You are on page 1of 637

‫الرد القويم البالغ‬

‫على كتاب الخليلي‬


‫المسمى بالحق الدامغ‬

‫تأليف‬
‫أ ‪.‬د‪ .‬علي بن محمد ناصر الفقيهي‬

‫دار المآثر‬
‫المدينة النبوية‬
‫ثبتت رؤية المؤمنين لل ‪ U‬فللي الللدار الخللرة فللي الحللاديث الصللحاح‪ ،‬مللن طللرق‬
‫متواترة عند أئمة الحديث‪ ،‬ل يمكلن دفعهللا ول منعهلا‪ ،‬منهلا‪ :‬حببديث أبببي سببعيد وأبببي‬
‫هريرة‪ -‬وهمببا فببي الصببحيحين‪ -‬أن ناسبًا قببالوا‪ :‬يببا رسبول البب‪ ،‬هببل نببرى ربنببا يببوم‬
‫القيامة؟ فقال‪» :‬هل تضارون في رؤية الشمس والقمر ليس دونها سحاب؟ قالوا‪ :‬ل‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإنكم ترون ربكم كذلك«‪ .‬هذا قول رسول ال ‪. r‬‬
‫ص وغيللره‪ ،‬ثللم قللال ‪-‬وبئس مللا قللال‪ » :-‬وأنببت أيهببا‬
‫والخليلي نقللل هللذا النل ّ‬
‫القارئ الكريم تدرك ببصببيرتك أن الخببذ بظببواهر هببذه النصببوص يفضببي إلببى‬
‫مايرده العقل ويكذبه البرهان«‪.‬‬
‫هكللذا يقللول – إن أحللاديث رسللول الللله ‪r‬الثابتللة فللي‬
‫دهللا‬ ‫الصللحيحين وغيرهمللا يكلل ّ‬
‫ذبها برهللان الخليلللي‪-‬وير ّ‬
‫عقله‪.‬‬
‫‪%%%%‬‬

‫يقللول الخليلي فللي كتللابه ص ) ‪ :(113 -112‬قللوله تعللالى‪} :‬وماكان‬


‫لبشر أن يكلمه الللله إل وحي لا ً أو مللن وراء حجللاب ‪{..‬‬
‫ق صبو ٍ‬
‫ت‬ ‫خْلب ِ‬
‫]الشللورى‪[51:‬التكليببم مبن وراء حجباب إذا أسبند إلببى الب بمعنببى َ‬
‫ع ل يصدر عن شيء ينبئ عن مراد ال‪ ،‬ويتلقفه سمع مببن اختصببه الب‬
‫مسمو ٍ‬
‫بالتكليم‪ ،‬وعلى هذا يحمل تكليم ال لموسى عليه السلم‪ .‬هذا قول الخليلي‪.‬‬
‫واقرأ قوله تعالى في مخاطبته لموسى‪ } :‬إني أنا ربك فاخلع نعليك‬
‫إنك بالواد المقدس طوى‪ .‬وأنا اخترتك فاستمع لما يلوحى‬
‫‪ .‬إنني أنا الله ل إله إل أنا فاعبدني وأقم الصلللة لللذكري{‬
‫]طه‪[14-12:‬‬
‫فهل الصوت الذي سمعه موسى يصدر عللن ل شلليء؟‬
‫وهو يقول لموسى‪ :‬إنني أنا الله ‪ ...‬فاعبدني؟‬
‫‪%%%%‬‬
‫يقول الخليلي بخلود جميع مرتكبي الكبببائر مببن أمببة محمببد فببي النببار وإن‬
‫ماتوا على التوحيد‪.‬‬
‫وال يقول‪} :‬إن الله ل يغفر أن يشرك به ويغفر مللا‬
‫دون ذلك لمن يشاء{]النساء‪.[116 :‬‬
‫وقال في الحديث القدسي عن أبي ذر قال‪ :‬قللال رسللول ال ل ‪ :r‬يقللول الل علّز‬
‫وجللل »‪..‬ومبببن لقينبببي بقبببراب الرض خطيئة ل يشبببرك ببببي شبببيئا لقيتبببه بمثلهبببا‬
‫مغفرة«‪.‬رواه مسلم‪/‬فضل الذكر ح ‪.2687‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫صلللاحب الفضللليلة الشللليخ‪ :‬عللللي بلللن محملللد ناصلللر الفقيهلللي‬
‫حفظه ال‬
‫السلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪ /‬وبعد‪ :‬وصلتني رسللالتكم ومعهللا‬
‫مؤلفكم في الرد على الباضلي الجهمللي ‪ -‬أحملد بلن حملد الخليلللي فلي‬
‫كتلابه المسلمى »الحبق الببدامغ«‪ ،‬والللذي ضلمنه ثلث ضلللت‪ :‬نفلي‬
‫رؤيللة المللؤمنين لربهللم‪ ،‬والقللول بخلللق القللرآن‪ ،‬وتخليللد العصللاة مللن‬
‫المؤمنين فلي النلار‪ -‬وقلرأت ردكللم عليله فوجللدته بحملد الل ردًا وافيلًا‬
‫مفحمًا فيلله نصللرة الحللق‪ ،‬ودحللض الباطللل‪ ،‬ونقللض الشللبهات‪ ،‬مللدعمًا‬
‫بالدلة من الكتاب والسنة‪.‬‬
‫والحمد ل الذي وفقكم لذلك‪ ،‬ونسأله أن يجعله في ميزان حسللناتكم‪،‬‬
‫وأن يزيللدكم علمللًا وفقهللًا فللي دينلله‪ -‬وليللس لللي أي ملحظللة سللوى‬
‫تصويبات نحوية وبعض الزياديات اليسيرة وهللي بللالخط الحمللر ‪ -‬إن‬
‫ل صالحًا‪.‬‬‫رأيتم وجاهتها‪ -‬زادكم ال علمًا نافعًا وعم ً‬
‫وأن يجعلنلا وإيلاكم ملن أنصلار دينله وحملاة شلريعته‪ ،‬وأن يصللح‬
‫أحللوال المسلللمين وولة أمللورهم‪ .‬إنلله سللميع مجيللب‪ ،‬والسلللم عليكللم‬
‫ورحمة ال وبركاته‪.‬‬

‫أخوكم ‪:‬‬
‫صالح بن فوزان بن عبدال‬
‫الفوزان‬
‫‪25/4/1421‬هل‬
‫إن الحمد ل نحمللده ونسللتعينه ونسللتغفره‪ ،‬ونعللوذ بللال مللن شللرور‬
‫أنفسنا وسيئات أعمالنللا‪ ،‬مللن يهللده الل فل مضللل للله‪ ،‬ومللن يضلللل فل‬
‫هادي له‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬وأشللهد أن محمللدًا‬
‫عبده ورسوله‪ ،‬أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره علللى الللدين كّللله ولللو‬
‫كِره الكافرون‪.‬‬
‫أمببا بعببد‪ :‬فللإن لعللداء السلللم والمسلللمين ‪-‬علللى اختلف مللهللم‬
‫ونحلهم‪ -‬أسلاليب متنوعلة‪ ،‬وخططلًا فلي ظاهرهلا مختلفللة‪ ،‬ولكنهللا فلي‬
‫حقيقتها ذات هدف واحد أل وهللو القضللاء علللى ديللن الل الحللق‪ ،‬الللذي‬
‫أرسل ال به خاتم أنبيلائه ورسللله المبعللوث للنلاس كافللة بشليرًا ونللذيرًا‬
‫ج بلله النللاس مللن ظلمللات الكفللر‬‫محمللدًا صلللى ال ل عليلله وسلللم‪ ،‬لُيخللر َ‬
‫والشرك والظلللم إلللى نللور السلللم‪ ،‬ول يللزال هللؤلء الحاقللدون ‪-‬إلللى‬
‫يومنا هذا‪ -‬يخططون ويمكرون لطفاء نور ال بأفواههم‪ ،‬ويأبى ال إل‬
‫أن ُيتم نوره ولو كِرَه الكافرون‪.‬‬
‫ومن نظر في كتلاب الل الكريلم‪ ،‬وفللي سلنة رسللوله الميلن‪ ،‬وفلي‬
‫سيرته العطرة ودعوته الخّيرة‪ ،‬وما لقاه عليه الصلة والسلم من كيللد‬
‫ومكر‪ ،‬يظهر له جليًا بأن ألّد أعداء السلم هم اليهود‪.‬‬
‫فقد أخبر ال عز وجللل فللي كتللابه عنهللم‪ ،‬أّنهللم يعرفللون أن محمللدًا‬
‫صلى ال عليه وسلم هللو الرسللول الحلق‪ ،‬الللذي وصللفه الل تعلالى فللي‬
‫س فيها كمللا‬ ‫كتبهم المنَزَلة عليهم؛ التوراة والنجيل‪ ،‬معرفة حقيقية ل َلْب َ‬
‫يعرفون أبناءهم‪ ،‬وإنما كفروا به حسللدًا وبغي لًا‪ ،‬قللال تعللالى‪} :‬الذين‬
‫آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفللون أبنللاءهم‬
‫وإن فريقلللا ً منهلللم ليكتملللون الحلللق وهلللم‬
‫يعلمون{ ]البقرة‪.[146:‬‬
‫وقلللال تعلللالى‪} :‬ودّ كللثيٌر مللن أهللل الكتللاب لللو‬
‫يردونكم من بعد إيمانكم كفارا ً حسدا ً من عند‬
‫أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق{]البقرة‪.[109:‬‬
‫فلحسدهم وبغيهم‪ ،‬ثم عجزهم عن الوقوف في وجه انتشار السلللم‬
‫وصّد الناس عنه بالقوة‪ ،‬أظهللر بعضللهم السلللم‪ ،‬ل محبللة فيلله‪ ،‬وإنمللا‬
‫ش لَبه والشللكوك علللى ضللعاف العقللول‬ ‫للكيللد للله عللن طريللق إدخللال ال ّ‬
‫واليمان من المنتسبين لهذا الدين‪.‬‬
‫كما اشلترك مللع اليهللود فلي ذلللك المكللر المجللوس‪ ،‬وغيرهللم ممللن‬
‫قضللى السلللم علللى بللاطلهم؛ ولّمللا لبسللوا لبللاس السلللم واختلطللوا‬
‫بالمسلمين‪ ،‬نشروا في داخل المجتمع المسلم أفكلارًا منحرفللة بعيلدة كلل‬
‫البعد عن هدي كتاب ال وسنة رسوله اللذين جمع ال بهما شللمل المللة‬
‫بعد تفرقها وتشّتتها وتناحرها‪.‬‬
‫والغرض من نشر تلك الفكللار والعقللائد المنحرفللة؛ إثللارة الخلف‬
‫والفرقة بين المسلمين لتمزيق شملهم وإدخال الفرقة بين صفوفهم‪.‬‬
‫وقد تقّبل بعض الناس تلللك الفكللار المنحرفللة فللي بللاب أسللماء الل‬
‫ل بمراد هؤلء‪ ،‬حيث نشرها أصحابها تحت سللتار التنزيلله‬ ‫وصفاته جه ً‬
‫عل‪.‬‬
‫لوَ‬‫لجّ‬
‫عل‪،‬‬ ‫لوَ‬ ‫وكل مسلم يؤمن بال عز وجل‪ ،‬فإن عقيدته التنزيلله ل ل ج ل ّ‬
‫شّبه ال عز وجل بخلقِه فقد كفر‪.‬‬ ‫عن مشابهة المخلوقين‪ ،‬لن من َ‬
‫وكل ما أثبته ال عز وجل لنفسه‪ ،‬أو أثبته له رسوله صلى ال عليه‬
‫وسلم في سنته الصحيحة من صفات الجلل والكمال ليس تشبيهًا‪.‬‬
‫كقللوله تعللالى‪} :‬ليس كمثله شيء وهللو السللميع‬
‫البصير{]الشورى‪ [11:‬فقد أثبت ال لنفسه صفة السمع والبصر علللى‬
‫أسللاس قللوله تعللالى‪} :‬ليس كمثله شيء‪ {...‬وهكللذا جميللع‬
‫الصفات يثبتها ل عّز وجللل أهللل السللنة والجماعللة علللى هللذا السللاس‬
‫وإنما التشبيه كما قال المام أحمد بن حنبل وغيره‪ ،‬أن تقول‪ :‬ل ل سللمٌع‬
‫كسمعي‪ ،‬وبصٌر كبصري ويٌد كيدي)‪.(1‬‬
‫هذا هو التشبيه الذي حكم علماء السلف على قائله بالكفر‪.‬‬
‫ومثل ذلك رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامللة فللي دار النعيللم‪ ،‬لدللللة‬
‫الكتاب العزيز‪ ،‬والسنة المطهرة الصحيحة المتواترة على ذلك‪ ،‬وصللفة‬
‫الكلم ل تعالى‪ ،‬وأن القرآن كلم الل علز وجللل منله بلدأ وإليله يعلود‪،‬‬
‫وليس مخلوقًا‪ ،‬وغير ذلك من الصفات‪ُ ،‬تثبت لل كمللا أثبتهللا لنفسلله فللي‬
‫كتابه‪ ،‬أو أثبتها له رسوله صلى ال عليه وسلم فللي سللنته‪ ،‬علللى أسللاس‬
‫التنزيه ل عز وجل عن مشابهة المخلوقين وذلك الثبللات‪ ،‬مسللتمد مللن‬
‫قلللوله تعلللالى‪} :‬ليللس كمثللله شلليء وهللو السللميع‬
‫البصير{ ]الشورى‪.[11:‬‬
‫وممن َتَلّقف هذه الفكار المنحرفة في عصللرنا الحاضللر‪ ،‬وانتصللر‬
‫جّد في المدافعة عنها »أحمد بن حمد الخليلي«‪.‬‬ ‫لها‪ ،‬و َ‬
‫فقللد اطلعللت علللى كتللابه بعنللوان »الحببق الببدامغ«المطبللوع عللام‬
‫‪‍1409‬ه وعلى غلفه اسم مؤلفه‪ :‬أحمد بن حمد الخليلي‪ .‬وهللو يقللع فللي‬
‫صصه لثلث مسائل عقدية خللالف‬ ‫‪ 239‬صفحة‪ ،‬وبعد قراءته وجدته خ ّ‬
‫فيهللا أهللل السللنة والجماعللة‪ ،‬وسلللك فيهللا مسلللك الجهميللة والمعتزلللة‬

‫)( انظر نقض التأسيس‪ ،‬لبن تيمية‪ (1/476) :‬وانظر المختللار فللي أصللول السللنة‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫لبن البنا )ص‪.(81:‬‬


‫والزيدية والمامية الرافضة من الشيعة كمللا صلّرح بللذلك فللي ص‪32:‬‬
‫من الكتاب المذكور‪ ،‬وهذه المسائل الثلث هي‪:‬‬
‫‪ -1‬إنكاره رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة في الدار الخرة‪.‬‬
‫‪ -2‬قوله‪ :‬إن القرآن مخلوق‪.‬‬
‫‪ -3‬اعتقاده تخليد الفساق في النار‪.‬‬
‫وقد ذّكرنا صنيعه هذا بأمرين‪:‬‬
‫‪ -1‬الول‪ :‬إن قللول بعلض الكتلاب المعاصللرين أن الكلم فللي الصللفات‬
‫وبللالخص القللول بخلللق القللرآن نبللش لمللا تحللت الللتراب وأن هللذه‬
‫المسائل العقدية تأريخية عفا عليهللا الزمللن ليللس صللحيحًا‪ ،‬فمؤلللف‬
‫هذا الكتلاب وأمثللاله كلثيرون يعيشللون علللى وجلله الرض وليسللوا‬
‫تحت الللتراب‪ ،‬كمللا جللاء فللي كتللاب »أولويللة الحركللة السلللمية«‬
‫الطبعللة الثانيللة سللنة ‪‍1411‬ه تحللت عنللوان‪» :‬إهالللة الللتراب علللى‬
‫المشكلت التأريخية« ص‪ 92:‬لمؤلفه )القرضاوي( هداه ال‪.‬‬
‫‪-2‬المر الثاني‪ :‬ذّكرنا المؤلف بقول طوائف ثلث‪:‬‬
‫‪ -1‬قول الخوارج الذين حكموا على عصللاة الموحللدين بللالكفر فللي‬
‫الدنيا والخرة‪ ،‬والخلود في النار‪ ،‬والمؤلف يقول‪ :‬إن الكفللر فللي الللدنيا‬
‫هو الكفر العملي أي كفر النعمة – ولكنه حكم على العصاة بالخلود فللي‬
‫النار‪ ،‬كما تقول المعتزلة بذلك‪ ،‬إنفاذًا لحد أصولهم الخمسة وهللو إنفللاذ‬
‫الوعيد‪ ،‬وإن كانوا في الدنيا جعلوا العاصللي فللي منزلللة بيللن المنزلللتين‬
‫مخالفين بهللذه العقيللدة الباطلللة كتللاب الل عللز وجللل فللال يقللول‪} :‬إن‬
‫الله ل يغفر أن يشرك به ويغفر مللا دون ذلللك‬
‫لمن يشاء{]النساء‪.[116:‬‬
‫وقول رسول ال صلى ال عليلله وسلللم فللي حللديث أبللي ذر المتفللق‬
‫عليه‪ :‬ولفظه‪» :‬ما من عبد قال‪ :‬ل إله إل ال ثم مات على ذلك إل دخل‬
‫الجنة‪ ،‬قلت‪ :‬وإن زنى وإن سببرق؟ قببال‪ :‬وإن زنببى وإن سببرق‪ ،‬قلببت‪:‬‬
‫وإن زنببى وإن سببرق؟ قببال‪ :‬وإن زنببى وإن سببرق‪ ،‬ثلث بًا ثببم قببال فببي‬
‫الرابعة على رغم أنف أبي ذر‪ ،‬قببال‪ :‬فخببرج أبببو ذر وهببو يقببول‪ :‬وإن‬
‫رغم أنف أبي ذر«)‪ ،(2‬وذلك بعد تمحيصه إن لم يعفو ال عنه‪.‬‬
‫‪ -2‬بقول الجهمية‪ ،‬فقد قال الذهبي فللي ترجمللة زعيمهللم ومؤسللس‬
‫نحلتهم )الجهم( في )ميزان العتدال ‪ :(1/441‬الجهللم بللن صللفوان بللن‬
‫محرز المبتدع الضال رأس الجهمية هللك فلي زملان صلغار التلابعين‪،‬‬
‫وما علمته روى شيئًا‪ ،‬وقد زرع شرًا عظيمًا‪ ،‬فقد نفى عن ال السللماء‬
‫والصللفات‪ ،‬وقللال بللالجبر‪ ،‬وخلللق القللرآن‪ ،‬وغيللر ذلللك مللن الفكللار‬
‫المنحرفة‪.‬‬
‫‪ -3‬بقول المعتزلة‪ ،‬الذين قالوا أيضًا بخلق القرآن‪ ،‬وأنكللروا رؤيللة‬
‫ال في الخرة‪ ،‬وأّلفلوا كتبلًا فلي ذللك‪ ،‬وقللد حمللل بشلر المريسللي للواء‬
‫الجهمية في ذلللك ومثللله ابللن أبللي دؤاد‪ ،‬وحللدثت المحنللة المشللهورة بلل‬
‫)محنة القول بخلق القرآن( في خلفللة الملأمون وبعلده المعتصللم ومللن‬
‫بعدهما وقتل في تلك المحنة عدد من علماء السنة وقد نصللر ال ل الحللق‬
‫على يد إمام أهللل السللنة أحمللد بللن حنبللل رحملله اللل‪ ،‬وُرفعللت المحنللة‬
‫وعادت السنة وُنشرت أعلمها والحمد ل‪.‬‬

‫وحيللث إن المؤلللف وطللائفته – الباضللية – قللد ورثللوا الجهميللة‬


‫والمعتزلة …الللخ‪ .‬كمللا صللرح بللذلك فللي كتللابه هللذا صللفحة‪ ،32 :‬أنلله‬
‫يشللارك الباضللية فللي هللذه الفكللار الجهميللة‪ ،‬والمعتزلللة‪ ،‬والزيديللة‪،‬‬
‫والمامية من الشيعة‪.‬‬

‫)( مسلم اليمان ‪/‬باب من مات ل يشرك بال شيئًا دخل الجنة ح)‪.(94‬‬ ‫‪2‬‬
‫وهذا تصريح بإحياء تلك الفكار التي وقف أهللل السللنة جميعلًا فللي‬
‫سسها ودعا إليهلا وأدخلهلا‬ ‫نأّ‬‫وجه معتنقيها‪ ،‬وبّينوا أصولها‪ ،‬وأهداف َم ْ‬
‫على ضعاف المسلللمين علملًا وإيمانلًا‪ ،‬فتفرقللت بللذلك كلمتهللم‪ ،‬وتشللتت‬
‫شملهم‪ ،‬حتى أصبحت تلللك الطللوائف الللتي اعتنقللت تلللك الفكللار باسللم‬
‫سقه‪.‬‬
‫السلم يكّفر بعضهم بعضًا‪ ،‬أو يبّدعه أو يف ّ‬
‫ولكن بحمد ال بقيت الطائفة الناجية المنصورة‪ ،‬على ما كللان عليلله‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه‪ ،‬عقيدة‪ ،‬وعبادة ومنهجًا‪.‬‬
‫فرّدت على تلك الطوائف المنحرفة انحرافها‪ ،‬وبينت للمللة السللبيل‬
‫الصحيح والصراط المسللتقيم‪ ،‬بمللا جللاء فللي كتللاب الل العزيللز‪ ،‬وسللنة‬
‫رسوله صلى ال عليه وسلم وأقوال الصحابة والتابعين‪.‬‬
‫ث مللن جديللد‪،‬‬‫واليوم نجد هذه الفكار التي فّرقت كلمللة المللة‪ُ ،‬تْبَعل ُ‬
‫ويحمل لواءها الخليلي ‪-‬ومن كان على شاكلته‪ -‬فللي هللذا الكتللاب‪ ،‬وفللي‬
‫ملخص له لمبحث الرؤية في رسالة سماها »غرس الصواب في قلبوب‬
‫الحباب« وهو جدير بأن يسمى‪» :‬غرس الباطل فللي قلللب الغافللل« ثللم‬
‫أشرطة كاسيت له‪ ،‬ولمن يسلك مسلكه تنشر بين الشللباب‪ ،‬وفيهلا تكفيللر‬
‫صريح لتباع منهج السلف من علماء أجلء وقفوا حيللاتهم للللدفاع عللن‬
‫كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وبيللان العقيللدة الصللحيحة‬
‫السليمة المأخوذة من كتاب ال ل وسللنة رسللوله صلللى ال ل عليلله وسلللم‪،‬‬
‫والرد على الجهمية والمعتزلة وكل الطوائف المنحرفة‪.‬‬
‫كما يشارك في هذه الفكار المنحرفللة‪ ،‬فللي قللالب التنزيلله‪ ،‬ويطعللن‬
‫فللي عقيللدة علمللاء السلللف وأتبللاعهم‪ ،‬شللخص يللدعى حسللن بللن علللي‬
‫السقاف‪ ،‬الذي صار يسود أوراقه بترهات وأباطيل ينشللرها ليسللتر بهللا‬
‫الحق البلج‪ ،‬ولنصر آراء الكوثري ومن صار على منهجه قبله وبعده‪،‬‬
‫ولكن الكوثري قد فاق أسلفه‪ ،‬فهو يكّفر ويبّدع ويسب ويشللتم باللفللاظ‬
‫الللتي يلترفع عللن نقلهللا السللوقة‪ ،‬والمسلللم ل يكللون بللذيئًا ول سللبابًا ول‬
‫فاحشًا ول متفحشًا ولكن من نظر فللي تعليقلله علللى »السببيف الصببقيل«‬
‫للسبكي كما سمي ذلللك التعليللق»تبديببد الظلم المخيببم علببى نونيببة ابببن‬
‫القيم« يجد فيه تلك البذاءات التي ل نستطيع ذكرها هنا‪.‬‬
‫وقللد نقللل الخليلللي عللن الكللوثري مللن كتللابه هللذا وغيللره مللا يريللد‬
‫التوصل به إلى تكفير ابن القيم‪ ،‬كما سيأتي‪.‬‬
‫ولكون الخليلي قد حمل لواء هذه الحملة علللى مللذهب السلللف‪ ،‬فقللد‬
‫طلعللت علللى هللذا الكتللاب الللذي حكللم‬ ‫ي وقللد ا ّ‬
‫رأيت أنه من الواجب عل ّ‬
‫مؤلفه علللى عصللاة المسلللمين كلهللم بللالخلود فللي النللار‪ ،‬وإحيللاؤه لتلللك‬
‫العقائد الباطلة‪ ،‬ولما اشتمل عليلله كتللابه هللذا مللن مغالطللات وتمويهللات‬
‫وتلبيسات‪ ،‬رأيت أن أرد عليه بالسلوب العلمي‪ ،‬والحجة الناصعة‪ ،‬من‬
‫الكتاب والسنة وأقوال سلللف المللة‪ ،‬بعيللدًا عللن المهللاترات‪ ،‬والكلمللات‬
‫النابيللة الللتي وردت فللي كتللاب المؤلللف وأشللرطته‪ ،‬لن الغللرض هللو‬
‫الوصول إلى الحق‪ ،‬وقد قال المام ابن جرير الطبري ‪ -‬فللي رده علللى‬
‫منكري الرؤيللة‪" :-‬إنببه ل يوجبد لهببم دليبل علبى دعبواهم‪ ،‬ل آيبة مببن‬
‫التنزيببل محكمببة‪ ،‬ول روايببة عببن رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم‬
‫صحيحة ول سقيمة")‪.(3‬‬
‫)( تفسير ابن جرير ‪.7/303‬‬ ‫‪3‬‬

‫قلت‪ :‬ومن الساليب الجديدة والخبيثة للهجوم على علماء السلف وتشويه عقائدهم‬
‫الدعوى عليهم بأن عقيدتهم هي التفويض والتأويل في آيات الصفات‪ ،‬كللذبًا وافللتراء‬
‫للتشويش على الناشئة من شباب المسلمين‪ ،‬ظّنلا منهلم أن تلبيسلهم للن ُيكشلف‪ .‬كملا‬
‫صنع المدعو‪ :‬محمد عادل عزيلزة الللذي نسلب للملام الحلافظ ابللن كللثير مللن أئمللة‬
‫السلف‪ ،‬التفويض والتأويل في رسالته بعنوان»عقيلدة الملام الحلافظ ابلن كلثير ملن‬
‫أئمللة السلللف الصللالح فللي آيللات الصللفات«‪.‬وقللد كشللف تلللك المغالطللات‪ ،‬الللدكتور‬
‫عبدالرزاق بن عبدالمحسن العبللاد البللدر فللي رسللالته )تنبيهللات علللى رسللالة محمللد‬
‫عزيزة في الصفات( طبع دار الفتح بالشارقة سللنة ‪1414‬هلل كمللا دحللض قبللل ذلللك‬
‫دعوى حسن بن علللي السللقاف مللن أن تقسلليم التوحيللد إلللى توحيللد ألوهيللة وتوحيللد‬
‫وإن هذا الكتاب المؤلف والمطبللوع عللام ‪‍1409‬ه لحمللد بللن حمللد‬
‫الخليلللي الباضللي الللذي خصصلله لثبللات عقيللدته فللي هللذه المسللائل‬
‫حّرف لجلها نصوص الكتلاب والسللنة لتنسلجم ملع عقيلدة‬ ‫الثلث‪ ،‬وقد َ‬
‫الباضية‪ ،‬والجهمية‪ ،‬والمعتزلة‪ ،‬والمامية الشيعة الرافضة‪ ،‬ورّده لمللا‬
‫في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخللدري رضللي‬
‫ال عنهما‪ ،‬علن رسللول الل صلللى الل عليله وسلللم‪ ،‬وقببوله‪ :‬إن الخللذ‬
‫بظاهرها يرّده العقل‪ ،‬ويكّذبه البرهان ‪ -‬هكذا يقول كمللا فللي ص ‪- 56‬‬
‫يللبين للقللارئ الكريللم أن تلللك العقللائد الفاسللدة‪ ،‬لللم تكللن تحللت الللتراب‪،‬‬
‫وليست هللي مشللكلت تأريخيللة عفللا عليهللا الزمللن كمللا يقللول الللدكتور‬
‫القرضاوي‪ ،‬وإنما هي مشلكلت معاصلرة يعيلش أهلهلا فللوق اللتراب‪،‬‬
‫وهم دعاة لها يجهرون بها في محاضراتهم‪ ،‬وفي كتبهللم الللتي يؤلفونهللا‬
‫وينشللرونها بيللن النللاس‪ ،‬غيللر مبللالين بمللن يتنللازلون عللن عقللائدهم‬
‫الصحيحة السللليمة مللن أجللل وهللم توهمللوه‪ ،‬وسللراب ظنللوه ملاًء‪ ،‬فللإذا‬
‫جاؤوه لم يجدوه شيئًا‪.‬‬
‫أما الرد فسيكون على القضايا الثلث علببى حسببب ترتيبهببا فببي كتبباب‬
‫المؤلف وهي‪:‬‬
‫‪-1‬إنكاره رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة‪.‬‬
‫‪-2‬القول بخلق القرآن‪.‬‬
‫‪-3‬اعتقاده تخليد الفساق في النار‪.‬‬
‫وقللد أسللميت الللرد بللل )الرد القتتويم البتتالغ‪ ،‬علتتى كتتتاب‬
‫الخليلي المسمى بالحق الدامغ(‪.‬‬

‫ربوبية وتوحيد أسماء وصفات تثليث‪ ،‬بكتابه »القول السديد في الرد على مللن أنكللر‬
‫تقسيم التوحيد« طبع دار الغرباء بالمدينللة سللنة ‪1414‬هلل فبحمللد الل ومّنلله وفضللله‬
‫وكرمه‪ ،‬أن أهل الحق للباطل وأهله بالمرصاد‪.‬‬
‫وقبل البدء في مناقشة القضية الولى كما يسميها المؤلف وهي‪:‬‬
‫‪-1‬إنكار رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامببة فببي جنببات النعيببم‪ .‬كمببا‬
‫في ص‪.21:‬‬
‫وقبل الدخول في ذكر أدلة النافين والمثبتين ومناقشتها وبيان الحللق‬
‫فيها بدليله من الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح‪ ،‬ينبغللي أن نللذكر مللا‬
‫جرت عليه عادة العلمللاء فللي القضللايا العلميللة المتنللازع فيهللا ولسلليما‬
‫القضللايا العقديللة‪ ،‬بللأن يكللون للمتنلازعين مرجللع يحكللم بينهللم فللي تلللك‬
‫القضللية المختلللف فيهللا لقللوله تعللالى‪} :‬يا أيها الذين آمنللوا‬
‫أطيعوا الللله وأطيعللوا الرسللول وأولللي المللر‬
‫منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الللله‬
‫والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الخللر‬
‫ذلك خير وأحسن تأويل ً{ ]النساء‪.[59:‬‬
‫فرّدنا للقضايا المتنازع فيها في العتقللاد وغيللره إلللى الكتللاب والسللنة‬
‫أخذًا بهذه الية‪.‬‬
‫ومن الغريب حقًا أن المؤلف الخليلي دعا إلى هللذا الصلل العظيللم إل‬
‫أنه خالفه عند التطبيق‪.‬‬
‫فقد قال في )ص ‪ (6‬من المقدمة ‪ -‬وهو يتألم للخلف الذي صللار بيللن‬
‫هذه المة بعد أن دعاها ال عز وجللل إلللى العتصللام بحبللله ونهاهللا عللن‬
‫التفرق والختلف‪ ،‬فذكر قوله تعالى‪} :‬واعتصموا بحبل الللله‬
‫جميعا ً ول تفرقوا{ ]آل عمران‪.[103:‬‬
‫وقلللوله‪} :‬ول تكونوا كالذين تفرقللوا واختلفللوا‬
‫من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهللم عللذاب‬
‫عظيم{ ]آل عمران‪.[105:‬‬
‫وقوله‪} :‬ول تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكللم{‬
‫]النفال‪.[46 :‬‬
‫ثم قال‪) :‬فإنها مع ذلك لم تسلم من هذا الداء العضللال الللذي أصللاب‬
‫غيرها من المم‪ ،‬غيللر أن ال ل سللبحانه اختصّللها بللأن حفللظ لهللا كتابهللا‬
‫المنزل عليها مللن تحريللف العللابثين‪ ،‬وتبللديل المنللاوئين؛ تحقيقلًا لوعللده‬
‫الصادق‪} :‬إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحللافظون{‬
‫]الحجر‪.[9:‬‬
‫ومكن لها من معرفة الصحيح الثابت من سنة رسوله عليه الصلللة‬
‫والسلم‪.‬‬
‫وجعل لها مخلصًا من الشقاق والنزاع بالحتكام إلللى ال ل ورسللوله‬
‫حيلللث قلللال‪} :‬فإن تنازعتم في شيء فللردوه إلللى‬
‫الله والرسول إن كنتم تؤمنللون بللالله واليللوم‬
‫الخر ذلك خير وأحسن تأويل ً{ ]النساء‪.[59:‬‬
‫قال‪) :‬ول يكون الحتكام إلى الل إل بللالرجوع إلللى كتللابه فتسللتلهم‬
‫منه الحقيقة‪ ،‬ويستبان به الحق‪ ،‬وكذلك الحتكام إلى رسللوله صلللى ال ل‬
‫عليه وسلم ل يعني إل الرجوع إلى سنته الثابتة الصحيحة(‪.‬‬
‫ثم قال‪) :‬ومع وجللود هللذا المخّلللص الللذي أمرنللا بللأن نفللزع إليلله مللن‬
‫كوارث الختلف‪ ،‬فإن الخلف لم يزل والشقاق لم يستأصللل‪ ،‬فقللد ُتللؤول‬
‫الكتاب تأولت شتى لم تستمد إل من الللوهم‪ ،‬ولللم تسللتلهم إل مللن الهللوى‪،‬‬
‫وكذلك السنة‪ ..‬الخ( ص‪.7:‬‬
‫وأقول للقارئ الكريم‪ :‬إن هذا الكلم الللذي يظهللره المؤلللف الخليلببي‬
‫للقارئ من أجل أن يظللن أنلله يريللد الحللق الللذي يثبتلله الللدليل مللن الكتللاب‬
‫والسنة‪ ،‬والحقيقة إنما هو تمويه وتضليل وتلللبيس علللى القللارئ‪ ،‬وسللترى‬
‫أنه هو الذي أّول آيات الكتاب للهوى‪ ،‬ورّد الحديث الصحيح في البخللاري‬
‫ومسلم‪ ،‬حيث قال في حديث أبي هريرة وأبللي سللعيد الخللدري ولفظهمللا‪:‬‬
‫أن ناسًا في زمن رسول ال صلى ال عليه وسلم قالوا‪» :‬يا رسببول ال ب‬
‫هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الب صبلى الب عليببه وسبلم‪ :‬نعببم‪.‬‬
‫قال‪ :‬هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوًا ليس معها سحاب؟‬
‫وهل تضارون فببي رؤيببة القمببر ليلببة البببدر صببحوًا ليببس فيهببا سببحاب؟‬
‫قالوا‪ :‬ل يارسول ال‪ .‬قال‪ :‬ما تضارون في رؤية ال تبارك وتعببالى يببوم‬
‫)‪(4‬‬
‫القيامة إل كما تضارون في رؤية أحدهما«‬
‫ثم قال المؤلببف الخليلببي بعد أن ذكللر ذلللك فللي ص ‪) :56‬وأنللت أيهللا‬
‫القارئ الكريم تدرك ببصيرتك أن الخذ بظللواهر النصلوص يفضللي إللى‬
‫ما يرده العقل ويكذبه البرهان(‪.‬‬
‫وأنببا إنمببا نقلببت كلمببه هببذا هنببا ليعببرف القبارئ تلبيسببه وتدليسببه‪،‬‬
‫وسيظهر للقراء كثير من مغالطاته‪.‬‬
‫وبما أن المؤلف الخليلي قد التزم بالتحاكم إلللى الكتللاب والسللنة‪ ،‬كمللا‬
‫تقللدم‪ ،‬ثللم اشللترط فللي ص‪ ،229:‬بللأن يكللون الحللوار مدروس لًا مللن كللل‬
‫الجوانب وأنه ل يستنكف من ذلك‪ ،‬فإني أضيف إلى تأصيله واشتراطه ما‬
‫نص عليه ال عز وجل في كتابه‪ ،‬ودعا العباد إليلله‪ ،‬وح لّذر أشللد التحللذير‬
‫من تولى عن ذلك‪ ،‬أل وهو اتباع سبيل المللؤمنين‪ ،‬وهللم بالدرجللة الولللى‬
‫أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ومن سللار علللى نهجهللم‪ ،‬والللتزم‬
‫آثارهم‪ ،‬فهم الطائفة الناجية المنصورة كما وصفهم رسول ال ل صلللى ال ل‬
‫عليه وسلم بذلك حينمللا ذكللر أن هللذه المللة سللتفترق علللى ثلث وسللبعين‬
‫فرقة كلها في النار إل واحدة‪ ،‬فلما سئل عنها قال‪» :‬هي من كان علببى مببا‬
‫أنا عليه وأصحابي« )‪.(5‬‬

‫‪ ()4‬البخاري ‪ /‬التفسير ح)‪(4581‬؛ ومسلم‪ /‬اليمان‪ ،‬معرفة طريق الرؤية ح)‪.(183‬‬


‫‪ () 5‬ابن أبي عاصم في السنة ح)‪ (63‬وهو في سلسلللة الحللاديث الصللحيحة لللبللاني‬
‫قال ال تعالى في ذلك‪} :‬ومن يشاقق الرسللول مللن‬
‫بعللد مللا تللبين للله الهللدى ويتبللع غيللر سللبيل‬
‫المؤمنين نوّله ما توّلى وُنصله جهنم وسللاءت‬
‫مصيرا ً{ ]النساء‪.[115:‬‬
‫فلبّد في قضية التحاكم في المسائل العقدية وفي غيرها مللن التكللاليف‬
‫الشرعية‪ ،‬دقيقها وجليلها‪ ،‬من اتباع سبيل المؤمنين‪ ،‬في فهمهللم لنصللوص‬
‫الكتاب والسنة؛ فإن الصللحابة رضللوان الل عليهلم قلد حضللروا التنزيللل‪،‬‬
‫وسمعوا ملن رسلول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقللد صللدرت منهللم أقللوال‬
‫في هذه المسائل العقدية‪ ،‬ففهمهم مقدم على فهم غيرهم‪ ،‬وفقههم مقدم علللى‬
‫فقه غيرهم‪ ،‬فاتباع سبيلهم فيه النجاة‪ ،‬ومخالفة سبيلهم فيه الهلك والوعيللد‬
‫الشديد‪ ،‬كما في هذه الية الكريمة ونظائرها‪.‬‬
‫وعلللى ضوء هذه الصول فإنني أبدأ بمناقشللة المؤلللف فللي مقدمللة‬
‫كتابه من )ص ‪ (22-7‬فقد وردت فيها قضايا مهمة يجب كشفها‪ ،‬وبيللان‬
‫ما جاء فيها من مغالطللات وتمويهللات‪ ،‬وتكفيللر لهللل السللنة والجماعللة‬
‫ص بالذكر منهللم المللام الهمللام ابللن القيللم‪ ،‬كمللا‬
‫بأسلوب مخادع‪ ،‬وقد خ ّ‬
‫عّرض بابن تيميللة‪ ،‬وقبلهمللا بالمللام أحمللد رحمهللم الل جميعلًا وإن لللم‬
‫ينص على تكفيرهما‪.‬‬
‫يقول المؤلف الخليلي ص‪ 7 :‬وهو ينعي على الفرق المختلفة‪ ،‬وعلى‬
‫تعصب الجماهير لقوال أئمتهم؛ بحيث تجعل كل طائفة قول إمامها أص ً‬
‫ل‬
‫تطّوع له الدللة المخالفللة لله‪ ،‬بكلل ملا تخللترعه ملن التلأويلت المتكلفلة‪،‬‬
‫فتللوزعت بللذلك المللة شلليعًا وأحزابللًا }كل حزب بما لللديهم‬
‫فرحون{ ]الروم‪ .[32 :‬إل طائفته التي ينتسب إليها الباضية حيث قال‬

‫ح)‪.(1492‬‬
‫بعد ذلك‪) :‬ولست أبالغ إن قلت‪ :‬إن الباضلية – أهلل الحلق والسلتقامة –‬
‫تمتاز عقيدتهم وتتسم طريقتهم في فهم أصول الدين بثلثة أمور‪:‬‬
‫‪ -1‬سلمة المنزع‪ ،‬فإنهم جمعوا بين صحيح النقل وصريح العقل‪ ،‬فلللم‬
‫يضربوا بالنصوص الصحيحة عرض الحائط‪ ،‬كما صنع أصحاب‬
‫المدرسة العقليللة اللذين جعلللوا عقلهلم أقلدس وأسللمى مملا جللاء بلله‬
‫النبيون‪.‬‬
‫‪ -2‬عببدم التعصببب لئمتهببم تعصللبًا يجعلهللم يتصللاّمون عللن النقللول‬
‫الصحيحة‪ ،‬كما نجد ذلك عند كثير من المتفقهة والمتكلمين‪.‬‬
‫ثم مثل بالصاوي – فقببال‪) :‬ومللن أبشللع مللا وجللدناه فللي ذلللك قللول‬
‫العلمة الصاوي في حاشيته على تفسير الجللين حيث قللال‪» :‬ول‬
‫يجللوز تقليلد ملا علدا الملذاهب الربعللة وللو وافلق قلول الصلحابة‬
‫والحديث الصحيح والية‪ ،‬فالخللارج عللن المللذاهب الربعللة ضللال‬
‫مضللل‪ ،‬وربمللا أداه ذلللك إلللى الكفللر؛ لن الخللذ بظللواهر الكتللاب‬
‫والسنة من أصول الكفر«)‪) (6‬ص ‪.(9‬‬
‫‪ -3‬المرونة والتسامح في معاملة فرق المة … إذ لم يتجرؤوا علللى‬
‫إخللراج أحللد مللن الملللة‪ ،‬وقطللع صلللته بهللذه المللة مللا دام يللدين‬
‫علم من الدين بالضرورة(‪.‬‬ ‫بالشهادتين‪ ،‬ول ينكر شيئًا مما ُ‬
‫هكذا يقول –مع حكمه على الفساق بلالخلود فللي النللار– ثببم قببال مؤكببدًا‬
‫قوله هذا‪) :‬ومن هذا المنطلق صدر ذلك العلن المنصف الذي رسللم مبللدأ‬
‫)الباضية( ونظرتهم إلللى المللة ملن أشللهر قللائد إباضللي‪ ،‬وهللو أبللو حمللزة‬
‫المختار بن عوف السلمي في خطبته التي ألقاها على منبر رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬فأصاخ لها الدهر‪ ،‬وسجلها الزمن‪ ،‬وخّلدها التأريللخ؛ إذ قللال‬
‫فيها‪ :‬الناس مّنا ونحن منهم إل ثلثة‪:‬‬
‫)( حاشية الصاوي على تفسير الجللين ‪ 3/10‬ط دار إحياء التراث العربي‪.‬‬ ‫‪6‬‬
‫‪ -1‬مشرك بال عابد وثن‪.‬‬
‫‪ -2‬أو كافر من أهل الكتاب‪.‬‬
‫‪ -3‬أو إمام جائر؟ )‪ ((7‬ص ‪.10‬‬

‫)( المرجع الذي اعتمد عليلله الخليلللي‪ :‬أبلو الفلرج الصللبهاني‪ ،‬الغللاني ‪ 2/104‬ط‬ ‫‪7‬‬

‫بولق‪.‬‬
‫)مناقشة ما سبق ذكره من المقدمة(‬

‫وهو‪:‬‬
‫أوًل‪ :‬دعوة المؤلف لجمع كلمة المة لدللببة النصببوص مببن كتبباب‬
‫ال على ذلك‪ ،‬وقد أورد آيات في ذلك سبق ذكرها‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬تألمه لتفرق المة واختلفها مع وجود النصوص مببن كتبباب‬
‫ال التي تنهى عن ذلك‪ ،‬ثم أورد بعضًا منها وسبق ذكرها‪.‬‬
‫ثالثًا‪َ :‬مْقته للتعصب المذهبي ومثل لذلك بالصاوي‪.‬‬
‫رابع بًا‪ :‬ثنبباؤه علببى طببائفته – الباضببية – وسببلمة منزعهببم فببي‬
‫استدللهم في أصول الدين‪ ،‬وعبدم تقديسببهم للعقبل كمببا فعببل أصببحاب‬
‫المدرسة العقلية‪ ،‬ويعني بهبم المعتزلبة‪ ،‬وأنهبم لبم يخرجبوا أحبدًا مبن‬
‫الملة ما دام يدين بالشهادتين‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬إعلن قائدهم الشهير‪ ،‬الذي ساوى فيه بين المام الجببائر‬
‫ولو كان مسلمًا‪ ،‬والمشرك عابد الوثن والكببافر مببن أهببل الكتبباب‪ ،‬فببي‬
‫البراءة منه‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬إن ما دعا إليلله المؤلللف فللي الفقللرة الولللى والثانيللة‪ ،‬وهللو‬
‫جمع كلمة المة على الحق والهدى‪ ،‬وهو ما جاء فللي كتللاب الل وسللنة‬
‫رسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬هللو مطلللب أهللل الحللق مللن المللة‪ ،‬وهللو‬
‫الذي تسعى إلى تحقيقه الطائفة المنصورة أهل السللنة والجماعللة‪ ،‬الللتي‬
‫سلكت مسلك أصحاب رسللول الل صلللى الل عليله وسلللم فللي العقيللدة‪،‬‬
‫والعبادة والمعاملت والسلوك‪ ،‬بالقول والفعل‪.‬‬
‫أما المؤلف الخليلي فإنه يدعو لجمع الكلمة بالقول فقللط‪ ،‬ثللم ينقللض‬
‫تلك الدعوى بفعله‪ ،‬في كتابه هذا الذي جمع فيه بين المتناقضات‪ ،‬وإليك‬
‫تفصيل ذلك‪:‬‬
‫أوًل‪ :‬حكم المؤلف الخليلي على عصاة المسلمين بالخلود في النللار‪،‬‬
‫يعتقد ذلك ويقرره ويدعو إليه‪ ،‬ويقللول‪ :‬إن هلذا هللو ملذهب أهلل الحلق‬
‫والستقامة –الباضية‪ ،‬الذين – كما يببدعي – يأخذون بالنصللوص مللن‬
‫كتاب ال‪ ،‬والثابت من الحللديث علن النلبي صللى الل عليله وسللم‪ ،‬ول‬
‫يقدمون عقولهم عليها كما يفعلل أصللحاب المدرسللة العقليلة‪ ،‬كمللا سلبق‬
‫نقل ذلك عنه‪.‬‬
‫فهل هذا يدعو لجمع كلمة المللة أو يللدعو لفرقتهللا وتشللتيتها؟ وهللل‬
‫يوجد في المة معصوم من الخطأ غير الرسل والنبياء؟‪.‬‬
‫ولهذا نقول له‪ :‬فأين التسللامح الللذي امتلازت بله طلائفته الباضلية‪،‬‬
‫كما جاء في دعوى المؤلف ‪ -‬الفقرة الثالثة – في قوله‪ :‬إن مما امتللازت‬
‫به عقيدة الباضية التسامح في معاملة سائر فرق المة‪ ،‬إذ لم يتجللرؤوا‬
‫علللى إخللراج أحللد مللن الملللة وقطللع صلللته بهللذه المللة مللا دام يللدين‬
‫بالشهادتين‪ ..‬الخ‪.‬‬
‫فنقللول‪ :‬وأي قطللع لصلللة المللة أكللثر مللن الحكللم علللى مللن يللدين‬
‫بالشهادتين بالخلود في النار‪ ،‬لنلله ارتكللب بعللض المعاصللي‪ ،‬مخللالفين‬
‫بقولكم هذا قول ال عز وجل‪} :‬إن الله ل يغفر أن يشرك‬
‫به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء …{ ]النساء‪.[116 :‬‬
‫وما ثبت في الصحيح من حديث أبي ذر رضي ال ل عنلله مللن قللول‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬ولفظه‪» :‬مببا مببن عبببد قببال‪ :‬ل إلببه إل‬
‫الب ثببم مببات علببى ذلببك إل دخببل الجنببة‪ ،‬قلببت‪ :‬وإن زنببى وإن سببرق؟‬
‫كررها ثلثًا‪ ،‬ثم قال في الرابعة‪ :‬على رغم أنف أبببي ذر‪ ،‬قببال‪ :‬فخببرج‬
‫أبو ذر وهو يقول‪ :‬وإن رغم أنف أبي ذر«)‪.(8‬‬
‫قلت‪ :‬ووجه الستدلل بهذا الحديث‪ ،‬أن من مات على التوحيد غير‬
‫مشرك بال‪ ،‬وإن ارتكب الكبائر من المعاصي كالزنا والسرقة‪ ،‬فللإنه ل‬
‫يخلد في النار‪ ،‬بل مآله إلى الجنة بعد تطهيره من ذنوبه‪ ،‬إن لم يعفو ال‬
‫عنه من أول وهلة‪ ،‬وعلى ذلك إجماع أهل السنة والجماعة لدللللة هللذه‬
‫النصللوص علللى ذلللك‪ ،‬وأّنلله ل يخلللد فللي النللار إل الكللافر‪ ،‬والمشللرك‬
‫الشللرك الكللبر المخللرج مللن الملللة‪ ،‬والمنللافق النفللاق العتقللادي الللذي‬
‫يظهر السلم ويبطن الكفر‪ .‬وسيأتي مناقشة هذه المسللألة عنللد الحللديث‬
‫عنها‪ ،‬لن المؤلف أفردها ببحث مستقل في كتابه هذا‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬استدلل المؤلف الخليلي على تسامح طائفته الباضللية بقللول‬
‫أشهر قائد إباضي – كما يقول – وهذا القائد هو أبو حمزة المختار ابللن‬
‫عوف السلمي‪ ،‬في خطبته التي نقلها من كتاب الغاني كمللا تقللدم ذلللك‪،‬‬
‫وقد جاء في تلك الخطبة قوله‪ :‬إن الناس منا ونحن منهم إل ثلثة‪:‬‬
‫‪ -1‬مشرك بال عابد وثن‪.‬‬
‫‪ -2‬أو كافر من أهل الكتاب‪.‬‬
‫‪ -3‬أو إمام جائ‍ر!‬
‫قال‪ :‬وقد مشى الباضية في هذا النهج السليم‪ ،‬والتزموا هللذا المبللدأ‬
‫القويم‪ ..‬الخ ما قال عنه ص‪.10 :‬‬
‫سْير الباضية علللى نهجهللا‬ ‫وأقول‪ :‬إن هذه الخطبة وتقرير المؤلف َ‬
‫قد أظهر عقيلدة المؤلللف وطلائفته الباضلية فلي أئملة المسلللمين‪ ،‬وهلو‬
‫الحكللم علللى المللام الجللائر بللالكفر‪ ،‬لنلله ذكللر فللي خطبتلله هللذه بللراءة‬
‫الباضية من ثلثة أصناف من الناس‪ ،‬وأنهم ليسوا منهم‪ ،‬ومنهم المللام‬
‫‪ ()8‬البخاري ‪/‬اللباس‪.‬ح)‪ ،(5827‬ومسلم‪ /‬اليمان‪،‬ح)‪. (94‬‬
‫الجائر حيث قرنله بالمشللرك عابلد الللوثن‪ ،‬وبالكلافر ملن أهللل الكتلاب‪،‬‬
‫وهذا هو مذهب الخوارج‪ ،‬والمؤلف يبين بهللذا أنلله منهللم‪ ،‬وهللذه أيض لًا‬
‫عقيدة من اعتز بهم‪ ،‬وهم المعتزلة‪ ،‬الللذين جعلللوا عقيللدتهم مبنيللة علللى‬
‫أصول خمسة هي‪ :‬التوحيد‪ ،‬والمراد عندهم نفي الصفات عللن ال ل عللز‬
‫وجل‪ ،‬ومنها المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬والمراد به الخللروج‬
‫على أئمة المسلمين إذا جاروا وظلموا‪ ،‬ثم الحكم علللى مرتكللب الكللبيرة‬
‫بالخلود في النار‪ ،‬وهو أحد الصللول الخمسللة المسللمى بإنفللاذ الوعيللد‪،‬‬
‫كمللا هللو مللذهب المؤلللف‪ ،‬والمعتزلللة كمللا هللو معلللوم مللن أصللولهم‬
‫وعقيدتهم تقديم العقل على نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬وقد عللاب المؤلللف‬
‫مذهب المعتزلللة بقللوله‪ :‬إنهللم أصللحاب المدرسللة العقليللة الللذين جعلللوا‬
‫العقل أسمى وأقدس وأصح وأثبللت ممللا جللاء بلله النللبيون عللن الل عللز‬
‫وجل‪ ،‬وأن طائفته الباضية ل يأخذون إل بالنصوص فللي بللاب العقللائد‬
‫ص ‪.8‬‬
‫فإذا كان المؤلف الخليلي يقرر أن الباضللية مشللوا علللى نهللج أبللي‬
‫حمزة المختار وأنه المنهج السليم‪ ،‬وكما رأينا في ذلك المنهج أنلله قللرن‬
‫بين المشرك عابد الوثن والكللافر مللن أهللل الكتللاب‪ ،‬والجللائر مللن أئمللة‬
‫المسلمين‪ ،‬في الحكم والبراءة من الجميع‪.‬‬
‫فنقول‪ ،‬للمؤلف الخليلي ‪ :‬فما قولك في النصوص الثابتة مللن السللنة‬
‫التي قلت‪ :‬إن الحتكام إلى الرسول صلللى الل عليلله وسلللم ل يعنللي إل‬
‫الرجوع إلى سنته الثابتة الصحيحة‪.‬‬
‫سّلم أن ما رواه البخاري ومسلم عن رسول ال ل صلللى ال ل‬ ‫ت ُت َ‬
‫س َ‬
‫َأَفَل ْ‬
‫عليه وسلم صحيحًا‪ ،‬إن كان المر كللذلك‪ ،‬ول أظنللك تخللالف فللي هللذا‪،‬‬
‫فما رأيك في الحاديث التالية الللتي تحلّدث فيهللا رسللول الل صلللى الل‬
‫عليلله وسلللم عللن أئمللة الجللور‪ ،‬حيللث أمللر بالسللمع والطاعللة لهللم فللي‬
‫المعروف وعدم الخروج عليهم‪.‬‬
‫ففي الصحيحين‪» :‬على المرء المسلم السبمع والطاعبة فيمبا أحبب‬
‫وكره إل أن يؤمر بمعصية‪ ،‬فإن أمر بمعصية فل سمع ول طاعة«)‪.(9‬‬
‫وفيهما عن ابن عباس أيضًا قال‪ :‬قللال رسللول الل صلللى الل عليلله‬
‫وسلللم‪» :‬مببن رأى مببن أميببره شببيئًا يكرهببه فليصبببر‪ ،‬فببإنه مببن فببارق‬
‫الجماعة شبرًا فمات فميتته جاهلية«)‪.(10‬‬
‫وما رواه مسلم مللن حللديث عللوف بللن مالللك رضللي الل عنلله عللن‬
‫رسول ال صلى ال عليلله وسلللم قللال‪» :‬خيببار أئمتكببم الببذين تحبببونهم‬
‫ويحبونكم‪ ،‬وتصببلون عليهببم ويصببلون عليكببم‪ ،‬وشببرار أئمتكببم الببذين‬
‫تبغضونهم ويبغضونكم‪ ،‬وتلعنونهم ويلعنونكم« فقلنا‪ :‬يببا رسببول البب‪،‬‬
‫أفل ننابذهم بالسيف عند ذلك؟ قببال‪» :‬ل‪ .‬مببا أقبباموا فيكببم الصببلة‪َ ،‬أل‬
‫َمن ولي عليه وال فرآه يأتي شيئًا من معصية ال فليكره ما يببأتي مببن‬
‫معصية ال‪ ،‬ول ينزعن يدًا من طاعة«)‪ .(11‬وغيرهللا فللي هللذا المعنللى‬
‫كثير‪.‬‬
‫هكذا أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم بطاعة الولة وإن جللاروا‬
‫وارتكبوا المعاصي؛ فلإن إثلم ذللك عليهلم‪ ،‬ويجللب نصلحهم وإرشللادهم‬
‫وتذكيرهم في خاصة أنفسهم‪ ،‬والدعاء لهم بالصلللح؛ لمللا يللترتب علللى‬
‫الخروج عليهللم مللن المفاسللد العظيمللة الللتي فيهللا سللفك الللدماء‪ ،‬وهتللك‬
‫العراض‪ ،‬أضعاف ما يحدث من جورهم ولهذا جاءت السللنة بالتشللديد‬
‫في لزوم طاعتهم وإن جاروا‪ ،‬إل أن يرتكبوا كفللرًا بواحلًا فيلله مللن ال ل‬

‫)( البخاري‪ /‬الحكام‪،‬ح)‪ (7144‬و مسلم‪/‬المارة ح)‪.(1839‬‬ ‫‪9‬‬

‫)( البخاري‪ /‬الحكام‪،‬ح)‪ (7143‬ومسلم‪ /‬المارة‪،‬ح)‪.(1849‬‬ ‫‪10‬‬

‫)( مسلم‪ /‬المارة ح)‪.(1855‬‬ ‫‪11‬‬


‫برهللان‪ ،‬ويمكللن مللع ذلللك إزالتهللم مللن غيللر ترتللب مفاسللد أعظللم مللن‬
‫جورهم‪.‬‬
‫فقد روى البخللاري ومسلللم عللن عبللادة بللن الصللامت قللال‪» :‬دعانببا‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم فبايعناه‪ ،‬ففيمببا أخببذ علينببا أن باَيعَنببا علببى‬
‫السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا‪ ،‬وأثببرة علينببا‪،‬‬
‫وأن ل ننازع المر أهله‪ ،‬إل أن تروا كفرًا بواحبًا عنببدكم مببن الب فيببه‬
‫برهان«)‪.(12‬‬
‫فهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة في هذا الباب‪.‬‬
‫يقول المام الطحاوي‪:‬‬
‫)ول نببرى الخببروج علببى أئمتنببا وولة أمورنببا‪ ،‬وإن جبباروا‪ ،‬ول‬
‫ندعوا عليهم‪ ،‬ول ننزع يدًا من طاعتهم‪ ،‬ونرى طاعتهم من طاعة ال‬
‫عببز وجببل فريضببة مببا لببم يببأمروا بمعصببية‪ ،‬ونببدعوا لهببم بالصببلح‬
‫والمعافاة)‪.((13‬‬
‫وإذا كان المر كذلك فنقول للمؤلللف الخليلللي مللا موقفللك مللن هللذه‬
‫النصوص المتضمنة المر بطاعة الئمة مللن ولة المللر وإن جللاروا‪،‬‬
‫وارتكبوا المعاصي؟‬
‫ل سيما وأنت قد ألزمت نفسك بالرجوع عند التنازع إلى كتاب ال‪،‬‬
‫وسنة رسوله‪ .‬وأن الرجوع إلى الرسول صلى ال عليه وسلللم ل يعنللي‬
‫إل الرجوع إلى سنته الصحيحة الثابتة‪ .‬وقد أوردنا السنة الصحيحة من‬
‫صحيحي البخاري ومسلم والتي فيها المر بطاعتهم وإن جاروا‪.‬‬
‫فهل المنهج السليم‪ ،‬والمبدأ القويم ما جاء به رسللول ال ل صلللى ال ل‬
‫طّبَقُه أهل السللنة والجماعللة‪ ،‬للحفللاظ علللى مصلللحة المللة‬ ‫عليه وسلم و َ‬

‫‪ () 12‬البخاري‪ /‬الفتن‪/‬ح)‪ (7056‬ومسلم‪ /‬المارة ح)‪.(1709‬‬


‫‪ ()13‬شرح الطحاوية‪:‬ص ‪.379‬‬
‫وجمع كلمتها‪ ،‬ثم نصح الئمة وإرشادهم إلى ما فيه صللحهم وصلللح‬
‫رعيتهم‪ ،‬كما جاء فللي صللحيح مسلللم قللال رسللول الل صلللى الل عليلله‬
‫وسلللم‪»:‬الببدين النصببيحة‪ ،‬ثلثبًا‪ ،‬قلنببا لمببن يببا رسببول البب؟ قببال‪ :‬لبب‪،‬‬
‫)‪(14‬‬
‫ولكتابه ولرسوله‪ ،‬ولئمة المسلمين وعامتهم«‬
‫أو ما جللاء فللي خطبللة أشللهر قللائد إباضللي‪ ،‬جللاء بمللا يخللالف قللول‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث قال ذلك القائد‪ :‬النللاس منللا ونحللن‬
‫منهم إل ثلثة‪:‬‬
‫‪-1‬مشرك عابد وثن‪.‬‬
‫‪-2‬أو كافر من أهل الكتاب‪.‬‬
‫‪-3‬أو إمام جائر؟‬
‫فهل يصح لك بعد ثبوت السنة بطاعة المام الجائر‪ ،‬مللا دام يصلللي‬
‫ولم يرتكب كفرًا بواحًا فيه مللن الل برهللان‪ ،‬أن تأخللذ بقللول هللذا القللائد‬
‫الباضي‪ ،‬فتتبرأ من المام الجلائر وتجعلله كعابلد اللوثن‪ ،‬والكلافر ملن‬
‫أهل الكتاب؟‪.‬‬
‫فهل هذا نهج سليم ومبدأ قويم؟ وهو يخالف صراحة هذه الحاديث‬
‫الصحيحة عن رسول ال صلى ال عليلله وسلللم‪ ،‬فللي أصللح كتللاب بعللد‬
‫كتاب ال بإجماع المسلمين أهل السنة والجماعة؟‪.‬‬
‫ولكن المؤلف الخليلي يذهب إلللى أبعللد مللن ذلللك فيصللدر الحكللام‬
‫على غير طائفته‪ ،‬الحكام التي هي ل ولرسوله صلى ال عليلله وسلللم‪،‬‬
‫سللقه أو يبلّدعه بهللواه‪ ،‬وإنمللا‬‫إذ ل يجللوز لمسلللم أن يكّفللر مسلللمًا‪ ،‬أو يف ّ‬
‫الحكم في ذلك إلى ال ورسوله للوعيد الشديد لمن قال على ال بل علم‪.‬‬
‫فال يقللول‪} :‬ول تقف ما ليس لللك بلله علللم …{‬
‫]السراء‪.[36:‬‬

‫‪ ()14‬مسلم ‪/‬اليمان ح)‪.(55‬‬


‫ويقول‪} :‬ول تقولوا لما تصف ألسنتكم الكللذب‬
‫هذا حلل وهذا حرام لتفتروا على الله الكللذب‬
‫إن الذين يفترون على الله الكذب ل يفلحون{‬
‫]النحل‪.[116:‬‬
‫وفي الصحيحين من حديث عبد ال بن عمر‪ ،‬أن رسول اللل صلللى‬
‫ال عليه وسلللم قللال‪» :‬مببن قببال لخيببه يببا كببافر إن لببم يكببن كببذلك وإل‬
‫رجعت عليه« )‪.(15‬‬
‫ولكن ملاذا يقلول المؤلللف الخليللي فلي )ص‪ ،(11:‬وهللو يلّدعي أن‬
‫الباضية – وهم أهل الحق والسللتقامة كمللا يقللول –‪) :‬قللد مشللوا علللى‬
‫قاعدة التسامح في حكمهم على طللوائف المللة الللتي زاغللت عللن الحللق‬
‫وجانبت الحقيقة في معتقللدها‪ ،‬قللال‪ :‬ولللذا فلللم يحكمللوا بشللرك المشللبهة‬
‫وخروجهم على الملة(‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهل تعلم أيها القارئ الكريم من هم المشبهة عند المؤلف؟‬
‫إنه يقصد بالمشبهة أهل السنة والجماعة الذين أثبتللوا لل عللز وجللل‬
‫ما أثبته لنفسه من صفات الجلل والكمال في كتابه العزيز‪.‬‬
‫وما أثبته له رسوله صلى ال عليه وسلم في سللنته الصللحيحة‪ ،‬مللن‬
‫غير تحريف ول تعطيل‪ ،‬ول تشللبيه ول تكييللف‪ ،‬ول تمثيللل‪ ،‬بللل علللى‬
‫أساس قوله تعالى‪} :‬ليس كمثله شلليء وهللو السللميع‬
‫البصير{ ]الشورى‪.[11 :‬‬
‫ثم إن المؤلف يخص وينص على المام ابن القيللم مللن أهللل السللنة‪،‬‬
‫الللذي صللارت كتبلله شللجى فللي حلللوق المعطلللة‪ ،‬ومنهللم الخليلللي لن‬
‫الباضللية فللي بللاب السللماء والصللفات جهميللة معتزلللة‪ ،‬وقللد افتخللر‬
‫المؤلف بهم في هذه المسائل التي يتحدث عنها فللي كتللابه هللذا‪ ،‬ومنهللا‪:‬‬
‫)( البخاري ح)‪ (6104‬ومسلم‪ /‬اليمان ح)‪ (111‬واللفظ له‪.‬‬ ‫‪15‬‬
‫نفي رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة فللي جنللات النعيللم‪ ،‬والقللول بخلللق‬
‫القرآن‪ ،‬وتخليد الفساق في النار‪ ،‬وهو يسلك في الوصول إلللى مللا يريللد‬
‫المغالطة‪ ،‬ولكنها بحمد ال مغالطات مكشوفة‪.‬‬
‫فمن مغالطاته أنه يجعل المعطلة من أهل السنة والجماعة فللي بللاب‬
‫إثبات الصفات‪ ،‬الذين يسير هو وإياهم في هذا الباب على درب واحللد‪،‬‬
‫ويستقون من بحر أجاج واحد‪.‬‬
‫فيمثل بالصاوي‪ ،‬والسبكي‪ ،‬والكوثري‪ ،‬ومن سار على نهجهم‪ ،‬فللي‬
‫باب تعطيلل صلفات الل علز وجلل اللتي جلاءت فلي كتلابه وأثبتهلا للله‬
‫سما‪.‬‬
‫رسوله صلى ال عليه وسلم في تسميتهم لمن أثبتها مشّبها ومج ّ‬
‫فقد نقللل عللن الصللاوي تعصللبه للئمللة الربعللة‪ ،‬وقللوله‪ :‬إن الخللذ‬
‫بظاهر القرآن والسنة أصل من أصول الكفر‪.‬‬
‫والفخللر الللرازي‪ -‬الللذي نقللل عنلله قللوله عللن كتللاب التوحيللد لبللن‬
‫خزيمة‪ :‬إنه كتاب الشرك‪.‬‬
‫ثم يقول‪ :‬ومع هذا ‪ -‬أي تسامح الباضية في عدم تكفيرهم للمشبهة‪-‬‬
‫تجد أتباع الئمة الربعة الذين جعلهم الصاوي مقياسًا للحق من الباطل‬
‫دون الكتاب والسنة يكفر بعضهم بعضا في هلذه المسللألة‪ ،‬يعنلي مسلألة‬
‫التشبيه‪.‬‬
‫ونواصل مع المؤلف ليظهر َمن المشبهة الذين يقصللدهم‪ ،‬وَمللن هللم‬
‫الذين حكموا عليهم بالكفر؟‬
‫إن المؤلف يورد لنا كتب المعطلة الللذين حرفللوا نصللوص الكتللاب‬
‫والسنة وسموا كتلب التوحيلد المشلتملة عللى نصلوص الكتلاب العزيلز‬
‫وأحاديث رسول ال صلى ال ل عليلله وسلللم كتللب الشللرك‪ ،‬وسللمو تلللك‬
‫النصوص من الكتاب والسلنة‪ ،‬أدلللة لفظيلة ل تفيلد علملًا ول يثبلت بهلا‬
‫يقين‪ .‬وإليك ذكر أسماء مؤلفيها الللتي أوردهللا زاعملًا أن أصللحابها مللن‬
‫أهل السنة في باب السماء و الصفات‪ ،‬مللع علملله أنلله وإيللاهم فللي هللذا‬
‫الباب أبناء علت؛ عقيدتهم واحدة ومنهجهم واحد‪.‬‬
‫ملدعيًا أنهلم يلردون عللى المشلبهة ‪ -‬حسللب زعمله ‪ -‬ويكفرونهلم‪،‬‬
‫ويقصد بالمشبهة أهللل السللنة والجماعللة‪ ،‬ولكنلله ينللص علللى ابللن القيللم‬
‫فيقلللول‪ :‬وناهيلللك بملللا فلللي »السللليف الصلللقيل فلللي اللللرد عللللى ابلللن‬
‫زفيل«للعلمة السبكي الشافعي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهل تعلم من يقصد»بابن زفيل«إنه يقصللد ابللن القيللم‪ ،‬ولهللذا‬
‫فقد حقق الكتاب الكوثري‪.‬‬
‫ثم يقول‪ :‬و»تبديد الظلم المخيم متتن نونيتتة ابتتن‬
‫القيم«للعلمة الكوثري الحنفي؟‬
‫قلت‪ :‬وهل تعلللم مللا يقللوله الكللوثري عللن كتللب التوحيللد كلهللا؟ إنلله‬
‫يقول‪ :‬إن كل الكتب التي ألفت فلي صلفات الل وهللي تحملل اسلم كتلب‬
‫السنة‪ ،‬قد حملت التجسيم‪ ،‬وما ينبذه العقل والشرع)‪.(16‬‬
‫ثببم يقببول‪ »:‬والللبراهين السللاطعة فللي رد البللدع الشللائعة« للعلمللة‬
‫القضاعي الشللافعي وأمثالهللا مللن الحكللم بللإخراج هللؤلء المشللبهة عللن‬
‫حظيرة السلم‪.‬‬
‫أقببول‪ :‬إن هللذا هللو الللذي يقصللده المؤلللف‪ -‬وهللو تكفيللر ابللن القّيللم‬
‫وإخراجه من حظيرة السلم‪ ،‬فقد نبزه بالتشبيه صراحة‪ ،‬وانظللر قللوله‬
‫شّبه في الفقللرة التاليللة لنلله يريللد أن يضللرب بلله هللؤلء‬ ‫بأن ابن القّيم ُم َ‬
‫المعطلة‪.‬‬
‫ولكنه لم يتنّبه لنفسه أنه منهم إل بعد إيراده لقول ابن القيللم‪ ،‬فحللاول‬
‫تخريج قول هؤلء المعطلة‪.‬‬

‫)( انظر مقدمة العتقاد للبيهقي ص ‪ .16‬تحقيق‪ /‬أحمد عصام الكاتب‪.‬‬ ‫‪16‬‬
‫يقول في ذلك‪:‬كما أن أحكللام المشللبهة أيضلًا علللى الخريللن ل تقللل‬
‫صرامة وشدة‪ ،‬وناهيك بقول العلمة ابن القيم في نونيته‪:‬‬
‫والمشبببركون أخبببف فبببي‬ ‫طل بالعداوة معلن‬‫إن المع ّ‬
‫الكفران المعطلة بللأنهم أشللد‬
‫فهو يصّرح أن ابن القيم مشّبه‪ ،‬وقد حكم على‬
‫كفرًا من المشركين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وسيظهر لك أيها القارئ أن الللبيت بهللذا الللتركيب ملفللق‪ ،‬ول‬
‫يوجد في النونية بهذا التركيب؛ ومعلوم أن ابن القيم لم يحكم علللى أحللد‬
‫بالكفر بهواه‪ ،‬وإنما يحكم على من حكم ال عليه ورسوله‪ ،‬لن هذا حكم‬
‫شرعي‪.‬‬
‫طل مثلهللم‪ ،‬ويشللرب مللن حمللأتهم‪،‬‬ ‫ولما علم المؤلف الخليلي أنه مع ّ‬
‫حاول الدفاع عنهم‪ ،‬وترك الحياد الذي زعمه‪ ،‬أن الباضية أهللل الحللق‬
‫والسللتقامة‪ ،‬لللم يأخللذوا عقيللدتهم إل مللن الكتللاب والسللنة‪ ،‬ولللم يكونللوا‬
‫كأصحاب المدرسة العقلية الذين جعلوا عقولهم أسمى وأقدس ممللا جللاء‬
‫به النبييون كما يقول‪ .‬نسي ذلك كله‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫وما مراده بالتعطيللل الللذي سلللكه المعطلللة‪ ،‬يقللول – مللا هللو إل رد‬
‫ل لكلم‬ ‫متشابه الي والحاديث إلى محكمها حرصًا على التنزيلله وحم ً‬
‫ال ورسوله صلى ال عليه وسلم على ما تقتضليه أسللاليب البلغللة فلي‬
‫كلم العرب‪.‬‬
‫وأقببول‪ :‬إن هللذه السللاليب المموهللة والتلبيسللات المصللطنعة الللتي‬
‫سلكها المؤلللف ل تنفعلله‪ ،‬ول تغيللر مللن الحقيقللة شلليئًا‪ ،‬فهللو داخللل مللع‬
‫المعطلة الذين صرفوا كلم ال وكلم رسوله عن حقيقته‪ ،‬وما دل عليه‬
‫مللن معللاني أسللماء اللل وصللفاته كمللا فللي قللوله تعللالى‪} :‬ولللله‬
‫السللماء الحسللنى فللادعوه بهللا وذروا الللذين‬
‫يلحدون في أسمائه{ ]العراف‪. [180 :‬‬
‫فإن هؤلء المعطلة ألحدوا في أسماء ال ل الحسللنى وصللرفوها عللن‬
‫حقائقها من غير دليل‪ ،‬ل من كتاب ال‪ ،‬ول من سنة رسللوله‪ ،‬مخللالفين‬
‫بذلك منهج سلف المة‪ ،‬فقد قال هؤلء المعطلة‪:‬‬
‫‪ -‬إن كلم ال وكلم رسللوله أدلللة لفظيللة ل تفيللد علملًا ول يحصللل‬
‫منها يقين‪.‬‬
‫‪ -‬وأن آيات الصفات وأحاديثها مجازات ل حقيقة لها‪.‬‬
‫‪ -‬وأن أخبار رسول ال صلى ال عليه وسلم الصحيحة التي رواها‬
‫العدول وتلقتها المة بالقبول ل تفيد العلم‪ ،‬وغايتها أن تفيد الظن‪.‬‬
‫وقللولهم‪ :‬إذا تعللارض العقللل ونصللوص الللوحي أخللذنا بالعقللل ولللم‬
‫نلتفت للوحي)‪.(17‬‬
‫وبهللذه القواعللد الباطلللة الناتجللة عللن العقللول الفاسللدة‪ ،‬والهللواء‬
‫المضللللة‪ ،‬تركللوا كتللاب ال ل عللز وجللل الللذي أنزللله لهدايللة البشللرية‪،‬‬
‫وإخراجها من الضلل والحيرة في عقائدها وسلوكها‪ ،‬وسنة رسللوله –‬
‫صلى ال عليه وسلم – المبينة والمفسللرة لكتللاب اللل‪ ،‬كمللا قللال تعللالى‪:‬‬
‫}وأنزلنللا إليللك الللذكر لتللبين للنللاس مللا نللزل‬
‫إليهم{ ]النحل‪.[44:‬‬
‫وقال تعالى‪} :‬وما آتاكم الرسول فخذوه وما‬
‫نهاكم عنه فانتهوا{ ]الحشر‪.[7:‬‬
‫وهؤلء المعطلة يقولللون‪»:‬كلم الل وكلم رسللوله ل يفيللدان علملًا‬
‫ول يحصل بهما يقين وإنملللا اليقين يدرك بالعقل«‪.‬‬

‫)( وقد رد ابن القيم على ذلك في كتابه – »الصواعق المنزلة« من مائتين وأربعيللن‬ ‫‪17‬‬

‫وجهًا وبين بطلنها‪ .‬وقبله ابن تيمية في كتابه »درء تعللارض العقللل والنقللل« وهللو‬
‫في أحد عشر مجلدًا‪.‬‬
‫ول ُيدرى عقل من‪ ،‬هل هلو عقلل الجهميلة؟ أو المعتزللة؟ أو عقلل‬
‫من جمع بينهما كالباضية؟ وهذا هو مسلك المؤلف الخليلي ومن ينقللل‬
‫كلمهم تلبيسلًا وتدليسلًا‪ ،‬وإل فلأين المتشلابه فللي أسللماء الل علز وجللل‬
‫وصفاته؟‪.‬‬
‫إن نصوص باب السللماء والصللفات مللن المحكمللات الواضللحات‬
‫التي تلقاها الصحابة – أهل اللغة الذين نزل القللرآن بلسللانهم – بللالقبول‬
‫والتسليم‪ ،‬ثم بالعتقاد والعمل‪ ،‬وسألوا ال عللز وجللل بهللا سللؤال عبللادة‬
‫وسؤال مسللألة‪ ،‬كمللا قللال تعللالى‪} :‬ولله السماء الحسنى‬
‫فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه{‬
‫]العراف‪.[180:‬‬
‫وقد أجمع أهل السنة والجماعة أن صفات ال عز وجل من المحكم‬
‫الذي يعلم معناه‪ ،‬كما قال المام مالك في صفة الستواء علللى العللرش‪:‬‬
‫الستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة‪.‬‬
‫وإنما المتشابه هو كيفيتها ل معانيها‪.‬‬
‫ولذلك لم يثبت عن صحابي أنلله سللأل رسللول الل صلللى الل عليلله‬
‫وسلم عن اسم من أسماء ال أو عن صفة من صفاته‪ ،‬وما ذلك إل لنها‬
‫محكمة واضحة الدللة على معانيها‪.‬‬
‫بدليل أن الصحابة رضوان ال ل عليهللم‪ ،‬وهللم أحللرص المللة علللى‬
‫معرفة دينهم ل سيما ما يتعلق بعقائدهم‪ ،‬وبمللا يجللب عليهللم أن يعتقللدوه‬
‫في ربهم وخالقهم ومدبر شؤونهم‪ ،‬قد سألوا عللن أمللور أشللكلت عليهللم‪،‬‬
‫صلّدرت‬ ‫فجاءهم الجواب عليها من ال عز وجل كمللا فللي آيللات كللثيرة ُ‬
‫بقللوله تعللالى‪} :‬يسألونك{ كقللوله تعللالى‪} :‬يسألونك عن‬
‫الخمر والميسللر{ فجللاء الجللواب‪} :‬قللل فيهمللا إثللم‬
‫كلللبير ومنلللافع للنلللاس وإثمهملللا أكلللبر ملللن‬
‫]البقرة‪.[189:‬‬ ‫نفعهما…{‬
‫}يسألونك عن الهلة …{ فجاء الجواب‪} :‬قل هي‬
‫مواقيت للناس والحج…{ ]البقرة‪.[189:‬‬
‫}يسألونك عللن اليتللامى…{ فجللاء الجللواب‪}:‬قللل‬
‫إصلح لهم خير…{ ]البقرة‪.[220:‬‬
‫}يسألونك عن المحيض{ فجاء الجواب‪} :‬قل هللو‬
‫أذى فاعتزلوا النساء في المحيض{ ]البقرة‪.[222:‬‬
‫وكما ترى فقد نزل الجواب من ال عز وجل على تلك السئلة‪ ،‬ولم‬
‫ل واحللدًا عللن اسللم مللن أسللماء اللل‪ ،‬أو‬ ‫تجد في كتاب ال عز وجل سؤا ً‬
‫صللفة مللن صللفاته‪ ،‬ومللا ذلللك إل لوضللوحها ودللللة نصوصللها علللى‬
‫معانيها‪.‬‬
‫وأما دعوى المؤلف على ابن القيللم أنلله يكّفللر المعطلللة لسللماء الل‬
‫وصفاته من عند نفسه‪ ،‬فهي دعوى باطلة‪ ،‬لن الحكم بللالكفر أو الفسللق‬
‫أو التبديع حكم شرعي‪ ،‬الحكم فيه ل ولرسوله‪ ،‬فابن القيم ل يحكم على‬
‫أحد بهواه‪ ،‬وإنما يحكم بالكفر على من كّفره ال ورسوله‪ ،‬فهو يقول مللا‬
‫قاله ال ورسوله فيمن رد آيات ال وسنة رسوله الصحيحة وجحدها‪.‬‬
‫وربما أن المؤلف يخشى على نفسه من حكم ال ورسللوله فقللد قللال‬
‫في ص‪) :56:‬إن حديث أبي سعيد الخللدري‪ ،‬وحللديث أبللي هريللرة فللي‬
‫الصحيحين الخذ بظاهرهما يرّده العقل ويكّذبه البرهان(‪.‬‬
‫وهذه جرأة عظيمة علللى سللنة رسللول الل صلللى الل عليلله وسلللم‪،‬‬
‫حيث يردها بعقله ويكذبها بهواه‪.‬‬
‫وكما تكّلم عن ابن القيللم واّتهملله بالتشللبيه‪ ،‬فينبغللي أن نعلللم مببا هببو‬
‫التشبيه وما حكم المشبه عند أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫والجببواب‪ :‬أن التشللبيه هللو أن يقللول القللائل‪ :‬ل ل يللد كيللدي وسللمع‬
‫كسمعي‪ ،‬كما تقدم عن المام أحمد رحمه ال)‪ .(18‬فمللن شلّبه الل بخلقلله‬
‫حَكللم علمللاء السلللف عليلله‬
‫فقد كفر وهذا باتفاق أهل السنة والجماعللة‪ -‬و َ‬
‫بالكفر لنه ألحد في آيات ال وصرفها عن معانيها الصحيحة‪ ،‬فاسللتحق‬
‫ذلك الحكم جزاًء وفاقًا‪.‬‬
‫وأما ما أثبته ال لنفسه في كتابه‪ ،‬أو أثبته له رسوله صلى ال عليلله‬
‫وسللم فلي سلنته وهللو أعلللم الخللق بربله‪ ،‬وأتقلاهم وأخشلاهم لله فليلس‬
‫تشبيهًا‪.‬‬
‫طل‬ ‫وابن القيم لم يشّبه ال بخلقه حاشاه من ذلك وهو القائل عن المع ّ‬
‫شبه‪ :‬ما يأتي‪) :‬المثل السادس‪ :‬قلب المعطل متعلق بالعدم فهو أحقر‬ ‫والم ّ‬
‫الحقير‪ ،‬وقلب المشبه عابد للصنم الللذي قللد ُنحللت بالتصللوير والتقللدير‪،‬‬
‫والموحلللد قلبللله متعبلللد لملللن ليلللس كمثلللله شللليء وهلللو السلللميع‬
‫البصير)‪((19‬وكما قال في النونية‪:‬‬
‫فهبببببو نسبببببيب المشبببببرك‬ ‫من شّبه ال العظيم بخلبقبه‬
‫النصراني‬
‫الكفببببور وليببببس ذا‬ ‫فهببببو‬ ‫طببببل الرحمببببن مببببن‬
‫أو ع ّ‬
‫الكمال والجلل‪ ،‬وما أثبتلله‬‫إيماني‬
‫أوصافهأثبت ل ما أثبته لنفسه من صفات‬
‫وإنما‬
‫له رسللوله صلللى الل عليلله وسلللم علللى أسللاس قللوله تعللالى‪} :‬ليس‬
‫كمثله شيء وهللو السللميع البصللير{ ]الشلللورى‪[11 :‬‬
‫وإليك ما ذكره في مقدمة النونية‪ ،‬عن المعطلة والمشبهة‪.‬‬
‫فقد قال في مقدمة »النونية«‪):‬فصل وكان من قللدر الل وقضللائه أن‬
‫جمع مجلس المذاكرة بيللن مثبللت للصللفات والعلللو وبيللن معطللل لللذلك‪،‬‬

‫)( ص ‪. 8‬‬ ‫‪18‬‬

‫ل للمثللال الحسللان أورد تحتلله عشللرة‬


‫)( مقدمة النونية ص ‪ 29-28‬وقللد عقللد فصل ً‬ ‫‪19‬‬

‫أمثال ضربها للمعطل والمشبه‪ ،‬والموحد ص ‪.35-33‬الطبعة الثالثلة سللنة ‪1406‬هلل‬


‫المكتب السلمي‪.‬‬
‫فاستطعم المعطل المثبت الحديث استطعام غير جائع إليه ولكن غرضه‬
‫عرض بضاعته عليه‪ ،‬فقال له‪ :‬ما تقول في القرآن ومسألة السببتواء؟‬
‫قال المثبت‪ :‬نقول فيها ما قاله ربنا تبارك وتعالى‪ ،‬وما قاله نبينللا صلللى‬
‫ف ال تعالى بما وصف بلله نفسلله‪ ،‬وبملا وصللفه بله‬ ‫ص ُ‬‫ال عليه وسلم‪َ ،‬ن ِ‬
‫رسوله‪ ،‬من غير تحريف ول تعطيل ومللن غيللر تشللبيه ول تمثيللل‪ ،‬بللل‬
‫ُنثبت له سللبحانه مللا َأثبتلله لنفسلله مللن السللماء والصللفات‪ ،‬وننفللي عنلله‬
‫النقائص والعيوب ومشلابهة المخلوقللات‪ ،‬إثباتلًا بل تمثيلل‪ ،‬وتنزيهلًا بل‬
‫تعطيل‪ ،‬فمن شّبه ال بخلقه فقد كفر‪ ،‬ومن جحد ما وصف ال بلله نفسلله‬
‫فقد كفر( ثم قال‪...) :‬وليس ما وصف ال به نفسه أو وصفه بلله رسللوله‬
‫حللد يعبللد إلهلًا‬
‫تشبيهًا‪ ،‬فالمشبه يعبد صنمًا‪ ،‬والمعطل يعبللد عللدمًا‪ ،‬والمو ّ‬
‫واحدًا صمدًا‪ ،‬ليس كمثله شيء وهو السميع البصير‪.‬‬
‫والكلم في الصفات كالكلم في الذات‪ ،‬فكما أّنا نثبللت ذاتلًا ل تشللبه‬
‫الذوات فكذلك نقول فللي صللفاته‪ :‬إنهللا ل تشللبه الصللفات‪ ،‬فليللس كمثللله‬
‫شيء ل في ذاته ول في صفاته‪ ،‬ول فللي أفعللاله‪ ،‬فل ُتشلّبه صللفات الل‬
‫بصللفات المخلللوقين‪ ،‬ول نزيللل عنلله سللبحانه صللفة مللن صللفاته لجللل‬
‫شناعة المشنعين وتلقيب المفترين‪ ،‬كما أنللا ل نبغللض أصللحاب رسللول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم لتسمية الروافض لنا نواصب‪ ،‬ول نكّذب بقللدر‬
‫ال‪ ،‬ول نجحد كمال مشيئته وقدرته لتسمية القدرية لنا مجبرة‪.‬‬
‫ول نجحد صفات ربنا تبارك وتعالى لتسمية الجهمية والمعتزلة لنللا‬
‫مجسمة مشبهة حشوية‪ ،‬ورحمة ال على القائل‪:‬‬
‫فإني بحمد ال لها مثبت‬ ‫فببإن كبببان تجسببيمًا ثبببوت‬
‫صفاته‬
‫إلى ‪...‬‬
‫لبببديكم فبببإني اليبببوم عببببد‬ ‫فببإن كبببان تجسببيمًا ثبببوت‬
‫ورضي ال عن الشافعي حيث يقول‪ :‬مجسم‬ ‫صفاته‬
‫فليشهد الثقلن أني رافضي‬ ‫إن كان رفضًا حب آل محمد‬
‫ويقول شيخ السلم‪:‬‬
‫فليشهد الثقلن أني ناصبي‬ ‫إن كان نصبًا حب آل محمد‬
‫ثم قال‪:‬‬
‫فصل‬
‫وأما القرآن فإني أقول‪ :‬إنه كلم الل منللزل غيللر مخلللوق منلله بللدأ‬
‫وإليه يعود‪ ،‬تكلم ال به صدقًا‪ ،‬وسمعه منه جبرائيل حقًا‪ ،‬وبلغلله محمللدًا‬
‫صلى ال عليه وسلللم وحيللًا‪ ،‬وإن }كهيعص{ و}حم عسللق{‬
‫و}الر{ و}ق{ و}ن{ عين كلم ال حقيقللة‪ ،‬وإن ال ل تكلللم بللالقرآن‬
‫العربي الذي سمعه الصحابة من النبي صلى ال عليه وسلم وإن جميعه‬
‫كلم ال‪ ،‬وليس قول البشر‪ ،‬ومن قلال إنله قللول البشللر فقلد كفلر‪ ،‬والل‬
‫يصليه سقر)‪ …… (20‬الخ‪.‬‬
‫فهذا رده على المشبهة‪ ،‬والمجسمة‪ ،‬والمعطلة‪ ،‬فهو يحكم على مللن‬
‫شّبه ال بخلقه بالكفر‪ ،‬ويبين أن ما أثبته ال ل لنفسلله أو أثبتلله للله رسللوله‬
‫صلى ال عليه وسلم ليس تشبيهًا ول تجسيمًا‪ ،‬فهو لم يتجاوز ما قاله ال‬
‫في كتابه العزيز ول ملا قلاله رسلوله صللى الل عليله وسللم فلي سلنته‬
‫الثابتة عنه‪.‬‬
‫فكيف يدعي عليه الخليلي أنه مشّبه‪ ،‬وهذا كلمه في كتابه هذا وفي‬
‫كتبه الخرى كما حكم على ا لجاحد لصفات ال بالكفر‪ ،‬وهذا حكللم الل‬
‫على من جحد ما أخبر به عن نفسه في كتابه‪ ،‬أو أخبر به رسوله صلى‬
‫ال عليه وسلم في سنته‪.‬‬
‫وفي )ص ‪ (13‬تناول الخليلي شيخ السلللم ابللن تيميللة‪ ،‬وقللال إنلله‬

‫)( النونية لبن القيم )ص ‪ (30-29‬طبعة ثالثة سنة ‪1406‬هل المكتب السلمي‪.‬‬ ‫‪20‬‬
‫ل كّفر فيها الحنابلة بعضللهم‬ ‫سينقل عنه في مسألة الحرف والصوت نقو ً‬
‫بعضًا‪ ،‬في المبحث الثالث من هذا الكتاب‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬الصواب أنه سللينقل عنلله مللا يللدعيه – فللي المبحللث الثللاني‬
‫)ص ‪ (129‬وسيظهر هناك تلفيقه‪ ،‬مما يبين للقارئ عدم ورعه وخللوفه‬
‫من ال‪ ،‬حيث يقّول ما لم يصح نسبته لقائله‪ ،‬وفي هذا الكتاب الكثير من‬
‫ذلك كما سنوضحه إن شاء ال‪ ،‬وسللنؤخر هللذا الللذي ادعللاه علللى شلليخ‬
‫السلم إلى موضعه من هذا الرد‪.‬‬
‫ومن تلفيق الخليلي وتدليسه البيت الذي سللبق ذكللره ونسللبه للنونيللة‬
‫لبن القيم وقال فيه‪ :‬إنه قال في نونيته‪:‬‬
‫والمشببببركون أخببببف فببببي‬ ‫إن المعطل بالعداوة معلن‬
‫الكفرانللي النونيللة‪ ،‬وإنمللا هللو‬
‫فأقول‪ :‬إن هذا البيت بهذا التركيب ل يوجد ف‬
‫تلفيق من المؤلف بعد حذف وتغيير‪ ،‬أخذه من بيتين وكل بيت أخللذ منلله‬
‫الشطر الول‪ ،‬ولملا كلان آخللر القصليدة ملن كلل بيلت حللرف )النلون(‬
‫اضطر إلى الحذف والزيللادة لتسللتقيم القافيللة‪ ،‬ول أدري كيللف يستسلليغ‬
‫من يللدعي العلللم ويتصلّدر الفتللاء هللذا العمللل المشللين المخللل بالمانللة‬
‫العلمية‪.‬‬
‫وإليك الموضوع ففي )ص ‪ (456‬من الجللزء الثللاني شللرح النونيللة‬
‫لبن عيسى‪ ،‬تحت فصل‪:‬‬
‫» فببي َمَثببل المشببرك والمعطببل« أورد تحته ثلثللة وعشللرين بيتلًا‪،‬‬
‫طل والمشرك‪ .‬وقال في البيتين الخيرين منها‪:‬‬ ‫قارن فيها بين المع ّ‬
‫وكلهما من شيعة الشيطان‬ ‫والمشببببركون أخببببف فببببي‬
‫فبببببي قبببببالب التنزيبببببه‬ ‫كفرانهم‬
‫المعطل بالعداوة قائم‬ ‫إن‬
‫للبرحمنالقيم‪:‬‬
‫فقال الخليلي – إنه جاء في النونية قول ابن‬
‫والمشببببركون أخببببف فببببي‬ ‫إن المعطل بالعداوة معلن‬
‫الكفران‬
‫للفت وإنمللا هللو تلفيللق مللن‬
‫وهذا البيت ل يوجد في النونيللة كمللا أسل‬
‫هذين البيتين‪ ،‬وحذف وتغيير‪ ،‬وكذب وتدليس‪.‬‬
‫وقد قال الشارح للبيات كلها‪ :‬حاصل كلم الناظم في هذا الفصللل‪،‬‬
‫ل للمشرك والمعطل‪ ،‬فلسان حال المعطل يقللول فلي إلهلله‬ ‫أنه ضرب مث ً‬
‫سبحانه‪ :‬إنك لست فينا ذا سلطان لنك لم تستو على سرير الملللك‪ ،‬ولللم‬
‫تللدبر أمللر الملللك والسلللطان‪ ،‬ولللم تكّلللم ول تتكلللم‪ ،‬ولسللت بفاعللل فع ً‬
‫ل‬
‫حقيقة‪ ،‬بل فعلك هو المفعول‪ ،‬بل حالك قبل الفعلل ومعله وبعلده سلواء‪،‬‬
‫ل في العالم ول خارجًا منه‪ ،‬بل أنللت خيللال فللي الذهللان…‬ ‫ولست داخ ً‬
‫الخ هذه الوصاف السلبية العدمية‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬قوله‪:‬‬
‫وسببببواك ل نرضبببباه مببببن‬ ‫ن قال أنت مليكنا‬ ‫هذا وثا ٍ‬
‫سلطان‬ ‫الخ البيات‪.‬‬
‫قال‪ :‬هللذا هللو المشللرك‪ ،‬أي إن المشللرك قللال‪ :‬يللا رب أنللت مليكنللا‬
‫ت أوصاف الكملال جميعهلا … ولكللن‬ ‫وخالقنا والمتصرف فينا وقد حْز َ‬
‫بابك ل ُيغشى إل بالشفعاء‪ ،‬ولبد مع ذلك مللن الللذل للبللواب والحجللاب‬
‫والشفعاء المقربين‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬أفيستوي هذا عندكم؟ حاشا وكل بللل المشللركون أخللف فللي‬
‫طللل يزيللد علللى المشللرك‬ ‫كفرانهم والكل من شيعة الشيطان‪ ،‬ولكن المع ّ‬
‫بأنه قائم بالعداوة في قالب التنزيه)‪..(21‬اهل‪.‬‬
‫ولكن إليك أيها القارئ الكريلم ملا هلو أعجللب وأغللرب مملا سلبق‪،‬‬
‫ولغرابته ومخالفته لمذهب الباضية ومنهجهم في تشللتيت وحللدة المللة‬

‫)( شرح النونية ج ‪.658-2/456‬‬ ‫‪21‬‬


‫جللب المؤلللف نفسلله‬ ‫والحكم على العصاة منها بالخلود في النار‪ ،‬فقللد تع ّ‬
‫من دعواه هذه‪.‬‬
‫ففي )ص ‪ (14‬من المقدمة‪ ،‬يتألم لما ُبليت به المة من الشقاق الذي‬
‫عكس عليها ما يشاهد من آثار سلبية‪ ،‬فَتشلّتتت بعللد الوحللدة وذّلللت بعللد‬
‫العزة … إلخ ما قال‪.‬‬
‫وفي )ص ‪ (15‬يقول‪ :‬ولعله مما يفاجئ كثيرًا من القراء أن يطلعللوا‬
‫لول مرة على عناية قادة الباضية بلّم شعث هذه المة وجمع شللتاتها‪،‬‬
‫بعلد أن أثخنتهلا الخلفلات المذهبيلة‪ ،‬ومزقتهلا النزاعلات العصلبية …‬
‫إلخ‪.‬‬
‫هكذا يدعي المؤلف الخليلي الباضي‪.‬‬
‫ولكن ما الذي قّدمه قادة الفكر الباضي فلي مجلال للَّم شلعث الملة‬
‫السلمية وجمع شتاتها؟ إنه الضرر المحض‪ ،‬وماذا سيوجد عند طائفة‬
‫ترى أن من كان على خلف عقيدتها مللن المللة السلللمية كلهللم علللى‬
‫باطلل‪ ،‬وأن أهلل الحللق والسللتقامة هلم الباضلية ل غيلر‪ ،‬فكلم نسلبة‬
‫الباضية في العالم السلمي؟‬
‫غير أنه ل بأس من ذكر بعض مللا أورده المؤلللف عللن قللادة الفكللر‬
‫الباضي‪ ،‬وعّده من المور التي تفاجئ كثيرًا من القراء‪ ،‬ثم عّده منهجًا‬
‫ِلَلّم شعث المة حسب رأيه‪.‬‬
‫إن حصيلة هذه المفاجأة إيراده لسؤال من أحد قادة الباضية بجبللل‬
‫نفوسة بالقطر الليببي وهللو الشلليخ سللليمان بللن يحيللى البللاروني عضللو‬
‫مجلللس المبعوثللان بالدولللة العثمانيللة‪ ،‬وقللد تللوجه بسللؤاله إلللى عللالم‬
‫الباضية – كما يقول – بالمشرق ومرجعهم في أمور الدين المام عبللد‬
‫ال بن حميد السالمي‪.‬‬
‫والسؤال يقع في صفحة ونصف‪ ،‬وخلصته‪ :‬أن ملن أقلوى أسلباب‬
‫اختلف المسلمين تعدد المذاهب وتباينها‪.‬‬
‫ل ومستحيل‬ ‫وإجابة عالم المشرق الباضي أن جمع المة ممكن عق ً‬
‫عادة‪ ،‬ولكللن السللاعي فللي ذلللك مصلللح‪ ،‬وأن أوفللق البلد لهللذه الللدعوة‬
‫مهبط الوحي‪.‬‬
‫ثم يقول‪ :‬وإنه ليس له مذهب إل السلم‪ ،‬ولم يشرع لنا ابللن إبللاض‬
‫مذهبًا‪ ،‬وإنما نسللبنا إليلله لضللرورة التمييللز حيللن ذهللب كللل فريللق إلللى‬
‫طريق‪.‬‬
‫فهذا السؤال والجواب عليه‪ ،‬هو الذي فاجأ المؤلف بلله ق لّراءه‪ ،‬مللن‬
‫أن قادة الفكر الباضي قاموا بعمل للّم شعث المة‪.‬‬
‫وهو كما يرى القارئ لم يحمل أي حل للقضاء على أسباب الفرقة‪،‬‬
‫ولم يقدم شيئًا تتجمع عليه المة‪ .‬بل قللرر أن اجتماعهللا والقضللاء علللى‬
‫فرقتها مستحيل‪ ،‬وهذا هو الضرر‪.‬‬
‫فالذي قّدمه قادة الفكر الباضي‪ ،‬هللو اليللأس لهللذه المللة أن تجتمللع‬
‫كلمتها‪ .‬وكيف يقول‪ :‬إنهم يعملون للّم شعث المة‪.‬‬
‫ونحن نقول له‪ :‬إن ما ذكللره مللن تعللدد المللذاهب وتباينهللا هللو مللن‬
‫السباب؛ عندما يتعصب أتباع المذاهب لقوال الرجال ويقدمونها على‬
‫الكتاب والسنة‪.‬‬
‫كما فعل الخليلي فإنه ذو تعصب للباضية مقيت‪ ،‬يتجلى في قوله‬
‫الباطل‪» :‬إنهم أهللل الحللق والسللتقامة وحللدهم دون غيرهللم مللن المللة‬
‫السلمية«‪.‬‬
‫ومثله الصاوي الذي سبق نقل قوله‪» :‬إن الخذ بظواهر النصللوص‬
‫من الكتاب والسنة من أصول الكفر وقول المؤلف الخليلي‪ »:‬إن الخللذ‬
‫بظاهر ما ثبت في صحيح البخاري ومسللم علن رسلول الل صللى الل‬
‫عليه وسلم يرده العقل ويكذبه البرهان«‪.‬‬
‫فللالتقى الخليلللي والصللاوي فللي حمللأة الباطللل‪ ،‬واشللتركا فللي تيلله‬
‫الضلل‪ ،‬وبئس المصير والمآل‪.‬‬
‫ل وشرعًا وواقعًا‪،‬‬ ‫ونحن نقول‪ :‬إن جمع المة على الحق ممكن عق ً‬
‫وقد قال المام مالك رحمه ال‪» :‬ل يصلح آخر هذه المة إل ما أصببلح‬
‫أولها‪ ،‬والذي أصلح أولها تمسكها بكتاب ربها وسنة نبيهببا‪ ،‬وقللد قللال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪»:‬تركت فيكم ما إن تمسببكتم بببه لببن تضببلوا كتبباب‬
‫ال وسنتي« )‪.(22‬‬
‫فندعو المؤلللف الخليلللي إلللى نبللذ التعصللب والرجللوع إلللى الكتللاب‬
‫والسنة‪ ،‬وأول ذلك في تصحيح العقيدة التي هي أساس الللدين وقاعللدته‪،‬‬
‫ول در القائل في شأنها‪.‬‬
‫ضاعت فكّل حياة بعدها عدم‬ ‫س فببي الحيبباة‬
‫إن العقيببدة أ ّ‬
‫فحاَد عنها ذوو الشراك فانهزموا‬ ‫نادى بها المصطفى في بببدء‬ ‫وإن‬
‫دعوته‬
‫ولكن المؤلف الخليلي بعيد كللل البعللد عللن الخللذ بالكتللاب والسللنة‪،‬‬
‫ودليل ذلك كتابه هذا الذي خصصه لنكلار ثلث مسللائل عقديللة خللالف‬
‫فيه أهل السنة والجماعة‪ ،‬ورد النصوص من الكتللاب والسللنة‪ ،‬وانحللاز‬
‫إلى الجهمية والمعتزلة والزيدية والمامية والرافضة‪ ،‬وافتخر بهم بللأنه‬
‫وإياهم على عقيدة واحدة كما في )ص ‪.(32‬‬
‫حيللث قببال‪ » :‬وذهللب إلللى اسللتحالة رؤيللة اللل تعللالى أصللحابنا‬
‫الباضللية‪ ،‬وهللو قللول المعتزلللة‪ ،‬والجهميللة‪ ،‬والزيديللة‪ ،‬والماميللة مللن‬
‫الشيعة«‪.‬‬
‫ونقول له‪ :‬خيبًة لك أيها الخليلي‪ ،‬ولمن انتسللبت إليهللم‪ ،‬واعللتززت‬
‫بعقيدتهم‪ ،‬فهل الجهم بن صفوان‪ ،‬ومن أخذ بعقيدته وأفكللاره يسللعى لل لّم‬

‫)( الموطأ‪ ،‬القدر ص ‪ 560‬ح ‪.3‬‬ ‫‪22‬‬


‫شعث المة؟‬
‫وبمناسللبة ذكللر الجهللم بللن صللفوان الللذي اغتبللط الخليلللي بعقيللدته‬
‫وفكره‪ ،‬فإليك أيها القارئ المحب للحق والناصر للسنة نبذة عللن تاريللخ‬
‫حياته لتعلم إن الطيور على أشباهها تقع‪.‬‬
‫يقول المام الذهبي في كتابه »ميزان العتدال« )‪:(1/441‬‬
‫»الجهم بن صببفوان بلن محللرز السللمرقندي الضللال المبتلدع رأس‬
‫الجهمية‪ ،‬هلك في زمان صغار التابعين‪ ،‬وما علمته روى شلليئًا‪ ،‬ولكنلله‬
‫زرع شرًا عظيمًا«‪.‬‬
‫أفكاره‪ :‬نفى أن يكون ل عز وجللل اسللمًا أو صلفة‪ ،‬وقلال بلالجبر‪،‬‬
‫وخلق القرآن‪ ،‬وغير ذلك من الفكار المنحرفة‪ ،‬وقد تللوفي سللنة ‪‍128‬ه‬
‫ل‪.‬‬
‫مقتو ً‬
‫ويقول ابن الثير في »الكامل« )‪ (7/75‬وهو يتحدث عن الجهم بن‬
‫صفوان‪ ،‬قال‪» :‬وقد أخذ مقالته في نفي صفات ال تعالى عن الجعد بللن‬
‫درهللم‪ ،‬والجعللد أخللذ التعطيللل عللن أبللان بللن سللمعان‪ ،‬وأخللذ أبللان عللن‬
‫طالوت‪ ،‬وأخذ طالوت عللن خللاله لبيللد ابللن العصللم اليهللودي السللاحر‬
‫الذي سحر رسول ال صلى الل عليلله وسلللم‪ ،‬وكللان لبيللد زنللديقًا يقللول‬
‫بخلق التوراة«‪.‬‬
‫هذا هو إسناد الجهميلة والباضلية فلي القلول بخللق القلرآن وهللذه‬
‫سلسلة سند الجهمية المعطلة‪ ،‬فهل من يأخذ عن الجهمية عقيدته‪ ،‬يسعى‬
‫لجمع كلمة المة‪ ،‬والغريب قول عالم المشرق من الباضية‪ -‬إنلله ليللس‬
‫له مذهب إل السلم‪ ،‬والمؤلف – يفخر‪ -‬بالجهمية‪ ،‬والمعتزلة والماميللة‪،‬‬
‫والزيدية‪ ،‬وأنهم على مذهب طائفته الباضية‪.‬‬
‫وهل هناك أشنع من عقائد هؤلء في أسماء ال وصفاته؟‪.‬‬
‫وقد جمع المؤلف الخليلي بين عقللائد هللؤلء جميعلًا فللي كتللابه هللذا‬
‫صصه لنفي رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة في جنات النعيم‪.‬‬
‫الذي خ ّ‬
‫والقول بخلق القرآن الكريم‪ .‬وهو كلم ال وصفة من صفاته عند أهل‬
‫السنة‪.‬‬
‫والقول بتخليد الفساق ومرتكبي المعاصي من المسلللمين الموحللدين فللي‬
‫النار‪.‬وهو قول الخوارج‪.‬‬
‫وينتسب إلى – الباضية – ويقول‪ :‬إنهم أهل الحق والستقامة‪.‬‬
‫وهو في الوقت نفسه يّدعي أنه وقللادة الفكللر مللن طللائفته الباضللية‬
‫يسعون لجمع كلمة المسلمين‪.‬‬
‫عَللى‬
‫ول يدري القارئ على ملاذا ُيريلدون جملع كلمللة المسلللمين؟ أ َ‬
‫عقائد الجهمية والمعتزلة والمامية‪ ،‬الذين أضافوا إلى عقائدهم في نفي‬
‫أسماء ال وصفاته – تكفير الصحابة؟ أم على عقائد الباضية؟ وهم في‬
‫السماء والصفات جهمية‪ ،‬وفي الصحابة نواصب نصبوا العللداء لعلللي‬
‫بن أبللي طلالب وأهللل الللبيت‪ ،‬وجعلللوا الصللحابة الللذين نلص الل علللى‬
‫عدالتهم‪ ،‬كغيرهم من النلاس يعرضلونهم لقواعللد الجللرح والتعللديل‪ ،‬ثلم‬
‫حكمهم أخيرًا على عصاة المسلمين الموحدين بللالخلود فللي النللار‪ ،‬كمللا‬
‫قرر ذلك المؤلف في كتابه هلذا الللذي نحلن بصلدد نقلده ومناقشلته‪ ،‬ول‬
‫يحيق المكر السيئ إل بأهله‪.‬‬
‫ت الكتللاب مخللالف‬ ‫وحق لًا أن كللل مللا ق لّرره مللن قضللايا موضللوعا ِ‬
‫لنصوص كتاب ال عللز وجللل ولسللنة رسللوله صلللى الل عليلله وسلللم‪،‬‬
‫ولعقيدة الطائفة الناجية المنصورة من صحابة رسللول ال ل ومللن تبعهللم‬
‫بإحسان‪ ،‬وسار على نهجهم‪ ،‬واهتدى بهداهم‪.‬‬
‫مناقشة موضوعات الكتاب‪:‬‬

‫وبعللد النتهللاء مللن مناقشللة مللا ورد فللي مقدمللة الكتللاب‪ ،‬ننتقللل‬
‫لموضوعات الكتاب ومناقشة القضايا الثلث التي مللن أجلهللا ألللف هللذا‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫ففللي )ص ‪ (21-19‬ذكللر المؤلللف الخليلللي الباضللي‪ ،‬موضللوع‬
‫الكتاب‪ ،‬وأنه في ثلث قضايا قال‪):‬كان للباضية فيها موقللف للم يتفلق‬
‫مع رغبات أولئك الحاقدين(وهذه القضايا هي‪:‬‬
‫‪-1‬إنكار رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة‪.‬‬
‫‪-2‬القول بخلق القرآن‪.‬‬
‫‪-3‬اعتقاد تخليد الفساق من المسلمين في النار‪.‬‬
‫قللال‪) :‬وبسللبب هللذا تعللرض طلب الباضللية فللي بلد السلللم‬
‫وغيرها لنواع المضايقات‪ ،‬وعاملوهم تلك المعاملت النكراء‪ ،‬مللع أن‬
‫الباضية لم ينفردوا بموقفهم دون سائر طوائف المللة‪ ،‬فثللم الكللثير مللن‬
‫الذين رأوا في هذه القضايا رأيهم وأيدوا موقفهم كما سيتضللح ذلللك مللن‬
‫خلل هذه الدراسة(‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويعني بالكثير الذين هم على رأيه وعقيدته في هللذه القضللايا‪:‬‬
‫الجهمية‪ ،‬والمعتزلللة‪ ،‬والزيديللة‪ ،‬والماميللة الشلليعة الرافضللة‪،‬كمللا فللي‬
‫)ص ‪ (32‬من كتابه هذا‪.‬‬
‫ثببم قببال‪) :‬علللى أن الباضللية فللي كللل قضللية منهللا – أي القضللايا‬
‫جز النصوص القرآنية‪ ،‬والسللنة الثابتللة عللن الرسللول‬ ‫حُ‬‫الثلث‪ -‬أخذوا ب ُ‬
‫عليه أفضل الصلة والسلم‪ (،‬قال‪) :‬وستدرك أخي القارئ – من خلل‬
‫دراستك لما أقدمه إليك‪ -‬أن الباضللية لللم يسللتمدوا عقيللدتهم مللن فلسللفة‬
‫اليونان وغيرها من أساطير الولين‪ ،‬كما يحلو زعم ذلك للذين يهرفون‬
‫بما ل يعرفون‪ ،‬وإنما استمدوها من أصفى ينابيع الحللق‪ ،‬وأنللوار أشللعة‬
‫الحقيقة‪ ،‬فقد احتكموا إلى الكتاب العزيز والسنة المطهرة على صاحبها‬
‫ل بقوله تعالى‪} :‬فإن تنازعتم في‬ ‫أفضل الصلة والسلم‪ ،‬عم ً‬
‫شلليء فللردوه إلللى الللله والرسللول إن كنتللم‬
‫تؤمنون بالله واليوم الخر ذلللك خيللر وأحسللن‬
‫تأويل ً{( ]النساء‪.[59 :‬‬
‫وأقول‪ :‬إن المؤلف الخليلي الباضي قد لخص في هاتين الصفحتين‬
‫عقيدته‪ ،‬وذكر طائفته التي ينتسللب إليهللا ويتعصللب لرائهللا الباضللية‪،‬‬
‫ويتضح ذلك فيما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬القضايا الثلث التي خصها بهذا الكتاب‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫‪ -‬إنكار رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ -‬القول بخلق القرآن‪.‬‬
‫‪ -‬اعتقاد تخليد الفساق من المسلمين الموحدين في النار‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ادعى أن الباضية لم تنفرد بهذا القول والعتقللاد دون سللائر‬
‫الطوائف‪ ،‬وإنما هو قول وعقيدة الجهمية والمعتزلة والزيدية والمامية‬
‫الشيعة كما في )ص ‪.(32‬‬
‫ثالثًا‪ :‬يللدعي أن الباضللية أخللذوا فللي هللذه القضللايا الثلث بحجللز‬
‫النصوص القرآنية والسنة الثابتة عن الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬أن الباضية لم تستمد عقيللدتها مللن فلسللفة اليونللان وغيرهللا‬
‫من أساطير الولين كما يزعم الذين يهرفون بما ل يعرفون؛ بللل أخللذوا‬
‫عقيدتهم من أصفى ينابيع الحق وأنللوار أشللعة الحقيقللة‪ ،‬واحتكمللوا إلللى‬
‫ل بقلللوله تعلللالى‪} :‬فللإن تنللازعتم فللي‬ ‫الكتلللاب والسلللنة عم ً‬
‫شيء…{ الية‪.‬‬
‫وأقول للقارئ الكريم‪ :‬إنك ستجد في المناقشة التالية لهللذه الفقللرات‬
‫السابقة أن المؤلف الخليلي الباضي لم يلتزم من كلمه هذا ول بحرف‬
‫واحد من كتاب ال عّز وجل‪ ،‬أو حديث واحد من سنة رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬بللل قللال فللي كللل ذلللك بقللول الجهميللة والمعتزلللة‪ ،‬ورد‬
‫النصوص من صحيح البخاري ومسلم عن رسول الل صلللى الل عليلله‬
‫وسلم وقال‪ :‬إن الخذ بظاهرها يرده العقل ويكذبه البرهان‪.‬‬
‫أليس هذا هو قول الجهمية وفلسفة اليونان؟!‬
‫وإليك مناقشة تلك الفقرات واحللدة بعللد أخللرى بالدلللة مللن الكتللاب‬
‫والسنة كما التزم المؤلف بذلك‪ ،‬وكلّرره أكللثر مللن مللرة فللي كتللابه هللذا‬
‫تلبيس لًا وتدليس لًا‪ ،‬وسللتكون المناقشللة علميللة إن شللاء ال ل وهللو مطلللب‬
‫المؤلف‪.‬‬
‫والرجوع إلى الحق بعللد مللا يتللبين فضلليلة‪ ،‬ونأمللل مللن المؤلللف –‬
‫الباضي‪ -‬بعد اطلعه على ذلك‪ ،‬أن يعود إلى الحللق المؤيللد بقللول ال ل‬
‫عز وجل‪ ،‬وبقول رسول ال صلى ال عليه وسلم فالحكم لهما فللي بللاب‬
‫العقيدة بل في مراتب الدين كلها وحقوقه ومكملته‪.‬‬
‫والمؤلف إذا عاد للحق فسينال مثل أجر من تبعه‪ ،‬وإن بقي على ما‬
‫هو عليه فكذلك سيحمل مثل وزر من تبعلله‪ ،‬كمللا صللحت بللذلك السللنة‪،‬‬
‫فعن أبي هريرة رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫»من دعا إلى هدى كان له من الجر مثببل أجببور مببن تبعببه‪ ،‬ل ينقببص‬
‫ذلك من أجورهم شيئًا‪ ،‬ومن دعا إلى ضللة كان عليببه مببن الثببم مثببل‬
‫آثام من تبعه‪ ،‬ل ينقص ذلك من آثامهم شيئًا«)‪.(23‬‬
‫وفي الصلفحات التاليلة مناقشللة موضللوعات الكتلاب واللتي سلماها‬
‫ثلث قضايا‪ ،‬قال‪ :‬كان للباضية فيها موقف لم يتفق مع رغبللات أولئك‬
‫الحاقدين ‪-‬كما سماهم‪ -‬وتلك القضايا هي‪:‬‬
‫)( مسلم ‪ /‬العلم ح)‪.(2674‬‬ ‫‪23‬‬
‫‪ -1‬إنكار رؤية المؤمنين ربهم وهم في عرصات الجنة‪.‬‬
‫‪ -2‬القول بخلق القرآن‪.‬‬
‫‪ -3‬اعتقاد تخليد الفساق في النار‪.‬‬
‫هذه القضايا الثلث التي يقولها كما فللي ص ‪ 21-20‬والللتي اسللتمر‬
‫في مباحثها إلى ص ‪ .96‬ونبدأ بمناقشة القضية الولى كما سماها‪:‬‬
‫الجزء الول‬
‫الرد على إنكار الخليلي‬

‫رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة في الدار الخرة‬

‫» وهي القضية الولى «‬


‫القضية الولى‬

‫إنكاره رؤية ال تعالى‪ -‬في الخرة )ص ‪(35‬‬


‫بدأ بذكر مدلول الرؤية لغة‪:‬‬
‫فنقل عن القاموس قوله‪»:‬الُرؤية«بالضم‪ ،‬إدراك المرئي‪ .‬وهو على‬
‫أضرب أولها‪»:‬النظر بالعين«التي هللي الحاسللة ومللا يجللري مجراهللا‪..‬‬
‫الخ‪ .‬كما نقل عن تاج العروس ولسان العرب‪.‬‬
‫قببال‪ :‬والخلصللة‪ :‬أن الرؤيللة تكللون بصللرية‪ ،‬وغيللر بصللرية‪،‬‬
‫والبصرية تكون بحاسة البصار المعهودة‪ ،‬وهي العين فيما كللانت فيلله‬
‫عين‪.‬‬
‫ثللم نقللل المؤلللف تفسللير إمللامه السللالمي للرؤيللة حيللث قللال‪ :‬وهللي‬
‫اتصال شعاع الباصرة بالمرئي‪ ،‬أو انطباع صورة المرئي في الحدقة‪.‬‬
‫قال‪ :‬وإلى هذا المعنى ذهب أكثر القائلين برؤيللة الل تعللالى‪ ،‬سللواء‬
‫الذين أثبتوا رؤيته في الدنيا والخرة‪ ،‬أو الذين أثبتوها في الخرة‪ ،‬دون‬
‫الدنيا‪ ،‬كما قال الشيباني‪:‬‬
‫فذلك زنديق بغى وتمردا‬ ‫ومن قال في الدنيا يراه بعينه‬
‫كمببا جبباء فببي الخبببار نرويببه‬ ‫ولكن يراه في الجنان عباُده‬
‫مسندا‬ ‫وقال آخر‪:‬‬
‫فل الضبببيم يغشببباها ول هبببي‬ ‫ول أبصار ترى ال جهرة‬
‫تسأم قصلليدة فللي حللادي الرواح‬
‫قال المؤلببف‪ :‬نقللل ذلللك ابللن القيللم مللن‬
‫)ص‪.(13:‬‬
‫قلببت‪ :‬ويعنللي بلله الللبيت الخيللر وهللو فللي )ص‪ (30 :‬فللي الطبعللة‬
‫المحققة التي رجعنا إليها‪.‬‬
‫ومعلللوم أن مللا جللاء فللي هللذه البيللات الثلثللة‪ ،‬مللن إثبللات رؤيللة‬
‫المؤمنين ربهم يوم القيامة‪ ،‬وهم في الجنان‪ ،‬ونفي الرؤية في الدنيا‪ ،‬هو‬
‫الللذي يقللول بلله أهللل السللنة والجماعللة؛ لليللات الكريمللة‪ ،‬والحللاديث‬
‫الصحيحة الصريحة‪ ،‬في إثبات رؤية المؤمنين ربهلم يلوم القياملة وهللم‬
‫في جنات النعيم‪.‬‬
‫وفي )ص‪ (27 :‬قال‪ :‬الفصل الول‪.‬‬
‫في اختلف المة في إمكان رؤية ال ووقوعها‪.‬‬
‫ثم قال‪»:‬اشتد النلزاع بيلن طلوائف المللة فلي إمكلان رؤيتلله تعلالى‬
‫ووقوعهلللا فلللذهبت الطلللوائف المنتسلللبة إللللى السلللنة‪ ،‬ملللن‪ :‬السللللفية‪،‬‬
‫والشعرية‪ ،‬والماتريديلة‪ ،‬والظاهريلة‪ ،‬وغيرهلم‪ ،‬إلللى أنهلا ممكنلة فلي‬
‫الدنيا والخللرة‪ ،‬غيللر أن جمهللورهم يثبللت وقوعهللا فللي الخللرة ل فللي‬
‫الدنيا‪.‬‬
‫قال‪ :‬وذهبت طائفة إلى أنها واقعة في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ثم ذهب ينقل أقوال الصوفية في ذلك« ا هل‪.‬‬
‫وأقببول‪ :‬إن مللذهب السلللف أهللل السللنة والجماعللة‪ ،‬إثبللات رؤيللة‬
‫المؤمنين ربهم في الجنة للدلة الصريحة في ذلللك مللن الكتللاب والسللنة‬
‫والتي سيأتي ذكرها‪.‬‬
‫وأما رؤية ال في الدنيا فهي جائزة؛ لن موسى عليه السلم ليسأل‬
‫شيئًا غير جائز‪ ،‬لكنها غير واقعة‪ ،‬لن البشر ليطيقون ذلللك لضللعفهم‪،‬‬
‫بدليل اندكاك الجبل الصم فكيف بابن آدم؟ وجائزة وواقعة فللي الخللرة‬
‫للمؤمنين لن ال يقّويهم ويمكنهم منها إكرامًا لهم‪.‬‬
‫وما ذكره المؤلف في )ص‪ :(29 :‬من أقوال نقلت في رؤيلة الكفلار‬
‫والمنافقين ل في الموقف‪ ،‬فإنما هي أقوال على ضوء نصللوص سلليأتي‬
‫ذكرها‪ ،‬وليست اضللطرابًا عنللد مثبللتي الرؤيللة فللي الخللرة كمللا يللدعي‬
‫المؤلف‪.‬‬
‫ثم إن المؤلف يخلللط فللي رّده للرؤيللة‪ ،‬بيللن الصللوفية‪ ،‬والشللعرية‪،‬‬
‫والماتريدية‪ ،‬والظاهرية والسلفية‪.‬‬
‫وعلى ذلك الخلط والمغالطببة‪ :‬فللإن رّدي عليلله ومناقشلته‪ ،‬هلو فيملا‬
‫نسبه للسلف أهل السللنة والجماعللة‪ ،‬مللن أئمللة‪ :‬كالبخللاري‪ ،‬وأحمللد بللن‬
‫حنبل‪ ،‬والشافعي‪ ،‬ومالك‪ ،‬وغيرهم من الئمة القائلين في هللذه المسللائل‬
‫وغيرها من مسللائل العقيللدة‪ ،‬بمللا جللاء فللي كتلاب اللل‪ ،‬وثبللت فللي سللنة‬
‫رسوله‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬وأقللوال الصللحابة‪ ،‬لحضللورهم التنزيللل‬
‫وسماعهم من رسول ال‪ -‬صلى ال عليه وسلللم‪ -‬وقللد خللاطبهم الل علز‬
‫وجل بلغتهم‪ ،‬التي أنزل بها القرآن العظيم‪ ،‬بلسان عربي مبين‪.‬‬
‫إذ ل يصح للمؤلف أن يحّمل السلف‪ -‬الذين يقصدهم بللرده هللذا كمللا‬
‫ي طائفة من هذه الطوائف التي ذكرها للخلللط‬ ‫سيتضح فيما يأتي‪ -‬قول أ ّ‬
‫والمغالطللة للقللارئ بيللن أقللوال هللذه الطللوائف وقللول السلللف فللي هللذه‬
‫المسائل الثلث التي فيها النقاش‪.‬‬
‫ل السللنة مللن هللم وبللم ُيعرفللون‪ ،‬فقللال المللام‬
‫وقد عّرف العلماُء أهل َ‬
‫السللجزي المتللوفى عللام‪444 :‬هلل فللي رسللالته لهللل زبيللد فيمللن أنكللر‬
‫الحرف والصوت‪ .‬قال‪:‬‬
‫» فأهببل السببنة هببم الثببابتون علببى اعتقبباد مببا نقلببه إليهببم السببلف‬
‫الصالح رحمهم الب‪ ،‬عبن الرسبول‪ -‬صبلى الب عليبه وسبلم‪ ،-‬أو عبن‬
‫أصحابه رضي ال عنهم فيما لم يثبت فيببه نببص فببي الكتبباب‪ ،‬ول عببن‬
‫الرسول‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ ،-‬لنهببم رضببي الب عنهببم أئمببة أمرنببا‬
‫باقتداء آثارهم‪ ،‬واتببباع سببنتهم‪ ،‬وهببذا أظهببر مببن أن يحتبباج فيببه إلببى‬
‫إقامة برهان‪ .‬والخذ بالسنة واعتقادها ِمّما ل مرية في وجوبه «‪.‬‬
‫ثللم ذكللر الدلللة علللى ذلللك‪ ،‬منهللا قللوله تعللالى‪} :‬قل إن كنتم‬
‫تحبون الله فللاتبعوني يحببكللم الللله{]آل عملللران‪[31:‬‬
‫وقوله‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪» :-‬عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشببدين‬
‫المهديين من بعدي عضو عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات المور فإن‬
‫كل محدثة بدعة وكل بدعة ضللة«)‪.(24‬‬
‫قال‪» :‬وإذا كان المر كذلك‪ ،‬فكل مدع للسنة يجب أن يطالب بالنقل‬
‫الصحيح بما يقوله‪ ،‬فإن أتى بذلك علم صدقه‪ ،‬وقبل قوله‪ ،‬وإن لم يتمكن‬
‫من نقل ما يقوله عن السلف علم أنلله مح لِدث زائغ‪ ،‬وأنلله ل يسللتحق أن‬
‫يصغى إليه أو يناظر في قوله‪.(25)«...‬‬
‫قلت‪ :‬وعلى ذلك فللإن تسللمية أهللل هللذه الطللوائف »بالسللنة أو أهللل‬
‫السنة« هو في مقابلة » الرافضة « الذين يسبون الصحابة ويكفرونهم‪،‬‬
‫وفي مقابلللة »الخللوارج« الللذين يكفللرون مرتكللبي المعاصللي والقللائلين‬
‫بتخليلد الفسلاق ملن المسللمين الموحلدين فلي النلار‪ ،‬والنواصلب الللذين‬
‫ينصبون العداء والبغض لهل البيت‪ ،‬ومن يجعل الصحابة الذين عّدلهم‬
‫اللل عللز وجللل ووعللدهم جميع لًا بالجنللة‪ ،‬كغيرهللم ممللن جللاء بعللدهم‬
‫فيجعلونهم مثلهم في قضية الجرح والتعديل‪.‬‬
‫وليسوا بأهل السنة في باب العقائد‪ ،‬كمللا وصللفهم المللام السللجزي‪،‬‬
‫وإنما هم في هذا الباب أصحاب بدع‪ ،‬أي في باب أسلماء الل وصللفاته‪،‬‬
‫ومنهللا هللذه المسللائل الثلث‪ ،‬فللإن لبعللض هللذه الطللوائف الللتي ذكرهللا‬
‫المؤلف أقوال تخالف قول السلف‪.‬‬

‫‪ ()24‬السنة لبن أبي عاصم ح‪.54:‬‬


‫طبللع‬
‫‪() 25‬رسللالة السللجزي لهللل زبيللد فيمللن أنكللر الحللرف والصللوت )ص‪ُ (99 :‬‬
‫بالمجلس العلمي بالجامعة السلمية سنة ‪1413‬هل‪.‬‬
‫وإليللك أيهللا القللارئ الكريللم‪ -‬مغالطللة المؤلللف الخليلللي فللي دعللواه‬
‫اضطراب القائلين بإثبات الرؤية في الخللرة‪ ،‬وذلللك بنقللله لجزئيللة مللن‬
‫كلم متصل بعضه ببعض‪ ،‬وتدليسه به على القارئ‪.‬‬
‫ثم نقله لقضية فيها أقوال حدثت بعد القرن الثالث الهجري‪ ،‬وجعلها‬
‫في قضية متفق عليها بين أهل السنة والجماعة‪ ،‬بل الصحابة والتابعون‬
‫مجمعون عليها‪.‬‬
‫ففي )ص‪ (29:‬يقول‪ -‬بعد أن نقل أقللوال القللائلين برؤيللة الل تعللالى‬
‫في الدنيا والخرة‪ ،‬وقد نقل ذلك عن غلة الصوفية‪ ،‬تمهيدًا به لما يللأتي‬
‫حيث قال‪) :-‬والقائلون برؤيتلله تعللالى فللي الخللرة مضللطربون كللذلك‪،‬‬
‫فبينما أكثرهم يقولون‪ :‬بأن الرؤية خاصة بالمؤمنين‪ ،‬إذ هللي نعمللة يمل ّ‬
‫ن‬
‫ال بها عليهم يتضاءل معها نعيم الجنة‪.‬‬
‫نجدهم يهرعون إلى الستدلل عليها بحديث »سببترون ربكببم« مللع‬
‫أنه يقتضللي أن هللذه الرؤيللة سللتكون فللي الموقللف‪ ،‬وأنهللا غيللر خاصللة‬
‫بالمؤمنين‪ ،‬بل المنافقون يشللاركون فيهللا‪ ،‬لن مللن نصوصلله‪» :‬وتبقببى‬
‫هذه المة فيهببا منافقوهببا‪ ،‬فيببأتيهم الب تعببالى فببي صببورة غيببر الببتي‬
‫يعرفون« )‪.((26‬‬
‫ثم قال‪) :‬وأغرب من ذلك ما ذكره ابن كثير في تفسير قوله تعالى‪:‬‬
‫}كل إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبللون{ ]المطففيلللن‪:‬‬
‫‪.[15‬‬
‫»أن يكشف الحجاب فينظر إليه المؤمنللون والكللافرون‪ ،‬ثللم يحجللب‬
‫عنه الكافرون«‪ -‬ثم نقل قول ابن القيم في حادي الرواح )ص‪- 364 :‬‬
‫‪ (365‬من أن الحاديث الصحيحة على أن المنافقين يرونه يللوم القيامللة‬

‫‪ ()26‬مسلم‪/‬اليمان ح )‪. (182‬‬


‫بل الكفار أيضًا كما في حديث التجّلللي‪ ،‬ثللم قللال‪ -‬أي ابللن القيللم‪: -‬وفللي‬
‫هذه المسألة ثلثة أقوال لهل السنة‪:‬‬
‫‪ -1‬قول‪ :‬أن ل يراه إل المؤمنون‪.‬‬
‫‪ -2‬وقول‪ :‬يراه جميللع أهللل الموقللف المللؤمن والكللافر ثللم يحجللب عنلله‬
‫الكفار فل يرونه بعد ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬وقللول‪ :‬يللراه المنللافقون دون الكفللار‪ ،‬والقللوال الثلثللة فللي مللذهب‬
‫أحمد‪.‬‬
‫كما نقل عن شيخ السلللم ابللن تيميللة مللن الفتللاوى المجلللد السللادس‬
‫)ص‪(501-500:‬مثل هذه القوال؟ وهي علن القاضللي أبلي يعللى كملا‬
‫سيأتي توضيحها‪.‬‬
‫وذكر أنه سمع محاضرة مسللجلة فللي شللريط لحللد خطبللاء الجمعللة‬
‫المشهورين في إحدى دول الجزيرة العربيللة‪ ،‬اسللتدل فيهللا علللى ثبللوت‬
‫الرؤيلللة بقلللوله تعلللالى‪} :‬كل إنهللم عللن ربهللم يللومئذ‬
‫لمحجوبون{ وكان مما قال في تفسير الية أن» الباضللية« هللم‬
‫الذين يحجبون عن ربهم فل يرونه‪ ،‬عندما يراه المؤمنون‪.‬‬
‫ثللم قللال‪) :‬هكللذا تللرى أيهللا القللارئ الكريللم‪ ،‬تضللارب أقللوال مثبلتي‬
‫الرؤية في هذه القضية حتى إنهللم ينسللبون إلللى إمللام واحللد مللن أئمتهللم‬
‫ل متعارضة ومذاهب متباينة(‪ -‬يقصد به المام أحمد‪.-‬‬ ‫أقوا ً‬
‫ل على ضللعف القاعللدة الللتي أسسللوا‬ ‫قال‪) :‬وناهيك بذلك شاهدًا ودلي ً‬
‫عليها معتقللدهم‪ ،‬وإل فللالحق ل يحتمللل هللذا الختلف لوضللوح حجتلله‬
‫واسللتقامة محجتلله وصللدق اللل إذ يقللول‪} :‬وأن هذا صراطي‬
‫مستقيما ً فاتبعوه ول تتبعللوا السللبل فتفللرق‬
‫بكم عن سبيله{ ]النعام‪ [153/‬أهل( )ص‪.(31:‬‬
‫وعلى هذا المنهج سار المؤلف في رده علللى المثبللتين للرؤيللة يللوم‬
‫القيامة في جنات النعيم‪ ،‬وقد ظهر من نقله عن ابن كللثير‪ ،‬وابللن تيميللة‪،‬‬
‫وابن القيم‪ ،‬وقوله )وما ينسبونه إلى إمام واحد مللن أئمتهللم( ويقصللد بلله‬
‫المام أحمد بن حنبل‪ .‬أنه يقصد برده هذا في هذه المسللائل الثلث أهللل‬
‫السنة والجماعة القائلين بقول السلف المتبعين لنصوص الكتاب والسللنة‬
‫في هذه المسائل وغيرها من مسائل العقيدة‪.‬‬
‫أمللا مللن ورد ذكرهللم مللن الطللوائف المنتسللبة للسللنة وسللماهم مللع‬
‫السلفية من أشاعرة وماتريدية وظاهريللة وغيرهللم كمللا فللي )ص‪(27 :‬‬
‫فإنه ل يريدهم‪ ،‬وإنما يريد برده السلفية فقط لتصريحه بأتباعها‪.‬‬
‫وأمللا مللا ادعللاه علللى المثبللتين للرؤيللة مللن اضللطراب‪ ،‬فسيتضللح‬
‫للقارئ الكريم أن هللذا السلللوب الللذي اتبعلله المؤلللف هللو أسلللوب مللن‬
‫تبعهم مللن أصللحاب المغالطللات‪ ،‬الللذين ل يلللتزمون بنصللوص الكتللاب‬
‫والسللنة فللي إثبللات عقللائدهم‪.‬ول يلللتزمون بالمانللة والنصللاف‪ ،‬فيمللا‬
‫ينقلللونه عللن غيرهللم ممللن يخللالفونهم فللي عقللائدهم الللتي يتبعللون فيهللا‬
‫أهواءهم‪ ،‬وإليك توضيح ذلك‪.‬‬
‫فالمؤلف الخليلي أخذ جزئيللة فللي موضللوع الرؤيللة‪ ،‬ليسللت هللي‬
‫الصل في القضية التي فيها الخلف بيللن السلللف والمخللالفين لهللم‪ ،‬ثللم‬
‫يورد الردود عليها من أجل مغالطللة القللارئ‪ ،‬والتللبيس عليلله‪ ،‬وينسللب‬
‫لهل السنة والجماعة أنهم مضطربون فيها‪.‬‬
‫فالمسألة هنا هي»رؤية المؤمنين ربهم وهم في جنات النعيم«‪.‬‬
‫هذه المسألة ل خلف فيها ول اضللطراب‪ ،‬ول أقللوال متعللددة‪ ،‬بللل‬
‫المؤمنللون جميعلًا علللى قللول واحللد فيهللا وهللو إثباتهللا كمللا وردت بهللا‬
‫النصوص من الكتاب والسنة‪ ،‬ويصدرون الحكم على مللن خللالفهم فيهللا‬
‫بما دلت عليه النصوص بعد دعوته‪ ،‬وإيصال الدلة إليه إن كان جللاه ً‬
‫ل‬
‫بها‪ ،‬كما ُيعّلم من يجهل شرائع السلم لتقوم الحجة عليه بعد ذلك‪.‬‬
‫ولكن المؤلف‪ -‬اقتطف جزئية مللن كلم طويللل لشلليخ السلللم ابللن‬
‫تيمية من رسالة وجهها لهل»البحرين« إجابة على سؤال وجهوه إليه‪،‬‬
‫لخلف حدث بينهم فللي مسللألة الكفللار‪ ،‬هللل يللرون ربهللم أو ل؟ ل فللي‬
‫رؤية المؤمنين ربهم‪.‬‬
‫فنقللل المؤلللف الخليلللي الخلف فللي هللذه المسللألة إلللى رؤيللة المللؤمنين‬
‫ربهم‪ ،‬التي ل خلف فيها بين السلف‪ ،‬تلبيس لًا وتدليس لًا وكللذبًا وافللتراًء‪،‬‬
‫وليس هذا أسلوب العالم الذي يعلم ويؤمن بأن الل علز وجلل سيحاسلبه‬
‫على عمله هذا‪.‬‬
‫ثم ذهب ينقل ما ذكره عن ابن كثير‪ ،‬وابن القيم‪ ،‬وما هو في مللذهب‬
‫المام أحمد من أقوال في رؤية الكفللار والمنللافقين‪ ،‬وسللماها اضللطرابًا‬
‫عند مثبتي رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة‪.‬‬
‫وهذا ليس أسلوب من يريد الوصول إلى الحللق‪ ،‬وإنمللا هللو أسلللوب‬
‫أصحاب الهواء والمغالطات‪.‬‬
‫وإليك أيها القارئ الكريم ما يبين ويكشف هذه المغالطات‪ِ ،‬من قول‬
‫َمن اقتطف الخليلي من أقوالهم ما يريد أن يصللل بلله إلللى الباطللل‪ ،‬وقللد‬
‫ترك من النص ما يبين لك أن المؤلف مطلع على قول السلف فللي هللذه‬
‫المسألة ولكنه ل يريد الحق‪.‬‬
‫يقول شيخ السللم ابن تيمية‪ ،‬في المجلد السادس من الفتاوى الللذي‬
‫نقللل المؤلللف منلله تلللك الجزئيللة الللتي يريللدها مللن )ص ‪(501 -500‬‬
‫والرسللالة كاملللة تبللدأ مللن )ص ‪ (508-485‬وإليللك قللوله ليتضللح لللك‬
‫مغالطة المؤلف الخليللي وخيلانته العلميلة‪ ،‬ثلم دعلواه الضلطراب فلي‬
‫أقوال مثبتي رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة‪:‬‬
‫يقول شيخ السلم في رسالته إلى أهللل )البحريللن( واختلفهللم فللي‬
‫صلة الجمعة قال‪) :‬والذي أوجللب هلذا‪ ،‬أن وفلدكم حلدثونا بأشلياء ملن‬
‫الفرقة والختلف بينكم‪ ،‬حتى ذكروا أن المر آل إلى قريللب المقاتلللة‪،‬‬
‫وذكروا أن سبب ذلك في» رؤية الكفار ربهم« وما كنا نظللن أن المللر‬
‫يبلغ بهذه المسألة إلى هذا الحللد‪ ،‬فللالمر فللي ذلللك خفيللف‪ ،‬وإنمللا المهللم‬
‫الذي يجب علللى المسلللم اعتقللاده‪ :‬أن المللؤمنين يللرون ربهللم فللي الللدار‬
‫الخرة‪ ،‬في عرصة القيامة‪ ،‬وبعدما يدخلون الجنة‪ ،‬على ما تواترت بلله‬
‫الحاديث عن النبي‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬عند العلمللاء بالحللديث‪ .‬فللإنه‬
‫أخبر‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬أنا نرى ربنا كمببا نببرى القمببر ليلببة البببدر‬
‫والشمس عند الظهيرة ل يضام في رؤيته(‪.‬‬
‫قببال‪) :‬ورؤيتلله سللبحانه‪ ،‬هللي أعلللى مراتللب نعيللم الجنللة‪ ،‬وغايللة‬
‫مطلوب الذين عبدوا ال مخلصين له الدين‪ ،‬وإن كانوا في الرؤية علللى‬
‫درجات على حسب قربهم من ال ومعرفتهم به‪.‬‬
‫والللذي عليلله جمهببور السببلف‪ ،‬أن مببن جحببد رؤيببة الب فببي الببدار‬
‫علّرف ذلللك‪،‬‬ ‫الخرة‪ ،‬فهو كافر‪ ،‬فإن كان ممن لم يبلغه العلللم فللي ذلللك ُ‬
‫كما ُيعرف من لم تبلغه شرائع السلللم‪ ،‬فببإن أص بّر علببى الجحببود بعببد‬
‫بلوغ العلم له فهو كافر(‪.‬‬
‫قال‪ ):‬والحاديث والثار في هللذا كللثيرة مشللهورة قللد دون العلمللاء‬
‫فيهللا كتبللًا‪ ،‬مثللل‪» :‬كتللاب الرؤيلللة« لللللدارقطني)‪ ،(27‬ولبلللي نعيللم‪،‬‬
‫وللجري)‪ ،(28‬وذكرهللا المصللنفون فللي السللنة‪ ،‬كللابن بطلة والللكللائي‬

‫)( مطبوع‪ ،‬بتحقيق إبراهيم محمد العلي‪ ،‬وأحمد فخري سنة ‪1411‬هل مكتبة المنار‪،‬‬ ‫‪27‬‬

‫الردن الزرقاء‬
‫)( مطبللوع‪ ،‬وهللو الجللزء السللابع مللن كتللاب الشللريعة ص ‪ 351‬المسللمى‪ -‬بكتللاب‬ ‫‪28‬‬

‫التصديق بالنظر إلى وجه ال عز وجل تحقيللق محمللد حامللد الفقلي‪ -‬الناشلر أنصلار‬
‫السنة‪.‬‬
‫وابن شاهين‪ ،‬وقبلهم عبد ال بن أحمللد بللن حنبللل‪ ،‬وحنبللل بللن إسللحاق‪،‬‬
‫والخلل‪ ،‬والطللللبراني‪ ،‬وغيرهللللم‪ ،‬وخرجهللللا أصللللحاب الصللللحاح‪،‬‬
‫والمسانيد‪ ،‬والسنن وغيرهم(‪.‬اهل‬
‫أقببول‪ :‬فهللذا كلم شلليخ السللللم ابللن تيميللة يقللرر فيلله أن رؤيللة‬
‫المؤمنين ربهم في عرصة القيامللة بعللد مللا يللدخلون الجنللة أمللر مجمللع‬
‫عليلله‪ ،‬وأنلله لخلف بيللن السلللف فللي ذلللك لثبللوت ذلللك بالحللاديث‬
‫المتواترة عند أهل الحديث‪ ،‬فهم أهل الشأن في ذلك‪.‬‬
‫ومثله قول ابن القيم‪ ،‬وابن كللثير‪ ،‬وقبلهللم المللام أحمللد رحمهللم الل‬
‫جميعًا‪.‬‬
‫ثم قال شليخ السللم بعلد ذلللك‪ -‬وهلو ملا اقتطعله المؤللف الخليلللي‬
‫الباضي وسماه اضطرابًا عند مثبتي الرؤية‪-‬‬
‫قال‪) :‬فأما» مسبألة رؤيبة الكفبار«‪ ،‬فبأول مبا انتشبر الكلم فيهبا‪،‬‬
‫وتنازع الناس فيها‪ -‬فيما بلغنا‪ -‬بعد ثلثمائة سنة من الهجرة‪ ،‬وأمسك‬
‫عن الكلم في هذا قوم من العلماء‪ ،‬وتكلللم فيهلا آخللرون‪ ،‬فلاختلفوا فيهلا‬
‫على ثلثة أقوال‪،‬مع أني ما علمت أن أولئك المختلفين فيها تلعنوا ول‬
‫تهاجروا فيها‪ ،‬إذ في الفرق الثلثة قوم فيهم فضل وهم أصحاب السللنة(‬
‫اهل )ص‪.(486 :‬‬
‫فأنت ترى أيها القارئ الكريم‪ ،‬أن مثبتي رؤية ال في الدار الخرة‪،‬‬
‫متفقون على أن المؤمنين يللرون ربهللم فللي الللدار الخللرة فللي عرصللة‬
‫القيامة بعد دخولهم الجنة‪ ،‬علللى ملا تلواترت بله الحلاديث علن النلبي‪-‬‬
‫ل واحللدًا‪ ،‬ل يختلفللون فللي ذلللك‪ .‬بللل يوجبللون‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪ -‬قو ً‬
‫عّرف كما ُيَعّرف‬ ‫على كل مسلم اعتقاد ذلك‪،‬ومن لم يبلغه العلم في ذلك ُ‬
‫من لم تبلغه شرائع السلم‪ ،‬فإن أصر على الجحود بعد بلوغ العلم فهو‬
‫كافر‪.‬‬
‫وأما الخلف الحادث فهو في»رؤية الكفار ربهم«‪ ،‬ولم يحدث ذلللك‬
‫إل بعد ثلثمائة سنة مللن الهجللرة‪ ،‬وهللو الللذي فيلله ثلثللة أقللوال‪ ،‬وهللي‬
‫أقوال في هذه المسألة وليست اضطرابًا‪.‬‬
‫والمؤلببف الخليلللي الباضللى _المنكللر لرؤيللة المللؤمنين ربهللم فللي‬
‫الخرة‪ ،‬المجمع عليها بين سلللف المللة‪ ،‬المطّلللع علللى كلم ابللن تيميللة‬
‫هذا‪ -‬نقل هذه القوال في رؤية»الكفار ربهم«إلى رؤية المؤمنين ربهللم‬
‫وسماه اضطرابًا‪.‬‬
‫وهللذا الصللنيع يتنللافى مللع نزاهللة البحللث العلمللي‪ ،‬وأمانللة العلمللاء‬
‫الصادقين في علمهم‪ .‬فلماذا يختار هذه الجزئيللة‪ ،‬ويللترك المللر المتفللق‬
‫عليه عند السلف؟‪.‬‬
‫وهذه القوال الثلثة التي نقلهللا عللن حللادي الرواح‪ ،‬موجللودة فللي‬
‫الفتاوى المجلد السللادس )ص‪ (487 :‬الللذي نقللل منلله مللن )ص‪-500 :‬‬
‫‪ (501‬كما ذكر في كتابه هنللا )ص‪ (32:‬مللا حكللاه ابللن تيميللة عللن أبللي‬
‫يعلى في مسألة رؤية الكفار‪ ،‬وعده اضطرابًا في رؤية المؤمنين تلبيس لًا‬
‫وتدليسًا‪ ،‬بل كذبًا صريحًا‪ ،‬ل يقدم على فعله مؤمن‪ ،‬فكيللف بمللن يللدعي‬
‫العللللم‪ ،‬ولكنللله الهلللوى يعملللي البصلللائر‪} ،‬فإنهللا ل تعمللى‬
‫البصللار ولكللن تعمللى القلللوب الللتي فللي‬
‫الصدور{ ]الحج‪.[46:‬‬
‫ثانياً‪ :‬و أما ما نقله المؤلف عن ابن كللثير فللي تفسللير قللوله تعللالى‪:‬‬
‫}كل إنهم عللن ربهللم يللومئذ لمحجوبللون{ فإليللك‬
‫نصلله‪ :‬يقللول ابللن كللثير ‪) :373 /8‬أي لهللم يللوم القيامللة منللزل ونللزل‬
‫جين‪ ،‬ثم هم يوم القيامة مع ذلك محجوبون عن رؤية ربهم وخالقهم‪.‬‬ ‫سّ‬
‫قال المام أبو عبد ال الشافعي‪ :‬هذه اليللة دليللل علللى أن المللؤمنين‬
‫يرونه عّز وجل يومئذ‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهذا الذي قاله الشافعي‪ -‬رحمه ال‪ -‬فللي غايللة الحسللن‪ ،‬وهللو‬
‫اسللتدلل بمفهللوم هللذه اليللة‪ ،‬كمللا دل عليلله منطللوق قللوله‪} :‬وجوه‬
‫يومئذ ناضرة ‪ .‬إلى ربها ناظرة{]القياملللة آيلللة )‪[(23-22‬‬
‫وكما دلت على ذلك الحاديث الصحاح المتللواترة فللي رؤيللة المللؤمنين‬
‫ربهم ‪-‬عللز وجللل‪ -‬فللي الللدار الخللرة‪ ،‬رؤيللة بالبصللار فللي عرصللات‬
‫القيامة‪ ،‬وفي روضات الجنات الفاخرة‪.‬‬
‫وقد قال ابن جرير‪ :‬حدثنا محمد بلن عملار الللرازي وسللاق بإسلناده‬
‫ذ‬
‫عللن الحسللن فللي قللوله‪} :‬كل إنهللم عللن ربهللم يللومئ ٍ‬
‫لمحجوبللون{ قللال‪ :‬يكشللف الحجللاب‪ ،‬فينظللر إليلله المؤمنللون‬
‫والكافرون‪ ،‬ثم يحجب عنه الكافرون‪ ،‬وينظر إليلله المؤمنللون‪ ،‬كللل يللوم‬
‫غدوة وعشية أو كلمًا هذا معناه)‪( (29‬أهل قلت‪ :‬ورواه ابن جرير بنفللس‬
‫السناد)‪.(30‬‬
‫فأنت ترى‪ ،‬أن ابن كثير ذكلر فلي تفسلير اليلة هلذا الكلم الجميلل‬
‫الحسن عن المام الشافعي رحمه ال‪ ،‬وهو استدلله رحمه الل بمفهللوم‬
‫هذه الية على رؤية المؤمنين ربهم وخالقهم‪ ،‬كما دل على ذلك منطوق‬
‫الية في قوله تعالى‪} :‬وجوه يومئذ ناضرة‪ .‬إلللى ربهللا‬
‫ناظرة{ وهذا تفسير القرآن بالقرآن‪.‬‬
‫ن هذه الرؤية دلت عليهللا الحللاديث الصللحاح‬ ‫ثم أضاف ابن كثير أ ّ‬
‫المتواترة‪ ،‬كما أشار إلى ما روي عن الحسن أن الحجاب ُيكشللف فيللراه‬
‫المؤمنللون والكللافرون‪ ،‬ثللم ُيحجللب الكللافرون‪ ،‬فل يرونلله بعللد ذلللك‪،‬‬
‫وتستمر الرؤية للمؤمنين‪.‬‬
‫فنقول للمؤلف الخليلي الباضي‪ :‬فأي اضطراب في هذا؟ وإنما هو‬

‫‪ ()29‬ابن كثير ‪.373 /8‬‬


‫‪ ()30‬ابن جرير ‪.100 /30‬‬
‫إشارة إلى ماسبق ذكره عن شيخ السلم ابن تيمية‪ ،‬من القوال الثلثللة‬
‫في رؤية الكفار ربهم‪.‬‬
‫أما رؤية المؤمنين ربهم في عرصات القيامة في الجنللة فهللذا أمللر‬
‫مجمع عليه عند المثبلتين للرؤيلة‪ ،‬وذللك للدللة الصللريحة ملن القللرآن‬
‫الكريم‪ ،‬والحاديث المتواترة كما قاله ابن كثير وغيره‪.‬‬
‫وبهذا يظهر لك أيها القارئ الكريم‪ ،‬أن المؤلف الخليلي الباضي‪،‬‬
‫من أجل أن يدعم رأي طائفته الباضية في إنكار رؤية المللؤمنين ربهللم‬
‫يوم القيامة‪ ،‬يورد هذه المغالطات التي ليجوز لمسلم أن يسلكها‪ ،‬فض ً‬
‫ل‬
‫عمن يدعي العلم‪ ،‬وذلك لمرين‪:‬‬
‫الول‪ -:‬مراقبللة الل عللز وجللل المطلللع علللى الضللمائر ومللاتخفيه‬
‫ن أهللم ذلللك أن‬ ‫الصدور‪ ،‬والذي سيحاسب كللل إنسللان بمللا اقللترف‪ ،‬وِمل ْ‬
‫يقول النسان على شخص مالم يقل‪.‬‬
‫الثاني‪ -‬أن يهيئ ال من يكشف هذه المغالطات والتلبيسات في هذه‬
‫الدنيا‪ ،‬فيطلع الناس على قول من ينتسب إلى العلم‪ ،‬ثم ينسب شليئًا غيلر‬
‫صحيح إلى الخرين‪ ،‬فتنزع الثقة منه حتى عند أتباعه فل يأمنونه‪ ،‬ول‬
‫يصدقونه بعد ذلك‪ ،‬لن الفطللر السللليمة لتقبللل الكللذب والفللتراء علللى‬
‫الخريللن‪ .‬وقللد كللان أهللل الجاهليللة يمنعهللم الحيللاء مللن الكللذب علللى‬
‫خُلق الذميم عنهم‪ ،‬ففي صحيح البخللاري‬ ‫الخرين مخافة أن يؤثر ذلك اْل ُ‬
‫كتاب بدء الوحي فتح الباري ح ‪ – 7‬في قصة سؤال هرقل لبي سللفيان‬
‫بن حرب علن صللفات رسللول الل ‪-‬صللى الل عليلله وسلللم – قللال أبللو‬
‫سفيان‪» :‬وال لول الحياء من أن يأثروا علي كذبًا لكذبت عنه« )‪.(31‬‬
‫فماذا يقول المؤلف الخليلي الباضي في هذا الكذب الصريح؟‬

‫‪ ()31‬البخاري‪/‬الوحي ‪،‬ح ‪.7‬‬


‫ولكني أذّكره بأن ال عّز وجل بفضله وكرمه قد جعل باب التوبة‬
‫مفتوحًا لمن أراد الرجوع إللى الحللق‪ ،‬ولشللك أن المؤللف مطللع عللى‬
‫شروط التوبة‪ ،‬ومنها القلع‪ ،‬والندم‪ ،‬وإذا كانت المعصية علن لًا‪ ،‬فلبللد‬
‫أن تكون التوبة كذلك‪ ،‬والمؤلف يعلللم أن الكللذب لسلليما الفللتراء علللى‬
‫الخرين من المعاصللي‪ ،‬وللمؤلللف رأي فللي حكللم مرتكللب المعاصللي‪،‬‬
‫وإن كنا نخالفه في حكمه للدلة على ذلك‪ ،‬ولكن عليه أن يجتنب حكملله‬
‫على نفسه‪ ،‬الذي حكم به على الخرين‪ ،‬أو يرجع لما يقوله أهللل السللنة‬
‫والجماعة في ذلك‪ ،‬وهو خير له‪.‬‬
‫وأما مايقوله المؤلف في )ص‪ (30 :‬أنه سمع محاضرة مسجلة فللي‬
‫شريط لحد خطباء الجمعة المشهورين في إحدى دول الجزيرة العربية‬
‫اسللتدل فيهللا بقللوله تعللالى‪} :‬كل إنهم عن ربهللم يللومئذ‬
‫لمحجوبون{ وكان مما قال‪ :‬إن الباضية هم الللذين يحجبللون عللن‬
‫ربهم‪ ،‬فل يرونه عندما يراه المؤمنون‪ ..‬إلخ ما قال‪.‬‬
‫فأقول‪ :‬أما أنا فلللم أسللمع هللذا الشللريط‪ ،‬ولكنللي أقللول‪ :‬لمللاذا يتللأثر‬
‫المؤلف بهذا وهو الذي ينفي الرؤية عن الل تعلالى؟ وأنله ليلراه أحلد‪،‬‬
‫ويقول‪ :‬إن هذه عقيللدة طلائفته الباضلية وقللد أّلللف هللذا الكتللاب تأكيلدًا‬
‫لنفيها‪.‬‬
‫وأهل السنة والجماعة يؤمنون بما أخبر ال تعالى به في كتابه من‬
‫أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة‪ ،‬وبما أخبر به رسللوله‪ -‬صلللى ال ل‬
‫عليه وسلم‪ ،-‬من إنهم سيرون ربهم‪.‬‬
‫وقد دلت النصوص على أن الجزاء من جنس العمللل‪ ،‬فللالمؤمنون‬
‫بالرؤية يجازون في الخرة مللن جنللس عملهللم‪ ،‬وهللو حصللول الرؤيللة‬
‫لربهم وهم في جنات النعيم‪.‬‬
‫والباضللية يجللازون مللن جنللس عملهللم‪ ،‬فقللد أنكللروا الرؤيللة وردوا‬
‫النصوص الدالة عليها من الكتاب والسنة‪ ،‬فحرمانهم منها جزاًء وفاقللًا‪،‬‬
‫وليظلم ربك أحدًا‪ ،‬ولهذا فإني أرى أن الخطيب المذكور لم يقل إل مللا‬
‫اختاره المؤلف لنفسه‪ ،‬ومااختارته طائفته الباضية كذلك‪.‬‬
‫فلماذا يقول‪ :‬إن الخطيب هو الذي يقول‪ » :‬إن الباضللية يحجبللون‬
‫ص مللا اختللارته الباضللية‬ ‫عن الرؤية يوم القيامللة«؟ والخطيللب إنمللا قل ّ‬
‫لنفسها شرعة ومنهاجًا‪ ،‬ولم يقل شيئًا من تلقاء نفسه‪ ،‬والدليل على ذلللك‬
‫أن المؤلف قال في )ص ‪) (32‬وذهب إلللى اسللتحالتها –أي الرؤيللة فللي‬
‫الدنيا والخللرة‪ -‬أصللحابنا الباضللية وهللو قللول المعتزلللة‪ ،‬والجهميللة‪،‬‬
‫والزيدية والمامية من الشيعة( اهل‪.‬‬
‫وأقببول – إن عللدم وقوعهللا فللي الللدنيا هللو مللايقوله أهللل السللنة‬
‫والجماعة‪ ،‬وإن الرؤيللة البصللرية لللم تثبللت لحللد فللي الللدنيا ‪ ،‬ل لنهللا‬
‫مستحيلة‪ ،‬وإنما لحكمة أرادها ال تعالى‪ ،‬ومنهللا ضللعف طاقللة النسللان‬
‫ل‪ ،‬بدليل أنه تعالى تجّلى للجبللل وهللو‬ ‫في هذه الدنيا ولو كان بشرًا رسو ً‬
‫خّر موسللى صللعقًا ممللا‬ ‫أقوى بنية من موسى عليه السلم فصار دكًا‪ ،‬و َ‬
‫صار إليه الجبل‪ ،‬وموسى أفضل من الجبل‪ ،‬فالجبل جماد‪ ،‬وقد تجّلى له‬
‫ربه‪.‬‬
‫أما يوم القيامة‪ ،‬فإن ال عّز وجل يجعل في هذه الجسام الضللعيفة‬
‫في الدنيا قوة – بإذنه تعالى – تمكنهم من النظر لوجهه الكريللم‪ ،‬لوعللده‬
‫لهم بذلك وال ليخلف الميعاد‪ .‬وهللذا هللو التغيللر الللذي يحللدث لصللفات‬
‫المخلوق‪ ،‬مللن كللونه ليقللوى علللى رؤيللة الل فللي الللدنيا لضللعف قللواه‬
‫وحواسه‪ ،‬ثم يقوى على ذلك في الخرة بما حباه ال من القللوة والكمللال‬
‫في دار الكمال والجمال‪.‬‬
‫أمللا صللفات الخللالق سللبحانه وتعللالى‪ ،‬فل تتغيللر ولتتبللدل‪ ،‬كمللا‬
‫يتوهمه المؤلف كما في )ص‪ .(67:‬ومن أجل ذلك الللوهم ينفللي الرؤيللة‬
‫الثابتة بالنصوص من الكتاب والسنة‪.‬‬
‫ثم إن المؤلببف الخليلللي الباضللي فللي )ص‪ (32 :‬ادعللى أن إنكللار‬
‫الرؤية الذي تقوله وتعتقده الباضية‪ ،‬والمعتزلة‪ ،‬والجهميللة‪ ،‬والزيديللة‪،‬‬
‫والمامية من الشيعة؛ هو الثابت عن سلف هذه المة‪ ،‬فنسللب ذلللك إلللى‬
‫علي بن أبي طللالب‪ ،‬وابللن عبللاس‪ ،‬وعائشللة أم المللؤمنين‪ ،‬رضللي الل‬
‫عنهم‪ ،‬ثم سرد عددًا من التابعين قال‪ :‬وهو مقتضى مللارواه ابللن جريللر‬
‫عن ابن عباس رضي ال عنهما‪ ،‬إنه قال في قول موسى عليلله السلللم‪:‬‬
‫»وأنا أول المؤمنين«‪ ،‬أنه ليراك أحد‪ ،‬ثم نسب لبن جريللر أنلله روى‬
‫ذلك عللن مجاهللد‪ ،‬وابللن مردويلله عللن ابللن عمللر‪ ،‬والحسللن البصللري‪،‬‬
‫وعكرمة‪ ،‬والسللدي‪ ،‬ولللم يللذكر فللي هللذه الصللفحة أيللن روى ذلللك ابللن‬
‫جريلللر‪ ،‬إل أنللله ذكلللر اليلللة وهلللي قلللوله تعلللالى‪} :‬لتللدركه‬
‫البصار{ا‪.‬هل‪.‬‬
‫والجواب على مانسبه المؤلف الخليلي إلى السلف من أوجه‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن المؤلف –يصللرح أن إنكللار رؤيللة المللؤمنين ربهللم يللوم‬
‫القيامللة فللي عرصللات الجنللة هللو مللذهب طللائفته الباضللية والمعتزلللة‬
‫والجهميللة‪ ..‬إلللخ مللن ذكرهللم مللن هللذه الطللوائف البعيللدة عللن الكتللاب‬
‫والسنة‪ ،‬بل المحاربة لهما‪ ،‬إذ لم يحُدث أن تفرقت المة السلمية إلللى‬
‫فرق يكّفر بعضها بعضًا‪ ،‬ويضّللها ويبّدعها‪ ،‬مما شتت شمل المللة‪ ،‬إل‬
‫بعد أن دخلت هذه الفرق الضالة المضلة‪ ،‬باسم السلللم ملع المسلللمين‪،‬‬
‫ليحتموا بهذه النسبة‪ ،‬وقد سللبق )ص ‪ :(38‬ترجمللة الجهللم بللن صللفون‪،‬‬
‫المؤسللس لمللذهب الجهميلة المنسللوبة إليله‪ ،‬وبيلان ملذهبه‪ ،‬وممللن أخللذ‬
‫أفكاره التي نشرها بين المة السلمية‪ ،‬فقد نفى أسللماء الل عللز وجللل‬
‫وصفاته‪ ،‬وقال بالجبر‪ ،‬وخلق القرآن‪ ،‬ونفللى رؤيللة ال ل عللز وجللل فللي‬
‫الخرة‪ ،‬وغير ذلك من الفكار المنحرفة‪.‬‬
‫وذكر ابن الثير في الكامل ‪ 7/75‬وهللو يتحللدث عللن الجهللم قللال‪:‬‬
‫خلَذ‬
‫خَذ مقالته في نفي صفات ال علن الجعلد بلن درهللم‪ ،‬والجعلد َأ َ‬ ‫وقد َأ َ‬
‫التعطيل عن أبان بن سمعان وأخذ أبان عن طالوت‪ ،‬وأخذ طالوت عللن‬
‫خاله لبيد بن العصم اليهودي الساحر الذي سحر رسول ال صلى اللل‬
‫عليه وسلم وكان لبيد زنديقًا يقول بخلق التوراة)‪.(32‬‬
‫فنقول للمؤلف‪:‬‬
‫أوًل‪ -‬هللذه سلسلللة سللند المعطّلللة الجهميللة‪ ،‬فهللل ترضللى لنفسللك‬
‫ولطائفتك الباضية أن تكونوا في صف الجهمية الللذين أخللذوا عقللائدهم‬
‫عن اليهود أعداء هذا الدين‪ ،‬الللذين وصللفهم الل بالفسللاد فللي الرض‪،‬‬
‫ولما عجزوا عن مواجهة السلم بالسيف‪ ،‬لجؤوا للكيللد للله‪ ،‬بللأن دخللل‬
‫بعضهم في السلم نفاقًا كما فعل )عبدال بللن سللبأ( الللذي أسللس عقللائد‬
‫المامية‪ ،‬في الرفض وتكفير الصللحابة‪ ،‬ودعللوى تحريللف القللرآن‪ ،‬ثللم‬
‫ختموا عقائدهم بعقائد الجهمية والعتزال‪ ،‬ومنها إنكار رؤية المللؤمنين‬
‫ربهم يوم القيامة‪ ،‬والقول بخلق القرآن‪ ،‬وقد حمل بشللر المريسللي لللواء‬
‫الجهمية في ذلك‪ ،‬والمعتزلة هم المنكللرون للرؤيللة‪ ،‬وقللد أّلللف القاضللي‬
‫عبد الجبار المعتزلي مجلدًا خاصًا بنفي الرؤية‪ ،‬وهو المجلد الرابع مللن‬
‫كتابه المسمى »المغني في أبواب التوحيد والعدل «‪.‬‬

‫)( جاء في صحيح البخاري في الطب‪ 10/221/-‬باب السللحر ح ‪ :5763‬لبيللد بللن‬ ‫‪32‬‬

‫العصم وح ‪ 5765‬وفيه‪ :‬ومن طّبه؟ قال‪ :‬لبيد بن أعصللم رجللل مللن بنللي زريللق‬
‫حليف ليهود كان منافقلًا‪ .‬قلال ابلن حجلر فلي فتلح البلاري ‪ :10/226‬وفلي روايلة‬
‫مسلم‪ :‬سحر النبي – صلى ال عليه وسلم – يهللودي مللن يهللود بنللي زريللق‪ ،‬قللال‪:‬‬
‫ويجمع بينهما بأن من أطلق أنه يهودي نظر إلللى مللافي نفللس المللر‪ ،‬ومللن أطلللق‬
‫عليه منافقًا نظر إلى ظاهر أمره‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫وكل فصوله تدور على الفلسفة والمنطق‪ ،‬وليس لهللا صلللة بكتللاب‬
‫ال الذي أنزله الل علللى رسللوله ليخللرج بلله النللاس مللن الظلمللات إلللى‬
‫النللور‪ ،‬ومنهللا ظلمللات أصللحاب الفلسللفة والمنطللق الللذين ضلللوا فللي‬
‫عقائدهم قبل ظهور السلم‪ ،‬ولهذا قال طللاوس فللي وصللف هللؤلء‪» :‬‬
‫أصحاب المراء والمقاييس ليزال بهم المراء والمقاييس حتى يجحدوا‬
‫الرؤية ويخالفوا السنة«)‪.(33‬‬
‫كما أنه ل صلة لها بسنة رسول ال صلى ال ل عليلله وسلللم المبينللة‬
‫والشارحة لكتاب ال عز وجل‪ ،‬ومع ذلللك فللإن المؤلللف الخليلللي يفخللر‬
‫بالنتساب إلى هؤلء‪ ،‬وفي الوقت نفسه يدعي أن الباضللية لللم يأخللذوا‬
‫عقائدهم من الفلسفة والمنطق‪ ،‬ول من أصحاب المدرسة العقليللة الللذين‬
‫جعلوا العقل أسمى وأقدس وأصح وأثبت مما جاء بلله النللبيون كمللا قللال‬
‫ذلك في )ص‪.(8:‬‬
‫ومما نضيفه إلى معلومات الخليلي هو أن أهللل السللنة والجماعللة‪،‬‬
‫حكموا على الجهم بن صفوان ‪-‬لفكاره الضللالة‪ ،‬وإنكللاره أن يكللون لل‬
‫ل اسمًا أو صفة ‪-‬بالكفر)‪.(34‬‬
‫عّز وج ّ‬
‫ثانيًا‪ -‬إن مانسبه المؤلف الخليلي للسلف من أن مذهبهم هو مللذهبه‬
‫ومذهب الجهمية‪ ،‬وقد ذكر أسماء عدد من الصحابة كعلي وابللن عبللاس‬
‫وابن عمر رضي ال عنهم‪ ،‬وعدد من التابعين كما تقدم وهو فللي )ص‪:‬‬
‫‪ (32‬مللن كتلابه هللذا‪ ،‬كلذب عليهللم‪ ،‬وسنوضللح ذلللك بالروايلات الثابتلة‬
‫عنهم‪.‬‬

‫‪ ()33‬الللكائي شرح العتقاد رقم ‪.868‬‬


‫‪ ()34‬الرد على الجهمية للمام الدارمي‪ /‬باب الحتجاج في إكفار الجهمية )ص‪.(171:‬‬
‫ثم إن ذكره لهللم بهللذا السلللوب هللو لتضللليل القللارئ‪ ،‬وهللو الللذي‬
‫ل في )ص‪ (42:‬ينسبه إلى ابن عبللاس كللذبًا‪ ،‬بللأنه نفللى‬ ‫سيرتب عليه قو ً‬
‫الرؤية البصرية في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫فإضافة كلمة )الخرة( إلى ابن عباس افتراء عليه‪.‬‬
‫ثلم إن اللذين سلرد أسللماءهم فلي )ص‪ (32 :‬ملن الصللحابة ونسللب‬
‫إليهم نفي الرؤية البصرية في الخرة كذب عليهم‪.‬‬
‫وإنما نفوا الرؤية البصرية في اللدنيا‪ ،‬وللم يلذكر واحللد منهلم نفلي‬
‫الرؤيللة فللي الخللرة‪ ،‬ونفللي الرؤيللة فللي الللدنيا هللو مللذهب أهللل السللنة‬
‫والجماعللة‪ ،‬لخلف فللي ذلللك بينهللم‪ ،‬والخلف الللذي حللدث فللي زمللن‬
‫الصحابة انتهى وقد كان منحصرًا هل رأى نبينا محمد صلللى الل عليلله‬
‫وسلم ربه ليلة السراء والمعراج أو ل؟ وأصبح مآل الخلف أن النللبي‬
‫صلى ال عليه وسلم وهو أكمل المة وسيدهم لم يَر ربه بعيني البصر‪،‬‬
‫بل رآه بقلبه‪.‬‬
‫ل مللن الروايللات عللن بعللض َمللن ذكللر الخليلللي‬ ‫وهنللا سللأورد قلي ً‬
‫أسماءهم من الصحابة الللذين ُروي عنهلم إثبلات الرؤيلة‪ ،‬وسلوف أورد‬
‫جميع الروايات عند ذكر الدلللة ملن السللنة‪ ،‬ومللا ذلللك إل ليعلللم القللراء‬
‫المحبون للحق وأهله مدى افتراء الخليلي على الصللحابة وغيرهللم مللن‬
‫التابعين‪ ،‬وإليك تلك الروايات‪:‬‬
‫‪ -1‬روى ابلللن جريلللر فلللي تفسلللير قلللوله تعلللالى‪} :‬لتللدركه‬
‫البصار{ عن ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬ليحيط بصُر أحد بالَمِلك‪.‬‬
‫وعن عطية العوفي فللي قللوله‪} :‬وجوه يومئذ ناضللرة ‪.‬‬
‫إلى ربها ناظرة{ قال‪ :‬هم ينظرون إلى الل لتحيللط أبصللارهم‬
‫به من عظمته‪ ،‬وبصره يحيط بهم‪.‬‬
‫وقال أبو بكر بن أبي داود‪ :‬حدثنا عمي محمد بللن الشللعث‪ ،‬حللدثنا‬
‫ابن جبير‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبللي جللبير عللن الحسللن‪ ،‬عللن ابللن عبلاس‪ ،‬علن‬
‫النبي صلى ال عليلله وسلللم قللال‪» :‬إن أهببل الجنببة يببرون ربهببم تبببارك‬
‫وتعالى في كل يوم جمعة في رمال الكافور«)‪.(35‬‬
‫‪ -2‬حديث علي بن أبي طالب مرفوعًا قال‪ :‬قال رسللول ال ل صلللى‬
‫ال عليه وسلم‪» :‬يرون أهل الجنة الرب تبارك وتعالى فببي كببل جمعببة‪،‬‬
‫وذكر مايعطون‪ ،‬قببال‪ :‬ثببم يقببول الب تبببارك وتعببالى‪ :‬اكشببفوا حجاببًا‪،‬‬
‫فيكشف حجاب ثم حجبباب‪ ،‬ثببم يتجلببى لهببم تبببارك وتعببالى عببن وجهببه‬
‫فكأنهم لم يروا نعمة قبل ذلك‪ ،‬وهببو قببوله تبببارك وتعببالى‪} :‬ولدينا‬
‫مزيد{)‪.«(36‬‬
‫‪ -3‬حديث عبد ال بن عمر‪ ،‬رواه الترمذي بإسللناده عللن ثللوير بللن‬
‫أبي فاختة عن ابن عمر قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلللم‪» :‬إن‬
‫أدنى أهل الجنة منزلة لرجل ينظر في ملكه ألفي سببنة…« إلللى قللوله‪:‬‬
‫» وإن أفضلهم منزلة من ينظر في وجببه ال ب تبببارك وتعببالى كببل يببوم‬
‫مرتين«‪.‬‬
‫ولما كان المؤلف الخليلي الباضي‪ ،‬يعلم أن أهل السنة والجماعللة‬
‫الذين يعنيهم بالرد‪ ،‬وقد وصفهم بأنهم مشبهة‪ ،‬وأنهم متفقون علللى نفللي‬
‫وقوع الرؤية في الدنيا‪ ،‬وهو يورد هذا الكلم الممّوه على القراء بنسللبة‬
‫نفي الرؤية إلى السلف‪ ،‬والسلف ليقصللدون إل نفللي الرؤيللة البصللرية‬
‫في الدنيا لفي الخرة‪ ،‬أتبع ذلك بفصل فببي )ص‪ (33:‬بعنببوان‪) :‬أدلببة‬
‫المثبتين(‪.‬‬
‫قال‪) :‬وهي تنقسم إلى قسمين(‪:‬‬

‫‪ ()35‬حادي الرواح )‪.(407‬‬


‫‪ ()36‬المعرفة والتاريخ‪ ،‬ليعقوب الفسوي ‪.3/395‬‬
‫أدلة جوازها‪ ،‬وأدلة وقوعها‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬فأما القسم الول‪ ،‬فمنه عقلي‪ ،‬ومنه نقلي‪.‬‬
‫أما العقلي فيتلخص في قياس وجود الحق على وجود الخلق‪.‬‬
‫وذلك أنهم قالوا‪ :‬إن سائر الموجودات مشتركة فللي جللواز الرؤيللة‬
‫عليها‪ ،‬وبما أن ال موجود أيضًا فإن رؤيته ممكنة‪.‬‬
‫ثم استمر في مناقشة هذه الدعوى‪ ،‬وإلللزام القللائلين بهللا بللأن هنللاك‬
‫موجودات وهي لترى كالروح والعقل‪ .‬قال‪ :‬وكذلك ال موجللود ولكللن‬
‫ل ُيرى‪.‬اهل‪.‬‬
‫والجواب على ذلك‪:‬‬
‫أن دعواه على أهل السنة والجماعة المثبتين لرؤية الل عللز وجللل‬
‫يوم القيامة في دار النعيم – وأعني بالمثبتين سلف هذه المة وأتبللاعهم‪-‬‬
‫أنهم يقيسون وجود الحق على الخلق‪ ،‬كذب وافتراء علللى السلللف‪ ،‬مللن‬
‫الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان وحاشاهم من ذلك‪ ،‬لن من قاس‬
‫الخالق على المخلوق فقد كفر‪ ،‬وذلك عين تشبيه الخالق بالمخلوق الذي‬
‫سبق حكمه‪.‬‬
‫وإنما هم يثبتون رؤية المؤمنين لربهم عز وجل بالنصللوص الصللريحة‬
‫من كتاب ال عز وجللل‪ ،‬والنصللوص الصللحيحة مللن سللنة رسللول ال ل‬
‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ولكن المؤلف الخليلي الباضي‪ ،‬ينقللل كلم المتكلميللن‪ ،‬ومللن نحللا‬
‫ل‪ ،‬ثللم ينسللب ذلللك إلللى‬ ‫منحاهم في تقديم العقل على النقل‪ ،‬وجعللله أصل ً‬
‫السلف‪ ،‬الذين يلقبهم بالمشبهة‪ ،‬لنهم أثبتوا ل عز وجل ملا أثبتله لنفسلله‬
‫في كتابه وأثبته له رسوله في سنته‪ ،‬وهو يدعي أنه العلم بال والتقللى‬
‫له‪.‬‬
‫بينات أصحابها أدعياء‬ ‫والبببدعاوى إن لبببم تكبببن‬
‫عليها افترائه عليهم‪ ،‬أنه لم يلذكر لقللوله هلذا مرجعلًا واحللدًا‬
‫ومما يدل على‬
‫من كتب السلف أهل السنة والجماعة‪ ،‬وإنما ذكر مرجعًا لمامه الباضللي‬
‫السالمي من كتابه مشلارق النلوار)ص ‪187‬ط ‪ (2‬ذكلر ذللك فلي حاشلية‬
‫)ص‪ (32:‬من كتابه هذا‪ ،‬وكيف يأخذ حجته علللى دعللواه مللن كتللب أئمتلله‬
‫الذين هو وإياهم على عقيدة واحدة؟‬
‫وإليك ما يبين بطلن قوله من كتب أهل السنة الذين يلقبهم بالمشبهة‪،‬‬
‫أسوة بكل عدو لدود‪ ،‬ومنحرف عن سنن الحق حسود‪.‬‬
‫أخرج المام ابن منده في كتاب التوحيد بإسللناده عللن أبللي يوسللف‬
‫القاضي)‪ (37‬أنه قال‪ »:‬ليس التوحيد بالقياس؛ ألم تسمع إلببى قببول ال ب‬
‫عز وجل في اليات التي يصف بها نفسه أنه عالم‪ ،‬قببادر‪ ،‬قببوي‪ ،‬ولببم‬
‫يقل‪ :‬إني قادر عالم لعلة كذا‪ ،‬أقدر بسبب كذا أعلم وبهذا المعنى أملك‪،‬‬
‫فلذلك ليجوز القياس في التوحيد وليعببرف إل بأسببمائه‪ ،‬ول يوصببف‬
‫حببده وليببس‬ ‫إل بصفاته‪ «..‬إلى أن قال رحمه ال‪ »:‬فقد أمرنا ال أن نو ّ‬
‫التوحيد بالقياس‪ ،‬لن القياس يكببون فببي شببيء لببه شبببه ومثببل‪ ،‬فببال‬
‫تعالى وتقدس لشبه له ولمثل له‪ ،‬تبببارك ال ب أحسببن الخببالقين«‪ ،‬ثللم‬
‫قال‪» :‬وكيف يدرك التوحيد بالقياس وهو خالق الخلق بخلف الخلببق؟‬
‫ليس كمثله شيء تبارك وتعالى‪ ،‬وقد أمرك ال عز وجل أن تؤمن بكل‬
‫ماأتى به نبّيه – صببلى ال ب عليببه وسببلم‪ -‬فقببال‪} :‬ياأيها الناس‬
‫إّني رسول الللله إليكللم جميعلا ً الللذي للله ملللك‬
‫السموات والرض لإله إل هللو يحيللي ويميللت‬
‫فآمنوا بالله ورسوله النبي المي الذي يللؤمن‬

‫‪ ()37‬ترجمة أبي يوسف القاضي‪ .‬سير أعلم النبلء ‪.8/470‬‬


‫]العلللراف‪:‬‬ ‫بالله وكلماته واّتبعوه لعلكم تهتللدون{‪.‬‬
‫‪.[158‬‬
‫فقد أمرك ال عز وجل بأن تكون تابعًا سامعًا مطيعًا‪ ،‬ولببو يوسببع‬
‫على المة التماس التوحيد وابتغاء اليمببان برأيببه وقياسببه وهببواه إذًا‬
‫ق‬
‫لضلوا‪ ،‬ألببم تسببمع إلببى قببول ال ب عببز وجببل‪} :‬ولو اّتبع الح ّ‬
‫ءهم لفسللدت السللموات والرض ومللن‬ ‫أهللوا َ‬
‫فيهن{ ]المؤمنون‪ [71:‬فافهم مافسر به ذلك )‪ «(38‬اهل‪.‬‬
‫وهللو كلم طويللل نفيللس فيلله رد علللى الملحللدين فللي الربوبيللة وفللي‬
‫السماء والصفات‪.‬‬
‫ويقول شيخ السلم ابن تيمية في أول رسالة العقيللدة الواسللطية‪»:‬‬
‫وليقبباس بخلقببه سبببحانه فببإنه أعلببم بنفسببه وبغيببره‪ ،‬وأصببدق قي ً‬
‫ل‬
‫وأحسن حديثًا من خلقه«‪.‬‬
‫ونحن نطالب المؤلف أن يسمي واحللدًا مللن أهللل السللنة والجماعللة‬
‫قال بقياس ال بخلقه فكتبهم موجودة‪ ،‬وأقللوالهم محفوظللة‪ ،‬وتلللك أقللوال‬
‫بعضهم ذكرناها ليتبين للقارئ زيلف دعللوى المؤلللف علللى أهللل السللنة‬
‫والجماعة‪.‬‬
‫وفي )ص‪ (24:‬قال‪) :‬وأما النقللي‪ ،‬فبعضله ملن الكتلاب‪ ،‬وبعضله ملن‬
‫السنة‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأما من الكتاب فدليلن‪:‬‬
‫ب أرني‬ ‫‪ -1‬سؤال موسى الكليم عليه السلم الرؤية بقوله‪} :‬ر ّ‬
‫أنظر إليك{‪.‬‬
‫‪ -2‬قول ال سبحانه‪} :‬ولكن انظر إلى الجبللل فللإن‬
‫ر مكانه فسوف تراني{ ] العراف‪.([134:‬‬ ‫استق ّ‬
‫‪ ()38‬كتاب التوحيد‪ ،‬لبن منده ‪.306-3/304‬‬
‫ثم قال‪) :‬وجه استدللهم بلله‪ :‬أن موسللى عليلله السلللم نللبي وليجللوز‬
‫عليلله أن يسللأل ال ل المسللتحيل‪ ،‬فلمللا كللان عالم لًا بجوازهللا‪ ،‬اجللترأ علللى‬
‫سؤالها‪ ،‬ووجه الستدلل بالشطر الثاني‪ :‬أنه عّلللق الرؤيللة علللى اسللتقرار‬
‫الجبل‪ ،‬وهو في ذاته ممكن‪ ،‬والمعلق على الممكن ممكن مثله(‪.‬‬
‫هكذا حرر استدلل المثبتين للرؤية بسللؤال موسللى‪ ،‬كمللا فللي )ص‪:‬‬
‫‪ (34،39‬ثم بدأ بالرد عليه فقال‪) :‬وأجيب على أن موسى عليه السلم كان‬
‫عارفًا باستحالتها‪ ،‬ولم يرد بسؤالها نيل المستحيل‪ ،‬وإنمللا أراد ردع قللومه‬
‫جللوا فللي طلبهللا‪ ،‬وعّلقللوا عليهللا إيمللانهم برسللالته‪ ،‬فلعلهللم عنللدما‬
‫الللذين ل ّ‬
‫ُيقرعون بالرد الحاسم باستحالتها يرعللوون عللن غّيهللم‪ ،‬ويللتراجعون عللن‬
‫جرأتهللم‪ ،‬خصوصللًا عنللدما يقللترن الللرد بآيللة تزجرهللم عللن مثللل هللذا‬
‫التعنت(‪.‬ثم أورد آيات منها قول بني إسرائيل لموسى‪} :‬لن نللؤمن‬
‫لك حتى نرى الللله جهللرة{ ]البقلللرة‪ .[55:‬وقللوله تعللالى‪:‬‬
‫}فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقللالوا أرنللا‬
‫ب لو شللئت‬ ‫الله جهرة{ ]النسلللاء‪ .[153:‬وقللوله تعللالى‪} :‬ر ّ‬
‫أهلكتهللم مللن قبللل وإي ّللاي أتهلكنللا بمللا فعللل‬
‫السفهاء منا إن هي إل فتنتك…{ ] العراف‪.[155:‬‬
‫وفي )ص‪ (36:‬قال‪) :‬والخلصة‪:‬أن موسى عليه السلللم ماسللأل الل‬
‫الرؤية طامعًا في حصولها وإنما سألها ليكللون سللؤاله وسلليلة مللن وسللائل‬
‫القناع الذي يحرص عليه‪ ،‬وأسلوبًا من أسللاليب اللدعوة اللتي يقللوم بهللا(‪.‬‬
‫قال‪):‬ومثله إبراهيم عليه السلم في محاجته مع قومه()ص ‪.(38-37‬‬
‫الرد على افتراء المؤلف على نبي الله موسى‬
‫عليه السلم‬
‫وزعمه أن سؤال رؤية اللتته فكتترة يهوديتتة‪،‬‬
‫ودحضها‬

‫إن المؤلللف الخليلللي الباضللي قللد تعمللد فللي كلملله هللذا التمللويه‬
‫والمغالطات والقول على نبي ال موسى عليه السلم بل علم‪.‬‬
‫وغرضلله مللن ذلللك الّتلللبيس والتشللويش علللى قللراء كتللابه الللذين‬
‫ليللدركون تلللك المغالطللات المتعمللدة‪ ،‬إمللا لعللدم معلومللاتهم فللي مجللال‬
‫العقيدة‪ ،‬وفهم أساليب هؤلء التي يضللون بها من ليعرف مناهجهم‪.‬‬
‫ض النظر عن الدلللة الدالللة‬ ‫أو من الباضية المقلدين لرؤسائهم بغ ّ‬
‫على بطلن مايدعيه المؤلف من كتاب ال عز وجل‪ ،‬وسللنة نللبيه عليلله‬
‫الصلة والسلم الصحيحة الموضحة لبطلن قوله ومخالفته للنصوص‬
‫الصريحة‪.‬‬
‫وإليك الجواب المفصل على تلك المغالطات‪:‬‬
‫فنقول‪ :‬إن موسى عليه السلم سأل رّبلله عللز وجللل الرؤيللة طمعلًا‬
‫في الحصول عليها‪ ،‬لن سؤاله ربه لينظر إليه جاء في حال الصطفاء‬
‫والتكريم من ال عز وجل للكليم موسى عليه السلم‪ ،‬الذي اصطفاه ال ل‬
‫برسالته وبكلمه له من غير واسطة‪ ،‬وليس لذلك السللؤال مللن موسللى‬
‫عليه السلم صلًة بتعنت بني إسرائيل في سؤالهم موسى أن يريهللم اللل‬
‫جهللرة‪ ،‬لن أسللئلتهم تلللك جللاءت فللي آيللات أخللر سللبقت فللي مناسللبات‬
‫وملبسات سيأتي تبيانها قريبًا‪.‬‬
‫وإليك سياق اليات الدالة على أن سؤال موسى في مقام التكريم له‬
‫من ربه‪.‬‬
‫قلللال تعلللالى‪} :‬وواعللدنا موسللى ثلثيللن ليلللة‬
‫م ميقات ربه أربعيللن ليلللة‬ ‫وأتممناها بعشر فت ّ‬
‫وقللال موسللى لخيلله هللارون اخلفنللي فللي‬
‫قومي وأصلح ولتتبع سبيل المفسدين‪ ،‬ولمللا‬
‫ب أرني‬ ‫جاء موسى لميقاتنا وكّلمه رّبه قال ر ّ‬
‫أنظر إليك قللال لللن ترانللي ولكللن انظللر إلللى‬
‫مللا‬ ‫الجبل فإن استقّر مكانه فسوف ترانللي فل ّ‬
‫تجّلى رّبه للجبل جعله دك ّا ً وخّر موسى صللعقا ً‬
‫فلما أفاق قال سللبحانك تبللت إليللك وأنللا أول‬
‫المؤمنين{‪].‬العراف‪.[143 -142 :‬‬
‫فأهل العقول السليمة الباقية على فطرتها‪ ،‬والللتي لللم تلوثهللا حثالللة‬
‫الفكار الدخيلة المنحرفة التي أدخلها أعداء هذا الدين وتبنتهللا الجهميللة‬
‫والمعتزلللة‪ ،‬واحتضللنتها الباضللية ممثلللة فللي زعمائهللا‪ ،‬تللرى وتعقللل‬
‫صراحة الية الكريمة في أن موسى عليه السلللم جللاء علللى وعللد مللن‬
‫ل مباشللرة دون واسللطة الَمَلللك‪ ،‬وهللذه‬ ‫رّبه عز وجل‪ ،‬فكّلمه ال عّز وج ّ‬
‫من الخصائص التي خص ال بها نبيه موسى عليه السلم‪ ،‬كما كتب له‬
‫التوراة بيده‪ ،‬كما ثبت في حللديث الصللحيحين فللي محاجللة آدم وموسللى‬
‫عليهما السلم‪.‬‬
‫فلما سللمع موسللى عليلله السلللم كلم ربلله وهللو فللي مقللام التكريللم‬
‫ي تكريم أعظللم مللن أن يكلملله رّبلله مشللافهة‬‫والتشريف والصطفاء‪ ،‬وأ ّ‬
‫دون واسطة‪ ،‬وعند ذلك طمع موسى عليه السلللم فللي المزيللد مللن هللذا‬
‫ب أرني أنظر إليك{‪ ،‬ولكن ال ل‬ ‫الفضل‪ ،‬فسأل ربه بقوله‪} :‬ر ّ‬
‫عز وجل لعلملله بحللال خلقلله وضللعفهم كمللا قللال تعللالى‪} :‬أل يعلم‬
‫من خلق وهو اللطيف الخبير{ ]المللللك‪،[14 :‬للل ولحكمتلله‬
‫البالغة‪ ،‬وأن مناط اليمللان فللي الللدنيا اليمللان بلالغيب‪ ،‬قضللى فللي هللذه‬
‫الدنيا أن ليراه أحد من البشر‪ ،‬ل لن الرؤية له عز وجل مستحيلة كما‬
‫يدعي الخليلي الباضي وسلفه الجهمية‪ ،‬وإنما لضعف ُبْنية موسى عليه‬
‫السلم؛ بدليل أنه تعالى في الوقت نفسلله تجلّللى لبعللض مخلوقللاته وهللو‬
‫الجبل الجماد العظم بنيًة من موسى‪ ،‬فصار الجبللل دكلًا‪ ،‬فلللم يقلَو ولللم‬
‫يثبت لذلك التجلي‪ ،‬وموسى عليه السلم رأى تلللك الثللار الللتي أحللدثها‬
‫خّر مغشيًا عليه‪.‬‬
‫تجّلي ال عز وجل للجبل‪َ ،‬ف َ‬
‫فبين بذلك الحكمة البالغة التي يعلمها من حال خلقه وأنهم في حللال‬
‫ضلعفهم فلي هلذه اللدنيا ليقللوون عللى الرؤيللة‪ ،‬قضلاء ملن الل العليلم‬
‫الحكيم‪ ،‬وأن موسى عليه السلم ليقللوى علللى تحمللل هللذه الرؤيللة فللي‬
‫الحياة الدنيا‪ ،‬ولذا قال له‪} :‬لن تراني{ يعني في هذه الدنيا‪.‬‬
‫وأمللا فللي الخللرة فللي دار النعيللم فللي الجنللة‪ ،‬فقللد دّلللت اليللات‬
‫الصريحة والحاديث الصحيحة عن النبي صلى الل عليله وسللم اللتي‬
‫بلغت حّد التواتر أن المؤمنين يرون ربهم يللوم القيامللة وهللم فللي الجنللة‬
‫دار النعيللم‪ ،‬وفللي مقللدمتهم الرسللل الكللرام‪ ،‬وسلليأتي ذكللر شلليء مللن‬
‫النصوص في هذا الباب في موضعه‪.‬‬
‫ولمللانع مللن أن أواصللل مللع المؤلللف الحللديث فللي معنللى آيللة‬
‫العللراف الكريمللة‪ ،‬فببأقول‪ :‬حقلًا إن سللؤال موسللى عليلله السلللم ربلله‬
‫الرؤيللة ل صلللة للله بتعّنللت بنللي إسللرائيل؛ لن المقللام مقللام اصللطفاء‬
‫وتكريلم‪ ،‬ل مقلام تعّنلت وعنلاد ملن بنلي إسللرائيل لموسللى‪ ،‬كملا يلّبلس‬
‫المؤلف؛ بدليل أنه لما أفاق عليه السلللم مللن غشلليته حينمللا تجّلللى رّبلله‬
‫للجبللل فجعللله دك لًا‪ ،‬وخللر موسللى صللعقًا قللال‪ }:‬سبحانك تبت‬
‫إليك وأنا أول المؤمنين{ فقللال الل للله بعللد ذلللك مباشللرة‪:‬‬
‫} ياموسلللى إنلللي اصلللطفيتك عللللى النلللاس‬
‫برسالتي وبكلمي فخللذ مللا آتيتللك وكللن مللن‬
‫الشللاكرين‪ .‬وكتبنللا للله فللي اللللواح مللن كللل‬
‫شلليء موعظللة وتفصلليل ً لكللل شلليء فخللذها‬
‫بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سُأريكم دار‬
‫الفاسقين{ ]العراف‪.[145 -144 :‬‬
‫وهذا ما رواه ابن جرير في تفسللير اليللة قللال‪):‬كللان سللبب مسللألة‬
‫موسى ربه النظر إليه‪ ،‬ماحدثني به موسى بن هارون‪ ،‬ثم سللاق إسللناده‬
‫ب أن ينظللر‬ ‫إلى السدي قال‪ :‬إن موسى عليه السلللم لمللا كّلملله رّبلله أحل ّ‬
‫ب أرني أنظر إليك قللال للن ترانلي‬ ‫إليه‪} :‬قال ر ّ‬
‫…{ الية(‪.‬‬
‫ثم ساق بإسناده عن الربيع في قوله‪} :‬وقربناه نجيا ً{‪ .‬قللال‪:‬‬
‫)حدثني من لقي أصحاب النبي صلى ال عليه وسلللم‪ ،‬أنلله قّربلله ال لّر ُ‬
‫ب‬
‫ب أرني‬ ‫حتى سمع صريف القلم فقال عند ذلك من الشوق إليه‪} :‬ر ّ‬
‫أنظر إليك قللال لللن ترانللي ولكللن انظللر إلللى‬
‫الجبل{‪.‬‬
‫وروى بإسناده عن أبي بكر الهذلي قال‪) :‬لما تخّلللف موسللى عليلله‬
‫السلم بعد الثلثين حتى سمع كلم اللل‪ ،‬اشللتاق إلللى النظللر إليلله فقللال‪:‬‬
‫ب أرني أنظر إليك قال لن تراني{ )وليس لبشللر‬ ‫}ر ّ‬
‫ي في الدنيا‪. (..‬‬
‫أن يطيق أن ينظر إل ّ‬
‫وروى عن ابللن حميللد بإسللناده عللن أبللي إسللحاق‪ ،‬قللال‪):‬اسللتخلف‬
‫موسى هارون على بني إسرائيل وقال‪ :‬إني متعجل إلى ربي‪ ،‬فللاخلفني‬
‫في قومي ولتتبع سللبيل المفسللدين… فلمللا كّلللم الل موسللى‪ ،‬طمللع فللي‬
‫رؤيته‪ ،‬فسللأل ربلله أن ينظللر إليلله فقللال ال ل لموسللى‪} :‬لن تراني‬
‫ولكللن انظللر إلللى الجبللل فللإن اسللتقر مكللانه‬
‫فسوف تراني{ )‪] .(39‬العراف‪.[143 :‬‬
‫فهذا ما أورده ابن جرير في بيان سبب سؤال موسى رّبه أن يراه‪،‬‬
‫وقد اطّلع عليه المؤلف الخليلي الباضي‪ ،‬وإذا كان المللر كللذلك فيحللق‬
‫لي أن أقول له‪:‬‬
‫أين في هذا المقام سؤال بني إسرائيل لموسى أن يريهم ال جهرة‪،‬‬
‫كما أوردت تلك اليات‪ ،‬التي وردت في مقامات أخلرى‪ ،‬بّيلن الل فيهلا‬
‫تلك المواقف التي وقف فيها بنللو إسللرائيل مللع نللبيهم عليلله السلللم مللن‬
‫التعنت وسوء الدب مع نبي ال موسى عليه السلم‪ ،‬ومع أخيه هارون‬
‫حتى عبدوا العجل‪ ،‬وعليه فإنك أيها الخليلي‪ :‬لتريد بإيراد تلللك اليللات‬
‫إل التلبيس والتدليس‪ ،‬وإل فأنت تعلم من أقوال المفسرين أن ماورد في‬
‫تلك اليات هو النهي عن أسئلة التعّنت التي كان يوجه مثلها اليهود إلى‬
‫موسى عليه السلم‪ ،‬نعم تعلم ذلك ولكن الهوى وحب التضللليل يصللدان‬
‫صاحبهما عن سواء السبيل‪.‬‬
‫يقلللول ابلللن كلللثير فلللي تفسلللير قلللوله تعلللالى‪} :‬وإذ قلتللم‬
‫ياموسى لن نؤمن لك حللتى نللرى الللله جهللرة‬
‫فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون{ ]البقرة‪.[55 :‬‬
‫)قال ابن جريج‪ ،‬قال ابن عباس فللي هللذه اليللة‪ …} :‬جهرة{‬
‫قال‪ :‬علنية‪ .‬وكذا قال إبراهيم بن طهمان عن عباد بن إسحاق‪ ،‬عن أبي‬
‫الحويرث عن ابن عباس‪ ،‬أنه قال في قول ال تعللالى‪} :‬لن نللؤمن‬
‫لك حتى نرى الله جهرة{ أي علنية‪ ،‬أي حتى نرى ال‪.‬‬
‫وقال أبو جعفر عن الربيع بن أنس‪ :‬هللم السللبعون الللذين اختللارهم‬
‫موسى فساروا معه‪.‬‬
‫‪ ()39‬تفسير ابن جرير ‪.50-9/49‬‬
‫قال‪ :‬فسمعوا كلمًا‪ ،‬فقالوا‪} :‬لن نؤمن لك حتى نللرى‬
‫الله جهرة{‪ ،‬قال‪ :‬فسمعوا صوتًا فصعقوا‪ ،‬يقول‪ :‬ماتوا‪.‬‬
‫وقللال السللدي‪} »:‬فأخللذتكم الصللاعقة{ فمللاتوا‪ ،‬فقللام‬
‫ب‪ ،‬ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم‬ ‫موسى يبكي ويدعو ال ويقول‪ :‬ر ّ‬
‫وقللد أهلكللت خيللارهم‪} ،‬لو شللئت أهلكتهللم مللن قبللل‬
‫وإياي أتهلكنا بما فعل السللفهاء منللا{ ] العلللراف‪:‬‬
‫‪ [155‬فأوحى ال إلى موسى أن هؤلء السبعين ممن اتخذوا العجل‪ ،‬ثم‬
‫إن ال أحياهم فقاموا وعاشوا‪ ،‬رجل رجل‪ ،‬ينظر بعضللهم إلللى بعللض‪،‬‬
‫كيف يحيون؟ قال‪ :‬فذلك قوله تعللالى‪} :‬ثم بعثناكم مللن بعللد‬
‫موتكم لعلكم تشكرون{« ] البقرة آية‪.[65 :‬‬
‫ويقللول البغللوي فللي تفسللير قللوله تعللالى‪} :‬يسللألك أهللل‬
‫الكتاب أن تنّزل عليهم كتابا ً من السللماء فقللد‬
‫سألوا موسى أكبر من ذلللك فقللالوا أرنللا الللله‬
‫جهرةً فأخلذتهم الصلاعقة بظلمهللم…{ ] النسللاء‪:‬‬
‫‪.[153‬‬
‫يقول‪) :‬وذلك أن كعب بللن الشللرف وفنحللاص بللن عللازوراء مللن‬
‫اليهود قال لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪:-‬إن كنللت نبيلًا فأتنللا بكتللاب‬
‫جملة مللن السللماء كمللا أتللى موسللى عليلله السلللم؟!‪ ،‬فللأنزل الل عليلله‪:‬‬
‫}يسألك أهل الكتاب …{ الية‪.‬‬
‫وكان هذا السؤال منهم سؤال تحّكم واقتراح‪ ،‬لسؤال انقيللاد‪ ،‬وال ل‬
‫تعالى لينزل اليات على اقتراح العباد‪.‬‬
‫ثم قال ال‪} :‬فقد سألوا موسى أكبر مللن ذلللك{‬
‫أي‪ :‬أعظم من ذلك‪ ،‬يعني‪ :‬السبعين الذين خرج بهم موسى عليه السلللم‬
‫إلى الجبل‪} ،‬فقالوا أرنا الله جهرة{ أي‪ ،‬عيانللًا‪ .‬قللال أبللو‬
‫عبيدة‪ :‬معناه قالوا جهرة أرنا ال( )‪.(40‬‬
‫وهذا ظاهر وواضح لمن أنار ال بصليرته‪ ،‬أنله سللؤال تعنلت ملن‬
‫السللبعين الللذين اختللارهم موسللى عليلله السلللم كمللا فللي قللوله تعللالى‪:‬‬
‫}واختار موسللى قللومه سللبعين رجل ً لميقاتنللا‬
‫فلمللا أخللذتهم الرجفللة قللال رب لللو شللئت‬
‫أهلكتهللم مللن قبللل وإيللاي أتهلكنللا بمللا فعللل‬
‫السفهاء مّنا إن هي إل فتنتللك تضللل بهللا مللن‬
‫تشاء{]العراف‪.[155 :‬‬
‫فعاقبهم ال عللز وجللل علللى ذلللك كمللا فللي قللوله‪} :‬فأخذتهم‬
‫الصاعقة بظلمهم‪ ] {..‬النساء‪ .[153 :‬وهي الرجفللة الللتي جللاء‬
‫ذكرها في آية سورة العراف‪.‬‬
‫فسؤال اليهود لموسى رؤيللة الل فللي الللدنيا هللو مللن بللاب التحللدي‬
‫للرسل‪ ،‬وعدم اليمان بما أخبرهم موسى بلله‪ ،‬إل بشللرط أن يريهللم الل‬
‫جهرة‪} :‬لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة{ ] البقلللرة‪:‬‬
‫‪ [55‬والمطلوب منهم اليمان بالغيب‪ ،‬وتصديق الرسللل‪ ،‬لنهللم إذا رأوا‬
‫ال تعالى في الدنيا لم يكن إيمانهم به إيمانًا بللالغيب‪ ،‬ولتصللديقًا للرسللل‬
‫فيما جاؤوا به‪.‬‬
‫وبهذا يتضح للقارئ الكريم‪ ،‬أنلله لصلللة بيللن سللؤال موسللى عليلله‬
‫السلم رّبه الرؤية وبين تعنت بني إسللرائيل فللي طلبهللم مللن موسللى أن‬
‫يريهم ال جهرة كي يؤمنوا به‪ ،‬والحق أن موسى عليه السلم إنما سأل‬
‫ربه الرؤية طمعًا في الحصول عليهلا وشللوقًا إللى النظلر إللى الل علز‬
‫وجل‪ ،‬لما سمع كلمه‪ ،‬كما سبق نقل ذلللك فللي الصللفحات السللابقة عللن‬
‫ابن جرير‪ ،‬حيث نص على سبب سؤال موسى ربه‪ ،‬وقللد سللأل موسللى‬
‫‪ ()40‬تفسير البغوي ‪.1/495‬‬
‫ربه أمللرًا ممكنلًا وجلائزًا وأنلله غيللر مسلتحيل ‪-‬كملا يلدعي المؤلللف أن‬
‫موسى يعلم استحالتها‪ ،‬وقد سأله مع علمه بذلك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذه الدعوى من جملة افتراءاته على مللن أنللزل ال ل عليلله‬
‫التوراة‪ ،‬وأيد باليات المعجزات فهذا افتراء عليه‪ ،‬عليه السلم‪.‬‬
‫قال أبو العالية‪ »:‬لما رأى موسى ذلك وأفاق‪ ،‬عرف أنه سأل أمللرًا‬
‫لينبغلللي لللله فقلللال‪} :‬سللبحانك تبللت إليللك وأنللا أول‬
‫عَنى أّني أول من آمن بك أنه لن يراك أحللد قبللل يللوم‬‫المؤمنين{‪َ ،‬‬
‫القيامة)‪.«(41‬‬
‫كما أن سؤال رؤية ال عز وجل فللي الخللرة والنظللر إلللى وجهلله‬
‫الكريم كما قال الصحابة لرسول ال ‪-‬صلللى الل عليلله وسلللم ‪»:-‬أنببرى‬
‫ربنا يوم القيامة؟ قال‪ :‬نعم …« إلخ‪.‬‬
‫ليس من جنس سؤال اليهود رؤية ال في الدنيا‪.‬‬
‫فإن سؤال الصحابة مشروع‪ ،‬وسؤال اليهود ممنوع‪.‬‬
‫وقد سأل النبي – صلى ال عليه وسلم – في دعائه رّبه النظر إلللى‬
‫وجهه الكريم؛ كما روى المام أحمد وابن حبان والحاكم‪ ،‬إنه كان يقول‬
‫في دعائه‪» :‬اللهم بعلمك الغيب وقدرتك علببى الخلببق؛ أحينبي مباعلمت‬
‫الحياة خيرًا لي‪ ،‬وتوفني إذا علمت الوفاة خيببرًا لببي‪ ،‬وأسببألك خشببيتك‬
‫في الغيب والشهادة‪ ،‬وكلمة الحق فببي الغضببب والرضببا‪ ،‬والقصببد فببي‬
‫الفقر والغنى‪ ،‬ولذة النظر إلى وجهك‪ ،‬والشببوق إلببى لقببائك‪ ،‬مببن غيببر‬
‫ضراء مضّرة‪ ،‬ولفتنة مضلة‪ ،‬اللهم زّينا بزينة اليمان‪ ،‬واجعلنا هببداة‬
‫مهتدين«)‪.(42‬‬

‫‪ ()41‬تفسير ابن جرير ‪.9/55‬‬


‫‪ ()42‬النسائي ‪ 3/54،55‬وأحمد ‪ 4/364‬وإسناده جيد‪.‬‬
‫ونقول للخليلي‪ :‬الباضي‪ :‬هل الرسول طلب مللن ال ل مللايجوز للله‬
‫طلبه‪ ،‬أو اعتللدى فللي دعللائه‪ ،‬كاعتللداء اليهللود لمللا طلبللوا أن يللروا الل‬
‫جهرًة؟‪.‬‬
‫فإن قلت بالولى‪ :‬أنصفت وهدمت باطلك‪ ،‬وهو جدير بالهدم‪.‬‬
‫وإن قلت بالثانية‪ :‬فقد كابرت وغامرت‪ ،‬وركبت متن عميللاء‪ ،‬وخبطللت‬
‫خبللط عشللواء‪} ،‬وسيعلم الذين ظلمللوا أي منقلللب‬
‫ينقلبون{]الشعراء‪.[227:‬‬
‫أما نفي حصول الرؤية في الدنيا لموسى عليه السلللم وغيللره مللن‬
‫البشر فهو أمر مجمع عليه عند أهللل السللنة مللن سلللف هللذه المللة‪ ،‬لن‬
‫الخلف الذي حدث في عهللد الصللحابة‪ ،‬بيللن قللول عائشللة أم المللؤمنين‬
‫رضي ال عنها في نفيها رؤيلة النلبي صللى الل عليلله وسلللم رّبلله ليلللة‬
‫السللراء والمعللراج‪ ،‬ومللا روي عللن ابللن عبللاس فللي إثباتهللا‪ ،‬قللد تكلللم‬
‫العلماء في ذلك‪ ،‬فبينوا أن الرؤية في حللديث ابللن عبللاس المقصللود بهللا‬
‫الرؤية القلبية‪ ،‬والمنفي فلي روايللة عائشلة الرؤيلة البصلرية‪ ،‬وهلذا ملا‬
‫اتفق عليه أهل السنة والجماعة‪ ،‬لحديث أبي ذر في صحيح مسلم وفيله‪:‬‬
‫»هل رأيببت ربببك‪ ،‬قببال رسببول الب صببلى الب عليببه وسببلم‪ :‬نببور أّنبى‬
‫أراه؟«)‪.(43‬‬
‫ل محله التفاق على أن رؤيللة ال ل فللي‬ ‫طوي ذلك الخلف وح ّ‬ ‫وقد ُ‬
‫ل‪.‬‬
‫الحياة الدنيا غير ممكنة‪ ،‬ولو كان المتطلع إليها نبيًا رسو ً‬
‫ولكن المؤلللف الخليلللي الباضللي يتعمللد الغللش والمغالطللة لقللرائه‬
‫ل حجللب الشللمس بعبلاءته ليحمللل وزره ووزر مللن‬ ‫ويمّوه عليهم محلاو ً‬
‫أضلهم بغير علم‪ ،‬إن لم يتب إلى ال قبل الغرغرة ثم النتقال إلى ال‪.‬‬

‫‪ ()43‬مسلم‪ /‬اليمان‪ ،‬ح)‪.(178‬‬


‫ومن مغالطاته المكشوفة‪ :‬أنلله يللورد الدلللة مللن السللنة الللتي فيهللا‬
‫التصريح بنفي الرؤية ل في الدنيا‪ ،‬ويجعلها أدلة عامة في نفللي الرؤيللة‬
‫في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ولهذا يقول‪ ):‬إن نفي الرؤية قد وردت الحاديث به في صللحيحي‬
‫البخاري ومسلم وفي مسند المام الربيع بن حبيب( ‪.‬‬
‫يقول ذلك في )ص‪ 40 :‬سطر ‪(9،10‬‬
‫ونسب ذلك إلى أم المؤمنين عائشللة رضللي ال ل عنهللا وهللي تنفللي‬
‫ل نص هذه المغالطة‪ ،‬ثم الرد عليهللا‬ ‫حصول الرؤية في الدنيا‪ ،‬وإليك أو ً‬
‫بالدلة الصريحة‪:‬‬
‫يقللول فللي )ص‪ (40-39 :‬وهللو يتحللدث عللن أدلللة المثبللتين النقليللة‬
‫والتي تدل على جوازها بعد أن ذكر الدلة من القرآن‪ ،‬حسللب مللايرى‬
‫هو ويختار‪.‬‬
‫قال‪):‬وأما من السنة‪ :‬يعني من الدلة النقلية لهل السنة فللي إثبللات‬
‫جواز الرؤية‪ ،‬فما روي عن جماعة من الصللحابة رضللوان ال ل عليهللم‬
‫من إثبات رؤيته صلى ال عليه وسلم لربه ليلة السراء والمعراج(‪.‬‬
‫قال‪):‬ووجه استدللهم بذلك على إمكللان الرؤيللة‪ ،‬أنهللا لللو لللم تكللن‬
‫ل وأغللزر‬ ‫ممكنة لما قللال بوقوعهللا أحللد مللن الصللحابة‪ ،‬وهللم أوفللر عق ً‬
‫علمًا‪ (..‬إلخ‪ ،‬إلى أن قال‪) :‬ووجلله اعتبللار هللذا الللدليل مللن السللنة‪ ،‬أنهللم‬
‫رضي ال عنهم ليقولون شيئًا من نحو هذا اعتباطًا ولكللن اسللتنادًا إلللى‬
‫ماعلموه من رسول ال صلى ال عليه وسلم(‪.‬‬
‫هذا قول المؤلف‪ :‬ثم يتبعه بالرد عليه‪ ،‬ورّده هللو دليللل أهللل السللنة‬
‫على أن الرؤية لم تثبت لحد من البشر في هذه الدنيا‪ ،‬وقبل بيللان وجلله‬
‫المغالطة في ذلك نسأل المؤلف‪:‬‬
‫أوًل‪ :‬مللن قللال هللذا مللن أهللل السللنة والجماعللة سلللف هللذه المللة‬
‫المثبتين للرؤية ممن تسمّيهم )حشوية( وتصفهم بالمشلّبهة والمجسللمة؟‪،‬‬
‫مع ذكر المراجع التي اعتمدت عليها في نقل ماتدعي‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إن ما أوردته‪ ،‬هو دعواك أن جماعة من الصللحابة قللالوا إن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم رأى ربه ليلة السراء والمعراج‪.‬‬
‫ثم ذهبت توهم القارئ أنك ترد على هؤلء الجماعة من الصحابة‪.‬‬
‫ونحن نقول لك‪ :‬إن هذه الرؤية البصرية التي حللدث فيهللا الخلف‬
‫بين بعض الصحابة قد انتهى الخلف فيها عنللد أهللل السللنة والجماعللة‪:‬‬
‫الصحابة ومن تبعهم وسار على منهجهللم؛ فقللد جمعللوا بيللن الروايللات‪،‬‬
‫فحملوا حديث ابن عبللاس الللذي فيلله قللوله‪ :‬إن محمللدًا رأى ربلله‪ ،‬وفللي‬
‫روايللة‪ :‬رآه بفللؤاده مرتيللن‪ ،‬علللى الرؤيللة القلبيللة‪ ،‬وحملللت روايللة أم‬
‫المؤمنين التي فيها نفي الرؤية على الرؤية البصرية‪ ،‬وهذا أمللر مجمللع‬
‫عليه عند أهل السنة والجماعة من أن الرؤية البصللرية لللم تثبللت لبشللر‬
‫في الدنيا‪ ،‬كما أسلفت ذلك قريبًا‪.‬‬
‫أما جوازها وأنها غير مستحيلة‪ ،‬فقد سبق الحديث عنه فللي سللؤال‬
‫موسى عليه السلم ربه‪ ،‬ونقلنا ماذكره ابن جرير في بيان سللبب سللؤال‬
‫موسى عليه السلم ربه الرؤية‪ ،‬ولحاجة لعادته‪.‬‬
‫لكن المؤلف حتى يوهم القلارئ؛ يلورد أدللة ملن السلنة عللى نفلي‬
‫الرؤية في الدنيا‪ ،‬وهللي رد عليلله‪ ،‬ثللم يللدعي أن بعللض الصللحابة قللال‪:‬‬
‫بالرؤية في الدنيا وأنها إذا كانت ممكنلة فلي الللدنيا فكلذلك فلي الخلرة‪،‬‬
‫مّدعيا أن هذا دليللل أهللل السللنة فللي جللواز إمكانهللا‪ ،‬ثللم يللرد علللى هللذا‬
‫الستدلل‪ ،‬وأن الرؤية لم تقع في الدنيا‪ ،‬فكذلك في الخرة‪.‬‬
‫وهذا الستدلل لحجللة للله فيلله‪ ،‬لن أهللل السللنة المثبللتين للرؤيللة‬
‫لربهم يوم القيامة في دار كرامته لم يحتجوا بهذا الحللديث علللى الرؤيللة‬
‫في الخرة‪ ،‬وإنما احتجوا به على نفي وقوع الرؤية في الدنيا‪.‬‬
‫أما رؤية المؤمنين ربهم في الخرة‪ ،‬فقد أوردوا الدلللة علللى ذلللك‬
‫من كتاب ال العزيز‪ ،‬والحللاديث الصللحيحة مللن الصللحيحين وغيرهللا‬
‫التي بلغت حّد التواتر وسيأتي ذكرها‪.‬‬
‫والمؤلببف الخليلللي الباضللي قللد اطلللع عليهللا‪ ،‬ثللم أورد بعضللها‪،‬‬
‫وردها بتأويلته الباطلة المردودة‪.‬‬
‫فقد جاء في )ص‪ (42 :‬قوله‪):‬وأما القسم الثاني‪ :‬وهو أدلة وقوعهللا‬
‫في الخرة أي عند المثبتين – فهي نقول بعضللها مللن الكتللاب وبعضللها‬
‫من السنة(‪.‬‬
‫ل مللن الكتللاب والسللنة‪ ،‬وبللأي‬ ‫قلت‪َ :‬أْنِعم بتلك الدلللة مللادامت نقللو ً‬
‫شيء تثبت العقيدة‪ ،‬إذا تركنا النقول مللن كتللاب ربنللا‪ ،‬وسللنة نبينللا الللتي‬
‫أخرجنا ال بها من ظلمات الكفر والشرك‪ ،‬والظلللم والجللور‪ ،‬إلللى نللور‬
‫السلم وعدله‪.‬‬
‫وقد قررت وكررت أيها الباضي في هذا الكتاب المسللمى بللالحق‬
‫الللدامغ وهللو سللّم نللاقع – قللوله تعللالى‪} :‬فإن تنازعتم فللي‬
‫دوه إلللى الللله والرسللول إن كنتللم‬ ‫شلليء فللر ّ‬
‫تؤمنون بالله واليوم الخر ذلللك خيللر وأحسللن‬
‫تأويل ً{ ]النساء‪.[59:‬‬
‫وقلت‪) :‬وليكون الحتكام إلى ال إل بالرجوع إلى كتللابه فُتسللتلهُم‬
‫ن به الحق‪ ،‬وكذلك الحتكام إلى رسللول ال ل صلللى‬ ‫منه الحقيقة‪ ،‬وُيستبا ُ‬
‫ال عليه وسلم ليعني إل الرجوع إلى سنته الثابتة الصحيحة(‪.‬‬
‫ث على العتصام بحبللل ال ل جميعلًا كمللا‬ ‫وما جاء قبل ذلك من الح ّ‬
‫في )ص‪.(6:‬‬
‫ونقول‪ :‬ماأجمل هذه الدعوة‪ ،‬فلقد تواترت النصوص من كتاب الل‬
‫وسنة رسوله صلى ال عليه وسلللم عللى وجللوب جملع الكلملة وتوحيلد‬
‫الصفوف‪ ،‬والنهي عن التفرق والختلف‪ ،‬ولكن جمللع الكلمللة وتوحيللد‬
‫الصللفوف علللى مللاذا؟ إن كللان علللى الللبر والتقللوى والتواصللي بللالحق‬
‫والتواصللي بالصللبر‪ ،‬فنعللم‪ ،‬وإن كللان علللى الثللم والعللدوان كصللنيع‬
‫الخليلي ومن على شاكلته فل وألف ل‪.‬‬
‫وقد أجاد المؤلف الباضي في اختيار الكلمات التي لها قوة التللأثير‬
‫حيث تأخذ طريقها مباشرة إلى أعماق أفئدة القّراء‪ ،‬ولكن هللذا الختيللار‬
‫اللفظي هو في الحقيقة لخديعة القارئ السليم الفطرة وليس للحقيقة التي‬
‫يجب عللى العالم الباحث عن الحق أن يقولها‪ ،‬وإنما هللي دعللوة ينطبللق‬
‫عليها قول ال علّز وجل‪} :‬يقولون بألسنتهم مللا ليللس‬
‫في قلوبهم{ ]الفتح‪.[11:‬‬
‫ض بالحتكللام إلللى‬‫ودليل ذلك أن المؤلف الخليلي الباضي لللم يللر َ‬
‫كتاب ال العزيز‪ ،‬ول إلى سنة رسوله الصحيحة الثابتة‪ ،‬بل رّدها بعقله‬
‫وهواه‪ ،‬وقال بالنص‪ :‬عند ذكر ما ورد في صحيح البخاري مللن روايللة‬
‫أبي هريرة وأبي سعيد التي فيها التصريح من رسول الهدى ‪-‬صلى الل‬
‫عليه وسلم‪ -‬بأن المؤمنين يرون ربهم وهم في الجنة‪- ،‬قال وبئس ماقال‬
‫‪) :-‬إن الخذ بظاهرها يرده العقل ويكذبه البرهان(‪ .‬كما فللي )ص‪(56:‬‬
‫مللن كتللابه هللذا‪ ،‬وإنهللا لجللرأة عظيمللة علللى سللنة رسللول ال ل الثابتللة‬
‫الصحيحة‪.‬‬
‫وإليك ما اختاره المؤلف من أدلة المثبتين لرؤية ال يوم القيامة ثللم‬
‫رده له بتأويلته المردودة عليه‪.‬‬
‫فقللال فللي )ص ‪ (42‬وأمللا القسللم الثللاني وهللو‪ :‬أدلللة وقوعهللا فللي‬
‫الخرة‪ ،‬فهو نقول بعضها من الكتاب‪ ،‬وبعضها من السنة‪.‬‬
‫فمن الكتاب‪:‬‬
‫‪ -1‬قللوله تعللالى‪} :‬وجللوهٌ يللومئذ ناضللرة ‪.‬إلللى‬
‫رّبهللا نللاظرة{ ]القياملللة‪ [23-22 :‬قللال‪ :‬وهللو أقللوى‬
‫مااستندوا إليه في هذا الباب‪.‬‬
‫ثم بدأ بالرد فقال‪:‬‬
‫ضللوا بللأن النظللر أعللم مللن الرؤيللة‪ ،‬فللإنه يكللون بمعنللى‬
‫)واعُتِر ُ‬
‫محاولتها ولو لم تتحقق لجواز أن يقول قائل‪ :‬نظرت إلللى كللذا فلللم أره‪،‬‬
‫مع عدم جواز أن يقول رأيته فلللم أره‪ ،‬ففللي القللاموس مانصلله‪» :‬نظللره‬
‫كنصره وسمعه وإليه نظرًا ومنظرًا ونظرانًا‪ ،‬ومنظللرة وتنظللارًا تللأمله‬
‫بعينه« (‪.‬‬
‫ل عن البصائر والنظللر أيض لًا‬ ‫قال‪) :‬وفي شرحه للمام الزبيدي نق ً‬
‫تقليب البصيرة لدراك الشيء ورؤيته‪- ،‬إلى أن قال‪ :-‬ثم قال الشللارح‪:‬‬
‫ويقال نظرت إلى كذا إذا مددت طرفك إليه رأيته أو لم تره(‪.‬‬
‫ثم قال‪) :‬وقد شاع النظللر بمعنللى النتظللار كقللوله تعللالى‪} :‬هل‬
‫ينظللرون إل أن يللأتيهم الللله فللي ظلللل مللن‬
‫الغمام والملئكة{ ]البقرة‪.[210 :‬‬
‫وقللوله‪} :‬ماينظرون إل صلليحة واحللدة{ ]يلللس‪.[49:‬‬
‫وقلللوله‪} :‬يللوم يقللول المنللافقون والمنافقللات‬
‫للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم{ ] الحديللد‪:‬‬
‫‪.[13‬‬
‫قال‪ :‬وعليه يتعين حمل النظر في هذه الية لوجوه‪:‬‬
‫حْمللل‬
‫ن َ‬
‫أ‪ -‬إبعاد تأويل القرآن عن تعللارض بعضلله مللع بعللض‪ ،‬فللإ ّ‬
‫النظر في الية على الرؤية يتعارض مع أدلة نفيها القطعية‪.‬‬
‫ب‪ -‬النسجام المعهود في آي القللرآن وارتبلاط بعضللها مللع بعلض‬
‫وهو ليكون إل بتفسير النظر بالنتظار … إلخ‪.‬‬
‫جل‪ -‬إن هذا التأويل هو الللذي يتفللق مللع مللافي خاتمللة عبللس‪ ،‬وهللو‬
‫مسللفرةٌ ‪ .‬ضللاحكة‬ ‫قلللوله سلللبحانه‪} :‬وجللوهٌ يللومئذ ُ‬
‫مستبشللرة ‪ .‬ووجللوه يلللومئذ عليهلللا غلللبرة ‪.‬‬
‫ترهقها قترة{‪] .‬عبس‪.[41 -38 :‬‬
‫قللال‪ :‬إذ لفللارق بيللن ماُوصللفت بلله وجللوه المللؤمنين هنللا مللن‬
‫الستبشار‪ ،‬ووصفت به في آية القيامة من النظر بمعنى النتظلار‪ ،‬فلإن‬
‫المنتظر للرحمة مستبشر بها والمستبشللر منتظللر لمللا استبشللر بلله… (‬
‫إلخ‪.‬‬
‫فهذا خلصة ماعند المؤلف الخليلللي الباضللي‪ ،‬مللن محاولللة لللرد‬
‫دللللة اليللة علللى النظللر إلللى ربهللا بالبصللار‪ ،‬وإنمللا المقصللود بلله‬
‫النتظار‪،‬كما يقللول‪ ،‬ومعلللوم أن هللذا هللو رّد المعتزلللة لليللة‪ ،‬ويظهللر‬
‫للقارئ أن الذي عند المؤلف هو رد اليات بالدللة اللغوية‪ ،‬وأن معنللى‬
‫النظر هنا هلو النتظلار‪ ،‬ورد دللللة اليلات ثلم دعلواه أنله فسللر اليلة‬
‫بذلك‪ ،‬حتى ل تتعارض مع أدلة نفي الرؤيللة القطعيللة كمللا يقللول )ص‪:‬‬
‫‪.(44-42‬‬
‫وإليك دحض تلك الشببه والببرد عليهببا بمبا يببين زيفهببا ومغالطبة‬
‫مدعيها وذلك بما يأتي‪:‬‬
‫أوًل‪ :‬بيان معاني النظر‪ ،‬فإن للله عللدة اسللتعمالت بحسللب صلللته‬
‫وتعّديه بنفسه‪ ،‬وليس محصورًا في معنى النتظار‪ ،‬وإليك تلك المعاني‪:‬‬
‫فإن عّدي بنفسه فمعناه‪ :‬التوقف والنتظار كقللوله تعللالى‪}:‬انظرونا‬ ‫‪-1‬‬
‫نقتبس من نوركم{ ]الحديد‪.[ 13 :‬‬
‫وإن عللّدي بفللي فمعنللاه‪ :‬التفكببر والعتبببار‪ ،‬كقللوله تعللالى‪} :‬أولم‬ ‫‪-2‬‬
‫ينظلللروا فلللي ملكلللوت السلللموات والرض‪{..‬‬
‫]العراف‪.[185 :‬‬
‫وإن عّدي‪ ،‬بإلى فمعناه‪ :‬المعاينة بالبصار‪ ،‬كقوله تعلللالى‪} :‬انظروا‬ ‫‪-3‬‬
‫إلى ثمره إذا أثمر{ ]النعام‪.[99 :‬‬
‫قال أبللو منصللور الزهللري فللي كتللابه تهللذيب اللغللة ) ‪:(14/371‬‬
‫)ومن قال‪ :‬إن معنى قوله‪} :‬إلى ربها ناظرة{‪ :‬بمعنى منتظللرة‬
‫فقد أخطلأ‪ ،‬لن العلرب لتقللول‪ :‬نظلرت إلللى الشليء بمعنلى انتظرتله‪،‬‬
‫وإنما تقول‪ :‬نظرت فلنًا‪ ،‬أي انتظرته ومنه قول الحطيئة‪:‬‬
‫)‪(45‬‬
‫وتنساسي‬ ‫وقد نظرتكم أبناَء صادرٍة‬
‫فإذا قلت‪ :‬نظرت إليلله لللم يكللن إل بللالعين‪ ،‬وإذا قلببت‪ :‬نظللرت فللي‬
‫المر احتمل أن يكون تفكرًا وتدبرًا بالقلب(ا هل‪.‬‬
‫فكيف إذا أضيف إلى الوجه الذي هو محل البصللر‪ ،‬كمللا فللي هللذه‬
‫الية‪} :‬وجوه يومئذ ناضرة ‪ .‬إلى ربها ناظرة{‪.‬‬
‫فهذا هو بيان معاني النظر عند علماء اللغة‪ ،‬وعلماء الشريعة أهللل‬
‫السنة والجماعة الذين يريدون الحق ويعملون به ويدعون إليه‪.‬‬
‫أما المؤلف الخليلللي الباضللي فلللم يلذكر إل المعنللى الللذي يريللده‪،‬‬
‫وهو النتظار‪.‬‬
‫ثانياً‪:‬دعوى الخليلي الباضي أنلله سلللك هللذا التأويللل مللن أجللل أن‬
‫لتتعارض الية مع أدلة نفي الرؤية القطعية‪.‬‬

‫‪ ()44‬الحوز‪ :‬السير الشديد والّرويد‪ .‬لسان العرب‪ :‬مادة )حوز(‪.‬‬


‫‪ ()45‬النساس‪ :‬السوق الشديد‪ .‬لسان العرب‪ :‬مادة )نس(‪.‬‬
‫وهذا مسلك غريب وعجيب من الخليلللي‪ ،‬ونحللن نقللول‪ :‬أيللن أدلللة‬
‫نفي الرؤية القطعية في الخرة‪ ،‬وفللي عرصللات القيامللة‪ ،‬وبعللد دخللول‬
‫المؤمنين الجنة؟‬
‫والرد عليه من وجهين ‪:‬‬
‫الول‪ :‬إنك أيها الباضي‪ ،‬لم تأت بدليل واحد‪ ،‬فل آية محكمللة مللن‬
‫كتاب ال عز وجل‪ ،‬ولروايللة قائمللة علن رسللول الل صللى الل عليلله‬
‫وسلم صحيحة ولسقيمة‪ ،‬تسلتطيع أن تلأتي بهللا لتللدلل علللى مللاذكرت‪،‬‬
‫وإنما الذي جئت به تلبيس وتللدليس‪ ،‬وذلللك بللإيرادك الدلللة الصللريحة‪،‬‬
‫على نفي رؤية النبي صلى ال عليه وسلم لربه ليلة السراء والمعراج‪،‬‬
‫وهذه رؤية في الدنيا ل في الخرة‪ ،‬وأهل السللنة جميع لًا ينفللون الرؤيللة‬
‫في الدنيا‪.‬‬
‫وهذا هو عين التلبيس والتدليس‪ ،‬بحيث تحمل أدلة نفي الرؤية فللي‬
‫الدنيا على نفيها في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬الرد للنصوص من كتاب ال بالتأويل الباطل‪ ،‬بحيث تأخللذ‬
‫معنى واحدًا من معاني اللغة‪ ،‬وتحمل الية عليلله تبعلًا لمللا تهللوى وهللذا‬
‫ج ملن النلاس الللذي ُيغلّرون بزخللرف‬ ‫سلّذ َ‬
‫ت بله ال ُ‬
‫ت بله‪ ،‬وَفَتْنل َ‬
‫صنيع ُفِتْن َ‬
‫القول وقلب الحقائق‪.‬‬
‫وأما قولك‪) :‬إن هذا التأويل هو الذي يتفق مع مافي خاتمة )سللورة‬
‫عبس( وهو قوله تعالى‪} :‬وجوهٌ يومئذ مسفرة‪ .‬ضاحكة‬
‫مستبشرة‪ .‬ووجوه يومئذ عليها غبرة‪ .‬ترهقها‬
‫قترة{ ]عبس‪ [41-38:‬وأنه لفرق بين ماوصفت به وجوه المللؤمنين‬
‫صَفت بلله فللي آيللة القيامللة مللن النظللر بمعنللى‬‫هنا من الستبشار‪ ،‬وما ُو ِ‬
‫النتظار‪.‬‬
‫فالجواب على ذلك‪:‬‬
‫أن الفرق بين النتظار والنظر‪ ،‬لخلف فيه عند العقلء؛ فإن النتظار‬ ‫‪-1‬‬
‫تنغيص‪ ،‬والنظر إكرام من ال لعباده المؤمنين‪.‬‬
‫وقد سبق أن النظر إذا عّدي بإلى فمعناه المعاينة بالبصار كما في‬
‫سورة القيامة‪ ،‬فكيف وقد أضيف إلى الوجه الذي هو محل البصر‪.‬‬
‫إن آيات )عبس( فيها بيان لمللا يكللرم الل بلله عبللاده المللؤمنين أصللحاب‬ ‫‪-2‬‬
‫السعادة‪ ،‬ومايجازي بلله أهللل الشللقاوة‪ ،‬فللإنه سللبحانه وتعللالى كللثيرًا مللا‬
‫يقارن في كتابه الكريم بين حال أهل السعادة‪ ،‬وحللال أهللل الشللقاوة فللي‬
‫الخللرة‪ ،‬تللذكيرًا لعبللاده ليأخللذوا بأسللباب السللعادة‪ ،‬ويجتنبللوا أسللباب‬
‫الشقاوة‪.‬‬
‫وبهللذا يتضللح أن آيللة عبللس‪} :‬وجوه يومئذ مسفرة{‬
‫سرة ول مرادفة لقوله تعالى في سورة القيامة‪} :‬إلى ربها‬ ‫ليست ُمَف ّ‬
‫ناظرة{ كمايدعي الخليلي‪ ،‬لن النظر غير السللفار‪ ،‬فللالنظر يكللون‬
‫بالعين‪ ،‬والسفار لون يظهر على الوجه‪.‬‬
‫وقد جاء في آية القيامة‪} :‬وجوه يومئذ ناضرة{ بالبيللاض‬
‫والصفاء‪} ،‬إلى ربها ناظرة{ قال‪ :‬تنظر في وجه ال‪.‬‬
‫ل‪،‬‬ ‫رواه الطللبري عللن ابللن عمللر مرفوعللًا وسلليأتي نصلله كللام ً‬
‫فالمؤمنون يجمع ال لهم بين نضرة الوجللوه وإسللفارها‪ ،‬ونظللر العيللون‬
‫إلى وجهه الكريم‪.‬‬
‫ومن المغالطات المقصودة الدالللة علللى حللب الغللواء والتضللليل‪،‬‬
‫قول المؤلف الخليلي الباضي في )ص‪:(48:‬‬
‫)وقد أشكل على المثبتين للرؤية إسناد النظلر فلي آيلة القياملة إلللى‬
‫الوجوه‪ .‬قال‪ :‬فترددوا بين القول‪ :‬بللأن الرؤيللة بالبصللر‪ ،‬أو بللالوجه‪ ،‬أو‬
‫بالجسم كله‪ ،‬أو بحاسة سادسة‪(..‬إلخ ما قال‪.‬‬
‫والجواب على هببذه التهمببة ‪-‬ذات التشببكيك فيمببا لشببك فيببه‪ -‬بمببا‬
‫يأتي‪:‬‬
‫أوًل‪ :‬إن أدلة الرؤية عنلد المثبلتين لهلا ليسللت محصلورة فلي هلذه‬
‫الية وحدها‪ ،‬وإن كانت صريحة في ذلك‪ ،‬ولكن هناك أدلة مللن الكتللاب‬
‫ومن السنة بلغت حد التواتر سيأتي ذكرها‪.‬‬
‫ثانياً‪-‬قوله‪):‬وقد أشكل على مثبتي الرؤية إسناد النظر إلللى الوجللوه‬
‫فهل تكون الرؤية بالوجه؟‪(..‬إلخ ماقال‪.‬‬
‫ل نصيبه‬ ‫فنقول‪ :‬إن هذه مغالطة مضحكة لسخافتها‪ ،‬وتضليل لمن ق ّ‬
‫من العلم يحمل الخليلي وزرهللا ووزر مللن أضللل واسللتغفل؛ لن أحللدًا‬
‫مهما بلغ من الغباوة ليفهم هذا الفهم السقيم الذي أورده المؤلف‪ ،‬وإنمللا‬
‫يفهم أن الوجوه تنظر بأعينها‪ ،‬فإذا قال القللائل‪ :‬رأيللت المسللجد الحللرام‪،‬‬
‫فل يفهم السامع من العرب والعجم إل أنه رآه بعيني رأسه الللتي يعتللبر‬
‫ل لها‪.‬‬
‫الوجه مح ً‬
‫وثالثاً‪ :‬نقول للمؤلف‪ :‬في أي كتاب وجدت هذا من كتب أهل السنة‬
‫والجماعة المثبتين للرؤية؟ وأعني بأهل السنة السلف الصالح الصللحابة‬
‫ومن سار على منهجهم‪ ،‬كالبخاري‪ ،‬ومسلم وأمثالهما‪ ،‬والئمة الربعللة‬
‫وأتباعهم الذين هم على طريقتهم ومنهجهللم‪ ،‬ممللن وصللفتهم بالمشللبهة‪،‬‬
‫والمجسمة‪ ،‬والحشوية‪ ،‬لنهم أثبتوا ل ماأثبته لنفسلله وأثبتلله للله رسللوله‬
‫صلى الل عليلله وسلللم مللن صللفات الجلل والكمللال علللى أسللاس قللوله‬
‫تعالى‪} :‬ليس كمثله شيء وهو السللميع البصللير{‬
‫والذين يعتبر النقل عنهم والستدلل به هو الحق لعتمادهم على الثللر‬
‫ل أهل الكلم الللذين يعتمللدون فيمللا يثبتللون وينفللون علللى آراء الرجللال‬
‫والجاهلين بنصوص الكتاب والسنة‪ ،‬وعقول أهل الفلسفة الذين حكمللت‬
‫لهم بأن الحق معهم في تأويل صفات ال عز وجل وصللرفها عملا دلللت‬
‫عليه من المعاني الصللحيحة‪ ،‬والحكللام الصللريحة كمللا فللي )ص‪(12 :‬‬
‫لنك ذكرت هذه السخافة المضحكة ونسبتها للمثبتين للرؤية‪ ،‬ولم تللذكر‬
‫مرجعًا لذلك من كتبهم بل العجيب أن هذا هو قول المعتزلة )‪.(46‬‬
‫ولما كانت أدلة المنكرين للرؤيللة لتتجلاوز رّد الدلللة الدالللة عللى‬
‫إثباتهللا‪ ،‬واصللل المؤلللف ذكللر مايختللاره مللن أدلللة المثبللتين‪ ،‬ليردهللا‬
‫بتللأويلته البللاردة فللذكر مللن اليللات مللن )ص‪ (54-49 :‬قللوله تعللالى‪:‬‬
‫}للذين أحسنوا الحسنى وزيادة{ ]يونس ‪.[26 /‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬ولدينا مزيد{ ]ق‪.[35 :‬‬
‫وقللللوله تعللللالى‪} :‬كل إنهللم عللن ربهللم يللومئذ‬
‫لمحجوبون{ ] المطففين‪.[15 :‬‬
‫واليات المصللرحة بلقلاء الل‪ ،‬وذللك أنهلم فسللروا اللقلاء بالرؤيلة‬
‫)ص‪.(54:‬‬
‫ولكثرة الكلم المكرر في رد هذه اليات وصرفها عما دّلللت عليلله‬
‫ل واحدًا في رده للية الكريمة التيللة‬ ‫بالتأويلت الباطلة‪ ،‬فإني أذكر مثا ً‬
‫عما دّلت عليه‪ ،‬ورّده لتفسيرها ممن هو أعلم بها منه‪.‬‬
‫وهي قوله تعالى‪} :‬للذين أحسنوا الحسنى وزيادة‬
‫وليرهق وجوههم قللتر ولذلللة أولئك أصللحاب‬
‫الجنة هم فيها خالدون{‪] .‬يونس‪.[26 :‬‬

‫)( وقللد أظهللر ال ل الحللق ودمللغ الباطللل؛ فللإن هللذا هللو قللول ضللرار بللن عمللرو‬ ‫‪46‬‬

‫المعتلزلي‪ ،‬وتبعه حفص الفرد المعتزلي الذي كّفره المام الشافعي ‪ .‬انظللر الفللرق‬
‫بين الفرق ص ‪ .214‬وانظر ترجمة ضرار بن عمرو في ميزان العتدال ‪1/328‬‬
‫رقللم الترجمللة )‪ (3953‬وترجمللة حفللص الفللرد‪ ،‬ميللزان العتللدال ‪ 1/564‬رقللم‬
‫الترجملة )‪ ،(2143‬فكيلف يسلّوغ الخليللي لنفسله مثلل هلذا الفلتراء عللى مثبلتي‬
‫الرؤية‪ .‬أليس الرجوع إلى الحق واتباعه هو الواجب على كل مسلم؟‬
‫ليعللرف القللارئ منهللج الخليلللي فللي رده لنصللوص كتللاب اللل‬
‫بالتأويلت الباطلة والتحريفات الواضحة ورده نصللوص السللنة الثابتللة‬
‫الصحيحة عن رسللول الل صلللى الل عليلله وسلللم المفسللرة لهللذه اليللة‬
‫الكريمة ونظائرها‪.‬‬
‫يقول المؤلف الخليلي الباضي بعد أن أورد الية في )ص‪:(49 :‬‬
‫)فقد فسروا الحسنى بالجنللة‪ ،‬والزيللادة بالرؤيللة‪ ،‬مسللتدلين بحللديث‬
‫صهيب عند الشيخين مرفوعًا‪» ،‬إذا دخل أهل الجنببة الجنببة نببادى منبباد‬
‫إن لكم عند ال موعدًا يريد أن ينجزكموه‪ ،‬قالوا‪ :‬ألم يبببّيض وجوهنببا‪،‬‬
‫وينجنا من النار‪ ،‬ويدخلنا الجنة‪ ،‬قببال‪ :‬فيكشببف الحجبباب‪ .‬قببال‪ :‬فببوال‬
‫ماأعطاهم ال شيئًا أحب إليهم من النظر إليه«)‪.((47‬اهل‪.‬‬
‫هذا ماسجّله الخليلي في كتابه هللذا‪ ،‬حيللث نقللل تفسللير رسللول الل‬
‫صلى ال عليه وسلم للزيادة وأنها النظر إلى ال عز وجل‪ ،‬وأنلله أحللب‬
‫شيء أعطاهم ال‪ ،‬بعد أن أدخلهم الجنة‪ ،‬اللتي فيهلا ملالعين رأت‪ ،‬ول‬
‫أذن سمعت‪ ،‬ولخطر على قلب بشر‪.‬‬
‫ل‪ ،‬برأي المؤلف الخليلي الباضي في كلم رسللول اللل‬ ‫وسنبدأ أو ً‬
‫صلى ال عليه وسلم وبعد ذلك نتبعه بذكر الحاديث الواردة في تفسللير‬
‫الية إضافة لرواية الشيخين التي ذكرها‪ ،‬ثم نتبع ذلك بذكر أسللماء مللن‬
‫ُروي عنهم هذا التفسير من الصحابة‪.‬‬
‫وهذا ليلس للمقارنللة بيلن قللول رسللول الل صلللى الل عليله وسلللم‬
‫وأقوال الصحابة رضوان ال عليهم‪ ،‬وقول الخليلي؛ لنلله ليسللتحق أن‬
‫يذكر قوله ول اسمه مع هؤلء‪ ،‬وإنما هو من باب إطلع القللارئ علللى‬

‫)( مسلم‪ /‬كتاب اليمان‪ /‬باب )إثبات رؤية المؤمنين في الخللرة لربهللم(ح)‪.(180‬‬ ‫‪47‬‬

‫والمام أحمد في المسند ‪. 4/333‬‬


‫موقف الخليلي الباضي من نصوص كتاب ال وسنة رسللوله‪ ،‬وأقللوال‬
‫الصحابة رضي ال عنهم‪.‬‬
‫يقول الخليلي الباضي بعد إيراده لنص الية والحللديث )ص‪(49 :‬‬
‫قال‪):‬وأنتم ترون أن لفظة الزيادة مبهمة غير دالة علللى الرؤيللة وضللعًا‬
‫ل‪ ،‬من قريب ولمن بعيد‪ ،‬وأمللا الحللديث الللذي عولللوا عليلله‬ ‫ول استعما ً‬
‫في تفسيرها فدللته على ماقالوه ضعيفة جدًا(‪ .‬هكذا يقول!‬
‫إذًا فكلم رسللول الل صلللى الل عليلله وسلللم الللذي فيلله التصللريح‬
‫بتفسير الزيللادة فللي اليللة‪ ،‬بأنهللا النظللر إلللى الل بعللد كشللف الحجللاب‪،‬‬
‫ضعيف وليدل عللى الرؤيللة عنلد الخليلللي الباضلي لن ملذهبه‪ ،‬نفلي‬
‫الرؤية‪ ،‬فيقدم قوله في تفسير الزيادة علللى قللول رسللول الل صلللى الل‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فهل يرى أنه أعلم من رسول ال‪ ،‬بكلم ال؟ هللذا مقتضللى‬
‫قوله‪ ،‬بل وصريحه فهو يقول في )ص‪:(50:‬‬
‫)أمببا أوًل‪ :‬فلن النظللر ليلللزم أن يكللون بمعنللى الرؤيللة‪ ،‬وكشللف‬
‫الحجاب يجوز أن يكون كناية عن مزيد الكرام‪..‬إلخ‪.‬‬
‫وأمببا ثانيبًا‪ :‬فلن حمللل الزيللادة علللى هللذا المفهللوم يتعللارض مللع‬
‫مااستندوا إليه من المفهللوم الللذي عولللوا عليلله فللي تفسللير آيللة القيامللة‪،‬‬
‫والتي استندوا إليها في إثبات الرؤية‪ ،‬فإنه يلزمهم بموجب ذلك المفهوم‬
‫أن تكون الرؤية حاصلة في الموقف قبل دخول الجنة‪.‬‬
‫وأما ثالثًا‪ -‬فلن ذلك يتعارض مع حديث أبي هريللرة وأبللي سللعيد‬
‫رضي ال عنهما الذي استندوا إليه في إثبات الرؤية في الموقف(‪.‬هكللذا‬
‫يقول‪.‬‬
‫ولما رأى أن هذه الّتمحلت كلها لتغني شيئًا‪ ،‬لجأ إلى مايقوله َم ْ‬
‫ن‬
‫يعتز بآرائهم وعقائدهم الجهمية والمعتزلللة‪ ،‬ومللن يأخللذ بمنللاهجهم وإن‬
‫تسمى بغير اسمهم‪.‬‬
‫قال‪):‬ولو أن الحديث كان نصًا صريحًا في تفسللير النظللر بالرؤيللة‬
‫لما قامت به حجة‪ ،‬لحادّيته ومعارضته لما هو أقوى منلله متن لًا ودللللة‬
‫من أدلة نفيها‪)(..‬ص‪.(50 :‬‬
‫والجللواب علللى ماتقللدم نقللول للمؤلللف الخليلللي‪ :‬إن أهللل السللنة‬
‫والجماعة سلف هذه المة ومن تبعهم يأخذون تفسير الزيللادة فللي اليللة‬
‫الكريمة عمن نزل عليه القرآن‪ ،‬الذي لينطق عللن الهللوى‪ ،‬رسللول الل‬
‫صلى ال عليه وسلللم وهللو أفصلح العللرب عللى الطلق‪ ،‬والل تعلالى‬
‫يقول‪} :‬وما آتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه‬
‫فانتهوا{ ]الحشر‪.[10 :‬‬
‫ثم نأخذ تفسير أصحابه الكرام الذين حضروا التنزيل وسمعوا مللن‬
‫ت ذلللك‬
‫رسول ال صلى ال عليلله وسلللم وهللم العللرب القحللاح كمللا قلب َ‬
‫عنهم في )ص‪ (72:‬ثم أقوال التللابعين وتفسلليرهم لهللذه اليللة الكريمللة‪،‬‬
‫ل ملاثبت علن رسلول الل صللى الل عليله‬ ‫وإليك أيها القارئ الكريم أو ً‬
‫وسلم‪ -‬في تفسير هذه الية‪:‬‬
‫روى المام مسلم في صحيحه فللي كتللاب اليمللان‪) :‬بللاب إثبللات رؤيللة‬ ‫‪-1‬‬
‫المؤمنين في الخرة ربهم سبحانه وتعالى( بإسناده عن صللهيب رضللي‬
‫ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪» :‬إذا دخل أهل الجنة الجنة‬
‫قال يقول ال تبارك وتعالى‪ :‬تريدون شيئًا أزيدكم فيقولون‪ :‬ألم تبببيض‬
‫جنا من النار؟ قال‪ :‬فيكشف الحجاب‪ ،‬فما‬ ‫وجوهنا‪ ،‬ألم تدخلنا الجنة وتن ّ‬
‫أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل«‪.‬‬
‫وقال‪ :‬حدثنا أبو بكر بلن أبللي شليبة‪ ،‬حللدثنا يزيللد بلن هلارون علن‬
‫حمللاد بللن سلللمة بهللذا السللناد‪ .‬وزاد‪ :‬ثللم تل هللذه اليللة‪} :‬للذين‬
‫أحسنوا الحسنى وزيادة{)‪] (48‬يونس‪.[ 26 :‬‬
‫‪ ()48‬مسلم كتاب اليمان‪ /‬باب إثبات رؤية المؤمنين في الخللرة ربهللم عللز وجللل ‪،‬ح)‬
‫كما أخرج الحديث المام أحمد)‪ (49‬والترمذي )‪(50‬وابن ماجه)‪.(51‬‬
‫ويقول ابن كثير في تفسير الية‪:‬‬
‫)وقوله‪}:‬وزيادة{ هي تضعيف ثواب العمللال بالحسللنة عشللر‬
‫أمثالها إلى سبعمائة ضعف‪ ،‬وزيادة على ذلك(‪.‬‬
‫ويشمل مايعطيهم ال في الجنللان مللن القصللور والحللور‪ ،‬والرضللا‬
‫عنهم وما أخفاه لهم من قرة أعين‪.‬‬
‫وأفضل من ذلك وأعله النظر إلى وجهه الكريم‪ ،‬فإنه زيادة أعظم‬
‫من جميع ماأعطوه‪ ،‬ليستحقونها بعملهم‪ ،‬بل بفضله وبرحمته‪.‬‬
‫‪ -2‬ثم ذكر أسماء من ُروي عنهم تفسير الزيادة بللالنظر إلللى وجلله‬
‫ال ل الكريللم مللن الصللحابة والتللابعين فقللال‪) :‬وقللد روي تفسللير الزيللادة‬
‫بالنظر إلى وجه ال الكريم عن‪:‬‬
‫]‪ [1‬أبي بكر الصديق ]‪ [2‬وحذيفة بن اليمببان ]‪ [3‬وعبببد الب بببن‬
‫عباس ]‪ [4‬وسعيد بن المسيب ]‪ [5‬وعبببد الرحمبن بببن أببي ليلببى ]‪[6‬‬
‫وعبد الرحمن بببن سببابط ]‪ [7‬ومجاهببد ]‪ [8‬وعكرمببة ]‪ [9‬وعببامر بببن‬
‫سعد ]‪ [10‬وعطاء ]‪[11‬والضحاك ]‪[12‬والحسن‪ [13] ،‬وقتادة ]‪[14‬‬
‫والسدي ]‪ [15‬ومحمد بن إسحاق‪ ،‬وغيرهم من السلللف والخلللف(‪ ،‬ثللم‬
‫قال‪) :‬وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة‪ ،‬فذكر حللديث صللهيب بروايللة‬
‫المام أحمد‪ .‬قال‪ :‬وهكذا رواه مسلللم‪ ،‬وجماعللة مللن الئمللة مللن حللديث‬
‫حماد بن سلمة به‪ ،‬ثم ذكر روايلة ابلن جريلر بإسلناده علن أبلي موسللى‬
‫الشعري عن رسول الل صلللى الل عليلله وسلللم‪» :‬إن الب يبعببث يببوم‬
‫القيامة مناديًا ينادي‪ :‬ياأهل الجنة – بصوت يسمعه أولهببم وآخرهببم‪:-‬‬
‫‪.(181‬‬
‫‪ ()49‬مسند المام أحمد ‪.4/333‬‬
‫‪ ()50‬الترمذي تحفة الحوذي‪ ،‬تفسير سورة يونس ‪.8/522‬‬
‫‪ ()51‬ابن ماجه المقدمة ‪1/67‬ح ‪.187‬‬
‫إن ال وعدكم الحسنى وزيادة‪) .‬الحسنى( الجنة و)الزيادة( النظر إلببى‬
‫وجه الرحمن عز وجل« )‪.(52‬‬
‫كما روي ذلك عن كعب بن عجرة‪.‬‬
‫وروى ابن جرير بإسناده عن أبي بن كعب‪ ،‬أنه سببأل رسببول ال ب‬
‫صلى ال عليه وسلم عن قول ال عبببز وجبببل‪} :‬للذين أحسنوا‬
‫الحسنى وزيادة{ »قال‪ :‬الحسنى‪ ،‬الجنة‪ ،‬والزيببادة النظببر إلببى‬
‫وجه ال عز وجل« )‪.(53‬‬
‫وبهذا يتضح للقارئ الكريم‪ ،‬سللقوط كلم الخليلللي الباضللي وهللو‬
‫قوله‪ :‬إن النظر ليلزم أن يكون بمعنى الرؤية‪ ،‬بتفسير رسول ال صلى‬
‫ال ل عليلله وسلللم‪ ،‬وتفسللير الصللحابة والتللابعين الللذين ذكللر ابللن كللثير‬
‫أسماءهم كما سللبق ذلللك مللن صللحابة وتللابعين‪ ،‬ثللم قللال‪ :‬وغيرهللم مللن‬
‫السلف والخلف‪.‬‬
‫وقول الخليلي‪ :‬إن كشف الحجاب يجوز أن يكون كناية عللن مزيللد‬
‫الكرام‪ ..‬إلخ ماقال‪ ،‬كلم ساقط‪ ،‬لوزن له أمام النص مللن رسللول ال ل‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فهو إكرام صريح بكشللف الحجللاب عنهللم للنظللر‬
‫إلللى ربهللم عللز وجللل‪ ،‬وهللو أفضللل ماأعطللاهم وأكرمهللم بلله‪ ،‬بفضللله‬
‫ورحمته كما قال ابن كثير‪.‬‬
‫وأما قللوله‪) :‬ثانيلًا وثالثلًا( )فلن حمللل الزيللادة علللى هللذا المفهللوم‬
‫يتعارض مع مااستندوا إليه من المفهوم الذي عولوا عليه في تفسير آيللة‬
‫القيامة‪ ..‬إلخ ما قال وحديث أبي سعيد وأبي هريرة(‪.‬‬
‫فأقول‪ :‬أين التعارض بين ماجاء في هذا الحللديث الللذي فيلله إثبللات‬
‫رؤية اللل عزوجللل‪ ،‬وقللوله‪} :‬وجوه يومئذ ناضرة‪ .‬إلللى‬

‫‪ ()52‬تفسير ابن جرير ‪.11/105‬‬


‫‪ ()53‬ابن جرير ‪.11/107‬‬
‫ربها ناظرة{ وحديث أبللي سللعيد وأبللي هريللرة‪ ،‬وكللون حصللول‬
‫الرؤية في الموقف ليعارض حصولها في الجنة‪.‬‬
‫وقد بين العلماء بالتفسير معنى ذلك في تفسير قللوله تعللالى‪} :‬كل‬
‫إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبللون{ فقللد أخللرج ابللن‬
‫جرير بإسناده عن الحسن في تفسير الية قال‪):‬يكشف الحجاب‪ ،‬فينظللر‬
‫إليه المؤمنون والكافرون‪ ،‬ثم يحجب عنه الكفار وينظر إليلله المؤمنللون‬
‫كل يوم غدوة وعشية(‪.‬‬
‫وقال ابن كللثير فللي تفسللير اليللة‪} :‬كل إنهم عن ربهم‬
‫يومئذ لمحجوبون{‪) :‬أي‪ :‬لهم يوم القيامة منزل ونزل سللجين‪،‬‬
‫ثم هم يوم القيامة مع ذلك محجوبون عن رؤية ربهم وخالقهم‪.‬‬
‫قال المام الشافعي‪ »:‬هذه الية دليل على أن المؤمنين يرونه عللز‬
‫وجللل يللومئذ« وهللذا الللذي قللاله المللام الشللافعي رحملله الل فللي غايللة‬
‫الحسن‪ ،‬وهو استدلل بمفهوم هذه اليللة‪ ،‬كمللا دل عليلله منطللوق قللوله‪:‬‬
‫}وجوه يومئذ ناضرة‪ .‬إلى ربها ناظرة{ وكمللا دّلللت‬
‫على ذلك الحاديث الصحاح المتواترة فللي رؤيللة المللؤمنين ربهللم عللز‬
‫وجل فللي الللدار الخللرة رؤيلة بالبصلار فلي عرصلات القياملة‪ ،‬وفللي‬
‫روضات الجنان الفاخرة(‪.‬‬
‫فأين التعارض الذي يدعيه الخليلي بين هذا الحديث ومفهوم الية‪،‬‬
‫وحديث أبي هريرة وأبللي سللعيد وهمللا فللي الصللحيحين؟ وسللترى كلم‬
‫الخليلي في ردهما وبأي شيء يردهما !‪.‬‬
‫وعلمللاء السلللف ليضللربون النصللوص بعضللها ببعللض‪ ،‬وإنمللا‬
‫يجمعون بينها إذا وجدوا تعارضًا في الظاهر‪ ،‬ولكن بحمد ال لللم يوجللد‬
‫تعارض بين هذه النصوص‪ ،‬وقد سبق توضيح ابن كثير لما دلللت عليلله‬
‫هذه النصوص‪.‬‬
‫ثم إن أهل السنة المثبتين للرؤية ليس دليلهم على إثبات الرؤية هو‬
‫مفهوم الية الذي دل عليه منطوق آية القيامة فقط‪.‬‬
‫ولتلك اليات وحدها‪ ،‬ولحديث أبللي هريللرة وأبللي سللعيد وحللده‪،‬‬
‫وإنما دّلت عليها آيات أخرى‪.‬‬
‫وأحاديث بلغت حد التواتر كما ذكر ذلك ابن كثير وغيره‪.‬‬
‫وهللذا يللرد علللى ماجللاء فللي قللول المؤلللف الخليلللي الباضللي فللي‬
‫قوله‪ »:‬ولوكان الحللديث نصلًا صللريحًا فللي تفسللير النظللر بالرؤيللة لمللا‬
‫قامت به حجة لحادّيته‪ ،‬ومعارضته لما هو أقوى منه متنلًا ودللللة مللن‬
‫أدلة نفيها«‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬أما أحادّيته ‪-‬وإن كانت القاعدة عند أهللل السللنة مللن سلللف هللذه‬
‫المة ومن تبعهم‪ ،‬أنهم يحتجون بما ثبت عن رسول ال صلى ال عليلله‬
‫وسلم في العقيدة‪ ،‬سواء كان الخبر متواترًا أو آحلادًا‪ -‬فل يسلّلم للخليلللي‬
‫حكمه هذا‪ ،‬إذ ليست الحجة عند المثبتين للرؤية هذا الحديث وحده‪ ،‬بللل‬
‫أحاديث أخرى بلغت حد التللواتر عنللد علمللاء الحللديث أهللل الشللأن فللي‬
‫ذلك‪ ،‬وسيأتي ذكرها جميعًا‪.‬‬
‫وأما دعواه معارضته لما هو أقوى منه متنًا ودللللة مللن أدلللة نفللي‬
‫الرؤية‪ ،‬فهي دعوى باطلة وعارية عن الصللحة‪ ،‬لكونهللا لللم تسللتند إلللى‬
‫دليل من كتاب أو سنة أو إجماع‪.‬‬
‫ل واحدًا معتبرًا على نفي رؤية المؤمنين ربهم فللي‬ ‫وأنى له أن يورد دلي ً‬
‫الخرة‪.‬‬
‫شَبُه والتمويهات والتلبيسات‪ ،‬وإيراد أدلة نفي الرؤيللة‬ ‫وإنما عنده ال ّ‬
‫في الدنيا‪ ،‬ثم تعميمها على نفي الرؤية في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫وسينكشف تلبيسه هذا عندما يورد أدلة النفاة على حد تعبيره‪.‬‬
‫أما في )ص‪ (56 :‬فقد ارتكللب خطلًأ فاحشلًا يجلب عليله أن يراجللع‬
‫نفسه ويتوب إلى ال عز وجل منه‪ ،‬حيث قال في )ص‪ (55 :‬وهو يذكر‬
‫أدلة المثبتين للرؤية من السنة‪ ،‬بعد أن انتهى من ذكر أدلتهم من الكتاب‬
‫كما يرى‪ ،‬قال‪:‬‬
‫)وأما من السنة فقد أكثروا من الحاديث التي حشروها للسللتدلل‬
‫بها‪ ،‬وأشهر وأقوى ما اعتمدوا عليه حديث‪» :‬سترون ربكببم عيانبًا كمببا‬
‫ترون القمر ليلة البدر«( قال‪) :‬وقد رووه من طريق أبي هريللرة وأبللي‬
‫سعيد الخللدري وجريللر بألفللاظ متعللددة‪ ،‬وأكللثر مايقتصللرون فللي كتللب‬
‫العقيللدة علللى هللذا القللدر مللن نصلله‪ (،‬قللال‪) :‬وقبللل أي تعقيللب علللى‬
‫الستدلل أرى أن أنقل بعض ألفاظه وأسانيده(‪.‬ا‪.‬هل‪.‬‬
‫وفي )ص‪ (56 :‬نقل رواية البخاري من كتاب التوحيد‪ ،‬ولللم ينقلهللا‬
‫كلها‪ ،‬مع أن البخاري أوردها كاملة‪ ،‬ولم يقتصر على ما ادعاه المؤلللف‬
‫وقد أوردها البخللاري فللي بللاب قللول اللل تعللالى‪} :‬وجوه يومئذ‬
‫ناضرة ‪ .‬إلى ربها ناظرة{‪.‬‬
‫وأورد معها تحللت هللذا العنللوان ثلثللة عشللر حللديثًا مللن )‪-7434‬‬
‫‪ ،(54)(7447‬كلها كاملة وصريحة في إثبات رؤية المؤمنين ربهللم يللوم‬
‫القيامة‪ ،‬وسنوردها عند ذكر أدلة المثبتين للرؤية‪.‬‬
‫ولكننا هنا نذكر ماارتكبه المؤلف مللن شللناعة قبيحللة حللول حللديث‬
‫أبي هريرة وأبي سعيد الخدري‪ ،‬وهما ضمن هذه الحاديث‪ ،‬قال‪- :‬بعللد‬
‫نقللل ذلللك الجللزء مللن حللديث أبللي هريللرة‪)-‬وجللاء بألفللاظ مختلفللة عنللد‬
‫الشلليخين وغيرهمللا‪ ،‬ومثللله فللي ذلللك حللديث أبللي سللعيد عنلد الشلليخين‬
‫كذلك(‪.‬‬

‫‪ ()54‬صحيح البخاري مع الفتح ‪.424-13/419‬‬


‫ثم قال‪- :‬وبئس ما قال‪):-‬وأنت أيها القارئ الكريم تدرك ببصبيرتك‬
‫أن الخببذ بظببواهر هببذه النصببوص يفضببي إلببى مببايرده العقببل ويكببذبه‬
‫البرهان(‪.‬‬
‫هكذا يقول‪ :‬إن أحاديث رسول ال صلى ال عليه وسلم الثابتة فللي‬
‫الصحيحين وغيرهما يكّذبها برهان الخليلي‪ ،‬ويرّدها عقله‪.‬‬
‫وإليك أيها القارئ الكريم ماأشاد به من عقل وبرهان ما ورثه عللن‬
‫سلفه الجهمية والمعتزلة‪ ،‬الذين يعتّز بهم دائمًا وأنهم يقوللون ويعتقلدون‬
‫إنكار رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة‪ ،‬كما يعتقد الباضية‪ ،‬وقد جعلللوا‬
‫عقولهم وبراهينهم حاكمة على نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬ونصبوها لللرد‬
‫قول الصادق المصدوق الذي لينطق عن الهوى‪ ،‬وانظر لبرهانه الللذي‬
‫رد به قول رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقد قال في )ص‪:(56،57 :‬‬
‫)‪-‬إنه يترتب على الخذ بها‪ :‬تغيللر ذاتلله سللبحانه مللن صللورة إلللى‬
‫غيرها‪ ،‬والتغّير من سمات الحدوث‪.‬‬
‫‪-‬وكونه مرئيًا لهذه المة مؤمنهلا ومنافقهلا فلي اللدنيا رؤيلة جليلة‪..‬‬
‫وإل فبم عرفوا صورته؟(‪ ..‬إلخ ما قال‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهللذه هللي قاعببدة الجهميببة والمعتزلببة وأصلللهما‪ ،‬أخللذ بهللا‬
‫ل وعل‪-‬‬ ‫المؤلف الخليلي لرد النصوص‪ ،‬وهي قياس صفات الخللالق جل ّ‬
‫الذي }ليس كمثله شيء وهللو السللميع البصللير{‬
‫لفي ذاته ولفي صفاته‪ ،‬وهو الحي القيوم المن لّزه الللدائم البللاقي‪ -‬علللى‬
‫صفات المخلوق الحادث الفاني‪.‬‬
‫لنهم لم يعرفوا من صفات ربهم إل ماشللاهدوه فللي المخلللوق‪ ،‬فللأرادوا‬
‫التنزيه بزعمهم فوقعوا في التعطيل‪.‬‬
‫ولهذا يقول المؤلف‪ :‬إنه يللزم مللن إثبلات صلفة الرؤيللة تغيلر ذاتلله‬
‫سبحانه‪ ،‬والتغير من سمة الحدوث‪.‬‬
‫والنتيجة إن من أثبت الصفات التي أخبر بهللا ال ل عللز وجللل عللن‬
‫نفسه في كتابه‪ ،‬أو أثبتها للله رسللول الل ‪ -‬صلللى الل عليلله وسلللم‪ -‬فقللد‬
‫وصف ال بصفة الحوادث‪.‬‬
‫ولهذا قال‪ :‬يلزم كلونه مرئيلًا فلي الللدنيا وإل فبلم عرفللوا صللورته؟‬
‫الللخ‪ ،‬أي أن المللؤمنين ل يعرفللون ربهللم فللي الخللرة‪ ،‬إل إذا رأوه فللي‬
‫الدنيا‪ ،‬وهذا هو قياس الغائب على الشاهد‪.‬‬
‫ونقول‪ :‬إن المؤمنين عرفللوا ربهللم بصللفاته الللتي أخللبرهم بهللا فللي‬
‫كتابه وأخبرهم بها رسوله‪ -‬صلى ال علية وسلم‪ -‬في سنته‪ ،‬فللآمنوا بهللا‬
‫وصللدقوا قائلهللا‪ ،‬فحينمللا يكرمهللم ربهللم بللالنظر إليلله يعرفللونه بتلللك‬
‫الوصاف التي جاءت في كتاب ربهم وسنة نبيهم‪ ،‬فصدقوا من أخبرهم‬
‫بها وآمنوا بها واعتقدوها‪.‬‬
‫ومن شهد لرسول اللل‪ -‬صلللى الل عليلله وسلللم‪ -‬بالرسللالة‪ ،‬أي أنلله‬
‫رسول ال‪ ،‬لزمه بمقتضى هذه الشهادة تصديقه في كل ما أخبر به عللن‬
‫ربه عز وجل سواء أدرك عقله ذلك أو لم يدركه‪.‬‬
‫فرسول ال صلى ال عليه وسلم ل ينطللق عللن الهللوى‪ ،‬إن هللو إل‬
‫وحي يوحى‪ ،‬وأمرنا ال أن نأخذ بما أخبرنا به‪ ،‬قللللال تعالى‪} :‬وما‬
‫آتلللاكم الرسلللول فخلللذوه وملللا نهلللاكم عنللله‬
‫فانتهوا{ ]الحشر‪.[7 :‬‬
‫وحذرنا من مخالفة أمره حيث قال تعللالى‪} :‬فليحذر الللذين‬
‫يخلللالفون علللن أملللره أن تصللليبهم فتنلللة أو‬
‫يصيبهم عذاب أليم{ ]النور‪.[63:‬‬
‫وقللللال تعللللالى‪} :‬فل وربلللك ل يؤمنلللون حلللتى‬
‫يحكموك فيما شللجر بينهللم ثللم ل يجللدوا فللي‬
‫أنفسهم حرجا ً مما قضيت ويسلللموا تسللليما ً{‬
‫]النساء‪.[65 :‬‬
‫وإذا كان المؤلف الخليلللي يقللول‪ :‬إن طللائفته الباضللية أهللل الحللق‬
‫والستقامة‪ ،‬لم يأخذوا عقائدهم إل من كتاب ال وسنة رسللوله كمللا فللي‬
‫)ص‪ (8:‬من كتابه هذا‪ ،‬نقول له‪ :‬الحق والستقامة هو الخذ بما جاء به‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫ل رّده بللالهوى المتبللع‪ ،‬والتحريللف المتعمللد‪ ،‬والتقللدم بيللن يللدي اللل‬
‫ورسوله‪.‬‬
‫وانظر لقللول عمللر بللن الخطللاب رضللي الل عنلله الخليفللة الراشللد‬
‫المشهود له بالجنة‪ ،‬في قصة صلح الحديبية‪ ،‬لما جاء سللهيل بللن عمللرو‬
‫مندوب كفار قريش لكتابة الصلح‪ ،‬وقد شللرط سللهيل فللي ذلللك الصلللح‪،‬‬
‫الشروط القاسية ومنها‪ :‬قال سهيل‪ :‬وعلى أنه ل يأتيك مّنللا رجللل ‪ -‬وإن‬
‫كان على دينك‪ -‬إل رددته إلينا‪ ،‬قال المسللمون‪ :‬سلبحان الل كيلف ُيلرد‬
‫إلى المشركين وقد جاء مسلمًا؟ فبينما هم كللذلك إذ دخللل أبللو جنللدل بللن‬
‫سهيل بن عمرو يرسف في قيوده‪ ،‬وقد خرج من أسفل مكة حلتى رملى‬
‫بنفسه بين أظهر المسلمين‪ ،‬فقال سهيل‪ :‬هذا يا محمللد أول مللن أقاضلليك‬
‫ي‪ ،‬فقال النبي‪ -‬صلى الل عليله وسلللم‪» :-‬إنببا لببم نقببض‬ ‫عليه أن ترده إل ّ‬
‫الكتاب بعد«‪.‬‬
‫قال‪ :‬فوال إذًا لم أصالحك على شيء أبدًا‪ ..‬الحديث)‪.(55‬‬
‫قال أبو جندل‪ :‬أي معشر المسلمين‪ُ ،‬أردّ إلللى المشللركين وقللد جئت‬
‫عّذب عذابًا شديدًا في ال‪.‬‬‫مسلمًا‪ ،‬أل ترون ما قد لقيت؟ وكان قد ُ‬
‫قال عمر بن الخطاب‪ :‬فأتيت رسللول اللل‪ -‬صلللى الل عليله وسلللم‪-‬‬
‫ت نبي ال حقًا؟ قال‪ :‬بلى‪.‬‬ ‫فقلت‪ :‬ألس َ‬
‫)( البخاري‪،‬كتاب الشروط ح )‪.(2732-2731‬‬ ‫‪55‬‬
‫قلت‪ :‬ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟‬
‫قال‪ :‬بلى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فلم نعطي الدنية في ديننا إذًا؟‬
‫ونقول للخليلى اسمع رد رسول ال‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬على عمر‪.‬‬
‫ثم اسمع بعد ذلك لقول عمر وندمه على موقفه هذا ابتداء‪.‬‬
‫قال‪ » :‬إني رسول ال ولست أعصيه وهو ناصري«‪.‬‬
‫وفي رواية فقال‪ » :‬يا ابن الخطاب إني رسول ال‪ ،‬ولببن يضببيعني‬
‫ال«‪ ،‬فرجع متغيظًا فلم يصبر حتى جاء إلى أبي بكر وقال لله مثلل ملا‬
‫قال لرسول ال‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬فكان رده كمللا قللال رسللول اللل‪-‬‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ -‬إلللى أن قللال للله‪ :‬أيهللا الرجللل‪ ،‬إنلله لرسللول اللل‪-‬‬
‫صلى ال عليه وسلللم‪ ،-‬وليللس يعصللي ربلله‪ ،‬وهللو ناصللره‪ ،‬فاستمسللك‬
‫بغرزه فوال إنه على الحق‪.‬‬
‫قال الزهري‪ :‬قال عمر‪ :‬فعملت لذلك أعماًل)‪.(56‬‬
‫يقول عمر بن الخطاب رضي ال عنه بعد ذلك‪ :‬اتهموا الرأي على‬
‫الدين‪ ،‬فلقد رأيتني أرد أمر رسول ال‪ -‬صلى ال ل عليلله وسلللم‪ -‬بللرأي‪،‬‬
‫وما ألوت عن الحق‪.‬‬
‫وفيه »قال‪ :‬فرضي رسبول الب‪ -‬صببلى الب عليبه وسبلم‪ -‬وأبيبت‪،‬‬
‫حتى قال لي‪ :‬يا عمر تراني رضيت وتأبى«‪.‬‬
‫يقول ابن حجللر فللي شللرح الحللديث‪):‬وقللول عمللر‪ »:‬فعملببت لببذلك‬
‫أعماًل«‪.‬‬

‫)( البخاري مع الفتح‪ ،‬كتاب الشروط‪ ،‬باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهللل‬ ‫‪56‬‬

‫الحرب‪ 333 /329 /5،‬ح ‪ .3732 ،2731‬وكتاب التفسير‪ ،‬تفسير سورة الفتح‪ ،‬فتح‬
‫الباري ‪587 /8‬ح ‪.4844‬‬
‫المراد به العمال الصالحة ليكّفر عنه ما مضللى مللن التوقللف فللي‬
‫المتثال ابتداء‪ ،‬وقد ورد التصريح بمراده بقوله »أعماًل«‪ :‬ففي روايللة‬
‫ابن إسحاق وكان عمر يقول‪»:‬ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتببق‬
‫من الذي صنعت يومئذ‪ ،‬مخافة كلمي الذي تكلمت به«‪.‬‬
‫وعند الواقدي مللن حللديث ابللن عبللاس‪ ،‬قللال عمللر‪» :‬لقببد أعتقببت‬
‫بسبب ذلك رقابًا‪ ،‬وصمت دهرًا«)‪.((57‬‬
‫وفي صحيح البخاري)‪ (58‬قللال سللهل بللن حنيللف‪» :‬يببا أيهببا النبباس‬
‫اتهموا رأيكم على الدين؛ لقد رأيتني يببوم أبببي جنببدل ولببو أسببتطيع أن‬
‫أرد أمر رسول ال‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬لرددته«‪.‬‬
‫وأخرج أبو داود في الطهارة عن علي بللن أبللي طللالب قللوله‪ »:‬لببو‬
‫كان الدين بالرأي لكان مسح أسفل الخف أولى من أعله«‪.‬‬
‫إن ما حدث من عمر بن الخطاب رضي ال عنله فلي علدم امتثلال‬
‫أمر رسول ال‪ -‬صلللى الل عليله وسلللم‪ -‬ابتلداًء فللي هللذا الموقللف‪ ،‬هلو‬
‫بسبب ما رآه من تلك الشروط التي يمليها المشركون في ذلللك الصلللح‪،‬‬
‫وهي شروط في ظاهرها إجحاف بالحق‪ ،‬لن المشركين علللى الباطللل‪.‬‬
‫ولهذا يقول عمر‪»:‬وما ألوت عببن الحببق«‪ ،‬فهللو اجتهللاد للوصللول إلللى‬
‫الحق‪ ،‬ولكن الجتهاد مع النص ل محل له‪.‬‬
‫فالحق كل الحق في قول رسول اللل‪ -‬صلللى الل عليلله وسلللم‪ -‬وإن‬
‫ظهر للناس خلفه‪ ،‬ولهذا قال رسول ال‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬لعمللر‪:‬‬
‫»إني رسول ال ولست أعصيه وهو ناصري«‪ ،‬وقد كان المر كللذلك‪،‬‬
‫أي أن ذلك الصلح الذي بتلك الشروط كان فتحًا عظيمًا‪ ،‬ونصرًا ظاهرًا‬
‫)( فتح الباري ‪ .346 /5‬وفي فتح الباري ‪ 289 /13‬جاء قول عمر‪ ،‬كما في رواية‬ ‫‪57‬‬

‫سهل‪.‬‬
‫)( البخاري مع الفتح كتاب العتصام‪ 83 /13 ،‬ح ‪ ،73 0 8‬وقد جاء في الشرح‪،‬‬ ‫‪58‬‬

‫قول عمر‪ ،‬أخرجه الطبراني‪ ،‬والطبري‪ ،‬والبيهقي‪.‬‬


‫للسلم والمسلمين‪ ،‬وظهر لعمر رضللي الل عنلله مللا قللاله رسللول الل‬
‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫فندم عمر رضي ال عنه على ذلك الموقف الذي كان منه فللي بللدء‬
‫القضية‪ ،‬ورأى أنه في حاجة إلى أن يكفر عن موقفه ذاك‪.‬‬
‫ولللذلك قللال‪ »:‬مببازلت أتصببدق‪ ،‬وأصببوم‪ ،‬وأصببلي‪ ،‬وأعتببق مببن الببذي‬
‫صنعت يومئذ مخافة كلمي الذي تكلمت به«‪.‬‬
‫فعمر رضي ال عنه لم يرّد ما قاله الرسول صلى ال عليه وسلللم‪،‬‬
‫وإنما كان يناقش ليعرف الحكمة في ذلك‪ ،‬وقد سّلم المر بعد ذلك‪ ،‬ومع‬
‫ذلك يكفر عن ذلك الموقف‪.‬‬
‫ونقول‪ :‬للمؤلف الخليلي‪ :‬أل تخاف من كلمك الذي قلته معارضًا‬
‫به كلم رسول ال‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ ،-‬وهللو قولللك فللي )ص‪:(56:‬‬
‫)الخذ بظاهر حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخللدري فلي الصللحيحين‪،‬‬
‫يرده العقل ويكذبه البرهان( إنها جرأة على رسول ال‪ -‬صلى ال عليلله‬
‫وسلم‪ ،-‬وشناعة في اللفظ الذي يرد به قول‪ ،‬الصادق المصللدوق‪ ،‬الللذي‬
‫ل ينطق عللن الهللوى‪ ،‬إن هللو إل وحللي يللوحى‪ .‬إن المللر ‪ -‬يللا رجللل‪-‬‬
‫خطير‪ ،‬فهو بحاجة إلى توبة صادقة تخرج صللاحبها مللن سللوء المعتقللد‬
‫وفتنللة النحللراف‪ ،‬فللال يقللول‪} :‬فليحذر الذين يخللالفون‬
‫عن أمره أن تصيبهم فتنللة أو يصلليبهم عللذاب‬
‫أليم{ ]النور‪.[63 :‬‬
‫أل فليعلم مشتري الضللة بالهللدى‪ ،‬أن العلتراض علللى الل بلرد‬
‫نصوص كتابه‪ ،‬والتقدم على رسول ال بمعارضة سنته بالرأي الساقط‪،‬‬
‫تصّرف قبيح‪ ،‬ومخالفة واضحة ظاهرة‪.‬‬
‫يقللول الشلليخ محمللد الميللن الشللنقيطي فللي منهللج ودراسللات ليللات‬
‫ن تنطللع بيللن يللدي رب السللموات والرض‬ ‫الصللفات )ص‪َ ..):(40:‬م ل ْ‬
‫وتجرأ على ال بهذه الجرأة العظيمة‪ ،‬ونفى عن ربه وصفًا أثبته لنفسه‪،‬‬
‫فهذا مجنون‪ ،‬فال جل وعل يثبت لنفسلله صللفات كمللال وجلل‪ ،‬فكيللف‬
‫يليق لمسكين جاهل أن يتقدم بين يدي رب السللموات والرض ويقللول‪:‬‬
‫هذا الذي وصفت به نفسك ل يليق بك‪ ،‬ويلزمه مللن النقللص كللذا وكللذا‪،‬‬
‫فأنا أؤوله وألغيه وآتي ببدله من تلقاء نفسي‪ ،‬من غير استناد إلللى كتلاب‬
‫أو سنة‪ ،‬سبحانك هذا بهتان عظيم(‪ .‬اهل‪.‬‬
‫ونواصل مع الخليلللي لنللبين للقللارئ تدليسلله وتمللويهه‪ ،‬فللإنه يللورد‬
‫الدلة التي فيها نفي الرؤية في الدنيا‪ ،‬وهو المر المتفق عليه بين أهللل‬
‫ل له على نفي الرؤية في الدنيا والخرة‪،‬‬ ‫السنة والجماعة‪ ،‬ثم يجعله دلي ً‬
‫ولهذا فإنه بعد رده لتلك النصللوص مللن الكتللاب والسللنة المثبتللة لرؤيللة‬
‫المؤمنين ربهم في جنات النعيم‪ ،‬قال فللي )ص‪) :(67:‬الفصببل الثببالث‬
‫في أدلة النافين(‬
‫أي الباضللية والجهميللة والمعتزلللة والرافضللة الماميللة والزيديللة‬
‫الذين يعتز بأنهم على عقيدته كما تقدم )ص‪ (32 :‬في كتابه هذا‪.‬‬
‫قال‪) :‬وهي قسمان‪ :‬عقلية‪ ،‬ونقلية(‪.‬‬
‫ثم ذكر ملخص الدلة العقلية وشروطها‪ ،‬فقال‪) :‬والرؤية البصللرية‬
‫المعهودة هي‪ :‬انطباع صورة المرئي فلي حدقللة الللرائي بقلوة الذبلذبات‬
‫الضوئية الملتقطة للصور ولها شروط(‪.‬‬
‫فذكر شروطها وهي تتلخص‪ :‬في قيلاس الغللائب علللى الشللاهد كمللا‬
‫يفعل المعتزلة تمامًا‪.‬‬
‫ولما أدرك أنه يقيس الغائب على الشاهد‪ ،‬قال فللي )ص‪ 68 :‬سللطر‬
‫‪) :(7‬وقد اعترض على هذا الستدلل‪ ،‬بأن هذه الشروط إنمللا هللي فللي‬
‫رؤية الشاهد ول يجوز أن تحمل عليها رؤية الغائب(‪.‬‬
‫ثم قال‪) :‬وأجيب بأن الرؤية المعهودة عند الناس هي هذه ول فللرق‬
‫في ذلك بين الشاهد والغائب(‪.‬‬
‫ثم ادعى في الصفحة نفسها أن مثبتي الرؤية أنفسهم قاسللوا الغللائب‬
‫على الشاهد في باب الصفات‪.‬‬
‫والجواب على ذلك ما يأتي‪:‬‬
‫أوًل‪ :‬إن المؤلف اعترف بأن دليله العقلي هللو قيللاس الغللائب علللى‬
‫الشاهد‪ ،‬وهذا هو منهج المعطلة الجهمية والمعتزلة ومللن سللبق ذكرهللم‬
‫ومنهم المؤلف وطائفته الباضية‪ ،‬لنهم لم يعرفللوا مللن صللفات الخللالق‬
‫جل وعل إل ما شاهدوه في المخلوق ولم يقدروا الل حللق قللدره‪ ،‬ومللن‬
‫هنا أرادوا حسب زعمهم التنزيه‪ ،‬فعطلوا حيث نفوا تلللك الصللفات عللن‬
‫ال‪ ،‬بل الجهمية نفوا حتى السماء‪ ،‬بحجة أنهم لو أثبتوها فقد شبهوا ال‬
‫بخلقه‪.‬‬
‫ل‪ ،‬ثللم‬ ‫وقد صدق عليهم القول‪ :‬بأن كل معطل مشبه‪ ،‬فهم شبهوا أو ً‬
‫انتقلوا إلى التعطيل ثانيًا‪.‬‬
‫وهذا القياس باطلل بإجملاع أهلل السلنة والجماعلة‪ ،‬لنله ل يجلوز‬
‫قياس صفات الخالق سبحانه على صفات المخلللوق‪ ،‬لنلله تشللبيه‪ ،‬ومللن‬
‫شللبه اللل بخلقلله فقللد كفللر بلله‪ ،‬واللل عللز وجللل‪} :‬ليس كمثله‬
‫شيء وهو السميع البصير{‪.‬‬
‫وثانيًا‪ :‬دعوى المؤلف على أن مثبلتي الرؤيللة قاسللوا الغلائب عللى‬
‫الشاهد في باب الصفات‪.‬‬
‫أقول‪ :‬هذا كذب عليهم‪ ،‬فإن صفات ال عّز وجللل توقيفيللة‪ ،‬فهللم لللم‬
‫يثبتوا ل عز وجل من الصفات إل ما أثبته ال لنفسه في كتابه‪ ،‬أو أثبته‬
‫له رسوله في سنته الصحيحة‪.‬‬
‫ولكن المؤلف الخليلي يتحدث عن قاعدة التعطيللل عنللده وعنللد مللن‬
‫ل‪ ،‬وعطلوا ثانيًا كما سبق‪.‬‬ ‫يتبعهم من جهمية ومعتزلة‪ ،‬الذين شبهوا أو ً‬
‫وانظر لصفة الرؤية التي فيهللا النللزاع‪ ،‬فللال عللز وجللل هللو الللذي‬
‫يقول في كتابه الكريم‪}:‬وجوه يومئذ ناضرة‪ .‬إلى ربهللا‬
‫ناظرة{‪.‬‬
‫والرسول‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬هو الذي يقول‪» :‬إنكببم سببترون ربكببم‬
‫عيانًا‪ ،‬كما ترون الشمس والقمر صحوًا«‪.‬‬
‫كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة وأبي سعيد‪.‬‬
‫فأين القياس الذي يدعيه المؤلف الخليلي على مثبتي الرؤية؟‬
‫فهذا قول ال عز وجل‪ ،‬وهذا قول رسوله صلى ال عليلله وسلللم‪ ،‬الللذي‬
‫آمن به الصحابة وتبعهم المصدقون لرسول ال المؤمنللون بمللا أخللبرهم‬
‫به‪ ،‬لنه لينطق عن الهوى إن هو إل وحي يوحى‪.‬‬
‫فلم يأتوا بشيء من عند أنفسهم‪ ،‬وإنما قالوا بالللذي قللاله الل عللز وجللل‪،‬‬
‫وبالذي قاله رسوله الكريم‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪.-‬‬
‫أما الخليلى‪ -‬فيقول‪):‬إن الخذ بظواهر هذه النصوص يللرده العقللل‬
‫ويكذبه البرهان!( ظلمًا وعدوانًا‪ ،‬إذ لم يأت فيما جاء به رسللول ال ل مللا‬
‫يكذب بعضه بعضًا‪ ،‬بل العكس هو اليقين‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬إنها لجرأة عظيمة على ال ورسللوله‪ ،‬يجللب عليللك التوبللة‬
‫منها ومن كل معتقد فاسد قبيح‪.‬‬
‫فال عز وجل يقول‪} :‬وما كان لمللؤمن ول مؤمنللة‬
‫إذا قضللى الللله ورسللوله أمللرا ً أن يكللون لهللم‬
‫الخيرة من أمرهللم ومللن يعللص الللله ورسللوله‬
‫فقد ضل ضلللل ً مبينلا ً{ ]الحلللزاب‪ [36 :‬فهللذا قضللاء اللل‬
‫ورسوله‪ ،‬أحق بالتباع‪ ،‬وعلى الخليلللي أن يثللوب إلللى رشللده‪ ،‬ويسللعى‬
‫فيما بقي من العمر في تصحيح معتقده‪ ،‬ذلك خير له وأقوم‪.‬‬
‫وفللي )ص‪ (68 :‬قللال‪) :‬وأمببا النقليببة ‪ -‬أي مببن أدلببة النببافين‬
‫للرؤية‪:-‬‬
‫فبعضها من الكتاب‪ ،‬وبعضها من السنة(‪.‬‬
‫ثللم قللال‪) :‬فمللن الكتللاب قللوله تعللالى‪} :‬ل تدركه البصار‬
‫وهو يدرك البصار وهو اللطيف الخبير{ ]النعلللام‪:‬‬
‫‪[103‬‬
‫قللال‪ :‬ووجلله السللتدلل باليللة‪ :‬أنلله تعللالى مللدح نفسلله فيهللا بللأن‬
‫البصللار ل تللدركه‪ ،‬وإدراكهللا الرؤيللة‪ ،‬فتللبين منهللا أن عللدم رؤيتلله‬
‫بالبصار صفة ذاتية لزمة له تعالى‪ ،‬فإنه لو رؤي للللزم زوال مللدحه‪،‬‬
‫وإذا زالت انقلب إلى ضده وهو الذم‪ ،‬تعالى ال عنه‪.‬‬
‫قال‪ :‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬فإنه إخبار مللن ال ل سللبحانه بوصللف مللن‬
‫أوصافه‪ ،‬وأخبار ال ل تتبدل‪ ،‬لنهللا لللو تبللدلت كللان التبللديل تكللذيبًا للله‬
‫}ومن أصدق من الله قيل ً{( اهل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فالمؤلف اعتمللد فللي اسللتدلله باليللة‪ ،‬علللى أن الدراك هللو‬
‫الرؤية ل غير‪ ،‬وأن الية قد نفت ذلك الدراك الذي فسره بللأنه الرؤيللة‬
‫بالبصار‪ ،‬وأن في هذا النفي مدح ل عز وجل فإنه ل يرى‪ ،‬وإذا أثبتت‬
‫الرؤية زال هذا المللدح وانقلللب ذملًا‪ ،‬وأنلله إخبللار مللن الل عللز وجللل‪،‬‬
‫والخبار ل تتبدل‪ ،‬هكذا يقرر وجه الستدلل‪.‬‬
‫وفللي )ص‪ (69:‬قللال‪) :‬وقللد ُرّد علللى هللذا السللتدلل مللن خمسللة‬
‫أوجه‪ ،‬ذكرها إلى )ص ‪ (70‬وقال‪ :‬هذه العتراضات كلها مردودة(‪.‬‬
‫وأقببول‪ :‬إليللك أيهللا القللارئ الكريللم ذكللر واحللد مللن هللذه الخمسللة‬
‫الوجه‪ ،‬وبيان رد المؤلف عليه ليظهر تهافت رده‪ ،‬لنلله لللم يسللتند فللي‬
‫ذلك على تفسير الصحابة لهذه اليللة‪ ،‬وإنمللا اعتمللد علللى رأيلله‪ ،‬وعلللى‬
‫التمويهات‪ ،‬ومنها استدلله بالدلة التي وردت عللن الصللحابة فللي نفللي‬
‫الرؤية في الدنيا وهو يعممها في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫قللال فللي )ص‪) (69 :‬واعللترض علللى هللذه السللتدلل مللن خمسللة‬
‫أوجه‪:‬‬
‫أولها‪ -‬أن الية نفت الدراك ولم تنف الرؤية‪ ،‬وبينهمللا فللرق؛ فللإن‬
‫الدراك هو الحاطة بالُمْدَرك‪ ...‬إلى أن قال وهذا أشهر ما عولوا عليه‬
‫في دفع هذه الحجة(‪.‬‬
‫وفلللي )ص‪ (70 :‬قلللال‪ ):‬أملللا الول فهلللو مخلللالف لملللا دل عليللله‬
‫الستعمال العربي لكلمة الدراك ومشتقاتها‪ ،‬فإنه ل يفهم منه أنه بمعنى‬
‫الحاطة فأقوال أساطين العربية المهللرة‪ ،‬وشللواهدها الصللريحة الثابتللة‬
‫دالة على أن الدراك ليس بمعنى الحاطة بل لكل منهما معنللى مسللتقل‬
‫عن الخر‪( .‬‬
‫ثم قال‪) :‬قال ماتن القاموس وشارحه‪» :‬الللدرك ‪-‬محركللة‪ -‬اللحللاق‪،‬‬
‫وقد أدركه إذا لحقه‪ ،‬وهو اسم من الدراك«‪.‬‬
‫ونللص كلم الجللوهري فللي الصللحاح‪») :‬الدراك اللحللوق‪ ،‬يقللال‬
‫مشيت حتى أدركته‪ ،‬وأدركته ببصري رأيته«‪.‬‬
‫قال‪ :‬هذه نصوص أساطين اللغة الذين نقلوها إلينا بأمانة‪ ،‬وليس فيها ما‬
‫يدل على تفسير الدراك بالحاطة‪ (....‬الخ )ص‪.(71 :‬‬
‫قلببت‪ :‬هللذا نمللوذج مللن اسللتدلل الخليلللي علللى نفللي الرؤيللة فللي‬
‫الخرة‪ ،‬بالدلللة النقليللة مللن الكتللاب كمللا يللدعي‪ .‬وأنللت تللرى أن اليللة‬
‫الكريمة ل دللة فيها على نفي الرؤية‪ ،‬بل إنها علللى إثباتهلا أولللى‪ ،‬لن‬
‫الدراك غير الرؤية‪ ،‬فقد تحصل الرؤية ول يحصل الدراك‪.‬‬
‫والخليلي قد رجع لتفسللير ابللن جريللر لليللة‪ ،‬ولكنلله لللم يأخللذ قللول‬
‫ترجمان القرآن ابن عباس رضي ال عنه‪ ،‬ول قول قتادة‪.‬‬
‫وإنما أخذ روايات فيها نفي الرؤية فللي الللدنيا‪ ،‬فحملهللا علللى النفللي‬
‫في الدنيا والخرة‪ ،‬وقد سللبق بعلض ذلللك‪ ،‬وسللنورد هنلا ملا يلبين ذلللك‬
‫ل عند إيراد أدلللة المثبللتين مللن أهللل‬ ‫ويوضحه‪ ،‬وسيأتي ذكر ذلك مفص ً‬
‫السنة للرؤية في الخرة‪.‬‬
‫فإليك كلم المحققين في تفسير الية‪ ،‬في المور التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬في بيان أن النفي المحض ليس بكمال‪ ،‬فل يمدح ال بله‪ ،‬خلفلًا‬
‫لما يراه الخليلي‪.‬‬
‫‪ -2‬وفي بيان الفرق بين الدراك والرؤية‪.‬‬
‫فأما تفسير الية فقد سبق ما نقلناه من تفسير ابللن جريللر‪ ،‬عللن ابللن‬
‫عباس رضي ال عنه أنه قال‪} :‬ل تدركه البصار{ ل تحيط بببه‬
‫البصار‪.‬‬
‫عن قتادة قال‪ :‬هو أعظم من أن تدركه البصار‪.‬‬
‫وقال عطية العوفي‪ :‬ينظرون إلى ال ول تحيللط أبصللارهم بلله مللن‬
‫عظمتلله‪ ،‬وبصللره يحيللط بهللم‪ ،‬ذلللك قللوله‪} :‬ل تدركه البصار‬
‫وهو يدرك البصار{‪.‬‬
‫وأما النفي المحللض فل يكللون مللدحًا خلفلًا لمللا يقللول بلله الخليلللي‬
‫وأئمته في هذا الباب وغيره من جهمية ومعتزلة وإمامية‪ ،‬وبيان الفللرق‬
‫بين الرؤية والدراك بالدلة الصريحة‪:‬‬
‫فقد قال ابن القيم في كتابه حادي الرواح )ص ت ‪ (369‬وقد نقللله‬
‫المؤلف في كتابه هذا‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪:‬‬
‫)الللدليل السللادس‪ -‬يعنللي مللن القللرآن فللي إثبللات الرؤيللة‪ -‬قللوله‬
‫عزوجلللل‪} :‬ل تدركه البصار وهو يللدرك البصللار{‬
‫]النعام‪ [103 :‬قال‪ :‬والستدلل بهذا أعجب‪ ،‬فإنه من أدلة النفللاة‪ ،‬وقللد‬
‫قرر شيخنا وجه الستدلل أحسن تقرير وألطفه وقال لي‪ :‬أنا ألتزم أنلله‬
‫ل يحتج مبطل بآية أو حديث صحيح على باطله إل وفي ذلك الدليل مللا‬
‫يدل على نقيض قوله‪ ،‬فمنهللا هللذه اليللة وهللي علللى جللواز الرؤيللة أدل‬
‫منها علللى امتناعهللا‪ ،‬فللإن الل سللبحانه وتعللالى إنمللا ذكرهللا فللي سللياق‬
‫التمدح‪ ،‬ومعلوم أن المدح به إنما يكون بالوصاف الثبوتية‪ ،‬وأما العللدم‬
‫المحض فليس بكمال‪ ،‬فل يمللدح‪ ،‬وإنمللا يمللدح الللرب‪ -‬تبللارك وتعللالى‪-‬‬
‫س لَنة والنللوم‪ ،‬المتضللمن‬ ‫بالعدم إذا تضمن أمرًا وجوديًا‪ ،‬كمدحه بنفللي ال ّ‬
‫كمال القيوميللة‪ ،‬ونفللي المللوت المتضللمن كمللال الحيللاة‪ ،‬ونفللي اللغللوب‬
‫والعياء المتضمن كمال القدرة‪ (...‬الخ ما ذكره من أمثلة في هذا الباب‬
‫إلى أن قال‪) :‬ولهذا لم يتمدح بعدم محض ل يتضللمن أمللرًا ثبوتيلًا‪ ،‬فللإن‬
‫المعدوم يشارك الموصوف في ذلللك العللدم‪ ،‬ول يوصللف الكامللل بللأمر‬
‫يشللترك هللو والمعللدوم فيلله‪ ،‬فلللو كللان المللراد بقللوله‪} :‬ل تدركه‬
‫البصار{ أنه ل يرى بحال‪ ،‬لم يكن في ذلك مدح ول كمال لمشاركة‬
‫ص لْرف ل يللرى ول تللدركه البصللار‬ ‫المعدوم له في ذلك‪ ،‬فإن العللدم ال ّ‬
‫والرب جل جلله يتعالى أن يمدح بما يشاركه فيه العدم المحض‪.‬‬
‫فإذًا المعنى أنه يرى ول يدرك ول يحاط به‪ ،‬كما كللان المعنللى فللي‬
‫قوله‪} :‬وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة{ ]يللللونس‪:‬‬
‫‪ [61‬أنه يعلم كل شللليء‪ ،‬وفلللي قلللوله‪} :‬ومامسنا من لغوب{‬
‫]ق‪ [49 :‬أنه كامل القدرة‪.‬‬
‫وفي قوله‪} :‬ول يظلم ربك أحدا ً{ ]الكهللف‪ [49 :‬أنه كامللل‬
‫العدل‪ ،‬وفي قوله‪} :‬ل تأخذه سنة ول نوم{ ]البقرة‪ [255 :‬أنه‬
‫كامل القيومية‪.‬‬
‫فقوله‪} :‬ل تدركه البصار{ يدل على غايللة عظمتلله‪ ،‬وأنلله‬
‫أكبر من كل شيء‪ ،‬وأنه لعظمته ل يدرك بحيث يحاط به‪ ،‬فإن الدراك‬
‫هللو الحاطللة بالشلليء‪ ،‬وهللو قللدر زائد علللى الرؤيللة كمللا قللال تعللالى‪:‬‬
‫}فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنللا‬
‫لمدركون‪ .‬قال كل{ ]الشعراء‪ [61:‬فلم ينف موسى الرؤية‪ ،‬ولم‬
‫يريدوا بقولهم‪} :‬إنا لمدركون{ إنا لمرئيون‪.‬‬
‫فإن موسى‪ -‬صلوات ال وسلمه عليه‪ -‬نفى إدراكهم إيللاهم بقللوله‪:‬‬
‫}كل{وأخللبر اللل سللبحانه أنلله ل يخللاف دركهللم بقللوله‪} :‬ولقد‬
‫أوحينا إلللى موسللى أن أسللر بعبللادي فاضللرب‬
‫لهم طريقا ً في البحر يبسا ً ل تخللاف درك لا ً ول‬
‫تخشى{ ]طه‪.[77 :‬‬
‫فالرؤية والدراك كل منهما يوجد مع الخر وبدونه‪ ،‬فالرب تعالى‬
‫ُيَرى ول ُيْدَرك‪ ،‬كما ُيْعَلم ول يحاط به‪ ،‬وهذا هو الللذي فهملله الصللحابة‬
‫والئمة من الية‪.‬‬
‫قلللال ابلللن عبلللاس‪} :‬ل تللدركه البصللار{ ل تحيلللط بللله‬
‫البصار‪ (،‬ثم ذكر قول قتادة وعطية العوفي الذي سبق ذكرهما‪.‬‬
‫وأما قول الخليلي‪) :‬إنلله إخبللار مللن الل والخبللار ل تتبلدل‪ (..‬الللخ‬
‫فنقول‪ :‬نعم‪ ،‬إنه إخبار وهو خبر لم يتبدل‪ ،‬فال أخبر أنه ُيَرى ول يحاط‬
‫به لعظمته سبحانه‪ ،‬كما قال ابن عباس‪ ،‬ل كما يرى الخليلي‪.‬‬
‫وأما كونه يورد الدلة على نفللي الرؤيللة فللي الللدنيا ويجعلهللا دلي ً‬
‫ل‬
‫على نفي الرؤية في الدنيا والخرة تمويهًا وتلبيسًا‪ ،‬فقللد قللال فللي )ص‪:‬‬
‫‪) :(72‬واستشهاد الصحابة رضوان ال عليهللم علللى نفللي الرؤيللة بهللذه‬
‫الية الكريمة من أوضح الدلة وأبينها‪ ،‬وأقللوى الشللواهد وأقطعهلا بلأن‬
‫الدراك إذا أسند إلى البصار ل يكون إل بمعنى الرؤية‪ ،‬فإنهم رضللي‬
‫ال عنهم عرب أقحللاح طبعللوا علللى فصلليح الكلم العربللي‪ (...‬إلللى أن‬
‫قال‪) :‬ومما روي عنهم فللي ذلللك ملا أخرجلله المللام الربيللع فللي مسللنده‬
‫والشيخان في صحيحيهما عن مسروق قال‪» :‬كنببت متكئًا عنبد عائشبة‬
‫فقالت‪ :‬يا أبا عائشة ثلث من تكلم بواحدة منهن فقببد أعظببم علببى ال ب‬
‫الفرية‪ ،‬من زعم أن محمدًا رأى ربه فقد أعظم على ال ب الفريببة‪ .‬قببال‪:‬‬
‫وكنت متكئًا فجلست وقلت‪ :‬يا أم المؤمنين أنظريني ول تعجلينببي‪ ،‬ألببم‬
‫يقل ال عز وجل‪} :‬ولقد رآه بالفق المبين{‪} .‬ولقللد‬
‫رآه نزلة أخرى{ فقببالت‪ :‬أنببا أول هببذه المببة سببأل عببن ذلببك‬
‫رسول ال‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬فقببال‪ :‬إنمببا هببو جبريببل لببم أره فببي‬
‫صورته الببتي خلببق عليهببا‪ ،‬غيببر هبباتين المرتيببن‪ ،‬رأيتببه منهبطبًا مببن‬
‫السماء سادًا عظم خلقه ما بين السماء والرض‪.‬‬
‫فقببالت‪ :‬أولببم تسببمع أن البب يقببول‪} :‬ل تدركه البصللار‬
‫وهو يدرك البصار وهو اللطيف الخبير{«‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقد أخرج الربيع رحمه ال عن علي وابن عباس رضللي ال ل‬
‫عنهما أنهما استدل على نفي رؤية ال تعالى بهذه الية الكريمة(‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إن ما نقله من رواية مسروق عن عائشة هو في نفي الرؤيللة‬
‫في الدنيا‪ ،‬أي أن رسول ال‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬لم ير ربلله فللي ليلللة‬
‫السراء والمعراج‪ ،‬وإنما الذي أشللارت إليلله اليللات هللو جبريللل عليلله‬
‫السلم‪ ،‬ولم تقصد عائشة الستدلل بالية على نفي الرؤية في الخرة‪،‬‬
‫وقد سبق نقل ما ذكره ابن عباس والذي جاء في روايتلله إثبللات الرؤيللة‬
‫وأنها بالقلب‪ ،‬وذكرنا توفيق العلمللاء وجمعهللم بيللن الروايللات وأن ذلللك‬
‫الخلف انتهى‪ ،‬وأن الرؤية البصرية لم تثبت لحد في الدنيا‪.‬‬
‫لكن المؤلف كما قلت‪ :‬يأخللذ تلللك الدلللة ويلّبللس بهللا علللى أتبللاعه‪-‬‬
‫الباضية‪ -‬ثم يقول في )ص‪- (90 :‬وهو يتابع ذكللر الدلللة النقليللة الللتي‬
‫تدل على خلف دعواه بل هي أدللة أهلل السلنة فلي إثبلات الرؤيللة فلي‬
‫الخرة‪ ،‬ونفيها في الدنيا‪ -‬يقول‪:‬‬
‫)وأما من السنة فما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬ما رواه المامان البخاري ومسلللم وغيرهمللا عللن أبللي موسللى‬
‫الشعري عن النبي‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬أنه قال‪» :‬جنتان مببن فضببة‬
‫آنيتهما وما فيهما‪ ،‬وجنتببان مببن ذهببب آنيتهمببا ومببا فيهمببا‪ ،‬ومببا بيببن‬
‫القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إل رداء الكبرياء على وجهه في جنة‬
‫عدن«(‪.‬‬
‫هذا الحديث أورده البخاري في كتللاب التوحيللد فللي بللاب قللول الل‬
‫تعالى‪} :‬وجوه يومئذ ناضللرة‪ .‬إلللى ربهللا نللاظرة{‬
‫برقم‪ 7440 :‬كما أورد في هذا الباب إحدى عشرة رواية كلها صلريحة‬
‫في الرؤية‪ ،‬وأورد بعد هذا الحديث مباشرة رواية عدي بللن حللاتم قللال‪:‬‬
‫قال رسول ال‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪» -‬مببا منكببم مببن أحببد إل سببيكلمه‬
‫ربببه ليببس بينببه وبينببه ترجمببان ول حجبباب يحجبببه«‪ .‬فهللذه الروايللة‬
‫مصرحة برفع الحجاب‪ .‬وسللنورد هللذه الروايللات كلهللا عنللد ذكللر أدلللة‬
‫المثبتين للرؤية إن شاء ال‪.‬‬
‫ولكن المؤلف كما ترى يترك الرواية الخرى الموضللحة والمبينللة‬
‫للرواية قبلها‪ ،‬بل والروايات الخرى التي اطلع عليها واختار منها هذه‬
‫الرواية‪.‬‬
‫ومنها رواية أبي سعيد الخدري ونصها قال‪» :‬قلنا يببا رسببول البب‪:‬‬
‫هببل نببرى ربنببا يببوم القيامببة؟ قببال‪ :‬هببل تضببارون فببي رؤيببة الشببمس‬
‫والقمر إذا كانت صببحوًا؟ قلنببا‪ :‬ل‪ ،‬قببال‪ :‬فببإنكم ل تضببارون فبي رؤيبة‬
‫ربكم يومئذ إل كما تضارون في رؤية أحدهما«‪.‬‬
‫ولكن الهوى هو الذي يطمس البصائر‪ ،‬وإن كللانت البصللار تللرى‬
‫فالمؤلف الخليلي يرى هللذه الروايللات المصللرحة بالرؤيللة يللوم القيامللة‬
‫ببصره ولمٍر ّما يتركها‪ ،‬ويختار رواية ل حجة له فيها‪ ،‬لنهللا مفسللرة‬
‫وموضحة بما بعدها والتي سنوردها بعد أن نذكر تعليقلله علللى الحللديث‬
‫ووجه استدلله كما يرى‪.‬‬
‫وهو لم يوردها إل للتلبيس والتدليس فجعلها حجة فللي نفللي الرؤيللة‬
‫فيقللول فللي التعليللق عليهللا‪) :‬ووجلله السللتدلل بلله صللراحته فللي عللدم‬
‫رؤيتهم ل لحيلولة رداء الكبرياء بينهم وبين ذلك(‪.‬‬
‫سرة وموضحة بما بعدها وهي روايللة‬ ‫والجواب‪ :‬أن هذه الرواية ُمَف ّ‬
‫عدي ابن حاتم‪ ،‬وسبق ذكرها وهي قوله‪ -‬صللى الل عليله وسللم‪»:-‬مببا‬
‫منكم من أحببد إل سببيكلمه ربببه ليببس بينببه وبينببه ترجمببان ول حجبباب‬
‫سرة لتلك الرواية يتركها الخليلي لنهللا تللرد‬ ‫يحجبه«‪ ،‬فهذه الرواية المف ّ‬
‫على تلبيسه وتمويهه‪ ،‬كما سبق أيضًا ذكر رواية صهيب عند مسلم فللي‬
‫تفسير الزيللادة‪ ،‬وفيهللا كشللف الحجللاب ويواصللل المؤلللف الخليلللي فللي‬
‫تلبيساته على القراء بإيراد الحاديث الواردة في نفي رؤية رسللول اللل‬
‫ل لها علللى نفللي‬ ‫صلى ال عليه وسلم لربه ليلة السراء والمعراج‪ ،‬حام ً‬
‫الرؤية في الخرة‪ ،‬فيقول في )ص‪:(94 :‬‬
‫ثالثاً‪ -‬ما أخرجه مسلللم عللن أبللي ذر رضللي الل عنلله أنلله عليلله أفضللل‬
‫الصلة والسلم قال عندما سئل عن رؤيته لربه‪» :‬نور أّنى أراه؟«‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬ووجه الستدلل به أن النبي‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬استبعد‬
‫فيه حصول الرؤية بقللوله‪ »:‬أّنببى أراه؟« فللإن أنللى بمعنللى كيللف‪ ،‬وهللو‬
‫شاهد على استحالة رؤيته تعالى‪.‬‬
‫هكذا يقول الخليلي! وهو حللديث كمللا تللرى لفظلله الللذي لللم يللورده‬
‫بنصه يتحدث عن الرؤية في الدنيا هل حصلت لرسللول ال ل صلللى ال ل‬
‫عليه وسلم أو ل؟ فبين أنها لم تحصل‪ ،‬ولكللن نسللوق لللك لفللظ الروايللة‬
‫شللك تمللويه وتللدليس‬ ‫ل لل ّ‬
‫من صحيح مسلم ليظهللر لللك بمللا ل يللدع مجللا ً‬
‫الخليلي‪:‬‬
‫فقد روي مسلم بإسناده عللن أبللي ذر رضللي الل عنلله قللال‪ :‬سببألت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬هل رأيت ربك عز وجل؟ فقال ‪» :‬نور‬
‫أّنى أراه؟«‪.‬‬
‫وفي رواية لمسلم أيضًا بإسناده عن عبللد الل بللن شللقيق قللال‪ :‬قلببت‬
‫لبي ذر‪ :‬لو رأيت رسول الب‪ -‬صبلى الب عليبه وسبلم‪ -‬لسبألته‪ .‬قبال‪:‬‬
‫وعن ماذا كنت تسأله؟ قلت‪ :‬كنت أسأله‪ :‬هل رأى ربه عز وجل‪ ،‬قببال‪:‬‬
‫فإني قد سألته‪ ،‬فقال‪» :‬نور أّنى أراه؟«‪.‬‬
‫فهذه الحاديث صريحة في أن نفللي الرؤيللة فيهللا فللي الللدنيا‪ ،‬وهللذا‬
‫أمر متفق عليه بين أهل السنة والجماعة أن الرؤية لللم تثبللت لحللد فللي‬
‫الللدنيا فمللا الحجللة لللك يللا خليلللي فللي هللذه الحللاديث علللى نفللي رؤيللة‬
‫المللؤمنين ربهللم يللوم القيامللة فللي جنللات النعيللم الللتي أثبتتهللا الحللاديث‬
‫الصريحة المتواترة؟‪.‬‬
‫ورسول ال‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬الذي قللال فللي هللذا الحللديث‪» :‬نببور‬
‫أّنى أراه«‪ ،‬ليلة السراء والمعراج‪ ،‬هو الذي قللال للصللحابة لمللا سللألوه‬
‫هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال‪» :‬نعببم سببترون ربكببم عيانبًا كمببا تببرون‬
‫القمر ليلة البببدر‪ ،‬وكمببا تببرون الشببمس ليببس دونهببا سببحاب؟« أليللس‬
‫رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬أعلم بربه وبما يجوز له من الخليلي‬
‫وأسلفه من الجهمية النافين للرؤية‪ .‬ولكنه الهوى يعمي ويصم‪.‬‬
‫وأما ما ذكره المؤلف الخليلي من أن نفي الرؤيللة هللو الثللابت عللن‬
‫سلف المة‪ ،‬ثم ذكر منهم‪ ،‬أم المؤمنين عائشة‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وعلللي بللن‬
‫أبي طالب‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬ثم ذكر عددًا من التابعين‪ ،‬كمجاهللد‪ ،‬وعكرمللة‪،‬‬
‫والحسن‪ ،‬والسدي‪.‬‬
‫كما ذكر‪ ،‬نافع بن الزرق‪ -‬وهو رأس الخوارج بالعراق )‪.(59‬‬
‫ونسب لبن جرير إنه روى ذلك عن الصحابة والتابعين‪ ،‬كمللا فللي‬
‫)ص‪ (33:‬ولم يللذكر المرجللع‪ ،‬وإنمللا أورد جللزءًا مللن اليللة الكريمللة‪،‬‬
‫وهي قوله تعالى‪} :‬ل تدركه البصار{ ]النعام‪.[103 :‬‬
‫فنحن نسوق لك أيها القارئ الكريم ما ذكره ابن جريللر فللي تفسللير‬
‫الية من روايللات وأقللوال عللن العلمللاء بالتفسللير‪ ،‬ثللم اختيللاره للراجللح‬
‫بالدليل ورده على الذين استدلوا باليللة الكريمللة علللى نفللى الرؤيللة فللي‬
‫الخرة بأنها ل تدل على دعواهم‪ ،‬بل دللتها على الرؤية أولى‪.‬‬
‫وأن هؤلء ليس عندهم إل التملويه والتللبيس‪ ،‬ول يوجلد لهلم دليلل‬
‫مللن آيللة محكمللة ول روايللة عللن رسللول اللل‪ -‬صلللى الل عليلله وسلللم‪-‬‬
‫صحيحة أو سقيمة‪ ،‬وسيأتي نص كلمه هذا‪.‬‬
‫يقللول ابللن جريللر فللي تفسللير قللوله تعللالى‪} :‬ل تدركه البصار‬
‫وهو يدرك البصار‪.{...‬‬
‫اختلف أهل التأويل في ذلك‪ -‬ومعلوم أنه يقصد بأهل التأويل‪ ،‬أهللل‬
‫التفسللير‪ ،‬فهللو اصللطلحه‪ ،‬فلذكر اختلفهللم وأدلتهللم‪ ،‬ثلم ذكللر اختيلاره‬
‫للصواب منها‪.‬‬

‫)( انظر فتح الباري ‪ 284 :12‬آخر الصفحة‪.‬‬ ‫‪59‬‬


‫وإليك ذلك‪ ،‬قال‪):‬فقال بعضهم‪ :‬معناه‪ :‬ل تحيط به البصللار‪ ،‬وهللو‬
‫يحيط بها(‪.‬‬
‫ثم قال‪) :‬ذكر من قال ذلك‪.‬‬
‫فروى بإسناده عللن ابللن عبللاس قللوله‪} :‬ل تدركه البصار‬
‫وهو يدرك البصار{ يقول‪ :‬ل يحيط بصر أحد بالَمِلك‪.‬‬
‫وعن قتادة‪ :‬وهو أعظم من أن تدركه البصار‪.‬‬
‫وعن عطية العلللوفي‪ ،‬فلللي قلللوله‪} :‬وجوه يومئذ ناضرة‪.‬‬
‫إلى ربهللا نللاظرة{‪ .‬قللال‪ :‬هللم ينظللرون إلللى اللل‪ ،‬ل تحيللط‬
‫أبصارهم به من عظمته‪ ،‬وبصره يحيط بهم‪ ،‬فذلك قوله‪} :‬ل تدركه‬
‫البصار{ الية‪.‬‬
‫فهذا ما رواه ابللن جريللر فللي تفسلليره اليللة علن ابللن عبلاس‪ ،‬مللن‬
‫الصحابة وعن قتادة‪ ،‬وعطية العوفي‪.‬‬
‫فهم يثبتون بهذه الية الكريمة الرؤية‪ ،‬وينفون الحاطة‪.‬‬
‫فكيف تنسب لبن جرير أنه روى عن ابن عبللاس نفللي الرؤيللة فللي‬
‫الخرة؟‪ .‬ثم يقول ابن جرير بعللد ذلللك‪):‬وقللال آخللرون‪ :‬معنللى ذلللك‪ ،‬ل‬
‫تراه البصار وهو يرى البصار(‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫فللذكر بإسللناده عللن السللدي‪ ،‬أنلله قللال‪ :‬ل يللراه شلليء وهللو يللرى‬
‫الخلئق‪.‬‬
‫وبإسناده عن مسروق عن عائشللة قللالت‪» :‬مللن حللدّثك أن رسللول‬
‫اللل‪ -‬صلللى اللل عليلله وسلللم‪ -‬رأى ربلله‪ ،‬فقللد كللذب‪} ،‬ل تدركه‬
‫البصار وهو يدرك البصار{]النعام‪،[103:‬ل }وما كان‬
‫لبشللر أن يكلملله الللله إل وحيللا ً أو مللن وراء‬
‫حجاب{] الشورى‪ ،[ 51:‬ولكن قد رأى جبريل في صورته مرتين«‪.‬‬
‫وبإسناده عن مسروق قال‪ :‬قلت لعائشة‪ :‬يللا أم المللؤمنين‪ :‬هللل رأى‬
‫ف شعري مما قلت‪ ،‬ثم قرأت‪} :‬ل‬ ‫محمد ربه؟ فقالت‪ :‬سبحان ال‪ ،‬لقد َق ّ‬
‫تللدركه البصللار وهللو يللدرك البصللار وهللو‬
‫اللطيف الخبير{(‪.‬‬
‫جه لعائشللة رضللي الل‬ ‫وواضح من هذه الروايات أن السللؤال المللو ّ‬
‫عنها من مسروق هو عن رؤية النبي‪ -‬صلى ال عليه وسلللم‪ -‬ربلله ليلللة‬
‫السراء والمعراج‪.‬‬
‫ويوضح ذلك ويبينه عدد من الروايات فللي الصللحيحين وغيرهمللا‪،‬‬
‫وقد أورد المام ابن منده فللي كتلابه اليمللان عللددًا منهللا‪ ،‬تحللت عنللوان‬
‫)ذكر اختلف ألفاظ حديث ابن عباس رضي ال عنلله فللي الرؤيللة ليلللة‬
‫المعراج(‪.‬‬
‫نورد منها رواية عامر الشللعبي علن مسللروق وهللي الروايللة اللتي‬
‫أوردها الخليلي‪ ،‬ينفي بها الرؤية يوم القيامة‪.‬‬
‫)قال‪ :‬كنت متكئًا عند عائشة فقالت‪» :‬يا أبا عائشة ثلث من قللالهن‬
‫فقد أعظم على ال الفرية‪ :‬من زعم أن محمدًا‪ -‬صلللى ال ل عليلله وسلللم‪-‬‬
‫رأى ربه فقد أعظم على ال الفرية‪ ،‬قال‪ :‬فجلسللت فقلللت‪ :‬أنظرينللي ول‬
‫تعجليني‪ ،‬أليس ال يقول في كتابه‪} :‬ولقد رآه نزلة أخللرى{‬
‫}ولقد رآه بالفق المبين{‪.‬‬
‫قالت‪ :‬أنا أول من سأل رسول ال صلى ال عليه وسلللم عنهللا قللال‪:‬‬
‫» ذاك جبريل‪ ،‬لم أره في صورته التي جاءني فيهببا إل مرتيببن‪ ،‬رأيتببه‬
‫منهبط بًا مببن السببماء إلببى الرض سببادًا عظببم خلقببه مببا بيببن السببماء‬
‫والرض«‪.‬‬
‫قالت‪ :‬أو ليس ال يقول‪:‬‬
‫}ل تللدركه البصللار وهللو يللدرك البصللار وهللو‬
‫اللطيف الخبير{‪.‬‬
‫}وما كان لبشر أن يكلمه الله إل وحيلا ً أو مللن‬
‫وراء حجاب أو يرسل رسول ً فيوحي بللإذنه مللا‬
‫يشاء{]الشللورى‪ [51:‬اليللة‪ .‬ومللن قللال‪ :‬إن محمللدًا‪ -‬صلللى الل عليلله‬
‫وسلم‪ -‬كتم شيئًا مما أنزل الل عليلله فقللد أعظللم علللى الل الفريللة‪ ،‬والل‬
‫يقللول‪} :‬يا أيها الرسول بلللغ مللا أنللزل إليللك مللن‬
‫ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته{ ]الملللائدة‪[67 :‬‬
‫ومن قال‪ :‬إن محمدًا ‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬يعلم ما في غللد فقللد أعظللم‬
‫على ال الفرية‪ ،‬وال عز وجل يقول‪} :‬قل ل يعلم من فللي‬
‫السموات والرض الغيب إل الله وما يشعرون‬
‫أيان يبعثون{ ]النمل‪.(60) «[ 65 :‬‬
‫قلت‪ :‬فهذا يكشف لك أيها القارئ تلبيس الخليلي الباضي‪.‬‬
‫وقد أورد ابن منده قبل حديث عائشة هللذا‪ ،‬روايللات حللديث ابللن عبللاس‬
‫وقد ذكر في عنوان الفصل الللذي أورد هللذه الروايللات تحتلله‪ ،‬مللا سللبق‬
‫ذكره وهو قوله‪:‬‬
‫"ذكر اختلف ألفاظ حديث ابن عباس"‪.‬‬
‫فذكر بإسناده عن أبي العالية وهي رواية المام مسلم قال‪ :‬عن أبللي‬
‫العاليللة‪ ،‬عللن ابللن عبللاس‪}،‬ما كللذب الفللؤاد مللا رأى{‪،‬‬
‫}ولقد رآه نزلة أخرى{‪ .‬قال‪ :‬رآه بفؤاده مرتين‪.‬‬
‫وفي رواية‪} :‬ما كذب الفؤاد ما رأى{ قال‪ :‬رآه بقلبه‪.‬‬
‫ومثلها الروايات الخرى عن أبي العالية وهي من رقم ‪.4 -1‬‬

‫)( مسلم‪ ،‬اليمان‪ /‬باب معنى قوله ال عز وجل‪ :‬ولقد رآه نزلة أخرى‪ ،‬ح) ‪. (177‬‬ ‫‪60‬‬

‫ابن منده‪ ،‬اليمان ‪ 761 /2‬ح ‪.16 -10‬‬


‫ورواية عطاء عن ابن عباس‪ :‬رآه بقلبه‪ ،‬يعنللي قللوله ع لّز وجللل‪} :‬ما‬
‫كذب الفؤاد ما رأى{‪ .‬وفي رواية بفؤاده مرتين‪.‬‬
‫وقد ساقها ابن منده بإسنادين‪ ،‬فقال‪ :‬ولم يقل ابن حنبل في حديثه بفؤاده‪.‬‬
‫طَلقللة‪ .‬ولهللذا سللاق بعللدها الروايللة رقللم ‪ -7‬عللن الشللعبي‬
‫اهل أي أنهللا م ْ‬
‫وعكرمة عن ابن عباس قال‪ :‬لقد رأى محمد ربه‪.‬‬
‫فهذه الرواية المطلقة عن ابن عباس ليلة السراء والمعراج في الرؤيللة‬
‫في الدنيا‪ ،‬حملها العلماء على الروايات المقيدة بالفؤاد‪ .‬بدليلين‪:‬‬
‫الول‪ :‬الروايللات عللن أم المللؤمنين عائشللة رضللي الل عنهللا فقللد‬
‫صّرحت أنها أول من سأل رسول ال‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬علن قلوله‬
‫تعالى‪} :‬ما كذب الفؤاد ما رأى{]النجلللم‪}[11:‬ولقد رآه‬
‫نزلة أخرى{ فقال‪ -‬صلى ال عليله وسلللم‪» :-‬ذلببك جبريببل لببم أره‬
‫في صورته التي جاءني فيها إل مرتين‪ «...‬الحديث‪.‬‬
‫الدليل الثاني‪ -‬ما رواه المام مسلم من حللديث أبللي ذر رضللي ال ل‬
‫عنه قال‪ :‬سألت رسول ال‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ :-‬هل رأيت ربك عللز‬
‫وجل‪ ،‬فقال‪» :‬نور أّنى أراه؟«‪.‬‬
‫وفي رواية لمسلم بإسناده عن عبد ال بلن شللقيق‪ ،‬قلال‪ :‬قلللت لبلي‬
‫ذر‪ :‬لو رأيت رسول ال‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬لسألته‪ ،‬قال‪ :‬وعن مللاذا‬
‫كنت تسأله‪ ،‬قلت‪ :‬كنت أسأله هلل رأى ربله علز وجلل‪ ،‬قلال‪ :‬كنلت قلد‬
‫سألته فقال‪» :‬نور أّنى أراه؟«‪.‬‬
‫وبهللذا انتهللى الخلف فللي تفسللير اليللة }ولقد رآه نزلة‬
‫أخرى{وأنه جبريل عليلله السلللم رآه رسللول اللل‪ -‬صلللى ال ل عليلله‬
‫وسلم‪ -‬على صللورته الللتي خلللق عليهللا مرتيللن وبللذلك حملللت الروايللة‬
‫المطلقة في الرؤية عن ابن عباس‪ ،‬على الروايات المقيدة بالفؤاد‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن حجر في فتلح البللاري ‪ 608 /8‬المثبللتين للرؤيللة فللي‬
‫الدنيا والنافين لها‪ ،‬ثم بين أن الروايات عن ابن عباس في إثبات الرؤيللة‬
‫جللاءت مقيللدة بلالفؤاد والقلللب‪ ،‬وجلاءت مطلقللة‪ ،‬ثلم قلال‪ :‬فيجللب حمللل‬
‫المطلقة على المقيدة‪.‬‬
‫ثللم قللال‪ :‬وعلللى هللذا فيمكللن الجمللع بيللن إثبللات ابللن عبللاس ونفللي‬
‫عائشة‪ ،‬بأن يحمل نفيها على رؤية البصر‪ ،‬وإثباته على رؤية القلب‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬إن المراد برؤية الفؤاد رؤية القلب ل مجرد حصول العلللم‪ ،‬لنلله‪-‬‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ -‬كان عالمًا بللال علللى الللدوام‪ .‬اهللل‪ .‬وانظللر كتللاب‬
‫ل بعنوان» ذكللر وجللوب‬ ‫اليمان لبن منده‪ ،778 /2 ،‬فإنه قد عقد فص ً‬
‫اليمللان برؤيللة ال ل عللز وجللل« وأورد تحتلله أكللثر مللن مللائتي روايللة‬
‫صريحة ومتضمنة لرؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة‪.‬‬
‫وسنذكر بعض ذلك عند ذكر أدلة المثبتين للرؤية والمللؤلفين فيهللا‬
‫كتبًا خاصة من أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫ونتابع ما قللاله ابللن جريللر فقللد قللال فللي )ج ‪ :(7/301‬حللدثنا ابللن‬
‫حميد‪ ،‬قال‪ :‬ثنا جرير‪ ،‬عن مغيرة‪ ،‬عن الشعبي قال‪ :‬قالت عائشللة‪»:‬مللن‬
‫قللال إن أحللدًا رأى ربلله‪ ،‬فقللد أعظللم الفريللة علللى اللل‪ ،‬قللال اللل‪} :‬ل‬
‫تدركه البصار وهو يدرك البصار{«‪.‬‬
‫ل للشللك‪ ،‬أن المقصللود مللن‬ ‫فهللذه الروايللات تللبين بمللا ل يللدع مجللا ً‬
‫الرؤية المنفية الرؤية في الدنيا‪.‬‬
‫وقد سبق عن ابللن جريللر تفسلليره لمعنللى الدراك عللن ابللن عبللاس‬
‫وقتادة وعطية العوفي‪ ،‬وأن الية ل تنفي الرؤية‪ ،‬إنما تنفي الحاطة‪.‬‬
‫ثم يتابع ابن جرير الرد على المللدعين تفسلليرهم الدراك بالرؤيللة‪،‬‬
‫ويبين الصواب في ذلك‪ ،‬بالدليل من الكتاب والسنة‪ ،‬كما يبين أنلله ليللس‬
‫عنللد هللؤلء إل التمللويه والتلللبيس‪ ،‬فيقللول‪ :‬وقللال قللائلوا ذلللك‪ -‬أي أن‬
‫المعنى‪ :‬ل تراه البصار‪ ،‬وهو يرى البصار‪ :-‬أن معنللى الدراك فللي‬
‫هذا الموضع‪ :‬الرؤية‪ ،‬وأنكروا أن يكون ال ُيلَرى بالبصللار فللي الللدنيا‬
‫والخرة وتأولوا قوله‪} :‬وجوه يومئذ ناضرة‪ .‬إلى ربهللا‬
‫ناظرة{ بمعنى انتظارها رحمة ال وثوابه(‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا هو الذي يردده الخليلي‪.‬‬
‫ثم قال‪) :‬وتأول بعضهم في الخبار التي ُرويللت عللن رسللول اللل‪-‬‬
‫صلى الل عليلله وسلللم‪ -‬بتصللحيح القللول برؤيللة أهللل الجنللة ربهللم يللوم‬
‫القيامة تأويلت‪ ،‬وأنكر بعضهم مجيئها‪ ،‬ودافعوا أن يكون ذلك من قول‬
‫رسللول اللل‪ -‬صلللى ال ل عليلله وسلللم‪ ،‬وردوا القللول فيلله إلللى عقللولهم‪،‬‬
‫فزعموا أن عقولهم تحيل جواز الرؤية على الل عللز وجللل بالبصللار‪،‬‬
‫وأتللوا فللي ذلللك بضللروب مللن التمويهللات‪ (..‬إلللخ مللا نقللله عنهللم مللن‬
‫التمويهات‪ ،‬وهو كما قال)‪.(61‬‬
‫وقد استمر في نقل تلك التمويهات عنهللم‪ ،‬المسللتندة إلللى العقللول ل‬
‫إلى الوحي‪ ،‬إلى أول )ص ‪ (303‬إلى أن قال‪) :‬والصواب في ذلللك مللن‬
‫القول عندنا‪:‬‬
‫ما تظاهرت به الخبار عن رسول ال‪ -‬صلى ال عليله وسلللم‪ -‬أنله‬
‫قال‪» :‬إنكم سترون ربكم يببوم القيامببة‪ ،‬كمببا تببرون القمببر ليلببة البببدر‪،‬‬
‫وكمبببا تبببرون الشبببمس ليبببس دونهبببا سبببحاب« فلللالمؤمنون يرونللله‪،‬‬
‫والكافرون عنه يومئذ محجوبون‪ ،‬كمللا قللال جللل ثنللاؤه‪} :‬كل إنهم‬
‫عن ربهم يومئذ لمحجوبون{(‪.‬‬
‫ثم واصببل الببرد عليهببم بمنطقهببم وحججهببم فبين زيفهللا وأنهللم لللن‬
‫ل إل ألزموا في الخر مثله‪ ،‬وفي آخر صفحة ‪ 303‬ختم ذلللك‬ ‫يقولوا قو ً‬
‫بقوله‪:‬‬
‫)( تفسير ابن جرير ‪ 301 /7‬وقد استمر في نقل تلبيساتهم إلى أول ص ‪.303‬‬ ‫‪61‬‬
‫)ولهللل هللذه المقالللة مسللائل فيهللا تلللبيس‪ ،‬كرهنللا ذكرهللا‪ ،‬وإطالللة‬
‫الكتاب بهللا وبللالجواب عنهللا‪ ،‬إذ لللم يكللن قصللدنا فللي كتابنللا هللذا قصللد‬
‫الكشف عن تمويهاتهم‪ ،‬بل قصدنا فيه البيان عن تأويل)‪ (62‬آي الفرقان‪.‬‬
‫ولكنا ذكرنا القدر الذي ذكرنا‪ ،‬ليعلم الناظر فللي كتابنللا هللذا أنهللم ل‬
‫يرجعون من قولهم إل إلى ما لّبس عليهم الشيطان‪ ،‬مما يسهل على أهل‬
‫الحق البيان عن فساده‪ ،‬وأنهم ل يرجعون في قولهم إلى آية من التنزيل‬
‫محكمة‪ ،‬ول رواية عن رسول ال‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬صللحيحة ول‬
‫سقيمة‪ ،‬فهم في الظلمات يخبطون‪ ،‬وفللي العميللاء يللترددون‪ ،‬نعللوذ بللال‬
‫من الحيرة والضللة()‪ (63‬اهل‬
‫قلت‪ :‬إن ما ذكره المام ابللن جريللر فللي وصللفه لهللؤلء المنكريللن‬
‫لرؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة في جنات النعيللم‪ ،‬بللالتمويه والتلللبيس‪،‬‬
‫لدليل واضح على أن المعاصرين منهم سلكوا سللبيل أسلللفهم‪ ،‬وأخللذوا‬
‫صلللوه لهللم‪ ،‬فقللد سللبق فللي هللذا البحللث أن أشللرت إلللى تلبيسللات‬ ‫بمللا َأ ّ‬
‫وتمويهات ومغالطات المؤلف الخليلللي‪ ،‬ويعلللم ال ل أنللي قلللت ذلللك لمللا‬
‫وجدته من تمويهاته وتلبيساته‪ ،‬قبل أن اطلع على كلم ابن جريللر هللذا‪،‬‬
‫الذي يشفي صدر كل مؤمن متبع لمنهج السلف‪.‬‬

‫)( التأويل في اصطلح ابن جرير معناه التفسير‪ ،‬ولهذا يقول في بداية كل آيه‪ :‬القللول فللي‬ ‫‪62‬‬

‫تأويل قوله‪...‬‬
‫)( تفسير ابن جرير ‪.304 - 7/299‬‬ ‫‪63‬‬
‫فقللد وضللح لللي أن تمويهللات وتلبيسللات الخليلللي هللذا هللو منهللج‬
‫أسلفه‪ ،‬وأنهم كما قال ابن جرير )ل يستندون في أقوالهم تللك إلللى آيلة‬
‫من التنزيل محكمة‪ ،‬ول رواية عن رسول ال‪ -‬صلى ال ل عليلله وسلللم‪-‬‬
‫صحيحة ول سقيمة‪ ،‬وإنما بضاعتهم المزجاة عقولهم التي قدموها على‬
‫نصوص الوحي‪ ،‬فهم في الظلمات يتخبطون متبعين لهوائهم }ومن‬
‫أضل ممللن اتبللع هللواه بغيللر هللدى مللن الللله{‬
‫]القصص‪.[50 :‬‬
‫كشف تمويهات الخليلي‬
‫والرد ّ عليها‬

‫ومللن تمويهللات الخليلللي أنلله ينقللل جملللة مللن سللطر‪ ،‬ويللترك مللا‬
‫يوضحها ويبين ردها في السطر الذي يليلله‪ ،‬كمللا أنلله ل يللذكر المرجللع‬
‫من كتب أهل السنة إل إذا ظن أنه يلّبس بذكره على القارئ‪ ،‬وإليللك مللا‬
‫يوضح ذلك‪:‬‬
‫أوًل‪ -‬جاء في كتابه هذا ص ‪ 47‬حينما تحدث في تفسير النظللر فللي‬
‫قلللوله تعلللالى‪} :‬وجللوه يللومئذ ناضللرة‪ .‬إلللى ربهللا‬
‫ناظرة{ ونقل تفسير المعتزلة لها بالنتظار‪ ،‬قال‪) :‬وهو مروي عن‬
‫السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم( فلذكر ملن أسلماء الصللحابة‬
‫علي‪ ،‬وابن عباس وابن عمللر‪ ،‬وعللددًا مللن التللابعين ولللم يللذكر مرجعلًا‬
‫لقوالهم‪.‬‬
‫قال‪) :‬ورواه عن عكرمة عبد بن حميد‪ ،‬كما رواه عن مجاهد وأبللي‬
‫صللالح بإسللناد صللححه ابللن حجللر‪ ،‬قللال‪ :‬وأخرجلله المللام ابللن جريللر‬
‫الطبري عن مجاهد بخمسة أسانيد(‬
‫وفللي كلملله إنكللار صللريح للرؤيللة! فهللو هنللا يصللف ابللن جريللر‬
‫بالمام‪ ،‬ولكنه ل ينقل ما رجحه ابللن جريللر واختللاره‪ ،‬كمللا سللبق‪ .‬ولللم‬
‫يذكر تفسير ابن جرير مرجعًا لما نسبه إليه وإنمللا ذكللر فتللح البللاري ج‬
‫‪ 13/425‬مع أن ابن حجر ذكر كلم ابن جريلر فلي السلطر الللذي يللي‬
‫السطر الذي أخذ منه الخليلي ما يريد‪.‬‬
‫وابللن حجللر رحملله الل كللان يشللرح فللي كتللاب التوحيللد مللا أورده‬
‫البخاري فللي بللاب قللول اللل تعللالى‪} :‬وجوه يومئذ ناضرة‪.‬‬
‫إلللى ربهللا نللاظرة{ )ص‪ (419:‬وبللدأ بالشللرح بعللد إيللراد‬
‫الحاديث الصريحة في ذكر الرؤية يوم القيامة من )ص‪ (424 :‬فقللال‪:‬‬
‫)قوله‪ :‬باب قللول اللل تعللالى‪} :‬وجوه يومئذ ناضرة‪ .‬إلللى‬
‫ربها نللاظرة{‪ ،‬كللأنه يشللير إلللى مللا أخرجلله عبللد بللن حميللد‪،‬‬
‫والترمذي‪ ،‬والطبري‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬وصححه الحاكم من طريللق ثللوير بللن‬
‫أبي فاختة عن ابن عمر عن النبي‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬قال‪:‬‬
‫ن ينظببر فببي ملكببه ألفببي سببنة‪ ،‬وإن‬‫»إن أدنى أهل الجنة منزلة َلَمب ْ‬
‫ن ينظر في وجه ربه عّزوجل كببل يببوم مرتيببن‪ .‬قببال‪:‬‬ ‫أفضلهم منزلة َلَم ْ‬
‫ثبببم تل‪} :‬وجوه يومئذ ناضرة{ قبببال‪ :‬بالبيببباض والصبببفاء‪،‬‬
‫}إلى ربها ناظرة{ قببال تنظببر كببل يببوم فببي وجببه البب«‪ .‬لفللظ‬
‫الطبري من طريق مصعب بن المقدام عن إسرائيل عن ثوير()‪.(64‬‬
‫هذا كلم ابن حجر ثللم اسللتمر فللي نقللل ذلللك فقللال فللي )ص‪-424 :‬‬
‫‪) :(425‬وأخرج الطبري من طريق أبي الصهباء موقوف لًا نحللو حللديث‬
‫ابن عمر‪ ،‬وأخرج بسند صحيح إلى يزيد النحوي عن عكرمللة فللي هللذه‬
‫الية قال‪»:‬تنظر إلى ربها نظرًا«‪.‬‬
‫وأخرج عن البخاري عن آدم عن مبارك عن الحسن قللال‪ »:‬تنظللر‬
‫إلى الخالق وحق لها أن تنظر«‪(.‬‬
‫ثم أورد ابن حجر القوال الخرى التي أوردها ابللن جريللر‪ ،‬وأتبللع‬
‫ذلك بترجيح ابن جرير واختياره فقال‪:‬‬
‫)وقد أخرج عبد بن حميد عن عكرمة من وجه آخر إنكللار الرؤيللة‪،‬‬
‫قال‪ :‬ويمكن الجمع بالحمل عللى غيلر أهلل الجنلة‪ .‬قلال‪ :‬وأخلرج بسلند‬
‫صحيح عن مجاهد‪ :‬ناظرة تنظر الثواب وعن أبي صالح نحوه‪ ،‬قال‪:‬‬

‫)( تفسير ابن جرير ‪ 193 /29‬وسيأتي نصه عنه‪.‬‬ ‫‪64‬‬


‫وأورد الطللبري الختلف‪ .‬فقللال‪ :‬الولللى عنللدي بالصللواب‪ :‬مللا‬
‫ذكرنللاه عللن الحسللن البصللري وعكرمللة وهللو ثبللوت الرؤيللة لمللوافقته‬
‫الحاديث الصحيحة‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقد بالغ ابن عبد البر في رّد الذي نقللل عللن مجاهللد وقللال هللو‬
‫شذوذ‪ ،‬وقد تمسك به بعض المعتزلة‪ .‬اهل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومنهم الخليلي هللذا‪ ،‬لن الباضللية يقولللون بقللول المعتزلللة‪،‬‬
‫وقد سبق أن اعتز بهم وبالجهمية بأنهم يقولون بقوله‪.‬‬
‫ونقول للقارئ‪ :‬انظللر لتلللبيس المؤلللف الخليلللي‪ ،‬فقللد نسللب لبللن عمللر‬
‫خلف قللوله كمللا فللي الروايللة المرفوعللة الللتي ذكرهللا ابللن حجللر عللن‬
‫الترمذي والطبري وصححها الحاكم‪.‬‬
‫ثانيبباً‪ -‬وممللا يوضللح تمويهللات الخليلللي كللذلك تركلله لكلم ابللن جريللر‬
‫والروايات التي ذكرها عنه‪ ،‬وفيها إثبات الرؤية عللن عكرمللة والحسللن‬
‫ورواية مجاهد عن ابن عمر مرفوعًا‪ ،‬وهللي الروايللة الللتي ذكرهللا ابللن‬
‫حجر‪ ،‬وكلها في تفسير ابن جرير الذي وصفه الخليلي بالمام‪.‬‬
‫ثللم اختللار الروايللة الللتي يريللدها عللن عكرمللة ومجاهللد مللن فتللح‬
‫ل ما ذكره ابن حجر أيضًا عن ابن جريللر‪ ،‬وكللانت‬ ‫الباري‪ ،‬ولم يذكر ك ّ‬
‫المانة العلمية تلزمه أن ينقل ما ذكره ابن حجر‪ ،‬وأن يذكر تفسللير ابللن‬
‫جرير ‪-‬الذي ذكر الروايات عنه بالجزء والصفحة‪ -‬حتى يرجع القللارئ‬
‫لذلك‪ ،‬ولكنه تركه تلبيسلًا وتدليسلًا وغشلًا للقللارئ‪ ،‬لنلله يخشللى أنلله إذا‬
‫رجع القارئ لذلك‪ ،‬فسيجد أن ابن جرير أورد الروايات كلها حسب مللا‬
‫تقتضيه المانة العلمية‪ ،‬ثم سيجد بعد ذلك اختيار الصواب مللن القللولين‬
‫لموافقته للدليل حيث قال‪) :‬وأولللى القللولين فللي ذلللك عنللدنا بالصللواب‪،‬‬
‫القول الذي ذكرناه عن الحسن وعكرمة‪ ،‬من أن معنى ذلك‪ ،‬تنظللر إلللى‬
‫خالقها‪ ،‬وبذلك جاء الثر عن رسول ال‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬حللدثني‬
‫علي بن الحسين ثم ساقه بإسناده إلى ابللن عمللر قللال‪ :‬قللال رسللول اللل‪-‬‬
‫صلى ال عليه وسلم‪»:-‬إن أدنى أهل الجنة منزلة‪ ،‬لمن ينظر فبي ملكبه‬
‫ألفي سنة قال‪ :‬وإن أفضلهم منزلة لمببن ينظببر فببي وجببه الب كببل يببوم‬
‫مرتين«‪ ،‬قال‪ :‬ثم تل‪} :‬وجوه يومئذ ناضرة{ قببال‪ :‬بالبيبباض‬
‫والصفاء‪} ،‬إلى ربها ناظرة{ قال‪ :‬تنظر كل يوم في وجببه ال ب‬
‫عز وجل«)‪.(65‬‬
‫وقد ذكر قبل ذلك بإسناده عن مجاهد عن ابن عمر قللال‪» :‬إن أدنببى‬
‫أهل الجنة منزلة لمن ينظر في ملكه وسرره وخدمه مسيرة ألف سنة‪،‬‬
‫يرى أقصاه كما يرى أدناه وإن أرفع أهل الجنة منزلة لمببن ينظببر إلببى‬
‫وجه ال غدوة وعشية« )‪.(66‬‬
‫هذه رواية مجاهد عن ابن عمر‪.‬‬
‫فماذا يقللول الخليلللى لقللرائه إذا عرفللوا أنلله ينسللب لصللحابي جليللل‬
‫خلف قوله‪ ،‬فهذا قول ابن عمر صريح في أن المللؤمنين ينظلرون إلللى‬
‫وجه ربهم عز وجل‪ .‬وكذلك سبق ما نقله ابللن جريللر عللن ابللن عبللاس‪،‬‬
‫في إثبات الرؤية ونفي الحاطة‪.‬‬
‫وقد يرد سؤال وهو‪ :‬إذا كان هؤلء النفاة لرؤيللة المللؤمنين ربهللم‬
‫يللوم القيامللة فللي جنلات النعيللم‪ ،‬ل يسللتندون فللي دعللواهم إلللى آيللة مللن‬
‫التنزيل محكمللة‪ ،‬ول روايللة علن رسللول اللل‪ -‬صلللى الل عليلله وسلللم‪-‬‬
‫صحيحة ولسقيمة‪ ،‬كما يقول المام ابن جرير رحمه ال‪ ،‬فمللا الحاجللة‬
‫لمناقشتهم والرد عليهم‪.‬‬
‫والجواب على هذا السؤال‪ ،‬هو ما سنورده تحت العنوان التالي‪:‬‬

‫)( تفسير ابن جرير ‪.29/193‬‬ ‫‪65‬‬

‫)( تفسير ابن جرير ‪.29/193‬‬ ‫‪66‬‬


‫لماذا مناقشة الخليلي في إنكاره الرؤية‬
‫وهو ل يستند إلى دليل من الكتاب أو السنة‬

‫ن مللا أوردتلله مللن مناقشللات للخليلللي فللي إنكللاره لرؤيللة‬ ‫وأقببول إ ّ‬


‫المؤمنين ربهم يوم القيامة في جنات النعيم‪ ،‬ليللس مللن أجللل أن للله أدلللة‬
‫على مذهبه يعتد بها‪ ،‬لنهم كما قال المام ابن جريللر الطللبري فللي رده‬
‫علللى المنكريللن للرؤيللة يللوم القيامللة كمللا تقللدم قللوله عنهللم‪) :‬إنهللم ل‬
‫يرجعون في قولهم إلى آية من التنزيل محكمة‪ ،‬ول روايللة علن رسللول‬
‫اللل‪ -‬صلللى الل عليلله وسلللم‪ -‬صللحيحة ول سللقيمة‪ ،‬فهللم فللي الظلمللات‬
‫يخبطون‪ ،‬وفي العمياء يترددون‪ ،‬نعوذ بال من الحيرة والضللة()‪.(67‬‬
‫وإنما أردت بتلك المناقشة الكشف عللن مغالطللاته وتمويهللاته‪ ،‬الللتي‬
‫تبع فيها أسلفه ومن يعتز بهم‪ ،‬بأنه معهم على ملذهبهم‪ ،‬وأنهللم يقولللون‬
‫كما يقول‪ ،‬وهم الجهمية والمعتزلة والمامية والزيدية‪ ،‬هكذا يقللول كمللا‬
‫في )ص‪ (32:‬من كتابه هذا‪.‬‬
‫ثم كشف ادعائه بللأن طللائفته‪) ،‬الباضللية( كمللا يقللول فللي )ص‪(7 :‬‬
‫أنهللم‪):‬أهللل الحللق والسللتقامة‪ ،‬ل يأخللذون عقللائدهم إل مللن نصللوص‬
‫الكتاب والسنة الصحيحة‪ ،‬وأنهللم عنللد الختلف مللع غيرهللم يرجعللون‬
‫إلى الحتكام إلى الكتاب والسنة(‪.‬‬
‫واستدل على قوله هذا بالية ‪ 59‬من سللورة النسللاء فللأورد نصللها‪:‬‬
‫}‪...‬فإن تنللازعتم فللي شلليء فللردوه إلللى الللله‬
‫والرسللول إن كنتللم تؤمنللون بللالله واليللوم‬
‫الخر‪ {..‬كما في )ص‪ (6 :‬مع أن المؤلف لم يللورد علللى دعللواه فللي‬
‫نفي رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة في الجنة‪ ،‬آية واحدة من كتاب ال‬
‫)( تفسير ابن جرير ‪.7/304‬‬ ‫‪67‬‬
‫محكمة‪ ،‬ول رواية صحيحة ول سقيمة‪ ،‬وإنما كل الذي تفّوه به هللو رد‬
‫النصوص المثبتة لذلك‪ .‬وبهلذا يتلبين للقلارئ زيلف دعلوى الخليللي أن‬
‫طائفته )أهل الحق والستقامة( كما يدعي‪) ،‬وأنهم ل يأخذون أدلتهللم إل‬
‫من نصوص الكتاب والسنة‪(.‬‬
‫وبعد هذه المناقشة التي يتبين للقارئ منهللا أن الخليلللي ل يسللتند فللي‬
‫دعواه إلى دليل في نفي رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة‪ ،‬ل مللن كتللاب‬
‫ال عز وجل‪ ،‬ول من سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ننتقل نحللن‬
‫وإياه إلى التحاكم إلى كتاب ال وسنة رسوله في هللذه القضللية العقديللة‪،‬‬
‫كما دعا الخليلي إلى ذلك في مقدمة كتابه هذا )ص‪.(7-6:‬‬
‫التحاكم إلى الله ورسوله‬

‫ِذْكُر أدلة المثبتين لرؤية المؤمنين ربهم‪ ،‬وهم في جنات النعيم‬


‫)أ( الدّلة من كتاب ال الكريم‪.‬‬
‫سنة الصحيحة‪.‬‬ ‫)ب( الدلة من ال ّ‬
‫سبق للمؤلف الخليلي أن دعا إلى التحاكم إلى كتاب ال عللز وجللل‪،‬‬
‫وإلى سنة رسوله‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬عند الختلف‪.‬‬
‫كمللا سللبق أن أشللرت أن هللذه دعللوى يطلقهللا المؤلللف بلسللانه‪،‬‬
‫ويسطرها في كتابه هذا ببنلانه‪ ،‬وذللك للتلدليس والتللبيس عللى الُقلّراء‪،‬‬
‫وإل فهو َيُرّد النصوص من الكتاب والسنة الصحيحة بعقله وهواه‪.‬‬
‫مع العلم أنه عاب على أصحاب المدرسة العقليللة تقللديمهم لعقللولهم‬
‫على ما جاء به النبيون‪ ،‬كما في )ص‪ (8:‬من كتابه هذا‪.‬‬
‫ولتقللف معللي أيهللا القللارئ علللى مللا أقللول عللن تنللاقض الخليلللي‬
‫المذكور‪ :‬فإنني أدعو المؤلف إلى ما قرره‪ ،‬وهو التحاكم إلى كتاب اللل‬
‫وسنة رسوله‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬في مسألة رؤية المؤمنين ربهم في‬
‫الخرة‪ ،‬لنها مسألة عقدية تتعلق بذات ال عز وجل وصللفاته‪ ،‬فللالحكم‬
‫فيهللا للل ورسللوله‪ ،‬واللل تعللالى يقللول‪} :‬فإن تنازعتم فللي‬
‫شلليء فللردوه إلللى الللله والرسللول إن كنتللم‬
‫تؤمنون بالله واليوم الخر ذلللك خيللر وأحسللن‬
‫تأويل ً{ ]النسللاء‪ [95 :‬وهذه اليلة الكريمللة الللتي أوردهلا المؤلللف فللي‬
‫كتابه هذا )ص‪ (6:‬تلزم المّدعي لليمان بال واليوم الخر الرجوع إلى‬
‫الكتاب والسنة للتحاكم إليهما‪ ،‬كما أن اليمللان ل يتللم بللل ل يوجللد عنللد‬
‫المرء إل إذا رضي بحكم ال ورسوله وسّلم للله تسللليمًا‪ ،‬ولللم يعارضلله‬
‫بعقله وهواه كما قال تعالى فلللي ذللللك‪} :‬فل وربك ل يؤمنون‬
‫حتى يحكموك فيما شللجر بينهللم ثللم ل يجللدوا‬
‫فللي أنفسللهم حرجللا ً ممللا قضلليت ويسلللموا‬
‫تسليما ً{ ]النسللاء‪ [65 :‬فالتحللاكم فيمللا فيلله الختلف‪ ،‬ثللم الرضللا‬
‫والتسليم بحكم ال ورسوله‪ ،‬وعدم الحرج والضيق بذلك الحكللم‪ ،‬شللرط‬
‫في صحة اليمان كما هو صريح هذه الية‪.‬‬
‫ونبدأ بالتحاكم إلى ال عز وجل فببي إثبببات رؤيببة المببؤمنين ربهببم‬
‫يوم القيامة في جنات النعيم‪:‬‬
‫فنسوق لك أيها القلارئ الكريلم‪ ،‬بعلض اليلات اللواردة فلي ذللك‪،‬‬
‫وسنذكر الية وأقوال المفسرين لهللا‪ ،‬ونقلهللم للحللاديث الصللحيحة مللن‬
‫سلر بله القلرآن‬ ‫الصحيحين وغيرهما الواردة في تفسيرها‪ ،‬وخيللر ملا يف ّ‬
‫بعد القرآن صللحيح السللنة‪ ،‬وذلللك ليتضللح للقللارئ أن المؤلللف الخليلللي‬
‫ومللن تبعهللم واعللتّز بهللم وص لّرح بللأنه وإيللاهم علللى عقيللدة واحللدة ل‬
‫يرضون بحكم ال ورسوله في هذه المسألة وغيرها من مسائل العقيدة‪.‬‬
‫فقد قال في )ص‪):(32 :‬وذهب إلى استحالتها في الللدنيا والخللرة‪،‬‬
‫أصحابنا الباضية‪ ،‬وهو قول المعتزلة‪ ،‬والجهمية‪ ،‬والزيدية‪ ،‬والمامية‬
‫من الشيعة(‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أملا فلي الللدنيا فملذهب أهلل السلنة أنله للم وللن يلره أحللد‪ ،‬ل‬
‫لستحالتها‪ ،‬وإنما لحكمة أرادها ال عز وجللل‪ ،‬وقلد بيلن العلملاء ذلللك‪،‬‬
‫كما سبق)‪ ،(68‬وكما سيأتي في شرح الية التالية التي طلب فيها موسللى‬
‫عليه السلم من ربه الرؤية‪.‬‬
‫وأما في الخرة فإليللك بعللض اليللات الدالللة علللى إثباتهللا‪ ،‬نسللوقها‬
‫جملة ثم نتبعها بالتفصيل آية آية‪ ،‬مع ذكر أقوال المفسرين لها‪:‬‬

‫)( ص ‪.73‬‬ ‫‪68‬‬


‫يقول ال تعالى‪} :‬ولما جاء موسى لميقاتنا‬ ‫‪-1‬‬
‫وكّلمه رّبه قال ربّ أرني أنظر إليللك قللال‬
‫لللن ترانللي ولكللن انظللر إلللى الجبللل فللإن‬
‫استقر مكللانه فسللوف ترانللي فلمللا تجلللى‬
‫خلّر موسللى صللعقا ً‬ ‫ربه للجبل جعله دكا ً و َ‬
‫فلما أفللاق قللال سللبحانك تبللت إليللك وأنللا‬
‫أول المؤمنين{ ]العراف‪.[143 :‬‬
‫وقلللوله تعلللالى‪} :‬ل تللدركه البصللار وهللو‬ ‫‪-2‬‬
‫يدرك البصار وهو اللطيللف الخللبير{ ]النعلللام‪:‬‬
‫‪.[103‬‬
‫وقلللوله تعلللالى‪}:‬للللذين أحسللنوا الحسللنى‬ ‫‪-3‬‬
‫وزيللادة ول يرهللق وجللوههم قللتر ول ذلللة‬
‫أولئك أصللحاب الجنللة هللم فيهللا خالللدون{‬
‫]يونس‪.[36:‬‬
‫ذ ناضللرة‪ .‬إلللى‬ ‫وقوله تعللالى‪} :‬وجوه يومئ ٍ‬ ‫‪-4‬‬
‫ربها ناظرة{ ]القيامة‪[23-22:‬‬
‫وهناك آيات أخرى ذكرها العلماء فللي هللذا البللاب‪ ،‬وأورد الكللثير منهللا‬
‫ابن القيم في حادي الرواح)‪.(69‬‬
‫وإليك تفصيل اليات وأقوال المفسرين فيها‪:‬‬
‫أوًل‪ :‬يقللول تعللالى‪} :‬ولمللا جللاء موسللى لميقاتنللا‬
‫ب أرني أنظر إليلك قلال للن‬ ‫وكلمه ربه قال ر ّ‬
‫تراني ولكللن انظللر إلللى الجبللل فللإن اسللتقر‬
‫مكانه فسوف ترانللي فلمللا تجلللى ربلله للجبللل‬
‫)(ص‪370 :‬‬ ‫‪69‬‬
‫خّر موسى صعقا ً فلمللا أفللاق قللال‬ ‫جعله دكا ً و َ‬
‫سبحانك تبت إليك وأنا أول المللؤمنين{ ]العلللراف‪:‬‬
‫‪.[143‬‬
‫ووجه الستدلل بهللذه اليللة علللى الرؤيللة يللوم القيامللة‪ ،‬أن موسللى‬
‫عليه السلللم لمللا جللاء لميقللات ربلله ووعللده للله‪،‬كّلملله ربلله مشللافهة بل‬
‫واسطة‪ ،‬فلما سمع موسى كلمه له‪ ،‬وهو فللي مقللام التكريللم‪ ،‬طمللع فللي‬
‫المزيد من هذا الفضل فطلب مللن ربلله عللز وجللل الرؤيللة؛ حيللث قللال‪:‬‬
‫ب أرنى انظر إليك{ ولكن حكمة ال عز وجل اقتضت أن‬ ‫}ر ّ‬
‫ل يراه أحد من البشر في هللذه الللدنيا؛ ل لسللتحالتها وإنمللا لحكمللة هللو‬
‫يعلمها‪ ،‬و لهذا لم يزجر موسى عليه السلم عن مثل هذا السؤال؟ وإنما‬
‫قال له‪} :‬لن تراني{ أي في هذه الدنيا‪.‬‬
‫بدليل أنه تجّلى للجبل وهو جماد‪ ،‬ولهذا قال له‪} :‬ولكن انظر‬
‫إلى الجبل فإن استقر مكانة فسللوف ترانللي{‬
‫أي إنك وأنت بهذه البنية لللن تسللتطيع الثبللات لرؤيللتي‪ ،‬كمللا لللم يسللتطع‬
‫الجبل الثبات لذلك‪.‬‬
‫ولو أن موسى عليه السلم سأل ربه ما ل يجوز لجاءه الجواب كما‬
‫جللاء لنللوح عليلله السلللم‪ ،‬وهللو مللن أولللي العللزم حينمللا سللأله بقللوله‪:‬‬
‫ب إن ابني مللن أهلللي‬ ‫}ونادى نوح ربه فقال ر ّ‬
‫وإن وعدك الحق وأنت أحكللم الحللاكمين‪ .‬قللال‬
‫يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غيللر صللالح‬
‫فل تسألن ما ليس لك به علم إنللي أعظللك أن‬
‫تكون من الجاهلين{ ]هود‪.[45 ،44 :‬‬
‫فلو كان سؤال موسى عليه السلم غير جائز‪ ،‬لقال ال عللز وجللل‬
‫ي‪ ،‬أو ل تسألني ما ليس لك به علم‪.‬‬ ‫ت بمرئ ّ‬ ‫س ُ‬
‫له‪ :‬ل ُأرى أو َل ْ‬
‫وقد سبق نقل الروايات في تفسير هذه الية عن ابن جرير)‪ ،(70‬بملا‬
‫يثبت دللة هذه الية على إمكان الرؤية‪.‬‬
‫ويقول ابن كثير في تفسلير اليلة‪) :‬يخلبر تعلالى عللن موسللى عليله‬
‫السلم أنه لما جاء لميقات ال تعالى‪ ،‬وحصل له التكليللم مللن اللل‪ ،‬سللأل‬
‫ب أرني انظر إليك قللال‬ ‫ال تعالى أن ينظر إليه‪ ،‬فقال‪} :‬ر ّ‬
‫لن تراني{‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقد أشكل حرف » لن « ها هنا على كثير من العلمللاء‪ ،‬لنهللا‬
‫موضوعة لنفي التأبيد‪ ،‬فاستدل به المعتزلة علي نفي الرؤيللة فللي الللدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬وهذا أضعف القوال؛ لنه قد تواترت الحاديث عن رسللول‬
‫ال‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬بأن المؤمنين يللرون الل فللي الللدار الخللرة‪،‬‬
‫ذ ناضرة‪ .‬إلللى‬ ‫كما سنوردها عند قوله تعالى‪} :‬وجوه يومئ ٍ‬
‫ربها ناظرة{‪.‬‬
‫وقللوله تعللالى إخبللارًا عللن الكفللار‪} :‬كل إنهم عن ربهللم‬
‫ذ لمحجوبون{‪ ،‬وقيل إنها لنفي التأبيد في الدنيا‪ ،‬جمع لًا بيللن‬ ‫يومئ ٍ‬
‫)‪(71‬‬
‫هذه الية‪ ،‬وبين الدليل القاطع على صحة الرؤية فللي الللدار الخللرة(‬
‫اهل‪.‬‬
‫ثانيببًا‪ -‬قللوله تعللالى‪} :‬ل تدركه البصار وهو يللدرك‬
‫البصار وهو اللطيف الخبير{ ]النعللام‪ (103 :‬يقللول ابللن‬
‫كثير في تفسير هذه الية‪) :‬قوله تعالى‪} :‬ل تدركه البصار{‪.‬‬
‫فيه أقوال للئمة من السلف‪:‬‬
‫أحببدها‪ :‬ل تللدركه فللي الللدنيا‪ ،‬وإن كللانت تللراه فللي الخللرة‪ ،‬كمللا‬
‫تواترت به الخبار عن رسللول اللل‪ -‬صلللى الل عليلله وسلللم‪ -‬مللن عللدة‬

‫)(ص ‪.70‬‬ ‫‪70‬‬

‫)(تفسير ابن كثير ‪.466 /3‬‬ ‫‪71‬‬


‫طللرق ثابتلة فللي الصللحاح والمسللانيد والسللنن‪ ،‬كملا قللال مسللروق علن‬
‫عائشة أنها قالت‪» :‬من زعم أن محمدًا أبصر ربلله فقللد كللذب‪ ،‬فللإن الل‬
‫يقول‪} :‬ل تدركه البصار{«‪.‬‬
‫قال‪ :‬ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي بكر بن عياش عن عاصللم‬
‫ضحى عن مسروق‪ ،‬ورواه غير واحللد عللن‬ ‫ابن أبي النجود‪ ،‬عن أبي ال ّ‬
‫مسروق‪ ،‬وثبت في الصحيح وغيره عن عائشة من غير وجه‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقللد خالفهلا ابلن عبلاس‪ :‬فعْنلُه إطلق الرؤيللة‪ ،‬وعنله أنله رآه‬
‫بفؤاده مرتين‪.‬‬
‫قال‪ :‬والمسألة تذكر في أول سورة النجم إن شاء ال‪(.‬‬
‫قلت‪ :‬وقد سبق نقل ذلك من الصحيحين‪ ،‬وأوردنا ما ذكره ابن منللده‬
‫في رواية ابن عباس وروايللة عائشللة‪ ،‬وذكرنللا جمللع العلمللاء بيللن نفللي‬
‫عائشة‪ ،‬ورواية ابن عباس المطلقة والروايات اللتي ذكرهلا ابلن جريلر‬
‫عن ابن عباس وغيره‪ ،‬في الرد على تلبيس المؤلف)‪.(72‬‬
‫ويواصل ابن كثير فيقول‪) :‬وقال ابن أبي حللاتم وسلاق بإسلناده إلللى‬
‫يحيى بن معين قال‪ :‬سمعت إسماعيل بن علية يقول في قول ال تعللالى‪:‬‬
‫}ل تدركه البصار وهو يدرك البصار{ قال‪ :‬هذا فللي‬
‫الدنيا‪.‬‬
‫وقللال آخللرون‪} :‬ل تدركه البصار{‪ ،‬أي جميعهللا‪ ،‬وهللذا‬
‫مخصص بما ثبت من رؤية المؤمنين له في الخرة‪.‬‬
‫وقال آخرون من المعتزلة‪ -‬بمقتضى ما فهموه من هذه الية‪ -‬إنه ل‬
‫يرى في الدنيا ول في الخرة‪.‬‬
‫فخالفوا أهل السنة والجماعة في ذلك‪ ،‬مع ما ارتكبوه من الجهل بما‬
‫دل عليه كتاب ال وسنة رسوله‪.‬‬
‫)( ص ‪ 75‬ومابعدها‪.‬‬ ‫‪72‬‬
‫أما الكتاب‪:‬‬
‫فقللوله تعللالى‪} :‬وجوه يلومئذ ناضللرة‪ .‬إلللى ربهللا‬
‫ناظرة{‪.‬‬
‫وقال تعالى عن الكافرين‪} :‬كل إنهم عن ربهم يللومئذ‬
‫لمحجوبون{‪.‬‬
‫قال المام الشافعي‪ :‬فللدل هللذا علللى أن المللؤمنين ل يحجبللون عنلله‬
‫تبارك وتعالى‪.‬‬
‫وأما السنة‪:‬‬
‫فقد تواترت الخبار عن أبي سعيد‪ ،‬وأبي هريرة‪ ،‬وأنلس‪ ،‬وجريلر‪،‬‬
‫وصهيب‪ ،‬وبلل‪ ،‬وغير واحد من الصحابة عن النبي‪ -‬صلى ال ل عليلله‬
‫وسلم‪ :‬أن المؤمنين يرون ال فببي الببدار الخببرة فببي العرصببات‪ ،‬وفببي‬
‫روضات الجنات‪ ،‬جعلنا ال تعالى منهم بمّنه وكرمه آمين(‪.‬اهل‪.‬‬
‫كما بين أنه ل منافاة بين إثبات الرؤية ونفي الدراك‪ ،‬فللإن الدراك‬
‫أخص من الرؤية‪ ،‬ول يلزم من نفي الخص انتفاء العم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقد دل على هذا قللوله تعللالى فللي سللورة الشللعراء فللي قصللة‬
‫موسلللى وقلللومه‪ ،‬وفرعلللون وقلللومه‪ ،‬قلللال تعلللالى‪} :‬فللأتبعوهم‬
‫مشرقين * فلما تراءا الجمعللان قللال أصللحاب‬
‫موسى إنا لمدركون * قللال كل إن معللي ربللى‬
‫سيهدين{ ]الشللعراء‪ (63 -61 :‬فالية صللريحة فللي أن الرؤيللة غيللر‬
‫الدراك؛ فللالدراك الحاطللة‪ ،‬وقللد حصلللت الرؤيللة‪ ،‬ولللم تحصللل‬
‫الحاطة‪.‬‬
‫كما ل يلزم من عدم إحاطة العلم عدم العلم‪ ،‬قال ال ل تعللالى‪} :‬ول‬
‫يحيطون به علما ً{‪ ،‬وفللي صللحيح مسلللم‪ ،‬مللن حللديث عائشللة‬
‫)‪(73‬‬
‫رضي ال عنها‪» :‬ل أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك«‬
‫ول يلزم من هذا عدم الثناء فكذلك هذا‪.‬‬
‫كما نقل ابن كثير عن ابن عباس‪ :‬ل يحيط بصر أحد بالملك‪.‬‬
‫وعن عكرمة أنه قيل له‪} :‬ل تدركه البصار{ قللال‪ :‬ألسللت‬
‫ترى السماء؟ قال‪:‬‬

‫‪ ()73‬مسلم‪ /‬ح)‪. (486‬‬


‫بلى‪ .‬قال‪ :‬فكلها ترى؟‬
‫ونقللل عللن ابللن جريللر‪ ،‬وعللن عطيللة العللوفي فللي قللوله تعللالى‪:‬‬
‫}وجوه يومئذ ناضرة‪ .‬إلى ربها ناظرة{‪ ،‬قلللال‪ :‬هلللم‬
‫ينظرون إلى ال‪ ،‬ل تحيلط أبصلارهم بله ملن عظمتله‪ ،‬وبصلره محيلط‬
‫بهلللم‪ ،‬فلللذلك قلللوله‪} :‬ل تللدركه البصللار وهللو يللدرك‬
‫البصار{‪ (74).‬وقد تقدم ذلك عن ابن جرير‪.‬‬
‫ثالثببباً ‪ -‬قلللوله تعلللالى‪} :‬للللذين أحسللنوا الحسللنى‬
‫وزيادة وليرهق وجللوههم قللتٌر ول ذلللة أولئك‬
‫نة هم فيها خالدون{ ]يونس‪.[36:‬‬ ‫أصحاب الج ّ‬
‫يقول ابن كثير‪ :‬قوله‪) :‬وزيادة( ‪-‬بعد أن ذكر ما يتفضل ال به على‬
‫عباده المؤمنين من مضاعفة الحسنات وما يعطيهم ال في الجنان قال‪:-‬‬
‫)وأفضل من ذلك وأعله النظر إلى وجهه الكريم‪ ،‬فإنه زيادة أعظم من‬
‫جميع ما أعطوه ل يستحقونها بعملهم‪ ،‬بل بفضله وبرحمتلله‪ ،‬وقللد ُروي‬
‫تفسلير الزيلادة بلالنظر إللى وجله الل الكريلم علن أبلي بكلر الصلديق‪،‬‬
‫وحذيفة بن اليمللان‪ ،‬وعبلد الل بلن عبلاس‪ ،‬وسللعيد بلن المسلليب‪ ،‬وعبللد‬
‫الرحمن بن أبللي ليلللى‪ ،‬عبللد الرحمللن بللن سللابط‪ ،‬ومجاهللد‪ ،‬وعكرمللة‪،‬‬
‫وعللامر بللن سللعد‪ ،‬وعطللاء‪ ،‬والضللحاك‪ ،‬والحسللن‪ ،‬وقتللادة‪ ،‬والسللدي‪،‬‬
‫ومحمد بن إسحاق‪ ،‬وغيرهم من السلف والخلف‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة‪ ،‬عن رسول ال‪ -‬صلى اللل‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فمن ذلللك‪ :‬ملا رواه الملام أحملد بإسلناده علن صلهيب‪ :‬أن‬
‫رسول ال‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬تل هذه الية }للذين أحسنوا‬
‫الحسنى وزيادة{ قال‪»:‬إذا دخل أهل الجنة الجنبة‪ ،‬وأهبل النبار‬
‫النببار‪ ،‬نببادى منبباد‪ :‬يببا أهببل الجنببة إن لكببم عنببد ال ب موعببدًا يريببد أن‬
‫)( تفسير ابن كثير ‪.303 -302 /3‬‬ ‫‪74‬‬
‫ينجزكموه‪ ،‬فيقولون‪ :‬وما هو؟ ألم يثّقببل موازيننببا‪ ،‬ويبببّيض وجوهنببا‪،‬‬
‫ويببدخلنا الجنببة‪ ،‬ويزحزحنببا مببن النببار؟ قببال‪ :‬فيكشببف لهببم الحجبباب‪،‬‬
‫فينظرون إليه فوال ما أعطاهم ال شيئًا أحب إليهببم مببن النظببر إليببه‪،‬‬
‫ول أقر لعينهم«)‪.(75‬‬
‫رابعًا‪ :‬قوله تعالى‪} :‬وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها‬
‫ناظرة{‪.‬‬
‫يقول ابن كثير في تفسيره‪}) :‬وجوه يومئذ ناضللرة{ ملللن‬
‫النضارة‪ ،‬أي حسنة بهية مشرقة مسرورة‪} ،‬إلى ربها ناظرة{‬
‫أي‪ :‬تللراه عيانلًا‪ ،‬كمللا رواه البخللاري رحملله الل فللي صللحيحه‪» :‬إنكببم‬
‫سترون ربكم عيانًا«‪.‬‬
‫وقد ثبتت رؤية المللؤمنين للل‪ -‬عللز وجللل‪ -‬فللي الللدار الخللرة‪ ،‬فللي‬
‫الحاديث الصللحاح‪ ،‬مللن طللرق متللواترة عنللد أئمللة الحللديث‪ ،‬ل يمكللن‬
‫دفعها ول منعها لحديث أبى سعيد وأبي هريرة‪ -‬وهما في الصحيحين‪:-‬‬
‫أن ناسًا قالوا‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال‪» :‬هببل‬
‫تضارون في رؤية الشمس والقمر ليس دونها سحاب؟ قالوا‪ :‬ل‪ .‬قال‪:‬‬
‫فإنكم ترون ربكم كذلك«‪.‬‬
‫وفي الصحيحين عن جرير قال‪» :‬نظر رسول ال‪ -‬صلى ال عليببه‬
‫وسلم‪ -‬إلى القمر ليلببة البببدر فقببال‪ :‬إنكببم تببرون ربكببم كمببا تببرون هببذا‬
‫القمر‪ ،‬فإن استطعتم أن ل تغلبوا علببى صببلة قبببل طلببوع الشببمس ول‬
‫قبل غروبها فافعلوا«)‪.(76‬‬
‫ثم سرد الروايات وهي في الصحيحين والسنن عن‪:‬‬

‫‪ () 75‬تفسير ابن كثير ‪ ،199-198 /4‬وقد أخرجه مسلم‪ /‬كتاب اليمان‪ /‬باب )إثبات‬
‫رؤية المؤمنين في الخرة لربهم(ح)‪.(180‬والمام أحمد في المسند ‪. 4/333‬‬
‫‪ ()76‬البخاري‪ /‬التوحيد‪،‬ح)‪ (7434‬ويأتي ص ‪.144‬‬
‫أبي موسللى‪ ،‬وصللهيب‪ ،‬وجللابر‪ ،‬وابللن عمللر‪ ،‬إلللى أن قللال‪ :‬ولللول‬
‫خشللية الطالللة لوردنللا الحللاديث بطرقهللا وألفاظهللا مللن الصللحاح‬
‫والحسان والمسانيد والسنن‪ ،‬ولكن ذكرنا ذلللك مفرقلًا فللي مواضللع مللن‬
‫هذا التفسير وبال التوفيق‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهذا بحمد ال مجمع عليه بين الصحابة والتابعين وسلف هللذه‬
‫المة كما هو متفق عليه بين أئمة السلم‪ ،‬وهداة النام )‪ (.(77‬أهل‬
‫وبعد أن نقل هذه الدلة الصريحة على إثبللات رؤيللة المللؤمنين يللوم‬
‫القيامة ربهم وإجماع الصحابة والتابعين وسلف هللذه المللة علللى ذلللك‪،‬‬
‫واتفاق أئمة المسلمين على ذلك‪ ،‬رد على من ُنقل عنه التأويللل بانتظللار‬
‫الثواب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومعلللوم أن الئمللة الربعللة المتبللوعين فللي العللالم السلللمي‬
‫يقولون ذلك ويؤمنون به‪ ،‬وسيأتي ذكر ذلك ‪.‬‬
‫أما رّده فقال فيه‪) :‬ومن تأول ذلك بأن المراد بل» إلى« مفرد اللء‬
‫وهي النعم؟ كما روي علللن مجاهلللد }إلى ربها ناظرة{ فقلللال‪:‬‬
‫تنتظر الثواب من ربها رواه ابن جرير من غير وجه عن مجاهد‪ ،‬وكذا‬
‫قال أبو صالح أيضًا‪.‬‬
‫فقد أبعد هذا القائل النجعة‪ ،‬وأبطل فيمللا ذهللب إليلله‪ ،‬وأيللن هللو مللن‬
‫قلللللوله تعلللللالى‪} :‬كل إنهلللم علللن ربهلللم يلللومئذ‬
‫لمحجوبون{ قال الشافعي رحمه اللل‪ :‬مللا حجللب الفجللار إل وقللد‬
‫علم أن البرار يرونه عز وجل‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثم قد تواترت الخبار عن رسول ال‪ -‬صلى الل عليلله وسلللم‪-‬‬
‫بمللا دل عليلله سللياق اليللة الكريمللة‪ ،‬وهللي قللوله‪} :‬إلللى ربهللا‬
‫ناظرة{‪(.‬‬
‫‪ ()77‬تفسير ابن كثير ‪.8/305‬‬
‫ثم نقل ما اختاره المام ابن جرير‪ ،‬الذي نقل الروايات عن مجاهد‪،‬‬
‫والتي لّبس بنقلها المؤلف الخليلللي‪ ،‬ولللم يللذكر المرجللع حللتى ل يرجللع‬
‫القارئ إليه ويعرف اختيار ابن جرير كما سبقت الشارة لذلك‪.‬‬
‫فقال ابن كثير‪ ):‬قال ابن جرير حدثنا محمد بن إسماعيل البخللاري‪،‬‬
‫حدثنا آدم حدثنا المبارك عن الحسن‪} :‬وجوه يومئذ ناضللرة{‬
‫قال‪ :‬حسنة }إلى ربها ناظرة{ قال‪ :‬تنظللر إلللى الخللالق‪ ،‬وحللق‬
‫ضَر وهي تنظُر إلى الخالق)‪.((78‬اهل‬ ‫لها أن تن ُ‬
‫ويقول ابن القيم في حادي الرواح)‪ (79‬بعد أن أورد ست آيللات مللن‬
‫كتاب ال على إثبات رؤية المؤمنين ربهم في جنات النعيم قال‪:‬‬
‫الدليل السللابع‪ :‬قللوله عللز وجللل‪} :‬وجوه يومئذ ناضرة‪.‬‬
‫إلى ربها ناظرة{‬
‫ت هللذه اليللة مللن تحريفهللا عللن مواضللعها‬ ‫ج لْر َ‬
‫قللال‪ :‬وإذا أنللت أ َ‬
‫والكذب على المتكلم بها سللبحانه فيمللا أراد منهللا‪ ،‬وجللدتها مناديللة نللداء‬
‫ت إل‬‫صريحًا‪ ،‬أن ال سبحانه ُيرى عياًنا بالبصار يوم القيامة‪ ،‬وإن َأَبْيل َ‬
‫ل‪ ،‬فتأويل نصوص المعللاد والجنللة‬ ‫تحريفها الذي يسميه المحرفون تأوي ً‬
‫والنار والميزان والحساب أسهل على أربابه مللن تأويلهللا‪ ،‬وتأويللل كللل‬
‫نص تضمنه القرآن والسنة كذلك‪ ،‬ول يشاء مبطللل علللى وجلله الرض‬
‫أن يتللأول النصللوص ويحرفهللا عللن مواضللعها إل وجللد إلللى ذلللك مللن‬
‫السبيل ما وجده متأول هذه النصوص‪ ،‬وهذا الذي أفسللد الللدين والللدنيا‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬وإضافة النظر إلى الوجه الذي هو محله في هذه اليللة وتعللديته‬
‫بأداة إلى الصريحة في نظر العين‪ ،‬وإخلء الكلم من قرينللة تلدل علللى‬
‫أن المراد بلالنظر المضلاف إللى اللوجه الللُمعّدى بلإلى خلف حقيقتله‪،‬‬

‫)(تفسير ابن كثير ‪ .3 0 8/6‬تفسير ابن جرير ‪.29/192‬‬ ‫‪78‬‬

‫)(ص ‪.370‬‬ ‫‪79‬‬


‫وموضوعه صريح في أن ال سبحانه وتعللالى‪ ،‬أراد بللذلك نظللر العيللن‬
‫التي في الوجه‪ ،‬إلى نفس الرب جل جلله‪.‬‬
‫فإن النظر له عدة استعمالت‪ ،‬بحسب صللته وتعلديه بنفسله‪ ،‬فببإن‬
‫عبببدي بنفسبببه فمعنلللاه‪ :‬التوقلللف والنتظلللار‪ ،‬كقلللوله‪} :‬انظرونللا‬
‫نقتبس من نوركم{ ]الحديد‪.[13 :‬‬
‫عبببّدي بفبببي فمعنلللاه‪ :‬التفكلللر والعتبلللار‪ ،‬كقلللوله‪} :‬أولللم‬
‫وإن ُ‬
‫ينظروا في ملكوت السموات والرض{ ]العللراف‪:‬‬
‫‪.[185‬‬
‫عّدي بببإلى فمعنللاه‪ :‬المعاينللة بالبصللار‪ ،‬كقللوله‪} :‬انظروا‬ ‫وإن ُ‬
‫إلى ثمره إذا أثمر{ ]النعام‪ ،[99:‬فكيف إذا أضيف إلللى الللوجه‬
‫الذي هو محل البصر؟‪.‬‬
‫قال يزيد بن هارون‪ :‬أنبأنا مبارك‪ ،‬عن الحسللن‪ :‬نظللرت إلللى ربهللا‬
‫تبارك وتعالى فنضرت بنوره‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬فاسللمع أيهللا السللني تفسللير النللبي‪ -‬صلللى الل عليلله وسلللم‪-‬‬
‫وأصحابه والتابعين وأئمة السلم لهذه الية‪ .‬ثم قال‪ :‬قللال ابللن مردويلله‬
‫في تفسيره‪ ،‬حدثنا محمد ابن الصباح وساق إسناده إلى عبد ال بن عمر‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬في قوله تعلللالى‪} :‬وجوه‬
‫يللومئذ ناضللرة{ قللال‪ :‬مللن البهللاء والحسللن‪} ،‬إللى ربهلا‬
‫ناظرة{‪ ،‬قال‪ :‬في وجه ال عز وجل‪.‬‬
‫وقال أبو صالح‪ :‬عن ابن عباس }إلى ربها نللاظرة{ قللال‪:‬‬
‫تنظر إلى وجه ربها‪.‬‬
‫قللال عكرمللة‪} :‬وجوه يومئذ ناضرة{ قللال‪ :‬مللن النعيللم‪،‬‬
‫}إلى ربها ناظرة{ قال‪ :‬تنظر إلى ربها نظرًا‪.‬‬
‫ثم حكى عن ابن عباس مثله‪ ،‬قال‪ :‬وهللذا قللول كللل مفسللر مللن أهللل‬
‫السنة والحديث‪(.‬‬
‫فهذه بعض اليات الدالة على رؤية المؤمنين ربهم وهم فللي جنللات‬
‫النعيم وتلك أقوال المفسرين لها من أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫وحيث إن الخليلي قد التزم بالمحاكمة إلى كتاب ال‪ ،‬وسنة رسوله‪،‬‬
‫فإليللك بعللض النصللوص مللن السللنة‪ ،‬وسللنبدأ باختيللار نصللوص مللن‬
‫الصحيحين‪ :‬البخاري ومسلم‪ ،‬وإليك تلك النصوص‪:‬‬
‫ثانيًا‪ -‬النصوص من السنة‪:‬‬
‫قال البخاري في صحيحه من كتاب التوحيد‪:‬‬
‫باب قول ال تعالى‪} :‬وجوه يومئذ ناضرة‪ .‬إلى ربها‬
‫ناظرة{‬
‫‪ -1‬حديث‪ :‬جرير‬
‫‪ -1‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن عون‪ ،‬ثم ساق بإسناده عن قيس عن جرير‬
‫قال‪ :‬كنا جلوسًا عند النبي‪ -‬صلى ال عليلله وسلللم‪ ،-‬إذ نظللر إلللى القمللر‬
‫ليلة البدر قال‪» :‬إنكم سترون ربكم كمببا تببرون هببذا القمببر ل تضببامون‬
‫في رؤيته‪ ،‬فإن استطعتم أن ل تغلبوا على صببلة قبببل طلببوع الشببمس‬
‫وصلة قبل غروب الشمس فافعلوا«‪) .‬حديث‪.(7434 /‬‬
‫‪ -2‬قال‪ :‬وحدثنا يوسف بن موسى وساق بإسناده عن قيللس بللن أبللي‬
‫حازم عن جرير بن عبد ال قال‪ :‬قال النبي‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪:-‬‬
‫»إنكم سترون ربكم عيانًا« )حديث‪.(7435 /‬‬
‫‪ -3‬عن عبدة بن عبد ال بإسناده إلى جرير قال‪ :‬خرج علينا رسللول‬
‫ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬ليلة البدر فقللال‪» :‬إنكببم سببترون ربكببم يببوم‬
‫القيامة كما ترون هذا ل تضامون في رؤيته« )حديث‪.(7436 /‬‬
‫‪ -2‬حديث أبي هريرة‬
‫‪-4‬وقال‪ :‬حدثنا عبلد العزيللز بلن عبلد الل وسلاقه بإسلناده إلللى أبلي‬
‫هريرة‪ ،‬إن الناس قالوا‪ :‬يا رسول ال هل نرى ربنللا يللوم القيامللة؟ فقللال‬
‫رسول ال‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪»:-‬هل تضارون في القمر ليلة البببدر؟‬
‫قالوا‪ :‬ل يا رسول ال‪ ،‬قال‪ :‬فهبل تضبارون فبي الشبمس ليبس دونهبا‬
‫سحاب؟ قالوا ل يا رسول ال‪ ،‬قال‪:‬فإنكم ترونه كببذلك)‪......«(80‬وسللاق‬
‫الحديث بطوله‪).....‬حديث‪.(7437 :‬‬
‫‪ -3‬حديث أبى سعيد الخدري‬
‫‪ -5‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن بكير وساقه بإسناد‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري‬
‫قال‪ :‬قلنا يا رسول ال هل نرى ربنا يوم القيامللة؟ قللال‪» :‬هببل تضببارون‬
‫فببي رؤيببة الشببمس والقمببر إذا كببانت صببحوًا؟ قلنببا ل‪ ،‬قببال‪ :‬فببإنكم ل‬
‫تضارون في رؤية ربكم يومئذ إل كما تضارون في رؤيببة أحببدهما‪«...‬‬
‫وساق الحديث بطوله‪) .‬حديث‪(7439 /‬‬
‫وفيه ذكر الشفاعة‪ ،‬وإنه يخرج من النللار مللن كللان فللي قلبلله مثقللال‬
‫ذرة من إيمان وسوف نورده بتمامه عند الرد على المؤلللف فللي دعللواه‬
‫تخليد العصاة في النار‪.‬‬
‫‪ -4‬حديث أبي موسى الشعري‬
‫‪ -6‬قال‪ :‬حدثنا علي بن عبد ال وساق بإسناده عن أبي بكر بللن عبللد‬
‫ال بن قيس عن أبيه‪ ،‬عن النبي‪ -‬صلى الل عليلله وسلللم‪ -‬قللال‪» :‬جنتببان‬
‫من فضة آنيتهما وما فيهما‪ ،‬وجنتان من ذهب آنيتها وما فيهمببا‪ ،‬ومببا‬
‫بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إل رداء الكبرياء على وجهه فببي‬
‫جنة عدن« )حديث‪.(7440 /‬‬

‫)( مسلم أخرجه في اليمان باب معرفة طريق الرؤية ح)‪.(182‬‬ ‫‪80‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا الحديث هو الذي استدل به الخليلي على نفي الرؤية‪ ،‬ثم‬
‫ترك الحديث التالي بعده‪ ،‬وهو حديث عللدي‪ ،‬فهللل الخليلللي يللرى نفسلله‬
‫أفقه من المام البخاري‪ ،‬الذي قيل إن فقه صحيحه في أبوابه‪.‬‬
‫‪ -5‬حديث عدي بن حاتم‬
‫‪ -7‬قال‪ :‬حدثنا يوسف بن موسى وساق بإسناده عن عللدي بللن حللاتم‬
‫قال‪ :‬قال رسللول اللل‪ -‬صلللى الل عليلله وسلللم‪» -‬مببا منكببم مببن أحببد إل‬
‫)‪(81‬‬
‫سببيكلمه ربببه ليببس بينببه وبينببه ترجمببان ول حجبباب يحجبببه«‬
‫)حديث‪(7443 :‬‬
‫وقد أورد المام البخاري رحمه ال تحت هذا البللاب إحللدى عشللرة‬
‫رواية‪ ،‬اخترنا منها هذه الروايات السبع وهي صريحة في أن المؤمنين‬
‫يرون ربهم يوم القيامة عيانًا‪ ،‬ومن أصدق من رسول الل بعللد الل عللز‬
‫وجل حديثًا؟‪ ،‬وقد أخرجها المام مسلم في صحيحه كما ترى تخريجهللا‬
‫في الحاشية‪.‬‬
‫وقال ابللن حجللر رحملله الل فللي نهايللة شللرح هللذه الحللاديث الللتي‬
‫أوردها البخاري‪ ،‬قال في )ص‪) (434:‬تكملة‪ :‬جمللع الللدارقطني طللرق‬
‫الحللاديث الللواردة فللي رؤيللة اللل تعللالى فللي الخللرة فللزادت علللى‬
‫العشرين‪ ،‬وتتبعها ابن القيم في حادي الرواح فبلغت الثلثين وأكثرهللا‬
‫جياد‪ ،‬وأسند الدارقطني عن يحيلى بلن معيلن قلال‪ :‬عنلدي سلبعة عشللر‬
‫حديثًا في الرؤية صحاح()‪ (82‬أهل‬

‫)( البخلاري‪ ،‬فتلح البلاري ‪ 424 -41 /13‬هلذه روايلات البخلاري‪.‬ومسللم فلي‬ ‫‪81‬‬

‫اليمان‪ /‬باب إثبات رؤية المؤمنين ربهم في الخللرة ح)‪.(180‬روايلة أبلي موسلى‬
‫الشعري‪.‬مسلم في اليمان أخرج حديث أبي سعيد في باب معرفة طريللق الرؤيللة‬
‫ح)‪.(182‬‬
‫)( فتح الباري ‪ .434 /13‬وقد طبع كتاب الرؤية للدارقطني سنة ‪1411‬هل مكتبللة‬ ‫‪82‬‬

‫المنار‪ .‬تحقيق إبراهيم العلي‪ ،‬وأحمد فخري الرفاعي‪.‬‬


‫كما أخرج مسلم بعد حديث أبي موسى الشللعري السللابق فللي بللاب‬
‫إثبات رؤيللة المللؤمنين ربهللم فلي الخللرة حللديث صللهيب‪ ،‬علن النلبي‪-‬‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ -‬قال‪» :‬إذا دخل أهل الجنة الجنببة قببال‪ :‬يقببول الب‬
‫تبارك وتعالى‪ :‬تريدون شيئًا أزيببدكم؟ فيقولببون‪ :‬ألببم تبببّيض وجوهنببا؟‬
‫ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قببال‪ :‬فيكشببف الحجبباب فمببا أعطببوا‬
‫شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل«‪.‬‬
‫وفي روايللة حمللاد بللن سلللمة‪ ،‬وزاد‪ :‬ثللم تل هللذه اليللة‪} :‬للذين‬
‫أحسنوا الحسنى وزيادة({]يونس‪[26 :‬‬
‫قلت‪ :‬ومن المناسب أن نسوق نص ما أشار إليه ابللن حجللر مللن أن‬
‫ابن القيم تتبع طرق الحاديث في رؤية ال تعالى في الخرة فللي كتللابه‬
‫)حادي الرواح( فبلغت الثلثين وأكثرها جياد‪ ،‬فقلد قلال ابلن القيلم فلي‬
‫)ص‪ (373 :‬بعد أن ذكر الدلة من القرآن الكريم‪)) :‬فصل(‪:‬‬
‫وأما الحاديث عن النبي‪ -‬صلى ال عليلله وسلللم‪ -‬وأصللحابه الدالللة‬
‫على الرؤية فمتواترة‪ ،‬رواهللا عنلله‪ ،‬أبللو بكللر الصللديق‪ ،‬وأبللو هريللرة‪،‬‬
‫وأبو سعيد الخدري‪ ،‬وجرير بن عبللد ال ل البجلللي‪ ،‬وصللهيب بللن سللنان‬
‫الرومي‪ ،‬وعبد الل بللن مسللعود الهللذلي‪ ،‬وعلللي بللن أبللي طللالب‪ ،‬وأبللو‬
‫موسى الشعري‪ ،‬وعدي بن حاتم الطائي‪ ،‬وأنس بن مالللك النصلاري‪،‬‬
‫وبريدة ابن الحصيب السلمي‪ ،‬وأبو رزين العقيلي‪ ،‬وجابر بن عبد اللل‬
‫النصاري‪ ،‬وأبو أمامللة البللاهلي‪ ،‬وزيللد بللن ثللابت‪ ،‬وعمللار بللن ياسللر‪،‬‬
‫وعائشة أم المؤمنين‪ ،‬وعبد ال بن عمر‪ ،‬وعملارة بلن رويبلة‪ ،‬وسللمان‬
‫الفارسي‪ ،‬وحذيفة بن اليمان‪ ،‬وعبد ال بن عباس‪ ،‬وعبد الل بللن عمللرو‬
‫بن العللاص‪ ،‬وحللديثه موقللوف‪ ،‬وأبللي ابللن كعللب‪ ،‬وكعللب ابللن عجللرة‪،‬‬
‫وفضالة بن عبيد‪ ،‬ورجل من أصللحاب النللبي‪ -‬صلللى الل عليلله وسلللم‪-‬‬
‫غير مسمى)‪.(83‬‬
‫ثم قال‪ :‬فهاك سياق أحاديثهم من الصحاح والمسانيد والسنن‪ ،‬وتلّقها‬
‫بللالقبول والتسللليم‪ ،‬وانشللراح الصللدر‪ ،‬ل بللالتحريف والتبللديل وضلليق‬
‫العطللن‪ ،‬ول تكللذب بهللا‪ ،‬فمللن ك لّذب بهللا لللم يكللن إلللى وجلله ربلله مللن‬
‫الناظرين‪ ،‬وكان يوم القيامة من المحجوبين‪(.‬‬
‫ثم قال‪ :‬فصل‪ -‬فأما حديث أبي بكر الصديق وذكر إسناده ثم اسللتمر‬
‫في سياق أحاديث من ذكر أسماءهم من الصحابة‪ ،‬إلللى آخرهللم الرجللل‬
‫الذي لم يسم‪) .‬ص‪ .(409 :‬وقد أشار المحقق إلى أماكن ورودها‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬وهناك بعض ما قاله أصحاب رسول اللل‪ -‬صللى الل عليلله‬
‫وسلم ‪ -‬والتابعون‪ ،‬وأئمة السلم‪ ،‬فذكر عددًا من الصحابة قالوا بإثبات‬
‫الرؤية‪(.‬‬
‫وفللي )ص‪ (412 :‬قللال‪) :‬قللال الطللبري‪ :‬فيحصللل فللي البللاب ممللن‬
‫روى عن رسول ال‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬من الصحابة حديث الرؤية‬
‫ثلث وعشرون نفسًا‪ ،‬منهم علي‪ ،‬وأبو هريرة‪ ...‬الخ فذكر أسماءهم‪.‬‬
‫وقال الدارقطني‪ :‬أخبرنا محمد بن عبد ال‪ .....‬قللال‪ :‬سللمعت يحيللى‬
‫بن معين يقول‪ :‬عندي سبعة عشر حديثًا في الرؤية كلها صحاح‪.‬‬
‫وقللال الللبيهقي‪ :‬روينللا فللي إثبللات الرؤيللة عللن أبللي بكللر الصللديق‪،‬‬
‫وحذيفة بن اليمان‪ ،‬وعبد ال بلن مسللعود‪ ،‬وعبلد الل بلن عبلاس‪ ،‬وأبللي‬
‫موسللى‪ ،‬وغيرهلم‪ ،‬ولللم يلرووا علن أحللد منهللم نفيهلا‪ ،‬ولللو كلانوا فيهلا‬

‫)( قلببت‪ :‬وجهالللة الصللحابي ل تضللر‪ ،‬كمللا هللو معلللوم فللي مصللطلح الحللديث‪ ،‬إذ‬ ‫‪83‬‬

‫الصللحابة كلهللم عللدول‪ ،‬إل عنللد الرافضللة‪ ،‬ومثلهللم المعتزلللة‪ ،‬والخللوارج‪ ،‬ومنهللم‬
‫جُرون عليهم قواعد الجرح والتعديل‪ ،‬وال عز وجل قد علّدل أصلحاب‬ ‫الباضية‪ ،‬فُي ْ‬
‫نبيه؛ فل حاجة لهم إلى تعديل أحد من خلقه‪.‬‬
‫مختلفين لنقل اختلفهم إلينا‪ ،‬كما أنهم لمللا اختلفللوا فللي الحلل والحللرام‬
‫والشرائع والحكام نقل اختلفهم في ذلك إلينا‪.‬‬
‫وكمللا أنهللم لمللا اختلفللوا فللي رؤيللة ال ل بالبصللار فللي الللدنيا‪ ،‬نقللل‬
‫اختلفهم في ذلك إلينا‪ ،‬فلما نقلت رؤيلة الل سللبحانه وتعللالى بالبصلار‬
‫في الخرة عنهم‪ ،‬ولم ينقل عنهم في ذلك اختلف‪ ،‬كما نقللل عنهللم فيهللا‬
‫اختلف في الدنيا‪ ،‬علمنا أنهم كانوا على القول برؤية ال بالبصار فللي‬
‫الخرة متفقين ومجتمعين‪ (.‬اهل‬
‫ثم قال‪) :‬فصل‪ -‬وأما التابعون وعصابة اليمان مللن أئمللة الحللديث‪،‬‬
‫والفقه‪ ،‬والتفسير‪ ،‬فأقوالهم أكثر من أن يحيط بها إل ال عز وجل‪.‬‬
‫قال سعيد بن المسيب‪ :‬الزيادة‪ :‬النظر إلللى وجلله اللل‪ .‬ورواه مالللك‬
‫عن يحيى عنه‪.‬‬
‫وقال الحسن‪ :‬الزيادة‪ :‬النظر إلى وجه ال‪(.‬‬
‫وبعد أن ذكر عددًا كبيرًا من التابعين يثبتون رؤيللة المللؤمنين ربهللم‬
‫يللوم القيامللة‪ ،‬قللال فللي )ص‪) (414:‬فصللل‪ :‬فللي المنقللول عللن الئمللة‬
‫الربعة‪ ،‬ونظرائهم‪ ،‬وشيوخهم‪ ،‬وأتباعهم على طريقتهم ومنهللاجهم‪ ،‬ثللم‬
‫قال‪:‬‬
‫‪ -1‬ذكر قول إمام دار الهجرة مالك بن أنس‪ :‬قللال أحمللد بللن صللالح‬
‫المصري‪ ،‬حدثنا عبد ال بللن وهللب قللال‪ :‬قببال مالببك بببن أنببس‪ :‬النبباس‬
‫ينظرون إلى ال عز وجل يوم القيامة بأعينهم‪.‬‬
‫وقال الحارث بن مسكين‪ :‬حدثنا أشهب قال‪ :‬سللئل مالللك عللن قللوله‬
‫عز وجل‪} :‬وجوه يومئذ ناضرة‪ .‬إلى وبها نللاظرة{‬
‫أتنظر إلى ال عز وجل؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فقلت إن أقوامًا يقولللون‪ :‬تنتظللر مللا‬
‫عنللده‪ ،‬قللال‪ :‬بللل ننظللر إليلله نظللرًا وقللد قللال موسللى‪} :‬رب أرني‬
‫انظر إليك قال لن تراني{ وقللال اللل عللز وجللل‪} :‬كل‬
‫إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون{‪.‬‬
‫ثلم ذكلر قلول ابلن الماجشللون‪ ،‬والوزاعلي‪ ،‬والليلث‪ ،‬وسلفيان بلن‬
‫عينية‪ ،‬وعبد ال ابن المبلارك‪ ،‬ووكيلع بلن الجلراح‪ ،‬وقتيبلة بلن سلعيد‪،‬‬
‫وأبي عبيد القاسم بن سلم‪ ،‬وأسود بن سالم شيخ المام أحمد‪.‬‬
‫‪ -2‬قال المام محمد بن إدريس الشافعي‪ ،‬سبق نقل قوله فللي تفسللير‬
‫قلللللوله تعلللللالى‪} :‬كل إنهلللم علللن ربهلللم يلللومئذ‬
‫لمحجوبون{ قال‪ :‬لما حجب أعببداءه فببي السببخط‪ ،‬كببان فببي هببذا‬
‫دليل على أن أولياءه يرونه في الرضا‪.‬‬
‫قال الربيع‪ :‬فقلت‪ :‬يا أبا عبد ال وتقول به؟ قال نعم‪ ،‬وبه أدين ال‪.‬‬
‫‪ -3‬قول إمام السنة أحمد بن حنبللل‪ :‬قللال إسللحاق بللن منصللور قلللت‬
‫لحمد‪ :‬أليس ربنا تبارك وتعببالى يبراه أهبل الجنبة؟ أليبس تقبول بهبذه‬
‫الحبباديث؟ قببال أحمببد‪ :‬صببحيح‪ ،‬قللال ابللن منصللور وقللال إسللحاق بللن‬
‫راهويه‪ :‬صحيح ول يدعه إل مبتدع أو ضعيف الرأي‪.‬‬
‫ثم قال‪ ) :‬قول جميع أهل اليمان‪ ،‬قال إمام الئمة محمد بن إسللحاق‬
‫بن خزيمة في كتابه‪ :‬إن المؤمنين لم يختلفوا أن جميع المؤمنين يرون‬
‫خالقهم يوم المعاد‪ ،‬ومن أنكر ذلك فليس بمؤمن عند المؤمنين‪.‬‬
‫قول جميع أهل اللغة‪ :‬قال أبو عبلد الل بلن بطلة‪ :‬سلمعت أبلا عمللر‬
‫محمد بن عبد الواحد صاحب اللغة يقول‪ :‬سمعت أبللا العبللاس أحمللد بلن‬
‫يحيى ثعلبًا يقول في قوله تعالى‪} :‬وكان بالمؤمنين رحيم لا ً‬
‫* تحيتهم يوم يلقونه سلم{ ]الحزاب‪[44:‬‬
‫أجمع أهل اللغة‪ ،‬على أن اللقاء ها هنا ل يكببون إل معاينببة ونظببرًا‬
‫بالبصار‪ ،‬وحسبك بهذا السناد صحة‪.‬‬
‫قال‪ :‬واللقاء ثابت بنص القرآن كما تقدم‪.‬‬
‫وبالتواتر عللن النللبي صلللى الل عليلله وسلللم‪ ،‬وكللل أحللاديث اللقللاء‬
‫صحيحة ثم ساق أحاديث أخرجها البخاري ومسلم )‪ ((84‬اهل‬
‫قال شارح الطحاوية ابن أبي العز الحنفي‪ ) :‬وقد قال بثبوت الرؤية‬
‫الصحابة والتابعون وأئمة السلم المعروفون بالمامة في الدين وسائر‬
‫الطوائف المنسوبون إلى السنة والجماعة‪ ،‬وبقللول الطحللاوي‪ :‬والرؤيببة‬
‫حببق لهببل الجنببة‪ ،‬بغيببر إحاطببة ول كيفيببة كمببا نطببق بببه كتبباب ربنببا‪:‬‬
‫}وجوه يومئذ ناضرة إلللى ربهللا نللاظرة{ وتفسلليره‬
‫على ما أراده ال وعلمه وكل ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح عن‬
‫رسول ال‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬فهو كما قال‪ ،‬ومعناه على ما أراد‪ ،‬ل‬
‫ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ول متوهمين بأهوائنللا‪ ،‬فللإنه مللا سلللم فللي‬
‫دينه إل من سلم ل عللز وجللل ورسللوله ورد علللم مللا اشللتبه عليلله إلللى‬
‫عالمه()‪ .(85‬أهل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فرسول ال‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬الذي أخرج الل بلله النللاس‬
‫من الكفر والشرك والجهل‪ ،‬إلى نور السلم‪ ،‬يبشر أمته بأنهم سلليرون‬
‫ربهم يوم القيامة بأبصارهم عيانًا‪ ،‬ويقول لهم‪» :‬إنكم سترون ربكم كمببا‬
‫ترون القمر ليلة البدر‪ ،‬وكما ترون الشمس صحوًا ل تضارون«‪ ،‬وفي‬
‫رواية »ل تضامون في رؤيتببه«‪ ،‬وفللي روايللة أبللي هريللرة‪ ،‬إن النللاس‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول ال هل نرى ربنا يوم القيامة؟‪ ،‬وفي حديث أبللي سللعيد‪،‬‬
‫قلنا يا رسللول الل هلل نلرى ربنلا يلوم القيامللة؟ثلم يلأتيهم الجللواب ملن‬
‫الصللادق المصللدوق لمللن سللألوه مباشللرة‪» :‬هببل تضببارون فببي رؤيببة‬
‫الشمس والقمر إذا كانت صحوًا ؟ قلنا ل‪ ،‬قال‪ :‬فببإنكم ل تضببارون فببي‬
‫رؤية ربكم يومئذ إل كما تضارون في رؤية أحدهما«‪.‬‬

‫)( حادي الرواح‪420-412 :‬‬ ‫‪84‬‬

‫)( شرح الطحاوية ‪.1/208‬‬ ‫‪85‬‬


‫فنقول‪ :‬للخليلي‪ -‬وأمثاله‪ -‬وهو قد طلب المحاكمة إلى اللل ورسللوله‬
‫عند التنازع‪ ،‬فهذا حكم ال كما سللبق ذكللر اليللات الكريمللة فيلله‪ ،‬وهللذا‬
‫حكم رسوله‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬أوردناه من أصح كتللاب بعللد كتلاب‬
‫ال عز وجل وهو صحيح البخاري‪ ،‬فهذا قول الصادق المصدوق الذي‬
‫ل ينطق عن الهوى‪ ،‬وأفصللح مللن نطللق بالضلاد‪ ،‬وقللد أجللاب أصللحابه‬
‫رضوان الل عليهللم علللى سللؤالهم‪ ،‬وهللم أفصللح العللرب‪ ،‬ففهمللوا ذلللك‬
‫واستبشروا به‪ ،‬وآمنوا به‪ ،‬وصدقوا رسول ال‪ -‬صلى ال عليلله وسلللم‪-‬‬
‫فيما أخبرهم بلله‪ ،‬وتبعهللم علللى ذلللك سلللف هللذه المللة‪ ،‬كمللا سللبق نقللل‬
‫إجماع الصحابة والتابعين وأئمة السلم على ذلك‪ ،‬فهل ترضى وتسلللم‬
‫بحكم ال ورسوله كما قررت في كتابك هذا أكثر من مرة التحللاكم إلللى‬
‫ال ورسوله عند الختلف؟‬
‫ولكن الخليلي ل يسلم لحكم ال ورسوله ول يرضللى بهملا‪ ،‬بلل إنلله‬
‫يرد هذه النصللوص‪ ،‬ويصللرح بتكللذيبها‪ ،‬لمخالفتهللا لعقللله وهللواه الللذي‬
‫جعله معيارًا لعللرض النصللوص عليلله‪ ،‬مللع أنلله يعيللب علللى أصللحاب‬
‫المدرسة العقلية ذلك‪ ،‬وأدعو القارئ أن ل يضيق صللدره بهللذا التعللبير‬
‫حتى يقرأ في هذه الصفحة كلم الخليلي‪.‬‬
‫إن المؤلف الخليلي أورد هذه النصوص من الصللحيحين‪ ،‬وبعللد أن‬
‫أورد رواية أبي هريرة التي سبق نصها قال في )ص‪ (56:‬سطر ‪ 6‬من‬
‫أسفل‪) :‬وجاء بألفللاظ مختلفللة عنللد الشلليخين وغيرهمللا ومثللله فللي ذلللك‬
‫حديث أبي سعيد عند الشيخين كذلك‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأنت أيها القارئ الكريم تدرك ببصيرتك‪ ،‬أن الخللذ بظللواهر‬
‫هذه النصللوص يفضللي إلللى مللا يللرده العقللل ويكللذبه البرهللان كمللا هللو‬
‫واضح( اهل‪.‬‬
‫ونقول‪ :‬نعوذ بال من الخذلن واتباع الهوى الللذي يللؤدي بصللاحبه‬
‫إلى هذا التصريح الوقح‪ ،‬الذي يرد به كلم رسول ال صلللى ال ل عليلله‬
‫وسلللم‪ ،‬بللل يص لّرح بللأن الخللذ بظللاهر كلم رسللول ال ل الثللابت فللي‬
‫الصحيحين وغيرهما يكذبه البرهان‪.‬‬
‫ونناقش المؤلف الخليلي في هذه القضية بعينها فيما قرره هو ونعى‬
‫على من اتبع هذا المسلك في رد النصوص‪ ،‬بتقللديم عقللله عليهلا‪ ،‬أو أن‬
‫الخللذ بظاهرهللا يللرده العقللل ويكللذبه البرهللان‪ ،‬أو أن الخللذ بظاهرهللا‬
‫كفر‪ ،‬وهو كقول من يقول الخذ بها يكذبه البرهان‪.‬‬
‫يقول المؤلف الخليلي الذي ينعت طائفته الباضية بأنهم أهللل الحللق‬
‫والستقامة‪ ،‬قال فللي )ص‪ (7 :‬و )ص‪ (8 :‬السللطر الخيللر مللن أولهللا‪:‬‬
‫)تمتاز عقيدة الباضية بثلثة أمور‪:‬‬
‫ا‪ -‬سلمة المنزع‪ :‬فإنهم جمعوا في الستدلل على صحة معتقداتهم‬
‫بين صحيح النقل وصريح العقللل‪ ،‬فللم يضلربوا بالنصلوص الصلحيحة‬
‫عللرض الحللائط بمجللرد تعارضللها مللع مقتضللى العقللل كمللا هللو شللأن‬
‫أصللحاب المدرسلة العقليلة اللذين جعللوا العقلل أسللمى وأقللدس وأصلح‬
‫وأثبت مما جاء به النبيون عن ال عز وجل‪ ،‬فعولوا عليه فللي التحسللين‬
‫والتعليل والحكم‪ .‬الخ ما قال(‪ ،‬هذا كلم الخليلي‪.‬‬
‫فبال عليك يا خليببل الجهميببة والمعتزلببة كمببا قلببت ذلببك‪ ،‬أن تبببين‬
‫للقارئ الفرق بين قولك الذي سبق نصه وهو قولك‪ :‬إن الخببذ بظبباهر‬
‫ما رواه البخاري ومسلم عن رسول ال‪ -‬صلى ال عليه وسببلم‪ -‬يببرده‬
‫العقل ويكذبه البرهان‪.‬‬
‫وبين ما تعيبه وتنتقببده علببى أهببل المدرسببة العقليببة الببذين جعلببوا‬
‫العقل أسمى وأقدس وأصح وأثبت مما جبباء بببه النبببيون عببن الب عببز‬
‫وجل؟ ألم تجعل عقلك أسمى وأقدس وأصح وأثبت مما جاء به الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم؟ أليس رسول ال‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬هو خللاتم‬
‫النبييلن وأفضلهم؟ فلماذا تجعل عقلك أسمى وأقدس وأصح وأثبللت ممللا‬
‫جاء به محمد‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬فتقول‪ :‬إن الخذ بظاهر ما جاء به‬
‫وثبت عنه في الصحيحين وغيرهما يرده عقلك ويكذبه برهانك؟‪.‬‬
‫َأَما تستغفر ال وتتوب إليلله مللن هللذه الجللرأة علللى رسللول الهللدى‪-‬‬
‫صلى ال عليه وسلم‪.-‬‬
‫ونزيدك أيها القارئ الكريم من تناقضات الخليلي‪:‬‬
‫فقللد جللاء فللي )ص‪ (8 :‬السللطر ‪ 4‬مللن أسللفل عيبلله وتشللنيعه علللى‬
‫الصاوي‪.‬‬
‫وأهللل السللنة والجماعللة المتبعللون لمنهللج السلللف يعيبللون علللى‬
‫الصاوي ويردون عليه قوله‪ ،‬ولكنهم للم يسلقطوا فلي حملأته كملا سللقط‬
‫فيها الخليلي؛ لن الخليلي والصاوي يستقيان جميعًا مللن ظلمللات الللذين‬
‫يقدسون عقولهم ويقدمونها على نصوص الوحي‪.‬‬
‫يقول الخليلي‪ -‬وهو يذكر المر الثاني الذي امتلازت بله الباضللية‪،‬‬
‫وهللو عللدم التعصللب لئمتهللم تعصللبًا يجعلهللم يتصللاممون عللن النقللول‬
‫الصللحيحة‪- ،‬كمللا يقللول‪ -‬قللال‪) :‬ومللن أبشللع مللا وجللدناه فللي ذلللك قللول‬
‫العلمة الصاوي في حاشيته على تفسير الجللين‪ »:‬ول يجوز تقليد ما‬
‫عدا المبذاهب الربعبة ولببو وافبق قبول الصبحابة‪ ،‬والحبديث الصبحيح‬
‫والية‪ ،‬فالخارج عن المببذاهب الربعببة ضببال مضببل‪ ،‬وربمببا أداه ذلببك‬
‫للكفر‪ ،‬لن الخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر«اهل‬
‫ل للصلاوي فلي مقلالته الشلنيعة هلذه؟ فهببو‬ ‫ونقللول لللك‪ :‬ألسللت خلي ً‬
‫يقول‪ »:‬الخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر«‪.‬‬
‫وأنت تقول‪» :‬الخذ بظاهر ما ثبت في الصحيحين عن رسول ال‪-‬‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ -‬يرده العقل ويكذبه البرهان«‪.‬‬
‫فإذا كان عقلك وبرهانك يكّذب ما ثبت عن رسول ال ‪ -‬صلللى الل‬
‫عليلله وسلللم‪ ،‬فمللا الفللرق بيللن قولللك وقللول الصللاوي؟ } فإنها ل‬
‫تعمى البصار ولكن تعمى القلللوب الللتي فللي‬
‫الصدور{‪.‬‬
‫إنه ل فرق بين قولك وقوله إل في اللفللظ فقللط‪ ،‬فتكللذيب النصللوص‬
‫الثابتة هو الكفر بها‪ ،‬لنك تصّرح بلفظ التكذيب بعد الرد فتقول‪ :‬الخللذ‬
‫بظاهر هذه النصوص يرده العقل ويكذبه البرهان؟‬
‫ولهذا نسأل المؤلف الخليلي عن النصوص التي يريد التحللاكم إليهللا‬
‫عند الختلف مللا هللي‪ ،‬فللإنه قللد الللتزم بالتحللاكم إلللى كتللاب الل وسللنة‬
‫رسوله الصحيحة‪ ،‬ولكن كما رأيت‪ ،‬أّول اليات‪ ،‬ورد الحللاديث‪ ،‬فهللل‬
‫هناك نصوص غير الكتاب والسنة يريد التحاكم إليها؟‬
‫قللال في )ص‪ (6:‬وأعيد نصه للقارئ ليعلللم أن مللا قلتلله هللو الحللق‬
‫وهذا يوضح أن الخليلي يقول ذلك بلسللانه وقلملله‪ ،‬ليخللدع ويلبللس علللى‬
‫القللارئ‪ ،‬لنلله ل يللؤمن بتلللك الللدعوة وهللي التحللاكم إلللى كتللاب اللل‪،‬‬
‫وصحيح السللنة‪ ،‬بعللد أن رأيللت رده لهللذه النصللوص‪ ،‬وقللد كللان يشللكو‬
‫اختلف المة بعد أن حّذرها ال من ذلك وأن ل يفرقوا دينهللم ويكونللوا‬
‫شيعًا وأحزابًا كالمم السابقة‪ ،‬حيث قلال‪):‬وملع ذللك فللم تسللم ملن هلذا‬
‫الللداء العضللال الللذي أصللاب غيرهللا مللن المللم‪ ،‬غيللر أن الل سللبحانه‬
‫اختصها بأن حفظ لها كتابها المنزل عليها من تحريف العابثين‪ ،‬وتبللديل‬
‫المنللاوئين‪ ،‬تحقيقللًا لوعللده الصللادق‪} :‬إنا نحن نزلنا الللذكر‬
‫وإنا له لحافظون{ ]الحجر‪ [9 :‬ومكن لها من معرفة الصللحيح‬
‫الثابت من سنة رسوله عليه الصلة والسلللم‪ ،‬وجعللل لهللا َمخلصلًا مللن‬
‫الشللقاق والنللزاع بالحتكللام إلللى اللل ورسللوله حيللث قللال‪} :‬فإن‬
‫تنازعتم في شيء فردوه إلى الللله والرسللول‬
‫إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الخر ذلللك خيللر‬
‫وأحسن تأويل ً{ ]النساء‪[59 :‬‬
‫قال‪):‬ول يكون الحتكام إلى الل إل بللالرجوع إلللى كتللابه‪ ،‬فتسللتلهم‬
‫منه الحقيقة ويستبان به الحق‪ ،‬وكذلك الحتكللام إلللى رسللول صلللى الل‬
‫عليه وسلم ل يعني إل الرجوع إلى سنته الثابتة الصحيحة(اهل‪.‬‬
‫ولكنه كما رأيت‪ ،‬يؤول اليات‪ ،‬ويرد السنة الصللحيحة‪ ،‬فيقللول‪ :‬إن‬
‫الخذ بظواهرها يرده العقل ويكذبه البرهان‪.‬‬
‫ل من تلبيسه هذا وصللرح بلأن التحللاكم‬ ‫ولو أنه قال في )ص‪ (6 :‬بد ً‬
‫عند الختلف إلى عقله هو وبرهللانه‪ ،‬لنلله أصللح وأثبللت وأقللدس ممللا‬
‫جاء به النبي صلى ال عليه وسلم عنده‪ ،‬لكان كلمه مطابقًا لفعله‪ ،‬ومللا‬
‫دعا إليه‪.‬‬
‫هذا ما يتعلق بنفي الخليلي‪ ،‬لرؤية المؤمنين ربهللم يللوم القيامللة فللي‬
‫جنللات النعيللم‪ ،‬وقللد اتضللح لللك أيهللا القللارئ الكريللم أن الخليلللي يللرد‬
‫النصللوص بعقللله‪ ،‬وأنلله ل دليللل عنللده وعنللد أسلللفه علللى نفللي رؤيللة‬
‫المؤمنين ربهم يوم القيامة‪ ،‬فل آيللة ملن كتلاب الل محكمللة‪ ،‬ول روايللة‬
‫عن رسول ال صحيحة أو سقيمة كما قال المام ابن جرير في تفسيره‪:‬‬
‫قال‪:‬‬
‫)ولهببل هببذه المقالببة مسببائل فيهببا تلبببيس كرهنببا ذكرهببا وإطالببة‬
‫الكتاب بها وبببالجواب عنهبا‪ ،‬إذ لببم يكبن قصبدنا فبي كتابنببا هبذا قصببد‬
‫الكشف عن تمويهاتهم بل قصدنا فيبه البيبان عبن تأويبل آي الفرقببان‪،‬‬
‫ولكن ذكرنا القببدر الببذي ذكرنببا ليعلببم النبباظر فببي كتابنببا هببذا‪ ،‬أنهببم ل‬
‫يرجعون من قولهم إّل إلى ما لبس عليهببم الشببيطان ممببا يسببهل علببى‬
‫أهل الحق البيان عن فساده‪ ،‬وإنهم ل يرجعون في قولهم إلى آيببة مببن‬
‫التنزيببل محكمببة ول روايببة عببن رسببول ال ب صببلى ال ب عليببه وسببلم‬
‫صببحيحة ول سببقيمة‪ ،‬فهببم فببي الظلمببات يخبطببون‪ ،‬وفببي العميبباء‬
‫يترددون‪ ،‬نعوذ بال من الحيرة والضللة()‪ (86‬اهل‬
‫وبعد كشف تلبيسات الخليلي الباضي وتمويهه على قرائه في بللاب‬
‫الرؤية‪ ،‬من كتابه هذا الذي أسماه » الحق الدامغ« وما جاء في رسللالته‬
‫رقللم )‪ (4‬الللتي أسللماها »غببرس الصببواب فببي قلببوب الحببباب« وهللي‬
‫ملخص لبحث الرؤية من كتابه هذا‪ ،‬وهي جللديرة بللأن تسللمى »غببرس‬
‫الباطل في قلب الجاهل والغافل« ولكن بحمد ال وحسن توفيقه فإن مللن‬
‫تيسر له قراءة هذا الرد سيتضح له إن كل ما أورده الخليلللي الباضلللي‬
‫في الكتاب والرسالة على نفي رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة‪ ،‬ضلللل‬
‫وباطل أتلي عليهلللما فلي هلذا البحلث المختصللر المبلارك نلوُر الهللدى‬
‫ق فأصبحتا بحمد ال أثللرًا بعللد عيللن‪ ،‬وصللدق الل جللل فللي عله‪:‬‬ ‫والح ّ‬
‫}بل نقذف بالحق علللى الباطللل فيللدمغه فللإذا‬
‫هو زاهق{ ] النبياء‪ ،[ 18:‬وأعني بالهدى والحق هنا ما جاء في هذا‬
‫البحللث مللن النصلوص الصللريحة ملن كتلاب الل الكريللم‪ ،‬وملن السلنة‬
‫الصحيحة من كلم خير النام وأقوال الصحابة الكللرام‪ ،‬والتللابعين لهللم‬
‫بإحسان من علماء النام‪ .‬ففيها كشف ذلك الجهل السابغ الللذي جللاء فللي‬
‫هذا الكتاب الذي أسماه بالحق الدامغ‪.‬‬
‫وإليك أيها القارئ الكريم أسماء بعللض الكتللب المصللنفة فللي إثبللات‬
‫رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة فللي جنللات النعيللم‪ ،‬فقللد أفردهللا بعللض‬
‫العلماء بمؤلف خاص‪ ،‬وكذلك بعض المصنفين من أهل السنة ذكروهللا‬
‫في مؤلفاتهم‪ ،‬وكذلك أصحاب الصحاح والسللنن أفللردوا لهللا أبوابلًا فللي‬
‫مؤلفاتهم‪ ،‬فأوردوا تحتها الحاديث والثار الواردة في ذلك‪ ،‬للرد علللى‬
‫هؤلء المبتدعة الذين ينفون نصوص الكتاب والسنة بعقولهم‪.‬‬
‫)( تفسير ابن جرير ‪.303 /7‬‬ ‫‪86‬‬
‫فممن أفردها بمؤلف خاص‪:‬‬
‫)‪(87‬‬
‫• المام الدارقطني‪ ،‬فله »كتاب الرؤية«‬
‫• والمام أبو نعيم الصبهاني‪.‬‬
‫• والمام الجري‪ -‬له كتاب‪ »:‬التصديق بالنظر«)‪.(88‬‬
‫أما المصنفون الذين ذكروا أحاديث الرؤية في مصنفاتهم فمنهم‪:‬‬
‫• المام ابن بطة‪.‬‬
‫• الللكائي‪ ،‬في كتابه‪ -‬شللرح أصلول اعتقلاد أهلل السلنة‪ ،‬المجللد‬
‫الثلاني ص )‪ (533-454‬قللال‪ :‬سللياق ملا فسللر مللن اليلات فللي‬
‫كتللاب ال ل عللز وجللل أن المللؤمنين يللرون ربهللم يللوم القيامللة‬
‫بأبصلللارهم‪ ،‬كملللا أتبلللع ذللللك بالحلللاديث وأقلللوال الصلللحابة‬
‫والتابعين‪ .....‬الخ‪.‬‬
‫• وابن شاهين‪.‬‬
‫• وقبلهم‪ :‬عبد ال بن أحمد بن حنبل في كتابه‪ » :‬السنة« )‪.(89‬‬
‫• والمام الدارمي في رده على الجهمية‪ ،‬تحت باب)‪ (90‬الرؤية‪.‬‬
‫• وحنبل بن إسحاق‪.‬‬
‫• والخلل‪.‬‬
‫• والطبراني‪.‬‬
‫ل‪.‬‬‫ل طوي ً‬ ‫• وابن منده في كتابه »اليمان« )‪ (91‬ذكر في ذلك فص ً‬

‫)( مطبوع‪ ،‬سنة ‪1411‬هل مكتبة المنار تحقيق‪ :‬إبراهيم محمد العلي‪ ،‬وأحمد فخري‪.‬‬ ‫‪87‬‬

‫)( مطبوع‪ ،‬تحقيلق محمللد حاملد الفقلي‪ ،‬وهلو الجلزء السلابع ملن كتلاب الشلريعة‪.‬‬ ‫‪88‬‬

‫الناشر‪ :‬أنصار السنة‪.‬‬


‫)( مطبوع‪ ،‬بتحقيق الدكتور محمد سعيد القحطاني‪ 239 /1 ،‬من ح ‪.487 -411‬‬ ‫‪89‬‬

‫)( الرد على الجهمية‪ ،‬تحقيق بدر البدر‪ ،‬الدار السلفية‪ ،‬تحت عنوان»باب الرؤيللة«‪.‬‬ ‫‪90‬‬

‫)ص ‪(109 -87‬‬


‫)( مطبوع‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬ ‫‪91‬‬
‫• وابن منده في رده على الجهمية )‪ (92‬بدأ بذلك في أوله‪.‬‬
‫• وابن أبي عاصم‪ ،‬في »السنة«‪ (93) .‬قللال فللي )ص‪ :(95 :‬بللاب‬
‫ما ذكر عن النبي‪ -‬صلى ال عليلله وسلللم‪ -‬كيللف نللرى ربنللا فللي‬
‫الخرة‪.‬‬
‫• وابن القيم في حادي الرواح‪.‬‬
‫• وأصحاب الصحاح منهم‪:‬‬
‫• المام البخاري في كتللابه الصللحيح‪ -‬فللي كتللاب التوحيللد‪ -‬تحللت‬
‫باب }وجوه يومئذ ناضرة‪ .‬إلى ربها ناظرة {‬
‫)‪.(94‬‬
‫• والمام مسلللم فللي صللحيحة فللي كتللاب»اليمللان« بللاب معرفللة‬
‫طريق الرؤية)‪.(95‬‬
‫• ومن أصحاب السنن‪:‬‬
‫• المام أبو داود‪ /‬قال في كتاب السنة‪ -‬من كتابه ج ‪ :97 /5‬بللاب‬
‫في الرؤية‪.‬‬
‫• والمام ابن ماجه في المقدمة – باب فيما أنكرت الجهمية‪ ،‬وبللدأ‬
‫بأحاديث الرؤية‪.‬‬
‫وغير هؤلء من العلماء من أهل السنة والجماعة‪ ،‬وإنما ذكرنا ذلك‬
‫ليرجع إليه من شاء‪ ،‬فإن أهل السنة في كللل زمللان ومكللان‪ ،‬ل يللتركون‬
‫لهؤلء المبتدعة تلبيسهم وتدليسهم على المسلمين‪ ،‬وإنما يكشفون زيفهم‬
‫ويبينون أغلطهم‪ ،‬بما جاء في كتاب ال وسنة رسوله‪ -‬صلى ال عليلله‬
‫وسلم‪ -‬وأقوال الصحابة والتابعين من أهل القرون المفضلة الللذين شللهد‬
‫)( الطبعة الثانية‪1403 ،‬هل بدأ بذلك في أوله ص ‪.35‬‬ ‫‪92‬‬

‫)( مطبوع‪ ،‬تحقيق اللباني‪.‬‬ ‫‪93‬‬

‫)( فتح الباري ‪.419 /13‬‬ ‫‪94‬‬

‫)( صحيح مسلم كتاب اليمان ‪.167 /1‬‬ ‫‪95‬‬


‫لهللم رسللول الل ‪ -‬صلللى الل عليلله وسلللم‪ -‬بالخيريللة كمللا فللي صللحيح‬
‫البخللاري وغيللره‪» :‬خيببر النبباس قرنببي ثببم الببذين يلببونهم ثببم الببذين‬
‫يلونهم‪ .«..‬الحديث )‪.( 96‬‬
‫والحمد لله أول ً وآخرًا‪ ،‬وإلى البحث التالي‪،‬‬
‫لدحض دعوى الخليلي في أن القرآن مخلوق‪،‬‬
‫وهو عند أهل السنة كلم الله وصفة من صفاته‪،‬‬
‫والله بذاته وصفاته واحد أحد‪ ،‬لم يلد ولم يولد‪،‬‬
‫ولم يكن له كفوا ً أحد‪ .‬وصلى الله على نبينا‬
‫محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ً كثيرًا‪.‬‬

‫‪ ()96‬البخاري‪ /‬فضائل أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم‪،‬ح)‪.(3651‬‬


‫الجزء الثاني‬

‫)‪(97‬‬
‫الرد ّ على دعواه خلق القرآن‬
‫طلللع عليلله سللماحة شلليخنا ‪ /‬عبللد العزيللز بللن بللاز‬
‫)( سبق طبللع الجللزء الول‪ ،‬وا ّ‬ ‫‪97‬‬

‫‪-‬رحمه ال‪ ، -‬وكان يسأل عن إكمال الللرد علللى دعللوى )خلللق القللرآن( و)تخليلللد‬
‫العصاة في النار( ولم يتيسر ذلك في حياته ‪ ،‬وبحمد ال فقد أعان ال على إتمامه‪،‬‬
‫وها هما يصدران مع الجزء الول في هذا الكتاب‪.‬‬
‫وهي القضية الثانية‬
‫سبق في الجزء الول الرد على إنكار الخليلي رؤية المؤمنين ربهللم‬
‫يوم القيامة‪ ،‬وسيجد القارئ الكريم في هذا الجزء الرد على دعللواه »خلببق‬
‫القرآن« وفي الجزء الذي يليه الرد على دعواه» تخليد الفساق في النار«‬
‫بالدلللة القاطعللة مللن كتللاب ال ل وسللنة رسللوله ‪ ،r‬وأقللوال سلللف المللة‬
‫وأتباعهم‪.‬‬
‫كما سيجد الرد على القائلين بخلق القرآن من علماء بارزين من علمللاء‬
‫الباضية‪ ،‬ممن أثنى عليهم وشهد لهلم بلالعلم والتحقيلق الخليللي نفسله‪ ،‬مثلل‬
‫الشيخ أبي بكلر أحملد بلن النضلر العملاني‪ ،‬صلاحب اللدعائم‪ ،‬فلي قصليدته‬
‫وعنوانها‪:‬‬
‫» الرد على من يقول بخلق القرآن «‬
‫ومطلببعبببببببها‪:‬‬
‫ل ويثبت خلقه بلسان‬ ‫جه ً‬ ‫يا من يقول بفطرة القرآن‬
‫ببدائع التكليف والبهتان‬ ‫ل تنحل القرآن منك تكلفًا‬
‫أو في الرواية فأِتَنا ببيان‬ ‫هببل فببي الكتبباب دللببة مببن‬
‫القصيدة‪ ،‬وهي تقع في خمسة وسبعين بيتًا‪ ،‬وقد رأيللت مللن‬‫إلى آخر خلقه‬
‫المناسللب تصللوير القصلليدة بكاملهللا مللن الكتللاب المللذكور‪ ،‬طبللع وزارة‬
‫اللتراث القلومي والثقافلة بسللطنة عملان‪ ،‬وسليجدها القلارئ فلي ملحلق‬
‫الكتاب‪ ،‬ملحق رقم ‪. 1‬‬
‫((‬ ‫))‬

‫وقلللد شللرح كتللاب » الببدعائم « ومللن ضللمنه هللذه القصلليدة‪ ،‬العللالم‬


‫الشيخ محمدبن وصاف الفقيه العماني الباضي ل كما وصفوه بللذلك ل ل فللي‬
‫مجلدين‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد المنعم عامر‪ ،‬نشللر وزارة الللتراث القللومي والثقافللة‬
‫بسلطنة عمان‪.‬وهي فللي الجللزء الول‪ ،‬وقللد رأيللت تصللوير القصلليدة مللع‬
‫شلِرحت مللن مخللالف للباضللية‪ ،‬وهللي‬ ‫شرحها حتى ل يقال‪ :‬إن البيللات ُ‬
‫موجودة في ملحق الكتاب‪ ،‬ملحق رقم ‪. 2‬‬
‫((‬ ‫))‬

‫وهناك شاهد ثالث ل شهد له الخليلي نفسه بلالعلم والتحقيلق لل هلو الشليخ‬
‫أبو الحسن علي بن محمد البسيوي‪ ،‬صاحب كتاب »الجامع« فقد رد على من‬
‫يقول بخلق القرآن في كتابه هذا ردًا مقنعًا بالدلة من القرآن‪ ،‬وبالدلة العقليللة‪،‬‬
‫كما سيجد القارئ ذكر ذلك في مكلانه المناسلب ملن هلذا الكتلاب‪ ،‬ملع صلور‬
‫لبعض الوراق التي فيها التصريح بالرد القوي علللى القللائلين بخلللق القللرآن‪،‬‬
‫ومن المقدمة التي ذكر فيها المحقلق ثنللاء الخليللي عللى الكتلاب وملؤلفه‪ ،‬فلي‬
‫الملحق رقم ‪. 3‬‬
‫((‬ ‫))‬

‫وكل هذه الكتللب مللن نشللر وزارة الللتراث القللومي والثقافللة بسلللطنة‬
‫عمان‪ ،‬والتي ل يستطيع الخليلي الطعن فيها‪ ،‬وهي تللرد علللى مللن يللدعي‬
‫من الباضية المتأخرين أن قصيدة أبي النضر أدخلت في كتابه » الدعائم‬
‫«؛ لن هللذه الللدعوى ل قيمللة لهللا مللع شللرح القصلليدة مللن العللالم الفقيلله‬
‫شلر‬‫الباضي محمد بن وصاف‪ ،‬ومما يؤكد ذلك قول العالم البسيوي‪ ،‬ثلم َن ْ‬
‫هذه الكتب من الوزارة المسؤولة عللن الللتراث القللومي والثقافللة‪ ،‬وقلد أقلر‬
‫الخليلي نفسه في كتابه هذا )ص ‪ (108‬بنسبة هذه الكتللب الللتي فيهللا الللرد‬
‫علللى القللائلين » بخلللق القللرآن« فقللد مثللل بللل‪ :‬الجللزء الول مللن »بيللان‬
‫الشلرع«‪ ،‬والجللزء الول ملن »الكشللف والبيللان«‪ ،‬و»ديللوان المللام ابلن‬
‫النضر«‪.‬‬
‫أما الرد فقد سلكت في ذلك‪ ،‬إيراد الشبهة التي يسللتند إليهللا الخليلللي‪،‬‬
‫ووجهة استدلله‪ ،‬ثم الرد عليها بالدلة ملن الكتلاب والسلنة وأقلوال سللف‬
‫المة‪ ،‬وكشف مغالطاته التي يسلللكها‪ ،‬وبيللان أسلللوبه فللي تلللك المغالطللة‪،‬‬
‫كنسبته القوال إلى غير أهلها‪ ،‬مع بيان اطلعلله عليهللا وفهملله لهللا‪ ،‬إذ ل‬
‫ل وهللو بريللء منلله‪ ،‬فللال يقللول‪:‬‬ ‫يجللوز لمسلللم أن ينسللب إلللى مسلللم قللو ً‬
‫}ومن يكسب خطيئة أو إثم لا ً ثللم يللرم بلله بللريئا ً‬
‫فقد احتمل بهتانا ً وإثما ً مبينا ً{)‪ ] (98‬النساء ‪.[ 112‬‬
‫وفيما يلي البدء بالرد على ما جاء في المقدمة‪:‬‬

‫)‪ (1‬في أثناء كتابة هذا الرد على كتاب الخليلي‪ ،‬المسمى ))الحق الللدامغ(( وصلللتني‬ ‫‪98‬‬

‫رسالة في سلسلة رسائل في تصحيح الفكر العقدي )‪ (1‬بعنوان‪ :‬العقيدة السببلمية فببي‬
‫ضوء العقل والنقل‪)) ،‬مختصر الحق الدامغ ومواضيع أخرى(( تأليلف‪ :‬ناصر بن مطر‬
‫بن سعيد المسقري‪ ،‬الطبعة الولى ‪ ،1418‬تقع في ‪ 73‬صفحة‪ .‬وقد قرأتها فلم أجد فيهلا‬
‫جديدًا غير ترديلد ملا أورده الخليللي فلي كتلابه الملذكور‪ ،‬فكلان هلذا الكتلاب ردًا عللى‬
‫الكتاب المسمى ‪ :‬الحق الدامغ‪ ،‬وعلى مختصره‪ .‬والحملللد ل رب الللعاللللمين‪.‬‬
‫المبحث الول‬
‫ماورد في المقدمة من صب )‪99‬ب ‪(104‬‬
‫قال الخليلي‪) :‬المقدمة في التعريف‪:‬‬
‫‪1‬ل بالخلق‪.‬‬
‫‪2‬ل وبالقرآن‪.‬‬
‫‪3‬للل والتفرقللة بيللن القللرآن وسللائر الكتللب المنزلللة وبيللن الكلم‬
‫النفسي(‪.‬‬
‫وإليك أيها القارئ الكريم الباحث عن الحق‪ ،‬ما أورده الخليلي‬
‫تحت هذه العناوين الثلثة‪ ،‬ثم مناقشته فيما أورده‪ ،‬وبيان ما تعمد فيه‬
‫المغالطة لمن ليدرك ذلك‪.‬‬
‫ل‪ :‬تعريف الخلق‪ :‬علّرف الخللق لغلة واصلطلحًا‪ ،‬ثلم بيلن أنله مملا‬ ‫أو ً‬
‫اختص ال به‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬إن هذا مما ل خلف فيه بين أهل السللنة والجماعللة سلللف‬
‫هذه المة وأتباعهم‪.‬‬
‫وأما أهل البدع فقد أشركوا في هذا النوع من التوحيببد الببذي هببو‬
‫توحيد الربوبية‪ ،‬وهو توحيد الب بأفعبباله‪ ،‬كببالخلق والببرزق والحيبباء‬
‫والماته‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫حيث قال المعتزلة في أحد أصولهم الخمسببة المسببمى »العببدل«‪:‬‬
‫إن العبد يخلق أفعاله)‪.(99‬‬
‫والخليلي يقول بقولهم في جميع ما يببذهبون إليببه فببي عقببائدهم‪،‬‬
‫ومن ذلك القببول بخلببق العببباد أفعببالهم‪ ،‬وبوجببوب تنفيببذ الوعيببد وهببو‬
‫خلود العصاة في النار‪ ،‬كمببا أورده فببي كتببابه هببذا‪ ،‬وإذا كببان الخليلببي‬

‫)( الصول الخمسة للقاضي عبللد الجبللار المعللتزلي )ص ‪ ،(301‬الطبعللة الولللى )‬ ‫‪99‬‬

‫‪1384‬هل(‪ ،‬الناشر مكتبة وهبة‪.‬‬


‫يوافق أهل السنة والجماعة أن صببفة »الخلببق« ممببا اختببص الب بهببا‬
‫ولم يشاركه في ذلك أحد‪ ،‬فهذا تناقض منه‪ ،‬ولكنها الفطرة الببتي فطببر‬
‫ال عليها الخلق جاءت على قلمه في هذا الموضع‪.‬‬
‫ي شيٍء خلق ال هذه المخلوقات كلهللا السللموات‬ ‫فالسؤال هو‪ :‬بأ ّ‬
‫والرض والبحار والشجار والحيوانات والبشر وسائر المخلوقات؟‪.‬‬
‫إن أهللل السللنة والجماعللة يقولللون‪ :‬إن الل خلللق المخلوقللات كلهللا‪،‬‬
‫بكلمه‪.‬‬
‫ن« فيكون‪.‬‬ ‫وهو قوله للشيء إذا أراده »ُك ْ‬
‫كما قال تعالى في الرّد على منكري البعث‪:‬‬
‫ن‬‫مل ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه قللا َ‬ ‫قل ُ‬ ‫خل ْ َ‬‫ي َ‬‫سل َ‬‫ون َ ِ‬ ‫ب ل َن َللا َ‬
‫مث َل ً َ‬ ‫ض لَر َ‬‫و َ‬‫} َ‬
‫ذي‬ ‫هللا ال ّل ِ‬
‫حيي َ‬ ‫ل يُ ْ‬ ‫قل ْ‬‫م‪ُ .‬‬‫مي ْل ٌ‬‫ي َر ِ‬‫هل َ‬ ‫و ِ‬‫م َ‬ ‫ع َ‬
‫ظا َ‬ ‫حيي ال ْ ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫أنشأها أول مرة وهو بكللل خلللق عليللم‪ {...‬إلللى‬
‫قوله‪ ...} :‬إنما أمره إذا أراد شيئا ً أن يقول له كن‬
‫فيكون{ ]يس ‪78‬ل ‪.[ 83‬‬
‫ن«‬ ‫وهكذا خللق الل جميلع المخلوقلات وأوجلدها بقلوله للشليء »ُكل ْ‬
‫فيكون‪.‬‬
‫قال تعلللالى‪} :‬خلق السموات بغير عمللد ترونهللا‬
‫وألقى في الرض رواسي أن تميد بكللم وبللث‬
‫فيهللا مللن كللل داب ّللة وأنزلنللا مللن السللماء مللاءً‬
‫ج كريم‪ .‬هذا خللق اللله‬ ‫فأنبتنا فيها من كل زو ٍ‬
‫فللأروني مللاذا خلللق الللذين مللن دونلله بللل‬
‫ل مبين{ ]لقمان ‪10‬ل ‪.[11‬‬ ‫ظالمون في ضل ٍ‬ ‫ال ّ‬
‫فال له الخلق والمر‪.‬‬
‫يقول المام ابن كثير في تفسير قوله تعللالى‪ ...} :‬إنما أمللره‬
‫إذا أراد شيئا ً أن يقول له كللن فيكللون{ )أي‪ :‬إنمللا‬
‫يأمر بالشيء أمرًا واحدًا ليحتاج إلى تكرار أو تأكيد‪.‬‬
‫)‪(100‬‬
‫فيكون‬ ‫إذا ما أراد ال أمرًا فإنما‬
‫ثم أورد حديث أبي ذر رضي ال عنه الذي رواه المام أحمد في المسند‬
‫ولفظه‪:‬‬
‫أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪» :‬إن ال تعالى يقببول‪ :‬يببا‬
‫عبادي كلكم مذنب إلمن عافيت‪ ،‬فاستغفروني أغفر لكم‪ ،‬وكلكببم فقيببر‬
‫إل من أغنيت‪ ،‬إنببي جببواد ماجببد واجببد أفعببل مببا أشبباء‪ ،‬عطببائي كلم‪،‬‬
‫وعذابي كلم‪ ،‬إذا أردت شيئًا فإنما أقول له )كن( فيكون« )‪.(101‬‬
‫فالية صريحة في أن ال )يتكلم كيف يشاء ومتى شللاء وأن إيجللاد‬
‫المخلوقات كلهلا بكلمببه لل إنملا أمللره إذا أراد شليئًا أن يقللول لله )كببن(‬
‫فيكون‪.‬‬
‫ولللم يللدخل ال ل )كلمببه( فللي المخلوقللات‪ ،‬لن كلملله صببفة مببن‬
‫صفاته)‪ ،(102‬وبه يخلق ما يشاء؛ وليجوز أن تكون صفات ال مخلوقللة‪،‬‬

‫‪ () 100‬تفسير ابن كثير )‪.(6/582‬‬


‫‪ () 101‬مسند المام أحمد )‪.(5/177‬‬
‫‪ () 102‬وقال أبو الحسن البسيوي الباضي في كتابه الجامع )‪ (1/75‬طبللع وزارة الثقافللة‬
‫بسلطنة عمان سنة )‪1404‬هل(‪ » :‬وكلم ال تعالى من صفاته‪ ،‬وصفاته لم تللزل لله‪،‬‬
‫ولو جاز لقائل أن يقول‪ :‬إن ال لم يكن متكلمًا ثم تكلم‪ ،‬لجاز لقائل أن يقول‪ :‬لللم يكللن‬
‫ال عالمًا ثم علم‪ ،‬فلما فسد هللذا القلول علللى قلائله‪ ،‬وكلان الجملاع أن الل للم يلزل‬
‫الرحمن الرحيم‪ ،‬الحي العالم القادر السميع البصير المتكلم‪ ،‬فسد قول من يقللول‪ :‬إن‬
‫كلم ال مخلوق‪ ،‬إذ هو المتكلللم كمللا أنلله هللو العللالم‪ ،‬والكلم صببفته فللدل بللذلك أن‬
‫كلمه غير مخلوق«‪.‬‬
‫فندعو الخليلي وطلب العلم من الباضية إلى قراءة هذا الكتاب الذي أثنللى الخليلللي‬
‫تعالى ال عن ذلك علوًا كبيرًا‪ ،‬وإنما كلمه من صفاته يخلق به مللا يشللاء‪،‬‬
‫ن مثل‬ ‫كمللا قللال تعلللالى فللي وصللف خلللق عيسللى عليلله السلللم‪} :‬إ ّ‬
‫عيسى عند الله كمثل آدم خلقه مللن تللراب ثللم‬
‫قلال له كن فيكون{]آل عمران ‪ [59‬وقال تعالى بعللد ذكللره لخللق‬
‫السللموات والرض ومللا فيهمللا‪} :‬أل للله الخلللق والمللر{ ]‬
‫العراف‪ [ 56 :‬فقد أخرج كلمه من هذه المخلوقات التي أوجدها بكلمه‬
‫وهو قوله للشيء إذا أراده )كن( فيكون‪.‬‬
‫وقللال تعللالى مثبت لًا صللفة الكلم لنفسلله عللز وجللل‪} :‬ولملا جلاء‬
‫موسى لميقاتنا وكلمه ربه‪ {...‬الية فماذا يقول ل الخليلللي ل ل‬
‫ل‪ ،‬وأنلله كّلللم موسللى تكليملًا‪...‬؟ وأنلله‬
‫هل يثبت صفة الكلم ل عللز وجل ّ‬
‫خلق جميع المخلوقات بكلمه كما في هذه الية الصريحة‪.‬‬
‫كما قال الخليلي‪ :‬إن ال عز وجل اختص بصفة الخلق‪ ،‬وأنه لخللالق‬
‫غيره‪.‬‬
‫ونسأل ال أن يوفق الخليلي إلى الرجوع إلى الحق‪ ،‬وأن يقول بما قال‬
‫ال لل للل ‪} :‬إنما أمره إذا أراد شيئا ً أن يقول للله‬
‫كن فيكون{ فهذا كلم ال الذي خلق به المخلوقات كلها فقد قال تعللالى‬
‫عللن خلللق عيسللى عليلله السلللم‪} :‬إن مثل عيسى عند الللله‬
‫كمثللل آدم خلقلله مللن تللراب ثللم قللال للله كللن‬
‫فيكون{ ] آل عمران‪.[ 59 :‬‬
‫(‬

‫وبعللد النتهللاء مللن الجللواب علللى المسللألة الولللى وهللي التعريللف‬


‫بالخلق‪ ،‬وقد عرفنا أن ال عز وجل يخلق الشلياء كلهلا بكلمبه كملا فلي‬

‫عليه وعلى مؤلفه حين كان مخطوطًا‪ ،‬فلعله لم يطلللع علللى كلم المؤلللف عللن كلم‬
‫ال‪ .‬انظر الملحق رقم )‪.(3‬‬
‫هذه الية الكريمة والحديث النبوي الذي سبق ذكره في تفسير الية‪ ،‬ننتقل‬
‫إلى المسألة الثانية وهي‪:‬‬
‫تعريف القرآن‬
‫ثانيًا‪ :‬ب تعريف القرآن‬
‫يقول ل الخليلي ل في تعريف القرآن )ص ‪:(99‬‬
‫)هو الكلم المنزل بحروفه وكلماته على النبببي محمببد صببلى الب‬
‫عليببه وسببلم‪ ،‬المعجببز بببتراكيبه ومعببانيه‪ ،‬المنقببول عنببه بببالتواتر‬
‫القطعي(‪.‬‬
‫ثم ذكر ما يخرج بهذا التعريف‪.‬‬
‫مناقشة التعريف‪:‬‬
‫إن ما يخفيه الخليللي فلي طّيلات تعريفله للقلرآن سيصلّرح بله فلي‬
‫ل في تعريللف‬ ‫خَل َ‬
‫الصفحات التالية‪ ،‬ولكن نناقش التعريف ليعرف القارئ ال َ‬
‫الخليلللي ليحلَذَره ويحللذر التعريفللات للقللرآن فللي الكتللب الللتي تعنللى بهللذا‬
‫الموضوع‪ ،‬ويقع بعض أصحابها في تلبيسات مللن يقللول )بخلللق القللرآن(‬
‫وهو ل يشعر‪ ،‬وذلك فيما يأتي‪:‬‬
‫‪1‬ل لم يقل في التعريف‪ :‬إن ال تكلم بالقرآن‪.‬‬
‫‪2‬ل ولم يقل كلم ال‪ ،‬وإنما قال‪ :‬هو الكلم المنزل بحروفه‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ولماذا؟‪.‬‬
‫الجواب‪ :‬لنه ينفي عن ال عز وجل صفة الكلم‪.‬‬
‫فعند الخليلي وفللي اعتقللاده‪ ،‬كمللا هللو اعتقللاد الجهميللة والمعتزلللة‬
‫وكل من يقول‪ :‬إن القرآن عبارة‪ ،‬أو حكاية‪ ،‬عللن كلم الل ‪ ،U‬يقولللون‪:‬‬
‫أن ال ‪ :U‬ل يتكلم ل بالقرآن‪ ،‬ول بغيره‪ ،‬وإنمللا يخلببق الكلم‪ ،‬القببرآن‬
‫ل عنه‪ ،‬كسائر المخلوقات‪ ،‬ثم ينزله‪.‬‬ ‫وغيره منفص ً‬
‫وهذا معنى قول الخليلي في التعريف للقرآن‪ :‬هو الكلم المنللزل …‬
‫إلخ‪.‬‬
‫وإذا رجعت إلى نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬تجد أنها تكّذب الجهمية‬
‫والمعتزلة ومن يقول بقولهم ممن ينفي عن ال عز وجللل صللفة الكلم‪،‬‬
‫ويدعي بأن القرآن مخلوق كغيره من المخلوقات‪.‬‬
‫وفيمللا يلللي بعللض النصللوص الللتي تللدحض هللذه الللدعوى وتللبين‬
‫بطلنها وتلبيس من يعتقدها ويدعو إليها‪.‬‬
‫يقول ال عز وجل في معرض ذكره للوحي إلى محمد صلللى ال ل‬
‫عليه وسلللم ‪ ،‬كمللا أوحللى إلللى النبيللاء قبللله‪} :‬إنا أوحينا إليك‬
‫كما أوحينا إلى نوح والنللبيين مللن بعللده‪ {...‬إلللى‬
‫قلللوله‪} :‬ورس لل ً قللد قصصللناهم عليللك مللن قبللل‬
‫ورسل ً لم نقصصهم عليللك وكلللم الللله موسللى‬
‫تكليما ً{]النساء ‪163‬ل ‪.[ 164‬‬
‫فهذه الية الكريمة نص صريح‪ ،‬في أن ال عز وجل كّلم موسببى عليببه‬
‫السلم‪.‬‬
‫ومن أصدق من ال حديثًا‪ ،‬فقد أخبر عن نفسه أنه كّلم موسى عليه‬
‫ي وجه‪.‬‬‫السلم تكليمًا‪ ،‬فتكليمًا تأكيد لقوله‪ ،‬كّلم‪ ،‬ليحتمل التأويل بأ ّ‬
‫ولكللن ننظللر كيللف يسلللك أصللحاب هللذه الفكللار المنحرفللة تلللك‬
‫المسالك المختلفة لتحريف كلم ال حين يجدونه صريحًا في الرد علللى‬
‫مذاهبهم الباطلة‪.‬‬
‫فقد قال أحد المعتزلة‪ ،‬لبي عمرو بن العلء شيخ العربية وأحد القللراء‬
‫لل موسلى( بنصلب لفلظ الجلللة اللبه ليكلون‬ ‫السبعة‪ :‬أريد أن تقرأ )وكّلم ا َ‬
‫))‬

‫ب أني قرأت هذه الية كللذا‪،‬‬ ‫موسى هو المتكلم ل ال‪ ،‬فقال له أبو عمرو‪ :‬ه ْ‬
‫فكيف تصنع بقوله تعالى‪:‬‬
‫به{ ] العلللراف ‪[143‬‬
‫ر ّ‬ ‫مه‬‫سى لميقاتنا وك َل ّ َ‬ ‫مو َ‬ ‫جاءَ ُ‬
‫ما َ‬‫ول َ ّ‬
‫} َ‬
‫فبهت المعتزلي«)‪.(103‬‬
‫وهكذا كانت أفكار الذين يريدون الطعلن فلي كتلاب الل العزيلز‪ ،‬فقلد‬
‫ظن هذا المعتزلي‪ ،‬إن قرأ له أبو عمرو بن العلء هلذه القلراءة أن يجلد لله‬
‫ل ينفي به صفة الكلم عن ال ‪،U‬ل بحجة أن هذه قببراءة لحللد القللراء‬ ‫مدخ ً‬
‫السبعة المشهورين‪.‬‬
‫ولكللن خللاب ظنلله حينمللا أورد للله اليللة الخللرى الللتي ل تحتمللل‬
‫التأويل في أن المتكلم هو ال ‪ ،U‬وهي قوله )وكّلمه َرّبُه(‪.‬‬
‫ن كلمة )موسى( اسللم‬ ‫وأما الية الولى وهي )وكّلم ال موسى( فإ ّ‬
‫مقصور والحركة ل تظهر على آخره وإنما تكون مقّدرة‪.‬‬
‫فأراد أن ُيلّبس بهذه القراءة عللى الخريلن بحيلث يكلون اسلم الجلللة‬
‫منصوبًا‪ ،‬ولفظ )موسى( مرفوعًا بضمة مقدرة على آخللره‪ ،‬أي أّنلله هللو‬
‫ل‪ ،‬أي المتكّلم‪ ،‬ولفظ الجللة هو المفعول‪ ،‬أي‪ :‬المكّلم‪ ،‬فأراد بللذلك‬ ‫الفاع ُ‬
‫تحريف القرآن من أجل مذهبه الباطل‪ ،‬هكذا يفعل أصحاب الهواء‪.‬‬
‫ولكن نقرأ أقوال السلف في الرد على تحريفهم فقد جاء في تفسير‬
‫ابن كثير لهذه الية ما يأتي‪:‬‬
‫كليما ً{ قال‪ :‬وهذا تشريف‬ ‫سى ت َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ه ُ‬
‫م الل ُ‬ ‫قوله‪} :‬وكل ّ َ‬
‫لموسى عليه السلم بهذه الصفة‪ ،‬ولهللذا يقللال للله الكليللم؛ ثللم سللاق عللن‬
‫الحافظ أبي بكر بن مردويه بإسناده إلى عبدالجبار بن عبدال قال‪ :‬جللاء‬
‫ل موسللى‬ ‫ل يقرأ )وكلم ا َ‬ ‫رجل إلى أبي بكر بن عياش فقال‪ :‬سمعت رج ً‬
‫تكليمًا( يعني‪ :‬بنصب لفظ الجللة )ال( فقال أبو بكللر‪ :‬ملا قلرأ هلذا إل‬
‫))‬

‫كافر‪ ،‬قرأت على العمش‪ ،‬وقرأ العمش على يحيى بن وثللاب‪ ،‬وقللرأ‬

‫‪ () 103‬انظر شرح الطحاوية )‪ (1/177‬وترجمة عمرو بن العلء وهو من الثقات‪ ،‬سللير‬


‫أعلم النبلء )‪.(6/407‬‬
‫يحيى بن وثاب علللى أبللي عبللدالرحمن السلللمي وقللرأ أبللو عبللدالرحمن‬
‫السلمي على علي بن أبي طالب‪ ،‬وقرأ علي بن أبي طالب على رسللول‬
‫ه موسللى تكليم لا ً{ أي‬ ‫م الل ُ‬ ‫ال صلى ال عليه وسلم }وكل ّ َ‬
‫برفع اسم ال‪.‬‬
‫قال ابن كثير‪ :‬وإنما اشتد غضب أبي بكببر بببن عيبباش رحملله الل‬
‫تعالى على من قرأ ذلك لنه حّرف لفظ القرآن ومعناه‪ ،‬وكللان هللذا مللن‬
‫المعتزلة الذين ينكرون أن يكون الل كّلللم موسللى عليلله السلللم أو ُيكلللم‬
‫أحدًا من خلقه‪ ،‬كما روينللاه عللن بعللض المعتزلللة أنلله قللرأ علللى بعللض‬
‫ل موسى تكليملًا( فقللال للله‪ :‬يللا ابللن اللخنبباء)‪ (104‬كيللف‬
‫المشايخ )وكّلم ا َ‬
‫تصنع بقوله تعالى‪} :‬ولما جاء موسى لميقاتنا وكّلمه‬
‫ه{ يعني أن هذا ل يحتمل التحريف‪ ،‬ول التأويل)‪(105‬اهل‪.‬‬ ‫َرب ّ ُ‬
‫وهذا يبين لك أيها المسلم أن أهل الباطل ل يتورعون عن تحريف‬
‫كتاب ال من أجل الوصول إلى أغراضهم‪.‬‬
‫وسنجد في هذا البحللث أن ورثللة أولئك يسلللكون مسلللك أسلللفهم‪،‬‬
‫وقد سبق ما فعله الخليلي في ردنا عليه في إنكاره رؤية المؤمنين رّبهللم‬
‫يوم القيامة‪ ،‬وما نسبه لبن تيمية رحمه ال في كتللابه الفتللاوى‪ ،‬وكللذلك‬
‫لبن القيم رحمه ال تعالى‪ ،‬وأوضحنا ذلك التدليس الللذي تعمللده ونسللبه‬
‫لهما‪.‬‬
‫وحيث أوردنا تعريف الخليلي للقللرآن الكريللم وهللو يطللابق تعريللف‬
‫الجهميلة والمعتزللة‪ -‬لن الخليللي يصلرح بلأن القلول بخللق القلرآن هلو‬
‫مذهب الباضية ثم يقول وهو مذهب الجهمية والمعتزلة‪ .‬وقللد بينللا وجلله‬
‫الللرد علللى تعريفلله‪-‬فللإنه مللن المناسللب أن نللورد تعريببف أهببل السببنة‬

‫‪ () 104‬الّلخن‪ :‬نتن الريح‪ ،‬يقال رجل‪ :‬ألخن ومرأة لخناء‪ .‬تاج العروس‪.‬‬
‫‪ () 105‬تفسير ابن كثير )‪.(427 /2‬‬
‫والجماعة سلف هذه المة للقرآن الكريم ليقارن القارئ بين التعريفيللن‪،‬‬
‫وبذلك يتضح له الفرق بينهما‪ ،‬وهو ما سنورده في الصفحات التالية‪.‬‬
‫تعريف أهل السنة والجماعة للقرآن الكريم‬

‫يقول المام الطحاوي رحمه ال تعالى في تعريف القرآن‪:‬‬


‫ل‪ ،‬وأنزله علللى‬ ‫» وإن القرآن الكريم كلم ال منه بدأ بل كيفية قو ً‬
‫رسوله وحيًا‪ ،‬وصّدقه المؤمنون على ذلك حقًا‪ ،‬وأيقنوا أنه كلم ال تعالى‬
‫بالحقيقة‪ ،‬ليس بمخلوق ككلم البرية‪ ،‬فمن سمعه فزعم أنه كلم البشر فقد‬
‫ذا إل‬ ‫ه َ‬‫ن َ‬ ‫كفر‪ ،‬وقد ذّمه ال وعابه وأوعده بسقر حيث قال تعالى‪} :‬إ ْ‬
‫ل البشر{ ]المدثر ‪ [ 25‬علمنا وأيقنا أنه قللول خللالق البشللر‪ ،‬ول‬ ‫َ‬
‫قو ُ‬
‫يشبه قول البشر«)‪.(106‬‬
‫فهذا تعريف السلف أهل السنة والجماعة للقرآن الكريم‪.‬‬
‫فقارن بينه وبين تعريف الخليلي‪ ،‬ليظهر لك الخلل في تعريفه‪.‬‬
‫فأهببل السببنة يقولببون‪ :‬القللرآن كلم الب منببه بببدا بل كيفيللة قللو ً‬
‫ل‬
‫وأنزله على رسوله وحيًا …‪ .‬الخ‪.‬‬
‫أما تعريف الخليلي الباضي فهو يقول‪ :‬والقرآن هو الكلم المنزل‬
‫بحروفه وكلماته على النبي محمد صلى ال عليه وسلم‪ ...‬ألخ‪.‬‬
‫فلم يقل‪ :‬هو كلم ال منه بدأ بل كيفية قوًل‪ ،،‬لنه ينفللي عللن الل‬
‫عز وجل صفة الكلم‪.‬‬
‫ثم يصرح بعد ذلك بأن القرآن مخلللوق كسلائر المخلوقللات مقارنلًا‬
‫له بخلق النسان‪ ،‬والحيوان‪ ،‬والسموات والرض‪ ...‬إلخ‬
‫فيقول في )ص ‪) :(101‬بأن ال نفببخ فببي القببرآن مللن روح غيبلله‬
‫كما هو شأن ال تعالى في خلقه النسان من تراب(‪ ،‬هكذا يقول‪.‬‬
‫وفي )ص ‪ (125‬يقول‪) :‬أما نحن معاشر الباضية القللائلين بخلللق‬
‫القرآن ومن قال بقولنا من المعتزلة وغيرهم‪ ...‬إلخ(‪.‬‬
‫‪ () 106‬شرح الطحاوية )‪.(172 /1‬‬
‫ومعلوم أن غيلر المعتزلللة والباضلية مملن يقلول بخللق القللرآن‪،‬‬
‫الجهمية وهم الصل في إحداث هذه الضللة‪ ،‬والمامية مللن الرافضللة‬
‫ومن يسلك مسلكهم في باب السماء والصفات)‪.(107‬‬
‫فهو يقرر هنا أن الباضية‪ ،‬هم الصللل فللي إحللداث هللذه البدعللة‪،‬‬
‫وأن المعتزلة قالوا بقولهم‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫‪ () 107‬والحقيقة أن أول من قال )بخلق القرآن( الجعد بن درهم‪ ،‬يقول الحافظ ابن كللثير‬
‫في ترجمته‪ ) :‬هو أول من قال بخلق القرآن‪ ،‬وهو الذي ينسب إليه مللروان الجعللدي‬
‫وهو مروان الحمار‪ ،‬آخر خلفاء بني أمية‪ .‬كان شلليخه الجعللد بللن درهللم أصللله مللن‬
‫خراسان‪ ،‬ويقال أنه من موالي بني مروان‪ ،‬قال ابن عساكر وغيره‪ :‬وقد أخذ الجعللد‬
‫بدعته عن بيان بن سمعان وأخذها بيان عن طالوت ابن أخت لبيد ابن أعصم زوج‬
‫ابنته‪ ،‬وأخذها لبيد بن أعصم الساحر الذي سحر رسول ال ‪r‬عللن يهللودي بللاليمن‪،‬‬
‫وأخذها عن الجعد الجهم بن صفوان الخزري وقيل الترمللذي وأخللذ بشللر المريسللي‬
‫عن الجهم‪ .‬وأخذ أحمد بن أبي دؤاد عن بشر ‪.‬‬
‫وأما الجعد فإنه أقام بدمشق حتى أظهر القول بخلق القللرآن‪ ،‬فطلبلله بنللو أميللة فهللرب‬
‫منهم فسكن الكوفة فلقيه فيها الجهم بن صفوان فتقلد هذا القللول عنلله‪ .‬ثللم إن خالببد‬
‫بن عبدال القسري قتل الجعد يللوم عيللد الضللحى بالكوفللة‪ ،‬وذلللك أن خالللدًا خطللب‬
‫الناس فقال في خطبتله تللك‪ :‬أيهلا النلاس ضلحوا تقبلل الل ضلحاياكم‪ ،‬فلإني مضل ٍ‬
‫ح‬
‫ل‪ ،‬ولببم يكلببم موسببى تكليم بًا‪،‬‬
‫بالجعد بن درهم‪ ،‬إنه زعم أن ال لم يتخذ إبراهيم خلي ً‬
‫تعالى ال عما يقول الجعد علوًا كبيرًا‪ .‬ثم نزل فذبحه في أصل المنبر‪ .‬قال‪ :‬وقد ذكر‬
‫هذا غير واحد من الحفاظ منهم البخاري‪ ،‬وابن أبللي حللاتم‪ ،‬والللبيهقي‪ ،‬وعبللدال بللن‬
‫أحمد‪ ،‬وذكره ابن عساكر في التأريخ‪ .(..‬البداية والنهاية )‪9‬لل ‪ ،(10/404‬ط‪ /‬الثانيللة‬
‫سنة )‪1417‬هللل( دار المعرفللة‪ ،‬وفيللات العيللان سللنة )‪124‬هللل(‪ ،‬وترجمتلله‪ :‬تأريللخ‬
‫السلم )‪ ،(4/238‬لسان الميزان )‪ ،(2/105‬اللبللاب )‪ ،(1/230‬ميللزان العتللدال )‬
‫‪ ،(1/399‬النجوم الزاهرة )‪.(1/322‬‬
‫ثالثببًا‪ :‬قببوله‪) :‬والتفرقببة بيببن القببرآن‪ .‬وسببائر الكتببب‬
‫المنزلة‪ ،‬وبين الكلم النفسي(‪.‬‬
‫يقللول‪ :‬الخليلللي فللي آخللر )ص ‪) :(99‬وأمللا الفللرق بيللن الكلم‬
‫النفسي‪ ،‬وبيللن القللرآن وسللائر الكتللب المنزلللة‪ ،‬فهللو‪ :‬أن الكلم النفسللي‬
‫صفة ذاتيه ل تعالى يثبت بها كماله‪ ،‬وُينفى بهلا عنله النقلص‪ ،‬ذللك لن‬
‫إثبات الكلم نفي لضده وهو الخرس‪ ،‬كما أن إثبات العلم نفللي للجهللل(‪.‬‬
‫هكذا يقرر‪.‬‬
‫ثم يقول‪) :‬وذهبت المعتزلة إلى عدم الضرورة إلى إثبللات صللفة‬
‫أزلية لل تسللمى كلملًا‪ ،‬اكتفللاء فللي نفللي الخللرس عنلله سللبحانه بصللفة‬
‫القدرة‪ ...‬إلخ ص ‪ 100‬ثم قال‪ :‬ولعل بعض أصحابنا يرون هذا‪(.‬‬
‫قلت‪ :‬والمعتزلة ل يثبتون ل عللز وجللل صللفة القللدرة بمعنللى أنلله‬
‫قادر له قدرة بل ينفون معللاني الصللفات جميعلًا ويثبتللون لل عللز وجللل‬
‫السماء مجردة عن المعللاني فيقولللون‪ :‬قللادر بل قللدرة‪ ،‬عليللم بل علللم‪،‬‬
‫سميع بل سمع أي قادر بذاته‪ ،‬عليم بذاته‪ ،‬ل بقدرة وعلم )‪.(108‬‬
‫ثم يواصل الخليلي فيقول‪) :‬وأصحابنا الذين أثبتللوا الكلم النفسللي‬
‫اتفقوا مع الشعرية في كونه يختلف عن سائر الكلم فهو ليللس حروفللًا‬
‫ل ول كلمات تقوم بذاته( هكذا يقول‪.‬‬ ‫ول أصواتًا ول جم ً‬

‫‪ () 108‬انظر‪ :‬الصول الخمسة للقاضي عبدالجبار المعتزلي )ص ‪ 150‬ل ‪.(155‬‬


‫مناقشة ت الخليلي ت في بدعة الكلم النفسي‬

‫أوًل‪ :‬يقللرر الخليلللي أن الكلم مللن صللفات الكمللال‪ ،‬وأن مللن يتكلللم‬
‫أكمل ممن ل يتكلم‪ ،‬وأن من ُتسلب عنلله صللفة الكلم أخللرس‪ ،‬والخللرس‬
‫صفة نقص ول المثل العلى‪ ،‬فللوجب إثبللات صللفة الكلم لل عللز وجللل‬
‫ليتصف بصفات الكمال‪.‬‬
‫هذا ما يقرره الخليلي في كلمه السابق‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن هذا القرار من الخليلي مللن أن الل ُمتصللف بصللفة الكلم‬
‫لنهللا صللفة كمللال‪ ،‬الللتزام منلله بللذلك‪ .‬وهللذا مللا يللدعو إليلله أهللل السللنة‬
‫والجماعة ويعتقدونه‪ ،‬وهو ما نص ال عليه في كتابه‪ ،‬وقد عاب ال ل بنللي‬
‫إسرائيل حين اتخذوا إلهًا من دونه حيث بّين أن من صللفات نقصببه أنلله ل‬
‫ل‪.‬‬
‫يكلمهم ول يهديهم سبي ً‬
‫قال تعالى‪} :‬واتخذ قوم موسى مللن بعللده مللن‬
‫حليهم عجل ً جسللدا ً للله خللوار ألللم يللروا أنلله ل‬
‫يكلمهللم ول يهللديهم سللبيل ً اتخللذوه وكللانوا‬
‫ظالمين{ ] العراف ‪ [148‬فقد عاب ال هذا الله الللذي اتخللذوه مللن‬
‫دونه وبّين أن من صفات نقصه أنلله ل يتكلببم‪ .‬كمللا قللال تعللالى فللي آيللة‬
‫أخرى‪} :‬أفل يرون أل يرجع إليهم قولً‪ {...‬الية ] طلله‬
‫‪ [ 89‬فعلم أن نفي القول‪ ،‬ونفي التكلم نقص يستدل به على عدم ألوهيللة‬
‫العجل‪.‬‬
‫يقول ابن كثير‪) :‬ينكر تعالى عليهم في ضللهم بالعجللل وذهللولهم‬
‫عن خالق السموات والرض ورب كللل شلليء ومليكلله أن عبللدوا معلله‬
‫طلى‬ ‫ل جسدًا له خللوار ل يكلمهببم ول يرشللدهم إلللى خيلر‪ ،‬ولكلن غ ّ‬ ‫عج ً‬
‫على أعين بصائرهم عمى الجهل والضلل كما تقللدم فللي روايللة أحمللد‬
‫وأبي داود عن أبي الللدرداء قللال‪ :‬قللال رسللول ال ل ‪» :r‬حبببك الشببيء‬
‫يعمي ويصم«( )‪.(109‬‬
‫وقول الخليلي أن الكلم النفسي من الصللفات الذاتيللة هللو تعريللف‬
‫الشاعرة لكلم ال‪ ،‬وأهل السنة يقولللون‪ :‬إن الكلم قللديم النللوع حللادث‬
‫الحاد‪ ،‬وهو من الصفات الختيارية‪ ،‬وأن الل يتكلللم مللتى شللاء وكيللف‬
‫شاء بكلم يسمعه من يشاء‪ ،‬كما كّلم موسى عليه السلم‪.‬‬
‫وإذا كان كذلك‪ ،‬وأن الكلم من صبفات الكمبال‪ ،‬وأن الل علز وجلل‬
‫متصف بهذه الصفة على ما يليق بجلله وكماله إذ ليس كمثله شيء وهللو‬
‫السميع البصير‪.‬‬
‫فلم يبق بيننا وبين الخليلي ‪ -‬في إثبات هذه الصببفة لل إل تحلللرير‬
‫الكلم فيها وهو ما يسمى )بالكلم النفسي( الللذي ل ُيسللمع‪ ،‬كمللا عرفلله‬
‫ت‪.‬‬
‫ل ول كلما ٍ‬‫الخليلي بأنه ليس حروفًا‪ ،‬ول أصواتًا‪ ،‬ول جم ً‬
‫فهل هذا ُيسمى كلمًا؟‬
‫أقول‪ :‬إن أهل السنة والجماعة يثبتلون صلفة الكلم لل علز وجللل‬
‫بالنصوص القرآنية كما وصف ال نفسله بلذلك‪ ،‬ملن غيلر تحريلف ول‬
‫تكييف‪ .‬ويبينون أن الكلم ينسب لقائله‪.‬‬
‫وحقيقة كلم ال الخارجية‪ :‬هي ما ُيسمع منه أو من الُمِبّل لِغ عنلله‪،‬‬
‫فإذا سمعه السامع علمه وحفظه‪.‬‬
‫فكلم ال مسموع له معلوم محفوظ‪ ،‬فإذا قاله السامع فهو مقروء‬
‫له متلٌو‪ .‬فإذا كتبه فهو مكتوب له مرسوم‪ ،‬وهو حقيقة في هذه الوجللوه‬
‫كلها ل يصح نفيه‪.‬‬

‫‪ () 109‬ابن كثير )‪ .(3/473‬والحللديث فللي المسللند )‪،5/194‬ل ‪ ،(6/450‬وفللي أبللي داود‬


‫كتاب الدب باب )‪.(116‬‬
‫والمجاز يصح نفيه‪ ،‬فل يجوز أن يقال‪ :‬ليس في المصحف كلم ال‬
‫ول ما قََرَأ القللارئ كلم اللل‪ ،‬وقللد قللال تعللالى مبينلًا ذلللك‪} :‬وإن أحد‬
‫من المشركين اسللتجارك فللأجره حللتى يسللمع‬
‫كلم الله{ ] التوبة ‪ [ 6‬وهو ل يسمع كلم ال من ال‪ ،‬وإنما يسللمعه‬
‫من ُمبّلغه عن ال‪ .‬والية تدل على فساد قول من قال‪ :‬إن المسموع عبارة‬
‫عن كلم ال‪ ،‬وليس هو كلم اللل‪ ،‬فللإنه تعللالى قللال‪} :‬حتى يسمع‬
‫كلم الله{ ولببم يقببل حببتى يسببمع مببا هببو عبببارة عببن كلم ال ب‪،‬‬
‫والصل‪ :‬الحقيقة‪.‬‬
‫ومببن قببال‪ :‬إن المكتللوب فللي المصللاحف عبللارة عللن كلم الل أو‬
‫حكاية كلم ال وليس فيها كلم ال‪ ،‬فقد خببالف الكتلاب والسللنة وسلللف‬
‫ل)‪.(110‬‬
‫المة وكفى بذلك ضل ً‬
‫أما ما يسمى بالكلم النفسي ل وهو المعنى القللائم بللالنفس لل الللذي‬
‫عّرفه الخليلي كما تقدم‪ .‬فإنه باتفاق المسلمين ل يسمى كلماً‪.‬‬
‫والدليل على رّده‪:‬‬
‫أوًل‪ :‬أن الكلم في لغة العللرب‪ :‬هللو النطللق باللسللان‪ ،‬وهللو الللذي‬
‫تبنى عليه الحكام‪ ،‬وليس حديث النفس‪.‬‬
‫يدل عللى ذللك الحلاديث الصللحيحة اللتي تفببرق فببي الحكببم بيلن‬
‫حديث النفس‪ ،‬وبين الكلم المسموع المنطوق به‪.‬‬
‫ومنها‪:‬‬
‫‪1‬ل قوله ‪» :r‬إن صلتنا هذه ل يصلح فيها شيء مببن كلم النبباس«‬
‫)‪.(111‬‬

‫‪ () 110‬شرح الطحاوية )ص ‪.(181‬‬


‫‪ () 111‬أخرجه مسلم )ح ‪ ،(557‬وأبو داود )‪ ،(930‬وأحمد )‪.(5/448‬‬
‫وقال ‪» :r‬إن ال ُيحدث من أمببره مببا يشبباء‪ ،‬وإن ممببا أحببدث أن ل‬
‫تكلموا في الصلة« )‪.(112‬‬
‫واتفق العلماء على أن المصّلي إذا تكلم فللي الصببلة عامببدًا لغيللر‬
‫مصلحتها بطلت صلته‪.‬‬
‫واتفقوا كلهم على أن ما يقوم بالقلب من تصببديق بللأمور دنيويببة‬
‫وطلب‪ ،‬ل يبطل الصلة‪ ،‬وإنما يبطلها التكلم بذلك‪.‬‬
‫فعلم اتفاق المسلمين على أن هذا ليس بكلم‪.‬‬
‫‪2‬ل ما في الصحيحين عن النبي ‪ ‬قللال‪» :‬إن ال ب تجبباوز لمببتي‬
‫عّما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به« )‪.(113‬‬
‫فقد أخبر‪ ،‬أن ال عفا عن حديث النفلس إل أن تتكللم بله‪ ،‬ففلرق‬
‫بين حديث النفس وبين الكلم‪ ،‬وأخبر أنه ل يؤاخذ به حتى يتكلم به‪.‬‬
‫والمراد‪ :‬حتى ينطق به اللسان باتفاق العلماء‪.‬‬
‫فعلم أن هللذا هللو الكلم فلي اللغللة لن الشللارع إنملا خاطبنلا بلغللة‬
‫العرب )‪.(114‬‬
‫‪3‬ل وفي الترمذي والمسند من حديث معاذ بن جبل رضي ال عنلله‬
‫قال‪:‬‬
‫يا رسول ال‪ ،‬وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟‬
‫ب النبباس فببي النببار علببى منبباخرهم إل حصببائد‬ ‫فقللال‪» :‬وهببل يك ب ّ‬

‫‪ () 112‬البخاري )‪ (13/496‬في التوحيد معلقًا بللاب قللول ال ل تعللالى‪} :‬كل يوم هتو‬
‫في شأن{ بصيغة الجزم عن ابن مسعود‪ ،‬وأبو داود موصللو ً‬
‫ل )‪ ،(994‬وأحمللد‬
‫)‪ (463 ،435 ،415 ،409 ،377 ،1/376‬وسنده حسن‪.‬‬
‫‪ () 113‬البخاري )ح ‪ ،(2529 ،2528‬ومسلم )ح ‪.(127‬‬
‫‪ () 114‬شرح الطحاوية )ص ‪.(201‬‬
‫ألسنتهم«)‪.(115‬‬
‫يقول ابن أبي العببز فببي شببرح الطحاويببة بعببد إيببراده لمببا سبببق‪،‬‬
‫) فبببين أن الكلم إنمببا هببو باللسببان‪ ،‬فلفببظ »القببول« والكلم ومببا‬
‫((‬ ‫))‬

‫ض ومضارع وأمر واسم فاعل‪ ،‬إنمببا يعببرف‬ ‫تصرف منهما من فعل ما ٍ‬


‫ى‪.‬‬
‫في القرآن والسنة وسائر كلم العرب إذا كان لفظًا ومعن ً‬
‫ثم قال‪ :‬ولم يكن في مسمى الكلم نزاع بين الصحابة والتللابعين‬
‫((‬ ‫))‬

‫لهم بإحسان‪ ،‬وإنما حصل النزاع بين المتأخرين من علماء أهببل البببدع‪،‬‬
‫ثم انتشر‪.‬‬
‫ول ريب أن مسمى الكلم والقول ونحوهما ليلس هلو مملا يحتلاج‬
‫فيه إلى قول شاعر‪ ،‬فإن هذا مما تكلم به الولللون والخللرون مللن أهللل‬
‫اللغة وعرفوا معناه كما عرفوا مسمى الرأس واليد والرجل ونحو ذلك‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬ول شك أن من قال‪ :‬إن كلم ال معنللى واحللد قللائم بنفسلله‬
‫تعالى‪ ،‬وإن المتلو المحفوظ المكتوب المسموع من القللارئ حكايللة كلم‬
‫ال وهو مخلوق فقد قال بخلق القرآن في المعنى وهو ل يشعر فإن اللل‬
‫تعالى يقول‪} :‬قل لئن اجتمعت النس والجن علللى‬
‫أن يللأتوا بمثللل هللذا القللرآن ل يللأتون بمثللله{‬
‫] السراء ‪.[ 88‬‬
‫أفتراه سبحانه وتعالى يشير إلى ما فببي نفسببه أو إلببى هذا المتلببو‬
‫المسموع؟ ول شك أن الشارة إنما هي إلللى هللذا المتلببو المسببموع‪ ،‬إذ‬
‫ما في ذات ال غير مشار إليه‪ ،‬و ل منزٌل ول متلٌو ول مسموع‪.‬‬

‫‪ () 115‬حديث صحيح بطرقه ل الترمذي )ح ‪ ،(2616‬وأحمد )‪.(5/231‬‬


‫وقوله‪} :‬ل يأتون بمثله{ أفتراه سبحانه يقول‪ :‬ل يأتون بمثل‬
‫ما في نفسي مّما لم يسمعوه ولم يعرفللوه‪ ،‬ومللا فللي نفببس الببباري عللز‬
‫وجل ل حيلة إلى الوصول إليه ول إلى الوقوف عليه()‪.(116‬‬
‫قلت‪ :‬وُيَرّد علللى الخليلللي فللي تعريفلله للكلم النفسللي الخللالي مللن‬
‫الحرف والصوت‪...‬إلخ‪ ،‬بهذه النصوص الدالة على أن الكلم ل يكللون‬
‫إل بالنطق باللسان في لغة العرب التي نزل بها القرآن الكريم الذي بللدأ‬
‫ل وأنزللله علللى رسللوله محمللد‪ ‬وحيلًا كمللا سلبق‬ ‫من ال بل كيفيللة قللو ً‬
‫تعريفه عند أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫وأنلله كلم ال ل حقيقللة منلله بللدأ وإليلله يعللود ليللس بمخلللوق ككلم‬
‫البرية‪ .‬ثللم فللي هللذه النصللوص أيضلًا رّد علللى الخليلللي تحريفلله لقللوله‬
‫تعالى‪} :‬إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول للله‬
‫كن فيكون{ ] النحل ‪ ،[ 40‬حيث ادعى أن هللذه اليللة هللي المللراد‬
‫بالكلم النفسي‪.‬‬
‫ويسند ذلك إلى أحد علماء الباضية ويقرره فيقول‪ :‬كما يقول ابللن‬
‫أبللي نبهللان فللي قللاموس الشللريعة ) ‪ ،(3/239‬طبعللة ‪ 2‬وزارة الللتراث‬
‫القومي حيث يقول‪) :‬وقد أجاد ابن أبللي نبهللان فللي تقريللر معنللى الكلم‬
‫العللاري عللن الصللوات والحللروف بمللا تستسلليغه الفهللام وتسللتمرؤه‬
‫الفكار‪ ...‬إلخ( )ص ‪.(100‬‬
‫كمللا يسللتدل الخليلللي علللى تقريللر الكلم النفسللي بقللول الخطللل‬
‫النصراني حيث يقول‪:‬‬
‫)وإطلق الكلم على مثله ل يعني على مثل كلم ابن أبلي نبهلان ‪-‬‬
‫مما لم يكن مسموعًا ول مقروءًا معهود عند العرب(‬
‫ومنه قول الخطل‪:‬‬
‫‪ () 116‬شرح الطحاوية )‪ (1/203‬وفيه زيادة إيضاح لمن اراد ذلك‪.‬‬
‫حلللتى يكلللون ملللع‬ ‫ل يعجبنلللك ملللن‬
‫علللى‬‫أصيل ً‬ ‫الكلم‬
‫اللسان‬ ‫جعل‬ ‫ة‬
‫خطيب خطب ٌ‬
‫لفلللللي‬ ‫إن الكلم‬
‫الفؤاد دليل ً‬ ‫الفلؤاد وإنما‬
‫وأقول‪ :‬وعلى فرض ثبوت ذلك عن الخطل فلإن الملرء ليعجلب ملن‬
‫الخليلي حين يستدل بقول الخطل النصراني الكافر الضال في عقيدته وفللي‬
‫كلم ال ليحرف بكلم النصراني كلم ال الصريح الللذي جللاء بلفللظ القببول‬
‫المكرر في هذه الية المقروءة المسموعة فال عز وجل يقول في هللذه اليللة‬
‫الكريمة‪} :‬إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقللول للله‬
‫كن فيكون{ ]النحل ‪.[40‬‬
‫فال يقول‪ :‬إنما قولنا لشيء أن نقول له »كن«‪.‬‬
‫فهل هذا اللفظ ينطبق على تعريف الخليلي للكلم النفسي العبباري‬
‫عن الحروف والصللوات الللذي لللم يسللمعه أحللد وإنمللا هللو قللائم بنفللس‬
‫المتكلم‪.‬‬
‫إن مللن الخللذلن أن يسللتدل المسلللم بكلم نصللراني قللد ضللل فللي‬
‫عقيدته علللى كلم الل عللز وجللل المقللروء المسللموع كمللا قللال تعللالى‪:‬‬
‫}وإن أحللد مللن المشللركين اسللتجارك فللأجره‬
‫حتى يسمع كلم الله‪ ] {...‬التوبة ‪.[ 6‬‬
‫وأما النصارى فقد ضلوا في معنى الكلم وزعموا أن عيسى عليه‬
‫السلم نفس كلمة ال‪ ،‬واتحد اللهوت بالناسللوت‪ ،‬أي شلليء ملن الللله‬
‫بشيء من الناس‪ ،‬أفيستدل بقول نصراني قد ضل في معنى الكلم على‬
‫معنى الكلم ويترك ما يعلم من معنى الكلم في لغة العرب‪.‬‬
‫وأيضًا‪ :‬فمعناه غير صحيح‪ ،‬إذ لزمه أن الخرس ُيسللمى متكلم لًا‬
‫لقيام الكلم بقلبه‪ ،‬وإن لم ينطق به ولم يسمع منه)‪.(117‬‬
‫وقد أخبر ال عز وجل عن خلق عيسى عليله السللم وبيلن أن َمَثَلله‬
‫ن مثل عيسى‬ ‫عنده كمثل آدم خلقببه بكلمببه كمللا قللال تعللالى‪} :‬إ ّ‬
‫عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قللال للله‬
‫كن فيكون{ ] آل عملران ‪ ،[ 59‬فهذا خلبر الل علز وجلل علن خللق‬
‫عيسى عليه السلم وأنه خلقه بالكلمة }كبن{ كملا خللق آدم وملن أصلدق‬
‫من ال حديثًا‪.‬‬
‫أما النصارى والخطل واحد منهم فقد جعلوا عيسى عليلله السلللم‬
‫عين الكلمة و ل أظن أن ل الخليلي ل يخالف المسلللمين فللي أن ال ل عللز‬
‫وجل خلق عيسى عليه السلم بكلمه وهو قوله له كن كمللا هللو نللص‬
‫((‬ ‫))‬

‫اليللة السللابقة؛ وهللي صللريحة فللي أن عيسللى عليلله السلللم خلقلله ال ل‬


‫بالكلمة وليس هو عين الكلمة كما يقول النصارى‪.‬‬
‫ويوضح ذلك ويبينه ما أخبر ال به في كتابه عن عيسى عليه السلم‬
‫حين تبرأ ممن غلوا فيه وجعلوه ابن ال‪ ،‬وثالث ثلثة‪ ،‬وإلٌه مع ال‪ ،‬تعالى‬
‫ال عن قولهم علوًا كبيرًا‪ ،‬وذلك حين يخاطبه ال عببز وجببل يببوم القيامببة‬
‫بكلم مسموع يسمعه عيسبى ويبرد علبى ذلبك الكلم المسبموع المبوجه‬
‫إليه من ربه وخالقه إذ يقول‪} :‬وإذ قال الله يا عيسللى بللن‬
‫ي إلهيللن‬ ‫مريم أأنت قلت للناس اتخللذوني وأم ل َ‬
‫من دون الله { يقول المام ابللن كللثير‪) :‬هللذا ممللا يخللاطب الل بلله‬
‫ل للله بحضللرة مللن اتخللذه‬ ‫عبده ورسوله عيسى بن مريم عليلله السلللم قللائ ً‬
‫وأملله إلهيللن مللن دون اللل }أأنت قلت للنللاس اتخللذوني‬
‫وأمي إلهين من دون الله‪ {...‬وقد سمع عيسى عليه السلللم‬
‫‪ () 117‬انظر شرح الطحاوية )‪.(1/200‬‬
‫كلم ربه هذا الموجه إليله ولهلذا قلال مللبرءًا نفسلله مملا افلتراه النصللارى‬
‫عليه‪} :‬سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي‬
‫بحق{‪.‬‬
‫قال ابن كثير‪ :‬هذا توفيق للتأدب في الجواب الكامل كمللا قللال ابللن‬
‫أبي حاتم في روايته عن أبي هريرة مرفوعاً عن النبي‪ ‬قال‪ :‬لّقللاه ال ل‬
‫حجتلله بقللوله }سبحانك ما يكون للي أن أقلول ملا‬
‫ليس لي بحق{ إلى آخر الية‪.‬‬
‫وقللوله‪} :‬إن كنت قلته فقللد علمتلله تعلللم مللا‬
‫في نفسي ول أعلم ما في نفسللك إنللك أنللت‬
‫علم الغيوب‪ .‬ما قلت لهللم إل مللا أمرتنللي بلله‬
‫أن اعبدوا الله ربي وربكم‪ {...‬إلى قوله تعلللالى‪} :‬قال‬
‫الله هللذا يللوم ينفللع الصللادقين صللدقهم لهللم‬
‫جنات تجري مللن تحتهللا النهللار خالللدين فيهللا‬
‫أبدا ً رضي الله عنهم ورضللوا عنلله ذللك الفللوز‬
‫العظيم{ ] المائدة ‪116‬ل ‪.[119‬‬
‫فهببذا كلم ال ب مخاطب بًا بببه عيسببى عليلله السلللم الللذي غل فيلله‬
‫النصارى وجعلوه عين الكلمة وجعلوه وأمه إلهين من دون ال‪.‬‬
‫((‬ ‫))‬

‫وقد سمع عيسى عليه السلم كلم ربه هذا وتبرأ مما اّدعللاه عليلله‬
‫النصارى وصببدقه ال ب فببي ذلببك بكلم مسللموع بلفببظ القببول‪} :‬قال‬
‫الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم‪.{...‬‬
‫فهل كلم الب هللذا لعيسببى عليله السلللم فلي ذلللك الموقللف كلمبًا‬
‫نفسيًا‪.‬‬
‫والكلم النفسي هو القائم بالببذات غيببر المسببموع لنلله عبباٍر عببن‬
‫الحرف والصوت والجمل والكلمات كما سبق تعريف الخليلي له‪.‬‬
‫ن ملا فللي النفلس ل ُيعلد‬‫ومن المعلوم المتفق عليه بين المسلللمين أ ّ‬
‫كلمًا ول تترتب عليه أحكام ول يحاسب النسان إل على مللا نطللق بلله‬
‫لسانه‪ ،‬وذلك هو الكلم الللذي يحاسللب عليلله المسلللم ويؤاخللذ بلله وذلللك‬
‫بنص كلم رسول ال‪ ‬حيببث يقبول‪» :‬إن الب رفببع عببن أمببتي الخطببأ‬
‫والنسيان وما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به« وسيأتي مزيد بيان عند‬
‫الحديث عن تحريفه لقوله تعالى‪} :‬وإن أحد من المشركين‬
‫استجارك فأجره حللتى يسللمع كلم الل له‪ {...‬فللي‬
‫)ص ‪ (113‬من كتابه هذا‪.‬‬
‫وفي )ص ‪101‬ل ‪ (102‬يؤكد القللول بخلللق القللرآن ويمثللله بخلللق‬
‫النسان‪ ،‬وأنه ل فرق بينهما فلي تللك الصللفة فيقلول‪) :‬وقلد اختلص الل‬
‫بعضه ل ويعني به الكلم ل وهببو القببرآن بمببا نفببخ فيببه مببن روح غيبببه‬
‫فحارت فيه اللباب‪...‬كمللا هللو شللأن الل تعللالى فللي خلقلله النسللان مللن‬
‫تراب(‪.‬‬
‫هكذا يقرر الخليلللي‪ ،‬ولكنلله ينقللض قللوله فللي الكلم النفسللي كمللا‬
‫يأتي في الصفحة التالية‪:‬‬
‫الخليلي ينقض غزله في الكلم النفسي‬

‫ولما كانت سنة ال في خلقه أن قول الباطل ل يثبت علببى سبباق‪،‬‬


‫فإن الخليلي ينقض غزله فيرد ما يسمى »بالكلم النفسي« الببذي أثبببت‬
‫أنه قول الباضية المتفقين على إثباته مع الشعرية‪ ،‬ويثنبي علبى اببن‬
‫أبي نبهان وعلى تقريره للكلم النفسببي‪ ،‬ويستشببهد لببه بقببول الخطببل‬
‫النصراني‪ ،‬ثم يحّرف تلك الية الصببريحة فببي القببول المسببموع وهببي‬
‫قوله تعالى‪} :‬إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول‬
‫له كن فيكون{ ويخضببعها للكلم النفسببي غيببر المسببموع كمببا‬
‫تقدم‪.‬‬
‫ولكن نجده هنا ينقض مللا سللماه بللالكلم النفسللي ويللرده ردًا قويلًا‪،‬‬
‫ُمّبينًا أنه ل يدل على ذلك ل كتاب الل ول سللنة رسللوله ‪ ،r‬وإليللك نللص‬
‫كلمه هنا مقارنًا بكلمه السابق‪.‬‬
‫سللبق الكلم عمللا جللاء فللي كتللابه هللذا )ص ‪ (100‬حيللث قللرر أ ّ‬
‫ن‬
‫أصحابه الباضية مع الشعرية اتفقوا على أن كلم ال عللز وجللل هللو‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬

‫الكلم النفسي القائم بذات ال غير المسموع ؛ لنه مجرد عللن الحللروف‬
‫والصوات والجمل والكلمات ‪-‬كما عرفه الخليلي‪ -‬ثم يستشهد لصللحابه‬
‫على ذلك بكلم الخطل النصراني‪.‬‬
‫ولكنه فلي )ص ‪ (103‬ملن كتلابه هلذا ينقلض ذلللك كللله ويثبلت أن‬
‫المسمى بالكلم النفسي لم يقم عليلله شللاهد ل مللن الكتللاب ول مللن السللنة‬
‫فيقول )ص ‪) :(103‬ونحن عندما نتحدث عن خلق القرآن فإنمللا نتحللدث‬
‫عن هذا القرآن المتلو باللسن‪ ،‬المكتوب في المصللاحف‪ ،‬ولسللنا نتحللدث‬
‫عن الكلم النفسي إذ لم يقم عليه شاهد من الكتاب نفسه ول من السنة(‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬وإن تعجب فعجب قول أهل الباطل وتناقضاتهم فقد سبق‬
‫فللي )ص ‪ (100‬قللول الخليلللي مللن كتللابه هللذا‪ :‬إن الباضللية اتفقللوا مللع‬
‫الشاعرة على الكلم النفسي كما عرفه هو‪ ،‬ثم أثنى على ابن أبي نبهللان‬
‫ل الباضي ل الذي قرر معنى الكلم النفسي‪ ،‬بل حرف لثبات مللا يسللمى‬
‫بالكلم النفسي قوله تعالى‪} :‬إنما قولنا لشيء إذا أردنللاه‬
‫أن نقول له كن فيكون{ بل قال في )ص ‪) :(100‬وقد أجاد‬
‫المام ابن أبللي نبهللان رحملله الل فللي تقريللر معنللى الكلم العللاري عللن‬
‫الصوات والحروف بما تستسيغه الفهام وتستمرؤه الفكار‪ (...‬إلخ‪.‬‬
‫ثم أتبعه بالية السابقة وأنها تدل عليه‪ ،‬واستشهد لتأكيد هللذا القللول‬
‫الباطللل بكلم الخطللل النصللراني‪ ،‬وقللد سللبق مناقشللة ذلللك السللتدلل‬
‫الفاسد والرد عليه‪ ،‬ثم نجد الخليلي هنا يتراجع عن قوله الول ويبطللله‪،‬‬
‫وهذا مما يؤكد أن الكلم الباطل دائمًا ينقض آخره أوله‪.‬‬
‫تصور فاسد يرتب عليه حكما ً باطل ً‬

‫إن المقدمات الفاسللدة ل تنتلج إل أحكاملًا باطللة؛ إذ مللن المعلللوم‬


‫ق التي أشار لهللا حللديث المصللطفى‬ ‫لكل باحث في باب العقائد‪ ،‬أن الِفَر َ‬
‫ن أمتلله سللتفترق علللى ثلث‬ ‫‪ r‬حيث أخبر وهللو الصللادق المصللدوق أ ّ‬
‫وسبعين فرقة في الهواء‪ ،‬كلها هالكللة مسللتحقة للنللار إل واحللدة‪ ،‬ولمللا‬
‫سئل عن هذه الفرقة الناجية عرفها بقوله‪» :‬هي من كببان علببى مثببل مببا‬
‫أنا عليه وأصحابي« )‪ .(118‬ومع أن هذه الفرق المختلفة يضلللل بعضللها‬
‫بعضًا أو يفسقه أو يكفره ‪-‬إذ ليس لصحابها أصل ثللابت يرجعللون إليلله‬
‫عند الختلف إل أهواؤهم ومللا تستحسللنه عقللولهم‪ -‬بْيللد أنهللم مللع ذلللك‬
‫الختلف فيما بينهم نجدهم يجتمعون على أصول قد ل يختلفللون فيهللا‪،‬‬
‫ومن أهمها‪:‬‬
‫ل أول فرقة خرجت عللن‬ ‫أوًل‪ :‬عداء أهل السنة بل وتكفيرهم‪ ،‬فمث ً‬
‫منهج الفرقة الناجية هم الخللوارج الللذين خرجللوا علللى أميللر المللؤمنين‬
‫علي بن أبي طالب رضي ال عنه الخليفللة الراشللد المشللهود للله بالجنللة‬
‫ممللن ل ينطللق عللن الهللوى‪ ،‬وقبللل ذلللك خرجللوا علللى الخليفللة الراشللد‬
‫عثمان بللن عفللان رضللي الل عنلله الللذي تسللتحي منلله ملئكللة السللماء‪،‬‬
‫المشهود له بالجنة)‪ ،(119‬وملع تللك الشللهادة لهملا بالجنللة فقللد كفروهملا‬
‫وكفروا الصحابة جميعًا‪ ،‬ثم أخللذ أتبللاع الخللوارج بتلللك العقللائد ومنهللا‬
‫تكفير العصاة وتخليدهم في النار)‪ (120‬وإن اختلفوا في مواضع‪.‬‬

‫‪ () 118‬الترمذي في كتاب اليمان في ما جاء في افتراق هذه المة )ح ‪.(2778‬‬


‫‪ () 119‬انظر الملل والنحل للشهرستاني )‪(1/100‬في بيان خروجهم على عثمان ثم عللى‬
‫علي رضي ال عنهما‪.‬‬
‫‪ () 120‬ومن هؤلء الخليلي كما سيأتي الحديث عن رأيلله فللي عصللاة المسلللمين وحكملله‬
‫وكللذلك الفللرق الخللرى الللتي جللاءت بعللد الخللوارج كالرافضللة‪،‬‬
‫والشيعة بفروعها والجهمية‪ ،‬والمعتزلة‪ ،‬وغيرهم ممن حللاد عللن منهللج‬
‫الفرقة الناجية المتمسكة بمللا كللان عليلله رسللول الل‪ ‬وأصللحابه كلهللم‬
‫يسلكون ذلك المسلك ويقفون ذلك الموقف من أهل السنة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ومما يجتمعون عليه إزاء نصوص الكتاب والسنة ‪-‬ل سيما في‬
‫باب السماء والصفات‪ -‬هو اللحاد فللي أسللماء الل وصللفاته علللى تفلاوت‬
‫بينهم في ذلك من حيللث النفللي‪ ،‬والتعطيللل‪ ،‬والتحريللف المسللمى بالتأويللل‪،‬‬
‫المبني على تصور فاسد وهو‪:‬‬
‫‪1‬ل توهمهم أن من أثبت ل ما أثبتلله لنفسلله فللي كتللابه مللن صللفات‬
‫الجلل والكمال أو أثبته له رسوله‪ ‬في سنته الصللحيحة فقللد شلّبه ال ل‬
‫بخلقه والمشبه للخالق بالمخلوق كافر‪.‬‬
‫‪2‬ل أن من أثبت هذه الصفات كلها ل عز وجل فقد أثبت تعددًا فللي‬
‫اللهة‪ ،‬وقد كفر النصارى بقولهم‪ :‬إن ال ثالث ثلثة‪ ،‬فكيف بمن أثبت‬
‫هذه الصفات المتعددة؛ فهذه من أهم المور التي يجتمعون عليها‪.‬‬
‫وإليك أيها المسلم المؤمن بما جاء في كتاب ربه وما ثبت في سللنة‬
‫نبيه‪ ‬الرد على هذه الشبهة الباطلة‪.‬‬
‫فأقول‪ :‬إن قولهم من شبه ال بخلقه فقد كفللر هللذه قاعللدة صللحيحة ل‬
‫يخالف في ذلك مسلم يشهد ل بالوحدانية ولرسوله‪ ‬بالرسالة‪ ،‬ولكن أيللن‬
‫التشبيه عند من يثبت ل ما أثبته لنفسه في كتابه أو أثبته له رسللوله‪ ‬فللي‬
‫سنته؟‪.‬‬
‫إن دعواهم أن إثبات الصفات التي أثبتها ال لنفسه في كتابه أو أثبتها‬
‫له رسوله‪ ‬في سنته تشبيٌه‪ ،‬غلط فاحش؛ مصادم لكتاب ال وسنة رسوله‬
‫‪ ‬ورد لهما؛ لن التشبيه هو أن يقول المشبه‪ :‬إن ل يللدًا كيللدي‪ ،‬أو سللمعًا‬
‫عليهم بالخلود في النار‪ .‬كما في كتابه هذا‪.‬‬
‫كسمعي‪ ،‬أو بصرًا كبصري‪ ،‬أو حياة كحياتي‪ ،‬أو قدرة كقدرتي‪ ،‬أو كلماً‬
‫ككلمي‪ ،‬فهذا هو التشبيه‪ .‬فمن قال ذلك فقد شّبه ال بخلقه‪ ،‬ومن ش لّبه ال ل‬
‫بخلقه فقد كفر‪.‬‬
‫وأما من أثبت ل ما أثبته ال لنفسه في كتابه وهو أعلم بنفسلله مللن‬
‫خلقه؛ أو أثبته له رسوله‪ ‬في سنته وهللو أعلللم الخلللق بربله وأخشللاهم‬
‫وأتقاهم ل‪ ،‬فهذا ل يسمى تشبيهًا‪ ،‬وإنما هو إثبات لما أثبته ال لنفسلله أو‬
‫أثبته له رسوله‪ ‬في سنته كما قال تعالى‪} :‬ليس كمثله شيء‬
‫وهو السميع البصير{ ]الشلللورى ‪ [ 11‬فقللد نفللى عللن نفسلله‬
‫المماثلة في كل شيء في ذاته وفي أسمائه وصفاته وأفعاله‪ ،‬ثم قال بعللد‬
‫نفي تلك المماثلة }وهو السميع البصير{ فأثبت هذه الصفات‬
‫على ذلك الساس وهكذا في جميع الصفات‪.‬‬
‫وأما دعوى التعدد لللهة بتعدد الصللفات فهللو تصللور فاسللد عق ً‬
‫ل‬
‫وشرعًا‪.‬‬
‫إن هذه الصفات ل من السمع والبصر‪ ،‬والقللدرة‪ ،‬والحيللاة‪ ،‬والكلم‬
‫وغيرها ‪-‬كلها صفات لذات واحدة أي لموصوف واحد‪.‬‬
‫كما قال تعالى‪} :‬ولله السماء الحسنى فادعلللوه‬
‫بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون‬
‫ملا كانوا يعملون{ ] العللراف ‪ [ 180‬وأسللماء الل الحسللنى إذا‬
‫عطلت؛ إذ كيللف يطلللب المسلللم‬ ‫جردت من معانيها التي دلت عليها فقد ُ‬
‫النصر ممن ل قدرة له‪ ،‬والرحمة ممن ل رحمة له‪ ،‬و هكللذا فلي جميلع‬
‫أسماء ال الحسنى التي أمرنا ال عز وجل أن نللدعوه بهللا دعللاء عبللادة‬
‫ودعاء مسألة‪.‬‬
‫إن المعتزلة ومن سلك طرقهم الملتوية ومنهم الخليلي الللذي يقللول‬
‫بقولهم‪ ،‬بل يقول إنهم هم يقولون بقوله‪ ،‬فيثبتون لل عللز وجللل السللماء‬
‫مجردة من المعاني فيقولون في وصف الله ‪ :U‬إنلله قللادر بل قللدرة‪ ،‬حليّ‬
‫بل حيللاة‪ ،‬سللميع بل سللمع‪ ،‬بصللير بل بصللر‪ ،‬عللالم بل علللم‪ ،‬رحيللم بل‬
‫رحمة‪ ،‬إلى آخر اللحاد في أسماء ال‪ ،‬تعالى ال عن قولهم علوًا كبيرًا‪.‬‬
‫وللرد عليهم في هذا اللحاد في أسماء ال وتحريفها عن معانيهللا‪،‬‬
‫اقرأ أيها المسلم قللوله تعللالى‪} :‬قد سمع الله قللول الللتي‬
‫تجادلك في زوجهللا وتشللتكي إلللى الللله والللله‬
‫يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير{ ] المجادلة ‪. [1‬‬
‫قال ابن كثير في تفسير الية‪ ):‬قال المام أحمد‪ :‬حدثنا أبو معاوية‬
‫حدثنا العمش ثم ساقه بسنده عن عائشة أم المللؤمنين رضللي الل عنهللا‬
‫قالت‪» :‬الحمد ل الذي وسع سمعه الصوات‪ ،‬لقد جاءت المجادلة إلببى‬
‫النبي‪ ‬تكلمه وأنا في ناحية البيت‪ ،‬ما أسمع ما تقول‪ ،‬فأنزل الب عببز‬
‫وجببل }قللد سللمع الللله قللول الللتي تجادلللك فللي‬
‫زوجها …{ إلى آخر الية)‪ .(121‬ورواه البخاري في كتللاب التوحيللد‬
‫كما روى عنها قالت‪ :‬قللال النللبي‪» :‬إن جبريببل عليببه السببلم نبباداني‬
‫قال‪ :‬إن ال قد سمع قول قومك وما رّدوا عليك«)‪.(122‬‬
‫إن هذه الية الكريمة وتفسيرها من أم المؤمنين عائشة رضي ال ل‬
‫عنها‪ ،‬وقول جبريل عليه السلم لرسول ال ل ‪ r‬بللإن الل قللد سللمع قللول‬
‫قومه له‪ ،‬كافية في الرد على هؤلء المعطلة‪ ،‬نفيهم علن الل عللز وجللل‬

‫‪ () 121‬تفسير ابن كثير )‪ (8/60‬طبعة الشعب‪ .‬وهو في المسند )‪.(6/46‬‬


‫‪ () 122‬وأخرجه البخاري في كتاب التوحيد باب )وكان ال سميعًا بصيرًا(‪ .‬قال العمش‬
‫عن تميم عن عروة عن عائشة قالت‪» :‬الحمد ل الذي وسع سمعه الصوات فأنزل‬
‫ال تعالى على النبي‪}‬قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجهتتا{«‬
‫رقم )‪ ،(7389‬ورواه ابن ماجة في المقدمة باب‪ :‬فيما أنكللرت الجهميللة )‪) (1/67‬ح‬
‫‪ ،(188‬والطبري في تفسيره )‪.(28/605‬‬
‫صفة السللمع الللتي أثبتهللا لنفسلله وأثبتهللا للله رسللوله‪ ‬وهكللذا تعطيلهللم‬
‫ونفيهم عن ال عز وجل صفات الكمال كصللفة الحيللاة والقللدرة والكلم‬
‫على ما يليق بجلل ال وكماله كمللا قللال تعللالى‪} :‬الله ل إله إل‬
‫هو الحي القيوم‪] {...‬البقلللرة ‪ [255‬وقللوله تعللالى‪} :‬وتوكللل‬
‫على الحي الذي ل يموت{ ]الفرقلللان ‪ [ 58‬وقوله‪} :‬وكلم‬
‫الله موسى تكليما ً{ ] النساء ‪.[ 164‬‬
‫إن هذه الصفات الثابتة ل عز وجل هي صفات لذات واحدة‪ ،‬فللال‬
‫هو الحي‪ ،‬وهو السميع‪ ،‬وهو البصير‪ ،‬وهو الرحيم‪ ،‬وهو القادر‪ ،‬وهللو‬
‫المتكلم‪ .‬فهو واحد وله السماء الحسنى‪.‬‬
‫ففلي صلحيح البخلاري ملن حلديث أبلي هريلرة رضلي الل عنله أن‬
‫رسلول الل‪ ‬قلال‪» :‬إن لب تسببعة وتسببعين اسبمًا مببائة إل واحببدًا مبن‬
‫أحصاها دخل الجنة« )‪ ،(123‬أحصيناه‪ :‬حفظناه‪.‬‬
‫وقللال ابلن عبللاس رضللي الل عنلله‪ » :‬ذو الجلل العظمللة‪ ،‬الللبر‪،‬‬
‫اللطيف«‪.‬‬
‫يقول ابن حجللر رحملله الل تعللالى فللي شللرح كتللاب التوحيللد مللن‬
‫صحيح البخاري وهو يذكر رؤوس الفرق المبتدعللة فقللال‪) :‬وقللد سللمى‬
‫المعتزلة أنفسهم أهل العدل والتوحيد(‪ ،‬وعنوا بالتوحيد ما اعتقدوه مللن‬‫))‬

‫نفي الصفات اللهية لعتقادهم أن إثباتها يستلزم التشبيه ومن شبه اللل‬
‫بخلقه فقد أشرك‪ ،‬قال‪ :‬وهم في النفي موافقون للجهمية()‪.(124‬‬
‫وفللي )ص ‪ (378‬فللي شللرح حللديث‪ :‬إن لل تسللعة وتسللعين اسللمًا‬
‫السابق ذكره قال‪) :‬وقال ابن أبي حاتم في كتللاب الللرد علللى الجهميللة(‪:‬‬
‫))‬

‫‪ () 123‬فتللح البللاري كتللاب التوحيللد بللاب‪ :‬إن ل ل مللائة اسللم إل واحللدًا )‪) (13/377‬ح‬
‫‪.(7392‬‬
‫‪ () 124‬فتح الباري )‪.(13/344‬‬
‫ذكر نعيم بن حماد أن الجهمية قالوا‪ :‬إن أسللماء الل مخلوقللة‪ ،‬لن السللم‬
‫غير المسمى‪ ،‬واّدعوا أن ال كان ول وجود لهذه السماء‪ ،‬ثللم خلقهللا ثللم‬
‫تسللمى بهللا‪ ،‬قللال فقلنللا لهللم‪ :‬إن اللل قللال‪} :‬سبح اسللم ربللك‬
‫العلى{ وقال‪} :‬ذلكم الله ربكم فاعبدوه{‪ ،‬فأخبر أنلله‬
‫المعبود ودل كلمه على اسمه بما دل به على نفسه‪ ،‬فمن زعللم أن اسللم‬
‫ال مخلوق فقد زعم أن ال أمر نبيه أن يسبح مخلوقلًا‪ ،‬قللال‪ :‬ونقللل عللن‬
‫إسحاق بن راهويه عللن الجهميللة أن جهملًا قللال‪ :‬لللو قلللت إن لل تسللعة‬
‫وتسعين اسمًا لعبدت تسعة وتسعين إلهًا قال‪ :‬فقلنا لهم‪ :‬إن ال أمر عباده‬
‫أن يلللدعوه بأسلللمائه فقلللال‪} :‬ولللله السللماء الحسللنى‬
‫فادعوه بها{ والسماء جمللع‪ ،‬أقللله ثلثللة‪ ،‬ول فللرق فللي الزيللادة‬
‫على الواحد بين الثلثة والتسعة والتسعين()‪.(125‬‬
‫شَبه الللتي قللامت بللرأس الخليلللي مللن أن إثبللات السللماء‬
‫إن هذه ال ّ‬
‫المتعددة والصفات تدل على التشبيه وعلى التعللدد شللبه قديمللة قللال بهللا‬
‫واعتنقها ودعا إليها رؤسللاء تللك البلدع ملن جهميلة ومعتزلللة‪ ،‬وقلد رّد‬
‫عليهم كما نرى أهل السنة المتمسكون بما جللاء فللي كتللاب ربهللم وسللنة‬
‫نبيهم أمثال‪ :‬نعيلم بلن حملاد‪ ،‬وإسللحاق ابلن راهلويه‪ ،‬وابلن أبلي حلاتم‪،‬‬
‫وعبللدال بلن المبللارك‪ ،‬وغيرهللم مللن أعلم الهللدى‪ ،‬العلمللاء الربللانيون‬
‫المعروفون بعلمهم وفضلهم؛ فقد قال عبدال بن المبارك‪:‬‬
‫قوًل يضارع قول الشرك‬ ‫ول أقول بقول الجهبببم إن له‬
‫أحيانًا‬
‫وقال‪ :‬إنا لنحكي كلم اليهود والنصارى ونستعظم أن نحكي قول جهم‬ ‫))‬

‫(()‪.(126‬‬
‫‪ () 125‬فتح الباري )‪.(13/378‬‬
‫‪ () 126‬فتح الباري )‪.(13/345‬‬
‫إن قلول الجهميلة والمعتزلللة اللذي سلبق ذكلره فلي نفلي السللماء‬
‫والصللفات‪ ،‬وإن القللول بتعللددها لموصللوف واحللد‪ ،‬معنللاه عبللادة آلهللة‬
‫متعددة عند هؤلء في تصورهم الباطل‪ ،‬إن هذه الشبه القائمة على هذا‬
‫الوهم الفاسد والتصور المنحرف ل قيمة لها عنللد مللن يعقللل مللا يقللول؛‬
‫لن الصفات المتعددة لموصوف واحد تقوم حللتى بللالمخلوق‪ ،‬فللالخليلي‬
‫وغيره من بني آدم يتصفون بصفة السمع‪ ،‬والبصر‪ ،‬والقدرة‪ ،‬والحيللاة‪،‬‬
‫والكلم‪ ،‬وهللو ذات واحللدة‪ ،‬وذلللك حسللب ضللعفه وحللاله‪ ،‬كمللا سلليأتي‬
‫توضيح ذلك‪.‬‬
‫لكن الخليلي‪ -‬هداه ال إلى قول الحق واعتقللاده ل ل يخللالف العقلء فللي‬
‫ذلك ويقول بقول الجهمية والمعتزلة حيث تصّور مثل ما تصّوروه من أنلله‬
‫إذا أثبت ل عز وجل صفة الكلم مع الصفات الخللرى فقللد أثبللت تعللددًا‬
‫للقدماء هكذا يقول‪ ،‬ذلك أن المعتزلة يقولون‪ :‬إن أخص وصف ل ل عللز‬
‫وجل »القدم«‪.‬‬
‫ويتصور أنه إذا أثبت ل عز وجل صفة الكلم فقد أثبت مع ال »‬
‫قديمًا« لعتقاده أن الصفة قائمللة بلذاتها منفصللة علن الموصللوف بهلا‪،‬‬
‫وهذا منشأ ضلل أسلفه‪.‬‬
‫وهو ل يعقل كما ل يعقل أسلفه مللن أن صللفة الكلم قائمللة بلذاته‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬كصفة الحيلاة والقلدرة والسللمع والبصلر وغيرهلا ملن‬
‫صفات الكمال والجلل‪.‬‬
‫فال عز وجل متصف بصفة الكلم‪ ،‬يتكلم متى شلاء وكيلف شلاء كملا‬
‫قال تعالى‪} :‬وكلم الله موسى تكليما ً{ وغير ذلك من اليللات‬
‫الكريمة والحاديث النبوية الشريفة التي تثبت ل لل لل ل صللفة الكلم‬
‫على ما يليق بجلل ال وكماله والتي سيأتي ذكرها في مواضعها لن صللفة‬
‫»الكلم« من الصفات الختيارية‪ ،‬يتكلم متى شاء وكيف شاء ولكن الخليلي‬
‫يخالف هذا ويتوهم أنه إذا أثبت هذه الصفة ل عز وجل فقد اثبللت تعللددًا فللي‬
‫القدماء‪.‬‬
‫وإليك نص كلمه حيث يقول في )ص ‪ (104‬من كتابه هذا‪) :‬وقد كان‬
‫عْلم ال الذي هو من صفات ذاته ول توراة معه‪ ،‬ول إنجيل‪ ،‬ول زبللور‪ ،‬ول‬ ‫ِ‬
‫صحف‪ ،‬ول قرآن‪ ،‬وهو الن على ما هو عليه كان‪ ،‬لن الصفات الذاتيللة ل‬
‫يجوز عليها التكثر ول التبديل ول التغيير …( إلى أن قال‪) :‬فالكتب المنزلللة‬
‫إنما هي فلي الحقيقلة ملدلولت علمله‪ ،‬اللذي هلو ملن صلفات ذاتله سلبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬ل هي نفس صلفة العللم اللذي هلو صلفة للذاته القديملة‪ ،‬وإل لكلان‬
‫التللوراة‪ ،‬و النجيللل‪ ،‬و الزبللور‪ ،‬وصللحف إبراهيللم‪ ،‬وموسللى‪ ،‬والقللرآن‪،‬‬
‫وجميع الوحي قديمًا موجودًا في الزل مع ال تعالى بهللذه اللفللاظ المخلوقللة‬
‫المحدثة على كثرتها‪ ،‬فيكون كثير من المخلوقلات قلديمًا موجلودًا فلي الزل‬
‫مع ال القديم الزلي وهذا باطل إذ ل قديم سواه…(اهل‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬إن هذه الشبهة الللتي قللامت بللذهن الخليلللي وهللي أن تعللدد‬
‫الصفات تدل على تعدد الموصوف شبهة داحضة ل تقللف أمللام الحجللج‬
‫القاطعة من الكتاب والسنة‪ ،‬والعقل السليم غيللر الملللوث بشللبه الجهميللة‬
‫والمعتزلة ومن صار على دربهم من إباضية‪ ،‬ورافضة‪ ،‬وغيرهم ممن‬
‫سلك مسلك أهل الكلم‪ ،‬وترك كتاب رب العباد‪ ،‬وسنة خير النام‪.‬‬
‫وسوف نناقش هذه الشبهة ونبين فسادها تحت العنوان التالي‪:‬‬
‫منتاقشتتة شبهة الخليلي‬
‫ومن اقتدى بهم في أن تعدد الصفات يدل على تعدد‬
‫الذات‬
‫النفللاة لصللفات ال ل عللز وجللل سللمو ذلللك النفللي توحيللد لنلله قللام‬
‫بأذهانهم ‪-‬المريضة بالشبه الفاسللدة‪ -‬أن الصللفة منفصلللة عللن الموصللوف‬
‫بها‪ ،‬وأنها قائمة بذاتها‪ ،‬ولهذا التصور الفاسد نفوا عن ال عز وجل جميللع‬
‫الصفات‪ ،‬كالحياة‪ ،‬والقدرة‪ ،‬والسمع والبصر‪ ،‬والكلم‪ ،‬والعلم‪ ،‬وغير ذلك‬
‫من الصفات الثابتة في كتاب ال عز وجل وسنة رسوله‪ ،‬ولم يثبتللوا لل‬
‫من صفات الكمال إل ما سموه بصفة »القدم« وهو أخص وصف عنللدهم‬
‫ل تعالى‪ ،‬ولهذا قالوا‪) :‬فإذا أثبتنا ل عز وجل هللذه الصللفات ومنهللا صللفة‬
‫الكلم فقد أثبتنا ذوات متعددة قديمة ملع الل فلي الزل‪ ،‬إذ ل قلديم سللواه(‬
‫كما سبق تصلريح الخليللي بلذلك‪ ،‬ثلم مّثلل للذلك التعلدد حسلب زعملله‪:‬‬
‫بالتوراة‪ ،‬والنجيل‪ ،‬والزبور‪ ،‬وصحف إبراهيم وموسى‪ ،‬والقرآن‪ ،‬قللال‪):‬‬
‫وجميع الوحي كلله يكلون قلديمًا موجلودًا فلي الزل ملع الل تعلالى بهلذه‬
‫اللفاظ المخلوقة المحدثة على كثرتها فيكون كللثيٌر مللن المخلوقللات قللديمًا‬
‫موجودًا مع ال القديم الزلي‪ ،‬وهذا باطل إذ ل قديم سواه(‪.‬‬
‫والجواب لتفنيد هلذه الشلبهة القائملة بلذهن الخليللي وملن سلبقه بملا‬
‫يأتي‪:‬‬
‫أوًل‪ :‬أن قول الخليلي‪) :‬وقد كان علم ال وهو من صفات ذاته(‪.‬‬
‫قد يظن القارئ الذي ل يعرف مذهب النفاة لصفات ال عز وجللل‬
‫كالجهمية والمعتزلة‪ -‬والخليلي واحد منهم‪ -‬أن الخليلللي يثبللت لل صللفة‬
‫»العلم«‪.‬‬
‫ولتوضيح ذلللك للقللارئ‪ ،‬أقببول‪ :‬إن المعتزلللة‪ ،‬ومللن يقللول بقللولهم‬
‫ويعتقد عقيدتهم ينفون عن ال جميع الصفات‪ ،‬وممن يسلك ذلك المسلك‬
‫الخليلي فهللو واحللد منهللم‪ ،‬بللل يقللول إن المعتزلللة يقولللون بقللوله‪ ،‬فهللو‬
‫الصل المؤسس لهذه البدع‪ ،‬فهو ينفي عن ال عزوجل جميع الصللفات‬
‫ومنهللا صللفة » العلللم« والقللدرة‪ ،‬والحيللاة‪ ،‬والكلم‪ ،‬وجميللع الصللفات‬
‫الواردة في كتاب اللل‪ ،‬والثابتللة فللي سللنة رسللول الل‪ ،‬وإنمللا يثبتللون‬
‫أسماء ال مجردة عن المعاني؛ فيقولون‪ :‬إن ال عليم بذاته‪ ،‬حللي بللذاته‪،‬‬
‫قادر بذاته …إلخ ما يذكرونه في هذا الباب أي ليس ل صفة زائدة عللن‬
‫السم‪ ،‬هي‪ :‬صفة العلللم‪ ،‬والحيللاة‪ ،‬والقللدرة؛ ويللدعون أنهلم بهلذا النفللي‬
‫لمعاني أسماء ال ينزهون ال عن مشابهة خلقه‪ ،‬لن أسماء ال ل عنللدهم‬
‫ل تدل على معاني وإنما هي مجردة عن تلك المعاني التي دلت عليها‪.‬‬
‫ومما يوضح ذلك قول الخليلي‪) :‬وقد كان علم الل ‪-‬الللذي هللو مللن‬
‫صفات ذاته‪ -‬ول توراة ول إنجيل ول زبور ول قرآن(‪.‬‬
‫ومعلوم أن القرآن من كلم ال‪ ،‬وكلم ال صفة من صفاته قائمة بلله‬
‫غير منفصلة عنه‪ ،‬وهي ملن الصلفات الختياريلة‪ ،‬فهلو يتكللم ملتى شلاء‬
‫وكيف شاء ومع من شاء‪ ،‬وصفة العلم قائمة بذاته فهو بكل شيء عليم‪.‬‬
‫وال عز وجللل تكلللم بلالتوراة اللتي أنزلهلا علللى موسللى‪ ،‬وكّللم الل‬
‫موسى وسمع موسى عليه السلم كلم ربه عز وجللل وطمللع فللي المزيللد‬
‫من التكريم فطلب من ربلله النظللر إليلله كمللا قللال تعللالى‪} :‬ولما جاء‬
‫موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر‬
‫إليك‪]{...‬العراف ‪.[ 143‬‬
‫ثانيًا‪ :‬وأما قول الخليلي ومن سبقه من أن تعدد الصفات يدل علللى‬
‫ل‪ ،‬ذلللك أن الللذوات ل‬ ‫ل ونق ً‬
‫تعللدد الللذوات فللدعوى باطلللة مللردودة عق ً‬
‫يتصور انفصال الصفات عنها بوجه من الوجوه‪ ،‬أي أنلله ل توجللد ذات‬
‫مجللردة علن الصللفات إل فللي الفلتراض الللذهني‪ ،‬كملا يفللرض الللذهن‬
‫المحال‪.‬‬
‫وأما في الخارج‪ ،‬فل توجد ذات غير موصوفة فإن هذا محال‪ ،‬ولللو‬
‫لم يكن إل صفة الوجود‪ ،‬فإنها ل تنفك عن الموجود‪ ،‬وال موجود بصفاته‬
‫ل وأبدًا‪.‬‬ ‫أز ً‬
‫ولهذا فإن العلماء من أهل السنة يفرقون بين‪:‬‬
‫‪1‬ل قول القائل‪ :‬الصفات غير الذات‪.‬‬
‫‪2‬ل وقوله‪ :‬صفات ال غير ال‪.‬‬
‫فهذا القول الثاني باطل لن مسمى ال يدخل فيلله صللفاته‪ ،‬بخلف‬
‫القول الول وهو مسمى الذات فإنه ل يدخل فيلله الصللفات‪ ،‬ولهللذا قللال‬
‫الخليلي وأئمته المعتزلة »عليم بذاته« كما قال ل الخليلي‪) :‬وقد كان علم‬
‫ال الذي هو من صفات ذاته‪ ،‬ول توراة ول إنجيل … إلخ(‪.‬‬
‫لن المراد أن الصفات زائدة على ما أثبته المثبتون من »الللذات«‬
‫وال تعالى »هو الذات الموصوفة بصفاته اللزمة«‪.‬‬
‫ولهذا قال المام الطحاوي رحمه ال في وصف ال عللز وجللل »مللا‬
‫زال بصفاته« ولم يقل‪ :‬ل زال وصفاته‪ ،‬لن العطف يؤذن بالمغايرة‪.‬‬
‫وكذلك قال المام أحمد بن حنبل رحمه ال ل تعللالى فللي منللاظرته‬
‫للجهمية‪» :‬ل نقول ال وعلمه‪ ،‬ال وقدرته‪ ،‬ال ل ونللوره« ولكللن نقللول‪:‬‬
‫»ال بعلمه وقدرته ونوره هو إله واحد سبحانه«‪.‬‬
‫وقد أورد شارح الطحاوية رحمه ال أمثلة لذلك مللن السللنة فقللال‪:‬‬
‫ت بالللذات المقدسللة الموصللوفة بصللفات‬ ‫علْذ ُ‬
‫)فإذا قلت‪ :‬أعوذ بال‪ ،‬فقللد ُ‬
‫الكمال المقدس الثابتة التي ل تقبل النفصال بوجه من الوجوه‪.‬‬
‫ت بصفة من صللفات ال ل تعللالى‬ ‫عْذ ُ‬
‫ت‪ :‬أعوذ بعزة ال‪ ،‬فقد ُ‬ ‫وإذا قل ُ‬
‫عْذ بغير اللل(‪ .‬قللال‪) :‬وهللذا المعنللى يفهللم مللن لفللظ »الللذات« فللإن‬‫ولم َأ ُ‬
‫»ذات« في أصل معناها ل تسللتعمل إل مضللافة‪ ،‬أي ذات وجللود‪ ،‬ذات‬
‫قدرة‪ ،‬ذات عز‪ ،‬ذات علم‪ ،‬ذات كللرم‪ ،‬إلللى غيللر ذلللك مللن الصللفات فلل‬
‫»ذات كذا« بمعنى »صاحبة كذا« تلأنيث ذو وهلذا أصللل الكلمللة‪ .‬قللال‪:‬‬
‫فعلم أن الذات ل يتصور انفصال الصفات عنها بوجه من الوجوه‪ ،‬وإن‬
‫كان الذهن قد يفرض ذاتًا مجردة عن الصفات كما يفرض المحال‪.‬‬
‫وقد قال‪» :‬أعوذ بعزة ال وقببدرته مببن شببر مببا أجببد وأحبباذر«‬
‫)‪.(127‬‬
‫وقال‪» :‬أعوذ بكلمبات الب التامبات مبن شبر مبا خلبق« )‪ ،(128‬ول‬
‫يعوذ‪ ‬بغير ال‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه ال‪) :‬وقد نص الئمللة لل كأحمللد‬
‫وغيره‪ -‬على أنه ل يجوز الستعاذة بمخلوق‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهذا مما استدلوا به علللى أن كلم الل غيلر مخلللوق‪ ،‬قلالوا‪:‬‬
‫لنه ثبت عن النبي ‪ :r‬أنه استعاذ بكلمات ال وأمر بذلك )‪.(129‬‬
‫وقال ‪» :r‬اللهم إني أعوذ برضاك مببن سببخطك‪ ،‬وبمعافاتببك مببن‬
‫عقوبتك‪ ،‬وأعوذ بك منك« )‪.(130‬‬
‫وقال ‪» :r‬ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا)‪.(132) («(131‬‬
‫وبهللذا يتضللح أن شللبهة الخليلللي ومللن سللبقه إليهللا مللن الجهميللة‬
‫والمعتزلللة ومللن يسلللك مسلللكهم‪ ،‬شللبهة داحضللة تردهللا النصللوص‬
‫الصللريحة مللن كتللاب اللل عللز وجللل فهللو القللائل لعبللاده‪} :‬ولله‬
‫السماء الحسنى فادعوه بها{ والسللماء المجللردة مللن‬

‫‪ () 127‬مسلم في السلم )ح ‪.(2202‬‬


‫‪ () 128‬مسلم )ح ‪.(2708‬‬
‫‪ () 129‬الفتاوى )‪ ،(1/336‬وفتح المجيد )‪.(1/299‬‬
‫‪ () 130‬مسلللم )ح ‪ ،(486‬وابللن أبللي شلليبة فللي المصللنف )‪ ،(10/191‬وابللن مللاجه )ح‬
‫‪ ،(3841‬والمسند )‪.(201 ،6/8‬‬
‫‪ () 131‬أبو داود )ح ‪ ،(5074‬والنسائي )‪.(8/282‬‬
‫‪ () 132‬شرح الطحاوية ‪.100-1/99‬‬
‫معانيها ل تكون حسنى‪ ،‬فكيف يدعو الللداعي دعللاء مسللألة فيطلللب مللن‬
‫ربله الرحمللة وهللو عنلد الخليللي وملن يقلول بقلوله ويعتقلد عقيلدته ل‬
‫يتصف بصفة الرحمة؟‪ .‬ويطلب منه الرزق وهو ل يتصف به؟ ويطلب‬
‫منه النصر وهو ل يتصف بصفة القدرة؟ وهكللذا جميلع صللفات الجلل‬
‫والكمال‪.‬‬
‫إن هذا الضلل المبين في باب أسماء ال علز وجللل وصلفاته هلو‬
‫الذي تصدى له المام مالك رحمه ال ورد على أول مبتدع صدح بهللذه‬
‫البدعة‪ ،‬وذلك حيللن سللأل ذلللك المبتللدع المللام مالللك عللن قللوله تعللالى‪:‬‬
‫}الرحمن على العرش استوى{]طه ‪ [5‬كيف استوى؟‬
‫فقال‪» :‬الستواء معلوم‪ ،‬والكيللف مجهللول‪ ،‬واليمللان بلله واجللب‪،‬‬
‫والسؤال عنه بدعة«‪.‬‬
‫أي‪ :‬معناه من لغة العرب معلوم‪ ،‬وأما الكيف فهللو مجهللول‪ ،‬إذ ل‬
‫يحيط أحد بذات ال ول بصفاته علمًا‪ ،‬فدل هذا على أن صفات ال عللز‬
‫وجل قائملة بله لتنفلك عنله بحلال‪ ،‬وملن دعلاه بصلفة ملن صلفاته‪ ،‬أو‬
‫ع ل مستعيذ به ل بغيره‪ ،‬كما سبق ذكللر قللوله ‪ ‬مللن‬ ‫استعاذ بها فإنه دا ٍ‬
‫رواية مسلم‪» :‬أعوذ بعزة ال وقدرته من شر ما أجد وأحاذر«‪.‬‬
‫ولبيان ذلك قال المام الطحاوي رحمه ال في وصف ال عز وجل‪:‬‬
‫)ما زال بصفاته قديمًا قبل خلقه‪،‬لم يللزدد بكلونهم شلليئًا للم يكللن قبلهلم ملن‬
‫صفته‪ ،‬وكما كان بصفاته أزليًا كذلك ل يزال عليها أبديًا(‪.‬‬
‫قال الشارح‪) :‬أي أن الل سللبحانه وتعللالى لللم يللزل متصللفًا بصللفات‬
‫صلل َ‬
‫ف‬ ‫الكمال‪ -‬صفات الذات‪ ،‬وصفات الفعل‪ -‬ول يجوز أن يعتقد أن ال ُو ِ‬
‫بصفة بعد أن لم يكللن متصللفًا بهللا‪ ،‬لن صللفاته ‪-‬سللبحانه‪ -‬صللفات كمللال‪،‬‬
‫وفقدها صفة نقص‪ ،‬ول يجوز أن يكون قد حصل لله الكملال بعللد أن كللان‬
‫متصفًا بضده‪.‬‬
‫قال‪ :‬ول َيِرد على هذا صفات الفعل والصللفات الختياريللة ونحوهللا‬
‫ي‪،‬‬‫كللالخلق والتصللوير‪ ،‬والحيللاء والماتللة‪ ،‬والقبللض والبسللط والطلل ّ‬
‫والستواء والنزول‪ ،‬والغضب والرضا‪ ،‬ونحو ذلك مما وصف بلله نفسلله‪،‬‬
‫ووصفه به رسوله‪ ‬وإن كنا ل ندرك كنهه وحقيقته التي هللي تللأويله‪ ،‬ول‬
‫ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ول متوهمين بأهوائنا‪.‬‬
‫ل معناه معلوم لنا‪ ،‬كما قال المام مالك رضي الل عنله‬ ‫ولكن أص ٌ‬
‫لمللا سللئل عللن قللوله تعللالى‪} :‬ثم استوى على العترش{ كيللف‬
‫استوى؟ فقال‪ :‬الستواء معلوم‪ ،‬والكيف مجهللول‪ ،‬واليمللان بلله واجللب‬
‫والسؤال عنه بدعة‪.‬‬
‫قال‪ :‬وإن كانت هذه الحوال تحدث في وقللت دون وقللت كمللا فللي‬
‫حديث الشفاعة‪» :‬إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضببب قبلببه مثلببه‬
‫ولن يغضببب بعببده مثلببه« )‪،(133‬لن هلذا الحللدوث بهللذا العتبلار غيلر‬
‫ممتنع ول يطلق عليه أنه حللدث بعللد أن لللم يكللن‪ ،‬أل تللرى أن مللن تكلللم‬
‫اليوم وكان متكلمًا بالمس ل يقللال‪ :‬إنلله حللدث للله الكلم‪ ،‬ولللو كللان غيللر‬
‫متكلم لفة؛ كالصغر والخرس‪ ،‬ثم تكلللم يقللال‪ :‬حللدث للله الكلم‪ ،‬فالسللاكت‬
‫لغير آفة يسمى متكلمًا بالقوة بمعنللى أنلله يتكلللم إذا شللاء وفللي حللال تكّلملله‬
‫يسمى متكلمًا بالفعل( )‪.(134‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري في شللرح الحللاديث الللواردة‬
‫في باب »إن ل تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة«‪:‬‬
‫)قال نعيم بن حماد في»الللرد علللى الجهميللة«‪ :‬دلللت هللذه الحللاديث‬
‫‪-‬يعنللي الللواردة فللي السللتعاذة بأسللماء ال ل وكلمللاته والسللؤال بهللا‪ ،‬مثللل‬
‫‪ () 133‬أخرجه البخاري )ح ‪ ،(4712 ،3361 ،3340‬ومسلم )ح ‪ ،(194‬وأحمد )‪– 435 /2‬‬
‫‪.(436‬‬
‫‪ () 134‬شرح الطحاوية )‪1/96‬ل ‪.(97‬‬
‫أحاديث الباب‪ ،‬وحديث عائشة وأبي سعيد‪» :‬باسم ال ب أرقيببك« وكلهمللا‬
‫عند مسلللم وفللي البللاب عللن عبللادة وميمونللة وأبللي هريللرة وغيرهللم عنللد‬
‫النسائي وغيره بأسانيد جيللاد‪ -‬علللى أن القللرآن غيللر مخلللوق‪ ،‬إذ لللو كللان‬
‫مخلوقًا لم يستعذ بها إذ ل يستعاذ بمخلللوق قللال ال ل تعللالى‪} :‬فاستعذ‬
‫بالله{‪.‬‬
‫وقال النبي ‪» :r‬وإذا استعذت فاستعذ بال«‪.‬‬
‫وقال المام أحمد في»كتاب السنة«‪» :‬قالت الجهمية لمن قال إن ال ل‬
‫لم يزل بأسمائه وصفاته‪ ،‬قلتم بقول النصارى حيث جعلوا معه غيره‪.‬‬
‫فأجابوا‪ :‬بأنا نقول إنه واحد بأسمائه وصللفاته‪ ،‬فل نصللف إل واحللدًا‬
‫بصفاته‬
‫كمللا قللال تعللالى‪} :‬ذرني ومن خلقت وحيللدا ً{ ]الملللدثر‪[11:‬‬
‫وصفه بالوحدة مع أنه كان له لسان وعينللان وأذنللان وسللمع وبصللر‪ ،‬ولللم‬
‫يخرج بهذه الصفات عن كونه واحدًا‬
‫ول المثل العلى«)‪.(135‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا هو الذي يرّدُده الخليللي فلي دعلواه )خللق القلرآن( ليلس‬
‫عنده غيره‪.‬‬
‫فإلى الفصل الول لننظر الشبه التي أوردها ثم الرد عليها‪.‬‬

‫‪() 135‬فتح الباري )‪ (393 /13‬من )ح ‪.(7402 – 7393‬‬


‫يقول ل الخليلي ل في ص )‪ (105‬تحت عنوان‪:‬‬
‫الفصل الول‪ :‬في اختلف المة في‬
‫قدم الكلم وحدوثه‬

‫هذا الفصل الذي استغرق عشرين صفحة من كتابه هذا وذلك مللن‬
‫ص )‪105‬ل ل ‪ (125‬اشللتمل علللى مغالطللات وتلبيسللات كللثيرة وتكللرار‬
‫لبعض الكلم السابق‪ ،‬ولذا فقد رأيللت مللن المناسللب أن أبللرز الفقللرات‬
‫الواضحة من هذا الفصل بحيث تشمل مباحث الفصللل كلهللا‪ ،‬ثللم نتبعهللا‬
‫بالرد على كل فقرة‪ ،‬وقد شمل هذا الفصل الفقرات التالية‪:‬‬
‫الفقرة الولى وتشمل التي‪:‬‬
‫أ ل قوله‪) :‬إن من القضايا التي شغلت بال المة وأحدثت بينها شقاقًا‬
‫كبيرًا ووزعت طوائفها عزين‪ ،‬قضللية كلم الل تعللالى المنللزل هللل هللو‬
‫حادث أو قديم(؟‬
‫قال‪):‬وقد جّرهم هذا إلى الكلم النفسي والخوض فيلله‪ ،‬والخللوض‬
‫بين إثباته ونفيه(‪.‬‬
‫ثم قللال‪):‬ولللن أتكلللم فللي هللذه المبللاحث ول مناقشللتها إل بقللدر مللا‬
‫يضطرني إليه التمهيد لشرح ما نقملله النللاقمون علللى »الباضللية« مللن‬
‫القللول بخلللق القللرآن المنللزل علللى سلليدنا محمللد عليلله أفضللل الصلللة‬
‫والسلم(‪.‬‬
‫ب ل ذكر أن من طوائف هذه المة من ينكر الكلم النفسي رأساً لل‬
‫وهم المعتزلة ل اكتفاء في نفي الخرس عن ال بإثبات صفة القدرة‪.‬‬
‫قال‪ ):‬وكما مّر بك أن أصحابنا والشعرية وجمهور المة متفقون‬
‫على إثباته ثم قال‪ :‬ولعلك استوضحت تفرقة أصحابنا بينه وبين القللرآن‬
‫وسائر الكتب المنزلة مما نقلته عن صاحب المعالم وعن المام ابن أبي‬
‫نبهان‪ ...‬إلى أن قال‪ :‬وقد التبست هللذه الفللروق علللى كللثير مللن النللاس‪،‬‬
‫فأدى بهم ذلك إلى النزاع والشقاق في القرآن هللل هللو مخلللوق أو غيللر‬
‫مخلوق؟(‬
‫جل ل قال‪) :‬وقد أشعل نار هذه الفتنة بعض الدخلء في المة الذين‬
‫تقمصوا السلم لحاجات في نفوسهم أرادوا قضاءها‪ ،‬أهمها إذكاء نللار‬
‫الفتنة بين طوائف المللة وتقسلليمها إلللى شلليع وأحللزاب كلل حللزب بملا‬
‫لديهم فرحون(‪.‬‬
‫د ل ثم قال‪) :‬ولعل رأس هؤلء »أبا شاكر الديصاني« الذي قيللل‬
‫عنه إنه يهودي تظاهر بالسلم‪ ،‬كما كان سلفه »بولس اليهودي« الذي‬
‫مزق أتباع المسيح عليه السلم بما أججه بينهم من نار الخلف(‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬اعترافه بللأن الرعيللل الول مللن السلللف الصللالح‪،‬‬
‫مضى إلى ربه قبل أن تسمع آذانهم طنينًا من القول في هذا الموضوع‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬اعتراف الخليلي بأن علمللاء عمللان المتللأخرين هللم‬
‫الذين قالوا بخلق القرآن‪ ،‬فهذه الفقرات هي خلصة ما اشتمل عليه هللذا‬
‫الفصل‪.‬‬
‫وإليك أيها القارئ الكريم الرد المفصل على هذه الفقرات‪:‬‬
‫الرد على الفقرة الولى ‪:‬‬
‫قوله‪ ):‬إن سبب إشعال الفتنة في كلم ال المنزل هل هو حللادث‬
‫أو قديم؟ وقد جرهم هذا إلى الكلم النفسي …( إلخ‪.‬‬
‫والجواب على هذه الفقرة‪ :‬إن هذا التعبير عن كلم ال ل ‪» :U‬هللل‬
‫هللو حللادث أو قللديم« مللن بنيللات أفكللار أهللل الكلم‪ ،‬لن المعتزلللة ل ل‬
‫والخليلي واحد منهم‪ ،‬يقول بقولهم ل تصوروا أن الصللفات قائمللة بللذاتها‬
‫وليست قائمة بالموصوف‪ ،‬وأن الِقَدم أخص وصف ل ‪ ،U‬فإذا أثبتوا ل‬
‫صفة الكلم أو غيرها من الصفات فقد أثبتوا تعدد القدماء‪ ،‬وهذا كفر‪.‬‬
‫فهذا هو الذي يقصده الخليلللي مللن كلملله‪ :‬هللل كلم الل قللديم أو‬
‫حادث؟ وقد سبق الرد على قضية تعدد الصفات‪.‬‬
‫وقوله )أو حادث( يقصد مللن كلمللة )حللادث( مخلللوق‪ ،‬فهللو يعللبر‬
‫بالحدوث عن الخلق‪.‬‬
‫وأهل السنة والجماعة يقولون بما جاء في الكتاب والسنة وهو أن‬
‫ال عزوجل موصوف بصفات الجلل والكمال‪ ،‬وأن صفاته قائمة بذاته‬
‫كالحياة‪ ،‬والرادة‪ ،‬والقدرة‪ ،‬والكلم وغيرهللا مللن الصللفات الثابتللة فللي‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬وأن ال متصللف بصللفة الكلم‪ ،‬وعّرفللوا كلم الل عللز‬
‫وجل بقولهم‪ :‬قديم النوع حادث الحاد‪ :‬أي أن ال عز وجل يتكلللم مللتى‬
‫شللاء وكيللف شللاء وأن مللن كلملله الكتللب المنزلللة التللوراة والزبللور‬
‫والنجيل والقرآن وغيرها‪ ،‬وأنه كّلم موسى تكليمًا‪ ،‬ويكّلم من يشاء مللن‬
‫خلقلله‪ ،‬وأن التلوراة غيلر النجيلل‪ ،‬والنجيلل غيلر القللرآن‪ ،‬وأنله يكّللم‬
‫عباده يوم القيامللة كمللا جللاءت بللذلك النصللوص‪ ،‬لن صللفة الكلم مللن‬
‫الصفات الختيارية فال عزوجل يتكلم متى شاء وكيف شاء‪ ،‬وقللد تقللدم‬
‫شبهة الخليلي في قوله‪) :‬وقد كان علم ال الذي هللو مللن صللفات‬ ‫مناقشة ُ‬
‫ذاتلله‪ ،‬ول تللوراة ول إنجيللل ول زبللور …( إلللى قللوله‪) :‬بهللذه اللفللاظ‬
‫المخلوقللة المحدثللة‪ ،‬علللى كثرتهللا فيكللون كللثير مللن المخلوقللات قللديماً‬
‫موجودًا في الزل مع ال القديم الزلي‪ ،‬وهللذا باطللل إذ ل قللديم سللواه(‬
‫)ص ‪ (179‬وما بعدها تحت عنوان مناقشة شبهة الخليلي ومللن اقتللدى‬
‫))‬

‫بهم في أن تعدد الصفات تدل على تعدد الذات((‪.‬‬


‫ولهذا قال المام الطحاوي رحمه ال في الللرد علللى هللذه الشللبهة‪:‬‬
‫)وما زال بصفاته‪ (...‬ولم يقللل‪ :‬ل زال وصللفاته‪ ،‬لن العطللف يقتضللي‬
‫المغايرة‪.‬‬
‫وكذلك قال المام أحمد بن حنبل رحمه ال في مناظرته للجهميللة‪:‬‬
‫)ل نقول‪ :‬ال وعلمله‪ ،‬ال وقدرتله‪ ،‬ال ونوره‪ ،‬ولكللن نقللول الل بعلملله‬
‫وقدرته ونوره هو إله واحد سبحانه()‪.(136‬‬
‫والحقيقة أن هذه الفكار المنحرفة عن منهج أهل السنة والجماعة‬
‫في‬
‫صفات ال عز وجل جاءت من طريق أعداء ال‪ ،‬الذين قضى السلم‬
‫بنللوره علللى بللاطلهم لل اليهللود والمجللوس وغيرهللم‪ -‬ممللن عجللزوا عللن‬
‫مواجهة السلم وأهله بالقوة فلجؤوا للكيد له من داخله بدءًا بفتنة عبللدال‬
‫))‬

‫بن سبأ(( الذي دخل السلم نفاقًا ثم ادعى الوصية بالخلفة لعلللي بللن أبللي‬
‫طالب رضي ال عنه من الرسول ‪ ‬مباشرة‪ ،‬وأن الصحابة كتموا تلك‬
‫الوصللية‪ ،‬مخللالفين أمللر رسللول الل‪ ‬حسللب زعملله‪ ،‬ثللم حكللم عليهللم‬
‫بالكفر‪ ،‬وأّلب الرعاع علللى قتللل الخليفللة الراشللد عثمللان بللن عفللان ذي‬
‫النورين‪ ،‬الذي تسللتحي منلله ملئكللة السللماء فقتللل مظلوملًا‪ ،‬وقللد ورث‬
‫أفكاره طللوائف منهللم الرافضللة‪ ،‬فحكمللوا علللى صللحابة رسللول الل‪‬‬
‫بالرّدة إل النفللر اليسللير‪ ،‬ومللن أولئك اليهللود الزنادقللة‪ ،‬الللذين تقمصللوا‬
‫لباس السلم‪ ،‬كما قلال الخليللي فلي كتلابه هلذا )ص ‪105‬لل ‪) :(106‬وقلد‬
‫‪ () 136‬انظر شرح الطحاوية )‪1/96‬ل ‪.(97‬‬
‫أشعل نار الفتنة بعض الدخلء في المة‪ ،‬الذين تقمصوا السلم لحاجات في‬
‫نفوسللهم أرادوا قضللاءها‪ ،‬كللأبي شللاكر الديصللاني اليهللودي الللذي تظللاهر‬
‫بالسلم وأشعل هذه الفتنة(‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومنها القول بخلق القرآن‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬إن قول الخليللي هلذا هلو الصلحيح‪ ،‬أن أولئك اللدخلء ملن‬
‫اليهود وغيرهم أرادوا القضاء على السلم وأهله بهذا السلوب المللاكر‪،‬‬
‫حين عجزوا عن مواجهة السلم في الظاهر‪ ،‬فهللؤلء الللدخلء اختلطللوا‬
‫ضلالة فللي المجتمللع السلللمي‪ ،‬ومللن هللذه‬ ‫بالمسلمين ونشروا أفكللارهم ال ّ‬
‫الفكار الضللالة المضلللة القللول )بخلللق القللرآن( وإل لللم يكللن هللذا القللول‬
‫معروفًا عند الصحابة والتابعين‪.‬‬
‫وقد تقبل بعض المسلمين )كالمعتزلة( وبعض )الباضية( والزيديللة‬
‫وغيرهم تلك الفكار المنحرفة البعيدة كل البعد علن هلدي كتلاب الل علز‬
‫وجل وسنة رسول ال صلى ال عليله وسللم الللذين جملع الل بهملا شلمل‬
‫المة بعد تفرقها وتشتتها وتناحرها‪ ،‬وكانوا شيعًا وأحزابًا كملا قللال تعلالى‬
‫ممتنًا على عباده‪} :‬واذكروا نعمة الله عليكللم إذ كنتللم‬
‫أعللداء فللألف بيللن قلللوبكم فأصللبحتم بنعمتلله‬
‫إخوانا ً …{ ] آل عمران ‪.[103‬‬
‫ولهذا قال صلى ال عليه وسلم‪» :‬تركت فيكم ما إن تمسكتم به لببن‬
‫تضلوا أبدًا كتاب ال وسنتي« )‪.(137‬‬
‫فعللرف أعللداء السلللم أن اجتمللاع المللة السلللمية علللى اليمللان‬
‫بكتاب ربها للللل وسنة نبيهللا صللى الل عليله وسللم وأن التمسلك بهلا‬
‫سبب عظيم في عزها وقوتها‪ ،‬وامتداد سللعادتها فللأدخلوا أفكللارهم المنحرفللة‬
‫على المسلمين في باب أسماء ال ل وصللفاته‪ ،‬ونشللروها بينهللم تحللت سللتار‬
‫‪ () 137‬الدارقطني ‪ 4/245‬ح رقم ‪.149‬‬
‫التنلزيه ل عز وجل عن مشابهة المخلوقين‪ ،‬ومن تلك الصفات الللتي نفوهللا‬
‫عن ال عز وجل صفة )الكلم( فقالوا‪ :‬إن الكلم ل يصدر إل عن لسللان‬
‫وشفتين وهذه من صفات المخلوقين‪ ،‬فلو أثبتنا ل صفة الكلم فقللد شللبهناه‬
‫بخلقه ومن شبه ال بخلقه فقد كفر‪ ،‬ولّما تقّبل بعللض المسلللمين كالمعتزلللة‬
‫والزيدية وبعض الباضلية وملن يلدعي السللم كالرافضلة تللك الفكلار‬
‫صل َ‬
‫ل‬ ‫ل بمللراد أولئك الللدخلء ‪َ -‬و َ‬ ‫الضالة ‪-‬وقد يكون ذلك من بعضللهم جه ً‬
‫أعداء السلم إلى أهللدافهم‪ ،‬وهللي إثللارة الفتنللة وتمزيللق المللة‪ ،‬كمللا قلال‬
‫الخليلي اللذي وقلع فلي ذاك الشللباك اللذي نصلبه )أبللو شللاكر الديصلاني(‬
‫اليهودي الذي ذكر الخليلي أنه دخل في السلم وتقمص ثوبه نفاقًا‪ ،‬فللإن‬
‫أول فتنة أثيرت ومزقللت شللمل المللة القللول )بخلللق القللرآن( فللي عهللد‬
‫المأمون والمعتصم‪ ،‬اللذين حمل المة على القول بخلق القرآن وقد قتل‬
‫ضرب المام أحمللد‬ ‫في تلك المحنة عدد من علماء أهل السنة وسجنوا و ُ‬
‫بن حنبل رحمه ال ضربًا مبرحًا حتى أغمي عليه‪.‬‬
‫ل عللن‬‫وقد ثبت أن أول من قال بخلق القللرآن الجعللد بللن درهللم نق ً‬
‫اليهود وإليك سلسلة ذاك السناد‪.‬‬
‫يقول ابن الثيللر فللي كتللاب » الكامللل « ) ‪ (7/75‬فللي الحللديث عللن‬
‫التعطيل والتصريح بخللق القلرآن‪ :‬قلال‪) :‬وقلد نشلر هلذه المقاللة لل يعنلي‬
‫التعطيللل‪ -‬وحمللل لواءهللا الجهللم ابللن صللفوان المتللوفى سللنة ) ‪128‬هللل(‬
‫ل‪ ،‬وقد أخذ مقالته في نفي صفات الل تعلالى علن الجعللد بلن درهللم‪،‬‬ ‫مقتو ً‬
‫والجعد أخذ التعطيل عن أبان بن سمعان‪ ،‬وأخذ أبان عللن طللالوت‪ ،‬وأخللذ‬
‫طالوت عن خاله لبيد بن العصم اليهودي الساحر الذي سحر رسول ال ل‬
‫‪ ‬وكان لبيد زنديقًا يقول بخلق التوراة( اهل‪.‬‬
‫فهذا السناد المظلم‪ ،‬المسلسل باليهود هو سند المعطلللة الجهميللة‪،‬‬
‫ومن يقول بقولهم في نفي صللفات الل عللز وجللل‪ ،‬ومللن تلللك الصللفات‬
‫صفة الكلم والقول‪ :‬بأن )القرآن مخلوق( كسائر المخلوقات من النس‬
‫والجللن والسللموات والرض وغيرهللا مللن مخلوقللات اللل كمللا يقللول‬
‫الخليلي‪ ،‬فهذا هو السبب الحقيقي في إثللارة الفتللن الللتي ذهللب ضللحيتها‬
‫عدد كبير من علماء أهل السنة والجماعة في عهد المللأمون والمعتصللم‬
‫والواثق حلتى رفعلت المحنلة علن المللة عللى يلد المتوكللل اللذي رفلع‬
‫المحنة بخلق القرآن‪ ،‬وأظهر السنة وأمر بنشر الثار النبوية)‪.(138‬‬
‫وقد كان لثبات المام أحمد بن حنبل ‪-‬رحمه ال تعالى‪ -‬إمللام أهللل‬
‫السنة والجماعة الفضل بعد الل عللز وجللل الللذي ثّبتلله علللى الحللق فللي‬
‫كشف الغمة عن المة‪.‬‬
‫فقد بين أن‪ :‬القرآن كلم ال‪ ،‬وكلملله صللفة مللن صللفاته وبكلملله‬
‫يخلق الشياء المخلوقة‪ ،‬كما قللال تعللالى‪} :‬إنما أملره إذا أراد‬
‫شيئا ً أن يقول له كن فيكون{‪.‬‬
‫وقد طلب من مناظلريه بين يدي المعتصم أن يأتوا بآية من كتاب‬
‫ال عز وجل أو بحديث من سنة رسلول ال‪ ‬يللدلن )علللى أن القللرآن‬
‫مخلوق( فعجزوا‪.‬‬
‫فهذا هو السبب لشعال الفتنة بين المسلللمين‪ ،‬وليللس قللول الخليلللي‬
‫أن سللبب إشللعال الفتنللة‪ :‬هللل كلم الل المنللزل حللادث أو قللديم؟ لن هللذا‬
‫الصطلح نفسه أدخله أهلل البلدع الخلذين عقلائدهم ملن أفكلار اليهلود‪،‬‬
‫القائلين بأن القرآن مخلوق أخذًا عن لبيللد ابللن العصللم اليهللودي السللاحر‬
‫الذي كان يقول )بخلق التوراة( كما تقدم نقل ذلك عن ابلن الثيلر وغيلره‪،‬‬
‫وأن أول من نشر المقالة هذه الجهم بن صفوان‪ ،‬وقد أخللذها عللن الجعللد‬
‫بن درهم أول ملن قلال بخللق القلرآن)‪ (139‬فلي المللة السلللمية‪ ،‬وتلقللف‬
‫‪ (1) 138‬تأريخ السلم ‪ /‬للمام الذهبي ج ‪/ 1‬ص ‪.141‬‬
‫‪ () 139‬انظللر‪ :‬البدايللة والنهايللة )‪،9‬ل ‪ ،(404/ 10‬ولسللان الميللزان )‪ ،(2/105‬والنجللوم‬
‫أفكاره المعتزلة‪ .‬وقد أخمدت هذا الفتنلة فلي زملن المتوكللل‪ ،‬والن يلذكي‬
‫نارهللا الخليلللي بكتللابه هللذا‪ ،‬مللع اعللترافه بللأن الللذين أشللعلوا نللار الفتنللة‬
‫الزنادقة‪ ،‬ومن هؤلء أبو شاكر الديصاني اليهودي‪ ،‬الذي ذكره فللي كتللابه‬
‫وأنه تقّمص لباس السلم لثارة الفتنة‪.‬‬
‫والسؤال الموجه للخليلي‪ :‬هل قال أبو شاكر الديصاني اليهودي عللن‬
‫القرآن الكريم‪ :‬أنه كلم ال تكلم ال به فسمعه منه جبريل ل عليه السلللم ل ل‬
‫ونزل به على محمد‪ ‬فأثار الفتنة بهذا القول؟‬
‫أو قال‪ :‬القرآن مخلوق‪ ،‬كما قال الجعد بن درهم الذي ينتهللي إسللناد‬
‫مقالته إلى لبيد بن العصم اليهودي؟ وبهذا القول أخللذ المعتزلللة‪ ،‬وطائفللة‬
‫من الباضية المتأخرين فثارت الفتنة وتفرقت المة؟‬
‫ولن يستطيع الخليلي أن يقبول أنبه قبال ببالقول الول‪ ،‬لن الواقبع‬
‫يشهد بخلف ذلك‪.‬‬
‫ثم تحدث الخليلي عن الكلم النفسي‪ ،‬فذكر أن المعتزلة ينكرونلله‪،‬‬
‫ن الباضية والشعرية يثبتونه ثم قال‪) :‬وجمهور المة علللى‬ ‫ثم قرر أ ّ‬
‫إثباته( كما في )ص ‪ (105‬من كتابه هذا‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬إن دعواه على جمهور المة أنهم يقولون بالكلم النفسي‪،‬‬
‫دعوى باطلة ل دليل عليها‪ ،‬فعلماء سلف المللة وخلفهللا جميعلًا يللردون‬
‫علللى مللا يسللمى بللالكلم النفسللي لنلله ل ُيّعللد كلملًا‪ ،‬ول يلترتب عليلله‬
‫أحكام‪.‬‬
‫وقد سبقت مناقشة الخليلي في الرد على ما جاء في المقدمة تحت‬
‫عنللوان‪ :‬مناقشللة الخليلللي فللي الكلم النفسللي( )ص ‪ (161‬ودحللض‬ ‫))‬

‫كلمه‪ ،‬ومنه استدلله ببيت الخطل النصراني‪ ،‬فل حاجة لعادته‪.‬‬

‫الزاهرة )‪ ،(1/322‬وتقدم )ص ‪.(158‬‬


‫فهذا هو الرد على الفقلرة الولللى‪ ،‬وننتقلل إلللى الللرد عللى الفقللرة‬
‫الثانية وبيان مغالطاته بعد اعللترافه أن الرعيللل الول مضللى إلللى ربلله‬
‫ولم تسمع آذانهم طنينًا من القول في هذا الموضوع‪.‬‬
‫الرد على الفقرة الثانية من الفصل الول‪:‬‬
‫وتشمل التي‪:‬‬
‫ل اعتراف الخليلي بأن الرعيل الول مللن السلللف الصللالح مضللى‬
‫إلى ربه قبل أن تسمع آذانهم طنينًا من القول في هللذا الموضللوع‪ ،‬هكللذا‬
‫يقول‪ ،‬ولكنه يغالط ويلبس القول على القارئ‪ ،‬فُيقّول السلف الصالح مللا‬
‫لم يقولوا‪ ،‬ويدعي عليهم دعوى دون دليل‪.‬‬
‫وإليك شرحه للجملة التي قال فيها‪ »:‬بأن السلف الصالح مضى إلللى‬
‫ربه قبل أن تسمع آذانهم طنينًا في هذا الموضوع«‪ ،‬فيقللول‪) :‬وإنمللا كللانوا‬
‫مجمعين على أن الل خللالق كللل شلليء ومللا سللواه مخلللوق‪ ،‬وأن القللرآن‬
‫كسائر الكتب المنزلة كلم ال ووحيلله وتنزيللله‪ ،‬وهللذا الللذي اتفقللت عليلله‬
‫كلمة المسلمين بُعَمان في عهد المام المهنا ابلن جيفلر( إللخ )ص ‪( 106‬‬
‫هكذا يقول‪ ،‬وهلو كلٌم مغّللف ل يلدركه إل ملن يعلرف عقلائد المعتزللة‪،‬‬
‫ومن يقول بقولهم ويعتقد عقيدتهم في كلم ال عز وجل‪ ،‬وقولهم الصريح‬
‫أن القرآن الكريم مخلوق‪ ،‬وهو ما يصرح بله المؤللف الخليللي فلي كتلابه‬
‫هذا‪ ،‬وإليك الجواب لكشف هذه المغالطة فنقول‪:‬‬
‫أما قوله‪) :‬إن الرعيل الول من السلف الصالح مضى إلى ربه قبللل‬
‫أن تسمع آذانهم طنينًا من القول في هذا الموضللوع( فللذلك حللق‪ ،‬وهللو أن‬
‫السلف الصالح من الصحابة والتلابعين لهلم بإحسلان للم يتحلدثوا فلي هلذا‬
‫الموضوع‪ ،‬بل كانوا مؤمنين مصدقين بأن‪ :‬القرآن كلم ال عزوجل تكّلللم‬
‫ال به حقيقة كيف شاء‪ ،‬وسمعه منه جبريل عليه السلللم‪ ،‬ونللزل بلله عللى‬
‫محمد‪ ‬وأمره ال أن يدعوا الناس به‪.‬‬
‫وكان يعرض نفسه‪ ‬علللى القبللائل ويطلللب منهللم أن يعينللوه علللى‬
‫تبليغ الناس كلم ربه‪.‬‬
‫فقد روى المام الحافظ ابن منلده فلي كتلاب التوحيلد بإسلناده علن‬
‫جابر بن عبدال رضي ال عنه قال‪» :‬كان رسول ال‪ ‬يعببرض نفسببه‬
‫بالموقف ويقول‪ :‬إن قريشًا قد منعوني أن أبلغ كلم ربي« )‪.(140‬‬
‫وقد مضى الجيل الول على هذا العتقاد‪.‬‬
‫وأما قوله‪) :‬وإنما كانوا مجمعيللن أن الل خللالق كللل شلليء( ‪،‬فهللذا‬
‫موضللوع المغالطللة والتلللبيس علللى القللارئ‪ ،‬الللذي ل يعللرف عقيللدة‬
‫المعتزلة في القرآن الكريم وتلبيساتهم على الخريللن‪ ،‬ويمثللل المؤلللف‬
‫الخليلي عقيدة المعتزلة في كلم ال‪ ،‬وفي القرآن الكريم الذي تكّلللم ال ل‬
‫بلله وسللمعه منلله جبريللل عليلله السلللم‪ ،‬ونللزل بلله علللى محمللد‪ ‬وهللو‬
‫الرسول المين‪ ،‬والخليلي الذي يعتقد )خلق القرآن( ويللدعو لللذلك يريلد‬
‫أن يدخل كلم ال عز وجل فللي عمللوم قللوله تعللالى‪} :‬الله خالق‬
‫كل شيء{ وأن القرآن الكريم شيء‪ ،‬فهو مخلوق‪.‬‬
‫وهذه شنشنة عرفت فللي عهللد المللام أحمللد بللن حنبللل رحملله الل‬
‫تعللالى وعلمللاء السلللف‪ ،‬وردوهللا علللى أصللحابها بالدلللة الصللريحة‬
‫والحجج القاطعة‪ ،‬وأخمدوا لهيبها بنصوص القرآن وصحيح السنة‪.‬‬
‫وكلم الخليلي هو عين الفتراء على السلللف‪ ،‬فللإن السلللف الصللالح‬
‫الذين يشلير إليهللم للتغطيللة علللى عقيللدته الباطلللة فللي القللرآن الكريللم‪ ،‬لللم‬
‫يدخللوا كلم ال عز وجل‬
‫في المخلوقات‪ ،‬لن ال عز وجللل خلللق المخلوقلللات كلللللها )بكلملله(‪،‬‬
‫كما قال تعالى‪} :‬إنما أمره إذا أراد شيئا ً أن يقول له‬
‫‪ () 140‬رواه أبو أحمد الزبيري وغيره عللن إسلرائيل ح )‪ ،(617‬وأخرجلله الللدارمي فللي‬
‫فضائل القرآن باب القرآن كلم ال )‪ (2/317‬ح )‪.(3357‬‬
‫كن فيكون{‪ ،‬فكلمة )كن( في الية هللي الللتي يخلللق الل بهللا مللا‬
‫يشاء من المخلوقات كلها‪ ،‬فالسلف مجمعللون علللى أن المخلوقللات كلهللا‬
‫‪-‬من سموات وأرض وبحار وجبال وأشجار‪ -‬السللموات والرض ومللا‬
‫لل أحلٌد فلي الخللق‪ .‬فللله‬‫فيهما وما بينهما كلها من خلق ال للم يشلارك ا َ‬
‫الخلق والمر‪.‬‬
‫قللال تعللالى‪ .…} :‬ولله ملللك السللموات والرض‬
‫وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء‬
‫قدير{ ] الملللائدة ‪ [ 17‬وقللال تعللالى‪} :‬إن مثل عيسى عند‬
‫الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال للله كللن‬
‫فيكون{ ] آل عمران ‪ [ 59‬فكلم ال عز وجل صفة من صللفاته والل‬
‫عز وجل بصفاته خالق وما سواه مخلللوق‪ ،‬وقللد خلللق المخلوقللات كلهلا‬
‫بقوله للشلليء )كللن(‪)،‬وكللن( مللن كلملله فل يجللوز إدخللاله فللي عمللوم‬
‫المخلوقات لنه من صفاته‪ ،‬والقول بأن صفة مللن صللفات ال ل مخلوقللة‬
‫كفر‪.‬‬
‫وقللد سللأل المشللركون رسللول ال ل‪ ‬أن يصللف لهللم ربلله الللذي‬
‫يدعوهم لعبادته وحده فأنزل ال سورة الخلص‪:‬‬
‫}قل هو الله أحد‪ .‬الله الصمد‪ .‬لم يلد ولللم‬
‫يولد‪ .‬ولم يكن له كفوا ً أحد{‪.‬‬
‫ولكن! أتدري أيها القارئ الكريم من أين اسللتقى المؤلللف الخليلللي‬
‫هذا التعبير؟ لنه كما يقال‪ :‬إذا ظهر السبب بطل العجب‪ ،‬إنه أخللذه مللن‬
‫سلفه ل ل من السلف الصالح ل أخذه من )بشر المريسي( المعتزلي الذي‬
‫يفتخر الخليلي بأنه يقول بقوله في القرآن الكريم‪.‬‬
‫وقد تولى مناظرة )بشللر المريسللي( المللام )عبللدالعزيز الكنللاني(‬
‫فدحض كيده وأبطللل حجتلله بيللن يللدي )المللأمون( الللذي اعتنللق مللذهب‬
‫المعتزلة في القرآن الكريم حينما لبسوا عليه بقصد التنزيه ل عز وجل‬
‫عن مشابهة المخلوقين‪.‬‬
‫وقد حمل المأمون العلماء على القول بأن القللرآن مخلللوق فللامتنع‬
‫علماء السلف من أهل السنة عن هذه البدعللة‪ ،‬فقتللل مللن قتللل‪ ،‬وضللرب‬
‫من ضرب‪ ،‬وحبللس مللن حبللس‪ ،‬حللتى أنقللذ الل علمللاء السلللف والمللة‬
‫السلمية من هذا العتقاد الباطل المؤدي إلى الكفر بثبات المام أحمللد‬
‫بن حنبل رحمه ال تعالى‪ ،‬وقد سميت تلك المحنة بمحنللة القللول )بخلللق‬
‫القرآن(‪ .‬والغرض هنلا الشللارة إللى أن قللول الخليللي هلو قللول )بشللر‬
‫المريسي بعينه( ‪.‬‬
‫وإلى القارئ طرفًا من ذلك ليعلم أن تلك العقللائد المخالفللة للكتللاب‬
‫والسنة ومنهج سلف المة التي فرقت كلمللة المسلللمين ل زالللت سللارية‬
‫في المجتمع السلمي لها دعاتهللا المناضلللون عنهللا بكتبهللم المنشللورة‪.‬‬
‫وإليك أدلة )بشر المريسي( فلي تللك المنلاظرة اللتي عقلدت بينله وبيلن‬
‫المام )عبدالعزيز الكناني(‪.‬‬
‫قال‪ :‬بشر للكناني‪) :‬تقول القرآن شلليء أم غيللر شلليء؟ فللإن قلللت‪:‬‬
‫إنه شلليء أقللررت أنلله مخلللوق‪ ،‬إذ كللانت الشللياء كلهللا مخلوقللة بنلص‬
‫التنزيل‪ ،‬وإن قلت إنه ليس بشيء فقد كفرت لنلك تزعلم أنله حجلة الل‬
‫علللى خلقلله وأن حجللة اللل ليسللت بشلليء(‪ .‬هكللذا سللرد حجتلله بهللذا‬
‫السلوب‪ ،‬وبعد أن رد الكنلاني علللى هللذا السلللوب المخلالف لسلللوب‬
‫المناظرة ودحضه بالحجة والبرهان ل كما تجد ذلك مبسوطًا في رسالته‬
‫)الحيدة(‪.‬رد على هذه المقالة فقال‪ :‬إن ال عز وجل أجرى على كلمه‬
‫))‬

‫ما أجراه على نفسه إذ كان كلملله ملن صلفاته فللم يتسلم بالشلليء‪ ،‬وللم‬
‫يجعل الشيء اسمًا من أسمائه‪ ،‬ولكنه دل علللى نفسلله أنلله شلليء وأكللبر‬
‫الشياء‪ ،‬إثباتًا للوجود‪ ،‬ونفيلًا للعللدم‪ ،‬وتكللذيبًا منلله للزنادقللة والدهريللة‪،‬‬
‫ومن تقدمهم ممن جحد معرفته‪ ،‬وأنكر ربوبيته من سللائر المللم‪ ،‬فقللال‬
‫عز وجل لنبيه محمد‪} :‬قل أي شيء أكبر شهادة قل اللتته‬
‫شهيد بيني وبينكم{ ] النعام ‪ [ 19‬فدل عللى نفسله أنله شلليء ليلس‬
‫كالشياء‪ ،‬وأنزل في ذلك خللبرًا خاصلًا مفللردًا لعلملله السللابق أن جهملًا‬
‫وبشرًا ومن قال بقولهما سيلحدون فللي أسللمائه‪ ،‬ويشللبهون علللى خلقلله‪،‬‬
‫ويدخلونه وكلمه في الشللياء المخلوقللة قللال تعللالى‪} :‬ليس كمثله‬
‫شيء وهو السميع البصير{ فأخرج نفسه وكلملله وصللفاته مللن‬
‫الشياء المخلوقة بهذا الخبر‪ ،‬تكذيبًا لمن ألحد في كتابه‪ ،‬وافترى عليلله‪،‬‬
‫وشبهه بخلقه‪ ،‬قال تعالى‪} :‬ولله السماء الحسنى فادعوه بها‬
‫وذروا الذين يلحدون فتتي أستتمائه ستتيجزون متتا كتتانوا‬
‫يعملون{ ] العراف ‪ ،[ 180‬ثم عدد أسماءه في كتابه ولم يتسم بالشيء‬
‫ولم يجعله اسمًا من أسللمائه ثللم قللال النللبي‪» :‬إن ل ب تسببعة وتسببعين‬
‫اسمًا من أحصاها دخل الجنة« ثم عدها فلم نجده جعل الشيء اسمًا للل‬
‫عز وجل‪ ،‬ثم ذكر جل ذكره كلمه كما ذكللر نفسلله ودل عليلله بمثللل مللا‬
‫دل على نفسه ليعلم الخلق أنه من ذاته وأنه صفة مللن صللفاته فقللال ال ل‬
‫عز وجل ‪}:‬وما قدروا الله حتق قتدره إذ قتالوا متا أنتزل‬
‫الله على بشر من شيء قل متتن أنتتزل الكتتتاب التتذي‬
‫جاء به موسى نورا ً وهدى للنتتاس{ ] النعللام ‪ ،[ 91‬فللذم اللل‬
‫ل من المسلمين‬ ‫اليهودي حين نفى أن تكون التوراة شيئًا‪ ،‬وذلك أن رج ً‬
‫ل من اليهود بالمدينة فجعل المسلللم يحتلج علللى اليهللودي مللن‬ ‫ناظر رج ً‬
‫التوراة بما علم من صفة النبي‪ ‬وذكر نبوته فيها حللتى أثبللت نبللوته‪‬‬
‫من التوراة فضحك اليهودي وقال‪ :‬ما أنزل الل علللى بشللر مللن شلليء‪،‬‬
‫فأنزل ال عللز وجللل تكللذيبه‪ ،‬وذم قللوله‪ ،‬وأعظللم فريتلله حيللن جحللد أن‬
‫يكون كلم ال شيئًا‪ ،‬ودل بذلك على أن كلمه شيء ليس كالشياء‪ ،‬كما‬
‫دل على نفسه أنه شيء ليس كالشياء‪ .‬ثم قال في موضع آخر‪} :‬ومن‬
‫ى‬ ‫ً‬
‫أظلم ممن افترى على اللتته كتتذبا أو قتتال أوحتتي إل ت ّ‬
‫ولم يوح إليه شيء{ ]النعام‪ ،[93:‬فدل بهللذا الخللبر أيضلًا علللى أن‬
‫الوحي شيء بالمعنى وذم من جحد أن كلم ال شلليء‪ ،‬فلمللا أظهللر ال ل‬
‫عز وجل اسم كلمه لم يظهره باسم الشيء؛ فيلحللد الملحللدون فللي ذلللك‬
‫ويدخلونه في جملة الشللياء المخلوقللة‪ ،‬ولكنلله أظهللره عللز وجللل باسللم‬
‫الكتاب والنور والهدى‪ ،‬ولم يقللل‪ :‬قللل مللن أنللزل الشلليء الللذي جللاء بله‬
‫موسى فيجعل الشيء اسمًا لكلمه‪ ،‬وكذلك سمى كلمه بأسللماء ظللاهرة‬
‫يعرف بها فسمى كلمه نورًا وهدى وشفاًء ورحمة وحقًا وقرآنًا وأشباه‬
‫ذلك؛ لعلمه السابق أن جهمًا وبشرًا ومن يقول بقولهم أنهم سيلحدون في‬
‫أسمائه وصفاته التي هي من ذاته‪ ،‬وسيدخلونها فللي الشللياء المخلوقللة(‬
‫)‪. (141‬‬
‫وسنكمل هذا عند مناقشة المؤلف في الفصل الرابع من كتلابه هلذا‬
‫الذي عقده )لدلة القائلين بخلق القرآن(‪.‬‬
‫فهذا هو الذي جعل المؤلف الخليلي يدعي تلك الدعوى على السلف بأنهم‬
‫كانوا مجمعين على أن ال خالق كل شيء‪ ،‬ونقول‪ :‬نعللم خللالق كللل شلليء‬
‫مخلوق‪ ،‬من سموات وأرض وما بينهما‪ ،‬وقلد خلقهملا بكلمله الللذي هلو‬
‫من صفاته؛ والكلم من الصفات الختيارية لن كلمه صللفة قائمللة بللذاته‬
‫وهي صفة ذات وفعل‪ ،‬قال تعالى ‪ }:‬إنما أمتتره إذا أراد شتتيئا ً أن‬
‫يقول له كن فيكون{ فال عز وجللل يتكلللم ملتى شللاء وكيللف شللاء‬
‫ومع من شاء‪ ،‬سبحانه وتعالى‪} :‬ليس كمثله شيء وهو الستميع‬
‫البصير{)‪ ] (142‬الشورى ‪.[ 11‬‬

‫‪ () 141‬الحيدة للكناني )ص ‪.(33،35،36‬‬


‫‪ ()142‬مختصر الصواعق المرسلة ‪. 2/296‬‬
‫الباطل ل يقف على ساق وبيان تناقضات الخليلي‬

‫‪1‬ل سلبق أن قلرر الخليللي أن الرعيلل الول ملن السللف الصلالح‬


‫مضى قبل أن يسمع شيئًا في موضوع القول بخلق القرآن )ص ‪،(106‬‬
‫ثم علاد فلي الصلفحة نفسلها فلذكر أن هلذا الخلف سلببه الغللو‪ ،‬وذللك‬
‫بمنابذة أهل الحديث ومن سار في ركبهم لصحاب المدرسة العقلية من‬
‫المعتزلة وغيرهم واستعداء السلطات عليهم … إلخ‪ ،‬وأنه عنللدما دالللت‬
‫الدولة للمعتزلة في أواخللر أيلام المللأمون ثللم المعتصللم انتهللزوا فرصللتهم‬
‫للتشفي والنتقام من أهل الحديث فأسرفوا في القتل والتعذيب‪.‬‬
‫فامتلت الصدور بالحقاد‪ ،‬وأخللذت القضللية مجللرى عاطفيلًا فللي‬
‫البحث‪ ،‬وأخذ كل فريق يندد بالخر‪ ،‬ويكيللل للله التهللم ويرميلله بالبدعللة‬
‫والنحراف‪ ،‬ثم يقول‪):‬وبما أن أصحابنا أهل الستقامة لم يشللتركوا فللي‬
‫شيء من تلك الفتن ولللم يتلبسللوا بهاتيلك الحللن‪ ،‬للم يقعللوا تحلت تلأثير‬
‫العواطف‪ ،‬فكان بحثهم في القضية موضوعيًا صرفًا‪ ،‬لنهم انطلقوا فيه‬
‫من قاعدة الحجة والدليل‪ ،‬ل من واقع السخائم والحقاد(‪.‬‬
‫هكذا يدعي أن السلف من أهل الحديث ومن سار على دربهللم هللم‬
‫ف‪ ،‬وليسوا أهل حق فلي اللرد عللى المعتزلللة وملن يقلول‬ ‫ش ّ‬‫أهل ُتَهٍم وَت َ‬
‫بقولهم‪.‬‬
‫والجواب‪:‬‬
‫إن هذه الدعوى دعوى زائفة‪ ،‬ل يقوم عليها دليل من واقع التأريخ‬
‫والحداث التي وقعت فللي محنللة القللول بخلللق القللرآن‪ ،‬فلللم تجلّر إليهللا‬
‫ل الحللديث والسللنة يللردون‬ ‫ف أهل ُ‬
‫العواطف كما يدعي‪ ،‬وإنما كللان السللل ُ‬
‫على المبتدعلة بلاطلهم المتمثلل فلي دعلواهم أن صلفة ملن صلفات الل‬
‫مخلوقة‪ ،‬وهذا القول كفر بال جل وعل؛ فال عز وجللل بصللفاته واحللد‬
‫أحد‪ ،‬لم يلد ولم يولد‪ ،‬ولم يكن له كفوًا أحللد‪ ،‬والقللرآن كلم الل وكلملله‬
‫صفة من صفاته‪ ،‬ودعوى أن القرآن مخلوق ل لم يتكلم ال عز وجل به‬
‫ل هو من قول اليهود وكيدهم‪ ،‬وهو إلحاد في صفات ال تعالى‪.‬‬
‫واقرأ قول الخليلي نفسه الذي سطره بقلمه فللي آخللر )ص ‪،(105‬‬
‫وأول )ص ‪ .(106‬حيث قال‪) :‬وقد أشعل نار هذه الفتنة بعض الللدخلء‬
‫في المة الذين تقمصوا السلم لحاجات فلي نفوسللهم أرادوا قضلاءها‪،‬‬
‫أهمها إذكاء نار الفتنة بين طوائف المة وتقسلليمها إلللى شلليع وأحللزاب‬
‫}كل حزب بما لديهم فرحون{ قللال‪ :‬ولعللل علللى رأس‬
‫هؤلء أبو شاكر الديصاني الذي قيل عنه أنه يهودي تظللاهر بالسلللم‪،‬‬
‫كما كان سلفه بولس اليهودي‪ ،‬الذي مزق أتباع المسيح …(‪.‬‬
‫وأقببول‪ :‬مللا الللذي أدخللله هللذا اليهللودي علللى المسلللمين لتمزيللق‬
‫وحدتهم؟ هل قال‪ :‬إن القرآن مخلوق فحدث التفرق بيللن طللوائف المللة‬
‫المجتمعة على كلمة سواء؟‬
‫أو قال‪ :‬إن القرآن كلم ال تكّلم به كيف شاء فحدث التفرق؟‬
‫إن الخليلي لم يفصح عن الذي أدخله أبو شاكر الديصاني اليهودي‬
‫الذي تظاهر بالسلم لشعال نار الفتنة كما يقول‪.‬‬
‫ل ال قلمه بما يبين الحق وهو ل يشعر؛ فقد قال في )ص‬ ‫ولكن قد َأسا َ‬
‫‪- (106‬بعد كلمه عن أبي شاكر الديصاني اليهودي‪ -‬قال ‪) :‬وكان الرعيل‬
‫الول من السلف الصالح مضى إلى ربلله قبللل أن تسللمع آذانهلم طنينلًا ملن‬
‫القول في هذا الموضوع …(‪ ،‬وهذا يوضح لك أيها القارئ الكريم أن الذي‬
‫أدخله أبو شاكر الديصاني اليهودي الذي تظاهر بالسلم لحاجة فللي نفسلله‬
‫وهي تفريق المة كما يقول الخليلي‪ -‬أنه أدخل عليهم القول بخلق القللرآن‪،‬‬
‫الذي لم يسمع الرعيل الول من السلف الصالح الذين مضوا شيئًا من ذلك‪،‬‬
‫ومضوا على كلمة واحدة ل خلف ول تفّرق ول نزاع بينهم في كتاب ال‪،‬‬
‫بل كلهم يؤمنون بأن القرآن كلم الل أنزلله عللى رسلوله صللى الل عليله‬
‫وسلم غير مخلوق‪ ،‬فهذا هو الصل الذي كان عليه السلف الصالح‪ ،‬ويشهد‬
‫لقول الخليلي أن الفتنة أشعلها الدخلء في المللة‪ ،‬الللذين تقمصللوا السلللم‬
‫إضافة إلى أبي شاكر الديصاني اليهودي‪ -‬الذي دخل في السلم لحاجة في‬
‫نفسه كما يقول الخليلي‪ -‬ما أورده ابن كثير فللي البدايللة والنهايللة ) ‪(9/352‬‬
‫في حوادث سنة ) ‪124‬هل( في ترجمة الجعد بن درهم قللال‪) :‬هللو أول مللن‬
‫قال بخلق القللرآن وهللو الللذي ينسلب إليله مللروان الجعللدي‪ ،‬وهللو ملروان‬
‫الحمللار‪ ،‬آخللر خلفللاء بنللي أميللة كللان شلليخه الجعللد بللن درهللم أصللله مللن‬
‫خراسان‪.‬‬
‫قال ابن عساكر وغيره‪ :‬وقد أخذ الجعد بلدعته علن بيلان بلن سلمعان‬
‫وأخذها بيان عن طالوت ابن أخت لبيد بن أعصم زوج ابنته‪ ،‬وأخللذها لبيللد‬
‫بن العصم الساحر الذي سحر رسول ال صلى ال عليه وسلم عن يهودي‬
‫باليمن‪ ،‬وأخذ ذلك عن الجعد بن درهم الجهم بللن صللفوان الخللزري وقيللل‬
‫الترمذي‪.‬‬
‫ثم قتل الجهم بأصبهان قتلله بملرو نائبهلا سللم بلن أحلوز وأخلذ بشلر‬
‫المريسي عن الجهم‪ ،‬وأخذ أحمد بن أبي دؤاد عن بشر(‪.‬‬
‫قال ابن كثير‪) :‬وأما الجعللد فللإنه أقللام بدمشللق حللتى أظهللر القللول‬
‫بخلق القرآن فطلبه بنو أمية فهرب منهم فسكن الكوفة فلقيه فيهللا الجهللم‬
‫بن صفوان فتقلد هذا القول عنه‪ ،‬ثلم إن خالللدًا بلن عبلدال القسلري قتلل‬
‫الجعد بن درهم يوم عيد الضحى بالكوفة؛ وذلك أن خالدًا خطب الناس‬
‫فقال في خطبته تلك‪ :‬أيها الناس ضحوا تقبل ال ضللحاياكم فللإني مضل ّ‬
‫ح‬
‫ل‪ ،‬ولللم يكّلللم‬
‫بالجعد بن درهللم‪ ،‬إنلله زعللم أن الل لللم يتخللذ إبراهيللم خلي ً‬
‫موسى تكليمًا‪ ،‬تعالى ال عما يقول الجعد علوًا كبيرًا‪ ،‬ثم نزل فذبحه في‬
‫أصل المنبر(‪.‬‬
‫قللال ابللن كللثير‪) :‬وقللد ذكللر هللذا غيللر واحللد مللن الحفللاظ منهللم‪:‬‬
‫البخاري‪ ،‬وابن أبي حاتم‪ ،‬وعبدال بلن أحملد‪ ،‬وذكلره ابلن عسلاكر فلي‬
‫التأريخ ()‪.(143‬‬
‫قلت‪ :‬فهذا هو أصل إشعال هذه الفتنة‪ ،‬وهذه سلسلة إسللنادها كلهللم‬
‫يهود‪ ،‬وزنادقللة‪ ،‬مملن قضلى السلللم علللى بلاطلهم فلارادوا الكيلد لله‪،‬‬
‫والطعن فيه‪ ،‬فتبنوا فكرة القول بخلق القرآن‪ ،‬وهم يعلمون أنه كلم اللل‬
‫عز وجل‪ ،‬وأن أهل الحق لللن يسللكتوا علن أهللل الباطللل‪ ،‬فللإذا أظهللروا‬
‫ب الخلف بيلن المللة المسلللمة‬ ‫باطلهم رد عليهللم أهلل الحلق‪ ،‬وهنلا يلد ّ‬
‫المجتمعللة علللى كلمللة سللواء‪ ،‬وهللذا الللذي حللدث يشللهد لهللذا اعللتراف‬
‫)الخليلي( وهو ما جاء في )ص ‪ (107‬مللن كتللابه هللذا حيللث قللال‪) :‬إن‬
‫إمللام الباضللية بالمشللرق محمللد بللن محبللوب الللذي أراد‪ -‬حسللب قللول‬
‫الخليلي ل أن يعلن القول بخلللق القللرآن كمللا أعلللن أهللل المغللرب إل أن‬
‫محمد بن هاشم اشتدت معارضته له في ذلك فانثنى عنه‪ ،‬قللال‪ :‬واتفقللت‬
‫كلمتهم بعد أن اجتمعوا في مدينة دما )السيب حاليلًا( وهللو الكتفلاء بملا‬
‫كللان عليلله سلللف المللة قصللر القللول عللن التصللريح بخلللق القللرآن أو‬
‫عدمه(‪.‬‬
‫فهذا ملا صلّرح بله الخليلللي ملن أن الباضلية فلي المشلرق‪ -‬وقلد‬
‫وصفهم بأنهم أهل الستقامة ل قد اجتمعوا في مدينة دما )السلليب حاليلًا(‬
‫واتفقت كلمتهم على القول بما كان عليه السلف‪.‬‬
‫وقد صرح بما كان عليه السلف في أول )ص ‪ (106‬وهو ما نقلته‬
‫من كلمه وهو قوله )وكان الرعيلل الول ملن السلللف الصللالح مضلى‬
‫إلى ربه قبل أن تسمع آذانهم طنينًا من القول في هذا الموضوع(‪.‬‬

‫‪ () 143‬انظر هامش‪ 1) :‬ص ‪.(158‬‬


‫وأقول‪ :‬أل كان يسع الخليلي ما اتفقا عليلله إمللام الباضللية الكللبر‬
‫كما يقول‪ -‬محمد بن محبوب ل ومحمد بن هاشم‪ ،‬وهو اتفاقهما علللى مللا‬
‫كان عليه السلف‪ ،‬ولو وقف الخليلي عند هذا القللول لحسللن إلللى نفسلله‬
‫ولكن الخليلي لم يكتف بهذا بل قّولهم ل أي‪ :‬المجتمعين مللن الباضللية ل ل‬
‫ما لم يقولوا‪ ،‬فكما نرى أنلله صللرح باتفللاقهم واجتمللاعهم علللى مللا كللان‬
‫عليه السلف وقد صرح هو بما كان عليه السلف‪.‬‬
‫ثم إن مقام التفلاق بينهلم ل يلدعو إللى أن يسلتعمل أحلد الفريقيلن‬
‫الّتقية مع الفريق الخر؛ لن أصللحاب هلذا الملذهب ل يؤمنلون بالتقيلة‬
‫وإنما يتدينون بالصدق في أقوالهم حسب اجتهادهم‪.‬‬
‫ولكن نقرأ كلم الخليلي ودعواه على هللؤلء المجتمعيللن علللى قللول‬
‫السلف )في القرآن( ملن غيلر ملجلئ لهلم عللى ذللك … يقلول فلي )ص‬
‫‪:(107‬‬
‫)ول أراهم وقفوا هذا الموقللف الصللامت إل سللدًا للذريعللة وتجنبلًا‬
‫لمشايعة الظالمين‪ ،‬فإنهم رحمهم ال من أرسخ مبللادئهم وأبللرز سللماتهم‬
‫مناهضة الظلم ومصارعة الظالمين‪ ،‬من غير التفات إلى من صدر منه‬
‫الظلم أو وقع عليه‪ ،‬وكانت النباء تترادف إليهم بما يتعرض إليلله أبنللاء‬
‫المة‪ ،‬من أبشع أنواع الظلم وأشنع القسوة في العاصمة العباسية‬
‫التي كانوا على مقربة منها‪ ،‬فكانوا كأنما يحسون بللأنينهم‪ ،‬وسللياط‬
‫الظالمين تلذع ظهللورهم‪ ،‬وبشللهيقهم‪ ،‬وصللوارمهم تفصللل رؤوسللهم‪...‬‬
‫إلخ هذا الكلم(‪.‬‬
‫والجواب‪:‬‬
‫أوًل‪ :‬أنهللم لللم يقفللوا موقللف الصللامت كمللا يقللول‪ ،‬وإنمللا اتفقللوا‬
‫واجتمعوا على قول السلف كما صللرح بللذلك دون أن يلجئهللم أحللد إلللى‬
‫ذلك‪ ،‬وإنما اتبعوا الحق الواضح‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أنه ُيَقلّولهم ملا للم يقوللوا‪ ،‬فلللم يصلرحوا بملا يتخلّرص بله‪،‬‬
‫ويدعيه عليهم‪ ،‬وإنما تصريحهم بضده‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬وما يدعيه عللى علملاء الباضلية المخللالفين للله بالتصلريح ل‬
‫بالتلميح‪ ،‬لو فرض أنه صحيح فإنه لللم يخفللف ‪-‬حسللب دعللواه‪ -‬عللن أهللل‬
‫السنة شيئًا من وطأة أهل البدعة‪ ،‬بل استمروا في التسلط على أهل الحللق‪،‬‬
‫بالقتل‪ ،‬والحبس‪ ،‬والضرب‪.‬‬
‫وأهل الحق ثابتون حتى نصر ال الحق وأزهق الباطل‪ ،‬وقد بدأت‬
‫المحنة حينما أظهر المأمون الللدعوة إلللى القللول بخلللق القللرآن‪ ،‬وحمللل‬
‫الناس على ذلك سنة )‪ 212‬هل(‪ ،‬ويقول‪ :‬ابن كللثير‪) :‬وفللي ربيللع الول‬
‫أظهر المأمون فظيعتين أحدهما أطم من الخرى‪:‬‬
‫الولى‪ :‬القول بخلق القرآن‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬تفضيل علي بن أبي طالب على النللاس بعللد رسللول ال ل‬
‫‪.‬‬
‫قال‪ :‬أخطأ في كل منهما خطأ كبيرًا‪ ،‬وأثم إثمًا عظيمًا()‪.(144‬‬
‫واستمرت المحنة إلى أن رفعت حينما ولي الخلفة المتوكل علللى‬
‫ال بعد الواثق في يوم الربعاء‪ ،‬لست بقين مللن ذي الحجللة سلنة اثنلتين‬
‫‪ ()144‬البداية والنهاية )‪(10/290‬‬
‫سّنه ست وعشرين سنة يومئذ‪ ،‬فأظهر ال‬ ‫وثلثين ومائتين )‪ 232‬هل( و ِ‬
‫عللز وجللل بلله السللنة‪ ،‬وكشللف تلللك الغمللة‪ ،‬فشللكره النللاس علللى مللا‬
‫فعل)‪.(145‬‬
‫فكانت مدة المحنة عشرين سنة‪ ،‬ثم عاد الحق إلى نصابه‪ ،‬وأظهللر‬
‫سّنة وقمع البدعة‪.‬‬
‫ال على يد المتوكل ال ُ‬
‫فكلان إبراهيلم بلن محمللد اللتيمي قاضلي البصلرة يقلول‪ :‬الخلفبباء‬
‫ثلثة‪:‬‬
‫‪1‬ل أبو بكر الصديق قاتل أهل الردة حتى استجابوا له‪.‬‬
‫‪2‬ل وعمر بن عبدالعزيز رّد مظالم بني أمية‪.‬‬
‫‪3‬ل والمتوكل محا البدع وأظهر السنة‪.‬‬
‫وأورد ابن الجوزي بإسناده عن إبراهيم بللن محمللد بللن عرفللة قللال‪:‬‬
‫)في سلنة أربلع وثلثيلن وملائتين أشللخص المتوكلل الفقهلاء والمحللدثين‪،‬‬
‫وكان فيهم مصعب الزبيلري‪ ،‬وإسلحاق بلن أبلي إسلرائيل‪ ،‬وإبراهيلم بلن‬
‫عبدال الهروي‪ ،‬وعبدال وعثمان ابني أبي شيبة‪ ،‬فقسمت بينهللم الجللوائز‪،‬‬
‫وأجريت عليهم الرزاق‪ ،‬وأمرهم المتوكل أن يجلسوا للناس‪ ،‬وأن يحدثوا‬
‫بالحاديث التي فيها الرد على المعتزلة والجهمية‪ ،‬وأن يحدثوا بالحاديث‬
‫في الرؤية‪.‬‬
‫فجلس عثمان بن أبي شيبة في مدينللة المنصللور ووضللع للله منللبر‪،‬‬
‫واجتمع عليه نحو من ثلثين ألفًا من الناس‪ ،‬وجلس أبو بكر بن أبلي شليبة‬
‫في مسجد الرصافة واجتمع عليه نحو من ثلثين ألفًا()‪.(146‬‬

‫‪ () 145‬المناقب لبن الجوزي )ص ‪.(438‬‬


‫‪ () 146‬المناقب لبن الجوزي )ص ‪.(439‬‬
‫موقف المام أحمد بن حنبل من مخالفيه‬
‫وبيان زيف قول الخلتتيلي‪:‬‬
‫إن القضتتية أخذت مسارا ً عاطفتتيا ً وتشفيا ً متن المخالف‬

‫أما المام أحمد بن حنبل ل رحمه ال لل فقللد جعللل كللل مللن حضللر‬
‫ل‪.‬‬
‫حّ‬‫ضربه أو شارك فيه في ِ‬
‫قال ابن الجوزي‪) :‬ثم بعث المتوكل بعد مضللي خمللس سللنين مللن‬
‫وليته بتسيير أحمد إليه‪ ،‬ثم ذكر بإسناده عن صالح بن أحمللد بللن حنبللل‬
‫قال‪ :‬وجه المتوكل إلى إسحاق بن إبراهيم يأمره بحمل أبي إليلله‪ ،‬فللوجه‬
‫ى يللأمرني بإشخاصللك‬ ‫إسحاق إلى أبي فقال له‪ :‬إن أباجعفر قللد كتللب إلل ّ‬
‫إليه فتأهب لذلك‪.‬‬
‫قال أبي‪ :‬وقال لي‪ :‬اجعلني في حل من حضوري ضربك‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬قد جعلت كل من حضلر في حل()‪.(147‬‬
‫ويقول شيخ السلم ابن تيمية فللي مجمللوع الفتللاوى‪ :‬فللإن المللام‬
‫))‬

‫أحمد قد باشر )الجهمية( الذين دعوه إلللى خلللق القللرآن‪ ،‬ونفللي الصللفات‬
‫وامتحنللوه وسللائر علمللاء وقتلله‪ ،‬وفتنللوا المللؤمنين والمؤمنللات الللذين لللم‬
‫يوافقوهم على التجّهم بالضرب والحبس‪ ،‬والقتل والعزل عللن الوليللات‪،‬‬
‫وقطللع الرزاق ورد الشللهادة‪ ...‬إلللى أن قللال‪ :‬ثللم إن المللام أحمللد دعللا‬
‫للخليفة وغيره ممن ضربه وحبسه واستغفر لهم‪ ،‬وحللهم مما فعلللوه بلله‬
‫من الظلم والدعاء إلى القللول الللذي هللو كفللر‪ ،‬ولللو كللانوا مرتللدين عللن‬
‫السلم لم يجز الستغفار لهللم؛ فللإن السللتغفار للكفللار ل يجللوز بنللص‬
‫الكتاب والسنة والجماع‪.‬‬

‫‪ () 147‬المناقب لبن الجوزي )ص ‪.(440‬‬


‫وهذه القللوال منله وملن غيلره ملن الئملة صلريحة فلي أنهلم للم‬
‫يكفروا المعينين من الجهمية‪ ،‬الذين كانوا يقولون‪ :‬القرآن مخلللوق‪ ،‬وأن‬
‫ال ل يرى في الخرة‪ ،‬وقد نقل عن أحمد ما يدل على أنه َكّفر به قوم لًا‬
‫معينين‪.‬‬
‫فأما أن يذكر عنه في المسألة روايتان ففيه نظر‪ ،‬أو يحمل المللر‬
‫على التفصيل فيقال من ُكّفر بعينه‪ ،‬فلقيللام الللدليل علللى أنلله وجللدت فيلله‬
‫شروط التكفير‪ ،‬وانتفت موانعه‪ ،‬ومن لم يكّفللر بعينلله فلنتفللاء ذلللك فللي‬
‫حقه‪ ،‬هذا مع إطلق قوله بالتكفير على سبيل العموم(‪ .‬ثم أورد بعد ذلك‬
‫الدلة على هذا الصل)‪.(148‬‬
‫وأقول‪ :‬إن ما فعله المام أحمد بن حنبل رحمه ال مع خصومه‬
‫‪-‬الذين آذوه بالحبس والضرب‪ ،‬وقتلوا من قتلوا مللن علمللاء السللنة‪ -‬مللن‬
‫تحليلهم‬
‫مما صنعوه به‪ ،‬بل الدعاء للخليفة والستغفار له يوضللح للقللارئ زيللف‬
‫دعوى‬
‫)الخليلي( وافتراءه من أن القضية بين المعتزلة‪ ،‬وأهل الحديث والسنة‪،‬‬
‫أنها‬
‫ف من بعضهم البعض‪ ،‬وليست مسألة حق وباطل؛‬ ‫قضية عواطف وتش ّ‬

‫لن أسلوب التشفي هو أسلوب أهل الحقد الظلمة‪ ،‬الذين يعلمون أنهم‬
‫أهل باطل يريدون هدم السلم‪ ،‬والفتك بأهله ل سيما علماؤهم‪ ،‬لنهم‬
‫على يقين بأنه ل يرد باطلهم ويكشللف تلبيسللهم ومغالطللاتهم إل العلمللاء‬
‫من‬
‫أهل السنة‪ ،‬ولذلك يقسون عليهم ويبطشون بهم إذا سنحت لهم الفرصة‬
‫‪ ()148‬الفتاوى)‪ 488 /12‬ل ‪. (489‬‬
‫ودالت لهم الدولة‪ ،‬كما حدث من المعتزلللة حينمللا لّبسللوا علللى المللأمون‬
‫والمعتصم وحملوهم على القول بخلق القرآن‪ ،‬ودعوة علماء السنة إلللى‬
‫تلك البدعللة‪ .‬وأمللا أهللل السللنة الللدعاة إلللى كتللاب الل وسللنة رسللوله‪‬‬
‫ل‪ ،‬فللإنهم ل ينتقمللون ممللن ظلمهللم‬ ‫والخذ بما جللاء فيهمللا اعتقللادًا وعم ً‬
‫وقسا عليهم ونكل بهم إذا دالت لهللم الدولللة‪ ،‬وإنمللا أسلللوبهم العفللو عنللد‬
‫المقدرة كما فعل المام أحمد بن حنبل رحملله الل تعللالى‪ ،‬وذلللك اقتللداًء‬
‫بنبيهم محمد‪ ‬فقد أخرجه الكفار من مكللة المكرمللة بعللد تللآمرهم علللى‬
‫قتله كما قال تعالى‪} :‬وإذ يمكر بك الذين كفتتروا ليثبتتتوك أو‬
‫يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكتتر اللتته واللتته خيتتر‬
‫الماكرين{ ] النفال ‪ [30‬وقد أخرجوه من مكلة كملا قللال تعلالى‪} :‬إل‬
‫تنصتتروه فقد نصره الله إذ أختترجه الذين كفروا ثاني‬
‫اثنين إذ هما في الغار إذ‬
‫يقول لصاحبه ل تحزن إن الله معنا‪ ] {...‬التوبة ‪ [40‬ثللم يعللود‬
‫‪ ‬إلى مكة فاتحًا منتصرًا ويقول لهم‪» :‬ما ترون أنببي صببانع بكببم« أي‪:‬‬
‫الذين أخرجوه من مكللة‪ ،‬فيقولللون‪» :‬أخ كريببم وابببن أخ كريببم«‪ ،‬فيقللول‪:‬‬
‫»اذهبوا فأنتم الطلقاء«‪ .‬هذا منهج المصطفى‪ ‬عند المقدرة علللى مللن‬
‫ظلمه‪ ،‬وهكذا أتباعه يطّبقون سيرته‪ ،‬فللإذا قللدروا عفللوا بللل واسللتغفروا‬
‫لمن ظلمهم‪ ،‬كما ترى الذي صنعه المام أحمد بن حنبل رحملله الل ملع‬
‫المأمون والمعتصم‪ ،‬وكل من شللارك فللي ضللربه‪ ،‬لنهللم ل ينتصللرون‬
‫لنفسهم وإنما يقدمون أنفسهم ل في إظهار الحق ونصره‪.‬‬
‫فنقول للخليلي‪ :‬أين التشفي الذي تدعيه على أهل الحللديث والسللنة‬
‫من خصومهم؟ إنهللا الللدعاوي الباطلللة والزائفللة‪ ،‬والللدليل الثللابت علللى‬
‫خلفها‪ ،‬وهكذا فإن الباطل كان زهوقًا‪.‬‬
‫وقد سبقت الشارة إلللى هلذا تحلت عنللوان‪ :‬الباطللل ل يقللف علللى‬
‫ساق وبيان تناقضات الخليلي‪.‬‬
‫الرد على الفقرة الثالثة‪:‬‬

‫مان‬
‫ع َ‬
‫اعتراف الخليلي بأن علماء ُ‬
‫المتأخرين‬
‫هم الذين قالوا بخلق القرآن‬

‫ففي )ص ‪ (108‬من كتابه هذا فلي الفصللل نفسلله يقلول مللن بدايللة‬
‫الصفحة ما نصه‪) :‬وأن الذين جاؤوا بعد الللذين امتنعللوا عللن التصللريح‬
‫بخلق القرآن تحاملوا على من قال بخلقلله‪ ،‬وأدى بهللم ذلللك إلللى تنللاقض‬
‫عجيب‪ ،‬يظهر لك عندما تقرأ ما كتب في هذا الموضوع في تلك الحقبة‬
‫من الزمن‪:‬‬
‫‪1‬ل كالجزء الول من بيان الشرع‪.‬‬
‫‪2‬ل والجزء الول من الكشف والبيان‪.‬‬
‫‪3‬ل وديوان المام ابن النضر(‪.‬‬
‫قلت‪ :‬إن هؤلء الذين ذكرهم الخليلي ومثل ببعض ما كتبوا هم‬
‫من علماء الباضية الذين جاؤوا بعللد محمللد بللن هاشللم وإمللام المشللرق‬
‫الكبر‬
‫‪-‬كما قال الخليلي‪ -‬محمد بن محبوب‪ ،‬واتفقللت كلمتهللم علللى القللول فللي‬
‫)القرآن( بمللا قللاله السلللف مللن الرعيللل الول‪ ،‬مللن أنلله كلم الل غيللر‬
‫مخلوق‪ ،‬كما سبق الحديث عن ذلك‪.‬‬
‫وهو في كتاب الخليلي هذا )ص ‪.(107‬‬
‫وقد جلاء هللؤلء العلمللاء ملن الباضلية‪ ،‬فقلالوا بقلول مللن سلبقهم‬
‫وسلكوا مسلكهم ثم ألفوا الكتللب فللي ذلللك‪ ،‬ومنهللا مللا مثللل بلله الخليلللي‪:‬‬
‫الجلللزء الول ملللن »بيلللان الشلللرع«‪ ،‬والجلللزء الول ملللن »الكشلللف‬
‫والبيان«‪ ،‬و» ديوان المام ابببن النضببر «‪ ،‬وهللذه الكتللب متداولللة عنللد‬
‫الباضية‪ ،‬وقد شهد الخليلي على نفسه بذلك‪.‬‬
‫وإليك أيها القارئ الكريم نص كلمهم‪ ،‬الللذي ل تنللاقض فيلله‪ ،‬بللل‬
‫وافقهم العلمة المحقق ل كما وصفه الخليلي نفسه ل أبو الحسن البسيوي‬
‫الباضي في كتابه »الجامع« في الجللزء الول )ص ‪ ،(81-73‬والللذي‬
‫أثنى عليه الخليلي بأنه كتلاب جملع عللم الشللريعة‪ ،‬وتمنللى أن يملن الل‬
‫بطبعه وإخراجه‪ ،‬وقلد طبعتله وزارة اللتراث القللومي والثقافلة بسللطنة‬
‫عمان‪ ،‬وتحققت أمنية الخليلي كما قللال المحقللق‪ ،‬وفيمللا يلللي نللص كلم‬
‫المام ابن النضر في قصيدته والتعريف به من كتابه»الدعائم«‪ ،‬تللأليف‬
‫الشيخ أبي بكر أحمد بن النضر العماني)‪ :(149‬الطبعة الثانية‪1409 ) ،‬هل‬
‫ل ‪1988‬م(‪ ،‬سلطنة عمان‪ ،‬وزارة التراث القومي والثقافة‪.‬‬
‫قال في )ص ‪ :(32‬في الرد على من يقول بخلق القرآن‪:‬‬
‫ل ويثبت خلقه بلسان‬ ‫جه ً‬ ‫يا من يقول بفطرة القرآن‬
‫ببدائع التكليف والبهتان‬ ‫حِل القرآن منك تكلفًا‬
‫ل َتْن َ‬
‫أو في الرواية؟ فأتنا ببيان‬ ‫هل في الكتاب دللة من خلقه‬
‫بدعائه في السر والعلن‬ ‫ال سماه كلمًا فادعه‬
‫غّر من برهان‬
‫في خلقه‪ ،‬يا ِ‬ ‫إّل فهات وما أظنك واجدًا‬
‫جْعل إن أنصفت من تبيان‬
‫في ال َ‬ ‫إن كان من )إنا جعلناه( فما‬
‫بلدًا بفضلك أفضل البلدان‬ ‫قد قال إبراهيم‪ :‬رب اجعل لنا‬
‫حق الصلة لوجهك المّنان‬ ‫وكذاك فاجعلني مقيمًا مخلصًا‬
‫‪ () 149‬تر جمته‪ :‬قال سالم بن محمد بن سالم بن سيف الرواحي بتاريخ )‪/18‬ربيع الول‬
‫من عام ‪1311‬هل( في مقدمة الكتاب‪:‬‬
‫ترجمة الشيخ العالم الفصيح ابن النضر‪:‬‬
‫قال الشيخ يحيى بن خلفان بن أبي نبهان الخروصللي‪» :‬هللذه ترجمللة الشلليخ العللالم‬
‫الفقيه الفصلليح النللبيه‪ ،‬النللاظم المفلللق الللوجيه‪ ،‬صللاحب الللدعائم‪ ،‬أحمللد بللن النضللر‬
‫السللموئلي العمللاني المحبللوبي الباضببي‪ ،‬الللذي نظللم الشللعر فأجللاد‪ ،‬وأخللذ بعنللانه‬
‫فتصرف فيه على ما أراد‪ ...‬إلخ« )ص ‪.(3‬‬
‫ثم قال في )ص ‪ :(4‬هذه ترجمته من كتاب خزانة الخبار‪.‬‬
‫قال المصنف‪» :‬هو الشيخ ابن النضر صاحب الدعائم فهو أحمد بن سليمان بن عبللد‬
‫الل بللن أحمللد ابللن الخضللر العللالم الكللبير بللن سللليمان الللذي هللو مللن بنللي النضللر‬
‫السموئلي‪ ،‬بيته بالجابيلة الفوقيلة شلرقي الجلامع‪ ،‬واقتصلر النلاس علللى اسلم قللبيلته‬
‫لشهرتها فقيل ابن النضر‪ ...‬إلخ«‪.‬‬
‫أم لم يكن خلقًا من الرحمن‬ ‫فانظر أكان وقد دعاه لجعله‬
‫حتى دعا بالمن واليمان‬ ‫أم لم يكن لما دعاه بمكٍة‬
‫واكدح لشأنك قد كدحت لشاني‬ ‫فاربع هنا بتفّكر يا ذا الّنهى‬
‫خلق تبارك منزل الفرقان‬ ‫ي هذا الجعل قلت بأنه‬
‫فبأ َ‬
‫ق تأول القرآن‬
‫وجهلت ح ّ‬ ‫ت )ذكبببر‬
‫فبببإن احتججبببت وقلببب َ‬
‫وال أحدثه إلى النسان‬ ‫محدث(بببت أفكببببارًا وادعيببببت‬
‫أعظمب‬
‫خطيئةً‬
‫بمدارج)‪(150‬العميان‬ ‫شبباهت وجببوه أولببى الضببلل‬
‫فرعى حماها طائف الشيطان‬ ‫ارعوا عقولهم رياض تشّدق‬ ‫لقد‬
‫طغيان‬
‫تصبح عميد البغي وال ّ‬ ‫غ عنهم عنانك مقصرًا‬
‫أّل ُتز ْ‬
‫يا غّر إن لم َتْعُد في العدوان‬ ‫ولئن سبببألت طريبببق رشبببدك‬
‫ما محدث إل وشيكًا فاني‬ ‫تلقهباله أضحى بزعمك محدثًا‬‫ما‬
‫أو كان أو سيكون في الزمان‬ ‫ولديه أْنَباٌء ِلَما هو كاِئ ٌ‬
‫ن‬
‫فمن المنادي )أيها الثقلن(‬ ‫إن كببببان مخلوقببببًا بزعمببببك‬
‫بحدودها ونهي عن العصيان‬ ‫ومبن البذي فبرض الفبرائض‬ ‫محدثًا‬
‫وعقابهم في الخلد والّنيران‬ ‫ب خلَقُه بثوابهم‬
‫ط ُ‬ ‫آمرًا‬
‫ومن المخا ِ‬
‫ولما كانت هذه القصيدة واضحة وصريحة في الرد علللى القللائلين‬
‫ث تقللع فللي خمسللة‬‫بخلق القرآن بأصرح اللفاظ وأبينها‪ ،‬ولطولهللا ‪-‬حيل ُ‬

‫‪ ()150‬المدارج‪ :‬المذاهب ‪.‬‬


‫وسللللبعين بيتللللًا‪-‬فقللللد رأيللللت تصللللوير القصلللليدة بكاملهللللا مللللن‬
‫كتاب»الدعائم«)‪.(151‬‬
‫ثانيبًا‪ :‬وقللد قللام بشللرحها العللالم الشلليخ محمللد بللن وصللاف الفقيلله‬
‫العمللاني‪ ،‬فللي شللرحه لكتللاب المؤلللف »الللدعائم«طبللع سلللطنة عمللان‪،‬‬
‫وزارة التراث القومي والثقافة‪ ،‬تحقيق أحمد عامر‪.‬‬
‫وهللي فللي الجللزء الول ملن )ص ‪ (118‬تحللت عنلوان‪ :‬القصليدة‬
‫الرابعة في فتنة خلق القرآن‪ ،‬وتنتهي في )ص ‪ ،(148‬وهي في خمسللة‬
‫وسبعين بيتًا كما في أصل كتاب »الدعائم« فقد رأيت أنه مللن المناسللب‬
‫تصوير القصيدة)‪ (152‬بشرح العالم العماني محمد بن وصاف المطبوعة‬
‫بسلطنة عمان‪ ،‬وزارة التراث القومي والثقافة‪ ،‬ليطلع الخوة العمانيون‬
‫على قول علمللائهم المخللالف لقللول الخليلللي‪ ،‬ويللرى القللارئ أن مؤلللف‬
‫القصيدة في الرد على القللائلين بخلللق القللرآن أنلله مللن علمللاء الباضببية‬
‫المشهورين‪ ،‬فقد وصفوه بأنه‪ :‬العلمة الفقيه الفذ‪ ،‬وإن الشارح للقصيدة‬
‫هو العالم الشيخ محمد بن وصاف الفقيه العماني‪.‬‬
‫عّلق على البيات ووضحت معانيهللا مللن مخللالف‬ ‫وذلك حتى ل ُيقال ُ‬
‫للباضية وبهذا يتحقق معنى قوله تعالى‪} :‬وشهد شاهد من أهلها{‬
‫] يوسف ‪.[ 26‬‬
‫وليعلللم القللارئ أن قللول الخليلللي‪ :‬إن علمللاء الباضللية سببكتوا فببي‬
‫المحنة عن القول في هذه المسألة حتى ل يشايعوا الظلمة أنه قببول باطببل‪،‬‬
‫وأنه ادعى على علماء عمان ما لم يفعلوا‪ ،‬فأنت ترى أيها القللارئ الكريللم‬
‫من أنهم صرحوا بالرد على أصحاب هذه البدعة‪ ،‬بل النللاظم صللرح بللأن‬
‫ذلك القول بدعة وتحدى من يقول ذلك بأن يللأتي بللدليل مللن كتللاب الل أو‬

‫‪ ()151‬الملحق رقم )‪.(1‬‬


‫‪ (1) 152‬في ملحق رقم )‪.(2‬‬
‫سنة رسوله صلى ال عليه وسلم على أن القرآن مخلوق‪ ،‬وبين أنه عاجز‬
‫عن ذلك وأنه غير واجد شيئًا‪ ،‬ثم ذكر شبههم التي استدلوا بهلا ورد عليهلا‬
‫وهي بعينها شبهة الخليلي التي يتذرع بها في دعوى القول بخلق القرآن‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬ومن علماء عمان الللذين شللهد لهللم الخليلللي بللأن كتبهللم مللن‬
‫أحسن المؤلفات جمعًا وتحقيقًا‪ ،‬العلمة المحقق‪ :‬الشيخ أبي الحسن علي‬
‫بن محمد علي البسيوي‪ ،‬صاحب »الجامع« فقد جاء في مقدمة المحقللق‬
‫للجزء الول )ص ‪ ،(9-8‬وهو يثني على الكتاب‪.‬‬
‫قال‪) :‬ولهذا السبب علق سماحة الشيخ أحمد بن أحمد الخليلي فللي‬
‫نهاية كلمته التي قلدم بهلا بيلن يلدي »مختصلر البسليوي«‪ ،‬قلال‪ :‬وهلذا‬
‫المختصر إنما هو اختصار لمؤلف أبي الحسن الكبير المعروف بجللامع‬
‫أبي الحسن‪ ،‬وهو من أحسن المؤلفات جمعًا وتحقيقًا‪ ،‬يجد فيه المتعطش‬
‫لعلللم الشللريعة مللا يللروي ظمللأه ويشللبع رغبتلله‪ ،‬وعسللى ال ل أن يم ل ّ‬
‫ن‬
‫بالتوفيق لنشره كما وفق سبحانه لنشللر مختصللره إن ال ل سللبحانه ولللي‬
‫التوفيق(‪.‬‬
‫ثببم قببال المحقببق معلقلًا علللى كلم الخليلللي‪) :‬وهللي إشللارة عميقللة‬
‫المغزى‪ ،‬إذ تدل على إدراك قيمة هذا الجامع وأهميتلله‪ ،‬وهللذا أيضلًا هللو‬
‫الذي وجه همة وزارة التراث القومي والثقافة إلى الهتمام بهذا المؤلللف‬
‫القيم‪ ،‬ولقد تحقق دعاء سماحة فضيلة الشيخ أحمد بن أحمد الخليلي مفتي‬
‫عام السلطنة‪ ...‬وقد كان‪ ،‬وحققللت هّمللة وزارة الللتراث القللومي والثقافللة‬
‫وهّمة وزيرها هذا الرجاء‪ ،‬وذكر المحقق النتهاء منلله فللي أول المحللرم‬
‫سنة ) ‪1404‬هل( الموافق )‪1983‬م((‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬بعد هذا الثنللاء والمللدح لهللذا العللالم ولكتللابه مللن الخليلللي‪،‬‬
‫فإليك نص كلمه في مسألة القول بخلق القرآن‪.‬‬
‫قال )ص ‪:(81-73‬‬
‫مسألة‪:‬‬
‫اختلف الناس في كلم الله‬
‫لموسى عليه السلم‬
‫وسأل عن‪ :‬اختلف الناس في كلم ال لموسى عليلله السلللم قيببل‬
‫له‪ :‬إن الناس قد اختلفوا في ذلك‪ ،‬فقال قوم‪ :‬إنلله أسللمعه نفسلله متكلم لًا‪،‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬أسمعه صوتًا أفهمه به الكلم‪ ،‬في نفسه أو في غيللره‪ ،‬أو‬
‫خلقه ل في نفسه ول في غيره‪ ،‬والقرآن صفته‪ ،‬إلى أن قال‪:‬‬
‫ن نفسه ليست بمحل للحوادث‪ ،‬ول‬ ‫فإن قلت‪ :‬خلقه في نفسه أحلت؛ ل ّ‬
‫للمخلوقات‪ ،‬وإن قلت‪ :‬خلقه ل في نفسه ول في غيره أحلت؛ لن الصفة ل‬
‫تقوم بنفسها‪ ،‬والقرآن صلفة‪ ،‬وإن قللت خلقله فلي غيلره للم يجلز أن يكلون‬
‫متكلمًا بكلمه غيره‪ ،‬ول يكون كلم غيلره هلو كلمله‪ ،‬فكلان قلوله لشليء‬
‫ل ثاني كن‪ ،‬والثاني بالثالث‪ ،‬والثالث بالرابع‪ ،‬وذلللك‬ ‫مخلوق كن مخلوقًا بقو ٍ‬
‫ما ل نهاية له‪.‬‬
‫وأيضًا قد اتفقنا أن أسماء ال الللتي تصلفونه بهلا أسللماء ذاتيلة فللي‬
‫القرآن‪ ،‬والسماء الذاتية ل يجوز عندنا وعندكم أن تكون مخلوقة‪ ،‬فلما‬
‫كانت صفات ال الذاتية غير مخلوقة‪ ،‬وهللي فببي القببرآن‪ ،‬كللان القببرآن‬
‫غير مخلوق‪ (...‬إلخ‪.‬‬
‫ومن أراد المزيد في توضيح هذه المسألة وبيانها فليراجع هذا الكتللاب‬
‫الجزء الول ملن )ص ‪ ،(81 -73‬فقللد نلاقش القللائلين بخللق القللرآن نقاشلًا‬
‫علميًا منطقيًا بالدّلة من القرآن والسنة والجماع‪ ،‬ودحض كل الشللبه الللتي‬
‫تشبث بها المّدعون لخلق كلم ال عمومًا‪ ،‬ولخلق القرآن خصوصلًا‪ ،‬وهلي‬
‫شبه الخليلي نفسها‪.‬‬
‫وحيث إن الخليلي قد أثنى على هللذا الكتللاب‪ ،‬وهللو مخطللوط قبللل‬
‫طبعه وإخراجه للناس حسب تمنيه ذلك‪ ،‬فأقول لعله لم يتمكن قبل طبعه‬
‫من قراءة مباحثه كلها‪ ،‬ومنها مسألة خللق القللرآن‪ ،‬وللذلك فلإني أدعللوه‬
‫وطلب الحق من طلبة العلم مراجعة هذه المسألة بخصوصها فللي هللذا‬
‫الكتاب‪ ،‬لعل ال يوفق من شاء إلى الحق والصواب‪.‬‬
‫ثم قال‪) :‬وقال قوم‪ :‬إنه كلملله بللالوحي‪ ،‬وقللد قللال تعللالى‪} :‬وكّلم‬
‫ه موسى تكليما ً{ ] النساء ‪ ،[ 164‬وذلك حق من ال‪ ،‬وقللد كلملله‬ ‫الل ُ‬
‫كما قال‪ ،‬كما شاء على ما شاء من ذلك‪.‬‬
‫ومن حجة الذي قال إن كلمه له بللالوحي منلله‪ ،‬قللول الل تعللالى‪} :‬وما‬
‫كتتان لبشتتر أن يكلمتته اللتته إل وحيتا ً أو متتن وراء حجتتاب{‬
‫] الشورى ‪ ،[ 51‬وهذا خبر غير منسوخ؛ لن الخبار ل تنسخ‪ (...‬وبعد أن ذكلر‬
‫الدلة على ذلك إلى نهاية )ص ‪ .(74‬قلال‪) :‬وسلأل فقلال‪ :‬كلم الل مخللوق أو‬
‫غير مخلوق؟ قيل له‪ :‬قد اختلف الناس في ذلللك‪ ،‬فقببال قببوم إن كلم ال ل‬
‫مخلوق‪.‬‬
‫وقال آخرون وهم أكثر المة إن كلم ال ليس بمخلوق‪.‬‬
‫ووقف في ذلك واقفون‪ ،‬قال‪ :‬وكلم ال تعالى من صفاته وصفاته‬
‫لم تزل له‪ ،‬ولو جاز لقائل أن يقول‪ :‬إن ال لم يكن متكلمًا ثم تكلم‪ ،‬لجاز‬
‫لقائل أن يقول‪ :‬لم يكن ال عالمًا ثم علم‪.‬‬
‫فلما فسد هذا القول على قلائله‪ ،‬وكلان الجملاع أن الل للم يلزل الرحملن‬
‫الرحيم‪ ،‬الحي العالم القادر السميع البصير المتكلم‪ ،‬فسد قول من يقلول كلم الل‬
‫مخلوق؛ إذ هو المتكلم كما أنه هو العالم‪ ،‬والكلم صفته فدل ذلك أن كلمه غير‬
‫مخلوق(‪.‬‬
‫ثم رد علللى شللبهة القللائلين بخلللق كلم الل إلللى أن قللال فللي )ص‬
‫‪:(77‬‬
‫)فإن قال‪ :‬القرآن مخلوق أم لم يزل؟‬
‫قيل له‪ :‬قد اتفقنا أن القرآن كلم ال‪ ،‬وأن ال قد سماه كلمه‪ ،‬وقللد‬
‫قام الدليل أن كلم ال غير مخلوق‪ ،‬فالقرآن ل يكون مخلوقًا وهللو كلم‬
‫ال بالتفاق‪ ،‬وكلمه وصفاته ل يجوز عليها الضداد(‪.‬‬
‫وبعد اطلع القارئ الكريم علللى قللول علمللاء الباضللية فللي الللرد‬
‫علللى القللائلين بخلللق القللرآن‪ ،‬وأنلله ل تنللاقض بيللن كلمهللم كمللا يلّدعي‬
‫الخليلي‪ ،‬نعود إلى ما ذكر الخليلي في )ص ‪ (108‬عللن هللؤلء العلمللاء‬
‫من الباضية )بأنهم تألموا لما حدث لهل الحق القللائلين‪ »:‬بللأن القللرآن‬
‫كلم ال غير مخلوق« من التعللذيب علللى أيللدي الظلمللة القللائلين بخلللق‬
‫القرآن‪...،‬وذكروا فللي حللق أولئك الللذين ثبتللوا علللى الحللق وأن القللرآن‬
‫كلم ال غير مخلوق‪ ،‬ما هو الحق المجمع عليه بين أتبللاع السلللف مللن‬
‫أهل السنة من أن أولئك الللذين امتحنللوا أبطللال المللة وشللهداء عقيللدتها‬
‫الحقة الذين حموها بدمائهم وصانوها بتضحياتهم(‪.‬‬
‫قلببت‪ :‬ومللا شللهد بلله هللؤلء مللن علمللاء الباضللية ل ل وسللخر ال ل‬
‫)الخليلي( أن يللدونه بقلملله فللي كتللابه لل هللو الحللق الللذي يشللهد بلله كللل‬
‫منصف‪ ،‬لن الشللهادة ل تقبللل إل بشللرطين أولهمللا العلللم‪ ،‬وثانيهمللا أن‬
‫تكون بالحق‪.‬‬
‫كما قال تعالى‪} :‬إل من شهد بالحق وهم يعلمون{ وقلللد‬
‫توفر الشرطان‬
‫في هذه الشهادة‪ ،‬فهم شهدوا بالحق وعن علم بما شهدوا به‪ .‬ولكن ماذا‬
‫يقول الخليلي في هذه الشهادة التي نقلها لنا هو ولم نّدعها عليه‪ .‬بل‬
‫سطرها بقلمه‪ ،‬وهي شللهادة بللالحق مللن الهللل‪ ،‬وال ل يقللول‪} :‬وشهد‬
‫شاهد‬
‫من أهلها{‪.‬‬
‫فهؤلء الشهود من علماء الباضية‪:‬‬
‫ل شهدوا بأن القرآن كلم ال غير مخلوق‪ ،‬وسبق نقل كلمهم‬
‫من كتبهللم المعتمللدة فللي الللرد علللى القللائلين بخلللق القللرآن‪ ،‬مللع إرفللاق‬
‫)‪(153‬‬
‫صور‬
‫مللن كتبهللم الللتي صللرحوا فيهللا بللذلك‪ ،‬مللن مطبوعللات وزارة الللتراث‬
‫القومي والثقافة‬
‫بسلطنة عمان‪.‬‬
‫ل كما أنهم شهدوا للذين امتحنوا بلأنهم أبطلال الملة وشلهداء عقيلدتها‬
‫الحقة‪.‬‬
‫ولكن المؤلف الخليلي ل يقبل هذه الشهادة بل يردهللا علللى علمللاء‬
‫عمللان( المتللأخرين هللم الللذين‬ ‫طللائفته السللابقين‪ ،‬ثللم يقللرر أن علمللاء ) ُ‬
‫يقولون بخلللق القللرآن ويقبللل قللولهم ويناضللل عنله‪ ،‬فيللرد الحللق ويقبللل‬
‫الباطل‪ ،‬وهو بهذا السلوب يخالف منهج السلللف وعلمللاء المللة وإليللك‬
‫بيان المخالفة‪:‬‬
‫إن ما يقللرره الخليلللي مخللالف للقواعللد المتفللق عليهللا بيللن علمللاء‬
‫المللة‪ ،‬ومللن تلللك القواعللد أن المتللأخرين يرجعللون إلللى سلللفهم الللذين‬
‫سبقوهم علملًا وزمنلًا‪ ،‬فالصللل هللو قللول العلمللاء السللابقين لعتبلارات‬
‫كثيرة منها‪:‬‬
‫‪1‬ل العلماء السابقون أرسخ علمًا‪ ،‬وأصح منهجًا‪ ،‬وأصفى قريحة‬
‫من المتأخرين الذين اختلطت المور على كثير منهم لكثرة الهواء‬
‫شّتت الراء‪.‬‬ ‫وَت َ‬
‫‪2‬ل وثانيًا فإننا نجد مللا يؤيللد ذلللك العتبللار‪ ،‬وهللو أن آراء العلمللاء‬
‫السابقين واجتهاداتهم في هذه المسألة‪ ،‬وهي القول بأن القللرآن كلم ال ل‬

‫‪153‬‬
‫)‪ (1‬لطولها فقد رأيت إثباتها ملحق في الكتاب فانظرها‪.‬‬
‫تكلم به حقيقة‪ ،‬وسمعه منه جبريل عليه السلم‪ ،‬ونزل به على محمللد‪‬‬
‫متفقة مع نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬وأقوال سلف المة‪.‬‬
‫ولللذلك فللأقوالهم أولللى بللالقبول‪ ،‬مللن أقللوال المتللأخرين المخالفللة‬
‫للصل الذي ُيحتكم إليلله عنللد الختلف‪ ،‬وهللو الكتللاب والسللنة واّتبللاع‬
‫سللبيل المللؤمنين وعللدم مشللاقتهم‪ .‬كمللا قللال تعللالى‪} :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي المر منكم‬
‫فإن تنازعتم في شيء فرّدوه إلتتى اللتته والرستتول إن‬
‫كنتم تؤمنون بالله واليتوم الختتر…{ ]النسللاء ‪ [59‬وقللال فللي‬
‫اّتباع سبيل المللؤمنين‪} :‬ومن يشاقق الرستتول متتن بعتتد متتا‬
‫تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تتتولى‬
‫ونصله جهنم وساءت مصتتيرا ً{ ]النسللاء ‪ [ 115‬ولكللن المؤلللف‬
‫الخليلي ل هداه ال إلى الحق لل يعكلس هلذه القاعلدة‪ ،‬فيجعللل المتلأخرين‬
‫وهللم طائفلة ملن الباضلية هلم الولللى بلالقبول‪ ،‬ل لللدليل ولكلن قللولهم‬
‫ى فتمكن من قلب الخليلي فقدمه على الحقيقة والحق‪.‬‬ ‫صادف هو ً‬
‫وإليلللك رده لشلللهادة علملللاء الباضلللية السلللابقين‪ ،‬وقبلللوله لراء‬
‫المتأخرين‬
‫من إباضية عمان ل من علماء الطائفة كلهم‪ ،‬يقول في )ص ‪:(108‬‬
‫)وكثيرًا ما تلمس فيما كتبوه أثر ما كان عقب تلك المحنة مللن ردة فعللل‬
‫عنيفة تبلورت فيمللا كتبلله الكللاتبون عنهللا‪ ،‬وإظهللارهم للمنكللوبين فيهللا‪،‬‬
‫بأنهم أبطال‬
‫المللة وشللهداء عقيللدتها الحّقللة‪ ،‬الللذين حموهللا بللدمائهم وصللانوها‬
‫بتضحياتهم‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقد انعكس أثر هذا المنطللق العللاطفي الجّيللاش علللى كللل مللا‬
‫دّونه المؤيدون لهللم فللي تلللك الوقفللة الللتي وقفوهللا‪ ،‬سللواء كللان هللؤلء‬
‫المؤّيدون من مشارقة الباضية‪ ،‬أو مللن الشللعرية وغيرهللم قببال‪ :‬وقللد‬
‫استمرت هذه الفكرة في الوسط الباضي حللتى بللرز مللن علمللاء عمللان‬
‫المتأخرين‪ ،‬من فتحوا بتحريرهم أقفال الشكال‪ (...‬إلخ ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومع السف فإن المؤلف لم يللذكر واحللدًا مللن أولئك العلمللاء‬
‫المتأخرين من علماء عمان‪ ،‬ولم يذكر لنا كيف فتحوا بتحريرهللم أقفللال‬
‫الشكال‪ ،‬ولكن المذكور تحّدث عن نفسه كما سيأتي بيان ذلك‪.‬‬
‫ولكني أقببول ‪-‬قبل ذكللر كلم المؤلللف الخليلللي ‪ -‬للقللارئ الكريللم‪،‬‬
‫وأخص شباب الباضية الباحثين عن الحق النابذين للتقليللد العمللى‪ :‬إن‬
‫علماءكم‬
‫الذين ُيعّتد بأقوالهم وُيرجع لما دونوه في كتبهم لعلمهم بهذه المسالة‪،‬‬
‫وهي دعوى القول بخلق القرآن‪ ،‬ولقربهم من الذين أثاروا تلك الفتنة‬
‫وأحدثوا تلك البدعة في كلم ال عز وجل هم الولى بالتباع والخذ‬
‫بقولهم‪ ،‬لموافقته للحق الذي يجب على المسلم اتبللاعه والخللذ بلله ممللن‬
‫ه موسللى تكليم لا ً{‬ ‫كان‪ ،‬وال يقول عن نفسلله‪} :‬وكلم الل ُ‬
‫ويقول‪} :‬ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه رّبه …{‬
‫ثم إن أهل الفكار الغريبللة المخالفللة لكتلاب الل وسلنة رسللوله ‪ ‬هللم‬
‫الذين فرقوا شمل المة بتلك الفكللار الدخيلللة علللى العقيللدة السلللمية‪،‬‬
‫ومعلوم أن رواد تلك الفتنة هم اليهود الذين تسللتروا باسللم السلللم كمللا‬
‫أثبت ذلك المؤلف الخليللي نفسلله فلي )ص ‪ (106‬ملن كتلابه هلذا الللذي‬
‫أسماه )الحق الدامغ( وهو اسم على غير مسمى لمن قللرأه واطلللع علللى‬
‫مغالطة مؤلفه للحق البلج‪.‬‬
‫ولهببذا أقببول‪ :‬إن أولئك العلمللاء مللن مشللارقة )الباضللية( الللذين‬
‫يقّررون أن القرآن كلم ال غير مخلوق‪ ،‬هللم الولللى بالتبللاع لموافقللة‬
‫كلمهم الكتاب والسنة وسلف المة‪ ،‬وليس أقوال المتأخرين من علمللاء‬
‫عمان‪ ،‬المخالفة للكتاب والسنة وأقوال سلف المة‪.‬‬
‫وإني لرجو من كل طالب حق يبحث عن الحق والحقيقة أن يتجه‬
‫بتفكيره إلى النصوص الواردة في هذا الموضوع مللن الكتللاب والسللنة‪،‬‬
‫لن العصمة من الزلل والخطأ فللي التمسللك بهمللا‪ ،‬بغللض النظللر عمللن‬
‫استدل بهما‪ ،‬لن الهدف هو الوصول إلى الحق الذي ينجي المسلللم بيللن‬
‫يدي ال عز وجل يللوم الحسللاب‪} ،‬يوم تجد كل نفللس مللا‬
‫عملت من خير محضرا ً ومللا عملللت مللن سللوء‬
‫تود لو أن بينها وبينه أمدا ً بعيدا ً{ ] آل عمران ‪،[ 30‬‬
‫وأذكرك بأبيات مللن قصلليدة أبللي النضللر الباضللي الللتي سللبقت‪،‬‬
‫ولعلك ترجع إليها فقد قال فيها‪:‬‬
‫هببل فببي الكتبباب دللببة مببن أو في الرواية فأتنا ببيان‬
‫بدعائه في السر والعلن‬ ‫خلقهسماه كلمًا فادعه‬‫ال‬
‫إلى أن قال‪:‬‬
‫هانت عليك عقوبة الدّيان‬ ‫سميته ما لم يسم تقحمًا‬
‫سِئلت عن لقلقك الفتان‬
‫وُ‬ ‫مبببباذا تقببببول إذا وقفببببت‬
‫يوم الحساب وكل وجه عان‬ ‫سبًانفس عند ذاك رهينة‬ ‫حاكلَ‬
‫ُمإذ َ‬
‫ثم نعود لكلم المؤلف‪:‬‬
‫إن المؤللف بعلد أن رّد شلهادة علملاء الباضلية السلابقين‪ ،‬الموافقلة‬
‫عمللان( المتللأخرين كمللا يقللول‪ ،‬إل‬ ‫سّنة‪ ،‬وأّيد علماء ) ُ‬
‫لنصوص الكتاب وال ُ‬
‫أنه لم ينص على أسملائهم ول على كتبهللم الللتي نقللل عنهللا مللا عللبر عنلله‬
‫بأسلوبه وهو قوله )وقد استمرت هذه الفكرة في الوسط الباضي ل ويعني‬
‫بها القول أن القرآن كلم ال ل حتى برز من علماء عملان المتلأخرين ملن‬
‫فتحوا بتحريرهم أقفال الشكال …( إلخ‪.‬‬
‫وكان المفللروض أن يللذكر أسللماءهم وكتبهللم الللتي ورد فيهللا فتللح‬
‫الشكال‪ ،‬كما هو أصل البحث العلمي الذي يتطلب مللن صللاحبه توثيللق‬
‫ما ينقله وينسبه للخرين‪ ،‬وإل يبقى ذلك دعوى دون دليل‪.‬‬
‫ل علن ذللك بلدأ يتحلدث علن نفسله‪ ،‬ولعلله يقصلد‬ ‫ولكن المؤلف بلد ً‬
‫عمان( نفسه‪ ،‬ومن يقول بقوله وإليك نللص كلملله‬ ‫بالمتأخرين من علماء ) ُ‬
‫حيث يقول في آخر )ص ‪) :(108‬وقد اسللتقريت أسللباب اللبللس فللي هللذه‬
‫المسألة حتى اشتد نكير طائفة من المسللمين عللى ملن قلال بخللق القلرآن‬
‫فوجدته يعود إلى أمرين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬التباس القرآن المنزل فللي أفهللامهم بللالكلم النفسللي الللذي‬
‫يراد به نفي الخرس‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬التباسه بعلم ال سللبحانه وتعللالى بلله‪ ،‬مللع أن صللفتي الكلم‬
‫والعلم قديمتان‪ .‬ثم قال‪ :‬وما ملّر بلك فلي المقدملة ملن التفرقلة بيلن الكلم‬
‫المنّزل والكلم النفسي وبينله وبيلن عللم الل كلافٍ فلي رفلع هلذا اللبلس‪،‬‬
‫وتبديد هذه الشبهة وأضلليف إلللى ذلللك أن التكلللم لغللة وعرفلًا ل يكللون إل‬
‫بمعنى إحداث الكلم( اهل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والجواب على هذه المغالطة‪ :‬أن الّلبس الذي يقصده المؤلف‪،‬‬
‫إنما هو لبس في ذهنه هو‪ ،‬وأما أهل السّنة والجماعة من سلف هذه المة‬
‫وأتباعهم الذين وقفوا سدًا منيعًا في وجوه المبتدعة‪ ،‬من جهمية ومعتزلة‪،‬‬
‫اللذين لّبسلوا عللى الخليفلة )الملأمون( وبعلده )المعتصلم( بلالقول بخللق‬
‫حْمل العلماء من أهل السلنة عليله بلالقوة‪ ،‬فل لبلس عنلدهم ول‬ ‫القرآن‪ ،‬و َ‬
‫اشتباه‪ ،‬لن النزاع ومحل الخلف بيللن أهللل السللنة والمبتدعللة ليللس فللي‬
‫الكلم النفسي القائم بذات ال‪ ،‬لن هذا لم يطّلع عليه أحد من البشللر كمللا‬
‫قللال تعللالى علللى لسللان عيسللى عليلله السلللم‪} :‬تعلم مللا فللي‬
‫نفسي ول أعلم ما في نفسللك{ ]الملللائدة ‪ [126‬وإنمببا‬
‫النببزاع ف لي هببذا القببرآن المسببطر فببي المصببحف والللذي يقللرأه النللاس‬
‫ويتعبدون به‪ ،‬هل هو كلم ال حقيقة تكلم به وسمعه منه جبريل كما قللال‬
‫تعللالى لنللبيه‪} :‬وإن أحد مللن المشللركين اسللتجارك‬
‫فأجره حتى يسمع كلم الله{ ] التوبة ‪ [ 6‬وكلم ال الذي‬
‫يسمعه هذا المشرك‪ ،‬هو المكتلوب فلي المصللحف‪ ،‬فيسلمعه مملن يقلرأه‬
‫عليه‪ ،‬ول يسللمع كلم الل مللن الل‪ ،‬أو أنلله مخلللوق كمللا تقللول الجهميللة‬
‫والمعتزلة خلقه كغيره‪ ،‬من المخلوقات‪ ،‬فأهل السللنة والجماعللة يقولللون‪:‬‬
‫هو كلم ال وكلمه صفة من صفاته‪ ،‬وال بصفاته خالق غيللر مخلللوق‪،‬‬
‫ومن قال إن صفة من صفات ال مخلوقة فقد كفللر‪ ،‬وهللذا مللا سللبق نقللله‬
‫عن علماء الباضية المشهورين‪ ،‬أبو النضر من كتابه »اللدعائم«‪ ،‬وأبلو‬
‫الحسن البسيوي من كتابه»الجامع«‪ ،‬الذي شهد الخليلي نفسه بللأنه العللالم‬
‫المحقق‪ ،‬وأن كتابه من أحسن الكتب جمعًا وتحقيقًا‪.‬‬
‫وحينما نّفللذ المعتصللم وصللية المللأمون بحمللل علمللاء السللنة علللى‬
‫القول بخلق القرآن بالقوة‪ ،‬وحملهم على هذه العقيدة الباطلللة‪ ،‬الللتي هللي‬
‫كفر‪ ،‬وكان ذلك في هذا القرآن المكتوب في المصللحف‪ ،‬ل فيملا يسللمى‬
‫بالكلم النفسي لن المأمون والمعتصم لللم يتكلملا فلي ذللك مطلقلًا‪ ،‬وللم‬
‫تحدث بدعة الكلم النفسي إل من عبدال بللن سللعيد بللن كلب الُمَت لَوّفى‬
‫بعد سنة ‪ 240‬هل‪،‬وقف علمللاء السللنة وقفتهللم المشللهورة‪ ،‬وتحّملللوا فللي‬
‫سبيل رد هذه البدعللة الباطلللة صللنوف التعللذيب والتنكيللل‪ :‬مللن الحبللس‬
‫والضرب والقتل‪ ،‬وقد أظهرهم ال ونصرهم‪ ،‬فأظهر ال الحللق وأبطللل‬
‫الباطل‪ ،‬بثبات علماء السنة ول سيما إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن‬
‫حنبل رحمه ال تعالى‪.‬‬
‫فقد بّين رحمه ال للمعتصللم والمنلاظرين لله‪ :‬أن القللرآن كلم الل‬
‫وكلم ال صفة من صفاته وال بصفاته واحد أحد‪ ،‬فمللن قللال إن صللفة‬
‫من صفات ال مخلوقة‬
‫فقد كفر‪ ،‬ول يقال في القرآن بخلف ذلك إل بنص من كتللاب ال ل‬
‫عز وجل أو حديث من سنة رسول ال‪ ،‬وقد عجزوا عن التيللان بآيللة‬
‫من كتاب ال أو سنة من حديث رسول ال‪ ‬على ذلك‪ ،‬واقللرأ مللا قللاله‬
‫المام أحمد ابن حنبل للمعتصم حين دعاه للقول بخلق القرآن‪ ،‬فقد جللاء‬
‫في البداية والنهاية )‪ (10/361‬وما بعدها بعد مناظرات وحلوار طويلل‬
‫قال المعتصم‪) :‬يا أحمد‪ ،‬أجبني إلى هذا أجعلك من خاصتي وممن يطللأ‬
‫بساطي‪ ،‬فيقول المام أحمد‪ :‬فأقول‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬يللأتوني بآيللة مللن‬
‫كتاب ال أو سنة عن رسللول الل‪ ‬حللتى أجيبهللم إليهللا‪ ،‬فلمللا لللم يجللب‬
‫المعتصم ومن معه ابن أبي دؤاد وغيره‪ ،‬وقال للله إسللحاق بللن إبراهيللم‬
‫نائب بغداد‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬ليس من تللدبير الخلفللة أن تخلللي سللبيله‬
‫ويغلب خليفتين‪ ،‬وألحوا على المعتصم حتى حمي واشتد غضللبه وأمللر‬
‫بضربه‪ ،‬وكان يقول لمللن يباشللر ضللربه‪ :‬شلّد قطللع الل يللديك‪ ،‬أو كلمللة‬
‫نحوها‪ ،‬والمام أحمد ثابت‪ ،‬صابر‪ ،‬محتسب‪ ،‬لم يجب المعتصم إلى طلبه(‪.‬‬
‫وهللذا يوضللح زيللف دعللوى الخليلللي‪ ،‬أن سللبب ذلللك هللو التبللاس‬
‫القرآن المنزل في أفهامهم بالكلم النفسي الذي يللراد بلله نفللي الخللرس‪،‬‬
‫فهذا كلم باطل لم يعرج عليه أحد ممن أثبت صفة الكلم ل عللز وجللل‬
‫من أهل السنة والجماعة‪ ،‬وما سمى بالكلم النفسي ل ُيَعّد كلمًا ل لغللة‬
‫ول عرفًا‪ ،‬باعتراف المؤلف ورده هو لما يسلمى بلالكلم النفسللي‪ ،‬وقللد‬
‫سبقت مناقشته في الكلم النفسللي واتضللح بطلنلله فل حاجللة لعللادته‪،‬‬
‫لن الكلم ل يسمى كلمًا ول ُيحاسب عليه إل بعد سماعه والنطق به‪.‬‬
‫والكلم النفسي كما سبق تعريفه‪ :‬هو القائم بذات المتكلم لم يسمعه‬
‫منه أحد‪.‬‬
‫ونواصل كشف تلبيسات المؤلف أو عدم فهمه وإدراكله للموصلوف‬
‫بصفة الكلم لقدرته عليه إن أراد أن يتكلللم‪ ،‬وللخللرس الللذي ل يسللتطيع‬
‫النطق بالكلم‪ ،‬كما تقدم أنه مللن لزم دعللوى الكلم النفسللي أن الخللرس‬
‫يسمى متكلمًا‪ ،‬وكذلك عدم التفريق عند المؤلف بيللن قللديم النللوع وحللادث‬
‫الحاد من الكلم‪.‬‬
‫فيقول في )ص ‪) :(109‬إن التكلم لغة وعرفًا ل يكون إل بمعنللى‬
‫إحداث الكلم‪ ،‬فإذا ُقلت‪ :‬تكلللم محمللد لللم يفللد قولللك هللذا إل أنلله أحللدث‬
‫كلمًا في زمن مضى‪.‬‬
‫وإذا ُقلببت‪ :‬يتكلللم‪ ،‬لللم يِفلد قولللك إل أنلله أحللدث كلملًا فللي الزمللن‬
‫الحاضر وكذلك صيغة المر‪.‬‬
‫قال‪ :‬ول يعني هذا بأي صيغة من صيغه الثلث الخبار عن كون‬
‫الكلم صفة قائمة بذات المتكلم‪ ،‬أو المطلوب منه التكّلم وإل فمللا معنللى‬
‫قولللك لغيللرك تكّلللم إن كللان الكلم المطلللوب قائم لًا بلله‪ ،‬وهللل هللذا إل‬
‫تحصيل حاصل؟( أهل‬
‫وأقول‪ :‬إن هذا الفهم السقيم هللو المشللكلة القائمللة بللذهن المؤلللف ومللن‬
‫سبقه من المعتزلة‪ ،‬الللذين يترسللم خطللاهم ويأخللذ بعقلائدهم الباطلللة‪ ،‬والفهللم‬
‫السقيم هنا أن المؤلف ل يفرق بين القادر على الكلم‪ ،‬وبيللن صللاحب الفللة‬
‫العاجز عن الكلم كالخرس‪ ،‬وذلك أن السليم من الفللة القللادر علللى الكلم‬
‫يتكّلم متى شاء وكيللف شللاء‪ ،‬وأمللا الخللرس فل يسللتطيع الكلَم لن صللفة‬
‫الكلم غير قائمة به‪ ،‬فل يقدر على إحداث الكلم‪.‬‬
‫ت‪- :‬كما مّثل المؤلف ل تكلم محمد‪ ،‬أو يتكلم محمد‪ ،‬أو تكلللم‬ ‫فإذا ُقل َ‬
‫يا محمد‪ ،‬وكان المخاطب سليمًا من آفة الخرس‪ ،‬فإن صفة الكلم قائمة‬
‫به‪ ،‬وما أحدث من كلم في الزمن الماضللي أو فللي الزمللن الحاضللر أو‬
‫ما سيحدثه في المستقبل هو من آحاد الصفة القائمة به‪ ،‬وقللد أحللدث فللي‬
‫الماضي والحاضر ملا هللو قللادر عليلله‪،‬كالقللادر عللى المشللي وإن كلان‬
‫جالسًا فإنه يستطيع أن يمشي بخلف المقعد أو الطفل الرضلليع فللإنه ل‬
‫يستطيع المشي‪ ،‬لن صفة المشي والقدرة عليه غير قائمة به‪.‬‬
‫أما إذا كان المخاطب أخرس وقلت لله‪ :‬تكّللم‪ ،‬فلإنه ل يسلتطيع أن‬
‫يحدث الكلم لن صفة الكلم غير قائمة به‪ ،‬وإذا طلبللت منلله ذلللك فقللد‬
‫طلبت منه المستحيل؛ كما تطلب من الطفللل الرضلليع أن يركللض علللى‬
‫رجليه‪.‬‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية‪) :‬وأمللا الللرب تعللالى‪ :‬إذا قيللل لللم يللزل‬
‫ل لملا يشلاء‪ ،‬للم يكلن دوام كلونه متكلملًا‬ ‫متكلمًا إذا شلاء‪ ،‬أو للم يلزل فلاع ً‬
‫ل بمشيئته وقدرته ممتنعلًا‪ ،‬بللل هللذا هللو‬ ‫بمشيئته وقدرته‪ ،‬ودوام كونه فاع ً‬
‫الللواجب؛ لن الكلم صللفة كمللال ل نقللص فيلله‪ ،‬فللالرب أحللق أن يتصللف‬
‫بالكلم من كل موصوف بالكلم‪ ،‬إذ كل كمال ل نقص فيه ثبللت للمخلللوق‬
‫فالخالق أولى به()‪ (154‬أهل‪.‬‬
‫ولكن هل تدري ماذا يقصد المؤلف الخليلي مللن قللوله‪) :‬إن التكّلللم‬
‫لغة وعرفًا ل يكون إل بمعنى إحداث الكلم(؟‪.‬‬
‫إنه يقصد من ذلك‪ :‬أن المتكلم يخلق فعله‪ ،‬فمعنى أحللدث المتكلللم‬
‫الكلم خلقه‪ ،‬لن المعتزلة أشركوا مع الل غيللره فللي توحيللد الربوبيللة‪،‬‬
‫فكل مكلف عندهم يخلق فعله‪ ،‬وقد رد عليهم علماء السللنة هللذه البدعللة‪،‬‬
‫ومن أولئك العلماء المللام البخللاري رحملله اللل‪ ،‬فقللد رد عليهللم بكتللابه‬
‫المعروف بل)خلق أفعال العباد(‪.‬‬
‫فالمؤلف ينفي أن تكون صللفة الكلم قائمللة بللذات الل عللز وجللل‪،‬‬
‫وأنه يتكلم متى شاء وكيف شاء‪ ،‬وقد صّرح بذلك في )ص ‪ (109‬فقال‪:‬‬
‫)وقد خاطب ال عباده بلغتهم التي يعرفونها‪ ،‬ومفاهيمهم الللتي يألفونهللا‪،‬‬
‫فإذا أخبرهم أنه كّلم أحدًا من خلقه في وقت ما‪ ،‬لللم يفللد إخبللاره هللذا إل‬
‫أنه أحدث التكليم في ذلك الللوقت‪ ،‬فل وجلله لجعللل ذلللك الخطللاب الللذي‬
‫سمعه المكّلم أو قرأه صفة أزلية قائمة بذات ال تعالى(‪.‬‬
‫فقوله‪...» :‬لم يفد إخباره هذا إل أنه أحدث التكليم في ذلك الللوقت«‬
‫ث( عنللده بمعنللى‬ ‫حَد َ‬
‫ن )َأ ْ‬
‫يعني أن ال خلق ذلك الكلم في ذلك الوقت‪ ،‬ل ّ‬
‫‪ () 154‬الفتاوى )‪.(12/157‬‬
‫خلق؛ ولهذا لم يقل‪ :‬تكلم في ذلللك الللوقت‪ ،‬ثللم وضللح ذلللك بقللوله‪» :‬فل‬
‫وجه لجعل ذلك الخطاب الذي سمعه المكلّلم أو قرأه صللفة أزليللة قائمللة‬
‫بذات ال تعالى«‪.‬‬
‫ويعني بهذا نفي صفة الكلم القائمللة بللذات الل تعللالى وأنلله يتكلللم‬
‫متى شاء وكيف شاء‪.‬‬
‫فهو يقللول‪ :‬إن الكلم الللذي سللمعه المكّلللم لل مثللل قللول الل تعللالى‬
‫لموسى عليه السلم حين خاطبه بقوله‪} :‬وما تلك بيمينللك يللا‬
‫موسى‪ .‬قال هي عصللاي أتوكللأ عليهللا وأهللش‬
‫بها على غنمي ولي فيها مللآرب أخللرى‪ .‬قللال‬
‫ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسللعى‪.‬‬
‫قال خذها ول تخف سنعيدها سيرتها الولى{ ]‬
‫طه ‪17‬ل ‪ [21‬إلى آخر القصة‪ -‬فهو يقول‪ :‬هللذا الللذي سللمعه موسللى عليلله‬
‫السلم من ال عز وجل بهذا الخطاب خلقه ال عز وجل ولللم يتكلللم بلله‬
‫وهو معنى قوله‪ :‬أحدثه في ذلك الوقت‪ .‬ولم يقل تكلم به في ذلك الوقت‪،‬‬
‫ونحن الن نقرأ هذا الكلم الذي أنزله ال ل علللى رسللوله محمللد‪ ‬فهللو‬
‫يقول‪ :‬ل فرق بين سامع الكلم من ال عز وجل كموسى عليلله السلللم‪،‬‬
‫أو قارئ كلم ال عز وجل‪ ،‬فإن ذلك كله مخلوق‪.‬‬
‫فهو ينفي أن تكون صفة الكلم قائمة بلله تعللالى‪ ،‬وأنلله يتكلللم مللتى‬
‫شاء وكيف شللاء وقللد سللبق قللوله‪) :‬أنلله لللو أثبللت لل صللفة الكلم فللإنه‬
‫‪-‬حسب زعمه‪ -‬يثبت مع ال قدماء( لنلله حسللب زعملله وزعللم أسلللفه‬
‫المعتزلة أن الصفة تكون منفصلة عللن ذات الموصللوف قائمللة بنفسللها‪،‬‬
‫وهذا تصّور فاسد‪ ،‬ترده النصوص من الكتاب والسّنة والفطر السليمة‪،‬‬
‫فإن الذات لتوجد إل بصفاتها والذات الللتي ُتجللرد مللن جميللع الصللفات‬
‫معدومة‪ ،‬ل توجد حتى في الذهن إذ ل يتصور وجود ذات بل صللفات‪،‬‬
‫وقد سبق مناقشته في ذلك تحت عنللوان‪ :‬شللبهة الخليلللي‪ :‬فللي أن تعللدد‬
‫))‬

‫الصفات يدل على تعدد الموصوف(‪.‬‬


‫والخليلي هنا لم يفلّرق بيلن ملا يعلبر عنله علملاء السللف فلي صلفة‬
‫الكلم‪ ،‬وهو قلولهم‪ :‬إنله قلديم النلوع حلادث الحلاد‪ ،‬أي‪ :‬أن صلفة الكلم‬
‫قائمة بذات ال تعلالى وأنله يتكللم ملتى شلاء وكيلف شلاء‪ ،‬وأن ملن آحلاد‬
‫كلمه التوراة‪ ،‬والنجيل‪ ،‬والقرآن؛ لن كلم ال ل يحصلى ول ينفلد كملا‬
‫قال تعالى‪} :‬ولو أنما فلي الرض ملن شلجرة أقلم‬
‫والبحر يمده مللن بعللده سللبعة أبحللر مللا نفللدت‬
‫كلمات الله إن الله عزيز حكيم{ ]لقمان ‪.[27‬‬
‫ولما قال ابن القيللم فللي كتلابه »الصللواعق المرسلللة عللى الجهميلة‬
‫والمعطلة« )‪2/296‬ل ‪) (298‬وقد دل القرآن وصريح السللنة والمعقللول‬
‫وكلم السلف على أن ال سبحانه يتكلم بمشيئته‪ ،‬كما دل علللى أن كلملله‬
‫صفة قائمة بذاته‪ ،‬وهي صفة ذات وفعللل‪ ،‬قللال تعللالى‪} :‬إنما أمرنا‬
‫لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكللون{( ثللم سللرد‬
‫اليات والحاديث الدالة على ذلك( ‪.‬‬
‫وقد نقل الخليلي جملة من كلم ابن القيم في كتابه هذا من آخر‬
‫)ص ‪ (109‬إلللى أول )ص ‪ ،(111‬بللدأه بقللوله‪) :‬وأمللا قللول ابللن القيللم‪:‬‬
‫»وقد دل القرآن وصريح السللنة والمعقللول وكلم السلللف علللى أن ال ل‬
‫سبحانه يتكلم بمشيئته‪ ،‬كما دل على أن كلملله صللفة قائمللة بللذاته وهللي‬
‫صفة ذات وفعل‪ ،‬قال تعالى‪} :‬إنما أمرنا لشيء إذا أردنللاه‬
‫أن نقول له كن فيكون{ «ثم اسللتمر فللي سللرد اليللات الللتي‬
‫ذكرها ابن القيم والحاديث التي يسللتدل بهللا علللى إثبللات صللفة الكلم‪،‬‬
‫وأن ال يتكلم متى شاء‪ ،‬إلى قوله‪ :‬وأنه كل ليلللة يقللول‪» :‬مببن يسببألني‬
‫))‬

‫فأعطيه‪ ،‬من يستغفرني فأغفر له‪ ،‬من يقرض غير عديم ول ظلوم«‪.‬‬
‫وقال النبي ‪» :r‬إن ال أحيا أباك وكّلمه كفاحاً« )‪ ،(155‬ومعلللوم‬
‫ي‪ .‬إلللى أضللعاف ذلللك مللن‬ ‫ن علل ّ‬ ‫أنه في ذلك الوقت كّلمه‪ ،‬وقال له‪ :‬تمل ّ‬
‫نصوص الكتاب‬
‫والسنة‪ «...‬إلخ كلمه‪ ،‬فمللاذا قللال الخليلللي بعللد سللرده لهللذه النصللوص‬
‫التي استدل بها ابن القيللم رحملله اللل‪) :‬وقللد دل القللرآن وصللريح السللنة‬
‫والمعقول وكلم السلف‪ ،‬علللى أن الل سلبحانه يتكلللم بمشليئته‪ ،‬كملا دل‬
‫على أن كلمه صفة قائمة بذاته‪ ،‬وهي صفة ذات وفعل(‪.‬‬
‫إن الخليلي يغالط ُقّراَءه ويرد نصوص الكتللاب والسللنة والمعقللول‬
‫وأقوال السلف‪ ،‬فيقول‪) :‬كل ما ذكره ابن القيم‪ ،‬فهو حجة له على صحة‬
‫ما قرره‪ ،‬من أن المراد بتكليم الل سللبحانه )إحللداثه للكلم( فللي الللوقت‬
‫الذي يكون فيه‪.‬‬
‫قللال‪ :‬وإل فمللا معنللى تقييللد تكليملله بالليللل أو النهللار‪ ،‬أو الللدنيا أو‬
‫الخرة‪ ،‬أو غير ذلك من الزمنة لو كان هذا الكلم نفسه أزليًا(‪.‬‬
‫هكذا يقول‪ ،‬وابن القيم يريد بكلمه إيراد الدلة على أن ال يتكلللم‬
‫متى شاء‪ ،‬وأن صلفة الكلم قائملة بله‪ ،‬والخليلللي ل يلوافقه عللى ذللك‪،‬‬
‫وإنما يريد أن يحمل كلم ابن القيللم علللى أن إحللداث الكلم معنللاه خلللق‬
‫الكلم متى شاء‪ ،‬ل أن صفة الكلم قائمة بال‪ ،‬ولكنه يغالط من ل يفهللم‬
‫مراده‪ ،‬وذلك بقوله‪ :‬بأن ال أحللدث الكلم فللي ذلللك الللوقت‪ ،‬ومقصللوده‬
‫أنه خلقه‪ ،‬ولم تكن صفة الكلم قائمة به تعللالى‪ ،‬وإنلله تكّلللم بللذلك الكلم‬
‫حسللب مشلليئته‪ ،‬مللتى شللاء وكيللف شللاء‪ ،‬وفللي الفقللرة التاليللة كشللف‬
‫لمغالطاته‪.‬‬

‫‪ () 155‬في قصة جابر بن عبدال حينما قتل عبدال شهيدًا في غزوة أحللد‪.‬ذكللر ذلللك ابللن‬
‫القيم في مختصر الصواعق المرسلة ‪ ،2/297‬وابن كثير في التفسير ‪.2/141‬‬
‫مناقشة الخليلي في دعواه أن ما أورده ابن القيم‬
‫حجة له وكشف مغالطاته في ذلك‬

‫إن من عادة أصحاب القوال الباطلة‪ ،‬والعقللائد الفاسللدة‪ ،‬المخالفللة‬


‫لنصوص الكتاب والسنة‪ ،‬وفهم سلف المة‪ ،‬الذين ُأمرنا بالقتللداء بهللم‪،‬‬
‫التمويَه على القراء بعبارات ل يدرك مدلولها إل من عرف أساليبهم‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك قول الخليلي هنا‪ ):‬إن كلم المللام ابللن القيللم الللذي‬
‫أورد النصوص عليه من الكتاب والسنة والمعقول وأقوال السلف ل مللن‬
‫أن ال عز وجل يتكلم متى شاء‪ -‬إنه حجة له على عقيدته بللأن كلم ال ل‬
‫مخلوق( ومنه القرآن فإنه مخلوق‪.‬‬
‫فقللوله‪) :‬مللن أن المللراد بتكليللم ال ل سللبحانه )إحللداث الكلم( فللي‬
‫الوقت الذي يكون فيه‪ -‬يقصد بالحداث الخلللق للكلم وقللت التكلللم‪ -‬أي‬
‫أن ال خلقه في هذا الوقت ولم تكن صفة الكلم قائمة بذات الل تعللالى‪،‬‬
‫ولهذا لم يقل‪ :‬إن ال تكلم في الوقت الذي يريد الكلم فيه حسب مشلليئته‬
‫واختيللاره وإنمللا عللبر عللن التكليللم بالحللداث‪ ،‬والحللداث عنللده خلللق‬
‫الكلم‪.‬‬
‫وابن القيم ل يريد ما غالط به الخليلي قراءه من أن إحللداث الكلم‬
‫في هذه الوقات المختلفة معناه )خلق الكلم( بل إنه يريد أن يقول‪ :‬أن‬
‫الكلم صفة ذات وفعل‪ ،‬وأن ال يتكلللم مللتى شللاء وكيللف شللاء‪ ،‬ويقللول‬
‫للمعطلللة فللي زمنلله ولللورثتهم فللي زماننللا للل كللالخليلي وأمثللاله‪ :-‬إن‬
‫نصوص القرآن والسنة تدل صراحة أن ال يتكلم بمشيئته واختياره فللي‬
‫كل وقت وزمن في الليل والنهار‪ ،‬في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫أما الخليلي فيقول‪) :‬إن المراد بتكليللم ال ل سللبحانه‪ :‬إحللداث الكلم‬
‫في الوقت الللذي يكللون فيلله … وإل فمللا معنللى تقييللد تكليملله بالليللل أو‬
‫النهار أو الدنيا أو الخرة أو غير ذلك من الزمنة‪.‬‬
‫ثم أورد مغالطاته وتمويهه فقال‪ :‬لو كان هذا الكلم نفسه أزليًا(‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬إن ابن القيم لم يصرح فيما نقله عنه الخليلللي بكلمللة )أزلي لًا(‬
‫وإنما قال في بداية كلمه‪ :‬كملا دل القلرآن‪ :‬أن كلمله صلفة قائملة بلذاته‬
‫))‬

‫وهي صفة ذات وفعل‪ ،‬وأنه يتكلم بمشيئته(‪.‬‬


‫فلابن القيلم للم يقلل مطلقلًا‪ :‬إن كلم الل بالليلل والنهلار فلي الللدنيا‬
‫والخرة أنه أزلي‪ .‬وإنما يقصد أن صفة الكلم قائمة بللذاته تعللالى وأنلله‬
‫يتكلم متى شاء‪ .‬وهذا معنلى قللول السلللف فلي تعريلف الكلم‪ :‬إنله قللديم‬
‫ل وأبللدًا‪،‬‬‫النوع حادث الحاد‪ ،‬أي أن صفة الكلم قائمة بللذاته تعللالى أز ً‬
‫وأنه يتكلم متى شاء في الليل أو النهار في الللدنيا والخللرة‪ .‬فهللذا معنللى‬
‫تقييد ابن القيم الكلم‪ :‬بالليل والنهار‪ ،‬وفي الدنيا والخرة‪.‬‬
‫وهذا هو المعقول الللذي تقبللله العقللول السللليمة والفهلام المسلتقيمة‪،‬‬
‫فإننا لو نظرنا لصفات الكمال والنقص في المخلوق ‪-‬ولل المثللل العلللى‪-‬‬
‫لتبين لنا أن الشخص القادر على الكلم‪ ،‬السليم من الفات‪.‬أكمل فللي هللذه‬
‫الصفة من الخرس الذي ل يستطيع الكلم‪.‬‬
‫فللإن القللادر علللى الكلم نجللد أن صللفة الكلم قائمللة بلله‪ ،‬وليسللت‬
‫منفصلة عنه كما توهم المعتزلة وأتباعهم‪.‬‬
‫فللإذا أراد الكلم‪ ،‬فللإنه يتكلللم بمللا شللاء لنلله قللادر علللى الكلم‪ ،‬وأمللا‬
‫الخرس فإنه عاجز عن الكلم‪ ،‬لن صفة الكلم ليست قائمة به‪ ،‬فللإذا أراد‬
‫أن يتكلم لم يستطع‪.‬‬
‫وبهذا يتضح للقللارئ أن المؤلللف الخليلللي ل ُيثِبللت لل عللز وجللل‬
‫صفة الكلم القائمة به تعالى‪ ،‬وأنه يتكلم متى شللاء وكيللف يشللاء‪ ،‬بكلم‬
‫ل يشللبه كلم البشللر فللال تعللالى }ليتتس كمثلتته شتتيء وهتتو‬
‫السميع البصير{ ثم يغالط الخليلي ُقّراَءه‪ ،‬ويلّبس عليهم فيفسر كلم‬
‫ه موستتى‬ ‫اللل مللع أنبيللائه ورسللله مثللل قللوله تعللالى‪} :‬وكلم اللت ُ‬
‫تكليم تا ً{]النسلللاء‪ [164:‬وقللوله‪} :‬ولمتتا جتتاء موستتى لميقاتنتتا‬
‫وكلمه رّبه{] العراف‪.[143 :‬‬
‫وكل ما ورد فيه كلم ال مع عباده )بلأن تكليللم الل معنللاه إحللداث‬
‫الكلم في ذاك الوقت( ومعنى الحداث هو خلق الكلم‪.‬‬
‫ولم يفّرق بين نوع الكلم القائم بذات ال وآحللاد ذلللك النللوع كللالتوراة‪،‬‬
‫والنجيل‪ ،‬والزبور‪ ،‬وصحف إبراهيم وموسى‪ ،‬والفرقان كتاب هللذه المللة‪،‬‬
‫وكل ما تكلم ال به بمشليئته واختيلاره وهلو ملا قلاله السللف‪ :‬إن الكلم قلديم‬
‫النوع حادث الحاد‪ .‬ولنقرأ كلم المام الطحاوي في تعريفه للقرآن‪.‬‬
‫يقول المام الطحاوي رحمه ال‪) :‬وإن القرآن كلم ال منه بدأ بل‬
‫ل‪ ،‬وأنزله علللى رسللوله وحيلًا‪ ،‬وصلّدقه المؤمنللون علللى ذلللك‬ ‫كيفية قو ً‬
‫حّقا‪ ،‬وأيقنوا أنه كلم ال تعالى بالحقيقللة‪ ،‬ليلس بمخلللوق ككلم البريللة‪،‬‬
‫فمن سمعه فزعم أنه كلم البشر فقد كفر‪ ،‬وقللد ذملله الل وعللابه ووعللده‬
‫بسلقر حيث قال تعالى‪} :‬إن هذا إل قتول البشر{ ] الملللدثر ‪[ 25‬‬
‫علمنا وأيقّنا أنه قول خالق البشر‪ ،‬ول يشبه قول البشر( اهل)‪.(156‬‬
‫يقول ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية شارحًا هذا النص‪:‬‬
‫)هلذه قاعللدة شللرعية وأصللل كلبير ملن أصللول الللدين‪ ،‬ضللل فيله‬
‫طوائف كثيرة من الناس‪ ،‬وهللذا الللذي حكللاه الطحللاوي رحملله ال ل هللو‬
‫الحق الذي دلت عليه الدلة من الكتاب والسنة لمن تدبرها‪ ،‬وشهدت به‬
‫الفطرة السليمة التي لم تغير بالشبهات والشكوك والراء الباطلة(‪.‬‬

‫‪ () 156‬شرح الطحاوية )‪.(1/172‬‬


‫ثم قال‪) :‬وقد افترق الناس في مسألة الكلم على تسعة أقللوال‪ :‬ثللم‬
‫ذكرها فقال‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن كلم ال هو ما يفيض على النفوس من معاني‪ ،‬إمللا مللن‬
‫العقل الفعال عند بعضهم‪ ،‬أو من غيره‪ ،‬وهذا قول الصابئة والمتفلسفة‪.‬‬
‫ل عنلله وهللذا قللول المعتزلللة(‬ ‫الثاني‪ :‬أنه مخلوق خلقه الل منفصل ً‬
‫)‪.(157‬‬
‫قلببت‪ :‬وهللذا قللول الخليلللي‪ ،‬فللإن الباضللية فللي بللاب أسللماء ال ل‬
‫وصفاته معتزلة يقولون بقولهم‪ ،‬وقد سبق ردنا على الخليلي فللي مسللألة‬
‫نفيه رؤية المؤمنين ربهم في الجنة في الجزء الول)‪.(158‬‬
‫ثم ذكر الشارح القوال إلى أن قال‪:‬‬
‫)وتاسعها‪ :‬أنه تعالى لم يللزل متكلم لًا إذا شللاء ومللتى شللاء وكيللف‬
‫شللاء‪ ،‬وهللو يتكلللم بصللوت يسللمع‪ ،‬وأن نللوع الكلم قللديم وإن لللم يكللن‬
‫الصوت المعين قديمًا‪ ،‬وهذا المأثور عن أئمة الحديث والسنة(‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فكون صفة الكلم قائمة به تعللالى‪ ،‬يتكلللم مللتى شللاء وكيللف‬
‫شاء‪ ،‬وأن نوع الكلم قديم‪ ،‬وآحاده حادثللة‪ ،‬بمعنللى أنلله يتكلللم بهللا مللتى‬
‫شاء‪ ،‬مثل كلمه بالتوراة مع موسى‪ ،‬ومن آحاد كلمه القللرآن‪ ،‬وسللائر‬
‫الكتب المنّزلة‪ ،‬فهذا مذهب أهل السنة‪ .‬وإنما يجعل كل حادث من نوع‬
‫الكلم الذي يتكلم ال بله ممللا أوحللاه الل إلللى رسللله مخلوقلًا‪ ،‬المعتزللُة‬
‫س عليهم وتغيرت فطرهللم؛ ولهللذا‬ ‫والجهميُة ومن يقول بقولهم ممن لُلبل ّ‬
‫‪ () 157‬ثم ذكر المؤلف بقية القللوال فللي الكلم‪ .‬ومنهللا كلم الشللعرية فللي أنلله المعنللى‬
‫النفسي القائم بالذات‪ ،‬ووافقهم الباضية كما ذكر المؤلف وقد تبين لك أن هذا ل يعد‬
‫كلمًا‪.‬‬
‫‪ () 158‬وقد طبع وحده عن دار الوحدة بالقاهرة سنة ) ‪1415‬هل(‪.‬وهو الن مطبلوع فلي هلذا المجللد الجلزء‬
‫الول منه‪.‬‬
‫يقللول شللارح الطحاويللة رحملله اللل‪) :‬ولللو ُت لِرك النللاس علللى فطرهللم‬
‫السليمة وعقولهم المستقيمة‪ ،‬لم يكن بينهم نللزاع‪ ،‬ولكللن ألقللى الشلليطان‬
‫إلى بعض الناس أغلوطة من أغاليطه ف لّرق بهللا بينهللم‪} ،‬وإن الذين‬
‫اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد{( ] البقللرة ‪ [ 176‬والذي‬
‫يدل عليه كلم الطحاوي رحمه ال‪ :‬أنه تعالى لللم يللزل متكلم لًا إذا شللاء‬
‫كيف شاء‪ ،‬وأن نوع كلمه قديم‪.‬‬
‫قال‪) :‬وكذلك ظاِهُر كلم المللام أبللي حنيفللة رضللي الل عنلله فللي‬
‫»الفقه الكبر)‪ ،«(159‬فإنه قال‪) :‬والقرآن في المصاحف مكتللوب‪ ،‬وفللي‬
‫القلوب محفوظ‪ ،‬وعلى اللسن مقروء‪ ،‬وعلللى النللبي‪ ‬من لّزل‪ ،‬ولفظنللا‬
‫بالقرآن مخلوق‪ ،‬والقرآن غير مخلوق‪ ،‬ومللا ذكللر ال ل فللي القللرآن عللن‬
‫موسى عليه السلم وغيره وعللن فرعللون وإبليللس‪ ،‬فللإن ذلللك كلم الل‬
‫إخبار عنهم‪ ،‬وكلم موسى وغيره من المخلوقين مخلوق‪ ،‬والقرآن كلم‬
‫الل ل كلمهللم‪ ،‬وسللمع موسللى عليله السلللم كلم الل تعلالى فلملا كّلللم‬
‫موسى كّلمه بكلمه الذي هو من صفاته‪ ،‬لم يللزل وصللفاته كلهللا خلف‬
‫صللفات المخلللوقين‪ ،‬يعلللم ل كعلمنللا‪ ،‬ويقللدر ل كقللدرتنا‪ ،‬ويللرى ل‬
‫كرؤيتنا‪ ،‬ويتكلم ل ككلمنا( )‪(160‬اهل‪.‬‬
‫قلببت‪ :‬إن عللدم تفريللق الخليلللي فللي مسللألة الكلم بيللن قللديم النللوع‬
‫وحادث الحاد هو الذي جعله يقول فللي ص ) ‪ (111 -109‬أن كلم ابللن‬
‫القيم الذي نقله من الصواعق المرسلة حجة له‪.‬‬
‫ويقول شارح الطحاوية أيضلًا‪) :‬إن الرسللل الللذين خللاطبوا النللاس‬
‫وأخبروهم أن ال قال‪ ،‬ونللادى‪ ،‬ونللاجى‪ ،‬ويقللول‪ ،‬لللم يفهمللوهم أن هللذه‬
‫مخلوقات منفصلة عنه بل الذي أفهمللوهم إيللاه‪ :‬أن ال ل نفسلله هللو الللذي‬

‫‪ ()159‬الطحاوية ‪.187 / 1‬‬


‫‪ (1) 160‬انظر شرح الفقه الكبر ص ‪، 204‬طبع الشؤون الدينية بقطر‪.‬‬
‫تكلم‪ ،‬والكلم قائم به ل بغيره‪ ،‬وإنه هو الذي تكلم به وقللاله‪ ،‬كمللا قللالت‬
‫عائشة رضي ال عنها في حديث الفك‪» :‬ولشأني في نفسي كان أحقر‬
‫ي بوحي يتلى« )‪.(161‬‬ ‫من أن يتكلم ال ف ّ‬
‫قال‪ :‬ولو كان المراد من ذلك كله خلف مفهومه لللوجب بيللانه‪ ،‬إذ‬
‫تأخر البيان عن وقت الحاجللة ل يجللوز‪ ،‬ول يعللرف فللي لغللة ول عقل ٍ‬
‫ل‬
‫ل والكلُم‪ ،‬وإن زعمللوا أنهللم فللروا مللن ذلللك‬ ‫ل متكلٌم ل يقوم به القللو ُ‬
‫قائ ٌ‬
‫حذرًا من التشبيه‪ ،‬فل يثبتوا صفة غيره فإنهم إذا قالوا‪ :‬يعلللم ل كعلمنللا‪،‬‬
‫قلنا‪ :‬ويتكلم ل كتكلمنا‪ ،‬وكذلك سائر الصفات‪ .‬وهل يعقل قللادر ل تقللوم‬
‫به القدرة‪ ،‬أو حي ل تقوم به الحياة‪.‬‬
‫وقد قال ‪» :r‬أعوذ بكلمات ال التامات الببتي ل يجاوزهببا بببر ول‬
‫فاجر« فهل يقول عاقل إنلله ‪ r‬عللاذ بمخلللوق؟ بللل هللذا كقللوله‪» :‬أعببوذ‬
‫برضاك مببن سببخطك‪ ،‬وبمعافاتببك مببن عقوبتببك« )‪ (162‬وقوله‪» :‬أعببوذ‬
‫بعزة ال وقدرته من شر ما أجد وأحاذر«)‪.(163‬‬
‫وقوله‪» :‬وأعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا« قال‪ :‬كللل هللذه مللن‬
‫صفات ال تعالى()‪.(164‬‬
‫ولكن الخليلي يدخل كلم ال عز وجل في المخلوقات التي يجري‬
‫عليها اليجاد والعدام‪ ،‬وصفات ال عز وجل الذاتية ل يجوز أن يقال‪:‬‬
‫أنها تدخل تحت اليجاد والعدام‪ ،‬تعالى ال عن ذلك علوًا كبيرًا‪.‬‬

‫‪ () 161‬البخاري في قصة الفك‪ ،‬انظر‪ :‬فتح الباري ح)‪ (4750‬وهو حديث طويل‪.‬‬
‫‪ () 162‬رواه مسلم في السلم ح )‪.(2202‬‬
‫‪ () 163‬مسلم ح)‪.(2708‬‬
‫‪ () 164‬الطحاوية )‪.(189 / 1‬‬
‫ولبيان ذلك يقول الخليلي في )ص ‪ ):(111‬إن الفرق بيللن إحللداث‬
‫ال لكلمه‪ ،‬وإحداث العبد لكلمه أمران ل ثم شرحهما … إلى أن قللال‪:‬‬
‫‪-‬أما كلم ال فهو كسائر أفعاله من إيجاد وإعدام(‪.‬‬
‫ويتساءل المسلم‪ :‬كيف يعدم ال صفة من صللفاته وال ل عللز وجللل‬
‫واحد أحد بصفاته‪ ،‬ومن صفاته كلمه؟ ولهذا أجمع أهل السنة علللى أن‬
‫من قال‪ :‬كلم ال مخلوق فقد كفر؛ لنه بقوله هللذا يقللول‪ :‬إن صللفة مللن‬
‫صفات ال مخلوقة وهذا كفر؟‪.‬‬
‫قال تعالى مجيبًا للمشركين واليهود الذين سألوا رسللول الل ‪ r‬أن‬
‫يصف لهم ربه‪} :‬قل هو الله أحد‪ .‬اللتته الصتتمد‪ .‬لتتم يلتتد‬
‫ولم يولد‪ .‬ولم يكن لتته كفتتوا ً أحتد{ ولهللذا قللال السلللف عللن‬
‫ل‪ ،‬وأنزلله‬‫القرآن الكريم‪) :‬وإن القلرآن كلم الل منله بلدأ بل كيفيلة قللو ً‬
‫على رسوله وحيًا …()‪.(165‬‬
‫ل‪ :‬رد علللى المعتزلللة‬ ‫فقللولهم‪ :‬كلم اللل منلله بللدأ بل كيفيللة قللو ً‬
‫وغيرهم؛ فللإن المعتزلللة والرافضللة ‪-‬وقبلهللم الجهميللة وإباضللية عمللان‬
‫المتأخرين كما يقول الخليلي‪ -‬يزعمون أن القرآن لم يبدأ منه وإنما خلقه‬
‫ل عنه‪.‬‬
‫ال منفص ً‬
‫وفي )ص ‪ :(112‬يصف الخليلي المخلوق حين يتكلم أنه يحتللاج فللي‬
‫تكليمه إلى الحنجرة والقصبة الهوائية‪ ،‬والحلق واللسان والسنان والشللفتان‬
‫…‪ .‬إلخ أوصاف النسان المخلوق‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬وإلى هنا قام بذهنه التشبيه‪ ،‬فأراد التنزيه فنفى علن الل علز‬
‫وجل أن يتكلم بمشيئته واختياره على ما يليللق بجلللله بكلم ل يشللبه كلم‬
‫البشر فال }ليس كمثله شيء وهو الستميع البصتير{‪ .‬ولهللذا‬

‫‪ () 165‬الطحاوية )‪.(1/172‬‬
‫قال الطحاوي في تعريف القرآن‪ ):‬وأيقنوا أنه كلم الل تعللالى بالحقيقللة‬
‫ليس بمخلوق ككلم البرية(‪.‬‬
‫ويواصل الخليلللي فللي التحريللف الشللنيع لكتللاب الل فيسللتدل بآيللة‬
‫كريمة‪ -‬يستدل بها أهل السنة والجماعة على كيفية إنزال الوحي‪ ،‬الللذي‬
‫ل للله‪،‬‬
‫أنزله ال تعالى إلى أنبيائه ورسللله‪ ،‬وبيللان أقسللامه‪ -‬ويجعلهللا دلي ً‬
‫ويللدعم رأيلله بقللول الشللعرية فللي الكلم النفسللي المتفللق عليلله بيللن‬
‫الشعرية والباضية كما سللبق ذكللره لللذلك فللي )ص ‪ (100‬كمللا سللبق‬
‫ذكر رده هو للكلم النفسي وأنه ل دليل عليه ل من كتاب ول سنة كمللا‬
‫في )ص ‪ (103‬من كتابه هذا‪.‬‬
‫وقد سبق مناقشته فللي الكلم النفسللي وأنلله مضللطرب فيلله‪ ،‬فمللرة‬
‫يثبته ومرة ينفيه‪ ،‬والذي يظهر أن المر فللي نفيلله وإثبللاته عنللده حسللب‬
‫الحاجة‪ ،‬ولذا نجده هنا احتاج إليه‪ ،‬فبعد أن ذكللر صللفات المخلللوق ومللا‬
‫يحتاج إليه لداء الكلم من حنجللرة ولسللان … إلللخ قللال‪):‬وقللد بيللن لنللا‬
‫تعالى صفة تكليمه لعباده حيث قال‪} :‬وما كان لبشتتر أن يكلمتته‬
‫اللتته إل وحيتتا ً أو متتن وراء حجتتاب أو يرستتل رستتول ً‬
‫فيوحي بإذنه ما يشاء{ ] الشللورى ‪ .[51‬قال‪ :‬وناهيللك أنلله سللبحانه‬
‫جعل الوحي تكليمًا منه مع أنه إلهام يختص به من يشاء من عباده(‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬ليس كل الوحي إلهامًا‪ ،‬وإنما اللهام نوع من أنواع الوحي‪.‬‬
‫وفلللي أول )ص ‪ (113‬يبلللدأ بلللالتحريف الصلللريح فيقلللول‪) :‬وإذا‬
‫عرفت ذلك اتضح لك جواز أن يكون التكليم من وراء حجاب إذا أسللند‬
‫إلى ال‪ ،‬بمعنى خلق صوت مسموع ل يصدر عن شيء ينبئ عن مراد‬
‫ال‪ ،‬ويتلقفه سمع من اختصه ال بالتكليم‪ ،‬وعلللى هللذا يحمللل تكليللم ال ل‬
‫لموسى عليه السلم‪.‬‬
‫ثم يقول‪ :‬وهو أحد الحتمالين اللذين ذكرهمللا المللام الطللاهر ابللن‬
‫عاشور ل وهو مالكي المذهب أشعري العقيدة ل فللي تكليللم ال ل لملئكتلله‬
‫حيث قال‪» :‬وكلم ال للملئكة أطلق على ما يفهمون به إرادتببه وهببو‬
‫المعبر عنه بالكلم النفسي«()‪.(166‬‬
‫المناقشة لهذا الستدلل‪:‬‬
‫نذكر نص الية الكريمة فلال سلبحانه وتعلالى يقلول مخاطبلًا عبلاده‬
‫مبينًا لهم وحيه إليهم‪} :‬وما كان لبشر أن يكلمه الله إل وحيا ً أو‬
‫من وراء حجاب أو يرسل رسول ً فيوحي بإذنه متتا يشتتاء{‬
‫] الشورى ‪.[ 51‬‬
‫إن الية الكريمة قد شملت أنواع الوحي الثلثة‪:‬‬
‫‪1‬ل اللهام ‪2‬ل الكلم من وراء حجللاب ‪3‬لل إرسللال الرسللول وهللو‬
‫جبريل عليه السللم إللى ملن اختصله الل ملن عبلاده باليحلاء إليله وهلم‬
‫النبياء والرسل‪.‬‬
‫ل الخليلي بتكليم ال عز وجل لموسى عليه السلم وهو النوع‬ ‫وقد مث ّ‬
‫الثاني من أنواع الوحي‪ :‬التكليم من وراء حجاب‪.‬‬
‫فلنناقش هذا‪ :‬يقول الخليلي إن التكليم من وراء حجاب إذا أسند إلللى‬
‫ال‪ ،‬يكون بمعنى خلق صوت مسموع ل يصدر عن شيء ينبئ عن مراد‬
‫صله الل بلالتكليم‪ ،‬وعللى هلذا يحملل تكليلم الل‬‫ال‪ ،‬ويتلقفه سمع من اخت ّ‬
‫لموسى عليه السلم‪.‬‬
‫وحيث إن ال عز وجل قد خللاطب نللبيه موسللى عليلله السلللم فللي‬
‫آيات كثيرة وردت في كتاب ال‪ ،‬فمن المناسب أن نورد بعللض اليللات‬
‫شلْرح الخليلللي وتوضلليحه لهللا مسللتقيم مللع‬
‫الواردة في ذلك لنللرى هللل َ‬
‫نصها وفيما تدل عليه لمن يتحدث اللغة العربيللة‪ ،‬كمللا شللرحها الخليلللي‬
‫‪ () 166‬التحرير والتنوير )‪ (6/38‬ط‪ /‬الدار التونسية للنشر‪.‬‬
‫بمللا سللبق ذكللره‪ ،‬أو أّنلله حّرفهللا تحريفلًا شللنيعًا أخرجهللا عللن مللدلولها‬
‫الصريح الواضح؟‪.‬‬
‫فمن ذلك قللول اللل تعللالى‪} :‬وواعدنا موسى ثلثيتتن ليلتتة‬
‫وأتممناها بعشر‬
‫فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لخيه هتتارون‬
‫اخلفني في قومي وأصلح ول تتبتتع ستتبيل المفستتدين‪.‬‬
‫ولما جاء موستتى لميقاتنتتا وكّلمتته رب ّتته قتتال رب أرنتتي‬
‫أنظر إليك{ ] العراف ‪142‬ل ‪ [ 143‬فهل الصوت الذي سمعه موسللى‬
‫من ل شيء ؟وهل قال موسى للذي ل شيء حينما سمعه قال له‪} :‬رب‬
‫أرني أنظر إليك{‪ ،‬أي أن نبي ال ل موسللى يقللول للشلليء ‪} :‬رب‬
‫أرني أنظر إليك{؟ ومثل هذه الية في قصة تكليم موسللى مللا جللاء‬
‫في سورة القصص وهو قوله تعالى‪} :‬فلما قضى موسى الجل‬
‫وسار بتأهله آنتتس متن جتانب الطتتور نتتارا ً قتال لهلته‬
‫امكثوا إني آنست نارا ً لعلي آتيكم منها بختتبر أو جتتذوة‬
‫من النار لعلكم تصطلون‪ -‬فلما أتاها نودي من شاطئ‬
‫الوادي اليمن في البقعة المباركة من الشتتجرة أن يتتا‬
‫شتد ّ‬‫سن َ ُ‬
‫موسى إني أنتتا اللتته رب العتتالمين{ إلللى قللوله‪َ } :‬‬
‫دك بأخيك ونجعل لكمتا ستلطانا فل يصتتلون إليكمتا‬ ‫ض َ‬
‫عَ ُ‬
‫بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون{ ] القصص ‪29‬ل ‪ [ 35‬فمن الذي‬
‫يقول‪} :‬يا موسى إني أنا اللتته رب العتتالمين{ غيللر اللل عللز‬
‫وجل‪ ،‬فهل ذلك الصوت الذي سمعه موسللى يصللدر مللن ل شلليء‪ ،‬وهللل‬
‫ذاك الذي ل شيء يقول لموسى‪} :‬إني أنا الله رب العالمين{‪.‬‬
‫ولنقرأ ما جاء في سورة طه في تكليللم الل لموسللى عليلله السلللم‪،‬‬
‫يقللول ال ل تعللالى مخاطب لًا نللبيه محمللدًا ‪} :r‬وهتل أتتتاك حتتديث‬
‫موسى‪ .‬إذ رأى نارا ً فقال لهله امكثوا إني آنست نارا ً‬
‫لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد علتتى النتتار هتتدى‪ .‬فلمتتا‬
‫أتاها نودي يا موسى‪ .‬إني أنتتا ربتتك فتتاخلع نعليتتك إنتتك‬
‫بتتالوادي المقتتدس طتتوى‪ .‬وأنتتا اخترتتتك فاستتتمع لمتتا‬
‫يوحى‪ .‬إنني أنا الله ل إله إل أنا فاعبدني وأقم الصتتلة‬
‫لذكري{ ] طه ‪9‬ل ‪.[ 14‬‬
‫فِمّمن سمع موسى ذاك الصوت الذي يصدر ل عن شلليء ؟ ومللن‬
‫الذي سمعه موسى وهو يقللول‪} :‬إني أنا ربتتك{؟ ومللن الللذي قللال‪:‬‬
‫}وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى‪ .‬إنني أنا الله ل إله إل‬
‫أنا فاعبدني{ هل سمعه من ل شيء‪ ،‬وهذا الذي ل شلليء هللو الللذي‬
‫اّدعى أنه رب موسى وطلب من موسى أن يعبده؟‪.‬‬
‫ف لكلم الل رب العللالمين‪،‬‬ ‫إن هذا لهللو الضلللل المللبين‪ ،‬وتحريل ٌ‬
‫رب موسى وهارون عن مواضعه‪ ،‬وهل العقلء يقولون مثل هذا؟‬
‫ولكللن الشللعري المعاصللر‪ -‬غيللر ابللن عاشللور الللذي استشللهد‬
‫الخليلي بكلمه؛ لنه مالكي المذهب أشعري العقيللدة كمللا يقللول‪ ،‬حيللث‬
‫سر سماع الملئكة من ال بسماعهم للكلم النفسي الللذي سللبق أن رده‬ ‫فّ‬
‫الخليلي نفسه وقال‪ :‬إنه ل يسمى الكلم النفسي كلمًا ولكن يثبته حسللب‬
‫الحاجة إليه‪ -‬هذا الشعري المعاصر هو‪:‬‬
‫عبدالرحمن حبنكة‪ :‬فهو يقول في كتابه »أسللس العقيللدة السلللمية«‬
‫)الجزء الثاني ص ‪ (249‬في تعريف الكلم من وراء حجاب في شللرح‬
‫الية السابقة يقول‪ :‬إن ال يخلق الصوت في جسم أو حجللر أو شللجر‪،‬‬
‫))‬

‫قال‪ :‬ويمثل لهذا بتكليم ال لموسى عليه السلم«‪.‬‬


‫وأقول للخليلي‪ :‬وأنا أضيف لك أشعرياً معاصرًا تللوزع كتبلله فللي‬
‫مكتباتنا يقول بخلق القرآن كما تقول وبدون مواربة‪ ،‬فأنت تقول‪ :‬بخلللق‬
‫صوت مسموع ل يصدر عن شيء ينبئ عن مراد ال ل ل ول أدري هللل‬
‫تسمي الهواء شيئًا أول‪...‬؟أما عبدالرحمن حبنكة فيقول‪ :‬يخلقه في جسم‬
‫أو حجر أو شجر ويمثل له بتكليلم الل لموسلى عليله السلللم‪ ،‬وصللريح‬
‫كلمه ل لزمه أن ذاك الجسم‪ :‬الحجر أو الشجر هو الذي قال لموسى‪:‬‬
‫}إنني أنا الله ل إله إل أنا فاعبدني{ لن موسى لم يسللمع ذاك‬
‫الصوت إل من هذا الجسم الذي خلق فيه الوحي‪.‬‬
‫ونقول‪ :‬تعالى ال عن قول هللؤلء المتبعيللن لقللوال الجهميللة والمعتزلللة‬
‫علوًا كبيرًا‪ ،‬وهذا يبين للقارئ أن المعاصرين ورثة أولئك السابقين‪ ،‬فهم‬
‫يمثلون بقولهم‪ ،‬وهللذا قللول مللن سللبقهم مللن المقلللدة لهللل الباطللل‪} :‬إنا‬
‫وجتتدنا آباءنتتا علتتى أمتتة وإنتتا علتتى آثتتارهم مقتتتدون{‬
‫]الزخرف‪ [23:‬وكان الواجب عليهم الرجوع إلي كلم ال الواضح الذي ل‬
‫يجوز تحريفه‪ ،‬فال عز وجل كّلم موسى‪ ،‬وسللمع موسللى كلملله بنللص‬
‫القرآن‪ ،‬وفسرت السنة ذلك‪ ،‬وإن من خصائص موسى تكليم ال له كمللا‬
‫ل ورسللوُله‬‫في محاجة آدم وموسى المروية في الصحيحين‪ ،‬وقد أكذب ا ُ‬
‫هؤلء المؤولَة لكلم ال عز وجل بدون برهان مللللن ال‪.‬‬
‫تصريح الخليلي بأنه على مذهب المعتزلة‬

‫يقول الخليلي في آخر )ص ‪ 113‬ل ‪(114‬‬


‫)إن المحقق الخليلي)‪ (167‬ل رحمة ال عليه ل قللال‪ :‬قللد اتفقنللا نحللن‬
‫))‬

‫والشعرية أنه مخلللوق‪ ،‬وصللرح بللذلك الشلليخ أبللو سللعيد‪ ،‬ومحمللد بللن‬
‫محبوب رحمهما ال‪ ،‬واتفق عليه أصللحابنا المغاربللة‪ ،‬وفاق لًا للمعتزلللة‪.‬‬
‫ول منكر ذلك فيما قيل إل بعض الحنابلة ( )‪.(168‬‬
‫((‬

‫وفي )ص ‪ (116 -114‬يؤكد ذلك بما ينقله عن الفخر الرازي من‬


‫)‪(169‬‬
‫الشعرية‪ ،‬وعن ابن عاشور الشعري من التصريح بخلق القللرآن‬
‫فيقول‪) :‬وهذا ما يؤكد قول الخليلللي مللن أن موقللف الشللعرية مللن هللذا‬
‫القللرآن المنللزل علللى الرسللول عليلله أفضللل الصلللة والسلللم‪ ،‬المتلللو‬
‫باللسن‪ ،‬المحفوظ في الصدور‪ ،‬المكتوب في المصحف‪ ،‬ل يختلف عن‬
‫موقفنا وموقف المعتزلة وغيرهم القائلين بخلقه‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهذا الللذي يعنيلله المللام السللالمي حيللث جعللل الخلف بيننللا‬
‫وبينهم لفظيًا فحسب()‪ (170‬اهل‪.‬‬
‫هذا ما يقرره هنللا ولكنلله ينقضلله فللي )ص ‪ ،(124 – 116‬فهللل‬
‫تثبت أقدام أهل الهواء على طريللق مسللتقيم‪ ،‬إن الثبللات ل يعللرف فللي‬
‫منهج من ترك صريح الكتاب والسنة ولهذا نجد الخليلي ينقللل عللن ابللن‬

‫‪ () 167‬هو غير المؤلف‪.‬‬


‫‪ () 168‬مراجللع المؤلللف‪ :‬تمهيللد قواعللد اليمللان )‪ (2/6‬وزارة الللتراث القللومي والثقافللة‬
‫بسلطنة عمان‪.‬‬
‫‪ () 169‬التفسير الكبير )‪ (1/30‬ط دار الكتب العلمية ‪.‬‬
‫‪ () 170‬مشارق النوار ص ‪.245‬‬
‫عاشور كلمًا يؤيد مذهبه‪ ،‬ثم ينقل عنه ما ينقض كلمه ويرد عليه كمللا‬
‫في )ص ‪.(124 -123‬‬
‫ومللن هنلا نجللد الخليلللي بعللد أن نقللل اتفللاق الباضللية والشللعرية‬
‫والمعتزلة على أن هذا القرآن المتلو المسموع المكتوب في المصللاحف‬
‫مخلوق‪ ،‬وأن الخلف لفظي كما نقله عن نور الدين السالمي‪.‬‬
‫يقول في )ص ‪) : (124 – 116‬وظهر لي أن هذا الموقف لم تتفق‬
‫عليه الشاعرة أو أنهم لم يستقروا عليه(‪.‬‬
‫وخلصللة مللا ذكللره فللي هللذه الصللفحات مللن اضللطراب هللو مللا‬
‫وضحه أشعري معاصر‪ ،‬في كتابه المسمى »كبرى اليقينيات الكونية«‬
‫وهو الدكتور محمد سعيد البوطي فقللد قللال فللي )ص ‪ (126‬فللي حللديثه‬
‫عن صفة الكلم‪:‬‬
‫)إذا تأملت فيما ذكرناه أدركت النقطة الخلفية بين المعتزلة وأهل‬
‫السنة والجماعة ل ويعني بهم الشاعرة لل وهللي أن هنلاك معنللى للفلاظ‬
‫القرآن يتكون فيه المللر والنهللي والخبللار المتجهللة إلللى النللاس‪ ،‬وهللو‬
‫قديم‪ .‬فما اسم هذا المعنى؟‬
‫المعتزلة‪ :‬اسمه الِعْلم إذا كان أخبارًا‪ ،‬والرادة إذا كان أمرًا ونهيًا‪.‬‬
‫الجمهور‪ :‬ل وهذا تعبيره ل اسمه الكلم النفسللي وهللو صللفة زائدة‬
‫على كل من العلم والرادة قائم بذات ال تعالى‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأما الكلم الذي هو اللفظ‪ ،‬فاتفقوا على أنلله مخلللوق‪ ،‬وعلللى‬
‫أنه غير قائم بذاته سبحانه‪ .‬باستثناء أحمد بن حنبل وبعض أتباعه‪.‬‬
‫ثم قللال‪- :‬ول تللدخل بعللد أن عرفللت نقطللة الوفللاق والخلف‪ -‬فللي‬
‫شيء من المناقشة والجدال اللذين قاما حول هذا البحث‪ (...‬إلخ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وبهلذا يتضلح أن الشلاعرة متفقلون ملع المعتزللة والباضلية‬
‫عَمان ‪-‬كما قرر الخليلي‪ -‬من أن هذا القللرآن الموجللود‬ ‫المتأخرين من أهل ُ‬
‫في المصحف المتلو باللسن مخلوق‪ ،‬وأن الخلف خلف لفظي كما نقللله‬
‫الخليلللي عللن نللور الللدين السللالمي‪ ،‬لن المعتزلللة ومثلهللم الباضللية‬
‫المتأخرون يقولون‪ :‬هذا القرآن المكتوب فللي المصللحف المتلللو باللسللن‪،‬‬
‫ل عنله‪ ،‬والشلاعرة يقولللون‪ :‬إن هنلاك صلفة كلم قائملة‬ ‫خلقه ال منفصل ً‬
‫بذات ال هي الكلم النفسي‪ ،‬أما الموجود فلي المصلاحف المتلللو باللسللن‬
‫فهو مخلوق‪ .‬إذًا ل خلف بينهما إل في اللفظ‪.‬‬
‫أما ما يسمونه الكلم النفسي‪ ،‬فقد سبق أن الخليلي رده عليهم وقللال‪:‬‬
‫إنه ل يوجد دليل عليه ل من كتاب ول سنة كما في )ص ‪ (100‬من كتلابه‬
‫هذا‪ ،‬ثم عاد فناقض نفسه وأثبته كما في )ص ‪ (103‬وقللد سللبقت مناقشللته‬
‫والرد عليه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وأما أهل السنة والجماعة‪ ،‬سلف هذه المة وأتباعهم في كل‬
‫زمان ومكان‪ ،‬فإنهم يردون عللى أهللل الباطلل بلاطلهم‪ ،‬ويثبتللون الحلق‬
‫ل عليلله الللدليل مللن الكتللاب والسللنة‪ ،‬فيقولللون‪ :‬إن هللذا القللرآن‬
‫الللذي د ّ‬
‫المكتوب في المصاحف المتلو باللسن هو كلم الباري‪ ،‬الذي قال عنلله‬
‫سلللبحانه وتعلللالى‪} :‬وإن أحتتد متتن المشتتركين استتتجارك‬
‫فأجره حتى يستتمع كلم اللتته{ ] التوبللة ‪ [ 6‬وكلم اللل الللذي‬
‫يسمعه المشرك هو هذا الموجود في المصحف‪ ،‬الللذي أنزللله ال ل علللى‬
‫رسللوله‪ ،‬ول يصللح أن يقللال هللو الكلم النفسللي القللائم بللذات اللل‪ ،‬فللإن‬
‫المشرك ل يمكن أن يسمعه‪ ،‬فالمسموع كلم الباري‪ ،‬والصوت صللوت‬
‫القارئ‪ ،‬ولهذا قال ‪» :r‬زينوا القرآن بأصواتكم«‪.‬‬

‫***‬
‫دعوى الخليلي اتفاق الباضية والحنابلة‬

‫وأمللا دعللوى الخليلللي فللي )ص ‪ (125‬التفللاق بيللن الباضللية‬


‫ل‪ ،‬ثم نتبعه بالمناقشة يقول الخليلي‪) :‬أمللا‬ ‫والحنابلة فإليك نص كلمه أو ً‬
‫نحلن لل معشلر الباضلية القلائلين بخللق القللرآن‪ ،‬وملن قلال بقولنلا ملن‬
‫المعتزلللة وغيرهللم ل ل فقللد اتفقنللا مللع الحنابلللة القللائلين بقللدم النصللوص‬
‫القرآنية‪ ،‬على أن موسى عليه السلم سمع مللن تكليللم الل كلملًا مركبلًا‬
‫من الحروف وأنه كان صوتًا‪ ،‬إل أّنا اختلفنا فللي قللدمه وحللدوثه‪ ،‬فقللالوا‬
‫بقدمه وقلنا بحدوثه‪ ،‬وإنما قلنا‪ :‬إن هذا تكليم حقيقي من ال للله‪ ،‬لنلله لللم‬
‫يكن بواسطة بل خلقه ال له حيث شاء فأسمعه إياه من غير أن ينطق به‬
‫ملك أو مخلوق آخر(‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬إن هذا افتراء‪ ،‬فالحنابلة لم يقولللوا‪ :‬إن تكليللم ال ل لموسللى‬
‫قديم بل هو حادث في وقته‪ ،‬وسيأتي توضيح ذلك في الجواب على هذه‬
‫الدعوى‪.‬‬
‫قال الخليلي‪) :‬وقد قال كثير بأنه تعللالى خلقلله فللي الشللجرة وأسللمعه‬
‫منها‪ ،‬وهذا الذي نسبه الفخر الرازي إلى المام أبلي منصلور الماتريلدي‪.‬‬
‫ثللم رد عليلله فقللال‪ :‬ول يتعيللن ذلللك لعللدم مللا يللدل عليلله‪ ،‬وإنمللا هللو أحللد‬
‫الحتمالت الواردة(أهل‪.‬‬
‫والجواب على هذه الدعوى من وجوه‪:‬‬
‫الببوجه الول‪ :‬أن سلللف هللذه المللة أهللل السللنة والجماعللة‪ ،‬ومللن‬
‫تبعهم وسلك مسلكهم من الحنابلة وغيرهللم مللن أهللل المللذاهب الربعللة‬
‫يثبتون ل عز وجل صفة الكلم‪ ،‬وأنه عز وجل يتكلم متى شللاء وكيللف‬
‫شاء‪ ،‬وأن كلمه تعالى قديم النوع حادث الحاد غير مخلوق)‪.(171‬‬
‫‪ () 171‬انظر‪ :‬شرح الطحاوية )‪.(1/174‬‬
‫وأنه تعالى كّلم موسى عليه السلم بكلم سمعه منه مباشلللرة دون‬
‫واسلطة كما قرر الخليلي وذلك لقللوله تعللالى‪} :‬ولما جاء موستتى‬
‫لميقاتنا وكلمه ربتته قتتال رب أرنتتي انظتتر إليتتك{ اليللة‪.‬‬
‫وقوله تعالى في سورة طه‪} :‬وهل أتاك حديث موسى{‪ ...‬إللللى‬
‫قوله‪} :‬فلما أتاها نودي يا موستتى‪ .‬إنتي أنتتا ربتتك فتتاخلع‬
‫نعليتتك إنتتك بتتالوادي المقتتدس طتتوى‪ .‬وأنتتا اخترتتتك‬
‫فاستمع لما يوحى‪ .‬إنني أنا الله ل إله إل أنتتا فاعبتتدني‬
‫وأقم الصلة لذكري{ ]اليات من ‪ -9‬إلى آخر القصة [‪.‬‬
‫ومثل ذلك اليات من سورة القصص ] من الية ‪ 29‬إلللى اليللة ‪،[ 35‬‬
‫وقد سبق مناقشة ذلك وبيان فساد استدللهم بهذه اليات‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن السلف ومن يقول بقولهم من الحنابللة وغيرهلم‪،‬‬
‫يقولون‪ :‬إن صفة الكلم قائمة بذات ال تعالى‪ ،‬وهذا معنللى قللولهم قللديم‬
‫النوع حادث الحاد‪ ،‬معناه أن ال عز وجل يتكّلم متى شاء‪ ،‬ومللن آحللاد‬
‫ل الكتللب‬ ‫كلملله‪ :‬كلملله بللالتوراة والنجيللل والصللحف والقللرآن‪ ،‬وك ل ّ‬
‫المنزلة التي أنزلها على أنبيائه ورسللله فهللي مللن كلملله ل ل لل لل‬
‫وكلمات ربي ل يحيط بهللا أحللد كمللا قللال تعللالى‪} :‬ولو أن ما في‬
‫الرض من شجرة أقلم والبحر يمده متتن بعتتده ستتبعة‬
‫أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيتتز حكيتتم{ ] لقمللان‬
‫‪.[ 27‬‬
‫ولم يرد عن السلف ومن قللال بقللولهم واتبللع سللبيلهم مللن الحنابلللة‬
‫وغيرهم ما عّبر به الخليلي‪ ،‬ولهذا لم يذكر المرجع الذي أخذ منلله ذلللك‬
‫النص الذي نسبه للحنابلة المتبعين لمنهج السلف في إثبات صللفة الكلم‬
‫ل عز وجل‪ ،‬وأن القرآن كلمه غير مخلوق‪.‬‬
‫أما معنى القدم والحدوث‪ ،‬فمعناه عند أهل السللنة‪ :‬مللا ذكللر‪ ،‬وهللو‬
‫أن الكلم قديم النوع أي صفة الكلم قائمة بلذاته تعلالى‪ ،‬حللادث الحللاد‬
‫أنلله يتكلللم بمشلليئته واختيللاره مللتى شللاء وكيللف شللاء }ليس كمثله‬
‫شيء وهتتو الستتميع البصتتير{ وأمللا عنللد الخليلللي وسلللفه مللن‬
‫المعتزلة‪ ،‬فإنهم ينفون صفة الكلم القائمة بال تعالى ويعّبرون عن خلق‬
‫القرآن بالحوادث‪ ،‬فأحدثه معناه خلقه‪ ،‬كما صرحوا بذلك‪.‬‬
‫الوجه الثبالث‪ :‬أن الخليللي ينقلض كلمله بنفسله‪ ،‬فقلد قلّرر فلي هلذا‬
‫النص أن موسى عليه السلم سمع من تكليم ال كلمًا مركبًا من الحلروف‪،‬‬
‫وأنه كان صوتًا ثم يؤكد فيقول‪) :‬إن هذا تكليم حقيقي من ال له لنه لم يكللن‬
‫بواسطة‪ ...‬ولم ينطق به ملك أو مخلوق آخر( ثم يعكس فيقللول‪) :‬بللل خلقلله‬
‫ال له حيث شاء(‪.‬‬
‫فكيف يكون كلمًا حقيقيًا من ال بل واسطة؛ ثم يقللول‪) :‬بللل خلقلله‬
‫ال حيث شاء(‪ ،‬إن هذا الشيء الللذي خلقلله الل فيلله هللو الواسللطة الللتي‬
‫ينفيها ثم يثبتها‪ ،‬فهل الذي قال لموسى عليلله السلللم‪} :‬فاستمع لمتتا‬
‫يوحى إنني أنا الله ل إله إل أنا فاعبدني{ فهل هنللاك شلليء‬
‫غير ال يجرؤ أن يقول لنللبي اللل‪} :‬إنني أنا اللتته ل إلتته إل أنتتا‬
‫فاعبدني{؟ إن هذا هو الضلل المللبين وال ل شللهيد بللذلك‪}.‬قل أي‬
‫شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم{ ] النعام ‪19‬‬
‫[‪.‬‬
‫فال عز وجل يصرح بكلمه أنه هو الذي كلللم موسللى وقلال لله‪:‬‬
‫}إني أنا ربك فاخلع نعليك{ وقال له‪} :‬فاستمع لما يتتوحى‬
‫‪.‬إنني أنا الله ل إله إل أنا فاعبدني{ وقال‪} :‬ولمتتا جتتاء‬
‫موسى لميقاتنا وكلمه ربه{‪.‬‬
‫وتقول مع هذه اليات كلها ‪ :‬إنه خلقه له حيث شاء‪ ،‬وقد قلللت فللي )ص‬
‫‪ (113‬من أولها‪) :‬إن التكليللم مللن وراء حجللاب إذا أسللند إلللى اللل‪ ،‬أنلله‬
‫ع ل يصدر عن شيء(‪.‬‬ ‫ت مسمو ٍ‬‫ق صو ٍ‬ ‫خْل ِ‬
‫بمعنى َ‬
‫فهل يصدر هذا الصوت المسموع عن عدم؟‬
‫لن الهوى ل تثبت لهللم‬ ‫أل يكفي هذا التناقض بأن أهل الباطل وخ ّ‬
‫قدم‪ ،‬ول يستقيم لهم بنيان‪ ،‬لنه أسس على جرف هار‪.‬‬
‫وأمللا غيللرك فكللانوا أصللرح منللك فللي بللاطلهم‪ ،‬كمللا نقلللت عنهللم‬
‫ت‪) :‬وقد قال كثير‬ ‫وأنطقك ال برد باطلهم‪ ،‬ولكن لم ترده بالحق حيث ُقل َ‬
‫بأنه تعالى خلقلله فللي الشللجرة وأسللمعه منهللا‪ ،‬وهللذا الللذي نسللبه الفخللر‬
‫ت‪) :‬ول يتعيللن ذلللك‬ ‫الرازي إلى المام أبي منصور الماتريللدي( ثللم ُقلل َ‬
‫لعدم ما يدل عليه(‪.‬‬
‫ت‪ :‬ولكن قد صرح الشعري المعاصر عبللدالرحمن حبنكللة فللي‬ ‫ُقل ُ‬
‫كتابه »أسس العقيدة السلللمية« )‪ (2/249‬أن هللذا الللوحي مللن وراء‬
‫حجاب هو أن يخلق ال الكلم فللي جسللم حجللر أو شللجر‪ ،‬قللال‪ :‬ويمثللل‬
‫لهذا بتكليم ال لموسى؛ كما سبق ذكر ذلك‪.‬‬
‫ومعناه عند )حبنكة(‪ -‬وهو صريح قللوله ل لزملله كمللا تقللدم‪ :-‬أن‬
‫ذلك الجسم من الحجر أو الشجر هللو الللذي قللال لموسللى عليلله السلللم‪:‬‬
‫}إنني أنتتا اللتته ل إلتته إل أنتتا فاعبتتدني{؛ لن موسللى عليلله‬
‫السلم‪ -‬حسب قول حبنكة هذا‪-‬لم يسمع ذلك الكلم من وراء حجاب إل‬
‫من ذلك الجسم ولهذا أخذ موسى ذلك الوحي‪.‬‬
‫ولم يبين لنا حبنكة هل موسللى عليلله السلللم عبلد ذلللك الجسللم‪ ،‬أو‬
‫عَبدال الذي كلمه وأمره بعبادته؟ إن هذا من أفسد الستدلل والتلعللب‬ ‫َ‬
‫بكلم ال وتحريفه عن مواضعه‪.‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬إن قول الخليلي‪) :‬إن هذا تكليم حقيقي مللن الل للله‪،‬‬
‫وأنه سمع من تكليم ال كلمًا مركبًا من الحروف وأنه كان صوتًا(‪.‬‬
‫أقللول‪ :‬إن هللذه التأكيللدات كلهللا تمنللع أن يكللون الكلم قللام بغيللره‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬لن المتكلم هو من قام بله الكلم حقيقللة‪ ،‬وقللد قللال‪ :‬إن‬
‫هذا تكليم حقيقي من ال له‪ .‬يقول شارح الطحاوية‪:‬‬
‫)وكيف يصح أن يكون متكلمًا بكلم يقوم بغيره؟ ولو صح ذلك للزم‬
‫أن يكون ما أحدثه من الكلم في الجمادات كلمه‪ ،‬وكذلك أيضلًا مللا خلقلله‬
‫في الحيوانات‪ ،‬ول يفللرق حينئذ بيللن نطللق وأنطللق‪ .‬وإنمللا قللالت الجلللود‪:‬‬
‫}أنطقنا الله{ ]فصلللت ‪ [ 21‬ولم تقل‪ :‬نطللق اللل‪ ،‬بللل يلللزم أن يكللون‬
‫متكلم لًا بكللل كلم خلقلله فللي غيللره‪ ،‬زورًا كللان أو كللذبًا‪ ،‬أو كفللرًا‪ ،‬أو‬
‫هذيانًا‪ ،‬تعالى ال عن ذلك‪ ،‬وقد طرد ذلك التحادية فقال ابن عربي‪:‬‬

‫سواء علينا نثره ونظامه‬ ‫وكبببل كلم فبببي الوجبببود‬


‫كلمه‬
‫ولللو صللح أن يوصللف أحللد بصللفة قللامت بغيللره‪ ،‬لصللح أن يقللال‬
‫للبصير‪ :‬أعمى‪ ،‬وللعمى‪ :‬بصير‪ ،‬لن البصير قللد قللام وصللف العمللى‬
‫بغيره‪ (172)(...‬الخ‪.‬‬
‫هذا وسنواصللل الحللديث مللع الخليلللي علن الفصللل الثلاني‪ :‬الللذي‬
‫أسماه تضارب القائلين بقدم القرآن‪.‬‬
‫فهذا كلم أهل السنة‪ ،‬واقرأ فيملا يللي كلم علملاء الباضلية‪ ،‬فلي‬
‫بيللان أن الل يتكلللم مللتى شللاء‪ ،‬وأن الكلم صللفته‪ ،‬وأن الصللفة ل تقللوم‬
‫بنفسها‪.‬‬

‫‪ () 172‬انظر‪ :‬شرح الطحاوية )ص ‪.(172‬‬


‫يقول أبو الحسن البسيوي ل الباضي ل في كتللابه »الجللامع« الللذي‬
‫أثنى عليه الخليلي الجزء الول )ص ‪ ،(76‬وهو يتحدث عللن كلم الل‬
‫قال‪) :‬ويسللتحيل أن يحللدثه قائملًا بنفسلله؛ لنلله صللفة والصللفة ل تقللوم‬
‫بنفسها‪ .‬فلما استحال أن يكللون متكلملًا بكلم غيللره‪ ،‬اسللتحال أن يحللدث‬
‫كلم ال في غيره‪ ،‬وأن يكون به متكلمًا فلما فسدت هذه الوجوه الللتي ل‬
‫يخلو الكلم منها‪ ،‬صح أنه لم يزل متكلمًا؛ لن من صفته الكلم(‪.‬‬
‫وسبق في )ص ‪ (74-73‬تصريحه بللأن ال ل كلللم موسللى بللالوحي‬
‫منه‪ -‬ل أنه خللق الكلم فلي ل شلليء كملا يقللول الخليلللي‪ ،‬أو خلقلله فللي‬
‫شللجر أو حجللر‪ ،‬كمللا يقللوله حبنكلله‪ -‬حيللث قللال البسلليوي‪ ) :‬مسببألة ‪-‬‬
‫اختلف الناس في كلم ال لموسى عليه السلم‪.‬‬
‫قال‪ :‬وسأل عن‪ :‬اختلف الناس في كلم ال لموسى عليه السلللم‪،‬‬
‫قيل له‪ :‬إن الناس قد اختلفوا في ذلك‪.‬‬
‫فقللال قللوم‪ :‬إنلله كلملله بللالوحي‪ ،‬وقللد قللال تعللالى‪} :‬وكلم الله‬
‫موسى تكليما ً{‪ ،‬وذلك حق من ال‪ ،‬وقد كّلملله كمللا قللال‪ ،‬كمللا شللاء‬
‫على ما شاء من ذلك‪ ،‬ومن حجة من قللال‪ :‬إن كلملله للله بللالوحي منلله‪،‬‬
‫قول ال تعالى‪} :‬وما كان لبشر أن يكلمه اللتته إل وحيتتا ً أو‬
‫من وراء حجاب{ ] الشللورى ‪ ،[ 51‬وهللذا خللبر غيللر منسللوخ؛ لن‬
‫الخبار ل تنسخ‪ ،‬فيجوز أن يكون كّلمه بالوحي منه إليه‪ ،‬وقد سمى ال ل‬
‫التوراة نللورًا‪ ،‬وسللماها كلملله‪ ،‬وذلللك قللوله لنللبيه محمللد ‪ ‬فللي أهللل‬
‫الكتاب فقال‪} :‬وقد كان فريق منهم يسمعون كلم الله ثم‬
‫يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون{]البقللرة ‪ ،[ 75‬وقللد‬
‫سمى التوراة كلمه‪ ،‬كما ذكر أنه كّلم موسى‪ ،‬وذكر أنلله أنللزل التللوراة‬
‫والنجيللل وأنللزل الفرقللان‪ ،‬وقللد س لّمى القللرآن كلملله‪ ،‬لقللوله تعللالى‪:‬‬
‫}حتى يسمع كلم الله ثم أبلغه مأمنه{ ]التوبللة‪ ،[ 6:‬وسللماه‬
‫نورًا‪ ،‬وذكر أنه أنزله على رسوله‪ ،‬وهللو كلملله‪ ،‬وقللال تعللالى‪} :‬وما‬
‫كان لبشر أن يكلمه الله إل وحيا ً أو من وراء حجتتاب{‪،‬‬
‫فذلك أن الكلم ل يكون إل بالوحي‪ ،‬كما قال‪ :‬أل تللرى أن الللوحي كللان‬
‫ينزل إلى النبي‪ ‬به‪ ،‬بالتفاق أن القرآن وحي‪ ،‬وقللد سللماه الل كلملله‪،‬‬
‫وقال ال تعالى لنبيه‪} :‬إنا أوحينا إليك كمتتا أوحينتتا إلتتى نتتوح‬
‫والنبيين من بعده{ ] النساء ‪ ،[ 163‬إلى تمام القصة‪ ،‬فذلك بللالوحي‬
‫كما قال ال تعالى()‪.(173‬‬

‫‪ () 173‬جامع أبي الحسللن البسلليوي لل الباضللي لل )‪ (1/74‬طبللع وزارة الللتراث القللومي‬


‫والثقافة‪ ،‬سلطنة عمان سنة ‪ 1404‬هل‪.‬‬
‫وفيما يلي الحديث عن الفصل الثاني‪:‬‬
‫الفصل الثاني )ص ‪ :(153 – 126‬أسماه المؤلف )الخليلي(‪:‬‬
‫تضارب القائلين بقدم القرآن‬

‫ثللم بللدأه بقللوله‪) :‬إن القللول بقللدم القللرآن ل ل وإن تبللاينت مفللاهيمه‬
‫وتشعبت مسالكه باختلف أصحابه فيما بينهم ل ينبجس مللن نبللع واحللد‪،‬‬
‫وهو عدم التفرقة بين صفة الكلم الذاتية ل تعالى وبين أثرها‪ ،‬وهو مللا‬
‫أنزل من كتبه على رسله‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأصحاب هذا القول كلهم ملزمون بأن يقولوا بقدم الحوادث‬
‫كلها‪ ،‬فإنها آثار لصفات ال تعالى‪ ،‬إذ المخلوقات على اختلفها ما هي‬
‫إل آثار لقبدرته تعبالى‪ ،‬ولرادتبه ولعلمبه‪ ،‬وكبل مبن هبذه صبفة ذاتيبة‬
‫قديمة لستحالة اتصبباف الب بأضببدادها(‪ .‬هببذا هببو المقطببع الول مببن‬
‫الدعوى‪.‬‬
‫المقطع الثاني في الصفحة نفسها قللال‪) :‬ومللع اتحللاد مصللدر هللذا‬
‫القول نجد بين أصحابه من التنازع والتدافع ما يقضي العجب العجاب‪،‬‬
‫بحيث ل يمكن أن تجتمع أقوالهم في طريق واحد‪ ،‬ول تنتهي إلللى غايللة‬
‫واحدة‪ ،‬ولم يقف الحللد عنللد هللذا بللل تجللاوزه إلللى التراشللق فيمللا بينهللم‬
‫بالتجهيل والتبديع‪ ،‬والتقاذف بالتضليل والتكفير(‪.‬‬
‫المقطع الثالث في الصفحة نفسها والتي تليها وهللو المقصللود مللن‬
‫تأليف الكتاب وهو قوله‪) :‬وإذا سكتنا عن طللوائفهم المتعللددة‪ ،‬وأصللغينا‬
‫إلى ما تقوله طائفة واحدة فحسب لل وهللي الحنابللة لل وجللدنا ذلللك أمللرًا‬
‫عجبًا؛ فقد سلللكوا فللي إثبللات وتفسللير معتقللدهم هللذا طللرائق قللددًا‪ ،‬كللل‬
‫أصحاب طريقة منها يدعون أنهم أسعد بالحق‪ ،‬وأتبع لقول إمامهم أحمد‬
‫بن حنبل‪ ،‬ومن أمثلة ما اختلفوا فيه‪:‬‬
‫أ ل صوت قارئ القرآن وتلوته‪.‬‬
‫ب ل الحروف الهجائية التي تتركب منها كلمات القرآن وغيره‪.‬‬
‫ج ل تكلم ال هل هو بمشيئته أو بدونها(‪.‬‬
‫ثم قال في بداية )ص ‪ (127‬من كتابه هذا‪:‬‬
‫)وبمللا أن خلفهللم فللي الحللروف والصللوات والتلوة متللداخل‪،‬‬
‫نجمع بينها في عرض أقوالهم فيها ونقدها(‪.‬‬
‫ثم بدأ بالتمثيل والنقاش‪.‬‬
‫وقبل الدخول فيما مثل به والللرد عليلله نجيللب علللى الخليلللي فيمللا‬
‫جعله عنوانًا وادعى به على الحنابلة‪ ،‬وسوف ترى أن نقاشه ومغالطاته‬
‫كلها موجهة إلللى شلليخ السلللم ابللن تيميللة ولتلميللذه ابللن القيللم؛ لنهمللا‬
‫شوكة وشجى في حلوق المبتدعة‪ .‬فهما بيت القصلليد مللن هللذا الكتللاب‪،‬‬
‫ول مانع من الرد العلمي على الخطاء وبيان وجلله الحللق فيهللا بللدليله‪،‬‬
‫ولكن الخليلي يدعي على ابن تيمية ما لم يقل‪ ،‬ويحمله أخطاء الخريللن‬
‫ل له ويرد عليه فيها‪ ،‬وهذا من أعجب المور‪،‬‬ ‫التي يردها‪ ،‬ويجعلها قو ً‬
‫وسترى أمثلة ذلك‪.‬‬
‫ل عللى المقطلع الول فببأقول‪ :‬إن السلللف وأتبلاعهم‬ ‫ونبدأ بالرد أو ً‬
‫من العلماء قبل المام أحمد بلن حنبلل ومعاصللريه ملن علملاء السلللف‪،‬‬
‫ومن جاء بعده من الئمة وأتباعهم القائلين‪ :‬إن القرآن كلم ال منلله بللدأ‬
‫وإليه يعود لم يرد في كلمهم )التعبير بقدم القرآن( مطلقًا وإنما أول من‬
‫قال هذا )ابن كلب( وابن تيمية يرد على ابن كلب كما فللي الفتللاوى )‬
‫‪ ،(12/301‬ونقله الخليلي نفسه ثم نسبه إلى ابن تيمية وَرّد عليلله‪ ،‬فهللذا‬
‫من أعجب عمل الخليلي!‪.‬‬
‫وإنما يقولون‪ :‬القرآن كلم ال منه بدأ وإليه يعللود‪ ،‬سللمعه جبريللل‬
‫من ال عز وجل‪ ،‬ونزل به على محمللد‪ ‬فسللمعه مللن جبريللل وسللمعه‬
‫المسلمون من نبيهم‪ ،‬ثم بّلغه محمد‪ ‬أمته‪ ،‬ثم بّلغه بعضهم إلى بعللض‪،‬‬
‫وليللس لحللد مللن الوسللائط فيلله إل التبليللغ‪ ،‬وقللد تكفللل الل بحفظلله مللن‬
‫التحريف والتبديل‪.‬‬
‫وإليك أيها القارئ الكريم تعريف السلللف ‪-‬أهللل السللنة والجماعللة‪-‬‬
‫المثبتين لصفة الكلم ل عللز وجللل القللائلين بللأن القللرآن كلم الل غيللر‬
‫مخلوق‪ ،‬إذ لم يصدر عنهم هذا التعبير الذي ادعاه الخليلللي وهللو قللوله‪:‬‬
‫)قدم القرآن( كما سيأتي تصريحه بذلك في كتلابه هللذا )ص ‪ (149‬ومللا‬
‫بعدها من هذا الفصل‪.‬‬
‫تعريف القرآن عند أهل السنة‬
‫يقول الطحاوي رحملله الل فللي تعريللف القللرآن‪ ...) :‬وإن القللرآن‬
‫ل‪ ،‬وأنزللله علللى رسللوله وحيلًا‪ ،‬وصلّدقه‬ ‫كلم ال منه بدأ بل كيفيللة قللو ً‬
‫المؤمنلون عللى ذلللك حقلًا‪ ،‬وأيقنلوا أنله كلم الل تعلالى بالحقيقلة ليلس‬
‫بمخلوق ككلم البرية‪ ،‬فمن سمعه فزعم أنه كلم البشللر فقللد كفللر‪ ،‬وقللد‬
‫ذمه ال وعابه وأوعده بسقر‪ ،‬حيث قللال تعللالى‪} :‬إن هذا إل قتتول‬
‫البشر{] المدثر ‪ [25‬علمنا وأيقنا أنه قول خلالق البشللر‪ ،‬ول يشلبه قللول‬
‫البشر()‪.(174‬‬
‫فهذا قول أهل السنة في وصللف القللرآن الكريللم فلللم يصللدر منهللم‬
‫ل‪ ...‬إلخ‪.‬‬‫القول‪ :‬بأنه قديم‪ ،‬وإنما قالوا‪ :‬القرآن كلم ال منه بدأ قو ً‬
‫قال شارح الطحاوية ابن أبي العللز‪) :‬وبالجملللة فأهللل السللنة كلهللم‬
‫من أهل المذاهب الربعة وغيرهم من السلف والخلف متفقون علللى أن‬
‫كلم ال غير مخلوق()‪.(175‬‬
‫المقطع الثاني في )ص ‪:(126‬‬
‫‪ () 174‬شرح الطحاوية )‪.(1/172‬‬
‫‪ () 175‬شرح الطحاوية )‪.(185 / 1‬‬
‫وقال الشيخ حافظ الحكمي في منظللومته الجللوهرة الفريللدة فللي تحقيللق العقيللدة فللي‬
‫تعريف القرآن‪:‬‬
‫تكلم ال رب البعالمين به قول‬

‫وأنببزله وحيببببًا به الرشد‬

‫نتلوه نسمببعه نببببببراه نببببكتبه‬

‫خطًا ونحفظبببببببه بالقلب نعتقد‬


‫يقول الخليلي‪) :‬ومع اتحاد مصدر هذا القول نجد بيللن أصللحابه مللن‬
‫التنازع والتدافع مللا يقضللي العجللب العجللاب‪ ،‬بحيللث ل يمكلن أن تجتملع‬
‫أقوالهم في طريق واحد ول تنتهي إلى غاية واحللدة‪ ،‬ولللم يقللف الحللد عنلد‬
‫هذا‪ ،‬بل تجاوزوه إلى التراشللق فيملا بينهلم بالتجهيلل والتبلديع‪ ،‬والتقلاذف‬
‫بالتضليل والتكفير‪.(...‬‬
‫والجواب‪:‬‬
‫أوًل‪ :‬إن عنوان الفصل عام‪ ،‬ويظهر أنه أراد بلله الخصللوص فقللد‬
‫جه نقده إلى الحنابلة‪ ،‬بل إنه خص بدعوى التضللارب شلليخ السلللم‬ ‫وّ‬
‫ابن تيمية وتلميذه ابن القيم‪ ،‬وليته أنصف فيما ينسبه إلى شلليخ السلللم‪،‬‬
‫ولكللن سللتجد فلي النللص التلالي ملا يقضللي العجللب العجللاب ملن عملل‬
‫الخليلي فيما يسميه تضاربًا‪ ،‬حين ينقللل الكلم عللن شلليخ السلللم وهللو‬
‫كلم يرد به شيخ السلم على المخالف والذي يقول فيه شيخ السلللم‪:‬‬

‫وكل أفبببعالنا مخلوقببببببة وكذا‬

‫آلتنا الرق والقبببببلم والمدد‬

‫وليس مخبلوقا القرآن حيث تلي‬


‫ط فهو كلم ال مسترد‬
‫خّ‬
‫أو ُ‬

‫والواقفون فشببببر نحلة وكببذا‬


‫لفظية ساء ما راحوا وما قصدوا‬
‫)إنه ل يقول هذا الكلم إل جاهل( ثللم يللترك الخليلللي رد شلليخ السلللم‬
‫على ذلك القول الخطأ‪ ،‬ثم ينسبه لشيخ السلم والحنابلة‪ ،‬ثللم يبللدأ الللرد‬
‫عليه ويناقشه كأنه قول شيخ السلم‪.‬‬
‫إن هذا السلوب ل أي أسلوب المغالطة ونسللبة القللوال إلللى غيللر‬
‫قائلها‪ -‬منهج متبع عند أهل الهواء‪.‬‬
‫وقد سبق في القسم الول في إنكار الخليلي )رؤية المؤمنين ربهللم‬
‫ل مثل هذا التلبيس‪ ،‬وقد كشفت تلك المغالطة للقللارئ‪،‬‬ ‫عِم َ‬
‫ن َ‬
‫في الجنة( َأ ْ‬
‫ومنها نقللله عللن شلليخ السلللم مللن الفتللاوى المجلللد السللادس )جزئيللة(‬
‫وتركلله مللا قبلهللا ومللا بعللدها كمللا فللي )ص ‪ (53‬مللن الجللزء الول‬
‫المخصص للرد عليه في إنكار رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة‪ .‬ثم هو‬
‫هنا يتبع ذلك السلوب؛ فقد نقل مقطعلًا مللن الفتللاوى ) ‪ (85-12/83‬فللي‬
‫كتلابه هلذا مللن )ص ‪ (128-127‬حيلث قلال‪) :‬وقلال ابلن تيميلة‪ » :‬لملا‬
‫تكلموا‪ ،‬أي‪ :‬الحنابلللة فللي حللروف المعجللم صللاروا بيللن قللولين‪ :‬طائفللة‬
‫فرقت بين المتماثلين فقالت‪ :‬الحروف حرفان هللذا قللديم وهللذا مخلللوق‪،‬‬
‫كما قال ابن حامد والقاضي أبو يعلى وابن عقيل وغيرهللم‪ ،‬فللأنكر ذلللك‬
‫عليهم الكللثرون وقلالوا‪ :‬هلذا مخالفللة للحلس والعقللل؛ فللإن حقيقللة هلذا‬
‫الحرف هي حقيقة هذا الحرف‪ («...‬ثم استمر شيخ السلم في نقل هذه‬
‫القوال وفي آخر )صفحة ‪ (84‬قال‪ :‬وهؤلء تعلقوا بقول أحمد لما قيل‬
‫))‬

‫له أن سرّيا السقطي قال‪ :‬لما خلللق الل الحللرف سللجدت للله إل اللللف‬
‫فقالت ل أسجد حتى ُأومر‪.‬‬
‫فقال أحمد‪ :‬هذا كفر‪ .‬وهؤلء تعلقوا مللن قللول أحمللد بقللوله‪ :‬كللل‬
‫شيء من المخلوقين على لسان المخلوقين فهو مخلوق‪ ،‬وبقوله‪ :‬لو كان‬
‫كذلك لما تمت صلته بالقرآن كما ل تتم بغيره من كلم الناس‪.‬‬
‫وبقول أحمد لحمللد بللن الحسللن الترمللذي‪ :‬ألسللت مخلوقلًا؟ قللال‪:‬‬
‫بلى‪.‬‬
‫قال‪ :‬أليس كل شيء منللك مخلوقلًا؟ قللال بلللى قللال‪ :‬فكلمللك منللك‬
‫وهللو مخلللوق( إلللى نهايللة السللطر الثللاني مللن أول )صللفحة ‪ (85‬مللن‬
‫الفتاوى المجلد )‪.(12‬‬
‫هذا الذي نقله الخليلي في كتابه من )ص ‪ (128 -127‬نهاية سللطر‬
‫) ‪.(15‬‬
‫ثم قال بعده مباشرة‪) :‬وفي هللذه الروايللات مللن التنللاقض مللا ليللس‬
‫بعده ل وإن ادعى ابن تيميللة عللدم تناقضللها ‪-‬فللانظر إليهللا أخللي القللارئ‬
‫الكريم بعين الستقلل الفكري‪ (...‬إلخ‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬إن الخليلي لم يكمل النص عن شيخ السلم ابللن تيميللة‬
‫كعادته في التدليس وكان الواجب عليه أن ينقل رد شلليخ السلللم علللى‬
‫هذه القوال؛ لن عبارة شيخ السلم فللي عللدم التنللاقض منصلّبة علللى‬
‫جواب المام أحمد‪ ،‬ل على القوال التي نقلهللا شلليخ السلللم عللن ابللن‬
‫حامد‪ ،‬والقاضي‪ ،‬ونص أنهما من أتباع ابن كلب‪ ،‬فإنه نقدها ورد على‬
‫أصللحابها‪ .‬وذلللك بعللد المقطللع الللذي اقتصللر عليلله الخليلللي لغللرض‬
‫المغالطة والتلبيس‪ ،‬فقد بدأ شليخ السللم ملن السللطر الثلالث ملن )ص‬
‫‪ (85‬فقال‪) :‬قلت‪ :‬الذي قاله أحمد في هذا البللاب صللواب يصللدق بعضلله‬
‫بعضًا وليس في كلمه تناقض‪ ،‬وهو أنكره علللى مللن قللال‪ :‬إن الل خلللق‬
‫الحروف فإن من قال إن الحروف مخلوقة كان مضمون قوله‪ :‬إن ال لللم‬
‫يتكلم بقرآن عربي‪ ،‬وإن القرآن العربي مخلوق‪ ،‬ونص أحمد أيضًا علللى‬
‫أن كلم الدميين مخلوق ولللم يجعللل شلليئًا منلله غيللر مخلللوق وكللل هللذا‬
‫سري رحمه ال إنما ذكر ذلللك عللن بكللر بللن خنيللس العابللد‪،‬‬ ‫صحيح‪ ،‬وال ّ‬
‫فكان مقصودهما بذلك أن الذي ل يعبد ال إل بأمره هو أكمل ممن يعبللده‬
‫برأيه من غير أمر من ال‪ ،‬واستشهد على ذلك بما بلغهما )أنه لمللا خلللق‬
‫ال الحروف سجدت له إل اللف‪ ،‬فقالت‪ :‬ل أسجد حتى أومر(‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهذا الثر ل يقوم بمثله حجة فببي شببيء ولكن مقصببودهما‬
‫ضرب المثل أن اللف منتصبة في الخط ليسللت هللي مضللطجعة كالبللاء‬
‫والتاء فمن لم يفعل حتى يؤمر أكمل ممن فعل بغير أمر‪.‬‬
‫وأحمد أنكر قول القائل‪ :‬إن ال ل خلللق الحللروف‪ ،‬وروي عنلله أنلله‬
‫قال‪ :‬من قال إن حرفًا مللن حللروف المعجللم مخلللوق فهللو جهمللي؛ لنله‬
‫سلك طريقًا إلى البدعة‪ ،‬ومن قللال إن ذلللك مخلللوق فقللد قللال إن القللرآن‬
‫مخلوق‪.‬‬
‫وأحمد قد صّرح هو وغيره من الئمة أن ال ل لللم يللزل متكلم لًا إذا‬
‫شاء وصرح أن الل يتكلللم بمشلليئته‪ ،‬ولكللن أتببباع ابببن كلب كالقاضببي‬
‫وغيره تأولوا كلمه على أنه أراد بذلك إذا شاء السماع لنه عندهم لللم‬
‫يتكلم بمشيئته وقدرته‪.‬‬
‫قال وصرح أحمد وغيللره مللن السلللف‪ ،‬أن القللرآن كلم الل غيللر‬
‫مخلوق‪ ،‬ولم يقل أحد من السلف أن ال تكلم بغير مشلليئته وقللدرته‪ ،‬ول‬
‫قال أحد منهم أن نفس الكلم المعين كللالقرآن أو نللدائه لموسللى أو غيللر‬
‫ذلك من كلمه المعين أنه قديم أزلي لم يزل ول يللزال‪ ،‬وأن الل قللامت‬
‫به حروف معينة‪ ،‬أو حروف وأصوات معينة قديمة أزليللة لللم تللزل ول‬
‫تزال‪ ،‬فببإن هبذا لببم يقلبه ول دل عليله قلول أحمللد ول غيببره ملن أئملة‬
‫المسلمين‪ ،‬بل كلم أحمد وغيره من الئمة صريح في نقيض هللذا‪ ،‬وأن‬
‫ال يتكلم بمشيئته وقدرته‪ ،‬وأنه لم يزل يتكّلم إذا شاء مع قللولهم إن كلم‬
‫ال غير مخلوق‪ ،‬وإنه منه بدأ ليس بمخلوق ابتدأ من غيره‪ ،‬ونصوصهم‬
‫بذلك كثيرة معروفة فللي الكتللب الثابتلة عنهلم‪ ،‬مثلل ملا صلّنف أبللو بكلر‬
‫الخلل فللي »كتللاب السللنة« وغيللره‪ ،‬ومللا ص لّنفه أصللحابه وأصللحاب‬
‫أصحابه كابنيه صالح وعبللدال وحنبللل وأبللي داود السجسللتاني صللاحب‬
‫»السللنن« والثللرم والمللروذي وأبللي زرعللة وأبللي حللاتم والبخللاري‬
‫صلاحب »الصللحيح«‪ ،‬وعثمللان بلن سلعيد الللدارمي وإبراهيللم الحربللي‬
‫وعبدالوهاب الوراق( وهكذا استمر في ذكر أسماء علماء السللنة وذكللر‬
‫مؤلفللاتهم إلللى أن قلال‪) :‬وبسللط هلذا للله موضلع آخللر‪ ،‬وقللد ذكرنلا فلي‬
‫»المسائل الطبرستانية« و »الكيلنية«)‪ ،(176‬بسط مذاهب الناس وكيف‬
‫تشعبت وتفرعت في هذا الصل(‪.‬‬
‫قال‪) :‬والمقصود هنا أن كثيرًا من الناس المتأخرين لم يعرفللوا حقيقللة‬
‫ظمهلم ويقلول إنله متبلع لهلم‪ ،‬ملع إنله‬ ‫كلم السلف والئملة‪ ،‬فمنهلم ملن يع ّ‬
‫مخالف لهم ملن حيلث ل يشلعر‪ ،‬ومنهلم ملن يظلن أنهلم كلانوا ل يعرفلون‬
‫أصول الدين ول تقريرها بالدلئل البرهانية‪ ،‬وذللك لجهلله بعلمهلم بلل بملا‬
‫جاء به الرسول من الحق‪ ،‬الذي تدل عليه الدلئل العقلية مع السمعية‪ ،‬فلهذا‬
‫يوجد كثير من المتأخرين يشتركون في أصل فاسد‪ ،‬ثم يفّرع كل قوم عليلله‬
‫فروعًا فاسدة يلتزمونها ثم ضرب المثلة لذلك()‪.(177‬‬
‫ولهذا نقول للخليلي‪ :‬فلأين التضلارب فلي كلم شليخ السلللم ابلن‬
‫تيمية أو التناقض الذي تدعيه ظلمًا وجورًا؟‪.‬‬
‫طلللع عليلله القللارئ‬
‫ولو كنت منصفًا لنقلت هذا النص الذي نقلته لي ّ‬
‫ويحكم على دعوى التضارب‪ ،‬لن ابن تيمية بعد أن انتهى مللن المقطللع‬
‫الذي اقتصرت عليه من كلمه آخر السطر الثللاني مللن أول )ص ‪،(85‬‬
‫قللال بعللده فللي السللطر الثللالث‪ :‬قلللت‪ ،‬ثللم كتللب هللذا النللص الللذي يللدفع‬

‫‪ () 176‬الكيلنية في هذا المجلد )‪ (502 -12/323‬وهللي جللواب علللى سللؤال عللن كلم‬
‫الناس وغيرهم وأنه ل فرق بينه وبين كلم ال‪ ...‬إلخ وقد بسط الكلم على ذلك من‬
‫جميع جوانبه بالرد على المخطئين وبيان الصواب في ذلك‪.‬‬
‫‪ ()177‬الفتاوى ‪. 85-12/83‬‬
‫التضارب أو التناقض‪ ،‬فهو نقل تلللك النصللوص ثلم رّد عليهلا وبيلن أن‬
‫القاضي وغيره من أتباع ابن كلب تأولوا كلم المللام أحمللد علللى أنلله‬
‫أراد بقوله‪) :‬إن ال لم يزل متكلمًا إذا شاء وإن ال يتكلم بمشلليئته( علللى‬
‫أنه أراد بذلك إذا شاء السماع‪ ،‬لنه عندهم لم يتكلم بمشيئته وقدرته‪.‬‬
‫ضح معنى كلم المام أحمد المتفق مللع‬ ‫فهو يرد على هؤلء‪ ،‬ويو ّ‬
‫كلم أئمة السلف‪ ،‬وأنلله كلم ل تضللارب فيلله‪ ،‬فتعكللس المللر وتضلللل‬
‫القراء بما تدعيه تضاربًا ظنًا منك بأن كلمك لن يهيئ ال له من يكشفه‬
‫ويبين زيفه للخرين‪.‬‬
‫ونقول للقارئ الكريم ‪-‬الباحث عن الحق‪ :-‬إنه قد اتضللح لللك تلللك‬
‫المغالطللة والللدعوى الزائفللة علللى شلليخ السلللم ابللن تيميللة‪ ،‬وأن هللذا‬
‫السلوب الذي اتبعه الخليلي هو أسلوب متبع عند أهللل البلدع‪ ،‬فللإنهم ل‬
‫يتورعون عن ظلم الخرين والفتراء عليهم‪ ،‬ما دام ذلك العمل يؤيد ما‬
‫يذهبون إليه‪ ،‬وهذا العمل مخالف لما أمللر الل بلله فللي كتلابه‪ ،‬وأمللر بله‬
‫رسوله‪ ‬في سنته‪ ،‬فال أمر بالعدل ونهى عن الظلم‪ ،‬وبين ذلك رسوله‬
‫‪ ‬لمته فال يقول‪} :‬ومن يكسب خطيئة أو إثما ً ثم يرم بتته‬
‫بريئا ً فقد احتمل بهتانتا ً وإثمتا ً مبينتا ً{ ] النسللاء ‪ [112‬وأي إثللم‬
‫ل لم يقله‪.‬‬ ‫أعظم من أن تنسب إلى شخص قو ً‬
‫ثم يواصل الخليلي في دعواه التناقض عند شيخ السلم ابن تيمية‬
‫فيقول في )ص ‪ (129‬من كتابه ‪-‬المقطع الخيللر‪) :-‬وإن أردت المزيللد‬
‫من تناقضهم فاسمع إلى ما يقوله ابن تيمية أيضًا( ثم نقللل عنله ملا يللأتي‬
‫ل معروفًا قال به‪،‬‬ ‫قال‪) :‬أما القول بأن المداد المكتوب قديم فما علمنا قائ ً‬
‫وما رأينا ذلك في كتاب أحد من المصنلفين ل من أصللحاب أبللي حنيفللة‬
‫ول مالك ول الشافعي ول أحمد‪ ،‬بل رأينا في كتب طائفة من المصنفين‬
‫مللن أصللحاب مالللك والشللافعي وأحمللد إنكللار القللول بللأن المللداد قللديم‪،‬‬
‫وتكذيب من نقل ذلك‪ ،‬وفللي كلم بعضللهم مللا يللدل علللى أن المللداد فللي‬
‫المصحف حرفًا قديمًا ليس هو المداد؛ ثم منهم من يقول هو ظللاهر فيلله‬
‫ليس بحال‪.(...‬‬
‫ثم استمر فللي نقللل هللذه النصللوص مللن )ص ‪ (179‬مللن الفتللاوى‬
‫المجلد )‪ (12‬وهي أقوال يحكم عليهللا ابللن تيميللة بالفسللاد والبطلن‪ ،‬ثللم‬
‫نختللم هللذا المقطللع بقللول شلليخ السلللم‪» :‬ول ريللب أن مللن قللال‪ :‬إن‬
‫أصوات العباد قديمة فهو مفتر مبتدع له حكم أمثللاله‪ ،‬كمللا أن مللن قللال‪:‬‬
‫إن هذا القرآن ليس هو كلم ال فهو مفتر مبتدع له حكللم أمثلاله« فللأنت‬
‫ترى أن شيخ السلم ينقللل هللذه القللوال ويللرد علللى أصللحابها‪ ،‬ولكللن‬
‫بماذا يعقب الخليلي على شيخ السلم؟ إنه يعقب علللى هللذه النصللوص‬
‫التي صدرها بقللوله‪) :‬وإن أردت المزيللد مللن تناقضللهم فاسللمع إلللى مللا‬
‫يقوله ابن تيمية(‪.‬‬
‫فيقول في )ص ‪- (130‬المقطع الخير‪ -‬تعقيبلًا عللى ملا نقلله علن‬
‫شلليخ السلللم ابللن تيميللة‪ :‬انظللروا إلللى هللذا التضللارب فللي القللوال‬
‫))‬

‫والتحزب في الراء من غير دليل يستند إليلله‪ ،‬إل بتللبرير مللا يتصللوره‬
‫كل من هؤلء القائلين أنلله الحللق‪ ،‬وإل فمللا هللي الحجللة علللى ذلللك مللن‬
‫برهان العقل أو صحيح النقل؟(‬
‫وأقول‪ :‬إن أصللحاب القللوال المتضللاربة الللذين يللرد عليهللم شلليخ‬
‫السلم ابن تيمية هم أهل البدع في كلم ال‪ ،‬وقد بدأ هذا الرد من )ص‬
‫‪ 162‬ج ‪ (12‬بالرد عللى الجهميلة والمعتزلللة والشللعرية‪ ،‬وذلللك عللى‬
‫جه إليه وهو ما يسللمى )بالمسللألة المصللرية فللي القللرآن( فللرد‬ ‫سؤال ُو ّ‬
‫على ما تضمنه السؤال‪ ،‬بل وصحح السللؤال لصللاحبه‪ ،‬لنلله سللأل عللن‬
‫أشياء ونسب إلى طوائف ما لم تقل بل تعتقد خلفه‪ ،‬على سبيل المثللال‪:‬‬
‫جاء فللي السللؤال ذكللر )الحشللوية( فقللال فللي )ص ‪» :(176‬وأمللا قللول‬
‫القائل )حشوية( فهذا اللفظ ليس له مسللمى معللروف ل فللي الشللرع ول‬
‫في اللغة ول في العرف العام؛ ولكن يذكر أن أول من تكلللم بهللذا اللفللظ‬
‫عمرو بن عبيد وقال‪ :‬كان عبدال بن عمر حشويًا‪ ،‬وأصل ذلك‪ :‬أن كللل‬
‫ل تخللالف بلله الجمهللور والعامللة ينسللب إلللى أنلله قللول‬
‫طائفللة قللالت قللو ً‬
‫الحشوية‪ ،‬أي الذين هم حشللو فللي النللاس ليسللوا مللن المتللأهلين عنللدهم‪،‬‬
‫فالمعتزلللة تسللمي مللن أثبللت القللدر حشللويًا‪ ،‬والجهميللة يسللمون مثبتلله‬
‫الصللفات حشللوية‪ .‬والقرامطللة لل كأتبللاع الحللاكم لل يسللمون مللن أوجللب‬
‫الصلة والزكاة والصيام والحج حشويًا‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهذا كما أن الرافضة يسمون قول أهل السنة والجماعة قول‬
‫الجمهور‪ ،‬وكذلك الفلسفة تسمي ذلك قللول الجمهللور‪ ،‬فقللول الجمهللور‬
‫وقول العامة من جنس واحد«‪.‬‬
‫المثال الثاني‪ :‬جاء في السؤال‪ :‬إن قوماً يقولون أن القللرآن حللادث‬
‫بالصوت والحرف وهم الجهمية‪.‬‬
‫فقللال )ص ‪» :(177‬وأمللا قللوله‪ :‬وقللوم ذهبللوا إلللى أنلله حللادث‬
‫بالصوت والحرف ل وهللم الجهميللة لل فهللو كلم مللن ل يعللرف مقللالت‬
‫الناس فإن الجهمية يقولون‪ :‬إن ال ل يتكلم وليس للله كلم‪ ،‬وإنمللا خلللق‬
‫شيئًا فعبر عنه‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬إنلله يتكلللم بكلم يخلقلله فللي غيللره وهللو‬
‫قول المعتزلة(‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهو قول المؤلف الخليلي‪ ،‬وهذا يللبين للقللارئ المنصللف أن‬
‫ابن تيمية ل رحمه ال ل ليس عنده تضارب‪ ،‬وإنما يرد على أهللل البللدع‬
‫في كلم ال القدامى وورثتهم ‪-‬ومن الورثة الخليلي‪ -‬وهكذا اسللتمر فللي‬
‫الجواب على ذاك السؤال الموجه إليه‪ ،‬ذاكرًا أقوال الطوائف المنحرفة‬
‫عن منهج السلف في هذا الباب وذلك من )ص ‪ (235 -162‬وقللد عللاد‬
‫الخليلي وقرر أن ابن تيمية لم يقل بقدم المداد كمللا فللي كتللابه هللذا )ص‬
‫‪ (134‬المقطع الخير منها‪.‬‬
‫وحيث إن الخليلي ل هداه ال ل ل يبالي بالمغالطللة‪ :‬فللإني أستسللمح‬
‫القارئ في نقل ما يتعلق بهذه المغالطات‪ ،‬من كلم شلليخ السلللم الللذي‬
‫اقتطللع الخليلللي منلله فقللرات‪ ،‬هللي ردود علللى المخللالفين‪ ،‬ولللم يسللتطع‬
‫الخليلي التصريح بأسماء المخالفين لمنهج السلف‪ ،‬الذين يرد عليهم ابللن‬
‫تيمية لنه رد عليه فهو وارثهم‪ ،‬فعمم الكلم مدعيًا أن هذا الضللطراب‬
‫‪-‬أو التدافع كما يسللميه‪ -‬هللو مللن قللول ابللن تيميللة والحنابلللة وابللن القيللم‬
‫‪-‬وحسب تعبيره‪ :‬تلميذ ابن تيمية‪ -‬وقللد نقلل الخليلللي مقلاطع ملن فتلاوى‬
‫شيخ السلم ابن تيمية على غير ترتيب‪ ،‬وإنما للتشويش فقد نقل من‪) :‬‬
‫‪،83 /12‬ل ‪،85‬ل ‪،179‬ل ‪،169‬ل ‪،135‬ل ‪،54‬ل ‪،55‬ل ‪،88‬ل ‪،207‬ل ‪،208‬‬
‫‪،572 ،571 ،93 ،91 ،96 ،427 ،443 ،442 ،363 ،359 ،209‬‬
‫‪.(567 ،301 ،54 ،86 ،87 ،85 ،336 ،574‬‬
‫وهذه النصوص من هذه الصفحات‪ ،‬وقد كرر بعضللها بللدأها مللن‬
‫كتابه )ص ‪ (152 – 128‬وحيث إنه ليس بإمكان كل قارئ الحصللول‬
‫على الفتاوى لشيخ السلم ابن تيمية‪ ،‬التي ينقل الخليلي مقتطفات منها‬
‫مبتورة مدعيًا التضارب فيها‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫فأقول‪ :‬جاء في هذه الصفحات التي ذكرهللا الخليلللي مللن الفتللاوى‬
‫المجلد الثاني عشر رد ابن تيميللة علللى الطللوائف المنحرفللة عللن منهللج‬
‫السلف فللي كلم اللل‪ ،‬مبّينلا أخطللاءهم كالجهميللة والمعتزلللة والكراميللة‬
‫والشعرية‪ ،‬أو الذين لم يفهموا ما قصده المام أحمللد مللن قللوله‪» :‬مللن‬
‫قال لفظي بلالقرآن مخلللوق فهللو جهمللي‪ ،‬ومللن قللال غيللر مخلللوق فهللو‬
‫مبتدع«‪ ،‬وقد قال الخليلي‪ :‬أن هذا القول الذي حكاه ابن تيمة عن المللام‬
‫أحمد وكذلك تلميذه ابن القيم متضارب‪ ،‬فإليللك قللول شلليخ السلللم ابللن‬
‫تيمية لترى هل هو متضارب‪ ،‬أو أن الخليلي مغالط يسلك التمويه علللى‬
‫ل يفصل بعضه عللن بعللض‪ ،‬وقللد قللال شلليخ‬ ‫القراء بتقطيع الكلم أوصا ً‬
‫السلم في معرض الرد الذي بدأه في )ص ‪167‬ل ل ‪ ...) :(179‬ومنهللم‬
‫من يقول بحلول القديم في المحدث‪ ،‬وليس هذا القللول ول القللوال قبللله‬
‫قول أحد من سلف المة ول أئمتها‪ ،‬ولللم يقللل ذلللك ل المللام أحمللد ول‬
‫أئمة أصحابه ول غيره من الئمة؛ بل كلهم متفقون علللى النكللار علللى‬
‫من قال‪ :‬إن لفظي بالقرآن غير مخلللوق‪ ،‬فكيللف مللن قللال صللوتي غيللر‬
‫مخلوق؟ فكيف بمن قال‪ :‬صوتي قديم؟(‬
‫ثم قال‪) :‬وأما القول بأن المداد الذي في المصللحف قللديم‪ :‬فهللذا مللا‬
‫رأيناه فللي كتللاب أحللد مللن طللوائف السلللم‪ ،‬ول نقللله أحللد عللن رجللل‬
‫معللروف مللن العلمللاء( وهكللذا‪ ،‬إلللى أول )ص ‪ (168‬قللال‪) :‬ورأينللا‬
‫طوائف يكذبون هللؤلء فللي النقللل‪ ،‬قللال‪ :‬وكللأن حقيقللة المللر أن أولئك‬
‫يقولون قول غيرهم بمجرد مللا بلغهللم مللن إطلق قللولهم‪ ،‬أو ِلَمللا ظنللوه‬
‫لزمًا لهم‪ ،‬أو ِلَما سمعوه ممللن يجللازف فللي النقللل ول يحللرره‪ ،‬وربمللا‬
‫سمعوه من بعض عوامهم إن كان ذلك قد وقع‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهذا الباب وقع فيه غلط بهذا السبب حتى غلللط النللاس علللى‬
‫ظمونه‪ ،‬وبهذا السبب غّلط أبا طالب المللاُم أحملُد فيمللا نقللله عنلله‬
‫من يع ّ‬
‫فإنه قرأ عليه‪} :‬قل هو الله أحد{ وسللأله هللذا مخلللوق؟ فقللال للله‬
‫أحمد هذا ليس بمخلوق‪ .‬فبلغه أن أبا طالب حكللى عنلله أنلله قللال‪ :‬لفظللي‬
‫بالقرآن غيلر مخلللوق‪ ،‬فغضللب عليله أحمللد وقلال‪ :‬أنلا قلللت لللك لفظلي‬
‫بالقرآن غيللر مخلللوق؟ فقللال ل ولكللن قللرأت عليللك‪} :‬قل هو الله‬
‫أحد{ فقلت لك‪ :‬هذا غير مخلوق فقلت‪ :‬نعم‪ .‬فقال‪ :‬فلم حكيت عني أني‬
‫قلت لك‪ :‬لفظي بالقرآن غير مخلوق؟ فقال‪ :‬لم أحكه عنللك وإنمللا حكيتلله‬
‫عن نفسي‪ ،‬قال‪ :‬فل تقل هذا فإني لم أسمع عالمًا يقول هللذا‪ ،‬ولكللن قللل‪:‬‬
‫القرآن حيث تصرف كلم ال غير مخلوق‪.‬‬
‫قال‪ :‬ولهذا قال البخاري في كتاب »خلق الفعللال«‪ :‬إن )اللفظيللة(‬
‫هؤلء يذكرون قولهم عن أحمد وهللم ل يفهمللون دقللة قللوله‪ ،‬وموضللع‬
‫الشبهة أنه إذا قال هذا فالشارة تكون إلى الكلم من حيث هو كلم‪ ،‬مع‬
‫قطع النظر عما بلغ به من حركللات العبللد وصللوته‪ ،‬كمللا أن الرجللل إذا‬
‫ل يللذكر الل فقللال‪ :‬هللذا ربللي‪،‬‬ ‫كتب اسم ال ل تبارك وتعالىل وسمع قللائ ً‬
‫كان صادقًا‪ ،‬ولو قيل له‪ :‬أتعبللد هللذا؟ لقللال‪ :‬نعللم؛ لن المشللار إليلله هللو‬
‫المسمى بذلك‪ ،‬والسم يلراد بله مللن الكلم المؤلللف المسللمى فلإذا قللال‪:‬‬
‫}محمد رسول الله والذين معتته{ فللالمراد أن المسللمى الللذي‬
‫اسمه محمللد هللو رسللول اللل؛ ليللس المللراد أن نفللس اللفللظ والخللط هللو‬
‫رسول ال‪.‬‬
‫قال‪ :‬ومن هنا تنازع الناس في )السم( هللل هللو المسللمى أو غيللره؟‬
‫وكان الصواب أن يمنع مللن كل الطلقيللن‪ ،‬ويقللال كمللا قللال الل تعللالى‪:‬‬
‫}ولله السماء الحسنى{ وكمللا قللال ‪» :r‬إن لب تسببعة وتسببعين‬
‫اسمًا من أحصاها دخل الجنبة«‪ .‬واللذين أطلقلوا أنله المسلمى كلان أصلل‬
‫مقصودهم أن المراد به هو المسمى‪ ،‬وأنه إذا ذكر السم فالشارة به إلى‬
‫مسماه‪ ،‬وإذا قال العبد‪ :‬حمدت ال ودعوت ال وعبدت ال ل يريللد إل أنلله‬
‫عبد المسمى بهذا السم‪ .‬واللذين نفلوا ذللك رأوا أن نفلس اللفلظ أو الخلط‬
‫ليس هو العيان المسماة بذلك‪(...‬إلخ )ص ‪.(179‬‬
‫وفي )ص ‪ (170‬قال‪) :‬وأصل مقصللود الطللوائف كلهللا صللحيح إل‬
‫سل بقوله إلى قول باطل‪ ،‬مثل قول الجهمية إن السم غير المسمى‪،‬‬ ‫من تو ّ‬
‫فإنهم توسلوا بذلك إلى أن يقولوا أسماء ال غيره‪ ،‬ثم قالوا‪ :‬وما كللان غيللر‬
‫ال فهو مخلوق بائن عنه فل يكون الل تعلالى سلمى نفسله باسلم ول تكّللم‬
‫باسم من أسمائه‪ ،‬ول يكون له كلم تكلم به بل ل يكون كلمه إل مللا كللان‬
‫مخلوقًا بائنًا عنه‪.‬‬
‫قال‪ :‬فهؤلء لما علللم السلللف أن مقصللودهم باطللل أنكللروا إطلقهللم‬
‫القول‪ :‬بأن كلم ال غير ال‪ ،‬وإن علم ال غير ال‪ ،‬وأمثال ذلك؛ لن لفللظ‬
‫الغير مجمل يحتمل الشيء البائن عن غيره‪ ،‬ويحتمللل الشلليء الللذي ليللس‬
‫هو إياه ول بائن عنه‪ (...‬قال‪ :‬وهكلذا أنكلر الئملة قلول ملن قلال‪ :‬لفظلي‬
‫))‬

‫بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق«‪ .‬وقالوا‪ :‬من قال هو مخلوق فهو جهمي‪،‬‬
‫ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع(‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إن الخليلي نقل هذا التعبير الللذي بيللن القوسللين ) مللن قللال‪:‬‬
‫لفظي بالقرآن مخلوق‪ (..‬علن الصلواعق لل لبلن القيلم لل كملا فلي )ص‬
‫‪ (127‬من كتابه‪ ،‬كما كرره في أماكن أخرى عللن ابللن تيميللة‪ ،‬ثللم قللال‪:‬‬
‫)وحكوا عن أحمد قوله‪ :‬من قال لفظللي بللالقرآن مخلللوق فهللو جهمللي‪،‬‬
‫))‬

‫ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع(( ثم قال‪ :‬وفي هذا النللص الللذي رووه‬
‫من التناقض ما ل يخفى على عاقل‪ ،‬فإنه ل توسط بين الخلللق وعللدمه‪،‬‬
‫فالشيء إما أن يكون مخلوقًا أو غير مخلللوق‪ ،‬فللإن كللان مخلوقلًا فلمللاذا‬
‫يضلل من قال بخلقه؟ وإن كان غير مخلوق فلماذا يبلّدع مللن قللال بعللدم‬
‫خلقه؟ (‬
‫هكذا يقول في اعتراضه على هذا التعبير الوارد عن المام أحمد‪.‬‬
‫وإليك جواب ابن تيمية على ما يببدعيه الخليلببي تناقضبًا‪ ،‬لتعللرف‬
‫تعبير السلف عن كل شبهة يتعللق بهلا المبتدعلة للوصللول إللى أقللوالهم‬
‫الباطلة‪ ،‬يقول شيخ السلللم فلي )ص ‪ 170‬ج ‪ (12‬ملن الفتللاوى‪ ،‬قللال‪:‬‬
‫)وهكللذا أنكللر الئمللة قللول مللن قللال‪ :‬لفظللي بللالقرآن مخلللوق أو غيللر‬
‫مخلوق‪ ،‬وقالوا‪ :‬من قال هو مخلوق فهو جهمي‪ ،‬ومن قال غير مخلللوق‬
‫فهو مبتدع‪ ،‬قال‪ :‬وكذلك قالوا في )التلوة والقراءة( ثم بين سللبب ذلللك‪،‬‬
‫فقللال‪ :‬لن اللفللظ والتلوة والقللراءة يللراد بهللا المصللدر الللذي هللو فعللل‬
‫العبد‪ ،‬وأفعال العباد مخلوقة )‪ (178‬فمن جعل شيئًا من أفعالهم وأصواتهم‬
‫وغير ذلك من صفاتهم غير مخلوق فهو مبتدع‪.‬‬
‫ويراد باللفظ نفس الملفوظ كما يراد بالتلوة والقللراءة نفللس الكلم‬
‫وهو القرآن نفسه‪.‬‬
‫ومن قال كلم ال الذي أنزله على نبيه‪ ‬وقرأه المسلمون مخلوق‬
‫فهو جهمي(‪.‬‬
‫هكذا يقول شيخ السلم ابن تيمية في توضيح ما قلاله المللام أحمللد‪،‬‬
‫وهو بحمد ال واضح لمن يريد الحق‪ ،‬ول تناقض فيه بوجه مللن الوجللوه‪،‬‬
‫ثم يزيد ذلللك توضلليحًا فيقللول ‪) :‬ومللن المعلللوم أنلله إذا سللمع النللاس كلم‬
‫ث بحديث النبي‪ ‬كقلوله‪» :‬إنمبا العمبال بالنيبات وإنمبا لكبل‬ ‫حّد ُ‬
‫ث ُي َ‬
‫حّد ٍ‬
‫ُم َ‬
‫امرئ ما نوى« )‪ (179‬قالوا‪ :‬هذا كلم النبي‪ ‬أو هذا كلمه بعينه‪ ،‬لنهم‬
‫قد علموا أن النبي‪ ‬تكلم بذلك الكلم لفظلله ومعنلاه‪ ،‬وتكلللم بصللوته ثلم‬
‫المبّلغ له عنه بّلغه بصوت نفسه‪ ،‬فللالكلم كلم النللبي‪ ‬هللو الللذي تكلللم‬
‫بمعانيه وأّلف حروفلله بصللوته‪ ،‬والمبّلللغ للله بّلغلله بفعللل نفسلله وصللوت‬
‫نفسه‪.‬‬
‫فإذا قالوا‪ :‬هذا كلم النبي‪،‬كانت إشارتهم إلى نفللس الكلم الللذي‬
‫هو الكلم حروفلله ونظملله ومعللانيه‪ ،‬ل إلللى ملا اختللص بله المبللغ ملن‬
‫حركاته وأصواته؛ بل يضيفون الصللوت إلللى المبّلللغ فيقولللون‪ :‬صللوت‬
‫حسن وما كان في الكلم مللن فصللاحة حروفلله ونظملله وبلغللة معللانيه‬
‫‪ () 178‬أفعال العباد مخلوقة كما قال ال تعالى‪} :‬وال خلقكم ومللا تعملللون{ فللال خللالقهم‬
‫وخللالق أفعللالهم‪ ،‬وعنللد المعتزلللة‪ :‬إن العبللد يخلللق أفعللاله‪ .‬والخليلللي يقللول بقللول‬
‫المعتزلة‪.‬‬
‫‪ () 179‬أخرجه البخاري في صحيحه كتاب بدء الوحي ح )‪.(1‬‬
‫فإنما يضاف إلى المتكلم به ابتداء ل إلى المبّلغ للله‪ ،‬ولكللن يضللاف إلللى‬
‫المبّلللغ حسللن الداء كتجويللد الحللروف وتحسللين الصللوت ولهللذا قللال‬
‫تعالى‪} :‬وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتتتى‬
‫يسمع كلم الله{ ]التوبة ‪.[ 6‬‬
‫قال‪ :‬وكان النبي‪ ‬يعللرض نفسلله علللى النلاس فيقللول‪» :‬أل رجببل‬
‫يحملنببي إلببى قببومه لبلببغ كلم ربببي« )‪ ،(180‬وقللال النللبي ‪» :r‬زينببوا‬
‫القببرآن بأصببواتكم« )‪ .(181‬وقللال‪» :‬ل ب أشببد أذن بًا إلببى الرجببل يحسببن‬
‫الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته«)‪.(182‬‬
‫قال‪ :‬فبين ال ورسوله أن القرآن المسللموع كلم ال ل ل كلم أحللد‬
‫من المخلوقين‪ ،‬والناس يقرؤونه بأصللواتهم‪ ،‬فمللن قللال‪ :‬إن هللذا القللرآن‬
‫المسموع ليس هو كلم ال‪ ،‬أو هو كلم القارئين كان فساد قوله معلومًا‬
‫ل‪ ،‬كما أن مللن قللال‪ :‬إن هللذا الصللوت المسللموع‬ ‫بالضرورة شرعًا وعق ً‬
‫ليللس هللو صللوت العبللد أو هللو صللوت اللل‪ ،‬كللان فسللاد قللوله معلوم لًا‬
‫ل‪ ،‬بللل هللذا هللو كلم الل ل كلم غيللره سللمعه‬ ‫بالضللرورة شللرعًا وعق ً‬

‫‪ () 180‬التوحيد لبن مندة )ح ‪ (617‬الدارمي‪ /‬فضلائل القلرآن‪ ،‬بلاب القلرآن كلم الل )‬
‫‪) (2/317‬ح ‪.(3357‬‬
‫‪ () 181‬أخرجه البخاري في صحيحه كتاب التوحيد باب قول النبي ‪» :r‬المللاهر بللالقرآن‬
‫مع السفرة الكرام البررة‪ ،‬وزينوا القرآن بأصواتكم« ح)‪.(527‬‬
‫‪ () 182‬أخرجه ابن ماجه في كتاب إقامة الصلة والسنة فيهللا‪ ،‬بللاب فللي حسللن الصللوت‬
‫بالقرآن‪.‬‬
‫وأحمد في المسند )‪ (1/425‬رقم )‪ (1340‬ورقم )‪.(2399‬‬
‫وابن حبان في صحيحه )‪ (1/131‬رقم )‪.(754‬‬
‫بلفظ‪ » :‬ل أشد أذنًا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن يجهر به من صللاحب القينللة‬
‫إلى قينته«‪.‬‬
‫جبريل من ال‪ ،‬وسللمعه النللبي‪ ‬مللن جبريللل‪ ،‬وسللمعه المسلللمون مللن‬
‫نبيهم‪ ،‬ثم بّلغه بعضهم إلى بعض وليس لحد من الوسائط فيه إل التبليغ‬
‫بأفعاله وصوته‪ ،‬لم يحللدث منهللم أحللد شلليئًا مللن حروفلله ول نظملله ول‬
‫معانيه‪ ،‬بل جميع ذلك كلم ال تعالى()‪.(183‬‬
‫وفللي )ص ‪ :(136‬نقللل الخليلللي كلمللًا عللن شلليخ السلللم مللن‬
‫الفتللاوى )‪ (12/571‬يقللول فيلله‪) :‬إن ابللن تيميللة بعللد أن ذكللر أن أحمللد‬
‫وأكللثر أصللحابه اشللتد إنكللارهم علللى الللذين قللالوا‪ :‬بللأن تلوة العبللاد‬
‫وألفاظهم بالقرآن غير مخلوقة وحكموا عليهم بالبدعة وأمروا بهجرهم‪،‬‬
‫نجد ما يخالف ذلك في كلمه بنفسه حيث يقللول‪» :‬وأمللا الحللروف هللل‬
‫هي مخلوقة أو غير مخلوقة؟ فالخلف فللي ذلللك بيللن الخلللف مشللهور‪،‬‬
‫فأما السلف فلم ينقل عن أحد منهم أن حروف القللرآن وألفللاظه وتلوتلله‬
‫مخلوقة ول ما يدل على ذلك‪ «...‬إلخ‪.‬‬
‫ثم قلال‪ :‬ول داعلي إللى التعليلق عللى هلذا الكلم‪ ،‬فلإذا كلانت تلوة‬
‫التالي للقرآن غير مخلوقة‪ ،‬مع أنها فعل من أفعاله والتالي نفسلله مخلللوق‪،‬‬
‫وكل أفعاله كائنة منه بعد أن لم تكن‪ ،‬فحسبي ال آمنت بلله سللبحانه رب لًا ل‬
‫شريك له‪ (...‬إلخ‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬أقول سبق توضيح هذا من كلم شيخ السلم توضلليحًا‬
‫بينًا لم يستطع الخليلي أن يناقشه مطلقًا‪ ،‬وأعيده هنا مرة أخرى ليعللرف‬
‫سر الخليلي سببه عجزه عن الجواب ل تعجبًا من الكلم‪.‬‬ ‫القارئ أن تح ّ‬
‫فقد جاء فلي )ص ‪ (171 -170‬ملن الفتلاوى المجللد )‪ (12‬اللذي‬
‫ينقل منه هذه المقاطع ما يأتي‪) :‬وهكذا أنكر الئمة قول من قال‪ :‬لفظللي‬
‫بللالقرآن مخلللوق أو غيللر مخلللوق‪ .‬وقللالوا‪ :‬مللن قللال هللو مخلللوق فهللو‬
‫جهمي‪ -‬قلت‪ :‬وهو قول الخليلي‪ -‬ومللن قللال غيللر مخلللوق فهللو مبتللدع‪.‬‬
‫‪ () 183‬الفتاوى )‪.(12/172‬‬
‫قال‪ :‬وكذا قالوا في التلوة والقراءة( ثللم وضللح ذلللك فقللال‪) :‬لن اللفللظ‬
‫والتلوة والقراءة يراد بهما المصدر الذي هو فعل العبد‪ ،‬وأفعال العبللاد‬
‫مخلوقة‪ ،‬فمن جعل شيئًا من أفعالهم وأصواتهم وغير ذلك مللن صللفاتهم‬
‫غير مخلوق فهو مبتدع(‪.‬‬
‫فشيخ السلم يصّرح بأن فعللل العبللد الللذي هللو صللوته وحركللاته‬
‫مخلوقة‪ .‬ولكنه ينفي الجانب الخر فيقول‪) :‬ويراد باللفظ نفللس الملفللوظ‬
‫كما يراد بالتلوة والقراءة نفس الكلم وهو القرآن نفسه‪.‬‬
‫ومن قال كلم ال الذي أنزله على نبيه‪ ‬وقرأه المسلمون مخلوق‬
‫فهو جهمي( اهل‪.‬‬
‫وقد نقل الخليلي هذا النص ولم يستطع الرد عليه‪ .‬فأين التضارب‬
‫وأين الذي يخالف به ابن تيمة كلمه السابق؟ ‪-‬كما يدعي‪.-‬‬
‫وقوله‪) :‬ومنهم من كّفره(‪.‬‬
‫فإليك نص كلم ابن تيمية في مسألة التكفير لتعرف أن )الخليلللي(‬
‫َيرمي الكلم على عواهنه‪.‬‬
‫يقول ابللن تيميللة )ص ‪) :(180‬وأمللا التكفيللر فالصللواب أنلله مللن‬
‫اجتهد من أمة محمد‪ ‬وقصد الحق فأخطأ‪ ،‬لم يكفر؛ بل ُيغفر له خطأه‪،‬‬
‫ن َتبّين له ما جاء به الرسللول‪ ،‬فشللاق الرسللول مللن بعللد ملا تلبين للله‬
‫وَم ْ‬
‫صللر‬‫الهدى‪ ،‬واتبع غير سبيل المؤمنين؛ فهو كافر‪ .‬ومللن اتبللع هللواه وق ّ‬
‫في طلب الحق وتكلم بل علم‪ ،‬فهو عاص مذنب‪ .‬ثم قد يكون فاسقًا وقللد‬
‫تكون له حسنات ترجح على سيئاته‪.‬‬
‫فالتكفير يختلف بحسب اختلف حال الشخص‪ ،‬فليس كل مخطللئ‬
‫ول مبتدع ول جاهل ول ضال يكون كافرًا‪ (...‬إلخ‪.‬‬
‫ي قللول‬‫فأين التكفير المطلق لمن أخطأ فللي القللول فللي القللرآن؟ وأ ّ‬
‫أعدل من هذا الحكم المفصل في المخطئين؟‪.‬‬
‫ولكن الهوى هو الذي يللدفع صللاحبه إلللى أن يقللول عللن الخريللن‬
‫ل هم برءاء منه‪.‬‬ ‫قو ً‬
‫ل من الفتاوى ) ‪ (574 -12/572‬في‬ ‫ثم إن الخليلي نقل نصًا مطو ً‬
‫كتابه هذا آخر )ص ‪ (138 – 136‬ابتدأه بقوله‪) :‬وقال ابن تيمية أيضًا‪:‬‬
‫‪ ...‬وهناك ثلثة أشياء‪:‬‬ ‫))‬

‫أحدها‪ :‬حروف القرآن التي هللي لفظلله قبللل أن ينللزل بهللا جبريللل‬
‫وبعد ما نزل بها‪ ،‬فمن قال إن هذه مخلوقللة فقللد خللالف إجمللاع السلللف‪،‬‬
‫فإنه لم يكن في زمانهم من يقول هذا‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أفعال العباد وهي حركاتهم التي تظهللر عليهللا التلوة‪ ،‬فل‬
‫خلف بين السلف أن أفعال العباد مخلوقة‪...‬إلخ‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬التلوة الظاهرة من العبد عقيب حركللة اليللة‪ ،‬فهللذه منهللم‬
‫من يصفها بالخلق‪ -،‬وأول مللن قللال ذلللك فيمللا بلغنللا حسللين الكرابيسللي‬
‫وتلميذه أبو داود الصبهاني وطائفة‪ -‬فأنكر عليهم ذلك علماء السنة فللي‬
‫ذلك الوقت وجمهورهم‪ ،‬وهم اللفظية عند السلف الذين يقولون‪ :‬ألفاظنللا‬
‫بللالقرآن مخلوقللة أو القللرآن بألفاظنللا مخلللوق ونحللو ذلللك‪ ،‬وعارضللهم‬
‫طائفللة مللن أهللل الحللديث والسللنة كلثيرون فقللالوا‪ :‬لفظنلا بللالقرآن غيللر‬
‫مخلوق‪ ،‬والذي استقرت عليه نصوص المللام أحمللد وطبقتلله مللن أهللل‬
‫العلم أن من قال‪ :‬لفظي بالقرآن مخلللوق فهللو جهمللي‪ ،‬ومللن قللال‪ :‬غيللر‬
‫مخلوق فهو مبتدع‪ ،‬هذا هو الصللواب عنللد جمللاهير أهللل السللنة‪ ،‬أن ل‬
‫يطلق واحد منهما كما عليه المام أحمد وجمهور السلف؛ لن كل واحد‬
‫من الطلقين يقتضي إيهامًا لخطأ‪.‬‬
‫فإن أصوات العبللاد محدثللة بل شللك‪ ،‬وإن كللان بعللض مللن نصللر‬
‫السنة ينفي الخلق عن الصوت المسموع من العبد‪ ،‬وهو مقدار ما يكون‬
‫من القرآن المبلغ‪.‬‬
‫فإن جمهور أهل السنة أنكللروا ذلللك وعللابوه‪ ،‬جري لًا علللى منهللاج‬
‫أحملللد وغيللره مللن أئملللة الهلللدى وقللال النللبي ‪» :r‬زينبببوا القبببرآن‬
‫بأصواتكم« ‪ (...‬إلخ ما نقله الخليلي وهللو كلم واضلح لملن أراد الحللق‬
‫الذي تدل عليه الدلة النقلية والعقلية‪.‬‬
‫شبَهة عند صاحبها ثم يرد عليها‪.‬‬ ‫فابن تيمية كما ترى يذكر ال ّ‬
‫ولكن بماذا يعقب الخليلي علللى هللذا؟‪ .‬نجللده يقللول فللي آخللر )ص‬
‫‪ (138‬من كتابه هذا ‪):‬وكلمه هذا ل يختلللف عللن سللائر مللا سللبق نقللله‬
‫عنه‪ ،‬مما يدل على تضارب أقللوالهم‪ ،‬ونقللض حججهللم فه لو ل يحتللاج‬
‫إلى تعليق من هذه الحيثية ثم ذكر نقاطًا كلها من جنس ما سبق(‪.‬‬
‫وفي أول )ص ‪ (140‬قال‪) :‬وستوافيك إن شاء ال هذه الحجج في‬
‫الفصل الخير المعقللود لللذلك مللن هللذا المبحللث( قللال ذلللك عقللب بيللت‬
‫مشهور أورده عند عجزه عن رد ما سبق من كلم ابللن تيميلة الواضللح‬
‫حيث قال في آخر )ص ‪:(139‬‬

‫إذا احتاج النهار إلى دليل‬ ‫وليببس يصببح فببي الذهببان‬


‫الخليلي‪ ،‬هو بمثل تعقيبه علللى كلم شلليخ السلللم‬ ‫تعقيبي على كلمشيء‬
‫ابن تيمية فقد قال‪) :‬وكلمه هذا ل يختلف عما سللبق نقللله عنلله فل يحتللاج‬
‫إلى تعليق(‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬إن تعقيبه على كلم شلليخ السلللم ابللن تيميللة هللو تكللرار‬
‫لقوله السابق المتكرر وقد عقبت عليه سابقًا فل يحتاج إلللى إعللادة وال ل‬
‫أعلم‪.‬‬
‫والخليلللي ‪-‬هللداه اللل إلللى الحللق‪ -‬رجللل بللارع فللي المغالطللة‬
‫والمخادعة؛ فإنه بعد أن انتهللى مللن النقللل مللن )ص ‪ (574 -572‬مللن‬
‫فتاوى شيخ السلم ابن تيمية كر راجعًا إلى )ص ‪ (208 – 207‬فنقل‬
‫ل وفللي ثنايللا النللص مقللاطع فيهللا الجابللة الواضللحة علللى‬
‫نص لًا طللوي ً‬
‫مغالطلاته‪ ،‬ولكنلله حللتى يكلثر علللى القلارئ ويشللوش عليله حللتى يظلن‬
‫الباطل حقًا يصنع هذا الصنيع‪ ،‬وإل فإن الكلم الذي يعيده ل يتجاوز ما‬
‫سبق إذ كل الموضوع يدور على )اللفظية( أي القائلين‪) :‬لفظي بالقرآن‬
‫مخلوق( ولهذا قللال فللي أول )ص ‪) :(140‬وهللاك نصلًا آخللر عللن ابللن‬
‫تيمية في تنازعهم في هذه المسألة قال‪» :‬القول بأن اللفللظ غيللر مخلللوق‬
‫نسب إلى محمد ابن يحيى الذهلي وأبي حاتم الرازي‪ ،‬بل وبعض الناس‬
‫ينسبه إلى أبي زرعة أيضًا ويقول‪ :‬إنه هو وأبللو حللاتم هجللرا البخللاري‬
‫لّما هجره محمد بن يحيى الذهلي والقصة في ذلك مشهورة( ثم واصللل‬
‫في نقل ما أورده شلليخ السلللم مللن خلف وقللع بيللن بعللض أصللحاب‬
‫أحمد بعد موته وبين طوائف من غيرهم بهذا السبب‪.‬‬
‫وقللد سللاق شلليخ السلللم ابللن تيميللة الخلف الللذي وقللع فللي هللذه‬
‫المسالة إلى أن قال في )ص ‪ :(208‬وأعظللم مللا وقعللت فتنللة )اللفللظ(‬
‫))‬

‫بخراسان وتعصب فيها على البخاري ل مع جللته وإمامته للل وإن كللان‬
‫الذين قاموا عليه أيضًا أئمة أجلء ‪.‬‬
‫((‬

‫وهنا توقف الخليلي وعلق بسطرين ثم واصللل الكلم بعببد إسببقاط‬


‫السطر التالية بعد قوله‪ ...‬أجلء قال‪) :‬فالبخاري ل رضللي ال ل عنلله ل ل‬
‫من أجل الناس‪ ،‬وإذا حسن قصدهم واجتهللد هللو وهللم أثللابه الل وإيللاهم‬
‫على حسن القصد والجتهاد‪ ،‬وإن كان قد وقع منه أو منهم بعض الغلط‬
‫والخطأ فال يغفر لهم كلهم‪ ،‬لكن من الجهال من ل يللدري كيللف وقعللت‬
‫المور( إلى هنا‪ .‬ثم استأنف الخليلي النقل فقال‪) :‬وذكر ابن تيمية عقللب‬
‫هذا النص أنه وجد بخط بعض الشيوخ الذين لهم علم ودين يقول‪ :‬مللات‬
‫البخاري بقرية خرتنك فأرسل أحمد إلى أهل القرية يللأمرهم ال يصلللوا‬
‫عليه لجل قوله في مسألة اللفظ(‪.‬‬
‫قال الخليلي‪) :‬وتعقبه ابن تيمية بأن هذا من أبين الكذب على أحمد‬
‫والبخاري‪ ،‬وكاتبه جاهل بحالهما؛ فإن البخاري ل ل رضللي ال ل عنلله ل ل‬
‫توفي سنة ست وخمسين‪ ،‬أي ومائتين ل بعد مللوت أحمللد بخمسللة عشللر‬
‫سنة فإن أحمد توفي سنة إحدى وأربعين(‪.‬‬
‫وقد ترك الخليلي النص التالي وهو قوله‪ ...) :‬وكان أحمد مكرم لًا‬
‫للبخاري معظمًا‪ ،‬وأما تعظيم البخاري وأمثاله لحمد فهذا أظهر من أن‬
‫يللذكر‪ .‬والبخللاري ذكللر فللي كتللابه فللي »خلللق أفعللال العبللاد« إن كلتللا‬
‫الطائفتين ل تفهم كلم أحمد(‪.‬‬
‫ولكن لماذا يعيد الخليلي هذا الكلم هنا وقد كرره قبل ذلللك مللرات‬
‫بنقله عن ابن تيمية من هذا المجلد من الفتاوى مرة من أوله‪ ،‬ومرة مللن‬
‫وسطه‪ ،‬وأخرى من آخره‪ ،‬ثم يعود مرة أخرى لهذا النص‪ ،‬ولكللن نقللرأ‬
‫تعقيبه على ذلك لنفهم الشيء الجديد هنا‪.‬‬
‫يقول في )ص ‪ (141‬بعد قوله‪) :‬ووفاة البخاري كللانت سللنة سللت‬
‫وخمسين( قال‪) :‬وهذه صورة واضحة من صور التعصب المقيت الذي‬
‫كان بينهم في هذه المسألة‪ ،‬وناهيك أن ابن تيمية ينسب هذا الكللذب إلللى‬
‫من له علم ودين منهم‪ ،‬فكيف بمن خل منهما أو من أحللدهما‪ ،‬وأي ديللن‬
‫يبقى لمللن يسللوغ لنفسلله أن يكللذب فللي أمللور الللدين‪ ،‬ولسللت أرى هللذه‬
‫الستساغة للكذب إل أثرًا من آثلار اعتقلاد العفلو علن أهلل الكبلائر‪ ،‬أو‬
‫أنهم يعذبون بمقدار ثم يخرجون من النار( اهل‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬إن الجديد في هذا النص هو القللول‪ :‬بللأن مرتكللب الكللبيرة‬
‫مخّلد في النار‪ ،‬فهذه عقيدة الخوارج‪ ،‬والمؤلف الخليلي له في كتابه هذا‬
‫المبحللث الثللالث )ص ‪ (183‬وعنللوانه خلللود أهللل الكبللائر فللي النللار((‬
‫))‬

‫جل للقارئ هذا الحكم على من قال عنه شيخ السلللم‪:‬‬ ‫ولكنه أراد أن يع ّ‬
‫)وجلللدت بخللط بعللض الشلليوخ الللذين لهللم علللم وديللن يقلللول‪) :‬مللات‬
‫البخاري‪ ...‬إلخ ثم قال ابن تيمية بللأن هللذا مللن أبيللن الكللذب علللى أحمللد‬
‫والبخاري‪ ،‬وكاتبه جاهل بحالهما‪ (...‬إلخ النص الذي ذكره‪.‬‬
‫فإذا كان هذا الشيخ الذي لم يسمه شيخ السلم ثبللت عنلله أن ذلللك‬
‫الكلم كتبه بخطه وأخطأ فيه‪ ،‬وبين شيخ السلم ابللن تيميلة خطللأه ولللم‬
‫ل يسوغ لنفسه الكذب؟‪.‬‬ ‫يقّره عليه‪ ،‬فمن أين لنا دليل أن ذلك الرجل أو ً‬
‫وإذا فرضنا أنه عمل ذلك‪ ،‬فما ذنب ابن تيمية وقد رد عليه؟‪.‬‬
‫وأخيرًا ما دليل الخليلي على أن أهللل الكبللائر يخلللدون فللي النللار؟‬
‫وال يقول‪} :‬إن الله ل يغفر أن يشرك به ويغفتتر متتا دون‬
‫ذلك لمن يشاء{ ] النساء ‪ [48‬وفي صحيح البخاري من حللديث أبللي‬
‫ذر‪» :‬من مات على التوحيد دخل الجنببة وإن زنببى وإن سببرق‪ ،‬كررهببا‬
‫ثلثًا«)‪.(184‬‬
‫وفي صحيح أبي داود قال رسول ال ‪» :r‬شفاعتي لهل الكبببائر‬
‫من أمتي«)‪ .(185‬وسيأتي بحث هذا الموضوع عند مناقشللته فللي دعللواه‬
‫)خلود أهل الكبائر في النار( في الجزء الثالث من هذا الكتاب‪.‬‬
‫في )ص ‪ (144 -142‬نقل الخليلي عن شلليخ السلللم ابللن تيميللة‬
‫من‬
‫)‪ 86‬ل ‪،91‬ل ‪ (93‬المجلد الثاني عشللر مللن الفتللاوى مقتطفللات مللن هللذه‬
‫الصفحات‪ .‬فنقل مللن )ص ‪ (89 -88‬عللن شلليخ السلللم كلملًا يتعلللق‬
‫بالحروف‪ ،‬وعن ابن عقيل وعن القاضي يعقوب الللبرزيني‪ ،‬وفللي )ص‬
‫‪ (144‬نقل مقطعًا من )ص ‪ (86‬ثم أتبعه في الصفحة نفسها بمقطع مللن‬
‫)ص ‪ (91‬ثم قال‪) :‬وبعد ما نقللل ابللن تيميللة كلملله أردفلله بقللوله‪ :‬هللذا‬
‫))‬

‫‪ ()) 184‬أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجنائز ح)‪.(123‬‬


‫‪ ()) 185‬أخرجه أبو داود في سننه )‪ (4/625‬رقللم )‪،(2435‬ل )‪ (4/236‬رقللم )‪(4739‬‬
‫كتاب السنة باب في الشفاعة‪.‬‬
‫كلم القاضي يعقوب وأمثاله‪ ،‬مع أنه أجل مللن تكلللم فللي هللذه المسللألة‪،‬‬
‫ل على ما يخالف النص والجماع والعقللل خللالفه‬ ‫ولما كان جوابه مشتم ً‬
‫ابن عقيل وغيره من أئمة المذهب الذين هم أعلم به(‪.‬‬
‫قال الخليلي‪) :‬وبعد أن حكى ابن تيميللة َرّد ابلن عقيللل عليلله أتبعلله‬
‫بقوله‪:‬‬
‫فهذا الذي قاله ابن عقيل أقل خطأ مما قاله البرزيني‪ ،‬فإن ذلك مخللالف‬ ‫))‬

‫للنص والجماع والعقل مخالفة ظاهرة(‪.‬‬


‫ثم عقب عليه بقوله‪) :‬فانظر كيف يسجل ابن تيمية على أحد كبللار‬
‫أئمتهم ل يعّده أجل من تكلم في هذا المسلألة لل مخالفلة النلص والجمللاع‬
‫والعقل مخالفة ظاهرة‪ ،‬ولم يبرئ ابللن عقيللل لل الللذي يعتللبره أعلللم منلله‬
‫بالمذهب ل من الخطأ وإن عّد خطأه أقل من خطللأ الللبرزيني‪ ،‬ولللم يقللف‬
‫المر عند هذا الحللد‪ ،‬بللل نجللده ينقللل عللن أئمتهللم تكفيللر مللن قللال قللول‬
‫البرزيني‪ ،‬فقد نقل عن حماد بن زيد أنه سئل عمن قال كلم الناس ليس‬
‫بمخلوق‪ ،‬فقال‪ :‬هذا كلم أهل الكفر‪ .‬كما نقل عن المعتمللر بللن سللليمان‬
‫أنه قال‪ :‬هذا كفر ولم يعلق عليهما ابن تيمية إل بما يقتضي تأييدهما(‪.‬‬
‫ثم قال‪) :‬وبما تجده من خلف حاد بينهلم فللي هللذه المسللألة بحيللث‬
‫يتعذر الجمع بين أقوالهم‪ ،‬تدرك أنهم لم يتقيللدوا فيهللا بضللوابط‪ ،‬ولللذلك‬
‫أرسل بعضهم فيها عنان القول‪ ،‬حللتى زعللم إن جلللد المصللحف والوتللد‬
‫الذي يعلق به وما حول الوتد ملن الحلائط كلل ذللك ملن كلم اللل‪ ،‬فهللو‬
‫غير مخلوق في زعمهم(‪.‬‬
‫ثلم اسلتدرك فقلال‪) :‬وهللو وإن علزاه ابلن تيميلة إلللى جهلتهلم فملا‬
‫أدراك لعللل أولئك يعللدون معارضلليهم هللم الجهلللة‪ ،‬ويزعمللون أيض لًا‬
‫مثلهم أنهم أسعد بمذهب المام أحمد(‪.‬‬
‫ثم قال‪) :‬وبهذا أخي القارئ تدرك خطورة هذه العقيدة‪ ،‬وما جرته‬
‫على السلم من بلء‪ ،‬فإن إضفاء صفة القدم على مللا ل يمللاري عاقللل‬
‫ول يكابر حس في حللدوثه‪ ،‬كللالجلود والوتللاد والحللوائط أمللر ل يبقللى‬
‫بعده إل إثبات قدم العالم بأسره وإنكار اللوهية رأسلًا(‪ ،‬ثببم اسببتمر فببي‬
‫ذكر هذه العبارات الساقطة التي ل يستسيغ قبولها عاقل‪ ،‬إلى أن قللال‪:‬‬
‫)وفي هذا ما يكشللف لكللل ذي عينيللن أن إثللارة بحللث هللذه القضللية فللي‬
‫الوسط السلللمي لللم يكللن إل مللؤامرة دبرهللا أعللداء السلللم لصللرف‬
‫المسلمين عن عقيدة التوحيللد الخالصللة‪ ،‬وتمزيللق شللملهم بهللذه القللوال‬
‫المتباينة والمذاهب المتعارضة( )ص ‪ (145‬من كتابه هذا‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬من الذي يثير بحث هذه القضلية فلي الوسلط السللمي؟ إن‬
‫شيخ السلم ابن تيمية وتلميذه ابللن القيللم رحمهمللا الل الللذين تركللز الللرد‬
‫عليهما قد ماتا في القرن السابع‪ ،‬وبهذا يظهر لكل ذي عينين ‪-‬كما تقللول لل‬
‫أن الذي يثير بحث هذه القضية هو أنت بكتابلك هلذا الللذي تنشللره‪ ،‬فلمللاذا‬
‫ترمي البرياء بدائك؟‬
‫ولي على هذا التعقيب الملحظات التالية‪:‬‬
‫الملحظة الولى‪ :‬قوله‪ :‬إن ابن تيمية يسجل على أحد كبار أئمتهم‬
‫مخالفة النص والجماع والعقل ويقصد به لل الللبرزيني‪ ،‬ثللم يقللول‪ :‬ولللم‬
‫يبرئ ابن عقيل الذي يعتبره أعلم منه بالمذهب‪.‬‬
‫فالجواب على هذا من وجهين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن هذا يدل على عدم التعصب للقوال المخالفة للنصوص‬
‫ولو كان القائل بهذا من علماء المذهب في الفروع‪ ،‬فهذا الموقف يحمللد‬
‫عليه شيخ السلم ابن تيمية‪ ،‬وهو دليللل قللاطع أنلله ل يجامللل أحللدًا فللي‬
‫الحق‪.‬‬
‫ثم هو في الوقت نفسلله ل يغمللط الخريللن حقهللم‪ ،‬بللل يثنللي علللى‬
‫العللالم بمللا يسللتحقه ويوضللح أن خطللأه فللي مسللألة وقللع فيهللا النللزاع‬
‫والشللتباه علللى العلمللاء الجلء المعروفيللن بعلمهللم إذا أخطللؤوا عللن‬
‫اجتهاد وهم من أهل الجتهاد فخطؤهم معفللو عنلله عنللد ال ل عللز وجللل‬
‫للنصوص الواردة في ذلك‪.‬‬
‫ولكن هذا ل يعفي العالم من أن يبين ذاك الخطللأ حللتى ل يقللع فيلله‬
‫الخرون‪ ،‬وهذا ما صنعه ابن تيمية في حق هؤلء العلماء‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬إن شيخ السلم ابن تيمية بين سبب انتقاده لهؤلء‪،‬‬
‫كما في )ص ‪ (94‬التي قصر عنها قلم الخليلللي حيللث وقللف علللى )ص‬
‫‪ (93‬ولذلك فإني أنقل لك أيها القارئ الكريم ما تركه الخليلللي عامللدًا ل‬
‫ناسيًا‪.‬‬
‫يقللول شلليخ السلللم ابللن تيميللة فللي )ص ‪ (94‬مللن أول السللطر‬
‫الثالث‪:‬‬
‫»وأما جواب ابن عقيللل فبنللاه علللى أصللل ابللن كلب الللذي يعتقللده هللو‬
‫وشيخه وغيرهما‪ ،‬وهو الصل الذي وافقوا فيله ابلن كلب وملن اتبعله‬
‫كالشعري وغيره‪ ،‬وهو أن ال ل يتكلم بمشيئته وقدرته‪ ،‬وأنه ليس فيما‬
‫يقوم به شيء يكون بمشيئته وقدرته؛ لمتناع قيام المور الختيارية بلله‬
‫عنللدهم لنهللا حادثللة وال ل ل يقللوم بلله حللادث عنللدهم‪ ،‬ولهللذا تللأولوا‬
‫النصللوص المناقضللة لهللذا الصللل كقللوله تعللالى‪} :‬وقل اعملتتوا‬
‫فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون{ ] التوبة‪ [105:‬فإن‬
‫هللذا يقتضللي أنلله سلليرى العمللال فللي المسللتقبل‪ .‬وكللذلك قللوله‪} :‬ثم‬
‫جعلنتتاكم خلئف فتتي الرض متتن بعتتدهم لننظتتر كيتتف‬
‫تعملون{ ]يللونس‪[14:‬وكذلك قللوله‪} :‬قل إن كنتم تحبتتون اللتته‬
‫فاتبعوني يحببكم الله{]آل عمران‪ [31:‬فإن هذا يقتضللي أنلله يحبهللم‬
‫بعللد اتبللاع الرسللول‪ .‬وكللذلك قللوله تعللالى‪} :‬ولقتتد خلقنتتاكم ثتتم‬
‫صورناكم ثم قلنا للملئكة اسجدوا لدم{ ]العللراف‪ [11:‬فإن‬
‫هذا يقتضي أنه قال لهم بعد خلق آدم‪ .‬وكذلك قوله تعالى‪} :‬فلما أتاها‬
‫نودي{]طه‪ [11:‬يقتضي أنه نودي لما أتاها‪ ،‬للم ينلاد قبلل ذلللك‪ .‬وكللذلك‬
‫قوله‪} :‬إنما أمره إذا أراد شيئا ً أن يقول له كتتن فيكتتون{‬
‫] يس‪ [ 82:‬ومثل هذا في القرآن كثير‪ ،‬ثللم قللال‪ :‬وهللذا الصللل هللو ممللا‬
‫أنكللره المللام أحمللد علللى ابللن كلب وأصللحابه حللتى علللى الحللارث‬
‫المحاسبي مع جللة قدر الحارث‪ ،‬وأمر بهجره وهجر الكلبية(‪.‬‬
‫ثلم واصللل ابلن تيميلة الحللديث فقللال فللي )ص ‪) :(95‬وكلثير ملن‬
‫المتأخرين من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفللة وافقللوا ابللن‬
‫كلب على هذا الصل كما بسط الكلم على ذلك في مواضع أخر‪.‬‬
‫قال‪ :‬واختلف قول ابن عقيل في هذا الصل‪ ،‬فتارة يقللول بقللول ابللن‬
‫كلب‪ ،‬وتارة يقول بمذهب السلف وأهل الحديث أن الل تقللوم بله المللور‬
‫الختيارية ويقول‪ :‬إنه قام به أبصار متجددة حين تجدد المرئيللات لللم تكللن‬
‫ل أنله‬
‫قبل ذلك‪ ،‬وقام به علم بأن كل شليء وجلد غيلر العللم اللذي كلان أو ً‬
‫سليوجد كملا دل عللى ذللك علدة آيلات فلي القلرآن الكريلم كقلوله تعلالى‪:‬‬
‫}لنعلم من يتبع الرسول{ ]البقرة‪ [143:‬وغير ذلك‪.‬‬
‫قال‪ :‬وكلمه فللي هللذا الصللل وغيللره يختلللف‪ ،‬تلارة يقللول بهللذا‪،‬‬
‫وتارة يقول بهذا‪ ،‬فإن هللذه المواضللع مواضلع مشلكلة‪ ،‬كلثر فيهلا غلللط‬
‫الناس لما فيها من الشتباه واللتباس(‬
‫ثم قال في أول )ص ‪) : (96‬والجللواب الحللق أن كلم الل ل يماثللل‬
‫كلم المخلوقين‪ ،‬كما ل يماثل في شيء من صفاته صللفات المخلللوقين‪(...‬‬
‫إلى أن قال في آخر )ص ‪ ...) :(97‬والقللرآن عنلد الملام أحمللد وسللائر‬
‫أئمة السنة كلمه تكلم به وتكلللم بللالقرآن العربللي بصللوت نفسلله‪ ،‬وكلللم‬
‫موسى بصوت نفسه الذي ل يماثل شيئًا من أصوات العباد(‪ .‬ثم قال في‬
‫أول )ص ‪) :(98‬ثلم إذا قرأنلا القللرآن فإنملا نقلرؤه بأصلواتنا المخلوقللة‬
‫التي ل تماثل صوت الرب‪ ،‬فالقرآن الذي نقرؤه هو كلم ال مبلغًا عنلله‬
‫ل مسموعًا منه‪ ،‬وإنما نقرؤه بحركاتنا وأصللواتنا‪ ،‬الكلم كلم البللاري‪،‬‬
‫والصوت صوت القارئ‪ ،‬كما دل على ذلللك الكتللاب والسللنة مللع العقللل‬
‫قال ال تعالى‪} :‬وإن أحد من المشركين استجارك فتتأجره‬
‫حتى يسمع كلم الله ثم أبلغه مأمنه{ ] التوبة ‪ [ 6‬وقال النبي‬
‫‪» :r‬زينوا القرآن بأصواتكم« وقال المام أحمد في قللوله ‪» :r‬ليببس‬
‫منا من لم يتغن بالقرآن« قال يزينه ويحسنه بصوته كما قللال‪» :‬زينببوا‬
‫القرآن بأصواتكم«( ثم واصل شيخ السلم ابن تيمية في توضيح هللذا‬
‫الموضوع بذكر الدلة من الكتاب والسنة‪.‬‬
‫صللر قلملله علن نقللل ملا يوضللح كلم شلليخ‬ ‫فنقول للخليلي الللذي ق ّ‬
‫السلم ابن تيمية في نقللده للقاضللي وابللن عقيللل‪ :‬أليللس مللا ذكللره ابللن‬
‫تيميللة هللو الحللق الللذي يجللب علللى العلِالم أن يقللوله وأن ل تأخللذه فللي‬
‫الصدع به لومة لئم؟‪ .‬ومع ذلللك فللإن شلليخ السلللم ابللن تيميللة يحللترم‬
‫العالم لعلمه‪ ،‬ويذكر الفضل الذي له‪ ،‬ثم يبين الخطأ الذي وقع فيلله حللتى‬
‫ل يقع فيه غيره‪ ،‬لن العصمة للنبياء وحدهم ول ينقص هللذا مللن قللدر‬
‫العالم شلليئًا‪ ،‬وهللذا هللو أسلللوب السلللف وأتبللاعهم ل سلليما فللي المللور‬
‫المشكلة التي فيها الشتباه‪ ،‬كما قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه ال‪.‬‬
‫وأما أهل الباطل الللذين يعرفللون الحللق ويتعسللفون فللي رده‪ ،‬وهللم‬
‫الدخلء علللى السلللم ومللن أخللذ بللآرائهم‪ ،‬كمللا قللال الخليلللي‪ :‬إن هللذه‬
‫المسللالة مللن كيللد اليهللود‪ ،‬كملا مثللل فللي )ص ‪ (106‬مللن كتللابه فقللال‪:‬‬
‫)ولعل على رأس هؤلء أبا شاكر الديصاني الذي قيل عنه إنلله يهللودي‬
‫تظاهر بالسلم(‪.‬‬
‫فإن أهل السنة يردون عليهم الرد القوي بالكتاب والسنة‪ ،‬ويللبينون‬
‫للناس خداعهم وأهدافهم التي يقصدون من ورائها هدم هذا الدين‪ ،‬وذلك‬
‫بهدم أصوله )الكتاب والسنة(‪.‬‬
‫الملحظة الثانية‪ :‬من الللذي يللثير بحللث هللذه القضللية فللي الوسللط‬
‫السلمي‪ ،‬أليس هو الخليلي بنشره لكتابه هللذا كمللا سللبق التنللبيه علللى‬
‫ذلك؟‪.‬‬
‫ثم يواصل الخليلي في نقده لشيخ السلم ودعواه تضارب أقواله‪،‬‬
‫فبعد أن قال في )ص ‪) :(144‬إن ابن تيمية‪ :‬لم يبرئ ابن عقيل‪ (...‬إلللخ‬
‫قال‪) :‬ولم يقف المر عند هذا الحد بل نجده ينقل عن أئمتهم تكفيللر مللن‬
‫قال‪ :‬قول البرزيني‪ ،‬فقد نقل عن حماد ابن زيد أنه سئل عمن قال‪ :‬كلم‬
‫الناس ليس بمخلوق فقال‪ :‬هذا كلم أهل الكفر‪ ،‬كما نقل عن المعتمر بن‬
‫سليمان أنه قال‪ :‬هذا كفر‪ ،‬ولم يعلق عليهمللا ابللن تيميللة إل بمللا يقتضللى‬
‫تأييدهما( ثم وضع رقم )‪ (4‬وكتللب فللي الهللامش المرجللع السللابق )ص‬
‫‪.(93‬‬
‫وأقول‪ :‬إن الهامش خطأ وليس هذا الكلم في )ص ‪ ،(93‬وإنما كلم‬
‫حملاد بلن زيلد ومعتملر بلن سلليمان هلو فلي )ص ‪ (326‬وقلد نقلل منهلا‬
‫الخليلي‪ ،‬وقد عرفنا أسلوبه وهو بتر الكلم فيأخللذ الجزئيللة الللتي يريللد أن‬
‫يشوش بها على القارئ ويترك ما يوضحها ل قبلها أو بعلدها‪ -‬ولهللذا فللإني‬
‫طرًا وردت قبللل هللذا الكلم الللذي ذكللره عللن حمللاد بللن زيللد‬ ‫سل ُ‬
‫سللأنقل َأ ْ‬
‫والمعتمر بن سليمان ليعلم القارئ تصرفات أهل الباطل فللي تأييللد بللاطلهم‬
‫بللأي وسلليلة كللانت‪ ،‬ثللم أتبعهللا بالقاعللدة المتفللق عليهللا عنللد أهللل السللنة‬
‫والجماعة في بيان الفرق بين القول والقائل‪.‬‬
‫فأقول‪ :‬جاء كلم حماد بن زيد والمعتمر بن سليمان فللي معللرض‬
‫رد شيخ السلم ابن تيمية علللى سللؤال وجلله إليلله بللدأ مللن )ص ‪(323‬‬
‫ونص السؤال‪» :‬عن قوم يقولون‪ :‬كلم الناس وغيرهم قديم ‪-‬سواء كان‬
‫صدقًا أو كذبًا‪ ،‬فحشًا أو غير فحش‪ ،‬نظمًا أو نثرًا لل ول فللرق بيللن كلم‬
‫ال ل وكلمهللم فللي القللدم‪ «...‬إلللخ‪ ،‬وهللذا فللي بدايللة الرسللالة المسللمى‬
‫)بالكيلنية( وقد سبقت الشارة إليها وقد بسط شلليخ السلللم فيهللا هللذه‬
‫المسللألة وختمهللا بللالقول بللالفرق بيللن القللول والقللائل‪ ،‬والكفللر المطلللق‬
‫وتكفير المعين‪.‬‬
‫وبدأ الجواب بقوله‪» :‬الحمد ل‪ ،‬بل هؤلء مخطئون في ذلك خطأ‬
‫ل منكللرًا مللن القللول وزورًا بللل‬
‫محرمًا بإجماع المسلمين‪ ،‬وقد قالوا قللو ً‬
‫ل يجب نهيهم عنه‪ ،‬ويجب على ولة المللور عقوبللة مللن لللم‬ ‫كفرًا ومحا ً‬
‫ينته منهم عن ذلك …« إلخ‬
‫ثم قال في )ص ‪ :(324‬وأنه ل ريللب أن المللام أحمللد بللن حنبللل‬
‫))‬

‫ومن قبله وبعده من الئمة نصلوا عللى أن كلم الدمييلن مخللوق نصلًا‬
‫مطلقًا‪ ،‬بل نص أحمد وكثير من الئمة على )أفعال العباد( عمومًا وعلى‬
‫)كلم الدميين( خصوصًا‪ ،‬ولم يمتنعوا عن هذا الطلق لجللل الشللبهة‬
‫التي عرضت لهؤلء المبتدعة المخالفين‪ ،‬حتى يقول قائل منهللم أو مللن‬
‫غيرهم‪ :‬أنه ل يقال مخلوق ول غيللر مخلللوق لجللل شللبهتهم‪ ،‬أو لكللون‬
‫الكلم في ذلك بدعة‪ «...‬إلخ وفللي )ص ‪ (325‬ذكللر أقللوال العلمللاء فللي‬
‫)اللفظية( فقال‪» :‬روي في )كتاب السنة( فللي الكلم علللى اللفظيللة عللن‬
‫أبي بكر بن زنجويه قال‪ :‬سمعت أحمد بن حنبل يقللول‪ :‬مللن قللال لفظللي‬
‫بالقرآن مخلوق فهللو جهمللي‪ ،‬ومللن قللال غيللر مخلللوق فهللو مبتللدع ول‬
‫يكلم«)‪.(186‬‬
‫قللال الخلل‪» :‬وأخبرنللا أبللو داود السجسللتاني قللال‪ :‬سللمعت أبللا‬
‫عبدال يتكلم في )اللفظية( وينكر عليهم كلمهم ‪ «...‬إلخ‪.‬‬
‫‪ () 186‬تقدم توضيح هذا ردًا على الخليلي‪.‬‬
‫وفي )ص ‪ (326‬التي نقل منها الخليلي نص التكفير قال الخلل‪:‬‬
‫وأخبرني أبلو بكلر الملروزي حلدثنا محملد بلن يحيلى الزدي حللدثني‬ ‫))‬

‫مسدد قال‪ :‬كنت عند يحيللى القطللان وجللاء يحيللى بللن إسللحاق بللن توبللة‬
‫العنبري‪ ،‬فقال له يحيى‪ :‬حدث هذا يعني مسددًا كيف قال حماد بللن زيللد‬
‫فيها؟ أي )مسألتنا( فقال سألت حماد بن زيد عمن قال‪ :‬كلم الناس ليس‬
‫بمخلوق‪ ،‬فقال‪ :‬هذا كلم أهللل الكفللر‪ ،‬وقللال يحيللى بللن إسللحاق‪ :‬سللألت‬
‫معتمر بن سليمان عمن قال‪ :‬كلم الناس ليس بمخلوق فقال‪ :‬هذا كفر((‬
‫اهل‪.‬‬
‫فهذا هو سياق الكلم في هذه المسألة‪ ،‬ليس فيها نص على شخص‬
‫معين ل البرزيني ول غيره‪.‬‬
‫أما دعوى الخليلي أن ابن تيمية لم يعلق عليهمللا لل أي علللى حمللاد‬
‫بن زيد والمعتمر بن سليمان إل بما يقتضي تأييدهما‪-‬‬
‫فببالجواب علببى هببذا‪ :‬أن الخليلللي ل يفللرق بيللن الكفللر المطلللق‬
‫والتكفير المعين‪ ،‬ولهذا ادعى على ابللن تيميللة هللذه الللدعوى‪ ،‬مللع أن‬
‫شيخ السلم ابن تيمية وضح هذا في آخر بحث هذه المسألة في )ص‬
‫‪ (487‬و الخليلي قد طوف بصفحات هذا المجلد مللن الفتللاوى فنقللل مللن‬
‫)ص ‪ (326‬هذا الذي يريده‪ ،‬كما نقل مللن )ص ‪ ،384‬ل ‪ (567‬وغيرهللا‬
‫من الصفحات كما سبقت الشللارة لللذلك‪ ،‬ول شللك ول ريللب أنلله اطلللع‬
‫على كلم شيخ السلم في )ص ‪ (487‬في قضية )التكفير( ورأى كلم‬
‫شيخ السلم في بيان الفرق بيللن )التكفيللر( المطلللق و )تكفيللر المعيللن(‬
‫ولكنه لم يشأ نقل ذلك‪ ،‬لنه يفسد دعلواه عللى شليخ السلللم فلي قللوله‪:‬‬
‫ولم يعلق عليهما ابن تيمية إل بمقتضى تأييدهما((‪.‬‬ ‫))‬
‫وأقول‪ :‬سبق نص كلم حماد بللن زيللد حيللث قللال‪ :‬مللن قللال كلم‬
‫))‬

‫الناس ليس بمخلوق قال‪ :‬هذا كلم أهل الكفر‪ ،‬وقال معتمر بن سللليمان‪:‬‬
‫هذا كفر((‪.‬‬
‫فهو ‪-‬كما ترى ل كلم مطلق ولم يكن معينًا لشللخص بعينلله بحيللث‬
‫قال‪ :‬إن فلنًا كافر‪ ،‬واقرأ كلم شيخ السلم في هذا فقللد قللال فللي )ص‬
‫‪ (487‬وهو يتحدث عما أصاب الناس في فهللم اللفللاظ المطلقللة العامللة‬
‫من كلم أئمتهم في مسألة )التكفير(‪.‬‬
‫فقال‪ :‬وسبب هذا التنازع تعارض الدلة‪ ،‬فإنهم يرون أدلة توجب‬ ‫))‬

‫إلحاق أحكام الكفر بهللم‪ ،‬ثللم إنهللم يللرون مللن العيللان الللذين قللالوا تلللك‬
‫المقالت من قام بلله مللن اليمللان مللا يمتنللع أن يكللون كللافرًا فيتعللارض‬
‫عندهم الدليلن‪ ،‬وحقيقة المر أنهم أصابهم في ألفللاظ العمللوم فللي كلم‬
‫الئمة ما أصاب الولين في لفللظ العمللوم فللي نصللوص الشللارع‪ ،‬كلمللا‬
‫رأوهم قالوا‪ :‬من قال كذا فهو كافر اعتقد المستمع أن هللذا اللفللظ شللامل‬
‫لكل من قاله‪ ،‬ولم يتدبروا أن التكفير للله شللروط وموانللع قللد تنتفللي فللي‬
‫حق المعين‪ ،‬وأن التكفير المطلق ل يستلزم تكفير المعين إل إذا وجللدت‬
‫الشروط وانتفت الموانع((‪.‬‬
‫ل واقعًا يبين هللذا الصللل العظيللم عنللد أهللل السللنة‬ ‫ثم ضرب مثا ً‬
‫وذلك بما عمللله المللام أحمللد بلن حنبلل فقللال فلي )ص ‪:(489– 488‬‬
‫»يبين هذا أن المام أحمد وعامة الئمة‪ ،‬الذين أطلقوا هللذه العمومللات‬
‫ل لل قللد‬
‫لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلم بعينه‪ .‬فإن المام أحمللد لل مث ً‬
‫باشر )الجهمية( الذين دعوه إلى خلق القرآن ونفي الصفات‪ ،‬وامتحنللوه‬
‫وسائر علماء وقته وفتنوا المؤمنين والمؤمنات الذين لم يوافقللوهم علللى‬
‫التجهم بالضرب والحبس والقتل والعزل ‪«..‬إلخ‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬ومعلوم أن هذا من أغلظ التجهم‪ ،‬فإن الدعاء إلللى المقالللة‬ ‫))‬

‫أعظم من قولها‪ ،‬وإثابة قائلها وعقوبة تاركها أعظللم مللن مجللرد الللدعاء‬
‫إليها‪ ،‬والعقوبة بالقتل لقائلها أعظم من العقوبة بالضرب‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثم إن المام أحمد دعا للخليفة وغيره ممللن ضللربه وحبسلله‪،‬‬
‫واستغفر لهم وحللهم مما فعلوه به من الظلللم والللدعاء إلللى القللول الللذي‬
‫هو كفر‪.‬‬
‫قال‪ :‬ولو كانوا مرتدين عن السلم للم يجلز السلتغفار لهللم‪ ،‬فلإن‬
‫الستغفار للكفلار ل يجلوز بالكتلاب والسلنة والجمللاع‪ ،‬وهللذه القلوال‬
‫والعمللال منلله ومللن غيللره مللن الئمللة صللريحة فللي أنهللم لللم يكفللروا‬
‫المعينين من الجهمية الللذين كللانوا يقولللون‪ :‬القللرآن مخلللوق وأن الل ل‬
‫يرى في الخرة‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬وقد نقل عن أحمد ما يدل على أنه كّفر بلله قوملًا معينيللن‪،‬‬
‫فأما أن يذكر عنه في المسألة روايتان ففيه نظر‪ ،‬أو يحمللل المللر علللى‬
‫التفصيل فيقال‪ :‬من ُكّفر بعينه فلقيام الدليل على أنه وجدت فيلله شللروط‬
‫التكفير )‪(187‬وانتفت موانعه‪ ،‬ومن لم يكفره بعينه فلنتفاء ذلك في حقله‪،‬‬
‫هذا مع إطلق قوله بالتكفير على سبيل العموم((‪ .‬ثللم ذكللر الدلللة علللى‬
‫هذا الصل من الكتاب والسنة والجماع والعتبار‪...‬إلخ اهل‪.‬‬
‫ولهذا نقول للقارئ ل للخليلي‪ ،‬لنه مطلع على كلم شيخ السلللم‬
‫ابن تيمية‪ :‬أين تكفير )المعين( من كلم شيخ السلم ابن تيمية؟‪.‬‬

‫‪ () 187‬بين هذه الشروط في )ص ‪ (466‬من هذا الجزء فقال‪ :‬وليس لحد أن يكفللر أحللدًا‬
‫من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين للله المحجللة‪ ،‬ومللن ثبللت‬
‫إسلمه بيقين لم يزل ذلللك عنلله بالشللك‪ ،‬بللل ل يللزول إل بعللد إقامللة الحجللة وإزالللة‬
‫الشبهة‪.‬‬
‫فابن تيمية ينقل كما ترى عن المام أحمد أنه لم يكفر المعينين من‬
‫الجهمية الذين دعوه إلى المقالة‪ ،‬اللتي هلي كفللر بلل حللهللم مللن عملهللم‬
‫لوجود شبهة عندهم‪.‬‬
‫فكيف يقول‪ :‬إنه يكفر من أخطأ كالبرزيني وابن عقيل‪ .‬ثم إن لفللظ‬
‫حماد بن زيد والمعتمر بن سليمان هو لفظ عام وهو إطلق لفظ الكفللر‬
‫على هذا القول‪ .‬وليس إطلقًا على معين‪ ،‬لن المعيلن ل يجللوز تكفيللره‬
‫إل بعد إقامة الحجة عليه وإزالة الشبهة عنه‪ ،‬وهللذا هلو ملذهب السلللف‬
‫وأتباعهم‪.‬‬
‫ولكن إليك القللول السللخيف الللذي يللرده شلليخ السلللم علللى قللائله‬
‫ويقول عنه بأنه لغو ملن القلول اللذي ل يقلوله مسللم ول عاقلل‪ .‬وإليلك‬
‫تعبير الخليلي ودعواه على القائلين بأن القرآن كلم ال ل لفظلله ومعللانيه‬
‫ل‪ ،‬وسللنتبع‬ ‫وعلى شيخ السلم ابن تيمية الللذي ينصللب للله العللداء بللاط ً‬
‫قوله بنقل النللص عللن شلليخ السلللم ابللن تيميللة لتعلللم زيفلله فللي القللول‬
‫وتحميله شيخ السلم بما هو منه براء‪.‬‬
‫يقول الخليلي الواصف لطائفته الباضية بأنهم أهل الستقامة وهو‬
‫يمثلهم في العصر الحاضر في )ص ‪ (145 – 144‬قال‪) :‬وبمللا تجللده‬
‫من خلف حاد بينهم في هذه المسألة بحيث يتعذر الجمللع بيللن أقللوالهم‪،‬‬
‫تدرك أنهم لم يتقيدوا فيها بضوابط‪ ،‬ولللذلك أرسللل بعضللهم فيهلا عنلان‬
‫القول‪ ،‬حتى زعم أن جلد المصللحف والوتللد الللذي يعلللق بلله ومللا حللول‬
‫الوتد من الحائط‪ ،‬كل ذلك من كلم ال فهو غير مخلوق في زعمهم(‪.‬‬
‫ولعلم الخليلي أنه كلم مرذول مردود استدرك فقال‪:‬‬
‫)وهو وإن عزاه ابن تيمية إلى جهلتهللم)‪ ،(188‬فمللا أدراك لعللل أولئك‬
‫يعدون معارضيهم هم الجهلة ويزعمون أيضلًا مثلهلم أنهلم أسللعد بمللذهب‬
‫المام أحمد(‪.‬‬
‫ثم قال‪) :‬وبهذا تدرك أخي القارئ خطورة هذه العقيدة ومللا جرتلله‬
‫صَفِة الِقَدم على مللا ل يمللاري عاقللل‬
‫ضَفاء ِ‬ ‫نإ ْ‬‫على السلم من بلء‪ ،‬فإ ّ‬
‫ول يكابر حس في حدوثه‪ ،‬كللالجلود والوتللاد والحللوائط‪ ،‬أمللر ل يبقللي‬
‫بعده إل إثبات ِقَدم العالم بأسره ‪...‬إلخ(‪.‬‬
‫وأقول للقارئ الكريم الباحث عن الحق‪:‬‬
‫إليك نص كلم شيخ السلللم ابللن تيميللة لتعلللم زيللف الخليلللي فللي‬
‫كلمه‪ ،‬ومغالطاته للقراء الكرام من أبناء طللائفته وغيرهللم‪ ،‬ممللن يظللن‬
‫بكللل مللن ادعللى العلللم أنلله ل ينقللل عللن الخريللن ول ينسللب إليهللم إل‬
‫أقوالهم‪ ،‬ول يدعي عليهم خلف مللا يقولللون؛ لن ال ل يقللول فللي كتللابه‬
‫الكريم مخوفًا ومحذرًا عباده من سللوء حصللائد ألسللنتهم‪} :‬ما يلفتتظ‬
‫من قول إل لديه رقيب عتيد{ ] ق ‪.[ 18‬‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية في بداية هذا النللص مللن )ص ‪-380‬‬
‫‪.(381‬‬
‫قال‪) :‬فصل(‪ :‬ثم إن فروخ )اللفظيببة النافيببة( الذين يقولللون بللأن‬ ‫))‬

‫حروف القرآن ليست من كلم ال‪َ ،‬تْروي عن منازعيها أنهم يقولون‪:‬‬


‫ل الصوات المسموعة من العبد‪ ،‬وإل المداد المكتوب‬ ‫القرآن ليس هو إ ّ‬
‫في الورق‪ ،‬وإن هذه الصوات وهذا المداد قديمان‪.‬‬
‫قببال‪ :‬وهللذا القللول مببا قبباله أحببد ممللن يقببول‪ :‬إن القللرآن ليللس إل‬
‫الحروف والصوات‪ ،‬بل أنكروا ذلك وردوه وكللذبوا مللن نقللل عنهللم )إن‬
‫المداد قديم( ‪.‬‬
‫‪ ()) 188‬فتاوي ابن تيمية ‪.381 / 12‬‬
‫ولكن هذا القول قللد يقللوله الجهللال المتطرفللون‪ ،‬كمللا يحكللى عللن‬ ‫))‬

‫أعيانهم مثل سكان بعض الجبال‪ :‬إن الورق والجلد والوتد وما أحاط به‬
‫من الحائط كلم ال‪ ،‬أو ما يشبه هذا اللغو من القول الذي ل يقوله مسلم‬
‫ول عاقل((‪.‬‬
‫فهذا كلم شيخ السلم في هؤلء الجهال الذين قللالوا هللذا القللول‬
‫الباطل‪.‬‬
‫وأترك للقارئ الكريم الباحث عللن الحللق أن يقللارن بيللن مللا نسللبه‬
‫الخليلي لشيخ السلم ابن تيمية وبين ما نقلته عنه في هذا النص‪ ،‬ورده‬
‫على أولئك الجهللال المتطرفيللن كمللا وصللفهم وأن ذلللك القللول ل يقللوله‬
‫مسلم ول عاقل‪.‬‬
‫وإنمللا أعلللق علللى قللول الخليلللي السللابق فللي تعقيبلله المشللار إليلله‬
‫ونصه‪:‬‬
‫)وبهذا تدرك أخي القارئ خطورة هذه العقيدة وما جّرته علللى السلللم‬
‫من بلء(‪ ،‬هذا قول الخليلي‪.‬‬
‫فللأقول‪ :‬إن هللذا الكلم ينطبللق علللى المثللل السللائر )رمتنببي بببدائها‬
‫ت(‪.‬‬
‫وانسّل ْ‬
‫فما هي العقيدة الخطيرة التي جرت على السلم والمسلللمين البلء‪،‬‬
‫هل هي عقيدة سلف المة والمتبعين لهم بإحسان مللن أن القللرآن كلم الل‬
‫لل للل تكلم به بمشيئته وقدرته‪ ،‬وقد سمعه جبريل عليلله السلللم مللن‬
‫ال ونزل به على محمد‪، ‬وكل مسلم يعلم أن المة السلللمية مللن عهللد‬
‫الصحابة رضوان ال عليهم وأتباعهم كانوا على كلمة سواء فللي عقللائدهم‬
‫وعباداتهم وجميع شؤون حياتهم‪.‬‬
‫ينهلون من المعين الصافي كتاب الل عللز وجللل وسللنة رسللوله‪‬‬
‫التي ضمن لمن تمسك بهما أن ل يضل كما قال ‪» :r‬تركت فيكم ما إن‬
‫تمسكتم به لن تضلوا كتاب ال وسنتي« )‪.(189‬‬
‫ولم يحدث بين المسلمين ما يفرق كلمتهم‪ ،‬ويشتت شللملهم‪ ،‬ويكفللر‬
‫بعضهم بعضًا‪ ،‬إل عندما دخلت علللى المسلللمين هللذه العقيللدة الخطيللرة‬
‫التي هي القول )بخلق القرآن( من اليهود‪.‬‬
‫كما اعترف الخليلي نفسه بذلك في كتابه هللذا )ص ‪(106 – 105‬‬
‫وهللو يتحللدث عمللن أشللعل هللذه الفتنللة‪ ،‬وهللل القللرآن مخلللوق أو غيللر‬
‫مخلوق قال‪:‬‬
‫)وقد أشللعل نلار هللذه الفتنللة بعللض الللدخلء فللي المللة الللذين تقمصللوا‬
‫السلم لحاجات في نفوسهم أرادوا قضللاءها‪ ،‬أهمهللا إذكللاء نللار الفتنللة‬
‫بين طوائف المة‪ ،‬وتقسلليمها إلللى شلليع وأحللزاب }كل حزب بمتتا‬
‫لديهم فرحون{‪ .‬ولعل على رأس هؤلء أبا شاكر الديصللاني الللذي‬
‫قيل عنه أنه يهودي تظاهر بالسلللم‪ ،(...‬هللذا قللول الخليلللي فللي كتللابه‬
‫هذا‪.‬‬
‫ت عللى نفسللك‬ ‫ونقول‪ :‬يا خليلي اتق ال وعللد إلللى الحللق‪ ،‬فقلد أثبل ّ‬
‫بقلمك في هذه الصفحة )ص ‪ (106‬فقلللت بعللد كلمللك السللابق‪) :‬وكللان‬
‫الرعيل الول من السلف الصالح مضى إلى ربه قبللل أن تسللمع آذانهللم‬
‫طنينًا من القول في هذا الموضوع(‪ ،‬فإذا كان أول مللن أشللعل نللار هللذه‬
‫الفتنة بين المسلمين )اليهود( كما قلت‪ ،‬فكيللف يصللح لللك أن تقللول‪) :‬إن‬
‫الذي يقول القرآن كلم ال لل للل وإن الل يتكللم بمشليئته وقلدرته‬
‫متى شاء وكيف شاء على أساس قوله تعالى‪} :‬ليس كمثله شتتيء‬
‫وهو السميع البصير{‪.‬وقوله }إنما أمره إذا أراد شتتيئا ً أن‬
‫‪ ()) 189‬سنن الدارقطني )‪ (4/245‬رقم )‪.(149‬‬
‫يقول له كن فيكون{ ويرد على من خلالف السلللف اللذين مضللوا‬
‫ولم تسمع آذانهم طنينًا من القول )بخلق القلرآن( وأن أول من قلال ذللك‬
‫اليهود‪ ،‬وأخذ ذلك الفكللر اللدخيل الجعلد بلن درهلم‪ ،‬وضلحى بله خالللد‬
‫القسللري‪ ،‬فهللو أول مللن قللال‪ :‬القللرآن مخلللوق ثللم صللاحبه الجهللم بللن‬
‫صللفوان‪ ،‬فكيللف يسللوغ لللك وبللأي منطللق تجعللل مللن رّد علللى هللؤلء‬
‫باطلهم‪ ،‬بأن عقيدتهم خطيرة وجلّرت علللى السلللم والمسلللمين البلء؟‬
‫ألم يجر البلء على السلللم والمسلللمين‪ ،‬وتسللفك الللدماء بسللبب عقيللدة‬
‫)القول بخلق القرآن(؟ ألم يكن الدعاة لهذه العقيدة المعتزلة الذين تفتخللر‬
‫بالنتساب إلللى عقيلدتهم فلي كلل ملا يقوللون؟ إن قللب الحقلائق وجعلل‬
‫عون النلاس‬ ‫الباطل حقًا ليس من أسلوب العلماء اتبلاع السللف الللذين َيلْد ُ‬
‫إلى التمسك بالكتاب والسنة‪ ،‬وإنما هذا أسلوب أهل الباطل‪ ،‬ول شك أن‬
‫الباطللل مللدفوع وزاهللق كمللا قللال اللل تعللالى‪} :‬وقل جاء الحتتق‬
‫وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ً{‪] .‬السراء ‪.[81‬‬
‫إن باطل أولئك المعتزلة الذين لّبسوا على المأمون والمعتصللم قللد‬
‫أزهقه ال بثبات أهل السللنة علللى عقيللدة الحللق؛ وأن القللرآن كلم اللل‪،‬‬
‫وعلى رأس أولئك إمام أهل السنة أحمد بن حنبل ل بإجمللاع المللة‪ ،‬وقللد‬
‫أثنى عليه حتى علماء الباضية‪ ،‬وقد ذكرت ذلك الثناء في كتابللك هللذا‪،‬‬
‫وقد أزهق ال ذلك الباطل وأعاد الحق إلى نصابه‪ ،‬على يد مللن امتحللن‬
‫وهو المام أحمد‪ ،‬وقد طلب منه خليفة المسلمين المعتصم أن يجيبه إلى‬
‫ما يدعوه إليه من القول‪) ،‬بخلق القرآن( ويكافئه بأن يجعله يطأ بساطه‪،‬‬
‫هكذا قال له المعتصم فبماذا أجابه؟ قال له‪ :‬يأتوني على ما يللدعون إليلله‬
‫بآية من كتاب ال أو حديث من سنة رسول ال‪ ‬فعجزوا‪ ،‬فكان مللوقفه‬
‫موقف العالم الذي ل يريد إل نصر الحق مقتديًا برسول ال‪ ‬الللذي ل‬
‫ينتقم لنفسه‪ ،‬وإنما يغضب لل ويقللدم نفسلله فللي سللبيل الل فللإذا انتهكللت‬
‫حدود ال فل يقوم لغضبه‪ ‬أحد حتى ينفذ أمر اللل‪ ،‬ولهللذا فللإن المللام‬
‫أحمد عفا عن الذين امتحنوه وآذوه في نفسه حيللن انتصللر الحللق ودمللغ‬
‫الباطل‪.‬‬
‫ونقول‪ :‬إن كلم أهل الباطل وتلبيساتهم مدموغة بالحق ومللردودة‬
‫على أصحابها‪ ،‬ونختم الرد على هذا الفصل بكشف هذه المغالطللة الللتي‬
‫يكررها في كتاباته‪ ،‬فقد ختم هذا الفصل من )ص ‪ 150‬إلللى ‪ (153‬بعلد‬
‫تكراره لنقل مقتطفات من فتاوى شيخ السلم ابن تيمية المجلللد )‪/ 12‬‬
‫من ص ‪.(567 ،301 ،54 ،86‬‬
‫حيث قال‪) :‬ويستخلص من كلمه هذا ما يلي‪:‬‬
‫‪1‬ل تفسير قدم كلمه تعالى بكونه سبحانه قد كان في الزل متكلم لًا ‪...‬‬
‫إلخ‪.‬‬
‫‪2‬ل أن ابن تيمية وجميع علماء سلفه الذين يعتمد عليهم ل يقولون في‬
‫القرآن المنزل على نبينا‪ ‬أنه قديم العين‪ ،‬كما ل يقولللون ذلللك فللي شلليء‬
‫من الكتب المنزلة‪ ،‬ول أي كلم ينسب إليله تعلالى كاللذي كّللم بله موسلى‬
‫عليه السلم‪ ،‬ول يقولون في شيء من ذلللك إنلله صللفة قديمللة أو أنلله قللائم‬
‫بذات الحق تعالى‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهذا ل خلف بيننا وبينهم فيه‪ ،‬وإنما هللو مخللالف لمللا نللص‬
‫عليه كثير من الشعرية والكلبية أو الحنابلة أنفسللهم مللن كللون القللرآن‬
‫موصوفًا عينه بالقدم‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫‪3‬ل أنهم مع اعترافهم بعدم قدم القرآن وسائر الكتب المنزلة ينفللون‬
‫عنها صفة المخلوقية ويضللون أو يكفرون من قال بخلقها‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهذا محط العجب وموضع الستغراب(‪.‬‬
‫ثم علل عجبببه هببذا بقببوله‪) :‬فللإن الكائنلات بأسللرها إمللا أن تكللون‬
‫قديمة أزلية لم يسبق وجودها عدم‪ ،‬وإما تكون حادثللة كللانت بعللد أن لللم‬
‫تكللن‪ ،‬وهللي فللي هللذا الكللون بحاجللة إلللى مللن أخرجهللا مللن العللدم إلللى‬
‫الوجود‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهذا هو معنى الخلق كما سبق في مقدمة هذا المبحث‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬ول أدل على وجود الخالق سبحانه من حدوث مخلوقللاته‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬ولذلك نجد في القرآن التعجيب مللن حللال أولئك الللذين ينكرونلله‬
‫تعالى‪ ،‬أو يشّكون فيه مع قيام هذه الشواهد الدالة عليلله مللن خلقلله‪ ،‬كمللا‬
‫تجللد ذلللك واضللحًا فللي قللوله سللبحانه‪} :‬أفي اللتته شتتك فتاطر‬
‫السموات والرض{ ] إبراهيم ‪ [10‬مع النصللوص القرآنيللة القاطعللة‬
‫بأن ال خلق الشياء كلها كقوله تعالى‪} :‬الله خالق كتتل شتتيء{‬
‫]الرعد ‪.([16‬‬
‫ثم أضاف مغالطة أخببرى فقببال فللي )ص ‪) :(152‬وقللد يتبللادر أن‬
‫الخلف بيننا وببينهم ل يعدو أن يكون لفظياً ما داموا يعترفون بحدوثه‪،‬‬
‫وإنما أمسكوا عن القول بخلقه الذي أقدمنا عليه(‪.‬‬
‫ثم قال‪) :‬والجواب يمكن أن يكون كذلك لو أنهللم اكتفللوا بالمسللاك‬
‫ولم يضللللوا أو يكّفللروا مللن أطلللق القللول بمللوجب ملا أفللادته نصللوص‬
‫القرآن المشار إليها‪ ،(...‬إلى أن قال‪) :‬وإن كنا نقنع في القضللية باعتقللاد‬
‫أن القرآن كلم ال ووحيه وتنزيله(‪ ،‬ثم نقض هذا بقللوله‪) :‬وإن مللا عللدا‬
‫ال مخلوق ولو لم يخص القللرآن باعتقللاد خلقلله‪ ،‬لنللدراجه فللي العمللوم‬
‫وهذا الذي مضى عليه السلف من الصحابة فمن بعدهم قبل نشوب فتنللة‬
‫الخلف في القضية وعليه مضى المتقدمون السابقون من علماء عمللان‬
‫كما سبق(‪.‬‬
‫قال‪) :‬وقد صرح ابن تيمية نفسه فيما مضى أنلله لللم يقللل أحللد مللن‬
‫الصحابة ول التابعين بقدمه(‪.‬‬
‫قال‪) :‬وإذا كانوا لللم يقولللوا بقللدمه فمللن أيللن لهللم أنهللم قللالوا بنفللي‬
‫خلقه؟ مع أن هذه القضية لم يثر بحثها إل بعد انطواء عصورهم؟(‬
‫قال‪) :‬ومن المعلوم قطعًا أن الصحابة رضوان ال عليهم ما كللانوا‬
‫لينفوا صفة المخلوقية عن شيء غير ال سللبحانه‪ ...‬مللع إجمللاع العقلء‬
‫أن ما لم يكن قديمًا فهللو حللادث‪ ،‬وأن كللل حللادث ل بللد للله مللن محللدث‬
‫أحدثه أي أخرجه من العدم إلى الوجود وهذا هو عين الخلق(‪.‬‬
‫فهللذه هللي الخلصللة الللتي توصللل إليهللا الخليلللي مللن كلم شلليخ‬
‫السلم ابن تيمية وعلماء سلفه كما يقول‪.‬‬
‫والجواب على ذلك‪:‬‬
‫أوًل‪ :‬أن ما جاء في الفقرة الولى‪ ،‬وهو قوله‪ :‬أن ابن تيمية يفسللر‬
‫قدم كلم ال تعالى أنه سبحانه قد كان متكلمًا في الزل‪.‬‬
‫وفي الفقرة الثانية‪ :‬أن ابن تيميلة وجميللع علمللاء سلللفه ل يقولللون‬
‫في القرآن إنه قللديم )العيللن( ول فللي الكتللب المنزلللة ول الللذي كّلللم بلله‬
‫موسى‪ ...‬ول في شيء من ذلك أنه صفة قديمة أو أنه قائم بذات الحق‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬إنه ل خلف في ذلك بينه وبين ابن تيمية وعلماء سلفه‪.‬‬
‫فأقول‪ :‬إن الكلم تكرر على هذا مراراً بسبب تكراره له لنه ليس‬
‫عنده حجة على دعواه في خلق القرآن إل مللا يسللميه بالحللدوث؛ أي أن‬
‫آحاد الكلم الذي يتكلم ال به ل مللن قللرآن‪ ،‬وتللوراة وغيرهللا‪ -‬أنلله خلقلله‬
‫لنه ل يصف ال عز وجل بصفة الكلم مطلقًا وقد سبق هذا مكررًا‪.‬‬
‫وكلم شيخ السلم ابن تيمية وجميع علماء السلف يقولون أن ال‬
‫لل للل متصف بصفة الكلم وأن هذه الصفة صفة كمال قائمة بال‬
‫عز وجل ل كما يدعي أنهم يقولون )إن صفة الكلم ليست قائمللة بللذاته‬
‫تعالى( وأنه سبحانه يتكلم مللتى شللاء وكيللف شللاء‪ ،‬ويقولللون‪ :‬إن الكلم‬
‫قديم النوع حادث الحاد‪.‬‬
‫فمن كلمه تعالى )القللرآن( تكلللم بلله‪ ،‬وسللمعه منلله جبريللل عليلله‬
‫السلم‪ ،‬ونزل به إلى محمد‪ ‬وسمعه محمللد مللن جبريللل‪ ،‬وبّلغلله أمتلله‬
‫وأمرهللم بتبليغلله‪ .‬وإن مللن كلملله جميللع الكتللب المنزلللة كالصللحف‬
‫والتوراة والنجيل وغيرها‪.‬‬
‫وأن موسى عليه السلم سمع كلم ال حين كلمه كما قال تعالى‪:‬‬
‫}ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه{‪.‬‬
‫أما الشعرية والكلبيللة فقللد تكللرر أيضلًا‪ :‬أن شلليخ السلللم ابللن‬
‫تيمية رحمه ال يرد عليهم دعواهم ل أن صفة الكلم هي الكلم النفسي‬
‫القائم بالذات‪ ،‬وأن القرآن عبارة أو حكاية عن ذلك المعنى النفسي القائم‬
‫بالذات‪.‬‬
‫وأما الفقللرة الثالثلة‪ :‬وهللي قللوله‪) :‬وأنهلم ملع اعلترافهم بعلدم قللدم‬
‫القرآن وسائر الكتب المنزلة ينفون عنها صفة المخلوقية‪ ،‬ويضللللون أو‬
‫يكفرون من قال بخلقها‪ .‬قال‪ :‬وهذا محط العجب وموضع الستغراب(‪.‬‬
‫فببأقول‪ :‬إن هللذه هللي المشللكلة المستعصللية عنللد الخليلللي وسلللفه‬
‫القائلين بخلق القرآن‪.‬‬
‫فإن الشبهة القائمة بأذهانهم أنهللم إذا وصللفوا ال ل بصللفة )الكلم(‬
‫وكذلك جميع الصفات الختيارية‪ .‬فقد شّبهوه بخلقه لنهم ينفون عن ال‬
‫لل للل هذه الصفات فعندهم أنهم إذا وصللفوه بصللفة الكلم فهللذه‬
‫الصللفة تحتللاج مللن المتكلللم إلللى هللذه الجللوارح الللتي يشللاهدونها فللي‬
‫المخلوق من اللسان واللهاة والحنجرة‪ ،‬وال منزه عن ذلك‪.‬‬
‫وأهل السنة والجماعة يقولون‪ :‬إن الل عللز وجللل منلّزه عللن هللذه‬
‫الجوارح لنه ليس كمثله شيء‪ ،‬ل في ذاته ول في صفاته وهو السللميع‬
‫البصير‪.‬‬
‫ويقولون‪ :‬إن ال يتكلم متى شاء وكيف شاء‪ ،‬ول يشترط للكلم ما‬
‫قام بأذهان هؤلء من التشبيه للخالق بالمخلوق‪ .‬ثم انتقلوا إلللى التعطيللل‬
‫وهو نفي صفة الكلم عن ال لل للل لن ال لل للل قد أخللبر‬
‫أن هذه الجوارح تنطللق يللوم القيامللة كمللا قللال تعللالى‪} :‬اليوم نختم‬
‫على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهتتم بمتتا كتتانوا‬
‫يكسبون{ ] يس ‪ [ 65‬فهذه اليدي والرجللل تنطللق ول لسللان لهللا‪...‬‬
‫إلخ‪.‬‬
‫وقد نص ال في كتابه أنه يكّلم عباده متى شاء وكيف شاء‪.‬‬
‫فقد كّلم موسى عليه السلم حين جاءه لميقللاته‪ ،‬ويكّللم ملئكتلله ويسللألهم‬
‫عن عباده وهو أعلم بهم يقول لهم‪» :‬كيف تركتم عبادي‪ ،‬فيقولببون‪ :‬تركنبباهم‬
‫وهبم يصبلون وجئنباهم وهبم يصبلون« )‪ ،(190‬وغيلر ذللك ملن النصلوص‬
‫الكثيرة من الكتاب والسنة‪.‬‬
‫جبه وهو قوله‪) :‬فإن الكائنات بأسرها إمللا أن تكللون‬ ‫وأما تعليله لتع ّ‬
‫قديمة أزلية لم يسبق وجودها عدم‪ ،‬وإما أن تكون حادثة بعد أن لم تكللن‬
‫وهي في هذا الكون بحاجة إلى من أخرجها من العدم إلى الوجللود‪ .‬وإن‬
‫هللذا معنللى الخلللق‪ .‬وقللوله‪ :‬و ل أدل علللى وجللود الخللالق سللبحانه مللن‬
‫حدوث مخلوقاته مع النصوص القرآنية القاطعة بللأن الل خلللق الشللياء‬
‫كلها كقوله‪} :‬الله خالق كل شيء{(‪.‬‬
‫فأقول‪ :‬نعم إن الكائنات بأسرها محدثة وليسللت قديمللة‪ ،‬وأن الللذي‬
‫أخرجها مللن العللدم إلللى الوجللود هللو الل عللز وجللل ‪ ،‬والل علز وجللل‬
‫بصفاته هو الول الذي ليس قبله شيء‪.‬‬

‫‪ ()) 190‬أخرجه البخاري في صحيحه كتاب مواقيت الصلة باب في فضل صلة العصر‬
‫‪،‬ح )‪.(555‬‬
‫ومن صفاته عز وجل )الكلم( وقد أخرج هللذه المخلوقللات الدالللة‬
‫على وجوده بكلمه فقللال تعللالى‪} :‬إنما أمره إذا أراد شتتيئا ً أن‬
‫يقول له كن فيكون{‪.‬‬
‫وقال تعالى‪} :‬قل أئنكم لتكفرون بالتتذي خلتتق الرض‬
‫في يومين{ إلللى قللوله‪} :‬ثتتم استتتوى إلتتى الستتماء وهتتي‬
‫دخان فقال لها وللرض ائتيا طوعا ً أو كرهتا ً قالتتتا أتينتتا‬
‫طائعين{ ]فصلللت ‪ ،[11-9‬وقوله تعالى‪} :‬خلق الستتموات بغيتتر‬
‫عمد ترونها وألقتتى فتتي الرض رواستتي أن تميتتد بكتتم‬
‫وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من الستتماء متتاًء فأنبتنتتا‬
‫فيها من كل زوج بهيتتج‪ .‬هتتذا خلتتق اللتته فتتاروني متتاذا‬
‫خلق الذين من دونه بتتل الظتتالمون فتتي ظلل متتبين{‬
‫] لقملللان ‪10‬لللل ‪،[11‬للل وقللال تعللالى‪} :‬إن ربكتتم اللتته التتذي خلتتق‬
‫الستتموات والرض فتتي ستتتة أيتتام ثتتم استتتوى علتتى‬
‫العتترش يغشتتي الليتتل النهتتار يطلبتته حثيث تا ً والشتتمس‬
‫والقمر والنجوم مسخرات بأمره أل لتته الخلتتق والمتتر‬
‫تبارك الله رب العالمين{ ]العللراف ‪ ،[54‬فللال هللو الخللالق لهللذه‬
‫الكائنات كلها‪ .‬خلقها بأمره وهو قوله للشيء إذا أراده )كن( فيكون‪.‬‬
‫كما قال تعالى‪} :‬إنما أمره إذا أراد شتتيئا ً أن يقتتول لتته‬
‫كن فيكون{‪.‬‬
‫وقللول الخليلللي‪ :‬مللع النصللوص القرآنيللة القاطعللة بللأن الل خلللق‬
‫))‬

‫الشياء كلها كقوله تعالى‪} :‬الله خالق كل شيء{(‪.‬‬


‫فنقول‪ :‬نعم‪ ،‬إن الشياء كلها مخلوقة ولكن كلمه ليس من الشياء‬
‫المخلوقة‪ ،‬بل كلمه صفة من صفاته‪ ،‬وبكلمه خلق هذه الشياء كلهللا‪،‬‬
‫وقللد سللبق نقاشلله فللي اسللتدلله بقللوله تعللالى‪} :‬الله ختتالق كتتل‬
‫شيء{ وَبّيّنا أن عموم )كل( ل يدخل فيه كلم ال ل ل ل لل لللنلله‬
‫من صفاته وال بصفاته هو الخالق وما سواه مخلوق‪.‬‬
‫وأما قوله‪) :‬فلو اكتفوا بالمساك ولم يضللوا أو يكفروا من أطلللق‬
‫القول بموجب هذه النصوص( ويعني بالنصوص قللوله تعللالى‪} :‬الله‬
‫خالق كل شيء{ والنصوص الخرى التي ذكرها‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬أن هذه النصوص التي منها قوله تعالى‪} :‬الله‬
‫خالق كل شيء{ لم يدخل في عمومها كلمه لل لللل‬
‫بل بكلمه خلق هذه الشياء كلها‪.‬‬
‫وقوله‪) :‬لم يضللوا أو يكفروا(‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬أما تضليل من ابتدع بدعة محدثة فقللد نصللت السللنة علللى‬
‫تضليله كما قال ‪» :r‬إياكم ومحدثات المور فإن كل محدثة بدعة وكببل‬
‫بدعة ضللة«‪.‬‬
‫سللقوا إل مللن حكللم الل‬‫فأهل السللنةلم يضللللوا ولللم يبلّدعوا ولللم يف ّ‬
‫ورسوله عليه بذلك‪.‬‬
‫فالقول بأن القرآن مخلوق بدعة محدثة لم يللرد بللذلك نللص ل مللن‬
‫الكتللاب ول مللن السللنة ول مللن أقللوال الخلفللاء الراشللدين‪ ،‬لن قللولهم‬
‫وعملهم سللنة كمللا قللال ‪» :r‬عليكببم بسببنتي وسببنة الخلفبباء الراشببدين‬
‫المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجببذ‪ ،‬وإيبباكم ومحببدثات المببور‬
‫فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضللة«‪.‬‬
‫ولم يقل بهذا القول ل الصللحابة ول التللابعون ول الئمللة الربعللة‬
‫المتبعللون ول التللابعون لهللم بإحسللان‪ ،‬وإنمللا هللذا القللول بدعللة محدثللة‬
‫أحدثها الجعد بن درهم‪ ،‬ثم أخذها عنه صاحبه الجهم بن صفوان‪ ،‬وأخللذ‬
‫ذلك عنه المعتزلة‪ ،‬وورثهم الخليلي ومن يقول بقولهم‪.‬‬
‫وأما التكفير فإن له شروطه وموانعه عند أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫فالقول أو الفعل قد يكون كفرًا ولكن القائل أو الفاعل ل يكلون كلافراً‬
‫حتى تقام عليه الحجلة وتلزال عنله الشلبهة‪ ،‬وهلذا هلو الفلرق بيلن الكفلر‬
‫المطلق وتكفير المعين‪ ،‬وقد سبق ما نقلناه عن شيخ السلم ابن تيمية ممللا‬
‫نقله عن المام أحمد بن حنبل أيام المحنة بالدعوة إلى القول بخلق القللرآن‬
‫بسبب ما زينه المعتزلة سلف الخليلي للمأمون والمعتصم‪ ،‬وتحليلل الملام‬
‫أحمد للذين دعلوه إللى هلذه البدعلة‪ ،‬وملا نقلله عنله بالتفصليل فلي الكفلر‬
‫المطلق وتكفير المعين )ص ‪ (274‬وما بعدها‪.‬‬
‫ونوضح للقارئ معنى الكفر المطلق وتكفير المعين بمثال فنقببول‪:‬‬
‫القرآن كلم ال لل للل وكلمه صللفة مللن صللفاته‪ ،‬وال ل بصلللفاته‬
‫واحد أحد كما قال تعالى‪} :‬قل هو الله أحد‪ .‬الله الصمد‪ .‬لتتم‬
‫يلد ولم يولد‪ .‬ولم يكن له كفوا ً أحد{‪.‬‬
‫فالقول‪ :‬بأن صفة من صفات ال مخلوقة كفر‪.‬‬
‫ولهذا قال أهل السنة‪ :‬من قال القرآن مخلوق فهو كافر‪ ،‬لنه قللال‪:‬‬
‫إن صفة من صفات ال مخلوقة فهذا كفر وهذا هو التكفير المطلق‪.‬‬
‫وأما تكفير المعين‪ :‬فهو القول بأن زيدًا أو بكرًا من الناس كافر‪.‬‬
‫فقال أهل السنة‪ :‬إن هذا الشخص المعين ل يحكم بكفره حلتى تقلام‬
‫عليه الحجة وتزال عنه الشبهة‪.‬‬
‫ولهذا قال ابن تيمية ‪-‬الذي يدعي عليه الخليلي أنه يكفر المعينيللن‪-‬‬
‫فللي )ص ‪ 466‬المجلللد ‪ (12‬مللن الفتللاوى الللذي يختللار منلله الخليلللي‬
‫الجزئية التي يريدها مقطوعة الجناح‪ ،‬مبتلورة العضلاء‪ ،‬وذللك بلترك‬
‫أولها وآخرها‪.‬‬
‫قال ل أي شيخ السلم‪ :‬وليس لحللد أن يكفللر أحللدًا مللن المسلللمين‬
‫))‬

‫وإن أخطأ وغلط‪ ،‬حتى تقام عليه الحجللة وتللبين للله المحجللة‪ ،‬ومللن ثبللت‬
‫إسلمة بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك؛ بل ل يزول إل بعللد إقامللة الحجللة‬
‫وإزالة الشبهة((‪.‬‬
‫وذلك في المور الخفية التي يشكل على المسلم تبين الحق فيها‪.‬‬
‫فنقول للمؤلف‪ :‬فأين تكفير ابن تيمية للمعين؟ فمن قال هللذا القللول‬
‫الذي هو كفر قبل إقامة الحجة عليه وإزالللة الشللبهة عنلله ل يكفللر‪ ،‬وقللد‬
‫أورد بعللد هللذا موقللف المللام أحمللد بللن حنبللل ممللن امتحنللوه و غيللره‬
‫ودعوهم إلى هذه البدعة الضللة ولم يكفرهم‪.‬‬
‫ن ما عدا ال مخلوق ولو لم يخللص القللرآن باعتقللاد‬ ‫وأما قوله‪ :‬وإ ّ‬
‫))‬

‫خلقه لندراجه في العموم‪ ،‬وهذا الذي مضى عليه السلف من الصللحابة‬


‫ومللن بعللدهم قبللل نشللوب فتنللة الخلف فللي القضللية‪ ،‬وعليلله مضللى‬
‫السابقون من علماء عمان( كما سبق‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬وقد سبق هناك في المقدمة‪ :‬الرد على هذه الدعوى الزائفة‬
‫على الصحابة‪.‬‬
‫وقوله )ولو لم يخص القرآن باعتقاد خلقه(‪.‬‬
‫أقول‪ :‬هذا اعتراف منه بأنه لم يرد نص في القللرآن يللدل علللى أن‬
‫القرآن مخلوق وكفى بذلك حجة عليه‪.‬‬
‫وأما قوله )لندراجه في العموم( ويقصللد بلله انللدراجه فللي عمللوم‬
‫قوله تعالى‪} :‬الله خالق كل شيء{]النعام‪.[102:‬‬
‫فقد سبق الكلم عن ذلك وهو‪ :‬أن كلم ال عز وجل ل يللدخل فللي‬
‫الشياء المخلوقة‪ ،‬لن كلمه صفة من صفاته وبلله خلللق هللذه الشللياء‪.‬‬
‫كما في قوله تعللالى‪} :‬إنما أمره إذا أراد شتتيئا ً أن يقتتول لتته‬
‫كن فيكون{‪.‬‬
‫وأما قوله‪) :‬وهللذا الللذي مضللى عليلله السلللف مللن الصللحابة فمللن‬
‫بعدهم قبللل نشللوب فتنللة الخلف( فهللذا هللو الضلللل المللبين والللدعوى‬
‫الزائفة على صحابة رسول ال صلى ال عليلله وسلللم والللرد عليلله بمللا‬
‫يأتي‪:‬‬
‫أوًل‪ :‬بقوله هو في المقدمة )ص ‪ (106‬بعللد قللوله‪ :‬إن هللذه الفتنللة‬
‫أدخلها الذين تقّمصوا السلم لغراض في نفوسهم‪ ،‬وعلى رأس أولئك‬
‫أبو شاكر الديصاني الذي قيل عنه أنه يهودي تظاهر بالسلم‪.‬‬
‫ثم قال بعد ذلك ‪ :‬وكان الرعيللل الول مللن السلللف الصللالح مضللى‬
‫))‬

‫إلى ربه قبل أن تسمع آذانهم طنينا من القول في هذا الموضوع(‪.‬‬


‫فهذا الذي مضى عليه الرعيل الول‪ ،‬ولم يتكلمللوا بمللا تللدعي مللن‬
‫خلق القرآن‪ ،‬وحتى لم يسمعوا كما تقول من أحد قال تلللك البدعللة الللتي‬
‫أحدثها الجعد بن درهم‪ ،‬فهو أول من قالها‪ ،‬وأخللذها عنلله تلميللذه الجهللم‬
‫بن صفوان‪ ،‬كما تقدم ذلك في )ص ‪.(158‬‬
‫عموا هذه الفتنة في عهللد المللأمون والمعتصللم‬ ‫الثاني‪ :‬إن الذين َتَز ّ‬
‫لم يستطيعوا أن يللأتوا بنللص واحللد مللن الكتللاب ولمللن السللنة علللى أن‬
‫القرآن مخلوق‪ ،‬وذلك حين طلب المعتصم من المام أحمد بن حنبللل أن‬
‫يقول القرآن مخلوق ويفك عنه قيوده بنفسه‪.‬‬
‫فقللال للله المللام أحمللد‪ :‬يللأتوني علللى ذلللك ‪ -‬بآيللة أو حللديث عللن‬
‫))‬

‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فعجزوا(()‪.(191‬‬


‫وقد اعترف الخليلي هنا أنلله لللم يخللص القللرآن باعتقللاد خلقلله فللي‬
‫الدلة التي ذكرها‪.‬‬
‫والثببالث‪ :‬وهللو قللوله‪) :‬أن الصللحابة مضللوا علللى ذلللك( فمللع‬
‫تصللريحه أنهللم مضللوا ولللم تسللمع آذانهللم طنين لًا مللن القللول فللي هللذا‬
‫الموضوع‪ ،‬فإن أسلفه أيضًا عجزوا بل اعترفوا أن هذا القللول لللم يقللل‬

‫‪ ()) 191‬مناقب المام أحمد لبن الجوزي )ص ‪ ،(402‬البداية والنهاية )‪.(10/321‬‬


‫به ل أبو بكر ولعمر ول عثمان ول علي)‪ (192‬رضي ال عنهم‪ ،‬فكيف‬
‫يدعي على الصحابة رضوان ال عليهم هذه الدعوى الزائفة؟‪.‬‬
‫وفي )ص ‪ (153‬قال‪) :‬وقد صرح ابن تيمية نفسه فيما مضى أنلله‬
‫لم يقل أحد من الصحابة ول التابعين بقدمه()‪ ،(193‬ثللم قللال‪) :‬وإذا كللانوا‬
‫لم يقولوا بقدمه فمن أين لهم أنهم قالوا بنفي خلقه‪ ،‬مع أن هذه القضية لم‬
‫يثر بحثها إل بعد انطواء عصورهم؟ وملن المعلللوم قطعلًا أن الصللحابة‬
‫رضوان ال عليهم ما كانوا لينفوا صفة المخلوقية عللن شلليء غيللر ال ل‬
‫سبحانه‪ ...‬إلى قوله‪ :‬وهذا قليل من كثير من الضطراب الذي وقللع فيلله‬
‫القائلون بقدم القرآن وغيره من كلم الل المنللزل علللى أنبيللائه ورسللله‪،‬‬
‫قللال‪ :‬ولللم أرد بلله إل التنللبيه‪ ،‬ومللن أراد استقصللاء ذلللك فليرجللع إلللى‬
‫مؤلفات أصحاب هذا القول‪ ،‬كفتاوى ابن تيمية المجلد الثاني عشر الذي‬
‫بلغت صفحاته ستمائة صفحة‪.(...‬‬
‫قلت‪ :‬إن شيخ السلم ابن تيمية كلمه واضح في )مسألة القرآن(‬
‫خاصة‪ ،‬وفي مسألة صفة )الكلم( ل عز وجل ‪ .‬فهو يقول‪ :‬إن ال عللز‬
‫وجل يتكلم متى شاء وكيف شاء‪ ،‬وأن نوع الكلم قديم‪ ،‬وأن ال لم يللزل‬
‫ل وأبللدًا‪ .‬أي أن الكلم قللديم النللوع حللادث‬ ‫متكلمًا متصفًا بهذه الصفة أز ً‬
‫الحاد ومن آحللاد كلم الل عللز وجللل )القللرآن الكريللم( الللذي تكّلللم بلله‬
‫وسمعه منه جبريل عليه السلم ونلزل بله عللى محملد صللى الل عليله‬
‫وسلم فسمعه منه وبّلغه أمته وأمرهم بتبليغه إلى من بعدهم‪.‬‬
‫وهذا معنى قول شيخ السلم ابن تيمية الذي اقتصر الخليلللي منلله‬
‫على هذا السطر وهو مسبوق بما يوضح هذا‪.‬‬

‫‪ ()) 192‬تأريخ بغداد )‪ ،(4/152‬مناقب المام أحمد لبن الجوزي )ص ‪.(352-350‬‬


‫‪ ()) 193‬الفتاوى )‪.(12/301‬‬
‫ولكن الخليلي لما كان ينفي عن ال صفة الكلم مطلقًا وإنما يقول‪:‬‬
‫إن كلم ال مخلللوق؛ وأنلله ل يتكلللم مللتى شللاء وكيللف شللاء قللال‪) :‬وإذا‬
‫كانوا لم يقولوا بقدمه فمن أين لهم أنهم قالوا بنفي خلقه(‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬إن أهل السنة والجماعة كلهم يقولللون‪ :‬إن الل يتكلللم مللتى‬
‫شاء وكيف شاء‪ ،‬ومن كلمه جميع الكتب المنزلة على أنبيللائه ورسللله‪،‬‬
‫وأنه كلم موسى حين جاء لميقات ربه‪.‬‬
‫فهم نفوا عنه )صفة الخلق( لن الكلم من صفات اللل‪ ،‬وصللفات‬
‫ال غير مخلوقة‪ ،‬فال بصفاته واحد أحد لللم يلللد ولللم يولللد ولللم يكللن للله‬
‫كفوًا أحد‪.‬‬
‫وقول الخليلي‪) :‬مع أن هذه القضية لم يلثر بحثهلا إل بعلد انطلواء‬
‫عصورهم(‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذه حجة عليك وليست لك وقللد ذكللرت فللي المقدمللة )ص‬
‫‪ (106‬أن أول من أثارها الذين تقمصوا السلم لغراض فللي نفوسللهم‬
‫فلماذا تثيرها أنت الن؟‪.‬‬
‫وقوله‪) :‬ومن المعلوم قطعلًا أن الصللحابة رضللوان الل عليهللم مللا‬
‫كانوا لينفوا صفة المخلوقية عن شيء غير ال سبحانه(‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والجواب‪ :‬نعم‪ ،‬لم ينفوا صفة المخلوقية عن شيء سوى ال‬
‫مللن المخلوقللات‪ ،‬ولكللن الل بصللفاته واحللد أحللد‪ ،‬ومللن صللفاته كلملله‬
‫وصفته القائمة بذاته ليست سواه‪ ،‬فهو يتكلم متى شاء وكيللف شللاء‪ ،‬أمللا‬
‫أنك تقطع على الصحابة بأنهم سيقولون )القرآن مخلللوق( فهللذه الجللرأة‬
‫منك عليهم ستحاسب عليها بين يدي ال عز وجللل‪ ،‬بللل هللذا مللن القللول‬
‫على الخرين بل علم‪ ،‬وذلك حسب ما تعتقده في القرآن وأنهم لن ينفوا‬
‫عنه صفة المخلوقية‪ ،‬ونقول لك‪ :‬فمن أين لك هذا؟‬
‫فاسللتغفر ربللك وتللب إليلله مللن أن تنسللب إلللى صللفوة المللة هللذا‬
‫العتقاد الباطل‪.‬‬
‫وقوله‪) :‬هذا قليل من كثير من الضطراب الذي وقع فيه القائلون‬
‫بقدم القرآن وغيره مللن كلم ال ل المنللزل علللى أنبيللائه ورسللله‪ (...‬إلللى‬
‫قوله‪) :‬ومن أراد استقصاء ذلك فليرجع إلى مؤلفات أصحاب هذا القول‬
‫كفتاوى ابللن تيميللة المجلللد الثللاني عشللر الللذي بلغللت صللفحاته سللتمائة‬
‫صفحة(‪.‬‬
‫قلت‪ :‬إن الضطراب بحمد ال لم يوجد عند القللائلين بللأن )القللرآن‬
‫كلم ال( وإنما كلمهم متسق مع ما جاء في كتاب ال وسنة رسوله ‪.r‬‬
‫وما جاء في المجلللد الثلاني عشلر ملن فتلاوى شليخ السللم ابلن تيميلة‬
‫رحمه ال الذي بلغ‬
‫‪-‬كما قال الخليلي‪ -‬ستمائة صفحة لم ينقض بعضه بعضًا بل هللو منتظللم‬
‫كالعقد‪ .‬وهو رد على كل من خالف نهج السلف في إثبللات صللفة الكلم‬
‫ل عز وجل وأنه يتكلم متى شاء وكيف شللاء‪ ،‬وأن مللن كلملله )القللرآن‬
‫الكريم( الذي سمعه منه جبريل عليه السلم ونللزل بلله بللأمر ربلله علللى‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم فسمعه منه وبلغه أمتله فسلمعوه منله وبلغلوه‬
‫إلى من بعدهم‪.‬‬
‫وبما أن الخليلي طوف في صفحات المجلد الثاني عشللر مللن فتللاوى‬
‫ل وأسلطرًا مقطوعلة اللرأس‬ ‫شيخ السللم ابلن تيميلة‪ ،‬واقتطلف منله جم ً‬
‫والعجز لقصد التلبيس والتشلويش عللى قلرائه وادعلائه الضلطراب فلي‬
‫كلم ابن تيمية والئمة قبله‪ ،‬وبما أنه اقتصللر فللي آخللر )ص ‪ (152‬مللن‬
‫كتابه على هذا السطر والنصف من كلم شيخ السلم وهو قوله‪) :‬وقد‬
‫صرح ابن تيمية نفسه فيمللا مضللى أنلله لللم يقللل أحللد مللن الصللحابة ول‬
‫التابعين بقدمه()‪.(194‬‬
‫فقد رأيت أنه من المناسب أن أنقل النص الذي اقتطع منه الخليلللي‬
‫هذا السطر‪ ،‬ليطلع القارئ على مجموع النللص ويحكللم بنفسلله عليلله إن‬
‫وجد فيه اضطرابًا‪.‬‬
‫وقد بدأ هذا النص من )ص ‪ (296‬فقال‪:‬‬
‫)فصل(‬
‫قلللال تعلللالى‪} :‬وإن أحتتد متتن المشتتركين استتتجارك‬
‫فاجره حتى يسمع كلم الله{ ]التوبة‪ [6:‬وهو منزل من ال كمللا‬
‫قال تعالى‪} :‬أفغير الله أبتغي حكما ً وهو الذي أنزل إليكم‬
‫لوالذين آتيناهم الكتاب يعلمتتون أنتته منتتزل‬ ‫الكتاب مفصلل ً‬
‫من ربك بالحق{ ] النعللام ‪ [114‬فللأخبر سللبحانه أنهللم يعلمللون ذلللك‬
‫والعلم ل يكللون إل حقللًا وقللال تعللالى‪} :‬تنزيل الكتاب من اللتته‬
‫العزيز الحكيم{]الزمللر‪} [1:‬حتم تنزيتل الكتتتاب متتن اللتته‬
‫العزيز العليم{ ]غافر‪} [ 2:‬حم تنزيل من الرحمن الرحيم{‬
‫]فصلت‪ [ 2:‬وقوله تعالى‪} :‬ولكن حق القول مني لملن جهنم‬
‫من الجنة والناس أجمعين{]السلللجدة‪ [13:‬وقللال تعللالى‪} :‬ولول‬
‫كلمة سبقت من ربك لكان لزام تا ً وأجتتل مستتمى{]طلله‪:‬‬
‫‪ [129‬وقال تعالى‪} :‬قل نزله روح القدس من ربك بتتالحق{‬
‫]النحل‪.[102:‬‬
‫فأخبر سبحانه أنه منزل من ال ولم يخبر عن شيء أنه منزل مللن‬
‫ال إل كلملله‪ ،‬بخلف نللزول الملئكللة والمطللر والحديللد وغيللر ذلللك‪،‬‬

‫‪ ()) 194‬الفتاوى )‪.(12/301‬‬


‫ولهذا كان المشهور عن السلف أن القرآن كلم ال غير مخلوق منه بدأ‬
‫وإليه يعود‪.‬‬
‫خلق في بعض المخلوقات القائمللة‬ ‫فإن من قال إنه مخلوق يقول إنه ُ‬
‫بنفسها فمن ذلك المخلوق نزل وبدأ لم ينزل من ال‪ ،‬فإخبار ال تعالى أنه‬
‫منزل من ال يناقض أن يكون قد نزل من غيللر اللل‪ ،‬ولهللذا فسللر المللام‬
‫أحمد قوله )منه بدأ( أي هو المتكلم به‪ ،‬وقال أحمد‪ :‬كلم ال من ال ليس‬
‫ببائن عنه‪.‬‬
‫وأيضًا‪ :‬فلو كان مخلوقًا في غيره لم يكللن كلملله؛ بللل كللان يكللون‬
‫كلمًا لذلك المخلوق فيه‪ ،‬وكذلك سائر ما وصللف بلله نفسلله مللن الرادة‬
‫والمحبة والمشيئة والرضى والغضب والمقت‪ ،‬وغير ذلك مللن المللور‬
‫لو كان مخلوقًا في غيره لم يكن الرب تعالى متصفًا به‪ ،‬بللل كللان يكللون‬
‫صفة لذلك المحل‪ ،‬فإن المعنى إذا قام بمحل كان صفة لذلك المحل ولللم‬
‫يكن صفة لغيره فيمتنع أن يكللون المخلللوق أو الخللالق موصللوفًا بصللفة‬
‫موجودة قائمة بغيره؛ لن ذلك فطري فما وصف به نفسلله مللن الفعللال‬
‫اللزمللة أن يوصللف الموصللوف بللأمر لللم يقللم بلله وهللذا مبسللوط فللي‬
‫مواضع أخر‪ ،‬ولم يقل السلللف‪ :‬إن النللبي ‪ r‬سللمعه مللن الل تعللالى كمللا‬
‫ن الله علتتى‬ ‫يقللول ذلللك بعللض المتللأخرين قللال تعللالى‪} :‬لقد م ّ‬
‫المؤمنين إذ بعث فيهم رسول ً من أنفسهم يتلو عليهتتم‬
‫آياته{]آل عمران‪ [164:‬وفي الصحيحين عن ابلن مسللعود قللال‪ :‬قللال لللي‬
‫النبي ‪» :r‬اقرأ عّلي القرآن فقلت‪ :‬أقرأ عليك وعليبك أنبزل؟ قبال‪ :‬إنبي‬
‫أحب أن أسمعه من غيري‪ ،‬فقرأت عليه من سورة النساء حببتى بلغببت‬
‫هذه الية‪} :‬فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنتتا بتتك‬
‫على هؤلء شهيدا ً{ قال‪ :‬حسبك‪ ،‬فنظرت فإذا عيناه تببذرفان مببن‬
‫البكاء«)‪.(195‬‬
‫والنبي صلى ال عليه وسلم سمعه من جبريل وهو الذي نزل عليه‬
‫به‪ ،‬وجبريل سمعه من ال تعالى كما نص على ذلللك أحمللد وغيللره مللن‬
‫الئمة قال تعللالى‪} :‬قل من كان عتتدوا ً لجبريتتل فتتإنه نزلتته‬
‫على قلبك بإذن الله{ ]البقرة‪.[97:‬‬
‫وقال تعالى‪} :‬نزل به الروح المين ‪.‬على قلبتتك لتكتتون‬
‫من المنذرين‪ .‬بلسان عربتي متبين{ ]الشللعراء‪[195-193:‬وقللال‬
‫تعالى‪} :‬قل نزله روح القدس من ربك بالحق{]النحل‪.[102:‬‬
‫فأخبر سبحانه أنه نزله روح القللدس لل وهللو الللروح الميللن وهللو‬
‫جبريل ل من ال بالحق‪.‬‬
‫ولم يقل أحد من السلف‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلللم سللمعه مللن‬
‫ال‪ ،‬وإنما قال ذلك بعض المتللأخرين (‪ ...‬إلللى قللوله )ص ‪) :(300‬وقللد‬
‫بين ال أنواع الوحي في قوله تعالى‪} :‬وما كان لبشر أن يكلمتته‬
‫اللتته إل وحيتتا ً أو متتن وراء حجتتاب أو يرستتل رستتول ً‬
‫فيوحي بإذنه ما يشاء{]الشورى‪ [51:‬فبين سبحانه أن التكليم تللارة‬
‫يكون وحيلًا‪ ،‬وتلارة ملن وراء حجللاب كمللا كلللم موسللى‪ ،‬وتلارة يرسللل‬
‫ل فيللوحي الرسللول بللإذن اللل مللا يشللاء‪ .‬وقللال تعللالى‪} :‬اللتته‬
‫رسللو ً‬
‫يصطفي من الملئكة رسل ً ومتتن النتتاس{]الحللج‪ [75:‬فللإذا‬
‫ل كان ذلك مما يكلم به عباده فيتلوه عليهم وينبئهم‬ ‫أرسل ال تعالى رسو ً‬
‫به كما قال تعالى‪} :‬قل ل تعتذروا لتن نتتؤمن لكتتم قتتد نبأنتتا‬
‫اللتته متن أخبتاركم{ ]التوبللة‪ [94:‬وإنمللا نبللأهم بواسللطة الرسللول‬
‫والرسول مبلغ به كما قال تعالى‪} :‬يا أيها الرسول بلغ ما أنتتزل‬
‫‪ ()) 195‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب التفسير ح)‪.(4582‬‬
‫إليك من ربك{ ]المائدة‪ [67:‬وقال تعالى‪} :‬ليعلم أن قد ابلغتتوا‬
‫رسالت ربهم{ ]الجن‪ [28:‬وقال تعالى‪} :‬وما على الرسول إل‬
‫البلغ المبين{ ]العنكبوت‪ .[18:‬والرسول أمر أمته بالتبليغ عنلله‪ ،‬ففللي‬
‫صحيح البخاري عن عبدال بن عمرو عن النبي صلللى الل عليله وسلللم‬
‫أنه قال‪» :‬بلغوا عني ولببو آيببة‪ ،‬وحببدثوا عببن بنببي إسببرائيل ول حببرج‬
‫ومن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار«‪ ،‬لمللا خطللب المسلللمين‬
‫قال‪» :‬ليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع )‪ ،«(196‬وقال ‪r‬‬
‫ضر ال أمرأ سمع منا حديثًا فبلغه إلى من لم يسمعه‪ ،‬فرب حامل‬ ‫‪َ» :‬ن ّ‬
‫فقه غير فقيه‪ ،‬ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه«‪ ،‬وفي السنن عن‬
‫جابر قال‪» :‬كان النبي صلى ال عليه وسلم يعلرض نفسله عللى النلاس‬
‫بالموسم فيقول‪» :‬أل رجل يحملني إلى قومه لبلغ كلم ربي فإن قريشًا‬
‫منعوني أن أبلغ كلم ربي«)‪.(197‬‬
‫ثم قال ابن تيمية‪) :‬وكما أنه لم يقل أحد من السلف إنه مخلوق فلللم‬
‫يقل أحد منهم إنه قديم‪ ،‬لم يقل واحدًا من القولين أحد مللن الصللحابة ول‬
‫التابعين لهم بإحسان ول من بعدهم من )الئمللة الربعللة( ول غيرهللم؛‬
‫بل الثار متواترة عنهم بأنهم كانوا يقولون‪ :‬القرآن كلم ال‪.‬‬
‫ولما ظهر من قال‪ :‬إنه مخلوق قالوا ردًا لكلمه‪ :‬إنه غير مخلللوق‬
‫ولم يريدوا بللذلك أنلله ُمْفَتلَرى‪ ،‬كمللا ظنلله بعلض النللاس‪ ،‬فللإن أحللدًا مللن‬
‫المسلمين لم يقل إنه مفترى‪ ،‬بل هذا كفر ظاهر يعلمه كللل مسلللم‪ ،‬وإنمللا‬
‫قالوا إنه مخلوق خلقه ال في غيره‪ ،‬فرّد السلف هذا القول كما تللواترت‬
‫الثار عنهم بذلك‪ ،‬وصنف في ذلللك مصللنفات متعللددة وقللالوا‪ :‬منلله بللدأ‬
‫عللرف أنلله قللال هومخلللوق‪ :‬الجعللد بللن درهللم‬‫وإليلله يعللود‪ ،‬وأول مللن ُ‬

‫‪ ()) 196‬البخاري‪ /‬الحج ح)‪.(1741‬‬


‫‪ ()) 197‬الدارمي‪ /‬فضائل القرآن‪ /‬باب القرآن كلم ال ‪-2/317‬ح ‪.3357‬‬
‫عرف أنه قال هو قديم‪ :‬عبللد الل‬ ‫وصاحبه الجهم بن صفوان؛ وأول من ُ‬
‫بن سعيد بن كلب()‪.(198‬‬
‫هذا كلم شيخ السلللم ابلن تيميلة الللذي اقتطللع منلله الخليلللي تللك‬
‫الجزئية التي أوردها فللي كتللابه هللذا آخللر )ص ‪ .(152‬ونللص كلملله‪:‬‬
‫)وقد صرح ابن تيمية نفسه فيما مضى أنه لم يقل أحد من الصحابة ول‬
‫التابعين بقدمه(‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬إن اعترافك بهذا القول وإثباتك له في هذا الفصل من كتابللك‬
‫إبطال لهذا الفصل كله‪ ،‬الذي جعلت عنوانه‪ :‬تضارب القائلين بقدم القللرآن‬
‫)ص ‪.(126‬‬
‫لنك تثبت عن شيخ السلم أنه نقل عن الصحابة والتابعين أنه لم‬
‫يصرح أحد بقللدمه‪ ،‬ثللم صللببت جللام غضللبك فللي المناقشللة علللى شلليخ‬
‫السلم وتطوف في المجلد الثاني عشر من الفتاوى له‪ ،‬الذي تقول إنلله‬
‫اشتمل على ستمائة صفحة وتنقللل منلله مللا هللو صللريح فللي الللرد علللى‬
‫عنوان فصلك هذا‪.‬‬
‫ثم إن شيخ السلم بين أن أول من عرف عنه القول بخلق القللرآن‬
‫الجعد بلن درهللم وصلاحبه الجهلم بلن صلفوان‪ ،‬وأول ملن علرف عنله‬
‫القللول أن القللرآن قللديم عبللدال بللن سللعيد بللن كلب‪ ،‬وهللذا النللص فللي‬
‫الصفحة )‪ (301‬التي نقل منها الخليلللي قللوله‪) :‬وقللد صللرح ابللن تيميللة‬
‫نفسه فيما مضى أنه لم يقل أحد من الصحابة ول التابعين بقدمه(‪.‬‬
‫وإذًا ففيم المناقشة لشيخ السلم ابن تيمية في )قللدم القللرآن( وهللو‬
‫لم يقل به؟! وإنما الذي قاله عبدال بللن سللعيد بللن كلب ومللن تبعلله مللن‬
‫الشاعرة من أتباع الئمة جميعًا الذين يرد شيخ السلم عليهللم أقللوالهم‬
‫هذه‪ .‬وذلك لنهم ينفون عن ال عز وجل صللفة الكلم ويسللمون كلملله‬
‫‪ ()) 198‬الفتاوى لشيخ السلم )‪.(12/301‬‬
‫الكلم النفسللي القللائم بالللذات‪ .‬وأن )القللرآن عبللارة أو حكايللة عللن كلم‬
‫ال(‪ .‬وأما القرآن الموجود في المصحف فيقولون عنه )إنه مخلوق(‪.‬‬
‫ونختم الرد على هذا الفصل بما يأتي‪:‬‬
‫أ ل اعتراف الخليلللي بللأن شلليخ السلللم ابللن تيميللة لللم يقللل )بقللدم‬
‫القرآن( وهذا رد على عنوان فصله‪ :‬تضارب القائلين بقدم القرآن‪ .‬لنه‬
‫ركز الفصل كله من )ص ‪ 126‬ل ‪ (153‬في الرد على شيخ السلم‪.‬‬
‫ب ل بين شيخ السلم أن أول من عرف عنه القللول‪ :‬بقللدم القللرآن‬
‫عبللدال ابللن سللعيد بللن كلب‪ .‬وهللذا هللو قللول الشللاعرة القللدامى‬
‫والمعاصرين‪.‬‬
‫ج ل أن قول شيخ السلم هو ما سبق ذكللره مللرارًا بسللبب تكللرار‬
‫الخليلللي للنقللل عللن شلليخ السلللم ردوده علللى القللائلين بخلللق القللرآن‬
‫صراحة وهم الجهمية والمعتزلة و)الخليلي( واحد منهم يقول بللأقوالهم‪،‬‬
‫وعلى الكلبية الخذين بقول ابن كلب من أشاعرة وغيرهم مللن أتبللاع‬
‫الئمة‪.‬‬
‫ثم نسبة الخليلللي هللذه الللردود إلللى شلليخ السلللم ظلملًا وعللدوانًا‪،‬‬
‫ويكرر في كتابه أنها أقوال شيخ السلم ابن تيمية وجميع علمللاء سلللفه‬
‫كما يقول في‬
‫)ص ‪ (150‬ويسميه تضاربًا‪.‬‬
‫وكلم شيخ السلم ابن تيمية في صفة الكلم ل وفي )القللرآن( ل‬
‫تضللارب فيلله مطلقلًا‪ ،‬بللل كلم متسللق منتظللم كالعقللد‪ ،‬فقللد ذكللر أقللوال‬
‫الطوائف في صفة كلم ال وفي القرآن المخالفللة لمللذهب السلللف فقللال‬
‫في )ص ‪ (173‬من الفتاوى المجلد الثاني عشر‪)) :‬القول السادس( قللول‬
‫الجمهور وأهل الحديث وأئمتهم‪ :‬أن ال تعالى لللم يللزل متكلم لًا إذا شللاء‬
‫وأنه يتكلم بصللوت كمللا جللاءت بله الثللار والقللرآن وغيللره مللن الكتللب‬
‫اللهية كلم ال تكلم ال بمشيئته وقدرته‪ ،‬ليس ببللائن عنلله مخلوقلًا‪ ،‬ول‬
‫يقولون إنه صار متكلمًا بعد إن لم يكلن متكلملًا‪ ،‬ول أن كلم الل تعلالى‬
‫من حيث هو حادث‪ ،‬بل ما زال متكلمًا إذا شللاء‪ ،‬وإن كللان كلللم موسللى‬
‫وناداه بمشيئته وقدرته فكلمه ل ينفد كما قال تعللالى‪} :‬قل لو كتتان‬
‫البحتر متتدادا ً لكلمتتات ربتتي لنفتتد البحتر قبتتل أن تنفتد‬
‫كلمتتات ربتتي ولتتو جئنتتا بمثلتته متتددا ً{] الكهلللف‪ [109 :‬قللال‪:‬‬
‫ويقولون‪ :‬ما جاءت به النصوص النبوية الصحيحة ودلت عليه العقللول‬
‫الزكيللة الصللريحة فل ينفللون عللن ال ل تعللالى صللفات الكمللال سللبحانه‬
‫وتعالى؛ فيجعلونه كالجمللادات الللتي ل تتكلللم ول تسللمع ول تبصللر فل‬
‫ل‪ ،‬ول تملللك لهللم‬
‫ل‪ ،‬ول ترجللع إليهللم قللو ً‬
‫تكلم عابديها‪ ،‬ول تهديهم سبي ً‬
‫ضرًا ول نفعًا(‪.‬‬
‫هذا وقد عقد الخليلي الفصل الثالث من )ص ‪ (162 -154‬أسللماه‬
‫»أدلة اللنافين لخلق القرآن« أورد فيه ما يريللد‪ ،‬ورد‬
‫عليها كما يريد‪ ،‬وقللد أجملهللا فللي سللتة أمللور سللنذكرها فللي الصللفحات‬
‫التالية فإلى ذلك الفصل‪.‬‬
‫الفصل الثالث )ص ‪(162– 154‬‬
‫عنوانه‪ :‬أدلة النافين لخلق القرآن‬

‫صّدر المؤلف الخليلي هذا الفصل بتمهيد بنى عليه حكمًا ب مبدعياً‬
‫على القائلين بنفي خلق القرآن أنه قولهم الذي بنوا عليه القببول بنفببي‬
‫خلببق القببرآن بب وهببو افببتراء عليهببم‪ ،‬لنببه يركببز فببي رّده علببى شببيخ‬
‫السلم ابن تيمية وتلميذه ابن القّيم‪ ،‬ثببم ينسببب إليهمببا ظلم بًا وافببتراء‬
‫أقوال الكلبية والشعرية ومن يقول بقولهم‪ ،‬وهو افببتراء فببي النسبببة‬
‫وظلم في الحكم‪ ،‬لنه حكم مرتب على افتراء وبهتان‪.‬‬
‫ل لغير قائله أو فاعله فقد بهته‪.‬‬ ‫لن من نسب قوًل أو فع ً‬
‫ففي هذا التمهيد يقببول فببي )ص ‪) :(154‬سبببق فببي صببدر هببذا‬
‫المبحث بيان الشبهة التي نشأ عنها القببول بعببدم خلبق القببرآن وسببائر‬
‫الكلم المنزل‪ :‬وهي التباسه عند قائلي ذلك بصفة الكلم التي يراد بها‬
‫نفي الخرس …( إلخ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهو يقصللد بصللفة الكلم الللتي يللراد بهللا نفللي الخللرس مللا‬
‫ذكره في )ص ‪ (100 -99‬في مقدمة البحث بعد أن ذكللر صللفة الخلللق‬
‫وأن القرآن والكتب المنزلة مخلوقة كسائر المخلوقات كما وضللح ذلللك‬
‫في )ص ‪ (103 – 101‬ثم قال‪) :‬وأما الفرق بين الكلم النفسللي وبيللن‬
‫القرآن وسائر الكتب المنزلة فهو أن الكلم النفسي صفة ذاتية ل تعللالى‬
‫يثبت بها كماله لل للل وينفي بها عنه صفة النقص‪ ،‬ذلك لن إثبات‬
‫الكلم نفي لضده وهو الخرس‪.‬‬
‫قال‪ :‬وذهبت المعتزلة إلى الكتفاء في نفللي الخللرس عنلله سللبحانه‬
‫بصفة القدرة‪ ،‬قال‪ :‬ولعل بعض أصحابنا يرون هللذا الللرأي‪ ،‬وأصللحابنا‬
‫الذين أثبتوا الكلم النفسي اتفقللوا مللع الشللعرية فللي كللونه يختلللف عللن‬
‫ل ول كلمللات تقلوم‬ ‫سائر الكلم فهو ليلس حروفلًا ول أصللواتًا‪ ،‬ول جم ً‬
‫بذاته عز وجل إذ ليس المراد به إل انتفاء صفة الخرس عنه سبحانه(‪.‬‬
‫إلى أن قال فللي )ص ‪) :(103‬ونحللن عنللدما نتحللدث عللن خلللق القللرآن‬
‫فإنما نتحدث عن هذا القرآن المتلو باللسن المكتللوب فللي المصلاحف لل‬
‫السابق تعريفه ل ولسنا نتحدث عن الكلم النفسللي‪ ،‬إذ لللم يقلم شلاهد ملن‬
‫الكتللاب نفسلله ول مللن السللنة علللى تسللميته قرآنللًا‪ ،‬وإنمللا اصللطلحت‬
‫الشاعرة على تسميته بذلك‪ ،‬ول مشاحة في الصطلح‪ ،‬غيلر أنهلم لللم‬
‫يستندوا في اصطلحهم هذا على شيء ثلابت سللماعه‪ ،‬فلللذلك لللم نعلّول‬
‫عليه ونحن نثبت ل صفة الكلم كما قال المام ضياء الدين عبللدالعزيز‬
‫الثميني رحمه ال في معالمه‪ » :‬اعلللم أن الكلم يضللاف تللارة إلللى ال ل‬
‫تعللالى علللى معنللى نفللي الخللرس فيكللون صللفة ذات علللى مللا مللر فللي‬
‫ل مللن‬‫الصفات‪ ،‬وتارة يضاف إليه على معنللى أنلله فعللل للله فيكللون فع ً‬
‫أفعاله سبحانه‪ ،‬فمعنى كونه متكلمًا على الول أنه ليس بللأخرس وعلللى‬
‫الثاني أنه خالق الكلم« وفي )ص ‪ (108‬قلال‪) :‬وقللد اسللتقريت أسلباب‬
‫اللبس في هذه المسألة حتى اشتد نكير طائفة من المسلمين على من قال‬
‫بخلق القرآن فوجدته يعود إلى أمرين اثنين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬التباس القرآن المنزل فللي أفهللامهم بللالكلم النفسللي الللذي‬
‫يراد به نفي الخرس‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬التباسه بعلم ال سبحانه وتعالى بلله مللع أن صللفتي الكلم‬
‫والعلم قديمتان(‪.‬‬
‫قلت‪ :‬إن ما ادعاه المؤلف الخليلي من أن الشللبهة الللتي نشللأ عنهللا‬
‫القول بعدم خلق القرآن وسائر الكلم المنزل‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ل يقول بها أهل السللنة والجماعللة سلللف هللذه المللة‪ ،‬ومللن يقللول‬
‫بقولهم ويتبع نهجهم‪ ،‬ومنهم شيخ السلم ابن تيميللة وتلميللذه ابللن القيللم؛‬
‫لن المؤلف الخليلي يركز في رده عليهما وهما يردان على مللن يللدعي‬
‫الكلم النفسي‪ ،‬ول يعدان الكلم النفسي كلمًا‪ ،‬وإنما هذا قللول الكلبيللة‬
‫والشعرية وقد اعترف المؤلف الخليلي بلأن أصللحابه الباضللية اتفقللوا‬
‫مع الشعرية على إثبات ما يسمى بالكلم النفسي والشعرية والكلبية‬
‫‪-‬وكل الذين يقولون بالكلم النفسي ‪-‬متفقون مع المعتزلللة علللى أن هللذا‬
‫القرآن الموجود بين أيدينا مخلوق‪.‬‬
‫وهللذا القللول هللو قللول المؤلللف الخليلللي والمعتزلللة بنللص كلم‬
‫الخليلي كما في )ص ‪ (118 -117‬فقد نقل نصًا عن الفخر الرازي من‬
‫تفسيره )‪ (188-187 /27‬ونصًا عن ابن عاشور في تفسيره »التحرير‬
‫والتنوير« لسورة النساء )‪ (6/38‬ثم قللال‪) :‬ومللن قللول هللذين المللامين‬
‫الشعريين يتبين لك ثبوت ما قاله المحقلق الخليلللي)‪ (199‬ملن أن موقللف‬
‫الشعرية من هذا القللرآن المنللزل علللى الرسللول عليلله أفضللل الصلللة‬
‫والسلللم‪ ،‬المتلللو باللسللن‪ ،‬المحفللوظ فللي الصللدور‪ ،‬والمكتللوب فللي‬
‫الصللحف‪ ،‬ل يختلللف عللن موقفنللا وموقللف المعتزلللة وغيرهللم القللائلين‬
‫بخلقه‪ ،‬وهذا الذي يعنيه المام نور الدين السالمي رحمة ال عليه حيللث‬
‫جعل الخلف بيننا وبينهم لفظيًا فحسب()‪ (200‬اهل‪.‬‬
‫قلببت‪ :‬وهللؤلء هللم الللذين يللرد عليهللم شلليخ السلللم ابللن تيميللة‬
‫المعتزلللة والباضللية ‪-‬الللذين يمثللل المؤلللف الخليلللي بعضللًا منهللم‪-‬‬
‫والشاعرة الللذين يقولللون بللالكلم النفسللي؛ وأمللا القللرآن الموجللود فللي‬
‫المصاحف المقروء باللسن فإنهم جميعًا يقولون إنه مخلوق‪.‬‬

‫‪ ()) 199‬هو غير المؤلف الخليلي المردود عليه هنا‪.‬‬


‫‪ ()) 200‬مشارق النوار )ص ‪.(245‬‬
‫فكيف يستسيغ المؤلف الخليلي لنفسه أن ينسب كلم الشاعرة إلى‬
‫شيخ السلم ابن تيمية؟ ثم يناقشه فللي كلم غيللره‪ .‬وهللو الن يثبللت أن‬
‫الشللاعرة يقولللون بقللوله فللي أن القللرآن مخلللوق‪ ،‬كمللا يقللول بللذلك‬
‫المعتزلة‪ ،‬وأن الخلف بينهم خلف لفظي فحسب‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬إن ما نسبه نور الدين السللالمي الباضللي إلللى أن الخلف‬
‫بينهم وبين الشاعرة في القرآن المتلو باللسللن المحفللوظ فللي الصللدور‬
‫المكتللوب فللي الصللحف خلف لفظللي وأن هللذا القللرآن الموجللود فللي‬
‫المصلللحف مخللللوق‪ ،‬صلللحيح‪ ،‬وهلللو اللللذي يصلللرح بللله الشلللاعرة‬
‫المعاصرون ومنهم على سبيل المثال‪:‬‬
‫‪1‬ل الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي‪ ،‬فقد صرح به فلي كتلابه‬
‫)اليقينيات الكبرى( )ص ‪ (126‬الطبعللة الثامنللة ) ‪ 1402‬هللل( حيللث قللال‪:‬‬
‫وأما الكلم الذي هو اللفظ‪ ،‬فاتفقوا ل يعني الشاعرة والمعتزلة ل على أنلله‬ ‫))‬

‫مخلوق وعلى أنه غيلر قلائم بلذات الل سلبحانه باسلتثناء أحملد بلن حنبلل‬
‫وبعض أتباعه‪ ...‬إلخ(‪.‬‬
‫‪2‬ل ل عبللدالرحمن حبنكللة الميللداني‪ :‬فللي كتللابه )العقيللدة السلللمية‬
‫وأسسها( ) ‪ (2/249‬الطبعة الولى ) ‪ 1385‬هل( قال‪ :‬النوع الثاني ل مللن‬
‫))‬

‫الوحي ل ما كان بواسطة إسماع الكلم اللهي من غيللر أن يللرى السللامع‬


‫من يكّلمه‪ ،‬كأن يخللق الل الصلوات فلي بعلض الجسلام ملن حجلر أو‬
‫شجر‪ ،‬ومن هذا النوع ما كان لموسى عليه السلم حين مناجاته ربه فللي‬
‫جانب الطور‪ ،‬وهذا النوع الثاني هو ما أشللار إليلله الل بقللوله فلي اليلة‪:‬‬
‫}أو من وراء حجاب{ أي‪ :‬وحيًا من وراء حجاب بواسطة خلق ال‬
‫الصوات كما ذكرنا أو بصورة أخرى يختارها ال عز وجل ‪.‬‬
‫((‬

‫قلت‪ :‬ومناجاة موسى ربه من جانب الطور هو ملا جلاء فللي قللوله‬
‫تعالى‪:‬‬
‫}فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي اليمن فتتي البقعتتة‬
‫المباركة من الشتتجرة أن يتتا موستتى إنتتي أنتتا اللتته رب‬
‫العالمين{ ] القصص ‪ [30‬ومعنى هذا عند حبنكللة الشللعري أن الشللجرة‬
‫التي خللق فيهلا الصلوت وهللو القلرآن‪ ،‬قلالت لموسللى‪ :‬إنلي أنلا الل رب‬
‫العالمين!‪.‬‬
‫وبهذا يتضح لك أيها القارئ الكريللم أن مللا ادعللاه المؤلللف شللبهة‬
‫إنما هو شبهة عنده وعند من يقول بذلك من إباضية وأشعرية وكلبيللة‪،‬‬
‫فهم عندما أدركوا أن نفي صفة الكلم عن ال نقص ل وهي من صللفات‬
‫الكمال ل لن ال عللز وجللل قللد نعلى عللى بنلي إسللرائيل الللذين اتخللذوا‬
‫العجل إلهًا حيث وصفه ال ل ل ل لل ل بصللفات النقللص الللتي يتنللزه‬
‫الباري عنها‪ ،‬ومنها أنهم اتخذوا ذلك إلهًا وهو ل يتكلم فقلللال‪} :‬واتخذ‬
‫قوم موسى من بعده من حليهم عجل ً جسدا ً لتته ختتوار‬
‫ألم يروا أنه ل يكلمهم ول يهديهم سبيل ً اتخذوه وكتتانوا‬
‫ظالمين{ ] العراف ‪.[148‬‬
‫فنعللى الل علللى بنلي إسللرائيل ضللللهم وجهلهللم وعبلادتهم عج ً‬
‫ل‬
‫اتخذوه إلهًا‪ ،‬وهم يرون أنه ل يكلمهم ول يهللديهم إلللى خيللر‪ ،‬فالللذي ل‬
‫يتكلم كيف يصح أن يكون إلهًا‪.‬‬
‫فلما رأى هؤلء المنحرفون عن منهج السلف أن نفي صفة الكلم‬
‫عن الل عللز وجللل نقلص‪ -‬لن الكلم ملن صلفات الكملال‪ -‬لجلأ الكلبيلة‬
‫والشاعرة وبعض الباضية إلى مللا يسللمى )بللالكلم النفسللي( وأمللا ألفللاظ‬
‫القرآن فصرحوا بأنها مخلوقة‪.‬‬
‫وأما المعتزلة‪ ،‬فصرحوا بأن القرآن مخلوق ونفوا عللن ال ل صللفة‬
‫الكلم وسيأتي ذكر شللبهة القللائلين بخلللق القللرآن الللتي سللماها المؤلللف‬
‫الخليلي أدلة في )ص ‪ (163‬من كتابه هذا وسنناقشها فللي موضللعها إن‬
‫شاء ال تعالى‪.‬‬
‫ثم إن المؤلف الخليلي وهو يذكر أدلة القائلين بنفي خلق القرآن‬
‫كما يراها هو ويختار منها ما يريد فيذكره ويللرد عليلله ولللذا فقللد اختللار‬
‫لهم ستة أدلللة نقليللة‪ ،‬حيللث قللال فللي )ص ‪) :(154‬وبجللانب مللا ذكرتلله‬
‫‪-‬ويعني به )نفي الخرس( الللذي سللبق الللرد عليلله‪ -‬تعلللق أصللحاب هللذا‬
‫القول بأمور‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬إن ال تعللالى امتللن علللى عبللاده بتعليمهللم القللرآن ل بخلقلله‬
‫حيث قال‪} :‬الرحمن علم القرآن{ ]الرحمن ‪- [ 2 -1‬ثم قال في الرد‬
‫على هذا‪-:‬وهو كما ترى احتجاج سلبي بما ل ينص على عدم الخلق ول‬
‫ل علللى عللدم الخلللق‬ ‫يفهم منه ذلك بحال‪ ،‬فإن المتنان بالتعليم لو كان دلي ً‬
‫لقتضى ذلك أن يكون البيان كله غير مخلللوق لقللوله سللبحانه إثللر ذلللك‪:‬‬
‫}خلق النسان‪ .‬علمه البيان{ ]الرحمللن ‪ [4-3‬ولللم يقللل‪ :‬خلللق للله‬
‫البيان‪ ،‬وإنما المتنان في الموضعين كان بالتعليم ل بللالخلق لنلله منشللأ‬
‫النتفاع بهما وقد امتلن الل عللى عبلاده بتسللخير المخلوقللات لهلم قللال‪:‬‬
‫}وسخر لكم ما في السموات ومتتا فتتي الرض جميع تا ً‬
‫منه{ ] الجاثيللة ‪ [13‬فهل يقللال بللأن ذلللك حجللة علللى عللدم خلللق مللا فللي‬
‫السموات وما في الرض(‪.‬‬
‫فالحجللة الللتي ذكرهللا لهللل السللنة فللي أن القللرآن كلم ال ل غيللر‬
‫مخلوق هي هذه اليات من كللللم ال عز وجل ‪} :‬الرحمن‪ .‬علتتم‬
‫القرآن‪ .‬خلق النسان‪ .‬علمه البيان{ ] الرحمللن ‪ [ 4-1‬ثم اتبللع‬
‫هذا الدليل لنفاة الخلق عن القرآن بخمسة أدلة هي‪:‬‬
‫‪1‬ل قوله‪} :‬أل له الخلق والمر{‪2 ،‬للل قللوله‪} :‬وما خلقنتتا‬
‫السموات والرض ومتتا بينهمتتا إل بتتالحق{‪3 ،‬للل السللتعاذة‬
‫بكلمات ال التامات‪4 ،‬ل ما رواه أبو القاسم الللكائي من قللول علللي بللن‬
‫حّكمت مخلوقًا((‪5 ،‬ل ما روي عن ابللن عبللاس‬ ‫أبي طالب للخوارج‪ :‬ما َ‬
‫))‬

‫من إنكاره على من قال‪ :‬ورب القرآن((‪.‬‬


‫))‬

‫وسنبدأ بالرد على ما جاء منه علللى الللدليل الول والجللواب علللى‬
‫رده يتلخص في المور التالية‪:‬‬
‫أوًل‪ :‬أن هللذا النللص الللذي رد بلله علللى اسللتدلل أهللل السللنة‬
‫والجماعللة سلللف المللة وأتبللاعهم نقللله مللن كتللاب الصللول الخمسللة‬
‫للقاضي عبدالجبار المعتزلي )ص ‪.(445‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن استدلل أهل السنة والجماعلة سللف الملة وأتبلاعهم بهلذه‬
‫اليات من سورة الرحمن لن ال فرق فيها بين القرآن والنسللان‪ ،‬فللأخبر‬
‫عن القرآن بالتعليم وعن النسان بالخلق‪ ،‬ويقررون في تفسلليرهم أن هللذه‬
‫من أجل النعلم وبلدأ علز وجلل بأجللل نعمللة أنعللم بهللا علللى عبلاده وهللي‬
‫تعليمهم القرآن الذي هو مدار سعادة الدارين فقللال‪} :‬الرحمن‪ .‬علتتم‬
‫القرآن{‪ .‬قال قتادة‪ :‬نعمللة والل عظيمللة(()‪ (201‬ثللم أتبللع ذلللك بنعمللة‬
‫))‬

‫الخلق فقال‪} :‬خلق النسان{ ثم أتبع ذلك بنعمة ثالثللة وهللي تعليملله‬
‫البيان الذي يكون به التفاهم ويدور عليه التخاطب‪ ،‬فلللم يكللن السللتدلل‬
‫بالية سلبيًا كما يقول المؤلف الخليلي‪ ،‬وإنما هو استدلل إيجللابي بكلم‬
‫ل‪.‬‬
‫ال عز وجل وإخباره‪ ،‬ومن أصدق من ال قي ً‬
‫فهو الذي أخبر بتعليم القرآن‪ ،‬ثم أتبعلله بخلللق النسللان‪ ،‬ولللو كللان‬
‫القرآن مخلوقًا لقال ال عز وجللل )خلللق القللرآن( ولكنلله لللم يخللبر عنلله‬
‫ل المواضع التي ورد فيها ذكر القرآن بجميع صلليغ الخبللار‬ ‫بذلك في ك ّ‬
‫عنه )بالخلق(‪ ،‬مع أنه أخبر تعالى في كل موضع ورد فيه ذكر النسان‬
‫)بالخلق(‪.‬‬
‫‪ ()) 201‬ابن جرير )‪.(27/114‬‬
‫يقول المام الكناني رحمه الله في مناظرته)‪(202‬لبشتتر‬
‫المريسي بين يدي المأمون قال في كتاب الحيدة )ص‬
‫‪ (85‬قال‪)) :‬إن الله أخبر في كتابه عتتن خلتتق النستتان‬
‫في ثمانية عشر)‪ (203‬موضعا ً ما ذكره في موضتتع منهتتا‬
‫إل أختتتبر عتتتن خلقتتته‪ ،‬وذكتتتر القتتترآن فتتتي أربعتتتة‬
‫وخمسين)‪ (204‬موضعا ً متتن كتتتابه‪ ،‬فلتتم يختتبر عتتن‬
‫خلقه فتتي موضتتع منهتتا‪ ،‬ول أشتتار إليتته بشتتيء متتن‬

‫‪ () 202‬وقد أثبت مناظرة الكناني لبشر المريسي بيللن يللدي المللأمون تلميللذ الكنللاني ابللن‬
‫طيفور في كتابه »كتاب بغداد«‪) .‬ص ‪ (47‬الناشر مكتبة الخانجي الطبعللة الثانيللة )‬
‫‪1415‬هل(‪.‬‬
‫‪ () 203‬اليات التي ورد فيها ذكر خلق النسان هي قوله تعالى في سور النساء‪} :‬يريد‬
‫الله أن يخفف عنكم وخلق النسان ضتتعيفا ً{ ] النسللاء ‪ [ 28‬ثللم إليللك‬
‫أرقام اليات الخرى‪ ] :‬الحجر ‪ [ 26‬ل ] النحل ‪ [ 4‬ل ] السجدة ‪ [ 7‬ل ] النسان ‪[ 2‬‬
‫ل ] النفطار ‪ [ 7-6‬ل ] مريم ‪ [ 67‬ل ] يس ‪ [ 77‬ل ]الطارق ‪ [ 5‬ل ] النبياء ‪ [ 37‬للل‬
‫] الرحمن ‪ [ 14 ،3‬ل ] التين ‪ [ 4‬ل ] المؤمنون ‪ [ 12‬ل ] المعارج ‪ [ 19‬ل ] العلق ‪2‬‬
‫[‪.‬‬
‫‪ ()204‬اليات التي ورد فيها ذكر القرآن ولم يخبر بخلقه ول أشار إليه‪ :‬ل ] البقرة ‪185‬‬
‫[‬
‫ل ]المائدة ‪ [ 101‬ل ] يوسف ‪ [ 3 ،2‬ل ] السراء ‪ [ 102 ،106 ،82‬ل ] طه ‪ [113 ،2‬ل‬
‫] الزخرف ‪ [ 31‬ل ] الحشر ‪ [ 31‬ل ] النسان ‪ [ 23‬ل ] النفال ‪ ،19‬ل ‪ [ 41‬ل ] الفرقللان‬
‫‪.[ 32،6‬‬
‫كما ورد ذكر إنزال الكتاب‪ ،‬وإنزال القرآن في عدد من اليات ولم يشر إلللى خلقلله فللي‬ ‫•‬
‫موضع منها ول إلى أي شلليء مللن صللفات الخلللق مللن ذلللك قللوله تعللالى‪} :‬وبالحق‬
‫أنزلنتتتتتتاه وبتتتتتتالحق نتتتتتتزل{ ]السلللللللللراء ‪ [105‬لللللللللل ] النحلللللللللل‬
‫‪ [ 89،102،101،44،24،30،40،91‬ل ] الكهف ‪ [ 18‬ل ] الحج ‪ [ 116‬ل ] الشللعراء‬
‫‪ [ 198 ،193‬ل ] البقرة ‪ [ 97،99،159‬ل ] الشورى ‪ [15،17‬ل ] ص ‪.[ 49‬‬
‫صتتفات الخلتتق‪ ،‬ثتتم جمتتع بيتتن القتترآن والنستتان فتتي‬
‫موضع واحد وأخبر عن خلق النسان ونفى الخلق عتتن‬
‫القتترآن فقتتال عتتز وجتتل‪}:‬الرحمن علللم القللرآن‪.‬‬
‫خلق النسان{ ]الرحمتتن ‪،[3 -1‬تت ففرق بيتتن القتترآن‬
‫شر أن الله عز وجل فرط فتتي‬ ‫وبين النسان فزعم ب ِ ْ‬
‫الكتاب‪ ،‬وكان يجب عليتته أن يختتبر عتتن خلتتق القتترآن‬
‫وقال الله ‪}:U‬ما فرطنا في الكتاب من شيء{‬
‫] النعام ‪ (([38‬اهت‪.‬‬
‫فهل الخليلي يجرؤ فيقللول أو يزعللم كمللا زعللم سلللفه بشللر أن فللي‬
‫كتاب ال تفريطًا إذ لم ينص ال لل للل فيلله علللى خلللق القللرآن ول‬
‫في آية واحدة‪ ،‬وقد طلب المام أحملد بلن حنبلل رحملله الل تعلالى بيلن‬
‫يدي المعتصم أن يأتي ابن أبي دؤاد بآية واحدة أو نص عن رسول اللل‬
‫}ذلببك بببأن البب نببزل الكتبباب بببالحق{ ] البقللرة ‪ [ 176‬للل ] النسللاء ‪ [ 136،140‬للل‬ ‫•‬
‫] العراف ‪ [ 196‬ل ] الفرقان ‪ [ 25‬ل ] الزمر ‪ [ 23‬ل ] محمد ‪.[ 26‬‬
‫نزلنا‪} :‬وإن كنتم في ريب ممببا نزلنببا علببى عبببدنا{ ] البقلرة ‪ [ 23‬لل ] النسلاء ‪ [ 47‬لل‬ ‫•‬
‫] الحجر ‪.[ 9‬‬
‫}وننزل مببن القببرآن مببا هببو شببفاء{ ] السراء ‪ [ 82‬لل ] الحديللد ‪ [ 9،25‬لل ] المللائدة‬ ‫•‬
‫‪[ 101‬‬
‫ل ] البقرة ‪.[ 231 ،230 ،170 ،90،147‬‬
‫] آل عمران ‪ [ 4،7‬ل ] النساء ‪،61‬ل ‪،113‬ل ‪،136‬ل ‪ [ 105‬ل ] المللائدة ‪،44‬ل ‪،45‬ل ‪،47‬‬ ‫•‬

‫‪،48‬ل ‪ [49،104‬ل ] النعام ‪،93‬ل ‪،92‬ل ‪ [ 155‬ل ] البقرة ‪ [ 41‬ل ] آل عمران ‪ [ 53‬لل‬
‫] يونس ‪[94‬‬
‫ل ] النبياء ‪ [ 10‬ل ] النور ‪ [ 46 ،34 ،1‬ل ] العنكبوت ‪ [ 51 ،47‬ل ] الزمر ‪[ 41 ،2‬‬
‫ل ]المجادلة ‪ [ 5‬ل ] الحشر ‪ [ 21‬ل ] إبراهيم ‪ [ 1‬ل ] الدخان ‪ [ 3‬ل ] القدر ‪.[ 1‬‬
‫صلى ال عليه وسلم فيها النص على أن القللرآن مخلللوق وقللد عجللز أن‬
‫يقدم شيئًا‪ .‬فهل عند المؤلللف الخليلللي نللص مللن الكتللاب أو السللنة علللى‬
‫دعواه أن القرآن مخلوق وقد عجز سلللفه ومللن يعللتز بالنتمللاء إليهللم ل ل‬
‫الجهمية والمعتزلة ؟ل وللقارئ الكريم أن ينظر في اليللات الللتي ذكرنللا‬
‫أرقامها في الحاشية التي أشللار إليهللا المللام الكنللاني رحملله الل والللتي‬
‫تشير إلى )خلق النسان( في كل موضع ورد ذكره فيلله فللي كتللاب ال ل‬
‫عز وجل‪.‬‬
‫وينظر إللى بعلض اليلات اللتي ورد فيهلا ذكللر القللرآن أو إنلزال‬
‫الكتاب أو اليات البينات‪ ،‬وسيجد ما أشار إليه المام الكناني من أن ال‬
‫عز وجل لم يخبر عن القرآن ول في موضع واحد أنه خلقه أو ذكر مللا‬
‫يشير إلى شيء من صفات الخلق‪.‬‬
‫وأخيرًا جمع ال بين القرآن والنسان فللي موضللع واحللد‪ ،‬وأخللبر‬
‫عن خلق النسللان ونفللى الخلللق عللن القللرآن فقللال‪} :‬الرحمن علم‬
‫القرآن‪ .‬خلق النسان{‪ .‬فهللل هللذا السللتدلل سلللبي كمللا يقللول‬
‫ل للشللك عنلد أولللي‬ ‫المؤلف الخليلي‪ ،‬أو استدلل إيجابي بما ل يدع مجا ً‬
‫العقول النيرة المستضيئة بهدي الكتاب والسنة أن القللرآن كلم الل منلله‬
‫بدأ وإليه يعود‪ ،‬وأنه لل للل يتكلم متى شاء وكيف شاء؟‪.‬‬
‫وإنمللا الشللك والشللبه عنللد المؤلللف الخليلللي وأسلللفه مللن الجهميللة‬
‫والمعتزلة الذين توهموا أنهم إذا أثبتوا ل لل للل صفة الكلم فقللد‬
‫أثبتوا تعددًا في القدماء لوهمهم أن صفات البللاري عللز وجللل منفصلللة‬
‫عن ذاته‪.‬‬
‫كما صرح المؤلف بهذا في كتللابه هللذا )ص ‪) :(104‬مللن أنلله لللو‬
‫أثبت ل صفة الكلم لكانت التوراة والنجيل والزبور وصحف إبراهيم‬
‫وموسى والقرآن وجميع الوحي كله قللديمًا موجللودًا فللي الزل مللع ال ل‬
‫تعالى بهذه اللفاظ المخلوقة المحدثة علللى كثرتهللا‪ ...‬وهللذا باطللل إذ ل‬
‫قديم سللواه(‪ .‬فهللذا تصللور الخليلللي‪ ،‬وهللو تصللور المعتزلللة فللي إثبللات‬
‫الصفات ل عز وجل ومنها صفة الكلم‪ ،‬والخليلي يقول بقول المعتزلة‬
‫في صفات ال تعالى ومنها صفة الكلم فهو كما ترى يتصور أن صفة‬
‫الكلم منفصلة عن ال قائمة بذاتها‪.‬‬
‫فخوفًا من هذا الوهم حتى ل يثبت قدماء مع ال نفى صفة الكلم‪.‬‬
‫وأهل السنة والجماعة يقولون‪ :‬إن صفات الباري قائمة به عللز وجللل‬
‫فهو واحد أحد بأسمائه الحسنى وصللفاته العل‪ ،‬ومللن صللفاته )الكلم( فهللو‬
‫يتكلم متى شاء وكيف شاء‪ ،‬وهو الذي كلم موسللى عليلله السلللم حيلن جللاء‬
‫لمناجاته كما قال تعالى‪} :‬ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه{‬
‫وقال تعالى‪} :‬وكلم الله موسى تكليما ً{ ولللم يللؤثر عللن أحللد مللن‬
‫السلف القول بخلق القرآن بل كلهم مجمعون أنه كلم ال ‪.U‬‬
‫وأن أول مللن أحللدث القللول بخلللق القللرآن فللي المللة السلللمية‬
‫)الجعد بن درهم( وقد ضحى به خالد القسري في عيد الضللحى حيللث‬
‫قال في خطبته في عيد الضحى‪ :‬أيها الناس ضحوا تقبل ال ضحاياكم‬
‫))‬

‫ح )بالجعد بن درهم( حيث زعم أن ال لم يكلللم موسللى تكليملًا‬ ‫ضّ‬‫فإني ُم َ‬


‫ل(( ثم نزل وذبحه عند المنبر‪ ،‬ثم أخذ عنه مقللالته‬ ‫ولم يتخذ إبراهيم خلي ً‬
‫الجهللم بللن صللفوان‪ ،‬وهكللذا أخللذ المعتزلللة هللذه المقالللة حللتى زينوهللا‬
‫للمأمون والمعتصم ومن بعدهما‪ ،‬وقد حمل المأمون والمعتصلم العلملاء‬
‫عليها بالقوة كما هو معروف في )محنة القول بخلق القرآن()‪.(205‬‬
‫شَبه‪.‬‬
‫فالقائلون بخلق القرآن ل ومنهم المؤلف الخليلي ل هم أهل ال ُ‬

‫‪ ()) 205‬انظر‪ :‬البداية والنهاية‪ 404 / 10 .‬الطبعة الثانية دار المعرفة ‪ 1417‬هل‬
‫وأما أهل السنة سلف هذه المة وأتباعهم بإحسان فهم أهللل الللدليل‬
‫الصريح من كتاب ال عز وجل والصحيح مللن سللنة المصللطفى صلللى‬
‫ال عليه وسلم المقيدين ذلك بفهم السلف الصالح للكتاب والسنة‪.‬‬
‫كما سيأتي تفصيل ذلك بعد الللرد عللى المؤلللف الشلبه اللتي ظنهلا‬
‫أدلة وسردها في فصله الرابع )ص ‪ (163‬وسماها أدلللة القللائلين بخلللق‬
‫القرآن‪.‬‬
‫ولكن نتابع هنا ما سماه ل بأدلة النافين لخلق القرآن‪.‬‬
‫وقد قرأت الرد على نفيه الستدلل بآية سورة الرحمن التي فللرق‬
‫ال فيها بين القرآن والنسان‪ ،‬حيث جمعهما في مكان واحد‪ ،‬فأخبر عن‬
‫خلللق النسللان ونفللى الخلللق عللن القللرآن‪ ،‬فقللال‪} :‬الرحمن‪ .‬علم‬
‫القرآن‪ .‬خلق النسان{ وقبل أن أكمل الرد على رده على الدلللة‬
‫التي أجملها مدعيًا أنها أدلة نفاة القول بخلق القرآن ورده لها‪ ،‬أرى أنه‬
‫من المناسب أن أورد ما قللاله المللام الشللوكاني رحملله ال ل فللي تفسللير‬
‫سللورة الرحمللن لن المؤلللف الخليلللي قللد نعللى علللى الشللوكاني تركلله‬
‫لعقيدته )الزيدية( وتأثره بعقيدة الحنابلة وما يسمى )بالعقيدة السلفية(كما‬
‫يقول‪ ،‬حيث قال عنه في كتابه هللذا )ص ‪) :(145‬وقللد أدرك ذلللك أحللد‬
‫العلماء المتلأخرين الللذين تلأثروا بعقيلدة الحنابللة تلأثرًا أفضللى بله إلللى‬
‫التعصب الذي يجلب عللى البلاحث المسلللم أن يكلون بعيلدًا عنله‪ ،‬وهللو‬
‫المام الشوكاني الذي ترك عقيدته الزيديللة واعتنللق مللا يسللمى بالعقيللدة‬
‫السلفية‪ ،‬فقد قال فلي تفسليره المشللهور‪) :‬ولقلد أصلاب أئملة السلنة ملن‬
‫امتناعهم من الجابة إلى القول بخلق القرآن وحدوثه وحفظ ال بهم أمة‬
‫نبيهم عن البتداع‪ (...‬وما عدا هذا من النص الذي نقللله عللن الشللوكاني‬
‫فسيأتي عليه الجواب في محله‪.‬‬
‫ولكن المقصود هو نقل كلم المللام الشللوكاني مللن تفسللير سللورة‬
‫الرحملللن لقلللوله تعلللالى‪} :‬الرحمتتن ‪.‬علتتم القتترآن ‪.‬خلتتق‬
‫النسان{‪ ،‬لنعلم وجه المتنان في تعليم الل تعللالى القللرآن‪ ،‬ثللم خلقلله‬
‫النسان وليتضح زيف ما نقله المؤلف الخليلي فللي تفسللير هللذه اليللات‬
‫عن القاضي عبدالجبار المعتزلي مللن كتللابه )الصللول الخمسللة( الللذي‬
‫سبق ذكره في رد الخليلي على الستدلل بهللذه اليللات الللتي فللرق ال ل‬
‫فيها بين القرآن وخلق النسان وكلها نعم من ال‪.‬‬
‫يقللول المللام الشلللوكاني رحملله اللل‪ :‬قللال الزجللاج‪ :‬معنللى )علللم‬
‫))‬

‫القرآن(‪ :‬يسره ‪ ،‬وبعد نقله القوال عن العلمللاء قللال‪ :‬ولمللا كللانت هللذه‬
‫))‬ ‫((‬

‫السورة لتعداد نعمه التي أنعم بها على عباده قدم النعمة الللتي هللي أجلهللا‬
‫قدرًا‪ ،‬وأكثرها نفعًا‪ ،‬وأتمهللا فللائدة‪ ،‬وأعظمهللا عللائدة‪ ،‬وهللي نعمللة تعليللم‬
‫القللرآن‪ ،‬فإنهللا مللدار سللعادة الللدارين‪ ،‬وقطللب رحللى الخيريللن‪ ،‬وعمللاد‬
‫المرين‪ .‬ثم قال‪ :‬ثم امتن بعد هذه النعمة بنعمة الخلق التي هي مناط كللل‬
‫المور ومرجع جميع الشياء فقال‪} :‬خلق النسان{‪ .‬ثللم امتللن ثالثلًا‬
‫بتعليمه البيان الذي يكون بلله التفللاهم ويللدور عليلله التخللاطب‪ ،‬وتتوقللف‬
‫عليه مصالح المعاش والمعاد‪ ،‬لنه ل يمكن إبراز ما فللي الضللمائر ول‬
‫إظهار ما يدور في الخلد إل بله‪ ،‬قللال قتلادة والحسللن‪ :‬المللراد بالنسللان‬
‫آدم‪ ،‬والمراد بالبيان أسماء كل شيء‪ ،‬وقيل المللراد بلله اللغللات‪ ((...‬إلللخ‬
‫القوال التي نقلها‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬والولى‪ :‬حمل النسان على الجنس‪ ،‬وحمل البيللان علللى‬ ‫))‬

‫تعليم كل قوم لسانهم الذي يتكلمون به(()‪.(206‬‬


‫فنراه فرق بين القرآن‪ ،‬وخلببق النسببان‪ ،‬و تعليببم البيببان‪ ،‬وكلهببا‬
‫نعم ولكن أعظمها القرآن الذي هو كلم ال‪.‬‬
‫‪ ()) 206‬فتح القدير للمام الشوكاني )‪ (5/128‬مطبعة الحلبي‪.‬‬
‫هذا وقد أورد المؤلف الخليلي بعد الدليل الببذي سبببق ذكببره مببن‬
‫أدلة نفاة خلق القرآن خمسة أدلة وهي‪:‬‬
‫‪1‬ل قوله تعالى‪} :‬أل له الخلق والمر{ ] العراف ‪.[4‬‬
‫‪2‬ل ل وقللوله تعللالى‪} :‬وما خلقنا الستتموات والرض ومتا‬
‫بينهما إل بالحق{‬
‫] الحجر ‪.[85‬‬
‫‪3‬ل الستعاذة بكلمات ال التامللات كمللا جللاء فللي الحللديث‪» :‬أعببوذ‬
‫بكلمات ال التامات من شر ما خلق«‪.‬‬
‫‪4‬ل ما رواه أبو القاسللم الللكللائي علن المللام علللى بللن أبللي طللالب‬
‫رضي ال عنه لما قيل له حكمت رجلين‪ :‬ما حكمت مخلوقًا‪ ،‬ما حكمبت‬
‫))‬

‫إل القرآن((‪.‬‬
‫‪5‬ل ما روي عن ابن عباس رضي ال عنهما أنه أنكللر علللى رجللل‬
‫قوله‪:‬‬
‫رب القرآن((‪.‬‬ ‫))‬

‫وقد أجاب على هذه الدلة التي اختارها بما يراه صوابًا‪.‬‬
‫وحيث إن لنفاة الخلق عن القرآن أدلة غير ما ذكر المؤلللف‪ ،‬وهللو‬
‫ل خاصًا لدلة القللائلين بخلللق القللرآن‪ ،‬عقليللة و نقليللة‪ ،‬كمللا‬‫سيورد فص ً‬
‫يقول تبدأ من‬
‫)ص ‪ (179 – 163‬تحت الفصل الرابع‪.‬‬
‫فإننللا سللنورد أدلتلله علللى دعللواه وبيللان وجهللة اسللتدلله‪ .‬وبعللد‬
‫مناقشتها ودحضها إن شللاء بمللا هللو الحللق‪ ،‬فسللنورد عقبهللا أدلللة النفللاة‬
‫لخلق القرآن‪ ،‬وضمن ذلك سنوضح الشبه التي استدل بها حسب زعملله‬
‫في الرد على أدلة النفاة اللتي اختارهلا ورد عليهللا‪ .‬وهللي هلذه الخمسللة‬
‫الدلة التي سبق ذكرها‪ ،‬فإلى الفصل الرابع‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪:‬‬
‫أدلة القائلين بخلق القرآن‬

‫وهو من )ص ‪ (179 - 163‬وهو آخر بحث خلق القرآن وسوف‬


‫يورد في هذا الفصل‪:‬‬
‫أ‪ -‬أدلة من القرآن حسب زعمه وهي شبه‪.‬‬
‫ب‪ -‬وأدلة من السنة وهي كذلك كما سيرى القارئ ذلك‪.‬‬
‫وسنبدأ بذكر أدلته من القرآن وبيان وجهة استدلله بها‪ ،‬ثم مناقشة‬
‫كل دليل مباشرة بأسلللوب المناقشللة العلمللي إن شللاء اللل‪ ،‬ثلم نتبلع ذلللك‬
‫ل لمن يللرد عليهللم‬‫بأدلته من السنة‪ .‬وفي كل ذلك نبين بالدليل نسبته أقوا ً‬
‫ليست لهم مع بيان علمه بذلك الدليل من قوله إن شاء ال‪.‬‬

‫فنقول‪ :‬إن المؤلف الخليلي يركز في رده على ل الحنابلة ل ل ولكنلله‬


‫يخص بالذكر شليخ السلللم ابلن تيميلة وتلميلذه ابلن القيلم‪ ،‬هكلذا يعلبر‬
‫عنهما وليته يقول الحق ولكنه يصدر هذا الفصللل بتمهيلٍد‪ ،‬ل يقللول بمللا‬
‫عهم ول شيخُ السلم ابن تيمية وتلميُذه‬ ‫ف هذه المة ول أتبا ُ‬ ‫جاء فيه سل ُ‬
‫لب‪ ،‬والشللعرية وملن‬ ‫ابن القيم ول غيرهملا‪ ،‬وإنملا يلورد كلم ابللن ك ّ‬
‫يقول بقولهم مللن أتبللاع المللذاهب‪ ،‬وينسللب أقللوالهم لشلليخ السلللم ابللن‬
‫تيمية‪ ،‬وهذا افتراء في النقل وظلم في النسبة والحكم‪ ،‬وال يقللول‪} :‬ول‬
‫شَنئان قوم على أل تعدلوا اعدلوا هتتو أقتترب‬ ‫مّنكم َ‬ ‫جر ِ َ‬
‫يَ ْ‬
‫للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون{]المائدة ‪[8‬‬
‫ثم إن الخليلي يعيد هنا ما سبق أن ادعاه فللي الفصللل الثللالث الللذي‬
‫أسماه‪) :‬أدلة النافين لخلق القرآن( فيقول في التمهيللد لهللذا الفصللل )ص‬
‫‪) :(163‬بعد ما سللمعت أخللي القللارئ مللا فللي هللذه المسللألة مللن خلف‬
‫وتبين لك بالمقارنة الدقيقة‪ ،‬الضطراب الواضح في أقوال الذين أثبتللوا‬
‫للقرآن وغيره من كتب ال المنزلللة صببفة القببدم وتللبين لللك ضللعف مللا‬
‫يتشبثون بلله‪ ،‬أعللرض عليللك حجللج الفريللق الخللر وهللم القللائلون بللأنه‬
‫مخلوق(‪.‬‬
‫والجواب على هذا التمهيد بما يأتي‪:‬‬
‫‪1‬ل سبق ذكر كلم السلف )في القرآن( وأنهم لم يقولوا بقللدمه كمللا‬
‫نقل الخليلي ذلك عن شيخ السلم ابن تيمية الذي ينسب إليه قللول ابللن‬
‫كلب ظلمًا وافتراء‪ ،‬وإنمللا قللولهم‪ :‬إن القللرآن كلم ال ل غيللر مخلللوق‪،‬‬
‫ويقولون‪ :‬إن ال عز وجل يتكلم متى شاء وكيف شاء‪ ،‬ولم يقل أحد مللن‬
‫السلف أن القرآن قديم‪ ،‬فليس عند السلف وأتبللاعهم بإحسللان اضللطراب‬
‫في إثبات صفة الكلم ل عللز وجللل‪ ،‬بللل قللولهم واحللد وهللو أن القللرآن‬
‫كلم ال منه بدأ وإليه يعود‪.‬‬
‫‪2‬ل وقد نقل المؤلف الخليلي هذا عن شيخ السلم ابللن تيميللة مللن‬
‫كتابه الفتاوى من موضعين‪.‬‬
‫ل عن شيخ السلللم مللن الفتللاوى )‬ ‫قال الخليلي في )ص ‪ (149‬نق ً‬
‫‪):(12/54‬أن السلف قالوا‪ :‬القرآن كلم منزل غير مخلوق‪ ،‬وقللالوا‪ :‬لللم‬
‫يزل متكلمًا إذا شاء‪ ،‬فبينوا أن كلم ال قديم أي جنسه قديم لم يزل‪ ،‬ولم‬
‫يقل أحد منهم إن نفلس الكلم المعيلن قللديم‪ ،‬ول قللال أحللد منهلم القللرآن‬
‫قديم‪ ،‬بل قالوا‪ :‬إنه كلم ال منزل غير مخلللوق‪ ،‬وإذا كللان الل قللد تكلللم‬
‫ل منله غيللر مخلللوق‪ ،‬ولللم‬ ‫بالقرآن بمشيئته كان القرآن كلمه وكان منز ً‬
‫يكن مع ذلك أزليًا قديمًا بقدم ال وإن كان ال لللم يللزل متكلم لًا إذا شللاء‪،‬‬
‫فجنس كلمه قديم(‪.‬‬
‫إلى هنا نقل الخليلي وتببرك تكملببة النببص وهللو قللوله‪) :‬فملن فهلم‬
‫قول السلف وفّرق بين هذه القوال زالت عنه الشبهات في هذه المسائل‬
‫المعضلة التي اضطرب فيها أهل الرض( اهل‪.‬‬
‫وبهذا يتضح أن المؤلف الخليلي ينسب إلللى شلليخ السلللم خلف‬
‫ما يصرح به وينقله عن السلف‪ ،‬وقد شهد الخليلي على نفسه بنقللله هللذا‬
‫النص من الفتاوى وفيه قول شيخ السلم‪) :‬إن السلف لم يقل أحد منهللم‬
‫إن القرآن قديم‪ ،‬وأن السلف يفرقون بين صللفة الكلم الللتي يثبتونهللا ل ل‬
‫وهي من صفات الكمال‪ ،‬ويقولون أن ال عز وجللل لللم يللزل متكلملًا إذا‬
‫شاء وكيف شاء ومتى شاء‪ ،‬فجنس الكلم قللديم وأمللا الكلم المعيللن فلللم‬
‫يقل أحد بقدمه وإنما ال يتكلم متى شاء‪.‬‬
‫وقد تكلم بالقرآن كما تكّلم بغيللره مللن الكتللب المنزلللة‪ ،‬كمللا قللال تعلالى‪:‬‬
‫}قل لو كان البحر مدادا ً لكلمات ربي لنفد البحتتر قبتتل‬
‫أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ً{ ] الكهللف ‪،[ 109‬‬
‫ولكن كما قال شيخ السلم في المقطع الللذي تركلله الخليلللي )فمللن فهللم‬
‫قول السلف(‪ ...‬إلخ‪ .‬فيظهر وال أعلم أن الخليلي لم يفهللم قللول السلللف‪،‬‬
‫أو أراد أن ليفهم‪ ،‬وهذا هو القرب‪ ،‬فهللو يلرد القللول عنلادًا بلدليل أنله‬
‫ينقل التصريح عن شيخ السلم بأن السلف لم يقولللوا بقللدم القللرآن كمللا‬
‫في هذا النص وفي النص الخر الذي أثبته في هذه الصللفحة مللن كتلابه‬
‫)ص ‪.(164‬‬
‫فقد نقل من الفتاوى )‪ (12/301‬النص التللالي‪) :‬وكمللا لللم يقللل أحللد‬
‫من السلف إنه مخلوق‪ ،‬فلم يقل أحد منهم إنلله قللديم‪ ،‬لللم يقللل واحللدًا مللن‬
‫ن بعللدهم ِمللن‬ ‫القولين أحد من الصحابة ول التابعين لهم بإحسان‪ ،‬ول َمل ْ‬
‫الئمللة الربعللة‪ ،‬ول غيرهللم‪ ،‬بللل الثللار متللواترة عنهللم بللأنهم كللانوا‬
‫يقولون القللرآن كلم اللل‪ ،‬ولمللا ظهللر مللن قللال‪ :‬إنلله مخلللوق قللالوا ردًا‬
‫لكلمه‪ :‬إنه غير مخلوق(‪ .‬إلى هنبا نقبل الخليلبي‪ ،‬وتبرك تكملبة النبص‬
‫لنه ل يريد أن يسجل ما فيه على نفسلله فللي كتللابه ليللراه أتبللاعه الللذين‬
‫يضللهم عن الحق‪ .‬ولهللذا فللإني أقللوم بتكملتلله للقللارئ ليعللرف مللن هللو‬
‫سلف الخليلي الذي هو أول من قال بهللذه البدعللة المنكللرة فللي كلم الل‬
‫لل لللل وقد وجد جزاءه في الدنيا كما ترى ذلك في الحاشية‪.‬‬
‫وتكملة النص كالتالي‪ ...) :‬ولم يريدوا بذلك أنه مفترى كمللا ظنلله‬
‫بعض الناس‪ ،‬فإن أحدًا من المسلمين لم يقلل إنله مفلترى‪ ،‬بلل هلذا كفلر‬
‫ظاهر يعلمه كل مسلم‪ ،‬وإنما قالوا إنه مخلوق خلقه ال ل فللي غيللره فللرد‬
‫السلف هذا القللول‪ ،‬كملا تللواترت الثلار عنهللم بلذلك وصللنف فلي ذلللك‬
‫مصنفات متعددة وقالوا‪) :‬منه بدأ وإليه يعود ( وأول من عرف أنه قللال‬
‫مخلوق‪ :‬الجعد بن درهم وصاحبه الجهم بن صفوان‪ ،‬وأول مللن عللرف‬
‫أنه قال هو قديم‪ :‬عبدال بن سعيد بن كلب‪ ،‬ثللم افللترق الللذين شللاركوه‬
‫في هذا القول)‪.(207‬‬
‫ب وأقول‪ :‬هل يجوز لمن يدعي العلم أن ينسب لخر ما لم يقل؟ إن‬
‫صللر علللى هللذا المنهللج‪ ،‬لنلله بنفسلله ينقللل عللن شلليخ‬
‫المؤلف الخليلي ُي ِ‬
‫السلم قوله‪ :‬إن السلف لم يقل أحد منهم بقدم القرآن(( وأنلله لللم ينقللل‬ ‫))‬

‫هذا عن أحد من الصحابة ول التابعين لهم بإحسلان ول َملن بعلدهم ِملن‬


‫الئمة الربعة ول غيرهم‪ ،‬وإنمللا قللاله عبللدال بللن سللعيد بللن كلب ثللم‬
‫يصر على نسبة هذا الكلم إلى شيخ السلم‪ ،‬بل ويطلع على قللوله فللي‬
‫أن أول مللن قللال )بقللدم القللرآن( عبللدال بللن سللعيد بللن كلب‪ ،‬وشلليخ‬
‫السلم يرد على ابن كلب ومن يقول بقوله مللن الشللاعرة‪ .‬فكللل هللذا‬
‫سخر‬ ‫يعرفه الخليلي ويخفيه ولكن من حكمة ال ودفعه عن المظلومين ُي ّ‬
‫ئ بهلا ابلن‬ ‫ال الخليلي فيثبت على نفسه وبقلمله هلذه الشلهادة اللتي ُيلبِر ُ‬
‫تيمية فيما ينسب إليه؛ والقرار على النفس سيد البينات‪ .‬ثم إن المؤلللف‬
‫‪ ()) 207‬فهؤلء سلف المؤلف الخليلللي فأمللا الجعللد بللن درهللم فقللد قتللله خالللد بللن عبللدال‬
‫القسري يوم عيد الضحى لهذه البدعة الكفرية التي أصر عليها حيث قال بعد خطبة‬
‫عيد الضحى‪ ":‬أيها الناس ضحوا تقبل ال ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهللم‪،‬‬
‫ل‪ ،‬ولم يكلم موسى تكليمًا ثللم نللزل فللذبحه عنللد‬
‫فإنه زعم أن ال لم يتخذ إبراهيم خلي ً‬
‫ل سنة )‪128‬هل(‪.‬‬
‫المنبر"‪ .‬البداية والنهاية )‪،(9/404‬كما أن الجهم مات مقتو ً‬
‫الخليلي استثقل أن يكمل النص الذي نقله عن شيخ السلم من الفتللاوى‬
‫)‪(12/301‬؛ لن فيه التصللريح بللأول مللن قللال‪ :‬القللرآن مخلللوق‪ ،‬وهللو‬
‫الجعللد بللن درهللم‪ ،‬وصللاحبه الجهللم بلن صللفوان؛ لن هللذين السللمين‪.‬‬
‫تعطي إيحاًء سيئًا في نفوس المسلمين‪ ،‬فأراد أن يتجنب ذلك وإن كان ل‬
‫يأنف من النتساب إلى الجهمية‪ ،‬فقد قال في أول هذا الكتاب )ص ‪(32‬‬
‫فللي إنكللاره رؤيللة المللؤمنين ربهللم وهللم فللي الجنللة‪) :‬وذهللب إلللى هللذا‬
‫أصحابنا الباضية ل وهو قول المعتزلللة والجهميللة والزيديللة والماميللة‬
‫والشيعة(‪.‬‬
‫وقد ذكر شيخ السلم ابللن تيميللة أن أول مللن قللال )بقللدم القللرآن(‬
‫عبدال بن سعيد بن كلب فللي صللفحات كللثيرة مللن المجلللد )‪ (12‬مللن‬
‫الفتاوى ومن ذلك )ص ‪ ،(567 - 566‬ونقلل ذلللك الخليلللي فلي كتلابه‬
‫هذا‪ ،‬وبهذا يظهر أن شنشللنة المؤلللف الخليلللي علللى شلليخ السلللم ابللن‬
‫تيمية ل محل لها من العراب‪ ،‬لنه ينقل عن شيخ السلم قول السلف‬
‫مللن أنهللم لللم يقولللوا )بقللدم القللرآن( وإنمللا يثبتللون أن الل ل ل لل ل‬
‫متصف بصفة الكلم‪ ،‬وأن القرآن كلم ال غير مخلوق‪.‬‬
‫ف في الرد على الخليلللي كلل افللتراءاته علللى ابللن تيميلة؛‬ ‫وهذا كا ٍ‬
‫لنه ينسب إليه ما لم يقل‪.‬‬
‫ولكن لنواصل مللع المؤلللف الخليلللي فيمللا يللدعيه أدلللة علللى خلللق‬
‫شَبه لن تثبت أمام الحجج القاطعة مللن الكتللاب‬ ‫القرآن‪ ،‬وهي في الحقيقة ُ‬
‫والسنة‪ ،‬لن الزبد يذهب جفاًء‪ .‬فقد قال في )ص ‪ :(163‬إنلله سلليعرض‬
‫حجج القائلين بخلق القرآن فقال‪) :‬وهي تنقسم إلى قسمين عقلية ونقليللة‪:‬‬
‫ثم قال ونبدأ بالعقلية وهي كما يلي‪:‬‬
‫ف للوحدانية التي هللي‬ ‫‪1‬ب الدليل الول‪ :‬إن تجويز تعدد القدماء منا ٍ‬
‫أخص صفاته تعالى‪ ،‬لنلله يفضللي إلللى جللواز تعللدد اللهللة‪ ،‬فللإن الللله‬
‫الحق سبحانه وتعالى إنما استحق اللوهيللة لسللبقه علللى كللل شلليء فللي‬
‫الوجود‪ ،‬فلو كان له مقارن في الزلية لجاز لللذلك المقللارن أن يشللاركه‬
‫في اللوهية‪ ،‬إذ ل يمنع مانع من كونه خالقًا رازقًا مدبرًا حكيمًا(‪.‬‬
‫والجواب على هذه الشبهة التي أوقعت المؤلف الخليلي فللي نفللي‬
‫))‬

‫صفة الكلم عن ال عز وجل ودعوى أن القرآن مخلللوق‪ .‬هللي شللبهة‬


‫((‬

‫المعتزلة بعينها التي جعلتهم ينفون عن الل علز وجلل جميلع الصللفات‬
‫التي وصف ال بها نفسه في كتابه العزيز ووصفه بها رسوله صلى ال‬
‫عليه وسلم في سللنته الصللحيحة الثابتللة‪ ،‬ورسللول الل أعلللم النللاس بللال‬
‫وأتقاهم وأخشاهم له‪ .‬ولكن المعتزلة ‪-‬والمؤلللف الخليلللي يقلول بقلولهم‪-‬‬
‫تصوروا بعقولهم القاصرة‪ ،‬معرضين عللن هللدي كتللاب الل عللز وجللل‬
‫وسنة رسوله صلى الل عليله وسللم أنهلم إذا أثبتلوا لل علز وجللل تللك‬
‫الصفات ومنها )صفة الكلم( فقد أثبتوا قدماء مع ال عز وجللل ‪ ،‬وهللذا‬
‫فيه إثبات مقارن قديم ل عز وجل في الزل فيكون هناك تعللدد اللهللة؛‬
‫لن القدم أخص وصف ل‪ ،‬هكذا يقولون‪.‬‬
‫وسللبب ذلللك أنهللم تصللوروا بعقللولهم الضللالة عللن هللدي الكتللاب‬
‫والسللنة‪ ،‬المنحرفللة علن الفطللرة الللتي فطلر الل النللاس عليهلا‪ ،‬أن هلذه‬
‫الصفات قائمة بذاتها منفصلللة عللن الل تعللالى‪ ،‬ولللم يوفقللوا إلللى القللول‬
‫الحق وهو أن هذه الصفات كلها قائمة بذاته لل لل ل غيللر منفصلللة‬
‫عنه‪.‬‬
‫فللال ل ل لل ل واحللد أحللد‪ ،‬فللرد صللمد‪ ،‬هللو الول والخللر‬
‫بصللفاته‪ ،‬فهللو السللميع البصللير‪ ،‬الحللي القيللوم‪ ،‬العليللم الحكيللم‪ ،‬القللادر‬
‫القوي‪ ،‬المتكلم متى شاء وكيف شللاء‪ ،‬كمللا قللال تعللالى‪} :‬وكلم الله‬
‫موسى تكليما ً{ وقال‪} :‬ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمتته‬
‫ربه{ فهذه السماء والصفات قائمة به تعالى غيللر منفصلللة عنلله وفللي‬
‫صحيح البخاري »إن ل تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخببل الجنببة‬
‫«)‪ ،(208‬وله أسماء ل تعللد ول تحصللى‪ ،‬وكلهللا لهللا معللاني دلللت عليهلا‬
‫وليست أسماء مجردة كما يقول المعتزلة‪ ،‬فللال يقلول فللي كتلابه العزيللز‪:‬‬
‫}ولله السماء الحسنى فادعوه بها{ فالمسلللمون يللدعون ال ل‬
‫لل للل بأسمائه الحسنى وصفاته العل دعاء عبلادة ودعلاء مسلألة‪،‬‬
‫ويفرقون بين معاني هذه السللماء فللي دعللائهم‪ .‬وِلَفْهللم المعتزلللة الفاسللد‬
‫ومثلهم المؤلف الخليلي في نفي صفات ال لل للل سللمى المعتزلللة‬
‫أنفسهم‪ :‬أهل التوحيد وهو أحللد أصللولهم الخمسللة‪ ،‬وتوحيللدهم هللو نفللي‬
‫جميع الصفات عن ال لل للل وإثبات السماء مجردة عن المعاني‬
‫التي دلت عليها‪.‬‬
‫يقول الحافظ ابن حجر رحمه ال في فتح الباري‪ ،‬في شرح كتللاب‬
‫التوحيد من صحيح البخاري )‪ (13/344‬بعد ذكره للفللرق الضللالة عللن‬
‫طريق الحق والصواب‪ ،‬فعدد منهلم الجهميللة‪ ،‬والخللوارج‪ ،‬والرافضللة‪،‬‬
‫والمعتزلة‪.‬‬
‫ثم قال‪) :‬وهؤلء الفرق الربللع هللم رؤوس المبتدعللة‪ ،‬وقللد سللمى‬
‫المعتزلة أنفسهم )أهل العدل والتوحيد( وعنوا بالتوحيد ما اعتقللدوه مللن‬
‫نفي الصفات اللهية لعتقادهم أن إثباتها يستلزم التشبيه ومللن شللبه الل‬
‫بخلقه أشرك‪ ،‬قال‪ :‬وهم في النفي موافقون للجهمية‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأما أهل السنة ففسروا التوحيد بنفي التشبيه والتعطيل)‪.(209‬‬

‫‪ ()) 208‬صحيح البخاري‪ ،‬ح )‪.(7392‬‬


‫‪ ()) 209‬وفي صحيح البخاري كتاب التوحيد‪ /‬باب ما جاء في دعاء النبي صلى ال ل عليلله‬
‫وسلم أمته إلى توحيد ال تعالى‪ ،‬وساق حديث ابن عباس أنه صلللى الل عليلله وسلللم‬
‫بعث معاذًا إلى اليمن‪ .‬وفي شرح الباب قال ابن حجر رحملله اللل‪)) :‬المللراد بتوحيللد‬
‫ال تعالى‪ :‬الشهادة بأنه إله واحد((‪ ،‬فتح الباري )‪.(13/360‬‬
‫قال‪ :‬أبو القاسم التميمللي فللي كتللاب )الحجللة(‪ )) :‬التوحيللد مصللدر‬
‫حد يوحد‪ ،‬ومعنى وحدت ال اعتقدته منفردًا بذاته وصفاته ل نظير له‬ ‫وّ‬
‫ول شبيه اهل‪ .‬وهذا توحيد الربوبية‪.‬‬
‫((‬

‫وقللال الشهرسللتاني فللي الملللل والنحللل ) ‪) :(145 -1/143‬قللال‪:‬‬


‫ويسللمون أصللحاب العللدل والتوحيللد‪ ،‬والللذي يعلّم طائفللة المعتزلللة مللن‬
‫العتقاد القول‪ :‬بأن ال تعالى قديم‪ ،‬والقلدم أخللص وصللف ذاتله‪ ،‬ونفلوا‬
‫ل فقالوا‪ :‬هو عالم بذاته‪ ،‬قادر بذاته‪ ،‬حي بللذاته‪ ،‬ل‬ ‫الصفات القديمة أص ً‬
‫بعلم وقدرة وحياة هي صفات قديمة ومعان قائمة بلله‪ ،‬لنلله لللو شللاركته‬
‫الصفات في القدم الذي هو أخص الوصف لشاركته في اللهية‪ ،‬واتفقوا‬
‫على أن كلمه محدث مخلوق في محل( اهل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا هو كلم المؤلف الخليلي بعينه كما سللبق ذكللره والللرد‬
‫عليه‪ ،‬وبيان فساده ومخالفته لنصوص الكتاب والسنة والفطر السللليمة‪،‬‬
‫فإن لكللل ذات صللفات وصللفاتها قائمللة بهللا غيللر منفصلللة عنهللا‪ ،‬حللتى‬
‫المخلوق نفسه‪ ،‬فإن النسان يتصف بالسمع والبصللر والقللدرة والحيللاة‪،‬‬
‫وبصفة الكلم إن لم يكن مصابًا بآفة الخرس‪ ،‬ولم يقل عاقل يعللرف مللا‬
‫يقول أن صفة من صفاته منفصلة عنه قائمة بذاتها‪.‬‬
‫‪2‬ل قال‪ :‬الدليل الثبباني‪) :‬أن كلل ملا ثبلت قلدمه اسلتحال علدمه‪(...‬‬
‫إلخ‪.‬‬
‫وقد سبق الجواب على مسألة القدم وبيان أن السلف لم يقولوا بقدم‬
‫القرآن وإنما قالوا‪ :‬أن ال يتكلم متى شاء وكيف شاء‪ ،‬وأن القللرآن كلم‬
‫ال منه بلدأ وإليلله يعللود‪ ،‬وأن أول مللن قلال‪ :‬بخللق القللرآن الجعللد بلن‬
‫))‬

‫درهم((‪.‬‬
‫وأول من قال‪ :‬بقدم القرآن عبدال بن سعيد بن كلب‪ ،‬وبهذا يتبين‬
‫أن المؤلف يأخذ كلم أهل البللدع فللي القللرآن وينسللبه للسلللف وأتبللاعهم‬
‫ظلمًا وافتراء‪.‬‬
‫‪3‬ل ثم يقول‪ :‬إن آثار الصنعة بادية عليه‪ ،‬فإن كل حرف منه يفتقر‬
‫إلى غيره لتتألف منها كلماته‪ .‬ثم يقول‪ :‬وهو بهذا الللتركيب صللنعة دالللة‬
‫على الصانع‪ ،‬والصانع لبد أن يتقدم المصنوع‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫والجواب على هذا الدعاء‪ :‬أنه ل فرق بينه وبيللن مللن ادعللى أنلله‬
‫مثللل كلم البشللر‪ ،‬لنلله ل يفهللم مللن صللفات الخللالق إلمللا يفهملله مللن‬
‫صفات المخلوق‪ ،‬ثم يعبر بملا قللام فللي ذهنلله بللأن الصللفة منفصلللة علن‬
‫الموصوف‪ ،‬ولهذا يقللول‪ :‬إن القللرآن مصللنوع والصللانع لبللد أن يتقللدم‬
‫على المصنوع‪ ،‬وأهل السنة يقولللون القللرآن المسللموع بللالذان المتلللو‬
‫باللسن المحفوظ في الصدور كلم ال بحروفه ومعللانيه‪ ،‬تكّلللم ال ل بلله‬
‫حقيقة‪ ،‬وسمعه منه جبريل‪ ،‬ونزل به إلى محمد صلللى الل عليلله وسلللم‪،‬‬
‫وصفة الكلم قائمة بذات ال تعالى وقد تقدم الكلم عن ذلك‪.‬‬
‫‪4‬ل الدليل الرابع‪ :‬أنطقه ال بما هو دليل عليه فهللو يقللول‪) :‬جللواز‬
‫تعليله كما تعلل سائر أفعاله تعالى فيقال‪ :‬كّلم ال موسى ليصطفيه علللى‬
‫غيره بهذه المزية(‪.‬‬
‫ونقول له‪ :‬نعم إنه كلللم موسللى عليلله السلللم ليميللزه علللى غيللره‪،‬‬
‫ولهذا قال له آدم في محاجته‪ :‬أنت موسى اللذي اصلطفاك الل بكلملله‬
‫))‬

‫وكتب لك التوراة بيده(()‪.(210‬‬

‫‪ ()) 210‬أخرجه البخاري كتاب أحللاديث النبيللاء بللاب وفللاة موسللى ح )‪ ،(3409‬وكتللاب‬
‫التوحيد باب ما جاء في قوله ‪}:U‬وكلم الله موسى تكليما ً{ ح)‪.(7515‬‬
‫ومسلم كتاب القدر باب حجاج آدم وموسى عليهما السلم‪.‬ح ‪.2652‬‬
‫ولم يعرف أحد من البشر من الكلم إل الللذي يسللمعه مللن المتكلللم‬
‫به‪ ،‬ونقول للخليلي‪ :‬فهذا أبوك وأبو البشر جميعًا آدم عليه السلللم يقلول‬
‫لموسى عليه السلم‪ :‬إن ال اصللطفاه بكلملله ليميللزه علللى غيللره‪ ،‬كمللا‬
‫قلت فهل تقبل كلمه وفهمه لمعنى الكلم؟؛ لن موسى عليه السلم قال‬
‫لدم‪ :‬أنللت آدم أبللو البشللر خلقللك ال ل بيللده((‪ ،‬فقبللل آدم كلم موسللى‬
‫))‬

‫وصدقه لن ال ميز آدم على غيره بأن خلقه بيده‪.‬‬


‫ونقول للخليلي هل تقبل مللا قبللله آدم عليلله السلللم فتثبللت لل ل ل‬
‫للل صفة اليد كما قال موسى عليه السلم‪.‬‬
‫‪5‬ل الدليل الخامس‪ :‬وهو كالرابع؛ دليل عليه ل له فيقول‪) :‬إقترانه‬
‫بالزمان نحو قوله‪) :‬وكلم ال موسى عندما ذهب إلى الطور(‪.‬‬
‫ونقول نعم‪ :‬هو كما قلت كلم ال موسى عليه السلم عنللدما ذهللب‬
‫إلى الطور كما في قللوله تعللالى‪} :‬وواعدنا موسى ثلثيتتن ليلتتة‬
‫وأتممناها بعشتتر فتتتم ميقتتات ربتته أربعيتتن ليلتتة وقتتال‬
‫موسى لخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ول تتبع‬
‫سبيل المفسدين‪ .‬ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربتته‬
‫قال رب أرني أنظر إليك قال لتتن ترانتتي ولكتتن انظتتر‬
‫إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني‪ ] {...‬العلللراف‬
‫‪.[ 143 - 142‬‬
‫فنص الية صريح في أن ال عز وجل كلللم موسللى عليلله السلللم‬
‫في الوقت الذي حدده ال لموسى وهو تمام أربعين ليلة‪ ،‬فكلمه ربه بمللا‬
‫كلمه من وحيلله وأمللره ونهيلله‪ ،‬وقللد سللمع موسللى كلم ربلله وطمللع أن‬
‫يزيده تشريفًا برؤية ال عز وجل فطلب منه النظر إليه‪ ،‬وسمع ال عللز‬
‫وجل طلب موسى منه ذلك فقال له‪ :‬لن تراني أي لن تقدر على رؤيللتي‬
‫في الدنيا‪ .‬لن ال تعالى تجلى للجبل وهو جماد وأقوى بنية من موسللى‬
‫عليه السلم فجعله دكًا‪.‬‬
‫وكونه كلمه فللي هللذا الزمللن المحللدد هللو معنللى قللول أهللل السللنة‬
‫والجماعة إن صفة الكلم قائمللة بللال عللز وجللل وأنلله يتكلللم مللتى شللاء‬
‫وكيف شاء مع من شاء‪ ،‬وقد تكلم مع موسى عليلله السلللم وميللزه علللى‬
‫غيره من النبياء بهذه الميزة ل كما سبق توضيح ذلك في الللدليل الرابللع‬
‫وذكرنللا أن آدم عليلله السلللم احتللج علللى موسللى بللأن الل ل ل لل ل‬
‫اصطفاه بكلمه‪.‬‬
‫فللإذا كلان كلم الل كللله مخلوقلًا ‪-‬كمللا يقللول الخليلللي‪ -‬فللأي ميللزة‬
‫لموسى عليه السلم على غيره؟ وقد قرر الخليلي في الدليل الرابع ل أن‬
‫ال ميز موسى على غيره بتكليمه له‪.‬‬
‫حيث قال في )ص ‪) :(164‬فيقال‪ :‬كلم ال موسى ليصللطفيه علللى‬
‫غيره بهذه المزية(‪ ،‬هذا كلم الخليلي الذي يصرح به‪.‬‬
‫‪6‬ل الدليل السادس من الدلة العقلية وهو آخرها قال‪) :‬إن حروف‬
‫القرآن هي نفس الحروف التي ينتظم منهللا كلم العللرب نللثره ونظملله‪،‬‬
‫وسجعه ومرسله‪ ،‬رجزه وقصيده‪ ،‬ويشاركه فيها سائر كلم البشر‪ ،‬فإن‬
‫كان القرآن قديمًا لزم قدم كلم الناس لتركب كلمهم من هللذه الحللروف‬
‫بعينها‪.(...‬‬
‫قلت‪ :‬وهذه العبارة التي يكررها دائملًا‪ ،‬وهللي القللول بقللدم القللرآن‬
‫سبق الجواب عليها‪ ،‬وهو أن السلف لم يقل أحد منهللم إن القللرآن قللديم‪،‬‬
‫كما لم يقل أحد منهم إنه مخلوق‪ ،‬وإن أول من قال‪ :‬إنلله مخلللوق الجعللد‬
‫بن درهم‪.‬‬
‫وأول من قال‪ :‬إنه قديم‪ .‬عبدال بن سعيد بن كلب‪.‬‬
‫وإنما كانوا يقولون ردًا على من ادعى أنه مخلوق‪ :‬القللرآن كلم الل‬
‫منه بدأ وإليه يعود‪ .‬وقد نقل الخليلي هذا الكلم عن شيخ السلم ابن تيمية‬
‫مرارًا وتكرارًا فلماذا يعيده؟‪.‬‬
‫وقد جاء في السنن عن جابر رضي ال عنلله قللال‪ :‬كللان رسللول الل‬
‫صلى ال عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموسم فيقللول‪» :‬أل رجببل‬
‫يحملنبي إلبى قبومه لبلبغ كلم رببي‪ ،‬فبإن قريشبًا منعبوني أن أبلبغ كلم‬
‫ربي«)‪ ،(211‬ولهذا نقول للمؤلف الخليلي‪ :‬إن التعللبير بالقللدم هللو قللول‬
‫ابن كلب وأنت تنسبه لشيخ السلللم ابللن تيميللة افللتراء ثللم تللرد عليلله‪،‬‬
‫فاتق ال في نفسك فإن ال محاسبك‪.‬‬
‫ونقللول‪ :‬إن القللرآن الكريللم تكللم الل بله حقيقلة وهللو كلم عربللي‬
‫بلسان عربي مبين كما قال ال تعالى‪} :‬ولقد نعلم أنهم يقولتتون‬
‫إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهتتذا‬
‫لسان عربي مبين{ ] النحل ‪.[103‬‬
‫فالقرآن المنتظم في المصحف عربي‪ ،‬وحروفه ومعللانيه كلم ال ل‬
‫عز وجل‪ ،‬وقد تحدى الل العللرب الللذين نللزل القللرآن بلغتهللم أن يللأتوا‬
‫بسورة من مثله كما في سورة البقرة آية ‪. 22‬‬
‫أو بعشر سور مثله كما في سورة يونس آية ‪ 13‬ثللم قللال ال ل ل ل‬
‫لل ل لنللبيه محمللد صلللى ال ل عليلله وسلللم‪} :‬قل لئن اجتمعتتت‬
‫النس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القتترآن ل يتتأتون‬
‫بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيتترا ً{ ] السلللراء ‪ [ 88‬فهللذا‬
‫كلم ال الذي أنزله على رسللوله صلللى الل عليلله وسلللم بلسللان عربللي‬
‫‪ ()) 211‬التوحيد لبن منده )‪ (3/169‬رقم )‪ ،(617‬واللدارمي كتلاب فضلائل القلرآن بلاب‬
‫القللرآن كلم ال ل )‪ (2/317‬رقللم )‪ ،(1357‬الفتللاوى )‪ ،(12/301‬وقللد رجللع إليهللا‬
‫الخليلي‪.‬‬
‫مبين‪ ،‬وقد تحدى العللرب الللذين نلزل هلذا القللرآن بلغتهللم فعجللزوا علن‬
‫معارضته‪.‬‬
‫وبهذا يظهر للقارئ البلاحث علن الحلق أن أدلللة المؤلللف الخليلللي‬
‫العقلية التي أوردها للحتجاج بها على أن القرآن مخلوق إنما هي شللبه‬
‫قامت بذهنه‪ ،‬ولهذا لم يصللح للله منهللا دليللل واحللد‪ ،‬بللل هللي أدلللة عليلله‬
‫وليست له‪ ،‬فقد صرح فيها بأن ال لل للل كّلم موسى عليه السلم‪،‬‬
‫وهذا هو الذي يقوله أهل السنة والجماعة‪ ،‬كما صرح بللأن ذلللك التكليللم‬
‫من ال لموسى عليه السلم ليصطفيه علللى غيللره بهللذه الميللزة‪ ،‬وكفللى‬
‫بهذا التصريح حجة ودحضًا لشبهته‪ ،‬وفيما يلللي شلهادة عليله مللن علالم‬
‫إباضي هو العلمللة المحقللق البسلليوي ‪-‬كمللا يصللفه الخليلللي }وشهد‬
‫شاهد من أهلها{‪ ،-‬ولكنه يرد على الخليلي بالدليل العقلللي أن كلم‬
‫ال صفة من صفات ال غير مخلوق‪.‬‬
‫قللال فللي )ص ‪ (75‬فللي سللياق إثبللات أن القللرآن كلم اللل غيللر‬
‫مخلوق‪:‬‬
‫)وسأل وقال‪ :‬كلم ال مخلوق أو غير مخلوق؟‬
‫قيل له‪ :‬قد اختلف الناس في ذلك‪ ،‬فقال قوم‪ :‬إن كلم الل مخلللوق‪،‬‬
‫وقال آخرون ل وهم أكثر المة لل ‪ :‬إن كلم الل ليللس بمخلللوق‪ ،‬ووقللف‬
‫واقفون‪.‬‬
‫قال‪ :‬وكلم ال تعالى من صفاته‪ ،‬وصفاته لم تللزل للله‪ ،‬ولللو جللاز‬
‫لقائل أن يقول‪ :‬إن ال لم يكن متكلمًا ثم تكلم‪ ،‬لجللاز لقللائل أن يقللول‪ :‬لللم‬
‫يكن عالمًا ثم علم‪ ،‬فلما فسد هذا القول على قائله‪ ،‬وكان الجماع أن ال‬
‫لم يزل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحللي العللالم القللادر السللميع البصللير المتكلللم‪،‬‬
‫فسد قول من يقول‪ :‬إن كلم ال مخلببوق إذ هللو العللالم‪ ،‬والكلم صللفته‪،‬‬
‫فدل بذلك أن كلمه غير مخلوق()‪.(212‬‬
‫فماذا يقول الخليلي فللي شللهادة هللذا العللالم الباضللي أبللي الحسللن‬
‫البسيوي‪ ،‬وقد شهد له الخليلي بأنه العلمة المحقق؟‪.‬‬
‫ثم تابع الخليلي ذكر أدلته فقللال فللي آخللر )ص ‪- (165‬وهللي كمللا‬
‫سيظهر شبه وليست أدلة‪ ،‬فقد عجز عن تقديم دليل صللريح مللن الكتللاب‬
‫والسنة علللى أن القللرآن مخلللوق شلليوخ المعتزلللة حيللن نللاظروا المللام‬
‫أحمد بن حنبل رحمه ال بين يدي الخليفة المعتصللم‪ -‬وإليللك مللا يللدعيه‬
‫أدلة نقلية حيث قال‪) :‬وأما الدلة النقلية‪ :‬فبعضها مللن القللرآن وبعضللها‬
‫من السنة‪.‬‬
‫قال‪ :‬أما من القرآن فكثيرة وإنما أقتصر منها على مايلي‪:‬‬
‫‪1‬ل قوله تعالى‪} :‬خالق كل شيء{ ] النعام ‪ [ 102‬و ] الرعد ‪16‬‬
‫[‬
‫و ] الزمر ‪ [ 62‬و ] غافر ‪ ،[ 62‬ثم قال‪ :‬ووجه الستدلل به أن القرآن إما‬
‫أن يكون شيئًا أو ل شلليء‪ ،‬فللإن لللم يكللن شلليئًا فعلم الختلف إن كللان‬
‫صللله وأحكملله إن كللان‬
‫المختلف عليه معدومًا؟ وما الللذي أنزللله ال ل وف ّ‬
‫غير واقع على شيء‪ ،‬وإن كان شيئًا فما الذي يخرجه من هذا العموم؟‬
‫وأقول‪ :‬ما أشبه الليلة بالبارحة كما في المثل المعللروف‪ ،‬ذلللك أن هللذا‬
‫الستدلل هو بعينه استدلل بشر المريسي على المام )عبدالعزيز الكناني(‬
‫وقد سبق ذكره‪ ،‬ولكن لهذه المناسبة ل بد من إعادته ليعرف القللارئ الكريللم‬

‫‪ ()) 212‬هذا كلم العالم الباضي أبي الحسن البسيوي في كتابه الجامع )‪ (1/75‬الذي قدم‬
‫لمختصره الخليلي نفسه‪ ،‬وأثنى عليه‪ ،‬وتمنى على ال أن ينشر أصله الذي هو هللذا‪،‬‬
‫وطبعته وزارة التراث القومي والثقافة بسلطنة عمان سنة )‪1404‬هللل(‪ ،‬فمللاذا يقللول‬
‫الخليلي في شهادة البسيوي؟‪.‬‬
‫أن المؤلف الخليلي يردد حجج المعتزلة التي دحضت منذ قرون طويلة وقد‬
‫قضي على تلك الفتنة التي فرقت كلمة المة‪.‬‬
‫والمؤلف الخليلي ينعي على الللذين يشلتتون كلمللة المللة ويقللول‪ :‬إن‬
‫الذين أدخلوا هذه الفكار الدخيلة على المة السلمية هم الللذين تقمصللوا‬
‫لباس السلم ومّثل بأبي شاكر الديصللاني اليهللودي كمللا فللي )ص ‪(106‬‬
‫من كتابه هذا‪ ،‬ثم هو الن يثير هذه الفتنة ويحييها من جديللد بنشللره لكتللابه‬
‫هذا‪ ،‬وكما قلت‪ :‬إن ملا قللاله المؤلللف الخليلللي هللو بعينلله الللذي قللاله بشللر‬
‫المريسي للمام عبدالعزيز الكناني‪ .‬وإليك نص المناظرة والدليل الذي بدأ‬
‫بذكره بشر هو الذي بدء به الخليلي‪.‬‬
‫قال بشر للكناني‪) :‬تقول القرآن شيء أم غير شيء‪ .‬فإن قلت‪ :‬إنلله‬
‫شيء أقررت أنه مخلوق‪ ،‬إذ كانت الشياء مخلوقة بنص التنزيللل‪ ،‬وإن‬
‫قلت إنه ليس بشيء فقد كفرت‪ ،‬لنك تزعم أنه حجة ال على خلقه وأن‬
‫حجة ال ليس بشيء(‪.‬‬
‫وبعد أن رد الكنللاني علللى هللذا السلللوب اللزامللي وهللو إصللدار‬
‫الحكم قبل أن يسمع كلم من ينللاظره حللتى يسلللم لقللوله أو يللرده‪ ،‬وبعللد‬
‫ذلك يحكم عليه بالكفر أو غيره وهو أسلوب مخالف لسلوب المناظرة‪،‬‬
‫لكن الكناني بعد أن رّد هذا الستدلل بهللذا السلللوب الللذي اتبعلله بشللر‬
‫قال‪) :‬إن ال عز وجل أجرى على كلمه ما أجللراه علللى نفسلله إذ كللان‬
‫سّم بالشيء ولم يجعل الشيء اسمًا مللن أسللمائه‪،‬‬ ‫كلمه من صفاته فلم َيَت َ‬
‫ولكنه دل على نفسه أنه شيء وأكبر الشياء إثباتًا للوجود‪ ،‬ونفيًا للعدم‪،‬‬
‫وتكذيبًا منه للزنادقة والدهرية ومن تقدمهم‪ ،‬ممن جحللد معرفتلله وأنكللر‬
‫ربوبيته من سائر المم‪ ،‬فقال عللز وجللل لنللبيه صلللى الل عليلله وسلللم‪:‬‬
‫}قل أي شيء أكبر شهادة قل اللتته شتتهيد بينتتي وبينكتتم{‬
‫] النعام ‪ ،[ 19‬فدل على نفسه أنه شيء ليس كالشياء‪ ،‬وأنللزل فللي ذلللك‬
‫خبرًا خاصًا مفللردًا لعلملله السللابق أن جهملاً وبشللرًا ومللن قللال بقولهمللا‬
‫سيلحدون في أسمائه ويشبهون على خلقه ويدخلونه وكلمه في الشياء‬
‫المخلوقللة قللال عللز وجللل ‪} :‬ليس كمثلته شتيء وهتو الستميع‬
‫البصير{‪ ،‬فأخرج نفسه وكلملله وصللفاته مللن الشللياء المخلوقللة بهللذا‬
‫الخبر تكذيبًا لمن ألحد في كتابه وافترى عليلله وشللبهه بخلقلله‪ .‬قللال عللز‬
‫وجللل‪} :‬وللتته الستتماء الحستتنى فتتادعوه بهتتا وذروا التتذي‬
‫يلحدون في أسمائه سيجزون ما كتتانوا يعملتتون{ ] العللراف‬
‫‪.[ 180‬‬
‫ثم عدد أسماءه في كتابه ولم يتسلّم بالشلليء ولللم يجعللله اسللمًا مللن‬
‫أسمائه‪،‬‬
‫ثم قال النبي صلى ال عليلله وسلللم‪» :‬إن لب تسببعة وتسببعين اسببمًا مببن‬
‫أحصاها دخل الجنة«‪ ،‬ثلم عللدها فلللم نجللده جعللل الشلليء اسللمًا لل عللز‬
‫وجل‪ ،‬ثم ذكر جل ذكره كلمه كما ذكر نفسلله ودل عليلله بمثللل مللا دل‬
‫على نفسه ليعلم الخلق أنه من ذاته وأنه صفة من صلفاته)‪ (213‬فقلال الل‬
‫عز وجل‪} :‬وما قدروا الله حق قدره إذ ْ قالوا متتا أنتتزل اللتته‬
‫على بشر من شيء قل من أنتتزل الكتتتاب التتذي جتتاء بتته‬
‫موسى نورا ً وهدى للناس{ ] النعام ‪.[ 91‬‬
‫فذم ال اليهودي حين نفى أن تكون التوراة شلليئًا‪ ،‬وذلللك أن رجلً‬
‫ل من اليهود بالمدينة‪ ،‬فجعل المسلم يحتللج علللى‬
‫من المسلمين ناظر رج ً‬
‫اليهودي من التوراة بما علم من صفة النبي صلى ال عليه وسلللم وذكللر‬
‫نبوته فيها حتى أثبت نبوته صللى الل عليله وسللم مللن التللوراة فضللحك‬
‫اليهودي وقال‪ :‬ما أنزل ال على بشر من شلليء‪ ،‬فللأنزل الل عللز وجللل‬
‫تكذيبه وذم قوله وأعظم فريته حين جحللد أن يكللون كلم الل شلليئًا ودل‬
‫‪ ()) 213‬وهي‪ :‬صفة ذات وفعل‪.‬‬
‫بذلك على أن كلمه شيء ليس كالشياء‪ ،‬كما دل على نفسلله أنلله شلليء‬
‫ليس كالشياء‪ ،‬ثم قال في موضع آخر‪} :‬ومن أظلم ممن افترى‬
‫ي ولم يوح إليتته شتتيء{‬ ‫على الله كذبا ً أو قال أوحي إل ّ‬
‫]النعام‪ ،[93:‬فدل بهذا الخبر أيضلًا علللى أن الللوحي شلليء بللالمعنى وذم‬
‫من جحد أن كلم ال شيء‪ ،‬فلما أظهللر الل عللز وجللل اسللم كلملله لللم‬
‫يظهللره باسللم الشلليء فيلحللد الملحللدون فللي ذلللك ويللدخلونه فللي جملللة‬
‫الشياء المخلوقة‪ ،‬ولكنه أظهره عز وجل باسم الكتاب والنور والهللدى‬
‫ولم يقل‪ :‬قل من أنزل الشيء الذي جاء به موسى فيجعللل الشلليء اسللمًا‬
‫لكلمه‪.‬‬
‫وكذلك سمى كلمه بأسماء ظاهرة يعرف بها فسللمى كلملله نلورًا‬
‫وهدى وشفاء ورحمة وحقًا وقرآنًا‪ ،‬وأشباه ذلك لعلمه السللابق أن جهم لًا‬
‫وبشرًا ومن يقول بقولهما أنهم سيلحدون في أسمائه وصللفاته الللتي هللي‬
‫من ذاته وسيدخلونها في الشياء المخلوقة(اهل)‪.(214‬‬
‫وأمللا قللول الخليلللي‪) :‬وإن كللان شلليئًا فمللا الللذي يخرجلله مللن هللذا‬
‫العموم(؟ يعني قوله في الية‪} :‬خالق كل شتيء{‪ .‬فقللد سللبق قللول‬
‫المام الكناني في الرد على بشر المريسي أن ال أجرى على كلملله مللا‬
‫أجراه على نفسه لن كلمه عز وجل صفة من صفات ذاته وهللي صللفة‬
‫ذات وفعل‪ ،‬وال عز وجل بصفاته خللالق غيللر مخلللوق كمللا قللال تعللالى‬
‫جوابًا للمشركين الذين سألوا رسول ال )أن ينسللب لهللم ربلله فللأنزل الل‬
‫عز وجل قوله تعالى‪} :‬قل هو الله أحد‪ .‬اللتته الصتتمد‪ .‬لتتم يلتتد‬
‫ولم يولد‪ .‬ولم يكن له كفوا ً أحد{‪.‬‬
‫فالذي يخرج كلم ال عز وجل من عموم كل‪ :‬أن كلمه صفة من‬
‫صفاته‪ ،‬ومن قال‪ :‬إن صفة من صفات ال مخلوقة فقد كفر‪.‬‬
‫‪ ()) 214‬كتاب الحيدة للكناني )ص ‪.(36-35 ،33‬‬
‫ل( يشمل كل المخلوقات التي خلقهللا الل بكلملله كمللا قللال‬ ‫فعموم )ُك ّ‬
‫تعالى‪:‬‬
‫}إنما أمره إذا أراد شيئا ً أن يقول له كن فيكون{ ] يلللس ‪82‬‬
‫ل ل يشمل كل شيء وإنما يكون بحسللبه فللي السللياق‬ ‫[‪ .‬كما أن عموم ُك ّ‬
‫وقد دل علللى ذلللك القللرآن الكريللم قللال تعللالى فللي وصللف الريللح الللتي‬
‫دمرت قوم عللاد‪} :‬فلما رأوه عارضا ً مستتتقبل أوديتهتتم قتتالوا‬
‫هذا عارض ممطترنا بتتل هتتو متتا استتتعجلتم بتته ريتتح فيهتتا‬
‫عذاب أليم ‪.‬تدمتر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا ل يتترى إل‬
‫مساكنهم‪ ] {...‬الحقاف ‪ [ 25 -24‬فمساكنهم شيء ولم يشملها عموم كل‬
‫بنص الية‪} :‬فأصبحوا ل يرى إل مساكنهم{ فلم تدمرها الريح‬
‫التي دمرت كل شيء‪.‬‬
‫وكذلك في قوله تعالى في قصة ملكة سبأ كما حكى ال عللز وجللل‬
‫قللول الهدهللد الللذي توعللده سللليمان عليلله السلللم بالعللذاب قللال تعللالى‪:‬‬
‫}فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط بتته وجئتتتك‬
‫من سبأ بنبأ يقين‪ .‬إني وجدت امتترأة تملكهتتم وأوتيتتت‬
‫من كل شيء ولها عرش عظيم{ ] النمل ‪.[ 23 -22‬‬
‫فقوله‪} :‬وأوتيت من )كتتل( شتتيء{‪ ،‬يعنللي‪ :‬يؤتللاه الملللوك‪،‬‬
‫ولكنها مع ذلك للم تلؤت مللك سلليمان اللذي سلخر الل لله الطيلر والجلن‬
‫والريللح‪ ،‬وهللي أشللياء‪ ،‬ولللم يشللملها عمللوم }كل شيء{ كمللا يللدعي‬
‫الخليلي ومن سبقه‪ ،‬فتبين بهذا أن ل دليل له في هذه الية الكريمة على‬
‫خلللق القللرآن الكريللم ل نص لًا ول عموم لًا‪ ،‬وإنمللا هللي شللبهة داحضللة‬
‫كالسراب يحسبه الضمآن ماًء‪.‬‬
‫وقللد رد علللى هللذا السللتدلل العللالم الباضللي‪ ،‬أبللو النضللر فللي‬
‫قصيدته التي سبق بعض أبياتها ومنها قوله‪:‬‬
‫وال أحدث كل شيء فا ِ‬
‫ن‬ ‫ولئن نكصببت وقلببت شببيء‬
‫بالشببببيء مختصببببًا مببببن‬ ‫محدث في رفق بأيسر حجة‬
‫جئناك‬
‫القرآنكببل شببيء نببازح أو‬
‫مببن‬ ‫فببي ملببك بلقيببس ومببا قببد‬
‫داني فكن ذا خبرة وبيان‬
‫شيئًا‬ ‫أوتيت‬
‫تؤت مما قبلها أو بعدها‬ ‫لم‬
‫وستجد القصيدة كاملة في الملحق رقم )‪ (1‬ورقم )‪.(2‬‬
‫وبعد أن سرد الخليلللي بعللض اليللات الللتي فيهللا لفللظ الخلللق لكللل‬
‫شيء كقوله تعالى‪:‬‬
‫‪1‬ل }وخلق كل شيء فقدره تقديرا ً{ ] الفرقان ‪.[ 2‬‬
‫‪}-2‬إنا كل شيء خلقناه بقدر{ ] القمر ‪.[ 49‬‬
‫وهي كالية السابقة تشللمل عمللوم كللل شلليء مخلللوق‪ ،‬ول تشللمل‬
‫القرآن الكريم الذي هو كلم ال ل وكلملله صللفة مللن صللفاته وبلله خلللق‬
‫الشياء‪ .‬فإنه خلق كل شيء بقوله )كن( فكان كما أراد ال ‪.U‬‬
‫وفي )ص ‪ (166‬انتقل إلى دليل آخللر مللن القللرآن وهللو )الجعللل(‬
‫فقال‪:‬‬
‫)‪3‬لللل قلللوله تعلللالى‪} :‬إنتتا جعلنتتاه قرآنتتا ً عربيتتا ً لعلكتتم‬
‫تعقلون{ ] الزخرف ‪.[ 3‬‬
‫ثم قال‪ :‬ووجه الستدلل به من وجهين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬الخبار عنلله أنلله مجعللول‪ ،‬والمجعللول هللو المصلّير مللن‬
‫حال إلى حال‪ ،‬وهذا ل يكون إل في المخلوق‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬تعليل جعله عربيًا بقصد عقل المخاطبين له(‪.‬‬
‫وقللال فللي )ص ‪) :(169‬فمعنللى )جعللل( أينمللا وجللد‪ ،‬خلللق ودّبللر‬
‫وأحدث‪ ،‬وأنشأ‪ ،‬وكل ذلك بمعنى واحد وإن اختلفت ألفاظه(‪ .‬قال‪ :‬ومثل‬
‫هذه الية سائر اليات الناصة على أنه مجعول كقوله تعلللالى‪} :‬ولكن‬
‫جعلناه نورا ً نهدي به من نشاء من عبادنا{ ] الشورى ‪.[ 52‬‬
‫ثم قال‪ :‬وقد شرح حجية الجعل على ثبوت الخلق المام محمد بللن‬
‫أفلح رضي ال عنه بقوله‪ :‬إن المة اجتمعللت علللى أن كللل فاعللل قبللل‬
‫))‬

‫فعله‪ ،‬وأن الجاعل قبل المجعول‪ ،‬وأن الصانع قبل صنعه‪ ،‬وأن الجاعل‬
‫غير المجعول‪ ،‬فلما ثبت بينهما التغللاير والقبللل صللح أنهمللا شلليئان وأن‬
‫الول المتقدم هو الجاعل القديم‪ ،‬والثاني المجعللول هلو الحلادث الكلائن‬
‫بعد إن لم يكن ((‪ .‬بعد هذا النص قال في الهامش المرجع السابق‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقد سبق في هامش )ص ‪ (165‬بعببد ذكببر الحجببج العقليببة‬
‫والنقلية حسب دعواه قال في الهامش مببن الصببفحة المببذكورة‪) :‬هببذه‬
‫الحجج ملخصة ب مع زيادة وتهذيب من رسالة المببام محمببد بببن أفلببح‬
‫بن عبدالوهاب الرستمي رحمه ال تعالى )في خلق القرآن(‪ ...‬إلخ(‪.‬‬
‫ثم سرد بعد ذلك عددًا من اليات التي ورد فيها ذكللر الجعللل مثللل‬
‫قوله تعالى‪} :‬وجعل الظلمات والنور{ ] النعلللام ‪،[ 1‬ل }وجعل‬
‫منها زوجها{‬
‫] العلللراف ‪} ،[ 189‬وجعتتل الشتتمس ستتراجا ً{ ] نلللوح ‪،[ 16‬‬
‫}وجعلنا الليل والنهار آيتين{‪ ] ،‬السراء ‪ ،[ 12‬يستدل بهللا‪ :‬علللى‬
‫أن معنى )جعل( خلق‪.‬‬
‫ومعلوم أن هذا التلبيس لجأ إليه المؤلف الخليلللي عنللد عجللزه عللن‬
‫إيراد نص صريح من كتاب ال يدل على أن القرآن مخلللوق‪ ،‬وقللد أخللذ‬
‫هذا التلبيس عمن قبله من المعتزلة ومن أخذ بقولهم‪ ،‬لن الخليلي أخللذه‬
‫ن أدخلوا هذه الفكللار الغريبللة‬‫عن محمد بن أفلح وهو مأخوذ من تركة َم ْ‬
‫والعقائد الفاسدة على المسلمين‪ ،‬ثم راجت على بعضللهم فقبلهللا منهللم ظنلًا‬
‫منه أنهم على شيء‪ ،‬لنهم لبسوا لباس التنزيه ل عللز وجللل عللن مشللابهة‬
‫المخلوقين وكل مسلم عقيدته التنزيه ل عز وجل‪.‬‬
‫وإليك أيها القارئ الكريم الباحث عن الحق ذكر أّول من بللدأ بهللذا‬
‫التلبيس عند عجزه عن تقديم نص صريح من كتاب ال عللز وجللل يللدل‬
‫على أن القرآن مخلوق‪.‬‬
‫إن أول من ادعى أن )جعل( في القرآن الكريم وفي لغة العرب ل‬
‫تأتي إل بمعنى )خلق( هو بشر المريسي حينما ناظر المام عبللدالعزيز‬
‫الكناني بين يدي المأمون‪ ،‬فأول ما بدأ به قللوله تعللالى‪} :‬الله ختتالق‬
‫كل شيء{‪ ،‬وبعد أن دحضت حجته فللي السللتدلل بهللذه اليللة كمللا‬
‫دحضت حجة الخليلي هنا لنه أخذ ذلللك عنلله‪ ،‬انتقللل للسللتدلل بكلمللة‬
‫)جعل( مثل ما عمل الخليلي هنا فهو يتبعه حذو القذة بالقذة‪.‬‬
‫فقال بشر للكناني‪)) :‬قد خطبت وتكلمت وهذيت وتركتك حتى تفرغ‬
‫مما ادعيت من إبطال )خلق القرآن( بنص التنزيل ومعنا من كتاب ال آية‬
‫ل يتهيللأ لللك معارضللتها ول دفعهللا ول التشللبيه فيهللا قللال تعللالى‪} :‬إنا‬
‫جعلناه قرآنا ً عربيا ً{ ] الزخرف ‪.[ 2‬‬
‫فقال الكناني‪ :‬ل أعرف أحدًا مببن المببؤمنين إل وهببو يببؤمن بهببذا‬
‫ويقول‪ :‬إن ال جعل القرآن عربيًا ول يخالف ذلك فأي شببيء فببي هببذا‬
‫من الحجة لك والدليل على خلقه؟‪.‬‬
‫ي فيلله‬
‫فقال بشر‪ :‬وهل في الخليقة أحد يشك في هذا أو يخالف عللل ّ‬
‫أن معنى جعلناه خلقناه؟‪.‬‬
‫فقال الكناني‪ :‬فقلت لبشر‪ :‬أخبرني عن )جعل( هذا حرف محكم ل‬
‫يحتمل غير الخلق‪.‬‬
‫فقال بشر‪ :‬نعم هو حرف محكم ل يحتمل معنى غير الخلللق‪ ،‬ومللا‬
‫بين جعل وخلق فرق عندي‪ ،‬ول عند غيري من سائر النللاس‪ ،‬ول عنللد‬
‫أحد من العرب ول من العجم‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫قال الكناني‪ :‬فقلت‪ :‬أخبرني بإجماع الخلق بزعمك على أن معنللى‬
‫جعل وخلق ل فرق بينهما في هذا الحللرف وحللده أو فللي سللائر القللرآن‬
‫من الجعل؟‪.‬‬
‫قال‪ :‬بل فللي سللائر القللرآن مللن ذلللك وفللي سللائر الكلم والخبللار‬
‫والشعار‪.‬‬
‫قال الكناني‪ :‬فقلللت لبشللر‪ :‬زعمللت أن معنللى جعلنللاه خلقنللاه قرآنلًا‬
‫عربيًا‪.‬‬
‫قال‪ :‬نعم هكذا قلت وهكذا أقول أبدًا‪.‬‬
‫قال الكناني‪ :‬فقلت‪ :‬ال عللز وجللل تفللرد بخلقلله ولللم يشللاركه فيلله‬
‫أحد‪ ،‬أو شاركه في خلقه أحد‪.‬‬
‫قال‪ :‬بل ال خلقه وتفرد بخلقه ولم يشاركه في خلقه أحد((‪.‬‬
‫ثم بعد ذلك وجه الكناني لبشر عددًا من السئلة نذكر بعضها فيمللا‬
‫يلي‪ :‬فمن تلك السئلة قوله‪:‬‬
‫))قلت لبشر‪ :‬أخبرني عّمن قال‪ :‬إن بعلض ولللد آدم خلقلوا القلرآن‬
‫من دون ال أمؤمن هو أم كافر؟‬
‫فقال‪ :‬بل كافر حلل الدم‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فأخبرني عّمللن قللال إن التللوراة خلقهللا اليهللود مللن دون الل‬
‫تعالى أمؤمن هو أم كافر؟‬
‫قال‪ :‬بل كافر حلل الدم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فأخبرني عّمن قللال‪ :‬إن بنللي آدم خلقللوا اللل‪ ،‬وأن ال ل أخللبر‬
‫بذلك أمؤمن هو أم كافر؟‬
‫قال‪ :‬بل كافر حلل الدم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فأخبرني يا بشر أليس ال خلق الخلق كلهم أجمعين؟‬
‫قال‪ :‬بلى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فهل شاركه في خلقهم أحد؟‬
‫قال‪ :‬ل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فمن قال‪ :‬إن بعض بني آدم خلقوا ال أمؤمن هو أم كافر؟‬
‫قال بل كافر حلل الدم((‪.‬‬
‫وبعد أن انتهى من إيراد السئلة التي من هذا النللوع بلدأ بللالجواب‬
‫ليللبين أن )جعللل( فللي القللرآن الكريللم تللرد لمعللاني أخللرى‪ ،‬وليسللت‬
‫حة دعوى بشللر مللن‬ ‫صَ‬
‫مقصورة على معنى )الخلق( وبّين بالدلة عدم ِ‬
‫أنه ل فرق بينها وبيللن خلللق كمللا يللدعي بشللر‪ ،‬وأن مللن قصللرها علللى‬
‫معنى الخلق فقط فإنه يقع في أخطللاء فضلليعة تللؤدي بمللن يعتقللدها إلللى‬
‫الكفر بال عز وجل ‪.‬‬
‫ثم أورد اليات بعد ذلك التي فيها لفللظ )جعللل( وهللي تللؤدي بمللن‬
‫اعتقللد أنهللا بمعنللى خلللق إلللى الكفللر بللال )فقللال‪ :‬قللال ال ل عللز وجللل‪:‬‬
‫}وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ول تنقضتتوا اليمتتان بعتتد‬
‫توكيدها وقد جعلتم الله عليكتتم كفيل ً{ ] النحللل ‪ [ 91‬قللال‪:‬‬
‫ل‪ ،‬ل‬ ‫))ومعنى ذلك عند بشر ومن يقول بقوله‪ :‬وقد خلقتم ال عليكم كفي ً‬
‫معنللى لللذلك غيللره‪ .‬وقللال عللز وجللل‪} :‬ول تجعلوا الله عرضتتة‬
‫ليمانكم{ ] البقرة ‪ [ 124‬ومعنى ذلك‪ :‬ل تخلقوا ال عرضة ليمللانكم‬
‫ل معنى له غير ذلك عند بشر ومن يقول بقوله‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬ويجعلون لله البنات ستتبحانه ولهتتم متتا‬
‫يشتهون{ ] النحل ‪ [ 57‬فيزعم بشر ومن يقول بقوله أن بني آدم يخلقون‬
‫ل البنات ل معنى له غير ذلك حسب زعمه‪.‬‬
‫وقوله تعللالى‪} :‬وجعلوا لله أندادا ً ليضتتلوا عتتن ستتبيله{‬
‫] إبراهيللم ‪ ،[ 30‬أي‪ :‬وخلقللوا ل ل أنللدادًا وقللوله تعللالى‪} :‬وجعلوا لله‬
‫شركاء الجن{ ] النعام ‪ ،[ 100‬معناها عند بشللر ومللن يقللول بقللوله‪:‬‬
‫وخلقوا له شركاء الجن ويزعللم أن الل أخللبر أنهللم يخلقللون للله شللركاء‬
‫الجن((‪.‬‬
‫ثم سرد عددًا من اليات مشتملة على لفظة )الجعل( التي تدل فللي‬
‫سياقها على فساد هذا العتقاد وقبحه وشناعته‪ .‬ثلم انتقلل بعلد ذلللك إللى‬
‫بيان معنى )جعل( في كتاب ال عز وجل فقال‪ :‬إن جعل في كتاب ال‬
‫))‬

‫عز وجل يحتمل معنيين عند العرب‪:‬‬


‫ل معنى‪ :‬خلق‪.‬‬
‫ل ومعنى‪ :‬صّير غير خلق‪.‬‬
‫قال‪ :‬فلما كان )خلق( حرفلًا محكملًا ل يحتمللل معنللى غيللر الخلللق‬
‫‪-‬يعني على زعم بشر‪ -‬ولم يكن من صللناعة العبللاد لللم يتعبللد بلله العبللاد‬
‫فيقللول لهللم‪ :‬اخلقللوا أو ل تخلقللوا‪ ،‬إذ كللان الخلللق ليللس مللن صللناعة‬
‫المخلوقين وكان من فعل الخالق سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫قال‪ :‬ولملا كلان )جعلل( عللى معنلى صلّير ل عللى معنلى الخللق‬
‫خاطب ال به العباد بالمر والنهي فقال‪ :‬اجعلوا ول تجعلوا‪ .‬ولمللا كللان‬
‫)جعل( كلمة تحتمل معنيين‪ ،‬معنى خلق‪ ،‬ومعنى صّير لم يللدع ال ل فللي‬
‫ذلك اشتباهًا علللى خلقلله ولبسلًا علللى عبللاده فيلحللد الملحللدون فللي ذلللك‬
‫ويشبهون على خلقه‪ ،‬كما فعل بشر وأصحابه حتى جعل على كل كلمللة‬
‫ل‪ ،‬فرق به بين الجعل الذي علللى معنللى الخلللق وبيللن الجعللل‬ ‫علمًا ودلي ً‬
‫الذي يكون على معنى التصيير‪.‬‬
‫فأما الجعل الذي هو على معنى الخلق‪ ،‬فلإن الل علز وجللل جعللله‬
‫ل وهلو بيلان لقلوم يفقهلون‪،‬‬ ‫من القول المفصلل وأنلزل القلرآن بله مفصل ً‬
‫والقول المفصل هو الذي يستغني به السللامع إذ أخللبر بلله قبللل أن توصللل‬
‫الكلمة بغيرها من الكلم إذ كانت قائمة بذاتها تللدل علللى معناهللا‪ ،‬ثللم مّثللل‬
‫لذلك فقال‪ :‬فمن ذلك قول ال عز وجل ‪} :‬الحمد للتته التتذي خلتتق‬
‫السموات والرض وجعل الظلمات والنتتور{ ] النعللام ‪،[ 1‬‬
‫قال‪ :‬فسواء عند العرب قال‪ :‬وجعل‪ ،‬أو قال‪ :‬وخلق‪ ،‬لنها قد علمت أنه‬
‫أراد بهذا الجعل الخلق لنه أنزل من القول المفصل‪.‬‬
‫وقللال عللز وجللل‪} :‬وجعتتل لكتتم متتن أزواجكتتم بنيتتن‬
‫وحفدة{ ] النحل ‪ ،[ 72‬فعقلت العرب عنه أن معنى هذا وخلللق لكللم إذ‬
‫ل‪ .‬وقال تعللالى‪} :‬وجعل لكم الستتمع والبصتتار‬ ‫ل مفص ً‬‫كان قو ً‬
‫والفئدة{ ] الملك ‪ ،[ 23‬فعقلت العرب عنه أنه عنى بهذا الجعل الخلق‬
‫إذ كان من القول المفصل‪ ،‬وسواء عندها قال‪ :‬جعل أو خلللق؛ لنهللا قللد‬
‫علمت ما أراد ومللا عنللى‪ .‬قللال‪ :‬فهللذا ومللا كللان علللى مثللاله مللن القللول‬
‫المفصل الذي يستغني المخاطب به والسامع له بكل كلمة عما بعدها‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬وأما جعل الذي هو بمعنى التصلليير الللذي هللو غيللر خلللق‬
‫فإن‬
‫ال عز وجل أنزله من القول الموصل الذي ل يدري المخاطب به حتى‬
‫تصل الكلمة بالكلمة التي بعدها فيعلم ما أراد بها‪ ،‬وإن تركها مفصلة لم‬
‫يصلها بغيرها من الكلم لم يعقل السامع لها ما أراد بها ولم يفهمها ولللم‬
‫يقف على ما عنى بها حتى يصلها بغيرها‪.‬‬
‫ثم مّثل لذلك فقال‪ :‬فمن ذلك قللول اللل عللز وجللل‪} :‬يا داود إنا‬
‫جعلناك خليفة في الرض{‪ ،‬فلو قال‪} :‬إنا جعلناك{‪ ،‬ولم يصلها‬
‫بما بعدها لم يعقل داود عليه السلم ول أحد سمع هذا الخطللاب مللا أراد‬
‫ال به‪ ،‬ول ما عنى بقوله‪ ،‬لنله خلاطبه بهللذا القللول وهللو مخلللوق فلملا‬
‫وصلها بل}خليفة في الرض{ عقل داود وكل من سمع هذا الخطاب ما‬
‫أراد بقللوله ومللا عنللى بلله‪ .‬ومثللل ذلللك قللوله تعللالى لم موسللى‪} :‬أن‬
‫أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ول تختتافي ول‬
‫تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين{ ] القصللص‬
‫‪ ،[ 7‬فلللو لللم يصللل }جللاعلوه{ بلل}المرسلللين{ لللم تعقللل أم موسللى ملا‬
‫خاطبها به ول ما عنى بقوله‪ ،‬إذ كان خلق موسى عليه السلللم قللد تقللدم‬
‫لللرده إليهللا فلمللا وصللل الكلمللة بالمرسلللين عقلللت أم موسللى مللا أراد‬
‫بخطابها‪.‬‬
‫وقوله عز وجل‪} :‬فلما تجلى ربتته للجبتتل جعلتته دك تا ً{‬
‫] العللراف ‪ ،[ 143‬وقد كلان الجبلل قبلل أن يتجللى لله مخلوقلًا‪ ،‬فوصللل‬
‫الجعل بدكًا‪ ،‬ولو لم يصله لم يعقل السامع له ما أراد ال بقوله‪.‬‬
‫وقللوله عللز وجللل ‪} :‬ربنا واجعلنا مسلمين لتتك{ ] البقللرة‬
‫‪ ،[ 128‬فلو لم يصل الكلمة وفصلللها لللم يعقللل أحللد ممللن سللمع مللا أراد‬
‫بدعوتهما‪ ،‬وقد كانا قبل دعوتهما مخلللوقين فلمللا وصلللها بمسلللمين علللم‬
‫كل من سللمع ذلللك مللا أراد بللدعوتهما‪ ،‬ومثللل ذلللك قللول إبراهيللم عليلله‬
‫السلم‪} :‬رب اجعل هذا البلد آمنا ً{ ] إبراهيم‪.[ 35 :‬‬
‫قال‪ :‬ومثل هذا كثير في القرآن‪ ،‬والللذي تتعلارفه العللرب وتتعاملل‬
‫به في لغاتها وخطابها ومعنى كلمها ومخارج ألفاظها هو الللذي جللرت‬
‫به سنة‬
‫ب علللى تبيانهلا‪،‬‬‫ال عز وجل في كتابه‪ ،‬إذ كان إنما أنزل بلسانها واْكُتِتل َ‬
‫فخاطبهم‬
‫ال عز وجل بما عقلوه وعرفوه ولم ينكروه‪ ،‬ولم يكونوا يعرفون سللواه‬
‫وهو القول الموصل والمفصل‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬فأرجع أنا وبشر لما اختلفنا فيلله مللن قللول الل عللز وجللل‪:‬‬
‫}إنا جعلناه قرآنا ً عربيا ً{ ] الزخرف ‪ ،[ 3‬إلى سنة ال في كتابه في‬
‫الجعلين جميعًا وإلى سنة العرب أيضًا ومللا تتعللارفه وتتعامللل بلله‪ ،‬فللإن‬
‫كان من القول الموصل فهو كما قلت أنا‪ :‬إن ال جعله قرآنًا عربي لًا بللأن‬
‫صلّيره عربيلًا‪ ،‬أي‪ :‬أنزللله بلغللة العللرب ولسللانها ولللم يصلليره أعجميلًا‬
‫فينزله بلغة العجم‪ ،‬وإن كان من القول المفصل فهو كملا قلال وللن يجلد‬
‫ذلك أبدًا‪.‬‬
‫وإنما دخل الجهل على بشر ومن قال بقوله لنهم ليسوا مللن العللرب‪،‬‬
‫ول علللم لهللم بلغللة العللرب ومعللاني كلمهللا فتنللاولوا القللرآن علللى لغللة‬
‫العجم‪ ((...‬اهل)‪.(215‬‬
‫فهذا مللا ادعللاه بشللر بيللن يللدي المللأمون فللي منللاظرته مللع المللام‬
‫الكناني‪ ،‬وهذا بيان المام الكناني تلميذ المللام الشللافعي لمعنللى )جعللل(‬
‫في القرآن الكريم‪.‬‬
‫وحيث إن القائلين بخلق القرآن قد توارثوا هذه الشللبهة‪ ،‬فإليللك مللا‬
‫قاله المام المحقق شيخ السلم ابللن تيميللة رحملله الل فللي بيللان معنللى‬
‫)جعل( ودحض شلبهة المسلتدلين بهلا‪ ،‬فقلد تنلاول معنلى )الجعللل( فلي‬
‫القرآن وهو يتحدث عللن مشلليئة الل وقللدرته وعللن القللرآن الكريللم فللي‬
‫المجلد )‪ (8/27‬فقال‪ :‬والصواب هو ما كللان موافقلًا للشللرع مبينلًا فللي‬
‫))‬

‫العقل‪ ،‬فإن ال سبحانه أخللبر أن القللرآن منللزل منلله‪ ،‬وأنلله تنزيللل منلله‪،‬‬
‫وأنه كلمه‪ ،‬وأنه قوله‪ ،‬وأنه َكّفر من قال إنه قللول البشللر‪ ،‬وأخللبر‪ :‬أنلله‬
‫قول رسول كريللم مللن الملئكللة ورسللول كريللم مللن البشللر‪ ،‬والرسللول‬
‫ل من الرسولين بلغه لم يحدث هو منه شيئًا‪،‬‬ ‫سل فبين أن ك ً‬ ‫يتضمن الُمْر ِ‬
‫وأخبر أنه جعله قرآنًا عربيلًا‪ ،‬وقللال عمللا ينلزل منلله جديللدًا بعللد نللزول‬
‫غيره قديمًا‪} :‬ما يأتيهم من ذكر من ربهم محتتدث{‪ ،‬وأخللبر‬
‫أن للكلم المعين وقتًا معينًا كما قال تعالى‪} :‬فلما أتاهتتا نتتودي يتتا‬
‫‪ ()) 215‬الحيدة )ص ‪.(71-59‬‬
‫موسى{‪ ،‬وقللال تعللالى‪} :‬ولقد خلقناكم ثتتم صتتورناكم ثتتم‬
‫قلنا للملئكة اسجدوا لدم{‪ .‬والللذين قللالوا إنلله )مخلللوق( ليللس‬
‫معهم حجة إل ما يدل على أنه تكلللم بمشلليئته وقللدرته‪ ،‬وهللذا حللق لكللن‬
‫ضموا إلى ذلك أن ما كان بمشيئته ل يقوم بذاته‪ ،‬فغلطوا ولبسللوا الحللق‬
‫بالباطل‪ ،‬فضموا ملا نطلق بله القلرآن الموافللق للشللرع والعقللل إلللى ملا‬
‫أحدثوه من البدع والشبهات‪.‬‬
‫وكذلك الذين قالوا‪ :‬إنه )قديم( ليس معهم إل ما يدل على أنلله قللائم‬
‫بذاته لكن ضموا إلى ذلك أن ما يقللوم بلذاته ل يكللون بمشليئته وقللدرته‪،‬‬
‫فأخطؤوا في ذلك ولبسوا الحللق بالباطللل‪ ،‬وأولئك فسللروا قللوله تعللالى‪:‬‬
‫}إناجعلناه قرآنًا عربيًا{]الزخللرف‪ [43:‬بللأنه جعللله بائنلًا عنلله مخلوقلًا‪،‬‬
‫وقالوا‪) :‬جعل( بمعنى خلق‪ ،‬وهؤلء قالوا‪ :‬جعلناه سللميناه كمللا فللي قللوله‬
‫تعالى‪} :‬وجعلوا الملئكة الذين هتتم عبتتاد الرحمتتن إناث تا ً{‬
‫]الزخرف‪ ،[19:‬وهذا إنما يقال فيمن اعتقد في الشيء صفة حقًا أو بللاط ً‬
‫ل‬
‫إذا كانت الصفة خفية فيقال‪ :‬أخبر عنه بكذا‪ ،‬وكون القللرآن عربيلًا أمللر‬
‫ظاهر ل يحتاج إلى الخبار‪ ،‬ثلم كللل مللن أخللبر بللأنه عربللي فقللد جعللله‬
‫عربيًا بهذا العتبار‪ ،‬والرب تعالى اختص بجعله عربيًا فللإنه هللو الللذي‬
‫تكلم به وأنزله‪ ،‬فجعله قرآنًا عربيًا بفعل قام بنفسه وهو تكلم به واختاره‬
‫لن يتكلم به عربيًا عن غير ذلك من اللسنة باللسان العربي وأنزله به‪.‬‬
‫ولهذا قال أحمد‪) :‬الجعل( من ال قد يكون خلقًا وقللد يكللون غيللر خلللق‪،‬‬
‫فالجعل فعل والفعل قد يكون متعديًا إلى مفعول مباين للله‪ :‬كللالخلق وقللد‬
‫يكون الفعللل لزملًا وإن كللان للله مفعللول فللي اللغللة كللان مفعللوله قائملًا‬
‫بالفعللل‪ :‬مثللل التكلللم فللإن التكلللم فعللل يقللوم بللالمتكلم والكلم نفسلله قللائم‬
‫بللالمتكلم‪ ،‬فهللو سللبحانه جعللله قرآنلًا عربيلًا‪ ،‬فالجعللل قللائم بلله والقللرآن‬
‫ل‪ :‬هللو التكلللم‪،‬‬
‫العربي قائم به فإن )الكلم( يتضمن شلليئين‪ :‬يتضللمن فع ً‬
‫والحروف المنطوقة‪ ،‬والصوات الحاصلللة بللذلك الفعللل‪ ،‬ولهللذا يجعللل‬
‫القول تارة نوعًا من الفعل وتارة قسيمًا للفعل‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقد ذكرت في غيلر هللذا الموضللع أنلله ملا احتلج أحللد بلدليل‬
‫سمعي أو عقلي على باطل إل وذلك الدليل إذا أعطي حقه وميز ما يدل‬
‫عليه مما ل يدل تبين أنه يدل على فساد قول المبطل المحتللج بلله‪ ،‬وأنلله‬
‫دليللل لهللل الحللق‪ ،‬وأن الدلللة الصللحيحة ل يكللون مللدلولها إل حق لًا‪،‬‬
‫والحق ل يتناقض بل يصدق بعضه بعضًا وال أعلم(( اهل‪.‬‬
‫وحيث إن الخليلي قد ادعى بأن الكتلاب والسنة يدلن علللى )خلللق‬
‫القرآن( وقد علرفنا اسللتدلله بآيللة‪} :‬خالق كل شتتيء{‪ ،‬وبقللوله‪:‬‬
‫}إنا جعلناه قرآنا ً عربيا ً{‪ ،‬وقد اتضح للقارئ الكريم البللاحث علن‬
‫الحق بما سبق ذكره بأن اليتين الكريمتين ل تدلن على )خلق القللرآن(‬
‫ل نصًا صريحًا ول دللة؛ لن قوله تعللالى‪} :‬خالق كتتل شتتيء{‪،‬‬
‫أي‪ :‬من المخلوقات كلها من سماء وأرض وما بينهما وقد خلق ال ذلللك‬
‫بكلمه وهو قوله‪ :‬للشيء )كن( فيكون‪ ،‬وكلمه صفة مللن صللفاته فمللن‬
‫قال‪ :‬إن صفة من صفات ال مخلوقة فقد كفر‪.‬‬
‫وأمللا )الجعللل( فقللد اتضللح لللك مللن كلم العلمللاء أن )جعللل( فللي‬
‫القرآن الكريم وفي كلم العرب تدل على معنيين هما الخلق والتصيير‪.‬‬
‫وأن جعل في هذه الية الكريمة‪ :‬تدل على التصلليير أي جعللل الل‬
‫القرآن عربيلًا‪ ،‬فتكلللم بلله باللسللان العربللي‪ ،‬فهللو اختللار إنزاللله باللسللان‬
‫العربي على غيره من اللسنة‪.‬‬
‫وقال أبو النضر ل العالم الباضي‪ -‬في الرد على الستدلل بجعللل‬
‫على خلق‪:‬‬
‫ببدائع التكليف والبهتان‬ ‫حِل القرآن منك تكلفًا‬
‫ل َتْن َ‬
‫أو في الرواية فأتنا ببيان‬ ‫هل في الكتاب دللة من خلقه‬
‫بدعائه في السر والعلن‬ ‫ال سماه كلمًا فادعه‬
‫غّر من برهان‬
‫في خلقه‪ ،‬يا ِ‬ ‫إّل فهات وما أظنك واجدًا‬
‫جْعبببل إن أنصبببفت مبببن‬
‫فبببي ال َ‬ ‫إن كان من )إنا جعلناه( فما‬
‫تبيانبفضلك أفضل البلدان‬ ‫بلدًا‬ ‫قد قال إبراهيم‪ :‬رب اجعل لنا‬
‫حق الصلة لوجبهك المنببان‬ ‫وكبببببذاك فببببباجعلني مقيمبببببا‬
‫أم لببببم يكببببببن خلببببببقًا مببببن‬ ‫مخلبصًاأكبببان وقببببببد دعببببباه‬
‫فبببانظر‬
‫الرحمبببندعبببببببا بالمببببببببببن‬
‫حبببببببتى‬ ‫يكببببببببن لمببا دعببببببباه‬‫لجبببببعله‬
‫أم لببم‬
‫واليمبببببان‬
‫لشبببأنك قبببد كبببدحت‬ ‫واكبببدح‬ ‫بمكببببة هنبببا بتفبببببببببكر يبببا ذا‬
‫فببباربع‬
‫لشاني‬‫النبهبببىبذا الجعببببببببببل قلببببببت‬
‫خبببببببلق؟ تبببببببارك منببببببزل‬ ‫فبأي هب‬
‫الفبببببرقانال يدعي أنهللا‬
‫الخليلي أتبع تلك الية بآيات أخرى من كتاب‬ ‫ثم إن بأنه‬
‫تدل على )خلق القرآن( ومن تلك اليللات قللوله تعللالى‪ } :‬ما يتتأتيهم‬
‫من ذكر من ربهم محتتدث إل استتتمعوه وهتتم يلعبتتون{‬
‫] النبياء ‪ ،[ 2‬وقوله تعالى‪ } :‬وما يأتيهم من ذكر من الرحمن‬
‫محدث إل كانوا عنه معرضين{ ] الشعراء ‪.[ 5‬‬
‫قال‪ :‬ووجه الستدلل وصف الذكر فيهما بالحداث وهو الخلق‪.‬‬
‫قلببت‪ :‬وقللد بيللن علمللاء السللنة أن المقصللود بالمحللدث فللي اليللة‬
‫الكريمة هو ما ينزل منه جديدًا بعد نزول غيره قديمًا‪ .‬كما تقدم نقله عن‬
‫شيخ السلم ابن تيمية‪ ،‬وكما قال الحافظ ابن كثير رحمه ال في تفسير‬
‫اليللة مللن سللورة النبيللاء‪} :‬متتا يتتأتيهم متن ذكتتر متتن ربهتم‬
‫محدث{‪ ،‬أي‪ :‬جديد إنزاله كما قال ابن عبلاس )ملا لكلم تسلألون أهلل‬
‫الكتللاب عمللا بأيللديهم وقللد حرفللوه وبللدلوه وزادوا فيلله ونقصللوا منلله‪،‬‬
‫وكتابكم أحدث الكتب بللال تقرؤونلله محضلًا لللم يشللب(‪ .‬رواه البخللاري‬
‫بنحوه)‪.(216‬‬
‫ولكن الخليلي يركز على كلمة )الحداث( وأنها تعني الخلق‪ ،‬لنه‬
‫ينفي عن ال صفة الكلم‪ ،‬وأهل السللنة يثبتللون لل صللفة الكلم بالدلللة‬
‫القطعيللة كقللوله تعللالى‪} :‬ولما جتاء موستى لميقاتنتتا وكلمتته‬
‫ربه{‪ ،‬فهذا التكليم ُأحدث وقت مجيء موسى وسللمعه موسللى مللن ال ل‬
‫عز وجل وحين سمعه طلب من ال عز وجل الرؤية حيث قللال‪} :‬رب‬
‫أرني أنظر إليك{‪ .‬فقال للله‪} :‬لن تراني ولكتتن انظتتر إلتتى‬
‫الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه‬
‫للجبل جعله دكا ً وخّر موسى صعقا ً‪ {...‬الية‪.‬‬
‫فهذا كله كلم ال عز وجل تكلم به مع موسى عليلله السلللم حيللن‬
‫خاطبه لن ال عز وجل يتكلم متى شاء وكيف شاء‪ ،‬ول يصرف نللص‬
‫هذه الية عن ظاهرها إل من أضله ال عن سبيل الهللدى‪ ،‬ومللن يضلللل‬
‫ال فلن تجد له وليًا مرشدًا‪ ،‬ذلك لن القائلين بخلللق القللرآن يقولللون‪ :‬إن‬
‫ل عنه في شجر أو حجللر أو هللواء‪ ،‬وأن ذلللك المخلللوق‬ ‫ال خلقه منفص ً‬
‫الذي خلق ال الكلم فيه هو الذي قال لموسللى‪} :‬لن ترانتتي{‪ ،‬وهللو‬
‫الذي قال له‪} :‬إنني أنا الله ل إله إل أنا فاعبدني{‪ ،‬وهو الذي‬
‫قللال للله‪} :‬وما تلك بيمينك يتا موستتى{‪ ،‬وهللو الللذي قللال للله‪:‬‬
‫}فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ‪ ،{...‬إلخ اليات‬
‫الللتي جللاءت فللي قصللة تكليللم الل لموسللى عليلله السلللم وإرسللاله إلللى‬
‫فرعون‪.‬‬
‫‪ ()) 216‬تفسير ابن كثير )‪.(5/325‬‬
‫البخاري كتاب التوحيد باب قول ال تعالى‪} :‬كل يوم هو فتتي شتتأن{ و}متتا‬
‫يأتيهم من ذكر من ربهم محدث{ ح ‪.7522‬‬
‫ل وعمللي‪} ،‬فإنهببا ل تعمببى البصببار‬ ‫وكفى بمن يعتقللد هللذا ضللل ً‬
‫ولكن تعمى القلوب التي في الصدور{‪.‬‬
‫ثم أورد الخليلي بعد ذلك آيات أبعد فللي السللتدلل بهللا ممللا سللبق‬
‫ذكره‪ ،‬وسللنوردها ليعلللم القللارئ أن المؤلللف ومللن سللبقه لللم يسللتطيعوا‬
‫إيللراد نللص صللريح مللن كتللاب ال ل عللز وجللل يللدل علللى أن )القللرآن‬
‫مخلوق( وإنما يلبسون على من ل علم عنده من أتباعهم بتحريللف الكلللم‬
‫عن مواضعه‪ ،‬متبعين في ذلك أسلوب الترغيب والترهيب‪ .‬ومللن رجللع‬
‫لما كتب في محنة القول بخلق القرآن أيام المأمون والمعتصم علم فسللاد‬
‫هللذا المللذهب وكيللف رده علمللاء السللنة‪ ،‬ولللم يسللتطع الخليفللة المللأمون‬
‫والمعتصم حمل الناس على هذه العقيدة الباطلة‪ ،‬لن الفطللر السللليمة ل‬
‫تقبلها‪ ،‬ولذلك حمل الناس عليها بالقوة ولم يفلحا‪.‬‬
‫أمللا اليللات الللتي حشللرها الخليلللي فللي كتللابه فهللي قللوله تعللالى‪:‬‬
‫}كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لتتدن حكيتتم ختتبير{‬
‫] هود ‪.[ 1‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم{‬
‫] العراف ‪.[ 52‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها‬
‫أو مثلها{ ] البقرة ‪.[ 106‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن { ]‬
‫البقرة ‪.[ 185‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬نّزل عليك الكتاب بتتالحق مصتتدقا ً لمتتا‬
‫بين يديه وأنزل التوراة والنجيل متتن قبتتل{ ] آل عمللران ‪،3‬‬
‫‪.[ 4‬‬
‫وقللوله‪} :‬هتتو التتذي أنتتزل عليتتك الكتتتاب منتته آيتتات‬
‫محكمات‪ ] {...‬آل عمران ‪.[ 7‬‬
‫وقوله‪} :‬بل هو آيات بينات فتتي صتتدور التتذين أوتتتوا‬
‫العلم{ ] العنكبوت ‪.[ 49‬‬
‫وقللوله‪} :‬بتتل هتو قتترآن مجيتد‪ .‬فتتي لتتوح محفتتوظ {‬
‫] البروج ‪.[22- 21‬‬
‫وقوله‪} :‬وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا ً لمتتا بيتتن‬
‫يديه من الكتاب ومهيمنا ً عليه{ ]المائدة ‪.[ 48‬‬
‫وقوله‪} :‬وقرآنا ً فرقناه لتقرأه على الناس على مكتتث‬
‫ونزلناه تنزيل ً{ ] السراء ‪.[ 106‬‬
‫فهللذه اليللات الللتي أوردهللا الخليلللي للسللتدلل بهللا علللى )خلللق‬
‫القرآن(‪.‬‬
‫فنقول للخليلي‪ :‬فما وجه الدليل فيها على دعواك بأنها دالة على‬
‫)خلق القرآن(؟‬
‫فنجده يقول‪) :‬إن وجه الستدلل بآية هود‪ ،‬وآية العراف‪ :‬أن ال‬
‫وصللفه بالحكللام والتفصليل‪ ،‬وكللل منهمللا أثلر صلادر علن مللؤثر‪ ،‬ول‬
‫يجوز أن يكون الثر قديمًا أزليًا‪.‬‬
‫جه الستدلل بآية البقرة‪} :‬ما ننسخ من آية‪ :{...‬أن الللل‬ ‫َوَو ّ‬
‫سبحانه أخبر عن نسخ بعض آياته والنسللخ هللو المحللو والزالللة‪ ،‬وهللو‬
‫مسللتحيل علللى القللديم‪ .‬واسللتحالته فيمللا إذا كلان لفظيلًا أشللد‪ ،‬وقللد أثبتلله‬
‫جمهور العلماء وفيهم القائلون بقدم القرآن‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬شهر رمضان الذي أنزل فيه القتترآن{‪،‬‬
‫قال‪ :‬ووجه الستدلل به‪ :‬أنه منزل‪ ،‬والنزال نقل من مكللان إلللى آخللر‬
‫وهو مستحيل على القديم‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل‬
‫إليهم{ ] النحل ‪.[ 44‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬إنا أنزلناه في ليلة مباركة{ ] الدخان ‪.[ 3‬‬
‫قال‪ :‬وفي تنزيله دللة أخرى على حدوثه‪ ،‬وهي أنلله نللزل منجم لًا‬
‫فهو منقسم‪ ،‬والنقسام مستحيل على القديم‪.‬‬
‫وفلللي آيلللة آل عملللران‪} :‬منتته آيتتات محكمتتات هتتن أم‬
‫الكتاب وأخر متشابهات{‪ ،‬قال‪ :‬ووجه الستدلل به أنه منقسللمة‬
‫آياته إلى قسللمين محكمللات ومتشللابهات‪ ،‬وإن المحكمللات أم ل ل أصللل لل‬
‫للمتشابهات يرجع بها إليها في التأويل وهو مستحيل فيما كان قديمًا‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬بل هو آيات بينات فتتي صتتدور التتذين أوتتتوا‬
‫العلم{‪ ،‬قال‪ :‬ووجه الستدلل به أن صدور العلماء حادثللة والحللادث‬
‫ل يكون وعاء للقديم‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬وقرآنا ً فرقناه لتقرأه على الناس على‬
‫مكث ونزلناه تنزيل ً{]السراء‪ ،[106:‬قال‪ :‬ووجلله السلتدلل بله أن‬
‫ال أخبر عنه بأنه مفروق‪ ،‬والمفروق مصنوع‪ ،‬والمصنوع ل يكون إل‬
‫حادثًا‪.‬‬
‫قال‪ :‬فهذه نماذج من الدلة القرآنية على حدوثه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والجواب على هذه الدعوى فيما يلي‪:‬‬
‫إن هذه اليات الكريمة التي يستدل بها المؤلف الخليلي على‬
‫)خلق القرآن( كما يراهلا القلارئ البلاحث علن الحلق ليلس فيهلا تصلريح‬
‫بذلك‪ ،‬ل من قريب ول من بعيد‪ ،‬ل بلالمنطوق ول بلالمفهوم‪ ،‬وملن رجلع‬
‫لكتب التفسير التي أّلفها علماء السلف يجد شرح تلك اليات واضحًا ببيان‬
‫ما دلت عليه من أحكام‪.‬‬
‫ولذلك لم يستطع المؤلف أن يدعي أنها صريحة في ذلك‪ ،‬بللدليل أنلله‬
‫استدل بتحريفها عن مواضعها‪ ،‬ولذا فهو يركز في بيان وجه استدلله بها‬
‫على أمرين‪:‬‬
‫الول‪ :‬القول بقدم القرآن‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬حدوث القرآن وهو يعني بالحدوث الخلق‪.‬‬
‫وقللد سللبق الجللواب علللى المريللن ولكللن نعيللده هنللا للحاجللة إليلله‬
‫فنقول‪ :‬أما القول )بقدم القرآن( الذي يركز عليلله المؤلللف فللي اسللتدلله‬
‫بهذه اليات‪ ،‬فإن أهللل السللنة والجماعللة سلللف هللذه المللة ومللن تبعهللم‬
‫بإحسان لم يقل أحد منهم )بقدم القرآن(‪ ،‬ومن الظلم أن ينسللب أحللد إلللى‬
‫ل هو بريء منه براءة الذئب من دم يوسف‪ ،‬ثللم يللرد عليلله‪ ،‬ل‬ ‫آخر قو ً‬
‫سيما والمنسوب إليه القول ظلملًا هللو يللرد علللى ذلللك القللول المنسللوب‬
‫إليه‪ ،‬وهذا ما يفعله الخليلي هداه ال إلى الحق‪ ،‬فهو ينسب القللول )بقللدم‬
‫القرآن( إلى السلف وأتبللاعهم ويخللص ابللن تيميللة وابللن القيللم لل لنهمللا‬
‫شوكة في حلوق المبتدعة قديمًا وحديثًا؛ وقد تكللرر الللرد عليلله‪ ،‬إل أنلله‬
‫يعيده مرة بعد أخرى؛ لنه لم يجد حجة إل ذلك‪.‬‬
‫وإليك كلم شيخ السلم ابن تيمية في نفي ما يدعيه المؤلف علللى‬
‫السلف من القول )بقدم القرآن( وبيان من قال به‪ ،‬وقد نقله الخليلي نفسه‬
‫في كتابه هذا )ص ‪ (149‬يقول رحمه ال‪ :‬وكما لم يقل أحد من السلف‬
‫))‬

‫إنه )مخلوق( فلم يقل أحد منهم )إنه قديم( لم يقل واحد من القللولين أحللد‬
‫ن بعللدهم ِمللن )الئمللة‬ ‫مللن الصللحابة ول التللابعين لهللم بإحسللان ول َم ل ْ‬
‫الربعة( ول غيرهللم‪ ،‬بللل الثللار متللواترة عنهللم بللأنهم كللانوا يقولللون‪:‬‬
‫القرآن كلم ال‪ .‬ولما ظهر من قال‪ :‬إنه مخلللوق قلالوا ردًا لكلملله‪ :‬إنلله‬
‫غير مخلوق )‪ ،(217‬ولم يريدوا بذلك أنه مفترى كما ظنه بعض الناس‪،‬‬
‫‪ ()) 217‬إلى هنا نقل الخليلي النص وأسنده إلى الفتاوى )‪ ،(12/301‬وتللرك تكملللة النللص‬
‫فإن أحدًا من المسلمين لم يقل إنه مفترى‪ ،‬بل هذا كفر ظاهر يعلملله كللل‬
‫مسلم‪ ،‬وإنما قالوا إنه مخلوق خلقه ال في غيره‪ ،‬فرد السلف هذا القللول‬
‫كما تواترت الثار عنهم بذلك وصنف في ذلك مصنفات متعددة وقالوا‪:‬‬
‫منه بدأ وإليه يعود((‪.‬‬
‫ثم قللال‪ :‬وأول مللن عللرف أنلله قللال‪) :‬مخلللوق( الجعللد بللن درهللم‬
‫))‬

‫وصاحبه الجهم بن صفوان‪.‬‬


‫وأول من عرف أنه قال هو )قديم( عبدال بن سعيد بللن كلب‪ ،‬ثللم‬
‫افترق الذين شاركوه في هذا القول((‪.‬‬
‫وحيث سبق في كتاب الخليلللي هللذا )ص ‪ (150 – 146‬أن نقللل‬
‫نصوصًا من الفتاوى لشيخ السلم ابن تيمية المجلد ) ‪ (12‬من صفحات‬
‫مختلفة من )ص ‪.(567 ،301 ،54 ،87 ،85،86‬‬
‫ثم قال فللي )ص ‪) :(148‬ومللا أعجللب التنللاقض والضللطراب فللي‬
‫قول ابن تيمية‪)) :‬إن كلم ال غيللر مخلللوق وإنلله منلله بللدأ ليللس بمخلللوق‬
‫ابتداء من غيره(()‪ ،(218‬حيث نفلى الخلللق علن الكلم وأثبلت للله البدايللة‬
‫وهل البداية إل خلق وقوله في آخره‪ :‬ليس بمخلوق ابتداء من غيره((‪.‬‬
‫))‬

‫ص ذكللره‬ ‫قلت‪ :‬وهذا الجزء المقتطع كللله ملن سلطر واحلد ملن نل ٍ‬
‫شيخ السلم فقوله‪) :‬في آخره( ليس كللذلك بللل هللو مللن وسللطه‪ ،‬وابللن‬
‫تيمية يقصد بقوله‪ :‬وإنه منه بدأ‪ ...‬إلخ((‪ ،‬للرد على القائلين أنه بدأ مللن‬
‫))‬

‫ذلك الشيء الذي خلق فيه القرآن لنهم ينفون عن ال صللفة الكلم فهللو‬

‫لنه ينقض دعواه‪ ،‬وهذه طريقة أهل الهواء قديمًا وحديثًا‪.‬‬


‫‪ ()) 218‬ما بين القوسين في الفتاوى ص ‪ 86‬وهو سطر واحد من مقطع نقله شيخ السلم‬
‫من كلم المام أحمد وغيره ابتدأه بقوله )وصرح المام أحمد وغيره من السلف أن‬
‫القرآن كلم ال غير مخلوق‪ ،‬ولم يقل أحد من السللف أن الل تكللم بغيلر مشليئة‪(...‬‬
‫إلخ‪.‬‬
‫يقللول‪ :‬إن ابتللداء القللرآن مللن اللل‪ ،‬وأنلله تكلللم بلله حقيقللة‪ ،‬وسللمعه منلله‬
‫جبريل‪ ،‬وبلغه محمدًا صلى ال عليه وسلم وليس ابتداء القرآن من ذلللك‬
‫الشيء‪ ،‬الحجر أو الشجر أو الهواء كما يدعون‪.‬‬
‫وحيللث إن الخليلللي أورد تلللك المقللاطع الللتي اختارهللا حسللب مللا‬
‫يهوى‪ ،‬وهي نصوص أوردها شيخ السلللم‪ ،‬منهللا مللا يللرد علللى قللائله‬
‫ويبين خطأه‪ ،‬ومنها ما يبين فيه مقصود قلائله‪ ،‬فيسلميه الخليللي اعتلذار‬
‫ل كما يقول فقد رأيت أنه من‬ ‫ابن تيمية عن ذلك القول وأنه ل يجدي فتي ً‬
‫المناسب نقلها لبيان أنه ل اضطراب فيها ول اعتذار‪.‬‬
‫وإليك النص الذي ذكره شيخ السلم وقد نقل الخليلي منه ما يريد‬
‫وترك ما ل يريد‪ ،‬قال شلليخ السلللم فللي معللرض رده علللى مللن قللال‪:‬‬
‫الحروف مخلوقة وذلك في كلم طويل؛ وقد سبق الحديث عن ذلك‪.‬‬
‫قللال‪ :‬وأحمللد أنكللر قللول القللائل‪ :‬إن ال ل لمللا خلللق الحللروف‪،...‬‬ ‫))‬

‫وروي عنه أنه قال‪ :‬من قال‪ :‬إن حرفًا من حروف المعجم مخلوق فهللو‬
‫جهمي لنه سلك طريقًا إلى البدعة‪ ،‬ومن قال‪ :‬إن ذلك مخلوق فقللد قللال‬
‫إن القرآن مخلوق((‪ .‬إلللى هنللا اقتصللر الخليلللي)‪ ،(219‬وسللماه اعتللذارًا‪،‬‬
‫وتكملة النص‪ :‬وأحمد قد صرح هو وغيره من الئمللة أن الل لللم يللزل‬ ‫))‬

‫متكلمًا إذا شاء‪ ،‬وصرح أن ال يتكلللم بمشلليئته‪ ،‬ولكللن أتبللاع ابللن كلب‬
‫كالقاضي وغيره تأولوا كلملله علللى أنلله أراد بللذلك إذا شللاء السللماع‪،‬‬
‫لنه عندهم لم يتكلم بمشيئته وقدرته((‪.‬‬
‫ثم واصللل الحللديث للللرد علللى أتبللاع ابللن كلب القاضللي وغيللره‬
‫فقال‪:‬‬
‫وصرح أحمد وغيره من السلف أن القرآن كلم ال غير مخلوق‪ ،‬ولللم‬ ‫))‬

‫ل عللن الفتللاوى )‪ ،(12/85‬وتللرك بللاقي‬‫‪ ()) 219‬مللن كتللاب الخليلللي هللذا )ص ‪ (129‬نق ً‬
‫النص المشار إليه‪ ،‬وهذه عادته في النقل‪ ،‬وهذا خلل في أمانة النقل‪.‬‬
‫يقل أحد من السلف إن ال تكلم بغير مشيئته وقدرته‪ ،‬ول قال أحد منهللم‬
‫إن نفس الكلم المعين كللالقرآن أو نللدائه لموسللى عليلله السلللم أو غيللر‬
‫ذلك من كلمه المعين أنه قديم أزلي لم يزل ول يزال‪ ،‬وأن ال ل قللامت‬
‫به حروف معينة‪ ،‬أو حروف وأصوات معينة قديمة أزليللة لللم تللزل ول‬
‫تزال‪ ،‬فإن هللذا لللم يقللله‪ ،‬ول دل عليلله قللول أحمللد ول غيللره مللن أئمللة‬
‫المسلمين‪ ،‬بل كلم أحمد وغيره من الئمة صريح في نقيللض هللذا وأن‬
‫ال يتكلم بمشيئته وقدرته‪ ،‬وأنه لللم يللزل يتكلللم إذا شللاء مللع قللولهم‪) :‬إن‬
‫كلم ال غير مخلوق‪ ،‬وأنلله منلله بللدأ ليللس بمخلللوق ابتللداء مللن غيللره(‬
‫)‪ ،(220‬ونصوصهم بذلك كثيرة معروفة في الكتب الثابتة عنهم‪ ،‬مثل مللا‬
‫صللنف أبللو بكللر الخلل فللي )كتللاب السللنة(‪ ،‬وغيللره‪ ،‬ومللا صللنفه‬
‫عبدالرحمن بن أبي حاتم ملن كلم أحملد وغيلره‪ ،‬وملا صلنفه أصللحابه‬
‫وأصحاب أصحابه‪ :‬كابنيه صالح وعبدال وحنبل ……إلخ(()‪.(221‬‬
‫ونقول للقارئ‪ :‬هذا نص كلم شيخ السلللم الللذي يللدعي الخليلللي‬
‫أن فيه تضاربًا فأين التضارب فيه؟‪.‬‬
‫إن المؤلف الخليلي يعرف تمام المعرفة كلم شيخ السلللم‪ ،‬وأنلله‬
‫ل تضارب فيه بل هو كالعقد المنتظم‪.‬‬
‫ولكن لعقيدة رسخت في ذهنه ورثها عللن سلللفه المعتزلللة‪ ،‬لللم يللر‬
‫غيرها مع وجود الدلة الصريحة على خلفها‪ ،‬وكللون النسللان يصللمم‬
‫على رأي وعقيدة ل يرى غيرها‪ ،‬ل يبيح له ذلك أن ينقل أقللوال طائفللة‬
‫وإن كانت في الظاهر ترد على المعتزلة‪ ،‬إل أنها فللي موضللوع )خلللق‬

‫‪ ()) 220‬ومثل هذا العمل يترفع عنه المنصف الذي يبحث عن الحق‪)) .‬وهللذا السللطر هللو‬
‫الذي أخذه الخليلي من هذا النص تاركًا ما قبله وما بعده(( ‪.‬‬
‫‪ ()) 221‬الفتاوى )‪.(12/86‬‬
‫القرآن( متفقة مع المعتزلة ثم ينسب أقوالهم لشلليخ السلللم ابللن تيميللة‪،‬‬
‫الذي يرد عليهم وعلى المعتزلة ثم يدعي تضارب قوله زورًا وبهتانًا‪.‬‬
‫إن شيخ السلم يصرح بعبارات متكررة وينقلها عنه الخليلي فللي‬
‫كتابه هذا كما تقللدم‪ ،‬إن سلللف هللذه المللة مللن الصللحابة والتللابعين لهللم‬
‫بإحسان والئمة الربعة وغيرهم من أتباع السلف لم يقل أحد منهم )إن‬
‫القرآن قديم(‪ ،‬ثم بين شيخ السلللم أن أول مللن عللرف عنلله هللذا القللول‬
‫)عبدال بن سعيد بن كلب(‬
‫كمللا عللرف أن أول مللن قللال )القللرآن مخلللوق( الجعللد بللن درهللم‬
‫وصاحبه الجهم ابن صفوان‪ ،‬وقد نقل ذلك كله الخليلي في كتابه هذا‪ ،‬ثم‬
‫يلبس الن على القراء وينسب هذه القوال التي يرد عليها شيخ السلم‬
‫ابن تيمية‪ ،‬إلى ابن تيمية‪ ،‬وهذا من أعظلم الظللم والفلتراء فلال يقلول‪:‬‬
‫ة أو إثم تا ً ثتتم يتترم بتته بتتريئا ً فقتتد‬ ‫}ومتتن يكستتب خطيئ ً‬
‫احتمل بهتانا ً وإثما ً مبينا ً{ ] النساء ‪ ،[ 112‬ولعله قد ظهللر للقللارئ‬
‫المنصف ما يأتي‪:‬‬
‫الول‪ :‬عدم أمانة المؤلف في نسبة القوال إلى أصحابها‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬وهو أشد ظلمًا وهو نسبة القول إلللى شللخص وهللو بريلء‬
‫من ذلك القول‪ ،‬بل إنه يرد على صاحبه ويبين خطأه‪.‬‬
‫الثببالث‪ :‬أن اليللات القرآنيللة الللتي يللدعي أنهللا تللدل علللى )خلللق‬
‫القرآن( ل دليل فيها على دعواه ل منطوقًا ول مفهومًا‪.‬‬
‫وقللد عجللز أسلللفه بيللن يللدي الخليفللة المللأمون والمعتصللم عللن‬
‫الستدلل بنص صريح من كتاب ال عز وجل‪.‬‬
‫كما عرف القارئ أن هذه الدلة التي أوردها الخليلللي هللي بعينهللا‬
‫أدلة بشر المريسي وابللن أبللي دؤاد وأضللرابهم‪ ،‬وهللو بعمللله هللذا يللثير‬
‫قضية قد قضي عليها من عدة قرون‪ ،‬وهذا عكس ما يدعيه علللى غيللره‬
‫مللن إثللارة الفتللن الللتي تمللزق شللمل المللة‪ ،‬وكمللا يقللال‪ :‬رمتنللي بللدائها‬
‫وانسلت‪ ،‬فمن الذي يثير الفتن؟‬
‫وحيث إن دعلوى الخليللي أن الدللة النقليلة عللى )خللق القللرآن(‬
‫التي يحتج بها من الكتاب والسنة‪ ،‬وقد عرفنا أن الدلة الللتي سللاقها مللن‬
‫الكتاب ل دللة فيها وإنما هو تحريف لها عن مواضعها فإليك ما يدعيه‬
‫أدلة من السنة‪.‬‬
‫أدلة الخليلي من السنة‬
‫ت حسب زعمه ت على خلق القرآن‬

‫وسوف أورد نص الحاديث التي ذكرها كلها وهي ستة أحللاديث‪،‬‬


‫وبيان وجه استدلله بها ليرى القارئ تخبط من لللم يوفللق لتبللاع سلللف‬
‫المة في الستدلل بنصوص الكتاب والسنة‪.‬‬
‫فقد قال الخليلي في )ص ‪ :(177‬وأما الدلة من السللنة فكللثير مللن‬
‫الروايات وإنما نقتصر منها على ما يلي‪:‬‬
‫‪1‬ل أخرج المام أحمد والبخللاري‪ ،‬وأبللو داود عللن أبللي سللعيد بللن‬
‫المعلى قال‪» :‬كنت أصلي في المسجد فببدعاني رسببول الب صببلى الب‬
‫عليه وسلم فلم أجبه‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول ال إني كنت أصببلي‪ ،‬فقببال‪ :‬ألببم‬
‫يقل ال‪} :‬استجيبوا لله وللرسللول إذا دعللاكم{؟ ثببم‬
‫قال‪ :‬لعلمنك سورة هي أعظم السور فببي القببرآن قبببل أن تخببرج مببن‬
‫المسجد‪ ،‬ثم أخذ بيدي فلما أراد أن يخببرج قلببت لببه‪ :‬ألببم تقبل لعلمنبك‬
‫سورة هي أعظم سورة في القرآن؟ قال‪ :‬الحمد ل رب العببالمين‪ ،‬هببي‬
‫السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته«‪.‬‬
‫‪2‬ل روى المام الربيع بن حلبيب فلي مسلنده علن أبلي عبيلدة علن‬
‫ل سببمع‬ ‫جابر بن زيد عن أبي سعيد الخدري رضللي الل عنلله‪» :‬أن رج ً‬
‫ل يقرأ‪} :‬قل هو الله أحد‪ .‬الله الصمد‪ .‬لللم يلللد‬ ‫رج ً‬
‫ولم يولد‪ .‬ولم يكن للله كفللوا ً أحللد{ ويرددهببا‪ ،‬فلمببا‬
‫أصبح غدا على رسول ال صلى ال عليبه وسببلم فببذكر ذلببك لببه فكببأن‬
‫الرجل يتقللها‪ ،‬فقال رسول الب صببلى الب عليببه وسببلم والبذي نفسببي‬
‫بيده َلّنَها تعدل ثلث القرآن«‪ .‬وأخرجه المام البخاري من طريق أبللي‬
‫سعيد بلفظ‪» :‬والذي نفسي بيده إنها تعدل ثلث القرآن«‪.‬‬
‫‪3‬ل روى البخاري عن أبي سعيد أيضًا‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم لصحابه‪» :‬أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن فببي ليلببة‪،‬‬
‫فشق ذلك عليهم وقببالوا‪ :‬أينببا يطيببق ذلبك يببا رسبببول الب؟ فقببال‪ :‬الب‬
‫الواحد الصمد ثلث القرآن«‪.‬‬
‫‪4‬ل روى المام أحمد عن أبي سللعيد كللذلك قللال‪ »:‬بببات قتببادة بببن‬
‫النعمان يقرأ الليل كله بببب }قل هو الله أحتتد{‪ ،‬فببذكر ذلببك للنبببي‬
‫صلى ال عليه وسلم فقال‪:‬‬
‫»والذي نفسي بيده إنها لتعدل نصف القرآن‪ ،‬أو ثلثه« وأخرج نحوه‬
‫مسلم والترمذي من طريق أبللي هريللرة رضللي الل عنلله‪ ،‬ونحللوه عنللد‬
‫المام أحمد والترمذي والنسائي من طريق أبي أيوب النصاري‪ ،‬وقال‬
‫الترمذي‪ :‬وفي الباب عن أبي الللدرداء وأبللي سللعيد وقتللادة بللن النعمللان‬
‫وأبي هريرة وأنس وابن عمر وأبي مسعود‪ ،‬وروى مثللله المللام أحمللد‬
‫والنسائي من طريق أبي بن كعب‪ ،‬والمللام أحمللد والنسللائي كللذلك مللن‬
‫طريق أبي مسعود‪ ،‬وأم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مرفوعًا‪ ،‬وروياه‬
‫مع مسلم من حديث أبي الدرداء عن النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪5‬ل روى أحمللد ومحمللد بللن نصللر والطللبراني بسللند صللحيح عللن‬
‫معقل بن يسار أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪» :‬البقرة سنام القرآن‬
‫وذروته نزل مع كل آية منها ثمانون ملكًا واستخرجت }الله ل إلتته‬
‫إل هو الحي القيوم{ من تحت العرش فوصلت بها«‪.‬‬
‫‪6‬ل أخرج أبو يعلى وابن حبان والطبراني والبيهقي عن سهل بللن‬
‫سعد الساعدي قال‪ :‬قال رسول الل ‪» :r‬إن لكببل شببيء سببنامًا وسببنام‬
‫القرآن سورة البقرة من قرأها في بيته نهارًا لم يدخله الشببيطان ثلثببة‬
‫أيام«‪.‬‬
‫فهذه الحاديث الستة هي التي استدل بها المؤلف الخليلي علللى أن‬
‫القرآن مخلوق‪ .‬فما وجه استدلله بها على ذلك؟‪.‬‬
‫والجواب‪:‬‬
‫سبق أنه لم يسللتطع أن يللورد آيللة مللن كتللاب الل تللدل علللى خلللق‬
‫القللرآن‪ ،‬وحينمللا عجللز ذهللب إلللى تأويللل تلللك اليللات وصللرفها عللن‬
‫ظاهرها‪ ،‬وهذه الحاديث التي أوردها ‪-‬كما يرى القارئ‪ -‬ل دللة فيهللا‬
‫على خلق القرآن ل نصًا ول مفهومًا‪.‬‬
‫ولهذا لم يستطع أن يقول‪ :‬إن حديثًا واحدًا منهللا هللو نللص صللريح‬
‫في خلق القرآن‪ ،‬ولم يستطع أن يقول‪ :‬إن مفهوم حديث واحد منهلا يلدل‬
‫على ذلك‪ ،‬ولذلك لجأ إلى منهج أسلللفه الللذين عجللزوا أن يقلدموا علللى‬
‫دعواهم عند الخليفة العباسي ‪-‬المأمون وبعده المعتصم‪ -‬آيللة مللن كتللاب‬
‫ال الكريم أو سنة عن المصطفى صلى ال ل عليلله وسلللم حينمللا طللالبهم‬
‫المام أحمد رحمه ال تعالى بذلك فلجؤوا بعد التحريف للنصوص إلللى‬
‫القوة لفرض عقيدتهم الباطلة‪.‬‬
‫وإذا عجللز ابللن أبللي دؤاد‪ ،‬وبشللر المريسللي علن تقللديم ذلللك عنللد‬
‫الخليفة في ذلك العصر‪ ،‬فمن أين للخليلي أن يقللدم نصلًا مللن كتللاب الل‬
‫المحفوظ بحفظ ال من الزيادة والنقص‪ ،‬وكذلك سنة رسللوله صللى الل‬
‫عليه وسلم بما هيأ ال لحفظها الجهابذة من علماء السنة أهل الحديث؟‪.‬‬
‫إنلله ل يسللتطيع ذلللك‪ ،‬ولهللذا لجللأ إلللى مسلللك أسلللفه المعتزلللة‬
‫والجهمية الذين يفتخر بسلوك مذهبهم‪ ،‬لنلله يقللول‪ :‬إن مللذهبه ومللذهب‬
‫المعتزلة القول‪ :‬بخلق القرآن‪ ،‬ومنهجهم في ذلك هو تحريفهم لنصوص‬
‫السنة كما حرفوا نصوص القللرآن‪ ،‬وهللو تحريلف للكلللم علن مواضلعه‬
‫ولهذا يقول‪) :‬ووجه الستدلل بهللذه الحللاديث علللى خلقلله أنهللا ناصللة‬
‫على أن بعضه أعظم من بعض وأفضل‪ ،‬وأن بعضه سنام لسائره‪ ،‬وأن‬
‫ل عن غيره ثم وصل به‪ ،‬قال‪ :‬وكل ذلللك غيللر جللائز‬ ‫بعضه كان مفصو ً‬
‫على القديم(‪.‬‬
‫والجواب على هذا الستدلل بأمور‪:‬‬
‫الول‪ ):‬قوله‪ :‬وكل ذلك غير جللائز علللى القللديم( نقللول‪ :‬إن أهللل‬
‫السنة والجماعة ملن سلللف هلذه المللة وأتبلاعهم للم يقوللوا‪ :‬إن القللرآن‬
‫قديم‪ ،‬وإنما هذا هو قول عبدال بن سعيد بن كلب ومن قللال بقللوله مللن‬
‫الشاعرة‪ ،‬بل هو أول من قال ذلك‪ ،‬وقد سبق بيان ذلللك مللن كلم شلليخ‬
‫السلم ابن تيمية ونقله الخليلي نفسه ثللم نسللبه ظلم لًا وزورًا إلللى شلليخ‬
‫السلم وإلى أهل السنة عمومًا‪.‬‬
‫وبثبوت هذا يتضح سقوط استدلله لنه يستدل على من يقول بقدم‬
‫القرآن‪ ،‬وقول أهل السنة والجماعة كما سبق بيانه أكثر من مللرة بسللبب‬
‫تكرار كلم الخليلي ومغالطاته يتحدثون عللن الكلم فيقولللون‪ :‬إنلله قللديم‬
‫النوع حادث الحاد‪ ،‬فال عز وجل يتكلم متى شللاء وكيللف شللاء حسللب‬
‫مشيئته واختياره‪ ،‬ومن أفراد كلمه التوراة والزبور والنجيل والقرآن‪.‬‬
‫لل أمللا كللون القللرآن بعضلله أعظللم مللن بعللض وأفضللل‪ ،‬كمللا فللي‬
‫الحديث الول الذي أورده الخليلي وقال‪ :‬أخرجه أحمد والبخاري وأبللو‬
‫داود عن أبي سعيد قال‪» :‬كنت أصلي في المسجد فببدعاني رسببول ال ب‬
‫صلى ال عليه وسلم فلم أجببه فقلببت يبا رسبول الب إنبي كنببت أصببلي‬
‫فقال‪ :‬ألم يقل ال‪} :‬استجيبوا لله وللرسول إذا دعتتاكم{؟ ثببم‬
‫قال‪ :‬لعلمنك سورة هي أعظم السور فببي القببرآن قبببل أن تخببرج مببن‬
‫المسجد‪ ،‬ثم أخذ بيدي فلما أراد أن يخببرج قلببت لببه‪ :‬ألببم تقبل لعلمنبك‬
‫سببورة هبي أعظببم سببور القببرآن؟ قبال‪ :‬الحمبد لب رب العببالمين‪ ،‬هبي‬
‫السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته«‪.‬‬
‫فهذا السورة أعظللم سللورة كملا قللال صللى الل عليله وسلللم لنهللا‬
‫اشتملت على مللا تضللمنه كتللاب الل عللز وجللل فقللد افتتحللت بحمللد الل‬
‫والثناء عليه وأنه رب العالمين جميعًا وهذا توحيد الربوبيللة‪ ،‬واشللتملت‬
‫علللى توحيللد الل فللي أسللمائه وصللفاته الرحمللن الرحيللم‪ ،‬وهللذا توحيللد‬
‫السماء والصفات‪ ،‬الذي ينكره الجهمية والمعتزلللة ومللن يقللول بقللولهم‬
‫من فرق الخوارج كلهم والرافضللة والزيديللة‪ ،‬والمؤلللف الخليلللي يعللتز‬
‫بهم جميعًا فقد قال في أول كتابه هذا )ص ‪ (32‬في مبحث إنكللار رؤيللة‬
‫المؤمنين ربهم في الجنة قال‪) :‬وذهب إلى استحالتها في الدنيا والخللرة‬
‫أصحابنا الباضية‪ ،‬وهو قللول المعتزلللة والجهميللة والزيديللة والماميللة‬
‫من الشيعة(‪.‬‬
‫وقد سبق الرد على قوله هذا في الجزء الول‪.‬‬
‫كما اشتملت هذه السورة العظيمة على توحيد اللوهية وهو توحيد‬
‫العبادة كما في قوله تعالى‪} :‬إياك نعبد وإيتتاك نستتعين{‪ ،‬وهللي‬
‫معنى قوله تعالى‪:‬‬
‫}ولقتتد بعثنتتا فتتي كتتل أمتتة رستتول ً أن اعبتتدوا اللتته‬
‫واجتنبوا الطاغوت{ ] النحل ‪ ،[ 36‬كما اشتملت على جزاء العباد فلي‬
‫الخرة كما في قوله تعالى‪} :‬مالك يوم التتدين{ وهللو يللوم القيامللة‬
‫وهو سبحانه وحده مالك يوم القيامة‪ ،‬الذي فيه الجزاء على العمال في‬
‫اللللدنيا‪ ،‬فللمطيعيلللن الجنلللة‪ ،‬وللكفلللار والمنلللافقين النفلللاق العتقلللادى‬
‫والمشركين النار‪ ،‬وتخصيص الملك بيوم الدين لنه ل يّدعي أحلد شليئًا‬
‫يوم القيامة ول تكلم نفس إل بإذنه‪ ،‬وهنللاك أحللاديث أخللرى ثبتللت عنلله‬
‫ظم‪.‬‬
‫صلى ال عليه وسلم في مثل ذلك الفضل والِع َ‬
‫فقد ثبت عنه صلى ال عليه وسلم قوله‪» :‬إن أعظم آية فببي كتبباب‬
‫ال قوله تعالى‪} :‬الله ل إله إل هو الحتتي القيتتوم ل تأختتذه‬
‫سنة ول نوم{ ] البقرة‪.[255 :‬‬
‫والجواب عن الحاديث الخرى التي أوردها الخليلي وهي حديث‬

‫)رقم ‪.(4 ،3 ،2‬‬


‫نقول عنها إن الذي قلال‪ :‬إن بعلض السللور أو اليلات أفضللل ملن‬
‫بعض هو رسول ال صلى ال عليه وسلم الللذي ل ينطللق عللن الهللوى‪،‬‬
‫ولم يقل إنها مخلوقة‪ ،‬فهل رسول ال صلى ال ل عليلله وسلللم قصللر فللي‬
‫البلغ‪ ،‬وال يقول‪} :‬ياأيها الرسول بلغ متتا أنتتزل إليتتك متتن‬
‫ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من‬
‫الناس{ ] المللائدة ‪ ،[ 67‬ويقللول‪} :‬اليوم أكملتتت لكتتم دينكتتم‬
‫وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم دينا ً{ ]المائدة‬
‫‪ ،[ 3‬فالدين كمل‪ ،‬والرسول بلغ البلغ المبين‪ ،‬ولم يبلغ المة أن القرآن‬
‫مخلوق‪ ،‬فهلل قصلر فللي البلغ حلتى جللاء شلليوخ الخليلللي للقيلام بهلذه‬
‫المهمة‪ ،‬وحديث أبي سعيد الخدري الذي أخرجه البخاري وغيره وفيه‪:‬‬
‫أن ذلك الرجل الذي كان يؤم قومه في الصلة ويختم بسورة الخلص‬
‫}قل هو الله أحد‪ ،{...‬في كل ركعة قد قال له الذين يأتمون به فللي‬
‫الصلة‪ :‬إما تقتصر على هذه السورة ول تضيف إليها غيرها أو تكتفللي‬
‫بالسورة الخرى؟ فامتنع عن ذلك‪.‬‬
‫فلما أخبروا رسول ال صلى ال عليه وسلللم بصللنيع ذلللك الرجللل‬
‫قال‪» :‬سلوه لي شيء يصنع ذلك قببال‪ :‬لن فيهببا صببفة الرحمببن وأنببا‬
‫أحبها‪ .‬فقال رسول الب صلى الل عليلله وسلللم‪:‬أخبببروه أن الب يحبببه‪،‬‬
‫وأدخله الجنة«)‪.(222‬‬
‫فهذا قول رسول الل صلللى الل عليلله وسلللم وهللو الللذي قللال فللي‬
‫الحديث الخر مللن روايللة أبلي سللعيد الللذي أخرجلله البخللاري وغيلره‪،‬‬
‫ولفظه كما أورده الخليلللي‪ :‬أن رسللول الل صلللى الل عليلله وسلللم قللال‬
‫لصحابه‪» :‬أيعجببز أحبدكم أن يقببرأ ثلببث القببرآن فببي ليلببة فشببق ذلبك‬
‫عليهم وقالوا‪ :‬أينا يطيق ذلك يا رسول ال؟ فقال‪ :‬ال ب الواحببد الصببمد‬
‫ثلث القرآن«)‪.(223‬‬
‫فهذه السورة القصيرة الكريمة فيهللا صللفة الرحمللن‪ ،‬وهللي سللورة‬
‫الخلص‪ ،‬ولذلك كانت أفضل من غيرها‪ ،‬لما اشتملت عليه من تعظيم‬
‫الرب وبيان صفاته التي ينكرها الخليلي وكل الجهمية والمعتزلللة‪ ،‬فهللم‬
‫جميعًا ينفون صفات ال عز وجل ونقول للخليلللي‪ :‬ويشللاركك فللي نفللي‬
‫الصفات ورّد هذا الحللديث الللذي تعللترف بصللحته وأنلله رواه البخللاري‬
‫)ابن حزم الظاهري( ويحللاول تضلعيفه؛ لن ابلن حللزم عفلا الل عنلله‪-‬‬
‫وهداك للخذ بالحق والرجوع إليه‪ -‬في بللاب الصللفات جهمللي ل يثبللت‬
‫الصفات ل عز وجل‪.‬‬

‫‪ ()) 222‬البخاري ح‪.7375/‬ومسلم ح‪.813/‬‬


‫‪ ())223‬البخاري ح‪.5015/‬‬
‫فلما جاء في هذا الحديث لفظة )صفة الرحمن( كما قال الصحابي‬
‫شره رسول ال صلى ال عليه وسلم بأن ال يحبه وأدخللله‬ ‫وأنه يحبها وب ّ‬
‫الجنة‪ ،‬ادعى ابن حزم تضعيف الحديث‪ ،‬وقد رد عليه الحللافظ ابلن حجللر‬
‫رحمه ال في فتلح البلاري كتلاب التوحيلد ) ‪ (356 /13‬وهلذا ملن شلؤم‬
‫البدع على أصحابها تجرهم إلى رد أحاديث رسلول الل صللى الل عليله‬
‫وسلم ولو كانت في أصح كتاب بعد كتاب الل عللز وجللل وهللو صللحيح‬
‫البخاري بإجماع المسلمين‪ ،‬فكل من قيل له فللي حللديث رواه البخللاري أو‬
‫مسلم ل يبحث فيه بل يأخذه ويعمل به دون تردد‪.‬‬
‫ثم نقول للخليلي‪ :‬دلنا على اللفظ الذي ورد في نللص هللذا الحللديث‬
‫على خلق القرآن منطوقًا أو مفهومًا‪.‬‬
‫وإلى القارئ الكريم نص الحديث وهو في صحيح البخاري كتللاب‬
‫التوحيد ولفظه كما نقله الخليلللي فللي كتللابه هللذا )ص ‪ (178‬مللن مسللند‬
‫ل يقببرأ‪:‬‬
‫ل سببمع رج ً‬‫المام الربيع عن أبي سللعيد الخللدري ‪» :t‬أن رج ً‬
‫}قل هو الله أحد‪ .‬الله الصمد‪ .‬لم يلد ولتتم يولتتد‪ .‬ولتتم‬
‫يكن له كفوا ً أحد{‪ ،‬ويرددهببا فلمببا أصبببح غببدا علببى رسببول ال ب‬
‫صلى ال عليه وسلم فذكر ذلك له‪ ،‬فكأن الرجل يتقللهببا‪ ،‬فقببال رسببول‬
‫ال ب ‪» :r‬والببذي نفسببي بيببده لنهببا لتعببدل ثلببث القببرآن«)‪ .(224‬قللال‪:‬‬
‫وأخرجه المام البخاري من طريللق أبللي سللعيد بلفللظ‪» :‬والببذي نفسببي‬
‫بيده إنها تعدل ثلث القرآن«‪ ،‬ونقللول‪ :‬ل فللرق بيللن الروايللتين فكلهمللا‬
‫نص في أن سورة }قل هو الله أحد{ تعدل ثلث القرآن‪.‬‬
‫ولكن السؤال الموجه للخليلي ونريد الجواب عليه هو‪:‬‬
‫س ‪ :1‬هل قوله‪ }:‬قل هو الله أحد{ مخلوق؟‪.‬‬
‫س ‪ :2‬هل }الله الصمد{ مخلوق؟‪.‬‬
‫‪ ()) 224‬البخاري‪/‬ح ‪.7374‬‬
‫س ‪ :3‬هل }لم يلد{ مخلوق‪.‬‬
‫س ‪:4‬هل }ولم يولد{ مخلوق‪.‬‬
‫س ‪:5‬هل }ولم يكن له كفوا ً أحد‪ :‬مخلوق{)‪ ،(225‬وانظر‬
‫في الحاشية كلم عالم إباضي شهد له الخليلي بالعلم والتحقيق‪.‬‬
‫فهل يستطيع الخليلي أن يقول‪ :‬نعم؟‪.‬‬
‫وإن لم يصرح بذلك فمللا معنللى القللرآن مخلللوق؛ لن }قل هو الله‬
‫أحد‪ ،{...‬مللن القللرآن بصللريح كلم الخليلللي }الله ل إلتته إل هتو‬
‫الحي القيوم{ الية أعظم آية في كتاب ال‪ ،‬فهللل‪} :‬الله ل إلتته‬
‫إل هو الحي القيوم‪ {...‬مخلوق)‪( 226‬؟‬
‫فللأين عقللول مللن يخللاطبهم الخليلللي ويللدعوهم إلللى هللذا العتقللاد‬
‫ل عن المتعلم‪ ،‬بل إن هذا‬ ‫الباطل؟ الذي ل يتردد في بطلنه العامي فض ً‬
‫العتقاد هو الكفر بعينه‪ ،‬وهو ما يقول به أهللل السللنة مللن قللال‪ :‬القللرآن‬
‫مخلوق فهو كافر لن القرآن كلم ال مشتمل على أسماء ال عز وجللل‬
‫وصفاته‪ ،‬قال تعللالى‪} :‬قل أي شيء أكبر شتتهادة قتتل اللتته‬
‫شهيد بيني وبينكم{ ] النعام ‪.[ 19‬‬

‫‪ ()) 225‬يقول أبو الحسن البسلليوي الباضلي فلي كتلابه الجلامع )‪ (1/75‬وهلو يلرد عللى‬
‫القائلين بخلق القرآن‪ ،‬قال‪» :‬وأيضًا قد اتفقنا أن أسماء ال التي تصللفونه بهللا أسللماء‬
‫ذاتية في القرآن‪ ،‬والسماء الذاتية ل يجوز عنللدنا وعنللدكم أن تكللون مخلوقللة‪ ،‬فلمللا‬
‫كانت صفات ال الذاتية غير مخلوقة‪ ،‬وهي في القرآن‪ ،‬كان القرآن غيللر مخلللوق«‪.‬‬
‫وقد شهد الخليلي لبي الحسن هذ وكتابه بأنه كتاب جمع العلم والتحقيللق‪ ،‬كمللا سللبق‬
‫ذكر ذلك‪.‬‬
‫‪ ()) 226‬وجاء في سرح العيون شرح رسالة ابلن زيلدون )ص ‪) :(294‬وقلال ابلن نباتلة‪:‬‬
‫»دخل على الجعد ابن درهم يومًا بهلول‪ ،‬فقال‪ :‬أحسن اللل عللزاءك فللي }قل هو‬
‫الله أحد{ فإنها ماتت! قال‪ :‬وكيف تموت؟ قال‪ :‬لنللك تقللول‪ :‬إنهللا مخلوقللة‪ ،‬وكللل‬
‫مخلوق يموت«(‪.‬‬
‫وقد قال المام البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد باب ) ‪(21‬‬

‫}قل أي شيء أكبر شهادة قل الله{ فسمى ال نفسلله شلليئاً‬


‫وسمى النبي صلى ال عليه وسلم القرآن شلليئًا وهللو صللفة مللن صللفات‬
‫ال‪ ،‬وقال‪} :‬كل شيء هالك إل وجهه{‪.‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا عبدال بن يوسف أخبرنا مالك عن أبي حازم عن سهل‬
‫بن سعد قال النللبي صلللى الل عليلله وسلللم لرجللل‪» :‬أمعببك مببن القببرآن‬
‫شببيء؟ قببال‪ :‬نعببم سببورة كببذا وسببورة كببذا لسببور سببماها«)‪ .(227‬قللال‬
‫الحافظ ابن حجر رحملله الل فلي شللرح الحلديث قلوله‪» :‬وسلمى النلبي‬
‫صلى ال عليه وسلم القرآن شيئًا وهو صفة من صفات ال« يشللير إلللى‬
‫الحديث الذي أورده من حديث سهل بن سعد وفيه‪» :‬أمعببك مببن القببرآن‬
‫شيء« وهو مختصر من حديث طويل في قصلة الواهبلة تقلدم بطلوله‬
‫مشروحًا في )كتاب النكاح( وتوجيهه ‪:‬أن بعض القرآن قرآن وقد سللماه‬
‫شيئًا‪.‬‬
‫قال‪» :‬وأشار ابن بطال إلللى أن البخللاري انللتزع هللذه الترجمللة مللن‬
‫كلم عبدالعزيز ابن يحيى المكي فإنه قلال فلي )كتلاب الحيللدة( سلمى الل‬
‫تعالى نفسه شيئًا إثباتًا لوجوده ونفيًا للعدم عنه‪ ،‬وكذا أجرى على كلمه ما‬
‫أجراه على نفسه ولم يجعل لفظ )شيء( من أسمائه‪ ،‬بل دل على نفسه أنلله‬
‫شيء تكذيبًا للدهريلة ومنكلري اللهيلة ملن الملم‪ ،‬وسلبق فلي علمله أنله‬
‫سيكون من يلحد في أسمائه ويلبس على خلقه ويدخل كلملله فللي الشللياء‬
‫المخلوقللة فقللال‪} :‬ليس كمثله شيء{ فللأخرج نفسلله وكلملله مللن‬
‫الشياء المخلوقة‪ ،‬ثللم وصللف كلملله بمللا وصللف بلله نفسلله فقللال‪} :‬وما‬
‫قدروا الله حق قدره إذ قالوا متا أنتزل اللته علتى بشتر‬
‫‪ ()) 227‬البخاري‪/‬ح ‪.7417‬‬
‫ي ولتم يتوح‬ ‫من شيء{‪ ،‬وقللال تعللالى‪…} :‬أو قال أوحي إلت ّ‬
‫إليه شيء{‪ ،‬فدل على كلمه بما دل على نفسه ليعلللم أن كلملله صللفة‬
‫من صفات ذاته)‪ ،(228‬فكل صفة تسمى شيئًا بمعنى أنها موجللودة‪ ،‬وحكللى‬
‫ابن بطال أيضًا أن في هذه اليات والثار ردًا على من زعم أنه ل يجللوز‬
‫أن يطلللق علللى اللل شلليء كمللا صللرح بلله عبللدال الناشلليء المتكلللم‬
‫وغيره«)‪ (229‬اهل‪.‬‬
‫فهذا المام البخاري يصرح بأن القرآن كلم ال‪ ،‬وأنلله صللفة مللن‬
‫صفات ال بنص كلم ال وسنة رسول الل صللى الل عليله وسللم وأن‬
‫ال سمى نفسه شيئًا فللي قللوله ‪} :U‬قل أي شيء أكتبر شتهادة‬
‫قل الله{‪ ،‬إثباتًا لوجوده وتكذيبًا للدهرية ومنكري اللهية من المم‪،‬‬
‫كما قال المام الكناني‪ ،‬فهل يستطيع الخليلي أن يصلرح بلأن قلول الل‪:‬‬
‫}قل أي شيء أكبر شهادة قل الله{ مخلوق‪ .‬ل أعتقللد ذلللك‪،‬‬
‫فإن صللرح فقللوله عيلن الكفللر‪ ،‬لنله زعلم أن الل مخلللوق‪ ،‬وإن عجللز‬
‫بطلت حجته بأن القرآن مخلوق ل محيد له عن أحد المرين والرجللوع‬
‫ل‪.‬‬
‫إلى الحق خير له وأحسن مآ ً‬
‫‪6‬ل وأما ما جاء في الحديثين اللذين أوردهما الخليلي برقم ) ‪(6 ،5‬‬
‫وهو قوله‪ :‬روى أحمد ومحمد بن نصر والطللبراني بسللند صللحيح عللن‬
‫معقل بن يسار رضللي الل عنلله أن النللبي صلللى الل عليلله وسلللم قللال‪:‬‬
‫»البقرة سبنام القببرآن وذروتبه نببزل مببع كببل آيببة منهببا ثمببانون ملكبًا‪،‬‬
‫واسببتخرجت }الله ل إلتته إل هتتو الحتتي القيتتوم{ مببن تحببت‬
‫العرش فوصلت بها«‪.‬‬

‫‪ ()) 228‬قلت‪ :‬من صلفات ذاتله الفعليلة الختياريلة فهلو يتكللم ملتى شلاء وكيلف شلاء‬
‫]وليس على قول الشاعرة في تعريف الكلم‪ ،‬أنه المعنى النفسي القائم بالذات[‪.‬‬
‫‪ ()) 229‬فتح الباري )‪.(13/414‬‬
‫قال‪ :‬وأخرج أبو يعلى وابن حبان والطبراني واللبيهقي علن سللهل‬
‫بن سعد الساعدي قال‪ :‬قال رسول ال صلى الل عليلله وسلللم‪» :‬إن لكببل‬
‫شيء سنامًا وسنام القرآن سورة البقرة‪ ،‬من قرأها في بيتببه نهببارًا لببم‬
‫يدخله الشيطان ثلثة أيام«‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬هذا قول رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو الذي قال ذلك‪،‬‬
‫وقال‪ :‬أعظم آية فللي القللرآن }الله ل إله إل هو الحتتي القيتتوم{‬
‫ومعنى ذلك أن ما اشتمل على أسماء ال وتعظيمه مللن كلملله أعظللم مللن‬
‫غيره مما لم يشتمل على ذلك‪ ،‬وكله كلم ال‪.‬‬
‫وسنام الشيء أعله‪ ،‬ولهذا جاء في الحديث‪» :‬البقببرة سببنام القببرآن‬
‫وذروته« فذروة الشيء أعله‪ ،‬وجاء أن الجهاد في سلبيل الل ذروة سلنام‬
‫السلم‪ ،‬وكيف لتكون البقرة سنام القرآن وفيها أعظم آية وهلللي‪} :‬الله‬
‫ل إله إل هو الحي القيوم{ ]البقرة ‪ ،[ 255‬وال عز وجل لم يخلق‬
‫الجن والنس إل ليعبدوه وحده ويخلصوا للله العبللادة و }الله ل إلتته‬
‫إل هو الحي القيوم{ هي كلمة التوحيللد‪ ،‬أي ل إللله بحللق إل اللل‪،‬‬
‫وهو معنللى العبللادة فللي قللوله‪} :‬وما خلقت الجتن والنتس إل‬
‫ليعبدون{ أي ليوحدون‪.‬‬
‫وبهذا يتضح للقارئ الكريم معنللى العظللم‪ ،‬والفضللل فللي كلم الل‬
‫عز وجل كما ورد في هذه الحاديث فالقرآن كلم ال تكلم ال به كيللف‬
‫شاء‪ ،‬وسمعه منه جبريل عليه السلم‪ ،‬ونزل به عللى محمللد صلللى الل‬
‫عليه وسلم ورسول ال صلى ال عليه وسلم هو الذي قال لنا بعظم هذه‬
‫السور وفضلها على غيرها‪ ،‬فنحن نصدقه ونؤمن بما جللاء بلله ونعتقللده‬
‫ونؤمن بقوله صلى ال عليه وسلم في فضل القرآن كله فقد قال ‪» :r‬إن‬
‫لكل مسلم قرأ القرآن بكل حبرف حسبنة‪ ،‬والحسبنة بعشبر أمثالهببا‪ .‬ثببم‬
‫قال‪ :‬ل أقول )ألم( حرف‪ .‬بل ألف حرف ولم حرف وميم حرف«‪.‬‬
‫هكذا قال صلى ال عليه وسلم عن القرآن كله‪.‬‬
‫أمللا أن الكلم يفضللل بعضلله بعض لًا‪ ،‬فهللذا وارد حللتى فللي كلم‬
‫البشر‪ ،‬فقد قال صلى ال عليه وسلم‪ :‬أفضل كلمة قالها لبيد‪:‬‬
‫وكبببل نعيبببم ل محالبببة‬ ‫أل كببل شببيء مببا خل ال ب‬
‫غير هذا لكن هذا أفضل كلمه‪.‬زائل‬‫مع أن للبيد كلمًا باطل‬
‫وال عز وجل ليس كمثله شلليء ل فللي ذاتلله ول فللي أسللمائه ول‬
‫في صفاته‪ ،‬والقرآن كلم ال وكلمه صفة ذاتيلله فعليلله اختياريللة يتكلللم‬
‫متى شاء وكيف شاء‪ ،‬فمن يجللرؤ أن يقللول‪} :‬ال ب أحببد‪ .‬ال ب الصببمد{‪.‬‬
‫}ال ل إله إل هو الحي القيوم{ مخلوق‪.‬‬
‫إن هذا القول‪ :‬هو الكفر بعينه فال عز وجللل بصللفاته هللو الخللالق‬
‫وحده وما سواه مخلوق‪ ،‬فمن قال‪ :‬إن صفة من صفات ال مخلوقة فقللد‬
‫كفر‪.‬‬
‫وال عز وجل خلق المخلوقات كلها بكلمه وهو قللوله للشلليء إذا‬
‫أراده )كن( فيكون كما قال تعالى‪} :‬إنما أمره إذا أراد شتتيئا ً أن‬
‫يقول له كن فيكون{ ]يس‪.[82:‬‬
‫وقال تعالى في وصف المخلوقات التي تفرد بها إذ ل يشركه فببي‬
‫الخلببق أحببد‪} :‬خلللق السللموات بغيللر عمللد ترونهللا‬
‫وألقى في الرض رواسي أن تميد بكللم وبللث‬
‫فيهللا مللن كللل دابللة وأنزلنللا مللن السللماء مللاءً‬
‫فأنبتنا فيها من كل زوج بهيج‪ .‬هذا خلللق الللله‬
‫فللأروني مللاذا خلللق الللذين مللن دونلله بللل‬
‫الظالمون في ضلل مبين{ ] لقمان ‪.[ 11 ،10‬‬
‫فهذه السموات والرض وما فيهمللا مللن مخلوقللات الل عللز وجللل‬
‫خلقها ‪ ،‬وبأي شيء خلقها؟ إنه عز وجل خلقها بكلمه بقوله )كن(‪.‬‬
‫قال تعالى‪} :‬قل أئنكم لتكفتترون بالتتذي خلتتق الرض‬
‫فتتي يتتومين وتجعلتتون لتته أنتتدادا ً ذلتتك رب العتتالمين‪.‬‬
‫وجعل فيها رواسي من فوقها وبتتارك فيهتتا وقتتدر فيهتتا‬
‫أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ‪.‬ثم استوى إلتتى‬
‫السماء وهتتي دختتان فقتتال لهتتا وللرض أتيتتا طوع تا ً أو‬
‫كرها ً قالتا أتينا طائعين{ ] فصلت ‪.[ 11-9‬‬
‫ونفللى صللفة الخلللق عللن جميللع المخلوقللات واختللص بهللا وحللده‬
‫سبحانه فقال‪} :‬يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا لتته إن‬
‫التتذين تتتدعون متتن دون اللتته لتتن يخلقتتوا ذبابتتا ً ولتتو‬
‫اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا ً ل يستتنقذوه منتته‬
‫ضتتعف الطتتالب والمطلتتوب{ ]الحلللج ‪ .[ 73‬فلللبين تعلللالى أن‬
‫المخلوقات كلها عاجزة أن تخلق ذبابًا ولو اجتمعوا له‪.‬‬
‫فالمخلوق ل يخلق غيللره }أم خلقوا من غيتتر شتتيء أم هتتم‬
‫الخالقون{ ] الطور ‪.[ 35‬‬
‫فكيف يجوز لك أيها المسلم أن تقول‪ :‬إن القرآن مخلوق؟ والقللرآن‬
‫كلم ال وال بكلمه خلق المخلوقات كلها‪.‬‬
‫قال تعالى‪ } :‬إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه‬ ‫‪‬‬

‫من تراب ثم قال له كن فيكون{ ] آل عمران‪.[59:‬‬


‫ن )كللن( مخلوقللة؟‪ .‬ثللم تقللول‪:‬‬‫فهل يجوز لك أيها المسلم أن تقول إ ّ‬
‫إّ‬
‫ن‬
‫)كن( هذه المخلوقة خلقت عيسى؟ وال عز وجل يقول‪ :‬إن المخلوقللات‬
‫كلها لو اجتمعت أن تخلق ذبابًا فلن تستطيع خلقه‪.‬‬
‫إن من يقول ذلك ويعتقده فقد ضل الضلل المبين‪.‬‬
‫إن هذه النماذج من الدلة الكثيرة الدالة علللى أن القللرآن كلم ال ل‬
‫منه بدأ وإليه يعود‪ ،‬وأنه تكلم به حقيقة وسمعه منه جبريل عليه السلللم‬
‫وهو الرسول المين‪ ،‬نقله كما سمعه وتلقاه منه النبي الكريم صلللى ال ل‬
‫عليه وسلم وبّلغه أمته هللو كلم الل وكلم الل صللفة مللن صللفاته غيللر‬
‫مخلوق‪ ،‬ومن قال إن صفة من صفات ال مخلوقة فقد كفر‪.‬‬
‫ولهذا قدم أهل السنة والجماعة مللن سلللف هللذه المللة أنفسللهم فللي‬
‫سبيل ال دفاعًا عن الحق وامتناعًا عن قول الكفر‪ ،‬وقد قتل من قتل فللي‬
‫زمن المحنة بالقول بخلق القرآن حينملا لبلس الجهميلة والمعتزلللة علللى‬
‫الخليفة المأمون والمعتصم أمثال ابن أبي دؤاد وبشر المريسي‪ ،‬فاعتنق‬
‫المأمون ومن بعده هذه البدعة وحملوا الناس عليها بللالقوة‪ ،‬ومللن امتنللع‬
‫عن قول الكفر هذا قتلوه‪ ،‬أو ضربوه أو حبسوه‪ ،‬وقللد وقللف شللوكة فللي‬
‫صوا بها المام أحمد بن حنبل رحمه ال تعللالى الللذي طلللب‬ ‫حلوقهم وغ ّ‬
‫منه المعتصم أن يقول‪ :‬القرآن مخلوق ويفك القيللود مللن رجليلله بنفسلله‪،‬‬
‫فطلب منه المام أحمد أن يقدم له آية من كتاب ال عللز وجللل‪ ،‬أو سللنة‬
‫من حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم على مللا يقللول وهللو يجيبلله‪،‬‬
‫ولكنه عجز أن يقدم شيئًا من ذلك‪.‬‬
‫وحين عجز عن الحجة اسللتعمل قللوته وجللبروته‪ ،‬فللأمر بضللربه‬
‫الضرب الشديد الذي أفقده وعيه‪ ،‬ولكنلله ثبللت رحملله ال ل علللى الحللق‪،‬‬
‫فنصللره ال ل وأعل شللأنه‪ ،‬وهللو وع لٌد مللن ال ل وال ل ل يخلللف وعللده‪:‬‬
‫}ياأيهتتا التتذين آمنتتوا إن تنصتتروا اللتته ينصتتركم ويثبتتت‬
‫أقدامكم{ ]محمد ‪ [7‬فذهب الباطل جفاء وثبت الحق الذي ينفع الل بلله‬
‫الناس‪.‬‬
‫وإذا كان ابن أبي دؤاد وغيره عجزوا عن تقديم دليللل مللن الكتللاب‬
‫والسنة للمعتصم الخليفة العباسي‪ ،‬ليقدمه للمام أحمد بن حنبل في تلللك‬
‫المناظرة فعدلوا للقوة والبطش‪.‬‬
‫فمن أين للخليلي الذي يثير الفتنة من جديد ليمللزق شللمل المللة أن‬
‫يأتي بدليل مللن الكتللاب والسللنة علللى هللذه البدعللة وهللي القللول )بخلللق‬
‫القرآن(؟‪.‬‬
‫وحيث تبين للقارئ الكريم الباحث عن الحق مللن الباضللية الللذين‬
‫يمثلهم الخليلي ويدعي أنهم أهل الستقامة كما قال في مقدمة كتابه هللذا‬
‫من )ص ‪ (7‬وما بعدها حيث قلال‪ :‬ولسللت أبلالغ إن قلللت‪ :‬إن الباضلية‬
‫أهل الحق والستقامة تمتاز عقيللدتهم وتتسللم طريقتهللم فللي فهللم أصللول‬
‫الدين بثلثة أمور‪:‬‬
‫‪1‬للل سلللمة المنللزع فللإنهم جمعللوا فللي السللتدلل علللى صللحة‬
‫معتقداتهم بين صحيح النقل وصللريح العقللل‪ ،‬فلللم يضللربوا بالنصللوص‬
‫الصحيحة عرض الحائط‪.‬‬
‫‪2‬ل عدم التعصب لئمتهم تعصبًا يجعلهللم يتصللاممون عللن النقللول‬
‫الصحيحة‪ ،‬ويتعامون عن العقول الصريحة‪.‬‬
‫‪3‬ل المرونة والتسامح فللي معاملللة سللائر فللرق المللة‪ ،‬ومثللل لهللذا‬
‫المنزع الثالث بمقطع من خطبة أبي حمزة المختللار بللن عللوف السلللمي‬
‫من خطبته التي ألقاها كما يقول على منبر رسللول الل صلللى الل عليلله‬
‫وسلم وفيها قوله‪» :‬الناس منا ونحن منهم إل ثلثة‪ :‬مشرك عابد وثن‪ ،‬أو‬
‫كافر من أهل الكتاب‪ ،‬أو إمام جائر«)‪.(230‬‬
‫وبغض النظر عما جاء في هذه الخطبة من تأييد المؤلللف الخليلللي‬
‫لبي حمللزة فللي الخللروج علللى المللام الجللائر بللل تكفيللره‪ ،‬لنلله قرنلله‬
‫‪ ()) 230‬أبو الفرج الصبهاني كتاب الغاني )‪ (2/104‬طبعة بولق‪.‬‬
‫بالمشرك وعابد الوثن وتلبرأ منهلم جميعلًا‪ ،‬ملع أن الرسللول صللى الل‬
‫عليه وسلم شدد في عدم الخروج على إمام المسلمين ما دام يصلي ولللم‬
‫يظهر منه الكفر البواح الذي فيه مللن الل برهللان‪ ،‬بللل قللال‪» :‬وإن جلببد‬
‫ظهببرك وأخبذ مالبك«‪ ،‬وهللي أحلاديث فلي الصللحيحين وغيرهملا وهللو‬
‫يقول‪ :‬إن منزعهم الستدلل بالحاديث الصللحيحة وعللدم ضللربهم بهللا‬
‫عرض الحائط‪.‬‬
‫فأقول‪ :‬إني أدعو الباضية عمومًا أن يقرؤوا كتللاب المؤلللف هللذا‬
‫المسمى )بالحق الدامغ( ويقرؤوا المناقشة الهادئة له فللي الجللزء الول‬
‫الرد على إنكاره رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة فللي الجنللة‪ ،‬ويقللرؤوا‬
‫هذا الجزء في الرد علللى دعللواه )خلللق القللرآن(‪.‬وأن يكونللوا فللي حللال‬
‫قراءتهم متصفين بالصفة الثانية وهللي‪ :‬عللدم التعصللب لئمتهللم تعصللبًا‬
‫يجعلهللم يتصللاممون عللن النقللول الصللحيحة‪ ،‬ويتعللامون عللن العقللول‬
‫الصريحة‪.‬‬
‫كما يقرؤوا الجزء الثالث‪-‬الذي سيأتي‪ -‬وهو الرد على دعواه )تخليد‬
‫الفساق في النار(‪.‬‬
‫ثم يختاروا لنفسهم ما يرون به النجاة عند ال عز وجل فال يعلللم‬
‫أننا ل نريد بهذا الرد إل إظهار الحق والوصول إلى ما به نجاتنا جميعًا‬
‫عند ال عز وجل‪ ،‬فهو الذي يعلم خائنة العين وما تخفي الصدور‪.‬‬

‫وأختم هذا المبحث بللذكر المنللاظرة المشللهورة الللتي‬


‫حدثت عند الخليفة الواثق المهتدي بال بين ابن أبي دؤاد والشلليخ الزدي‬
‫أبي عبدالرحمن عبدال بن محمد بللن إسللحاق‪ ،‬الللتي رواهللا الجللري فللي‬
‫الشللريعة ) ‪ ،(1/540‬والخطيللب البغللدادي فللي تأريللخ بغللداد ) ‪،(10/75‬‬
‫والذهبي في تاريخ السلم )ص ‪ ،(141 -140‬وابللن كللثير فللي البدايللة‬
‫والنهاية )‪ ،(10/321‬وأشار إليها الحافظ ابن حجر في التهذيب )‪(6/5‬‬
‫وقال‪ :‬القصة مشهورة حكاها المسعودي وغيره((‪ ،‬وابن الجوزي فللي‬ ‫))‬

‫مناقب المام أحمد )ص ‪ ،(432‬وإليك نصها من كتاب ابن الجوزي‪:‬‬


‫قال أخبرنا أبو منصور عبدالرحمن القزاز وأبو السعود أحمد بللن‬
‫عللي بلن المجللي‪ ،‬ثلم سلاقه بإسلناده إلللى صلالح بلن عللي بلن يعقلوب‬
‫الشاشي الهاشمي‪ ،‬قال‪ :‬حضرت المهتدي بال)‪ (231‬أمير المؤمنين‪ ،‬وقد‬
‫جلس للنظر في أمور المتظلمين في دار العامللة‪ ،‬فنظلرت إلللى قصللص‬
‫الناس تقرأ عليه من أولها إلى آخرها‪ ،‬فيأمر بالتوقيع فيها وينشأ الكتاب‬
‫عليهللا‪ ،‬وتحللرر وتختللم وتللدفع إلللى صللاحبها بيللن يللديه‪ ،‬فسللرني ذلللك‬
‫ي‪ ،‬فغضضللت‬ ‫واستحسنت ما رأيت‪ ،‬فجعلت أنظر إليه ففطن ونظللر إل ل ّ‬
‫عنه حتى كان ذلك مني ومنه مرار ثلثلًا‪ ،‬وفيلله قللال المهتللدي لصللالح‪:‬‬
‫أقول‪ :‬إنك استحسنت ما رأيت منا‪ ،‬قلت‪ :‬أي خليفللة خليفتنللا إن لللم يكللن‬
‫يقول‪) :‬القرآن مخلوق( فورد على قلبي أمر عظيم‪ ،‬ثم قلت‪ :‬يا نفس هل‬
‫تموتين قبل أجلك؟ وهل تموتين إل مرة؟ وهل يجوز الكذب فللي ج لّد أو‬
‫هزل؟‬
‫فقلت‪ :‬يا أمير المؤمنين ما دار في نفسي إل ما قلللت فللأطرق ملي لًا‬
‫ثم قال‪ :‬ويحك؟ اسمع مني ما أقول فوال لتسللمعن الحللق‪ ،‬فسللري عنللي‬

‫‪ ()) 231‬قللال الللذهبي‪» :‬لمللا خلعللوا المعللتز أحضللروا محمللد بللن الواثللق فبللايعوه ولقللب‬
‫بالمهتدي بال‪ ،‬وكانت دولته سللنة واحللدة‪ ،‬وكللان أسللمر مليللح الصللورة دينلًا ورعلًا‬
‫صارمًا شجاعًا‪ ،‬لكنه لم يجد ناصرًا على الحق‪ ،‬وكلان قللد سللد بللاب اللهلو والغنللاء‪،‬‬
‫وحسم المراء عن الظلللم‪ ،‬وكللان يجلللس لحسللاب الللدواوين بنفسلله‪ ،‬ثللم إن المللراء‬
‫خرجوا عليه‪ ،‬فلبس سلحه في حاشيته وشهر سيفه وحمل عليهم فجرح‪ ،‬ثم أحاطوا‬
‫به وقتلوه‪ ،‬في رجب سنة ست وخمسين ومائتين«‪،‬تأريخ السلم )‪.(155-1/154‬‬
‫فقلللت‪ :‬يللا سلليدي ومللن أولللى بقللول الحللق منللك وأنللت خليفللة رب‬
‫العالمين)‪ ،(232‬وابن عم سيد المرسلين‪.‬‬
‫فقال‪ :‬ما زلت أقللول إن القللرآن مخلللوق صللدرًا مللن أيللام الواثللق‪،‬‬
‫حتى أقدم أحمد ابن أبي دؤاد علينا شيخًا من أهل الشللام مللن أهلل أذنله‪،‬‬
‫فأدخل الشيخ على الواثلق مقيلدًا‪ ،‬وهلو جميلل اللوجه تلام القامللة حسلن‬
‫الشيبة‪ ،‬فرأيت الواثق قد اسلتحيا منلله ورق للله‪ ،‬فملا زال يلدنيه ويقربلله‬
‫حتى قرب منه‪ ،‬فسّلم الشيخ فأحسن ودعا فأبلغ‪ ،‬فقال له الواثللق‪ :‬اجلللس‬
‫فجلس‪ .‬فقال‪ :‬يا شيخ‪ :‬ناظر ابن أبي دؤاد على ما ينللاظرك عليلله‪ ،‬فقللال‬
‫ل ويصللبأ ويضللعف عللن‬ ‫الشلليخ‪ :‬يللا أميللر المللؤمنين ابللن أبللي دؤاد يق ل ّ‬
‫المناظرة‪ ،‬فغضب الواثق وعاد مكان الرقة له غضبًا عليلله‪ ،‬وقللال‪ :‬أبللو‬
‫ل ويصبّأ ويضعف عللن مناظرتلك أنللت؟ فقللال‬ ‫عبدال )ابن أبي دؤاد( يق ّ‬
‫الشيخ‪ :‬هون عليك يا أمير المؤمنين ما بك‪ ،‬وأذن في مناظرته‪.‬‬
‫فقللال الواثللق‪ :‬مللا دعوتللك إل للمنللاظرة‪ ،‬فقللال الشلليخ‪ :‬يللا أميللر‬
‫ي وعليه ما نقول‪.‬‬ ‫المؤمنين إن رأيت أن تحفظ عل ّ‬
‫قال‪ :‬أفعل‪ .‬قال الشيخ‪ :‬يا أحمد أخبرني عن مقالتك هذه‪ ،‬هي مقالة‬
‫ل حللتى يقللال فيلله بمللا‬
‫واجبة داخلة في عقد الدين فل يكللون الللدين كللام ً‬
‫قلت‪.‬‬

‫)‪ (1‬قد أنكر هذا اللفظ شيخ السلم ابن تيمية رحمه ال‪ ،‬قال أبو جعفر الطللبري‬ ‫‪232‬‬

‫في تفسير قوله تعالى‪}:‬إني جاعل في الرض خليفة‪ {..‬أي مستخلف فللي الرض‬
‫خليفة ومصير فيها خلفًا‪ ،‬ومن ذلك قيل للسلطان العظم‪ :‬خليفللة لنلله خلللف الللذي‬
‫كان قبله‪ .‬ج ‪.199 / 1‬‬
‫وقال ابن كثير‪ :‬أي قوما يخلف بعضهم بعضا قرنا بعد قرن وجيل بعد جيللل‪ ،‬كمللا‬
‫قال تعالى‪} :‬وهو الذي جعلكم خلئف الرض{ ‪.99/ 10‬‬
‫قال‪ :‬نعم‪ .‬قال الشيخ‪ :‬يا أحمد أخبرني عللن رسللول الل صلللى الل‬
‫عليه وسلم حين بعثه ال تعالى إلى عباده هل سللتر شلليئًا ممللا أمللره الل‬
‫عز وجل به في أمر دينهم؟ قال ل‪.‬‬
‫فقال الشيخ‪ :‬فدعا رسول ال المة إلى مقالتك هذه؟‬
‫فسكت ابن أبي دؤاد‪ .‬فقال الشيخ‪ :‬تكلم فسكت‪ ،‬فالتفت الشلليخ إلللى‬
‫الواثق فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين واحدة‪ .‬فقال الواثق واحدة‪.‬‬
‫فقال الشيخ‪ :‬يا أحمد أخبرني عن ال تعالى حين أنزل القرآن على‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪} :‬اليوم أكملت لكم دينكم‬
‫وأتممتتت عليكتتم نعمتتتي ورضتتيت لكتتم الستتلم دينتا ً{‬
‫] المائدة ‪ [ 3‬هل كان ال تعالى الصادق في إكمال دينه‪ ،‬أو أنت الصادق‬
‫في نقصانه حتى يقال فيه بمقالتك هذه؟‬
‫فسكت ابن أبي دؤاد‪ .‬فقال الشيخ‪ :‬أجب يا أحمد‪ ،‬فلللم يجللب‪ ،‬فقللال‬
‫الشيخ‪ :‬يا أمير المؤمنين اثنتان فقال الواثق‪ :‬اثنتان‪.‬‬
‫فقال الشيخ‪ :‬يا أحمد أخبرني عن مقالتك هذه علمها رسللول ال ل أم‬
‫جهلها؟ قال ابن أبي دؤاد‪ :‬علمها‪ .‬قال‪ :‬فدعا الناس إليها؟ فسكت‪.‬‬
‫فقال الشيخ‪ :‬يا أمير المؤمنين ثلث‪.‬‬
‫فقال الواثق‪ :‬ثلث‪ ،‬فقال الشيخ‪ :‬يللا أحمللد‪ ،‬فاتسللع لرسللول الل أن‬
‫علمها وأمسك عنها كما زعمت ولم يطالب أمته بها؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال الشيخ‪ :‬واتسع لبي بكر الصديق وعمر بن الخطللاب وعثمللان‬
‫بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي ال عنهم؟‬
‫قال ابن أبي دؤاد‪ :‬نعم‪ ،‬فأعرض الشيخ عنه وأقبل على الواثق‪.‬‬
‫ل ويصللبّأ‬‫فقللال يللا أميللر المللؤمنين‪ :‬قللد قللدمت القللول إن أحمللد يقل ّ‬
‫ويضعف عن المناظرة‪ ،‬يا أمير المؤمنين إن لم يتسلع لنلا ملن المسلاك‬
‫عن هذه المقالة بما زعم هذا أنه اتسللع لرسللول الل ولبللي بكللر وعمللر‬
‫وعثمان وعلي‪ ،‬فل وسع ال على من لم يتسع له ما اتسع لهم‪.‬‬
‫فقال اللواثق‪ :‬نعم؛ إن لم يتسع لنا من المساك عن هذه المقالللة مللا‬
‫اتسع لرسول ال صلى ال عليه وسلم ولبي بكر وعمر وعثمان وعلي‬
‫فل وسع ال علينا‪ .‬اقطعوا قيد الشيخ‪ ،‬فلما قطعللوا القيللد ضللرب الشلليخ‬
‫بيده إلى القيد حتى يأخذه فجاذبه الحداد عليلله‪ ،‬فقللال الواثللق‪ :‬دع الشلليخ‬
‫يأخذه‪ ،‬فأخذه فوضعه في كّمه‪.‬‬
‫فقال له الواثق‪ :‬يا شيخ لم جاذبت الحداد عليه؟‬
‫ت‪ ،‬أن يجعله‬ ‫قال‪ :‬لني نويت أن أتقدم إلى من أوصي إليه إذ أنا م ّ‬
‫بيني وبين كفني حتى أخاصم به هذا الظالم عند ال يوم القيامة‪ ،‬وأقول‪:‬‬
‫يا رب‪ :‬سل عبدك هذا لم قيدني‪ ،‬وروع أهلي وولدي وإخواني بل حللق‬
‫ي؟‬
‫أوجب ذلك عل ّ‬
‫وفي قصة المناظرة هذه‪ :‬أن الواثق طلب من الشيخ أن يجعله فللي‬
‫حل وسعة مما ناله فقال له الشيخ‪ :‬وال يا أمير المؤمنين لقد جعلتك فللي‬
‫ل من أهله‪ ،‬فقللال‬ ‫حل وسعة من أول يوم إكرامًا لرسول ال إذ كنت رج ً‬
‫الواثق‪ :‬لي عليك حاجة‪.‬‬
‫فقال الشيخ‪ :‬إن كانت ممكنة فعلت‪ .‬فقال له الواثق‪ :‬تقيم قبلنا ننتفللع‬
‫ي إلللى‬
‫بك وينتفع بك فتياننا‪ .‬فقال الشيخ‪ :‬يا أميللر المللؤمنين إن ردك إيللا ّ‬
‫الموضع الذي أخرجني عنه هللذا الظللالم‪ ،‬أنفللع لللك مللن مقللامي عليللك‪،‬‬
‫وأخبرك بما في ذلك‪ ،‬أصير إلى أهلي وولدي فأكفّ دعاءهم عليك‪ ،‬فقد‬
‫خلفتهم على ذلك‪ ،‬فقلال لله الواثلق‪ :‬فتقبلل منلا صللة تسلتعين بهلا عللى‬
‫ي وذو ميسللرة‬ ‫دهرك‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين ل تحل لللي أنللا عنهللا غنل ّ‬
‫ي‪ ،‬فقال‪ :‬سل حاجة فقال‪ :‬أو تقضيها يا أميللر المللؤمنين؟ قللال‪ :‬نعللم‪.‬‬ ‫سو ّ‬
‫َ‬
‫قال‪ :‬تأذن أن يخلى لي السبيل الساعة إلى الثغر‪.‬‬
‫قال‪ :‬قد أذنت لك‪ ،‬فسّلم وخرج‪.‬‬
‫قال المهتدي بال‪ :‬فرجعت عن هذه المقالة‪ ،‬وأظن أن الواثق رجع‬
‫عنها منذ ذلك الوقت‪.‬‬
‫وأما رفع المحنة عن أهل السنة‪ ،‬ونشر السلنة وتللرك هللذه البدعلة‬
‫فكانت في عهد المتوكل على ال‪.‬‬
‫قال المللام الللذهبي فللي كتلابه )دول السلللم( )ص ‪ ،(141‬تحللت‬
‫عنوان‪) :‬خلفة المتوكل على ال(‪:‬‬
‫قال‪ :‬بويع بالخلفة في ذي الحجة سنة اثنتين وثلثين ومائتين بعللد‬
‫أخيه الواثق‪ ،‬فرفع المحنلة بخللق القللرآن‪ ،‬وأظهلر السلنة‪ ،‬وأمللر بنشلر‬
‫الثار النبوية ول الحمد‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وفي عصرنا الحاضر يعيد الخليلي الكللرة مللرة أخللرى ظنلاً‬
‫منه أن الجو خل من أهل السنة الذين سيبينون للمة ضلل هذه البدعة‬
‫التي قضى عليها المتوكل رحمه ال فنشر السنة بين المسلللمين‪ ،‬وأخمللد‬
‫البدعة لن البدع مثل الظلم‪ ،‬ول يذهب الظلَم إل ضوُء الشمس‪.‬‬
‫فكذلك البدع ل يذهبها إل نور السنة والحمد ل‪.‬‬

‫وحيث انتهى الرد على الشبه الببتي أثارهببا الخليلببي وظبن أنهبا أدلببة‬
‫على دعواه ان القرآن مخلوق‪ ،‬وقد اتضح أن كل ما أورده مببن النصببوص‬
‫ل تدل على الدعوى ل بمنطوق تلك النصببوص ول بمفهومهببا‪ ،‬وإنمببا هببي‬
‫شبه يرددها أهل البدع عبن أسببلفهم‪ .‬وقببد أثبتنببا زيببف دعببواه‪ ،‬مببن كتببب‬
‫الباضية أنفسهم‪ ،‬من أن المدعي خلق القرآن ل دليل عنده ل مببن الكتبباب‬
‫ولمن السنة‪.‬‬
‫فقببد رأيببت أنببه مببن المناسببب أن أورد أسببماء عببدد مببن علمبباء‬
‫السلف نصوا على أن القرآن كلم الب ليبس بمخلبوق‪ ،‬وكبذلك أسبماء‬
‫بعض‪ ،‬علماء الباضية القببائلين بببأن القببرآن كلم الب ليببس بمخلببوق‬
‫ومن قال‪ :‬إنه مخلوق فقد كفر‪.‬‬
‫أول علماء السلف‪:‬‬
‫ونبللدأ بالمللام محمللد بللن الحسللين الجببري رحملله اللل مللن كتببابه‬
‫الشريعة)‪ (233‬ج ‪1/489‬ل ‪.525‬‬
‫بببببببببببببباب ‪16‬‬
‫قال‪» :‬ذكر اليمان بأن القرآن كلم ال ل تعللالى‪ ،‬وأن كلملله ليللس‬
‫بمخلوق ومن زعم أن القرآن مخللوق فلقد كفلر«‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬اعلموا رحمنا ال وإياكم أن قول المسلمين الللذين لللم تللزغ‬
‫قلوبهم عن الحق‪ ،‬ووفقوا للرشاد قديمًا وحديثًا أن القرآن كلم ال تعالى‬
‫ليس بمخلللوق‪ ،‬لن القللرآن ملن عللم الل‪ ،‬وعلللم الل ل يكلون مخلوقلًا‪،‬‬
‫تعالى ال عن ذلك‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬دل على ذلك القرآن والسنة‪ ،‬وقللول الصللحابة رضللي ال ل‬
‫عنهم‪ ،‬وقول أئمة المسلللمين ل ينكللر هللذا إل جهمللي خللبيث‪ ،‬والجهمللي‬
‫عند العلماء كلللافللر‪.‬‬
‫ثم شرع في ذكر الدلة فقال‪ :‬قال ال تعالى‪} :‬وإن أحد من‬
‫المشركين استجارك فأجره حللتى يسللمع كلم‬
‫الله‪ {.....‬الية ]التوبة ‪.[6 /‬‬
‫وقال تعالى‪} :‬وقد كان فريللق منهللم يسللمعون‬
‫كلم الله ثم يحرفونه من بعد مللا عقلللوه‪{.......‬‬
‫]البقرة ‪.[75 /‬‬
‫وقلللال تعللالى لنللبيه ‪} :‬قل يللا أيهللا النللاس إنللي‬
‫رسللول الللله إليكللم جميعللا ً الللذي للله ملللك‬
‫السموات والرض ل إله إل هو يحيللي ويميللت‬
‫‪233‬‬
‫)‪ (1‬كتاب الشريعة ‪ /‬للمام المحدث أبي بكر محمد بن الحسين الجري المتوفي‬
‫سنة ‪ 360‬هل تحقيق د‪.‬عبدال الدميجي‪ .‬الطبعة الولى سنة ‪ .1418‬دار الوطن‪.‬‬
‫فآمنوا بالله ورسوله النبي المي الذي يللؤمن‬
‫بالله وكلماته‪] {.....‬العراف ‪ .[ 158 /‬وهو القرآن‪.‬‬
‫وقلللال لموسلللى ‪} :u‬إنى اصطفيتك على النللاس‬
‫برسالتي وبكلمي‪] {..‬العراف‪.[144/‬‬
‫ثم قال‪ :‬قللال محمللد بللن الحسللين ‪ -‬وهللو المؤلللف ‪-‬ومثللل هللذا فللي‬
‫القرآن كثير‪.‬‬
‫وقال تعالى‪} :‬فمن حاجك فيه مللن بعللد مللا جللاءك‬
‫من العلم‪] {..‬آل عمران‪.[61/‬‬
‫وقال تعالى‪} :‬ولئن اتبعت أهواءهم من بعللد مللا‬
‫جاءك من العلم إنك إذا لمن الظللالمين{ ]البقلللرة‪/‬‬
‫‪.[ 145‬‬
‫ثم قللال‪ :‬قال محمد بن الحسين‪:‬‬
‫»لم يزل ال عالمًا متكلملًا سلميعًا بصليرًا بصلفاته قبلل خللق‬
‫الشياء‪ ،‬من قال غير هذا فقد كفلللر«‪.‬‬
‫قال‪ :‬وسنذكر من السنن والثار وقول العلماء الللذين ل يسللتوحش‬
‫من ذكرهم‪ ،‬مللا إذا سللمعها مللن للله علللم وعقللل زاده علملًا وفهملًا‪ ،‬وإذا‬
‫سمعها من في قلبه زيغ‪ ،‬فإن أراد ال هدايته إلى طريق الحق رجع عن‬
‫مذهبه‪ ،‬وإن لم يرجع فالبلء عليه أعظم‪.‬‬
‫ثم أورد بعد ذلك عددًا من الحاديث والثار‪ ،‬وأقوال الئمللة الللتي‬
‫تثبت أن القرآن كلم ال ليس بمخلوق‪ ،‬وذلك من ص ‪ 489‬ل ‪.525‬‬
‫ثم قال‪ :‬قال محمد بن الحسين‪:‬‬
‫فيما ذكرته في هذا الباب بلغ لملن عقلل وسلللم للله دينله‪ ،‬والل‬
‫الموفق لكل رشاد‪ .‬أهل‬
‫‪ 2‬ب المام الحافظ ابن منده المتوفى سنبة ‪ 395‬هب‬
‫قال في كتابه التوحيد ج ‪:129 / 3‬‬
‫»ذكر ما يستدل به من الكتاب والثر على أن الل تعللالى لللم يللزل‬
‫متكلمًا آمرًا ناهيًا بما شاء لمن شاء من خلقه موصوفًا بذلك«‪.‬‬
‫قال ال عز وجللل واصللفًا لكلملله وأمللره وإرادتلله الللذي بله خللق‬
‫الخلق‪:‬‬
‫}إنمتتا قولنتتا لشتتيء إذا أردنتتاه أن نقتتول لتته كتتن‬
‫فيكون{ ]النحلل ‪.[ 40 /‬‬
‫وقال عز وجل‪} :‬أل له الخلق والمر{ ]العراف ‪.[ 54 /‬‬
‫فبان بقوله أن أمره غير خلقلله‪ ،‬وبللأمره خلللق ويخلللق‪ ،‬وقللال عللز‬
‫وجل‪} :‬حم والكتاب المبين{ إلى قللوله‪} :‬أمرا ً متتن عنتتدنا‪{..‬‬
‫اليات ]الدخان ‪ 1 /‬ل ‪.[ 5‬‬
‫ثم قال‪» :‬ذكر الدلة الواضحة من الثر عن المصطفى صلى ال ل‬
‫عليه وسلم ببيان ما تقدم والفرق بين القول والعلم والرادة والفعل «‪.‬‬
‫ثم أورد الدلة الدالة على ذلك الثابتللة عللن رسللول الل صلللى الل‬
‫عليه وسلم ومعظمها فللي الصللحيحين وذلللك مللن الحللديث رقللم ‪ 546‬لل‬
‫‪.615‬‬
‫ثم أتبع هذا الفصل بقوله‪» :‬ذكر ما يدل على أن المتلو والمكتللوب‬
‫والمسموع من القرآن كلم ال عللز وجللل الللذي نللزل بلله جبريللل عليلله‬
‫السلم من عند ال عز وجل على قلب محمد صلى ال عليه وسلم«‪.‬‬
‫ثم سرد عددًا من اليات الدالة على ذلك‪ .‬فقال‪ :‬قال ال عز وجل‪:‬‬
‫}الحمد لله الذي أنزل علللى عبللده الكتللاب{‬
‫]الكهف ‪.[1 /‬‬
‫}نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا ً لمللا بيللن‬
‫يديه{ ]آل عمران ‪.[2 /‬‬
‫]الرعد ‪.[1 /‬‬ ‫}والذي أنزل عليك من ربك الحق{‬
‫ل بها على ذلك‪.‬‬‫ثم ذكر عددًا من اليات مستد ً‬
‫وأتبعها بالحاديث من رقم ‪ 617‬ل ‪.635‬‬
‫بدأها بحديث جابر بن عبد ال رضي ال عنه قال‪ :‬كان رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلللم يعللرض نفسلله بللالموقف ويقللول‪» :‬إن قريش بًا قببد‬
‫منعببوني أن أبلببغ كلم ربببي«‪ ،‬رواه أبللو أحمللد الزبيللري وغيللره عللن‬
‫إسرائيل‪.‬‬
‫قلبببت‪ :‬أخرجه الدارمي في فضائل القرآن ‪ /‬باب القرآن كلم اللل‬
‫‪ 2/317‬ح ‪.3357‬‬
‫‪ 3‬ل ونختم هذا بما أورده المام البخاري فببي صببحيحه فللي كتللاب‬
‫التوحيد‪ ،‬فتح الباري ‪.13/444‬‬
‫قال المللام البخللاري‪ :‬بللاب قللول اللل تعللالى‪} :‬قل لو كان‬
‫البحر مدادا ً لكلمات ربي لنفللذ البحللر قبللل أن‬
‫تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ً{‪.‬‬
‫}ولو أن مللا فللي الرض مللن شللجرة أقلم‬
‫والبحر يمده من بعللده سللبعة أبحللر مللا نفللدت‬
‫كلمللات الللله{‪} ،‬إن ربكللم الللله الللذي خلللق‬
‫السموات والرض في سللتة أيللام ثللم اسللتوى‬
‫على العرش يغشى الليل النهار يطلبلله حثيث لا ً‬
‫والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره أل‬
‫له الخلق والمر تبارك الله رب العالمين{‪.‬‬
‫ثم أورد فيه حللديث أبللي هريللرة رضللي الل عنلله مرفوعلًا وفيلله‪:‬‬
‫»وتصديق كلمته«‪.‬‬
‫قال الحافظ بن حجر رحمه ال في شرح الحديث عللن معمللر عللن‬
‫قتادة أن المشركين قالوا في هذا القرآن‪ :‬يوشك أن ينفد فنزللللت‪} :‬قل‬
‫لو كان البحر مدادا ً لكلمات ربللي لنفللد البحللر{‬
‫الية‪...‬‬
‫قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي سمعت بعض أهللل العلللم يقللول‪ :‬قللول‬
‫اللل عللز وجللل‪} :‬إنا كل شيء خلقنللاه بقلدر{ وقببوله‪:‬‬
‫}قل لو كللان البحللر مللدادا ً لكلمللات ربللي لنفللد‬
‫البحر‪{..‬الية‪ ،‬يدل على أن القرآن غير مخلوق لنه لو كللان مخلوقلًا‬
‫لكان له قدر‪ ،‬وكانت له عناية‪ ،‬ولنفد كنفاد المخلوقين‪ ،‬وتل قوله تعالى‪:‬‬
‫}قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربللي{ إللللى آخلللر‬
‫الية‪.‬‬
‫وفي ص ‪ 453‬قال‪:‬‬
‫باب ‪ 32‬قوله تعالى‪} :‬ول تنفع الشفاعة عنللده ال‬
‫لمن أذن له حتى إذا فلزع عللن قلللوبهم قللالوا‬
‫ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكللبير{‪.‬‬
‫ولم يقل ماذا خلق ربكم‪.‬‬
‫وقللال جللل ذكللره‪} :‬من ذا اللذي يشلفع عنلده إل‬
‫بإذنه{ ‪.‬‬
‫وقال مسروق عن ابللن مسللعود‪ :‬إذا تكلللم الل بللالوحي سللمع أهللل‬
‫السموات شيئًا‪ ،‬فإذا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت عرفوا أنلله الحللق‪،‬‬
‫ونادوا ماذا قال ربكم قالوا الحق‪.‬‬
‫ويذكر عن عبد ال بلن أنيلس قلال سلمعت النلبي صللى الل عليلله‬
‫وسلم يقول‪» :‬يحشر ال العباد فينبباديهم بصببوت يسببمعه مببن بعببد كمببا‬
‫يسمعه من قرب‪ :‬أنا الملك أنا الديان« ‪.‬‬
‫ثم أورد عددًا من الحاديث تثبت صفة الكلم لل عللز وجللل علللى‬
‫ما يليق بجلله وكماله }ليس كمثله شيء وهو السميع‬
‫البصير{ وأورد ابن حجر اتفاق السلف على ذلك فللي بلاب ‪ 34‬قللول‬
‫اللل تعللالى‪} :‬أنزله بعلمه والملئكللة يشللهدون{ فتللح‬
‫الباري ‪ 462 /13‬ل ‪.463‬‬
‫قال‪ :‬والمنقول عن السلف اتفللاقهم علللى أن القللرآن كلم الل غيللر‬
‫مخلوق‪ ،‬تلقاه جبريل عن ال‪ ،‬وبلغلله جبريللل الللى محمللد عليلله الصلللة‬
‫والسلم وبلغه صلى ال عليه وسلم أمته‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومعنى تلقاه جبريل عللن الل سللمعه منله‪ ،‬ثلم نلزل بله علللى‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم كما سبق ذكر الدلة على أن الل عللز وجللل‬
‫يتكلم متى شاء وكيف شاء مع من شاء‪ ،‬كما كلم موسى عليه السلم كما‬
‫في قوله تعللالى‪} :‬ولما جاء موسللى لميقاتنللا وكلملله‬
‫ربه{‪.‬‬
‫ثم أتبعه البخاري بقوله ‪ /‬باب ‪ 35‬قللول اللل تعللالى‪} :‬يريدون‬
‫أن يبدلوا كلم الله{ }إنببه لقببول فصببل‪ .‬ومببا هببو بببالهزل{‪:‬‬
‫باللعب‪.‬‬
‫ثم أورد عددًا من الحاديث تثبت ل عللز وجللل صللفة الكلم علللى‬
‫ما يليق بجلله وكماله‪ ،‬وأنله تعلالى يتكللم ملتى شلاء وكيلف شلاء‪ ،‬لن‬
‫صفة الكلم من الصفات الذاتية الختيارية‪ ،‬فهي صفة ذات وفعل يتكلم‬
‫متى شاء وكيف شاء‪.‬‬
‫وفي ص ‪ 473‬قال‪ :‬باب ‪ 36‬كلم الرب عز وجل يوم القيامة مللع‬
‫النبياء وغيرهم‪ .‬وأورد فيه عددًا من الحاديث منها حللديث عللدي بللن‬
‫حاتم رضي ال عنه قللال‪ :‬قللال رسللول الل ‪» :r‬مببا منكببم مببن أحببد إل‬
‫سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان‪ ،‬فينظر أيمن منه فل يرى إل مببا‬
‫قدم من عمله‪ ،‬وينظر أشأم منه فل يرى إل ما قببدم‪ ،‬وينظببر بيبن يبديه‬
‫فل يرى إل النار تلقاء وجهه‪ ،‬فاتقوا النار ولببو بشببق تمببرة«‪ .‬ح رقللم‬
‫‪.7512‬‬
‫وأحاديث في الشفاعة منها حديث أنس بلن مالللك رضللي الل عنله‬
‫خّر له ساجدًا فأحمده بتلك المحامد ثم يقببال‪ :‬يببا محمببد ارفببع‬
‫وفيه‪َ» :‬فَأ ِ‬
‫رأسك وقل يسمع‪ ،‬وسل تعط‪ ،‬واشفع تشببفع‪ ،‬فببأقول‪ :‬يببا رب ائذن لببي‬
‫فيمن قال‪ :‬ل إله إل ال فيقول‪ :‬وعزتببي وجللببي وكبريببائي وعظمببتي‬
‫لخرجن منها من قال‪ :‬ل إله إل ال«‪ .‬ح رقم ‪ .7510‬ففي هذا الحديث‬
‫التصريح بأن ال عز وجل يكلم نبيه محمدًا صلى ال عليه وسلم ويقول‬
‫له‪ :‬ارفع رأسك‪ ،‬وقل يسمع‪ ،‬وسل تعط‪....‬الحديث‪.‬‬
‫ثم أتبعه بباب ‪ 37‬ما جاء فللي قللوله عللز وجللل‪} :‬وكلم الله‬
‫موسى تكليما ً{‬
‫وأورد فيه عددًا من الحاديث أولها حديث أبي هريرة رضللي الل‬
‫عنه أن النلبي صللى الل عليلله وسلللم قلال‪» :‬احتببج آدم وموسببى‪ ،‬فقببال‬
‫موسى‪ :‬أنت آدم الببذي أخرجببت ذريتببك مببن الجنببة‪ ،‬قببال آدم‪ :‬أنببت موسببى‬
‫الذي اصطفاك ال برسالته وكلمه ثم تلومني على أمر قد قبدر علببي قبببل‬
‫أن أخلق‪ .‬فحج آدم موسى« ح رقم ‪.7515‬‬
‫يقول الحافظ بن حجللر رحملله الل فللي شللرح أحلاديث هللذا البلاب‬
‫قوله‪} :‬وكلم الله موسى تكليما ً{ قللال الئمللة‪ :‬هللذه اليللة‬
‫أقوى ما ورد في الرد علللى المعتزلللة‪ ،‬قللال النحللاس‪ :‬أجمللع النحويللون‬
‫على أن الفعل إذا أكد بالمصدر لم يكن مجازًا‪ ،‬فإذا قال )تكليم لًا( وجللب‬
‫أن يكون كلمًا على الحقيقة التي تعقل‪ .‬قال‪ :‬وأورد البخاري في كتللاب‬
‫ح بالجعللد‬
‫خلق أفعال العباد‪ :‬أن خالد بن عبد ال القسري قال‪ :‬إنللي مضل ّ‬
‫ل‪ ،‬ولللم يكّلللم موسللى‬
‫بن درهم‪ ،‬فإنه يزعم أن الل لللم يتخللذ إبراهيللم خلي ً‬
‫تكليمًا‪.‬‬
‫وفي هذه النصوص الصريحة من كتاب ال عز وجل الللتي تثبللت‬
‫ل ما أثبته لنفسه من صفات الجلل والكمال ومنها صفة الكلم‪.‬‬
‫والحاديث الثابتة عن رسول الهللدى صلللى الل عليلله وسلللم الللتي‬
‫تثبت صفة الكلم ل مع أنبيائه ورسله‪.‬‬
‫وما يقول به علماء السلف من إثبات تلللك الصللفات لل عللز وجللل‬
‫كما جاءت في كتاب ال وسنة رسوله على أساس قوله تعالى‪} :‬ليس‬
‫كمثله شيء وهو السميع البصير{‬
‫في هذه النصوص الكفاية لمن أراد ال توفيقه‪ ،‬وملن للم يسللعه ملا‬
‫وسع سلف هذه المة فل وسع ال عليه‪.‬‬
‫ثببانيبًا‪ :‬علماء الباضية‪ :‬الذين أثبتوا في كتبهم أن القرآن كلم‬
‫ال غير مخلوق‪ ،‬ثم ردوا على القائلين بخلقه‪:‬‬
‫‪ 1‬ل الشيخ أحمد بن النضر العماني في كتابه الدعائم ل طبع سلطنة‬
‫عمان وزارة التراث القومي والثقافة الطبعة الثانية ‪ 1409‬ل ‪ 1988‬م‪.‬‬
‫قال ص ‪ 31‬في الرد على من يقول بخلق القرآن‪:‬‬
‫ل ويثبت خلقه بلسان‬ ‫جبببه ً‬ ‫يا من يقول بفبببببطرة الببقرآن‬
‫ببببدائع التكليبببف والبببببهتبان‬ ‫ل تنحل القرآن منك تكلببببفًا‬
‫أو فبببببي البببببببببرواية فبببببببأتنا‬ ‫هل في الكتاب دللة من خلقه‬
‫ببببببببيان‬
‫ببببببببببدعائه فببببببي البببببببببسر‬ ‫ال سببماه كلما فادعبببببببه‬
‫والعببببلنبقه ب ب يببا غببر ب ب مبببن‬
‫فببي خلببببب‬ ‫ال فهات وما أظبببنك واجدًا‬
‫الببببجعل إن أنصببفت مببن‬ ‫برهبان‬
‫فببي‬ ‫إن كان من )إنا جعلناه( فمبا‬
‫تبيانبفضبببلك أفببضل الببببلدان‬ ‫بلدا‬ ‫قد قال إبراهيم رب اجعل لنا‬
‫حببببببببق الصببببلة لوجهبببببببببك‬ ‫وكذاك فاجعلني مقيما مخلصًا‬
‫المنانيكن خلقًا من الرحمن‬ ‫أم لم‬ ‫فانظر أكان وقد دعاه لجعبله‬
‫وهكذا استمر في ذكر هذه القصيدة التي اشتملت على خمسة وسللبعين‬
‫بيتًا‪ .‬وقد سبق ذكر مطلعها في ص ‪ 333‬وهي في ملحق الكتاب ملحق رقم)‪(1‬‬
‫وشرحها ملحق رقم )‪(2‬‬
‫ثانببيًا‪ :‬الشلليخ أبللو الحسللن علللي بللن محمللد البسلليوي صللاحب كتللاب‬
‫)الجامع( فقد رد على من يقول بخلق القرآن في كتابه هذا ردًا مقنعًا بالدلللة‬
‫من القرآن الكريم‪ ،‬وبالدلة العقلية‪ ،‬وقد أثنى الخليلي نفسه علللى هللذا العللالم‬
‫الباضي وعلى كتابه هذا حين كان الكتاب مخطوطًا‪ ،‬وقد سبق التنبيه علللى‬
‫هذا الكتاب ص ‪ ،6‬ونقل نص كلمه حاشية )‪ (3‬في ص ‪ 10‬ل ‪ .85‬وانظللره‬
‫ملحق رقم )‪.(3‬‬
‫ثبالبثًا‪ :‬محمد بن محبوب إمام أهل المشرق ومحمد بن هاشبم بب وقبد‬
‫اتفقا على ما كان عليه من السلف‪ ،‬وقد نقل هذا الخليلي نفسببه فببي كتببابه‬
‫هذا ص ‪ 107‬كما تقدم ذكره ص ‪.201‬‬
‫الجزء الثالث‬
‫الرد ّ على دعواه‬

‫تخليد الفساق في النار‬

‫وهي القضية الثالثة‬


‫المسألة الثالثة‪:‬‬
‫وهي قول الخليلي في كتابه هذا )ص ‪ (237 – 183‬نهاية كتابه‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬خلود أهل الكبائر في النار‬

‫وهذا قول الخوارج ومن يسلللك مسلللكهم ويقللول بقللولهم‪ ،‬وسللوف‬


‫نصدر الرد بقول عبدال بن عمر رضي ال عنهما في الخوارج‪ ،‬الللذي‬
‫أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب استتابة المرتدين ‪.‬‬
‫قال البخاري‪ :‬وكان ابن عمر يراهللم شللرار خلللق اللل‪ ،‬وقللال‪» :‬‬
‫إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين«)‪.(234‬‬

‫‪ ()) 234‬فتح الباري )‪.(12/282‬‬


‫‪M‬‬‫‪:‬‬
‫الحمد ل رب العالمين‪ ،‬القائل في كتللابه الكريللم‪} :‬إن الله ل‬
‫يغفر أن يشرك بلله ويغفللر مللا دون ذلللك لمللن‬
‫يشاء‪] {..‬النساء ‪.[48 /‬‬
‫والصلة والسلم على المبعوث رحمة ال للعالمين‪ ،‬القائل‪:‬‬
‫ت من ربي فأخبرني ‪-‬أو قال‪ ،‬بشرني ‪ -‬أنه من مات مببن‬ ‫»أتاني آ ٍ‬
‫أمتي ل يشرك بال شيئًا دخل الجنة‪ ،‬فقلت‪ :‬وإن زنى وإن سرق؟ قال‪:‬‬
‫وإن زنببى وإن سببرق« رواه البخللاري ح ‪ .1237‬والقللائل‪» :‬شببفاعتي‬
‫لهل الكبائر من أمتي«‪.‬‬
‫أمبببا بببعبببد‪ :‬فقبل الللدخول فللي مناقشللة الخليلللي فللي الشللبه الللتي‬
‫ل على )تخليللد أصللحاب الكبللائر مللن الموحللدين‬ ‫استند إليها وجعلها دلي ً‬
‫في النار( يحسن أن نذكر للقارئ الكريم المور التالية باختصار‪:‬‬
‫‪ 1‬ل مذهب أهل السنة والجماعة في حكم مرتكب الكبيرة من عصللاة‬
‫الموحدين‪.‬‬
‫‪ 2‬ل مذهب الخوارج في ذلك‪.‬‬
‫‪ 3‬ل مذهب المعتزلة ‪.‬‬
‫‪ 4‬ل مذهب الباضية‪.‬‬
‫أوًل‪ :‬مذهب أهل السببنة والجمباعة‪:‬‬
‫أهل السنة والجماعة يقولون‪ :‬من مات مللن أمللة محمللد صلللى‬
‫ال عليه وسلم على التوحيد ل يخلد في النار‪ ،‬مهما ارتكب من الذنوب‪،‬‬
‫ل باليللة السللابقة‪ ،‬وبالحللديث السللابق‬‫دون الشللرك بللال‪ ،‬وذلللك اسللتدل ً‬
‫المتفق على صحته‪.‬‬
‫والمراد من الحديث »دخبل الجنة« أي صار إليها إمللا ابتللداء مللن‬
‫أول الحال‪ ،‬وإما بعد أن يقع ما يقع عليه من العللذاب‪ ،‬كملا فلي أحللاديث‬
‫الشفاعة المتواترة بأن يخرج من النار من كان في قلبلله مثقللال ذرة مللن‬
‫إيمان‪ ،‬والتي سيرد ذكر بعضها في موضعه‪.‬‬
‫وسوف نورد طائفة منها في خاتمة البحث‪.‬‬
‫وأما في الدنيا فهو مسلم عاص يعامل معاملة المسلمين‪.‬‬
‫ثانيًا ل الببخوارج‪:‬‬
‫قالوا‪ :‬إن مرتكب الكبيرة من أمللة محمللد صلللى الل عليلله وسلللم‬
‫كافر في الدنيا ل يرث ول يورث ول يدفن في مقابر المسلمين‪.‬‬
‫وفي الخرة مخلد في النار‪ .‬واستدلوا على رأيهم هذا بآيات نزلت‬
‫في الكفار فطبقوها على المسلمين‪.‬‬
‫ثالثًا ب المعبببتزلة‪:‬‬
‫قالوا‪ :‬إن مرتكب الكللبيرة حكملله فللي الللدنيا أنلله فللي منزلللة بيللن‬
‫المنزلتين خرج من اليمان‪ ،‬ولم يدخل الكفر‪.‬‬
‫هذا من حيث التسمية‪.‬‬
‫وأما الحكم‪ :‬فقالوا إنه فللي الللدنيا يعامللل معاملللة المسلللمين‪ ،‬يللرث‬
‫ويورث‪ ،‬ويغسل ويكفن‪ ،‬ويدفن في مقابر المسلمين‪.‬‬
‫وأما في الخرة فهو خالد مخلد في النار )‪.(235‬‬
‫وذلك إنفاذًا لحد أصولهم الخمسة‪ ،‬وهو وجوب إنفاذ الوعيللد‪ ،‬أي‬
‫أنه يجب على ال أن يدخل النار كل من ارتكب معصية توعد ال عليها‬
‫بالنار‪.‬‬

‫‪235‬‬
‫)‪ (1‬الصول الخمسللة للقاضللي عبللد الجبللار المعللتزلي ص ‪ .666‬تحقيللق عبللد‬
‫الكريم عثمان‪ .‬الطبعة الولى ‪ 1384‬هل الناشر مكتبة وهبة‪.‬‬
‫وإذا أدخل العاصي النار فل يخرج منهللا‪ ،‬لنهللم أنكللروا أحللاديث‬
‫الشفاعة لهل الكبائر من أمة محمللد ‪ ،r‬وفسللروا الشللفاعة فللي اليللات‬
‫الواردة في كتاب ال برفع الدرجات)‪(236‬لهل الجنة فقط‪.‬‬
‫رابعًا ب الباضية ‪:‬‬
‫قالوا‪ :‬إن مرتكب الكللبيرة كللافر فللي الللدنيا كفللر نعمللة‪ ،‬وأمللا فللي‬
‫الخرة فهو خالد مخلد في النار‪ ،‬هذا قول ومعتقد الباضية‪.‬‬
‫وهو ما يعبر عنه الخليلي بأن المعتزلللة يوافقللونه فللي القللول بتخليللد‬
‫العصاة في النار‪.‬‬
‫وقال محمد بن يوسف اطفيش في كتابه »الجللامع الصللغير« ص ‪:7‬‬
‫هذه عقيدة على مذهب أهل السللتقامة مللن المسلللمين‪ ،‬وقللال فيهللا ص ‪12‬‬
‫بعد إنكار الميزان والصراط والرؤية‪ :‬ومن عصاه ففي النيران مسكنه‬
‫ولم يجد مفزعًا عنها فينتقل)‪.(237‬‬
‫ومن العبببجب أنه يرد عليهم في الحكم على مرتكللب الكللبيرة فللي‬
‫الللدنيا وعلللى الخللوارج ويقللول‪ :‬إنهللم خللالفوا النصللوص مللن الكتللاب‬
‫والسنة‪ ،‬وكأنه هو لم يخالف النصوص بدعواه ل تخليد أصحاب الكبللائر‬
‫الموحدين في النار‪.‬‬

‫‪ ()236‬الصول الخمسة للقاضي عبد الجبار ص ‪ 689‬ل ‪.69‬‬


‫‪ ()) 237‬انظر كتاب الجامع الصغير ‪ /‬تصنيف محمد بن يوسللف اطفيللش الجللزء الول‬
‫ص ‪ 12‬طبللع وزارة الللتراث القللومي والثقافللة ‪ /‬سلللطنة عمللان لللل ‪ 1416‬هللل لل‬
‫‪ 1986‬م‪.‬‬
‫‪-‬وكتاب معالم الدين ‪ /‬لعبد العزيز التميني المصللعبي ج ‪ ،1/286‬ج ‪ .2/196‬طبللع‬
‫سلطنة عمان وزارة الثقافة سنة ‪1417‬هل ل ‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ -‬وكتلاب السللتقامة ‪ /‬لبللي سللعيد محمللد الكللدمي ج ‪ ،3/243‬طبلع سلللطنة عملان‬
‫وزارة الثقافة سنة ‪1415‬هل ل ‪1985‬م‪.‬‬
‫‪ -‬وكتاب كشف الكرب ج ‪ .1/61،62‬طبع سلطنة عمان سنة ‪ 1415‬هل ل ‪1985‬م‪.‬‬
‫‪-‬الباضية بين الفرق السلمية ‪ /‬لعلي يحيى معمر ج ‪ ،287 /2‬طبع سلطنة عمان‬
‫وزارة التراث سنة ‪1416‬هل ل ‪1986‬م‪.‬‬
‫والعجللب ملن هلذا قللول أبلي بكلر أحملد بلن عبلدال بلن موسللى‬
‫الكندي النزواني »أن كللل مللن مللات علللى الللدين الباضللي مقطللوع للله‬
‫بالجنة«)‪.(238‬‬
‫ومن المناسب أن نشير إلى سبب مخالفة هؤلء لنصوص الكتللاب‬
‫والسنة الصريحة فلي بيلان أن أصللحاب الكبلائر تحلت مشليئة الل علز‬
‫وجل‪ ،‬وأن مصير مرتكب الكبيرة إلى الجنة إما مللن أول الحللال‪ ،‬وإمللا‬
‫بعد أن يقع ما يقع عليه من العذاب‪.‬‬
‫وأولى من يعبر عن سللبب هللذا النحللراف عللن نصللوص الكتللاب‬
‫والسنة الصحابي الجليل عبدال ابن عمر رضي ال عنهما‪.‬‬
‫فقللد جللاء فللي صللحيح البخللاري فللي كتللاب اسللتتابة المرتللدين‬
‫والمعاندين وقتالهم‪.‬‬
‫قال البخللاري )بللاب قتللل الخللوارج والملحللدين بعللد إقامللة الحجللة‬
‫عليهم(‬
‫وقول ال تعالى‪} :‬وما كان الله ليضل قومللاً بعللد‬
‫إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون{‪.‬‬
‫قبال‪ :‬وكان عبد ال بن عمر يراهم شرار خلق ال‪ ،‬وقللال‪» :‬إنهببم‬
‫انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين«‪.‬‬
‫فهلذا وصللف عبلدال بلن عملر رضللي الل عنله للخلوارج وبيلان‬
‫جهلهم بكتاب ال‪.‬‬
‫وقد وصفهم رسول ال صلى ال عليه وسلللم بالجهللل وعللدم الفقلله‬
‫في الدين‪ ،‬مع الجلللد فللي العبلادة‪ ،‬فقللال صللى الل عليلله وسلللم مخاطبلًا‬
‫الصحابة رضوان ال عليهم‪:‬‬

‫))( الجوهر المقتصر ص ‪ ،116‬تحقيق سيد إسماعيل كاشف‪ ،‬طبللع سلللطنة عمللان‬ ‫‪238‬‬

‫وزارة التراث القومي سنة ‪1416‬هل ل ‪1985‬م‪.‬‬


‫»تحقرون صلتكم مع صلتهم وقراءتكم مع قراءتهم«‪.‬‬
‫وفللي روايللة لمسلللم »قببوم يقببرؤون القببرآن بألسببنتهم ل يعببد‬
‫تراقيهم‪ ،‬يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية« )‪.(239‬‬
‫وأما الذين جاؤوا من بعدهم ‪ -‬من معتزلللة وإباضلية ‪ -‬مملن يقلول‬
‫بقولهم في تخليد الفساق من الموحدين في النار‪ ،‬فقللد بيللن العلمللاء أنهللم‬
‫إزاء النصوص الواردة في أهل المعاصي ينقسمون إلى قسمين‪:‬‬
‫القبببببببسم الول‪ -‬يجهلببون هببذه النصببوص‪ .‬أي نصللوص الوعللد‬
‫والوعيد‪.‬‬
‫والقبببببسم الثاني‪ -‬معاندون لها مقلدون لئمتهببم‪ ،‬فيتعمللدون فللي‬
‫تأويل تلك النصللوص لتوافللق مللذهبهم‪ ،‬ويشللاركون الجهللال فللي إنللزال‬
‫النصوص الواردة في الكفار فيطبقونها على المؤمنين كما قال عبد اللل‬
‫بن عمر رضي ال عنهما‪.‬‬
‫وسيجد القارئ فللي هللذا البحللث أن الخليلللي مللن هللذا القسللم الللذي‬
‫يتصف بالعناد والجهل في آن واحد‪ ،‬فيعرف أن النص وارد في الكفللار‬
‫ثم ينزله على المؤمنين‪.‬‬
‫وبعد النتهاء من هذا التمهيد الذي أشرنا فيه إلي بيان سبب دخول‬
‫فكرة دعوى خلود أصحاب الكبائر مللن الموحللدين فللي النللار‪ ،‬نبللدأ فللي‬
‫مناقشة ما أورده الخليلي في كتابه هذا من شبه جعلها أدلة اسللتند إليهللا‬
‫فللي الحكللم علللى عصللاة الموحللدين بالتخليللد فللي النللار‪ ،‬كتخليللد الكفللار‬
‫والمشركين الشرك الكبر والمنافقين النفاق العتقادي‪.‬‬

‫)‪ (1‬البخاري كتاب استتابة المرتدين ح ‪.6934‬‬ ‫‪239‬‬

‫مسلم ل كتاب الزكاة ‪ /‬باب الخوارج شر الخلق والخليقة ح ‪.1068‬‬


‫ليتضح للقارئ هل اليات التي استدل بها علللى دعللواه نزلللت فللي‬
‫عصاة الموحدين‪ ،‬أو نزلت في الكفار فأنزلها على المؤمنين‪ ،‬كما صنع‬
‫الخوارج الذين وصفهم عبدال بن عمر‪.‬‬
‫ونبدأ فيما يلي بمناقشته والرد عليه فيما أورده في مقدمة بحثه‪.‬‬
‫((‬ ‫)) المتتقتتتتتتتدمتتتتتتة‬

‫بدأ ل الخليلي ل في ص ‪ 185‬بمقدمة قال فيها‪:‬‬


‫مقدمة في تعريف الخلود والكبائر‬
‫ثم أورد تعريف الخلللود مللن لسللان العللرب ج ‪ 2‬ص ‪1225‬ط دار‬
‫المعارف ‪1119‬م‬
‫فذكر له معنيين‪:‬‬
‫الول‪ :‬البقاء البدائم لل قلال‪ :‬وكلم صلاحب اللسلان يلدل عللى أن‬
‫الخلد موضوع لغة للدوام البدي‪ ،‬وهو مذهب الزمخشري‪ .‬وابن عطية‬
‫والقرطبي والشوكاني من المفسرين‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن الخلود موضوع للمكث الطويل‪ .‬مع قطع النظللر عللن‬
‫دوامه أو انقطاعه‪ ،‬وذهب إلللى هللذا المعنللى الللرازي وأبللو حيللان وأبللو‬
‫السعود وقطب الئمة‪.‬‬
‫فهو عند هؤلء من باب المشترك الذي يتعين ما يراد بلله بالقرينللة‬
‫الدالة عليه‪ ،‬وجعل هؤلء دوام الثواب والعقللاب بالللدلئل الخللرى مللن‬
‫الكتاب والسنة غير لفظة الخلود‪ ،‬كللاقترانه بالبللد فللي قللوله تعللالى فللي‬
‫اللللذين آمنللوا وعملللوا الصللالحات‪} :‬جزاؤهللم عنللد ربهللم‬
‫جنات عدن تجللري مللن تحتهللا النهللار خالللدين‬
‫فيها أبد ً‬
‫ا‪]{..‬البينة‪.[8:‬‬
‫وقوله‪} :‬ومن يعص الله ورسوله فإن للله نللار‬
‫ا‪]{..‬الجن‪.[23:‬‬ ‫جهنم خالدين فيها أبد ً‬
‫وملا يسلتفاد ملن الحلاديث الصللحيحة الصللريحة فللي خلللود أهللل‬
‫الدارين فيهما وإجماع المة‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهؤلء نظروا إلى إطلق الخلود على المكللث المنقطللع فللي‬
‫كلم العللرب كبيللتي لبيللد والعشللى‪ ،‬وإن الحقيقللة هللي الصللل فللي‬
‫الستعمال‪.‬‬
‫والبيتان هما ل قول لبيد في معلقته‪:‬‬
‫صما خوالد مايبين كلمها‬
‫وقول العشى‪:‬‬
‫لكم خالدا خلود الجبال‬ ‫لن تزالوا كذلكم ثم ل زلت‬
‫قال فهذا محمول عند هؤلء على التجوز‪.‬‬
‫قال‪ :‬وتعقبهم العلمة البطاشللي بقللوله‪) :‬كمللا أخللذت العللرب مللن‬
‫الخلد قللولهم للحجللار )خوالللد( فقللد أخللذوا مللن البللد قللولهم للوحللوش‬
‫)أوابد( ثم ذهب يرد على الستدلل اللغوي في مسألة )الخلللود( فرتللب‬
‫سبب الخلف على المفهوم اللغللوي فقللال فللي أول ص ‪) 187‬وبحسللب‬
‫هللذا المفهللوم ل ل وهللو الللدوام البللدي ل ل كللان اختلف المببة فببي خلببود‬
‫المجرمين في النار‪ ،‬كما سيأتي بيانه إن شاء ال(‪.‬‬
‫هللذا مللا ذكللره فللي تعريللف الخلللود‪ ،‬ثللم رتللب الخلف عليلله ولللم‬
‫يتعرض لذكر الدلة التي أشار إليها من الكتلاب والحللاديث الصللحيحة‬
‫الصريحة في إخراج الموحدين من النار‪ ،‬وبيان أن المخلدين فللي النللار‬
‫هم الكفار‪ ،‬والمشركين الشرك الكبر‪ ،‬والمنافقين النفاق العتقادي‪.‬‬

‫»البببببببببببببببببببببرد«‬
‫ونقول إن قوله‪ :‬إن الخلود في اللغة يللأتي بمعنللى الللدوام البللدي‪،‬‬
‫ويأتي بمعنى طول المكث‪ .‬فهلللذا كلم صحيح‪.‬‬
‫وأما بالنسبة للزمخشري‪ .‬وأنلله يقللول‪ :‬إنلله موضللوع لغللة للللدوام‬
‫البدي فنسبة هذا القللول للزمخشللري صللحيحة‪ ،‬لن الزمخشللري رأس‬
‫المعتزلة‪ ،‬وعقيدة المعتزلة في أهل الكبائر‪ :‬أنهم فللي الللدنيا فللي منزلللة‬
‫بين المنزلتين‪ ،‬فمللن ارتكللب كللبيرة خللرج مللن اليمللان ولللم يللدخل فللي‬
‫الكفر‪ ،‬هذا حكمه في الدنيا‪ ،‬ويعللاملونه معاملللة المسلللم إذا مللات فيللرث‬
‫ويورث‪ ،‬ويغسل ويكفن‪ ،‬ويدفن في مقابر المسلمين‪.‬‬
‫وأما حكمه في الخرة عندهم‪ :‬فإنه مخّلللد فللي النللار‪ ،‬تنفيللذًا لحللد‬
‫أصولهم الخمسة وهو تنفيذ الوعيد ومعناه‪ :‬أن كل من ارتكب ذنبًا عليلله‬
‫وعيد بالنار يجب على ال عز وجللل لل عنللدهم لل أن يللدخله النللار)‪،(240‬‬
‫ومن دخل النار ل يخرج منها‪ ،‬لنهم يردون أحاديث الشفاعة المتواترة‬
‫عند أهل السنة والجماعة التي سيرد ذكرها‪.‬‬
‫وعقيدة الزمخشري هذه هي عقيدة المؤلللف الخليلللي وهللي عقيللدة‬
‫)الباضية( فهكذا يعاملون مرتكب الكبيرة‪ ،‬غير أنهم في الدنيا يسللمونه‬
‫كافر نعمة‪ .‬أما في الخرة فمخلد في النار‪.‬‬
‫ولكللن نسللبة الخليلللي هللذا القللول إلللى ابللن عطيللة‪ ،‬والقرطللبي‪،‬‬
‫والشوكاني‪ ،‬دعوى غير صحيحة‪ ،‬ونأسف لمثل الخليلي‪ -‬وإن كان ذلك‬
‫ل ول يللذكر‬ ‫ل يستغرب منه وممن هو على شاكلته ل أن ينسب إليهم قللو ً‬
‫مرجعه ول الكتاب الذي أخللذه منله‪ .‬ملع أن مؤلفلاتهم فلي متنلاول يلده‪،‬‬
‫وعمله هذا مخالف لصول البحث العلمي‪.‬‬
‫وحيث إنه أورد في ص ‪ 186‬في هذا المبحللث الللذي هللو تعريللف‬
‫الخلود‪ ،‬قوله تعالى‪} :‬ومن يعص الله ورسوله فتتإن لتته نتتار‬
‫جهنم خالدين فيها أبدا ً{ ]الجن‪.[23/‬‬
‫فإني رجعت لتفسير هذه الية في تفسير ابللن عطيللة‪ ،‬والقرطللبي‪،‬‬
‫والشوكاني‪.‬‬

‫‪ (1) 240‬الصول الخمسة للقاضي عبد الجبار ص ‪ 621‬ل ‪.666‬‬


‫لنعرف رأيهم في تفسير )المعصللية( فللي اليللة وتفسللير )الخلللود(‬
‫وهل المقصود بذلك عصاة الموحدين؟‬
‫وإليك نص كلمهم‪:‬‬
‫يقول ابببن عطيببة‪} :‬ومن يعص الله{ يريللد الكفللر بللدليل‬
‫الخلود المذكور)‪.(241‬‬
‫ويقببول القرطبببي‪} :‬ومن يعص الله ورسللوله{ فللي‬
‫التوحيد والعبادة )‪.(242‬‬
‫ويقول الشوكاني‪} :‬ومن يعص الللله ورسللوله{ فللي‬
‫المر بالتوحيد لن السياق فيه )‪.(243‬‬
‫فهذه أقوال من نسب إليهم القول في دوام الخلود‪ ،‬فللإنهم يقصللدون‬
‫به تخليد الكفار في النار‪ ،‬وهذا ل خلف فيه بين أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫وقد فسروا المعصية هنا بالكفر بال‪ ،‬وترك التوحيد الذي دعللاهم‬
‫ال إليه وأمرهم به‪.‬‬
‫ولم يفسروا المعصببية بببالكبيرة كملا هلو رأي المؤلللف وعقيلدته‪،‬‬
‫وعقيدة من تبعهم‪.‬‬
‫لنهم كما قال عبدال بن عملر ‪) :t‬انطلقلوا إلللى آيلات نزللت فلي‬
‫الكفار فجعلوها في المؤمنين(‪.‬‬
‫قبلببت‪ :‬ومنها هذه الية كما سيأتي مثيلتها في استدلل المؤلف‪.‬‬
‫أما دعواه أن سبب الخلف فللي تخليللد الفسللاق فللي النللار أو عللدم‬
‫تخليدهم في النار بين أهل السنة والجماعة وغيرهم هو الخلف اللغوي‬
‫في معنى الخلود‪ ،‬فليس ذلك هللو السللبب وحللده كمللا يلدعي‪ ،‬لن المللر‬
‫‪ ()) 241‬تفسير ابن عطية المحرر الوجيز ج ‪150 /15‬الطبعة الولى سنة ‪1412‬هلل لل‬
‫‪1991‬م ل بدولة قطر‪.‬‬
‫‪ ())242‬تفسير القرطبي ج ‪.26 / 19‬‬
‫‪ ())243‬تفسير الشوكاني ج ‪ 301 / 5‬مطبعة الحلبي‪.‬‬
‫المتفق عليه بين أهل السنة والجماعة فللي تفسلير كتلاب الل ‪-‬الللذي هلو‬
‫ل‪:‬‬‫الصل للحكام الشرعية ل أن يفسر أو ً‬
‫القرآن بالقرآن‪ ،‬لنه ما أجمل في آية فقد بين بآية أخرى‪...‬‬
‫ثم بالسنة المبينة والموضللحة والشللارحة للقللرآن الكريللم كمللا قللال‬
‫تعالى‪} :‬وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم‪{..‬‬
‫]النحل‪.[44/‬‬
‫وقال تعالى‪} :‬وما آتاكم الرستتول فختتذوه ومتتا نهتتاكم‬
‫عنه فانتهوا‪] {..‬الحشر‪.[7/‬‬
‫لن الرسول ‪:r‬ل ينطق عن الهوى ‪ .‬إن هو إلى وحي يوحى‪.‬‬
‫ولهذا قال ‪» :r‬أل إني أوتيت القرآن ومثله معببه« يعنللي السللنة‪،‬‬
‫فالسنة وحي تنزل عليه كمللا ينللزل القللرآن‪ ،‬إل أنهللا ل تتلللى كمللا يتلللى‬
‫القرآن )‪.(244‬‬
‫ثم بأقوال الصللحابة‪ ،‬لنهللم أدرى بللذلك لمللا شللاهدوا مللن القللرائن‬
‫والحوال التي اختصوا بها‪ ،‬ولما لهم من الفهللم التلام والعللم الصلحيح‪،‬‬
‫والعمل الصالح‪..‬‬
‫ثم بأقوال التابعين ومنهم‪ :‬مجاهد بن جبر ل الذي ثبت عنه أنه قال‪:‬‬
‫عرضت المصحف على ابن عبللاس ثلث عرضللات‪ ،‬مللن فللاتحته إلللى‬
‫خاتمته أوقفه عند كل آيللة منلله وأسللأله عنهللا‪ .‬وابللن عبللاس رضللي الل‬
‫عنهما هو الصحابي الجليل ترجملان القلرآن اللذي دعلا للله رسلول الل‬
‫بالفقه في الدين وتعليمه التأويل ل أي التفسير‪.‬‬
‫ثم بعد ذلك يرجع الى اللغة التي نزل بها‪.‬‬

‫‪ ()) 244‬تفسير ابن كثير‪ ،‬المقدمة ج ‪ 12 / 1‬ل ‪. 15‬‬


‫فهذا هو الصل فببي تفسللير كتللاب الل الكريللم‪ ،‬وهللو نللزل باللغللة‬
‫العربية ول أحد ينكر دللة اللغة العربية علببى المعنييببن الببواردين فببي‬
‫الخلود وهما الدوام والمكث الطويل‪ ،‬ولكن هذه دللة لغوية فقط‪.‬‬
‫ولكللن مللا دلللت عليلله اللغللة يفسببر بمببا دلببت عليببه النصببوص‬
‫الشرعية‪ ،‬وذلك في جميع الحكام الشرعية العقدية والعملية‪.‬‬
‫فمثل جاء في كتاب ال عز وجل المر بإقام الصلللة‪ ،‬وجللاء فيلله‬
‫ل‪.‬‬
‫المر بحج البيت لمن استطاع إليه سبي ً‬
‫فإذا قرأنا اليات الكثيرة التي فيها المر بإقام الصلة‪.‬‬
‫ورجعنللا لكتللب اللغللة لتفسببير الصببلة فسللنجد أن الصببلة لغببة‪:‬‬
‫الدعبببببباء‪.‬‬
‫ولن تجد في المصحف ‪-‬مللن أوللله إلللى آخللره ‪ -‬أن صلللة الظهللر‬
‫أربعًا‪ ،‬وصلة العصر أربعًا‪ ،‬والمغرب ثلثًا‪ ،‬والعشاء أربعًا‪ ،‬والفجللر‬
‫ركعتين‪.‬‬
‫ول تجد أن افتتاح الصلة بالتكبير وختامها التسليم‪.‬‬
‫وإنما وجدنا ذلك كله في سللنة رسللول الل صلللى الل عليلله وسلللم‬
‫الشارحة والمبينة لما جاء في كتاب ال تعالى‪ ،‬فقد صلللى جبريللل عليلله‬
‫السلم صبيحة السراء والمعللراج برسللول الل صلللى الل عليلله وسلللم‬
‫الصلوات الخمس كلها‪.‬‬
‫ل وفع ً‬
‫ل‬ ‫وعلم رسول ال صلى ال عليه وسلم أصحابه الصلة قللو ً‬
‫وقال لهم‪» :‬صلوا كما رأيتموني أصلي«)‪. (245‬‬
‫ومثال آخر وهو الحج وأعماله‪ ،‬وهللو ركللن مللن أركللان السلللم‪،‬‬
‫فرضلله اللل علللى عبللاده بقللوله‪} :‬ولله علللى النللاس حللج‬
‫البيت من استطاع إليه سبيل ً{ ]آل عمران‪.[97/‬‬
‫‪245‬‬
‫)‪ (1‬البخاري‪/‬ح ‪.6008‬‬
‫]الحج ‪.[29/‬‬ ‫وقال‪} :‬وليطوفوا بالبيت العتيق{‬
‫فإذا رجعنا لمعنى الحج لغة‪ :‬وجدناه‪ :‬القصد‪.‬‬
‫فهل يكفي المسلم أن يذهب إلى مكة قاصدًا لها ول يعمل شيئًا مللن‬
‫مناسك الحج؟‪.‬‬
‫وإذا رجعنا إلى السنة لمعرفة ما يجب على المسلللم أن يعمللله ليتللم‬
‫حجه‪ ،‬وجدنا فيها بيان مناسك الحج التي يبدأ المسلم فيها بالحرام مللن‬
‫ميقاته على الصورة المعروفة من البدء بالنيللة‪ ،‬والتجللرد مللن المخيللط‪،‬‬
‫والتلبية بالحج أو العمرة‪ ،‬والطواف بالبيت سللبعًا‪ ،‬والسللعي بيللن الصللفا‬
‫والمروة سبعًا‪ ،‬إلى آخر أعمال الحج القولية والفعليللة‪ ،‬والللتي لللم ينللص‬
‫عليها في القرآن الكريم‪ ،‬ولم نتمكن من معرفة تلللك الحكللام مللن اللغببة‬
‫وإنما أخذناها من سببنة النبببي ‪ ‬الللذي قللال لصللحابه بعللد كللل عمللل‬
‫يعمله من أعمال الحج‪» :‬خذوا عني مناسككم«‪.‬‬
‫وغير ذلك من الحكام الشرعية التي يجب على المسلم معرفتهللا‪،‬‬
‫وأن ل يحكم على المسلمين بخلفها‪ ،‬لن الحكم على مسلم‪ -‬يشهد أن ل‬
‫إله إل ال وأن محمللدًا رسللول الل‪ ،‬ويلؤدي فلرائض اللل‪ -‬بلالخلود فلي‬
‫النار‪ ،‬مصادم لحكم ال‪.‬‬
‫وقد قال ال عز وجل في كتابه الكريم‪} :‬إن الله ل يغفللر‬
‫أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشللاء‪{..‬‬
‫]النساء ‪.[116 /‬‬
‫فجعل كل الذنوب ‪-‬دون الشرك به‪ ،‬تحت المشيئة‪.‬‬
‫ولقوله صلى ال عليه وسلم‪»:‬أتاني آت فأخبرني ‪-‬أو قال بشرني‪-‬‬
‫أنه من مات من أمتي ل يشرك بال شيئًا دخل الجنببة‪ .‬قلللت‪ :‬وإن زنللى‬
‫وإن سرق‪ ،‬قال‪ :‬وإن زنى وإن سرق«)‪.(246‬‬
‫)‪ (1‬رواه البخاري في كتاب الجنائز‪ .‬ح ‪. 1237‬‬ ‫‪246‬‬
‫وبهذا يتبين أن الخلف بيببن الخببوارج ومللن يسلللك مسلللكهم فللي‬
‫تخليد أهل الكبائر في النار‪ ،‬وبين أهل السنة القائلين بعدم التخليللد‪ ،‬إنمللا‬
‫هو ورود النصوص الشرعية من الكتاب والسنة على أنلله ل يخلللد فللي‬
‫النار إل الكافر الكفر الكللبر‪ ،‬أو المشللرك الشللرك الكللبر‪ ،‬أو المنللافق‬
‫النفاق العتقادي‪.‬‬
‫وليللس السللبب فللي الخلف بيلن المللة ‪-‬كملا ادعللى الخليلللي‪ -‬أنلله‬
‫بحسللب المفهللوم اللغللوي مللن لفللظ الخلللود‪ ،‬هللل هللو موضللوع للللدوام‬
‫البدي‪ ،‬أو للمكث الطويل‪.‬‬
‫لن أهل السللنة يقولللون‪ :‬هللو موضللوع للللدوام البللدي لمللن نللص‬
‫عليهم كتاب ال أنهم خالدون مخلدون في النار أبدًا‪ ،‬وهللم الللذين كفللروا‬
‫بآيات ال كما قال تعالى‪:‬‬
‫}إن الللذين كفللروا بآياتنللا سللوف نصللليهم‬
‫نللارا ً كلمللا نضللجت جلللودهم بللدلناهم جلللودا ً‬
‫غيرهللا ليللذوقوا العللذاب إن الللله كللان عزيللزا ً‬
‫حكيما ً{ ]النساء ‪.[56 /‬‬
‫وهو شامل للمشركين والمنافقين كما تقدم‪.‬‬
‫وقللللال فللللي المللللؤمنين‪} :‬واللللذين آمنلللوا وعمللللوا‬
‫الصللالحات سللندخلهم جنللات تجللري مللن تحتهللا‬
‫النهار خالدين فيها أبدا ً لهم فيها أزواج مطهللرة‬
‫وندخلهم ظل ً ظليل ً{ ]النساء ‪.[57‬‬
‫وهي تشمل كل موحد مات على التوحيلد‪ ،‬ولكلن منهلم السلابقون‪،‬‬
‫ومنهم المقتصدون‪ ،‬ومنهم الظالم لنفسه بالمعاصللي‪ ،‬فبعللد تطهيللره مللن‬
‫ذنللوبه أو عفللو الل عنلله يللدخل الجنللة كمللا جللاء فللي أحللاديث الشللفاعة‬
‫المتواترة‪ ،‬وكما جاء في وعد ال للصناف الثلثة كما في سورة فاطر‬
‫اليللات ‪32 /‬للل ‪ 33‬وهللي قللوله تعللالى‪} :‬ثم أورثنللا الكتللاب‬
‫الللذين اصللطفينا مللن عبادنللا فمنهللم ظللالم‬
‫لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بللالخيرات‬
‫بإذن الله ذلك هللو الفللوز الكللبير‪ .‬جنللات عللدن‬
‫يدخلونها يحلللون فيهللا مللن أسللاور مللن ذهلب‬
‫ولؤلؤا ً ولباسهم فيها حرير{ فالظالم لنفسه بفعللل بعللض‬
‫المعاصي مآله إلى الجنة إن لم يعفو ال عنه أول الحال‪.‬‬
‫وفي آخر ص ‪ 187‬ل انتقل إلى ذكللر الفقللرة الثانيللة ممللا جللاء فللي‬
‫عنوان المقدمة‪ ،‬وهو تعريللف الكبللائر فقللال‪) :‬وأمللا الكبللائر فهللي جمللع‬
‫كبيرة‪ ،‬وهي كل ما عظم من المعصية‪ ،‬فترتب على ارتكابها وعيلد فلي‬
‫القللرآن أو السللنة الصللحيحة‪ ،‬سللواء شللرع لهللا حللد فللي الللدنيا كالزنللا‬
‫والسللرقة وقللذف المحصللنات‪ ،‬أم لللم يشللرع كأكللل الربللا والللدم ولحللم‬
‫الخنزير(‪.‬‬
‫هذا ما قاله في حد الكبيرة‪.‬‬
‫وقد ذكر شارح الطحاوية في شرحه لقول المام الطحاوي رحمه‬
‫ال‪:‬‬
‫وأهل الكبائر ملن أمللة محمللد صللى الل عليله وسللم فلي النلار ل‬
‫يخلدون‪ ،‬إذا ماتوا وهم موحدون‪.‬‬
‫قللال‪ :‬وهللذا رد لقللول الخللوارج والمعتزلللة القللائلين بتخليللد أهللل‬
‫الكبائر في النار‪ ،‬لكن الخوارج تقللول بتكفيرهللم‪ ،‬والمعتزلللة بخروجهللم‬
‫من اليمان ل بدخولهم في الكفر‪ ،‬بل لهم منزلة بين المنزلتين‪- .‬أي فللي‬
‫الدنيا ‪ -‬أما في الخرة فيخلدون في النار‪.‬‬
‫إلى أن قال‪ :‬واختلف العلماء في الكبائر علللى أقللوال فللذكرها إلللى‬
‫أن قال‪:‬‬
‫وقيل‪ :‬إنها ما يترتب عليها حد‪ ،‬أو توعد عليهللا بالنللار‪ ،‬أو اللعنللة‪،‬‬
‫أو الغضب‪ ،‬وهذا أمثل القوال )‪.(247‬‬
‫وهؤلء المرتكبون لتلك الكبائر ل إن كانت مللن الكبللائر المخرجللة‬
‫من الملة فهم يستحقون التخليد فللي النللار لكفرهللم‪ ،‬كمللا قللال صلللى الل‬
‫عليه وسلم‪ »:‬أكبر الكبائر الشرك بال«)‪ (248‬وأما مللا دون الشللرك بللال‬
‫فهي تحت المشيئة بنص الية والحديث‪.‬‬

‫‪ (1)247‬شرح الطحاوية ‪ 524/ 1‬ل ‪.525‬‬


‫‪ ()248‬فالشرك أكبر الكبائر‪ ،‬وصاحبه مخلد في النار لشركه بال‪ .‬كما في البخاري ح‬
‫‪.6919‬‬
‫وبعد أن انتهى من المقدمة انتقل إلى الفصللل الول فقللال فللي ص‬
‫‪ 188‬ل ‪ :191‬الفصل الول وعنوانه‪:‬‬
‫»في اختلف الناس في خلود الجنة والنار«‬

‫ثم ذكر أن جماعة ادعوا فناءهما وعدم دوامهما‪.‬‬


‫قال‪ :‬وهؤلء الشاذون طائفتان‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬محسوبة على هذه المة‪ ،‬وهي الجهمية نسللبة إلللى جهللم‬
‫بن صفوان‪.‬‬
‫ثانيتهمببا‪ :‬ل صلللة لهللا بالمللة المحمديللة لعللدم إيمانهللا بالكتللاب‪،‬‬
‫وبنائها أفكارها على أسس مادية بحتة‪.‬‬
‫ثم ذكر شبهة الطائفة الولى ل الجهميللة لل ورد علللى الشللبهة الللتي‬
‫استندت إليها في دعواها فناء النار والجنة‪.‬‬
‫كما رد على الطائفة الثانية وذلك في ص ‪ 188‬ل ‪.189‬‬

‫قببلببت‪ :‬وأهل السنة والجماعة ل يخالفونه في الرد على الطائفتين‬


‫لمخالفة أفكارهما كتاب ال والثابت في سنة رسول ال صلى اللل عليلله‬
‫وسلم من دوام الجنة التي أعللدت للمللؤمنين المتقيللن الللذين مللاتوا علللى‬
‫توحيللد اللل‪ ،‬وإخلص العبللادة للله‪ ،‬وعللدم الشللرك بلله مللن السللابقين‬
‫بللالخيرات‪ ،‬والمقتصللدين‪ ،‬والظللالمين لنفسللهم بالمعاصللي وذلللك بعللد‬
‫تطهيرهم من ذنوبهم إن شاء الل ذلللك‪ ،‬وإن شللاء عفللا عنهللم مللن أول‬
‫الحال‪ ،‬ودوام النار التي أعدها ال للكللافرين‪ ،‬والمشللركين بللال الشللرك‬
‫الكبر‪ ،‬والمنافقين النفاق العتقادي الللذين هللم فللي الللدرك السللفل مللن‬
‫النار‪ ،‬فهذا هو قول أهل السنة والجماعة فللي دوام الجنللة ونعيللم أهلهللا‪،‬‬
‫ودوام النار وعذاب أهلها الذين هم أهلها‪.‬‬
‫ولكن المؤلف الخليلي له فلسفة أخرى يخالف بها رأي أهل السللنة‬
‫فللي اعتقللادهم دوام النللار ودوام عللذاب الكفللار‪ ،‬حيللث ينسللب إليهللم مللا‬
‫سترى أن أقوالهم صريحة في مخالفة دعواه‪ ،‬بل إنه يصللرح أن بعللض‬
‫المعاصرين صرحوا بما يوافق قوله في موضع مللن كتبهللم‪ ،‬ثللم يأسللف‬
‫عليهم كما يقول لوقوعهم في نفس ما سماه أحبولة اليهود‪.‬‬

‫أما ابن القيم رحمه ال فهو خصمه اللدود‪ ،‬فللإنه يللدعي عليلله أنلله‬
‫وافق الجهمية في القول بفناء النار‪ ،‬قال ذلللك بعللد أن ذكللر أسللطرًا فللي‬
‫أول ص ‪ 190‬ليللدخل مللن ورائهللا إلللى رأيلله‪ ،‬فقللال بعللد الللرد علللى‬
‫الطائفتين المدعية لفناء النار قال‪:‬‬
‫)ولعالم الغيب طبائع تكوينيللة خاصللة تختلللف كللل الختلف عللن‬
‫طبائع عالم الشهود‪ ،‬فل يجوز قياس أحدهما على الخر‪ ،‬كما أن للبقللاء‬
‫المطلق أحوال تميزه عن البقاء المحدود(‪.‬‬
‫قال‪) :‬وإذا أدركلت أن الحيلاة فلي اللدار الخلرة ل تتصلرم لنهلا‬
‫حياة مصيرية وليست حياة مرحلية‪ ،‬وحياة جزاء ل حياة كسللب‪ ،‬فللاعلم‬
‫أن جزاءها جزاء أبلدي‪ ،‬سلعادة كلان أو شلقاء‪ ،‬إذ ل فببرق بيببن ثوابهببا‬
‫وعذابها‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬وإن ذهبت طوائف من الناس إلببى التفرقببة بينهمببا‪ ،‬وفللي‬
‫مقدمة هؤلء اليهود‪ ،‬الذين حكى ال عنهم هذا القول فللي سلسلللة تعللداد‬
‫مثالبهم‪ ،‬وأنكره عليهم وطالبهم بدليل يستندون إليه فيلله‪ ،‬وبيللن بأصللرح‬
‫عبارة أن الحق خلف ما يقولون‪ ،‬وذلك حيث يقول‪} :‬وقالوا لللن‬
‫تمسنا النار إل أياما ً معدودة قللل أتخللذتم عنللد‬
‫الله عهدا فلن يخلللف الللله عهللده أم تقولللون‬
‫على الله مال تعلمون ‪ .‬بلى من كسللب سلليئة‬
‫وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هللم‬
‫فيها خالدون{ ]البقرة ‪80 /‬ل ‪.[81‬‬
‫ثببم قببال‪ :‬وبهللذا تعلللم أخللي القللارئ أن القللول بتحللول الفجللار مللن‬
‫العذاب إلللى الثللواب مللا هللو إلللى أثللر مللن آثللار الغللزو اليهللودي للفكللر‬
‫السلمي‪ ،‬قال‪ :‬وقد تنّبه لذلك العلمة الجليل السيد محمد رشيد رضللا‪،‬‬
‫فقال في مقدمة تفسيره لسورة البقللرة مللن المنللار )القاعللدة السادسللة أن‬
‫الجزاء على اليمان والعمل معا لن الدين إيمان وعمل‪ ،‬ومللن الغللرور‬
‫أن يظن المنتمي إلى دين نبي من النبياء أنه ينجو من الخلود في النللار‬
‫بمجرد النتماء‪ ،‬والشاهد عليه ما حكلاه الل لنلا علن بنلي إسللرائيل ملن‬
‫غرورهللم بللدينهم‪ ،‬ومللا رد بلله عليهللم حللتى ل نتبلع سللننهم فيلله‪ ،‬وهللو‪:‬‬
‫}وقالوا لن تمسنا النار إل أيامللا ً معللدودة{ وملللا‬
‫حكللاه عللن اليهللود والنصللارى جميعللًا مللن قللولهم‪}:‬وقالوا لن‬
‫يدخل الجنة إل من كان هللودا ً أو نصللارى تلللك‬
‫أمانيهم‪ {..‬اليتين ]‪111‬ل ‪ ،[112‬ولكننا قد اتبعنا سننهم شبرًا بشللبر‪،‬‬
‫وذراعًا بذراع‪ ،‬مصللداقًا لمللا ورد فللي الحللديث الصللحيح‪ ،‬وإنمللا نمتللاز‬
‫عليهم بأن المتبعين لهم بعلض الملة ل كلهلا‪ ،‬وبحفلظ نلص كتابنلا كللله‬
‫وضبط سنة نبينا في بيانه‪ ،‬وبأن حجة أهل العلم والهدى منلا قائمللة إلللى‬
‫يوم القيامة)‪.(249‬‬

‫قبلببت‪ :‬إن ل الخليلي ل قد نقل هذا النللص عللن السلليد محمللد رشلليد‬
‫رضا واصفًا له بالعلمللة الجليللل‪ ،‬ظنلًا منلله أنلله علللى رأيلله فللي تخليللد‬
‫أصحاب المعاصي من المسلمين ممن مات على التوحيللد فللي النللار‪ ،‬أو‬
‫أنه يعرف رأيه في ذلك وأنه يقول بما يقوله أهللل السللنة‪ ،‬ولكنلله كعللادة‬
‫‪249‬‬
‫)‪ (1‬المنار ج ‪ 112 / 1‬الطبعة الرابعة ل دار المنار‪.‬‬
‫أهل البدع الذين يريدون ترويج ما يدعون إليه بأن أهل السللنة يقولللون‬
‫بقولهم‪.‬‬
‫مللع أن مللا نقللله عللن السلليد محمللد رشلليد رضللا ل يللدل علللى مللا‬
‫يريد‪،‬ولكن مع هبذا فقبد كفانببا الخليلبي نفسبه الببرد علبى دعبواه هبذه‪،‬‬
‫وذلللك بمللا نقللله عللن السلليد محمللد رشلليد رضللا نفسلله‪ ،‬مظهللرًا السللى‬
‫والحزن عليلله فقللال بعللد النتهللاء مللن النللص السللابق مللن المنللار وفللي‬
‫الصفحة نفسها )‪ (191‬من كتابه هذا حيث قال ‪) :‬وإذا كنا نلسر بإماطة‬
‫هللذا العلمللة الكللبير لحجللاب التقليللد عللن عينيلله حللتى أبصللر الحقيقللة‬
‫واضحة‪ ،‬فإنا نأسف على وقوعه نفسه في هذه الحبولة حتى تردد في‬
‫هذه المسألة فقال تارة بالتمييز بين عصاة الموحدين وغيرهم‪ ،‬كما فللي‬
‫تفسيره لسورة يونس‪.‬‬
‫وذهب تارة أخرى إلى القول بانقطاع عببذاب النببار علللى الطلق‬
‫متأثرًا بقول ابن القيم الموافق للجهمية في ذلك كما في تفسيره لسللورة‬
‫النعام‪ .‬قال‪ :‬وسأنقل إليك أخي القللارئ مللا يمكننللي نقللله مللن نصللوص‬
‫عباراته موثقة حسب اقتضاء المقام‪.‬‬
‫ومن خلل هذا الذي ذكرته تعلم أخي القارئ أن ابن القيم قللد أخللذ‬
‫في هذه القضية بشلطر ملن ملذهب الجهميلة كملا سليأتي بيلانه إن شلاء‬
‫ال(‪.‬‬
‫قبلببت‪ :‬وما وعد به من زيادات من النقل عن ابللن القيللم جللاء فللي‬
‫ص ‪ 197‬وهللو سللطر واحللد فللي الفصللل الثللاني عقللب بلله علللى قللول‬
‫المدعين لفناء النار‪،‬حيث قال‪) :‬وأما النظريات الفلسللفية فمنهللا مللا تقللدم‬
‫نقللله عللن الجهميللة ومنهللا مللا أورده ابللن القيللم فللي كتللابيه الصللواعق‬
‫المرسلة وحادي الرواح( ثم قال في الحاشية رقم )‪ (2‬انظر الصواعق‬
‫المرسلة ص ‪ .22/24‬مطبعة المام‪.‬‬
‫وحادي الرواح ص ‪ 252/277‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫والجواب على ذلك فيما يأتي‪:‬‬
‫فبأقبول‪ :‬أما الذي ادعاه على محمد رشيد رضا صاحب المنار فقد‬
‫كفانا بنفسه الرد عليه‪ ،‬حيث نقل عنه خلف ما ادعاه عليه متأسفًا عليه‪.‬‬
‫حيث قال في ص ‪) :191‬فإنا نأسف علللى وقللوعه نفسلله فللي هللذه‬
‫الحبولة حتى تردد فللي هلذه المسلألة‪ ،‬فقللال تلارة بلالتمييز بيلن عصلاة‬
‫الموحدين وغيرهم كما في تفسيره لسورة يونس‪(..‬الخ ما سبق ذكره‪.‬‬
‫قببلبت‪ :‬وإذا تأملت كلم محمد رشيد رضا ل تجد فيلله مللا يللدعيه‬
‫عليلله‪ ،‬وإنمللا قللال‪ :‬إن انتمللاء النسللان إلللى الللدين دون عمللل فللإن هللذا‬
‫النتماء ل ينفعه‪ ،‬وصاحب الكبيرة من عصاة الموحدين ل ينطبق عليه‬
‫ذلك‪ ،‬فهو يعمل ولكنه مع ذلك بشر يخطئ فيرتكب المعصية‪ ،‬وقد جللاء‬
‫في الحديث القدسي الذي أخرجه المام مسلم في صحيحه وفيه‪ :‬يقللول‬
‫ال‪» :‬من جبباء بالحسبنة فلبه عشببر أمثالهببا‪ ..‬إلبى قبوله‪ :‬ومبن لقينببي‬
‫بقراب الرض خطيئة ل يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة«)‪.(250‬‬
‫ونقول‪ :‬وهللذا هللو قللول محمللد رشليد رضلا‪ ،‬موافقلًا لهللل السللنة‬
‫ل على ذلللك بالنصللوص مللن الكتللاب‬ ‫والجماعة‪ ،‬فهو يقول بقولهم مستد ً‬
‫والسنة‪.‬‬
‫وأما دعواه على المام ابن قيم الجوزية رحمه ال مللن أنلله يقللول‬
‫بقول الجهمية في فناء النار وأن محمد رشيد رضا قال ذلك متأثرًا بابن‬
‫القيم فإليك أيها القارئ الكريم قول ابن القيم من كتبله اللتي نقلل عنهلا لل‬
‫الخليلي ل دعواه عليه‪:‬‬
‫يقببول ابببن القيببم فببي كتببابه »الصللواعق المنزلللة« ل ل وهللي فللي‬
‫المختصللر مللن المطبللوع ‪.352/ 1‬وفللي »شللفاء العليللل« ص ‪ 258‬لل‬
‫‪250‬‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم فضل الذكر ح )‪. (7862‬‬
‫‪ 260‬في القول )بدوام النار وفنائها( وفللي كتللابه »حللادي الرواح إلللى‬
‫بلد الفراح« من ص ‪ 254‬ل ‪ 289‬فللي البللاب السللابع والسللتين‪ ،‬الللذي‬
‫عقد تحته أربعة فصللول أورد فيهلا القللوال فللي أبديببة )الجنببة والنببار(‬
‫وبعد أن أورد القوال‪ :‬قببال‪) :‬فصللل‪ :‬والللذين قطعللوا بللدوام النللار لهللم‬
‫ست طرق‪ -‬وبعد أن ذكر تلك الطرق قال في آخر ص ‪ :27‬وأما عقاب‬
‫العصاة فقد دل السمع أيضلًا عللى انقطبباعه فببي حببق الموحببدين‪ ،‬وأملا‬
‫دوامه وانقطاعه في حق الكفار فهذا معترك النببزال‪ ،‬فمببن كببان السببمع‬
‫من جانبه فهو أسعد بالصواب‪.‬‬
‫ثم بدأ في الفصل الذي يليلله فللذكر الفللرق بيللن دوام الجنللة والنللار‬
‫ل وشرعًا‪ ،‬فسرد خمسة وعشرين وجهًا‪ ،‬وحينمللا انتهلى مللن الللوجه‬ ‫عق ً‬
‫الخامس والعشرين‪،‬قال‪ :‬فهللذا نهايللة أقللدام الفريقيللن فللي هللذه المسللألة‪،‬‬
‫ولعلك ل تظفر به في غير هذا الكتاب‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬فإن قيل‪ :‬فإلى أين انتهى قدمكم في هللذه المسللألة العظيمللة‬
‫الشأن اللتي هلي أكلبر ملن الللدنيا بأضلعاف مضلاعفة؟ قيلل‪ :‬إللى قللوله‬
‫تعالى‪} :‬إن ربك فعال لما يريد{‪.‬‬
‫إلى هذا انتهى قدم أمير المؤمنين علي بن أبللي طللالب رضللي ال ل‬
‫عنه فيها حيث ذكر دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار‪ ،‬ومللا يلقللاه‬
‫هؤلء وهؤلء‪.‬‬
‫وقال‪ :‬ثم يفعل ال بعد ذلك مللا يشللاء‪ ،‬بللل وإلللى هنللا انتهللت أقللدام‬
‫الخلئق‪.‬‬
‫قال‪ :‬وما ذكرناه في هذه المسألة بل فللي الكتلاب كللله ملن صللواب‬
‫ن به‪ ،‬وما كان من خطأ فمنللي ومللن الشلليطان‬ ‫فمن ال سبحانه وهو الما ّ‬
‫وال ورسوله بريء منه‪ ،‬وهو عند لسان كل قللائل وقلبلله وقصللده وال ل‬
‫أعلم‪.‬أهل‬
‫فنقول‪ :‬من هذا الكلم أخذ الخليلي ومن يللوافقه فللي رأيلله أن ابللن‬
‫القيم يقول بفناء النار وعببدم دوامهببا‪ ،‬وأقول‪ :‬إن هللذا الكلم ليللس فيلله‬
‫دليل لمن يدعي عليه ذلك‪ ،‬وإذا كان كلم ابن القيم في هذا المكان غيللر‬
‫صريح في القول )بدوام النار( فيجب على الباحث أن يرجللع إلللى كتبلله‬
‫الخرى لينظر هل كلمه في هذه المسألة في جميع كتبه غيلر صلريح‪،‬‬
‫لنه إذا وجد كذلك فيكون هذا قوله بهذا الستقراء‪ ،‬وإن وجد في مكللان‬
‫آخر صريح إما بالقول بفناء النار وإما بللالقول بللدوامها‪ ،‬فيحمللل القللول‬
‫غير الصريح على القول الصريح‪.‬‬
‫وعلى هذه القاعدة نبدأ بكتاب ابن القيم ل »حادي الرواح« الذي‬
‫أورد فيه هذه القوال كما سبق ذكرها وتحديد صفحاتها‪.‬‬
‫فنقببول‪ :‬النللص الول‪ :‬جللاء فللي »حللادي الرواح« وفللي الطبعللة‬
‫نفسها ص ‪ 39‬التصريح بأن النار ل تفنى حيث قال‪) :‬وقد خلقت الجنللة‬
‫وما فيها‪ ،‬وخلقت النار وما فيها‪ ،‬خلقهما الل عللز وجللل‪ ،‬وخلللق الخلللق‬
‫لهما ول يفنيان ول يفنى مببا فيهمببا أبببدًا‪ ،‬فللإن احتللج مبتببدع أو زنببديق‬
‫بقول ال عز وجل‪} :‬كل شيء هالك إل وجهه{ وبنحو هللذا مللن‬
‫متشابه القرآن‪ ،‬قيل للله‪ :‬كلل شلليء مملا كتلب الل عليلله الفنلاء والهلك‬
‫هالللك‪ ،‬والجنببة والنببار خلقتببا للبقبباء ل للفنبباء ول للهلك‪ ،‬وهمللا مللن‬
‫الخرة ل من الدنيا‪.‬أهل‬
‫فهو في هذا النص يقطع ببقاء النار ودوامها‪.‬‬
‫‪ 2‬ب النص الثاني ل هو ما جاء في مقدمة كتللابه ))زاد المعللاد‪((...‬‬
‫ص ‪14‬ل ‪15‬‬
‫قال فيه‪) :‬فال سبحانه وتعالى جعللل الطيللب بحللذافيره فلي الجنللة‪،‬‬
‫وجعل الخبيث بحذافيره في النار‪ ،‬فجعل الدور ثلثة‪:‬‬
‫* دار أخلصللت للطيللبين‪ ،‬وهللي حللرام علللى غيللر الطيللبين‪ ،‬وقللد‬
‫جمعت كل طيب وهي الجنة‪.‬‬
‫* ودار أخلصت للخبيث والخبائث‪ ،‬ول يدخلها إل الخبيثون وهي‬
‫النار‪.‬‬
‫* ودار امتزج فيها الطيب والخبيث وخلط بينهما‪ ..‬إلى أن قال‪:‬‬
‫وإقامة هذا النوع مللن النللاس فببي النببار حسببب سببرعة زوال تلللك‬
‫ل وتطهيللرًا أسللرعهم خروجلًا‪،‬‬ ‫الخبللائث منهللم وبطئهللا‪ ،‬فأسللرعهم زوا ً‬
‫وأبطؤهم أبطؤهم خروجًا‪ ،‬جزاء وفاقًا وما ربك بظلم للعبيد‪ ،‬ولما كان‬
‫المشرك خبيث العنصر خبيث الذات لم تطهر النار خبثله بلل لللو خلرج‬
‫منها لعاد خبيثًا كما كان )‪ ،(251‬كالكلب إذا دخللل البحللر ثللم خللرج منلله‪،‬‬
‫فلذلك حرم ال على المشرك الجنة‪(.‬أهل‬
‫‪3‬ل وأصرح منه النللص الثللالث وهللو مللا جللاء فللي كتللابه »الوابللل‬
‫الصيب‪ «..‬ص ‪49‬حيللث قللال‪) :‬ولمللا كللان النللاس علللى ثلث طبقللات‪،‬‬
‫طيب ل يشينه خبث‪ ،‬وخبث ل طيب فيه‪ ،‬وآخرون فيهم خبث وطيب‪.‬‬
‫فكانت الدور ثلثة‪:‬‬
‫* دار الطيب المحض‪ ،‬ودار الخبيث المحض‪ ،‬وهاتان الببداران ل‬
‫تفنيان‪.‬‬
‫* ودار لمن معه خبث وطيب‪ ،‬وهي الدار الللتي تفنللى‪ ،‬وهللي دار‬
‫العصاة فللإنه ل يبقللى فللي جهنللم مللن عصللاة الموحللدين أحللد‪ ،‬فللإنهم إذا‬
‫عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنللة‪ ،‬ول يبقللى إل دار‬
‫الطيب المحض‪ ،‬ودار الخبيث المحض‪.‬أهل‬

‫)‪ (1‬ويدل على ذلك قوله تعالى عن الكفار‪} :‬ولو ترى إذ وقفوا على النار فقبالوا‬ ‫‪251‬‬

‫يا ليتنا نرد ول نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين‪ .‬بل بدا لهم ما كانوا يخفون مببن‬
‫قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون{ ]النعام ‪ 27‬ل ‪.[28‬‬
‫وبنقل هذه النصوص من كتبه يتضح للقارئ الذي يريد الحللق أن‬
‫مذهب ابن القيم هو مذهب أهل السللنة والجماعللة‪ ،‬القللائلين بللدوام النللار‬
‫وأبديتها‪ ،‬وأن الكفار والمشركين والمنافقين النفللاق العتقللادي هللم أهللل‬
‫النار الذين ل يموتون فيها ول يحيون‪ ،‬بل عذابهم دائم كما قللال تعللالى‪:‬‬
‫}إن الذين كفروا بآياتنللا سللوف نصللليهم نللارا ً‬
‫كلما نضللجت جلللودهم بللدلناهم جلللودا غيرهللا‬
‫ليذوقوا العللذاب إن الللله كللان عزيللزا حكيم لا ً{‬
‫] النساء ‪.[ 56 /‬‬
‫وهذا القول هو الواجب بأن ينسب إلى ابللن القيللم رحملله الل لنلله‬
‫هو ما صرح به في كتبه‪ ،‬وهللو المتفللق مللع نصللوص الكتللاب والسللنة‪،‬‬
‫ولهذا قال فللي »حللادي الرواح« ص ‪ .27‬بعللد نقللله للقللوال فللي هللذه‬
‫المسألة قال‪:‬‬
‫)إن من كان السمع مللن جللانبه فهللو أسللعد بالصللواب‪ ،‬ولهللذا نقللل‬
‫النصوص الدالة على دوام النار وعدم فنائهللا‪ ،‬وأن القللائلين بفنلاء النلار‬
‫هم أهل البدع‪.‬‬
‫وأن النار ل تفنى‪ ،‬وأن الكفار يعذبون فيهللا كمللا قللال تعللالى‪} :‬ل‬
‫يقضى عليهم فيموتوا ول يخفللف عنهللم مللن‬
‫عذابها{ ]فاطر ‪.[36 /‬‬
‫ثم قال في ص ‪) : 191‬وذهللب الشللعرية ومللن حللذا حللذوهم مللن‬
‫الطوائف المنتسبة إلى السنة‪ ،‬إلى خلود الللدارين‪ ،‬وعللدم انقطللاع ثللواب‬
‫البرار‪ ،‬وعذاب غير الموحللدين مللن الفجللار‪ ،‬أمللا الموحللدون‪ ،‬فقللالوا‪:‬‬
‫إنهم يعذبون إلى أمد ثم يخرجون من النار ويللدخلون الجنللة‪ ،‬فيتنعمللون‬
‫ويخلدون فيها مع البرار‪.‬‬
‫قبلبت‪ :‬وهذا قول أهل السنة قاطبلة ومنهلم ابلن القيلم‪ ،‬وكللل أتبلاع‬
‫السلف يقولون ذلك ومنهم محمد رشيد رضا‪.‬‬
‫ثم قال‪) :‬وعقيدتنا معشر ب الباضية ل أن كل من دخللل النللار مللن‬
‫عصاة الموحدين والمشركين مخلدون فيها إلى غير أمببد‪ ،‬كمللا أن مللن‬
‫دخل الجنللة مللن عبللاد الل البللرار ل يخرجللون منهللا‪ ،‬إذ الللداران دارا‬
‫خلود‪.‬‬
‫قببال‪ :‬ووافقنببا علببى ذلببك المعتزلببة والخببوارج علللى اختلف‬
‫طوائفهم‪.‬‬
‫قال‪ :‬وإنمببا خالفنببا الخببوارج مللن حيللث إنهللم يحكمللون علللى كللل‬
‫معصية تؤدي إلى العذاب بالشرك المخرج من الملة‪.‬‬
‫فخالفوا بذلك نصوص الكتاب والسنة وإجماع المة(‪.‬أهل‬
‫إلى هنا انتهى كلم الخليلي‪.‬‬
‫قلببت‪ :‬وقببد أبببان عببن عقيببدة الباضببية فببي الحكللم علللى عصللاة‬
‫الموحللدين بللالخلود فللي النللار‪ ،‬مخللالفين بقللولهم هللذا جميللع الطللوائف‬
‫المنتسبة للسنة‪ ،‬كما يقول مبينلًا أن هللذه العقيللدة ‪-‬وهللي القللول لل بخلللود‬
‫العصاة من الموحدين في النار‪ -‬وافقهم فيها‪:‬‬
‫* المعتزلة‪.‬‬
‫* والخوارج على اختلف طوائفهم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫)وإنما خالفهم الخوارج في مسألة واحدة وهي حكمهللم علللى كللل‬
‫معصية تؤدي إلى العذاب بالشرك المخرج من الملة(‪.‬‬
‫ثم ادعى عللى الخللوارج أنهللم فلي هلذه المسللألة خللالفوا نصلوص‬
‫الكتاب والسنة والجماع‪.‬‬
‫ومعنى هذا أن الخليلي وطائفته ب الباضية ل لللم يخللالفوا فللي هللذه‬
‫المسألة وهي دعواهم خلود عصاة الموحدين فللي النللار‪ ،‬ل الكتللاب ول‬
‫السنة ول الجماع‪.‬‬

‫» البببببببببببببببببببببرد«‪:‬‬
‫مناقشللة الخليلللي فللي فقللرات هللذا النللص الللذي نقلنللاه عنلله كللام ً‬
‫ل‬
‫ليتضح للقارئ زيف ما ادعاه الخليلي‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬اشتمل هذا النص على الفقرات التالية‪:‬‬
‫‪ 1‬لل دعللواه علللى أهللل السللنة أنهللم أخللذوا القللول بخللروج عصللاة‬
‫الموحدين من النار من اليهود‪.‬‬
‫‪ 2‬ل دعواه على صاحب المنار أنه يقللول بقللوله فللي خلللود عصللاة‬
‫الموحدين في النار‪ ،‬ولكن سبق نقل اعترافه بللأن صللاحب المنللار يقللول‬
‫بقول أهل السنة وأبدى تحسره وأسفه عليه‪ ،‬إل أنه ادعى عليه أنه تللابع‬
‫في ذلك ابن القيم لل ل بخللروج العصللاة مللن النللار فحسللب‪ ،‬بللل بللالقول‬
‫بانقطاع عذاب النار على الطلق كما تقول الجهمية‪.‬‬
‫‪ 3‬ل دعواه أن مذهبه ومذهب الخوارج واحد‪ ،‬وأنه ل خلف بينهم‬
‫إل في الحكم على مرتكب كللل معصللية فللي الللدنيا تللؤدي إلللى العللذاب‬
‫بالشرك المخللرج مللن الملللة‪ ،‬وأنهللم فللي حكمهللم هللذا خللالفوا نصللوص‬
‫الكتاب والسنة وإجماع المة‪.‬‬

‫ومعنببى هببذا بب أن مللن خللالف نصللوص الكتللاب والسللنة وإجمللاع‬


‫المة‪ ،‬يضرب بقوله عرض الحائط ول يلتفت إليلله‪ ،‬وينبغللي مللن بللاب‬
‫العدل والنصللاف أن يسللاوى بيللن الطللوائف فللي الحكللم‪ ،‬وهللو أن مللن‬
‫خالف نصوص الكتاب والسنة والجماع‪ ،‬أن ل يلتفت لقوله‪.‬‬
‫ونبدأ بالرد على المسببألة الولببى‪) :‬وهللي دعللواه‪ :‬أن أهللل السللنة‬
‫أخذوا مذهبهم بالقول بعدم خلود عصاة الموحدين في النار من اليهود(‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬إن أهل السنة والجماعة أخذوا مذهبهم بعدم خلللود عصللاة‬
‫الموحدين في النار من‪:‬‬
‫‪ 1‬ل كتاب ال ‪.U‬‬
‫‪ 2‬ل وسنة نبيه صلى ال عليه وسلم المعصوم من الزلل‪.‬‬
‫‪ 3‬ل ومن إجماع سلف المة الصحابة والتابعين والئمة المهديين‪.‬‬
‫* أما نص كتاب ال ‪:U‬‬
‫فبببال يقببببول‪} :‬إن الللله ل يغفللر إن يشللرك بلله‬
‫ويغفر ما دون ذلك لمن يشلللللاء‪] {..‬النساء ‪.[116‬‬
‫فكل المعاصي دون الشرك بال عز وجل تحت مشيئته‪ ،‬يغفر لمن‬
‫يشاء بفضله ورحمته‪ ،‬ويعذب من يشاء بعدله وحكمتللله‪} .‬ل يسأل‬
‫عما يفعل{ سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫‪ 2‬ب ومن السنة‪ :‬في صحيح مسلم كتاب الللذكر بلاب فضللل الللذكر‬
‫والدعاء والتقرب‪.‬‬
‫عن أبي ذر رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسللول ال ل صلللى ال ل عليلله‬
‫وسلم‪ :‬يقول ال ‪» :U‬من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد‪ ،‬ومن‬
‫جاء بالسيئة فجببزاؤه سببيئة مثلهببا أو أغفببر‪ ..‬إلببى قببوله‪ :‬ومبن لقينببي‬
‫بقراب الرض خطيئة ل يشرك بي شيئًا لقيته بمثلها مغفرة )‪.«(252‬‬

‫‪252‬‬
‫)‪ (1‬مسلم ‪ /‬الذكر والدعاء ح ‪ ،(2687) 22‬البخاري ‪ /‬كتاب الجنائز بلاب ملن‬
‫كان آخر كلمه لإله إل ال‪ ،‬فتح الباري ‪ .3/109‬ومسلللم ‪ /‬كتللاب اليمللان ‪ /‬بللاب‬
‫من مات ل يشرك بال شيئًا دخل الجنة‪ ،‬ح ‪.94‬‬
‫فهلذا الحللديث القدسلي نلص صلريح فلي أن الل علز وجلل يغفلر‬
‫الذنوب كلها صغيرها وكبيرها ولللو ملت الرض‪ ،‬إذا جللاءه صللاحبها‬
‫موحدًا بال غير مشرك به أحدًا‪ ،‬وهو نص اليلة السلابقة ذكرهلا وهللي‬
‫قوله تعالى‪} :‬إن الله ل يغفر أن يشرك بلله ويغفللر‬
‫ما دون ذلك لمن يشاء{ ]النساء‪.[ 116/‬‬
‫‪ 2‬ل ما رواه البخاري ومسلم عن أبي ذر رضي ال عنه قال‪:‬‬
‫أتيت النبي صلى ال عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهللو نللائم‪ ،‬ثللم‬
‫أتيته وقد استيقظ‪ ،‬فقال‪» :‬ما من عبد قال‪ :‬ل إله إل ال ب ثببم مببات علببى‬
‫ذلك إل دخل الجنببة‪ .‬قلببت‪ :‬وإن زنببى وإن سببرق؟ قببال‪ :‬وإن زنببى وإن‬
‫سرق‪ .‬قلت‪ :‬وإن زنى وإن سرق؟ قال‪ :‬وإن زنى وإن سرق على رغببم‬
‫أنف أبي ذر« وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال‪ :‬وإن رغم أنف أبي ذر‪.‬‬
‫وفي رواية مسلم قال‪ :‬فخرج أبو ذر وهببو يقببول‪ :‬وإن رغببم أنببف‬
‫أبي ذر‪.‬‬
‫فهذه الدلة من الكتاب والسنة صريحة في أنلله ل يخلللد فللي النللار‬
‫من مات على التوحيد‪ ،‬وأنه مهما عذب في النار فإنه سيكون مللآله الللى‬
‫الجنة بدون شك ول تردد‪ ،‬لقول الصادق المصللدوق بللإخراج مللن كللان‬
‫في قلبه مثقال ذرة من إيمان كما في أحاديث الشفاعة المتواترة‪.‬‬
‫‪ 3‬ب الجمبببباع‪ :‬فقد أجمللع أهللل السللنة والجماعللة مللن سلللف هللذه‬
‫المة‪ :‬الصحابة ومن جاء بعدهم وسلك مسلكهم‪ ،‬أنه ل يخلللد فللي النللار‬
‫إل الكفار والمشركون الشللرك الكللبر‪ ،‬والمنللافقون النفللاق العتقللادي‪،‬‬
‫مستندين إلى نصوص الكتاب والسنة‪.‬‬
‫ولم يخالف في ذلك إل أهل الضلل من الخوارج والمعتزلة ومللن‬
‫يقول بقولهم‪ ،‬وهؤلء ل يعتد بخلفهم‪.‬‬
‫ثللم يقللرر الخليلللي أن الخللوارج علللى اختلف طللوائفهم وافقللوا‬
‫الباضية في تخليد أصحاب الكبائر في النار‪ ،‬وكذلك المعتزلة‪ ،‬ومعنللى‬
‫هذا أن الباضية في الحكم على مرتكب الكبيرة بللالخلود فللي النللار هللم‬
‫الصللل وإنهللم السللابقون لللذلك‪ ،‬والخللوارج تبللع لهللم‪ ،‬إل أنلله قللال‪ :‬إن‬
‫الخوارج خالفوا الباضية مللن حيللث إنهللم يحكمللون علللى كللل معصللية‬
‫تؤدي إلى العذاب بالشرك المخرج من الملة‪.‬‬
‫ثم قال‪) :‬فخالفوا بللذلك نصللوص الكتللاب والسللنة والجمللاع( ص‬
‫‪.119‬‬
‫هكببذا يبقبببول‪ .‬وكللأن قللوله‪ :‬بتخليللد الفسللاق فللي النللار ل يخللالف‬
‫نصوص الكتاب ول السنة ول الجماع!!‪.‬‬
‫ولكن ارجع إلى ص ‪ ،187‬واقرأ تعريفه لحد الكبيرة‪ ،‬وإليك نص‬
‫كلمه‪:‬‬
‫قال في ص ‪) :187‬وأما الكبائر فهي جمللع كللبيرة‪ ،‬وهللي كللل مللا‬
‫عظم من المعصللية فللترتب علللى ارتكابهللا وعيللد فللي القللرآن أو السللنة‬
‫الصللحيحة‪ ،‬سللواء شللرع لهللا حللد فللي الللدنيا كالزنللا والسللرقة وقللذف‬
‫المحصنات‪ ،‬أو لم يشرع كأكل الربا والميتة والدم ولحم الخنزير(‪.‬‬
‫والسؤال‪ :‬جاء عللن رسللول الل صلللى ال ل عليلله وسلللم فللي السللنة‬
‫الصحيحة بل الحديث المتفق عليه في البخاري ومسلم‪:‬‬
‫من حديث أبي ذر رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال ب صببلى ال ب‬
‫شببرني‪ -‬أنببه مببن‬‫عليه وسلم‪»:‬أتاني آت مببن ربببي فببأخبرني‪ -‬أو قببال ب ّ‬
‫مات من أمتي ليشببرك بببال شببيئًا دخببل الجنببة‪ .‬فقلببت‪ :‬وإن زنببى وإن‬
‫سرق‪ ،‬قال‪ :‬وإن زنى وإن سرق«)‪.(253‬‬

‫‪ ()) 253‬البخاري‪ /‬الجنائز ح ‪1237‬؛ ومسلم‪ /‬بلاب ملن ملات ل يشلرك بلال شليئًا دخلل‬
‫الجنة ح ‪.94‬‬
‫ألم يخالف الخليلي وطائفته الباضيه هذا النص النبوي الثابت في‬
‫أصح كتاب بعد كتاب ال تعللالى‪ ،‬وكللذلك اليللة الكريمللة‪} :‬إن الله‬
‫ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمللن‬
‫يشاء{‪ .‬والحاديث التي سلبق ذكرهللا وهللي فللي الصللحيحين‪ ،‬وفيهللا‬
‫النص على أن من لقي ال بالتوحيد ولللو ملت ذنللوبه الرض فللإن الل‬
‫بمنه وفضله يغفرها له‪.‬‬
‫وبهذا يتضح أن الخليللي وملن يقلول بقلوله ملن الباضلية خلالفوا‬
‫نصوص الكتلاب والسللنة المتللواترة فللي إخللراج عصللاة الموحللدين مللن‬
‫النار‪.‬‬
‫وبناء على ما اعترف به الخليلي ورد به على الخللوارج فللي أنهللم‬
‫خالفوا نصوص الكتاب والسنة والجمللاع لل حيللث جعلللوا كللل معصللية‬
‫يسللتحق صللاحبها الخلللود فللي النللار‪ ،‬فخللالفوا بللذلك الكتللاب والسللنة‬
‫والجماع‪ -‬فيرد قولهم ويضرب به عرض الحائط‪.‬‬
‫أقببول‪ :‬إن مللن العللدل والنصللاف تطللبيق هللذه القاعللدة علللى كللل‬
‫مخالف لنص الكتاب والسنة والجماع‪.‬‬
‫وقللد ثبللت أن الخليلللي والباضللية الللذين يحكمللون علللى مرتكللب‬
‫الكللبيرة الللذي يمللوت علللى التوحيللد بللالخلود فللي النللار أنهللم مخللالفون‬
‫لنصوص الكتاب والسنة والجماع‪ ،‬فيجب أن يضللرب بقللولهم عللرض‬
‫الحائط تطبيقًا لقاعدة العدل والمساواة‪.‬‬
‫فللإلى الفصللل الثللاني الللذي جعللل الخليلللي عنللوانه أدلببة القببائلين‬
‫بانقطاع العذاب‪.‬‬
‫عقد الفصل الثاني وعنوانه‪:‬‬ ‫في ص ‪192‬ب‬
‫»في أدلة القائلين بانقطاع العذاب«‬

‫قال‪) :‬وقد علمت أن هؤلء طائفتان‪ ،‬طائفة تقول‪ :‬بانقطاع عللذاب‬


‫كل من في النار من موحد ومشرك‪ ،‬وهم جهم وأصحابه ومن سار فللي‬
‫ركابهم كابن القيم‪ .‬وطائفة تقول‪ :‬بانقطاع عذاب الموحدين دون عذاب‬
‫المشركين(‪.‬‬
‫قببلت‪ :‬وقد علمت أن ما نسللبه الخليلللي إلللى ابللن القيللم مللن القللول‬
‫بفناء النار قول باطل‪ ،‬وقد تقدم بيللان قللول ابللن القيللم مللن كتبلله‪ ،‬بللدوام‬
‫النللار ودوام علللذاب المشلللركين الشلللرك الكلللبر‪ ،‬والمنللافقين النفلللاق‬
‫العتقادي‪ ،‬والكفار‪ ،‬كما ذكر ابن القيللم أن القللول بفنلاء النللار هلو قللول‬
‫الجهمية‪.‬‬
‫ل هو يرد على القللائلين بلله‪ ،‬وكتبلله الللتي يللرد‬ ‫فكيف ينسب إليه قو ً‬
‫فيها على أهل البللدع بيلن يلدي المؤلللف الخليلللي فملا حجللة الخليلللي إذا‬
‫وقف بين يدي ال هو وابن القيم يوم القيامة‪.‬‬
‫وأما الطائفة الثانية التي يقول عنها‪ :‬إنهللا تقللول‪ :‬بانقطللاع عللذاب‬
‫الموحدين دون المشركين ‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬نعم‪ ،‬هذا قول أهل السنة والجماعة كلهم‪ ،‬ومنهم المام ابن‬
‫القيم وذلك للدلة الدالة على ذلك من الكتاب والسنة والتي سيرد ذكرها‬
‫بعد أن نورد ما ذكره الخليلي من اليات التي نزلت فلي الكفلار فطبقهلا‬
‫على الموحدين كما فعل الخوارج‪ ،‬وقد قال عبدال بن عمر رضللي ال ل‬
‫عنه في وصف الخللوارج‪ :‬بللأنهم انطلقللوا إلللى آيللات نزلللت فللي الكفللار‬
‫فجعلوها على المؤمنين )‪.(254‬‬
‫‪254‬‬
‫)‪ (1‬البخاري ل كتاب استتابة المرتدين ‪ /‬باب قتل الخوارج ‪ /‬فتح الباري ‪/ 12‬‬
‫قال في ص ‪ 193‬وهو يتابع تعليقه على آيللة سللورة هللود ‪:108/‬‬
‫}وأما الذين سعدوا ففي الجنللة خالللدين فيهللا‬
‫ما دامت السموات والرض إل مللا شللاء ربللك{‬
‫وترك هنا خاتمة الية‪} :‬عطاء غير مجذوذ{‪.‬‬
‫قال‪ :‬فالستثناء كالستثناء والتعليق كالتعليق ل ويعنللي بلله مللا جللاء‬
‫في الية الكريمة‪} :‬فأما الذين شقوا ففي النار لهم‬
‫فيهلللا زفيلللر وشلللهيق‪ .‬خاللللدين ملللا داملللت‬
‫السللموات والرض إل مللا شللاء ربللك إن ربللك‬
‫فعال لما يريد{ ]هود ‪.[107-106‬‬
‫ل بها للقائلين بانقطاع عذاب الكفللار والموحللدين‬ ‫وقد أوردها مستد ً‬
‫جميعًا‪ ،‬لن بقاءهم في النار منوطًا بدوام السموات والرض‪ ،‬مع العلم‬
‫أن السموت والرض فانية والمعلق وجوده على وجود الفاني فهو فان‪.‬‬
‫ثم قال ب في آية السعداء ل إن التعليق عليها مثل التعليق على اليللة‬
‫السابقة أي ل أن نعيم الجنة منقطع‪.‬‬
‫ثللم قللال‪ :‬وهللذا اللللزام خبباص بببابن القيببم ومللن نحللا نحللوه مببن‬
‫المفرقين بين الثواب والعذاب‪ ،‬دون الجهمية لنهم يقولون بانقطاع كل‬
‫منهما‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا نقض من الخليلي لدعواه علللى ابلن القيللم فللي أول ص‬
‫‪ :192‬من أن ابن القيم صار في ركللاب الجهميللة فقللال بانقطللاع عللذاب‬
‫كل من في النار من موحد ومشرك‪.‬‬
‫وهكذا كل مبطل يدعي على أهللل الحللق خلف مللا يقولللون‪ ،‬فهللل‬
‫رأيت أحدًا يللدعى فللي أول ص ‪ 192‬دعللوى ثللم ينقضللها فللي الصللفحة‬
‫المقابلة لها‪ ،‬أي أن كلمه السابق لم تغط عليه الصللفحة حللتى يقللال إنلله‬
‫‪. 282‬‬
‫نسللي مللا قللاله‪ ،‬ولكللن أهللل الهللواء يعمللي ال ل أبصللارهم كمللا عميللت‬
‫بصائرهم‪.‬‬
‫ولللذلك نجللد الخليلللي فللي الصللفحة التاليللة )‪ (194‬ينللزل اليللات‬
‫النازلة في الكفار في دوام عذابهم واستمراره على أصللحاب المعاصللي‬
‫من المسلمين ولهذا قال‪) :‬وكما دل قوله‪} :‬عطاء غير مجذوذ{‬
‫على استمرار النعيم‪.‬‬
‫دل قببوله‪} :‬وما هم بخلارجين ملن النللار{ ]البقللرة‪:‬‬
‫‪ .[167‬وقوله‪} :‬ل يقضى عليهم فيموتوا ول يخفف‬
‫عنهم من عذابها{ ]فاطر‪ .[36:‬وقوله‪} :‬كلما أرادوا أن‬
‫يخرجوا منهللا أعيللدوا فيهللا{ ]السلللجدة‪ .[2 :‬وقللوله‪} :‬إن‬
‫عللذابها كللان غرامللا‪ .‬إنهللا سللاءت مسللتقرا ً‬
‫ومقاما ً{ ]الفرقان‪65 /‬لللل ‪ .[66‬وقوله‪} :‬يريدون أن يخرجللوا‬
‫من النار وما هم بخارجين منهللا ولهللم عللذاب‬
‫مقيم{] المائدة‪ . [37/‬وقوله‪} :‬وما هم عنها بغللائبين{‬
‫] النفطار ‪.[16 /‬‬
‫وقللوله‪} :‬ول يدخلون الجنة حللتى يلللج الجمللل‬
‫في سم الخياط{ ]العراف ‪.[40/‬‬
‫على استمرار العذاب وحرمان أهله من نعيم الجنببة‪ ،‬وكفللى بهللذه‬
‫ل على أن ال لم يشأ بهم إل العذاب(‪.‬‬
‫النصوص دلي ً‬
‫قلللت‪ :‬وللقارئ الكريم الطالب للحق أن يرجع لسياق هللذه اليللات‬
‫ولكتب التفسير المعتمدة‪ ،‬ليعلم صدق قول الصحابي الجليل عبد ال بللن‬
‫عمر ‪،t‬ل أن هؤلء انطلقوا إلى آيات نزلت فببي الكفببار فطبقوهببا علببى‬
‫المؤمنين‪.‬‬
‫ل بهللا علللى دوام عللذاب‬
‫فهذه اليات الللتي أوردهللا الخليلللي مسللتد ً‬
‫العصاة من الموحدين واستمراره وعدم انقطاعه عنهم‪ ،‬هللي نازلللة فللي‬
‫الكفار الذين كذبوا بآياته تعالى‪ ،‬وكفروا به وبرسوله‪ ،‬واتخذوا مللع اللل‬
‫اللهة والنداد‪ ،‬فآية البقرة ‪ 167/‬هي في سللياق قللوله تعللالى‪} :‬ومن‬
‫النلاس ملن يتخلذ ملن دون اللله أنللدادا ً يحبلونهم‬
‫كحب الله والذين آمنللوا أشللد حب لا ً لللله ولللو يللرى‬
‫الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا ً‬
‫عللوا مللن‬ ‫وأن الله شديد العذاب‪ .‬إذ تبرأ الذين ات ّب ِ ُ‬
‫علللوا ورأوا العلللذاب وتقطعلللت بهلللم‬ ‫اللللذين ات ّب َ ُ‬
‫عوا لو أن لنا ك َّرة فنتبرأ‬ ‫السباب‪ .‬وقال الذين ات ّب َ ُ‬
‫منهم كما تبرؤوا منا كذلك يريهللم الللله أعمللالهم‬
‫حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار{ ]البقللللرة‪:‬‬
‫‪165‬ل ‪.[ 167‬‬
‫فهذه اليات التي وردت فلي النعلي عللى المشلركين ‪-‬المتخللذين‬
‫النداد ل تعالى من الصنام والوثان ل جاءت بعللد قللوله تعللالى‪} :‬إن‬
‫فلللي خللللق السلللموات والرض واختلف الليلللل‬
‫والنهار والفلك التي تجري في البحللر بمللا ينفللع‬
‫الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به‬
‫الرض بعللد موتهللا وبللث فيهللا مللن كللل دابللة‬
‫وتصريف الرياح والسحاب المسللخر بيللن السللماء‬
‫والرض ليات لقوم يعقلون{ ]البقرة‪.[164:‬‬
‫فال عز وجل يقول لعباده هذه اليات الدالة على قدرة ال تعالى‪،‬‬
‫المبينة أنه ل يقدر عليها أحد غيره‪ ،‬فيها الدللة الواضحة البينة للعقلء‬
‫بأنه ل يستحق العبادة غيره‪ ،‬ومع هذه البراهين القاطعة يتخذ فريق مللن‬
‫الناس من دون ال أصنامًا وأوثانًا يجعلونهم نضراء ل‪ ،‬ويعطونهم مللن‬
‫المحبة والتعظيم والطاعة ما ل يليق إل بللال وحللده‪ ،‬والمللؤمنين أعظللم‬
‫حبًا ل من حب هؤلء الكفللار للهتهللم‪ ،‬لن المللؤمنين أخلصللوا المحبللة‬
‫كلها ل‪ ،‬وأولئك أشركوا فللي المحبللة‪ ،‬ولللو يعلللم الللذين ظلمببوا أنفسببهم‬
‫بالشللرك فلي الحيلاة اللدنيا حيلن يشلاهدون علذاب الخلرة‪ ،‬أن الل هلو‬
‫المتفرد بالقوة جميعًا‪ ،‬وأن ال شديد العذاب‪ ،‬لمللن اتخللذوا مللن دون الل‬
‫آلهة يعبدونهم من دونه ويتقربون بهم إليلله‪ ،‬كمللا قللال ال ل عنهللم‪} :‬ما‬
‫نعبدهم إل ليقربونا إلى الله زلفى{ وهكللذا فسللياق‬
‫اليات في الكفار‪ ،‬الرؤساء المتبعون‪ ،‬والتللابعون لهللم‪ ،‬وعنللد معللاينتهم‬
‫العذاب يتبرأ الرؤساء المّتَبعون ممن اتبعهم على الشرك‪ ،‬وتتقطع بينهم‬
‫كل الصلت التي ارتبطوا بها في الدنيا }إذ تبرأ الذين اتبعوا‬
‫من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعللت بهللم‬
‫السباب‪ .‬وقللال الللذين اتبعللوا لللو أن لنللا كللرة‬
‫فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا{‬
‫قللال اللل تعللالى‪} :‬كذلك يريهللم الللله أعمللالهم‬
‫حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار{‪.‬‬
‫وهكذا يقتطع الخليلي آخر هذه الية الببتي ختمببت بمصببير الكفببار‬
‫الذين أشركوا بال غيره‪ ،‬وهذا جزاؤهم الذي ل يخالف فيلله أحللد وهللو‬
‫خلود المشركين في النار‪.‬‬
‫ل على تخليد أصحاب الكبائر من أمة محمللد الللذين‬ ‫فيجعل ذلك دلي ً‬
‫ماتوا على التوحيد ولم يشركوا بال شيئًا‪.‬‬
‫وقد وعدهم أكرم الكرمين بأنهم تحت مشلليئته إن شللاء غفللر لهللم‬
‫من أول وهلة‪ ،‬وإن شاء عذبهم بقدر ذنوبهم ثللم يللدخلهم الجنللة كمللا هللو‬
‫مقتضي النصوص والجماع‪،‬كما قال تعالى‪} :‬إن الله ل يغفر‬
‫أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشللاء‪{..‬‬
‫]النساء ‪.[ 116 /‬‬
‫وفي الحديث القدسي عن أبي ذر رضللي الل عنله‪» :‬ومببن لقينببي‬
‫بقراب الرض‬
‫خطيئة ل يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة« )‪.(255‬‬
‫فال أرحم بعباده الموحدين من الم بولدها‪.‬‬
‫وليس للخليلي ول لغيره من أهللل البللدع أن يضلليقوا واسللعًا‪ ،‬وأن‬
‫يتألوا على ال عز وجل‪ ،‬ويردوا ما نص عليه كتاب ال الكريم‪ ،‬وسللنة‬
‫رسللوله الميللن بللأهوائهم }ومن أضل ممن اتبللع هللواه‬
‫بغير هدى من الله{‪.‬‬
‫والعجب من ذلك آية فاطر ‪ 36 /‬التي أوردها الخليلي وقد حذف‬
‫أولها وآخرهللا؛ فللذكر منهللا‪ :‬قللوله تعللالى‪ } :‬ل يقضى عليهم‬
‫فيموتوا ول يخفف عنهم من عذابها{ مسللتد ً‬
‫ل بهللا‬
‫على تخليد العصاة في النار‪.‬‬
‫وإليك نص الية كاملللة لللترى أنهللا نزلللت فللي الكفللار ول تحتمللل‬
‫موضوع عصاة الموحدين بأي وجه قال تعالى‪} :‬والذين كفروا‬
‫لهم نار جهنللم ل يقضللى عليهللم فيموتللوا ول‬
‫يخفللف عنهللم مللن عللذابها كللذلك نجللزي كللل‬
‫كفور{ ]فاطر‪.[36:‬‬
‫وهكذا يعمل‪ :‬يأخذ جزء الية تلبيسًا على القراء مللن أجللل تللبرير‬
‫مذهبه‪ ،‬لنه يعلم أنلله ل خلف فللي تخليللد الكفللار فللي النللار واسللتمرار‬
‫عذابهم ودوامه‪ ،‬فل يخالف أهل السنة في ذلك قاطبة‪ ،‬وهللو مللا صللرح‬
‫به ابن القيم في كتبه كما سبق نقل ذلك عنه‪ ،‬وصرح به كللل سللني سلللم‬
‫من داء الهوى والبتداع‪.‬‬
‫ومثلها آية السجدة‪ ،‬التي أوردها تاركًا أولها وخاتمتهللا المصللرحة‬
‫بأن ذلك جزاء الكفار الذين يكذبون بآيات ال ل وينكللرون البعللث‪ ،‬فللذكر‬
‫ال جزاءهم مقارنًا لهم بللالمؤمنين حيللث قللال تعللالى‪} :‬أفمن كان‬
‫‪255‬‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم ح )‪. (2687‬‬
‫مؤمنا ً كمن كللان فاسللقا ً ل يسللتوون‪ .‬أمللا الللذين‬
‫آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نللزل ً‬
‫بما كانوا يعملون‪ .‬وأما الللذين فسللقوا فمللأواهم‬
‫النار كلمللا أرادوا أن يخرجللوا منهللا أعيللدوا فيهللا‬
‫وقيللل لهللم ذوقللوا عللذاب النللار الللذي كنتللم بلله‬
‫تكذبون{ ]السجدة ‪18 /‬ل ‪.[20‬‬
‫فهؤلء كفار مكذبون بما جاءت به الرسل‪ ،‬منكللرون للعللذاب يللوم‬
‫القيامللة ومكللذبون بلله‪ ،‬والكفللار فسللاق بنللص القللرآن الكريللم‪ ،‬وليللس‬
‫المقصود بالفسللق فللي هللذه اليللة وأمثالهللا المعصللية الللتي تحللدث مللن‬
‫المسلم الموحد‪.‬‬
‫فقد قال تعالى في وصف المنافقين النفللاق العتقللادي بللأنهم فسللاق‬
‫بعد أن وصفهم بالكفر‪} :‬استغفر لهم أو ل تستغفر لهللم‬
‫إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهللم‬
‫ذلك بأنهم كفروا بللالله ورسللوله والللله ل يهللدي‬
‫القوم الفاسقين{ ]التوبة‪.[80/‬‬
‫وقال‪} :‬ول تصل على أحد منهم مات أبدا ً ول‬
‫تقم علللى قللبره إنهللم كفللروا بللالله ورسللوله‬
‫وماتوا وهم فاسقون{ ]التوبة‪.[84 :‬‬
‫وكذلك استدلله بآيتي الفرقان )‪65‬ل ‪}:(66‬إن عذابها كان‬
‫غرامًا‪ .‬إنها ساءت مستقرا ً ومقاما ً{‪.‬‬
‫فهاتان اليتان جاءت في سياق استعاذة عبللاد الرحمللن بربهللم مللن‬
‫عذاب جهنم‪ ،‬التي أعدت للكفار مستقرًا ومقامًا‪.‬‬
‫ونلص اليلات الللتي جللاءت هاتلان اليتلان فللي سللياقها هلي قللوله‬
‫تعلللالى‪} :‬وعبللاد الرحمللن الللذين يمشللون علللى‬
‫الرض هونللا ً وإذا خللاطبهم الجللاهلون قللالوا‬
‫سلمًا‪ .‬والذين يللبيتون لربهللم سللجدا ً وقيام لًا‪.‬‬
‫والذين يقولون ربنا اصرف عنللا عللذاب جهنللم‬
‫إن عذابها كللان غرام لًا‪ .‬إنهللا سللاءت مسللتقرا ً‬
‫ومقاما ً{‪.‬‬
‫فهل يوجد أحد يؤمن بال واليوم الخر يجادل في أن عذاب جهنللم‬
‫غرام لمن كفر وأشرك بال‪ ،‬وأنها الدار التي تسوء ساكنيها مللن الكفللار‬
‫والمنافقين‪ ،‬فهؤلء الصببالحون البببرار يسللألون ربهللم أل يخزيهللم وأن‬
‫ليدخلهم النار التي أعدها ال لمللن ورد ذكرهللم قبللل هللذه اليللات‪ ،‬مللن‬
‫المشركين به المستكبرين عن عبادته‪ ،‬كما قال عنهم في الية )‪ (60‬من‬
‫سللورة الفرقللان‪} :‬وإذا قيللل لهللم اسللجدوا للرحمللن‬
‫قالوا وما الرحمن أنسجد لمللا تأمرنللا وزادهللم‬
‫نفورا ً{‪.‬‬
‫فهؤلء هللم الللذين أعللدت لهللم نللار جهنللم مسللتقرًا ومقاملًا‪ ،‬وعبللاد‬
‫الرحمن يستعيذون بربهم منهللا‪.‬ثللم هللم يسللتعيذون منهللا ويخللبرون أنهللا‬
‫أسوأ مقر ومقام لمللن يللدخلها‪ ،‬وهللي كللذلك‪ ،‬وهللذا ليفيللد تأبيللد الخلللود‬
‫والمقام والستقرار لكل من دخلها‪ ،‬بل نصلوص الشللرع دلللت علللى أن‬
‫الخلود فيها للكافرين‪ ،‬وأن الموحدين ‪-‬ممللن اسللتحقها لللذنب‪ -‬يخرجللون‬
‫منها‪.‬‬
‫وأما آية المائدة‪ (37 ) :‬فإليك سياقها‪ ،‬يقول تعلللالى‪} :‬إن الذين‬
‫كفروا لو أن لهم ما في الرض جميعا ً ومثله معه‬
‫ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهللم‬
‫ولهم عذاب أليم‪ .‬يريللدون أن يخرجللوا مللن النللار‬
‫وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم{ ]المائدة‪36:‬ل‬
‫‪.[ 37‬‬
‫فمن يجادل ممن يفقلله ويعقللل عللن الل خطللابه فللي أن هللذا جللزاء‬
‫الكفار‪ ،‬وأنهم خالللدون مخلللدون فلي نلار جهنلم ل يخرجللون منهلا‪ ،‬ول‬
‫يقول أحد ممن وفقه ال للقول بما جاء في كتابه وسنة رسوله صلى ال‬
‫عليه وسلم أن هذا جللزاء أهللل المعاصللي‪ ،‬بللل قللد جللاء بعللد هللذه اليللة‬
‫مباشرة ذكر أصحاب الكبائر‪ ،‬وبين ال عز وجللل حكمهللم ولللم يللدخلهم‬
‫مع الكفار في حكم من شملهم حكم اليتين السابقتين اللتين فيهمللا الحكللم‬
‫بللالخلود علللى الكفللار فللي نللار جهنللم‪ ،‬قللال تعللالى فللي اليللة ) ‪:(38‬‬
‫}والسارق والسارقة فللاقطعوا أيللديهما جللزاء‬
‫بما كسبا نكال ً من الله والله عزيز حكيم{‪.‬‬
‫فلو كان مرتكب الكبيرة في الدنيا يستحق الخلببود فللي النللار مثللل‬
‫هؤلء الكفار لمر ال بقطع رقبتي السارق والسارقة بدل من أيللديهما‪،‬‬
‫لنه ل يخلد في نار جهنم إل الكافر أو المنافق النفللاق العتقللادي‪ ،‬لنلله‬
‫كفر بال ورسوله‪ ،‬كما سبق ذكللر حكللم المنللافقين فللي اليللات السللابقة‪،‬‬
‫والمرتللد بعللد إسلللمه لقللوله صلللى ال ل عليلله وسلللم‪» :‬مببن بببدل دينببه‬
‫فاقتلوه«)‪ ،(256‬ومرتكب الكللبيرة لللم يبللدل دينلله‪ ،‬ولهللذا حكللم الل علللى‬
‫السللارق بقطللع يللده ولللم يحكللم عليلله بقطللع رأسلله‪ ،‬وكفللى بهللذه اليللة‬
‫وأمثالها ردًا على الخليلي ومن يقلول بقلوله‪ ،‬ويعتقلد معتقلده‪ ،‬المخلالف‬
‫لنصوص كتاب ال الكريم‪ ،‬وسنة نبيه المطهرة‪.‬‬
‫وقوله في آية )‪ (16‬من سللورة النفطللار‪} :‬وما هم عنهللا‬
‫بغائبين{ يعني بهم الكفار المخلدين في النللار‪ ،‬فمللا هللم عللن عللذاب‬
‫جهنم بغائبين ل بخروج منها ول بموت‪.‬‬
‫‪256‬‬
‫)‪ (1‬البخاري‪/‬ح ‪.6922‬‬
‫كمللا قللال تعللالى‪} :‬ل يقضللى عليهللم فيموتللوا ول‬
‫يخفف عنهم من عذابها{ ]فاطر‪.[36:‬‬
‫وقلللال تعلللالى‪} :‬إن الللذين كفللروا بآياتنللا سللوف‬
‫نصليهم نارا ً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلللودا ً‬
‫غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا ً حكيما ً{‬
‫]النساء‪.[56:‬‬
‫والكفار فجار‪ ،‬وقد جاء وصفهم في اليتين قبل الية الللتي اسللتدل‬
‫بها الخليلي مصرحة بحكمهم في مقابلة حكم ال ل بالجنببة للبببرار‪ ،‬قللال‬
‫تعللالى عللن الملللؤمنين التقيللاء البللرار‪} :‬إن البللرار لفللي‬
‫نعيم{‪.‬‬
‫كقللوله عنهللم فللي سللورة آل عمللران‪} :‬لكن الذين اتقلوا‬
‫ربهم لهم جنات تجري من تحتها النهللار خالللدين‬
‫فيها نزل ً من عند الله وما عند الله خيللر للبللرار{‬
‫]آل عمران‪.[198:‬‬
‫وقببال هنببا عببن الكفببار‪} :‬وإن الفجار لفللي جحيللم‪.‬‬
‫يصلونها يوم الدين‪ .‬وما هم عنها بغائبين{‪.‬‬
‫كما قال فلللي سلللورة آل عملللران‪} :‬ل يغرنك تقلب الذين‬
‫كفروا في البلد‪ .‬متاع قليللل ثللم مللأواهم جهنللم‬
‫وبئس المهاد{] آل عمران‪.[197 :‬‬
‫وأما آية العراف )‪ (40‬وهي قوله‪} :‬ول يدخلون الجنة‬
‫حتى يلج الجمل في سم الخياط{ فهللي جللزء اليللة‪،‬‬
‫وإليللك اليللة بكاملهللا قللال تعللالى‪} :‬إن الذين كذبوا بآياتنا‬
‫واستكبروا عنها ل تفتللح لهللم أبللواب السللماء‬
‫ول يدخلون الجنة حتى يلللج الجمللل فللي سللم‬
‫الخيللاط وكللذلك نجللزي المجرميللن‪ .‬لهللم مللن‬
‫جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجللزي‬
‫الظالمين{ ]العراف‪40 :‬ل ‪.[41‬‬
‫فهذا جزاء هؤلء الكفار الذين كذبوا بآيات ربهم واسببتكبروا عللن‬
‫اتباعها‪ ،‬فقد حرم ال عليهم الجنة‪.‬‬
‫كمللا قللال تعللالى‪ ...} :‬إنه من يشللرك بللالله فقللد‬
‫حللرم الللله عليلله الجنللة ومللأواه النللار ومللا‬
‫للظالمين من أنصار{ ]المائدة ‪.[72 /‬‬
‫وقللال تعللالى‪} :‬إن الللله ل يغفللر أن يشللرك بلله‬
‫ويغفللر مللادون ذلللك لمللن يشللاء ومللن يشللرك‬
‫بالله فقد ضل ضلل ً بعيدا ً{ ]النساء ‪.[116 /‬‬
‫وهكذا نرى أن أدلة الخليلي التي أوردها من كتاب الل عللز وجللل‬
‫ل بها على تخليلد أصلحاب المعاصلي الموحلدين فلي النلار‪ ،‬كلهلا‬ ‫مستد ً‬
‫آيات نزلت في الكفار‪ ،‬فحملها الخليلي على الموحدين‪ ،‬وهذا هللو عمللل‬
‫الخوارج كما سبق نقللل كلم عبلدال بللن عمللر رضللي الل عنهملا فللي‬
‫الخوارج من صحيح البخاري‪.‬‬
‫ثم إن الخليلي بعللد انتقللائه لمللا يقللول‪ :‬إنببه أدلببة القببائلين بانقطبباع‬
‫العذاب في هذا الفصل‪ ،‬من ص ‪ 199‬ل ‪ 201‬وتوجيهه هو لستدللهم‪،‬‬
‫ثم رده على ذلك الستدلل حسب ما يرى ل وقد سبق ذلك مناقشللته فللي‬
‫أدلته التي استدل بها هو‪ ،‬والرد على جميع الشبه التي اسللتدل بهللا فللي‬
‫ل بعنوان‪:‬‬ ‫تخليد عصاة الموحدين ودحضها‪ -‬عقد فص ً‬
‫» أدلة القائلين بخلود جميع مرتكبي الكبائر في النار « فإلى ذلك‬
‫الفصل لمناقشته والرد عليه‪ ،‬ثم نتبعه بأدلة القائلين بعدم خلود أصللحاب‬
‫الكبائر من الموحدين في النار‪ ،‬فإلى ذلك الفصل‪.‬‬
‫الفصل الثالث من ص ‪ 202‬ل ‪ 225‬عنوانه‪:‬‬
‫»أدلة القائلين بخلود جميع مرتكبي الكبائر في‬
‫النار«‬

‫قال‪) :‬وهي قسمان‪ ،‬بعضها من الكتاب وبعضها من السنة‪:‬‬


‫أما من الكتاب فكثيرة نذكر منها ما يلي‪:‬‬
‫‪ 1‬ل قوله تعالى‪} :‬وقالوا لن تمسنا النار إل أياما ً‬
‫معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا ً فلن يخلللف‬
‫الله عهده أم تقولون على الله مللال تعلمللون‪.‬‬
‫بلللى مللن كسللب سلليئة وأحللاطت بلله خطيئة‬
‫فأولئك أصحاب النار هم فيهللا خالللدون{ ]البقلللرة ‪/‬‬
‫‪80‬ل ‪.[81‬‬
‫ثم قال‪ :‬ودللته عليه من وجوه‪:‬‬
‫أولها‪ :‬أن هذه العقيللدة يهوديللة المنبللت‪ ،‬كمللا هللو ظللاهر مللن هللذا‬
‫النص‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬ما فيه من السلتنكار لهلذا القلول اللوارد ملورد السلتفهام‬
‫المقصود به التحدي‪...‬الخ‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬ما فيه من البيان الصريح بأن مصير كل من ارتكب سببيئة‬
‫وأحاطت به خطيئته لعدم تخلصه منها بالتوبللة النصللوح أنببه خالببد فببي‬
‫النببار مببع الخالببدين‪ ،‬وهللو رد علللى هللذه الللدعوى يستأصللل أطمللاع‬
‫الطامعين في النجاة مع الصرار على الثم‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬واعترض على الستدلل بأمرين‪:‬‬
‫أولهمببا‪ :‬أن السلليئة هنللا هللي الشللرك‪ ،‬كمللا روي عللن طائفللة مللن‬
‫المفسرين‪ ،‬وإذا كان هذا الوعيد للمشركين فهو ل يعم الموحدين‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬أن الخلود لم يرد به التأبيد وإنما أريد به المكث الطويل‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويرد العتراض الول‪ ،‬أن حمل السيئة على الشرك وحللده‬
‫خروج بالية عما يقتضيه لفظها‪ ،‬فإن لفظ )سيئة( نكرة مطلقة في سياق‬
‫الشرط‪ ،‬والنكرات إذا وردت في الشرط فهي محمولة على العموم‪.‬‬
‫قال‪ :‬وإن أردت مزيد البيان في ذلك فانظر في قول القائل لعبيللده‪:‬‬
‫من جاءني بعمله فهو حر‪ ،‬فإنه يعتللق بقللوله هللذا مللن جللاءه بللأي شلليء‬
‫يصدق عليه أنه عمله‪.‬‬
‫ولو حلف أحد أنه لم يرتكللب سلليئة وقللد زنللى أو سللرق أو شللرب‬
‫الخمر‪ ،‬أو أكل الربا أما يعد حانثًا؟‬
‫ثببم قببال‪ :‬ول متعلللق لهللم فللي قللوله تعللالى‪} :‬وأحتتاطت بتته‬
‫خطيئته{ وإن زعموا أن مرتكب الكبيرة إن كان موحللدًا لللم تحللط بلله‬
‫خطيئتلله‪ ،‬لن للله حسللنات ل يحللرم ثوابهللا‪ ،‬ذلببك لنببا نقببول إن عببدم‬
‫التخلص من المعصية بالتوبة النصوح يجعلها محيطة بصاحبها‪..‬‬
‫إلى أن قللال‪ :‬وهببذا معنببى مببا روي عببن السببلف‪ ،‬ودونكببم بعببض‬
‫النصوص المروية في ذلك(‪.‬‬
‫ثم سرد نصوصًا من تفسير ابن جرير عن الضحاك }وأحاطت‬
‫به خطيئته{ قال‪ :‬مات بذنبه‪.‬‬
‫وعن الربيع بن خللثيم‪} :‬وأحاطت به خطيئتتته{ قللال‪ :‬مللات‬
‫عليها‪.‬‬
‫وعن ابن عباس‪} :‬وأحاطت به خطيئته{ قال‪ :‬يحيللط كفللره‬
‫بما َله من حسنة‪ ،‬والكفر يعم الكبائر كلها لنها من كفران النعم‪....‬الخ‪.‬‬

‫»الجببببببببببببببببببببواب«‪:‬‬
‫نقلنا هذا النص الطويل عللن المؤلللف الخليلللي الللذي أورد فيلله مللا‬
‫يستدل به على خلود مرتكللبي الكبللائر مللن أمللة محمللد صلللى الل عليلله‬
‫وسلم في النار‪ ،‬وإن ماتوا على التوحيد الذي وعد ال فللي كتللابه ‪-‬وهللو‬
‫ل يخلف الميعاد ل أن الذي ل يشرك به شيئًا أنه تحت مشلليئته‪ ،‬إن شللاء‬
‫غفر له من أول الحال‪ ،‬وإن شاء عذبه بقدر ذنبه‪ ،‬ثم مآله إلى الجنة كما‬
‫قال تعالى‪} :‬إن الله ل يغفر أن يشرك بلله ويغفللر ملا‬
‫دون ذلك لمن يشاء{ ]النساء‪.[116 :‬‬
‫وقال صلى ال عليه وسلم في الحللديث القدسللي الللذي رواه الملام‬
‫مسلم من حديث أبي ذر رضللي الل عنلله وفيلله قللال اللل‪» :‬ولببو لقينببي‬
‫عبدي بقراب الرض خطيئة ل يشرك بي شيئًا لقيته بقرابها مغفرة«‪.‬‬
‫إن الخليلي قد ذكر أن أدلته على تخليد أصحاب الكبائر تنقسم إلللى‬
‫قسمين‪:‬‬
‫القسم الول ‪ :‬آيات من كتاب ال تعالى‪ ،‬وقد بدأها بهللاتين اليللتين‬
‫من كتاب ال‪ :‬آية )‪ (81 -80‬من سورة البقرة التي ادعللى فيهللا اليهللود‬
‫أن النار ل تمسهم إل أيامًا معدودة‪ ،‬وقد أكللذبهم الل فللي دعللواهم تلللك‪،‬‬
‫وبين أن ذلك المر ل يتحقق إل لمن أعطاه ال عهدًا بللذلك‪ ،‬لن ال ل ل‬
‫طهم ال عهدًا بذلك‪ ،‬فتبين أنهم قالوا على اللل مللال‬ ‫يخلف وعده‪ ،‬ولم ُيْع ِ‬
‫يعلمون‪.‬‬
‫ثم بين أن من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فهو خالد في النار‪،‬‬
‫وهو صاحبها الملزم لها‪.‬‬
‫وقد ادعى الخليلي أن من يقللول بللإخراج الموحللدين مللن النللار إن‬
‫عّذبهم بذنوبهم‪ ،‬ثم بعد تمحيصهم وتطهيرهم يدخلون الجنة‪.‬‬ ‫شاء ال َ‬
‫قال‪ :‬إن هذه العقيللدة ورثهللا أهللل السللنة مللن اليهللود‪ ،‬وليسللت مللن‬
‫كتاب ال ول عن رسول ال صلى ال عليله وسللم‪ .‬قلللت‪ :‬وهلل اليهلود‬
‫كفار أو مؤمنون أصحاب كبائر؟‪.‬‬
‫وهذه الدعوى تؤكد للقارئ الكريم ما قاله الصحابي الجليل عبدال‬
‫بن عمر رضي ال عنه كما جاء في صحيح المام البخاري رحملله الل‬
‫في كتاب استتابة المرتدين ‪/‬بللاب قتللل الخللوارج‪ ،‬أن الخللوارج انطلقللوا‬
‫إلى آيات نزلت في الكفار فطبقوهللا علللى المسلللمين‪ ،‬وأنلله كللان يراهللم‬
‫شرار الخلق‪.‬‬
‫والخليلي الباضي في استدلله بهاتين اليتين الكريمتين النازلتين‬
‫في دعللوى اليهللود أن النلار ل تمسللهم إل أياملًا معللدودة‪ ،‬ينزلهللا علللى‬
‫أصحاب المعاصي الموحدين من أمة محمد ‪ ،r‬بشبهة علقت في ذهنلله‪،‬‬
‫وهي أنه ورد لفظ )سيئة( فلي اليلة الكريملة ففسللرها بالمعصلية‪ ،‬دون‬
‫الشرك‪ ،‬ثم لبس كما هي عادته فنقل عن ابن جرير ما أورده عن بعض‬
‫العلماء في تفسير قوله تعالى‪} :‬وأحاطت بتته خطيئتتته{ علللى أن‬
‫هذا هو تفسللير السلللف لهللذه اليللة‪ ،‬ومعلللوم أن الخليلللي لللم يجعللل ابللن‬
‫جرير رحمه ال سلفًا له يومًا من اليام‪.‬‬
‫ولكن ما دام وهو ادعى أنه سلفه في تفسير هللذه اليللة فإليللك أيهللا‬
‫القارئ الكريم الباحث عن الحق تفسير ابلن جريلر لهللذه اليلة عموملًا‪،‬‬
‫ولقوله تعالى‪} :‬بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته{‬
‫خصوصًا‪ ،‬ليظهر لك خطأ الخليلي في هذه الللدعوى‪ ،‬وإن كللان السللياق‬
‫ل فأرجو من القارئ أن ل يمل حتى يصل إلى الحقيقة‪.‬‬ ‫طوي ً‬
‫يقول ابن جرير رحمه ال في تفسير الية ج ‪ ،1/380‬وهللو يعللبر‬
‫بالتأويللل عللن التفسللير لليللة قللال‪) :‬القللول فللي تأويللل قللوله تعللالى‪:‬‬
‫}وقالوا لن تمسنا النتتار إل أيامتتا معتتدودة قتتل أتختتذتم‬
‫عند الله عهدا ً فلن يخلف الله عهتتده أم تقولتتون علتتى‬
‫الله ما ل تعلمون{ ]الية‪.[80:‬‬
‫قال‪ :‬يعني بقوله‪} :‬وقالوا{ اليهود‪ ،‬يقول‪ :‬وقللالت اليهللود }لن‬
‫تمسنا النار{ يعني لن تلقي أجسامنا النار‪ ،‬ولن ندخلها }إل أياما ً‬
‫معدودة{‪.‬‬
‫وإنما قيل معدودة وإن لم يكن مبينًا في التنزيل‪ ،‬لن ال جل ثنللاؤه‬
‫أخبر عنهم بذلك وهللم علارفون عللدد اليللام الللتي يوقتونهللا لمكثهللم فللي‬
‫النار‪ ،‬فلذلك ترك تسمية عدد اليام وسماها معدودة لما وصفنا‪.‬‬
‫ثم ذكر اختلف أهل التفسير في مبلغ اليام المعللدودة الللتي عينهللا‬
‫اليهود القائلون بما أخبر ال عنهم من ذلك‪.‬‬
‫وبعد أن ذكر القوال في ذلك عن المفسرين في تحديد عدد اليللام‬
‫التي عينها اليهود ومنها قول مجاهد‪} :‬وقالوا لن تمسنا النار‬
‫إل أياما ً معدودة{ من الدهر‪ ،‬وسموا عدة سبعة آلف سللنة‪ ،‬مللن‬
‫كل ألف سنة يومًا يهود تقوله‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬القول في تأويل قوله تعالى‪} :‬قل أتخذتم عند اللتته‬
‫عهدا ً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على اللتته متتا ل‬
‫تعلمون{‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬لما قالت اليهود ما قالت من قولها‪} :‬لن تمستتنا‬
‫النار إل أياما ً معدودة{ على ما قد بينللا مللن تأويللل ذلللك‪ ،‬قللال الل‬
‫لنللبيه محمللد صلللى اللل عليلله وسلللم‪ :‬قللل يللا محمللد لمعشللر اليهللود‪:‬‬
‫}أتخذتم عند الله عهدا ً{ أخذتم بما تقولللون مللن ذلللك مللن ال ل‬
‫ميثاقًا‪ ،‬فال ل ينقض ميثاقه‪ ،‬ول يبدل وعده وعقده‪ ،‬أم تقولون على الل‬
‫ل وجرأة عليه‪.‬‬ ‫الباطل جه ً‬
‫ثم أورد الثار عن الصحابة والتابعين التي يرد بها على دعواهم‪،‬‬
‫ومنها رواية ابن عباس قال‪ :‬لما قالت اليهود ما قالت‪ ،‬قال ال جل ثناؤه‬
‫لمحمد‪} :‬قل أتخذتم عند الله عهدا{ يقول‪ :‬أدخرتم عند ال‬
‫عهدًا‪ ،‬يقول‪ :‬أقلتم ل إله إل ال لم تشركوا‪ ،‬ولللم تكفللروا بلله‪ ،‬فللإن كنتللم‬
‫قلتموها فارجوا بها‪ ،‬وإن كنتم لللم تقولوهللا فلللم تقولللون علللى الل مللا ل‬
‫تعلمون؟ يقول‪ :‬كنتم قلتم‪ :‬ل إله إل ال‪ ،‬ولم تشللركوا بلله شلليئًا‪ ،‬ثللم متللم‬
‫على ذلك لكان لكم ذخر عندي‪ ،‬ولم أخلف وعدي لكم أني أجازيكم بها‪.‬‬
‫ثم يواصللل فللي شببرح اليببتين فيقببول قللوله تعللالى‪} :‬بلى من‬
‫كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النتتار‬
‫هم فيها خالدون{ ]البقرة ‪.[81‬‬
‫قال‪ :‬وقوله‪} :‬بلى من كسب سيئة{ تكذيب من ال القللائلين‬
‫من اليهود }لن تمسنا النار إل أياما ً معدودة{ وإخبار منه لهم‬
‫أنه يعذب من أشرك وكفر بلله وبرسللله‪ ،‬وأحللاطت بلله ذنللوبه فخلللد فللي‬
‫النار‪ ،‬فإن الجنة ل يسكنها إل أهل اليمان به وبرسللوله وأهللل الطاعللة‬
‫له‪ ،‬والقائمون بحدوده‪.‬‬
‫وهكذا كما يرى القارئ أن ابن جرير يفسر السيئة في الية بأنهللا‪:‬‬
‫الشرك والكفر بببال وبرسببله‪ .‬ويفسببر الحاطببة بالببذنوب الببتي عملهببا‬
‫الكفار مع كفرهم‪ ،‬وأن من سلك مسلكهم فذلك جزاؤه‪.‬‬
‫ثم أورد الثار الدالة على ذلك فأورد بإسناده قال كما حدثنا محمللد‬
‫بن حميد ثم ساقه بإسناده إلى ابن عباس‪} :‬بلى من كستتب ستتيئة‬
‫وأحاطت به خطيئته{ أي من عمل مثللل أعمللالكم وكفببر بمثببل مببا‬
‫كفرتم به حتى يحيببط كفببره بمببا َلببه مببن حسببنة }فأولئك أصحاب‬
‫النار هم فيها خالدون{ ‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأما السيئة التي ذكر ال في هذا المكان فإنها الشرك بال‪.‬‬
‫كما حدثنا محمد بن بشار ثم ساقه بإسناده عن أبي وائل‪:‬‬
‫}بلى من كسب سيئة{ قال‪ :‬الشرك بال‪.‬‬
‫حدثني محمد بن عمرو ثم ساقه بإسناده عن مجاهد‪} :‬بلى متتن‬
‫كسب سيئة{ شركًا‪.‬‬
‫ثم أورد ذلك بأسانيده عللن قتللادة‪} :‬بلى من كستتب ستتيئة{‬
‫قال‪ :‬أما السيئة فالشرك‪.‬‬
‫وعن ابن جريج قال‪ :‬قلت لعطاء‪} :‬بلى من كستتب ستتيئة{‬
‫قال‪ :‬الشرك‪.‬‬
‫وعن الربيع قوله‪} :‬بلى من كسب سيئة{ يعني‪ :‬الشرك‪.‬‬
‫ثم بين ابن جرير رحمه ال أن )السلليئة( فللي هللذه اليللة ل يقصللد‬
‫منهللا مطلللق السلليئات الللتي هللي دون الشللرك بللال‪ ،‬ولللذلك نقللل أقللوال‬
‫العلمللاء الللتي سللبق ذكرهللا أنهللم جميعللا فسللروا )السلليئة الللتي تحيللط‬
‫بصاحبها( بالشرك‪.‬‬
‫ورد على الخوارج الذين يستدلون بهذه الية على تخليد أصحاب‬
‫الكبائر من الموحدين فقال‪) :‬وإنمللا قلنللا‪ :‬إن السلليئة الللتي ذكللر الل جللل‬
‫ثناؤه أن من كسبها وأحاطت به خطيئته فهللو مللن أهللل النللار المخلللدين‬
‫فيها في هذا الموضع‪ ،‬إنما عنللى ال ل بهللا بعللض السلليئات دون بعللض‪،‬‬
‫وإن كان ظاهرها في التلوة عامًا لن الب قضببى علببى أهلهببا بببالخلود‬
‫في النار‪ ،‬والخلود فببي النببار لهببل الكفببر بببال دون أهببل اليمببان بببه‪،‬‬
‫لتظاهر الخبار عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بأن أهل اليمان ل‬
‫يخلدون فيها‪ ،‬وأن الخلود في النار لهل الكفر بببال دون أهبل اليمبان‬
‫به‪ ،‬فإن ال ل جللل ثنللاؤه قللد قللرن بقللوله‪} :‬بلى من كسب ستيئة‬
‫وأحاطت به خطيئتتته فتتأولئك أصتتحاب النتتار هتتم فيهتتا‬
‫خالدون{ قوله‪} :‬والذين آمنوا وعملوا الصتتالحات أولئك‬
‫أصحاب الجنة هم فيها خالدون{‪ ،‬فكان معلومًا بذلك أن الذين‬
‫لهم الخلود في النار من أهل السيئات‪ ،‬غير الذين لهم الخلود فللي الجنللة‬
‫من أهل اليمان‪.‬‬
‫ثم بين ما دلت عليه هذه الية من الرد على أهل الظنون من الذين‬
‫لللم يوفقللوا إلللى جمللع أطللراف النصللوص مللن الكتللاب والسللنة‪ ،‬الللتي‬
‫أوضحت أن الخلود في النار إنما هو لهل الكفر بال وبرسوله‪ ،‬وليللس‬
‫ذلك لهل اليمان المرتكبين للكبائر‪ ،‬لنها غير داخلة في قوله‪} :‬بلتتى‬
‫من كسب سيئة{ في هلذا الموضلع لن هلذا خلاص ملن السليئات‬
‫وليس عاما في جميعها فقال‪:‬‬
‫)فإن ظن ظان أن الذين لهم الخلود في الجنة مللن الللذين آمنللوا هللم‬
‫الذين عملوا الصالحات دون الذين عملوا السيئات‪ ،‬فللإن فللي إخبللار الل‬
‫أنه مكفر باجتنابنا كبللائر مللا ننهللي عنلله مللن سلليئاتنا‪ ،‬ومللدخلنا المللدخل‬
‫الكريم‪ ،‬ما ينبئ عن صحة ما قلنلا فلي تأويلل أي لل فلي تفسلير ‪-‬قللوله‪:‬‬
‫}بلى من كسب سيئة{ بأن ذلك علللى خللاص مللن السلليئات دون‬
‫عامها‪.‬‬
‫فإن قال لنا قائل‪ :‬فإن ال جل ثنللاؤه إنمللا ضللمن لنللا تكفيللر سلليئاتنا‬
‫باجتنابنا كبائر ما ننهي عنه‪ ،‬فما الدللة على أن الكبائر غير داخلة فللي‬
‫قوله‪} :‬بلى من كسب سيئة{؟ قيببل‪ :‬لَِمللا صللح مللن أن الصللغائر‬
‫غير داخلة فيلله‪ ،‬وأن المعنللي باليللة خللاص دون عللام‪ ،‬ثبللت وصللح أن‬
‫القضاء والحكم بها غير جائز لحد علللى أحللد‪ ،‬إل مللن وقفلله الل عليلله‬
‫بدللة من خبر قاطع عذر من بلغه‪ ،‬وقد ثبت وصح أن ال تعالى ذكللره‬
‫قد عنى بذلك أهل الشرك والكفر به‪ ،‬بشهادة جميع المة‪ ،‬فللوجب بللذلك‬
‫القضاء على أن أهل الشرك والكفر ممن عناه ال بالية‪.‬‬
‫عْذَر من بلغته قللد تظللاهرت‬ ‫فأما أهل الكبائر فإن الخبار القاطعة ُ‬
‫عندنا بأنهم غير معنيين بها‪ ،‬فمبن أنكببر ذلبك مملن دافلع حجلة الخبلار‬
‫المستفيضة والنباء المتظاهرة‪ ،‬فاللزم له ترك قطع الشهادة على أهللل‬
‫الكبائر بالخلود في النار بهذه الية ونظائرها التي جاءت بعمومهم فلي‬
‫ن جعل ال إليه بيان‬ ‫الوعيد‪ ،‬إذ كان تأويل القرآن غير مدرك إل ببيان َم ْ‬
‫ف ظاهُرهللا‪ ،‬وهللي خللاص فللي‬ ‫القرآن‪ ،‬وكانت الية يأتي عامًا في صللن ٍ‬
‫ف باطُنها‪.‬‬
‫ذلك الصن ِ‬
‫ثم قال‪ :‬ويسأل مدافعو الخبر بأن أهل الكبائر من أهل السلتثناء لل‬
‫ض الصلللِة عللن‬ ‫ل فللر ِ‬ ‫سللؤالنا منكللَر رجللِم الزانللي المحصللن‪ ،‬وزوا ِ‬
‫الحائض في حال الحيض‪ ،‬فإن السؤال عليهم نظير السؤال على هؤلء‬
‫سواء )‪.(257‬‬
‫ثللم قللال‪ :‬والقللول فللي تأويللل قللوله تعللالى‪} :‬وأحتتاطت بتته‬
‫خطيئتته{ يعنللي بقللوله جللل ثنللاؤه‪} :‬وأحتتاطت بته خطيئتته{‬
‫اجتمعت عليه فمات عليها قبلل النابلة والتوبلة منهلا‪ ،‬وأصلل الحاطلة‬
‫بالشيء‪ :‬الحداق به‪ ،‬بمنزلة الحائط الللذي تحللاط بلله الللدار فتحللدق بلله‪،‬‬
‫ومنه قوله ‪} :U‬نارا ً أحاط بهم سرادقها{‪.‬‬
‫فتأويل الية إذًا‪ :‬من أشرك بال واقترف ذنوبًا جمة‪ ،‬فمات عليهللا‬
‫قبل النابة والتوبة فأولئك أصحاب النار هم فيها مخلدون أبدًا‪.‬‬
‫ثللم قللال‪ :‬وبنحللو الللذي قلنللا فللي تأويللل ذلللك قللال المتللأولون ‪-‬أي‬
‫المفسرون‪.‬‬
‫فأورد بإسناده قال‪ :‬حدثنا أبو كريب وساق السللناد علن لضللحاك‪:‬‬
‫}وأحاطت به خطيئته{ مات بذنبه‪.‬‬

‫‪257‬‬
‫)‪ (1‬ابن جرير ‪ 386 / 1‬ل مطبعة الحلبي سنة ‪1373‬هل‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب وساقه بإسناده عن الربيع بن خثيم‪} :‬وأحاطت‬
‫به خطيئته{ قال‪ :‬مات عليها‪.‬‬
‫ثم ذكر الروايات فلي ذلللك علن مجاهلد‪ ،‬وقتلادة‪ ،‬والحسللن‪ ،‬وأبلي‬
‫رزين‪ ،‬والعمش‪ ،‬والسدي‪ .‬وما ذكره عن هؤلء موافللق لمللا قللاله ابللن‬
‫جرير‪ ،‬فقد فسروا الخطيئة بالشببرك مببع اقببتراف الببذنوب الجمببة الللتي‬
‫أحاطت به‪ ،‬ومات على كفره‪ ،‬فهم يقولللون‪ :‬مللات بللذنبه‪ ،‬مللات قبللل أن‬
‫يتوب‪) ،‬الخطيئة الكبيرة الموجبة( وهكذا‪.‬‬
‫ولكن الخليلي بارع في التلبيس والتدليس‪.‬‬
‫وإليك كشف ذلك‪ :‬إن الخليلي اطلع على تفسير هاتين اليتين عنللد‬
‫ابن جرير وعرف قوله فيها‪ ،‬وهو ما نقلناه في الصفحات السابقة‪.‬‬
‫فمللاذا صللنع الخليلللي؟ إنلله بعللد أن فسللر اليللة علللى مللذهبه‪ ،‬وأن‬
‫المقصللود مللن السلليئة جميللع المعاصللي‪ ،‬فمللن ارتكللب كلبيرة مللن أهللل‬
‫التوحيد ولم يتب فهو خالد مخلد في النار‪ .‬ثم ادعى أن رأيه هذا هللو مللا‬
‫روي عن السلف ثم استشهد على رأيه فقال‪ :‬ودونكم بعللض النصللوص‬
‫المروية في ذلك‪:‬‬
‫قال ابن جرير‪ :‬حدثنا أبو كريب قال ثنا ابن يمان عللن سللفيان عللن‬
‫العمش عن أبي روق عن الضحاك }وأحاطت به خطيئته{ قال‪:‬‬
‫مات بذنبه‪.‬‬
‫ثم سرد تلللك الروايللات عمللن ذكللرت أسللماءهم‪ ،‬مجاهللد‪ ،‬وقتللادة‪،‬‬
‫والحسن‪ ،‬وأبو رزين‪ ،‬والعمش‪ ،‬والسدي‪ ،‬الللذين استشللهد ابللن جريللر‬
‫بأن أقوالهم فللي تفسللير اليللة كمللا قللال بلله‪ ،‬وأن الخطيئة الللتي أحللاطت‬
‫بصاحبها هي الشببرك بببال مبع اقبتراف الببذنوب الجمبة البتي أحبباطت‬
‫بمقترفها‪ ،‬وأن أصلل الحاطلة بالشلليء الحللداق بله بمنزلللة )الحللائط(‬
‫الللذي تحللاط بلله الللدار فتحللدق بلله‪ ،‬وان معنللى اليللة )مللن أشللرك بللال‬
‫واقترف ذنوبًا جمة فمات عليها قبللل النابللة والتوبللة‪ ،‬فللأولئك أصللحاب‬
‫النار هم فيها مخلدون أبدًا(‪.‬‬
‫فهذا هو المعنى الذي قال به هؤلء‪ ،‬فحوله الخليلي إلببى الببذنوب‬
‫دون الشرك بال‪ ،‬ومعلوم بالنصوص أن الشرك يسمى كبيرة كما فللي‬
‫صللحيح البخللاري‪ ،‬إن مللن الكبللائر الموجبللة الشللرك بللال وأنلله أكللبر‬
‫الكبائر‪.‬‬
‫ولكن ال عز وجل قد يكشف ستر المغالط الذي يريد تحويل الحق‬
‫إلى الباطل فيظهر ذلك على فلتات قلمه‪ ،‬كما يظهره على فلتات لسانه‪.‬‬
‫فقد أورد الخليلي نصًا مما أورده ابن جرير في تفسير هللذه اليللة‬
‫علن ابلن عبلاس رضللي الل عنله فلي ص ‪ 204‬ملن كتلابه هلذا ضلمن‬
‫النصوص التي أوردها ل وترتيبه الثالث منها‪ ،‬ولما لم يببأت علببى هببواه‬
‫فقد أضاف إليه سطرًا ولم يصلرح بلأنه قلوله‪ ،‬لن العلادة المتبعلة عنلد‬
‫المللؤلفين إذا أرادوا إضللافة شلليء إلللى النللص المنقللول عللن غيرهللم‬
‫يقولون‪) :‬قلت(‪ ،‬أو عبارة نحوها‪ ،‬ليميز قوله عن القول المنقول‪ ،‬وإليك‬
‫النص والزيادة‪:‬‬
‫ل عن ابن جرير ج ‪:1/386‬‬ ‫قال الخليلي نق ً‬
‫حدثنا ابن حميد قال حللدثنا سلللمة‪ ،‬قللال أخللبرني ابللن إسللحاق قللال‬
‫حدثني محمد ابن أبي محمد عللن سللعيد بللن جللبير أو عكرمللة عللن ابللن‬
‫عباس }وأحاطت به خطيئته{ قال‪ :‬يحيط كفره بما له من حسللنة‪.‬‬
‫هذا قول ابن عباس‪ .‬إلى هنا النص في ابن جرير‪.‬‬
‫فما هي الزيادة التي أضافها الخليلي لنص ابن عباس ؟‬
‫قال‪) :‬والكفر يعم الكبائر كلها‪ ،‬لنها من كفران النعم( وجعل هذا‬
‫التحريف بالزيادة في سياق النللص‪ ،‬ولللم يللذكر مللا يميللزه ويوضللح أنلله‬
‫قوله‪ ،‬ولم يظهر لي ذلك إلى بعد رجببوعي لبببن جريببر فوجللدت النللص‬
‫خال من هذه الزيادة‪ ،‬ويظهر وال أعلم أن الخليلي لم يتنبه لهللذا النللص‬
‫عن ابن عباس رضي ال عنهما وأنه فسببر فيببه الخطيئة الللتي أحللاطت‬
‫بصاحبها أنها الكفر إل بعد إثباته‪ ،‬فاضطر إلى تلك الزيلادة‪ ،‬بلدليل أنله‬
‫ترك نصًا أورده ابن جرير من طريق القاسم‪ ،‬فقد أورد ابن جريللر مللن‬
‫طريق القاسم نصين اختار الخليلي أحدهما ضمن النصوص التي سللبق‬
‫ذكرها ومنها قول العمش‪ :‬مات بذنبه‪.‬‬
‫وترك النص الخر وهو قوله‪ :‬حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال‬
‫حدثني حسللان‪ ،‬عللن ابللن جريللج قللال‪ :‬قلللت لعطللاء‪} :‬وأحاطت به‬
‫خطيئته{ قللال‪ :‬الشببرك‪ ،‬ثببم تل‪} :‬ومن جاء بالستتيئة فكبتتت‬
‫وجوههم في النار{ ]النمل‪.[90:‬‬
‫فنسأل الخليلي لماذا ترك هذا النص ونقل الذي قبللله مباشللرة دون‬
‫فاصل؟‪.‬‬
‫وأظن أن إجابته ل َتْعُد أن يقول‪ :‬إن هذا النص ل ينطبق على مللا‬
‫أردت نسللبته لبللن جريللر مللن أنلله فسللر الخطيئة بللالكبيرة‪ ،‬لنلله هنللا‬
‫يستشللهد بقللول عطللاء علللى قللوله بللأن الخطيئة هللي‪ :‬الشللرك‪ ،‬بخلف‬
‫القوال الخرى‪ ،‬ففيها تفسير الخطيئة بقولهم‪ :‬مللات بللذنبه‪ ،‬أو قبللل أن‬
‫يتوب‪......‬الخ‪ .‬ففيها ما يظن القارئ أن الذنب هو المعصللية فقللط‪ ،‬دون‬
‫ارتكابه الشرك المخرج من الملة‪ ،‬ولهذا تلرك كللل ملا قللاله ابللن جريللر‬
‫رحمه ال في تفسير اليللة الكريمللة‪ ،‬لنلله ل يسللتطيع الللرد عليلله‪ ،‬وقللد‬
‫فصل ابن جرير الرد على المسلتدلين بهلذه اليلة عللى خلللود أصللحاب‬
‫الكبائر من الموحدين في النار‪ ،‬ودحض كل الشبببه الللتي ينتحلونهللا فللي‬
‫استدللهم بالية وبكل ما جاء في القرآن ظللاهره العمللوم وهببو خبباص‪،‬‬
‫وبين أن ال عز وجل جعل بيانه لمن أحال إليه البيان وهو رسللول ال ل‬
‫صلى ال عليه وسلم فقد بين ذلك بسللنته وهللي وحللي كمللا قللال تعللالى‪:‬‬
‫}‪ ..‬وأنزلنللا إليللك الللذكر لتللبين للنللاس مللا نللزل‬
‫إليهم{ فالذكر هنلا هلو السلنة؛ إذ كلان تأويللل القللرآن ‪ -‬أي تفسلليره‪-‬‬
‫ن جعل ال إليه بيان القللرآن‪ ،‬وكللانت اليللة يللأتي‬‫غير مدرك إل ببيان َم ْ‬
‫ف ظاهُرها‪ ،‬وهي خاص في ذلك الصنفِ باطُنها‪.‬‬ ‫عامًا في صن ٍ‬
‫ويسأل مدافعو الخبر بأن أهلل الكبلائر ملن أهلل السلتثناء سلؤالنا‬
‫منكر رجم الزاني المحصن‪ ،‬وزوال فرض الصلللة عللن الحللائض فللي‬
‫حال الحيض‪ ،‬فإن السؤال عليهم نظير السؤال على هؤلء سواء)‪.(258‬‬
‫يقول ابن جرير‪ :‬إن اليات في كتاب الل قللد يللأتي ظاهرهللا عاملًا‬
‫في صنف والمقصود منلله الخصللوص فللي ذلللك الصللنف‪ ،‬وذلللك غيللر‬
‫مدرك إل ببيان من جعل ال إليه البيان‪ ،‬وهو رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلللم الللذي قللال اللل للله‪ ..} :‬وأنزلنا إليك الذكر لتللبين‬
‫للناس ما نزل إليهم{ فهللو يقللول‪ :‬أن قللوله تعللالى‪} :‬بلى‬
‫من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فتتأولئك أصتتحاب‬
‫النار هم فيها خالدون{ قد بينها رسول ال صلى الل عليلله وسلللم‬
‫بأن المقصود من )السيئة( الكفللر والشللرك بللال‪ ،‬لن حكللم الخلللود فللي‬
‫النار‪ ،‬هللو للمشللرك والمنللافق النفللاق العتقللادي‪ ،‬للخبللار المستفيضللة‬
‫بذلك‪ ،‬وأنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬القول في تأويل ‪ -‬أي تفسللير‪ -‬قللوله تعللالى‪} :‬وأحاطت‬
‫به خطيئته{ يعني بقللوله جللل ثنللاؤه‪} :‬وأحاطت به خطيئتتته{‬
‫اجتمعت عليه‪ ،‬فمات عليها قبل النابة والتوبللة منهللا‪ .‬وأصللل الحاطللة‬
‫بالشيء‪ :‬الحداق به بمنزلة الحائط الذي تحاط به فتحدق به‪ ،‬ومنه قول‬
‫ال جل ثناؤه‪} :‬نارا ً أحاط بهم سرادقها{ ] الكهف ‪.[ 29‬‬

‫‪ (1)258‬ابن جرير ‪ 386 / 1‬ل الطبعة الثانية ‪.1373‬‬


‫فتأويل الية إذًا ‪ -‬أي تفسلليرها‪ :-‬مللن أشللرك بللال واقللترف ذنوبلاً‬
‫جمة‪ ،‬فمات عليها قبل النابة والتوبة‪ ،‬فللأولئك أصللحاب النللار هللم فيهللا‬
‫مخلدون أبدًا‪.‬‬
‫فهو هنا يصرح بأن الخطيئة التي تحيط بصاحبها هي الشرك بال‬
‫واقتراف الذنوب الجمة حتى تحيط بمقترفها‪.‬‬
‫ومعلوم أنه قد جاء في الحديث الذي رواه البخاري عن أبي بكللرة‬
‫رضي ال عنه »إن أكبر الكبائر الشرك بال«)‪.(259‬‬
‫ثلللم إن ابلللن جريلللر أورد أقلللوال العلملللاء فلللي تفسلللير اليلللة‪:‬‬
‫}وأحاطت به خطيئته{‬
‫ثم قال‪ :‬وبنحو الللذي قلنللا فللي تأويللل ذلللك قللال المتللأولون ‪ -‬يعنللي‬
‫المفسرون‪ -‬ثم سرد أقوالهم كما تقدم‪ ،‬ومن الدلة على أن السنة مفسللرة‬
‫ومبينة لما جاء في القرآن ما رواه جابر وأبللو سللعيد عللن النلبي ‪»:r‬إن‬
‫الحائض تدع الصلة أيام حيضها«‪.‬‬
‫قال البخاري‪ :‬حدثنا موسى بللن إسللماعيل قللال‪ :‬حللدثنا همللام قللال‪:‬‬
‫حدثنا قتادة قال‪ :‬حدثتني معاذة‪ :‬أن امرأة قالت لعائشة‪ »:‬أتجزئ إحببدانا‬
‫صلتها إذا طهرت؟ فقالت‪ :‬أحرورية أنت؟ كنا نحيض مع النبببي ‪ r‬فل‬
‫يأمرنا به‪ ،‬أو قالت‪ :‬فل نفعله«)‪.(260‬‬
‫قال ابن حجر في شرح الحديث‪:‬‬
‫ض الحللائض الصلللة‪ ،‬نقللل ابللن المنللذر وغيللره‬ ‫قللوله‪ :‬بلاب ل تقل ِ‬
‫إجماع أهل العلم على ذلللك‪ ،‬وروى عبلد الللرزاق علن معمللر أنلله سلأل‬
‫الزهري عنه فقال‪ :‬اجتمع الناس عليه‪.‬‬
‫وحكى ابن عبد البر عن طائفة من الخوارج أنهم كانوا يوجبونه‪.‬‬

‫‪ ()) 259‬صحيح البخاري‪ /‬الدب ح ‪.5976‬‬


‫‪ ())260‬البخاري‪/‬ح ‪.321‬‬
‫وهللذا مللا قصللده ابللن جريللر بقللوله‪ :‬وزوال فللرض الصلللة عللن‬
‫الحائض في حال المحيض‪.‬‬
‫يعني أن ظاهر القرآن وجوب الصلة مطلقًا‪.‬‬
‫ولكن هذا الظاهر من القللرآن بينلت السللنة سللقوط فللرض الصلللة‬
‫عن الحائض حال حيضها‪ ،‬وإل لللو بقينللا علللى ظللاهر القللرآن لوجبنللا‬
‫عليها قضاء الصلة كما وجب عليها قضاء الصوم‪.‬‬
‫ولهذا فإن بعض الخوارج يوجبون على الحائض قضللاء الصلللة‪،‬‬
‫ولهذا قالت عائشة رضي ال عنها للسائلة‪ :‬أحرورية أنت؟‪.‬‬
‫وحروراء قرية أو بلدة تبعد عن الكوفة ميلين‪ ،‬لن أول فرقللة مللن‬
‫الخوارج حين خرجوا على علي بن أبي طالب رضللي ال ل عنلله نزلللوا‬
‫بها‪ ،‬فصار من يعتقد مذهب الخوارج ينسب إليها‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪ :‬وهم فرق كثيرة‪ ،‬لكللن مللن أصللولهم المتفللق عليهللا‬
‫بينهم الخذ بما دل عليه القرآن‪ ،‬ورد ما زاد عليه مللن الحللديث مطلق لًا‪،‬‬
‫ولهذا استفهمت عائشة معاذة استفهام إنكار)‪.(261‬‬
‫وممن فسر )السيئة( في هذه الية بالكفر والشرك‪:‬‬
‫‪1‬ب ب ابببن كببثير‪ :‬فقللد أورد بإسللناده إلللى ابللن عبللاس‪} :‬بلى من‬
‫كسب سيئة{‪ ،‬أي من عمل مثل أعمالكم‪ ،‬وكفر بمثل مللا كفرتللم بلله‬
‫حتى يحيط به كفره فما َله من حسنة‪ ،‬وفي رواية عن ابن عبللاس‪ ،‬قللال‪:‬‬
‫الشرك )‪.(262‬‬
‫‪ 2‬ب ابن عطية‪ :‬ونقل ابن عطيللة عللن عللدد مللن علمللاء السلللف أن‬
‫)السيئة( الشرك‪ ،‬كقوله }ومن جاء بالسيئة فكبتتت وجتتوههم‬
‫في النار{ ]النمللل‪ ،[90:‬قللال‪ :‬والخلللود فللي هللذه اليللة علللى الطلق‬

‫‪ (1)261‬فتح الباري ‪ 421 /1‬ل ‪422‬‬


‫‪ (2)262‬تفسير ابن كثير ‪170 / 1‬‬
‫والتأبيد في المشركين‪ ،‬ومستعار بمعنى الطللول فللي العصللاة‪ ،‬وإن علللم‬
‫انقطاعه كما يقال‪ :‬ملك )خالد(‪ ،‬ويدعى للملك )بالخلد(‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪} :‬والذين آمنوا{الية‪ ،‬يدل هللذا التقسلليم علللى أن‬
‫قوله‪} :‬من كسب سيئة{ الية‪ ،‬في الكفللار ل فللي العصللاة‪ ،‬ويللدل‬
‫على ذلك أيضًا قوله‪} :‬وأحاطت{ لن العاصي مللؤمن فلللم تحللط بلله‬
‫خطيئته‪ ،‬ويدل على ذلك أيضًا أن الرد كان على كفار ادعوا أن النار ل‬
‫تمسهم إل أيامًا معدودة فهم المراد بالخلود)‪(263‬وال أعلم‪.‬‬
‫‪ 3‬ب القرطبي‪ :‬قال‪ :‬الثانية‪ :‬قوله تعالى‪} :‬سيئة{ السلليئة الشللرك‪.‬‬
‫قال ابن جريج قلت لعطاء‪} :‬من كسب سيئة{ قال‪ :‬الشرك‪ ،‬وتل‪:‬‬
‫}ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النتتار{ ]النملللل‪،[90 :‬‬
‫وكذا قال الحسن وقتادة‪ .‬قال‪ :‬والخطيئة الكبيرة‪.‬‬
‫الثالثبببة‪ :‬لملللا قلللال تعلللللالى‪} :‬بلتتى متتن كستتب ستتيئة‬
‫وأحاطت به خطيئته{‪ ،‬دل عللى أن المعللق عللى شلرطين ل يتلم‬
‫بأقلهمللا‪ ،‬ومثللله قللوله تعللالى‪} :‬إن الذين قتتالوا ربنتتا اللتته ثتتم‬
‫استقاموا{ وقوله صلى ال عليه وسلم لسفيان بن عبدال الثقفللي وقللد‬
‫ل ل أسأل عنلله أحللدًا بعللدك‪.‬‬ ‫قال له‪ :‬يا رسول ال قل لي في السلم قو ً‬
‫قال‪» :‬قل آمنت بال ثم استقم«)‪ .(264‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫‪ 4‬ببب البغببوي‪ :‬فللي كتللابه للل » معللالم التنزيللل «‪} :‬من كسب‬
‫سيئة{ يعني الشرك‪.‬‬
‫}وأحاطت بتته خطيئتتته{ قللرأ أهللل المدينللة }خطيئاتتته{‬
‫بالجمع‪ ،‬والحاطة‪ :‬الحداق بالشيء من جميع نواحيه‪ ،‬قال ابن عباس‬
‫وعطاء والضحاك وأبو العالية والربيللع وجماعللة‪ :‬هللي الشللرك يمللوت‬

‫‪ ()) 263‬المحرر الوجيز لبن عطية ‪ 370 /1‬ل ‪ 371‬طبع سنة ‪ 1398‬هل قطر‪.‬‬
‫‪ ()264‬الجامع لحكام القرآن للقرطبي ج ‪ 12 / 2‬طبعة دار الكتب المصرية‪.‬‬
‫عليه‪ .‬وقيل‪ :‬السيئة الكبيرة‪ ،‬والحاطة به أن يصر عليهللا فيمللوت غيللر‬
‫تائب قاله عكرمة والربيع بن خثيم‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬قال الواحدي رحمه ال في تفسيره »الوسيط«‪ :‬المؤمنللون‬
‫ل يدخلون في حكم هذه الية‪ ،‬لن ال تعالى أوعد بالخلود في النار من‬
‫أحاطت به خطيئتلله‪ ،‬وتقللدمت منلله سلليئة وهللي الشللرك‪ ،‬والمللؤمن وإن‬
‫عمل الكبائر لم يوجد منه الشرك)‪.(265‬‬
‫‪ 5‬ب الشوكاني‪ :‬قال الشوكاني‪) :‬والسيئة المراد بها الجنس‪ ،‬ومثللله‬
‫قوله تعالى‪} :‬وجزاء سيئة سيئة مثلهتتا{ ثللم أوضللح سللبحانه أن‬
‫مجرد كسب السيئة ل يوجب الخلود في النار بللل ل بلد أن تكللون سلليئة‬
‫محيطة به‪ ،‬قيل هي الشرك‪ ،‬وقيل هي الكبيرة‪ ،‬وتفسيرها بالشرك أولى‬
‫لما ثبت في السنة تواترًا من خروج عصاة الموحدين من النللار‪ ،‬ويؤيللد‬
‫ذلللك كونهللا نازلللة فللي اليهللود‪ ،‬وإن كللان العتبللار بعمللوم اللفللظ ل‬
‫بخصوص السبب()‪.(266‬‬
‫ثم إن الخليلي أتبع الية الولى وهي قللوله تعللالى‪} :‬بلى مللن‬
‫كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصللحاب‬
‫النار هللم فيهللا خالللدون{‪ -‬الللتي اسللتدل بهللا علللى خلللود‬
‫أصحاب الكبائر من الموحدين في النار‪ .‬وقد سللبق تفصلليل الللرد عليلله‪.‬‬
‫أتبع ذلك في ص ‪ 207‬بقوله تعالى‪:‬‬
‫‪ 2‬ل }فمن جاءه موعظة من ربلله فللانتهى فللله‬
‫مللا سلللف وأمللره إلللى الللله ومللن عللاد فللأولئك‬
‫أصحاب النار هم فيها خالدون{‪] -‬البقرة‪.[275 :‬‬

‫‪ ()) 265‬معالم التنزيل ج ‪ 89 / 1‬ل ‪ 90‬الطبعة الولى سنة ‪ 1406‬هل ل ‪1986‬م دار‬
‫المعرفة‪.‬‬
‫‪ ()266‬فتح القدير للشوكاني ‪.88/ 1‬‬
‫قال‪) :‬ووجه السللتدلل باليللة أنهلا وعيللد لكلللة الربللا وهللم غيللر‬
‫مشركين‪ ،‬لن الية في معرض التحذير من أكل الربا بعد تحريمه‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬واعترض بأن هذا الوعيد ليللس علللى أكللل الربللا‪ ،‬بللل هللو‬
‫على استحلله بدليل ما جاء في صللدرها مللن حكايللة قللولهم المعللارض‬
‫لحكللم السلللم فللي الربللا‪} :‬إنما البيع مثتتل الربتتا{ ]البقللرة‪[275:‬‬
‫والمستحل لما حرم ال بالنص القطعي كالربا مشرك بالجماع‪ ،‬فل يعم‬
‫حكم الخلود مرتكبي الكبائر دون الشرك(‪ .‬وهو هنا لم يذكر المرجع‪.‬‬
‫ثم راح يرد على ذلك دون دليل ملن كتلاب ول سللنة ول أثلر‪ ،‬بلل‬
‫ذهب ينقل كلمًا عن صاحب المنار‪.‬‬
‫وختم نقله عنه في أول ص ‪ ،210‬ثم عقب عليلله بقللوله‪) :‬وكلملله‬
‫صريح في أن مذهب السلف الصالح هو ما عليه أهل الستقامة والحمد‬
‫ل(‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬إن أقوال السلف الصالح تخالف قول الخليلي المعللبر عنلله‬
‫بأهل الستقامة‪ ،‬ويعني بهم الباضية ل وإليللك فيملا يلللي أقللوال السلللف‬
‫في تفسير هذه الية‪:‬‬
‫‪ 1‬ب ابن جريببر الطبببري‪ :‬يقللول‪} :‬ومن عاد{ لكللل الربللا بعللد‬
‫التحريم‪ ،‬وقال ما كان يقول قبل مجيء الموعظة من ال ل بللالتحريم مللن‬
‫قوله‪} :‬إنما البيع مثل الربا{ }فأولئك أصتتحاب النتتار هتتم‬
‫فيها خالدون{‪ .‬يعني ففاعلو ذلك وقائلوه هلم أهلل النلار‪ ،‬يعنلي نلار‬
‫جهنم فيها خالدون)‪.(267‬‬
‫‪ 2‬ب البغببوي‪ :‬يقللول }ومن عاد{ بعللد التحريللم إلللى أكللل الربللا‬
‫)‪.(268‬‬
‫مستحل له‪} :‬فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون{‬

‫‪ ()267‬ابن جرير ‪.104 / 3‬‬


‫‪ ()268‬معالم التنزيل للبغوي ‪.263/ 1‬‬
‫‪ 3‬ب ابن عطية‪ :‬قال في تفسيره »المحرر الللوجيز«‪ :‬قللوله تعللالى‪:‬‬
‫}ذلك بأنهم قالوا إنما الللبيع مثللل الربللا{ معنللاه عنللد‬
‫جميع المتأولين ل يعني المفسرين ل في الكفللار)‪ ،(269‬وأنلله قللول بتكللذيب‬
‫الشريعة ورد عليها‪ ،‬والية كلها في الكفار المرابين‪ ،‬ولهم قيل‪} :‬فلتته‬
‫ما سلف{ ول يقال ذلك لمؤمن عللاص)‪(270‬ولكللن يأخللذ العصللاة فللي‬
‫الربا بطرف من وعيد هذه اليللة‪ ،‬إلللى أن قللال‪ :‬وقللوله تعللالى‪}:‬ومن‬
‫عاد{ يعني إلى فعل الربا والقول‪ :‬إنما البيع مثل الربا‪.‬‬
‫قال‪) :‬وإن قدرنا الية في كافر فالخلود خلود تأبيد حقيقي(‪.‬‬
‫وإن لحظناها في مسلللم عللاص‪ ،‬فهللذا خلللود مسللتعار علللى معنللى‬
‫المبالغة‪ ،‬كما تقول العرب‪:‬‬
‫)ملك خالد( عبارة عن دوام ما ل يبقى على التأبيد الحقيقي )‪.(271‬‬
‫‪ 4‬ب القرطبببي‪ :‬قللال‪ :‬السادسللة والعشللرون‪ :‬قللوله تعللالى‪} :‬ومن‬
‫عاد{ يعني إلى فعل الربا حتى يموت‪ ،‬قللاله سللفيان‪ ،‬وقللال غيللره‪ :‬مللن‬
‫عاد فقال‪ :‬إنما البيع مثل الربا فقد كفر‪.‬‬
‫قال ابن عطية‪ :‬إن قدرنا الية في كافر فالخلود خلود تأبيد حقيقي‪،‬‬
‫وإن لحظناها في مسلم عاص فهذا خلود مستعار علللى معنللى المبالغللة‪،‬‬
‫كما تقول العرب‪ :‬ملك خالد‪ ،‬عبللارة عللن دوام مللا ل يبقللى علللى التأبيللد‬
‫الحقيقي)‪.(272‬‬
‫‪ 5‬ب الشوكاني ل يقول‪} :‬ومن عاد{ إلى أكللل الربللا والمعاملللة‬
‫به }فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون{ والشللارة إلللى‬

‫‪ ()) 269‬أي في ربا الجاهلية ‪.‬‬


‫ل لقلوله ‪» :‬مببن عمببل عم ً‬
‫ل ليببس‬ ‫‪ ()) 270‬بل يفسخ عقده ويرد عمله وإن كللان جللاه ً‬
‫عليه أمرنا فهو رد«‪.‬‬
‫‪ ()) 271‬المحرر الوجيز ‪ 481 / 2‬ل ‪.483‬‬
‫‪ ())272‬القرطبي ج ‪.362 / 3‬‬
‫من عاد‪ ،‬وجمع أصحاب باعتبار معنى )من( وقيل‪ :‬إن معنللى مللن عللاد‬
‫هو أن يعود إلى القول بأنما البيع مثللل الربلا وأنله يكفلر بلذلك فيسلتحق‬
‫الخلود‪ ،‬قال‪ :‬وعلللى التقللدير الول يكللون الخلللود مسللتعار علللى معنللى‬
‫المبالغة‪ ،‬كما تقول العرب ملك خالللد أي طويللل البقللاء‪ ،‬والمصللير إلللى‬
‫هذا التأويل واجب للحاديث المتواترة القاضية بخروج الموحدين مببن‬
‫النار )‪.(273‬‬
‫فهذه أقوال علمللاء السلللف السللابقين ابلن جريللر‪ ،‬والبغللوي‪ ،‬وابللن‬
‫عطية‪ ،‬والقرطبي‪ ،‬ثللم الشللوكاني‪ ،‬وكلهللا متفقللة فللي أن أكللل الربللا مللن‬
‫كبائر الذنوب وأن عليه وعيد شللديد مللن ال ل عللز وجللل‪ ،‬وأن متعللاطيه‬
‫متوعد بهذا العقاب الشديد‪ ،‬ولكنهم اتفقوا جميعًا أنه ل يخلد في النار إل‬
‫من اعتقد حله‪ ،‬وأنه مثل البيع الذي أحله ال‪ ،‬فمن قال ذلك فهللو كللافر‪،‬‬
‫فله الخلود في النار مثل الكفار‪ ،‬وأمللا مللن ل يعتقللد ذلللك فللإنه معللرض‬
‫للعقاب ولكنه ل يخلد في النار‪ ،‬للحاديث الثابتة المتواترة عللن رسللول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم بأنه يخرج من النللار مللن كللان فللي قلبلله مثقللال‬
‫ذرة من إيمان من الموحدين‪.‬‬
‫ونختم أقوال المفسرين لهذه الية بقول مفسللر معاصللر مللن أتبللاع‬
‫السلف ذكر تفسير الية وبيللن أنلله ل حجللة للخللوارج فيهللا‪ ،‬لن القللول‬
‫بتخليد أصحاب الكبلائر هلو قلول الخللوارج كملا قلال عبلدال بلن عملر‬
‫رضي ال عنه‪ :‬إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفللار فطبقوهللا علللى‬
‫المسلمين‪ ،‬كما سبق نقل ذلك عنه من صحيح البخاري‪.‬‬
‫أما المفسر المعاصر فهو‪:‬‬

‫‪ ()) 273‬فتح القدير ‪.1/266‬‬


‫‪ 6‬ب الشيخ العلمة عبد الرحمببن بببن ناصببر السببعدي‪ ،‬يقللول فللي‬
‫كتابه » تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلم المنان« ل ص ‪ 97‬تفسللير‬
‫آية ‪ 275‬من سورة البقرة قال‪:‬‬
‫)لما ذكر ال حالة المنفقين ومللا لهللم مللن الل مللن الخيللرات‪ ،‬ومللا‬
‫يكفلللر عنهلللم ملللن اللللذنوب والخطيئات‪ ،‬ذكلللر الظلللالمين أهلللل الربلللا‬
‫والمعاملت الخبيثة‪ ،‬وأخبر أنهم يجازون بحسب أعمللالهم‪ ،‬فكمللا كللانوا‬
‫في الدنيا في طلب المكاسللب الخبيثللة كالمجللانين‪ ،‬عوقبللوا فللي الللبرزخ‬
‫والقيامة بأنهم ل يقومون من قبللورهم أو يللوم بعثهللم ونشللورهم إل كمللا‬
‫يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس أي من الجنللون والصللرع‪ .‬وذلللك‬
‫عقوبة وخزي وفضلليحة لهللم وجللزاء لهللم علللى مرابللاتهم ومجللاهرتهم‬
‫بقولهم‪} :‬إنما البيع مثل الربا{ فجمعوا‪ -‬بجراءتهم ‪ -‬بين مللا‬
‫أحل ال وبين ما حرم ال واستباحوا بذلك الربا‪.‬‬
‫ثم عرض تعالى العقوبة على المرابيللن وغيرهللم‪ ،‬فقللال‪} :‬فمن‬
‫جتتاءه موعظتتة متتن ربتته{ بيللان مقللرون بلله الوعللد والوعيللد‪:‬‬
‫}فانتهى{ عما كان يتعاطاه من الربا‪} :‬فله ما سلف{ مما تجللرأ‬
‫عليه وتاب منه‪} :‬وأمره إلى الله{ فيمللا يسللتقبل مللن زمللانه‪ ،‬فللإن‬
‫استمر على توبته‪ ،‬فال ل يضيع أجر المحسللنين‪} ،‬ومن عتتاد{ بعللد‬
‫بيان ال وتذكيره وتوعده لكل الربا }فأولئك أصحاب النار هتتم‬
‫فيها خالدون{ في هذا أن الربا موجب لدخول النللار والخلللود فيهللا‪،‬‬
‫وذلك لشناعته‪ ،‬ما لم يمنع من الخلود مانع اليمان‪.‬‬
‫وهذا من جملة الحكام التي تتوقف على وجود شروطها‪ ،‬وانتفللاء‬
‫موانعها‪ ،‬قال‪ :‬وليللس فيهللا حجللة للخللوارج كغيرهللا مللن آيللات الوعيللد‪.‬‬
‫فالواجب أن تصدق جميع نصللوص الكتللاب والسللنة‪ ،‬فيللؤمن العبللد بمللا‬
‫ن فللي قلبلله أدنللى مثقللال حبللة مللن‬
‫ن خروج َمل ْ‬‫تواترت به النصوص‪ِ ،‬م ْ‬
‫خردل من اليمان من النار‪ ،‬ومن استحقاق هذه الموبقات للدخول النلار‬
‫إن لم يتب منها)‪.(274‬‬
‫ثم واصل الخليلي في ذكر الدلة من القرآن الكريم على عقيدته للل‬
‫تخليد أصحاب الكبائر في النار فقال في ص ‪:210‬‬
‫‪ 3‬ل قوله تعالى‪} :‬ذلك بأنهم قالوا لن تمسللنا النللار‬
‫إل أياما ً معدودات وغرهللم فللي دينهللم مللا كللانوا‬
‫يفترون{ ]آل عمران‪.[24 :‬‬
‫قال‪ :‬ووجه الستدلل به مللا سللبق فللي نظيللره مللن إثبللات أن هللذه‬
‫العقيدة من عقائد اليهود‪ ،‬وأنها جرأتهم علللى معصللية الل وقللادتهم إلللى‬
‫العراض عن كتابه‪ ،‬وذكرت في معرض تفنيد ظللهم وتبكيتهللم علللى‬
‫عيوبهم(‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬والجواب على وجه الستدلل‪ ،‬هو ما سبق في الرد علللى‬
‫استدلله السابق بهلذه اليلة وهلو اللذي يشلير إليله فلي اسلتدلله بقلوله‬
‫تعالى‪} :‬وقالوا لن تمسنا النار إل أياما ً معدودة قل‬
‫أتخذتم عند الله عهدا ً فلن يخلللف الللله عهللده أم‬
‫تقولون على الله ما ل تعلمون‪ .‬بلللى مللن كسللب‬
‫سيئة وأحاطت به خطيئته فللأولئك أصللحاب النللار‬
‫هم فيها خالدون{ ]البقرة‪80:‬ل ‪.[ 81‬‬
‫فقد فندنا استدلله بما نقلناه عن علماء التفسير لليتين وأن )السيئة‬
‫التي تحيط بصاحبها( هي الشرك والكفر‪ ،‬كما نقل المفسرون ذلللك عللن‬
‫ابن عباس رضللي الل عنله‪.‬وعللن عطلاء وأبللي وائل ومجاهللد والربيللع‬

‫))( تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلم المنان ‪ /‬للعلمة الشيخ عبد الرحمن بلن‬ ‫‪274‬‬

‫ناصر السعدي ص ‪ 97‬الطبعة الولى سنة ‪1419‬هل ل ‪1998‬م‪.‬‬


‫وقتاده وغيرهللم مللن علمللاء السلللف وقللد تقللدم ذلللك مللن ص ‪ 408‬ومللا‬
‫بعدها‪.‬‬
‫وفي ص ‪ 213‬قال‪:‬‬
‫)‪4‬ل قوله تعللالى‪} :‬ومن يعص الللله ورسللوله ويتعللد‬
‫حدوده يدخله نارا ً خالدا ً فيها وللله عللذاب مهيللن{‬
‫]النساء ‪.[ 14 /‬‬
‫قببال‪ :‬ووجه السللتدلل بلله أنلله جللاء بعللد تبيللان أحكللام المللواريث‬
‫والنص على أنها من حدود ال‪ ،‬ووعد من يطيع ال ورسوله بالخلد في‬
‫جنات تجري من تحتها النهار‪ ،‬فثبت من ذلك بأن من جاوز حكمًا مللن‬
‫أحكام ال صدق عليه هذا الوعيد(‪.‬‬
‫هكذا يقرر الخليلي بلأن ملن ارتكللب معصلية مللن المعاصللي فللإنه‬
‫مخلد في النار‪ ،‬مدعيًا أن محمللد عبلده ورشلليد رضللا تحللدثا فللي تفسللير‬
‫الية بما يؤيد هذا القول‪.‬‬
‫والجواب على هذه الشبهة بأقوال علمللاء التفسللير مللن سلللف هللذه‬
‫المة‪ ،‬وقد عهدنا من الخليلي أنه يعرج على أقللوال السلللف كمللا يقللول‪،‬‬
‫فينقل عن ابن جرير الطبري القوال الللتي فيهللا تعميللم لبعللض الحكللام‬
‫ويترك الصريح منها في الصفحة نفسها‪.‬‬
‫ولكنه هنا لم يعرج على تفسليره لهلذه اليلة‪ ،‬ونحلن نبلدأ بتفسليره‬
‫فهو شيخ المفسرين بحق لكتاب ال فإن اعتماده في تفسيره علللى كتللاب‬
‫ال وسنة رسوله وأقوال الصحابة والتابعين‪.‬‬
‫‪ 1‬ب ابن جرير يقول في تفسير هذه الية ‪ 4/291‬بعد ذكللر معناهللا‬
‫الجمالي‪:‬‬
‫)حدثنا المثنى قال‪ :‬ثنا عبدال بن صللالح قللال‪ :‬حللدثني معاويللة بللن‬
‫صالح‪ ،‬عن علي بن أبي طلحة عن ابللن عبللاس }ومن يعتص اللتته‬
‫ورسوله ويتعد حدوده{‪....‬الية‪ ،‬فللي شللأن المللواريث الللتي ذكللر‬
‫قبل‪ ،‬قللال ابللن جريللج‪} :‬ومن يعص الله ورستتوله{‪ ،‬قللال‪ :‬مللن‬
‫أصاب من الذنوب ما يعذب ال عليه‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬فإن قال قائل‪ :‬أو يخلد في النار من عصى ال ورسوله في‬
‫قسمة المواريث؟‬
‫قيل‪ :‬نعم‪ ،‬إذا جمع إلى معصيتهما في ذلك شّكا في أن اللل فللرض‬
‫عليه ما فرض عللى عبلاده فللي هلاتين اليلتين‪ ،‬أو عللم ذلللك فحلاّد الل‬
‫ورسوله في أمرهما‪ ،‬على ما ذكر ابن عباس‪ ،‬من قول مللن قللال‪ ،‬حيللن‬
‫نزل على رسول الل صللى الل عليلله وسلللم قللول الل تبلارك وتعلالى‪:‬‬
‫}يوصتتتيكم اللتتته فتتتي أولدكتتتم للتتتذكر مثتتتل حتتتظ‬
‫النثيين{‪....‬إلى تمام اليتين‪ ،‬أيورث من ل يركللب الفللرس ول يقاتللل‬
‫العدو‪ ،‬ول يحوز الغنيمة‪ ،‬نصف المال أو جميع المال؟ اسللتنكارًا منهللم‬
‫قسمة ال ما قسم لصغار ولد الميللت ونسللائه وإنللاث ولللده‪ ،‬فمللن خللالف‬
‫قسمة ال ما قسم من ميراث أهل الميراث بينهم على قسللمه فللي كتللابه‪،‬‬
‫وخلالف حكملله فللي ذلللك وحكللم رسللوله‪ ،‬اسلتنكارًا منلله حكمهملا‪ ،‬كمللا‬
‫استنكره الذين ذكر أمرهم ابن عبللاس‪ ،‬ممللن كللان بيللن أظهللر أصللحاب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم من المنللافقين‪ ،‬الللذين فيهللم نزلللت وفللي‬
‫أشكالهم هذه الية فهو من أهل الخلود فللي النللار‪ ،‬لنلله باسللتنكاره حكللم‬
‫ال في تلك‪ ،‬يصير بال كافرًا‪ ،‬ومن ملة السلم خارجًا()‪.(275‬‬
‫فهذا هو كلم إمام المفسرين في تفسير هللذه اليللة‪ ،‬ومللا نقللله عللن‬
‫الصحابي الجليل ترجمان القللرآن الللذي دعللا للله رسللول الل بلالفقه فللي‬
‫الللدين‪ ،‬وتعليملله التأويللل عبللدال بللن عبللاس رضللي ال ل عنهمللا‪ ،‬وأن‬

‫‪ ()) 275‬تفسير ابن جرير ‪. 4/291‬‬


‫المعصية هي الكفر بال لمعارضته حكم الل ورسللوله صلللى الل عليلله‬
‫وسلم‪.‬‬
‫ورأي الخليلي في اسلتدلله بهلذه اليلة عللى شلاكلة ماسلبق؛ ملن‬
‫تنزيله اليات التي نزلت في الكفار على عصاة المؤمنين!‪.‬‬
‫فهذا ابن عباس رضي ال عنه يقول‪ :‬إن الية نزلت في المنللافقين‬
‫الذين كانوا بين أظهر أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬ويقللول‬
‫ابن جرير‪ :‬إن حكم هذه اليلة فلي أولئك وفللي أشللكالهم‪ ،‬فهلو ملن أهلل‬
‫الخلود في النار‪ ،‬لنه باستنكاره حكم ال فللي تلللك‪ ،‬يصللير بللال كللافرًا‪،‬‬
‫ومن ملة السلم خارجًا‪.‬‬
‫‪ 2‬ب ابن عطية‪ :‬ويقول ابن عطية في تفسيره »المحرر الوجيز«‪:‬‬
‫)وقوله‪} :‬ومن يعص الله ورسوله{‪......‬الية‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهذه آيتا وعد ووعيد‪ ،‬وتقدم اليجللاز فللي ذلللك‪ .‬ورجللى الل‬
‫تعالى على التزام هذه الحدود في قسمة الميراث‪ ،‬وتوعد على العصيان‬
‫فيها بحسب إنكار العرب لهذه القسمة‪ ،‬وقللد كلللم فيهللا النللبي صلللى الل‬
‫عليه وسلم عيينة بن حصن وغيره()‪.(276‬‬
‫‪ 3‬ببب ابببن كببثير‪ :‬يقللول‪}) :‬ومن يعللص الللله ورسللوله‬
‫ويتعد حدوده يدخله نللارا ً خالللدا ً فيهللا وللله عللذاب‬
‫مهين{ أي‪ :‬لكونه غير ما حكم ال بلله وضللاّد الل فللي حكملله‪ ،‬وهللذا‬
‫إنملا يصلدر عللن علدم الرضلا بملا قسللم الل وحكللم بله‪ .‬ولهللذا يجلازيه‬
‫بالهانه في العذاب الليم المقيم()‪.(277‬‬
‫قلت‪ :‬وهو يشير بهذا إلى أن من كانت تلك صللفته فقللد خللرج مللن‬
‫السلم‪ ،‬فال يقللول فللي كتللابه الكريللم‪} :‬فل وربك ل يؤمنون‬

‫‪ ()) 276‬المحرر الوجيز ‪. 526 / 3‬‬


‫‪ ()) 277‬تفسير ابن كثير ‪. 203 / 2‬‬
‫حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل يجللدوا فللي‬
‫أنفسللهم حرج لا ً ممللا قضلليت ويسلللموا تسللليما ً{‬
‫]النساء‪.[65:‬‬
‫فالمعصية هنا هي الكفر لكونه لم يللرض بحكللم ال ل ورسللوله فللي‬
‫قسمة الميراث‪ ،‬وهذا ما سبق نقله عن المام ابن جرير رحملله ال ل فللي‬
‫تفسير هذه الية‪ ،‬ونختم هذا بنقل قول أحد المفسرين المعاصللرين وهللو‬
‫العلمة السعدي رحمه ال‪.‬‬
‫‪ 4‬ب عبد الرحمن بن ناصر السعدي يقول في كتابه »تيسير الكريم‬
‫الرحمللللن فللللي تفسللللير كلم المنللللان«‪} :‬ومتتتن يعتتتص اللتتته‬
‫ورسوله {‪....‬الخ‪.‬‬
‫قال‪) :‬ويدخل في اسم المعصية الكفر فما دونه من المعاصللي‪ ،‬فل‬
‫يكون فيها شبهة للخوارج‪ ،‬القائلين بكفر أهل المعاصي‪ ،‬فإن الل تعللالى‬
‫رتب دخول الجنة على طاعته وطاعة رسوله‪ ،‬ورتب دخول النار على‬
‫معصلليته ومعصللية رسللوله‪ ،‬فمللن أطللاعه طاعللة تامللة دخللل الجنللة بل‬
‫عذاب‪ ،‬ومن عصى ال ورسوله معصية تامللة يللدخل فيهللا الشببرك فمببا‬
‫دونه دخل النار وخلد فيها‪ ،‬ومن اجتمع فيله معصلية وطاعلة كلان فيله‬
‫من موجب الثواب والعقاب بحسب ما فيه من الطاعة والمعصية‪.‬‬
‫وقد دلت النصللوص المتللواترة علللى أن الموحللدين‪ ،‬الللذين معهللم‬
‫طاعة التوحيد غير مخلدين في النار‪ .‬فما معهللم مللن التوحيللد مللانع لهللم‬
‫من الخلود فيها)‪.(278‬‬
‫فهذه أقوال علماء التفسللير مللن السلللف وأتبللاعهم فللي تفسللير هللذه‬
‫الية‪ ،‬فهم ل يضربون نصوص الكتاب الكريللم بعضللها ببعللض‪ ،‬وإنمللا‬

‫‪ ()278‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلم المنان ‪ /‬للشليخ عبلد الرحمللن السلعدي ص‬
‫‪.136‬‬
‫يقولون بها جميعًا‪ ،‬ويأخذون تفسيرها وبيانها ممن جعل ال ل البيللان لمللا‬
‫أنزله إليه وهو رسول الهدى ‪ ،r‬قال تعالى مبينًا ذلك وآمرًا للمللة بللأن‬
‫تأخذ ما أمرها به رسوله وأن تنتهي عمللا نهاهللا عنلله‪}:‬وما آتاكم‬
‫الرسللول فخللذوه ومللا نهللاكم عنلله فللانتهوا‪{.....‬‬
‫] الحشر‪.[1:‬‬
‫ومما جاء عن رسول الل صلللى الل عليلله وسلللم مللا تللواترت بلله‬
‫النصوص من إخراج من كان في قلبلله مثقللال ذرة مللن إيمللان‪ ،‬وأنلله ل‬
‫يخلد من مات على التوحيد في النار‪ ،‬وإنما يخلد فيها الكللافر والمشللرك‬
‫والمنافق النفاق العتقادي‪.‬‬
‫ثم يواصل الخليلي في استدلله على تخليد أصحاب المعاصي من‬
‫القرآن فيقول في ص ‪:213‬‬
‫)‪ 5‬لللل قلللوله تعلللالى‪} :‬ومللن يقتللل مؤمنللا ً متعمللدا ً‬
‫فجزاؤه جهنم خالدا ً فيها وغضب الله عليه ولعنه‬
‫وأعد له عذابا ً عظيما ً{ ]النساء‪.[93:‬‬
‫قال‪ :‬ووجه الستدلل بالية‪ ،‬أن ال تعالى توعد فيها قاتل المؤمن‬
‫ل فيما توعده به ل بالخلود في النار مع أن القتل كبيرة دون الشرك‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬وقد حاولوا التخّلص مما دل عليه هذا النص بضروب من‬
‫التأويلت التي أنكر فيها بعضهم على بعض ولم يتفقوا على شيء(‪.‬‬
‫ل عللن الفخللر وغيللره ويؤيللد بهللا الختلف فللي‬
‫ثم راح ينقل أقللوا ً‬
‫تفسير الية وأنهم لم يتفقوا على شيء كما يقول‪ ،‬وأنهى نقاشلله وأقللواله‬
‫تلك في أول ص ‪.220‬‬
‫وأقببول ردًا على دعللواه الختلف بيللن أهللل السللنة وعلللى وجلله‬
‫استدلله بما يأتي‪:‬‬
‫‪ 1‬ب أوًل ل أن أهل السنة من سلف هذه المه وأتباعهم‪ ،‬لللم يختلفللوا‬
‫في أن أصحاب الكبائر التي هللي دون الشللرك بلال ‪ ،U‬أن أصللحابها ل‬
‫يخلدون في النار‪ ،‬بل قولهم في ذلك واحد ل يختلللف‪ ،‬وهللو عللدم تخليلد‬
‫أصللحاب المعاصللي دون الشللرك بلال فلي النللار‪ ،‬معتصللمين فلي ذلللك‬
‫بالنصللوص مللن كتللاب ال ل الكريللم وسللنة نللبيه صلللى الل عليلله وسلللم‬
‫المتواترة في ذلك‪.‬‬
‫‪ 2‬ب ثانيًا ب وأما استدلله بهللذه اليللة الكريمللة الللتي ورد فيهللا هللذا‬
‫الوعيد الشديد لقاتل المؤمن عمدًا فإنهم يعطون هذا النص حقه ويللبينون‬
‫عظملله تحللذيرًا مللن ارتكللابه‪ ،‬فللإن مرتكبلله يعللرض نفسلله لسللخط ال ل‬
‫وغضبه وعقابه‪ ،‬ومع بيانهم لذلك فللإنهم يللبينون الحللق فيلله بالنصللوص‬
‫الخرى‪.‬‬
‫وإليك أيها القاريء الكريم أقوال المفسرين مللن سلللف هللذه المللة‬
‫وأتباعهم في تفسير هذه الية‪ ،‬ونبدأ بإمام المفسرين ابن جرير الطللبري‬
‫من علماء السلف الذي لم يعرج ل الخليلي ل على تفسيره لهذه الية‪:‬‬
‫يقول ابن جرير رحمه ال‪ :‬القول فللي تأويللل لل أي تفسللير لل قللوله‬
‫تعالى‪:‬‬
‫}ومن يقتل مؤمنا ً متعمللدا ً فجللزاؤه جهنللم‬
‫خالدا ً فيها وغضب الله عليلله ولعنلله وأعللد للله‬
‫عذابا ً عظيما ً{ ]النساء ‪.[93 /‬‬
‫قال‪) :‬يعني جل ثناؤه‪ :‬ومن يقتل مؤمناً عامدًا قتللله‪ ،‬مريللدًا إتلف‬
‫نفسه‪} ،‬فجزاؤه جهنم{‪ ،‬يقول‪ :‬فثوابه من قتِله إياه جهنم‪ ،‬يعني‪:‬‬
‫عذاب جهنم‪} ،‬خالدا ً فيها{‪ ،‬يعني باقياً فيها‪ ،‬والهللاء واللللف فللي‬
‫قللوله‪ :‬فيهللا مللن ذكللر جهنللم‪} ،‬وغضب الله عليلله{‪ ،‬يقللول‪:‬‬
‫}وغضب الله عليه{ بقتللله إيللاه متعمللدًا‪} ،‬ولعنه{‪ ،‬يقللول‪:‬‬
‫وأبعده من رحمته وأخزاه‪} ،‬وأعد له عذابا ً عظيما ً{‪ ،‬وذلللك‬
‫ما ل يعلم قدر مبلغه سواه تعالى ذكره(‪.‬‬
‫هذا تفسير ابن جرير الجمالي لهذه الية الكريمة‪.‬‬
‫فقد وضح فيها ما يستحقه قاتل المؤمن المتعمد‪.‬‬
‫ثم بعد ذلك شرع في ذكللر أقللوال علمللاء السلللف فللي تفسللير هللذه‬
‫الية وبيان مافيها من أحكام‪.‬‬
‫فذكر أقوالهم في صفة قتل العمد‪ ،‬ثم فلي أسللباب نلزول اليللة‪ ،‬ثلم‬
‫في قبول توبة القاتل عمدًا وعدم قبولها‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫)قال أبو جعفر‪ :‬وأولى القول فللي ذلللك بالصللواب قللول مللن قللال‪:‬‬
‫معناه ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه إن جازاه جهنم خالدًا فيها‪ ،‬ولكنه‬
‫يعفو أو يتفضل على أهل اليمللان بلله وبرسللوله‪ ،‬فل يجللازيهم بللالخلود‬
‫فيها‪ ،‬ولكنه عز ذكره‪ ،‬إما أن يعفللو بفضللله‪ ،‬فل يللدخله النللار‪ ،‬وإمللا أن‬
‫يدخله إياها‪ ،‬ثم يخرجه منها بفضل رحمته لمللا سلللف مللن وعللده عبللاده‬
‫المؤمنين بقوله‪:‬‬
‫}يلا عبلادي اللذين أسلرفوا علللى أنفسلهم ل‬
‫تقنطلوا ملن رحملة اللله إن اللله يغفللر الللذنوب‬
‫جميعا ً{‪.‬‬
‫ل في هللذه‬
‫ثم قال‪ :‬فإن ظن ظان أن القاتل إن وجب أن يكون داخ ً‬
‫ل فيه‪ ،‬لن الشرك مللن الللذنوب‪،‬‬
‫الية‪ ،‬فقد يجب أن يكون المشرك داخ ً‬
‫فإن ال عز ذكره قد أخبر أنلله غيللر غللافر الشللرك لحللد بقللوله‪} :‬إن‬
‫الله ل يغفر أن يشرك به ويغفر مللا دون ذلللك‬
‫لمن يشاء{ والقتل دون الشرك )‪.((279‬‬

‫‪ ()279‬تفسير ابن جرير ج ‪ 5/215‬ل ‪.221‬‬


‫‪ 2‬ب البغببوي‪ ،‬يقللول‪) :‬قللوله تعللالى‪} :‬ومن يقتل مؤمنا ً‬
‫متعمدا ً‪ {...‬الية‪ ،‬نزلت في مقيس بن صبابة الكندي وكان قد أسلم(‬
‫ثم ذكر سبب ارتداده عن السلم وقتله لرجل من بني فهر خدعة‪ ،‬وأن‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم استثناه يوم فتح مكة عّمن أمنه فقتل وهللو‬
‫متعلق بأستار الكعبه‪ ،‬ثم أورد القوال في ذلك‪ ،‬لن العبرة بعموم اللفظ‬
‫ل بخصوص السبب‪...،‬إلى أن قال‪:‬‬
‫)وليس فللي اليللة متعلللق لمللن يقللول بالتخليللد فللي النللار بارتكللاب‬
‫الكبائر‪ ،‬ثم ذكر الرد على المستدل بالية فقال ‪:‬‬
‫‪ 1‬ل لن الية نزلت في قاتل وهو كافر وهو مقيس بن صبابة‪.‬‬
‫ل لقتللله بسللبب إيمللانه‪،‬‬‫‪ 2‬ل وقيل‪ :‬إنه وعيد لمن قتل مؤمنلًا مسللتح ً‬
‫ومن استحل قتل أهل اليمان ليمانهم كان كافرًا مخلدًا في النار‪.‬‬
‫‪ 3‬ل وقيل‪ :‬قوله تعالى‪} :‬فجزاؤه جهنم خالدا ً فيهللا{‬
‫معناه هللي جللزاؤه إن جللازاه‪ ،‬ولكنلله إن شللاء عللذبه وإن شللاء غفللر للله‬
‫بكرمه‪ ،‬فإنه وعد أن يغفر لمن يشاء‪.‬‬
‫حكي أن عمرو بن عبيللد)‪(280‬جللاء إلللى عمللرو بللن العلء‬ ‫ثم قال‪ُ :‬‬
‫فقال له‪ :‬هل يخلف ال وعده؟ فقال‪ :‬ل‪ ،‬فقال‪ :‬أليس قللد قللال الل تعللالى‪:‬‬
‫}ومن يقتل مؤمنا ً متعمدا ً فجزاؤه جهنم خالدا ً‬
‫فيها{ فقال أبو عمرو بن العلء‪ :‬من العجمية أتيت يا أبا عثمللان‪ ،‬إن‬
‫العرب ل تعد الخلف في الوعيد خلفًا وذمًا وإنمللا تعللد إخلف الوعببد‬
‫خلفًا وذمًا وأنشد‪:‬‬
‫وإني وإن أوعدته‪ ،‬أو وعدته ‪ ..‬لمخلف إيعادي ومنجز‬
‫موعدي‬

‫‪ ()280‬عمرو بن عبيد من رؤوس المعتزلة‪ ،‬القائلين بتخليد أهل الكبائر في النار‪.‬‬


‫قال‪ :‬والدليل على أن غير الشرك ل يوجب التخليد فببي النببار‪ ،‬ما‬
‫روينا أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪» :‬من مات ل يشرك بال شيئا‬
‫دخل الجنة«)‪.(281‬‬
‫ثم ساق بإسناده عن عبادة بن الصامت رضي ال عنه وكلان شلهد‬
‫يوم بدر وهو أحد النقباء ليلة العقبة‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫قال وحوله عصابة من أصحابه‪:‬‬
‫»بايعوني على أن ل تشببركوا بببال شببيئًا ول تسببرقوا ول تزنببوا‬
‫ول تقتلوا أولدكم‪ ،‬ول تأتوا ببهتان تفترونه بين أيببديكم وأرجلكببم ول‬
‫تعصوا في معروف‪ ،‬فمن وفى منكم فأجره على ال‪ ،‬ومن أصبباب مببن‬
‫ذلك شيئًا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له‪ ،‬ومن أصاب شببيئًا ثببم سببتره‬
‫ال عليه‪ ،‬فهو إلى الب إن شبباء عفببا عنببه وإن شبباء عبباقبه« فبايعنللاه‬
‫على ذلك)‪.(282‬‬
‫قلت‪ :‬وقد جاء في هذا الحديث ذكر هذه الكبللائر مللن القتللل والزنللا‬
‫والسرقة‪ ،‬وأن من لم يعاقب عليها في الدنيا‪ ،‬فهي تحت مشلليئة ال ل فللي‬
‫الخرة‪ ،‬إن شاء عفا عن صاحبها وإن شاء عاقبه أما الشللرك بلال‪ ،‬فقللد‬
‫قال تعالى‪}:‬إن الله ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما‬
‫دون ذلك لمن يشاء{‬
‫‪ 3‬ب ابن القيببم رحمببه الب‪ :‬وقد ذكللر ابللن القيللم لل فللي كتللابه القيللم‬
‫»مدارج السالكين« ج ‪ ،1/392‬بعد أن أورد عددًا من نصوص الوعيللد‬
‫من الكتاب والسنة‪ ،‬ثللم ذكللر اختلف النللاس فيهللا فللذكر رد أهللل السللنة‬

‫‪ ()281‬البخاري ‪ /‬الجنائز ح ‪.1238‬‬


‫‪ ()282‬تفسير البغوي ‪ /‬معالم التنزيل ج ‪ 464 / 1‬ل ‪466‬؛ وأخرجه البخاري في كتللاب‬
‫اليمان ح ‪.11‬‬
‫والجماعة على الخوارج والمعتزلة القللائلين بتخليللد أهللل تلللك الجللرائم‬
‫في النار‪ ،‬وإن اختلفوا في حكمهم في الدنيا‪.‬‬
‫ثللم بعللد إيللراد أقللوال غيللر الخللوارج والمعتزلللة فللي تأويللل تلللك‬
‫النصوص ومنها قوله تعالى‪} :‬ومن يقتل مؤمنا ً متعمللدا ً‬
‫فجزاؤه جهنم خاللدا ً فيهلا وغضلب اللله عليله‬
‫ولعنه وأعد له عذابا ً عظيما ً{‪.‬‬
‫قال في ص ‪ :396‬وقالت فرقة‪ :‬هذه النصللوص وأمثالهللا مللا ذكللر‬
‫فيه المقتضي للعقوبة‪ ،‬ول يلزم من وجود مقتضي الحكللم وجللوده‪ .‬فللإن‬
‫الحكم إنما يتم بوجود مقتضيه وانتفاء مانعه‪.‬‬
‫وغاية هذه النصوص‪ :‬العلم بأن كذا سبب للعقوبة ومقتض لها‪،‬‬
‫وقد قام الدليل على ذكر الموانع‪ ،‬فبعضها بالجماع‪ ،‬وبعضللها بللالنص‪،‬‬
‫فالتوبة ملانع بالجملاع‪ ،‬والتوحيللد ملانع بالنصللوص المتللواترة اللتي ل‬
‫مدفع لها‪.‬والحسنات العظيمة الماحية مانعة‪ ،‬والمصائب الكبار المكفللرة‬
‫مانعة‪ ،‬وإقامة الحدود في الدنيا مانع بالنص‪.‬‬
‫ول سبيل إلى تعطيل هذه النصوص‪ ،‬فل بد من إعمال النصللوص‬
‫من الجانبين‪ ،‬ومن هنا قامت الموازنة بين الحسنات والسلليئات اعتبللارًا‬
‫ل لرجحها‪.‬‬ ‫بمقتضى العقاب ومانعه وإعما ً‬
‫قالوا‪ :‬وعلى هذا بناء مصالح الدارين ومفاسدهما‪ ،‬وعلى هذا بنللاء‬
‫الحكام الشرعية‪ ،‬والحكام القدرية‪ ،‬وهو مقتضى الحكمة السارية فللي‬
‫الوجود‪ ،‬وبه ارتبللاط السللباب ومسللبباتها خلقلًا وأمللرًا‪ ،‬وقللد جعللل الل‬
‫سبحانه لكل ضد ضدًا يدافعه ويقاومه‪ ،‬ويكون الحكللم للغلللب منهمللا‪،‬‬
‫فالقوة مقتضية للصحة والعافية‪ ،‬وفساد الخلط وبغيها مانع مللن عمللل‬
‫الطبيعللة وفعللل القللوة‪ ،‬والحكللم للغللالب منهمللا‪ ،‬وكللذلك قللوي الدويللة‬
‫والمراض‪.‬‬
‫والعبد يكون فيه مقتض للصحة ومقتض للعطللب‪ ،‬وأحللدهما يمنللع‬
‫كمال تأثير الخر ويقاومه‪ ،‬فإذا ترجح عليه وقهره كان التأثير له‪.‬‬
‫قال‪ :‬ومن هنا يعلم انقسام الخلق إلى ملن يلدخل الجنلة‪ ،‬ول يلدخل‬
‫النار وعكسه‪ ،‬ومن يللدخل النللار ثللم يخللرج منهللا‪ ،‬ويكللون مكللانه فيهللا‬
‫بحسب ما فيه من مقتضى المكث في سرعة الخروج وبطئه‪.‬‬
‫قال‪ :‬ومن له بصيرة منورة يرى بها كل ما أخبره ال به في كتابه‬
‫من أمر المعاد وتفاصيله‪ ،‬حتى كأنه يشاهده رأي العين‪ ،‬ويعلللم أن هللذا‬
‫هو مقتضى إلهيتلله سللبحانه وربللوبيته وعزتلله وحكمتلله‪ .‬وأنلله يسللتحيل‬
‫عليه خلف ذلللك‪ ،‬ونسللبة خلف ذلللك إليلله نسللبة مللا ل يليللق بلله إليلله‪،‬‬
‫فيكون نسبة ذلك إلى بصيرته كنسبة الشمس والنجوم إلى بصره‪.‬‬
‫وهنا يقين اليمان‪ ،‬وهو الللذي يحللرق السلليئات كمللا تحللرق النللار‬
‫الحطللب‪ ،‬وصللاحب هللذا المقللام مللن اليمللان‪ :‬يسللتحيل إصللراره علللى‬
‫السيئات‪ ،‬وإن وقعت منه وكثرت‪ ،‬فإن ما معه مللن نللور اليمللان يللأمره‬
‫بتجديد التوبة كل وقت بالرجوع إلى ال بعدد أنفاسلله‪ ،‬وهللذا مللن أحللب‬
‫الخلق إلى ال)‪.(283‬‬
‫‪ 4‬ل ويقببول الشلليخ السللعدي فللي تفسللير اليللة وهللي قللوله تعللالى‪:‬‬
‫}ومن يقتل مؤمنا ً متعمدا ً فجزاؤه جهنم خالدا ً‬
‫فيها وغضب الله عليه ولعنلله وأعللد للله عللذابا ً‬
‫عظيما ً{ ]النساء‪.[93/‬‬
‫قال‪ :‬تقدم أن ال أخبر أنه ل يصدر قتل المؤمن من المللؤمن‪ ،‬وأن‬
‫القتل من الكفر العملي‪ ،‬وذكر هنا‪ ،‬وعيد القاتل عمدًا وعيدًا ترجللف للله‬
‫القلوب‪ ،‬وتنصدع له الفئدة‪ ،‬وينزعج منه أولو العقول‪.‬‬

‫)( مدارج السالكين فللي منلازل إيلاك نعبلد وإيلاك نسلتعين‪ ،‬ج ‪ 392 / 1‬لل ‪.398‬‬ ‫‪283‬‬

‫تحقيق حامد فقي‪ ،‬الناشر دار الكتاب العربي في بيروت سنة ‪ 1392‬هل ل ‪1972‬م‪.‬‬
‫فلم يرد في أنواع الكبائر أعظم من هذا الوعيد‪ ،‬بل ول مثللله‪ ،‬أل‪:‬‬
‫وهو الخبار بللأن جللزاءه جهنللم‪ .‬أي‪ :‬فهللذا الللذنب العظيللم‪ ،‬قللد انتهللض‬
‫وحده أن يجازى صاحبه بجهنم بما فيها مللن العللذاب العظيللم‪ ،‬والخللزي‬
‫المهيللن‪ ،‬وسللخط الجبللار‪ ،‬وفللوات الفللوز والفلح‪ ،‬وحصللول الخيبللة‬
‫والخسار‪ ،‬فعياذًا بال من كل سبب يبعد عن رحمته‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهذا الوعيد له حكم أمثاله من نصوص الوعيد‪ ،‬على بعللض‬
‫الكبائر والمعاصي بالخلود في النار أو حرمان الجنة‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقد اختلف الئمة رحمهم الل فللي تأويلهللا مللع اتفللاقهم علللى‬
‫بطلن قول الخوارج والمعتزلللة الللذين يخلللدونهم فللي النلار ولللو كلانوا‬
‫موحدين‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬والصواب في تأويلها‪ ،‬ما قاله المام المحقق‪ :‬شمس الدين‬
‫ابن القيم في )المدارج(‪ .‬فإنه قال‪ :‬بعد ما ذكر تأويلت الئمللة فللي ذلللك‬
‫وانتقدها فقال‪ :‬وقالت فرقة‪ :‬إن هللذه النصللوص وأمثالهللا ممللا ذكللر فيلله‬
‫المقتضي للعقوبة ول يلزم من وجود مقتضي الحكم وجوده‪ ،‬فإن الحكم‬
‫إنما يتم بوجود مقتضيه وانتفاء موانعه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهو ما سبق نقله عن ابن القيم قبل هذه الصفحات‪ ،‬فإنه نقله‬
‫كله في تفسير هذه الية وأيده )‪.(284‬‬
‫وحيث إن الخليلي قد اختار عشر آيات من كتاب ال ويزعم أنهللا‬
‫تدل على تخليد أصحاب المعاصي مللن الموحللدين فللي النللار‪ ،‬وفسللرها‬
‫على رأيلله‪ ،‬فكللان مللن اللزم إيللراد تلللك اليللات كلهللا مللع ذكللر وجهللة‬
‫استدلله بها‪ ،‬ثم الرد عليه‪ ،‬في تلك الشبه التي ظنها أدلللة علللى عقيللدته‬
‫التي هي عقيدة الخوارج والمعتزلة‪.‬‬

‫)( تيسللير الكريللم الرحمللن فللي تفسللير كلم المنللان ص ‪ 157‬ل ل ‪.158‬وهللو فللي‬ ‫‪284‬‬

‫»مدارج السالكين« ج ‪ 1/392‬ل ‪.398‬‬


‫وقد سبق الحديث عن خمس آيات‪ ،‬وإليك أيها القارئ الكريم نللص‬
‫الية السادسة ووجهة استدلله بها فقد جاء في ص ‪ 220‬قوله‪:‬‬
‫‪ 6‬ل قوله تعالى‪} :‬للذين أحسنوا الحسنى وزيللادة‬
‫ول يرهق وجوههم قتر ول ذلة أولئك أصللحاب‬
‫الجنللة هللم فيهللا خالللدون‪ .‬والللذين كسللبوا‬
‫السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهللم ذلللة مللا‬
‫لهللم مللن الللله مللن عاصللم كأنمللا أغشلليت‬
‫وجلللوههم قطعلللاً ملللن الليلللل مظلملللا ً أولئك‬
‫أصحاب النار هم فيها خالدون{ ]يونس ‪ 26 /‬ل ‪.[27‬‬
‫قال‪ :‬والستدلل بها من وجوه‪:‬‬
‫أولها‪ :‬أن ال وعد بالجنللة الللذين أحسللنوا وحصللرها فيهللم بقللوله‪:‬‬
‫}أولئك أصحاب الجنتتة{ فعللرف المسللند والمسللند إليلله ووسللط‬
‫بينهما ضمير الفصل لتأكيد الحصر‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬أنه أخبر عنهم أنهم ل يصيبهم قتر ول ذلة‪ ،‬ول يعقللل أن‬
‫يصلى أحد النار ولو لمدة ثواني فل يرهقه فيها قتر ول ذلة‪.‬‬
‫ثالثهما‪ :‬أنه توعد الذين عملوا السيئات بالنار مخلدين فيهللا‪ ،‬وهللذا‬
‫الحكم يصدق على من أتى أي سيئة‪ ،‬فإن السيئات جنس غير محصورة‬
‫أفراده‪ ،‬وما كان كذلك فحكملله يصللدق علللى كللل فللرد مللن أفللراده سلللبًا‬
‫وإيجابًا‪ ،‬ثم مثل لذلك فقال‪ :‬أل ترى أن قول القللائل‪ :‬تزوجللت النسللاء ل‬
‫يعني أنه تزوج جميع أفراد النساء‪ ،‬بللل يصللدق علللى مللالو تللزوج ولللو‬
‫واحدة منهن‪.......‬إلخ‪ ،‬ثم أورد حسب دعواه أدلة المانعين ورد عليها‪.‬‬

‫»الجبببببببببببببببببواب«‪:‬‬
‫والجواب على استدلله بهذه الية ل يخرج عما سبق ذكللره وهللو‬
‫أن الخليلي اتبع من سبقه في هذا السبيل وهو إنزال اليات النازلة فللي‬
‫الكفار ‪-‬الذين حكم ال عليهم بالخلود فللي النللار لكفرهللم بللال ورسللوله‪-‬‬
‫على الموحدين‪،‬كما قال عبدال بن عمر ‪.‬‬
‫والشبهة عند الخليلي أن الل علز وجللل سلمى الكفللر والشللرك بله‬
‫}سيئة{ فحملها الخليلي على كل معصية‪.‬‬
‫ولبيان خطئه في تفسير )السيئة( بمطلق المعصللية‪ ،‬نللورد للقللارئ‬
‫الكريم تفسير سلف المة لهذه الية الكريمة‪ ،‬ونبللدأ بتفسللير المللام ابللن‬
‫جرير الطبري رحملله اللل‪ ،‬يقللول فللي تفسللير اليللتين الللتي اسللتدل بهللا‬
‫الخليلي وهما قوله تعالى‪:‬‬
‫}للذين أحسنوا الحسنى وزيللادة ول يرهللق‬
‫وجوههم قتر ول ذلة أولئك أصحاب الجنة هللم‬
‫فيها خالدون{ ]يونس ‪.[26 /‬‬
‫)يقول ال تعالى ذكره‪ :‬للذين أحسنوا عبادة ال في الدنيا من خلقه‪،‬‬
‫فأطاعوه فيما أمر ونهى‪ ،‬الحسنى‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثم اختلللف أهللل التأويللل فللي معنللى الحسللنى والزيللادة اللللتين‬
‫وعدهما المحسنين من خلقه‪ ،‬فقال بعضهم‪:‬‬
‫الحسللنى‪ :‬هللي الجنللة‪ ،‬جعلهللا ال ل للمحسللنين مللن خلقلله جللزاء‪،‬‬
‫والزيادة عليها النظر إلى ال تعالى‪.‬‬
‫ثللم أورد بإسللناده مللن قللال ذلللك‪ ،‬فبللدأ بالصللحابة فللذكر‪ :‬أبللا بكللر‬
‫الصديق‪ ،‬وحذيفة‪ ،‬وأبا موسى الشعري‪ ،‬ثم ذكر عللددًا مللن التللابعين ل ل‬
‫كلهم يفسرون‪ :‬الحسنى بالجنة‪ ،‬والزيادة بالنظر إلى ال عز وجللل وهللم‬
‫في الجنة‪.‬‬
‫وسبق أن الخليلي ينكر رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامللة وهللم فللي‬
‫الجنة في أول كتابه هذا‪ ،‬وقد سبق الرد عليه في الجزء الول‪.‬‬
‫ثم تابع ابن جرير تفسير الية فقال‪ :‬القول في تأويلل قللوله تعلالى‪:‬‬
‫}ول يرهلللق وجلللوههم قلللتر ول ذللللة أولئك‬
‫أصحاب الجنة هم فيها خالدون{‪.‬‬
‫قال‪ :‬يعني جل ثناؤه بقوله‪} :‬ول يرهق وجوههم قللتر‬
‫ول ذلة{ ل يغشى وجوههم كآبة ول كسوف حتى تصير من الحزن‬
‫كأنما علها قتر‪ ،‬والقتر‪ :‬الغبار‪ ،‬وهو جمع قترة ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫متبببببوج بببرداء البمبلببك يتبعبه ‪ ..‬مبوج تببرى فببوقه الرايبات‬
‫والقترا‬
‫يعني بالقتر‪ :‬الغبار‪ ،‬ول ذلة‪ :‬ول هوان‪ ،‬أولئك أصحاب الجنة‪.‬‬
‫يقول‪ :‬هؤلء الذين وصفت صفتهم هم أهللل الجنللة وسللكانها ومللن‬
‫هم فيها }خالدون{ يقللول‪ :‬هللم فيهللا مللاكثون أبللدًا‪ ،‬ل تبيللد فيخللافوا‬
‫زوال نعيمهم‪ ،‬ول هم بمخرجين فتنتغللص عليهللم لللذتهم( ثلم أورد ذكللر‬
‫من قال ذلك‪ ،‬وبين أن معنى الزيادة النظر إلى وجهه تعالى وما يتفضل‬
‫به على عباده من صلنوف النعلم‪ ،‬ثلم أتبلع ذللك بتفسلير اليلة الخللرى‬
‫فقال‪:‬‬
‫)القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫}والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها‬
‫وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما‬
‫أغشلليت وجللوههم قطع لا ً مللن الليللل مظلم لا ً‬
‫أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون{ ]يونس‪.[27/‬‬
‫ثم شرع في تفسيرها فقال‪:‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬والذين عملوا السليئات فلي اللدنيا‪ ،‬فعصللوا الل‬
‫فيها‪ ،‬وكفروا به وبرسوله‪ ،‬جزاء سيئة من عمله السيئ الذي عمللله فللي‬
‫الدنيا بمثلها من عقاب ال في الخلللرة }وترهقهم ذلة{ يقلللول‪:‬‬
‫وتغشاهم ذلة وهوان بعقاب ال إيللاهم }مالهم من الللله مللن‬
‫عاصم{ يقول‪ :‬مالهم من ال من مانع يمنعهم إذا عللاقبهم يحللول بينلله‬
‫وبينهم‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬أولئك أصحاب النار{ يقول‪ :‬هللؤلء الللذين وصللفت‬
‫لك صفتهم أهل النار الذين هم أهلها }هم فيها خالدون{ يقول‪ :‬هللم‬
‫فيها ماكثون)‪.(285‬‬
‫هكذا يفسر علماء السنة الية الكريمة بما يبين أن السيئة المقصود‬
‫بها في هذا السياق الكفر بال عز وجل وبرسوله ‪ ،r‬ولذلك جاء عقللابه‬
‫بمثل عمله السيئ في الدنيا‪.‬‬
‫فكان جزاء الذين أحسنوا أعمالهم فآمنوا بال ولم يشركوا به شلليئًا‬
‫وآمنوا برسوله صلى ال عليله وسللم فأطلاعوه فيملا أملر وانتهلوا عملا‬
‫نهاهم عنه وعملوا الصالحات الحسنى التي هي الجنة‪ ،‬وزادهم ما شللاء‬
‫من فضله وكرمه جل ثناؤه‪.‬‬
‫وقد وضح سياق اليات ما فسر به أهل السنة هللذه اليللة الكريمللة‬
‫وهو أن )السيئة( هنا الكفللر بلال علز وجلل وبرسلوله صللى الل عليله‬
‫وسلللم مللع ارتكللاب المعاصللي فقللال تعللالى بعللد قللوله‪ ....} :‬أولئك‬
‫أصحاب النار هم فيها خالدون{‪.‬‬
‫قال‪} :‬ويوم نحشرهم جميعا ً ثم نقول للللذين‬
‫أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهللم‬
‫وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون{] يونس ‪.[28‬‬
‫‪ ()285‬تفسير ابن جرير ج ‪ 104 / 11‬ل ‪.111‬‬
‫‪ 2‬ل ويوضح ذلك صاحب المحرر الوجيز فيقول‪:‬‬
‫}والذين كسللبوا السلليئات{ رفببع بالبتببداء‪ ،‬وتعللم‬
‫السيئات هنا الكفر والمعاصللي‪ ،‬فمثللل سلليئة الكفللر‪ ،‬التخليللد فللي النللار‪،‬‬
‫ومثل سيئة المعاصي مصروف إلى مشيئة ال تبارك وتعالى)‪.(286‬‬
‫‪ 3‬ب ويقول أبو السعود في تفسير الية‪} :‬والذين كسللبوا‬
‫السيئات{ أي الشرك والمعاصي‪.‬‬
‫}أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون{ قلللال‪:‬‬
‫وحيث كانت الية الكريمة في حق الكفللار بشللهادة السللياق والسللباق لللم‬
‫يكن فيها تمسك للوعيدية )‪.(287‬‬
‫أي ل الخوارج والمعتزلة ل وهو صريح في الرد على من يوجبون‬
‫على ال إنفاذ الوعيد في العصللاة مللن الموحللدين لل ومنهللم الخليلللي فللي‬
‫استدلله بهذه الية‪.‬‬
‫فهو‪ -‬أي أبو السعود‪ -‬يقول كما قللال ابللن جريللر وابللن عطيللة‪ :‬إن‬
‫السيئة هنا المقصود بها الشرك بال‪ ،‬فإن الوعيد عليها بالخلود في النار‬
‫دال علللى ذلللك‪ ،‬فالكفلار والمشللركون هلم المخللدون فلي النلار‪ ،‬وليلس‬
‫عصاة الموحدين فإنهم في مشيئة ال‪ ،‬إن شاء عللذبهم بقللدر مللا ارتكبللوا‬
‫من معاصي وإن شاء عفا عنهم‪ ،‬لقوله تعالى‪} :‬إن الله ل يغفر‬
‫أن يشرك به ويغفر ما دون ذلللك لمللن يشللاء{‬
‫ومآلهم إلى الجنة‪ .‬هذا ما دل عليه كتللاب الل ‪ ،U‬والحللاديث المتللواترة‬
‫التي ل مدفع لها فإنه يخرج من النار من قللال ل إللله إل ال ل وكللان فللي‬
‫قلبه مثقال ذرة من إيمان‪ ،‬هكذا قال المعصوم صلى ال عليه وسلللم‪ .‬ثللم‬

‫‪ ()286‬المحرر الوجيز ل لبن عطية ج ‪.139 /7‬‬


‫‪ ()287‬تفسير أبي السعود ‪ 2/656‬تحقيق ‪ /‬عبد القادر أحمد عطا ‪ /‬مكتبة الرياض‬
‫الحديثة‪.‬‬
‫يتابع أبو السعود في تفسير الية فيقول‪ :‬وقوله فلي اليلة اللتي هلي فلي‬
‫السياق‪} :‬ويوم نحشرهم جميعا ً ثللم نقللول للللذين‬
‫أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم‪.{..‬‬
‫فيقول ‪) :‬وضللمير نحشللرهم لكل الفريقيللن الللذين أحسللنوا والللذين‬
‫كسبوا السيئات لنه المبادر من قللوله تعللالى‪} :‬جميعا ً{ ومللن أفللراد‬
‫الفريللق الثللاني بالللذكر فللي قللوله تعللالى‪} :‬ثم نقللول للللذين‬
‫أشركوا{ أي‪ :‬نقول للمشركين من بينهللم‪ ،‬ولن تللوبيخهم وتهديللدهم‬
‫على رؤوس الشللهاد أفظللع‪ ،‬والخبللار بحشللر الكللل فللي تهويللل اليللوم‬
‫الخر‪ ،‬وتخصيص وصف إشراكهم بالللذكر فللي حيللز الصلللة مللن بيللن‬
‫سائر ما كسبوه من السيئات لبتناء التوبيخ والتقريع عليلله‪ ،‬مللع مللا فيلله‬
‫من اليذان بكونه معظم جناياتهم وعمدة سيئاتهم)‪.(288‬‬
‫‪ 4‬ب ويقول العلمة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمببه الب فللي‬
‫تفسير الية‪:‬‬
‫لمللا ذكللر اللل أصللحاب الجنللة بقللوله‪} :‬للذين أحسللنوا‬
‫الحسنى وزيادة{ أي‪ :‬للللذين أحسللنوا فللي عبللادة الخللالق بللأن‬
‫عبدوه على وجه المراقبة والنصيحة فللي عبللوديته‪ ،‬وقللاموا بمللا قللدروا‬
‫عليه منها‪ ،‬وأحسنوا إلى عباد ال بما يقدرون عليه من الحسان‪ ....‬إلى‬
‫قوله‪ :‬فهللؤلء لهللم‪} :‬الحسنى{ وهللي الجنللة الكاملللة فللي حسللنها‪،‬‬
‫}وزيادة{ وهي‪ :‬النظر إلى وجه ال الكريم‪ ،‬وسماع كلمه‪ ،‬والفوز‬
‫برضاه‪ ،‬والبهجللة بقربلله‪ ،‬فبهللذا حصلل لهللم أعلللى ملا يتمنلاه المتمنللون‬
‫ويسأله السائلون‪.‬‬
‫}أولئك أصحاب الجنللة هللم فيهللا خالللدون{‬
‫الملزمون لها ل يحولون ول يزولون ول يتغيرون‪ .‬ثم ذكر بعللد ذلللك‪:‬‬
‫‪ ()288‬تفسير أبي السعود ‪.656 / 2‬‬
‫}أصحاب النار{ فذكر أن بضاعتهم التي اكتسبوها في اللدنيا هلي‬
‫العمللال السلليئة المسللخطة للل‪ ،‬مللن أنللواع الكفللر والتكللذيب وأصللناف‬
‫المعاصي‪.‬‬
‫و }جزاء سيئة بمثلها{ أي‪ :‬جللزاء يسللوؤهم بحسللب مللا‬
‫عملللوا مللن السلليئات علللى اختلف أحللوالهم‪} .‬وترهقهللم{ أي‬
‫تغشللاهم }ذلة{ فللي قلللوبهم وخللوف مللن عللذاب اللل‪} ....‬كأنما‬
‫أغشلليت وجللوههم قطع لا ً مللن الليللل مظلم لا ً‬
‫أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون{ فكلللللم بيللن‬
‫الفريقيللن مللن الفللرق‪ ،‬ويللا بعللد مللا بينهمللا مللن التفللاوت؟ }وجوه‬
‫يومئذ ناظرة‪ .‬إلى ربها ناظرة‪ .‬ووجللوه يللومئذ‬
‫باسرة‪ .‬تظن أن يفعل بها فاقرة{()‪.(289‬‬
‫فهذه نمللاذج سللقناها لللك أيهللا القللارئ الكريللم مللن تفسللير القللدامى‬
‫والمعاصرين لهذه الية الكريمة‪ ،‬اتفقت أقوالهم جميعًا على تفسير قوله‬
‫تعلللالى‪} :‬والللذين كسللبوا السلليئات جللزاء سلليئة‬
‫بمثلها وترهقهللم ذلللة مللا لهللم مللن الللله مللن‬
‫عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا ً من الليل‬
‫مظلما ً أولئك أصحاب النار هم فيهللا خالللدون{‬
‫]يونس‪.[27/‬‬
‫إن هؤلء هم أهل النار الذين هللم أهلهللا‪ ،‬وإن السلليئة هللي الكفللر‪،‬‬
‫والتكذيب‪ ،‬وجميع أنواع المعاصي‪.‬‬
‫وقد دل على ذلك سياق اليات في هذه السورة‪.‬‬
‫وليس الموحدون من أهل المعاصي داخلين في حكم المخلدين فللي‬
‫النار‪.‬‬
‫‪ ()289‬تفسير السعدي ص ‪ 318‬ل ‪.319‬‬
‫وإنمللا هللذا جهللل مللن الخللوارج ومللن يسلللك مسلللكهم فللي تخليللد‬
‫الموحدين في النار‪.‬‬
‫كما قللال الصللحابي الجليللل عبللدال بللن عمللر رضللي الل عنلله أن‬
‫هؤلء انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المسلللمين‪ ،‬كمللا‬
‫سبق نقل ذلك عنه من صحيح المام البخاري رحمه ال‪.‬‬
‫ثم إن الخليلي واصل في استدلله باليللات مللن كتللاب ال ل الكريللم‬
‫على رأيه فقال في ص ‪:221‬‬
‫)‪ 7‬ل ل قللوله تعللالى‪} :‬والذين يقولتتون ربنتتا اصترف عنتا‬
‫عذاب جهنم إن عذابها كان غرام ً‬
‫ا{ ]الفرقان ‪.[65 /‬‬
‫قال‪ :‬فإن وصفها بالغرام يدل على عدم انقطاعه‪ ،‬قال فللي اللسللان‪:‬‬
‫والغرام‪ :‬اللزم من العذاب والشر الدائم‪ ،‬والبلء‪ ،‬والحب‪ ،‬والعشق ‪...‬‬
‫وقللال الزجللاج‪ :‬هللو أشللد العللذاب فللي اللغللة‪ ،‬قللال ال ل ‪} :U‬إن‬
‫عذابها كان غراما ً{ ‪.‬‬
‫والجواب على هذا‪ ،‬نقول‪ :‬نعم إن عذابها كان غراملًا‪ ،‬فهللو ملزم‬
‫لصحاب النار‪ ،‬الذين هم أهلها من الكفار‪ ،‬والمشركين الشرك الكللبر‪،‬‬
‫والمنافقين النفاق العتقادي‪ ،‬فهؤلء خالدون مخلللدون فللي النللار بنللص‬
‫القرآن والسنة وإجماع أهل السنة‪.‬‬
‫‪ 8‬لللل ثلللم قلللال فلللي ص ‪) :222‬قلللوله تعلللالى‪} :‬والللذين ل‬
‫يدعون مع الله إله لا ً آخللر ول يقتلللون النفللس‬
‫التي حرم الله ال بالحق ول يزنون ومن يفعل‬
‫ذلك يلق أثاما‪ .‬يضاعف له العذاب يوم القيامة‬
‫ويخلد فيه مهانا ً{ ]الفرقان‪ 68 :‬ل ‪[ 69‬‬
‫قال‪ :‬فقد توعد ال فيه قاتل النفس المحرمة بغير الحللق‪ ،‬والزانللي‪،‬‬
‫بما توعد به من دعا مع ال إلهًا آخر من الخلود في النار‪.‬‬
‫والجواب على استدلل الخليلي بأن ال توعد فللي هللذه اليللة قاتللل‬
‫النفس بغير حق‪ ،‬والزاني بما توعد به من دعا مع ال إلهًا آخر‪-.‬وعلللى‬
‫ذلك فإنه ل فرق عنده بين المشرك بال عابد الوثن‪ ،‬والموحللد الللذي لللم‬
‫يشرك بال شيئًا ولكنلله ارتكللب معصللية كللبيرة مللن الكبللائر كالقتللل‪ ،‬أو‬
‫الزنا أو غيرهما من الكبائر‪ ،‬وأن الجميع مخلدون في النار‪-‬‬
‫فنقببول‪ :‬إن دعللواه هللذه تصللادم نصوص لًا كللثيرة مللن كتللاب ال ل‬
‫الكريم‪ ،‬وسنة المصطفى ‪. r‬‬
‫فال عز وجل لم يساو بين الموحد والمشرك كما يللدعي المؤلللف‪،‬‬
‫وقد بين العلماء ذلك بما جاء في السنة الثابتة التي قال ال فيهللا مخاطبلًا‬
‫نبيه محمدًا صلللى الللل عليلله وسلللم‪ ...} :‬وأنزلنا إليك الذكر‬
‫لتبين للناس مانزل إليهم‪] {....‬النحل‪.[40 :‬‬
‫ونبدأ في تفسير هذه الية وبيان دللتها وسبب نزولها‪.‬‬
‫ونبدأ بتفسير ابلن جريلر رحملله الل الللذي جمللع فللي تفسليره بيلن‬
‫الدراية والرواية‪.‬‬
‫‪ 1‬ل ابن جرير يقول‪) :‬القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫}والللذين ل يللدعون مللع الللله إلهللا ً آخللر ول‬
‫يقتلللون النفللس الللتي حللرم الللله إل بللالحق ول‬
‫يزنون ومللن يفعللل ذلللك يلللق آثاملًا‪ .‬يضللاعف للله‬
‫العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا‪ .‬إل من تاب‬
‫وآمللن وعمللل عمل ً صللالحا ً فللأولئك يبللدل الللله‬
‫سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا ً رحيمللًا‪ .‬ومللن‬
‫تاب وعمللل صللالحا ً فللإنه يتللوب إلللى الللله متابلا ً{‬
‫]الفرقان‪68/‬ل ‪.[ 71‬‬
‫يقول رحمه ال في تفسير هذه اليات‪:‬‬
‫)يقول تعالى ذكره‪ :‬والذين ل يعبدون مع ال إلهلًا آخللر فيشللركون‬
‫في عبادتهم إياه‪ ،‬ولكنهم يخلصون له العبللادة‪ ،‬ويفردونلله بالطاعللة‪ ،‬ول‬
‫يقتلون النفس التي حرم ال قتلها إل بالحق‪ ،‬إما بكفر بال بعللد إسلللمها‬
‫ى بعد إحصانها‪ ،‬أو قتل نفلس فتقتلل بهلا‪ ،‬ول‬ ‫ل ويعني به المرتد ل أو زن ً‬
‫يزنون فيأتون ما حللرم ال ل عليهللم إتيللانه مللن الفللروج }ومن يفعل‬
‫ذلك{ يقول‪ :‬ومن يأت هذه الفعال‪ ،‬فببدعا مببع ال ب إله بًا آخببر‪ ،‬وقتببل‬
‫النفس التي حرم ال بغير الحق‪ ،‬وزنى }يلق آثاما ً{ يقول‪ :‬يلللق مللن‬
‫ل‪ ،‬كمللا وصللفه ربنللا جللل ثنللاؤه وهللو أنلله‪:‬‬‫عقللاب اللل عقوبللة ونكللا ً‬
‫}يضاعف له العذاب يللوم القيامللة ويخلللد فيلله‬
‫مهانا ً{‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقد ذكر أن هذه الية نزلت على رسول ال صلى ال ل عليلله‬
‫وسلم من أجل قوم من المشركين أرادوا الدخول في السلم‪ ،‬ممن كان‬
‫منه في شركه هذه الذنوب‪ ،‬فخافوا أل ينفعهم مع ما سلف منهم من ذلك‬
‫إسلم‪ ،‬فاستفتوا رسول ال صلى ال عليلله وسلللم فللي ذلللك‪ ،‬فللأنزل الل‬
‫تبارك وتعالى هذه الية‪ ،‬يعلمهم أن ال قابل توبة من تاب منهم‪ .‬ثم قال‪:‬‬
‫ذكر الرواية في ذلك‪.‬‬
‫فذكر عن ابن عباس رضي ال عنهمللا أن ناس لًا مللن أهللل الشللرك‬
‫قتلوا فأكثروا فأتوا محمدًا صلى ال عليه وسلم فقالوا‪ :‬إن الللذي تللدعونا‬
‫إليه لحسن‪ ،‬لو تخبرنللا أن لمللا عملنللا كفللارة‪ ،‬فنزلللت‪} :‬والذين ل‬
‫يدعون مع الله إله لا ً آخللر ول يقتلللون النفللس‬
‫التي حرم الللله إل بللالحق‪ ،‬ول يزنللون{‪ ،‬ونزللللت‪:‬‬
‫}قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسللهم ل‬
‫تقنطوا من رحمة الله{‪.....‬إللللى قلللوله‪ }:‬من قبل‬
‫تشعرون{] الزملللر‬ ‫أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم ل‬
‫‪ [55‬قال ابن جريج‪ :‬وقال مجاهد مثل قول ابن عباس سواء‪.‬‬
‫ثم أورد عن عبدال بن مسعود رضي ال عنلله قللال‪ :‬سللألت النللبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ما الكبائر؟ قللال‪» :‬أن تببدعو لب نببدًا وهببو خلقببك‪،‬‬
‫وأن تقتل ولدك من أجل أن يأكل معك‪ ،‬وأن تزني بحليلة جببارك‪ ،‬وقببرأ‬
‫علينا رسول ال صلى ال عليه وسلم مببن كتبباب اللببه }والذين ل‬
‫يدعون مع الله إله لا ً آخللر ول يقتلللون النفللس‬
‫التي حرم الله إل بالحق ول يزنون{)‪.(290‬‬
‫وهكذا استمر فللي إيللراد الروايللات بهللذا عللن الصللحابه والتللابعين‬
‫الذين هم أعلم بكتاب ال عز وجل‪ ،‬فقد نزل على رسول ال صلللى ال ل‬
‫عليه وسلم وكان الصحابة رضوان ال عليهم ل يتجاوزون عشر آيللات‬
‫حتى يعلموا مافيها من العلم والعمل‪.‬‬
‫وعلى القول‪ :‬إن العبرة بعموم اللفللظ ل بخصللوص السللبب‪ ،‬فهللذه‬
‫الية الكريمة ورد فيها أن التخليد هو لمن أشرك بال عز وجللل واتخللذ‬
‫له نّدا‪ ،‬والشراك بال من أكبر الكبائر لما جللاء فللي حللديث عبللدال بللن‬
‫مسعود السابق ذكره‪.‬‬
‫ثم إن المشرك جمع مع إشراكه هذه الكبائر‪ ،‬فتخليده لجل شللركه‬
‫بال ‪ ،U‬فالشرك هو سبب التخليد‪.‬‬
‫‪ 2‬ل وقد أوضح هذا وبينه ابن عطية في تفسير الية فقال‪) :‬وقللوله‬
‫تعالى‪}:‬والذين ل يدعون مع الله إله تا ً آختتر{ اليللة‪ ،‬إخللراج‬
‫لعباده المؤمنين من صفات الكفرة في‪ :‬عبادتهم الوثان‪ ،‬وقتلهللم النفللس‬
‫بوأد البنات‪ ،‬وغير ذلك من الظلم والغتيللال والغللارات‪ ،‬وبالزنللا الللذي‬
‫كان عندهم مباحًا‪ ،‬وفي نحو هذه الية قال عبدال بن مسعود رضي ال‬
‫‪ ()290‬تفسير ابن جرير ‪ 19/40‬ل ‪.41‬‬
‫عنه ‪ :‬قلت يومًا لرسول الل صللى الل عليله وسلللم‪ :‬أي اللذنب أعظلم؟‬
‫قال‪» :‬أن تجعل ل ندًا وهو خلقك‪ ،‬قلببت‪ :‬ثبم أي؟ قببال‪ :‬أن تقتببل ولبدك‬
‫خشية أن يطعم معك‪ ،‬قلت‪ :‬ثم أي؟ قال‪ :‬أن تزاني حليلة جارك‪ ،‬ثم قرأ‬
‫رسول ال هذه الية« )‪.(291‬‬
‫قال القاضي أبو محمد رحمه ال‪ :‬وبالقتللل والزنللا يللدخل فللي هللذه‬
‫الية العصاة من المؤمنين‪ ،‬ولهم من الوعيد بقدر ذلك‪.‬‬
‫قال‪ :‬والحق الللذي تقتللل بلله النفللس هللو قتللل النفللس‪ ،‬والكفللر بعللد‬
‫اليمللان‪ ،‬والزنللا بعللد الحصللان‪ ،‬والكفللر الللذي لللم يتقللدمه إيمللان فللي‬
‫الحربيين(‪.‬‬
‫‪ 3‬ل كما وضح ذلك وبينه العلمة الشيخ عبد الرحمن السعدي في‬
‫تفسيره حيث قال في تفسير الية‪}) :‬والذين ل يدعون متتع اللتته‬
‫إلها ً آخر{ بل يعبدونه وحده‪ ،‬مخلصين له الدين حنفاء‪ ،‬مقبلين عليلله‪،‬‬
‫معرضين عما سواه‪} ،‬ول يقتلون النفس الللتي حللرم‬
‫الله{ وهي نفس المسلم‪ ،‬والكافر المعاهد‪} ،‬إل بالحق{ لقتل النفس‬
‫بللالنفس‪ ،‬وقتللل الزانللي المحصللن‪ ،‬والكللافر الللذي يحللل قتللله‪} ،‬ول‬
‫يزنون{ بل يحفظون فروجهم‪} ،‬إل على أزواجهم أو ما‬
‫ملكت أيمانهم{‪}،‬ومن يفعل ذلتتك{ أي‪ :‬الشببرك بللال‪ ،‬أو‬
‫قتل النفس التي حرم ال بغير حق‪ ،‬أو الزنا‪ ،‬فسوف }يلق أثاما ً{ ثللم‬
‫فسللره بقللوله‪} :‬يضتتاعف لتته العتتذاب يتتوم القيامتتة ويخلتتد‬
‫فيه{‪ ،‬أي‪ :‬في العذاب }مهانا ً{‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬فالوعيد بالخلود لمن فعلهللا كلهللا ثللابت ل شللك فيلله‪ ،‬وكللذا‬
‫لمن أشرك بال‪ ،‬وكذا الوعيد الشللديد علللى كللل واحللد مللن هللذه الثلثللة‬
‫لكونها إما شرك‪ ،‬وإما أكبر الكبائر‪.‬‬
‫‪ ()291‬البخاري‪/‬التوحيد ح ‪.7520‬‬
‫قال‪ :‬وأما خلود القاتل والزاني في العذاب فإنه ل يتناوله الخلللود‪،‬‬
‫لنه قد دلت النصللوص القرآنيللة‪ ،‬والسللنة النبويللة‪ ،‬أن جميللع المللؤمنين‬
‫سيخرجون من النار‪ ،‬ول يخلد فيها مؤمن‪ ،‬ولو فعل مللن المعاصللي مللا‬
‫فعل‪.‬‬
‫ونص تعالى على هذه الثلثة‪ ،‬لنها أكبر الكبائر‪:‬‬
‫* فالشرك فيه فساد الديان‪.‬‬
‫* والقتل فيه فساد البدان‪.‬‬
‫* والزنا فيه فساد العراض(‪.‬‬
‫قببلببت‪ :‬فهذا مللذهب أهللل السللنة والجماعللة‪ ،‬وهللذا هللو الفقلله فللي‬
‫الدين‪ ،‬فمن يرد ال به خيرًا يفقهه في الدين‪ ،‬ومن توفيللق ال ل لهللم أنهللم‬
‫يجمعللون بيلن النصللوص الللواردة فللي كتلاب الل الكريلم‪ ،‬والنصللوص‬
‫الثابتة في سنة المصطفى المين‪ ،‬فال يقول‪} :‬إن الله ل يغفللر‬
‫أن يشلللرك بللله ويغفلللر ملللا دون ذللللك لملللن‬
‫يشاء‪،{..‬ويقول رسول الهدى صلى ال عليله وسلللم كمللا فلي حللديث‬
‫أبي ذر الذي رواه البخاري فللي كتللاب الجنللائز‪ ،‬قللال‪ :‬قللال رسللول الل‬
‫صلى ال عليه وسلم‪»:‬أتاني آت من ربي فأخبرني‪ ،‬أو قال بشرني أنببه‬
‫من مات من أمتي ل يشرك بال شيئًا دخل الجنة‪ .‬قلت‪ :‬وإن زنببى وإن‬
‫سرق؟ قال‪ :‬وإن زنى وإن سرق«)‪.(292‬‬
‫وهذا التفصيل الذي ذكره السعدي رحمه ال في الوعيد على هللذه‬
‫الثلثة لنها أكبر الكبائر‪:‬‬
‫أولها‪ :‬الشرك بال‪ ،‬فصاحبه يخلد في النار للنصوص الواردة في‬
‫ذلك وأنه أكبر الكبائر‪.‬‬

‫‪ ()292‬البخاري ‪ /‬الجنائز ح ‪.1237‬‬


‫وثانيها وثالثها‪ :‬معصية القتل‪ ،‬والزنا وهما من الكبللائر‪ ،‬يسللتحق‬
‫صاحبهما من الوعيد بقدر ذنبه ول يخلد في النار مؤمن‪ ،‬وهو ما ذكللره‬
‫ابن عطية في المحرر الوجيز‪ ،‬وابللن جريللر‪ ،‬وقللد سللبق نقللل ذلللك فللي‬
‫الصفحات السابقة‪.‬‬
‫وعودًا للرّد على وجهة استدلل الخليلي فقللد قللال فللي ص ‪،222‬‬
‫حين ذكر أن هؤلء يخلدون جميعلًا فللي النللار وأنلله ل فللرق عنللده بيللن‬
‫المشرك والموحد العاصي‪.‬‬
‫قال‪) :‬واعترض بللأن هللذا الوعيللد خللاص بملن جمللع بيلن الكبلائر‬
‫الثلث دون من أتى واحدة منها‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬وأجيب بأن هذا يعني أن من أشرك مع ال إله لًا آخللر ولللم‬
‫يجمع مع شركه بين الزنا وقتل النفس المحرمللة‪ ،‬لللم يصللدق عليلله هللذا‬
‫الوعيد‪ ،‬وهذا ل يقوله أحد منكم‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬فإن قيل‪ :‬إن خلللود المشللرك ثبللت بنصللوص أخللرى دلللت‬
‫على أن شركه كاف في استحقاقه هذا العذاب‪ ،‬فللالجواب أن النصللوص‬
‫لم تفللرق بيللن الشللرك وغيللره فللي الخلللود‪ ،‬بللل دلللت علللى خلللود غيللر‬
‫المشرك بللالنص علللى بعللض الكبللائر‪،‬كالقتللل تللارة‪ ،‬والتوعللد بلله علللى‬
‫مطلق المعصية تارة أخرى كما في الية التية(‪.‬‬
‫‪ 9‬ل ثللم أورد اليللة التاسللعة مللن أدلللة الكتللاب وهللي قللوله تعللالى‪:‬‬
‫}ومن يعص الله ورسللوله فللإن للله نللار جهنللم‬
‫خالدين فيها أبدا ً{ ] الجن ‪.[23/‬‬
‫قللال‪) :‬ول يمللاري أحللد يللؤمن بمللا أنللزل ال ل أن مقارفللة الكللبيرة‬
‫معصية ل ولرسوله‪ ،‬فإن قيل‪ :‬إن هذا الوعيد خاص بالمعصية الكللبرى‬
‫وهي الشراك بال تعالى‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬هذه مخالفة لصريح اللفظ دون داع(‪.‬‬
‫والجبببببببببببواب علللى هللذا الجللدل بقللال وقيللل لللرد النصللوص‬
‫الصريحة من الكتاب والسنة‪ ،‬ل يسلكه إل من لم يرض بحكم ال تعالى‬
‫ورسوله صلى ال عليه وسلم في موارد النزاع‪.‬‬
‫وال عز وجل لم يأمر المتنازعين بالرد إلى قيل وقال‪ ،‬وإنملا قلال‬
‫في كتللابه الكريللم‪} :‬يا أيها الذين آمنلوا أطيعللوا اللله‬
‫وأطيعللوا الرسللول وأولللي المللر منكللم فللإن‬
‫تنازعتم في شيء فردوه إلى الللله والرسللول‬
‫إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الخر ذلللك خيللر‬
‫وأحسن تأويل ً{ ]النساء ‪.[59/‬‬
‫وهذه الية الكريمة هللي الللتي صللدر بهللا الخليلللي كتللابه هللذا فللي‬
‫مقدمته ص ‪ ،6‬وإليك نص عبارته التي دعا فيها المتنللازعين إلللى الللرد‬
‫إلى كتللاب الل الكريللم وسللنة رسللوله الصللحيحة فقللال‪ -‬وهللو يللذكر مللا‬
‫صارت اليه المم من الخلف‪ ،‬وأن الل ميللز هللذه المللة بحفللظ كتلابه‪،‬‬
‫وجعل لها مخلصللًا عنللد الشللقاق والنللزاع قللال‪} :‬إنا نحن نزلنا‬
‫الذكر وإنا له لحافظون{ ]الحجللر ‪ [ 90 /‬ومكللن لهللا مللن‬
‫معرفة الصحيح الثابت من سنة رسوله عليلله الصلللة والسلللم‪ ،‬وجعببل‬
‫لها مخلصًا من الشقاق والنزاع بالحتكام إلى الل ورسللوله حيلث قلال‪:‬‬
‫}فللإن تنللازعتم فللي شلليء فللردوه إلللى الللله‬
‫والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الخللر‬
‫ذلك خير وأحسن تأويل ً{ ]النساء ‪.[59 /‬‬
‫قال‪ :‬ول يكون الحتكام إلى الل إل بلالرجوع إلللى كتلابه فتسللتلهم‬
‫منه الحقيقة ويستبان به الحق‪ ،‬وكذلك الحتكام إلللى رسللوله صلللى ال ل‬
‫عليه وسلم ل يعني إل الرجوع إلى سنته الثابتة الصحيحة‪.‬أهل‬
‫هذا ما يقرره الخليلي عند الختلف وهو الرجوع إلى كتللاب اللل‬
‫وإلى سنة رسوله الثابتة الصحيحة‪.‬‬
‫فأنت تدعي أن أصحاب الكبائر من الموحللدين يخلللدون فللي النللار‬
‫كما يخلد المشركون الذين يدعون مع ال إلهًا آخر‪.‬‬
‫وأهل السنة والجماعة يقولون‪ :‬ل يخلد في النار إل المشللرك بللال‬
‫الشرك الكبر‪ ،‬والكافر‪ ،‬والمنافق النفاق العتقادي‪.‬‬
‫وأما المؤمن الموحد العاصي فإنه مهما ارتكب من كبللائر فللإنه ل‬
‫يخلد في النار وإن دخلها بذنبه‪.‬‬
‫وفيما يلي النصوص الللواردة فللي كتللاب الل الكريللم‪ ،‬والحللاديث‬
‫الثابتة عن النبي صلى ال عليه وسلللم الدالللة بمنطوقهللا أن مللن ارتكللب‬
‫ذنبًا دون الشرك بال أنه ل يخلد في النار‪.‬‬
‫قبببال تعبببالى‪} :‬إن الللله ل يغفللر أن يشللرك بلله‬
‫ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء{ ]النساء‪.[116/‬‬
‫وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم كما في حللديث عبللد ال ل بللن‬
‫مسعود المتفق عليه‪» :‬من مات يشرك بال شيئًا دخل النار‪ ،‬ومن مببات‬
‫ل يشرك بال شيئًا دخل الجنة« )‪.(293‬‬
‫* وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم يقول ال عز وجل‪ » :‬مببن جبباء بالحسببنة فلببه‬
‫عشر أمثالها وأزيد‪ ،‬ومن جاء بالسيئة فجزاؤه سيئة مثلها أو أغفر‪...‬‬
‫إلى قوله‪ :‬ومن لقيني بقراب الرض خطيئة ل يشرك بي شببيئًا‪ ،‬لقيتببه‬
‫بمثلها مغفرة«)‪.(294‬‬

‫‪ () 293‬البخاري ‪ /‬الجنائز ح ‪1238‬؛ مسلم ‪ /‬في اليمللان ‪ /‬بللاب مللن مللات ل يشللرك‬
‫بال شيئًا دخل الجنة ح ‪.15‬‬
‫‪ ()294‬مسلم ‪ /‬باب الذكر والدعاء ح ‪.(2687) 22‬‬
‫* وفي صحيح البخاري ومسلم عن أبي ذر رضي ال عنله قلال‪:‬‬
‫»أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم‪ ،‬ثللم‬
‫أتيته وهو نائم‪ ،‬ثم أتيته وقد استيقظ‪ ،‬فجلست إليلله فقللال‪» :‬مببا مببن عبببد‬
‫قال ل إله إل ال ثم مات على ذلك دخل الجنة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وإن زنى وإن سرق‪ .‬قال‪ :‬وإن زنى وإن سببرق‪ .‬قلببت‪ :‬وإن‬
‫زنى وإن سرق‪.‬قال‪ :‬وإن زنى وإن سرق‪ .‬قلت‪ :‬وإن زنببى وإن سببرق‪.‬‬
‫قال‪ :‬وإن رغم أنف أبي ذر‪.‬‬
‫فكان أبو ذر يحدث هذا بعد ويقول‪ :‬وإن رغم أنف أبي ذر«)‪.(295‬‬
‫وبناء على ما قرره الخليلي أن الحتكام عند التنازع هو الرد إلللى‬
‫ال ‪ ،U‬وبيان أن الرد إلى ال ل يكون إل بالرجوع إلى كتابه‪.‬‬
‫والحتكام إلى رسوله صلى ال عليلله وسلللم ل يعنللي إل الرجللوع‬
‫إلى سنته الثابتة الصحيحة‪.‬‬
‫فقد رأيت أيها القارئ الكريم أن كتاب ال صريح في أن الل عللز‬
‫وجل ل يغفر لمشرك به تعالى ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء‪.‬‬
‫وفي الحديث القدسي الذي سبق نصلله‪ ،‬أن ال ل وعللد مللن جللاءه ل‬
‫يشرك به شليئًا بلالمغفرة وللو جلاءه بقلراب الرض خطيئة‪ ،‬والل علز‬
‫وجل ل يخلف الميعاد‪.‬‬
‫كما أن حللديث أبللي ذر المتفللق عليلله أن مللن ارتكللب كللبيرة الزنللا‬
‫والسرقة ومات على التوحيد دخل الجنللة مللن أول وهلللة‪ ،‬أو بعللد أخللذه‬
‫بذنبه‪.‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬وإن رغم أنف أبي ذر‪.‬‬

‫)( البخاري في اللباس ح ‪ ،5827‬ومسلم في اليمان ‪ /‬باب من مات ل يشرك بال‬ ‫‪295‬‬

‫شيئًا دخل الجنة ح ‪.154‬‬


‫وأبو ذر الصحابي الجليل‪ ،‬ل يخلالف أمللر رسللول الل صللى الل‬
‫عليه وسلم ول يرد قوله ولهذا رضي وسلم بأن من مات علللى التوحيللد‬
‫دخللل الجنللة وإن زنللى وإن سللرق‪ ،‬وإن رغللم أنللف أبللي ذر‪ ،‬ثللم صللار‬
‫ل‪.‬‬
‫يحدث بهذا الحديث ويذكر لفظه كام ً‬
‫وإذا كلللان أبلللو ذر رضلللي بحكلللم رسلللول الللل ‪ ،r‬ممتث ً‬
‫ل لقلللول‬
‫المصطفى هذا ولقوله تعالى‪} :‬فل وربك ل يؤمنون حللتى‬
‫يحكموك فيما شللجر بينهللم ثللم ل يجللدوا فللي‬
‫أنفسهم حرجا ً مما قضيت ويسلللموا تسللليما ً{‬
‫]النساء‪.[ 65 :‬‬
‫فنقول‪ :‬إن العصاة من الموحدين لن يخلدوا في النار إن دخلوهللا‪،‬‬
‫رغم أنف الخوارج ومن يقول بقولهم ويسلك مسلكهم‪.‬‬
‫و للخليلي أسوة حسنة بأبي ذر رضي ال عنه وقد قال‪ :‬بأن الحكم‬
‫في كل قضية يتنازع فيها إلى ال ورسوله صلللى الل عليلله وسلللم فهللذا‬
‫حكم ال ورسوله في أهل المعاصي من أهل التوحيد‪.‬‬
‫أملللا آيلللة ‪ 23‬ملللن سلللورة الجلللن‪} :‬ومللن يعللص الللله‬
‫ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا ً{ ‪.‬‬
‫فقللد أوردهللا فللي أول بحثلله هللذا عنللد تعريللف الخلللود ص ‪.377‬‬
‫وادعلللى أن لفلللظ الخللللود موضلللوع لللللدوام البلللدي‪ ،‬وأنللله مبببذهب‬
‫الزمخشري‪ ،‬وابن عطية‪ ،‬والقرطبي والشوكاني من المفسرين‪.‬‬
‫وقد بينللت أن نسللبة هللذا القللول للزمخشللري ل ننللازعه فيلله‪ ،‬فللإن‬
‫الخليلللي يسلللك مسلللك الزمخشللري المعللتزلي‪ ،‬وإن لللم يللذكر الخليلللي‬
‫المصدر الذي أخذ منه ذلك‪.‬‬
‫أمللا نسللبته هللذا القللول لبللن عطيللة‪ ،‬والقرطللبي‪ ،‬والشللوكاني مللن‬
‫المفسرين‪ ،‬ولم يذكر المرجع إل أنه أورد هللذه اليللة فللي سللياق حللديثه‬
‫هذا في ص ‪.186‬‬
‫فإني رجعت لتفسير الية المذكورة عنللد ابللن عطيللة‪ ،‬والقرطللبي‪،‬‬
‫والشوكاني كما في ص ‪ 379‬من هذا البحث ونص قول ابن عطيللة فللي‬
‫تفسيره‪} :‬ومن يعص الله{ يريد الكفر بدليل الخلود المذكور)‪.(296‬‬
‫ويقول القرطبي‪ :‬ومن يعص ال في التوحيد والعبادة)‪.(297‬‬
‫ويقول الشوكاني‪} :‬ومن يعص الله ورستتوله{ فللي المللر‬
‫بالتوحيد لن السياق فيه)‪.(298‬‬
‫وهكذا تلرى أنله للم يفسللر واحللد منهلم المعصلية بلالكبيرة‪ ،‬وإنملا‬
‫فسروها بالشرك بال عز وجل لنه أكبر الكبائر‪.‬‬
‫ثم ختم الخليلي أدلته على تخليللد عصللاة الموحللدين فللي النللار مللن‬
‫الكتاب بقوله في ص ‪ 223‬وهو الدليل العاشر حيث قال‪:‬‬
‫)‪ 10‬ل قوله تعالى‪} :‬إن البرار لفي نعيتتم‪ .‬وإن الفجتتار‬
‫لفي جحيم‪ .‬يصلونها يوم الدين‪ .‬وما هم عنها بغتتائبين{‬
‫] النفطار ‪13‬ل ‪.[16‬‬
‫قال‪ :‬ووجه الستدلل به ما فيلله مللن تقسلليم النللاس إلللى طللائفتين‪،‬‬
‫أبرار وفجار‪ ،‬وتقسيم جزائهم إلى مصيرين‪ ،‬نعيلم وجحيللم‪ ،‬مللع النللص‬
‫على عدم غياب أصحاب الجحيللم عنهللا‪ ،‬وذلللك علللى حللد قللوله تعللالى‪:‬‬
‫}فريق في الجنة وفريق في السعير{ ]الشورى ‪.([7/‬‬
‫فهذا تفسير الخليلي للية‪ ،‬وهو يعلم رد هذا الستدلل عليه‪.‬‬

‫‪ ()296‬تفسير ابن عطية المحرر الوجيز ج ‪.15 / 15‬‬


‫‪ ()297‬تفسير القرطبي ج ‪.26/ 19‬‬
‫‪ ()298‬تفسير الشوكاني ج ‪.301 / 5‬‬
‫ولهذا أورد بعد ذلك وجه العتراض عليه فقال‪:‬‬
‫)واعترض بأن المراد بالفجار الكاملون في الفجور الذين وصفهم‬
‫ال بقوله‪} :‬أولئك هم الكفرة الفجرة{ ]عبللس ‪ ،[42/‬قللال‪ :‬حللتى‬
‫إن الفخر الرازي قال‪»:‬نسّلم أن صاحب الكبيرة فاجر«‪.‬‬
‫ثم أورد ردًا على هذه الجمللة سللوف نلورده بعلد أن نلذكر تفسلير‬
‫السلف لهذه الية‪.‬‬
‫ونبدأ بتفسير ابن جرير رحمه ال‪:‬‬
‫‪ 1‬للل يقللول ابللن جريللر‪) :‬قللوله تعللالى‪ ...} :‬إن البرار لفي‬
‫نعيم{ ]النفطار ‪.[13/‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬ليس المر أيها الكافرون كما تقولون‪ ،‬من أنكللم‬
‫على الحللق فللي عبللادتكم غيللر اللل‪ ،‬ولكنكللم تكللذبون بللالثواب والعقللاب‬
‫والجزاء والحساب‪ .‬ثم أورد أسماء من قللالوا بهلذا التفسلير لليللة فللذكر‬
‫مجاهدًا‪ ،‬وقتادة‪ ،‬وأيوب‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬قوله‪} :‬إن البرار لفي نعيم{ يقللول جللل ثنللاؤه‪ :‬إن‬
‫الذين بروا بأداء فرائض ال واجتناب معاصيه لفي نعيم الجنان ينعمون‬
‫فيها‪ .‬وقللوله تعللالى‪} :‬إن الفجار لفي جحيتم‪ .‬يصتلونها يتتوم‬
‫الدين‪ .‬وما هم عنها بغائبين{ ]النفطار ‪14‬ل ‪.[16‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪} :‬وإن الفجار{ الذين كفللروا بربهللم }لفي‬
‫جحيم{ وقوله‪} :‬يصلونها يوم الدين{ يقللول جللل ثنللاؤه‪ :‬يصلللى‬
‫هؤلء الفجار الجحيم يوم القيامة‪ ،‬يوم يللدان العبللاد بالعمللال فيجللازون‬
‫بها‪ ،‬وقوله‪} :‬وما هم عنها بغائبين{ يقول تعالى ذكره‪ :‬وما هؤلء‬
‫الفجللار مللن الجحيللم بخللارجين أبللدًا فغللائبين عنهللا‪ ،‬ولكنهللم مخلللدون‬
‫ماكثون‪ .‬وكذلك البرار في النعيم‪ ،‬وذلك نحو قوله‪} :‬وما هم منهتتا‬
‫بمخرجين{()‪.(299‬‬
‫‪ 2‬ل ويقول ابن عطية في تفسير الية‪:‬‬
‫طرد بلّره عموملًا‪ ،‬فللبر ربلله‬ ‫)}البرار{ جمع بر‪ ،‬وهو الذي قد ا ّ‬
‫في طاعته إياه‪ ،‬وبر أبويه‪ ،‬وبر الناس في رفع ضره عنهم‪ ،‬وجلللب مللا‬
‫استطاع من الخير لهم‪ ،‬وبر الحيوان وغير ذلللك فللي أن لللم يفسللد منهللا‬
‫شيئًا عبثًا وبغير منفعة مباحة‪.‬‬
‫}والفجتتار{ الكفببار‪ ،‬و} يصتتلونها{ معنللاه يباشللرون حرهللا‬
‫بأبدانهم‪ ،‬و }يوم الدين{ هو يوم الجزاء‪.‬‬
‫قوله تعالى‪} :‬وما هم عنها بغائبين{ قال بعللض المتللأولين ل ل‬
‫يعني المفسرين ل‪ :‬هذا تأكيد في الخبللار عللن أنهللم يصلللونها‪ ،‬وأنهللم ل‬
‫يمكنهم المغيب عنها يومئذ‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬المعنى‪ :‬وما هم عنها بغائبين‬
‫في البرزخ‪ ،‬كأنه تعالى لما أخبر عن صليهم إياها يوم الدين أخللبر بعللد‬
‫ذلك عن المدة التي قبل يوم الدين‪ ،‬وذلك أنهم يرون مقاعدهم مللن النللار‬
‫غدوة وعشية فهم مشاهدون لها‪ ،‬ثم عظللم تعللالى قللدر هللول يللوم الللدين‬
‫بقوله سبحانه‪} :‬وما أدراك{‪} ،‬ثم ما أدراك{()‪.(300‬‬
‫‪ 3‬للل ويقللول ابللن كللثير فللي تفسلليره‪} :‬إن البرار لفللي‬
‫نعيم‪ .‬وإن الفجار لفي جحيللم‪ .‬يصلللونها يللوم‬
‫الدين‪ .‬وما هم عنها بغائبين{] النفطار ‪ 13/‬ل ‪.[16‬‬
‫يقول‪):‬يخبر تعالى عما يصير البرار إليه من النعيلم‪ ،‬وهللم الللذين‬
‫أطاعوا ال عز وجل ولم يقابلوه بالمعاصي‪.‬‬

‫‪ ()299‬تفسير ابن جرير ج ‪ 88 / 30‬ل ‪.89‬‬


‫‪ ()300‬المحرر الوجيز ج ‪.349 / 15‬‬
‫ثم ذكر ما يصير إليه الفجار مللن الجحيللم والعللذاب المقيللم‪ ،‬ولهللذا‬
‫قللال‪} :‬يصلونها يللوم الللدين{ أي‪ :‬يللوم الحسللاب والجللزاء‬
‫والقيامللة‪} :‬وما هللم عنهللا بغللائبين{ أي‪ :‬ل يغيبللون عللن‬
‫العذاب ساعة واحدة‪ ،‬ول يخفف عنهم من عذابها‪ ،‬ول يجللابون إلللى مللا‬
‫يسألون من الموت أو الراحة ولو يومًا واحدًا()‪.(301‬‬
‫قلببت‪ :‬وهو يشير بهذا إلى تخليد أهل النار الللذين هللم أهلهللا‪ ،‬كمللا‬
‫قلللال تعلللالى‪} :‬إن المجرميللن فللي عللذاب جهنللم‬
‫خالدون‪ .‬ل يفتر عنهم وهم فيه مبلسون‪ .‬وما‬
‫ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين‪ .‬ونادوا يللا‬
‫مالك ليقللض علينللا ربللك قللال إنكللم مللاكثون{‬
‫]الزخرف ‪74 /‬ل ‪.[77‬‬
‫‪ 4‬ل وهكذا قال الشوكاني في تفسير الية‪:‬‬
‫)}إن البرار لفي نعيللم‪ .‬وإن الفجللار لفللي‬
‫جحيم{ والجملة مستأنفة لتقرير هللذا المعنللى الللذي سلليقت للله وهللي‬
‫كقلللوله سلللبحانه‪} :‬فريللق فللي الجنللة وفريللق فللي‬
‫السعير{ وقوله‪} :‬يصلونها يوم الدين{ أي يللوم الجللزاء‬
‫الذي كانوا يكذبون به‪ ،‬ومعنى يصلونها أنهم يلزمونها مقاسللين لوهجهللا‬
‫وحرها يومئذ‪} ،‬وما هم عنهللا بغللائبين{ أي‪ :‬ل يفارقونهللا‬
‫أبدًا ول يغيبون عنها بل هم فيها)‪.(302‬‬
‫‪ 5‬ل وقال العلمة عبد الرحمن السعدي في تفسير الية‪:‬‬
‫}وإن الفجار{ الذين قصروا في حقوق ال‪ ،‬وحقوق عباده‪،‬‬
‫الذين فجرت قلوبهم ففجرت أعملللالهم }لفي جحيم{ أي‪ :‬علللذاب‬

‫‪ ()301‬ابن كثير ج ‪.366 / 8‬‬


‫‪ ()302‬فتح القدير ج ‪.385 /5‬‬
‫أليم فللي دار الللدنيا‪ ،‬ودار الللبرزخ‪ ،‬وفللي دار القللرار‪} .‬يصلونها{‬
‫ويعذبون بهللا أشللد العللذاب }يوم الدين{ أي‪ :‬يللوم الجللزاء علللى‬
‫العمال‪} .‬وما هم عنها بغائبين{ أي‪ :‬بل هم ملزمون لها‪،‬‬
‫ل يخرجون منها()‪.(303‬‬
‫قببلبت‪ :‬وعلى تسليم أن لفللظ الفجللار يشللمل العصللاة فللإن دخللولهم‬
‫النار ليس دخول خلود بدليل النصوص الخرى‪.‬‬
‫وبعد هللذه الجولللة مللع الخليلللي فللي حشللره لهللذه اليللات الكريمللة‬
‫للستدلل بها على تخليد العصاة من الموحدين في النار‪.‬‬
‫حيث تبين بالدلة الصريحة من كتاب ال الكريم‪ ،‬ومللن سللنة نللبيه‬
‫الللذي ل ينطللق عللن الهللوى‪ ،‬ومللن أقللوال المفسللرين مللن أهللل السللنة‬
‫والجماعة أن تلك اليات كلها فللي الكفللار والمشللركين‪ ،‬الللذين هللم أهللل‬
‫النار الذين حكم الل عليهللم بللالخلود فللي النللار لكفرهللم بللال عللز وجللل‬
‫وبرسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وليست في عصاة الموحدين الذين قال ال عنهم‪}:‬إن الله ل‬
‫يغفر أن يشرك بلله ويغفللر مللا دون ذلللك لمللن‬
‫يشاء‪.{...‬‬
‫وقال رسول الل صلللى الل عليلله وسلللم كمللا فللي حللديث أبللي ذر‬
‫رضي ال عنله الللذي أخرجلله الملام مسلللم فلي صلحيحه ولفظلله‪ :‬قللال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلللم‪ :‬قللال الل ‪»:U‬مببن جبباء بالحسببنة فلببه‬
‫عشر أمثالها وأزيد‪ ،‬ومن جاء بالسيئة فجزاؤه سببيئة أو أغفببر‪ ...‬إلللى‬
‫قوله‪ :‬ومن لقيني بقراب الرض خطيئة ل يشرك بي شيئًا لقيته بمثلها‬
‫مغفرة«)‪ (304‬وأحاديث أخرى متواترة في عدم تخليد العصاة في النار‪.‬‬

‫‪ ()303‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلم المنان ص ‪.845‬‬


‫‪ ()304‬مسلم ‪ /‬باب الذكر والدعاء ح ‪ (2687) 22‬وقد تقدم ذكره‪.‬‬
‫ونقول للقارئ الكريم‪ :‬هلذا قللول الل عللز وجللل فللي وعللده لعبلاده‬
‫الذين أسرفوا على أنفسهم بارتكاب المعاصي‪ .‬ولكنهم لللم يشللركوا معلله‬
‫إلهًا آخر‪ ،‬ووعده حق وصدق فهو ل يخلف الميعاد كما أخبر عن نفسلله‬
‫في كتابه‪ ،‬وهذا ما يقول به أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫فأي الفريقين أولى بالتباع؟ الباضللية لل الللذين يمثلهللم الخليلللي لل‬
‫القائلين بمذهب الخوارج الذين انطلقوا لهذه اليات التي سللبق اسللتدلل‬
‫الخليلي بها النازلة في الكفار المبينة لحكم ال فيهم في الخرة‪ ،‬لكفرهللم‬
‫بال ورسوله‪ ،‬ثم تنزيلهللا علللى العصللاة الموحللدين الللذين لقللوا الل ولللم‬
‫يشركوا به شيئًا‪ .‬كما سبق قول عبد الل بلن عملر رضللي الل عنله فللي‬
‫ذلك؟‪.‬‬
‫أم أتباع أهل السنة الذين يقولون بما قال بلله الل عللز وجللل‪ ،‬ومللا‬
‫ثبت عن رسوله صلى ال عليه وسلم في عصاة الموحللدين‪ ،‬وهللو عللدم‬
‫تخليدهم في النار إن دخلوها؟‪.‬‬
‫وحيث تبين للقارئ الكريللم أن كللل اليللات الللتي أوردهللا الخليلللي‬
‫للستدلل بها على تخليد عصاة الموحدين في النار ل دليللل فيهللا علللى‬
‫ما يللدعي‪ ،‬فللإن للله جولللة أخللرى فللي السللنة النبويللة حيللث يزعللم أنهللا‬
‫اشتملت على أدلة في تخليد العصاة ل تحصى كثرة‪ ،‬ولذلك فقد اقتصللر‬
‫على عشرة منها لتقابل العشر آيات التي أخذها من كتاب ال ‪.U‬‬
‫فيقول في آخر ص ‪ ،223‬بعد أن انتهى من ذكر اليات العشر‪:‬‬
‫)وأما من السنة فكللثير مللن الروايللات الصللحيحة الللتي ل يمكننللي‬
‫جمعها إل بعد جهد جهيد‪ ،‬وإنما أقتصر منها على ما يأتي‪:‬‬
‫‪ 1‬ل روى البخاري ومسلم وغيرهما من طريق ابللن عمللر رضللي‬
‫ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫»يدخل أهل الجنة الجنة‪ ،‬وأهل النار النار‪ ،‬ثم يقوم مببؤذن بينهببم‬
‫يا أهل النار ل موت‪ ،‬ويا أهل الجنببة ل مببوت‪ ،‬كببل هبو خالببد فيمببا هببو‬
‫فيه«‪.‬‬
‫قال‪ :‬وروى مثله البخاري من طريق أبللي هريللرة ‪ ،t‬والطللبراني‬
‫والحاكم وصححه من طريق معاذ رضي ال عنه‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬ودللته على صحة عقيدة القائلين بخلود أهللل الكبللائر فللي‬
‫النللار ل غبللار عليهللا‪ ،‬فللإنه يفيللد أن ذلللك يعقللب دخللول الطللائفتين فللي‬
‫الدارين(‪.‬‬
‫فبين وجه استدلله بهذا الحديث‪.‬‬
‫أما الحاديث التسعة الخرى فقد سردها واكتفللى بدللللة ألفاظهللا‪،‬‬
‫إذ ورد فيهللا ذكللر الخلللود‪ ،‬والبللد‪ ،‬فعّلللق علللى دللتهللا جملللة بعللد أن‬
‫سردها ولم يذكر الكتاب ول الجللزء ول الصللفحة الللتي أخللذ منهللا تلللك‬
‫النصوص‪.‬‬
‫وقد رأيت من المناسب أن أورد نصوص تلك الحاديث كلها كمللا‬
‫سللردها وذلللك لستقصللاء أدلتلله كلهللا‪ ،‬ثللم بيللان وجهللة الللرد عليلله فللي‬
‫استدلله بها على تخليد أهل الكبائر في النار‪.‬‬
‫فالحديث الثاني قوله‪:‬‬
‫)‪ 2‬ل أخرج الطبراني وأبو نعيم وابن مردويه عن ابن مسللعود ‪،t‬‬
‫أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪» :‬لو قيل لهل النار إنكم ماكثون في‬
‫النار عدد كل حصاة في الدنيا لفرحوا بهببا‪ ،‬ولوقيببل لهببل الجنببة أنكببم‬
‫ماكثون فيها عدد كل حصاة لحزنوا‪ ،‬ولكن جعل لهم البد«‪.‬‬
‫‪ 3‬ل وروى أحمد والبزار والحاكم والنسائي عن ابللن عمللر ‪ ،t‬أن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم قال‪» :‬ل يدخل الجنة عاق ول مدمن خمببر«‬
‫وفي رواية‪» :‬ثلثة قد حرم ال عليهببم الجنببة‪ ،‬مببدمن الخمببر‪ ،‬والعبباق‬
‫لوالديه‪ ،‬والديوث«‪ ،‬وهو الذي يقر السوء في أهله‪.‬‬
‫‪ 4‬ل روى الشيخان عن رسول ال صلى ال عليلله وسلللم أنلله قللال‪:‬‬
‫»من شرب الخمر في الدنيا يحرمها في الخرة« قال‪ :‬وهو كناية عللن‬
‫حرمانه من دخول الجنة‪ ،‬لن أهل الجنة لهللم فيهللا مللا تشللتهيه أنفسللهم‪،‬‬
‫وتلذ أعينهم‪ ،‬فل يحرمون من شيء‪.‬‬
‫‪ 5‬ل أخرج البخاري عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنلله قللال‪:‬‬
‫»مببن اسببترعاه الب رعيببة ثببم لببم يحطهببا بنصببحه إل حببرم الب عليببه‬
‫الجنة«‪.‬‬
‫‪ 6‬ل روى المام الربيع في مسللنده الصللحيح عللن أبللي عبيللدة عللن‬
‫جابر بن زيد عن أنس بن مالك رضي ال عنه عن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم قال‪» :‬من اقتطع حببق مسببلم بيمينببه حببرم الب عليببه الجنببة‬
‫ل يسيرًا يا رسللول اللل؟‬ ‫وأوجب له النار« فقال رجل وإن كان شيئًا قلي ً‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫»وإن كان قضيبًا من أراك« رواه المام مالك في موطئه‪ ،‬ومسلم‬
‫في صحيحه‪ ،‬والنسائي في سننه‪ ،‬من حديث أبي أمامة رضي ال عنه‪.‬‬
‫‪ 7‬ل أخرج الشيخان وغيرهما من طريللق أبللي هريللرة رضللي الل‬
‫عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪» :‬من قتل نفسببه بحديببدة‬
‫فحديدته في يده يتوجأ بها فبي بطنبه فبي نبار جهنببم خالبدًا فيهببا أببدًا‪،‬‬
‫ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحسبباه فببي نببار جهنببم خالببدًا فيهببا‬
‫أبدًا‪ ،‬ومن نزل من جبببل فقتببل نفسببه فهببو ينببزل فببي نببار جهنببم خالببدًا‬
‫مخلدًا فيها أبدًا«‪.‬‬
‫‪ 8‬ل روى مسلم في صحيحه عن رسول ال صلى ال عليلله وسلللم‬
‫أنه قال‪» :‬صنفان من أهل النار لم أرهما بعد‪ ،‬قوم معهم سياط كأذنبباب‬
‫البقر يضربون بها النبباس‪ ،‬ونسبباء كاسببيات عاريببات مببائلت مميلت‬
‫رؤوسهن كأسمنة البخببت المائلببة‪ ،‬ل يببدخلن الجنببة ول يجببدن ريحهببا‬
‫وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا«‪.‬‬
‫‪ 9‬ل روى البخاري ومسلم عن حذيفة بللن اليمللان رضللي ال ل عنلله‬
‫عن النبي صلى ال عليلله وسلللم‪» :‬ل يببدخل الجنببة نمببام« وفللي روايللة‬
‫قتات‪.‬‬
‫‪ 10‬ل روى الشيخان عن سعد وأبي بكللرة رضللي الل عنهمللا عللن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪» :‬من ادعببى إلببى غيببر أبيببه وهببو يعلببم أنببه‬
‫غير أبيه فالجنة عليه حرام«(‪.‬‬
‫ثم عقب على هذه الروايات كلها في آخر ص ‪ 225‬فقال‪:‬‬
‫)والروايات ل كما قلت ل في ذلللك كللثيرة‪ ،‬تللارة تللدل علللى الخلببود‬
‫بببالنص عليببه‪ ،‬وتللارة بللالجمع بينلله وبيببن التأبيببد‪ ،‬وأخببرى بالتوعببد‬
‫بحرمببان الجنببة أو حرمببان شببم ريحهببا‪ ،‬قللال‪ :‬ومحصلللها واحللد وإن‬
‫اختلفت ألفاظهللا‪ ،‬فللإن حرمللان الجنللة ينللافي دخولهللا فللي أي وقببت مللن‬
‫الوقات‪ ،‬كما أن نفي دخولها يعم جميع الزمنة‪ ،‬وقد تقدم تحرير ذلللك‬
‫في نظيره(‪.‬‬
‫هذه الحاديث التي اختارها الخليلي مللدعيًا أنهللا تللدل علللى تخليللد‬
‫أهل الكبائر في النار‪.‬‬
‫وفيما يلي الرد على وجهة استدلله بهذه الحاديث‪:‬‬
‫‪ 1‬ل أما الحديث الول المتفق عليه مللن حللديث عبللد الل بللن عمللر‬
‫رضي ال عنهما فقد اخرجه البخاري فللي كتللاب الرقللاق ‪ /‬بللاب يللدخل‬
‫الجنة سبعون ألفًا بغير حسللاب‪ .‬فتللح البلاري ‪ .6544 / 11‬وفللي بلاب‬
‫صفة الجنة والنار ح ‪.6548‬‬
‫ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلهللا‪ ،‬بللاب‪ :‬النللار يللدخلها‬
‫الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء‪ .‬ح ‪.43‬‬
‫ولفظه في صحيح مسلم عن عبد ال بن عمر أن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫»إذا صار أهل الجنة إلى الجنة‪ ،‬وصار أهل النار إلى النببار‪ُ ،‬أتببي‬
‫بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار‪ ،‬ثببم يذبببح‪ ،‬ثببم ينببادي مناديبًا‪ :‬يببا‬
‫أهل الجنة ل موت‪ ،‬ويا أهل النار ل مببوت‪ ،‬فيببزداد أهببل الجنببة فرح بًا‪،‬‬
‫ويزداد أهل النار حزنًا إلى حزنهم« وفي رواية لمسلم ح ‪» :42‬يا أهل‬
‫الجنة ل موت‪ ،‬ويا أهل النار ل موت‪ ،‬كل خالببد فيمببا هببو فيببه« وهللو‬
‫اللفظ الذي اختاره الخليلي‪.‬‬
‫ولفظ البخاري‪:‬‬
‫»يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم يا‬
‫أهببل النببار لمببوت‪ ،‬ويببا أهببل الجنببة لمببوت خلببود« ح ‪ ،6544‬و ح‬
‫‪.6548‬‬
‫لفظه مثل لفظ رواية مسلم التي سبق لفظها‪.‬‬
‫ولكن ماهو الشاهد من لفظ هذا الحديث عند الخليلللي علللى تخليللد‬
‫أهل الكبائر في النار؟‬
‫إنه يقول في ص ‪ 224‬بعد إيراد لفظ الحديث‪:‬‬
‫)ودللته على صحة عقيدة القائلين بخلللود أهللل الكبللائر فللي النللار‬
‫لغبار عليها‪ ،‬فإنه يفيد أن ذلك يعقب دخول الطائفتين في الدارين(‪.‬‬
‫والجبببببواب على هذا الستدلل‪:‬‬
‫نبقبببول‪ :‬إن على هذا الستدلل أشد الغبار؛ لن ال عز وجل قد‬
‫أخبر في كتابه الكريم أن الخلق يوم القيامة ينقسمون إلللى فريقيللن علللى‬
‫ما قّدره ال عز وجل وقضاه كما قال‪} :‬وكذلك أوحينللا إليللك‬
‫قرآنا عربيا ً لتنذر أم القرى ومن حولها وتنللذر‬
‫يوم الجمع ل ريب فيه فريق في الجنة وفريق‬
‫في السعير{] الشورى‪.[ 7 :‬‬
‫ي‪،‬‬
‫وقد جاء توضيح هذه اليللة وبيانهللا فللي تقسلليم الخلللق إلللى شللق ّ‬
‫مخلد في النار‪ :‬وهم الذين كفروا بال ورسوله‪ ،‬فهم في نللار جهنللم }ل‬
‫يقضي عليهم فيموتوا ول يخفللف عنهللم مللن‬
‫عذابها‪} {...‬كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا‬
‫فيها‪ ،{...‬وإلى سعداء خالدين مخلدين في الجنة‪ ،‬لهم فيها ما تشتهيه‬
‫النفس‪ ،‬وتلذ العين‪ ،‬عطاؤهم غير منقطع‪.‬‬
‫قلللال تعللالى‪} :‬يوم يأت ل تكلم نفللس إل بللإذنه‬
‫فمنهم شقي وسعيد‪ .‬فأما الذين شقوا ففللي‬
‫النار لهم فيها زفير وشهيق‪ .‬خالدين فيها مللا‬
‫دامت السللموات والرض إل مللا شللاء ربللك إن‬
‫ربك فعال لما يريد‪.‬وأمللا الللذين سللعدوا ففللي‬
‫الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والرض‬
‫إل ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ{ ]هود‪.[108-105:‬‬
‫يقول المام ابن كثير في تفسير هذه اليات‪ ،‬بعللد أن ذكللر المعنللى‬
‫الجمالي‪:‬‬
‫)وقد اختلف المفسرون فللي المللراد مللن هللذا السللتثناء فللي قللوله‪:‬‬
‫}فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيهللا زفيللر‬
‫وشللهيق‪ .‬خالللدين فيهللا مللا دامللت السللموات‬
‫والرض إل ما شاء ربك{‪.‬‬
‫على أقوال كثيرة حكاها الشيخ أبو الفرج ابن الجللوزي فللي كتللابه‬
‫زاد المسير‪ ،‬وغيره مللن علمللاء التفسللير‪ ،‬ونقللل كللثير منهللا المللام أبللو‬
‫جعفر بن جرير الطبري في كتابه‪ ،‬واختللار هللو مللا نقللله عللن خالللد بلن‬
‫معدان‪ ،‬والضحاك‪ ،‬وقتادة وأبي سنان‪ ،‬ورواه ابللن أبللي حللاتم عللن ابللن‬
‫عباس والحسن أيضًا‪:‬‬
‫أن الستثناء عائد إلى العصاة مللن أهللل التوحيللد‪ ،‬ممللن يخرجهللم‬
‫ال من النار بشفاعة الشافعين‪ ،‬ملن الملئكللة والنللبيين والمللؤمنين حيلن‬
‫يشفعون في أهل الكبائر‪ ،‬ثم تأتي رحمة أرحللم الراحميللن‪ ،‬فتخللرج مللن‬
‫النار من لم يعمل خيرًا قط‪ ،‬وقال يومًا من الدهر‪ :‬ل إله إل ال‪.‬‬
‫كما وردت بذلك الخبار الصللحيحة المستفيضللة عللن رسللول ال ل‬
‫صلى ال عليه وسلم بمضمون ذلللك‪ ،‬مللن حللديث أنللس‪ ،‬وجللابر‪ ،‬وأبللي‬
‫سعيد‪ ،‬وأبي هريرة‪ ،‬وغيرهم من الصحابة‪ ،‬ول يبقى بعد ذلك في النار‬
‫إل من وجب عليه الخلود فيها ول محيد له عنها‪ ،‬وهذا الذي عليه كثير‬
‫من العلماء قديمًا وحديثًا في تفسير هذه الية الكريمة(‪.‬‬
‫ثللم قللال فللي تفسللير قللوله تعللالى‪} :‬وأما الذين سعدوا‬
‫ففي الجنة خالدين فيها مللا دامللت السللموات‬
‫والرض إل ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ{ ]هود‪:‬‬
‫‪.[108‬‬
‫)يقول تعالى‪} :‬وأما الذين سعدوا{ وهللم أتبللاع الرسللل‪،‬‬
‫}ففي الجنة{ أي‪ :‬فملللأواهم الجنلللة‪} ،‬خالدين فيها{ أي‪:‬‬
‫ماكثين مقيمين فيها أبللدًا‪} ،‬ما داملت السلموات والرض‬
‫إل ما شاء ربك{‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬معنى الستثناء ها هنا‪ ،‬أن دوامهم فيما هم فيلله مللن النعيللم‬
‫ليس أمرًا واجبًا بذاته‪ ،‬بل هو موكول إلللى مشليئة الل تعلالى فللله المّنلة‬
‫عليهم‪ ،‬ولهذا يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس‪.‬‬
‫وقال الضحاك‪ ،‬والحسن البصري‪ :‬هي في حق عصاة الموحببدين‬
‫الذين كانوا في النار‪ ،‬ثم أخرجوا منها‪ ،‬وعقللب ذلللك بقللوله‪} :‬عطاء‬
‫غير مجذوذ{ أي‪ :‬غير مقطوع‪ ،‬قاله ابللن عبللاس‪ ،‬ومجاهللد‪ ،‬وأبللو‬
‫العالية وغير واحد‪ ،‬لئل يتوهم متوهم بعد ذكلر المشليئة أن ثلم انقطاعلًا‬
‫أو لبسًا أو شيئًا‪ ،‬بل ختم له بالدوام وعدم النقطاع‪.‬‬
‫كمللا بيللن هنللا أن عللذاب أهللل النللار فللي النللار دائملًا مللردود إلللى‬
‫مشيئته‪ ،‬وأنه بعدله وحكمته عذبهم‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬إن ربك فعللال‬
‫لما يريد{‪ ،‬كمللا قللال‪} :‬ل يسللأل عمللا يفعللل وهللم‬
‫يسألون{‪ .‬وهنا طيللب القلللوب وثبللت المقصللود بقللوله‪} :‬عطاء‬
‫غير مجذوذ{‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقد جاء في الصحيحين‪» :‬يؤتى بببالموت فببي صببورة كبببش‬
‫أملح‪ ،‬فيذبح بين الجنة والنار‪ ،‬ثم يقال‪ :‬يا أهل الجنة خلببود فل مببوت‪،‬‬
‫ويا أهل النار خلود فل موت«( )‪.(305‬‬
‫قلببت‪ :‬وهذا الحديث هو الذي استدل به الخليلي علللى تخليللد أهللل‬
‫الكبائر من الموحدين في النار‪ ،‬وادعى أنه ل غبار عليه لنه جللاء بعللد‬
‫إدخال الطائفتين في الدارين‪.‬‬
‫ونبقول‪ :‬نعم إنه جاء بعد إدخال الطائفتين في الدارين‪.‬‬
‫أما الطائفة التي دخلت النار وحكم عليها بالخلود فيهلا فهلم الكفلار‬
‫بللال ورسللوله مللن الللذين قللال عنهللم رسللول اللل صلللى اللل عليلله‬
‫وسلم‪»:‬والذي نفس محمد بيده! ل يسمع بي أحٌد من هذه المة يهودي‬
‫ول نصببراني ثببم ل يببؤمن بالببذي أرسببلت بببه إل كببان مببن أصببحاب‬
‫النار«)‪.(306‬‬

‫‪ (1) 305‬تفسير ابن كثير ‪ 279 / 4‬ل ‪.282‬‬


‫‪ ()306‬مسلم‪/‬ح ‪. 153‬‬
‫والمشللركون بللال الشللرك الكللبر‪ ،‬والمنللافقون النفللاق العتقللادي‬
‫الذين يظهرون السلم ويبطنون الكفر‪ ،‬هؤلء هم الطائفة الولى الذين‬
‫قال ال عنهللم‪} :‬إن في ذلك لية لمللن خللاف عللذاب‬
‫الخرة ذلك يوم مجموع له النللاس وذلللك يللوم‬
‫مشهود‪.‬وما نؤخره إل لجل معدود‪ .‬يللوم يللأت‬
‫ل تكلم نفس إل بإذنه فمنهم شللقي وسللعيد‪.‬‬
‫فأما الذين شقوا ففي النار لهللم فيهللا زفيللر‬
‫وشهيق{ ]هود‪.[106-103:‬‬
‫وأما الطائفة الثانية‪ :‬فهم الللذين قللال اللل عنهللم‪} :‬وأما الذين‬
‫سللعدوا ففللي الجنللة خالللدين فيهللا مللا دامللت‬
‫السللموات والرض إل مللا شللاء ربللك عطللاء غيللر‬
‫مجذوذ{ ]هود‪ .[108:‬وهو مادل عليه قوله تعالى في سورة الشللورى‪:‬‬
‫}وكللذلك أوحينللا إليللك قرآنللا عربيللا ً لتنللذر أم‬
‫القرى ومن حولها وتنللذر يللوم الجمللع ل ريللب‬
‫فيلله فريللق فللي الجنللة وفريللق فللي السللعير{‬
‫] الشورى‪.[ 7:‬‬
‫وهم الموحدون الذين لم يشللركوا بللال شلليئًا‪ ،‬ومنهللم العصللاة بعللد‬
‫تطهيرهم من ذنوبهم وإخراجهم بشفاعة الشافعين‪ ،‬ثم تأتي رحمة أرحم‬
‫الراحمين فتخرج من النار من لم يعمل خيرًا قط‪ ،‬وقال يومًا من الدهر‪:‬‬
‫ل إله إل ال‪.‬‬
‫كما وردت بذلك الخبار الصللحيحة المستفيضللة عللن رسللول ال ل‬
‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وقد سللرد ابللن كللثير أسللماء عللدد مللن الصللحابة الللذين رووا تلللك‬
‫الحاديث عن رسول ال صلى ال ل عليلله وسلللم وهللي فللي الصللحيحين‬
‫وغيرها‪ ،‬وسوف نورد طائفة منهللا بعللد أن نللبين وجلله الللرد علللى بقيللة‬
‫الحاديث التي استدل بها الخليلي على دعواه تخليد أصحاب الكبائر في‬
‫النار‪.‬‬
‫وأما الجببواب على بقيللة الحللاديث التسللعة الللتي سللردها الخليلللي‬
‫وألفاظها‪:‬‬
‫‪ 1‬ب »ل يدخل الجنة عاق ول مدمن خمر«‪.‬‬
‫‪ 2‬ل»من شرب الخمر في الدنيا يحرمها في الخرة« ب قللال‪ :‬وهللو‬
‫كناية عن حرمللان دخللول الجنللة‪ ،‬لن أهللل الجنللة لهلم فيهلا ملا تشلتهيه‬
‫أنفسهم‪ ،‬وتلذ أعينهم فل يحرمون من شيء‪.‬‬
‫قال‪ :‬الحديث أخرجه الشيخان‪.‬‬
‫‪ 3‬ل وحديث ل »مببن اسببترعاه الب رعيببه فلببم يحطهببا بنصببحه إل‬
‫حرم ال عليه الجنة«‪.‬‬
‫‪ 4‬لل وحللديث لل »مببن اقتطببع حببق مسببلم بيمينببه حببرم الب عليببه‬
‫الجنة«‪.‬‬
‫‪ 5‬ل وحديث ل »من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بهببا‬
‫في بطنه في نار جهنم خالدًا فيها«‪.‬‬
‫‪ 6‬ل وحديث ل »ونساء كاسيات عاريببات‪ .....‬ل يببدخلن الجنببة ول‬
‫يجدن ريحها‪«.....‬‬
‫‪ 7‬ل وحديث ل »ل يدخل الجنة نمام‪ ،‬وفي رواية قتات«‪.‬‬
‫‪ 8‬ل وحديث ل »مببن ادعببى لغيببر أبيببه‪ ،‬وهببو يعلببم أنببه غيببر أبيببه‬
‫فالجنة عليه حرام«‪.‬‬
‫وبعللد سللرده لهللذه الروايللات قللال‪ :‬ومحصلللها واحللد وإن اختلفللت‬
‫ألفاظها‪ ،‬فإن حرمان الجنة ينافي دخولها في أي وقت من الوقات‪ ،‬كما‬
‫أن نفي دخولها يعم جميع الزمنة‪.‬‬
‫هكذا يقول الخليلي بأن هللؤلء الللذين ورد الوعيللد فللي حقهللم وإن‬
‫ماتوا على التوحيد وعدم الشراك بال‪ ،‬أنهم لن يللدخلوا الجنللة‪ ،‬فللي أي‬
‫وقت وأي زمن مللن الزمنللة‪ ،‬وتحديللده بللالنفي والحرمللان لهللؤلء مللن‬
‫دخول الجنة في أي وقت وأي زمن من الزمنة‪ ،‬يدل دللللة قاطعللة أنله‬
‫مطلع على أحاديث الشفاعة الثابتة المستفيضة عن رسول ال ‪ ،r‬الدالة‬
‫على إخراج عصاة الموحللدين مللن النلار‪ ،‬وذلللك بعللد مضللي الللوقت أو‬
‫الزمن الذي يشاءه ال لمن عصاه‪ ،‬ثم يدخله بعد ذلك الجنة‪.‬‬
‫ومن هنا نجد أن الخليلي لللم يعلّرج علللى أحللاديث الشللفاعة‪ ،‬الللتي‬
‫يردها المعتزلة‪ ،‬وهو يقول عن المعتزلة أنهم يقولون بقوله‪.‬‬
‫وإذا كان الخليلي يورد الحاديث عن البخللاري ومسلللم وغيرهمللا‬
‫ويستدل بها على رأيه فنحن نجيب على أدلته بما قرره علماء السنة‪.‬‬
‫ثللم نللورد بعللد ذلللك الحللاديث ‪ -‬مللن صللحيح البخللاري ومسلللم‬
‫وغيرهما‪ -‬الصحيحة الصريحة في إخراج العصاة الموحدين من النار‪،‬‬
‫ونجعل الحكم إلى القارئ الذي يؤمن بكل ما جاء عن رسول ال صلللى‬
‫ال عليه وسلم في العقيدة والعبادة‪ ،‬وجميللع شللرائع السلللم فللال يقللول‬
‫لنبيه صلى ال عليلله وسلللم‪} :‬فل وربك ل يؤمنون حللتى‬
‫يحكموك فيما شللجر بينهللم ثللم ل يجللدوا فللي‬
‫أنفسهم حرجا ً مما قضيت ويسلللموا تسللليما ً{‬
‫]النساء‪.[65 :‬‬
‫فهذه الية الكريمة تحتم على كل مؤمن بللال ‪ ،U‬وبرسللوله صلللى‬
‫ل أن يرضى ويسّلم لمللا جللاء بلله عليلله الصلللة‬
‫ال عليه وسلم نبيًا رسو ً‬
‫والسلم‪.‬‬
‫وقد استدل الخليلي بتلك الحاديث الللتي أوردهللا علللى رأيلله‪ ،‬ولللم‬
‫يعرج على أحاديث أخرى ورد فيها لفظ الكفر‪ ،‬والشرك‪ ،‬علللى أعمللال‬
‫يرتكبها المسلم ولم يقل أحد بخروجه من السلم‪.‬‬
‫كما أنه لم يعرج على أحاديث الشفاعة المتواترة‪ ،‬ونصها صللريح‬
‫في إخراج الموحدين من النار‪ ،‬مروية في الصحيحين وغيرها‪.‬‬
‫ولهذا نبدأ بذكر الحاديث التي أوردها الخليلي وننظللر لكلم أهللل‬
‫السنة في بيان ما دلت عليه‪:‬‬
‫نبدأ بحديث عبد ال بن عمر رضي ال عنه أن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم قال‪» :‬من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها‬
‫في الخرة«‪.‬‬
‫هذا الحديث كما قال الخليلي أخرجه الشيخان‪:‬‬
‫* البخللاري فللي كتللاب الشللربة ‪ /‬بللاب قللول ال ل تعللالى‪} :‬إنما‬
‫الخمر والميسر‪ {...‬الية‪ ،‬برقم ‪.5575‬‬
‫ل ‪-‬منهللا مللا‬ ‫وقد أورد ابن حجر رحمه ال في شرح الحللديث أقللوا ً‬
‫ذكره الخليلي ‪ -‬ونص على أنه مذهب غير مرضللي حيللث قللال‪) :‬قللال‬
‫ابن عبد البر‪ :‬هذا وعيد شديد يدل على حرمللان دخللول الجنللة‪ ،‬لن الل‬
‫تعالى أخبر أن في الجنة أنهار الخمر لذة للشاربين‪ ،‬وأنهم ل يصللدعون‬
‫حِرَمهللا‬‫عنها‪ ،‬ول ينزفون‪ ،‬فلو دخلها ل وقد علم أن فيهللا خمللرًا أو أنهللا ُ‬
‫عقوبة له ل لزم وقوع الهّم والحزن في الجنللة‪ ،‬ول َهلّم فيهللا ول حللزن‪،‬‬
‫وإن لم يعلم بوجودها في الجنة ول أنه حرمها عقوبة للله لللم يكللن عليلله‬
‫ل‪ .‬قال‪ :‬وهو‬ ‫في فقدها ألم‪ ،‬فلهذا قال بعض من تقدم‪ :‬ل يدخل الجنة أص ً‬
‫مذهب غير مرضي‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬ويحمل الحللديث عنللد أهلل السلنة علللى أنلله ل يلدخلها ول‬
‫يشرب الخمر فيها إل إن عفا الل عنلله كمللا فللي بقيللة الكبللائر وهللو فللي‬
‫المشلليئة‪ ،‬فعلللى هللذا فمعنللى الحللديث‪ :‬جللزاؤه فللي الخللرة أن يحرمهللا‬
‫لحرمانه دخول الجنة إل إن عفا ال عنه()‪.(307‬‬
‫قلببببت‪ :‬وقوله في المشيئة لقوله تعالى‪} :‬إن الله ل يغفر أن‬
‫يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء{ ]النساء‪.[ 116:‬‬
‫وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي ذر رضللي ال ل عنلله بللأن‬
‫مرتكب الكبيرة يدخل الجنة إذا مات على التوحيد‪.‬‬
‫فعن أبي ذر رضي ال عنله قلال‪ » :‬أتيبت رسببول الب صببلى الب‬
‫عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم ثم أتيته وهببو نببائم‪ ،‬ثببم أتيتببه‬
‫وقد استيقظ‪ .‬فجلست إليه‪ ،‬فقال‪ :‬ما من عبد قال ل إله إل ال ثببم مببات‬
‫على ذلك إل دخل الجنببة‪ .‬قلببت‪ :‬وإن زنببى وإن سببرق‪ ،‬قببال‪ :‬وإن زنببى‬
‫وإن سرق كررها ثلثًا‪ .‬وفي الرابعة قال‪ :‬وإن رغم أنف أبي ذر‪ .‬فكان‬
‫أبو ذر يحدث هذا ويقول‪ :‬وإن رغم أنف أبي ذر«)‪.(308‬‬
‫وقد أورد ابلن منلده فللي كتلاب اليملان عللددًا مللن الروايلات لهلذا‬
‫الحديث)‪.(309‬‬
‫أما بقية الحاديث التي استدل بها الخليلي فقد أوردها ابن منده في‬
‫كتابه اليمان وهي كالتللاللي‪:‬‬
‫‪ 1‬ل حديث ل »من استرعاه ال رعية ثببم لببم يحطهببا بنصببحه فقببد‬
‫حرم ال عليه الجنة«‪.‬ح ‪.555‬‬
‫‪ 2‬ل وحديث ل »من اقتطع حق مسلم بيمينه حرم ال عليببه الجنببة‬
‫وأوجب له النار« ‪ .‬ح )‪ (576‬من حديث أبي أمامة رضي ال عنه ‪.‬‬

‫‪ ()307‬فتح الباري ‪.32 /10/‬‬


‫‪ ()308‬البخاري في اللباس ‪ /‬باب الثياب البيض ‪.‬ح ‪.5827‬‬
‫‪ ()309‬ابن منده ‪ /‬كتاب اليمان ‪. 2/574‬‬
‫‪ 3‬ل وحديث ل »من قتل نفسه بحديده فحديدته في يده يتوجببأ بهببا‬
‫في بطنه في نار جهنم خالدًا فيها أبدًا« ح )‪. (627‬‬
‫‪ 4‬ل وحديث حذيفة رضي ال عنه‪» :‬ل يدخل الجنببة نمببام«‪ ،‬وفي‬
‫رواية قتات‪ .‬والقتات‪ :‬النمام ‪ .‬ح )‪.(609‬‬
‫‪ 5‬ل وحديث سعد وأبي بكرة رضي عنهما أن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم قال‪» :‬من ادعى إلى غير أبيبه وهبو يعلببم أنبه غيبر أبيبه فالجنبة‬
‫عليه حرام«‪ .‬ح )‪(584‬‬
‫فهذه الحللاديث كلهللا أوردهلا الملام الحللافظ ابلن منللده فلي كتلابه‬
‫اليمان ‪ /‬في فصل ‪ ،90‬ذكللر مللا يللدل علللى أن النفللاق علللى ضللروب‪:‬‬
‫نفاق كفر‪ ،‬ونفاق قلب ولسان وأفعللال وهللي دون ذلللك‪ .‬ج ‪ 613 / 2‬لل‬
‫‪ .621‬وأورد فيه أربعين رواية‪.‬‬
‫وفصللل ‪] 91‬ذكللر الخبللار الدالللة علللى حرمللة مللال المسلللم[ج‬
‫‪ 2/622‬ل ‪ 634‬وأورد فيه ‪ 22‬رواية ‪.‬‬
‫وفصل ‪] 92‬ذكر قول النبي صلى ال عليه وسلم» من ادعى لغير‬
‫أبيه فليس منا«‪ ،‬واختلف اللفاظ فيه[ ج ‪635 / 2‬ل ‪ 687‬وأورد فيه‬
‫‪ 93‬رواية‪.‬‬
‫وقد بين أن هللذه الحللاديث‪ ،‬ليلس الغللرض منهللا أن مرتكللب تلللك‬
‫العمللال خللارج مللن السلللم‪ ،‬وأنلله يسللتحق بهللا الخلللود فللي النللار‬
‫والحرمان من دخول الجنة‪ ،‬وإنما هي كبائر يستحق بسببها ذاك العقاب‬
‫إن شاء ال عقابه‪ ،‬ومآله إلى الجنة‪.‬‬
‫فقوله‪» :‬من استرعاه ال رعية فلم يحطهببا بنصببحه إل حببرم الب‬
‫عليه الجنة«‪.‬‬
‫ل لللذلك‬‫يقول النووي‪) :‬ومعنى حرم ال عليه الجنة إن كان مسللتح ً‬
‫لنه باستحلله له يكون كافرًا‪ ،‬وإل كان كأصحاب الكبائر‪ ،‬فيحرم عليه‬
‫دخولها أول وهلة مع الفائزين‪ ،‬أي‪ :‬وبعد تمحيصه إن لم يعف ال عنلله‬
‫يدخل الجنة بشفاعة الشافعين(‪.‬‬
‫وقوله صلى ال عليه وسلم‪» :‬من اقتطع حق امرئ مسببلم بيمينببه‬
‫حرم ال عليه الجنة وأوجب له النار«‪.‬‬
‫يقول المام النووي في شللرح مسلللم ‪ 2/161‬فللي بللاب وعيللد مللن‬
‫اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار‪.‬‬
‫قال‪) :‬يدخل في هذا سائر الحقللوق الللتي ليسللت بمللال‪ ،‬وأمللا قللوله‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ »:‬فقببد أوجببب الب تعببالى لببه النببار‪ ،‬وحببرم عليببه‬
‫الجنة« ففيه الجوابان المتقدمان المتكرران في نظائره‪:‬‬
‫ل لذلك إذا مات على ذلللك‪ ،‬فللإنه‬ ‫أحدهما‪ :‬أنه محمول على المستح ّ‬
‫يكفر ويخلد في النار‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬معناه فقد استحق النللار‪ ،‬ويجللوز العفللو عنلله‪ ،‬وقللد حللرم‬
‫عليه دخول الجنة أول وهلة مع الفائزين‪.‬‬
‫وقوله صلى ال عليه وسلم‪» :‬من قتل نفسه بحديده فحديدته فببي‬
‫يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا فيها أبدًا«‪.‬‬
‫يقول النووي رحمه ال في شرح مسلم ‪ 2/125‬في شرح الحديث‪:‬‬
‫)فيه أقوال‪:‬‬
‫ل للله مللع علملله‬
‫أحدهما‪ :‬أنه محمللول علللى مللن فعللل ذلللك مسللتح ً‬
‫بالتحريم‪ ،‬فهذا كافر وهذه عقوبته‪.‬‬
‫والثبباني‪ :‬أن المللراد بللالخلود طللول المللدة والقامللة المتطاولللة ل‬
‫حقيقة الدوام(‪.‬‬
‫قببلببت‪ :‬لن عمله هذا كبيرة من كبائر الذنوب‪ ،‬دون الشرك بال‪،‬‬
‫فهلللو فلللي المشللليئة }إن الللله ل يغفللر أن يشللرك بلله‬
‫ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء{‪.‬‬
‫وقوله صلى ال عليه وسلم في حديث سعد بلن أبلي وقلاص وأبلي‬
‫بكرة رضي ال عنهما » من ادعى لغير أبيببه وهببو يعلببم فالجنببة عليببه‬
‫حرام«‪.‬‬
‫وقد أورد الحللافظ ابللن منللده فللي كتللابه اليمللان ‪ 2/635‬بللاب مللن‬
‫ادعى لغير أبيه فليس منا واختلف اللفاظ فيه‪ ،‬أربعًا وتسللعين روايللة‪،‬‬
‫وقد اشتملت تلك الروايات للحللديث والحللاديث الللتي هللي بمعنللاه علللى‬
‫ألفاظ نذكر بعضها ثم نعقبها بقول أهل السنة في تأويلها‪:‬‬
‫منها‪ :‬حديث أبلي هريلرة مرفوعلًا‪» :‬ل ترغبببوا عببن آبببائكم فمببن‬
‫رغب عن أبيه فإنه كافر«‪.‬وفي رواية‪ :‬فقدكفر‪.‬‬
‫وحديث أبي ذر » من ادعى لغير أبيه فليس منا«‪ .‬فمعنللى ادعللى‬
‫إلى غير أبيه أي‪ :‬انتسب إليه واتخذه أبًا‪.‬‬
‫ومعنى‪ »:‬ل ترغبوا عن آبائكم«‪ ،‬يقال‪ :‬رغب عن أبيه‪ ،‬أي‪ :‬ترك‬
‫النتسللاب إليلله وجحللده‪ .‬يقللال‪ :‬رغبللت عللن الشلليء تركتلله وكرهتلله‪،‬‬
‫ورغبت فيه اخترته وطلبته‪.‬‬
‫وقد ذهب علماء السنة إلى تفسير هذه الحاديث وما شللابهها‪ ،‬مللن‬
‫إطلق لفظ الكفر‪ ،‬أو الشرك‪ ،‬أو نفي اليمان‪ ،‬أو البراءة‪ ،‬كقوله‪» :‬مببن‬
‫غشنا فليس منا«‪ ،‬أو »الجنة عليه حرام«‪ ،‬أو »ل يدخل الجنة نمام« ‪،‬‬
‫وبينوا أنه ليس المقصود منها خروج مرتكبها من السلللم‪ ،‬وإنمللا المللراد‬
‫ل للله لنلله‬‫الزجر لفاعل ذلللك‪ ،‬وأنلله يسللتحق ذلللك العقللاب إن كللان مسللتح ً‬
‫باستحلله يكون كافرًا‪ ،‬وإن لم يكن كذلك فهللو تحللت المشلليئة‪ ،‬ونفيللد هنللا‬
‫الخليلي بأكثر مما أورده من ألفاظ يستدل بها على تخليد عصاة الموحللدين‬
‫في النار فنذكر للقارئ قول علماء السنة في تفسيرها وبيان ما دلت عليه‪.‬‬
‫فقد جاء في رواية أبي ذر المشار إليها‪ ،‬عنللد البخللاري فللي كتللاب‬
‫المناقب‪» :‬من ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إل كفر بال«‪.‬‬
‫يقول ابن حجر في فتح الباري ‪- 6/540‬في شرح الحديث‪) :-‬كللذا‬
‫وقع هنا كفر بال‪ ،‬ولم يقع قوله )بال( في غير رواية أبللي ذر‪ ،‬ول فللي‬
‫روايللة مسلللم ول السللماعيلي وهللو أولللى‪ ،‬وإن ثبللت ذلللك‪ ،‬فللالمراد مللن‬
‫استحل ذلك مللع علملله بللالتحريم‪ ،‬وعلللى الروايللة المشللهورة‪ ،‬فللالمراد كفللر‬
‫النعمة‪ ،‬وظاهر اللفظ غيللر مللراد‪ ،‬وإنمللا ورد علللى سللبيل التغليللظ والزجللر‬
‫ل شبيهًا بفعل الكفار(‪.‬‬‫لفاعل ذلك‪ ،‬أو المراد باطلق الكفر أن فاعله فعل فع ً‬
‫ويقول النووي في شرح مسلم ‪2/50‬ل ‪ 52‬في شرح هللذا الحللديث‪:‬‬
‫)قوله صلى ال عليه وسلم فيمن ادعى لغير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه‬
‫كفر‪ ،‬قيل فيه التأويلن‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أنه في حق المستحل‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أنه كفر النعمة‪ ،‬والحسان‪ ،‬وحق ال تعالى‪ ،‬وحق أبيلله‪،‬‬
‫وليس المراد الكفر الذي يخرجه من ملة السلم‪.‬‬
‫وهذا كما قال صلى ال عليه وسلم‪ :‬في حق النسللاء »يكفللرن« ثللم‬
‫فسره بكفرانهن الحسان‪ ،‬وكفران العشير‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأما قوله صلى ال ل عليلله وسلللم‪ :‬فالجنللة عليلله حللرام‪ ،‬ففيلله‬
‫تأويلن‪:‬‬
‫ل له‪.‬‬
‫أحدهما‪ :‬أنه محمول على من فعله مستح ً‬
‫ل عنللد دخللول الفللائزين‬ ‫والثاني‪ :‬أن جزاءه أنهللا محرمللة عليلله أو ً‬
‫وأهل السلمة‪ ،‬ثم أنه قد يجازى فيمنعهللا عنللد دخللولهم ثللم يللدخلها بعللد‬
‫ذلك‪ ،‬وقد ل يجازى بل يعفو ال سبحانه وتعالى عنه(‪.‬‬
‫ثم إن الحافظ ابن منده أورد هذه الروايات الكثيرة المشتملة على هذه‬
‫اللفاظ التي ورد فيها الوعيد على من عملها التي يتمسللك الخللوارج ومللن‬
‫يقول بقولهم في تكفير من ارتكبها فللي الللدنيا والخللرة مثللل الخللوارج‪ .‬أو‬
‫من يرى أن مرتكبها في الدنيا في منزلة بيللن المنزلللتين‪ ،‬ويعللامله معاملللة‬
‫المسلم في الدنيا ويحكم عليه في الخرة بالخلود في النار‪.‬‬
‫أو يقول أنه فللي الللدنيا كللافر كفللر نعمللة‪ ،‬وفللي الخللرة مخلللد فللي‬
‫النار‪ ،‬كما تقول الباضية‪ ،‬يمثلهم الخليلي في كتابه هذا‪.‬‬
‫فأراد ابللن منللده وغيللره ملن علملاء أهللل السللنة أن يلبينوا أن هلذه‬
‫الروايات التي ورد فيها‪:‬‬
‫• إطلق اسم الكفر على بعض المعاصي‪ ،‬كالنياحللة علللى الميللت‪،‬‬
‫والطعن في النساب‪ ،‬وكفران العشير‪ ،‬وانتساب المرء إلى غيللر أبيلله‪،‬‬
‫والولي الغاش لرعيته‪.‬‬
‫• ونفي اليمان عن مرتكب بعض المعاصي‪ ،‬مثل قوله صلللى الل‬
‫عليه وسلم‪» :‬ل يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن‪ ،‬وليشرب الخمر‬
‫حين يشرب وهو مؤمن ول يسرق حين يسرق وهو مؤمن‪.(310)«...‬‬
‫وذلك ليعرف القارئ أنله ليلس المقصللود مللن هللذه العمللال اللتي‬
‫ارتكبت‪ ،‬وهللذه اللفللاظ اللتي وردت فيهلا‪ ،‬ليلس المقصللود منهلا الكفللر‬
‫المخرج من الملة‪ ،‬إل على المستحل لذلك العمل‪ ،‬العالم بحكملله‪ .‬وإنمللا‬
‫المقصود من ذلك كفر النعمة والحسان‪.‬‬
‫وذلك لقوله تعالى‪} :‬إن الله ل يغفر أن يشرك بلله‬
‫ويغفر ما دون ذلللك لمللن يشللاء{ فكللل معصللية دون‬
‫الشرك تحت المشيئة بنص الية الكريمة‪.‬‬
‫ولقوله ‪» :r‬أتاني آت من ربي‪ ،‬فببأخبرني‪ ،‬أو قببال بشببرني‪ ،‬أنببه‬
‫من مات من أمتي ل يشرك بال شيئًا دخل الجنة ‪ .‬قلت‪ :‬وإن زنى وإن‬
‫سرق؟ قال‪ :‬وإن زنى وإن سرق«)‪.(311‬‬

‫‪ ()310‬البخاري‪.2475/‬‬
‫‪ ()311‬البخاري‪.1237/‬‬
‫ولقللوله صلللى ال ل عليلله وسلللم فللي حللديث أبللي ذر فللي صللحيح‬
‫مسلم‪ ...»:‬ومن لقيني بُقراب الرض خطيئة ل يشببرك بببي شببيئًا لقيتببه‬
‫بمثلها مغفرة«)‪.(312‬‬
‫وإنما أطلق اسم الكفر على هللذه المعاصللي‪ ،‬ونفللي اليمللان عمللن‬
‫ارتكب بعض المعاصللي‪ ،‬والوعيللد بحرمللانه مللن دخللول الجنللة‪ ،‬وذلللك‬
‫لعظمها فكان ذلك للزجر عنها‪.‬‬
‫ثم بيان أن مرتكب الكبيرة ل يكفر‪ ،‬ولذلك ل يخلللد فللي النللار إن دخلهللا‬
‫بذنبه‪.‬‬
‫وهو مذهب أهل السنة والجماعة‪.‬‬

‫‪ ()312‬مسلم‪/‬ح ‪. 2687‬‬
‫من الحاديث الواردة‬
‫في شفاعة الشافعين للعصاة الموحدين‬

‫شَبه التي أوردها الخليلللي ظنلًا منلله أنهللا‬ ‫وحيث انتهى الرد على ال ّ‬
‫أدلة على تخليد الفسللاق مللن أهللل التوحيللد فللي النللار‪ ،‬وقللد وعللدنا بأننللا‬
‫سنورد في آخر هذا البحث طائفة من الحاديث تبين مذهب أهللل السللنة‬
‫والجماعة في عصاة الموحدين‪ ،‬وأنهم ل يخلدون في النار‪ ،‬وإنما يخلللد‬
‫فللي النللار الكفللار والمنللافقون النفللاق العتقللادي والمشللركون الشللرك‬
‫الكللبر‪ .‬وأن مللن دخللل مللن الموحللدين النللار بالمعاصللي يخللرج منهللا‬
‫بشفاعة الشافعين‪ ،‬وسوف نقتصر عللى بعللض الحللاديث الللواردة فللي‬
‫الشفاعة وهي متواترة‪ ،‬والغريللب أن الخليلللي فللي بحثلله هللذا لللم يعللرج‬
‫عليها‪ ،‬بل أعرض عنها لنه ل يقللول بمللا ورد فيهللا‪ ،‬والعللراض عللن‬
‫سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم فيه وعيد شديد نحذر الخليلي منه‪.‬‬
‫ونبدأ بما أورده المام مسلم في صحيحه في كتاب اليمللان‪ ،‬ببباب‬
‫إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار‪.‬‬
‫وقد أورد فيه عددًا من الروايات عن عدد مللن الصللحابة مرفوعللة‬
‫إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬صريحة في إخراج الموحدين من‬
‫النار‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬
‫‪ 1‬ل حديث أبي سعيد الخدري رضي ال عنه أن رسول ال صلللى‬
‫ال عليه وسلللم قلال‪» :‬يبدخل الب أهببل الجنببة الجنببة‪ .‬يببدخل مببن يشبباء‬
‫برحمته‪ .‬ويدخل أهل النار النار‪ .‬ثم يقول‪ :‬انظروا من وجدتم فببي قلبببه‬
‫مثقال حبة من خردل من إيمبان فبأخرجوه‪ .‬فيخرجبون منهبا حممبًا قبد‬
‫امتحشوا)‪ ،(313‬فيلقون في نهببر الحياة أو الحيا)‪ ،(314‬فينبتون فيه كما‬
‫تنبببت الحبببة إلببى جببانب السببيل‪ ،‬ألببم تروهببا كيببف تخببرج صببفراء‬
‫ل برقم )‪.(183‬‬ ‫ملتوية)‪ «(315‬مسلم ح ) ‪(304/184‬وتقدم مطو ً‬
‫وأخرجلله البخللاري فللي الرقللاق ‪ /‬بللاب صللفة الجنللة والنللار ح )‬
‫‪.(6560‬‬
‫‪ 2‬ل ورواية أبي سعيد رضللي الل عنلله قللال‪ :‬قللال رسللول الل ‪:r‬‬
‫»أما أهل النار الببذين هببم أهلهببا‪ ،‬فببإنهم ل يموتببون فيهببا ول يحيببون‪.‬‬
‫ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم )أو قببال بخطايبباهم( فأمبباتهم إماتببة‬
‫حتى إذا كانوا فحمبًا‪ ،‬أذن فببي الشببفاعة‪ ،‬فجيببء بهببم ضبببائر ضبببائر‪،‬‬
‫فبثوا على أنهار الجنة‪ .‬ثم قيل‪ :‬يا أهل الجنة أفيضوا عليهببم‪ .‬فينبتببون‬
‫نبات الحبة تكون في حميل السيل«‪ .‬فقال رجل من القوم‪ :‬كللأن رسللول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم قد كان في البادية)‪.(316‬‬
‫فقد فرق في هذا الحديث بين أهل النار المخلدين فيها‪ ،‬وهللم الللذين‬
‫ل يحيللون فيهللا ول يموتللون‪ .‬وهللم الكفللار‪ .‬وبيللن الموحللدين مللن أهللل‬
‫المعاصي‪.‬‬
‫خُر أهل النار خروجًا« وأورد فيه‪:‬‬ ‫ثم أتبعه بباب »آ ِ‬
‫حديث عبدال بن مسعود ‪ ،t‬قال‪ :‬قال رسول ال ‪» :r‬إني لعلببم‬
‫آخر أهل النببار خروجبًا منهببا‪ ،‬وآخببر أهببل الجنببة دخببوًل الجنببة‪ .‬رجببل‬
‫يخرج مببن النببار حبببوًا‪ .‬فيقببول الب تبببارك وتعببالى لببه‪ :‬اذهببب فادخببل‬
‫الجنة‪ ،‬فيأتيها فيخيل إليه أنهببا ملى‪ .‬فيرجببع فيقببول‪ :‬يببا رب وجببدتها‬

‫‪ (1) 313‬امتحشوا‪ :‬احترقوا‪.‬‬


‫‪ () 314‬الحيا‪ :‬الحيا هو المطر‪ .‬سمي حيا لنه تحيا به الرض‪ .‬وكذلك هذا المللاء يحيللا‬
‫به هؤلء المحترقون‪ ،‬وتحدث فيهم النضارة كما يحدث ذلك المطر في الرض ‪.‬‬
‫‪ () 315‬ملتوية‪ :‬أي ملفوفة مجتمعة ‪.‬‬
‫‪ ()316‬مسلم برقم )‪.(306/185‬‬
‫ملى‪ .‬فيقول ال تبارك وتعالى له‪ :‬اذهببب فادخببل الجنببة‪ .‬وفببي الثالثببة‬
‫فيقول له‪ :‬اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشببرة أمثالهببا‪ .‬وإن‬
‫لك عشرة أمثال الدنيا‪ .‬قال‪ :‬فيقول‪ :‬أتسخر بي )أو تضحك بببي( وأنببت‬
‫الملك« ‪.‬‬
‫قال‪ :‬لقد رأيت رسول ال صلى ال ب عليببه وسببلم يضببحك حببتى بببدت‬
‫نواجذه‪.‬‬
‫قال‪ :‬فكان يقال‪ :‬ذاك أدنى أهببل الجنببة منزلببة‪ .‬مسلللم برقللم ‪)308‬‬
‫‪.(186‬‬
‫ثم ساقه بأطول من ذلك برقم ‪.(187) 310‬‬
‫ثم أتبعه بباب » أدنى أهل الجنة منزلة فيها«‪ .‬وأورد فيه‪:‬‬
‫رواية أبي سعيد الخدري ‪ .t‬ورواية أبي ذر رضي ال ل عنلله مللن‬
‫رقم ل ‪ 311/188‬ل ‪314/190‬‬
‫ورواية حديث جابر بن عبدال رضللي الل عنلله برقللم ‪316/191‬‬
‫وفيه‪» :‬ثم تحل الشفاعة ويشفعون حتى يخببرج مببن النببار مبن قببال‪ :‬ل‬
‫إله إل ال‪ ،‬وكان في قلبه من الخير ما يببزن شببعيرة‪ ،‬فيجعلببون بفنبباء‬
‫الجنة‪ «...‬الحديث‪.‬‬
‫وفيه قول جابر إنه سمع رسول ال ‪ r‬يقول‪» :‬إن ال يخرج قومًا‬
‫من النار بالشفاعة«‪.‬‬
‫كما أورد رواية زيللد الفقيللر لل الللذي شللغفه رأي الخللوارج لل عللن‬
‫جابر رضي ال عنه‪ ،‬وفيها بيان السبب الذي جعل الخوارج ومن يقول‬
‫بقولهم يحكمون علللى أصللحاب المعاصللي مللن الموحللدين بللالخلود فللي‬
‫النار‪ ،‬وأنه الجهل وعدم الفقه في الللدين‪ ،‬حيللث انطلقللوا إلللى آيللات مللن‬
‫ل منهللم بالسللنة‬
‫كتاب ال نزلت في الكفار فطبقوها على المسلمين؛ جه ً‬
‫المبينة للقرآن‪.‬‬
‫كما سبق نقل قول عبد ال بن عمر رضي ال عنهما‪ ،‬وإليك نللص‬
‫الحديث‪:‬‬
‫فقد ساق المام مسلم الحديث بإسلناده إلللى أبللي عاصللم محمللد بلن‬
‫أبي أيوب قال‪ :‬حدثني يزيد الفقير‪ ،‬قال‪ :‬كنت قد شببغفني رأي مببن رأي‬
‫الخوارج)‪ ،(317‬فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد أن نحج‪ .‬ثببم نخببرج‬
‫على الناس )‪ ،(318‬قببال‪ :‬فمررنببا علببى المدينببة فببإذا جببابر بببن عبببدال‬
‫يحدث القوم‪ ،‬جالس إلى سارية‪ ،‬عن رسول ال ‪ ،r‬قببال‪ :‬فببإذا هببو قببد‬
‫ذكر الجهنميين‪ ،‬قال‪ :‬فقلت لببه‪ :‬يببا صبباحب رسببول الب مببا هببذا الببذي‬
‫تحبببدثون؟ والببب يقبببول‪} :‬إنللك مللن تللدخل النللار فقللد‬
‫أخزيته{ ]آل عمران‪.[192:‬‬
‫و}كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها{‬
‫]السجدة‪[20:‬‬
‫فما هذا الذي تقولون؟ قال‪ :‬فقال‪ :‬أتقرأ القرآن؟ قلت‪ :‬نعببم‪ .‬قببال‪:‬‬
‫فهل سمعت بمقام محمد‪ ) ‬يعني الذي يبعثه ال فيه ( قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال‬
‫فإنه مقام محمد صلى ال عليه وسلم المحمود الذي يخرج ال ببه مبن‬
‫يخرج ‪ ..‬قال‪ :‬ثم نعت وضع الصراط ومر الناس عليببه‪ ،‬قببال‪ :‬وأخبباف‬
‫أن ل أكون أحفظ ذاك‪ .‬قال‪ :‬غير أنه قد زعم)‪(319‬أن قومًا يخرجون من‬
‫النار بعد أن يكونوا فيها‪ .‬قال‪ :‬يعني فيخرجون كأنهم عيدان السماسم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فيدخلون نهرًا من أنهار الجنة فيغتسلون فيببه‪ .‬فيخرجببون كببأنهم‬
‫القراطيس‪ .‬فرجعنا قلنا‪ :‬ويحكم أترون الشيخ يكببذب علببى رسببول الب‬

‫‪ (1)317‬وهو أنهم يرون أن أصحاب الكبلائر يخلللدون فللي النلار‪ ،‬ول يخلرج منهلا مللن‬
‫دخلها‪.‬‬
‫‪) (2)318‬ثم نخرج على الناس( أي مظهرين رأي الخوارج وندعوا إليه ونحث عليه‪.‬‬
‫‪ ()319‬زعم بمعنى قال‪.‬‬
‫‪ ،r‬فرجعنا‪ .‬فل وال ما خرج منا غير رجل واحد‪ .‬أو كما قال أبو نعيم‪.‬‬
‫مسلم ح ‪.191‬‬
‫فهذا الحديث عن يزيد الفقيللر)‪(320‬يللبين لللك أيهللا المسلللم أن سللبب‬
‫ضلللل الخللوارج ومللن يقللول بقللولهم بللالحكم علللى عصللاة الموحللدين‬
‫بللالخلود فللي النللار‪ ،‬سللواء كللانوا خللوارج‪ ،‬أو سللموا أنفسللهم بأهللل‬
‫الستقامة‪ ،‬كما يقول الخليلي في وصف الباضية أو المعتزلة‪ ،‬يوضللح‬
‫لك أن سبب ضللهم هو العراض عن سنة رسول ال صلى ال عليلله‬
‫وسلم الثابتة عنه‪ ،‬المروية في الصللحيحين وغيرهمللا مللن كتللب السللنة‪،‬‬
‫لنها هي المبينة والموضللحة لكتللاب الل عللز وجللل‪ .‬فهللذا يزيللد الفقيللر‬
‫يسلللتدل بقلللوله تعلللالى‪} :‬إنللك مللن تللدخل النللار فقللد‬
‫أخزيته{ ]آل عمران‪.[192 :‬‬
‫وبقللوله تعللالى‪} :‬وأما الللذين فسللقوا فمللأواهم‬
‫النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيهللا‬
‫وقيل لهم ذوقوا عللذاب النللار الللذي كنتللم بلله‬
‫تكذبون{ ]السجدة‪[20 :‬‬
‫واليتان نزلتا في الكفار المكذبين بالبعث‪ ،‬المنكرين لليللوم الخللر‬
‫وما فيه من جزاء‪ ،‬وذلك جزاء الكافر المكذب باليوم الخر‪.‬‬
‫ل بهذا الحديث وهو يبحث عن الحق‪ ،‬فحين‬ ‫ويزيد الفقير كان جاه ً‬
‫سمع جابر ابن عبدال رضي ال عنه يحدث عن رسول ال ل صلللى ال ل‬
‫عليه وسلم أن ال يخرج من النللار أناسلًا بعللد أن سللاروا حمملًا أو مثللل‬
‫عيدان السماسم‪ ،‬قال لصحابه الذين قد شللغفهم رأي الخللوارج‪ :‬أتللرون‬
‫هذا الشيخ يكذب على رسول ال صلللى ال ل عليلله وسلللم وهللو اسللتفهام‬

‫)( )يزيد الفقير( هو يزيد بن صهيب الكوفي ثم المكي أبو عثمان‪ ،‬قيل له )الفقيللر(‬ ‫‪320‬‬

‫لنه أصيب في فقار ظهره فكان يألم منه حتى ينحني له‪ .‬شرح النووي ‪.5 / 3‬‬
‫إنكار‪ ،‬أي أنه ل يمكن أن يكذب على رسول ال صلى ال ل عليلله وسلللم‬
‫ثم رجعوا إلى الحق وتركوا الباطل حين سمعوا سنة رسول ال ‪.r‬‬
‫وقد سبق في استدلل الخليلي باليات من كتللاب ال ل الللتي يسللتدل‬
‫بها على تخليد عصاة الموحدين في النار‪ ،‬إيراد هللاتين اليللتين مسللتد ً‬
‫ل‬
‫بهما على رأيه‪.‬‬
‫فندعوه إلى مراجعة هذا الحديث في صللحيح مسلللم وهللو موجللود‬
‫عنده‪ .‬وله في يزيد الفقير أسوة في عدم تكذيب جابر بن عبللدال رضللي‬
‫ال عنه في روايته عن رسللول الل صلللى الل عليلله وسلللم فلي إخللراج‬
‫عصاة الموحدين من النار‪ ،‬ول يجوز له بأي حال مللن الحللوال ‪-‬وهللو‬
‫يدعي أن الباضية أهل الستقامة‪ -‬أن َيُرّد هذه الحللاديث الللواردة عللن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم البالغة حللد التللواتر فللي إخللراج عصللاة‬
‫الموحدين من النار بالشفاعة‪.‬‬
‫وال عز وجل يقول‪} :‬وما آتاكم الرسول فخذوه{‪.‬‬
‫وإليللك قللول أهللل السللنة فللي بيللان أن أحللاديث الشللفاعة بلغللت‬
‫بمجموعها حد التواتر‪:‬‬
‫يقول المام النووي رحمه الل فلي شللرح مسلللم ج ‪ ،35 / 3‬فلي‬
‫شرح أحاديث‪/‬باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار‪:‬‬
‫قال‪) :‬قال القاضي عياض رحملله اللل‪ :‬مللذهب أهللل السللنة جللواز‬
‫ل‪ ،‬ووجوبها سمعًا‪ ،‬بصريح قوله تعالى‪} :‬يومئذ ل تنفع‬ ‫الشفاعة عق ً‬
‫الشفاعة إل من أذن له الرحمن ورضي له قتتو ً‬
‫ل{ ]طللله‪:‬‬
‫‪ .[109‬وقوله‪} :‬ول يشفعون إل لمن ارتضتتى{ ]النبيللاء‪.[ 28 :‬‬
‫وأمثالهما‪.‬‬
‫وبخبر الصادق صلى ال عليه وسلم وقد جاءت الثار التي بلغللت‬
‫بمجموعها التواتر بصحة الشفاعة في الخرة لمذنبي المؤمنين‪ ،‬وأجمع‬
‫السلف والخلف ومن بعدهم من أهل السنة عليها‪.‬‬
‫قال‪ :‬ومنعت الخوارج وبعض المعتزلللة منهللا‪ ،‬وتعلقللوا بمللذاهبهم‬
‫في تخليد المذنبين في النار‪ .‬واحتجللوا بقللوله تعللالى‪ } :‬فما تنفعهم‬
‫شفاعة الشافعين { ]المدثر‪.[48 :‬‬
‫وبقللوله تعللالى‪ } :‬ما للظتتالمين متتن حميتتم ول شتتفيع‬
‫يطاع { ]غافر‪.[18:‬‬
‫قال‪ :‬وهذه اليات في الكفار‪ ،‬وأما تأويلهم أحاديث الشفاعة بكونها‬
‫زيللادة فللي الللدرجات فباطللل‪ ،‬وألفللاظ الحللاديث فللي الكتللاب وغيللره‬
‫صريحة في بطلن مذهبهم وإخراج من اسللتوجب النللار( ثللم ذكللر بعللد‬
‫ذلك أنواع الشفاعة‪.‬‬
‫فهذه بعض أحاديث الشفاعة في إخراج عصاة الموحدين من النار‬
‫التي رواها المللام مسلللم فللي صللحيحه‪ ،‬وبيللان مللذهب أهللل السللنة فللي‬
‫العمللل بهللا‪ ،‬وبيللان القاضللي عيللاض أن أحللاديث الشللفاعة فللي إخللراج‬
‫عصاة الموحدين من النار بلغت بمجموعهللا حللد التللواتر‪ ،‬وأجمللع أهللل‬
‫السنة على القول بالشفاعة‪.‬‬
‫وذكر المام الحافظ الللكائي في كتابه ‪ /‬شرح أصول اعتقاد أهل‬
‫السنة والجماعة »باب الشفاعة لهل الكبائر« ‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬سياق ما روى عن النبي صلى ال عليه وسلم في الشفاعة‬
‫لمته‪ ،‬وأن أهل الكبائر إذا ماتوا علللى غيللر توبللة يللدخلهم ال ل إن شللاء‬
‫النار‪ ،‬ثم يخرجهم منها بفضل رحمته ويدخلهم الجنة‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقد مضللى فللي حللديث جللابر وغيللره فللي فضللائل النللبي ‪:r‬‬
‫»أعطيت خمسًا لم يعطهن نبي قبلي وذكر منها الشفاعة «‪.‬‬
‫‪ 1‬ب ثم قال‪ :‬رواية أبي هريرة‪:‬‬
‫وساق بإسناده عن أبي هريرة رضي ال عنه أن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم قال‪» :‬إن لكل نبي دعوة مستجابة‪ ،‬وإني أحب أن أدخببر‬
‫دعوتي شفاعة لمتي يوم القيامة «)‪.(321‬‬
‫ثم ساق عنه عددًا من الروايات ختمها بروايللة المقللبري عللن أبللي‬
‫هريرة قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول ال من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟‬
‫قببال‪» :‬لقببد ظننببت أن ل يسببألني عببن ذلببك أولببى منببك لمببا رأيببت مببن‬
‫حرصك على الحديث‪ ،‬إن أسعد الناس بشفاعتي من قال‪ :‬ل إله إل ال ب‬
‫مخلصًا من قلبه« أخرجه مسلم‪.‬‬
‫‪ 2‬ب رواية جابر بن عبدال‪.‬‬
‫ثم ساق عنه عددًا من الروايات بإسناده منها‪:‬‬
‫عن حماد بن زيد قال‪ :‬قلت لعمرو بن دينار‪ :‬يا أبللا محمللد سللمعت‬
‫جابر بن عبدال يحدث عن النبي صلى ال ل عليلله وسلللم قللال‪» :‬إن ال ب‬
‫يخببرج قوم بًا مببن النببار بالشببفاعة‪ ،‬قببال‪ :‬نعبببم« ‪ .‬أخرجلله البخللاري‬
‫ومسلم)‪ .(322‬وقد ساق عنه عشر روايات‪.‬‬
‫‪ 3‬ب رواية أبي سعيد الخدري‪:‬‬
‫وقد ساق عنه أربع روايللات مرفوعللة فللي إخللراج الموحللدين مللن‬
‫النار بالشفاعة‪.‬‬
‫‪ 4‬ب رواية أنس بن مالك‪:‬‬
‫وقد ساق عنه عدة روايات منها‪:‬‬

‫‪321‬‬
‫)‪ (1‬ورواه البخاري ح ‪ .7474‬ومسلم ح ‪.198‬‬
‫‪322‬‬
‫)‪ (2‬البخاري بلفظ آخر ح ‪ .6558‬ومسلم ح ‪.191‬‬
‫عن أنس رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال ‪» :r‬شفاعتي لهل‬
‫الكبائر من أمتي«)‪.(323‬‬
‫‪ 5‬ب رواية عبدال بن مسعود‪:‬‬
‫وساق عنه بإسناده ثلث روايات‪.‬‬
‫‪ 6‬ب رواية أبي ذر‪:‬‬
‫وساق عنه الحديث بإسناده عن المعرور علن أبلي ذر رضلي الل‬
‫عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫»لقد علمت آخر الناس خروجًا من النار‪ ،‬وآخر أهل الجنة دخوًل‬
‫الجنة‪ ،‬رجل يؤتى فتعرض عليببه سببيئاته وتخبببأ عنببه كبببائره‪ ،‬فيقببال‪:‬‬
‫أتذكر يوم عملت كذا وكببذا‪ ،‬فيقببول‪ :‬نعببم وهببو مشببفق مببن الكبببائر أن‬
‫تعرض عليه‪ ،‬فإذا فرغ من عرض السيئات قيل له‪ :‬اذهب فإن لك بكببل‬
‫سيئة حسنة‪ .‬فيقول‪ :‬قببد كببانت لببي ذنببوب ل أراهببا‪ ،‬فكببان رسببول الب‬
‫صلى ال عليه وسلم إذا ذكر هذا الحديث ضببحك حببتى تبببدو نواجببذه«‬
‫أخرجه مسلم )‪.(324‬‬
‫‪ 7‬ب رواية عبد ال بن عمر‪:‬‬
‫وقد ساق عنه روايتين ‪.‬‬
‫‪ 8‬ب رواية أبي موسى الشعري‪.‬‬
‫‪ 9‬ب رواية عوف بن مالك‪:‬‬
‫وساق عنه روايتين‪.‬‬
‫‪ 10‬ب أبو أمامة‪:‬‬
‫وساق عنه روايتين‪.‬‬

‫‪323‬‬
‫)‪ (3‬قال الشيخ اللباني في تخريجه لرواية ابن أبي عاصم فللي السللنة ح ‪:830‬‬
‫وهو حديث صحيح وكذا قال في حاشية مشكاة المصابيح ‪.81 / 3‬‬
‫‪324‬‬
‫)‪ (1‬مسلم ح ‪ 190‬والترمذي ح ‪.2596‬‬
‫‪ 11‬ب رواية حذيفة‪.‬‬
‫‪ 12‬ب ورواية عبد المطلب بن ربيعة‪.‬‬
‫‪ 13‬ب ورواية أم سلمة‪.‬‬
‫‪ 14‬ب ورواية عمر بن الخطاب‪.‬‬
‫فهؤلء الصحابة جميعًا رووا أحللاديث الشللفاعة عللن النلبي صلللى‬
‫ال عليه وسلم فللي إخللراج الموحللدين ممللن ارتكبللوا الكبللائر مللن النللار‬
‫بالشفاعة )‪.(325‬‬
‫‪ 3‬ل وذكر أبو بكر محمد بن الحسين الجبري فبي كتبباب الشبريعة‬
‫ج ‪ :3/1198‬باب ‪ »62‬وجبببوب اليببمان بالشبببفاعة « ‪.‬‬
‫ثم قال‪) :‬قال محمللد بللن الحسللين‪ :‬اعلمللوا رحمكللم ال ل أن المنكللر‬
‫للشللفاعة يزعللم أن مللن دخللل النللار فليللس بخللارج منهللا‪ ،‬وهللذا مللذهب‬
‫المعتزلة‪ ،‬يكذبون بها‪ ،‬وأشياء سنذكرها إن شاء ال ممللا لهللا أصللل فللي‬
‫كتاب ال عز وجل‪ ،‬وسلنن رسللول الل صلللى الل عليله وسلللم‪ ،‬وسلنن‬
‫الصحابة رضي ال عنهم‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان‪ ،‬وقول فقهاء المسلللمين‪،‬‬
‫فالمعتزلة يخالفون هذا كله‪ ،‬ل يلتفتون إلى سنن الرسول‪ ،‬ول إلى سللنن‬
‫أصحابه‪ ،‬وإنما يعارضون بمتشابه القرآن‪ ،‬وبما أراهم العقل عندهم‪.‬‬
‫قال‪ :‬وليس هذا طريق المسلمين‪ ،‬إنما هذا طريق من قللد زاغ عللن‬
‫طريق الحق‪ ،‬وقد لعب به الشيطان‪.‬‬
‫وقد حذرنا ال عز وجل ممن هذه صفته‪ ،‬وحذرناهم النللبي صلللى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬وحذرناهم أئمة المسلمين قديمًا وحديثًا‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬أما ما حذرنا ال عز وجل‪ ،‬وأنزله علللى نللبيه صلللى ال ل‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وحذرنا النبي صلى ال عليه وسلم فإن ال ل عللز وجللل قللال‬

‫)( كتاب شرح أصول أهل السنة والجماعة‪ ،‬للمام الللكلائي ج ‪77 /3‬لل ‪ .99‬تحقيلق‪/‬اللدكتور‬ ‫‪325‬‬

‫أحمد سعد الغامدي‪.‬‬


‫لنبيه صلى ال عليه وسلم‪} :‬هو الذي أنزل عليك الكتاب منتته‬
‫آيات محكمات هتتن أم الكتتتاب وأختتر متشتتابهات{ إلللى‬
‫قوله‪} :‬وما يذكر إل أولو اللباب{ ]آل عمران‪.([ 7 :‬‬
‫ثم أورد الحديث بإسناده عن ابن أبي مليكة‪ ،‬عن عائشة رضي ال‬
‫عنها أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قلللرأ‪} :‬هو الذي أنللزل‬
‫عليللك الكتللاب منلله آيللات محكمللات هللن أم‬
‫الكتاب{ الية‪]..‬آل عمران ‪ ،[7‬فقال‪» :‬إذا رأيتببم الببذين يجببادلون فيببه‬
‫فهم الذين عنى ال عز وجل فاحذروهم« ح رقم )‪(771 ،770 ،769‬‬
‫عن عائشة أم المؤمنين رضي ال عنها‪.‬‬
‫‪ 2‬ل ثم أتبعه برواية‪ :‬عمر بن الخطاب قللال‪ » :‬إن ناس لًا يجللادلوكم‬
‫بمتشابه القرآن‪ ،‬فخذوهم بالسنن‪ ،‬فإن أصحاب السللنن أعلللم بكتللاب ال ل‬
‫عز وجل«‪ .‬ح رقم )‪.(772‬‬
‫‪ 3‬ل رواية يزيد الفقير عن جابر التي سللبق ذكرهللا فللي الحللاديث‬
‫التي أخرجها الملام مسلللم فللي صلحيحه فللي بلاب إثبلات الشللفاعة‪ .‬ح)‬
‫‪.(774) (773‬‬
‫وقد ساق الحللديث بإسللناده‪ ...‬قللال حللدثنا مبللارك بللن فضللالة قللال‪:‬‬
‫حدثنا يزيد)‪ (326‬ابن صهيب‪ ،‬قال‪ :‬ملررت بجلابر بلن عبلدال وهلو فلي‬
‫حلقة يحدث أناسًا فجلست إليه‪ ،‬فسمعته يذكر أناسًا يخرجون من النللار‪،‬‬
‫قال‪ :‬وكنت يومئذ أنكر ذلللك‪ ،‬قللال‪ :‬فقلللت‪ :‬والل مللا أعجللب مللن النللاس‬
‫ولكن أعجب منكم أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلللم؛ يقلول الل‬
‫عز وجل‪}:‬يريدون أن يخرجوا من النللار وملا هلم‬
‫بخللارجين منهللا ولهللم عللذاب مقيللم{ ]الملللائدة‪[73:‬‬
‫فانتهرني أصحابه‪ ،‬وكان أحلمهم‪ ،‬فقال‪ :‬دعوا الرجل‪ ،‬ثم قال‪ :‬إنما قللال‬
‫‪326‬‬
‫)‪ (1‬قلت‪ :‬هو يزيد الفقير‪ ،‬كما سبق التعريف به‪.‬‬
‫ال عز وجل كما قال‪} :‬إن الذين كفروا لو أن لهم مللا‬
‫في الرض جميعا ً ومثله معه ليفتللدوا بلله مللن‬
‫عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عللذاب‬
‫أليم‪ .‬يريللدون أن يخرجللوا مللن النللار ومللا هللم‬
‫بخارجين منها ولهم عذاب مقيم{ ]المائدة‪.[37 ،36 :‬‬
‫قال‪َ :‬أوَما تقرأ القرآن‪} :‬ومن الليل فتهجد به نافلة‬
‫لك عسى أن يبعثك ربك مقاما ً محمودا ً{] السللراء‪:‬‬
‫‪.[79‬‬
‫قال‪ :‬فإن ال عز وجل عذب قومًا بخطاياهم‪ ،‬فإن شاء أن يخرجهم‬
‫أخرجهم‪ ،‬قال‪ :‬فلم أكذب به بعد ذلك‪.‬‬
‫قلببت‪ :‬فكما يرى القارئ أن يزيد بللن صللهيب أخللذ اليللة ‪ 37‬مللن‬
‫سورة المائدة واستدل بها على رأيه‪ ،‬ولم يلتفللت لسللياق اليللات السللابقة‬
‫لها‪.‬‬
‫فلفت انتباهه إلى ما قبلها فقال للله‪ :‬إنمللا قللال اللل‪} :‬إن الذين‬
‫كفروا لو أن لهم ما في الرض جميعًا‪.{...‬‬
‫وأن المقصود منها هم الكفار‪ ،‬فهم الذين لهم العذاب المقيللم وأنهللم‬
‫ل يخرجون منها‪.‬‬
‫فعرف ذلك ورجع إلى الحق وقال‪ :‬فلم أكذب به بعد ذلك‪.‬‬
‫ثم قال المؤلف الجري‪ -‬واسمه محمد بن الحسين‪:‬‬
‫)إن المكذب بالشفاعة أخطأ في تأويله خطأ فاحشًا‪ ،‬خللرج بلله عللن‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬وذلك أنلله عملد إلللى آيلات ملن القللرآن نزلللت فللي أهللل‬
‫الكفر‪ ،‬وأخبر ال ل عز وجل ل أنهم إذا دخلوا النار أنهللم غيللر خللارجين‬
‫منها‪ ،‬فجعلها المكذب بالشفاعة فللي الموحللدين‪ ،‬ولللم يلتفللت إلللى أخبللار‬
‫رسول ال ‪ ،r‬في إثبات الشفاعة أنها إنما هللي لهللل الكبللائر‪ ،‬والقللرآن‬
‫يدل على هذا‪ ،‬فخرج بقوله السوء عن جملة ما عليه أهل اليمان واتبللع‬
‫غير سبيلهم‪ ،‬قللال اللل عللز وجللل‪} :‬ومن يشاقق الرسول‬
‫من بعد ما تبين للله الهللدى ويتبللع غيللر سللبيل‬
‫المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسللاءت‬
‫مصيرا ً{ ]النساء‪.[115 :‬‬
‫قال محمد بن الحسين الجري ‪:‬‬
‫فكل من رد سنن رسول ال صلى ال عليه وسلم وسللنن الصللحابة‬
‫رضي ال عنهم فهو ممللن شللاقق الرسللول وعصللاه‪ ،‬وعصللى الل عللز‬
‫وجل بتركه قبول السنن‪ ،‬ولو عقل هذا الملحد وأنصف من نفسلله‪ ،‬علللم‬
‫أن أحكام ال تعالى وجميللع ملا تعبلد بله خلقلله‪ ،‬إنملا تؤخللذ مللن الكتلاب‬
‫والسنة‪ ،‬وقد أمر ال عز وجل نبيه صلى ال عليه وسلم أن يللبين لخلقلله‬
‫ما أنللزل عليلله ممللا تعبللدهم بلله‪ ،‬فقللال جللل ذكللره‪}:‬وأنزلنا إليك‬
‫الللذكر لتللبين للنللاس مللا نللزل إليهللم ولعلهللم‬
‫يتفكرون{ ]النحل‪.[44:‬‬
‫وقد بين صلى ال عليه وسلم لمته جميع ما فرض ال عللز وجللل‬
‫عليهم من جميع الحكام‪ .‬وبين لهم أمر الدنيا وأمر الخرة‪ ،‬وجميللع مللا‬
‫ينبغي أن يؤمنوا به‪ ،‬ولللم يللدعهم جهلللة ل يعلمللون‪ ،‬حللتى أعلمهللم أمللر‬
‫الموت‪ ،‬والقللبر ومللا يلقللى المللؤمن‪ ،‬ومللا يلقللى الكللافر‪ ،‬وأمللر المحشللر‬
‫ل بعللد حللال‪ ،‬يعرفلله أهللل الحللق‪،‬‬ ‫والوقللوف‪ ،‬وأمللر الجنللة والنللار حللا ً‬
‫وسنذكر كل باب في موضعه إن شاء ال‪.‬‬
‫ت القرآنيلَة الداللَة عللى نفللي الشللفاعة علن‬‫ثم أورد بعد ذلللك اليلا ِ‬
‫الكفار لما رأوا الشفاعة لغيرهم قال‪} :‬فهل لنا مللن شللفعاء‬
‫فيشللفعوا لنللا أو نللرد فنعمللل غيللر الللذي كنللا‬
‫نعمل‪] {.......‬العراف‪.[53:‬‬
‫وقوله‪} :‬فكبكبوا فيها هم والغللاوون‪ .‬وجنللود‬
‫إبليللس أجمعللون{‪...‬إلللللى قللللوله‪} :‬فمللا لنللا مللن‬
‫شافعين‪ .‬ول صديق حميم{ ]الشعراء ‪94 /‬ل ‪.[101‬‬
‫وقوله عز وجل فللي سللورة المللدثر وقللد أخللبر أن الملئكللة قللالت‬
‫لهل الكفر‪:‬‬
‫}ما سلككم في سللقر‪ .‬قللالوا لللم نللك مللن‬
‫المصلللين‪ .‬ولللم نللك نطعللم المسللكين‪ .‬وكنللا‬
‫نخوض مع الخائضين‪ .‬وكنا نكذب بيوم الللدين‪.‬‬
‫حللتى أتانللا اليقيللن‪ .‬فمللا تنفعهللم شللفاعة‬
‫الشافعين{] اليات‪ 42:‬ل ‪.[48‬‬
‫قال محمد بن الحسين الجببري‪) :‬هللذه كلهللا أخلق الكفللار‪ ،‬فقللال‬
‫عز وجل‪} :‬فما تنفعهم شفاعة الشافعين{ فدل على‬
‫أن ل بد من شفاعة‪ ،‬وأن الشفاعة لغيرهم لهل التوحيد خاصة‪.‬‬
‫وقللال عللز وجللل‪} :‬الر تلك آيات الكتللاب وقللرآن‬
‫مللبين‪ .‬ربمللا يللود الللذين كفللروا لللو كللانوا‬
‫مسلمين{ ]الحجر‪1:‬ل ‪.([2‬‬
‫ثم ذكر الحاديث الواردة في تفسللير هللذه اليللة‪ ،‬عللن ابللن عبللاس‬
‫وغيره‪ ،‬ثم قال معقبًا على ما دلت عليلله اليللات والحللاديث الللتي سللبق‬
‫ذكرها‪:‬‬
‫)بطلت حجة من كذب بالشفاعة‪ ،‬الويل له إن لللم يتللب‪ ،‬وقللد روي‬
‫عن أنس ابن مالك قال‪» :‬من كذب بالشفاعة فليس له فيها نصيب«‪.‬‬
‫فقال‪ :‬أخبرنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكللبري‪ ،‬قللال‪:‬‬
‫حدثنا هناد ابن السري‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاويللة الضللرير‪ ،‬عللن عاصللم‪،‬‬
‫عن أنس بن مالك قال‪:‬‬
‫»من كذب بالشفاعة فليس له فيها نصيب«‪.‬‬
‫قال المحقق‪ :‬إسناده صحيح‪ ،‬وأبو معاوية هللو الضللرير‪ ،‬وعاصللم‬
‫هو الحول‪ .‬رواه سعيد بن منصور بسند صحيح‪ ،‬قاله الحافظ في الفتح‬
‫‪.426 / 11‬‬
‫ثم أتبع المؤلف ‪ -‬الجري‪ -‬ذلك بالبواب التالية‪:‬‬
‫باب ‪»63‬ما روي أن الشفاعة إنما هي لهل الكبائر«‬
‫وأورد فيه الحاديث من ح ‪ 778‬ل ‪785‬‬
‫وباب ‪»64‬ما روي أن الشفاعة لمن لم يشرك بال تعالى«‬
‫وأورد فيه الحاديث من الحديث رقم )‪ 786‬ل ‪(788‬‬
‫وبللاب ‪ 65‬ذكللر قللول النللبي ‪» :r‬لكببل نبببي دعببوة يببدعو بهببا‪،‬‬
‫واختبأت دعوتي شفاعة لمتي«‪.‬‬
‫وأورد فيه الحاديث من الحديث رقم )‪ 789‬ل ‪(792‬‬
‫وباب ‪ ،66‬ذكللر قللول النللبي ‪» :r‬إن الب خيرنببي بيببن أن يببدخل‬
‫نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة«‪.‬‬
‫وأورد فيه الحاديث من الحديث رقم )‪ 793‬ل ‪.(797‬‬
‫وباب ‪» 67‬اليمان بأن قومًا يخرجون مللن النللار فيللدخلون الجنللة‬
‫بشفاعة النبي وشفاعة المؤمنين«‪.‬‬
‫وأورد فيه الحاديث من الحديث رقم )‪ 798‬ل ‪.(810‬‬
‫وباب ‪» 68‬ذكر شفاعة العلماء والشهداء يوم القيامة«‬
‫وأورد فيه الحاديث من الحديث رقم )‪ 811‬ل ‪(821‬‬
‫ثم أتبع هذه البواب التي أورد فيها الروايات المرفوعة الصحيحة‬
‫والحسللنة‪ ،‬والروايللات الموقوفللة الصللحيحة إلللى مللن رويللت عنلله مللن‬
‫الصحابة‪ ،‬أو من التابعين‪.‬‬
‫ثببم قببال‪ :‬فأنللا أرجللو لمللن آمللن بمللا ذكرنللا مللن الشللفاعة‪ ،‬وبقللوم‬
‫يخرجون من النار من الموحدين‪ ،‬وبجميع ما تقدم ذكرنببا للله‪ ،‬وبجميللع‬
‫ما سنذكره إن شاء ال من المحبة للنللبي صلللى الل عليلله وسلللم ولهللل‬
‫بيتلله وذريتلله وصللحابته‪ ،‬وأزواجلله لل رضللي الل عنهللم أجمعيللن لل أن‬
‫يرحمنا مولنا الكريللم‪ ،‬ول يحرمنللا وإيللاكم مللن تفضللله ورحمتلله‪ ،‬وأن‬
‫يدخلنا وإياكم في شفاعة نبينا محمد ‪ ،r‬وشفاعة من ذكرنا من الصحابة‬
‫وأهل بيته وأزواجه رضي ال عنهم أجمعين‪.‬‬
‫ومللن كللذب بالشللفاعة فليللس للله فيهللا نصلليب كمللا قللال أنللس بللن‬
‫مالك)‪.(327‬‬
‫فهذا بعض ما نقله هذا المام من أئمللة أهللل السللنة والجماعللة فللي‬
‫كتابه‪» ،‬الشللريعة« مللن المجلللد الثللالث بللاب ‪ 62‬ص ‪ 1198‬ل ل ‪1251‬‬
‫نهاية الباب ‪.68‬‬
‫وقللد بيللن فللي هللذه البللواب ‪-‬الللتي أورد فيهللا الدلللة علللى إثبللات‬
‫الشفاعة لهل الكبائر‪ -‬أن المنكرين للشفاعة سلكوا في ذلك‪:‬‬
‫‪ 1‬ل تنزيل اليات من كتاب ال الكريم التي نزلت في نفي الشفاعة‬
‫عن الكفار‪ ،‬فأنزلوها بجهلهم على الموحدين‪.‬‬
‫‪ 2‬ل أنهم لم يلتفتوا للسنة الثابتللة عللن رسللول ال ل صلللى ال ل عليلله‬
‫وسلم في إخراج عصاة الموحدين من النار‪.‬‬
‫وكفى بمن حّرف نصوص الكتاب الكريم عن دللتها‪ ،‬وترك سللنة‬
‫المصطفى صلى ال عليه وسلم الموضحة والمبينة لمللا فللي كتلاب اللل‪،‬‬
‫ل وبعدًا عن قول الحق والصواب‪.‬‬ ‫ضل ً‬

‫‪ (1) 327‬وقد تقدم حديث أنس برقم )‪ (777‬مما نقلناه في الصفحات السابقة وهو بسند‬
‫صحيح‪.‬‬
‫»ونختم أحاديث الشفاعة في إخراج الموحدين من النار بما رواه‬
‫المام البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد«‪.‬‬
‫عن أبي سعيد الخدري وأبي هريللرة رضللي ال ل عنهمللا وألفاظهللا‬
‫متقاربة ونورد حديث أبي سعيد رقم‪.7438 :‬‬
‫قال أبو سعيد الخدري‪ »:‬قلنا يببا رسببول الب هببل نببرى ربنببا يبوم‬
‫القيامة؟ قال‪ :‬هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صببحوًا؟‬
‫قلنا‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فإنكم ل تضارون في رؤية ربكم يومئذ إل كما تضببارون‬
‫في رؤيتهما‪ ،‬ثم قال‪ :‬ينادي مناد ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبببدون‪،‬‬
‫فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم‪ ،‬وأصحاب الوثببان مببع أوثببانهم‪،‬‬
‫وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم‪ ،‬حببتى يبقببى مببن كببان يعبببد الب مببن بببر‬
‫وفاجر وغبرات من أهل الكتاب‪ ،‬ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها سببراب‪،‬‬
‫فيقال لليهود ما كنتم تعبدون؟ قالوا‪ :‬كنا نعبد عزيرًا ابببن البب‪ ،‬فيقببال‪:‬‬
‫كذبتم لم يكن ل صاحبة ول ولد‪ ،‬فما تريدون‪ ،‬قالوا‪ :‬نريد أن تسببقينا‪،‬‬
‫فيقال‪ :‬اشببربوا فيتسبباقطون فببي جهنببم‪ ،‬ثببم يقببال للنصببارى‪ :‬مببا كنتببم‬
‫تعبدون؟ فيقولون‪ :‬كنا نعبد المسيح ابن ال‪ ،‬فيقال‪ :‬كذبتم لم يكببن لب‬
‫صبباحبة ول ولببد‪ ،‬فمببا تريببدون؟ فيقولببون‪ :‬نريببد أن تسببقينا‪ ،‬فيقببال‪:‬‬
‫اشربوا فيتساقطون‪ ،‬حتى يبقببى مببن كببان يعبببد الب مببن بببر أو فبباجر‪،‬‬
‫فيقال لهم‪ :‬ما يحبسكم وقببد ذهببب النبباس‪ ،‬فيقولببون‪ :‬فارقنبباهم ونحببن‬
‫أحوج منا إليه اليوم‪ ،‬وإنا سمعنا مناديببا ينببادي‪ :‬ليلحببق كببل قببوم بمببا‬
‫كانوا يعبدون وإنما ننتظر ربنا‪.‬‬
‫قال‪ :‬فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته الببتي رأوه فيهببا أول‬
‫مببرة‪ ،‬فيقببول‪ :‬أنببا ربكببم‪ ،‬فيقولببون‪ :‬أنببت ربنببا فل يكلمببه إل النبيبباء‬
‫فيقول‪ :‬هل بينكم وبينه آيبة تعرفبونه؟ فيقولبون السباق‪ .‬فيكشبف عبن‬
‫ساقه‪ .‬فيسجد له كل مؤمن‪ ،‬ويبقى مببن كببان يسببجد ل ب ريبباء وسببمعة‬
‫فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقًا واحدًا‪ ،‬ثم يببؤتى بالجسببر فيجعببل‬
‫بين ظهري جهنم‪ .‬قلنا‪ :‬يا رسول ال وما الجسر؟ قال‪ :‬مدحضة مزلة‪،‬‬
‫عليه خطاطيف وكلليب‪ ،‬وحسكة مفلطحة لهببا شببوكة عقيفبباء‪ ،‬تكببون‬
‫بنجد يقال لهببا السببعدان‪ ،‬المببؤمن عليهببا كببالطرف وكببالبرق وكالريببح‬
‫وكأجاويد الخيل والركاب‪ ،‬فناج مسلم‪ ،‬وناج مخدوش‪ ،‬ومكببدوش فببي‬
‫نار جهنم‪ ،‬حتى يمر آخرهم يسحب سحبًا‪ ،‬فما أنتببم بأشببد لببي مناشببدة‬
‫في الحق قد تبين لكببم مببن المببؤمن يببومئذ للجبببار‪ ،‬وإذا رأوا أنهببم قببد‬
‫نجوا فببي إخبوانهم يقولببون‪ :‬ربنببا إخواننببا الببذين كببانوا يصببلون معنببا‬
‫ويصومون معنا ويعملون معنا‪ ،‬فيقول ال تعالى‪ :‬اذهبوا فمببن وجببدتم‬
‫في قلبه مثقببال ذرة مببن إيمببان فببأخرجوه‪ ،‬ويحببرم الب صببورهم علبى‬
‫النار‪ ،‬فيأتونهم وبعضهم قد غاب فببي النببار إلببى قببدمه‪ ،‬وإلبى أنصبباف‬
‫ساقيه‪ ،‬فيخرجون من عرفوا‪ ،‬ثم يعودون‪ ،‬فيقول‪ :‬اذهبوا فمن وجببدتم‬
‫فببي قلبببه مثقببال نصببف دينببار فببأخرجوه‪ ،‬فيخرجببون مببن عرفببوا‪ ،‬ثببم‬
‫يعودون فيقببول‪ :‬اذهبببوا فمببن وجببدتم فببي قلبببه مثقببال ذرة مببن إيمببان‬
‫فأخرجوه فيخرجببون مبن عرفبوا‪ .‬قببال أببو سببعيد‪ :‬فببإن لببم تصبدقوني‬
‫فببباقرؤوا‪} :‬إن الله ل يظلللم مثقللال ذرة وإن تللك‬
‫حسنة يضاعفها{‪.‬‬
‫فيشببفع النبببيون والملئكببة والمؤمنببون‪ ،‬فيقببول الجبببار‪ :‬بقيببت‬
‫شفاعتي فيقبض قبضة من النار فيخببرج أقوامبًا قببد امتحشببوا فيلقببون‬
‫في نهر بأفواه الجنة يقال له ماء الحياة‪ ،‬فينبتون في حافتيه كما تنبت‬
‫الحبة في حميل السيل‪ ،‬قد رأيتموها إلببى جببانب الصببخرة وإلببى جببانب‬
‫الشجرة‪ ،‬فما كان إلى الشمس منها كببان أخضببر‪ ،‬ومببا كببان منهببا إلببى‬
‫الظل كان أبيض‪ ،‬فيخرجون كأنهم اللؤلؤ فيجعل في رقابهم الخببواتيم‪،‬‬
‫فيببدخلون الجنببة‪ ،‬فيقببول أهببل الجنببة‪ :‬هببؤلء عتقبباء الرحمببن أدخلهببم‬
‫الجنة بغير عمببل عملببوه ول خيببر قببدموه‪ ،‬فيقببال لهببم‪ :‬لكببم مببا رأيتببم‬
‫ومثله معه )‪.(328‬‬
‫فهذه رواية أبي سعيد الخدري ‪.t‬‬
‫ومثلها رواية أبي هريرة ‪ t‬ورواية أنس ‪ .t‬وفيها‪:‬‬
‫أن رسول ال صلى ال عليلله وسلللم قللال‪» :‬فأسببتأذن علببى ربببي‬
‫فيؤذن لببي عليبه‪ ،‬فببإذا رأيتبه وقعببت سبباجدًا فيببدعني مبا شبباء الب أن‬
‫يدعني‪ ،‬فيقول‪ :‬ارفع محمد‪ ،‬وقل يسمع‪ ،‬واشفع تشببفع‪ ،‬وسببل تعطببه‪،‬‬
‫قال‪ :‬فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه‪ ،‬فيحد لي حدًا‬
‫فأخرجهم فأدخلهم الجنة‪ ،‬قال قتادة‪ :‬وسبمعته أيضبًا يقببول‪ :‬فببأخرجهم‬
‫من النار وأدخلهم الجنبة«‪ ،‬وهكبذا تتكبرر الشبفاعة حبتى ل يبقبى فبي‬
‫النار إل من حبسه القرآن‪ ،‬أي وجب عليه الخلود‪.‬‬
‫وقد ختمنا أحاديث الشفاعة الثابتة عن المصطفى صلللى الل عليلله‬
‫وسلم بما روي في أصح كتاب بعد كتاب ال أل وهو صحيح البخاري‪.‬‬
‫وبحديث أبي سعيد الخدري الذي ورد فيه النص عللن رسللول ال ل‬
‫صلى ال عليه وسلم الذي ل ينطق عن الهوى ل ل علللى رد الشللبه الللتي‬
‫ادعاهللا الخليلللي وسللود بهللا كتللابه هللذا الللذي أسللماه »الحببق الببدامغ«‬
‫وضللمنه إنكللار ثلث مسللائل ثابتللة بكتللاب اللل عللز وجللل‪ ،‬وبالسللنة‬
‫المتواترة‪ ،‬وبإجماع أهل السنة وهي‪:‬‬
‫‪ 1‬ب إنكار رؤية المؤمنين ربهم وهم في الجنة يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ 2‬ب إنكار كلم ال عز وجل ب وأنه خلق القرآن ولم يتكلم به ب لن‬
‫إثبات صفة الكلم ل تشبيه عند الخليلي والمعتزلة‪.‬‬
‫‪ 3‬ب القول بخلود أصحاب المعاصي من الموحدين في النار‪.‬‬

‫‪328‬‬
‫)‪ (1‬البخاري ‪/‬التوحيد‪،‬ح ‪.7438‬‬
‫وهذا الحديث الصحيح والصريح فيه الرد على ما جاء في‬
‫الكتاب كله‪ ،‬ففيه ‪:‬‬
‫‪ 1‬ب إثبات رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ 2‬ب وفيه إثبات صفة الكلم ل عز وجل ب على ما يليق بجللببه ب ب‬
‫ففيه‪ :‬يقول ال تعالى‪» :‬اذهبوا فمببن وجببدتم فببي قلبببه مثقببال ذرة مببن‬
‫إيمان فأخرجوه من النار«‪.‬‬
‫‪ 3‬ب وفيه إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار‪.‬‬
‫بل وفيه شفاعة رب العالمين وإخراج عدد ل يعلللم قللدرهم إل ال ل‬
‫من النار بغير عمل عملوه‪ ،‬ول خير قدموه‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫وكفى بمن رد هذه الحاديث بعدًا وضل ً‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لل رب العللالمين‪ ،‬وصلللى الل علللى نبينللا‬
‫محمد وآله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬
‫ملحق الكتاب‬
‫الفهارس‬

‫أ( ثبت المصادر والمراجع(‬


‫ب( فهرس الموضوعات(‬
‫ثبت المصادر والمراجع‬
‫القرآن الكريم‬
‫أ‬
‫أولوية الحركة السلمية‪ ،‬للدكتور يوسف القرضاوي‪ /‬الطبعة الثانية ‪1411‬هل‬
‫اليمان‪ ،‬لبن منده‪ ،‬تحقيق الدكتور علي بن محمد ناصر الفقيهي‪ /‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫مؤسسة الرسالة‬
‫العتقاد‪ ،‬للبيهقي‪ ،‬تحقيق عصام الكاتب‪ /‬الطبعة الولى سنة ‪1401‬هل‪.‬‬
‫أسس العقيدة السلمية‪ ،‬عبلد الرحمللن حبنكللة‪ /‬الطبعللة الولللى سللنة ‪1385‬هلل ‪-‬‬
‫‪1966‬م‪.‬‬
‫الصول الخمسة‪ ،‬للقاضي عبد الجبار المعتزلي‪ /‬الطبعة الولى ‪1384‬هل مكتبللة‬
‫وهبة‪.‬‬
‫ب‬
‫البداية والنهاية‪ ،‬ابن كثير‪ /‬الطبعة الثانية سنلة ‪ 1418‬هل‪.‬‬
‫ت‬
‫التصديق بالنظر‪ ،‬للجري‪ ،‬تحقيق محمد حامد الفقي‪ /‬الناشر أنصار السنة‬
‫التوحيللد‪ ،‬لبللن منللده‪ ،‬تحقيللق الللدكتور علللي بللن محمللد ناصللر الفقيهللي‪ /‬مطللابع‬
‫الجامعة السلمية‬
‫تأريللخ السلللم للللذهبي‪ ،‬طبعللة الهيئة المصللرية للكتللاب ‪1974‬م وسللمي »دول‬
‫السلم« تحقيق فهيم محمد شلتوت ومحمد مصطفى إبراهيم‪.‬‬
‫تأريخ بغداد‪ ،‬للخطيب البغدادي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتاب العربي ‪ -‬بيروت‬
‫تفسير أبي السعود‪ ،‬مكتبة الرياض‪.‬‬
‫تفسير ابن جرير‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1373‬هل‪.‬‬
‫تفسير ابن عطية »المحرر الوجيز«‪ /‬الطبعة الولى سنة ‪ 1412‬هل‪.‬‬
‫تفسير ابن كثير‪ ،‬طبعة الشعب‪.‬‬
‫تيسير الكريم الرحمن للسعدي ‪ /‬الطبعة الولى سنة ‪ 1419‬هل‪.‬‬
‫تفسير البغوي‪ ،‬طبعة دار المعرفة بيروت‪.‬‬
‫تنبيهات على رسالة محمد عادل عزيزة ‪ ،‬للدكتور عبد الرزاق العباد البللدر‪ /‬دار‬
‫الفتح بالشارقة سنة ‪1414‬هل‪.‬‬
‫التحرير والتنوير‪ ،‬دار النشر التونسية للنشر‪.‬‬
‫التفسير الكبير‪ ،‬طبعة دار الكتب العلمية بطهران‪.‬‬
‫التوحيد لبن منده‪ ،‬الطبعة الثانية سنة ‪1414‬هل مكتبة الغرباء الثرية‪.‬‬
‫ج‬
‫الجامع لحكام القرآن‪ ،‬للقرطبي‪ /‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫ح‬
‫حادي الرواح‪ ،‬لبن القيم‪ /‬الطبعة الولى سنة ‪ 1412‬هل‪.‬‬
‫الحيدة‪ ،‬للمام الكناني ‪/‬مكتبة دار العلوم والحكم ‪ 1415‬هل‪.‬‬
‫ر‬
‫الرد على الجهمية‪ ،‬لبن منده‪ ،‬تحقيق الللدكتور علللي بللن محمللد ناصللر الفقيهللي‪/‬‬
‫الطبعة الثانية‪/‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫تحقيق بدر البدر‪ /‬الدار السلفية ‪.‬‬ ‫الرد على الجهمية‪ ،‬للدارمي‪،‬‬
‫تحقيق إبراهيم وأحمد فخري‪ /‬الناشر مكتبة المنار‬ ‫الرؤية‪ ،‬للدارقطني‪،‬‬
‫الردن سنة ‪1411‬هل‬
‫رسالة السجزي لهل زبيد‪ ،‬تحقيق الدكتور محمد باكريم‪ /‬طبللع المجلللس العلمللي‬
‫بالجامعة السلمية سنة ‪1414‬هل‪.‬‬
‫ز‬
‫زاد المعاد‪ ،‬لبن القيم ‪ /‬المطبعة المصرية ومكتبتها سنة ‪ 1379‬هل‪.‬‬
‫س‬
‫السنة‪ ،‬لبن أبي عاصم ‪/‬تحقيق الشيخ اللباني ‪.‬‬
‫سنن النسائي‪ /‬الطبعة الولى سنة ‪1383‬هل مع المجتبى ‪.‬‬
‫سنن الترمذي‪ ،‬مع تحفة الحوذي‪ ،‬المكتبة السلفية‬
‫سير أعلم النبلء‪ ،‬للذهبي‪ ،‬تحقيق شعيب الرناؤوط‪ /‬مؤسسة الرسالة ‪.‬‬
‫سرح العيون ‪ ،‬شرح رسالة ابن زيدون‪.‬‬
‫سنن أبي داود ل الطبعة الولى سنة ‪ 1388‬هل‪.‬‬
‫سنن ابن ماجه‪ /‬ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي‬
‫سنن البيهقي‪ /‬الطبعة الولى سنة ‪1344‬هل مجلس دائرة المعارف حيدر أباد‪.‬‬
‫سنن الترمذي‪/‬مطبعة المدني الطبعة الثانية سنة ‪ 1383‬هل‪.‬‬
‫سنن الدارقطني ‪/‬تصحيح عبدال هاشم يماني المدينة المنورة ‪1386‬هل‪.‬‬
‫سنن الدارمي ‪ /‬طبعة الهيئة المصرية للكتاب‪.‬‬
‫ش‬
‫شرح أصول اعتقاد أهل السنة‪ ،‬الللكائي‪ ،‬تحقيق أحمد سعد الغامدي‪.‬‬
‫شرح الطحاوية ‪ /‬الطبعة الولى سنة ‪ 1408‬هل‪.‬‬
‫شرح النووي لصحيح مسلم ‪ /‬الطبعة الولى سنة ‪ 1347‬هل‪.‬‬
‫شفاء العليل لبن القيم ‪ /‬مكتبة الرياض الحديثة‪.‬‬
‫شرح الطحاويه‪ ،‬لبن أبي العز الحنفي الطبعة الثانية‪.‬‬
‫ص‬
‫صحيح البخاري‪ ،‬للمام البخاري‪ /‬الطبعة السلفية سنة ‪1380‬هل‪.‬‬
‫صحيح مسلم‪ ،‬للمام مسلم‪ /‬ترتيب محمد فؤاد عبدالباقي‪.‬‬
‫صحيح ابن حبان ‪/‬الطبعة الولى سنة ‪ 1390‬هل‪.‬‬
‫صحيح البخاري ‪ /‬طبع بيت الفكار الدولية للنشر والتوزيع الرياض ‪1419‬هل‪.‬‬
‫صحيح مسلم ‪ /‬طبع بيت الفكار الدولية ‪ 1419‬هل‪.‬‬
‫الصواعق المرسلة‪ ،‬لبن القيم ‪ /‬توزيع الرئاسة العامة والفتاء ل الرياض‪.‬‬
‫الصواعق المنزلة‪ ،‬لبن القيم مطابع الجامعة السلمية‪.‬‬
‫ف‬
‫الفتاوى‪ ،‬لشيخ السلللم ابللن تيميللة طبعللة مجمللع الملللك فهللد لطباعللة المصللحف‬
‫الشريف ‪1416‬هل‪.‬‬
‫فتح الباري شرح صحيح البخاري ‪/‬الطبعة السلفية سنة ‪ 1380‬هل‪.‬‬
‫فتح القدير للشوكاني‪ /‬مطبعة الحلبي سنة ‪ 1351‬هل‪.‬‬
‫فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ‪/‬الطبعة الولى سنة ‪ 1417‬هل‪.‬‬
‫الفرق بين الفرق‪ ،‬للبغللدادي‪ ،‬تحقيللق محمللد محيللي الللدين ‪ /‬الناشللر دار المعرفللة‬
‫لبنان‪.‬‬
‫ق‬
‫القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد‪ ،‬للدكتور عبلد الللرزاق العبللاد‪/‬‬
‫طبعة دار الغرباء سنة ‪1414‬هل‪.‬‬
‫ك‬
‫كتاب بغداد لبن طيفور ‪/‬الطبعة الثانية سنة ‪1415‬هل‪.‬‬
‫الكامل‪ ،‬لبن الثير‪ /‬طبعة عام ‪1402‬هل دار صادر‪.‬‬
‫ل‬
‫لسان الميزان ‪ /‬الطبعة الثانية سنة ‪ 1390‬هل‪.‬‬
‫اللباب في تهذيب النساب‪ /‬دار صادر بيروت‪.‬‬
‫م‬
‫الملل والنلحل للشهرستاني ‪ /‬الطبعة الثانية ‪ 1413‬هل‪.‬‬
‫المنار ل محمد رشيد رضا ‪ /‬الطبعة الرابعة‪.‬‬
‫مدارج السالكين‪ ،‬لبن القيم‪ /‬طبعة دار الكتللاب العربللي بيللروت ‪‍1392‬ه تحقيللق‬
‫حامد الفقي‬
‫مسند المام أحمد بن حنبل ‪ /‬طبعة بيت الفكار الدولية سنة ‪ 1419‬هل الرياض‪.‬‬
‫مصنف ابن أبي شيبة ‪ /‬طبعة الدار السلفية ‪ /‬بومباي الهند‪.‬‬
‫معالم التنزيل للبغوي ‪ /‬الطبعة الولى سنة ‪ 1406‬هل‪.‬‬
‫مناقب المام أحمد‪ ،‬لبن الجوزي ‪/‬الطبعة الولى سنة ‪ 1399‬هل‪.‬‬
‫ميزان العتدال‪ ،‬للذهبي ‪/‬الطبعة الولى سنة ‪.1382‬‬
‫ليعقوب الفسوي‪.‬‬ ‫المعرفة والتأريخ ‪،‬‬
‫الموطأ‪ ،‬للمام مالك‪ ،‬ترتيب محمد فواد عبدالباقي‪ /‬طبعة الشعب‪.‬‬
‫المختار في أصول السنة‪ ،‬لبن البنا‪.‬‬
‫المسند‪ ،‬للمام أحمد‪ ،‬طبعة دار صادر‬
‫منهلج ودراسلات ليلات السلماء والصلفات‪ ،‬للشليخ الشلنقيطي ‪/‬طبعلة الجامعللة‬
‫السلمية‪.‬‬
‫ن‬
‫نقض التأسيس‪ ،‬لبن تيمية‬
‫النونية‪ ،‬لبن القيم‪ ،‬شرح ابن عيسى‪ /‬الطبعة الثانية سنة ‪1406‬هل‬
‫النجوم الزاهرة‪ /‬الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر سنة ‪ 1390‬هل‪.‬‬
‫و‬
‫الوابل الصيب‪ ،‬لبن القيم ‪/‬نشر وتوزيع الرئاسة العامة والفتاء ‪ /‬الرياض‪.‬‬
‫وفيات العيان ‪ /‬دار صادر ‪ 1398‬هل‪.‬‬

‫كبببببتب الباضية‬
‫اااا‪:‬ا الكتب التي فيها الرد على القائلين بخلق القرآن‬
‫‪:‬‬
‫الجامع‪ ،‬لبي الحسن البيسوي ‪ ،‬طبع وزارة التراث القومي والثقافة سلللطنة‬
‫عمان ‪1404‬هل‬
‫الدعائم‪ ،‬لبن أبي النضر ‪ /‬الطبعة الثانيللة سللنة ‪ 1409‬هلل سلللطنة عمللان ‪/‬‬
‫وزارة التراث القومي والثقافة‪.‬‬
‫شرح الللدعائم لل للشليخ محمللد بلن وصللاف الفقيلله العملاني ‪ /‬سلللطنة عملان‬
‫وزارة التراث القومي والثقافة‪ ،‬تحقيلق عبللد المنعلم علامر ‪ /‬مطبعلة عيسللى‬
‫البابي الحلبي‪.‬‬

‫ثانيتا‪ :‬الكتتتب التتتي فيهتتا الحكتتم علتتى أصتتحاب المعاصتتي‬


‫بالخلود في النار ‪:‬‬
‫الباضية بين الفللرق السلللمية‪ ،‬لعلللي يحيللي معمللر ‪ /‬طبللع وزارة الللتراث‬
‫القومي والثقافة ‪/‬سلطنة عمان سنة ‪ 1406‬هل‪.‬‬
‫الجامع الصغير‪ ،‬لمحمد بللن يوسللف اطفيللش ‪ /‬طبللع وزارة الللتراث القللومي‬
‫والثقافة ‪ /‬سلطنة عمان سنة ‪ 1406‬هل ل ‪1986‬م‪.‬‬
‫الجوهر المقتصر‪ ،‬لبلي بكلر أحمللد بلن عبلدال الكنلدي النزوانلي ‪ /‬تحقيلق‬
‫سيدة إسماعيل كاشف ‪ /‬سلطنة عملان وزارة اللتراث القللومي والثقافلة سللنة‬
‫)‪(329‬‬
‫‪ 1406‬هل‪.‬‬
‫كتاب الستقامة‪ ،‬لبي سعيد الكدمي ‪ /‬سلطنة عمللان وزارة الللتراث القللومي‬
‫والثقافة ‪1405‬هل‪.‬‬
‫كتاب كشف الكرب لمحمد بن يوسف اطفيش ‪ /‬طبع وزارة الللتراث القللومي‬
‫والثقافة سلطنة عمان سنة ‪ 1405‬هل‪.‬‬
‫معالم الدين‪ ،‬لعبد العزيللز بلن إبراهيلم الثمينلي المصلعبي ‪ /‬سللطنة عملان ‪/‬‬
‫وزارة التراث القومي والثقافة سنة ‪ 1407‬هل‪.‬‬

‫)‪ (1‬وقد جاء فيه في صفحة ‪ 116‬الباب الثالث والعشببرون ‪ /‬ببباب المسببألة‬ ‫‪329‬‬

‫الباضية‪ ...‬وهي‪ :‬أن كل من مات على الدين الباضببي مقطببوع بببأنه مببن أهببل‬
‫الجنة أم ل؟ قال‪ :‬مقالتنا‪ :‬فقولنا في هذه المسألة إنا ل نشك في ذلك ول نرتاب‬
‫فيه‪ ،‬وأن هذا لزم القطع به وإن لم يقطع به فقد شبك فببي الببدين الباضببي أنببه‬
‫دين ال تعالى أم ل؟‪ ....‬الخ‪.‬‬
‫فهرس الموضوعات‬
‫الصفح‬ ‫الموضوع‬
‫ة‬
‫‪5‬‬ ‫تقريللللللظ فضلللللليلة الللللللدكتور صللللللالح بللللللن فللللللوزان الفللللللوزان‬
‫‪.....................................................‬‬

‫‪7‬‬ ‫‪...................................... .................................. ..................................‬‬ ‫المقدمة‬


‫‪14‬‬ ‫المرجللللللللللللللللللللللللللع عنللللللللللللللللللللللللللد التنللللللللللللللللللللللللللازع‬
‫‪..................... .................................. ..................................‬‬

‫‪19‬‬ ‫مناقشلللللة المؤللللللف فلللللي دعلللللواه إن الباضلللللية أهلللللل الحلللللق‬


‫والستقامة‪......................................‬‬

‫‪21‬‬ ‫دعواه في تسللامح طللائفته‪ ،‬وأنهللم مشللوا علللى مارسللمه لهللم أبللو حمللزة‬
‫السالمي‪....................‬‬

‫لفللرق بيللن مللذهب المؤلللف والمعتزلللة فللي تقللديم العقللل علللى النللص‬
‫‪................................‬‬

‫‪24‬‬ ‫المنهلللللللللللللللللللج السلللللللللللللللللللليم ماجلللللللللللللللللللاء بللللللللللللللللللله‬


‫الرسول‪......................................... ..................................‬‬

‫‪25‬‬ ‫دعلللللللللوى المؤللللللللللف عللللللللللى ملللللللللن أثبلللللللللت الصلللللللللفات‬


‫بالتشبيه‪................... ..................................‬‬

‫جعله الفخر الرازي‪ ،‬والسبكي والصلاوي‪ ،‬والكلوثري‪ ،‬ملن أهلل السلنة‬


‫‪26‬‬ ‫فللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللي بللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللاب‬
‫الصفات‪..................................... .................................. ..................................‬‬

‫‪26‬‬ ‫تللللذرعه بحكللللم هللللؤلء المعطلللللة علللللى مثبللللتي الصللللفات بللللأنهم‬


‫مشبهة‪...................................‬‬

‫‪27‬‬ ‫تصلللللريحه بلللللأن ابلللللن القيلللللم مشلللللبه ليصلللللل إللللللى الحكلللللم‬


‫بتكفيره‪.......... ..................................‬‬

‫‪27‬‬ ‫كشلللللللللللف تمويهلللللللللللات المؤللللللللللللف وبيلللللللللللان منهلللللللللللج‬


‫المعطلة ‪........................ ..................................‬‬

‫‪28‬‬ ‫أسلللللللللماء الللللللللل وصلللللللللفاته ملللللللللن المحكلللللللللم ودليلللللللللل‬


‫ذلك‪........................... ..................................‬‬

‫سأل الصحابة عما أشكل عليهم وجاء الجواب مللن اللل‪ ،‬ولللم يسللأل أحللد‬
‫‪29‬‬ ‫منهلللللم علللللن اسلللللم ملللللن أسلللللماء الللللل ول علللللن صلللللفة ملللللن‬
‫صفاته‪......................... ..................................‬‬

‫‪30‬‬ ‫مناقشلللللة المؤللللللف فلللللي دعلللللواه عللللللى ابلللللن القيلللللم تكفيلللللر‬


‫المعطلة ‪.........................................‬‬

‫‪30‬‬ ‫ملللللللن هلللللللو المشلللللللبه عنلللللللد أهلللللللل السلللللللنة وملللللللاحكمه‬


‫‪............................ ..................................‬‬

‫‪33‬‬ ‫تلفيللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللق المؤلللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللف‬


‫وتدليسه‪.................. .................................. ..................................‬‬

‫‪35‬‬ ‫دعلللللوى المؤللللللف أن ‪-‬الباضلللللية تسللللعى لجملللللع كلملللللة الملللللة‬


‫‪........ ..................................‬‬

‫‪36‬‬ ‫مللللتى يكللللون تعللللدد المللللذاهب سللللببًا فللللي تفريللللق كلمللللة المللللة‬
‫‪............................................‬‬

‫‪37‬‬ ‫اعللللللللللللللللتزاز المؤلللللللللللللللللف بللللللللللللللللآراء الجهميللللللللللللللللة‬


‫‪...‬إلخ‪.................................. ..................................‬‬

‫الصفح‬ ‫الموضوع‬
‫ة‬
‫‪38‬‬ ‫‪................. .................................. ..................................‬‬ ‫سلسلة إسناد الجهمية‬
‫‪41‬‬ ‫موضللللللللللللللللللللللللوع كتللللللللللللللللللللللللاب المؤلللللللللللللللللللللللللف‬
‫‪............... .................................. ..................................‬‬

‫‪42‬‬ ‫المؤلف ‪.............................. .................................. ..................................‬‬ ‫عقيدة‬


‫‪42‬‬ ‫عللللللللللدم إلللللللللللتزام المؤلللللللللللف بمللللللللللا يللللللللللدعو إليلللللللللله‬
‫‪....................................... ..................................‬‬

‫‪45‬‬ ‫الجللزء الول ‪ :‬الللرد علللى الخليلللي إنكللاره رؤيللة المللؤمنين ربهللم فللي‬
‫‪......................‬‬ ‫الخرة‬
‫‪47‬‬ ‫القضية الولى‪ :‬إنكار المؤلف رؤية المؤمنين ربهم في الخرة‪..‬‬
‫‪48‬‬ ‫خلط المؤلللف فللي رده علللى مثبللتي الرؤيللة بيللن الشللعرية والماتريديللة‬
‫‪..................‬‬ ‫والسلفية‬
‫‪49‬‬ ‫تعريلللللللللللف أهلللللللللللل السلللللللللللنة وكشلللللللللللف مغالطلللللللللللات‬
‫المؤلف ‪...................... ..................................‬‬

‫‪50‬‬ ‫تسمية بعللض الطللوائف بأهللل السللنة فللي مقابلللة الروافللض والنواصللب‬
‫‪.‬إلخ‪........‬‬ ‫والخوارج‬
‫‪51‬‬ ‫مللللن أنكللللر الرؤيللللة حللللرم منهللللا فللللالجزاء مللللن جنللللس العمللللل‬
‫‪................................................‬‬

‫السلف ليقيسون وجود الحق على الخلللق فللي إثبللات الرؤيللة ولغيرهللا‬
‫‪53‬‬ ‫وبيللللللللللللللللللان زيللللللللللللللللللف المؤلللللللللللللللللللف فللللللللللللللللللي‬
‫ذلك‪........................... .................................. ..................................‬‬

‫‪69‬‬ ‫رد افللللللللللللتراء المؤللللللللللللللف علللللللللللللى نللللللللللللبي الللللللللللللل‬


‫موسى‪................................ ..................................‬‬

‫‪73‬‬ ‫نفللللي حصللللول الرؤيللللة فللللي الللللدنيا لخلف فيلللله بيللللن سلللللف‬
‫المة‪.......................................‬‬

‫‪76‬‬ ‫ملللللللللللللللن مغالطلللللللللللللللات المؤللللللللللللللللف المكشلللللللللللللللوفة‬


‫‪........................................ ..................................‬‬
‫‪81‬‬ ‫بيلللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللان معلللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللاني‬
‫النظر‪.......................... .................................. ..................................‬‬

‫‪82‬‬ ‫بيللللللللللللللللللللللللللللان فسللللللللللللللللللللللللللللاد تأويللللللللللللللللللللللللللللل‬


‫المؤلف ‪................ .................................. ..................................‬‬

‫‪84‬‬ ‫مضحكة ‪............... .................................. ..................................‬‬ ‫كشف سخافة‬


‫‪85‬‬ ‫ليلللللللللللللللس للنفلللللللللللللللاة أدللللللللللللللللة فلللللللللللللللي نفلللللللللللللللي‬
‫الرؤية‪........................................... ..................................‬‬

‫رد المؤلف لتفسير رسول ال الزيادة في قللوله تعللالى‪ } :‬للللذين أحسللنوا‬


‫‪86‬‬ ‫الحسلللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللنى‬
‫‪................................ .................................. .................................. .‬‬ ‫وزيادة{‬
‫‪88‬‬ ‫علللدد اللللذين فسلللروا)الزيللللادة( بالرؤيللللة للللوجه اللللل عللللز وجلللل‬
‫‪...........................................‬‬

‫‪89‬‬ ‫بيلللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللان سلللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللقوط كلم‬


‫المؤلف ‪............. .................................. ..................................‬‬

‫الصفح‬ ‫الموضوع‬
‫ة‬
‫‪90‬‬ ‫الللرد علللى المؤلللف دعللواه أن الخللذ بظللواهر النصللوص يللرده العقللل‬
‫‪.......‬‬ ‫ويكذبه البرهان‬
‫‪91‬‬ ‫أحلللللللللللللللللللللللللاديث إثبلللللللللللللللللللللللللات الرؤيلللللللللللللللللللللللللة‬
‫متواترة‪........................................... ..................................‬‬

‫‪92‬‬ ‫شلللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللناعة ارتكبهلللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللا‬


‫المؤلف ‪..................................................... ..................................‬‬

‫‪92‬‬ ‫قللول المؤلللف‪ :‬الخللذ بظللاهر مللا فللي الصللحيحين يللرده العقللل ويكللذبه‬
‫‪................‬‬ ‫البرهان‬
‫‪93‬‬ ‫سبب جهل المؤلف بصفات ال تعالى هو عدم تقدير ال تعالى حق قدره‬
‫‪...............‬‬

‫هل يتأسى المؤلف بقول عمر بن الخطللاب وفعللله رضللي ال ل عنلله فللي‬
‫‪94‬‬ ‫قصلللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللة صللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللح‬
‫الحديبية‪..................................... .................................. ..................................‬‬

‫‪97‬‬ ‫أدللللللللللللللة نفلللللللللللللاة الرؤيلللللللللللللة‪ ،‬وبيلللللللللللللان تلللللللللللللدليس‬


‫المؤلف ‪............................... ..................................‬‬

‫‪98‬‬ ‫نفلللللللللللللللللي الدراك ليلللللللللللللللللدل عللللللللللللللللللى نفلللللللللللللللللي‬


‫الرؤية‪.................................. ..................................‬‬

‫بيان تدليس المؤلف بإيراده‪ ،‬أدلة نفي الرؤيللة فللي الللدنيا‪ ،‬وتعميمهللا فللي‬
‫‪100‬‬ ‫نفلللللللللللللي الرؤيلللللللللللللة فلللللللللللللي اللللللللللللللدنيا والخلللللللللللللرة‬
‫‪........................... .................................. ..................................‬‬

‫‪102‬‬ ‫ل‪ ،‬وبيلللللان الفلللللرق بيلللللن الدراك‬


‫النفلللللي المحلللللض ليلللللس كملللللا ً‬
‫والرؤية‪.....................................‬‬

‫‪106‬‬ ‫ذكر ابن جريللر للقللوال فللي تفسللير قللوله تعللالى‪}:‬لتللدركه البصللار{‬
‫‪........................‬‬

‫‪113‬‬ ‫كشللللللللللللللللف تمويهللللللللللللللللات المؤلللللللللللللللللف‪ ،‬والللللللللللللللللرد‬


‫عليها‪............................... ..................................‬‬

‫‪117‬‬ ‫لمللللللللللللاذا مناقشللللللللللللة المؤللللللللللللللف فلللللللللللللي إنكلللللللللللللاره‬


‫الرؤية‪.................................. ..................................‬‬

‫‪119‬‬ ‫التحللاكم إلللى اللل ورسللوله فللي إثبللات رؤيللة المللؤمنين ربهللم يللوم‬
‫القيامة‪..........................‬‬

‫‪120‬‬ ‫الكريم‪............................................ ..................................‬‬ ‫الدلة من كتاب ال‬


‫‪129‬‬ ‫السنة‪.......................... .................................. ..................................‬‬ ‫الدلة من‬
‫‪132‬‬ ‫أحللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللاديث الرؤيلللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللة‬
‫متواترة‪................ .................................. ..................................‬‬

‫‪135‬‬ ‫إجمللاع الصللحابة ومللن تبعهللم ومنهللم الئمللة الربعللة علللى إثبللات‬
‫الرؤية‪.........................‬‬

‫‪137‬‬ ‫لفرق بين قول‪ :‬الصاوي‪ ،‬والمؤلللف الخليلللي فللي رد النصللوص وهللي‬
‫جرأة تحتاج إلى توبة‬
‫قول ابن جرير‪ :‬ليس لهل هذه المقالللة دليللل ؛لآيللة محكمللة ول روايللة‬
‫‪140‬‬ ‫صللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللحيحة ول‬
‫‪.................................. .................................. .................................. .‬‬ ‫سقيمة‬
‫الصفح‬ ‫الموضوع‬
‫ة‬
‫‪141‬‬ ‫أسللللللماء بعللللللض الكتللللللب المؤلفللللللة فللللللي إثبللللللات الرؤيللللللة‬
‫‪........................ ..................................‬‬

‫الجزء الثاني‬
‫‪147‬‬ ‫ل مقطع من قصيدة ابن النضر العماني في الرد على من يقول بخلق‬
‫‪................‬‬ ‫القرآن‬
‫ل المبحث الول في ما ورد في المقدمة ‪:‬‬
‫‪149‬‬ ‫ل تعريف الخليلي للخلق والرد عليه‬
‫‪.................................. ..................................‬‬

‫‪153‬‬ ‫ل تعريف الخليلي للقرآن ومناقشة تعريفه‬


‫‪.......................... ..................................‬‬

‫‪154‬‬ ‫ل النصوص التي تدحض دعوى الخليلي في تعريفه للقرآن‬


‫‪.......................................‬‬

‫‪157‬‬ ‫ل تعريف أهل السنة للقرآن الكريم‬


‫‪.................................. ..................................‬‬

‫‪158‬‬ ‫ل أول من قال بخلق القرآن‬


‫‪............................................. ..................................‬‬

‫‪159‬‬ ‫ل قول الخليلي في التفرقة بين القرآن وسائر الكتب المنزلة والكلم‬
‫‪...............‬‬ ‫النفسي‬
‫‪161‬‬ ‫ل مناقشة الخليلي في بدعة الكلم النفسي‬
‫‪......................... ..................................‬‬

‫‪162‬‬ ‫ل كلم ابن أبي العز الحنفي في الكلم‬


‫‪..................... ..................... .....................‬‬

‫‪163‬‬ ‫ل الدليل على رد ما يسمى بالكلم النفسي‬


‫‪...................... ..................................‬‬

‫‪165‬‬ ‫ل استناد الخليلي إلى أحد علماء الباضية في تقرير معنى الكلم‬
‫‪......... .....................‬‬

‫‪166‬‬ ‫ل استدلل الخليلي بقول الخطل على تقرير الكلم النفسي والرد عليه‬
‫‪...................‬‬

‫‪167‬‬ ‫ل تلوضيح أن ال خلق عيسى بكلمه‬


‫‪..................... ..................... .....................‬‬

‫‪169‬‬ ‫ل رد الخليلي على نفسه في الكلم النفسي‬


‫‪............... ..................... .....................‬‬

‫‪171‬‬ ‫ل تصور فاسد يرتب عليه حكما باط ً‬


‫ل‬
‫‪................... ..................... .....................‬‬

‫‪172‬‬ ‫ل توهمهم أن من أثبت صفة ل فقد شبه ال بخلقه والرد عليه‬


‫‪......... .....................‬‬

‫‪173‬‬ ‫ل توهمهم أن من أثبت الصفات فقد قال بتعدد اللهة والرد على ذلك‬
‫‪.....................‬‬

‫‪175‬‬ ‫ل قول ابن حجر في ذكر رؤوس الفرق المبتدعة‬


‫‪......... ..................... .....................‬‬

‫‪179‬‬ ‫ل مناقشة شبهة الخليلي ومن اقتدى بهم في تعدد الصفات‬


‫‪................ .....................‬‬
‫الصفح‬ ‫الموضوع‬
‫ة‬
‫‪185‬‬ ‫ب الرد على الفصل الول من كتابه ‪:‬‬
‫ل قول الخليلي في الفقرة الولى ‪.‬‬
‫ل قول الخليلي في الفقرة الثانية ‪.‬‬
‫ل قول الخليلي في الفقرة الثالثة ‪.‬‬
‫‪187‬‬ ‫ل الرد على الفقرة الولى‬
‫‪................. ..................... ..................... .....................‬‬

‫‪190‬‬ ‫ل كلم ابن الثير عن التعطيل والتصريح بأول من قال بخلق القرآن‬
‫‪........ .................‬‬

‫‪192‬‬ ‫لللللللللللللللل اللللللللللللللللرد عللللللللللللللللى الفقلللللللللللللللرة الثانيلللللللللللللللة‬


‫‪............ ................. ................. ................. .................‬‬

‫‪194‬‬ ‫للللللللللللل منللللللللللللاظرة الكنللللللللللللاني لبشللللللللللللر المريسللللللللللللي‬


‫‪.................... ................. ................. .................‬‬

‫‪199‬‬ ‫‪................. .................‬‬ ‫ل الباطل ل يقف على ساق وبيان تناقضات الخليلي‬
‫‪..........‬‬

‫‪205‬‬ ‫ل بيان موقف المام أحمد بللن حنبللل مللن مخللالفيه وبيللان زيللف الخليلللي‬
‫‪........ .................‬‬

‫ل الرد على الفقرة الثالثة )اعتراف الخليلي بأن علماء عمان المتللأخرون‬
‫‪207‬‬ ‫‪................. ................. ................. .................‬‬ ‫وهم الذين قالوا بخلق القرآن(‬
‫‪......... .................‬‬

‫‪209‬‬ ‫ل مقطع من قصلليدة ابللن النضللر فلي الللرد علللى ملن قلال بخلللق القللرآن‬
‫‪........... .................‬‬
‫‪212‬‬ ‫للللل مسللللألة اختلف النللللاس فللللي كلم اللللل لموسللللى عليلللله السلللللم‬
‫‪..................... .................‬‬

‫‪221‬‬ ‫ل دعوى الخليلللي أن التكلللم ل يكللون إل بمعنللى إحللداث الكلم أي خلقلله‬


‫‪...................‬‬

‫‪223‬‬ ‫لللل نقلللل الخليللللي لكلم ابلللن القيلللم ملللن كتلللابه الصلللواعق المرسللللة‬
‫‪..................... .................‬‬

‫‪227‬‬ ‫لللل مناقشلللة الخليللللي فلللي دعلللواه أن ملللا أورده ابلللن القيلللم حجلللة لللله‬
‫‪.. ................. .................‬‬

‫‪233‬‬ ‫ل مناقشة الخليلي في اسللتدلله بآيللة } ومللا كللان لبشللر أن يكلملله الل إل‬
‫‪.........‬‬ ‫وحيا{‬
‫‪236‬‬ ‫لللللللللل عبلللللللللد الرحمللللللللللن حبنكلللللللللة يوافللللللللللق الخليللللللللللي‬
‫‪.............. ................. ................. .................‬‬

‫‪237‬‬ ‫للللللل تصللللللريح الخليلللللللي بللللللأنه علللللللى مللللللذهب المعتزللللللللة‬


‫‪..... ................. ................. .................‬‬

‫ل دعوى الخليلي اتفاق الباضية والحنابلللة علللى القللول بقللدم النصللوص‬


‫‪............‬‬ ‫القرآنية‬
‫‪241‬‬ ‫و الجلللللللللواب عللللللللللى هللللللللذه اللللللللللدعوى ملللللللللن وجللللللللوه‪.‬‬
‫‪........ ................. ................. .................‬‬

‫الصفح‬ ‫الموضوع‬
‫ة‬
‫‪247‬‬ ‫ل ل الفصللل الثللاني تضللارب القللائلين بقللدم القللرآن كمللا يللدعيه الخليلللي‬
‫‪........... .................‬‬

‫‪248‬‬ ‫ل الرد على المقطع الول وبيان رد ابن تيمية على ابن كلب القائل بقدم‬
‫‪.......‬‬ ‫القرآن‬
‫‪249‬‬ ‫‪.................‬‬ ‫ل تعريف القرآن عند أهل السنة والجواب على المقطع الثاني‪.‬‬
‫‪..............‬‬

‫‪250‬‬ ‫ل ل ادعللاء الخليلللي تنللاقض كلم ابللن تيميللة والللرد علللى هللذه الللدعوى‬
‫‪........... .................‬‬

‫‪251‬‬ ‫للل اعللتراض الخليلللي علللى قللول أحمللد بللن حنبللل والجللواب عليلله‬
‫‪.................... .................‬‬

‫‪262‬‬ ‫لللللللل تحسلللللللر الخليللللللللي سلللللللببه عجلللللللزه علللللللن الجلللللللواب‬


‫‪......... ................. ................. .................‬‬

‫‪266‬‬ ‫للللل قللللول الخليلللللي بللللأن مرتكللللب الكللللبيرة مخلللللد فللللي النللللار‬
‫‪............... ................. .................‬‬

‫‪267‬‬ ‫للللللللل ادعللللللللاء الخليلللللللللي بهتانللللللللا علللللللللى ابللللللللن تيميللللللللة‬


‫‪.............. ................. ................. .................‬‬

‫ل الجللواب علللى قللول الخليلللي أن ابللن تيميللة يسللجل علللى كبللار أئمتهللم‬
‫‪269‬‬ ‫مخالفللللللللللللللللللللللللة النللللللللللللللللللللللللص والجمللللللللللللللللللللللللاع‬
‫‪.................. ................. ................. ................. ................. .‬‬ ‫والعقل‬
‫‪271‬‬ ‫لللللللللل مواصللللللللللة الخليللللللللللي لفلللللللللتراءاته عللللللللللى ابلللللللللن‬
‫‪..................... ................. ................. .‬‬ ‫تيمية‬
‫‪273‬‬ ‫لللللللللللللللل اللللللللللللللللرد عللللللللللللللللى هلللللللللللللللذه الفريلللللللللللللللة‬
‫‪.............. ................. ................. ................. .................‬‬

‫‪282‬‬ ‫ل ل مغالطللات الخليلللي وتلبيسللاته علللى ابللن تيميللة والجللواب علللى هللذه‬
‫‪..............‬‬ ‫المغالطات‬
‫‪286‬‬ ‫لللللللللل توضللللللللليح الكفلللللللللر المطللللللللللق والكفلللللللللر المعيلللللللللن‬
‫‪............. ................. ................. .................‬‬

‫‪294‬‬ ‫لللل اعلللتراف الخليللللي بلللأن شللليخ السللللم للللم يقلللل بقلللدم القلللرآن‬
‫‪...................... .................‬‬

‫‪297‬‬ ‫للل الفصلللل الثللالث أدلللة النللافين لخلللق القلللرآن كمللا يزعللم الخليلللي‬
‫‪................. .................‬‬

‫‪299‬‬ ‫للللللللللللل كلم البللللللللللللوطي وحبنكللللللللللللة فللللللللللللي القللللللللللللرآن‬


‫‪................. ................. ................. .................‬‬

‫‪301‬‬ ‫ل ل اختيللار الخليلللي لسللتة أدلللة نقليللة فللي نفللي صللفة الخلللق ورده عليلله‬
‫‪............. .................‬‬

‫‪302‬‬ ‫لللللللللل اللللللللللرد عللللللللللى الخليللللللللللي فلللللللللي اللللللللللدليل الول‬


‫‪............... ................. ................. .................‬‬

‫‪307‬‬ ‫للللللللل كلم الشللللللللوكاني فللللللللي تفسللللللللير سللللللللورة الرحمللللللللن‬


‫‪..... ................. ................. .................‬‬

‫‪309‬‬ ‫ل الفصل الرابع أدلة القائلين بخلق القرآن‬


‫‪.......................... ................. .................‬‬

‫‪310‬‬ ‫ل اقتطاع الخليلي لكلم ابن تيمية والرد عليه‬


‫‪.................... ................. .................‬‬

‫‪313‬‬ ‫ل حجج القائلين بخلق القرآن العقلية والنقلية كما قسمها الخليلي‬
‫‪.......... .................‬‬

‫الصفح‬ ‫الموضوع‬
‫ة‬
‫‪216‬‬ ‫ل الدليل الثاني قوله إن كل ما ثبت قدمه استحال عدمه‬
‫‪...................... .................‬‬

‫‪316‬‬ ‫ل الدليل الرابع وهو رد عليه‬


‫‪......................... ................. ................. .................‬‬

‫‪317‬‬ ‫ل الدليل الخامس وهو رد عليه أيضا‬


‫‪.............. ................. ................. .................‬‬

‫ل الدليل السادس قوله )إن حروف القرآن هي نفس الحروف التي ينتظللم‬
‫‪318‬‬ ‫فيهللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللا كلم العللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللرب(‬
‫‪................. ................. ................. ................. ................. .................‬‬

‫‪320‬‬ ‫ل أدلة الخليلي من القرآن على أنه مخلوق حسب زعمه‬


‫‪........................ .................‬‬

‫‪321‬‬ ‫ل مناظرة الكناني لبشر المريسي‬


‫‪.................... ................. ................. .................‬‬

‫‪321‬‬ ‫ل قول الخليلي وإن كان شيئا فمللا الللذي يخرجلله مللن هللذا العمللوم والللرد‬
‫‪...............‬‬ ‫عليه‬
‫‪325‬‬ ‫ل استدلل الخليلي بكلمة جعل على الخلق‬
‫‪....................... ................. .................‬‬

‫ل بيان أن أول من قللال أن جعللل تللأتي بمعنللى خلللق هللو بشللر المريسللي‬
‫‪326‬‬ ‫وذكلللللللللللللر منلللللللللللللاظرة الكنلللللللللللللاني لللللللللللللله فلللللللللللللي‬
‫ذلك‪................. ................. ................. ................. ................. .‬‬

‫‪331‬‬ ‫ل ما قاله شلليخ السلللم فللي معنللى جعللل ودحللض شللبهة المسللتدلين بهللا‬
‫‪....... .................‬‬

‫‪333‬‬ ‫ل رد أبو النضر العماني ل الباضي ل على من اسلتدل بجعلل علللى خلللق‬
‫‪............‬‬ ‫القرآن‬
‫‪334‬‬ ‫ل استدلل الخليلي بالحداث على الخلق والرد عليه‬
‫‪.......... ................. .................‬‬

‫‪335‬‬ ‫ل ايراد الخليلي لبعض اليات ليستدل بها على خلق القرآن‬
‫‪................. .................‬‬

‫‪337‬‬ ‫ل الرد على الخليلي في ذلك‬


‫‪....... ................. ................. ................. .................‬‬

‫‪338‬‬ ‫لللللللل كلم ابلللللللن تيميلللللللة فلللللللي نفلللللللي أن القلللللللرآن قلللللللديم‬


‫‪....... ................. ................. .................‬‬

‫‪339‬‬ ‫للللل رد ابللللن تيميللللة علللللى أتبللللاع ابللللن كلب كالقاضللللي وغيللللره‬
‫‪...... ................. .................‬‬

‫‪343‬‬ ‫ل أدلة الخليلي من السنة حسب زعمه على خلق القرآن‬


‫‪..... ................. .................‬‬

‫‪345‬‬ ‫ل الجواب على هذا الستدلل‬


‫‪..................... ................. ................. .................‬‬

‫‪356‬‬ ‫ل المناظرة التي حدثت عنللد الواثللق بيللن ابللن أبللي داؤد والشلليخ الزدي‬
‫‪...... .................‬‬

‫‪362‬‬ ‫ل ل كلم المللام الجللري فللي كلم اللل عللز وجللل فللي كتللابه الشللريعة‬
‫‪........... .................‬‬

‫‪363‬‬ ‫ل ل كلم المللام ابللن منللدة فللي كلم ال ل عللز وجللل فللي كتللابه التوحيللد‬
‫‪.......... .................‬‬

‫الصفح‬ ‫الموضوع‬
‫ة‬
‫‪364‬‬ ‫لللل كلم الملللام البخلللاري فلللي كلم الللل علللز وجلللل فلللي صلللحيحه‬
‫‪................. .................‬‬

‫ثانيًا‪ :‬علماء الباضية الذين أثبتوا أن القرآن كلم ال غير مخلوق ثببم‬
‫ردوا على القائلين بخلقه ‪.‬‬
‫‪368‬‬ ‫‪-‬كلم أحملللللللللللللللللللللللللد بلللللللللللللللللللللللللن النضلللللللللللللللللللللللللر‬
‫‪............. ................. ................. ................. .................‬‬

‫‪368‬‬ ‫‪-‬كلم أبلللللللللللللللللللللللو الحسلللللللللللللللللللللللن البسللللللللللللللللللللللليوي‬


‫‪........ ................. ................. ................. .................‬‬

‫‪368‬‬ ‫‪-‬كلم محمللللللللللللللللللللللللد بللللللللللللللللللللللللن محبللللللللللللللللللللللللوب‬


‫‪............ ................. ................. ................. .................‬‬

‫الجزء الثالث‬
‫‪371‬‬ ‫‪.............. ................. ................. ................. ................. .................‬‬ ‫ل تملهليلد‬
‫‪377‬‬ ‫للللللللللللللللللل اللللللللللللللللللللرد علللللللللللللللللللى اللمقللدمللللللللللللللللللللة‬
‫‪.......... ................. ................. ................. .................‬‬

‫‪385‬‬ ‫لللل اللللرد عللللى الفصلللل الول ‪ :‬اختلف النلللاس فلللي خللللود الجنلللة‬
‫والنار‪..... ................. .‬‬

‫‪398‬‬ ‫ل الفصل الثانلي ل في أدلة القائلين بانقطاع العللذاب ل ل ومناقشللته والللرد‬


‫‪.......... .‬‬ ‫عليه‬
‫‪407‬‬ ‫ل الفصل الثالث ل أدلة القائللين بلخلللود جلملللليع مرتكبي الكبائلر فللي‬
‫‪...... .‬‬ ‫النار‬
‫ل الجواب على مللا اسللتدل بلله المؤلللف مللن آيللات وبيللان أقللوال علمللاء‬
‫‪408‬‬ ‫السلللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللف فللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللي‬
‫تفسيرها‪.............. ................. ................. ................. ................. ................. .‬‬

‫‪436‬‬ ‫ل الجواب على اسللتدلله بقلوله تلعلالى } للذين أحسنوا الحسللنى ‪{....‬‬
‫الية‬
‫ل الجواب على اسللتدلله بقوله تلعالى } والذين يقولون ربنللا اصللرف‬
‫‪442‬‬ ‫عنا عذاب جهنم { وقللوله ‪ } :‬والللذين ل يللدعون مللع الل إلهللا آخللر ول‬
‫‪.......‬‬ ‫يلقتلون النلفس {‬
‫‪450‬‬ ‫‪-‬الجواب عللى اسلتدلله بقوله تعللالى‪ } :‬ومللن يعللص الل ورسللوله ‪{..‬‬
‫الية‪.‬‬
‫‪451‬‬ ‫دحض ما نسبه لبن عطية والقرطبي والشوكاني في تفسير ) المعصية‬
‫‪............... .‬‬ ‫(‬
‫أي الفريللقين أولى بالتباع في تفسير اليلات الباضلية اللذين يمثلهلم لل‬
‫‪455‬‬ ‫الخليلللللللللللللللللللللللللللللي للللللللللللللللللللللللللللل أم أهللللللللللللللللللللللللللللل‬
‫‪........... ................. ................. ................. ................. ................. .‬‬ ‫السنة‬
‫‪456‬‬ ‫ثانيللللللللللا للللللللللل أدلللللللللللة للللللللللل الخليللللللللللللي للللللللللل مللللللللللن‬
‫‪............... ................. ................. ................. .‬‬ ‫السنة‬
‫‪458‬‬ ‫وجللللللللللللله اسللللللللللللللتدلله بهلللللللللللللا واللللللللللللللرد عليللللللللللللله‬
‫‪...................... ................. ................. .................‬‬

‫الصفح‬ ‫الموضوع‬
‫ة‬
‫‪464‬‬ ‫الخليللللللي لللللل ل يعلللللرج عللللللى أحلللللاديث الشلللللفاعة المتلللللواترة‬
‫‪............. ................. .................‬‬

‫‪464‬‬ ‫استدلله بالحاديث التي ورد فيهلا وعيلد عللى بعلض المعاصلي وبيلان‬
‫أهل السنة لمعناها‪.‬‬
‫‪471‬‬ ‫بلللللللللاب إثبلللللللللات الشلللللللللفاعة عنلللللللللد الملللللللللام مسللللللللللم‬
‫‪............ ................. ................. .................‬‬

‫‪473‬‬ ‫روايلللللة يزيلللللد الفقيلللللر لقصلللللته ملللللع جلللللابر بلللللن عبلللللد الللللل‬
‫‪..........................................‬‬ ‫‪t‬‬
‫‪476‬‬ ‫الحللللللافظ الللكللللللائي ‪ :‬بللللللاب الشفاعللللللللللة لهللللللل الكبللللللائر‬
‫‪........... ................. .................‬‬

‫‪481‬‬ ‫المللللللللللللام الجللللللللللللري فللللللللللللي كتللللللللللللاب الشللللللللللللريعة‬


‫‪................. ................. ................. .................‬‬

‫‪482‬‬ ‫بللللللللاب مللللللللن كللللللللذب بالشللللللللفاعة ليللللللللس للللللللله فيهللللللللا‬


‫‪.............. ................. ................. .‬‬ ‫نصيلب‬
‫‪483‬‬ ‫‪................. .................‬‬ ‫باب ما روي أن الشفاعة إنما هي لهل الكبائللللر ‪.‬‬
‫‪..........‬‬

‫‪483‬‬ ‫بللللللاب قللللللول النللللللبي ‪ : r‬واختبللللللأت دعللللللوتي شفاعلللللللللة ‪.‬‬


‫‪............ ................. .................‬‬

‫و باب أن ال خيرني بيلن أن يلدخل نصللف أملتي الجنلة وبيلن الشلفاعة‬


‫‪483‬‬ ‫فللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللاخترت الشللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللفاعة‪.‬‬
‫‪............. ................. ................. ................. ................. .................‬‬

‫‪483‬‬ ‫بلللللللاب اليملللللللان بلللللللأن قوملللللللا يخرجلللللللون ملللللللن النلللللللار‬


‫‪........... ................. ................. .‬‬ ‫بالشفاعة‬
‫‪484‬‬ ‫نلخلللتم أحللاديث الشللللفاعة بمللا رواه البخللاري فللي صللحيحه كتللاب‬
‫‪.............. .‬‬ ‫التوحيد‬
‫‪489‬‬ ‫‪...... ................. ................. ................. ................. .................‬‬ ‫ملحق الكتاب‬
‫‪515‬‬ ‫‪.............. ................. ................. ................. ................. .................‬‬ ‫اللفهارس‬
‫‪517‬‬ ‫ثبلللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللت المصلللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللادر‬
‫‪............ ................. ................. ................. ................. .‬‬ ‫والمراجع‬
‫‪523‬‬ ‫فهلللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللرس‬
‫‪................. ................. ................. ................. ................. .‬‬ ‫الموضوعات‬

You might also like