You are on page 1of 202

‫دفع إيهام الضطراب عن آيات الكتاب‬

‫لفضيلة الشيخ محمد المين الشنقيطي المدرس في الجامعة‬

‫الحمد لله رب العلمين والصلة والسلم على نبينا محمد خاتم‬


‫النبيين وأشرف المرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان‬
‫إلى يوم الدين‪.‬‬
‫الحمد لله الذي ختم الرسل بهذا النبي الكريم عليه من الله‬
‫الصلة والتسليم‪ ,‬كما ختم الكتب السماوية بهذا القرآن العظيم‪,‬‬
‫وهدى الناس بما فيه من اليات والذكر الحكيم‪ ,‬وتمت كلمة ربك‬
‫صدقا وعدل ل مبدل لكلماته وهو السميع العليم‪ ,‬فأخباره كلها‬
‫صدق‪ ,‬وأحكامه كلها عدل‪ ,‬وبعضه يشهد بصدق بعض ول ينافيه‪,‬‬
‫ن‬
‫قْرآ َ‬‫ن ال ْ ُ‬
‫فل ي َت َدَب ُّرو َ‬ ‫لن آياته فصلت من لدن حكيم خبير‪} .‬أ َ َ‬
‫خِتلفا ً ك َِثيرًا{‪.‬‬ ‫ها ْ‬ ‫في ِ‬‫دوا ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫ه لَ َ‬
‫و َ‬ ‫ر الل ّ ِ‬ ‫د َ‬
‫غي ْ ِ‬ ‫عن ْ ِ‬
‫ن ِ‬‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫و َ‬
‫كا َ‬ ‫ول َ ْ‬
‫َ‬
‫أما بعد فإن مقيد هذه الحروف‪ ,‬عفا الله عنه‪ ,‬أراد أن يبين‬
‫في هذه الرسالة ما تيسر من أوجه الجمع بين اليات التي يتوهم‬
‫فيها التعارض في القرآن العظيم‪ ,‬مرتبا لها بحسب ترتيب السور‪,‬‬
‫يذكر الجمع بين اليتين غالبا في محل الولى منهما وربما يذكر‬
‫الجمع عند محل الخيرة وربما يكتفي بذكر الجمع عند الولى‬
‫وربما يحيل عليه عند محل الخيرة ولسيما اذا كانت السورة‬
‫ليس فيها مما يتوهم تعارضه إل تلك الية فإنه ل يترك ذكرها‬
‫والحالة على الجمع المتقدم‪ ,‬وسميته‪:‬‬
‫)دفع إيهام الضطراب عن آيات الكتاب(‬
‫فنقول وبالله نستعين وهو حسبنا ونعم الوكيل راجين من الله‬
‫الكريم أن يجعل نيتنا صالحة وعملنا كله خالصا لوجهه الكريم‪ ,‬إنه‬
‫قريب مجيب رحيم‪.‬‬

‫سورة البقرة‬

‫ى‬
‫هههد ً‬ ‫ه ُ‬ ‫فيهه ِ‬
‫ب ِ‬‫ب ل َرْيهه َ‬ ‫ك ال ْك َِتهها ُ‬
‫قععوله تعععالى‪} :‬الههم ذَِلهه َ‬
‫ن{ أشار الله تعالى إلععى القععرآن فععي هععذه اليععة إشععارة‬ ‫قي َ‬ ‫ل ِل ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬
‫ن‬‫البعيد وقد أشار له فععي آيععات أخععر إشععارة القريععب كقععوله‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ذا‬‫هه َ‬‫ن َ‬ ‫م{ وكقععوله‪} :‬إ ِ ّ‬ ‫و ُ‬‫قه َ‬‫ي أَ ْ‬ ‫هه َ‬‫دي ل ِل ّت ِههي ِ‬
‫هه ِ‬‫ن يَ ْ‬
‫قْرآ َ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬ ‫ه َ‬‫َ‬
‫ذا‬ ‫هه َ‬‫و َ‬‫ل{ اليععة وكقععوله‪َ } :‬‬ ‫سههرائي َ‬ ‫عَلى ب َِني إ ِ ْ‬‫ص َ‬ ‫ق ّ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫عل َيهه َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫سهه َ‬ ‫ح َ‬‫كأ ْ‬ ‫ص َ ْ‬ ‫قهه ّ‬ ‫ن نَ ُ‬ ‫حهه ُ‬ ‫ه{‪ ,‬وكقععوله‪} :‬ن َ ْ‬ ‫ب أن َْزل َْنهها ُ‬ ‫ك َِتهها ٌ‬
‫ن{‪ ,‬إلععى غيععر ذلععك مععن‬ ‫ذا ال ْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫قْرآ َ‬ ‫ك َ‬ ‫و َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ص بِ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ق َ‬
‫اليات‪ ,‬وللجمععع بيععن هععذه اليععات أوجععه‪- :‬الول‪-‬مععا حععرره بعععض‬
‫علماء البلغة من أن وجه الشارة إليه بإشارة الحاضر القريب أن‬
‫هذا القرآن قريب حاضر فععي لسععماع واللسععنة والقلععوب‪ ,‬ووجععه‬
‫الشارة إليه بإشارة البعيد هو بعععد مكععانته ومنزلتععه عععن مشععابهة‬
‫كلم الخلق وعما يزعمه الكفار من أنه سحر أو شعر أو كهانععة أو‬
‫أساطير الولين ‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬هو ما اختاره ابن جرير الطبري في تفسيره‬
‫من أن ذلك إشارة إلى ما تضمنه قوله‪} :‬الم{ وأنه إشارة إليه‬
‫إشارة البعيد لن الكلم المشار إليه منقض ومعناه في الحقيقة‬
‫القرب لقرب انقضائه وضرب له مثل بالرجل يحدث الرجل‬
‫فيقول له مرة‪ :‬والله إن ذلك لكما قلت‪ ,‬ومرة يقول‪ :‬والله إن‬
‫هذا لكما قلت‪ ,‬فإشارة البعيد نظرا إلى أن الكلم مضى وانقضى‬
‫وإشارة القريب نظرا إلى قرب انقضائه‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬أن العرب ربما أشارت إلى القريب إشارة‬
‫البعيد فتكون الية على أسلوب من أساليب اللغة العربية ونظيره‬
‫قول خفاف ابن ندبة السلمي لما قتل مالك بن حرملة الفزارى‪:‬‬
‫فعمدا على عيني تيممت‬ ‫فإن تك خيلى قد أصيب‬
‫مالكا‬ ‫صميمها‬
‫تأمل خفافا إنني أنا ذلكا‬ ‫أقول له والرمح يأطر متنه‬
‫يعني أنا هذا وهذا القول الخير حكاه البخارى عن معمر بن‬
‫المثنى أبي عبيدة قاله ابن كثير‪ .‬وعلى كل حال فعامة المفسرين‬
‫ب‬‫على أن ذلك الكتاب بمعنى هذا الكتاب‪ .‬قوله تعالى‪} :‬ل َري ْ َ‬
‫ه{ هذه نكرة في سياق النفي ركبت مع ل فبنيت على الفتح‪.‬‬ ‫في ِ‬ ‫ِ‬
‫والنكرة إذا كانت كذلك فهي نص في العموم كما تقرر في علم‬
‫الصول‪ ,‬و }ل{ هذه التي هي نص في العموم هي المعروفة‬
‫عند النحويين بع )ل( التي لنفى الجنس‪ ,‬أما )ل( العاملة عمل‬
‫ليس فهي ظاهرة في العموم ل نص فيه‪ ,‬وعليه فالية نص في‬
‫نفي كل فرد من أفراد الريب عن هذا القرآن العظيم‪ ,‬وقد جاء‬
‫في آيات أخر ما يدل على وجود الريب فيه لبعض من الناس‬
‫ما‬ ‫م ّ‬‫ب ِ‬ ‫في َري ْ ٍ‬ ‫م ِ‬‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫كالكفار الشاكين كقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫في‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫م َ‬
‫ف ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫قُلوب ُ ُ‬‫ت ُ‬‫واْرَتاب َ ْ‬ ‫دَنا{ ‪ ,‬وكقوله‪َ } :‬‬ ‫عَلى َ‬
‫عب ْ ِ‬ ‫ن َّزل َْنا َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫عُبو َ‬ ‫ك ي َل ْ َ‬‫ش ّ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬‫ل ُ‬ ‫ن{‪ ,‬وكقوله‪} :‬ب َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫م ي َت ََردّ ُ‬ ‫ه ْ‬
‫َري ْب ِ ِ‬
‫ووجه الجمع في ذلك أن القرآن بالغ من وضوح الدلة وظهور‬
‫المعجزة ما ينفي تطرق أي ريب إليه‪ ,‬وريب الكفار فيه إنما هو‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫لعمى بصائرهم‪ ,‬كما بينه بقوله تعالى‪} :‬أ َ َ‬
‫ز َ‬
‫ل‬ ‫ما أن ْ ِ‬
‫م أن ّ َ‬‫عل َ ُ‬
‫ن يَ ْ‬
‫م ْ‬
‫ف َ‬
‫مى{ فصرح بأن من ل يعلم‬ ‫و أَ ْ‬
‫ع َ‬ ‫ه َ‬
‫ن ُ‬ ‫ق كَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫م ْ‬ ‫إ ِل َي ْ َ‬
‫ك ِ‬
‫عماه ومعلوم أن عدم رؤية‬ ‫أنه الحق أن ذلك إنما جاءه من ِقبل َ‬
‫العمى للشمس ل ينافي كونها ل ريب فيها لظهورها‪:‬‬
‫فل غرو أن يرتاب والصبح‬
‫إذا لم يكن للمرء عين صحيحة‬
‫مسفر‬
‫وأجاب بعض العلماء بأن قوله ل ريب فيه خبر أريد به النشاء‬
‫أي ل ترتابوا فيه وعليه فل إشكال‪.‬‬
‫ن{‪ .‬خصص في هدى هذا‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ى ل ِل ْ ُ‬ ‫هد ً‬ ‫قوله تعالى‪ُ } :‬‬
‫الكتاب بالمتقين‪ ,‬وقد جاء في آية أخرى ما يدل على أن هداه‬
‫ذي‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ضا َ‬ ‫م َ‬
‫هُر َر َ‬ ‫ش ْ‬ ‫عام لجميع الناس‪ ,‬و هي قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫س{ الية‪ .‬ووجه الجمع بينهما أن‬ ‫نا‬‫ّ‬ ‫لل‬ ‫ِ‬ ‫ى‬ ‫هد‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫رآ‬ ‫ق‬‫ُ‬ ‫ه ال ْ‬ ‫في‬‫ِ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ز‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫أُ‬
‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الهدى يستعمل في القرآن استعمالين أحدهما عام والثاني خاص‪.‬‬
‫أما الهدى العام فمعناه إبانة طريق الحق وإيضاح المحجة سواء‬
‫ما‬ ‫سلكها المبين له أم ل ومنه بهذا المعنى قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫وأ ّ‬ ‫َ‬
‫م{ أي بينا لهم طريق الحق على لسان نبينا‬ ‫ه ْ‬ ‫هدَي َْنا ُ‬ ‫ف َ‬ ‫مودُ َ‬ ‫ثَ ُ‬
‫صالح عليه وعلى نبينا الصلة والسلم مع أنهم لم يسلكوها بدليل‬
‫دى{‪ ,‬ومنه أيضا‬ ‫ه َ‬‫عَلى ال ْ ُ‬ ‫مى َ‬ ‫ع َ‬‫حّبوا ال ْ َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫فا ْ‬ ‫قوله عز وجل‪َ } :‬‬
‫ل{‪ ,‬أي بينا له طريق الخير‬ ‫سِبي َ‬ ‫هدَي َْناهُ ال ّ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬إ ِّنا َ‬
‫فورًا{‪ .‬وأما الهدى‬ ‫ما ك َ ُ‬ ‫وإ ِ ّ‬‫كرا ً َ‬ ‫شا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫والشر بدليل قوله‪} :‬إ ِ ّ‬
‫الخاص فهو تفضل الله بالتوفيق على العبد ومنه بهذا المعنى‬
‫ن‬‫م ْ‬‫ف َ‬ ‫ه{ الية‪ .‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫دى الل ّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫قوله تعالى‪ُ} :‬أول َئ ِ َ‬
‫م{‪ ,‬فإذا علمت ذلك‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫يرد الل ّ َ‬
‫سل ِ‬ ‫صدَْرهُ ل ِل ِ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫شَر ْ‬ ‫دي َ ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ِ ِ‬
‫فاعلم أن الهدى الخاص بالمتقين هو الهدى الخاص وهو التفضل‬
‫بالتوفيق عليهم والهدى العام للناس هو الهدى العام‪ ,‬وهو إبانة‬
‫الطريق وإيضاح المحجة‪ ,‬وبهذا يرتفع الشكال أيضا بين قوله‬
‫َ‬
‫دي‬ ‫ه ِ‬ ‫ك ل َت َ ْ‬ ‫وإ ِن ّ َ‬
‫ت{ مع قوله‪َ } :‬‬ ‫حب َب ْ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ك ل تَ ْ‬ ‫تعالى‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫م{‪ ,‬لن الهدى المنفي عنه صلى الله عليه‬ ‫قي ٍ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫إ َِلى ِ‬
‫وسلم هو الهدى الخاص لن التوفيق بيد الله وحده ومن يرد الله‬
‫فتنته فلن تملك له من الله شيئا‪ ,‬والهدى المثبت له هو الهدى‬
‫العام الذي هو إبانة الطريق وقد بينها صلى الله عليه وسلم حتى‬
‫تركها محجة بيضاء ليلها كنهارها‪ ,‬والله يدعو إلى دار السلم‬
‫ويهدي من يشاء إلى دار السلم ويهدي من يشاء إلى صراط‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫واءٌ َ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫س َ‬ ‫فُروا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مستقيم‪ .‬قوله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫ن{‪ .‬هذه الية تدل‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ل يُ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ذْر ُ‬ ‫م ت ُن ْ ِ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫أأن ْذَْرت َ ُ‬
‫بظاهرها على عدم إيمان الكفار‪ ,‬وقد جاء في آيات أخر ما يدل‬
‫ل‬‫ق ْ‬ ‫على أن بعض الكفار يؤمن بالله ورسوله كقوله تعالى‪ُ } :‬‬
‫سَلف{ الية‪.‬‬ ‫قدْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫فْر ل َ ُ‬ ‫غ َ‬ ‫هوا ي ُ ْ‬ ‫ن ي َن ْت َ ُ‬ ‫فُروا إ ِ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫م{‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ف َ‬ ‫ل َ‬ ‫قب ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ك ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫وكقوله‪} :‬ك َذَل ِ َ‬
‫ه{‪ ,‬ووجه الجمع ظاهر وهو‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ء َ‬ ‫ؤل ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫و ِ‬ ‫وكقوله‪َ } :‬‬
‫أن الية من العام المخصوص لنه في خصوص الشقياء الذين‬
‫ن‬
‫سبقت لهم في علم الله الشقاوة المشار إليهم بقوله‪} :‬إ ِ ّ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫جاءَت ْ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ك ل يُ ْ‬ ‫ت َرب ّ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ك َل ِ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫عل َي ْ‬‫ت َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫م{‪ .‬ويدل لهذا التخصيص‬ ‫َ‬ ‫ع َ‬ ‫وا ال ْ َ‬ ‫كُ ّ‬
‫ب الِلي َ‬ ‫ذا َ‬ ‫حّتى ي ََر ُ‬ ‫ة َ‬ ‫ل آي َ ٍ‬
‫م{ الية وأجاب البعض‬ ‫ه ْ‬ ‫عَلى ُ ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫قلوب ِ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫خت َ َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫بأن المعنى ل يؤمنون مادام الطبع على قلوبهم وأسماعهم‬
‫والغشاوة على أبصارهم فإن أزال الله عنهم ذلك بفضله آمنوا‪.‬‬
‫م{‬‫ه ْ‬‫ع ِ‬ ‫م ِ‬ ‫س ْ‬ ‫عَلى َ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قلوب ِ ِ‬
‫عَلى ُ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫خت َ َ‬ ‫قوله تعالى ‪َ } :‬‬
‫الية‪ .‬هذه الية تدل بظاهرها على أنهم مجبورون لن من ختم‬
‫على قلبه وجعلت الغشاوة على بصره سلبت منه القدرة على‬
‫اليمان‪ .‬وقد جاء في آيات أخر ما يدل على أن كفرهم واقع‬
‫عَلى‬ ‫مى َ‬ ‫حّبوا ال ْ َ‬
‫ع َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫فا ْ‬ ‫بمشيئتهم وإرادتهم كقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ضلل َ َ‬
‫ة‬ ‫وا ال ّ‬ ‫شت ََر ُ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫دى{‪ ,‬وكقوله تعالى‪ُ} :‬أول َئ ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫شاءَ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ة{‪ ,‬وكقوله‪َ } :‬‬ ‫فَر ِ‬ ‫غ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ع َ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫دى َ‬ ‫ه َ‬ ‫ِبال ْ ُ‬
‫ما‬‫ك بِ َ‬ ‫فْر{ الية‪ ,‬وكقوله‪} :‬ذَل ِ َ‬ ‫فل ْي َك ْ ُ‬ ‫شاءَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫فل ْي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫قد ّ َ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫كم{ الية‪ ,‬وكقوله‪} :‬ل َب ِئ ْ َ‬ ‫دي ُ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قد ّ َ‬ ‫َ‬
‫هم{ الية‪.‬‬ ‫س ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫والجواب‪:‬أن الختم والطبع والغشاوة المجعولة على‬
‫أسماعهم وأبصارهم وقلوبهم‪ ,‬كل ذلك عقاب من الله لهم على‬
‫مبادرتهم للكفر وتكذيب الرسل باختيارهم ومشيئتهم‪ ,‬فعاقبهم‬
‫ل طَب َ َ‬
‫ع‬ ‫الله بعدم التوفيق جزاء وفاقا‪ .‬كما بينه تعالى بقوله‪} :‬ب َ ْ‬
‫فرهم{ وقوله‪} :‬ذَل ِ َ َ‬
‫فُروا‬ ‫م كَ َ‬ ‫مُنوا ث ُ ّ‬ ‫مآ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ك ب ِأن ّ ُ‬ ‫ها ب ِك ُ ْ ِ ِ ْ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫فئ ِدَت َ ُ‬ ‫ب أَ ْ‬ ‫قل ّ ُ‬ ‫ون ُ َ‬ ‫م{ وبقوله‪َ } :‬‬ ‫ه ْ‬‫ِ‬ ‫قُلوب ِ‬ ‫عَلى ُ‬ ‫ع َ‬ ‫فطُب ِ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫فل َ ّ‬ ‫ة{ وقوله‪َ } :‬‬ ‫مّر ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫و َ‬ ‫هأ ّ‬ ‫مُنوا ب ِ ِ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫صاَر ُ‬ ‫وأب ْ َ‬ ‫َ‬
‫في ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ض‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قلوب ِ ِ‬ ‫م{ وقوله‪ِ } :‬‬ ‫ه ْ‬ ‫قُلوب َ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫غ الل ّ ُ‬ ‫غوا أَزا َ‬ ‫َزا ُ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫عَلى ُ ُ‬ ‫مَرضًا{ الية وقوله‪} :‬ب َ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫قلوب ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ل َرا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه ُ‬ ‫فَزادَ ُ‬
‫ن{‪ ,‬إلى غير ذلك من اليات‪ .‬قوله تعالى‪:‬‬ ‫سُبو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫قدَ َنارا{ الية‪ .‬أفرد في هذه الية‬ ‫ً‬ ‫و َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ذي ا ْ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫َ‬
‫مك َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ُ‬
‫مث َل ُ‬ ‫} َ‬
‫الضمير في قوله استوقد وفي قوله ما حوله وجمع الضمير في‬
‫تل‬ ‫ما ٍ‬ ‫في ظُل ُ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫وت ََرك َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫ه ب ُِنو ِ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫قوله‪} :‬ذَ َ‬
‫ن{‪ ,‬مع أن مرجع كل هذه الضمائر شيء واحد وهو‬ ‫صُرو َ‬ ‫ي ُب ْ ِ‬
‫ذي{‪ ,‬والجواب عن هذا‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ه ْ‬‫مث َل ُ ُ‬ ‫لفظة الذي من قوله‪َ } :‬‬
‫أن لفظة الذي مفرد ومعناها عام لكل ما تشمله صلتها‪ ,‬وقد تقرر‬
‫في علم الصول أن السماء الموصولة كلها من صيغ العموم‪,‬‬
‫فإذا حققت ذلك فاعلم أن إفراد الضمير باعتبار لفظة الذي‬
‫وجمعه باعتبار معناها‪ ,‬ولهذا المعنى جرى على ألسنة العلماء أن‬
‫الذي تأتي بمعنى الذين ومن أمثلة ذلك في القرآن هذه الية‬
‫الكريمة‪ ,‬فقوله كمثل الذي استوقد أي كمثل الذين استوقدوا‬
‫م{ الية‪ .‬وقوله‪:‬‬ ‫ه ْ‬ ‫وت ََرك َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫ر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه ب ُِنو‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫بدليل قوله‪} :‬ذَ َ‬
‫ُ‬
‫ن{‬ ‫قو َ‬ ‫مت ّ ُ‬‫م ال ْ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫ه أول َئ ِ َ‬ ‫صدّقَ ب ِ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ق َ‬ ‫صد ْ ِ‬ ‫جاءَ ِبال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫} َ‬
‫ق‬
‫ف ُ‬ ‫ذي ي ُن ْ ِ‬ ‫كال ّ ِ‬ ‫ذى َ‬ ‫واْل َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ّ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫قات ِك ُ ْ‬ ‫صد َ َ‬ ‫وقوله‪} :‬ل ت ُب ْطُِلوا َ‬
‫س{ أي كالذين ينفقون بدليل قوله‪} :‬ل‬ ‫رَئاءَ الّنا ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫مال َ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ضت ُ ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫و ُ‬ ‫سُبوا{ وقوله‪َ } :‬‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ء ِ‬ ‫ي ٍ‬‫ش ْ‬ ‫عَلى َ‬ ‫ن َ‬ ‫دُرو َ‬ ‫ق ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫ضوا{ بناء على الصحيح من أن الذي فيها موصولة ل‬ ‫خا ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬ ‫َ‬
‫مصدرية ونظير هذا من كلم العرب قول الراجز‪:‬‬
‫في قائم منهم ول في من‬
‫يا رب عبس ل تبارك في أحد‬
‫قعد‬
‫إل الذي قاموا بأطراف المسد‬
‫وقول الشاعر وهو أشهب بن رميلة وأنشده سيبويه لطلق‬
‫الذي وإرادة الذين‪:‬‬
‫هم القوم كل القوم يا أم‬ ‫وأن الذي حانت بفلج دماؤهم‬
‫خالد‬
‫وزعم ابن النبارى أن لفظة الذي في بيت أشهب جمع الذ‬
‫بالسكون وأن الذي في الية مفرد أريد به الجمع وكلم سيبويه‬
‫يرد عليه وقول هديل بن الفرخ العجلى‪:‬‬
‫غوايتهم غيي ورشدهم‬ ‫وبت أساقى القوم إخوتي‬
‫رشدي‬ ‫الذي‬
‫وقال بعضهم المستوقد واحد لجماعة معه ول يخفى ضعفه‪.‬‬
‫ي{ الية هذه الية يدل ظاهرها‬ ‫م ٌ‬ ‫ع ْ‬‫م ُ‬ ‫م ب ُك ْ ٌ‬ ‫ص ّ‬ ‫قوله تعالى‪ُ } :‬‬
‫على أن المنافقين ل يسمعون ول يتكلمون ول يبصرون‪ ,‬وقد جاء‬
‫شاءَ‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬
‫في آيات أخر ما يدل على خلف ذلك كقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫قوُلوا‬ ‫عهم َ‬ ‫ه ل َذَ َ‬
‫ن يَ ُ‬ ‫وإ ِ ْ‬‫م{ وكقوله‪َ } :‬‬ ‫ه ْ‬‫ر ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫وأب ْ َ‬ ‫م ِ ِ ْ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫هم{ الية‪ ,‬أي لفصاحتهم وحلوة ألسنتهم‪ ,‬وقوله‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ول ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ع لِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬
‫داد{ إلى غير ذلك‬ ‫ح َ‬‫ة ِ‬ ‫م ب ِأل ْ ِ‬
‫سن َ ٍ‬ ‫قوك ُ ْ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫و ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ذا ذَ َ‬ ‫فإ ِ َ‬ ‫} َ‬
‫من اليات‪ ,‬ووجه الجمع ظاهر‪ ,‬وهو أنهم بكم عن النطق بالحق‬
‫م‬‫ه ْ‬‫عل َْنا ل َ ُ‬‫ج َ‬‫و َ‬ ‫وإن رأوا غيره‪ ,‬وقد بين تعالى هذا الجمع بقوله‪َ } :‬‬
‫ة{ الية‪ ,‬لن مال يغني شيئا فهو‬ ‫فئ ِدَ ً‬ ‫وأ َ ْ‬ ‫صارا ً َ‬ ‫وأب ْ َ‬
‫سمعا ً َ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫كالمعدوم والعرب ربما أطلقت الصمم على السماع الذي ل أثر‬
‫له ومنه قول قعنب بن أم صاحب‪:‬‬
‫وإن ذكرت بسوء عندهم‬
‫صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به‬
‫أذنوا‬
‫وقول الشاعر‪:‬‬
‫وأسمع خلق الله حين أريد‬ ‫أصم عن المر الذي ل أريده‬
‫عن الجود والفخر يوم الفخار‬ ‫فأصممت عمرا وأعميته‬
‫وكذلك الكلم الذي ل فائدة فيه فهو كالعدم‪.‬‬
‫قال هبيرة بن أبي وهب‬
‫المخزومى‪:‬‬
‫لكالنبل تهوي ليس فيها‬
‫وإن كلم المرء في غير كنهه‬
‫نصالها‬
‫س‬ ‫ها الّنا ُ‬ ‫قودُ َ‬ ‫و ُ‬‫قوا الّناَر ال ِّتي َ‬ ‫فات ّ ُ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ة{ الية‪ .‬هذه الية تدل على إن هذه النار كانت‬ ‫جاَر ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وال ْ ِ‬ ‫َ‬
‫معروفة عندهم‪ ,‬بدليل أل العهدية‪ ,‬وقد قال تعالى في سورة‬
‫س‬
‫ها الّنا ُ‬ ‫قودُ َ‬ ‫م َنارا ً َ‬
‫و ُ‬ ‫هِليك ُ ْ‬ ‫وأ َ ْ‬‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫قوا أ َن ْ ُ‬ ‫التحريم‪ُ } :‬‬
‫ة{‪ ,‬فتنكير النار هنا يدل على أنها لم تكن معروفة‬ ‫جاَر ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وال ْ ِ‬ ‫َ‬
‫عندهم بهذه الصفات‪ .‬ووجه الجمع أنهم لم يكونوا يعلمون أن من‬
‫صفاتها كون الناس والحجارة وقودا لها فنزلت آية التحريم‬
‫فعرفوا منها ذلك من صفات النار‪ ,‬ثم لما كانت معروفة عندهم‬
‫نزلت آية البقرة‪ ,‬فعرفت فيها النار بأل العهدية لنها معهودة‬
‫عندهم في آية التحريم‪ ,‬ذكر هذا الجمع البيضاوى والخطيب في‬
‫تفسيريهما وزعما أن آية التحريم نزلت بمكة وظاهر القرآن يدل‬
‫على هذا الجمع لن تعريف النار هنا بأل العهدية يدل على عهد‬
‫سابق والموصول وصلته دليل على العهد وعدم قصد الجنس ول‬
‫ينافي ذلك أن سورة التحريم مدنية وأن الظاهرنزولها بعد البقرة‪,‬‬
‫كما روي عن ابن عباس لجواز كون الية مكية في سورة مدنية‬
‫كالعكس‪.‬‬
‫ميعا ً‬ ‫َ‬
‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫في الْر ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫م َ‬ ‫ق ل َك ُ ْ‬‫خل َ َ‬‫ذي َ‬ ‫و ال ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫قوله تعالى‪ُ } :‬‬
‫ء{ الية‪ .‬هذه الية تدل على أن خلق‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫وى إ َِلى ال ّ‬ ‫ست َ َ‬
‫ما ْ‬ ‫ثُ ّ‬
‫الرض قبل خلق السماء بدليل لفظة ثم التي هي للترتيب‬
‫والنفصال وكذلك آية حم السجدة تدل أيضا على خلق الرض‬
‫ق ْ َ‬
‫ذي‬ ‫ن ِبال ّ ِ‬ ‫فُرو َ‬ ‫م ل َت َك ْ ُ‬ ‫ل أإ ِن ّك ُ ْ‬ ‫قبل خلق السماء لنه قال فيها ‪ُ } :‬‬
‫وى إ َِلى‬ ‫َ‬
‫ست َ َ‬‫ما ْ‬ ‫ن{ إلى أن قال‪} :‬ث ُ ّ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫في ي َ ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫ق الْر َ‬ ‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫ن{ الية‪ .‬مع آية النازعات تدل على أن دحو‬ ‫خا ٌ‬ ‫ي دُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ِ‬‫ء َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫شد ّ َ ْ ً‬ ‫مأ َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خلقا أم ِ‬ ‫الرض بعد خلق السماء لنه قال فيها‪} :‬أأن ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫ها{ واعلم‬ ‫حا َ‬ ‫ك دَ َ‬ ‫عدَ ذَل ِ َ‬ ‫ض بَ ْ‬ ‫والْر َ‬ ‫ها{‪ .‬قال‪َ } :‬‬ ‫ماءُ ب ََنا َ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫أول أن ابن عباس رضي الله عنهما سئل عن الجمع بين آية‬
‫السجدة وآية النازعات فأجاب بأن الله تعالى خلق الرض أول‬
‫قبل السماء غير مدحوة ثم استوى إلى السماء فسواهن سبعا‬
‫في يومين ثم دحا الرض بعد ذلك وجعل فيها الرواسي والنهار‬
‫وغير ذلك فأصل خلق الرض قبل خلق السماء ودحوها بجبالها‬
‫وأشجارها ونحو ذلك بعد خلق السماء‪ ,‬ويدل لهذا أنه قال‪:‬‬
‫ها{ ولم يقل خلقها‪ ,‬ثم فسر دحوه‬ ‫حا َ‬ ‫ك دَ َ‬ ‫عدَ ذَل ِ َ‬ ‫ض بَ ْ‬ ‫َ‬
‫والْر َ‬ ‫} َ‬
‫ها{ الية‪ .‬وهذا الجمع‬ ‫عا َ‬ ‫مْر َ‬ ‫َ‬
‫و َ‬‫ها َ‬ ‫ماءَ َ‬ ‫ها َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫إياها بقوله‪} :‬أ ْ‬
‫الذي جمع به ابن عباس بين هاتين اليتين واضح ل إشكال فيه‬
‫رد عليه إشكال من آية‬ ‫مفهوم من ظاهر القرآن العظيم إل أنه ي َ ِ‬
‫البقرة هذه وإيضاحه أن ابن عباس جمع بأن خلق الرض قبل‬
‫خلق السماء ودحوها بما فيها بعد خلق السماء وفي هذه الية‬
‫التصريح بأن جميع ما في الرض مخلوق قبل خلق السماء لنه‬
‫ْ َ‬
‫ميعا ً ث ُ ّ‬
‫م‬ ‫ج ِ‬‫ض َ‬ ‫في الْر ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫م َ‬ ‫ق ل َك ُ ْ‬
‫خل َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫و ال ّ ِ‬‫ه َ‬ ‫قال فيها‪ُ } :‬‬
‫ء{ الية‪ .‬وقد مكثت زمنا طويل أفكر في‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫وى إ َِلى ال ّ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫حل هذا الشكال حتى هداني الله إليه ذات يوم ففهمته من‬
‫القرآن العظيم‪ ,‬وإيضاحه أن هذا الشكال مرفوع من وجهين كل‬
‫منهما تدل عليه آية من القرآن‪:‬‬

‫الول‪-‬إن المراد بخلق ما في الرض جميعا قبل خلق السماء‬


‫الخلق اللغوي الذي هو التقدير ل الخلق بالفعل الذي هو البراز‬
‫من العدم إلى الوجود والعرب تسمي التقدير خلقا ومنه قول‬
‫زهير‪:‬‬
‫ض القوم يخلق ثم ل يفرى‬ ‫ولنت تفري ما خلقت وبعع‬
‫ص‬
‫والدليل على أن المراد بهذا الخلق التقدير أنه تعالى ن ّ‬
‫ها{‬‫وات َ َ‬‫ق َ‬‫ها أ َ ْ‬ ‫في َ‬ ‫قدَّر ِ‬ ‫و َ‬ ‫على ذلك في سورة فصلت حيث قال‪َ } :‬‬
‫ن{ الية‪.‬‬ ‫خا ٌ‬ ‫ي دُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ِ‬ ‫ء َ‬ ‫ما ِ‬‫س َ‬‫وى إ َِلى ال ّ‬ ‫ست َ َ‬
‫ما ْ‬ ‫ثم قال‪} :‬ث ُ ّ‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أنه لما خلق الرض غير مدحوه وهي أصل لكل‬
‫ما فيها كأنه خلق بالفعل لوجود أصله فعل والدليل من القرآن‬
‫على أن وجود الصل يمكن به إطلق الخلق على الفرع وإن لم‬
‫م‬‫م ثُ ّ‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ول َ َ‬‫يكن موجودا بالفعل ‪ .‬قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫كة{ الية‪ .‬فقوله خلقناكم ثم‬ ‫ملئ ِ َ‬ ‫قل َْنا ل ِل ْ َ‬‫م ُ‬
‫م ثُ ّ‬ ‫وْرَناك ُ ْ‬ ‫ص ّ‬
‫َ‬
‫صورناكم أي بخلقنا وتصويرنا لبيكم آدم هو أصلكم‪ .‬وجمع بعض‬
‫العلماء بأن معنى قوله والرض بعد ذلك دحاها‪ ,‬أي مع ذلك‬
‫ك‬‫عدَ ذَل ِ َ‬ ‫ل بَ ْ‬ ‫عت ُ ّ‬ ‫فلفظة بعد بمعنى مع ونظيره قوله تعالى‪ُ } :‬‬
‫م{ وعليه فل إشكال في الية‪ ,‬ويستأنس لهذا القول‬ ‫َزِني ٍ‬
‫بالقراءة الشاذة وبها قرأ مجاهد‪ :‬الرض مع ذلك دحاها‪ ,‬وجمع‬
‫بعضهم بأوجه ضعيفة لنها مبنية على أن خلق السماء قبل الرض‬
‫وهو خلف التحقيق منها‪ :‬أن )ثم( بمعنى الواو‪ .‬منها‪ :‬أنها للترتيب‬
‫مُنوا{ الية‪.‬‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م َ‬
‫كا َ‬ ‫الذكري كقوله تعالى‪} :‬ث ُ ّ‬
‫ع‬
‫سب ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ه ّ‬ ‫وا ُ‬ ‫س ّ‬ ‫ف َ‬ ‫ء َ‬‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫وى إ َِلى ال ّ‬ ‫ست َ َ‬‫ما ْ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬ث ُ ّ‬
‫ء{ ورد عليه‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫ت{ الية‪ .‬أفرد هنا تعالى لفظ }ال ّ‬ ‫وا ٍ‬‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫ن{ وللجمع بين ضمير‬ ‫ه ّ‬ ‫وا ُ‬ ‫س ّ‬ ‫ف َ‬ ‫الضمير بصيغة الجمع في قوله } َ‬
‫الجمع ومفسره المفرد وجهان‪:‬‬
‫الول‪ :‬إن المراد بالسماء جنسها الصادق بسبع سموات‬
‫وعليه فأل جنسية‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه ل خلف بين أهل اللسان العربي في وقوع إطلق‬
‫المفرد وإرادة الجمع مع تعريف المفرد وتنكيره وإضافته‪ ,‬وهو‬
‫كثير في القرآن العظيم وفي كلم العرب‪ .‬فمن أمثلته في‬
‫ه{‬ ‫ب ك ُل ّ ِ‬ ‫ن ِبال ْك َِتا ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫وت ُ ْ‬ ‫القرآن واللفظ معرف قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ه‬‫ملئ ِك َت ِ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ِبالل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫لآ َ‬ ‫أي بالكتاب كلها بدليل قوله تعالى‪} :‬ك ُ ّ‬
‫ب{‬ ‫ن ك َِتا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫لآ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫و ُ‬ ‫وك ُت ُِبه{ ‪ ,‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫َ‬
‫ن الدّب َُر{يعني الدبار‪,‬‬ ‫ولو َ‬ ‫ّ‬ ‫وي ُ َ‬ ‫ع َ‬ ‫م ُ‬ ‫ج ْ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫هَز ُ‬ ‫سي ُ ْ‬ ‫وقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ة{ يعني‬ ‫ف َ‬ ‫غْر َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫كما هو ظاهر‪ ,‬وقوله تعالى‪} :‬أول َئ ِ َ‬
‫و َ‬ ‫جَز ْ‬ ‫ك يُ ْ‬
‫ف‬
‫غَر ٌ‬ ‫ها ُ‬ ‫ق َ‬ ‫و ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫غَر ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫الغرفات بدليل قوله تعالى‪} :‬ل َ ُ‬
‫ن{ وقوله‬ ‫مُنو َ‬ ‫تآ ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫غُر َ‬ ‫في ال ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ة{ وقوله تعالى‪َ } :‬‬ ‫مب ْن ِي ّ ٌ‬ ‫َ‬
‫فًا{ أي الملئكة بدليل‬ ‫ص ّ‬ ‫فا ً َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ك َ‬ ‫مل َ ُ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫جاءَ َرب ّ َ‬ ‫و َ‬ ‫تعالى‪َ } :‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫في ظُل َ ٍ‬ ‫ه ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن ي َأت ِي َ ُ‬ ‫ن إ ِّل أ ْ‬ ‫ل ي َن ْظُُرو َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫و الطّ ْ‬ ‫ة{ وقوله تعالى‪} :‬أ ِ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫مام ِ َ‬ ‫غ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫هُروا{ الية‪ ,‬يعني الطفال الذين لم يظهروا‪ ,‬وقوله‬ ‫ْ‬
‫م ي َظ َ‬ ‫لَ ْ‬
‫م{ الية يعني العداء‪.‬‬ ‫ه ْ‬ ‫حذَْر ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫و َ‬ ‫عد ُ ّ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫تعالى‪ُ } :‬‬
‫فههي‬ ‫ن ِ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ومن أمثلته واللفظ منكر قععوله تعععالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫هاٌر ِ‬ ‫ها أن ْ َ‬ ‫في َ‬ ‫ر{ يعني وأنهار بدليل قوله تعالى‪ِ } :‬‬ ‫ه ٍ‬ ‫ون َ َ‬ ‫ت َ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫قي ه َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ْ‬
‫علن َهها ل ِل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ج َ‬ ‫وا ْ‬ ‫ن{ اليععة‪ ,‬وقععوله تعععالى‪َ } :‬‬ ‫ء َ‬
‫سه ٍ‬ ‫رآ ِ‬ ‫غي ْه ِ‬ ‫ما ٍ‬ ‫َ‬
‫مرا ً‬ ‫سهها ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ب ِه ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ست َك ْب ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مامًا{ يعني أئمععة‪ ,‬وقععوله تعععالى‪ُ } :‬‬ ‫إِ َ‬
‫ل{ يعنععي‬ ‫ف ً‬ ‫م طِ ْ‬ ‫جك ُ ْ‬ ‫ر ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫م نُ ْ‬ ‫ن{ يعني سامرين‪ ,‬وقوله‪} :‬ث ُ ّ‬ ‫جُرو َ‬ ‫ه ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫م{ أي بينهععم‪ ,‬وقععوله‬ ‫َ‬ ‫أطفال‪ ,‬وقوله‪} :‬ل ن ُ َ‬
‫ههه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫د ِ‬ ‫ح ٍ‬ ‫نأ َ‬ ‫فّرقُ ب َي ْ َ‬
‫ن‬ ‫وإ ِ ْ‬‫فيقههًا{ أي رفقععاء‪ ,‬وقععوله‪َ } :‬‬ ‫ك َر ِ‬ ‫ن ُأول َئ ِ َ‬ ‫سهه َ‬ ‫ح ُ‬ ‫و َ‬ ‫تعععالى‪َ } :‬‬
‫ة‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫هُروا{‪ ,‬أي جنبين أو أجنابا وقوله‪َ } :‬‬ ‫فاطّ ّ‬ ‫جُنبا ً َ‬ ‫م ُ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫هيٌر{ أي ظاهرون لدللععة السععياق فيهععا كلهععا علععى‬ ‫عدَ ذَل ِ َ َ‬
‫كظ ِ‬ ‫بَ ْ‬
‫ن‬ ‫عه ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ل َك ُه ْ‬ ‫ن طِب ْه َ‬ ‫فإ ِ ْ‬ ‫الجمع‪ .‬واسععتدل سععيبويه لهععذا بقععوله‪َ } :‬‬
‫فسًا{أي أنفسا‪.‬‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ء ِ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ء‬
‫ؤل ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ومن أمثلته واللفظ مضاف قوله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ر ال ّ ِ‬ ‫حذ َ ِ‬ ‫فل ْي َ ْ‬ ‫في{ الية‪ ,‬يعني أضيافي‪ ,‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫ضي ِ‬ ‫َ‬
‫ه{ الية أي أوامره وأنشد سيبويه لطلق‬ ‫َ‬ ‫خال ِ ُ‬
‫ر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ع ْ‬ ‫ن َ‬ ‫فو َ‬ ‫يُ َ‬
‫المفرد وإرادة الجمع قول الشاعر‪ ,‬و هو علقمة بن عبدة‬
‫التميمى‪:‬‬
‫فبيض وأما جلدها فصليب‬ ‫بها جيف الحسرى فأما‬
‫عظامها‬
‫يعني وأما جلودها فصليبة‪ .‬وأنشد له أيضا قول الخر‪:‬‬
‫فإن زمانكم زمن خميص‬ ‫كلوا في بعض بطنكم تعفوا‬
‫يعنى في بعض بطونكم‪.‬‬
‫ومن شواهده قول عقيل بن‬
‫علفة المرى‪:‬‬
‫وكنت لهم كشر بني الخينا‬ ‫وكان بنو فزاره شر عم‬
‫يعنى شر أعمام‪ .‬وقول العباس بن مرداس السلمي‪:‬‬
‫وقد سلمت من الحن‬
‫فقلنا أسلموا أنا أخوكم‬
‫الصدور‬
‫يعني أنا إخوانكم‪ .‬وقول‬
‫الخر‪:‬‬
‫إن العواذل ليس لي بأمير‬ ‫يا عاذلتي ل تردن ملمة‬
‫يعني لسن لي بأمراء‪.‬‬
‫وهذا في النعت بالمصدر‬
‫مطرد كقول زهير‪:‬‬
‫متى يشتجر قوم يقل‬
‫هم بيننا هم رضى وهم عدل‬
‫سرواتهم‬
‫ولجل مراعاة هذا لم يجمع في القرآن السمع والطرف‬
‫عَلى‬‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫خت َ َ‬ ‫والضيف لن أصلها مصادر كقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫م طَْر ُ‬
‫ف ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫م{ وقوله‪} :‬ل ي َْرت َدّ إ ِلي ْ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ع ِ‬‫م ِ‬‫س ْ‬ ‫عَلى َ‬ ‫و َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ُ ُ‬
‫ق َلوب ِ ِ‬
‫ف‬‫ن طَْر ٍ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫واء { وقوله تعالى‪} :‬ي َن ْظُُرو َ‬ ‫ه َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وأ ْ‬
‫فئ ِدَت ُ ُ‬ ‫َ‬
‫في{‬ ‫ضي ِ‬ ‫ء َ‬ ‫ؤل ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ي{ وقوله‪} :‬إ ِ ّ‬ ‫ف ّ‬ ‫خ ِ‬‫َ‬
‫َ‬
‫ة{ يتوهم‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ج َ‬ ‫و ُ‬ ‫وَز ْ‬‫ت َ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ما ْ‬ ‫قوله تعالى‪َ} :‬يا آدَ ُ‬
‫ما{ ‪.‬‬ ‫شئ ْت ُ َ‬‫ث ِ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫معارضته مع قوله‪َ }:‬‬
‫ن{ أمر بالسكنى ل بالسكون‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫والجواب‪ :‬أن قوله‪} :‬ا ْ‬
‫الذي هو ضد الحركة فالمر باتخاذ الجنة مسكنا ل ينافي التحرك‬
‫فيها وأكلهما من حيث شاءا‪.‬‬
‫شت َُروا‬ ‫ول ت َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬ ‫ول ت َ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ر بِ ِ‬‫ف ٍ‬‫كا ِ‬ ‫كوُنوا أ ّ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ل{ الية‪.‬‬ ‫قِلي ً‬‫منا ً َ‬ ‫ِبآَياِتي ث َ َ‬
‫جاء في هذه الية بصيغة خطاب الجمع في إفراد والجمع في‬
‫شئ واحد‪ :‬أن معنى ول تكونوا أول كافر أي أول فريق كافر‪,‬‬
‫فاللفظ مفرد والمعنى جمع فيجوز مراعاة كل منهما‪ ,‬وقد جمع‬
‫اللغتين قول الشاعر‪:‬‬
‫وإذا هم جاعوا فشر جياع‬ ‫فإذا هم طعموا فألم طاعم‬
‫وقيل هو من إطلق المفرد وإرادة الجمع كقول ابن علفة‪:‬‬
‫وكان بنو فزاره شر عم ‪...‬كما تقدم قريبا‬
‫َ‬
‫م{ الية‪.‬‬ ‫ه ْ‬ ‫قو َرب ّ ِ‬ ‫مل ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬‫ن أن ّ ُ‬ ‫ن ي َظُّنو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬ال ّ ِ‬
‫هذه الية تدل بظاهرها على أن الظن يكفي في أمور المعاد‪ ,‬وقد‬
‫ن‬‫ن الظّ ّ‬ ‫جاءت آيات أخر تدل على خلف ذلك كقوله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫م إ ِل ّ ي َظُّنو َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫شْيئًا{ وكقوله‪} :‬إ ِ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫غِني ِ‬ ‫ل يُ ْ‬
‫ووجه الجمع أن الظن بمعنى اليقين‪ ,‬والعرب تطلق الظن بمعنى‬
‫اليقين ومعنى الشك‪ .‬وإتيان الظن بمعنى اليقين كثير في القرآن‬
‫وفي كلم العرب‪ .‬أمثلته في القرآن هذه الية وقوله تعالى‪:‬‬
‫قِليَلة{‬ ‫َ‬
‫ة َ‬ ‫فئ َ ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه كَ ْ‬ ‫قو الل ّ ِ‬ ‫مل ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬‫ن أن ّ ُ‬ ‫ن ي َظُّنو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫} َ‬
‫َ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫فظَّنوا أن ّ ُ‬ ‫ن الّناَر َ‬ ‫مو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬ ‫وَرأى ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫الية‪ .‬وقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ق‬ ‫مل ٍ‬ ‫ت أّني ُ‬ ‫ها{ أي أيقنوا وقوله تعالى‪} :‬إ ِّني ظَن َن ْ ُ‬ ‫عو َ‬ ‫ق ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ه{ أي أيقنت‪.‬‬ ‫ساب ِي َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ِ‬
‫ونظيره من كلم العرب قول عميرة بن طارق‪:‬‬
‫واجعل مني الظن عيبا‬
‫بأن تغتزوا قومي وأقعد فيكم‬
‫مرجما‬
‫أي اجعل مني اليقين غيبا‪.‬‬
‫وقول دريد بن الصمة‪:‬‬
‫سراتهم في الفارسي‬
‫فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج‬
‫المسرد‬
‫فقوله ظنوا أي أيقنوا‪.‬‬
‫عَلى‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫ضل ْت ُك ُ ْ‬ ‫ف ّ‬ ‫وأّني َ‬ ‫قوله تعالى لبني إسرائيل‪َ } :‬‬
‫ن{ ل يعارض قوله تعالى في تفضيل هذه المة‪} :‬ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫مي َ‬ ‫عال َ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫س{ الية‪ .‬لن المراد بالعالمين عالموا‬ ‫ت ِللّنا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫ر َ‬
‫خ ِ‬ ‫ة أُ ْ‬ ‫م ٍ‬
‫ُ‬
‫خي َْر أ ّ‬ ‫َ‬
‫زمانهم بدليل اليات والحاديث المصرحة بأن هذه المة أفضل‬
‫منهم كحديث معاوية بن حيدة القشيرى في المساند والسنن‪,‬‬
‫قال‪:‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬أنتم توفون سبعين‬
‫أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله " أل ترى أن الله جعل المقتصد‬
‫وك َِثيٌر‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫صدَةٌ َ‬ ‫قت َ ِ‬ ‫ة ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫مأ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫منهم هو أعلهم منزلة حيث قال‪ِ } :‬‬
‫ن{‪ ,‬وجعل في هذه المة درجة أعلى من‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬‫ما ي َ ْ‬ ‫ساءَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫درجة المقتصد وهي درجة السابق بالخيرات حيث قال تعالى‪:‬‬
‫ت{ الية‪.‬‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫ق ِبال ْ َ‬ ‫ساب ِ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫و ِ‬ ‫صد ٌ َ‬ ‫قت َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫و ِ‬ ‫} َ‬
‫م‬ ‫مون َك ُ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ع ْ‬ ‫فْر َ‬ ‫ل ِ‬ ‫نآ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جي َْناك ُ ْ‬‫وإ ِذْ ن َ ّ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫كم{ الية‪.‬‬ ‫ساءَ ُ‬‫ن نِ َ‬ ‫حُيو َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن أب َْناءَك ُ ْ‬ ‫حو َ‬ ‫ب ي ُذَب ّ ُ‬ ‫ذا ِ‬‫ع َ‬ ‫سوءَ ال ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ظاهر هذه الية الكريمة يدل على أن استحياء النساء من‬
‫جملة العذاب الذي كان يسومهم فرعون‪ .‬وقد جاء في آية أخرى‬
‫ما يدل على أن الناث هبة من هبات الله لمن أعطاهن له وهي‬
‫شاءُ‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬ ‫ب لِ َ‬
‫ه ُ‬ ‫وي َ َ‬ ‫شاءُ إ َِناثا ً َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب لِ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬ي َ َ‬
‫كوَر{ فبقاء بعض الولد على هذا خير من موتهم كلهم كما‬ ‫الذّ ُ‬
‫قال الهذلى‪:‬‬
‫خراش وبعض الشر أهون‬
‫حمدت إلهى بعد عروة إذ نجا‬
‫من بعض‬
‫والجواب عن هذا أن الناث وإن كن هبة من الله لمن‬
‫أعطاهن له فبقاؤهن تحت يد العدو يفعل بهن ما يشاء من‬
‫الفاحشة والعار ويستخدمهن في العمال الشاقة نوع من‬
‫العذاب‪ ,‬وموتهن راحة من هذا العذاب وقد كان العرب يتمنون‬
‫موت الناث خوفا من مثل هذا‪ .‬قال بعض شعراء العرب في ابنة‬
‫له تسمى مودة‪:‬‬
‫لها الموت قبل الليل لوانها‬
‫مودة تهوى عمر شيخ يسره‬
‫تدرى‬
‫يخاف عليها جفوة الناس‬
‫ول ختن يرجى أود من القبر‬
‫بعده‬
‫وقال الخر‪:‬‬
‫والموت أكرم نزال على‬ ‫تهوى حياتي وأهوى موتها‬
‫الحرم‬ ‫شفقا‬
‫وقال عقيل بن علفة المري لما خطبت عنه ابنته الجرباء‪:‬‬
‫إني وان سيق الى المهر‬ ‫عبد والفان وذود عشر‬
‫أحب اصهاري إلى القبر‬
‫وقال بعض الدباء‪:‬‬
‫سروران مالهما ثالث‬ ‫حياة البنين وموت البنات‬
‫وفي القرآن إشارة إلى أن النسان يسوءه إهانة ذريته‬
‫كوا‬‫و ت ََر ُ‬‫ن لَ ْ‬
‫ذي َ‬ ‫ش ال ّ ِ‬‫خ َ‬ ‫ول ْي َ ْ‬ ‫الضعاف بعد موته في قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫م{ ‪.‬‬ ‫ه ْ‬ ‫فوا َ َ‬ ‫خا ُ‬ ‫عافا ً َ‬ ‫م ذُّري ّ ً‬ ‫خل ْ ِ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ة ِ‬
‫َ‬
‫ه ْ‬‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫وى ك ُُلوا ِ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫وال ّ‬‫ن َ‬ ‫م ّ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫عل َي ْك ُ ُ‬‫وأن َْزل َْنا َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫م{‪ ,‬هذه الية الكريمة تدل على أن الله‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫ما َرَز ْ‬ ‫ت َ‬ ‫طَي َّبا ِ‬
‫أكرم بني إسرائيل بنوعين من أنواع الطعام وهما المن والسلوى‪,‬‬
‫وقد جاء في آية أخرى ما يدل على أنهم لم يكن عندهم الطعام‬
‫عَلى‬ ‫صب َِر َ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫سى ل َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫م َيا ُ‬ ‫قل ْت ُ ْ‬ ‫وإ ِذْ ُ‬ ‫واحد‪ ,‬وهى قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫د{‪ ,‬وللجمع بينهما أوجه‪:‬‬ ‫ح ٍ‬‫وا ِ‬ ‫عام ٍ َ‬ ‫طَ َ‬
‫الول‪-‬إن المن وهو الترنجبين على قول الكثرين من جنس‬
‫الشراب والطعام الواحد هو السلوى‪ ,‬وهو على قول الكثر ين‬
‫السماني أو طائر يشبهه‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪-‬إن المجعول على المائدة الواحدة تسميه العرب‬
‫طعاما واحد وإن اختلفت أنواعه‪ .‬ومنه قولهم‪:‬أكلنا طعام فلن‪,‬‬
‫وإن كان أنواعا مختلفة‪ .‬والذي يظهر أن هذا الوجه أصح من‬
‫الول لن تفسير المن بخصوص الترنجبين يرده الحديث المتفق‬
‫عليه‪" :‬الكمأة من المن‪ "..‬الحديث‪.‬‬
‫الثالث‪-‬أنهم سموه طعاما واحدا لنه ل يتغير ول يتبدل كل‬
‫يوم‪ ,‬فهو مأكل واحد وهو ظاهر‪.‬‬
‫وى‬ ‫ه َ‬ ‫ما ل ت َ ْ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاءَك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫فك ُل ّ َ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬أ َ َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫قت ُُلو َ‬ ‫ريقا ً ت َ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ريقا ً ك َذّب ْت ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ف َ‬ ‫م َ‬ ‫ست َك ْب َْرت ُ ْ‬ ‫ما ْ‬ ‫سك ُ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫هذه الية تدل على أنهم قتلوا بعض الرسل‪ ,‬ونظيرها قوله‬
‫ذي‬ ‫وِبال ّ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫قب ِْلي ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫س ٌ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫جاءَك ُ ْ‬ ‫قدْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫تعالى‪ُ } :‬‬
‫م{ الية‪.‬‬ ‫ه ْ‬ ‫مو ُ‬ ‫قت َل ْت ُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫فل ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫قل ْت ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫س ُ‬‫ف ُ‬ ‫وى أن ْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ما ل ت َ ْ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫جاءَ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫وقوله‪} :‬ك ُل ّ َ‬
‫ن{‪ .‬وقد جاء في آيات أخر ما‬ ‫قت ُُلو َ‬ ‫ريقا ً ي َ ْ‬ ‫ف ِ‬‫و َ‬ ‫ريقا ً ك َذُّبوا َ‬ ‫ف ِ‬ ‫َ‬
‫ب الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫يدل على أن الرسل غالبون منصورون كقوله‪} :‬ك َت َ َ‬
‫ول َ َ‬ ‫َ‬ ‫َل َ ْ‬
‫مت َُنا‬ ‫ت ك َل ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫سِلي{‪ ,‬وكقوله‪َ } :‬‬ ‫وُر ُ‬ ‫ن أَنا َ‬ ‫غل ِب َ ّ‬
‫م‬‫ه ُ‬‫جن ْدََنا ل َ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫صوُرو َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫عَباِدَنا ال ْ ُ‬ ‫لِ ِ‬
‫َ‬
‫هل ِك َ ّ‬
‫ن‬ ‫م ل َن ُ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫م َرب ّ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫حى إ ِلي ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫فأ ْ‬ ‫ن{‪ ,‬وقوله تعالى‪َ } :‬‬ ‫غال ُِبو َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫م{ وبّين تعالى أن‬ ‫ه ْ‬ ‫د ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫م الْر َ‬ ‫سك ِن َن ّك ُ ُ‬ ‫ول َن ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫هذا النصر في دار الدنيا أيضا كما في هذه الية الخيرة وكما في‬
‫ة الدّن َْيا{‬ ‫حَيا ِ‬ ‫في ال ْ َ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫سل ََنا َ‬ ‫صُر ُر ُ‬ ‫قوله ‪} :‬إ ِّنا ل َن َن ْ ُ‬
‫الية‪.‬‬
‫والذي يظهر في الجواب عن هذا أن الرسل قسمان‪ :‬قسم‬
‫أمروا بالقتال في سبيل الله‪ ,‬وقسم أمروا بالصبر والكف عن‬
‫الناس‪ ,‬فالذين أمروا بالقتال وعدهم الله بالنصر والغلبة في‬
‫اليات المذكورة‪ ,‬والذين أمروا بالكف والصبر هم الذين قتلوا‬
‫ليزيد الله رفع درجاتهم العلية بقتلهم مظلومين‪ ,‬وهذا الجمع‬
‫مفهوم من اليات لن النصر والغلبة فيه الدللة باللتزام على‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫وك َأي ّ ْ‬ ‫جهاد ومقاتلة‪ ,‬و ليرد على هذا الجمع قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ل{‬ ‫قت ِ َ‬ ‫ن ك َِثيٌر{ الية‪ .‬أما على قراءة } ُ‬ ‫رب ّّيو َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ع ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل َ‬ ‫قات َ َ‬ ‫ي َ‬ ‫ن َب ِ ّ‬
‫ن{ل ضمير نبي‬ ‫رب ّّيو َ‬ ‫بالبناء للمفعول فنائب الفاعل قوله‪ِ } :‬‬
‫وتطرق الحتمال يرد الستدلل‪ ,‬وأما على القول بأن غلبة الرسل‬
‫ونصرهم بالحجة والبرهان فل إشكال في الية والله أعلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫هأ ْ‬ ‫جدَ الل ّ ِ‬ ‫سا ِ‬‫م َ‬ ‫ع َ‬ ‫من َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ن أظْل َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ه{ الية‪ .‬الستفهام في هذه الية إنكاري أظلم‬ ‫م ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ها ا ْ‬ ‫في َ‬ ‫ي ُذْك ََر ِ‬
‫ممن منع مساجد الله‪ .‬وقد جاءت آيات أخر يفهم منها خلف هذا‬
‫ذبًا{‬ ‫َ‬
‫ه كَ ِ‬ ‫عَلى الل ّ ِ‬ ‫فت ََرى َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م ّ‬‫م ِ‬ ‫ن أظْل َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬ ‫كقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ه{ وقوله‪:‬‬ ‫عَلى الل ّ ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ن ك َذَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ن أظْل َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬ ‫الية‪ .‬وقوله‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ه‪ {..‬الية‪ ,‬إلى غير ذلك من‬ ‫ت َرب ّ ِ‬ ‫ن ذُك َّر ِبآيا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ن أظْل َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫} َ‬
‫اليات‪.‬‬
‫وللجمع بين هذه اليات أوجه‪ :‬منها‪-‬تخصيص كل موضع بمعنى‬
‫صلته‪ :‬أي مساجد الله‪-‬ول أحد من المفترين أظلم ممن افترى‬
‫على الله كذبا‪ ,‬وإذا تخصصت بصلتها زال الشكال‪.‬‬
‫ومنها‪-‬أن التخصيص بالنسبة إلى السبق‪ ,‬أي لما لم يسبقهم‬
‫أحد إلى مثله حكم عليهم بأنهم أظلم ممن جاء بعدهم سالكا‬
‫طرقهم وهذا يؤول معناه إلى ما قبله‪ ,‬لن المراد السبق إلى‬
‫المانعية والفترائية مثل‪.‬‬
‫ومنها‪-‬وادعى أبوحيان أنه الصواب‪ ,‬هو ماحاصله أن نفي‬
‫التفضيل ل يستلزم نفي المساواة‪ ,‬فلم يكن أحد ممن وصف‬
‫بذلك يزيد على الخر لنهم يتساوون في الظلمية فيصير المعنى‪:‬‬
‫ل أحد أظلم ممن منع مساجد الله ومن افترى على الله كذبا‬
‫ومن كذب بآيات لله‪ ,‬ول إشكال في تساوي هؤلء في الظلمية‬
‫ول يدل على أن أحدهم أظلم من الخر كما إذا قلت ل أحد أفقه‬
‫من فلن وفلن مثل‪ .‬ذكر هذين الوجهين صاحب التقان‪.‬‬
‫وما ذكره بعض المتأخرين من أن الستفهام في قوله‪ :‬ومن‬
‫أظلم المقصود منه التهويل والتفظيع من غير قصد إثبات‬
‫الظلمية للمذكور حقيقة ول نفيها عن غيره كما ذكره عنه صاحب‬
‫ول ِل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫التقان يظهر ضعفه لنه خلف ظاهر القرآن‪ .‬قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ب{ الية‪ .‬أفرد في هذه الية المشرق‬ ‫ر ُ‬ ‫غ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫رق ُ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ب‬ ‫والمغرب وثناهما في سورة الرحمن في قوله‪َ} :‬ر ّ‬
‫ن{ وجمعهما في سورة سأل سائل‬ ‫رب َي ْ ِ‬‫غ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫وَر ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫قي ْ‬ ‫ر َ‬ ‫ِ‬ ‫ش‬‫م ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫رب{‪ ,‬وجمع‬ ‫غا ِ‬‫م َ‬‫وال ْ َ‬‫ق َ‬ ‫ر ِ‬ ‫شا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫م ب َِر ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫فل أ ُ ْ‬ ‫في قوله‪َ } :‬‬
‫ت‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫المشارق في سورة الصافات في قوله‪َ} :‬ر ّ‬
‫َ‬
‫ق{‪.‬‬
‫ر ِ‬
‫شا ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫وَر ّ‬
‫ما َ‬
‫ه َ‬
‫ما ب َي ْن َ ُ‬
‫و َ‬
‫ض َ‬
‫والْر ِ‬
‫َ‬

‫ب{ المراد‬ ‫ر ُ‬
‫غ ِ‬ ‫م ْ‬‫وال ْ َ‬
‫رق ُ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ول ِل ّ ِ‬‫والجواب أن قوله هنا‪َ } :‬‬
‫به جنس المشرق والمغرب فهو صادق بكل مشرق من مشارق‬
‫الشمس التي هي ثلثمائة وستون‪ ,‬وكل مغرب من مغاربها التي‬
‫هي كذلك كما روي عن ابن عباس وغيره‪.‬‬
‫قال ابن جرير في تفسير هذه الية ما نصه‪:‬‬
‫"وإنما معنى ذلك ولله المشرق الذي تشرق منه الشمس كل‬
‫يوم والمغرب الذي تغرب فيه كل يوم فتأويله إذا كان ذلك معناه‪:‬‬
‫ولله ما بين قطري المشرق وقطري المغرب إذا كان شروق‬
‫الشمس كل يوم من موضع منه ل تعود لشروقها منه إلى الحول‬
‫ب‬‫الذي تعده وكذلك غروبها"‪ ,‬انتهى منه بلفظه‪ .‬وقوله‪َ} :‬ر ّ‬
‫ن{ يعني كشرق الشتاء ومشرق‬ ‫رب َي ْ ِ‬
‫غ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫وَر ّ‬ ‫ن َ‬‫قي ْ ِ‬‫ر َ‬ ‫م ْ‬
‫ش ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫الصيف ومغربهما كما عليه الجمهور‪.‬‬
‫ب‬‫وقيل‪ :‬مشرق الشمس والقمر ومغربهما‪ ,‬وقوله‪} :‬ب َِر ّ‬
‫رب{أي مشارق الشمس ومغاربها كما تقدم‪.‬‬ ‫غا ِ‬ ‫م َ‬‫وال ْ َ‬
‫ق َ‬ ‫ر ِ‬ ‫شا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫وقيل مشارق الشمس والقمر والكواكب ومغاربها والعلم عند‬
‫الله تعالى‪.‬‬
‫َ‬
‫ل لَ ُ‬
‫ه‬ ‫ض كُ ّ‬ ‫والْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫في ال ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬ب َ ْ‬
‫ن{ عبر في هذه الية بع }ما{ الموصولة الدالة على غير‬ ‫قان ُِتو َ‬ ‫َ‬
‫ن{ بصيغة الجمع المذكر‬ ‫قان ُِتو َ‬ ‫العقلء‪ ,‬ثم عبر في قوله‪َ } :‬‬
‫الخاص بالعقلء ‪.‬‬
‫ووجه الجمع‪ :‬أن ما في السماوات والرض من الخلق منه‬
‫العاقل وغير العاقل‪ ,‬فغلب في السم الموصول غير العاقل‪,‬‬
‫وغلب في صيغة الجمع العاقل‪ ,‬والنكتة في ذلك أنه قال‪} :‬ب َ ْ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ض{ وجميع الخلئق بالنسبة‬ ‫والْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬‫في ال ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه َ‬ ‫لَ ُ‬
‫لملك الله إياهم سواء عاقلهم وغيره‪ ,‬فالعاقل في ضعفه وعجزه‬
‫بالنسبة إلى ملك الله كغير العاقل‪ .‬ولما ذكر القنوت وهو الطاعة‬
‫وكان أظهر في العقلء من غيرهم عبر بما يدل على العقلء تغليبا‬
‫لهم‪.‬‬
‫ن{‪ .‬هذه الية‬ ‫قُنو َ‬ ‫وم ٍ ُيو ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ت لِ َ‬‫قدْ ب َي ّّنا اليا ِ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫تدل بظاهرها على أن البيان خاص بالموقنين‪.‬‬
‫وقد جاءت آيات أخر تدل على أن البيان عام لجميع الناس‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫عل ّ ُ‬ ‫س لَ َ‬ ‫ه ِللّنا ِ‬ ‫ه آَيات ِ ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ك ي ُب َي ّ ُ‬ ‫كقوله تعالى‪} :‬ك َذَل ِ َ‬
‫س{‪ .‬ووجه الجمع أن البيان‬ ‫ن ِللّنا ِ‬ ‫ذا ب ََيا ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫ن{ وكقوله‪َ } :‬‬ ‫قو َ‬ ‫ي َت ّ ُ‬
‫عام لجميع الخلق‪ ,‬إل أنه لما كان النتفاع به خاصا بالمتقين خص‬
‫في هذه الية بهم لن ما لنفع فيه كالعدم‪.‬‬
‫ها{‬ ‫شا َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ذُر َ‬ ‫من ْ ِ‬ ‫ت ُ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫ونظيرها قوله تعالى‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫كر{ الية‪ ,‬مع أنه منذر للسود‬ ‫ع الذّ ْ‬ ‫ن ات ّب َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ذُر َ‬ ‫ما ت ُن ْ ِ‬ ‫وقوله‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫والحمر‪ ,‬وإنما خص النذار بمن يخشى ومن يتبع الذكر لنه‬
‫المنتفع به‪.‬‬
‫ها إ ِل ّ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ة ال ِّتي ك ُن ْ َ‬ ‫قب ْل َ َ‬ ‫عل َْنا ال ْ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫قب َْيه{ الية‪.‬‬ ‫ع ِ‬ ‫عَلى َ‬ ‫ب َ‬ ‫قل ِ ُ‬ ‫ن ي َن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ع الّر ُ‬ ‫ن ي َت ّب ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫عل َ َ‬ ‫ل ِن َ ْ‬
‫قوله تعالى في هذه الية إل لنعلم يوهم أنه لم يكن عالما بمن‬
‫يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه مع أنه تعالى عالم بكل شئ‬
‫قبل وقوعه‪ ,‬فهو يعلم ما سيعمله الخلق كما دلت عليه آيات‬
‫وإ ِ ْ‬
‫ذ‬ ‫م ن ال َ‬ ‫ُ‬ ‫شأ َ‬ ‫َ‬ ‫عل َم بك ُم إذْ أ َ‬ ‫هو أ َ‬
‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫كثيرة كقوله‪َ ُ } :‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫في ب ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م{‪,‬‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫كوا أن ْ ُ‬ ‫فل ت َُز ّ‬ ‫م َ‬ ‫هات ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫طو ِ‬ ‫ة ِ‬ ‫جن ّ ٌ‬ ‫مأ ِ‬ ‫أن ْت ُ ْ‬
‫ها‬ ‫م لَ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫ن ذَل ِ َ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ما ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫م أَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫وقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫عا ِ‬ ‫َ‬
‫والجواب عن هذا أن معنى قوله تعالى إل لنعلم علما يترتب‬
‫عليه الثواب والعقاب فل ينافي كونه عالما به قبل وقوعه‪ ,‬وقد‬
‫أشار تعالى إلى أنه ل يستفيد بالختبار علما جديدا لنه عالم بما‬
‫م‬‫رك ُ ْ‬ ‫دو ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫في ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ول ِي َب ْت َل ِ َ‬ ‫سيكون حيث قال تعالى‪َ } :‬‬
‫ر{‪.‬‬ ‫دو ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫عِلي ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫قُلوب ِك ُ ْ‬ ‫في ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ح َ‬ ‫م ّ‬ ‫ول ِي ُ َ‬ ‫َ‬
‫}ل ِي َب ْت َِلي‬ ‫ر{تعد قوله‪َ :‬‬ ‫دو ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫عِلي ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫والل ُ‬ ‫فقوله‪َ } :‬‬
‫َ{دليل على أنه ل يفيده الختبار علما لم يكن يعلمه سبحانه‬
‫وتعالى عن ذلك بل هو تعالى عالم بكل ما سيعمله خلقة وعالم‬
‫بكل شيء قبل وقوعه كما ل خلف فيه بين المسلمين‪ ,‬ل يعزب‬
‫عنه مثقال ذرة الية‪.‬‬
‫ه‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫ل ِ‬ ‫قت َ ُ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫قوُلوا ل ِ َ‬ ‫ول ت َ ُ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ء{ الية هذه الية تدل بظاهرها على أن‬ ‫حَيا ٌ‬ ‫أ َموات ب ْ َ‬
‫لأ ْ‬ ‫ْ َ ٌ َ‬
‫الشهداء أحياء غير أموات‪ ,‬وقد قال في آية أخرى لمن هو أفضل‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫وإ ِن ّ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫مي ّ ٌ‬ ‫ك َ‬ ‫من كل الشهداء صلى الله عليه وسلم‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مي ُّتو َ‬ ‫َ‬
‫والجواب عن هذا أن الشهداء يموتون الموتة الدنيوية فتورث‬
‫أموالهم وتنكح نساءهم بإجماع المسلمين‪ ,‬وهذه الموتة التي أخبر‬
‫الله نبيه أنه يموتها صلى الله عليه وسلم وقد ثبت في الصحيح‬
‫عن صاحبه الصديق رضي الله عنه أنه قال لما توفي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬بأبي أنت وأمي والله ل يجمع الله عليك موتتين‪ ,‬أما‬
‫الموتة التي كتب الله عليك فقد متها" وقال‪" :‬من كان يعبد‬
‫محمدا فإن محمدا قد مات"‪ .‬واستدل على ذلك بالقرآن ورجع‬
‫إليه جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم التي ثبت في‬
‫الحديث أنه يرد بها السلم على من سلم عليه فكلتاهما حياة‬
‫برزخية ليست معقولة لهل الدنيا‪ ,‬أما في الشهداء فقد نص‬
‫ن{‪ ,‬وقد فسرها‬ ‫عُرو َ‬ ‫ش ُ‬ ‫ول َك ِ ْ‬
‫ن ل تَ ْ‬ ‫تعالى على ذلك بقوله‪َ } :‬‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم‪" :‬تجعل أرواحهم في حواصل‬
‫طيور خضر ترتع في الجنة وتأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش‬
‫فهم يتنعمون بذلك"‪ ,‬وأما ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من‬
‫أنه ل يسلم عليه أحد إل رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلم‬
‫كل ملئكته يبلغونه سلم أمته فإن تلك الحياة أيضا ل‬ ‫وأن الله وَ ّ‬
‫يعقل حقيقتها أهل الدنيا لنها ثابتة له صلى الله عليه وسلم مع‬
‫أن روحه الكريمة في أعلى عليين مع الرفيق العلى فوق أرواح‬
‫الشهداء فتعلق هذه الروح الطاهرة التي هي في أعلى عليين‬
‫بهذا البدن الشريف الذي ل تأكله الرض يعلم الله حقيقته ول‬
‫ن{‬ ‫عُرو َ‬‫ش ُ‬ ‫ول َك ِ ْ‬
‫ن ل تَ ْ‬ ‫يعلمها الخلق كما قال في جنس ذلك } َ‬
‫ولو كانت كالحياة التي يعرفها آهل الدنيا لما قال الصديق رضي‬
‫الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم مات ولما جاز دفنه ول نصب‬
‫خليفة غيره ول قتل عثمان ول اختلف أصحابه ول جرى على‬
‫عائشة ما جرى ولسألوه عن الحكام التي اختلفوا فيها بعده‬
‫كالعول وميراث الجد والخوة ونحو ذلك‪.‬‬
‫وإذا صرح القرآن بأن الشهداء أحياء في قوله تعالى بل‬
‫أحياء‪ ,‬وصرح بأن هذه الحياة ل يعرف حقيقتها أهل الدنيا بقوله‪:‬‬
‫ن{‪ ,‬وكان النبي صلى الله عليه وسلم أثبت‬ ‫عُرو َ‬ ‫ن ل تَ ْ‬
‫ش ُ‬ ‫ول َك ِ ْ‬
‫} َ‬
‫حياته في القبر بحيث يسمع السلم ويرده وأصحابه الذين دفنوه‬
‫صلى الله عليه وسلم ل تشعر حواسهم بتلك الحياة عرفنا أنها‬
‫حياة ل يعقلها أهل الدنيا أيضا‪ ,‬ومما يقرب هذا للذهن حياة النائم‬
‫فإنه يخالف الحي في جميع التصرفات مع أنه يدرك الرؤيا ويعقل‬
‫المعاني والله تعالى أعلم‪.‬‬
‫قال العلمة ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب الروح ما‬
‫نصه‪" :‬ومعلوم بالضرورة أن جسده صلى الله عليه وسلم في‬
‫الرض طرى مطرا وقد سأله الصحابة‪:‬كيف تعرض صلتنا عليك‬
‫وقد أرمت؟ فقال‪" :‬إن الله حرم على الرض أن تأكل أجساد‬
‫النبياء" ولو لم يكن جسده في ضريحه لما أجاب بهذا الجواب‪,‬‬
‫وقد صح عنه "إن الله وكل بقبره ملئكة يبلغونه عن أمته‬
‫السلم"‪ ,‬وصح عنه أنه خرج بين أبي بكر وعمر وقال‪" :‬هكذا‬
‫نبعث" هذا مع القطع بأن روحه الكريمة في الرفيق العلى في‬
‫أعلى عليين مع أرواح النبياء‪ ,‬وقد صح عنه أنه رأى موسى يصلي‬
‫في قبره ليلة السراء ورآه في السماء السادسة أو السابعة‪,‬‬
‫فالروح كانت هناك ولها اتصال بالبدن في القبر وإشراف عليه‬
‫وتعلق به بحيث يصلي في قبره ويرد سلم من يسلم عليه وهي‬
‫في الرفيق العلى ول تنافي بين المرين‪ ,‬فإن شأن الرواح غير‬
‫شأن البدان"‪ .‬انتهى محل الغرض من كلم ابن القيم بلفظه‪,‬‬
‫وهو يدل على أن الحياة المذكورة غير معلومة الحقيقة لهل‬
‫الدنيا‪ .‬قال تعالى‪} :‬ب ْ َ‬
‫ن{ والعلم عند‬ ‫عُرو َ‬ ‫ش ُ‬ ‫ن ل تَ ْ‬ ‫ول َك ِ ْ‬ ‫حَياءٌ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫َ‬
‫الله‪.‬‬
‫َ‬
‫ول‬ ‫شْيئا ً َ‬ ‫ن َ‬ ‫قُلو َ‬ ‫ع ِ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ؤ ُ‬ ‫ن آَبا ُ‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬أ َ‬
‫ن{‪ .‬هذه الية الكريمة تدل بظاهرها على أن الكفار ل‬ ‫دو َ‬ ‫هت َ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫عقول لهم أصل لن قوله شيئا نكرة في سياق النفي فهي تدل‬
‫على العموم وقد جاءت آيات أخر تدل على أن الكفار لهم عقول‬
‫ن‬
‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫وَزي ّ َ‬ ‫يعقلون بها في الدنيا كقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ن{‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ست َب ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫كاُنوا ُ‬ ‫و َ‬ ‫ل َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ع ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫صد ّ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫مال َ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫أَ ْ‬
‫والجواب أنهم يعقلون أمور الدنيا دون أمور الخرة كما بينه تعالى‬
‫َ‬
‫سل‬ ‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫ول َك ِ ّ‬ ‫عدَهُ َ‬ ‫و ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫خل ِ ُ‬ ‫ه ل يُ ْ‬ ‫عدَ الل ّ ِ‬ ‫و ْ‬ ‫بقوله‪َ } :‬‬
‫ن‬‫ع ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ة الدّن َْيا َ‬ ‫حَيا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫هرا ً ِ‬ ‫ظا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫فُلو َ‬ ‫غا ِ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫خَر ِ‬ ‫ال ِ‬
‫م{ الية‪ .‬هذه‬ ‫والدّ َ‬ ‫ة َ‬ ‫مي ْت َ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫عل َي ْك ُ ُ‬
‫م َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫الية تدل بظاهرها على جميع أنواع الدم حرام‪ ,‬ومثلها قوله تعالى‬
‫م{ الية‪,‬‬ ‫والدّ َ‬ ‫ة َ‬ ‫مي ْت َ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫عل َي ْك ُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫في سورة النحل‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫م{‬ ‫والدّ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫مي ْت َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫عل َي ْك ُ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫م ْ‬ ‫حّر َ‬ ‫وقوله في سورة المائدة‪ُ } :‬‬
‫الية‪ .‬وقد ذكر في آية أخرى ما يدل على أن الدم ل يحرم إل إذا‬
‫ن يَ ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫كو َ‬ ‫كان مسفوحا وهي قوله تعالى في سورة النعام‪} :‬إ ِل ّ أ ْ‬
‫فوحًا{ الية‪.‬‬ ‫ميت َ ً َ‬
‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫دما ً َ‬ ‫و َ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫والجواب أن هذه المسألة من مسائل تعارض المطلق‬
‫والمقيد والجاري على أصول مالك والشافعي وأحمد حمل‬
‫المطلق على المقيد ل سيما مع اتحاد الحكم والسبب‪ ,‬كما هنا‬
‫وسواء عندهم تأخر المطلق عن المقيد في سورة النعام وهى‬
‫نزلت قبل النحل مع أنهما مكيتان آيات معروفة‪ ,‬والدليل على أن‬
‫دوا‬
‫ها ُ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَلى ال ّ ِ‬ ‫و َ‬‫النعام قبل النحل قوله تعالى في النحل‪َ } :‬‬
‫ل{ الية‪ ,‬والمراد به ما قص‬ ‫قب ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ك ِ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫صَنا َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ق َ‬ ‫ما َ‬ ‫مَنا َ‬ ‫حّر ْ‬‫َ‬
‫ل ِذي‬ ‫مَنا ك ُ ّ‬ ‫حّر ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫ها ُ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَلى ال ّ ِ‬ ‫و َ‬ ‫عليه في النعام بقوله‪َ } :‬‬
‫ر{ الية وأما كون النعام نزلت قبل البقرة والمائدة فواضح‬ ‫ف ٍ‬ ‫ظُ ُ‬
‫لن النعام مكية بالجماع والمائدة من آخر ما نزل من القرآن‬
‫ولم ينسخ منها شيء لتأخرها‪ ,‬وعلى هذا فالدم إذا كان غير‬
‫مسفوح كالحمرة التي تظهر في القدر من أثر تقطيع اللحم فهو‬
‫ليس بحرام لحمل المطلق على المقيد وعلى هذا كثير من‬
‫العلماء‪ ,‬وما ذكرنا من عدم النسخ في المائدة قال به جماعة وهو‬
‫م{‬ ‫ه ْ‬ ‫م ب َي ْن َ ُ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫فا ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ءو َ‬‫جا ُ‬‫ن َ‬ ‫فإ ِ ْ‬ ‫على القول بأن قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫الية‪.‬‬
‫َ‬
‫م{ غير منسوخين صحيح‬ ‫رك ُ ْ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫خَرا ِ‬ ‫وآ َ‬ ‫وقوله‪} :‬أ ْ‬
‫وعلى القول بنسخهما ل يصح على الطلق‪ ,‬والعلم عند الله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫م إ ِل ّ الّناَر‬ ‫ه ْ‬ ‫في ب ُطون ِ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما ي َأك ُُلو َ‬ ‫ك َ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬أول َئ ِ َ‬
‫ة{ الية‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫و َ‬‫ه يَ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫ه ُ‬ ‫ول ي ُك َل ّ ُ‬
‫م ُ‬ ‫َ‬
‫هذه الية تدل بظاهرها على أن الله ل يكلم الكفار يوم‬
‫القيامة لن قوله تعالى ول يكلمهم فعل في سياق النفي‪ ,‬وقد‬
‫تقرر في علم الصول أن الفعل في سياق النفي من صيغ العموم‬
‫وسواء كان الفعل متعديا أو لزما على التحقيق خلفا للغزالي‬
‫القائل بعمومه في المتعدي دون اللزم خلف المام أبي حنيفة‬
‫رحمه الله في ذلك في حال ل في حقيقة لنه يقول إن الفعل‬
‫في سياق النفي ليس صيغة للعوم ولكنه يدل عليه باللتزام أي‬
‫لنه يدل على نفي الحقيقة ونفيها يلزمه نفي جميع أفراده‬
‫وإيضاح عموم الفعل في سياق النفي أن الفعل ينحل عن مصدر‬
‫وزمن عند النحويين وعن مصدر وزمن ونسبة عند بعض‬
‫البلغيين‪ ,‬فالمصدر داخل في معناه إجماعا فالنفي الداخل على‬
‫الفعل ينفي المصدر الكامن في الفعل فيؤول إلى معنى النكرة‬
‫في سياق النفي ومن العجيب أن أبا حنيفة رحمه الله يوافق‬
‫الجمهور على أن الفعل في سياق النفي أن أكد بمصدر نحو ل‬
‫شربت تربا مثل أفاد العموم مع أنه ل يوافق على إفادة النكرة‬
‫في سياق النفي للعموم‪ .‬وقد جاءت آيات أخر تدل على أن الله‬
‫ن‬ ‫ها َ‬ ‫يكلم الكفار يوم القيامة كقوله تعالى‪} :‬ربَنا أ َ‬
‫فإ ِ ْ‬ ‫من ْ َ‬‫جَنا ِ‬ ‫ر ْ‬‫ِ‬ ‫خ‬‫ْ‬ ‫َ ّ‬
‫ن{ الية‪.‬‬ ‫مو ِ‬‫ول ت ُك َل ّ ُ‬ ‫ها َ‬ ‫سُأوا ِ‬
‫في َ‬ ‫خ َ‬
‫لا ْ‬ ‫ن َ‬
‫قا َ‬ ‫مو َ‬ ‫فإ ِّنا َ‬
‫ظال ِ ُ‬ ‫عدَْنا َ‬
‫ُ‬

‫والجواب عن هذا بأمرين‪:‬‬


‫الول‪-‬وهو الحق‪ :‬أن الكلم الذي نفى الله أنه يكلمهم به هو‬
‫الكلم الذي فيه خير‪ ,‬وأما التوبيخ والتقريع والهانة فكلم الله‬
‫ول‬ ‫لهم به من جنس عذابه لهم ولم يقصد بالنفي في قوله‪َ } :‬‬
‫م{‪.‬‬ ‫ه ُ‬ ‫ي ُك َل ّ ُ‬
‫م ُ‬
‫الثاني‪ :‬أنه ل يكلمهم أصل وإنما تكلمهم الملئكة بإذنه وأمره‪.‬‬
‫قت َْلى{هذه‬ ‫في ال ْ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫صا ُ‬ ‫ق َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫عل َي ْك ُ ُ‬‫ب َ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬ك ُت ِ َ‬
‫الية تدل بظاهرها على أن القصاص أمر حتم لبد منه بدليل قوله‬
‫تعالى كتب عليكم لن معناه فرض وحتم عليكم مع أنه تعالى ذكر‬
‫أيضا أن القصاص ليس بمتعين لن ولي الدم بالخيار في قوله‬
‫يءٌ { الية‪ .‬والجواب‬ ‫ش ْ‬ ‫ه َ‬ ‫خي ِ‬ ‫ن أَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ي لَ ُ‬‫ف َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬ ‫تعالى‪َ } :‬‬
‫ظاهر وهو أن فرض القصاص إلزامه فيما إذا لم يعف أولياء الدم‬
‫مظُْلوما ً‬ ‫ل َ‬ ‫قت ِ َ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫و َ‬
‫أو بعضهم‪ ,‬كما يشير إليه قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ل{ الية‪.‬‬ ‫قت ْ ِ‬‫في ال ْ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ر ْ‬‫ِ‬ ‫س‬
‫فل ي ُ ْ‬ ‫طانا ً َ‬ ‫سل ْ َ‬‫ه ُ‬ ‫عل َْنا ل ِ َ‬
‫ول ِي ّ ِ‬ ‫ج َ‬‫قد ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫ذا ح َ َ‬
‫ن‬‫ت إِ ْ‬ ‫و ُ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫حدَك ُ ُ‬
‫ضَر أ َ‬ ‫م إِ َ َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬‫ب َ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬ك ُت ِ َ‬
‫ة{‪ .‬الية‪.‬‬ ‫صي ّ ُ‬ ‫و ِ‬ ‫خْيرا ً ال ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ت ََر َ‬
‫هذه الية تعارض آيات المواريث بضميمة بيان النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم لن المقصود منها إبطال الوصية للوارثين منهم‬
‫وذلك قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن الله أعطى كل ذي حق‬
‫حقه فل وصية لوارث" والجواب ظاهر وهو أن آية الوصية هذه‬
‫منسوخة بآيات المواريث والحديث المذكور بيان للناسخ وذهب‬
‫بعض العلماء إلى أنها محكمة ل منسوخة وانتصر لهذا القول ابن‬
‫حزم غاية النتصار وعلى القول بأنها محكمة فهي من العام‬
‫المخصوص فالوالدان والقربون الذين يرثون والحديث وأما‬
‫الوالدان اللذان ل ميراث لهما كالرقيقين‪ ,‬والقارب الذين ل‬
‫يرثون فتجب لهم الوصية على هذا القول ولكن مذهب الجمهور‬
‫خلفة وحكى العبادي في اليات البينات الجماع على أنها‬
‫منسوخة مع أن جماعة من العلماء قالوا بعدم النسخ قال مقيده‬
‫عفا الله عنه‪ :‬التحقيق أن النسخ واقع فيها يقينا في البعض لن‬
‫الوصية للوالدين الوارثين والقارب الوارثين رفع حكمها بعد‬
‫تقرره إجماعا وذلك نسخ في البعض ل تخصيص قصر العام على‬
‫بعض أفراده لدليل‪ ,‬أما رفع حكم معين بعد تقرره فهو نسخ ل‬
‫تخصيص كما هو ظاهر‪ ,‬وقد تقرر في علم الصول إن التخصيص‬
‫بعد العمل بالعام نسخ وإليه الشارة بقول صاحب مراقي‬
‫السعود‪:‬‬
‫نسخ والغير مخصصا جلى‬ ‫وإن أتى ما خص بعد العمل‬
‫والله تعالى أعلم‪..‬‬

‫دفع إيهام الضطراب عن آيات الكتاب‬


‫]‪[3‬‬
‫لفضيلة الشيخ محمد المين الشنقيطي‬
‫المدرس بالجامعة‬
‫ه‬
‫قون َ ُ‬ ‫طي ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَلى ال ّ ِ‬ ‫و َ‬ ‫أحدهما‪ :‬وهو الحق‪ ,‬أن قوله‪َ } :‬‬
‫هَر‬ ‫ش ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫من ْك ُ ُ‬‫هد َ ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬‫ة{ منسوخ بقوله‪َ } :‬‬ ‫فدْي َ ٌ‬‫ِ‬
‫ه{‪.‬‬ ‫م ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫فل ْي َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن معنى يطيقونه‪ :‬ل يطيقونه‪ ,‬بتقدير )ل( النافية‪,‬‬ ‫الثاني‪ :‬أ ّ‬
‫وعليه فتكون الية محكمة‪ ,‬ويكون وجوب الطعام على العاجز‬
‫على الصوم كالهرم والزمن‪ ,‬واستدل لهذا القول بقراءة بعض‬
‫الصحابة يطوقونه )بفتح الياء وتشديد الطاء والواو المفتوحتين(‬
‫بمعنى‪ :‬يتكلفونه مع عجزهم عنه‪ ,‬وعلى هذا القول فيجب على‬
‫الهرم ونحوه الفدية‪ ,‬وهو اختيار البخاري مستدل بفعل أنس بن‬
‫مالك رضي الله عنه ‪.‬‬
‫قات ُِلون َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫قات ُِلوا ِ‬ ‫و َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫دوا{ الية‪ ,‬هذه الية تدل بظاهرها على أنهم لم يؤمروا‬ ‫عت َ ُ‬ ‫ول ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫بقتال الكفار إل إذا قاتلوهم‪ ,‬وقد جاءت آيات أخر تدل على‬
‫وجوب قتال الكفار مطلقا؛ قاتلوا أم ل‪ ,‬كقوله تعالى‪:‬‬
‫سل َ َ‬
‫خ‬ ‫ذا ان ْ َ‬ ‫فإ ِ َ‬‫ة{‪ ,‬قوله‪َ } :‬‬ ‫فت ْن َ ٌ‬‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫حّتى ل ت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قات ُِلو ُ‬ ‫و َ‬‫} َ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫مو ُ‬ ‫جدْت ُ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ث َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قت ُُلوا ال ْ ُ‬ ‫فا ْ‬
‫م َ‬ ‫حُر ُ‬ ‫هُر ال ْ ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫ال َ ْ‬
‫د{‪ ,‬وقوله‬ ‫ص ٍ‬ ‫مْر َ‬ ‫ل َ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫ه ْ‬‫دوا ل َ ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫ق ُ‬ ‫وا ْ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫صُرو ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ذو ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫و ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫و يُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫قات ُِلون َ ُ‬ ‫تعالى‪} :‬ت ُ َ‬
‫والجواب عن هذه بأمور‪:‬‬
‫ن المراد بقوله‪:‬‬ ‫الول‪ - :‬وهو من أحسنها وأقربها ‪ -‬أ ّ‬
‫م{ تهييج المسلمين‪ ,‬وتحريضهم على قتال‬ ‫قات ُِلون َك ُ ْ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}ال ّ ِ‬
‫الكفار‪ ,‬فكأنه يقول لهم‪ :‬هؤلء الذين أمرتكم بقتالهم هم‬
‫خصومكم وأعداؤكم الذين يقاتلونكم‪ ,‬ويدل لهذا المعنى قوله‬
‫م‬ ‫قات ُِلون َك ُ ْ‬ ‫ما ي ُ َ‬ ‫ة كَ َ‬ ‫ف ً‬ ‫كا ّ‬ ‫ن َ‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قات ُِلوا ال ْ ُ‬ ‫و َ‬ ‫تعالى‪َ } :‬‬
‫ة{‪ ,‬وخير ما يفسر به القرآن القرآن ‪.‬‬ ‫ف ً‬ ‫كا ّ‬ ‫َ‬
‫قت ُُلوا‬ ‫فا ْ‬ ‫الوجه الثاني‪ :‬أنها منسوخة بقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫م{‪ ,‬وهذا من جهة النظر ظاهر‬ ‫ه ْ‬ ‫مو ُ‬ ‫جدْت ُ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ث َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن من حكمة الله البالغة في التشريع‬ ‫حسن جدا‪ ,‬وإيضاح ذلك أ ّ‬
‫أنه إذا أراد تشريع أمر عظيم على النفوس ربما يشرعه تدريجيا‬
‫لتخف صعوبته بالتدريج‪ ,‬فالخمر مثل لما كان تركها شاقا على‬
‫ل‬‫ق ْ‬ ‫النفوس التي اعتادتها ذكر أول بعض معائبها بقوله‪ُ } :‬‬
‫م ك َِبيٌر{‪ ,‬ثم بعد ذلك حرمها في وقت دون وقت‬ ‫ما إ ِث ْ ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫في ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫قَرُبوا‬ ‫مُنوا ل ت َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫كما دل عليه قوله تعالى‪َ} :‬يا أي ّ َ‬
‫كاَرى{ الية‪ ,‬ثم لما استأنست النفوس‬ ‫س َ‬ ‫الصلةَ َ‬
‫م ُ‬ ‫وأن ْت ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ر ْ‬ ‫ً‬
‫بتحريمها في الجملة حّرمها تحريما باتا بقوله‪ِ } :‬‬
‫ن{‪ ,‬وكذلك‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬ ‫جت َن ُِبوهُ ل َ َ‬ ‫فا ْ‬ ‫ن َ‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬
‫الصوم لما كان شاقا على النفوس شرعه أول على سبيل‬
‫التخيير بينه وبين الطعام‪ ,‬ثم رغب في الصوم مع التخيير‬
‫بقوله‪َ } :‬‬
‫م{‪ ,‬ثم لما استأنست به‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬ ‫موا َ‬ ‫صو ُ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫من ْك ُ‬ ‫هد َ ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬ ‫النفوس أوجبه إيجابا حتما بقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ه{‪ ,‬وكذلك القتال على هذا القول لما كان‬ ‫م ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫فل ْي َ ُ‬ ‫هَر َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫شاقا على النفوس أذن فيه أول من غير إيجاب بقوله‪} :‬أِذ َ‬
‫َ‬
‫موا{ الية‪ ,‬ثم أوجب عليهم قتال‬ ‫م ظُل ِ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن ب ِأن ّ ُ‬ ‫قات َُلو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫قات ُِلوا ِ‬ ‫و َ‬ ‫من قاتلهم بقوله‪َ } :‬‬
‫م{‪ ,‬ثم لما استأنست نفوسهم بالقتال أوجبه عليهم‬ ‫قات ُِلون َك ُ ْ‬ ‫يُ َ‬
‫م‬
‫ه ْ‬‫مو ُ‬ ‫جدْت ُ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ث َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قت ُُلوا ال ْ ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫إيجابا عاما بقوله‪َ } :‬‬
‫م{ الية‪.‬‬ ‫ه ْ‬ ‫صُرو ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ذو ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫و ُ‬ ‫َ‬
‫الوجه الثالث‪ :‬وهو اختيار بن جرير‪ ,‬ويظهر لي أنه‬
‫الصواب‪ :‬أن الية محكمة‪ ,‬وأن معناها‪ :‬قاتلوا الذين يقاتلونكم‬
‫أي من شأنهم أن يقاتلوكم‪ ,‬أما الكافر الذي ليس من شأنه‬
‫القتال كالنساء‪ ,‬والذراري‪ ,‬والشيوخ الفانية‪ ,‬والرهبان‪ ,‬وأصحاب‬
‫الصوامع‪ ,‬ومن ألقى إليكم السلم‪ ,‬فل تعتدوا بقتالهم؛ لنهم ل‬
‫يقاتلونكم‪ ,‬ويدل لهذا الحاديث المصرحة بالنهي عن قتال‬
‫الصبي‪ ,‬وأصحاب الصوامع‪ ,‬والمرأة‪ ,‬والشيخ الهرم إذا لم‬
‫يستعن برأيه‪ ,‬أما صاحب الرأي فيقتل كدريد بن الصمة‪ ,‬وقد‬
‫فسر هذه الية بهذا المعنى عمر بن العزيز رضي الله عنه وابن‬
‫عباس والحسن البصري ‪.‬‬
‫ل‬‫مث ْ ِ‬ ‫ه بِ ِ‬ ‫عل َي ْ ِ‬ ‫دوا َ‬ ‫عت َ ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫م َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫دى َ‬ ‫عت َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ف َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫م{ الية‪ ,‬هذه الية تدل على طلب النتقام‪,‬‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫دى َ‬ ‫عت َ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م ِ‬ ‫ول َ َ‬ ‫وقد أذن الله في النتقام في آيات كثيرة كقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ما‬ ‫ل‪ ,‬إ ِن ّ َ‬ ‫سِبي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫علي ْ ِ‬
‫ما َ َ‬ ‫ك َ‬ ‫فُأول َئ ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫م ِ‬ ‫عدَ ظُل ْ ِ‬ ‫صَر ب َ ْ‬ ‫ان ْت َ َ‬
‫س{ الية‪ ,‬وكقوله‪} :‬ل‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ي َظْل ِ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَلى ال ّ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫سِبي ُ‬ ‫ال ّ‬
‫م{‪,‬‬ ‫ن ظُل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِإل َ‬ ‫و ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ء ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫هَر ِبال ّ‬ ‫ج ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫يُ ِ‬
‫ي‬
‫غ َ‬ ‫م بُ ِ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ب بِ ِ‬ ‫ق َ‬ ‫عو ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫ب بِ ِ‬ ‫ق َ‬ ‫عا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫ك َ‬ ‫وكقوله‪} :‬ذَل ِ َ‬
‫م‬ ‫عل َيه ل َين ْصرن ّه الل ّه{ الية‪ ,‬وقوله‪} :‬وال ّذين إ َ َ‬
‫ه ُ‬ ‫صاب َ ُ‬ ‫ذا أ َ‬ ‫َ ِ َ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ ِ َ ُ َ ُ‬
‫ة‬‫سي ّئ َ ٌ‬ ‫ة َ‬ ‫سي ّئ َ ٍ‬ ‫جَزاءُ َ‬ ‫و َ‬ ‫ن{‪ ,‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ي َن ْت َ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ي ُ‬ ‫غ ُ‬ ‫ال ْب َ ْ‬
‫ها{‪ ,‬وقد جاءت آيات أخر تدل على العفو وترك النتقام‬ ‫مث ْل ُ َ‬ ‫ِ‬
‫ن‬‫مي َ‬ ‫كاظِ ِ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫ل{‪ ,‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫مي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ح ال ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ح ال ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫ص َ‬ ‫فا ْ‬ ‫كقوله‪َ } :‬‬
‫صب ََر‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ول َ َ‬ ‫س{‪ ,‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫ن الّنا ُِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن َ‬ ‫في َ‬ ‫عا ِ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫ظ َ‬ ‫غي ْ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫و‬‫ف َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ذ ال ْ َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ر{‪ ,‬وقوله‪ُ } :‬‬ ‫مو ِ‬ ‫عْزم ِ ال ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك لَ ِ‬ ‫ن ذَل ِ َ‬ ‫فَر إ ِ ّ‬ ‫غ َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫وإ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن{‪ ,‬وكقوله‪َ } :‬‬ ‫هِلي َ‬ ‫جا ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ر ْ‬ ‫ع ِ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫عْر ِ‬ ‫مْر ِبال ُ‬ ‫وأ ُ‬ ‫َ‬
‫سلمًا{‪ .‬والجواب عن هذا‬ ‫قاُلوا َ‬ ‫ن َ‬ ‫هُلو َ‬ ‫جا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫خاطَب َ ُ‬ ‫َ‬
‫بأمرين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن الله بّين مشروعية النتقام ثم أرشد إلى‬
‫م‬‫قب ْت ُ ْ‬ ‫عا َ‬ ‫ن َ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫أفضلية العفو‪ ,‬ويدل لهذا قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫خي ٌْر‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫صب َْرت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ول َئ ِ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫قب ْت ُ ْ‬ ‫عو ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫قُبوا ب ِ ِ‬ ‫عا ِ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫ء ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫هَر ِبال ّ‬ ‫ج ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن{‪ ,‬وقوله‪} :‬ل ي ُ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫ِلل ّ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫م{‪ ,‬أذن في النتقام بقوله‪ِ} :‬إل َ‬ ‫ن ظُل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِإل َ‬ ‫و ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫و‬‫خْيرا ً أ ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫ن ت ُب ْ ُ‬ ‫م{‪ ,‬ثم أرشد إلى العفو بقوله‪} :‬إ ِ ْ‬ ‫ظُل ِ َ‬
‫ديرًا{‬ ‫وا ً َ‬ ‫َ‬
‫ق ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫ع ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫فإ ِ ّ‬ ‫ء َ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫فوا َ‬ ‫ع ُ‬ ‫و تَ ْ‬ ‫فوهُ أ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫تُ ْ‬
‫ن النتقام له موضع يحسن فيه‪ ,‬والعفو له‬ ‫الوجه الثاني‪ :‬أ ّ‬
‫موضع كذلك‪ ,‬وإيضاحه أن من المظالم ما يكون في الصبر عليه‬
‫ن من غصبت منه جاريته مثل إذا‬ ‫انتهاك حرمة الله‪ ,‬أل ترى أ ّ‬
‫كان الغاصب يزني بها فسكوته وعفوه عن هذه المظلمة قبيح‬
‫وضعف وخور‪ ,‬تنتهك به حرمات الله‪ ,‬فالنتقام في مثل هذه‬
‫دوا{ الية‪ ,‬أي كما بدأ‬ ‫عت َ ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫الحالة واجب‪ ,‬وعليه يحمل المر} َ‬
‫الكفار بالقتال فقتالهم واجب‪ ,‬بخلف من أساء إليه بعض إخوانه‬
‫من المسلمين بكلم قبيح‪ ,‬ونحو ذلك فعفوه أحسن وأفضل‪,‬‬
‫وقد قال أبو الطيب المتنبي‪:‬‬
‫وحلم الفتى في غير موضعه‬ ‫إذا قيل حلم قل فللحلم‬
‫جهل‬ ‫موضع‬
‫و‬
‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫ت َ‬ ‫م ْ‬ ‫في َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ِدين ِ ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ددْ ِ‬ ‫ن ي َْرت َ ِ‬ ‫م ْ‬‫و َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫م{ هذه الية الكريمة تدل‬ ‫ه ْ‬ ‫مال ُ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ت أَ ْ‬ ‫حب ِطَ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫فُأول َئ ِ َ‬ ‫فٌر َ‬ ‫كا ِ‬ ‫َ‬
‫على أن الّردة ل تحبط العمل إل بقيد الموت على الكفر بدليل‬
‫فٌر{‪ ,‬وقد جاءت آيات أخر تدل على أن‬ ‫كا ِ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫ت َ‬ ‫م ْ‬ ‫في َ ُ‬‫قوله } َ‬
‫الردة تحبط العمل مطلقا ولو رجع إلى السلم؛ فكل ما عمل‬
‫ن‬
‫ما ِ‬ ‫لي َ‬ ‫فْر ِبا ْ ِ‬ ‫ن ي َك ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫قبل الردة أحبطته الردة كقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ن‬ ‫حب َطَ ّ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬ ‫شَرك ْ َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ه{ الية‪ ,‬وقوله‪} :‬ل َئ ِ ْ‬ ‫مل ُ ُ‬ ‫ع َ‬‫ط َ‬ ‫حب ِ َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫كاُنوا‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫ط َ‬ ‫حب ِ َ‬ ‫كوا ل َ َ‬ ‫شَر ُ‬ ‫و أَ ْ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫ك{ الية‪ ,‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫مل ُ َ‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬ ‫يَ ْ‬
‫والجواب عن هذا أن هذه من مسائل التعارض المطلق‬
‫والمقيد‪ ,‬فيحمل المطلق على المقيد‪ ,‬فتقيد آيات المطلقة‬
‫بالموت على الكفر‪ ,‬وهذا مقتضى الصول‪ ,‬وعليه المام‬
‫الشافعي ومن وافقه‪ ,‬وخالف مالك في هذه المسألة‪ ,‬وقدم‬
‫آيات الطلق‪ ,‬وقول الشافعي في هذه المسألة أجرى على‬
‫الصول‪ ,‬والعلم عند الله تعالى‪.‬‬
‫ن{‬ ‫م ّ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫حّتى ي ُ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫كا ِ‬ ‫ر َ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حوا ال ْ ُ‬ ‫ول ت َن ْك ِ ُ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫الية‪ ,‬هذه الية تدل بظاهرها على تحريم نكاح كل كافرة‪ ,‬ويدل‬
‫ر{‪ ,‬وقد‬ ‫ف ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫صم ِ ال ْك َ َ‬ ‫ع َ‬ ‫كوا ب ِ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ول ت ُ ْ‬ ‫لذلك أيضا قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ن‬‫جاءت آية أخرى تدل على جواز نكاح بعض الكافرات؛ وه ّ‬
‫ن ُأوُتوا‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫عا ُ‬ ‫وط َ َ‬ ‫الحرائر الكتابيات‪ ,‬وهي قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫صَنا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬‫وال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫عا ُ‬ ‫وط َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ب ِ‬ ‫ال ْك َِتا َ‬
‫ُ‬
‫ب{‪.‬‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫صَنا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫حوا‬ ‫ول ت َن ْك ِ ُ‬ ‫والجواب أن هذه الية الكريمة تخصص قوله‪َ } :‬‬
‫ت{ أي ما لم يكن كتابيات بدليل قوله‪:‬‬ ‫كا ِ‬ ‫ر َ‬ ‫ِ‬ ‫ش‬‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ُ‬
‫ب{‪ ,‬وحكى ابن جرير‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫صَنا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫} َ‬
‫الجماع على هذا‪ ,‬وأما ما روي عن عمر من إنكاره على طلحة‬
‫تزويج يهودية‪ ,‬وعلى حذيفة تزويج نصرانية؛ فإنه إنما كره نكاح‬
‫الكتابيات لئل يزهد الناس في المسلمات‪ ,‬أو لغير ذلك من‬
‫المعاني‪ ,‬قاله ابن جرير‪.‬‬
‫َ‬ ‫مطَل ّ َ‬
‫ن َثلث َ َ‬
‫ة‬ ‫ه ّ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن ب ِأن ْ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ت ي َت ََرب ّ ْ‬ ‫قا ُ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ن كل‬ ‫ء{ الية‪ ,‬هذه الية الكريمة تدل بظاهرها على أ ّ‬ ‫قُرو ٍ‬ ‫ُ‬
‫مطّلقة تعتد ّ بالقراء‪ ,‬وقد جاء في آيات أخر أن بعض المطلقات‬
‫يعتد بغير القراء؛ كالعجائز والصغائر المنصوص عليها بقوله‪:‬‬
‫م‬ ‫واللِئي ل َ ْ‬ ‫ض{ إلى قوله‪َ } :‬‬ ‫ِ‬ ‫حي‬ ‫م ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫س َ‬ ‫واللِئي ي َئ ِ ْ‬ ‫} َ‬
‫ت‬ ‫ُ‬
‫وأول ُ‬ ‫ن{‪ ,‬وكالحوامل المنصوص عليها بقوله‪َ } :‬‬ ‫ض َ‬ ‫ح ْ‬ ‫يَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{ على أّنه جاء في آية‬ ‫ه ّ‬ ‫مل َ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ع َ‬ ‫ض ْ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ه ّ‬ ‫جل ُ ُ‬ ‫لأ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ال َ ْ‬
‫ن المطلقات‬ ‫ن أصل‪ ,‬وه ّ‬ ‫ن بعض المطّلقات ل عدة عليه ّ‬ ‫أخرى أ ّ‬
‫َ‬
‫مُنوا إ ِ َ‬
‫ذا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫قبل الدخول‪ ,‬وهي قوله تعالى‪َ} :‬يا أي ّ َ‬
‫َ‬ ‫م طَل ّ ْ‬
‫ن‬
‫ه ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫قب ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ه ّ‬ ‫مو ُ‬ ‫قت ُ ُ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫حت ُ ُ‬ ‫ن َك َ ْ‬
‫ها{ الية‪ ,‬والجواب عن‬ ‫دون َ َ‬ ‫عت َ ّ‬ ‫ة تَ ْ‬ ‫عد ّ ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ه ّ‬ ‫م َ َ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ف َ‬
‫ن آية )المطلقات( عامة‪ ,‬وهذه اليات‬ ‫هذا ظاهر وهو‪ :‬أ ّ‬
‫ص منها‪ ,‬فهي مخصصة لها‪ ,‬فهي إذا ً من العام‬ ‫المذكورة أخ ّ‬
‫المخصوص ‪.‬‬
‫واجا ً‬ ‫َ‬
‫ن أْز َ‬ ‫وي َذَُرو َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫و َ‬ ‫ف ْ‬ ‫و ّ‬ ‫ن ي ُت َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫شرًا{‪ ,‬هذه الية يظهر‬ ‫ع ْ‬ ‫و َ‬ ‫ر َ‬ ‫ه ٍ‬ ‫ش ُ‬ ‫ة أَ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ن أْرب َ َ‬
‫َ‬
‫ه ّ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن ب ِأ َن ْ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ي َت ََرب ّ ْ‬
‫وي َذَُرو َ‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫و َ‬ ‫ف ْ‬ ‫و ّ‬ ‫ن ي ُت َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫تعارضها مع قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫صي ّ ً َ‬ ‫َ‬
‫ج{‬ ‫خَرا ٍ‬ ‫غي َْر إ ِ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫و ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫مَتاعا ً إ َِلى ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫ة لْز َ‬ ‫و ِ‬ ‫واجا ً َ‬ ‫أْز َ‬
‫والجواب ظاهر وهو أن الولى ناسخة لهذه‪ ,‬وإن كانت قبلها في‬
‫المصحف؛ لنها متأخرة عنها في النزول‪ ,‬وليس في القرآن آية‬
‫هي الولى في المصحف وهي ناسخة لية بعدها إل ّ في‬
‫ي إ ِّنا‬ ‫َ‬
‫ها الن ّب ِ ّ‬ ‫موضعين؛ أحدهما‪ :‬هذا الموضع‪ ,‬الثاني‪ :‬آية }َيا أي ّ َ‬
‫أ َحل َل َْنا ل َ َ َ‬
‫ك{ هي الولى في المصحف‪ ,‬وهي ناسخة‬ ‫ج َ‬ ‫وا َ‬ ‫ك أْز َ‬ ‫ْ‬
‫د{ الية؛ لنها تقدمت في‬ ‫ع ُ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ساءُ ِ‬ ‫ك الن ّ َ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫لقوله‪} :‬ل ي َ ِ‬
‫المصحف فهي متأخرة في النزول‪ ,‬وهذا على القول بالنسخ‪،‬‬
‫ويأتي إن شاء الله تحرير المقام في سورة الحزاب ‪.‬‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫شد ُ ِ‬ ‫ن الّر ْ‬ ‫قدْ ت َب َي ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫دي ِ‬ ‫في ال ّ‬ ‫قال تعالى‪} :‬ل إ ِك َْراهَ ِ‬
‫ي{ هذه الية تدل بظاهرها على أنه ل يكره أحد على‬ ‫ّ‬ ‫غ‬ ‫ال ْ َ‬
‫الدخول في الدين‪ ,‬ونظيرها قوله تعالى‪} :‬أ َ َ َ‬
‫ه‬
‫ر ُ‬ ‫ت ت ُك ْ ِ‬ ‫فأن ْ َ‬
‫ما‬ ‫ف َ‬ ‫ن{‪ ,‬قوله تعالى‪َ } :‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫كوُنوا ُ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫س َ‬ ‫الّنا َ‬
‫ك ِإل ال َْبل ُ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫أَ‬
‫غ{‪ ,‬وقد جاء‬ ‫ن َ‬ ‫فيظا ً إ ِ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫عل َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫سل ْ‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫ْ‬
‫في آيات كثيرة ما يدل على إكراه الكفار على الدخول في‬
‫َ‬
‫ن{‪,‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫و يُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫قات ُِلون َ ُ‬ ‫السلم بالسيف كقوله تعالى‪} :‬ت ُ َ‬
‫ة{ أي الشرك‪ ,‬ويدل‬ ‫فت ْن َ ٌ‬‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫حّتى ل ت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫قات ُِلو ُ‬
‫و َ‬‫وقوله‪َ } :‬‬
‫ت أن أقاتل الناس حتى‬ ‫ُ‬
‫لهذا التفسير الحديث الصحيح‪" :‬أمر ُ‬
‫يشهدوا أن ل إله إل الله" الحديث‪ ,‬والجواب عن هذا بأمرين‪:‬‬
‫ن هذه الية في خصوص أهل‬ ‫الول ‪ -‬وهو الصح ‪ :-‬أ ّ‬
‫الكتاب‪ ,‬والمعنى أنهم قبل نزول قتالهم ل يكرهون على الدين‬
‫مطلقا‪ ,‬وبعد نزول قتالهم ل يكرهون عليه إذا أعطوا الجزية عن‬
‫يد وهم صاغرون‪ ,‬والدليل على خصوصها بهم ما رواه أبو داود‬
‫وابن أبي حاتم والنسائي وابن حبان وابن جرير عن ابن عباس‬
‫رضي الله عنه قال‪" :‬كانت المرأة تكون مقلة فتجعل على‬
‫وده‪ ,‬فلما أجليت بنو النضير كان‬ ‫نفسها إن عاش لها ولد أن ته ّ‬
‫فيهم من أبناء النصار فقالوا‪" :‬ل ندع أبناءنا"‪ ,‬فأنزل الله‪} :‬ل‬
‫ن{‪ ,‬المقلة التي ل يعيش لها ولد‪ ,‬وفي‬ ‫دي ِ‬
‫في ال ّ‬ ‫إ ِك َْراهَ ِ‬
‫المثل‪" :‬أحر من دمع المقلة"‪ ,‬وأخرج ابن جرير عن ابن عباس‬
‫ن{ في رجل‬ ‫دي ِ‬ ‫في ال ّ‬ ‫رضي الله عنه قال "نزلت }ل إ ِك َْراهَ ِ‬
‫من النصار من بني سالم بن عوف يقال له‪) :‬الحصين(‪ ,‬كان له‬
‫ابنان نصرانيان‪ ,‬وكان هو مسلما‪ ,‬فقال للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬أل استكرههما فإنهما أبيا إل النصرانية؟ "‪ ,‬فأنزل الله‬
‫الية"‪ ,‬وروى ابن جرير عن سعيد بن جبير سأله أبو بشر عن‬
‫هذه الية؟ فقال‪ :‬نزلت في النصار‪ ,‬قال‪ :‬خاصة؟ قال‪ :‬خاصة"‪,‬‬
‫في‬ ‫واخرج ابن جرير عن قتادة بإسنادين في قوله‪} :‬ل إ ِك َْراهَ ِ‬
‫ن{ قال‪ :‬أكره عليه هذا الحي من العرب؛ لنهم كانوا أمة‬ ‫دي ِ‬‫ال ّ‬
‫أمية ليس لهم كتاب يعرفونه فلم يقبل منهم غير السلم‪ ,‬ول‬
‫يكره عليه أهل الكتاب إذا أقّروا بالجزية أو بالخراج ولم يفتنوا‬
‫عن دينهم فيخلى سبيلهم" وأخرج ابن جرير عن الضحاك في‬
‫ن{ قال‪ :‬أمر رسول الله صلى الله‬ ‫دي ِ‬
‫في ال ّ‬ ‫قوله‪} :‬ل إ ِك َْراهَ ِ‬
‫عليه وسلم أن يقاتل جزيرة العرب من أهل الوثان فلم يقبل‬
‫منهم إل ّ ل إله إل الله أو السيف‪ ,‬ثم أمر فيمن سواهم أن يقبلوا‬
‫د‬
‫ش ُ‬ ‫ن الّر ْ‬ ‫ن َ‬
‫قدْ ت َب َي ّ َ‬ ‫دي ِ‬ ‫في ال ّ‬ ‫منهم الجزية فقال‪} :‬ل إ ِك َْراهَ ِ‬
‫ي{‪ ,‬وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أيضا في قوله‪:‬‬ ‫غ ّ‬‫ن ال ْ َ‬
‫م َ‬‫ِ‬
‫ن{‪ ,‬قال‪" :‬وذلك لما دخل الناس في‬ ‫دي ِ‬‫في ال ّ‬ ‫}ل إ ِك َْراهَ ِ‬
‫السلم‪ ,‬وأعطى أهل الكتاب الجزية"‪ ,‬فهذه النقول تدل على‬
‫خصوصها بأهل الكتاب المعطين الجزية‪ ,‬ومن في حكمهم‪ ,‬ول‬
‫يرد على هذا أن العبرة بعموم اللفظ ل بخصوص السبب؛ لن‬
‫التخصيص فيها عرف بنقل عن علماء التفسير ل بمطلق‬
‫خصوص السبب‪ ,‬ومما يدل للخصوص أنه ثبت في الصحيح‪:‬‬
‫"عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة في السلسل" ‪.‬‬
‫فإ ِ َ‬
‫ذا‬ ‫المر الثاني‪ :‬أنها منسوخة بآيات القتال كقوله‪َ } :‬‬
‫ن{ الية‪ ,‬ومعلوم‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قت ُُلوا ال ْ ُ‬ ‫فا ْ‬‫م َ‬ ‫حُر ُ‬ ‫هُر ال ْ ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫خ ال َ ْ‬ ‫سل َ َ‬ ‫ان ْ َ‬
‫أن سورة البقرة من أول ما نزل بالمدينة‪ ,‬وسورة براءة من‬
‫آخر ما نزل بها‪ ,‬والقول بالنسخ مروي عن ابن مسعود‪ ,‬وزيد بن‬
‫أسلم‪ ,‬وعلى كل حال فآيات السيف نزلت بعد نزول السورة‬
‫ه{ الية‪ ,‬والمتأخر أولى من المتقدم‪ ,‬والعلم‬ ‫التي فيها }ل إ ِك َْرا َ‬
‫عند الله تعالى‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫فو ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫م أو ت ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫في أن ْ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫دوا َ‬ ‫ن ت ُب ْ ُ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ن‬
‫ه{ الية‪ ,‬هذه الية تدل بظاهرها على أ ّ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫سب ْك ُ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫يُ َ‬
‫الوسوسة وخواطر القلوب يؤاخذ بها النسان مع أنه ل قدرة له‬
‫ن النسان ل يكّلف‬ ‫على دفعها‪ ,‬وقد جاءت آيات أخر تدل على أ ّ‬
‫فسا ً ِإل‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫إل بما يطيق كقوله تعالى‪} :‬ل ي ُك َل ّ ُ‬
‫م{‪ ,‬والجواب‬ ‫عت ُ ْ‬ ‫ست َطَ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫فات ّ ُ‬ ‫ها{‪ ,‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫ع َ‬‫س َ‬ ‫و ْ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه{ منسوخة‬ ‫فو ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫م أو ت ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫في أن ْ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫دوا َ‬ ‫ن ت ُب ْ ُ‬ ‫ن آية‪} :‬إ ِ ْ‬ ‫أ ّ‬
‫ها{‪.‬‬ ‫ع َ‬ ‫س َ‬ ‫و ْ‬ ‫فسا ً ِإل ُ‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫بقوله‪} :‬ل ي ُك َل ّ ُ‬
‫سهورة آل عمران‪.‬‬
‫ت‬‫ه آَيا ٌ‬ ‫من ْ ُ‬‫ب ِ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ذي أ َن َْز َ‬ ‫و ال ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫قوله تعالى‪ُ } :‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ت{ الية‪ ,‬هذه‬ ‫ها ٌ‬ ‫شاب ِ َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫وأ َ‬ ‫ب َ‬ ‫م ال ْك َِتا ِ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ه ّ‬ ‫ت ُ‬ ‫ما ٌ‬ ‫حك َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫الية الكريمة تدل على أن من القرآن محكما ومنه متشابها‪,‬‬
‫ن‬
‫ن كله محكم‪ ,‬وأية تدل على أ ّ‬ ‫وقد جاءت آية أخرى تدل على أ ّ‬
‫ما التي تدل على إحكامه كله قوله تعالى‪:‬‬ ‫كله متشابه‪ ,‬أ ّ‬
‫ر{‪,‬‬ ‫بي‬ ‫خ‬‫َ‬ ‫م‬ ‫كي‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫ف‬ ‫ُ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫يا‬ ‫آ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫}كَتاب أ ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫ن كله متشابه قوله تعالى‪} :‬ك َِتابا ً‬ ‫وأما التي تدل على أ ّ‬
‫ن معنى كونه كله‬ ‫ي{‪ ,‬ووجه الجمع بين اليات أ ّ‬ ‫مَثان ِ َ‬ ‫شاِبها ً َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ُ‬
‫محكما أنه في غاية الحكام أي التقان في ناحية ألفاظه‬
‫ومعانيه وإعجازه أخباره صدق‪ ,‬وأحكامه عدل‪ ,‬ل تعتريه وصمة‬
‫ول عيب في اللفاظ‪ ,‬ول في المعاني‪ ,‬ومعنى كونه متشابها أن‬
‫آياته يشبه بعضها بعضا في الحسن والصدق والعجاز والسلمة‬
‫من جميع العيوب ومعنى كونه بعضه محكما وبعضه متشابها أن‬
‫قَرُبوا‬ ‫ول ت َ ْ‬ ‫المحكم منه الواضح المعنى لكل الناس كقوله‪َ } :‬‬
‫خَر{‪ ,‬و المتشابه‪ :‬هو‬ ‫ه إ َِلها ً آ َ‬ ‫ع الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ول ت َ ْ‬ ‫الّزَنى{‪َ } ,‬‬
‫ما خفي علمه على غير الراسخين في العلم بناء على أن الواو‬
‫م{ عاطفة‪ ,‬أو هو ما‬ ‫في ال ْ ِ ْ‬
‫عل ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫خو َ‬ ‫س ُ‬ ‫والّرا ِ‬ ‫في قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫استأثر الله بعلمه كمعاني الحروف المقطعة في أوائل السور‬
‫في‬ ‫ن ِ‬ ‫خو َ‬ ‫س ُ‬ ‫والّرا ِ‬ ‫بناء على أن الواو في قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫م{ استئنافية ل عاطفة‪.‬‬ ‫عل ْ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ول َِياءَ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫كا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬‫ذ ال ْ ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬ل ي َت ّ ِ‬
‫ن{ الية‪ ,‬هذه الية الكريمة توهم أن اتخاذ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫دو ِ‬ ‫ُ‬
‫الكفار أولياء إذا لم يكن من دون المؤمنين ل بأس به بدليل‬
‫ن{‪ ,‬وقد جاءت آيات أخر تدل على‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫قوله } ِ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ول ت َت ّ ِ‬ ‫منع اتخاذهم أولياء مطلقا كقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ذوا‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫صيرًا{‪ ,‬وكقوله‪َ} :‬يا أي ّ َ‬ ‫ول ن َ ِ‬ ‫ول ِي ّا ً َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن أوُتوا الك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫عبا ِ‬ ‫ول ِ‬ ‫هُزوا َ‬ ‫م ُ‬ ‫ذوا ِدين َك ْ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ِ‬
‫َ‬ ‫وال ْك ُ ّ‬
‫ول َِياءَ ‪ {..‬الية‪ ,‬والجواب عن هذا‪ :‬أن‬ ‫فاَر أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫قب ْل ِك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن{ ل مفهوم له‪ ,‬وقد تقرر في علم‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫قوله } ِ‬
‫الصول أن دليل الخطاب الذي هو مفهوم المخالفة له موانع‬
‫تمنع اعتباره‪ ,‬منها كون تخصيص المنطوق بالذكر لجل موافقته‬
‫وا اليهود دون‬ ‫للواقع كما في هذه الية؛ لنها نزلت في قوم وال َ ْ‬
‫المؤمنين‪ ,‬فنزلت ناهية عن الصورة الواقعة من غير قصد‬
‫التخصيص بها‪ ,‬بل موالة الكفار حرام مطلقا‪ ,‬والعلم عند الله ‪.‬‬
‫ب‬‫ه ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ه َ‬ ‫رّيا َرب ّ ُ‬ ‫عا َزك َ ِ‬ ‫ك دَ َ‬ ‫هَنال ِ َ‬ ‫وقوله تعالى‪ُ } :‬‬
‫ء{ هذه الية‬ ‫عا ِ‬ ‫ع الدّ َ‬ ‫مي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ة إ ِن ّ َ‬ ‫ة طَي ّب َ ً‬ ‫ك ذُّري ّ ً‬ ‫ن ل َدُن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِلي ِ‬
‫ن زكريا ‪ -‬عليه وعلى نبينا الصلة والسلم – ليس له‬ ‫تدل على أ ّ‬
‫شك في قدرة الله على أن يرزقه الولد على ما كان منه من‬
‫كبر السن‪ ,‬وقد جاء في آية أخرى ما يوهم خلف ذلك وهي‬
‫ي‬‫غن ِ َ‬ ‫قدْ ب َل َ َ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫غل ٌ‬ ‫ن ِلي ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫ب أ َّنى ي َ ُ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫قا َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫قٌر‪ {..‬الية‪ .‬والجواب عن هذا بأمور‪:‬‬ ‫عا ِ‬ ‫مَرأ َِتي َ‬ ‫وا ْ‬ ‫ال ْك ِب َُر َ‬
‫ن‬
‫الول‪ :‬ما أخرجه ابن جرير عن عكرمة والسدي من أ ّ‬
‫ن الله‬ ‫زكرّيا نادته الملئكة وهو قائم يصلي في المحراب‪ :‬أ ّ‬
‫يبشرك بيحي‪ ,‬قال له الشيطان‪ :‬ليس هذا نداء الملئكة‪ ,‬وإنما‬
‫ن النداء من‬ ‫هو نداء الشيطان فداخل زكريا الشك في أ ّ‬
‫الشيطان‪ ,‬فقال عند ذلك الشك الناشئ عن وسوسة الشيطان‬
‫م{‪ ,‬ولذا طلب‬ ‫غل ٌ‬ ‫ن ِلي ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫قبل أن يتيقن أنه من الله }أ َّنى ي َ ُ‬
‫ة{ الية ‪.‬‬ ‫ل ِلي آي َ ً‬ ‫ع ْ‬ ‫ج َ‬ ‫با ْ‬ ‫الية من الله على ذلك بقوله‪َ} :‬ر ّ‬
‫ن استفهامه استفهام استعلم واستخبار؛ لنه ل‬ ‫الثاني‪ :‬أ ّ‬
‫يدري هل الله يأتيه بالولد من زوجه العجوز أو يأمره أن يتزوج‬
‫شابة أو يردهما شابين؟ ‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنه استفهام استعظام وتعجب من كمال قدرة الله‬
‫تعالى‪ ,‬والله تعالى أعلم ‪.‬‬
‫هي ْئ َ ِ‬
‫ة‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ّ‬
‫ن الطي ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ق ل َك ُ ْ‬ ‫خل ُ ُ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬أ َّني أ َ ْ‬
‫ر{ الية‪ ,‬هذه الية يوهم ظاهرها أن بعض المخلوقين ربما‬ ‫الطّي ْ ِ‬
‫فكًا{ الية‪,‬‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫خل ُ ُ‬‫وت َ ْ‬ ‫خلق بعضهم‪ ,‬ونظيرها قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫وقد جاءت آيات أخر تدل على أن الله خالق كل شيء كقوله‬
‫ق‬
‫خال ِ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ر{‪ ,‬وقوله‪} :‬الل ّ ُ‬ ‫قد َ ٍ‬ ‫قَناهُ ب ِ َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫تعالى‪} :‬إ ِّنا ك ُ ّ‬
‫ل{ إلى غير ذلك من‬ ‫كي ٌ‬ ‫و ِ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عَلى ك ُ ّ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬
‫اليات‪ .‬والجواب ظاهر وهو معنى خلق عيسى كهيئة الطير من‬
‫الطين‪ :‬هو أخذه شيئا من الطين وجعله على هيئة أي صورة‬
‫الطير‪ ,‬وليس المراد الخلق الحقيقي؛ لن الله متفرد به ‪ -‬جل‬
‫فكًا{ معناه‪ :‬تكذبون‪ ,‬فل منافاة‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫خل ُ ُ‬‫وت َ ْ‬ ‫وعل ‪ .-‬وقوله‪َ } :‬‬
‫بين اليات كما هو ظاهر‪.‬‬
‫في َ‬
‫ك‬ ‫و ّ‬
‫مت َ َ‬ ‫سى إ ِّني ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ه َيا ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬إ ِذْ َ‬
‫ي{ الية‪ ,‬هذه الية الكريمة يتوهم من ظاهرها‬ ‫ك إ ِل َ ّ‬ ‫ع َ‬ ‫ف ُ‬ ‫وَرا ِ‬ ‫َ‬
‫وفاة عيسى عليه السلم وعلى نبينا الصلة والسلم‪ ,‬وقد جاء‬
‫قت َُلو ُ‬
‫ه‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫في بعض اليات ما يدل على خلف ذلك كقوله‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ل‬‫ه ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫وإ ِ ْ‬
‫م{‪ ,‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫ه ْ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫شب ّ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ول َك ِ ْ‬ ‫صل َُبوهُ َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ه{ الية على ما فسرها به‬ ‫وت ِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫قب ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫من َ ّ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫َ‬
‫ب ِإل لي ُ ْ‬ ‫الك َِتا ِ‬ ‫ْ‬
‫ابن عباس في إحدى الروايتين‪ ,‬وأبو مالك والحسن وقتادة وابن‬
‫زيد وأبو هريرة‪ ,‬ودّلت على صدقه الحاديث المتواترة‪ ,‬واختاره‬
‫ل‬‫قب ْ َ‬ ‫ابن جرير‪ ,‬وجزم ابن كثير أنه الحق من أن قوله‪َ } :‬‬
‫ه{ أي موت عيسى عليه وعلى نبينا الصلة والسلم‪.‬‬ ‫وت ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫والجواب عن هذا من ثلثة أوجه‪:‬‬
‫ك{ ل يدل على تعيين‬ ‫في َ‬ ‫و ّ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ن قوله تعالى‪ُ } :‬‬ ‫الول‪ :‬أ ّ‬
‫مت َوَّفيه قطعا ً يوما ً ما‪,‬‬ ‫الوقت‪ ,‬ول يدل على كونه قد مضى‪ ,‬وهو ُ‬
‫ن ذلك اليوم قد مضى‪ ,‬وأما عطفه‬ ‫ولكن ل دليل على أ ّ‬
‫ك{ فل دليل عليه‬ ‫في َ‬ ‫و ّ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ي{ على قوله‪ُ } :‬‬ ‫ك إ ِل َ ّ‬ ‫ع َ‬ ‫ف ُ‬ ‫وَرا ِ‬ ‫} َ‬
‫لطباق جمهور اللسان العربي على أن الواو ل تقتضي الترتيب‬
‫دعى السيرافي‬ ‫ول الجمع‪ ,‬وإنما تقتضي مطلق التشريك‪ ,‬وقد ا ّ‬
‫والسهيلي إجماع النحاة على ذلك‪ ,‬وعزاه الكثر للمحققين‪ ,‬وهو‬
‫الحق‪ ,‬خلفا لما قاله قطرب والفراء وثعلب وأبو عمر والزاهد‬
‫وهشام والشافعي من أنها تفيد الترتيب لكثرة استعمالها فيه‪,‬‬
‫وقد أنكر السيرافي ثبوت هذا القول عن الفراء وقال‪ :‬لم أجده‬
‫في كتابه‪ .‬وقال ولي الدين‪ :‬أنكر أصحابنا نسبة هذا القول إلى‬
‫الشافعي‪ ,‬حكاه عنه صاحب )الضياء اللمع( وقوله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬أبدأ بما بدأ الله به" يعني الصفا‪ ,‬ل دليل عليه‬
‫على اقتضائها الترتيب‪ ,‬وبيان ذلك هو ما قاله الفهري كما ذكر‬
‫عنه صاحب الضياء اللمع وهو أنها كما أنها ل تقتضي الترتيب‬
‫ول المعية‪ ,‬فكذلك ل تقتضي المنع منهما فقد يكون العطف بها‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫وةَ ِ‬ ‫مْر َ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫فا َ‬ ‫ص َ‬‫ن ال ّ‬ ‫مع قصد الهتمام بالول كقوله‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ه{ الية بدليل الحديث المتقدم‪ .‬وقد يكون‬ ‫ر الل ّ ِ‬‫عائ ِ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫َ‬
‫المعطوف بها مرتبا كقول حسان‪ ) :‬هجوت محمد وأجبت عنه (‬
‫ه‬ ‫على رواية الواو‪ ,‬وقد يراد بها المعية كقوله‪َ َ } :‬‬
‫جي َْنا ُ‬ ‫فأن ْ َ‬
‫مُر{‪,‬‬ ‫وال ْ َ‬ ‫ع ال ّ‬ ‫َ‬
‫ق َ‬ ‫س َ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫م َ‬ ‫ج ِ‬ ‫و ُ‬ ‫ة{‪ ,‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫فين َ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫حا َ‬ ‫ص َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫ولكن ل تحمل على الترتيب ول على المعية إل بدليل منفصل ‪.‬‬
‫ك{ أي منيمك ورافعك‬ ‫في َ‬ ‫و ّ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ن معنى } ُ‬ ‫الوجه الثاني‪ :‬أ ّ‬
‫ي أي في تلك النومة‪ ,‬وقد جاء في القرآن إطلق الوفاة على‬ ‫إل ّ‬
‫ما‬ ‫م َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫م ِبالل ّي ْ ِ‬ ‫فاك ُ ْ‬ ‫و ّ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫و ال ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫النوم في قوله‪َ } :‬‬
‫ن‬ ‫حي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف َ‬ ‫فى ال َن ْ ُ‬ ‫و ّ‬ ‫ه ي َت َ َ‬ ‫ر{‪ ,‬وقوله‪} :‬الل ّ ُ‬ ‫ها ِ‬ ‫م ِبالن ّ َ‬ ‫حت ُ ْ‬‫جَر ْ‬ ‫َ‬
‫ها{‪ ,‬وعزا ابن كثير هذا‬ ‫م َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫في َ‬ ‫ت ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫وال ِّتي ل َ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫وت ِ َ‬‫م ْ‬ ‫َ‬
‫القول للكثرين‪ ,‬واستدل باليتين المذكورتين وقوله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا‪ "..‬الحديث ‪.‬‬
‫ك{ اسم فاعل توفاه إذا‬ ‫في َ‬ ‫و ّ‬ ‫مت َ َ‬
‫ن} ُ‬ ‫الوجه الثالث‪ :‬أ ّ‬
‫قبضه وحازه إليه ومنه قولهم‪" :‬توّفى فلن دينه" إذا قبضه‬
‫ك{ على هذا قابضك منهم إلي‬ ‫في َ‬ ‫و ّ‬‫مت َ َ‬ ‫إليه‪ ..‬فيكون معنى } ُ‬
‫حيا‪ ,‬وهذا القول هو اختيار بن جرير‪ .‬وأما الجمع بأنه توّفاه‬
‫ساعات أو أياما ثم أحياه فالظاهر أنه من السرائليات‪ ,‬وقد نهى‬
‫صلى الله عليه وسلم عن تصديقها وتكذيبها ‪.‬‬
‫صَران ِي ّا ً‬ ‫ول ن َ ْ‬ ‫هوِدي ّا ً َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫هي ُ‬ ‫ن إ ِب َْرا ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ن{ الية‪.‬‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬‫سِلما ً َ‬ ‫م ْ‬ ‫حِنيفا ً ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ول َك ِ ْ‬ ‫َ‬
‫هذه الية الكريمة وأمثالها في القرآن تدل على أن إبراهيم‬
‫‪ -‬عليه وعلى نبينا الصلة والسلم ‪ -‬لم يكن مشركا ً يوما؛ لن‬
‫ن{‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫نفي الكون الماضي في قوله‪َ } :‬‬
‫يدل على استغراق النفي لجميع الزمن الماضي كما دل عليه‬
‫ل ‪{..‬‬ ‫قب ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫شدَهُ ِ‬ ‫م ُر ْ‬ ‫هي َ‬ ‫قدْ آت َي َْنا إ ِب َْرا ِ‬ ‫ول َ َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫الية‪ ,‬وقد جاء في موضع آخر ما يوهم خلف ذلك وهو قوله‪:‬‬
‫ما‬‫فل َ ّ‬
‫ذا َرّبي ‪َ ..‬‬ ‫ه َ‬‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫كبا ً َ‬ ‫و َ‬ ‫ل َرأى ك َ ْ‬ ‫ه الل ّي ْ ُ‬ ‫عل َي ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ما َ‬ ‫فل َ ّ‬ ‫} َ‬
‫س‬
‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ما َرأى ال ّ‬ ‫فل َ ّ‬ ‫ذا َرّبي ‪َ ...‬‬ ‫ه َ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫زغا ً َ‬ ‫ِ‬ ‫مَر َبا‬ ‫ق َ‬ ‫َرأى ال ْ َ‬
‫ه َ َ‬
‫ن ربوبية‬ ‫ذا أك ْب َُر‪ { ..‬الية‪ ,‬ومن ظ ّ‬ ‫ذا َرّبي َ‬ ‫ه َ‬‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫ة َ‬ ‫غ ً‬ ‫ز َ‬ ‫َبا ِ‬
‫غير الله فهو مشرك بالله كما دل عليه قول الله تعالى عن‬
‫ن‬
‫كاءَ إ ِ ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َدْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ع ال ّ ِ‬ ‫ما ي َت ّب ِ ُ‬ ‫و َ‬ ‫الكفار‪َ } :‬‬
‫ن{‪ ,‬والجواب عن‬ ‫صو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫م ِإل ي َ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ِإل الظّ ّ‬ ‫عو َ‬ ‫ي َت ّب ِ ُ‬
‫هذا من وجهين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أنه مناظر ل ناظر ومقصوده التسليم الجدلي‪ :‬أي‬
‫هذا ربي على زعمكم الباطل‪ ,‬والمناظر قد يسلم المقدمة‬
‫الباطلة تسليما جدليا ليفحم بذلك خصمه‪ ,‬فلو قال لهم إبراهيم‬
‫في أول المر‪ :‬الكوكب مخلوق ل يمكن أن يكون ربا‪ ,‬لقالوا له‪:‬‬
‫ب‪ ,‬ومما يدل لكونه مناظرا ل ناظر قوله‬ ‫كذبت‪ ,‬بل الكوكب ر ّ‬
‫ه‪ {..‬استدل به بن جرير على أنه غير‬ ‫م ُ‬ ‫و ُ‬‫ق ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ج ُ‬ ‫حا ّ‬ ‫و َ‬ ‫تعالى‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫دِني َرّبي ل ُ‬ ‫ه ِ‬‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫مناظر من قوله تعالى‪} :‬ل َئ ِ ْ‬
‫ن{ ل دليل فيه على التحقيق؛ لن الرسل‬ ‫ضاّلي َ‬ ‫وم ِ ال ّ‬ ‫ق ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫يقولون مثل ذلك تواضعا وإظهارا للتجائهم إلى الله كقول‬
‫م{‪ ,‬وقوله هو‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صَنا َ‬ ‫عب ُدَ ال ْ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫يأ ْ‬ ‫وب َن ِ ّ‬ ‫جن ُب ِْني َ‬ ‫وا ْ‬ ‫إبراهيم‪َ } :‬‬
‫ك{ الية ‪.‬‬ ‫ن لَ َ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫عل َْنا ُ‬ ‫ج َ‬ ‫وا ْ‬ ‫وإسماعيل‪َ} :‬رب َّنا َ‬
‫ن الكلم على حذف همزة الستفهام أي‪:‬‬ ‫الوجه الثاني‪ :‬أ ّ‬
‫أهذا ربي ؟ وقد تقرر في علم النحو أن حذف همزة الستفهام‬
‫ل المقام عليها جائز‪ ,‬وهو قياسي عند الخفش مع )أم(‬ ‫إذا د ّ‬
‫كر الجواب أم ل‪ ,‬فمن أمثلته دون )أم( ودون ذكر‬ ‫ودونها‪ ,‬ذ ُ ِ‬
‫الجواب قول الكميت‪:‬‬
‫ول لعبا مني وذو شيب يلعب‬ ‫طربت وما شوقا إلى‬
‫البيض أطرب‬
‫يعني أو ذو الشيب يلعب ؟‪ ,‬وقول أبي خراش الهذلي‬
‫واسمه بن خويلد‬
‫فقلت وأنكرت الوجوه هم‬ ‫رفوني وقالوا يا خويلد‬
‫هم‬ ‫لم ترع‬
‫بعني أهم هم كما هو الصحيح‪ ,‬وجزم به اللوسي في‬
‫تفسيره‪ ,‬وذكره ابن جرير عن جماعة‪ ,‬ويدل له قوله‪" :‬وأنكرت‬
‫الوجوه"‪ ,‬ومن أمثلته دون )أم( مع ذكر الجواب قول عمر بن‬
‫أبي ربيعة المخزومي‪:‬‬
‫عدد النجم والحصى والتراب‬ ‫ثم قالوا تحبها قلت بهرا‬
‫يعني‪ :‬أتحّبها على القول الصحيح‪ ,‬وهو مع )أم( كثير جدًا‪,‬‬
‫ومن أمثلته قول السود بن يعفر التميمي وأنشده سيبويه‬
‫لذلك‪:‬‬
‫شعيث بن سهم أو شعيث بن‬ ‫لعمرك ما أدري وإن‬
‫منقر‬ ‫كنت داريا‬
‫يعني أشعيث بن سهم ؟ وقول بن أبي ربيعة المخزومي‪:‬‬
‫وكف خضيب زينت ببنان‬ ‫بدا لي منها معصم يوم‬
‫جمرت‬
‫بسبع رميت الجمر أم بثمان‬ ‫فوالله ما أدري وإني‬
‫لحاسب‬
‫يعني أبسبع ؟ وقول الخطل‪:‬‬
‫غلس الظلم من الرباب‬ ‫كذبتك عينك أم رأيت‬
‫خيال‬ ‫بواسط‬
‫ص سيبويه على جواز ذلك في‬ ‫يعني أكذبتك عينك ؟ كما ن ّ‬
‫ن )كذبتك( صيغة‬ ‫بيت الخطل‪ ,‬هذا وإن خالف الخليل زاعما أ ّ‬
‫ن )أم( بمعنى )بل( ففي البيت على قول الخليل نوع‬ ‫خبرية‪ ,‬وأ ّ‬
‫من أنواع البديع المعنوي يسمى بالرجوع عند البلغيين‪ ،‬وقول‬
‫الخنساء‪:‬‬
‫أم خلت إذا أقفرت من أهلها‬ ‫قذى بعينيك أم بالعين‬
‫الدار‬ ‫عوار‬
‫تعني أقذى بعينيك ؟وقول أحيحة بن الجلح النصاري‪:‬‬
‫لغيرك أم يكون لك الفصيل‬ ‫وما تدري وإن ذمرت‬
‫سقبا‬
‫يعني ألغيرك؟ وقول أمرئ القيس‪:‬‬
‫وماذا عليك بأن تنتظر‬ ‫تروح من الحي أم تبتكر‬
‫يعني أتروح؟‬
‫وعلى هذا القول فقرينة الستفهام المحذوف علو مقام‬
‫إبراهيم عن ظن ربوبية غير الله‪ ,‬وشهادة القرآن له بالبراءة من‬
‫ذلك‪ ,‬والية على هذا القول تشبه قراءة بن محيصن‪) :‬سواء‬
‫ن‬‫فإ ِ ْ‬‫عليهم أنذرتهم(‪ ,‬ونظيرها على هذا القول قوله تعالى‪} :‬أ َ َ‬
‫ها{‬ ‫من ّ َ‬‫ة تَ ُ‬
‫م ٌ‬
‫ع َ‬
‫ك نِ ْ‬ ‫وت ِل ْ َ‬‫ن{‪ ,‬وقوله تعالى‪َ } :‬‬ ‫دو َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫خال ِ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ت َ‬
‫ف ُ‬ ‫م ّ‬
‫ِ‬
‫ة{على أحد‬ ‫قب َ َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫ع َ‬ ‫ح َ‬ ‫فل ا ْ‬
‫قت َ َ‬ ‫على أحد القولين‪ ,‬وقوله‪َ } :‬‬
‫القولين‪.‬‬
‫وما ذكره بعض العلماء غير هذين الوجهين فهو راجع إليهما‬
‫كالقول بإضمار القول أي يقول الكفار‪ :‬هذا ربي‪ ,‬فإنه راجع إلى‬
‫الوجه الول‪ ,‬وما ذكره عن ابن إسحاق واختاره ابن جرير‬
‫ن إبراهيم كان ناظرا ً يظ ّ‬
‫ن‬ ‫الطبري ونقله عن ابن عباس من أ ّ‬
‫ربوبية الكوكب فهو ظاهر الضعف؛ لن نصوص القرآن ترده‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬‫سِلما ً َ‬ ‫م ْ‬ ‫حِنيفا ً ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ول َك ِ ْ‬ ‫كقوله‪َ } :‬‬
‫مل ّ َ‬ ‫َ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫ع ِ‬ ‫ن ات ّب ِ ْ‬ ‫كأ ِ‬ ‫و َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ن{‪ ,‬وقوله تعالى‪} :‬ث ُ ّ‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫د‬
‫ق ْ‬ ‫ول َ َ‬‫ن{‪ ,‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬‫حِنيفا ً َ‬ ‫م َ‬ ‫هي َ‬‫إ ِب َْرا ِ‬
‫ل{‪ ,‬وقد بّين المحقق ابن كثير‬ ‫قب ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫شدَهُ ِ‬ ‫م ُر ْ‬ ‫هي َ‬ ‫آت َي َْنا إ ِب َْرا ِ‬
‫في تفسيره رد ما ذكره بن جرير بهذه النصوص القرآنية‬
‫وأمثالها‪ ,‬والحاديث الدالة على مقتضاها كقوله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬كل مولود يولد على الفطرة" الحديث ‪.‬‬
‫م‬‫م ثُ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫مان ِ ِ‬ ‫عدَ ِإي َ‬ ‫فُروا ب َ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ن{‬ ‫ضاّلو َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫وُأول َئ ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وب َت ُ ُ‬ ‫ل تَ ْ‬ ‫قب َ َ‬ ‫ن تُ ْ‬ ‫فرا ً ل َ ْ‬ ‫دوا ك ُ ْ‬ ‫دا ُ‬ ‫اْز َ‬
‫هذه الية الكريمة تدل على أن المرتدين بعد إيمانهم المزدادين‬
‫كفرا ل يقبل الله توبتهم إذا تابوا؛ لنه عّبر بع )لن( الدالة على‬
‫نفي الفعل في المستقبل‪ ,‬مع أنه جاءت آيات أخر دالة على أن‬
‫الله يقبل توبة كل تائب قبل حضور الموت‪ ,‬وقبل طلوع‬
‫ن‬
‫فُروا إ ِ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫الشمس من مغربها‪ ,‬كقوله تعالى‪ُ } :‬‬
‫ذي‬ ‫و ال ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫ف{‪ ,‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫سل َ َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫فْر ل َ ُ‬ ‫غ َ‬ ‫هوا ي ُ ْ‬ ‫ي َن ْت َ ُ‬
‫ت‬ ‫ْ‬ ‫قب َ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ض آَيا ِ‬ ‫ع ُ‬ ‫م ي َأِتي ب َ ْ‬ ‫و َ‬‫ه{‪ ,‬وقوله‪} :‬ي َ ْ‬ ‫عَباِد ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ة َ‬ ‫ل الّتوب َ َ‬
‫ل{‪,‬‬ ‫قب ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫من َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ت َك ُ ْ‬ ‫ها ل َ ْ‬ ‫مان ُ َ‬ ‫فسا ً ِإي َ‬ ‫ع نَ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ك ل ي َن ْ َ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫فإنه يدل بمفهومه على أن التوبة قبل إتيان بعض اليات مقبولة‬
‫من كل تائب‪ ,‬وصّرح تعالى بدخول المرتدين في قبول التوبة‬
‫قبل هذه الية مباشرة في قوله تعالى‪} :‬كيف يهدي الله قوما ً‬
‫كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حقّ ‪ {..‬إلى قوله‪} :‬إل‬
‫الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم{‬
‫فالستثناء في قوله‪} :‬إل الذين تابوا{ راجع إلى المرتدين بعد‬
‫اليمان المستحقين للعذاب واللعنة إن لم يتوبوا‪ ,‬ويدل له قوله‬
‫ن‬
‫تعالى‪} :‬ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر{ الية؛ ل ّ‬
‫مفهومه أنه إذا تاب قبل الموت قبلت توبته مطلقا‪.‬‬
‫والجواب من أربعة أوجه‪:‬‬
‫الول‪ :‬وهو اختيار ابن جرير ونقله عن رفيع بن العالية أن‬
‫ن الذين كفروا من اليهود بمحمد صلى الله عليه‬ ‫المعنى‪ :‬إ ّ‬
‫وسلم بعد إيمانهم به قبل مبعثه ثم ازداوا كفرا بما أصابوا من‬
‫الذنوب في كفرهم لن تقبل توبتهم من الذنوب التي أصابوها‬
‫في كفرهم‪ ,‬ويدل على هذا الوجه قوله تعالى‪} :‬وأولئك هم‬
‫الضالون{؛ لنه يدل على أن توبتهم مع بقائهم على ارتكاب‬
‫الضلل وعدم قبولها حينئذ ظاهر ‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬وهو أقربها عندي أن قوله تعالى‪} :‬لن تقبل‬
‫توبتهم{ يعني إذا تابوا عند حضور الموت‪ ,‬ويدل لهذا الوجه‬
‫أمران‪:‬‬
‫ن الكافر‬‫الول‪ :‬أّنه تعالى بّين في مواضع أخرى أ ّ‬
‫الذي ل تقبل توبته هو الذي يصر على الكفر حتى يحضره‬
‫الموت في ذلك الوقت كقوله تعالى‪} :‬وليست التوبة للذين‬
‫يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال‪ :‬إني تبت‬
‫الن‪ ,‬ول الذين يموتون وهم كفار{‪ ,‬فجعل التائب عند حضور‬
‫الموت والميت على كفره سواء‪ ,‬وقوله تعالى‪} :‬فلم يك‬
‫ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا{ الية‪ ,‬وقوله في فرعون‪} :‬الن‬
‫ل وكنت من المفسدين{‪ .‬فالطلق الذي في‬ ‫ت قب ُ‬ ‫صي ْ َ‬
‫وقد ع َ‬
‫هذه الية يقّيد بقيد تأخير التوبة إلى حضور الموت لوجوب حمل‬
‫المطلق على المقيد كما تقرر في الصول‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه تعالى أشار إلى ذلك بقوله‪} :‬ثم ازدادوا‬
‫كفرا{ فإنه يدل على عدم توبتهم في وقت نفعها‪ ,‬ونقل ابن‬
‫جرير هذا الوجه الثاني ‪ -‬الذي هو التقيد بحضور الموت ‪ -‬عن‬
‫الحسن وقتادة وعطاء الخراساني والسدي‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن المعنى }لن تقبل توبتهم{ أي إيمانهم الول‬
‫لبطلنه بالردة بعد‪ ,‬وهذا القول خرجه ابن جرير عن ابن جريج‪,‬‬
‫ول يخفى ضعف هذا القول وبعده عن ظاهر القرآن‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أن المراد بقوله‪} :‬لن تقبل توبتهم{ أنهم لم يوفقوا‬
‫للتوبة النصوح حتى تقبل منهم‪ ,‬ويدل لهذا الوجه قوله تعالى‪:‬‬
‫ه ليغفر‬ ‫ن الذين آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يك ُ ِ‬
‫ن الل ُ‬ ‫}إ ّ‬
‫ن قوله تعالى‪} :‬ول ليهديهم سبيل{‬ ‫لهم ول ليهدِي َُهم سبيل{‪ ,‬فإ ّ‬
‫ن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ول‬ ‫يدل على }إ ّ‬
‫ليهديهم طريقا إل طريق جهنم{‪ ,‬وكقوله‪} :‬إن الذين حّقت‬
‫عليهم كلمة ربك ل يؤمنون{ الية‪ ,‬ونظير الية على هذا القول‬
‫قوله تعالى‪} :‬فما تنفعهم شفاعة الشافعين{ أي ل شفاعة لهم‬
‫أصل حتى تنفعهم‪ ,‬وقوله تعالى‪} :‬ومن يدع مع الله إلها آخر ل‬
‫برهان له به{ الية؛ لن الله الخر ل يمكن وجوده أصل حتى‬
‫يقوم عليه برهان أو ل يوم عليه‪.‬‬
‫قال مقيده ‪ -‬عفا الله عنه ‪ :-‬مثل هذا الوجه الخير هو‬
‫المعروف عند النظار بقولهم‪" :‬السالبة ل تقتضي وجود‬
‫الموضوع" وإيضاحه أن القضية السالبة عندهم صادقة في‬
‫صورتين؛ لن المقصود منها عدم اتصاف الموضوع بالمحمول‪,‬‬
‫الولى‪ :‬أن‬ ‫ا‬ ‫وعدم اتصافه به يتحقق في صورتين‪:‬‬
‫يكون الموضوع موجودا إل أن المحمول منتف عنه‪ ,‬كقولك‪:‬‬
‫"ليس النسان بحجر" فالنسان موجود والحجرية منتفية عنه‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬أن يكون الموضوع من أصله معدوما؛ لنه إذا‬
‫عدم تحقق عدم اتصافه بالمحمول الوجودي ‪ -‬لن العدم ل‬
‫يتصف بالوجود كقولك ل نظير لله يستحق العبادة ‪ -‬فإن‬
‫الموضوع الذي هو نظير لله مستحيل من أصله‪ ,‬وإذا تحقق‬
‫عدمه تحقق انتفاء اتصافه باستحقاق العبادة ضرورة‪ .‬وهذا‬
‫النوع من أساليب اللغة العربية‪ ,‬ومن شواهده قول امرؤ‬
‫القيس‪:‬‬
‫على ل حب ل يهتدي بمناره *** إذا سافه العود النباطي‬
‫جرجرا‬
‫لن المعنى‪ :‬على ل حب ل منار له أصل حتى يهتدى به‪,‬‬
‫وقول الخر‪:‬‬
‫ل تفزع الرنب أهوالها *** و ل ترى الضب بها ينجحر‬
‫لنه يصف فلة بأنها ليس فيها أرانب ول ضباب حتى تفزع‬
‫أهوالها أو ينجحر فيها الضب أي يدخل الجحر أو يتخذه‪ .‬وقد‬
‫أوضحت مسألة )أن السالبة ل تقتضي وجود الموضوع( في‬
‫أرجوزتي في المنطق‪ ,‬في مبحث )انحراف السور(‪ ,‬وأوضحت‬
‫فيها أيضا في مبحث )التحصيل والعدول( أن من الموجبات ما ل‬
‫يقتضي وجود الموضوع نحو‪) :‬بحر من زئبق( ممكن والمستحيل‬
‫معدوم؛ فإنها موجبتان‪ ,‬وموضوع كل منهما معدوم‪ .‬وحررنا‬
‫هناك التفصيل فيما يقتضي وجود الموضوع وما ل يقتضيه‪.‬‬
‫وهذا الذي قررنا من أن المرتد إذا تاب قبلت توبته ولو بعد‬
‫تكرر الردة ثلث مرات أو أكثر‪ ,‬ل منافاة بينه وبين ما قاله‬
‫جماعة من العلماء من الربعة وغيرهم‪ ,‬وهو مروي عن علي‬
‫وبن عباس رضي الله عنهما من أن المرتد إذا تكرر منه ذلك‬
‫يقتل ول تقبل توبته‪ ,‬واستدل بعضهم على ذلك بهذه الية؛ لن‬
‫هذا الخلف في تحقيق المناط ل في نفس المناط‪,‬‬
‫والمتناظران قد يختلفان في تحقيق المناط مع اتفاقهما على‬
‫أصل المناط‪ ,‬وإيضاحه أن المناط مكان النوط وهو التعليق‪,‬‬
‫ومنه قول حسان رضي الله عنه‪:‬‬
‫وأنت زتيم نيط في آل هاشم *** كما نيط خلف الراكب القدح‬
‫الفرد‬
‫و المراد به‪ :‬مكان تعليق الحكم وهو العلة‪ ,‬فالمناط والعلة‬
‫مترادفان إصطلحا‪ ,‬إل أنه غلب التعبير بلفظ المناط في‬
‫المسلك الخامس من مسالك العلة الذي هو المناسبة والخالة؛‬
‫فإنه يسمى تخريج المناط‪ ,‬وكذلك في المسك التاسع الذي هو‬
‫تنقيح المناط‪ ,‬فتخريج المناط‪ :‬هو استخراج العلة بمسلك‬
‫المناسبة والخالة‪ ,‬وتنقيح المناط‪ :‬هو تصفية العلة وتهذيبها حتى‬
‫ل يخرج شيء غير صالح لها‪ ,‬ول يدخل شيء غير صالح لها كما‬
‫هو معلوم في محله‪ ,‬وأما تحقيق المناط ‪ -‬وهو الغرض هنا –‬
‫فهو‪ :‬أن يكون مناط الحكم متفق عليه بين الخصمين‪ ,‬إل أن‬
‫أحدهما يقول‪ :‬هو موجود في هذا الفرع‪ ,‬والثاني‪ :‬يقول‪ :‬ل‪,‬‬
‫ومثاله‪ :‬الختلف في قطع النباش؛ فإن أبا حنيفة رحمه الله‬
‫تعالى يوافق الجمهور على أن السرقة مناط القطع‪ ,‬ولكنه‬
‫يقول‪ :‬لم يتحقق المناط في النباش؛ لنه غير سارق‪ ,‬بل هو‬
‫آخذ مال عارض للضياع كالملتقط من غير حرز‪.‬‬
‫فإذا حققت ذلك‪ ,‬فاعلم أن مراد القائلين‪ :‬ل تقبل توبته أن‬
‫أفعاله دالة على خبث نيته وفساد عقيدته‪ ,‬وأنه ليس تائبا في‬
‫الباطن توبة نصوح‪ ,‬فهم موافقون على أن التوبة النصوح مناط‬
‫القبول كما ذكرنا‪ ,‬ولكن يقولون‪ :‬أفعال هذا الخبيث دّلت على‬
‫عدم تحقيق المناط فيه‪ ,‬ومن هنا اختلفت العلماء في توبة‬
‫الزنديق المستتر بالكفر‪ ,‬فمن قائل‪ :‬ل تقبل توبته‪ ,‬ومن قائل‪:‬‬
‫تقبل‪ ,‬ومن مفرق بين إتيانه تائبا قبل الطلع عليه وبين الطلع‬
‫على نفاقه قبل التوبة‪ ,‬كما هو معروف في فروع المذاهب‬
‫الربعة؛ لن الذين يقولون‪ :‬يقتل ول تقبل توبته يرون أن نفاقه‬
‫الباطن دليل على أن توبته تقية ل حقيقة‪ ,‬واستدلوا بقوله‬
‫تعالى‪} :‬إل الذين تابوا وأصلحوا{‪ ,‬فقالوا‪ :‬الصلح شرط‬
‫والزنديق ل ي ُط ّل َعُ على إصلحه؛ لن الفساد أتى مما أسّر ُ‬
‫ه‪ ,‬فإذا‬
‫اطلع عليه وأظهر القلع لم يزل في الباطن على ما كان عليه‪.‬‬
‫والذي يظهر أن أدلة القائلين بقبول توبته مطلقا أظهر‬
‫وأقوى كقوله صلى الله عليه وسلم لسامة رضي الله عنه‪" :‬هل ّ‬
‫شققت على قلبه"‪ ,‬وقوله للذي ساره في قتل رجل قال‪:‬‬
‫"أليس يصلي؟" قال‪" :‬بلى"‪ ,‬قال‪" :‬أولئك الذين نهيت عن‬
‫قتلهم"‪ ,‬وقوله ‪ -‬لخالد لما استأذنه في قتل الذي أنكر القسمة‬
‫ب عن قلوب الناس"‪ ,‬وهذه الحاديث‬ ‫‪" :-‬إني لم أؤمر أن أنّق َ‬
‫في الصحيح‪ ,‬ويدل لذلك أيضا‪ :‬إجماعهم على أن أحكام الدنيا‬
‫ص تعالى على أن‬ ‫على الظاهر والله يتولى السرائر‪ ,‬وقد ن ّ‬
‫ة للمنافقين في الحكام الدنيوية بقوله‪:‬‬ ‫ال َْيمان الكاذبة ُ‬
‫جن ّ ٌ‬
‫}اتخذوا أيمانهم جنة{‪ ,‬وقوله‪} :‬سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم‬
‫إليهم لُتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم فإنهم رجس {‪ ,‬وقوله‪:‬‬
‫}ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم{ الية‪ ,‬إلى غير ذلك‬
‫من اليات‪.‬‬
‫وما استدل به بعضهم من قتل ابن مسعود لبن النواحة‬
‫صاحب مسيلمة‪ ,‬فيجاب عنه‪ :‬بأنه قتله لقول النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬حين جاءه رسول لمسيلمة ‪" :-‬لول أن الرسل ل‬
‫تقتل لقتلتك"‪ ,‬فقتله ابن مسعود تحقيقا لقوله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ,‬فقد روي أنه قتله لذلك‪ ,‬فإن قيل‪ :‬إن هذه الية الدالة‬
‫على عدم قبول توبتهم أخص من غيرها؛ لن فيها القيد بالردة‬
‫وازدياد الكفر‪ ,‬فالذي تكررت منه الردة أخص من مطلق‬
‫المرتد‪ ,‬والدليل على العم ليس دليل على الخص؛ لن وجود‬
‫العم ل يلزم وجود الخص‪ ,‬فالجواب‪ :‬أن القرآن دل على توبة‬
‫من تكرر منه الكفر إذا أخلص في النابة إلى الله‪ ،‬ووجه الدللة‬
‫على ذلك قوله تعالى‪} :‬إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا‬
‫كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ول ليهديهم سبيل{‪ ,‬ثم بّين أن‬
‫ن لهم‬ ‫شر المنافقين بأ ّ‬ ‫المنافقين داخلون فيهم بقوله تعالى‪} :‬ب ّ‬
‫عذابا أليما{ الية‪ ,‬ودللة القتران وإن ضعفها بعض الصوليين‬
‫فقد صححتها جماعة من المحققين‪ ,‬ول سيما إذا اعتضدت‬
‫ن الله‬‫بدللة القرينة عليها كما هنا؛ لن قوله تعالى‪} :‬لم يك ِ‬
‫شر المنافقين بأن لهم عذابا‬ ‫ليغفَر لهم ول ليهدَيهم سبيل‪ ,‬ب ّ‬
‫أليما{ فيه الدللة الواضحة على دخولهم في المراد بالية‪ ,‬بل‬
‫كونها في خصوصهم قال به جماعة من العلماء‪.‬‬
‫ص على أن من‬ ‫فإذا حققت ذلك فاعلم أن الله تعالى ن ّ‬
‫ن المنافقين‬ ‫أخلص التوبة من المنافقين تاب الله عليه بقوله‪} :‬إ ّ‬
‫في الدرك السفل من النار ولن تجد لهم نصيرا‪ ,‬إل الذين تابوا‬
‫وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع‬
‫المؤمنين وسوف يؤتي الله المؤمنين أجرا عظيما‪ ,‬ما يفعل الله‬
‫بعذابكم إن شكرتم وآمنتم‪ ,‬وكان الله شاكرا ً عليما{‪ ,‬وقد كان‬
‫مخشي بن حمير رضي الله عنه من المنافقين الذين أنزل الله‬
‫فيهم قوله تعالى‪} :‬ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب‬
‫قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ل تعتذروا قد كفرتم‬
‫بعد إيمانكم{ فتاب إلى الله بإخلص‪ ،‬فتاب الله عليه‪ ،‬وأنزل‬
‫الله فيه‪} :‬إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة{ الية‪،‬‬
‫صل أن القائلين بعدم قبول توبة من تكررت منه الردة‬ ‫فتح ّ‬
‫يعنون الحكام الدنيوية ول يخالفون في أنه أخلص التوبة إلى‬
‫الله قبلها منه؛ لن اختلفهم في تحقيق المناط كما تقدم‪،‬‬
‫والعلم عند الله تعالى‪.‬‬

‫قوله تعالى }يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق‬


‫تقاته {الية هذه الية تدل على التشديد البالغ في تقوى الله‬
‫تعالى‪ ,‬وقد جاءت آية أخرى تدل على خلف ذلك وهي قوله‬
‫تعالى‪} :‬فاتقوا الله ما استطعتم {‪ ,‬والجواب بأمرين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن آية }فاتقوا الله ما استطعتم{ ناسخة‬
‫لقوله‪} :‬اتقوا الله حق تقاته{‪ ,‬وذهب إلى هذا القول سعيد بن‬
‫جبير وأبو العالية والربيع بن أنس وقتادة ومقاتل بن حيان وزيد‬
‫بن أسلم والسدي وغيرهم‪ ,‬قاله بن كثير ‪.‬‬
‫ة للمقصود بها‪ .‬والعلم عند الله‬ ‫الثاني‪ :‬أنها مبّين ٌ‬
‫تعالى ‪.‬‬
‫قوله تعالى‪} :‬وكنتم على شفا حفرة من النار‬
‫فأنقذكم منها { هذه الية الكريمة تدل على أن النصار ما‬
‫كان بينهم وبين النار إل أن يموتوا مع أنهم كانوا أهل فترة‪,‬‬
‫ذبين إل أن نبعث رسول{‪,‬‬ ‫والله تعالى يقول‪} :‬وماكنا مع ّّ‬
‫ويقول‪} :‬رسل مبشرين ومنذرين لئل يكون للناس على الله‬
‫حجة بعد الرسل{ الية‪ ,‬وقد بين الله هذه الحجة بقوله في‬
‫ب من قبله لقالوا‪ :‬ربنا لول‬ ‫سورة طه‪} :‬و لو أنا أهلكناهم بعذا ٍ‬
‫أرسلت إلينا رسول فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى{‪,‬‬
‫واليات بمثل هذا كثيرة‪.‬‬
‫والذي يظهر في الجواب‪ - :‬والله تعالى أعلم ‪ -‬أنه برسالة‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم لم يبق عذر لحد‪ ,‬فكل من لم‬
‫يؤمن به فليس بينه وبين النار إل أن يموت‪ ,‬كما بينه تعالى‬
‫بقوله‪} :‬ومن يكفر به من الحزاب فالنار موعده{ الية‪.‬‬
‫وما أجاب به بعضهم من أن عندهم بقية من إنذار الرسل‬
‫الماضين تلزمهم بها الحجة‪ ,‬فهو جواب باطل؛ لن نصوص‬
‫القرآن مصّرحة بأنهم لم يأتهم نذير كقوله تعالى‪} :‬لتنذر قوما‬
‫ما ُأنذر أباؤهم{‪ ,‬وقوله‪} :‬أم يقولون افتراه بل هو الحق من‬
‫ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك{ الية‪ ,‬وقوله‪} :‬وما‬
‫كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما‬
‫أتاهم من نذير من قبلك{‪ ,‬وقوله‪} :‬يا أهل الكتاب قد جاءكم‬
‫رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من‬
‫بشير ول نذير{ الية‪ ,‬وقوله تعالى‪} :‬وما آتيناهم من كتب‬
‫يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير{‪.‬‬
‫ر وأنتم أذلة{‬ ‫قوله تعالى‪} :‬ولقد نصركم الله ببد ٍ‬
‫وصف الله المؤمنين في هذه الية بكونهم أذلة حال نصره لهم‬
‫ببدر‪ ,‬وقد جاء في آية أخرى وصفه تعالى لهم بأن لهم العزة‪,‬‬
‫وهي قوله تعالى‪} :‬ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين{‪ ,‬ول يخفى‬
‫ما بين العزة والذلة من التنافي والتضاد‪ .‬والجواب ظاهر وهو‬
‫عددهم يوم بدر‪ ,‬وقوله‬ ‫عددهم و ُ‬
‫ن معنى وصفهم بالذلة هو قلة َ‬ ‫أ ّ‬
‫تعالى‪} :‬ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين{نزل في غزوة‬
‫المريسيع‪ ,‬وهي غزوة بني المصطلق‪ ,‬وذلك بعد أن قويت‬
‫عددهم‪ ,‬مع أن العزة والذلة يمكن‬ ‫شوكة المسلمين‪ ,‬وكثر َ‬
‫الجمع بينهما باعتبار آخر وهو أن الذلة باعتبار حال المسلمين‬
‫من قلة الَعدد والُعدد‪ ,‬والعزة باعتبار نصر الله وتأييده‪ ,‬كما‬
‫يشير إلى هذا قوله تعالى‪} :‬واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون‬
‫في الرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأّيدكم بنصره‬
‫ورزقكم من الطيبات{‪ ,‬و قوله‪} :‬ولقد نصركم الله ببدر وأنتم‬
‫ن زمن الحال هو زمن عاملها‪ ,‬فزمان النصر هو زمان‬ ‫أذلة{‪ ,‬فإ ّ‬
‫ن وصف الذلة باعتبار‪ ,‬ووصف العزة‬ ‫كونهم أذلة‪ ,‬فظهر أ ّ‬
‫والنصر باعتبار آخر‪ ,‬فانفكت الجهة‪ ,‬والعلم عند الله ‪.‬‬
‫قوله تعالى‪} :‬إذ تقول للمؤمنين ألن يكفَيكم أن‬
‫كم ربكم بثلثة آلف من الملئكة{ الية‪ ,‬هذه الية‬ ‫ُيمدّ ُ‬
‫ن المدد يوم بدر من الملئكة من ثلثة آلف إلى‬ ‫تدل على أ ّ‬
‫ن هذا المدد‬
‫خمسة آلف‪ ,‬وقد ذكر تعالى في سورة النفال أ ّ‬
‫ألف بقوله‪} :‬إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أّني ممدكم‬
‫بألف من الملئكة{ الية‪.‬‬
‫والجواب عن هذا من وجهين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنه وعدهم بألف ثم صارت ثلثة آلف ثم‬
‫الية‪.‬‬ ‫صارت خمسة كما في هذه‬
‫الثاني‪ :‬أن آية النفال لم تقتصر على اللف‪ ,‬بل‬
‫أشارت إلى الزيادة المذكورة في آل عمران‪ ,‬ول سيما في‬
‫دفين{ بفتح الدال على‬ ‫قراءة نافع‪} :‬بألف من الملئكة مر َ‬
‫صيغة اسم المفعول‪ ,‬لن معنى )مردفين(‪ :‬متبوعين بغيرهم‪,‬‬
‫وهذا هو الحق‪ ,‬وأما على قول من قال‪" :‬إن المدد المذكور في‬
‫آل عمران في يوم أحد‪ ,‬والمذكور في النفال في يوم بدر" فل‬
‫إشكال على قوله‪ ,‬إل أن غزوة أحد لم يأت فيها مدد الملئكة‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬أن إتيان المدد فيها على القول به مشروط بالصبر‬
‫والتقوى في قوله‪} :‬بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم‬
‫ما لم يصبروا ولم يتقوا لم يأت‬ ‫هذا يمددكم ربكم{ الية‪ ,‬ول ّ‬
‫المدد‪ ,‬وهذا قول مجاهد وعكرمة والضحاك والزهري وموسى‬
‫بن عقبة وغيرهم‪ ,‬قاله بن كثير ‪.‬‬
‫م لكيل تحزنوا على‬ ‫ما ً بغ ّ‬
‫قوله تعالى‪} :‬فأثابكم غ ّ‬
‫ما ً‬‫ما فاتكم ول ما أصابكم {الية قوله تعالى‪} :‬فأثابكم غ ّ‬
‫م‪ ,‬أي حزنا على حزن‪ ,‬أو أثابكم غما بسبب‬ ‫ما على غ ّ‬‫م{ أي غ ّ‬
‫بغ ّ‬
‫غمكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعصيان أمره‪,‬‬
‫والمناسب لهذا الغم بحسب ما يسبق إلى الذهن أن يقول‪ :‬لكي‬
‫تحزنوا‪ ,‬أما قوله‪} :‬لكيل تحزنوا{ فهو مشكل؛ لن الغم سبب‬
‫للحزن ل لعدمه‪.‬‬
‫والجواب عن هذا من أوجه‪:‬‬
‫ن قوله‪} :‬لكيل تحزنوا{ متعلق بقوله تعالى‪:‬‬ ‫الول‪ :‬أ ّ‬
‫ن الله تعالى عفا عنكم لتكون‬ ‫}ولقد عفا عنكم{ فالمعنى‪ :‬أ ّ‬
‫حلوة عفوه تزيل عنكم ما نالكم من غم القتل‪ ,‬والجرح‪,.‬وفوت‬
‫الغنيمة‪ ,‬والظفر‪ ,‬والجزع من إشاعة أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قتله المشركون‪.‬‬
‫مكم هذا‬ ‫الوجه الثاني‪ :‬أن معنى الية‪ :‬أنه تعالى غ ّ‬
‫الغم لكي تتمرنوا على نوائب الدهر‪ ,‬فل يحصل لكم الحزن في‬
‫المستقبل؛ لن من اعتاد الحوادث ل تؤّثر عليه ‪.‬‬
‫ن )ل( صلة‪ ,‬وسيأتي الكلم على‬ ‫الوجه الثالث‪ :‬أ ّ‬
‫زيادتها بشواهده العربية إن شاء الله تعالى في الجمع بين قوله‬
‫تعالى‪} :‬ل أقسم بهذا البلد{‪ ,‬وقوله‪} :‬وهذا البلد المين{‪.‬‬
‫دفع إيهام الضطراب عن آيات الكتاب‬
‫]‪[3‬‬
‫لفضيلة الشيخ محمد المين الشنقيطي‬
‫المدرس بالجامعة‬
‫ءءءء ءءءءءء‬
‫دُلوا َ‬ ‫َ‬
‫ة{ الية‪.‬‬ ‫حد َ ً‬ ‫وا ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ع ِ‬ ‫م أل ّ ت َ ْ‬ ‫فت ُ ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫فإ ِ ْ‬ ‫ه قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫هذه الية الكريمة تدل على أن العدل بين الزوجات ممكن‬
‫وقد جاء في آية أخرى ما يدل على أنه غير ممكن وهي قوله‬
‫َ‬
‫ول َ ْ‬
‫و‬ ‫ء َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫دُلوا ب َي ْ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن تَ ْ‬‫عوا أ ْ‬ ‫طي ُ‬‫ست َ ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ول َ ْ‬‫تعالى‪َ } :‬‬
‫م{ الية‪.‬‬ ‫صت ُ ْ‬
‫حَر ْ‬ ‫َ‬
‫والجواب عن هذا‪:‬‬
‫أن العدل بينهن الذي ذكر الله أنه ممكن هو العدل في‬
‫توفية الحقوق الشرعية‪ ،‬والعدل الذي ذكر أنه غير ممكن هو‬
‫المساواة في المحبة والميل الطبيعي لن هذا انفعال ل فعل‬
‫فليس تحت قدرة البشر‪ ،‬والمقصود من كان أميل بالطبع إلى‬
‫إحدى الزوجات فليتق الله وليعدل في الحقوق الشرعية كما‬
‫ل{ الية‪.‬‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ميُلوا ك ُ ّ‬ ‫فل ت َ ِ‬ ‫يدل عليه قوله‪َ } :‬‬
‫وهذا الجمع روي معناه عن ابن عباس وعبيدة السلماني‬
‫ومجاهد والحسن البصري والضحاك ابن مزاحم نقله عنهم ابن‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫دُلوا ب َي ْ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫عوا أ ْ‬ ‫طي ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫كثير في تفسير قوله‪َ } :‬‬
‫ء{الية‪.‬‬ ‫سا ِ‬‫الن ّ َ‬
‫ول َ ْ‬
‫ن‬ ‫وروى ابن أبي حاتم عن ابن أبي مليكة أن آية‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ء{ نزلت في عائشة لن‬ ‫سا ِ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫دُلوا ب َي ْ َ‬ ‫ع ِ‬‫ن تَ ْ‬ ‫عوا أ ْ‬ ‫طي ُ‬ ‫ست َ ِ‬
‫تَ ْ‬
‫النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كان يميل إليها بالطبع أكثر من‬
‫غيرها‪.‬‬
‫وروى المام أحمد وأهل السنن عن عائشة قالت كان‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يقسم بين نسائه فيعدل‬
‫ثم يقول‪ :‬اللهم هذا قسمي فيما أملك فل تملني فيما تملك ول‬
‫أملك‪ ،‬يعني القلب‪ ،‬انتهى من ابن كثير‪.‬‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ح َ‬‫فا ِ‬ ‫والل ِّتي ي َأِتي َ‬ ‫ه قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫َ‬ ‫دوا َ َ‬
‫دوا‬‫ه ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫ن َ‬ ‫فإ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ع ً‬ ‫ن أْرب َ َ‬ ‫ه ّ‬ ‫علي ْ ِ‬ ‫ه ُ‬‫ش ِ‬ ‫ست َ ْ‬‫فا ْ‬ ‫م َ‬ ‫سائ ِك ُ ْ‬‫نِ َ‬
‫َ َ‬
‫ت{ الية‪ ،‬هذه الية تدل على أن‬ ‫في ال ْب ُُيو ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ه ّ‬ ‫كو ُ‬ ‫س ُ‬ ‫م ِ‬ ‫فأ ْ‬
‫الزانية ل تجلد بل تحبس إلى الموت أو إلى جعل الله لها سبيل‪.‬‬
‫وقد جاء في آية أخرى ما يدل على أنها ل تحبس بل تجلد‬
‫مائة جلدة إن كانت بكرا وجاء في آية منسوخة التلوة باقية‬
‫الحكم أنها إن كانت محصنة ترجم‪.‬‬
‫والجواب ظاهر وهو أن حبس الزواني في البيوت منسوخ‬
‫بالجلد والرجم‪ 1‬أو أنه كانت له غاية ينتهي إليها هي جعل الله‬
‫لهن السبيل فجعل الله السبيل بالحد كما يدل عليه قوله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :-‬خذوا عني قد جعل الله لهن سبيل"‬
‫الحديث‪.‬‬
‫ن{ الية‪ ،‬هذه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫خت َي ْ ِ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫عوا ب َي ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ه قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫الية تدل بعمومها على منع الجمع بين كل أختين سواء كانتا‬
‫بعقد أم بملك يمين‪ ،‬وقد جاءت آية تدل بعمومها على جواز‬
‫جمع الختين بملك اليمين وهي قوله تعالى في سورة قد أفلح‬
‫ن‪ ,‬إ ِل ّ‬ ‫ظو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫م لِ ُ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫ج ِ‬ ‫فُرو ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن ُ‬
‫َ‬
‫ذي َ‬ ‫وسورة سأل سائل‪َ } :‬‬
‫َ‬ ‫عَلى أ َ‬
‫غي ُْر‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫فإ ِن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫مان ُ ُ‬ ‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬‫ِ‬ ‫ج‬
‫ِ‬ ‫وا‬
‫َ‬ ‫ز‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن{‪ ،‬اسم‬ ‫خت َي ْ ِ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫عوا ب َي ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ن{‪ ،‬فقوله‪َ } :‬‬ ‫مي َ‬ ‫مُلو ِ‬ ‫َ‬
‫مثنى محلى بأل والمحلى بها من صيغ العموم كما تقرر في‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م{‪ ،‬اسم موصول‬ ‫ه ْ‬ ‫مان ُ ُ‬ ‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫علم الصول‪ ،‬وقوله‪} :‬أ ْ‬
‫وهو أيضا من صيغ العموم كما تقرر في علم الصول أيضا‪،‬‬
‫فبين هاتين اليتين عموم وخصوص من وجه يتعارضان بحسب‬
‫ما يظهر في صورة هي جمع الختين بملك اليمين فيدل عموم‪:‬‬
‫و‬ ‫َ‬ ‫ن ال ُ ْ‬ ‫} َ‬
‫ن{ على التحريم‪ ،‬وعموم‪} :‬أ ْ‬ ‫خت َي ْ ِ‬ ‫عوا ب َي ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م{‪ ،‬على الباحة كما قال عثمان بن عفان‬ ‫ه ْ‬ ‫مان ُ ُ‬‫ت أي ْ َ‬ ‫ملك َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫رضي الله عنه ‪" :‬أحلتهما آية وحرمتهما أخرى"‪.‬‬
‫وحاصل تحرير الجواب عن هاتين اليتين أنهما لبد أن‬
‫يخصص عموم إحداهما بعموم الخرى‪ ،‬فليزم الترجيح بين‬
‫العمومين‪ ،‬والراجح منهما يقدم ويخصص به عموم الخر‪،‬‬
‫عوا‬ ‫لوجوب العمل بالراجح إجماعا؛ وعليه فعموم‪َ } :‬‬
‫م ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ُ ْ‬
‫م{‬ ‫ه ْ‬ ‫مان ُ ُ‬‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫ن{ أرجح من عموم }أ ْ‬ ‫خت َي ْ ِ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫من خمسة أوجه‪:‬‬
‫ن{ نص‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫خت َي ْ ِ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫عوا ب َي ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ع الول‪ :‬أن عموم } َ‬
‫ن السورة سورة النساء‬ ‫في محل المدرك المقصود بالذات ل ّ‬

‫‪ -1‬أي كل واحد منهما في محله‪ ،‬الجلد للبكر والرجم للثيب‪.‬‬


‫ما‬ ‫َ‬
‫و َ‬ ‫وهي التي بين الله فيها من تحل منهن ومن تحرم وآية‪} :‬أ ْ‬
‫َ‬
‫م{‪ ،‬لم تذكر من أجل تحريم النساء ول تحليلهن‬ ‫ه ْ‬ ‫مان ُ ُ‬
‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬ ‫َ‬
‫بل ذكر الله صفات المتقين فذكر من جملتها حفظ الفرج‬
‫فاستطرد أنه ل يلزم حفظه عن الزوجة والسرية وقد تقرر في‬
‫الصول أن أخذ الحكام من مظانها أولى من أخذها ل من‬
‫مظانها‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م{‪ ،‬ليست باقية‬ ‫ه ْ‬ ‫مان ُ ُ‬‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫ع الثاني‪ :‬أن آية‪} :‬أ ْ‬
‫على عمومها بإجماع المسلمين لن الخت من الرضاع ل تحل‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫مل َك َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫بملك اليمين إجماعا للجماع على أن عموم }أ ْ‬
‫ة{‪،‬‬ ‫ع ِ‬‫ضا َ‬ ‫ن الّر َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫وات ُك ُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫وأ َ َ‬‫م{ يخصصه عموم‪َ } :‬‬ ‫ه ْ‬ ‫مان ُ ُ‬ ‫أي ْ َ‬
‫َ‬
‫وموطوءة الب ل تحل بملك اليمين إجماعا للجماع على أن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ول‬ ‫م{‪ ،‬يخصصه عموم‪َ } :‬‬ ‫ه ْ‬ ‫مان ُ ُ‬ ‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫عموم }أ ْ‬
‫ء{‪ ،‬الية‪ ،‬والصح عند‬ ‫سا ِ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ؤك ُ ْ‬ ‫ح آَبا ُ‬ ‫ما ن َك َ َ‬ ‫حوا َ‬ ‫ت َن ْك ِ ُ‬
‫الصوليين في تعارض العام الذي دخله التخصيص والعام الذي‬
‫لم يدخله تخصيص هو تقديم الذي لم يدخله التخصيص ووجهه‬
‫ظاهر‪.‬‬
‫ن{ غير‬ ‫ن ال ُ ْ‬ ‫الثالث‪ :‬أن عموم } َ‬
‫خت َي ْ ِ‬ ‫عوا ب َي ْ َ‬
‫َ‬
‫م ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫ت‬
‫ملك ْ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫وارد في معرض مدح ول ذم‪ ،‬وعموم }أ ْ‬
‫م{ وارد في معرض مدح المتقين والعام الوارد في‬ ‫َ‬
‫ه ْ‬ ‫مان ُ ُ‬ ‫أي ْ َ‬
‫معرض المدح أو الذم اختلف أكثر العلماء في اعتبار عمومه؛‬
‫ن ال َب َْراَر‬ ‫فأكثر العلماء على أن عمومه معتبر كقوله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫م{‪ ،‬فإنه يعم كل بر مع‬ ‫حي ٍ‬ ‫ج ِ‬ ‫في َ‬ ‫جاَر ل َ ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫عيم‪َ ,‬‬ ‫في ن َ ِ‬ ‫لَ ِ‬
‫أنه للمدح‪ ،‬وكل فاجر مع أنه للذم وخالف في ذلك المام‬
‫الشافعي رحمه الله قائل إن العام الوارد في معرض المدح أو‬
‫الذم ل عموم له لن المقصود منه الحث في المدح والزجر في‬
‫الذم‪.‬‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫ولذا لم يأخذ الشافعي بعموم قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ه{‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫ها ِ‬ ‫قون َ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ول ي ُن ْ ِ‬ ‫ة َ‬ ‫ض َ‬ ‫ف ّ‬ ‫وال ْ ِ‬‫ب َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الذّ َ‬ ‫ي َك ْن ُِزو َ‬
‫في الحلي المباح لن الية سيقت للذم فل تعم عنده الحلي‬
‫المباح؛ فإذا حققت ذلك فاعلم أن العام الذي لم يقترن بما‬
‫يمنع اعتبار عمومه أولى من المقترن بما يمنع اعتبار عمومه‬
‫عند بعض العلماء‪.‬‬
‫ع الرابع‪ :‬إنا لو سلمنا المعارضة بين اليتين فالصل في‬
‫الفروج التحريم حتى يدل دليل ل معارض له على الباحة‪.‬‬
‫ع الخامس‪ :‬إن العموم المقتضي للتحريم أولى من‬
‫المقتضي للباحة لن ترك مباح أهون من ارتكاب حرام‪ ،‬كما‬
‫سيأتي تحقيقه إن شاء الله في سورة المائدة والعلم عند الله‪.‬‬
‫فهذه الوجه الخمسة التي بينا يرد بها استدلل داود‬
‫الظاهري بهذه الية الكريمة على جمع الختين في الوطء بملك‬
‫ما‬ ‫َ‬
‫و َ‬‫اليمين‪ ،‬ولكنه يحتج بآية أخرى وهي قوله تعالى‪} :‬أ ْ‬
‫َ‬
‫م{ فإنه يقول الستثناء راجع أيضا إلى قوله‬ ‫ه ْ‬
‫مان ُ ُ‬ ‫مل َك َ ْ‬
‫ت أي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن{‪ ،‬فيكون المعنى على قوله وأن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫خت َي ْ ِ‬
‫ن ال ْ‬
‫عوا ب َي ْ َ‬ ‫م ُ‬‫ج َ‬‫ن تَ ْ‬‫وأ ْ‬‫} َ‬
‫تجمعوا بين الختين إل ما ملكت أيمانكم فإنه ل يحرم فيه الجمع‬
‫بين الختين‪.‬‬
‫ورجوع الستثناء لكل ما قبله من المتعاطفات جمل كانت أو‬
‫مفردات هو الجاري على أصول مالك والشافعي وأحمد وإليه‬
‫الشارة بقول صاحب مراقي السعود‪:‬‬
‫من قبل الستثناء فكل يقف‬ ‫وكل ما يكون فيه العطف‬
‫دون دليل العقل أو ذي السمع‬
‫خلفا لبي حنيفة القائل برجوع الستثناء للجملة الخيرة‬
‫فقط ولذلك ل يرى قبول شهادة القاذف ولو تاب وأصلح‪ ،‬لن‬
‫ن َتاُبوا{‪ ،‬يرجع عنده لقوله تعالى‪:‬‬ ‫ذي َ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬إ ِل ّ ال ّ ِ‬
‫ن{ فقط أي إل الذين تابوا فقد زال‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه ُ‬‫ك ُ‬ ‫وُأول َئ ِ َ‬
‫} َ‬
‫عنهم فسقهم بالتوبة‪ ،‬ول يقول برجوعه لقوله‪ :‬ول تقبلوا لهم‬
‫شهادة إل الذين تابوا فاقبلوا شهادتهم‪ ،‬بل يقول‪ :‬ل تقبلوها لهم‬
‫مطلقا لختصاص الستثناء بالخيرة عنده‪.‬‬
‫ولم يخالف أبو حنيفة أصله في قوله برجوع الستثناء في‬
‫صاِلحًا{‪ ،‬لجميع‬ ‫مل ً َ‬ ‫ع َ‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ع ِ‬‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫م َ‬ ‫وآ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ن َتا َ‬ ‫م ْ‬ ‫قوله‪} :‬إ ِل ّ َ‬
‫ه إ َِلها ً‬
‫ع الل ّ ِ‬ ‫م َ‬‫ن َ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ل ي َدْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫الجمل قبله أعني قوله‪َ } :‬‬
‫ول‬‫ق َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه إ ِل ّ ِبال ْ َ‬‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫س ال ِّتي َ‬ ‫ف َ‬ ‫ن الن ّ ْ‬ ‫قت ُُلو َ‬ ‫ول ي َ ْ‬ ‫خَر َ‬ ‫آ َ‬
‫ن{‪ ،‬لن جميع هذه الجمل جمع معناه في الجملة الخيرة‬ ‫ي َْزُنو َ‬
‫ق أَثامًا{‪ ،‬لن الشارة في‬ ‫َ‬
‫ك ي َل ْ َ‬‫ل ذَل ِ َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬‫وهي قوله‪َ } :‬‬
‫قوله ذلك شاملة لكل من الشرك والقتل والزنى فبرجوعه‬
‫للخيرة رجع للكل فظهر أن أبا حنيفة لم يخالف فيها أصله‪،‬‬
‫ولجل هذا الصل المقرر في الصول لو قال رجل‪ :‬هذه الدار‬
‫حبس على الفقراء والمساكين وبنى زهرة وبني تميم إل‬
‫الفاسق منهم فإنه يخرج فاسق الكل عند المالكية والشافعية‬
‫والحنابلة‪.‬‬
‫قال مقيده عفا الله عنه‪ :‬التحقيق في هذه المسألة هو ما‬
‫حققه بعض المتأخرين كابن الحاجب من المالكية والغزالي من‬
‫الشافعية والمدي من الحنابلة من أن الحكم في الستثناء التي‬
‫بعد متعاطفات هو الوقف وأن ل يحكم برجوعه إلى الجميع ول‬
‫إلى الخيرة‪ ،‬وإنما قلنا أن هذا هو التحقيق لن الله تعالى يقول‪:‬‬
‫ل{‬ ‫سو ِ‬ ‫والّر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫دوهُ إ َِلى الل ّ ِ‬ ‫فُر ّ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫عت ُ ْ‬ ‫ن ت ََناَز ْ‬ ‫فإ ِ ْ‬‫} َ‬
‫الية‪ ،‬وإذا رددنا هذا النزاع إلى الله وجدنا القرآن دال على قول‬
‫هؤلء الذي ذكرنا أنه هو التحقيق في آيات كثيرة منها قوله‬
‫ه إ ِل ّ‬ ‫هل ِ ِ‬ ‫ة إ َِلى أ َ ْ‬ ‫م ٌ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ة ُ‬ ‫وِدي َ ٌ‬ ‫ة َ‬ ‫من َ ٍ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬‫ة ُ‬ ‫قب َ ٍ‬ ‫ريُر َر َ‬ ‫ح ِ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫تعالى‪َ } :‬‬
‫قوا{‪ ،‬فالستثناء راجع للدية فهي تسقط بتصدق‬ ‫صد ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ن يَ ّ‬ ‫أ ْ‬
‫مستحقها بها ول يرجع لتحرير الرقبة قول واحدا لن تصدق‬
‫مستحق الدية بها ل يسقط كفارة القتل خطأ‪.‬‬
‫ول‬ ‫جل ْدَةً َ‬ ‫ن َ‬ ‫ماِني َ‬ ‫م ثَ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫دو ُ‬ ‫جل ِ ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫ومنها قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ن‪ ,‬إ ِل ّ‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه ُ‬‫ك ُ‬ ‫وُأول َئ ِ َ‬ ‫هادَةً أَبدا ً َ‬
‫َ‬
‫ش َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قب َُلوا ل َ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬‫دو ُ‬ ‫جل ِ ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫ن َتاُبوا{‪ ،‬فالستثناء ل يرجع لقوله‪َ } :‬‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ة{‪ ،‬لن القاذف إذا تاب ل تسقط توبته حد‬ ‫جل ْدَ ً‬ ‫ن َ‬ ‫ماِني َ‬ ‫ثَ َ‬
‫القذف‪.‬‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫ذو ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫وا َ‬ ‫ول ّ ْ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫فإ ِ ْ‬ ‫ومنها أيضا قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ول‬ ‫ول ِي ّا ً َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ول ت َت ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫مو ُ‬ ‫جدْت ُ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ث َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قت ُُلو ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫وب َي ْن َ ُ‬‫م َ‬ ‫وم ٍ ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن إ ِلى َ‬ ‫َ‬ ‫صلو َ‬ ‫ُ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫صيرا‪ ,‬إ ِل ّ ال ِ‬ ‫ً‬ ‫نَ ِ‬
‫ن إ َِلى‬ ‫صُلو َ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ق{ ‪ ،‬فالستثناء في قوله‪} :‬إ ِل ّ ال ّ ِ‬ ‫ميَثا ٌ‬ ‫ِ‬
‫ق{ ل يرجع قول واحدا إلى الجملة‬ ‫ميَثا ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫وب َي ْن َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫وم ٍ ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫َ‬
‫ذوا‬ ‫خ ُ‬ ‫ول ت َت ّ ِ‬ ‫الخيرة التي أقرب الجمل إليه أعني قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫صيرًا{‪ ،‬إذ ل يجوز اتخاذ ولي ول نصير من‬ ‫ول ن َ ِ‬ ‫ول ِي ّا ً َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫الكفار ولو وصلوا إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق بل الستثناء‬
‫م{‪،‬‬ ‫ه ْ‬ ‫قت ُُلو ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ذو ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫راجع للخذ والقتل في قوله‪َ } :‬‬
‫والمعنى فخذوهم بالسر واقتلوهم إل الذين يصلون إلى قوم‬
‫بينكم وبينهم ميثاق فليس لكم أخذهم بأسر ول قتلهم‪ ،‬لن‬
‫الميثاق الكائن لمن وصلوا إليهم يمنع من أسرهم وقتلهم كما‬
‫اشترطه هلل بن عويمر السلمي في صلحه مع النبي ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬لن هذه الية نزلت فيه وفي سراقة بن‬
‫مالك المدلجي وفي بني جذيمة ابن عامر‪.‬‬
‫وإذا كان الستثناء ربما لم يرجع لقرب الجمل إليه في‬
‫القرآن العظيم الذي هو في الطرف العلى من العجاز تبين‬
‫أنه ليس نصا في الرجوع إلى غيرها‪.‬‬
‫م‬‫عل َي ْك ُ ْ‬‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫ض ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫ول َ‬ ‫ول َ ْ‬‫ومنها أيضا قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ل{‪ ،‬فالستثناء ليس‬ ‫قِلي ً‬‫ن إ ِل ّ َ‬ ‫طا َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫عت ُ ُ‬‫ه لت ّب َ ْ‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫ح َ‬‫وَر ْ‬ ‫َ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ض ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫ول َ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫راجعا للجملة الخيرة التي يليها أعني‪َ } :‬‬
‫ن{‪ ،‬لنه لول فضل الله‬ ‫طا َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫عت ُ ُ‬
‫ه لت ّب َ ْ‬‫مت ُ ُ‬‫ح َ‬ ‫وَر ْ‬ ‫م َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬
‫َ‬
‫عليكم ورحمته لتبعتم الشيطان كل ولم ينجح من ذلك قليل ول‬
‫كثير حتى يخرج بالستثناء‪.‬‬
‫واختلف العلماء في مرجع هذا الستثناء؛ فقيل‪ :‬راجع لقوله‪:‬‬
‫ه{‪.‬‬ ‫عوا ب ِ ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫}أ َ َ‬
‫م{‪،‬‬ ‫ه ْ‬‫من ْ ُ‬‫ه ِ‬ ‫طون َ ُ‬ ‫ست َن ْب ِ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫وقيل‪ :‬راجع لقوله‪} :‬ل َ َ‬
‫عل ِ َ‬
‫وإذا لم يرجع للجملة التي يليها فل يكون نصا في رجوعه‬
‫لغيرها‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن هذا الستثناء راجع للجملة التي تليها وعليه‬
‫فالمعنى‪ :‬ولول فضل الله عليكم ورحمته بإرسال محمد ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬لتبعتم الشيطان في ملة آبائكم من الكفر‬
‫وعبادة الوثان إل قليل كمن كان على ملة إبراهيم كورقة بن‬
‫نوفل وقس بن ساعدة وأضرابهم وذكر ابن كثير أن عبد الرزاق‬
‫ن إ ِل ّ‬ ‫طا َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫عت ُ ُ‬ ‫روى عن معمر عن قتادة في قوله‪} :‬لت ّب َ ْ‬
‫ل{‪ ،‬أن معناه‪ :‬لتبعتم الشيطان كل‪ ،‬قال‪ :‬والعرب تطلق‬ ‫قِلي ً‬ ‫َ‬
‫القلة وتريد بها العدم‪ ،‬واستدل قائل هذا القول بقول الطرماح‬
‫بن حكيم يمدح يزيد بن المهلب‪:‬‬
‫قليل المثالب والقادحة‬ ‫أشم ندى كثير النوادي‬
‫يعني ل مثلبة ول قادحة‪.‬‬
‫قال مقيده عفا الله عنه‪ :‬إطلق القلة وإرادة العدم كثير في‬
‫كلم العرب ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫قليل بها الصوات إل‬ ‫أنيخت فألقت بلدة فوق‬
‫بغامها‬
‫غير بغام راحلته‪.‬‬ ‫بلدةيعني أنه ل صوت في تلك الفلة‬
‫وقول الخر‪:‬‬
‫قليل لدى من يعرف الحق‬ ‫فما بأس لو ردت علينا‬
‫عابهاالحق‪.‬‬
‫تحيةيعني ل عاب فيها عند من يعرف‬
‫وعلى هذين القولين الخيرين فل شاهد في الية وبهذا‬
‫التحقيق الذي حررنا يرد استدلل داود الظاهري بهذه الية‬
‫الخيرة أيضا والعلم عند الله‪.‬‬
‫ف‬
‫ص ُ‬ ‫ف َ َ‬ ‫ة َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫َ‬ ‫ه قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ن نِ ْ‬ ‫ه ّ‬ ‫علي ْ ِ‬ ‫ش ٍ‬ ‫فا ِ‬ ‫ن أت َي ْ َ‬ ‫فإ ِ ْ‬
‫ب{‪ ،‬هذه الية تدل على أن‬ ‫ذا ِ‬ ‫ع َ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫صَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫عَلى ال ْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫الماء إذا زنين جلدن خمسين جلدة‪ ،‬وقد جاءت آية أخرى تدل‬
‫بعمومها على أن‪،‬كل زانية تجلد مائة جلدة‪ ،‬وهي قوله تعالى‪:‬‬
‫ة{‪.‬‬ ‫جل ْدَ ٍ‬ ‫ة َ‬ ‫مائ َ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬‫د ِ‬ ‫ح ٍ‬ ‫وا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫دوا ك ُ ّ‬ ‫جل ِ ُ‬‫فا ْ‬ ‫والّزاِني َ‬ ‫ة َ‬ ‫}الّزان ِي َ ُ‬
‫والجواب ظاهر‪ :‬وهو أن هذه الية مخصصة لية النور لنه‬
‫ل يتعارض عام وخاص‪.‬‬
‫ن‬‫سن َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫دي َك ُ ْ‬‫ه ِ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫ه ل ِي ُب َي ّ َ‬ ‫ريدُ الل ّ ُ‬ ‫ه قوله تعالى‪} :‬ي ُ ِ‬
‫م{‪ ،‬هذه الية تدل بظاهرها على أن شرع من‬ ‫قب ْل ِك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫دى‬ ‫ه َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫قبلنا شرع لنا‪ ،‬ونظيرها قوله تعالى‪ُ} :‬أول َئ ِ َ‬
‫ه{‪ ،‬وقد جاءت آية أخرى تدل على خلف‬ ‫د ْ‬ ‫ما ْ‬
‫قت َ ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫دا ُ‬ ‫ه َ‬ ‫فب ِ ُ‬‫ه َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫هاجًا{‬ ‫من ْ َ‬ ‫و ِ‬‫ة َ‬ ‫ع ً‬ ‫شْر َ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫عل َْنا ِ‬ ‫ج َ‬‫ل َ‬ ‫ذلك هي قوله تعالى‪} :‬ل ِك ُ ّ‬
‫الية‪.‬‬
‫ووجه الجمع بين ذلك مختلف فيه اختلفا مبنيا على‬
‫الختلف في حكم هذه المسألة‪:‬‬
‫فجمهور العلماء على أن شرع من قبلنا إن ثبت بشرعنا‬
‫فهو شرع لنا ما لم يدل دليل من شرعنا على نسخه لنه ما‬
‫ذكره لنا في شرعنا إل لجل العتبار والعمل‪ ،‬وعلى هذا القول‬
‫م‬‫من ْك ُ ْ‬‫عل َْنا ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ل َ‬ ‫فوجه الجمع بين اليتين أن معنى قوله‪} :‬ل ِك ُ ّ‬
‫هاجًا{‪ ،‬أن شرائع الرسل ربما ينسخ في بعضها‬ ‫من ْ َ‬ ‫و ِ‬ ‫ة َ‬ ‫ع ً‬ ‫شْر َ‬ ‫ِ‬
‫حكم كان في غيرها أو يزاد في بعضها حكم لم يكن في غيرها‪،‬‬
‫فالشرعة إذن إما بزيادة أحكام لم تكن مشروعة قبل وإما‬
‫بنسخ شيء كان مشروعا قبل فتكون الية ل دليل فيها على أن‬
‫ما ثبت بشرعنا أنه كان شرعا لمن قبلنا ولم ينسخ أنه ليس من‬
‫شرعنا لن زيادة ما لم يكن قبل أو نسخ ما كان قبل كلهما‬
‫ليس من محل النزاع‪.‬‬
‫وأما على قول الشافعي ومن وافقه أن شرع من قبلنا‬
‫شرع ليس شرعا لنا إل بنص من شرعنا أنه مشروع لنا‪ ،‬فوجه‬
‫الجمع أن المراد بسنن من قبلنا وبالهدى في قوله‪ُ} :‬أول َئ ِ َ‬
‫ك‬
‫ه{‪ ،‬أصول الدين التي هي التوحيد ل الفروع‬ ‫دى الل ّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ة‬ ‫ع ً‬ ‫شْر َ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫عل َْنا ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ل َ‬ ‫العلمية بدليل قوله تعالى‪} :‬ل ِك ُ ّ‬
‫هاجًا{ الية‪.‬‬ ‫من ْ َ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫ولكن هذا الجمع الذي ذهبت إليه الشافعية يرد عليه ما رواه‬
‫البخاري في صحيحه في تفسير سورة )ص( عن مجاهد أنه‬
‫سأل ابن عباس من أين أخذت السجدة في )ص( فقال ابن‬
‫ه‬‫دى الل ّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫د{ }ُأول َئ ِ َ‬ ‫و َ‬ ‫دا ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ذُّري ّت ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و ِ‬‫عباس‪َ } :‬‬
‫"‬
‫ه{‪ ،‬فسجدها داود فسجد رسول الله ‪ -‬صلى‬ ‫د ْ‬‫قت َ ِ‬ ‫ما ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫دا ُ‬ ‫ه َ‬ ‫فب ِ ُ‬ ‫َ‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،"-‬ومعلوم أن سجود التلوة من الفروع ل من‬
‫الصول‪ ،‬وقد بين ابن عباس رضي الله عنه أن النبي ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬سجدها اقتداء بداود وقد بينت هذه المسألة‬
‫بيانا شافيا في رحلتي فلذلك اختصرتها هنا‪.‬‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫فآُتو ُ‬ ‫م َ‬ ‫مان ُك ُ ْ‬ ‫ت أي ْ َ‬ ‫قد َ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫ه قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫م{ الية‪ ،‬هذه الية تدل على أن إرث الحلفاء من‬ ‫ه ْ‬ ‫صيب َ ُ‬ ‫نَ ِ‬
‫حلفائهم‪ ،‬وقد جاءت آية أخرى تدل على خلف ذلك وهي قوله‬
‫َ‬ ‫تعالى‪ُ } :‬‬
‫ب‬‫في ك َِتا ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫ع ٍ‬ ‫وَلى ب ِب َ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫حام ِ ب َ ْ‬ ‫وأوُلوا اْل َْر َ‬ ‫َ‬
‫ه{‪.‬‬ ‫الل ّ ِ‬
‫ت‬‫قد َ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫والجواب أن هذه الية ناسخة لقوله‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫م{ الية ونسخها لها هو الحق خلفا لبي حنيفة ومن‬ ‫مان ُك ُ ْ‬ ‫أي ْ َ‬
‫وافقه في القول بإرث الحلفاء اليوم إن لم يكن له وارث‪.‬‬
‫م{ أن من‬ ‫ه ْ‬ ‫صيب َ ُ‬ ‫م نَ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫فآُتو ُ‬ ‫وقد أجاب بعضهم بأن معنى‪َ } :‬‬
‫الموالة والنصرة وعليه فل تعارض بينهما والعلم عند الله‪.‬‬
‫ديثًا{‪ ،‬هذه الية‬ ‫ح ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ول ي َك ْت ُ ُ‬ ‫ه قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫تدل على أن الكفار ل يكتمون الله من خبرهم شيئا يوم‬
‫القيامة‪ ،‬وقد جاءت آيات أخر تدل على خلف ذلك كقوله‬
‫َ‬
‫ما‬‫ه َرب َّنا َ‬ ‫والل ّ ِ‬ ‫قاُلوا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م إ ِل ّ أ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫فت ْن َت ُ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ت َك ُ ْ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫تعالى‪} :‬ث ُ ّ‬
‫ما ك ُّنا‬ ‫م َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫وا ال ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫فأ َل ْ َ‬ ‫ن{‪ ،‬وقوله تعالى‪َ } :‬‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ُّنا ُ‬
‫قب ْ ُ‬
‫ل‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫عوا ِ‬ ‫ن ن َدْ ُ‬ ‫م ن َك ُ ْ‬ ‫ل لَ ْ‬ ‫ء{‪ ،‬وقوله‪} :‬ب َ ْ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ع َ‬ ‫نَ ْ‬
‫شْيئًا{‪.‬‬ ‫َ‬
‫ووجه الجمع في ذلك هو ما بينه ابن عباس رضي الله‬
‫ما ك ُّنا‬ ‫ه َرب َّنا َ‬ ‫والل ّ ِ‬ ‫عنه لما سئل عن قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ديثًا{‪ ،‬وهو أن‬ ‫ح ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ول ي َك ْت ُ ُ‬ ‫ن{‪ ،‬مع قوله‪َ } :‬‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ألسنتهم تقول والله ربنا ما كنا مشركين فيختم الله على‬
‫أفواههم وتشهد أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون‪ ،‬فكتم الحق‬
‫باعتبار اللسان وعدمه باعتبار اليدي والرجل‪ ،‬وهذا الجمع يشير‬
‫مَنا‬ ‫وت ُك َل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫ف َ‬ ‫عَلى أ َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫خت ِ ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫و َ‬ ‫إليه قوله تعالى‪} :‬ال ْي َ ْ‬
‫َ‬ ‫أَ‬
‫ن{ ‪ ،‬وأجاب‬ ‫سُبو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫جل ُ ُ‬ ‫هدُ أْر ُ‬ ‫ش َ‬ ‫وت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫دي‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬
‫بعض العلماء بتعدد الماكن فيكتمون في وقت ول يكتمون في‬
‫وقت آخر والعلم عند الله‪.‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ذ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫قوُلوا َ‬ ‫ة يَ ُ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫صب ْ ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫قل‬ ‫ك ُ‬ ‫د َ‬ ‫عن ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ذ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫قوُلوا َ‬ ‫ة يَ ُ‬ ‫سي ّئ َ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫صب ْ ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫د الل ّ ِ‬ ‫عن ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ما‬‫ه{‪ ،‬ل تعارض بينه وبين قوله تعالى‪َ } :‬‬ ‫د الل ّ ِ‬ ‫عن ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫كُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ة َ‬ ‫سي ّئ َ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫صاب َ َ‬ ‫ما أ َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ة َ‬ ‫سن َ ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫صاب َ َ‬ ‫أ َ‬
‫ك{ ‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫ف ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫صب ْ ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫والجواب ظاهر وهو أن معنى قوله‪َ } :‬‬
‫ة{ أي مطر وخصب وأرزاق وعافية يقولوا هذا ما أكرمنا‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ة{‪ ،‬أي جدب وقحط وفقر‬ ‫سي ّئ َ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫صب ْ ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫الله به‪َ } :‬‬
‫وأمراض يقولوا هذه من عندك أي من شؤمك يا محمد وشؤم‬
‫ما جئت به‪ ،‬قل لهم كل ذلك من الله‪ ،‬ومعلوم أن الله هو الذي‬
‫يأتي بالمطر والرزق والعافية كما أنه يأتي بالجدب والقحط‬
‫والفقر والمراض والبليا‪ ،‬ونظير هذه الية قول الله في فرعون‬
‫سى‬ ‫مو َ‬ ‫ة ي َطّي ُّروا ب ِ ُ‬ ‫سي ّئ َ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫صب ْ ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫وقومه مع موسى‪َ } :‬‬
‫قاُلوا‬ ‫ه{‪ ،‬وقوله تعالى في قوم صالح مع صالح‪َ } :‬‬ ‫ع ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ك{ الية‪ ،‬وقول أصحاب القرية للرسل‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وب ِ َ‬ ‫ك َ‬ ‫اطي ّْرَنا ب ِ َ‬ ‫ّ‬
‫هوا‬ ‫م ت َن ْت َ ُ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ل َئ ِ ْ‬ ‫قاُلوا إ ِّنا ت َطَي ّْرَنا ب ِك ُ ْ‬ ‫الذين أرسلوا إليهم‪َ } :‬‬
‫م{ الية‪.‬‬ ‫من ّك ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ل َن َْر ُ‬
‫َ‬
‫ه{ أي لنه‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ة َ‬ ‫سن َ ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫صاب َ َ‬ ‫ما أ َ‬ ‫وأما قوله‪َ } :‬‬
‫س َ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫صاب َ َ‬ ‫َ‬
‫ك{‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫سي ّئ َ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ما أ َ‬ ‫و َ‬ ‫المتفضل بكل نعمة‪َ } ،‬‬
‫أي من قبلك ومن عملك أنت إذ ل تصيب النسان سيئة إل بما‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫فب ِ َ‬ ‫ة َ‬ ‫صيب َ ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صاب َك ُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫و َ‬ ‫كسبت يداه كما قال تعالى‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ر{ وسيأتي إن شاء الله‬ ‫ن ك َِثي ٍ‬ ‫ع ْ‬ ‫فو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫كَ َ‬
‫تحرير المقام في قضية أفعال العباد بما يرفع الشكال في‬
‫سورة الشمس في الكلم على قوله تعالى‪َ َ } :‬‬
‫ها‬ ‫م َ‬ ‫ه َ‬ ‫فأل ْ َ‬
‫ها{‪ ،‬والعلم عند الله تعالى‪.‬‬ ‫وا َ‬ ‫ق َ‬ ‫وت َ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫جوَر َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ُ‬
‫ة{ قيد في هذه‬ ‫من َ ٍ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫قب َ ٍ‬ ‫ريُر َر َ‬ ‫ح ِ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫ه قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫الية الرقبة المعتقة في كفارة القتل خطأ باليمان‪ ،‬وأطلق‬
‫الرقبة التي في كفارة الظهار واليمين عن قيد اليمان حيث‬
‫ة{ ولم يقل مؤمنة؛ وهذه‬ ‫قب َ ٍ‬ ‫ريُر َر َ‬ ‫ح ِ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫قال في كل منهما‪َ } :‬‬
‫المسألة من مسائل تعارض العارض المطلق والمقيد وحاصل‬
‫تحرير المقام فيها‪ :‬أن المطلق والمقيد لهما أربع حالت‪:‬‬
‫الولى‪ :‬أن يتفق حكمهما وسببهما كآية الدم التي تقدم‬
‫الكلم عليها؛ فجمهور العلماء يحملون المطلق على المقيد في‬
‫هذه الحالة التي هي اتحاد السبب والحكم معا‪ ،‬وهو أسلوب من‬
‫أساليب اللغة العربية لنهم يثبتون ثم يحذفون اتكال على‬
‫المثبت كقول الشاعر‪ ،‬وهو قيس بن الخطيم‪:‬‬
‫عدك راض والرأي مختلف‬ ‫نحن بما عندنا وأنت بما عنع‬
‫فحذف راضون لدللة راض عليها‪ ،‬ونظيره أيضا قول ضابئ‬
‫بن الحارث البرجمي‪:‬‬
‫فإني وقيارا بها لغريب‬ ‫فمن يك أمسى بالمدينة‬
‫رحله‬
‫وقول عمرو بن أحمر الباهلي‪:‬‬
‫بريئا ومن أجل الطوى رماني‬ ‫رماني بأمر كنت ووالدي‬
‫وقال بعض العلماء‪ :‬إن حمل المطلق على المقيد بالقياس‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬بالعقل وهو أضعفها‪ ،‬والله تعالى أعلم‪.‬‬
‫والحالة الثانية‪ :‬أن يتحد الحكم ويختلف السبب كما في‬
‫هذه الية‪ ،‬فإن الحكم متحد وهو عتق رقبة‪ ،‬والسبب مختلف‬
‫وهو قتل خطأ وظهار مثل؛ ومثل هذا المطلق يحمل على المقيد‬
‫عند الشافعية والحنابلة وكثير من المالكية‪ ،‬ولذا أوجبوا اليمان‬
‫في كفارة الظهار حمل للمطلق على المقيد خلفا لبي حنيفة‪.‬‬
‫ويدل لحمل هذا المطلق على المقيد‪ ،‬قوله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬في قصة معاوية بن الحكم السلمي‪" :‬اعتقها فإنها‬
‫مؤمنة" ولم يستفصله عنها هل هي كفارة أو ل‪ ،‬وترك‬
‫الستفصال ينزل منزلة العموم في القوال‪ ،‬قال في مراقي‬
‫السعود‪:‬‬
‫منزلة العموم في القوال‬ ‫ونزلن ترك الستفصال‬
‫الحالة الثالثة‪ :‬عكس هذه‪ ،‬وهي التحاد في السبب مع‬
‫الختلف في الحكم؛ فقيل‪ :‬يحمل فيها المطلق على المقيد‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬ل‪ ,‬وهو قول أكثر العلماء ومثاله‪ :‬صوم الظهار وإطعامه‪،‬‬
‫فسببهما واحد وهو الظهار وحكمهما مختلف لن هذا صوم وهذا‬
‫إطعام‪ ،‬وأحدهما مقيد بالتتابع وهو الصوم والثاني مطلق عن‬
‫قيد التتابع وهو الطعام‪ ،‬فل يحمل هذا المطلق على المقيد‪.‬‬
‫والقائلون بحمل المطلق على المقيد في هذه الحالة مثلوا‬
‫له بإطعام الظهار‪ ،‬فإنه مقيد بكونه قبل أن يتماسا‪ ،‬مع أن عتقه‬
‫سا{‪ ،‬فيحمل هذا‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬
‫ما ّ‬‫ن ي َت َ َ‬‫لأ ْ‬ ‫قب ْ ِ‬ ‫م ْ‬‫وصومه قيدا بقوله‪ِ } :‬‬
‫المطلق على المقيد فيجب كون الطعام قبل المسيس‪.‬‬
‫ومّثل له اللخمي بالطعام في كفارة اليمين حيث قيد‬
‫م{‪ ،‬وأطلق الكسوة‬ ‫هِليك ُ ْ‬‫ن أَ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ع ُ‬‫ما ت ُطْ ِ‬
‫ط َ‬‫س ِ‬‫و َ‬
‫َ‬
‫نأ ْ‬‫م ْ‬
‫بقوله‪ِ } :‬‬
‫م{‪ ،‬فيحمل المطلق‬ ‫َ‬
‫ه ْ‬ ‫وت ُ ُ‬ ‫س َ‬ ‫و كِ ْ‬ ‫عن القيد بذلك حيث قال‪} :‬أ ْ‬
‫على المقيد فيشترط في الكسوة أن تكون من أوسط ما‬
‫تكسون أهليكم‪.‬‬
‫الحالة الرابعة‪ :‬أن يختلفا في الحكم والسبب معا ول‬
‫حمل فيها إجماعا‪ ،‬وهو واضح‪ ،‬وهذا فيما إذا كان المقيد واحدا؛‬
‫أما إذا ورد مقيدين بقيدين مختلفين فل يمكن حمل المطلق‬
‫على كليهما لتنافي قيديهما‪ ،‬ولكنه ينظر فيهما فإن كان أحدهما‬
‫أقرب للمطلق من الخر حمل المطلق على القرب له منهما‬
‫عند جماعة من العلماء فيقيد بقيده وإن لم يكن أحدهما أقرب‬
‫له فل يقيد بقيد واحد منهما ويبقى على إطلقه لستحالة‬
‫الترجيح بل مرجح‪.‬‬
‫مثال كون أحدهما أقرب للمطلق من الخر‪ :‬صوم كفارة‬
‫اليمين فإنه مطلق عن قيد التتابع والتفريق مع أن صوم الظهار‬
‫مقيد بالتتابع‪ ،‬وصوم التمتع مقيد بالتفريق‪ ،‬واليمين أقرب إلى‬
‫الظهار من التمتع لن كل من اليمين والظهار صوم كفارة‬
‫بخلف صوم التمتع فيقيد صوم كفارة اليمين بالتتابع عند من‬
‫يقول بذلك‪ ،‬ول يقيد بالتفريق الذي في صوم التمتع‪ ،‬وقراءة‬
‫ابن مسعود‪} :‬فصيام ثلثة أيام متتابعات{ لم تثبت لجماع‬
‫الصحابة على عدم كتب )متتابعات( في المصحف‪.‬‬
‫ومثال كونهما ليس أحدهما أقرب للمطلق من الخر صوم‬
‫خَر{‪ ،‬ولم‬ ‫ن أ َّيام ٍ أ ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫عدّةٌ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫قضاء رمضان فإن الله قال فيه‪َ } :‬‬
‫يقيده بتتابع ول تفريق مع أنه قيد صوم الظهار بالتتابع وصوم‬
‫التمتع بالتفريق‪ ،‬وليس أحدهما أقرب إلى قضاء رمضان من‬
‫الخر فل يقيد بقيد واحد منهما بل يبقى على الختيار إن شاء‬
‫تابعه وإن شاء فرقه‪ ،‬والعلم عند الله تعالى‪.‬‬
‫ه‬
‫ؤ ُ‬ ‫جَزا ُ‬ ‫ف َ‬ ‫مدا ً َ‬ ‫ع ّ‬ ‫مت َ َ‬ ‫منا ً ُ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫قت ُ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫عد ّ ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫وأ َ‬ ‫ه َ‬ ‫عن َ ُ‬ ‫ول َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫عل َي ْ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬‫غ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬‫خاِلدا ً ِ‬ ‫م َ‬ ‫هن ّ ُ‬‫ج َ‬ ‫َ‬
‫ظيمًا{‪ ،‬الية‪ ،‬هذه الية تدل على أن القاتل عمدا ل‬ ‫ع ِ‬ ‫ذابا ً َ‬ ‫ع َ‬
‫َ‬
‫توبة له وأنه مخلد في النار‪ ،‬وقد جاءت آيات أخر تدل على‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ك بِ ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫فُر أ ْ‬ ‫غ ِ‬ ‫ه ل يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫خلف ذلك كقوله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫ء{‪ ،‬وقوله تعالى‪َ } :‬‬ ‫شا ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك لِ َ‬ ‫ن ذَل ِ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫فُر َ‬ ‫غ ِ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫َ‬
‫س الِتي‬ ‫ّ‬ ‫ف َ‬ ‫ن الن ّ ْ‬ ‫قت ُلو َ‬ ‫ُ‬ ‫ول ي َ ْ‬ ‫خَر َ‬ ‫ً‬
‫ه إ ِلها آ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ع الل ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫عو َ‬ ‫ل ي َدْ ُ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫وآ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ن َتا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ق{ ‪ -‬إلى قوله ‪} :-‬إ ِل ّ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه إ ِل ّ ِبال ْ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫سي َّئات ِ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ك ي ُب َدّ ُ‬ ‫فأول َئ ِ َ‬ ‫صاِلحا ً َ‬ ‫مل ً َ‬ ‫ع َ‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ع ِ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫فُر الذُّنو َ‬‫غ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫سَنات{‪ ،‬الية‪ .‬وقوله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬ ‫ح َ‬‫َ‬
‫ن{ الية‪.‬‬ ‫م َ‬
‫وآ َ‬
‫ب َ‬ ‫ن َتا َ‬ ‫م ْ‬
‫فاٌر ل ِ َ‬ ‫غ ّ‬‫وإ ِّني ل َ َ‬
‫ميعًا{‪ ،‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫وللجمع بين ذلك أوجه‪:‬‬
‫ها{‪ ،‬أي إذا كان‬ ‫في َ‬ ‫خاِلدا ً ِ‬ ‫م َ‬ ‫هن ّ ُ‬‫ج َ‬ ‫جَزا ُ‬
‫ؤهُ َ‬ ‫ع أن قوله‪َ } :‬‬
‫ف َ‬
‫مستحل لقتل المؤمن عمدا‪ ،‬لن مستحل ذلك كافر قاله عكرمة‬
‫وغيره‪ ،‬ويدل له ما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن جبير وابن‬
‫جرير عن ابن جريج من أنها نزلت في مقيس بن صبابة فإنه‬
‫أسلم هو وأخوه هشام وكانا بالمدينة فوجد مقيس أخاه قتيل‬
‫في بني النجار ولم يعرف قاتله فأمر له النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬بالدية فأعطتها له النصار مائة من البل وقد أرسل‬
‫معه النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬رجل من قريش من بني‬
‫فهر فعمد مقيس إلى الفهري رسول رسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬فقتله وارتد عن السلم وركب جمل من الدية‬
‫وساق معه البقية ولحق بمكة مرتدا وهو يقول في شعر له‪:‬‬
‫سراة بني النجار أرباب فارع‬ ‫قتلعت به فهعرا وحملت‬
‫وكنت إلى الوثان أول راجع‬ ‫وأدركت ثأري وأضجعت‬ ‫عقلعه‬
‫ومقيس هذا هو الذي قال فيه النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬ ‫موسدا‬
‫‪" :-‬ل أؤمنه في حل ول في حرم"‪ ،‬وقتل متعلقا بأستار الكعبة‬
‫يوم الفتح فالقاتل الذي هو كمقيس بن صبابة المستحل للقتل‬
‫المرتد عن السلم ل إشكال في خلوده في النار‪ ،‬وعلى هذا‬
‫فالية مختصة بما يماثل سبب نزولها بدليل النصوص المصرحة‬
‫بأن جميع المؤمنين ل يخلد أحد منهم في النار‪.‬‬
‫ع الوجه الثاني‪ :‬أن المعنى فجزاؤه أن جوزي مع إمكان‬
‫أل يجازى إذا تاب أو كان له عمل صالح يرجح بعمله السيء ‪...‬‬
‫وهذا قول أبي هريرة وأبي مجلز وأبي صالح وجماعة من‬
‫السلف‪.‬‬
‫ع الوجه الثالث‪ :‬أن الية للتغليظ في الزجر‪ ،‬ذكر هذا‬
‫الوجه الخطيب واللوسي في تفسيريهما وعزاه اللوسي لبعض‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫فإ ِ ّ‬ ‫ن كَ َ‬
‫فَر َ‬ ‫م ْ‬‫و َ‬
‫المحققين واستدل عليه بقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ن{‪ ،‬على القول بأن معناه‪ :‬ومن لم يحج‪،‬‬ ‫عال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ع ِ‬‫ي َ‬ ‫َ‬
‫غن ِ ّ‬
‫وبقوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬الثابت في الصحيحين للمقداد‬
‫حين سأله عن قتل من أسلم من الكفار بعد أن قطع يده في‬
‫الحرب‪" :‬ل تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن يقول الكلمة‬
‫التي قال" ‪ ،‬وهذا الوجه من قبيل كفر دون كفر‪ ،‬وخلود دون‬
‫خلود‪ ،‬فالظاهر أن المراد به عند القائل به أن معنى الخلود‬
‫المكث الطويل‪ ،‬والعرب ربما تطلق اسم الخلود على المكث‬
‫الطويل ومنه وقول لبيد‪:‬‬
‫صما خوالد ما يبين كلمها‬ ‫فوقفت أسألها وكيف سؤالنا‬
‫إل أن الصحيح في معنى الية الوجه الثاني والول‪ ،‬وعلى‬
‫التغليظ في الزجر حمل بعض العلماء كلم ابن عباس أن هذه‬
‫الية ناسخة لكل ما سواها‪ ،‬والعلم عند الله تعالى‪.‬‬
‫قال مقيده عفا الله عنه‪ :‬الذي يظهر أن القاتل عمدا مؤمن‬
‫عاص له توبة كما عليه جمهور علماء المة وهو صريح قوله‬
‫ن{ الية‪ ،‬وادعاء تخصيصها بالكفار ل‬ ‫م َ‬ ‫وآ َ‬‫ب َ‬ ‫ن َتا َ‬ ‫م ْ‬ ‫تعالى‪} :‬إ ِل ّ َ‬
‫ن‬
‫دو َ‬‫ما ُ‬ ‫فُر َ‬
‫غ ِ‬
‫وي َ ْ‬
‫دليل عليه‪ ،‬ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ب‬‫فُر الذُّنو َ‬ ‫غ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫ء{ وقوله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬ ‫شا ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك لِ َ‬ ‫ذَل ِ َ‬
‫ميعًا{‪ ،‬وقد توافرت الحاديث عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫وسلم ‪ -‬أنه يخرج من النار من كان في قلبه أدنى مثقال ذرة‬
‫من إيمان‪ ،‬وصرح تعالى بأن القاتل أخو المقتول في قوله‪:‬‬
‫ن‬
‫وإ ِ ْ‬‫ء{‪ ،‬وقد قال تعالى‪َ } :‬‬ ‫ي ٌ‬ ‫ه َ‬
‫ش ْ‬ ‫خي ِ‬ ‫ن أَ ِ‬‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ي لَ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ع ِ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬ ‫} َ‬
‫قت َت َُلوا{‪ ،‬فسماهم مؤمنين مع أن‬ ‫نا ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫فَتا ِ‬‫طائ ِ َ‬ ‫َ‬
‫بعضهم يقتل بعضا‪ ،‬ومما يدل على ذلك ما ثبت في الصحيحين‬
‫في قصة السرائيلي الذي قتل مائة نفس لن هذه المة‬
‫بالتخفيف من بني إسرائيل لن الله رفع عنها الصار والغلل‬
‫التي كانت عليهم‪.‬‬

‫دفع إيهام الضطراب عن آيات الكتاب‬


‫)‪(4‬‬
‫لفضيلة الشيخ محمد المين الشنقيطي‬
‫المدرس بالجامعة السلمية‬
‫سورة المائدة‪:‬‬
‫ُ‬
‫ن‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وطَ َ‬
‫عا ُ‬ ‫م الطّي َّبا ُ‬
‫ت َ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬
‫ح ّ‬
‫مأ ِ‬ ‫و َ‬‫قوله تعالى‪} :‬ال ْي َ ْ‬
‫ُ‬
‫م{ الية‪ ،‬هذه الية الكريمة تدل‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫أوُتوا ال ْك َِتا َ‬
‫ب ِ‬
‫بعمومها على إباحة ذبائح أهل الكتاب مطلقا ً ولو سموا عليها‬
‫غير الله أو سكتوا ولم يسموا الله ول غيره لن الكل داخل في‬
‫طعامهم وقد قال ابن عباس وأبو أمامة ومجاهد وسعيد بن جبير‬
‫وعكرمة وعطاء والحسن ومكحول وإبراهيم النخعي والسدى‬
‫ومقاتل بن حيان أن المراد بطعامهم ذبائحهم كما نقله عنهم‬
‫ابن كثير ونقله البخاري عن ابن عباس ودخول ذبائحهم في‬
‫طعامهم أجمع عليه المسلمون مع أنه جاءت آيات أخر تدل‬
‫على أن ما سمي عليه غير الله ل يجوز أكله وعلى أن ما لم‬
‫يذكر اسم الله عليه ل يجوز أكله أيضًا‪ ،‬أما التي دلت على منع‬
‫ه‬ ‫ه ّ‬ ‫ُ‬
‫ل بِ ِ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫و َ‬ ‫أكل ما ذكر عليه اسم غير الله فكقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ُ‬
‫ر الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ِ‬ ‫غي ْ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫ه ّ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ه{ في سورة البقرة وقوله‪َ } :‬‬ ‫ر الل ّ ِ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫لِ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ه ّ‬ ‫سقا ً أ ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫و ِ‬ ‫ه{ في المائدة والنحل وقوله في النعام‪} :‬أ ْ‬ ‫بِ ِ‬
‫ه{ والمراد بالهلل رفع الصوت باسم غير الله عند‬ ‫ه بِ ِ‬ ‫ر الل ّ ِ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫لِ َ‬
‫الذبح‪ .‬وأما التي دلت على منع أكل ما لم يذكر اسم الله عليه‬
‫ْ‬
‫ه{ الية‬ ‫عل َي ْ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫را ْ‬ ‫م ي ُذْك َ ِ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ول ت َأك ُُلوا ِ‬ ‫فكقوله‪َ } :‬‬
‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫عل َي ْ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ما ذُك َِر ا ْ‬ ‫م ّ‬‫فك ُُلوا ِ‬ ‫وقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫م الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫س ُ‬ ‫ما ذُك َِر ا ْ‬ ‫م ّ‬ ‫م أّل ت َأك ُُلوا ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫و َ‬‫ن‪َ ..‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ِبآيات ِ ِ‬
‫ه{ فإنه يفهم عدم الكل مما لم يذكر اسم الله عليه‬ ‫عل َي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫والجواب عن هذا مشتمل على مبحثين‪:‬‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫عا ُ‬ ‫وط َ َ‬ ‫الول‪ :‬في وجه الجمع بين عموم آية } َ‬
‫ُ‬
‫م{ مع عموم اليات المحرمة لما أهل‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ب ِ‬ ‫أوُتوا ال ْك َِتا َ‬
‫مى الكتابي على ذبيحته غير الله بأن‬ ‫به لغير الله فيما إذا س ّ‬
‫أهل بها للصليب أو عيسى أو نحو ذلك‪.‬‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫عا ُ‬ ‫وط َ َ‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬في وجه الجمع بين آية } َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫م ي ُذْك َِ‬
‫ر‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ول ت َأك ُُلوا ِ‬ ‫ب{ أيضا ً مع قوله‪َ } :‬‬ ‫أوُتوا ال ْك َِتا َ‬
‫ه{ فيما إذا لم يسم الكتابي الله ول غيره على‬ ‫عل َي ْ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ا ْ‬
‫ذبيحته‪ .‬أما المبحث الول‪ ،‬فحاصله أن بين قوله تعالى‪:‬‬
‫ُ‬
‫ما‬
‫و َ‬ ‫م{ وبين قوله‪َ } :‬‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫عا ُ‬ ‫وط َ َ‬ ‫} َ‬
‫ه{ عموما ً وخصوصا ً من وجه تنفرد آية‬ ‫ُ‬
‫ه بِ ِ‬ ‫ر الل ّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫غي ْ‬‫ل لِ َ‬ ‫ه ّ‬ ‫أ ِ‬
‫ُ‬
‫ب{ في الخبز والجبن من‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫عا ُ‬ ‫وط َ َ‬ ‫} َ‬
‫ُ‬
‫ه{ في ذبح‬ ‫ه بِ ِ‬ ‫ر الل ّ ِ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫ه ّ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫و َ‬ ‫طعامهم مثل ً وتنفرد آية } َ‬
‫الوثني لوثنه ويجتمعان في ذبيحة الكتابي التي أهل بها لغير الله‬
‫ُ‬
‫ه{‬ ‫ه بِ ِ‬ ‫ر الل ّ ِ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫ه ّ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫و َ‬ ‫كالصليب أو عيسى فعموم قوله‪َ } :‬‬
‫ُ‬
‫ب{‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫عا ُ‬ ‫وط َ َ‬ ‫يقتضي تحريمها وعموم } َ‬
‫يقتضي حليتها وقد تقرر في علم الصول أن العمين من وجه‬
‫يتعارضان في الصورة التي يجتمعان فيها فيجب الترجيح بينهما‬
‫والراجح منهما يقدم ويخصص به عموم الخر كما قدمنا في‬
‫ن‬ ‫سورة النساء في الجمع بين قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫عوا ب َي ْ َ‬
‫م ُ‬
‫ج َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال ُ ْ‬
‫م{ وكما‬ ‫ه ْ‬ ‫مان ُ ُ‬
‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬
‫ما َ‬
‫و َ‬
‫ن{ مع قوله تعالى‪} :‬أ ْ‬
‫خت َي ْ ِ‬
‫أشار له صاحب مراقي السعود بقوله‪:‬‬
‫فالحكم بالترجيح حتما‬ ‫وإن يك العموم من وجه‬
‫معتبر‬ ‫ظهر‬
‫فإذا حققت ذلك فاعلم أن العلماء اختلفوا في هذين‬
‫العمومين أيهما أرجح فالجمهور على ترجيح اليات المحرمة‬
‫وهو مذهب الشافعي ورواية عن مالك ورواه إسماعيل بن‬
‫سعيد عن المام أحمد ذكره صاحب المغنى وهو قول ابن عمر‬
‫وربيعة كما نقله عنهما البغوي في تفسيره وذكره النووي في‬
‫شرح المهذب عن على وعائشة ورجح بعضهم عموم آية‬
‫التحليل بأن الله أحل ذبائحهم وهو أعلم بما يقولون كما احتج به‬
‫الشعبي وعطاء على إباحة ما أهلوا به لغير الله قال مقيده عفا‬
‫الله عنه‪ :‬الذي يظهر والله تعالى أعلم أن عموم آيات المنع‬
‫أرجح وأحق بالعتبار من طرق متعدده‪ :‬منها قوله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬والثم ما حاك في النفس" الحديث‪ ,‬وقوله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪" :‬فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه‬
‫وعرضه"‪ .‬ومنها أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح كما‬
‫تقرر في الصول وينبني على ذلك أن النهي إذا تعارض مع‬
‫الباحة كما هنا فالنهي أولى بالتقديم والعتبار لن ترك مباح‬
‫أهون من ارتكاب حرام بل صرح جماهير من الصوليين بأن‬
‫النص الدال على الباحة في المرتبة الثالثة من النص الدال‬
‫على نهي التحريم لن نهي التحريم مقدم على المر الدال على‬
‫الوجوب لما ذكرنا من تقديم درء المفاسد على جلب المصالح‬
‫والدال على المر مقدم على الدال على الباحة للحتياط في‬
‫البراءة من عهدة الطلب وقد أشار إلى هذا صاحب مراقي‬
‫السعود في مبحث الترجيح باعتبار المدلول بقوله‪:‬‬
‫بعد النواهي ثم هذا الخر‬ ‫وناقل ومثبت والمر‬
‫على إباحة الخ‪...‬‬
‫فإن معنى قوله‪" :‬والمر بعد النواهي" أن ما دل على المر‬
‫بعد ما دل على النهي فالدال على النهي هو المقدم وقوله‪" :‬ثم‬
‫هذا الخر على إباحة" يعني أن النص الدال على المر مقدم‬
‫على الباحة كما ذكرنا فتحصل أن الول النهي فالمر فالباحة‬
‫فظهر تقديم النهي عما أهل به لغير الله على إباحة طعام أهل‬
‫الكتاب‪ .‬واعلم أن العلماء اختلفوا فيها حرم على أهل الكتاب‬
‫كشحم الجوف من البقر والغنم المحرم على اليهود هل يباح‬
‫للمسلم مما ذبحه اليهودي فالجمهور على إباحة ذلك للمسلم‬
‫لن الذكاة ل تتجزأ وكرهه مالك ومنعه بعض أصحابه كابن‬
‫القاسم وأشهب واحتج عليهم الجمهور بحجج ل ينهض الحتجاج‬
‫بها عليهم فيما يظهر وإيضاح ذلك أن أصحاب مالك احتجوا‬
‫ُ‬
‫م{ قالوا‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬
‫ح ّ‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬
‫ب ِ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وطَ َ‬
‫عا ُ‬ ‫بقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫المحرم عليهم ليس من طعامهم حتى يدخل فيما أحلته الية‬
‫فاحتج عليهم الجمهور بما ثبت في صحيح البخاري من تقرير‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مغفل رضي الله عنه‬
‫على أخذ جرابا ً من شحم اليهود يوم خيبر وبما رواه المام أحمد‬
‫ابن حنبل عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أضافه‬
‫يهودي على خبز وشعير وإهالة سنخة أي ودك متغير الريح‬
‫وبقصة الشاه المسمومة التي سمتها اليهودية له صلى الله‬
‫عليه وسلم ونهش ذراعها ومات منها بشر بن البراء بن معرور‬
‫وهي مشهورة صحيحة قالوا أنه صلى الله عليه وسلم عزم‬
‫على أكلها هو ومن معه ولم يسألهم هل نزعوا منها ما يعتقدون‬
‫تحريمه من شحمها أو ل وقد تقرر في الصول أن ترك‬
‫الستفصال بمنزلة العموم في القوال كما أشار له في مراقي‬
‫السعود بقوله‪:‬‬
‫منزلة العموم في المقال‬ ‫ونزلن ترك الستفصال‬
‫والذي يظهر لمقيدة عفا الله عنه أن هذه الدلة ليس فيها‬
‫حجة على أصحاب مالك أما حديث عبد الله بن مغفل وحديث‬
‫أنس رضي الله عنهما فليس في واحد منهما النص على‬
‫خصوص الشحم المحرم عليهم ومطلق الشحم ليس حراما ً‬
‫َ‬
‫و‬
‫ما أ ِ‬
‫ه َ‬ ‫ت ظُ ُ‬
‫هوُر ُ‬ ‫مل َ ْ‬
‫ح َ‬ ‫عليهم بدليل قوله تعالى‪} :‬إ ِل ّ َ‬
‫ما َ‬
‫م{ فما في الحديثين أعم من‬ ‫عظْ‬ ‫ب‬ ‫خت َل َ َ‬
‫ط‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫ال ْحوايا أ َ‬
‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ‬
‫محل النزاع والدليل على العم ليس دليل ً على الخص لن‬
‫وجود العم ل يقتضي وجود الخص بإجماع العقلء ومثل رد هذا‬
‫الحتجاج بما ذكرنا هو القادح في الدليل المعروف عند‬
‫الصوليين بالقول بالموجب وأشار له صاحب مراقي السعود‬
‫بقوله‪:‬‬
‫وهو تسليم الدليل مسجل‬ ‫والقول بالموجب قدحه جل‬
‫لما من الصور فيه‬ ‫من مانع أن الدليل استلزما‬
‫اختصما‬
‫أما القول بالموجب عند البيانيين فهو من أقسام البديع‬
‫المعنوي وهو ضربان معروفان في علم البلغة وقصدنا هنا‬
‫القول بالموجب بالصطلح الصولي ل البياني وأما تركه صلى‬
‫الله عليه وسلم الستفصال في شاة اليهودية فل يخفي أنه ل‬
‫دليل فيه لنه صلى الله عليه وسلم ينظر بعينه ول يخفي علية‬
‫شحم الجوف ول شحم الحوايا ول الشحم المختلط بعظم كما‬
‫هو ضروري فل حاجة إلى السؤال عن محسوس حاضر وأجرى‬
‫القوال على الصول في مثل الشحم المذكور الكراهة التنزيهية‬
‫لعدم دليل جازم على الحل أو التحريم لن ما يعتقد الشخص‬
‫أنه حرام عليه ليس من طعامه والذكاة ل يظهر تجزؤها فحكم‬
‫المسألة مشتبه ومن ترك الشبهات استبرأ لدينه وعرضه وأما‬
‫ن ُأوُتوا‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫عا ُ‬ ‫وطَ َ‬ ‫البحث الثاني‪ :‬وهو الجمع بين قوله‪َ } :‬‬
‫ْ‬
‫م ي ُذْك َِ‬
‫ر‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ول ت َأك ُُلوا ِ‬ ‫م{ مع قوله‪َ } :‬‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ب ِ‬ ‫ال ْك َِتا َ‬
‫ه{ فيما إذا لم يذكر الكتابي على ذبيحته اسم‬ ‫عل َي ْ ِ‬‫ه َ‬ ‫م الل ّ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ا ْ‬
‫ْ‬
‫م‬‫ما ل َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ول ت َأك ُُلوا ِ‬ ‫الله ول اسم غيره فحاصله أن في قوله‪َ } :‬‬
‫ه{ وجهين من التفسير أحدهما وإليه‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫ه َ‬ ‫م الل ّ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫را ْ‬ ‫ي ُذْك َ ِ‬
‫ذهب الشافعي وذكر ابن كثير في تفسيره لها أنه قوي أن‬
‫المراد بما لم يذكر اسم الله عليه هو ما أهل به لغير الله وعلى‬
‫هذا التفسير فمبحث هذه الية هو المبحث الول بعينه لشيء‬
‫آخر‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أنها على ظاهرها وعليه فبين اليتين أيضا ً‬
‫ن ُأوُتوا‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫عا ُ‬ ‫وط َ َ‬ ‫عموم وخصوص من وجه تتفرد آية } َ‬
‫ب{ فيما ذبحه الكتابي وذكر عليه اسم الله فهو حلل بل‬ ‫ال ْك َِتا َ‬
‫ْ‬
‫ه{‬ ‫عل َي ْ ِ‬‫ه َ‬ ‫م الل ّ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫را ْ‬ ‫م ي ُذْك َ ِ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ول ت َأك ُُلوا ِ‬
‫م ّ‬ ‫نزاع وتنفرد آية } َ‬
‫فيما ذبحه وثني أو مسلم لم يذكر اسم الله عليه فما ذبحه‬
‫الوثني حرام بل نزاع وما ذبحه المسلم من غير تسمية يأتي‬
‫حكمه إن شاء الله ويجتمعان فيما ذبحه كتابي ولم يسم الله‬
‫ن ُأوُتوا‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫عا ُ‬ ‫وط َ َ‬ ‫عليه فيتعارضان فيه فيدل عموم } َ‬
‫ْ‬
‫م ي ُذْك َ ِ‬
‫ر‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫م ّ‬‫ول ت َأك ُُلوا ِ‬ ‫ب{ على الباحة ويدل عموم } َ‬ ‫ال ْك َِتا َ‬
‫ه{ على التحريم فيصار إلى الترجيح كما قدمنا‬ ‫عل َي ْ ِ‬‫ه َ‬ ‫م الل ّ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ا ْ‬
‫واختلف في هذين العمومين أيضا ً أيهما أرجح فذهب الجمهور‬
‫ُ‬
‫ب{ الية وقال‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫عا ُ‬‫وطَ َ‬
‫إلى ترجيح عموم } َ‬
‫ْ‬
‫م الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫س ُ‬ ‫م ي ُذْك َ ِ‬
‫را ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ول ت َأك ُُلوا ِ‬
‫م ّ‬ ‫بعضهم بترجيح عموم } َ‬
‫ه{ قال النووي في شرح المهذب‪" :‬ذبيحة أهل الكتاب‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫َ‬
‫حلل سواء ذكروا اسم الله عليها أم ل لظاهر القرآن العزيز‬
‫هذا مذهبنا ومذهب الجمهور وحكاه ابن المنذر عن علي‬
‫والنخعي وحماد بن سليمان وأبي حنيفة وأحمد وإسحاق‬
‫وغيرهم فإن ذبحوا على صنم أو غيره لم يحل" انتهى محل‬
‫الغرض منه بلفظه‪ .‬وحكى النووي القول الخر عن علي أيضا ً‬
‫وأبي ثور وعائشة وابن عمر‪ .‬قال مقيدة عفا الله عنه‪ :‬الذي‬
‫يظهر والله تعالى أعلم أن لعموم كل من اليتين مرجحا ً وأن‬
‫مرجح آية التحليل أقوى بالعتبار أما آية التحليل فيرجح عمومها‬
‫بأمرين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنها أقل تخصيصا ً وآية التحريم أكثر تخصيصا ً لن‬
‫الشافعي ومن وافقه خصصوها بما ذبح لغير الله وخصصها‬
‫الجمهور بما تركت فيه التسمية عمدا ً قائلين أن تركها نسيانا ً ل‬
‫أثر له وآية التحليل ليس فيها من التخصيص غير صورة النزاع‬
‫إل تخصيص واحد وهو ما قدمنا من أنها مخصوصة بما لم يذكر‬
‫عليه اسم غير الله على القول الصحيح وقد تقرر في الصول‬
‫أن القل تخصيصا ً مقدم على الكثر تخصيصا ً كما أن ما لم‬
‫يدخله التخصيص أصل مقدم على ما دخله وعلى هذا جمهور‬
‫الصوليين وخالف فيه السبكي والصفي الهندي وبّين صاحب‬
‫نشر البنود في شرح مراقي السعود في مبحث الترجيح باعتبار‬
‫حال المروى في شرح قوله‪:‬‬
‫وعكسه كل أتى عليه نص‬ ‫تقديم ما خص على ما لم‬
‫أن القل تخصيصا ً مقدم على الكثر تخصيصا ً وأن ما لم‬ ‫يخص‬
‫يدخله التخصيص مقدم على ما دخله عند جماهير الصوليين‬
‫وأنه لم يخالف فيه إل السبكى وصفي الدين الهندي‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬ما نقله ابن جرير ونقله عنه ابن كثير عن عكرمة‬
‫ن ُأوُتوا‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬‫عا ُ‬ ‫وطَ َ‬ ‫والحسن البصري ومكحول أن آية } َ‬
‫ْ‬
‫م الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫س ُ‬‫را ْ‬ ‫م ي ُذْك َ ِ‬ ‫ما ل َ ْ‬‫م ّ‬ ‫ول ت َأك ُُلوا ِ‬‫ب{ ناسخة لية } َ‬ ‫ال ْك َِتا َ‬
‫ه{ وقال ابن جرير وابن كثير أن مرادهم بالنسخ التخصيص‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫َ‬
‫ولكنا قدمنا أن التخصيص بعد العمل بالعام نسخ لن التخصيص‬
‫بيان والبيان ل يجوز تأخيره عن وقت العمل‪.‬‬
‫ْ‬
‫م الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫س ُ‬‫را ْ‬ ‫م ي ُذْك َ ِ‬ ‫ما ل َ ْ‬‫م ّ‬ ‫ول ت َأك ُُلوا ِ‬‫ويدل لهذا أن آية } َ‬
‫م‬‫عا ُ‬‫وط َ َ‬ ‫ه{ من سورة النعام وهي مكية بالجماع وآية } َ‬ ‫عل َي ْ ِ‬‫َ‬
‫ُ‬
‫ب{ من المائدة وهي من آخر ما نزل من‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫القرآن بالمدينة‪ .‬وأما آية التحريم فيرجع عمومها بما قدمنا من‬
‫ُ‬
‫ه{ لن كلتاهما‬ ‫ه بِ ِ‬ ‫ر الل ّ ِ‬ ‫غي ْ ِ‬‫ل لِ َ‬‫ه ّ‬‫ما أ ِ‬ ‫و َ‬‫مرجحات قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫دلت على نهي يظهر تعارضه مع إباحة وحاصل هذه المسألة أن‬
‫ذبيحة الكتابي لها خمس حالت ل سادسة لها‪.‬‬
‫الولى‪ :‬أن يعلم أنه سمى الله عليها و هذه تؤكل بل نزاع‬
‫ول عبرة بخلف الشيعة في ذلك لنهم ل يعتد بهم في الجماع‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يعلم أنه أهل بها لغير لله ففيها خلف وقد قدمنا‬
‫ُ‬
‫ه{‪.‬‬ ‫ر الل ّ ِ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫ه ّ‬
‫ل لِ َ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫و َ‬
‫أن التحقيق أنها ل تؤكل لقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن يعلم أنه جمع بين اسم الله واسم غيره وظاهر‬
‫النصوص أنها ل تؤكل أيضا ً لدخولها فيما أهل لغير الله‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬أن يعلم أنه سكت ولم يسم الله ول غيره‬
‫فالجمهور على الباحة وهو الحق والبعض على التحريم كما‬
‫تقدم‪.‬‬
‫الخامسة‪ :‬أن يجهل المر لكونه ذبح حالة انفراده فتؤكل‬
‫على ما عليه جمهور العلماء وهو الحق إن لم يعرف الكتابي‬
‫بأكل الميتة كالذي يسل عنق الدجاجة بيده فإن عرف بأكل‬
‫الميتة لم يؤكل ما غاب عليه عند بعض العلماء وهو مذهب‬
‫مالك ويجوز أكله عند البعض بل قال ابن العربي المالكي‪" :‬إذا‬
‫عايناه يسل العنق الدجاجة بيده فلنا الكل منها لنها من طعامه‬
‫والله أباح لنا طعامه" واستبعده ابن عبد السلم قال مقيده عفا‬
‫الله عنه‪ :‬هو جدير بالستبعاد فكما أن نسائهم يجوز نكاحهن ول‬
‫تجوز مجامعتهن في الحيض فكذلك طعامهم يجوز لنا من غير‬
‫إباحة الميتة لن غاية المر أن ذكاة الكتابي تحل مذكاة كذكاة‬
‫المسلم وما وعدنا به من ذكر الحكم ما ذبحه المسلم ولم يسم‬
‫الله عليه فحاصله أن فيه ثلثة أقوال‪ .‬أرجحها وهو مذهب‬
‫الجمهور أنه إن ترك التسمية عمدا ً لم تؤكل لعموم قوله تعالى‪:‬‬
‫ْ‬
‫ه{ وإن تركها‬ ‫عل َي ْ ِ‬‫ه َ‬ ‫م الل ّ ِ‬ ‫س ُ‬‫را ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م ي ُذْك َ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ول ت َأك ُُلوا ِ‬ ‫} َ‬
‫مى الله‪ .‬قال ابن جرير‪" :‬من حرم‬ ‫نسيانا ً أكلت لنه لو تذكر لس ّ‬
‫ذبيحة الناسي فقد خرج من قول الحجة وخالف الخبر الثابت‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" قال ابن كثير‪" :‬أن بن‬
‫جرير يعني بذلك ما رواه البيهقي عن ابن عباس عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم المسلم يكفيه اسمه إن نسي أن يسمي‬
‫حين يذبح فليذكر اسم الله وليأكله" ثم قال ابن كثير‪" :‬أن رفع‬
‫هذا الحديث خطأ أخطأ فيه بن عبيد الله الجزري والصواب‬
‫وقفه على بن عباس كما رواه بذلك سعيد بن منصور وعبد الله‬
‫بن الزبير الحميدي ومما استدل به البعض على أكل ذبيحة‬
‫الناسي للتسمية دللة الكتاب والسنة والجماع على العذر‬
‫بالنسيان ومما استدل به البعض لذلك حديث رواه الحافظ أبو‬
‫أحمد بن عدي عن أبي هريرة قال‪ :‬جاء رجل إلى النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم فقال‪" :‬يا رسول الله رأيت الرجل منا يذبح‬
‫وينسى أن يسمي" فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬اسم‬
‫الله على كل مسلم" ذكر ابن كثير هذا الحديث وضعفه بأن في‬
‫إسناده مروان بن سالم أبا عبد الله الشامي وهو ضعيف‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أن ذبيحة المسلم تؤكل ولو ترك التسمية‬
‫عمدا ً وهو مذهب الشافعي رحمه الله كما تقدم لنه يرى أنه ما‬
‫لم يذكر اسم الله عليه يراد به ما أهل به لغير الله ل شيء آخر‬
‫وقد ادعى بعضهم انعقاد الجماع قبل الشافعي عل أن متروك‬
‫التسمية عمدا ً ل يؤكل ولذلك قال أبو يوسف وغيره‪" :‬لو حكم‬
‫الحاكم بجواز بيعه لم ينفذ لمخالفته الجماع" واستغرب ابن‬
‫ل‪" :‬إن الخلف فيه قبل‬ ‫كثير حكاية الجماع على ذلك قائ ً‬
‫الشافعي معروف"‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أن المسلم إذا لم يسم على ذبيحته ل تؤكل‬
‫مطلقا ً تركها عمدا ً أو نسيانا ً وهو مذهب داود الظاهري وقال‬
‫ابن كثير‪" :‬ثم نقل ابن جرير وغيره عن الشعبي ومحمد بن‬
‫سيرين أنهما كرها متروك التسمية نسيانا ً والسلف يطلقون‬
‫الكراهة على التحريم كثيرًا" ثم ذكر ابن كثير أن ابن جرير ل‬
‫يعتبر مخالفة الواحد أو الثنين للجمهور فيعده إجماعا ً مع‬
‫مخالفة الواحد أو الثنين ولذلك حكى الجماع على أكل متروك‬
‫التسمية نسيانا ً مع أنه نقل خلف ذلك عن الشعبي وابن‬
‫سيرين‪.‬‬
‫مسائل مهمة تتعلق بهذه المباحث‪:‬‬
‫المسألة الولى‪ :‬اعلم أن كثيرا ً من العلماء من المالكية‬
‫والشافعية وغيرهم يفرقون بين ما ذبحه أهل الكتاب لصنم وبين‬
‫ما ذبحوه لعيسى أو جبريل أو لكنائسهم قائلين أن الول مما‬
‫أهل به لغير الله دون الثاني فمكروه عندهم كراهة تنزيه‬
‫ب{‪ .‬والذي‬ ‫عَلى الن ّ ُ‬
‫ص ِ‬ ‫ح َ‬‫ما ذُب ِ َ‬
‫و َ‬
‫مستدلين بقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫يظهر لمقيده عفا الله عنه أن هذا الفرق باطل بشهادة القرآن‬
‫الكريم لن الذبح على وجه القربة عبادة بالجماع فقد قال‬
‫صلِتي‬ ‫ن َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ق ْ‬ ‫حْر{ وقال تعالى‪ُ } :‬‬ ‫وان ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ل ل َِرب ّ َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ف َ‬ ‫تعالى‪َ } :‬‬
‫ه{ الية فمن صرف شيئا ً من‬ ‫ماِتي ل ِل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫ي َ‬ ‫حَيا َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫كي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ون ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ذلك لغير الله فقد جعله شريكا مع الله في هذه العبادة التي‬ ‫ً‬
‫هي الذبح سواء كان نبيا ً أو ملكا ً أو بناءً أو شجرا ً أو حجًر أو غير‬
‫ذلك ل فرق في ذلك بين صالح وطالح كما نص عليه تعالى‬
‫بقوله‪} :‬ول يأمركم أن تتخذوا الملئكة والنبيين أربابًا{‬
‫ثم بين أن فاعل ذلك كافر بقوله تعالى‪} :‬أيأمركم بالكفر‬
‫ش َ‬ ‫ما َ‬
‫ن‬ ‫رأ ْ‬ ‫ن ل ِب َ َ ٍ‬ ‫كا َ‬ ‫بعد إذ أنتم مسلمون{‪ .‬وقال تعالى‪َ } :‬‬
‫س‬‫ل ِللّنا ِ‬ ‫قو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫وةَ ث ُ ّ‬ ‫والن ّب ُ ّ‬ ‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫ه ال ْك َِتا َ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫ؤت ِي َ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫ل َيا‬ ‫ق ْ‬ ‫ه{ الية وقال تعالى‪ُ } :‬‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫عَبادا ً ِلي ِ‬ ‫كوُنوا ِ‬ ‫ُ‬
‫م أ َّل‬ ‫وب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫ء ب َي ْن ََنا َ‬ ‫وا ٍ‬
‫س َ‬ ‫ة َ‬ ‫م ٍ‬‫وا إ َِلى ك َل ِ َ‬ ‫عال َ ْ‬ ‫ب تَ َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫أَ ْ‬
‫عضا ً‬ ‫ضَنا ب َ ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫خذ َ ب َ ْ‬‫ول ي َت ّ ِ‬ ‫شْيئا ً َ‬ ‫ه َ‬ ‫ك بِ ِ‬ ‫ر َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ول ن ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫عب ُدَ إ ِّل الل ّ َ‬ ‫نَ ْ‬
‫َ‬
‫ه{ الية‪ .‬فإن قيل قد رخص في كل ما‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫أْرَبابا ً ِ‬
‫ذبحوه لكنائسهم أبو الدرداء وأبو أمامة الباهلي والعرباض بن‬
‫سارية والقاسم بن مخيمرة وحمزة ابن حبيب وأبو سلمة‬
‫الخولني وعمر بن السود ومكحول والليث بن سعد وغيرهم‪،‬‬
‫فالجواب‪ :‬أن هذا قول جماعة من العلماء من الصحابة ومن‬
‫بعدهم وقد خالفهم فيه غيرهم وممن خالفهم أم المؤمنين‬
‫عائشة رضي الله عنها والمام الشافعي رحمه الله والله تعالى‬
‫ه{ الية‬ ‫دوهُ إ َِلى الل ّ ِ‬ ‫فُر ّ‬‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫عت ُ ْ‬ ‫ن ت ََناَز ْ‬ ‫فإ ِ ْ‬ ‫يقول‪َ }:‬‬
‫فنرد هذا النزاع إلى الله فنجده حرم ما أهل به لغير الله وقوله‪:‬‬
‫ه{ يدخل فيه الملك والنبي كما يدخل فيه الصنم‬ ‫ر الل ّ ِ‬ ‫غي ْ ِ‬‫} لِ َ‬
‫والنصب والشيطان وقد وافقونا في منع ما ذبحوه باسم الصنم‬
‫وقد دل الدليل على أنه ل فرق في ذلك بين النبي والملك وبين‬
‫الصنم والنصب فلزمهم القول بالمنع وأما استدللهم بقوله‪:‬‬
‫ب{ فل دليل فيه لن قوله تعالى‪:‬‬ ‫ص ِ‬ ‫عَلى الن ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ما ذُب ِ َ‬ ‫و َ‬ ‫} َ‬
‫ُ‬
‫ل‬‫ه ّ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ب{ ليس بمخصص لقوله‪َ } :‬‬ ‫ص ِ‬ ‫عَلى الن ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ما ذُب ِ َ‬ ‫و َ‬ ‫} َ‬
‫ما‬ ‫و َ‬ ‫ه{ لنه ذكر فيه بعض ما دل عليه عموم } َ‬ ‫ه بِ ِ‬ ‫ر الل ّ ِ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫لِ َ‬
‫ُ‬
‫ه{‪.‬‬ ‫ه بِ ِ‬ ‫ر الل ّ ِ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫ه ّ‬ ‫أ ِ‬
‫وقد تقرر في علم الصول أن ذكر بعض أفراد العام بحكم‬
‫العام ل يخصص على الصحيح وهو مذهب الجمهور خلفا ً لبي‬
‫ثور محتجا ً بأنه ل فائدة لذكره إل التخصيص وأجيب من قبل‬
‫الجمهور بأن مفهوم اللقب ليس بحجة وفائدة ذكر البعض نفي‬
‫احتمال إخراجه من العام‪ ،‬فإذا حققت ذلك فاعلم أن ذكر‬
‫البعض ل يخصص العام سواء ذكرا في نص واحد كقوله تعالى‪:‬‬
‫طى{ أو ذكر كل‬ ‫س َ‬ ‫و ْ‬‫ة ال ْ ُ‬
‫صل ِ‬
‫وال ّ‬
‫ت َ‬ ‫وا ِ‬‫صل َ َ‬
‫عَلى ال ّ‬ ‫ظوا َ‬ ‫ف ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫} َ‬
‫واحد منهما على حدة كحديث الترمذي وغيره "أّيما إهاب دبغ‬
‫فقد طهر" مع حديث مسلم أنه صلى الله عليه وسلم مر بشاة‬
‫ميتة فقال‪" :‬هل أخذتم إهابها " الحديث فذكر الصلة الوسطى‬
‫في الول ل يدل على عدم المحافظة على غيرها من الصلوات‬
‫وذكر إهاب الشاة في الخير ل يدل على عدم النتفاع بإهاب‬
‫غير الشاة لن ذكر البعض ل يخصص العام وكذلك رجوع ضمير‬
‫ن‬
‫ه ّ‬‫عول َت ُ ُ‬ ‫البعض ل يخصص أيضا ً على الصحيح كقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫وب ُ ُ‬
‫ك{ فإن الضمير راجع إلى قوله‪:‬‬ ‫في ذَل ِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫َ‬
‫ه ّ‬‫ق ب َِردّ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫أ َ‬
‫ن{ وهو لخصوص الرجعيات من‬ ‫ص َ‬ ‫ت ي َت ََرب ّ ْ‬‫قا ُ‬ ‫مطَل ّ َ‬ ‫وال ْ ُ‬‫} َ‬
‫المطلقات مع أن تربص ثلثة قروء عام للمطلقات من رجعيات‬
‫وبوائن وإل هذا أشار في مراقي السعود مبينا ً معه أيضا ً أن‬
‫سبب الواقعة ل يخصصها وأن مذهب الراوي ر يخصص مرويه‬
‫على الصحيح فيها أيضا ً بقوله‪:‬‬
‫وذكر ما وافه من مفرد‬ ‫ودع ضمير البعض والسبابا‬
‫ومذهب الراوي على‬ ‫‪...................................‬‬
‫المعتمد‬
‫التخصيص بضمير البعض‬ ‫وروي عن الشافعي وأكثر الحنفية‬ ‫‪.‬‬
‫وعليه فتربص البوائن ثلثة قروء مأخوذ من دليل آخر أما عدم‬
‫التخصيص بذكر البعض فلم يخالف فيه إل أبو ثور وتقدم رد‬
‫م‬ ‫عا ُ‬‫وطَ َ‬ ‫مذهبه ولو سلمنا أن الية معارضة بقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ُ‬
‫م{ فإنا نجد النبي صلى الله‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬
‫ح ّ‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬
‫ب ِ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫عليه وسلم أمر بترك مثل هذا الذي تعارضت فيه النصوص‬
‫بقوله‪" :‬دع ما يريبك إلى ما ل يريبك"‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬اختلف العلماء في ذكاة نصارى العرب‬
‫كبني تغلب وتنوخ وبهراء وجذام ولخم وعاملة ونحوهم‬
‫فالجمهور عل أن ذبائحهم ل تؤكل قال ابن كثير‪" :‬وهو مذهب‬
‫الشافعي" ونقله النووي في شرح المذهب عن على وعطاء‬
‫وسعيد ابن جبير ونقل النووي أيضا ً إباحة ذكاتهم عن ابن عباس‬
‫والنخعي والشعبي وعطاء الخرساني والزهري والحكم وحماد‬
‫وأبي حنيفة وإسحاق بن راهويه وأبي ثور وصحح هذا القول ابن‬
‫ن ُأوُتوا‬ ‫ذي َ‬‫م ال ّ ِ‬ ‫وطَ َ‬
‫عا ُ‬ ‫قدامة في المغنى محتجا ً بعموم قوله‪َ } :‬‬
‫م{ وحجة القول الول ما روي عن عمر رضي‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬‫ح ّ‬‫ب ِ‬ ‫ال ْك َِتا َ‬
‫الله عنه قال‪" :‬ما نصارى العرب بأهل كتاب ل تحل لنا‬
‫ذبائحهم" وما روي عن علي رضي الله عنه‪" :‬ل تحل ذبائح‬
‫نصارى بنى تغلب لنهم دخلوا في النصرانية بعد التبديل ول‬
‫يعلم هل دخلوا في دين من بدل منهم أو في دين من لم يبدل‬
‫فصاروا كالمجوس لما أشكل أمرهم في الكتاب لم تؤكل‬
‫ذبائحهم" ذكر هذا صاحب المهذب وسكت عليه النووي في‬
‫ل‪" :‬إنه حجة الشافعية في منع ذبائحهم" ويفهم منه‬ ‫الشرح قائ ً‬
‫عدم إباحة أكل ذكاة اليهود والنصارى اليوم لتبديلهم ل سيما‬
‫فيمن عرفوا منهم بأكل الميتة كالنصارى‪.‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬ذبائح المجوس ل تحل للمسلمين قال‬
‫النووي في شرح المهذب‪" :‬هي حرام عندنا وقال به جمهور‬
‫العلماء ونقله ابن المنذر عن أكثر العلماء" وقال‪" :‬وممن قال‬
‫به سعيد بن المسيب وعطاء بن أبى رباح وسعيد ابن جبير‬
‫ومجاهد وعبد الرحمن بن أبي ليلى والنخعي وعبيد الله بن يزيد‬
‫ومرة الهمذاني والزهري ومالك والثوري وأبو حنيفة وأحمد‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫وط َ َ‬
‫عا ُ‬ ‫وإسحاق وقال ابن كثير في تفسير قوله‪َ } :‬‬
‫ُ‬
‫م{‪" :‬وأما المجوس فإنهم وإن أخذت‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬
‫ح ّ‬ ‫ب ِ‬ ‫أوُتوا ال ْك َِتا َ‬
‫منهم الجزية تبعا ً وإلحاقا ً لهل الكتاب فإنهم ل تؤكل ذبائحهم ول‬
‫تنكح نساؤهم خلفا لبى ثور إبراهيم بن خالد الكلبي أحد‬
‫الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد ابن حنبل ولما قال ذلك‬
‫واشتهر عنه أنكر عليه الفقهاء حتى قال عنه المام أحمد‪" :‬أبو‬
‫ثور كاسمه" يعنى في هذه المسألة وكأنه تمسك بعموم حديث‬
‫روى مرسل ً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪" :‬سنوا‬
‫بهم سنة أهل الكتاب" ولكن لم يثبت بهذا اللفظ وإنما الذي في‬
‫صحيح البخاري عن عبد الرحمن بن عوف "أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر" ولو سلم صحة‬
‫م‬
‫عا ُ‬‫وطَ َ‬ ‫هذا الحديث فعمومه مخصوص بمفهوم هذه الية } َ‬
‫ُ‬
‫م{ فدل بمفهومه مفهوم‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬
‫ح ّ‬
‫ب ِ‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫المخالفة على أن طعام من عداهم من أهل الديان ل يحل"‬
‫انتهى كلم ابن كثير بلفظه واعترض عليه في الحاشية الشيخ‬
‫السيد محمد رشيد رضا بما نصه فيه "أن هذا مفهوم لقب وهو‬
‫ليس بحجة"‪ ،‬قال مقيده عفا الله عنه ‪ :‬الصواب مع الحافظ ابن‬
‫كثير رحمه الله تعالى واعتراض الشيخ عليه سهو منه لن‬
‫ُ‬
‫ب{ مفهوم علة ل مفهوم‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫مفهوم قوله‪} :‬ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫اللقب كما ظنه الشيخ لن مفهوم اللقب في اصطلح‬
‫الصوليين هو ما علق فيه الحكم باسم جامد سواء كان اسم‬
‫جنس أو اسم عين أو اسم جمع وضابطه أنه هو الذي ذكر‬
‫ليمكن السناد إليه فقط ل لشتماله على صفة تقتضي تخصيصه‬
‫بالذكر دون غيره أما تعليق هذا الحكم الذي هو إباحة طعامهم‬
‫بالوصف بإيتاء الكتاب صالح لن يكون مناط الحكم بحلية‬
‫طعامهم وقد دل المسلك الثالث من مسالك العلة المعروف‬
‫باليماء والتنبيه على أن مناط حلية طعامهم هو إيتاؤهم الكتاب‬
‫وذلك بعينه هو المناط لحلية نكاح نسائهم لن ترتيب الحكم‬
‫بحلية طعامهم ونسائهم على إيتائهم الكتاب لو لم يكن لنه‬
‫علته لما كان في التخصيص بإيتاء الكتاب فائدة ومعلوم أن‬
‫ترتيب الحكم على وصف لو لم يكن علته لكان حشوا من غير‬
‫فائدة يفهم منه أنه علته بمسلك اليماء والتنبيه قال في مراقي‬
‫السعود في تعداد صور اليماء‪:‬‬
‫كما إذا سمع وصفا فحكم‬ ‫وذكره في الحكم وصفا قد‬
‫إن لم يكن علته لم يفد‬ ‫ألم ومنعه مما يفيت استفد‬
‫ترتيبه الحكم عليه واتضح‬ ‫‪.......................‬‬
‫ومحل الشاهد منه قوله‪" :‬استفد ترتيبه الحكم عليه" وقوله‪:‬‬
‫"وذكره في الحكم وصفا أن لم يكن علته لم يفد" ومما يوضح‬
‫ُ‬
‫ب{ موصول وصلته‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫ما ذكرنا أن قوله‪} :‬ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫جملة فعلية وقد تقرر عند علماء النحو في المذهب الصحيح‬
‫المشهور أن الصفة الصريحة كاسم الفاعل واسم المفعول‬
‫الواقعة صلة أل بمثابة الفعل مع الموصول ولذا عمل الوصف‬
‫المقترن بأل الموصولة في الماضي لنه بمنزلة الفعل كما أشار‬
‫له في الخلصة بقوله‪:‬‬
‫وإن يكن صلة أل ففي‬ ‫وغيره إعماله قد ارتضي‬
‫المضي‬
‫الكتاب بمثابة ما لو قلت‬ ‫فإذا حققت ذلك علمت أن الذين أوتوا‬
‫وطعام المؤتين الكتاب بصيغة اسم المفعول ولم يقل أحد أن‬
‫مفهوم اسم المفعول مفهوم لقب لشتماله على أمر هو‬
‫المصدر يصلح أن يكون المتصف به مقصودا للمتكلم دون غيره‬
‫كما ذكروا في مفهوم الصفة فظهر أن إيتاء الكتاب صفة خاصة‬
‫بهم دون غيرهم وهى العلة في إباحة طعامهم ونكاح نساءهم‬
‫فادعاء أنها مفهوم لقب سهو ظاهر وظهر أن التحقيق أن‬
‫ُ‬
‫ب{ مفهوم علة‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫المفهوم في قوله‪} :‬ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ومفهوم العلة قسم من أقسام مفهوم الصفة فالصفة أعم من‬
‫العلة وإيضاحه كما بينه القرافي أن الصفة قد تكون مكملة‬
‫للعلة ل علة تامة كوجوب الزكاة في السائمة فإن علته ليست‬
‫السوم فقط ولو كان كذلك لوجبت في الوحوش لنها سائمة‬
‫ولكن العلة ملك ما يحصل به الغنى وهي مع السوم أتم منها مع‬
‫العلف وهذا عند من ل يرى الزكاة في المعلوفة وظهر أن ما‬
‫قاله الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى هو الصواب وقد تقرر‬
‫في علم الصول أن المفهوم بنوعيه من مخصصات العموم أما‬
‫تخصيص العام بمفهوم الموافقة بقسميه فل خلف فيه وممن‬
‫حكى الجماع عليه المدي السبكي في شرح المختصر ودليل‬
‫جوازاه أن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما ومثاله‬
‫ي الواجد يحل عرضه وعقوبته" أي يحل‬ ‫تخصيص حديث "ل ّ‬
‫العرض بقوله مطلني والعقوبة بالحبس فإنه مخصص بمفهوم‬
‫ف{‬‫ما أ ُ ّ‬ ‫ل لَ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ق ْ‬‫فل ت َ ُ‬‫الموافقة الذي هو الفحوى في قوله‪َ } :‬‬
‫لن فحواه تحريم إذاهما فل يحبس الوالد بدين الولد وأما‬
‫تخصيصه مفهوم المخالفة ففيه خلف والرجح منه هو ما مشى‬
‫عليه الحافظ ابن كثير تغمده الله برحمته الواسعة وهو‬
‫التخصيص به والدليل عليه ما قدمنا من أن إعمال الدليلين‬
‫أولى من إلغاء أحدهما وقيل ل يجوز التخصيص به ونقله الباجي‬
‫عن أكثر المالكية وحجة هذا القول أن دللة العام على ما دل‬
‫عليه المفهوم بالمنطوق وهو مقدم على المفهوم ويجاب بأن‬
‫المقدم عليه منطوق خاص ل ما هو من أفراد العام فالمفهوم‬
‫مقدم عليه لن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما واعتمد‬
‫التخصيص به صاحب مراقي السعود في قوله في مبحث‬
‫الخاص في الكلم على المخصصات المنفصلة ‪:‬‬
‫واعتبر الجماع جل الناس‬ ‫وقسمي المفهوم كالقياس‬
‫ومثال التخصيص بمفهوم المخالفة تخصيص قوله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬في أربعين شاة" الذي يشمل عمومه السائمة ل‬
‫زكاة فيها فيخصص بذلك عموم في أربعين شاة شاة والعلم‬
‫عند الله تعالى‪.‬‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬ما صاده الكتابي بالجوار ح والسلح‬
‫حلل للمسلم لن العقر ذكاة الصيد وعلى هذا القول الئمة‬
‫الثلثة وبه قال عطاء والليث والوزاعيث وابن المنذر وداود‬
‫وجمهور العلماء كما نقله عنهم النووي في شرح المهذب وحجة‬
‫ن ُأوُتوا‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫عا ُ‬ ‫وط َ َ‬ ‫الجمهور واضحة وهى قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫م{ وخالف مالك وابن القاسم ففرقا بين ذبح‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ب ِ‬ ‫ال ْك َِتا َ‬
‫الكتابي وصيده مستدلين بقوله تعالى‪} :‬ت ََنال ُ َ‬
‫ديك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ه أي ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫م{ لنه خص الصيد بأيدي المسلمين ورماحهم دون‬ ‫حك ُ ْ‬‫ما ُ‬ ‫ر َ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫غير المسلمين قال مقيده عفا الله عنه‪ :‬الذي يظهر لي والله‬
‫أعلم أن هذا الحتجاج ل ينهض على الجمهور وأن الصواب مع‬
‫الجمهور وقد وافق الجمهور من المالكية أشهب وابن هارون‬
‫وابن يونس والباجي واللخمي ولمالك في الموازية كراهته قال‬
‫ابن بشير‪" :‬ويمكن حمل المدونة على الكراهة"‪.‬‬
‫المسألة الخامسة‪ :‬ذبائح أهل الكتاب في دار الحرب‬
‫كذبائحهم في دار السلم قال النووي‪ " :‬وهذا ل خلف فيه"‬
‫ونقل ابن المنذر الجماع عليه‪.‬‬
‫ض‬
‫ر ْ‬ ‫و أَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫م ب َي ْن َ ُ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫فا ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ءو َ‬ ‫جا ُ‬ ‫ن َ‬ ‫قوله تعالى ‪َ } :‬‬
‫فإ ِ ْ‬
‫م‪ {..‬الية‪ ،‬هذه الية الكريمة تدل على أن النبي صلى الله‬ ‫ه ْ‬ ‫عن ْ ُ‬‫َ‬
‫عليه وسلم إذا تحاكم إليه أهل الكتاب مخير بين الحكم بينهم‬
‫والعراض عنهم وقد جاءت آية أخرى تدل على خلف ذلك وهى‬
‫ه‪ {..‬الية‪.‬‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫م ب َي ْن َ ُ‬ ‫حك ُ ْ‬‫نا ْ‬ ‫وأ ِ‬
‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫م{ ناسخ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه ْ‬ ‫م ب َي ْن َ ُ‬ ‫حك ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫وأ ِ‬ ‫والجواب أن قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫م{ وهذا قول ابن عباس ومجاهد‬ ‫لقوله‪ } :‬أ َو أ َ‬
‫ه ْ‬‫عن ْ ُ‬‫ض َ‬ ‫ر ْ‬ ‫ِ‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫وعكرمة والحسن وقتادة والسدي وزيد بن اسلم وعطاء‬
‫ض‬
‫ر ْ‬ ‫و أَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫َ‬
‫الخراساني وغير واحد قاله ابن كثير‪ .‬وقيل معنى }أ ْ‬
‫م{ أي إذا حكمت بينهم فاحكم بما أنزل الله ل باتباع‬ ‫ه ْ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫الهوى‪ ،‬وعليه فالولى محكمة والعلم عند الله تعالى‪.‬‬
‫قوله تعالى‪} :‬أو آخران من غيركم{ الية ‪ :‬هذه الية تدل‬
‫على قبول شهادة الكفار على الوصية في السفر وقد جاءت‬
‫آيات أخر تدل على خلف ذلك كقوله‪} :‬إنما يفتري الكذب‬
‫الذين ل يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون{ وقوله‪} :‬ول‬
‫تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون{‪ ،‬أي فالكافرون‬
‫أحرى برد شهادتهم وقوله‪} :‬وأشهدوا ذوي عدل منكم{‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫}واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل‬
‫وامرأتان ممن ترضون من الشهداء‪ {..‬الية والجواب عن هذا‬
‫على قول من ل يقبل شهادة الكافرين على اليصاء في السفر‬
‫أنه يقول إن قوله‪} :‬أو آخران من غيركم{ منسوخ بآيات‬
‫اشتراط العدالة والذي يقول بقبول شهادتهما يقول هي محكمة‬
‫مخصصة لعموم غيرها وهذا الخلف معروف ووجه الجواب على‬
‫كل القولين ظاهر وأما على قول من قال أن معنى قوله‪} :‬ذوا‬
‫عدل منكم{ أي من قبيلة الموصي وقوله‪} :‬أو آخران من‬
‫غيركم{ أي من غير قبيلة الموصي من سائر المسلمين‪ ،‬فل‬
‫إشكال في الية ولكن جمهور العلماء على أن قوله }من‬
‫غيركم{ أي من غير المسلمين وأن قوله }منكم{ أي من‬
‫المسلمين وعليه فالجواب ما تقدم والعلم عند الله تعالى ‪.‬‬
‫قوله تعالى‪} :‬يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم‬
‫قالوا ل علم لنا إنك أنت علم الغيوب{‪ .‬هذه الية يفهم منها أن‬
‫الرسل ل يشهدون يوم القيامة ‪ ،‬على أممهم وقد جاء في آيات‬
‫أخر ما يدل على أنهم يشهدون على أممهم كقوله تعالى‪:‬‬
‫}فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلء شهيدا{‬
‫وقوله تعالى‪} :‬ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من‬
‫أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلء{‪ .‬والجواب من ثلثة أوجه‪:‬‬
‫الول‪ :‬وهو اختيار ابن جرير وقال فيه ابن كثير‪" :‬لشك أنه‬
‫حسن" ‪ ،‬أن المعنى ل علم لنا إل علم أنت أعلم به منا فل علم‬
‫لنا بالنسبة إلى علمك المحيط بكل شئ فنحن وإن عرفنا من‬
‫أجابنا فإنما نعرف الظواهر ول علم لنا بالبواطن وأنت المطلع‬
‫على السرائر وما تخفي الضمائر فعلمنا بالنسبة إلى علمك كل‬
‫علم‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬وبه قال مجاهد والسدي والحسن البصري كما نقله‬
‫عنهم ابن كثير وغيره أنهم قالوا ل علم لنا لما اعتراهم من شدة‬
‫هول يوم القيامة ثم زال ذلك عنهم فشهدوا على أممهم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬وهو أضعفها أن معنى قوله‪} :‬ماذا أجبتم{ ماذا‬
‫عملوا بعدكم وما أحدثوا بعدكم؟ قالوا ل علم لنا ذكر ابن كثير‬
‫وغيره هذا القول ول يخفى بعده عن ظاهر القرآن‪.‬‬
‫قوله تعالى‪} :‬قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد‬
‫منكم فإني أعذبه عذابا ل أعذبه أحدا من العالمين{‪ .‬هذه الية‬
‫الكريمة تدل على أن أشد الناس عذابا يوم القيامة من كفر من‬
‫أصحاب المائدة وقد جاء في بعض اليات ما يوهم خلف ذلك‬
‫كقوله‪} :‬إن المنافقين في الدرك السفل من النار{ وقوله‪:‬‬
‫}ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب{ ‪.‬‬
‫والجواب أن آية }أدخلوا آل فرعون{ وآية }إن المنافقين{ ل‬
‫منافاة بينهما لن كل من آل فرعون والمنافقين في أسفل‬
‫دركات النار في أشد العذاب وليس في اليتين ما يدل على أن‬
‫بعضهم أشد عذابا من الخر وأما قوله‪} :‬فإني أعذبه{ الية‬
‫فيجاب عنه من وجهين‪:‬‬
‫الول‪ :‬وهو ما قاله ابن كثير أن المراد بالعالمين عالموا‬
‫زمانهم وعليه فل إشكال ونظيره قوله تعالى‪} :‬وأني فضلتكم‬
‫على العالمين{ كما تقدم‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ما قاله البعض من أن المراد به العذاب الدنيوي‬
‫الذي هو مسخهم خنازير ولكن يدل على أنه عذاب الخرة ما‬
‫رواه ابن جرير عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما أنه قال‪:‬‬
‫"أشد الناس عذابا يوم القيامة ثلثة‪ :‬المنافقون ومن كفر من‬
‫أصحاب المائدة وآل فرعون"‪ .‬وهذا الشكال في المائدة ل‬
‫يتوجه إل على القول بنزول المائدة وأن بعضهم كفر بعد نزولها‬
‫أما على قول الحسن ومجاهد أنهم خافوا من الوعيد فقالوا ل‬
‫حاجة لنا في نزولها فلم تنزل فل إشكال لكن ظاهر القول‬
‫تعالى‪} :‬أني منزلها{ يخالف ذلك وعلى القول بنزولها ل‬
‫يتوجه الشكال إل إذا ثبت كفر بعضهم كما ل يخفى‪.‬‬
‫دفع إيهام الضطراب‬
‫عن آيات الكتاب‬
‫لفضيلة الشيخ محمد المين الشنقيطي‬
‫المدرس الجامعة‬

‫)‪(5‬‬

‫ءءءء ءءءءءءء‬
‫م‬ ‫ه ُ‬‫ول ُ‬ ‫مهه ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا إ َِلههى اللهه ِ‬ ‫م ُر ّ‬ ‫قههوله تعههالى‪ُ} :‬ثهه ّ‬ ‫•‬
‫ق‪ {..‬اليععة‪ ،‬هععذه اليععة الكريمععة تععدل علععى أن اللععه مععولى‬ ‫ح ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫مهها‬ ‫س َ‬ ‫فهه ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫كهه ّ‬ ‫ك ت َب ُْلو ُ‬ ‫هَنال ِ َ‬ ‫الكافرين ونظيرها قوله تعالى‪ُ } :‬‬
‫َ‬
‫مهها‬ ‫م َ‬ ‫هه ْ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ضه ّ‬ ‫و َ‬ ‫ق َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ول ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا إ َِلى الل ِ‬ ‫وُر ّ‬ ‫ت َ‬ ‫ف ْ‬ ‫سل َ َ‬ ‫أ ْ‬
‫ن{‪ .‬وقد جاء في آية أخععرى مععا يععدل علععى خلف‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ذلك وهي قوله تعالى‪} :‬ذَل ِ َ َ‬
‫من ُههوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وَلى ال ّه ِ‬ ‫مه ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ك ب ِأ ّ‬
‫َ‬
‫م{‪ .‬والجواب عععن هععذا أن معنععى‬ ‫ه ْ‬ ‫وَلى ل َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫نل َ‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬‫كا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫وأ ّ‬ ‫َ‬
‫كونه مععولى الكععافرين أنععه مععالكهم المتصععرف فيهععم بمععا شععاء‪,‬‬
‫ومعنى كععونه مععولى المععؤمنين دون الكععافرين أي وليععة المحبععة‬
‫والتوفيق والنصر‪ ،‬والعلم عند الله تعععالى‪ .‬وأمععا علععى قععول مععن‬
‫م{ عععائد‬ ‫ه ُ‬ ‫ول ُ‬ ‫مه ْ‬ ‫دوا{‪ ,‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫قال‪ :‬إن الضمير في قوله‪ُ} :‬ر ّ‬
‫ل‪ ,‬ولكن الول أظهر‪.‬‬ ‫على الملئكة فل إشكال في الية أص ً‬
‫ن‬ ‫مه ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫قههو َ‬ ‫ن ي َت ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫عل َههى ال ّ ه ِ‬ ‫مهها َ‬ ‫و َ‬ ‫قههوله تعههالى‪َ } :‬‬ ‫•‬
‫ن{‪ ,‬هععذه‬ ‫قههو َ‬ ‫م ي َت ّ ُ‬ ‫هه ْ‬ ‫عل ّ ُ‬ ‫ن ِذك ْهَرى ل َ َ‬ ‫ول َك ِ ْ‬‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ساب ِ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ِ‬
‫الية الكريمة يفهم منها أنه ل إثم على من جالس الخائضين في‬
‫آيات الله بالستهزاء والتكذيب‪ .‬وقد جاءت آية تدل على أن مععن‬
‫قدْ ن َهّز َ‬
‫ل‬ ‫و َ‬ ‫جالسهم كان مثلهم في الثععم وهععي قععوله تعععالى‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ههها‬ ‫ف هُر ب ِ َ‬ ‫ه ي ُك ْ َ‬ ‫ت الل ّ ه ِ‬ ‫م آَيا ِ‬ ‫عت ُ ْ‬‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن إِ َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫في ال ْك َِتا ِ‬ ‫م ِ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫م{‪.‬‬ ‫ه ْ‬ ‫مث ْل ُ ُ‬ ‫م ِإذا ً ِ‬ ‫ها{ إلى قوله‪} :‬إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫هَزأ ب ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬‫وي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مه ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫قههو َ‬ ‫ن ي َت ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫على ال ِ‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫اعلم أول أن في معنى قوله‪َ } :‬‬
‫ء{ وجهين للعلماء‪:‬‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ساب ِ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ِ‬
‫الول‪ :‬أن المعنى‪ :‬وما على الذين يتقععون مجالسععة الكفععار عنععد‬
‫خوضهم في آيات الله من حساب الكفار من شيء‪ ,‬وعلععى هععذا‬
‫الوجه فل إشكال في الية أصل‪.‬‬

‫الوجه الثاني‪ :‬أن معنى الية وما على الذين يتقون ما يقععع مععن‬
‫الكفار في الخوض في آيات الله في مجالستهم لهم من شععيء‪,‬‬
‫وعلى هذا القول فهذا الععترخيص فععي مجالسععة الكفععار للمتقيععن‬
‫من المؤمنين كان فععي أول السععلم للضععرورة ثععم نسععخ بقععوله‬
‫م{‪ ,‬وممععن قععال بالنسععخ فيععه مجاهععد‬ ‫ه ْ‬‫مث ْل ُ ُ‬ ‫م ِإذا ً ِ‬ ‫تعالى‪} :‬إ ِن ّك ُ ْ‬
‫والسدي وابن جريج وغيرهم كما نقله عنهم ابن كثير‪ .‬فظهععر أن‬
‫كهَرى‬ ‫ن ِذ ْ‬ ‫ول َك ِ ْ‬ ‫ل إشكال على كل القولين‪ .‬ومعنى قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ن{ على الوجه الول أنهععم إذا اجتنبععوا مجالسععتهم‬ ‫قو َ‬ ‫م ي َت ّ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫عل ّ ُ‬ ‫لَ َ‬
‫سلموا من الثم ولكن المر باتقاء مجالستهم عنععد الخععوض فععي‬
‫اليات ل يسقط وجوب تذكيرهم ووعظهععم وأمرهععم بععالمعروف‬
‫ونهيهم عن المنكر لعلهم يتقون الله بسبب ذلععك‪ ,‬وعلععى الععوجه‬
‫الثاني فالمعنى أن الععترخيص فععي المجالسععة ل يسععقط التععذكير‬
‫لعلهم يتقون الخوض فععي آيععات اللععه بالباطععل إذا وقعععت منكععم‬
‫الذكرى لهم وأما جعل الضمير للمتقين فل يخفععى بعععده والعلععم‬
‫عند الله تعالى‪.‬‬
‫َ‬
‫ق‬
‫صد ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ك ُ‬ ‫مَباَر ٌ‬ ‫ب أن َْزل َْناهُ ُ‬ ‫ذا ك َِتا ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫و َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬ ‫•‬
‫ُ‬
‫ههها{‪ ،‬يتععوهم‬ ‫ول َ َ‬ ‫ح ْ‬‫ن َ‬ ‫مه ْ‬ ‫و َ‬ ‫ق هَرى َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ذَر أ ّ‬ ‫ول ِت ُن ْ ِ‬‫ه َ‬ ‫ن ي َدَي ْ ِ‬ ‫ذي ب َي ْ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫منه الجاهععل أن إنععذاره صععلى اللععه عليععه وسععلم مخصععوص بععأم‬
‫القرى وما يقرب منها دون القطععار النائيععة عنهععا لقععوله تعععالى‪:‬‬
‫ها{‪ ,‬ونظيععره قععوله تعععالى فععي سععورة الشععورى‪:‬‬ ‫ول َ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫} َ‬
‫م ال ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مهه ْ‬ ‫و َ‬ ‫قَرى َ‬ ‫ذَر أ ّ‬ ‫عَرب ِي ّا ً ل ِت ُن ْ ِ‬ ‫قْرآنا ً َ‬ ‫ك ُ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫وك َذَل ِ َ‬ ‫} َ‬
‫ه{‪ .‬وقععد جععاءت آيععات‬ ‫في ه ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫ع ل َري ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ج ْ‬‫م ال ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ذَر ي َ ْ‬ ‫وت ُن ْ ِ‬ ‫ها َ‬ ‫ول َ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫َ‬
‫أخر تصّرح بعموم إنذاره صلى اللععه عليععه وسععلم لجميععع النععاس‬
‫ه‬
‫د ِ‬‫عب ْه ِ‬ ‫عل َههى َ‬ ‫ن َ‬ ‫قهها َ‬ ‫فْر َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ذي ن َهّز َ‬ ‫ك اّله ِ‬ ‫كقععوله تعععالى‪} :‬ت ََباَر َ‬
‫ذا‬ ‫ه َ‬ ‫ي َ‬ ‫ي إ ِل َ َّ‬ ‫ح َ‬ ‫وُأو ِ‬ ‫ذيرا ً{ ‪ ،‬وقوله تعالى‪َ } :‬‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫عال َ ِ‬ ‫ن ل ِل ْ َ‬ ‫كو َ‬ ‫ل ِي َ ُ‬
‫ههها‬ ‫ل ي َهها أي ّ َ‬ ‫قه ْ‬ ‫غ{ ‪ ،‬وقععوله‪ُ } :‬‬ ‫ن ب َل َه َ‬ ‫مه ْ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫م ب ِه ِ‬ ‫ذَرك ُ ْ‬ ‫ن ِل ُن ْ ِ‬ ‫قْرآ ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مها‬ ‫و َ‬ ‫ميعها ً{ ‪ ،‬وقععوله‪َ } :‬‬ ‫ج ِ‬‫م َ‬ ‫كه ْ‬ ‫ه إ ِل َي ْ ُ‬ ‫ل الّله ِ‬ ‫سههو ُ‬ ‫س إ ِّني َر ُ‬ ‫الّنا ُ‬
‫ة ِللّناس{ ‪ ،‬والجواب من وجهين‪:‬‬ ‫ف ً‬ ‫كا ّ‬ ‫ك إ ِل ّ َ‬ ‫سل َْنا َ‬ ‫َ‬
‫أْر َ‬
‫ها{ شععامل لجميععع الرض‬ ‫ول َ َ‬ ‫ح ْ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫الول‪ :‬أن المراد بقوله‪َ } :‬‬
‫كما رواه ابن جرير وغيره عن ابن عباس‪.‬‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫الععوجه الثععاني‪ :‬أنععا لععو سععلمنا تسععليما جععدليا أن قععوله‪َ } :‬‬
‫ها{ ل يتناول إل القريب من مكة المكرمة ‪ -‬حرسها اللععه ‪-‬‬ ‫ول َ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫َ‬
‫كجزيرة العرب مثل فإن اليات الخر نصت على العموم كقوله‪:‬‬
‫ذيرا ً{ وذكر بعض أفراد العام بحكم العام‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫عال َ ِ‬ ‫ن ل ِل ْ َ‬ ‫كو َ‬ ‫}ل ِي َ ُ‬
‫ل يخصصه عند عامة العلماء ولم يخععالف فيععه إل أبععو ثععور‪ ,‬وقععد‬
‫قدمنا ذلك واضحا بأدلته فععي سععورة المععائدة‪ ،‬فاليععة علععى هععذا‬
‫ن{‪ ,‬فإنه ل يدل على‬ ‫ك ال َ ْ‬ ‫شيَرت َ َ‬ ‫القول كقوله‪َ } :‬‬
‫قَرِبي َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ذْر َ‬ ‫وأن ْ ِ‬ ‫َ‬
‫عدم إنذار غيرهم كما هو واضح والعلم عند الله تعالى‪.‬‬
‫غي َْر‬ ‫و َ‬ ‫شت َِبها ً َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ما َ‬ ‫والّر ّ‬ ‫ن َ‬ ‫والّزي ُْتو َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬ ‫•‬
‫شههاِبها ً‬ ‫مت َ َ‬‫ن ُ‬ ‫مهها َ‬ ‫والّر ّ‬ ‫ن َ‬ ‫والّزي ْت ُههو َ‬ ‫ه{‪ ,‬وقععوله أيضععًا‪َ } :‬‬ ‫شههاب ِ ٍ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ُ‬
‫ه{‪ ,‬أثبععت فععي هععاتين اليععتين التشععابه للزيتععون‬ ‫شههاب ِ ٍ‬ ‫مت َ َ‬ ‫غي َْر ُ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫والرمان ونفاه عنهما ‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬ما قاله قتادة ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬مععن أن المعنععى متشععابها‬
‫ورقها‪ ,‬مختلفا طعمها‪ ,‬والله تعالى أعلم‪.‬‬
‫َ‬
‫صههاُر{ ‪ ،‬هععذه اليععة‬ ‫ه الب ْ َ‬ ‫رك ُ ُ‬‫قههوله تعههالى‪} :‬ل ت ُهدْ ِ‬ ‫•‬
‫الكريمة توهم أن الله تعالى ل يرى بالبصععار‪ ,‬وقععد جععاءت آيععات‬
‫ذ‬‫مئ ِ ٍ‬ ‫و َ‬‫جوهٌ َيهه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫أخر تدل على أنه يرى بالبصار‪ ،‬كقوله تعععالى‪ُ } :‬‬
‫َ‬
‫سهُنوا‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة{‪ ،‬وكقععوله‪} :‬ل ِل ّه ِ‬ ‫ههها ن َههاظَِر ٌ‬ ‫ة‪ ,‬إ ِل َههى َرب ّ َ‬ ‫ضهَر ٌ‬ ‫َنا ِ‬
‫ة{‪ ،‬فالحسععنى‪ :‬الجنععة‪ ,‬والزيععادة‪ :‬النظععر إلععى‬ ‫زَيادَ ٌ‬ ‫و ِ‬ ‫سَنى َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ههها‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ءو َ‬ ‫شهها ُ‬ ‫مهها ي َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫وجه اللععه الكريععم‪ ،‬وكععذلك قععوله‪} :‬ل َ ُ‬
‫د{ على أحد القععولين‪ ،‬وكقععوله تعععالى فععي الكفععار‪:‬‬ ‫زي ٌ‬ ‫م ِ‬‫ول َدَي َْنا َ‬ ‫َ‬
‫ن{‪ ،‬يفهععم مععن دليععل‬ ‫جوُبو َ‬ ‫ح ُ‬‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ذل َ‬ ‫مئ ِ ٍ‬‫و َ‬ ‫م يَ ْ‬‫ه ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّ ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫}كل إ ِن ّ ُ‬
‫خطابه أن المؤمنين ليسوا محجععوبين عععن ربهععم والجععواب مععن‬
‫ثلثة أوجه‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن المعنععى‪ :‬ل تععدركه البصععار أي فععي الععدنيا فل ينععافي‬
‫الرؤية في الخرة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه عام مخصوص برؤية المؤمنين له فععي الخععرة‪ ,‬وهععذا‬
‫قريب في المعنى من الول‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬وهو الحق‪ :‬أن المنفي فععي هععذه اليععة الدراك المشعععر‬
‫بالحاطة بالكنه‪ ,‬أما مطلق الرؤية فل تدل الية على نفيه بل هو‬
‫ثععابت بهععذه اليععات القرآنيععة والحععاديث الصععحيحة واتفععاق أهععل‬
‫السنة والجماعة على ذلك‪.‬‬
‫وحاصل هذا الجععواب أن الدراك أخععص مععن مطلععق الرؤيععة لن‬
‫الدراك المراد به الحاطة‪ ,‬والعرب تقععول‪" :‬رأيععت الشععيء ومععا‬
‫أدركته"‪ ,‬فمعنى ل تدركه البصععار‪ :‬ل تحيععط بععه كمععا أنععه تعععالى‬
‫يعلمه الخلق ول يحيطون بععه علمععا‪ ،‬وقععد اتفععق العقلء علععى أن‬
‫نفي الخص ل يستلزم نفي العم‪ ,‬فانتفععاء الدراك ل يلععزم منععه‬
‫انتفععاء مطلععق الرؤيععة مععع أن اللععه تعععالى ل يععدرك كنهععه علععى‬
‫الحقيقة أحععد مععن الخلععق‪ ,‬والععدليل علععى صععحة هععذا الععوجه مععا‬
‫أخرجه الشيخان من حديث أبي موسى مرفوعععا‪" :‬حجععابه النععور‬
‫أو النار لو كشفه لحرقت سبحات وجهععه مععا انتهععى إليععه بصععره‬
‫من خلقه"‪ ،‬فالحديث صريح في عدم الرؤيععة فععي الععدنيا ويفهععم‬
‫منععه عععدم إمكععان الحاطععة مطلقععا‪ .‬والحاصععل أن رؤيتععه تعععالى‬
‫بالبصار جائزة عقل في الدنيا والخرة؛ لن كل موجود يجععوز أن‬
‫يععرى عقل‪ ،‬وأمععا فععي الشععرع فهععي جععائزة وواقعععة فععي الخععرة‬
‫ممتنعة في الدنيا‪ ،‬ومن أصرح الدلععة فععي ذلععك مععا رواه مسععلم‬
‫وابععن خزيمععة مرفوعععا‪" :‬إنكععم لععن تععروا ربكععم حععتى تموتععوا"‬
‫والحاديث برؤية المؤمنين له يوم القيامععة متععواترة والعلععم عنععد‬
‫الله تعالى‪.‬‬
‫َ‬
‫ن{‪ ,‬ل‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫شهه ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫عهه ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ر ْ‬ ‫عهه ِ‬‫وأ ْ‬ ‫قههوله تعههالى‪َ } :‬‬ ‫•‬
‫يعارض آيات السيف لنها ناسخة له‪.‬‬
‫ههها‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِه ِ‬ ‫م َ‬ ‫واك ُ ْ‬ ‫مث ْه َ‬ ‫ل الّناُر َ‬ ‫قا َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬ ‫•‬
‫ه{‪ ،‬هذه الية الكريمععة يفهععم منهععا كععون عععذاب‬ ‫شاءَ الل ُ‬ ‫ما َ‬ ‫إ ِل ّ َ‬
‫أهل النار غير باق بقاء ل انقطاع له أبدا ونظيرهععا قععوله تعععالى‪:‬‬
‫} َ َ‬
‫ق‪,‬‬
‫هي ٌ‬ ‫ش ِ‬ ‫و َ‬‫فيٌر َ‬ ‫ها َز ِ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ر لَ ُ‬ ‫في الّنا ِ‬ ‫ف ِ‬‫قوا َ‬ ‫ش ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬ ‫فأ ّ‬
‫َ‬
‫شههاءَ‬ ‫مهها َ‬ ‫ض إ ِل ّ َ‬ ‫والْر ُ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ُ‬ ‫ما َ‬ ‫سه َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫دا َ‬
‫ما َ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬
‫َ‬
‫قابها ً{‪ ،‬وقععد جععاءت‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫هها أ ْ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫َرّبك{‪ ،‬وقععوله تعععالى‪} :‬لب ِِثي َ‬
‫ها‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫ن عذابهم ل انقطاع له كقوله‪َ } :‬‬ ‫آيات تدل على أ ّ‬
‫أ ََبدا ً{‪.‬‬
‫والجواب عن هذا من أوجه‪:‬‬
‫ه{ معنععاه إل مععن شععاء‬ ‫شاءَ الل ُ‬ ‫ما َ‬ ‫أحدها‪ :‬أن قوله تعالى‪} :‬إ ِل ّ َ‬
‫الله عدم خلوده فيها من أهل الكبائر من الموحععدين‪ ،‬وقععد ثبععت‬
‫في الحاديث الصحيحة أن بعض أهل النععار يخرجععون منهععا وهععم‬
‫أهل الكبائر من الموحدين‪ ،‬ونقل ابن جرير هذا القول عن قتادة‬
‫والضحاك وأبي سنان وخالد بن معدان واختاره ابن جرير وغايععة‬
‫حوا‬ ‫فههان ْك ِ ُ‬ ‫ما في هذا القول إطلق ما ورد ونظيره في القرآن } َ‬
‫ء{‪.‬‬ ‫سا ِ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫طا َ‬‫ما َ‬ ‫َ‬
‫الثاني‪ :‬أن المدة التي استثناها الله هي المععدة الععتي بيععن بعثهععم‬
‫من قبورهم واستقرارهم في مصيرهم قاله ابن جرير أيضا‪.‬‬
‫ه{ فيععه إجمععال وقععد‬ ‫شههاءَ الل ه ُ‬‫ما َ‬ ‫الوجه الثالث‪ :‬أن قوله }إ ِل ّ َ‬
‫جاءت اليات والحاديث الصحيحة مصععرحة بععأنهم خالععدون فيهععا‬
‫أبدًا‪ ,‬وظاهرها أنه خلود ل انقطاع له‪ ,‬والظهور مععن المرجحععات‪,‬‬
‫فالظاهر مقدم على المجمل كما تقرر في الصول‪.‬‬
‫ن "إ ِل ّ" في سورة هود بمعنى‪" :‬سوى ما شاء الله مععن‬ ‫ومنها‪ :‬أ ّ‬
‫الزيادة على مدة دوام السماوات والرض"‪ .‬وقال بعض العلماء‪:‬‬
‫إن الستثناء على ظاهره وأنه يأتي على النعار زمعان ليعس فيهعا‬
‫أحد‪ ،‬وقال ابن مسعود‪" :‬ليأتين على جهنم زمععان تخفععق أبوابهععا‬
‫ليس فيها أحد‪ ،‬وذلك بعدما يلبثععون أحقابععا"‪ ،‬وعععن ابععن عبععاس‪:‬‬
‫"أنها تأكلهم بأمر الله"‪ .‬قال مقيده ‪ -‬عفا الله عنه ‪ :-‬الذي يظهر‬
‫لي والله تعالى أعلم أن هذه النار التي ل يبقى فيها أحععد يتعيععن‬
‫حملها على الطبقة التي كان فيها عصاة المسلمين كما جزم بععه‬
‫البغوي في تفسيره؛ لنه يحصل به الجمععع بيععن الدلععة‪ ,‬وإعمععال‬
‫الدليلين أولى من إلغاء أحدهما‪ ،‬وقد أطبق العلماء على وجععوب‬
‫الجمع إذا أمكن‪ ,‬أما ما يقول كثير من العلماء من الصحابة ومن‬
‫بعدهم من أن النار تفنععى وينقطععع العععذاب عععن أهلهععا‪ ،‬فاليععات‬
‫القرآنية تقتضي عدم صععحته‪ ,‬وإيضععاحه أن المقععام ل يخلععو مععن‬
‫إحدى خمس حالت بالتقسيم الصحيح وغيرها راجع إليها‪:‬‬
‫الولى‪ :‬أن يقال بفناء النار وأن استراحتهم مععن العععذاب بسععبب‬
‫فنائها‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يقال إنهم ماتوا وهي باقية‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن يقال إنهم أخرجوا منها وهي باقية‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬أن يقال‪ :‬إنهم باقون فيها إل أن العععذاب يخععف عليهععم‪.‬‬
‫وذهاب العذاب رأسا واستحالته لذة لععم نععذكرهما مععن القسععام‬
‫لنا نقيم البرهان على نفي تخفيف العذاب‪ ,‬ونفي تخفيفه يلزمه‬
‫نفي ذهابه واستحالته لذة‪ ,‬فاكتفينا به لدللة نفيععه علععى نفيهمععا‪,‬‬
‫وكل هذه القسام الربعة يدل القرآن على بطلنه‪.‬‬
‫ت‬‫خب َه ْ‬‫ما َ‬ ‫أما فناؤها فقععد نععص تعععالى علععى عععدمه بقععوله‪} :‬ك ُل ّ َ‬
‫شههاءَ َرب ّههك{ فععي‬ ‫ما َ‬ ‫عيرا ً{‪ ,‬وقد قال تعالى‪} :‬إ ِل ّ َ‬ ‫س ِ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫زدَْنا ُ‬ ‫ِ‬
‫خلود أهل الجنة وخلود أهل النار وبّين عدم النقطعاع فععي خلععود‬
‫ذا‬‫ههه َ‬‫ن َ‬ ‫ذوٍذ{‪ ,‬وبقععوله‪} :‬إ ِ ّ‬ ‫جه ُ‬
‫م ْ‬ ‫طاءً َ‬
‫غي َْر َ‬ ‫ع َ‬‫أهل الجنة بقوله‪َ } :‬‬
‫مهها‬‫و َ‬
‫ف هد ُ َ‬ ‫م ي َن ْ َ‬‫عن ْهدَك ُ ْ‬
‫مهها ِ‬ ‫فاٍد{‪ ,‬وقععوله‪َ } :‬‬ ‫ن نَ َ‬
‫م ْ‬
‫ه ِ‬‫ما ل َ ُ‬
‫قَنا َ‬ ‫لَ ِ‬
‫رْز ُ‬
‫ق{‪ ،‬وبّين عدم النقطاع في خلود أهل النار بقوله‪:‬‬ ‫ه َبا ٍ‬ ‫عن ْدَ الل ِ‬ ‫ِ‬
‫عيرا ً{‪ ,‬فمععن يقععول إن للنععار خبععوة‬ ‫سه ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫زدَْنها ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫خب َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫}ك ُل ّ َ‬
‫ليس بعدها زيادة سعير رد عليه بهذه الية الكريمة‪ .‬ومعلععوم أن‬
‫ما( تقتضي التكرار بتكرر الفعل الذي بعدها‪ ،‬ونظيرها قععوله‬ ‫)ك ُل ّ َ‬
‫ههها{‬ ‫غي َْر َ‬ ‫جل ُههودا ً َ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫م ب َهدّل َْنا ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫جل ُههودُ ُ‬ ‫ت ُ‬ ‫ج ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ما ن َ ِ‬ ‫تعالى‪} :‬ك ُل ّ َ‬
‫ضى‬ ‫ق َ‬ ‫ص تعالى على عدمه بقوله‪} :‬ل ي ُ ْ‬ ‫الية‪ .‬وأما موتهم فقد ن ّ‬
‫ْ‬
‫ن‬ ‫كهها ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ل َ‬ ‫كهه ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫و ُ‬ ‫م ْ‬‫ه ال ْ َ‬ ‫وي َأِتي ِ‬ ‫موُتوا{‪ ,‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫في َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫علي ْ ِ‬
‫َ َ‬
‫ت{‪ ,‬وقد بّين النععبي صععلى اللععه عليععه وسععلم فععي‬ ‫مي ّ ٍ‬ ‫و بِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ما ُ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫الحديث الصحيح أن الموت يجاء به يوم القيامة في صورة كبش‬
‫أملح فيذبح‪ ,‬وإذا ذبح الموت حصل اليقين بأنه ل موت كما قععال‬
‫النبي صلى اللعه عليعه وسعلم ويقعال‪" :‬يعا أهعل الجنعة خلعود فل‬
‫موت‪ ،‬ويا أهل النار خلود فل موت"‪ .‬وأما إخراجهععم منهععا فنععص‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ههها‬ ‫من ْ َ‬ ‫جههوا ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫دوا أ ْ‬ ‫ما أَرا ُ‬ ‫تعالى علععى عععدمه بقععوله‪} :‬ك ُل ّ َ‬
‫ها{‪.‬‬ ‫من ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫جي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫و َ‬ ‫ها{‪ ,‬وبقوله‪َ } :‬‬ ‫في َ‬ ‫دوا ِ‬ ‫عي ُ‬ ‫أُ ِ‬
‫ول‬ ‫وأما تخفيف العذاب عنهم فنص تعالى على عععدمه بقععوله‪َ } :‬‬
‫ر{‪,‬‬ ‫فههو ٍ‬ ‫ل كَ ُ‬ ‫زي ك ُه ّ‬ ‫جه ِ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫ها ك َهذَل ِ َ‬ ‫ذاب ِ َ‬ ‫عه َ‬ ‫ن َ‬ ‫مه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫هه ْ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫فه ُ‬ ‫خ ّ‬ ‫يُ َ‬
‫فت ُّر‬ ‫ذابا ً{‪ ,‬وقوله‪} :‬ل ي ُ َ‬ ‫ع َ‬ ‫م إ ِل ّ َ‬ ‫زيدَك ُ ْ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫فل َ ْ‬ ‫قوا َ‬ ‫ذو ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫وقوله‪َ } :‬‬
‫ن‬ ‫ها ك َهها َ‬ ‫ذاب َ َ‬ ‫عه َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن{‪ ,‬وقععوله‪} :‬إ ِ ّ‬ ‫سههو َ‬ ‫مب ْل ِ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫فيه ِ‬ ‫م ِ‬ ‫هه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫هه ْ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن ل َِزام ها ً{‪ ,‬وقععوله تعععالى‪:‬‬ ‫ف ي َك ُههو ُ‬ ‫و َ‬ ‫سه ْ‬ ‫ف َ‬ ‫غَراما ً{‪ ,‬وقععوله‪َ } :‬‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫هه ْ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫ن{‪ ,‬وقععوله‪َ } :‬‬ ‫م ي ُن ْظَ هُرو َ‬ ‫هه ْ‬ ‫ول ُ‬ ‫م َ‬ ‫هه ْ‬ ‫عن ْ ُ‬‫ف َ‬ ‫ف ُ‬ ‫خ ّ‬ ‫فل ي ُ َ‬ ‫} َ‬
‫ن‬‫مهه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ههه ْ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ف ُ‬ ‫خ ّ‬ ‫م{‪ .‬ول يخفى أن قععوله‪} :‬ل ي ُ َ‬ ‫قي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬
‫م{ كلهمععا فعععل فععي سععياق‬ ‫هه ْ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫فت ُّر َ‬ ‫ها{ وقععوله‪} :‬ل ي ُ َ‬ ‫ذاب ِ َ‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬
‫النفي فحرف النفي ينفي المصدر الكامن فععي الفعععل فهععو فععي‬
‫معنى ل تخفيف للعذاب عنهم ول تفتير له‪ ,‬والقول بفنائها يلزمه‬
‫تخفيف العذاب وتفععتيره المنفيععان فععي هععذه اليععات‪ ,‬بععل يلزمععه‬
‫ذهابهما رأسا‪ ,‬كما أنععه يلزمععه نفععي ملزمععة العععذاب المنصععوص‬
‫ها‬ ‫ذاب َ َ‬ ‫عه َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ل َِزام ها ً{ وقععوله‪} :‬إ ِ ّ‬ ‫ف ي َك ُههو ُ‬ ‫و َ‬ ‫س ْ‬ ‫ف َ‬ ‫عليها بقوله‪َ } :‬‬
‫ب‬ ‫ذا ٌ‬ ‫عه َ‬ ‫م َ‬ ‫هه ْ‬ ‫ول َ ُ‬‫غَراما ً{ وإقامته النصوص عليهععا بقععوله‪َ } :‬‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫م{‪.‬‬ ‫قي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ما‬‫فظاهر هذه اليات عدم فناء النار المصرح به في قوله‪} :‬ك ُل ّ َ‬
‫عيرا ً{ وما احتج به بعض العلماء من أنععه لععو‬ ‫س ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫زدَْنا ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫خب َ ْ‬ ‫َ‬
‫فرض أن الله أخبر بعدم فنائها أن ذلك ل يمنع فناءها لنه وعيد‬
‫وإخلف الوعيد من الحسن ل من القبيح‪ ,‬وأن اللععه تعععالى ذكععر‬
‫أنه ل يخلف وعده ولم يذكر أنععه ل يخلععف وعيععده وأن الشععاعر‬
‫قال‪:‬‬
‫لمخلععععف إيعععععادي ومنجععععز‬ ‫أو‬ ‫وإن أوعدتعه‬ ‫وإنعي‬
‫موععععععععععععععععععععععععععععععدي‬ ‫فالظاهر عدم صحته لمرين‪:‬‬ ‫وعدتعه‬
‫الول‪ :‬أنه يلزم جواز أل ّ يدخل النار كافر لن الخععبر بععذلك وعيععد‬
‫وإخلفه على هذا القول ل بأس به‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه تعالى صرح بحق وعيده على من كععذب رسععله حيععث‬
‫عيد{ِ‪ ,‬وقد تقرر في مسلك‬ ‫و ِ‬‫ق َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ف َ‬ ‫ل َ‬ ‫س َ‬ ‫ب الّر ُ‬ ‫ل ك َذّ َ‬ ‫قال‪} :‬ك ُ ّ‬
‫النص من مسالك العلعة أن الفعاء معن حعروف التعليعل كقعولهم‬
‫"سها فسجد" أي سجد لعلة سهوه‪ ,‬و"سرق فقطعععت يععده" أي‬
‫عيههد{ أي‬ ‫و ِ‬ ‫ق َ‬ ‫حه ّ‬ ‫ف َ‬ ‫ل َ‬ ‫سه َ‬ ‫ب الّر ُ‬ ‫ل ك َهذّ َ‬ ‫لعلة سرقته فقععوله‪} :‬ك ُ ّ‬
‫وجب وقوع الوعيد عليهم لعلععة تكععذيب الرسععل ونظيرهععا قععوله‬
‫ب{‪.‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ق ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ف َ‬ ‫ل َ‬ ‫س َ‬ ‫ب الّر ُ‬ ‫ل إ ِل ّ ك َذّ َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫تعالى‪} :‬إ ِ ْ‬
‫ومن الدلة الصريحة في ذلك تصريحه تعالى بععأن قععوله ل يبععدل‬
‫د‬
‫قه ْ‬ ‫و َ‬ ‫ي َ‬ ‫موا ل َهدَ ّ‬ ‫ص ُ‬ ‫خت َ ِ‬ ‫فيما أوعد به أهل النار حيث قععال‪} :‬ل ت َ ْ‬
‫َ‬
‫مهها أن َهها‬ ‫و َ‬‫ي َ‬ ‫ل ل َهدَ ّ‬ ‫و ُ‬ ‫قه ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مهها ي ُب َهدّ ُ‬ ‫د‪َ ,‬‬ ‫عي ه ِ‬ ‫و ِ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫ت إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫قد ّ ْ‬ ‫َ‬
‫د{‪ ,‬ويسعععتأنس لعععذلك بظعععاهر قعععوله تععععالى‪:‬‬ ‫عِبيههه ِ‬ ‫ب ِظَل ّم ٍ ل ِل ْ َ‬
‫و‬
‫هه َ‬ ‫ول ُههودٌ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ول َ‬ ‫ه َ‬ ‫د ِ‬ ‫ول َه ِ‬ ‫ن َ‬ ‫عه ْ‬ ‫وال ِدٌ َ‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬‫وما ً ل ي َ ْ‬ ‫وا ي َ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫خ َ‬ ‫وا ْ‬ ‫} َ‬
‫ن‬ ‫ق{‪ ,‬وقععوله‪} :‬إ ِ ّ‬ ‫حه ّ‬ ‫ه َ‬ ‫عهدَ الله ِ‬ ‫و ْ‬ ‫ن َ‬ ‫شهْيئا ً إ ِ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫د ِ‬ ‫وال ِه ِ‬ ‫ن َ‬ ‫عه ْ‬ ‫ز َ‬ ‫جا ٍ‬ ‫َ‬
‫ع{ فالظععاهر أن الوعيععد الععذي يجععوز إخلفععه‬ ‫ق ٌ‬ ‫وا ِ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫ب َرب ّ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ع َ‬‫َ‬
‫مهها‬ ‫فُر َ‬ ‫غ ِ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫وعيد عصاة المؤمنين لن اللععه بّيععن ذلععك بقععوله‪َ } :‬‬
‫شاءُ{‪.‬‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك لِ َ‬ ‫ن ذَل ِ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ُ‬
‫فإذا تبين بهذه النصوص بطلن جميع هذه القسام تعّين القسععم‬
‫الخععامس الععذي هععو خلععودهم فيهععا أبععدا ً بل انقطععاع ول تخفيععف‬
‫بالتقسععيم والسععبر الصععحيح‪ ,‬ول غرابععة فععي ذلععك لن خبثهععم‬
‫الطبيعي دائم ل يععزول فكععان جزاؤهععم دائمععا ل يععزول‪ ,‬والععدليل‬
‫م‬ ‫هه ْ‬ ‫في ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫م الل ه ُ‬ ‫عل ِه َ‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫على أن خبثهم ل يزول قوله تعععالى‪َ } :‬‬
‫خي ْههرًا{ نكععرة فععي سععياق‬ ‫َ‬
‫م{ اليععة‪ ،‬فقععوله‪َ } :‬‬ ‫ه ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫م َ‬‫س َ‬ ‫خْيرا ً ل ْ‬ ‫َ‬
‫الشرط فهي تعم‪ ,‬فلو كان فيهم خيععر مععا فععي وقععت مععا لعلمععه‬
‫ه{‪،‬‬ ‫عن ْه ُ‬ ‫هههوا َ‬ ‫مهها ن ُ ُ‬ ‫دوا ل ِ َ‬ ‫عهها ُ‬ ‫دوا ل َ َ‬ ‫و ُر ّ‬ ‫ول َه ْ‬ ‫اللععه‪ ،‬وقععوله تعععالى‪َ } :‬‬
‫وعععودهم بعععد معاينععة العععذاب ل يسععتغرب بعععده عععودهم بعععد‬
‫مباشرة العذاب لن رؤية العذاب عيانا كالوقوع فيه ل سيما وقد‬
‫م‬ ‫و َ‬ ‫ك ال َْيهه ْ‬ ‫صههُر َ‬ ‫فب َ َ‬ ‫ك َ‬ ‫طههاءَ َ‬ ‫غ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫عْنهه َ‬ ‫فَنا َ‬ ‫شهه ْ‬ ‫فك َ َ‬ ‫قععال تعععالى‪َ } :‬‬
‫م ي َأ ُْتون َن َهها{ اليععة‪.‬‬ ‫و َ‬ ‫صهْر ي َه ْ‬ ‫وأب ْ ِ‬
‫حديد{‪ ,‬وقععال‪} :‬أ َسمع بههم َ‬
‫ْ ِ ْ ِ ِ ْ َ‬ ‫َ ِ ٌ‬
‫وعذاب الكفار للهانة والنتقام ل للتطهير والتمحيص كمععا أشععار‬
‫ب‬ ‫ذا ٌ‬ ‫عه َ‬‫م َ‬ ‫هه ْ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫م{‪ ,‬وبقععوله‪َ } :‬‬ ‫هه ْ‬ ‫كي ِ‬ ‫ول ي َُز ّ‬ ‫لععه تعععالى بقععوله‪َ } :‬‬
‫ن{‪ .‬والعلم عند الله تعالى‪.‬‬ ‫هي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫شههاءَ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫سي َ ُ‬
‫ش هَركوا ل ه ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬ ‫•‬
‫َ‬
‫ء{ الية‪ ،‬هذا‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫حّر ْ‬ ‫ول َ‬ ‫ؤَنا َ‬ ‫ول آَبا ُ‬ ‫شَرك َْنا َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫الكلم الذي قالوه بالنظر إلى ذاته كلم صععدق ل شععك فيععه؛ لن‬
‫الله لو شاء لم يشركوا به شيئا ولم يحرموا شيئا مما لم يحرمه‬
‫مهها‬ ‫ه َ‬ ‫شههاءَ الله ُ‬ ‫و َ‬ ‫ول َه ْ‬ ‫كالبحععائر والسععوائب وقععد قععال تعععالى‪َ } :‬‬
‫ها{‪,‬‬ ‫دا َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ول َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫أَ‬
‫هه َ‬ ‫س ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ه‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ك‬ ‫ها‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ل‬ ‫نا‬‫َ‬ ‫ئ‬ ‫ه‬ ‫ش‬
‫ِ‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫}‬ ‫وقال‪:‬‬ ‫‪,‬‬ ‫{‬ ‫كوا‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ش‬
‫دى{‪ ,‬وإذا كان هذا‬ ‫ه َ‬ ‫عَلى ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫م َ‬ ‫ج َ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫شاءَ الل ّ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫وقال‪َ } :‬‬
‫الكلم الذي قاله الكفار حقا فما وجه تكذيبه تعععالى لهععم بقععوله‪:‬‬
‫ْ‬
‫ل‬ ‫قه ْ‬ ‫س هَنا ُ‬ ‫قههوا ب َأ َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫حت ّههى َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قب ْل ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫ك ك َذّ َ‬ ‫}ك َذَل ِ َ‬
‫ن‬ ‫ظهه ّ‬ ‫ن إ ِل ّ ال ّ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ت َت ّب ِ ُ‬ ‫جوهُ ل ََنا إ ِ ْ‬ ‫ر ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫فت ُ ْ‬ ‫عل ْم ٍ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عن ْدَك ُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫ن{‪ ،‬ونظيععر هععذا الشععكال بعينععه فععي‬ ‫م إ ِل ّ ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫صههو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ن أن ْت ُه ْ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مه ُ‬ ‫ح َ‬ ‫شههاءَ الّر ْ‬ ‫و َ‬ ‫قاُلوا ل َه ْ‬ ‫و َ‬ ‫سورة الزخرف في قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫م إ ِل ّ‬ ‫ههه ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫عْلههم ٍ إ ِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مهه ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫م ِبههذَل ِ َ‬ ‫ههه ْ‬ ‫مهها ل َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫عَبههدَْنا ُ‬ ‫مهها َ‬ ‫َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫صو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫والجواب أن هذا الكلم الذي قاله الكفار كلم حق أريد به باطل‬
‫فتكذيب الله لهم واقع علععى بععاطلهم الععذي قصععدوه بهععذا الكلم‬
‫الحق‪ ،‬وإيضاحه‪ :‬أن مرادهم أنهععم لمععا كععان كفرهععم وعصععيانهم‬
‫بمشيئة الله وأنه لو شاء لمنعهم من ذلك فعدم منعه لهععم دليععل‬
‫على رضاه بفعلهم فكععذبهم اللععه فععي ذلععك مبّينععا أنععه ل يرضععى‬
‫ف هَر{‪,‬‬ ‫ه ال ْك ُ ْ‬ ‫عب َههاِد ِ‬ ‫ضههى ل ِ ِ‬ ‫ول ي َْر َ‬ ‫بكفرهم كما نص عليه بقوله‪َ } :‬‬
‫فالكفار زعموا أن الرادة الكونية يلزمها الرضى وهو زعم باطل‬
‫م‬ ‫خت َ َ‬ ‫بل الله يريد بإرادته الكونيععة مععا ل يرضععاه بععدليل قععوله‪َ } :‬‬
‫ف هَر{‬ ‫ه ال ْك ُ ْ‬ ‫عَباِد ِ‬ ‫ضى ل ِ ِ‬ ‫ول ي َْر َ‬ ‫م{ مع قوله‪َ } :‬‬ ‫ه ْ‬ ‫قلوب ِ ِ‬
‫عَلى ُ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ُ‬
‫والذي يلزم الرضى حقا إنما هععو الرادة الشععرعية والعلععم عنععد‬
‫الله تعالى‪.‬‬
‫َ‬
‫م‬ ‫م َرب ّك ُه ْ‬ ‫حهّر َ‬ ‫مهها َ‬ ‫ل َ‬ ‫وا أت ْه ُ‬ ‫عههال َ ْ‬ ‫ل تَ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫قوله تعالى‪ُ } :‬‬ ‫•‬
‫م{ الية‪.‬‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫هذه الية تدل على أن هذا الذي يتلوه عليهم حّرمه ربهم عليهععم‬
‫ن‬ ‫وال ِهدَي ْ ِ‬ ‫وِبال ْ َ‬ ‫ش هْيئا ً َ‬ ‫ه َ‬ ‫كوا ب ِه ِ‬ ‫ر ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫ن معنى قععوله‪} :‬أ َل ّ ت ُ ْ‬ ‫فيوهم أ ّ‬
‫سانا ً{ أن الحسان بالوالدين وعععدم الشععرك حععرام والواقععع‬ ‫ح َ‬ ‫إِ ْ‬
‫خلف ذلك كما هو ضروري وفي هععذه اليععة الكريمععة كلم كععثير‬
‫للعلمععاء وبحععوث ومناقشععات كععثيرة ل تتسععع هععذه العجالععة‬
‫لستيعابها منها‪ :‬أنها صلة كما يأتي‪ ،‬ومنها‪ :‬أنها بمعنى أبينه لكععم‬
‫لئل تشركوا ومن أطععاع الشععيطان مسععتحل فهععو مشععرك بععدليل‬
‫َ‬
‫ن{‪ ،‬ومنهععا ‪ -‬أن‬ ‫كو َ‬ ‫ر ُ‬‫ِ‬ ‫شه‬ ‫م ْ‬‫م لَ ُ‬ ‫م إ ِن ّك ُه ْ‬‫ه ْ‬‫مههو ُ‬ ‫عت ُ ُ‬ ‫ن أطَ ْ‬ ‫وإ ِ ْ‬‫قععوله‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫م أل ّ‬ ‫عل َي ْك ُه ْ‬
‫ن قععوله‪َ } :‬‬ ‫م{ وأ ّ‬ ‫م َرب ّك ُه ْ‬ ‫حّر َ‬ ‫م عند قععوله‪َ } :‬‬ ‫الكلم ت ّ‬
‫كوا{‪ :‬اسم فعل يتعلق بما بعععده علععى أنععه معمععوله‪ .‬منهععا‬ ‫ر ُ‬
‫ش ِ‬ ‫تُ ْ‬
‫غير ذلك‪ .‬وأقرب تلك الوجوه عندنا هو ما دل عليععه القععرآن لن‬
‫ل‬ ‫خير ما يفسر به القرآن القرآن‪ ,‬وذلك هو أن قوله تعالى‪} :‬أ َت ْ ُ‬
‫م{ مضمن معنى مععا وصععاكم ربكععم تركععا‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬‫م َ‬ ‫م َرب ّك ُ ْ‬ ‫حّر َ‬‫ما َ‬ ‫َ‬
‫وفعل‪ ,‬وإنمععا قلنععا إن القععرآن دل علععى هععذا لن اللععه رفععع هععذا‬
‫م‬ ‫عل ّك ُه ْ‬
‫ه لَ َ‬ ‫صههاك ُ ْ‬
‫م ب ِه ِ‬ ‫و ّ‬ ‫م َ‬ ‫الشععكال وبيععن مععراده بقععوله‪} :‬ذَل ِك ُه ْ‬
‫ن{ فيكون المعنى‪ :‬وصاكم أل تشركوا ونظيره مععن كلم‬ ‫قُلو َ‬ ‫ع ِ‬‫تَ ْ‬
‫العرب قول الراجز‪:‬‬
‫حععج وأوصععى بسععليمى إل أن ل تعععرى ول تكلعععم أحعععدا‬
‫وجهان‪:‬‬ ‫عععععععععععععععععععععععععععععععععععدا‬
‫ومن أقرب الوجوه بعد هذا‬ ‫عبع‬
‫الول‪ :‬أن المعنى‪ :‬يبينه لكم لئل تشركوا‪.‬‬
‫كوا{ مفسععرة للتحريععم‬ ‫ر ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫الثععاني‪ :‬إن )أن( مععن قععوله‪} :‬أ َل ّ ت ُ ْ‬
‫قيما ً{‬ ‫س هت َ ِ‬ ‫هه َ‬ ‫والقععدح فيععه بععأن قععوله‪َ } :‬‬
‫م ْ‬ ‫طي ُ‬ ‫ص هَرا ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫وأ ّ‬ ‫َ‬
‫معطوف عليه وعطفه عليه ينافي التفسير مععدفوع بعععدم تعييععن‬
‫ن هععذا‬ ‫العطف لحتمال حععذف حععرف الجععر فيكععون المعنععى‪ :‬ول ّ‬
‫صراطي مستقيما فاتبعوه كما ذهب إليععه بعضععهم ولكععن القععول‬
‫الول هو الصحيح إن شاء الله تعالى وعليه فل إشكال في اليععة‬
‫أصل‪.‬‬
‫سهورة العهراف‬
‫س َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫ل إ ِلي ْ ِ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫سأل َ ّ‬ ‫فل َن َ ْ‬‫• قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ول َن َ َ‬
‫ن{ الية‪ ,‬هذه الية الكريمة تدل‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫سأل َ ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫على أن الله يسأل جميع الناس يوم القيامة ونظيرها‬
‫َ‬ ‫ك ل َن َ َ‬
‫ما‬ ‫ع ّ‬‫ن‪َ ,‬‬ ‫عي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ج َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫سأل َن ّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫وَرب ّ َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ف َ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫فو ُ‬ ‫ق ُ‬ ‫و ِ‬ ‫ن{‪ ,‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ذا‬‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫قو ُ‬ ‫في َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫م ي َُناِدي ِ‬ ‫و َ‬ ‫وي َ ْ‬‫ن{‪ ،‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫ؤوُلو َ‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ن{‪ ،‬وقد جاءت آيات أخر تدل على‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫م ال ُ‬ ‫جب ْت ُ ُ‬ ‫أ َ‬
‫ن ذَن ْب ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ع ْ‬ ‫ل َ‬ ‫سأ َ ُ‬ ‫ذ ل يُ ْ‬ ‫مئ ِ ٍ‬ ‫و َ‬‫في َ ْ‬ ‫خلف ذلك كقوله‪َ } :‬‬
‫م‬‫ه ُ‬ ‫ن ذُُنوب ِ ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ل َ‬ ‫سأ َ ُ‬ ‫ول ي ُ ْ‬ ‫ن{‪ ,‬وكقوله‪َ } :‬‬ ‫جا ّ‬ ‫ول َ‬ ‫س َ‬ ‫إ ِن ْ ٌ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫والجواب عن هذا من ثلثة أوجه‪:‬‬
‫الول‪ :‬وهو أوجهها لدللة القرآن عليه وهو أن السؤال قسععمان‪:‬‬
‫سععؤال توبيععخ وتقريععع‪ ,‬وأداتععه غالبععا )لععم (‪ ،‬وسععؤال اسععتخبار‬
‫واستعلم وأداته غالبا )هل( فالمثبت هو سؤال التوبيخ والتقريععع‪,‬‬
‫والمنفي هو سعؤال‪ :‬السععتخبار والسععتعلم‪ ،‬وجعه دللعة القععرآن‬
‫على هذا أن سؤاله لهم المنصوص في القرآن كله توبيخ وتقريع‬
‫مل‬ ‫كههه ْ‬ ‫مههها ل َ ُ‬ ‫ن‪َ ,‬‬ ‫ؤوُلو َ‬ ‫سههه ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫هههه ْ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ه ْ‬
‫فهههو ُ‬ ‫ق ُ‬‫و ِ‬‫كقعععوله‪َ } :‬‬
‫ن {‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬
‫ن{‪ ,‬وكقوله‪} :‬أ َ‬
‫ص هُرو َ‬ ‫م ل ت ُب ْ ِ‬ ‫م أن ْت ُ ْ‬ ‫ذا أ ْ‬ ‫حٌر َ‬ ‫س ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫صُرو َ‬ ‫ت ََنا َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫م ي َهأت ِك ُ ْ‬ ‫م{‪ ،‬وكقععوله‪} :‬أل َه ْ‬ ‫من ْك ُه ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫س ٌ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫م ي َأت ِك ُ ْ‬ ‫وكقوله‪} :‬أل َ ْ‬
‫ذيٌر{‪ ،‬إلى غير ذلك من اليات‪ ،‬وسؤال الله للرسل ماذا أجبتم‬ ‫نَ ِ‬
‫لتوبيخ الذين كذبوهم كسؤال الموؤودة بععأي ذنععب قتلععت لتوبيععخ‬
‫قاتلها‪.‬‬
‫الععوجه الثععاني‪ :‬أن فععي القيامععة مواقععف متعععددة ففععي بعضععها‬
‫يسألون وفي بعضها ل يسألون‪.‬‬
‫الععوجه الثععالث‪ :‬هععو مععا ذكععره الحليمععي مععن أن إثبععات السععؤال‬
‫محمععول علععى السععؤال عععن التوحيععد وتصععديق الرسععل‪ ،‬وعععدم‬
‫السؤال محمول على ما يستلزمه القعرار بعالنبوات معن شعرائع‬
‫م‬ ‫الدين وفروعه‪ ،‬ويدل لهذا قععوله تعععالى فيقععول‪} :‬ما َ َ‬
‫جب ْت ُه ُ‬ ‫ذا أ َ‬ ‫َ‬
‫ن{ والعلم عند الله تعالى‪.‬‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ل مهها من َعهه َ َ‬
‫جد َ إ ِ ْ‬
‫ذ‬ ‫سهه ُ‬ ‫ك أل ّ ت َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫قهها َ َ‬ ‫قههوله تعههالى‪َ } :‬‬ ‫•‬
‫ك{ الية‪.‬‬ ‫مْرت ُ َ‬ ‫َ‬
‫أ َ‬
‫ك{ مععع )ل( النافيععة؛ لن‬ ‫ع َ‬ ‫من َ َ‬ ‫في هذه الية إشكال بين قوله‪َ } :‬‬
‫ك{ بحسععب مععا يسععبق إلععى‬ ‫ع َ‬ ‫من َ َ‬‫المناسب في الظاهر لقوله‪َ } :‬‬
‫ذهن السامع ل ما في نفععس المععر هععو حععذف )ل( فيقععول‪" :‬مععا‬
‫منعك أن تسجد" دون "أل تسجد" وأجيب عن هععذا بأجوبععة؛ مععن‬
‫أقربها هو ما اختاره ابن جرير فععي تفسععيره وهععو أن فععي الكلم‬
‫حذفا دل المقام عليه وعليععه فععالمعنى‪ :‬مععا منعععك مععن السععجود‬
‫فأحوجك أن ل تسجد إذ أمرتك وهذا الذي اختاره ابن جرير قععال‬
‫ابن كثير‪" :‬إنه حسن قوي"‪.‬‬
‫ومن أجوبتهم أن )ل( صلة ويدل له قوله تعالى في سورة )ص(‪:‬‬
‫ي{ اليععة‪ ،‬وقععد وعععدنا‬ ‫خل َ ْ‬ ‫}ما من َع َ َ‬
‫ت ب ِي َهدَ ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫ما َ‬ ‫جد َ ل ِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫كأ ْ‬ ‫َ َ َ‬
‫فيما مضى أنا إن شاء الله نبّين القول بزيععادة )ل( مععع شععواهده‬
‫د{ وبيععن‬ ‫ذا ال ْب َل َه ِ‬‫هه َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫العربية في الجمع بيععن قععوله‪} :‬ل أ ُ ْ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مي‬ ‫د ال َ‬ ‫ذا ال ْب َل َ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫و َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قوله‪َ } :‬‬
‫ء{‬ ‫شهها ِ‬ ‫ح َ‬ ‫مُر ِبال ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫قوله تعالى‪ُ } :‬‬
‫ف ْ‬ ‫ه ل ي َهأ ُ‬ ‫ن الله َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫•‬
‫هذه الية الكريمععة يتععوهم خلف مععا دلععت عليععه مععن ظععاهر آيععة‬
‫قر ي ه ً َ‬ ‫هل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫أخرى وهي قوله تعالى‪} :‬وإ َ َ‬
‫مْرن َهها‬ ‫ةأ َ‬ ‫ك َ ْ َ‬ ‫ن نُ ْ‬ ‫ذا أَردَْنا أ ْ‬ ‫َ ِ‬
‫ها‬ ‫مْرَنا َ‬ ‫فههدَ ّ‬ ‫ل َ‬ ‫و ُ‬ ‫قهه ْ‬ ‫ْ‬
‫ههها ال َ‬ ‫علي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ق َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ف َ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫قوا ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ف َ‬‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫مت َْر ِ‬ ‫ُ‬
‫ميرا { الية‪ ،‬الجواب عن ذلك من ثلثة أوجه‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ت َدْ ِ‬
‫ههها{‬ ‫َ‬
‫في َ‬ ‫مت َْر ِ‬ ‫مْرن َهها ُ‬ ‫الوجه الول‪ :‬وهو أظهرها أن معنى قوله‪} :‬أ َ‬
‫أي بطاعة اللععه وتصععديق الرسععل ففسععقوا أي بتكععذيب الرسععل‬
‫ومعصية الله تعالى فل إشكال في الية أصل‪.‬‬
‫ها{ أمر كععوني‬ ‫َ‬
‫في َ‬ ‫مت َْر ِ‬ ‫مْرَنا ُ‬ ‫الوجه الثاني‪ :‬أن المر في قوله‪} :‬أ َ‬
‫قدري ل أمر شرعي‪ ،‬أي قدرنا عليهم الفسعق بمشعيئتنا‪ ،‬والمعر‬
‫مهها‬ ‫ن{‪} ،‬إ ِن ّ َ‬ ‫س هِئي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ق هَردَةً َ‬ ‫كوُنوا ِ‬ ‫الكععوني القععدري كقععوله‪ُ } :‬‬
‫َ‬ ‫ذا أ ََرادَ َ‬ ‫َ‬
‫ن{‪ ،‬والمعر فعي‬ ‫كو ُ‬ ‫في َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ه كُ ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫شْيئا ً أ ْ‬ ‫مُرهُ إ ِ َ‬ ‫أ ْ‬
‫مُر ِبال ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ء{ أمععر شععرعي دينععي‬ ‫شا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ه ل ي َأ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ق ْ‬ ‫قوله‪ُ } :‬‬
‫فظهر أن المر المنفي غير المر المثبت‪.‬‬
‫ها{‪ :‬أي كثرنععاهم حععتى‬ ‫َ‬
‫في َ‬ ‫مت َْر ِ‬ ‫مْرَنا ُ‬ ‫الوجه الثالث‪ :‬أن معنى }أ َ‬
‫بطروا النعمة ففسقوا‪ ،‬ويدل لهذا المعنى الحديث الععذي أخرجعه‬
‫المام أحمد مرفوعا من حديث سويد بن هبيرة ع رضي الله عنه‬
‫ععع‪" :‬خيععر مععال امععرئ مهععرة مععأمورة أو سععكة مععأبورة" فقععوله‬
‫مأمورة أي كثيرة النسل وهي محل الشاهد‪.‬‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫و ِ‬ ‫قههاءَ ي َه ْ‬ ‫سههوا ل ِ َ‬ ‫مهها ن َ ُ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫سهها ُ‬ ‫م ن َن ْ َ‬ ‫فال ْي َ ْ‬
‫و َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫سههوا الّلهه َ‬
‫ه‬ ‫ذا{ اليعععة‪ ،‬وأمثالهعععا معععن اليعععات كقعععوله‪} :‬ن َ ُ‬ ‫ههه َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫قي َ‬ ‫و ِ‬ ‫سى{‪ ،‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫م ت ُن ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ك ال ْي َ ْ‬ ‫وك َذَل ِ َ‬ ‫م{‪ ،‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫ه ْ‬ ‫سي َ ُ‬ ‫فن َ ِ‬ ‫َ‬
‫ل َرّبههي‬ ‫ض ّ‬ ‫م{ الية‪ ،‬ل يعارض قوله تعالى‪} :‬ل ي َ ِ‬ ‫ساك ُ ْ‬ ‫م ن َن ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ال ْي َ ْ‬
‫سهي ّا ً{‪ ،‬لن معنععى‬ ‫ك نَ ِ‬ ‫ن َرب ّه َ‬ ‫ما ك َهها َ‬ ‫و َ‬ ‫سى{‪ ،‬ول قوله‪َ } :‬‬ ‫ول ي َن ْ َ‬ ‫َ‬
‫م{ ونحوه أي نتركهم في العععذاب محروميععن‬ ‫ه ْ‬ ‫سا ُ‬ ‫م ن َن ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ْ‬
‫فالي َ ْ‬ ‫} َ‬
‫من كل خير والله تعالى أعلم‪.‬‬
‫ن‬ ‫عب َهها ٌ‬ ‫ي ثُ ْ‬ ‫هه َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ف هإ ِ َ‬ ‫صههاهُ َ‬ ‫ع َ‬ ‫قى َ‬ ‫فأ َل ْ َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬ ‫•‬
‫ن{ الية ‪ ،‬هذه الية تدل على شععبه العصععا بالثعبععان وهععو ل‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ُ‬
‫يطلق إل على الكبير من الحيات وقد جاءت آية أخرى تدل على‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫جا ّ‬ ‫ها َ‬ ‫هت َّز ك َأن ّ َ‬ ‫ها ت َ ْ‬ ‫ما َرآ َ‬ ‫فل َ ّ‬ ‫خلف ذلك وهي قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫الية ‪ ،‬لن الجان هو الحية الصغيرة‪ ،‬والجواب عن هذا أنه شبهها‬
‫بالثعبان في عظم خلقتها وبالجان في اهتزازها وخفتهععا وسععرعة‬
‫حركتها فهي جامعة بين العظم وخفة الحركة على خلف العادة‪.‬‬
‫دفع إيهام الضطراب عن آيات الكتاب‬
‫لفضيلة الشيخ‪ :‬محمد المين الشنقيطي‬
‫المدرس بالجامعة‬

‫سورة النفال‬

‫ذا ذُك َِر الل ّ ُ‬


‫ه‬ ‫ن إِ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫م{ الية‪ ..‬هذه الية تدل على أن وجل القلوب‬ ‫ه ْ‬ ‫قُلوب ُ ُ‬ ‫ت ُ‬ ‫جل َ ْ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫عند سماع ذكر الله من علمات المؤمنين‪ .‬وقد جاء في آية‬
‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫أخرى ما يدل على خلف ذلك وهي قوله‪} :‬ال ّ ِ‬
‫قُلوبهم بذك ْر الل ّ َ‬
‫ن‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫ه ت َطْ َ‬ ‫ر الل ّ ِ‬ ‫ذك ْ ِ‬ ‫ه أل ب ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ُ ْ ِ ِ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫وت َطْ َ‬ ‫َ‬
‫ب{‪ .‬فالمنافاة بين الطمأنينة ووجل القلوب ظاهرة‬ ‫قُلو ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫والجواب عن هذا أن الطمأنينة تكون بانشراح الصدر بمعرفة‬
‫التوحيد والوجل يكون عند خوف الزيغ والذهاب عن الهدى كما‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫جُلودُ ال ّ ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫عّر ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ق َ‬ ‫يشير إلى ذلك قوله تعالى‪} :‬ت َ ْ‬
‫م إ َِلى ِذك ْ ِ‬
‫ر‬ ‫ه ْ‬ ‫قُلوب ُ ُ‬ ‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫جُلودُ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ت َِلي ُ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن َرب ّ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ش ْ‬ ‫خ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ه{‪.‬‬ ‫الل ّ ِ‬
‫هدَي ْت ََنا{ الية‪.‬‬ ‫عدَ إ ِذْ َ‬ ‫قُلوب ََنا ب َ ْ‬ ‫غ ُ‬ ‫ز ْ‬ ‫وقوله تعالى‪َ} :‬رب َّنا ل ت ُ ِ‬
‫ة‬‫جل َ ٌ‬ ‫و ِ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قُلوب ُ ُ‬ ‫و ُ‬ ‫وا َ‬ ‫ما آت َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ؤُتو َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫وقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫عو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫م َرا ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫م إ َِلى َرب ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫أن ّ ُ‬
‫َ‬
‫ه‬‫جيُبوا ل ِل ّ ِ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫مُنوا ا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫قوله تعالى‪َ} :‬يا أي ّ َ‬
‫م{ الية‪ .‬هذه الية تدل‬ ‫حِييك ُ ْ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫م لِ َ‬ ‫عاك ُ ْ‬ ‫ذا دَ َ‬ ‫ل إِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫وِللّر ُ‬ ‫َ‬
‫بظاهرها على أن الستجابة للرسول التي هي طاعته ل تجب إل‬
‫في‬ ‫ك ِ‬ ‫صين َ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ول ي َ ْ‬ ‫إذا دعانا لما يحيينا ونظيرها قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ف{ وقد جاء في آيات أخر ما يدل على وجوب اتباعه‬ ‫عُرو ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ذو ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ُ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫ُ‬
‫ما آَتاك ُ‬ ‫و َ‬ ‫مطلقا من غير قيد كقوله‪َ } :‬‬
‫ن‬‫حّبو َ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫هوا{‪ .‬وقوله‪ُ } :‬‬ ‫فان ْت َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫هاك ُ ْ‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫ن ي ُطِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه{‪ .‬الية‪ .‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حب ِب ْك ُ ُ‬ ‫عوِني ي ُ ْ‬ ‫فات ّب ِ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ه{‪ .‬والظاهر أن وجه الجمع والله‬ ‫ع الل ّ َ‬ ‫طا َ‬ ‫قد ْ أ َ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ل َ‬ ‫سو َ‬ ‫الّر ُ‬
‫تعالى أعلم أن آيات الطلق مبينة أنه صلى الله عليه وسلم ل‬
‫يدعونا إل لما يحيينا من خيري الدنيا والخرة فالشرط المذكور‬
‫في قوله إذا دعاكم متوفر في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ن‬ ‫ع ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ما ي َن ْطِ ُ‬ ‫و َ‬ ‫لمكان عصمته كما دل عليه قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫حى{‪ .‬والحاصل أن الية إذا‬ ‫ي ُيو َ‬ ‫ح ٌ‬ ‫و ْ‬ ‫و ِإل َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ُ‬ ‫وى‪ .‬إ ِ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫دعاكم لما يحييكم مبينة أنه ل طاعة إل لما يدعو إلى ما يرضي‬
‫الله وأن اليات الخر بينت أن النبي صلى الله عليه وسلم ل‬
‫يدعو أبدا إل إلى ذلك صلوات الله عليه وسلمه‪.‬‬
‫كان الل ّه ل ِيعذّبهم َ‬
‫ما‬‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫في ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫وأن ْ َ‬ ‫ُ ُ َ َ ُ ْ َ‬ ‫ما َ َ‬ ‫و َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ن{‪ .‬هذه الية الكريمة‬ ‫فُرو َ‬ ‫غ ِ‬
‫ست َ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫عذّب َ ُ‬ ‫م َ‬
‫ه ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫تدل على أن لكفار مكة أمانين يدفع الله عنهم العذاب بسببها‪:‬‬
‫أحدهما كونه صلى الله عليه وسلم فيهم لن الله لم يهلك أمة‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ونبيهم فيهم‪ .‬والثاني استغفارهم الله وقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫م{ يدل‬ ‫را‬ ‫ح‬ ‫د ال ْ‬ ‫ج‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫عن ال ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫م الل ّ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫أل‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫على خلف ذلك‪.‬‬
‫والجواب من أربعة أوجه‪:‬‬
‫الول‪ :‬وهو اختيار ابن جرير ونقله عن قتادة والسدي وابن‬
‫زيد أن المانين منتفيان فالنبي صلى الله عليه وسلم خرج من‬
‫بين أظهرهم مهاجرا واستغفارهم معدوم لصرارهم على الكفر‬
‫فجملة الحال أريد بها أن العذاب ل ينزل في حاله استغفارهم‬
‫لو يستغفروا ول في حالة وجود نبيهم فيهم لكنه خرج من بين‬
‫أظهرهم ولم يستغفروا لكفرهم ومعلوم أن الحال قيد لعاملها‬
‫ووصف لصاحبها فالستغفار مثل قيد في نفي العذاب لكنهم لم‬
‫يأتوا بالقيد فتقرير المعنى وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون‬
‫لو استغفروا‪.‬‬
‫وبعد انتفاء المرين عذبهم بالقتل والسر يوم بدر كما يشير‬
‫ن‬
‫دو َ‬ ‫ب ال َدَْنى ُ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫قن ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ول َن ُ ِ‬ ‫إليه قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ر{‪.‬‬ ‫ب الك ْب َ ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ع َ‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن المراد بقوله‪ :‬يستغفرون استغفار‬
‫المؤمنين المستضعفين بمكة وعليه فالمعنى أنه بعد خروجه‬
‫صلى الله عليه وسلم كان استغفار المؤمنين سببا لرفع العذاب‬
‫مطِْر‬ ‫الدنيوي عن الكفار المستعجلين للعذاب بقولهم‪َ َ } :‬‬
‫فأ ْ‬
‫ء{‪ .‬الية‪ .‬وعلى هذا القول فقد أسند‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫جاَرةً ِ‬ ‫ح َ‬ ‫عل َي َْنا ِ‬ ‫َ‬
‫الستغفار إلى مجموع أهل مكة الصادق بخصوص المؤمنين‬
‫ة{ مع أن‬ ‫ق َ‬ ‫قُروا الّنا َ‬ ‫ع َ‬ ‫ف َ‬ ‫منهم ونظير الية عليه قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫حب َ ُ‬ ‫صا ِ‬ ‫وا َ‬ ‫فَنادَ ْ‬ ‫العاقر واحد منهم بدليل قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ق الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫خل َ َ‬ ‫ف َ‬ ‫وا ك َي ْ َ‬ ‫م ت ََر ْ‬ ‫قَر{ وقوله تعالى‪} :‬أل َ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ف َ‬ ‫طى َ‬ ‫عا َ‬ ‫فت َ َ‬ ‫َ‬
‫ن ُنورًا{‪ :‬أي‬ ‫ه ّ‬ ‫في ِ‬ ‫مَر ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫ت طَِباقًا‪َ .‬‬ ‫وا ٍ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫ع َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫َ‬
‫بخصوص السماء التي فيها‬ ‫ً‬ ‫ًًً‬ ‫جعل القمر في مجموعهن الصادق‬
‫القمر لنه لم يجعل في كل سماء قمر ًا‪ .‬وقوله تعالى‪َ} :‬يا‬ ‫ً‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫م{ أي من‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫س ٌ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫م ي َأت ِك ُ ْ‬ ‫س أل َ ْ‬ ‫وال ِن ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ج ّ‬ ‫شَر ال ْ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫مجموعكم الصادق بخصوص النس على الصح إذا ليس من‬
‫الجن رسل وأما تمثيل كثير من العلماء لطلق المجموع مرادا‬
‫ن{‬ ‫جا ُ‬ ‫مْر َ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫ؤ َ‬ ‫ؤل ُ ُ‬ ‫ما الل ّ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫بعضه بقوله تعالى‪} :‬ي َ ْ‬
‫زاعمين أن معنى قوله منهما‪ :‬أي من مجموعهما الصادق‬
‫بخصوص البحر الملح لن العذب ل يخرج منه لؤلؤ ول مرجان‬
‫فهو قول باطل بنص القرآن العظيم‪.‬‬
‫فقد صرح تعالى باستخراج اللؤلؤ والمرجان من البحرين‬
‫ت‬‫فَرا ٌ‬ ‫ب ُ‬ ‫عذ ْ ٌ‬ ‫ذا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن َ‬ ‫حَرا ِ‬ ‫وي ال ْب َ ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫و َ‬‫كليهما حيث قال‪َ } :‬‬
‫حما ً‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن لَ ْ‬ ‫ل ت َأك ُُلو َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫و ِ‬‫ج َ‬ ‫جا ٌ‬ ‫حأ َ‬ ‫مل ْ ٌ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫شَراب ُ ُ‬ ‫غ َ‬ ‫سائ ِ ٌ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫و ِ‬ ‫ها{ فقوله تعالى‪َ } :‬‬ ‫سون َ َ‬ ‫ة ت َلب َ ُ‬‫ْ‬ ‫حلي َ ً‬ ‫ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫جو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫وت َ ْ‬ ‫ً‬
‫ري ّا َ‬ ‫ط ِ‬ ‫َ‬
‫ة‬‫حل ْي َ ً‬ ‫ل{ نص صريح في إرادة العذب والملح معا وقوله‪ِ } :‬‬ ‫كُ ّ‬
‫ها{ هي اللؤلؤ والمرجان‪ ،‬وعلى هذا القول فالعذاب‬ ‫سون َ َ‬ ‫ت َل ْب َ ُ‬
‫الدنيوي يدفعه الله عنهم باستغفار المؤمنين الكائنين بين‬
‫َ‬
‫ه{‪ :‬أي بعد‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫عذّب َ ُ‬ ‫م أل ي ُ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫و َ‬ ‫أظهرهم‪ .‬وقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫خروج المؤمنين الذين كان استغفارهم سببا لدفع العذاب‬
‫الدنيوي فبعد خروجهم عذب الله أهل مكة في الدنيا بأن سلط‬
‫عليهم رسول الله عليه وسلم حتى فتح مكة ويدل لكونه تعالى‬
‫يدفع العذاب الدنيوي عن الكفار بسب وجود المسلمين بين‬
‫أظهرهم ما وقع في صلح الحديبية كما بينه تعالى بقوله‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫مو ُ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ت لَ ْ‬ ‫مَنا ٌ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ساءٌ ُ‬ ‫ون ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ر َ‬ ‫ول ِ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫} َ‬
‫ُ‬
‫ل الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫خ َ‬ ‫عل ْم ٍ ل ِي ُدْ ِ‬ ‫ر ِ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫عّرةٌ ب ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫صيب َك ُ ْ‬ ‫فت ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ت َطَأو ُ‬
‫فُروا‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫عذّب َْنا ال ّ ِ‬ ‫و ت ََزي ُّلوا ل َ َ‬ ‫شاءُ ل َ ْ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫مت ِ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫في َر ْ‬ ‫ِ‬
‫و ت ََزي ُّلوا{ أي لو تزيل الكفار‬ ‫َ‬
‫ذابا ً أِليمًا{‪ .‬فقوله‪} :‬ل َ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫عن المسلمين لعذبنا الكفار بتسليط المسلمين عليهم ولكنا‬
‫رفعنا عن الكفار هذا العذاب الدنيوي لعدم تميزهم من‬
‫ساءٌ‬ ‫ون ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ر َ‬ ‫ول ِ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫المؤمنين كما بينه بقوله‪َ }:‬‬
‫ت‪ {..‬الية‪ .‬ونقل ابن جرير هذا القول عن ابن عباس‬ ‫مَنا ٌ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫والضحاك وأبي مالك وابن أبزي وحاصل هذا القول أن كفار‬
‫ك‬‫د َ‬ ‫عن ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫و ال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ه ّ‬ ‫مكة لما قالوا‪} :‬الل ّ ُ‬
‫ن‬ ‫ما َ‬ ‫عل َي َْنا ِ‬ ‫َ َ‬
‫كا َ‬ ‫و َ‬ ‫ة{‪ .‬الية‪ .‬أنزل الله قوله‪َ } :‬‬ ‫جاَر ً‬ ‫ح َ‬ ‫مطِْر َ‬ ‫فأ ْ‬
‫م{ ثم لما هاجر النبي صلى الله‬ ‫الل ّه ل ِيعذّبهم وأ َ‬
‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ُ ُ َ َ ُ ْ َ‬
‫عليه وسلم بقيت طائفة من المسلمين بمكة يستغفرون الله‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ه ُ‬ ‫عذّب َ ُ‬ ‫م أل ي ُ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ويعبدونه فأنزل الله قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ه{ أي‪ :‬أيّ شيء ثبت لهم يدفع عنهم عذاب الله‪ .‬وقد خرج‬ ‫الل ّ ُ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون من بين أظهرهم‪ .‬فالية‬
‫َ‬
‫م{‪.‬‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ه ب ِأي ْ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫عذّب ْ ُ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قات ُِلو ُ‬ ‫على هذا كقوله‪َ } :‬‬
‫ن{ كفار‬ ‫فُرو َ‬ ‫غ ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫الوجه الثالث‪ :‬أن المراد بقوله‪َ } :‬‬
‫مكة وعليه فوجه الجمع أن الله تعالى يرد عنهم العذاب الدنيوي‬
‫بسبب استغفارهم أما عذاب الخرة فهو واقع بهم ل محالة‬
‫م{ أي في الدنيا في حالة‬ ‫ه ْ‬ ‫عذّب َ ُ‬ ‫ه ل ِي ُ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫فقوله‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ه{ أي في‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫عذّب َ ُ‬ ‫م أل ي ُ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫و َ‬ ‫استغفارهم وقوله‪َ } :‬‬
‫الخرة وقد كانوا كفارا في الدنيا‪ .‬ونقل ابن جرير هذا القول عن‬
‫ابن عباس وعلى هذا القول فعمل الكافر ينفعه في الدنيا كما‬
‫ه‬
‫فا ُ‬ ‫و ّ‬ ‫ف َ‬ ‫عن ْدَهُ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫جدَ الل ّ َ‬ ‫و َ‬ ‫و َ‬ ‫فسر به جماعة قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ه{‪ :‬أي أثابه من عمله الطيب في الدنيا وهو صريح قوله‬ ‫ساب َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ِ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫و ّ َ‬ ‫ريدُ ال ْ َ‬ ‫ن َ‬
‫ف إ ِلي ْ ِ‬ ‫ها ن ُ َ‬ ‫زين َت َ َ‬ ‫وُ ِ‬ ‫حَياةَ الدّن َْيا َ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫تعالى‪َ } :‬‬
‫ت‬‫حب ِطَ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ها{‪ .‬الية‪ .‬وقوله تعالى‪} :‬أول َئ ِ َ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫مال َ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫أَ ْ‬
‫مَنا إ َِلى َ‬
‫ما‬ ‫د ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫و َ‬ ‫ة{‪ .‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫خَر ِ‬ ‫وال ِ‬ ‫في الدّن َْيا َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫مال ُ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫أَ ْ‬
‫من ُْثورًا{ ونحو ذلك من‬ ‫هَباءً َ‬ ‫عل َْناهُ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ف َ‬ ‫ل َ‬ ‫م ٍ‬ ‫ع َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مُلوا ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫َ‬
‫اليات يدل على بطلن عمل الكافر من أصله كما أوضحه الله‬
‫ة{‬ ‫خَر ِ‬ ‫وال ِ‬ ‫في الدّن َْيا َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫مال ُ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ت أَ ْ‬ ‫حب ِطَ ْ‬ ‫تعالى بقوله‪َ } :‬‬
‫فجعل كلتا الدارين ظرفا لبطلن أعمالهم واضمحللها وسيأتي‬
‫إن شاء الله تحقيق هذا المقام في سورة هود‪.‬‬
‫ن{ أي‬ ‫فُرو َ‬ ‫غ ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫الوجه الرابع‪ :‬أن معنى قوله‪َ } :‬‬
‫يسلمون أي وما كان الله معذبهم وقد سبق في عمله أن منهم‬
‫من يسلم ويستغفر الله من كفره وعلى هذا القول فقوله‪:‬‬
‫َ‬
‫ه{ في الذين سبقت لهم الشقاوة‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫عذّب َ ُ‬ ‫م أل ي ُ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫و َ‬ ‫} َ‬
‫كأبي جهل وأصحابه الذين عذبوا بالقتل يوم بدر ونقل ابن جرير‬
‫معنى هذا القول عن عكرمة ومجاهد‪ .‬وأما ما رواه ابن جرير‬
‫م َأل‬ ‫ه ْ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫و َ‬ ‫عن عكرمة والحسن البصري من أن قوله‪َ } :‬‬
‫م‬ ‫ه ْ‬
‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عذّب َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫ه{ ناسخ لقوله‪َ } :‬‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫عذّب َ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫ن الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫ن{ فبطلنه ظاهر لن قوله تعالى‪َ } :‬‬ ‫فُرو َ‬ ‫غ ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫م{‪ .‬الية‪ .‬خبر من الله بعدم تعذيبه لهم في حالة‬ ‫ه ْ‬ ‫عذّب َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫استغفارهم والخبر ل يجوز نسخه شرعا بإجماع المسلمين‬
‫م‬‫من ْك ُ ْ‬‫ن ِ‬ ‫ن ي َك ُ ْ‬ ‫وأظهر هذه القوال الولن منها‪ :‬قوله تعالى‪} :‬إ ِ ْ‬
‫ن{‪ .‬الية‪ .‬ظاهر هذه الية‬ ‫مائ َت َي ْ ِ‬ ‫غل ُِبوا ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫صاب ُِرو َ‬ ‫ن َ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ِ‬
‫أن الواحد من المسلمين يجب عليه مصابرة عشرة من الكفار‬
‫ن‬ ‫ن ي َك ُ ْ‬ ‫فإ ِ ْ‬ ‫وقد ذكر تعالى ما يدل على خلف ذلك بقوله‪َ } :‬‬
‫ن{‪ .‬الية‪ .‬والجواب عن هذا‬ ‫مائ َت َي ْ ِ‬ ‫غل ُِبوا ِ‬ ‫صاب َِرةٌ ي َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫مائ َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن‬
‫أن الول منسوخ بالثاني كما دل عليه قوله تعالى‪} :‬ال َ‬
‫م{‪ .‬الية‪ .‬والعلم عند الله تعالى‪.‬‬ ‫عن ْك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫خ ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫جُروا َ‬ ‫ها ِ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫جُروا{‪ .‬هذه الية الكريمة تدل‬ ‫ها ِ‬ ‫حّتى ي ُ َ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ولي َت ِ ِ‬ ‫َ‬
‫على أن من لم يهاجر ل ولية بينه وبين المؤمنين حتى يهاجر‪.‬‬
‫وقد جاءت آية أخرى يفهم منها خلف ذلك وهي قوله تعالى‪:‬‬
‫َ‬
‫ض{ فإنها تدل‬ ‫ع ٍ‬ ‫ول َِياءُ ب َ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫ت بَ ْ‬ ‫مَنا ُ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫} َ‬
‫على ثبوت الولية بين المؤمنين وظاهرها العموم‪ .‬والجواب من‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫وجهين‪ :‬الول‪ :‬إن الولية المنفية في قوله‪َ } :‬‬
‫ء{ هي ولية الميراث أي ما لكم شيء من‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ولي َت ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ميراثهم حتى يهاجروا لن المهاجرين والنصار كانوا يتوارثون‬
‫بالمؤاخاة التي جعلها النبي صلى الله عليه وسلم بينهم فمن‬
‫مات من المهاجرين ورثه أخوه النصاري دون أخيه المؤمن‬
‫الذي لم يهاجر حتى نسخ ذلك بقوله تعالى‪ُ } :‬‬
‫حام ِ‬ ‫وأوُلوا ال َْر َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ض{‪ .‬الية‪ .‬وهذا مروي عن ابن عباس‬ ‫ع ٍ‬ ‫وَلى ب ِب َ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫بَ ْ‬
‫ومجاهد وقتادة كما نقله عنهم أبو حيان وابن جرير والولية في‬
‫َ‬
‫ض{‬ ‫ع ٍ‬ ‫ول َِياءُ ب َ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬‫ض ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫ت بَ ْ‬ ‫مَنا ُ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫وال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫قوله‪َ } :‬‬
‫ولية النصر والمؤازرة والتعاون والتعاضد لن المسلمين‬
‫كالبنيان يشد بعضه بعضا وكالجسد الواحد إذا أصيب منه عضو‬
‫تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى‪ .‬وهذه الولية لم تقصد‬
‫ء{ بدليل‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ولي َت ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫بالنفي في قوله‪َ } :‬‬
‫صُروك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ست َن ْ َ‬
‫نا ْ‬
‫وإ ِ ِ‬
‫تصريحه تعالى بذلك في قوله بعده يليه‪َ } :‬‬
‫صُر{‪ .‬الية‪ .‬فأثبت ولية النصر بينهم‬ ‫م الن ّ ْ‬‫عل َي ْك ُ ُ‬‫ف َ‬‫ن َ‬‫دي ِ‬‫في ال ّ‬ ‫ِ‬
‫بعد قوله ما لكم من وليتهم من شيء فدل على أن الولية‬
‫المنفية غير ولية النصر فظهر أن الولية المنفية غير المنثبتة‬
‫فارتفع الشكال‪ .‬الثاني‪ :‬هو ما اقتصر عليه ابن كثير مستدل‬
‫ما‬ ‫عليه بحديث أخرجه المام أحمد ومسلم أن معنى قوله‪َ } :‬‬
‫ء{ يعني ل نصيب لكم من‬ ‫ي ٍ‬
‫ش ْ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ولي َت ِ ِ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬‫ل َك ُ ْ‬
‫المغانم ول في خمسها إل فيما حضرتم فيه القتال وعليه فل‬
‫إشكال في الية ول مانع من تناول الية للجميع فيكون المراد‬
‫بها نفي الميراث بينهم ونفي القسم لهم في الغنائم والخمس‬
‫والعلم عند الله تعالى‪.‬‬

‫سورة براءة‬

‫قت ُُلوا‬ ‫فا ْ‬ ‫م َ‬ ‫حُر ُ‬‫هُر ال ْ ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫خ ال َ ْ‬ ‫سل َ َ‬


‫ذا ان ْ َ‬ ‫فإ ِ َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫م{‪ .‬الية‪ .‬اعلم أول أن المراد‬ ‫ه ْ‬‫مو ُ‬ ‫جدْت ُ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ث َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬‫ش ِ‬‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫بهذه الشهر الحرم أشهر المهلة المنصوص عليها بقوله فسيحوا‬
‫في الرض أربعة أشهر ل الشهر الحرم التي هي ذو القعدة وذو‬
‫الحجة والمحرم ورجب على الصحيح وهو قول ابن عباس في‬
‫رواية العوفي عنه‪.‬‬
‫وبه قال مجاهد وعمرو بن شعيب ومحمد ابن إسحاق‬
‫وقتادة والسدي وعبد الرحمان بن زيد بن أسلم واستظهر هذا‬
‫القول ابن كثير لدللة سياق القرآن الكريم عليه ولقوال هؤلء‬
‫العلماء خلفا لبن جرير وعليه فالية تدل بعمومها على قتال‬
‫الكفار في الشهر الحرم المعروفة بعد انقضاء أشهر المهال‬
‫الربعة وقد جاءت آية أخرى تدل على عدم القتال فيها وهي‬
‫هرا ً‬ ‫ش ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫ع َ‬ ‫ه اث َْنا َ‬ ‫عن ْدَ الل ّ ِ‬ ‫ر ِ‬‫ِ‬ ‫هو‬ ‫ش ُ‬ ‫عدّةَ ال ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬‫ع ٌ‬ ‫ها أْرب َ َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ض ِ‬ ‫والْر َ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫ق ال ّ‬ ‫خل َ َ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫ه يَ ْ‬‫ب الل ّ ِ‬‫في ك َِتا ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫م{‪.‬‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أن ْ ُ‬ ‫ه ّ‬ ‫في ِ‬ ‫موا ِ‬ ‫فل ت َظْل ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫قي ّ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫دي ُ‬ ‫ك ال ّ‬‫م ذَل ِ َ‬‫حُر ٌ‬ ‫ُ‬
‫الية‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬أن تحريم الشهر الحرم‪ [1]2‬منسوخ بعموم آيات‬
‫السيف ومن يقول بعدم النسخ يقول‪ :‬هو مخصص لها‪ .‬والظاهر‬

‫‪2‬‬
‫أن الصحيح كونها منسوخة كما يدل عليه النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم في حصار ثقيف في الشهر الحرام الذي هو ذو القعدة‬
‫كما ثبت في الصحيحين أنه خرج إلى هوازن في شهر شوال‬
‫فلما كسرهم واستفاء أموالهم ورجع إليهم لجأوا إلى الطائف‬
‫فعمد إلى الطائف فحاصرهم أربعين يوما وانصرف ولم يفتحها‬
‫فثبت أنه حاصر في الشهر الحرام وهذا القول هو المشهور عند‬
‫ث‬
‫حي ْ ُ‬
‫ن َ‬
‫كي َ‬‫ر ِ‬
‫ش ِ‬‫م ْ‬‫قت ُُلوا ال ْ ُ‬ ‫}ا ْ‬ ‫العلماء وعليه فقوله تعالى‪َ :‬‬
‫م{ وقوله‪} :‬ل‬ ‫َ‬
‫حُر ٌ‬‫ة ُ‬‫ع ٌ‬‫ها أْرب َ َ‬ ‫من ْ َ‬‫م{ ناسخ لقوله‪ِ } :‬‬ ‫ه ْ‬‫مو ُ‬ ‫جدْت ُ ُ‬ ‫و َ‬‫َ‬
‫هُر‬ ‫م{ وقوله‪} :‬ال ّ‬
‫ش ْ‬ ‫حَرا َ‬ ‫ْ‬
‫هَر ال َ‬ ‫ش ْ‬‫ول ال ّ‬‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫عائ َِر الل ِ‬‫ش َ‬‫حلوا َ‬ ‫ّ‬ ‫تُ ِ‬
‫م{ الية‪ .‬والمنسوخ من هذه ومن‬ ‫حَرا ِ‬‫ر ال ْ َ‬‫ه ِ‬ ‫م ِبال ّ‬
‫ش ْ‬ ‫حَرا ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫قوله أربعة حرم هو تحريم الشهر في الولى والشهر في الثانية‬
‫فقط دون ما تضمنتاه من الخبر لن الخبر ل يجوز نسخه شرعًا‪.‬‬
‫ت‬‫قال َ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫عَزي ٌْر اب ْ ُ‬ ‫هودُ ُ‬ ‫ت ال ْي َ ُ‬ ‫قال َ ِ‬ ‫و َ‬‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ما‬‫ع ّ‬ ‫ه{ إلى قوله سبحانه } َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫ح اب ْ ُ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫صاَرى ال ْ َ‬ ‫الن ّ َ‬
‫ن{‪ .‬هذه الية فيها التنصيص الصريح على أن كفار أهل‬ ‫كو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫الكتاب مشركون بدليل قوله فيهم‪ :‬سبحانه عما يشركون بعد‬
‫أن بين وجوه شركهم بجعلهم الولد لله واتخاذهم الحبار‬
‫ن‬
‫والرهبان أربابا من دون الله ونظير هذه الية قوله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ه{ لجماع العلماء أن كفار أهل‬ ‫ك بِ ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫فُر أ ْ‬ ‫غ ِ‬ ‫ه ل يَ ْ‬ ‫الل ّ َ‬
‫الكتاب داخلون فيها‪ .‬وقد جاءت آيات أخرى تدل بظاهرها على‬
‫م ي َك ُ ِ‬
‫ن‬ ‫أن أهل الكتاب ليسوا من المشركين كقوله تعالى‪} :‬ل َ ْ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫كي َ‬ ‫ف ّ‬ ‫من ْ َ‬‫ن ُ‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وال ْ ُ‬‫ب َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ب‬‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫الية‪ .‬وقوله‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ودّ ال ّ ِ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫م{‪ .‬الية‪ .‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫هن ّ َ‬ ‫ج َ‬‫ر َ‬ ‫ِ‬ ‫في َنا‬ ‫ن ِ‬ ‫كي َ‬‫ر ِ‬ ‫ِ‬ ‫م ْ‬
‫ش‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ن ي ُن َّز َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ول ال ْ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫كَ َ‬
‫م{‪ .‬الية‪ .‬والعطف يقتضي المغايرة‪.‬‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫والذي يظهر لمقيده عفا الله عنه‪ :‬أن وجه الجمع أن‬
‫الشرك الكبر المقتضي للخروج من الملة أنواع‪ .‬وأهل الكتاب‬
‫متصفون ببعضها وغير متصفين ببعض آخر منها‪ .‬أما البعض الذي‬
‫هم غير متصفين به فهو ما اتصف به كفار مكة من عبادة‬
‫الوثان صريحا ولذا عطفهم عليهم لتصاف كفار مكة بما لم‬
‫يتصف به أهل الكتاب من عبادة الوثان وهذه المغايرة هي التي‬
‫سوغت العطف فل ينافي أن يكون أهل الكتاب مشركون بنوع‬
‫آخر من أنواع الشرك الكبر وهو طاعة الشيطان والحبار‬
‫والرهبان فإن مطيع الشيطان إذا كان يعتقد أن ذلك صواب‬
‫عابد الشيطان مشرك بعبادة الشيطان الشرك الكبر المخلد‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َدْ ُ‬ ‫في النار كما بينته النصوص القرآنية كقوله‪} :‬إ ِ ْ‬
‫ريدًا{ فقوله‪:‬‬ ‫م ِ‬ ‫طانا ً َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ن ِإل َ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َدْ ُ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫ه ِإل إ َِناثا ً َ‬ ‫دون ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫طانًا{‪ .‬صح معناه وما يعبدون إل‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ن ِإل َ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َدْ ُ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫} َ‬
‫شيطانا لن عبادتهم للشيطان طاعتهم له فيما حرمه الله‬
‫َ‬ ‫م أَ ْ‬ ‫َ‬
‫نل‬ ‫مأ ْ‬ ‫م َيا ب َِني آدَ َ‬ ‫هدْ إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫عليهم وقوله تعالى‪} :‬أل َ ْ‬
‫ن{ الية‪ .‬وقوله تعالى عن خليله إبراهيم‪َ} :‬يا‬ ‫طا َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫دوا ال ّ‬ ‫عب ُ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن‬ ‫ن َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫د ال ّ‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ِللّر ْ‬ ‫كا َ‬ ‫طا َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫طا َ‬ ‫عب ُ ِ‬ ‫ت ل تَ ْ‬ ‫أب َ ِ‬
‫ن{‪ .‬الية‪.‬‬ ‫ج ّ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫عب ُ ُ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫صي ًّا{‪ .‬وقوله تعالى‪} :‬ب َ ْ‬ ‫ع ِ‬ ‫َ‬
‫قت ْ َ‬
‫ل‬ ‫ن َ‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ن ل ِك َِثي ٍ‬ ‫ك َزي ّ َ‬ ‫وك َذَل ِ َ‬ ‫وقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫م{‪ .‬الية‪ .‬فكل هذا الكفر بشرك الطاعة‬ ‫كا ُ‬ ‫شَر َ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫ه ْ‬ ‫ؤ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ولِد ِ‬ ‫أ ْ‬
‫في معصية الله تعالى‪ ،‬ولما أوحى الشيطان إلى كفار مكة أن‬
‫يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الشاة تصبح ميتة من‬
‫قتلها؟ وأنه إذا قال صلى الله عليه وسلم الله قتلها أن يقولوا‪:‬‬
‫ما قتلتموه بأيديكم حلل وما قتله الله حرام فأنتم إذا أحسن‬
‫ْ‬
‫ما ل َ ْ‬
‫م‬ ‫م ّ‬ ‫ول ت َأك ُُلوا ِ‬ ‫من الله‪ .‬أنزل الله في ذلك قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ن‬‫طي َ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫ق َ‬ ‫س ٌ‬ ‫ف ْ‬ ‫ه لَ ِ‬ ‫وإ ِن ّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫عل َي ْ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫را ْ‬ ‫ِ‬ ‫ي ُذْك َ‬
‫َ‬ ‫ل َيوحون إَلى أ َ‬
‫م‬‫م إ ِن ّك ُ ْ‬‫ه ْ‬ ‫مو ُ‬ ‫عت ُ ُ‬ ‫ن أطَ ْ‬ ‫وإ ِ ْ‬‫م َ‬ ‫جاِدُلوك ُ ْ‬ ‫م ل ِي ُ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫يا‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫ُ ُ َ ِ‬
‫ن{‪ .‬فأقسم تعالى في هذه الية على أن من أطاع‬ ‫كو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫الشيطان في معصية الله أنه مشرك بالله ولما سأل عدي بن‬
‫ذوا‬ ‫خ ُ‬‫حاتم النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله‪} :‬ات ّ َ‬
‫م أ َْرَبابًا{‪ ،‬كيف اتخذوهم أربابا؟ قال النبي‬ ‫ه ْ‬ ‫هَبان َ ُ‬ ‫وُر ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫حَباَر ُ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬ألم يحلوا لهم ما حرم الله ويحرموا‬
‫عليهم ما أحل الله فاتبعوهم"‪ .‬قال‪" :‬بلى"‪ .‬قال‪" :‬بذلك‬
‫اتخذوهم أربابا"‪ .‬فبان أن أهل الكتاب مشركون من هذا الوجه‬
‫الشرك الكبر وإن كانوا خالفوا كفار مكة في صريح عبادة‬
‫الوثان والعلم عند الله تعالى‪.‬‬
‫ل{‪ .‬الية‪ .‬هذه الية‬ ‫قا ً‬ ‫وث ِ َ‬ ‫فافا ً َ‬ ‫خ َ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬ان ْ ِ‬
‫الكريمة تدل على لزوم الخروج للجهاد في سبيل الله على كل‬
‫حال وقد جاءت آيات أخرى تدل على خلف ذلك كقوله‪} :‬ل َي ْ َ‬
‫س‬
‫نل‬ ‫ذي َ‬ ‫عَلى ال ّ ِ‬ ‫ول َ‬ ‫ضى َ‬ ‫مْر َ‬ ‫عَلى ال ْ َ‬ ‫ول َ‬ ‫ء َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ض َ‬ ‫عَلى ال ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫ج{‪ .‬الية‪ .‬وقوله تعالى‪َ } :‬‬ ‫حَر ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫قو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ما ي ُن ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫يَ ِ‬
‫ة{‪ .‬الية‪.‬‬
‫ف ً‬ ‫فُروا َ‬
‫كا ّ‬ ‫ن ل ِي َن ْ ِ‬
‫مُنو َ‬
‫ؤ ِ‬‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫والجواب‪ :‬أن آية انفروا خفافا وثقال منسوخة بآيات العذر‬
‫المذكورة وهذا الوضع من أمثلة ما نسخ فيه الناسخ لن قوله‪:‬‬
‫ل‪ {..‬ناسخ ليات العراض عن‬ ‫قا ً‬ ‫فافا ً َ‬
‫وث ِ َ‬ ‫خ َ‬‫فُروا ِ‬ ‫}ان ْ ِ‬
‫المشركين وهو منسوخ بآيات العذر كما ذكرنا آنفا‪ .‬والعلم عند‬
‫الله تعالى‪.‬‬

‫التعليق‪:‬‬

‫‪ - [1]3‬لو قيل بعدم النسخ والتعارض لن أشهر‬


‫السياحة خاصة بأهل العهود الذين نقضوا عهدهم أو‬
‫ظهرت خيانتهم‪ .‬الخ‪ .‬فأرجئوا أربعة أشهر حتى يبلغوا‬
‫مأمنهم‪ .‬وأما الشهر الحرم الخرى الدوارة فهي على‬
‫ما هي عليه لما ذكر من الدلة ولن المشركين لما‬
‫عاتبوا المسلمين في وقعه سرية نخله وعظم المر‬
‫على المسلمين لم يذكر الله نسخ تلك الشهر‪ ،‬بل ذكر‬
‫أن القتال فيها كبير أيضا إل أن عمل الكفار للمسلمين‬
‫أكبر وكأنهم بادؤون بالحرب فل جرم على المسلمين‬
‫ل‬ ‫تا‬ ‫ق‬ ‫م‬‫را‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫ش‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ن‬‫ألو‬ ‫إذا حاربوهم لذلك }يس َ‬
‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫ل الل ّهِ وَك ُْفٌر ب ِ ِ‬
‫ه‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫صد ّ عَ ْ‬ ‫ل ِفيهِ ك َِبيٌر وَ َ‬ ‫ل قَِتا ٌ‬ ‫ِفيهِ قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه أك ْب َُر{‪ .‬الية‪.‬‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ج أهْل ِهِ ِ‬ ‫خَرا ُ‬
‫حَرام ِ وَإ ِ ْ‬‫جدِ ال ْ َ‬‫س ِ‬
‫م ْ‬‫َال ْ َ‬
‫ن‬‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬ ‫ومن ناحية أخرى أن قوله تعالى‪ََ} :‬قات ُِلوا ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫ة{ من باب التهييج ولم يتعرض للزمن فل دليل فيه‬ ‫َ‬
‫كافّ ً‬
‫على النسخ وحصار ثقيف أجاب عنه في فتح القدير‬
‫للشوكاني بأنه كان امتداد لحرب بدأت في شوال ابتدأ‬
‫بها هوازن ثم لجأوا إلى الطائف فامتد الحرب من‬
‫شوال إلى الشهر الحرم‪ .‬ويقول‪ :‬فرق بين البداءة‬
‫‪3‬‬
‫وبين المتداد‪ ،‬فالبداءة محرمة بخلف المتداد‪.‬‬
‫سورة يونس‬
‫عند َ الل ّهِ {الية ‪.‬‬
‫شَفَعاؤَُنا ِ‬
‫ؤلء ُ‬
‫هع ُ‬ ‫م وَي َُقوُلو َ‬
‫ن َ‬ ‫قوله تعالى ‪َ }:‬ينَفعُهُ ْ‬
‫ل على أنهم يرجون شفاعة أصنامهم يوم‬ ‫هذه الية الكريمة تد ّ‬
‫القيامة ‪.‬‬
‫وقد جاء في آيات ُأخر ما يد ّ‬
‫ل على إنكارهم لصل يوم القيامة ؛‬
‫ن{‬
‫ري َ‬ ‫من َ‬
‫ش ِ‬ ‫ن بِ ُ‬
‫ح ُ‬
‫ما ن َ ْ‬
‫ن{وقوله ‪ } :‬وَ َ‬ ‫مب ُْعوِثي َ‬
‫ن بِ َ‬‫ح ُ‬
‫ما ن َ ْ‬
‫كقوله تعالى ‪ }:‬وَ َ‬
‫م{إلى غير ذلك من اليات ‪.‬‬ ‫مي ٌ‬
‫ي َر ِ‬‫م وَهِ َ‬ ‫حِيي ال ْعِ َ‬
‫ظا َ‬ ‫ن يُ ْ‬
‫م ْ‬
‫وقوله ‪َ }:‬‬
‫والجواب ‪ :‬أنهم يرجون شفاعتها في الدنيا لصلح معاشهم ‪ ،‬وفي‬
‫ص على هذا ابن‬ ‫الخرة على تقدير وجودها لنهم شا ّ‬
‫كون فيها ‪ .‬ن ّ‬
‫معَك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ما ن ََرى َ‬
‫كثير في سورة النعام ‪ ،‬في تفسير قوله ‪َ }:‬‬
‫ت‬‫جع ْ ُ‬‫م{ الية ‪ .‬ويدل له قوله تعالى عن الكافر } وَل َِئن ّر ِ‬ ‫شَفَعاءك ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫ت إ َِلى َرّبي‬ ‫سَنى { وقوله ‪ }:‬وَل َِئن ّرِدد ّ‬ ‫عند َهُ ل َل ْ ُ‬
‫ح ْ‬ ‫ن ِلي ِ‬ ‫إ َِلى َرّبي إ ِ ّ‬
‫ل على الشك في‬ ‫منَقل ًَبا {لن " إن" الشرطية تد ُ‬ ‫َ‬
‫من َْها ُ‬
‫خي ًْرا ّ‬‫ن َ‬‫جد َ ّ‬
‫ل ِ‬
‫َ‬
‫ة { في‬ ‫م ً‬‫ة َقائ ِ َ‬‫ساعَ َ‬‫ن ال ّ‬‫ما أظ ُ ّ‬
‫حصول الشرط ‪ ،‬ويدل له قوله ‪ }:‬وَ َ‬
‫اليتين المذكورتين ‪.‬‬
‫ك آتيت فرعَون ومله زين ً َ‬
‫ة‬ ‫وال ً ِفي ال ْ َ‬
‫حَيا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة وَأ ْ‬ ‫قوله تعالى ‪َ }:‬رب َّنا إ ِن ّ َ َ ْ َ ِ ْ ْ َ َ َ ُ ِ َ‬
‫شد ُد ْ عََلى‬ ‫َ‬
‫م َوا ْ‬
‫وال ِهِ ْ‬ ‫س عََلى أ ْ‬
‫م َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك َرب َّنا اط ْ ِ‬
‫سِبيل ِ َ‬ ‫عن َ‬ ‫ضّلوا ْ َ‬‫الد ّن َْيا َرب َّنا ل ِي ُ ِ‬
‫َ‬ ‫حّتى ي ََروُا ْ ال ْعَ َ‬
‫مُنوا ْ َ‬
‫م{ الية ‪.‬‬ ‫ب الِلي َ‬ ‫ذا َ‬ ‫م فَل َ ي ُؤْ ِ‬ ‫قُُلوب ِهِ ْ‬
‫نص الله تعالى في هذه الية على أن هذا دعاء موسى ‪ ،‬ولم يذكر‬
‫ُ‬
‫ما { ‪.‬‬ ‫ما َفا ْ‬
‫ست َِقي َ‬ ‫معه أحدا ً ‪ ،‬ثم قال ‪ }:‬قَد ْ أ ِ‬
‫جيَبت د ّعْوَت ُك ُ َ‬
‫من‬
‫من هارون على دعائه ‪ ،‬والمؤ ّ‬ ‫والجواب ‪ :‬أن موسى لما دعا ‪ ،‬أ ّ‬
‫حد ُ الداعين ‪ ،‬وهذا الجمع مرويّ عن أبي العالية ‪،‬وأبي صالح ‪،‬‬
‫أ َ‬
‫وعكرمة ‪،‬ومحمد بن كعب القرظي ‪،‬والربيع بن أنس ‪ .‬قاله‬
‫ابنكثير ‪.‬‬
‫وبهذه الية استدل بعض العلماء على أن قراءة المام تكفي‬
‫من له على قراءته ؛ لن تأمينه بمْنزلة قراءته ‪.‬‬ ‫المأموم إذا أ ّ‬
‫سورة هود‬
‫ف إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫م‬ ‫ريد ُ ال ْ َ‬
‫حَياةَ الد ّن َْيا وَِزين َت ََها ن ُوَ ّ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫من َ‬
‫كا َ‬ ‫قوله تعالى ‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫سو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫م ِفيَها ل َ ي ُب ْ َ‬ ‫مال َهُ ْ‬
‫م ِفيَها وَهُ ْ‬ ‫أعْ َ‬
‫هذه الية الكريمة فيها التصريح بأن الكافر ُيجاَزى بحسناته ؛‬
‫كالصدقة وصلة الرحم وقرى الضيف والتنفيس عن المكروب ‪ ،‬في‬
‫ف إل َيه َ‬
‫م ِفيَها {‬ ‫مال َهُ ْ‬‫م أعْ َ‬‫الدنيا دون الخرة ؛ لنه تعالى قال ‪ } :‬ن ُوَ ّ ِ ْ ِ ْ‬
‫ص على بطلنها في الخرة بقوله ‪:‬‬ ‫يعني الحياة الدنيا ‪ ،‬ثم ن ّ‬
‫ما‬ ‫ط َ‬ ‫حب ِ َ‬‫خَرةِ إ ِل ّ الّناُر وَ َ‬
‫خَرةِ ال ِ‬
‫م ِفي ال ِ‬‫س ل َهُ ْ‬
‫ن ل َي ْ َ‬
‫ذي َ‬ ‫} أ ُوَْلعئ ِ َ‬
‫ك ال ّ ِ‬
‫ن { الية ‪.‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َعْ َ‬
‫ما َ‬ ‫ل ّ‬ ‫صن َُعوا ْ ِفيَها وََباط ِ ٌ‬‫َ‬
‫خَرةِ ن َزِد ْ ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫ث ال ِ‬ ‫حْر َ‬ ‫ريد ُ َ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫من َ‬
‫كا َ‬ ‫ونظير هذه الية قوله تعالى ‪َ }:‬‬
‫من َْها {الية ‪ ،‬وقوله تعالى‬ ‫ث الد ّن َْيا ُنؤت ِهِ ِ‬‫حْر َ‬ ‫ريد ُ َ‬
‫ن يُ ِ‬‫كا َ‬ ‫من َ‬ ‫حْرث ِهِ وَ َ‬‫ِفي َ‬
‫َ‬
‫حَيات ِك ُ ُ‬
‫م‬ ‫م ِفي َ‬ ‫م ط َي َّبات ِك ُ ْ‬ ‫ن ك ََفُروا عََلى الّنارِ أذ ْهَب ْت ُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ض ال ّ ِ‬
‫م ي ُعَْر ُ‬ ‫‪ }:‬وَي َوْ َ‬
‫عند َهُ فَوَّفاهُ‬ ‫ه ِ‬ ‫جد َ الل ّ َ‬ ‫الد ّن َْيا { الية على ما قاله ابن زيد وقوله } وَوَ َ‬
‫م‬ ‫معَذ ّب َهُ ْ‬
‫م وَهُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫ه { على أحد القولين ‪ ،‬وقوله ‪ }:‬وَ َ‬ ‫ساب َ ُ‬
‫ح َ‬‫ِ‬
‫ن { على أحد القوال الماضية في سورة النفال ‪.‬‬ ‫ست َغِْفُرو َ‬
‫يَ ْ‬
‫ح عنه ً‪ ‬أن الكافر ُيجازى بحسناته في الدنيا ‪ ،‬مع أنه‬ ‫وقد ص ّ‬
‫ل على بطلن عمل الكافر واضمحلله من‬ ‫جاءت آيات ُأخر تد ّ‬
‫أصله ‪ ،‬وفي بعضها التصريح ببطلنه في الدنيا مع الخرة في كفر‬
‫دة وفي غيرها ‪.‬‬
‫الّر ّ‬
‫َ‬
‫مال ُهُ ْ‬
‫م ك ََر َ‬
‫مادٍ‬ ‫أما اليات الداّلة على بطلنه من أصله ‪ ،‬فكقوله ‪ }:‬أعْ َ‬
‫َ‬
‫ب{‬ ‫سَرا ٍ‬ ‫م كَ َ‬ ‫مال ُهُ ْ‬
‫ف { وكقوله ‪ }:‬أعْ َ‬ ‫ص ٍ‬‫عا ِ‬‫ح ِفي ي َوْم ٍ َ‬‫ت ب ِهِ الّري ُ‬ ‫ا ْ‬
‫شت َد ّ ْ‬
‫الية ‪.‬‬
‫منُثوًرا{‪.‬‬ ‫جعَل َْناهُ هََباء ّ‬
‫ل فَ َ‬
‫م ٍ‬
‫ن عَ َ‬
‫م ْ‬‫مُلوا ِ‬ ‫مَنا إ َِلى َ‬
‫ما عَ ِ‬ ‫وقوله } وَقَدِ ْ‬
‫وأما اليات الدالة على بطلنه في الدنيا مع الخرة فكقوله في كفر‬
‫كافٌِر فَأ ُوَْلعئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫ت وَهُوَ َ‬ ‫عن ِدين ِهِ فَي َ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫من ي َْرت َدِد ْ ِ‬ ‫المرتد ‪ }:‬وَ َ‬
‫َ‬
‫خَرةِ {وكقوله في كفر غير المرتد ‪}:‬‬ ‫م ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫مال ُهُ ْ‬‫ت أعْ َ‬ ‫حب ِط َ ْ‬ ‫َ‬
‫حب ِط َ ْ‬
‫ت‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت الل ّهِ {إلى قوله ‪ُ }:‬أوَلعئ ِ َ‬
‫ك ال ّ ِ‬ ‫ن ك ََفُروا ْ ِبآَيا ِ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬‫إِ ّ‬
‫َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫ري َ‬‫ص ِ‬‫من ّنا ِ‬ ‫ما ل َُهم ّ‬ ‫خَرةِ وَ َ‬ ‫م ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫مال ُهُ ْ‬‫أعْ َ‬
‫وبين الله تعالى في آيات أخر ‪ ،‬أن النعام عليهم في الدنيا ليس‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫جُهم ّ‬ ‫ست َد ْرِ ُ‬ ‫سن َ ْ‬ ‫للكرام بل للستدراج والهلك ‪ ،‬كقوله تعالى ‪َ }:‬‬
‫ُ‬
‫ن { ‪ ،‬وكقوله‬ ‫مِتي ٌ‬ ‫دي َ‬ ‫ن ك َي ْ ِ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫مِلي ل َهُ ْ‬ ‫ن )‪ (182‬وَأ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ث ل َ ي َعْل َ ُ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫َ‬
‫خي ْر ّ َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫سه ِ ْ‬‫لنُف ِ‬ ‫م َ ٌ‬ ‫مِلي ل َهُ ْ‬ ‫ما ن ُ ْ‬ ‫ن ك ََفُروا ْ أن ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫سب َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫تعالى ‪} }:‬وَل َ ي َ ْ‬
‫ن{ )‪ (178‬سورة آل‬ ‫مِهي ٌ‬ ‫ب ّ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ما وَل َهْ ُ‬ ‫دوا ْ إ ِث ْ ً‬ ‫دا ُ‬ ‫م ل ِي َْز َ‬ ‫مِلي ل َهُ ْ‬ ‫ما ن ُ ْ‬‫إ ِن ّ َ‬
‫م‬‫حَنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ما ذ ُك ُّروا ْ ب ِهِ فَت َ ْ‬ ‫سوا ْ َ‬ ‫ما ن َ ُ‬ ‫عمران { وكقوله تعالى ‪ }:‬فَل َ ّ‬
‫هم‬ ‫ذا ُ‬ ‫ة فَإ ِ َ‬ ‫هم ب َغْت َ ً‬ ‫خذ َْنا ُ‬ ‫ما ُأوُتوا ْ أ َ َ‬ ‫حوا ْ ب ِ َ‬ ‫ذا فَرِ ُ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫وا َ‬ ‫أب ْ َ‬
‫َ‬

‫ن‬ ‫مبل ِسون { وقوله تعالى ‪ }:‬أ َيحسبو َ‬


‫ل وَب َِني َ‬ ‫ما ٍ‬ ‫من ّ‬ ‫هم ب ِهِ ِ‬ ‫مد ّ ُ‬ ‫ما ن ُ ِ‬ ‫ن أن ّ َ‬ ‫َ ْ َ ُ َ‬ ‫ّ ْ ُ َ‬
‫من‬ ‫ل َ‬ ‫ن { وقوله ‪ }:‬قُ ْ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫ت َبل ل ّ ي َ ْ‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫سارِعُ ل َهُ ْ‬ ‫)‪ (55‬ن ُ َ‬
‫ن‬‫كو َ‬‫ول َأن ي َ ُ‬ ‫دا { وقوله ‪ }:‬وَل َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ه الّر ْ‬ ‫مد ُد ْ ل َ ُ‬ ‫ضلل َةِ فَل ْي َ ْ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ن { إلى‬ ‫مت ِّقي َ‬ ‫ك ل ِل ْ ُ‬
‫عند َ َرب ّ َ‬ ‫خَرةُ ِ‬ ‫حد َةً { إلى قوله ‪َ }:‬وال ِ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬‫سأ ّ‬ ‫الّنا ُ‬
‫غير ذلك من اليات ‪.‬‬
‫والجواب من أربعة أوجه ‪:‬‬
‫الول عويظهر لي صوابه لدللة ظاهر القرآن عليه ع ‪ :‬أن من الكفار‬
‫ح به‬ ‫من يثيبه الله بعمله في الدنيا ‪ ،‬كما دل ّ ْ‬
‫ت عليه آيات وص ّ‬
‫الحديث ‪ ،‬ومنهم من ل يثيبه الله بعمله في الدنيا ‪ ،‬كما دلت عليه‬
‫ح به الحديث ‪ ،‬ومنهم من ل يثيبه في الدنيا ‪ ،‬كما دلت‬
‫آيات وص ّ‬
‫مشاهد فيهم في الدنيا ‪ ،‬فمنهم من هو في‬
‫عليه آيات أخر ‪ ،‬وهذا ُ‬
‫عيش رغد ‪ ،‬ومنهم من هو في بؤس وضيق ‪.‬‬
‫ووجه دللة القرآن على هذا ‪ ،‬أنه تعالى أشار إليه بالتخصيص‬
‫ما ن َ َ‬
‫شاء‬ ‫ه ِفيَها َ‬ ‫جل َْنا ل َ ُ‬ ‫جل َ َ‬
‫ة عَ ّ‬ ‫ريد ُ ال َْعا ِ‬
‫ن يُ ِ‬ ‫بالمشيئة في قوله ‪ }:‬من َ‬
‫كا َ‬
‫م‬‫ف إ ِل َي ْهِ ْ‬‫ريد ُ { فهي مخصصة لعموم قوله تعالى ‪ } }:‬ن ُوَ ّ‬ ‫من ن ّ ِ‬ ‫لِ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫كا َ‬‫من َ‬ ‫م { )‪ (15‬سورة هود { وعموم قوله تعالى ‪ }:‬وَ َ‬ ‫مال َهُ ْ‬
‫أعْ َ‬
‫من َْها { ‪.‬‬
‫ث الد ّن َْيا ُنؤت ِهِ ِ‬
‫حْر َ‬
‫ريد ُ َ‬
‫يُ ِ‬
‫وممن صرح بأنها مخصصة لهما ‪ ،‬الحافظ ابن حجر في فتح‬
‫الباري ‪ ،‬في كتاب الرقاق ‪ ،‬في الكلم على قول البخاري ]باب ‪:‬‬
‫ريد ُ ال ْ َ‬
‫حَياةَ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫من َ‬
‫كا َ‬ ‫المكثرون هم المقلون[ ‪ ،‬وقوله تعالى ‪َ } }:‬‬
‫الد ّن َْيا وَِزين َت ََها{ اليتين ‪.‬‬
‫سَر الد ّن َْيا َواْل ِ‬
‫خَرةَ‬ ‫خ ِ‬
‫ويدل لهذا التخصيص قوله في بعض الكفار ‪َ }:‬‬
‫ن )‪ (11‬سورة الحعج { وجمهور العلماء من‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مِبي ُ‬ ‫سَرا ُ‬ ‫ك هُوَ ال ْ ُ‬
‫خ ْ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫حمل العام على الخاص ‪ ،‬والمطلق على المقيد ‪ ،‬كما تقرر في‬
‫الصول ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬وهو وجيه أيضا ً ‪ ،‬أن الكافر ُيثاب عن عمله بالصحة وسعة‬
‫ف‬
‫الرزق والولد ونحو ذلك ‪ ،‬كما صرح به تعالى في قوله ‪ }:‬ن ُوَ ّ‬
‫إل َيه َ‬
‫م ِفيَها ل َ‬ ‫مال َهُ ْ‬
‫م ِفيَها { يعني الدنيا ‪ ،‬وأكد ذلك بقوله } وَهُ ْ‬ ‫م أعْ َ‬‫ِ ِْ ْ‬
‫ن { وبظاهرها المتبادر منها كما ذكرنا ‪ .‬فسرها ابن عباس ‪،‬‬ ‫سو َ‬‫خ ُ‬‫ي ُب ْ َ‬
‫وسعيد بن جبير ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪،‬والضحاك كما نقله عنهم ابن‬
‫جرير ‪.‬‬
‫وعلى هذا ف بطلن أعمالهم في الدنيا بمعنى أنها لم يعتد بها‬
‫شرعا ً في عصمة دم ‪ ،‬ول ميراث ول نكاح ‪ ،‬ول غير ذلك ‪ ،‬ول تفتح‬
‫لها أبواب السماء ‪ ،‬ول تصعد إلى الله تعالى ‪ ،‬بدليل قوله ‪ }:‬إ ِل َي ْهِ‬
‫دخر لهم‬ ‫ن {‪ ،‬ول ت ُ ّ‬ ‫ه َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ح ي َْرفَعُ ُ‬
‫صال ِ ُ‬
‫ل ال ّ‬ ‫ب َوال ْعَ َ‬
‫م ُ‬ ‫م الط ّي ّ ُ‬
‫صعَد ُ ال ْك َل ِ ُ‬
‫يَ ْ‬
‫العمال النافعة ‪ ،‬ول تكون في كتاب البرار في عليين ‪ ،‬وكفى بهذا‬
‫بطلنا ً ‪.‬‬
‫أما مطلق النفع الدنيوي بها ‪ ،‬فهو عند الله ل شيء ‪ ،‬فل ُينافي‬
‫مَتاعُ { وقوله ‪}:‬وما‬ ‫ما ال ْ َ‬
‫حَياةُ الد ّن َْيا إ ِل ّ َ‬ ‫بطلنها ؛بدليل قوله ‪ }:‬وَ َ‬
‫هذه الحياة الدنيا إل لهو ولعب وإن الدار الخرة لهي الحيوان لو‬
‫ُ‬ ‫ول َأن ي َ ُ‬
‫حد َةً { إلى‬
‫ة َوا ِ‬
‫م ً‬
‫سأ ّ‬‫ن الّنا ُ‬
‫كو َ‬ ‫كانوا يعلمون وقوله ‪ }:‬وَل َ ْ‬
‫قوله ‪}:‬للمتقين{ واليات في مثل هذه كثيرة ‪.‬‬
‫ومما يوضح هذا المعنى حديث ‪ ":‬لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح‬
‫بعوضة ما سقى منها كافرا ً شربة ماء" ‪.‬‬
‫ن‬ ‫ول َأن ي َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ذكر ابن كثير هذا الحديث في تفسير قوله تعالى ‪ }:‬وَل َ ْ‬
‫ة{اليات ‪ .‬ثم قال ‪ :‬أسنده البغوي من رواية زكريا بن‬ ‫م ً‬ ‫ُ‬
‫سأ ّ‬‫الّنا ُ‬
‫منظور‪ ،‬عن أبي حازم ‪ ،‬عن سهل بن سعد رضي الله عنه ‪ ،‬عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فذكره ‪ .‬ورواه الطبراني من طريق‬
‫زمعة بن صالح ‪ ،‬عن أبي حازم ‪ ،‬عن سهل بن سعد ‪ ،‬عن النبي‬
‫‪ ": ‬لو عدلت الدنيا عند الله جناح بعوضة ‪ ،‬ما أعطى كافرا ً منها‬
‫شيءًا" ‪.‬‬
‫قال مقّياه ع عفا الله عنه ع ‪ :‬ل يخفى أن مراد الحافظ ابن كثير ع‬
‫رحمه الله ع بما ذكرناه عنه ‪ ،‬أن كلتا الطريقتين ضعيفة ‪ ،‬إل أن كل‬
‫واحدة منهما تعتضد بالخرى ‪ ،‬فيصلح المجموع للحتجاج ‪ ،‬كما تقرر‬
‫في علم الحديث من أن الطرق الضعيفة المعتبر بها يشد بعضها‬
‫بعضا ً ‪ ،‬فتصلح للحتجاج ‪.‬‬
‫فضعيفان يغلبان قويا ً‬ ‫ل تخاصم بواحد أهل بيت‬
‫لن زكريا بن منظور بن ثعلبة الُقرظي ‪ ،‬وزمعة بن صالح الجندي ‪،‬‬
‫كلهما ضعيف ‪ ،‬وإنما روى مسلم عن زمعة مقرونا ً بغيره ل مستقل ً‬
‫بالرواية ‪ ،‬كما بّينه الحافظ ابن حجر في التقريب ‪.‬‬
‫ف إل َيه َ‬
‫م { أي نعطيهم الغرض‬ ‫مال َهُ ْ‬
‫م أعْ َ‬
‫الثالث ‪ :‬أن معنى } ن ُوَ ّ ِ ْ ِ ْ‬
‫الذي عملوا من أجله في الدنيا ‪ ،‬كالذي قاتل لُيقال ‪ :‬جريء ‪،‬‬
‫والذي قرأ لُيقال ‪ :‬قارئ والذي تصدق لُيقال ‪ :‬جواد ‪ ،‬فقد قيل لهم‬
‫ذلك ‪ ،‬وهو المراد بتوفيتهم أعمالهم على هذا الوجه ‪.‬‬
‫ويدل له الحديث الذي رواه أبو هريرة مرفوعا ً في المجاهد‬
‫والقارئ والمتصدق ؛ إنه يقال لكل واحد منهم ‪ :‬إنما عملت لُيقال ‪،‬‬
‫فقد قيل ‪ .‬أخرجه الترمذي مطوّل ً ‪ ،‬وأصله عند مسلم كما قاله ابن‬
‫حجر ‪ ،‬ورواه أيضا ً ابن جرير ‪ ،‬وقد استشهد معاوية رضي الله عنه‬
‫ف إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫م‬ ‫لصحة حديث أبي هريرة هذا ‪ ،‬بقوله تعالى ‪ }:‬ن ُوَ ّ‬
‫َ‬
‫م { وهو تفسير منهم رضي الله عنهم لهذه الية بما يدل‬ ‫مال َهُ ْ‬
‫أعْ َ‬
‫لهذا الوجه الثالث ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬أن المراد بالية المنافقون الذين يخرجون للجهاد ‪ ،‬ل‬
‫يريدون وجه الله ‪ ،‬وإنما يريدون الغنائم فإنهم ُيقسم لهم فيها في‬
‫ظ لهم من جهادهم في الخرة ‪ ،‬والقسم لهم منهم هو‬ ‫الدنيا ول ح ّ‬
‫توفيتهم أعمالهم على هذا القول ‪ .‬والعلم عند الله تعالى ‪.‬‬
‫ل رب إن ابِني م َ‬
‫ك ال ْ َ‬
‫حقّ {‬ ‫ن وَعْد َ َ‬
‫ن أهِْلي وَإ ِ ّ‬
‫ِ ْ‬ ‫قوله تعالى ‪ }:‬فََقا َ َ ّ ِ ّ ْ‬
‫الية ‪ .‬هذه الية الكريمة ندل على أن هذا البن من أهل نوح عليه‬
‫السلم ‪ ،‬وقد ذكر تعالى ما يدل على خلف ذلك ‪ ،‬حيث قال ‪َ }:‬يا‬
‫ك{‪.‬‬ ‫ن أ َهْل ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ه ل َي ْ َ‬
‫س ِ‬ ‫ح إ ِن ّ ُ‬
‫ُنو ُ‬
‫والجواب ‪ :‬أن معنى قوله ‪}:‬ليس من أهلك { ‪ ،‬أي ‪ :‬الموعود‬
‫َ‬
‫ه وَأهْل َ ُ‬
‫ه { ؛ لنه كافر ل مؤمن ‪.‬‬ ‫بنجاتهم في قوله ‪ }:‬ل َن ُن َ ّ‬
‫جي َن ّ ُ‬
‫ن أ َهِْلي {يظنه مسلما ً من جملة المسلمين‬ ‫م ْ‬‫ن اب ِْني ِ‬ ‫وقول نوح ‪ }:‬إ ِ ّ‬
‫الناجين كما ُيشير إليه قوله تعالى ‪}:‬فل تسألني ما ليس لك به علم‬
‫{‪.‬‬
‫ه { إل أنه أخبره‬
‫ح اب ْن َ ُ‬
‫دى ُنو ٌ‬ ‫وقد شهد الله أنه ابنه حيث قال ‪ }:‬وََنا َ‬
‫ل غير صالح ؛ لكفره ‪ ،‬فليس من الهل الموعود‬ ‫بأن هذا البن عم ٌ‬
‫بنجاتهم ‪ ،‬وإن كان من جملة الهل نسبا ً ‪.‬‬
‫شَرى َقاُلوا ْ َ‬
‫سل َ ً‬
‫ما‬ ‫م ِبال ُْبع ْ‬ ‫سل َُنا إ ِب َْرا ِ‬
‫هي َ‬ ‫ت ُر ُ‬ ‫قوله تعالى ‪ }:‬وَل ََقد ْ َ‬
‫جاء ْ‬
‫م‪ {..‬الية ‪.‬‬ ‫سل َ ٌ‬ ‫َقا َ‬
‫ل َ‬
‫هذه الية الكريمة تدل على أن إبراهيم رد السلم على الملئكة ‪.‬‬
‫وقد جاء في سورة الحجر ما ُيوهم أنهم لما سلموا عليه أجابهم‬
‫ل منهم ‪ ،‬من غير رد السلم ‪ ،‬وذلك قوله تعالى ‪ }:‬فََقاُلوا ْ‬
‫بأنه وج ٌ‬
‫ن )‪ (52‬سورة الحجر { ‪.‬‬ ‫جُلو َ‬ ‫منك ُ ْ‬
‫م وَ ِ‬ ‫ما َقا َ‬
‫ل إ ِّنا ِ‬ ‫سل ً‬
‫َ‬
‫والجواب ظاهر ‪ :‬وهو أن إبراهيم أجابهم بكل المرين ‪ :‬رد السلم‬
‫والخبار بوجله منهم ‪ .‬فذكر أحدهما في هود ‪،‬والخر في الحجر ‪.‬‬
‫ويدل لذلك ذكره تعالى ما يدل عليهما معا ً في سورة الذاريات في‬
‫منك َُرو َ‬
‫ن )‪ (25‬سورة الذاريات‬ ‫سَل ٌ‬
‫م قَوْ ٌ‬
‫م ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ما َقا َ‬ ‫سَل ً‬‫قوله ‪}:‬فََقاُلوا َ‬
‫ن { يدل على وجله منهم ‪.‬ويوضح ذلك قوله‬ ‫منك َُرو َ‬ ‫{ لن قوله ‪ّ }:‬‬
‫َ‬
‫ة { في هود والذاريات ‪ ،‬مع أن في كل‬ ‫خيَف ً‬
‫م ِ‬‫من ْهُ ْ‬
‫س ِ‬ ‫ج َ‬ ‫تعالى ‪ }:‬فَأوْ َ‬
‫م{‪.‬‬ ‫سَل ٌ‬‫ل َ‬ ‫منهم ‪َ }:‬قا َ‬
‫قوله تعالى ‪}:‬خالدين فيها ما دامت السماوات والرض { الية ‪.‬‬
‫تقدم وجه الجمع بينه وبين اليات التي ي ُظ َ ّ‬
‫ن تعارضهما معه ‪ ،‬كقوله‬
‫دا { في سورة النعام ‪ ،‬وسيأتي له إن شاء‬ ‫َ‬
‫ن ِفيَها أب َ ً‬
‫دي َ‬
‫خال ِ ِ‬
‫تعالى ‪َ }:‬‬
‫الله زيادة إيضاح في سورة النبأ ‪.‬‬
‫ك وَل ِذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫م َرب ّ َ‬
‫ح َ‬ ‫ن )‪ (118‬إ ِل ّ َ‬
‫من ّر ِ‬ ‫خت َل ِِفي َ‬
‫م ْ‬ ‫قوله تعالى ‪ }:‬وَل َ ي ََزاُلو َ‬
‫ن ُ‬
‫م{‪.‬‬ ‫خل ََقهُ ْ‬
‫َ‬
‫اختلف العلماء في المشار إليه بقوله ‪ ":‬ذلك" ‪ ،‬فقيل ‪ :‬إل من رحم‬
‫ربك وللرحمة خلقهم ‪.‬‬
‫ي وسعيد ‪،‬‬ ‫والتحقيق ‪ :‬أن المشار إليه هو اختلفهم إلى سق ّ‬
‫ك‬‫م َرب ّ َ‬
‫ح َ‬
‫من ّر ِ‬ ‫ن )‪ (118‬إ ِل ّ َ‬ ‫خت َل ِِفي َ‬
‫م ْ‬ ‫المذكور في قوله ‪ }:‬وَل َ ي ََزاُلو َ‬
‫ن ُ‬
‫م { ولذلك الختلف خلقهم ‪ ،‬فخلق فريقا ً للجنة وفريقا ً‬ ‫خل ََقهُ ْ‬
‫ك َ‬ ‫وَل ِذ َل ِ َ‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫م ك َِثيًرا ّ‬‫جهَن ّ َ‬‫للسعير ‪ ،‬كما نص عليه بقوله تعالى ‪ }:‬وَل ََقد ْ ذ ََرأَنا ل ِ َ‬
‫س‪ {..‬الية ‪.‬‬‫لن ِ‬ ‫ن َوا ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫وأخرج الشيخان في صحيحهما ‪ ،‬من حديث ابن مسعود رضي الله‬
‫عنه ‪ " :‬ثم يبعث الله إليك الملك فُيؤمر بأربع كلمات ‪ :‬فيكتب رزقه‬
‫‪ ،‬وأجله وعمله ‪ ،‬وشقي أم سعيد " ‪.‬‬
‫وروى مسلم من حديث عائشة ع رضي الله عنها ع " ياعائشة ‪ ،‬إن‬
‫الله خلق الجنة وخلق لها أهل ً وهم في أصلب آبائهم ‪ ،‬وخلق النار‬
‫وخلق لها أهل ً وهم في أصلب آبائهم " ‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم ‪ ،‬من حديث عبد الله بن عمرو ع رضي الله‬
‫عنهما ع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ ":‬إن الله قدر‬
‫مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والرض بخمسين ألف سنة ‪،‬‬
‫وكان عرشه على الماء" ‪.‬‬
‫وفي الصحيحين من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه عن‬
‫النبي ‪ " : ‬كل ميسٌر لما خلق له" ‪.‬‬
‫وإذا تقّرر أن قوله تعالى }ولذلك خلقهم{ معناه ‪ :‬أنهم خلقهم‬
‫لسعادة بعض وشقاوة بعض ‪،‬كما قال ‪ }:‬وَل ََقد ْ ذ ََرأ َْنا { الية ‪،‬‬
‫ن )‪ (2‬سورة‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ٌ‬ ‫كم ّ‬ ‫من ُ‬ ‫م َ‬
‫كافٌِر وَ ِ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫خل ََقك ُ ْ‬
‫م فَ ِ‬ ‫وقال ‪} }:‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫التغابن { فل يخفى ظهور التعارض بين هذه اليات ‪ ،‬مع قوله‬
‫ن{ )‪ (56‬سورة‬ ‫س إ ِّل ل ِي َعْب ُ ُ‬
‫دو ِ‬ ‫ن َوا ْ ِ‬
‫لن َ‬ ‫ت ال ْ ِ‬
‫ج ّ‬ ‫خل َْق ُ‬
‫ما َ‬
‫تعالى ‪ }:‬وَ َ‬
‫الذاريات { ‪.‬‬
‫والجواب عن هذا من ثلثة أوجه ‪:‬‬
‫الول ع ونقله ابن جرير عن زيد بن أسلم وسفيان ع ‪ :‬أن معنى الية‬
‫ن أي ‪ :‬يعبدي السعداء منهم ويعصيني الشقياء ‪.‬‬ ‫‪ } :‬إ ِّل ل ِي َعْب ُ ُ‬
‫دو ِ‬
‫فالحكمة المقصودة من إيجاد الخلق ع التي هي عبادة الله ع حاصلة‬
‫بفعل السعداء منهم ‪ ،‬كما أشار له قوله تعالى ‪ }:‬ي َك ُْفْر ب َِها َ‬
‫هع ُ‬
‫ؤلء‬
‫ن{‪.‬‬‫ري َ‬ ‫سوا ْ ب َِها ب ِ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫ما ل ّي ْ ُ‬
‫فََقد ْ وَك ّل َْنا ب َِها قَوْ ً‬
‫وغاية ما يلزم على هذا القول ‪ ،‬أنه أطلق المجموع وأراد بعضهم‬
‫‪،‬وقد بّينا أمثال ذلك من اليات التي أطلق فيها المجموع مرادا ً‬
‫بعضه ‪ ،‬في سورة النفال ‪.‬‬
‫الوجه الثاني ع هو ما رواه ابن جرير عن ابن عباس ‪ ،‬واختاره ابن‬
‫ي بالعبودية‬
‫جرير ‪ :‬أن معنى قوله ‪}:‬إل ليعبدون{ أي ‪ :‬إل ليقروا إل ّ‬
‫طوعا ً أو كرها ً ؛ لن المؤمن ُيطيع باختياره ‪ ،‬والكفار مذعن منقاد‬
‫لقضاء ربه جبرا ً عليه ‪.‬‬
‫الوجه الثالث ع ويظهر لي أنه هو الحق ؛ لدللة القرآن عليه ع ‪ :‬أن‬
‫الرادة في قوله ‪}:‬ولذلك خلقهم{ إرادة كونية قدرية ‪ ،‬والدارية‬
‫في قوله ‪}:‬وماخلقت الجن والنس إل ليعبدون{ إرادة شرعية‬
‫دينية ‪ .‬فبّين في قوله ‪}:‬ولذلك خلقهم {وقوله ‪}:‬ولقد ذرأنا لجهنم‬
‫كثيرا ً من الجن والنس{ ؛ أنه أراد بإرادته الكونية القدرية صيرورة‬
‫ن‬ ‫قوم إلى السعادة ‪ ،‬وآخرين إلى الشقاوة وبّين بقوله ‪ }:‬إ ِّل ل ِي َعْب ُ ُ‬
‫دو ِ‬
‫{ أنه يريد العبادة بإرادته الشرعية الدينية من الجن والنس ‪،‬‬
‫فيوفق من شاء بإرادته الكونية فيعبده ‪ ،‬ويخذل من شاء فيمتنع من‬
‫العبادة ‪.‬‬
‫سل َْنا‬ ‫َ‬
‫ما أْر َ‬
‫ووجه دللة القرآن على هذا ‪ :‬أنه تعالى بّينه بقوله ‪ }:‬وَ َ‬
‫مم الرادة الشرعية بقوله ‪:‬‬ ‫ن الل ّهِ { فع ّ‬ ‫ل إ ِل ّ ل ِي ُ َ‬
‫طاعَ ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫سو ٍ‬‫من ّر ُ‬ ‫ِ‬
‫طاعَ { ‪ ،‬وبّين التخصيص في الطاعة بالرادة الكونية بقوله ‪:‬‬ ‫} إ ِل ّ ل ِي ُ َ‬
‫ص‪.‬‬‫ن الّله{ فالدعوة عامة ‪،‬والتوفيق خا ٌ‬ ‫} ب ِإ ِذ ْ ِ‬
‫وتحقيق النسبة بين الرادة الكونية القدرية والرادة الشرعية‬
‫الدينية ‪ ،‬أنه بالنسبة إلى وجود المراد وعدم وجوده ‪ ،‬فالرادة‬
‫م مطلقا ً ؛ لن كل مراد شرعا ً يتحقق وجوده في الخارج‬ ‫الكونية أع ّ‬
‫إذا ُأريد كونا ً وقدرا ً ‪ ،‬كإيمان أبي بكر ‪ .‬وليس يوجد ما لم يرد كونا ً‬
‫وقدرا ً ولو أريد شرعا ً ‪ ،‬كإيمان أبي لهب ‪ .‬فكل مراد شرعي حصل‬
‫فبالرادة الكونية ‪ ،‬وليس كل مراد كوني حصل مرادا ً في الشرع ‪.‬‬
‫وأما بالنسبة إلى تعّلق الرادتين بعبادة النس والجن لله تعالى ‪،‬‬
‫ص مطلقا ً ؛ لن‬
‫م مطلقا ً ‪ ،‬والرادة الكونية أخ ّ‬
‫فالرادة الشرعية أع ّ‬
‫كل فرد من أفراد الجن والنس أراد الله منه العبادة شرعا ً لم‬
‫م الرادة الشريعة عبادة جميع‬ ‫ُيردها من ك ُّلهم كونا ً وقدرا ً فتع ّ‬
‫دمنا‬
‫ص الرادة الكونية بعبادة السعداء منهم ‪ ،‬كما ق ّ‬ ‫الثقلْين ‪ ،‬وتخت ّ‬
‫من أن الدعوة عامة ‪ ،‬والتوفيق خاص كما بينه تعالى بقوله ‪:‬‬
‫ط‬ ‫شاء إ َِلى ِ‬
‫صَرا ٍ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫سل َم ِ وَي َهْ ِ‬
‫دي َ‬ ‫عو إ َِلى َ‬
‫دارِ ال ّ‬ ‫} َوالل ّ ُ‬
‫ه ي َد ْ ُ‬
‫ست َِقيم ٍ { فصّرح بأنه يدعو الكل ‪ ،‬ويهدي من شاء منهم ‪.‬‬ ‫م ْ‬
‫ّ‬
‫وليست النسبة بين الرادة الشرعية والقدرية العموم والخصوص‬
‫مطلق ‪،‬كما بينا ‪ ،‬إل أن‬
‫من وجه ؛ بل هي العموم والخصوص ال ُ‬
‫م مطلقا ً باعتبار‬
‫م مطلقا ً من الخرى باعتبار ‪ ،‬والثانية أع ّ‬‫إحداهما أع ّ‬
‫آخر ‪ ،‬كما بينا والعلم عند الله تعالى ‪.‬‬
‫سورة يوسف‬
‫ن ال ْب َد ِْو‪ {..‬الية ‪.‬‬
‫م َ‬ ‫جاء ب ِ ُ‬
‫كم ّ‬ ‫قوله تعالى ‪ }:‬وَ َ‬
‫هذه الية يدل ظاهرها على أن بعض النبياء ربما ُبعث من البادية ‪.‬‬
‫ل على خلف ذلك ‪ ،‬وهو قوله تعالى ‪:‬‬ ‫وقد جاء في موضع آخر ما يد ُ‬
‫ل ال ُْقَرى { ‪.‬‬ ‫حي إل َيهم م َ‬ ‫َ‬
‫ن أه ْ ِ‬
‫ِ ِْ ّ ْ‬ ‫جال ً ّنو ِ‬
‫ك إ ِل ّ رِ َ‬ ‫سل َْنا ِ‬
‫من قَب ْل ِ َ‬ ‫ما أْر َ‬
‫} وَ َ‬
‫وأجبي عن هذا بأجوبة ‪:‬‬
‫منها ‪ :‬أن يعقوب ُنبئ من الحضر ‪ ،‬ثم انتقل بعد ذلك إلى البادية ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن المراد بالبدو نزول موضع اسمه " بدا" هو المذكور في‬
‫قوله جميل أو كثير ‪:‬‬
‫ي وأوطاني بلد ٌ‬
‫إل ّ‬ ‫وأنت الذي حبب شغبا ً إلى بدا‬
‫سواهما‬
‫بهذا فطاب‬ ‫حللت بهذا مرة ثم مرة‬
‫الواديان كلهما‬
‫وهذا القول مروي عن ابن عباس ‪ .‬ول يخفى بعد هذا القول ‪ ،‬كما‬
‫نبه عليه اللوسي في تفسيره ‪.‬‬
‫مستند للحضر ‪ ،‬فهو في حكمه‬
‫ومنها ‪ :‬أن البدو الذي جاءوا منه ُ‬
‫والله تعالى أعلم ‪.‬‬

‫سورة الرعد‬
‫منذٌِر وَل ِك ُ ّ‬
‫ل قَوْم ٍ َ‬
‫هادٍ ‪. {...‬‬ ‫َ‬
‫ت ُ‬
‫ما أن َ‬
‫قوله تعالى ‪ }:‬إ ِن ّ َ‬
‫هذه الية الكريمة فيها التصريح بأن لكل قوم هاديا ً ‪ .‬وقد جاء في‬
‫ل على أن بعض القوام لم يكن لهم هادٍ ‪ ،‬سواء‬ ‫آيات ُأخر ما يد ُ‬
‫سرنا الهدى بمعناه الخاص أو بمعناه العام ‪.‬‬
‫ف ّ‬
‫فمن اليات الدالة على أن بعض الناس لم يكن لهم هاد بالمعنى‬
‫ك{‬ ‫ضّلو َ‬ ‫ض يُ ِ‬ ‫ر‬ ‫الخاص ؛ قوله تعالى ‪ }:‬وإن ت ُط ِعْ أ َك ْث َر من ِفي ال َ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َِ‬
‫فهؤلء المضلون لم يهديهم هاد الهدى الخاص ‪ ،‬الذي هو التوفيق‬
‫ْ‬ ‫لما يرضي الله ‪ .‬ونظيرها قوله ‪ }:‬وَلعكن أ َ‬
‫ن{‪،‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫س ل َ ي ُؤْ ِ‬‫ِ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫ك‬ ‫َ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ن ِفي‬‫ن { وقوله ‪ }:‬إ ِ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ت بِ ُ‬
‫ص َ‬ ‫س وَل َوْ َ‬
‫حَر ْ‬ ‫ما أك ْث َُر الّنا ِ‬ ‫وقوله ‪ }:‬وَ َ‬
‫ن { إلى غير ذلك من اليات ‪.‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫هم ّ‬ ‫ن أ َك ْث َُر ُ‬
‫كا َ‬‫ما َ‬‫ة وَ َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ك لي َ ً‬
‫ومن اليات الدالة على أن بعض القوام لم يكن لهم هاد بالمعنى‬
‫ما ُأنذَِر‬ ‫ما ّ‬ ‫العام ‪ ،‬الذي هو إبانة الطريق ‪ ،‬قوله تعالى ‪} }:‬ل ُِتنذَِر قَوْ ً‬
‫م )‪ (6‬سورة يععس { بناء على التحقيق من أن " ما " نافية ل‬ ‫آَباؤُهُ ْ‬
‫سول َُنا ي ُب َي ّ ُ‬
‫ن‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاءك ُ ْ‬‫ب قَد ْ َ‬ ‫موصولة ‪ ،‬وقوله تعالى ‪َ }:‬يا أ َهْ َ‬
‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫ل‪ {..‬الية ‪.‬‬
‫س ِ‬
‫ن الّر ُ‬ ‫م عََلى فَت َْرةٍ ّ‬
‫م َ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫م‬
‫فالذين ماتوا في هذه الفترة ‪ ،‬لم يكن لهم هادٍ بالمعنى الع ّ‬
‫أيضا ً ‪.‬‬
‫والجواب عن هذا من أربعة أوجه ‪.‬‬
‫الول ‪ :‬أن معنى قوله ‪ } :‬وَل ِك ُ ّ‬
‫ل قَوْم ٍ َ‬
‫هادٍ { أي داع يدعوهم‬
‫وُيرشدهم ‪ ،‬إما إلى خير النبياء ‪ ،‬وإما إلى شر كالشياطين ‪ .‬أي‬
‫وأنت يا رسول الله منذر هاد ٍ إلى كل خير ‪ .‬وهذا القول مرويّ عن‬
‫ابن عباس ‪ ،‬من طريق علي بن أبي طلحة ‪ ،‬وقد جاء في القرآن‬
‫استعمال الهدى في الرشاد إلى الشر أيضا ً ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ُ }:‬‬
‫كتب‬
‫عليه أنه من توله فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير { وقوله‬
‫تعالى ‪}:‬فاهدوهم إلى صراط الجحيم{ ‪ ،‬وقوله تعالى ‪}:‬ول‬
‫ليهديهم طريقا ً إل طريق جهنم{ كما جاء في القرآن أيضا ً إطلق‬
‫المام على الداعي إلى الشر ‪ ،‬في قوله ‪}:‬وجعلناهم أئمة يدعون‬
‫إلى النار ‪ { ..‬الية ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن معنى الية ‪ :‬أنت يامحمد ‪ ‬منذر ‪ ،‬وأنا هادي كل قوم‬
‫وُيروى هذا عن ابن عباس من طريق العوفي ‪ ،‬وعن محمد وسعيد‬
‫بن جبير والضحاك وغير واحد ‪ .‬قاله ابن كثير ‪.‬‬
‫وعلى هذا القول ‪ ،‬فقوله ‪ }:‬وَل ِك ُ ّ‬
‫ل قَوْم ٍ َ‬
‫هادٍ {‪ ،‬يعني به نفسه جل‬
‫خِبيرٍ {‬ ‫مث ْ ُ‬
‫ل َ‬ ‫وعل ‪ .‬ونظيره في القرآن قوله تعالى ‪َ }:‬ول ي ُن َب ّئ ُ َ‬
‫ك ِ‬
‫يعني نفسه ‪ ،‬كما قاله قتادة ‪ .‬ونظيره من كلم العرب قول قتادة‬
‫بن سلمة الحنفي ‪:‬‬
‫تحوي الغنائم أو يموت‬ ‫ن بغزوةٍ‬
‫ت لرحل ّ‬
‫ولئن بقي ُ‬
‫م‬
‫كري ُ‬
‫يعني ‪ :‬نفسه ‪.‬‬
‫وسيأتي تحرير هذا المبحث إن شاء الله في سورة القارعة ‪.‬‬
‫وتحرير المعنى على هذا القول ‪ :‬أنت يا محمد منذر ‪ ،‬وأنا هادي‬
‫ت لهم السعادة والهدى في علمي ؛ لدللة آيات كثيرة‬ ‫كل قوم سبق ْ‬
‫على أنه يتعالى هدى قوما ً وأضل آخرين ‪ ،‬على وفق ما سبق به‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه لَ‬ ‫م فَإ ِ ّ‬ ‫ص عََلى هُ َ‬
‫داهُ ْ‬ ‫حرِ ْ‬
‫العلم الزلي ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ِ }:‬إن ت َ ْ‬
‫ل{‪.‬‬ ‫ض ّ‬
‫من ي ُ ِ‬
‫دي َ‬
‫ي َهْ ِ‬
‫هاد{ أي ‪ :‬قائد ‪ ،‬والقائد ‪ :‬المام‬ ‫الثالث ‪ :‬أن معنى ‪} :‬وَل ِك ُ ّ‬
‫ل قَوْم ٍ َ‬
‫والمام ‪ :‬العمل ‪ .‬قاله أبو العالية ‪ ،‬كما نقله عنه ابن كثير ‪.‬‬
‫وعلى هذا القول ‪ ،‬فالمعنى ‪ :‬ولكل قوم عمل يهديهم إلى ما هم‬
‫صائرون إليه من خير وشر ‪ .‬ويد ّ‬
‫ل لمعنى هذا الوجه قوله تعالى ‪:‬‬
‫س ما أسلفت{ على قراءة من قرأها بتاءين‬
‫}هنالك تتلو كل نف ٍ‬
‫مثناتين ‪ ،‬بمعنى ‪ :‬تتبع كل نفس ما أسلف من خير وشر ‪.‬‬
‫وأما على القول بأن معنى ‪ " :‬تتلو" ‪ :‬تقرأ في كتاب عملها ما‬
‫قدمت من خير وشر ‪ ،‬فل دليل في الية ‪ .‬ويدل له أيضا ً حديث ‪" :‬‬
‫لتتبع كل أمة ما كانت تعبد ‪ .‬فيتبع من كان يعبد الشمس ‪ :‬الشمس‬
‫‪ ،‬ويتبع من كان يعبد القمر القمر ‪ ،‬ويتبع من كان يعبد الطواغيت ‪:‬‬
‫الطواغيت" الحديث ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬وبه قال مجاهد وقتادة وعبد الرحمن بن زيد ع ‪ :‬أن المراد‬
‫بالقوم المة ‪ ،‬والمراد بالهادي النبي ‪ .‬فيكون معنى قوله ‪ }:‬وَل ِك ُ ّ‬
‫ل‬
‫مةٍ إ ِل ّ خل‬ ‫هاد{ أي ‪ :‬ولكل أمة نبي ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ }:‬وإن م ُ‬ ‫قَوْم ٍ َ‬
‫نأ ّ‬‫َِ ّ ْ‬
‫ذيٌر { وقوله ‪}:‬ولكل أمة رسول { ‪.‬‬ ‫ِفيَها ن َ ِ‬
‫وكثيرا ً ما ُيطلق في القرآن اسم القوم على المة ‪ ،‬كقوله ‪}:‬ولقد‬
‫أرسلنا نوحا ً إلى قومه { ‪ ،‬ونحو ذلك ‪.‬‬
‫م‬
‫وعلى هذا القول ‪ ،‬فالمراد بالقوم في قوله ‪}:‬ولكل قوم هاٍد{ أع ّ‬
‫ة ‪ .‬ومما يوضح ذلك ‪:‬‬
‫من مطلق ما يصدق عليه اسم القوم لغ ً‬
‫حديث معاوية بن حيدة القشيري رضي الله عنه في السنن‬
‫والمسانيد ‪ "":‬أنتم توفون سبعين أمة" الحديث ‪.‬‬
‫ة ‪ ،‬أكثر من سبعين‬
‫ومعلوم أن ما ُيطلق عليه اسم القوم لغ ً‬
‫ة‬ ‫بأضعاف وحاصل هذا الوجه الرابع أن الية كقوله ‪ } :‬وإن م ُ‬
‫م ٍ‬
‫نأ ّ‬‫َِ ّ ْ‬
‫ل { وهذا ل إشكال فيه‬‫سو ٌ‬ ‫إل ّ خل فيها نذير { وقوله ‪ }:‬ول ِك ُ ّ ُ‬
‫مةٍ ّر ُ‬
‫لأ ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ َ ِ ٌ‬ ‫ِ‬
‫‪ ،‬لحصر المم في سبعين ‪،‬كما بين في الحديث ‪ .‬فآباء القوم الذين‬
‫لم ينذروا مثل ً ‪ ،‬المذكورون في قوله ‪}:‬لتنذر قوما ً ما أنذر‬
‫آباؤءهم{ ليسوا أمة مستقلة ‪ ،‬حتى يرد الشكال في عدم‬
‫إنذارهم ‪ ،‬مع قوله ‪}:‬وإن من أمة إل خل فيها نذير{ بل هم بعض‬
‫أمة ‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪ }:‬ونذيرا وإن م ُ‬
‫مةٍ إ ِل ّ خل ِفيَها ن َ ِ‬
‫ذيٌر { ل يشكل‬ ‫نأ ّ‬‫ََ ِ ً َِ ّ ْ‬
‫عليه قوله تعالى ‪}:‬ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرًا{ لن‬
‫المعنى ‪ :‬أرسلنا إلى جميع القرى ‪ ،‬بل إلى السود والحمر ‪ ،‬رسول ً‬
‫واحدا ً ‪ ،‬هو محمد ‪ ‬مع أنا لو شئنا أرسلنا إلى كل قرية بانفرادها‬
‫رسول ً ‪ ،‬ولكن لم نفعل ذلك ‪ ،‬ليكون الرسال إلى الناس كلهم فيه‬
‫الظهار لفضله ‪ ‬على غيره من الرسل ‪ ،‬بإعطائه ما لم ُيعطه أحد ٌ‬
‫قبله من الرسل‪ ،‬عليه وعليهم الصلة والسلم ‪.‬‬
‫كما ثبت عنه ‪ ‬في الصحيح ‪ :‬من أن عموم رسالته إلى السود‬
‫صه الله به دون غيره من الرسل ‪.‬‬ ‫والحمر ؛ مما خ ّ‬
‫وأقرب الوجه المذكورة عندنا ‪ ،‬هو ما يدل عليه القرآن العظيم ‪،‬‬
‫وهو الوجه الرابع ‪ ،‬وهو أن معنى الية } وَل ِك ُ ّ‬
‫ل قَوْم ٍ َ‬
‫هاد ٍ { أي ‪ :‬لكل‬
‫أمة نبي ‪ ،‬فلست يانبي الله بدعا ً من الرسل ‪.‬‬
‫ووجه دللة القرآن على هذا ‪ :‬كثرة إتيان مثله في اليات ‪ ،‬كقوله ‪:‬‬
‫}ولقد بعثنا في كل أمة رسول ً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت{ ‪،‬‬
‫وقوله ‪}:‬ولكل أمة رسول{ وقوله ‪}:‬وإن من أمة إل خل فيها نذير{‬
‫‪.‬‬
‫وعليه ‪ ،‬فالحكمة في الخبار بأن لكل أمة نبيا ً ‪ ،‬أن المشركين‬
‫عجبوا من إرساله ‪ ، ‬كما بينه تعالى بقوله ‪}:‬أكان الناس عجبا ً أن‬
‫أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس{ وقوله }بل عجبوا أن جاءهم‬
‫منذر منهم{ ‪ ،‬وقوله ‪}:‬وما منع الناس أن يؤمنوا إذا جاءهم الهدى‬
‫إل أن قالوا أبعث الله بشرا ً رسو ً‬
‫ل{ فأخبرهم أن إنذاره لهم ليس‬
‫بعجب ول غريب ‪ ،‬لن لكل أمة منذرا ً ‪ .‬فالية كقوله‪}:‬قل ما كنت‬
‫بدعا ً من الرسل{ ‪ ،‬وقوله ‪} :‬إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح‬
‫والنبيين من بعده{ والعلم عند الله تعالى ‪.‬‬
‫ك{‪.‬‬ ‫ما ُأنزِ َ‬
‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ن بِ َ‬
‫حو َ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬
‫ب ي َْفَر ُ‬ ‫ن آت َي َْناهُ ُ‬ ‫قوله تعالى ‪َ }:‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫الية‬
‫هذه الية الكريمة تدل بظاهرها على إيمان أهل الكتاب ‪ ،‬لن الفرح‬
‫بما أنزل على النبي ‪ ‬دليل اليمان ‪.‬‬
‫حقّ ت ِل َوَت ِهِ { ‪،‬‬ ‫ه َ‬ ‫ب ي َت ُْلون َ ُ‬‫م ال ْك َِتا َ‬‫ن آت َي َْناهُ ُ‬ ‫ونظيره قوله تعالى} ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ل آمنوا ْ به أ َو ل َ تؤْمنوا ْ إن ال ّذي ُ‬
‫من قَب ْل ِهِ {‬
‫م ِ‬ ‫ن أوُتوا ْ ال ْعِل ْ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ُ ِ ُ ِ ّ‬ ‫وقوله } قُ ْ ِ ُ ِ ِ ْ‬
‫الية ‪ .‬وقد جاءت آيات تدل على خلف ذلك ‪ ،‬كقوله ‪}:‬لم يكن‬
‫الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين { إلى أن قال ‪}:‬‬
‫ل َم يك ُن ال ّذين ك ََفروا م َ‬
‫ن { وبين‬ ‫منَف ّ‬
‫كي َ‬ ‫ن ُ‬
‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬ ‫ب َوال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫ن أهْ ِ‬
‫ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫ْ َ ِ‬
‫في موضع آخر أن الكافرين من أهل الكتاب أكثر ‪ ،‬وهو قوله ‪:‬‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫ن عَ ِ‬ ‫ف وَت َن ْهَوْ َ‬
‫معُْرو ِ‬‫ن ِبال ْ َ‬‫مُرو َ‬ ‫س ت َأ ُ‬
‫ت ِللّنا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫مة ٍ أ ُ ْ‬
‫خرِ َ‬
‫ُ‬
‫خي َْر أ ّ‬ ‫م َ‬ ‫}} ُ‬
‫كنت ُ ْ‬
‫م‬ ‫خي ًْرا ل ُّهم ّ‬
‫من ْهُ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ب لَ َ‬
‫كا َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن أ َهْ ُ‬
‫م َ‬‫ن ِبالل ّهِ وَل َوْ آ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫منك َرِ وَت ُؤْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن )‪ (110‬سورة آل عمران { ‪.‬‬ ‫سُقو َ‬ ‫م ال َْفا ِ‬ ‫ن وَأك ْث َُرهُ ُ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ال ْ ُ‬
‫والجواب ‪ :‬أن الية من العام المخصوص ‪ ،‬فهي في خصوص‬
‫المؤمنين من أهل الكتاب ‪ ،‬كعبد الله بن سلم ومن أسلم من‬
‫اليهود ‪ ،‬وكالثمانين الذين أسلموا من النصارى المشهورين ‪ ،‬كما‬
‫قاله الماوردي وغيره ‪ ،‬وهو ظاهر ويدل عليه التبعيض في قوله‬
‫تعالى ‪ }:‬وإن م َ‬
‫ن ِبالل ّ ِ‬
‫ه‪ {..‬الية ‪.‬‬ ‫م ُ‬ ‫ب لَ َ‬
‫من ي ُؤْ ِ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫ن أهْ ِ‬
‫َِ ّ ِ ْ‬
‫سورة إبراهيم‬
‫ت في كل مكان ‪ {..‬الية ‪.‬‬ ‫قوله تعالى ‪}:‬ويأتيه المو ُ‬
‫ت الكافر في النار ‪ .‬وقوله ‪}:‬وما هو‬
‫ُيفهم من ظاهره مو ُ‬
‫بميت{ُيصّرح بنفي ذلك ‪.‬‬
‫والجواب ‪ :‬أن معنى ‪} :‬ويأتيه الموت { ‪ ،‬أي أسبابه المقتضية له‬
‫عادة ‪ ،‬إل أن الله ُيمسك روحه في بدنه مع وجود ما يقتضي موته‬
‫حجة في قوله ‪:‬‬
‫عادة ‪ .‬وأوضح هذا المعنى بعض المتأخرين ممن ل ُ‬
‫بقوله ‪:‬‬
‫إن الكلب طويلة‬ ‫ولقد قتلتك بالهجاء فلم تمت‬
‫العمار‬
‫َ‬ ‫قوله تعالى ‪ }:‬ي َوم ت ُب َد ّ ُ َ‬
‫ض غَي َْر الْر ِ‬
‫ض { الية ‪.‬‬ ‫ل الْر ُ‬ ‫ْ َ‬
‫هذه الية الكريمة فيها التصريح بتبديل الرض يوم القيامة ‪ .‬وقد‬
‫جاء في آية آخرى ما ُيتوهم منه أنها تبقي ول تتغيُر ‪ ،‬وهي قوله‬
‫تعالى ‪}:‬إنا جعلنا مع على الرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عمل ً‬
‫‪ ،‬وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا ً جرزًا{ فإنه تعالى في هذه الية‬
‫صرح بأنه جعل ما على الرض زينة لها ؛ لبتلء الخلق ‪ ،‬ثم بين أنه‬
‫يجعل ما على الرض صعيدا ً جرزا ً ‪ ،‬ولم يذكر أنه يتغير نفس الرض‬
‫؛ فيتوهم منه أن التغيير حاصل في ما عليها دون نفسها ‪.‬‬
‫والجواب ‪ :‬هو أن حكمة ذكر ما عليها دونها ‪ ،‬لن ما على الرض‬
‫من الزينة والزخارف ومتاع الدنيا ‪ ،‬هو سبب الفتنة والطغيان‬
‫ومعصية تعالى ‪.‬‬
‫م زاجرٍ عن‬
‫ظ وأعظ ُ‬
‫فالخبار عنه بأنه فإن زائل ؛ فيه أكُبر واع ٍ‬
‫ص بالذكر ؛ فل ينافي تبديل الرض‬
‫الفتتان به ‪ ،‬ولهذه الحكمة خ ّ‬
‫المصرح به في الية الخرى ‪ ،‬كما هو ظاهر ‪ ،‬مع أن مفهوم قوله ‪:‬‬
‫ب ؛ لن الموصول الذي هو " ما " واقع على‬
‫م لق ٍ‬
‫}ماعليها{ مفهو ٌ‬
‫جميع الجناس الكائنة على الرض زينة لها ‪ .‬ومفهوم اللقب ل‬
‫ُيعتبر عند الجمهور ‪ ،‬وإذا كان ل اعتبار به لم تظهر منافات أصل ً ‪.‬‬
‫والعلم عند الله تعالى ‪.‬‬

‫دفع إيهام الضطراب عن آيات الكتاب‬


‫لفضيلة الشيخ محمد المين الشنقيطى‬
‫المدرس بكلية الشريعة بالجامعة‬

‫سورة النحل‬

‫م ال ْ ِ‬ ‫مل َ ً‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫م ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫و َ‬‫ة يَ ْ‬ ‫م َ‬
‫كا ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫وَزاَر ُ‬ ‫مُلوا أ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫قوله تعالى‪}:‬ل ِي َ ْ‬
‫َ‬
‫م{ الية‪.‬هذه الية الكريمة تدل‬ ‫ه ْ‬ ‫ضّلون َ ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ر ال ّ ِ‬ ‫وَزا ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫على أن هؤلء الضالين المضلين يحملون أوزارهم كاملة‬
‫ويحملون أيضا من أوزار التباع الذين أضلوهم‪ .‬وقد جاءت آيات‬
‫ع‬
‫ن ت َدْ ُ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫أخر تدل أنه ل يحمل أحد وزر غيره كقوله تعالى‪َ }:‬‬
‫ذا‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫يء ٌ َ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ها ل ي ُ ْ‬ ‫مل ِ َ‬‫ح ْ‬ ‫ة إ َِلى ِ‬ ‫قل َ ٌ‬‫مث ْ َ‬ ‫ُ‬
‫خَرى{‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وْزَر أ ْ‬ ‫ُ‬
‫زَرةٌ ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫زُر َ‬ ‫ول ت َ ِ‬ ‫قْرَبى{ وقوله تعالى‪َ }:‬‬
‫والجواب‪:‬أن هؤلء الضالين ما حملوا إل أوزار أنفسهم لنهم‬
‫ملوا وزر الضلل ووزر الضلل ‪.‬‬ ‫تح ّ‬
‫فمن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها ل‬
‫ينقص ذلك من أوزارهم شيئا لن تشريعه لها لغيره ذنب من‬
‫ذنوبه فأخذ به‪ ,‬وبهذا يزول الشكال أيضا في قوله تعالى‪:‬‬
‫م{ الية‪.‬‬ ‫ه ْ‬‫قال ِ ِ‬‫ع أ َث ْ َ‬‫م َ‬ ‫قال ً َ‬ ‫وأ َث ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قال َ ُ‬ ‫ن أ َث ْ َ‬‫مل ُ ّ‬
‫ح ِ‬ ‫ول َي َ ْ‬‫} َ‬
‫ب‬ ‫وال َ ْ‬
‫عَنا ِ‬ ‫ل َ‬
‫خي ِ‬
‫ت الن ّ ِ‬‫مَرا ِ‬‫ن ثَ َ‬
‫م ْ‬ ‫و ِ‬
‫قوله تعالى‪َ }:‬‬
‫سنًا{ الية‪ .‬هذه الية الكريمة‬ ‫ح َ‬‫رْزقا ً َ‬ ‫كرا ً َ‬
‫و ِ‬ ‫س َ‬‫ه َ‬‫من ْ ُ‬
‫ن ِ‬ ‫خ ُ‬
‫ذو َ‬ ‫ت َت ّ ِ‬
‫سكر المتخذ من ثمرات التخيل والعناب ل بأس‬ ‫يفهم منها أن ال ُ‬
‫به لن الله‬
‫امتن به على عباده في سورة المتنان التي هي سورة‬
‫ل‬‫م ِ‬
‫ع َ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬
‫س ِ‬‫ج ٌ‬ ‫ر ْ‬
‫النحل‪ ,‬وقد حّرم تعالى الخمر بقوله‪ِ } :‬‬
‫ن{ الية‪ ,‬لنه وصفها‬ ‫حو َ‬ ‫م تُ ْ‬
‫فل ِ ُ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬‫جت َن ُِبوهُ ل َ َ‬
‫فا ْ‬ ‫ن َ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫بأنها رجس وأنها من عمل الشيطان وأمر باجتنابها ورتب عليه‬
‫رجاء الفلح‪ ,‬ويفهم منه أن من لم يجتنبها لم يفلح وهو كذلك‪،‬‬
‫وقد بّين صلى الله عليه وسلم أن كل ما خامر العقل فهو خمر‬
‫وأن كل مسكر حرام وأن ما أسكر كثيره فقليله حرام‪.‬‬
‫والجواب ظاهر وهو أن آية تحريم الخمر ناسخة لقوله‪:‬‬
‫كرًا{‪ .‬الية‪ .‬ونسخها له هو التحقيق خلفا‬ ‫س َ‬
‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬‫ن ِ‬ ‫خ ُ‬
‫ذو َ‬ ‫}ت َت ّ ِ‬
‫لما يزعمه كثير من الصوليين من أن تحريم الخمر ليس نسخا‬
‫لباحتها الولى؛ لن إباحتها الولى إباحة عقلية‪ ,‬وهي المعروفة‬
‫عند الصوليين بالبراءة الصلية‪ ,‬وتسمى استصحاب العدم‬
‫الصلي‪ ,‬والباحة العقلية ليست من الحكام الشرعية حتى‬
‫يكون رفعها نسخا‪ ,‬ولو كان رفعها نسخا لكان كل تكليف في‬
‫الشرع ناسخا للبراءة الصلية من التكليف به‪ ,‬وإلى كون الباحة‬
‫العقلية ليست من الحكام الشرعية أشار في مراقي السعود‬
‫بقوله‪:‬‬
‫قد أخذت فليست الشرعية‬ ‫وما من الباحة العقلية‬
‫كما أشار إلى أن تحريم الخمر ليس نسخا لباحتها؛ لنها‬
‫إباحة عقلية وليست من الحكام الشرعية حتى يكون رفعها‬
‫نسخا بقوله‪:‬‬
‫براءة ليست من الحكام‬ ‫أباحها في أول السلم‬
‫وإنما قلنا إن التحقيق هو كون تحريم الخمر ناسخا لباحتها؛‬
‫كرًا{ يدل على إباحة الخمر‬ ‫س َ‬‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬‫ن ِ‬‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫لن قوله‪} :‬ت َت ّ ِ‬
‫شرعا‪ ,‬فرفع هذه الباحة المدلول عليها بالقرآن رفع حكم‬
‫شرعي فهو نسخ بل شك‪ ,‬ول يمكن أن تكون إباحتها عقلية إل‬
‫قبل نزول هذه الية كما هو ظاهر‪ ,‬ومعلوم عند العلماء أن‬
‫الخمر نزلت في شأنها أربع آيات من كتاب الله‪:‬‬
‫الولى‪ :‬هذه الية الدالة على إباحتها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬الثانية‪ :‬الية التي ذكر فيها بعض معايبها‪ ,‬وأن فيها منافع‬
‫ق ْ‬
‫ل‬ ‫وصرحت بأن إثمها أكبر من نفعها‪ ,‬وهي قوله تعالى‪ُ } :‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ما أك ْب َُر ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫وإ ِث ْ ُ‬
‫س َ‬ ‫ع ِللّنا ِ‬ ‫ف ُ‬‫مَنا ِ‬
‫و َ‬ ‫م ك َِبيٌر َ‬ ‫ما إ ِث ْ ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫في ِ‬ ‫ِ‬
‫ربها بعد نزولها قوم للمنافع المذكورة‪ ,‬وتَركها‬ ‫ش ِ‬ ‫ما{ ف َ‬ ‫ه َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ف ِ‬‫نَ ْ‬
‫آخرون للثم الذي هو أكبر من المنافع‪.‬‬
‫‪ -‬الثالثة‪ :‬الية التي دلت على تحريمها في أوقات الصلة‬
‫َ‬
‫قَرُبوا‬‫مُنوا ل ت َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫دون غيرها‪ ,‬وهي قوله‪َ} :‬يا أي ّ َ‬
‫الصلةَ َ‬
‫ن{الية‪.‬‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ما ت َ ُ‬ ‫موا َ‬ ‫عل َ ُ‬‫حّتى ت َ ْ‬ ‫كاَرى َ‬ ‫س َ‬ ‫م ُ‬ ‫وأن ْت ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫‪ -‬الرابعة‪ :‬الية التي حرمتها تحريما باتا مطلقا‪ ,‬وهي قوله‬
‫ما ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ه ْ‬
‫ل‬ ‫ف َ‬‫مُر{ إلى قوله‪َ } :‬‬ ‫خ ْ‬ ‫مُنوا إ ِن ّ َ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬‫تعالى‪َ} :‬يا أي ّ َ‬
‫ن{‪ ,‬والعلم عند الله تعالى‪.‬‬ ‫َ‬
‫هو َ‬ ‫من ْت َ ُ‬‫م ُ‬ ‫أن ْت ُ ْ‬
‫وأما على قول من زعم أن السكر‪ :‬الطعم‪ ,‬كما أختاره ابن‬
‫جرير وأبو عبيدة‪ ,‬أو أنه الخل فل إشكال في الية‪.‬‬
‫ه{‬ ‫ون َ ُ‬ ‫ول ّ ْ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَلى ال ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫طان ُ ُ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫قوله تعالى‪}:‬إ ِن ّ َ‬
‫الية‪ .‬هذه الية الكريمة فيها التصريح بأن الشيطان له سلطان‬
‫عَباِدي‬ ‫ن ِ‬ ‫على أوليائه‪ ,‬و نظيرها الستثناء في قوله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫وي َ‬ ‫غا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ن ات ّب َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن إ ِل ّ َ‬ ‫طا ٌ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫علي ْ ِ‬
‫ك َ َ‬ ‫س لَ َ‬ ‫ل َي ْ َ‬
‫وقد جاء في بعض اليات ما يدل على نفي سلطانه عليهم‬
‫ه‬
‫عو ُ‬ ‫فات ّب َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫س ظَن ّ ُ‬ ‫م إ ِب ِْلي ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫صدّقَ َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ول َ َ‬ ‫كقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ه َ َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ريقا ً ِ‬ ‫إ ِل ّ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬‫ن َ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ف ِ‬
‫قا َ‬
‫ل‬ ‫و َ‬ ‫ن{ الية‪ ,‬وقوله تعالى حاكيا عنه مقررا له‪َ }:‬‬ ‫طا ٍ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ما ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال ّ‬
‫ح ّ‬ ‫عدَ ال َ‬ ‫و ْ‬ ‫م َ‬ ‫عدَك ْ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫مُر إ ِ ّ‬ ‫ي ال ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ق ِ‬ ‫نل ّ‬ ‫شي ْطا ُ‬
‫سل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫طا ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫فت ُك ُ ْ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫فأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫عدْت ُك ُ ْ‬ ‫و َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫الية‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬هو أن السلطان الذي أثبته له عليهم غير‬
‫السلطان الذي نفاه؛ وذلك من وجهين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن السلطان المثبت له هو سلطان إضلله لهم‬
‫بتزيينه‪ ,‬والسلطان المنفي هو سلطان الحجة‪ ,‬فلم يكن لبليس‬
‫عليهم من حجة يتسلط بها غير أنه دعاهم فأجابوه بل حجة ول‬
‫برهان‪ ,‬وإطلق السلطان على البرهان كثير في القرآن‪.‬‬
‫الثاني‪:‬أن الله لم يجعل له عليهم سلطانا ابتداء البتة‪,‬‬
‫ولكنهم هم الذين سّلطوه على أنفسهم بطاعته‪ ,‬ودخولهم في‬
‫ن ك َي ْ َ‬
‫د‬ ‫حزبه فلم يتسلط عليهم بقوة؛ لن الله يقول‪} :‬إ ِ ّ‬
‫عيفًا{‪ ,‬وإنما تسّلط عليهم بإرادتهم‬ ‫ض ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫واختيارهم‪ ,‬ذكر هذا الجواب بوجهيه العلمة ابن القيم رحمه الله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫وا َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ع ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ن{‪ .‬هذه الية الكريمة تدل بظاهرها على أن معية الله‬ ‫سُنو َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫خاصة بالمتقين المحسنين‪ ،‬وقد جاء في آيات أخر ما يدل على‬
‫و‬ ‫ة إ ِّل ُ‬
‫ه َ‬ ‫وى َثلث َ ٍ‬ ‫ج َ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫عمومها‪ ,‬وهي قوله‪َ } :‬‬
‫ك‬‫ن ذَل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ة إ ِّل ُ‬
‫م ْ‬ ‫ول أدَْنى ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ساِد ُ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫س ٍ‬ ‫م َ‬‫خ ْ‬ ‫ول َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫َراب ِ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ول أك ْث ََر إ ِّل ُ‬
‫ما‬ ‫ن َ‬ ‫م أي ْ َ‬ ‫عك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬‫م{‪ ,‬وقوله‪َ }:‬‬ ‫ه ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫م َ‬‫و َ‬‫ه َ‬ ‫َ‬
‫ن{‪,‬‬ ‫غائ ِِبي َ‬ ‫ما ك ُّنا َ‬ ‫و َ‬ ‫عل ْم ٍ َ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫ق ّ‬ ‫فل َن َ ُ‬‫ك ُن ُْتم{‪ ,‬وقوله‪َ } :‬‬
‫شْأن{ الية‪ .‬والجواب‪ :‬أن لله معية خاصة‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬‫كو ُ‬ ‫ما ت َ ُ‬ ‫و َ‬ ‫} َ‬
‫ومعية عامة‪ ,‬فالمعية الخاصة بالنصر والتوفيق و العانة‪ ,‬وهذه‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ع ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫لخصوص المتقين المحسنين كقوله تعالى‪}:‬إ ِ ّ‬
‫ة أ َّني‬ ‫ملئ ِك َ ِ‬ ‫ك إ َِلى ال ْ َ‬ ‫حي َرب ّ َ‬ ‫وا{‪ .‬وقوله‪} :‬إ ِذْ ُيو ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ات ّ َ‬
‫عَنا{‪ .‬ومعية‬ ‫م َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫حَز ْ‬ ‫م{‪ .‬الية‪ ,‬وقوله‪} :‬ل ت َ ْ‬ ‫عك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫عامة بالحاطة والعلم؛ لنه تعالى أعظم وأكبر من كل شيء‪,‬‬
‫محيط بكل شيء‪ ,‬فجميع الخلئق في يده أصغر من حبة خردل‬
‫في يد أحدنا وله المثل العلى‪ ,‬وسيأتي له زيادة إيضاح في‬
‫سورة الحديد ‪ -‬إن شاء الله ‪ -‬وهي عامة لكل الخلئق كما دّلت‬
‫عليه اليات المتقدمة‪.‬‬
‫سورة بني إسرائيل‬

‫ث‬ ‫ع َ‬ ‫حّتى ن َب ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫عذِّبي َ‬ ‫م َ‬ ‫ما ك ُّنا ُ‬ ‫و َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬


‫ل{‪.‬هذه الية الكريمة فيها التصريح بأن الله تعالى ل‬ ‫سو ً‬ ‫َر ُ‬
‫يعذب أحدا ً حتى ينذره على ألسنة رسله عليهم الصلة والسلم‪,‬‬
‫ن‬
‫كو َ‬ ‫ن ل ِئ َل ّ ي َ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ذ ِ‬ ‫من ْ ِ‬ ‫و ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫مب َ ّ‬ ‫سل ً ُ‬ ‫ونظيرها قوله تعالى‪ُ} :‬ر ُ‬
‫ك‬‫ل{‪ ,‬وقوله تعالى‪} :‬ذَل ِ َ‬ ‫س ِ‬ ‫عدَ الّر ُ‬ ‫ة بَ ْ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫عَلى الل ّ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ِ‬ ‫ِللّنا‬
‫ن{‪,‬‬ ‫فُلو َ‬ ‫غا ِ‬ ‫ها َ‬ ‫هل ُ َ‬ ‫وأ َ ْ‬ ‫قَرى ب ِظُل ْم ٍ َ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫هل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ي َك ُ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫إلى غير ذلك من اليات‪ ,‬ويؤيده تصريحه تعالى بأن كل أفواج‬
‫ما‬ ‫أهل النار جاءتهم الرسل في دار الدنيا في قوله تعالى‪} :‬ك ُل ّ َ‬
‫قاُلوا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ ُل ْ ِ‬
‫ذيٌر َ‬ ‫م نَ ِ‬ ‫م ي َأت ِك ُ ْ‬ ‫ها أل َ ْ‬ ‫خَزن َت ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫سأل َ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫و ٌ‬ ‫ف ْ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ق َ‬
‫ن )كلما( صيغة‬ ‫فك َذّب َْنا{ الية‪ .‬ومعلوم أ ّ‬ ‫ذيٌر َ‬ ‫جاءََنا ن َ ِ‬ ‫قدْ َ‬ ‫ب ََلى َ‬
‫فُروا إ َِلى‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ق ال ّ ِ‬ ‫سي َ‬ ‫و ِ‬ ‫عموم‪ ,‬ونظيرها قوله تعالى‪َ }:‬‬
‫ت‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ول َك ِ ْ‬ ‫قاُلوا ب ََلى َ‬ ‫مرًا{ إلى قوله تعالى‪َ } :‬‬ ‫م ُز َ‬ ‫هن ّ َ‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ق ال ّ ِ‬ ‫سي َ‬ ‫و ِ‬ ‫ن{ فقوله‪َ } :‬‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫كا ِ‬ ‫عَلى ال ْ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ك َل ِ َ‬
‫ل كافر‪ ,‬لما تقرر في الصول من أن‬ ‫مك ّ‬ ‫فُروا{ يع ّ‬ ‫كَ َ‬
‫الموصولت من صيغ العموم‪ ,‬لعمومها كّلما تشمله صلتها كما‬
‫أشار له في مراقي السعود بقوله‪:‬‬
‫صيغة كل أو لجميع‬ ‫وقد تل الذي التي الفروع‬
‫ومعنى قوله‪) :‬وقد تل الذي الخ‪ :(..‬أن )الذي(‪ ,‬و)التي(‬
‫وفروعها صيغ عموم ككل وجميع‪ ,‬ونظيره أيضا قوله تعالى‪:‬‬
‫ذيُر{‬ ‫م الن ّ ِ‬ ‫جاءَك ُ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ها{ إلى قوله‪َ } :‬‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫خو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫صطَ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫} َ‬
‫م َناُر‬ ‫ه ْ‬ ‫فُروا ل َ ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫فانه عام أيضًا؛ لن أول الكلم } َ‬
‫م{ وأمثال هذا كثيرة في القرآن مع أنه جاء في بعض‬ ‫هن ّ َ‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫اليات ما يفهم منه أن أهل الفترة في النار‪,‬كقوله تعالى‪َ }:‬‬
‫َ‬
‫ول َ ْ‬
‫و‬ ‫ن َ‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ش َِ‬ ‫م ْ‬ ‫فُروا ل ِل ْ ُ‬ ‫غ ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫مُنوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ّ‬ ‫ن ِللن ّب ِ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫كاُنوا ُأوِلي ُ‬
‫ب‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫د َ‬ ‫ع ِ‬‫ن بَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫قْرَبى ِ‬ ‫َ‬
‫م{‪ ,‬فإن عمومها يدل على دخول من لم يدرك النبي‬ ‫حي ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ول ال ّ ِ‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وكذلك عموم قوله تعالى‪َ }:‬‬
‫ذابا ً أ َِليمًا{‪,‬‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عت َدَْنا ل َ ُ‬ ‫ك أَ ْ‬ ‫فاٌر ُأول َئ ِ َ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ن َ‬ ‫موُتو َ‬ ‫يَ ُ‬
‫فاٌر أول َئ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫م كُ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ماُتوا َ‬ ‫و َ‬ ‫فُروا َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫وقوله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ن{‪ .‬وقوله‪:‬‬ ‫عي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ج َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫والّنا ِ‬ ‫ة َ‬ ‫ملئ ِك َ ِ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ة الل ّ ِ‬ ‫عن َ ُ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫علي ْ ِ‬
‫َ َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫قب َ َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫فل َ ْ‬ ‫فاٌر َ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ماُتوا َ‬ ‫و َ‬ ‫فُروا َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫هبًا{الية‪ .‬إلى غير ذلك من اليات‪.‬‬ ‫ض ذَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ملءُ الْر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫د ِ‬ ‫ح ِ‬
‫أ َ‬
‫اعلم أول‪ :‬أن من يأته نذير في دار الدنيا وكان كافرا حتى مات‬
‫اختلف العلماء فيه هل هو من أهل النار لكفره أو هو معذور‬
‫لنه لم يأته نذير؟ كما أشار له في مراقي السعود بقوله‪:‬‬
‫وفي الصول بينهم نزاع‬ ‫ذو فترة بالفرع ل يراع‬
‫وسنذكر إن شاء الله جواب أهل كل واحد من القولين‪,‬‬
‫ونذكر ما يقتضي الدليل رجحانه‪ ,‬فنقول‪- :‬وبالله نستعين‪ -‬قد‬
‫قال قوم‪ :‬إن الكافر في النار ولو مات في زمن الفترة وممن‬
‫جزم بهذا القول النووي في شرح مسلم؛ لدللة الحاديث على‬
‫تعذيب بعض أهل الفترة‪ ,‬وحكى القرافي في )شرح التنقيح(‬
‫الجماع على أن موتى أهل الجاهلية في النار لكفرهم كما حكاه‬
‫ما‬‫و َ‬ ‫عنه صاحب )نشر البنود( وأجاب أهل هذا القول عن آية‪َ } :‬‬
‫ن{ وأمثالها من ثلثة أوجه‪:‬‬ ‫عذِّبي َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ُّنا ُ‬
‫ن{‬ ‫عذِّبي َ‬ ‫م َ‬‫ما ك ُّنا ُ‬ ‫و َ‬ ‫الول‪ :‬إن التعذيب المنفي في قوله‪َ }:‬‬
‫وأمثالها هو التعذيب الدنيوي فل ينافي ثبوت التعذيب في‬
‫الخرة‪ ,‬وذكر الشوكاني في تفسيره أن اختصاص هذا التعذيب‬
‫المنفي بالدنيا دون الخرة ذهب إليه الجمهور‪ ,‬واستظهر هو‬
‫خلفه‪ ,‬ورد التخصيص بعذاب الدنيا بأنه خلف الظاهر من‬
‫اليات‪ ,‬وبأن اليات المتقدمة الدالة على اعتراف أهل النار‬
‫جميعا بأن الرسل أنذروهم في دار الدنيا صريح في نفيه‪.‬‬
‫ما‬ ‫و َ‬ ‫الثاني‪ :‬أن محل العذر بالفترة المنصوص في قوله‪َ }:‬‬
‫ن{ الية وأمثالها في غير الواضح الذي ل يلتبس‬ ‫عذِّبي َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ُّنا ُ‬
‫على عاقل‪ ,‬أما الواضح الذي ل يخفى على من عنده عقل‬
‫كعبادة الوثان فل يعذر فيه أحد؛ لن جميع الكفار يقّرون بأن‬
‫الله هو ربهم وهو خالقهم ورازقهم‪ ,‬و يتحققون أن الوثان ل‬
‫تقدر على جلب نفع ول على دفع ضر‪ ,‬لكنهم غالطوا أنفسهم‬
‫فزعموا أنها تقربهم إلى الله زلفى‪ ,‬وأنها شفعاؤهم عند الله مع‬
‫أن العقل يقطع بنفي ذلك‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن عندهم بقية إنذار مما جاءت به الرسل الذين‬
‫أرسلوا قبله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬تقوم عليهم بها الحجة‪,‬‬
‫ومال إليه بعض الميل ابن قاسم في )اليات البينات( وقد قدمنا‬
‫في سورة آل عمران أن هذا القول يرده القرآن في آيات كثيرة‬
‫ُ‬
‫ذَر‬‫ما أن ْ ِ‬ ‫وما ً َ‬ ‫ذَر َ‬
‫ق ْ‬ ‫مصرحة بنفي أصل النذير عنهم كقوله‪} :‬ل ِت ُن ْ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫و ال ْ َ‬‫ه َ‬
‫ل ُ‬ ‫فت ََراهُ ب َ ْ‬ ‫قوُلو َ‬
‫نا ْ‬ ‫م يَ ُ‬
‫م{ وقوله‪} :‬أ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ؤ ُ‬ ‫آَبا ُ‬
‫ك{‪ ,‬وقوله‪:‬‬ ‫قب ْل ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫ذي ٍ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ما أ ََتا ُ‬ ‫وما ً َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ذَر َ‬ ‫ك ل ِت ُن ْ ِ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫ك‬‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫ول َك ِ ْ‬ ‫ر إ ِذْ َنادَي َْنا َ‬ ‫طو ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫جان ِ ِ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫} َ‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫و َ‬ ‫قب ِْلك{ وقوله‪َ } :‬‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ذي‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ما أَتا ُ‬ ‫وما ً َ‬ ‫ق ْ‬‫ذَر َ‬ ‫ل ِت ُن ْ ِ‬
‫ك‬‫قب ْل َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬ ‫ما أ َْر َ ْ‬ ‫ن ك ُت ُ ٍ‬
‫سلَنا إ ِلي ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ها َ‬ ‫سون َ َ‬ ‫ب ي َدُْر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫آت َي َْنا ُ‬
‫ر{‪ ,‬إلي غير ذلك من اليات‪ .‬وأجاب القائلون بأن أهل‬ ‫ذي ٍ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ي{ ‪ -‬إلى قوله‬ ‫ن ِللن ّب ِ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫الفترة معذورون عن مثل قوله } َ‬
‫م{ من‬ ‫حي‬ ‫ِ‬ ‫ج‬ ‫ب ال ْ‬ ‫حا‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ن‬‫– }من بعد ما ت َبين ل َهم أ َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ّ َ ُ ْ‬ ‫ِ ْ َ ْ ِ َ‬
‫اليات المتقدمة‪ ,‬بأنهم ل يتبين أنهم من أصحاب الجحيم ول‬
‫يحكم لهم بالنار‪ ,‬ولو ماتوا كفارا إل بعد إنذارهم وامتناعهم من‬
‫اليمان كأبي طالب‪ ,‬وحملوا اليات المذكورة على هذا المعنى‪,‬‬
‫واعترض هذا الجواب بما ثبت في الصحيح من دخول بعض أهل‬
‫الفترة النار كحديث "إن أبي وأباك في النار" الثابت في صحيح‬
‫مسلم وأمثاله من الحاديث‪ ,‬واعترض هذا العتراض بأن‬
‫الحاديث ‪ -‬وإن صحت ‪ -‬فهي أخبار آحاد يقدم عليها القاطع‬
‫ل{‪ ,‬واعترض‬ ‫سو ً‬ ‫ث َر ُ‬ ‫ع َ‬ ‫حّتى ن َب ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫عذِّبي َ‬ ‫م َ‬‫ما ك ُّنا ُ‬ ‫و َ‬ ‫كقوله‪َ }:‬‬
‫هذا العتراض أيضا بأنه ل يتعارض عام وخاص فما أخرجه‬
‫حديث صحيح خرج من العموم وما لم يخرجه نص صحيح بقي‬
‫داخل في العموم‪ ,‬واعترض هذا العتراض أيضا ً بأن هذا‬
‫التخصيص يبطل علة العام؛ لن الله تعالى تمدح بكمال‬
‫النصاف‪ ,‬وصرح بأنه ل يعذب حتى يقطع حجة المعذب بإنذار‬
‫الرسل في دار الدنيا‪ ,‬وبّين أن ذلك النصاف التام علة لعدم‬
‫التعذيب‪ ,‬فلو عذب إنسانا واحدا من غير إنذار لختلت تلك‬
‫الحكمة ولثبتت لذلك المعذب الحجة التي بعث الله الرسل‬
‫ن‬
‫ري َ‬ ‫ذ ِ‬‫من ْ ِ‬ ‫و ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫مب َ ّ‬ ‫سل ً ُ‬ ‫لقطعها كما صرح به في قوله‪ُ} :‬ر ُ‬
‫ل{ وهذه‬ ‫س ِ‬ ‫عدَ الّر ُ‬ ‫ة بَ ْ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫عَلى الل ّ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ِ‬ ‫ن ِللّنا‬ ‫كو َ‬ ‫ل ِئ َّل ي َ ُ‬
‫ب‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ع َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫هل َك َْنا ُ‬ ‫و أ َّنا أ َ ْ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫الحجة بّينها في سورة طه بقوله‪َ } :‬‬
‫ول‬ ‫ول َ ْ‬ ‫ه{ الية‪ ,‬و أشار لها في سورة القصص بقوله‪َ } :‬‬ ‫قب ْل ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ن{‪,‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ون َ ُ‬ ‫ة{ إلى قوله‪َ } :‬‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫صيب َ ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫أ ْ‬
‫وهذا العتراض الخير يجري على الخلف في النقض هل هو‬
‫قادح في العلة أو تخصيص لها؟ وهو اختلف كثير معروف في‬
‫الصول عقده في مراقي السعود بقوله‪ - :‬في تعداد القوادح‬
‫في الدليل ‪: -‬‬
‫سماه بالنقض وعاة العلم‬ ‫منها وجود الوصف دون‬
‫الحكم‬
‫بل هو تخصيص وذا مصحح‬ ‫والكثرون عندهم ل يقدح‬
‫إن يك الستنباط ل‬ ‫وقد روى عن مالك‬
‫التنصيص‬ ‫تخصيص‬
‫ومنتقى ذي الختصار‬ ‫وعكس هذا قد رآه البعض‬
‫النقض‬
‫وليس فيما استنبطت‬ ‫إن لم تكن منصوصة‬
‫بضائر‬ ‫بظاهر‬
‫والوفق في مثل العرايا قد‬ ‫إن جاء لفقد الشرط أو لما‬
‫وقع‬ ‫منع‬
‫والمحققون من أهل الصول على أن عدم تأثير العلة إن‬
‫كان لوجود مانع من التأثير أو انتفاء شرط التأثير فوجودها مع‬
‫تخلف الحكم ل ينقضها ول يقدح فيها وخروج بعض أفراد الحكم‬
‫حينئذ تخصيص للعلة ل تقض لها كالقتل عمدا عدوانا فانه علة‬
‫القصاص إجماعا ول يقدح في هذه العلة تخلف الحكم عنها في‬
‫قتل الوالد لولده لن تأثيرها منع منه مانع هو البوة وأما إن كان‬
‫عدم تأثيرها ل لوجود مانع أو انتفاء بشرط فانه يكون نقضا لها‬
‫وقدحا فيها ولكن يرد على هذا التحقيق ما ذكره بعض العلماء‬
‫قوا الّله{ علة منصوصة‬ ‫شا ّ‬‫م َ‬ ‫من أن قوله تعالى‪} :‬ذَل ِ َ َ‬
‫ه ْ‬
‫ك ب ِأن ّ ُ‬
‫َ‬
‫هم{ الية‪,‬‬ ‫جلءَ ل َ َ‬
‫عذّب َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬‫ه ُ‬ ‫ه َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ب الل ّ ُ‬
‫ن ك َت َ َ‬‫ول أ ْ‬‫ول َ ْ‬
‫لقوله‪َ } :‬‬
‫مع أن هذه العلة قد توجد ول يوجد ما عذب به بنو النضير من‬
‫جلء أو تعذيب دنيوي وهو يؤيد كون النقض تخصيصا مطلقا ل‬
‫قدحًا‪ .‬ويجاب عن هذا بأن بعض المحققين من الصوليين قال‪:‬‬
‫إن التحقيق المذكور محله في العلة المستنبطة دون المنصوصة‬
‫وهذه منصوصة كما قدمنا ذلك في أبيات مراقي السعود في‬
‫قوله‪:‬‬
‫إن جاء لفقد الشرط أو لما منع‬ ‫وليس فيما استنبطت بضائر‬
‫هذا ملخص كلم العلماء وحججهم في المسألة‪ ,‬والذي‬
‫يظهر رجحانه بالدليل هو الجمع بين الدلة؛ لن الجمع واجب إذا‬
‫أمكن بل خلف كما أشار له في المراقي بقوله‪ :‬والجمع واجب‬
‫متى ما أمكنا‪..‬الخ‪..‬‬
‫ووجه الجمع بين هذه الدلة هو عذرهم بالفترة وامتحانهم‬
‫يوم القيامة بالمر باقتحام نار فمن اقتحمها دخل الجنة وهو‬
‫الذي كان يصدق الرسل لو جاءته في الدنيا ومن امتنع عذب‬
‫بالنار وهو الذي كان يكذب الرسل لو جاءته في الدنيا لن الله‬
‫يعلم ما كانوا عاملين لو جاءتهم الرسل وبهذا الجمع تتفق الدلة‬
‫فيكون أهل الفترة معذورين‪ ,‬وقوم منهم من أهل النار بعد‬
‫المتحان‪ ,‬وقوم منهم من أهل الجنة بعده أيضا‪ ,‬ويحمل كل‬
‫واحد من القولين على بعض منهم علم الله مصيرهم‪ ,‬وأعلم به‬
‫نبيه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فيزول التعارض‪ .‬والدليل على هذا‬
‫الجمع ورود الخبار به عنه صلى الله عليه وسلم‪ .‬قال ابن كثير‬
‫ث‬
‫ع َ‬ ‫حّتى ن َب ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫عذِّبي َ‬ ‫ما ك ُّنا ُ‬
‫م َ‬ ‫و َ‬
‫في تفسير قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ل{ بعد أن ساق طرق الحاديث الدالة على عذرهم‬ ‫سو ً‬‫َر ُ‬
‫دا على ابن عبد البر تضعيف أحاديث‬ ‫وامتحانهم يوم القيامة را ّ‬
‫عذرهم وامتحانهم ما نصه‪" :‬والجواب عما قال‪ ,‬إن أحاديث هذا‬
‫الباب منها ما هو صحيح كما قد نص على ذلك كثير من أئمة‬
‫العلماء‪ ,‬ومنها ما هو حسن‪ ,‬ومنها ما هو ضعيف يتقوى بالصحيح‬
‫و الحسن‪ ,‬و إذا كانت أحاديث الباب الواحد متصلة متعاضدة‬
‫على هذا النمط أفادت الحجة عند الناظر فيها" انتهى محل‬
‫الغرض منه بلفظه‪ ,‬ثم قال "إن هذا قال به جماعة من محققي‬
‫العلماء والحفاظ والنقاد وما احتج به البعض لرد هذه الحاديث‬
‫من أن الخرة دار جزاء ل دار عمل وابتلء فهو مردود من‬
‫وجهين‪ :‬الول أن ذلك ل ترد به النصوص الصحيحة عنه صلى‬
‫الله عليه وسلم ولو سلمنا عموم ما قال من أن الخرة ليست‬
‫دار عمل لكانت الحاديث المذكورة مخصصة لذلك العموم‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنا ل نسلم انتفاء المتحان في عر صات المحشر بل‬
‫نقول دل القاطع عليه؛ لن الله تعالى صّرح في سورة القلم‬
‫ف‬
‫ش ُ‬ ‫م ي ُك ْ َ‬ ‫و َ‬‫بأنهم ُيدعون إلى السجود في قوله جل وعل‪} :‬ي َ ْ‬
‫ن{ الية‬ ‫عو َ‬ ‫طي ُ‬ ‫ست َ ِ‬‫فل ي َ ْ‬ ‫جوِد َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن إ َِلى ال ّ‬ ‫و َ‬
‫ع ْ‬
‫وي ُدْ َ‬
‫ق َ‬
‫سا ٍ‬‫ن َ‬
‫ع ْ‬‫َ‬
‫ومعلوم أن أمرهم بالسجود تكليف في عر صات المحشر‪,‬‬
‫وثبت في الصحيح أن المؤمنين يسجدون يوم القيامة وأن‬
‫المنافق ل يستطيع ذلك ويعود ظهره كالصفيحة الواحدة طبقا ً‬
‫واحدا كلما أراد السجود خّر لقفاه‪ ,‬وفي الصحيحين في الرجل‬
‫الذي يكون آخر أهل النار خروجا منها أن الله يأخذ عهوده‬
‫ومواثيقه أن ل يسأل غير ما هو فيه‪ ,‬ويتكرر ذلك مرارا‪ ,‬ويقول‬
‫الله تعالى يا ابن آدم ما أغدرك ثم يأذن له في دخول الجنة‪,‬‬
‫ومعلوم أن تلك العهود والمواثيق تكليف في عر صات المحشر‬
‫والعلم عند الله تعالى‪.‬‬
‫ن يُ ْ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ه ُ‬ ‫جاءَ ُ‬‫مُنوا إ ِذْ َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ع الّنا َ‬ ‫من َ َ‬‫ما َ‬ ‫و َ‬
‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل{‪ :‬هذه الية‬ ‫سو ً‬ ‫شرا ً َر ُ‬ ‫ه بَ َ‬ ‫ث الل ّ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫قاُلوا أب َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫دى إ ِل ّ أ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مُنوا‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ع الّنا َ‬ ‫من َ َ‬‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫يظهر تعارضها مع قوله تعالى‪َ }:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ة‬‫سن ّ ُ‬‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن ت َأت ِي َ ُ‬ ‫م إ ِل ّ أ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫فُروا َرب ّ ُ‬ ‫غ ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫دى َ‬ ‫ه َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫جاءَ ُ‬ ‫إ ِذْ َ‬
‫ن{‪ ,‬ووجه الجمع أن الحصر في آية السراء حصر في‬ ‫َ‬
‫وِلي َ‬ ‫ال ّ‬
‫المانع العادي والحصر في آية الكهف في المانع الحقيقي‪.‬‬
‫وإيضاحه‪ :‬هو ما ذكره ابن عبد السلم من أن معنى آية الكهف‬
‫وما منع الناس أن يؤمنوا إل أن الله أراد أن تأتيهم سنة الولين‬
‫من أنواع الهلك في الدنيا أو يأتيهم العذاب قبل ً في الخرة‪،‬‬
‫فأخبر أنه أراد أن يصيبهم أحد المرين ول شك أن إرادة الله‬
‫مانعة من وقوع ما ينافي مراده فهذا حصر في المانع الحقيقي‬
‫لن الله هو المانع في الحقيقة‪.‬‬
‫ومعنى آية سبحان الذي أسرى أنه ما منع الناس من اليمان‬
‫إل استغرابهم أن الله يبعث رسول من البشر واستغرابهم لذلك‬
‫ليس مانعا حقيقيا بل عاديا يجوز تخلفه فيوجد اليمان معه‬
‫بخلف الول فهو حقيقي ل يمكن تخلفه ول وجود اليمان‬
‫معه‪.‬ذكر هذا الجمع صاحب التقان‪ ,‬والعلم عند الله تعالى‪.‬‬
‫عَلى‬ ‫ة َ‬ ‫م ِ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫و َ‬‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫شُر ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ون َ ْ‬‫قوله تعالى‪َ }:‬‬
‫ما{ الية‪،‬هذه الية الكريمة يدل‬ ‫ص ّ‬ ‫و ُ‬ ‫كما ً َ‬ ‫وب ُ ْ‬ ‫ميا ً َ‬ ‫ع ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ه ِ‬‫جو ِ‬ ‫و ُ‬‫ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ظاهرها على أن الكفار يبعثون يوم القيامة عميا وبكما وصما‬
‫ً‪.‬وقد جاءت آيات أخر تدل على خلف ذلك كقوله تعالى‪:‬‬
‫وَرأى‬ ‫ْ‬ ‫}أ َسمع بهم َ‬
‫م ي َأُتون ََنا{‪ ,‬وكقوله } َ‬ ‫و َ‬ ‫صْر ي َ ْ‬ ‫وأب ْ ِ‬ ‫ْ ِ ْ ِ ِ ْ َ‬
‫َ‬
‫ها{‪ ،‬وكقوله‪َ} :‬رب َّنا‬ ‫عو َ‬ ‫ق ُ‬‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫فظَّنوا أن ّ ُ‬ ‫ن الّناَر َ‬ ‫مو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ج ِ‬‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫صاِلحا{‪.‬الية والجواب عن‬ ‫م ْ‬ ‫عَنا َ‬ ‫َ‬
‫ل َ‬ ‫ع َ‬ ‫عَنا ن َ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫فاْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫و َ‬ ‫صْرَنا َ‬ ‫أب ْ َ‬
‫هذا من أوجه‪:‬‬
‫الوجه الول‪:‬هو ما استظهره أبو حيان من كون المراد مما‬
‫ذكر حقيقته ويكون ذلك في مبدأ المر ثم يرد الله تعالى إليهم‬
‫أبصارهم ونطقهم وسمعهم فيرون النار ويسمعون زفيرها‬
‫وينطقون بما حكى الله تعالى عنهم في غير موضع‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪:‬أنهم ل يرون شيئا يسرهم ول يسمعون كذلك‬
‫ول ينطقون بحجة كما أنهم كانوا في الدنيا ل يستبصرون ول‬
‫ينطقون بالحق ول يسمعونه وأخرج ذلك ابن جرير وابن أبى‬
‫حاتم عن ابن عباس وروى أيضا عن الحسن كما ذكره اللوسى‬
‫في تفسيره فتزل ما يقولونه ويسمعونه ويبصرونه منزلة العدم‬
‫لعدم النتفاع به كما تقدم نظيره‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪:‬أن الله إذا قال لهم اخسأوا فيها ول تكلمون‬
‫وقع بهم ذاك العمى والصم والبكم من شدة الكرب واليأس من‬
‫م‬‫ه ْ‬‫ف ُ‬ ‫ما ظَل َ ُ‬
‫موا َ‬ ‫م بِ َ‬
‫ه ْ‬ ‫ل َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫و ُ‬ ‫ع ال ْ َ‬
‫ق ْ‬ ‫و َ‬
‫ق َ‬ ‫و َ‬
‫الفرج قال تعالى‪َ }:‬‬
‫ن{ وعلى هذا القول تكون الحوال الثلثة مقدرة‪.‬‬ ‫ل ي َن ْطِ ُ‬
‫قو َ‬

‫سورة الكهف‬
‫عل َيك ُم يرجموك ُ َ‬
‫و‬‫مأ ْ‬‫ْ‬ ‫هُروا َ ْ ْ َ ْ ُ ُ‬ ‫ن ي َظْ َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ه ْ‬‫قوله تعالى‪}:‬إ ِن ّ ُ‬
‫حوا ِإذا ً أَبدًا{‪ .‬هذه الية تدل‬‫َ‬ ‫ن تُ ْ‬
‫فل ِ ُ‬ ‫ول َ ْ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫في ِ ّ‬
‫ملت ِ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫دوك ُ ْ‬ ‫عي ُ‬
‫يُ ِ‬
‫بظاهرها على أن المكره على الكفر ل يفلح أبدا‪.‬وقد جاءت آية‬
‫أخرى تدل على أن المكره على الكفر معذور إذا كان قلبه‬
‫ُ‬
‫ه‬‫قل ْب ُ ُ‬‫و َ‬ ‫ن أك ْ ِ‬
‫رهَ َ‬ ‫م ْ‬‫مطمئنا باليمان وهي قوله تعالى‪} :‬إ ِل ّ َ‬
‫درًا{‪ .‬الية‪.‬‬ ‫ص ْ‬
‫ر َ‬ ‫ف ِ‬‫ح ِبال ْك ُ ْ‬
‫شَر َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن َ‬ ‫ول َك ِ ْ‬‫ن َ‬ ‫ما ِ‬‫لي َ‬
‫ن ِبا ِ‬ ‫مطْ َ‬
‫مئ ِ ّ‬ ‫ُ‬
‫والجواب عن هذا من وجهين‪:‬‬
‫الول‪:‬أن رفع المؤاخذة مع الكراه من خصائص هذه المة‬
‫غل َ‬
‫ل‬ ‫وال َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫صَر ُ‬
‫م إِ ْ‬
‫ه ْ‬
‫عن ْ ُ‬‫ع َ‬ ‫ض ُ‬
‫وي َ َ‬
‫فهو داخل في قوله تعالى‪َ }:‬‬
‫م{ ويدل لهذا قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬‬ ‫ه ْ‬ ‫ت َ َ‬ ‫ال ِّتي َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫كان َ ْ‬
‫إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا‬
‫عليه"‪ .‬فهو يدل بمفهومه على خصوصه بأمته صلى الله عليه‬
‫وسلم وليس مفهوم لقب؛ لن مناط التخصيص هو اتصافه صلى‬
‫الله عليه وسلم بالفضلية على من قبله من الرسل واتصاف‬
‫أمته بها على من قبلها من المم‪ .‬والحديث وان أعله أحمد وابن‬
‫أبي حاتم فقد تلقاه العلماء قديما وحديثا بالقبول ومن أصرح‬
‫الدلة في أن من قبلنا ليس لهم عذر بالكراه‪ ,‬حديث‬
‫طارق‪[1]4‬بن شهاب في الذي دخل النار في ذباب قربه لصنم‬
‫مع أنه قربه ليتخلص من شر عبدة الصنم‪ ,‬وصاحبه الذي امتنع‬
‫من ذلك قتلوه فعلم أنه لو لم يفعل لقتلوه كما قتلوا صاحبه ول‬
‫إكراه أكبر من خوف القتل ومع هذا دخل النار ولم ينفعه‬
‫حوا‬ ‫ن تُ ْ‬
‫فل ِ ُ‬ ‫ول َ ْ‬‫الكراه‪ ,‬وظواهر اليات تدل على ذلك فقوله‪َ } :‬‬
‫ِإذا ً أ ََبدًا{ ظاهر في عدم فلحهم مع الكراه؛لن قوله‪:‬‬
‫في ِ ّ‬ ‫}يرجموك ُ َ‬
‫هم{ صريح في الكراه‬ ‫ملت ِ ِ‬ ‫دوك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫عي ُ‬‫و يُ ِ‬ ‫مأ ْ‬‫ْ‬ ‫َ ْ ُ ُ‬
‫‪4‬‬
‫خطَأ َْنا{ مع أنه‬ ‫و أَ ْ‬ ‫َ‬
‫سيَنا أ ْ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫خذَْنا إ ِ ْ‬ ‫ؤا ِ‬‫وقوله‪َ} :‬رب َّنا ل ت ُ َ‬
‫تعالى قال‪":‬قد فعلت" كما ثبت في صحيح مسلم يدل بظاهره‬
‫د‬
‫ق ْ‬‫ول َ َ‬‫على أن التكليف بذلك كان معهودا ً قبل‪ ,‬وقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫م‬‫صى آدَ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫و َ‬
‫ي{ مع قوله‪َ } :‬‬ ‫س َ‬ ‫فن َ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫قب ْ ُ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫هدَْنا إ َِلى آدَ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫َ‬
‫َرّبه{ فأسند إليه النسيان و العصيان معا يدل على ذلك أيضا‬
‫وعلى القول بأن المراد بالنسيان الترك فل دليل في‬
‫خطَأ َْنا{ مع‬ ‫و أَ ْ‬ ‫َ‬
‫سيَنا أ ْ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫خذَْنا إ ِ ْ‬ ‫ؤا ِ‬ ‫الية‪.‬وقوله‪َ}:‬رب َّنا ل ت ُ َ‬
‫قب ْل َِنا{ ويستأنس لهذا‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَلى ال ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫مل ْت َ ُ‬‫ح َ‬
‫ما َ‬‫قوله‪}:‬ك َ َ‬
‫بما ذكره البغوي في تفسيره عن الكلبي من أن المؤاخذة‬
‫بالنسيان كانت من الصر على من قبلنا وكان عقابها يعجل لهم‬
‫في الدنيا فيحرم عليهم بعض الطيبات‪ .‬وقال بعض العلماء‪ :‬إن‬
‫الكراه عذر لمن قبلنا وعليه فالجواب هو‪:‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن الكراه على الكفر قد يكون سببا‬
‫لستدراج الشيطان إلى استحسانه والستمرار عليه كما يفهم‬
‫مان{ وإلى‬ ‫لي َ‬ ‫ن ِبا ِ‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫مطْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫قل ْب ُ ُ‬ ‫و َ‬
‫من مفهوم قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫هذا الوجه جنح صاحب روح المعاني والول أظهر عندي و أوضح‬
‫والله تعالى أعلم‪.‬‬
‫ها{‪.‬هذه الية تدل على‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫عيب َ َ‬ ‫نأ ِ‬ ‫تأ ْ‬ ‫فأَردْ ُ‬
‫أن عْيبها يكون سببا لترك الملك الغاصب لها ولذلك خرقها‬
‫خذ ُ ك ُ ّ‬
‫ل‬ ‫ك ي َأ ْ ُ‬
‫مل ِ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وَراءَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬‫الخضر وعموم قوله‪َ } :‬‬
‫صبًا{ يقتضي أخذ الملك للمعيببة والصحيحة معا‪.‬‬ ‫ة َ‬
‫غ ْ‬ ‫فين َ ٍ‬
‫س ِ‬ ‫َ‬
‫والجواب أن في الكلم حذف الصفة وتقديره‪ :‬كل سفينة‬
‫صالحة صحيحة‪.‬وحذف النعت إذا دل المقام عليه جائز كما أشار‬
‫له ابن مالك في الخلصة بقوله‪:‬‬
‫يجوز حذفه وفي النعت‬ ‫وما من المنعوت والنعت‬
‫يقل‬ ‫عقل‬
‫ومن شواهد حذف الصفة قول الشاعر‪:‬‬
‫مهفهفة لها فرع وجيد‬ ‫ورب أسيلة الخدين بكر‬
‫أي لها فرع فاحم وجيد طويل‪.‬‬
‫وقول عبيد بن البرص السدي‪:‬‬
‫فعل ومن نائله نائل‬ ‫من قوله قول ومن فعله‬
‫يعني من قوله قول فصل وفعله فعل جميل ونائله نائل‬
‫جزل‪.‬‬
‫دفع إيهام الضطراب‬
‫عن آيات الكتاب‬
‫لفضيلة الشيخ محمد المين الشنقيطي‬
‫المدرس في كلية الشريعة بالجامعة‬
‫سورة مريم‬
‫ها{ الية‪ .‬هذه الية‬ ‫ردُ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م إ ِل ّ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ن ِ‬ ‫وإ ِ ْ‬
‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫الكريمة تدل على أن كل الناس لبد لهم من ورود النار وأكد‬
‫ضي ًّا{ وقد جاء في آية‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حْتما ً َ‬ ‫ك َ‬ ‫عَلى َرب ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫ذلك بقوله‪َ } :‬‬
‫أخرى ما يدل على أن بعض الناس مبعد عنها ل يسمع لها حسا ً‬
‫ن‬‫عو َ‬ ‫م ُ‬‫س َ‬‫ن‪ ,‬ل ي َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫مب ْ َ‬‫ها ُ‬ ‫عن ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫وهي قوله تعالى‪ُ} :‬أول َئ ِ َ‬
‫ها{ الية‪.‬‬ ‫س َ‬‫سي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫والجواب هو ما ذكره اللوسي وغيره من أن معنى قوله‪:‬‬
‫ن{‪ :‬أي عن عذاب النار وألمها‪ .‬وقيل‪ :‬المراد إبعادهم‬ ‫دو َ‬ ‫ع ُ‬‫مب ْ َ‬ ‫} ُ‬
‫عنها بعد أن يكونوا قريبا منها‪ ,‬ويدل للوجه الول ما أخرجه‬
‫المام أحمد والحكيم الترمذي وابن المنذر والحاكم وصححه‬
‫وجماعة عن أبي سمية قال‪" :‬اختلفنا في الورود فقال بعضنا‪ :‬ل‬
‫يدخلها مؤمن وقال آخر‪ :‬يدخلونها جميعا ثم ينجي الله الذين‬
‫اتقوا فلقيت جابر ابن عبد الله رضي الله عنه فذكرت ذلك له‪,‬‬
‫فقال‪ -‬وأهوى بإصبعيه إلى أذنيه‪ :-‬صمتا إن لم أكن سمعت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬ل يبقى بر ول فاجر إل‬
‫دخلها فتكون على المؤمنين بردا وسلما كما كانت على إبراهيم‬
‫عليه السلم حتى أن للنار ضجيجا من بردهم ثم ينجي الله‬
‫الذين اتقوا"‪ .‬وروى جماعة عن ابن مسعود أن ورود النار هو‬
‫المرور عليها"؛ لن الناس تمر على الصراط وهو جسر منصوب‬
‫على متن جهنم‪ .‬وأخرج عبد بن عبد حميد وابن النباري‬
‫والبيهقي عن الحسن الورود‪ :‬المرور عليها من غير دخول‪.‬‬
‫وروى ذلك أيضا عن قتادة قاله اللوسي‪.‬‬
‫واستدل القائلون بأن الورود نفس الدخول كابن عباس‬
‫بقوله تعالى‪َ َ } :‬‬
‫ء‬
‫ؤل ِ‬ ‫ه ُ‬
‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫و َ‬ ‫م الّناَر{ وقوله‪} :‬ل َ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫وَردَ ُ‬ ‫فأ ْ‬
‫َ‬
‫ها‬‫م لَ َ‬‫م أن ْت ُ ْ‬ ‫هن ّ َ‬‫ج َ‬ ‫ب َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ها{ وقوله‪َ } :‬‬ ‫دو َ‬‫وَر ُ‬
‫ما َ‬ ‫ة َ‬ ‫ه ً‬ ‫آل ِ َ‬
‫ن{‪ ،‬فالورود في ذلك كله بمعنى الدخول واستدل‬ ‫دو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫َ‬
‫القائلون بأن الورود القرب منها من غير دخول بقوله تعالى‪:‬‬
‫ن{‪ ،‬وقول زهير‪:‬‬ ‫مدْي َ َ‬ ‫ماءَ َ‬ ‫وَردَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ول َ ّ‬‫} َ‬
‫وضعن عصى الحاضر‬ ‫فلما وردن الماء زرفا ً‬
‫المتخيعم‬
‫سورة طه‬ ‫جمعامة‬
‫ها{ هذه الية‬ ‫في َ‬ ‫خ ِ‬ ‫كادُ أ ُ ْ‬ ‫ة أَ َ‬ ‫ة آت ِي َ ٌ‬‫ع َ‬
‫سا َ‬‫ن ال ّ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫الكريمة يتوهم منها أنه جل وعل لم يخفها بالفعل ولكنه قارب‬
‫أن يخفيها؛ لن )كاد( فعل مقاربة‪ .‬وقد جاء في آيات أخر‬
‫بل‬ ‫غي ْ ِ‬‫ح ال ْ َ‬ ‫فات ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫عن ْدَهُ َ‬ ‫و ِ‬‫التصريح بأنه أخفاها كقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫و{ وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن المراد‬ ‫ه َ‬ ‫ها إ ِل ّ ُ‬ ‫م َ‬‫عل َ ُ‬‫يَ ْ‬
‫ه‬
‫عن ْدَ ُ‬‫ه ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫بمفاتح الخمس المذكورة في قوله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫عن ْدَ َرّبي{‬ ‫ها ِ‬ ‫عل ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬‫ق ْ‬ ‫ة{ الية‪ .‬وكقوله‪ُ } :‬‬ ‫ع ِ‬ ‫سا َ‬‫م ال ّ‬ ‫عل ْ ُ‬‫ِ‬
‫ها{ إلى غير ذلك من اليات‪.‬‬ ‫ن ِذك َْرا َ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫م أن ْ َ‬ ‫في َ‬‫وقوله‪ِ } :‬‬
‫والجواب من سبعة أوجه‪:‬‬
‫الول‪ :‬وهو الراجح‪ ،‬أن معنى الية أكاد أخفيها من نفسي أي‬
‫لو كان ذلك يمكن وهذا على عادة العرب؛ لن القرآن نزل‬
‫بلغتهم والواحد منهم إذا أراد المبالغة في كتمان أمر قال كتمته‬
‫من نفسي أي ل أبوح به لحد‪ ،‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫ما كدت أكتمه عني من‬ ‫أيام تصحبني هند‬
‫صلى الله عليه وسلم في‬ ‫الخعير‬ ‫ونظير هذا من المبالغة قوله‬ ‫وأخبرهعا‬
‫حديث السبعة الذين يظلهم الله "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها‬
‫حتى ل تعلم شماله ما تنفق يمينه"‪ .‬وهذا القول مروي عن أكثر‬
‫المفسرين‪ ,‬وممن قال به ابن عباس ومجاهد وقتادة وأبو صالح‬
‫كما نقله عنهم ابن جرير وجعفر الصادق كما نقله عنه اللوسي‬
‫ي )أكاد أخفيها‬ ‫ُ‬
‫في تفسيره ويؤيد هذا القول أن في مصحف أب ّ‬
‫من نفسي( كما نقله اللوسي وغيره وروى ابن خالويه أنها في‬
‫مصحف أبي كذلك بزيادة )فكيف أظهركم عليها( وفي بعض‬
‫القراءات بزيادة )فكيف أظهرها لكم( وفي مصحف عبد الله‬
‫ابن مسعود بزيادة )فكيف يعلمها مخلوق( كما نقله اللوسي‬
‫وغيره‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن معنى الية أكاد أخفيها أي أخفي الخبار‬
‫بأنها آتية والمعنى أقرب أن أترك الخبار عن إتيانها من أصله‬
‫لشدة إخفائي لتعيين وقت إتيانها‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬أن الهمزة في قوله‪) :‬أخفيها( هي همزة‬
‫السلب لن العرب كثيرا ما تجعل الهمزة أداة لسلب الفعل‬
‫كقولهم شكا إلي فلن فأشكيته أي أزلت شكايته وقولهم عقل‬
‫البعير فأعقلته أي أزلت عقاله وعلى هذا فالمعنى أكاد أخفيها‬
‫أي أزيل خفاءها بأن أظهرها لقرب وقتها كما قال تعالى‪:‬‬
‫ة{‪ .‬الية‪ .‬وهذا القول مروي عن أبي علي‬ ‫ع ُ‬
‫سا َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫قت ََرب َ ِ‬ ‫}ا ْ‬
‫كما نقله عنه اللوسي في تفسيره ونقله النيسابوري في‬
‫تفسيره عن أبي الفتح الموصلي ومنه قول امرئ القيس ابن‬
‫عابس الكندي‪:‬‬
‫وإن تبعثوا العحرب ل نقععد‬
‫فإن تدفنوا العداء ل نخفعه‬
‫على رواية ضم النون من ل نخفه وقد نقل ابن جرير في‬
‫تفسير هذه الية عن معمر بن المثنى أنه قال‪ :‬أنشدنيه أبو‬
‫الخطاب عن أهله في بلده بضم النون من ل نخفه ومعناه ل‬
‫نظهره أما على الرواية المشهورة بفتح النون من ل نخفه فل‬
‫شاهد في البيت إل على قراءة من قرأ أكاد أخفيها بفتح الهمزة‬
‫وممن قرأ بذلك أبو الدرداء وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد‬
‫وحميد وروي مثل ذلك عن ابن كثير وعاصم وإطلق خفاه‬
‫يخفيه بفتح الياء بمعنى أظهره إطلق مشهور صحيح إل أن‬
‫القراءة به ل تخلو من شذوذ ومنه البيت المذكور على رواية‬
‫فتح النون وقول كعب بن زهير أو غيره‪:‬‬
‫بعاريكعين يخفعيان غمعيرا‬ ‫داب شهرين ثم شهرا‬
‫دميعكا‬
‫أي يظهرانه‪ .‬وقول امرئ القيس‪:‬‬
‫خفاهن ودق من عشى‬ ‫خفاهن من إنفاقهن‬
‫مجعلب‬ ‫كأنعما‬
‫الوجه الرابع‪ :‬أن خبر كاد محذوف والمعنى على هذا القول‬
‫أن الساعة آتية أكاد أظهرها فحذف الخبر ثم ابتدأ الكلم بقوله‪:‬‬
‫عى{‪ ,‬ونظير ذلك من‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫}أ ُ‬
‫س َ‬
‫ما ت َ ْ‬
‫س بِ َ‬
‫ٍ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫زى‬ ‫َ‬ ‫ج‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ها‬
‫َ‬ ‫في‬
‫ِ‬ ‫خ‬
‫ْ‬
‫كلم العرب قول ضابئي ابن الحرث البرجمي‪:‬‬
‫تركت على عثمان تبكي حلئله‬ ‫هممت ولم أفعل وكدت‬
‫وليتني‬
‫يعني وكدت أفعل‪.‬‬
‫الوجه الخامس‪ :‬أن كاد تأتي بمعنى أراد وعليه فمعنى أكاد‬
‫أخفيها أريد أن أخفيها وإلى هذا القول ذهب الخفش وابن‬
‫النباري وأبو مسلم كما نقله عنهم اللوسي وغيره قال ابن‬
‫جني في المحتسب ومن مجيء كاد بمعنى أراد قول الشاعر‪:‬‬
‫لو عاد من لهو الصبابة ما‬ ‫كادت وكدت وتلك خير‬
‫مضى‬ ‫إرادة‬
‫كما نقله عنه اللوسي‪ .‬وقال بعض العلماء أن من مجيء‬
‫ف{ أي أردنا‬ ‫س َ‬ ‫ك ك ِدَْنا ل ُِيو ُ‬ ‫كاد بمعنى أراد قوله تعالى‪ } :‬ك َذَل ِ َ‬
‫له كما ذكره النيسابوري وغيره ومنه قول العرب ل أفعل كذا‬
‫ول أكاد أي ل أريد كما نقله بعضهم‪.‬‬
‫الوجه السادس‪ :‬أن كاد من الله تدل على الوجوب كما دلت‬
‫ن‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫َ‬ ‫ق ْ‬ ‫عليه عسى في كلمه تعالى نحو } ُ‬
‫كو َ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ل َ‬
‫ريبًا{ أي هو قريب وعلى هذا فمعنى أكاد أخفيها أنا أخفيها‪.‬‬ ‫ق ِ‬ ‫َ‬
‫الوجه السابع‪ :‬أن كاد صلة وعليه فالمعنى أن الساعة آتية‬
‫أخفيها لتجزى الية‪ .‬واستدل قائل هذا القول بقول زيد الخيل‪:‬‬
‫فما أن يكعاد قعرنه يتنفعس‬ ‫سريع إلى الهيجاء شاك‬
‫أي فما يتنفس قرنه‪ .‬قالوا‪ :‬ومن هذا القبيل قوله تعالى‪:‬‬ ‫سلحه‬
‫ها{ أي لم يرها وقول ذي الرمة‪:‬‬ ‫م ي َك َدْ ي ََرا َ‬‫}ل َ ْ‬
‫رسيس الهوى من حب مية‬ ‫إذا غير النأي المحبين لم‬
‫يبرج‬ ‫يعكد‬
‫أي لم يبرح على قول هذا القائل‪ ,‬قالوا ومن هذا المعنى‬
‫قول أبي النجم‪:‬‬
‫قد كاد يطلع العداء والخطعبا‬ ‫وإن أتاك نعي فانعدبن‬
‫أبعا‬
‫أي قد اطلع العداء‪.‬‬
‫وقد قدمنا أن أرجح القوال الول والعلم عند الله تعالى‪.‬‬
‫هوا‬ ‫ق ُ‬ ‫ف َ‬‫ساِني‪ ,‬ي َ ْ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫قدَةً ِ‬ ‫ع ْ‬‫ل ُ‬ ‫حل ُ ْ‬‫وا ْ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫وِلي{ ل يخفى أنه من سؤل موسى الذي قال له ربه أنه آتاه‬ ‫ق ْ‬ ‫َ‬
‫سى{ وذلك‬ ‫ؤل َ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ُ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫إياه بقوله‪َ } :‬‬
‫مو َ‬ ‫ك َيا ُ‬ ‫ت ُ‬ ‫قدْ أوِتي َ‬
‫صريح في حل العقدة من لسانه‪ ,‬وقد جاء في بعض اليات ما‬
‫يدل على بقاء شيء من الذي كان بلسانه كقوله تعالى عن‬
‫د‬
‫كا ُ‬‫ول ي َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫هي ٌ‬ ‫م ِ‬
‫و َ‬ ‫ه َ‬‫ذي ُ‬ ‫ذا ال ّ ِ‬ ‫ه َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ٌْر ِ‬ ‫م أ ََنا َ‬ ‫َ‬
‫فرعون‪} :‬أ ْ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫ي ُِبي ُ‬
‫ح‬ ‫َ‬
‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫ص ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ُ‬ ‫هاُرو ُ‬ ‫خي َ‬ ‫وأ ِ‬ ‫وقوله تعالى عن موسى‪َ } :‬‬
‫مّني ل ِسانا ً َ َ‬
‫ي{‪ .‬الية‪.‬‬ ‫ع َ‬‫م ِ‬ ‫ه َ‬ ‫سل ْ ُ‬ ‫فأْر ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫والجواب أن موسى‪ -‬عليه وعلى نبينا الصلة والسلم‪ -‬لم‬
‫يسأل زوال ما كان بلسانه بالكلية وإنما سأل زوال القدر المانع‬
‫وِلي{‪.‬‬ ‫ق ْ‬ ‫هوا َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ف َ‬ ‫من أن يفقهوا قوله كما يدل عليه قوله‪} :‬ي َ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫قدَةً ِ‬ ‫ع ْ‬‫ل ُ‬ ‫حل ُ ْ‬‫وا ْ‬ ‫قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى } َ‬
‫ساِني{ ما نصه‪ :‬وما سأل أن يزول ذلك بالكلية بل بحيث‬ ‫لِ َ‬
‫يزول العي ويحصل لهم فهم ما يريد منه وهو قدر الحاجة ولو‬
‫سأل الجميع لزال‪ ,‬ولكن النبياء ل يسألون إل بحسب الحاجة‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ولهذا بقيت بقية‪ ,‬قال تعالى إخبارا عن فرعون أنه قال‪} :‬أ ْ‬
‫ن{ أي يفصح‬ ‫كادُ ي ُِبي ُ‬ ‫ول ي َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫هي ٌ‬ ‫م ِ‬
‫و َ‬ ‫ه َ‬
‫ذي ُ‬ ‫ذا ال ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫أ ََنا َ‬
‫خي ٌْر ِ‬
‫ساِني{‬ ‫ن لِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫قدَةً ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫حل ُ ْ‬‫وا ْ‬ ‫بالكلم‪ .‬قال الحسن البصري‪َ } :‬‬
‫قال‪ ":‬حل عقدة واحدة ولو سأل أكثر من ذلك أعطى" وقال‬
‫ابن عباس‪ ":‬شكا موسى إلى ربه ما يتخوف من آل فرعون في‬
‫القتيل وعقدة لسانه؛ فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير‬
‫من الكلم وسأل ربه أن يعينه بأخيه هارون يكون ردءا له‬
‫ويتكلم عنه بكثير مما ل يفصح به لسانه فأتاه سؤله فحل عقدة‬
‫من لسانه"‪ ,‬وقال ابن أبي حاتم‪" :‬ذكر عن عمر بن عثمان‬
‫حدثنا بقية عن أرطأة بن المنذر حدثني بعض أصحاب محمد بن‬
‫كعب عنه قال‪ :‬أتاه ذو قرابة له فقال له‪ :‬ما بك بأس لو ل أنك‬
‫تلحن في كلمك ولست تعرب في قراءتك فقال القرظي‪ :‬يا‬
‫ابن أخي ألست أفهمك إذا حدثتك؟ قال نعم‪ ,‬قال‪ :‬فإن موسى‬
‫عليه السلم إنما سأل ربه أن يحل عقدة من لسانه كي يفقه‬
‫بنو إسرائيل قوله ولم يزد عليها"‪ .‬انتهى كلم ابن كثير بلفظه‬
‫وقد نقل فيه عن الحسن البصري وابن عباس ومحمد بن كعب‬
‫القرظي ما ذكرنا من الجواب ويمكن أن يجاب أيضا بأن فرعون‬
‫ن{ كما كذب على الله في‬ ‫كادُ ي ُِبي ُ‬ ‫ول ي َ َ‬‫كذب عليه في قوله‪َ } :‬‬
‫سانًا{ يدل على‬ ‫َ‬
‫وأ ْ‬
‫مّني ل ِ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َ‬‫إدعاء الربوبية وأن قوله‪ُ } :‬‬
‫اشتراكه مع هارون في الفصاحة فكلهما فصيح إل أن هارون‬
‫أفصح وعليه فل إشكال والعلم عند الله تعالى‪.‬‬
‫ك{‪ .‬الية‪ .‬يدل على‬ ‫سول َرب ّ َ‬ ‫قول إ ِّنا َر ُ‬ ‫ف ُ‬‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫قول إ ِّنا‬ ‫ف ُ‬ ‫أنهما رسولن وهما موسى وهارون وقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ن{‪ ،‬يوهم كون الرسول واحد‪ .‬والجواب من‬ ‫مي َ‬ ‫عال َ ِ‬‫ب ال ْ َ‬ ‫سو ُ‬
‫ل َر ّ‬ ‫َر ُ‬
‫وجهين‪:‬‬
‫ن{ أي كل‬ ‫مي َ‬ ‫عال َ ِ‬‫ب ال ْ َ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫الول‪ :‬أن معنى قوله‪} :‬إ ِّنا َر ُ‬
‫واحد منا رسول رب العالمين كقول البرجمي‪ :‬فإني وقيارا ً بها‬
‫لغريب‪.‬‬
‫وإنما ساغ هذا لظهور المراد من سياق الكلم‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن أصل الرسول مصدر كالقبول والولوع‬
‫فاستعمل في السم فجاز جمعه وتثنيته نظرا إلى كونه بمعنى‬
‫الوصف وساغ إفراده مع إرادة المثنى أو الجمع نظرا إلى‬
‫الصل من كونه مصدرا ومن إطلق الرسول على غير المفرد‬
‫قول الشاعر‪:‬‬
‫أعلمهم بنواحي الخبر‬ ‫ألكنى إليها وخير الرسول‬
‫يعني وخير الرسل‪ ,‬وإطلق الرسول مرادا به المصدر كثير‬
‫ومنه قوله‪:‬‬
‫بقول ول أرسلتهم برسول‬ ‫لقد كذب الواشون ما‬
‫عندهم‬
‫برسالة‪.‬‬ ‫فهتيعني‬
‫سى{‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫ما َيا ُ‬ ‫ن َرب ّك ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ما{ يقتضي أن المخاطب‬ ‫ن َرب ّك ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫سى{ يقتضي أن المخاطب واحد‬ ‫مو َ‬ ‫اثنان وقوله‪َ} :‬يا ُ‬
‫والجواب من ثلثة أوجه‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن فرعون أراد خطاب موسى وحده والمخععاطب أن‬
‫اشترك معه في الكلم غير مخاطب غلب المخاطب على غيععره‬
‫كما لو خاطبت رجل اشترك معه آخعر فعي شعأن والثعاني غعائب‬
‫فإنك تقول للحاضر منهما ما بالكما فعلتما كذا والمخاطب واحد‬
‫وهذا ظاهر‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أنه خاطبهما معا وخص موسععى بالنععداء لكععونه‬
‫الصل في الرسالة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنععه خاطبهمععا معععا وخععص موسععى بالنععداء لمطابقععة‬
‫فل‬ ‫رؤوس الي مع ظهععور المععراد ونظيععر اليععة قععوله تعععالى‪َ } :‬‬
‫قى{ ويجاب عنه بأن المععرأة تبععع‬ ‫ش َ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫ة َ‬‫جن ّ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬‫ما ِ‬‫جن ّك ُ َ‬
‫ر َ‬
‫خ ِ‬
‫يُ ْ‬
‫لزوجها وبأن شقاء الكد والعمل يتوله الرجال أكثر مععن النسععاء‪,‬‬
‫وبأن الخطاب لدم وحده والمععرأة ذكععرت فيمععا خععوطب بععه آدم‬
‫ك{ فهععي ذكععرت فيمععا‬ ‫ج َ‬ ‫و ِ‬
‫ول َِز ْ‬ ‫ك َ‬ ‫و لَ َ‬ ‫عد ُ ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن َ‬ ‫بدليل قوله‪} :‬إ ِ ّ‬
‫خوطب به آدم؛ والمخاطب عند الله تعالى‪.‬‬
‫ي{‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫ل َ‬
‫فن َ ِ‬ ‫قب ْ ُ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫هدَْنا إ َِلى آدَ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ول َ َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ظاهر هذه الية أن آدم ناس للعهد بالنهي عن أكل الشجرة؛ لن‬
‫الشيطان قاسمه بالله أنه له ناصح حتى دله بغرور وأنساه‬
‫العهد وعليه فهو معذور ل عاص‪ .‬وقد جاءت آية أخرى تدل على‬
‫وى{‪.‬‬ ‫غ َ‬
‫ف َ‬‫ه َ‬ ‫م َرب ّ ُ‬ ‫صى آدَ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫و َ‬‫خلف ذلك وهي قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫والجواب عن هذا من وجهين‪:‬‬
‫الول‪ :‬هو ما قدمنا من عدم العذر بالنسيان لغير هذه المة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن نسي بمعنى ترك‪ ,‬والعرب ربما أطلقت النسيان‬
‫م{‪ .‬الية‪.‬‬
‫ه ْ‬
‫سا ُ‬
‫م ن َن ْ َ‬ ‫فال ْي َ ْ‬
‫و َ‬ ‫بمعنى الترك ومنه قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫والعلم عند الله تعالى‪.‬‬
‫سورة النبياء‬
‫ب‬ ‫ص ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫عب ُ ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬إ ِن ّك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن{‪ .‬هذه الية تدل على أن جميع‬ ‫دو َ‬ ‫ر ُ‬‫وا ِ‬ ‫ها َ‬ ‫م لَ َ‬ ‫م أن ْت ُ ْ‬ ‫هن ّ َ‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬
‫المعبودات مع عابديها في النار‪.‬‬
‫وقد أشارت آيات أخر إلى أن بعض المعبودين كعيسى‬
‫ن‬
‫ب اب ْ ُ‬ ‫ر َ‬ ‫ِ‬ ‫ض‬‫ما ُ‬ ‫ول َ ّ‬ ‫والملئكة ليسوا من أهل النار كقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ء‬
‫ؤل ِ‬ ‫ه ُ‬‫ةأ َ‬ ‫ملئ ِك َ ِ‬ ‫ل ل ِل ْ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ل{ الية‪ ,‬وقوله تعالى‪} :‬ث ُ ّ‬ ‫مث َ ً‬ ‫م َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن{ وقوله‪} :‬أولئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫غو َ‬ ‫ن ي َب ْت َ ُ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َدْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ِ‬ ‫دو َ‬ ‫عب ُ ُ‬ ‫م كاُنوا ي َ ْ‬ ‫إ ِّياك ْ‬
‫ب{‪ .‬الية‪.‬‬ ‫قَر ُ‬ ‫م أَ ْ‬ ‫ه ْ‬
‫إَلى ربهم ال ْوسيل َ َ َ‬
‫ة أي ّ ُ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ ّ ِ ُ‬ ‫ِ‬
‫والجواب من وجهين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن هذه الية لم تتناول الملئكة ول عيسى لتعبيره‬
‫بما الدالة على غير العاقل‪ ،‬وقد أشار تعالى إلى هذا الجواب‬
‫ن{‪،‬‬ ‫مو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫م َ‬ ‫و ٌ‬ ‫ق ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫جدَل ً ب َ ْ‬ ‫ك إ ِل ّ َ‬ ‫ضَرُبوهُ ل َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫بقوله‪َ } :‬‬
‫لنهم لو أنصفوا لما ادعوا دخول العقلء في لفظ ل يتناولهم‬
‫لغة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن الملئكة وعيسى نص الله على إخراجهم من هذا‬
‫ت‬‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫دفعا للتوهم ولهذه الحجة الباطلة بقوله‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ن{ الية‪ ,‬قوله تعالى‪:‬‬ ‫دو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫مب ْ َ‬ ‫ها ُ‬ ‫عن ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫سَنى ُأول َئ ِ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫مّنا ال ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫فه ْ َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫حد ٌ َ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م إ ِل َ ٌ‬ ‫هك ُ ْ‬ ‫ما إ ِل َ ُ‬ ‫ي أن ّ َ‬ ‫حى إ ِل َ ّ‬ ‫ما ُيو َ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫} ُ‬
‫ن{‪ ,‬عبر في هذه الية الكريمة بلفظ )إنما( وهي تدل‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫على الحصر عند الجمهور وعليه فهي تدل على حصر الوحي‬
‫في توحيد اللوهية وقد جاءت آيات أخر تدل على أنه أوصى‬
‫َ‬ ‫ل ُأو ِ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫فٌر ِ‬ ‫ع نَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ها ْ‬ ‫ي أن ّ ُ‬ ‫ي َ إ ِل َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ق ْ‬ ‫إليه غير ذلك كقوله‪ُ } :‬‬
‫ك{‪,‬‬ ‫ه إ ِل َي ْ َ‬ ‫حي ِ‬ ‫ب ُنو ِ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫ء ال ْ َ‬ ‫ن أن َْبا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن{ الية‪ ,‬وقوله‪} :‬ذَل ِ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫حي َْنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫ك أَ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫ن نَ ُ‬
‫و َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ص بِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫س‬‫َ‬ ‫ح‬‫ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ق ّ‬ ‫ح ُ‬ ‫وقوله‪} :‬ن َ ْ‬
‫ك{ الية‪.‬‬ ‫إ ِل َي ْ َ‬
‫والجواب أن حصر الوحي في توحيد اللوهية حصر له في‬
‫أصله العظم الذي يرجع إليه جميع الفروع لن شرائع كل‬
‫النبياء داخلة في ضمن ل إله إل الله لن معناها خلع كل النداد‬
‫سوى الله في جميع أنواع العبادات وإفراد الله بجميع أنواع‬
‫العبادات فيدخل في ذلك جميع الوامر والنواهي القولية‬
‫والفعلية والعتقادية‪.‬‬
‫سورة الحج‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫موا{‪ ,‬هذه‬ ‫م ظُل ِ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن ب ِأن ّ ُ‬ ‫قات َُلو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬أِذ َ‬
‫الية الكريمة تدل على أن قتال الكفار مأذون فيه ل واجب وقد‬
‫هُر‬ ‫ش ُ‬ ‫خ ال َ ْ‬ ‫سل َ َ‬ ‫ذا ان ْ َ‬ ‫فإ ِ َ‬ ‫جاءت آيات تدل على وجوبه كقوله‪َ } :‬‬
‫قات ُِلوا‬ ‫و َ‬ ‫ن{ الية‪ ,‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قت ُُلوا ال ْ ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫م َ‬ ‫حُر ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ة{ الية‪ ,‬إلى غير ذلك من اليات‪ .‬والجواب‬ ‫ف ً‬ ‫كا ّ‬‫ن َ‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ظاهر وهو أنه أذن فيه أول من غير إيجاب ثم أوجب بعد ذلك‬
‫كما تقدم في سورة البقرة‪ ,‬ويدل لهذا ما قاله ابن عباس‬
‫وعروة ابن الزبير وزيد بن أسلم ومقاتل بن حيان وقتادة‬
‫ومجاهد والضحاك وغير واحد كما نقله عنهم ابن كثير وغيره من‬
‫ُ‬
‫ن{ هي أول آية نزلت في الجهاد‬ ‫قات َُلو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬ ‫أن آية }أِذ َ‬
‫والعلم عند الله تعال‪.‬‬
‫َ‬
‫مى‬ ‫ع َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ول َك ِ ْ‬ ‫صاُر َ‬ ‫مى الب ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ها ل ت َ ْ‬ ‫فإ ِن ّ َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ر{‪.‬‬ ‫دو ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫في ال ّ‬ ‫ب ال ِّتي ِ‬ ‫قُلو ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ظاهر هذه الية أن البصار ل تعمى‪ ،‬وقد جاءت آيات أخر تدل‬
‫م‬ ‫ك ال ّذين ل َعن َهم الل ّه َ َ‬ ‫على عمى البصار كقوله‪ُ} :‬أول َئ ِ َ‬
‫ه ْ‬‫م ُ‬ ‫ص ّ‬ ‫فأ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ َ ُ ُ‬
‫عَلى ال َ ْ‬ ‫َ‬ ‫وأ َ ْ‬
‫ج{‪.‬‬ ‫حَر ٌ‬ ‫مى َ‬ ‫ع َ‬ ‫س َ‬ ‫م{‪ ,‬وكقوله‪} :‬ل َي ْ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫صاَر ُ‬ ‫مى أب ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬
‫والجواب‪ :‬أن التمييز بين الحق والباطل وبين الضار والنافع‬
‫وبين القبيح والحسن لما كان كله بالبصائر ل بالبصار صار‬
‫العمى الحقيقي هو عمى البصائر ل عمى البصار أل ترى أن‬
‫صحة العينين ل تفيد مع عدم العقل كما هو ضروري وقوله‪:‬‬
‫م{ يعني بصائرهم أو أعمى‬ ‫َ‬ ‫وأ َ ْ‬ ‫} َ َ‬
‫ه ْ‬ ‫صاَر ُ‬ ‫مى أب ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫م ُ‬ ‫ص ّ‬ ‫فأ َ‬
‫أبصارهم عن الحق وإن رأت غيره‪.‬‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫م ّ‬ ‫ة ِ‬ ‫سن َ ٍ‬ ‫ف َ‬ ‫ك ك َأل ْ ِ‬ ‫عن ْدَ َرب ّ َ‬ ‫وما ً ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ن{‪.‬‬ ‫دو َ‬ ‫ع ّ‬ ‫تَ ُ‬
‫هذه الية الكريمة تدل على أن مقدار اليوم عند الله ألف‬
‫ء إ َِلى‬ ‫ما ِ‬ ‫َ‬
‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫مَر ِ‬ ‫سنة وكذلك قوله تعالى‪} :‬ي ُدَب ُّر ال ْ‬
‫ة‬
‫سن َ ٍ‬ ‫ف َ‬ ‫داُرهُ أ َل ْ َ‬ ‫ق َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫وم ٍ َ‬ ‫في ي َ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ج إ ِل َي ْ ِ‬ ‫عُر ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ض ثُ ّ‬ ‫الْر ِ‬
‫َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫دو َ‬ ‫ع ّ‬ ‫ما ت َ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ِ‬
‫وقد جاءت آية أخرى تدل على خلف ذلك وهي قوله تعالى‬
‫في‬ ‫ه ِ‬ ‫ح إ ِل َي ْ ِ‬ ‫والّرو ُ‬ ‫ة َ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫ج ال ْ َ‬ ‫عُر ُ‬ ‫في سورة سأل سائل‪} :‬ت َ ْ‬
‫ة{ الية‪ ,‬إعلم أول أن‬ ‫سن َ ٍ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أ َل ْ َ‬ ‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫داُرهُ َ‬ ‫ق َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫وم ٍ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫أبا عبيدة روى عن إسماعيل ابن إبراهيم عن أيوب عن ابن أبي‬
‫مليكة أنه حضر كل ً من ابن عباس وسعيد ابن المسيب سئل‬
‫عن هذه اليات فلم يدر ما يقول فيها ويقول ل أدري‪.‬‬
‫وللجمع بينهما وجهان‪:‬‬
‫الوجه الول‪ :‬هو ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق سماك‬
‫عن عكرمة عن ابن عباس من أن يوم اللف في سورة الحج‬
‫هو أحد اليام الستة التي خلق الله فيها السماوات و الرض‪،‬‬
‫ويوم اللف في سورة السجدة هو مقدار سير المر وعروجه‬
‫إليه تعالى‪ .‬ويوم الخمسين ألفا هو يوم القيامة‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن المراد بجميعها يوم القيامة وأن الختلف‬
‫فذَل ِ َ‬
‫ك‬ ‫باعتبار حال المؤمن والكافر؛ ويدل لهذا قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ر{ ذكر هذين‬ ‫سي ٍ‬ ‫غي ُْر ي َ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫عَلى ال ْ َ‬
‫كا ِ‬ ‫سيٌر َ‬ ‫ع ِ‬ ‫م َ‬ ‫و ٌ‬ ‫ذ يَ ْ‬
‫مئ ِ ٍ‬‫و َ‬
‫يَ ْ‬
‫الوجهين صاحب التقان‪ .‬والعلم عند الله‪.‬‬
‫َ‬
‫ول‬ ‫ل َ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫قب ْل ِ َ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫سل َْنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫و َ‬‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ه{‪ .‬الية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫شي ْ َ‬‫قى ال ّ‬ ‫َ‬
‫مّنى أل ْ َ‬ ‫ي إ ِل ّ إ ِ َ‬
‫من ِي ّت ِ ِ‬ ‫في أ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫ذا ت َ َ‬ ‫ن َب ِ ّ‬
‫هذه الية الكريمة تدل على أن كل رسول وكل نبي يلقى‬
‫الشيطان في أمنيته أي تلوته إذا تل ومنه قول الشاعر في‬
‫عثمان رضي الله عنه‪:‬‬
‫وآخرها لقى حعمام المقعادر‬
‫تمنى كتعاب الله أول ليعلة‬
‫وقول الخر‪:‬‬
‫تمني داود الزبعور على رسعل‬ ‫تمنى كتاب الله آخعر‬
‫ليعلة‬
‫ومعنى تمنى في البيتين قرأ وتل‪ .‬وفي صحيح البخاري عن‬
‫ابن عباس أنه قال‪ ":‬إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته إذا‬
‫حدث ألقى الشيطان في حديثه"‪ .‬وقال بعض العلماء‪" :‬إذا تمنى‬
‫أحب شيئا وأراده فكل نبي يتمنى إيمان أمته والشيطان يلقى‬
‫عليهم الوساوس والشبه ليصدهم عن سبيل الله‪ ,‬وعلى أن‬
‫)تمنى( بمعنى قرأ وتل كما عليه الجمهور‪ ,‬فمعنى إلقاء‬
‫الشيطان في تلوته إلقاؤه الشبه والوساوس فيما يتلوه النبي‬
‫ليصد الناس عن اليمان به‪ ,‬أو إلقاؤه في المتلو ما ليس منه‬
‫ليظن الكفار أنه منه‪ ,‬وهذه الية ل تعارض بينها وبين اليات‬
‫المصرحة بأن الشيطان ل سلطان له على عباد الله المؤمنين‬
‫ه ل َي ْ َ‬
‫س‬ ‫المتوكلين‪ ,‬ومعلوم أن خيارهم النبياء كقوله تعالى‪} :‬إ ِن ّ ُ‬
‫ن‪,‬‬‫وك ُّلو َ‬ ‫م ي َت َ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫على َرب ّ ِ‬
‫و َ َ‬‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَلى ال ّ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫طا ٌ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫لَ ُ‬
‫ه‬
‫م بِ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ون َ ُ‬ ‫ول ّ ْ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَلى ال ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫طان ُ ُ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫ك َ َ‬ ‫س لَ َ‬ ‫عَباِدي ل َي ْ َ‬ ‫ر ُ‬ ‫م ْ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن{‪ ,‬وقوله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬ ‫كو َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ُ‬
‫عّزت ِ َ‬
‫ك‬ ‫فب ِ ِ‬ ‫ن{‪ ,‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫وي َ‬ ‫غا ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ن ات ّب َ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م ِ‬ ‫ن إ ِل َ‬
‫َ‬
‫سلطا ٌ‬ ‫ُ‬
‫ن{‪ ,‬وقوله‪:‬‬ ‫صي َ‬ ‫خل َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫عَبادَ َ‬ ‫ن إ ِل ّ ِ‬ ‫عي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ج َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫وي َن ّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫لُ ْ‬
‫غ‬
‫َ‬ ‫سل ْ َ‬
‫م‬‫وت ُك ُ ْ‬ ‫ع ْ‬ ‫ن دَ َ‬ ‫ن إ ِل ّ أ ْ‬ ‫طا ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫} َ‬
‫م ِلي{‪ ,‬ووجه كون اليات ل تعارض بينها أن سلطان‬ ‫جب ْت ُ ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫فا ْ‬ ‫َ‬
‫الشيطان المنفي عن المؤمنين المتوكلين في معناه وجهان‬
‫للعلماء‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن معنى السلطان الحجة الواضحة‪ ,‬وعليه فل‬
‫إشكال إذ ل حجة مع الشيطان البتة كما اعترف به فيما ذكر‬
‫ن إ ِّل‬‫طا ٍ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬‫الله عنه في قوله‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫م ِلي{‪.‬‬ ‫جب ْت ُ ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫فا ْ‬ ‫م َ‬ ‫وت ُك ُ ْ‬ ‫ع ْ‬ ‫ن دَ َ‬ ‫أ ْ‬
‫الثاني‪ :‬أن معناه أنه ل تسلط له عليهم بإيقاعهم في ذنب‬
‫يهلكون به ول يتوبون منه‪ ,‬فل ينافي هذا ما وقع من آدم وحواء‬
‫وغيرهما فإنه ذنب مغفور لوقوع التوبة منه‪ ,‬فإلقاء الشيطان‬
‫في أمنية النبي سواء فسرناها بالقراءة أو التمني ليمان أمته ل‬
‫يتضمن سلطانا للشيطان على النبي بل هو من جنس‬
‫ن‬
‫وَزي ّ َ‬‫الوسوسة وإلقاء الشبه لصد الناس عن الحق كقوله‪َ } :‬‬
‫ل{ الية‪ ,‬فإن‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ع ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫صد ّ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫مال َ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫لَ ُ‬
‫قيل‪ :‬ذكر كثير من المفسرين أن سبب نزول هذه الية الكريمة‬
‫أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم بمكة فلما بلغ‬
‫ة ال ُ ْ‬ ‫}أ َ َ َ‬
‫خَرى{ ألقى‬ ‫مَناةَ الّثال ِث َ َ‬ ‫و َ‬‫عّزى‪َ ,‬‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫م الل ّ َ‬ ‫فَرأي ْت ُ ُ‬
‫الشيطان على لسانه‪) :‬تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن‬
‫لترجى( فلما بلغ آخر السورة سجد وسجد معه المشركون‬
‫والمسلمون وقال المشركون‪ :‬ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم‬
‫وشاع في الناس أن أهل مكة أسلموا بسبب سجودهم مع النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم حتى رجع المهاجرون من الحبشة ظنا‬
‫منهم أن قومهم أسلموا فوجدوهم على كفرهم‪ ,‬وعلى هذا‬
‫الذي ذكره كثير من المفسرين فسلطان الشيطان بلغ إلى حد‬
‫أدخل به في القرآن على لسان النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫الكفر البواح حسبما يقتضيه ظاهر القصة المزعومة‪.‬‬
‫فالجواب‪ :‬أن قصة الغرانيق مع استحالتها شرعا لم تثبت‬
‫من طريق صالح للحتجاج‪ ,‬وصرح بعدم ثبوتها خلق كثير من‬
‫العلماء كما بيناه بيانا شافيا في رحلتنا‪ ,‬والمفسرون يروون هذه‬
‫القصة عن ابن عباس من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن‬
‫عباس رضي الله عنهما‪ ,‬ومعلوم أن الكلبي متروك‪ ,‬وقد بين‬
‫البزار أنها ل تعرف من طريق يجوز ذكره إل طريق أبي بشر‬
‫عن سعيد بن جبير مع الشك الذي وقع في وصله‪ ,‬وقد اعترف‬
‫الحافظ ابن حجر مع انتصاره لثبوت هذه القصة بأن طرقها كلها‬
‫إما منقطعة أو ضعيفة إل طريق سعيد بن جبير‪ ,‬وإذا علمت ذلك‬
‫فاعلم أن طريق سعيد بن جبير لم يروها بها أحد متصلة إل أمية‬
‫بن خالد‪ ,‬وهو وإن كان ثقة فقد شك في وصلها؛ فقد أخرج‬
‫البزار وابن مردويه من طريق أمية بن خالد عن شعبة عن أبي‬
‫بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فيما أحسب ثم ساق‬
‫حديث القصة المذكورة‪ ,‬وقال البزار‪ " :‬ل يروى متصل إل بهذا‬
‫السناد تفرد بوصله أمية بن خالد وهو ثقة مشهور"‪ ,‬وقال‬
‫البزار‪" :‬وإنما يروى من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن‬
‫عباس والكلبي متروك"‪ .‬فتحصل أن قصة الغرانيق لم ترد‬
‫متصلة إل من هذا الطريق الذي شك راويه في الوصل‪ ,‬وما‬
‫كان كذلك فضعفه ظاهر‪ ,‬ولذا قال الحافظ ابن كثير في‬
‫تفسيره أنه لم يرها مسندة من وجه صحيح‪ ,‬وقال العلمة‬
‫الشوكاني في هذه القصة‪" :‬ولم يصح شيء من هذا ول ثبت‬
‫بوجه من الوجوه ومع عدم صحته بل بطلنه فقد دفعه‬
‫ض‬
‫ع َ‬ ‫عل َي َْنا ب َ ْ‬‫ل َ‬ ‫و َ‬ ‫ق ّ‬ ‫و تَ َ‬‫ول َ ْ‬
‫المحققون بكتاب الله كقوله‪َ } :‬‬
‫وى{‪ ,‬وقوله‪:‬‬ ‫ه َ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫ع ِ‬‫ق َ‬ ‫ما ي َن ْطِ ُ‬ ‫و َ‬‫ل { الية‪ ,‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫وي ِ‬ ‫ِ‬ ‫قا‬ ‫ال َ َ‬
‫شْيئا ً َ‬ ‫ت ت َْرك َ ُ َ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫َ‬
‫ل{‬‫قِلي ً‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫ن إ ِلي ْ ِ‬ ‫قدْ ك ِدْ َ‬ ‫ن ث َب ّت َْنا َ‬
‫ول أ ْ‬ ‫ول َ ْ‬‫} َ‬
‫الية‪ ,‬فنفى المقاربة للركون فضل عن الركون"‪ ,‬ثم ذكر‬
‫الشوكاني عن البزار أنها ل تروى بإسناد متصل وعن البيهقي‬
‫أنه قال‪" :‬هي غير ثابتة من جهة النقل" وذكر عن إمام الئمة‬
‫ابن خزيمة أن هذه القصة من وضع الزنادقة وأبطلها عياض‬
‫وابن العربي المالكي والفخر الرازي وجماعات كثيرة‪ ,‬ومن‬
‫أصرح الدلة القرآنية في بطلنها أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ي إ ِل ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ِ‬ ‫قرأ بعد ذلك في سورة النجم قوله تعالى‪} :‬إ ِ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ها ِ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬ ‫م َ‬ ‫ؤك ُ ْ‬ ‫وآَبا ُ‬‫م َ‬
‫أ َسماءٌ سميت ُمو َ َ‬
‫ها أن ْت ُ ْ‬ ‫َ ّ ْ ُ‬ ‫ْ َ‬
‫ن{ فلو فرضنا أنه قال تلك الغرانيق العلى ثم أبطل‬ ‫طا ٍ‬‫سل ْ َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ها{ فكيف يفرح‬ ‫مو َ‬ ‫مي ْت ُ ُ‬ ‫س ّ‬
‫ماءٌ َ‬ ‫س َ‬‫ي إ ِل ّ أ ْ‬ ‫ه َ‬‫ن ِ‬‫ذلك بقوله‪} :‬إ ِ ْ‬
‫المشركون بعد هذا البطال والذم التام لصنامهم بأنها أسماء‬
‫بل مسميات وهذا هو الخير وقراءته صلى الله عليه وسلم‬
‫سورة النجم بمكة وسجود المشركين ثابت في الصحيح ولم‬
‫يذكر فيه شيء من قصة الغرانيق وعلى القول ببطلنها فل‬
‫إشكال وأما على القول بثبوت القصة كما هو رأي الحافظ ابن‬
‫حجر فإنه قال في فتح الباري‪" :‬إن هذه القصة ثبتت بثلثة‬
‫أسانيد كلها على شرط الصحيح وهي مراسيل يحتج بمثلها من‬
‫يحتج بالمرسل وكذا من ل يحتج به لعتضاد بعضها ببعض؛ لن‬
‫الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن لها أصل‬
‫فللعلماء عن ذلك أجوبة كثيرة من أحسنها وأقربها أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم كان يرتل السورة ترتيل تتخلله سكتات‬
‫خَرى{ قال الشيطان لعنه الله‬ ‫ة ال ُ ْ‬
‫مَناةَ الّثال ِث َ َ‬
‫و َ‬
‫فلما قرأ } َ‬
‫محاكيا لصوته صلى الله عليه وسلم‪) :‬تلك الغرانيق العلى‬
‫الخ ‪ (..‬فظن المشركون أن الصوت صوته صلى الله عليه‬
‫وسلم وهو بريء من ذلك براءة الشمس من اللمس‪ ,‬وقد بينا‬
‫هذه المسألة بيانا شافيا في رحلتنا فلذلك اختصرناها هنا فظهر‬
‫أنه ل تعارض بين اليات والعلم عند الله تعالى‪.‬‬
‫دفع إيهام الضطراب‬
‫عهن آيهات الكهتاب‬
‫لفضيلة الشيخ محمد المين الشنقيطي _المههدرس‬
‫بالجامعة‬

‫)"ءءءء ءء ءءءء ءءءءءءءء"(‬


‫ن{‪ :‬ل يخفى ما يسبق إلى‬ ‫عو ِ‬ ‫ج ُ‬
‫ب اْر ِ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫قا َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫الذهن فيه من رجوع الضمير إلى الرب والضمير بصععيغة الجمععع‬
‫ل وعل واحد‪.‬‬ ‫والرب ج ّ‬
‫والجواب من ثلثة أوجه‪:‬‬
‫الول‪ :‬وهو أظهرها أن الواو لتعظيععم المخععاطب وهععو اللععه‬
‫تعالى كما في قول الشاعر‪.‬‬
‫أل فارحمعوني يا إلعه‬
‫فإن لم أكن أهل ً فععأنت لعععه‬ ‫محمعد‬
‫أهعل‬
‫وقول الخر‪:‬‬
‫وإن شئت لم أطعم نقاخا ً‬ ‫وإن شئت حرمت‬
‫ول بردا ً‬ ‫النساء سواكم‬
‫ب اسععتغاثة بععه تعععالى وقععوله‬ ‫الههوجه الثههاني‪ :‬إن قععوله ر ّ‬
‫ارجعون خطاب للملئكة ويستأنس لهذا الععوجه بمععا ذكععره ابععن‬
‫جرير عن ابن جريععح قععال‪ :‬قععال رسععول اللععه ‪-‬صععلى اللععه عليععه‬
‫وسلم‪ -‬لعائشة "إذا عاين المؤمن الملئكة قالوا نرجعك إلى دار‬
‫الدنيا؟ فيقول إلى دار الهمععوم والحععزان؟ فيقععول بععل قععدموني‬
‫إلى الله‪ ،‬وأما الكافر فيقولون له‪ :‬نرجعك فيقول‪ :‬رب ارجعون"‬
‫الوجه الثالث‪ :‬وهو قول المازني أنععه جمععع الضععمير ليععدل‬
‫على التكرار فكأنه قال‪ :‬رب ارجعني ارجعني ارجعني‪ .‬ول يخلو‬
‫هذا القول عندي من ُبعدٍ والعلم عند الله تعالى‪.‬‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ر َ‬ ‫ف َ‬ ‫فإ ِ َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ههه ْ‬ ‫ب ب َي ْن َ ُ‬ ‫سا َ‬
‫فل أن ْ َ‬ ‫صو ِ‬ ‫في ال ّ‬ ‫خ ِ‬ ‫ذا ن ُ ِ‬
‫ن{ هذه الية الكريمععة تععدل علععى أنهععم ل‬ ‫ساءَُلو َ‬ ‫ول ي َت َ َ‬ ‫ذ َ‬‫مئ ِ ٍ‬
‫و َ‬‫يَ ْ‬
‫أنساب بينهم يومئذ‪ ،‬وأنهم ل يتساءلون يوم القيامة؛ وقد جععاءت‬
‫فهّر‬ ‫م يَ ِ‬ ‫ُ‬
‫و َ‬ ‫آيات أخر تدل علععى ثبععوت النسععاب بينهععم كقععوله }ي َ ْ‬
‫ه{ الية‪ ...‬وآيات ُأخر تدل على أنهم يتسععاءلون‬ ‫خي ِ‬ ‫ن أَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مْرءُ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫كقوله تعالى‪} :‬وأ َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫ساءَُلو َ‬ ‫ض ي َت َ َ‬
‫ٍ‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫لى‬ ‫ع َ‬‫َ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ض‬
‫ُ‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ْ‬
‫ق‬ ‫َ‬
‫والجععواب عععن الول‪ :‬أن المععراد بنفععي النسععاب انقطععاع‬
‫فوائدها وآثارها التي كانت مترتبة عليها في الدنيا من العواطععف‬
‫والنفع والصلت والتفاخر بالباء ل نفي حقيقتها‪.‬‬
‫والجواب عن الثاني من ثلثة أوجه‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن نفي السععؤال بعععد النفخععة الولععى وقبععل الثانيععة‬
‫وإثباته بعدهما معًا‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن نفي السؤال عند اشتغالهم بالصعق والمحاسبة‬
‫والجواز على الصراط وإثباته فيما ععدا ذلعك‪ .‬وهعو ععن السعدى‬
‫من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‪.‬‬
‫الثههالث‪ :‬أن السععؤال المنفععى سععؤال خععاص وهععو سععؤال‬
‫بعضهم العفو من بعض فيما بينهععم مععن الحقععوق لقنععوطهم مععن‬
‫ما أو زوجععة‪ .‬ذكععر هععذه‬ ‫العطاء ولو كان المسؤول أبا ً أو ابنا ً أو أ ّ‬
‫الوجه الثلثة أيضا ً صاحب التقان‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫سهأ ِ‬ ‫وم ٍ فا ْ‬ ‫ض ي َه ْ‬ ‫عه َ‬ ‫و بَ ْ‬ ‫ومها ً أ ْ‬ ‫قاُلوا ل َب ِث َْنا ي َ ْ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ن{‪ .‬هذه الية الكريمة تدل على أن الكفار يزعمون يععوم‬ ‫دي َ‬ ‫عا ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫القيامة أنهم ما لبثوا إل ّ يوما ً أو بعض يوم وقد جاءت آيععات ُأخععر‬
‫ن‬ ‫م إِ ْ‬ ‫هه ْ‬ ‫ن ب َي ْن َ ُ‬ ‫فُتو َ‬ ‫خا َ‬ ‫يفهم منهععا خلف ذلععك كقععوله تعععالى‪}:‬ي َت َ َ‬
‫ة‬
‫ع ُ‬ ‫سها َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫قهو ُ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫و َ‬ ‫وَيه ْ‬ ‫شهرًا{ وقععوله تعععالى‪َ } :‬‬ ‫ع ْ‬ ‫م ِإل َ‬ ‫ل َب ِث ُْته ْ‬
‫ة{‪ _.‬والجواب عن هذا‬ ‫ع ٍ‬ ‫سا َ‬ ‫غي َْر َ‬ ‫ما ل َب ُِثوا َ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫م ْ‬ ‫س ال ْ ُ‬ ‫ي ُب ْل ِ ُ‬
‫بما دل عليه القرآن؛ وذلك أن بعضهم يقول‪ :‬لبثنا يوم عا ً أو بعععض‬
‫يوم‪ ،‬وبعضهم يقول‪ :‬لبثنا سععاعة‪ ،‬وبعضععهم يقععول‪ :‬لبثنععا عشععرا‪.‬‬
‫ووجه دللة القرآن على هذا أنه ب َّين أن أقواهم إدراكا ً وأرجحهععم‬
‫عقل ً وأمثلهم طريقة هععو معن يقععول أن مععدة لبثهععم يومعا ً وذلعك‬
‫قههو ُ َ‬
‫م ِإل‬ ‫ن ل َب ِث ُْتهه ْ‬ ‫ة إِ ْ‬ ‫قهه ً‬ ‫ري َ‬ ‫م طَ ِ‬ ‫ههه ْ‬‫مث َل ُ ُ‬ ‫لأ ْ‬ ‫قععوله تعععالى‪} :‬إ ِذْ ي َ ُ‬
‫ومًا{ فدل ذلك على اختلف أقوالهم فععي مععدة لبثهععم والعلععم‬ ‫يَ ْ‬
‫عند الله‪.‬‬
‫_ ")سورة النور("_‬
‫ة‬‫رك َ ً‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫شه ِ‬ ‫و ُ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ح ِإل َزان ِي َه ً‬ ‫قععوله تعععالى‪} :‬الّزان ِههي ل ي َن ْك ِه ُ‬
‫َ‬
‫عل َههى‬ ‫ك َ‬ ‫م ذَل ِه َ‬ ‫حهّر َ‬ ‫و ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ر ٌ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬‫و ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ها ِإل َزا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ة ل ي َن ْك ِ ُ‬ ‫والّزان ِي َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫هذه الية الكريمة تدل على تحريم نكاح الزواني والزناة علععى‬
‫غْيهَر‬ ‫ت َ‬ ‫صهَنا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫العفععاء والعفععائف ويععدل لععذلك قععوله تعععالى‪ُ } :‬‬
‫ن{‬ ‫حي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫سها ِ‬ ‫م َ‬ ‫غْيهَر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫صهِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫ت{ ‪...‬اليععة‪ ،‬وقععوله‪ُ } :‬‬ ‫حا ٍ‬ ‫ف َ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫الية وقد جاءت آيات أخر تدل بعمومهععا علععى خلف ذلععك؛ كقععوله‬ ‫ُ‬
‫ما‬ ‫م َ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫وأ ُ ِ‬ ‫م{ الية وقوله‪َ } :‬‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫مى ِ‬ ‫َ‬
‫حوا الَيا َ‬
‫تعالى‪َ } :‬‬
‫وأن ْك ِ ُ‬ ‫َ‬
‫م{‪.‬‬‫وَراءَ ذَل ِك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫مب ِْنيا على الختلف في‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫والجواب على هذا مختلف فيه اختلفا َ‬
‫حكم تزوج العفيف للزانيععة أو العفيفععة للزانععي؛ فمععن يقععول )هععو‬
‫حرام( يقول‪ :‬هذه الية مخصصعة لعمعوم وأنكحعوا اليعامى منكعم‬
‫وعموم وأحل لكم ما وراء ذلكم‪.‬‬
‫والذين يقولون بع)عدم المنع( وهم الكثر أجابوا بأجوبة‪:‬‬
‫َ‬ ‫منهععا أنهععا منسععوخة بقععوله‪َ } :‬‬
‫م{‪،‬‬ ‫من ْك ُه ْ‬ ‫مى ِ‬ ‫حوا الي َهها َ‬ ‫وأن ْك ِ ُ‬‫َ‬
‫واقتصر صاحب التقان على النسخ‪ ،‬وممععن قععال بالنسععخ سعععيد‬
‫بن المسيب والشافعي‪.‬‬
‫ومنها أن النكاح في هذه الية‪) :‬الوطء( وعليه فالمراد بالية‬
‫أن الزاني ل يطاوعه على فعلععه ويشععاركه فععي مععراده إل ّ زانيععة‬
‫مثله أو مشركة ل ترى حرمة الزنا‪.‬‬
‫ومنها أن هذا خاص؛ لنععه كععان فععي نسععوة بغايععا كععان الرجععل‬
‫يتزوج إحداهن على أن تنفق عليه مما كسبته من الزنععا؛ لن ذلععك‬
‫هو سبب نزول الية‪ .‬فزعععم بعضععهم أنهععا مختصععة بععذلك السععبب‬
‫كههم{‪ ...‬اليععة‪ ،‬وقععوله‪َ } :‬‬ ‫وأ ُ ِ‬
‫حههوا‬ ‫وأن ْك ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ل لَ ُ ْ‬ ‫حهه ّ‬ ‫بععدليل قععوله‪َ } :‬‬
‫مى{‪ ...‬الية‪ ،‬وهذا أضعفها والله تعالى أعلم‪.‬‬ ‫َ‬
‫الَيا َ‬
‫ت‬‫خِبيث َهها ِ‬ ‫ن ل ِل ْ َ‬‫خِبيث ُههو َ‬ ‫وال ْ َ‬‫ن َ‬ ‫خِبيِثي ه َ‬ ‫ت ل ِل ْ َ‬‫خِبيَثا ُ‬‫قوله تعالى‪} :‬ال ْ َ‬
‫ن ِللطّي َّبات{‪.‬‬ ‫والطّي ُّبو َ‬ ‫ن َ‬ ‫ت ِللطّي ِّبي َ‬ ‫والطّي َّبا ُ‬ ‫َ‬
‫هععذه اليععة الكريمععة نزلععت فععي بععراءة أم المععؤمنين عائشععة‬
‫‪-‬رضي الله عنها‪ -‬مما رميت به‪ ،‬وذلك يؤيد ما قاله عبععد الرحمععن‬
‫ابن زيد بن أسلم من أن معناها‪ :‬الخبيثعات معن النسعاء للخبيعثين‬
‫من الرجال والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء والطيبات‬
‫من النساء للطيبين من الرجال والطيبون مععن الرجععال للطيبععات‬
‫من النساء؛ أي فلو كانت عائشة ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬غير طيبة لمععا‬
‫جعلها الله زوجة لطيب الطيبين صلوات الله وسلمه وعلى هععذا‬
‫مث َل ً‬ ‫ه َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫فالية الكريمة يظهر تعارضها مع قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫مه َ‬ ‫ط{ إلععى قععوله } َ‬ ‫ت ُلو ٍ‬ ‫مَرأ َ‬ ‫وا ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ت ُنو ٍ‬ ‫مَرأ َ‬ ‫فُروا ا ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫من ُههوا‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مث َل ً ل ِل ّه ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ب الل ّه ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫و َ‬ ‫ن{‪ ،‬وقععوله أيض عا ً } َ‬ ‫خِلي َ‬ ‫دا ِ‬‫ال ّ‬
‫ون{‪...‬اليععة؛ إذ اليععة الولععى دلععت علععى خبععث‬ ‫َ‬
‫عه ْ‬
‫فْر َ‬‫ت ِ‬ ‫م هَرأ َ‬ ‫ا ْ‬
‫الزوجتين الكافرتين مع أن زوجيهما مععن أطيععب الطيععبين وهمععا‪:‬‬
‫نوح ولوط ‪-‬عليهما وعلععى نبينععا الصععلة والسععلم‪ ،-‬واليععة الثانيععة‬
‫دلت على طيب امرأة فرعون مع خبث زوجها‪.‬‬
‫والجواب أن في معنى الية وجهين للعلماء‪:‬‬
‫الول‪- :‬وبه قال ابن عباس وروى عن مجاهد وعطاء وسعيد‬
‫بن جبير والشعبي والحسن البصري وحبيب بن أبي ثابت‬
‫والضحاك‪ ،‬كما نقله عنهم ابن كثير واختاره ابن جرير‪ -‬أن معناها‬
‫الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال والخبيثون من الرجال‬
‫للخبيثات من القول والطيبات من القول للطيبين من الرجال‬
‫والطيبون من الرجال للطيبات من القول؛ أي فما نسبة أهل‬
‫النفاق إلى عائشة من كلم خبيث هم أْولى به وهي أْولى بالبراءة‬
‫ما‬ ‫ُ‬ ‫والّنزاهة منهم؛ ولذا قال تعالى‪ُ} :‬أول َئ ِ َ‬
‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫مب َّرأو َ‬ ‫ك ُ‬
‫قوُلون{ وعلى هذا الوجه فل تعارض أصل ً بين اليات‪.‬‬ ‫يَ ُ‬
‫الوجه الثاني‪ :‬هو ما قدمنا عن عبد الرحمن بن زيد‪،‬‬
‫وعليه فالشكال ظاهر بين اليات‪ .‬والذي يظهر لمقيده ‪-‬عفا‬
‫الله عنه‪ -‬أن قوله الخبيثاث للخبيثين إلى آخره على هذا القول‬
‫من العام المخصوص بدليل امرأة نوح ولوط وامرأة فرعون‬
‫وعليه فالغالب تقييض كل من الطيبات والطيبين والخبيثات‬
‫والخبيثين لجنسه وشكله الملئم له في الخبث أو الطيب مع أنه‬
‫تعالى ربما قيض خبيثة لطيب كامرأة نوح ولوط أو طيبة لخبيث‬
‫ب الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ضَر َ‬ ‫كامرأة فرعون لحكمة بالغة كما دل عليه قوله‪َ } :‬‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫مث َل ً ل ِل ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫و َ‬ ‫فُروا{ وقوله } َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مث َل ً ل ِل ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫و َ‬‫س َ‬ ‫مَثا ُ‬ ‫ْ‬
‫وت ِل َ‬
‫ها ِللّنا ِ‬ ‫رب ُ َ‬‫ض ِ‬‫ل نَ ْ‬ ‫ك ال ْ‬ ‫مُنوا{ مع قوله } َ‬ ‫آ َ‬
‫ن{ فدل ذلك على أن تقييض الخبيثة‬ ‫مو َ‬ ‫عال ِ ُ‬ ‫ها إ ِل ّ ال ْ َ‬ ‫قل ُ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫للطيب أو الطيبة للخبيث فيه حكمة ل يعقلها إل العلماء؛ وهي‪:‬‬
‫في تقييض الخبيثة للطيب أن ي ُب َّين للناس أن القرابة من‬
‫الصالحين ل تنفع النسان وإنما ينفعه عمله أل ترى أن أعظم ما‬
‫يدافع عنه النسان زوجته وأكرم الخلق على الله رسله فدخول‬
‫غن َِيا‬ ‫م يُ ْ‬ ‫فل َ ْ‬‫امرأة نوح وامرأة لوط النار كما قال تعالى‪َ } :‬‬
‫ن{‪.‬‬ ‫خِلي َ‬ ‫دا ِ‬ ‫ع ال ّ‬ ‫م َ‬‫خل الّناَر َ‬ ‫ل ادْ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫شْيئا ً َ‬
‫و ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫م َ‬‫ما ِ‬ ‫ه َ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫فيه أكبر واعظ وأعظم زاجر عن الغترار بالقرابة من الصالحين‬
‫َ‬
‫م‬‫مان ِي ّك ُ ْ‬ ‫س ب ِأ َ‬ ‫والعلم بأن النسان إنما ينفعه عمله ليس }ل َي ْ َ‬
‫ه{‪ ...‬الية‬ ‫جَز ب ِ ِ‬ ‫سوءا ً ي ُ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ع َ‬‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ب َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ي أَ ْ‬ ‫مان ِ ّ‬
‫َ‬
‫ول أ َ‬ ‫َ‬
‫كما أن دخول امرأة فرعون الجنة يعلم منه النسان إذا دعته‬
‫الضرورة لمخالطة الكفار من غير اختياره وأحسن عمله وصبر‬
‫على القيام بدينه أنه يدخل الجنة ول يضره خبث الذين يخالطهم‬
‫ويعاشرهم فالخبيث خبيث وإن خالط الصالحين كامرأة نوح‬
‫ولوط والطيب طيب وإن خالط الشرار كامرأة فرعون‪ ،‬ولكن‬
‫مخالطة الشرار ل تجوز اختيارا ً كما دلت عليه أدلة أخر‪.‬‬
‫شْيئا{ ل يخفى‬ ‫جدْهُ َ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫جاءَهُ ل َ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ما يسبق إلى الذهن فيه من أن الضمير في قوله جاءه يدل‬
‫على شيء موجود واقع عليه المجيء؛ لن وقوع المجيء على‬
‫العدم ل يعقل‪ ،‬ومعلوم أن الصفة الضافية ل تتقوم إل بين‬
‫متضائفين فل تدرك إل بادراكهما‪ ،‬فل يعقل وقوع المجيء‬
‫بالفعل إل بإدراك فاعل واقع منه المجيء ومفعول به واقع عليه‬
‫شْيئا{ يدل على عدم وجود‬ ‫جدْهُ َ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫المجيء وقوله تعالى }ل َ ْ‬
‫ه{ والجواب عن‬ ‫جاءَ ُ‬ ‫شيء يقع عليه المجيء في قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫هذا من وجهين ذكرهما ابن جرير في تفسير هذه الية؛ قال‪:‬‬
‫شْيئا{‬ ‫جدْهُ َ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫جاءَهُ ل َ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬ ‫فإن قال قائل‪ :‬وكيف قيل } َ‬
‫حّتى‬ ‫فإن لم يكن السراب شيئا ً فعلم دخلت الهاء في قوله } َ‬
‫جاءَهُ ؟‪ {.‬قيل إنه شيء ُيرى من بعيد كالضباب الذي يرى‬ ‫ذا َ‬ ‫إِ َ‬
‫كثيفا ً من بعيد والهباء‪ ،‬فإذا قرب منه دق وصار كالهواء وقد‬
‫يحتمل أن يكون معناه حتى إذا جاء موضع السراب لم يجد‬
‫السراب شيئا ً فاكتفى بذكر السراب عن ذكر موضعه انتهى منه‬
‫بلفظه‪.‬‬
‫والوجه الول أظهر عندي وعنده بدليل قوله‪ :‬وقد يحتمل أن‬
‫يكون معناه الخ‪...‬‬
‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ست َأذَُنو َ‬ ‫ْ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ن‬‫مه ْ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫فأذَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫شأن ِ ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ك ل ِب َ ْ‬ ‫ذا ا ْ‬ ‫فإ ِ َ‬
‫م{‪ .‬هذه الية الكريمة تدل على أنه ‪-‬صلى اللعه عليعه‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫ت ِ‬ ‫شئ ْ َ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ك ِله َ‬ ‫عْنه َ‬ ‫ه َ‬ ‫فها الّله ُ‬ ‫ع َ‬ ‫وسلم‪ -‬له الذن لمن شاء وقوله تعععالى‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫م{ الية يوهم خلف ذلك‪.‬‬ ‫ه ْ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫أِذن ْ َ‬
‫والجواب الظاهر وهو أنه ‪-‬صلى الله عليععه وسععلم‪ -‬لععه الذن‬
‫لمن شاء من أصحابه الذين كانوا معععه علععى أمععر جععامع كصععلة‬
‫جمعة أو عيد أو جماعة أو اجتماع فععي مشععورة ونحععو ذلععك كمععا‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ع ل َه ْ‬ ‫م ٍُ‬‫جهها ِ‬ ‫ر َ‬ ‫عل َههى أ ْ‬
‫م ْه ٍ‬ ‫ه َ‬ ‫ع ُ‬ ‫م َ‬ ‫كاُنوا َ‬ ‫ذا َ‬ ‫وإ ِ َ‬ ‫بينه تعععالى بقععوله‪َ } :‬‬
‫ك أول َئ ِ َ‬ ‫ْ‬
‫ك‬ ‫سههت َأِذُنون َ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن اّلهه ِ‬ ‫سههت َأِذُنوهُ إ ِ ّ‬ ‫حّتههى ي َ ْ‬ ‫هُبوا َ‬ ‫َيههذْ َ‬
‫ض‬
‫عه ِ‬ ‫ك ل ِب َ ْ‬ ‫سهت َأ ْذَُنو َ‬ ‫ذا ا ْ‬ ‫ف هإ ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫سههول ِ ِ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ب ِههالل ّ ِ‬ ‫من ُههو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫شأ ْن ِهم َ ْ‬
‫هم{‪ .‬وأمععا الذن فععي خصععوص‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫شئ ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫فأذَ ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ه لرسوله أن الْولى فيععه أل‬ ‫التخلف عن الجهاد فهو الذي ب َّين الل ُ‬
‫يبادر بالذن حتى يتبين له الصادق في عذره مععن الكععاذب وذلععك‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫حّتى ي َت َب َي ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫م أِذن ْ َ‬ ‫ك لِ َ‬ ‫عن ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫فا الل ّ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫في قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ن{‪ .‬فظهر أن ل منافاة بين‬ ‫كاِذِبي َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫عل َ َ‬ ‫وت َ ْ‬ ‫قوا َ‬ ‫صد َ ُ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫لَ َ‬
‫اليات والعلم عند الله‪.‬‬
‫_")سورة الفرقان("_‬
‫قّرا ً‬ ‫َ‬
‫س هت َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ْهٌر ُ‬ ‫ذ َ‬ ‫مئ ِ ٍ‬ ‫و َ‬ ‫ة ي َه ْ‬ ‫جن ّه ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫صه َ‬ ‫قععوله تعععالى‪} :‬أ ْ‬
‫ل{‪.‬‬‫قي ً‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫هذه الية الكريمععة تععدل علععى انقضععاء الحسععاب فععي نصععف‬
‫نهار؛ لن المقيل‪ :‬القيلولععة أو مكانهععا؛ وهععي‪ :‬السععتراحة نصععف‬
‫النهار في الحر‪ ،‬وممن قال بانقضاء الحسععاب فععي نصععف نهععار‪:‬‬
‫ابن عباس وابن مسعود وعكرمة وابعن جعبير؛ لدللعة هععذه اليعة‬
‫على ذلك كما نقله عنهم ابن كثير وغيره‪ ،‬وفي تفسععير الجلليععن‬
‫ما نصه‪ :‬وأخذ من ذلك انقضاء الحساب في نصف نهار كمععا ورد‬
‫في حديث انتهى منه مع أنه تعالى ذكععر أن مقععدار يععوم القيامععة‬
‫ن‬ ‫كها َ‬ ‫وم ٍ َ‬ ‫فههي َيه ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫خمسون ألف سععنة فععي قععوله تعععالى‪} :‬إ ِل َي ْ ِ‬
‫ة{ والظاهر فععي الجععواب أن يععوم‬ ‫سن َ ٍ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أ َل ْ َ‬ ‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫خ ْ‬‫داُرهُ َ‬ ‫ق َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫القيامة يطول على الكفار ويقصر علععى المععؤمنين ويشععير لهععذا‬
‫ن‬ ‫مه ِ‬‫ح َ‬ ‫ق ِللّر ْ‬ ‫حه ّ‬ ‫ذ ال ْ َ‬ ‫مئ ِ ٍ‬ ‫و َ‬ ‫ك ي َه ْ‬‫مل ْ ُ‬ ‫قوله تعالى بعد هذا بقليععل‪} :‬ال ْ ُ‬
‫سيرًا{ فتخصيصه عسععر ذلععك‬ ‫ع ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫كا ِ‬ ‫عَلى ال ْ َ‬ ‫وما ً َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫اليعوم بالكعافرين يعدل علعى أن المعؤمنين ليسعوا كعذلك وقعوله‬
‫غي ْهُر‬ ‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫عل َههى ال ْك َهها ِ‬
‫ف ِ‬ ‫سههيٌر َ‬ ‫ع ِ‬ ‫م َ‬ ‫و ٌ‬ ‫ذ ي َه ْ‬ ‫مئ ِ ٍ‬ ‫و َ‬
‫ك يَ ْ‬ ‫فذَل ِ َ‬ ‫تعععالى‪َ }:‬‬
‫ر{ يدل بمفهومه أيضا ً على أنه يسير علععى المععؤمنين غيععر‬ ‫سي ٍ‬ ‫يَ ِ‬
‫ع‬ ‫ن إ ِل َههى اله ّ‬
‫دا ِ‬ ‫عي َ‬ ‫هطِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عسععير كمععا دل عليععه قععوله تعععالى ‪ُ } :‬‬
‫سٌر{ وقال ابععن جريععر‪ :‬حععدثني‬ ‫ع ِ‬ ‫م َ‬ ‫و ٌ‬ ‫ذا ي َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن َ‬ ‫فُرو َ‬ ‫كا ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫يونس أنبأنا ابن وهب أنبأنا عمرو بن الحارث أن سعيدا ً الصواف‬
‫حدثه أنه بلغه أن يوم القيامة يقصر على المععؤمنين حععتى يكععون‬
‫كما بين العصر إلى غروب الشمس وأنهععم يتقلبععون فععي ريععاض‬
‫َ‬
‫ة‬‫جن ّه ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬
‫الجنة حععتى يفععرغ مععن النععاس وذلععك قععوله‪} :‬أ ْ‬
‫قي ً‬ ‫قر ا ً َ‬
‫ل{ ونقلععه عنععه ابععن كععثير‬ ‫م ِ‬ ‫ن َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ست َ َ ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ٌْر ُ‬ ‫ذ َ‬ ‫مئ ِ ٍ‬ ‫و َ‬ ‫يَ ْ‬
‫فععي تفسععيره‪ ،‬ومععن المعلععوم أن السععرور يقصععر بععه الزمععن‪،‬‬
‫والكروب والهموم سبب لطوله كما قال أبو سفيان بن الحععارث‬
‫يرثي النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫وليل أخي المصيبة فيه طول‬ ‫أرقت فبات ليلي ل يزول‬
‫وقال الخر‪:‬‬
‫وطعوالهعن مع السعرور قصعار‬ ‫فقصارهن مع الهموم‬
‫طويعلعة‬
‫ولقد أجاد من قال‪:‬‬
‫في الطول والطول‪ ،‬طوبى‬ ‫ليلي وليلي نفى نومي‬
‫لي لو اعتدل‬ ‫اختلفهما‬
‫يجود بالطول ليلععي كلمععا‬
‫بالطول ليلي وإن جادت بعه‬ ‫بعخلت‬
‫بعخل‬

‫ومثل هذا كثير في كلم العععرب جععدًا‪ .‬وأمععا علععى قععول مععن‬
‫فسر المقيل بأنه المأوى والمنزل كقتادة رحمه الله فل تعععارض‬
‫ل؛ لن المعنعى علعى هعذا القعول أصعحاب الجنعة‬ ‫بين اليتين أصع ً‬
‫يومئذ خير مستقرا ً وأحسن مأوى ومنزل ً والعلم عند الله تعالى‪.‬‬
‫ص هب َُروا{‪...‬‬ ‫مهها َ‬‫ة بِ َ‬
‫فه َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫غْر َ‬ ‫و َ‬ ‫جَز ْ‬ ‫ك يُ ْ‬‫قوله تعععالى‪ُ} :‬أول َئ ِ َ‬
‫الية‪ .‬هذه الية الكريمة تدل على أنهم يجزون غرفة واحدة وقد‬
‫ُ‬
‫م‬ ‫جاءت آيععات أخععر تععدل علععى خلف ذلععك كقععوله تعععالى‪} :‬ل َ ُ‬
‫ه ْ‬
‫فهي‬ ‫م ِ‬
‫هه ْ‬
‫و ُ‬‫ة{ وكقععوله‪َ } :‬‬ ‫مب ْن ِي ّه ٌ‬ ‫ف َ‬ ‫غهَر ٌ‬ ‫ههها ُ‬ ‫ق َ‬
‫و ِ‬ ‫ن َ‬
‫ف ْ‬ ‫مه ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫غهَر ٌ‬ ‫ُ‬
‫ن{‪ .‬والجواب‪:‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫تآ ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫غُر َ‬
‫‪ -‬أن الغرفععة هنععا بمعنععى الغععرف كمععا تقععدم مسععتوفي‬
‫م‬‫}ث ُ ه ّ‬ ‫بشععواهده فععي الكلم علععى قععوله تعععالى‪:‬‬
‫هن{‪ ...‬الية‪.‬‬ ‫وا ُ‬ ‫س ّ‬ ‫ف َ‬ ‫ء َ‬ ‫ما ِ‬
‫س َ‬ ‫وى إ َِلى ال ّ‬ ‫ست َ َ‬
‫ا ْ‬
‫‪ -‬وقيل إن المراد بالغرفة‪ :‬الدرجة العليا فععي الجنععة وعليععه‬
‫فل إشكال‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل الغرفة الجنة سميت غرفة لرتفاعها‪.‬‬
‫_")ءءءء ءءءءءءء("_‬
‫ن{‪ .‬هععذه اليععة‬ ‫سهِلي َ‬‫مْر َ‬ ‫ح ال ْ ُ‬ ‫م ُنو ٍ‬ ‫و ُ‬‫ق ْ‬ ‫ت َ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬ك َذّب َ ْ‬
‫تدل على أن قوم نوح كذبوا جماعة من المرسلين؛ بدليل صيغة‬
‫الجمع في قوله المرسلين‪ ،‬ثععم بيععن ذلععك بمععا يععدل علععى خلف‬
‫ذلك وأنهم إنما كذبوا رسول ً واحدا ً وهععو نععوح ‪-‬عليععه وعلععى نبينععا‬
‫ح َأل‬ ‫م ن ُههو ٌ‬ ‫ه ْ‬ ‫خههو ُ‬‫م أَ ُ‬‫هه ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قهها َ‬ ‫الصععلة والسععلم‪ -‬بقععوله‪} :‬إ ِذْ َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مي ك َذُّبو ِ‬ ‫و ِ‬‫ق ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫قا َ‬‫ن{‪ ...‬إلى قوله } َ‬ ‫قو َ‬ ‫ت َت ّ ُ‬
‫والجواب عن هذا‪ :‬أن الرسل ‪-‬عليهم صلوات اللععه وسععلمه‪-‬‬
‫لما كانت دعوتهم واحدة وهي‪) :‬ل إله إل الله( صار مكذب واحد‬
‫مهها‬‫و َ‬ ‫منهععم مكععذبا ً لجميعهععم؛ كمععا يععدل لععذلك قععوله تعععالى‪َ } :‬‬
‫حي إل َيه َ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫ه ل إ َِله َ‬ ‫ه أّنه ُ‬ ‫ِ ْ ِ‬ ‫ل إ ِل ّ ُنهو ِ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫قب ْل ِ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫سل َْنا ِ‬‫أْر َ‬
‫سول ً‬ ‫في ك ُ ّ ُ‬ ‫عث َْنا ِ‬ ‫ول َ َ‬ ‫إ ِل ّ أ ََنا َ‬
‫ة َر ُ‬ ‫م ٍ‬ ‫لأ ّ‬ ‫قد ْ ب َ َ‬ ‫ن{ وقوله‪َ }:‬‬ ‫دو ِ‬ ‫عب ُ ُ‬
‫فا ْ‬
‫جت َن ُِبوا الطّهها ُ‬ ‫َ‬
‫ت{‪ .‬وقععد بيععن تعععالى أن‬ ‫غو َ‬ ‫وا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫عب ُ ُ‬
‫نا ْ‬ ‫أ ِ‬
‫ن‬
‫م ُ‬ ‫ؤ ِ‬‫ن نُه ْ‬‫قول ُههو َ‬ ‫وي َ ُ‬‫مكععذب بعضععهم مكععذب للجميععع بقععوله‪َ } :‬‬
‫ك‬‫ن ذَل ِه َ‬ ‫خه ُ‬ ‫َ‬ ‫ون َك ْ ُ‬
‫ذوا ب َي ْه َ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬
‫نأ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ه ُ‬‫وي ُ ِ‬
‫ض َ‬ ‫عه ٍ‬ ‫ف هُر ب ِب َ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫عه ٍ‬ ‫ب ِب َ ْ‬
‫قًا{‪.‬‬‫ح ّ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ُ‬
‫سِبيل ً أول َئ ِ َ‬
‫ن َ‬ ‫فُرو َ‬ ‫كا ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫َ‬
‫عههادٌ‬ ‫ت َ‬ ‫ويأتي مثل هذا الشكال والجواب في قععوله‪} :‬ك َهذّب َ ْ‬
‫د{ إلععى أخععره‪ .‬وقععوله‪:‬‬ ‫هو ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫خو ُ‬ ‫م أَ ُ‬ ‫ه ْ‬‫ل لَ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ن إ ِذْ َ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫صاِلح{‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫خو ُ‬ ‫م أَ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ل لَ ُ‬‫قا َ‬ ‫ن إ ِذْ َ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫مودُ ال ْ ُ‬ ‫ت ثَ ُ‬ ‫}ك َذّب َ ْ‬
‫وكذلك في قصععة لععوط‪ ،‬وشعععيب علععى الجميععع وعلععى نبينععا‬
‫الصلة والسلم‪.‬‬
‫_")سورة النمل("_‬
‫م‬ ‫هه ْ‬ ‫س هل َ ٌ َ‬ ‫قوله تعالى أخبععارا ً عععن بلقيععس‪َ } :‬‬
‫ة إ ِلي ْ ِ‬ ‫مْر ِ‬ ‫وإ ِّني ُ‬
‫ن{‪ ،‬يععدل علععى تعععدد‬ ‫س هُلو َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ع ال ْ ُ‬‫جه ُ‬ ‫م ي َْر ِ‬ ‫فَناظَِرةٌ ب ِه َ‬ ‫ة َ‬ ‫دي ّ ٍ‬ ‫ه ِ‬ ‫بِ َ‬
‫مان{ بععإفراد‬ ‫س هل َي ْ َ‬‫جههاءَ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫فل َ ّ‬‫رسلها إلععى سععليمان وقععوله‪َ } :‬‬
‫ع‬ ‫ج ْ‬ ‫فاعل جاء‪ ،‬وقوله تعالى أخبارا ً عععن سععليمان أنععه قععال‪} :‬اْر ِ‬
‫إل َيهم َ ْ‬
‫جُنوٍد{ الية يدل على أن الرسول واحد‪.‬‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫فل َن َأت ِي َن ّ ُ‬ ‫ِ ْ ِ ْ‬
‫والظاهر في الجواب‪ :‬هو ما ذكره غير واحد من أن الرسععل‬
‫جماعة وعليهم رئيس منهععم فععالجمع نظععرا ً إلععى الكععل والفععراد‬
‫نظرا ً إلى الرئيس؛ لن من معه تبع له والعلم عند الله تعالى‬
‫شر م ن ك ُ ّ ُ‬
‫ن‬ ‫مه ْ‬ ‫م ّ‬ ‫وج ها ً ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ة َ‬ ‫مه ٍ‬ ‫لأ ّ‬ ‫ح ُ ُ ِ ْ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫و َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫وقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ب ِبآيات َِنا{ الية‪ .‬هذه الية يععدل ظاهرهععا علععى أن الحشععر‬ ‫ي ُك َذّ ُ‬
‫ل‬ ‫وك ُ ّ‬ ‫خاص بهؤلء الفواج المكذبة‪ ،‬وقوله ‪-‬بعععد هععذا بقليععل‪َ } :-‬‬
‫ن{‪ .‬يععدل علععى أن الحشععر عععام كمععا صععرحت بععه‬ ‫َ‬
‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫دا ِ‬ ‫وهُ َ‬ ‫أت َ ْ‬
‫اليات القرآنية عن كثرة‪.‬‬
‫والجواب عن هذا‪ :‬هو ما بينه اللوسي في تفسععيره مععن أن‬
‫ن{ يععراد بععه الحشععر العععام‪ ،‬وقععوله‬ ‫قوله‪} :‬وك ُ ّ َ‬
‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫خ‬
‫دا ِ‬ ‫وهُ َ‬ ‫ل أت َ ْ‬ ‫َ‬
‫وجهها{ أي بعععد الحشععر العععام‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫نك ّ‬‫ُ‬ ‫ح ُ‬
‫ةف ْ‬ ‫مه ٍ‬ ‫لأ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫شُر ِ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫و َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫} َ‬
‫يجمع الله المكذبين للرسل من كل أمة لجل التوبيخ المنصوص‬
‫عْلمهها ً‬ ‫حي ُ‬ ‫قا َ َ‬
‫ههها ِ‬ ‫طوا ب ِ َ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫ول َ ْ‬‫م ِبآياِتي َ‬ ‫ل أك َذّب ْت ُ ْ‬ ‫عليه بقوله‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ن{‪ ،‬فععالمراد بععالفوج مععن كععل أمععة‪ :‬الفععوج‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ذا ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫أ ّ‬
‫المكذب للرسععل يحشععر للتوبيعخ حشععرا ً خاصعا ً فل ينعافي حشعر‬
‫الكل لفصل القضاء‪ .‬وهععذا الععوجه أحسععن مععن تخصععيص الفععوج‬
‫بالرؤساء كما ذهب إليه بعضهم‪.‬‬
‫مههّر‬ ‫ي تَ ُ‬ ‫ههه َ‬‫و ِ‬ ‫مدَةً َ‬ ‫جا ِ‬ ‫ها َ‬ ‫سب ُ َ‬‫ح َ‬ ‫ل تَ ْ‬ ‫جَبا َ‬ ‫وت ََرى ال ْ ِ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫حاب{ الية‪ .‬هععذه اليععة تععدل بظاهرهععا علععى أن الجبععال‬ ‫س َ‬ ‫مّر ال ّ‬ ‫َ‬
‫يظنها الرائي ساكنة وهي تسير‪ ،‬وقد جاءت آيات أخععر تععدل علععى‬
‫أن الجبال راسية‪ ،‬والراسي هو‪) :‬الثابت في محل( كقوله تعععالى‪:‬‬
‫ي‬
‫سهه َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ض َر َ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫قى‬ ‫َ‬ ‫وأ َل ْ‬‫َ‬ ‫}‬ ‫وقوله‪:‬‬ ‫‪.‬‬‫ها{‬ ‫َ‬ ‫سا‬ ‫َ‬ ‫ر‬‫ْ‬
‫ل أَ‬ ‫جَبا َ‬‫وال ْ ِ‬‫} َ‬
‫َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ههها‬
‫في َ‬ ‫قي ْن َهها ِ‬ ‫وأل ْ َ‬ ‫ها َ‬ ‫م هدَدَْنا َ‬ ‫ض َ‬ ‫والْر َ‬ ‫م{ وقععوله‪َ } :‬‬ ‫ميدَ ب ِك ُ ْ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫أ ْ‬
‫ت{‪.‬‬ ‫خا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫شا ِ‬ ‫ي َ‬ ‫س َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ها َر َ‬ ‫في َ‬‫عل َْنا ِ‬‫ج َ‬
‫و َ‬‫ي{‪ .‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫س َ‬ ‫وا ِ‬ ‫َر َ‬
‫ها{ ونحوه يعني‬ ‫سا َ‬ ‫َ‬
‫ووجه الجمع ظاهر وهو أن قوله }أْر َ‬
‫في الدنيا‪ ،‬وقوله وهي تمر مر السحاب يعني في الخرة بدليل‬
‫في‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ز َ‬‫ف ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ر َ‬ ‫صو ِ‬ ‫في ال ّ‬ ‫خ ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫م ي ُن ْ َ‬‫و َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫قوله‪َ } :‬‬
‫ل{‪...‬‬ ‫جَبا َ‬ ‫وت ََرى ال ْ ِ‬ ‫وات{ ثم عطف على ذلك قوله } َ‬ ‫ما َ‬‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫الية‪ .‬ومما يدل على ذلك النصوص القرآنية على أن سير‬
‫ل‬‫جَبا َ‬‫سي ُّر ال ْ ِ‬ ‫م نُ َ‬ ‫و َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫الجبال في يوم القيامة كقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ت‬
‫كان َ ْ‬ ‫ف َ‬‫ل َ‬ ‫جَبا ُ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫سي َّر ِ‬ ‫و ُ‬ ‫رَزة{ وقوله‪َ } :‬‬ ‫ض َبا ِ‬ ‫وت ََرى الْر َ‬ ‫َ‬
‫سَرابًا{‪.‬‬ ‫َ‬
‫_")سورة القصص("_‬
‫َ‬
‫ن ل ِههي‬ ‫عي ْه ٍ‬‫ت َ‬‫ق هّر ُ‬‫ن ُ‬ ‫و َ‬ ‫ع ْ‬
‫فْر َ‬ ‫ت ِ‬ ‫مَرأ ُ‬ ‫تا ْ‬ ‫قال َ ِ‬ ‫و َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ك{ يععدل‬ ‫ول َ َ‬
‫ه{‪ ...‬الية‪ .‬الخطععاب فععي قععوله‪َ } :‬‬ ‫قت ُُلو ُ‬
‫ك ل تَ ْ‬‫ول َ َ‬
‫َ‬
‫ه{ يععدل علععى‬ ‫ُ‬
‫قت ُلهو ُ‬‫على أن المخاطب واحد وفي قععوله‪} :‬ل ت َ ْ‬
‫أنه جماعة‪ .‬والجواب عن هذا من ثلثة أوجه‪.‬‬
‫الول‪ :‬أن صيغة الجمع للتعظيم‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنها تعني فرعون وأعوانه الععذين همععوا معععه بقتععل‬
‫موسى فأفردت الضمير في قولها )لك(؛ لن كونه قرة عين‬
‫في زعمهععا يختععص بفرعععون دونهععم وجمعتععه فععي قولهععا )ل‬
‫م بقتله‪.‬‬ ‫تقتلوه(؛ لنهم شركاء معه في اله ّ‬
‫الثالث‪ :‬أنها لما استعطفت فرعون على موسى التفت إلى‬
‫المأمورين بقتل الصبيان قائلة ل تقتلوه معللة ذلععك بقولهععا‪:‬‬
‫وَلدًا{‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ن ي َن ْ َ‬ ‫َ‬
‫خذَهُ َ‬ ‫و ن َت ّ ِ‬ ‫عَنا أ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫ع َ‬‫} َ‬
‫ه{‪:‬‬ ‫هل ِه ِ‬‫مك ُث ُههوا{‪ .‬اليععة‪} .‬ل ْ‬ ‫ها ْ‬ ‫هل ِه ِ‬ ‫لل ْ‬ ‫قا َ‬ ‫ف َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ه{ لن المعروف أنه سار من‬ ‫هل ِ ِ‬ ‫ساَر ب ِأ َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫زوجته بدليل قوله‪َ } :‬‬
‫عند شعيب بزوجته )ابنععة شعععيب(‪ ،‬أو غيععر شعععيب علععى القععول‬
‫مك ُث ُههوا{ خطععاب جماعععة الععذكور فمععا وجععه‬ ‫بععذلك‪ .‬وقععوله‪} :‬ا ْ‬
‫خطاب المرأة بخطاب جماعة الععذكور‪ .‬والجععواب عععن هععذا مععن‬
‫ثلثة أوجه‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن النسان يخاطب المرأة بخطابة الجماعة تعظيما ً‬
‫لها ونظيره قول الشاعر‪:‬‬
‫فععععإن شععععئت حرمععععت‬
‫وإن شئت لم أطعم نقاخا ً ول‬
‫بردا ً‬ ‫النساء سواكم‬
‫الثاني‪ :‬أن معها خادما ً والعرب ربما خاطبت الثنين خطاب‬
‫الجماعة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنه كان له مع زوجته ولدان لععه‪ ،‬اسععم الكععبر منهمععا‪:‬‬
‫)جيرشوم( واسم الصغر )اليعازر(‪ .‬والجواب الول ظععاهر والثععاني‬
‫والثالث محتملن؛ لنهما من السرائيليات والعلم عند الله تعالى‪.‬‬
‫ت{ قععد قععدمنا أن‬ ‫َ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫حب َب ْه َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫مه ْ‬‫دي َ‬‫ه ِ‬
‫ك ل تَ ْ‬
‫ط‬
‫صَرا ٍ‬ ‫دي إ َِلى ِ‬ ‫ه ِ‬‫ك ل َت َ ْ‬
‫وإ ِن ّ َ‬‫وجه الجمع بينه وبين قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫م{ أن الهدى المنفي عنه صلى اللععه عليععه وسععلم هععو‪:‬‬ ‫قي ٍ‬‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬
‫ُ‬
‫منح التوفيق‪ ،‬والهدى المثبت له هو‪ :‬إبانة الطريق‪.‬‬
‫_")سورة العنكبوت("_‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫طاَيا ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مِلي َ‬ ‫حا ِ‬
‫م بِ َ‬ ‫ه ْ‬
‫ما ُ‬ ‫و َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫قال ً‬‫وأ َث ْ َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قال َ ُ‬‫ن أ َث ْ َ‬ ‫مل ُ ّ‬‫ح ِ‬ ‫ول َي َ ْ‬‫ء{ ل يعارضه قوله تعالى‪َ } :‬‬ ‫ي ٍ‬‫ش َْ‬ ‫َ‬
‫م{ كما تقدم بيانه مستوفى في سورة النحل‪.‬‬ ‫ه ْ‬ ‫ع أث ْ َ‬
‫قال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫)فأثقالهم(‪ :‬أوزار ضللهم و)الثقال التي معها( أوزار إضللهم ول‬
‫ينقص ذلك شيئا ً من أوزار أتباعهم الضالين‪.‬‬
‫ب{‪ .‬هذه‬ ‫وال ْك َِتا َ‬ ‫وةَ َ‬ ‫ه الن ّب ُ ّ‬ ‫في ذُّري ّت ِ ِ‬ ‫عل َْنا ِ‬ ‫ج َ‬‫و َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫الية الكريمة تدل على أن النبوة والكتاب في خصوص ذرية‬
‫إبراهيم‪ ،‬وقد ذكر في سورة الحديد ما يدل على اشتراك نوح‬
‫معه في ذلك في قوله‪} :‬ول َ َ َ‬
‫م‬‫هي َ‬ ‫وإ ِب َْرا ِ‬‫سل َْنا ُنوحا ً َ‬ ‫قدْ أْر َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫عل َْنا ِ‬
‫ب{‪.‬‬ ‫والك َِتا َ‬ ‫وةَ َ‬ ‫ما الن ّب ُ ّ‬‫ه َ‬ ‫في ذُّري ّت ِ ِ‬ ‫ج َ‬
‫و َ‬ ‫َ‬
‫والجواب‪ :‬أن وجه القتصار على إبراهيم أن جميع الرسل‬
‫بعده من ذريته وذكر نوح معه لمرين‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أن كل من كان من ذرية إبراهيم فهو من ذرية‬
‫نوح‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن بعض النبياء من ذرية نوح ولم يكن من ذرية‬
‫إبراهيم؛ كهود وصالح ولوط ويونس على خلف فيه‪ ،‬ول ينافي‬
‫ذلك القتصار على إبراهيم؛ لن المراد من كان بعد إبراهيم ل‬
‫من كان قبله أو في عصره كلوط عليهما وعلى نبينا الصلة‬
‫والسلم‪.‬‬
‫_")سورة الروم("_‬
‫حِنيفا{‪ ...‬اليععة‪ .‬هععذا‬ ‫ن َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ك ِلل ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ج َ‬‫و ْ‬‫م َ‬ ‫ق ْ‬ ‫فأ َ ِ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫خطاب خاص بالنبي صععلى اللععه عليععه وسععلم وقععد قععال تعععالى‪:‬‬
‫ه{ حععال‬ ‫ن إ ِل َْيهه ِ‬ ‫مِنيِبي َ‬ ‫ه{ فقععوله‪ُ } :‬‬ ‫قو ُ‬ ‫وات ّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن إ ِل َي ْ ِ‬‫مِنيِبي َ‬ ‫بعده} ُ‬
‫ك{ الواقععع‬ ‫ههه َ‬ ‫ج َ‬‫و ْ‬‫م َ‬ ‫ق ْ‬ ‫فأ َ ِ‬‫من ضمير الفاعل المستتر في قوله } َ‬
‫على النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فتقرير المعنى‪ :‬فاقم وجهك‬
‫يا نبي الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬في حال كونكم منيبين إليععه‪.‬‬
‫وقد تقرر عند علماء العربية أن الحال إن لم تكن سببية ل بد أن‬
‫تكون مطابقة لصاحبها إفرادا ً وثنية وجمع عا ً وتععذكيرا ً وتأنيث عا ً فمععا‬
‫وجه الجمع بين هععذه الحععال وصععاحبها؟ فالحععال جمععع وصععاحبها‬
‫مفرد‪.‬‬
‫والجواب أن الخطاب الخاص بالنبي صلى اللععه عليععه وسععلم‬
‫مه جميعَ المة؛ فالمة تععدخل تحععت خطععابه ‪-‬صععلى اللععه‬ ‫م حك ُ‬ ‫يع ّ‬
‫عليه وسععلم‪ -‬فتكععون الحععال مععن الجميععع الععداخل تحععت خطععابه‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ .-‬ونظير هذه الية في دخول المة تحععت‬
‫الخطاب الخاص به ‪-‬صلى الله عليععه وسععلم‪ -‬قععوله تعععالى‪َ} :‬يا‬
‫م‬ ‫ء{ اليععة‪ .‬فقععوله }طَل ّ ْ‬ ‫ذا طَل ّ ْ‬ ‫ي إِ َ‬ ‫أَ‬
‫قت ُه ُ‬ ‫سهها َ‬‫م الن ّ َ‬ ‫قت ُه ُ‬ ‫ّ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ب‬‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬
‫ء{ بعد يا أيها النبي دليععل علععى دخععول المععة تحععت لفععظ‬ ‫سا َ‬ ‫الن ّ َ‬
‫د‬ ‫م{ ثععم قععال‪َ } :‬‬ ‫َ‬
‫قه ْ‬ ‫ح هّر ُ‬ ‫م تُ َ‬ ‫ي ل ِه َ‬ ‫ههها َالن ّب ِه ّ‬ ‫النبي‪ .‬وقوله‪َ} :‬يا أي ّ َ‬
‫َ‬ ‫حل ّ َ‬
‫ي‬‫ههها الن ّب ِه ّ‬ ‫م{‪ .‬وقععوله‪} :‬ي َهها أي ّ َ‬ ‫مان ِك ُ ْ‬ ‫ة أي ْ َ‬ ‫م تَ ِ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ض الل ّ ُ‬ ‫فَر َ‬ ‫َ‬
‫خِبيههرًا{‬ ‫ن َ‬ ‫مل ُههو َ‬ ‫ع َ‬ ‫مهها ت َ ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ه ك َهها َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ق الّله{ ثم قععال‪} :‬إ ِ ّ‬ ‫ات ّ ِ‬
‫ها{ ثععم‬ ‫جَناك َ َ‬ ‫و ْ‬ ‫طرا ً َز ّ‬ ‫و َ‬ ‫ها َ‬ ‫من ْ َ‬‫ضى َزي ْدٌ ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ما َ‬ ‫فل َ ّ‬ ‫الية‪ .‬وقوله‪َ } :‬‬
‫ج{ اليععة‪ .‬وقععوله‪:‬‬ ‫ح هَر ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫مِني َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫عَلى ال ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كو َ‬ ‫ي ل يَ ُ‬ ‫ْ‬ ‫قال‪} :‬ل ِك َ‬
‫فههي َ ْ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مل ُههو َ‬ ‫ع َ‬ ‫ول ت َ ْ‬ ‫ش هأن{ ثععم قععال‪َ } :‬‬ ‫ن ِ‬ ‫مهها ت َك ُههو ُ‬ ‫و َ‬ ‫} َ‬
‫ل{‪ .‬ودخول المة في الخطاب الخععاص بععالنبي ‪-‬صععلى اللععه‬ ‫م ٍ‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬
‫عليه وسلم‪ -‬هو مذهب الجمهور وعليه مالك وأبو حنيفععة وأحمععد‬
‫رحمهم الله تعالى خلفا ً للشافعي رحمه الله‪.‬‬

‫التعليق‪:‬‬
‫‪ [1]5‬ولو قيل‪ :‬إن الذي دخل النار في ذبابة دخلها لمجرد رضاه‬
‫بالذبح المفهوم من قوله‪ :‬ما عندي ما أقدم‪ ،‬لنه أجاب مبدئيا‬
‫بعدم وجود ما يقدمه بخلف صاحبه أجاب بعدم تقديمه فعلم منه‬
‫أن الول راض عن التقديم لكنه لم يجد ما يقدمه فدخل النار‬

‫‪5‬‬
‫على رضاه وقبوله أما الخر الذي امتنع فقتل وكان من حقه أن‬
‫يقدم تقية ولو فعل فل مانع لن قلبه مطمئن باليمان لكنه لم‬
‫يفعل فل حق له‪ .‬فالظاهر أنه ترك ذلك اختيارا كالذي أخذ أسيرا‬
‫وأرادوا صلبه بمكة ثم عرضوا عليه أن يتمنى لو أن محمدا صلى‬
‫الله وسلم مكانه ويتركونه فأبى حتى ول أن يشاك بشوكة‪.‬وكان‬
‫يمكنه أن يوافقهم تقية لكنه لم يوافقهم‪.‬‬
‫دفع إيهام الضطراب عن آيات الكتاب‬
‫لفضيلة الشيخ محمد المين الشنقيطي‬
‫المدرس بالجامعة‬

‫سورة لقمان‬

‫عُروفًا{‪ .‬هذه الية‬ ‫م ْ‬‫في الدّن َْيا َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه َ‬‫حب ْ ُ‬ ‫صا ِ‬ ‫و َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫الكريمة تدل على المر ببر الوالدين الكافرين وقد جاءت آية‬
‫وما ً‬ ‫ق ْ‬ ‫جد ُ َ‬ ‫أخرى يفهم منها خلف ذلك وهي قوله تعالى‪ } :‬ل ت َ ِ‬
‫ه{ الية‪.‬‬ ‫حادّ الل ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫وا ّ‬ ‫ر يُ َ‬ ‫خ ِ‬‫وم ِ اْل ِ‬ ‫وال ْي َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ِبالل ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫هم{‪.‬‬ ‫كاُنوا آَباءَ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫ثم نص على دخول الباء في هذا بقوله‪َ } :‬‬
‫والذي يظهر لي والله تعالى أعلم أنه ل معارضة بين اليتين‪.‬‬
‫ووجه الجمع بينهما أن المصاحبة بالمعروف أعم من الموادة لن‬
‫النسان يمكنه إسداء المعروف لمن يوده ومن ل يوده والنهي‬
‫ذر من‬ ‫عن الخص ل يستلزم النهي عن العم فكأن الله ح ّ‬
‫الموادة المشعرة بالمحبة والموالة بالباطن لجميع الكفار يدخل‬
‫في ذلك الباء وغيرهم وأمر النسان بأن ل يفعل لوالديه إل‬
‫المعروف وفعل المعروف ل يستلزم المودة لن المودة من‬
‫أفعال القلوب ل من أفعال الجوارح‪ .‬ومما يدل لذلك إذنه صلى‬
‫الله عليه وسلم لسماء بنت أبي بكر الصديق أن تصل أمها وهي‬
‫كافرة وقال بعض العلماء أن قصتها سبب لنزول قوله تعالى‪} :‬ل‬
‫ن{ الية‪..‬‬ ‫دي ِ‬ ‫في ال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫قات ُِلوك ُ ْ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ع‬
‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫هاك ُ ُ‬‫ي َن ْ َ‬
‫وما ً ل‬ ‫َ‬
‫وا ي َ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫خ َ‬
‫وا ْ‬ ‫م َ‬ ‫قوا َرب ّك ُ ْ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫ها الّنا ُ‬ ‫قوله تعالى‪َ} :‬يا أي ّ َ‬
‫ه{ الية‪.‬‬ ‫د ِ‬ ‫ول َ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ع ْ‬ ‫وال ِدٌ َ‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫هذه الية تدل بظاهرها على أن يوم القيامة ل ينفع فيه والد‬
‫ولده وقد جاءت آية أخرى تدل على رفع درجات الولد بسبب‬
‫صلح آبائهم حتى يكونوا في درجة الباء مع أن عملهم أي الولد‬
‫لم يبلغهم تلك الدرجة إقرارا لعيون الباء بوجود البناء معهم في‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫منازلهم من الجنة وذلك نفع لهم وهي قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ما‬ ‫و َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫م ذُّري ّت َ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫نا‬‫َ‬ ‫ق‬‫ْ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ن أ َل ْ‬‫ما ٍ‬ ‫م ب ِِإي َ‬ ‫ه ْ‬ ‫م ذُّري ّت ُ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫عت ْ ُ‬‫وات ّب َ َ‬‫مُنوا َ‬ ‫آ َ‬
‫ِ‬
‫ء{ الية‪..‬‬ ‫ي ٍ‬‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫مل ِ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬‫أ َل َت َْنا ُ‬
‫ووجه الجمع ُأشير إليه بالقيد الذي في هذه الية وهو قوله‬
‫ن{ وعين فيها النفع بأنه‬ ‫ما ٍ‬
‫م ب ِِإي َ‬ ‫م ذُّري ّت ُ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ه ْ‬‫عت ْ ُ‬‫وات ّب َ َ‬
‫تعالى‪َ } :‬‬
‫إلحاقهم بهم في درجاتهم بقيد اليمان فهي أخص من الية‬
‫الخرى والخص ل يعارض العم‪ .‬وعلى قول من فسر الية بأن‬
‫ه{ ل يقضي عنه حقا‬ ‫ول َ ِ‬
‫د ِ‬ ‫ن َ‬‫ع ْ‬
‫وال ِدٌ َ‬‫زي َ‬ ‫ج ِ‬‫معنى قوله‪} :‬ل ي َ ْ‬
‫لزمه ول يدفع عنه عذابا حق عليه‪ ،‬فل إشكال في الية‪ .‬وسيأتي‬
‫لهذا زيادة إيضاح في سورة النجم في الكلم على‪َ } :‬‬
‫ن ل َي ْ َ‬
‫س‬ ‫وأ ْ‬
‫َ‬
‫عى{ الية إن شاء الله تعالى‪.‬‬ ‫س َ‬‫ما َ‬ ‫ن ِإل َ‬ ‫سا ِ‬
‫ل ِل ِن ْ َ‬

‫ءءءء ءءءءءء‬

‫ل‬‫وك ّ َ‬ ‫ذي ُ‬ ‫ت ال ّ ِ‬ ‫و ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫مل َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫فاك ُ ْ‬ ‫و ّ‬ ‫ل ي َت َ َ‬‫ق ْ‬ ‫قوله تعالى‪ُ } :‬‬


‫م‪ .{...‬الية‬ ‫ب ِك ُ ْ‬
‫أسند في هذه الية الكريمة الت َوَّفي إلى ملك واحد وأسند في‬
‫م‬
‫ه ُ‬ ‫و ّ‬
‫فا ُ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫آيات أخر إلى جماعة من الملئكة كقوله‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ن{ وقوله‪:‬‬ ‫طو َ‬ ‫فّر ُ‬ ‫م ل يُ َ‬ ‫ه ْ‬‫و ُ‬ ‫سل َُنا َ‬ ‫ه ُر ُ‬ ‫فت ْ ُ‬ ‫و ّ‬ ‫كة{ وقوله‪} :‬ت َ َ‬ ‫ملئ ِ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ة‪ {...‬الية‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫فُروا ال ْ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫فى ال ّ ِ‬ ‫و ّ‬ ‫و ت ََرى إ ِذْ ي َت َ َ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫} َ‬
‫ت‬ ‫و ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫غ َ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫و ت ََرى إ ِِذ ال ّ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫وقوله‪َ } :‬‬
‫طو‪ {...‬وأسنده في آية أخرى إلى نفسه جل‬ ‫س ُ‬ ‫ة َبا ِ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫فى الن ْ ُ‬ ‫و ّ‬ ‫ّ‬
‫حي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ه ي َت َ َ‬ ‫وعل وهي قوله تعالى‪} :‬الل ُ‬
‫ها‪{...‬‬ ‫وت ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫والجواب عن هذا ظاهر وهو أن إسناده الت ّوَّفي إلى نفسه لن‬
‫ملك الموت ل يقدر أن يقبض روح أحد إل بإذنه ومشيئته تعالى‪}:‬‬
‫َ‬
‫ل{‬‫ج ً‬ ‫ؤ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ك َِتابا ً ُ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫ت ِإل ب ِإ ِذْ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ن ل ِن َ ْ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫وأسنده لملك الموت لنه هو المأمور بقبض الرواح وأسنده‬
‫للملئكة لن ملك الموت له أعوان من الملئكة تحت رئاسته‬
‫يفعلون بأمره وينزعون الروح إلى الحلقوم فيأخذها ملك الموت‬
‫والعلم عند الله تعالى‪.‬‬

‫سورة الحزاب‬

‫ي{ ل منافاة بينه وبين قوله في‬ ‫َ‬


‫ها الن ّب ِ ّ‬
‫قوله تعالى‪َ} :‬يا أي ّ َ‬
‫خِبيرا ً ‪ {...‬بصيغة الجمع‬ ‫مُلو َ‬
‫ن َ‬ ‫ع َ‬
‫ما ت َ ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫آخر الية }إ ِ ّ‬
‫لدخول المة تحت الخطاب الخاص بالنبي صلى الله عليه وسلم‬
‫لنه قدوتهم كما تقدم بيانه مستوفى في سورة الروم‪.‬‬
‫في‬ ‫ن ِ‬ ‫ن َ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ع َ‬
‫قلب َي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬‫ج ٍ‬‫ه ل َِر ُ‬ ‫ج َ‬‫ما َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ه{‪ .‬هذه الية الكريمة تدل بفحوى خطابها أنه لم يجعل‬ ‫ف ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ج ْ‬
‫َ‬
‫لمرأة من قلبين في جوفها وقد جاءت آية أخرى يوهم ظاهرها‬
‫ن ت َُتوَبا‬ ‫خلف ذلك وهي قوله تعالى في حفصة وعائشة‪} :‬إ ِ ْ‬
‫ما‪ {...‬الية فقد جمع القلوب‬ ‫قُلوب ُك ُ َ‬ ‫ت ُ‬ ‫غ ْ‬‫ص َ‬ ‫ف َ‬
‫قد ْ َ‬ ‫إ َِلى الل ّ ِ‬
‫ه َ‬
‫لهاتين المرأتين‪.‬‬
‫والجواب عن هذا من وجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬أن المثنى إذا أضيف إليه‬
‫شيئان هما جزآه جاز في ذلك المضاف الذي هو شيئان الجمع‬
‫والتثنية والفراد وأفصحها الجمع فالفراد فالتثنية على الصح‬
‫سواء كانت الضافة لفظا أو معنى‪ .‬فاللفظ مثاله‪ :‬شويت رؤوس‬
‫الكبشين أو رأسهما أو رأسهما أو رأسيهما والمعنى قطعت‬
‫الكبشين رؤوسا وقطعت منهما الرؤوس فإن فرق المثنى‬
‫ن‬‫سى اب ْ ِ‬ ‫عي َ‬ ‫و ِ‬‫ودَ َ‬ ‫دا ُ‬
‫ن َ‬‫سا ِ‬ ‫عَلى ل ِ َ‬ ‫فالمختار الفراد نحو‪َ } :‬‬
‫م{ وإن كان الثنان المضافان منفصلين عن المثنى المضاف‬ ‫مْري َ َ‬ ‫َ‬
‫إليه أي كان غير جزأيه فالقياس الجمع وفاقا للفقراء وفي‬
‫الحديث‪" :‬ما أخرجكما من بيوتكما إذا أويتما إلى مضاجعكما‪."...‬‬
‫و"هذه فلنة وفلنة يسألنك عن إنفاقهما على أزواجهما ألهما فيه‬
‫أجر"‪ .‬و"لقي عليا وحمزة فضرباه بأسيافهما"‪ .‬واعلم أن الضمائر‬
‫الراجعة إلى هذا المضاف يجوز فيها الجمع نظرا إلى اللفظ‬
‫والتثنية نظرا إلى المعنى فمن الول قوله‪:‬‬
‫خليلي ل تهلك نفوسكما‬
‫فإن لها فيما دهيت به أسا‬ ‫أسا ً‬
‫ومن الثاني قوله‪:‬‬
‫إذا منكما البطال يغشاهما‬ ‫قلوبكما يغشاهما المن‬
‫الذعر‬ ‫عادة‬
‫الثاني هو ما ذهب إليه مالك بن أنس رحمه الله تعالى من أن‬
‫وة‪{...‬‬ ‫خ َ‬
‫ه إِ ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫فإ ِ ْ‬‫أقل الجمع اثنان‪ .‬ونظيره قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫أي أخوان فصاعدا‪.‬‬
‫هم{ هذه الية الكريمة تدل‬ ‫قوله تعالى‪} :‬وأ َزواج ُ‬
‫هات ُ ُ‬‫م َ‬ ‫هأ ّ‬ ‫َ ْ َ ُ ُ‬
‫بدللة اللتزام على أنه صلى الله عليه وسلم أب لهم لن أمومة‬
‫وته صلى الله عليه وسلم لهم وهذا‬ ‫أزواجه لهم تستلزم أب ّ‬
‫ي بن كعب‬ ‫ُ‬
‫المدلول عليه بدللة اللتزام مصرح به في قراءة أب َ ّ‬
‫رضي الله عنه لنه يقرأها‪) :‬وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم( وهذه‬
‫القراءة مروية أيضا عن ابن عباس وقد جاءت آية أخرى تصرح‬
‫بخلف هذا المدلول عليه بدللة اللتزام والقراءة الشاذة وهي‬
‫َ َ‬
‫م{‪.‬‬ ‫جال ِك ُ ْ‬ ‫ر َ‬ ‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫د ِ‬ ‫ح ٍ‬ ‫مدٌ أَبا أ َ‬ ‫ح ّ‬‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫وة المثبتة دينية والبوة المنفية‬ ‫الية‪..‬والجواب ظاهر وهو أن الب ّ‬
‫هم{ مع‬ ‫طينية وبهذا يرتفع الشكال في قوله‪} :‬وأ َزواج ُ‬
‫هات ُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫هأ ّ‬ ‫َ ْ َ ُ ُ‬
‫ء‬
‫وَرا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ه ّ‬ ‫سَألو ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫مَتاعا ً َ‬ ‫ن َ‬ ‫ه ّ‬ ‫مو ُ‬ ‫َ‬
‫سأل ْت ُ ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫وإ ِ َ‬
‫قوله‪َ } :‬‬
‫ب{‪ .‬إذ يقال كيف يلزم النسان أن يسأل أمه من وراء‬ ‫جا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ِ‬
‫ن أمهات في الحرمة‬ ‫حجاب؟‪ .‬والجواب ما ذكرناه الن فه ّ‬
‫ن ول في حرمة‬ ‫والحترام والتوقير والكرام ل في الخلوة به ّ‬
‫ن ونحو ذلك والعلم عند الله تعالى‪.‬‬ ‫بناته ّ‬
‫جههك{ اليععة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫حل َل َْنا ل َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وا َ‬ ‫ك أْز َ‬ ‫ي إ ِّنا أ ْ‬ ‫ها الن ّب ِ ّ‬ ‫قوله تعالى‪َ} :‬يا أي ّ َ‬
‫د{ اليععة‪.‬‬ ‫عهه ُ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ساءُ ِ‬ ‫ك الن ّ َ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫يظهر تعارضه مع قوله‪} :‬ل ي َ ِ‬
‫ء{ منسوخ بقععوله‪} :‬إ ِن ّهها‬ ‫سا ُ‬ ‫ك الن ّ َ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫والجواب أن قوله‪} :‬ل ي َ ِ‬
‫جك{ وقععد قععدمنا فععي سععورة البقععرة أنععه أحععد‬ ‫أ َحل َل َْنا ل َ َ َ‬
‫وا َ‬ ‫ك أْز َ‬ ‫ْ‬
‫الموضعين الّلذين في المصحف ناسخهما قبل منسوخهما لتقععدمه‬
‫في ترتيب المصحف معع تعأخره فععي النعزول علععى القعول بععذلك‪.‬‬
‫شههاءُ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫مه ْ‬ ‫جي َ‬ ‫وقيل أن الية الناسخة لها هي قوله تعالى‪} :‬ت ُْر ِ‬
‫ن{‪ .‬الية‪ .‬وقال بعض العلماء هععي محكمععة وعليععه فععالمعنى‬ ‫ه ّ‬‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫ء{ أي من بعد النساء التي أحلهععن اللععه لععك‬ ‫سا ُ‬ ‫ك الن ّ َ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫}ل ي َ ِ‬
‫ل‬‫ح ّ‬ ‫جك{ الية‪ .‬فتكون آية }ل ي َ ِ‬ ‫َ‬ ‫حل َل َْنا ل َ َ‬ ‫َ‬
‫وا َ‬ ‫ك أْز َ‬ ‫في قوله‪} :‬إ ِّنا أ ْ‬
‫ك‬ ‫حل َل َْنا ل َه َ‬ ‫َ‬ ‫لَ َ‬
‫ء{ محرمععة مععا لععم يععدخل فععي آيععة }إ ِّنا أ ْ‬ ‫سا ُ‬ ‫ك الن ّ َ‬
‫جك{ كالكتابيات والمشركات والبدويات علععى القععول بععذلك‬ ‫َ‬
‫وا َ‬ ‫أْز َ‬
‫فيهععن وبنععات العععم والعمععات وبنععات الخععال والخععالت اللتععي لعم‬
‫يهاجرن معه على القول بذلك فيهععن أيض عا ً والقععول بعععدم النسععخ‬
‫ي بن كعب ومجاهد في روايععة عنععه وعكرمععة والضععحاك‬ ‫ُ‬
‫قال به أب َ ّ‬
‫في رواية وأبو رزين في رواية عنععه وأبععو صععالح والحسععن وقتععادة‬
‫في رواية والسدي وغيرهم كما نقله عنهم ابن كثير وغيره واختععار‬
‫عدم النسخ ابن جرير وأبو حيان‪.‬‬
‫والذي يظهر لنا أن القول بالنسخ أرجح وليس المرجععح لععذلك‬
‫عندنا أنه قول جماعة من الصحابة ومن بعدهم منهععم علععي وابععن‬
‫عباس وأنس وغيرهم ولكن المرجح له عندنا أنه قول أعلم الناس‬
‫بالمسألة أعني أزواجه صلى الله عليه وسلم لن حلّية غيرهن من‬
‫الضرات وعدمها ل يوجد من هععو أشععد اهتمامععا بهمععا منهععن فهععن‬
‫صواحبات القصة وقد تقرر في علععم الصععول أن صععاحب القصععة‬
‫يقدم على غيره ولعل هناك تفريق بين ما إذا كان صاحب القصععة‬
‫راويا وبين كونه مستنبطا كقصة فاطمة بنععت قيععس فععي إسععقاط‬
‫النفقة والسكنى فالحجة معها والحععديث يؤيععدها ومععع ذلععك فعمععر‬
‫يرد قولها‪ .‬ولذلك قدم العلماء رواية ميمونة وأبي رافع أنععه صععلى‬
‫الله عليه وسلم تزوجها وهو حلل على رواية ابن عبععاس المتفععق‬
‫عليها أنه تزوجها محرما لن ميمونة صاحبة القصة وأبا رافع سفير‬
‫فيها فإذا علمت ذلك فععاعلم أن ممععن قععال بالنسععخ أم المععؤمنين‬
‫عائشة رضي الله عنها قالت‪" :‬مععا مععات صععلى اللععه عليععه وسععلم‬
‫حتى أحل الله له النساء"‪ .‬وأم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها‬
‫قالت‪" :‬لم يمت صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج‬
‫من النساء ما شاء إل ذات محععرم"‪ .‬أمععا عائشععة فقععد روى عنهععا‬
‫ذلععك المععام أحمععد والترمععذي وصععححه النسععائي فععي سععننيهما‬
‫والحاكم وصححه وأبو داود في ناسخه وابن المنذر وغيرهم‪ .‬وأمععا‬
‫أم سلمة فقد رواه عنها ابن أبععي حععاتم كمععا نقلععه عنععه ابععن كععثير‬
‫وغيره ويشهد لذلك ما رواه جماعة عن عبد الله بن شععداد رضععي‬
‫الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم تعزوج أم حبيبعة وجويريععة‬
‫سههاء{‪ .‬قععال‬ ‫ل ل َه َ‬
‫ك الن ّ َ‬ ‫حه ّ‬
‫رضععي اللععه عنهمععا بعععد نععزول }ل ي َ ِ‬
‫اللوسي في تفسيره أن ذلك أخرجه عنه ابن أبي شيبة وعبد بععن‬
‫حميد وابن أبي حاتم والعلم عند الله تعالى‪.‬‬

‫سورة سبأ‬

‫فوَر{‪ .‬هذه اليععة الكريمععة‬ ‫زي ِإل ال ْك َ ُ‬ ‫جا ِ‬ ‫ل نُ َ‬‫ه ْ‬ ‫و َ‬


‫قوله تعالى‪َ }:‬‬
‫على كلتا القراءتين قراءة ضم الياء مع فتح الزاي مبنيعا للمفععول‬
‫زي{‬ ‫فوُر{ علععى أنع ًًًعه نععائب فاعععل وقععراءة }ن ُ َ‬
‫جا ِ‬ ‫مع رفع }ال ْك َ ُ‬
‫فوَر{ علععى‬ ‫بضم النون وكسر الزاي مبنيا ًً للفاعل مع نصب }ال ْك َ ُ‬
‫أنه مفعول به تدل على خصوص الجععزاء بالمبععالغين بععالكفر‪ .‬وقععد‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫جاءت آيات أخر تدل علععى عمععوم الجععزاء كقععوله تعععالى‪َ }:‬‬
‫ف َ‬
‫ه{ الية‪.‬‬ ‫خْيرا ً ي ََر ُ‬ ‫ة َ‬ ‫ل ذَّر ٍ‬‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫ع َ‬
‫يَ ْ‬
‫والجواب عن هذا من ثلثة أوجه‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن المعنى ما نجازي هذا الجزاء الشديد المستأصععل إل‬
‫المبالغ في الكفران‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن ما يفعل بغير الكععافر مععن الجععزاء ليععس عقابععا فععي‬
‫الحقيقة لنه تطهير وتمحيص‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنه ل يجععازى جميععع العمععال مععع المناقشععة التامععة إل‬
‫الكافر ويدل لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬مععن نععوقش‬
‫الحساب فقد هلك"‪ .‬وأنه لما سألت عائشة رضي اللععه عنهععا عععن‬
‫ب إ َِلههى‬ ‫قل ِ ُ‬ ‫وي َن ْ َ‬ ‫سيرا ً َ‬ ‫سابا ً ي َ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ب ِ‬ ‫س ُ‬ ‫حا َ‬ ‫ف يُ َ‬ ‫و َ‬ ‫س ْ‬ ‫ف َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫سُرورًا{ قال لها ذلك العرض‪ .‬و بّين لها أن مععن نععوقش‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫هل ِ ِ‬ ‫أَ ْ‬
‫الحساب لبد أن يهلك‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫ر َ‬ ‫ج ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫و ل َك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ر َ‬ ‫ج ٍ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫سأل ْت ُك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫قوله تعالى‪ُ }:‬‬
‫ه{ الية‪ .‬هذه الية الكريمة تدل على أنه صععلى اللععه‬ ‫عَلى الل ّ ِ‬ ‫ِإل َ‬
‫عليه وسلم ل يسأل أمته أجرا على تبليغ ما جععاءهم بععه مععن خيععر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫عل َي ْه ِ‬ ‫م َ‬ ‫س هأل ُك ُ ْ‬ ‫مهها أ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫الدنيا والخرة‪ .‬ونظيرها قوله تعععالى‪ُ } :‬‬
‫َ‬ ‫مت َك َل ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ن{‪ .‬وقععوله تعععالى‪} :‬أ ْ‬ ‫في ه َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مه َ‬ ‫مهها أن َهها ِ‬ ‫و َ‬ ‫ر َ‬ ‫ج ه ٍَ‬ ‫نأ ْ‬ ‫مه ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ن{ فععي سععورة الطععور‬ ‫قُلو َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫غَرم ٍ ُ‬ ‫م ْ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫جرا ً َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫سأل ُ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬ ‫ل ما أ َ َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫ر ِإل َ‬ ‫ٍ‬ ‫ج‬‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫عل َي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫سأل ُك ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ق ْ َ‬ ‫والقلم‪ .‬وقوله تعالى‪ُ } :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫سهأل ُك ُ ْ‬ ‫للأ ْ‬ ‫قه ْ‬ ‫ل{ وقععوله‪ُ } :‬‬ ‫سهِبي ً‬ ‫ه َ‬ ‫خذَ إ ِل َههى َرب ّه ِ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫شاءَ أ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن{‪ .‬وعدم طلب الجععرة‬ ‫مي َ‬ ‫عال َ ِ‬ ‫و ِإل ِذك َْرى ل ِل ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ُ‬ ‫جرا ً إ ِ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫عل َي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫على التبليغ هو شأن الرسل كّلهم عليهم صلوات الله وسلمه كما‬
‫َ‬
‫م‬ ‫س هأل ُك ُ ْ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫مه ْ‬ ‫عههوا َ‬ ‫ن ات ّب ِ ُ‬ ‫س هِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫عههوا ال ْ ُ‬ ‫قععال تعععالى‪} :‬ات ّب ِ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫عل َْيهه ِ‬ ‫م َ‬ ‫سههأل ُك ُ ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫و َ‬ ‫جرًا{ وقال تعالى في سورة الشعععراء‪َ } :‬‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{ فععي قصععة نععوح‬ ‫مي َ‬ ‫عههال َ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫عَلى َر ّ‬ ‫ي ِإل َ‬ ‫ر َ‬ ‫ج ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ر إِ ْ‬ ‫ج ٍ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫وهود وصالح ولوط وشععيب عليهعم وعلعى نبينعا الصعلة والسعلم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫عل َي ْه ِ‬ ‫م َ‬ ‫س هأل ُك ُ ْ‬ ‫وم ِ ل أ ْ‬ ‫قه ْ‬ ‫وَيا َ‬ ‫وقال في سورة هود عععن نععوح‪َ } :‬‬
‫مُنههوا{‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫رِد اّلهه ِ‬ ‫ِ‬ ‫طا‬‫ما أ ََنا ب ِ َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫عَلى الل ّ ِ‬ ‫ي ِإل َ‬ ‫ر َ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬
‫نأ ْ‬
‫َ‬
‫مال ً إ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫جرا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هأ ْ‬ ‫عل َي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫سأل ُك ُ ْ‬ ‫وم ِ ل أ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫الية‪ .‬وقال فيها أيضا عن هود‪َ} :‬يا َ‬
‫فطََرِني{ اليععة‪ .‬وقععد جععاء فععي آيععة‬ ‫َ‬
‫ذي َ‬ ‫عَلى ال ّ ِ‬ ‫ي ِإل َ‬ ‫ر َ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬
‫نأ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫س هأل ُك ُ ْ‬ ‫للأ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫أخرى ما يوهم خلف ذلك وهي قععوله تعععالى‪ُ } :‬‬
‫في ال ْ ُ‬ ‫عل َي َ‬
‫قْرَبى{‪.‬‬ ‫ودّةَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫جرا ً ِإل ال ْ َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫َ ْ ِ‬
‫قْرب َههى{‬ ‫فههي ال ْ ُ‬ ‫ودّةَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫اعلم أول أن في قععوله تعععالى‪ِ} :‬إل ال ْ َ‬
‫أربعة أقوال‪.‬‬
‫الول‪ :‬ورواه الشعبي وغيره عن ابن عبععاس وبععه قععال مجاهععد‬
‫وقتادة وعكرمة وأبو مالك والسدي والضحاك وابععن زيععد وغيرهععم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫سههأل ُك ُ ْ‬ ‫للأ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫كما نقله عنهم ابن جرير وغيره أن معنى الية } ُ‬
‫فههي ال ْ ُ‬ ‫عل َي َ‬
‫قْرب َههى{ أي إل أن تععودوني فععي‬ ‫ودّةَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫جرا ً ِإل ال ْ َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫َ ْ ِ‬
‫قرابتي التي بيني وبينكم فتكفوا عنععي أذاكععم وتمنعععوني مععن أذي‬
‫الناس كما تمنعون كل من بينكم وبينه مثل قرابععتي منكععم‪ .‬وكععان‬
‫صلى الله عليه وسلم له في كل بطن من قريش رحم فهذا الذي‬
‫سألهم ليس بأجر على التبليغ لنه مبذول لكععل أحععد لن كععل أحععد‬
‫يوده أهل قرابته وينتصرون له من أذى الناس وقد فعععل لععه ذلععك‬
‫أبو طالب ولم يكن أجرا علععى التبليععغ لنععه لععم يععؤمن وإذا كععان ل‬
‫يسأل أجرا إل هذا الذي ليس بأجر تحقق أنه ل يسأل أجرا كقععول‬
‫النابغة‪:‬‬
‫ول عيب فيهم غير أن‬
‫بهن فلول من قراع الكتائب‬
‫سيوفهم‬
‫ومثل هذا يسميه البلغيون تأكيد المدح بما يشععبه الععذم وهععذا‬
‫القول هو الصحيح في الية واختاره ابن جرير وعليه فل إشكال‪.‬‬
‫قْرَبههى{ أي ل‬ ‫فههي ال ْ ُ‬‫ودّةَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫الثاني‪ :‬أن معنى الية }ِإل ال ْ َ‬
‫تؤذوا قرابتي وعترتي واحفظععوني فيهععم ويععروى هععذا القععول عععن‬
‫سعيد بن جبير وعمعرو بعن شععيب وعلعي بعن الحسعن وعليعه فل‬
‫إشكال أيضا لن المودة بين المسلمين واجبة فيما بينهععم وأحععرى‬
‫ن‬
‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫وال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫قرابة النبي صلى اللععه عليععه وسععلم قععال تعععالى‪َ } :‬‬
‫ض ههم أ َ‬
‫ض{ وفععي الحععديث‪" :‬مثععل‬ ‫ٍ‬ ‫ه‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫ها‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫ع ُ ُ ْ‬ ‫ت بَ ْ‬‫من َهها ُ‬‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫المؤمنين في تراحمهم وتععوادهم كالجسععد الواحععد إذا أصععيب منععه‬
‫عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"‪ .‬وقععال صععلى اللععه‬
‫عليه وسلم‪" :‬ل يؤمن أحدكم حتى يحب لخيه مععا يحععب لنفسععه"‪.‬‬
‫والحاديث في مثل هذا كثيرة جدا‪ .‬وإذا كان نفععس الععدين يععوجب‬
‫هذا بين المسلمين تبين أنه غيععر عععوض عععن التبليععغ وقععال بعععض‬
‫العلماء‪ :‬السععتثناء منقطععع علععى كل القععولين‪ ،‬وعليععه فل إشععكال‪.‬‬
‫فمعنععاه علععى القععول الول ل أسععألكم عليععه أجععرا لكععن أذكركععم‬
‫قرابععتي فيكععم وعلععى الثععاني لكععن أذكركععم اللععه فععي قرابععتي‬
‫فاحفظوني فيهم‪.‬‬
‫قْرَبههى{ أي‬ ‫في ال ْ ُ‬ ‫ودّةَ ِ‬
‫م َ‬ ‫الثالث‪ :‬وبه قال الحسن‪ِ} :‬إل ال ْ َ‬
‫أل تتععوددوا إلععى اللععه وتتقربععوا إليععه إل بالطاعععة والعمععل الصععالح‬
‫وعليه فل إشكال لن التقرب إلى الله ليس أجر على التبليغ‪.‬‬
‫قْرب َههى{ أي أل تتععوددوا إلععى‬ ‫فههي ال ْ ُ‬ ‫ودّةَ ِ‬ ‫مه َ‬‫الرابع‪ِ} :‬إل ال ْ َ‬
‫قراباتكم وتصلوا أرحامكم‪.‬ذكر ابن جرير هذا القول عن عبعد اللعه‬
‫بن القاسم وعليه فل إشكال لن صلة النسان رحمه ليست أجععرا‬
‫على التبليغ فقد علمت الصحيح في تفسير اليععة وظهععر لععك رفععع‬
‫الشكال على جميع القوال‪ .‬وأما القععول بععأن قععوله تعععالى ‪ِ} :‬إل‬
‫َ‬
‫م‬‫سأل ْت ُك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫قْرَبى{ منسوخ بقوله تعالى‪ُ } :‬‬ ‫في ال ْ ُ‬ ‫ودّةَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫م{ فهو ضعيف والعلم عند الله تعالى‪.‬‬ ‫و ل َك ُ ْ‬‫ه َ‬ ‫ر َ‬
‫ف ُ‬ ‫ج ٍ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫سورة فاطر‬

‫ه‬
‫ر ِ‬‫م ِ‬‫ع ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ص ِ‬‫ق ُ‬ ‫ول ي ُن ْ َ‬ ‫ر َ‬ ‫م ٍ‬ ‫ع ّ‬ ‫م َ‬
‫ن ُ‬ ‫م ْ‬
‫مُر ِ‬ ‫ع ّ‬‫ما ي ُ َ‬‫و َ‬‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ه{ يظهر رجععوعه إلععى‬ ‫ر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ع ُ‬‫ب{ الضمير في قوله‪ُ } :‬‬ ‫في ك َِتا ٍ‬ ‫ِإل ِ‬
‫مععر والمنقععوص مععن عمععره‬ ‫مر فيشععكل معنععى اليعة لن المع ّ‬ ‫المع ّ‬
‫ضدان فيظهر تنافي الضمير ومفسره‪.‬‬
‫مر الذي هععو مطلععق‬ ‫مر هنا جنس المع ّ‬ ‫الجواب‪ :‬أن المراد بالع ّ‬
‫الشخص فيصدق بالذي لم ينقععص مععن عمععره وبالععذي نقععص مععن‬
‫عمره فصار المعنى‪ :‬ل يزاد في عمر شخص ول ينقص مععن عمععر‬
‫شخص إل في كتاب الله وهذه المسألة هي المعروفة عند العلماء‬
‫العربية بمسألة عندي درهم ونصفه أي نصف درهم آخر‪.‬‬
‫قال ابن كثير في تفسيره‪" :‬الضمير عائد على الجنس ل على‬
‫العين لن طويل العمر في الكتاب وفععي علععم اللععه ل ينقععص مععن‬
‫عمره إنما عاد الضمير على الجنس" ‪.‬انتهى منه‪.‬‬
‫سّيئ{ يدل على أن المكر هنا شععيء‬ ‫مك َْر ال ّ‬ ‫و َ‬‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫غيععر السععيئ أضععيف إلععى السععيئ للععزوم المغععايرة بيععن المضععاف‬
‫ئ ِإل‬ ‫مك ْهُر ال ّ‬
‫س هي ّ ُ‬ ‫ق ال ْ َ‬ ‫حي ُ‬ ‫ول ي َ ِ‬ ‫والمضاف إليه‪ .‬وقععوله تعععالى‪َ } :‬‬
‫ه{ يدل على أن المراد بالمكر هنا هو السيئ بعينععه ل شععيء‬ ‫ب ِأ َ ْ‬
‫هل ِ ِ‬
‫آخر فالتنافي بين الععتركيب الضععافي والععتركيب التقييععدي ظععاهر‪.‬‬
‫والذي يظهر والله تعالى أعلم أن التحقيععق جععواز إضععافة الشععيء‬
‫إلى نفسععه إذا اختلفععت اللفععاظ لن المغععايرة بيععن اللفععاظ ربمععا‬
‫كفت في المغايرة بين المضاف والمضاف إليه كما جععزم بععه ابععن‬
‫جرير في تفسيره في غير هذا الموضع ويشير إليه ابن مالك فععي‬
‫الخلصة بقوله‪:‬‬
‫حتما وإل أتبع الذي ردف‬ ‫وإن يكونا مفردين فأضف‬
‫وأما قوله‪:‬‬
‫وهما ً إذا ورد‬ ‫م ِ‬‫معنى وأّول ُ‬ ‫ول يضاف اسم لما به اتحد‬
‫فالذي يظهر فيه بعد البحث أنه ل حاجة إلى تأويله مععع كععثرته‬
‫فععي القععرآن واللغععة العربيععة فالظععاهر أنععه أسععلوب مععن أسععاليب‬
‫سهّيئ{ والمكععر‬ ‫مك َْر ال ّ‬ ‫و َ‬
‫العربية بدليل كثرة وروده كقولنا هنا‪َ } :‬‬
‫ئ{ اليععة‪.‬‬ ‫مك ْهُر ال ّ‬
‫سهي ّ ُ‬ ‫ق ال ْ َ‬ ‫حي ُ‬ ‫ول ي َ ِ‬‫هععو السععيئ بععدليل قععوله‪َ } :‬‬
‫هُر‬ ‫ش ْ‬‫ة{ والدار هي الخععرة وكقععوله‪َ } :‬‬ ‫خَر ُ‬ ‫داُر ال ِ‬ ‫وال ّ‬
‫وكقوله‪َ } :‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ن{ والشععهر هععو رمضععان علععى التحقيععق‪ .‬وكقععوله‪ِ } :‬‬ ‫ضا َ‬ ‫م َ‬ ‫َر َ‬
‫د{ والحبل هو الوريد ونظيره مععن كلم العععرب قععول‬ ‫ري ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫و ِ‬ ‫حب ْ ِ‬‫َ‬
‫عنترة في معلقته‪:‬‬
‫بالسيف عععن حععامي الحقيقععة‬ ‫ومشك سابغة هتكت‬
‫معلم‬ ‫فروجها‬
‫فأصل المشك بالكسر السير الذي تشد به الععدرع ولكععن عنععترة‬
‫هنا أراد به نفس الدرع وأضافه إليها كما هو واضح من كلمععه لن‬
‫الحكم بهتك الفروج واقع على الدرع ل على السير الذي تشععد بععه‬
‫كما جزم به بعض المحققين وهو ظاهر خلفا لظاهر كلم صععاحب‬
‫تاج العروس فإنه أورد بيت عنترة شاهدا لن المشك السير الذي‬
‫تشد به الدرع بل المشك في بيت عنترة هععذا علععى التحقيععق هععو‬
‫السابغة وأضيف إليها على ما ذكرنا‪.‬وقول امرئ القيس‪:‬‬
‫كبكر المقاناة البياض‬
‫غذاؤها نمير الماء غير المحلل‬
‫بصفرة‬
‫فالبكر هي المقاناة على التحقيق وأما على مععا ذهععب إليععه ابععن‬
‫مالك فالجواب تأويل المضعاف بعأن المعراد بعه مسععمى المضععاف‬
‫إليه‪.‬‬

‫دفع إيهام الضطراب عن آيات الكتاب‬


‫ءءءءءء ءءءءء ءءء ء ءءءءء ء ءءء ءءءءء ءءء ءءء‬
‫ءءءءءءءء‬
‫)سورة يس(‬
‫ي‬ ‫ش َ‬ ‫خ ِ‬ ‫و َ‬‫ع الذّك َْر َ‬ ‫ن ات ّب َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ذُر َ‬ ‫ما ت ُن ْ ِ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫من{ الية‪.‬‬ ‫ح َ‬ ‫الّر ْ‬
‫ظاهرها خصوص النذار بالمنتفعين به ونظيرها قوله تعالى‪:‬‬
‫ها{ وقد جاءت آيات أخر تدل‬ ‫شا َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ذُر َ‬ ‫من ْ ِ‬‫ت ُ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫}إ ِن ّ َ‬
‫وما ً ل ُدًّا{‪.‬‬ ‫ق ْ‬‫ه َ‬ ‫ذَر ب ِ ِ‬ ‫وت ُن ْ ِ‬‫على عموم النذار كقوله‪َ } :‬‬
‫َ‬ ‫ذيرًا{‪ ،‬وقوله‪َ } :‬‬
‫فأن ْذَْرت ُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫عال َ ِ‬ ‫ن ل ِل ْ َ‬ ‫كو َ‬ ‫وقوله }ل ِي َ ُ‬
‫ظى{ وقد قدمنا وجه الجمع بأن النذار في الحقيقة‬ ‫َنارا ً ت َل َ ّ‬
‫عام وإنما خص في بعض اليات بالمؤمنين لبيان أنهم هم‬
‫ن‬‫فإ ِ ّ‬ ‫وذَك ّْر َ‬ ‫المنتفعون به دون غيرهم كما قال تعالى‪َ } :‬‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ع ال ْ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫الذّك َْرى ت َن ْ َ‬
‫وبين أن النذار وعدمه سواء بالنسبة إلى إيمان الشقياء‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫مل‬ ‫ه ْ‬‫ذْر ُ‬‫م ت ُن ْ ِ‬‫م لَ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫م أأن ْذَْرت َ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫علي ْ ِ‬
‫واءٌ َ َ‬ ‫س َ‬ ‫بقوله‪َ }:‬‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫)سورة الصافات(‬
‫م{‪ ،‬هذه الية‬ ‫قي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬‫ء َ‬ ‫عَرا ِ‬ ‫فن َب َذَْناهُ ِبال ْ َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫الكريمة فيها التصريح بنبذ يونس بالعراء عليه وعلى نبينا الصلة‬
‫والسلم‪ ،‬وقد جاءت آية أخرى يتوهم منها خلف ذلك وهي‬
‫َ‬
‫ء{ الية‪.‬‬ ‫عَرا ِ‬ ‫ه ل َن ُب ِذَ ِبال ْ َ‬ ‫ن َرب ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫ه نِ ْ‬ ‫داَرك َ ُ‬ ‫ن تَ َ‬‫ول أ ْ‬ ‫قوله‪} :‬ل َ ْ‬
‫والجواب‪ :‬أن المتناع المدلول عليه بحرف المتناع الذي هو‬
‫لول منصب على الجملة الحالية ل على جواب لول‪.‬‬
‫وتقرير المعنى‪ :‬لول أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء‬
‫في حال كونه مذموما لكنه تداركته نعمة ربه فنبذ بالعراء غير‬
‫مذموم فهذه الحال عمدة ل فضلة‪ ،‬أو أن المراد بالفضلة ما‬
‫ليس ركنا في السناد وإن توقفت صحة المعنى عليه ونظيرها‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ه َ‬
‫ما ب َي ْن َ ُ‬ ‫و َ‬‫ض َ‬ ‫والْر َ‬ ‫ماءَ َ‬ ‫س َ‬ ‫قَنا ال ّ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ه َ‬‫ما ب َي ْن َ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ض َ‬ ‫والْر َ‬ ‫ماءَ َ‬ ‫س َ‬ ‫قَنا ال ّ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫ن{ وقوله‪َ } :‬‬ ‫عِبي َ‬ ‫ل ِ‬
‫ل{ الية لن النفي فيهما منصب على الحال ل على ما‬ ‫َباطِ ً‬
‫قبلها‪.‬‬
‫)سورة ص(‬
‫صههم{ اليععة‪ ،‬هععذه اليععة‬ ‫ُ‬
‫ك ن َب َأ ال ْ َ‬ ‫ل أَتا َ‬ ‫َ‬ ‫ه ْ‬
‫خ ْ‬ ‫و َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫تدل بظاهرها على أن الخصم مفععرد ولكععن الضععمائر بعععده تععدل‬
‫على خلف ذلك‪ ،‬والجواب أن الخصم في الصل مصععدر خصععمه‬
‫كرته‪ ،‬وعليه فالخصععم يععراد‬ ‫والعرب إذا نعتت بالمصدر أفردته وذ ّ‬
‫به الجماعة والواحد والثنان ويجوز جمعه وتثنيته لتناسععي أصععله‬
‫الذي هو المصدر وتنزيله منزلة الوصف‪.‬‬
‫قال ابن مالك‪:‬‬
‫فالتزمعوا الفعراد‬ ‫ونعتعوا بمصعدر كثيعرا‬
‫والتذكيعرا‬
‫)سورة الزمر(‬
‫ق{ ظاهر في الفراد‪،‬‬ ‫صد ْ ِ‬ ‫جاءَ ِبال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ن{ يدل على خلف ذلك‪.‬‬ ‫قو َ‬ ‫مت ّ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫وقوله‪ُ} :‬أول َئ ِ َ‬
‫وقد قدمنا وجه الجمع محررا بشواهده في سورة البقرة‬
‫د‬
‫ق َ‬‫و َ‬ ‫ست َ ْ‬‫ذي ا ْ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫مث َل ُ ُ‬ ‫في الكلم على قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫َنارًا{ الية‪.‬‬
‫عَلى‬ ‫َ‬
‫فوا َ‬ ‫سَر ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ي ال ّ ِ‬ ‫عَباِد َ‬ ‫ل َيا ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫قوله تعالى‪ُ } :‬‬
‫م{ الية‪ :‬هذه الية الكريمة تدل على أمرين‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أَ‬
‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ن‬
‫الول‪ :‬أن المسرفين ليس لهم أن يقنطوا من رحمة الله مع‬
‫أنه جاءت آية أخرى تدل على خلف ذلك وهي قوله تعالى‪:‬‬
‫ر{‪.‬‬ ‫نا‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫حا‬ ‫ص‬ ‫هم أ َ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫في‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫}و أ َ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫والجواب أن السراف يكون بالكفر ويكون بارتكاب‬
‫َ‬ ‫المعاصي دون الكفر فآية } َ‬
‫ب‬‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫في َ‬ ‫ر ِ‬‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫وأ ّ‬ ‫َ‬
‫ي‬‫عَباِد َ‬ ‫ل َيا ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ر{ في السراف الذي هو كفر وآية } ُ‬ ‫الّنا ِ‬
‫َ‬
‫عَلى أن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫م{ في السراف بالمعاصي‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫ف ِ‬ ‫فوا َ‬ ‫سَر ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫دون الكفر‪ ،‬ويجاب أيضا بأن آية } َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫في َ‬ ‫ر ِ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫وأ ّ‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫ُ‬
‫ر{ فيما إذا لم يتوبوا وأن قوله }ق ْ‬ ‫َ‬
‫عَباِد َ‬ ‫ل َيا ِ‬ ‫ب الّنا ِ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫فوا{ فيما إذا تابوا‪.‬‬ ‫سَر ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫والمر الثاني‪ :‬أنها دلت على غفران جميع الذنوب‪ ،‬مع أنه‬
‫دلت آيات أخر على أن من الذنوب ما ل يغفر وهو الشرك بالله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫َ‬
‫ه{‬ ‫ك بِ ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫فُر أ ْ‬ ‫غ ِ‬ ‫ه ل يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫والجواب‪-‬أن الية }إ ِ ّ‬
‫مخصصة لهذه‪ ،‬وقال بعض العلماء هذه مقيدة بالتوبة بدليل‬
‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫م{ فإنه عطف على قوله }ل‬ ‫وأِنيُبوا إ َِلى َرب ّك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫تقنطوا{‪ ،‬وعليه فل إشكال وهو اختيار ابن كثير‪.‬‬
‫)سورة غافر(‬
‫مُنوا{ هذه الية‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬ ‫فُرو َ‬ ‫غ ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫وي َ ْ‬‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫الكريمة تدل على أن استغفار الملئكة لهل الرض خاص‬
‫بالمؤمنين منهم‪ ،‬وقد جاءت آية أخرى يدل ظاهرها على خلف‬
‫ض{‬ ‫َ‬
‫في الْر ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫فُرو َ‬ ‫غ ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫ذلك وهي قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫الية‪.‬‬
‫والجواب أن آية غافر مخصصة لية الشورى‪ ،‬والمعنى‬
‫ويستغفرون لمن في الرض من المؤمنين لوجوب تخصيص‬
‫العام بالخاص‪.‬‬
‫ذي‬ ‫ض ال ّ ِ‬ ‫ع ُ‬ ‫م بَ ْ‬ ‫صب ْك ُ ْ‬ ‫صاِدقا ً ي ُ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫وإ ِ ْ‬‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫م{ ل يخفى ما سبق إلى الذهن في هذه الية من توهم‬ ‫عدُك ُ ْ‬ ‫يَ ِ‬
‫المنافاة بين الشرط والجزاء في البعض لن المناسب لشتراط‬
‫الصدق هو أن يصيبهم جميع الذين يعدهم ل بعضه مع أنه تعالى‬
‫لم يقل وإن يك صادقا يصبكم كل الذي يعدكم‪ ،‬وأجيب عن هذا‬
‫بأجوبة من أقربها عندي أن المراد بالبعض الذي يصيبهم هو‬
‫البعض العاجل الذي هو عذاب الدنيا لنهم أشد خوفا من‬
‫العذاب العاجل‪ ،‬ولنهم أقرب إلى التصديق بعذاب الدنيا منهم‬
‫بعذاب الخرة‪ ،‬ومنها أن المعنى‪ :‬إن يك صادقا فل أقل من أن‬
‫يصيبكم بعض الذي يعدكم‪ ،‬وعلى هذا فالنكتة المبالغة في‬
‫التحذير لنه إذا حذرهم من إصابة البعض أفاد أنه مهلك مخوف‬
‫فما بال الكل‪ ،‬وفيه إظهار لكمال النصاف وعدم التعصب ولذا‬
‫قدم احتمال كونه كاذبا‪.‬‬
‫ومنها ‪-‬أن لفظة‪ -‬البعض يراد بها الكل وعليه فمعنى بعض‬
‫الذي يعدكم كل الذي يعدكم ومن شواهد هذا في اللغة العربية‬
‫قول الشاعر‪:‬‬
‫دون الشيوخ ترى في‬ ‫إن المعور إذا الحعداث‬
‫بعضعها خلعل‬ ‫دبعرها‬
‫يعني ترى فيها خلل‪.‬‬
‫وقول القطامي‪:‬‬
‫وقد يعكون مع المستعجعل‬ ‫قد يعدرك المتعأني بعض‬
‫الزلل‬ ‫حعاجته‬
‫يعني قد يدرك المتأني حاجته‪.‬‬
‫وأما استدلل أبي عبيدة لهذا بقول لبيد‪:‬‬
‫أو يعتعلعق بعض النفعوس‬ ‫تعراك أمعكنعة إذا لم أرضعهعا‬
‫حمامعها‬
‫فغلط منه لن مراد لبيد ببعض النفوس نفسه كما بينته في‬
‫رحلتي في الكلم على قوله }ول َ َ‬
‫ه‬
‫ت بِ ِ‬ ‫سي َّر ْ‬‫قْرآنا ً ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫وأ ّ‬ ‫َ ْ‬
‫ل{ الية‪.‬‬ ‫جَبا ُ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫)سورة فصلت(‬
‫َ‬
‫خل َ َ‬
‫ق‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ِبال ّ ِ‬ ‫فُرو َ‬ ‫م ل َت َك ْ ُ‬ ‫ل أإ ِن ّك ُ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫قوله تعالى‪ُ } :‬‬
‫َ‬
‫ماء{ تقدم وجه‬ ‫س َ‬‫وى إ َِلى ال ّ‬ ‫ست َ َ‬‫ما ْ‬ ‫الْرض{ إلى قوله }ث ُ ّ‬
‫ها{‬ ‫حا َ‬ ‫ك دَ َ‬ ‫عدَ ذَل ِ َ‬ ‫ض بَ ْ‬ ‫َ‬
‫والْر َ‬ ‫الجمع بينه وبين قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫في‬ ‫ما ِ‬ ‫م َ‬ ‫ق ل َك ُ ْ‬‫خل َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫و ال ّ ِ‬ ‫ه َ‬‫في الكلم على قوله تعالى‪ُ } :‬‬
‫ء{ الية‪.‬‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬‫وى إ َِلى ال ّ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ميعا ً ث ُ ّ‬‫ج ِ‬
‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫ال َْر‬
‫و ك َْرها ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وعا ً أ ْ‬ ‫ض ائ ْت َِيا طَ ْ‬ ‫ول ِلْر ِ‬ ‫ها َ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ف َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ن{‪.‬‬ ‫عي َ‬ ‫طائ ِ ِ‬‫قال ََتا أ َت َي َْنا َ‬ ‫َ‬
‫ل يخفى ما يسبق إلى الذهن من منافاة هذه الحال‬
‫وصاحبها لنها جمع مذكور عاقل وصاحبها ضمير تثنية لغير‬
‫عاقل ولو طابقت صاحبها في التثنية حسب ما يسبق إلى‬
‫الذهن لقال‪ :‬أتينا طائعتين‪.‬‬
‫والجواب عن هذا من وجهين‪ :‬أحدهما ‪ -‬وهو الظهر عندي‬
‫‪ -‬أن جمعه للسموات والرض لن السموات سبع والرضين‬
‫َ‬
‫ن{ فالتثنية لفظية‬ ‫ه ّ‬ ‫مث ْل َ ُ‬ ‫ض ِ‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬‫و ِ‬‫كذلك بدليل قوله } َ‬
‫تحتها أربعة عشر فردا‪ ،‬وأما إتيان الجمع على صيغة جمع‬
‫العقلء فلن العادة في اللغة العربية أنه إذا وصف غير العاقل‬
‫بصفة تختص بالعاقل أجرى عليه حكمه ومنه قوله تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫مَر َرأي ْت ُ ُ‬ ‫ق َ‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫وال ّ‬ ‫كبا ً َ‬ ‫و َ‬ ‫شَر ك َ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫حد َ َ‬ ‫تأ َ‬ ‫}إ ِّني َرأي ْ ُ‬
‫ن{ لما كان السجود في الظاهر من خواص‬ ‫دي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫سا ِ‬‫ِلي َ‬
‫العقلء أجرى حكمهم على الشمس والقمر والكواكب لوصفها‬
‫َ‬
‫ها‬‫ل لَ َ‬ ‫فن َظَ ّ‬ ‫صَناما ً َ‬ ‫عب ُدُ أ ْ‬ ‫قاُلوا ن َ ْ‬ ‫به‪ ،‬ونظيره‪ ،‬قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫م‬‫عون َك ُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫و ي َن ْ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫م إ ِذْ ت َدْ ُ‬ ‫عون َك ُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫س َ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫ه ْ‬‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫ن‪َ ،‬‬ ‫في َ‬ ‫عاك ِ ِ‬‫َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫َ‬
‫ضّرو َ‬ ‫و يَ ُ‬ ‫أ ْ‬
‫فأجرى على الصنام حكم العقلء لتنزيل الكفار لها‬
‫منزلتهم‪ ،‬ومن هذا المعنى قول قيس بن الملوح‪:‬‬
‫أسرب القطا هل من يعير جناحه‬
‫… البيت‪.‬‬
‫فإنه لما طلب العارة من القطا وهي من خواص العقلء‬
‫أجرى على القطا اللفظ المختص بالعقلء لذلك‪ ،‬ووجه تذكير‬
‫الجمع أن السموات والرض تأنيثها غير حقيقي‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن المعنى قالتا أتينا بمن فينا طائعين فيكون‬
‫فيه تغليب العاقل على غيره والول أظهر عندي والعلم عند‬
‫الله تعالى‪.‬‬
‫)سورة الشورى(‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫عي َ‬ ‫ش ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ها َ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ضو َ‬ ‫عَر ُ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ه ْ‬
‫وت ََرا ُ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ي{ الية‪ ،‬هذه الية الكريمة‬ ‫ف ّ‬ ‫خ ِ‬
‫ف َ‬ ‫ن طَْر ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ل ي َن ْظُُرو َ‬ ‫الذّ ّ‬
‫تدل على أن الكفار يوم القيامة ينظرون بعيون خفية ضعيفة‬
‫النظر وقد جاءت آية أخرى يتوهم منها خلف ذلك وهي قوله‬
‫د{‪.‬‬ ‫دي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫ك ال ْي َ ْ‬ ‫صُر َ‬ ‫فب َ َ‬ ‫ك َ‬ ‫طاءَ َ‬ ‫غ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫عن ْ َ‬‫فَنا َ‬ ‫ش ْ‬ ‫فك َ َ‬ ‫تعالى‪َ } :‬‬
‫والجواب هو ما ذكره صاحب التقان من أن المراد بحدة‬
‫البصر العلم وقوة المعرفة‪ ،‬قال قطرب‪ :‬فبصرك أي علمك‬
‫ومعرفتك بها قوية من قولهم بصر بكذا أي علم وليس المراد‬
‫فَنا‬ ‫ش ْ‬ ‫فك َ َ‬ ‫رؤية العين‪ ،‬قال الفارسي ويدل على ذلك قوله } َ‬
‫ك{‪.‬‬ ‫طاءَ َ‬ ‫غ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫عن ْ َ‬ ‫َ‬
‫وقال بعض العلماء‪ :‬فبصرك اليوم حديد أي تدرك به ما‬
‫صْرَنا‬ ‫َ‬
‫عميت عنه في دار الدنيا ويدل لهذا قوله تعالى‪َ} :‬رب َّنا أب ْ َ‬
‫ن الّناَر‬ ‫مو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬
‫م ْ‬ ‫وَرأى ال ْ ُ‬ ‫عَنا{ الية‪ ،‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫ج ْ‬ ‫فاْر ِ‬ ‫عَنا َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫صْر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وأب ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ع بِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ها{الية‪ ،‬وقوله‪} :‬أ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ق ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫فظّنوا أن ّ ُ‬
‫ْ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫و َ‬ ‫ن ال ْي َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫م ي َأُتون ََنا ل َك ِن ال ّ‬
‫ِ‬ ‫و َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ودللة القرآن على هذا الوجه الخير ظاهرة فلعله هو‬
‫الرجح وإن اقتصر صاحب التقان على الول‪.‬‬
‫)سورة الزخرف(‬
‫م{‬ ‫ه ْ‬ ‫عب َدَْنا ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫شاءَ الّر ْ‬ ‫و َ‬ ‫قاُلوا ل َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫كلمهم هذا حق لن كفرهم بمشيئة الله الكونية وقد صرح الله‬
‫م ِإل‬ ‫ه ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫عل ْم ٍ إ ِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫م ب ِذَل ِ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫بأنهم كاذبون حيث قال‪َ } :‬‬
‫ن{‪.‬‬ ‫صو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫وقد قدمنا الجواب واضحا في سورة النعام في الكلم على‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫عب َدَْنا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫شاءَ الل ّ ُ‬ ‫و َ‬ ‫كوا ل َ ْ‬ ‫شَر ُ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫و َ‬ ‫قوله‪َ } :‬‬
‫يء{ الية‪.‬‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫دون ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ض‬‫في الْر ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ء إ ِل َ ٌ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫في ال ّ‬ ‫ذي ِ‬ ‫و ال ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ه{ هذا العطف مع التنكير في هذه الية يتوهم الجاهل منه‬ ‫إ ِل َ ٌ‬
‫تعدد اللهة مع أن اليات القرآنية مصرحة بأنه واحد كقوله‪:‬‬
‫َ‬
‫ه ِإل إ ِل َ ٌ‬
‫ه‬ ‫ن إ ِل َ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫و َ‬ ‫ه{ وقوله‪َ } :‬‬ ‫ه ِإل الل ّ ُ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫عل َ ْ‬ ‫فا ْ‬ ‫} َ‬
‫د{ الية‪.‬‬ ‫ح ٌ‬ ‫وا ِ‬ ‫َ‬
‫والجواب‪ -‬أن معنى الية أنه تعالى هو معبود أهل السموات‬
‫ه{ أي معبود‬ ‫ء إ ِل َ ٌ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫في ال ّ‬ ‫ذي ِ‬ ‫و ال ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫والرض فقوله‪َ } :‬‬
‫وحده في السماء كما أنه المعبود بالحق في الرض سبحانه‬
‫وتعالى‪.‬‬
‫)سورة الدخان(‬
‫ْ‬
‫ميم ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫س ِ‬ ‫وقَ َرأ ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫صّبوا َ‬ ‫م ُ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬ث ُ ّ‬
‫ذُقْ إن ّ َ َ‬
‫م{‪ ،‬هذه الية الكريمة يتوهم من‬ ‫ري ُ‬ ‫زيُز ال ْك َ ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫ِ‬
‫ظاهرها ثبوت العزة والكرم لهل النار مع أن اليات القرآنية‬
‫ن{‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫دا ِ‬ ‫م َ‬ ‫هن ّ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫سي َدْ ُ‬ ‫مصرحة بخلف ذلك كقوله‪َ } :‬‬
‫أي صاغرين أذلء‪.‬‬
‫ه‬
‫ذو ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن{‪ ،‬وقوله هنا‪ُ } :‬‬ ‫هي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫وكقوله } َ‬
‫م{‪.‬‬ ‫حي ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ء ال ْ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫س َ‬ ‫عت ُِلوهُ إ َِلى َ‬ ‫فا ْ‬ ‫َ‬
‫والجواب‪ -‬أنها نزلت في أبي جهل لما قال‪ :‬أيوعدني محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم وليس بين جبليها أعز ول أكرم مني فلما‬
‫عذبه الله بكفره قال له ذق إنك أنت العزيز الكريم في زعمك‬
‫الكاذب بل أنت المهان الخسيس الحقير فهذا التقريع نوع من‬
‫أنواع العذاب‪.‬‬
‫)سورة الجاثية(‬
‫قاءَ‬ ‫م لِ َ‬ ‫سيت ُ ْ‬ ‫ما ن َ ِ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ساك ُ ْ‬ ‫م ن َن ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ل ال ْي َ ْ‬ ‫قي َ‬ ‫و ِ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ول‬ ‫ل َرّبي َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ذا{ ل يعارض قوله تعالى‪} :‬ل ي َ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م َ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫و ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫سي ًّا{ وقد قدمنا الجواب‬ ‫ك نَ ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫سى{ ول قوله‪َ } :‬‬ ‫ي َن ْ َ‬
‫واضحا في سورة العراف‪.‬‬
‫)سورة الحقاف(‬
‫َ‬
‫ري‬ ‫ما أدْ ِ‬ ‫و َ‬‫ل َ‬ ‫س ِ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫م َ‬ ‫دعا ً ِ‬ ‫ت بِ ْ‬ ‫ما ك ُن ْ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫قوله تعالى‪ُ } :‬‬
‫م{ الية‪ ،‬هذه الية الكريمة تدل على أنه‬ ‫ول ب ِك ُ ْ‬ ‫ل ِبي َ‬ ‫ع ُ‬ ‫ف َ‬‫ما ي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫صلى الله عليه وسلم ل يعلم مصير أمره وقد جاءت آية أخرى‬
‫فَر‬ ‫غ ِ‬ ‫تدل أنه عالم بأن مصيره إلى الخير وهي قوله تعالى‪} :‬ل ِي َ ْ‬
‫خَر{ فإن قوله وما تأخر‬ ‫ما ت َأ َ ّ‬ ‫و َ‬ ‫ك َ‬ ‫ن ذَن ْب ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قد ّ َ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫لَ َ‬
‫تنصيص على حسن العاقبة والخاتمة والجواب ظاهر وهو أن‬
‫الله تعالى علمه ذلك بعد أن كان ل يعلمه‪.‬‬
‫م{‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ت َك ُ ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫م َ‬ ‫عل ّ َ‬ ‫و َ‬ ‫ويستأنس له بقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ن‬‫ول َك ِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ما ُ‬ ‫لي َ‬ ‫ول ا ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ما ال ْك َِتا ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ت ت َدْ ِ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫الية وقوله‪َ } :‬‬
‫دى{‪،‬‬ ‫ه َ‬ ‫ف َ‬ ‫ضال ً َ‬ ‫ك َ‬ ‫جد َ َ‬ ‫و َ‬ ‫و َ‬ ‫عل َْناهُ ُنورًا{ الية‪ ،‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫ب ِإل َر ْ‬ ‫ك ال ْك َِتا ُ‬ ‫قى إ ِل َي ْ َ‬ ‫ن ي ُل ْ َ‬ ‫جو أ ْ‬ ‫ت ت َْر ُ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫وقوله‪َ }:‬‬
‫ك{ الية‪.‬‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫وهذا الجواب هو معنى قول ابن عباس وهو مراد عكرمة‬
‫ما‬ ‫ه َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫فَر ل َ َ‬ ‫غ ِ‬ ‫والحسن وقتادة بأنها منسوخة بقوله‪} :‬ل ِي َ ْ‬
‫م{ الية‪.‬‬ ‫قد ّ َ‬ ‫تَ َ‬
‫ويدل له أن الحقاف مكية وسورة الفتح نزلت عام ست‬
‫في رجوعه صلى الله عليه وسلم من الحديبية‪ ،‬وأجاب بعض‬
‫العلماء بأن المراد ما أدري ما يفعل بي ول بكم في الدنيا من‬
‫الحوادث والوقائع وعليه فل إشكال والعلم عند الله تعالى‪.‬‬
‫َ‬
‫ه‬
‫مُنوا ب ِ ِ‬ ‫وآ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ي الل ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫دا ِ‬ ‫جيُبوا َ‬ ‫مَنا أ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ق ْ‬ ‫قوله تعالى‪َ}:‬يا َ‬
‫َ‬
‫م{ هذه‬ ‫ب أِلي ٍ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ع َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جْرك ُ ْ‬ ‫وي ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ذُُنوب ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫غ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫الية يفهم من ظاهرها أن جزاء المطيع من الجن غفران ذنوبه‬
‫وإجارته من عذاب أليم ل دخوله الجنة‪ ،‬وقد تمسك جماعة من‬
‫العلماء منهم المام أبو حنيفة رحمه الله تعالى بظاهر هذه الية‬
‫فقالوا إن المؤمنين المطيعين من الجن ل يدخلون الجنة مع أنه‬
‫جاء في آية أخرى ما يدل على أن مؤمنيهم في الجنة وهي‬
‫ن{ لنه تعالى‬ ‫جن َّتا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م َرب ّ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬ ‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ول ِ َ‬‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫بين شموله للجن والنس بقوله‪َ َ } :‬‬
‫ن{‬‫ما ت ُك َذَّبا ِ‬ ‫ء َرب ّك ُ َ‬ ‫ي آل ِ‬ ‫فب ِأ ّ‬
‫ول‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫قب ْل َ ُ‬‫س َ‬ ‫ن إ ِن ْ ٌ‬ ‫ه ّ‬ ‫م ي َطْ ِ‬
‫مث ْ ُ‬ ‫ويستأنس لهذا بقوله تعالى‪} :‬ل َ ْ‬
‫ن{ لنه يشير إلى أن في الجنة جنا يطمثون النساء كالنس‬ ‫جا ّ‬ ‫َ‬
‫والجواب عن هذا أن آية الحقاف نص فيها على الغفران‬
‫والجارة من العذاب ولم يتعرض فيها لدخول الجنة بنفي ول‬
‫إثبات‪ ،‬وآية الرحمن نص فيها على دخولهم الجنة لنه تعالى قال‬
‫ه{ وقد تقرر في الصول أن‬ ‫م َرب ّ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ول ِ َ‬‫فيها‪َ } :‬‬
‫الموصولت من صيغ العموم فقوله لمن خاف يعم كل خائف‬
‫مقام ربه ثم صرح بشمول ذلك للجن والنس معا بقوله‪:‬‬
‫} َ َ‬
‫ن{ فبين أن الوعد بالجنتين لمن‬ ‫ما ت ُك َذَّبا ِ‬ ‫ء َرب ّك ُ َ‬‫ي آل ِ‬ ‫فب ِأ ّ‬
‫خاف مقام ربه من آلئه أي نعمه على النس والجن فل تعارض‬
‫بين اليتين لن إحداهما بينت ما لم تتعرض له الخرى ولو‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جْرك ُ ْ‬ ‫وي ُ ِ‬
‫م َ‬ ‫ن ذُُنوب ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫غ ِ‬ ‫سلمنا أن قوله‪ } :‬ي َ ْ‬
‫م{ يفهم منه عدم دخولهم الجنة فإنه إنما يدل عليه‬ ‫َ‬ ‫ع َ‬
‫ب أِلي ٍ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫َ‬
‫ن‪ ،‬فبأي آلء‬ ‫جن َّتا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م َرب ّ ِ‬ ‫م َ‬
‫قا َ‬ ‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ول ِ َ‬ ‫بالمفهوم وقوله } َ‬
‫ربكما تكذبان{ يدل على دخولهم الجنة بعموم المنطوق‬
‫والمنطوق مقدم على المفهوم كما تقرر في الصول ول يخفى‬
‫أنا إذا أردنا تحقيق هذا المفهوم المدعى وجدناه معدوما من‬
‫أصله للجماع على أن قسمة المفهوم ثنائية‪ ،‬إما أن يكون‬
‫مفهوم موافقة أو مخالفة ول ثالث‪ ،‬ول يدخل هذا المفهوم‬
‫المدعى في شيء من أقسام المفهومين أما عدم دخوله في‬
‫مفهوم الموافقة بقسميه فواضح وأما عدم دخوله في شيء‬
‫من أنواع مفهوم المخالفة فلن عدم دخوله في مفهوم الحصر‬
‫أو العلة أو الغاية أو العدد أو الصفة أو الظرف واضح فلم يبق‬
‫من أنواع مفهوم المخالفة يتوهم دخوله فيه إل مفهوم الشرط‬
‫أو اللقب وليس داخل في واحد منهما فظهر عدم دخوله فيه‬
‫أصل‪ ،‬أما وجه توهم دخوله في مفهوم الشرط فلن قوله‬
‫م{ فعل مضارع مجزوم بكونه جزاء‬ ‫ن ذُُنوب ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫غ ِ‬‫}ي َ ْ‬
‫الطلب وجمهور علماء العربية على أن الفعل إذا كان كذلك فهو‬
‫مجزوم بشرط مقدر ل بالجملة قبله كما قيل به وعلى الصحيح‬
‫الذي هو مذهب الجمهور فتقرير المعنى أجيبوا داعي الله‬
‫وآمنوا به أن تفعلوا ذلك يغفر لكم فيتوهم في الية مفهوم هذا‬
‫الشرط المقدر‪ ،‬والجواب عن هذا أن مفهوم الشرط عند‬
‫القائل به إنما هو في فعل الشرط ل في جزائه وهو معتبر هنا‬
‫في فعل الشرط على عادته فمفهوم أن تجيبوا داعي الله‬
‫وتؤمنوا به يغفر لكم أنهم إن لم يجيبوا داعي الله ولم يؤمنوا به‬
‫لم يغفر لهم وهو كذلك‪ ،‬أما جزاء الشرط فل مفهوم له‬
‫لحتمال أن تترتب على الشرط الواحد مشروطات كثيرة فيذكر‬
‫بعضها جزاء له فل يدل على نفي غيره كما لو قلت لشخص‬
‫مثل إن تسرق يجب عليك غرم ما سرقت فهذا الكلم حق ول‬
‫يدل على نفي غير الغرم كالقطع‪ ،‬لن قطع اليد مرتب أيضا‬
‫على السرقة كالغرم فكذلك الغفران والجارة من العذاب‬
‫ودخول الجنة كلها مرتبة على إجابة داعي الله واليمان به فذكر‬
‫في الية بعضها وسكت فيها عن بعض ثم بين في موضع آخر‬
‫وهذا ل إشكال فيه‪ ،‬وأما وجه توهم دخوله في مفهوم اللقب‬
‫فلن اللقب في اصطلح الصوليين هو ما لم يكن انتظام الكلم‬
‫العربي دونه أعني المسند إليه سواء كان لقبا أو كنية أو اسما‬
‫أو اسم جنس أو غير ذلك وقد أوضحنا اللقب غاية في المائدة‪.‬‬
‫والجواب عن عدم دخوله في مفهوم اللقب أن الغفران‬
‫والجارة من العذاب المدعى بالفرض أنهما لقبان لجنس‬
‫مصدريهما وأن تخصيصهما في الية مسندان ل مسند إليهما‬
‫بدليل أن المصدر فيهما كامن في الفعل ول يسند إلى الفعل‬
‫إجماعا ما لم يرد مجرد لفظه على سبيل الحكاية‪ ،‬ومفهوم‬
‫اللقب عند القائل به إنما هو فيما إذا كان اللقب مسندا إليه لن‬
‫تخصيصه بالذكر عند القائل به يدل على اختصاص الحكم به‬
‫دون غيره وإل لما كان للتخصيص بالذكر فائدة كما عللوا به‬
‫مفهوم الصفة‪ ،‬وأجيب من جهة الجمهور بأن اللقب ذكر ليمكن‬
‫الحكم ل لتخصيصه بالحكم إذ ل يمكن السناد بدون مسند إليه‬
‫ومما يوضح ذلك أن مفهوم الصفة الذي حمل عليه اللقب عند‬
‫القائل به إنما هو في المسند إليه ل في المسند لن المسند‬
‫إليه هو الذي تراعى أفراده وصفاتها فيقصد بعضها بالذكر دون‬
‫بعض فيختص الحكم بالمذكور‪.‬‬
‫أما المسند فإنه ل يراعى فيه شيء من الفراد ول‬
‫الوصاف أصل وإنما يراعى فيه مجرد الماهية التي هي الحقيقة‬
‫الذهنية فلو حكمت مثل على النسان بأنه حيوان فإن المسند‬
‫إليه الذي هو النسان في هذا المثال يقصد به جميع أفراده لن‬
‫كل فرد منها حيوان بخلف المسند الذي هو الحيوان في هذا‬
‫المثال فل يقصد به إل مطلق ماهيته وحقيقته الذهنية من غير‬
‫مراعاة الفراد‪ ،‬لنه لو روعيت أفراده لستلزم الحكم على‬
‫النسان بأنه فرد آخر من أفراد الحيوان كالفرس مثل والحكم‬
‫بالمباين على المباين باطل إذا كان إيجابيا باتفاق العقلء وعامة‬
‫النظار على أن موضوع القضية إذا كانت غير طبيعية يراعى فيه‬
‫ما يصدق عليه عنوانها من الفراد باعتبار الوجود الخارجي إن‬
‫كانت خارجية أو الذهني إن كانت حقيقية‪.‬‬
‫وأما المحمول من حيث هو فل تراعى فيه الفراد البتة‬
‫وإنما يراعى فيه مطلق الماهية ولو سلمنا تسليما جدليا أن‬
‫مثل هذه الية يدخل في مفهوم اللقب فجماهير العلماء على‬
‫أن مفهوم اللقب ل عبرة به وربما كان اعتباره كفرا كما لو‬
‫ل‬‫سو ُ‬ ‫مدٌ َر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬
‫اعتبر معتبر مفهوم اللقب في قوله تعالى ‪ُ } :‬‬
‫ه{ فقال يفهم من مفهوم لقبه أن غير محمد صلى الله‬ ‫الل ّ ِ‬
‫عليه وسلم لم يكن رسول الله فهذا كفر بإجماع المسلمين‬
‫فالتحقيق أن اعتبار مفهوم اللقب ل دليل عليه شرعا ول لغة‬
‫ول عقل سواء كان اسم جنس أو اسم عين أو اسم جمع أو غير‬
‫ذلك‪ ،‬فقولك جاء زيد ل يفهم منه عدم مجيء عمرو‪ ،‬وقولك‬
‫رأيت أسدا ل يفهم منه عدم رؤيتك غير السد والقول بالفرق‬
‫بين اسم الجنس فيعتبر واسم العين فل يعتبر ل يظهر فل عبرة‬
‫بقول الصيرفي وأبي بكر الدقاق وغيرهما من الشافعية‪ ،‬ول‬
‫بقول ابن خويز منداد وابن القصار من المالكية ول بقول بعض‬
‫الحنابلة باعتبار مفهوم اللقب لنه ل دليل على اعتباره عند‬
‫القائل به إل أنه يقول لو لم يكن اللقب مختصا بالحكم لما كان‬
‫لتخصيصه بالذكر فائدة كما علل به مفهوم الصفة لن الجمهور‬
‫يقولون ذكر اللقب ليسند إليه وهو واضح ل إشكال فيه‪ ،‬وأشار‬
‫صاحب مراقي السعود إلى تعريف اللقب بالصطلح الصولي‬
‫وأنه أضعف المفاهيم بقوله‪:‬‬
‫من دونعه نظعم الكعلم‬ ‫أضععفعها اللقعب وهعو معا‬
‫الععربي‬ ‫أبي‬
‫وحاصل فقه هذه المسألة أن الجن مكلفون على لسان‬
‫نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بدللة الكتاب والسنة وإجماع‬
‫المسلمين وأن كافرهم في النار بإجماع المسلمين وهو صريح‪،‬‬
‫ن{‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬ل َمل َ‬
‫عي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ج َ‬‫سأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫نا‬‫ّ‬ ‫وال‬‫َ‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬‫ج‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬‫ه‬‫َ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫د‬
‫جُنو ُ‬ ‫و ُ‬ ‫ن َ‬ ‫وو َ‬ ‫غا ُ‬ ‫ْ‬
‫وال َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ها ُ‬‫في َ‬ ‫فك ُب ْك ُِبوا ِ‬ ‫وقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ُ‬ ‫خُلوا ِ‬ ‫قا َ‬ ‫ن{‪ ،‬وقوله تعالى‪َ } :‬‬ ‫َ‬
‫مم ٍ‬ ‫في أ َ‬ ‫ل ادْ ُ‬ ‫عو َ‬‫م ُ‬
‫ج َ‬
‫سأ ْ‬‫إ ِب ِْلي َ‬
‫ر{ إلى‬ ‫في الّنا ِ‬ ‫س ِ‬ ‫وال ِن ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫قب ْل ِك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫َ‬
‫غير ذلك من اليات‪ ،‬وأن مؤمنيهم اختلف في دخولهم الجنة‬
‫ومنشأ الخلف الختلف في فهم اليتين المذكورتين والظاهر‬
‫دخولهم الجنة كم بينا والعلم عند الله تعالى‪.‬‬
‫)سورة القتال(‬
‫هاٌر‬ ‫َ‬ ‫ء َ‬ ‫َ‬
‫وأن ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫س ٍ‬ ‫رآ ِ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫ما ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫هاٌر ِ‬ ‫ها أن ْ َ‬ ‫في َ‬ ‫قوله تعالى‪ِ } :‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫رِبي َ‬ ‫شا ِ‬ ‫ة ِلل ّ‬ ‫ر ل َذّ ٍ‬ ‫م ٍ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫هاٌر ِ‬ ‫وأن ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫غي ّْر طَ ْ‬ ‫م ي َت َ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ َ‬
‫ن لب َ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ى{ هذه الية الكريمة تدل على‬ ‫ص ّ‬ ‫َ‬
‫ف ً‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫س ٍ‬ ‫ع َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫هاٌر ِ‬ ‫وأن ْ َ‬ ‫َ‬
‫تعدد النهار مع تعدد أنواعها‪ ،‬وقد جاءت آية أخرى يوهم ظاهرها‬
‫ت‬
‫جّنا ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫أنه نهر واحد وهي قوله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ر{ وقد تقدم الجمع واضحا في سورة البقرة في الكلم‬ ‫ه ٍ‬ ‫ون َ َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫ه ّ‬ ‫وا ُ‬ ‫س ّ‬ ‫ف َ‬ ‫ء َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫وى إ َِلى ال ّ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫على قوله تعالى‪} :‬ث ُ ّ‬
‫ر{ يعني أنهار‪.‬‬ ‫ه ٍ‬ ‫ون َ َ‬ ‫الية‪ ،‬وبينا أن قوله‪َ } :‬‬
‫)سورة الفتح(‬
‫مِبينًا{ الية‪ ،‬ل يخفى‬ ‫فْتحا ً ُ‬ ‫ك َ‬ ‫حَنا ل َ َ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬إ ِّنا َ‬
‫ما سبق إلى الذهن من تنافي هذه العلة ومعلولها لن فتح الله‬
‫لنبيه ل يظهر كونه علة لغفرانه له‪.‬‬
‫والجواب عن هذا من وجهين‪:‬‬
‫الول‪ :‬وهو اختيار ابن جرير لدللة الكتاب والسنة عليه أن‬
‫المعنى أن فتح الله لنبيه يدل بدللة اللتزام على شكر النبي‬
‫لنعمة الفتح فيغفر الله له ما تقدم وما تأخر بسبب شكره‬
‫بأنواع العبادة على تلك النعمة فكأن شكر النبي لزم لنعمة‬
‫الفتح والغفران مرتب على ذلك اللزم‪.‬‬
‫صُر‬‫جاءَ ن َ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫أما دللة الكتاب على هذا ففي قوله تعالى‪} :‬إ ِ َ‬
‫َ‬
‫ه‬‫ن الل ّ ِ‬ ‫في ِدي ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫خُلو َ‬ ‫س ي َدْ ُ‬ ‫ت الّنا َ‬ ‫وَرأي ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫فت ْ ُ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫وابًا{‬ ‫ن تَ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫فْرهُ إ ِن ّ ُ‬ ‫غ ِ‬‫ست َ ْ‬ ‫وا ْ‬ ‫ك َ‬ ‫د َرب ّ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ْ‬‫ف َ‬ ‫واجا ً َ‬ ‫ف َ‬ ‫أَ ْ‬
‫فصرح في هذه السورة الكريمة بأن تسبيحه بحمد ربه‬
‫واستغفاره لربه شكرا على نعمة الفتح سبب لغفران ذنوبه لنه‬
‫رتب تسبيحه بحمده واستغفاره بالفاء على مجيء الفتح والنصر‬
‫ترتيب المعلول على علته ثم بين أن ذلك الشكر سبب الغفران‬
‫وابًا{‪.‬‬ ‫ن تَ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫بقوله‪}:‬إ ِن ّ ُ‬
‫وأما دللة السنة ففي قوله صلى الله عليه وسلم لما قال‬
‫له بعض أصحابه ل تجهد نفسك بالعمل فإن الله غفر لك ما‬
‫تقدم من ذنبك وما تأخر " أفل أكون عبدا شكورا؟" فبين صلى‬
‫الله عليه وسلم أن اجتهاده في العمل لشكر تلك النعمة وترتب‬
‫الغفران على الجتهاد في العمل ل خفاء به‪.‬‬
‫حَنا{ يفهم منه بدللة‬ ‫الوجه الثاني‪ :‬إن قوله }إ ِّنا َ‬
‫فت َ ْ‬
‫اللتزام الجهاد في سبيل الله لنه السبب العظم في الفتح‪،‬‬
‫والجهاد سبب لغفران الذنوب فيكون المعنى ليغفر لك الله‬
‫بسبب جهادك المفهوم من ذكر الفتح‪ ،‬والعلم عند الله تعالى‪.‬‬

‫دفع إيهام الضطراب‬


‫عن آيات الكتاب‬
‫لفضيلة الشيخ محمد المين الشنقيطي _ المدرس‬
‫بالجامعة_‬
‫)سورة الحجرات(‬
‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫ر‬‫ن ذَك َ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫س إ ِّنا َ‬ ‫ها الّنا ُ‬ ‫قوله تعالى‪َ} :‬يا أي ّ َ‬
‫وأ ُن َْثى{‪ .‬هذه الية الكريمة تدل على أن خلق الناس ابتداؤه‬ ‫َ‬
‫من ذكر وأنثى‪ .‬وقد دلت آيات أخر على خلقهم من غير ذلك‬ ‫ُ‬
‫ب{ وقوله تعالى‪:‬‬ ‫ن ت َُرا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫و ال ّ ِ‬ ‫ه َ‬‫كقوله تعالى‪ُ } :‬‬
‫َ‬
‫فإ ِّنا‬ ‫ث َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن ال ْب َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫في َري ْ ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫س إِ ْ‬ ‫ها الّنا ُ‬ ‫}َيا أي ّ َ‬
‫ب{‪.‬‬ ‫ن ت َُرا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫خل َ ْ‬
‫َ‬
‫والجواب واضح وهو أن التراب هو الطور الول وقد قال‬
‫وارًا{ وقد بين الله أطوار خلق‬ ‫قك ُ َ‬
‫م أطْ َ‬ ‫خل َ َ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫و َ‬‫تعالى‪َ } :‬‬
‫قَنا‬ ‫خل َ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ول َ َ‬ ‫النسان من مبدئه إلى منتهاه بقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫في‬ ‫ة ِ‬ ‫ف ً‬ ‫عل َْناهُ ن ُطْ َ‬ ‫ج َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫طي ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫سلل َ ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا َ‬ ‫اْل ِن ْ َ‬
‫ن{ إلى آخره‪.‬‬ ‫كي ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ر َ‬ ‫قَرا ٍ‬ ‫َ‬
‫)سورة ق(‬
‫د{ هذه‬ ‫عي ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ف َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫فذَك ّْر ِبال ْ ُ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫الية تدل على خصوص التذكير بالقرآن بمن يخاف وعيد وقد‬
‫َ‬
‫ت‬‫ما أن ْ َ‬ ‫فذَك ّْر إ ِن ّ َ‬ ‫جاءت أخر تدل على عمومه كقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫عَرب ِي ّا ً‬ ‫قْرآنا ً َ‬ ‫ك أ َن َْزل َْناهُ ُ‬ ‫وك َذَل ِ َ‬ ‫مذَك ٌّر {وقوله تعالى‪َ } :‬‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫ث لَ ُ‬ ‫د ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫و يُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫م ي َت ّ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫عل ّ ُ‬ ‫د لَ َ‬ ‫عي ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫في ِ‬ ‫فَنا ِ‬ ‫صّر ْ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ِذكرا{ والجواب أن التذكير بالقرآن عام إل أنه لما كان المنتفع‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫به من يخاف وعيد الله صار كأنه مختص به كما أشار إليه قوله‬
‫ن{ كما تقدم‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ع ال ْ ُ‬ ‫ف ُ‬‫ن الذّك َْرى ت َن ْ َ‬ ‫فإ ِ ّ‬ ‫وذَك ّْر َ‬ ‫تعالى‪َ } :‬‬
‫نظيره مرارا‪.‬‬
‫)سورة الذاريات(‬
‫م‬
‫هي َ‬ ‫ف إ ِب َْرا ِ‬ ‫ضي ْ ِ‬ ‫ث َ‬ ‫دي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ل أ ََتا َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ن{‪ .‬ل يخفى ما بين هذا النعت ومنعوته من التنافي‬ ‫مي َ‬‫مك َْر ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫في الظاهر لن النعت صيغة جمع والمنعوت لفظ مفرد‪.‬‬
‫والجواب أن لفظة الضيف تطلق على الواحد والجمع لن أصلها‬
‫مصدر ضاف فنقلت من المصدرية إلى السمية كما تقدم في‬
‫سورة البقرة‪.‬‬
‫)سورة الطور(‬
‫ن{هذه الية‬ ‫هي ٌ‬ ‫ب َر ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫ئ بِ َ‬ ‫ر ٍ‬‫م ِ‬ ‫لا ْ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬ك ُ ّ‬
‫تقتضي عموم رهن كل إنسان بعمله ولو كان من أصحاب‬
‫اليمين نظرا لشمول المدلول عليه بلفظه كل وقد جاءت آية‬
‫أخرى تدل على عدم شمولها لصحاب اليمين وهي قوله تعالى‪:‬‬
‫َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مي ِ‬ ‫ب ال ْي َ ِ‬ ‫حا َ‬ ‫ص َ‬ ‫ة إ ِل ّ أ ْ‬ ‫هين َ ٌ‬ ‫ت َر ِ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫س بِ َ‬
‫ف ٍ‬‫ل نَ ْ‬‫}ك ُ ّ‬
‫والجواب ظاهر وهو أن آية الطور هذه تخصصها آية المدثر‪.‬‬
‫)سورة النجم(‬
‫ي‬
‫ح ٌ‬ ‫و ْ‬‫و إ ِل ّ َ‬ ‫ه َ‬‫ن ُ‬ ‫وى إ ِ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ما ي َن ْطِ ُ‬ ‫و َ‬‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫حى{‪ .‬هذه الية الكريمة تدل بظاهرها على أن النبي صلى‬ ‫ُيو َ‬
‫الله عليه وسلم ل يجتهد في شيء وقد جاءت آيات أخر تدل‬
‫على أنه صلى الله عليه وسلم ربما اجتهد في بعض المور كما‬
‫َ‬
‫م{‪.‬‬ ‫ه ْ‬‫ت لَ ُ‬ ‫م أِذن ْ َ‬ ‫ك لِ َ‬ ‫عن ْ َ‬‫ه َ‬ ‫فا الل ّ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫دل عليه قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫كون ل َ َ‬ ‫َ‬
‫حّتى‬ ‫سَرى َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ن يَ ُ َ ُ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ن ل ِن َب ِ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫وقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ض{ الية‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ي ُث ْ ِ‬
‫في الْر ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫خ َ‬
‫والجواب عن هذا من وجهين‪ :‬الول _ وهو الذي اقتصر عليه‬
‫ابن جرير وصدر به ابن الحاجب في مختصره الصولي إن‬
‫وى{ أي في كل ما‬ ‫ه َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ما ي َن ْطِ ُ‬ ‫و َ‬ ‫معنى قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫يبلغه عن الله أن هو أي كل ما يبلغه عن الله إل وحي من الله‬
‫لنه ل يقول على الله شيئا إل بوحي منه فالية رد على الكفار‬
‫حيث قالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم افترى هذا القرآن‬
‫كما قال ابن الحاجب‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أنه إن اجتهد فإنه إنما يجتهد بوحي من الله‬
‫يأذن له به في ذلك الجتهاد وعليه فاجتهاده بوحي فل منافاة‪.‬‬
‫ويدل لهذا الوجه أن اجتهاده في الذن للمتخلفين عن غزوة‬
‫تبوك أذن الله له فيه حيث قال له فأذن لمن شئت منهم‪ .‬فلما‬
‫َ‬
‫م‬
‫ه ْ‬‫ت لَ ُ‬ ‫م أِذن ْ َ‬ ‫ك لِ َ‬ ‫عن ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫فا الل ّ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫أذن للمنافقين عاتبه بقوله‪َ } :‬‬
‫ن{‪ .‬فالجتهاد‬ ‫كاِذِبي َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫عل َ َ‬ ‫وت َ ْ‬‫قوا َ‬ ‫صد َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫حّتى ي َت َب َي ّ َ‬ ‫َ‬
‫في الحقيقة إنما هو في الذن قبل التبين ل في مطلق الذن‬
‫للنص عليه‪ .‬ومسألة اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم وعدمه‬
‫من مسائل الخلف المشهورة عند علماء الصول وسبب‬
‫اختلفهم هو تعارض هذه اليات في ظاهر المر‪.‬‬
‫قال مقيده عفا الله عنه‪ :‬الذي يظهر أن التحقيق في هذه‬
‫المسألة أنه صلى الله عليه وسلم ربما فعل بعض المسائل من‬
‫غير وحي في خصوص كإذنه للمتخلفين عن غزوة تبوك قبل أن‬
‫يتبين صادقهم من كاذبهم وكأسرة لسارى بدر وكأمره بترك‬
‫تأبير النخل وكقوله‪" :‬لو استقبلت من أمري ما استدبرت"‬
‫ق‬
‫ما ي َن ْطِ ُ‬‫و َ‬ ‫الحديث‪. .‬إلى غير ذلك‪ .‬وإن معنى قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫وى{ ل إشكال فيه لن النبي صلى الله عليه وسلم ل‬ ‫ه َ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫ع ِ‬‫َ‬
‫ينطق بشيء من أجل الهوى ول يتكلم بالهوى وقوله تعالى‪:‬‬
‫حى{ يعني أن كل ما يبلغه عن الله فهو‬ ‫ي ُيو َ‬ ‫ح ٌ‬ ‫و ْ‬ ‫و إ ِل ّ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ُ‬‫}إ ِ ْ‬
‫وحي من الله ل بهوى ول بكذب ول افتراء‪ .‬والعلم عند الله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫عى{ هذه‬ ‫س َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن إ ِل ّ َ‬ ‫سا ِ‬ ‫س ل ِل ِن ْ َ‬ ‫ن ل َي ْ َ‬‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫الية الكريمة تدل على أنه ل ينتفع أحد بعمل غير‪ .‬وقد جاءت‬
‫آية أخرى تدل على أن بعض الناس ربما انتفع بعمل غيره وهي‬
‫ن{‬‫ما ٍ‬ ‫م ب ِِإي َ‬ ‫ه ْ‬‫م ذُّري ّت ُ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫عت ْ ُ‬ ‫وات ّب َ َ‬
‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫الية‪ .‬فرفع درجات الولد سواء قلنا انهم الكبار أو الصغار نفع‬
‫حاصل لهم وإنما حصل لهم بعمل آبائهم ل بعمل أنفسهم‪ .‬اعلم‬
‫أول أن ما روي عن ابن عباس من أن هذا كان شرعا لمن قبلنا‬
‫فنسخ في شرعنا غير صحيح بل آية وأن ليس للنسان محكمة‬
‫كما أن القول بأن المراد بالنسان خصوص الكافر غير الصحيح‬
‫أيضا والجواب من ثلثة أوجه‪:‬‬
‫الول ‪ -‬إن الية إنما دلت على نفي ملك النسان لغير سعيه‬
‫ولم تدل على نفي انتفاعه بسعي غيره لنه لم يقل وأن لن‬
‫ينتفع النسان إل بما سعى‪ .‬وإنما قال وأن ليس للنسان‪ .‬وبين‬
‫المرين فرق ظاهر لن سعي الغير ملك لساعيه إن شاء بذله‬
‫لغيره فانتفع به ذلك الغير وإن شاء أبقاه لنفسه وقد أجمع‬
‫العلماء على انتفاع الميت بالصلة عليه والدعاء له والحج عنه‬
‫ونحو ذلك مما ثبت النتفاع بعمل الغير فيه‪.‬‬
‫الثاني ‪ -‬أن إيمان الذرية هو السبب الكبر في رفع درجاتهم‬
‫إذ لو كانوا كفارا لما حصل لهم ذلك فإيمان العبد وطاعته سعي‬
‫منه في انتفاعه بعمل غيره من المسلمين كما وقع في الصلة‬
‫في الجماعة فإن صلة بعضهم مع بعض يتضاعف بها الجر‬
‫زيادة على صلته منفردا وتلك المضاعفة انتفاع بعمل الغير‬
‫سعى فيه المصلي بإيمانه وصلته في الجماعة‪ .‬وهذا الوجه‬
‫يشير بعضهم مع بعض يتضاعف بها الجر زيادة على صلته‬
‫منفردا وتلك المضاعفة انتفاع بعمل الغير سعى فيه المصلي‬
‫بإيمانه وصلته في الجماعة‪ .‬وهذا الوجه يشير ليه قوله تعالى‪:‬‬
‫ن{‪.‬‬ ‫ما ٍ‬ ‫م ب ِِإي َ‬ ‫ه ْ‬ ‫م ذُّري ّت ُ ُ‬
‫ه ْ‬‫عت ْ ُ‬
‫وات ّب َ َ‬
‫} َ‬
‫ءءء ءءء – ءء ءءء ءء ءء ءء ءء ء ء ء ءء ء ءءء ءء‬
‫ءءءءءءء ءءء ءءءءءءء ءءء ءء ءء ءءءء ءءءءء‪} :‬ءءءء‬
‫ءءءء ء ء ء ء ءء‬ ‫ءء{‪.‬‬ ‫ءءءءءءءء ءء ء‬ ‫ءءءءءءءءء ء‬ ‫ءءءءء ء‬
‫ءءءء ءء ءء ء ء ءء ءءءء ءء ءء ء ءءء ء ءء ءءء ءء ءءء‬
‫ء ءء ءء ء ءءءء ء ءءءءءء ء ءءءءءء ءء ء ء ءءءء ء‬
‫ءءءءءء ء ءءءءء ء ءء ءء ءءءء ءء ءءء ءءءءءء ء ءءء‬
‫ءءءءء ءء ء ءءءءء ءء ءءء ءءءء ءء ءء ءءءءءءء‬
‫ءءءءءءء ءءءءءءء ءءء ءءء ءءءءءءء ءءءءء ءءءء ء ء‬
‫ءءء ء ءءءء ء ءء ء ءء ء ءء ء ءء ء ءءء ء ء ءءء ءء ء‬
‫ءءءء ءءء ءءءء ءء ءءءء ء ءءءءء ء ءء ءءء ءءء ءءء‬
‫ءءءءء ءءءءءء ءءء ءءءء ءءءءء‪.‬‬
‫)سورة القمر(‬
‫قَر{ يدل‬ ‫ع َ‬‫ف َ‬‫طى َ‬ ‫عا َ‬ ‫فت َ َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫حب َ ُ‬‫صا ِ‬
‫وا َ‬ ‫فَنادَ ْ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ُ‬
‫على أن عاقر الناقة واحد وقد جاءت آيات أخر تتدل على كونه‬
‫غير واحد كقوله فعقروا الناقة الية‪.‬‬
‫ها{‪.‬‬ ‫قُرو َ‬ ‫ع َ‬ ‫ف َ‬ ‫فك َذُّبوهُ َ‬ ‫وقوله‪َ } :‬‬
‫والجواب من وجهين‪ :‬الول _ أنهم تمالئوا كلهم على عقرها‬
‫فانبعث أشقاهم لمباشرة الفعل فأسند العقر إليهم لنه رضاهم‬
‫وممالتهم‪.‬‬
‫الوجه الثاني _ هو ما قدمنا في سورة النفال من إسناد‬
‫الفعل إلى المجموع مرادا به بعضه وذكرنا في النفال نظائره‬
‫في القرآن العظيم والعلم عند الله تعالى‪.‬‬
‫ر{‪ .‬تقدم‬ ‫ه ٍ‬‫ون َ َ‬
‫ت َ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ر‬ ‫ء َ‬ ‫َ‬
‫غي ْ ِ‬ ‫ما ٍ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫هاٌر ِ‬ ‫ها أن ْ َ‬ ‫في َ‬ ‫وجه الجمع بينه وبين قوله تعالى‪ِ } :‬‬
‫ن{ الية‪.‬‬
‫س ٍ‬
‫آ ِ‬
‫)سورة الرحمن(‬
‫س‬
‫حا ٌ‬ ‫ون ُ َ‬‫ر َ‬ ‫ن َنا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ظ ِ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ش َ‬‫ما ُ‬ ‫عل َي ْك ُ َ‬
‫ل َ‬ ‫س ُ‬‫قوله تعالى‪} :‬ي ُْر َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫صَرا ِ‬
‫فل ت َن ْت َ ِ‬‫َ‬
‫ل يخفى ما يسبق إلى الذهن من أن إرسال شواظ النار‬
‫الذي هو لهبها والنحاس الذي هو دخانها أو النحاس المذاب‬
‫وعدم النتصار ليس في شيء منه إنعام على الثقلين‪ .‬وقوله‬
‫لهم فبأي آلء الله أي نعمه على الجن والنس‪.‬‬
‫َ‬
‫ما‬‫ء َرب ّك ُ َ‬ ‫ي آل ِ‬ ‫فب ِأ ّ‬ ‫والجواب من وجهين‪ :‬الول _ أن تكرير } َ‬
‫ن{ للتوكيد ولم يكرر متواليا لن تكريره بعد كل آية‬ ‫ت ُك َذَّبا ِ‬
‫أحسن من تكريره متواليا وإذا كان للتوكيد فل إشكال لن‬
‫المذكور منه بعد ما ليس من اللء مؤكد للمذكور بعد ما هو من‬
‫اللء‪.‬‬
‫َ‬
‫ن{ لم تذكر‬ ‫ما ت ُك َذَّبا ِ‬ ‫ء َرب ّك ُ َ‬ ‫ي آل ِ‬ ‫فب ِأ ّ‬ ‫الوجه الثاني _ أن } َ‬
‫إل بعد ذكر نعمة أو موعظة أو إنذار وتخويف وكلها من آلء الله‬
‫التي ل يكذب بها إل كافر جاحد‪ .‬أما في ذكر النعمة فواضح‪.‬‬
‫وأما في الموعظة فلن الوعظ تلين له القلوب فتخشع وتنيب‬
‫فالسبب الموصل إلى ذلك من أعظم النعم فظهر أن الوعظ‬
‫من أكبر اللء‪ ..‬وأما في النذار والتخويف كهذه الية ففيه أيضا‬
‫أعظم نعمة على العبد لن إنذاره في دار الدنيا من أهوال يوم‬
‫القيامة من أعظم نعم الله عليه أل ترى أنه لو كان أمام إنسان‬
‫مسافر مهلكة كبرى وهو مشرف على الوقوع فيها من غير أن‬
‫يعلم بها فجاءه إنسان فأخبره بها وحذره عن الوقوع فيها أن‬
‫هذا يكون يدا له عنده وإحسانا يجازيه عليه جزاء أكبر النعام‬
‫وهذا الوجه الخير هو مقتضى الصول لنه قد تقرر في علم‬
‫الصول أن النص إذا احتمل التوكيد والتأسيس فالصل حمله‬
‫على التأسيس ل على التوكيد لن في التأسيس زيادة معنى‬
‫ليست في التوكيد وعلى هذا القول فتكرير } َ َ‬
‫ء َرب ّك ُ َ‬
‫ما‬ ‫ي آل ِ‬ ‫فب ِأ ّ‬
‫ن{ إنما هو باعتبار أنواع النعم المذكورة قبلها من إنعام‬ ‫ت ُك َذَّبا ِ‬
‫أو موعظة أو إنذار وقد عرفت أن كلها من آلء الله فالمذكورة‬
‫ت{ الية‬ ‫شآ ُ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ر ال ْ ُ‬ ‫وا ِ‬‫ج َ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ول َ ُ‬‫بعد نعمة كالمذكورة بعد قوله‪َ } :‬‬
‫ن{ الية لن‬ ‫جا ُ‬ ‫مْر َ‬ ‫وال ْ َ‬
‫ؤ َ‬ ‫ؤل ُ ُ‬‫ما الل ّ ْ‬ ‫ه َ‬‫من ْ ُ‬
‫ج ِ‬‫خُر ُ‬
‫وبعد قوله‪} :‬ي َ ْ‬
‫السفن واللؤلؤ والمرجان من آلء الله كما هو ضروري‬
‫ت‬‫ق ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫ذا ان ْ َ‬ ‫فإ ِ َ‬ ‫والمذكورة بعد موعظة كالمذكورة بعد قوله‪َ } :‬‬
‫ماءُ { الية‪ .‬والمذكورة بعد إنذار أو تخويف كالمذكورة بعد‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظ{‪ .‬الية ‪ . .‬والعلم عند الله‬ ‫وا ٌ‬ ‫ش َ‬ ‫ما ُ‬ ‫عل َي ْك ُ َ‬ ‫ل َ‬ ‫س ُ‬ ‫قوله‪} :‬ي ُْر َ‬
‫تعالى‪.‬‬
‫ول‬‫س َ‬ ‫ه إ ِن ْ ٌ‬ ‫ن ذَن ْب ِ ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ل َ‬ ‫سأ َ ُ‬ ‫ذ ل يُ ْ‬ ‫مئ ِ ٍ‬ ‫و َ‬ ‫في َ ْ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫وَرب ّ َ‬
‫ك‬ ‫ف َ‬‫ن{ تقدم وجه الجمع بينه وبين قوله تعالى‪َ } :‬‬ ‫جا ّ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ع ّ‬ ‫ن َ‬ ‫عي َ‬ ‫م ِ‬‫ج َ‬‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫سأل َن ّ ُ‬ ‫ل َن َ ْ‬
‫م إليهم{ الية‪.‬‬ ‫ل إ ِل َ‬ ‫َ‬ ‫فل َن َسأ َل َن ال ّذين أ ُ‬ ‫‪ .‬وقوله‪َ } :‬‬
‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫س‬‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫في سورة العراف‪.‬‬
‫)سورة الواقعة(‬
‫م{ يقتضي أنه‬ ‫جو ِ‬ ‫ع الن ّ ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫فل أ ُ ْ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫لم يقسم بهذا القسم‪.‬‬
‫م{ يدل‬ ‫ظي ٌ‬‫ع ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫و تَ ْ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫س ٌ‬‫ق َ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫وإ ِن ّ ُ‬‫وقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫على خلف ذلك‪.‬‬
‫والجواب من وجهين‪:‬‬
‫الول _ أن ))ل(( النافية يتعلق نفيها بكلم الكفار فمعناها‬
‫إذا ليس المر كما يزعمه الكفار المكذبون للرسول وعليه‬
‫أقسم إثبات مؤتنف‪.‬‬
‫الثاني _ أن لفظة )ل( صلة وقد وعدنا ببيان ذلك بشواهده‬
‫ن{ مع قوله‬ ‫مي ِ‬ ‫د ال َ ِ‬ ‫ذا ال ْب َل َ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫و َ‬ ‫في الجمع بين قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مي ِ‬ ‫د ال َ ِ‬ ‫ذا ال ْب َل َ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫و َ‬‫تعالى‪َ } :‬‬
‫)سورة الحديد(‬
‫عْرش{ يدل على أنه‬ ‫عَلى ال ْ َ‬ ‫وى َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬ث ُ ّ‬
‫تعالى مستو على عرشه عال على كل جميع خلقه‪ .‬وقوله‬
‫هو معك ُ َ‬
‫م{ يوهم خلف ذلك‪.‬‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م أي ْ َ‬ ‫و ُ َ َ َ ْ‬ ‫تعالى } َ‬
‫والجواب‪ :‬أنه تعالى مستو على عرشه كما قال بل كيف ول‬
‫تشبيه استواء لئقا بكماله وجلله وجميع الخلئق في يده أصفر‬
‫من حبة خردل فهو مع جميعهم بالحاطة الكاملة والعلم التام‬
‫ونفوذ القدرة سبحانه وتعالى علوا كبيرا فل منافاة بين علوه‬
‫على عرشه ومعيته لجميع الخلئق أل ترى ولله المثل العلى أن‬
‫أحدنا لو جعل في يده حبة من خردل أنه ليس داخل في شيء‬
‫من أجزاء تلك الحبة مع أنه محيط بجميع أجزائها ومع جميع‬
‫أجزائها والسموات والرض ومن فيهما في يده تعالى أصغر من‬
‫حبة خردل في يد أحدنا وله المثل العلى سبحانه وتعالى علوا‬
‫كبيرا فهو أقرب إلى الواحد منا من عنق راحلته بل من حبل‬
‫وريده مع أنه مستو على عرشه ل يخفى عليه شيء من عمل‬
‫خلقه جل وعل‪.‬‬
‫)سورة المجادلة(‬
‫م ثُ ّ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫سائ ِ ِ‬
‫َ‬
‫ن نِ َ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫هُرو َ‬ ‫ظا ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫سا{ ل‬ ‫ما ّ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ن َ‬
‫قب ْ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ة ِ‬ ‫ريُر َر َ‬
‫قب َ ٍ‬ ‫ح ِ‬‫فت َ ْ‬‫قاُلوا َ‬ ‫ما َ‬
‫ن لِ َ‬
‫دو َ‬
‫عو ُ‬
‫يَ ُ‬
‫يخفى أن ترتيبه بالعتق على الظهار والعود معا يفهم منه أن‬
‫الكفارة ل تلزم إل بالظهار والعود معا وقوله من قبل أن يتماسا‬
‫صريح في أن التكفير يلزم كونه قبل العود إلى المسيس‪ .‬اعلم‬
‫أول أن ما رجحه ابن حزم من قول داود وحكاه ابن عبد البر‬
‫عن بكير بن الشج والقراء وفرقة من أهل الكلم وقال به‬
‫شعبة من أن معنى ثم يعودون لما قالوا هو عودهم إلى لفظ‬
‫الظهار فيكررونه مرة أخرى قول باطل بدليل أن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم لم يستفصل المرأة التي نزلت فيها آية الظهار‬
‫هل كرر زوجها صيغة الظهار أم ل وترك الستفصال ينزل منزلة‬
‫العموم في القوال كما تقدم مرارا والتحقيق أن الكفارة ومنع‬
‫الجماع قبلها ل يشترط فيهما تكرير صيغة الظهار وما زعمه‬
‫البعض أيضا من أن الكلم فيه تقديم وتأخير والذين يظاهرون‬
‫من يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ثم‬
‫يعودون لما قالوا سالمين من الثم بسبب الكفارة غير صحيح‬
‫أيضا لما تقرر في الصول من وجوب الحمل على بقاء الترتيب‬
‫إل لدليل وإليه الشارة بقول صاحب مراقي السعود‪:‬‬
‫بما له الرجحان مما‬ ‫كذلك ترتيب ل يجاب‬
‫يحتمل‬ ‫العمل‬
‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬
‫وسنذكر إن شاء الله الجواب عن هذا الشكال على مذاهب‬
‫الئمة الربعة رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين فنقول وبالله‬
‫نستعين معنى العود عند مالك فيه قولن تؤولت المدونة على‬
‫كل واحد منهما وكلهما مرجح‪ .‬الول _ أنه العزم على الجماع‬
‫فقط _ الثاني _ أنه العزم على الجماع وإمساك الزوجة معا‬
‫وعلى كل القولين فل أشكال في الية لن المعنى حينئذ والذين‬
‫يظاهرون من نسائهم ثم يعزمون على الجماع أو عليه مع‬
‫المساك فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا فل منافاة بين العزم‬
‫على الجماع أو عليه مع المساك وبين العتاق قبل المسيس‬
‫وغاية ما يلزم على هذا القول حذف الرادة وهو واقع في‬
‫ة{ أي أردتم‬ ‫صل ِ‬ ‫م إ َِلى ال ّ‬ ‫مت ُ ْ‬
‫ق ْ‬ ‫ذا ُ‬‫القرآن كقوله تعالى‪} :‬إ ِ َ‬
‫ن{ أي أردت قراءته‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ذا َ‬‫فإ ِ َ‬‫القيام إليها‪ .‬وقوله‪َ } :‬‬
‫قْرآ َ‬ ‫قَرأ َ‬
‫فاستعذ بالله الية‪ .‬ومعنى العود عند الشافعي أن يمسكها بعد‬
‫المظاهرة زمانا يمكنه أن يطلقه فيه فل يطلق وعليه فل إشكال‬
‫في الية أيضا لن إمساكه إياها الزمن المذكور ل ينافي التكفير‬
‫قبل المسيس كما هو واضح ومعنى العود عند أحمد هو أن يعود‬
‫إلى الجماع أو يعزم عليه أما العزم فقد بينا أنه ل إشكال في‬
‫الية على القول به وأما على القول بأنه الجماع فالجواب أنه‬
‫إن ظاهر وجامع قبل التكفير يلزمه الكف عن المسيس مرة‬
‫أخرى حتى يكفر ول يلزم من هذا جواز الجماع الول قبل‬
‫التكفير لن الية على هذا القول إنما بينت حكم ما إذا وقع‬
‫الجماع قبل التكفير وأنه وجوب التكفير قبل مسيس آخر وأما‬
‫القدام على المسيس الول فحرمته معلومة من عموم قوله‪:‬‬
‫سا{ ومعنى العود عند أبي حنيفة رحمه‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬
‫ما ّ‬‫ن ي َت َ َ‬
‫لأ ْ‬ ‫قب ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫} ِ‬
‫الله تعالى هو العزم على الوطء وعليه فل إشكال كما تقدم وما‬
‫حكاه الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره عن مالك من أنه‬
‫حكي عنه أن العود الجماع فهو خلف المعروف من مذهبه‬
‫وكذلك ما حكاه عن أبي حنيفة من أن العود هو العود إلى‬
‫الظهار بعد تحريمه ورفع ما كان عليه أمر الجاهلية فهو خلف‬
‫المقرر في فروع الحنفية من أنه العزم على الوطء كما ذكرنا‬
‫وغالب ما قيل في معنى العود راجع إلى ما ذكرنا من أقوال‬
‫الئمة رحمهم الله وقال بعض العلماء المراد بالعود الرجوع إلى‬
‫ل‬ ‫ن َ‬
‫قب ْ ِ‬ ‫م ْ‬‫الستمتاع بغير الجماع والمراد بالمسيس في قوله‪ِ } :‬‬
‫سا{ خصوص الجماع وعليه فل إشكال ولكن ل يخفى‬ ‫َ‬
‫ما ّ‬ ‫ن ي َت َ َ‬‫أ ْ‬
‫عدم ظهور هذا القول والتحقيق عدم جواز الستمتاع بوطء أو‬
‫سا{وأجاز‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬
‫ما ّ‬
‫ن ي َت َ َ‬‫لأ ْ‬ ‫قب ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫غيره قبل التكفير لعموم قوله‪ِ } :‬‬
‫بعضهم الستمتاع بغير الوطء قائل إن المراد بالمسيس في‬
‫سا{ نفس الجماع ل مقدماته وممن‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬
‫ما ّ‬‫ن ي َت َ َ‬‫لأ ْ‬ ‫قب ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قوله‪ِ } :‬‬
‫قال بذلك الحسن البصري والثوري وروي عن الشافعي في أحد‬
‫قاُلوا{‬ ‫ما َ‬ ‫القولين وقال بعض العلماء اللم في قوله‪} :‬ل ِ َ‬
‫بمعنى في أي يعودون فيما قالوا بمعنى يرجعون عنه قوله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬الواهب العائد في هبته"‪ .‬الحديث‪ .‬وقيل‬
‫اللم بمعنى عن أي يعودون لما قالوا أي يرجعون عنه وهو‬
‫قريب مما قبله‪ .‬قال مقيده عفا الله عنه‪ :‬الذي يظهر والله‬
‫تعالى أعلم أن العود له مبدأ ومنتهى فمبدؤه العزم على الوطء‬
‫ومنتهاه الوطء بالفعل فمن عزم على الوطء فقد عاد بالنية‬
‫فتلزمه الكفارة لباحة الوطء ومن وطء بالفعل تحتم في حقه‬
‫اللزوم وخالف بالقدام على الوطء قبل التكفير ويدل لهذا أنه‬
‫صلى الله عليه وسلم لما قال‪" :‬إذا التقى المسلمان بسيفيهما‬
‫فالقاتل والمقتول في النار" وقالوا" "يا رسول الله قد عرفنا‬
‫القاتل فما بال المقتول؟" قال‪" :‬إنه كان حريصا على قتل‬
‫صاحبه" فبين أن العزم على الفعل عمل يؤخذ به النسان فإن‬
‫قيل ظاهر الية المتبادر منها يوافق قول الظاهرية الذي قدمنا‬
‫بطلنه لن الظاهر المتبادر من قوله لما قالوا أنه صيغة الظهار‬
‫فيكون العود لها تكريرها مرة أخرى‪ .‬فالجواب أن المعنى لما‬
‫قالوا أنه حرام عليهم وهو الجماع ويدل لذلك وجود نظيره في‬
‫ل{ أي ما يقول أنه‬ ‫قو ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫رث ُ ُ‬‫ون َ ِ‬‫القرآن في قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫وَلدًا{ وما ذكرنا‬ ‫ُ‬
‫و َ‬‫مال ً َ‬ ‫ن َ‬ ‫يؤته من مال وولد في قوله‪} :‬لوت َي َ ّ‬
‫من أن من جامع قبل التكفير يلزمه الكف عن المسيس مرة‬
‫أخرى حتى يكفر هو التحقيق خلفا لمن قال تسقط الكفارة‬
‫بالجماع قبل المسيس كما روي عن الزهري وسعيد بن جبير‬
‫وأبي يوسف ولمن قال تلزم به كفارتان كما روي عن عبد الله‬
‫بن عمرو بن العاص وعبد الرحمن بن مهدي ولمن قال تلزم به‬
‫ثلثة كفارات كما رواه سعيد بن منصور عن الحسن وإبراهيم‬
‫والعلم عند الله تعالى‪.‬‬
‫َ‬
‫سو َ‬
‫ل‬ ‫م الّر ُ‬ ‫جي ْت ُ ُ‬‫ذا َنا َ‬‫مُنوا إ ِ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫قوله تعالى‪َ} :‬يا أي ّ َ‬
‫ة{ هذه الية تدل على‬ ‫ق ً‬ ‫صد َ َ‬ ‫م َ‬ ‫واك ُ ْ‬‫ج َ‬ ‫ي نَ ْ‬
‫ن ي َدَ ْ‬ ‫موا ب َي ْ َ‬ ‫ف َ‬
‫قد ّ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ف ْ‬‫ش َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫طلب تقديم الصدقة أمام المناجاة‪ .‬وقوله تعالى‪} :‬أأ ْ‬
‫قت ُ ْ‬
‫عُلوا‬ ‫َ‬
‫ف َ‬‫م تَ ْ‬ ‫فإ ِذْ ل َ ْ‬‫ت َ‬ ‫قا ٍ‬ ‫صد َ َ‬ ‫م َ‬ ‫واك ُ ْ‬ ‫ج َ‬‫ي نَ ْ‬ ‫ن ي َدَ ْ‬ ‫موا ب َي ْ َ‬ ‫ن تُ َ‬
‫قد ّ ُ‬ ‫أ ْ‬
‫م{ الية ‪ . .‬يدل على خلف ذلك‪.‬‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬
‫ه َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫وَتا َ‬ ‫َ‬
‫والجواب ظاهر وأن الخير ناسخ للول والعلم عند الله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫)سورة الحشر(‬
‫ه{ الية‪ .‬تقدم‬ ‫ذو ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ُ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫ما آَتاك ُ ُ‬ ‫و َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫وجه الجمع بين الطلق والذي في هذه الية والتقييد الذي في‬
‫َ‬
‫ل‬
‫سو ِ‬ ‫وِللّر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫جيُبوا ل ِل ّ ِ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫مُنوا ا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫قوله تعالى‪َ} :‬يا أي ّ َ‬
‫م{ في سورة النفال وقوله تعالى‪:‬‬ ‫حِييك ُ ْ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫م لِ َ‬ ‫عاك ُ ْ‬ ‫ذا دَ َ‬ ‫إِ َ‬
‫ف{‪.‬‬ ‫عُرو ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫في َ‬ ‫ك ِ‬ ‫صين َ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ول ي َ ْ‬ ‫} َ‬
‫)سورة الممتحنة(‬
‫قات ُِلوك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م يُ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫هاك ُ ُ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬ل ي َن ْ َ‬
‫م{‪ .‬هذه الية الكريمة‬ ‫رك ُ ْ‬ ‫ن ِدَيا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جوك ُ ْ‬ ‫ر ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫دي ِ‬ ‫في ال ّ‬ ‫ِ‬
‫تدل على أن الكافر إذا لم يقاتل المؤمن في الدين ولم يخرجه‬
‫من داره ل يحرم بره والقساط إليه‪ .‬وقد جاءت آيات أخر تدل‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫على منع موالة الكفار وموادتهم مطلقا‪ .‬كقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫ول ّ ُ‬‫ن ي َت َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫م{ وقوله تعالى‪َ } :‬‬ ‫ه ْ‬‫من ْ ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫فإ ِن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ول ّ ُ‬‫ي َت َ َ‬
‫وما ً‬‫ق ْ‬ ‫جد ُ َ‬ ‫ن{‪ .‬وقوله تعالى‪} :‬ل ت َ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫فُأول َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫خر{ الية‪.‬‬ ‫وم ِ ال ِ‬ ‫وال ْي َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ِبالل ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫والجواب هو أن من يقول بنسخ هذه الية فل إشكال فيها‬
‫على قوله وعلى القول بأنها محكمة فوجه الجمع مفهوم منها‬
‫لن الكافر الذي لم ينه عن بره والقساط إليه مشروط فيه‬
‫عدم القتال في الدين وعدم إخراج المؤمنين من ديارهم‬
‫والكافر المنهي عن ذلك فيه هو المقاتل في الدين المخرج‬
‫للمؤمنين من ديارهم المظاهر للعدو على إخراجهم والعلم عند‬
‫الله تعالى‪.‬‬
‫)سورة الصف(‬
‫ن{ هذه‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫و َ‬‫ق ْ‬ ‫دي ال ْ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ه ل يَ ْ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫الية الكريمة تدل بظاهرها على أن الخارج عن طاعة الله ل‬
‫يهديه الله‪ .‬وقد جاءت آيات ُأخر تدل على خلف ذلك كقوله‬
‫هوا{ الية‪ .‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫ن ي َن ْت َ ُ‬ ‫فُروا إ ِ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫تعالى‪ُ } :‬‬
‫م{‪.‬‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ف َ‬ ‫ل َ‬ ‫قب ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ك ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫}ك َذَل ِ َ‬
‫والجواب‪ :‬أن الية من العام المخصوص فهي في خصوص‬
‫الشقياء الذين أزاغ الله قلوبهم عن الهدي لشقاوتهم الزلية‬
‫وقيل المعنى ل يهديهم ما داموا على فسقهم فإن تابوا منه‬
‫هداهم‪.‬‬
‫رفع إيهام الضطراب‬
‫عن آيات الكتاب‬
‫ءءء ءءء ءءء ءء ءءء ء ءءءءء ء ءءء ءءءءء‬
‫ءءءءءء ءءءءءءءء‬
‫ءءءء ءءءءءء‬
‫ن{ –‬ ‫مي َ‬ ‫ظههال ِ ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫و َ‬ ‫ق ْ‬ ‫دي ال ْ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ه ل يَ ْ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫فيه الشكال والجواب مثل ما ذكرنععا آنفععا فععي قععوله تعععالى‪:‬‬
‫ن{‪.‬‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ق ْ‬ ‫دي ال ْ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ه ل يَ ْ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫} َ‬
‫هههوا ً ان ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضههوا‬ ‫ف ّ‬ ‫و لَ ْ‬ ‫جههاَرةً أ ْ‬ ‫وا ت ِ َ‬ ‫ذا َرأ ْ‬ ‫وإ ِ َ‬ ‫قععوله تعععالى‪َ } :‬‬
‫ها{ اليععة‪ .‬ل يخفععى أن أصععل مرجععع الضععمير هععو الحععد‬ ‫إ ِل َي ْ َ‬
‫الدائر بين التجارة واللهو لدللة لفظة أو على ذلك ولكن هذا‬
‫الضععمير رجععع إلععى التجععارة وحععدها دون اللهععو فععبينه وبيععن‬
‫مفسره بعض منافاة في الجملة‪ .‬والجواب أن التجععارة أهعم‬
‫من اللهو وأقوى سببا في النفضعاض ععن النعبي صعلى اللعه‬
‫عليه وسلم لنهم انفضوا عنه من أجل العير‪ ،‬واللهو كان من‬
‫أجل قدومها مع أن اللغة العربية يجععوز فيهععا رجععوع الضععمير‬
‫لحد المذكورين قبله‪ ..‬أما في العطععف فواضععح لن الضععمير‬
‫في الحقيقة راجع إلى الحد الدائر الععذي هععو واحععد ل بعينععه‪.‬‬
‫خطيئ َ ً َ‬
‫ه‬‫م ي َْرم ِ ب ِه ِ‬ ‫و إ ِْثما ً ث ُ ّ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ب َ ِ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ي َك ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫كقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫مِبينًا{‬ ‫وإ ِْثما ً ُ‬ ‫هَتانا ً َ‬ ‫ل بُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫حت َ َ‬ ‫دا ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫ف َ‬‫ريئا ً َ‬ ‫بَ ِ‬
‫وأما الواو فهو فيها كثير‪ .‬ومن أمثلته في القععرآن قععوله‬
‫ههها{ اليععة –‬ ‫وإ ِن ّ َ‬‫ة َ‬ ‫صههل ِ‬ ‫وال ّ‬ ‫ر َ‬ ‫ص هب ْ ِ‬ ‫عيُنوا ِبال ّ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫وا ْ‬ ‫تعععالى‪َ } :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه{ –‬ ‫ضههو ُ‬ ‫ن ي ُْر ُ‬ ‫قأ ْ‬ ‫حه ّ‬ ‫هأ َ‬ ‫سههول ُ ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫والل ّه ُ‬ ‫وقععوله تعععالى‪َ } :‬‬
‫ول‬ ‫ة َ‬ ‫ضه َ‬ ‫ف ّ‬ ‫وال ْ ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ال هذّ َ‬ ‫ن ي َك ْن ِهُزو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫وقوله تعععالى‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫من ُههوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ههها ال ّه ِ‬ ‫ها{الية – وقوله تعععالى‪َ} :‬يا أي ّ َ‬ ‫قون َ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ي ُن ْ ِ‬
‫َ‬
‫عن ْههه{ اليععة – ونظيععره‬ ‫وا َ‬ ‫ول ّ ْ‬ ‫ول ت َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫عوا الل ّ َ‬ ‫طي ُ‬ ‫أ ِ‬
‫من كلم العرب قول نابغة ذبيان‪- :‬‬
‫والدهر والعيش لم يهمععم‬ ‫وقد أراني ونعما لهيين بها‬
‫بامرار‬
‫سورة المنافقون‬
‫د‬
‫ه ُ‬‫شه َ‬ ‫قههاُلوا ن َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫من َهها ِ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫جاءَ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬إ ِ َ‬
‫ه{ الية‪ .‬هذا الذي شععهدوا عليععه حععق لن‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ك ل ََر ُ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫رسالة نبينا صععلى اللععه عليععه وسععلم حععق ل شععك فيهععا وقععد‬
‫كذبهم الله بقوله والله يشهد إن المنافقين لكععاذبون‪ ،‬مععع أن‬
‫قوله والله يعلم أنك لرسوله كأنه تصديق لهم‪.‬‬
‫والجواب أن تكذيبه تعالى لهععم منصععب علععى إسععنادهم‬
‫الشادة إلى أنسهم في قولهم نشهد وهم في باطن المععر ل‬
‫يشهدون برسالته بل يعتقععدون عععدمها أو يشععكون فيععه كمععا‬
‫ء{ إلى‬ ‫ها ُ‬ ‫ف َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ما آ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫يدل للول قوله تعالى‪} :‬أ َن ُ ْ‬
‫ن{‪ .‬ويععدل للثععاني قععوله تعععالى‪:‬‬ ‫مههو َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫ول َك ِ ْ‬ ‫قععوله‪َ } :‬‬
‫ن{ قععوله‬ ‫دو َ‬ ‫م ي ََتههَردّ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫في َري ْب ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قُلوب ُ ُ‬ ‫ت ُ‬ ‫واْرَتاب َ ْ‬ ‫} َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فْر‬ ‫غ ِ‬ ‫سههت َ ْ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫فْر َ‬ ‫غ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫علي ْ ِ‬
‫واءٌ َ َ‬ ‫س َ‬‫تعالى‪َ } :‬‬
‫م{ الية ظاهر هذه الية الكريمة أنععه ل يغفععر للمنععافقين‬ ‫ه ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫مطلقععا وقععد جععاءت آيععة تععوهم الطمععع فععي غفرانععه لهععم إذا‬
‫استغفر لهم رسوله صلى الله عليه وسلم أكععثر مععن سععبعين‬
‫ة‬
‫مههّر ً‬ ‫ن َ‬ ‫عي َ‬ ‫سب ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫فْر ل َ ُ‬ ‫غ ِ‬ ‫ست َ ْ‬‫ن تَ ْ‬ ‫مرة‪ .‬وهي قوله تعالى‪} :‬إ ِ ْ‬
‫م{‬ ‫ه ْ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫فَر الل ّ ُ‬ ‫غ ِ‬‫ن يَ ْ‬ ‫فل َ ْ‬ ‫َ‬
‫والجواب أن هذه الية هي الخيرة بينت أنه ل يغفر لهم‬
‫على كل حال لنهم كفار في الباطن‪.‬‬
‫سورة التغابن‬
‫عُتم{ تقدم رفع‬ ‫ست َطَ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫فات ّ ُ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ه{‬ ‫قههات ِ ِ‬ ‫ق تُ َ‬ ‫حه ّ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫الشكال بينه وبين قوله تعالى‪} :‬ات ّ ُ‬
‫في سورة آل عمران‬
‫سورة الطلق‬
‫ي{‪ .‬اليععة‪ .‬ظععاهر فععي‬ ‫َ‬
‫ههها الن ّب ِه ّ‬ ‫قععوله تعععالى‪} :‬ي َهها أي ّ َ‬
‫ذا‬ ‫خصوص الخطاب بععه صععلى اللععه عليععه وسععلم وقععوله‪} :‬إ ِ َ‬
‫ن{ اليععة يقتضععي‬ ‫ه ّ‬ ‫ع هدّت ِ ِ‬ ‫ن لِ ِ‬ ‫ه ّ‬ ‫قههو ُ‬ ‫فطَل ّ ُ‬ ‫سههاءَ َ‬ ‫م الن ّ َ‬ ‫قت ُه ُ‬ ‫طَل ّ ْ‬
‫خلف ذلك‪.‬‬
‫والجواب هو ما تقدم محررا في سععورة الععروم مععن أن‬
‫الخطاب الخاص بالنبي صلى اللععه عليععه وسععلم حكمععه عععام‬
‫لجميع المة‪.‬‬
‫صههاِلحا ً‬ ‫ل َ‬ ‫مه ْ‬ ‫ع َ‬‫وي َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ب ِههالل ّ ِ‬ ‫م‬‫ؤ ِ‬‫ن ي ُه ْ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫قوله تعععالى‪َ } :‬‬
‫ْ َ‬
‫ههها‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِه ِ‬ ‫هههاُر َ‬ ‫ها الن ْ َ‬ ‫حت ِ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ه َ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫ي ُدْ ِ‬
‫رْزقًا{‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أ ََبدا ً َ‬
‫ه ِ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫قد ْ أ ْ‬
‫أفرد الضمير في هذه الية في قوله يؤمن وقوله يعمل‬
‫وقوله يدخله وقوله‪ ،‬وجمع في قوله خالدين‪.‬‬
‫والجواب أن الفراد باعتبععار لفععظ مععن والجمععع باعتبععار‬
‫معناها وهو كثير في القرآن العظيم‪ .‬وفي هذه الية الكريمة‬
‫رد على من زعم أن مراعاة المعنى ل تجععوز بعععدها مراعععاة‬
‫اللفظ لنه في هذه الية راعى المعنى في قوله خالععدين ثععم‬
‫راعى اللفظ بعد ذلك في قوله قد أحسن الله له رزقا‪.‬‬
‫سورة التحريم‬
‫ض‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ها الن ِّبي{ مع قوله‪َ } :‬‬ ‫َ‬
‫فههَر َ‬ ‫قوله تعالى‪َ} :‬يا أي ّ َ‬
‫حل ّ َ َ‬
‫م{ يجري فيه من الشكال‪.‬‬ ‫مان ِك ُ ْ‬ ‫ة أي ْ َ‬ ‫م تَ ِ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫والجواب ما تقدم في سورة الطلق‬
‫ن{ – ل يخفععى مععا‬ ‫قان ِِتي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫يسبق إلى الععذهن مععن أن المعرأة ليسعت مععن الرجععال وهععو‬
‫تعالى لم يقل من القانتات‪.‬‬
‫والجواب هو اطبععاق أهععل للسععان العربععي علععى تغليععب‬
‫الذكر على النثى في الجمع فلما أراد أن يبين أن مريم مععن‬
‫عباد الله القانتين وكان منهم ذكور وأناث غلععب الععذكور كمععا‬
‫ك‬ ‫هو الواجب فععي اللغععة العربيععة ونظيععر قععوله تعععالى‪} :‬إ ِن ّ ِ‬
‫وم ٍ‬ ‫قه ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مه ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫كهان َ ْ‬ ‫هها َ‬ ‫ن{‪ .‬وقوله‪} :‬إ ِن ّ َ‬ ‫خاطِِئي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ك ُن ْ ِ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫كا ِ‬ ‫َ‬
‫سورة الملك‬
‫َ‬
‫مهها‬ ‫ل َ‬ ‫قه ُ‬ ‫ع ِ‬‫و نَ ْ‬ ‫عأ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫سه َ‬ ‫و ك ُن ّهها ن َ ْ‬ ‫قاُلوا ل َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ر{ ظاهر هذه الية الكريمععة يععدل‬ ‫عي‬‫ِ‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫حا‬ ‫ص‬ ‫في أ َ‬ ‫ك ُّنا ِ‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫على أنهم ما كانوا يسمعون في الدنيا ول يعقلون وقد جاءت‬
‫م‬ ‫هه ْ‬ ‫عل َْنا ل َ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫آيععات أخععر تععدل علععى خلف ذلععك كقععوله‪َ } :‬‬
‫صارًا{‪.‬‬ ‫سمعا ً َ‬
‫وأب ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫وك َههههاُنوا‬ ‫ل َ‬ ‫سههههِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫عهههه ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫صههههدّ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫وقععععوله‪َ } :‬‬
‫ن{‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ست َب ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫وقد قدمنا الجواب عن هذا محررا في الكلم على قوله‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫قل ُههو َ‬ ‫ع ِ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ؤ ُ‬‫ن آب َهها ُ‬ ‫و ك َهها َ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫صم بكم وعلععى قععوله‪} :‬أ َ‬
‫شْيئًا{ الية‪.‬‬ ‫َ‬
‫سورة القلم‬
‫ه ل َن ُب ِه َ‬ ‫َ‬
‫ذ‬ ‫ن َرب ّه ِ‬ ‫مه ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ٌ‬ ‫ع َ‬‫ه نِ ْ‬ ‫داَرك َ ُ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ول أ ْ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬ل َ ْ‬
‫م{‪ .‬الية‪ .‬تقدم وجه الجمععع بينععه وبيععن‬ ‫مو ٌ‬ ‫مذ ْ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫ء َ‬ ‫عَرا ِ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫عَراء{‪ .‬الية‪.‬‬ ‫فن َب َذَْناهُ ِبال ْ َ‬ ‫قوله‪َ } :‬‬
‫سورة الحاقة‬
‫َ‬
‫ه{‬ ‫سههاب ِي َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ق ِ‬ ‫مل ٍ‬ ‫ت أن ّههي ُ‬ ‫قععوله تعععالى‪} :‬إ ِّني ظَن َن ْه ُ‬
‫تقدم رفع الشكال بينه وبين اليات الدالة علععى أن الظععن ل‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫يغنععي مععن الحععق شععيئا فععي الكلم علععى قععوله‪} :‬ال ّ ه ِ‬
‫م{ فععي سععورة البقععرة قععوله‬ ‫ُ‬ ‫يظُّنون أ َ‬
‫هه ْ‬‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ب‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫هو‬ ‫ه‬ ‫ق‬ ‫مل‬ ‫ُ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{ ظععاهر هععذا الحصععر‬ ‫سِلي ٍ‬ ‫غ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م إ ِل ّ ِ‬ ‫عا ٌ‬ ‫ول طَ َ‬ ‫تعالى‪َ } :‬‬
‫أنه ل طعام لهل النار إل الغسلين وهو ما يسيل مععن صععديد‬
‫أهل النار على أصح التفسيرات كأنه فعلين مععن الغسععل لن‬
‫الصديد كأنه غسالة قروح أهل النار أعاذنععا اللععه والمسععلمين‬
‫منها‪ .‬وقد جاءت آية أخرى تدل على حصر طعامهم في غيععر‬
‫ن‬‫مه ْ‬ ‫م إل ّ ِ‬ ‫عهها ٌ‬‫م طَ َ‬ ‫هه ْ‬ ‫س لَ ُ‬ ‫الغسلين وهي قععوله تعععالى‪} :‬ل َي ْ َ‬
‫ع{ وهو الشبرق اليابس على أصععح التفسععيرات ويععدل‬ ‫ري ٍ‬ ‫ض ِ‬ ‫َ‬
‫لهذا قوله أبي ذؤيب ‪:‬‬
‫وصععار ضععريعا بععان عنععه‬ ‫رعى الشبرق الريان حتى إذا‬
‫النحائص‬ ‫ذوى‬
‫وللعلماء عن هذا أجوبة كثيرة أحسنها عندي اثنان منهععا‬
‫ولذلك اقتصرت عليهما الول‪ -‬أن العذاب ألععوان والمعععذبون‬
‫طبقات فمنهم من ل طعام له إل من غسععلين ومنهععم مععن ل‬
‫طعام له إل من ضععريع‪ ،‬ومنهععم مععن ل طعععام لعه إل الزقععوم‬
‫ب‬ ‫ب ل ِك ُه ّ‬ ‫ويدل لهععذا قععوله تعععالى‪} :‬ل َها سبع ُ َ‬
‫ل ب َهها ٍ‬ ‫وا ٍ‬ ‫ة أب ْه َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫م{‪ .‬الثععاني – أن المعنععى فععي جميععع‬ ‫سههو ٌ‬ ‫ق ُ‬ ‫م ْ‬
‫ج هْزءٌ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫اليات أنهم ل طعععام لهععم أصععل لن الضععريع ل يصععدق عليععه‬
‫اسععم الطعععام ول تععأكله البهععائم فععأحرى الدميععون‪ ،‬وكععذلك‬
‫الغسلين ليس من الطعام فمن طعامه الضريع ل طعععام لععه‬
‫ومن طعامه الغسلين كذلك‪ .‬ومنه قولهم فلن ل ظععل لععه إل‬
‫الشمس ول دابة له إل دابة ثععوبه يعنععون القمععل ومرادهععم ل‬
‫ظل له أصل ول دابة له أصل وعليععه فل اشععكال والعلععم عنععد‬
‫الله تعالى‪.‬‬
‫سورة سأل سائل‬
‫ف‬ ‫ن أل ْ َ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫وم ٍ َ‬
‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫داُرهُ َ‬ ‫ق َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫في ي َ ْ‬ ‫قوله تعالى‪ِ } :‬‬
‫ة{‪.‬‬ ‫سن َ ٍ‬ ‫َ‬
‫تقدم وجه الجمع بينه وبين قوله في يععوم كععان مقععداره‬
‫َ‬
‫مهها‬ ‫م ّ‬ ‫ة ِ‬ ‫سهن َ ٍ‬ ‫ف َ‬ ‫ك ك َأل ْ ِ‬ ‫عن ْدَ َرب ّ َ‬‫وما ً ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫ألف سنة وقوله‪َ } :‬‬
‫ت‬ ‫مل َ َ‬ ‫َ‬
‫كهه ْ‬ ‫مهها َ‬ ‫و َ‬ ‫ن{ فعععي سعععورة الحعععج وقعععوله‪} :‬أ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫عهه ّ‬ ‫تَ ُ‬
‫ن‬ ‫كم{ تقدم وجه الجمع بينه وبيععن قععوله تعععالى‪َ } :‬‬ ‫مان ُ ُ‬ ‫َ‬
‫وأ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أي ْ‬
‫َُ‬
‫ن{ في سورة النساء‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫ن ال‬ ‫عوا ب َي ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ج َ‬ ‫تَ ْ‬
‫سورة نوح‬
‫ول‬ ‫ك َ‬ ‫عب َههادَ َ‬ ‫ض هّلوا ِ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن ت َ هذَْر ُ‬ ‫ك إِ ْ‬ ‫قوله تعععالى‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫فارًا{ هذه الية الكريمععة تععدل علععى أن‬ ‫جرا ً ك َ ّ‬ ‫فا ِ‬ ‫دوا إ ِل ّ َ‬ ‫ي َل ِ ُ‬
‫نوحا عليه وعلى نبينا الصلة والسععلم عععالم بمععا يصععير إليععه‬
‫الولد من الفجور والكفر قبل ولدتهم وقد جاءت آيات أخععر‬
‫م‬ ‫عل َ ه ُ‬ ‫ل ل يَ ْ‬ ‫قه ْ‬ ‫تدل على أن الغيب ل يعلمه إل الله كقوله‪ُ } :‬‬
‫َ‬
‫ه{ وكقععول‬ ‫ب إ ِل ّ الّلهه ُ‬ ‫غي ْ َ‬ ‫ض ال ْ َ‬ ‫والْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫في ال ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫لل‬ ‫ق ْ‬ ‫نوح نفسه فيما ذكععره اللععه عنععه فععي سععورة هععود‪ُ } :‬‬
‫ب{‪ .‬الية‪.‬‬ ‫غي ْ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ول أ َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫خَزائ ِ ُ‬ ‫دي َ‬ ‫عن ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫أَ ُ‬
‫والجواب عن هذا ظاهر وهو أنه علم بوحي من الله أن‬
‫قومه ل يؤمن منهم أحد إل من آمن كمعا بينعه بقعوله تععالى‪:‬‬
‫حي إَلى ُنو َ‬ ‫} ُ‬
‫ن‬ ‫مه ْ‬ ‫ك إ ِل ّ َ‬ ‫مه َ‬ ‫و ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مه ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫ه لَ ْ‬ ‫ح أن ّ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫وأو ِ َ ِ‬ ‫َ‬
‫من{‪ .‬الية‪.‬‬ ‫قد ْ آ َ‬ ‫َ‬
‫سورة الجن‬
‫سه ُ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫هن ّه َ‬ ‫ج َ‬ ‫فك َههاُنوا ل ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫طو َ‬ ‫قا ِ‬ ‫وأ ّ‬ ‫قععوله تعععالى‪َ } :‬‬
‫ن{‬ ‫طي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫طبًا{ – ل يعارض قوله‪} :‬إ ِ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫لن القاسط هو الجائر والمقسط هو العادل فهما ضدان‪.‬‬
‫ه َناَر‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫فإ ِ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ص الل ّ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ن{‪ .‬الية ‪ .‬أفرد الضمير فععي قععوله لععه وجمععع‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫هن ّ َ‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬
‫قوله خالدين‪.‬‬
‫والجواب هو ما تقدم من أن الفععراد باعتبععار لفععظ مععن‬
‫والجمع باعتبار معناها وهو ظاهر‪.‬‬
‫سورة المزمل‬
‫ق هم ِ الل ّْيهه َ‬ ‫َ‬
‫ل إل ّ‬ ‫ل ُ‬ ‫مه ُ‬ ‫مّز ّ‬ ‫ههها ال ْ ُ‬ ‫قععوله تعععالى‪} :‬ي َهها أي ّ َ‬
‫َ‬ ‫م أ َن ّه َ‬
‫ن‬‫مه ْ‬ ‫م أدْن َههى ِ‬ ‫قههو ُ‬ ‫ك تَ ُ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ل{‪ .‬وقوله‪} :‬إ ِ ّ‬ ‫قِلي ً‬ ‫َ‬
‫ك{‬ ‫عه َ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّه ِ‬ ‫مه َ‬ ‫ة ِ‬ ‫فه ٌ‬ ‫طائ ِ َ‬ ‫و َ‬ ‫ل{ إلى قوله‪َ } :‬‬ ‫ي الل ّي ْ ِ‬ ‫ث ُل ُث َ ِ‬
‫الية يدل على وجوب قيام الليل على المة لن أمععر القععدوة‬
‫ك{ دليععل‬ ‫عه َ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّه ِ‬ ‫مه َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ف ٌ‬ ‫طائ ِ َ‬ ‫و َ‬ ‫أمر لتباعه‪ .‬وقوله‪َ } :‬‬
‫على عدم الخصوص به صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وقد ذكر اللععه‬
‫سهَر‬ ‫فا ْ ُ‬ ‫ما يدل على خلف ذلععك فععي قععوله‪َ } :‬‬
‫مهها ت َي َ ّ‬ ‫قَرأوا َ‬
‫ه{‪.‬‬ ‫فهها ْ ُ‬ ‫ن{ ‪ .‬وقععوله‪َ } :‬‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫من ْه ُ‬ ‫س هَر ِ‬ ‫مهها ت َي َ ّ‬ ‫قَرأوا َ‬ ‫ق هْرآ ِ‬ ‫مه َ‬ ‫ِ‬
‫والجواب ظاهر وهو أن الخير ناسععخ للول ثععم نسععخ الخيععر‬
‫أيضا بالصلوات الخمس‪.‬‬
‫ل{‪ .‬ل‬ ‫هي ً‬ ‫م ِ‬‫ل ك َِثيبهها ً َ‬ ‫جَبهها ُ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫كههان َ ِ‬ ‫و َ‬ ‫قععوله تعععالى‪َ } :‬‬
‫ش{ لن‬ ‫فو ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫كال ْ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫جَبا ُ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫كو ُ‬ ‫وت َ ُ‬ ‫يعارض قوله‪َ } :‬‬
‫قوله وكانت الجبال كثيبا مهيل تشبيه بليغ والجبال بعد طحنها‬
‫المنصععوص عليععه بقععوله وبسععت الجبععال بسععا تشععبه الرمععل‬
‫المتهايل وتشبه أيضا الصوف المنفوش‪.‬‬
‫سورة المدثر‬
‫ة{‪ .‬اليعععة‬ ‫هين َ ٌ‬ ‫ت َر ِ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬ك ُ ّ‬
‫مهها‬
‫ئ بِ َ‬ ‫ر ٍ‬ ‫مه ِ‬ ‫لا ْ‬ ‫تقدم وجه الجمع بينه وبين قوله تعععالى‪} :‬ك ُه ّ‬
‫ن{ الية‪.‬‬ ‫هي ٌ‬ ‫ب َر ِ‬ ‫س َ‬ ‫كَ َ‬
‫سورة القيامة‬
‫ة{‪ .‬ل يعععارض‬ ‫وم ِ ال ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫قوله تعالى‪} :‬ل أ ْ‬
‫مه ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ب ِي َه ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ق ِ‬
‫عوِد{‪ .‬والجععواب مععن‬ ‫و ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وم ِ ا ل ْ َ‬ ‫وال ْي َ ْ‬ ‫اقسامه به في قوله‪َ } :‬‬
‫وجهين‪:‬‬
‫أحدهما أن ل نافية لكلم الكفار‪.‬‬
‫الثاني أنها صلة كما تقدم وسعيأتي لعه زيعادة إيضعاح إن‬
‫شاء الله تعال ‪.‬‬
‫ههها‬ ‫ض هَرةٌ إ ِل َههى َرب ّ َ‬ ‫ذ َنا ِ‬ ‫مئ ِ ٍ‬ ‫و َ‬ ‫جههوهٌ ي َ ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫قععوله تعععالى‪ُ } :‬‬
‫ة{‪ .‬تقععدم وجععه الجمععع بينععه وبيععن قععوله تعععالى‪} :‬ل‬ ‫َناظَِر ٌ‬
‫َ‬
‫صاُر{‬ ‫ه ال ب ْ َ‬ ‫رك ُ ُ‬ ‫ت ُدْ ِ‬
‫سورة النسان‬
‫َ‬
‫ة{‪ .‬ل يعارضعععه‬ ‫ض ٍ‬ ‫ف ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وَر ِ‬ ‫ِ‬ ‫سا‬ ‫حّلوا أ َ‬ ‫و ُ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ب{ اليععة‬ ‫ه ٍ‬ ‫ن ذَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَر ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ها ِ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫و َ‬ ‫حل ّ ْ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬ي ُ َ‬
‫ووجه الجمع ظاهر وهو أنهما جنتان أوانيهما وجميع ما فيهمععا‬
‫من فضة‪ ،‬وأخريان أوانيهما وجميع ما فيهما من ذهب والعلم‬
‫عند الله تعالى‪.‬‬
‫سورة المرسلت‬
‫م‬‫ههه ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ؤذَ ُ‬ ‫ول ي ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قو َ‬ ‫م ل ي َن ْطِ ُ‬ ‫و ُ‬ ‫ذا ي َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ن{‪.‬‬ ‫ذُرو َ‬ ‫عت َ ِ‬
‫في َ ْ‬ ‫َ‬
‫هذه الية الكريمة تدل على أن أهل النار ل ينطقون ول‬
‫يعتذرون وقد جاءت آيات تدل على أنهم ينطقون ويعتععذرون‪.‬‬
‫ن{‪ .‬وقععوله‪:‬‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫شه ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مهها ك ُن ّهها ُ‬ ‫ه َرب ّن َهها َ‬ ‫والل ّ ِ‬ ‫كقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ء{‪ .‬وقوله‪َ} :‬به ْ‬
‫ل‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ما ك ُّنا ن َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫وا ال ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫فأ َل ْ َ‬ ‫} َ‬
‫ن ك ُّنهها‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫شْيئًا{‪ .‬وقوله‪َ} :‬تالل ّ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫قب ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫عوا ِ‬ ‫ن ن َدْ ُ‬ ‫م ن َك ُ ْ‬ ‫لَ ْ‬
‫مهها‬‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫مي َ‬ ‫عههال َ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫م ب ِهَر ّ‬ ‫ويك ُ ْ‬ ‫سه ّ‬ ‫ن إ ِذْ ن ُ َ‬ ‫ٍ‬ ‫مِبي ه‬ ‫ل ُ‬ ‫ضههل ٍ‬ ‫في َ‬ ‫لَ ِ‬
‫ضههّلوَنا{‬ ‫ء أَ َ‬ ‫ؤل ِ‬ ‫هه ُ‬ ‫ن{ وقععوله‪َ} :‬رب َّنا َ‬ ‫مو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫م ْ‬‫ضل َّنا إ ِل ّ ال ْ ُ‬ ‫أَ َ‬
‫إلى غير ذلك من اليات‪.‬‬
‫والجواب عن هذا من أوجه‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن القيامة مواطن ففععي بعضععها ينطقععون وفععي‬
‫بعضها ل ينطقون‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنهم ل ينطقون بما لهم فيه فععائدة ومععال فععائدة‬
‫فيه كالعدم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنهم بعععد أن يقععول اللععه لهععم اخسععئوا فيهععا ول‬
‫تكلمون ينقطع نطقهم ولععم يبععق إل الزفيععر والشععهيق‪ .‬قععال‬
‫مل‬ ‫هه ْ‬ ‫ف ُ‬‫مههوا َ‬ ‫مهها ظَل َ ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫هه ْ‬ ‫ل َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫و ُ‬ ‫قه ْ‬ ‫ع ال ْ َ‬ ‫قه َ‬ ‫و َ‬
‫و َ‬
‫تعععالى‪َ } :‬‬
‫ن{‪ .‬وهذا الوجه الثالث راجع للوجه الول‪.‬‬ ‫قو َ‬ ‫ي َن ْطِ ُ‬
‫سورة النبأ‬
‫قابًا{ تقدم وجه الجمع‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ها أ ْ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬لب ِِثي َ‬
‫ههها‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫بينه هو واليات المشابهة له كقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫شههاءَ َرب ّ ه َ‬ ‫َ‬
‫ك{ مععع‬ ‫مهها َ‬ ‫ض إ ِل ّ َ‬ ‫والْر ُ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ُ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫م ِ‬‫دا َ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫اليات المقتضية لدوام عذاب أهععل النععار بل انقطععاع كقععوله‪:‬‬
‫ها أ ََبدا{ في سععورة النعععام فععي الكلم علععى‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫} َ‬
‫مهها‬‫ههها إ ِل ّ َ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬‫خال ِ ه ِ‬ ‫م َ‬ ‫واك ُ ْ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ل الّناُر َ‬ ‫قا َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫شاءَ الّله{ الية فقد بينا هنععاك أن العععذاب ل ينقطععع عنهععم‬ ‫َ‬
‫وبينا وجه الستثناء بالمشيئة وأما وجه الجمععع بيععن الحقععاب‬
‫المذكورة هنا مع الععدوام البععدي الععذي قععدمنا اليععات الدالععة‬
‫عليه فمن ثلثة أوجه‪:‬‬
‫الول‪ :‬وهو الذي مال إليه ابن جرير وهو الظهععر عنععدي‬
‫لدللة ظاهر القععرآن عليععه هععو أن قععوله لبععثين فيهععا أحقابععا‬
‫متعلق بما بعععده أي لبععثين فيهععا أحقابععا فععي حععال كععونهم ل‬
‫يذوقون فيها بردا ول شرابا إل حميما وغسععاقا فععإذا انقضععت‬
‫تلك الحقاب عذبوا بأنواع أخر من أنواع العذاب غير الحميععم‬
‫والغساق ويدل لهذا تصريحه تعالى بأنهم يعذبون بأنواع أخععر‬
‫ذا‬‫ه َ‬‫من أنواع العذاب غيععر الحميععم والغسععاق فععي قععوله‪َ } :‬‬
‫ج{‪.‬‬ ‫ش هك ْل ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫و َ‬ ‫ذو ُ‬ ‫فل ْي َ ُ‬ ‫َ‬
‫وا ٌ‬ ‫ه أْز َ‬ ‫ِ‬ ‫مه ْ‬ ‫خ هُر ِ‬ ‫وآ َ‬ ‫ساقٌ َ‬ ‫غ ّ‬ ‫م َ‬ ‫مي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫قوهُ َ‬
‫وغاية ما يلزم على هذا القول تداخل الحال وهو جععائز حععتى‬
‫عنععد مععن منععع تععرادف الحععال كععابن عصععفور ومععن وافقععه‪.‬‬
‫وإيضاحه أن جملة‪ :‬ل يذوقون‪ :‬حال من ضمير اسععم الفاعععل‬
‫المستكن ونعني باسم الفاعععل قععوله لبععثين الععذي هععو حععال‬
‫ونظيره مععن اتيععان جملععة فعععل مضععارع منفععي بل حععال فععي‬
‫ن‬‫طههو ِ‬ ‫ن بُ ُ‬ ‫مهه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫كهه ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫خَر َ‬ ‫ه أَ ْ‬ ‫والّلهه ُ‬ ‫القععرآن قععوله تعععالى‪َ } :‬‬
‫شههْيئًا{ أي فععي حععال كععونكم ل‬ ‫ُ‬
‫ن َ‬ ‫مههو َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫م ل تَ ْ‬‫هههات ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫أ ّ‬
‫تعلمون‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن هذه الحقاب ل تنقضي أبدا رواه ابععن جريععر‬
‫عن قتادة والربيع بن أنس وقال إنه أصح من جعل الية فععي‬
‫عصاة المسلمين كما ذهب إليه خالد بن معدان ‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنا لو سععلمنا دللععة قععوله أحقابععا علععى التنععاهي‬
‫والنقضاء فإن ذلك إنمععا فهععم مععن مفهععوم الظععرف والتأبيععد‬
‫مصرح به منطوقا والمنطوق مقدم على المفهوم كمععا تقععرر‬
‫في الصول‪ .‬وقوله خالد بن معدان أن هذه الية فععي عصععاة‬
‫المسلمين يرده ظععاهر القععرآن لن اللععه قععال وكععذبوا بآياتنععا‬
‫كذابا‪ :‬وهؤلء الكفار‪.‬‬
‫سورة النازعات‬
‫ها{– تقدم وجه‬ ‫حا َ‬ ‫ك دَ َ‬ ‫عدَ ذَل ِ َ‬ ‫ض بَ ْ‬ ‫َ‬
‫والْر َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫خل َ َ‬
‫ق‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ِبال ّ ِ‬ ‫فُرو َ‬ ‫م ل َت َك ْ ُ‬ ‫ل أإ ِن ّك ُ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫الجمع بينه وبين قوله‪ُ } :‬‬
‫وى إ ِل َههى‬ ‫َ‬
‫س هت َ َ‬‫ما ْ‬ ‫ن{ إلععى قععوله‪} :‬ث ُه ّ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫فههي ي َه ْ‬‫ض ِ‬ ‫الْر َ‬
‫ء{ – في سورة البقرة في الكلم على قععوله تعععالى‪:‬‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ميعهها ً ُثهه ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫فههي الْر ِ‬ ‫مهها ِ‬ ‫م َ‬ ‫كهه ْ‬ ‫ق لَ ُ‬ ‫خَلهه َ‬ ‫ذي َ‬ ‫و اّلهه ِ‬ ‫ههه َ‬ ‫} ُ‬
‫ء{‪ .‬الية‪.‬‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫وى إ َِلى ال ّ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫ها{‪.‬‬ ‫شا َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ذُر َ‬ ‫من ْ ِ‬‫ت ُ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫تقدم وجه الجمع بينه وبيععن اليععات الدالععة علععى عمععوم‬
‫ذيرًا{ في سععورة يععس‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫عال َ ِ‬ ‫ن ل ِل ْ َ‬ ‫كو َ‬ ‫النذار كقوله‪} :‬ل ِي َ ُ‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫سورة عبس‬
‫مههى{‪ .‬عععبر اللععه تعععالى‬ ‫جاءَهُ ال َ ْ‬ ‫َ‬
‫ع َ‬ ‫ن َ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬أ ْ‬
‫عن هذا الصحابي الجليل الذي هععو عبععد اللععه بععن أم مكتععوم‬
‫قاب{‪.‬‬ ‫ول ت ََناب َُزوا ِبال َل ْ َ‬ ‫بلقب يكرهه الناس مع أنه قال‪َ } :‬‬
‫والجواب هو ما نبه عليه بعض العلماء من أن السر في‬
‫التعبير عنه بلفظ العمى للشعار بعععذره فععي القععدام علععى‬
‫قطع كالم الرسول صلى الله عليه وسلم لنه لععو كععان يععرى‬
‫ما هو مشتغل به مع صناديد الكفار لما قطع كلمه‪.‬‬
‫سورة التكوير‬
‫م{ ظععاهر هععذه‬ ‫ري ٍ‬ ‫ل كَ ِ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫و ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬إ ِن ّ ُ‬
‫الية يتوهم منه الجاهل أن القرآن كلم جبريل مع أن اليععات‬
‫حّتى‬ ‫القرآنية مصرحة بكثرة بأنه كلم الله كقوله‪َ َ } :‬‬
‫جْرهُ َ‬ ‫فأ ِ‬
‫ُ‬
‫م‬ ‫ه ث ُه ّ‬ ‫ت آي َههات ُ ُ‬ ‫مه ْ‬ ‫حك ِ َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫م الّله{ وكقععوله‪} :‬ك َِتا ٌ‬ ‫كل َ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ر{‪.‬‬ ‫خِبي ٍ‬ ‫كيم ٍ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ل َدُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫صل َ ْ‬ ‫ف ّ‬ ‫ُ‬
‫والجواب واضح من نفس الية لن اليهام الحاصل مععن‬
‫قوله أنه لقول يدفعه ذكر الرسول لنه يدل علععى أن الكععالم‬
‫لغيره لكنه أرسل بتبليغه فمعنى قوله رسول أي تبليغه عمن‬
‫أرسله من غير زيادة ول نقص‪.‬‬
‫سورة النفطار‬
‫ت{‪.‬‬ ‫َ‬ ‫مهها َ‬ ‫ت نَ ْ‬
‫خ هَر ْ‬ ‫وأ ّ‬ ‫ت َ‬ ‫م ْ‬ ‫ق هد ّ َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫م ْ‬‫عل ِ َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫هذه الية الكريمة يوهم ظاهرها أن الذي يعلععم يععوم القيامععة‬
‫ما قدم وما أخر نفس واحدة وقد جاءت آيات أخر تدل علععى‬
‫ك ت َب ْل ُههو‬ ‫هَنال ِه َ‬ ‫أن كل نفس تعلم ما قدمت وأخرت كقوله‪ُ } :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫مَنهها ُ‬ ‫ن أل َْز ْ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ل إ ِن ْ َ‬ ‫وك ُ ّ‬ ‫ت{ وقوله‪َ } :‬‬ ‫ف ْ‬ ‫سل َ َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫كُ ّ‬
‫ه‬
‫قهها ُ‬ ‫ة ك َِتابا ً ي َل ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ه يَ ْ‬‫ج لَ ُ‬ ‫ر ُ‬ ‫خ ِ‬‫ون ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ق ِ‬ ‫عن ُ ِ‬
‫في ُ‬ ‫طائ َِرهُ ِ‬ ‫َ‬
‫شورًا{ – إلى غير ذلك من اليات‬ ‫من ْ ُ‬ ‫َ‬
‫والجواب – أن المراد بقععوله نفععس كععل نفععس والنكععرة‬
‫وإن كانت ل تعم إل في سياق النفي أو الشععرط أو المتنععان‬
‫كما تقرر في الصول‪ ،‬فإن التحقيق إنها ربما أفادت العمععوم‬
‫بقرينععة السععياق مععن غيععر نفععي أو شععرط أو امتنععان كقععوله‪:‬‬
‫س{ فععي التكععوير والنفطععار وقععوله أن مثععل‬ ‫فه ٌ‬ ‫ت نَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫عل ِ َ‬ ‫} َ‬
‫نفس وقععوله أن تقععول نفععس يععا حسععرتي والعلععم عنععد اللععه‬
‫تعالى‪.‬‬
‫سورة التطفيف‬
‫ذ‬
‫مئ ِ ٍ‬ ‫و َ‬ ‫م َيههه ْ‬ ‫هههه ْ‬ ‫ن َرب ّ ِ‬ ‫عههه ْ‬ ‫م َ‬ ‫هههه ْ‬ ‫قعععوله تععععالى‪} :‬ك َل ّ إ ِن ّ ُ‬
‫ن{‪ .‬يفهم منه أن المؤمنين ليسوا محجوبين عععن‬ ‫جوُبو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫لَ َ‬
‫ربهم يوم القيامة وقد قدمنا وجععه الجمععع بيععن هععذا المفهععوم‬
‫َ‬
‫صاُر{‪.‬‬ ‫ه ال ب ْ َ‬ ‫رك ُ ُ‬ ‫وبين قوله تعالى‪} :‬ل ت ُدْ ِ‬
‫سورة النشقاق‬
‫ُ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ه{‬ ‫ر ِ‬ ‫هه ِ‬ ‫وَراءَ ظَ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ي ك ِت َههاب َ ُ‬ ‫ن أوت ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫وأ ّ‬ ‫َ‬
‫الية‪ ،‬هذه الية الكريمععة تععدل علععى أن مععن لععم يعععط كتععابه‬
‫بيمينه أنه يعطاه وراء ظهره وقد جاءت آيععة يفهععم منهععا أنععه‬
‫ه‬ ‫ُ‬ ‫يؤتاه بشماله وهي قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ي ك ِت َههاب َ ُ‬ ‫ن أوت ِه َ‬ ‫مه ْ‬ ‫مهها َ‬ ‫وأ ّ‬ ‫َ‬
‫ل َيا ل َي ْت َِني{‪ .‬الية‪.‬‬ ‫قو ُ‬ ‫في َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫مال ِ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫بِ ِ‬
‫والجواب ظاهر وهععو أنععه ل منافععاة بيععن أخععذه بشععماله‬
‫وايتائه وراء ظهره لن الكافر تغل يمنععاه إلععى عنقععه وتجعععل‬
‫يسراه وراء ظهره فيأخذ بها كتابه‪.‬‬
‫سورة البروج‬
‫عهوِد{ تقععدم وجععه الجمععع‬ ‫و ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وم ِ ا ل ْ َ‬ ‫وال ْي َ ْ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ة{‪.‬‬ ‫وم ِ ا ل ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫بينه وبين قوله تعالى‪} :‬ل أ ْ‬
‫م ِ‬‫قَيا َ‬ ‫م ب ِي َ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ق ِ‬
‫ن‬
‫و َ‬‫عه ْ‬ ‫فْر َ‬‫جن ُههوِد ِ‬ ‫ث ال ْ ُ‬ ‫دي ُ‬ ‫حه ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ل أ َت َهها َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫د{ ل يخفى ما يسبق إلى الععذهن مععن تععوهم المنافععاة‬ ‫مو َ‬‫وث َ ُ‬
‫َ‬
‫من لفظة الجنود مع لفظة فرعععون لن فرعععون ليععس جنععدا‬
‫وإنما هو رجل لعينه‪.‬‬
‫والجععواب ظععاهر وهععو أن المععراد بفرعععون هععو وقععومه‬
‫فاكتفى بذكره لنهم تبع له وتحت طاعته‪.‬‬
‫سورة الطارق‬
‫وي ْههدًا{‪.‬‬ ‫َ‬
‫م ُر َ‬ ‫هه ْ‬‫هل ْ ُ‬‫م ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬‫ل ال ْك َهها ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ف َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫قت ُُلوا‬
‫فههها ْ‬ ‫هعععذا المهعععال المعععذكور هنعععا ينعععافيه قعععوله‪َ } :‬‬
‫م{ الية ‪.‬‬ ‫ه ْ‬ ‫مو ُ‬ ‫جدْت ُ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ث َ‬ ‫حي ْ ُ‬
‫ن َ‬
‫كي َ‬
‫ر ِ‬
‫ش ِ‬‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫والجواب أن المهال منسوخ بآيات السيف والعلععم عنععد‬
‫الله تعالى‪.‬‬

‫دفع إيهام الضطراب عن آيات الكتاب‬


‫لفضيلة الشيخ محمد المين الشنقيطي – المدرس بالجامعة‬
‫سورة العلى‬
‫ه{‬ ‫شههاءَ الل ّه ُ‬ ‫مهها َ‬ ‫سههى ِإل َ‬ ‫فل ت َن ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫رئ ُ َ‬‫ق ِ‬ ‫سن ُ ْ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫الية‪ .‬هذه اليععة الكريمععة تععدل علععى أن النععبي صععلى اللععه عليععه‬
‫وسلم ينسى من القرآن مععا شععاء اللععه أن ينسععاه – وقععد جععاءت‬
‫آيات كثيرة تدل على حفظ القرآن من الضياع كقوله تعالى‪} :‬ل‬
‫ه{‬ ‫قْرآن َه ُ‬‫و ُ‬ ‫ه َ‬ ‫عه ُ‬ ‫م َ‬‫ج ْ‬ ‫عل َي ْن َهها َ‬‫ن َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫ل ب ِه ِ‬ ‫جه َ‬ ‫ع َ‬ ‫ك ل ِت َ ْ‬ ‫سههان َ َ‬ ‫ه لِ َ‬ ‫ك بِ ِ‬‫حّر ْ‬ ‫تُ َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫ظو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫ه لَ َ‬‫وإ ِّنا ل َ ُ‬‫ن ن َّزل َْنا الذّك َْر َ‬ ‫ح ُ‬ ‫وقوله‪} :‬إ ِّنا ن َ ْ‬
‫والجواب أن القرآن وإن كان محفوظا من الضياع فإن بعضه‬
‫ينسخ بعضا وإنساء الله نبيه بعض القرآن في حكععم النسععخ فععإذا‬
‫أنساه آية فكأنه نسخها ول بد أن يأتي بخيععر منهععا أو مثلهععا‪ .‬كمععا‬
‫ْ‬ ‫خ من آي َ‬
‫ت‬ ‫ها ن َهأ ِ‬ ‫سه َ‬ ‫و ن ُن ْ ِ‬‫ةأ ْ‬ ‫س ْ ِ ْ َ ٍ‬ ‫ما ن َن ْ َ‬ ‫صرح به تعالى في قوله‪َ } :‬‬
‫م َ‬ ‫ذا ب َدّل َْنا آي َ ً‬ ‫َ‬
‫ن‬‫كهها َ‬ ‫ة َ‬ ‫وإ ِ َ‬‫ها{‪ .‬وقوله تعالى‪َ } :‬‬ ‫مث ْل ِ َ‬‫و ِ‬ ‫ها أ ْ‬ ‫من ْ َ‬‫ر ِ‬ ‫خي ْ ٍ‬ ‫بِ َ‬
‫َ‬
‫ل{‪ .‬وأشار هنععا لعلمععه بحكمععة النسععخ‬ ‫ما ي ُن َّز ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫هأ ْ‬ ‫والل ّ ُ‬‫ة َ‬ ‫آي َ ٍ‬
‫ف هذَك ّْر‬ ‫فى{ وقوله تعالى‪َ } :‬‬ ‫خ َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫هَر َ‬ ‫ج ْ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫بقوله‪} :‬إ ِن ّ ُ‬
‫ت الذّك َْرى{‪ .‬هذه الية الكريمة يفهم منهععا أن التععذكير‬ ‫ع ِ‬ ‫ف َ‬‫ن نَ َ‬ ‫إِ ْ‬
‫ن الشرطية‪ .‬وقععد جععاء آيععات‬ ‫َ‬
‫ل يطلب إل عند مظنة نفعه بدليل أ ْ‬
‫ت‬ ‫ع ِ‬ ‫ف َ‬‫ن نَ َ‬ ‫فذَك ّْر إ ِ ْ‬ ‫كثيرة تدل على المر بالتذكير مطلقا كقوله‪َ } :‬‬
‫ن‬ ‫مه ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫هه ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ر َ‬‫ن ِلل هذّك ْ ِ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫سْرَنا ال ْ ُ‬ ‫قد ْ ي َ ّ‬ ‫ول َ َ‬
‫الذّك َْرى{ وقوله‪َ } :‬‬
‫ر{‪ .‬وأجيب عن هذا بأجوبة كثيرة منها أن فععي الكلم حععذفا‬ ‫مدّك ِ ٍ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫قيك ه ُ‬ ‫ل تَ ِ‬ ‫سَراِبي َ‬ ‫أي إن نفعت الذكرى وإن لععم تنفععع كقععوله‪َ } :‬‬
‫حّر{ أي والبرد وهو قول الفراء والنحاس والجرجاني وغيرهم‪.‬‬ ‫ال ْ َ‬
‫ومنها أنها بمعنى )إذ( وإتيان )إن( بمعنععى )إذ( مععذهب الكععوفيين‬
‫ه‬‫قوا الل ّه َ‬ ‫خلفا للبصريين‪ .‬وجعل منه الكوفيون قوله تعالى‪} :‬ات ّ ُ‬
‫م ال َ ْ‬ ‫ؤمِنين{ وقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫م‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫و َ‬‫عل َ ْ‬ ‫وأن ْت ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫م‬ ‫ن ك ُن ْت ُه ْ‬ ‫وك ّل ُههوا إ ِ ْ‬ ‫ه َ‬
‫فت َ َ‬ ‫عَلى الل ّه ِ‬ ‫و َ‬ ‫ن{ وقععوله تعععالى‪َ } :‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫شاءَ‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫حَرا َ‬ ‫جد َ ا ل ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫خل ُ ّ‬‫ن{ وقوله تعالى‪} :‬ل َت َدْ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ن{ وقوله صلى الله عليه وسعلم‪" :‬وإنعا إن شعاء اللعه‬ ‫مِني َ‬ ‫هآ ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫بكم لحقون" وقول الفرزدق‪:‬‬
‫جهارا ولم تغضب لقتل بععن‬ ‫أتغضب إن أذنا قتيبة حزتا‬
‫حازم‬
‫وأجاب البصريون عن آيات إن كنتم مؤمنين بأن فيهععا معنععى‬
‫الشرط جيء به للتهييج وعن آية إن شععاء اللععه والحععديث بأنهمععا‬
‫تعليم للعباد كيف يتكلمون إذا أخبروا عن المستقبل وعععن الععبيت‬
‫بجوابين‪:‬‬
‫أنه من إقامة السععبب مقععام المسععبب والصععل‪:‬‬ ‫أحدهما‬
‫أتغضب إن افتخر مفتخر بحز أذني قتيبة إذ الفتخععار‬ ‫‪:‬‬
‫بذلك يكون سببا للغضب ومسببا عن الحز‪.‬‬
‫أتغضب أن تبين فععي المسععتقبل أن أذنععي قتيبععة‬ ‫الثاني‪:‬‬
‫حزتا‪.‬‬
‫ت الذّك َْرى{ الرشاد إلى التععذكير‬ ‫ع ِ‬‫ف َ‬ ‫ن نَ َ‬‫ومنها أن معنى }إ ِ ْ‬
‫بالهم أي ذكر بالمهم الذي فيه النفع دون ما ل نفع فيه‪ .‬فيكععون‬
‫المعنى ذكر الكفار مثل بالصععول الععتي هععي التوحيععد‪ ،‬ل بععالفروع‬
‫لنها ل تنفع دون الصول وذكر المؤمن التارك لفععرض مثل بععذلك‬
‫الفرض المتروك ل بالعقائد ونحو ذلك لنه أنفع‪.‬‬
‫ن{ بمعنى )قد( وهو قول قطرب‪.‬‬ ‫ومنها أن }إ ِ ْ‬
‫ومنها أنها صيغة شرط أريد بها ذم الكفار واسععتبعاد تععذكرهم‬
‫كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ولكن ل حياة لمن تنادي‬
‫ءءء ءءءءء ءء ءءءءء ءءء‬
‫ومنها غير ذلك‪.‬‬
‫والذي يظهر لمقيد هعذه الحعروف عفعا اللعه عنعه بقعاء اليعة‬
‫الكريمة على ظاهرها وأنه صلى الله عليععه وسععلم بعععد أن يكععرر‬
‫الذكرى تكراير تقوم به حجة الله على خلقه مأمور بالتذكير عنععد‬
‫ظن الفائدة أما إذا علم عدم الفائدة فل يععؤمر بشععيء هععو عععالم‬
‫أنه ل فائدة فيه لن العاقل ل يسعى إلععى مععا ل فععائدة فيععه وقععد‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫لشععيء بعيععد نفعععه الععدهر‬ ‫لما نععافع يسعععى اللععبيب فل‬
‫ساعيا‬ ‫تكن‬
‫وهذا ظاهر ولكن الخفععاء فععي تحقيععق المنععاط‪ .‬وإيضععاحه أن‬
‫يقال‪ :‬بأي وجه يتيقن عدم إفادة الذكرى حتى يباح تركهععا‪ .‬وبيععان‬
‫ذلك أنه تارة يعلمه بإعلم الله له به كما وقع في أبي لهب حيث‬
‫َ‬
‫ه{‬ ‫مَرأُتهه ُ‬ ‫وا ْ‬‫ب‪َ ،‬‬ ‫ههه ٍ‬ ‫ت لَ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ص هَلى ن َههارا ً َ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫قععال تعععالى فيععه‪َ } :‬‬
‫الية‪.‬فأبو لهب هذا وامرأته ل تنفع فيهما الذكرى لن القرآن نزل‬
‫بأنهما من أهل النار بعد تكرار التذكير لهما تكرار تقوم عليهما به‬
‫الحجة فل يلزم النبي صلى الله عليه وسلم بعععد علمععه بععذلك أن‬
‫ت‬ ‫عهه ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫فذَك ّْر إ ِ ْ‬ ‫يذكرهما بشيء لقوله تعالى في هذه الية‪َ } :‬‬
‫الذّك َْرى{‪ .‬وتارة يعلم ذلك بقرينة الحال بحيث يبلغ علععى أكمععل‬
‫وجه ويأتي بالمعجزات الواضحة فيعلم أن بعض الشخاص عععالم‬
‫مصعّر علععى الكفععر عنععادا ولجاجععا فمثععل هععذا ل‬ ‫بصحة ثبوته وأنه ُ‬
‫يجب تكرير الذكرى له دائما بعد أن تكرر عليه تكريرا تلزمععه بععه‬
‫الحجة‪ .‬وحاصل إيضاح هذا الجواب أن الذكرى تشتمل على ثلث‬
‫حكم‪:‬‬
‫خروج فاعلها من عهدة المر بها‪.‬‬ ‫الولى‪:‬‬
‫رجاء النفع لمن يوعظ بها وبين الله تعالى هاتين‬ ‫الثانية‪:‬‬
‫م‬ ‫ذَرةً إ َِلى َرب ّك ُه ْ‬ ‫ع ِ‬
‫م ْ‬ ‫قاُلوا َ‬ ‫الحكمتين بقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ن{ وبّين الولعى منهعا بقعوله تععالى‪:‬‬ ‫قو َ‬ ‫م ي َت ّ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫عل ّ ُ‬ ‫ول َ َ‬ ‫َ‬
‫م{‪ .‬وقععوله تعععالى‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫و ّ‬ ‫} َ‬
‫ملو ٍ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫فت َ َ‬
‫غ{ ونحوهععا مععن اليععات‪ .‬وبيععن‬ ‫ك ِإل ال َْبل ُ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫}إ ِ ْ‬
‫ع‬‫فهه ُ‬ ‫ن الههذّك َْرى ت َن ْ َ‬ ‫فههإ ِ ّ‬ ‫كههْر َ‬ ‫وذَ ّ‬ ‫الثانيعععة بقعععوله‪َ } :‬‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫إقامة الحجة على الخلق وبينها الله تعالى بقوله‪:‬‬ ‫الثالثة‪:‬‬
‫س‬
‫ن ِللن ّهها َ ِ‬ ‫ن ل َِئل ي َك ُههو َ‬ ‫ري َ‬ ‫ذ ِ‬‫من ْه ِ‬ ‫و ُ‬
‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫مب َ ّ‬ ‫سل ً ُ‬ ‫}ُر ُ‬
‫و أن ّهها‬ ‫ول َ ْ‬
‫ل{‪ .‬وبقوله‪َ } :‬‬ ‫س ِ‬ ‫عدَ الّر ُ‬ ‫ة بَ ْ‬‫ج ٌ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫عَلى الل ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ول‬ ‫قههاُلوا َرب ّن َهها ل َ ه ْ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫قب ْل ِ ه ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ع َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫هل َك َْنا ُ‬
‫ه ْ‬ ‫أَ ْ‬
‫َ‬
‫ل{ اليععة‪ .‬فععالنبي صععلى اللععه‬ ‫سههو ً‬ ‫ت إ ِل َي َْنا َر ُ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫أْر َ‬
‫عليه وسلم إذا كرر الذكرى حصععلت الولععى والثالثععة‬
‫فإن كان في الثانية طمع استمر على التذكير وإل لم‬
‫يكلف بالدوام والعلم عند الله تعالى‪.‬‬
‫وإنما اخترنا بقاء الية على ظاهرها مععع أن أكععثر المفسععرين‬
‫على صرفها عن ظاهرها المتبادر منها وأن معناها‪ :‬فذكر مطلقععا‬
‫إن نفعت الذكرى وإن لم تنفع لننا نرى أنه ل يجوز صرف كتععاب‬
‫الله عن ظواهره المتبادر منه إل لدليل يجعب الرجعوع لعه‪ .‬وإلعى‬
‫بقععاء هععذه اليعة علععى ظاهرهععا جنععح ابععن كععثير حيععث قععال فععي‬
‫تفسيرها أي ذكر حيث تنفع التععذكرة ومععن هنععا يؤخععذ الدب فععي‬
‫نشر العلم فل يضعه في غير أهله كما قال على رضي الله عنععه‪:‬‬
‫مععا أنععت بمحععدث قومععا حععديثا ل تبلغععه عقععولهم إل كععان فتنععة‬
‫لبعضهم‪ .‬وقال حدث الناس بما يعرفون أتريدون أن يكععذب اللععه‬
‫ورسوله‪.‬‬
‫)تنبيه( هذا الشكال الذي في هذه الية إنمععا هععو علععى قععول‬
‫من يقول باعتبار دليل الخطاب الذي هو مفهععوم المخالفععة وأمععا‬
‫على قول من ل يعتبر مفهوم المخالفة شرطا كان أو غيره كأبي‬
‫حنيفة فل إشكال في الية وكذلك ل إشكال فيها على قععول مععن‬
‫ل يعتبر مفهوم الشرط كالباقلني فتكون الية نصت علععى المععر‬
‫بالتذكير عند مظنة النفع وسكت عن حكمه عند عدم مظنة النفع‬
‫فيطلب من دليل آخر فل تعارض الية اليات الدالة على التععذكير‬
‫مطلقا‪.‬‬
‫ءءءء ءءءءءءء‬
‫ع{ تقععدم‬ ‫ري ٍ‬ ‫ضه ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مه ْ‬ ‫م ِإل ِ‬ ‫عها ٌ‬ ‫م طَ َ‬ ‫هه ْ‬ ‫س لَ ُ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬ل َي ْ َ‬
‫ن‬
‫مهه ْ‬ ‫م ِإل ِ‬ ‫عهها ٌ‬‫ول طَ َ‬ ‫وجععه الجمععع بينععه وبيععن قععوله تعععالى‪َ } :‬‬
‫ن{‪.‬‬ ‫سِلي ٍ‬
‫غ ْ‬
‫ِ‬
‫ة{ الية‪ .‬ظاهر هذه الية أن‬ ‫ري َ ٌ‬ ‫جا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫عي ْ ٌ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫قوله تعالى‪ِ } :‬‬
‫الجنة فيها عين واحدة وقد جاءت آيات آخر تدل على خلف ذلك‬
‫ن{‪ .‬والجواب هععو مععا‬ ‫عُيو ٍ‬ ‫و ُ‬ ‫ت َ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫كقوله‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ر{‬ ‫ههه ٍ‬ ‫ون َ َ‬
‫ت َ‬ ‫جّنهها ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫تقدم في الجمع بين قوله‪}:‬إ ِ ّ‬
‫ن{ اليععة‪.‬‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫آ‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫غ‬‫َ‬ ‫ء‬
‫ٍ‬ ‫ها‬‫ه‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ها‬ ‫ن‬ ‫فيها أ َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫مععع قععوله فيهععا‪َ ِ } :‬‬
‫فععالمراد بععالعين العيععون كمععا تقععدم نظيععره فععي سععورة البقععرة‬
‫وغيرها‪.‬‬

‫سورة الفجر‬
‫فًا{ يععوهم أنععه‬ ‫ص ّ‬‫فا ً َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ك َ‬ ‫مل َ ُ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫جاءَ َرب ّ َ‬ ‫و َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫فًا{ يقتضي أنه غير ملك واحععد بععل‬ ‫ص ّ‬ ‫فا ً َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ملك واحد وقوله‪َ } :‬‬
‫صفوف من جماعات الملئكة‪.‬‬
‫والجععواب‪ :‬أن قععوله تعععالى‪} :‬والملههك{ معنععاه والملئكععة‬
‫َ‬
‫ههها{‪ .‬وتقععدم بيععانه‬ ‫جائ ِ َ‬ ‫عَلى أْر َ‬ ‫ك َ‬ ‫مل َ ُ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫ونظيره قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫بشواهده العربية في سورة البقرة في الكلم على قوله تعععالى‪:‬‬
‫ن{ الية‪.‬‬ ‫ه ّ‬ ‫وا ُ‬ ‫س ّ‬ ‫ف َ‬ ‫ء َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫وى إ َِلى ال ّ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫}ث ُ ّ‬
‫ءءءء ءءءءءء‬
‫د{‪ .‬هععذه اليععة الكريمععة‬ ‫ذا ال ْب َل َ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬ل أ ُ ْ‬
‫يتبادر من ظاهرها أنه تعالى أخبر بأنه ل يقسم بهععذا البلععد الععذي‬
‫ذا ال ْب َل َ ِ‬
‫د‬ ‫ه َ‬ ‫و َ‬ ‫هو مكة المكرمة مع أنه تعالى أقسم به في قوله‪َ } :‬‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مي‬ ‫ِ‬ ‫ال َ‬
‫ِ‬
‫والجواب عن هذا من أوجه‪:‬‬
‫ل{ هنا صلة على عادة العرب‬ ‫الول‪ :‬وعليه الجمهور‪ :‬أن } َ‬
‫فإنها ربما لفظت بلفظة )ل( مععن غيععر قصععد معناهععا الصععل بععل‬
‫َ‬ ‫عه َ‬
‫م‬‫هه ْ‬ ‫ك إ ِذْ َرأي ْت َ ُ‬ ‫من َ َ‬
‫ما َ‬ ‫لمجععرد تقويععة الكلم وتوكيععده لقععوله‪َ } :‬‬
‫ك أل‬ ‫َ‬ ‫عه َ‬ ‫ضّلوا‪َ ،‬‬
‫من َ َ‬‫مهها َ‬ ‫ن{ يعنععي أن تتبعنععي وقععوله‪َ } :‬‬ ‫ِ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫أل‬ ‫َ‬
‫د{ أي أن تسجد علععى أحععد القععولين‪ .‬ويععدل لععه قععوله فععي‬ ‫ج َ‬ ‫س ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫ت{ اليععة‪ .‬وقععوله‪:‬‬ ‫خل َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ع َ‬
‫قه ُ‬ ‫ما َ‬ ‫جد َ ل ِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫كأ ْ‬ ‫من َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫سورة ص } َ‬
‫َ‬
‫فل‬ ‫ب{ أي ليعلم أهل الكتاب‪ ،‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫عل َ َ‬ ‫}ل َِئل ي َ ْ‬
‫وي‬ ‫سهههت َ ِ‬ ‫ول ت َ ْ‬ ‫ن{ أي فوربعععك‪ ،‬وقعععوله‪َ } :‬‬ ‫من ُهههو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ك ل يُ ْ‬ ‫وَرب ّههه َ‬ ‫َ‬
‫عل َههى‬ ‫م َ‬ ‫ح هَرا ٌ‬‫و َ‬ ‫ة{ أي والسععيئة‪ ،‬وقععوله‪َ } :‬‬ ‫سي ّئ َ ُ‬ ‫ول ال ّ‬ ‫ة َ‬ ‫سن َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن{ على أحد القولين‪ ،‬وقوله‪:‬‬ ‫هل َك َْنا َ َ‬ ‫ة أَ ْ‬ ‫َ‬
‫عو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ل ي َْر ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ها أن ّ ُ‬ ‫قْري َ ٍ‬
‫ن{ علععى أحععد‬ ‫ت ل يُ ْ‬ ‫ههها إ ِ َ‬ ‫عر ك ُ َ‬ ‫مهها ي ُ ْ‬
‫من ُههو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫جههاءَ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫م أن ّ َ‬ ‫شه ِ ُ ْ‬ ‫و َ‬ ‫} َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م أل‬ ‫عل َي ْك ُه ْ‬ ‫م َ‬ ‫م َرب ّك ُه ْ‬ ‫حّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫وا أت ْ ُ‬ ‫عال َ ْ‬ ‫ل تَ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫القولين‪ ،‬وقوله‪ُ } :‬‬
‫كوا{ على أحد القوال الماضية وكقول أبي النجم‪:‬‬ ‫ر ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫تُ ْ‬
‫لما رأين الشمط القفندرا‬ ‫فما ألوم البيض أل تسخرا‬
‫يعني أن تسخر وكقول الشاعر‪:‬‬
‫وللهو داع دائب غير غافل‬ ‫وتلحيننععي فععي اللهععو أن ل‬
‫أحبه‬
‫يعني أن أحبه و )ل( زائدة‪ .‬وقول الخر‪:‬‬
‫نعم من فتى ل يمنع الجود‬ ‫أبعععععى جعععععوده ل البخعععععل‬
‫قاتله‬ ‫واستعجلت به‬
‫يعني أبى جوده البخععل و )ل( زائدة علععى خلف فععي زيادتهععا‬
‫في هذا البيت الخير ولسيما علععى روايععة البخععل بععالجر لن )ل(‬
‫عليها مضععاف بمعنععى لفظععة ل فليسععت زائدة علععى روايععة الجععر‬
‫وقول امرئ القيس‪:‬‬
‫ل يدعي القوم أني أفر‬ ‫فل وأبيك ابنة العامري‬
‫يعني وأبيك‪ .‬وأنشد الفراء لزيععادة )ل( فععي الكلم الععذي فيععه‬
‫معنى الجحد‪.‬‬
‫قول الشاعر‪:‬‬
‫وإل طيبان أبو بكر ول عمر‬ ‫ما كان يرضععى رسععول اللععه‬
‫دينهم‬
‫يعنععي وعمععر و )ل( صععلة وأنشععد الجععوهري لزيادتهععا قععول‬
‫العجاج‪:‬‬
‫بععافكه حععتى رأى الصععبح‬ ‫فععي بئر لحععور سععرى ومععا‬
‫جشر‬ ‫شعر‬
‫فالحور الهلكة يعني في بئر هلكة و )ل( صلة قاله أبو عبيععدة‬
‫وغيره‪.‬‬
‫وأنشد الصمعي لزيادتها قول ساعدة الهذلي‪:‬‬
‫غاب تسعنمه ضرام مثقب‬ ‫أفعنك ل برق كأن وميضه‬
‫ويروي أفمنك‪ ،‬وتشعيمه بدل أفعنك وتسمنه‪.‬‬
‫يعنععي أعنععك بععرق و )ل( صععلة‪ .‬ومععن شععواهد زيادتهععا قععول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫وكعععاد صعععميم القلعععب ل‬ ‫تعععذكرت ليلعععى فعععاعترتني‬
‫يتقطع‬ ‫صبابة‬
‫يعني كاد يتقطععع‪ .‬وأمععا اسععتدلل أبععي عبيععدة لزيادتهععا بقععول‬
‫الشماخ‪:‬‬
‫يضععععيعون الهجععععان مععععع‬ ‫أعائش ما لقومك ل أراهم‬
‫المضيع‬
‫فغلععط منععه لن )ل( فععي بيععت الشععماخ هععذا نافيععة ل زائدة‬
‫ومقصودة أنها تنهاه عن حفظ ماله مع أن أهلها يحفظون ما لهم‬
‫أي ل أرى قومك يضيعون مالهم وأنت تعاتبيني فععي حفععظ مععالي‬
‫وما ذكره الفراء من أن لفظععة )ل( ل تكععون صععلة إل فععي الكلم‬
‫الذي فيه معنى الجحععد فهععو أغلبععه ل يصععح علععى الطلق بععدليل‬
‫بعض المثلة المتقدمة التي ل جحد فيها كهذه اليععة علععى القععول‬
‫بأن )ل( فيها صلة وكبيت ساعدة الهذلي ومععا ذكععره الزمخشععري‬
‫من زيادة )ل( في أول الكلم دون غيره فل دليل عليه‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن }ل{ نفععي لكلم المشععركين المكععذبين‬
‫للنبي صلى الله عليه وسععلم وقععوله‪} :‬أقسععم{ إثبععات مسععتأنف‬
‫وهذا القول وإن قال به كععثير مععن العلمععاء فليععس بععوجيه عنععدي‬
‫س‬ ‫ْ‬
‫ف‬ ‫ّ‬ ‫ن‬‫بههال‬ ‫م‬ ‫سهه‬ ‫ْ‬
‫ق‬ ‫لقععوله تعععالى فععي سععورة القيامععة }ول أ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ة{‬ ‫مهه ِ‬‫وا َ‬ ‫س الل ّ ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ب ِههالن ّ ْ‬‫س ُ‬
‫ق ِ‬‫ول أ ُ ْ‬‫ة{ لن قوله تعععالى } َ‬‫م ِ‬ ‫الل ّ ّ‬
‫وا َ‬
‫يدل على أنه لم يرد الثبععات المؤتنععف بعععد النفععي بقععوله أقسععم‬
‫والله تعالى أعلم‪.‬‬
‫الوجه الثههالث ‪ :‬أنهععا حععرف نفععي أيضععا ووجهععه أن إنشععاء‬
‫القسم يتضمن الخبار عن تعظيم المقسععم بععه فهععو نفععي لععذلك‬
‫الخبر الضمني على سبيل الكناية والمععراد أنععه ل يعظععم بالقسععم‬
‫بل هو في نفسه عظيم أقسم به أول وهذا القول ذكععره صععاحب‬
‫الكشاف وصاحب روح المعاني ول يخلو عندي من بعد‪.‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬أن اللم لم البتداء أشبعت فتحتها والعععرب‬
‫ربما أشبعت الفتحة بألف والكسرة بياء والضمة بواو فمثاله فععي‬
‫الفتحة قول عبد يغوث ابن وقاص الحارثي‪:‬‬
‫كععأن لععم تععر قبلععي أسععيرا‬ ‫وتضععععحك منععععي شععععيخة‬
‫يمانيا‬ ‫عبشمية‬
‫فالصل كأن لم تر ولكن الفتحة أشبعت ‪ -‬وقول الراجز‪:‬‬
‫ول ترضعاها ول تملقي‬ ‫إذا العجوز غضبت فطلق‬
‫فالصل ترضها لن الفعل مجزوم بل الناهيععة ‪ -‬وقععول عنععترة‬
‫في معلقته‪:‬‬
‫زيافة مثل الفنيق المكدم‬ ‫ينبععاع مععن ذفععري غضععوب‬
‫جسرة‬
‫فالصل ينبع يعني أن العرق ينبع من عظم الذفرى من ناقته‬
‫فأشبع الفتحة فصار ينباع على الصحيح وقول الراجز‪:‬‬
‫يععا نععاقتي مععا جلععت مععن‬ ‫قلعععت وقعععد خعععرت علعععى‬
‫مجعالي‬ ‫الكلكال‬
‫فقوله الكلكال يعني الكلكل‪ ،‬وليس إشباع الفتحععة فععي هععذه‬
‫الشواهد من ضرورة الشعر لتصريح علمععاء العربيععة بععأن إشععباع‬
‫الحركة بحرف يناسبها أسلوب من أسععاليب اللغععة العربيععة ولنععه‬
‫مسموع فععي النععثر كقععولهم كلكععال وخاتععام ودانععاق يعنععون كلكل‬
‫وخاتما ودانقا‪ .‬ومثله في إشباع الضععمة بععالواو‪ ،‬وقععولهم‪ :‬برقععوع‬
‫ومعلوق يعنون برقعا ومعلقا‪ .‬ومثال إشباع الكسععرة باليععاء قععول‬
‫قيس بن زهير‪:‬‬
‫بما لقت لبون بني زياد‬ ‫ألم يأتك والنباء تنمى‬
‫فالصل يأتك لمكان الجازم ‪ -‬وأنشد له الفراء‪:‬‬
‫أصبحت كالشعن البال‬ ‫ل عهد لي بنيضعال‬
‫ومنه قول امرئ القيس‪:‬‬
‫علععى عجععل منععي أطععأطئ‬ ‫كأني بفتحاء الجناحين لقوة‬
‫شيمالي‬
‫ويروى‪ :‬صيود من العقبان طأطأن شععيمالي‪ .‬ويععروى دفععوف‬
‫من العقبان الخ‪ .‬ويروى شملل بدل شيمال وعليه فل شاهد في‬
‫البيت إل أن رواية الياء مشورة‪ .‬ومثال إشباع الضمة بالواو قول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫من هجو زبان لم تهجو ولم‬ ‫هجععععوت زبععععان ثععععم جئت‬
‫تدع‬ ‫معتذرا‬
‫وقول الخر‪:‬‬
‫يععوم الفععراق إلععى إخواننععا‬ ‫الله أعلم أنا في تلفتنعا‬
‫صور‬
‫من حيثما مععا سععلكوا أدنععوا‬ ‫وإننععي حيثمععا يثنععي الهععوى‬
‫فأنظور‬ ‫بصري‬
‫يعني فانظر‪ ،‬وقول الراجز ‪:‬‬
‫فعععععانهض فشععععععد المئزر‬ ‫لو أن عمرا عم أن يرقعودا‬
‫المعقودا‬
‫يعني يرقد‪ ،‬ويدل لهذا الوجه قراءة قنبل‪) :‬لقسم بهذا البلد(‬
‫بلم البتداء وهو مععروي عععن الععبزي والحسععن والعلععم عنععد اللععه‬
‫تعالى‪.‬‬
‫ة{ يدل ظاهره علععى أن‬ ‫كينا ً َ‬ ‫َ‬
‫مت َْرب َ ٍ‬‫ذا َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬‫و ِ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬أ ْ‬
‫المسكين لصق بالتراب ليس عنده شععيء فهععو أشععد فقععرا مععن‬
‫مطلق الفقير كمععا ذهععب إليععه مالععك وكععثير مععن العلمععاء وقععوله‬
‫َ‬
‫ن{ اليععة‪.‬‬ ‫مل ُههو َ‬
‫ع َ‬
‫ن يَ ْ‬
‫كي َ‬
‫سهها ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت لِ َ‬‫فك َههان َ ْ‬ ‫ة َ‬‫فين َ ُ‬ ‫س ِ‬
‫ما ال ّ‬
‫تعالى‪} :‬أ ّ‬
‫يدل على خلف ذلك لنه سععماهم مسععاكين مععع أن لهععم سععفينة‬
‫عاملة لليجار‪.‬‬
‫والجواب عن هذا محتععاج إليععه علععى كل القععولين ‪ -‬أمععا علععى‬
‫قول مععن قععال إن المسععكين مععن عنععده مععال يكفيععه كالشععافعي‬
‫فالذي يظهر لي أن الجععواب أنععه يقععول‪ :‬المسععكين عنععد الطلق‬
‫ينصرف إلى من عنده شيء ل يكفيه فإذا قيد بما يقتضععي أنععه ل‬
‫شيء عنععده فععذلك يعلععم مععن القيععد الععزائد ل مععن مطلععق لفععظ‬
‫المسكين وعليععه فععالله فععي هععذه اليععة قيععد المسععكين بكععونه ذا‬
‫متربة فلو لم يقيده لنصرف إلى من عنده ما ل يكفيععه فمععدلول‬
‫اللفظ حالة الطلق ل يعععارض بمععدلوله حالععة التقيععد وأمععا علععى‬
‫قول من قععال بععأن المسععكين أحععوج مععن مطلععق الفقيععر وأنععه ل‬
‫شيء عنده فيجاب عن آية الكهف بأجوبة منها‪ :‬أن المراد بقععوله‬
‫مسععكين أنهععم قععوم ضعععاف ل يقععدرون علععى مدافعععة الظلمععة‬
‫ويزعمون أنهم عشرة خمسة منهم زمني‪ ،‬ومنها أن السفينة لععم‬
‫تكععن ملكععا لهععم بععل كععانوا أجععراء فيهععا أو أنهععا عاريععة واللم‬
‫للختصععاص‪ ،‬ومنهععا أن اسععم المسععاكين أطلععق عليهععم ترحمععا‬
‫لضعفهم‪ .‬والذي يظهر لمقيده عفا اللععه عنععه أن هععذه الجوبععة ل‬
‫دليل على شيء منها فليس فيها حجة يجععب الرجععوع إليهععا‪ .‬ومععا‬
‫احتج به بعضهم من قراءة علي رضى الله عنه لمساكين بتشديد‬
‫السين جمع تصحيح لمساك بمعنى الملح أو دابغ المسوك الععتي‬
‫هي الجلود فل يخفى سععقوطه لضعععف هععذه القععراءة وشععذوذها‪.‬‬
‫والذي يتبادر إلى ذهن المصنف أن مجمععوع اليععتين دل علععى أن‬
‫لفظ المسكين مشكك تتفاوت أفععراده فيصععدق بمععن عنععده مععال‬
‫يكفيه بدليل آية الكهف‪ ،‬ومن هو لصععق بععالتراب ل شععيء عنععده‬
‫بععدليل آيععة البلععد كاشععتراك الشععمس والسععراج فععي النععور مععع‬
‫تفاوتهمععا‪ ،‬واشععتراك الثلععج والعععاج فععي البيععاض مععع تفاوتهمععا‪.‬‬
‫والمشععكك إذا أطلععق ولععم يقيععد بوصععف الشععدية انصععرف إلععى‬
‫مطلقه هذا ما ظهر والعلععم عنععد اللعه تععالى‪ .‬والفقيععر أيضععا قععد‬
‫تطلقه العرب علععى مععن عنععده بعععض المععال كقععول مالععك ومععن‬
‫شواهده قوال راعي نمير ‪:‬‬
‫وفق العيعال فلععم يععترك لععه‬ ‫أمعععا الفقيعععر العععذي كعععانت‬
‫سبد‬ ‫حلوبته‬
‫فسماه فقيرا مع أن عنده حلوبة قدر عياله‪.‬‬
‫سورة الشمس‬
‫َ‬
‫واهَععا{ يههدل علههى أن‬ ‫ها وَت َْق َ‬‫جوَر َ‬‫مَها فُ ُ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬فَأل ْهَ َ‬
‫الله هو الذي يجعل الفجور والتقوى فههي القلههب وقههد‬
‫جاءت آيات كههثيرة تههدل علههى أن فجههور العبههد وتقههواه‬
‫مععى عَل َععى‬ ‫حّبوا ال ْعَ َ‬ ‫باختياره ومشيئته كقوله تعالى‪َ} :‬فا ْ‬
‫س عت َ َ‬
‫دى{ ونحو ذلك‪.‬‬ ‫ة ِبال ْهُ َ‬‫ضلل َ َ‬ ‫شت ََرُوا ال ّ‬ ‫دى{ وقوله تعالى‪} :‬ا ْ‬ ‫ال ْهُ َ‬
‫وهذه المسألة هي التي ضل فيههها القدريههة والجبريههة‪.‬‬
‫وأما القدرية‪ :‬فضلوا بالتفريط حيههث زعمههوا أن العبههد‬
‫يخلق عمل نفسه استقلل عن غيههر تههأثير لقههدرة اللههه‬
‫فيه‪ .‬وأمهها الجبريههة فضههلوا بههالفراط حيههث زعمههوا أن‬
‫العبد ل عمل له أصل حتى يؤاخذ به‪ .‬وأما أهههل السههنة‬
‫والجماعههة فلههم يفرطههوا ولههم يفرطههوا فههأثبتوا للعبههد‬
‫أفعال اختيارية ومههن الضههروري عنههد جميههع العقلء أن‬
‫الحركة الرتعاشية ليست كالحركههة الختياريههة وأثبتههوا‬
‫أن الله خالق كل شيء فهو خالق العبد وخههالق قههدرته‬
‫وإرادتههه وتههأثير قههدرة العبههد ل يكههون إل بمشههيئة اللههه‬
‫تعالى‪ .‬فالعبد وجميع أفعاله بمشيئة الله تعالى مع أن‬
‫العبد يفعههل اختيههارا بالقههدرة والرادة اللههتين خلقهمهها‬
‫الله فيه فعل اختياريا يثاب عليه ويعاقب‪ .‬ولههو فرضههنا‬
‫أن جبريا ناظر سههنيا فقههال الجههبري‪ :‬حجههتي لربههي أن‬
‫أقول إني لست مستقل بعمل وإني ل بد أن تنفذ فههي‬
‫مشيئته وإرادته على وفههق العلههم الزلههي فأنهها مجبههور‬
‫فكيف يعاقبني علهى أمههر ل قههدرة لهي أن أحيههد عنههه؟‬
‫فههإن السههني يقههول لههه كههل السههباب الههتي أعطاههها‬
‫للمهتدين أعطاها لك جعل لك سمعا تسمع بههه وبصههرا ً‬
‫تبصر به وعقل تعقل به وأرسل لك رسول وجعههل لههك‬
‫اختيارا وقدرة ولم يبق بعد ذلك إل التوفيق وهو ملكههه‬
‫المحض إن أعطاه ففضل وإن منعه فعدل كما أشار له‬
‫م‬ ‫شععاَء ل َهَ ع َ‬
‫داك ُ ْ‬ ‫ة فَل َعوْ َ‬ ‫ة ال َْبال ِغَ ع ُ‬
‫جع ُ‬ ‫ل فَل ِل ّعهِ ال ْ ُ‬
‫ح ّ‬ ‫تعالى بقههوله‪} :‬قُ ع ْ‬
‫ن{‪ .‬بمعنههى أن ملكههه للتوفيههق حجههة بالغههة علههى‬ ‫َ‬
‫مِعي ع َ‬‫ج َ‬‫أ ْ‬
‫الخلق فمههن أعطيههه ففضههل ومههن منعههه فعههدل‪ .‬ولمهها‬
‫تنههاظر أبههو إسههحاق السههفرائيني مههع عبههد الجبههار‬
‫المعههتزلي؛ قههال عبههد الجبههار سههبحان مههن تنههزه عههن‬
‫الفحشههاء وقصههده أن المعاصههي كالسههرقة والزنههى‬
‫بمشيئة العبد دون مشيئة الله لن الله أعلى وأجل من‬
‫أن يشاء القبائح في زعمهم‪ ،‬فقال أبو إسحاق‪ :‬كلمههة‬
‫سورة الليل‬
‫دى{‪ .‬يدل على أن اللععه الععتزم‬ ‫ه َ‬‫عل َي َْنا ل َل ْ ُ‬
‫ن َ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫على نفسه الهدى للخلق مع أنععه جععاءت آيععات كععثيرة تععدل علععى‬
‫م‬ ‫و َ‬
‫قه ْ‬ ‫دي ال ْ َ‬ ‫هه ِ‬ ‫ه ل يَ ْ‬ ‫والل ّه ُ‬ ‫عععدم هععداه لبعععض النععاس كقععوله‪َ } :‬‬
‫ن{‬ ‫مي َ‬ ‫م الظّههال ِ ِ‬ ‫و َ‬
‫قه ْ‬ ‫دي ال ْ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ه ل يَ ْ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫ن{‪ .‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫فُروا{ الية‪ .‬إلى غير ذلععك‬ ‫وما ً ك َ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دي الل ّ ُ‬ ‫ه ِ‬‫ف يَ ْ‬‫وقوله‪} :‬ك َي ْ َ‬
‫من اليات‪.‬‬
‫والجواب هو ما تقععدم مععن أن الهععدى يسععتعمل فععي القععرآن‬
‫خاصا وعامععا فععالمثبت العععام والمنفععي الخععاص ونفععي الخععص ل‬
‫يستلزم نفي العم وأما على قععول مععن قععال أن معنععى اليععة إن‬
‫الطريق الععذي يععدل علينععا وعلععى طاعتنععا هععو الهععدى ل الضععلل‪،‬‬
‫وقول من قال أن معنى الية إن من سلك طريععق الهععدى وصععل‬
‫إلى الله فل إشكال في الية أصل‪.‬‬
‫سورة الضحى‬
‫دى{‪ .‬هععذه اليععة الكريمععة‬ ‫ه َ‬ ‫ف َ‬ ‫ضال ً َ‬ ‫ك َ‬ ‫جد َ َ‬ ‫و َ‬ ‫و َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫يوهم ظاهرها أن النبي صعلى اللعه عليعه وسعلم كعان ضعال قبعل‬
‫حِنيفها ً‬ ‫ن َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ك ِلله ّ‬ ‫هه َ‬ ‫ج َ‬ ‫و ْ‬ ‫م َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ف هأ َ ِ‬ ‫الععوحي مععع أن قععوله تعععالى } َ‬
‫ها{ يدل على أنععه صععلى‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫فطََر الّنا َ‬ ‫ه ال ِّتي َ‬ ‫ت الل ّ ِ‬ ‫فطَْر َ‬ ‫ِ‬
‫الله عليه وسلم فطر على هععذا الععدين الحنيععف ومعلععوم أنععه لععم‬
‫يهوده أبواه ولم ينصععراه ولععم يمجسععاه بععل لععم يععزل باقيععا علععى‬
‫الفطرة حتى بعثه الله رسول ويععدل لععذلك مععا ثبععت مععن أن أول‬
‫نزول الوحي كان وهو يتعبد في غار حراء فذلك التعبد قبل نزول‬
‫الوحي دليل على البقاء على الفطرة‪.‬‬
‫دى{ أي غععافل عمععا‬ ‫هه َ‬ ‫ف َ‬ ‫ضال ً َ‬ ‫والجواب أن معنععى قععوله‪َ } :‬‬
‫تعلمععه الن مععن الشععرائع وأسععرار علععوم الععدين الععتي ل تعلععم‬
‫بالفطرة ول بالعقععل وإنمععا تعلععم بععالوحي فهععداك إلععى ذلععك بمععا‬
‫أوحى إليك فمعنى الضلل على هععذا القععول الععذهاب مععن العلععم‬
‫فت ُ هذَك َّر‬ ‫ما َ‬ ‫ض ّ‬ ‫َ‬
‫ه َ‬ ‫دا ُ‬‫حه َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫ومنه بهذا المعنى قععوله تعععالى‪} :‬أ ْ‬
‫سههى{‪.‬‬ ‫ول ي َن ْ َ‬ ‫ل َرب ّههي َ‬ ‫ضه ّ‬ ‫خ هَرى{ وقععوله‪} :‬ل ي َ ِ‬ ‫ما ال ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دا ُ‬‫ح َ‬ ‫إِ ْ‬
‫م{‪.‬‬ ‫دي ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ضلل ِ َ‬ ‫في َ‬ ‫ك لَ ِ‬ ‫ه إ ِن ّ َ‬ ‫قاُلوا َتالل ّ ِ‬ ‫وقوله‪َ }:‬‬
‫وقول الشاعر‪:‬‬
‫بدل أراها في الضلل تهيم‬ ‫وتظن سلمى أنني أبغي بها‬
‫ول‬ ‫ب َ‬ ‫مها ال ْك َِتها ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ت َتهدْ ِ‬ ‫مها ك ُْنه َ‬ ‫ويدل لهذا قوله تعالى‪َ }:‬‬
‫ن‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫ن{ لن المراد باليمان شرائع دين السلم وقوله‪َ } :‬‬ ‫ما ُ‬ ‫لي َ‬ ‫ا ِ‬
‫م‬‫مهها ل َه ْ‬ ‫مه َ‬
‫ك َ‬ ‫عل ّ َ‬‫و َ‬‫ن{‪ .‬وقععوله‪َ } :‬‬ ‫فِلي َ‬ ‫غا ِ‬‫ن ال ْ َ‬
‫م َ‬‫ه لَ ِ‬ ‫ن َ‬
‫قب ْل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ك ُن ْ َ‬
‫قههى إ ِل َي ْه َ‬‫ن ي ُل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫جههو أ ْ‬ ‫مهها ك ُن ْه َ‬
‫ت ت َْر ُ‬ ‫و َ‬‫م{‪ .‬وقععوله‪َ } :‬‬ ‫عل َه ُ‬
‫ن تَ ْ‬‫ت َك ُ ْ‬
‫ك{‪ .‬وقيل المراد بقوله ضععال‪ .‬ذهععابه‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬‫ة ِ‬‫م ً‬‫ح َ‬‫ب ِإل َر ْ‬ ‫ال ْك َِتا ُ‬
‫وهو صغير في شعاب مكة وقيل ذهععابه فععي سععفره إلععى الشععام‬
‫والقول الول هو الصحيح والله تعالى أعلم ونسبة العلم إلى الله‬
‫أسلم‪.‬‬

‫دفع إيهام الضطراب عن آيات الكتاب‬


‫لفضيلة الشيخ محمد المين الشنقيطي المدرس‬
‫بالجامعة‬
‫ءءءء ءءءءء‬
‫ن { تقدم وجه الجمع بينه‬ ‫مي ِ‬ ‫د ال َ ِ‬ ‫ذا ال ْب َل َ ِ‬ ‫ه َ‬‫و َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ُ‬
‫د {‪.‬‬ ‫ذا ال ْب َل َ ِ‬ ‫ه َ‬‫م بِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫وبين قوله تعالى‪ } :‬ل أ ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫قوله تعالى‪ } :‬ل َ َ‬
‫س ِ‬ ‫ح َ‬ ‫في أ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا َ‬ ‫قَنا ال ِن ْ َ‬ ‫قد ْ َ‬
‫ويم ٍ { هذه الية الكريمة توهم أن النسان ينكر أن ربه‬ ‫ق ِ‬‫تَ ْ‬
‫خلقه‪ ,‬لما تقرر في المعاني من أن خالي الذهن من التردد‬
‫مى ذلك ابتدائيا‪ ,‬والمتردد يحسن‬ ‫كد له الكلم‪ ،‬ويس ّ‬ ‫والنكار ل يؤ ّ‬
‫التوكيد له بمؤكد واحد ويسمى طلبيا‪ ،‬والمنكر يجب التوكيد له‬
‫كد‬‫بحسب إنكاره ويسمى إنكاريا‪ ،‬والله تعالى في هذه الية أ ّ‬
‫إخباره بأنه خلق النسان في أحسن تقويم بأربعة أقسام وباللم‬
‫وبقد‪ ,‬فهي ستة تأكيدات‪ ,‬وهذا التوكيد يوهم أن النسان منكر‬
‫لن ربه خلقه‪ ،‬وقد جاءت آية أخرى صريحة في أن الكفار‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫م َ‬ ‫سأل ْت َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ول َئ ِ ْ‬‫يقّرون بأن الله هو خالقهم وهي قوله‪َ } :‬‬
‫ه {‪.‬‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫قول ُ ّ‬‫م ل َي َ ُ‬
‫ه ْ‬
‫ق ُ‬‫خل َ َ‬‫َ‬
‫والجواب من وجهين‪:‬‬
‫الول‪ :‬هو ما حرره علماء البلغة من أن المقر إذا ظهرت‬
‫عليه أمارة النكار جعل كالمنكر‪ ،‬فأكد له الخبر كقول حجل بن‬
‫نضلة‪:‬‬
‫ن بعني عمعك فيعهم رمعاح‬ ‫إ ّ‬ ‫جعاء شقيعق عارضعا رمحعه‬
‫ن في بني عمه رماحا‪ ,‬ولكن مجيئه عارضا‬ ‫فشقيق ل ينكر أ ّ‬
‫رمحه أي جاعل عرضه جهتهم من غير التفات أمارة أنه يعتقد‬
‫أن ل رمح فيهم فأكد له الخبر‪.‬‬
‫فإذا حققت ذلك فاعلم أن الكفار لما أنكروا البعث ظهرت‬
‫عليهم أمارة إنكار اليجاد الول؛ لن من أقر بالول لزمه القرار‬
‫بالثاني؛ لن العادة أيسر من البدء فأكد لهم اليجاد الول‪،‬‬
‫د‬
‫ع ُ‬ ‫ك بَ ْ‬ ‫ما ي ُك َذّب ُ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ضح هذا أن الله بّين أنه المقصود بقوله‪َ } :‬‬ ‫ويو ّ‬
‫ن { أي ما يحملك أيها النسان على التكذيب بالبعث‬ ‫دي ِ‬ ‫ِبال ّ‬
‫والجزاء بعد علمك أن الله أوجدك أّول‪ ،‬فمن أوجدك أّول قادر‬
‫ذي‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫حِيي َ‬ ‫ل يُ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫على أن يوجدك ثانيا كما قال تعالى‪ُ } :‬‬
‫ل َ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫شأ َ َ َ‬ ‫أ َن ْ َ‬
‫ق‬
‫خل ٍ‬ ‫و َ‬ ‫ما ب َدَأَنا أ ّ‬ ‫ة { الية‪ ،‬وقال‪ } :‬ك َ َ‬ ‫مّر ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫و َ‬ ‫ها أ ّ‬
‫عيدُهُ {‪،‬‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ق ثُ ّ‬ ‫خل ْ َ‬ ‫ذي ي َْبدأ ُ ال ْ َ‬ ‫و ال ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫عيدُهُ { الية‪ ،‬وقال‪َ } :‬‬ ‫نُ ِ‬
‫َ‬
‫ث َ‬
‫فإ ِّنا‬ ‫ع ِ‬ ‫ن ال ْب َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫في َري ْ ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫س إِ ْ‬ ‫ها الّنا ُ‬ ‫وقال‪َ } :‬يا أي ّ َ‬
‫ن ت َُراب{ واليات بمثل هذه كثيرة‪ ،‬ولذا ذكر‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫تعالى أن من أنكر البعث فقد نسي إيجاده الول بقوله‪:‬‬
‫م‬‫ظا َ‬‫ع َ‬ ‫حِيي ال ْ ِ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل ْ َ‬ ‫ي َ‬ ‫َ‬ ‫س‬
‫ون َ ِ‬ ‫مث َل ً َ‬ ‫ب ل ََنا َ‬ ‫ضَر َ‬ ‫و َ‬ ‫} َ‬
‫ت‬‫م ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن أ َإ ِ َ‬ ‫سا ُ‬ ‫ل ال ِن ْ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫وي َ ُ‬ ‫م{‪ ,‬وبقوله‪َ } :‬‬ ‫مي ٌ‬ ‫ي َر ِ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫خل َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫قَناهُ ِ‬ ‫ن أّنا َ‬ ‫سا ُ‬ ‫ول ي َذْك ُُر ال ِن ْ َ‬ ‫حي ّا ً أ َ‬ ‫ج َ‬ ‫خَر ُ‬ ‫فأ ْ‬ ‫و َ‬ ‫س ْ‬ ‫لَ َ‬
‫شْيئا ً {‪.‬‬ ‫ك َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قب ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ك {‪ :‬فمن يقدر على‬ ‫ما ي ُك َذّب ُ َ‬ ‫ف َ‬ ‫وقال البعض‪ :‬معنى } َ‬
‫تكذيبك يا نبي الله بالثواب والعقاب بعد ما تبين له أنا خلقنا‬
‫النسان على ما وصفنا‪ ،‬وهو في دللته على ما ذكرنا كالّول‪,‬‬
‫فظهرت النكتة في جعل البتدائي كالنكاري‪.‬‬
‫ه‬
‫م َردَدَْنا ُ‬ ‫الوجه الثاني‪ :‬أن القسم شامل لقوله‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫دقون بالنار بدليل‬ ‫ف َ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي إلى النار‪ ،‬وهم ل يص ّ‬ ‫فِلي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫أ ْ‬
‫ن { وهذا‬ ‫ها ت ُك َذُّبو َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه الّناُر ال ِّتي ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ذ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫قوله تعالى } َ‬
‫ن { أصح من القول‬ ‫ف َ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫فِلي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫الوجه في معنى قوله‪ } :‬أ ْ‬
‫بأن معناه الهرم والرد إلى أرذل العمر لكون قوله‪ِ } :‬إل‬
‫َ‬
‫غي ُْر‬ ‫جٌر َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫فل َ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫ع ِ‬ ‫و َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن { أظهر في الول من الثاني‪ ،‬وإذا كان القسم شامل‬ ‫مُنو ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ب على ذلك النكاري‪،‬‬ ‫للنكاري فل إشكال؛ لن التوكيد منص ّ‬
‫والعلم عند الله تعالى‪.‬‬
‫سورة العلق‬
‫ة { الية‪ ،‬أسند الكذب‬ ‫خاطِئ َ ٍ‬ ‫ة َ‬ ‫كاِذب َ ٍ‬ ‫ة َ‬ ‫صي َ ٍ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬نا ِ‬
‫دم شعر‬ ‫في هذه الية الكريمة إلى ناصية هذا الكافر وهي مق ّ‬
‫رأسه مع أنه أسنده في آيات كثيرة إلى غير الناصية كقوله‪:‬‬
‫ت الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن ِبآيا ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ن ل يُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫ذ َ‬ ‫ري ال ْك َ ِ‬ ‫فت َ ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫} إ ِن ّ َ‬
‫ن{ والجواب ظاهر‪ :‬وهو أنه هنا أطلق‬ ‫كاِذُبو َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫وُأول َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫الناصية وأراد صاحبها على عادة العرب في إطلق البعض‬
‫وإرادة الكل‪ ,‬وهو كثير في كلم العرب وفي القرآن‪ ،‬فمن‬
‫دا‬
‫ت يَ َ‬ ‫أمثلته في القرآن هذه الية الكريمة‪ ،‬وقوله تعالى‪ } :‬ت َب ّ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م { يعني‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قد ّ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫ب{‪ ,‬وقوله‪} :‬ذَل ِ َ‬ ‫وت َ ّ‬ ‫ب َ‬ ‫ه ٍ‬ ‫أِبي ل َ َ‬
‫بما قدمتم‪ ،‬ومن ذلك تسمية العرب الرقيب عينا‪.‬‬
‫ول َْيهه َ‬
‫س‬ ‫ة{ ل يعارضععه قععوله تعععالى‪َ } :‬‬ ‫خههاطِئ َ ٍ‬ ‫وقععوله‪َ } :‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن الخععاطئ هععو فاعععل‬ ‫م ب ِههه {؛ ل ّ‬ ‫خطَهأت ُ ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫في َ‬ ‫ح ِ‬ ‫جَنا ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫الخطيئة أو الخطء بكسر الخاء‪ ،‬وكلهما الععذنب كمععا بّينععه قععوله‬
‫خُلوا َنارا ً {‪ ,‬وقوله‪} :‬‬ ‫فأ ُدْ ِ‬ ‫قوا َ‬ ‫ر ُ‬ ‫غ ِ‬ ‫م أُ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫طيَئات ِ ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫م ّ‬ ‫تعالى‪ِ } :‬‬
‫طئا ً ك َِبيههرا ً { فالخععاطئ المععذنب عمععدا‪،‬‬ ‫خ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ك َهها َ‬ ‫هه ْ‬ ‫قت ْل َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫إِ ّ‬
‫والمخطئ من صدر منه الفعل من غير قصد فهو معذور‪.‬‬
‫سورة القدر‬
‫ر{ ل تعارض بينه‬ ‫قد ْ ِ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫في ل َي ْل َ ِ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬إ ِّنا أ َن َْزل َْناهُ ِ‬
‫ن الليلة‬ ‫ة{؛ ل ّ‬ ‫مَباَرك َ ٍ‬ ‫ة ُ‬ ‫في ل َي ْل َ ٍ‬ ‫وبين قوله تعالى‪} :‬إ ِّنا أ َن َْزل َْناهُ ِ‬
‫ص قوله تعالى‪:‬‬ ‫المباركة هي ليلة القدر وهي من رمضان بن ّ‬
‫ه ال ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ن{ فما يزعمه كثير‬ ‫قْرآ ُ‬ ‫في ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫ز َ‬ ‫ذي أن ْ ِ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ضا َ‬ ‫م َ‬ ‫هُر َر َ‬ ‫ش ْ‬ ‫} َ‬
‫ده‬ ‫من العلماء من أن الليلة المباركة ليلة النصف من شعبان تر ّ‬
‫هذه النصوص القرآنية والعلم عند الله تعالى‪.‬‬
‫سورة الزلزلة‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫خْيرا ً ي ََرهُ َ‬ ‫ة َ‬ ‫ل ذَّر ٍ‬ ‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ه{ هذه الية الكريمة تقتضي أن‬ ‫شّرا ً ي ََر ُ‬ ‫ة َ‬ ‫ل ذَّر ٍ‬ ‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ع َ‬ ‫يَ ْ‬
‫كل إنسان كافرا أو مسلما يجازى بالقليل من الخير والشر‪ ,‬وقد‬
‫ما ما فعله الكافر‬ ‫جاءت آيات أخر تدل على خلف هذا العموم‪ ،‬أ ّ‬
‫ن ل َي ْ َ‬
‫س‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫من الخير فاليات تصّرح بإحباطه كقوله‪ُ} :‬أول َئ ِ َ‬
‫وَباطِ ٌ‬
‫ل‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫عوا ِ‬ ‫صن َ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ط َ‬ ‫حب ِ َ‬ ‫و َ‬ ‫ة ِإل الّناُر َ‬ ‫خَر ِ‬ ‫في اْل ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫مُلوا‬ ‫ع ِ‬ ‫ما َ‬ ‫مَنا إ َِلى َ‬ ‫د ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫و َ‬ ‫ن{‪ ,‬وقوله تعالى‪َ } :‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫مال ُ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫من ُْثورًا{ وكقوله‪} :‬أ ْ‬ ‫هَباءً َ‬ ‫عل َْناهُ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ف َ‬ ‫ل َ‬ ‫م ٍ‬ ‫ع َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ة{ الية‪ ,‬إلى‬ ‫ع ٍ‬ ‫قي َ‬ ‫ب بِ ِ‬ ‫سَرا ٍ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫مال ُ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ماٍد{ الية‪ ,‬وقوله‪} :‬أ ْ‬ ‫ك ََر َ‬
‫ما ما عمله المسلم من الشر فقد‬ ‫غير ذلك من اليات‪ ،‬وأ ّ‬
‫صّرحت اليات بعدم لزوم مؤاخذته به لحتمال المغفرة أو لوعد‬
‫ء{‪ ,‬وقوله‪:‬‬ ‫شا ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك لِ َ‬ ‫ن ذَل ِ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫فُر َ‬ ‫غ ِ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫الله بها كقوله‪َ } :‬‬
‫كم{‬ ‫سي َّئات ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫عن ْك ُ ْ‬ ‫فْر َ‬ ‫ه ن ُك َ ّ‬ ‫عن ْ ُ‬
‫ن َ‬ ‫و َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ما ت ُن ْ َ‬ ‫جت َن ُِبوا ك ََبائ َِر َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫}إ ِ ْ‬
‫إلى غير ذلك من اليات‪ ،‬والجواب عن هذا من ثلثة أوجه‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن الية من العام المخصوص‪ ،‬والمعنى فمن يعمل‬
‫مثقال ذرة خيرا يره إن لم يحبطه الكفر بدليل آيات إحباط‬
‫الكفر عمل الكفار‪ ،‬ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره إن لم‬
‫يغفره الله له بدليل آيات احتمال الغفران والوعد به‪.‬‬
‫ن الكافر يرى جزاء كل‬ ‫ن الية على عمومها وأ ّ‬ ‫الثاني‪ :‬أ ّ‬
‫ف‬ ‫و ّ‬ ‫عمله الحسن في الدنيا كما يدل عليه قوله تعالى‪} :‬ن ُ َ‬
‫د‬
‫ري ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫ها{ الية‪ ,‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫مال َ ُ‬ ‫ع َ‬‫م أَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫إ ِلي ْ ِ‬
‫ه‬
‫فا ُ‬ ‫و ّ‬ ‫ف َ‬ ‫عن ْدَهُ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫جدَ الل ّ َ‬ ‫و َ‬ ‫و َ‬ ‫ث الدّن َْيا{ الية‪ ,‬وقوله تعالى‪َ } :‬‬ ‫حْر َ‬ ‫َ‬
‫يء في الدنيا‬ ‫ه{‪ ،‬والمؤمن يرى جزاء كل عمله الس ّ‬ ‫ساب َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ِ‬
‫بالمصائب والمراض واللم‪ ،‬ويدل لهذا ما أخرجه الطبراني في‬
‫الوسط والبيهقي في الشعب وابن أبي حاتم وجماعة عن أنس‬
‫قال‪" :‬بينا أبو بكر رضي الله عنه يأكل مع رسول الله صلى الله‬
‫ة{ الية‬ ‫ل ذَّر ٍ‬ ‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬‫عليه وسلم إذ نزلت عليه } َ‬
‫فرفع أبو بكر يده وقال‪ :‬يا رسول الله إني لراء ما عملت من‬
‫مثقال ذرة من شر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬يا‬
‫أبا بكر أرأيت ما ترى في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر"‬
‫الحديث‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬أن الية أيضا ً على عمومها وأن معناها أن‬
‫المؤمن يرى كل ما قدم من خير وشر فيغفر الله له الشر‬
‫ويثيبه بالخير‪ ،‬والكافر يرى كل ما قدم من خير وشر فيحبط ما‬
‫قدم من خير ويجازيه بما فعل من الشر‪.‬‬
‫سورة العاديات‬
‫عَلى ذَل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ه َ‬ ‫وإ ِن ّ ُ‬ ‫ه ل َك َُنودٌ َ‬ ‫ن ل َِرب ّ ِ‬ ‫سا َ‬ ‫ن اْل ِن ْ َ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ن النسان شاهد على كنود‬ ‫د{ الية‪ ،‬هذه الية تدل على أ ّ‬ ‫هي ٌ‬ ‫ش ِ‬ ‫لَ َ‬
‫نفسه أي مبالغته في الكفر‪ ،‬وقد جاءت آيات أخر تدل على‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫سُنو َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م يُ ْ‬‫ه ْ‬ ‫ن أن ّ ُ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫خلف ذلك كقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫دا‬
‫وب َ َ‬ ‫ن{‪ ,‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫دو َ‬ ‫هت َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن أن ّ ُ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ح َ‬ ‫وي َ ْ‬‫صْنعًا{ وقوله‪َ } :‬‬ ‫ُ‬
‫ن{‪ ,‬والجواب عن هذا‬ ‫سُبو َ‬ ‫حت َ ِ‬ ‫كوُنوا ي َ ْ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫من ثلثة أوجه‪:‬‬
‫ن شهادة النسان بأنه كنود هي شهادة حالة‬ ‫الول‪ :‬أ ّ‬
‫بظهور كنوده‪ ،‬والحال ربما تكفي عن المقال‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن شهادته على نفسه بذلك يوم القيامة كما يدل‬
‫ن{‪,‬‬ ‫كاُنوا َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫عَلى أ َن ْ ُ‬ ‫و َ‬
‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫كا ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫س‬
‫ف ِ‬ ‫دوا َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫له قوله‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ر{‪,‬‬ ‫عي ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫حقا ً ل ْ‬ ‫س ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫فوا ب ِذَن ْب ِ ِ‬ ‫عت ََر ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫وقوله‪َ } :‬‬
‫عَلى‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ول َك ِ ْ‬ ‫وقوله‪} :‬ب ََلى َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬‫كا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫عَلى ذَل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ه َ‬ ‫وإ ِن ّ ُ‬ ‫الوجه الثالث‪ :‬أن الضمير في قوله } َ‬
‫ن‬ ‫د{ راجع إلى رب النسان المذكور في قوله‪} :‬إ ِ ّ‬ ‫هي ٌ‬ ‫ش ِ‬ ‫لَ َ‬
‫د{ وعليه فل إشكال في الية‪ ،‬ولكن‬ ‫ه ل َك َُنو ٌ‬ ‫ن ل َِرب ّ ِ‬ ‫سا َ‬ ‫اْل ِن ْ َ‬
‫ر‬
‫خي ْ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه لِ ُ‬ ‫وإ ِن ّ ُ‬ ‫رجوعه إلى النسان أظهر بدليل قوله‪َ } :‬‬
‫د{ والعلم عند الله تعالى‪.‬‬ ‫دي ٌ‬ ‫ش ِ‬ ‫لَ َ‬
‫سورة القارعة‬
‫ة{‬ ‫وي َ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬وأ َ‬
‫ها ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫فأ ّ‬ ‫زين ُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ف‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ما‬‫ّ‬ ‫َ‬
‫هذه الية الكريمة تدل على أن الهاوية وصف ل عَلم للنار إذ‬
‫تنوينها ينافي كونها اسما من أسماء النار يلزم فيها المنع من‬
‫ه‬
‫هي َ ْ‬‫ما ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ما أ َدَْرا َ‬ ‫و َ‬ ‫الصرف للعلمية والتأنيث‪ ،‬وقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ة{ يدل على أن الهاوية من أسماء النار‪.‬‬ ‫مي َ ٌ‬
‫حا ِ‬ ‫َناٌر َ‬
‫ة{ ثلثة‬ ‫وي َ ٌ‬ ‫اعلم أول أن في معنى قوله تعالى‪ُ َ } :‬‬
‫ها ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫فأ ّ‬ ‫ّ‬
‫أوجه للعلماء‪ ،‬اثنان منها ل إشكال في الية عليهما‪ ،‬والثالث هو‬
‫ما اللذان ل إشكال في الية‬ ‫الذي فيه الشكال المذكور‪ ،‬أ ّ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫عليهما فالول منهما أن المعنى } َ‬
‫ة{ أي أ ّ‬ ‫وي َ ٌ‬ ‫ها ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫فأ ّ‬
‫رأسه هاوية في قعر جهنم؛ لنه يطرح فيها منكوسا رأسه‬
‫أسفل ورجله أعل‪ ،‬وروي هذا القول عن قتادة وأبي صالح‬
‫وعكرمة والكلبي وغيرهم‪ ،‬وعلى هذا القول فالضمير في قوله‪:‬‬
‫ل عليه المقام أي‬ ‫ه{ عائد إلى محذوف د ّ‬ ‫هي َ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ما أ َدَْرا َ‬ ‫و َ‬
‫} َ‬
‫أم رأسه هاوية في نار وما أدراك ما هيه نار حامية‪.‬‬
‫عوا على الرجل بالهلكة‬ ‫والثاني‪ :‬أنه من قول العرب إذا د َ‬
‫قالوا‪" :‬هوت أمه" لنه إذا هوى أي سقط وهلك فقد هوت أمه‬
‫ثكل وحزنا‪ ،‬ومن هذا المعنى قول كعب بن سعد الغنوي‪:‬‬
‫يعؤوب وماذا يرد الليعل‬ ‫هوت أمه ما يبعث الصبعح‬
‫حيعن‬ ‫غاديعا‬
‫وهذا القول رواية أخرى عن قتادة‪ ،‬وعلى هذا القول‬
‫ل عليها الكلم‪ ،‬وذكر‬ ‫ه{ للداهية التي د ّ‬ ‫هي َ ْ‬
‫فالضمير في قوله‪ِ } :‬‬
‫ن هذا القول‬ ‫اللوسي في تفسيره أن صاحب الكشف قال‪ :‬إ ّ‬
‫أحسن‪ ,‬وأن الطيبي قال‪ :‬إنه أظهر‪ ,‬وقال هو‪ :‬وللبحث فيه‬
‫مجال‪.‬‬
‫ة{‬ ‫وي َ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ن المعنى } َ‬
‫ها ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫فأ ّ‬ ‫الثالث الذي فيه إشكال‪ :‬أ ّ‬
‫م تؤوي‬ ‫مه هاوية وهي النار؛ لن ال ّ‬ ‫أي مأواه الذي يحيط به ويض ّ‬
‫م هذا العاصي وتكون مأواه‪.‬‬ ‫مه‪ ،‬والنار تض ّ‬ ‫ولدها وتض ّ‬
‫والجواب على هذا القول هو ما أشار له اللوسي في‬
‫ل التعريف لجل الشعار‬ ‫كر الهاوية في مح ّ‬ ‫تفسيره من أنه ن ّ‬
‫بخروجها عن المعهود للتفخيم والتهويل‪ ,‬ثم بعد إبهامها لهذه‬
‫ه َناٌر‬‫هي َ ْ‬‫ما ِ‬‫ك َ‬ ‫ما أ َدَْرا َ‬‫و َ‬‫النكتة قّررها بوصفها الهائل بقوله } َ‬
‫ة{‪.‬‬
‫مي َ ٌ‬
‫حا ِ‬
‫َ‬
‫قال مقيده عفا الله عنه‪ :‬هذا الجواب الذي ذكره اللوسي‬
‫ميه علماء البلغة‬ ‫يدخل في حد نوع من أنواع البديع المعنوي يس ّ‬
‫التجريد‪ ،‬فحد التجريد عندهم هو أن ينتزع من أمر ذي صفة آخر‬
‫مثله فيها مبالغة في كمالها فيه‪ ،‬وأقسامه معروفة عند‬
‫البيانيين؛ فمنه ما يكون التجريد فيه بحرف نحو قولهم‪" :‬لي من‬
‫فلن صديق حميم" أي بلغ من الصداقة حدا صح معه أن‬
‫يستخلص منه آخر مثله فيها مبالغة في كمالها فيه‪ ,‬وقولهم‪:‬‬
‫"لئن سألته لتسألن به البحر" بالغ في اتصافه بالسماحة حتى‬
‫انتزع منه بحرا في السماحة‪ ،‬ومن التجريد بواسطة الحرف‬
‫خْلد{ وهو أشبه شيء بالية‬ ‫داُر ال ْ ُ‬‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬‫قوله تعالى‪} :‬ل َ ُ‬
‫التي نحن بصددها؛ لن النار هي دار الخلد بعينها لكنه انتزع منها‬
‫دارا أخرى وجعلها معدة في جهنم للكفار تهويل لمرها ومبالغة‬
‫في اتصافها بالشدة‪ ،‬ومن التجريد ما يكون من غير توسط‬
‫الحرف نحو قول قتادة بن سلمة الحنفي‪:‬‬
‫تحعوي الغنائعم أو يمعوت‬ ‫ولئعن بقعيت لرحعلن‬
‫كريعم‬ ‫بغعزوة‬
‫يعني نفسه انتزع من نفسه كريما مبالغة في كرمه‪ ،‬فإذا‬
‫عرفت هذا فالنار سميت الهاوية لغاية عمقها وبعد مهواها‪ ،‬فقد‬
‫روي أن داخلها يهوي فيها سبعين خريفا‪ ،‬وخصها البعض بالباب‬
‫السفل من النار فانتزع منها هاوية أخرى مثلها في شدة العمق‬
‫وبعد المهوى مبالغة في عمقها وبعد مهواها‪ ،‬والعلم عند الله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫سورة العصر‬
‫ر{ هذه‬ ‫س ٍ‬‫خ ْ‬‫في ُ‬ ‫ن لَ ِ‬ ‫سا َ‬‫ن ال ِن ْ َ‬ ‫ر إِ ّ‬‫ص ِ‬
‫ع ْ‬ ‫وال ْ َ‬
‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫الية الكريمة يدل ظاهرها على أن هذا المخبر عنه أنه في‬
‫خسر إنسان واحد بدليل إفراد لفظة النسان‪ ،‬واستثناؤه من‬
‫ذلك الذين آمنوا وعملوا الصالحات يقتضي أنه ليس إنسانا‬
‫واحدا‪.‬‬
‫والجواب عن هذا هو أن لفظ النسان وإن كان واحدا‬
‫فاللف واللم للستغراق يصير المفرد بسببهما ما صيغة عموم‪،‬‬
‫وعليه فمعنى أن النسان أي أن كل إنسان لدللة )أل(‬
‫الستغراقية على ذلك‪ ،‬والعلم عند الله تعالى‪.‬‬
‫سورة الماعون‬
‫ن{ الية‪ ،‬هذه الية يتوهم‬ ‫صّلي َ‬‫م َ‬‫ل ل ِل ْ ُ‬ ‫وي ْ ٌ‬ ‫ف َ‬‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫منها الجاهل أن الله توعد المصلين بالويل‪ ،‬وقد جاء في آية‬
‫أخرى أن عدم الصلة من أسباب دخول سقر وهي قوله تعالى‪:‬‬
‫قَر{‪ ،‬والجواب عن هذا في غاية الظهور‪،‬‬ ‫س َ‬‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫سل َك َك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫} َ‬
‫ن‬‫ع ْ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫ن ُ‬
‫ذي َ‬‫وهو أن التوعد بالويل منصب على قوله‪} :‬ال ّ ِ‬
‫ن{ الية‪ ،‬وهم المنافقون على التحقيق‪ ،‬وإنما‬ ‫هو َ‬ ‫سا ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫صلت ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ذكرنا هذا الجواب مع ضعف الشكال وظهور الجواب عنه؛ لن‬
‫الزنادقة الذين ل يصلون يحتجون لترك الصلة بهذه الية‪ ،‬وقد‬
‫سمعنا من ثقات وغيرهم أن رجل قال لظالم تارك الصلة مالك‬
‫ل تصلي؟ فقال‪ :‬لن الله توعد على الصلة بالويل في قوله‬
‫ن{ فقال له‪ :‬اقرأ ما بعدها‪ ،‬فقال‪ :‬ل حاجة‬ ‫صّلي َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ل ِل ْ ُ‬‫وي ْ ٌ‬ ‫} َ‬
‫ف َ‬
‫لي فيما بعدها فيها كفاية في التحذير من الصلة‪ ،‬ومن هذا‬
‫القبيل قول الشاعر‪:‬‬
‫وسر إلى حانة الخمعار‬ ‫دع المساجعد للعبعاد‬
‫يسقينعا‬ ‫تسكنهعا‬
‫وإنمعا قعال ويعل للمصلينعا‬ ‫ما قال ربك ويل للولى‬
‫سكعروا‬
‫فإذا كان تعالى توعد بالويل المصلى الذي هو ساه عن‬
‫صلته ويراءي فيها فكيف بالذي ل يصلي أصل ً فالويل كل الويل‬
‫له وعليه لعائن الله إلى يوم القيامة مالم يتب‪.‬‬
‫سورة الكافرون‬
‫د{ يدل بظاهره‬ ‫عب ُ ُ‬‫ما أ َ ْ‬‫ن َ‬‫دو َ‬‫عاب ِ ُ‬
‫م َ‬ ‫َ‬
‫ول أن ْت ُ ْ‬ ‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫على أن الكفار المخاطبين بها ل يعبدون الله أبدا مع أنه دّلت‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫و ِ‬
‫آيات أخر على أن منهم من يؤمن بالله تعالى كقوله } َ‬
‫ه{ الية‪.‬‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫م ُ‬‫ؤ ِ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ء َ‬ ‫ؤل ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫َ‬
‫والجواب من وجهين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنه خطاب لجنس الكفار وإن أسلموا فيما بعد فهو‬
‫خطاب لهم ما داموا كفارا‪ ،‬فإذا أسلموا لم يتناولهم ذلك لنهم‬
‫حينئذ مؤمنون ل كافرون وإن كانوا منافقين فهم كافرون في‬
‫الباطن فيتناولهم الخطاب‪ ،‬واختار هذا الوجه أبو العباس بن‬
‫تيمية رحمه الله‪.‬‬
‫ءءءء ءءء ءءءءء ءءءءءءءء‬
‫لفضيلة الشيخ‪ :‬محمد المين الشنقيطي‬
‫المدرس بكلية الشريعة بالجامعة‬
‫سورة الناس‬
‫س{ ل يخفى ما بين‬ ‫خّنا ِ‬ ‫س ال ْ َ‬
‫وا ِ‬ ‫س َ‬ ‫و ْ‬ ‫شّر ال ْ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫قوله‪ِ } :‬‬
‫هذين الوصفين اللذين وصف الله بهما هذا اللعين الخبيث من‬
‫التنافي لن الوسواس كثير الوسوسة ليضل بها الناس والخناس‬
‫كثير التأخر والرجوع عن إضلل الناس‪ .‬والجواب‪ :‬أن لكل مقام‬
‫ل؛ فهو وسواس عند غفلة العبد عن ذكر ربه خناس عند ذكر‬ ‫مقا ً‬
‫ن‬
‫ع ْ‬
‫ش َ‬‫ع ُ‬ ‫ن يَ ْ‬‫م ْ‬ ‫و َ‬
‫العبد ربه تعالى كما دل عليه قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫ن{ الية‬ ‫ري ٌ‬ ‫ق ِ‬‫ه َ‬ ‫و لَ ُ‬‫ه َ‬
‫ف ُ‬‫طانا ً َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ض لَ ُ‬ ‫قي ّ ْ‬‫ن نُ َ‬ ‫م ِ‬‫ح َ‬
‫ر الّر ْ‬‫ِذك ْ ِ‬
‫مُنوا{‪.‬‬‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫عَلى ال ّ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫طا ٌ‬ ‫سل ْ َ‬
‫ه ُ‬ ‫س لَ ُ‬‫ه ل َي ْ َ‬‫وقوله تعالى‪} :‬إ ِن ّ ُ‬
‫الية‪.‬‬
‫وقد تم بحمد الله تعالى ما أردنا جمعه بمدينة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ونرجو الله تعالى أن يوفقنا وإخواننا المسلمين‬
‫في القوال والفعال وأن يجعل سعينا خالصا ً لوجهه الكريم إنه‬
‫قريب مجيب آمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله‬
‫وصحبه وسلم‪.‬‬

You might also like