفى ،ثقة إمللام ،صللاحب
تصانيف منها الجامع وغيره .روى عنه المام أحمللد وطبقتلله .مللات
سنة سبع وتسعين ومائة.
قوله) :وله عممن إبراهيممم قممال :كممانوا يكرهممون التمممائم
كلها من القرآن وغير القرآن( :
وإبراهيم هو المام بن يزيد النخعى الكوفي ،يكنى أبا عمللران ثقللة
من كبار الفقهاء .قال المللزى :دخللل علللى عائشللة ،ولللم يثبللت للله
سماع منها .مات سنة ست وتسعين ،وله خمسون سنة أو نحوها.
قوله :كانوا يكرهون التمائم إلى آخره ،مراده بللذلك أصللحاب عبللد
الله بن مسعود ،كعلقمة والسود وأبي وائل والحللارث بللن سللويد،
وعبيد السلللمانى ومسللروق والربيللع بللن خللثيم ،وسللويد بللن غفلللة
وغيرهم ،وهو من سادات التابعين وهذه الصيغة يستعملها إبراهيللم
من حكاية أقوالهم كما بين ذلك الحفاظ العراقى وغيره.
باب
من تبرك بشجرة ونحوهها
قوله ) :باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما( :
كبقعة وقبر ونحو ذلك ،أي فهو مشرك.
قمموله) :وقمموله اللممه تعممالى " :أفرأيتممم اللت والعممزى *
ومناة الثالثة الخرى...اليات( :
وكانت اللت لثقيف ،والعزى لقريش وبنى كنانة ،ومناة لبنى هلل.
وقال ابن هشام :كانت لهذيل وخزاعة.
فأما اللت فقرأ الجمهللور بتخفيللف التللاء ،وقللرأ ابللن عبللاس وابللن
الزبير ومجاهد وحمدي وأبو صالح ورويس بتشديد التاء.
فعلى الولى قال العمللش :سللموا اللت مللن الللله ،والعللزى مللن
العزيز .قال ابن جرير :وكانوا قد اشتقوا اسللمها مللن ًالللله ًتعللالى،
قالوا :اللت مؤنثة منه ،تعالى الللله عللن قللولهم علللوا كللبيرا قللال:
وكذا العزى من العزيز.
وقال ابللن كللثير :اللت كللانت صللخرة بيضللاء منقوشللة عليهللا بيللت
الطائف له أستار وسدنة وحللوله فنللاء معظللم عنللد أهللل الطللائف،
54 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
وهم ثقيف ومن تبعهللا يفتخللرون بلله علللى مللن عللداهم مللن أحيللاء
العرب بعد قريش ،قال ابن هشام :فبعث رسول الللله صلللى الللله
عليه وسلم المغيرة بن شعبة فهدمها وحرقها بالنار.
وعلى الثانية قال ابن عباس :كان رجل ً يللت السلويق للحلاج ،فملا
مات عكفوا على قبره ذكره البخاري قللال ابللن عبللاس :كللان يللبيع
ويسلؤه عليها ،فلما مات ذلك الرجل السويق والسمن عند صخرة
عبدت ثقيف تلك الصخرة إعظاما ً لصللاحب السللويق وعللن مجاهللد
نحوه وقال :فلما مات عبدوه رواه سللعيد بللن منصللور .وكللذا روى
ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنهم عبدوه وبنحللو هللذا قللال جماعللة
من أهل العلم.
قلت :ل منافاة بين القولين .فللإنهم عبللدوا الصللخرة والقللبر تأليه لا ً
وتظيمًا.
ولمثل هذا بنيلت المشللاهد والقبللاب عللى القبللور واتخلذت أوثانلًا.
وفيه بيان أن أهل الجاهلية كانوا يعبدون الصالحين والصنام.
وأما العزى فقال ابن جرير :كانت شجرة عليها بناء وأسللتار بنخلللة
بين مكة والطائف كانت قريش يعظمونها ...كما قللال أبللو سللفيان
يوم أحذ :لنا العزى ولعزى لكم فقال رسول الله صلى الله عليلله
وسلم " قولوا :الله مولنللا ول مللولى لكللم " وروى النسللائي وابللن
مردوية عن أبي الطفيل قال :لما فتح رسول الله صلى الله عليلله
وسلم مكة بعث خالد بن الوليد إلى نخلة وكانت بها العزى ،وكانت
على ثلث سمرات فقطع السمرات ،وهدم البيت الذي كان عليها.
النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره .فقال ارجللع فإنللك لللم ثم أتى
تصنع شيئًا ،فرجع خالد ،فلمللا أبصللرته السللدنة أمعنللوا فللي الجبللل
وهم يقولون :يللا عللزى يللا عللزى ،فأتاهللا خالللد فللإذا امللرأة عريانللة
ناشرة شعرها تحفن التراب على رأسها فعمها بالسيف فقتلها ثللم
رجع إلى رسول الله صلى الله عليلله وسلللم فللأخبره .فقللال :تلللك
العزى قلت :وكل هذا وما هو أعظم منه يقع في هذه الزمنة عنللد
ضرائح الموات وفي المشاهد.
وأما مناة فكانت بالمشلل عند قديللد ،بيللن مكللة والمدينللة ،وكللانت
خزاعللة والوس والخللزرج يعظمونهللا ويهلللون منهللا للحللج ،وأصللل
اشتقاقها :من إسم الله المنان ،وقيللل :لكللثرة مللا يمنللى أي يللراق
عندها من الدماء للتبرك بها.
قال البخاري رحمه الله ،في حديث عروة عن عائشللة رضللي الللله
عنها :إنها صنم بين مكة والمدينة قال ابللن هشللام :فبعللث رسللول
عليا ً فهدمها عام الفتح فمعنى الية كما الله صلى الله عليه وسلم
قال القرطبي :أن فيها حذفا ً تقديره :أفرأيتم هذه اللهة ،أنفعت أو
ضرت ،حتى تكون شركاء لله تعالى ؟
وقوله " :ألكم الذكر وله النثى " قال ابن كثير :تجعلللون للله ولللدا ً
وتجعلللون ولللده أنللثى وتختللارون لكللم الللذكور ؟ قللوله " :تلللك إذا
قسللمة ضلليزى " أي جللور وباطلللة .فكيللف تقاسللمون ربكللم هللذه
القسمة التي لو كانت بين مخلوقين كانت جللورا ً وسللفها ً فتنزهللون
أنفسكم عن النللاث وتجعلللونهن لللله تعللالى .وقللوله " :إن هللي إل
أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم " أي من تلقاء أنفسللكم " مللا أنللزل
الله بها مللن سلللطان " أي مللن حجللة " إن يتبعللون إل الظللن " أي
ليس لهم مستند إل حسن ظنهم بآبائهم الذين سلكوا هذا المسلك
الباطل قبلهم " وما تهوى النفس " وإل حظ أنفسهم في رياستهم
وتعظيم آبائهم القدمين .قوله " :ولقد جاءهم مللن ربهللم الهللدى "
قال ابن كثير :ولقد أرسل الله تعالى إليهم الرسللل بللالحق المنيللر
والحجة القاطعة ،ومع هذا ما اتبعوا ما جاءوهم به ول انقللادوا للله ا
هل.
ومطابقة اليات للترجمة من جهة أن عباد هذه الوثان إنهللم كللانوا
يعتقللدون حصللول البركللة منهللا بتعظيمهللا ودعائهللا والسللتعانة بهللا
والعتمللاد عليهللا فللي حصللول مللا يرجللونه منهللا ويؤملللونه ببركتهللا
وشفاعتها وغير ذلك ،فالتبرك بقبور الصالحين كللاللت ،وبالشللجار
كالعزى ومناة من ضمن فعل أولئك المشللركين مللع تلللك الوثللان،
فمن فعل مثل ذلك واعتقد في قبر أو حجر أو شللجر فقللد ضللاهى
عباد هذه الوثان فيما كانوا يفعلونه معها من هذا الشرك ،على أن
الواقع من هؤلء المشللركين مللع معبللوديهم أعظللم ممللا وقللع مللن
أولئك .فالله المستعان.
55 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
قوله) :عن أبي واقد الليثي قممال " :خرجنمما مممع رسممول
الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ،ونحن حممدثاء عهممد
بكفر ،وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطممون بهمما
أسلحتهم ،يقال لها ذات أنواط فمررنا بسدرة ،فقلنا يمما
رسول الله ،اجعل لنا ذات أنواط كممما لهممم ذات أنممواط،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :الله أكممبر إنهمما
السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنممو إسممرائيل
لموسى " اجعل لنا إلها ً كما لهممم آلهممة قممال إنكممم قمموم
تجهلون " لتركبن سنن من كان قبلكممم " رواه الترمممذي
وصححه( :
أبو واقد إسمه الحارث بن عوف ،وفي الباب عن أبي سلعيد وأبلي
هريرة قاله الترمذي وقد رواه أحمللد وأبللو يعلللى وابللن أبللي شلليبة
والنسللائي وابللن جريللر وابللن المنللذر وابللن أبللي حللاتم والطللبراني
بنحوه.
قوله :عن أبي واقد قد تقدم ذكر إسللمه فللي قللول الترمللذي وهللو
صحابي مشهور مات سنة ثمان وستين وثمانون سنة.
قوله :خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين وفللي
حديث عمللرو بللن عللوف وهللو عنللد ابللن أبللي حللاتم وابللن مردويلله
والطبراني .قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليلله وسلللم يللوم
الفتح ،ونحن ألف ونيف حتى إذا كنا بين حنين والطائف الحديث.
قوله :ونحن حدثاء عهد بكفر أي قريب عهدنا بللالكفر ،ففيلله دليللل
على أن غيرهم ممن تقدم إسلمه من الصحابة ل يجهللل هللذا وأن
المنتقل من الباطل الذي اعتاده قبله ل يللأمن أن يكللون فللي قلبلله
بقية من تلك العادة .ذكره المصنف رحمه الله.
قول :وللمشركين سدرة يعكفون عندها العكوف هو القامللة علللى
الشئ في المكللان ،ومنلله قللول الخليللل عليلله السلللم " :مللا هللذه
عاكفون " وكان عكوف المشركين عند تلللك التماثيل التي أنتم لها
السدرة تبركا ً بها وتعظيما ً لهلا وفلي حلديث عمللرو كلان ينلاط بهلا
السلح فسميت ذات أنواط وكانت تعبد من دون الله.
قوله :وينوطون بها أسلحتهم أي يعلقونها عليها للبركة.
قلت :ففي هذا بيان أن عبادتهم لها بللالتعظيم والعكللوف والتللبرك،
وبهذه المور الثلثة عبدت الشجار ونحوها.
قللوله :فقلنللا :يللا رسللول الللله اجعللل لنللا ذات أنللواط قللال أبللو
السعادات :سألوه أن يجعل لهم مثلها فنهللاهم عللن ذلللك .وأنللواط
جمع نوط وهو مصدر سمى بها المنوط .ظنوا أن ً هذا أمر محبللوب
عند الله وقصدوا التقرب به ،وإل فهم أجللل قللدرا مللن أن يقصللدوا
مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله :فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر وفي رواية
سبحان الله والمراد تعظيم الله تعالى وتنزييه عن هذا الشرك بأي
نوع كان ،مما ل يجوز أن يطلب أو يقصد به غير الللله وكللان النللبي
وسلم يستعمل التكبير والتسبيح في حال التعجللب صلى الله عليه
تعظيما ً لله وتنزيها ً له إذا سمع من أحد ما ل يليللق بللالله ممللا فيلله
هضم للربوبية أو اللهية.
قوله :إنها السنن بضم السين أي الطرق.
والذي نفسي بيده كما قللالت بنللو إسللرائيل لموسللى " قوله :قلتم
لهللم آلهللة " شللبه مقللالتهم هللذه بقللول بنللي
ً اجعللل لنللا إله لا ً كمللا
إسرائيل ،بجامع أن كل طلب أن يجعل له ما يألهه ويعبده من دون
الله ،وإن اختلف اللفظان .فللالمعنى واحللد ،فتغييللر السللم ل يغيللر
الحقيقة.
ففيه الخوف من الشرك ،وأن النسان قد يستحسن شيئا ً يظن أنه
يقربلله إللى الللله ،وهللو أبعللد مللا يبعللده مللن رحمتلله ويقرهللب ملن
سخطه ،ول يعرف هذا على الحقيقة إلى مللن عللرف مللا وقللع فللي
هذه الزمان من كثير من العلماء والعبللاد مللع أربللاب القبللور ،مللن
56 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
الغلو فيها وصرف جل العبادة لها ،ويحسبون أنهم على شللئ وهللو
الذنب الذي ل يغفره الله.
قللال الحللافظ أبللو محمللد عبللد الرحمللن بللن إسللماعيل الشللافعي
المعروف بابن أبي شامة فللي كتللاب البللدع والحللوادث :ومللن هللذا
القسم أيضا ً ما قد عم البتلء به من تزيين الشيطان للعامة تخليق
الحيطان والعمد وإسراج مواضع مخصوصللة فللي كللل بلللد ،يحكللى
لهم حاك أنه رأى في منامه بها أحدا ً ممن شهر بالصلللح والوليللة،
فيفعلون ذلك ويحافظون عليه مللع تضللييعهم لفللرائض الللله تعللالى
وسننه ،ويظنون أنهم متقربون بللذلك ،ثللم يتجللاوزون هللذا إلللى أن
يعظم وقع تلك الماكن في قلللوبهم فيعظمونهللا ويرجللون الشللفاء
لمرضاهم وقضللاء حللوائجهم بالنللذر لهللا ،وهللي مللن عيللون وشللجر
وحائط وحجر .وفي مدينة دمشق من ذلك مواضع متعددة كعوينللة
الحمللى خللارج بللاب تومللا والعمللود المخلللق داخللل بللاب الصللغير،
والشجرة الملعونة خارج باب النصر نفللس قارعللة الطريللق سللهل
الله قطعها واجتثاثها من أصلها ،فما أشبهها بللذات أنللواط الللواردة
في الحديث .انتهى.
وذكر ابن القيم رحمه الله نحو ما ذكره أبلو شلامة ،ثلم قلال :فملا
أسرع أهل الشرك إلى اتخاذ الوثان مللن دون الللله ولللو كللانت مللا
كانت ،ويقولون :إن هذا الحجر وهذه الشللجرة وهللذه العيللن تقبللل
النللذر ،أي تقبللل العبللادة مللن دون الللله ،فللإن النللذر عبللادة وقربللة
بهذا الباب عنللد يتقرب بها الناذر إلى المنذور له ،وسيأتي ما يتعلق
قوله صلى الله عليه وسلم " :اللهم ل تجعل قبري وثنا ً يعبد".
وفي هذه الجملة من الفوائد :أن ما يفعله من يعتقد فللي الشللجار
والقبور والحجار من التللبرك بهللا العكللوف عنللدها والذبللح لهللا هللو
لالله
حسنا ًالشرك ،ول يغتر بالعوام والطغام ،ول يستبعد كللون الشللرك بل
تعالى يقع في هذه المة ،فإذا كان بعض الصحابة ظنوا ذلك
وطلبوه من النبي صلى الله عليلله ًوسلللم حللتى بيللن لهللم أن ذلللك
كقول بني إسرائيل " :اجعل لنا إلها كما لهم آلهة " فكيف ل يخفى
على من دونهم فللي العلللم والفضللل بأضللعاف مضللاعفة مللع غلبللة
الجهل وبعد العهد بآثار النبوة ؟ ! بل خفى عليهلم عظلائم الشلرك
في اللهية والربوبية ،فأكبروا فعله واتخذوه قربة.
وفيها أن العتبار فللي الحكللام بالمعلاني ل بالسللماء ،ولهللذا جعللل
النبي صلى الله عليلله وسلللم طلبتهللم كطلبللة بنللي إسللرائيل ،ولللم
يلتفللت إلللى كللوفهم سللموها ذات أنللواط .فالمشللرك مشللرك وإن
سمى شركه ما سماه .كمن يسمى دعلاء الملوات والذبلح والنلذر
لهم ونحو ذلك تعظيما ً ومحبة ،فإن ذلك هو الشرك ،وإن سماه مللا
سماه .وقس على ذلك.
قوله :لتركبن سنن من كان قبلكم بضم الموحدة وضم السللين أي
طرقهم ومناهجهم وقد يجوز فتح السين على الفراد أي طريقهم.
وهذا خبر صحيح .والواقع من كثير من هذه المة يشهد له.
وفيه علم من أعلم النبوة من حيث إنه وقع كما أخبر به صلى الله
عليه وسلم.
وفي الحديث :النهى عن التشبه بأهل الجاهلية وأهل الكتللاب فيمللا
كانوا يفعلونه ،إل ما دل الدليل على أنه مللن شللريعة محمللد صلللى
الله عليه وسلم.
قال المصنف رحمممه اللممه) :وفيممه التنممبيه علممى مسممائل
القبر( :
أما :من ربك ؟ فواضح .وأما :من نبيك ؟ ًفمن إخباره أنباء الغيللب.
وأما :ما دينك ؟ فمن قولهم اجعل لنا إلها إلخ .وفيه :أن الشرك ل
بللد أن يقللع فللي هللذه المللة خلفلا ً لمللن ادعللى خلف ذلللك ،وفيلله
الغضب عند التعليم ،وإن ما ذم الله به اليهود والنصارى فللإنه قللال
لنا لنحذره قاله المصنف رحمه الله.
وأما ما ادعاه بعض المتأخرين من أنه يجوز التبرك بآثار الصلالحين
فممنوع من وجوه:
منها :أن السابقين الولين مللن الصللحابة ومللن بعللدهم لللم يكونللوا
يفعلون ذلك مع غير النبي صلى الله عليه وسلم ،ل فللى حيللاته ول
57 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
بعد موته .ولو كان خيرا ً لسبقونا إليلله ،وأفضللل الصللحابة أبللو بكللر
وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم .وقد شهد لهللم رسللول الللله
صلى الله عليه وسلم فيمن شهد للله بالجنللة ،ومللا فعللله أحللد مللن
الصحابة والتابعين مع أحد من هؤلء السادة ،ول فعله التابعون مللع
ساداتهم في العلم والدين وأهل السوة .فل يجوز أن يقللاس علللى
رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد من المة ،وللنبي صلى الله
عليه وسلم في حال الحيللاة خصللائص كللثيرة ل يصلللح أن يشللاركه
فيها غيره.
ومنها :أن في المنع عن ذلك سدا ً لذريعة الشرك كما ل يخفى.
باب
ما جاء في الذبح لغير الله
قوله ) :باب ما جاء في الذبح لغير الله ( :
من الوعيد وأنه شرك بالله.
قوله " ) :قل إن صلتي ونسكي ومحيمماي ومممماتي للممه
رب العالمين * ل شريك له " الية( :
قال ابن كثير :يأمره تعالى أن يخبر المشركين الللذي يعبللدون غيللر
الله ويذبحون له :بأنه أخلص لللله صلللته وذبيحتلله .لن المشللركين
يعبللدون الصللنام ويللذبحون لهللا ،فللأمره الللله تعللالى بمخللالفتهم
58 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
قال شيخ السلم رحمه الله مللا معنللاه :إن الللله تعللالى يلعللن مللن
استحق اللعنة بالقول كما يصلي سبحانه على من اسللتحق الصلللة
مللن عبللاده قللال تعللالى " ، :هللو الللذي يصلللي عليكللم وملئكتلله
لم ً ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما * تحيتهل
الكافرين وأعد لهم سعيرا يوم يلقونه سلم " وقال " :إن الله لعن
" وقال" :ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيل ً " والقرآن ًكلملله
تعالى أوحاه إلى جبريل عليه السلم وبلغلله رسللوله محمللدا صلللى
الله عليه وسلم ،وجبريل سمعه منلله كمللا سلليأتي فللي الصلللة إن
شاء الله تعالى ،فالصلة ثناء الله تعالى كما تقدم .فالله تعالى هللو
وعليلله المصلى وهو المثيب ،كما دل علللى ذلللك الكتللاب والسللنة،
سلف المة .قال المام أحمد رحمه الله :لم يللزل الللله متكلم لا ً إذا
شاء .
قوله :من ذبح لغير الله قال شيخ السلم رحمه الله تعالى " :ومللا
أهل به لغير الله " ظاهره :أنه ما ذبللح لغيللر الللله ،مثللل أن يقللول:
هذا ذبيحة لكذا .وإذا كان هذا هو المقصود فسلواء لفلظ بله أو للم
يلفظ ،وتحريم هذا أظهر من تحريللم مللا ذبحلله للصللنم وقللال فيلله:
باسم المسيح أو نحوه .كما أن ماذبحناه متقربين به إلى الله كللان
أزكى وأعظم مما ذبحناه للحم ،وقلنا عليه :بسم الللله .فللإذا حللرم
ما قيل فيه باسم المسيح أو الزهرة ،فلن يحرم ما قيل فيه لجللل
المسيح أو الزهرة أو قصد به ذلللك أولللى ،فللإن العبللادة لغيللر الللله
أعظم ً كفرا ً من الستعانة بغير الله .وعلى هذا فلو ذبللح لغيللر الللله
متقربا إليه يحرم ،وإن قال فيه باسم الله ،كمللا قللد يفعللله طائفللة
من منافقى هذه المة الذين يتقربون إلى الكواكب بالذبح والبخور
ونحو ذلك وإن هؤلء مرتدين ل تباح ذبيحتهم بحال .لكن يجتمع في
الذبيحة مانعان:
الول :أنه مما أهل به لغير الله.
والثاني :أنها ذبيحة مرتد.
ومن هذا الباب :ما يفعله الجاهلون بمكة مللن الذبللح للجللن ،ولهللذا
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ذبائح الجن .اه.
قال الزمخشري :كانوا إذا اشتروا دارا ً أو بنوها أو اسلتخرجوا عينلا ً
ذبحوا ذبيحة خوفا ً أن تصيبهم الجن ،فأضيفت إليهم الذبائح لذلك.
وذكر إبراهيم المروزي :أن ما ذبح عنللد اسللتقبال السلللطان تقربلا ً
إليه ،أفتى أهل بخارى بتحريمه ،لنه مما أهل به لغير الله.
قوله :لعن الله من لعن والديه :يعنللي أبلاه وأمله وإن عليلا .وفللي
الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قللال " :مللن الكبللائر
شللتم الرجللل والللديه ،قللالوا :يللا رسللول الللله وهللل يشللتم الرجللل
والديه ؟ قال :نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ،ويسب أمه فيسب
أمه ".
قوله :لعن الله من آوى محدثا ً :أى منعه من أن يؤخللذ منلله الحللق
الذى وجب عليه آوى بفتح الهمزة ممدوده أي ضمه إليه وحماه.
قال أبو السعادات :أويت إلى المنزل ،وأويت غيرى ،وآويته .وأنكللر
بعضهم المقصور المتعدى.
لدال وفتحهللا علللى وأما محدثا ً فقال أبو السعادات :يروى بكسللر الل
الفاعل والمفعول ،فمعنى الكسر :من نصر جانبا ً وآواه وأجاره من
خصمه ،وحال بينه وبين أن يقتص منه .وبالفتح :هو المللر المبتللدع
نفسه ،ويكون معنى اليواء فيه الرضى به والصللبر عليلله ،فللإنه إذا
رضى بالبدعة وأقر فاعلها ولم ينكر عليه فقد آواه.
قال ابلن القيللم رحمله الللله تعلالى :هللذه الكلبيرة تختللف مراتبهلا
باختلف مراتب الحدث في نفسه فكلمللا كلان الحللدث فللي نفسلله
أكبر كانت الكبيرة أعظم.
قوله :ولعن الله من غير منار الرض بفتح الميم علملات حلدودها.
قال أبو السعادات في النهاية في مادة تخم ملعون من غير تخللوم
الرض أي معالمها وحدودها ،وحدها تخللم قيللل :أراد حللدود الحللرم
خاصة :وقيل هو عام في جميع الرض ،وأراد المعالم الللتي يهتللدى
بهللا فللي الطريللق .وقيللل هللو أن يللدخل الرجللل فللي ملللك غيللره
60 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
فيقتطعه ظلمًا .قال ويروى تخوم بفتح التاء علللى الفللراد وجمعلله
تخم بضم التاء والخاء .ا هل.
وتغييرها :أن يقدمها أو يؤخرها ،فيكون هذا من ظلللم ًالرض الللذي
قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم " :من ظلم شبرا مللن الرض
طوقه يوم القيامة من سبع أرضين " ففيه جواز لعللن أهللل الظلللم
من غير تعيين.
وأما لعن الفاسق المعين ففيه قولن:
أحدهما :أنه جائز .اختاره ابن الجوزى وغيره.
ثانيهما :ل يجوز ،اختاره ،أبو بكر عبد العزيز وشيخ السلم.
باب
ل يذبح مكان يذبح فيه لغير الله
قوله) :باب :ل يذبح بمكان يذبح فيه لغير الله تعالى ( :
62 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
ل نافية ويحتمل أنها للنهى وهو أظهر ،قوله :وقول الللله تعللالى " :
ل تقم فيه أبدا " الية قال المفسرون إن الله تعللالى نهللى رسللوله
عن الصلة في مسجد الضرار ،والمللة تبللع للله فللي ذلللك ،ثللم إنلله
تعالى حثه على الصلة في مسجد قباء الذي أسلس مللن أول يلوم
ورسوله صلى الله عليلله وسلللم، بنى على التقوى،وهي طاعة الله
وجمعا ً لكلمة المؤمنين ومعقل ً ومنللزل ً للسلللم وأهللله ،ولهللذا جلاء
في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قللال" :
صلة في مسجد قباء كعمرة " وفي الصحيح :أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان يزور قباء راكبا ً وماشيا ً وقد صرح أن المسجد
المذكور في الية هو مسجد قباء جماعة مللن السلللف ،منهللم ابللن
عباس ،وعروة ،والشعبي ،والحسن وغيرهم.
قلت :ويؤيده قوله في اليللة " فيلله رجللال يحبللون أن يتطهللروا " .
وقيل هو مسجد رسول الله صلللى اللله عليلله وسلللم لحلديث أبلي
سعيد قال " :تمارى رجلن في المسجد الذي أسس على التقللوى
من أول يوم ،فقال رجل :هو مسجد قباء .وقال الخر :هلو مسلجد
رسول الله صلى الله عليه وسللم ،فقلال رسلول اللله صللى اللله
عليه وسلم :هو مسجدي هذا " رواه مسلم ،وهو قول عمللر وابنلله
وزيد ابن ثابت وغيرهم.
قال ابن كثير :وهذا صحيح .ول منافاة بين الية والحللديث .لنلله إذا
كان مسجد قباء قد أسللس علللى التقللوى مللن أول يللوم ،فمسللجد
رسول الله صلى الللله عليلله وسلللم بطريللق الولللى ،وهللذا بخلف
مسجد الضرار الذي أسس على معصللية الللله كمللا قللال تعللالى" :
والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا
لمن حارب الله ورسوله ملن قبلل وليحلفلن إن أردنلا إل الحسلنى
والله يشهد إنهم لكاذبون " .فلهذه المور نهى الله نبيه عن القيللام
فيه للصلة .وكان الللذي بنللوه جللاءوا إلللى النللبي صلللى الللله عليلله
وسلم قبل خروجه إلى غزوة تبوك فسألوه أن يصلللي فيلله ،وأنهللم
إنما بنوه للضعفاء وأهل العلقللة فللي الليلللة الشللاتية ،فقللال " :إنللا
على ًسفر ،ولكن إذا رجعنا إن شاء الله " فلما قفل عليلله السلللم
راجعا إلى المدينة ،ولم يبق بينه وبينها إل يوم أو بعضه نزل الوحي
بخبر المسجد ،فبعث إليه فهدمه قبللل قللدومه إلللى المدينللة .وجلله
مناسبة الية للترجمة :أن المواضع المعدة للذبللح لغيللر الللله يجللب
اجتناب الذبح فيها لله ،كما أن هذا المسجد لما أعللد لمعصللية الللله
صار محل غضب لجل ذلك ،فل تجوز الصلة فيه لله .وهذا قيللاس
صحيح يؤيده حديث ثابت الضحاك التى.
قوله " :فيه رجال يحبون أن يتطهللروا " :روى المللام أحمللد وابللن
خزيمة وغيرهما عن عويم بن ساعدة النصللاري " أن النللبي صلللى
الله عليه وسلم آتاهم في مسجد قباء فقللال :إن الللله قللد أحسللن
عليكم الثناء بالطهور في قصة مسجدكم ،فملا هلذا الطهلور اللذي
تطهرون به ؟ فقالوا :والله يا رسول الله ما نعلم شيئا ً إل أنه كللان
لنا جيران من اليهود كانوا يغسلون أدبللارهم مللن الغللائط ،فغسلللنا
كما غسلوا " وفي رواية عن جابر وأنللس هللو ذاك فعليكمللوه رواه
ابن ماجه وابن أبي حاتم والدارقطني والحاكم.
قوله " :والله يحب المطهرين " قال أبو العالية :إن الطهور بالمللاء
ولكنهللم المتطهللرون مللن الللذنوب .وفيلله إثبللات صللفة لحسللن
المحبة،خلفا ً للشاعرة ونحوهم.
قوله :فهل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ قال شلليخ السلللم رحملله
الله :العيد اسم لما يعود من الجتماع العام على وجه معتاد عللائد،
إما بعود السنة أو السبوع أو الشهر أو نحللو ذلللك والمللراد بلله هنللا
الجماع المعتاد من اجتماع أهل الجاهلية .فالعيد يجمع أمللورا ً منهللا
يوم عائد ،كيوم الفطللر ويللوم الجمعللة ،ومنهللا اجتمللاع فيلله ،ومنهلا
لان أعمال تتبع ذلك من العبادات والعادات ،وقللد يختللص العيللد بمكل
بعينه ،وقد يكون مطلقًا ،وكل مللن هللذه المللور قللد يسللمى عيللدًا.
فالزمان كقول النبي صلى الله عليه ًوسلم فللي يللوم الجمعللة "إن
هذا يوم قد جعله الله للمسلمين عيدا " والجتماع والعمال كقول
للمً ابن عباس شهدت العيد مللع رسللول الللله صلللى الللله عليلله وسل
والمكان كقول النبي صلى الله ً عليه وسلم " ل تتخذوا قبرى عيللدا
" وقد يكون لفللظ العيللد إسللما لمجمللوع اليللوم والعمللل فيلله وهللو
الغالب ،كقول ً النبي صلى الله عليه وسلم " :دعهما يا أبا بكر فإن
لكل قوم عيدا " انتهى.
قال المصنف :وفيه استفصللال المفللتى والمنلع مللن الوفللاء بالنللذر
بمكان عيد الجاهلية ولو بعد زواله .
قلت :وفيه سد الذريعة وترك مشابهة المشركين ،والمنع ممللا هللو
وسيلة إلى ذلك.
قوله :فأوف بنذرك هذا يدل على أن الذبح لله فللي المكللان الللذي
يذبح فيه المشركون لغير الله .أي في محل أعيادهم ،معصية ،لن
قوله فأوف بنذرك تعقيب للوصف بالحكم بالفاء ،وذلك يللدل علللى
أن الوصف سبب الحكم .فيكللون سللبب المللر بالوفللاء خلللوه مللن
هذين الوصفينً .فلما قللالوا ل قللال أوف بنللذرك وهللذا يقتضللى أن
كون البقعة مكانا لعيدهم ،أو بها وثن من أوثانهم :ملانع ملن الذبللح
بها ولو نذره .قال شيخ السلم.
وقوله :فإنه ل وفاء لنذر في معصية الللله دليللل علللى أن هللذا نللذر
معصية لو قد وجد في المكللان بعلض الموانلع .ومللا كلان ملن نلذر
المعصية فل يجوز الوفاء به بإجماع العلماء .واختلفوا هل تجب فيه
كفارة يمين ؟ هما روايتان عن أحمد.
أحدهما :يجب وهو المذهب .وروى عن ابن مسللعود وابللن عبللاس.
وبله قلال أبللو حنيفللة وأصلحابه ،لحللديث عائشللة رضلي الللله عنهلا
مرفوعًا " :ل نذر في معصية ،وكفللارته كفللارة يميللن " رواه أحمللد
وأهل السنن واحتج به أحمد واسحق.
ثانيهمللا :ل كفللارة عليلله .وروى ذلللك عللن مسللروق والشللعبي
والشافعي ،لحديث الباب .ولم يذكر فيه كفارة .وجللوابه :أنلله ذكللر
الكفارة في الحديث المتقدم .والمطلق يحمل على المقيد.
قوله :ول فيما ل يملك ابن آدم قال في شرح المصللابيح :يعنللى إذا
أضاف النذر إلى معين ل يملكه بأن قللال :إن شللفى الللله مريضللي
فلله ً على أن أعتق عبد فلن ونحو ذلك .فأما إذا التزم فللي الذمللة
شيئا ،بأن قال إن شفى الله مريضللي فلللله علللى أن أعتللق رقبللة،
وهو في تلك الحال ل يملكها ول قيمتها ،فللإذا شللفى مريضلله ثبللت
ذلك في ذمته.
قوله :رواه أبو داود وإسناده على شرطهما أي البخاري ومسلم.
وأبو داود :اسمه سليمان ابلن الشلعث بلن اسلحق بلن بشلير بلن
شداد الزدى السجستانى صللاحب المللام أحمللد ،ومصللنف السللنن
والمراسيل وغيرها ،ثقة إمام حافظ مللن كبللار العلمللاء مللات سللنة
خمس وسبعين ومائتين .رحمه الله تعالى.
64 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
باب
من الشرك النذر لغير الله
قوله ) :باب من الشرك النذر لغير الله تعالى ( :
عبادة يجب الوفاء به إذا نذره لله .فيكون النذر لغير الله أي لكونه
تعالى شركا ً في العبادة.
تعالى " :يوفون بالنذر ويخافون يوما ً كان شممره )وقوله
مستطيرا ً "( :
فالية دلت على وجوب الوفاء بالنذر ومدح مللن فعللل ذلللك طاعللة
لله ووفاء بما تقرب به إليه.
)وقوله تعالى " :وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر
فإن الله يعلمه "(:
قال ابن كثير :يخبر تعالى أنه عالم بجميلع ملا يعلله العلاملون ملن
الخيرات ،من النفقات والمنللذورات ،وتضللمن ذلللك مجللازاته علللى
ذلك أوفر الجزاء للعاملين إبتغاء وجهه .ا هل.
إذا علمت ذلك :فهذه النذور الواقعللة مللن عبللاد القبللور ،تقربلا ً بهللا
إليهم ليقضوا لهم حوائجهم وليشللفعوا لهللم ،كللل ذلللك شللرك فللي
العبادة بل ريب .كما قال تعالى " :وجعلوا لله مما ذرأ من الحللرث
والنعام نصيبا فقالوا هللذا لللله بزعمهللم وهللذا لشللركائنا فمللا كللان
لشركائهم فل يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلللى شللركائهم
ساء ما يحكمون ".
قال شيخ السلم رحمه الله :وأما ما نذر لغير الله كالنذر للصللنام
والشمس والقمر والقبور ونحو ذلك ،فهللو بمنزلللة أن يحلللف بغيللر
الله من المخلوقات .والحالف بالمخلوقات ل وفاء عليه ول كفارة،
وكذلك الناذر للمخلوقات .فإن كلهمللا شللرك .والشللرك ليللس للله
حرمة ،بل عليه أن يستغفر الله من هذا ويقول ما قال النبي صلى
الله عليلله وسلللم " :مللن حلللف وقللال فللي حلفلله :واللت والعللزى
فليقل ل إله إل الله ".
وقال فيمن نذر سمعة أو نحوها دهنا ً لتنللور بلله ويقللول :إنهللا تقبللل
معصللية باتفللاق النللذر كمللا يقللوله بعللض الضللالين :وهللذا النللذر
المسلللمين ل يجللوز الوفللاء بلله وكللذلك إذا نللذر ً مللال ً للسللدنة أو
المجاورين العاكفين بتلك البقعة .فإن فيهم شبها من السدنة التي
كللانت عنللد اللت والعللزى ومنللاة ،يللأكلون أمللوال النللاس بالباطللل
ويصدون عن سبيل الله .والمجاورون هناك فيهم شللبه مللن الللذين
65 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
قال فيهم الخليل عليه السلم " :ما هللذه التماثيللل الللتي أنتللم لهللا
عاكفون " والذين اجتللاز بهللم موسللى عليلله السلللم وقللومه ،قللال
تعالى " :وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على
أصنام لهم " فالنذر لولئك السدنة والمجاورين في هذه البقاع نذر
معصية .وفيه شبه من النذر لسدنة الصلبان والمجاورين عندها ،أو
لسدنة البداد في الهند والمجاورين عندها.
وقال الرافعى في شرح المنهاج :وأما النللذر للمشللاهد الللتي علللى
قبر ولى أو شيخ أو على إسم من حلها مللن الوليللاء ،أو تللردد فللي
تلك البقعة ملن الوليلاء والصلالحين فلإن قصلد النلاذر بلذلك وهلو
الغالب أو الواقع مللن قصللود العامللة تعظيللم البقعللة والمشللهد ،أو
الزاوية ،أو تعظيم من دفن بها أو نسبت إليه ،أو بنيت على اسللمه
فهللذا النللذر باطللل غيللر منعقللد ،فللإن معتقللدهم أن لهللذه المللاكن
خصوصيات ،ويرون أنها مما يدفع بها البلء ويستجلب بهللا النعمللاء،
ويستشفى بالنذر لها من الدواء حتى إنهم ينذرون لبعللض الحجللار
لما قيل لهم :إنه اسللتند إليهللا عبللد صللالح وينللذرون لبعللض القبللور
السرج والشلموع والزيلت ،ويقوللون إنهلا تقبلل النلذر كملا يقلوله
البعض يعنلون بلذلك أنله يحصلل بله الغلرض الملأمول ملن شلفاء
مريللض ،أو قللدوم غللائب أو سلللمة مللال ،وغيللر ذلللك مللن أنللواع
المجازاة ،فهذا النذر على الوجه باطل ًل شك فيه ،بل نللذر الزيللت
والشمع ونحوهما للقبللور باطللل مطلقلا .ومللن ذلللك نللذر الشللموع
الكثيرة العظيمة وغيرها لقبر الخليل عليه السلم ولقبر غيره مللن
فإن النللاذر ل يقصللد بللذلك اليقللاد علللى القللبر إل النبياء والولياء،
تبركا ً وتعظيمًا ،ظانا ً أن ذلك قربة ،فهذا ممللا ل ريللب فللي بطلنلله،
واليقاد المذكور محرم ،سواء انتفع به هناك منتفع أم ل.
قال الشيخ قاسم الحنفى في شرح درر البحار :النذر الللذي ينللذره
أكثر العللوام علللى مللا هللو مشللاهد ،كللأن يكللون للنسللان غللائب أو
مريض أو له حاجة ،فيأتي إلى بعض الصلللحاء ويجعللل علللى رأسلله
ستره ،ويقول :يا سيدي فلن إن رد الله غائبي أو عوفى مريضللي،
أو قضيت حاجتي فلك من الذهب كذا ،أو من الفضللة كللذا ،أو مللن
الطعام كذا ،أو من الماء كذا ،أو من الشللمع والزيللت .فهللذا النللذر
باطل بالجماع لوجوه ،منها :أنه نذر لمخلللوق ،والنللذر للمخلللوق ل
يجوز ،لنه عبادة والعبادة ل تكون لمخللوق ،ومنهلا أن المنللذور للله
ميت ،والميللت ل يملللك ،ومنهللا أنلله ظللن أن الميللت يتصللرف فللي
المور دون الله ،واعتقاد ذلك كفر إلى أن قال :إذا علمت هذا فما
يؤخذ مللن اللًلدراهم والشللمع والزيللت وغيرهللا وينقللل إلللى ضللرائح
الولياء تقربا إليها فحرام بإجماع المسلمين.
نقله عنه ابن نجيم في البحر الرائق ،ونقله المرشدى فللي تللذكرته
وغيرهما عنه وزاد :قد ابتلى الناس بهذا ل سيما في مولد البدوى.
وقال الشيخ صنع الله الحلبي الحنفي في الرد على من أجاز الذبح
فهذا الذبح والنذر إن كان على اسم فلن فهو لغير والنذر للولياء:
باط ً
ل .وفي التنزيل " :ول تأكلوا ممللا لللم يللذكر اسللم الله ،فيكون
الله عليه " " :قل إن صلللتي ونسللكي ومحيللاي وممللاتي لللله رب
العالمين * ل شريك له " والنذر لغير الله إشراك مع الللله ،كالذبللح
لغيره.
قوله :عن عائشة هللي أم المللؤمنين ،زوج النللبي صلللى الللله عليلله
وسلم ،وابنة الصديق رضي الللله عنهملا تزوجهللا النللبي صلللى الللله
وهي ابنة سبع سنين ،ودخل بها ابنللة تسللع وهللي أفقلله عليه وسلم
النساء مطلقًا ،وهي أفضل أزواج النبي صلى الللله عليلله وسلللم إل
خديجة ففيها خلف .ماتت سنة سبع وخمسين على الصحيح رضي
الله عنها.
قوله :من نذر أن يطيع الله فليطعه أي فليفعل ما نذره من طاعللة
الله وقد أجمع العلماء على أن من نذر طاعة لشرط يرجوه ،كللإن
شفى الله مريضى فعلى أن أتصدق بكذا ونحللو ذلللك وجللب عليلله،
إن حصل له ما علق نذره على حصوله .وحكى عن أبي حنيفة :أنه
ل يلزم الوفاء إل بما جنسه واجب بأصل الشرع كالصللوم وأمللا مللا
ليس كذلك كالعتكاف فل يجب عليه الوفاء به.
قوله :ومن نذر أن يعصى الله فل يعصه زاد الطحاوى :وليكفر عن
يمينه وقد أجمع العلماء على أنه ل يجوز الوفاء بنذر المعصية.
الحافظ :اتفقوا على تحريم النذر في المعصية ،وتنازعوا :هللل قال
ينعقد موجبا ً للكفارة أم ل ؟ وتقللدم .وقللد يسللتدل بالحللديث علللى
صحة النذر في المباح ،كما هو مذهب أحمد وغيره ،يؤيده مللا رواه
أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ،وأحمد والترمللذي
66 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
عن بريدة :أن امرأة قالت" :يا رسول الله إنللي نللذرت أن أضللرب
على رأسك بالدف ،فقال أوفي بنذرك" وأما نذر اللجللاج والغضللب
أحمد ،فيخير بين فعله وكفارة يمين ،لحديث عمران فهو يمين عند
يميللن " رواه
ً بن حصين مرفوعا ً " ل نذر في غضب،وكفارته كفارة
سعيد بلن منصلور وأحملد والنسللائي ،فلإن نللذر مكروهلا كلالطلق
استحب أن يكفر ول يفعله.
باب
من الشرك الستعاذة بغير الله
قوله) :باب :من الشرك الستعاذة بغير الله( :
الستعاذة اللتجاء والعتصام ،ولهللذا يسللمى المسللتعاذ بلله :معللاذا ً
وملجأ فالعائذ بالله قد هرب مما يؤذيه أو يهلكه ،إلى ربلله ومللالكه،
واعتصم واستجار به والتجأ إليه ،وهذا تمثيل ،وإل فما يقوم بالقلب
من اللتجاء إلى الله ،والعتصام بلله ،والنطللراح بيللن يللدى الللرب،
والفتقار ،والتذليل له ،أمللر ل تحيلط بلله العبللارة .قلاله ابلن القيللم
رحمه الله.
67 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
قال شيخ السلم رحمه الله :وقد نص الئمة كأحمللد وغيللره علللى
أنه ل يجوز الستعاذة بمخلوق .وهذا مما استدلوا به علللى أن كلم
الله غير مخلوق .قالوا :لنه ثبت عن النبي صلى الله عليلله وسلللم
أنه استعاذ بكلمات الله وأمر بذلك ،ولهذا نهى العلماء عن التعازيم
والتعاويذ التي ل يعرف معناها خشية أن يكون فيها شرك.
وقال ابن القيم :ومن ذبح للشلليطان ودعللاه ،واسللتعاذ بلله وتقللرب
إليلله بمللا يجللب فقللد عبللده ،وإن لللم يسللم ذلللك عبللادة ويسللميه
استخدامًا ،وصدق ،هو استخدام من الشيطان له ،فيصير من خدم
الشيطان وعابديه ،وبذلك يخدمه الشيطان ،لكن خدمللة الشلليطان
له ليست خدمة عباده ،فإن الشيطان ل يخضللع للله ول يعبللده كمللا
يفعل هو به ا هل.
قوله " :من شر ما خلق " قال ابن القيم رحمه الللله :أي مللن ك ًللل
الشللر مللن حيللوان أو غيللره ،إنسلليا أو شر في أي مخلوق قام بللن
جنيًا ،أو هامللة أو دابللة ،أو ريح لا ً أو صللاعقة ،أو أي نللوع مللن أنللواع
البلء في الدنيا والخرة.
وما ههنا موصولة وليس المراد بها العمللوم الطلقللي ،بللل المللراد
التقييدي الوصفي ،والمعنى :من كل شر كللل مخلللوق فيلله شللر،ل
من شر كل ما خلقه الله ،فإن الجنة والملئكة والنبياء ليس فيهللم
شر ،والشر يقال على شيئين :على اللم ،وعلى ما يفضى إليه.
ذلللك قللال القرطللبي: قوله :لم يضره شئ حتى يرتحل من منزللله
هذا خبر صحيح وقول صادق علمنا صدقه دليل ً وتجربة ،فللإني منللذ
عليه فلللم يضللرني شللئ إلللى أن تركتلله، سمعت هذا الخبر عملت
بالمهدية لي ً
ل ،فتفكللرت فللي نفسللي فللإذا بللي قللد فلدغتني عقرب
نسيت أن أتعوذ بتلك الكلمات.
باب
من الشرك الستعانة بغير الله ودعاء
غير الله
قوله) :باب من الشرك أن يسممتغيث بغيممر اللممه أو يممدعو
غيره( :
قال شيخ السلم رحملله الللله :السللتغاثة والللدعاء أن السللتغاثة ل
تكون إل من المكروب ،والدعاء أعم من الستغاثة ،لنه يكون مللن
المكروب وغيره .فعطف الدعاء على الستغاثة مللن عطللف العللام
على الخاص .فبينهما عموم وخصوص مطلق ،يجتمعللان فللي مللادة
وينفرد الدعاء عنها في مادة ،فكل استغاثة دعاء ،وليس كللل دعللاء
استغاثة.
وقوله :أو يدعو غيره :اعلم أن الدعاء نوعان :دعاء عبللادة ،ودعللاء
مسللألة ،ويللراد بلله فللي القللرآن هللذا تللارة ،وهللذا تللارة ،ويللراد بلله
الداعي من جلب نفللع مجموعهما فدعاء المسألة هو طلب ما ينفع
ضر ،ولهذا ًأنكر الله على من يدعو أحدا ً من دونلله ممللن أو كشف
كقوله تعالى " :قل أتعبدون من دون الله ما ً ل يملك ضرا ً ول ًنفعا،
ل يملك لكم ضرا ول نفعا والله هو السميع العليم " وقللوله " :قللل
أندعوا من دون الله ما ل ينفعنا ول يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ
هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الرض حيران له أصللحاب
يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهللدى وأمرنللا لنسلللم
لرب العلالمين " وقلالً " :ول تلدع ملن دون اللله مللا ل ينفعلك ول
يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين ".
قال شيخ السلم رحمله اللله :فكلل دعلاء عبلادة مسلتلزم للدعاء
المسألة ،وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة ،قال الله تعالى:
" ادعوا ربكم تضرعا ً وخفية إنه ل يحب المعتدين " وقال تعللالى" :
قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تللدعون
إن كنتم صادقين * بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء
وتنسون مللا تشللركون " وقللال تعللالى " :للله دعللوة الحللق والللذين
يدعون من دونله ل يسلتجيبون لهلم بشليء إل كباسلط كفيله إللى
الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وملا دعلاء الكلافرين إل فلي ضللل "
وأمثال هذا في القرآن في دعاء المسألة أكثر من أن يحصر ،وهللو
يتضمن دعاء العبادة ،لن السللائل أخلللص سللؤاله لللله ،وذلللك مللن
لله والتل ًلالي لكتللابه ونحللوه ،طللالب أفضل العبادات ،وكذلك الذاكر
من الله في المعنى ،فيكون داعيا ً عابدا.
69 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
في أهل القبور والمشللاهد مللا هللو وأما هؤلء المشركون فاعتقدوا
فجعلوا لهم نصيبا ً من التصرف والتدبير ،وجعلوهم أعظم من ذلك.
معللاذا ً لهللم وملذا ً فللي الرغبللات والرهبللات " سللبحان الللله عمللا
يشركون ".
وقوله " :وهو الغفور الرحيم " أي لمن تاب إليه.
قال) :وقوله تعالى " :فابتغوا عند الله الممرزق واعبممدوه
واشكروا له إليه ترجعون"( :
عباده بابتغاء الرزق منه وحللده دونً مللا سللواه ممللن ل يأمر تعالى
يملك لهم رزقلا ً مللن السللماوات والرض شلليئا" .فتقللديم الظللرف
يفيد الختصاص .وقوله" :واعبدوه من عطف العام علللى الخللاص،
فإن ابتغاء الرزق عنده من العبادة التي أمر الله بها".
قال العماد ابن كثير رحمه الله تعالى :فابتغوا أي فاطلبوا عند الله
الرزق أي ل عند غيره .لنه المالك للله ،وغيللره ل يملللك شلليئا ً مللن
ذلك واعبدوه أي أخلصوا له العبادة وحده ل شريك له واشكروا له
أي على ما أنعم عليكم إليه ترجعون أي يوم القيامللة فيجللازى كللل
عامل بعمله.
قال) :وقوله " :ومن أضل ممن يدعو من دون اللممه مممن
ل يسممتجيب لممه إلممى يمموم القيامممة وهممم عممن دعممائهم
غممافلون * وإذا حشممر النمماس كممانوا لهممم أعممداء وكممانوا
بعبادتهم كافرين "( :
نفى سبحانه أن يكون أحد أضللل ممللن يللدعو غيللره .وأخللبر أنلله ل
يستجيب له ما طلب منه إلى يوم القيامة .والية تعم على كل من
يدعى من دون الله ،كما قال تعالى " :قل ادعوا الذين زعمتم من
دونه فل يملكون كشف الضر عنكللم ول تحللويل ً " وفللي هللذه اليللة
أخبر أنه ل يستجيب وأنه غافل عن داعيه " وإذا حشر الناس كانوا
لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كللافرين " فتنللاولت اليللة كللل داع وكللل
مدعو من دون الله.
قال أبو جعفر بن جرير في قللوله " :وإذا حشللر النللاس كللانوا لهللم
أعداًء " يقللول تعللالى ذكللره :وإذا جمللع النللاس ليللوم القيامللة فللي
موقف الحساب كلانت هلذه اللهلة اللتي يلدعونها فلي اللدنيا لهلم
أعداء ،لنهم يتبرأون منهم " وكانوا بعبادتهم كافرين " يقول تعالى
ذكره :وكانت آلهتهم التي يعبللدونها فللي الللدنيا بعبللادتهم جاحللدين،
لنهم يقولون يوم القيامللة :مللا أمرنللاهم ول شللعرنا بعبادتهللا إيانللا.
تبرأنا منهم يا ربنا .كما قال تعالى " ، :ويوم يحشرهم وما يعبللدون
مللن دون الللله فيقللول أأنتللم أضللللتم عبللادي هللؤلء أم هللم ضلللوا
السبيل * قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخللذ مللن دونللك ملن
أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا ".
قال ابن جرير " :ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الللله " مللن
الملئكة والنس والجن وسللاق بسللنده عللن مجاهللد قللال :عيسللى
وعزير والملئكة.
ثللم قللال :يقللول تعللالى ذكللره قللالت الملئكللة الللذين ً كللان هللؤلء
المشركون يعبللدونهم مللن دون الللله وعيسللى :تنزيهلا لللك يللا ربنللا
ة مما أضاف إليك هؤلء المشركون " مللا كللان ينبغللي لنللا أن وتبرئ ً
نتخذ من دونك من أولياء " نواليهم " أنت ولينا من دونهم " انتهى.
قلت :وأكثر ما يستعمل الدعاء في الكتاب والسنة واللغللة ولسللان
الصحابة ومن بعدهم من العلماء :في السؤال والطلللب ،كملا قللال
العلماء مللن أهللل اللغللة وغيرهللم :الصلللة لغللة الللدعاء ،وقللد قللال
اليتينً
لرعا ل
تعالى " ، :والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير "
تض وقال " :قل من ينجيكم من ظلمات الللبر والبحللر تللدعونه
وخفية " وقال " :وإذا مس النسان الضر دعانا لجنبلله أو قاعللدا ً أو
قائما ً " وقلال " :وإذا مسله الشلر فلذو دعلاء عريلض " وقلال" :ل
يسأم النسان من دعاء الخير " الية .وقال " :إذ تسللتغيثون ربكللم
فاستجاب لكم " الية.
وفي حديث أنس مرفوعلًا " :اللدعاء ملخ العبلادة " وفلي الحلديث
الصحيح " :ادعوا الله وأنتم موقنللون بالجابللة " وفللي آخللر " :مللن
يسأل الله يغضب عليه " وحديث " :ليس شئ أكرم على الله مللن
الدعاء " رواه أحمللد والترمللذي وابللن مللاجه وابللن حبللان والحللاكم
وصللححه .وقللوله " :الللدعاء سلللح المللؤمن وعمللاد الللدين ونللور
73 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
السماوات والرض " رواه الحلاكم وصلححه .وقلوله " :سللوا اللله
كل شئ حتى الشسع إذا انقطع " الحديث .وقال ابن عباس رضي
الللله عنهمللا :أفضللل العبللادة الللدعاء وقللرأ" :وقللال ربكللم ادعللوني
أستجب لكم " الية .رواه ابن المنذر والحاكم وصححه .وحديث" :
اللهم إني أسألك بأن لله الحمد ل إله إل أنللت المنللان "...الحللديث
وحديث " :اللهم إني أسلألك بأنلك أنلت اللله ل إلله إل أنلت الحلد
الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا ً أحللد " وأمثللال هللذا
فللي الكتللاب والسللنة أكللثر مللن أن يحصللر ،فللي الللدعاء الللذي هللو
عبلادة فقلد السؤال والطلب ،فملن جحلد كلون السلؤال والطللب
صادم النصوص وخالف اللغة واستعمال المة سلفا ً وخلفًا.
وأما ما تقللدم مللن كلم شلليخ السلللم ،وتبعلله العلمللة ابللن القيللم
رحمهما الللله تعللالى مللن أن الللدعاء نوعللان :دعللاء مسللألة ودعللاء
عبادة .وما ذكر بينهما مللن التلزم وتضللمن أحللدهما للخللر .فللذلك
باعتبار كون الذاكر والتللالي والمصلللى والمتقللرب بالنسللك وغيللره
طالبا ً في المعنى .فيدخل في مسللمى الللدعاء بهللذا العتبللار ،وقللد
شرح الله تعالى في الصلة الشرعية من دعاء المسألة ما ل تصح
الصلة إل به ،كما فللي الفاتحللة والسللجدتين وفللي التشللهد ،وذلللك
عبللادة كللالركوع والسللجود .فتللدبر هللذا المقللام يتللبين لللك جهللل
الجاهلين بالتوحيد.
ومما يتبين هذا المقام ويزيد إيضاحًا .قوله العلمة ابن القيم رحمه
الله تعالى في قوله تعالى " :قل ادعوا الله أو ادعللوا الرحمللن أيللا
ما تدعوا فله السماء الحسنى " وهذا الللدعاء المشللهور أنلله دعللاء
المسألة .قالوا :كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربلله ويقللول
مرة يا الله ومرة يا رحمن فظن المشركون أنه يدعو إلهين فأنزل
الله هذه الية .ذكر هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما .وقيل :إن
هذا الدعاء هنلا بمعنللى التسللمية ،والمعنللى :أي سللميتموه بلله مللن
أسماء الله تعالى ،إما اللله وإملا الرحملن فللله السللماء الحسلنى.
وهذا من لوازم المعنى في الية .وليس هو عين المراد .بل المراد
بالدعاء معناه المعهللود المطللرد فللي القللرآن .وهللو دعللاء السللؤال
ودعاء الثناء.
ثم قال :إذا عرف هذا فقوله " :ادعوا ربكم تضرعا وخفية " يتناول
نوعي الدعاء لكنه ظاهر في دعاء المسألة متضمن لدعاء العبللادة،
بإخفائه .قال الحسللن :بيللن دعللاء السللر ودعللاء العلنيللة ولهذا أمر
سبعون ضعيفًا .ولقد كللان المسلللمون ً يجتهللدون فللي الللدعاء ولللم
يسللمع لهللم صللوت إن كللان إل همسلا بينهللم وبيللن ربهللم .وقللوله
تعالى " :وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الللداع إذا
دعللان " يتنللاول نللوعى الللدعاء ،وبكللل منهمللا فسللرت اليللة قيللل:
أعطيه إذا سألني ،وقيل أثيبه إذا عبدني ،وليس هذا مللن اسللتعمال
اللفظ في حقيقته ومجازه ،بل هذا استعمال في حقيقتلله الواحللدة
المتضمنة للمرين جمعيًا .وهذا يأتي في مسألة الصلة وإنهللا نقللل
عن مسماها في اللغلة وصلارت حقيقلة شلرعية ،واسلتعملت فلي
هذه العبادة مجازا ً للعلقة بينهما وبين المسمى اللغوي وهي باقيللة
على الوضع اللغوي ،وضم إليها أركان وشرائط .فعلى ما قررناه ل
حاجة إلى شئ من ذلك ،فإن المصلى من أول صلته إلى آخرها ل
ينفك عن دعاء :إما عبادة ًوثناء ،أو دعاء طلب ومسللألة ،وهللو فللي
الحالتين داع .ا هل .ملخصا من البدائع.
قال) :وقوله " :أمن يجيممب المضممطر إذا دعمماه ويكشممف
السمموء ويجعلكممم خلفمماء الرض أإلممه مممع اللممه قليل ً ممما
تذكرون"( :
بين تعللالى أن المشللركين مللن العللرب ونحللوهم قللد علمللوا أنلله ل
يجيب ًالمضطر ويكشف السوء إلى الله وحده فذكر ذلللك سللبحانه
محتجا عليهم في اتخاذهم الشفعاء من دونه ،ولهذا قال " أإله مللع
الله ؟ " يعنى يفعل ذلك .فللإذا كللانت آلهتهللم ل تجيبهللم فللي حللال
الضطرار فل يصلح أن يجعلوها شركاء لله الللذي يجيللب المضللطر
إذا دعاه ويكشف السوء وحللده .وهللذا أصللح مللا فسللرت بلله اليللة
كسابقتها من قوله " أمن خلق السماوات والرض وأنزل لكم مللن
السماء ماء فأنبتنللا بلله حللدائق ذات بهجللة مللا كللان لكللم أن تنبتللوا
شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون * أمن جعل الرض قللرارا
وجعل خللها أنهارا وجعل لها رواسي وجعللل بيللن البحريللن حللاجزا
أإله مع الله بل أكثرهم ل يعلمللون " ول حقتهللا إلللى قللوله " :أمللن
يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بيللن يللدي
رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون * أمن يبدأ الخلللق ثللم
يعيده ومن يرزقكم من السللماء والرض أإللله مللع الللله قللل هللاتوا
برهانكم إن كنتم صادقين ".
74 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
باب
ً
أيشركون ما ل يخلق شيئا وهم
يخلقون
قوله) :باب قممول اللممه تعممالى " :أيشممركون ممما ل يخلممق
شمميئا وهممم يخلقممون * ول يسممتطيعون لهممم نصممرا ول
أنفسهم ينصرون "( :
قوله " أيشركون " أي في العبادة .قال المفسرون :في هذه الية
توبيخ وتعنيف للمشركين في عبادتهم مع اللل ًله تعللالى مللا ل يخلللق
شيئا ً وهو مخلوق ،والمخلوق ل يكون شللريكا للخللالق فللي العبللادة
التي خلقهم لها ،وبين أنهللم ل يسللتطيعون لهللم نصللرا ً ول أنفسلهم
ينصرون ،فكيف يشركون به من ل يستطيع نصللر عابللديه ول نصللر
نفسه ؟ وهذا برهان ظاهر على بطلن ما كللانوا يعبللدونه مللن دون
الله ،وهذا وصف كل مخلوق ،حتى الملئكللة والنبيللاء والصللالحين.
وأشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم قد كان يستنصللر ربلله
على المشركين ويقول " اللهم أنت عضللدي ونصلليري ،بللك أحللول
وبك أصول ،وبك أقاتل " وهذا كقوله " :واتخذوا من دونلله آلهللة ل
يخلقون شيئا وهم يخلقون ول يملكون لنفسللهم ضللرا ول نفعللا ول
يملكون موتا ول حياة ول نشورا " وقوله " :قللل ل أملللك لنفسللي
نفعا ول ضرا إل ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لسللتكثرت مللن
الخير وما مسللني السللوء إن أنللا إل نللذير وبشللير لقللوم يؤمنللون "
وقللوله " :قللل إنللي ل أملللك لكللم ضللرا ول رشللدا * قللل إنللي للن
يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا * إل بلغا مللن الللله
ورسالته ".
فكفى بهذه ًاليات برهانا ً على بطلن دعوة غير الله كائنا ً من كان.
أو صالحا ً ًفقد شرفه الله تعالى بللإخلص العبللادة ً للله، فإن كان نبيا
والرضاء به ربا ً ومعبودا ،فكيف يجوز أن يجعللل العابللد معبللودا مللع
توجيه الخطاب إليه بالنهي عن هذا الشرك كمللا قللال تعللالى " :ول
تدع مع الله إلها آخللر ل إللله إل هللو كللل شلليء هالللك إل وجهلله للله
الحكم وإليه ترجعون " وقال " :إن الحكم إل لله أمر أن ل تعبللدوا
إل إياه " فقد أمر عباده من النبيللاء والصللالحين وغيرهللم بللإخلص
العبادة له وحده ،ونهاهم أن يعبدوا معه غيره ،وهذا هو دينلله الللذي
بعث به رسله ،وأنزل به كتبه ،ورضيه لعبللاده ،وهللو ديللن السلللم،
كما روى البخاري عن أبي هريرة في سؤال جبريللل عليلله السلللم
رسول الله ،ما السلللم ؟ قللال السلللم أن تعبللد الللله ول قال " يا
تشرك به شيئًا ،وتقيم الصلة ،وتللؤتي الزكللاة المفروضللة ،وتصللوم
رمضان " الحديث.
وقوله تعالى " :والذين تدعون من دونه ما يملكممون مممن
قطمير * إن تدعوهم ل يسمعوا دعاءكم ولو سمممعوا ممما
استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ول ينممبئك
مثل خبير " :
يخبر تعالى عن حللال المللدعوين مللن دونلله مللن الملئكللة والنبيللاء
والصنام وغيرها بما يدل على عجزهم وضعفهم وأنهللم قللد انتفللت
عنهللم السللباب الللتي تكللون فللي المللدعو ،وهللي الملللك ،وسللماع
الدعاء ،والقدرة على استجابته ،فمتى لم توجد هذه الشروط تامة
بطلت دعوته فكيف إذا عدمت بالكلية ؟ فنفى عنهم المللك بقلوله
" ما يملكللون مللن قطميللر " قللال ابللن عبللاس ومجاهللد وعكرمللة،
وعطاء والحسن وقتادة :القطمير :اللفافة الللتي تكللون علللى نللواة
التمر كما قال تعلالى " :ويعبلدون ملن دون اللله ملا ل يمللك لهلم
76 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
قال النووي :وفي هذا وقوع السقام والبتلء بالنبياء صلوات الله
وسلمه عليهم لينالوا بذلك جزيل الجر والثواب .ولتعرف المم ما
أصابهم ويأتسوا بهم.
قال القاضي :وليعلم أنهم من البشر تصيبهم محن الللدنيا ،ويطللرأ
على أجسامهم ما يطرأ على أجسام البشر ليتيقن أنهم مخلوقللون
مربوبون .ول يفتن بما ظهر علللى أيللديهم مللن المعجللزات ويلبللس
الشيطان من أمرهم ما لبسه على النصارى وغيرهم انتهى.
قلت :يعني من الغلو والعبادة.
قوله :يوم أحد هو شرقي المدينة .قال صلللى الللله عليلله وسلللم "
أحد جبل يحبنلا ونحبله " وهلو جبلل معلروف كلانت عنلده الواقعلة
المشهورة .فأضيفت إليه.
قللوله :كيللف يفلللح قللوم شللجوا نللبيهم زاد مسلللم مسلللم كسللروا
رباعيته وأدموا وجهه .
قوله :فأنزل الله " :ليس لك من الملر شليء " قلال ابلن عطيلة:
كأن النبي صلى الله عليه وسلم لحقه فللي تلللك الحللال يللأس مللن
فلح كفار قريش ،فقيل له بسبب ذلك " ليس لك من المر شلليء
" أي عواقب المور بيد الله ،فامض أنت لشأنك ،ودم على الللدعاء
لربك.
وقال ابن إسحاق " :ليس لك من المر شيء " فللي عبللادي إل مللا
أمرتك به فيهم.
قوله) :وفيه عن ابن عمر رضممي اللممه عنهممما أنممه سمممع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقممول إذا رفممع رأسممه
من ًالركوع ً في الركعة الخيرة من الفجممر :اللهممم العممن
فلنا وفلنا بعد ما يقول :سمممع اللممه لمممن حمممده ،ربنمما
ولك الحمد .فأنزل اللممه " ليممس لممك مممن المممر شمميء "
وفي رواية يدعو علممى صممفوان بممن أميممة ،وسممهيل بممن
عمرو ،والحارث بن هشام فنزلت " ليس لممك مممن المممر
شيء "( :
قوله :وفيه أي في صحيح البخاري .رواه النسائي.
قوله :عن ابن عمر هو عبد الللله بللن عمللر بللن الخطللاب ،صللحابي
جليل ،شهد له رسول الله صلى الللله عليلله وسللم بالصللح ،ملات
سنة ثلث وسبعين في آخرها أو في أول التي تليها.
قوله :أنه سمع رسول الله هذا القنللوت علللى هللؤلء بعللد مللا شللج
وكسرت رباعيته يوم أحد.
قوله :اللهللم العللن فلنلا ً وفلنلا ً قللال أبللو السللعادات :أصللل اللعللن
والطرد والبعاد من الله .ومن الخلق السللب والللدعاء وتقللدم كلم
شيخ السلم رحمه الله.
قوله :فلنا ً وفلنا ً يعني صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث
بن هشام ،كما بينه في الرواية التية.
وفيه :جواز الدعاء على المشركين بأعيانهم في الصلة ،وأن ذلللك
ل يضر في الصلة.
قوله :بعد ما يقول؛ سمع الله لمن حمده قللال أبللو السللعادات :أي
أجاب حمده وتقبيله .وقال السللهيلي :مفعللول سللمع محللذوف،لن
السمع متعلق بالقوال والصوات دون غيرها فللاللم تللؤذن بمعنللى
زائد وهو الستجابة للسمع ،فللاجتمع فللي الكلمللة اليجللاز والدللللة
على الزائد ،وهو الستجابة لمن حمده.
وقال ابن القيم رحمه الله ما معناه :سمع الله لمللن حمللده بللاللم
المتضمنة معنى استجاب له .ول حذف وإنما هو مضمن.
78 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة " وقد أمره الله تعالى أيضللا ً
بالنللذارة العامللة ،كمللا قللال " :لتنللذر قوملا ً مللا أنللذر آبللاؤهم فهللم
غافلون " " ( :وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب ".
قوله :يا معشر قريش المعشر الجماعة.
قوله :أو كلمة نحوها هو بنصب كلمة عطف على ما قبله.
قوله :اشتروا أنفسكم أي بتوحيد الله وإخلص العبادة للله وحللده ل
شريك له وطاعته فيما أمر به والنتهاء عما نهى عنه .فإن ذلك هو
الذي ينجي من عذاب الله ل العتمللاد علللى النسللاب والحسللاب،
فإن ذلك غير نافع عند رب الرباب.
قوله " :ما أغني عنكم من الله مللن شلليء " فيلله حجللة علللى مللن
تعلق على النبياء والصالحين ،ورغب إليهم ليشللفعوا للله وينفعللوه،
أو يدفعوا عنه ،فإن ذلك هو الشرك الذي حرمه الله تعالى ،وأقللام
نبيه صلللى الللله عليلله وسلللم بالنللذار عنلله ،كمللا أخللبر تعللالى علن
المشركين في قوله " :والذين اتخذوا من دونه أولياء مللا نعبللدهم
إل ليقربونا إلى الله زلفى " " :هؤلء شفعاؤنا عند الللله " فأبطللل
الله ذلك ونزه نفسه عن هذا الشرك ،وسيأتي تقريللر هللذا المقللام
إن شاء الله تعالى ً .وفي صحيح البخاري يا بني عبد مناف ل أغنللى
عنكم من الله شيئا .
قوله :يا عباس بن عبد المطلب بنصب بن ويجوز في عباس الرفع
النصب .وكذا في قوله يا صفية عمة رسول الله ،ويا فاطمللة بنللت
محمد.
قوله :سليني من مالي ما شئت بين رسول الللله صلللى الللله عليلله
وسلم أنه ل ينجي من عذاب الله إل اليمان والعمل الصالح.
وفيه :أنه ل يجوز أن يسأل العبد إل ما يقدر عليه من أمللور الللدنيا.
وأما الرحمة والمغفرة والجنة والنجاة من النار ونحو ذلك من كللل
ما ل يقدر عليه إل الله تعالى ،فل يجللوز أن يطلللب إل منلله تعللالى،
فإن ما عند الله ل ينال إل بتجريد التوحيد ،والخلص له بما شرعه
ورضيه لعباده أن يتقربوا إليه به ،فإذا كان ل ينفع بنته ول عملله ول
عمته ول قرابته إل ذلك ،فغيرهم أولللى وأحللرى .وفللي قصللة عملله
أبي طالب معتبر.
فانظر إلى الواقع الن من كثير من النللاس اللتجللاء إلللى المللوات
والتللوجه إليهللم بالرغبللات والرهبللات ،وهللم عللاجزون ل يملكللون
لنفسهم ضرا ً ول نفعًا ،فضل ً عن غيرهللم _ يتللبين لللك أنهللم ليسللو
على شئ " :إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون
أنهللم مهتللدون " أظهللر لهللم الشلليطان الشللرك فللي قللالب محبللة
الصالحين ،وكل صالح يبرأ إلللى الللله مللن هللذا الشللرك فللي الللدنيا
ويللوم يقللوم الشللهاد .ول ريللب أن محبللة الصللالحين إنمللا تحصللل
العللالمين ،ل بمللوافقتهم فللي الللدين ،ومتللابعتهم فللي طاعللة رب
باتخاذهم أندادا ً من دون الللله يحبللونهم كحللب الللله إشللراكا ً بللالله،
وعبادة لغير الله ،وعداوة لله ورسوله والصالحين من عبللاده ،كمللا
قال تعالى " ، :وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للنللاس
اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك مللا يكللون لللي أن
أقول ما ليس للي بحللق إن كنللت قلتلله فقللد علمتلله تعلللم مللا فللي
نفسي ول أعلم ما في نفسك إنللك أنللت علم الغيللوب * مللا قلللت
لهم إل ما أمرتنللي بلله أن اعبللدوا الللله ربللي وربكللم وكنللت عليهللم
شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهللم وأنللت
على كل شيء شهيد ".
قال العلمة ابن القيم رحمه الله في هذه الية بعد كلم سبق :ثللم
نفى أن يكون قال لهم غير ما أمر به وهو محلض التوحيلد فقلال "
ما قلت لهم إل ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم " ثم أخللبر
أن شهادته عليهم مدة مقامه فيهم ،وأنلله بعللد الوفللاة ل إطلع للله
عليهم ،وأن الله عز وجل المنفرد بعد الوفاة بالطلع عليهم فقللال
" وكنلت عليهلم شلهيدا مللا دمللت فيهلم فلملا تلوفيتني كنللت أنلت
الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شللهيد " وصللف الللله سللبحانه
بأن شهادته فوق كل شهادة وأعم ا هل.
قلت :ففي هذا بيان أن المشركين خالفوا مللا أمللر الللله بلله رسللله
من توحيده الذي هو دينهم الذي اتفقوا عليله ،ودعلوا النلاس إليله،
وفارقوا فيه إل من آمن ،فكيف يقال لمللن دان بللدينهم ،وأطللاعهم
80 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
فيما أمروا به من إخلص العبادة لله وحده :إنلله قللد تنقصللهم بهللذا
التوحيد الذي أطاع به ربه ،واتبع فيه رسله عليهم السلم ،ونزه به
ربه عن الشرك الذي هو هضم للربوبية .وتنقص لللهية وسوء ظن
برب العالمين ؟.
والمشركون هم أعداء الرسل وخصماؤهم في الدنيا والخرة ،وقد
شرعوا لتباعهم أن يتبرأوا من كل مشرك ويكفللروا بلله ،ويبغضللوه
ويعادوه في ربهم ومعبودهم " :قل فلله الحجة البالغللة فلللو شللاء
لهداكم أجمعين ".
باب
قول الله " حتى إذا فزع عن قلوبهم "
قوله) :باب قول الله تعالى " :حتى إذا فزع عن قلوبهم
قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير "( :
قوله " :حتى إذا فزع عن قلوبهم " أي زال الفزع عنهللا .قللاله ابللن
عباس وابن عمر وأبو عبللد الرحمللن السلللمى والشللعبي والحسللن
وغيرهم.
وقال ابن جرير :قال بعضللهم :الللذين فللزع عللن قلللوبهم :الملئكللة
قالوا :وإنما فزع عن قلوبهم من غشية تصيبهم عند سللماعهم كلم
اللله بلالوحي وقلال ابلن عطيلة :فلي الكلم حلذف ملا يلدل عليله
الظاهر .كأنه قالً :ول هم شفعاء كما تزعمون أنتم ،بل هللم عبللدة
مسلللمون لللله أبللدا ،يعنللي منقلادون ،حللتى إذا فللزع علن قلللوبهم.
والمراد الملئكة على ما اختاره ابن جرير وغيره.
قال ابن كثير :وهو الحق الذي ل مرية فيلله ،لصللحة الحللاديث فيلله
والثار.
وقال أبو حيان :تظاهرت الحاديث عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن قوله " :حتى إذا فزع عن قلوبهم " إنما هي الملئكللة إذا
سمعت الوحي إلى جبريللل يللأمره الللله بلله سللمعت كجللر سلسلللة
الحديد على الصفوان ،فتفزع عند ذلك تعظيما ً وهيبة .قللال :وبهللذا
المعنى من ذكر الملئكة فللي صللدر اليللة تتسللق هللذه اليللة علللى
الولى ،ومن لم يشعر أن الملئكة مشللار إليهللم مللن أول قللوله" :
الذين زعمتم " لم تتصل له هذه الية بما قبلها.
قال ربكم ؟ " ولم يقولوا ماذا خلللق ربنللا ؟ ولللو قوله " :قالوا ماذا
كان كلم الله مخلوقا ً لقالوا :ماذا خلق ؟ ؟ انتهى من شللرح سللنن
ابن ماجة.
ومثله الحديث ماذا قللال ربنللا يللا جبريللل وأمثللال هللذا فللي الكتللاب
والسنة كثير.
قوله " :قالوا الحق " أي قال الله الحللق .وذلللك لنهللم إذا سللمعوا
كلم الله صعقوا ثم إذا أفاقوا أخذوا يسألون ،فيقولون :مللاذا قللال
ربكم ؟ فيقولون :قال الحق.
81 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
قوله " :وهو العلي الكبير " علو القللدر وعلللو القهللر وعلللو الللذات،
فله العلو الكامل من جميع الوجوه ،كما قال عبللدالله بلن المبلارك
قيل له :بما نعرف ربنا ؟ قال بأنه على عرشه بائن مللن خلقلله لما
تمسكا ً منه بالقرآن لقوله تعالى " :الرحمن على العرش استوى "
" :ثللم اسللتوى علللى العللرش الرحمللن " فللي سللبعة مواضللع مللن
القرآن .
قوله :الكبير أي الذي ل أكبر منه ول أعظم منه تبارك وتعالى.
قوله) :في الصحيح عن أبي هريرة رضي اللممه عنممه عممن
الله المممر النبي صلى الله عليه وسلم قال " :إذا قضى
في السماء ضممربت الملئكممة بأجنحتهمما خضممعانا ً لقمموله،
كأنه سلسلة على صفوان ،ينفذهم ذلممك ،حممتى إذا فممزع
عن قلوبهم قالوا :ماذا قال ربكممم ؟ قممالوا :الحممق وهممو
العلي الكبير ،فيسمعها مسترق السمع ومسترق السمع
هكذا بعضه فموق بعمض .وصمفة سمفيان بكفمه فحرفهما
وبدد بين أصابعه فيسمع الكلمة فيلقيها إلى مممن تحتممه،
ثم يلقيها الخر إلى أن تحته ،حممتى يلقيهمما علممى لسممان
السمماحر أو الكمماهن،فربممما أدركممه الشممهاب قبممل مممن
يلقيها ،وربما ألقاها قبل أن يدركه ،فيكمذب معهما ممائة
كذبة ،فيقال :أليس قد قال لنا اليوم كذا وكممذا :وكممذا و
كذا ؟ فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء "( :
قوله :في الصحيح أي صحيح البخاري.
قوله :إذا قضي الله المر في السماء أي إذا تكلم الله بالمر الذي
يوحيه إلى جبريل بما أراد ،كما صرح به فللي الحللديث التللي،وكمللا
روى سعيد بن منصور وأبو داود وابن جرير عن ابللن مسللعود " إذا
تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات صلصة كجر السلسلة علللى
الصفوان ".
وروى ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قللال :لمللا أوحللي
الجبار إلى محمد صلى الله عليه وسلم دعا الرسول مللن الملئكللة
ليبعثه بالوحي ،فسمعت الملئكة صوت الجبار يتكلم بالوحي .فمللا
كشف عن قلوبهم ًسألوا عما قال الله .فقالوا :الحللق .وعلمللوا أن
الله ل يقول إل حقا .
قوله :ضربت الملئكة بأجنحتها خضعانا ً لقوله أي لقول الله تعالى.
قال الحافظ :خضعانا ً بفتحتين من الخضوع .وفي رواية بضللم أوللله
وسكون ثانيه .وهو مصدر بمعنى خاضعين.
قللوله :كللأنه سلسلللة علللى صللفوان أي كللأن الصللوت المسللموع
سلسلة على صفوان وهو الحجر الملس.
قوله :ينفذهم ذلك هللو بفتللح التحتيللة وسللكون النللون وضللم الفللاء
والذال المعجمة ذلك أي القول ،والضمير في ينفذهم للملئكللة،أي
ينفذ ذلك القول الملئكة أي يخلص ذلك القول ويمضي فيهم حللتى
يفزعوا منه .وعند ابن مردويه من حديث ابن عباس فل ينزل على
أهل سماء إل صعقوا وعند أبي داود وغيره مرفوعا ً "إذا تكلم الللله
بالوحي سمع أهل السماء الدنيا صلصلة كجر السلسلة على الصفا
فيصعقون ،فل يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل " الحديث.
قوله :حتى إذا فزع عن قلوبهم تقدم معناه.
قوله :قالوا ماذا قال ربكم ؟ قالوا الحق أي قالوا :قال الله الحللق،
علموا أن الله ل يقول إل الحق.
قوله :فيسمعها مسترق السمع أي يسمع الكلمة التي قضاها الله،
وهم الشياطين ًيركللب بعضللهم بعضلًا .وفللي صللحيح البخللاري عللن
عائشللة مرفوعلا " :إن الملئكللة تنللزل فللي العنللان وهللو السللحاب
فتذكر المر قضى في السماء ،فتسترق الشياطين السمع ،فتوجه
إلى الكهان".
قوله :ومسترق السمع هكذا وصفه سفيان بكفه أي وصف ركللوب
بعضهم فوق بعض.
82 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
وسفيان هو ابن عيينة أبو محمد الهللي الكللوفي ثللم المكللي ،ثقللة
حافظ ،فقيه ،إمام حجة ،مات سنة ثمان وتسعين ومائة وله إحدى
وتسعون سنة.
قوله :فحرفها بحاء مهملة وراء مشددة وفاء .قوله :وبدد أي فللرق
بين أصابعه.
قوله :فيسمع الكلمة فيلقيهللا إلللى مللن تحتلله أي يسللمع الفوقللاني
الكلمة فيلقيها إلى آخر تحته ،ثم يلقيها إلى من تحتلله حللتى يلقيهللا
على لسان الساحر أو الكاهن.
قوله :فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها الشهاب هو النجم الللذي
يرمي به ،أي ربملا أدرك الشلهاب المسلترق ،وهلذا يلدل عللى أن
الرمي بالشهب قبل المبعث .لما روى أحمللد وغيللره والسللياق للله
لين في المسند من طريق معمر :أنبأنا الزهري عن علي بن الحسل
جالسلا ً عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلللم
في نفر من أصحابه قال عبللد الللرزاق :مللن النصللار قللال :فرمللى
بنجم عظيم ،فاستنار ،قال :ما كنتم تقولون إذا كان مثل هللذا فللي
الجاهليللة ؟ قللال :كنللا نقللول :لعللله يولللد عظيللم أو يمللوت ،قلللت
للزهري :أكان يرمى بها في الجاهليللة ؟ قللال نعللم ،ولكللن غلظللت
يرملى بهلا حين بعث النبي صللى اللله عليله وسللم قلال :فإنهلا ل
لموت أحد ول لحياته ،ولكن ربنا تبارك اسمه إذا قضى أمللرا ً سللبح
حملة العرش ،ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم ثم الذين يلونهم،
حتى يبلغ التسبيح هللذه السللماء الللدنيا .ثللم يسللتخبر أهللل السللماء
الذين يلون حملة العرش ،فيقول الذين يلون حملة العرش لحملللة
العرش :ماذا قال ربكم ؟ فيخبرونهم ،ويخبر أهل كلل سلماء حللتى
ينتهي الخبر إلى هذه السماء ،وتخطف الجن السمع فيرمون ،فمللا
جاءوا به على وجهه فهو حق ،ولكنهم يقرفون فيه ويزيدون .قللال
عبد الله :قال أبي :قال عبد الرزاق ويخطف الجللن ويرمللون وفللي
رواية له لكنهم يزيدون فيه ويقرفون وينقصون .
قوله :فيكذب معها مائة كذبة أي الكاهن أو الساحر.
وكذبة بفتح الكاف وسكون الذال المعجمة.
قوله :أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا :وكذا وكذا ؟ هكذا في نسخة
بخط المصنف ،وكالذي في صحيح البخاري سواء.
قال المصنف :وفيه قبول النفوس للباطل ،كيف يتعلقللون بواحللدة
ول يعتبرون بمائة كذبة ؟ .
الشئ إذا كان فيه شئ من الحق فل يدل علللى أنلله حللق وفيه :أن
كله ،فكثيرا ً مللا يلبللس أهللل الضلللل الحللق بالباطللل ليكللون أقبللل
لباطلهم ،قال تعللالى" :ول تلبسللوا الحللق بالباطللل وتكتمللوا الحللق
وأنتم تعلمون ".
وفي هذه الحاديث ومللا بعللدها ومللا فللي معناهللا :إثبللات علللو الللله
تعالى ًعلى خلقه على ما يليق بجلله وعظمته ،وأنه تعالى لم يزل
بكلم يس ًللمعه الملئكللة ،وهللذا قللول أهللل السللنة متكلم لا إذا شللاء
قاطبة سلفا ً وخلفلًا .خلفلا للشلاعرة والجهميلة ،ونفلاة المعتزللة.
فإياك أن تلتفت إلى مازخرفه أهللل التعطيللل ،وحسللبنا الللله ونعللم
الوكيل.
قوله) :وعن النواس بن سمعان قال :قمال رسمول اللمه
صلى الله عليممه وسمملم " إذا أراد اللممه تعممالى أن يمموحي
بالوحي أخذت السموات منه رجفممة أو قممال بالمر تكلم
رعدة شديدة خوفا ً من اللمه عمز وجمل ً .فمإذا سممع ذلمك
أهل السموات صعقوا وخروا لله سجدا فيكون أول مممن
يرفع رأسه جبريل ،فيكلمه الله من وحيممه بممما أراد ،ثممم
يمممر جبريممل علممى الملئكممة ،كلممما مممر بسممماء سممأله
ملئكتها :ماذا قال ربنا يا جبريل ؟ فيقول جبريل :قممال
الحق ،وهو العلي الكبير .فيقولون كلهممم مثممل ممما قممال
جبريل ،فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره اللممه عممز
وجل"( :
هذا الحديث رواه ابن أبي حاتم بسنده كما ذكره العمللاد ابللن كللثير
في تفسيره.
83 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
النللواس بللن سللمعان ،بكسللر السللين ،بللن خال ًللد الكلبللي ،ويقللال:
النصاري صحابي .ويقال :إن أباه صحابي أيضا.
قوله :إذا أراد الله أن يوحي بالمر إلى آخره .فيلله النللص علللى أن
بالوحي .وهذا من حجة أهل السللنة علللى النفللاة: الله تعالى يتكلم
لم يزل الله متكلما ً إذا شاء.
قللوله :أخللذت السللموات منلله رجفللة السللموات مفعللول مقللدم،
والفاعل رجفة أي أصاب السللموات مللن كلملله تعللالى رجفللة ،أي
تعالى ،كما روى ابن أبي ارتجفت .وهو صريح في أنها تسمع كلمه
حاتم عن عكرمة .قللال إذا قضللى الللله أمللرا ً تكلللم تبللارك وتعل ًلالى
رجفت السموات والرض والجبال ،وخرت الملئكة كلهم سجدا .
قوله :أو قال رعدة شديدة شك من الراوي .هل قال النللبي صلللى
الله عليه وسلم رجفة ،أو قال رعدة .والراء مفتوحة فيهما.
قوله :خوفا ً من الله عز وجل وهذا ظاهر في أن السللموات تخللاف
الله ،بما يجعل تعالى فيها من الحساس ومعرفة من خلقهللا .وقللد
أخبر تعالى أن هذه المخلوقات العظيمة تسبحه كما قال تعللالى" :
تسبح له السماوات السبع والرض ومللن فيهللن وإن مللن شلليء إل
يسبح بحمده ولكن ل تفقهون تسللبيحهم إنلله كللان حليمللا غفللورا "
تعالى " :تكاد السموات يتفطللرن منلله وتنشللق الرض وتخللر وقال
الجبال هدا ً " وقال تعالى " :وإن منها لما يهبط مللن خشللية الللله "
رحمه الللله أن هللذه المخلوقللات تسللبح وقد قرر العلمة ابن القيم
الله وتخشاه حقيقة ،مستدل ً بهذه اليات وما في معناها.
وفي البخاري عن ابن مسعود قال كنا نسمع تسللبيح الطعللام وهللو
يؤكل وفي حديث أبي ذر " أن النبي صلللى الللله عليلله وسلللم أخللذ
في يده حصيات ،فسمع لهن تسللبيح "...الحللديث .وفللي الصللحيح
قصة حنين الجذع الذي كان يخطلب عليلله النللبي صلللى اللله عليله
وسلم قبل اتخاذ المنبر .ومثل هذا كثير.
قللوله :صللعقوا وخللروا لللله سللجدا ً الصللعوق هللو الغشللي ،ومعلله
السجود.
قوله :فيكون أول من يرفع رأسلله جبريللل بنصللب أول خللبر يكللون
مقدم على اسمها .ويجوز العكس .ومعنى جبريللل :عبللد الللله،كمللا
روى ابلن جريلر وغيلره علن عللى ابلن الحسلين قلال :كلان اسلم
جبريللل :عبللد الللله ،واسللم ميكائيللل عبيللد الللله ،وإسللرافيل عبللد
الرحمن .وكل شئ رجع إلى ايلل فهلو معبلد للله علز وجلل .وفيله
فضيلة جبريل عليه السلم .كما قال تعالى " - :إنلله لقللول رسللول
كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين ".
رسول كريم. قال ابن كثير رحمه الله تعالى :إن هذا القرآن لتبليغ
وقال أبو صالح في الية جبريل يدخل في سللبعين حجابلا ً مللن نللور
بغير إذن .
ولحمد بإسناد صحيح عن ابن مسعود قال رأى رسول الللله صلللى
الله عليه وسلم جبريل في صورته وللله سللتمائة جنللاح ،كللل جنللاح
منها قد سد الفق ،يسقط من جناحه من التهاويل والدر والياقوت
ما الله به عليم فإذا كان هذا عظم هذه المخلوقات فخالفها أعظم
وأجل ًوأكبر .فكيف يسوى به غيره في العبادة :دعاء وخوفا ً ورجاء
وتوكل وغير ذلك من العبادات التي ل يستحقها غيره ؟ فانظر إلللى
حال الملئكة وشدة خوفهم من الله تعلالى ،وقلد قلال تعلالى" _ :
بل عباد مكرمون * ل يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملللون * يعلللم
ما بين أيديهم وما خلفهم ول يشللفعون إل لمللن ارتضللى وهللم مللن
خشيته مشفقون * ومن يقل منهم إني إله من دونه فللذلك نجزيلله
جهنم كذلك نجزي الظالمين ".
قوله :ثم ينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الللله عللز وجلل ملن
السماء والرض وهذا تمام الحديث.
واليات المذكورة في هذا الباب والحاديث تقرر التوحيد اللذي هلو
مدلول شهادة أن ل إله إل الله ،فإن الملللك العظيللم الللذي تصللعق
الملك مللن كلملله خوف لا ً منلله ومهابللة وترجللف منلله المخلوقللات،
وعلمه وقدرته وملكه وعلزه ،وغنلاه علن الكامل في ذاته وصفاته،
جميع خلقه ،وافتقارهم جميع لا ً إليلله ،ونفللوذ تصللرفه وقللدره فيهللم
84 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
لعلمه وحكمته ،ل يجللوز شللرعا ً ول عقل ً أن يجعللل للله شللريك مللن
عبادته التي هي حقه عليهم ،فكيف يجعل المربلوب ربلًا، خلقه في
والعبد معبودا ً ؟ أين ذهبت عقول المشللركين ؟ سللبحان الللله عمللا
يشركون.
وقال تعالى " :إن كل من في السموات والرض إل آتللي الرحمللن
عبدا ً " من أولهم إلى آخرهم تزجرهم عللن ذلللك الشللرك وتنهللاهم
عن عبادة ما سوى الله .انتهى من شرح سنن ابن ماجه.
باب
الشفاعة
قوله ) :باب الشفاعة ( :
أي بيان ما أثبته القرآن منها وما نفاه .وحقيقة ما دل القرآن علللى
إثباته.
قوله) :وقول الله عز وجل " :وأنممذر بممه الممذين يخممافون
أن يحشروا " ( :
المخافة والتحذير منها.
قوله :به قال ابن عباس بالقرآن " الذين يخافون أن يحشروا إلللى
ربهم " وهم المؤمنون وعن الفضلليل بللن عيللاض ليللس كللل خلقلله
عاتب ،إنما عاتب الذين يعقلون ،فقال " :وأنذر بلله الللذين يخللافون
أن يحشروا إلى ربهم " وهم المؤمنون أصحاب العقول الواعية .
قوله ") :ليس لهم من دونه ولي ول شفيع "( :
قال الزجاج :موضع ليس نصب على الحال ،كأنه قال :متخلين من
كل ولي وشفيع .والعامل فيه يخافون.
85 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
وقال ابن القيم رحمه الله في معنى حديث أبي هريرة :تأمل هللذا
الحديث كيف جعل أعظم السباب التي تنللال بهللا شللفاعته تجريللد
التوحيد ،عكللس مللا عنللد المشللركين أن الشللفاعة تنللال باتخللاذهم
شفعاء وعبادتهم وموالتهم ،فقلب النبي صلى الله عليه وسلم مللا
في زعمهللم الكللاذب ،وأخللبر أن سللبب الشللفاعة تجريللد التوحيللد،
للشافع أن يشفع ومن جهل المشرك اعتقلاده أن فحينئذ يأذن الله
من اتخذه وليا ً أو شفيعا ً أنه يشفع له وينفعه عند الللله ،كمللا يكللون
خواص الولة والملوك تنفع ملن والهلم وللم يعلمللوا أنلله ل يشلفع
عنده أحد إل بإذنه في الشللفاعة ،ول يللأذن فللي الشللفاعة إل لمللن
رضى قوله وعمله ،كمللا قللال فللي الفصللل الول " :مللن ذا الللذي
يشفع عنده إل بإذنه " وفي الفصل الثاني " :ول يشفعون إل لمللن
ارتضى " وبقى فصل ثالث ،وهو أنه ل يرضى مللن القللول والعمللل
إل توحيده واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم .فهذه ثلثة فصللول
تقطع شجرة الشرك من قلب من عقلها ووعاها .ا هل.
وذكر أيضا ً رحمه الله تعالى أن الشفاعة ستة أنواع:
الول :الشفاعة الكبرى التي يتأخر عنها أولو العزم عليهللم الصلللة
والسلم حتى تنتهي إليه صلللى الللله عليلله وسلللم فيقللول :أنللا لهللا
وذلك حين يرغب الخلئق إلى النبياء ليشفعوا لهم إلى ربهم حللتى
يريحهم مللن مقللامهم فللي الموقللف .وهللذه شللفاعة يختللص بهللا ل
يشركه فيها أحد.
الثاني :شفاعته لهل الجنة في دخولها .وقد ذكرها أبو هريللرة فللي
حديثه الطويل المتفق عليه.
الثالث :شفاعته لقوم مللن العصللاة مللن أمتلله قللد اسللتوجبوا النللار
بذنوبهم ،فيشفع لهم أن ل يدخلوها.
الرابع :شفاعته في العصاة من أهلل التوحيلد اللذي يلدخلون النلار
بذنوبهم .والحاديث بها متواترة عن النبي صلى الللله عليلله وسلللم.
وقد أجمع عليها الصحابة وأهل السنة قاطبللة وبلدعوا ملن أنكرهللا،
وصاحوا به من كل جانب ونادوا عليه بالضلل.
الخامس :شفاعته لقوم من أهل الجنللة فللي زيللادة ثللوابهم ورفعللة
درجللاتهم ،وهللذه ممللا لللم ينللازع فيهللا أحللد .وكلهللا مختصللة بأهللل
الخلص الذين لم يتخذوا من دون الله ولي لا ً ول شللفيعًا ،كمللا قللال
تعالى " :وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهللم ليللس لهللم
من دونه ولي ول شفيع ".
السادس :شفاعته في بعض أهل الكفار من أهل النار حتى يخفف
عذابه وهذه خاصة بأبي طالب وحده.
88 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
باب
إنك ل تهدي من أحببت
قوله) :باب قول الله تعالى " :إنك ل تهممدي مممن أحببممت
ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين "( :
سبب نزول هذه الية ،موت أبي طالب علللى ملللة عبللد المطلللب،
كما سيأتي بيان ذلك في حديث الباب.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى :يقول تعالى لرسوله :إنك يا محمد
ل تهدي من أحببت ،أي ليللس إليللك ذلللك ،إنمللا عليللك البلغ والللله
يهدي من يشاء .وله الحكملة البالغلة ،والحجلة الدامغلة ،كملا قلال
تعالى " :ليس عليك هلداهم ولكلن اللله يهلدي ملن يشلاء " وقلال
تعالى " :وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ".
قلت :والمنفى هنا هداية التوفيق والقبول ،فإن أمر ذلك إلى الللله،
وهو القادر عليه .وأما الهدايلة الملذكورة فلي قلول اللله تعللالى" :
وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم " فإنها هداية الدللة والبيان ،فهو
المبين عن الله والدال على دينه وشرعه.
وقوله) :في الصحيح عن ابن المسيب عن أبيممه قممال" :
لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى اللممه
عليه وسلم وعنده عبد اللممه بممن أبممي أميممة وأبممو جهممل،
فقال له :يا عم قل ل إله إلى الله ،كلمة أحاج بهمما عنممد
الله .فقال له :أترغممب عممن ملممة عبممد المطلممب ؟ فأعمماد
عليه النبي صلى الله عليه وسلم ،فأعاد .فكان أخممر ممما
قال :هو على ملة عبد المطلمب .وأبمي أن يقمول ل إلممه
إلى الله .فقال النبي صلى الله عليه وسلم لسممتغفرن
لك مالم أنه عنممك " .فممأنزل اللممه عممز وجممل " :ممما كممان
للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولممو كممانوا
أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيممم "
وأنزل الله في أبي طممالب " :إنممك ل تهممدي مممن أحببممت
ولكن الله يهدي من يشاء "( :
قوله :في الصحيح أي في الصحيحين .وابن المسيب هو سعيد بللن
المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمر بلن علائذ بلن عملران بلن
مخزوم القرشي المخزومي ،أحد العلماء والفقهللاء الكبللار السللبعة
من التابعين .اتفق أهل الحديث على أن مراسيله أصح المراسيل.
وقال ابن المديني :ل أعلم في التابعين أوسع علما ً منه .مللات بعللد
التسعين وقد ناهز الثمانين.
وأبو المسيب صحابي ،بقللى إلللى خلفللة عثمللان رضللي الللله عنلله،
وكذلك جده حزن ،صحابي استشهد باليمامة.
قوله :لما حضرت أبا طالب الوفاة أي علماتها ومقدماتها.
يكلون قوله :جاء رسلول اللله صللى اللله عليله وسللم يحتملل أن
لو أيضلا ً
المسيب حضللر مللع الثنيللن فإنهمللا مللن بنللي مخللزوم ،وهل
مخزومي ،وكان الثلثة إذ ذاك كفارًا ،فقتللل أبللو جهللل علللى كفللره
وأسلم الخران.
يجوز فيه إثبللات اليللاء وحللذفها ،حللذفت قوله :يا عم منادي مضاف
الياء هنا ،وبقيت الكسرة دليل ً عليها.
قوله :قل ل إله إل الله أمره أن يقولها لعلم أبي طللالب بمللا دلللت
عليه من نفى الشرك بللالله وإخلص العبللادة للله وحللده ،فللإن مللن
قالها عن علم ويقين فقد برىء من الشرك والمشركين ودخل في
السلم .لنهم يعلمون ما دلت عليلله ،وفللي ذلللك الللوقت لللم يكللن
بمكة إل مسلم أو كافر .فل يقولها إل من ترك الشرك وبرىء منه.
ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينللة كللان
فيها المسلمون الموحدون والمنللافقون الللذين يقولونهللا بألسللنتهم
وهم يعرفون معناها ،لكن ل يعتقدونها ،لما في قلوبهم من العداوة
والشك والريب ،فهم مع المسلمين بظاهر العمللال دون البللاطن،
وفيها اليهود ،وقد أقرهم رسول الله صلللى الللله عليلله وسلللم لمللا
89 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
قال ابن فارس :مات أبللو طللالب ولرسللول الللله صلللى ً الللله عليلله
وسلم تسع وأربعون سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يوما.
وتوفيت خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها بعد موت أبللي طللالب
بثمانية أيام.
قوله " :ما كان للنبي والذين آمنللوا أن يسللتغفروا للمشللركين ولللو
كانوا أولي قربى " الية أي ما ينبغي لهللم ذلللك .وهللو خللبر بمعنللى
النهي ،والظاهر أن هذه الية نزلت فللي أبللي طللالب .فللإن التيللان
بالفاء المفيدة للترتيب في قوله :فأنزل الله بعد قللوله لسللتغفرن
لك ما لم أنه عنك يفيد ذلك.
وقد ذكر العلماء لنزول الية الثانية فواضح في قصللة أبللي طللالب.
وأما نزول الية التي قبلها ففيه نظللر ،ويظهللر أن المللراد أن اليللة
المتعلقة بالستغفار نزلت بعد أبي طللالب بمللدة ،وهللي عامللة فللي
حقه وحق غيره ،ويوضح ذلك ما يأتي في التفسير ،فأنزل الله بعد
ذلك " :ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين " الية.
ونزل في أبي طالب " :إنك ل تهدي من أحببلت " كلله ظلاهر فلي
أنه مات على غير السلم .ويضعف ما ذكره السهيلي أنه روى في
بعض كتب المسعودى أنه أسلم ،لن مثل ذلللك ل يعللارض مللا فللي
الصحيح .انتهى.
وفيه تحريللم السللتغفار للمشللركين ومللوالتهم ومحبتهللم ،لنلله إذا
حرم الستغفار لهم فموالتهم ومحبتهم أولى.
باب
ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم
دينم هو الغلو في الصالحين
قوله) :باب :ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينم
هو الغلو في الصالحين( :
قوله :تركهم بالجر عطفا ً على المضاف إليه .وأراد المصنف رحمه
الله تعالى بيان ما يؤول إله الغلو في الصالحين من الشللرك بللالله
في اللهية الذي هو أعظم ذنب عصى الله به ،وهو ينللافي التوحيللد
الذي دلت عليه كلمة الخلص :شهادة أن ل إله إلى الله.
قوله) :وقول الله عز وجل " :يمما أهممل الكتمماب ل تغلمموا
في دينكم ول تقولوا علممى اللممه إل الحممق إنممما المسمميح
عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاهمما إلممى مريممم
وروح منه "( :
الغلو هللو الفللراط فللي التعظيللم بللالقول والعتقللاد ،أي ل ترفعللوا
المخلوق عن منزلته التي أنزله الله فتنزلوه المنزلة التي ل تنبغللي
والخطاب وإن كان لهللل الكتللاب فللإنه عللام يتنللاول جميللع إل لله.
المة ،تحذيرا ً لهم أن يفعلوا بنللبيهم صلللى الللله عليلله وسلللم فعللل
النصارى في عيسى ،واليهود في العزير كما قال تعالى " :ألم يأن
للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لللذكر الللله ومللا نللزل مللن الحللق ول
يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبللل فطللال عليهللم المللد فقسللت
قلوبهم وكثير منهم فاسقون " ولهذا قللال النللبي صلللى الللله عليلله
وسلم " ل تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم " ويأتي.
91 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
فكل ملن دعلا نبيلا ً أو وليلا ً ملن دون اللله فقلد اتخلذ إلهلًا ،وضلاهأ
النصارى في شركهم ،وضاهأ اليهود في تفريطهللم .فللإن النصللارى
غلوا في عيسى عليلله السللم ،واليهللود علادوه وسللبوه وتنقصللوه.
فالنصارى أفرطوا ،واليهود فرطوا .وقال تعالى " :ما المسيح ابللن
مريم إل رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يللأكلن
الطعام " ففي هذه الية وأمثالها الرد على اليهود والنصارى.
قال شيخ السلم رحمه الله :ومن تشللبه مللن هللذه المللة بللاليهود
والنصارى ،وغل في الللدين فلإفراط فيلله أو تفريللط فقللد شلابههم.
قال :وعلى رضى الله عنه حرق الغالية من الرافضة ،فأمر بأخاديد
خدت لهللم عنللد بللاب كنللدة فقللذفهم فيهللا .واتفللق الصللحابة علللى
قتلهم .لكن ابن عباس مذهبه أن يقتلوا بالسفق ملن غيلر تحريلق.
وهو قول أكثر العلماء.
قوله) :في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما في
قوله تعالى " :وقالوا ل تذرن آلهتكممم ول تممذرن ودا ول
سواعا ول يغوث ويعوق ونسرا " قال :هذه أسماء رجال
صالحين من قوم نوح ،فلما هلكوا أوحى الشيطان إلممى
قومهم :أن انصبوا إلى مجالسهم الممتي كممانوا يجلسممون
فيها أنصابا ً وسموها بأسمائهم ،ففعلوا ،ولم تعبد ،حتى
إذا هلك أولئك ونسى العلم عبدت( :
قوله :وفي الصحيح :أي صحيح البخاري.
وهذا الثلر اختصلره المصلنف .ولفلظ ملا فلي البخلاري :علن ابلن
عباس رضي الله عنهما قال صارت الوثان التي في قوم نوح فللي
العرب بعد .أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل .وأما سواع فكانت
لهذيل .وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبنى غطيف بالجرف عند سبأ.
وأما يعوق فكانت لهمدان .وأما نسر فكانت لحمير لل ذي الكلع:
أسماء رجال صالحين في قوم نوح ...إلى آخره.
وروى عكرمة والضحاك وابن إسحاق نحو هذا.
لن قال ابن جرير :حدثنا ابن حميد قال حدثنا مهران عن ًسللفيان عل
قوم لا ً موسى عن محمد ابن قيس أن يغوث ويعللوق ونسللرا كللانوا
صالحين من بني آدم ،وكان لهم أتباع يقتدون بهم .فلما ماتوا قللال
أصحابهم :لو صورناهم كللان أشللوق لنللا إلللى العبللادة ،فصللوروهم،
فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال :إنما كانوا يعبدونهم
وبهم يسقون المطر .فعبدوهم .
قوله :أن انصبوا هو بكسر الصاد المهملة.
قوله :أنصابا ً جمع نصب ،والمراد بلله هنللا الصللنام المصللورة علللى
صللور أولئك الصللالحين الللتي نصللبوها فللي مجالسللهم ،وسللموها
وفي سياق حديث ابن عباس ما يلدل عللى أن الصللنام بأسمائهم.
يتناول كل معبود مللن دون الللله ،سللواء
ً الوثن
ً تسمى أوثانًا .فاسم
كان ذلك المعبود قبرا أو مشهدا ،أو صورة أو غير ذلك.
قوله :حتى إذا هلك أولئك أي الذين صوروا تلك الصنام.
قوله :ونسى العللم وروايلة البخلاري وينسلخ وللكشلميهني ونسلخ
حللتى صللاروا ل العلم أي درست آثاره بذهاب العلماء ،وعم الجهل
يميزون بين التوحيد والشرك فوقعوا فللي الشللرك ظن لا ً منهللم أنلله
ينفعهم عند الله.
قللوله :عبللدت لمللا قللال لهللم إبليللس :إن مللن كللان قبلكللم كللانوا
يعبدونهم وبهم يسقون المطر ،هو الذي زيللن لهللم عبللادة الصللنام
وأمرهم بها ،فصار هو معبودهم فللي الحقيقللة .كملا قلال تعللالى" :
ألم أعهد إليكم يللا بنللي آدم أن ل تعبللدوا الشلليطان إنلله لكللم عللدو
مبين * وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم * ولقد أضللل منكللم جبل
يفيللد الحللذر مللن الغلللو ووسللائل كثيرا أفلم تكونوا تعقلون " وهذا
الشرك ،وإن كان القصد بها حسنًا .فإن الشيطان أدخل أولئك في
الشرك من باب الغلو في الصالحين والفراط في محبتهم ،كما قد
وقع مثل ذلك في هذه المة :أظهر لهللم الغلللو والبللدع فللي قللالب
تعظيم الصالحين ومحبتهم ،ليوقعهم فيما هو أعظم من ذلللك ،مللن
عبادتهم لهم من دون الله وفي رواية أنهللم قللالوا :مللا عظللم أولنللا
هؤلء إل وهم يرجون شفاعتهم عند الله أي يرجون شللفاعة أولئك
ال Uالحيللن الللذين صللوروا تلللك الصللنام علللى صللورهم وسللموها
92 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
مثل الرمي بالحجارة الكبار ،بنللاء علللى أنلله أبلللغ ً مللن الصللغار .ثللم
علله بما يقتضي مجانبة هدى من كان قبلنا إبعادا عن الوقوع فيمللا
هلكوا به ،فإن المشارك لهللم فلي بعللض هللديهم يخللاف عليلله مللن
الهلك.
مه صمملى قوله) :ولمسلم عن ابن مسممعود أن رسممول اللم
الله عليه وسلم قال :هلك المتتطعون قالها ثلثًا( :
قال الخطابي :المتنطع المتعمق في الشئ ،المتكلف البحللث عللن
علي مذاهب أهل الكلم الداخلين فيما ل يعنيهم ،الخائضين فيما ل
تبلغه عقولهم.
ومن التنطع :المتناع مللن المبللاح مطلقلًا ،كالللذي يمتنللع مللن أكللل
اللحم والخبز ،ومن لبس الكتللان والقطللن ،ول يلبللس إل الصللوف،
ويمتنع من نكاح النساء ،ويظن أن هذا من الزهد المسللتحب .قللال
الشيخ تقي الدين :فهذا جاهل ضال ،انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله :قال الغزالي :والمتنطعون فلي البحلث
والستقصاء.
وقلللال أبلللو السلللعادات :هلللم المتعمقلللون الغلللالون فلللي الكلم،
النطلعً ،وهلو الغلار العلللى المتكلمون بأقصى حلوقهم .مأخوذ من
من الفم ،ثم استعمل في كل متعمق قول ً وفعل.
وقللال النللووي :فيلله كراهللة التقعللر فللي الكلم بالتشللدق وتكلللف
الفصاحة ،واستعمال وحشى اللغة ودقائق العللراب فللي مخاطبللة
العوام ونحوهم.
قللوله :قالهلا ثلثلا ً أي قلال هللذه الكلمللة ثلث مللرات ،مبالغللة فللي
التعليم والبلغ ،فقد بلغ البلغ المبين .صلوات الللله وسلللمه عليلله
وعلى آله وصحبه أجمعين.
باب
ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند
قبر رجل صالح
فكيف إذا عبده ؟
قوله) :باب :ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قممبر
رجل صالح ،فكيف إذا عبده ؟ ( :
أي الرجل الصالح ،فلإن عبلادته هلي الشلرك الكلبر ،وعبلادة اللله
عنده وسيلة إلى عبادته ،ووسائل الشرك محرمة .لنها تللؤدي إلللى
الشرك الكبر وهو أعظم الذنوب.
95 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
يتخذ موضع قبره قبلة إذا كان مستقبل المصلللين ،فتصللور الصلللة
إليلله بصللورة العبللادة فبنللوا جللدارين مللن ركنللي القللبر الشللماليين
وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلثة من ناحية الشللمال حللتى ل
يمكنوا أحد من استقبال قبره انتهى.
قوله) :ولمسلم عن جندب بممن عبممد اللممه قممال :سمممعت
النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس ،وهو
خليممل. يقول " :إني أبرأ إلممى الل ًممه أن يكممون لممي منكممم
خليل ً ولممو قد اتخذني خليل ً ،كما اتخممذ إبراهيممم فإن الله
ل ،أل وإن خلي ً كنت متخذا ً من أمتي خليل لتخذت أبا بكر
من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيممائهم مسمماجد ،أل
فل تتخذوا القبور مساجد ،فإني أنهاكم عن ذلك "( :
قوله :عن جندب بن عبد الله أي ابن سفيان البجلي ،وينسب إلللى
جده ،صحابي مشهور .مات بعد الستين.
قوله :أني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليللل أي أمتنللع عمللا ل
يجوز لي أن أفعله .والخلة فوق المحبة والخليل هو المحبوب غايللة
الحب ،مشتق من الخلة بفتح الخاء وهي تخلل المودة في القلللب،
كما قال الشاعر:
وبذا سمى الخليل خليل ً قد تخللت مسلك الروح مني
هذا هو الصحيح في معناهلا كملا ذكلره شليخ السللم وابلن القيلم
وابن كثير وغيرهم رحمهم الله تعالى.
قال القرطبي :وإنما كان ذلك لن قلبه صلى الله عليه وسلللم قللد
امتل من محبة الله وتعظيمه ومعرفته فل يسع خلة غيره.
قوله :فإن الله قد اتخذني خليل ً فيه بيان أن الخلة فوق المحبة.
قال ابن القيم رحمه الله :وأما مللا يظنلله بعللض الغللالطين مللن أن
المحبة أكمل من الخلة ،وأن إبراهيم خليل الله ،ومحمد حبيب الله
المحبللة. فمن جهلهم ،فإن المحبة عامة ،والخلة خاصة وهي نهايللة
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قد اتخذه خليل ً ونفى
ولعمللر أن يكون له خليل غير ربه ،مع إخباره بحبه لعائشة ولبيهللا،
بن الخطاب ،ومعاذ بن جبل وغيرهم رضي الله عنهم .وأيضللا ً فللإن
اللله يحللب التلوابين ويحلب المتطهريلن ويحلب الصللابرين ،وخلتله
خاصة بالخليلين.
قوله :ولو كنللت متخللذا ً خليل ً ل تخللذت أبللا بكللر خليل ً فيلله بيللان أن
الصديق أفضل الصحابة .وفيه الرد على الرافضللة وعلللى الجهميللة
وهما شر أهل البدع ،وأخرجهم بعض السلف من الثنتين والسبعين
فرقة .وبسبب الرافضة حدث الشرك وعبادة القبور ،وهم أول من
بنى عليها المساجد .قاله المصنف رحملله الللله ،وهللو كمللا قللال بل
ريب.
وفيه إشارة إلى خلفة أبي بكر ،لن من كانت محبته لشخص أشد
كان أولى به من غيره .وقد استخلفه على الصلة بالناس ،وغضب
صلى الله عليه وسلم لما قيل يصلي بهم عمللر وذلللك فللي مرضلله
الذي توفى فيه صلى الله عليه وسلم.
واسم أبي بكر :عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن
سعد بن تيم بن مرة الصديق الكبر ،خليفة رسول الله صلللى الللله
عليه وسلم وأفضل الصحابة بإجماع من يعتد بقوله من أهل العلم.
مات في جمادى الولى سنة ثلث عشرة ،وله ثلث وسللتون سللنة
رضي الله عنه.
قوله :أل حرف استفتاح أل وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبللور
أنبيائهم مساجد ...الحديث قال الخلخالي :وإنكار النبي صلللى الللله
عليه وسلم صنيعهم هذا مخرج على وجهين:
أحدهما :أنهم يسجدون لقبور النبياء تعظيمًا.
الثاني :أنهم ًيجوزون الصلة في مدافن النبياء والتوجه إليها حالللة
الصلة ،نظرا منهم بللذلك إلللى عبللادة الللله والمبالغللة فللي تعظيللم
النبيللاء .والول :هللو الشللرك الجلللي .والثللاني :الخلفللي ،فلللذلك
استحقوا اللعن.
98 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
قوله :فقد نهى عنه في آخر حياته أي كما في حديث جندب .وهللذا
من كلم شيخ السلم .وكذا ما بعده.
قوله :ثم إنه لعللن ،وهللو فللي السللياق مللن فعللله كمللا فللي حللديث
عائشة.
قلت :فكيف يسوع بعد هذا التغليظ من سيد المرسلللين أن تعظللم
القبللور ويبنللى عليهللا ويصلللى عنللدها وإليهللا ؟ هللذا أعظللم مشلاقة
ومحادة لله تعالى ولرسوله لو كانوا يعقلون.
قوله :الصلة عندها من ذلك ،وإن لم يبن مسللجد أي مللن اتخاذهللا
مساجد الملعون فاعله.
وهذا يقتضي تحريم الصلة عند القبور وإليها.
وعن أبي سللعيد الخللدري رضللي الللله عنلله مرفوعلا ً " الرض كلهللا
مسجد إل المقبرة والحمام " رواه أحمد وأهل السنن وصححه ابن
حبان والحاكم.
قال ابللن القيللم رحملله الللله :وبالجملللة فملن للله معرفللة بالشللرك
وأسبابه وذرائعه وفهللم عللن رسللول الللله صلللى الللله عليلله وسلللم
مقاصده ،جزم جزما ً ل يحتمللل النقيللض أن هللذه المبالغللة واللعللن
والنهي بصيغته صيغة ل تفعلوا وصيغة أني أنهللاكم عللن ذلللك ليللس
لجل النجاسة ،بل هو لجل نجاسة الشللرك اللحقللة لمللن عصللاه،
وارتكب ما عنه نهاه ،واتبللع هللواه ،ولللم يخللش ربلله ومللوله ،وقللل
نصيبه أو عدم من ل إله إل الله فإن هذا وأمثللاله ملن النللبي صلللى
الله عليه وسلم صيانة لحمى التوحيد أن يلحقلله الشللرك ويغشللاه،
وتجريد له وغضب لربه أن يعللدل بلله سللواه ،فللأبى المشللركون إل
معصية لمره وارتكابلا ً لنهيلله ،وغرهللم الشلليطان بلأن ًهللذا تعظيللم
لقبور المشايخ والصالحين ،وكلما كنتم لها أشد تعظيما وأشد فيهم
غلوا كنتم بقربهم أسعد ،ومن أعدائهم أبعد ،ولعمر الللله ،مللن هللذا
الباب دخل الشيطان على عباد يعوق ويغوث ونسرا ،ودخللل علللى
عباد الصنام منذ كانوا إلللى يللوم القيامللة ،فجمللع المشللركون بيللن
الغلو فيهم والطعن في طريقتهم ،فهدى الله أهل التوحيد لسلللوك
طريقتهم وإنزالهم منازلهم الللتي أنزلهللم الللله إياهللا مللن العبوديللة
وسلب خصائص اللهية عنهم.
قال الشارح رحمه الله تعالى :وممن علل بخوف الفتنلة بالشلرك:
المام الشافعي ،وأبو بكر الثللرم ،وأبللو محمللد المقدسللي .وشلليخ
السلم وغيرهم رحمهم الله .وهو الحق الذي ل ريب فيه.
قوله :فإن الصحابة لم يكونللوا ليبنللوا حللول قللبره مسللجدا ً أي لمللا
علموا من تشديده في ذلك وتغليظه النهي عنه ،ولعن من فعله.
مسجدا ً أي وإن لم قوله :وكل موضع قصدت الصلة فيه فقد اتخذ
يبن مسجد ،بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجدًا ،يعني وإن لم
يقصد بذلك ،كما إذا عرض لمن أراد أن يصلي فللأوقع الصلللة فللي
ذلك الموضع الللذي حللانت الصلللة عنللده مللن غيللر ً أن يقصللد ذلللك
الموضع بخصوصه ،فصار بفعل الصلة فيه مسجدا.
قوله :كما قال صلى الله عليه وسلم " جعلت لللي الرض مسللجدا ً
وطهورا ً " أي فسمى الرض مسجدًا ،تجوز الصلللة فللي كللل بقعللة
منهللا إل مللا اسللتثنى مللن المواضللع الللتي ل تجللوز الصلللة فيهللا،
كالمقبرة ونحوها.
قال البغوي في شللرح السللنة :أراد أن أهللل الكتللاب لللم تبللح لهللم
وكنائسهم ،فأباح الله لهذه المة الصلة حيللث الصلة إل في بيعهم
كانوا ،تخفيفا ً عليهم وتيسيرًا ،ثم خص من جميع المواضع :الحمللام
والمقبرة والمكان النجس .انتهى.
قوله) :ولحمد بسند جيد عن ابن مسممعود مرفوع ما ً " إن
من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ،والذين
يتخذون القبور مساجد " ورواه أبو حاتم ابن حبممان فممي
صحيحه( :
قوله :إن من شرار الناس بكسر الشين جمع شرير.
99 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
ولن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الذين اتخللذوا قبللور أنبيللائهم
مساجد ،ومعلوم أن قبور النبياء ل تنجس.
وبالجملة فمن علل النهي عن الصلة في المقلبرة بنجاسلة التربلة
خاصة فهو بعيد عن مقصود النللبي صلللى الللله عليلله وسلللم ،ثللم ل
يخلو أن يكللون القللبر قللد بنللى عليلله مسللجد ،فل يصلللي فللي هللذا
المكان سواء صلى خلف القبر أو أمامه بغير خلف فللي المللذهب:
لن النبي صلى الله عليه وسلم قللال " إن مللن كللان قبلكللم كللانوا
يتخللذون قبللور أنبيللائهم وصللالحيهم مسللاجد ،أل فل تتخللذوا القبللور
مساجد فإني أنهاكم عللن ذلللك " وخللص قبللور النبيللاء لن عكللوف
الناس على قبورهم أعظم ،واتخاذها مساجد أشللد ،وكللذلك إن لللم
يكن عليه بنى مسجد ،فهذا قد ارتكب حقيقة المفسدة الللتي كللان
الصلة عند القبور من أجلها ،فإن كل مكللان صلللى فيلله النهي عن
مسجد ً
ا،كما قال صلى الله عليه وسلم " جعلت لللي الرض يسمى
مسجدا ً وطهورا " وإن كان موضع قبر أو قبرين.
ً
وقللال بعللض أصللحابنا :ل يمنللع الصلللة فيهللا لنلله ل يتناولهللا اسللم
المقبرة ،وليس في كلم أحمد ول بعض أصللحابه هللذا الفللرق ،بللل
عموم كلمهم يقتضى منع الصلة عند كل قبر.
وقد تقدم عن علي رضي الله عنه أنه قال :ل أصلي في حمللام ول
عند قبر .
فعلى هذا ينبغي أن يكون النهللي متنللاول ً لحريللم القللبر وفنللائه ،ول
لبرة ،سللواء كللان للله حيطللان تجوز الصلة في مسجد بني فللي مقل
تحجز بينه وبين القبور أو كان مكشوفًا.
قال في رواية الثرم :إذا كان المسللجد بيللن القبللور ل يصلللى فيلله
الفريضة ،وإن كان بينها وبين المسجد حاجز فرخص أن يصلي فيه
على الجنائز ول يصلى فيلله علللى غيللر الجنللائز .وذكللر حللديث أبللي
مرثد عن النبي صلى الله عليه وسلم :ل تصلوا على القبور وقللال:
إسناده جيد ،انتهى.
ولو تتبعنا كلم العلماء في ذلك ل حتمل عدة أوراق .فتبين بهذا أن
العلماء رحمهم الله بينوا أن علة النهللي مللا يللؤدي إليلله ذلللك :مللن
الغلو فيها وعبادتها من دون الله كما هو الواقع والله المستعان.
وقد حدث بعد الئمة الذين يعتد بقولهم أناس كثر في أبواب العلم
بالله اضطرابهم ،وغلظ عن معرفة مللا بعللث الللله بلله رسللوله مللن
الهدى والعلم حجابهم فقيدوا نصوص الكتاب والسنة بقيود أوهنللت
النقياد وغيروا بها ما قصده الرسول صلى الله عليه وسلم بللالنهي
وأراد .فقال لتنجسها بصديد الموتى ،وهذا كللله باطللل مللن وجللوه:
منها :أنه من القول على الله بل علم .وهو حرام بنص الكتاب.
ومنها :أن ما قالوه ل يقتضى لعن فاعله والتغليظ عليه ،وما المانع
له أن يقول :صلى في بقعة نجسة فعليه لعنة الله .ويلزم على مللا
قاله هؤلء أن النبي صلى الله عليه وسلم لللم يللبين العلللة ،وأحللال
المة في بيانها على من يجيء بعده صلى الللله عليلله وسلللم وبعللد
القرون المفضلة والئمة ،وهذا باطل قطعا ً وعقل ً وشرعًا ،ل يلللزم
عليه من أن الرسول صلى الللله عليلله وسلللم عجللز عللن البيللان أو
قصر في البلغ ،وهذا من أبطل الباطل .فإن النبي صلى الله عليه
وسلم بلغ البلغ المبين ،وقدرته في البيللان فللوق قللدرة كللل أحللد،
فإذا بطل اللزم بطل الملزوم.
ويقال أيضًا :هذا اللعن والتغليظ الشديد إنما هو فيمللن اتخللذ قبللور
النبياء مساجد ،وجاء في بعض النصوص ما يعللم النبيللاء وغيرهللم،
فلو كانت هذه هي العلة لكللانت منتفيللة فللي قبللور النبيللاء ،لكللون
أجسادهم طرية ل يكون لها صديد يمنع من الصلللة عنللد قبللورهم،
فإذا كان النهي عن اتخاذ المساجد عند القبور يتناول قبللور النبيللاء
بلالنص ،عللم أن العللة ملا ذكلره هلؤلء العلملاء اللذين قلد نقللت
أقوالهم ،والحمد لله على ظهور الحجة وبيان المحجة .والحمد لللله
الذي هدانا لهذا ،وما كنا لنهتدي لول أن هدانا الله.
10 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
1
باب
ما جاء أن الغلو ً في قبور الصالحين
يصيرها أوثانا تعبد من دون الله
ماب :ممما جمماء أن الغلممو فممي قبممور الصممالحين
قمموله) :بم
يصيرها أوثانا ً تعبد من دون الله( :
روى مالك في الموطأ أن ًرسول الله صلى الله عليه وسلم قللال:
" اللهم ل تجعل قبرى وثنا يعبد ،اشتد غضب الله على قوم اتخذوا
قبور أنبيائهم مساجد " .
هذا الحديث رواه مالك مرسل ً عن زيد بلن أسللم ،علن عطلاء بلن
يسار :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ...الحديث .ورواه
ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن عجلن عللن زيللد بللن أسلللم بلله،
عطاء ،ورواه البزار عن زيد علن عطلاء علن أبلي سلعيد ولم يذكر
الخدري مرفوعًا.
لن وله شاهد عند المام أحمد بسنده عن سهيل بللن ًأبللي صللالح عل
قوما ً أبيه عن أبي هريرة رفعه :اللهم ل تجعل قبري وثنا ،لعن الله
اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .
قوله :روى مالك في الموطأ هو المام مالك بن أنس بن مالك بن
أبللي عللامر بللن عمللرو الصللبحي ،أبللو عبللدالله المللدني .إمللام دار
الهجرة وأحلد الئملة الربعلة وأحلد المتقنيلن للحلديث ،حلتى قلال
البخاري :أصح السانيد مالك عن نافع عللن ابللن عمللر ،مللات سللنة
تسع وسبعين ومائة .وكان مولده سنة ثلث وتسللعين .وقيللل أربللع
وتسعين .وقال الواقدي :بلغ تسعين سنة.
قوله :اللهم ل تجعل قبرى وثنا ً يعيد قد اسللتجاب الللله دعللاءه كمللا
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
وأحاطه بثلثة الجداران فأجاب رب العالمين دعاءه
10 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
2
وقد ذكروا أسباب كراهته لن يقللول :زرت قللبر النللبي صلللى الللله
عليه وسلم لن هذا اللفظ قد صار كثير من الناس يريد به الزيارة
البدعية ،وهو قصد الميت لسؤاله ودعائه ،والرغبة إليه فللي قضللاء
الحوائج ،ونحو ذلك مما يفعله كثير من الناس ،فهللم يعنللون بلفللظ
الزيارة مثل هذا .وهذا ليس بمشروع باتفاق الئمة .وكره مالك أن
يتكلم بلفظ مجمل يدل على معنى فاسد ،بخلف الصلة والسلللم
عليه ،فإن ذلك مما أمر الله به .أما لفظ الزيارة في عموم القبللور
فل يفهم منها مثل هذا المعنى .أل ترى إلى قللوله :فللزوروا القبللور
فإنها تذكركم الخرة مع زيارته لقللبر أملله .فللإن هللذا يتنللاول قبللور
الكفار .فل يفهم من ذلك زيارة الميت لدعائه وسللؤاله والسللتغاثة
به ،ونحو ذلك مما يفعله أهلل الشلرك والبلدع ،بخلف ملا إذا كلان
المزور معظما ً في الدين كالنبياء والصالحين ،فإنه كثيرا ً مللا يعنللي
بزيارة قبورهم هذه الزيارة البدعية الشركية،فلهذا كره مالك ذلللك
في مثل هذا ،وإن لم يكره ذلك فللي موضللع آخللر ليللس فيلله هللذه
المفسدة .ا هل.
وفيه :أن النبي صلى الللله عليلله وسلللم لللم يسللتعذ إل ممللا يخللاف
وقوعه .ذكره المصنف رحمه الله تعالى.
قوله) :ول بن جرير بسنده عن سفيان عن منصممور عممن
مجاهد " أفرأيتم اللت والعممزى " قممال :كممان يلممت لهممم
السويق ،فمات فعكفوا على قبره ،كذا قال أبو الجوزاء
عن ابن عباس قال :كان يلت السويق للحاج( :
قوله :ولبن جرير هللو المللام الحللافظ محمللد بللن جريللر بللن يزيللد
الطللبري ،صللاحب التفسللير والتاريللخ والحكللام وغيرهللا .قللال ابللن
الرض أعلم من محمد بللن جريللر وكللان مللن خزيمة :ل أعلم على
المجتهللدين ل يقلللد أحللدًا .وللله أصللحاب يتفقهللون علللى مللذهبه
ويأخذون بأقواله .ولد سنة أربع وعشرين ومللائتين ،ومللات ليللومين
بقيا من شوال سنة عشر وثلثمائة.
قوله :عللن سللفيان الظللاهر :أنلله سللفيان بللن سللعيد بللن مسللروق
الثوري ً أبللو عبللد الللله الكللوفي ثقللة حللافظ فقيلله إمللام عابللد كللان
مجتهدا ،وله أتباع يتفقهون على مذهبه .مات سللنة إحللدى وسللتين
ومائة ،وله أربع وستون سنة.
قوله :عن منصور هو ابن المعتمر بن عبد الله السلللمي ثقللة ثبللت
فقيه .مات سنة اثنتين وثلثين ومائة.
قللوله :عللن مجاهللد هللو ابللن جللبر بللالجيم الواحللدة أبللو الحجللاج
المخزومي مولهم المكي ،ثقة إمام فللي التفسللير ،أخللذ عللن ابللن
عباس وغيره رضي الله عنهم .مات سنة أربلع ومللائة ،قلاله يحيللى
القطان ،وقلال ابلن حبلان :ملات سلنة اثنلتين أو ثلث وملائة وهلو
ساجد ،ولد سنة إحدى وعشرين في خلفة عمر رضي الله عنه.
قوله :كان يلت السويق لهم فمات فعكفوا على قللبره فلي روايللة:
فيطعم من يمر من الناس .فلمللا مللات عبللدوه ،وقللالوا :هللو اللت
رواه سعيد بن منصور.
ومناسبته للترجمة :أنهم غلوا فيه لصلحه حتى عبدوه وصار قللبره
وثنا ً من أوثان المشركين.
قوله :وكذا قال أبو الجوزاء هللو أوس بللن عبللد الللله الربعللي ،فتللح
الراء والباء ،مات سنة ثلث وثمانين.
قال البخاري :حدثنا مسلم وهلو ابلن إبراهيللم .حللدثنا أبللو الشللهب
حدثنا أبو الجوزاء عن ابن عباس قال :كان اللت رجل ً يلت سللويق
الحجاج .
قال ابن خزيمة :وكللذا العللزى ،وكللانت شللجرة عليهللا بنللاء وأسللتار
بنخلة ،بين مكة والطائف ،كانت قريللش يعظمونهللا ،كمللا قللال أبللو
سفيان يوم أحد :لنا العزى ول عزى لكم .
قوله) :وعن ابن عباس رضي اللممه عنهممما قممال " :لعممن
رسممول اللممه صمملى اللممه عليممه وسمملم زائرات القبممور
والمتخمممذين عليهممما المسممماجد والسمممرج " رواه أهمممل
السنن( :
10 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
4
قلت :وفي الباب حديث عن أبي هريرة وحديث حسان بللن ثللابت.
فأما حديث أبي هريرة فللرواه أحملد والترمللذي وصلححه .وحللديث
حسان أخرجه ابن ماجه من رواية عبد الرحمن بن حسان بن ثابت
عن أبيه قال " :لعن رسول الللله صلللى الللله عليلله وسلللم زوارات
القبور ".
وحديث ابن عباس هذا في إسناده أبو صالح مولى أم هانيء ،وقللد
ووثقة بعضهم .قللال علللى بللن المللديني ،عللن يحيللى ضعفه بعضهم
أبا صالح مولى أم هاني .وما ً القطان :لم ًأر أحدا ً من أصحابنا ترك
سمعت أحدا من الناس يقول فيه شيئا ،ولم يتركه شعبة ول زائدة
ول عبد الله بن عثمان .قال ابن معين :ليس به بأس ولهذا أخرجلله
ابن السكن في صحيحه .انتهللى مللن الللذهب البريللز عللن الحللافظ
المزي.
قال شيخ السلم رحمه الله تعالى :وقد جاء عن النبي صلللى الللله
عليه وسلم من طريقين :فعن أبللي هريللرة رضللي الللله عنلله " :أن
رسول الله صلللى الللله عليلله وسلللم لعللن زوارات القبللور " وذكللر
حديث ابن عباس .ثم قال :ورجال هذا ليس رجال هذا .فلم يأخذه
أحدهما عن الخر .وليس في السنادين ملن يتهلم بالكلذب .ومثلل
هذا حجة بل ريب .وهذا من أجود الحسن الللذي شللرطه الترمللذي،
الحسن ما تعددت طرقه ولم يكن فيه متهللم ،ولللم يكللن فإنه جعل
شاذًا ،أي مخالفا ً لما ثبت بنقل الثقات وهذا الحديث تعددت طرقه
وليس فيها متهللم ول خللالفه أحللد مللن الثقللات ،هللذا لللو كللان عللن
صاحب واحد ،فكيف إذا كللان رواه عللن صللاحب وذاك عللن آخللر ؟
فهذا كله يبين أن الحديث في الصل معروف.
والذين رخصوا في الزيارة اعتمدوا على ما روى عن عائشة رضي
الله عنها أنها زارت قبر أخيها عبد الرحمن وقالت :للو شلهدتك ملا
زرتللك وهللذا يللدل علللى أن الزيللارة ليسللت مسللتحبة للنسللاء كمللا
تستحب الرجال .إذ لو كان كذلك ل ستحبت زيللارته سللواء شللهدته
أم ل.
قلت :فعلى هذا ل حجة فيه لمن قال بالرخصة.
وهذا السياق لحديث عائشة رواه الترمذي من رواية عبد الللله بللن
عنها ،وهو يخالف سياق الثرم له عن عبد الله بللن أبللي أبي مليكة
مليكللة أيض لًا :أن عائشللة رضللي الللله عنهللا أقبلللت ذات يللوم مللن
المقابر .فقلت لها :يا أم المؤمنين ،أليس نهلى رسلول اللله صللى
الله عليه وسلم عن زيلارة القبللور ؟ قلالت :نعللم نهلى علن زيللارة
القبور ،ثم أمر بزيارتها .
فأجاب شيخ السلم رحمه الله عن هذا وقال :ول حجة في حديث
عائشة فإن المحتج عليهللا احتلج بلالنهي العلام ،فللدفعت ذللك بلأن
النهي منسوخ ،ولم يذكر لها المحتج النهللي الخللاص بالنسللاء الللذي
فيه لعنهن على ً الزيارة .يبين ذلك قولها قد أمر بزيارتها فهذا يللبين
أنه أمر بها أمرا يقتضللي السللتحباب ،والسللتحباب إنمللا هللو ثللابت
للرجال خاصة .ولو كانت تعتقد أن النساء مأمورات بزيلارة القبلور
لكانت تفعل ذلك كما يفعللله الرجللال ولللم تقللل لخيهللا لمللا زرتللك
واللعن صريح في التحريم ،والخطاب بالذن في قوله فزوروها للم
في الحكم الناسخ ،والعللام إذا عللرف أنلله يتناول النساء فل يدخلن
بعد الخاص لم يكللن ناسللخا ً للله عنللد جمهللور العلمللاء،وهللو مللذهب
الشافعي وأحمد فللي أشللهر الروايللتين عنلله ،وهللو المعللروف عنللد
أصحابه ،فكيف إذا لم يعلم أن هذا العام بعد الخاص ؟ إذ قد يكون
قوله :لعن الله زوارات القبور بعد إذنه للرجال فللي الزيللارة .يللدل
على ذلك أنه قرنه بالمتخذين عليها المساجد والسرج .ومعلوم أن
اتخللاذ المسللاجد والسللرج المنهللي عنهللا محكللم ،كمللا دلللت عليلله
الحاديث الصحيحة وكذلك الخر.
والصحيح :أن النساء لم يدخلن في الذن فللي زيللارة القبللور لعللدة
أوجه:
صلى الله عليه وسلم فزوروها صيغة تذكير .وإنمللا أحدها :أن قوله
يتناول النساء أيضا ً على سبيل التغليب .لكن هذا فيه قولن ،قيللل:
إنه يحتاج إلى دليل منفصل ،وحينئذ فيحتاج تناول ذلك للنساء إلللى
دليل منفصل ،وقيل أنه يحتمل على ذلك عند الطلق .وعلللى هللذا
فيكون دخول النساء بطريق العمللوم الضللعيف ،والعللام ل يعللارض
الدلة الخاصة ول ينسخها عنللد جمهللور العلمللاء ،ولللو كللان النسللاء
داخلت في هذا الخطاب ل ستحب لهن زيللارة القبللور .ومللا علمنللا
10 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
5
أحدا ً من الئمة استحب لهن زيللارة القبللور ،ول كللان النسللاء علللى
عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشللدين يخرجللن إلللى
زيارة القبور.
ومنها :أن النبي صلى الله عليه وسلم علل الذن للرجال بأن ذلللك
" يذكر الموت ،ويرقللق القلللب ،وتللدمع العيللن " هكللذا فللي مسللند
أحمد .ومعلللوم أن المللرأة إذا فتللح بالهللا هللذا البللاب أخرجهللا إلللى
الجزع والندب والنياحة ،لمللا فيهللا مللن الضللعف وقلللة الصللبر .وإذا
كانت زيارة النساء مظنة وسببا ً للمور المحرمة فللإنه ل يمكللن أن
يحد المقدار الذي ل يفضي إلى ذلللك ،ول التمييللز بيللن نللوع ونللوع،
كانت خفية أو منتشللرة علللق ومن أصول الشريعة :أن الحكمة إذا
الحكم بمظنتها .فيحرم هذا الباب سدا ً للذريعللة ،كمللا حللرم النظللر
إلى الزينة الباطنة ،وكما حرم الخلوة بالجنبية وغيللر ذلللك .وليللس
في ذلك من المصلحة ما يعارض هللذه المفسللدة .فللإنه ليللس فللي
ذلك إلى دعاؤها للميت وذلك ممكن في بيتها.
ومن العلماء من يقول :التشللييع كللذلك ،ويحتللج بقللوله صلللى الللله
عليه وسلم " ارجعن مأزورات غير مأجورات ،فللإنكن تفتللن الحللي
وتؤذين الميت " ،وقوله لفاطمة " :أما إنك لو بلغت معهللم الكللدى
لم تدخلي الجنة " ويؤيلده ملا ثبلت فلي الصلحيحين ملن أنله نهلى
النساء عن اتباع الجنائز ومعلوم أن قوله صلى الله عليه وسلللم" :
من صلللى علللى جنللازة فللله قيللراط ومللن تبعهللا حللتى تللدفن فللله
قيراطان " وهو أدل على العموم من صيغة التذكير .فإن لفظ مللن
يتنللاول الرجللال والنسللاء باتفللاق النللاس ،وقللد علللم بالحللاديث
الصحيحة أن هذا العموم لم يتناول النساء لنهي النللبي صلللى الللله
يدخلن في هللذا العمللوم عليه وسلم لهن عن اتباع الجنائز ،فإذا لم
فكذلك في ذلك بطريق الولى .انتهى ملخصًا.
قلللت :ويكللون الذن فللي زيللارة القبللور مخصوص لا ً للرجللال ،خللص
بقللوله :لعللن الللله زوارات القبللور ....الحللديث فيكللون مللن العللام
المخصوص.
وعندما استدل به القائلون بالنسخ أجوبة أيضًا.
منها :أن ما ذكروه عن عائشة وفاطمة رضي الله عنهمللا معللارض
مما ورد عنهما في هذا الباب فل يثبت به نسخ.
ومنها :أن قول الصحابي وفعله ليس حجة على الحللديث بل نللزاع،
وأما تعليمه عائشة كيف تقول إذا زارت القبور ونحو ذلك ،فل يدل
على نسخ ما دلت عليه الحاديث الثلثة مللن لعللن زائرات القبللور،
لحتمال أن يكون ذلك قبل هذا النهي الكيد والوعيد الشديد والللله
أعلم.
قال محمد بن اسماعيل الصللنعاني رحملله الللله فللي كتللابه تطهيللر
العتقاد :فإن هذه القباب والمشللاهد الللتي صللارت أعظللم ذريعللة
إلى الشرك واللحاد ،وأكبر وسيلة إلى هدم السلم وخراب بنيانه:
غللالب بللل كللل مللن يعمرهللا هللم الملللوك والسلللطين والرؤسللاء
والولة ،إما على قريب لهم أو على من يحسللنون الظللن فيلله مللن
فاضل أو عالم أو صوفي أو فقير أو شيخ أو كللبير ،ويللزوره النللاس
الذي يعرفونه زيارة الموات من دون توسل بلله ول هتللف بإسللمه،
بل يدعون للله ويسللتغفرون ً حللتى ينقللرض مللن يعرفلله أو أكللثرهم،
فيأتي من بعدهم فيجد قبرا قد شلليد عليلله البنللاء ،وسللرجت عليلله
الشموع ،وفرش بالفراش الفاخر ،وأرخيب عليه السللتور ،وألقيللت
عليلله الوراد والزهللور ،فيعتقللد أن ذلللك لنفلع أو دفلع ضللر ،وتللأتيه
السدنة يكذبون على الميت بلأنه فعللل وفعللل ،وأنلزل بفلن الضللر
النفع .حللتى يغرسللوا فلي جبلتله كللل باطلل ،والملر ملا ثبلت فلي
الحاديث النبوية من لعن من أسرج على القبور وكتب عليها وبنللى
عليها .وأحاديث ذلك واسعة معروفة فللإن ذلللك فللي نفسلله منهللى
عنه .ثم هو ذريعة إلى مفسدة عظيمة .انتهى.
ومنه تعلم مطابقة الحديث للترجمة والله أعلم.
قوله :والمتخذين عليها المساجد :تقدم شرحه في الباب قبله.
عليها المقدسي :لو أبيح اتخاذ السرج
وإفراط لا ً قوله :السرج قال أبو محمد
لم يلعن من فعله ،لن فيه تضييعا ً للمال في غير فللائدة،
في تعظيم القبور أشبه بتعظيم الصنام.
10 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
6
وقال ابن القيم رحمه الله :اتخاذهلا مسلاجد وإيقلاد السلرج عليهلا
من الكبائر.
قوله :رواه أهللل السللنن يعنللي أن أبللا داود والترمللذي وابلن ملاجه
فقط ولم يروه النسائي.
باب
ما جاء في حماية المصطفى صلى الله
عليه وسلم وسده كل طريق يوصل
إلى الشرك
قوله :باب ) ما جاء في حماية المصطفى صلى الله
عليه وسلم وسده كل طريق يوصل إلى الشرك ( :
الجناب :هو الجانب .والمراد حمايته عما يقللر منلله أو يخللالطه ملن
الشرك وأسبابه.
قمموله) :وقممول اللممه تعممالى " :لقممد جمماءكم رسممول مممن
أنفسكم عزيز عليه ما عنتممم حريممص عليكممم بممالمؤمنين
رؤوف رحيم * فإن تولوا فقل حسبي الله ل إله إل هممو
عليه توكلت وهو رب العرش العظيم "( :
رحمه الله :يقول الله تعالى ممتنا ً على المؤمنين بما قال ابن كثير
وعلى لغتهللم كمللا
ً أرسل إليهم رسول ً من أنفسهم أي من جنسهم
وقللال قال إبراهيم عليه السلم " :ربنا وابعث فيهم رسول منهم "
تعالى " :لقد من الللله علللى المللؤمنين إذ بعللث فيهللم رسللول ً مللن
10 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
7
أنفسهم " وقال تعللالى " :لقللد جللاءكم رسللول مللن أنفسللكم " أي
للنجاشي ،والمغيرة بن شللعبة منكم ،كما قال جعفر بن أبي طالب
لرسول كسرى :إن الله بعث فينا رسول ً منا نعرف نسللبه وصللفته،
ومدخله ومخرجه ،وصدقه وأمانته وذكر الحديث .قللال أبللو سللفيان
بن عيينة عن جعفلر بلن محملد علن أبيلله فلي قللوله تعلالى ":لقلد
جاءكم رسول من أنفسكم" قال :لم يصبه شئ في ولدة الجاهلية
.
وقوله " :عزيز عليه ما عنتم " أي يعز عليه الشئ الذي يعنت أمته
ويشق عليها ولهذا جاء في الحديث المروي من طللرق عنلله صلللى
الللله عليلله وسلللم أنلله قللال " :بعثللت بالحنيفيللة السللمحة " وفللي
الصللحيح " :إن هللذا الللدين يسللر" وشللريعته كلهللا سللمحة سللهلة
كاملة ،ميسيرة على من يسرها الله عليه.
قوله" :حريص عليكم " أي على هللدايتكم ووصللول النفللع الللدنيوي
والخروي إليكم .وعن أبي ذر رضي الله عنلله قللال :تركنللا رسللول
وسلم وما طائر يقلللب جنللاحيه فللي الهللواء إل الله صلى الله عليه
وهو يذكر لنا منه علما ً أخرجه الطبراني ،قللال :وقللال رسللول الللله
صلى الله عليه وسلم " :ما بقى شئ يقللر مللن الجنللة ويباعللد مللن
النار إل وقد بينته لكم ".
وقللوله " :بللالمؤمنين رؤوف رحيللم " كمللا قللال تعللالى " :واخفللض
جناحك لمن اتبعك من المؤمنين * فللإن عصللوك فقللل إنللي بريللء
مما تعملون * وتوكل على العزيز الرحيم " وهكذا أمره تعالى فللي
هذه الية الكريمة وهي قوله " :فإن تولوا " أي عما جئتللم بلله مللن
الشريعة العظيمة المطهللرة الكاملللة " حسللبي الللله ل إللله إل هللو
عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ".
قلت :فاقتضت هذه الوصاف التي وصللف بهللا رسللول الللله صلللى
الله عليه وسلم في حق أمته أن أنذرهم وحذرهم الشرك الذي هو
أعظم الذنوب ،وبين لهم ذرائعه الموصلللة إليلله ،وأبلللغ فللي نهيهللم
عنها ومن ذلك تعظيم القبور والغلو فيهللا ،والصلللة عنللدها وإليهللا،
ونحو ذلك مما يوصل إللى عبادتهلا ،كملا تقلدم ،وكملا سليأتي فلي
أحاديث الباب.
قمموله) :وعممن أبممي هريممرة رضممي اللممه عنممه قممال :قممال
مه وسمملم " ل تجعلمموا بيمموتكم رسول الله صلى اللممه عليم
قبورا ً ول تجعلوا قبرى عيدًا ،وصلوا فإن صلتكم تبلغني
حيث كنتم " رواه أبو داود بإسناد حسن .رواته ثقات( :
قوله :ل تجعلوا بيوتكم قبورا ً قال شيخ السلم :أي ل تعطلوها من
الصلة فيها والدعاء والقراءة ،فتكون بمنزلة القبور ،فللأمر بتحللري
العبادة في البيوت ونهى عن تحريهما عند القبور ،عكس ما يفعللله
المشركون من النصارى ومن تشبه بهم من هذه المة.
عمر مرفوعًا " :اجعلوا مللن صلللتكم فللي وفي الصحيحين عن ابن
بيللوتكم ً ول تتخللذوها قبللورا ً " وفللي صللحيح مسلللم عللن ابللن عمللر
مرفوعا " :ل تجعلوا بيوتكم مقابر فللإن الشلليطان يفللر مللن الللبيت
الذي يسمع سورة البقرة تقرأ فيه ".
قوله :ول تجعلوا قبرى عيدا ً قال شيخ السلم رحملله الللله تعل ًلالى:
العيد اسم لما يعود من الجتماع العام على وجه معتاد ،عللائدا إمللا
بعود السنة أو بعود السبوع أو الشهر ونحو ذلك.
من وقال ابن القيم رحمه الله تعالى :العيد ما يعتاد مجيئه وقصده
اسللما ً زمللان ومكللان ،مللأخوذ مللن المعللاودة والعتيللاد .فللإذا كللان
للمكللان فهلو المكللان اللذي يقصلد فيله الجتملاع وانتيلابه للعبلادة
لاعر وغيرها ،كما أن المسجد الحرام ومنى ومزدلفة وعرفة والمشل
جعلها الله عيدا ً للحنفاء ومثابة ،كمللا جعللل أيللام العيللد فيهللا عيللدًا.
وكان للمشللركين أعيللاد زمنيللة ومكانيللة .فلمللا جللاء الللله بالسلللم
أبطلها وعوض الحنفاء منها عيد الفطر وعيد النحر وأيام منى ،كما
عوضهم مللن أعيللاد المشللركين المكانيللة بالكعبللة ومنللى ومزدلفللة
وعرفة والمشاعر.
قوله :وصلوا علي فإن صلتكم تبلغني حيث كنتم .
10 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
8
قال شيخ السلم رحمه الله تعالى :يشير بذلك إلى أن مللا ينللالني
منكم من الصلة والسلم ًيحصل مع قربكم من قبري وبعدكم ،فل
حاجة لكم إلى اتخاذه عيدا.
قوله :ل تجعلوا بيوتكم قبورا ً تقدم كلم شلليخ السلللم فللي معنللى
الحديث قبله ا هل.
قوله) :وعن علي بن الحسين رضي الله عنه " :أنه رأى
رجل ً يجيء إلى فرجة كانت عنممد قمبر النممبي صمملى اللممه
وسمملم فيممدخل فيهمما فيممدعو ،فنهمماه وقممال :أل عليممه
أحدثكم حديثا ً سمعته من أبي عن جدي عن رسمول ًاللممه
عليه وسلم ؟ قال :ل تتخذوا قممبري عيممدا ،ول صلى الله
بيوتكم قبورًا ،وصلوا علممي فمإن تسممليمكم يبلغنممي أيممن
كنتم " رواه في المختار( :
هذا الحديث والذي قبله جيدان حسنا السنادين.
أما الول :فللرواه أبللو داود وغيلره ملن حللديث عبلد اللله بلن نلافع
الصائغ قال :أخبرني ابن أبللي ذئب عللن سللعيد المقللبري عللن أبللي
هريرة فذكره ،ورواته ثقات مشاهير ،لكن عبد اللله بلن نلافع قلال
فيه أبو حاتم :ليس بالحافظ ،تعرف وتنكلر .وقلال ابلن معيلن :هلو
ثقة وقال أبو زرعة :ل بللأس بلله .قللال شلليخ السلللم رحملله الللله:
ومثللل هللذا إذا كللان لحللديث شللواهد علللم أنلله محفللوظ ،وهللذا لله
شواهد متعددة .وقال الحافظ محمد بللن عبللد الهللادي :هللو حللديث
حسن جيد السناد ،وله شواهد يرتقى بها إلى درجة الصحة.
وأما الحديث الثاني :فرواه أبو يعلى والقاضي إسماعيل والحللافظ
الضياء محمد بن عبد الواحد المقدسي في المختارة.
قال شلليخ السلللم رحملله الللله تعللالى :فللانظر هللذه السللنة كيللف
مخرجها من أهل المدنية وأهل البيت الذين لهللم مللن رسللول الللله
صلى الله عليه وسلم قرب النسب وقرب الللدار ،لنهللم إلللى ذلللك
أحوج من غيرهم ،فكانوا له أضبط .ا هل.
وقال سعيد بن منصللور فللي سللننه ،حللدثنا عبللد العزيللز بللن محمللد
أخبرني سهيل بن أبي سهل قال :رآني الحسن بللن علللي بللن أبللي
طالب رضي الله عنهم عند القبر ،فناداني ،وهو فللي بيللت فاطمللة
رضي الله عنها يتعشى ،فقال :هلم إلى العشاء .فقلللت :ل أريللده.
فقال :ما لي رأيتك عند القبر ؟ فقلت :سلللمت علللى النللبي صلللى
الله عليه وسلم .فقللال :إذا دخلللت المسللجد فسلللم .ثللم قللال :إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :ل تتخذوا قبري عيللدًا ،ول
تتخذوا بيوتكم مقابر ،وصلوا علي فإن صلتكم تبلغني حيثما كنتللم،
لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبللور أنبيللائهم مسللاجد ،مللا أنتللم
وبني بالندلس إل سواء ".
وقال سعيد أيضًا :حدثنا حبان بللن علللي ،حللدثنا محمللد عجلن عللن
أبي سعيد مولى المهري قال :قللال رسللول الللله صلللى الللله عليلله
وسلم " ل تتخذوا قبري عيدا ً ول بيوتكم قبللورًا ،وصلللوا علللي فللإن
صلتكم تبلغني ".
قال شيخ السلم :فهذان المرسلن من هذين الموجين المختلفين
يدلن على ثبوت الحديث ل سيما وقد احتج به مللن أرسللله .وذلللك
يقتضي ثبوته عنده هذا ًلو لم يرو مللن وجللوه مسللندة غيللر هللذين،
فكيف وقد تقدم مسندا.
قوله :على بن الحسين أي ابللن علللي بللن أبللي طللالب ،المعللروف
بزيللن العابللدين رضللي الللله عنلله ،أفضللل التللابعين مللن أهللل بيتلله
وأعلمهم .قال الزهري :ما رأيللت قرشلليا ً أفضللل منلله .مللات سللنة
ثلث وتسعين علللى الصللحيح .وأبللوه الحسللين سللبط رسللول الللله
صلى الله عليه وسلم وريحانته ،حفظ عن النللبي صلللى الللله عليلله
وسلللم واستشللهد يللوم عاشللوراء سللنة إحللدى وسللتين وللله سللت
وخمسون سنة رضي الله عنه.
قوله :أنه رأى رجل ً يجيء إلللى فرجللة بضللم الفللاء وسللكون الللراء،
وهي الكوة في الجدار والخوخة ونحوهما.
قوله :فيدخل فيها فيدعو فنهللاه هللذا يللدل علللى النهللي عللن قصللد
القبور والمشاهد لجل الدعاء والصلة عندها.
10 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
9
قال شيخ السلم رحمه ًالله تعالى ً :ما علمت أحدا ً رخص فيه ،لن
ذلك نوع من اتخاذه عيدا ويدل أيضا علللى أن قصللد القللبر للسلللم
إذا دخل المسجد ليصلي منهللى عنلله ،لن ذلللك لللم يشللرع ،وكللره
مالك لهل المدينة كلما دخل النسان المسجد أن يأتي قللبر النللبي
صلى الله عليه وسلم لن السلف لم يكونللوا يفعلللون ذلللك ،قللال:
ولللن يصلللح آخللر هللذه المللة إل مللا أصلللح أولهللا وكللان الصللحابة
والتابعون رضي الله عنهم يأتون إلى مسجد النبي صلى الله عليلله
وسلم فيصلون ،فإذا قضوا الصلللة قعللدوا أو خرجللوا ،ولللم يكونللوا
يأتون القبر للسلم ،لعلمهم أن الصلة والسلم عليلله فللي الصلللة
أكمل وأفضل ،وأما دخولهم عند قبره للصلة والسلم عليه هنللاك،
أو للصلة والدعاء ًفلم يشرعه لهم ،بل نهللاهم عنله فلي قللوله " ل
تتخذوا قبري عيللدا وصلللوا علللي فللإن صلللتكم تبلغنللي " فللبين أن
الصلة تصل إليه من بعللد وكللذلك السلللم ،ولعللن مللن اتخللذ قبللور
النبياء مساجد .وكانت الحجرة في زمانهم يدخل إليها مللن البللاب،
إذا كانت عائشللة رضللي الللله عنهللا فيهللا ،وبعللد ذلللك إلللى أن بنللى
الحائط الخر ،وهللم مللع ذلللك التمكللن مللن الوصللول إلللى قللبره ل
يللدخلون عليلله ،ل للسلللم ول للصلللة ،ول للللدعاء لنفسللهم ول
لغيرهم ،ول لسؤال عن ًحديث أو ًعلللم ،ول كللان الشلليطان يطمللع
فيهم حتى يسمعهم كلما أو سلما فيظنون أنه هو كلمهم وأفتاهم،
وبين لهم الحاديث ،أو أنه قد رد عليهم السلم بصوت يسللمع مللن
خارج ،كما طمع الشلليطان فلي غيرهللم فأضلللهم عنللد قللبره وقللبر
ويفللتيهم غيللره ،حللتى ظنللوا أن صللاحب القللبر يللأمرهم وينهللاهم
ويحدثهم في الظللاهر ،وأنلله يخللرج مللن القللبر ويرونلله خارجلا ً مللن
القبر ،ويظنون أن نفس أبدان المللوتى خرجللت تكلمهللم ،وأن روح
الميت تجسدت لهم فرأوها كما رآهم النبي صلى الله عليه وسلللم
ليلة المعراج.
والمقصللود :أن الصللحابة رضللي الللله عنهللم لللم يكونللوا يعتللادون
والسلم عليه عند قبره كما يفعله من بعدهم مللن الخلللوف ،وإنمللا
كان بعضهم يأتي من خارج فيسلم عليه إذا قد من سفر .كما كللان
ابن عمر يفعله .قال عبيد الله بن عمر عن نافع كان ابللن عمللر إذا
قدم من سفر أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقللال :السلللم
عليك يا رسول الله .السلم عليك يا أبا ً بكر .السلم عليك يا أبتللاه
ثم ينصرف قال عبيد الله ما نعلم أحللدا مللن أصللحاب النللبي صلللى
الله عليه وسلم فعل ذلك إل ابن عمر وهذا يدل على أنلله ل يقللف
عند القبر للدعاء إذا سلم كما يفعله كثير.
قال شيخ السلللم رحملله الللله :لن ذلللك لللم ينقللل عللن أحللد مللن
الصحابة ،فكان بدعة محضة .وفي المبسللوط :قللال مالللك :ل أرى
أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولكن يسلم ويمضى.
ونص أحمللد أنلله يسللتقبل القبلللة ويجعللل الحجللرة عللن يسللاره لئل
يستدبره.
وبالجملللة فقللد اتفللق الئمللة علللى أنلله إذا دعللا ل يسللتقبل القللبر،
وتنازعوا :هل يستقبله عند السلم عليه أم ل ؟ وفي الحديث دليللل
قبره وإلى غيره ملن القبللور والمشلاهد، على منع شد الرحال إلى
لن ذلللك مللن اتخاذهللا أعيللادًا .بللل مللن أعظللم أسللباب الشللراك
بأصحابها .وهذه هي المسألة التي أفللتى بهللا شلليخ السلللم رحملله
الله أعني من سافر لمجرد زيارة قبللور النبيللاء والصللالحين ونقللل
فيهللا اختلف العلمللاء ،فمللن مبيللح لللذلك .كللالغزالي وأبللي محمللد
المقدسي .ومن مانع لذلك ،كابن بطللة وابللن عقيللل ،وأبللي محمللد
الجويني ،والقاضي عياض .وهو قول الجمهور ،نص عليه مالك ولم
يخالفه أحد من الئمة ،وهو الصواب .لما في الصللحيحين علن أبللي
سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلللم قللال " :ل تشللد الرحللال إل
إلى ثلثللة مسللاجد :المسللجد الحللرام ،ومسللجدي هللذا ،والمسللجد
شدها لزيللارة القبللور والمشللاهد ،فإمللا القصى " فدخل في النهي
أن يكون نهيًا ،وإما أن يكون نفيًا .وجاء فللي روايللة بصلليغة النهللي،
فتعين أن يكون للنهي ،ولهذا فهم منه الصللحابة رضللي الللله عنهللم
المنع كما في الموطأ والمسند والسنن عن بصرة بللن أبللي بصللرة
الغفاري أنه قال لبي هريرة وقد أقبل من الطور :لو أدركت قبل
أن تخرج إليه لما خرجللت :سللمعت رسللول الللله صلللى الللله عليلله
وسلم يقللول " :ل تعمللل المطللي إل إلللى ثلثللة مسللاجد :المسللجد
الحرام ،ومسجدي هللذا ،والمسللجد القصللى " وروى المللام أحمللد
وعمر بن شبة في أخبار المدينة بإسناد جيد عن قزعة قللال :أتيللت
ابن عمر فقلت :إني أريد الطور .فقال :إنما تشد الرحال إلى ثلثة
لى.
جعل ً مساجد :المسجد الحللرام ،ومسللجد المدينللة ،والمسللجد القصل
فدع عنك الطور ول تأته فللابن عمللر وبصللرة بللن أبللي بصللرة
الطور مما نهي عن شد الرحال إليه .لن اللفظ الللذي ذكللراه فيلله
أن النهي عن شدها إلى غير الثلثللة ممللا يقصللد بلله القربللة ،فعلللم
خاصلا ً المستنى منه عام في المسللاجد وغيرهللا ،وأن النهللي ليللس
بالمساجد ،ولهذا نهيا عن شدها إلى الطور مستدلين بهذا الحديث.
والطور إنما يسافر من يسافر إليه لفضيلة البقعة .فإن الله سللماه
11 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
0
باب
ما جاء أن بعض هذه المة يعبد الوثان
قوله) :باب :ما جاء أن بعممض هممذه المممة يعبممد الوثممان،
وقول الله تعالى " :ألم تر إلى الممذين أوتمموا نصمميبا ً مممن
الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت "( :
الوثن يطلق على ما قصد بنوع من أنواع العبادة من دون الله مللن
القبور والمشاهد وغيرها لقول الخليل عليه السلم " :إنما تعبللدون
11 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
1
من دون الله أوثانا ً وتخلقون إفكا ً " ومع قوله " :قالوا نعبد أصناما ً
فنظل لها عاكفين " وقوله " :أتعبدون ما تنحتون " فبذلك يعلم أن
الوثن يطلق على الصنام وغيرها مما عبد من دون الله ،كما تقدم
في الحديث.
قول اليهود :هؤلء أهدى من الذين آمنوا سبي ً
ل.
قللوله " :يؤمنللون بللالجبت والطللاغوت " روى ابللن أبللي حللاتم عللن
عكرمة قال :جاء حيي بن أخطللب وكعللب بللن الشللرف إلللى أهللل
مكة فقالوا لهم :أنتم أهل الكتاب وأهل العلم ،فأخبرونا عنللا وعللن
محمد .فقالوا :ما أنتم وملا محمللد ؟ فقلالوا :نحللن نصللل الرحللام،
وننحر الكوماء ،ونسقي الماء علللى اللبللن ،ونفللك العنللاة ،ونسللقي
الحجيلج ملن الحجيج ،ومحمد صنبور ،قطع أرحامنا ،واتبعله سللراق
غفار .فنحن خير أم هو ؟ فقالوا :أنتللم خيللرا ً ً وأهللدى سللبيل ً فللأنزل
الله تعالى " :ألم تر إلى الللذين أوتللوا نصلليبا مللن الكتللاب يؤمنللون
والطاغوت ويقولون للذين كفروا هللؤلء أهللدى مللن الللذين بالجبت
آمنوا سبيل ً " وفي مسند أحمد عن ابن عباس نحوه.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجبللت السللحر ،والطللاغوت
الشيطان وكذلك قول ابن عبللاس وأبللو العاليللة ومجاهللد والحسللن
وغيرهم .وعن ابن عباس وعكرمة وأبي مالك الجبت الشيطان زاد
ابن عباس :بالحبشية وعن ابن عباس أيضًا :الجبللت الشلرك وعنله
الجبت الصنام وعنه الجبت :حيى بن أخطب وعن الشعبي الجبللت
الكاهن وعللن مجاهللد :الجبللت كعللب بللن الشللرف قللال الجللوهري
الجبت كلمة تقع على الصنم والكاهن والساحر ونحو ذلك.
قللال المصللنف رحملله الللله تعللالى :وفيلله معرفللة اليمللان بللالجبت
والطاغوت في هذا الموضع هل هللو اعتقللاد قلللب ،أو هللو موافقللة
أصحابها ،مع بغضها ومعرفة بطلنها ؟ .
قوله) :وقوله تعالى " :قممل هممل أنممبئكم بشممر مممن ذلممك
مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليممه وجعممل منهممم
القردة والخنازير وعبد الطاغوت "( :
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم :قللل يللا محمللد هللل
أخبركم بشر جزاء عند الله يوم القيامة مما تظنونه بنا ؟ وهم أنتم
أيها المتصفون بهذه الصفات المفسللرة بقل ًلوله :مللن لعنلله الللله ًأي
أبعده مللن رحمتلله وغضللب عليلله أي غضللبا ل يرضللى بعللده أبللدا "
وجعل منهم القردة والخنازير " وقد قللال الثللوري عللن علقمللة بللن
مرثد عن المغيرة بن عبد الله اليشكري عن المعرور بن سويد أن
ابن مسعود رضي الله عنه قال " سئل رسول الله صلى الله عليه
له وسلم عن القردة والخنازير ،أهي مما مسخ الله ؟ فقللال :إن اللل
لم يهلك قوما ً أو قال لم يمسخ قوم لا ً فجعللل لهللم نس لل ً ول عقب لًا،
وإنما القردة والخنازير كانت قبل ذلك " رواه مسلم.
قال البغوي في تفسيره قل يا محمد هل أنبئكم أخبركم ًبشللر مللن
قولهم :لم نر أهل دين أقل حظا في الدنيا يعني ذلك الذي ذكرتم،
شرا ً من دينكم ،فذكر الجواب بلفظ البتداء ً
ول دينا ً والخرة منكم،
وإن لم يكن البتداء شرا ،لقوله تعللالى " :قللل أفلأنبئكم بشلر ملن
ذلكم النار ".
وقوله :مثوبة ثوابا ً وجزاء ،نصب على التفسير عند الله ،مللن لعنلله
الله أي هو من لعنه الله وغضب عليه يعني اليهللود " وجعللل منهللم
القردة والخنازير " فالقردة أصحاب السبت ،والخنازير كفار مللائدة
عيسى .وعن علي بن أبللي طلحللة عللن ابللن عبللاس أن المسللخين
كلهما ملن أصلحاب السللبت ،فشلبابهم مسللخوا قلردة وشليوخهم
مسخوا خنازير .
وعبللد الطللاغوت أي وجعللل منهللم مللن عبللد الطللاغوت ،أي أطللاع
الشيطان فيما سول له ،وقرأ ابن مسللعود عبللدوا الطللاغوت وقللرأ
حمزة و عبد بضم البللاء ،و الطللاغوت بجللر التللاء أراد العبللد .وهمللا
لغتان :عبد بسلكون البلاء ،وعبلد بضللمنها ،مثللل سلبع وسلبع وقلرأ
الحسن وعبد الطاغوت على الواحد.
وفي تفسير الطبرسي :قرأ حمزة وحده وعبد الطاغوت بضم الياء
وجر التاء ،والباقون وعبد الطاغوت بنصب الباء وفتللح التللاء .وقللرأ
ابن عباس وابن مسللعود وإبراهيللم المخعللي والعمللش وأبللان بللن
تغلب وعبد الطاغوت بضمن العين والباء وفتح الدال وخفض التاء،
قال :وحجة حمزة في قراءته وعبد الطاغوت أنله يحملله عللى ملا
11 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
2
عمل فيه جعل كأنه :وجعل منهم عبد الطاغوت .ومعنى جعل خلق
.كقوله وجعل الظلمات والنور وليس عبد لفظ جمع لنه ليس من
أبنية الجموع شئ على هذا البناء ،ولكنه واحد يللراد بلله الكللثرة ،أل
ترى أن في السلماء المفلردة المضلافة إللى المعلارف ملا لفظله
الفراد ومعناه الجمع ،كما في قوله تعالى " :وإن تعدوا نعمة الللله
ل تحصوها " ولن بناء فعللل يللراد بلله المبالغللة والكللثرة نحللو يقللظ
ودنس ،وكأن تقديره :أنه ذهب في عبادة الطاغوت كل مذهب.
وأما من فتح فقال وعبد الطاغوت فإنه عطفله عللى بنلاء المضلي
الذي في الصلة وهو قوله لعنه الللله وأفللرد الضللمير فللي عبللد وإن
كللان المعنللى فيلله الكللثرة ،لن الكلم محمللول علللى لفظلله دون
معناه ،وفاعله ضمير من كمللا أن ًفاعللل المثلللة المعطللوف عليهللا
ضمير من فأفرد لحمل ذلك جميعا علللى اللفللظ .وأمللا قللوله :عبللد
الطاغوت فهو جمع عبد.
وقللال أحمللد بللن يحيللى :عبللد جمللع عابللد ،كبللازل وبللزل ،وشللارف
وشرف ،وكذلك عبد جمع عابد .ومثله عباد وعباد .ا هل.
وقال شيخ السلم في قوله وعبد الطاغوت الصواب أنه معطللوف
على ماقبله من الفعال ،أي مللن لعنلله وغضللب عليلله ،ومللن جعللل
الطللاغوتً .قللال :والفعللال منهللم القللردة والخنللازير ومللن عبللد
المتقدمة الفاعل فيها اسم الله ،مظهرا ً أو مضللمرا .وهنللا الفاعللل
اسم من عبد الطاغوت .وهو الضمير في عبد ولم يعد سبحانه من
لنه جعل هذه الفعال صفة لصنف واحد وهم اليهود.
قوله :أولئك شر مكانا ً مما تظنلون بنلا وأضلل علن سلواء السلبيل
وهذا من باب اسللتعمال أفعللل التفضلليل فيمللا ليللس فللي الطللرف
الخر له مشارك كقوله تعالى " :أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا
وأحسن مقيل " قاله العماد ابن كثير في تفسيره ،وهو ظاهر.
قمموله) :وقممول اللممه تعممالى "ً :قممال الممذين غلبمموا علممى
أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا "( :
والمراد أنهم فعلوا مع الفتية بعد موتهم ما يللذم فللاعله .لن النللبي
صلى الله عليه وسلم قال :لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبللور
أنبيائهم وصالحيهم مساجد أراد تحذير أمته أن يفعلوا كفعلهم .
قوله) :عن أبي سممعيد رضممي اللممه عنممه أن رسممول اللممه
صلى الله عليممه وسمملم قممال " :لتتبعممن سممنن مممن كممان
قبلكم حممذو القممذة بالقممذة ،حممتى لممو دخلمموا جحممر ضممب
لدخلتموه قالوا يا رسول الله :اليهود والنصارى ؟ قممال:
فمن ؟ " أخرجاه وهذا سياق مسلم( :
قوله :سنن بفتح المهملة أي طريق من كان قبلكم .قال المهلللب:
فتح أولى.
قوله :حذو القذة بالقذة بنصب حلذو عللى المصلدر .والقلذة بضلم
القاف واحدة القذذ وموريش السهم .أي لتتبعن طريقهم فللي كللل
مللا فعلللوه ،وتشللبهوهم فللي ذلللك كمللا تشللبه قللذة السللهم القللذة
الخرى .وبهذا تظهر مناسبة اليات للترجمة .وقد وقللع كمللا أخللبر،
وهو علم من أعلم النبوة.
قوله :حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه وفي حديث آخر حتى لللو
أمتي ملن يفعلل ذللك أراد كان فيهم من يأتي أمة علنية لكان في
صلى الله عليه وسلم أن أمته ل تدع شيئا ً ً مملا كلان يفعللله اليهللود
والنصارى إلى فعلته كله ل تترك منه شيئا ولهللذا قلال سللفيان بلن
عيينة :من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود ،ومن فسللد مللن
عبادنا ففيه شبه من النصارى .ا هل.
قلت :فما أكثر الفريقين ،لكلن ملن رحملة الللله تعلالى ونعمتلله أن
جعل ً هذه المة ل تجتمع على ضللة كما فللي حللديث ثوبللان التللي
قريبا.
قوله :قالوا يا رسول الله ،اليهود والنصارى ؟ قال فمن ؟ هو برفع
اليهود خبر مبتدأ محللذوف ،أي أهللم اليهللود والنصللارى الللذين نتبللع
سننهم ؟ ويجوز النصب بفعل محذوف تقديره :تعني.
11 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
3
دوس على ذي الخلصة قال :وذو الخلصة طاغية دوس الللتي كللانوا
الجاهلية " وروى ابن حبان عللن معمللر قللال :إن عليلله يعبدون في
الن بيتا ً مبنيا ً مغلقًا.
قال العلمة ابن القيم رحمه الله في قصة هدم اللت ،لما أسلمت
لع الشللرك والطللواغيت بعللد ثقيللف :فيلله أنلله ل يجللوز إبقللاء ًمواضل
واحدًا ،وكذا حكم المشللاهد الللتي القدرة على هدمها وإبطالها يوما
بنيت على القبور ،والتي اتخذت أوثانا ً تعبد من دون الله ،والحجللار
التي تقصد للتبرك والنذر ل يجوز إبقاء شئ منها على وجلله الرض
على إزالتها ،وكثير منها بمنزلة اللت والعللزى ومنللاة،أو مع القدرة
أعظم شركا ً عندها وبها .فاتبع هؤلء سنن من كان قبلهم ،وسلكوا
سبيلهم حلذو القلذة بالقلذة ،وغللب الشلرك عللى أكلثر ًالنفلوس،
لظهللور الجهللل وخفللاء العلللم ،وصللار المعللروف منكللرا والمنكللر
معروفًا ،والسنة بدعة والبدعة سللنة ،وطمسللت العلم ،واشللتدت
غربة السلم ،وقل العلماء ،وغلب السفهاء ،وتفاقم المللر ،واشللتد
البأس ،وظهر الفساد ،في البر والبحللر بمللا كسللبت أيللدي النللاس،
ولكن ل تزال طائفة من العصابة المحمدية بالحق قللائمين ،ولهللل
مجاهدين ،إلى أن يرث الله الرض ومن عليها وهللو الشرك والبدع
خير الوارثين ا ه ملخصًا.
قلتً :فإذا كان هللذا فللي القللرن السللابع وقبللله ،فمللا بعللده أعظللم
فسادا كما هو الواقع.
وقوله :وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلثون كلهم يزعللم أنلله نللبي
قال القرطبي :وقد جاء عددهم معينا ً في حديث حذيفة قللال :قللال
رسول الله صلللى الللله عليلله وسلللم " :يكللون فللي أمللتي كللذابون
دجالون سبع وعشرون ،منهم أربع نسوة " أخرجه أبو نعيم .وقال:
هذا حديث غريب .انتهى.
وحديث ثوبان أصح من هذا.
قال القاضي عياض :عد من تنبأ من زمن رسللول الللله صلللى الللله
عليه وسلم إلى الن ممن اشتهر بذلك وعرف وأتبعه جماعة علللى
ضللة .فوجد هذا العدد فيهم ،ومللن طللالع كتللب الخبللار والتواريللخ
عرف صحة هذا.
وقال الحافظ :وقد ظهر مصداق ذلك في زمن رسول الللله صلللى
الللله عليلله وسلللم ،فخللرج مسلليلمة الكللذاب باليمامللة ،والسللود
العنسي باليمن ،وفي خلفة أبي بكر :طليحة بللن خويلللد فللي بنللي
أسد بن خزيمللة ،وسللجاح فللي بنللي تميللم ،وقتللل السللود قبللل أن
يموت النبي صلى الله عليه وسلم ،وقتل مسيلمة في خلفللة أبللي
بكر رضي الله عنه ،قتله وحشي قاتللل حمللزة يللوم أحللد ،وشللاركه
في قتل مسيلمة يللوم اليمامللة رجللل مللن النصللار ،وتللاب طليحللة
على السلم في زمن عمر رضي الله عنه .ونقل أن سجاح ومات
تابت أيضًا .ثم خللرج المختللار بللن أبللي عبيللد الثقفللي وغلللب علللى
الكوفة في أول خلفة الزبير .وأظهر محبة أهل ً البيت ودعا النللاس
إلى طلب قتلة الحسللين ،فتتبعهللم فقتللل كلثيرا مملن باشللر ً ذللك،
وأعان عليه .فأحبه الناس ،ثم ادعى النبوة وزعللم أن جللبريل عليلله
السلم يأتيه .ومنهم الحرث الكذاب ،خرج فللي خلفللة عبللد الملللك
بن مروان فقتل .وخرج في خلفة بني العباس جماعة.
وليس المراد بالحديث من ادعى النبوة مطلق لًا .فللإنهم ل يصللحون
كثرة لكون غالبهم تنشأ دعوته عن جنون أو سللوداء .وإنمللا المللراد
من قامت له شوكة وبدأ له شللبهة كمللن وصللفنا .وقللد أهلللك الللله
تعالى من وقللع للله منهللم ذلللك وبقللي منهللم مللن يلحقلله بأصللحابه
وآخرهم الدجال الكبر.
قوله :وأنا خاتم النبيين قال الحسن .الخاتم الذي ختم به يعني أنلله
آخر النبيين ،كما قال تعالى " :ما كان محمد أبا أحللد مللن رجللالكم
ولكن رسول الله ًوخاتم النبيين " وإنما ينزل عيسى ابن مريمً في
آخر الزمان حاكما بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم مصليا إلى
قبلته .فهو كأحد من أمته ،بللل هللو أفضللل هللذه المللة .قللال النللبي
صلى الله عليه وسلم " :والذي نفسي بيده لينزلن فيكم ابن مريم
حكم لا ً مقسللطًا .فليكسللرن الصللليب ،وليقتلللن الخنزيللر ،وليضللعن
الجزية ".
قوله :ول تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة ل يضرهم من
خذلهم ول من خالفهم قال يزيد بن هرون ،وأحمد بن حنبل :إن لم
يكونوا أهل الحديث فل أدري من هم ؟ .
11 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
7
وقد روى عن ابن عباس ما يوافق قول الجمهلور ،فلروى عبللد بلن
حميد والنحاس عن سعيد ًبن عبادة أن ابن عباس رضي الللله عنلله
لمن قتل مؤمنا توبة وكذلك ابن عمر رضي الله عنهما. كان يقول:
وروى مرفوعا ً " أن جزاءه جهنم إن جازاه ".
قوله :وآكل الربا أي تناوله بأي وجه كان ،كما قال تعالى " :الللذين
يأكلون الربا ل يقومون إل كما يقوم الللذي يتخبطلله الشلليطان مللن
المس " اليات .قال ابن دقيق العيد :وهو مجرب لسللوء الخاتمللة.
نعوذ بالله من ذلك.
قوله :وآكل مال اليتيم يعني التعللدي فيلله .وعللبر بالكللل لنلله أعللم
وجوه النتفاع ،كما قال تعالىً " :إن الذين يللأكلون ًأمللوال اليتللامى
ظلما ً إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ".
قوله :والتللولي يللوم الزحللف أي الدبللار عللن الكفللار وقللت التحللام
القتال ،وإنمللا يكللون كللبيرة إذا فللر إلللى غيللر فئة أو غيللر متحللرف
لقتال .كما قيد به في الية.
قوله :وقللذف المحصللنات الغللافلت المؤمنللات وهللو بفتللح الصللاد:
المحفوظات من الزنا ،وبكسرها الحافظات فروجهن منه ،والمراد
بالحرائر العفيفات ،والمراد رميهللن بزنللا أو لللواط .والغللافلت ،أي
عن الفواحش وما رمين به .فهو كنايللة عللن الللبريئاتً .لن الغافللل
بريء عما بهت به .والمؤمنات ،أي بالله تعالى احللترازا مللن قللذف
الكافرات.
قوله) :وعن جندب مرفوعا ً " حد الساحر ضربه بالسيف
" رواه الترمذي( :
وقال :الصحيح أنه موقوف.
قوله :عن جندب ظاهر صنيع الطبراني في الكللبير أنلله جنللدب بللن
عبد الله البجلي .ل جنللدب الخيللر الزدي قاتللل السللاحر فللإنه رواه
في ترجمة جندب البجلي من طريق خالد العبللد علن الحسللن علن
جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم .وخالد العبللد ضلعيف .قلال
الحافظ :والصللواب أنلله غيللره .وقللد رواه ابللن قللانع والحسللن بللن
سفيان من وجهين عن الحسللن عللن جنللدب الخيللر :أنلله جللاء إلللى
ساحر فضربه بالسيف حتى مات ،وقال :سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول فذكره وجندب الخير هللو جنللدب بللن كعللب،
وقيل :جندب بن زهير ،وقيل :هما واحد ،كما قللال ابللن حبللان :أبللو
عبلد اللله الزدي الغاملدي صلحابي روى ابلن السلكن ملن حلديث
بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " :يضرب ضربة واحللدة
فيكون أمة واحدة ".
قوله :حلد السلاحر ضللربه بالسليف وروى بالهللاء وبالتلاء ،وكلهملا
صحيح.
وبهذا الحديث أخذ مالك وأحمد وأبو حنيفة فقالوا :يقتللل السللاحر.
وروى ذلك عن عمر ،وعثمان ،وابن عمر ،وحفصة ،وجندب بن عبد
الله ،وجندب بن كعب ،وقيس ابن سللعد ،وعمللر بللن عبللد العزيللز،
ولم ير الشافعي القتل عليه بمجرد السحر إل إن عمل في سحره
ما يبلغ الكفر .وبه قال ابن المنللذر وهللو روايللة عللن أحمللد .والول
أولى للحديث ولثر عمر ،وعملل بله النلاس فللي خلفتلله ملن غيلر
نكير.
قال) :وفي صحيح البخمماري عمن بجالمة بمن عبمدة قمال:
كتب عمر بن الخطمماب أن اقتلمموا كممل سمماحر وسمماحرة.
قال فقتلنا ثلث سواحر( :
هذا الثر رواه البخاري كما قال المصنف رحمه الله ،لكن لم يللذكر
قتل السواحر.
قوله :عن بجالة بفتلح الموحلدة بعلدها جيلم ،ابلن عبللدة بفتحللتين،
التميمي العنبري بصرى ثقة.
12 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
1
باب
بيان شيء من أنواع السحر
قوله) :باب :بيان شئ من أنواع السحر ( :
قلت :ذكر الشارح رحملله الللله تعللالى هللا هنللا شلليئا ً مللن الخللوارق
وكرامات الولياء وذكر ما ًاغتر بلله كللثير مللن النللاس مللن الحللوال
الشيطانية التي غرت كثيرا من العوام والجهللال ،وظنللوا أنهللا تللدل
على ولية من جرت على يديه ممن هو من أولياء الشيطان ل من
12 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
2
أولياء الرحمن ،ثم قال :ولشيخ السلم كتاب الفرقللان بيللن أوليللاء
الرحمن وأولياء الشيطان فراجعه .انتهى.
قال رحمممه اللممه تعممالى) :قممال أحمممد :حممدثنا محمممد بممن
جعفر .حدثنا عوف عن حيان ابن العلء ،حدثنا قطن بممن
قبيصة عن أبيه أنه سمع النبي صمملى اللممه عليممه وسمملم
قال " :إن العيافة ،والطرق ،والطيرة من الجبت " قممال
عوف :العيافممة زجممر الطيممر ،والطممرق الخممط يخممط فممي
الرض ،والجبت :قال الحسن رنة الشيطان إسناده جيد.
ولبي داود والنسائي وابن حبممان فممي صممحيحه المسممند
منه( :
قوله :قال أحمد هو المام أحمد بن محمد بن حنبل.
ومحمد بن جعفر هو المشهور بغندر الهذلي البصري ،ثقة مشهور،
مات سنة ست ومائتين.
وعوف هو ابن أبي جميلة بفتح الجيم العبللدي البصللري ،المعللروف
بعوف العرابي ،ثقة مات سنة سللت أو سللبع وأربعيللن ،وللله سللت
وثمانون سنة.
وحيان بن العلء هو بالتحتية ،ويقللال حيللان بللن مخللارق ،أبللو العلء
البصري ،مقبول.
وقطن ،بفتحتين أبو سهل البصري صدوق.
قوله :عن أبيه هو قبيصة بفتح أوله ابن مخارق بضم الميم أبو عبد
الله الهللي .صحابي ،نزل البصرة.
قوله :إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت قال عللوف :العيافللة
زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرها ،وهللو مل ًلن عللادات
العرب ،وكلثير ملن أشلعارهم ،يقلال :علاف يعيللف عيفلا ،إذا زجلر
وحدس وظن.
قوله :والطرق الخط يخط الرض كذا فسره عوف ،وهو كذلك.
وقال أبو السعادات :هو الضرب بالحصى الذي يفعله النساء .وأمللا
الطيرة فيأتي الكلم عليها في بابها إن شاء الله تعالى.
قوله :من الجبت أي السحر .قللال القاضللي :والجبللت فللي الصللل
الفضللل الللذي ل خيللر فيلله ،ثللم اسللتعير لمللا يعبللد مللن دون الللله،
وللساحر والسحر.
قوله :قال الحسن :رنة الشيطان قلت :ذكر إبراهيم بن محمد بللن
مفلح أن في تفسير بقي بن مخلد أن إبليس رن أربللع رنللات :رنللة
حين لعن ،ورنة حين أهبط ،ورنة حين ولد رسلول اللله صللى اللله
عليه وسلم ،ورنة حين نزلت فاتحة الكتاب .قال سللعيد بللن جييللر:
لما لعن الله تعالى إبليس تغيرت صورته عن صورة الملئكة ،ورن
رنة ،فكل رنة منها في الدنيا إلى يوم القيامة .رواه ابن أبي حللاتم.
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال :لما فتح رسول الله صلى
رواه الله عليه وسلم مكللة رن إبليللس رنللة اجتمعللت إليلله جنللوده.
الحافظ الضياء في المختارة :الرنين الصوت .وقد رن يللرن رنينلًا،
وبهذا يظهر معنى قول الحسن رحمه الله تعالى.
قوله :ولبي داود وابن حبان في صحيحه :المسللند منلله ولللم يللذكر
التفسللير الللذي فسللره بلله عللوف .وقللد رواه أبللو داود بالتفسللير
المذكور بدون كلم الحسن.
قوله) :وعن أبي عبمماس رضممي اللممه عنهممما قممال :قممال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :مممن اقتبممس شممعبة
من النجوم فقد اقتبس شعبة من السممحر ،زاد ممما زاد "
رواه أبو داود وإسناد صحيح( :
وكذا صححه النووي والذهبي ورواه أحمد وابن ماجه.
12 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
3
قوله :من اقتبس قال أبو السللعادات :قبسللت العلللم واقتبسللته إذا
علمته .اهل.
قوله :شعبة أي طائفة من النجوم علللم .والشللعبة الطائفللة .ومنلله
الحديث " الحياة شعبة من اليمان " أي جزء منه.
قوله :فقد اقتبس شعبة من السحر المحرم تعلمه.
قال شيخ السلم رحمه الله تعالى :فقد صرح رسللول الللله صلللى
الله عليه وسلم بأن علم النجوم مللن السللحر ،وقللال تعللالى " :ول
يفلح الساحر حيث أتى ".
قلوله :زاد ملا زاد ملن تعللم عللم النجلوم زاد فلي الثلم الحاصلل
بزيادة القتباس من شعبه ،فإن ما يعتقده في النجللوم مللن التللأثير
باطل ،كما أن تأثير السحر باطل.
قوله) :وللنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنممه:
فيها فقممد سممحر .ومممن سممحر " من عقد عقدة ثم نفث
فقد أشرك .ومن تعلق شيئا ً وكل إليه "( :
هذا حديث ذكره المصنف ًمن حديث أبي هريرة وعللزاه للنسللائي.
وقد رواه النسائي مرفوعا وحسنه ابن مفلح.
قوله :وللنسائي هو المام الحافظ أحمد بن شللعيب بللن علللي بللن
سنان بن بحر بن دينار أبو عبللد الرحمللن صللاحب السللنن وغيرهللا.
وروى عن محمد بن المثنى وابن بشلار وقتيبلة وخللق ،وكلان إليله
المنتهي في العلم بعلللل الحللديث ،مللات سللنة ثلث وثلثمللائة ،وللله
ثمان وثمانون سنة رحمه الله تعالى.
قوله :من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر اعلم أن السللحرة إذا
أرادوا عمل السحر عقدوا الخيوط ونفثللوا علللى كللل عقللدة ،حللتى
ينعقد ما يريدون من السحر ،قال الله تعالى " :ومن شر النفاثللات
في العقد " يعني السواحر اللتي يفعلن ذلك ،والنفث هو النفخ مع
الريق ،وهو دون التفل .والنفث فعل الساحر ،فللإذا تكيفللت نفسلله
المسللحور ويسللتعين عليلله بللالرواح بللالخبث والشللر الللذي يريللده
الخبيثة نفخ في تلك العقيدة نفخ لا ً معلله ريللق .فيخللرج مللن نفسلله
الخبيثة نفس ممازج للشللر والذى مقللارن للريللق الممللارج لللذلك،
وقد يتساعد هللو والللروح الشلليطانية علللى أذى المسللحور فيصلليبه
بإذن الله الكونى القدرى ل الشرعي ،قاله ابللن القيللم رحملله الللله
تعالى.
قوله :ومن سحر فقد أشرك نللص فللي أن السللاحر مشللرك ،إذا ل
يتأتى السحر بدون الشرك كما حكاه الحافظ عن بعضهم.
قوله :ومن تعلق شيئا ً وكل إليلله أي مللن تعلللق قلبلله شلليئًا :بحيللث
يعتمد عليه ويرجوه وكله الله إلى ذلك الشئ .فمن تعلق على ربه
وإلهه وسيده وموله رب كل شللئ ومليكلله ،كفللاه ووقللاه وحفظلله
وتوله .فنعم المولى ونعم النصير .قال تعالى " :أليس اللله بكلاف
عبللده " ومللن تعلللق علللى السللحرة والشللياطين وغيرهللم مللن
لن تأمللل ذلللك فللي المخلوقين وكله الله إلى من تعلللق فهلللك .ومل
أحوال الخلق ونظر بعين البصيرة رآى ذلك عيانًا ،وهذا من جوامللع
الكلم .والله أعلم.
قال) :وعن ابن مسعود رضي الله عنممه أن رسممول اللممه
صلى الله عليه وسلم قال " :أل هل أنبئكم ما العضممه ؟
هي النميمة ،القالة بين الناس " رواه مسلم( :
قللوله :أل هللل أنللبئكم أخللبركم و العضلله بفتللح المهملللة وسللكون
المعجمة ،قال أبو السعادات :هكذا يروي في كتب الحديث .والذي
في كتب الغريب أل أنبئكم مللا العضلله بكسللر العيللن وفتللح الضللاد.
قال الزمخشللري :أصلللها العضللهة فعلللة مللن العضللة وهللو البهللت.
فحذفت لمه ،كما حذفت من السنة والشفة ،وتجمع علللى عضللين
لة بيللن فللأطلق عليهللا العضللهثمن فسره بقوله :هي النميمللة القالل
لنها ل تنفك من الكذب والبهتان غالبًا .ذكره القرطبي.
12 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
4
وذكر ابن عبد الللبر عللن يحيللى بللن أبللي كللثير قللال :يفسللد النمللام
والكلذاب فلي سلاعة ملا ل يفسلد السلاحر فلي سلنة .وقلال أبلو
الخطللاب فللي عيللون المسللائل :ومللن السللحر السللعي بالنميمللة
والفساد بيللن النللاس .قللال فللي الفللروع :ووجهلله أن يقصللد الذى
بكلمه وعمله على وجه المكر والحيلة ،أشبه السحر ،وهذا يعللرف
بالعرف والعادة أنه يؤثر وينتج ما يعمللله السللحر ،أو أكللثر فيعطللى
حكمه تسوية بين المتمللاثلين أو المتقللاربين .لكللن يقللال :السللاحر
إنما يكفر لوصف السحر وهو أمر خاص ودليله خاص ،وهللذا ليللس
بساحر .وإنما يؤثر عمله ما يؤثره فيعطي ًحكمه إل فيما اختص بلله
من الكفر وعدم قبول التوبة .انتهى ملخصا.
وبه يظهر مطابقة الحديث للترجمة .وهو يدل على تحريم النميمة،
وهو مجمع عليه قللال ابلن حللزم رحمله اللله :اتفقلوا عللى تحريللم
الغيبة والنميمة في غير النصيحة الواجبة .وفيه دليل على أنها مللن
الكبائر.
قوله :القالة بين الناس قال أبو السعادات :أي كثرة القول وإيقللاع
الخصومة بين الناس ومنه الحديث" :فشت القالة بين الناس".
قال) :ولهما عممن ابممن عمممر أن رسمول اللممه صمملى اللممه
عليه وسلم قال " :إن من البيان لسحر "( :
البيان البلغة والفصاحة .قال صعصعة بن صوحان :صدق نبي الله،
فإن الرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بالحجج من صاحب الحللق،
فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق وقال ابن عبد البر تأوله طائفللة
على الذم .لن السحر مللذموم ،وذهللب أكللثر أهللل العلللم وجماعللة
أهل الدب إلى أنه على المدح .لن الله تعالى مللدح البيللان .قللال:
وقد قال عمللر بللن عبللد العزيللز لرجللل سللأله عللن حاجللة فأحسللن
المسألة فأعجبه قوله .قال :هذا ولله السحر الحلل انتهى .والول
أصح والمراد به البيان الذي فيه تمويه على السامع وتلللبيس ،كمللا
قال بعضهم:
والحق قد يعتريه في زخرف القول تزيين لباطله
سوء تعبير
مأخوذ من قول الشاعر:
وإن تشأ قلت :ذا تقول :هذا مجاج النحل ،تمدحه
قيء الزنابير
والحق قد يعتريه مدحا ً وذمًا ،وما جاوزت وصفهما
سوء تعبير
قوله :إن من البيان لسللحرا ً هللذا مللن التشللبيه البليللغ ،لكللون ذلللك
يعمل عمل السحر ،فيجعل الحق في قالب الباطل ،والباطللل فللي
قللالب الحللق .فيسللتميل بلله قلللوب الجهللال ،حللتى يقبلللوا الباطللل
وينكروا الحق ،ونسأل الله الثبات والستقامة على الهدى.
وأما البيان الذي يوضح الحق ويقرره ،ويبطل الباطل ويلبينه .فهلذا
هو الممدوح .وهكذا حال الرسللل وأتبللاعهم ،ولهللذا علللت مراتبهللم
في الفضائل وعظمت حسناتهم.
وبالجملللة فالبيللان ل يحمللد إل إذا لللم يخللرج إلللى حللد السللهاب
والطناب ،وتغطية الحق ،وتحسين الباطل .فإذا خرج إلى هذا فهو
مذموم .وعلى هذا تدل الحاديث كحديث الباب وحللديث " إن الللله
يبغض البليغ من الرجلال اللذي يتخلللل بلسلانه كملا تتخلللل البقلرة
بلسانها " رواه أحمد وأبو داود.
12 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
5
باب
ما جاء في الكهانة
قوله ) :باب ما جاء في الكهان ونحوهم ( :
الكاهن هو الذي يأخذ عللن مسللترق السللمع ،وكللانوا قبللل المبعللث
كثيرًا .وأما بعد المبعث فإنهم قليل .لن الله تعالى حرس السللماء
بالشهب .وأكثر ما يقع في هذه المة ملا يخلبر بله الجلن أوليلاءهم
لياء الغائبللة بمللا يقللع فللي الرض مللن الخبللار، من النس عن الشل
فيظنه الجاهل كشلفا ً وكرامللة ،وقللد اغللتر بل ًلذلك كللثير مللن النللاس
يظنلون المخلبر لهلم بلذلك علن الجلن وليلا للله .وهلو ملن أوليلاء
الشيطان ،كما قال تعالى " :ويوم يحشرهم جميعا ً يا معشر الجللن
قد استكثرتم من النس وقال أوليللاؤهم مللن النللس ربنللا اسللتمتع
بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثللواكم خالللدين
فيها إل ما شاء الله إن ربك حكيم عليم ".
قوله) :روى مسلم في صحيحه عممن بعممض أزواج النممبي
عن النبي صلى الله عليممه وسمملم صلى الله عليه وسلم
قال " :من أتممى عراف ما ً فسممأله عممن ً شممئ ،فصممدقه بممما
يقول ،لم تقبل له صلة أربعين يوما "( :
قوله :عن بعض أزواج النبي صلى الللله عليلله وسلللم هللي حفصللة،
ذكره أبو مسعود الثقفي .لنه ذكر هذا الحديث في الطللراف فللي
مسندها.
قوله :من أتلى عرافلا ً سليأتي بيلان العلراف إن شلاء اللله تعلالى.
وظاهر هذا الحديث أن الوعيد مرتب علللى مجيئه وسللؤاله ،سللواء
صدقه أو شك في خبره .فإن في بعض روايات الصحيح "ملن أتللى
عرافا ً فسأله عن شئ لم تقبل له صلة أربعين ليلة ".
قللوله :لللم تقبللل للله صلللة إذا كللانت هللذه حللال السللائل ،فكيللف
بالمسئول ؟ قال النووي وغيره :معنلاه أنله ل ثلواب لله فيهلا ،وإن
كانت مجزئة بسقوط الفرض عنه ،ول بد من هذا التأويل فللي هللذا
الحديث ،فإن العلماء متفقون على ً أنلله ل يلللزم مللن أتللى العللراف
إعادة صلة أربعين ليلة .ا ه ملخصا.
وفي الحديث النهي عن إتيان الكاهن ونحوه .قال القرطبي :يجللب
على ً من قدر على ذلك من محتسب وغيره أن يقيم مللن يتعللاطى
شيئا من ذلك من السواق وينكر عليهللم أشللد النكيللر ،وعلللى مللن
يجيء إليهللم ،ول يغللتر بصللدقهم فللي بعلض المللور ول بكللثرة ملن
يجيء إليهم من ينتسب إلى العلم ،فإنهم غير راسخين فللي العلللم
بل من الجهال بما في إتيانهم من المحذور.
قال) :عن أبي هريرة رضي اللمه عنمه ً عمن النمبي صملى
الله عليه وسلم قال " :من أتى كاهنا فصدقه بما يقول
فقد كفر بما أنزل على محمد صلى اللممه عليممه وسمملم "
رواه أبو داود( :
وفي رواية أبي داود أو أتى امرأة قال مسدد :امرأته حائضا ً أو أتى
امرأة .قال مسدد :امرأته في دبرهللا فقللد بريللء ممللا أنللزل علللى
محمد صلى الله عليه وسلم فناقل هذا الحديث من السللنن حللذف
منه هذه الجملة واقتصر على ما يناسب الترجمة.
12 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
6
وقال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الللله تعللالى :إن العللراف اسللم
للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ،كالحارز الذي يدعى علم الغيب
أو يدعى الكشف.
وقال أيضًا :والمنجم يدخل فللي اسللم العللراف ،وعنللد بعضللهم هللو
معناه.
وقال أيضًا :والمنجم يدخل في اسم الكاهن عند الخطللابي وغيللره
من العلماء ،وحكى ًذلك عن العرب .وعنللد آخريللن هللو مللن جنللس
الكاهن ،وأسوء حال منه ،فيلحق به من جهة المعنى.
وقال المام أحمد :العرافة طرف من السحر .والساحر أخبث.
وقال أبو السعادات :العراف المنجللم ،والحللارز الللذي يللدعى علللم
الغيب ،وقد استأثر الله تعالى به.
رحملله اللل ًله تعلالى :مللن اشللتهر بإحسللان الزجللر وقال ابلن القيللم
عندهم سموه عائفًا ،وعرافا.
والمقصود من هذا :معرفة أن من يدعى معرفللة علللم الشللئ مللن
المغيبات فهو إما داخل في اسللم الكللاهن ،وإمللا مشللارك للله فللي
المعنى فيلحق به .وذلك أن إصابة المخبر ببعض المور الغائبة في
بعض الحيان يكون بالكشف .ومنه ما هللو مللن الشللياطين ويكللون
بالفللأل والزجللر والطيللرة والضللرب بالحصللى والخللط فللي الرض
والتنجيم والكهانة والسحر ،ونحو هذا مللن علللوم الجاهليللة ،ونعنللى
بالجاهلية كل من ليس من أتباع الرسل عليهم السلم ،كالفلسفة
والكهان والمنجمين ،وجاهلية العرب الذين كانوا قبل مبعلث النلبي
صلى الله عليه وسلم ،فإن هذا علللوم لقللوم ليللس لهللم علللم بمللا
صلى الله عليهم وسلم ،وكل هذه المور تسللمى جاءت به الرسل
صاحبها كاهنا ً أو عرافا ً أو في معناهملا ،فملن أتلاهم فصلدقهم بملا
يقولون لحقه الوعيد .وقد ورث هذه العلوم عنهم أقوام فادعوا بها
علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه ،وادعللوا أنهللم أوليللاء وأن ذلللك
كرامة.
ول ريب أن من ادعى الوليللة ،واسللتدل بإخبللاره ببعللض المغيبللات
فهو من أولياء الشليطان ل ملن أوليلاء الرحملن ،إن الكراملة أملر
يجريه الللله علللى يللد عبللده المللؤمن التقللى ،إمللا بللدعاء أو أعمللال
صالحة ل صنع للولي فيها ،ول قدرة له عليها ،بخلف من يدعى أنه
ولي ويقول للناس :اعلموا أني أعلم المغيبات ،فإن هذه المور قد
تحصل بما ذكرنا من السباب ،وإن كانت أسبابا ً محرمة كاذبة فللي
الغالب ،ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصف الكهللان:
فيكذبون معها مائة كذبة فبين أنهم يصدقون مللرة ويكللذبون مللائة،
وهكذا حال مللن سلللك سللبيل الكهللان ممللن يللدعى الوليللة تزكيللة
النفس المنهي عنها بقوله " :فل تزكوا أنفسكم " وليللس هللذا مللن
شللأن الوليللاء ،فللإن شللأنهم الزراء علللى نفوسللهم وعيبهللم لهللا،
وخوفهم مللن ربهللم ،فكيللف يللأتون النللاس ويقولللون :اعرفللوا أننللا
أولياء ،وأنا نعلم الغيب ؟ وفي ضمن ذلك طلب المنزلة في قلوب
الخلللق واقتنللاص الللدنيا بهللذه المللور .وحسللبك بحللال الصللحابة
والتابعين رضي الله عنهم ،وهم سادات الولياء ،أفكان عندهم من
هذه الدعاوى والشطحات شئ ؟ ل والله بل كان أحللدهم ل يملللك
نفسه من البكاء إذا قرآ القرآن ،كالصديق رضلي اللله عنله ،وكلان
عمر رضي اله عنه يسللمع نشلليجه مللن وراء الصللفوف يبكللي فللي
صلته ،وكان يمر بالية فللي ورده مللن الليللل فيمللرض منهللا ليللالي
وكان تميم الداري يتقلب على فراشه ول يسللتطيع النللوم يعودونه،
إل قليل ً خوفا ً من النار ثم يقوم إلللى صلللته .ويكفيللك فللي صللفات
الوليللاء مللا ذكللره الللله تعللالى فللي صللفاتهم فللي سللورة الرعللد
والمؤمنين والفرقان والذاريات والطور فالمتصفون بتلك الصللفات
هللم الوليللاء الصللفياء ،ل أهللل الللدعوى والكللذب ومنازعللة رب
للً العالمين فيما اختص به من الكبريللاء والعظمللة وعلللم الغيللب ،بل
مجرد دعواه علم الغيللب كفللر .فكيللف يكلون الملدعى لللذلك وليلا
لله ؟ ولقد عظم الضللرر واشللتد الخطللب بهللؤلء المفللترين الللذين
ورثللوا هللذه العلللوم عللن المشللركين ،ولبسللوا بهللا علللى خفللافيش
القلوب :نسأل الله السلمة والعافية في الدنيا والخرة.
قوله) :وقال ابن عباس في قوم يكتبون أبا جاد ...إلى
آخره( :
هذا الثر رواه الطبراني عن ابن عباس مرفوعًا .وإسناده ضللعيف.
ولفظه " رب معلم حروف أبي جللاد دارس فللي النجللوم ليللس للله
12 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
8
عند الله خلق يوم القيامة " ورواه حمد بن زنجويه عنه بلفللظ رب
ناظر في النجوم ومتعلم حروف أبي جاد ليس له عند الله خلق .
قوله :ملا أرى بجللوز فتللح الهملزة بمعنلى :ل أعللم .ويجللوز ضلمها
بمعنى :ل أظن وكتابه أبي جاد وتعلمها لمن يدعى بها علللم الغيللب
هو الذي يسمى علم الحللرف ،وهللو الللذي جللاء فللي الوعيللد ،فأمللا
تعلمها للتهجي وحساب الحمل فل بأس به.
قوله :وينظرون في النجوم أي يعتقدون أن لها تللأثيرا ً كمللا سلليأتي
في باب التنجيم .وفيه ملن الفلوائد علدم الغلترار بملا يؤتلاه أهلل
الباطل من معلارفهم وعللومهم كملا قلال تعلالى " :فلملا جلاءتهم
رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا بلله
يستهزئون ".
باب
ما جاء في النشرة ،وما هي النشرة
قوله ) :باب :ما جاء في النشرة ( :
النشرة ضللرب بضم النون ،كما في القاموس ،قال أبو السعادات:
من العلج والرقيللة ،يعالللج بلله مللن يظللن أن بلله مسلا ً مللن الجللن،
سميت نشرة لنه ينشر بها عنه ما خللامره مللن الللداء ،أي يكشللف
ويزال.
قال الحسن :النشرة من السحر .وقد نشللرت عنلله تنشلليرًا ،ومنلله
الحديث :فلعل طبا ً أصابه ،ثللم نشللره بقللل أعللوذ بللرب النللاس أي
رقاه.
وقال ابن الجوزي :النشللرة حللل السللحر عللن المسللحور .ول يكللاد
يقدر عليه إل من يعرف السحر.
قال) :عن جابر رضي الله عنهما أن رسممول اللممه صمملى
الله عليه وسلم سئل عن النشممرة ؟ فقممال " :هممي مممن
الشمميطان " رواه أحمممد بسممند جيممد .وأبممو داود ،وقممال:
سئل أحمد عنها فقال :ابن مسعود يكره هذا كله( :
12 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
9
هذا الحديث رواه أحمد ورواه عنه أبو داود في سننه .والفضل بللن
زياد في كتاب المسائل عن عبد الرزاق عن عقيللل بللن معقللل بللن
منبه عن جابر فذكره قال ابن مفلح :إسناد جيللد ،وحسللن الحللافظ
إسناده.
قوله :سئل عن النشرة واللف واللم فيالنشرة للعهد أي النشللرة
المعهللودة الللتي كللان أهللل الجاهليللة يصللنعونها هللي مللن عمللل
الشيطان.
قوله :وقال :سئل أحمد عنها فقال :ابن مسعود يكره هذا كله أراد
النشرة التي هلي مللن عملل أحمد رحمه الله أن ابن مسعود يكره
الشيطان كما يكره تعليق التمائم مطلقًا.
قوله) :وللبخاري عن قتادة :قلت لبن المسيب رجل به
طب أو يؤخذ عن امرأته أيحل عنممه ،أو ينشممر ؟ قممال :ل
بأس به :إنما يريدون به الصلح فأما ما ينفممع فلممم ينممه
عنه( :
قوله :عن قتادة هو ابن دعامة بكسر الدال الدوسي ثقة فقيه مللن
أحفظ التابعين .قالوا إنه ولد أكمه .مات سنة بضع عشرة ومائة.
طللب الرجللل قوله :رجل به طب بكسللر الطللاء .أي سللحر ،يقللال:
لاؤ ً
ل .كمللا يقللال بالضم ذا سحر .ويقال :كنوا عن السحر بالطب تفل
للديغ :سليم.
وقال ابن النبلاري :الطلب ملن الضلداد .يقلال لعلج اللداء طلب،
والسحر من الداء يقال له طب.
قوله :يؤخذ بفتح الواو مهموزة وتشديد الخاء المعجمة وبعدها ذال
معجمة .أي يحبس عن امرأته ول يصل إلى جماعها .والخذة بضللم
الهمزة الكلم الذي يقوله الساحر.
قوله :أيحل بضم الياء وفتح الحاء مبنى للمفعول.
قوله :أو ينشر بتشديد المعجمة.
قوله :ل بأس به يعنللي أن النشللرة ل بلأس بهللا لنهللم يريلدون بهلا
الصلح ،أي إزالة السحر ،ولم ينه عما يراد به الصلح ،وهللذا مللن
ابن المسيب يحمل على نوع من النشرة ل يعلم أنه سحر.
قوله) :وروى الحسن أنه قال :ل يحل السممحر إل سمماحر
هذا الثر ذكره ابن الجوزي في جامع المسانيد( :
والحسن هو ابللن أبللي الحسللن واسللمه :يسللار بالتحتيللة والمهملللة
البصرى النصاري :مولهم .ثقة فقيه ،إمام من خيار التابعين .مات
سنة عشرة ومائة رحمه الله ،وقد قارب التسعين.
قمموله) :قممال ابممن القيممم :النشممرة حممل السممحر عممن
المسحور ،وهي نوعان ،حل بسحر مثله ،وهو الممذي مممن
عمل الشيطان إلى آخره( :
ومما جاء في صفة النشرة الجائزة :ملا رواه ابلن أبلي حلاتم وأبللو
الشيخ عن ليث بن أبي سليم قال :بلغنللي أن هللؤلء اليللات شللفاء
من السحر بإذن الله ،تقرأ في إناء فيه ماء ،ثللم يصللب علللى رأس
المسحور :الية التي في سورة يونس " ، :فلما ألقوا قال موسللى
مللا جئتللم بلله السللحر إن الللله سلليبطله إن الللله ل يصلللح عمللل
المفسللدين * ويحللق الللله الحللق بكلمللاته ولللو كللره المجرمللون "
وقوله " :فوقع الحق وبطل مللا كللانوا يعملللون " إلللى آخللر اليللات
الربع .وقوله " :إنما صنعوا كيد ساحر ول يفلح الساحر حيللث أتللى
".
وقال ابن بطال :في كتاب وهب بن منبلله :أنله يأخللذ سلبع ورقلات
من سدر أخضر فيدقه بين حجرين ثم يضربه بالماء ويقرأ فيلله آيللة
الكرسي والقواقل ثللم يحسللو منلله ثلث حسللوات ثللم يغتسللل بلله
يذهب عنه كل مابه ،هو جيد للرجل إذا حبس عن أهله.
13 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
0
باب
ما جاء في التطير
قوله ) :باب :ما جاء في التطير ( :
أي من النهي عنلله والوعيللد فيلله ،مصللدر تطيللر يتطيللر ،و الطيللرة
بكسر الطاء وفتح الياء ،وقد تسكن اسم مصدر ملن تطيللر طيلرة،
كما يقال تخير خيرة ،ولللم يجيللء فللي المصللادر علللى هللذه الزنللة
غيرهمللا ،وأصللله التطيللر بالسللوانح والبللوارح مللن الطيللر والظبللاء
وغيرهما ،وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم ،فنفاه الشارع وأبطله،
وأخبر أنه ل تأثير له في جلب نفع ول دفع ضر.
قال المدائني سألت رؤبه بن العجاج قلت :ما السللانح ؟ قللال :مللا
ولك ميامنه .قلت :فملا البللارح ؟ قلال :ملا ولك مياسللره .والللذي
يجيء من أمامك فهو الناطح والنطيللح ،والللذي يجيللء مللن خلفللك
فهو القاعد والقعيد .
ولما كانت الطيرة ملن الشلرك المنلافي لكملال التوحيلد اللواجب
ووسوسللته ذكرهللا المصللنف لكونها من إلقللاء الشلليطان وتخللويفه
رحملله الللله فللي كتللاب التوحيللد تحللذيرا ً ممللا ينللافي كمللا التوحيللد
الواجب.
قوله) :وقول الله تعالى " :أل إنما طائرهم عند اللممه ...
الية" ( :
ذكر تعالى هذه الية في سياق قوله " :فإذا جاءتهم الحسللنة قلالوا
لنللا هللذه وإن تصللبهم سلليئة يطيللروا بموسللى ومللن معلله " اليللة.
المعنللى :أن آل فرعللون كللانوا إذا أصللابتهم الحسللنة ،أي الخصللب
والسعة والعافية ،كما فسره مجاهد وغيره قالوا :لنا هذه ،أي نحن
الجديرون والحقيقيون به ،ونحن أهللله .وإن تصللبهم سلليئة .أي بلء
وقحط تطيروا بموسى ومن معلله ،فيقولللون :هللذا بسللبب موسللى
وأصحابه أصابنا بشؤمهم فقال الله تعالى " :أل إنما طللائرهم عنللد
الله " قال ابن عباس طللائرهم :ماقضللى عليهللم وقللدر لهللم وفللي
رواية شؤمهم عند الله ومن قبله أي إنما جاءهم الشؤم مللن قبللله
بكفرهم وتكذيبهم بآياته ورسله.
قوله " :ولكن أكثرهم ل يعلمون " أي أن أكثرهم جهللال ل يللدرون.
ولو فهملوا وعقللوا لعلملوا أنلله ليللس فيملا جلاء بلله موسللى عليله
السلم إلى الخير والبركة والسعادة والفلح لمن آمن به واتبعه.
قوله) :وقوله تعالى " :قالوا طائركم معكم ...الية" ( :
المعنللى والللله أعلللم حظكللم ومللا نللابكم مللن شللر معكللم ،بسللبب
أفعالكم وكفركلم ومخلالفتكم الناصللحين ،ليلس هللو ملن أجلنللا ول
13 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
1
بسببنا .بل ببغيكم وعدوانكم .فطائر الباغي الظالم معه ،فما وقللع
به مللن الشللر فهللو سللببه الجللالب للله .وذلللك بقضللاء الللله وقللدره
وحكمته وعدله ،كما قال تعالى " ، :أفنجعل المسلمين كالمجرمين
* ملا لكللم كيلف تحكمللون " ويحتملل أن يكللون المعنلى :طللائركم
معكم .أي راجع عليكم ،فالتطير الذي حصل لكم إنما يعود عليكم.
وهذا من بللاب القصللاص فللي الكلم .ونظيللره قللوله عليلله الصلللة
والسلم " :إذا سلم عليكم أهل الكتللاب فقولللوا :وعليكللم " ذكللره
ابن القيم رحمه الله.
قوله تعللالى " :أإن ذكرتللم " أي مللن أجللل أنللا ذكرنللاكم وأمرنللاكم
بتوحيد الله قابلتمونا بهذا الكلم " بل أنتللم قللوم مسللرفون " قللال
قتادة :أئن ذكرناكم بالله تطيرتم بنا ؟
ومناسللبة اليللتين للترجمللة :أن التطيللر مللن عمللل أهللل الجاهليللة
والمشركين .وقد ذمهم الله تعالى بلله ومقتهللم ،وقللد نهللى رسللول
الله صلى الله عليه وسلم عن التطير وأخبر أنه شرك .كما سيأتي
في أحاديث الباب.
قال ) :وعن أبي هريرة رضي الله عنممه أن رسممول اللممه
صلى اللممه عليممه وسمملم قممال " :ل عممدوى ول طيممرة ول
هامة ول صفر " أخرجاه .زاد مسلم " :ول نوء ول غممول
"( :
قال أبو السعادات :العللدوى اسللم مللن العللداء .كالللدعوى .يقللال:
أعداء الداء يعديه إعداد إذا أصابه مثل ما بصاحب الداء.
وقال غير :ل عدوى هو اسم من العداد ،وهللو مجللاوزة العلللة مللن
صاحبها إللى غيلره والمنفلي نفللس سلراية العللة أو إضلافتها إلللى
العلة .والول هو الظاهر.
وفي رواية لمسلللم أن أبللا هريللرة كللان يحللدث بحللديث ل عللدوى،
ويحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " :ل يورد ممرض
على مصح " ثم إن أبا هريرة اقتصر على حديث :ل يللورد ممللرض
على مصح وأمسك عن حديث ل عدوى فراجعوه وقالوا :سللمعناك
تحدث به ،فأبى أن يعترف به .قال أبللو مسلللمة الللراوي عللن أبللي
هريرة :فل أدري أنسى أبو هريرة أو نسخ أحد القولين الخر ؟
وقد روى حديث ل عدوى جماعللة مللن الصللحابة :أنللس بللن مالللك،
وجابر بن عبد الله ،والسائب بن يزيد ،وابن عمللر ،وغيرهللم ،وفللي
بعض روايات هذا الحديث وفر من المجذوم كما تفر من السد.
وقد اختلف العلماء في ذلك .وأحسن ما قيل فيلله :قللول الللبيهقي،
وتبعه ابن الصلح وابن القيم ،وابن رجب ،وابن مفلح وغيرهللم :أن
قوله :ل عدوىعلى الوجه الللذي يعتقللده أهللل الجاهليللة مللن إضللافة
الفعل إلى غير الله تعالى ،وإن هذه المور تعدى بطبعها .وإل فقللد
يجعل الله بمشيئته مخالطة الصللحيح مللن بلله شللئ مللن المللراض
سببا ً لحدوث ذلك ،ولهذا قال :فر من المجذوم كما تفر من السللد
وقال :ل يورد ممرض على مصح وقال في الطاعون :من سمع به
في أرض فل يقللدم عليلله وكللل ذلللك بتقللدير الللله تعللالى .ولحمللد
والترمذي عن ابن مسعود مرفوعًا " :ل يعدي شئ قالها ثلثا ً فقال
أعرابي يا رسول الله إن النقبة من الجرب تكون بمشفر البعير أو
بذنبه في البل العظيمة فتجرب كلهللا ؟ فقللال رسللول الللله صلللى
الله عليه وسلم :فمن أجرب الول ؟ ل عدوى ول طيللرة ول هامللة
ول صفر ،خلق الللله كللل نفللس وكتللب حياتهللا ومصللائبها ورزقهللا "
فأخبر صلى الله عليه وسلم أن ذلك كله قضاء الله وقدره ،والعبللد
مأمور باتقاء أسباب الشر إذا كان في عافية .فكما أنه يللؤمر أن ل
يلقى نفسه في الماء والنار ،مما جللرت العللادة أن يهلللك أو يضللر.
فكللذلك اجتنللب مقاربللة المريللض كالمجللذوم ،والقللدوم علللى بلللد
الطاعون .فإن هذه كلها أسباب للمرض والتلف ،فالله سبحانه هللو
خالق السباب ومسبباتها .ل خالق غيللره ول مقللدر غيللره .وأملا إذا
الله وقدره فقللويت النفللس قوى التوكل على الله واليمان بقضاء
على مباشرة بعض هذه السباب اعتمادا ً على الله ورجللاء منلله أن
ل يحصل به ضرر ،ففي هذه الحال تجوز مباشرة ذلك ،لسلليما إذا
كانت مصلحة عامة أو خاصة ،وعلى هذا يحمل الحديث الللذي رواه
أبو داود والترمللذي " :أن النللبي صلللى الللله عليلله وسلللم أخللذ بيللد
مجذوم فأدخلها معه في القصعة ،ثم قال كل بسم الله ثقللة بللالله
وتوكل ً عليه " وقد أخذ به المام أحمد .وروى ذلللك عللن ابللن عمللر
وابنه وسلمان رضي الله عنهم .ونظير ذلك ما روى عللن خالللد بللن
الوليد رضي الله عنه أنلله أكللل السللم ومنلله مشلى سللعد بلن أبلي
وقاص وأبي مسلللم الخللولني علللى متللن البحللر ،قللاله ابللن رجللب
رحمه الله.
13 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
2
قوله :ول طيرة قال ابن القيم رحمه الله تعالى :يحتمللل أن يكللون
نفيا ً أو نهيا ً أي ل تطيروا ،ولكللن قللوله فللي الحللديث :ل عللدوي ول
صفر ول هامة يدل على أن المراد النفي وإبطال هذه المور الللتي
كانت الجاهلية تعانيها .والنفي في هذا أبلغ مللن النهللي .لن النفللي
يدل على بطلن ذلك وعدم تأثيره ،والنهللي إنمللا يللدل علللى المنللع
منه.
وفي صحيح مسلم عن معاوية بللن الحكللم أنلله قللال لرسللول الللله
صلى الله عليه وسلم " ومنا أناس يتطيرون .قال :ذلك شئ يجده
أحدكم في نفسه فل يصدنكم " فأخبر أن تأذيه وتشللاؤمه بللالطيرة
إنما هو فللي نفسلله وعقللدته ،ل فللي المتطيللر بلله ،فللوهمه وخللوفه
وإشراكه هو الذي يطيره ويصده لمللا رآه وسللمعه ،فأوضللح صلللى
الله عليه وسلم لمته المر ،وبين لهللم فسللاد الطيللرة ليعلمللوا أن
الله ًسبحانه لم يجعل لهم عليلله علمللة ،ول فيهللا دللللة ،ول نصللبها
سببا لما يخافونه ويحللذرونه ،ولتطمئن قلللوبهم ،وتسللكن نفوسللهم
إلى وحدانيته تعالى التي أرسل بها رسله ،وأنزل بهللا كتبلله ،وخلللق
لجلهللا السللماوات والرض ،وعمللر الللدارين الجنللة والنللار بسللبب
التوحيد فقطع صلى الله عليه وسلم علق الشرك في قلوبهم ،لئل
يبقى فيها علقة منها ،ول يتلبسوا بعمل من أعمال أهل النار البتة.
فمن استمسللك بعللروة التوحيللد الللوثقى ،واعتصللم بحبللله المللتين،
اسللتقرارها ،وبللادر وتوكل على الله ،قطع هاجس الطيرة من قبل
خواطرها من قبل استكمانها .قلال عكرملة :كنلا جلوسلا ً عنلد ابلن
عباس ،فمر طائر يصيح ،فقال رجل من القوم :خير خير .فقال له
ابن عباس :لخير ول شر.فبادره بلنكار عليه لئل يعتقد تللأثيره فللي
الخير والشر .وخرج طاوس مع صاحب له في سفر ،فصاح غراب،
الرجل :خير .فقال طاوس :وأي خير عند هذا ؟ ل تصللحبي .ا فقال
ه ملخصًا.
وقد جاءت أحاديث ظن بعض الناس أنها تدل على جللواز الطيللرة،
كقوله :الشؤم في ثلث :في المرأة ،والدابة ،والدار ونحو هذا.
قال ابن القيم رحمه الله تعللالى :إخبللاره صلللى الللله عليلله وسلللم
بالشؤم في هذه الثلثة ليس فيلله إثبللات الطيللرة الللتي نفاهللا الللله
سبحانه قد يخلق منها أعيانا ً مشللؤومة سبحانه ،وإنما غايته أن الله
يلحق من ًقاربهللا شللؤم ً على من قاربها وساكنها ،وأعيانا ً مباركة ل
سبحانه الوالدينً ولدا مباركا يريان الخيللر ول شر ،وهذا كما يعطي
على وجهه ،ويعطى غيرهما ولدا ً مشؤوما يريان الشر على وجهلله،
وكذلك ما يعطاه العبد مللن وليللة وغيرهللا ،فكللذلك الللدار والمللرأة
الخيلر والشلر والسلعود والنحلوس، والفرس .والله سبحانه خلالق
بسللعادة مللن ً فيخلق بعض هللذه العيللان سللعودا ً مباركللة ،ويقضللي
قاربها وحصول اليمن والبركة له .ويخلق بعضها نحوسا يتنحس بها
من قاربها .وكل ذلللك بقضللائه وقللدره ،كمللا خلللق سللائر السللباب
وربطها بمسبباتها المتضادة والمختلفة .كمللا خلللق المسللك وغيللره
من الرواح ًالطيبة ولذذ بها من قاربهللا مللن النللاس .وخلللق ضللدها
وجعلها سببا للم من قاربها من الناس ،والفرق بين هذين النوعين
مدرك بالحس ،فكذلك الديار والنساء والخيل .فهذا لللون والطيللرة
الشركية لون .انتهى.
قوله :ول هامة بتخفيف الميم على الصللحيح .قللال الفللراء :الهامللة
طير من طير الليل .كأنه يعني البومللة .قللال ابللن العرابللي :كللانوا
يتشاءمون بها إذا وقعت على بيت أحدهم ،يقول :نعت إلى نفسللي
أو أحدا ً من أهل داري ،فجاء الحديث بنفي ذلك وإبطاله.
قوله :ول صفر بفتح الفاء ،روى أبو عبيدة في غريب الحللديث عللن
رؤبة أنه قال :هي حية تكون في البطن تصلليب الماشللية والنللاس،
وهي أعدى من الجرب عند العرب .وعلللى هللذا فللالمراد بنفيلله مللا
كانوا يعتقللدونه مللن العللدوى وممللن قللال بهللذا سللفيان بللن عيينللة
والمام أحمد والبخاري وابن جرير.
وقال آخرون :المراد به شهر صفر ،والنفي لما كان أهللل الجاهليللة
يفعلللونه فللي النسلليء وكللانوا يحلللون المحللرم ويحرمللون صللفر
مكانه،وهو قول مالك.
وروى أبو داود عن محمد بن راشللد عمللن سللمعه يقللول :إن أهللل
الجاهلية يتشاءمون بصفر ،ويقولللون :إنلله مشللؤوم ،فأبطللل النللبي
صلى الله عليه وسلم ذلك .قال ابن رجب :ولعل هذا القول أشللبه
القلوال ،والتشللاؤم بصللفر هلو ملن جنللس الطيللرة المنهللي عنهللا،
وكللذلك التشللاؤم بيللوم مللن اليللام كيللوم الربعللاء وتشللاؤم أهللل
الجاهلية بشوال في النكاح فية خاصة.
13 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
3
قوله :ول نواء النوء واحد النواء ،وسيأتي الكلم عليه فللي بللابه إن
شاء الله تعالى.
قوله :ول غول هو بالضم اسم ،وجمعه أغوال وغيلن ،وهللو المللراد
هنا.
قال أبللو السلعادات :الغللول واحلد الغيلن ،وهلو جنلس مللن الجلن
والشياطين ًكانت العرب تزعم أن الغول في الفلة تتراءى للناس،
تتلللون تلونلا فللي صللور شللتى وتغللولهم ،أي تضلللهم عللن الطريللق
وتهلكهم ،فنفاه النبي صلى الله عليه وأبطله.
فإن قيل :ما معنى النفي وقد قال النبي صلى الله عليه وسلللم" :
إذا تغولت الغيلن فبادروا بالذان ".
أجيب عنه :بأن ذلك كان في البتداء ،ثم دفعها الله عللن عبللاده .أو
يقال :المنفى ليس وجود الغول ،بل ما يزعمه العرب مللن تصللرفه
في نفسه ،أو يكون المعنى بقوله ل غول أنها ل تسللتطيع أن تضللل
أحدا ً مع ذكر الله والتوكل عليه .ويشهد له الحديث الخر " ل غللول
ولكن السعالى سللحرة الجللن " أي ولكللن فللي الجللن سللحرة لهللم
تلبيس وتخييل .ومنه الحديث " إذا تغولت الغيلن فبادروا بالذان "
أي ادفعوا شرها بذلك بذكر الله.
وهذا يدل على أنه لم يرد بنفيها أو عدمه .ومنه حديث أبي أيوب "
كان لي تمر في سهوة فكانت الغول تجي فتأخذ ".
قوله) :ولهما عن أنس قال :قال رسول الله صلى اللممه
عليه وسلم ل عدوى ول طيرة ،ويعجبني الفممأل ،قممالوا:
وما الفأل ؟ قال :الكلمة الطيبة "( :
قوله :ويعجبني الفأل قال أبو السعادات :الفأل ،مهموز فيملا يسللر
ويسوء ،والطيرة ل تكللون إل فيمللا يسللوء ،وربمللا اسللتعملت فيمللا
يسر .يقال :تفاءلت بكللذا وتفللاولت ،علللى التحقيللق والقلللب ،وقللد
أولع الناس بترك الهمزة تخفيفًا ،وإنما أحللب الفللأل لن النللاس إذا
أملوا فائدة الله ورجوا عائدته عند كل سبب ضعيف أو قللوى فهللم
على خير ،وإذا قطعوا آمالهم ورجاءهم من الللله تعللالى كللان ذلللك
من الشر .وأما الطيرة فإن فيهللا سللوء الظللن بللالله وتوقللع البلء،
والتفاؤل :أن يكون رجل مريض فيسللمع آخللر يقللول :يللا سللالم ،أو
يكون طالب ضالة فيسمع آخر يقول :يا واجد ،فيقع فللي ظنلله أنلله
يبرأ من مرضه ويجد ضالته .ومنه الحديث" :قيل يا رسول الله مللا
الفأل ؟ قال :الكلمة الطيبة ".
قوله :قالوا :وما الفأل ؟ قال :الكلمة الطيبة بين صلللى الللله عليلله
وسلم أن الفأل يعجبه فللدل علللى أنلله ليللس مللن الطيللرة المنهللى
عنها.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :ليس في العجاب بالفأل ومحبتلله
شئ من الشللرك ،بللل ذلللك إبانللة عللن مقتضللى الطبيعللة ومللوجب
الفطرة النسانية التي تميل إلى ما يوافقها ويلئمها ،كمللا أخللبرهم
صلى الله عليه وسلم أنه حبللب إليلله مللن الللدنيا النسللاء والطيللب،
وكان يحب الحلواء والعسل ،ويحب حسن الصوت بالقرآن والذان
ويستمع إليه ويحب معالي الخلق ومكارم الشلليم .بالجملللة يحللب
كل كمال وخير ما يفضي إليهما ،والله سبحانه قد جعل في غللرائز
الناس العجاب بسللماع السللم الحسللن ومحبتلله ،وميللل نفوسللهم
إليه ،وكذلك جعل فيها الرتياح والستبشار والسللرور باسللم الفلح
والسلم والنجاح والتهنئة والبشرى والفوز والظفر ونحو ذلك ،فإذا
قرعت هذه السماء السماع استشبرت بها النفللوس وانشللرح لهللا
سمعت أضدادها أوجب لها ضللد هللذه الصدر وقوى بها القلب ،وإذا
وطيرة وانكماشا ً وانقباض ًا ً عما لها خوفا ً الحال .فأحزنها ذلك ،وأثار
قصدت له وعزمت عليه ،فأورث لها ضررا ً فللي الللدنيا ونقص لا فللي
اليمان ومقارفة الشرك.
وقال الحليمي :وإنما كان صلى الله عليه وسلللم يعجبلله الفلأل لن
التشاؤم سوء ظن بالله تعالى بغير سبب محقق ،والتفللاؤل حسللن
ظن به ،والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال.
13 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
4
باب
ما جاء في التنجيم
قوله ) :باب :ما جاء في التنجيم ( :
قال شلليخ السلللم رحملله الللله :التنجيللم هللو السللتدلل بللالحوال
الفكلية على الحوادث الرضية.
وقال الخطابي :علم النجوم المنهى عنه هو ما يدعيه أهل التنجيللم
من علللم الكللوائن والحللوادث الللتي سللتقع فللي مسللتقبل الزمللان،
كأوقات هبوب الريللاح ومجيللء المطللر ،وتغيللر السللعار ،ومللا فللي
ليرً
معناهللا مللن المللور الللتي يزعمللون أنهللا تللدرك معرفتهللا بمسل
الكواكب في مجاريها ،واجتماعها وافتراقها ،يللدعون أن لهللا تللأثيرا
في السفليات ،وهلذا منهلم تحكلم عللى الغيلب ،وتعلاط لعللم قلد
استأثر الله به ،ول يعلم الغيب سواه.
قتادة :خلممق اللممه قوله) :قال البخاري في صحيحه :قال
هذه النجموم لثلث :زينة للسممماء ،ورجومما ً للشممياطين،
وعلمات يهتدى بها ،فمممن تممأول فيهمما غيممر ذلممك أخطممأ
وأضاع نصيبه ،وتكلف ما ل علم له به( :
هذا الثر علقه البخاري في صحيحه .وأخرجه عبد الرزاق وعبد بللن
حميد وابن جرير وابن المنذر وغيرهم .وأخرجه الخطيب في كتاب
لثلث
لومرجوملا ً النجوم عن قتادة ،ولفظه قال :إنما جعل الللله هللذه النجل
خصال :جعلها زينللة للسللماء ،وجعلهللا يهتللدى بهللا ،وجعلهللا
للشيطاطين .فمن تعاطى فيها غير ذلللك فقللد قللال برأيلله ،وأخطللأ
حظه وأضاع نصيبه ،وتكلف ما ل علم له به ،وإن ناسلا ً جهلللة بللأمر
الله قد أحدثوا في هذه النجوم كهانة :من أعرس بنجللم كللذا وكللذا
كان كذا وكذا ،ومن سافر بنجم كذا وكذا كان كللذا وكللذا .ولعمللري
ما من نجم إل يولد به الحمر والسود والطويل والقصير والحسللن
والدميم ،وما علم هذه ً النجوم وهذا الدابة وهذا الطلائر بشللئ مللن
هذا الغيب ولو أن أحدا علم الغيب لعلمه آدم الذي خلقه الله بيللده
وأسجد له ملئكته وعلمه أسماء كل شئ انتهى.
فتأمل ما أنكره هذا المللام ممللا حللدث مللن المنكللرات فللي عصللر
التابعين ،وما زال الشر يزداد في كل عصر بعدهم حتى بلغ الغايللة
في هذه العصللار ،وعمللت بلله البلللوى فللي جميللع المصللار فمقللل
ومستكثر ،وعز في الناس من ينكللره ،وعظمللت المصلليبة بلله فللي
الدين .فإنا لله وإنا إليه راجعون.
قوله :خلق الله هذه النجوم لثلث ًقال تعالى " :ولقد زينا السللماء
الللدنيا بمصللابيح وجعلناهللا رجومللا للشللياطين " وقللال تعللالى" :
وعلمات وبالنجم هم يهتدون " وفيلله إشللارة إلللى أن النجللوم فللي
السماء الدنيا ،كما روى ابن مردويه عللن ابللن مسللعود رضللي الللله
السلماء عنه قال :قال رسول اللله صللى اللله عليله وسللم " أملا
لراجا ً وقمللرا ً منيللرًا،
الدنيا فإن الله خلقها من دخان وجعل فيهللا سل
وزينها بمصابيح وجعلها رجوما ً للشياطين ،وحفظا ً من كل شلليطان
رجيم ".
13 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
7
قوله :وعلمات :أي دللت على الجهات يهتدي بها أي يهتللدي بهللا
الناس في ذلك .كما قال تعللالى " :وهللو الللذي جعللل لكللم النجللوم
لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر " أي لتعرفوا بها جهة قصللدكم،
وليس المراد أن يهتدي بها في علم الغيب ،كما يعتقده المنجمون،
وقد تقدم وجه بطلنه وأنه ل حقيقة له كما قال قتادة :فمللن تللأول
فيها غير ذلك أي زعم فيها غير ملا ذكللر الللله فللي كتللابه مللن هللذه
الثلث فقد أخطأ .حيث زعم شيئا ً ما أنللزل الللله بلله مللن سلللطان،
وأضاع نصيبه من كل خير ،لنه شغل نفسه بما يضره ول ينفعه.
فإن قيل :المنجم قد يصدق ؟ قيل :صدقه كصدق الكاهن ،ويصدق
في ًكلمة ويكذب في مائة .وصدقه ليس عن علم ،بللل قللد يوافللق
قدرا ،فيكون فتنة في حق من صدقه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما فلي قللوله " :وألقللى فلي الرض
رواسي أن تميد بكم وأنهللارا وسللبل لعلكللم تهتللدون * وعلمللات "
فقوله :علمات معطوف على ما تقدم مما ذكللره فللي الرض ،ثللم
استأنف فقال " :وبالنجم هم يهتدون " ذكللره ابللن جريللر عللن ابللن
عباس بمعناه.
وقد جاءت الحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بإبطللال علللم
التنجيم ،كقوله " :من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شللعبة
من السحر .زاد ما زاد ".
وعن رجاء بن حيوة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " :إن مما
أخاف علللى أمللتي :التصللديق بللالنجوم ،والتكللذيب بالقللدر ،وحيللث
مرفوع لًا " :أخللاف الئمة " رواه عبد بن حميد .وعللن أبللي محجللن
على أمتي ثلثًا :حيف الئمة ،وإيمانا ً بالنجوم وتكذيبا ً للقللدر " رواه
ابن عساكر وحسنه السيوطي.
أنس رضي الله مرفوعا ً "أخاف عللى أمللتي بعلدي خصللتين: وعن
تكللذيبا ً بالقللدر ،وإيمللان بللالنجوم " رواه أبللو يعلللي ًوابللن عللدي
والخطاب في كتاب النجللوم وحسللنه السلليوطي أيضلا .والحللاديث
في ذم التنجيم والتحذير منه كثيرة.
قوله) :وكره قتادة تعلم منازل القمر .ولم يرخممص ابممن
عيينة فيه .ذكره حرب عنهما .ورخص في تعلم المنممازل
أحمد وإسحاق( :
قال الخطابي :أما علم النجوم الذي يدرك مللن طريللق المشللاهدة
فإنه غير داخل والخبر الذي يعرف به الزوال ،وتعلم به جهة القبلة
فيما نهى عنه .وذلك ًأن معرفة رصد الظل ليس شيئا ً أكثر من أن
الظل ما دام متناقصا فالشمس بعللد صللاعدة نحللو وسللط السللماء
من الفق الشرقي ،وإذا أخللد فللي الزيللادة فالشللمس هابطللة مللن
وسللط السللماء نحللو الفللق الغربللي ،وهللذا علللم يصللح إدراكلله
بالمشاهدة ،إل أن أهل هذه الصناعة قللد دبروهللا بمللا اتخللذوه مللن
اللت التي يستغنى الناظر فيها عن مراعاة مدته ومراصدته .وأما
ما يستدل به من النجوم على جهة القبلة فإنها كواكب رصدها أهل
الخبرة من الئمة الذين ل نشك في عنايتهم بأمر الدين ومعرفتهم
بها وصدقهم فيما أخبروا به عنها ،مثل أن يشاهدها بحضرة الكعبللة
ويشللاهدها علللى حللال الغيبللة عنهللا ،فكللان إدراكهللم الدللللة منهللا
بالمعاينة ،وإدراكنا ذلك بقبول خبرهم إذ كللانوا عنللدنا غيللر مهتميللن
في دينهم ،ول مقصرين في معرفتهم .انتهى.
يتعلم الرجللل وروى ابن المنذر عن مجاهد أنه كان ل يرى بأسا ً أن
منازل القمر .وروى عن إبراهيللم أنلله كللان ل يللرى بأسلا ً أن يتعلللم
الرجل من النجوم ما يهتللدي بلله .قللال ابللن رجللب :والمللأذون فللي
تعلمه التسيير ل علم التأثير فإنه باطل محرم ،قليله وكثيره .وأمللا
علم التسيير فيتعلم مللا يحتللاج إليلله منلله للهتللداء ومعرفللة القبلللة
والطرق جائز عند الجمهور.
قوله :ذكره حرب عنهما هو المام الحافظ حرب بن إسماعيل أبللو
محمد الكرماني الفقيه من جلللة أصللحاب المللام أحمللد .روى عللن
أحمللد وإسللحاق وابللن المللديني وابللن معيللن وغيرهللم .وللله كتللاب
المسائل التي سئل عنها المللام أحمللد وغيللره ،ملات سللنة ثملانين
ومائتين .وأما إسحاق فهو ابن إبراهيم بن مخلد أبو أيوب الحنظلي
النيسابوري ،المام المعروف بابن راهويه .روى عللن ابللن المبللارك
وأبي أسامة وابن عيينة وطبقتهم .قال أحمد :إسللحاق عنللدنا إمللام
من أئمة المسلمين .روى عنه أحمللد والبخللاري ومسلللم وأبللو داود
13 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
8
وغيرهللم .وروى هللو أيضللا ً عللن أحمللد .مللات سللنة تسللع وثلثيللن
ومائتين.
قال) :وعن أبي موسى رضي الله عنه قال :قال رسول
الله صلى اللممه عليممه وسمملم " :ثلثممة ل يممدخلون الجنممة:
مدمن الخممر ،وقماطع الرحمم ،ومصمدق بالسمحر " رواه
أحمد وابن حبان في صحيحه( :
هذا الحديث رواه أيضا ً الطللبراني والحللاكم وقللال :صللحيح .وأقللره
الذهبي .وتمامه ومن مات وهو يدمن الخمللر سللقاه الللله مللن نهللر
الغوطة :نهر يجري من فللروج المومسللات ،يللؤذي أهللل النللار ريللح
فروجهن .
قوله :وعن أبي موسى هو عبد الله بن قيس بن سلليم بلن حضلار
بفتح المهملة وتشديد الضاد ،أبي موسى الشعري .صحابي جليللل.
مات سنة خمسين.
قوله :ثلثة ل يلدخلون الجنلة هلذا ملن نصلوص الوعيلد اللتي كلره
السلف تأويلها .وقالوا :أمروها كما جاءت ،وعللن تأولهللا فهللو علللى
خطر من القول على الله بل علم .وأحسن ما يقال :إن كللل عمللل
دون الشرك والكفر المخللرج علللى ملللة السلللم فللإنه يرجللع إلللى
مشيئة الله ،فإن عذبه فقد استوجب العذاب ،وإن غفر له فبفضله
وعفوه ورحمته.
قوله :مدمن الخمر أي المداوم على شربها.
قوله :وقاطع الرحم يعني القرابة كما قال تعللالى " :فهللل عسلليتم
إن توليتم أن تفسدوا في الرض وتقطعوا أرحامكم " الية.
قوله :ومصدق بالسحر أي مطلقلًا .ومنلله التنجيللم ،لمللا تقللدم مللن
الحديث .وهذا وجه مطابقة الحديث للترجمة.
قال الذهبي في الكبائر :ويدخل فيه تعلم السلليميا وعملهللا ،وعقللد
المرء عن زوجته ومحبة الللزوج لمرأتلله وبغضللها وبغضلله .وأشللباه
ذلك بكلمات مجهولة .قال :وكثير من الكبائر بللل عامتهللا إل القللل
يجهل خلق من المة تحريمه ،وما بلغه الزجر فيه ،ول الوعيد عليه
ا هل.
باب
ما جاء في الستسقاء بالنواء
قوله ) :ما جاء في الستسقاء بالنواء ( :
أي من الوعيد ،والمراد :نسبة السقيا ومجيء المطر إلللى النللواء.
جمللع نللوء وهللي منللازل القمللر .قللال أبللو السللعادات :وهللي ثمللان
وعشرون منزلة .ينزل القمر كل ليلة منهللا .ومنلله قللوله تعللالى" :
والقمر قدرناه منازل " يسقط في الغللرب كللل ثلث عشللرة ليلللة
منزلللة طلللوع الفجللر ،وتظلللع أخللرى مقابلتهللا ذلللك الللوقت مللن
المشرق ،فتقضي جميعها مع انقضاء السنة .وكانت العللرب تزعللم
أن مع سقوط المنزلة وطلوع رقيبها يكون مطر ،وينسللبونه إليهللا،
13 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
9
ويقولون مطرنا بنوء كللذا وكللذا وإنمللا سللمى نللوءا ً لنلله إذا سللقط
الساقط منها ناء الطالع بالمشرق ،أي نهض وطلع.
قال) :وقوله تعالى " :وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون "(
:
روى المام أحمد والترمذي وحسللنه وابللن جريللر وابللن أبللي حللاتم
والضياء في المختارة عن علي رضي الله عنه ،قللال :قللال رسللول
الله صلى الله عليه وسلم " " :وتجعلون رزقكم " يقول :شللكركم
" أنكم تكذبون " تقولون :مطرنا بنوء كذا وكذا :بنجللم كللذا وكللذا "
وهذ أولى ما فسرت به الية .وروى ذلللك عللن علللي وابللن عبللاس
وقتادة والضحاك وعطللاء الخراسللاني وغيرهللم وهللو قللول جمهللور
المفسرين وبه يظهر وجه استدلل المصنف رحمه الله بالية.
قال ابن القيم رحمه الله :أي تجعلون حظكم من هذا الرزق الللذي
بلله حيللاتكم :التكللذيب بلله ،يعنللي القللرآن .قللال الحسللن :تجعلللون
حظكم ونصليبكم ملن القلرآن أنكلم تكلذبون قلال :وخسلر عبلد ل
يكون حظه من القرآن إل التكذيب.
قوله) :عن أبي مالك الشعري رضي الله عنه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قمال " :أربمع فمي أممتي ممن
أمر الجاهلية ل يممتركونهن :الفخممر بالحسمماب ،والطعممن
في النساب ،والستسقاء بالنجوم ،والنياحة " .وقال" :
النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليهمما
سربال من قطران ودرع من جرب " رواه مسلم ( :
أبو مالك اسمه الحللرث بلن الحلرث الشلامي .صلحابي تفلرد عنلله
بالرواية أبو سلم .وفي الصحابة أبو مالك الشعري اثنان غير هذا.
قوله :أربع في أمتي من أمر بالجاهلية ل يللتركونهن سللتفعلها هللذه
المة إما مع العلم بتحريمهللا أو مللع الجهللل بللذلك ،مللع كونهللا مللن
أعمال الجاهلية المذمومة المكروهة المحرملة .والملراد بالجاهليلة
هنا :ما قبل المبعث ،سموا ذلك لفرط جهلهم .وكل ما يخللالف مللا
جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فهللو جاهليللة ،فقللد خللالفهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من أمورهم أو أكثرهللا.
وذلللك يللدرك بتللدبر القللرآن ومعرفللة السللنة .ولشللخنا رحملله الللله
مصنف لطيف ذكر فيه ما خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيه أهل الجاهلية ،بلغ مائة وعشرين مسألة.
رحمه الله تعالى :أخبر أن بعض أمر الجاهليللة ل قال شيخ السلم
يتركه الناس كلهم ذما ً لمن لم يتركه ،وهذا يقتضي أن كل ما كللان
من أمر الجاهلية وفعلهم فهللو مللذموم فللي ديللن السلللم ،وإل لللم
يكن في إضافة هذه المنكرات إلللى الجاهليللة ذم لهللا ،ومعلللوم أن
لالى " :ول إضافتها إلى الجاهلية خرج مخرج الذم ،وهللذا كقللوله تعل
تبرجن تبرج الجاهلية الولى " فإن في ذلك ذما ً للتبرج وذما ً لحللال
الجاهلية الولى ،وذلك يقتضي المنع من مشابهتهم في الجملة.
قوله :الفخر بالحساب أي التعاظم على النللاس بالبللاء ومللآثرهم،
وذلك جهل عظيللم ،إذ ل كللرم إل بللالتقوى ،كمللا قللال تعللالى " :إن
أموالكم ول أولدكللم أكرمكم عند الله أتقاكم " وقال تعالى " :وما
بالتي تقربكم عندنا زلفى إل من آملن وعملل صلالحا ً فلأولئك لهلم
جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون ".
ولبي داود عن أبي هريرة مرفوعًا " :إن الله قد أذهب عنكم عبية
الجاهليللة وفخرهللا بالبللاء ،إنمللا هللو مللؤمن تقلي ،أو فلاجر شللقي،
الناس بنو آدم وآدم من تراب ،ليدعن رجللال فخرهللم بللأقوام إنمللا
فحم من فحم جهنم ،أو ليكونن أهون على الله من الجعلن ".
قوله :والطعن في النساب أي الوقوع فيها بالعيب والتنقص .ولما
عير أبو ذر رضي الله عنه رجل ً بأمه قال له النبي صلى الللله عليلله
وسلم ":أعيرته بأمه ؟ إنك امرؤ فيك جاهلية " متفللق عليلله .فللدل
على أن الطعن في النساب من عمل الجاهلية ،وأن المسلللم قللد
يكون فيه شئ من هللذه الخصللال بجاهليللة ويهوديللة ونصللرانية ،ول
يوجب ذلك كفره ول فسقه .قاله شيخ السلم رحمه الله.
14 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
0
قوله :هل تدرون لفظ استفهام ومعناه التنبيه .وفي النسائي :ألللم
تسمعوا ما قال ربكم الليلة ؟ وهذا ملن الحلاديث القدسلية .وفيله
إلقاء العالم على أصحابه المسألة ليختبرهم.
قوله :قالوا الله ورسوله أعلم فيه حسللن الدب للمسللئول عمللا ل
يعلم أن يكل العلم إلى عالمه .وذلك يجب.
قوله :أصبح من عبادي الضافة هنللا للعمللوم بللدليل التقسلليم إلللى
مؤمن وكافر كقوله تعالى " :هو الذي خلقكم فمنكم كللافر ومنكللم
مؤمن ".
قوله :مؤمن بي وكافر إذا اعتقد أن للنوء تأثيرا ً في إنللزال المطللر
فهذا كفر لنه أشرك في الربوبية .والمشرك كافر .وإن لللم يعتقللد
ذلك فهو من الشرك الصغر ،لنه نسب نعمة الله إلى غيره ،ولن
الله لم يجعل النوء سببا ً لنزال المطر فيلله ،وإنمللا هللو فضللل مللن
الله ورحمته يحبسه إذا شاء وينزله إذا شاء.
ودل هذا الحديث على أنه ل يجوز ًلحد أن يضيف أفعال الللله إلللى
غيره ولو على سبيل المجاز .وأيضا البللاء تحتمللل معللاني ،وكلهللا ل
للسببية ول للستعانة ،لما عرفللت مللن تصدق بهذا اللفظ ،فليست
أن هذا باطل .ول تصدق أيضا ً على أنها للمصاحبة ،لن المطللر قللد
يجيء في هذا الوقت وقد ل يجيء فيلله ،وإنملا يجيلء المطللر فلي
الوقت الذي أراد الله مجيئه فيلله برحمتلله وحكمتلله وفضللله .فكللل
معنى تحمل عليه الباء في هذا اللفظ ً المنهى عنلله فاسللد .فيظهللر
على هذا تحريم هللذه اللفظللة مطلقلا لفسللاد المعنللى .وقللد تقللدم
القطع بتحريمه في كلم صاحب الفروع والنصاف.
قال المصنف رحمه الله :وفيه التفطن لليمللان فللي هللذا الموضللع
يشير إلى أنه الخلص.
قوله :فأما من قال :مطرنا بفضل الله ورحمته فالفضللل والرحمللة
صفتان لله ،ومذهب أهل السنة والجماعلة :أن ملا وصلف اللله بله
نفسلله ووصللفه بلله رسللوله مللن صللفات الللذات :كالحيللاة والعلللم،
وصفات الفعال ،كالرحمة التي يرحم بها عباده .كلهللا صللفات لللله
قائمة بللذاته ليسللت قائمللة بغيللره ،فتفطللن لهللذا فقللط غلللط فيلله
طوائف.
وفي هذا الحديث :إن نعم الله ل يجللوز أن تضللاف إل إليلله وحللده،
وهو الذي يحمد عليها ،وهذه حال أهل التوحيد.
قوله :وأما من قال :مطرنا بنللوء كللذا وكللذا إلللى أخللره ،تقللدم مللا
يتعلق بذلك.
قال المصنف رحمه الله :وفيه التفطن للكفر في هذا الموضع .
يشير إلى أنه نسبة النعمة إلى غيللر الللله كفللر ،ولهللذا قطللع بعللض
العلماء بتحريمه ،وإن لم يعتقد تأثير النللوء بللإنزال المطللر ،فيكللون
من كفر النعم ،لعدم نسبتها إلى الذي أنعم بها ،ونسبتها إلى غيره،
كما سيأتي في قوله تعالى " :يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها ".
قال القرطبي في شرح حللديث زيللد بلن خالللد :وكللانت العللرب إذا
طلع نجم من الشرق وسقط آخر مللن المغللرب فحللدث عنللد ذلللك
مطر أو ريح ،فمنهم من ينسبه إلى الطالع ،ومنهم من ينسبه إلللى
الغارب نسبة إلى إيجاد واختراع ،ويطلقللون ذلللك القللول المللذكور
فللي الحللديث .فنهللى الشللارع عللن إطلق ذلللك لئل يعتقللد أحللد
اعتقادهم ول يتشبه بهم في نطقهم .انتهى.
قوله :فمنهم من ينسبه نسبة إيجاد يللدل علللى أن بعضللهم كللان ل
يعتقد ذلك ،كما قال تعالى " :ولئن سألتهم مللن نللزل مللن السللماء
ماء فأحيا به الرض من بعد موتها ليقولن الله قللل الحمللد لللله بللل
أكثرهم ل يعقلون " فدل على أن منهم من يعرف ويقللر بللأن ًالللله
هو الذي أوجد المطر ،وقللد يعتقللد هللؤلء أن النللوء فيلله شلليئا مللن
التأثير ،والقرطبي في شرحه لم يصرح أن العرب كلهللم يعتقللدون
ذلك المعتقدالذي ذكره .فل اعتراض عليه بلية للحتمال المذكور.
14 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
2
يستطيعون * إنهم عن السمع لمعزولون " قال ابن كثير :هذا قول
جيد .وهو ل يخرج عن القول قبله .وقال البخاري رحمه الله تعالى
في صحيحه في هذه الية :ل يجد طعمه إل من آمن به .
قال ابن القيم رحمه الله :هذا من إشارة الية وتنبيهها ،وهو أنلله ل
وتدبره إل من يشهد أنه كلم الله تكلم بلله يلتذ به وبقراءته وفهمه
حقًا ،وأنزله على رسوله وحيًا .ل ينال معانيه إل مللن لللم يكللن فللي
قلبه حرج منه بوجه من الوجوه.
وقال آخرون " :ل يمسه إل المطهرون " أي من الجنابة والحديث.
قالوا :ولفظ الية خبر معناه الطلب .قالوا :والمللراد بللالقرآن ههنللا
المصحف .واحتجوا على ذلك بما رواه مالك في الموطأ عللن عبللد
الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بللن عمللرو بللن حللزم :إن فللي
الكتاب الذي كتبه رسول الله صلللى الللله عليلله وسلللم لعمللرو بللن
حزم :أن ل يمس القرآن إل طاهر .
وقوله ":تنزيل من رب العالمين " قال ابن كثير :هذا القرآن منزل
من رب العالمين وليس كما يقولون إنه سحر أو كهانة أو شعر،بل
هو الحق الذي ل مرية فيه ،وليس وراءه حق نافع .وفي هذه الية:
أنه كلم الله تكلم به.
قال ابن القيم رحملله الللله :ونظيللره " :ولكللن حللق القللول منللي "
وقوله " :قل نزله روح القدس من ربللك بللالحق " هللو إثبللات علللو
الله تعالى على خلقه .فإن النلزول والتنزيلل اللذي تعقلله العقلول
وتعرفه الفطر هو وصول الشئ من أعلى إلى أسفل ول يرد عليلله
قوله " :وأنزل لكم من النعام ثمانيللة أزواج" لنلا نقللول :إن الللذي
أنزلها فوق سماواته .فأنزلها لنا بأمره.
قللال ابللن القيللم رحملله الللله :وذكللر التنزيللل مضللافا ً إلللى ربللوبيته
للعالمين المسللتلزمة لملكلله لهللا وتصللرفه فيهللم ،وحكملله عليهللم،
كيللف وإحسانه إليهم ،وإنعامه عليهم ،وأن من هذا شأنه مع الخلق
ويللدعهم هم ً
ل، يليللق بلله مللع ربللوبيته التامللة أن يتكرهللم سللدى،
ويخلقهم عبثًا .ل يأمرهم ول ينهاهم ول يثيبهم ول يعللاقبهم ؟ فمللن
أقر بأنه رب العالمين أقر بأن القرآن تنزيله على رسوله .واستدل
بكونه رب العالمين على ثبوت رسالة رسوله وصللحة مللا جللاء بلله،
وهللذا السللتدلل أقللوى وأشللرف مللن السللتدلل بللالمعجزات
والخوارق .وإن كانت دللتها أقرب إلى أذهان عموم الناس .وذلللك
إنما تكون لخواص العقلء.
قوله " :أفبهذا الحديث أنتم مدهنون " :قال مجاهللد :أتريللدون أن
تمالئوهم فيه وتركنوا إليهم ؟.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :ثم وبخهم علللى وضللعهم الدهللان
في غير موضعه ،وأنهم يداهنون فيما حقه أن يصدع به ويعرف به،
ويعض عليه بالنواجذ ،وتثني عليلله الخناصللر ،وتعقللد عليلله القلللوب
والفئدة ،ويحارب ويسالم لجله ،ول يلتوى عنه يمنة ول يسرة ،ول
يكون للقلب التفات إلى غيره ،ول محاكمللة إل إليلله ،ول مخاصللمة
إل به ،ول اهتداء في طرق المطالب العالية إل بنلوره،ول شللفاء إل
به ،فهو روح الوجود ،وحياة العالم ،ومدار السللعادة ،وقللائد الفلح،
وطريللق النجللاة ،وسللبيل الرشللاد،ونللور البصللائر .فكيللف تطلللب
المداهنة بما هللذا شللأنه ،ولللم ينللزل للمداهنللة ،وإنمللا نللزل بللالحق
وللحق ،والمداهنة إنما تكون في باطل قوى ل تمكن إزالته ،أو في
حق ضعيف ل تمكن إقامته ،فيحتاج المللداهن إلللى أن يللترك بعللض
الحق ويلتزم بعض الباطل ،فأما الحق الذي قام به كل حق فكيللف
يداهن به ؟
قوله " :وتجعلون رزقكللم أنكلم تكللذبون " تقللدم الكلم عليهللا أول
الباب ،والله تعالى أعلم.
باب
قول الله تعالى ومن الناس ً من يتخذ
من دون الله أندادا
قول الله تعالى " :ومن الناس من يتخذ من قوله) :باب
دون الله أندادا ً يحبونهم كحب الله "( :
14 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
4
لما كانت محبته سبحانه هي أصل ديللن السلللم الللذي يللدور عليلله
قطب رحاه ،فبكمالها يكمل ،وبنقصها ينقللص توحيللد النسللان ،نبلله
المصنف على ذلك بهذه الترجمة.
قوله تعالى " :ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا " الية.
قال في شرح المنازل :أخبر تعالى أن من أحب من دون الله شيئا ً
اللله أنلدادًا ،فهلذا نلد كما يحب الله تعالى فهو ممن اتخذ من دون
في المحبة ل في الخلق والربوبيللة ،فللإن أحللدا ً مللن أهللل الرض ل
بخلف ند المحبة .فإن أكثر أهل الرض قللد اتخللذوا يثبت هذا الند،
من دون الله أندادا ً في الحب والتعظيم .ثم قال تعالى " :يحبونهم
كحب الله " وفي تقدير الية قولن:
أحدهما :والذين آمنوا أشد حبا ً لللله مللن أصللحاب النللداد لنللدادهم
وآلهتهم التي يحبونها ويعظمونها من دون الله.
وروى ابن جرير عن مجاهد في قوله تعالى " :يحبونهم ًكحب الللله
" مباهاة ومضاهاة للحق بالنداد " والذين آمنوا أشد حبا لللله" مللن
الكفللار لوثللانهم .ثللم روى عللن ابللن زيللد قللال :هللؤلء المشللركون
أندادهم آلهتهم التي عبدوا ً مع الله يحبونهم كما يحب الللذين آمنللوا
الله ،والذين آمنوا أشد حبا لله من حبهم آلهتهم .انتهى.
والثاني :والذين آمنوا أشد حبا ً لله من المشركين بالنداد لله ،فللإن
محبة المؤمنين خالصة ،ومحبة أصحاب النداد قللد ذهبللت أنللدادهم
بقسللط منهللا ،والمحبللة الخالصللة أشللد مللن المشللتركة .والقللولن
القولين في قوله تعالى " :يحبونهم كحب الله " فللإن مرتبان على
فيها قولين أيضًا:
أحدهما :يحبونهم كما يحبون الله .فيكون قد أثبت لهم محبة الللله.
ولكنها محبة أشركوا فيها مع الله تعالى أندادهم.
والثاني :أن المعنى يحبون أندادهم كما يحللب المؤمنللون الللله ،ثللم
بين تعالى أن محبة المؤمنين لله أشلد ملن محبلة أصلحاب النلداد
لندادهم.
وكان شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله يرجح القول الول ويقول:
إنما ذملوا بلأن شلركوا بيلن اللله وبيلن أنلدادهم فلي المحبلة وللم
يخلصوها لله كمحبة المؤمنين للله ،وهللذه التسللوية المللذكورة فللي
قوله تعللالى حكايللة عنهللم ،وهللم فللي النللار أنهللم يقولللون للهتهللم
وأندادهم وهي محضرة معهم في العلذاب " ، :تلالله إن كنلا لفلي
ضلل مبين * إذ نسويكم برب العالمين " ومعلوم أنهم ما سووهم
الخلق والربوبية وإنما سللووهم بلله فللي المحبللة برب العالمين في
والتعظيم،وهذا أيضا ً هو العدل المذكور في قللوله تعللالى " :الحمللد
لله الذي خلق السموات والرض وجعل الظلمات والنور ثم الللذين
كفروا بربهللم يعللدلون " بلله غيللره فللي العبللادة الللتي هللي المحبللة
والتعظيم.
وقال تعالى " :قل إن كنتللم تحبلون الللله فلاتبعوني يحببكلم اللله "
وهذه تسمى آية المحنة .قال بعض السلف :ادعى قوم محبة الللله
فأنزل الله تعالى آية المحنة " :قل إن كنتم تحبللون الللله فللاتبعوني
يحببكم الله " إشارة إلى دليل المحبللة وثمرتهللا وفائدتهللا ،فللدليلها
وعلمتها :اتباع الرسول صلى الله عليلله وسلللم وفائدتهللا وثمرتهللا،
محبة المرسل لكم ،فما لم تحصل منكم المتابعة فمحبتكم له غير
حاصلة ،ومحبته لكم منتفية.
وقال تعالى " :يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينلله فسللوف
يأتي الله بقللوم يحبهللم ويحبللونه أذلللة عللى المللؤمنين أعللزة عللى
الكافرين يجاهدون في سبيل الله ول يخافون لومة لئم " ذكر لهللا
أربع علمات:
إحللداهما :أنهللم أذلللة علللى المللؤمنين ،قيللل :معنللاه أرقللاء رحمللاء
مشفقين عاطفين عليهم ،فلما ضمن أذلة هذا المعنى عللداه بللأداة
على .قللال عطللاء رحملله الللله :للمللؤمنين كالولللد لوالللده وكالعبللد
لسلليده ،وعلللى الكللافرين كالسللد علللى فريسللته " ،أشللداء علللى
الكفار رحماء بينهم ".
العلمللة الثالثللة :الجهللاد فللي سللبيل الللله بللالنفس واليللد والمللال
واللسان .وذلك تحقيق دعوى المحبة.
14 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
5
قال العماد ابن كثير رحمه الله تعالى :أي إن كانت هذه الشللياء "
أحب إليكللم مللن الللله ورسللوله وجهللاد فللي سللبيله فتربصللوا " أي
انتظللروا مللا يحللل بكللم مللن عقللابه .روى المللام أحمللد وأبللو داود
واللفللظ للله مللن حللديث أبللي عبللد الرحمللن السلللمي عللن عطللاء
الخراساني عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهملا قللال :سلمعت
رسول الللله صلللى الللله عليلله وسلللم يقللول ":إذا تبللايعتم بالعينللة،
أذناب البقر ،ورضيتهم بالزرع ،وتركتللم الجهللاد،سلللط الللله وأخذتم
عليكم ذل ً ل ينزعه عنكم حتى تراجعوا دينكم ".
فل بد من إيثار ما أحبه الله من عبده وأراده علللى مللا يحبلله العبللد
ويريده ،فيحب ما يحبه الله ويبغض ما يبغضه ،ويوالي فيه ويعللادي
فيه ويتابع رسوله صلى الله عليه وسلم كما تقدم في آيللة المحنللة
ونظائرها.
قوله) :وعن أنس رضي الله عنه :أن رسول اللممه صمملى
الله عليه وسلم قال " :ل يؤمن أحدكم حتى أكون أحممب
إليممه مممن ولممده ووالممده والنمماس أجمعيممن " أخرجمماه أي
البخاري ومسلم( :
قوله :ل يؤمن أحلدكم أي اليملان اللواجب ،والملراد كملاله ،حلتى
يكون الرسول أحب إلى العبد من ولده ووالللده والنللاس أجمعيللن،
بل ول يحصل هذا الكملال إل بلأن يكلون الرسلول أحلب إليله ملن
نفسه ،كما في الحديث " :أن عمر بللن الخطللاب رضللي الللله عنلله
قال :يا رسول الله لنت أحب إللي ملن كلل شلئ إل ملن نفسلي.
فقال :والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسللك ،فقللال
له عمر :فإنك الن أحب إلللي مللن نفسللي ،فقللال :الن يللا عمللر "
رواه البخاري.
فمن قال :إن المنفي هو الكمال ،فإن أراد الكمللال الللواجب الللذي
يذم تاركه ويعرض للعقوبة فقد صدق ،وإن أراد أن المنفي الكمال
المستحب ،فهذا لم يقع قط في كلم الله ورسوله صلى الله عليه
وسلم .قاله شيخ السلم رحمه الله.
فمن ادعى محبة النبي صلى الله عليه وسلم بدون متابعة وتقللديم
قوله على قول غيره فقد كذب كمللا قللال تعللالى " :ويقولللون آمنللا
بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريللق منهللم مللن بعللد ذلللك ومللا
أولئك بالمؤمنين " فنفى اليمان عمن تللولى عللن ً طاعللة الرسللول
من صلى الله عليه وسلم ،لكن كل مسلم يكون ًمحبا بقدر ما معه
مؤمنلا ً السلللم وكللل مسلللم ل بللد أن يكللون مؤمنلا وإن لللم يكللن
اليمان المطلق .لن ذلك ليحصل إل لخواص المؤمنين.
قال شيخ السلم رحمه الله :وعامة الناس إذا أسلموا بعد كفر ،أو
ولدوا على السلم والتزموا شرائعه وكانوا مللن أهللل الطاعللة لللله
ورسوله .فهم مسلمون ومعهم ًإيمان ًمجمل ،لكللن دخللول حقيقللة
اليمان إلى قلوبهم يحصل شيئا فشيئا إن أعطاهم الللله ذلللك ،وإل
فكثير من الناس ل يصلون إلى اليقين ول إلى الجهاد ،ولو شللككوا
لشكوا ،ولو أمروا بالجهاد لما جاهللدوا .إذ ليللس عنللدهم مللن علللم
اليقين ما يدرأ الريب ،ول عندهم من قوة الحللب لللله ورسللوله مللا
يقدمونه على الهل والمال ،فهللؤلء إن عرفللوا مللن المحنللة مللاتوا
ودخلوا الجنة ،وإن ابتلوا بمن يدخل عليهللم شللبهات تللوجب ريبهللم
فإن للم ينعلم اللله عليهلم بملا يزيلل الريلب وإل صلاروا مرتلابين،
وانتقلوا إلى نوع من النفاق .انتهى.
وفللي هللذا الحللديث :أن العمللال مللن اليمللان .لن المحبللة عمللل
القلب.
وفيه :أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة تابعللة لمحبللة
الله لزمة لها ،فإنها لله ولجله ،تزيد بزيادة محبللة الللله فللي قلللب
المؤمن وتنقص بنقصها ،وكل من كان محب لا ً لللله فإنمللا يحللب فللي
الله ولجله كما يحب اليمان والعمل الصالح .وهللذه المحبللة ليللس
فيها شئ من شوائب الشرك كالعتماد عليه ورجللائه فللي حصللول
مرغوب منه أو دفع مرهوب منه .وما كللان فيهلا ذلللك فمحبتلله ملع
الله لما فيها من التعلق علللى غيللره والرغبللة إليلله مللن دون الللله،
فبهذا يحصل التمييز بين المحبة فللي الللله ولجللله ،الللتي هللي مللن
كمال التوحيد ،وبين المحبة مع الله التي هي محبة النداد من دون
الله لما يتعلق في قلوب المشركين مللن اللهيللة الللتي ل تجللوز إل
لله وحده.
14 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
7
قوله :أحب إليه مما سواهما فيه جملع ضلمير اللله تعلالى وضلمير
رسوله صلى الله عليه وسلم وفيه قولن:
أحدهما :أنه ثنى الضمير هنلا إيملاء إللى أن المعتلبر هلو المجملوع
المركب مللن المحبللتين ،ل كللل واحللدة فإنهللا وحللدها لغيللة .وأمللر
بالفراد في حديث الخطيب إشعارا ً بأن كللل واحللد ملن العصلليانين
مستقل باستلزام الغواية إذ العطف فللي تقللدير التكريللر ،والصللل
استقلل كل من المعطوفين في الحكم.
الثاني :حمل حديث الخطيب على الدب والولى ،وهذا هو الجواز.
وجواب ثللالث :وهللو أن هللذا وارد عللى الصللل ،وحللديث الخطيللب
ناقل فيكون أرجح.
قوله :كما يكره أن يقذف في النار أي يستوى عنده المران .وفيه
الغلة الذين يتوهمون أن صدور الذنب من العبد نقص في رد على
حقه مطلقا ً وإن تاب منه.
والصللواب :أنلله إن لللم يتللب كلان نقصلا ً وإن تللاب فل ،ولهللذا كلان
والنصار رضي الله عنهم أفضل هذه المللة ملع كللونهم المهاجرون
في الصل كفارا ً فهداهم الله إلى السلم ،والسلم يمحو ما قبله،
وكذلك الهجرة .كما صح الحديث بذلك.
قوله :وفي رواية " :ل يجد أحللد" :هللذه الروايللة أخرجهللا البخللاري
في الدب من صحيحه .ولفظهللا :ل يجللد أحللد حلوة اليمللان حللتى
يحب المرء ل يحبه إلى لله ،وحتى أن يقذف فللي النللار أحللب إليلله
من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الللله منلله ،وحللتى يكللون الللله
ورسوله أحب إليه مما سواهما .
وقللد تقللدم أن المحبللة هنللا عبللارة عمللا يجللده المللؤمن مللن اللللذة
والبهجة والسرور والجلل والهيبة ولوازم ذلك ،قال الشاعر:
على ،ولكن ملء عين حبيبها ل .وما بك قدرة أهابك إجل ً
قوله ) :وعن ابن عباس رضمي اللممه عنهممما" :مممن أحممب
في الله ،وأبغض في الله ،ووالى في الله ،وعممادى فممي
الله ،فإنما تنال ولية اللممه بممذلك ،ولممن يجممد عبممد طعممم
اليمان وإن كثرت صلته وصومه حتى يكون كذلك .وقد
صارت عامممة مؤاخمماة ً النماس علممى أمممر المدنيا ،وذلممك ل
يجدي على أهله شيئا " رواه ابن جرير( :
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم الجملة الولى منه فقط.
قوله :ومن أحب في الله أي أحب أهل اليمان بللالله وطللاعته مللن
أجل ذلك.
قوله :وأبغض في الله أي أبغض من كفر بالله وأشرك بلله وفسللق
عن طاعته لجل ما فعلوه مما يسخط الله وإن كانوا أقرب الناس
إليه ،كما قال تعللالى " :ل تجللد قومللا يؤمنللون بللالله واليللوم الخللر
يوادون من حاد الله ورسوله " الية.
قوله :ووالى في الله هذا والذي قبله مللن لللوازم محبللة العبللد لللله
تعللالى ،فمللن أحللب فيلله ،ووالللى أوليللاءه ،وعللادى أهللل معصلليته
وأبغضهم ،وجاهد أعداءه ونصر أنصاره .وكلمللا قللويت محبللة العبللد
لله في قلبه قويت هذه العمللال المترتبللة عليهللا ،وبكمالهللا يكمللل
توحيد العبد ،ويكون ضللعفها علللى قللدر ضللعف محبللة العبللد لربلله،
فمقل ومستكثر ومحروم.
قوله :فإنما تنال ولية الله بذلك أي توليه لعبده .و ولية بفتح الواو
ل غير :أي الخوة والمحبة والنصرة ،وبالكسر المارة ،والمراد هنللا
الول .ولحمد والطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلللم قللال" :
ل يجد العبد صريح اليمان حتى يحب لله ويبغللض لللله .فللإذا أحللب
لله وأبغض لله ،فقد استحق الولية لله " وفي حديث آخر " :أوثق
عري اليمان الحب في الللله ،والبغلض فلي اللله علز وجلل " رواه
الطبراني.
14 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
9
قوله :ولن يجد عبد طعم اليمان إلى آخره .أي ل يحصللل للله ذوق
اليمللان ولللذته وسللروره وإن كللثرت صلللته وصللومه ،حللتى يكللون
كذلك ،أي حتى يحب في الله ويبغض في الله ،ويعللادي فللي الللله،
ويوالي فيه.
وفللي حللديث أبللي أمامللة مرفوعلًا " :مللن أحللب الللله وأبغللض لللله
وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل اليمان " رواه أبو داود.
عامة مؤاخاة النللاس علللى أمللر الللدنيا .وذلللك ل قوله :وقد صارت
يجدي على أهله شيئا ً أي ل ينفعهم ،بل يضرهم كما قال تعالى" ، :
الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو إل المتقين " فإذا كانت البلوى قد
عمت بهذا في زمن ابن عباس خير القرون فما زاد المر بعد ذلك
إل شللدة ،حللتى وقعللت المللوالة علللى الشللرك والبللدع والفسللوق
وقد وقع ما أخبر ً به صلى الله عليه وسلم بقوله " :بللدأ والعصيان.
السلم غريبا ً وسيعود غريبا كما بللدأ " .وقللد كللان الصللحابة رضللي
عليللهً الله عنهم من المهاجرين والنصار في عهد نبيهم صلى الللله
رضي الللله عنهمللا يللؤثر بعضللهم بعضلا وسلم وعهد أبي بكر وعمر
على نفسه محبة في الله وتقربا ً إليه ،كما قال تعللالى " :ويللؤثرون
على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " وعللن ابللن عمللر رضللي الللله
عنهما قال :لقد رأيتنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلللم
وما منا أحد يرى أنه أحق بديناره ودرهمه مللن أخيلله المسلللم رواه
ابن ماجه.
قوله) :وقال ابن عباس فممي قمموله تعممالى " :وتقطعممت
بهم السباب " قال :المودة( :
هذا الثر رواه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم
والحاكم وصححه.
قوله :قال المودة أي التي كانت بينهم في الدنيا خانتهم أحللوج مللا
من بعض ،كما قللال تعللالى " :وقللال إنمللا كانوا إليها ،وتبرأ بعضهم
اتخذتم من دون الله أوثانا ً مودة بينكم فللي الحي ًللاة الللدنيا ثللم يللوم
القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار ومللا
لكم من ناصرين ".
قال العامة ابن القيم في قوله تعالى " ، :إذ تبرأ الذين اتبعللوا مللن
الذين اتبعوا ورأوا العذاب " اليتين فهلؤلء المتبوعلون كلانوا عللى
الهللدى وأتبللاعهم ادعللوا أنهللم علللى طريقهللم ومنللاهجهم ،وهللم
مخالفون لهم سالكون غيلر طريقهلم ،ويزعمللون أن محبتهلم لهلم
تنفعهم مع مخالفتهم ،فيتبرآون منهم يوم القيامة فللإنهم اتخللذوهم
أولياء من دون الله .وهذا حال كل من اتخذ مللن دون الللله أوليللاء،
يوالي لهم ،ويعادي لهم ،ويرضى لهم ،ويغضللب لهللم ،فللإن أعمللاله
كلها باطلة ،يراها يوم القيامة حسرات عليه مع كثرتها وشدة تعبلله
فيها ونصبه ،إذ لم يجرد موالته ومعللاداته وحبلله وبغضلله وإنتصللاره
وإيثاره لله ورسوله ،فأبطل الله عز وجل ذلك العمل كللله .وقطللع
تلك السباب .فينقطع يوم القيامة كل سبب وصلة ووسيلة ومللودة
كانت لغير الله ،ول يبقى إل السبب الواصل بين العبللد وربلله .وهللو
حظه من الهجلرة إليله وإللى رسلوله وتجريلده عبلادته للله وحلده
ولوازمها :من الحب والبغض ،والعطاء والمنع ،والموالة والمعاداة،
لهً لد ومتابعللة رسللول الللله صلللى الللله عليل
شوائب اللتفللات إلللى غيللره ،فض لل
والتقرب والبعاد ،وتجريل
وسلم تجريدا ً محضا ً بريئا ً من
ً
عن الشرك بينه وبين غيره ،فضل عن تقديم قول غيره عليه .فهذا
السبب هو الذي ل ينقطللع بصللاحبه .وهللذه هلي النسللبة الللتي بيللن
العبد وربه ،وهي نسبة العبودية المحضة ،وهي آخيته التي يجول ما
يجول وإليها مرجعه ،ول تتحقق إل بتجريده متابعة الرسل صلللوات
الله وسلمه عليهم ،إذ هذه العبودية إنما جاءت على ألسنتهم ،وما
عرفت إل بهللم ول سللبيل إليهللا إل بمتللابعتهم .وقللد قللال تعللالى" :
وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلنللاه هبللاًء منثللورا ً " فهللذه هلي
العمال التي كانت فللي الللدنيا علللى غيللر سللنة رسللله وطريقتهللم
ولغير وجهه ،يجعلها الله هباًء منثللورا ً ل ينتفللع منهللا صللحابها بشللئأص ً
لرى ل .وهذا من أعظم الحسرات على العبد يللوم القيامللة :أن يل
سعيه ضائعًا .وقد سعد أهل السعي النافع بسعيهم .انتهى ملخصًا.
باب
قول الله تعالى إنما ذلكم الشيطان
يخوف أولياءه
15 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
0
قوله " :ولم يخش إل الله " قال ابن عطية :يريللد خشللية التعظيللم
والعبادة والطاعة ،ول محالة أن النسان يخشى المحاذير الدنيوية،
وينبغي في ذلك كله قضاء الله وتصريفه.
وقال ابن القيم رحمه الللله :الخللوف عبوديللة القلللب .فل يصلللح إل
لله ،كالذل والنابة والمحبة والتوكل والرجللاء وغيرهللا مللن عبوديللة
القلب.
قوله " :فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين " قال بن أبي طلحة
عن ابن عباس رضي الله عنهما :يقللول :إن أولئك هللم المهتللدون،
وكل عسللى فللي القللرآن فهللي واجبللة وفللي الحللديث " :إذا رأيتللم
الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له باليمان قال الللله تعللالى " :إنمللا
يعمللر مسللاجد الللله مللن آمللن بللالله واليللوم الخللر " " رواه أحمللد
والترمذي والحاكم عن أبي سعيد الخدري.
قوله " :ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي فللي الللله جعللل
فتنة الناس كعذاب الله ".
قال ابن كثير رحمه الله تعالى :يقول تعالى مخبرا ً عن صفات قوم
من المكذبين يدعون اليمللان بألسللنتهم ،ولللم يثبللت فللي قلللوبهم:
أنهم إذا جاءتهم محنة وفتنة في الدنيا اعتقدوا أنها مللن نقمللة الللله
بهم ،فارتدوا عن السلم .قال ابن عباس رضي الله عنهمللا :يعنللي
فتنة أن يرتد عن دينه إذا أوذي في الله .
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى :الناس إذا أرسللل إليهللم الرسللل
بين أمرين :إما أن يقول أحدهم :آمنا ،وإمللا أن ل يقللول ذلللك .بللل
يستمر على السيئات والكفر ،فمن قللال :آمنللا امتحنلله ربلله وابتله
وفتنه .والفتنة :البتلء والختبار ،ليتبين الصادق من الكللاذب ،ومللن
لم يقل :آمنا .فل يحسب أنه يعجر الله ويفوته ويسبقه .فمن آمللن
بالرسل وأطاعهم عاداه أعداؤهم وآذوه وابتلى بما يؤلمه ،ومن لم
يؤمن بهم ولم يطعهم عللوقب فللي الللدنيا والخللرة وحصللل للله مللا
يؤلمه ،وكان هذا اللم أعظم وأدوم مللن ألللم أتبللاعهم .فل بللد مللن
حصول اللم لكل نفس ،آمنت أو رغبت عن اليمان ،لكن المللؤمن
يحصل له اللم في الدنيا ابتللداء ثللم تكللون للله العاقبللة فللي الللدنيا
والخرة ،والمعرض عن اليمان تحصل له اللذة ابتداء ثم يصير في
اللم الدائم ،والنسللان ل بللد أن يعيللش مللع النللاس ،والنللاس لهللم
إرادات وتصللورات ،فيطلبللون منلله أن يللوافقهم عليهللا ،وإن لللم
يوافقهم آذوه وعذبوه ،وإن وافقهم حصللل للله العللذاب تللارة منهلم
وتارة من غيرهم ،كمن عنده دين وتقي حل بين قوم فجللار ظلمللة
ل يتمكنللون مللن فجللورهم وظلمهللم إل بمللوافقته لهللم أو سللكوته
عنهم ،فإن وافقهم أو سكت عنهم سلم ملن شللرهم فلي البتللداء،
ثم يتسلطون عليه بالهانة والذى أضعاف ما كان يخافه ابتللداء لللو
أنكر عليهم وخالفهم ،وإن سلم منهم فل بد أن يهان ويعاقب علللى
يد غيرهم.
فالحزم كل الحزم بما قالت أم المؤمنين عائشة رضللي الللله عنهللا
لمعاوية رضي الله عنه " :من أرضى الله بسخط الناس كفاه الللله
مؤونة الناس .ومن أرضى الناس بسخط الللله لللم يغنللوا مللن الللله
شيئا ً ".
فمن هداه الله وألهمه رشده ووقاه شر نفسه امتنع من الموافقللة
على فعل المحرم وصبر على عداوتهم ،ثم تكللون للله العاقبللة فللي
الدنيا والخرة ،كما كانت للرسل وأتباعهم.
ثم أخبر تعالى عللن حللال الللداخل فللي اليمللان بل بصلليرة وأنلله إذا
أوذي فللي الللله جعللل فتنللة النللاس للله ،وهللي أذاهللم ونيلهللم إيللاه
بالمكروه ،وهو اللم الللذي ل بللد أن ينللال الرسللل وأتبللاعهم ممللن
خالفهم ،جعل ذلك في فراره منه وتركلله السللبب الللذي ينللاله بلله:
كعذاب الله الذي فر منه المؤمنون باليمان.
فالمؤمنون لكمال بصيرتهم فروا من ألم عذاب الله إلللى اليمللان،
وتحملوا ما فيه من اللم الزائل المفارق عن قللرب .وهللذا لضللعف
بصيرته فر من ألم أعداء الرسل إلللى مللوافقتهم ومتللابعتهم ،ففللر
من ألم عذابهم إلى ألم عذاب الله .فجعللل ألللم فتنللة النللاس فللي
الفرار منه بمنزلللة عللذاب الللله .وغبلن كللل الغبللن إذ اسللتجار ملن
الرمضاء بالنار .وفر من ألم ساعة إلللى ألللم البللد ،وإذا نصللر الللله
15 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
2
جنده وأولياءه قال :إني كنت معكم ،والله أعلم بمللا انطللوى عليلله
صدره من النفاق .انتهى.
وفي الية رد على المرجئة والكرامية ،ووجهه :أنه لللم ينفللع هللؤلء
قولهم :آمنا بالله .مع عدم صبرهم على أذى من عاداهم في الللله،
فل ينفع القول والتصديق بدون العمل .فل يصدق اليمان الشرعي
لول
والقللللفا ً على النسان إل باجتماع الثلثة :التصديق بالقلب وعمللله،
باللسان ،والعمل بالركان .وهذا قول أهل السنة والجماعللة س
وخلفًا ،والله سبحانه وتعالى أعلم.
وفيه الخوف من مداهنة الخلق في الحق .والمعصوم مللن عصللمه
الله.
قوله) :عن أبي سعيد مرفوعًا :إن من ضعف اليقيممن أن
ترضى الناس بسخط الله ،وأن تحمدهم على رزق اللممه،
وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله ،إن رزق اللممه ل يجممره
حرص حريص ،ول يرده كراهية كاره( :
والبيهقي ،وأعله بمحمللد بللن هذا الحديث رواه أبو نعيم في الحلية
مروان السدى وقلال :ضلعيف ،وفيله أيضلا ً عطيلة العلوفي :ذكلره
الذهبي الضعفاء والمتروكين ،ومعنللى الحللديث صللحيح ،وتمللامه" :
وإن الله بحكمته جعل الروح والفرح في الرضللى واليقيللن ،وجعللل
الهم والحزن في الشك والسخط ".
قوله :إن مللن ضللعف اليقيللن الضللعف يضللم ويحللرك ،ضللد القللوة،
ضللعف ككللرم ونصللر ،ضللعفًا ،وضللعفة ،وضللعافية ،فهللو ضللعيف
وضعوف وضعفان ،والجمع :ضعاف وضللعفاء وضللعفة وضللعفى ،أو
الضللعف بالفتللح فللي الللرأي وبالضللم فللي البللدن ،فهللي ضللعيفة
وضعوف .اليقين كمال اليمان .قال ابللن مسللعود :اليقيللن اليمللان
كله ،والصبر نصف اليمل ًلان رواه أبللو نعيللم الحليللة ،والللبيهقي فللي
الزهد من حديثه مرفوعا .قال :ويللدخل فللي ذلللك تحقيللق اليمللان
بالقللدر السللابق ،كمللا فللي حللديث ابللن عبللاس مرفوعللًا " :فللإن
اليقيللنً فافعللل ،فللإن لللم تسللتطع استطعت أن تعمل بالرضى في
فإن في الصبر على ما تكره خيرا ً كثيرا " وفللي روايللة " :قلللت يللا
رسول الله كيف أصنع باليقين ؟ قال :أن تعلللم أن مللا أصللابك لللم
يكن ليخطئك ،وما أخطأك لم يكن ليصيبك ".
قوله :أن ترضى الناس بسخط الله أي تللؤثر رضللاهم علللى رضللى
الله ،وذلك إذا لم يقم بقلبلله مللن إعظللام الللله وإجلللله وهيبتلله مللا
يمنعه من استجلب رضى المخلللوق بمللا يجلللب للله سللخط خللالقه
وربه ومليكه الللذي يتصللرف فللي القلللوب ويفللرج الكللروب ويغفللر
الذنوب .وبهذا العتبار يدخل في نوع من الشرك .لنلله آثللر رضللى
المخلوق على رضى الله .وتقرب إليه بما يسللخط الللله .ول يسلللم
من هذا إل من سلمه الله .ووفقه لمعرفته ومعرفة ما يجللوز علللى
الله من إثبات صفاته على ما يليق بجلله ،وتنزيهه تعالى عللن كللل
مللا ينللافي كمللاله ،ومعرفللة توحيللده مللن ربللوبيته وإلهيتلله وبللالله
التوفيق.
قوله :وأن تحمدهم علللى رزق الللله أي علللى مللا وصللل إليللك مللن
ليً أيللديهم ،بللأن تضلليفه إليهللم وتحمللدهم عليلله .فللإن المتفضللل فل
الله وحده الذي قدره لك وأوصله إليك ،وإذا أراد أمللرا الحقيقة هو
قيض له أسللبابًا .ول ينللافي هللذا حللديث " :مللن ل يشللكر النللاس ل
يشكر الله " لن شكرهم إنما هللو باللدعاء لهلم لكلون الللله سلاقه
أيديهم فتدعو لهللم أو تكللافئهم ،لحللديث " :ومللن صللنع إليكللم على
لروا معروفا ً فكافئوه ،فإن لم تجدوا ما تكافئونه فللادعوا للله حللتى ت
سلللببا ً أنكم قد كافأتموه " .فإضافة الصنيعة إليهللم لكللونهم صللاروا
في إيصال المعروف إليك ،والذي قدره وساقه هو الله وحده.
قوله :وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله لنه لم يقدر لك مللا طلبتلله
على أيديهم فلو قدره لللك لسللاقته المقللادير إليللك .فمللن علللم أن
المتفرد بالعطاء والمنع هو الله وحده وأنلله هللو الللذي يللرزق العبللد
بسبب وبل سبب ،ومن حيث ل يحتسللب ،لللم يمللدح مخلوق لا ً علللى
رزق ولم يذمه على منع ،ويفوض أمره إلى الله ،ويعتمد عليه فللي
أمر دينه ودنياه .وقد قرر النبي هذا المعنى بقوله فللي الحللديث" :
إن رزق الله ل يجره حرص حريللص ول يللرده كراهيللة كللاره " كمللا
قال تعالى " :ما يفتح الله للناس مللن رحمللة فل ممسللك لهللا ومللا
يمسك فل مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم ".
15 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
3
قال شيخ السلم رحمه الللله :اليقيللن يتضللمن اليقيللن فللي القيللام
بأمر الله وما عللدا الللله أهللل طللاعته ،ويتضللمن اليقيللن ًبقللدر الللله
وخلقه وتدبيره ،فإذا أرضيتهم بسخط الله لم تكن موقنلا ل بوعللده
ول برزقه ،فإنه إنما يحمل النسان على ذلك إما ميل إلى مللا فللي
أيديهم فيترك القيام فيهم بأمر الله لما يرجوه منهللم ،وإمللا ضللعف
تصديقه بما وعد الله أهل طاعته من النصر والتأييللد والثللواب فللي
الللدنيا والخللرة .فإنللك إذا أرضلليت الللله نصللرك ورزقللك وكفللاك
مؤونتهم .وإرضاؤهم بما يسخطه إنما يكون خوفا ً منهم ورجاًء لهللم
وذلك من ضعف اليقين .وإذا لم يقدر لك مللا تظللن يفعلللونه معللك
فالمر في ذلك إلى الله ل لهم .فإنه ما شاء كان وما لللم يشللأ لللم
يكن ،فإذا ذممتهم على ما لم يقدر كان ذلك من ضعف يقينللك ،فل
تخفهم ول ترجهم ول تذمهم من جهللة نفسللك وهللواك ،ولكللن مللن
حمده الله ورسوله منهم فهو المحمللود ،ومللن ذملله الللله ورسللوله
منهم فهو المذموم .ولما قال بعللض وفللد بنللي تميللم " :أي محمللد
أعطني .فإن حمدي زين وذمي شين ،قال النلبي صللى اللله عليله
وسلم ذاك الله " ودل الحديث على أن اليمللان يزيللد وينقللص وأن
العمال من مسمى اليمان.
قوله) :وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال " :من التمممس رضممى اللممه بسممخط
الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ،ومممن التمممس
رضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسممخط عليممه
الناس " رواه ابن حبان في صحيحه ( :
هذا الحديث رواه ابن حبان بهذا اللفظ ،ورواه الترمذي عللن رجللل
من أهل المدينة قال :كتللب معاويل ًلة رضللي الللله عنلله إلللى عائشللة
رضي الله عنها :أن اكتبي لي كتابا توصيني فيله ،ول تكلثري عللي،
فكتبت عائشة رضي الله عنها :إلى معاوية ،سلللم عليللك،أمللا بعللد
فإني سللمعت رسللول اللله صلللى اللله عليلله وسلللم يقلول " :ملن
التمس رضا الله بسللخط النللاس كفللاه الللله مؤونللة النللاس ،ومللن
التمس رضا الناس بسخط الللله وكللله الللله إلللى النللاس .والسلللم
عليك " ورواه أبو نعيم في الحلية.
قال شيخ السلم :وكتبت عائشة إلى معاوية ،وروي أنها رفعتلله" :
من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس ،ومن أرضى
النللاس بسللخط الللله لللم يغنللوا عنلله مللن الللله شلليئا ً " هللذا لفللظ
المرفوع .ولفظ الموقوف " :من أرضى الله بسخط الناس رضللى
الناس ،ومن أرضى الناس بسللخط الللله عللاد الله عنه وأرضى عنه
حامده من الناس له ذما ً " وهذا من أعظم الفقه فللي الللدين فللإن
من أرضى الله بسخطهم كان قد اتقاه وكان عبده الصللالح ،والللله
يتولى الصالحين ،والله كاف عبللده " ، :ومللن يتللق الللله يجعللل للله
مخرجا * ويرزقه من حيث ل يحتسب " .والله يكفيه مؤنللة النللاس
بل ريب .وأما كون الناس كلهللم يرضللون عنلله قللد ل يحصللل ذلللك،
لكن يرضون عنه إذا سلموا من الغللراض وإذا تللبين لهللم ً العاقبللة.
كالظالم ومن أرضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من ً الله شيئا
يقللع كللثيرا ً الذي يعض يديه .وأما كللون حامللده ينقلللب ذاملا ،فهللذا
ويحصل فللي العاقبللة .فللإن العاقبللة للتقللوى ل تحصللل ابتللداء عنللد
أهوائهم .ا هل.
وقد أحسن من قال:
فكل الذي فوق التراب إذا صح منك الود يا غاية المنى
تراب
قال ابن رجب رحمه الله :فمن تحقق أن كل مخلوق فوق الللتراب
فهو تراب فكيف يقدم طاعة من هو تراب على طاعة رب الرباب
؟ أم كيف يرضى التراب بسللخط الملللك الوهللاب ؟ إن هللذا لشللئ
عجاب.
وفي الحديث :عقوبة من خاف الناس ًوآثرهم رضللاهم علللى الللله،
في الدين .عيللاذا بلالله مللن ذلللك .كملا قلال وأن العقوبة قد تكون
تعالى " :فأعقبهم نفاقا ً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله
ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ".
15 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
4
باب
قوله الله تعالى " :وعلى الله فتوكلوا
إن كنتم مؤمنين "
قوله) :باب قوله الله تعمالى " :وعلمى اللممه فتوكلمموا إن
كنتم مؤمنين "( :
قال أبو السعادات :يقال :توكل بالمر .إذا ضمن القيام به ،ووكلت
اعتمدت عليله ،ووكلل فلن فلنلا ً إذا اسلتكفاه أمري إلى فلن .إذا
أمره ثقة بكفايته ،أو عجزا ً عن القيام بأمر نفسه .ا هل.
وأراد المصنف رحملله الللله بهللذه الترجمللة باليللة بيللان أن التوكللل
فريضة يجب إخلصه لله تعالى ،فإن تقديم المعمول يفيد الحصللر.
أي وعلى الله فتوكلوا ل على غيره ،فهو مللن أجمللع أنللواع العبللادة
وأعظمها ،لما ينشأ عنه من العمال الصالحة ،فإنه إذا اعتمد علللى
الله في جميع أموره الدينيللة والدنيويللة ،دون كلل ملن سللواه صللح
إخلصه ومعاملته مع الله تعالى ،فهو من أعظم منازل " إياك نعبد
وإياك نستعين " فل يحصل كمال التوحيد بأنواعه الثلثة إل بكمللال
التوكل على الله ،كما في هذه الية ،وكما قللال تعللالى " :إن كنتللم
آمنتللم بللالله فعليلله توكلللوا إن كنتللم مسلللمين " وقللوله " :رب
المشرق ًوالمغرب ل إله إل هو فاتخذه وكيل ً " اليات في المر بلله
كثيرة جدا .قال المام أحمد رحمه الله :التوكل عمل القلب .
وقال ابن القيم في معنى الية المترجم بهللا :فجعللل التوكللل علللى
الله شرطا ً في اليمان فدل على إنتفاء اليمان عند انتفللائه ،وفللي
الية الخرى " :قللال موسللى يللا قللوم إن كنتللم آمنتللم بلالله فعليلله
توكلللوا إن كنتللم مسلللمين " فجعللل دليللل صللحة السلللم التوكلل،
وكلما قوى إيمان العبد كان توكله أقوى ،وإذا ضعف اليمان ضعف
التوكل وإذا كان التوكل ضعيفا ً كللان دليل ً علللى ضللعف اليمللان ول
بد .والله تعالى يجمع بين التوكل والعبادة ،وبين التوكللل واليمللان،
وبيللن التوكللل والتقللوى ،وبيللن التوكللل والسلللم ،وبيللن التوكللل
والهداية.
فظهر أن التوكل أصل جميع مقامات اليمللان والحسللان ،ولجميللع
أعمال السلم ،وأن منزلته منها كمنزلة الجسد من الرأس ،فكمللا
ل يقوم الرأس إل علللى البللدن فكللذلك ل يقللوم اليمللان ومقامللاته
وأعماله إل على ساق التوكل.
قال شيخ السلم رحمه الله تعالى :وما رجا أحد مخلوقا ً ول توكللل
عليه إل خاب ظنه فيه ،فإنه مشرك " :ومللن يشللرك بللالله فكأنمللا
خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق
".
قللال الشللارح رحملله الللله تعللالى :قلللت :لكللن التوكللل علللى الللله
قسمان:
أحدهما :التوكل في المور التي ل يقدر الله ،كالذين يتوكلون على
الموات والطواغيت في رجاء مطالبهم من نصر ،أو حفللظ أو رزق
أو شفاعة .فهذا شرك أكبر.
15 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
5
فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون " .فتأمل كيف جعل اليتللاء لللله
والرسول ،وجعل الحسب له وحده .فلم يقل :وقللالوا حسللبنا الللله
ورسوله ،بل جعله خالص حقه ،كما قال " إنللا إلللى الللله راغبللون "
فجعل الرغبللة إليلله وحللده،كمللا قللال تعللالى "وإلللى ربللك فللارغب"
فالرغبللة والتوكللل والنابللة والحسللب لللله وحللده ،كمللا أن العبللادة
والتقوى والسجود والنذر والحلق ل يكللون إل للله سللبحانه وتعللالى.
انتهى.
وبهذا يتبين مطابقلة اليلة للترجملة .فلإذا كلان هلو الكلافي لعبلده
وجب أل يتوكل إل عليه ،ومتى التفت بقلبه إلللى سللواه وكللله الللله
إلى من التفت إليه ،كما في الحديث " :من تعلق شلليئا ً وكللل إليلله
".
قال) :وقول الله تعالى " :ومن يتوكممل علممى اللممه فهممو
حسبه "( :
قال ابن القيم رحمه الله وغيره :أي كافيه .ومللن كللان الللله كللافيه
وواقيه فل مطمع فيله لعلدوه ول يضلره إل أذى ل بللد منله ،كلالحر
والجوع والعطش .وأما أن يضره بما يبلغ به مللراده منلله فل والبرد
يكون أبدًا ،وفرق بين الذى الذي هو الظللاهر إيللذاء وفللي الحقيقللة
إحسان وإضرار بنفسه ،وبين الضللرر الللذي يتشللفى بلله منلله .قللال
بعض السلف :جعل الله لكل عمل جزاء من نفسلله ،وجعللل جللزاء
التوكل عليه نفلس كفلايته ،فقلال " :وملن يتوكلل عللى اللله فهلو
حسبه " فلم يقل :فله كذا وكذا من الجر كما قللال فللي العمللال،
بل جعل نفسه سبحانه كافي عبده المتوكل عليه وحسللبه وواقيلله.
فلو توكل العبد على الللله حللق ت ًللوكله ،وكللادته السللموات والرض
ومن فيهن ،لجعل الله له مخرجا وكفاه رزقه ونصره .انتهى.
وفي أثر رواه أحمد في الزهد عن وهب بن منبه قال " :قللال الللله
عللز وجللل فللي بعللض كتبلله :بعزتللي إنلله مللن اعتصللم بللي فكللادته
السموات بمن فيهن والرضون بمن فيهن ،فإني أجعل له من ذلك
مخرجًا ،ومن لم يعتصم بي فإني أقطع يللديه مللن أسللباب السللماء
الرض ،فأجعله في الهواء ثللم أكللله إلللى وأخسف من تحت قدميه
مآ ً
ل .إذا كان عبدي في طاعتي أعطيه قبللل نفسه .كفى بي لعبدي
أن يسألني ،وأستجيب له قبل أن يدعوني .فأنا أعلم بحللاجته الللتي
نرفق به منه ".
وفي الية دليل على فضل التوكل ،وأنه أعظم السباب فللي جلللب
المنافع ودفع المضار .لن الله تعللالى علللق الجملللة الخيللرة علللى
الولى وتعليق الجزاء على الشرط .فيمتنع أن يكون وجود الشرك
كعدمه ،لنه الله تعالى رتللب الحكللم علل ًلى الوصللف المناسللب للله،
فعلم أن توكله هو سبب كون الله حسبا له.
وفيهلا تنللبيه علللى القيللام بالسللباب ملع التوكللل ،لنلله تعللالى ذكللر
التقوى ثم ذكر التوكل ،كما قال تعالى " :واتقللوا الللله وعلللى الللله
فليتوكللل المؤمنللون " فجلللع التوكللل مللع التقللوى الللذي هللو قيللام
فالتوكل بدون القيام بالسللباب المللأمور بهللا السباب المأمور بها.
من التوكللل فل ينبغللي للعبللد أن ً عجز محض ،وإن ًكان مشوبا ً بنوع
يجعل توكله عجللزا ول عجللزه تللوكل ،بللل يجعللل تللوكله مللن جملللة
السباب التي ل يتم المقصود إل بها كلها .ذكره ابن القيم بمعناه.
قال) :وعن ابن عباس رضي الله عنهما قممال " :حسممبنا
اللممه ونعممم الوكيممل " ،قالهمما إبراهيممم صمملى اللممه عليممه
وسلم حين ألقي فممي النممار ،وقالهمما محمممد صمملى اللممه
عليه وسلم حين قالوا له " :إن النمماس قممد جمعمموا لكممم
فاخشمموهم فزادهممم إيمانمما ً وقممالوا حسممبنا اللممه ونعممم
الوكيل " رواه البخاري( :
قوله :حسلبنا اللله أي كافينلا .فل نتوكلل إل عليله .قلال تعلالى " :
أليس الله بكاف عبده ؟ ".
قللوله :ونعللم الوكيللل أي نعللم الموكللل إليلله ،كمللا قللال تعللالى" :
واعتصموا بالله هو مولكم فنعم المولى ونعم النصير " ومخصوص
نعم محذوف تقديره هو.
قال ابن القيم رحمه الله :هو حسب من توكللل عليلله وكللافى مللن
لجأ إليه ،وهو الذي يؤمن خوف الخللائف ،ويجيللر المسللتجير ،فمللن
توله واستنصر به وتوكل عليه ،وانقطع بكليته إليه ،تللوله وحفظلله
15 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
7
وحرسه وصانه .ومن خافه واتقاه ،أمنه مما يخاف ويحذر ،ويجلللب
إليه ما يحتاج إليه من المنافع.
قوله :قالها إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقي في النار قال
تعالى " :قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا يا نار
كللوني بللردا وسلللما علللى إبراهيللم * وأرادوا بلله كيللدا فجعلنللاهم
الخسرين ".
قوله :وقالها محمد صلللى الللله عليلله وسلللم حيللن قللالوا للله " :إن
الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا ً وقالوا حسللبنا الللله
ونعم الوكيل " وذلك بعد منصرف قريش والحزاب من أحد " بلغه
أن أبا سفيان ومن معلله قللد أجمعللوا الكللرة عليهللم ،فخللرج النللبي
صلى الله عليه وسلم في سللبعين راكب لا ً حللتى انتهللى إلللى حمللراء
السد ،فألقى الله الرعب في قلب أبي سللفيان .فرجللع إلللى مكللة
بمن معه ،ومر به ركب من عبد القيس فقال :أين تريدون ؟ قالوا:
نريد المدينة .قال :فهل أنتم مبلغون محمدا ً عنللي رسللالة ؟ قللالوا:
نعم .قال فإذا وافيتموه فأخبروه أنا قللد أجمعنللا السللير إليلله وإلللى
أصحابه لنستأصل بقيتهم .فمر الركب برسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو بحمراء السد ،فأخبروه بالذي قال أبلو سلفيان .فقلال:
حسبنا الله ونعم الوكيل " ففي هاتين القصتين فضل هللذه الكلمللة
العظيمة وأنها قول الخليلين عليهما الصلة والسلم فللي الشللدائد.
وجاء في الحديث " :إذا وقعتم في المللر العظيللم فقولللوا :حسللبنا
الله ونعم الوكيل ".
باب
قول الله " أفأمنوا مكر الله "
قوله) :بماب قمول اللممه تعممالى " :أفممأمنوا مكممر اللممه فل
يأمن مكر الله إل القوم الخاسرون "( :
قصد المصنف رحمه الله بهذه الية التنبيه على أن المن من مكلر
الله من أعظم الذنوب .وأنه ينافي كمال التوحيد ،كمللا أن القنللوط
من رحمه الله كذلك وذلك يرشد إلى أن المؤمن يسللير إلللى الللله
بين الخوف والرجاء ،كما دل على ذلك الكتاب والسنة وأرشد إليله
سلف المة والئمة.
15 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
8
ومعنى اليللة :أن الللله تبللارك وتعللالى لمللا ذكللر حللال أهللل القللرى
المكذبين للرسل بين أن الذي حملهم علللى ذلللك هللو المللن مكللر
الله وعدم الخوف منه ،كما قال تعللالى " :أفللأمن أهللل القللرى أن
يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون * أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا
ضحى وهم يلعبون * أفأمنوا مكر الله فل يأمن مكر الله إل القللوم
الللله لمللا الخاسللرون " .أي الهللالكون .وذلللك أنهللم أمنللوا مكللر
استدرجهم بالسراء والنعم ،فاستبعدوا أن يكون ذلك مكرًا.
قال الحسن رحمه الله :من وسع الله عليه فلم ير أنه يمكر به فل
رأى له .
وقال قتادة :بغت القوم أمر الله ،وما أخذ الله قوما ً قط إلللى عنللد
سلوتهم ونعمتهم غرتهم .فل تغتروا بالله .
وفي الحديث " :إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصلليه
ما يحب فإنما هو استدراج " رواه أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم.
وقال إسماعيل بن رافع " :من المن مللن مكللر الللله إقامللة العبللد
على الذنب يتمنى على الله المغفرة " رواه ابن أبي حاتم.
وهذا هو تفسير المكر فللي قللول بعللض السلللف :يسللتدرجهم الللله
بالنعم إذا عصوه ،ويملى لهم ثم يأخذهم أخللذ عزيللز مقتللدر .وهللذا
هو معنى المكر والخديعة ونحو ذلك ،ذكره ابن جرير بمعناه.
قال) :وقول الله تعالى " :ومن يقنط من رحمة ربممه إل
الضالون "( :
القنوط :استبعاد الفرج واليأس منه .وهللو يقابللل المللن مللن مكللر
الله .وكلهما ذنب عظيم .وتقدم ما فيه لمنافاته لكمال التوحيد.
وذكر المصنف رحمه الله تعالى هذه الية مع التي قبلها تنبيها ً
علىً
أنه ل ً يجوز لمن خاف الله أن يقنط من رحمتلله ،بللل يكللون خائف لا
ويرجو رحمته ،كما قال تعللالى: راجيا ،يخاف ذنوبه ويعمل بطاعته،
" أمن هو قانت آناء الليل ساجدا ً وقائما ً يحذر الخرة ويرجو رحمة
ربه " وقال " :إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهللدوا فللي سللبيل
الله أولئك يرجللون رحمللة الللله والللله غفللور رحيللم " فالرجللاء مللع
المعصللية وتللرك الطاعللة غللرور مللن الشلليطان ،ليوقللع العبللد فللي
المخاوف مع ترك السباب المنجية من ًالمهالك ،بخلف حال ًأهللل
اليمان الذين ًأخذوا بأسباب النجاة خوفا من الله تعالى وهربا مللن
عقابه ،وطمعا في المغفرة ورجاء لثوابه.
والمعنى أن الله تعالى حكى قول خليله إبراهيم عليه السلم ،لمللا
بشرته الملئكة بابنه إسحاق " :قال أبشللرتموني علللى أن مسللني
الكللبر فبللم تبشللرون " لن العللادة أن الرجللل إذا كللبر سللنه وسللن
زوجته استبعد أن يولد له منها .والله على كل شللئ قللدير ،فقللالت
الملئكة " :بشرناك بالحق " الذي ل ريللب فيلله .فللإن الللله إذا أراد
شيئا ً إنما يقول له كن فيكون " :فل تكلن ملن القلانطين " أي ملن
اليسللين ،فقللال عليلله السلللم " :ومللن يقنللط مللن رحمللة ربلله إل
الضالون " فإنه يعلم من قدرة الله ورحمته ما هللو أبلللغ مللن ذلللك
وأعظم ،لكنه والله أعلم قال ذلك على وجه التعجب.
قوله " :إل الضالون " قال بعضهم :إل المخطئون طريق الصلواب،
أو إل الكللافرون .كقللوله " :إنلله ل ييللأس مللن روح الللله إل القللوم
الكافرون ".
قوله) :وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم " سئل عن الكبائر ،فقال :الشرك
بالله ،واليأس من روح الله ،والمن من مكر الله "( :
هذا الحديث رواه البزار وابن أبي حاتم من طريق شبيب بن بشللر
عن عكرمة عن ابن عباس ورجاله ثقات إل شبيب بن بشر .فقللال
ابن معين :ثقة .ولينه أبو ًحاتم .وقال ابن كثير :فللي إسللناده نظللر.
والشبه أن يكون موقوفا.
قوله :الشرك بالله هو أكبر الكبللائر .قللال ابللن القيللم رحملله الللله:
الشللرك بللالله هضللم للربوبيللة وتنقللص لللهيللة ،وسللوء ظللن بللرب
العالمين .انتهى.
15 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
9
ولقد صدق ونصح .قال تعالى " :ثم الذين كفروا بربهللم يعللدلون "
وقال تعالى " :إن الشرك لظلم عظيللم " ولهللذا ل يغفللره الللله إل
بالتوبة منه.
قوله :واليأس من روح الله أي قطع الرجاء الول والمل من الللله
فيما يخافه ويرجوه ،وذلللك إسللاءة ظللن بللالله ،وجهللل بلله وبسللعة
رحمته وجوده ومغفرته.
قوله :والمن مللن مكللر الللله أي مللن اسللتدراجه للعبللد وسلللبه مللا
أعطاه من اليمان ،نعوذ بالله من ذلك .وذلك جهل بالله وبقللدرته،
وثقة بالنفس وعجب بها.
واعلم أن هذا الحلديث للم يلرد بله حصلر الكبلائر فلي الثلث ،بلل
الكبائر كثير وهذه الثلث من أكللبر الكبللائر المللذكورة فللي الكتللاب
والسنة ،وضابطها ما قاله المحققون من العلماء :كللل ذنللب ختملله
الله بنار أو لعنة أو غضب أو عللذاب .زاد شلليخ السلللم ابللن تيميللة
رحمه الله :أو نفى اليمان.
قلت :ومن برىء منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ،أو قال" :
ليس منا من فعل كذا وكذا ".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما :هي إلللى سللبعمائة أقللرب منهللا
إلى سبع ،غير أنه ل كبيرة مع الستغفار ول صغيرة مع الصرار
قوله) :وعن ابن مسممعود رضممي اللممه عنممه قممال " :أكممبر
الكبائر الشراك بالله .والمن مممن مكممر اللممه ،والقنمموط
من رحمة الله ،واليأس من روح الله " رواه عبد الرزاق(
:
ورواه ابن جرير بأسانيد صحاح عن ابن مسعود رضي الله عنه.
قوله :والقنوط من رحمة الله قال أبو السعادات :هو أشد اليأس.
وفيه التنبيه على الرجاء والخوف ،فإذا خللاف فل يقنللط ول ييللأس،
بل يرجو رحمة الله .وكان السلف يستحبون أن يقوى فللي الصللحة
الخوف ،وفي المرض الرجاء .وهذه طريقة أبي سللليمان الللداراني
وغيره .قال :ينبغي للقلب أن يكون الغالب عليه الخوف،فإذا غللب
الرجاء الخوف فسد القلب .قال تعالى " :إن الذين يخشللون ربهلم
بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير " وقال " :يخافون يومللا تتقلللب فيلله
القلوب والبصار " قال تعالى " :والللذين يؤتللون مللا آتللوا وقلللوبهم
وجلة أنهم إلى ربهم راجعون * أولئك يسارعون في الخيرات وهم
لها سابقون " وقللال تعللالى " :أمللن هللو قللانت آنللاء الليللل سللاجدا
وقائما يحذر الخرة ويرجللو رحمللة ربلله " اليللة .قللدم الحللذر علللى
الرجاء في هذه الية.
16 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
0
باب
من اليمان بالله الصبر على أقدار الله
قوله ) :باب من اليمان بالله :الصبر على أقدار الله ( :
قال المام أحمد :ذكر الله تعالى الصللبر فللي تسللعين موضللعا ً مللن
أحمللدً كتللابه .وفللي الحلللديث الصلللحيح " :الصلللبر ضلللياء " رواه
ومسلم،وللبخاري ومسلم مرفوعًا " :ما أعطللى أحللد عطللاء خيللرا
أوسع من الصبر " قال عمر رضللي الللله عنلله :وجللدنا خيللر عيشللنا
بالصبر رواه البخاري .قال علي رضي الللله عنلله " :إن الصللبر مللن
اليمان بمنزلة الرأس من الجسد ثلم رفلع صلوته فقلال :أل إنله ل
إيمان لمن ل صبر له ".
واشتقاقه :من صبر إذا حبللس ومنللع .والصللبر حبللس النفللس عللن
الجزع ،وحبس اللسان عن التشكي والتسخط ،والجوارح عن لطم
الخدود وشق الجيوب ونحوهما ذكره ابن القيم رحمه الله.
واعلم أن الصبر ثلثة أقسام :صبر على ما أمر الله به ،وصبر عمللا
نهى عنه ،وصبر على ما قدره من المصائب.
قوله) :وقول الله تعالى " :ومن يؤمن بالله يهد قلبه "(
:
وأول الية " :مللا أصللاب مللن مصلليبة إل بللإذن الللله " أي بمشلليئته
وإرادته وحكمته ،كما قال في الية الخرى " :ما أصاب من مصيبة
في الرض ول في أنفسللكم إل فللي كتللاب مللن قبللل أن نبرأهللا إن
ذلللك علللى الللله يسللير " وقللال " :وبشللر الصللابرين * الللذين إذا
أصابتهم مصلليبة قللالوا إنللا لللله وإنللا إليلله راجعللون * أولئك عليهللم
صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ".
قوله " :ومن يؤمن بالله يهد قلبه " :قال ابن عباس فللي قللوله" :
إل بإذن الله " إل بأمر الله يعني عن قدره ومشيئته " ومللن يللؤمن
بالله يهد قلبه " أي من صابته مصيبة فعللم أنهللا بقلدر اللله فصلبر
واحتسب واستسلم لقضاء الله ً هدى ًالله قلبلله وعوضلله عمللا فللاته
من الدنيا هدى في قلبه ،ويقينا صادقا .وقللد يخلللف عليلله مللا كللان
أخذ منه.
قوله " :والله بكل شيء عليم " تنبيه على أن ذلك إنما يصدر عللن
علمه المتضمن لحكمته .وذلك يوجب الصبر والرضا.
قوله) :قال علقمة :هو الرجممل تصمميبه المصمميبة فيعلممم
أنها من عند الله فيرضى ويسلم( :
هذا الثر رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
16 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
1
وعلقمة :هو قيس بن عبللد الللله النخعللي الكللوفي .ولللد فللي حيللاة
النبي صلى الله عليه وسلم ،وسمع مللن أبللي بكللر وعثملان وعلللي
وسعد وابن مسعود وعائشة وغيرهم رضللي الللله عنهللم .وهللو مللن
كبار التابعين وأجلئهم وعلمائهم وثقاتهم مات بعد الستين.
قوله :هو الرجل تصيبه المصيبة إلخ .هذا الثللر رواه العمللش عللن
أبي ظبيان .قال :كنا عند علقمة فقرىء عليلله هللذه اليللة " :ومللن
يؤمن بالله يهد قلبه " قال هو الرجللل تصلليبه المصلليبة فيعلللم أنهللا
من عند الله فيرضى ويسلم .هذا سياق ابن جرير .وفي هذا دليللل
على أن العمال من مسمى اليمان .قال سعيد بن جللبير " :ومللن
يللؤمن بللالله يهللد قلبلله " يعنللي يسللترجع .يقللول إنللا لللله وإنللا إليلله
راجعون .وفي الية بيان أن الصبر سبب لهدايللة القلللب وأنهللا مللن
ثواب الصابرين.
قوله) :وفي صحيح مسلم عممن أبممي هريممرة رضممي اللممه
عنه :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :اثنتان
في الناس هما بهم كفر :الطعن في النسممب ،والنياحممة
على الميت "( :
لان أي هما بالناس كفر حيث كانتا من أعمال الجاهلية ،وهمللا قائمتل
علملا ً بالناس ول يسلللم منهمللا إل مللن سلللمه الللله تعللالى ورزقلله
وإيمانا ً
يستضيء به .لكن ليس من قام بشللعبة مللن شللعب الكفللر
يصير كافرا ً كالكفر المطلق ً .كما أنه ليس من قللام بلله شللبعة مللن
شعب اليمللان يصللير مؤمنلا اليمللان المطلللق .وفللرق بيللن الكفللر
المعرف باللم كما فللي قللوله " :ليللس بيللن العبللد وبيللن الكفللر أو
الشرك إل ترك الصلة " وبين كفر منكر في الثبات.
قوله :الطعن في النسب أي عيبه ،يدخل فيه أن يقللال :هللذا ليللس
ابن فلن مع ثبوت نسبه.
قوله :والنياحة على الميت أي رفع الصوت بالندب وتعللداد فضللائل
الميت ،لما فيه من التسخط علللى القللدر المنللافي للصللبر ،كقللول
النائحة :واعضداه ،واناصراه ،ونحو ذلك .وفيه دليل على أن الصبر
واجب ،وأن الكفر ما ل ينقل عن الملة.
قوله) :ولهما عن ابن مسعود مرفوعًا " :ليممس منمما مممن
ضرب الخدود ،وشق الجيوب ،ودعا بدعوى الجاهلية "( :
هذا من نصوص الوعيد ،وقد جاء عن سفيان الثوري وأحمد كراهية
تأويلها ليكون أوقع في النفوس ،وأبلغ في الزجر ،وهللو يللدل علللى
أن ذلك ينافي كمال اليمان الواجب.
قوله :من ضرب الخدود وقال الحافظ :خللص الخللد لكللونه الغللالب
وإل فضرب بقية الوجه مثله.
الذي يدخل فيه الرأس من الثللوب ،وذلللك قوله :وشق الجيوب هو
من عادة أهل الجاهلية حزنا ً على الميت.
قوله :ودعا بدعوى الجاهلية قال شيخ السلم رحملله الللله تعللالى:
هو ندب الميت .وقال غيره :هو الدعاء بالويل والثبللور .وقللال ابللن
القيم رحمه الللله :الللدعاء بللدعوى الجاهليللة كالللدعاء إلللى القبللائل
والعصللللبية،ومثللللله التعصللللب إلللللى المللللذاهب والطللللوائف
والمشايخ،وتفضيل بعضهم على بضع ،يدعو إلى ذلك ويللوالي عليله
ويعادي ،فكل هذا من دعوى الجاهلية.
وعند ابن ماجه وصححه ابن حبان عن أبي أمامة " :أن رسول الله
صلللى الللله عليلله وسلللم لعللن الخامشللة وجههللا ،والشللاقة جبيهللا،
والداعية بالويل والثبور ".
وهذا يدل على أن هذه المور ً من الكبائر ،وقللد يعفللى عنلله الشللئ
اليسير من ذلك إذا كان صدقا وليس علللى وجلله النللوح والتسللخط
نص عليه أحمد رحمه الله ،لما وقع لبي بكر وفاطمللة رضللي الللله
عنهما لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
16 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
2
وليس في هذه الحاديث ما يدل على النهي عللن البكللاء ،لمللا فللي
الصحيح أن رسول الله صلى لله عليه وسلم لما مات ابنه إبراهيم
قال " :تدمع العين ويحزن القلب ،ول نقللول إل مللا يرضللي الللرب،
وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون " وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد
رضي الله عنه " :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق إلى
إحدى بناته ولها صبي في الموت ،فرفع إليه ونفسلله تقعقللع كأنهللا
شن ،ففاضت عيناه ،فقال سعد :ما هذا يا رسول الله ؟ قال :هذه
رحمة جعلها الله في قلللوب عبللاده ،وإنمللا يرحللم الللله مللن عبللادة
الرحماء ".
قوله ") :وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صمملى
الله عليه وسلم قال :إذا أراد الله بعبده الخير عجممل لممه
العقوبة فممي الممدنيا ،وإذا أراد بعبممده الشممر أمسممك عنممه
بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة "( :
هذا الحللديث رواه الترمللذي والحللاكم وحسللنه الترمللذي .وأخرجلله
الطبراني والحاكم عللن عبللد الللله بللن مغفللل ابللن عللدي عللن أبللي
هريرة ،والطبراني عن عمار بن ياسر.
قوله :إذا أراد الللله بعبللده الخيللر عجللل لله العقوبللة فلي الللدنيا أي
يصب عليه البلء والمصائب لما فرط من الذنوب منه ،فيخرج منها
وليس عليه ذنب يوافى به يوم القيامة.
قال شيخ السلم رحمه الله تعالى :المصائب نعمة ،لنها مكفرات
للذنوب ،وتدعو إلى الصبر فيثاب عليها .وتقتضي النابللة إلللى الللله
والللذل لله ،والعللراض علن الخللق ،إللى غيللر ذلللك ملن المصللالح
العظيمة .فنفس البلء يكفر الله بله الللذنوب والخطايلا .وهلذا ملن
أعظم النعم .فالمصائب رحمة ونعمة في حق عموم الخلللق إل أن
يدخل صاحبها بسببها في معاصي أعظم مما كان قبل ذلك فيكون
شرا ً عليه من جهة ما أصابه في دينه ،فإن من الناس من إذا ابتلى
بفقر أو مرض أو وجع حصل له من النفاق والجزع ومللرض القلللب
بعلض المحرملات ملا والكفر الظاهر وترك بعض الواجبلات وفعللل
يوجب له الضرر في دينه ،فهذا كانت العافية خيرا ً له من جهللة مللا
المصيبة ل من جهة نفس المصيبة ،كما أن مللن أوجبللت للله أورثته
المصيبة صبرا ً وطاعة ،كانت في حقه نعمة دينية ،فهي بعينها فعل
الرب عز وجل ورحمللة للخلللق والللله تعللالى محمللود عليهللا ،فمللن
ابتلى فرزق الصبر كان الصبر عليه نعمة في دينه ،وحصل للله بعللد
ما كفر من خطاياه رحمة ،وحصل للله بثنللائه علللى ربلله صلللة ربلله
عليلله ،قللال تعللالى " :أولئك عليهللم صلللوات مللن ربهللم ورحمللة "
لع الللدرجات .فملن قللام بالصللبر وحصللل للله غفللران السلليئات ورفل
الواجب حصل له ذلك انتهى ملخصًا.
بللذنبه قوله :وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه أي أخر عنه العقوبللة
منصللوبا ً حتى يوافى به يوم القيامة وهللو بضللم اليللاء وكسللر الفللاء
بحتى مبنيا ً للفاعل .قلال العزيلزي :أي ل يخلازيه بلذنبه فلي اللدنيا
حتى يجيللء فللي الخللرة مسللتوفر الللذنوب وافيهللا ،فيسللتوفى مللا
يستحقه من العقاب .وهذه الجملة هي آخللر الحللديث .فأمللا قللوله:
وقال النبي صلى الله عليلله وسلللم " إن عظللم الجللزاء مللع عظللم
البلء " إلى آخره فهو أول حديث آخر ،لكن لمللا رواهمللا الترمللذي
بإسناد واحد وصحابي واحد جعلهما المصنف كالحديث الواحد.
الظن بالله فيما يقضيه لك، وفيه التنبيه على حسن الرجاء وحسن
تعالى " :وعسى أن تكرهوا شيئا ً وهو خير لكم وعسى أن كما قال
تحبوا شيئا ً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم ل تعلمون ".
ممًقوله) :وقال النبي صمملى اللممه عليممه وسمملم " إن عظم
الجزاء مع عظممم البلء .وإن اللممه تعممالى إذا أحممب قومما
ابتلهممم ،فمممن رضممي فلممه الرضممى ،ومممن سممخط فلممه
السخط " حسنه الترمذي( :
قال الترمذي :حدثنا قتيبة ثنا الليث عن يزيللد بللن أبللي حللبيب عللن
سعد بن سنان عن أنس ،فللذكر الحللديث السللابق ثللم قلال :وبهللذا
السناد علن النلبي صللى الللله عليله وسللم أنلله قللال " :إن عظلم
الجزاء " ...الحديث .ثم قال حديث حسن غريللب ملن هللذا الللوجه.
ورواه ابن ماجهً .وروى المام أحمد عن محمود بللن لبيللد رفعلله" :
إذا أحب الله قوما ابتلهم ،فمن صبر فله الصللبر ،ومللن جللزع فللله
الجزع " قال المنذري :رواته ثقات.
قوله :إن عظم الجزاء بكسر العين وفتح الظاء فيها .ويجوز ضللمها
مع سكون الطاء .أي من كان ابتلؤه أعظم كمية وكيفية.
16 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
3
وقد يحتج بهذا الحلديث ملن يقلول :إن المصلائب يثلاب عليهلا ملع
الخطايا ،ورجح ابن القيم أن ثوابها تكفير الخطايللا فقللط ،إل تكفير
إذا كانت سببا ً لعمل صللالح ،كالصللبر والرضللا والتوبللة والسللتغفار.
فإنه حينئذ يثاب على ملا توللد منهلا ،وعللى هلذا يقلال فلي معنلى
الحديث :إن عظم الجزاء مع عظم البلء إذا صبر واحتسب.
قوله :وإن الله إذا أحب قوما ً ابتلهم ولهذا ورد في حديث سعد" :
سئل النللبي صلللى الللله عليلله وسلللم :أي النللاس أشللد بلء ؟ قللال
النبياء ،ثم المثل فالمثل ،يبتللي الرجلل عللى حسلب دينله ،فلإن
كان في دينه صلبة اشتد بلؤه ،وإن كان في دينه رقة ابتلى علللى
قدر دينه ،فما يبرح البلء بالعبد حتى يتركه يمشي على الرض وما
عليه خطيئة " رواه الدرامى وابن ماجه والترمذي وصححه.
وهذا الحديث ونحوه من أدلة التوحيد ،فإذا عرف العبللد أن النبيللاء
والولياء يصيبهم البلء في أنفسهم الذي هو في الحقيقة رحمة ول
يدفعه عنهم إل الله ،عرف أنهم ل يملكون لنفسهم نفعا ً ول دفعللًا،
فلن ل يملكللوه لغيرهللم أولللى وأحللرى ،فيحللرم قصللدهم والرغبللة
إليهم في قضاء حاجة أو تفريج كربللة ،وفللي وقللوع البتلء بالنبيللاء
والصالحين من السرار والحكللم والمصللالح وحسللن العاقبللة مللا ل
يحصى.
قوله :فمن رضى فللله الرضللاء أي مللن الللله تعللالى ،والرضللاء قللد
وصف الله تعالى به نفسه في مواضع من كتللابه كقللوله تعلالى " :
جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها النهار خالدين فيهللا
أبدا ً رضي الله عنهم ورضوا عنه " ومذهب السلللف وأتبللاعهم مللن
أهل السنة :إثبات الصفات التي وصف الله بها نفسلله ووصللفه بهللا
رسول الله صلى الله عليه وسلم علللى مللا يليللق بجلللله وعظمتلله
إثباتا ً بل تمثيل وتنزيها ً بل تعطيل :فإذا رضي الله تعالى عنه حصللل
له كل خير ،وسلم من كل شر ،والرضى هو أن يسلم العبللد أمللره
إلى الله ،ويحسن الظن به ،ويرغب في ثوابه ،وقد يجد لذلك راحة
وانبساطا ً محبة لله وثقة به ،كما قال ابن مسعود رضي الللله عنلله:
إن الله بقسطه وعدله جعلل اللروح والفلرح فلي اليقيلن والرضلا،
وجعل الهم والحزن في الشك والسخط.
قوله :ومن سخط وهو بكسر الخاء ،قال أبللو السللعادات :السللخط
الكراهية للشئ وعدم الرضا به .أي من سخط على الله فيما دبره
فله السخط ،أي من الله ،وكفى بذلك عقوبة .وقد يستدل به على
وجوب الرضا وهو اختيار ابن عقيل .واختار القاضي عدم الوجوب،
ورجحه شيخ السلم وابن القيم.
قال شيخ السلم :ولم يجيء المر به كما جاء المر بالصبر .وإنمللا
جاء الثناء على أصحابه .قال :وأمللا ً ملا يلروى ملن للم يصلبر عللى
بلئي ولم يرض بقضائي فليتخذ ربا سوائي فهذا إسرائيلي لم يصح
عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ السلم :وأعلى من ذلللك أي ملن الرضللا أن يشللكر الللله
على المصيبة لما يرى من إنعام الله عليه بها .ا ه والله أعلم.
16 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
4
باب
ما جاء في الرياء
قوله ) :باب :ما جاء في الرياء ( :
أي مللن النهللي والتحللذير .قللال الحللافظ :هللو مشللتق مللن الرؤيللة.
والمراد بها إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمدون صاحبها.
والفرق بينه وبين السمعة :أن الرياء لما يرى من العمل كالصلللة.
والسمعة لما يسمع كالقراءة والللوعظ والللذكر ،ويللدخل فللي ذلللك
التحدث بما عمله.
قوله) :وقول اللممه تعممالى " :قممل إنممما أنمما بشممر مثلكممم
يمموحى إلممي أنممما إلهكممم إلممه واحممد " أي ليممس لممي مممن
الربوبيممة ول مممن اللهيممة شممئ ،بممل ذلممك كلممه وحممده ل
أيً شريك له أوحاه إلى " فمممن كممان يرجممو لقمماء ربممه "
يخافه " فليعمل عمل ً صالحا ً ول يشرك بعبادة ربه أحممدا
"( :
قوله أحدا ً نكرة في سياق النهي تعم ،وهذا العموم يتنللاول النبيللاء
والملئكة والصالحين والولياء وغيرهم.
قال شيخ السلم رحمه الله :أمللا اللقللاء فقللد فسللره طائفللة مللن
السلف والخلف بما يتضللمن المعاينللة ،وقللالوا :لقللاء الللله يتضللمن
رؤيته سبحانه وتعالى يوم القيامة ،وذكر الدلة على ذلك.
قال ابن القيم رحمه الله فللي اليللة :أي كمللا أن الللله واحللد ل إللله
سواه ،فكذلك ينبغي أن تكون العبادة له وحده ل شريك له ،فكمللا
تفرد باللهية يجب أن يفرد بالعبودية ،فالعمل الصالح :هو الخللالص
من الرياء المقيد بالسنة.
وفي الية دليل على أن أصل الدين الذي بعث الله به رسول الللله
صلى الله عليه وسلم والمرسلين قبله ،هللو إفللراده تعللالى بللأنواع
العبادة ،كما قال تعللالى " :ومللا أرسلللنا مللن قبلللك مللن رسللول إل
نوحي إليه أنه ل إله إل أنا فاعبدون " والمخللالف لهللذا الصللل مللن
هذه المة أقسللام :إمللا طللاغوت ينللازع الللله فللي ربللوبيته وإلهيتلله،
ويلدعو النلاس إللى عبلادته ،أو طلاغوت يللدعو النللاس إللى عبلادة
الوثان ،أو مشرك يدعو غير الللله ويتقللرب إليلله بللأنواع العبللادة أو
بعضها ،أو شاك في التوحيد :أهو حق أم يجوز أن يجعل لله شريك
في عبادته ؟ أو جاهل يعتقد أن الشرك دين يقرب إلى الله ،وهللذا
هو الغللالب علللى أكللثر العللوام لجلهللم وتقليللدهم مللن قبلهللم ،لمللا
اشتدت غربة الدين ونسى العلم بدين المرسلين.
16 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
5
قوله) :وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوع مًا " :قممال
الله تعالى :أنا أغنممى الشممركاء عممن الشممرك .مممن عمممل
عمل ً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه" رواه مسلم(
:
قوله :من عمل عمل ً أشرك فيه غيري أي من قصد بعمللله غيللري
من المخلوقين تركته وشركه .ولبن مللاجه فأنللا بريللء وهللو الللذي
أشرك قال الطيبي :الضمير المنصوب فللي قللوله تركتلله يجللوز أن
يرجع إلى العمل.
رحمه الله :واعلم أن العمل لغير الله أقسام فتللارة قال ابن رجب
يكون رياء محضا ً كحال المنافقين .كمللا قللال تعللالى " :وإذا قللاموا
إلى الصلة قاموا كسالى يراؤون الناس ول يذكرون الله إل قليل "
وهذا الرياء المحض ل يكاد يصدر عن مؤمن فللي فللرض الصلللة أو
التي يتعدى نفعها ،فإن الخلص فيها عزيللز ،وهللذا العمللل ل يشللك
مسلم أنه حابط ،وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة.
وتارة يكون العمل لللله ويشللاركه الريللاء ،فللإن شللاركه مللن أضللله
تدل على ذلللك فالنصوص الصحيحة تدل على بطلنه وذكر أحاديث
منها :هذا الحللديث وحللديث شللداد بلن أوس مرفوعلا ً " ملن صلللى
يرائى فقد أشرك ،ومن صام يرائي فقد أشرك ،ومن تصدق يرائي
فقد أشرك ،وإن الله عز ًوجل يقول :أنللا خيللر قسللم لمللن أشللرك
بي ،فمن أشرك بي شيئا فإن جدة عمله وقليللله وكللثيره لشللريكه
أحمللد ،وذكللر أحللاديث فللي الذي أشرك بلله .أنللا عنلله غنللي " رواه
المعنى ثم قال :فإن خالط نية الجهاد مثل ً نية غير الرياء ،مثل أخذ
أجرة الخدمة أو أخذ من الغنيمة أو التجارة نقص بذلك أجر جهللاده
ولم يبطل بالكلية.
قال ابن رجب :وقال المام أحمد رحملله الللله :التللاجر والمسللتأجر
والمكرى أجرهم على قدر ما يخلص من نيلاتهم فلي غزواتهللم ،ول
يكون مثل من جاهد بنفسه وماله ل يخلط به غيره.
وقال أيضا ً فيمن يأخذ جعل الجهادً :إذا لم يخرج لجل الللدراهم فل
بأس كأنه خرج لدينه إن أعطى شيئا أخذه .وروى عن عبد الله بلن
رضي الله عنهما قال " :إذا أجمع أحدكم على الغزو فعوضه عمرو
الله رزقا ً فل بأس بذلك ،وأما إن أحدكم أعطى دراهم غزا وإن لم
يعط لم يغز فل خير في ذلك " .وروى عن مجاهد رحملله الللله أنلله
قال في حج الجمال وحج الجير ،وحج التاجر :هو تام ل ينقص مللن
أجرهم شئ أي لن قصدهم الصلي كان هو الحللج دون التكسللب.
قال :وأما إن كان أصل العمل لله ثم طللرأ عليلله نيللة الريللاء ،فللإن
كان خاطرا ً ثم دفعه فل يضره بغير خلف ،وإن استرسل معه فهل
يحبط عمله أم ل فيجازى على أصل نيته ؟ فللي ذلللك اختلف بيللن
العلماء من السلف قد حكاه المام أحمللد وابللن جريللر ،ورجحللا أن
عمله ل يبطل بذلك ،وأنلله يجللازي بنيتلله الولللى ،وهللو مللروى عللن
الحسن وغيره .وفي هللذا المعنللى جللاء حللديث أبللي ذر عللن النللبي
صلى الله عليه وسلم " :أنه سللئل عللن الرجللل يعمللل العمللل مللن
الخير يحمده الناس ًعليه ،فقال :تلك عاجل بشرى المؤمن " رواه
مسلم .انتهى ملخصا.
قلت :وتمام هذا المقام يتبين في شرح حديث أبي سللعيد إن شللاء
الله تعالى.
قوله) :وعن أبممي سممعيد مرفوعما ً " أل أخممبركم بممما هممو
أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال ؟ قالوا :بلى يمما
رسول الله .قال :الشرك الخفي :يقوم الرجمل فيصملي
فيزين صلته لما يرى من نظر رجل " رواه أحمد( :
وروى ابن خزيمة في صحيحه عن محمللود بللن لبيللد قللال " :خللرج
عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقللال :أيهللا النللاس ،إيللاكم
وشرك السرائر ،قالوا يا رسول الله ومللا شللرك السللرائر ؟ قللال:
يقوم الرجل فيصلي فيزين صلته لما يرى مللن نظللر الرجللل إليلله.
فذلك شرك السرائر ".
قوله :عن أبي سعيد الخدري وتقدم.
قوله :الشرك الخفي سماه خفيا ً لن صللاحبه يظهللر أن عمللله لللله
وقد قصد به غيره ،أو شركه فيه بتزيين صلته لجللله .وعللن شللداد
بن أوس قال :كنا نعد الرياء على عهد رسول الله صلى الله عليلله
16 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
6
وسلم الشرك الصغر رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الخلص ،وابن
جرير في التهذيب ،والطبراني والحاكم وصححه.
قال ابن القيم :وأما الشرك الصغر فكيسير الرياء والتصنع للخلق
والحلف بغير الله ،وقول الرجل للرجل ماشاء الللله وشللئت ،وهللذا
من الله ومنك ،وأنا بالله وبك ،وما لي إل الللله وأنللت ،وأنللا متوكللل
على الله وعليك ،ولول الله وأنت لم يكن كذا وكذا .وقد يكون هذا
شرك أكبر بحسب حال قائله ومقصده ،انتهى.
ول خلف أن الخلص شلللرط لصلللحة العملللل وقبلللوله ،وكلللذلك
المتابعة ،كما قال الفضيل بن عياض رحمه الله في قوله تعالى" :
ليبلوكم أيكم أحسن ًعمل ً " قال :أيكم أخلصه ًولم يكلن صلوابا ً ً للم
يقبل ،وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لللم يقبل ،وإذا كان صوابا لم
يقبل حتى يكون خالصا ً صوابًا ،فالخالص ما كان لله ،والصلواب ملا
كان على السنة .
وفي الحديث عن الفوائد :شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على
أمتلله ونصللحه لهللم ،وأن الريلاء أخللوف علللى الصلالحين ملن فتنللة
الدجال .فإن كان النبي صلى الله عليه وسلم يخافه علللى سللادات
الولياء مع قوة إيمانهم وعلمهم فغيرهم ممن هو دونهللم بأضللعاف
أولى بالخوف من الشرك أصغره وأكبره.
باب
من الشرك إرداة النسان بعمله
الدنيا
قوله ) :باب :من الشرك إرادة النسان بعمله الدنيا ( :
فإن قيل :فما الفرق بين هذه الترجمة وبين ترجمة الباب قبله ؟
16 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
7
ونحو ذلك مما يفعله النسللان أو يللتركه خالص لا ً لللله ،لكنلله ل يريللد
ثوابه في الخرة ،إنما يريد أن يجازيه الله بحفظ مللاله وتنميتلله ،أو
حفظ أهله وعياله ،أو إدامة النعمة عليهم ،ول همللة للله فللي طلللب
الجنة والهرب من النار ،فهذا يعطي ثواب عمليه في الدنيا وليللس
له في الخرة من نصيب .وهذا النوع ذكره ابن عباس.
النوع الثاني :وهو أكبر من الول وأخوف ،وهو الذي ذكللره مجاهللد
في الية :أنها نزلت فيه وهو أن يعمللل أعمللال ً صللالحة ونيتلله ريللاء
الناس ،ل طلب ثواب الخرة.
ل ،مثللل أن يحللج النوع الثالث :أن يعمل أعمال ً صالحة يقصد بها ما ً
لدنيا يصلليبها ،أو امللرأة يتزوجهللا ،أو يجاهللد
لمال يأخللذه أو يهللاجر لل
لجل المغنم ،فقد ذكر أيضا ً هذا النوع في تفسير هللذه اليللة ،كمللا
يتعلم الرجل لجل مدرسة أهله أو مكسبهم أو رياسللتهم ،أو يتعلللم
القرآن ويواظب على الصلة لجل وظيفة المسجد ،كما هللو واقللع
كثيرًا.
النوع الرابع :أن يعمل بطاعة الله مخلص لا ً فللي ذلللك لللله وحللده ل
شريك له لكنه على عمل يكفره كفرا ً يخرجلله عللن السلللم ،مثللل
اليهود والنصارى إذا عبدوا الله ،أو تصللدقوا أو صللاموا إبتغللاء وجلله
الله والدار الخرة ،ومثل كثير من هذه المللة الللذين فيهللم كفللر أو
شرك أكبر يخرجهم مللن السلللم بالكليللة ،إذا أطللاعوا الللله طاعللة
خالصة يريدون بها ثواب الله في الدار الخرة ؟ لكنهم على أعمال
تخرجهم من السلم وتمنع قبول أعمالهم ،فهذا النوع أيضا ً قد ذكر
في هذه الية عن أنس بللن مالللك وغيللره ،وكللان السلللف يخللافون
منهلا ،قلال بعضلهم :للو أعلللم أن اللله تقبلل منللي سللجدة واحلدة
لتمنيت الموت لن الله تعالى يقول " :إنما يتقبل الله من المتقين
".
الرجل الصلوات الخمللس والزكللاة ثم قال :بقي أن يقال :إذا عمل
والصوم والحج إبتغاء وجه الله ،طالبا ً ثلواب الخلرة ،ثلم بعلد ذللك
عمل أعمال ً قاصدا ً بها الدنيا ،مثل أن يحج فرضه لله ،ثم يحج بعده
لجل الدنيا كما هلو واقلع ،فهلو لملا غللب عليله منهملا .وقلد قلال
بعضللهم :القللرآن كللثيرا ً مللا يللذكر أهللل الجنللة الخلللص وأهللل النللار
الخلص ،ويسكت عن صاحب الشائبتين ،وهو هذا وأمثاله ا هل.
قوله) :في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قمال:
قال رسول اللممه صمملى اللممه عليممه وسمملم " :تعممس عبممد
الدينار ،تعس عبد الممدرهم ،تعممس عبممد الخميصممة ،تعممس
عبممد الخميلممة ،إن أعطممى رضممى ،وإن لممم يعممط سممخط،
تعس وانتكممس وإذا شممك فل انتقممش .طمموبى لعبممد أخممذ
بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه ،مغبرة قدماه،
إن كان في الحراسة كان فمي الحراسمة ،وإن كمان فمي
الساقة كان في الساقة .إن استأذن لممم يممؤذن لممه ،وإن
شفع لم يشفع له "( :
قوله :في الصحيح أي صحيح البخاري.
قوله :تعس هو بكسر العين ويجوز الفتللح أي سللقط ،والمللراد هنللا
هلك .قاله الحللافظ ،وقللال فللي موضللع آخللر :وهللو ضللد سللعد .أي
شللقي .قللال أبللو السللعادات :يقللال تعللس يتعللس إذا عللثر وانكللب
لوجهه .وهو دعاء عليه بالهلك.
قوله :عبد الدينار هو المعروف من الذهب كالمثقال في الوزن.
قوله :تعس عبد الدرهم وهو من الفضللة ،قللدره الفقهللاء بالشللعير
ضرب بني أمية وهو زنة خمسللين حبللة وزنًا ،وعندنا منه درهم من
شعير وخمسا حبة سماه عبدا ً له ،لكونه هو ًالمقصود بعمله ،فكللل
من توجه بقصده لغير الله فقد جعله شريكا للله فللي عبللوديته كمللا
هو حال الكثر.
قوله :تعس عبد الخميصللة قللال أبللو السللعادات :هللي ثللوب خللز أو
صلللوف معللللم ،وقيلللل ل تسلللمى خميصلللة إل أن تكلللون سلللوداء
معلمة،وتجمع على خمائص .والخميلة بفتح الخللاء المعجمللة وقللال
أبو السعادات :ذات الخمل ،ثياب لها خمل من أي شئ كان.
قللوله :تعللس وانتكللس قللال الحللافظ :هللو بالمهملللة ،أي عللاوده
المرض .وقال أبو السللعادات :أي انقلللب علللى رأسلله .وهللو دعللاء
16 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
9
عليه بالخيبة .قال الطيبي :فيه الترقي بالدعاء عليه .لنه إذا تعللس
انكب على وجهه .وإذا انتكس انقلب على رأسه بعد أن سقط.
قوله :وإذا شلليك أي أصللابته شللوكة فل انتقللش أي فل يقللدر عللى
إخراجها بالمنقاش قاله أبو السعادات.
والمراد أن من كانت هذه حاله فلإنه يسللتحق أن يلدعى عليلله بملا
يسوءه في العواقب ،ومن كانت هذه حاله فل بد أن يجد أثللر هللذه
الدعوات في الوقوع فيما يضره في عاجل دنياه وآجل أخراه.
قال شيخ السلم رحمه الله :فسماه النبي صلى الله عليلله وسلللم
عبد الدينار والدرهم وعبد القطيفة وعبد الخميصللة .وذكللر فيلله مللا
هللو دعلاء بلفلظ الخللبر وهلو قللوله :تعلس وانتكلس وإذا شلليك فل
انتقش وهذه حال من إذا أصابه شر لم يخرج منه ولم يفلح ،لكونه
تعس وانتكس ،فل نال المطلللوب ،ول خلللص مللن المكللروه ،وهللذا
حال من عبد المال .وقد وصف ذلللك بللأنه :إن أعطللى رضللى ،وإن
منع سخط كما قال تعالى " :ومنهم من يلمزك في الصدقات فللإن
أعطللوا منهللا رضللوا وإن لللم يعطللوا منهللا إذا هللم يسللخطون "
فرضاؤهم لغير الله ،وسخطهم لغيللر الللله ،وهكللذا حللال مللن كللان
متعلقا ً منها برياسة أو صورة ونحو ذلك من أهواء نفسه ،إن حصل
له رضى ،وإن لم يحصل له سخط ،فهذا عبللد مللا يهللواه مللن ذلللك
وهللو رقيللق للله ،إذ الللرق والعبوديللة فللي الحقيقللة هللو رق القلللب
وعبوديته ،فما استرق القلب واستعبده فهو عبده إلى أن قال:
وهكذا أيضا ً طالب المال ،فإن ذلك يستعبده ويسترقه وهذه المور
نوعان ،فمنها ما يحتاج إليه العبد ،كما يحتاج إلللى طعللامه وشللرابه
ومنكحه ومسكنه ونحو ذلك ،فهذا يطلب من الله ويرغب إليه فيه.
فيكون المال عنده يستعمله في حاجته بمنزلة حماره الذي ًيركبه،
وبساطه الذي يجلس عليه من غير أن يستعبده فيكون هلوعا.
العبد ،فهذا ينبغي أن ل يعلق ًقلبه بها ً ،فللإذا ومنها :ما ل يحتاج إليه
تعلق قلبه بها صار مستعبدا ً لها ،وربما صار مستعبدا متعمللدا علللى
غير الله فيها ،فل يبقى معه حقيقة العبودية لله ول حقيقللة التوكللل
عليه ،بل فيه شعبة من العبادة لغير الله وشعبة من التوكللل علللى
غير الله ،وهذا من أحق النللاس بقللوله صلللى الللله عليلله وسلللم" :
تعس عبد الدينار ،تعس عبد الدرهم ،تعللس عبللد الخميصللة ،تعللس
عبد الخميلة " وهذا هو عبد لهذه المور ولو طلبها مللن الللله ،فللإن
الله إذا أعطاه إياه رضى ،وإن منعه إياها سللخط ،وإنمللا عبللد الللله
من يرضيه ما يرضي الله ويسخطه ما يسخط الله ويحب ما أحبلله
لاء الللله الله ورسوله ويبغض ما أبغضه الللله ورسللوله ،ويللوالى أوليل
ويعادى أعداء الله فهذا الذي استكمل اليمان ،انتهى ملخصًا.
قوله :طوبى لعبد قال أبو السعادات :طللوبى اسللم الجنللة ،وقيللل:
هي شجرة فيها ويؤيد هذا ما روى ابن وهب بسنده عن أبي سللعيد
قال " :قال رجل :يا رسول الللله ومللا طللوبى ؟ قللال :شللجرة فللي
الجنة مسيرة ملائة سلنة ،ثيلاب أهلل الجنلة تخلرج ملن أكمامهلا "
ورواه المام أحمد :حدثنا حسن بن موسى سللمعت عبللد الللله بللن
أبو سللعيد الخللدري لهيعة حدثنا دراج أبو السمح أن أبا الهيثم حدثه
عن رسول الله صلى الله عليه وسلللم " إن رجل ً قللال :يللا رسللول
الله ،طوبى لمن رآك وآمن بك ،قال طوبى لمن رآنللي وآمللن بللي،
وطوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني .قال له رجل:
وما طوبى ؟ قال :شجرة في الجنة مسيرة مائة عللام ،ثيللاب أهللل
الجنة تخرج من أكمامها " وللله شللواهد فللي الصللحيحين وغيرهمللا.
وقد روى ابن جرير عن وهب بن منبه هاهنا ً أثرا ً غريبا ً عجيبلًا .قللال
وهب رحملله الللله :إن فللي الجنللة شللجرة يقللال لهللا طللوبى يسللير
الراكب في ظلها مائة عام ل يقطعها :زهرها ريللاط ،وورقهللا بللرود
وقضبانها عنبر ،وبطحاؤها ياقوت ،وترابهللا كللافور ،ووحلهللا مسللك،
يخرج من أصلها أنهار الخمر واللبن والعسلل ،وهللي مجلللس لهلل
الجنة ،بينما هم في مجلسهم إذا أتتهم الملئكة من ربهللم يقللودون
نجبا ً مزمومة بسلسل من ذهب ،وجوهها كالمصللابيح مللن حسللنها،
ووبرها كخز المرعزي من لينه ،عليها رحللال ألواحهللا مللن يللاقوت،
ودفوفهللا مللن ذهللب وثيابهللا مللن سللندس وإسللتبرق ،فينيخونهللا
ويقولللون :إن ربنللا أرسللل إليكللم لللتزوروه وتسلللموا عليلله قللال:
فيركبونها ،قال :فهي أسرع من الطائر ،وأوطأ مللن الفللراش .خبللا
من غير مهنة ،يسير الراكب إلى جنب أخيه وهو يكلمه وينللاجيه ،ل
تصيب أذن راحلة منها أذن صاحبتها ،ول برك راحلة برك صللاحبتها،
حتى إن الشجرة لتنتحى عن طريقهم لئل تفرق بين الرجل وأخيه.
قال :فيأتون إلى الرحمن الرحيم فيسللفر لهللم عللن وجهلله الكريللم
حللتى ينظللروا إليلله ،فللإذا رأوه قللالوا :اللهللم أنللت السلللم ومنللك
السلم ،وحق لك الجلل والكرام ،قال :فيقول تبارك وتعالى عنللد
ذلك ،أنا السلللم ومنللي السلللم وعليكللم حقللت رحمللتي ومحبللتي،
17 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
0
باب
من أطاع العلماء والمراء في
تحريم ما أحل الله
مم ممما قوله) :باب :من أطاع العلممماء والمممراء فممي تحريم
أحل الله أو تحليل ما حرم الله ،فقد اتخذهم أرباب ما ً مممن
دون الله( :
لقول الله تعالى " :اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباب لا ً مللن دون الللله
والمسيح ابن مريم وما أمروا إل ليعبللدوا إلهلا ً واحللدا ً ل إللله إل هللو
سبحانه عما يشللركون" وتقللديم تفسللير هللذا فللي أصللل المصللنف
رحمه الله عند ذكر حديث عدي ابن حاتم رضي الله عنه.
17 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
3
قوله) :وقال ابن عباس رضي الله عنهممما " :يوشممك أن
تنزل عليكم حجارة من السماء .أقول :قال رسول اللممه
صلى الله عليه وسلم وتقولون :قال أبو بكر وعمر ؟ "(
:
قوله :يوشك بضم أوله وكسر الشين المعجمة أي يقرب ويسرع.
وهذا القول من ابن عباس رضي الله عنهما جللواب لمللن قللال :إن
أبللا بكللر وعمللر رضللي الللله عنهمللا ل يريللان التمتللع بللالعمرة إلللى
الحج،ويريان أن إفراد الحج أفضل :أو ما هو معنى هذا ،وكلان ابلن
عباس يرى أن التمتع بالعمرة إلى الحج واجللب ويقللول :إذا طللاف
بالبيت وسعى بيلن الصللفا والمللروة سللبعة أشللواط فقللد حلل ملن
عمرته شاء أم أبى" لحديث سراقة بللن مالللك حيللن أمرهللم النللبي
صلى الله عليه وسلم أن يجعلوها عمرة ويحلوا إذا طللافوا بللالبيت
وسعوا بين الصفا والمروة ،فقال سللراقة :يللا رسللول الللله ألعامنللا
هذا أم للبد ؟ فقال :بل للبد " والحللديث فللي الصللحيحين ،وحينئذ
فل عذر لمن استفى أن ينظر في مذاهب العلماء ومللا اسللتدل بلله
كل إمام ويأخذ من أقوالهم ما دل عليله اللدليل إذا كلان لله ملكلة
يقتدر بها على ذلك .كمللا قللال تعللالى " :فللإن تنللازعتم فللي شلليء
فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الخلر ذللك
خير وأحسن تأويل ".
وللبخاري ومسلم وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قللال" :
لو استقبلت مللن أمللري مللا اسللتدبرت مللا أهللديت ولللول أن معللي
الهدى لحللت " هذا لفظ البخاري في حللديث عائشللة رضللي الللله
عنها .ولفظه في حديث جابر " :افعللوا ملا أمرتكلم بله فللول أنلي
سقت الهدى لفعلت مثل الذي أمرتكللم " فللي عللدة أحللاديث تؤيللد
قول ابن عباس.
وبالجملة فلهذا قال ابن عباس لما عارضوا الحديث برأي أبي بكللر
وعمللر رضللي الللله عنهمللا :يوشللك أن تنللزل عليكللم حجللارة مللن
السماء ....الحديث.
وقال المام مالك رحمه الله تعالى :ما منا إل راد ومردود عليه ،إل
صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم .
وكلم الئمة في هذا المعنى كثير.
وما زال العلماء رحمهم الللله يجتهللدون فللي الوقللائع فمللن أصللاب
منهم فله أجران ،ومن أخطأ فله أجر ،كملا فلي الحلديث ،لكلن إذا
استبان لهم الدليل أخذوا به وتركوا اجتهادهم .وأملا إذا لللم يبلغهلم
الحديث أو لم يثبت عن النبي صلى الله عليلله وسلللم عنللدهم فيلله
حديث ،أو ثبت وله معارض أو مخصللص ونحللو ذلللك فحينئذ يسللوغ
للمام أن يجتهد .وفي عصر الئمة الربعة رحمهم الله تعللالى إنمللا
كان طلب الحللاديث ممللن هللي عنللده بللاللقى والسللماع ،ويسللافر
الرجل في طلب الحديث إلى المصار عدة سنين .ثم اعتنى الئمة
بالتصانيف ودونوا الحاديث ورووها بأسانيدها ،وبينوا صللحيحها مللن
حسنها من ضعيفها .والفقهاء صنفوا في كل مذهب ،وذكروا حجللج
المجتهدين .فسهل المر على طالب العلم .وكل إمام يذكر الحكم
رضي الله عنهما مللا يللدل علللى بدليله عنده ،وفي كلم ابن عباس
أن من يبلغه الدليل فلم يأخذ به تقليدا ً لمللامه فللإنه يجللب النكللار
عليه بالتغليظ لمخالفته الدليل.
وقال المام أحمد :حللدثنا أحمللد بللن عمللر الللبزار ،حللدثنا زيللاد بللن
أيوب ،حدثنا أبو عبيدة الحداد عن مالك بن دينار عللن عكرمللة ابللن
عباس قال :ليس منا أحد إل يؤخذ من قوله ويدع غير النبي صلللى
الله عليه وسلم .
وعلى هذا فيجللب النكللار علللى مللن تللرك الللدليل لقللول أحللد مللن
العلماء كائنا ً من كللان ،ونصللوص الئمللة علللى هللذا ،وأنلله ل يسللوغ
التقليد إل في مسائل الجتهاد الللتي ل دليللل فيهللا يرجللع إليلله مللن
كتاب ول سنة ،فهذا هو الذي عناه بعض العلماء بقوله :ل إنكار في
مسائل الجتهاد .وأما من خالف الكتاب والسنة فيجللب الللرد عليلله
كما قال ابن عباس والشافعي ومالك وأحمد ،وذلللك مجمللع عليلله،
كما تقدم في كلم الشافعي رحمه الله تعالى.
قوله) :وقال المام أحمد :عجبت لقمموم عرفمموا السممناد
وصحته ،ويذهبون إلى رأي سفيان .والله تعمالى يقمول:
17 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
4
اليمن قال :كيف تقضي إذا عرض لك قضاء ؟ قال :أقضللي بكتللاب
الله تعالى ،قال :فإن لم تجد في كتاب الله ؟ قال :فبسنة رسللول
الله صلى الله عليه وسلم قال فإن لم تجد في سللنة رسللول الللله
صلى الله عليه وسلم ول في كتللاب الللله ؟ قللال :أجتهللد رأيللي ول
آلو ،قال :فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صللدره وقللال:
الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لملا يرضللي رسللول الللله"
وساق بسنده عن الحارث بن عمر عن أناس من أصحاب معاذ بن
جبل رضي الله عنه :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعثه
إلى اليمن بمعناه .
لل نهللوا عللن تقليللدهموالئمة رحمهم الله لم يقصروا في البيان ،بل
إذا استبانت السنة ،لعلمهم أن من العلم شيئا ً لم يعلموه ،وقد يبلغ
غيرهم ،وذلك كثير كما ل يخفى على من نظر في أقوال العلماء.
قال أبو حنيفة رحمه الله :إذا جاء الحديث علن رسلول اللله صللى
الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين ،وإذا جاء عن الصحابة رضللي
الله عنهم فعلى الرأس والعين ،وإذا جاء عن التابعين فنحن رجللال
وهم رجال.
وقال :إذا قلت قول ً وكتاب الله يخالفه فاتركوا قولي لكتللاب الللله.
قيل :إذا كان قول رسول الللله صلللى الللله عليلله وسلللم يخللالفه ؟
قال :اتركوا قولي لخبر الرسول صلى الله عليله وسللم .وقيلل إذا
كان قول الصحابة يخالفه ؟ قال :اتركوا قولي لصحابة.
وقال الربيع :سمعت الشافعي رحملله الللله يقللول :إذا وجللدتم فللي
كتابي خلف سنة رسول الله صلى الله عليلله وسلللم فخللذوا سللنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلت.
وقال :إذا صح الحديث بما يخالف قولي فاضربوا بقولي الحائط.
وقال مالك :كل أحد يؤخذ من قلوله ويلترك إل رسلول اللله صللى
الله عليه وسلم.
وتقدم له مثل ذلك ،فل عذر لمقلللد بعللد هللذا .ولللو استقضللينا كلم
العلماء في هذا لخرج عما قصللدناه مللن الختصللار ،وفيمللا ذكرنللاه
كفاية لطالب الهدى.
قوله :لعله إذا رد بعض قللوله أي قللول الرسللول صلللى الللله عليلله
وسلم أي يقع في قلبه شئ من الزيغ فيهلك نبه رحمه الللله أن رد
قول الرسول صلى الله عليه وسلم سبب لزيغ القلللب ،وذلللك هللو
الهلك في الدنيا والخرة كما قال تعللالى " :فلمللا زاغللوا أزاغ الللله
قلوبهم والله ل يهدي القوم الفاسقين ".
قال شيخ السلم رحمه الله في معنى قول الله تعالى " :فليحللذر
لن ً الذين يخالفون عن أمره " فإن كان المخالف لمره قللد حللذر مل
الكفر والشرك ،أو من العذاب الليم ،دل على أنه قد يكون مفضيا
إلى الكفر والعذاب الليم ،ومعلوم أن إفضاءه إلى العللذاب الليللم
هو مجرد فعل المعصية ،فإفضاؤه إلى الكفر إنما هو لما يقترن بلله
من الستخفاف في حق المر ،كما فعل إبليس لعنلله الللله تعللالى ا
هل.
وقال أبو جعفر ابن جرير رحمه الله تعالى عن الضحاك " :فليحذر
الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة " قال :يطبللع علللى قلبلله
فل يؤمن أن يظهر الكفر بلسانه فتضرب عنقه.
قال أبللو جعفللر بللن جريللر :أدخلللت عللن لن معنللى الكلم فليحللذر
الذين يلوذون عن أمره ويدبرون عنه معرضين.
قوله :أو يصيبهم في الدنيا عذاب من الله موجع على خلفهم أمللر
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله) :عن عدي بممن حمماتم رضممي اللممه عنممه :أنممه سمممع
النبي صلى اللمه عليمه وسملم يقرأهمذه اليمة " :اتخمذوا
أحبارهم ورهبانهم أربابمما مممن دون اللممه والمسمميح ابممن
مريم " الية .فقلممت " :إنمما لسممنا نعبممدهم .قممال :أليممس
يحرمون ما أحل الله فتحرمممونه ويحلممون ممما حممرم اللممه
17 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
6
باب
" ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا
"
قمموله) :بمماب :قممول اللممه تعممالى " :ألممم تممر إلممى الممذين
يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلممك "
اليات( :
قال العماد ابن كثير رحمه الله تعالى :والية ذامة لمللن عللدل عللن
الكتاب والسنة وتحاكم إلى ما سللواهما ملن الباطللل ،وهللو المللراد
بالطاغوت ههنا.
وتقدم ما ذكره ابن القيم رحمه الله في حده للطاغوت ،وأنلله كللل
ما تجاوز به العبد حللده مللن معبلود أو متبللوع أو مطلاع ،فكلل ملن
حاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلللم فقللد
حاكم إلللى الطللاغوت الللذي أمللر الللله تعللالى عبللاده المللؤمنين أن
يكفروا به ،فإن التحاكم ليس إل إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى
الله عليه وسلم ومن كان يحكم بهما ،فمن تحاكم إلى غيرهما فقد
تجاوز به حده ،وخرج عما شللرعه الللله ورسللوله صلللى ًالللله عليلله
وسلم وأنزله منزلة ل يستحقها .وكللذلك مللن عبللد شلليئا دون الللله
فإنما عبد الطاغوت ،فإن كان المعبود صالحا ً صارت عبللادة العابللد
له راجعة إلى الشيطان الللذي أمللره بهلا ،كملا قلال تعللالى " :يللوم
نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكللانكم أنتللم وشللركاؤكم
فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتللم إيانللا تعبللدون * فكفللى بللالله
شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغللافلين * هنالللك تبلللو كللل
نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولهم الحق وضل عنهم ما كانوا
يفللترون " وكقللوله " :ويللوم يحشللرهم جميعللا ثللم يقللول للملئكللة
أهؤلء إياكم كانوا يعبدون * قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بللل
كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون " وإن كان ممن يدعو إلى
كان شجرا ً أو حجرا ً أو قبرا ً وغير ذلللك ممللا يتخللذه عبادة نفسه أو
المشركون أصناما ً على صور الصالحين والملئكة وغير ذلك ،فهللي
مللن الطللاغوت الللذي أمللر الللله تعللالى عبللاده أن يكفللروا بعبللادته،
ويتبرأوا منه ،ومن عبادة كل معبود سوى الله كائنا ً من كان ،وهللذا
كله من عمل الشيطان وتسويله ،فهللو الللذي دعلا إلللى كلل باطللل
وزينة لمن فعل ،وهذا ينافي التوحيد الذي هللو معنللى شللهادة أن ل
إله إل الله .فالتوحيد :هو الكفر بكل طلاغوت عبلده العابلدون ملن
دون الللله ،كمللا قللال تعللالى " :قللد كللانت لكللم أسللوة حسللنة فللي
إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا بللرآء منكللم وممللا تعبللدون
من دون الله كفرنا بكم وبلدا بيننلا وبينكلم العلداوة والبغضلاء أبلدا
حتى تؤمنوا بالله وحده " وكل من عبد غير الله فقد جاوز به حللده
وأعطاه من العبادة ما ل يستحقه.
قال المام مالك رحمه الله الطاغوت ما عبد من دون الله .
جلاء بله وكذلك من دعا إلى تحكيم غير الله ورسوله فقد تلرك ملا
الرسول صلى الله عليه وسلم ورغب عنه ،وجعل لله شللريكا ً فللي
الطاعة وخالف ما جاء به رسول الله صلى الله عليلله وسلللم فيمللا
أمره الله تعالى به في قوله " :وأن احكم بينهم بما أنللزل الللله ول
تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنللزل الللله إليللك "
وقوله تعالى " :فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم
ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجا ً مما قضيت ويسلموا تسليما ً " فمن
خالف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه ً وسلم بأن حكم بيللن
الناس بغير ما أنزل الله ،أو طلب ذلك أتباعا لما يهواه ويريده فقد
خلع ربقة السلم واليمان في عنقلله .وإن زعللم أنلله مللؤمن ،فللإن
الله تعالى أنكر على من أراد ذلك ،وأكللذبهم فللي زعمهللم اليمللان
قوله " :يزعمون " من نفى إيمانهم ،فإن " يزعمون لما في ضمن
" إنمللا يقللال غالب لا ً لمللن ادعللى دعللوى هللو فيهللا كللاذب لمخللالفته
لموجبها وعمله بما ينافيها،يحقق هذا قوله " :وقد أمروا أن يكفروا
التوحيد ،كما في آية البقرة فإن لم به " لن الكفر بالطاغوت ركن
يحصل هذا الركن لم يكن موحدا ً والتوحيد هو أساس اليمان الذي
تصلح به جميع العمال وتفسد بعدمه .كما أن ذلك بيللن فللي قللوله
تعالى " :فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة
الوثقى " الية .وذلك أن التحاكم إلى الطاغوت إيمان به.
وقوله " :ويريد الشيطان أن يضلهم ضلل ً بعيدا ً " يبين تعللالى فللي
هذه الية أن التحاكم إلى الطاغوت مما يأمر به الشلليطان ويزينلله
لمن أطاعه :ويللبين أن ذلللك ممللا أضللل بلله الشلليطان مللن أضللله،
17 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
8
قال أبو بكر بن عياش في الية :إن الللله بعللث محمللدا ً صلللى الللله
عليه وسلم إلى أهللل الرض وهللم فسللاد ،فأصلللحهم الللله بمحمللد
صلى الله عليه وسلم فمن دعا إلى خلف ما جاء به محمللد صلللى
الله عليه وسلم فهو من المفسدين في الرض.
وقال ابن القيم رحمه الله :قال أكثر المفسللرين :ل تفسللدوا فيهللا
بالمعاصي والدعاء إلى غير طاعة الله بعللد إصلللح الللله لهللا ببعللث
الرسل ،وبيان الشريعة والدعاء إلى طاعللة الللله ،فللإن عبللادة غيللر
الله والدعوة إلى غيره والشرك به هللو أعظللم فسللاد فللي الرض،
بل فساد الرض في الحقيقة إنما هو بالشرك بلله ومخالفللة أمللره،
فالشرك والدعوة إلى غير الله وإقامة معبود غيللره ،ومطللاع متبللع
غير رسللول الللله صلللى الللله عليلله وسلللم ،هللو أعظللم فسللاد فللي
الرض ،ول صلح لها ول لهلها إل أن يكون الله وحده هو المطللاع،
والدعوة له ل لغيره ،والطاعللة والتبللاع لرسللوله ليللس إل ،وغيللره
إنما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الرسول صلللى الللله عليلله وسلللم.
فإذا أمر بمعصية وخلف شلريعته فل سلمع ول طاعلة .وملن تلدبر
أحوال العالم وجد كل صلح في الرض فسببه توحيد الله وعبللادته
وطاعة رسوله،وكل شر فللي العللالم وفتنللة وبلء وقحللط وتسللليط
عدو وغيللر ذلللك فسللببه مخالفللة رسللوله والللدعوة إلللى غيللر الللله
ورسوله .ا هل.
ووجلله مطابقللة هللذه اليللة للترجمللة :أن التحللاكم إلللى غيللر الللله
ورسوله من أعظم ما يفسد الرض من المعاصي ،فل صلح لها إل
بتحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ،وهو سللبيل
المؤمنين ،كما قال تعالى " :ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين
له الهدى ويتبع غير سبيل المللؤمنين نللوله مللا تللولى ونصللله جهنللم
وساءت مصيرا ".
تعمالى " :أفحكممم الجاهليمة يبغمون قموله ) :وقمول اللمه
ومن أحسن من الله حكما ً لقوم يوقنون "( :
قال ابن كثير رحمه الله :ينكر تعالى على من خرج عن حكللم الللله
تعالى المشتمل على كل خير ،الناهي عن كل شر وعللدل إلللى مللا
سواه من الراء والهللواء والصللطلحات الللتي وضللعها الرجللال بل
مستند من شريعة الله ،كما كان أهللل الجاهليللة يحكمللون بلله مللن
الجهالت والضللت كما يحكم به التتار مللن السياسللات المللأخوذة
عن جنكيز خلان اللذي وضلع لهلم الياسلق وهلو عبلارة علن كتلاب
أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة
من الحكام أخذها عللن مجللرد نظللرة وهللواه. السلمية وفيها كثير
فصارت في بنيه شللرعا ً يقللدمونها علللى الحكللم بالكتللاب والسللنة،
فمن فعل ذلك فهو كافر يجللب قتللاله حللتى يرجللع إلللى حكللم الللله
ورسوله ،فل يحكم بسواه في قليل ول كثير.
قوله " :ومن أحسللن مللن الللله حكملا ً لقللوم يوقنللون " :اسللتفهام
إنكار أي ل حكم أحسن من حكمه تعالى .وهذا من بللاب اسللتعمال
أفعل التفضيل فيما ًليس له في الطرف الخللر مشللارك ،أي ومللن
أعدل من الله حكما لمن عقل عن الللله شللرعه وآمللن وأيقللن أنلله
تعالى أحكم الحاكمين ،وأرحم بعباده مللن الوالللدة بولللدها ،العليللم
بمصالح عباده القادر على كللل شللئ ،الحكللم فللي أقللواله وأفعللاله
وشره وقدره ؟.
وفي الية ،التحذير ملن حكللم الجاهليلة وإختيلاره عللى حكللم اللله
ورسوله ،فمن فعل ذلك فقد أعرض عن الحسن ،وهو الحق ،إلى
ضده من الباطل.
قمموله) :عممن عبممد اللممه بممن عمممر رضمي اللممه عنهممما :أن
رسممول اللممه صمملى اللممه عليممه وسمملم قممال " :ل يممؤمن
أحدكم حتى يكون هواه تبعا ً لما جئت به " قال النممووي:
حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح( :
هذا الحديث رواه الشلليخ أبللو الفتللح نضللر بللن إبراهيللم المقدسللي
الشافعي في كتاب :الحجة على تلارك الحجلة بإسلناد صلحيح كملا
قاله المصنف رحمه الله عن النووي .ورواه الطبراني وأبو بكر بن
عاصم،والحافظ أبو نعيم في الربعين التي شرط لها أن تكون في
صحيح الخبار ،وشلاهده فلي القلرآن قلوله تعلالى " :فل وربلك ل
الية .وقوله " :ومللا كللان يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم "
لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا ً أن يكون لهم الخيرة
من أمرهم " وقوله " :فإن لللم يسللتجيبوا لللك فللاعلم أنمللا يتبعللون
أهواءهم " ونحو هذه اليات.
18 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
0
باب
من جحد شيئا ً من السماء والصفات
وقول الله تعالى " :وهم يكفرون بالرحمن قللل هللو ربللي ل إللله إل
هو عليه توكلت وإليه متاب ".
التفسللير وغيرهللا. سبب نزول هذه الية معلللوم مللذكور فللي كتللب
اسم الرحمن عنادًا ،وقال تعالى" : وهو أن مشركي قريش جحدوا
قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ً ما تدعوا فله السماء الحسللنى
" و الرحمن اسم وصفته ،دل هذا السم علللى أن الرحمللة وصللفه
سبحانه ،وهي من صللفات الكمللال ،فللإن كللان المشللركون جحللدوا
إسما ً من أسمائه تعالى ،وهو من السماء الللتي دلللت علللى كمللاله
سبحانه وبحمده فجمود معنى هذا السم ونحوه من السماء يكون
كذلك ،فإن جهم بن صفوان ومن تبعه يزعمللون أنهللا ل تللدل علللى
صفة قائمة بالله تعالى .وتبعهم علللى ذلللك طللوائف مللن المعتزلللة
والشاعرة وغيرهم .فلهذا كفرهم كللثيرون مللن أهللل السللنة .قللال
العلمة ابن القيم رحمه الله تعالى:
في عشر من العلماء في ولقد تقلد كفرهم خمسون
البلدان
لهم بل حكاه قبله الطبراني الكائي المام حكاه عنل
فإن هؤلء الجهمية ومن وافقهم على التعطيل جحدوا ما وصف به
نفسه ووصفه به رسوله من صفات كماله ونعوت جلله ،وبنوا هذا
التعطيل على أصل باطل أصلوه مللن عنللد أنفسلهم ،فقللالوا ً :هللذه
هي صفات الجسام .فيلزم من إثباتها أن يكللون الللله جسللما ،هللذا
منشأ ضلل عقولهم ،لم يفهموا من صفات الله إل ما فهمللوه مللن
خصللائص صللفات المخلللوقين ،فشللبهوا الللله فللي إبتللداء آرائهللم
بالناقصللات
وشللبهوه ثالثللا ًوشللبهوه الفاسدة بخلقه ثم عطلوه من صفات كماله،
والجمادات والمعدومات ،فشبهوا أول ً وعطلوا ثانيًا.
بكل ناقص ومعدوم ،فتركوا ما دل عليه الكتاب والسنة من إثبللات
ما وصف الله به نفسه ووصلفه بله رسلوله عللى مللا يليللق بجللله
لللله وعظمته .وهذا هو الذي عليه سلف المة وأئمتها ،فإنهم أثبتوا
لنفسه وأثبته له رسللوله صلللى الللله عليلله وسلللم إثباتلا ً بل ما أثبته
الكلم
ً تمثيل ،وتنزيها ً بل تعطيل ،فإن الكلم في الصفات فرع عللن
في الذات يحتذى حذوه فكما أن هؤلء المعطلة يثبتون لللله ذات لا ل
تشبه لذوات ،فأهل السنة يقولون ذلك ويثبتون ما وصللف الللله بلله
نفسه ووصفه به رسوله من صفات كماله ونعللوت جلللله ل تشللبه
صفاته صفات خلقه ،فإنهم آمنوا بكتاب الللله وسللنة رسللوله صلللى
الله عليه وسلم ولللم يتناقضللوا ،وأولئك المعطلللة كفللروا بمللا فللي
الكتاب والسنة من ذلك ،وتناقضوا .فبطل قول المعطليللن بالعقللل
والنقللل ولللله الحمللد والمنللة ،وإجمللاع أهللل السللنن مللن الصللحابة
والتابعين وتابعيهم وأئمة المسلمين.
وقد صللنف العلمللاء رحمهللم الللله تعللالى فللي الللرد علللى الجهميللة
والمعطلة والمعتزلة والشاعرة وغيرهم في إبطال هذه البدع ومللا
فيها من التناقض والتهافت :كالمام أحمللد رحملله الللله تعلالى فللي
رده المشهور ،وكتاب السنة لبنه عبد الللله ،وصللاحب الحيللدة عبللد
العزيز الكتاني في رده على بشر المريسللي ،وكتللاب السللنة لبللي
عبد الله المروزي ،ورد عثمان بن سعيد على الكللافر العنيللد .وهللو
بشر المريسللي ،وكتللاب التوحيللد لمللام الئمللة محمللد بللن خزيمللة
الشافعي ،وكتاب السنة لبي بكر الخلل ،وأبللي عثمللان الصللابوني
الشللافعي ،وشلليخ السلللم النصللاري ،وأبللي عمللر بللن عبللد الللبر
النمري ،وخلق كثير مللن أصللحاب الئمللة الربعللة وأتبللاعهم ،وأهللل
الحديث ومن متأخريهم أبو محمد عبد الللله بللن أحمللد بللن قدامللة،
وشيخ السلم ابن تيمية وأصحابه وغيرهم رحمهم الله تعالى .فلله
الحمد والمنة على بقاء السنة وأهلهللا مللع تفللرق الهللواء وتشللعب
الراء .والله أعلم.
قوله) :وفي صحيح البخاري عن علممي رضممي اللممه عنممه:
حممدثوا النمماس بممما يعرفممون أتريممدون أن يكممذب اللممه
ورسوله( :
18 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
3
على هو أمير المؤمنين أبللو الحسللن علللي بللن أبللي طللالب ،وأحللد
الخلفاء الراشدين .وسبب هللذا القللول والللله أعلللم مللا حللدث فللي
خلفته من كثرة إقبال الناس على الحديث ،وكثرة القصاص وأهللل
الوعظ .فيأتون في قصصهم بأحللاديث ل تعللرف مللن هللذا القبيللل،
فربما استنكرها بعض النللاس وردهللا وقللد يكللون لبعضللها أصللل أو
معنى صحيح ،فيقع بعض المفاسد لذلك ،فأرشدهم أمير المللؤمنين
رضي الله عنه إلى أنهم ل يحدثون عامة الناس إل بما هو معروف
دينهم وأحكامه ،من بيان الحلل مللن الحللرام أصلوعم ً
فيعلما ً ينفع الناس
ل ،دون ما يشغل عن ذلك ممللا قللد يللؤدي الذي كلفوا به
إلى رد الحق وعدم قبوله فيفضي بهم إلى التكذيب ،ول سيما مللع
اختلف الناس في وقته ،وكثرة خوضهم وجدلهم.
وقد كان شيخنا المصنف رحمه الله ل يحب أن يقللرأ علللى النللاس
إل ما ينفعهم في أصل دينهم وعباداتهم ومعللاملتهم الللذي ل غنللى
لهم عن معرفته ،وينهاهم عن القراءة في مثل كتب ابن الجللوزي:
كالمنعش ،والمرعش ،والتبصرة لما في ذلك من العراض عما هو
أوجللب وأنفللع ،وفيهللا مللا الللله بلله وأعلللم ممللا ل ينبغللي اعتقللاده.
والمعصوم من عصمه الله.
وقد كان أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان ينهى القصاص عللن
القصص ،لما في قصصهم من الغرائب والتساهل في النقل وغيللر
لى ذلك ،ويقول :ل يقص إل أمير أو مللأمور وكللل هللذا محافظللة علل
لزوم الثبات علللى الصللراط المسللتقيم علم لا ً وعمل ً ونيللة وقصللدًا،
وترك كل ما كان وسليلة إللى الخلروج عنله ملن البلدع ووسلائلها،
والله الموفق للصواب ،ول حول ول قوة إل بالله.
عمن ً معمر عن ابن طاوس قوله) :وروى عبد الرزاق عن
أبيه عن ابن عباس :أنه رأى رجل ً انتفض لما سمع
حديثااً
عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصممفات اسممتنكار
لذلك فقال :ما فرق هؤلء ؟ يجدون رقممة عنممد محكمممه،
ويهلكون عند متشابهه( :
قوله :وروى عبد الرزاق هو ابن همام الصللنعاني المحللدث محللدث
اليمن صاحب التصانيف،أكثر الرواية عن معمر ً بللن راشللد صللاحب
الزهري .وهو شيخ عبد الرزاق يروي عنه كثيرا.
ومعمر بفتح الميمين وسكون العين أبو عروة بن أبي عمرو راشللد
الزدي الحراني ثم اليمللاني ،أحًللد العلم مللن أصللحاب محمللد بللن
شهاب الزهري يروي عنه كثيرا.
قوله :عن ابن طاوس هو عبد الله بن طاوس اليماني .قال معمر:
كان من أعلم الناس بالعربية .وقال ابن عيينللة :مللات سللنة اثنللتين
وثلثين ومائة.
قوله :عن أبيه هو طاوس بن كيسان الجنللدي بفتللح الجيللم والنللون
المام العلم ،قيل اسمه ذكوان ،قاله ابن الجوزي.
قلت :وهو من أئمة التفسير ومن أوعيللة العلللم ،قللال فللي تهللذيب
الكمال :عن الوليد الموقري عن الزهري قللال :قللدمت علللى عبللد
الملك بن مروان فقال :من أين قدمت يا زهري ؟ قال :قلت :مللن
مكة ،قال :ومن خلفت يسودها وأهلها ؟ قلت :عطاء بن أبي رباح،
قال :فمن العرب أم من الموالي ؟ قلت :من الموالي ،قللال :فبللم
سادهم ؟ قال :قلت :بالديانة والروايللة .قللال :إن الديانللة والروايللة
لينبغي أن يسودوا .قال :فمن يسود أهللل اليمللن ؟ قلللت :طللاوس
بن كيسان ،قال :فمن العرب أم من المللوالي ؟ قللال :قلللت :مللن
الموالى ،قال :فبم سادهم ؟ قلت :بما سللاد بلله عطللاء ،قللال :إنلله
لينبغي ذلك .قال :فمن يسود أهل مصر ؟ ؟ قلت يزيد بللن حللبيب،
قال :فمن العرب أم من الموالى ؟ قال :قلت :من الموالى ،قال:
فمن يسود أهل الشام ؟ قلت :مكحول ،قال :فمن العرب أم مللن
الموالي ؟ قلت من الموالي ،عبد نوبي أعتقتلله امللرأة مللن هللذيل.
قال :فمن يسود أهل الجزيرة ؟ قلت :ميمون بللن مهللروان ،قللال:
فمن العرب أم من الموالي ،قال :قلت :من المللوالي .قللال فمللن
يسود أهل خراسان ؟ قال :قلت :الضحاك بن مزاحم ،قللال :فمللن
العرب أم مللن المللوالي ؟ قلال :قلللت :مللن المللوالي ،قلال :فملن
يسللود أهللل البصللرة ؟ قللال :قلللت :الحسللن البصللري ،قللال فمللن
العرب أم من الموالي ؟ قلللت :مللن المللوالي .قللال :ويلللك ،ومللن
يسود أهل الكوفة ؟ قال :قلت :إبراهيم النخعي ،قال :فمن العرب
أم من الموالي ؟ قال :قلللت :مللن العللرب .قللال :ويلللك يللا زهللري
18 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
4
فرجت عني ،والله لتسودن المللوالي علللى العللرب فللي هللذا البلللد
حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتهللا .قللال :قلللت :يللا أميللر
المؤمنين ،إنما هو دين :من حفظه ساد ومن ضيعه سقط .
قوله :عن ابن عباس قد تقدم ،وهو حلبر الملة وترجملان القلرآن،
ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم قال " :اللهم فقهه في الللدين
وعلمه التأويل " وروى عنه أصحابه أئمة التفسير :كمجاهد ،وسعيد
بن جبير ،وعطاء بن أبي رباح ،وطاوس وغيرهم.
قوله :ما فرق هؤلء يستفهم من أصحابه ،يشللير إلللى ًأنللاس ممللن
يحضر مجلسه مللن عامللة النللاس ،فللإذا سللمعوا شلليئا مللن محكللم
القرآن ومعناه حصل معهم فرق أي خوف ،فإذا سمعوا شلليئا ً مللن
أحاديث الصفات انتفضوا كالمنكرين له ،فلم يحصل منهللم اليمللان
الواجب الذي أوجبه الله تعالى على عباده المؤمنين قلال الللذهبي:
حديث وكيع عن إسرائيل بحلديث:إذا جللس اللرب عللى الكرسلي
فاقشعر رجلل عنلد وكيلع .فغضلب وكيلع .وقلال :أدركنلا العملش
وسفيان يحدثون بهذه الحاديث ول ينكرونها أخرجلله عبللد الللله بللن
أحمد في كتاب الرد على الجهمية .وربملا حصلل معهلم ملن علدم
تلقيه بالقبول ترك ما وجب من اليمان به ،فشبه حالهم حللال مللن
قال الله فيهم " :أفتؤمنون ببعللض الكتللاب وتكفللرون ببعللض " فل
يسلم من الكفر إل من عمل بما وجب عليه في ذلك مللن اليمللان
بكتاب الله كله واليقين كما قللال تعللالى " :هللو الللذي أنللزل عليللك
الكتاب منه آيات محكمات هللن أم الكتللاب وأخللر متشللابهات فأمللا
الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغللاء الفتنللة وابتغللاء
تأويله وما يعلم تأويله إل الله والراسخون في العلللم يقولللون آمنللا
به كلل ملن عنلد ربنلا ومللا يللذكر إل أوللو اللبلاب " فهلؤلء الللذين
ذكرهم ابن عباس رضي الللله عنهمللا تركللوا مللا وجللب عليهللم مللن
اليمان بما لم يعرفوا معناه من القللرآن ،وهللو حللق ل يرتللاب فيلله
مؤمن ،وبعضهم يفهم منه غير المراد مللن المعنللى الللذي أراد الللله
فيحمله على غير معناه ،كما جرى لهل البدع ،كالخوارج والرافضة
والقدرية ،ونحوهم ممن يتأول بعض آيات القرآن على بدعته .وقللد
وقع منهم البتداع والخروج علن الصللراط المسلتقيم ،فلإن الواقلع
مللن أهللل البللدع وتحريفهللم لمعنللى اليللات يللبين معنللى قللول ابللن
عباس.
وسبب هذه البدع جهل أهلهللا وقصللورهم فللي الفهللم ،وعللدم أخللذ
العلوم الشرعية على وجهها ،وتلقيها مللن أهلهللا العللارفين لمعناهللا
الذين وفقهم الله تعالى لمعرفة المراد ،والتوفيللق بيللن النصللوص،
والقطع بأن بعضلها ل يخلالف بعضلًا ،ورد المتشللابه إللى المحكللم.
وهذه طريقة أهل السنة والجماعللة فللي كللل زمللان ومكللان ،فلللله
الحمد ل نحصي ثناء عليه.
باب
قول الله تعالى " :يعرفون نعمة الله
ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون ".
قوله) :باب :قول الله تعالى " :يعرفممون نعمممة اللممه ثممم
ينكرونها وأكثرهم الكافرون "( :
ذكر المصنف رحمه الله ما ذكر بعللض العلمللاء فلي معناهللا .وقللال
ابن جرير :فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنى بالنعمة .فذكر عن
سفيان عن السدى " :يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها " قال :محمد
صلى الله عليه وسلم وقال آخرون بل معنى ذلك أنهم يعرفون أن
ما عدد الله تعالى ذكره في هذه السورة من النعم من عنللد الللله،
وأن الله هو المنعم عليهم بذلك ،ولكنهم ينكللرون ذللك ،فيزعملون
أنهم ورثوه عن آبائهم.
وأخرج عن مجاهد " :يعرفون نعمة الله ثم ينكرونهللا " ،قللال :هللي
المسللاكن والنعللام ومللا يرزقللون منهللا والسللرابيل مللن الحديللد
والثياب ،تعرف هذا كفار قريش ثللم تنكللره ،بللأن تقللول :هللذا كللان
لبائنا فورثونا إياه وقال آخرون :معنى ذلك أن الكفار إذا قيل لهللم
من :رزقكم ؟ أقروا بأن الله هو الذي يرزقهم ثم ينكرونه بقللولهم:
رزقنا ذلك شفاعة آلهتنا.
وذكر المصنف مثل هذا عن ابن قتيبة وهو أبو محمد عبد الللله بللن
مسلم بن قتيبة الللدينوري قاضللي مصللر النحللوي اللغللوي ،صللاحب
المصنفات البديعللة المفيللدة المحتويللة علللى علللوم جمللة ،اشللتغل
ببغداد وسمع الحديث على إسحاق بن راهوية وطبقته .توفي سللنة
ست وسبعين ومائتين.
وقال آخرون :ما ذكره المصنف عن عون بن عبد الله بن عتبة بللن
مسعود الهذلي أبو عبد الله الكوفي الزاهد عن أبيه وعائشة وابللن
عباس وعنه قتادة وأبو الزبيلر والزهلري ،وثقلة أحملد وابلن معيلن
قال البخاري :مات بعد العشرين ومللائة " يعرفللون نعمللة الللله ثللم
ينكرونها " قال :إنكارهم إياها أن يقول الرجل :لللول فلن مللا كللان
كذا وكذا ،ولول فلن ما أصبت كذا وكذا وإختللار ابللن جريللر القللول
الول ،واختار غيره أن الية تعم ما ذكره العلماء في معناهللا .وهللو
الصواب والله أعلم.
جبر قوله :قال مجاهد هو شيخ التفسير :المام الرباني ،مجاهد بن
مجاهدا ً المكي مولى بني مخزوم .قال الفضل بن ميمون :سمعت
يقول عرضت المصحف على ابن عباس مرات ،أقفه عند كللل آيللة
18 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
7
باب
قول الله تعالى " :فل تجعلوا لله أندادا
وأنتم تعلمون ".
قوله) :باب :قمول اللمه تعمالى " :فل تجعلموا للمه أنمدادا
وأنتم تعلمون "( :
الند :المثل والنظير .وجعل الند لللله :هللو صللرف أنللواع العبللادة أو
شئ منها لغير الله ،كحال عبدة الوثان الذين يعتقدون فيمن دعوه
ورجوه أنه ينفعهم ويدفع عنهم ،ويشفع لهم .وهذه الية في سللياق
قوله تعالى " :يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والللذين مللن
قبلكم لعلكم تتقون * الذي جعل لكم الرض فراشا والسللماء بنللاء
وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فل تجعلوا
كلثير رحمله اللله فلي لله أندادا وأنتم تعلملون " قلال العملاد ابلن
تفسيره :قال أبو العاليلة :ل تجعلللوا للله أنلدادا ً أي عللدلء شللركاء.
وهكذا قال الربيع بن أنس وقتادة والسدى وأبللو مالللك واسللماعيل
بن أبي خالد.
وقال ابلن عبلاس " :فل تجعلللوا للله أنلدادا ً وأنتللم تعلمللون " أي ل
تشركون بالله شيئا ً من النداد التي ل تنفع ول تضر ،وأنتم تعلملون
أنه ربكم ل رب لكم يرزقكم غيره ،وقد علمتللم أن الللذي يللدعوكم
الذي ل شك فيلله .وكللذلك قللال الرسول إليه من توحيده هو الحق
قتادة ومجاهد " :فل تجعلوا لللله أنللدادا ً " قللال أكفللاء مللن الرجللال
تطيعونهم في معصية الله .وقال ابن زيد :النداد هللي اللهللة الللتي
فل مثل ما جعلوا له .وعللن ابللن عبللاس" :
لدادا ً جعلوها معه وجعلوا لها
تجعلوا لله أندادا ً " أشباهًا .وقال مجاهللد " :فل تجعلللوا لللله أنل
وأنتم تعلمون " قال تعلمون أنه إللله واحللد فللي التللوراة والنجيللل.
وذكر حديثا ً في معنى هذه الية الكريمة وهو ما فللي مسللند أحمللد
عن الحارث الشعري أن نبي الله صلى الللله عليلله وسلللم قللال" :
إن الله أمر يحيى بن زكريا عليه السلم بخمس كلمللات أن يعمللل
بهن وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملللوا بهللن ،وأنلله كللاد أن يبطيللء
بها .فقال له عيسى عليه السلم :إن الله أمرك بخمس كلمات أن
تعمل بهن وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن فإما أن تبلغهن وإمللا
أن أبلغهن ،فقال :يا أخللي ،إنللي أخشللى إن سللبقتني أن أعللذب أو
يخسف بي .قال :فجمع يحيى بللن زكريللا بنللي إسللرائيل فللي بيللت
المقدس ،حتى امتل المسجد وقعد على الشرف .فحمد الله وأثنى
عليه ثم قال :إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وآمركم
تعبدوا الللله ول تشللركوا بلله شلليئًا :فللإن أن تعملوا بهن :أولهن أن
مثل ذلك مثل رجل اشترى عبدا ً من خللالص مللاله بللذهب أو ورق،
فجعل يعمل ويؤدي غلته إلى غيللر سلليده ،فللأيكم يسللره أن يكللون
عبده كذلك ؟ وإن الله خلقكللم ورزقكللم فاعبللدوه ول تشللركوا بلله
شيئًا .وآمركم بالصلة فإن الله ينصللب وجهلله لللوجه عبللده مللا لللم
يلتفت .فإذا صليتم فل تلتفتللوا .وآمركللم بالصلليام ،فللإن مثللل ذلللك
كمثللل رجللل معلله صللرة مللن مسللك فللي عصللابة كلهللم يجللد ريللح
المسك .وإن خلوف فم الصائم عند الله أطيب مللن ريللح المسللك.
وآمركم بالصدقة .فإن مثل ذلك كمثل رجللل أسللره العللدو فشللدوا
يديه إلى عنقه ،وقدموه ليضللربوا عنقلله .فقللال لهللم :هللل لكللم أن
أفتدي نفسللي منكللم ؟ فجعلللً يفتللدى بالقليللل والكللثير حللتى فللك
نفسه .وآمركم بذكر الله كثيرا :فإن مثل ذلللك كمثللل رجللل طلبلله
العدو سراعا ً في أثره ،فأتى حصنا ً حصينا ً فتحصن فيلله ،وإن العبللد
18 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
8
أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان فللي ذكللر الللله .قللال :وقللال
رسول الله صلى الله عليه وسلم :وأنا آمركم بخمس الللله أمرنللي
بهن :الجماعة ،والسمع والطاعة،والهجرة والجهاد في سبيل الللله،
فإنه من خرج من الجماعة قيد شبر فقللد خلللع ربقللة السلللم مللن
عنقه إل أن يراجع ،ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثي جهنللم.
قالوا يا رسول الللله وإن صلللى وصللام ؟ فقللال :وإن صلللى وصللام
وزعم أنه مسلم ،فادعوا المسلمين بأسللمائهم الللتي سللماهم الللله
عز وجل :المسلمين المؤمنين عباد الله ".
وهذا حديث حسن ،والشاهد منه فلي هللذه اليللة قللوله " :واعبللدوا
الله ول تشركوا به شيئا " وهذه الية دالة على توحيللد الللله تعللالى
بالعبادة وحده ل شريك له .وقد اسللتدل بهللا كللثير مللن المفسللرين
على وجود الصانع ،وهي دالة علللى ذلللك بطريللق الولللى .واليللات
الدالة على هذا المقام في القرآن كللثيرة جللدًا .وسللئل أبللو نللواس
عن ذلك فأنشد:
إلى آثار ما صنع المليك تأمل في نبات الرض وانظر
بأحداق هي الذهب السبيك عيون من لجين ناظرات
بأن الله ليس له شريك على قضب الزبرجد شاهدات
وقال ابن المعتز:
له أم كيف يجحده الجاحد ؟ فيا عجبًا ،كيف يعصى اللل
تدل على أنه وفي كل شئ له آية
واحد
قوله :وعن ابن عباس رضي الله عنهما في الية النداد
هو الشرك ،أخفى من دبيب النمممل علممى صممفاة سمموداء
في ظلمة الليل .وهو أن تقول :والله ،وحياتك يا فلنة.
وحياتي ،وتقول :لول كليبة هممذا لتانمما اللصمموص .ولممول
الله وفلن .ل تجعل فيها فلنًا .هذا كلممه بمه شممرك رواه
ابن أبي حاتم ( :
بين ابن عباس رضي الللله عنهمللا أن هللذا كللله مللن الشللرك ،وهللو
الواقع اليوم على ألسن كثير ممللن ل يعللرف التوحيللد ول الشللرك:
فتنبه لهذه المور .فإنها من المنكر العظيم الذي يجب النهللي عنلله
والتغليظ فيه لكونه من أكبر الكبائر .وهذا مللن ابللن عبللاس رضللي
الله عنهما تنبيه بالدنى من الشرك على العلى.
قوله) :وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسممول
الله صلى الله عليه وسلم قمال " :ممن حلمف بغيمر اللمه
فقممد كفممر أو أشممرك " رواه الترمممذي وحسممنه وصممححه
الحاكم( :
قوله :فقد كفر أو أشرك يحتمللل لللي أن يكللون شللكا ً مللن الللراوي
ويحتمل أن تكون أو بمعنى الواو فيكون قد كفللر وأشللرك .ويكللون
الكفر الذي هو دون الكفلر الكلبر .كملا هلو ملن الشلرك الصلغر.
وورد مثل هذا عن ابن مسعود بهذا اللفظ.
قوله) :وقال ابن مسممعود :لنً أحلممف بممالله كاذبما ً أحممب
إلى من أن أحلف بغيره صادقا( :
ومن المعلوم أن الحلف بالله كاذبا ً كبيرة من الكبائر لكلن الشلرك
أكبر من الكبائر .وإن كان أصغر كما تقدم بيان ذلك ،فإذا كان هللذا
حال الشرك الصغر فكيف بالشللرك الكللبر المللوجب للخلللود فللي
النار ؟ كدعوة غير الله والستغاثة به ،والرغبة إليه ،وإنزال حوائجه
المة في هذه الزمللان ومللا قبلهللا: به ،كما هو حال الكثر من هذه
من تعظيم القبور ،واتخاذهها أوثانًا ،والبناء عليها ،واتخاذها مساجد،
وبناء المشاهد باسللم الميللت لعبللادة مللن بنيللت باسللمه وتعظيملله،
والقبال عليه بللالقلوب والقللوال والعمللال .وقللد عظمللت البلللوى
بهذا الشرك الكبر الذي ل يغفره الله ،وتركوا ما دل عليلله القللرآن
العظيم من النهللي عللن هللذا الشللرك ومللا يوصللل إليلله .قللال الللله
تعالى " :فمن أظلم ممللن افللترى علللى الللله كللذبا ً أو كللذب بآيللاته
أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلللنا يتوفللونهم
قالوا أين ما كنتم تدعون مللن دون الللله قللالوا ضلللوا عنللا وشللهدوا
على أنفسهم أنهم كانوا كافرين " كفرهم الله تعالى بدعوتهم مللن
كللانوا يللدعونه مللن دونلله فللي دار الللدنيا .وقللد قللال تعللالى " :وأن
18 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
9
المساجد لله فل تدعو مع الله أحدا " وقال تعالى " :قل إنما أدعللو
ربي ول أشرك به أحدا * قل إنللي ل أملللك لكللم ضللرا ول رشللدا "
وهؤلء المشركون عكسوا المر فخالفوا ما بلغ به المة وأخللبر بلله
عن نفسه صلى الللله عليلله وسلللم ،فعللاملوه بمللا نهللاهم عنلله ملن
الشرك بالله والتعلق على غير الله حتى قال قائلهم:
سواك عند حلول يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به
الحادث العمم
فض ً
ل ،وإل فقل :يا زلة إن لم تكن في معادي آخذا ً بيدي
القدم
ومن علومك علم اللوح فإن من جودك الدنيا وضرتها
والقلم
فانظر إلى هذا الجهل العظيم حيث اعتقد أنه ل نجاة له إل بعيللاذه
ولياذه بغير الله ،وانظر إلى هذا الطراء العظيم الذي تجللاوز الحللد
في الطراء الللذي نهللي عنلله صلللى الللله عليلله وسلللم بقللوله " :ل
تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ،إنما أنللا عبللد فقولللوا عبللد
الله ورسوله " رواه مالك وغيره ،وقد قلال تعلالى " :قلل ل أقلول
لكم عندي خزائن الله ول أعلم الغيب ول أقول لكم إني ملك ".
فانظر إلى هذه المعارضة العظيمة للكتاب والسللنة والمحللادة لللله
ورسوله .وهذا الذي يقوله هذا الشاعر هو الذي فللي نفللوس كللثير
خصوصا ً ممن يدعون العلم والمعرفة .ورأوا قراءة هذه المنظومة
ونحوها لذلك وتعظيمها من القربات فإن لله وإنا إليه راجعون.
قوله) :وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى اللممه
عليه وسلم قال " :ل تقولوا ممما شمماء اللممه وشمماء فلن،
ولكن قولوا ما شاء الله ،ثممم شمماء فلن " رواه أبممو داود
بسند صحيح( :
للمعطوف عليل ًله ،لكونهللا وذلك لن المعطوف بالواو يكون مساويا ً
إنما وضعت لمطلق الجمع .فل تقتضللي ترتيب لا ً ول تعقيب لا .وتسللوية
المخلوق بالخالق شرك ،إن كان في الصغر مثل هذا فهللو أصللغر،
وإن كان في الكللبر فهللو أكللبر .كملا قلال تعلالى عنهللم فلي اللدار
الخللرة " ، :تللالله إن كنللا لفللي ضلللل مللبين * إذ نسللويكم بللرب
يكللون العللالمين " بخلف المعطللوف بثللم .فللإن المعطللوف بهللا
متراخيا ً عن المعطوف عليه بمهملة .فل محذور لكونه صار تابعًا.
قوله) :وعن إبراهيم النخعي :أنه يكره أن يقول الرجممل
أعوذ بالله وبممك .ويجمموز أن يقممول :بممالله ثممم بممك .قممال
ويقول :لول الله ثم فلن .ل تقولوا :لول الله وفلن( :
وقد تقدم الفرق بين ما يجوز وما ل يجوز من ذلللك .هللذا إنمللا هللو
في الحي الحاضر الذي للله قللدرة وسللبب فللي الشللئ .وهللو الللذي
يجري في حقه مثل ذلك .وأما في حق الموات الذين ل إحسللاس
لهم بمن يدعوهم ول قدرة لهللم علللى نفللع ول ضللر .فل يقللال فللي
لن حقهم شئ من ذلك .فل يجللوز التعلللق عليلله بشللئ مللا بللوجه مل
شيئا ً الوجوه ،والقرآن يبين ذلك وينادي بأنه يجعلهم آلهة إذا سئلوا
من ذلك ،أو رغب إليهللم أحللد بقللوله أو عمللله البللاطن أو الظللاهر،
فمن تدبر القرآن ورزق فهمه صار علللى بصلليرة مللن دينلله وبللالله
التوفيق.
والعلم ل يؤخذ قسرا ً وإنما يؤخذ بأسباب ذكرها بعضهم في قوله:
سأنبيك عن تفصيلها أخي ،لن تنال العلم إل بستة
ببيان
وإرشاد أستاذ ،وطول زمان ذكاء وحرص ،واجتهاد وبلغة
وأعظم مللن هللذه السللتة مللن رزقلله الللله تعللالى الفهللم والحفللظ،
وأتعب نفسه في تحصيله فهو الموفق لمن شللاء مللن عبللاده .كمللا
قال تعالى " :وعلمللك مللا لللم تكلن تعلللم وكلان فضللل الللله عليللك
عظيما ".
ولقد أحسن العلمة ابن القيم رحمه الله تعالى من حيث قال:
أمران في التركيب متفقان والجهل داء قاتل وشفاؤه
19 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
0
باب
ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله
والنهي عن الحلف بالباء
قوله) :باب :ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله :
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قممال:
" ل تحلفوا بآبائكم .من حلف بالله فليصدق .ومن حلممف
له بالله فليرض .ومن لم يممرض فليممس مممن اللممه " رواه
ابن ماجه بسند حسن( :
قوله :ل تحلفوا بآباكم تقدم النهي عن الحلف بغير الله عمومًا.
قوله :من حلف بالله فليصللدق هللذا ممللا أوجبلله الللله علللى عبللاده
وحضهم عليه في كتابه .قال تعالى " :يا أيها الذين آمنوا اتقوا الللله
وكونوا مع الصادقين " وقال " :والصادقين والصللادقات " وقللال" :
فلو صدقوا الله لكان خيرا ً لهللم " وهللو حللال أهللل الللبر ،كمللا قللال
19 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
1
تعالى " :ولكن البر من آمن بالله واليوم الخر والملئكللة والكتللاب
والنبيين " إلى قوله "أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ".
وقوله :من حلف فليرض ،ومن لم يرض فليس من الله أما إذا لللم
يكن له بحكم الشريعة على خصمه إل اليمين فأحلفه فل ريب أنلله
يجب عليه الرضا .وأما إذا كان فيما يجري بين الناس مما قللد يقللع
لقًفللي العتللذارات مللن بعضللهم لبعللض ونحللو ذلللك .فهللذا مللن حل
المسلم على المسلم :أن يقبل منه إذا حلف له معتللذرا ً أو متللبرئا
من تهمة ومن حقه عليه :أن يحسن به الظن إذا لم يتللبين خلفلله،
الثر عن عمر رضي الله عنه :ول ً تظنن بكلمة خرجت من كما في
مسلم شرا ً وأنت تجد لها في الخير محمل .
وفيه :من التواضع واللفة والمحبة وغير ذلللك مللن المصللالح الللتي
يحبها الله ما ل يخفى على من له فهم .وذلك من أسللباب اجتمللاع
القلوب على طاعة الله ،ثم إنه يدخل في حسن الخلللق الللذي هللو
أثقل ما يوضع في ميزان العبد ،كما في الحديث وهللو مللن مكللارم
الخلق.
فتأمل أيها الناصح لنفسه ما يصلحك مللع الللله تعللالى :مللن القيللام
بحقوقه وحقوق عباده ،وإدخللال السللرور علللى المسلللمين ،وتللرك
النقباض عنهم والترفع عليهم .فإن فيلله مللن الضللرر مللا ل يخطللر
بالبال ول يللدور بالخيللال .وبسللط هللذه المللور وذكللر مللا ورد فيهللا
مذكور في كتب الدب وغيرها .فمن رزق ذلك والعمللل بملا ينبغلي
العمل به من وترك ما يجب تركه من ذلللك ،دل علللى وفللور دينلله،
وكمال عقله .والله الموفق لعبده الضعيف المسكين .والله أعلم.
باب
قول ما شاء الله وشئت
عن قتيلة " :أن يهوديا ً أتى النلبي صللى الللله عليلله وسللم ،فقلال:
إنكم تشركون .تقولون :ما شاء الله وشئت ،وتقولللون ،وتقولللون:
والكعبة .فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفللوا
أن يقولوا :ورب الكعبة .وأن يقولوا :ما شاء الله ثللم شللئت " رواه
النسائي وصححه.
قوله :عللن قتيلللة بمثنللاة مصللغرة بنللت صلليفي النصللارية صللحابية
مهاجرة ،لها حديث في سنن النسلائي ،وهللو الملذكور فلي البللاب.
ورواه عنها عبد الله بن يسار الجعفي.
وفيه :قبول الحق مما جاء به كائنا ً من كان .وفيه :بيان النهي عللن
الحلللف بالكعبللة ،مللع أنهللا بيللت الللله الللتي حجهللا وقصللدها بالحللج
والعمرة فريضة .وهللذا يللبين أن النهللي عللن الشللرك بللالله عللام ل
يصلح منه شئ ،ل لملك مقرب ول نللبي مرسللل .ول للكعبللة الللتي
هي بيت الله في أرضه .وأنت ترى ما وقع مللن النللاس اليللوم مللن
الحلف بالكعبة وسؤالها ما ل يقدر عليه إل الله .ومللن المعلللوم أن
الكعبللة ل تضللر ول تنفللع .وإنمللا شللرع الللله لعبللاده الطللواف بهللا
والعبادة عندها وجعلها للمة قبلة :فلالطواف بهلا مشلروع والحلف
بها ودعاؤها ممنوع .فميز أيها المكلف بين ما يشرع وما يمنع ،وإن
خالفك من خالفك من جهة الناس الذين هم كالنعام ،بل هم أضل سبي ً
ل.
قوله :إنكم تشللركون .تقولللون :مللا شللاء الللله وشللئت والعبللد وإن
كانت له ًمشيئة فمشيئته تابعة لمشيئة الله ،ول قدرة للله علللى أن
يشأ شيئا إل إذا كان الله قد شاءه ،كما قال تعللالى " ، :لمللن شللاء
19 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
2
صلى الله عليه وسلم" :الرؤيا الصالحة جللزء مللن وفيه معنى قوله
ستة وأربعين جزءا ً من النبوة ".
قلت :وإن كان رؤيا منام فهي وحي يثبت بها ما يثبت بالوحي أمرا ً
ونهيًا .والله أعلم.
باب
من سب الدهر فقد آذى الله
قوله) :باب :من سب الدهر فقد آذى الله:
وقول الله تعالى " :وقالوا ما هي إل حياتنا الدنيا نموت
ونحيا وما يهلكنا إل الدهر "( :
قال العماد ابن كثير في تفسيره :يخلبر تعلالى علن دهريللة الكفللار
ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد " :وقالوا ما هي
إل حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنللا إل الللدهر " مللا ثللم إل هللذه
الدار ،يموت قوم ويعيش آخللرون ،ومللا ثللم معللاد ول قيامللة .وهللذا
يقوله مشركو العرب المنكرون للمعاد ،ويقوله الفلسفة اللهيللون
منهللم ،وهلم ينكلرون البلدأة والرجعللة .وتقللول الفلسللفة الدهريللة
الدورية ،المنكرون للصانع ،المعتقللدون أن فللي كللل سللتة وثلثيللن
ألف سنة يعود كل شئ إلى ما كان عليه .وزعموا أن هذا قد تكرر
مرات ل تتناهى ،فكابروا المعقول وكذبوا المنقول ،ولهذا قللالوا" :
وما يهلكنا إل الدهر " قال الله تعالى " :وما لهم بذلك من علم إن
هم إل يظنون " أي يتوهمون ويتخيلون.
فأما الحديث الذي أخرجه صاحب الصحيح وأبو داود والنسائي مللن
رواية سفيان ابن عيينة عن الزهري عن سللعيد بللن المسلليب عللن
أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى الللله عليلله وسلللم " :يقللول
الله تعالى :يؤذيني ابن آدم ،يسب الدهر وأنلا اللدهر ،بيلدي الملر،
أقلب الليل والنهار " وفي رواية " :ل تسبوا الدهر فإني أنللا الللدهر
" وفي رواية " :ل يقل ابللن آدم يللا خيبللة الللدهر ،فللإني أنللا الللدهر،
أرسل الليل والنهار ،فإذا شئت قبضتهما " ا هل.
قال في شرح السنة :حديث متفق على صحته أخرجاه من طريللق
معمر من أوجه عن أبي هريرة قال :ومعنللاه أن العللرب كللان مللن
شأنها ذم الدهر أي سبه عند النوازل ،لنهم كانوا ينسللبون إليلله ملا
يصيبهم من المصائب والمكاره فيقولللون :أصللابتهم قللوارع الللدهر
وأبادهم الدهر ،فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم ملن الشلدائد اللتي
يصنعونها فنهوا عن سب الدهر .ا ه باختصار.
وقد أورده ابن جرير بسياق غريب جللدا ً بهللذا الطريللق .قللال :كللان
أهل الجاهلية يقولون :إنما يهلكنا الليللل والنهللار وهللو الللذي يهلكنللا
ويميتنا ويحيينا ،فقال الله في كتابه " :وقالوا ما هي إل حياتنا الدنيا
نموت ونحيا وما يهلكنا إل الدهر " .ويسبون الدهر .فقال الللله عللز
وجل :يؤذيني ابن آدم ،يسب الدهر وأنا الدهر ،بيللدي المللر ،أقلللب
الليل والنهار .
وكذا رواه ابن أبللي حللاتم عللن أحمللد بللن منصللور عللن سللريج بللن
النعمان عن ابن عيينة مثله .ثم روى عن يونس عن ابن وهب عللن
الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة :سمعت رسول الللله صلللى
الله عليه وسلم يقول " :يقول الله تعللالى :يسللب ابللن آدم الللدهر
19 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
4
وأنا الدهر ،بيدي الليل والنهار " وأخرجه صاحب الصحيح والنسائي
من حديث يونس بن يزيد به.
وقال محمد بن إسحاق عن العلء بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :يقول الله عللز
وجللل :استقرضللت عبللدي فلللم يعطنللي ،ويسللبني عبللدي ،يقللول:
وادهراه ،وأنا الدهر ".
قال الشافعي وأبو عبيد وغيرهما من الئمة فللي تفسللير قللوله :أل
تسبوا الدهر فللإن الللله هللو الللدهر كللانت العللرب فللي جاهليتهللا إذا
أصابهم شدة أو بلء أو نكبة قالوا :يللا خيبللة الللدهر فيسللندون تلللك
الفعال إلى الدهر ويسبونه ،وإنما فاعلهللا هللو الللله تعللالى .فكأنملا
إنما سبوا الله سبحانه ،لنه فاعل ذلللك فللي الحقيقللة ،فلهللذا نهللى
عللن سللب الللدهر بهللذا العتبللار لن الللله هللو الللدهر الللذي يعنللونه
ويسندون إليه تلك الفعال .هذا أحسن ما قيللل فللي تفسلليره وهللو
المراد والله أعلم.
نحا نحوه من الظاهرة فللي عللدهم الللدهر وقد غلط ابن حزم ومن
من السماء الحسنى أخذا ً من هذا الحديث .ا هل.
وقد بين معناه فللي الحللديث بقللوله :أقلللب الليللل والنهللار وتقليبلله
تصرفه تعالى فيه بما يحبه الناس ويكرهونه.
وفي هذا الحديث زيلادة للم يلذكرها المصللنف رحمله اللله تعلالى،
وهي قوله :بيدي المر .
قمموله) :وفممي روايممة :ل تسممبوا الممدهر فممإن اللممه هممو
الدهر( :
معنى هذه الرواية :هو ما صللرح بلله فللي الحللديث مللن قللوله :وأنللا
الدهر ،أقلب الليل والنهار يعني ما يجري فيه من خير وشر بللإرادة
الله وتدبيره ،بعلم منه تعالى وحكمة ،ل يشاركه في ذلك غيره .ما
شاء كان وملا للم يشلأ للم يكلن ،فلالواجب عنللد ذللك حمللده فلي
الحالتين وحسن الظن به سبحانه وبحمللده ،والرجللوع إليلله بالتوبللة
والنابة .كمللا قللال الللله تعللالى " :وبلونللاهم بالحسللنات والسلليئات
لعلهم يرجعون " وقال تعالى " :ونبلوكم بالشر والخير فتنللة وإلينللا
ترجعون " ونسبة الفعل إلى الدهر ومسبته كثيرة ،كما في أشللعار
المولللدين ،كللابن المعللتز والمتنللبي وغيرهمللا .وليللس منلله وصللف
السنين بالشدة ونحو ذلك كقوله تعالى " :ثللم يلأتي ملن بعلد ذلللك
سبع شداد " الية .وقال بعض الشعراء:
تطوى وتنشر بينها إن الليالي من الزمان مهولة
العمار
وطوالهن مع السرور فقصارهن مع الهموم طويلة
قصار
وقال أبو تمام:
ذكر النوى ،فكأنها أعوام وصل كاد ينسى طيبها
أيام
نحوى أسى ،فكأنها ثم انبرت أيام هجر أعقبت
أعوام
وأهلها فكأنها وكأنهم أحلم ثم انقضت تلك السنون
19 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
5
باب
التسمى بقاضي القضاة
قوله) :باب :التسمى بقاضي القضاة ونحوه( :
لذه الترجمللة إشللارة إلللى النهللى عللن ذكر المصللنف رحملله الللله هل
التسمى بقاضي القضاة قياسا ً على مللا فللي حللديث البللاب .لكللونه
شبهه في المعنى فينهى عنه.
قوله) :في الصحيح عن أبي هريرة رضي اللممه عنممه عممن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " :إن أخنممع اسممم عنممد
الله رجل تسمى ملك الملك ،ل مالك إل الله "( :
لن هذا اللفظ إنما يصدق علللى الللله تعللالى .فهللو ملللك الملك ل
ملك أعظم ول أكبر منلله .مالللك الملللك ذو الجلل والكللرام .وكللل
ملك يؤتيه الله من يشاء من عبللاده فهللو عاريللة يسللرع ردهللا إلللى
المعير .وهو الله تعالى ،ينزع الملك من ملكلله تللارة وينللزع الملللك
منه تارة فيصير ل حقيقللة للله سللوى اسللم زال مسللماه .وأمللا رب
العللالمين فملكلله دائم كامللل ل انتهللاء للله بيللده القسللط يخفضلله
ويرفعه ،ويحفظ على عباده أعمالهم بعلملله سللبحانه وتعللالى ،ومللا
تكتبه الحفظة عليهم .فيجازى كل عامل بعمله إن خيرا ً فخيللر وإن
شرا ً فشر .كمللا ورد فللي الحللديث " :اللهللم لللك الحمللد كللله ولللك
الملك كله وبيدك الخير كله .وإليك يرجللع المللر كللله .أسللألك مللن
الخير كله ،وأعوذ بك من الشر كله ".
قوله) :قال سفيان يعني ابن عيينة مثل شاهنشاه عنممد
العجم عبارة عن ملممك الملك .ولهممذا مثممل بممه سممفيان
لنه عبارة عنه بلغة العجم( :
قوله) :وفي رواية :أغيظ رجل على الله وأخبثه( :
قوله :أغيظ من ًالغيظ وهو مثل الغضللب والبغللض .فيكللون بغيضللا
إلى الله مغضوبا عليه .والله أعلم.
قوله :وأخبثه وهو يدل أيضا ً على أن هذا خبيث عند الله فللاجتمعت
في حقه هذه المور لتعاظمه في نفسه وتعظيللم النللاس للله بهللذه
الكلمة التي هي من أعظم التعظيم ،فتعظمه فللي نفسلله وتعظيللم
الناس له بما ليس له بأهل ،وضعه عنللد الللله يللوم القيامللة .فصللار
أخبث الخلق وأبغضهم إلى الله وأحقرهم ،لن الخبيث البغيض عند
الله يكون يوم القيامة أحقر الخلق وأخبثهم ،لتعللاظمه فللي نفسلله
على خلق الله بنعم الله.
معنللى أخنللع فيفيللد مللا ذكرنللا فللي قوله :أخنع :يعني أوضع هذا هو
معنى أغيظ أنه يكون حقيرا ً بغيضا ً عند الله.
وفيه التحذير من كل ما فيه تعاظم .كما أخللرج أبللو داود عللن أبللي
مجلذ قال :خرج معاويللة رضللي الللله عنلله علللى ابللن الزبيللر وابللن
عامر .فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير .فقال معاوية لبن عللامر:
للى الللله عليلله وسلللم يقللول: اجلس ،فإني سمعت رسول الللله صل
له الرجللال قياملا ً فليتبللوأ مقعللده مللن النللار " "من أحب أن يتمثل
له وأخرجه الترمذي أيضًا ،وقال حسن .وعن أبللي أمامللة رضللي اللل
متكئا ً عنه قال " :خرج علينا رسلول اللله صللى اللله عليله وسللم
فقمنا إليه .فقال :ل تقوموا كما تقللوم العللاجم ،يعظللم على عصا،
بعضهم بعضا ً " رواه أبو داود.
قوله :أغيظ رجل هذا من الصفات الللتي تمللر كمللا جللاءت ،وليللس
شئ مما ورد في الكتاب والسنة إل ويجللب اتبللاع الكتللاب والسللنة
وإثباته على وجه يليق بجلل الله وعظمته تعالى ،إثباتا ً بل في ذلك
تمثيل وتنزيها ً بل تعطيل كما تقدم ،والباب كله واحد .وهذا هو قول
أهل السللنة والجماعللة مللن الصللحابة والتللابعين فمللن بعللدهم مللن
الفرق الناجية من الثلث والسبعين فرقة .وهذا التفللرق والختلف
إنما حدث في أواخر القرن الثالث وما بعده كما ل يخفى على من
19 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
6
له معرفة بما وقع في المة ملن التفلرق والختلف والخللروج علن
الصراط المستقيم ،والله المستعان.
باب
احترام أسماء الله تعالى وتغيير السم
لجل ذلك
عن أبي شريح :أنه كان يكنى أبا الحكم .فقال له النبي صلى الللله
عليه وسلم " :إن الله هو الحكم .وإليلله الحكللم ،فقللال :إن قللومي
إذا اختلفوا في شئ أتللوني فحكمللت بينهللم فرضللى كل الفريقيللن.
فقال :ما أحسن هذا .فما لك من الولد ؟ قل :شريح ومسلم وعبد
الله .قال :فمن أكبرهم ؟ قلت :شللريح .قللال :فللأنت أبللو شللريح "
رواه أبو داود وغيره .
قوله :عن أبي شللريح قللال فللي خلصللة التهللذيب :هللو أبللو شللريح
الخزاعي اسمه خويلد بللن عمللرو أسلللم يللوم الفتللح ،للله عشللرون
حديثًا ،اتفقا على حديثين وانفرد البخللاري بحللديث ،وروى عنلله أبللو
سللعيد المقللبري ونللافع بللن جييللر وطائفللة .قللال ابللن سللعد :مللات
بالمدينة سنة ثمان وستين .وقال الشللارح اسللمه هللانيء بللن يزيللد
الكندي قاله الحافظ ،وقيل :الحارث الضبابي .قاله المزي.
قوله :يكنى الكنية ما صدر بأب أو أم ونحو ذلك واللقللب مللا ليللس
كذلك كزين العابدين ونحوه.
19 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
7
وقول النبي صلى الله عليه وسلم :إن الله هو الحكم وإليه الحكللم
فهو سبحانه الحكم في الدنيا والخرة ،يحكم بين خلقلله فللي الللدنيا
بوحيه الذي أنزل على أنبيائه ورسله ،وما من قضللية إل ولللله فيهللا
حكم بما أنللزل علللى نللبيه مللن الكتللاب والحكمللة ،وقللد يسللر الللله
معرفة ذلللك لكللثر العلمللاء ملن هللذه المللة ،فإنهلا ل تجتمللع عللى
ضللة ،فإن العلماء ًوإن اختلفوا في بعض الحكام فل بد أن يكللون
المصيب فيهم واحدا ،فمن رزقه الللله تعللالى قللوة الفهللم وأعطللاه
ملكة يقتدر بها على فهم الصواب من أقوال العلماء يسر للله ذلللك
بفضله ومنه عليه وإحسانه إليه ،فما أجلها من عطية ،فنسأل الللله
من فضله.
قللوله :وإليلله الحكللم فللي الللدنيا والخللرة كمللا قللال تعللالى " :ومللا
اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله " وقال " :فإن تنازعتم في
شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الخر
ذلك خير وأحسن تأويل " فالحكم إلي الله هللو الحكللم إلللى كتللابه،
والحكم إلى رسللوله هلو الحكللم إليله فلي حيللاته وإلللى سللنته بعللد
وفاته.
وقد قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ لمللا بعثلله إلللى اليمللن " :بللم
تحكم ؟ قال :بكتاب الله :قال :فإن لم تجد ؟ قللال :بسللنة رسللول
الله صلى الله عليه وسلم .قال فإن لم تجللد ؟ قللال أجتهللد رأيللي.
فقال الحمد لله الللذي وفللق رسللول رسللول الللله إلللى مللا يرضللى
رسول الله " فمعاذ مللن أجللل علمللاء الصللحابة بالحكللام ومعرفللة
الحلل من الحرام ،ومعرفة أحكام ًالكتاب والسنة .ولهذا سللاغ للله
الجتهاد إذا لم يجلد للقضلية حكملا فلي كتلاب الللله ،ول فلي سللنة
رسوله صلى الله عليه وسلم ،بخلف ما يقع اليوم وقبله من أهللل
التفريط في الحكام ممن يجهل حكم الله في كتابه وسنة رسوله،
فيظن أنه الجتهاد يسللوغ للله مللع الجهللل بأحكللام الكتللاب والسللنة
وهيهات.
وأما يوم القيامة فل يحكم بيللن الخلللق إل الللله عللز وجللل إذا نللزل
لفصل القضاء بين العباد ،فيحكم بيللن خلقلله بعلملله .وهللو الللذي ل
الله ل يظل ًللم مثقللال ذرة يخفى عليه خافية من أعمال خلقه " :إن
وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا ً عظيما " والحكم يوم
القيامة إنما هو بالحسنات والسيئات ،فيؤخذ للمظلوم من الظللالم
من حسناته بقللدر ظلمتلله إن كلان لله حسللنات ،وإن للم يكلن لله
حسنات أخذ من سيئات المظلوم ،فطرح علللى سلليئات الظللالم ل
يزيد على هذا مثقال ذرة ول ينقص هذا عن حقه بمثقال ذرة.
قوله :فإن قومي إذا اختلفوا في شئ أتوني فحكمت بينهم فرضى
كل الفريقين فقللال :مللا أحسللن هللذا فللالمعنى والللله أعلللم أن أبللا
شريح لما عرف منه قومه أنه صاحب إنصاف وتحللر للع ًللدل بينهللم
ومعرفة ما يرضيهم مللن الجللانبين صللار عنللدهم مرضلليا وهللذا هللو
الصلح :لن مدارؤ على الرضللى ل علللى الللزام .ول عللى الكهلان
وأهل الكتاب من اليهود والنصارى ،ول علللى السللتناد إلللى أوضللاع
أهل الجاهليلة ملن أحكلام كللبرائهم وأسللفهم اللتي تخلالف حكللم
الكتاب والسنة .كما قد يقع اليوم كثيرًا ،كحال الطواغيت الللذين ل
يلتفتون إلى حكم الله ول إلى حكم رسوله .وإنما المعتمد عنللدهم
ما حكموا به بأهوائهم وآرائهم.
وقد يلتحق بهذا بعض المقلدة لمن للم يسلغ تقليلده فيعتملد عللى
قول من قلللده ويللترك مللا هللو الصللواب الموافللق لصللول الكتللاب
والسنة .والله المستعان.
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلللم " :فمللا لللك مللن الولللد ؟
لريح. قال شريح ،ومسلم ،وعبد الله .قال :فمن أكبرهم ؟ قلت :شل
قال :فأنت أبو شريح " فيه تقديم الكبر في الكنيللة وغيرهللا غالب لًا.
وجاء هذا المعنى في غير ما حديث والله أعلم.
19 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
8
باب
من هزل بشيء فيه ذكر الله والرسول
قمموله) :بمماب :مممن هممزل بشممئ فيممه اللممه أو القممرآن أو
الرسول ( :
أي فقد كفر
قوله) :وقول الله تعالى " :ولئن سممألتهم ليقممولن إنممما
كنمما نخمموض ونلعممب قممل أبممالله وآيمماته ورسمموله كنتممم
تستهزئون"( :
قال العماد ابللن كللثير رحملله الللله فللي تفسلليره :قللال أبللو معشللر
مللن المدني عن محمد بن كعب القرظي وغيره :قالوا :قال رجللل
المنافقين :ما أرى مثل قرائنا هؤلء ؟ أرغبنا بطونًا ،وأكذبنا ألسللنًا،
وأجبننا عند اللقاء ،فرفع ذلللك إلللى رسللول الللله صلللى الللله عليلله
وسلم وقد ارتحللل وركللب نللاقته .فقللال يللا رسللول الللله ،إنمللا كنللا
نخوض ونلعللب ،ونتحللدث حللديث الركللب نقطللع بلله عنللا الطريللق.
فقال " :أبللالله وآيللاته ورسللوله كنتللم تسللتهزئون * ل تعتللذروا قللد
كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعللذب طائفللة بللأنهم
كانوا مجرمين " وإن رجليلله ليسللفعان الحجللارة ،ومللا يلتفللت إليلله
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متعلق بنسللعة ناقللة رسللول
الله صلى الله عليه وسلم وقال عبد الله بن وهب :أخبرني هشللام
بن سعد عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمللر قللال :قللال رجللل
مجلللس :مللا رأينللا مثللل قرائنللا هللؤلء أرغللب في غزوة تبللوك فللي
بطونلًا ،ول أكللذب ألسللنًا ،ول أجبللن عنللد اللقللاء .فقللال رجللل فللي
المجلس :كذبت ،ولكنك منللافق ،لخللبرن رسللول الللله صلللى الللله
عليه وسلم .فبلغ ذلك رسول الللله صلللى الللله ًعليلله وسلللم ونللزل
القرآن .قال عبد الله بن عمر :وأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول
الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجللارة ،وهللو يقللول :يللا رسللول
الله إنما كنا نخوض ونلعب ،ورسول الللله صلللى الللله عليلله وسلللم
يقول " :أبللالله وآيللاته ورسللوله كنتللم تسللتهزئون * ل تعتللذروا قللد
كفرتم بعد إيمانكم " وقد رواه الليللث عللن هشللام بللن سللعد بنحللو
هذا.
وقال ابن إسحاق :وقد كان جماعة من المنافقين منهم وديعللة بللن
ثابت أخو بني أمية ابن زيد بن عمرو بن عوف ،ورجلل ملن أشلجع
حليف لبنى سلمة يقال له :مخشي بن حمير ،يشيرون إلى رسلول
الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلللى تبللوك ،فقللال بعضللهم
لرب بعضل ًلهم بعضلا ً ؟ لبعض :أتحسبون جلد بني الصفر كقتللال العل
والله لكأنا بكم غدا ً مقرنين في الجبال ،إرتجافا ً وترهيبا للمللؤمنين.
فقال مخشي بن حمير :والله لوددت أني أقاضي علللى أن يضللرب
كل رجل منا مائة جلدة ،وأنا نتلفت أن ينزل فينللا قللرآن لمقللالتكم
هذه ،وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني لعمار بلن
ياسر :أدرك القوم فللإنهم قللد احللترقوا ،فسلللهم عمللا قللالوا ،فللإن
19 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
9
أنكروا فقل :بل قلتم كذا وكذا وكذا ،فللانطلق إليهللم عمللار ،فقللال
ذلك لهم ،فأتوا رسول الله صلى الله عليلله وسلللم يعتللذورن إليلله.
فقال وديعة بن ثابت ورسول الله واقف على راحلته فجعل يقللول
وهو آخللذ بحقهلا :يللا رسللول الللله إنمللا كنللا نخللوض ونلعللب ،فقللال
مخشي بن حمير :يا رسول الله قعد بي اسمي واسم أبللي ،فكللان
الذي عناه أي بقللوله تعللالى " :إن نعللف عللن طائفللة منكللم نعللذب
طائفلللة " فلللي هلللذه اليلللة :مخشلللي بلللن حميلللر فسلللمى عبلللد
الرحمن،وسلأل اللله أن يقتلل شلهيدا ً ل يعللم بمكلانه ،فقتلل يلوم
اليمامة فلم يوجد له أثر .
وقال عكرمة في تفسير هذه الية :كان رجللل ممللن إن شللاء الللله
بهلا تقشلعر منهلا عفا عنه يقول :اللهلم إنلي أسلمع آيلة أنلا أعنلي
الجلود ،وتجل منها القلوب .اللهم فاجعل وفاتي قتل ً في سبيلك ،ل
يقول أحد أنللا غسلللت ،أنللا كفنللت ،أنللا دفنللت .قللال :فأصلليب يللوم
اليمامة ،فما أحد من المسلمين إل وقد وجد غيره .
وقوله " :ل تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم " أي بهذه المقالة الللتي
استهزأتم بها " إن نعف عن طائفة منكم " أي مخشي بن حميللر "
نعذب طائفة " أي ل يعفى عن جميعكم ،ول بد من عذاب بعضللكم
" إنهم كانوا مجرمين " أي بهذه المقالة الفاجرة الخاطئة .انتهى.
قال شيخ السلم :وقد أمره الله تعالى أن يقول لهم " :قد كفرتم
وقول من يقول :إنهم كفللروا بعللد إيمللانهم بلسللانهم بعد إيمانكم "
مللع كفرهللم أول ً بقلللوبهم :ل يصللح لن اليمللان باللسللان مللع كفللر
القلب قد قارنه الكفر ،فل يقال :قد كفرتم بعد إيمانكم ،فإنهم لللم
يزالوا كافرين في نفس المر ،وإن أريد أنكم أظهرتللم الكفللر بعللد
إظهاركم اليمان ،فهم لم يظهروا للنللاس إل لخواصللهم ،وهللم مللع
خواصللهم مللا زالللوا كللذلك .ول يللدل اللفللظ علللى أنهللم مللا زالللوا
منافقين.
وقال رحمه الله في موضع آخر :فقد أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم
مع قولهم :إنما تكلمنللا بللالكفر مللن غيللر اعتقللاد للله ،بللل إنمللا كنللا
وبين أن الستهزاء بآيات الله كفللر .ول يكللون هللذا نخوض ونلعب.
إل ممن شرح صدرا ً بهذا الكلم ،ولو كان اليمان فللي قلبلله لمنعلله
أن يتكلم بهذا الكلم ،والقرآن يبين أن إيمان القلب يستلزم العمل
الظاهر بحسللبه .كقللوله تعللالى " :ويقولللون آمنللا بللالله وبالرسللول
وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلللك" إلللى قللوله "إنمللا كللان
قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكللم بينهللم أن يقولللوا
سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون " فنفللى اليمللان عمللن تللولى
عن طاعة الرسول ،وأخبر أن المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسللوله
ليحكم بينهم سمعوا وأطللاعوا ،فللبين أن هللذا مللن لللوازم اليمللان،
انتهى.
وفيه :بيان أن ً النسان قد يكفر بكلمة يتكلم بها أو عمل يعمل بلله.
له. وأشدها خطرا إرادات القلللوب .فهللي كللالبحر الللذي ل سللاحل لل
إيمانللا ً ويفيد الخوف من النفاق الكبر .فإن الله تعالى أثبت لهؤلء
قبل أن يقولوا ما قالوه ،كما قال ابللن أبللي مليكللة :أدركللت ثلثيللن
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يخللاف النفلاق
علللى نفسلله .نسللأل الللله السلللمة والعفللو والعافيللة فللي الللدنيا
والخرة.
20 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
0
باب
قول الله " ولئن أذقناه رحمة منا من
بعد ضراء مسته " الية
قوله ) :باب :قول الله تعالى " :ولئن أذقناه رحمممة منمما
من بعد ضراء مسته " الية( :
ذكللر المصللنف رحملله الللله تعللالى عللن ابللن عبللاس وغيللره مللن
المفسرين في معنى هذه الية وما بعللدها مللا يكفللي فللي المعنللى
ويشفي.
قوله) :قال مجاهد :هذا بعملي وأنا محقمموق بممه .وقممال
ابن عباس :يريد من عندي .وقمموله " :قممال إنممما أوتيتممه
على علم عندي " قممال قتممادة :علممى علممم منممي بوجمموه
المكاسب :وقال آخرون :على علم من الله أني له أهممل
وهذا معنى قول مجاهد :أوتيته على شرف( :
وليس فيما ذكروه اختلف وإنما هي افراد المعنى.
قال العماد ابن كثير رحمه الله في معنى قوله تعالى " :إذا خولناه
نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة " يخبر أن النسللان
في حالة الضر يضرع إلى الله تعالى وينيللب إليلله ويللدعوه ،ثللم إذا
خوله نعمة منه طغى وبغى و " قال إنما أوتيته على علم " أي لمللا
يعلم الله من استحقاق له ،ولول أني عند الله حظيللظ لمللا خللولني
هذا .قال تعالى " :بل هي فتنة" أي ليس المر كما زعللم بللل إنمللا
أنعمنللا عليلله بهللذه النعمللة لنختللبره فيمللا أنعمنللا عليلله أيطيللع أم
يعصى ؟ مع علمنللا المتقللدم بللذلك " بللل هللي فتنللة " أي إختبللار "
ولكن أكثرهم ل يعلمون " فلهذا يقولون مللا يقولللون ،ويللدعون مللا
يدعون " :قد قالها الللذين مللن قبلهللم " أي قللد قلال هللذه المقالللة
وزعم هذا الزعم وادعى هذه الدعوى كثير ممن سلف من الممللم
" فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون " أي فما صح ً قولهم ول نفعهم
جمعهم ،وما كانوا يكسبون .كما قال تعالى مخبرا عن قارون " :إذ
قال له قومه ل تفرح إن الله ل يحب الفرحيللن * وابتللغ فيمللا آتللاك
الله الدار الخرة ول تنس نصيبك مللن الللدنيا وأحسللن كمللا أحسللن
الله إليك ول تبغ الفساد في الرض إن الللله ل يحللب المفسللدين *
قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلللم أن الللله قللد أهلللك مللن
لن لأل عل
وأولدا ً يسلل ً قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعللا ول
ذنوبهم المجرمون " وقال تعالى " :وقالوا نحن أكثر أمللوا
وما نحن بمعذبين " ا هل.
قوله) :وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسممول
الله صلى الله عليه وسلم يقول :إن ثلثة ..الحديث( :
قوله :أخرجاه أي البخاري ومسلم .والناقللة العشللراء بضللم العيللن
وفتح الشين وبالمد هي الحامل.
قوله :أنتلج وفلي روايلة فنتلج معنلاه تللولي نتاجهلا ،والناتلج للناقللة
كالقابلة للمرأة.
قوله :ولد هذا هو بتشديد اللم ،أي تولى ولدتها ،وهو بمعنللى أنتللج
فللي الناقللة ،فالمولللد والناتللج والقابلللة بمعنللى واحللد ،لكللن هللذا
للحيوان ،وذلك لغيره.
وقوله :انقطعت بي الحبال هو بالحاء المهملة والباء الموحدة :هي
السباب.
قوله :ل أجهدك معناه :ل أشق عليك في رد شئ تأخللذ ،أو تطلللب
من مالي ذكره النووي.
وهذا حديث عظيم ،وفيه معتبر :فإن الولين جحدا نعمة الللله ،فمللا
أقرا لله بنعمة ،ول نسبا النعمة إلى المنعم بهللا ،ول أديللا حللق الللله
20 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
1
باب
قول الله " فلما آتاهما صالحا " الية
قوله) :قول الله تعممالى " :فلممما آتاهممما صممالحا ً جعل لممه
شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون "( :
قال المام أحمد رحمه الله في معنى هذه الية :حدثنا عبد الصلمد
حدثنا عمر بن إبراهيم حدثنا قتللادة عللن الحسللن عللن سللمرة عللن
النبي صلى الله عليلله وسلللم قللال " :لمللا ولللدت حللواء طللاف بهللا
إبليس وكللان ل يعيللش لهللا ولللد فقللال :سللميه عبللد الحللارث فللإنه
يعيش ،فسمته عبد الحارث فعاش .وكان ذلك من وحي الشلليطان
وأمره " وهكذا رواه ابن جرير عن محمد بن بشار بنللدار عللن عبللد
الصمد بن عبد الوارث به .ورواه الترمللذي فللي تفسللير هللذه اليللة
عن محمد ابن المثنى عن عبد الصمد به ،وقال :هذا حديث حسللن
غريب ،ل نعرفه إل من حديث عمر بن إبراهيم ،ورواه بعضهم عللن
يرفعه .ورواه الحللاكم فللي مسللتدركه مللن حللديث عبد الصمد ولم
عبللد الصللمد مرفوع لًا ،وقللال :هللذا حللديث صللحيح السللناد ،ولللم
20 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
2
أبي يخرجاه .ورواه المام أبو محمد بن أبي حاتم في تفسيره عن
زرعة الرازي عن هلل بن فياض عن عمر بن إبراهيم به مرفوعًا.
وقال ابن جرير :حدثنا ابن وكيع ،حدثنا سهيل بن يوسف عن عمرو
عن الحسن " جعل له شللركاء فيمللا آتاهمللا " قللال :كللان هللذا فللي
بعض أهل الملل ولم يكن آدم .وحدثنا بشر بن معاذ قال :حللدثني
يزيد ،حدثنا سعيد عن قتادة قال :كلان الحسلن يقللول :هلم اليهلود
والنصارى ،رزقهم الله أولدا ً فهللودوا ونصللروا وهللذا إسللناد صللحيح
عن الحسن رحمه الله.
قال العماد ابن كثير فلي تفسليره :وأملا الثلار :فقلال :محملد بلن
إسحاق عن داود ابن الحصين عن عكرمللة عللن ابللن عبللاس قللال:
كانت حواء تلد لدم عليه السلم أولدا ً فتعبدهم لله وتسميهم عبللد
لال:
لسلهفقلرجل ً الله وعبيد الله ونحو ذلك ،فيصيبهم الموت ،فأتاهما إبليل
أما إنكما لو تسميانه بغير الذي تسميانه به لعاش ،فولدت
فسماه عبد الحارث ،ففيه أنزل الله " :هو الذي خلقكم من نفللس
واحدة " اليللة وقللال العللوفي عللن ابللن عبللاس:فأتاهمللا الشلليطان
فقال :هل تدريان ما يولد لكما ؟ أم هل تدريان مللا يكللون ،أبهيمللة
أم ل ؟ وزين لهما الباطل ،إنه لغوي مللبين ،وقللد كللانت قبللل ذلللك
فماتا ،فقال لهما الشيطان :إنكما إن لم تسللمياه بللي ولدت ولدين
لم يخرج سويًا ،ومات كما مات الولً .فسميا ولدهما عبد الحارث،
فذلك قوله تعالى " :فلما آتاهما صالحا جعل له شركاء فيما آتاهمللا
فتعالى الله عما يشركون " .
وذكر مثله عن سللعيد بللن جييللر عللن ابللن عبللاس .ورواه ابللن أبللي
حاتم .وقد تلقى هللذا الثللر عللن ابللن عبللاس جماعللة مللن أصللحابه
كمجاهد وعكرمللة وسللعيد بللن جللبير ،ومللن الطبقللة الثانيللة :قتللادة
والسللدى وجماعللة مللن الخلللف ،ومللن المفسللرين والمتللأخرين
جماعات ل يحصون كثرة .قال العماد ابن كثير :وكللأن أصللله والللله
أعلم مأخوذ من أهل الكتاب.
قلت :وهذا بعيد جدًا.
عبودية الرق ،وذلك أن المطلب أخو هاشم قدم المدينة ،وكان ابن
أخيه شيبة هذا قد نشللأ فللي أخللواله بنللي النجللار مللن الخللزرج،لن
هاشما ً تزوج فيهم امرأة ،فجاءت منه بهذا البللن ،فلمللا شللب فللي
أخواله ،وبلغ سن التمييز سافر به عمه المطلب إلى مكة بلد أبيلله
مكة وهو رديفه ،فرآه أهل مكة وقد تغيللر لللونه وعشيرته فقدم به
بالسفر ،فحسبوه عبدا ً للمطلب ،فقالوا :هذا عبد المطلللب ،فعلللق
به هللذا السللم وركبلله ،فصللار ل يللذكر ول يللدعى إل بلله ،فلللم يبللق
النبي صلى الله عليه وسلللم " :أنللا للصل معنى مقصود .وقد قال
ابن عبد المطلب " وقد صار معظما ً في قريش والعرب ،فهو سيد
قريش وأشرفهم في جاهليته ،وهو الذي حفللر زمللزم وصللارت للله
السقاية وفي ذريته من بعده .وعبد الله والد رسول الله صلى الله
عليه وسلم أحد بني عبللد المطلللب ،وتللوفي فللي حيللاة أبيلله .قللال
الحافظ صلح الدين العلئي في كتاب الدرة السنية في مولد خيللر
البرية :كان سن أبيه عبد الله حين حملت منلله آمنللة برسللول الللله
صلى الله عليه ًوسلم نحو ثمانية عشر عامًا ،ثم ذهب إلى المدينللة
ليمتار منها تمرا لهله فمات بها عند أخواله بني عللدي بللن النجللار،
والنبي صلى الله عليه حمل على الصحيح .انتهى.
قلت :وصار النبي صلى الله عليه وسلم لما أوضعته أمه في كفالة
جده عبد المطلب .قللال الحللافظ الللذهبي :وتللوفي أبللوه عبللد الللله
وللنبي ثمانية وعشرون شهرًا ،وقيللل أقللل مللن ذلًللك ،وقيللل :وهللو
حمل .توفي بالمدينة ،وكان قد قدمها ليمتار تمللرا ،وقيللل :بللل مللر
بها راجعا ً من الشام ،وعاش خمسة وعشرين سنة .قال الواقللدي:
وذلك أثبت القاويل في سللنه ووفلاته .وتلوفيت أمله آمنلة بلالبواء
وهي راجعة به صلى الله عليه وسلم إلى مكللة مللن زيللارة أخللوال
أبيه بني عدي بن النجار ،وهو يومئذ ابللن سللت سللنين ومللائة يللوم،
وقيل :ابن أربع سنين .فلما ماتت أمه حملته أم أيملن مللولته إلللى
جده ،فكان في كفالته إلى أن توفي جده ،وللنبي صلى الللله عليلله
وسلم ثمان سنين فأوصى به إلى عمه أبو طالب ا هل.
قمموله) :وعممن ابممن عبمماس رضممي اللممه عنهممما فممي
الية: (. . .
قد قدمنا نظيره عن ابن عباس في المعنى.
قوله) :وله بسممند صممحيح عممن قتممادة قممال :شمركاء فمي
طاعته ولم يكن في عبادته( :
قال شلليخنا رحملله اللله :إن هلذا الشللرك فلي مجلرد تسللمية ،للم
يقصدا حقيقته التي يريدها إبليس ،وهو محمل حسللن يللبين أن مللا
وقع من البوين من تسميتهما ابنهما عبد الحللارث إنمللا هللو مجللرد
تسمية لم يقصدا تعبيده لغير الله وهذا معنى قللول قتللادة :شللركاء
في طاعته ولم يكن في عبادته.
20 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
4
باب
قول الله " ولله السماء الحسنى
فادعوه بها "
قوله) :باب قول الله تعممالى " :وللممه السممماء الحسممنى
فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه " الية(:
عن أبي هريرة رضي الللله عنلله أن رسللول الللله صلللى الللله عليلله
وسلم قال " :إن لله تسللعة وتسللعين اسللمًا ،مللائة إل واحللدًا ،مللن
أحصاها دخل الجنة ،وهو وتر يحب الوتر " أخرجاه فلي الصلحيحين
من حديث سفيان ابن عيينة .ورواه البخاري عن أبللي اليمللان عللن
أبي الزناد عن العرج عنه .وأخرجلله الجوزجللاني عللن صللفوان بللن
صالح عن الوليللد بللن مسلللم عللن شللعيب بسللنده مثللله .وزار بعللد
قوله " :يحب الوتر :هو الله الذي ل إله إل هو ،الرحمللن ،الرحيللم،
الملللك ،القللدوس ،السلللم ،المللؤمن ،المهيمللن ،العزيللز ،الجبللار،
المتكللبر ،الخللالق ،البللارىء ،المصللور ،القهللار ،الغفللار ،الوهللاب،
الرزاق ،الفتاح ،العليم ،القابض ،الباسط ،الخافض ،الرافع ،المعللز،
المذل ،السميع ،البصير ،الحكم ،العدل ،اللطيف ،الخللبير ،الحليللم،
العظيللم ،الغفللور ،الشللكور ،العلللي ،الكللبير ،الحفيللظ ،المقيللت،
الحسيب ،الجليللل ،الكريللم ،الرقيللب ،المجيللب ،الواسللع ،الحكيللم،
الودود ،المجيد ،الباعث ،الشهيد ،الحللق ،الوكيللل ،القللوي ،المللتين،
الللولي ،الحميللد ،المحصللي ،المبللدىء ،المعيللد ،المحيللى ،المميللت،
الحللي ،القيللوم ،الواجللد ،الماجللد ،الواحللد ،الحللد ،الفللرد ،الصللمد،
القادر ،المقتدر ،المقدم ،المؤخر ،الول ،الخللر ،الظللاهر ،البللاطن،
الوالي ،المتعالي ،البر ،التللواب ،المنتقللم ،العفللو ،الللرؤوف ،مالللك
الملللك ،ذو الجلل والكللرام ،المقسللط ،الجللامع ،الغنللي ،المغنللي،
المعطي ،المللانع ،الضللار ،النللافع ،النللور ،الهللادي ،البللديع ،البللاقي،
الوارث ،الرشيد ،الصبور " .ثم قال الترمللذي :هللذا حللديث غريللب.
وقد روى من غير وجلله عللن أبلي هريللرة ،ول نعلللم فلي كللثير ملن
الروايات ذكر السماء إل في هذا الحديث .الذي عول عليه جماعة
من الحفاظ أن سرد السماء في هللذا الحللديث مللدرج فيلله .وإنمللا
ذلك كما رواه الوليد بن مسلم وعبللد الملللك بللن محمللد الصللنعاني
عن زهير بن محمد أنه بلغه عن غيللر واحللد مللن أهللل العلللم أنهللم
قالوا ذلك .أي أنهم جمعوها من القللرآن كمللا روى عللن جعفللر بللن
محمد وسفيان وأبي زيد اللغوي والله أعلم.
هذا ما ذكللره العمللاد ابللن كللثير فللي تفسلليره .ثللم قللال :ليعلللم أن
السماء الحسنى ليست منحصرة فللي تسللعة وتسللعين .بللدليل مللا
رواه أحمد عن يزيد بن هلارون علن فضلليل بللن مللرزوق علن أبللي
سلمة الجهني عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عللن عبللد الللله
بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :ما أصاب
أحدا ً قط هم ول حزن فقال :اللهم إني عبدك بن عبدك ،بن أمتك،
ناصيت بيدك .ماض في حكمك .عدل فلي قضلاؤك .أسلألك اللهلم
بكل ً اسم هو لك .سميت به نفسك .أو أنزلته في كتابك .أو علمتلله
أحدا من خلقك .أو استأثرت به فللي علللم الغيللب عنللك .أن تجعللل
وذهاب همي القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري .وجلء حزني.
وغمى .إل أذهب الله همه وحزنلله .وأبللدله مكللانه فرح لا ً فقيللل :يللا
رسللول الللله :أل نتعلهمللا ؟ فقللال :بلللى .ينبغللي لمللن سللمعها أن
يتعلمها " وقد أخرجه أبو حاتم وابن حبان في صحيحه.
وقلال العللوفي علن ابلن عبلاس فلي قلوله تعلالى " :وذروا الللذين
يلحدون في أسمائه " قال :إلحللاد الملحللدين :أن دعللوا اللت فللي
أسماء الله وقال ابن جريج عن مجاهد " :وذروا الذين يلحدون في
أسمائه " قال :اشتقوا اللت من الله .واشتقوا العزى من العزيز .
20 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
5
وقال قتادة :يلحدون :يشركون وقال علي بن أبي طلحة عللن ابللن
عباس اللحاد التكذيب .
وأصل اللحاد في كلم العرب :العدول عن القصد .والميل والجور
والنحراف .ومنه اللحد في القبر .لنحرافلله إلللى جهللة القبلللة عللن
سمت الحفر.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
لراك والتعطيل وحقيقة اللحاد فيها الميل بالشل
والنكران
وقال رحمه الله تعالى :فاللحاد إما بجحدها وإنكارهللا .وإمللا بجحللد
معانيها وتعطيلها وإما بتحريفها عن الصواب وإخراجهللا عللن الحللق
بالتأويلت .وإما أن يجعلهللا أسللماء لهللذه المخلوقللات كإلحللاد أهللل
حتى ومذمومها.
وشلرعا ً التحاد .فإنهم جعلوها أسماء هذا الكون محمودها
مملدوح عقل ً زعيمهم :هو المسمى بمعنى كلل اسلم قال
وبكل اسم مذموم عقل ً وشرعا ً وعرفًا .تعالى عما يقولللون وعرف ً
ا.
علوا ً كبيرًا ،انتهى.
قتللل :والللذي عليلله أهللل السللنة والجماعللة قاطبللة .متقللدمهم
ومتأخرهم :إثبات الصفات التي وصف الله بها نفسلله ووصللفه بهللا
رسللول الللله صلللى الللله عليلله وسلللم علللى مللا يليللق بجلل الللله
وعظمته .إثباتا ً بل تمثيللل .وتنزيه لا ً بل تعطيللل .كمللا قللال تعللالى" :
ليس كمثله شيء وهو السميع البصللير " وأن الكلم فللي الصللفات
فرع عن الكلم في الذات يحتللذى حلذوه ومثللاله .فكمللا أنلله يجللب
العلم بأن الله ذاتا ً حقيقة ل ًتشبه شيئا ً من ذوات المخللوقين ،فلله
صفات حقيقة ل تشبه شلليئا مللن صللفات المخلللوقين ،فمللن جحللد
شيئا ً مما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسللوله ،أو تللأوله علللى
غير ما ظهر من معناه فهو جهمي قللد اتبللع غيللر سللبيل المللؤمنين.
كما قال تعالى " :ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين للله الهللدى
ويتبع ًغير سللبيل المللؤمنين نللوله مللا تللولى ونصللله جهنللم وسللاءت
مصيرا ".
وقال العلمة ابن القيم رحمه الله تعالى أيضًا:
) فائدة جليلة (
ما يجري صفة أو خبرا ً على الرب تبارك وتعالى أقسام:
أحدها :ما يرجع إلى نفس الذات ،كقولك :ذات وموجود.
الثاني :ما يرجع صفاته ونعوته ،كالعليم والقدير ،والسميع والبصير.
الثالث :ما يرجع إلى أفعاله .كالخالق والرازق.
الرابع :التنزيه المحض .ول بد مللن تضللمنه ثبوت لًا ،إذا ل كمللال فللي
العدم المحض ،كالقدوس والسلم.
الخامس :ولم يذكره أكللثر النللاس وهللو السللم الللدال علللى جملللة
أوصاف عديدة ل تختص بصللفة معينللة ،بللل دال علللى معللان ،نحللو
المجيد العظيم الصمد .فإن المجيللد ملن اتصلف بصلفات متعللددة،
من صفات الكمال ،ولفظه يدل علللى هللذا .فللإنه موضللوع للسللعة
والزيلادة والكلثرة ،فمنله اسلتمجد الملرخ والعفلار وأمجلد الناقلة،
العللرش لسللعته وعظمتلله علفها .ومنه رب العللرش المجيللد صللفة
وشرفه .وتأمل كيف جاء هذا السم مقترنا ً بطلب الصلة من الللله
على رسوله كما علمناه صلى الله عليه وسلم لنه في مقام طلب
المزيد والتعرض لسللعة العطللاء ،وكللثرته ودواملله .فللأتى فللي هللذا
المطلوب باسم يقتضيه ،كما تقول :اغفر لللي وارحمنللي إنللك أنللت
الغفور الرحيم ،فهو راجع إلى التوسل إليه بأسمائه وصللفاته .وهللو
من أقرب الوسائل وأحبها إليه .ومنه الحديث الذي فللي الترمللذي:
" ألظوا بياذا الجلل والكرام " ومنه " :اللهم إني أسألك بللأن لللك
الحمد ل إله إل أنللت المنللان بللديع السللموات والرض يللا ذا الجلل
والكرام " فهذا سؤال له وتوسللل إليلله بحمللده وأنلله ل إللله إل هللو
20 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
6
توسل إليه بأسمائه وصفاته .ومللا أحللق ذلللك بالجابللة المنان .فهو
وأعظملله موقع لا ً عنللد المسللؤول .وهللذا بللاب عظيللم مللن أبللواب
التوحيد.
السادس :صفة تحصل من اقتران أحد السمين والوصفين بالخر.
وذكل قدر زائد على مفرديهما نحو الغني الحميلد ،الغفلور القللدير،
الحميد المجيد ،وهكذا عامة الصفات المقترنة والسماء المزدوجللة
في القرآن .فإن الغني صفة كمال و الحمد كذلك ،واجتماع الغنللي
مع الحمد كمال آخللر ،فللله ثنللاء مللن غنللاه مللن حمللده ،وثنللاء مللن
اجتماعهمللا ،وكللذلك الغفللور القللدير ،والحميللد المجيللد ،والعزيللز
الحكيم ،فتأمله فإنه أشرف المعارف.
باب
ل يقال السلم على الله
قوله ) :باب ل يقال :السلم على الله ( :
قوله) :في الصحيح عن ابن مسعود إلخ( :
هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابللن مللاجه
من حديث شقيق بن سلمة عن عبد الللله بللن مسللعود رضللي الللله
عنه قال " :كنا إذا جلسنا مع رسول الللله صلللى الللله عليلله وسلللم
في الصلة قلنا :السلم على الله قبللل عبللاده ،السلللم علللى فلن
وفلن الحديث " وفي آخره ذكر التشهد الخير .رواه الترمذي مللن
حديث السود بن يزيد عن ابن مسعود .وذكر فللي الحللديث سللبب
النهي عن ذلك بقوله " :فإن الله هو السلللم ومنلله السلللم " وقللد
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من الصلللة المكتوبللة
يستغفر ثلثا ً ويقول " :اللهم أنت السلم ومنك السلم ،تباركت يللا
ذا الجلل والكرام " .وفي الحديث" :إن هذا هو تحيللة أهللل الجنللة
لربهم تبارك وتعالى " وفي التنزيل ما يللدل علللى أن الللرب تبللارك
20 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
7
وتعالى يسلم عليهم في الجنة .كما قال تعالى " :سلللم قللول ً مللن
رب رحيم ".
ومعنى قوله :إن الله هو السلم إن الله سالم من كل نقللص ومللن
كل تمثيل .فهو الموصوف بكل كمال ،المنزه عن كل عيب ونقص.
قال العلمة ابن القيم في بدائع الفوائد :السلم اسم مصدر .وهللو
من ألفاظ الدعاء .يتضللمن النشللاء والخبللار ،فجهللة الخللبر فيلله ل
تناقض الجهة النشائية .وهو معنى السلم المطلللوب عنللد التحيللة.
وفيه قولن مشهوران:
الول :أن السلم هنا هو الله عز وجل .ومعنى الكلم :نزلت بركته
عليكم ونحو ذلك .فاختير في هلذا المعنلى ملن أسلمائه علز وجلل
اسم السلم دون غيره من السماء.
الثاني :أن السلم مصدر بمعنى السلمة .وهللو المطلللوبً المللدعو
القول :أنلله يللأتي منكللرا ،فيقللول به عند التحية ومن حجة أصحاب
المسلم :سلم عليكم ولو كان اسما ً من أسماء الللله لللم يسللتعمل
كذلك .ومن حجتهم :أنه ليس المقصود م ًللن السلللم هللذا المعنللى،
وإنما المقصود منه اليذان بالسلمة خبرا ودعاء.
قال العلمة ابن القيم رحمه الله :وفصل الخطاب أن يقال :الحللق
فللي مجمللوع القللولين .فكللل منهمللا بعللض الحللق ،والصللواب فللي
مجموعهما .وإنما يتبين ذلك بقاعدة .وهي :أن حللق مللن دعللا الللله
بأسللمائه الحسللنى أن يسللأل فللي كللل مطلللوب ويتوسللل بالسللم
المقتضى لذلك المطلللوب ،المناسللب لحصللوله ،حللتى إن الللداعي
متشفع إلى الله تعالى متوسل به إليلله .فللإذا قللال :رب اغفللر لللي
وتب علي إنك أنت التواب الغفور .فقد سأله أمريللن وتوسللل إليلله
باسمين من أسمائه ،مقتضيين لحصول مطلوبه .وقال صلللى الللله
وقد سأله ما يللدعو بلله " قللل: عليه وسلم لبي بكر رضي الله عنه
اللهم أني ظلمللت نفسللي ظلملا ً كللثيرًا ،ول يغفللر الللذنوب إل أنللت
فاغفر لي مفغرة من عندك ،وارحمني إنك أنللت الغفللور الرحيللم "
فالمقام لما كان مقام طلب السلمة التي هللي أهللم عنللد الرجللل،
أتى في طلبها بصيغة اسم من أسماء الله تعالى وهو السلم الذي
تطلب منه السلمة .فتضمن لفللظ السلللم معنيللن :أحللدهما :ذكللر
طلب السلللمة .وهللو مقصللود المسلللم .فقللد تضللمن الله،والثاني:
سلم عليكم اسما ً من اسماء الله وطلب السلمة منه .فتأمل هذه
الفائدة .وحقيقته :البراءة والخلص والنجللاة مللن الشللر والعيللوب.
وعلى هذا المعنى تدور تصاريفه ،فمللن ذاك قللولهم :سلللمك الللله،
للم ومنه دعللاء المللؤمنين علللى الصللراط رب سلللم سلللم ومنلله سل
مثل ً الشئ لفلن ،أي خلص له وحللده .قللال تعللالى " :ضللرب الللله
رجل ً فيه شركاء متشاكسللون ورجل ً سلللما ً لرجللل " أي خالص لا ً للله
وحده ل يملكه معه غيره .ومنه السلم ضد الحرب :لن كللل واحللد
من المتحاربين يخلص ويسلم من أذى الخر ،ولهذا بنى فيلله علللى
المفاعلة ،فقيل :المسالمة مثل المشللاركة .ومنلله القلللب السللليم
وهو النفي من الدغل والعيب .وحقيقته :الذي قد سلم لللله وحلده،
فخلص من دغل الشرك وغللله ،ودغللل الللذنوب والمخالفللات ،فهللو
مستقيم على صدق حبه وحسن معاملته .وهذا هو الذي ضللمن للله
النجاة من عذاب الله والفوز بكرامته .ومنه أخذ السلم ،فإنه مللن
هذه المادة ،لنه الستسلم والنقيللاد لللله ،والتخلللص مللن شللوائب
الشرك ،فسلم لربه وخلص له ،كالعبد الذي سلم لموله ليللس للله
فيلله شللركاء متشاكسللون .ولهللذا ضللرب سللبحانه هللذين المثليللن
للمسلم الخالص لربه وللمشرك به.
20 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
8
باب
قول :اللهم اغفر لي إن شئت
قوله) :باب :قول :اللهم اغفر لي إن شئت( :
يعني أن ذلك ل يجوز لورود النهي عنه في حديث الباب.
قوله) :في الصحيح عن أبي هريممرة رضممي اللممه عنممه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :ل يقل أحدكم:
اللهممم اغفممر لممي إن شممئت ،اللهممم ارحمنممي إن شممئت،
ليعزم المسألة فإن الله ل مكره له : ("...
بخلف العبللد ،فللإنه قللد يعطللي السللائل مسللألته .لحللاجته إليلله،أو
لخللوفه أو رجللائه ،فيعطيلله مسللألته وهللو كللاره .فللاللئق بالسللائل
للمخلوق أن يعلق حصول حاجته علللى مشلليئة المسللؤول ،مخافللة
أن يعطيه وهو كاره ،بخلف رب العالمين ،فللإنه تعلالى ل يليللق بلله
ذلك لكمال غناه علن جميلع خلقله ،وكملال جلوده وكرمله ،وكلهلم
فقير إليه ،محتاج ل يستغني عللن ربلله طرفللة عيللن وعطللاؤه كلم.
وفللي الحللديث " :يميللن الللله ملى ل يغيضللها نفقللة ،سللخاء الليللل
والنهار .أرأيتم مللا أنفللق منللذ خلللق السللموات والرض ؟ فللإنه لللم
يغض ما في يمينه ،وفي يللده الخللرى القسللط يخفضلله ويرفعلله "
يعطي تعالى لحكمة ويمنع لحكمة وهو الحكيم الخبير .فاللئق بمن
سأل الله أن يعزم المسألة ،فإنه ل يعطي عبده شلليئا ً عللن كراهللة
ول عن عظم مسألة .وقد قال بعض الشعراء فيمن يمدحه:
ويصغر في عين ويعظم في عين الصغير صغارها
العظيم العظائم
وهذا بالنسبة إلى ما في نفوس أرباب الدنيا ،وإل فإن العبد يعطي
تارة ويمنع أكثر ،ويعطي كرهًا ،والبخل عليه أغلللب .وبالنسللبة إلللى
حاله هذه فليس عطاؤه بعظيم ،وأما ما يعطيه الللله تعللالى عبللاده
فهو دائم مستمر ،يجللود بللالنوال قبللل السللؤال مللن حيللن وضللعت
النطفة في الرحم .فنعمه على الجنين في بطللن أملله دارة ،يربيلله
أحسن تربية ،فإذا وضعته أمه عطف عليه والديه ورباه بنعمة حتى
يبلغ أشد ،يتقلب في نعم الله مدة حيللاته ،فللإن كللانت حيللاته علللى
اليمان والتقوى ازدادت نعلم اللله تعلالى عليله إذا توفلاه أضلعاف
أضعاف ما كان عليه في الدنيا مللن النعللم الللتي ل يقللدر قللدرها إل
الله ،مما أعده الله تعالى لعباده المؤمنين المتقين .وكل مللا ينللاله
العبد في الدنيا من النعلم وإن كلان بعضلها عللى يلد مخللوق فهلو
بإذن الله وإرادته وإحسانه إلللى عبللده ،فللالله تعللالى هللو المحمللود
على النعلم كلهلا ،فهلو الللذي شلاءها وقللدرها وأجراهلا علن كرمله
20 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
9
وجوده وفضله .فله النعمة وللله الفضللل وللله الثنللاء الحسللن .قللال
تعالى " :وما بكم من نعمة فمن الللله ثللم إذا مسللكم الضللر فللإليه
تجأرون " وقد يمنع سبحانه عبده إذا سأله لحكمة وعلم بما يصلللح
عبده من العطاء والمنع ،وقد يؤخر ما سأله عبللده لللوقته المقللدر،
أو ليعطيه أكثر .فتبارك الله رب العالمين.
وقوله) :ولمسلم :وليعظم الرغبة: (...
أي فللي سللؤاله ربلله حللاجته ،فللإنه يعطللي العظللائم كرم لا ً وجللودا ً
وإحسانًا .فالله تعالى ل يتعاظمه شئ أعطاه ،أي ليس شئ عنللده
بعظيللم ،وإن عظللم فللي نفللس المخلللوق .لن سللائل المخلللوق ل
يسأله إل ما يهللون عليلله بللذله ًبخلف رب العللالمين ،فللإن عطللاءه
كلم " :إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون " فسللبحان
من ل يقدر الخلق قدره ،ل إله غيره ول رب سواه.
باب
ل يقول :عبدي وأمتي
قوله) :باب :ل يقول :عبدي وأمتي ( :
ذكر الحديث الذي في الصحيح :عن أبي هريرة رضي الله عنلله أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :ل يقللولن أحللدكم :أطعللم
ربك .وضيء ربك .وليقل :سيدي ومولي .ول يقللل أحللدكم :عبللدي
وأمتي ،وليقل :فتاي وفتاتي وغلمي ".
وإن كانت تطلق ً لغة .فالنبي صلى الللله هذه اللفاظ المنهى عنها.
عليه وسلم نهى عنها تحقيقا ً للتوحيد وسدا لذرائع الشرك لما فيها
من التشريك في اللفظ .لن الله تعللالى هللو رب العبللاد جميعهللم.
فإذا أطلق على غيره شاركه في السم .فينهى عنه لذلك .وإن لم
يقصد بذلك التشريك فلي الربوبيللة الللتي هلي وصللف الللله تعلالى.
وإنمللا المعنللى أن هللذا مالل ًلك للله .فيطلللق عليلله هللذا اللفللظ بهللذا
العتبار .فالنهي عنه حسما لمادة التشريك بين الخالق والمخلوق.
وتحقيقا ً للتوحيد .وبعدا ً عن الشرك حتى في اللفظ .وهللذا أحسللن
مقاصد الشريعة .لمللا فيلله مللن تعظيللم الللرب تعللالى ،وبعللده عللن
مشابهة المخلوقين ،فأرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى ما يقللوم
مقام هذه اللفاظ .وهو قوله سيدي ومولي وكللذا قللوله :ول يقللل
أحدكم عبدي وأمتي لن العبيد عبيد الله .والمللاء إمللاء الللله .قللال
الله تعالى " :إن كل من في السللماوات والرض إل آتللي الرحمللن
عبدا " ففلي إطلق هلاتين الكلمللتين عللى غيللر اللله تشلريك فلي
اللفظً ،فنهاهم عن ذلك تعظيما ً لله تعالى وأدبا ً وبعدا ً عن الشللرك
وتحقيقا للتوحيد ،وأرشدهم إلى أن يقولوا :فتللاي وفتللاتي وغلمللي
وهذا من بللاب حمايللة المصللطفى صلللى الللله عليلله وسلللم جنللاب
التوحيد ،فقد بلغ صلى الله عليه وسلم أمته كل ما فيلله لهللم نفللع،
ونهاهم ًعن كل ما فيه نقللص فللي الللدين .فل خيللر إل دلهللم عليلله،
التوحيد ،ول شر إل حذرهم منلله ،خصوص لا ً مللا خصوصا في تحقيق
يقرب من الشرك لفظا ً وإن لم يقصد به .وبالله التوفيق.
21 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
0
باب
ل يرد من سأل الله
قوله) :باب :ل يرد من سأل بالله( :
ظللاهر الحللديث النهللي عللن رد السللائل إذا سللأل بللالله .لكللن هللذا
العموم يحتاج إلللى تفصلليل بحسللب مللا ورد فللي الكتللاب والسللنة،
لبيت المللال أن يجللاب فيجب إذا سللأل السللائل مللا للله فيلله حللق كل
فيعطى منه على قدر حاجته وما يستحقه وجوبًا ،وكللذلك إذا سللأل
ماله فضللل فيجللب أن يعطيلله علللى حسللب حللاله المحتاج من في
ومسألته ،خصوصا ً إذا سأل من ل فضل عنده ،فيستحب أن يعطيه
قدر حال المسؤول ما ل يضلر بله ول يضلر علائلته ،وإن كلان على
مضطرا ً وجب أن يعطيه ما يدفع ضرورته.
ومقام النفاق مللن أشللرف مقامللات الللدين ،وتفللاوت النللاس فيلله
بحسب ملا جبللوا عليله ملن الكلرم وضلدهما ملن البخلل والشلح.
فالول :محمود في الكتاب والسنة .والثللاني :مللذموم فيهمللا .وقللد
حث الله تعالى عباده على النفاق لعظم نفعه وتعديه وكثرة ثوابه.
قال الله تعالى " ، :يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم
وممللا أخرجنللا لكللم مللن الرض ول تيممللوا الخللبيث منلله تنفقللون
ولستم بآخذيه إل أن تغمضوا فيلله واعلمللوا أن الللله غنللي حميللد *
الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه
وفضل والللله واسللع عليلم " وقلال تعلالى " :وأنفقلوا مملا جعلكللم
مستخلفين فيه " وذلك النفاق من خصال البر المذكورة في قوله
تعالى " :ليللس الللبر أن تولللوا وجللوهكم قبللل المشللرق والمغللرب
ولكن البر من آمن بالله واليوم الخر والملئكللة والكتللاب والنللبيين
وآتللى المللال علللى حبلله ذوي القربللى واليتللامى والمسللاكين وابللن
السبيل والسائلين " الية فذكره بعد ذكر أصول اليمان وقبل ذكللر
الصلة .ذلك والله أعلم لتعدي نفعلله .وذكللره تعللالى فللي العمللال
التي أمر الله بها عباده .وتعبدهم بها ووعدهم عليها الجر العظيللم.
قال تعللالى " :إن المسلللمين والمسلللمات والمللؤمنين والمؤمنللات
والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصللابرات
والخاشللعين والخاشللعات والمتصللدقين والمتصللدقات والصللائمين
والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كللثيرا
والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ".
الصدقة حتى عليه وسلم يحث أصحابه على وكان النبي صلى الله
النساء .نصحا ً للمة وحثا ً لهللم علللى مللا ينفعهللم عل
لاجل ً وآج ً
ل .وقللد
أثنى الله سللبحانه عللى النصللار رضلي الللله عنهللم باليثلار ،فقلال
تعالى " :ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصللة ،ومللن يللوق
شح نفسلله فللأولئك هللم المفلحللون " واليثللار مللن أفضللل خصللال
المللؤمن كمللا تفيللده هللذه اليللة الكريمللة ،وقللد قللال تعللالى" ، :
ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا * إنما نطعمكللم
لوجه الله ل نريد منكم جزاء ول شكورا ".
واليات والحاديث في فضل الصدقة كثيرة جدًا ،وملن كلان سلعيه
للخرة رغب في هذا ورغب ،بالله التوفيق.
قوله :من دعاكم فأجيبوه هذا من حقوق المسلمين بعضللهم علللى
بعض :إجابة دعوة المسلم ،وتلك من أسباب اللفللة والمحبللة بيللن
المسلمين.
قوله :ومن صنع إليكللم معروف لا ً فكللافئوه نللدبهم صلللى الللله عليلله
وسلم على المكافأة على المعروف ،فإن المكافأة على المعروف
من المروءة التي يحبها الله ورسوله ،كمللا دل عليلله هللذا الحللديث
ول يهمل المكافللأة علللى المعللروف إل اللئام مللن النللاس ،وبعللض
اللئام يكافىء على الحسان بالساءة ،كما يقع كثيرا ً مللن بعضللهم.
نسأل الله العفللو والعافيللة فللي الللدنيا والخللرة ،بخلف حللال أهللل
التقوى واليمان فإنهم يدفعون السيئة بالحسنة طاعة لللله ومحبللة
لما يحبه لهم ويرضاه ،كما قال تعللالى " :ادفللع بللالتي هللي أحسللن
السيئة نحن أعلم بما يصللفون * وقللل رب أعللوذ بللك مللن همللزات
الشياطين * وأعوذ بك رب أن يحضرون " وقللال تعللالى " ، :ادفللع
بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينلله عللداوة كللأنه ولللي حميللم *
وما يلقاها إل الذين صللبروا ومللا يلقاهللا إل ذو حللظ عظيللم " وهللم
الذين سبقت لهم من الله تعالى السعادة.
21 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
1
باب
ل يسأل بوحه الله إل الجنة
قوله) :باب :ل يسأل بوجه الله إل الجنة( :
ذكر فيه حديث جابر رواه أبو داود عن جابر قال :قال رسلول اللله
صلى الله عليه وسلم " :ل يسأل بوجه الله إل الجنة ".
وهنا سؤال :وهو أنه قد ورد في دعاء النبي صلى الله عليه وسلللم
عنللد منصللرفه مللن الطللائف حيللن كللذبه أهللل الطللائف ومللن فللي
الطائف من أهل مكة ،فدعا النبي صلى الله عليلله وسلللم بالللدعاء
المأثور " :اللهم إليك أشكو ضللعف قللوتي ،وقلللة حيلللتي ،وهللواني
على الناس .أنت رب المستضعفين وأنت ربي ،إلللى مللن تكلنللي ؟
إلى بعيد يتجهمنلي ،أو إلللى عللدو ملكتله أملري ؟ إن للم يللك بكللل
غضب علي فل أبالي ،غير أن عافيتك هي أوسع لي " وفي آخللره:
" أعوذ بنور وجهك الذي أشللرقت للله الظلمللات وصلللح عليلله أمللر
الدنيا والخرة .أن يحللل علللى غضللبك ،أو ينللزل بللي سللخطك .لللك
العتبي حتى ترضى ول حول ول قوة إل بالله " .والحللديث المللروي
في الذكار " :اللهم أنت أحق من ذكر وأحق من عبللد وفللي آخللره
أعللوذ بنللور وجهللك الللذي أشللرقت للله السللموات والرض " وفللي
21 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
2
حديث آخر " :أعوذ بوجه الله الكريم ،وباسم الله العظيم وبكلماته
التامة من شر السامة واللمة ،ومن شر ما خلقللت ،أي رب ،ومللن
شر هذا اليوم ومن شر ما بعده ،ومن شر الدنيا والخرة " .وأمثال
ذلك في الحاديث المرفوعة بالسانيد الصحيحة أو الحسان.
فالجواب :أن ما ورد من ذلك فهو في سؤال ما يقرب إلللى الجنللة
أو ما يمنعه من العمال التي تمنعه مللن الجنللة ،فيكللون قللد سللأل
بللوجه اللله وبنلور وجهله ملا يقللرب إللى الجنللة كمللا فلي الحللديث
الصحيح " :اللهم إن أسألك الجنة وما يقرب إليها من قول وعملل،
وأعوذ بك من النار وما يقرب إليهللا مللن قللول وعمللل " بخلف مللا
يختص بالدنيا كسؤال المال والللرزق والسللعة فللي المعيشللة رغبللة
في الدنيا ،مع قطع النظر عن كونه أراد بذلك ما يعينه علللى عمللل
الخرة .فل ريب أن الحديث يدل على المنع مللن أن يسللأل حللوائج
دنياه بوجه الله .وعلى هذا فل تعارض بين الحاديث .كما ل يخفى.
والله أعلم.
وحديث الباب من جملة الدلة المتواترة في الكتاب والسللنة علللى
إثبات الللوجه لللله تعللالى .فللإنه صللفة كمللال :وسلللبه غايللة النقللص
والتشبيه بالناقصات .كسلبهم جميع الصفات أو بعضها .فوقعوا في
عما يقولً الظللالمون علللوا ً كللبيرًا. أعظم مما فروا منه .تعالى الله
وطريقة أهل السنة والجماعة سلفا ً وخلفا .اليمان بما وصف الللله
به نفسه في كتابه ووصفه به رسوله صلى الللله عليلله وسلللم فللي
سنته على ما يليق بجلل الله وعظمته ،فيثبتون له ما أثبته لنفسلله
في كتابه وأثبته له رسللوله صلللى الللله عليلله وسلللم ،وينفللون عنلله
مشابهة المخلوق .فكمللا أن ذات الللرب ل تشللبه الللذوات فصللفاته
كذلك ل تشبه الصفات ،فمن نفاها فقد سلبه الكمال.
باب
ما جاء في اللو
قوله) :باب :ما جاء في اللو( :
أي من الوعيد والنهي عنه عنللد المللور المكروهللة ،كالمصللائب إذا
جرى بها القدر لما فيه من الشللعار بعلد الصلبر والسللى عللى ملا
فات ،مما ل يمكن اسللتدراكه ،فللالواجب التسللليم للقللدر ،والقيللام
بالعبودية الواجبللة وهللو الصللبر علللى مللا أصللاب العبللد ممللا يكللره.
واليمان بالقدر أصل من أصول اليمللان السللتة .وأدخللل المصللنف
رحمه ًالله أداة التعريلف عللى للو وهلذه فلي هلذا المقلام ل تفيلد
تعريفا كنظائرها ،لن المراد هذا اللفظ كما قال الشاعر:
شديدا ً بأعباء الخلفة رأيت الوليد بن اليزيد مباركا ً
كأهله
وقوله) :وقول الله عز وجل " :يقولون لو كممان لنمما مممن
المر شيء ما قتلنا هاهنا "( :
قال بعض المنافقين يوم أحد ،لخوفهم وجزعهم وخورهم.
قال بن إسحاق :فحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عللن
أبيه عن عبد الللله ابللن الزبيللر قللال :قللال الزبيللر :لقللد رأيتنللي مللع
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الخللوف علينللا أرسللل
الله علينا النوم .فما منا رجل إل ذقنه فللي صللدره ،قللال :فللو الللله
إني لسمع قول معتب بن قشير ما أسمعه إل كالحلم :لو كلان لنللا
من المر شئ ما قتلنا ها هنا .فحفظتها منه ،وفي ذلك أنللزل الللله
عز وجل " :يقولون لو كان لنا مللن المللر شلليء مللا قتلنللا هاهنللا "
لقول معتب رواه ابن أبي حاتم .قال الله تعالى " :قل لو كنتم في
بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم " أي هذا قللدر
مقدر من الله عز وجل وحكللم حتللم لزم ل محيللد عنلله ول منللاص
منه.
21 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
3
وقوله " :الذين قالوا لخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا " الية.
قال العماد ابن كثير :الذين قالوا لخوانهم ،وقعدوا :لو أطاعونا مللا
قتلوا أي لو سمعوا مشورتنا عليهم بالقعود وعدم الخروج ما قتلوا
مع من قتل .قال الله تعالى " :قل فللادرؤوا عللن أنفسللكم المللوت
إن كنتم صادقين " أي إذا كان القعود يسلم به الشخص من القتل
والموت ،فينبغي لكم أن ل تموتوا ،والمللوت ل بللد آت إليكللم ،ولللو
كنتم فللي بللروج مشلليدة ،فللادفعوا عللن أنفسللكم المللوت إن كنتللم
صادقين .قال مجاهد عن جابر بن عبد الله :نزلللت هللذه اليللة فللي
عبد الله بن أبي وأصحابه يعنللي أنلله هللو الللذي قللال ذلللك .وأخللرج
البيهقي عن أنس أن أبللا طلحللة قللال :غشللينا النعللاس ونحللن فللي
مصافنا يوم أحلد ،فجعللل يسلقط سليفي وآخلذه ويسللقط وآخللذه.
قال :والطائفة الخرى المنافقون ليس لها هللم إل أنفسللهم ،أجبللن
قوم ،وأرعبه ،وأخذله للحق " يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية
" إنما هم أهل ريب وشك بالله عز وجل .
قوله :قد أهمتهللم أنفسللهم يعنللي ل يغشللاهم النعللاس عللن القلللق
والجزع والخوف " :يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ".
قال شيخ السلم رحمه الله :لما ذكر ما وقع من عبد الله بن أبللي
في غزوة أحد قال :فلما انخذل يوم أحللد وقللال :يللدع رأيللي ورأيلله
ويأخذ برأي الصبيان ؟ أو كما قال ...انخذل معلله خلللق كللثير ،كللان
كثير منهم لم ينافق قبل ذلك .فأولئك كانوا مسلمين وكللان معهللم
إيمان ،هو الضوء الذي ضرب الله به المثل .فلو ماتوا قبل ًالمحنللة
لؤمنين حقلا الللذين والنفاق لماتوا على السلم،ولم يكونوا مللن المل
امتحنوا فثبتوا على المحنة ،ول مللن المنللافقين حق لا ً الللذين ارتللدوا
عن اليمان بالمحنة .وهذا حال كثير من المسلللمين فللي زماننللا أو
أكثرهم إذا ابتلوا بالمحنة التي يتضعضللع فيهللا أهللل اليملان ينقلص
كثيرا ً وينافق كثير منهم .ومنهم مللن يظهللر الللردة إذا كللان إيمانهم
العدو غالبًا ،وقد رأينا من هذا ورأى غيرنا مللن هللذا مللا فيلله عللبرة.
وإذا كانت العافية ،أو كان المسلمون ًظاهرين ً على عللدوهم كللانوا
مسلمين ،وهم مؤمنون بالرسل باطنا وظاهرا ،لكنه إيمان ل يثبللت
على المحنة ،ولهذا يكثر في هؤلء ترك الفرائض وانتهاك المحللارم
وهؤلء من الذين قالوا :آمنا ،فقيل لهم " :لم تؤمنللوا ولكللن قولللوا
اليمان في قلوبكم " أي اليمان المطلق الللذي أسلمنا ولما يدخل
أهله هم المؤمنون حقًا ،فإن هذا هو اليمللان إذا أطلللق فللي كتللاب
الله تعالى ،كما دل عليه الكتاب والسنة،فلم يحصل لهم ريب عنللد
المحن التي تقلقل اليمان في القلوب ،انتهى.
قوله :وقد رأينا من هذا ورأى غيرنا ما فيه عبرة.
قلت :ونحن كذلك رأينا من ذلك ما فيه عبرة عند غلبة العلدو ،ملن
إعانتهم العدو على المسلمين ،والطعن في الدين ،وإظهار العداوة
والشماتة ،وبذل الجهد في إطفاء نور السلم ،وذهاب أهله ،وغيللر
ذلك مما يطول ذكره .والله المستعان.
قوله) :في الصمحيح أي صمحيح مسملم عمن أبمي هريمرة
رضي الله عنه أن رسممول اللممه صمملى اللممه عليممه وسمملم
قال :احرص الحديث( :
اختصر المصنف رحمه الله هذا الحديث ،وتمامه :عن النللبي صلللى
الله عليه وسلم أنه قال " :المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من
المؤمن الضعيف ،وفي كل خير .اخرص على مللا ينفعللك " أي فللي
معاشك ومعادك .والمراد الحرص على فعللل السللباب الللتي تنفللع
العبد في دنياه وأخراه مما شرعه الله تعالى لعباده مللن السللباب
الواجبة ًوالمستحبة والمباحة ،ويكون العبد في حلال فعلله السلبب
مستعينا بالله وحده دون كل ما سواه ليتم له سببه وينفعه .ويكون
اعتماده على الله تعالى في ذلك ،لن اللله تعلالى هلو اللذي خللق
السبب والمسللبب ،ول ينفعلله سللبب إل إذا نفعلله الللله بلله ،فيكللون
اعتماده في فعل السبب علللى الللله تعللالى .ففعللل السللبب سللنة،
والتوكل على الله توحيد .فإذا جمع بينهما تم له مراده بإذن الله.
الللله عليلله
صلىوعق ً قوله :ول تعجزن النون نون التأكيد الخفيفة .نهاه
شللرعا ً
ل ،وفللي وسلللم عللن العجللز وذملله ،والعجللز مللذموم
الحديث " :الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد المللوت ،والعللاجر
من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الماني " فأرشده صلى الله
عليه وسلم في هذا الحديث إذا أصابه ما يكره أن ل يقول :لو أنلي
فعلت كذا لكان كذا وكذا .ولكن يقول :قدر الله وما شاء فعل ،أي
هذا قدر الللله والللواجب التسللليم للقللدر ،والرضللى بلله ،واحتسللاب
الثواب عليه.
21 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
4
ولما كان حللرص النسللان وفعللله إنمللا هللو بمعونللة الللله ومشلليئته
وتوفيقه أمره أن يستعين بالله ليجتمع له مقام " :إياك نعبد وإيللاك
نستعين " فإن حرصه على ما ينفعه عبللادة لللله تعللالى .ول يتللم إل
بمعونته فأمره أن يعبده وأن يستعين به .فالحريص على ما ينفعه،
المستعين بالله ضد العاجز ،فهذا إرشاد له قبل وقوع المقدور إلى
ما هو أعظم أسباب حصوله ،وهو الحرص عليه مع الستعانة بمللن
أزمة المور بيده ومصدرها منه ومردها إليه.
فإن فاته مللا لللم يقللدر للله فللله حالتللان :عجللز .وهللو مفتللاح عمللل
الشيطان ،فيلقيه العجز إلى لو ول فائدة من لو ههنا بل هي مفتاح
اللوم والعجز والسللخط والسللف والحللزن ،وذلللك كللله مللن عمللل
الشليطان فنهلاه صللى اللله عليله وسللم علن افتتلاح عملله بهلذا
الفتتاح ،وأمره بالحالة الثانية .وهي النظللر إلللى القللدر وملحظتلله
وأنه لو قدر له لم يفته ولم يغلبه عليه أحد ،فلم يبق له ها هنا أنفع
مللن شللهود القللدر ومشلليئة الللرب النافللذة الللتي تللوجب وجللوب
المقدور ،وإن انتفت امتنع وجوده ،ولهذا قال :فللإن غلبللك أمللر فل
تقل :لو أني فعلت كذا وكذا ولكن قللل :قللدر الللله ومللا شللاء فعللل
وحالللة فأرشده إلى ما ينفعه في الحالتين :حال حصول المطلوب،
فواته ،فلهذا كان هذا الحديث مما ل يستغنى عنلله العبللد أبللدًا ،بللل
هو أشد إليه ضرورة ،وهو ً يتضمن ً إثبات القدر والكسللب والختيللار
والقيللام بالعبوديللة ظللاهرا وباطنلا فللي حللالتي المطلللوب وعللدمه،
وبالله التوفيق.
باب
النهي عن سب الريح وما يقول عند
هياج الريح
قوله) :باب :النهي عن سب الريح( :
قوله) :عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن رسممول اللممه
صلى الله عليه وسلم قال " :ل تسبوا الريح فإذا رأيتممم
ما تكرهون فقولوا :اللهم إنا نسألك من خير هذه الريممح
وخير ما فيها ،وخير ما أمرت به ،ونعوذ بك من شر هذه
21 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
6
باب
قول الله تعالى " :يظنون بالله غير
الحق ظن الجاهلية"
قوله) :باب قول الله تعالى " :يظنون بممالله غيممر الحممق
ظن الجاهلية يقولون هل لنا من المر من شيء قل إن
المر كله لله " الية( :
تعالى في ذكر وقعللة أحللد " وهذه الية ذكرها الله في سياق قوله
ثم أنزل عليكم من بعد الغللم أمنللة نعاس لا ً يغشللى طائفللة منكللم "
يعني أهل اليمان والثبات والتوكل الصللادق ،وهللم الجللازمون بللأن
الله تعالى ينصر رسوله صلى الله عليه وسلم وينجللز للله مللأموله،
ولهللذا قللال " :وطائفللة قللد أهمتهللم أنفسللهم " يعنللي ل يغشللاهم
النعاس من الجزع والقلق والخوف " يظنون بالله غير الحللق ظللن
الجاهلية " كما قللال تعللالى " :بللل ظننتللم أن لللن ينقلللب الرسللول
أهليهم ً أبدا ً وزين ذلللك فللي قلللوبكم وظننتللم ظللن والمؤمنون إلى
السوء وكنتم قوما ً بورا " وهكذا هؤلء اعتقدوا أن المشللركين لمللا
ظهروا تلك الساعة ظنوا أنها الفيصلة ،وأن السلم قد بللاد وأهللله.
وهذا شأن أهل الريب والشك إذا حصل أملر ملن الملور الفظيعلة
تحصل لهم هذه المور الشنيعة ،عن ابن جريج قال :قيل لعبد الله
بن أبي :قتل بنو الخزرج اليوم ؟ قال :وهل لنا من المور من شئ
؟.
21 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
7
قال العلمة ابن القيم رحمه الله تعالى في الكلم على ما تضمنته
وقعة أحد :وقد فسر هذا الظن الذي ل يليق بللالله سللبحانه بللأنه ل
ينصر رسللوله ،وأن أمللره سيضللمحل وأنلله يسلللمه للقتللل ،وفسللر
بظنهم أن ما أصابهم لم يكن بقضاء الله وقدره ول حكمة له فيلله.
ففسر بإنكار الحكمة .وإنكار القدر ،وإنكار أن يتم أمر رسول الللله
صلى الله عليه وسلم وأن يظهره على الدين كله .وهللذا هللو ظللن
السوء الذي ظنه المنافقون والمشركون فللي سللورة الفتللح حيللث
يقول " :ويعذب المنافقين والمنافقللات والمشللركين والمشللركات
الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة ًالسوء وغضللب الللله عليهللم
ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا " وإنما كللان هللذا هللو ظللن
السوء وظن الجاهلية وهو المنسوب إلللى أهللل الجهللل وظللن غيللر
الحق ،لنه ظن غير ما يليق بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وذاتلله
الملبرأة ملن كلل عيلب وسلوء ،وخلف ملا يليلق بحكمتله وحملده
وتفرده بالربوبية واللهية ،وما يليق بوعده الصادق الذي ل يخلفلله،
وبكلمته التي سبقت لرسله أنه ينصرهم ول يخذلهم .ولجنده بأنهم
هم الغالبون .فمن ظن به أنه ل ينصر رسله ول يتم أمره ول يؤيده
ويؤيد حزبه ويعليهم ويظفرهم بأعللدائهم ويظهرهللم ،وأنلله ل ينصللر
لى الحللق دينه وكتابه ،وأنه يديل الشرك على التوحيد ،والباطللل علل
مستقرة ،يضللمحل معهللا التوحيللد والحللق اضللمحلل ً ل يقللوم إدالة
بعده أبدًا .فقد ظن بالله ظن السوء ،ونسللبه إلللى خلف مللا يليللق
بجلله وكماله وصفاته ونعوته ،فإن حمده وعزتلله وحكمتلله وإلهيتلله
تأبى ذلك وتأبى أن يذل حزبه وجنده ،وأن تكون النصرة المستقرة
والظفر الدائم لعدائه المشركين به العادلين به .فمن ظن به ذلك
فما عرفه ول عرف أسماءه ول عرف صفاته وكماله .وكللذلك مللن
أنكر أن يكون ذلك بقضللاءه وقللدره .فمللا عرفلله ولعللرف ربللوبيته
وملكه وعظمته .وكذلك من أنكر أن يكون قدر ما قدره مللن ذلللك
وغيره لحكمة بالغة وغاية محمودة يستحق الحمد عليها ،وأن ذلللك
إنما صدر عن مشيئة مجردة عن حكمته وغاية مطلوبللة هلي أحللب
إليه من فواتها .وأن تلك السباب المكروهة للله المفضللية إليهللا ،ل
لانت
لاطل ً
يخللرج تقللديرها عللن الحكمللة ،لفضللائها إلللى ًمللا يحللب وإن ك
ل" : مكروهة له ،فما قدرها سللدى ول شللاءها عبثلا ول خلقهللا بل
ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ".
وأكثر الناس يظنون بالله غير الحق ظن السوء فيمللا يختللص بهللم،
وفيما يفعله بغيره ،ول يسلم من ذلللك إل مللن عللرف الللله وعللرف
أسمائه وصفاته ،وعرف مللوجب حكمتلله وحمللده .فمللن قنللط مللن
رحمته وأيس من روحه فقد ظن به ظن السلوء .وملن جلوز عليلله
أن يعللذب أوليللاءه مللع إحسللانهم وإخلصللهم ويسللوى بينهللم وبيللن
أعدائه فقد ظن به ظن السوء .ومللن ظللن أن يللترك خلقلله سللدى
والنهي ،ل يرسل إليهلم رسلله ول ينلزل عليهلم معطلين عن المر
كتبه بل يتركهم همل ً كالنعام فقد ظن به ظن السللوء ،ومللن ظللن
أنه لن يجمع عبيده بعللد مللوتهم للثللواب والعقللاب فللي دار يجللازى
المحسن فيها بإحسانه والمسيء بإساءته ،ويبين لخلقه حقيقللة مللا
اختلفللوا فيلله ويظهللر للعللالمين كلهللم صللدقه وصللدق رسللله ،وأن
السللوء .ومللن ظللن أنلله أعداءه كانوا هم الكاذبين فقد ظن به ظن
يضيع عليه عمله الصالح الللذي عمللله خالص لا ً لللوجهه علللى امتثللال
أمره ،ويبطله عليه بل سبب من العبد ،وأنه يعاقب بمللا ل صللنع للله
فيه ول اختيار له ول قدرة ول إرادة له في حصوله ،بل يعاقبه على
فعله هو سبحانه بلله ،أو ظلن بله أنله يجلوز عليله أن يؤيللد أعلداءه
الكاذبين عليه بالمعجزات الللتي يؤيللد بهللا أنبيللاءه ورسللله ويجريهللا
على أيديهم ليضلوا بهللا عبللاده ،وأنلله يحسللن منلله كللل شللئ حللتى
تعذيب من أفنى عمره في طاعته فيخلده في الجحيم فللي اسللفل
السافلين ،وينعم مللن اسللتنفذ عمللره فللي عللداوته وعللداوة رسللله
ودينه فيرفعه إلى أعلللى علييللن ،وكل المريللن فللي الحسللن عنللده
سواء ،ول يعرف امتناع أحدهما ووقوع الخللر إل بخللبر صللادق ،وإل
فالعقل ل يقضي بقبح أحللدهما وحسللن الخللر .فقللد ظللن بلله ظللن
السوء.
لل ومن ظن أنه أخبر عن نفسه وصللفاته وأفعللاله بمللا ظللاهره باطل
لوزا ًوتشبيه وتمثيل ،وترك الحق لللم يخللبر بلله وإنمللا رمللز إليلله رمل
دائملا ً بعيللدة ،وأشللار إليلله إشللارة ملغللزة ولللم يصللرح بلله وصللرح
بالتشللبيه والتمثيللل والباطللل ،وأراد مللن خلقلله أن يتعبللوا أذهللانهم
وقواهم وأفكارهم في تحريف كلمله علن مواضلعه ،وتلأويله عللى
غير تأويله ،ويتطلبوا له وجللوه الحتمللالت المسللتكرهة والتللأويلت
التي هي باللغاز والحاجي أشبه منهلا بالكشلف والبيللان ،وأحللالهم
في معرفة أسمائه وصفاته على عقولهم وآرائهم ل على كتابه .بل
أراد منهم أل يحملوا كلمه على ما يعرفونه ملن خطلابهم ولغتهلم،
مع قدرته عللى أن يصللرح لهللم بللالحق الللذي ينبغلي التصللريح بلله،
ويريحهم من اللفاظ التي توقعهم في اعتقاد الباطللل فلللم يفعللل،
بل سلك بهم خلف طريق الهدى والبيان .فقد ظن به ظن السوء،
فإنه إن قال :إنه غير قادر على التعبير عن الحلق بلاللفظ الصلريح
الذي عبر به هو وسلفه فقد ظن بقدرته العجز ،وإن قال إنه قللادر
ولم يبين ،وعدل عن البيان وعن التصريح بالحق إلى ما يوهم ،بللل
يوقع فللي الباطللل المحللال والعتقللاد الفاسللد .فقللد ظللن بحكمتلله
ورحمته ظن السوء.
21 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
8
ومللن ظللن أنلله هللو وسلللفه عللبروا عللن الحللق بصللريحه دون الللله
ورسوله .وأن الهدى والحق في كلمهم وعبللاراتهم وأمللا كلم الللله
فإنما يؤخلذ ملن ظلاهره التشلبيه والتمثيلل والضللل وظلاهر كلم
المتهوكين والحيارى هو الهدى والحق فهذا أسوأ الظن بالله.
فكل هؤلء من الظانين بالله ظن السوء وملن الظللانين بلالله غيلر
الحق ظن الجاهلية.
ومن ظن به أن يكون في ملكه ما ل يشللاء ول يقللدر علللى إيجللاده
وتكوينه ،فقد ظن بالله ظن السوء.
ومن ظن أنه كللان معطل ً مللن الزل إلللى البللد ًعللن أن يفعللل ،ول
حينئذ بالقدرة على الفعل ثم صلار قلادرا عليله بعلد أن للم يوصف
يكن قادرًا ،فقد ظن به ظن السوء.
ومن ظللن أنلله ل يسللمع ول يبصللر ول يعلللم الموجللودات ،ول عللدد
السموات ول النجوم ،ول بنللي آدم وحركللاتهم وأفعللالهم ،ول يعلللم
شيئا ً من الموجودات في العيان ،فقد ظن بهم ظن السوء.
ومن ظن به أنلله ل سللمع للله ول بصللر ول علللم ول إرادة ،ول كلم
يقوم به ،وأنه ل يكلم أحدا ً من الخلق ول يتكلللم أبللدًا ،ول قللال ،ول
يقول ،ول له أمر ول نهي يقوم به ،فقد ظن بهم ظن السوء.
ومن ظن به أنه ليس فوق سمواته على عرشلله بللائن مللن خلقلله،
وأن نسبة ذاتلله إلللى عرشلله كنسللبتها إللى أسللفل سللافلين ،وإلللى
المكنة التي يرغب عن ذكرها ،وأنه أسفل كما أنه أعلى ،وأنه مللن
قال :سبحان ربي السفل كان كمللن قللال :سللبحان ربللي العلللى.
فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه.
ومن ظن أنه يحب الكفر والفسوق والعصيان ،ويحب الفسللاد كمللا
يحب اليمان والبر والطاعة والصلح ز فقد ظن به ظن السوء.
ومن ظن بلله أنلله ل يحللب ول يرضللى ،ول يغضللب ول يسللخط ،ول
يوالي ول يعادي ،ول يقرب من أحد من خلقه ،ول يقرب منه أحللد.
وأن ذوات الشللياطين فللي القللرب مللن ذاتلله كللذوات الملئكللة
المقربين وأوليائه المفلحين .فقد ظن به ظن السوء.
ومن ظن به أنه يسوي بين المتضادين ،أو يفللرق بيللن المتسللاويين
من كل وجه ،أو يحبللط طاعللات العمللر المديللد الخالصللة الصللواب
بكبيرة واحدة تكون بعدها ،فيخلد فاعل تلك الطاعات في الجحيللم
أبد البدين بتلك الكللبيرة ،ويحبللط بهللا جميللع طاعللاته ويخلللده فللي
العذاب كما يخلد من لم يؤمن به طرفللة عيللن ،واسللتنفذ سللاعات
عمره في مساخطة ومعاداة رسله ودينه ،فقد ظن به ظن السوء.
ومن ظن به أن له ولدا ً أو شريكًا ،أو أن أحللدا ً يشللفع عنللده بللدون
إذنه ،أو أن بينه وبين خلقه وسللائط يرفعللون حللوائجهم إليلله ،وأنلله
نصب لعباده أولياء ملن دونله يتقربلون بهلم إليله ،ويتوصللون بهلم
إليلله ،ويجعلللونهم وسللائط بينلله وبينهللم ،فيللدعونهم ويخللافونهم
ويرجونهم فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه.
ومن ظللن بلله أنلله ينللال مللا عنللده بمعصلليته ومخللالفته ،كمللا ينللاله
بطاعته والتقرب إليه ،فقد ظللن بلله خلف حكمتلله وخلف مللوجب
أسمائه وصفاته وهو من ظن السوء.
ومن ظن ً به أنه إذا ترك شيئا ً من أجله لم يعوضه خيرا ً منه ،أو من
فعل شيئا لجله لم يعطه أفضل منه ،فقد ظن به ظن السوء.
ومن ظن به أنه يغضب على عبده ويعاقبه ويحرملله بغيللر جللرم ول
سبب من العبد إل بمجرد المشيئة ومحض الرادة فقد ظن به ظن
السوء.
ومن ظن به أنه إذا صدقه في الرغبة والرهبة وتضرع إليلله وسللأله
واستعان به وتوكل عليه أنه يخيبه ول يعطيه ما سأله ،فقد ظن بلله
ظن السوء .وظن به خلف ما هو أهله.
21 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
9
ومن ظن أنه يثيبه إذا عصاه كما يثيبه إذا أطاعه ،وسأله ذلللك فللي
دعائه ،فقد ظن به خلف ما تقتضيه حكمته وحمده ،وخلف ما هللو
أهله وما ل يفعله.
ومن ظن به أنه إذا أغضبه وأسخطه وأوضع في معاصيه ثللم اتخللذ
من دونه أولياء ودعا من دونه ملكا ً أو بشرا ً حيا ً أو ميتا ً يرجو بللذلك
أن ينفعه عند ربه ويخلصه من عذابه ،فقد ظن به ظن السوء.
فأكثر الخلق بل كلهم إل من شلاء اللله يظنلون بلالله غيلره الحلق
وظن السوء ،فإن غالب بني آدم يعتقد أنله مبخلوس الحلق نلاقص
الحظ ،وأنه يسللتحق فللوق مللا شللاءه الللله وأعطللاه .ولسللان حللاله
يقول :ظلمني ربي ومنعني ما أستحقه ونفسه تشلهد عليله بلذلك،
وهو بلسانه ينكره ول يتجاسر على التصريح بهً .ومن فتللش نفسلله
وتغلغل في معرفة طواياها رأي ذلك فيهللا كامنلا كمللون النللار فللي
الزناد ،فاقدح زناد من شللئت ينللبئك شللراره عمللا فللي زنللاده ،ولللو
فتشت ًمن فتشت لرأيت عنده تعنتا ً وتعتبا ً على القللدر وململلة للله
واقتراحا عليه خلف ما جرى بلله ،وإنلله كللان ينبغللي أن يكللون كللذا
وكذا .فمستقل ومستكثر ،وفتش نفسك هل أنت سالم من ذلك ؟
وإل فإني ل إخالك فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة
ناجيا ً
فليعتللن اللللبيب الناصللح لنفسلله بهللذا الموضللع ،وليتللب إلللى الللله
ويستغفره في كل وقت من ظنه بربه ظن السوء ،وليظلن السلوء
بنفسه التي هي مادة كل سوء ومنبع كل شر ،المركبة على الجهل
والظلم .فهي أولللى بظللن السللوء مللن أحكللام الحللاكمين ،وأعللدل
العادلين ،وأرحم الراحمين الغنللي الحميللد ،الللذي للله الغنللي التللام،
والحمد التللام ،والحكمللة التامللة ،المنللزه عللن كللل سللوء فللي ذاتلله
وصفاته وأفعاله وأسمائه ،فذاته لها الكمال المطلق من كللل وجلله
وصللفاته كللذلك وأفعللاله كلهللا حكمللة ومصلللحة ورحمللة وعللدل،
وأسماؤه كلها حسنى.
فإن الله أولى بالجميل فل تظنن بربك ظن سوء
فكيف بظالم جان جهول ول تظنن بنفسك قط خيرا ً
أترجو الخير من ميت بخيل وقل :يا نفس مأوى كل سوء
كذاك وخيرها كالمستحيل وظن بنفسك السوأى تجدها
فتلك مواهب الرب الجليل وما بك من تقي فيها وخير
من الرحمن فاشكر للدليل وليس لها ول منها ولكن
قوله " :الظانين بالله ظن السوء " قال ابن جريللر فللي تفسلليره "
ويعذب المنافقين والمنافقللات والمشللركين والمشللركات الظللانين
بالله ظن السوء " الظانين بالله أنه لن ينصرك وأهللل اليملان بللك
على أعدائك ،ولن يظهر كلمته فيجعلها العليا على كلمة الكللافرين
بلله .وذلللك كللان السللوء مللن ظنللونهم الللتي ذكرهللا الللله فللي هللذا
الموضلللع .يقلللول تعلللالى ذكلللره :عللللى المنلللافقين والمنافقلللات
والمشركين والمشركات الذين ظنوا هذا الظن دائرة السوء .يعني
دائرة العذاب تدور عليهللم بلله .واختلللف القللراء فللي قللراءة ذلللك:
فقرأته عامة قراء الكوفة دائرة السللوء بفتللح السللين .وقللرأ بعللض
قراء البصرة دائرة السوء بالضم .وكان الفراء يقول :الفتح أفشللى
في السين .وقل ما تقول العرب دائرة السوء بضم السين.
وقوله " :وغضب الله عليهم ولعنهم " يعني ونالهم الله بغضب منه
ولعنهم .يقول :وأبعدهم فأقصاهم من رحمته " وأعد لهللم جهنللم ً "
يقول :وأعد لهم جهنم يصلللونها يللوم القيامللة " وسللاءت مصلليرا "
يقول :وساءت جهنم منزل ً يصير إليه هؤلء المنافقون والمنافقللات
والمشركون والمشركات.
وقللال العمللاد ابللن كللثير رحملله الللله تعللالى " :ويعللذب المنللافقين
والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بلالله ظللن السلوء "
أي يتهمون الللله فللي حكملله ويظنللون بالرسللول صلللى الللله عليلله
لال تعللالى" : وسلم وأصللحابه أن يقتلللوا ويللذهبوا بالكليللة .ولهللذا قل
عليهم دائرة السوء " وذكر في معنى الية الخرى نحوا ً مما ذكللره
ابن جرير رحمهما الله تعالى:
قوله) :قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (...
22 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
0
عن معاوية عن أيوب بن زياد ،حدثني عبادة بللن الوليللد بللن عبللادة
ثنى أبي قال :دخلت على عبادة وهو مريللض أتخايللل فيلله المللوت،
فقلت :يا أبتاه أوصني واجتهد لي ،فقال :أجلسوني .قللال :يللا بنللي
إنك لن تجد طعم اليمان ،ولن تبلغ حقيقة العلم بالله حللتى تللؤمن
بالقدر خيره وشره ،قلت :يا أبتاه فكيف لي أن أعلم ما خير القدر
وشره ؟ قال :تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ،وما أصللابك لللم
يكن ليخطئك ،يا بني سمعت رسول الللله صلللى الللله عليلله وسلللم
يقول" :إن أول ما خلق الله القلم ،فقللال للله :اكتللب ،فجللرى فللي
تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة .يا بني ،إن مللت ولسللت
على ذلك دخلت النار " .ورواه الترمذي بسنده المتصل إلى عطاء
بن أبي رباح عن الوليد بن عبلادة علن أبيله ،وقلال :حسلن صلحيح
وغريب.
وفي هذا الحديث ونحوه :بيان شمول علم الله تعالى وإحاطته بما
كان ويكون في الدنيا والخرة ،كما قال تعالى " :الللله الللذي خلللق
سبع سماوات ومن الرض مثلهللن يتنللزل المللر بينهللن لتعلمللوا أن
الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ".
وقد قال المام أحمد رحمه الله لما سئل عللن القللدر قللال :القللدر
قدرة الرحمن واستحسن ابن عقيل هذا من أحمد رحمه الله.
والمعنى :أنه ل يمنع عن قدرة الله شئ .ونفللاة القللدر قللد جحللدوا
كمللال قللدرة الللله تعلالى فضلللوا سللواء السللبيل .وقللد قللال بعللض
السلللف :نللاظروهم بللالعلم ،فللإن أقللروا بلله خصللموا وإن جحللدوه
كفروا.
قممموله) :وفمممي المسمممند وسمممنن أبمممي داود عمممن ابمممن
الديلمي: (...
وهو أبو بسر بالسين المهملة ،وبالباء المضمومة .ويقال أبللو بشللر
بالشين المعجمة وكسر البللاء وبعضللهم صللحح الول .وإسللمه عبللد
الله بن فيروز .ولفظ أبي داود قال :لو أن الله عذب أهل سللمواته
رحمهم لكانت رحمتلله وأهل أرضه ،عذبهم وهو غير ظالم لهم .ولو
خيرا ً لهم من أعمالهم .ولو أنفقت مثل أحد ذهبا ً ما قبله الله منللك
حللتى تللؤمن بالقللدر ،وتعلللم أن مللا أصللابك لللم يكللن ليخطئك ومللا
أخطأك لم يكن ليصيبك ،ولو مت علللى غيللر هللذا لكنللت مللن أهللل
النار .قال :فأتيت عبد الله بن مسللعود فقللال مثللل ذلللك ثللم أتيللت
حذيفة بن اليمان فقال مثل ذلك ،قال :ثم أتيت زيد بن ثابت ،قال:
فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلللم مثللل ذلللك وأخرجلله ابللن
ماجه.
وقال العماد ابن كلثير رحمله اللله :علن سلفيان علن منصلور علن
ربعي بن حراش عن رجل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنلله
قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :ل يللؤمن عبللد حللتى
يؤمن بأربع :يشهد أن ل إله إل الله وأني رسول الله بعثني بالحق،
ويؤمن بالبعث بعد الموت ،ويؤمن بالقدر خيره وشره " وكللذا رواه
الترمذي عن النضر بن شميل عن شعبة عن منصور به .ورواه من
حديث أبي داود الطياليسي عن شعبة عن ربعي عن على فذكره.
وقد ثبت في صحيح مسلم من رواية عبد الله بن وهب وغيره عن
أبي هانئ الخولني عن أبي عبد الرحمن الحبلى عن عبد الللله بللن
عمرو قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إن الله كتللب
مقادير الخلئق قبللل أن يخلللق السللموات والرض بخمسللين ألللف
سللنة زاد ابللن وهللب :وكللان عرشلله علللى المللاء " رواه الترمللذي
وقال :حديث حسن غريب.
وكل هذه الحاديث وما في معناها فيها الوعيد الشللديد علللى عللدم
اليمان بالقدر وهي الحجة على نفاة القدر من المعتزللة وغيرهلم.
ومن مذهبهم :تخليد أهل المعاصي في النار .وهذا الللذي اعتقللدوه
من أكبر الكبائر وأعظم المعاصي.
وفي الحقيقة إذا اعتبرنا إقامة الحجة عليهم بما تواترت به نصوص
الكتاب والسنة من إثبات القدر فقد حكموا على أنفسللهم بللالخلود
في النار إن لللم يتوبللوا .وهللذا لزم لهللم علللى مللذهبهم هللذا ،وقللد
خالفوا ما تواترت به أدلة الكتاب والسنة من إثبللات القللدر ،وعللدم
تخليد أهل الكبائر من الوحدين في النار.
22 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
2
باب
ما جاء في المصورين
قوله) :باب :ما جاء في المصورين( :
أي من عظيم عقوبة الله لهم وعذابه.
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم العلة :وهي المضللاهاة بخلللق
الللله ،لن الللله تعللالى للله الخلللق والمللر ،فهللو رب كللل شللئ
ومليكه،وهو خالق كل شئ وهو الذي صور جميع الخلوقات ،وجعل
فيها الرواح التي تحصل بها الحياة ،كما قال تعالى " :الذي أحسن
كل شيء خلقه وبدأ خلق النسان من طين * ثم جعللل نسللله مللن
سللة من ماء مهين * ثم سواه ونفخ فيه مللن روحلله وجعللل لكللم
السمع والبصار والفئدة قليل ما تشللكرون " فالمصللور لمللا صللور
الصورة على شكل ما خلقه الله تعللالى ًمللن إنسللان وبهيمللة صللار
مضاهئا ً لخلق الله .فصار ما صوره عذابا له يوم القيامة ،وكلف أن
ينفخ فيها الروح وليس بنافخ .فكان أشد الناس عذابًا ،لن ذنبه من
أكبر الذنوب.
فإن كان هذا فيمن صور صورة على مثال ما خلقه الله تعالى مللن
من سللوى المخلللوق بللرب العللالمين وشللبهه الحيوان ،فكيف بحال
بخلقه ،وصرف له شيئا ً من العبادة الللتي مللا خلللق الللله الخلللق إل
ليعبدوه وحده بما ل يستحقه غيره مللن كللل عمللل يحبلله الللله مللن
العبللد ويرضللاه .فتسللوية المخلللوق بالخللالق بصللرف حقلله لمللن ل
يستحقه من خلقه ،وجعله شريكا ً له فيما اختص به تعالى وتقدس،
وهو أعظم ذنب عصى الله تعالى بلله .ولهللذا أرسللل رسللله وأنللزل
كتبه لبيان هذا الشرك والنهي عنه ،وإخلص العبادة بجميع أنواعهللا
لله تعالى .فنجى الله تعالى رسله ومن أطاعهم .وأهلك من جهللل
التوحيد ،واستمر على الشرك والتنديد ،فما أعظمه مللن ذنللب" : :
إن الله ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلللك لمللن يشللاء " " :
22 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
3
ول يخفى أن هذا مفارقللة لللدين السلللم ،ودخللول فللي ديللن عبللاد
الصنام ،فانظر إلى هذا التباين العظيم بين ما شرعه رسللول الللله
صلى الله عليه وسلم وقصللده ،مللن النهللي عمللا تقللدم ذكللره فللي
القبللور ،وبيللن مللا شللرعه وقصللدوه ،ول ريللب أن فللي ذلللك مللن
المفاسد ما يعجز عن حصره.
فمنها :تعظيمها الموقع فللي الفتتللان بهللا .ومنهللا :اتخاذهللا أعيللادًا.
ومنها السفر إليها .ومنها :مشابهة عباد الصللنام بمللا يفعللل عنللدها
مللن العكللوف عليهللا والمجللاورة عنللدها وتعليللق السللتور عليهللا
وسدانتها ،وعبادها يرجحون المجاورة عنللدها علللى المجللاورة عنللد
المسللجد الحللرام ،ويللرون سللدانتها أفضللل مللن خدمللة المسللاجد،
والويل عندهم لقيمها ليلة يطفىء القنللديل المعلللق عليهلا .ومنهلا:
النذر لها ولسدنتها .ومنها :اعتقاد المشللركين فيهللا أن بهللا يكشللف
البلء وينصر على العداء ،ويستنزل غيث السماء ،وتفرج الكروب،
وتقضي الحوائج ،وينصر المظلوم ،ويجللار الخللائف إلللى غيللر ذلللك.
ومنها :الدخول في لعنة الله ورسوله باتخاذ المساجد عليها وإيقللاد
السرج عليها .ومنها :الشرك الكبر الذي يفعل عندها.
ومنها :إيذاء أصحابها بما يفعله المشركون بقبورهم .فإنهم يللؤذيهم
ما يفعل عند قبورهم ،ويكرهللونه غايللة الكراهيلة ،كملا أن المسليح
عليه السلم يكره ما يفعله النصارى عند قبره ،وكللذلك غيللره مللن
النبياء والولياء والمشايخ يؤذيهم مللا يفعللله أشللباه النصللارى عنللد
قبورهم .ويوم القيامة يتللبرأون منهللم ،كمللا قللال تعللالى " ، :ويللوم
يحشرهم وما يعبدون مللن دون الللله فيقللول أأنتللم أضللللتم عبللادي
هؤلء أم هم ضلوا السبيل * قالوا سبحانك مللا كللان ينبغللي لنللا أن
نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حللتى نسلوا الللذكر
وكانوا قوما بورا " قال الله تعالى للمشركين " :فقد كللذبوكم بمللا
تقولون " وقال تعالى " :وإذ قال الله يللا عيسللى ابللن مريللم أأنللت
قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الللله قللال سللبحانك مللا
يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق " الية وقال تعللالى " ، :ويللوم
يحشرهم جميعا ثم يقللول للملئكللة أهللؤلء إيللاكم كللانوا يعبللدون *
قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجللن أكللثرهم
بهم مؤمنون ".
ومنها :إماتة السنن وإحياء البدع.
ومنها تفصيلها على خير البقاع وأحبها إلى الللله ،فللإن عبللاد القبللور
يقصدونها مع التعظيم والحترام والخشوع ورقة القلب ،والعكللوف
بالهمة على الموتى ًبما ل يفعلللونه فللي المسللاجد ول يحصللل لهللم
فيها نظيره ول قريبا منه.
ومنها :أن الذي شرعه الرسول صلى الله عليه وسلللم عنللد زيللارة
القبور إنما هو تذكر الخللرة ،والحسللان إلللى المللزور بالللدعاء للله،
والترحم عليه ،والستغفار له .وسللؤال العافيللة للله ،فيكللون الللزائر
محسنا ً إلى نفسلله وإلللى الميللت .فقلللب هللؤلء المشللركون المللر
وعكسوا الدين ،وجعلوا المقصود بالزيارة الشرك بالميت ،ودعللاءه
والدعاء به ،وسؤالهم حوائجهم ،واستنزال البركة منه ،ونصره لهللم
علللى العللداء .ونحللو ذلللك .فصللاروا مسلليئين إلللى أنفسللهم وإلللى
الميت .وكان رسول ًالله صلى الله عليه وسلللم قللد نهللى الرجللال
أذن عن زيادة القبور سدا للذريعة فلما تمكن التوحيد في قلللوبهم
ونهاهم أن يقولللوا هجللرًا، شرعه،
وفع ً لهم في زيارتها على الوجه الذي
عندها قول ً
ل. ومن أعظم الهجر :الشرك
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول
الله صلى الله عليه وسلللم " زوروا القبللور ،فإنهللا تللذكر المللوت "
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال :مر رسول الللله صلللى الللله
عليه وسلم بقبور المدينللة ،فأقبللل عليهللم بللوجهه فقللال ":السلللم
عليكم يأهل القبور ،يغفر الله لنا ولكم ،أنتم سلفنا ونحللن بللالثر "
رواه أحمد والترمذي وحسنه.
فهذه الزيارة التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم لمته،
وعلمهم إياها ،هل تجد فيها شيئا ً مما يعتمده أهل الشرك والبدع ؟
أم تجدها مضادة لما هم عليه من كل وجه ؟ ومللا أحسللن مللا قللال
مالك بن أنس رحمه الله :لن يصلح آخللر هللذه المللة إل مللا أصلللح
أولها ولكن كلما ضعف تمسك المم بعهود أنبيائهم ونقص إيمللانهم
عوضوا عن ذلك بما أحدثوه من البدع والشرك.
ولقد جرد السلف الصالح التوحيد وحموا جانبه ،حللتى كللان أحللدهم
إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم أراد الللدعاء اسللتقبل
القبلة ،وجعل ظهره إلى جدار القبر ثم دعا ونص على ذلك الئمللة
22 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
5
الربعة :أنه يستقبل القبلة وقت الدعاء حللتى ل يللدعو عنللد القللبر،
فإن الدعاء عبادة .وفي الترمذي وغيره :الدعاء هللو العبللادة فجلرد
السلف العبادة لللله ولللم يفعلللوا عنللد القبللور منهللا إل مللا أذن فيلله
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،من الدعاء لصحابها والستغفار
لهم والترحم عليهم .وأخرج أبللو داود عللن أبللي هريللرة قللالً :قللال
رسول الله صلى الله عليه وسلللم " :ل تجعلللوا بيللوتكم قبللورا ،ول
تجعلوا قبري عيدًا ،وصلوا علي فإن صلتكم تبلغنللي حيللث كنتل ًلم "
وإسناده جيد ورواته ثقات مشير .قوله :ل تجعلوا بيوتكم قبللورا أي
ل تعطلوها عن الصلة فيها والدعاء والقراءة فتكون بمنزلة القبور
فأمر بتحللري النافلللة فللي الللبيوت ونهللى عللن تحريللر النافلللة عنللد
القبور ،وهذا ضد ما عليه المشركون من النصارى وأشباههم.
ثم إن في تعظيم القبللور واتخاذهللا أعيللادا ً مللن المفاسللد العظيمللة
التي ل يعلمها إل الله ما يغضب الله لجله كل من فللي قلبلله وقللار
الله وغيرة على التوحيد وتهجين وتقبيح للشللرك ،ولكللن مللا لجللرح
بميت إيلم.
فمن المفاسد :اتخاذها أعيادا ً والصلة إليها والطواف بهللا وتقبيلهللا
واستلمها وتعفير الخدود على ترابها وعبللادة أصللحابها ،والسللتغاثة
بهم ،وسللؤالهم النصللر والللرزق والعافيللة ،وقضللاء الللدين ،وتفريللج
كلان الكربات ،وإغاثة اللهفات وغير ذلك من أنلواع الطلبلات اللتي
عباد الوثان يسألونها أوثانهم .فلو رأيت غلة المتخللذين لهللا عيللدًا،
وقد نزلوا عن الكوار والدواب إذا رأوها من مكللان بعيللد ،فوضللعوا
لها الجباه ،وقبلوا الرض ،وكشفوا الللرؤوس ،وارتفعللت أصللواتهم،
بالضجيج ،وتباكوا حتى تسمع لهم النشيج ،ورأو أنهم قد أربللوا فللي
الربح على الحجيج ،فاستغاثوا بمن ل يبديء ول يعيد ،ونادوا ولكللن
من مكان بعيد ،حتى إذا دنوا منها صلوا عنللد القللبر ركعللتين ،ورأوا
أنهللم قللد أحللرزوا ملن الجللر ول أجللر مللن صلللى إلللى القبلللتين !!
فتراهم حول القبر ركعا ً سجدا ً ًيبتغون فضل ً مللن الميللت ورضللوانًا،
وقد ملوا أكفهم خيبة وخسرانا.
فلغير الله بل الشيطان ما يراق هنللاك ملن العللبرات ،ويرتفللع مللن
الصوات ،ويطلب مللن الميللت مللن الحاجللات ،ويسللأل مللن تفريللج
ذوي الكربللات ،وإغاثللة اللهفللات ،وإغنللاء ذوي الفاقللات ،ومعافللاة
العاهات والبليات ،ثم انثنوا بعد ذلك ًحول القبر طائفين ،تشبيها ً له
بالبيت الحرام الذي جعله الله مباركلا وهلدى للعلالمين .ثلم أخلذوا
في التقبيل والسللتلم .أرأيللت الحجللر السلود ومللا يفعللل بلله وفلد
البيت الحرام .ثم عفروا لديه تلك الجباه والخدود ،التي يعلللم الللله
أنه لم تعفر كذلك بين يديه فللي السللجود ،ثللم كملللوا مناسللك حللج
القبر بالتقصير هناك والحلق واستمتعوا بخلقهم من ذلك الوثن إذ
لم يكن لهم عند الله من خلق ،وقد قربللوا لللذلك الللوثن القرابيللن
فللوً وكانت صللتهم ونسلكهم وقربللانهم لغيللر الللله رب العلالمين،
رأيتهم يهنىء بعضهم بعضا ً ويقول :أجزل الله لنا ولكم أجرا ً وافللرا
وحظًا ،فإن رجعوا سللألهم غلة المتخلفيللن أن يللبيع أحللدهم ثللواب
حجة القبر بحجة المتخلف إلى البيت الحرام ،فيقول :ل ول بحجللك
كل عام.
هذا ولم نتجللاوز فيمللا حكينللاه عنهللم ،ول استقصللينا جميللع بللدعهم
وضللهم ،إذ هي فوق ما يخطللر بالبللال ،ويللدور فللي الخيللار ،وهللذا
مبدأ الصنام في قوم نوح كما تقدم .وكل من شم أدنى رائحة من
العلللم والفقلله يعلللم أن مللن أهللم المللور ،سللد الذريعللة إلللى هللذا
المحظور .وأن صاحب الشرع أعلم بعاقبة ما نهى عنله وملا يلؤول
إليه ،وأحكم في نهيه عنه وتوعللده عليلله ،وأن الخيللر والهللدى فللي
اتباعه وطاعته ،والشر والضلل في معصيته ومخللالفته .ا ه كلملله
رحمه الله تعالى.
باب
ما جاء في كثرة الحلف
قوله) :باب :ما جاء في كثرة الحلف( :
أي من النهي عنه والوعيد.
22 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
6
باب
ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه
قوله) :باب :ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه؛
وقول الله تعممالى " :وأوفمموا بعهممد اللممه إذا عاهممدتم ول
تنقضوا اليمممان بعممد توكيممدها وقممد جعلتممم اللممه عليكممم
كفيل " الية( :
قال العماد بن كلثير :وهلذا مملا يلأمر اللله تعلالى بله وهلو الوفلاء
بالعهود والمواثيق ،والمحافظة على اليمان المؤكدة .ولهللذا قللال:
" ول تنقضوا اليمان بعد توكيدها " ول تعللارض بيللن هللذا وقللوله" :
ول تجعلوا الله عرضة ليمانكم " وبين قوله " :ذلك كفارة أيمانكم
إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم " أي ل تتركوها بل تكفير .وبيللن قللوله
الصحيحين " :إني والله إن شللاء الللله ل صلى الله عليه وسلم في
أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا ً منها إل أتيت الذي هو خير منها
وتحللتها وفي رواية وكفرت عن يميني " ل تعللارض بيللن هللذا كللله
وبين الية المذكورة هنا وهي " :ول تنقضوا اليمان بعللد توكيللدها "
لن هللذه اليمللان المللراد بهللا الداخلللة فللي العهللود والمواثيللق ،ل
اليمان الواردة على حث أو منع ،ولهذا قال مجاهد في هذه اليللة:
يعني الحلف أي حلف الجاهلية .ويؤيده ملا رواه الملام أحملد علن
جبير بن مطعم قال :قال رسول الله صلى الللله عليلله وسلللم " :ل
حلف في السلم ،وإنما حلف كان في الجاهلية لللم يللزده السلللم
إل شدة " وكذا رواه مسلم ،ومعناه أن السلم ل يحتاج معلله إلللى
الحلف الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه،فإن في التمسك بالسلللم
كفاية عما كانوا فيه.
وقوله تعالى " :إن الله يعلم ما تفعلون " تهديد ووعيد لمللن نقللض
اليمان بعد توكيدها.
قوله) :عن بريدة هو ابن الحصيب السلمي: (...
وهذا الحديث من رواية ابنه سليمان عنه .قال في المفهم.
وصايا النبي صلى الله ً عليه وسلم لقللواد جيوشلله بللأن ل يغلللوا ول
يغدروا ول يقتلوا وليدا إلخ
22 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
9
قوله " :قال :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميللرا ً
على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله تعالى " فيه من
الفقه تأمير المراء ووصيتهم.
قال الحربي :السرية :الخيل تبلللغ أربعمللائة ونحوهللا .والجيللش مللا
كان أكثر من ذلك .وتقوى الله :التحرز بطاعته من عقوبته.
قلت :وذلك بالعمل بما أمر الله به والنتهاء عما نهى عنه.
قوله :ومن ً معه من المسلمين خيرا ً أي ووصاه بمن معه أن يفعللل
معهم خيرا :من الرفق بهم ،والحسان إليهم ،وخفض الجناح لهللم،
وترك التعاظم عليهم.
قوله :اغزوا باسم الله هذا أي اشرعوا في فعل الغللزو مسللتعينين
بالله مخلصين له .قلت :فتكون الباء في بسم الللله هنللا للسللتعانة
والتوكل على الله.
قوله :قاتلوا من كفر بالله هللذا العمللوم يشللمل جميلع أهللل الكفلر
لان المحللاربين وغيرهللم .وقللد خصللص منهللم مللن ً للله عهللد والرهبل
وليدا ً والنسوان ،ومن لم يبلغ الحلم ،وقد قال متصل به :ول تقتلوا
وإنما نهى عن قتللل الرهبللان والنسللوان لنلله ل يكللون منهللم قتللال
غالبًا .وإن كان منهم قتال أو تدبير قتلوا.
قلت :وكذلك الذراري والولد.
قوله :ول تغلوا ول تغدروا ول تمثلوا الغلو :الخلذ ملن الغنيملة ملن
غير قسمتها .الغدر نقللض العهللد .والتمثيللل هنللا التشللويه بالقتيللل،
كقطع أنفه وأذنه والعبث به .ول خلف فللي تحريللم الغلللو والغللدر.
وفي كراهية المثلة.
قوله :وإذا لقيت عدوك من المشركين فللادعهم إلللى ثلث خلل أو
خصللال الروايللة بالشللك وهللو مللن بعللض الللرواة .ومعنللى الخلل
والخصال واحد.
قوله :فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم قيدناه عمن يوثق
بعلملله وتقييللده بنصللب أيتهنعلللى أن يعمللل فيهللا أجللابوك ل علللى
إسقاط حرف الجر .وما زائدة .ويكلون تقلدير الكلم :فلإلى أيتهلن
أجابوك فاقبل منهم .كما تقول :جئتك إلى كللذا وفللي كللذا .فيعللدى
إلى الثاني بحرف جر.
قلت :فيكون فلي ناصللب أيتهللن وجهللان :ذكرهمللا الشلارح .الول:
منصوب على الشتغال .والثاني :على نزع الخافض.
قوله :ثم ادعهم إلى السلم كذا وقعللت الروايللة فللي جميللع نسللخ
كتاب مسلم ثم ادعهم بزيادة ثم والصواب إسقاطها .كما روى في
غير كتاب مسلم .كمصنف أبللي داود ،وكتللاب المللوال لبللي عبيللد.
لن ذلك هو إبتداء تفسير الثلث خصال.
وقوله :ثم ادعهم إلى التحول إلللى دار المهللاجرين يعنللي المدينللة.
وكان في أول المر وجوب الهجرة إلى المدينة على كل من دخللل
في السلم .وهذا يدل على أن الهجرة واجبة علللى كللل مللن آمللن
من أهل مكة وغيرهم.
قوله :فإن أبللوا أن يتحولللوا يعنللي أن مللن أسلللم ولللم ًيهللاجر ولللم
يجاهللد ل يعطللي مللن الخمللس ول مللن الفيللء شلليئا .وقللد أخللذ
الشافعي رحمه الله بالحديث في العراب ،فلم ير لهم من الفيللء
شيئًا .إنما لهم الصدقة المأخوذة من أغنيائهم فترد على فقرائهللم.
كما أن أهللل الجهللاد وأجنللاد المسلللمين ل حللق لهللم فللي الصللدقة
عنده ،ومصرف كل مال في أهله .وسلوى ماللك رحمله اللله وأبلو
حنيفة رحمه الله بين المالين ،وجوزا صرفهما للضعيف.
لحابهًقوله :فإن هللم أبللوا فاسللألهم الجزيللة فيلله حجللة لمالللك وأصل
والوزاعي في أخذ الجزية من كل كافر :عربيا ً كان أو غيره ،كتابيا
كان أو غيره .وذهللب أبللو حنيفللة رحملله الللله إلللى أنهللا تؤخللذ مللن
الجميع إل من مشركي العرب ومجوسهم .وقال الشافعي ل تؤخذ
23 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
0
إل من أهل الكتاب عربا ً كانوا أو عجمًا .وهو قول المام أحمد فللي
ظاهر مذهبه ،وتؤخذ من المجوس.
قلت :لن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها منهم .وقال " :سللنوا
بهم سنة أهل الكتاب ".
الجزيللة :فقللال مالللك :أربعللة وقد اختلفوا في القدر المفروض من
دنانير على أهل الذهب ،وأربعون درهم لا ً علللى أهللل الللورق .وهللل
ينقص منها الضعيف أو ل ؟ قولن .قال الشافعي :فيه دينللار علللى
على الغني الغني والفقير .وقال أبو حنيفة رحمه الله ،والكوفيون:
ثمانية وأربعون ًدرهما ً والوسلط أربعلة وعشلرون درهملًا .والفقيلر
اثنا عشر درهما.
وهو قول أحمد بن حنبل رحمه الله.
قال يحيى بن يوسف الصرصري الحنبلي رحمه الله:
لوس ،فإن هم سلموا وقاتل يهودا والنصارى وعصبة المجل
الجزية أصدد
وأربعة من على الدون اثني عشر درهما ً افرضن
بعد عشرين زد
ثمانية مع لوسطهم حال ً ومن كان موسرا
أربعين لتنقد
وشيخ لهم فان وتسقط عن صبيانهم ونسائهم
وأعمى ومقعد
ومن وجبت منهم وذي الفقر والمجنون أو عبد مسلم
عليه فيهتدي
وعند مالك وكافللة العلمللاء علللى الرجللال الحللرار البللالغين العقلء
دون غيرهم ،وإنما تؤخذ ممن كلان تحلت قهلر المسللمين ل مملن
نأى بداره ،ويجب تحويلهم إلى بلد المسلمين أو حربهم.
قوله :وإذا حاصرت أهل حصللن الكلم إلللى آخللره فيلله حجللة لمللن
يقول من الفقهاء وأهل الصول :إن المصيب في مسللائل الجتهللاد
واحد .وهو المعروف من مذهب مالك وغيره ووجلله السللتدلل بلله
أنه صلى الله عليه وسلم قللد نلص عللى أن اللله تعللالى قللد حكلم
حكما ً معينا ً في المجتهدات .فمللن وافقلله فهللو المصلليب ومللن لللم
يوافقه فهو المخطىء.
قوله :وإذا حاصرت أهل حصن فللأرادوك أن تجعللل لهللم ذمللة الللله
وذمة نللبيه :الحللديث الذمللة العهللد ،وتخفللر تنقللض يقللال :أخفللرت
الرجل إذا نقضت عهده ،وخفرتلله :أجرتلله ،ومعنللاه أنلله خللاف مللن
نقض من لم يعللرف حلق الوفللاء بالعهللد ،كجملللة العلراب :فكلأنه
يقول :إن وقع نقض من متعد معتد كان نقللض عهللد الخلللق أهللون
من نقض عهد الله تعالى .والله أعلم.
قوله :وقول نافع وقد سئل عن الدعوة قبللل القتللال ،ذكللر فيلله أن
مالك يجمع بين الحاديث في الدعوة قبل القتال ،قال وهللو مذهب
أن مالكا ً قال :ل يقاتل الكفار قبل أن يدعوا ول تلتمللس غرتهللم إل
أن يكونوا قد بلغتهم الدعوة .فيجوز أن تلتمس غرتهم وهللذا الللذي
صار إليه مالك هو الصحيح لن فائدة الللدعوة أن يعللرف العللدو أن
وإنما يقللاتلون للللدين فللإذا المسلمين ل يقاتلون للدنيا ول للعصبية
علموا بذلك أمكن أن يكون ذلك سببا ً مميل ً لهم إلللى النقيللاد إلللى
للمين .فقللد يظنللون أنهللم الحق ،بخلف ما إذا جهلوا مقصود المسل
يقاتلون للملك وللدنيا فيزدادون عتوا ً وبغضًا .والله أعلم.
23 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
1
باب
ما جاء في القسام على الله
قوله) :باب :ما جاء في القسام على الله( :
ذكر المصنف في حديث :عن جندب بن عبد الللله رضللي الللله عنلله
قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :قال رجلل :واللله ل
يغفر الله لفلن .قال الله عز وجل :من ذا اللذي يتلألى عللى أن ل
أغفر لفلن ؟ إني قد غفرت له وأحبطت عملك " رواه مسلم .
قوله :يتألى أي يحلف .واللية بالتشديد الحلف .وصللح مللن حللديث
أبي هريرة قال البغوي في شرح السنة وساق بالسند إلى عكرمة
يمللامي،
اللهيا لك أبللدا ً
بن عمار قال :دخلت مسجد المدينة فناداني شيخ قال:
تعال ،وما أعرفه ،قال :ل تقولن لرجل :والله ل يغفر
ول يدخلك الجنة .قلت :ومن أنت يرحمك الللله .قللال :أبللو هريللرة،
فقلت :إن هذه كلمة يقولها أحدنا لبعض أهله إذا غضب ،أو لزوجته
أو لخادمه ،قال ،فإني سمعت رسول الله صلى الللله عليلله وسلللم
يقول " :إن رجلين كانا في بني إسرائيل متحابين ،أحللدهما مجتهللد
في العبادة ،والخر ،كأنه يقول مللذنب ،فجعللل يقللولً :أقصللر عمللا
لب أنت فيه .قال فيقول :خلني وربي ،قلال :فوجللده يوملا علللى ذنل
أبعثللت علللي رقيب لًا، استعظمه فقال :أقصر ،فقللال :خلنللي وربللي،
والله ل يغفر الله لك ول يدخلك الجنة أبدًا .قال :فبعث الللله فقال:
إليهما ملكًا ،فقبض أرواحهما ،فاجتمعا عنده ،فقال للمذنب :ادخللل
الجنللة برحمللتي،وقللال للخللر :أتسللتطيع أن تحظللر علللى عبللدي
رحمتي ؟ قال :ل يا رب ،قال :اذهبوا به إلى النار .قال أبو هريللرة:
والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أو بقت دنياه وآخرتلله " .ورواه أبللو
داود في سننه ،وهذا لفظه عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول" :
كان رجلن في بني إسرائيل متآخيين فكان أحدهما يلذنب ،والخلر
مجتهد في العبادة .فكان ل ًيزال المجتهد يرى الخللر علللى الللذنب
فيقول :أقصر ،فوجده يوم لا علللى ذنللب فقللال للله :أقصللر ،فقللال:
خلني وربي أبعثت علي رقيب لا ً ؟ قللال :والللله ل يغفللر الللله لللك ول
يدخلك الجنة ،فقبضت أرواحهما ،فاجتمعا عند رب العالمين ،فقال
لهذا المجتهد :أكنت بي عالمًا ،أو كنت على مللا فللي يللدي قللادرا ً ؟
فقال للمذنب :اذهب فادخل الجنة وقال للخر :اذهبوا به إلى النار
".
قوله) :وفي حديث أبي هريرة أن القائل رجل عابد( :
يشير إلى قوله في هذا الحديث :أحدهما مجتهد في العبللادة وفللي
هذه الحاديث بيان خطر اللسان وذلك يفيد التحرز من الكلم ،كما
في حديث معاذ " قلت يا رسول اللله ،وإنلا لمؤاخللذون بملا نتكللم
به ؟ قال :ثكلتك أمك يا معاذ ،وهللل يكللب النللاس فللي النللار علللى
وجوهم أو قال على مناخرهم إل حصائد ألسنتهم " .الله أعلم.
باب
ل يشتشفع بالله على خلقه
قوله) :باب :ل يستشفع بالله على خلقه( :
وذكر الحديث وسياق أبي داود في سننه أتم ممللا ذكللره المصللنف
رحمه الله ولفظه :عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه
عن جده قال " :أتى رسول الله صلللى الللله عليلله وسلللم أعرابللي
فقال :يا رسول الللله ،جهللدت النفللس ،وضللاعت العيللال ،ونهكللت
الموال ،وهلكت النعام ،فاستسق الله لنا ،فإنا نستشفع بك علللى
الله ،ونستشللفع بللالله عليللك ،قللال رسللول الللله صلللى الللله عليلله
23 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
2
وسلم :ويحك ،أتدري ما تقول ؟ وسبح رسول الله صلى الله عليلله
وسلم فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ،ثم قللال:
ويحك ،إنه ل يستشفع بالله على أحد من خلقه ،شللأن الللله أعظللم
من ذلك،ويحك أتدري ما الله .إن عرشه على سمواته لهكذا وقال
بأصابعه مثل القبة عليه وإنه ليئط به أطيط الرجل بالراكب " قال
ابن بشار في حديثه " :إن الله فوق عرشه فوق سماواته ".
قال الحافظ الذهبي :رواه أبو داود بإسلناد حسلن عنلده فلي اللرد
على الجهمية من حديث محمد بن إسحاق بن يسار.
قوله :ويحك إنه ل يستشفع بالله على أحد مللن خلقلله فللإنه تعللالى
رب كل شللئ ومليكلله ،والخيللر كللله بيللده ،ل مللانع لمللا أعطللى ول
ليعجللزه مللن شللئ معطي لما منع ،ول راد لما قضى ،وما كان الله
السموات ول في الرض إنه كان عليم لا ً قللديرًا .إنمللا أمللره إذا في
أراد شيئا ً أن يقول له كن فيكون .والخلللق ومللا فللي أيللديهم ملكلله
يتصرف فيهم كيف يشاء وهو الذي يشفع الشافع إليه ،ولهذا أنكللر
على العرابي.
قوله :وسلبح للله كلثيرا ً وعظمله لن هلذا القلول ل يليلق بالخلالق
سبحانه وبحمده إن شأن الله أعظم من ذلك.
وفي هذا الحديث :إثبات علللو الللله علللى خلقلله ،وأن عرشلله فللوق
تفسللير السللتواء بللالعلو كمللا فسللره الصللحابة سللماواته .وفيلله
والتابعون والئمة ،خلفا ً للمعطلة والجهميللة والمعتزلللة ومللن أخللذ
عنهم ،كالشاعرة ونحللوهم ممللن ألحللد فللي اسللماء الللله وصللفاته
وصرفها عن المعنى الذي وضعت له ودلت عليه من إثبات صللفات
الله تعللالى الللتي دلللت علللى كمللاله جللل وعل ،كمللا عليلله السلللف
الصالح والئمة ومن تبعهم ممن تمسللك بالسللنة ،فللإنهم أثبتللوا مللا
وأثبته له رسوله من ًصفات كماله علللى مللا يليللق أثبته الله لنفسه
بجلله وعظمته إثباتا ً بل تمثيل ،وتنزيها بل تعطيل.
قال العلمة ابن القيم رحمه الله تعالى في مفتاح دار السعادة بعد
كلم سبق فيما يعرف العبد بنفسه وبربلله مللن عجللائب مخلوقللاته.
قال بعد ذلك:
والثاني :أن يتجللاوز هللذا إلللى النظللر بالبصلليرة الباطنللة فتفتللح للله
أبواب السماء ،فيجول في أقطارهللا وملكوتهللا وبيللن ملئكتهللا ،ثللم
يفتح لله بلاب بعلد بللاب حلتى ينتهللي بلله سللير القلللب إللى علرش
الرحمللن فينظللر سللعته وعظمتلله وجلللله ومللده ورفعتلله ،ويللرى
السماوات السبع والرضين السبع بالنسة إليه كحلقة ملقاة بللأرض
فلة ،ويرى الملئكة حافين من حول العللرش لهللم زجللل بالتسللبيح
والتحميللد والتقللديس والتكللبير ،والمللر ينللزل مللن فللوقه بتللدبير
الممالك والجنود التي ل يعلمها إل ربها ومليكها ،فينزل المر بإحياء
قوم وإماتة آخرين ،وإعزاز قوم إذلل آخرين ،وإنشاء ملك وسلللب
ملك ،وتحويل نعمة مللن محللل إلللى محللل وقضللاء الحاجللات علللى
إختلفها وتبيانهللا وكثرتهلا :ملن جلبر كسللير ،وإغنلاء فقيللر ،وشلفاء
مريض ،وتفريج كرب ،ومغفرة ذنب ،وكشف ضر ،ونصللر مظلللوم،
وهدايللة حيللران ،وتعليللم جاهللل ،ورد آبللق ،وأمللان خللائف ،وإجللارة
مستجير ،ومدد لضعيف ،وإغاثة لملهللوف ،وإعانللة لعللاجز ،وانتقللام
من ظالم ،وكف لعدوان ،فهي مراسيم دائرة بين العدل والفضللل،
والحكمة والرحمة ،تنفذ في أقطار العللوالم ،ل يشللغله سللمع شللئ
منها علن سللمع غيللره ،ول تغلطله كلثرة المسلائل والحلوائج علللى
اختلف لغاتها وتبيانها واتحاد قوتها ،ول يتبرم بإلحللاح الملحيللن ،ول
تنقص ذرة من خزائنه ،ل إله إل هللو العزيللز الحكيللم .فحينئذ يقللوم
القلب بين يدي الرحمن مطرقا ً لهيئته خاشعا ً لعظمته عانيا ً لعزتلله،
فيسجد بين يدي الملك الحق المبين ،سللجدة ل يرفللع رأسلله منهللا
إلى يوم المزيد ،فهذا سفر القلللب ،وهللو فللي وطنلله وداره ومحللل
ملكه ،وهذا من أعظم آيات الله وعجائب صنعه ،فياله من سفر ما
أبركلله وأروحلله ،وأعظللم ثمرتلله وربحلله ،وأجللل منفعتلله وأحسللن
عاقبته ،سفر هو حياة الرواح ،ومفتللاح السللعادة ،وغنيمللة العقللول
واللباب ،ل كالسفر الذي هو قطعة من العذاب .ا هل كلمه رحملله
الله.
وأما الستشفاع بالرسول صلى الله عليه وسلم في حياته فالمراد
به استجلب دعائه ،وليس خاصا ً به صلى الله عليه وسلم بللل كللل
حي يرجى أن يستجاب له فل بأس أن يطلب منه أن يدعو للسائل
بالمطالب الخاصة والعامة ،كما قال النبي صلى الللله عليلله وسلللم
لعمر لما أراد أن يعتمر مللن المدينللة ل تنسللنا يللا أخللي مللن صللالح
دعائك وأما الميت فإنما يشرع فلي حقله الللدعاء لله عللى جنلازته
على قبره وفي غير ذلك .وهذ هللو الللذي يشللرع فلي حلق الميللت،
23 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
3
وأما دعاؤه فلللم يشللرع ،بللل قللد دل الكتللاب والسللنة علللى النهللي
والوعيد عليه ،كملا قلال تعللالى " ، :والللذين تللدعون ملن دونلله ملا
يملكون من قطمير * إن تدعوهم ل يسمعوا دعللاءكم ولللو سللمعوا
ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم " فبين الله تعالى
أن دعاء من ل يسللمع ول يسللتجيب شللرك يكفللر بلله المللدعو يللوم
القيامة أي ينكره ويعادي من فعله ،كمللا فللي آيللة الحقللاف " :وإذا
حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين " فكللل ميللت
أو غائب ل يسمع ول يستجيب ول ينفع ول يضللر .والصللحابة رضللي
الله عنهم ،ل سيما أهل السللوابق منهللم كالخلفللاء الراشللدين ،لللم
ينقل عن أحد منهم ول عن غيره أنهم أنزلوا حاجتهم بللالنبي صلللى
الله عليه وسلم بعد وفاته ،حتى في أوقات الجدب ،كما وقع لعمر
رضي الله عنه لما خرج ليستسقي بالناس خرج بالعباس عم النبي
صلى الله عليه وسلم فأمره أن يستسقي لنلله حللي حاضللر يللدعو
ربه فلو جاز أن يستسقي بأحد بعلد وفلاته لستسلقى عملر رضلي
الله عنه والسابقون الولون بالنبي صلى اللله عليله وسللم .وبهلذا
الفرق بين الحي والميت ،لن المقصود من الحي دعللاءه إذا يظهر
كان حاضرًا .فإنهم في الحقيقة إنما توجهوا إلى الللله بطلللب دعللاء
المشللروع من يدعوه ويتضرع إليه ،وهم يدعون ربهم ،فمن تعللدى
إلى ما ل يشلرع ضلل وأضلل .وللو كلان دعلاء الميلت خيلرا ً لكلان
الصحابة إليه أسبق وعليه أحرص ،وبهم أليق ،وبحقه أعلم وأقللوم.
فمن تمسك بكتاب الله نجا ،ومن تركه واعتمللد علللى عقللله هلللك.
وبالله التوفيق.
باب
ما جاء في حماية النبي حمى التوحيد
قوله) :باب :ما جاء فممي حمايممة النممبي صمملى اللممه عليممه
وسلم حمى التوحيد ،وسد طرق الشرك( :
حمللايته صلللى الللله عليلله وسلللم حمللى التوحيللد عمللا يشللوبه مللن
القوال والعمال التي يضمحل معها التوحيد أو ينقللص وكللذا كللثير
في السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلللم كقللوله " :ل تطرونللي
كما أطللرت النصللارى ابللن مريللم إنمللا أنللا عبللد فقولللوا :عبللد الللله
ورسوله " وتقدم .وقوله " :إنه ل يستغاث بي وإنما يستغاث بللالله
عز وجل " ونحو ً ذلك .ونهى عن التمادح وشدد القول فيلله ،كقللوله
لمن مدح إنسانا :ويلك قطعت عنق صاحبك ...الحديث ً أخرجه أبللو
داود عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عللن أبيلله :أن رجل أثنللى علللى
رجل عند النبي صلى الللله عليلله وسلللم فقللال للله" :قطعللت عنللق
صاحبك ...ثلثا ً " وقال" :إذا لقيتم المداحين فللاحثوا فللي وجللوههم
التراب " أخرجلله مسلللم والترمللذي وابللن مللاجه عللن المقللداد بللن
السود.
باب
ما جاء في قول الله تعالى " :وما
قدروا الله حق قدره "
قوله) :باب قول الله تعالى " :وما قدروا الله حق قدره
والرض جميعا ً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات
بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون " أي من الحمماديث
والثار في معنى هذه الية الكريمة( :
قال العمللاد ابللن كللثير رحملله الللله تعللالى :يقللول تعللالى :مللا قللدر
المشركون الله حق قللدره حللتى عبللدوا معلله غيللره ،وهللو العظيللم
الذي ل أعظم منه ،القادر على كل شئ المالللك لكللل شللئ ،وكللل
شئ تحت قهره وقلدرته .قلال مجاهلد :نزللت فلي قريلش .وقلال
السدى :ما عظموه حق عظمته .وقال محمد بن كعب :لللو قللدروه
حق قدره ما كذبوه .وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس :هللم
الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة الله عليهم فمن آمللن أن الللله علللى
كل شئ قدير ،فقد قدر الله حق قدره ،ومن لم يللؤمن بللذلك فلللم
يقدر الله حق قدره.
وقد وردت أحاديث كثيرة متعلقة بهللذه اليللة ،الطريللق فيهللا وفللي
أمثالها مذهب السلف ،وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييللف ول
تحريف وذكر حديث ابن مسعود كما ذكره المصنف رحمه الله في
هللذا البللاب قللال :ورواه البخللاري فللي غيللر موضللع مللن صللحيحه.
والمللام أحمللد ومسلللم والترمللذي والنسللائي كلهللم مللن حللديث
سليمان بن مهران وهو العمش عن إبراهيم عن عبيللدة عللن ابللن
مسعود بنحوه.
قال المام أحمد :حدثنا معاوية حدثنا العمللش ،عللن إبراهيللم عللن
علقمة عن عبد الله قال " :جاء رجل من أهللل الكتلاب إللى النلبي
صلى الله عليه وسلم فقال :يا أبللا القاسللم أبلغللك أن الللله تعللالى
يجعل الخلئق على إصبع والسموات على إصللبع ،والرضللين علللى
إصبع ،والشجر على إصبع ،والثرى على إصبع وسللائر الخلللق علللى
إصبع .فيقول :أنا الملك .فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى بدت نواجذه تصديقا ً لقللول الحللبر .قللال :وأنللزل الللله " :ومللا
قللدروا الللله حللق قللدره " "اليللة .وهكللذا رواه البخللاري ومسلللم
والنسائي من طرق عن العمش به.
وقال المام أحمد :حللدثنا الحسللين بللن حسللن الشللقر ،حللدثنا أبللو
كدينة عن عطاء.
عن أبي الضحى عن ابن عبلاس قلال " :مللر يهللودي برسللول الللله
صلى الله عليه وسلم وهو جالس ،فقال :كيف تقول يا أبا القاسللم
يوم يجعل الله السللموات علللى ذه وأشللار بالسللبابة والرض علللى
ذه ،والجبللال علللى ذه وسللائر الخلللق علللى ذه ؟ كللل ذلللك يشللير
بأصابعه ،فأنزل الله " :وما قللدروا الللله حللق قللدره " " وكللذا رواه
الترمذي في التفسير بسنده عن أبي الضحى مسلم بن صبيح بلله.
وقال :حسن صحيح غريب ل نعرفلله إل مللن هللذا الللوجه .ثللم قللال
البخاري :حدثنا سعيد بن عفير حدثنا الليث حدثني عبد الرحمن بن
خالد بن مسافر عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن
أبا هريرة رضي الله عنه قال :سمعت رسول الله صلى الله عليلله
وسلم يقول " :يقبض الله الرض ويطوي السماء بيمينلله ،فيقللول:
أنا الملك أيللن ملللوك الرض ؟ " تفللرد بلله مللن هللذا الللوجه ،ورواه
مسلم من وجه آخر.
وقال البخاري في موضع آخر :حدثنا مقدم بن محمللد حللدثنا عمللى
القاسم بن يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمللر رضللي الللله
عنهما قال :إن رسول الله صلى الله عليه وسلللم قللال " :إن الللله
تعالى يقبض يوم القيامة الرضين على إصبع وتكون السماء بيمينه
23 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
6
ثم يقول :أنا الملك " تفرد به أيضا ً مللن هللذا الللوجه .ورواه مسلللم
من وجه آخر.
وقد رواه المام أحمد من طريق آخر بلفظ أبسط من هذا السياق
وأطول فقال :حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة ،أنبأنا إسحاق بللن
عبد الله بن أبي طلحة عن عبيد الله ابن مقسم عن ابللن عمللر أن
رسول الله صلى الله عليه وسلللم قللرأ هللذه اليللة ذات يللوم علللى
المنلبر " وملا قلدروا اللله حلق قلدره والرض جميعلا ً قبضللته يللوم
القيامة والسماوات مطويات بيمينه ،سبحانه وتعالى عما يشركون
" ورسول الله صلى اللله عليله وسللم يقلول هكلذا بيلده يحركهلا،
يقبل بها ويدبر ،يمجد الرب تعالى نفسه :أنا الجبار ،أنا المتكبر ،أنا
الملك ،أنا العزيز ،أنا الكريم ،فرجف برسول الله صلى الللله عليلله
وسلم المنبر حتى قلنا :ليخرن به ا هل.
قوله) :ولمسلم عن ابن عمر ...الحديث ( :
كذا في رواية مسلم .قال الحميدي وهي أتم ،وهي عند مسلم من
حديث سالم عن أبيه .وأخرجه البخاري من حديث عبيللد الللله عللن
نافع عن ابن عمر رضللي الللله عنهمللا قللال " :إن الللله يقبللض يللوم
القيامة الرضين وتكون السماء بيمينه " وأخرجه مسلم من حديث
عبيد الله بن مقسم .
قلت :وهذه الحاديث وما في معناها تدل على عظمة الله وعظيم
قدرته وعظم مخلوقاته .وقللد تعللرف سللبحانه وتعللالى إلللى عبللاده
بصفاته وعجائب مخلوقاته ،وكلها تعرف وتدل على كماله ،وأنه هو
الصللفات المعبود ل شريك له في ربوبيته وإلهيته وتدل على إثبات
له على ما يليق بجلل الللله وعظمتلله ،إثباتلا ً بل تمثيللل ،وتنزيهلا ً بل
تعطيل ،وهذا هو الذي دلت عليلله نصللوص الكتللاب والسللنة وعليلله
سلف المللة وأئمتهللا ومللن تبعهللم بإحسللان ،واقتفللى أثرهللم علللى
السلم واليمان.
وتأمل ما في هذه الحاديث الصحيحة من تعظيم النبي صلللى الللله
عليه وسلم ربه بذكر صفات كماله على مللا يليللق بعظمتلله وجلللله
وتصديقه اليهود فيما أخبروا به علن الللله ملن الصللفات الللتي تللدل
على عظمته وتأمل ما فيها من إثبات علو الله تعالى على عرشلله،
ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم فللي شللئ منهللا .إن ظاهرهللا
وأنها تدل على تشبيه صللفات الللله بصللفات خلقلله ،فلللو غير مراد،
كان هذا حقا ً بلغه أمينه أمته ،فللإن الللله أكمللل بلله الللدين وأتللم بلله
النعمة فبلغ البلغ المبين .صلللوات الللله وسلللمه عليلله وعلللى آللله
وصحبه ومن تبعهم إلللى يللوم الللدين .وتلقللى الصللحابة رضللي الللله
عنهم عن نبيهم صلى الله عليه وسلم ما وصف به ربه من صللفات
كماله ونعوت جلله ،فآمنوا به وآمنوا بكتاب الللله ومللا تضللمنه مللن
صفات ربهم جل وعل ،كما قال تعللالى " :والراسللخون فللي العلللم
يقولون آمنا به كل من عند ربنللا " وكللذلك التللابعون لهللم بإحسللان
وتابعوهم ،والئمة من المحللدثين والفقهللاء كلهللم وصللف الللله بمللا
نفسه ووصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلللم ولللم وصف به
يجحدوا شيئا ً من الصللفات ،ول قللال أحللد منهللم :إن ظاهرهللا غيللر
مراد ول أنه يلزم من إثباتها التشبيه ،بل أنكروا على من قال ذلللك
غايللة النكللار ،فصللنفوا فللي رد هللذه الشللبهات المصللنفات الكبللار
المعروفة الموجودة بأيدي أهل السنة والجماعة.
قال شيخ السلم أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى :وهذا كتاب الله
من أوله إلى آخره وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلللم ،وكلم
الصحابة والتابعين ،وكلم سائر الئمة مملوءة كلها بما هللو نللص أو
ظللاهر أن الللله تعللالى فللوق كللل شللئ ،وأنلله فللوق العللرش فللوق
السموات مستو على عرشه ،مثل قوله تعالى " :إليه يصعد الكلللم
الطيب والعمل الصللالح يرفعلله " وقللوله تعللالى " :يللا عيسللى إنللي
متوفيك ورافعك إلي " وقوله تعالى " :بل رفعه الله إليلله " وقللوله
تعللالى " : :ذي المعللارج * تعللرج الملئكللة والللروح إليلله " وقللوله
تعالى " :يدبر المر من السماء إلى الرض ثم يعرج إليلله " وقللوله
تعالى " :يخافون ربهم من فوقهم " وقوله تعالى " :هو الذي خلق
لكم ما في الرض جميعا ثم اسللتوى إلللى السللماء فسللواهن سللبع
سماوات " وقوله تعلالى " :إن ربكلم اللله اللذي خللق السلماوات
والرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليللل النهللار
يطلبه حثيثللا والشللمس والقمللر والنجللوم مسللخرات بللأمره أل للله
الخلق والمر تبارك الللله رب العللالمين " وقللوله " :إن ربكللم الللله
الللذي خلللق السللماوات والرض فللي سللتة أيللام ثللم اسللتوى علللى
العرش يدبر المر ما من شفيع إل مللن بعللد إذنلله " ...اليللة فللذكر
التوحيدين في هذه الية .قوله تعالى " :الله الذي رفللع السللماوات
بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش " وقوله تعالى " ، :تنللزيل
ممللن خلللق الرض والسللماوات العلللى * الرحمللن علللى العللرش
23 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
7
اسللتوى " وقللوله " ، :وتوكللل علللى الحللي الللذي ل يمللوت وسللبح
بحمللده وكفللى بلله بللذنوب عبللاده خللبيرا * الللذي خلللق السللماوات
والرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العللرش الرحمللن
فاسأل به خبيرا " وقللوله تعللالى " ، :الللله الللذي خلللق السللماوات
والرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العللرش مللا لكللم
من دونه من ولي ول شفيع أفل تتذكرون * يدبر المر من السللماء
إلى الرض ثم يعللرج إليلله فللي يللوم كللان مقللداره ألللف سللنة ممللا
تعدون " وقوله " :هو الذي خلق السماوات والرض في ستة أيللام
ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الرض وما يخرج منها وما
ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتللم والللله بمللا
تعملون بصير " فذكر عموم علمه وعموم قللدرته وعمللوم إحللاطته
وعموم رؤيته .وقوله تعالى " ، :أأمنتم من في السماء أن يخسللف
بكم الرض فإذا هي تمور * أم أمنتم مللن فللي السللماء أن يرسللل
عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير " وقللوله تعللالى " :تنزيللل مللن
حكيم حميد " وقوله " :تنزيللل الكتللاب مللن الللله العزيللز الحكيللم "
وقوله تعالى " ، :وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلللي أبلللغ
السباب * أسباب السماوات فأطلع إلى إللله موسللى وإنللي لظنلله
كاذبا " .انتهى كلمه رحمه الله.
وقوله تعالى " :تنزيل من حكيم حميللد " وقللوله " :تنزيللل الكتللاب
من الله العزيز الحكيم " وقوله تعالى " ، :وقال فرعون يلا هامللان
ابن لي صرحا لعلي أبلغ السباب * أسباب السماوات فللأطلع إلللى
إله موسى وإني لظنه كاذبا " .انتهى كلمه رحمه الله.
قلت :وقد ذكر الئمة رحمهم الله تعالى فيما صنفوه في الرد على
نقاة الصفات من الجهميللة والمعتزلللة والشللاعرة ونحللوهم أقللوال
الصحابة والتابعين .فمن ذلك ما رواه الحللافظ الللذهبي فللي كتللاب
العلو وغيره بالسانيد الصحيحة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله
عليه وسلم أنها قالت فللي قللوله تعللالى " :الرحمللن علللى العللرش
اسللتوى " قللالت :السللتواء غيللر مجهللول ،والكيللف غيللر معقللول،
والقرار به إيمان ،والجحللود بلله كفللر رواه ابللن المنللذر والللكللائي
وغيرهما بأسانيد صحاح .قال :وثبت عن سللفيان بللن عيينللة رحملله
الله تعالى أنه قال :لما سئل ربيعللة بللن أبللي عبللد الرحمللن :كيللف
الستواء ،قال :الستواء غير مجهول ،والكيللف غيللر معقللول ،ومللن
الله الرسالة ،وعلى الرسللول البلغ ،وعلينللا التصللديق .وقللال ابللن
وهب :كنا عند مالك فدخل رجل فقال :يا أبللا عبللد الللله " الرحمللن
على العرش استوى " كيف اسللتوى ؟ فللأطرق مالللك رحملله الللله
وأخذته الرحضاء وقال :الرحمن على العرش اسلتوى ،كملا وصلف
نفسه ول يقال كيف ؟ و كيف عنلله مرفللوع ،وأنللت صللاحب بدعللة.
أخرجوه رواه الللبيهقي بإسللناد صللحيح علن ابلن وهلب ،ورواه علن
يحيى بن يحيى أيضًا ،ولفظه قال :الستواء غيللر مجهللول ،والكيللف
غير معقول،واليمان به واجب ،والسؤال عنه بدعة.
قال الذهبي :فانظر إليهم كيلف أثبتلوا السللتواء للله ،وأخللبروا أنله
معلوم ل يحتاج لفظه إلى تفسير ،ونفوا عنه الكيفية ،قال البخاري
في صحيحه :قال مجاهد استوى عل على العللرش .وقللال إسللحاق
بن راهويه سمعت غير واحد من المفسرين يقول " :الرحمن على
العرش استوى " أي ارتفع .وقال محمللد ابللن جريللر الطللبري فللي
قوله تعالى " :الرحمن على العرش استوى " أي عل وارتفع.
وشواهده في أقوال الصحابة والتابعين وأتباعهم ،فمللن ذلللك قللول
عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:
وأن النار مثوى الكافرينا شهدت بأن وعد الله حق
وفوق العرش رب العالمينا وأن العرش فوق الماء طاف
ملئكة الله مسومينا وتحمله ملئكة شداد
وروى الللدارمى والحللاكم والللبيهقي بأصللح إسللناد إلللى علللي بللن
الحسين بن شلقيق ،قلال :سلمعت عبلد اللله بلن المبلارك يقلول:
نعرف ربنا بأنه فوق سبع سماواته على العرش استوى ،بللائن فللي
خلقه ،ول نقول كما قال الجهمية قال الدارمي :حدثنا الحسللن بللن
الصباح البزار حدثنا علي بن الحسين بن شقيق عن ابللن المبللارك:
قيل له :كيف نعرف ربنا ؟ قال :بأنه فللوق السللماء السللابعة علللى
العرش بائن من خلفه .
وقد تقدم قول الوزاعي :كنا والتابعون متللوافرون نقللول :إن الللله
تعالى ذكره بائن من خلقه ،ونؤمن بما وردت به السنة.
23 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
8