You are on page 1of 614

‫الباب الرابع‪ -‬شبهات حول الرسول صلى الله عليه‬

‫وسلم‬

‫)‪ (1‬زواج الرسول صلى الله عليه وسلم‬


‫أ‪.‬د‪ .‬بكر بن زكي عوض‬
‫السؤال‪:‬‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬
‫حدثني أحد الصدقاء الثقات أنه دخل على إحدى غرف الدردشة‬
‫الصوتية ووجد فيها مسلمين ونصارى يتناقشون عن الديانتين‪,‬‬
‫ولحظ أن أكثر موضوع كان يحرج المسلمين هو زواج الرسول –‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬من تسع نساء‪ ،‬وسؤالي هو‪ :‬هل يمكن‬
‫أن أجد لديكم شرحا ً مفصل ً لهذه الزيجات وظروفها والحكمة‬
‫منها؟ وجزاكم الله خيرًا‪.‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫الحمد لله‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫أخي السائل‪ :‬إن تعدد الزوجات معروف في الرسالت السابقة‬
‫كما هو معروف في رسالة السلم وحياة الرسول –عليه الصلة‬
‫والسلم‪.-‬‬
‫ً‬
‫وإذا كنت تناقش نصرانيا أو تريد أن تناقشه فإليك التي‪:‬‬
‫)‪ (1‬إن إبراهيم وإسحاق ويعقوب وداود وسليمان وغيرهم قد‬
‫عددوا الزوجات ووصل المر بهم إلى الزواج من مئة مثل داود‬
‫الذي لم يكتف بتسع وتسعين حتى تزوج تمام المئة بعد موت‬
‫زوجها‪ ،‬وسليمان كانت له ثلثمائة زوجة وأربعمائة جارية كما في‬
‫العهد القديم مصدر التشريع الول عند النصارى)ما جئت لنقص‬
‫بل لكمل(‪.‬‬
‫)‪ (2‬كافة نصوص العهد القديم تأذن بالتعدد وتبيحه للفراد رسل ً‬
‫أو بشرًا‪.‬‬
‫)‪ (3‬لم يرد نص واحد يحرم التعدد في النصرانية وقد تأثر‬
‫النصارى بالبلد التي نشروا فيها النصرانية‪ ،‬ففي أفريقيا يأذنون‬
‫بالتعدد ويبيحون الزواج للقساوسة‪ ،‬وفي أوروبا يحرمون التعدد‬
‫ويحرمون الزواج على القساوسة ويبيحون الصداقة‪.‬‬
‫)‪ (4‬النص الذي يستشهد به النصارى على تحريم التعدد هو)أما‬
‫علمتم أن الخالق منذ البدء جعلهما ذكرا ً وأنثى وقال لهذا يترك‬
‫الرجل أباه وأمه ويلزم امرأته فما جمعه الله ل يفرقه إنسان(‪.‬‬
‫فجعلوا من ضمير الفراد في قوله‪" :‬امرأته" أن الرجل ل يتزوج‬

‫‪1‬‬
‫إل بامرأة واحدة‪ .‬والنص قد فهم على غير وجهه‪ ،‬فالمسيح حين‬
‫سئل "أيحل لحدنا أن يطلق امرأته لي علة كانت‪ "...‬كانت‬
‫إجابته كما سبق‪.‬‬
‫)‪ (5‬أن الجابة ل صلة لها بالتعدد بل بالنهي عن الطلق ل التزوج‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسيحية تأذن بالتعدد بالتتابع ولكنها ترفضه بالجمع وينتهي‬
‫التعدد عند الرابعة متتابعا ً حتى ل يكون النسان غاويًا‪ ،‬وتسمح‬
‫بالخلة والصديقة بدون حد ول عد‪.‬‬
‫)‪ (7‬كان العرب يجمعون بين أربعين امرأة في وقت واحد كدليل‬
‫على الرجولة وطلب للولد‪.‬‬
‫)‪ (8‬بالنسبة لتعدد زوجات الرسول –صلى الله عليه وسلم‪ -‬فإنه‬
‫يرجع إلى أسباب اجتماعية وتشريعية وسياسية يمكن بيانها –‬
‫والله أعلم‪ -‬على النحو التالي‪:‬‬
‫ل‪ :‬السباب الجتماعية‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫)‪ (1‬زواجه من خديجة – رضي الله عنها‪ -‬وهذا أمر اجتماعي أن‬
‫يتزوج البالغ العاقل الرشيد وكان – عليه الصلة والسلم ‪ -‬في‬
‫سن الخامسة والعشرين وظلت معه وحدها حتى توفيت وهو في‬
‫سن الخمسين‪.‬‬
‫)‪ (2‬تزوج بعدها بالسيدة سودة بنت زمعة وكانت أرملة لحاجة‬
‫بناته الربع إلى أم بديلة ترعاهن وتبصرهن بما تبصر به كل أم‬
‫بناتها‪.‬‬
‫)‪ (3‬حفصة بنت عمر بن الخطاب تزوجها بعد وفاة زوجها‬
‫إكراما ً لبيها سـ ‪3‬هـ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زينب بنت خزيمة استشهد زوجها في أحد فتزوجها سـ‬
‫‪4‬هـ‪.‬‬
‫)‪ (5‬أم سلمة هند بنت أمية توفى زوجها ولها أولد فتزوجها سـ‬
‫‪4‬هـ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬السباب التشريعية‪:‬‬
‫)‪ (1‬زواجه من عائشة – رضي الله عنها ‪ -‬فلقد كان بوحي‪،‬‬
‫حيث رآها في المنام ورؤيا النبياء وحي‪.‬‬
‫)‪ (2‬زينب بنت جحش زوجة زيد بن حارثة الذي كان يدعى زيد‬
‫بن محمد بالتبني فنزل قول الله تعالى‪) :‬وما جعل أدعياءكم‬
‫أبناءكم( ]الحزاب‪) [4 :‬ادعوهم لبائهم هو أقسط عند الله(‬
‫]الحزاب‪ [5 :‬وبعد خلف مع زوجها طلقت منه وأمر الرسول –‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أن يتزوجها لقامة الدليل العملي على‬
‫بطلن التبني‪ ،‬وذلك سنة خمسة للهجرة‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬السباب السياسية‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ -‬كان لبعض زيجات الرسول – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بعدا ً‬
‫سياسيا ً من حيث ائتلف القلوب والحد من العداوة وإطلق‬
‫السرى‪ ...‬إلخ‪ ،‬ومن هن‪:‬‬
‫)‪ (1‬جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق من خزاعة وقعت‬
‫في السر‪ ،‬تزوجها سنة ‪ 6‬هـ‪.‬‬
‫)‪ (2‬أما حبيبة رملة بنت أبي سفيان‪ ،‬تنصر زوجها وبقيت على‬
‫إسلمها‪ ،‬وكان للزواج منها كبير الثر في كسر حدة أبي سفيان‬
‫في العداء للسلم‪ ،‬حتى هداه الله‪.‬‬
‫)‪ (3‬صفية بنت حيي بن أخطب كانت من سبي خيبر أعتقها‬
‫الرسول وتزوجها سـ ‪7‬هـ‪.‬‬
‫)‪ (4‬ميمونة بنت الحارث تزوجها سـ ‪7‬هـ‪.‬‬
‫مات من هؤلء اثنتان في حياة الرسول وهما خديجة وزينب بنت‬
‫خزيمة وتوفى الرسول – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عن تسع‪.‬‬
‫وأما الجواري فهما مارية القبطية التي ولدت إبراهيم وتوفى‬
‫صغيرًا‪ ،‬وريحانة بنت زيد القرطية‪.‬‬
‫إذن التعدد بدأ في سن الثالثة والخمسين من عمره فهل هذا‬
‫دليل الشهوة‪ ،‬ومن يشتهِ هل يتزوج الثيبات وأمهات الولد‬
‫والرامل‪ ،‬كيف وقد عرض عليه خيرة بنات قريش فأبى!‬
‫إن التعدد كله لحكم منها – فضل ً عما سبق ‪ -‬بيان كل ما يقع في‬
‫بيت النبوة من أحكام عمل ً بقوله تعالى‪) :‬واذكرن ما يتلى في‬
‫بيوتكن من آيات الله والحكمة( ]الحزاب‪ ,[34 :‬وإذا كان الحكم‬
‫الشرعي ل يثبت بخبر الواحد غالبا ً فإن للتعدد أثره في إثبات‬
‫الحكام بالتواتر‪ ،‬كما أن زوجات الرسول – صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ -‬اختلفت أحوالهن بين غنى وفقرٍ وحسب ونسب وبساطة لكل‬
‫من يتزوج بأي صورة من هذه الصور قدوة في حياة الرسول –‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬مع زوجته التي تطابق حال زوجه‬
‫وتعددهن فيه بيان لكل ما يمكن أن يقع من النساء داخل البيت‬
‫كالغيرة والصبر والتآمر وطلب الدنيا؟ والتواضع ونشر العلم‬
‫والرضى‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫إن بسط الكلم في هذا المر متعذر في هذه العجالة واقرأ‬
‫زوجات النبي – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لبنت الشاطئ‪ .‬تعدد‬
‫الزوجات لحمد عبد الوهاب‪ .‬الرحيق المختوم )الجزء الثاني(‬
‫للمباركفوري‪.‬‬
‫‪---------------‬‬
‫)‪ (2‬حول عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫وموقف القرآن من العصمة‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬

‫‪3‬‬
‫هناك من ل يعترفون بأن الرسول معصوم عن الخطأ ‪ ،‬ويقدمون‬
‫الدلة على ذلك بسورة ]عبس وتولى[ وكذلك عندما جامل‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم زوجاته‪ ،‬ونزلت الية الكريمة التي‬
‫تنهاه عن ذلك )انتهى(‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إن عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وكذلك عصمة كل‬
‫الرسل ‪ -‬عليهم السلم ‪ -‬يجب أن تفهم في نطاق مكانة‬
‫حى إليه‪ ..‬أي أنه ‪-‬‬ ‫الرسول‪ ..‬ومهمة الرسالة‪ ..‬فالرسول‪ :‬بشر ُيو َ‬
‫مع بشريته ‪ -‬له خصوصية التصال بالسماء ‪ ،‬بواسطة الوحي‪..‬‬
‫ولذلك فإن هذه المهمة تقتضى صفات يصنعها الله على عينه‬
‫فيمن يصطفيه ‪ ،‬كي تكون هناك مناسبة بين هذه الصفات وبين‬
‫هذه المكانة والمهام الخاصة الموكولة إلى صاحبها‪.‬‬
‫والرسول مكلف بتبليغ الرسالة‪ ،‬والدعوة إليها‪ ،‬والجهاد في سبيل‬
‫إقامتها وتطبيقها‪ ..‬وله على الناس طاعة هي جزء من طاعة الله‬
‫‪ -‬سبحانه وتعالى‪)-‬أطيعوا الله وأطيعوا الرسول(‪) ,‬قل أطيعوا‬
‫الله والرسول(‪) ,‬من يطع الرسول فقد أطاع الله(‪) ,‬قل إن كنتم‬
‫تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله(‪ ،‬ولذلك كانت عصمة الرسل‬
‫فيما يبلغونه عن الله ضرورة من ضرورات صدقهم والثقة في‬
‫هذا البلغ اللهي الذي اختيروا ليقوموا به بين الناس‪ ..‬وبداهة‬
‫سل الرسالة إذا لم يتخير‬ ‫العقل ‪ -‬فضل ً عن النقل ‪ -‬تحكم بأن ُ‬
‫مْر ِ‬
‫الرسول الذي يضفى الصدق على رسالته ‪ ،‬كان عابًثا‪ ..‬وهو ما‬
‫يستحيل على الله‪ ،‬الذي يصطفى من الناس رسل ً تؤهلهم‬
‫حجة على‬ ‫العصمة لضفاء الثقة والصدق على البلغ اللهي‪ ..‬وال ُ‬
‫الناس بصدق هذا الذي يبلغون‪.‬‬
‫وفى التعبير عن إجماع المة على ضرورة العصمة للرسول فيما‬
‫يبلغ عن الله‪ ،‬يقول الشيخ محمد عبده عن عصمة الرسل ‪ -‬كل‬
‫الرسل‪ ..." :-‬ومن لوازم ذلك بالضرورة‪ :‬وجوب العتقاد بعلو‬
‫فطرتهم‪ ،‬وصحة عقولهم‪ ،‬وصدقهم في أقوالهم‪ ،‬وأمانتهم في‬
‫تبليغ ما عهد إليهم أن يبلغوه‪ ،‬وعصمتهم من كل ما يشوه السيرة‬
‫البشرية‪ ،‬وسلمة أبدانهم مما تنبو عنه البصار وتنفر منه الذواق‬
‫السليمة‪ ،‬وأنهم منزهون عما يضاد شيًئا من هذه الصفات‪ ،‬وأن‬
‫أرواحهم ممدودة من الجلل اللهي بما ل يمكن معه لنفس‬
‫إنسانية أن تسطو عليها سطوة روحانية‪ ..‬إن من حكمة الصانع‬
‫الحكيم ‪ -‬الذي أقام النسان على قاعدة الرشاد والتعليم ‪ -‬أن‬
‫يجعل من مراتب النفس البشرية مرتبة ُيعد ّ لها‪ ،‬بمحض فضله‪،‬‬
‫ن يصطفيه من خلقه‪ ،‬وهو أعلم حيث يجعل رسالته‪،‬‬ ‫م ْ‬
‫بعض َ‬
‫يميزهم بالفطرة السليمة‪ ،‬ويبلغ بأرواحهم من الكمال ما يليقون‬

‫‪4‬‬
‫معه للستشراق بأنوار علمه‪ ،‬والمانة على مكنون سره‪ ،‬مما لو‬
‫انكشف لغيرهم انكشافه لهم لفاضت له نفسه‪ ،‬أو ذهبت بعقله‬
‫جللته وعظمته‪ ،‬فيشرفون على الغيب بإذنه‪ ،‬ويعلمون ما سيكون‬
‫من شأن الناس فيه ‪ ،‬ويكونون في مراتبهم العلوية على نسبة‬
‫من العالمين‪ ،‬نهاية الشاهد وبداية الغائب ‪ ،‬فهم في الدنيا كأنهم‬
‫ليسو من أهلها ‪ ،‬هم وفد الخرة في لباس من ليس من سكانها‪..‬‬
‫أما فيما عدا ذلك ‪] -‬أي التصال بالسماء والتبليغ عنها[ ‪ -‬فهم‬
‫بشر يعتريهم ما يعترى سائر أفراده ‪ ،‬يأكلون ويشربون وينامون‬
‫ويسهون وينسون فيما ل علقة له بتبليغ الحكام ‪ ،‬ويمرضون‬
‫وتمتد إليهم أيدي الظلمة ‪ ،‬وينالهم الضطهاد ‪ ،‬وقد يقتلون"‪.‬‬
‫فالعصمة ‪ -‬كالمعجزة ‪ -‬ضرورة من ضرورات صدق الرسالة ‪،‬‬
‫ومن مقتضيات حكمة من أرسل الرسل ‪ -‬عليهم السلم ‪..-‬‬
‫وإذا كان الرسول ‪ -‬كبشر ‪ -‬يجوز على جسده ما يجوز على‬
‫أجساد البشر‪ ..‬وإذا كان الرسول كمجتهد قد كان يمارس الجتهاد‬
‫والشورى وإعمال العقل والفكر والختيار بين البدائل في مناطق‬
‫وميادين الجتهاد التي لم ينزل فيها وحى إلهي‪ ..‬فإنه معصوم في‬
‫مناطق وميادين التبليغ عن الله ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬لنه لو جاز‬
‫عليه الخطأ أو السهو أو مجانبة الحق والصواب أو اختيار غير‬
‫الولى في مناطق وميادين التبليغ عن الله لتطرق الشك إلى‬
‫صلب الرسالة والوحي والبلغ ‪ ،‬بل وإلى حكمة من اصطفاه‬
‫حجة على الناس‪ ..‬كذلك كانت العصمة صفة‬ ‫وأرسله ليكون ُ‬
‫طا ضرورًيا من شروط رسالة جميع الرسل ‪ -‬عليهم‬ ‫أصيلة وشر ً‬
‫السلم ‪ ..-‬فالرسول في هذا النطاق ‪ -‬نطاق التبليغ عن الله ‪-‬‬
‫)وما ينطق عن الهوى * إن هو إل وحى يوحى(‪ .‬وبلغة ما هو‬
‫بقول بشر‪ ،‬ولذلك كانت طاعته فيه طاعة لله‪ ،‬وبغير العصمة ل‬
‫يتأتى له هذا المقام‪.‬‬
‫أما اجتهادات الرسول صلى الله عليه وسلم فيما ل وحى فيه‪،‬‬
‫والتي هي ثمرة لعماله لعقله وقدراته وملكاته البشرية‪ ،‬فلقد‬
‫كانت تصادف الصواب والولى ‪ ،‬كما كان يجوز عليها غير ذلك‪..‬‬
‫ومن هنا رأينا كيف كان الصحابة‪ ،‬رضوان الله عليهم في كثير من‬
‫المواطن وبإزاء كثير من مواقف وقرارات وآراء واجتهادات‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم يسألونه ‪ -‬قبل الدلء بمساهماتهم‬
‫سنة والسيرة‪:‬‬‫في الرأي ‪ -‬هذا السؤال الذي شاع في ال ّ‬
‫"يا رسول الله‪ ،‬أهو الوحي؟ أم الرأي والمشورة؟‪ "..‬فإن قال‪:‬‬
‫إنه الوحي‪ .‬كان منهم السمع والطاعة له ‪ ،‬لن طاعته هنا هي‬
‫طاعة لله‪ ..‬وهم يسلمون الوجه لله حتى ولو خفيت الحكمة من‬
‫هذا المر عن عقولهم‪ ،‬لن علم الله ‪ -‬مصدر الوحي ‪ -‬مطلق‬

‫‪5‬‬
‫وكلى ومحيط‪ ،‬بينما علمهم نسبى‪ ،‬قد تخفى عليه الحكمة التي ل‬
‫يعلمها إل الله‪ ..‬أما إن قال لهم الرسول ‪ -‬جواًبا عن سؤالهم ‪:-‬‬
‫إنه الرأي والمشورة‪ ..‬فإنهم يجتهدون ‪ ،‬ويشيرون ‪ ،‬ويصوبون‪..‬‬
‫ما ‪ ،‬وإنما هو واحد من‬ ‫لنه صلى الله عليه وسلم هنا ليس معصو ً‬
‫المقدمين في الشورى والجتهاد‪ ..‬ووقائع نزوله عن اجتهاده إلى‬
‫اجتهادات الصحابة كثيرة ومتناثرة في كتب السنة ومصادر‬
‫السيرة النبوية ‪ -‬في مكان القتال يوم غزوة بدر‪ ..‬وفى الموقف‬
‫من أسراها‪ ..‬وفى مكان القتال يوم موقعة ُأحد‪ ..‬وفى مصالحة‬
‫بعض الحزاب يوم الخندق‪ ..‬إلخ‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫ولن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أراد الله له أن يكون‬
‫القدوة والسوة للمة‪) :‬لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة‬
‫لمن كان يرجو الله واليوم الخر وذكر الله كثيًرا(‪.‬‬
‫وحتى ل يقتدي الناس باجتهاد نبوي لم يصادف الولى‪ ،‬كان نزول‬
‫الوحي لتصويب اجتهاداته التي لم تصادف الولى‪ ،‬بل وعتابه ‪-‬‬
‫أحياًنا ‪ -‬على بعض هذه الجتهادات والختيارات من مثل‪) :‬عبس‬
‫وتولى * أن جاءه العمى * وما يدريك لعله يزكى * أو يذكر‬
‫فتنفعه الذكرى * أما من استغنى * فأنت له تصدى * وما عليك‬
‫أل يزكى * وأما من جاءك يسعى * وهو يخشى * فأنت عنه‬
‫تلهى(‪ .‬ومن مثل‪) :‬يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى‬
‫مرضاة أزواجك والله غفور رحيم * قد فرض الله لكم تحلة‬
‫أيمانكم والله مولكم وهو العليم الحكيم * وإذ أسر النبي إلى‬
‫بعض أزواجه حديًثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عّرف بعضه‬
‫وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني‬
‫العليم الخبير(‪ .‬ومن مثل‪) :‬ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى‬
‫يثخن في الرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الخرة والله‬
‫عزيز حكيم * لول كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب‬
‫عظيم(‪.‬‬
‫وغيرها من مواطن التصويب اللهي للجتهادات النبوية فيما لم‬
‫يسبق فيه وحى‪ ،‬وذلك حتى ل يتأسى الناس بهذه الجتهادات‬
‫المخالفة للولى‪.‬‬
‫فالعصمة للرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فيما يبلغ عن الله‬
‫شرط لزم لتحقيق الصدق والثقة في البلغ اللهي‪ ،‬وبدونها ل‬
‫يكون هناك فارق بين الرسول وغيره من الحكماء والمصلحين‪،‬‬
‫ومن ثم ل يكون هناك فارق بين الوحي المعصوم والمعجز وبين‬
‫الفلسفات والبداعات البشرية التي يجوز عليها الخطأ‬
‫والصواب‪ ..‬فبدون العصمة تصبح الرسالة والوحي والبلغ قول‬
‫بشر‪ ،‬بينما هي ‪ -‬بالعصمة ‪ -‬قول الله ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬الذي‬

‫‪6‬‬
‫مب َّلغ هي‬
‫بلغه وبينه المعصوم ‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪ ..-‬فعصمة ال ُ‬
‫ضا ‪ -‬الشرط لنفى العبث‬ ‫الشرط لعصمة البلغ‪ ..‬بل إنها ‪ -‬أي ً‬
‫وثبوت الحكمة لمن اصطفى الرسول وبعثه وأوحى إليه بهذا‬
‫البلغ‬
‫‪----------------------‬‬
‫)‪ (3‬دعوى‪ :‬خلو الكتب السابقة من البشارة برسول‬
‫السلم‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬
‫زعموا أن محمدا ً صلى الله عليه وسلم ليس برسول‪ .‬وبنوا هذا‬
‫الزعم على أربع شعب هي‪:‬‬
‫‪ .1‬إن العهد والنبوة والكتاب محصورة في نسل إسحق ل‬
‫إسماعيل‪.‬؟!‬
‫ً‬
‫‪ .2‬إن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يأت بمعجزات‪.‬؟!‬
‫‪ .3‬إن القرآن من نوادر العمال النسانية ‪ ،‬فليس هو معجزًا)‬
‫‪(1‬؟!‬
‫‪ .4‬إن الكتب السابقة ‪ -‬التوراة وملحقاتها والناجيل ‪ -‬خلت من‬
‫البشارة برسول السلم؟!‬
‫الرد على الشبة‪:‬‬
‫ولكن قبل أن نواجهها مواجهة مباشرة أريد أن أقدم كلمة موجزة‬
‫بين يدي هذه المواجهة ‪ ،‬رأيت أن تقديمها من أوجب الواجبات‬
‫في هذا المجال‪.‬‬
‫وجود "البشارات" وعدمها سواء‪ ..‬أجل‪ :‬إن وجود البشارات‬
‫فا سواء‪ ،‬وجودها مثل عدمها‪،‬‬ ‫وعدمها في الكتب المشار إليها آن ً‬
‫وعدمها مثل وجودها‪ .‬فرسالة رسول السلم صلى الله عليه‬
‫وسلم ليست في حاجة إلى دليل يقام عليها من خارجها‪ ،‬بحيث‬
‫إذا لم يوجد ذلك الدليل "الخارجي" بطلت ‪ -‬ل سمح الله ‪ -‬تلك‬
‫الرسالة؛ فهي رسالة دليلها فيها‪ ،‬ووجود البشارات بها في كتب‬
‫متقدمة ‪ -‬زمنا ‪ -‬عليها ل يضيف إليها جديدًا‪ ،‬وعدم وجود تلك‬
‫البشارات ل ينال منها شيئا ً قط‪.‬‬
‫فهي حقيقة قائمة بذاتها لها سلطانها الغني عما سواها‪ .‬ودليلها‬
‫قائم خالد صالح للفحص في كل زمان ومكان‪ ،‬باق بقاء رسالته‬
‫أبد الدهر أشرق ولم يغب‪ ،‬ظهر ولم يختف‪ ،‬قوى ولم يضعف‪.‬‬
‫عل ولم يهبط‪ ،‬إنه دليل صدق النبياء كلهم‪ .‬فكل النبياء مضوا‬
‫ولم يبق من أدلة صدقهم إل ما جاء في هذا الدليل "القرآن‬
‫العظيم" حيث شهد لهم بالصدق والوفاء وأنهم رسل الله‬
‫المكرمون‪..‬‬

‫‪7‬‬
‫فل يظنن أحد ُ أننا حين نتحدث عن بشارات الكتب السابقة‬
‫برسول السلم إنما نتلمس أدلة نحن في حاجة إليها لثبات‬
‫صدق رسول السلم في دعواه الرسالة‪ .‬فرسول السلم ليس‬
‫في حاجة إلى "تلك البشارات" حتى ولو سلم لنا الخصوم‬
‫بوجودها فله من أدلة الصدق ما لم يحظ به رسول غيره‪.‬‬
‫وستعالج البشارة به صلى الله عليه وسلم على قسمين‪:‬‬
‫‪ -1‬بشاراته صلى الله عليه وسلم في التوراة‪.‬‬
‫‪ -2‬بشاراته صلى الله عليه وسلم في النجيل‪.‬‬
‫ل‪ :‬البشارات في التوراة تعددت البشارات برسول السلم في‬ ‫أو ً‬
‫التوراة وملحقاتها‪ ،‬ولكن اليهود أزالوا عنها كل معنى صريح‪،‬‬
‫وصيروها نصوصا ً احتمالية تسمح لهم بصرفها عنه صلى الله عليه‬
‫وسلم ومع هذا فقد بقيت بعد تعديلها وتحريفها قوية الدللة على‬
‫معناها "الصلي" من حملها على رسول السلم صلى الله عليه‬
‫وسلم لن حملها على غيره متعذر أو متعسر أو محال‪.‬‬
‫فهي أشبه ما تكون برسالة مغلقة محي "عنوانها" ولكن صاحب‬
‫الرسالة قادر ‪ -‬بعد فضها ‪ -‬أن يثبت اختصاصها به ‪ ،‬لن الكلم "‬
‫الداخلي " الذي فيها يقطع بأنها " له " دون سواه؛ لما فيها من‬
‫"قرائن" وبينات واضحة ونعرض ‪ -‬فيما يلى ‪ -‬بعضا ً منها‪:‬‬
‫"وهذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل‬
‫قبل موته"‪.‬‬
‫فقال‪" :‬جاء الرب من سيناء ‪ ،‬وأشرق لهم من ساعير ‪ ،‬وتلل من‬
‫جبل فاران")‪.(2‬‬
‫في هذا النص إشارة إلى ثلث نبوات‪:‬‬
‫الولى‪ :‬نبوة موسى عليه السلم التي تلقاها على جبل سيناء‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬نبوة عيسى عليه السلم وساعير هي قرية مجاورة لبيت‬
‫المقدس ‪ ،‬حيث تلقى عيسى عليه السلم أمر رسالته‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وجبل فاران هو المكان‬
‫الذي تلقى فيه ‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪ -‬أول ما نزل عليه من‬
‫الوحي وفاران هي مكة المكرمة مولد ومنشأ ومبعث محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وهذه العبارة ‪ -‬مرة أخرى ‪ -‬تضمنت خبرا ً وبشارتين‪:‬‬
‫فالخبر هو تذكير موسى بفضل الله عليه حيث أرسله إليهم‬
‫رسو ً‬
‫ل‪.‬‬
‫والبشارتان‪:‬‬
‫الولى‪ :‬خاصة بعيسى عليه السلم‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬خاصة بمحمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫وموقف اليهود منهما النفي‪ :‬فل الولى بشارة بعيسى ابن مريم‬
‫ول الثانية بشارة برسول السلم‪.‬‬
‫أما موقف النصارى فإن النفي ‪ -‬عندهم ‪ -‬خاص ببشارة رسول‬
‫السلم‪ .‬ولهم في ذلك مغالطات عجيبة ‪ ،‬حيث قالوا إن "فاران"‬
‫هي "إيلت" وليست مكة‪ .‬وأجمع على هذا "الباطل" واضعو‬
‫موا‬‫سل ّ ُ‬
‫كتاب‪ :‬قاموس الكتاب المقدس‪ .‬وهدفهم منه واضح إذ لو َ‬
‫بأن "فاران" هي مكة المكرمة ‪ ،‬للزمهم إما التصديق برسالة‬
‫رسول السلم ‪ ،‬وهذا عندهم قطع الرقاب أسهل عليهم من‬
‫الذعان له!! أو يلزمهم مخالفة كتابهم المقدس ‪ ،‬ولم يقتصر‬
‫ورود ذكر "فاران" على هذا الموضع من كتب العهد القديم ‪ ،‬فقد‬
‫ورد في قصة إسماعيل عليه السلم مع أمه هاجر حيث تقول‬
‫التوراة‪ :‬إن إبراهيم عليه السلم استجاب لسارة بعد ولدة هاجر‬
‫ابنها إسماعيل وطردها هي وابنها فنزلت وسكنت في "برية‬
‫فاران")‪ .(3‬على أنه يلزم من دعوى واضعي قاموس الكتاب‬
‫المقدس من تفسيرهم فاران بإيلت أن الكذب باعترافهم وارد‬
‫في التوراة‪ .‬لنه لم يبعث نبي من "إيلت" حتى تكون البشارة‬
‫صادقة‪ .‬ومستحيل أن يكون هو عيسى عليه السلم ؛ لن العبارة‬
‫تتحدث عن بدء الرسالت وعيسى تلقى النجيل بساعير وليس‬
‫بإيلت‪.‬‬
‫فليست " فاران " إل " مكة المكرمة " وباعتراف الكثير منهم ‪،‬‬
‫وجبل فاران هو جبل " النور " الذي به غار حراء ‪ ،‬الذي تلقى فيه‬
‫رسول السلم صلى الله عليه وسلم بدء الوحي‪.‬‬
‫وهجرة إسماعيل وأمه هاجر إلى مكة المكرمة " فاران " أشهر‬
‫من الشمس‪.‬‬
‫وترتيب الحداث الثلثة في العبارة المذكورة‪:‬‬
‫جاء من سيناء وأشرق من ساعير وتلل من فاران‪ .‬هذا الترتيب‬
‫الزمنى دليل ثالث على أن " تلل من جبل فاران " تبشير قطعى‬
‫برسول السلم صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وفي بعض " النسخ " كانت العبارة‪" :‬واستعلن من جبل فاران"‬
‫بدل "تلل"‪.‬‬
‫وأيا ً كان اللفظ فإن "تلل" و"استعلن" أقوى دللة من "جاء"‬
‫و"أشرق" وقوة الدللة هنا ترجع إلى "المدلولت " الثلثة‪.‬‬
‫فالشراق جزء من مفهوم "المجيء" وهكذا كانت رسالة عيسى‬
‫بالنسبة لرسالة موسى )عليهما السلم(‪.‬‬
‫أما تلل واستعلن فهذا هو واقع السلم ‪ ،‬رسول ورسالة وأمة ‪،‬‬
‫إلى أن يرث الله الرض ومن عليها‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫هذه المغالطة )فاران هي إيلت( لها مثيل حيث تزعم التوراة أن‬
‫هاجر أم إسماعيل عندما أجهدها العطش هي وابنها إسماعيل‬
‫بعد أن طردا من وجه "سارة" طلبت الماء فلم تجده إل بعد أن‬
‫لقيا ملك " الرب " في المكان المعروف الن " ببئر سبع " ؟!‬
‫وأنها سميت بذلك لذلك‪..‬؟! وكما كذبت فاران دعوى "إيلت"‬
‫؟ وستظل فاران ‪ -‬مكة‬ ‫ذبت "زمزم الطهور" دعوى "بئر سبع" ‍‬ ‫ك ّ‬
‫المكرمة ‪ -‬وزمزم الطهور "عملقين" تتحطم على صخورهما كل‬
‫مزاعم الحقد والهوى‪.‬‬
‫ويجيء نص آخر في التوراة ل محمل له إل البشارة برسول‬
‫السلم صلى الله عليه وسلم مهما غالط المغالطون‪.‬‬
‫وهو قول الله لموسى حسب ما تروى التوراة‪:‬‬
‫"أقيم لهم نبيا ً من وسط إخوتهم مثلك ‪ ،‬وأجعل كلمي في فمه‬
‫فيكلمهم بكل ما أوصيه به ‪ ،‬ويكون أن النسان الذي ل يسمع‬
‫لكلمي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه")‪.(4‬‬
‫حدث هذا حسب روايات التوراة وعدا ً من الله لموسى في آخر‬
‫عهده بالرسالة ‪ ،‬وكان يهمه أمر بني إسرائيل من بعده ‪ ،‬فأعلمه‬
‫الله ‪ -‬حسب هذه الرواية التوراتية ‪ -‬أنه سيبعث فيهم رسول مثل‬
‫موسى عليه السلم‪.‬‬
‫ولقوة دللة النص على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فقد‬
‫وقف أهل الكتابين ‪ -‬اليهود والنصارى ‪ -‬موقفين مختلفين هدفهما‬
‫واحد ‪ ،‬وهو أن النص ليس بشارة برسول السلم‪.‬‬
‫أما اليهود فلهم فيه رأيان‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن العبارة نفسها ليست خبرا ً بل هي نفي ‪ ،‬ويقدرون قبل‬
‫الفعل "أقيم" همزة استفهام يكون الستفهام معها "إنكاريًا"‬
‫وتقدير النص عندهم هكذا " أأقيم لهم نبيا ً من وسط إخوتهم‬
‫مثلك؟!‬
‫بطلن هذا الرأي وهذا الرأي باطل ولن نذهب في بيان بطلنه‬
‫إلى أكثر من كلم التوراة نفسها‪ .‬وذلك ؛ لنه لو كان النص كما‬
‫ذكروا بهمزة استفهام إنكاري محذوفة هي في قوة المذكور لكان‬
‫ل‪ ..‬ولو كان الكلم نفيا ً لما صح أن يعطف عليه‬ ‫الكلم نفيا ً فع ً‬
‫قوله بعد ذلك‪:‬‬
‫"ويكون أن النسان الذي ل يسمع لكلمي الذي يتكلم به باسمي‬
‫أنا أطالبه " ؟! فهذا المقطع إثبات قطعا ً فهو مرتب على إقامة‬
‫النبي الذي وعد به المقطع الذي قبله‪ .‬فدل هذا " العطف " على‬
‫أن المقطع السابق وعد خبرى ثابت ل نفي‪ .‬ويترتب على ذلك‬
‫بطلن القول الذاهب إلى تقدير الستفهام‪..‬؟!‬

‫‪10‬‬
‫الثاني‪ :‬وقد أحس اليهود ببطلن القول بالستفهام فاحتاطوا‬
‫للمر وقالوا ل مانع أن يكون النص خبرا ً ووعدا ً مثبتا ً ‪ ،‬ولكنه ليس‬
‫المقصود به عيسى ابن مريم عليه السلم ول محمد بن عبد الله‬
‫رسول السلم صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬بل المراد به نبى من‬
‫أنبياء إسرائيل يوشع بن نون فتى موسى‪ ،‬أو صموئيل‪..‬؟!‬
‫موقف النصارى‪:‬‬
‫أما النصارى فيحملون البشارة في النص على عيسى عليه‬
‫السلم وينفون أن يكون المراد بها رسول السلم صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وقد علمنا قبل أن اليهود ينفون أن تكون لعيسى‬
‫عليه السلم‪.‬‬
‫وللنصارى مغالطات عجيبة في ذلك إذ يقولون إن النبي الموعود‬
‫به ليس من بنى إسماعيل بل من بنى إسرائيل‪ .‬ومحمد‬
‫إسماعيلي فكيف يرسل الله إلى بنى إسرائيل رجل ً ليس‬
‫منهم‪.‬؟! كما قالوا إن موسى أتى بمعجزات ومحمد لم يأت‬
‫بمعجزات فكيف يكون مثله‪ .‬وقد رددنا على هذه الفرية فيما‬
‫تقدم‪.‬‬
‫الحق الذي ل جدال فيه‪:‬‬
‫والواقع أن كل ما ذهب إليه اليهود والنصارى باطل‪ .‬باطل‪ .‬ولن‬
‫نذهب في بيان بطلنه إلى أبعد من دللة النص المتنازع عليه‬
‫نفسه‪ .‬أما الحق الذي ل جدال فيه فإن هذا النص ليس له محمل‬
‫مقبول إل البشارة برسول السلم صلى الله عليه وسلم وإليكم‬
‫البيان‪:‬‬
‫إن النص المتنازع عليه يقيد البشارة بالنبي الموعود به فيه‬
‫بشرطين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أنه من وسط إخوة بنى إسرائيل‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬أنه مثل موسى عليه السلم صاحب شريعة وجهاد‬
‫لعداء الله وهذان الشرطان ل وجود لهما ل في يوشع بن نون ‪،‬‬
‫ول في صموئيل كما يدعى اليهود في أحد قوليهم‪.‬‬
‫ول في عيسى عليه السلم كما يدعى النصارى‪.‬‬
‫أما انتفاء الشرط الول فلن يوشع وصموئيل وعيسى من بنى‬
‫إسرائيل وليسو من وسط إخوة بنى إسرائيل‪.‬‬
‫ولو كان المراد واحدا ً منهم لقال في الوعد‪ :‬أقيم لهم نبيا ً‬
‫منهم‪ ..‬؟! هذا هو منهج الوحي في مثل هذه المور كما قال في‬
‫شأن النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫)هو الذي بعث في الميين رسول ً منهم‪ .(5)(...‬وكما جاء على‬
‫لسان إبراهيم وإسماعيل )عليهما السلم( )ربنا وابعث فيهم‬
‫رسول ً منهم‪.(6)(...‬‬

‫‪11‬‬
‫وأما انتفاء الشرط الثاني ‪ ،‬فلن‪ :‬ل صموئيل ول يوشع ول عيسى‬
‫ابن مريم كانوا مثل "موسى" عليه السلم‪.‬‬
‫فموسى كان صاحب شريعة ‪ ،‬ويوشع وصموئيل وعيسى وجميع‬
‫الرسل الذين جاءوا بعد موسى عليه السلم من بنى إسرائيل لم‬
‫يكن واحدا ً منهم صاحب شريعة ‪ ،‬وإنما كانوا على شريعة موسى‬
‫عليه السلم‪.‬‬
‫ً‬
‫وحتى عيسى ما جاء بشريعة ولكن جاء متمما ومعدل ً فشريعة‬
‫موسى هي الصل‪ .‬إن عيسى كان مذكرا ً لبنى إسرائيل ومجددا ً‬
‫الدعوة إلى الله على هدى من شريعة موسى عليه السلم !!‬
‫ي البشارة ‪ -‬وبين موسى‬ ‫فالمثلية بين هؤلء ‪ -‬وهي أحد شرط ْ‬
‫عليه السلم ل وجود لها؟!‬
‫الشرطان متحققان في رسول السلم صلى الله عليه وسلم‬
‫وبنفس القوة والوضوح اللذين انتفي الشرطان بهما عمن ذكروا‬
‫من النبياء ثبت ذلك الشرطان لمحمد بن عبد الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪:‬‬
‫فهو من نسل إسماعيل ‪ ،‬وإسماعيل أخو إسحق ‪ ،‬الذي هو أبو‬
‫يعقوب المسمى إسرائيل‪ .‬فهو من وسط إخوة بنى إسرائيل ‪-‬‬
‫بنو عمومتهم ‪ -‬وليس من إسرائيل نفسها‪ .‬وبهذا تحقق الشرط‬
‫ي البشارة‪:‬‬ ‫الول من شرط ْ‬
‫ومحمد ‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪ -‬صاحب شريعة جليلة الشأن لها‬
‫سلطانها الخاص بها ‪ -‬جمعت فأوعت ‪ -‬مثلما كان موسى ‪ -‬أكبر‬
‫رسل بنى إسرائيل ‪ -‬صاحب شريعة مستقلة كانت لها منزلتها‬
‫التي لم تضارع فيما قبل من بدء عهد الرسالت إلى مبعث‬
‫عيسى عليه السلم‪.‬‬
‫وبهذا يتحقق الشرط الثاني من شرطى البشارة وهو " المثليه "‬
‫بين موسى ومحمد )عليهما صلوات الله وسلمه( ‪ ،‬فعلى القارئ‬
‫أن يتأمل ثم يحكم‪.‬‬
‫في المزامير المنسوبة إلى داود عليه السلم وردت كثير من‬
‫العبارات التي ل يصح حمل معناها إل على رسول السلم‪ .‬ومن‬
‫ذلك قول داود كما تروى التوراة‪:‬‬
‫" أنت أبرع جمال ً من بنى البشر‪ .‬انسكبت النعمة على شفتيك‪،‬‬
‫لذلك باركك الله إلى البد‪ .‬تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار ‪،‬‬
‫جللك وبهاؤك‪ .‬وبجللك اقتحم‪ .‬اركب من أجل الحق والدعة‪..‬‬
‫بتلك المسنونة في قلب أعداء الملك ‪ -‬يعنى الله ‪ -‬شعوب تحتك‬
‫يسقطون‪ ..‬من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن البتهاج أكثر‬
‫من رفقائك " )‪.(7‬‬

‫‪12‬‬
‫اسمعي يانيت وأميلي أذنك ‪ ،‬وانسي شعبك وبيت أبيك ‪ ،‬فيشتهي‬
‫الملك الملك حسنك ؛ لنه هو سيدك فاسجدي له‪ .‬وبنت صور‬
‫أغنى الشعوب تترضى وجهك بهدية‪ .‬كلها مجد ابنة الملك في‬
‫خدرها‪ .‬منسوجة بذهب ملبسها مطرزة ‪ ،‬تحضر إلى الملك في‬
‫إثرها عذارى صاحباتها مقدمات إليك يحضرن بفرح وابتهاج‬
‫يدخلن إلى قصر الملك‪ .‬عوضا ً عن آبائك يكون بنوك نقيمهم‬
‫رؤساء في كل الرض اذكر اسمك في كل دور فدور من أجل‬
‫ذلك تحمدك الشعوب إلى الدهر والبد " وقفة مع هذا الكلم في‬
‫المقطع الول )أ( ل تنطبق الوصاف التي ذكرها داود إل على‬
‫رسول السلم صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فهو الذي قاتل بسيفه في سبيل الله وسقطت أمامه شعوب‬
‫عظيمة كالفرس والروم‪.‬‬
‫وهو الممسوح بالبركة أكثر من رفقائه النبياء ؛ لنه خاتم‬
‫النبيين ‪ ،‬ورسالته عامة خالدة )وما أرسلناك إل رحمة للعالمين ()‬
‫‪.(8‬‬
‫ولم يترك رسول هدى وبيانا مثلما ترك رسول السلم في‬
‫القرآن الحكيم ‪ ،‬وفي أحاديثه وتوجيهاته ‪ ،‬التي بلغت مئات اللف‬
‫‪ ،‬وتعددت المصادر التي سجلتها ‪ ،‬وفيها من روائع البيان ‪ ،‬وصفاء‬
‫اللفاظ ‪ ،‬وشرف المعاني ما ليس في غيرها‪.‬‬
‫أما المقطع الثاني )ب( فهو أوصاف للكعبة الشريفة‪ .‬فهي التي‬
‫تترضاها المم بالهدايا‪ .‬وهي ذات الملبس المنسوجة بالذهب‬
‫والمطرزة ‪ ،‬وهي التي يذكر اسمها في كل دور فدور وتأتيها‬
‫قوافل" الحجيج " رجال ً ونساًء من كل مكان فيدخل الجميع في "‬
‫قصر الملك " ويحمدها الناس إلى البد؛ لن الرسالة المرتبطة‬
‫بها رسالة عامة‪ :‬لكل شعوب الرض النس والجن‪ .‬بل والملئكة‪.‬‬
‫وفي مواسم الحج يأتيها القاصدون من جميع بقاع الرض‬
‫مسلمين‪ ،‬ورعايا مسلمين من بلد ليست مسلمة‪ .‬خالدة‪ :‬لم ينته‬
‫العمل بها بوفاة رسولها‪ ،‬كما هو الحال فيما تقدم‪ .‬وإنما هي دين‬
‫الله إلى البد البيد‪.‬‬
‫وأشعيا وسفره من أطول أسفار العهد القديم ملئ بالشارات‬
‫الواضحة التي تبشر برسول السلم صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولول‬
‫المنهج الذي أخذنا به هنا وهو عدم التطويل لذكرنا من ذلك‬
‫الكثير؛ ولذا فإننا نكتفي بهذا المقطع لدللته القوية على ما‬
‫نقول‪:‬‬
‫" قومي استنيري؛ لنه قد جاء نورك ‪ ،‬ومجد الرب أشرق عليك‪..‬‬
‫لنه ها هي الظلمة تغطى الرض والظلم الدامس المم‪ .‬أما‬

‫‪13‬‬
‫عليك فيشرق الرب ‪ ،‬ومجده عليك يرى‪ .‬فتسير المم في‬
‫نورك ‪ ،‬والملوك في ضياء إشراقك‪.‬‬
‫ارفعي عينيك حوالي وانظري‪ .‬قد اجتمعوا كلهم جاءوا إليك‪ .‬يأتي‬
‫بنوك من بعيد‪ ،‬وتحمل بناتك على اليدي ‪ ،‬حينئذ تنظرين وتنيرين‬
‫ويخفق قلبك ويتسع ؛ لنه تحول إليك ثروة البحر ‪ ،‬ويأتي إليك‬
‫غنى المم تغطيك كثرة الجمال بكران مديان ‪ ،‬وعيفة كلها تأتي‬
‫من شبا‪ .‬تحمل ذهًبا ولباًنا ‪ ،‬وتبشر بتسابيح الرب‪ .‬كل غنم قيدار‬
‫تجتمع إليك‪ .‬كباش نبايوت تخدمك تصعد مقبولة على مذبحي‪،‬‬
‫وأزين بيت جمالي‪.‬‬
‫من هؤلء الطائرون كسحاب وكالحمام إلى بيوتها‪ .‬إن الجزائر‬
‫تنتظرني وسفن ترشيش في الول لتأتى من بعيد ‪ ،‬وفضتهم‬
‫وذهبهم معهم ل سم الرب إلهك…)‪.(9‬‬
‫وبنو الغريب يبنون أسوارك‪ ،‬وملوكهم يخدمونك‪ ..‬وتفتح أبوابك‬
‫دائما نهارا ً وليل ً ل تغلق ‪ ،‬ليؤتى إليك بغنى المم وتقاد ملوكهم‪)...‬‬
‫‪.(10‬‬
‫دللة هذه النصوص‪:‬‬
‫بل أدنى ريب فإن هذا الكلم المنسوب إلى أشعيا وصف لمكة‬
‫المكرمة وكعبتها الشامخة‪.‬‬
‫فالمقطع الول إنما هو حديث عن موسم الحج المبارك فيه‬
‫يجتمع بنوها حولها من كل مكان وفيه لمحة قوية جدا ًُ إلى نحر‬
‫الهدى صبيحة العيد‪ .‬ألم يشر النص إلى غنم قيدار‪ ،‬وقيدار هوولد‬
‫إسماعيل عليه السلم الذي تشعبت منه قبائل العرب‪ .‬ثم ألم‬
‫ينص على المذبح الذي تنحر عليه الذبائح؟ كما أشار النص ثلث‬
‫إشارات تعد من أوضح الدلة على أن المراد بهذا النص مكة‬
‫المكرمة‪ .‬وتلك الشارات هي طرق حضور الحجاج إليها‪ .‬ففي‬
‫القديم كانت وسائل النقل‪ :‬ركوب الجمال‪ .‬ثم السفن‪ .‬أما في‬
‫العصر الحديث فقد جدت وسيلة النقل الجوى "الطائرات"‬
‫وبشارة أشعيا تضمنت هذه الوسائل الثلث على النحو التي‪:‬‬
‫‪ -1‬الجمال ‪ ،‬قال فيها‪ :‬تغطيك كثرة الجمال!!‬
‫‪ -2‬السفن ‪ ،‬قال فيها‪ :‬وسفن ترشيش تأتي ببنيك من بعيد!‬
‫‪ -3‬النقل الجوى‪ ،‬وفيه يقول‪ :‬من هؤلء الطائرون كسحاب‬
‫وكالحمام إلى بيوتها؟!!‬
‫أليس هذا أوضح من الشمس في كبد السماء‪.‬‬
‫على أن النص ملئ بعد ذلك بالدقائق والسرار ‪ ،‬ومنها أن مكة‬
‫مفتوحة البواب ليل ً ونهارا ً لكل قادم في حج أو عمرة!!‬

‫‪14‬‬
‫ومنها أن خيرات المم تجبى إليها من كل مكان ‪ ،‬والقرآن يقرر‬
‫هذا المعنى في قول الله تعالى‪) :‬أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى‬
‫إليه ثمرات كل شيء()‪.(11‬‬
‫ومنها أن بنى الغريب )يعنى غير العرب( يبنون أسوارها‪ .‬وكم من‬
‫اليدي العاملة الن‪ ،‬وذوي الخبرات يعملون فيها ويشيدون قلعها‬
‫فوق الرض وتحت الرض ومنها أنه ما من عاصمة من عواصم‬
‫العالم إل دخلت في محنة من أهلها أو من غير أهلها إل هذه‬
‫"العاصمة المقدسة"‪ ,‬فظلت بمأمن من غارات الغائرين وكيد‬
‫الكائدين‪ ،‬ومثلها المدينة المنورة‪.‬‬
‫ن الله بها عليها‪ .‬أليس البترول من‬ ‫م ّ‬‫ومنها كثرة الثروات التي َ‬
‫ثروات البحر العظمى التي تفجرت أرض الحجاز وشبه الجزيرة‬
‫منه عيونا ً دفاقة بمعدل لم تصل إليه أمة من المم‪ .‬أضف إلى‬
‫ذلك سبائك الذهب والفضة‪.‬‬
‫والحديث عن مكة المكرمة حديث عن رسول السلم ؛ لن‬
‫مجدها لم يأت إل على يدي بعثته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫هذه الحقائق ل تقبل الجدل‪ .‬ومع هذا فإن أهل الكتاب )وخاصة‬
‫اليهود( يحملون هذه الوصاف على مدينة "صهيون" ولهذا فإنهم‬
‫عمدوا إلى النص وعدلوه ليصلح لهذا الزعم‪ .‬ولكننا نضع المر‬
‫بين يدي المنصفين من كل ملة‪ .‬أهذه الوصاف يمكن أن تطلق‬
‫على مدينة "صهيون"‪.‬‬
‫لقد خرب " بيت الرب " في القدس مرارا ً وتعرض لعمال‬
‫شنيعة على كل العصور‪ .‬أما الكعبة الشريفة والمسجد الحرام‬
‫فلم يصل أحد إليهما بسوء ‪ ،‬ثم أين ثروات البحر والبر التي تجبى‬
‫إلى تلك المدينة وأهلها )إلى الن( يعيشون عالة على صدقات‬
‫المم‪.‬‬
‫جوّا ً ‪ ،‬وهل أبوابها‬
‫وأين هي المواكب التي تأتى إليها برا ً وبحرا ً و َ‬
‫مفتوحة ليل ً ونهارا ً ‪ ،‬وأين هم بنوها الذين اجتمعوا حولها‪.‬‬
‫وما صلة غنم قيدار وكباش مدين بها‪ .‬وأين هو التسبيح الذي‬
‫؟ إن هذه المغالطات ل‬ ‫يشق عنان السماء منها‪ ..‬وأين‪ ..‬وأين‪‍ ..‬‬
‫تثبت أمام قوة الحق ‪ ،‬ونحن يكفينا أن نقيم هذه الدلة من كتبهم‬
‫على صدق الدعوى ‪ ،‬ول يهمنا أن يذعن القوم لما نقول فحسبك‬
‫من خصمك أن تثبت باطل ما يدعيه أمام الحق الذي تدافع عنه‪.‬‬
‫والفاصل بيننا ـ في النهاية ـ هو الله الذي ل ُيبدل القول لديه‪.‬‬
‫وتنسب التوراة إلى نبي يدعى "حبقوق" من أنبياء العهد القديم ‪،‬‬
‫وله سفر صغير قوامه ثلثة إصحاحات‪.‬‬
‫تنسب إليه التوراة نصوصا ً كان يصلي بها‪ .‬تضمنها الصحاح‬
‫الثالث من سفره‪ .‬وهذا الصحاح يكاد يكون كله بشارة برسول‬

‫‪15‬‬
‫السلم صلى الله عليه وسلم‪ .‬وإليكم مقاطع منه‪" :‬الله جاء من‬
‫تيمان‪ ،‬والقدوس من جبل فاران ـ سله ـ جلله غطى السماوات‪.‬‬
‫والرض امتلت من تسبيحه وكان لمعان كالنور له من يديه شعاع‬
‫‪ ،‬وهناك استتار قدرته‪ .‬قدامه ذهب الوبأ‪ .‬وعند رجليه خرجت‬
‫الحمى‪ .‬وقف وقاس الرض‪ ،‬نظر فرجف المم ودكت الجبال‬
‫الدهرية‪ ،‬وخسفت آكام القوم‪.‬‬
‫مسالك الزل يسخط دست المم ‪ ،‬خرجت لخلص شعبك‪...‬‬
‫سحقت رأس بيت الشرير معريا ً الساس حتى العنق‪ ...‬سلكت‬
‫البحر بخيلك‪.(12)..‬‬
‫دللت هذه الشارات‪:‬‬
‫ل يستطيع عاقل عالم بتاريخ الرسالت ومعاني التراكيب أن‬
‫يصرف هذه النصوص على غير البشارة برسول السلم صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ .‬فالجهتان المذكورتان في مطلع هذا المقطع‬
‫وهما‪ :‬تيمان‪ :‬يعنى اليمن‪ ،‬وجبل فاران‪ :‬يعنى جبل النور الذي‬
‫بمكة المكرمة التي هي فاران‪ .‬هاتان الجهتان عربيتان‪ .‬وهما رمز‬
‫لشبه الجزيرة العربية التي كانت مسرحا ً أوليا ً لرسالة محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فليس المراد إذن نبيا ً من بنى إسرائيل؛ لنه معلوم أن رسل بنى‬
‫ل‪ .‬ل من جهة بلد‬‫إسرائيل كانت تأتى من جهة الشام شما ً‬
‫العرب‪ .‬وهذه البشارة أتت مؤكدة للبشـارة المماثلة ‪ ،‬التي تقدم‬
‫ذكرها من سفر التثنية ‪ ،‬وقد ذكرت أن الله‪ :‬تلل أو استعلن من‬
‫جبل فاران‪.‬‬
‫بيد أن بشارة التثنية شملت الخبار بمقدم موسى عليه السلم‬
‫والتبشير بعيسى عليه السلم وبمحمد صلى الله عليه وسلم أما‬
‫بشـارة حبقوق فهي خاصة برسول السلم صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ .‬ولو لم يكن في كلم حبقوق إل هذا "التحديد" لكان ذلك‬
‫كافيا ً في اختصاص بشارته برسول السلم صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ,‬ومع هذا فقد اشتمل كلم حبقوق على دلئل أخرى ذات‬
‫مغزى‪:‬‬
‫منها‪ :‬الشارة إلى كثرة التسبيح حتى امتلت منه‬ ‫•‬
‫الرض‪ ..‬؟!‬
‫ومنها‪ :‬دكه صلى الله عليه وسلم لعروش الظلم‬ ‫•‬
‫والطغيان وقهر الممالك الجائرة‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن خيل جيوشه ركبت البحر ‪ ،‬وهذا لم يحدث إل‬ ‫•‬
‫في ظل رسالة السلم‪.‬‬
‫على أن كلم حبقوق ملئ بالرمز والشارات مما يفيدنا في هذا‬
‫المجال ولكننا نتجاوزه لمرين‪:‬‬

‫‪16‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن في الشارات الصريحة غناء عنها‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬عدم التطويل ـ هنا ـ كما اتفقنا‪.‬‬
‫بشاراته صلى الله عليه وسلم في العهد الجديد أسفار العهد‬
‫الجديد )الناجيل والرسائل( حافلة بالنصوص التي يتعين أن تكون‬
‫"بشارات" برسول السلم صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫تلك البشـارات تعـلن أحيانا ً في صورة الوعـد بملكوت الله أو‬
‫ملكوت السماوات‪ .‬وأحيانا أخـرى بالـروح القـدس‪ .‬ومرات‬
‫باسـم المعـزى أو الفارقليط ‪ ،‬وهي كلمة يونانية سيأتي فيما بعد‬
‫معناها ‪ ،‬تلك هي صورة البشارات في الناجيل في صيغها‬
‫المعروفة الن‪.‬‬
‫ففي إنجيل متى وردت هذه العبارة مسـندة إلى يحيى عليه‬
‫السلم المسمى في الناجيل‪ :‬يوحنا المعمدان‪ .‬وفيها يقول‪:‬‬
‫"توبوا ؛ لنه قد اقترب ملكوت السماوات")‪.(13‬‬
‫فمن هو ملكوت السماوات الذي بشر به يحيى؟! هل هو عيسى‬
‫عليه السلم ـ كما يقول النصارى؟!‬
‫هذا احتمال‪ ..‬ولكن مّتى نفسه يدفعه حيث روى عن عيسى عليه‬
‫السلم نفس العبارة‪" :‬توبوا ؛ لنه قد اقترب ملكوت‬
‫السماوات")‪.(14‬‬
‫فلـو كان المراد بملكـوت السماوات ـ هذه ـ عيسى عليه السلم‬
‫لما وردت هذه "البشارة" على لسان عيسى؛ إذ كيف يبشر‬
‫بنفسه ‪ ،‬وهو قائم موجود ‪ ،‬والبشـارة ل تكون إل بشئ محـبوب‬
‫سيأتي‪ ،‬كما أن النذار ـ قسيمه ـ ل يكون إل بشيء "مكروه" قد‬
‫يقع‪.‬‬
‫فكلهما‪ :‬التبشير والنذار ـ أمران مستقبلن‪.‬‬
‫إن ورود هذه العبارة عن عيسى نفسه تخصيص لذلك العموم‬
‫المستفاد من عبارة يحيى عليهما السلم‪.‬‬
‫فدل ذلك على أن المراد بملكوت السماوات رسول آخر غير‬
‫عيسى‪ .‬ولم يأت بعد عيسى ـ باعتراف الجميع ـ رسول غير‬
‫رسول السلم صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فدل ذلك على أنه هو المراد بملكوت السماوات في عبارة‬
‫عيسى عليه السلم ـ قول ً واحدا ً ـ وباحتمال أرجح في عبارة‬
‫يحيى؛ إذ ل مانع عندنا ـ أن يكون يحيى عليه السلم قد بشر بها‬
‫بعيسى عليه السلم‪.‬‬
‫أما بشارة عيسى فل موضع لها إل الحمل ـ القطعي ـ على‬
‫رسول السلم صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫مّتى‬‫وفي صيغة الصلة التي علمها المسيح لتلميذه ـ كما يروي َ‬
‫مّتى في هذا‬ ‫نفسه ـ بشارة أخرى بنبي السـلم‪ .‬وهذا هو نص َ‬

‫‪17‬‬
‫"فصلوا أنتم هكذا‪ :‬أبانا الذي في السماوات ليتقدس اسمك ليأت‬
‫ملكوتك")‪.(15‬‬
‫ووردت هذه الصيغة في إنجيل لوقا هكذا‪" :‬متى صليتم فقـولوا‪:‬‬
‫أبانا الذي في السماوات ليتقـدس اسمك ليأت ملكوتك‪.(16)"..‬‬
‫ويذكر لوقا أن المسيح جمع تلميذه‪ ،‬وعلمهم كيف يقهرون‬
‫الشياطين‪ ،‬ويشفـون المراض ثم قال‪" :‬وأرسلهم ليكرزوا ـ أي‬
‫يبشروا ـ بملكوت الله")‪.(17‬‬
‫أما مرقس فيسند هذه البشارة إلى المسيح نفسه إذ يقول‪" :‬جاء‬
‫يسوع إلى الجبل يكرز ببشارة ملكوت الله ويقول‪ :‬قد كمل‬
‫الزمان واقترب ملكوت الله " )‪.(18‬‬
‫فهـؤلء ثلثة من التلمذة يتفقـون على أن يحيى وعيسى )عليهما‬
‫السلم( قد بشرا بملكوت الله الذي اقترب‪.‬‬
‫فمن المراد بملكوت الله إذا لم يكن هو رسول السلم صلى الله‬
‫عليه وسلم؟! وأكاد أجزم بأن عبارة "المسيح ‪ ،‬قد كمل الزمان"‬
‫ل تعني سوى انتهاء عصر الرسالت الموقوتة وإقبال الرسالة‬
‫الخالدة!!‬
‫أما يوحنا صاحب رابع الناجيل‪ .‬فإنه يذكر هذه البشارات في‬
‫مواضع متعددة من إنجيله‪ .‬ومن ذلك ما يرويه عن المسيح عليه‬
‫السلم " الذي ل يحبني ل يحفظ كلمي‪ ،‬والكلم الذي تسمعونه‬
‫ليس لي بل للب الذي أرسلني‪ .‬بهذا كلمتكم وأنا عندكم‪ .‬وأما‬
‫المعزى )اسم فاعل من الفعل المضعف العين عزى()‪ (19‬الروح‬
‫القدس‪ ،‬الذي سيرسله الب باسمي فهو يعلمكم كل شيء‬
‫ويذكركم بما قلته لكم")‪.(20‬‬
‫كما يروي يوحنا قول المسيح ـ التي ـ مع تلميذه‪" :‬إنه خير لكم‬
‫أن انطلق‪ .‬إن لم أنطلق ل يأتيكم المعزى‪ ،‬ولكن إن ذهبت‬
‫أرسله إليكم‪ .‬ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية‪ ،‬وعلى بر‬
‫وعلى دينونة")‪.(21‬‬
‫ويروي كذلك قول المسيح لتلميذه‪" :‬وأما إذا جاء ذاك روح الحق‬
‫‪ ،‬فهو يرشدكم إلى جميع الحق؛ لنه ل يتكلم من نفسه‪ .‬بل كل‬
‫ما يسمع يتكلم به ‪ ،‬ويخبركم بأمور آتية "‪ ..‬؟!)‪.(22‬‬
‫فمن هو المعزى أو روح القدس أو روح الحق الذي بشر به‬
‫المسيح عليه السلم حسبما يروى يوحنا؟!‬
‫معَّرى أو الروح القدس ل يأتي إل‬ ‫إن المسيح يقول‪ :‬إن ذلك ال ُ‬
‫معَّرى أو‬‫بعد ذهاب المسيح‪ ،‬والمسيح ـ نفسه ـ ُيقـّر بأن ذلك ال ُ‬
‫ل منه شأنا‪ ،‬وأعم نفعا ً وأبقى أثرًا‪ ،‬ولذلك قال لتلميذه‪:‬‬ ‫ج ّ‬ ‫َ‬
‫الروح أ َ‬
‫معَّرى‪.‬‬
‫خير لكم أن أنطلق‪ .‬إن لم أنطلق ل يأتيكم ال ُ‬

‫‪18‬‬
‫وكلمة "خير" أفعل تفضيل بمعنى أكثر خيرا ً لكم ذهابي ليأتيكم‬
‫مَعـّزى" مسـاوًيا للمسيح في الدرجة لكانا‬‫المعزى ولو كان "ال ُ‬
‫مستويين في الخيرية ولما ساغ للمسيح أن يقول خير لكم أن‬
‫أنطلق‪.‬‬
‫ومن باب أولى لو كان "المعّزى" أقل فضل ً من المسيح‪ .‬فعبارة‬
‫المسيح دليل قاطع على أنه بشر بمن هو أفضل منه ‪ ،‬ل مساٍو‬
‫له ول أقل‪.‬‬
‫معَّرى أو الروح بأوصـاف ليست‬‫ثم يصف المسيح ذلك ال ُ‬
‫موجـودة في المسيح نفسه عليه السلم‪.‬‬
‫ومن تلك الوصاف‪:‬‬
‫أ ـ إنه يعلم الناس كل شيء‪ .‬وهذا معناه شمول رسالته لكل‬
‫مقومات الصلح في الدنيا والدين‪ .‬وذلك هو السلم‪.‬‬
‫ب ـ إنه يبكت العالم على خطية‪ .‬والشاهد هنا كلمة " العالم "‬
‫وهذا معناه شمول السلم لكل أجـناس البشر ‪ ،‬عربا وعجما ً ‪،‬‬
‫في كل زمان ومكان‪ .‬ولم توصف شريعة بهذين الوصفين إل‬
‫السلم‪.‬‬
‫جـ ـ إنه يخـبر بأمور آتية ‪ ،‬ويذكـر بما مضى‪ .‬وقد تحقق هذا في‬
‫رسالة محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فأخبر بأمور آتية لم يخبر بها من سبقه أو أخبروا ولكن ليس على‬
‫وجه التفصيل والتأكيد الذي كان على يديه صلى الله عليه وسلم‬
‫فكم في القرآن من أمور أخبر بها قبل أن تقع فوقعت كما أخبر ‪،‬‬
‫وكم فيه من الخبار بما سيكون في الحياة الخرة من أوصاف‬
‫الجنة ‪ ،‬والنار ‪ ،‬والبعث ‪ ،‬وعلمات الساعة ‪ ،‬وتخاصم أهل النار ‪،‬‬
‫وحوار أصحاب الجنة مع " رجال العراف " ‪ ،‬وندم من باعوا‬
‫دينهم بدنياهم‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫وذكر بما مضى من أحوال المم ‪ ،‬وقيام الحضارات ثم سقوطها‬
‫وأحوال المرسلين وما بلغوا به أقوامهم والشهادة لهم بالصدق‬
‫والمانة والخلص والوفاء ‪ ،‬ومسلك بعض القوام من رسلهم‬
‫والصراع الذي دار بين المحقين وأهل الباطل ‪ ،‬وعاقبة بعض‬
‫المكذبين‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ثم استوعبت رسالته الحياة كلها فأرست قواعد العتقاد الصحيح‬
‫وسنت طرق العبادة المثمرة ‪ ،‬ووضعت أصول التشريع في كل‬
‫ما هو متعلق بالحياة عاجلها وآجلها ‪ ،‬ووضحت العلقة السليمة‬
‫بين المخلوق والخالق ‪ ،‬وبين الناس بعضهم بعضًا‪ .‬وحررت‬
‫العقول ‪ ،‬وطهرت القلوب ورسمت طريق الهدى لكل نفس‬
‫ولكل جماعة ولكل أمة‪ .‬أي أنها أرشدت إلى كل شيء‪ .‬وعلمت‬
‫كل شيء مما يحتاج تعلمه إلى وحي وتوقيف‪!..‬‬

‫‪19‬‬
‫ذلك هو السلم ‪ ،‬ول شيء غير السلم‪.‬‬
‫وشهدت ـ فيما شهدت ـ للمسيح عليه السلم بأنه رسول كريم‬
‫أمين أدى رسالته وبشر وأنذر بنى إسرائيل‪ ,‬وأنه عبده ورسوله‬
‫)ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون()‪.(23‬‬
‫وشهادة رسول السلم لعيسى عليه السلم منصوص عليها في‬
‫بشارات عيسى نفسه به )صلى الله عليه وسلم(‪ .‬فاسمع إلى‬
‫يوحنا وهو يروى عن المسيح عليه السلم قوله التي‪" :‬ومتى جاء‬
‫المعّزى الذي سأرسله " أنا " إليكم من الب روح الحق من عند‬
‫الب ينبثق فهـو يشهـد لي‪ ..‬وتشهـدون أنتم أيضا ً لنكم معي من‬
‫البتداء")‪.(24‬‬
‫روح القـدس هذا‪ ،‬أو المعّزى ‪ ،‬أو روح الحق ل يمكن أن يكون‬
‫عيسى ؛ لن عـيسى لم يبشر بنفسـه ‪ ،‬وهو كان موجودا ً ساعة‬
‫قال هذا ول يمكن أن يكون المراد به نبيا ً بعد عيسى غير محمد‬
‫)صلى الله عليه وسلم( لننا متفقون على أن عيسى لم يأت‬
‫بعده نبي قبل رسول السلم صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فتعين أن يكون روح القدس ‪ ،‬أو المعّزى ‪ ،‬أو روح الحق تبشيرا‬
‫بمحمد صلى الله عليه وسلم إذ فيه تجتمع تلك الوصاف ‪ ،‬كما‬
‫يتحقق فيه معنى "الفضلية" إذ هو خاتم النبيين‪ ،‬الذي جاء‬
‫بشريعة خالدة عامة‪ ،‬وعلى هذا حملنا قبل قول عيسى‪ :‬خير لكم‬
‫معَّزى " وهذا إقرار من‬ ‫أن أنطلق‪ .‬إن لم أنطلق ل يأتيكم ال ُ‬
‫شر وكفي بذلك شواهد‪.‬‬ ‫مب َ ّ‬‫عيسى بأن المبشر به أفضل من ال ُ‬
‫أما البشارة باسم "الفارقليط" فقد خلت منها الترجمات العربية‬
‫المعاصرة للكتاب المقـدس‪.‬‬
‫ومعـلوم أن الكتاب المقدس خضع للترجمات وطبعات متعددة ؛‬
‫لدرجة أن الترجمات العربية لتختلف من نسخة إلى أخرى اختلفا‬
‫بينًا‪.‬‬
‫وتحت يدي ـ الن ـ نسختان من الطبعـات العربية كلتاهما خاليتان‬
‫من كلمة الفارقليط‪ ،‬وموضوع مكانها كلمة المعزى‪.‬‬
‫بيد أنني وجدت أن ابن القيم ‪ ،‬وابن تيمية ‪ ،‬كل منهما قد نقل‬
‫عن نسخ خطية كانت معاصرة لهما نصوصا ً فيها التصريح باسم‬
‫"الفارقليط" كما أن الشيخ رحمت الله الهندي )رحمه الله( نقل‬
‫في كتابه "إظهار الحق" نصوصا ً "عن ترجمات عربية ترجع إلى‬
‫أعوام‪ 1821 :‬ـ ‪ 1831‬ـ ‪1844‬م وتمت في لندن معنى‬
‫"الفارقليط"‪ :‬كلمة يونانية معناها واحد مما يأتي‪:‬‬
‫الحامد ـ الحماد ـ المحمود ـ الحمد‪ .‬أو معناها كل ما تقدم‪.‬‬
‫فمعنى "فارقليط" يدور حول الحمد وجميع مشتقاته المشار‬
‫إليها‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫وكل واحد منها يصح إطلقه على رسول السلم صلى الله عليه‬
‫ماد والمحمود والحمد ‪ ،‬والمحمد‪.‬‬ ‫وسلم فهو الحامد والح ّ‬
‫وفي الطبعات ـ اللندنية ـ المتقدم ذكرها ورد النص هكذا‪" :‬إن‬
‫كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي‪ .‬وأنا أطلب من الب فيعطيكم‬
‫فارقليط آخر‪ ،‬ليثبت معكم إلى البد"‪.‬‬
‫"الفارقليط" روح القـدس الذي يرسله الب باسمي هو يعلمكم‬
‫كل شيء‪ ،‬وهو يذكركم كل ما قلته لكم")‪.(25‬‬
‫ومقارنة هذين النصـين بالنص المقابل لهما الذي نقلناه آنفا عن‬
‫إنجيل يوحنا من الطبعات العربية الحديثة تريك أن الطبعات‬
‫الحديـثة حـذفت كلمة " الفارقليط " ووضعت مكانها كلمة "‬
‫المعزى " كما تريك أن الطبعات الحديثة حذفت جملة‪ " :‬ليثبت‬
‫معـكم إلى البد " وهو نص على خلود السلم على أنهم عادوا‬
‫واعترفوا بأن كلمة " المعزى " التي في الطبعات الحديثة للكتاب‬
‫المقـدس أصلها مترجـم عن كلمة يونانية لفظا ً ومعنى وهي "‬
‫باراكليتس " ومعناها المعزى ‪ ،‬وليست " فارقليط " أو " بارقليط‬
‫" التي معناها الحماد والحامد‪ ...‬والتي يتمسك بها المسلمون!‬
‫وهذه المحاولت مردودة لسببين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬ليس نحن ـ المسلمين ـ الذين قاموا بعمل بالطبعات‬
‫القديمة التي فيها " الفارقليط " وإنما طبعها النصارى قديمًا‪.‬‬
‫فعملهم حجة على الطبعات الحديثة‪ ,‬وهم غير متهمين في‬
‫عملهم هذا‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬ولو كانت الكلمة "هي‪ :‬الباراكليتس" فلماذا خلت منها‬
‫الطبعات القديمة والنسخ المخطوطة؟!‬
‫بل ولماذا خلت منها الطبعات الحديثة؟!‬
‫وأًيا كان المدار‪ :‬فارقليط ‪ ،‬أو باراكليتس ‪ ،‬أو المعزى ‪ ،‬أو الروح‬
‫القدس فنحن ل نعول على الكلمة نفسها بقدر ما نعول على‬
‫الوصاف التي أجريت عليها‪ .‬مثل يعلمكم كل شيء ـ يمكث‬
‫معكم إلى البد‪.‬‬
‫فهـذه الوصـاف هي لرسـول السـلم صلى الله عليه وسلم‬
‫ومهما اجتهدتم في صرفها عنه فلن تنصرف‪.‬‬
‫ولهم " شبهة " أخرى يحلو لهم تردادها وهي‪ :‬محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم عربي الجنس واللسان ‪ ،‬فكيف يرسله الله إلى أمم‬
‫وأجناس غير عربية‪ ..‬وكيف يكلف الله الناس برسالة ل يعرفون‬
‫لغتها ول عهد لهم بالتحدث معها‪ .‬وكيف يستطيعون أن يفهموا‬
‫؟!‬
‫القرآن ‪ ،‬وتوجيهات رسول السلم ‪ ،‬وهما باللغة العربية ‍‬
‫رد الشبهة‪:‬‬
‫نرد عليها من طريقين‪:‬‬

‫‪21‬‬
‫الول‪ :‬وهو مستمد من واقـع القـوم أنفسهم‪ .‬فهم يدعون تبعا ً‬
‫لما قال "بولس" أن عيسى عليه السلم مرسل لخلص العالم‬
‫كله‪ .‬وأنه أمر حوارييه أن يكرزوا كل العالم برسالة الخلص ‪،‬‬
‫وفي أيامنا هذه كثرت المنشورات التي تقول‪ :‬المسيح مخلص‬
‫ل‪ :‬أية لغة كانت لغة المسيـح عليه‬ ‫العالم‪ .‬وهنا نسأل القوم سؤا ً‬
‫السلم وحوارييه ؟! هل هي العبرانية أم اليونانية؟! وأيا كان‬
‫الجواب فإن المسيح كان يتكلم لغة واحدة‪ .‬وأوحى إليه النجيل‬
‫بلغة واحدة‪ ..‬فعلى أي أساس إذن قلتم‪ :‬إنه منقذ لكل العالم؟!‬
‫هل كل العالم كان وما يزال يعرف لغة المسيح ؟! أم أن العالم‬
‫أيام المسيح كان يتكلم بعدة لغات‪ ..‬والن يتكلم بمئات اللغات؟!‬
‫فإن كنتم قد ادعيتم أن المسيح هو منقذ كل العالم مع تسليمكم‬
‫بأنه كان يتكلم بلغة واحدة فلماذا تنكرون على رسول السلم أن‬
‫يكون مرسل ً لكل العالم‪.‬؟! وما الفرق بين رسول السلم صلى‬
‫الله عليه وسلم والمسيح عليه السلم حتى تحظروا عليه ما‬
‫استبحتموه للمسيح؟! أهذا عدل‪ ..‬أهذا إنصاف!!‬
‫وإن تنازلتم عن عالمية المسيح فأنتم مدينون!!‬
‫الثاني‪ :‬وهو مستمد من طبيعة السلم‪ .‬ومن تاريخه الطويل‬
‫الحافل بكل عجيب‪.‬‬
‫نعم‪ :‬إن محمدا ً صلى الله عليه وسلم عربي اللسان ‪ ،‬والجنس ‪،‬‬
‫والقرآن العظيم الذي جاء به عربي اللسان‪ ،‬عالمي التوجيه‬
‫والتشريع والسلطان‪ .‬ووحدة اللغة في السلم مثل وحدة‬
‫العقيدة فيه‪ .‬ولم يحل دون انتشار السلم بين المم والشعوب‬
‫غير العربية أن لغة رسالته عربية ورسوله عربي ورواده الوائل‬
‫عرب‪ .‬هذه العتبارات لم تحل دون نشر السلم لجميع شعوب‬
‫الرض باختلف لغاتها وعقائدهـا وأجناسها‪.‬‬
‫ما‪ ،‬وهذه أبرز ملمحه‪:‬‬ ‫وكان سلوك الدعوة إلى السلم حكي ً‬
‫ل‪ :‬إن صاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم أرسل رسله‬ ‫أو ً‬
‫يحملون رسائله وكتبه إلى كل رؤساء القبائل وملوك المم‬
‫والشعوب ‪ ،‬وقد بدأت هذه الطريقة بعد وقوع صلح الحديبية ‪،‬‬
‫وكل حامل رسالة أو كتاب إلى رئيس أو ملك كان على علم بلغة‬
‫من هم المبعوث إليهم‪.‬‬
‫فقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل دحية بن خليفة‬
‫الكلبي‪.‬‬
‫وأرسل إلى المقوقس عظيم القبـط بمصـر حاطب بن أبى‬
‫بلتعة‪ .‬وأرسل إلى كسرى عبد الله بن حذافة السهمي‪.‬‬
‫وأرسل إلى الحارث بن أبى شمر الغساني شجاع بن ذهب‬
‫السدى‪ .‬وكان هؤلء الرسل عالمين بلغات من أرسلوا إليهم‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫كما كان صلى الله عليه وسلم يحتفظ بمترجمين يترجمون له ما‬
‫يرد من رسائل لغتها غير العربية‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إن الملوك والرؤساء كان لديهم مترجمون ـ كذلك ـ‬
‫يترجمون لهم ما يرد من رسول السلم أو يقومون بالترجمة من‬
‫العربية إلى غيرها ‪ ،‬ومن غير العربية إلى العربية في حالة ما إذا‬
‫كان " المرسل " وفدا ً يحمل رسائل شفوية للتبليغ‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬إن اليهود وكثيرا ً من النصارى كانوا يعرفون اللسان‬
‫العربي ‪ ،‬ومن النصارى من هم عـرب خلص كنصـارى نجـران ‪،‬‬
‫كما أن العجم من الفرس والروم كان من بينهم عرب يعايشونهم‬
‫ويقيمون بينهم‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬كان صاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم يحض أصحابه‬
‫على تعلم لغات المم ومما يروى عنه ـ عليه الصلة السلم ـ‬
‫قوله‪ :‬من تعلم لغة قوم أمن غوائلهم‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬لما اجتازت الدعوة مرحلة الدعوة بالرسالة والكتاب‬
‫والوفد ‪ ،‬والبعث ‪ ،‬ودخلت في مرحلة الفتح كان الجنود‬
‫المسلمون ينشرون اللغة العربية كما ينشرون السلم نفسه‪.‬‬
‫وما من أرض حل بها السلم إل وقد حلت بها اللغة العربية‬
‫تعضده ‪ ،‬وتؤازره في انسجام عجيب ‪ ،‬فقضت اللغة العربية على‬
‫لغات المم والشعوب وحلت هي محلها‪ .‬قضت على القبطية في‬
‫مصر وعلى الفارسية في الشام وعلى البربرية في شمال غرب‬
‫أفريقيا كما قضت على السريانية وغيرها من اللغات ‪ ،‬وأصبحت‬
‫هي لغة الحياة والدارة والكتابة والنشر والتأليف‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬قام العرب المسلمون بترجمة ما دعت إليه المصلحة‬
‫من تراث المم المفتوحة ‪ ،‬ففتحوا نوافذ الفكر ‪ ،‬والثقافة ‪،‬‬
‫والمعرفة لمن ل يعرف غير العربية من العرب المسلمين‪ .‬كما‬
‫ترجموا من الفكر السلمي ما يصلح ضرورة لغير العرب من‬
‫المسلمين فنقلوه من العربية إلى غير العربية وفاًء بحق الدعوة‬
‫والتبليغ‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬أقبل غير العرب من الذين دخلوا السلم على تعلم‬
‫العربية وتركوا لغاتهم الصلية وأصبحوا عربي اللسان واللغة‪.‬‬
‫ومن هـؤلء أعلم ل يحصون كان لهم فضل عظيم في إنماء‬
‫الفكر السلمي منهم اللغويون ‪ ،‬والنحويون ‪ ،‬والبيانيون ‪،‬‬
‫والفقـهاء ‪ ،‬والصوليون ‪ ،‬والمفسرون ‪ ،‬والمحدثون ‪ ،‬والمتكلمون‬
‫‪ ،‬والفلسفة ‪ ،‬والمناطـقة ‪ ،‬والرياضيون ‪ ،‬والطباء ‪ ،‬والفلكيون ‪،‬‬
‫بل والشعراء والدباء والرحالة والجغرافيون ‪ ،‬وغيرهم ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫إن كل مجال من مجـالت النشـاط العلمي في السلم نبغ فيه‬
‫كثير من غير العرب بعد تعلمهم اللغة العربية التي كانوا فيها مثل‬

‫‪23‬‬
‫أنجب وأحذق وأمهر أبنائها‪ .‬ولو رحنا نحصى هؤلء لضاق بنا‬
‫السهل والوعر ‪ ،‬فلتكن الشارة إليهم نائبا ً عن ذلك التفصيل غير‬
‫المستطاع‪.‬‬
‫إن وحدة اللغة في السلم لم تحل دون نشر السلم ‪ ،‬فلم يمض‬
‫طويل من الزمن حتى بلغت الدعوة مشارق الرض ومغاربها‪.‬‬
‫وصلت إلى الهند والصين في أقصى الشرق ‪ ،‬وإلى شواطئ‬
‫المحيط الطلسي في أقصى الغرب وإلى بلد النوبة جنوبا ً وإلى‬
‫ل‪ .‬وتوطدت في قلب الكون‪:‬‬ ‫جبال البرانس جنوبي فرنسا شما ً‬
‫الحجاز واليمن والشام وفارس وبلد ما بين النهرين وما وراء‬
‫النهرين ومصر وجنوب الوادي‪ ،‬وتركت اللغة العربية الواحدة‬
‫آثارها في كل قطر أشرقت فيه شمس السلم ‪ ،‬وحتى ما فارقه‬
‫السلم ـ كأسبانيا ـ ما تزال حضارة السلم وآثار العربية تغزو‬
‫كل بيت فيها‪.‬‬
‫وكما استوعب السلم مناهج الصلح في كل مجالت الحياة‬
‫النسـانية استوعـبت شقيقته الكبرى " اللغة العربية " كل أنماط‬
‫التعبير ووسعت بسلطانها كل وسائل التسجيل والتدوين‪..‬‬
‫وامتلكت ناصية البيان الرائع الجميل ‪ ،‬فهي لغة علم ‪ ،‬ولغة فن‬
‫ومشاعر ‪ ،‬ووجدان‪ .‬وقانون وسلم وحرب ‪ ،‬ودين ودنيا‪.‬‬
‫إن أكثر من ألف مليون مسلم ينتشرون في ربوع الرض الن لم‬
‫يعجز الكثير منهم من غير العرب عن حفظ كتاب الله " القرآن‬
‫العظيم " ويتلونه كما أنزل بلسان عربي فصيح‪ .‬فإذا عاد إلى‬
‫حديثه اليومي لجأ إلى لغة أمه وأبيه وبيئته‪.‬‬
‫ومسلم غير عربي استطاع أن يحفظ أو يقرأ القرآن بلغته العربية‬
‫الفصحى لهو قادر ـ لو أدى المسلمون العرب واجبهم نحو لغة‬
‫التنزيل ـ أن يقرأ بها كتب الحديث‪ ،‬والفقه‪ ،‬والتشريع‪ ،‬والنحو‪،‬‬
‫والصرف ‪ ،‬والبلغة ‪ ،‬والدب وسائر العلوم والفنون‪.‬‬
‫ولكنه ذنب العـرب المسـلمين ل ذنب اللغة‪ .‬فهي مطواعة لمن‬
‫يريد أن يتقنها إن وجد معلما ً مخلصًا‪ .‬والمل كبير ـ الن ـ في أن‬
‫يلتقي كل المسلمين على لغة واحدة ‪ ،‬كما التقوا على عقيدة‬
‫واحدة‪.‬‬
‫إن رسـول السـلم صلى الله عليه وسلم عالمي الدعوة وإن‬
‫كان عربي اللسان والجنس‪.‬‬
‫وإن السلم الحنيف عالمي التوجيه والسلطان وإن كانت لغة‬
‫تنزيله عربية ورسوله عربيا ً ‪ ،‬ورواده الوائل عربًا‪.‬‬
‫‪------------------‬‬
‫)‪ (1‬رددنا على هذه الدعاءات في " السلم في مواجهة‬
‫الستشراق في العالم " مرجع سبق ذكره‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫)‪ (2‬سفر التثنية‪ :‬الصحاح )‪ (33‬الفقرات )‪.(2-1‬‬
‫)‪ (3‬سفر التكوين )‪.(21 - 21‬‬
‫)‪ (4‬سفر التثنية‪ :‬الصحاح )‪ (18‬الفقرات )‪.(19 - 18‬‬
‫ويكون المعنى عليه‪ :‬كيف أقيم لهم نبيا ً من وسط إخوتهم ‍‬
‫؟ أي‬
‫ل أفعل هذا‪.‬‬
‫)‪ (5‬الجمعة‪.2 :‬‬
‫)‪ (6‬البقرة‪.129 :‬‬
‫)‪ (7‬المزمور )‪ (45‬الفقرات )‪ (17 - 2‬مع الحذف اليسير‪(8) .‬‬
‫النبياء‪.107 :‬‬
‫)‪ (9‬مكان النقط هنا كلم لم نذكره هو " قدوس إسرائيل لنه‬
‫مجدك " ؟! وهذا مقطع مضاف بكل تأكيد والهدف منه صرف‬
‫الكلم عن معناه الظاهر!!‬
‫)‪ (10‬سفر أشعياء الصحاح )‪ (60‬الفقرات )‪ (12-4‬مع حذف‬
‫يسير‪.‬‬
‫)‪ (11‬القصص‪.57 :‬‬
‫)‪ 3) (12‬ـ ‪ 3‬ـ ‪ (15‬مع الحذف‪.‬‬
‫)‪ (13‬الصحاح )‪ (3‬الفقرة )‪.(2‬‬
‫)‪ (14‬الصحاح )‪ (4‬الفقرة )‪.(17‬‬
‫)‪ (15‬الصحاح )‪ (6‬الفقرة )‪9‬ـ ‪.(10‬‬
‫)‪ (16‬الصحـاح )‪ (11‬الفقـرة )‪.(2‬‬
‫)‪ (17‬الصحاح )‪ (9‬الفقرة )‪.(2‬‬
‫)‪ (18‬الصحاح )‪ (1‬الفقرة )‪ 14‬ـ ‪.(15‬‬
‫)‪ (19‬هذا إيضاح وليس من النص‪.‬‬
‫)‪ (20‬الصحاح )‪ (14‬الفقرات )‪ 24‬ـ ‪.(26‬‬
‫)‪ (21‬الصحاح )‪ (16‬الفقرتان )‪ 7‬ـ ‪.(8‬‬
‫)‪ (22‬الصحاح )‪ (16‬الفقرة )‪.(13‬‬
‫)‪ (23‬مريم‪.34 :‬‬
‫)‪ (24‬الصحاح )‪ (15‬فقرتا )‪ 26‬ـ ‪.(27‬‬
‫)‪ (25‬انظر كتاب " إظهار الحق " ص ‪ 528‬للشيخ رحمت الله‬
‫الهندي تحقيق الدكتور أحمد حجازي السقا‪ .‬نشر دار التراث‪.‬‬
‫‪------------------------‬‬
‫)‪ (4‬قوم النبي محمد صلى الله عليه وسلم زناة من‬
‫أصحاب الجحيم!‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫ما ذنب النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن يقع قومه ومن‬
‫أرسل إليهم في خطيئة الزنا أو أن يكونوا من أصحاب الجحيم؟!!‬

‫‪25‬‬
‫مادام هو صلوات الله وسلمه عليه قد برئ من هذه الخطيئة‬
‫ولسيما في مرحلة ما قبل النبوة‪ ،‬وكانت مرحلة الشباب التي‬
‫يمكن أن تكون إغراًء له ولمثاله أن يقعوا في هذه الخطيئة؛‬
‫لسيما وأن المجتمع الجاهلي كان يشجع على ذلك‪ ,‬وكان الزنا‬
‫فيه من المور العادية التي يمارسها أهل الجاهلية شباًنا وشيًبا‬
‫ضا‪ .‬وكان للزنا فيه بيوت قائمة يعترف المجتمع بها‪ ،‬وُتعلق على‬ ‫أي ً‬
‫أبوابها علمات يعرفها بها الباحثون عن الخطيئة‪ ،‬وتعرف بيوت‬
‫البغايا باسم أصحاب الرايات‪.‬‬
‫ومع هذا العتراف العلني من المجتمع الجاهلي بهذه الخطيئة‪،‬‬
‫ومع أن ممارستها للشباب وحتى للشيب لم تكن مما يكره‬
‫دا صلى الله عليه‬ ‫المجتمع أو يعيب من يمارسونه؛ فإن محم ً‬
‫دا‪ ,‬بل شهدت كل كتب السير والتواريخ له‬ ‫وسلم لم يقع فيها أب ً‬
‫صلى الله عليه وسلم بالطهارة والعفة وغيرهما من الفضائل‬
‫الشخصية التي يزدان بها الرجال وتحسب في موازين تقويمهم‬
‫وتقديرهم‪ ،‬وأرسله الله سبحانه ليغير هذا المنكر‪.‬‬
‫هذه واحدة‪ ,‬والثانية‪ :‬أن الرسالة التي دعا بها ودعا إليها محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم حّرمت الزنا تحريما ً قاطعا ً وحملت آياتها‬
‫في القرآن الكريم عقابا ً شديدا ً للزاني والزانية يبدأ بعقوبة بدنية‬
‫هي أن يجلد كل منهما مائة جلدة قاسية يتم تنفيذها علنا ً بحيث‬
‫يشهدها الناس لتكون عبرة وزجرا ً لهم عن التورط فيها كما تقول‬
‫الية الكريمة‪) :‬الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة‬
‫ول تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم‬
‫الخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين( )‪.(1‬‬
‫فإذا كان الزانيان محصنين أي كل منهما متزوج ارتفعت العقوبة‬
‫إلى حد ّ العدام رميا ً بالحجارة حتى الموت‪.‬‬
‫ول تقف العقوبة عند ذلك‪ ,‬بل نرى أن رسالة محمد صلى الله‬
‫ن يمارسون هذه الخطيئة في مرتبة دونية من‬ ‫م ْ‬‫عليه وسلم تضع َ‬
‫البشر حتى لكأنهم صنف منحط وشاذ عن بقية الطهار السوياء‬
‫فتقول الية الكريمة عنهم‪) :‬الزاني ل ينكح إل زانية أو مشركة‬
‫ن أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين( )‬ ‫والزانية ل ينكحها إل زا ٍ‬
‫‪.(2‬‬
‫من الذي يحمل المسئولية عن الخطيئة؟ فإذا كان محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم قد طهر من هذه الخطيئة في المجتمع الذي كان‬
‫يراها عادية ومألوفة‪ ،‬ثم كانت رسالته صلى الله عليه وسلم‬
‫تحرمها التحريم القاطع والصريح‪ ،‬وتضع مرتكبيها في مرتبة‬
‫النحطاط والشذوذ عن السوياء من البشر‪..‬‬

‫‪26‬‬
‫م ي ُعَّير محمد صلى الله عليه وسلم بأن بعض قومه زناة؟ وهل‬ ‫فل ِ َ‬
‫يصح في منطق العقلء أن يعيبوا إنسانا ً بما في غيره من‬
‫العيوب؟!! وأن يحملوه أوزار الخرين وخطاياهم؟!!‬
‫وهنا يكون للمسألة وجه آخر يجب التنويه إليه وهو خاص‬
‫بالمسئولية عن الخطيئة أهي فردية خاصة بمن يرتكبونها؟ أم أن‬
‫آخرين يمكن أن يحملوها نيابة عنهم ويؤدون كفارتها؟!‬
‫إن السلم يمتاز بأمرين مهمين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬أن الخطيئة فردية يتحمل من وقع فيها وحده عقوبتها‪ ,‬ول‬
‫يجوز أن يحملها عنه أو حتى يشاركه في حملها غيره وصريح‬
‫آيات القرآن يقول‪) :‬ل يكلف الله نفسا ً إل وسعها لها ما كسبت‬
‫وعليه ما اكتسبت()‪ .(3‬ثم‪) :‬ول تكسب كل نفس إل عليها ول تزر‬
‫وازرة وزر أخرى()‪ .(4‬وورد هذا النص في آيات كثيرة‪.‬‬
‫أما المر الثاني‪ :‬فيما أقره السلم في مسألة الخطيئة فهو أنها‬
‫ل تورث‪ ،‬ول تنقل من مخطئ ليتحمل عنه وزره آخر حتى ولو‬
‫بين الباء وأبنائهم وفي هذا يقول القرآن الكريم‪) :‬واتقوا يوما ً ل‬
‫تجزى نفس عن نفس شيئًا()‪.(5‬‬
‫)هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت()‪.(6‬‬
‫)ليجزى الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب()‪.(7‬‬
‫)يوم تأتى كل نفس تجادل عن نفسها()‪.(8‬‬
‫)ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم ل يظلمون()‪.(9‬‬
‫)كل نفس بما كسبت رهينة()‪.(10‬‬
‫وغير هذا كثير مما يؤكد ما أقّره السلم من أن الخطايا فردية‬
‫وأنها ل تورث ول يجزى فيها والد عن ولده‪ ،‬ول مولود هو جاز عن‬
‫والده شيئًا‪.‬‬
‫م ُيلم محمد صلى الله عليه وسلم ويعاب‬ ‫وما دام المر كذلك فل ِ َ‬
‫شخصه أو تعاب رسالته بأن بعض أهله أو حتى كلهم زناة مارسوا‬
‫الخطيئة التي كان يعترف بها مجتمعه ول يجزى فيها شيئا ً أو‬
‫ينقص الشرف والمروءة أو يعاب بها عندهم من يمارسها؟!‬
‫وحسب محمد صلى الله عليه وسلم أنه لم يقع أبدا ً في هذه‬
‫الخطيئة ل قبل زواجه ول بعده‪ ،‬ثم كانت رسالته دعوة كبرى إلى‬
‫التعفف والتطهر وإلى تصريف الشهوة البشرية في المصرف‬
‫الحلل الذي حض السلم عليه وهو النكاح الشرعي الحلل‪ ،‬ودعا‬
‫المسلمين إلى عدم المغالة في المهور تيسيرا ً على الراغبين‬
‫في الحلل‪ ،‬حتى كان الرسول صلى الله عليه وسلم يزوج الرجل‬
‫بأقل وأيسر ما يملك من المال‪ ،‬وأثر عنه صلى الله عليه وسلم‬
‫أن شابا ً جاءه يرغب إليه في الزواج وما كان معه ما يفي بالمراد‬

‫‪27‬‬
‫فقال له صلى الله عليه وسلم‪] :‬التمس ولو خاتما ً من حديد[)‬
‫‪.(11‬‬
‫أكثر من هذا أنه صلى الله عليه وسلم كان يزوج بعض الصحابة‬
‫بما يحفظ من القرآن الكريم‪.‬‬
‫لهذا لم تقع خطايا الزنا في المجتمع في العهد النبوي كله إل في‬
‫ندرة نادرة‪ ،‬ربما لن الحق سبحانه شاء أن تقع وأن يقام فيها‬
‫الحد الشرعي ليسترشد بها المجتمع في مستقبل اليام؛ كتشريع‬
‫تم تطبيقه في حالت محددة يكون هاديا ً ودليل ً في القضاء‬
‫والحكم‪.‬‬
‫هذا عن اتهام محمد صلى الله عليه وسلم بأن أهله زناة‪ ،‬وهو‬
‫كما أوضحنا اتهام متهافت ل ينال من مقام النبوة ول يرتقى إلى‬
‫أقدام صاحبها صلى الله عليه وسلم‪ .‬وقد أتينا عليه بما تستريح‬
‫إليه ضمائر العقلء وبصائر ذوى القلوب النقية‪.‬‬
‫أما عن اتهامه صلى الله عليه وسلم بأن أهله من أصحاب‬
‫الجحيم‪ ،‬فهي شهادة لجلل التشريع الذي أنزله الحق ‪ -‬على‬
‫محمد فأكمل به الدين وأتم به النعمة‪.‬‬
‫بل إن ما يعيبون به محمدا ً صلى الله عليه وسلم من أن أهله من‬
‫أصحاب الجحيم ليس أبدا ً عيًبا في منطق العقلء ذوى النصفة‬
‫والرشد؛ بل إنه وسام تكريم لمحمد صلى الله عليه وسلم‬
‫وى‬
‫ولرسالته الكاملة والخاتمة في أن التشريع الذي نزلت به س ّ‬
‫بين من هم أقرباء محمد صلى الله عليه وسلم وبين من هم‬
‫غرباء عنه في جميع الحكام ثوابا ً وعقوبة‪.‬‬
‫بل إن التشريع الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم نص‬
‫صراحة على التزام العدل خاصة حين يكون أحد أطرافه ذا قربى‬
‫فقال القرآن‪) :‬ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا‬
‫للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم‬
‫أصحاب الجحيم()‪ .(12‬وقوله‪) :‬وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا‬
‫قربى()‪.(13‬‬
‫أما في السنة النبوية فحديث المرأة المخزومية ـ من بني مخزوم‬
‫ذوى الشرف والمكانة ـ التي ارتكبت جريمة السرقة وهى جريمة‬
‫عقوبتها حد ّ السرقة وهو قطع يد السارق كما تنص عليه آيات‬
‫القرآن‪ ،‬وشغل بأمرها مجتمع المدينة لئل يطبق عليها الحد ّ‬
‫فتقطع يدها وهى ذات الشرف والمكانة فسعوا لدى أسامة بن‬
‫ب رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أن يشفع لها لدى‬ ‫زيد – ح ّ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلم رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فقال‪] :‬أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فخطب‬
‫فقال‪ :‬يا أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق‬

‫‪28‬‬
‫فيهم الشريف تركوه‪ ،‬وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد‪،‬‬
‫وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها[)‬
‫‪.(14‬‬
‫وعليه فكون بعض آل محمد وذوي قرباه من أصحاب الجحيم‬
‫كأبي لهب عمه الذي نزلت فيه سورة المسد‪) :‬تبت يدا أبى لهب‬
‫وتب()‪ (15‬وغيره ممن كان نصيًرا لهم مع بقائه على شركه‪..‬‬
‫كون هؤلء من أصحاب الجحيم لنهم بقوا على شركهم ولم‬
‫تنفعهم قرابتهم لمحمد صلى الله عليه وسلم هو في الواقع‬
‫وت في العدل بين‬ ‫شهادة تقدير تعطى لمحمد ورسالته التي س ّ‬
‫القريب وبين الغريب‪ ،‬ولم تجعل لعامل القرابة أدنى تأثير في‬
‫النحياز ضد الحق لصالح القريب على الغريب‪ .‬وما قاله‬
‫المبطلون هو في الحق وسام وليس باتهام‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم على النبي العظيم‪.‬‬
‫‪--------------------------‬‬
‫)‪ (1‬النور‪.2 :‬‬
‫)‪ (2‬النور‪.3 :‬‬
‫)‪ (3‬البقرة‪.286 :‬‬
‫)‪ (4‬النعام‪.164 :‬‬
‫)‪ (5‬البقرة ‪.48‬‬
‫)‪ (6‬يونس‪.30 :‬‬
‫)‪ (7‬إبراهيم‪.51 :‬‬
‫)‪ (8‬النحل‪.111 :‬‬
‫)‪ (9‬الجاثية‪.22 :‬‬
‫)‪ (10‬المدثر‪.38 :‬‬
‫)‪ (11‬رواة البخاري ]كتاب النكاح[‪.‬‬
‫)‪ (12‬التوبة‪.113 :‬‬
‫)‪ (13‬النعام‪.152 :‬‬
‫)‪ (14‬رواة البخاري ]كتاب أحاديث النبياء[‪.‬‬
‫)‪ (15‬المسد‪.1 :‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫)‪ (5‬مات النبي صلى الله عليه وسلم بالسم‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫حين تصاب القلوب بالعمى بسبب ما يغشاها من الحقد‬
‫والكراهية يدفعها حقدها إلى تشويه الخصم بما يعيب‪ ،‬وبما ل‬
‫يعيب‪ ،‬واتهامه بما ل يصلح أن يكون تهمة‪ ،‬حتى إنك لترى من‬
‫يعيب إنسانا ً مثل ً بأن عينيه واسعتان‪ ,‬أو أنه أبيض اللون طويل‬

‫‪29‬‬
‫القامة‪ ،‬أو مثل ً قد أصيب بالحمى ومات بها‪ ،‬أو أن فلنا ً من الناس‬
‫قد ضربه وأسال دمه؛ فهذا كأن تعيب الورد بأن لونه أحمر مث ً‬
‫ل؛‬
‫سا وعجًزا‪.‬‬ ‫وغير ذلك مما يستهجنه العقلء ويرفضونه ويرونه إفل ً‬
‫إن محمدا ً صلى الله عليه وسلم قدمت له امرأة من نساء اليهود‬
‫شاة مسمومة فأكل منها فمات صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وينقلون عن تفسير البيضاوي‪ :‬أنه لما فتحت خيبر واطمأن الناس‬
‫سألت زينب بنت الحارس ‪ -‬وهى امرأة سلم بن مشكم‬
‫)اليهودي( ‪ -‬عن أي الشاة أحب إلى محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم؟ فقيل لها‪ :‬إنه يحب الذراع لنه أبعدها عن الذى‪ ,‬فعمدت‬
‫م ل يلبث أن يقتل‬ ‫إلى عنزة لها فذبحتها‪ ,‬ثم عمدت إلى س ّ‬
‫مت به الشاة‪ ،‬وذهبت بها جارية لها إلى الرسول‬ ‫لساعته فس ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم وقالت له‪ :‬يا محمد هذه هدية أهديها إليك‪.‬‬
‫وتناول محمد الذراع فنهش منها‪ ..‬فقال صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ارفعوا أيديكم فإن هذه الذراع والكتف تخبرني بأنها مسمومة؛ ثم‬
‫سار إلى اليهودية فسألها‪ :‬لم فعلت ذلك؟ قالت‪ :‬نلت من قومي‬
‫ما نلت‪ ...‬وكان ذلك بعد فتح "خيبر" أحد أكبر حصون اليهود في‬
‫المدينة‪ ,‬وأنه صلى الله عليه وسلم قد عفا عنها‪.‬‬
‫ثم يفصحون عن تفسير البيضاوي‪ :‬أنه صلى الله عليه وسلم لما‬
‫اقترب موته قال لعائشة ـ رضي الله عنهاـ‪" :‬يا عائشة هذا أوان‬
‫انقطاع أبهري)‪.(1‬‬
‫فليس في موته صلى الله عليه وسلم بعد سنوات متأثًرا بذلك‬
‫سم إل أن جمع الله له بين الحسنيين‪ ،‬أنه لم يسلط عليه من‬ ‫ال ّ‬
‫ضا كتب له النجاة من كيد‬ ‫يقتله مباشرة‪ ,‬وعصمه من الناس‪ ,‬وأي ً‬
‫الكائدين‪ ,‬وكذلك كتب له الشهادة ليكتب مع الشهداء عند ربهم‪,‬‬
‫وما أعظم أجر الشهيد‪.‬‬
‫ضا‪ ..‬ل شك أن عدم موته بالسم فور أكله للشاة المسمومة‬ ‫وأي ً‬
‫ما من‬ ‫وحياته بعد ذلك سنوات ُيعد معجزة من معجزاته‪ ،‬وع َل َ ً‬
‫قا‬
‫أعلم نبوته يبرهن على صدقه‪ ،‬وعلى أنه رسول من عند الله ح ً‬
‫ويقيًنا‪.‬‬
‫جله له‬‫وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يموت في الجل الذي أ ّ‬
‫رغم تأثره بالسم من لحظة أكله للشاة المسمومة حتى موته بعد‬
‫ذلك بسنوات‪.‬‬
‫‪000000000000000000000000‬‬
‫)‪ (1‬البهران‪ :‬عرقان متصلن بالقلب‪ ,‬وإذا قطعا كانت الوفا‬
‫‪---------------------------‬‬
‫)‪ (6‬تعدد زوجات النبي محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬

‫‪30‬‬
‫قالوا إنه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫تزوج زوجة ابنه بالتبني )زيد بن حارثة(‪.‬‬ ‫•‬
‫أباح لنفسه الزواج من أي امرأة تهبه نفسها )الخلصة‬ ‫•‬
‫أنه شهواني(‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫الثابت المشهور من سيرته صلى الله عليه وسلم أنه لم يتزوج‬
‫إل بعد أن بلغ الخامسة والعشرين من العمر‪.‬‬
‫والثابت كذلك أن الزواج المبكر كان من أعراف المجتمع‬
‫عّزا‬‫الجاهلي رغبة في الستكثار من البنين خاصة ليكونوا للقبيلة ِ‬
‫ومنعة بين القبائل‪.‬‬
‫ومن الثابت كذلك في سيرته الشخصية صلى الله عليه وسلم‬
‫اشتهاره بالستقامة والتعفف عن الفاحشة والتصريف الشائن‬
‫الحرام للشهوة‪ ،‬رغم امتلء المجتمع الجاهلي بشرائح من‬
‫الزانيات اللتي كانت لهن بيوت يستقبلن فيها الزناة ويضعن‬
‫عليها " رايات " ليعرفها طلب المتع المحرمة‪.‬‬
‫ومع هذا كله ـ مع توفر أسباب النحراف والسقوط في الفاحشة‬
‫في مجتمع مكة ـ لم ُيعَرف عن الرسول محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم إل التعفف والطهارة بين جميع قرنائه؛ ذلك لن عين‬
‫السماء كانت تحرسه وتصرف عنه كيد الشيطان‪.‬‬
‫وي ُْرَوى في ذلك أن بعض أترابه الشباب أخذوه ذات يوم إلى أحد‬
‫شاه الله بالنوم فما أفاق منه إل حين‬ ‫مواقع المعازف واللهو فغ ّ‬
‫أيقظه أترابه للعودة إلى دورهم‪.‬‬
‫هذه واحدة‪..‬‬
‫أما الثانية فهي أنه حين بلغ الخامسة والعشرين ورغب في‬
‫الزواج لم يبحث عن "البكر" التي تكون أحظى للقبول وأولى‬
‫للباحثين عن مجرد المتعة‪ .‬وإنما تزوج امرأة تكبره بحوالي‬
‫ما‪ ،‬ثم إنها ليست بكًرا بل هي ثيب‪ ،‬ولها أولد‬ ‫خمسة عشر عا ً‬
‫كبار أعمار أحدهم يقترب من العشرين؛ وهي السيدة خديجة‬
‫وفوق هذا كله فمشهور أنها هي التي اختارته بعد ما لمست‬
‫بنفسها ـ من خلل مباشرته لتجارتها ـ من أمانته وعفته وطيب‬
‫شمائله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫والثالثة أنه صلى الله عليه وسلم بعد زواجه منها دامت عشرته‬
‫بها طيلة حياتها ولم يتزوج عليها حتى مضت عن دنياه إلى رحاب‬
‫الله‪ .‬وقضى معها ‪ -‬رضي الله عنها ‪ -‬زهرة شبابه وكان له منها‬
‫أولده جميًعا إل إبراهيم الذي كانت أمه السيدة "مارية" القبطية‪.‬‬
‫والرابعة أنه صلى الله عليه وسلم عاش عمره بعد وفاتها ‪ -‬رضي‬
‫الله عنها ‪ -‬محّبا لها يحفظ لها أطيب الذكريات ويعدد مآثرها وهي‬

‫‪31‬‬
‫مآثر لها خصوص في حياته وفي نجاح دعوته فيقول في بعض ما‬
‫قال عنها‪ ] :‬صدقتني إذ كذبني الناس وأعانتني بمالها [‪ .‬بل كان‬
‫صلى الله عليه وسلم ل يكف عن الثناء عليها والوفاء لذكراها‬
‫والترحيب بمن كن من صديقاتها‪ ،‬حتى أثار ذلك غيرة السيدة‬
‫عائشة ‪ -‬رضي الله عنها‪.‬‬
‫أما تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم فكان كشأن غيره من‬
‫النبياء له أسبابه منها‪:‬‬
‫مُر محمد صلى الله عليه وسلم في أول زواج له‬ ‫ل‪ :‬كان ع ُ ْ‬‫أو ً‬
‫صلى الله عليه وسلم بعد وفاة خديجة تجاوز الخمسين وهي‬
‫ن التي تنطفئ فيها جذوة الشهوة وتنام الغرائز الحسية بدنّيا‪،‬‬ ‫الس ّ‬
‫وتقل فيها الحاجة الجنسية إلى النثى وتعلو فيها الحاجة إلى من‬
‫يؤنس الوحشة ويقوم بأمر الولد والبنات اللتي تركتهم خديجة ‪-‬‬
‫رضي الله عنها ‪.-‬‬
‫وفيما يلي بيان هذا الزواج وظروفه‪.‬‬
‫الزوجة الولى‪ :‬سودة بنت زمعة‪ :‬كان رحيل السيدة خديجة ‪-‬‬
‫رضي الله عنها ‪ -‬مثير أحزان كبرى في بيت النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وفي محيط الصحابة ‪ -‬رضوان الله عليهم ‪ -‬إشفاًقا عليه‬
‫من الوحدة وافتقاد من يرعى شئونه وشئون أولده‪ .‬ثم تصادف‬
‫فقدانه صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب نصيره وظهيره‬
‫ى العام الذي رحل فيه نصيراه خديجة وأبو طالب عام‬ ‫م َ‬‫س ّ‬‫و ُ‬
‫الحزن‪.‬‬
‫في هذا المناخ‪ ..‬مناخ الحزن والوحدة وافتقاد من يرعى شئون‬
‫الرسول وشئون أولده سعت إلى بيت الرسول واحدة من‬
‫المسلمات ُتسمى خولة بنت حكيم السلمية وقالت‪ :‬له يا رسول‬
‫الله كأني أراك قد دخلتك خّلة لفقد خديجة فأجاب صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ] :‬أجل كانت أم العيال وربة البيت[‪ ،‬فقالت يا رسول‬
‫الله‪ :‬أل أخطب عليك ؟‪.‬‬
‫فقال الرسول صلى الله عليه وسلم‪ :‬ولكن – من بعد خديجة ؟!‬
‫فذكرت له عائشة بنت أبى بكر فقال الرسول‪ :‬لكنها ما تزال‬
‫صغيره فقالت‪ :‬تخطبها اليوم ثم تنتظر حتى تنضج‪ ..‬قال الرسول‬
‫ولكن من للبيت ومن لبنات الرسول يخدمهن ؟ فقالت خولة‪ :‬إنها‬
‫سودة بنت زمعة‪ ،‬وعرض المر على سودة ووالدها‪ :‬فتم الزواج‬
‫ودخل بها صلى الله عليه وسلم بمكة‪.‬‬
‫وهنا تجدر الشارة إلى أن سودة هذه كانت زوجة للسكران بن‬
‫عمرو وتوفي عنها زوجها بمكة فلما حّلت تزوجها الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم وكانت أول امرأة تزوجها صلى الله عليه وسلم‬
‫بعد خديجة‪ ،‬وكان ذلك في رمضان سنة عشر من النبوة‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫وعجب المجتمع المكي لهذا الزواج لن "سودة" هذه ليست‬
‫فا لم المؤمنين‬ ‫بذات جمال ول حسب ول تصلح أن تكون خل ً‬
‫خديجة التي كانت عند زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بها‬
‫جميلة وضيئة وحسيبة تطمح إليها النظار‪.‬‬
‫وهنا أقول للمرجفين الحاقدين‪ :‬هذه هي الزوجة الولى للرسول‬
‫بعد خديجة‪ ،‬فهي مؤمنة هاجرت الهجرة الولى مع من فّروا‬
‫ل الرسول زواجها حماية لها وجبًرا‬ ‫بدينهم إلى الحبشة وقد قَب ِ َ‬
‫لخاطرها بعد وفاة زوجها إثر عودتهما من الحبشة‪.‬‬
‫وليس الزواج بها سعاَر شهوة للرسول ولكنه كان جبًرا لخاطر‬
‫امرأة مؤمنة خرجت مع زوجها من أهل الهجرة الولى إلى‬
‫الحبشة ولما عادا توفي زوجها وتركها امرأة تحتاج هي وبنوها‬
‫إلى من يرعاهم‪.‬‬
‫الزوجة الثانية بعد خديجة‪ :‬عائشة بنت أبى بكر الذي يقول عنه‬
‫ى في‬ ‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن من آمن الناس عل ّ‬
‫ذا خليل ً لتخذت أبا بكر خلي ً‬
‫ل‪،‬‬ ‫ماله وصحبته أبا بكر‪ ،‬ولو كنت متخ ً‬
‫ولكن أخوة السلم‪."..‬‬
‫ومعروف من هو أبو بكر الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه‬
‫ل قط ما نفعني‬ ‫وسلم متحدثا ً عن عطائه للدعوة " ما نفعني ما ٌ‬
‫مال أبى بكر "‪ ،‬وأم عائشة هي أم رومان بنت عامر الكناني من‬
‫الصحابيات الجليلت‪ ،‬ولما توفيت نزل رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم إلى قبرها واستغفر لها وقال‪" :‬اللهم لم يخف عليك ما‬
‫لقيت أم رومان فيك وفي رسولك صلى الله عليه وسلم"‪ ،‬وقال‬
‫عنها يوم وفاتها‪:‬‬
‫"من سّره أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى أم‬
‫رومان" ولم يدهش مكة نبأ المصاهرة بين أعز صاحبين؛ بل‬
‫استقبلته كما تستقبل أمًرا متوقعًا؛ ولذا لم يجد أي رجل من‬
‫المشركين في هذا الزواج أي مطعن ‪ -‬وهم الذين لم يتركوا‬
‫مجال ً للطعن إل سلكوه ولو كان زوًرا وافتراء‪.‬‬
‫وتجدر الشارة هنا إلى أن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫ما ليس بدعا ول غريًبا لن هذا‬ ‫بفتاة بينه وبينها قرابة خمسين عا ً‬
‫المر كان مألوًفا في ذلك المجتمع‪ .‬لكن المستشرقين ومن‬
‫تحمل قلوبهم الحقد من بعض أهل الكتاب ‪ -‬على محمد صلى‬
‫ما للرسول وتشهيًرا‬ ‫الله عليه وسلم ‪ -‬جعلوا من هذا الزواج اتها ً‬
‫به بأنه رجل شهواني غافلين بل عامدين إلى تجاهل ما كان واقًعا‬
‫في ذلك المجتمع من زواج الكبار بالصغيرات كما في هذه‬
‫النماذج‪:‬‬

‫‪33‬‬
‫‪ -‬فقد تزوج عبد المطلب جد الرسول صلى الله عليه وسلم من‬
‫هالة بنت عم آمنة التي تزوجها أصغر أبنائه عبد الله ـ والد‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وتزوج عمر بن الخطاب ابنة على بن أبى طالب وهو أكبر‬ ‫‪-‬‬
‫سّنا من أبيها‪.‬‬
‫‪ -‬وعرض عمر على أبى بكر أن يتزوج ابنته الشابة " حفصة "‬
‫وبينهما من فارق السن مثل الذي بين المصطفي صلى الله عليه‬
‫وسلم وبين " عائشة " )‪.(1‬‬
‫كان هذا واقع المجتمع الذي تزوج فيه الرسول صلى الله عليه‬
‫دا من‬
‫وسلم بعائشة‪ .‬لكن المستشرقين والممتلئة قلوبهم حق ً‬
‫بعض أهل الكتاب لم تَر أعينهم إل زواج محمد بعائشة والتي‬
‫جعلوها حدث الحداث ‪ -‬على حد مقولتهم ‪ -‬أن يتزوج الرجل‬
‫الكهل بالطفلة الغريرة العذراء )‪.(2‬‬
‫قاتل الله الهوى حين يعمى البصار والبصائر!‬
‫الزوجة الثالثة‪ :‬حفصة بنت عمر الرملة الشابة‪ :‬توفي عنها زوجها‬
‫حنيس بن حذافة السهمي وهو صحابي جليل من أصحاب‬
‫الهجرتين ‪ -‬إلى الحبشة ثم إلى المدينة ‪ -‬ذلك بعد جراحة أصابته‬
‫في غزوة ُأحد حيث فارق الحياة وأصبحت حفصة بنت عمر بن‬
‫الخطاب أرملة وهي شابة‪.‬‬
‫ملها مثار ألم دائم لبيها عمر بن الخطاب الذي كان‬ ‫وكان تر ّ‬
‫ما بعد يوم‪..‬‬‫يحزنه أن يرى جمال ابنته وحيويتها تخبو يو ً‬
‫وبمشاعر البوة الحانية وطبيعة المجتمع الذي ل يتردد فيه الرجل‬
‫من أن يخطب لبنته من يراه أهل ً لها‪..‬‬
‫بهذه المشاعر تحدث عمر إلى الصديق " أبى بكر " يعرض عليه‬
‫الزواج من حفصة لكن أبا بكر يلتزم الصمت ول يرد باليجاب أو‬
‫بالسلب‪.‬‬
‫فيتركه عمر ويمضى إلى ذي النورين عثمان بن عفان فيعرض‬
‫عليه الزواج من حفصة فيفاجئه عثمان بالرفض‪..‬‬
‫فتضيق به الدنيا ويمضى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫يخبره بما حدث فيكون رد الرسول صلى الله عليه وسلم عليه‬
‫ة خيٌر من عثمان ويتزوج عثمان خيًرا من‬ ‫هو قوله‪] :‬يتزوج حفص َ‬
‫حفصة[ )‪.(3‬‬
‫وأدركها عمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬بفطرته إذ معنى قول الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم فيما استشعره عمر هو أن من سيتزوج‬
‫ابنته حفصة هو الرسول نفسه وسيتزوج عثمان إحدى بنات‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫وانطلق عمر إلى حفصة والدنيا ل تكاد تسعه من الفرحة وارتياح‬
‫القلب إلى أن الله قد فّرج كرب ابنته‪.‬‬
‫الزوجة الرابعة‪ :‬أم سلمة بنت زاد الراكب‪ :‬من المهاجرين‬
‫الولين إلى الحبشة وكان زوجها )أبو سلمة( عبد الله ابن عبد‬
‫السد المخزومي أول من هاجر إلى يثرب )المدينة( من أصحاب‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم‪ .‬جاءت إلى بيت النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم كزوجة بعد وفاة " أم المساكين زينب بنت خزيمة‬
‫الهللية " بزمن غير قصير‪.‬‬
‫سليلة بيت كريم‪ ،‬فأبوها أحد أجواد قريش المعروفين بلقب زاد‬
‫الراكب؛ إذ كان ل يرافقه أحد في سفر إل كفاه زاده‪.‬‬
‫وزوجها الذي مات عنها صحابي من بني مخزوم ابن عمة‬
‫المصطفي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة ذو‬
‫الهجرتين إلى الحبشة ثم إلى المدينة‪ .‬وكانت هي و زوجها من‬
‫السابقين إلى السلم‪ .‬وكانت هجرتهما إلى المدينة مًعا وقد‬
‫حدث لها ولطفلها أحداث أليمة ومثيرة ذكرتها كتب السير‪ .‬رضي‬
‫الله عن أم سلمة‪..‬‬
‫ول نامت أعين المرجفين‪.‬‬
‫الزوجة الخامسة‪ :‬زينب بنت جحش‪ :‬لم أَر امرأة قط خيًرا في‬
‫الدين من زينب‪ ،‬وأتقى لله وأصدق حديًثا وأوصل للرحم وأعظم‬
‫صدقة وأشد تبديل إل لنفسها في العمل الذي تتصدق وتتقرب به‬
‫إلى الله عز وجل؟)‪.(4‬‬
‫هكذا تحدثت أم المؤمنين عائشة ‪ -‬رضي الله عنها– عن " ضّرتها‬
‫" زينب بنت جحش‪ .‬أما المبطلون الحاقدون من بعض أهل‬
‫جب محمد صلى الله عليه وسلم ـ وحاشا له ‪-‬‬ ‫ُ‬
‫الكتاب فقالوا‪ :‬أع ْ ِ‬
‫بزوجة متبناه " زيد بن حارثة " فطلقها منه وتزوجها‪.‬‬
‫ويرد الدكتور هيكل في كتابه "حياة محمد")‪ (5‬صلى الله عليه‬
‫وسلم على هذا فيقول‪ :‬إنها شهوة التبشير المكشوف تارة‬
‫والتبشير باسم العلم تارة أخرى‪ ،‬والخصومة القديمة للسلم‬
‫تأصلت في النفوس منذ الحروب الصليبية هي التي تملى على‬
‫هؤلء جميًعا ما يكتبون‪.‬‬
‫والحق الذي كنا نود أن يلتفت إليه المبطلون الحاقدون على‬
‫السلم ورسوله صلى الله عليه وسلم‪ ..‬هو أن زواج محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم من زوجة ابنه بالتبني زيد بن حارثة إنما كان‬
‫لحكمة تشريعية أرادها السلم لبطال هذه العادة ـ عادة التبني ـ‬
‫التي هي في الحقيقة تزييف لحقائق المور كان لها في واقع‬
‫الناس والحياة آثار غير حميدة‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫ولن هذه العادة كانت قد تأصلت في مجتمع الجاهلية اختارت‬
‫السماء بيت النبوة بل نبي الرسالة الخاتمة نفسه صلى الله عليه‬
‫وسلم ليتم على يديه وفي بيته العلن العلمي عن إبطال هذه‬
‫العادة‪.‬‬
‫وتجدر الشارة هنا إلى مجموعة اليات القرآنية التي جاءت إعلنا ً‬
‫عن هذا الحكم المخالف لعادات الجاهلية وتفسيًرا للتشريع‬
‫الجديد في هذه ـ المسألة و في موضوع الزواج بزينب حيث‬
‫تقول‪) :‬ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم‬
‫النبيين()‪.(6‬‬
‫)ادعوهم لبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم‬
‫فإخوانكم في الدين ومواليكم ()‪.(7‬‬
‫)وإذ تقول للذى أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك‬
‫واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله‬
‫أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطًرا زوجناكها لكيل يكون‬
‫على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطًرا‬
‫ل()‪.(8‬‬ ‫وكان أمر الله مفعو ً‬
‫مرة أخرى نذكر بأن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من‬
‫دا شهوة أو رغبة جنسية وإنما كان أمًرا‬ ‫زينب لم تكن وراءه أب ً‬
‫من قدر الله وإرادته لبطال عادة التبني من خلل تشريع يتردد‬
‫صداه بأقوى قوة في المجتمع الجاهلي الذي كانت عادة التبني‬
‫دا مستقًرا فيه‪ ،‬فكان السبيل لبطالها أن‬ ‫أصل ً من أصوله وتقلي ً‬
‫يتم التغيير في بيت النبوة وعلى يد الرسول نفسه صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫وقد فطنت السيدة " زينب بنت جحش " نفسها إلى هذا المر‬
‫فكانت تباهي به ضراتها وتقول لهن‪ ":‬زوجكن أهاليكن وزوجني‬
‫ماوات")‪.(9‬‬ ‫ربي من فوق سبع س َ‬
‫أما لماذا كان زيد بن حارثة نفسه يتردد على الرسول معرًبا عن‬
‫رغبته في تطليق زينب؛ فلم يكن ‪ -‬كما زعم المرجفون ‪ -‬أنه‬
‫شعر أن الرسول يرغب فيها فأراد أن يتنازل عنها له‪..‬‬
‫ولكن لن حياته معها لم تكن على الوفاق أو التواد المرغوب فيه؛‬
‫دا ـ وهي الحسيبة الشريفة‬ ‫ذلك أن زينب بنت جحش لم تنس أب ً‬
‫قا عند بعض أهلها‬ ‫جا لرجل كان رقي ً‬ ‫ضا أنها أصبحت زو ً‬ ‫والجميلة أي ً‬
‫ى للرسول صلى الله عليه وسلم‬ ‫وأنه ـ عند الزواج بها ـ كان مول ً‬
‫أعتقه بعد ما اشتراه ممن أسره من قريش وباعه بمكة‪.‬‬
‫فهو ـ وإن تبناه محمد وبات يسمى زيد بن محمد في عرف‬
‫المجتمع المكي كله‪ ،‬لكنه عند العروس الحسيبة الشريفة‬
‫والجميلة أيضا ما يزال ـ كما كان بالمس ‪ -‬السير الرقيق الذي ل‬

‫‪36‬‬
‫حلم من تكون في مثل حالها من الحسب والجمال وليس‬ ‫يمثل ُ‬
‫هذا بغريب بل إنه من طبائع الشياء‪.‬‬
‫ومن ثم لم تتوهج سعادتها بهذا الزواج‪ ،‬وانعكس الحال على زيد‬
‫بن حارثة فانطفأ في نفسه توهج السعادة هو الخر‪ ،‬وبات مهيأ‬
‫النفس لفراقها بل لقد ذهب زيد إلى الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم يشكو زينب إليه كما جاء في البخاري من حديث أنس‬
‫قال‪ :‬جاء زيد يشكو إلى الرسول فجعل صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول له‪] :‬أمسك عليك زوجك واتق الله[)‪ (10‬قال أنس‪ :‬لو كان‬
‫ما شيًئا لكتم هذا الحديث‪.‬‬ ‫النبي كات ً‬
‫لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول له كما حكته الية‪:‬‬
‫أمسك عليك زوجك ول تسارع بتطليقها‪.‬‬
‫وزينب بنت جحش هي بنت عمة الرسول صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫كما سبقت الشارة – وهو الذي زوجها لموله "زيد" ولو كانت به‬
‫رغبة فيها لختارها لنفسه؛ وخاصة أنه رآها كثيرا ً قبل فرض‬
‫الحجاب‪ ،‬وكان النساء في المجتمع الجاهلي غير محجبات فما‬
‫ذا – من أن يتزوجها من البداية؟! ولكنه لم يفعل‪.‬‬ ‫كان يمنعه – إ ً‬
‫فالمر كله ليس من عمل الرادة البشرية لهم جميًعا‪ :‬ل لزينب‬
‫ول لزيد ول لمحمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولكنه أمر قدري‬
‫شاءته إرادة الله لعلن حكم وتشريع جديدين في قضية إبطال‬
‫عادة "التبني" التي كانت سائدة في المجتمع آنذاك‪.‬‬
‫يؤكد هذا ويدل عليه مجموع اليات الكريمة التي تعلقت‬
‫بالموضوع في سورة الحزاب‪.‬‬
‫أما الجملة التي وردت في قوله تعالى‪) :‬وتخفي في نفسك ما‬
‫الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه()‪ .(11‬فإن ما‬
‫أخفاه النبي صلى الله عليه وسلم هو كتم ما كان الله قد أخبره‬
‫جا له؛ لكنه لم يصرح به‬ ‫ما ما ـ ستكون زو ً‬
‫به من أن زينب ـ يو ً‬
‫خشية أن يقول الناس‪ :‬إنه تزوج زوجة ابنه بالتبني)‪.(12‬‬
‫الزوجة السادسة‪ :‬جويرية بنت الحارث الخزاعية‪ :‬الميرة‬
‫الحسناء التي لم تكن امرأة أعظم بركة على قومها منها فقد‬
‫أعتق الرسول صلى الله عليه وسلم بعد زواجه بها أهل مائة بيت‬
‫من بني المصطلق )التي هي منهم(‪.‬‬
‫كانت ممن وقع في السر بعد هزيمة بني المصطلق من اليهود‬
‫في الغزوة المسماة باسمهم‪ .‬وكاتبها من وقعت في أسره على‬
‫مال فذهبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لها‪" :‬أو‬
‫خير من ذلك؟ قالت‪ :‬وما هو؟ قال‪ :‬أقضى عنك كتابتك وأتزوجك‪.‬‬
‫قالت‪ :‬وقد أفاقت من مشاعر الهوان والحزن‪ :‬نعم يا رسول‬
‫الله‪ .‬قال‪ :‬قد فعلت")‪.(13‬‬

‫‪37‬‬
‫وذاع الخبر بين المسلمين‪ :‬أن رسول صلى الله عليه وسلم قد‬
‫تزوج بنت الحارث بن ضرار زعيم بني المصطلق وقائدهم في‬
‫هذه الغزوة‪..‬‬
‫معنى هذا أن جميع من بأيديهم من أسرى بني المصطلق قد‬
‫أصبحوا بعد هذا الزواج كأنهم أصهار رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫وإذا تيار من الوفاء والمجاملة من المسلمين للرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم تجسد في إطلق المسلمين لكل من بأيديهم من‬
‫أسرى بني المصطلق وهم يقولون‪ :‬أصهار رسول الله‪ ،‬فل نبقيهم‬
‫أسرى‪.‬‬
‫ومع أن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه السيرة بنت‬
‫سيد قومها والذي جاءته ضارعة مذعورة مما يمكن أن تتعرض له‬
‫من الذل من بعد عزة‪ ..‬فإذا هو يرحمها بالزواج‪ ،‬ثم يتيح لها‬
‫الفرصة لن تعلن إسلمها وبذا تصبح واحدة من أمهات المؤمنين‪.‬‬
‫ويقولون‪ :‬إنه نظر إليها‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬أما أنه نظر إليها فهذا ل يعيبه ـ وربما كان نظره إليها‬
‫ضارعة مذعورة – هو الذي حرك في نفسه صلى الله عليه وسلم‬
‫عاطفة الرحمة التي كان يأمر بها بمن في مثل حالتها ويقول‪:‬‬
‫]ارحموا عزيز قوم ذل[‪ ،‬فرحمها وخيرها فاختارت ما يحميها من‬
‫هوان السر ومذلة العزة من الناس‪.‬‬
‫عا مأذون به عند القدام على الزواج ‪ -‬كما‬ ‫على أن النظر شر ً‬
‫في هذه الحالة ‪ -‬وكما أمر به صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه‬
‫عند رغبته في الزواج ‪ -‬قائل ً له‪] :‬انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم‬
‫بينكما[)‪.(14‬‬
‫وقد توفيت في دولة بنى أمية وصلى عليها عبد الملك بن مروان‬
‫وهي في السبعين من العمر ‪ -‬رضي الله عنها‪.‬‬
‫ى ـ عقيلة بنى النضير‪ :‬إحدى‬ ‫حي ّ‬‫الزوجة السابعة‪ :‬صفية بنت ُ‬
‫السبايا اللتي وقعن في السر بعد هزيمة يهود بني النضير أمام‬
‫المسلمين في الوقعة المسماة بهذا السم‪ ،‬كانت من نصيب‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقها وتزوجها‪ :‬فماذا في ذلك؟!‬
‫فا‬
‫عا في ذلك؛ وإنما كان موق ً‬ ‫ولم يكن عتقه إياها وتزوجها بد ً‬
‫جانب النسانية فيه هو الغلب والسبق‪.‬‬
‫فلم يكن هذا الموقف إعجاًبا بصفية وجمالها؛ ولكنه موقف‬
‫النسانية النبيلة التي يعبر عنها السلوك النبيل بالعفو عند‬
‫المقدرة والرحمة والرفق بمن أوقعتهن ظروف الهزيمة في‬
‫الحرب في حالة الستضعاف والمذلة‪ ,‬ل سيما وقد أسلمن‬
‫وحسن إسلمهن‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫ى" بنت الحارس عقيلة بني‬ ‫حي ّ‬‫فقد فعل ذلك مع "صفية بنت ُ‬
‫النضير )اليهود( أمام المسلمين في الموقعة المعروفة باسم‬
‫دهم مدحورين من‬ ‫)غزوة بني قريظة( بعد انهزام الحزاب ور ّ‬
‫وقعة الخندق‪.‬‬
‫الزوجة الثامنة‪ :‬أم حبيبة بنت أبى سفيان نجدة نبوية لمسلمة في‬
‫محنة‪ :‬إنها أم حبيبة "رملة" بنت أبى سفيان كبير مشركي مكة‬
‫وأشد أهلها خصومة لمحمد صلوات الله وسلمه عليه‪.‬‬
‫جا لعبيد الله بن جحش وخرجا مًعا مهاجرين بإسلمهما‬ ‫كانت زو ً‬
‫في الهجرة الولى إلى الحبشة‪ ،‬وكما هو معروف أن الحبشة في‬
‫عهد النجاشي كانت هي المهجر المن للفارين بدينهم من‬
‫المسلمين حتى يخلصوا من بطش المشركين بهم وعدوانهم‬
‫عليهم؛ فإذا هم يجدون في – ظل النجاشي – رعاية وعناية لما‬
‫كان يتمتع به من حس إيماني جعله يرحب بأتباع النبي الجديد‬
‫الذي تم التبشير بمقدمه في كتبهم على لسان عيسى بن مريم–‬
‫عليه السلم – كما تحدث القرآن عن ذلك في صورة الصف في‬
‫قوله‪) :‬وإذ قال عيسى بن مريم يا بنى إسرائيل إني رسول الله‬
‫إليكم مصدًقا لما بين يدي من التوراة ومبشًرا برسول يأتي من‬
‫بعدى اسمه أحمد()‪.(15‬‬
‫لكن أم حبيبة بنت أبى سفيان كانت وحدها التي تعرضت لمحنة‬
‫قاسية لم يتعرض لمثلها أحد من هؤلء المهاجرين الوائل إلى‬
‫الحبشة؛ ذلك أن زوجها عبيد الله بن جحش قد أعلن ارتداده عن‬
‫السلم ودخوله في النصرانية وما أصعب وأدق حال امرأة باتت‬
‫في محنة مضاعفة‪ :‬محنتها في زوجها الذي ارتد وخان‪..‬‬
‫ومحنتها السابقة مع أبيها الذي فارقته مغاضبة إياه في مكة منذ‬
‫دخلت في دين الله )السلم(‪..‬‬
‫وفوق هاتين المحنتين كانت محنة الغتراب حيث ل أهل ول وطن‬
‫ثم كانت محنة حملها بالوليدة التي كانت تنتظرها والتي رزقت‬
‫بها من بعد وأسمتها "حبيبة"‪ ..‬كان هذا كله أكبر من عزم هذه‬
‫المسلمة الممتحنة من كل ناحية والمبتلة بالب الغاضب والزوج‬
‫الخائن!!‬
‫لكن عين الله ثم عين محمد صلى الله عليه وسلم سخرت لها‬
‫سر العين ويهون الخطب‪ ،‬وعادت‬ ‫من لطف الرعاية وسخائها ما ي ّ‬
‫بنت أبى سفيان تحمل كنية جديدة‪ ،‬وبدل أن كانت " أم حبيبة "‬
‫أصبحت " أم المؤمنين " وزوج سيد المسلمين ‪ -‬صلوات الله‬
‫وسلمه عليه‪.‬‬
‫والحق أقول‪ :‬لقد كان نجاشي الحبشة من خّلص النصارى فأكرم‬
‫وفادة المهاجرين عامة وأم المؤمنين بنت أبى سفيان بصفة‬

‫‪39‬‬
‫خاصة‪ .‬فأنفذ في أمرها مما بعث به إليه رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أن يخطبها له‪.‬‬
‫وكانت خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم لم حبيبة بنت أبى‬
‫سفيان نعم النقاذ والنجدة لهذه المسلمة المبتلة في الغربة؛‬
‫عوضتها عن الزوج الخائن برعاية سيد البشر صلى الله عليه‬
‫وسلم؛ وعوضتها عن غضب الب "أبى سفيان" برعاية الزوج‬
‫الحاني الكريم صلوات الله عليه‪.‬‬
‫كما كانت هذه الخطبة في مردودها السياسي ـ لطمة كبيرة‬
‫لرأس الكفر في مكة أبى سفيان بن حرب الذي كان تعقيبه على‬
‫زواج محمد لبنته هو قوله‪" :‬إن هذا الفحل ل يجدع أنفه"؛ كناية‬
‫دا لن تنال منه اليام ولن يقوى أهل مكة ‪-‬‬ ‫عن العتراف بأن محم ً‬
‫وهو على رأسهم ‪ -‬على هزيمته والخلص منه لنه ينتقل كل يوم‬
‫من نصر إلى نصر‪.‬‬
‫كان هذا العتراف من أبى سفيان بخطر محمد وقوته كأنه‬
‫استشفاف لستر الغيب أو كما يقول المعاصرون‪ :‬تنبؤ بالمستقبل‬
‫القريب وتمام الفتح‪.‬‬
‫فما لبث أن قبل أبو سفيان دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫دا رسول الله‪.‬‬‫إياه إلى السلم وشهد أل إله إل الله وأن محم ً‬
‫وتقدم أحد الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله‬
‫ل‪ " :‬إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فهل جعلت له ما يحل‬ ‫قائ ً‬
‫عقدته ويسكن حقده وغيظه‪ ،‬فقال صلوات الله وسلمه عليه في‬
‫ضمن إعلنه التاريخي الحضاري العظيم لهل مكة عند‬
‫استسلمهم وخضوعهم بين يديه‪:‬‬
‫من دخل داره فهو آمن‪.‬‬ ‫•‬
‫ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن‪.‬‬ ‫•‬
‫ومن دخل دار أبى سفيان فهو آمن ")‪.(16‬‬ ‫•‬
‫وانتصر السلم وارتفع لواء التوحيد ودخل الناس في دين الله‬
‫جا‪ .‬وفي مناخ النصر العظيم‪ ..‬كانت هي سيدة غمرتها‬ ‫أفوا ً‬
‫السعادة الكبرى بانتصار الزوج ونجاة الب والهل من شر كان‬
‫يوشك أن يحيط بهم‪.‬‬
‫تلكم هي أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبى سفيان التي أحاطتها‬
‫النجدة النبوية من خيانة الزوج وبلء الغربة ووضعتها في أعز‬
‫مكان من بيت النبوة‪.‬‬
‫الزوجة التاسعة‪ :‬ميمونة بنت الحارث الهللية أرملة يسعدها أن‬
‫يكون لها رجل‪ :‬آخر أمهات المؤمنين‪ ..‬توفي عنها زوجها أبو رهم‬
‫بن عبد العّزى العامري؛ فانتهت ولية أمرها إلى زوج أختها‬
‫العباس الذي زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث بنى‬

‫‪40‬‬
‫بها الرسول ـ في " سرف " قرب " التنعيم" على مقربة من‬
‫مكة حيث يكون بدء الحرام للمعتمرين من أهل مكة والمقيمين‬
‫بها‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إنه لما جاءها الخاطب بالبشرى قفزت من فوق بعيرها‬
‫وقالت‪ :‬البعير وما عليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬إنها هي التي وهبت نفسها للنبي والتي نزل فيها قوله‬
‫تعالى‪) :‬وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن‬
‫يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين‪.(17)(..‬‬
‫كانت آخر أمهات المؤمنين وآخر زوجاته صلوات الله وسلمه‬
‫عليه‪.‬‬
‫‪----------------‬‬
‫)‪ (1‬تراجم لسيدات بيت النبوة للدكتورة بنت الشاطئ‪ :‬ص ‪250‬‬
‫وما بعدها‪.‬‬
‫)‪ (2‬المصدر السابق‪.‬‬
‫)‪ (3‬انظر سيدات بيت النبوة للدكتورة بنت الشاطئ ص ‪) 324‬‬
‫‪ (4‬صحيح مسلم كتاب الفضائل‪.‬‬
‫)‪ (5‬حياة محمد ص ‪.29‬‬
‫)‪ (6‬الحزاب‪.40 :‬‬
‫)‪ (7‬الحزاب‪.5 :‬‬
‫)‪ (8‬الحزاب‪.37 :‬‬
‫)‪ (9‬رواه البخاري )كتال التوحيد ‪.(6108‬‬
‫)‪ (10‬رواه البخاري )كتاب التوحيد(‪.‬‬
‫)‪ (11‬الحزاب‪.37 :‬‬
‫)‪ (12‬انظر فتح الباري ‪ 371 / 8‬عن سيدات بيت النبوة لبنت‬
‫الشاطئ ص ‪.354‬‬
‫)‪ (13‬رواه البخاري‪ :‬فتح الباري _ كتال النكاح باب ‪.14‬‬
‫)‪ (14‬رواه البخاري‪ :‬فتح الباري ـ كتاب النكاح باب ‪.36‬‬
‫)‪ (15‬الصف‪.6 :‬‬
‫)‪ (16‬رواه البخاري – فتح الباري – " كتاب المغازي "‪.‬‬
‫)‪ (17‬الحزاب‪.50 :‬‬
‫‪---------------------‬‬
‫)‪ (7‬محاولة النبي محمد صلى الله عليه وسلم النتحار‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫الحق الذي يجب أن يقال‪ ..‬أن هذه الرواية التي استندتم إليها ـ يا‬
‫خصوم السلم ـ ليست صحيحة رغم ورودها في صحيح البخاري‬
‫ـ رضي الله عنه ـ؛ لنه أوردها ل على أنها واقعة صحيحة‪ ،‬ولكن‬

‫‪41‬‬
‫أوردها تحت عنوان "البلغات" يعني أنه بلغه هذا الخبر مجرد‬
‫بلغ‪ ،‬ومعروف أن البلغات في مصطلح علماء الحديث‪ :‬إنما هي‬
‫مجرد أخبار وليست أحاديث صحيحة السند أو المتن)‪.(1‬‬
‫وقد علق المام ابن حجر العسقلني في فتح الباري)‪ (2‬بقوله‪:‬‬
‫"إن القائل بلغنا كذا هو الزهري‪ ،‬وعنه حكى البخاري هذا البلغ‪،‬‬
‫وليس هذا البلغ موصول ً برسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وقال الكرماني‪ :‬وهذا هو الظاهر"‪.‬‬
‫هذا هو الصواب‪ ،‬وحاشا أن ُيقدم رسول الله ـ وهو إمام‬
‫المؤمنين ـ على النتحار‪ ،‬أو حتى على مجرد التفكير فيه‪.‬‬
‫ل فإن محمدا ً صلى الله عليه وسلم كان بشرا ً من البشر‬ ‫وعلى ك ٍ‬
‫ولم يكن ملكا ً ول مدعًيا لللوهية‪.‬‬
‫والجانب البشرى فيه يعتبر ميزة كان صلى الله عليه وسلم‬
‫يعتني بها‪ ،‬وقد قال القرآن الكريم في ذلك‪) :‬قل سبحان ربى هل‬
‫ل()‪.(3‬‬‫كنت إل بشرا ً رسو ً‬
‫ومن ثم فإذا أصابه بعض الحزن أو الحساس بمشاعر ما نسميه‬
‫‪ -‬في علوم عصرنا ‪ -‬بالحباط أو الضيق فهذا أمر عادى ل غبار‬
‫عليه؛ لنه من أعراض بشريته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫خر( الوحي بعد أن تعلق به الرسول صلى الله عليه‬ ‫وحين فتر )تأ ّ‬
‫وسلم كان يذهب إلى المكان الذي كان ينزل عليه الوحي فيه‬
‫ب للمكان الذي جمع بينه وبين‬ ‫يستشرف لقاء جبريل‪ ،‬فهو مح ّ‬
‫حبيبه بشيء من بعض السكن والطمأنينة‪ ،‬فماذا في ذلك أيها‬
‫الظالمون دائما ً لمحمد صلى الله عليه وسلم في كل ما يأتي وما‬
‫يدع؟ وإذا كان أعداء محمد صلى الله عليه وسلم يستندون إلى‬
‫الية الكريمة‪) :‬فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا‬
‫الحديث أسفًا( )‪.(4‬‬
‫فالية ل تشير أبدا ً إلى معنى النتحار‪ ،‬ولكنها تعبير أدبي عن حزن‬
‫النبي محمد صلى الله عليه وسلم بسبب صدود قومه عن‬
‫السلم‪ ،‬وإعراضهم عن اليمان بالقرآن العظيم؛ فتصور كيف‬
‫كان اهتمام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بدعوة الناس‬
‫إلى الله‪ ،‬وحرصه الشديد على إخراج الكافرين من الظلمات إلى‬
‫النور‪.‬‬
‫وهذا خاطر طبيعي للنبي النسان البشر الذي يعلن القرآن على‬
‫لسانه صلى الله عليه وسلم اعترافه واعتزازه بأنه بشر في قوله‬
‫‪ -‬ردا ً على ما طلبه منه بعض المشركين‪) :-‬وقالوا لن نؤمن لك‬
‫حتى تفجر لنا من الرض ينبوعا ً * أو تكون لك جنة من نخيل‬
‫وعنب فتفجر النهار خللها تفجيرا ً * أو تسقط السماء كما‬
‫زعمت علينا كسفا ً أو تأتى بالله والملئكة قبيل ً * أو يكون لك‬

‫‪42‬‬
‫بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل‬
‫علينا كتابا نقرؤه(‪ .‬فكان رده‪) :‬سبحان ربى( متعجبا ً مما طلبوه‬
‫ومؤكدا ً أنه بشٌر ل يملك تنفيذ مطلبهم‪) :‬هل كنت إل بشرا ً‬
‫رسو ً‬
‫ل()‪.(5‬‬
‫أما قولهم على محمد صلى الله عليه وسلم أنه ليست له معجزة‬
‫فهو قول يعبر عن الجهل والحمق جميعًا‪.‬‬
‫حيث ثبت في صحيح الخبار معجزات حسية تمثل معجزة‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬كما جاءت الرسل بالمعجزات‬
‫من عند ربها؛ منها نبع الماء من بين أصابعه‪ ،‬ومنها سماع حنين‬
‫الجذع أمام الناس يوم الجمعة‪ ،‬ومنها تكثير الطعام حتى يكفي‬
‫الجم الغفير‪ ،‬وله معجزة دائمة هي معجزة الرسالة وهى القرآن‬
‫ظ‪ ،‬ووعد ببيانه؛ لذا يظهر بيانه‬ ‫ف َ‬ ‫الكريم الذي وعد الله بحفظه فَ ُ‬
‫ح ِ‬
‫في كل جيل بما يكتشفه النسان ويعرفه‪.‬‬
‫)‪ (1‬انظر صحيح البخاري ج ‪ 9‬ص ‪ ،38‬طبعة التعاون‪.‬‬
‫)‪ (2‬فتح الباري ج ‪ 12‬ص ‪.376‬‬
‫)‪ (3‬السراء‪.93 :‬‬
‫)‪ (4‬الشعراء‪.3 :‬‬
‫)‪ (5‬السراء‪.93 :‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫)‪ (8‬ولدة النبي محمد صلى الله عليه وسلم عادية‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫س ـ عليه السلم ـ تمت على هبة من الله تبارك وتعالى للسيدة‬
‫العذراء مريم ـ عليها السلم ـ وليس من خلل الزواج بينها وبين‬
‫رجل‪ .‬فبعض أهل الكتاب )النصارى منهم خاصة( يتصورون أن‬
‫كل نبي ل بد أن يولد بمثل هذه الطريقة‪.‬‬
‫وإذا كانت ولدة محمد صلى الله عليه وسلم مثل غيره من‬
‫مليين خلق الله فإن هذا عندهم مما يعيبونه به صلى الله عليه‬
‫وسلم ويطعنون في صحة نبوته‪.‬‬
‫فلم يدركوا أن بشرية محمد صلى الله عليه وسلم هي‬ ‫‪-1‬‬
‫واحدة من القسمات التي شاركه فيها كل رسل الله تعالى منذ‬
‫نوح وإبراهيم وغيرهما من بقية رسل الله إلى موسى ـ عليه‬
‫السلم ـ الذين ولدوا جميعا ً من الزواج بين رجل وامرأة‪ .‬ولم‬
‫يولد من غير الزواج بين امرأة ورجل إل عيسى ـ عليه السلم ـ‬
‫وكان هذا خصوصية له لم تحدث مع أي نبي قبله‪ ،‬ولم تحدث‬
‫كذلك مع محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫كانت ولدة محمد صلى الله عليه وسلم إعلنا ً لكونه بشرا ً‬ ‫‪-2‬‬
‫من البشر يولد كما يولد البشر ويجرى عليه من الحوال في أكله‬
‫وشربه‪ ،‬وفي نومه وصحوه‪ ،‬وفي رضاه وغضبه وغير ذلك مما‬
‫يجرى على البشر كالزواج والصحة والمرض والموت أيضًا‪.‬‬
‫كان محمد صلى الله عليه وسلم يعتز بهذه البشرية ويراها‬ ‫‪-3‬‬
‫سبيله إلى فهم الطبيعة البشرية وإدراك خصائصها وصفاتها‬
‫فيتعامل معها بما يناسبـها‪ ،‬وقد اعتبر القرآن ذلك ميزة له في‬
‫قوله تعالى‪) :‬لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم‬
‫حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم()‪.(1‬‬
‫كما أعلن محمد صلى الله عليه وسلم اعتزازه بهذه‬ ‫‪-4‬‬
‫جر‬ ‫البشرية وعجزها حين أعلن قومه أنهم لن يؤمنوا به إل إذا ف ّ‬
‫لهم ينابيع الماء من الرض‪ ،‬أو أن يكون له بيت من زخرف‪ ،‬أو‬
‫أن يروه يرقى في السماء وينزل عليهم كتابا ً يقرأونه‪ ،‬فكان رده‬
‫صلى الله عليه وسلم كما حكاه القرآن‪) :‬قل سبحان ربى هل‬
‫كنت إل بشرا ً رسو ً‬
‫ل()‪.(2‬‬
‫لقد قرر القرآن قاعدة كون الرسل من جنس من يرسلون‬ ‫‪-5‬‬
‫إليهم؛ بمعنى أن يكون المرسلون إلى الناس بشرا ً من جنسهم‪،‬‬
‫ولو كان أهل الرض من جنس غير البشر لكانت رسل الله إليهم‬
‫من نفس جنسهم وذلك في قوله تعالى‪) :‬قل لو كان في الرض‬
‫ملئكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا ً رسو ً‬
‫ل()‬
‫‪.(3‬‬
‫وعلى المعنى نفسه جاءت دعوة إبراهيم عليه السلم‪) :‬ربنا‬
‫وابعث فيهم رسول منهم يتلو عليهم آياتك()‪ .(4‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫)كما أرسلنا فيكم رسول ً منكم يتلو عليكم آياتنا()‪ .(5‬وقوله‬
‫ن الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسول من‬ ‫م ّ‬
‫تعالى‪) :‬لقد َ‬
‫أنفسهم()‪ .(6‬وقوله تعالى‪) :‬فأرسلنا فيهم رسول منهم أن اعبدوا‬
‫الله‪ .(7)(..‬وقوله تعالى‪) :‬هو الذي بعث في الميين رسول منهم(‬
‫)‪.(8‬‬
‫وغير هذا كثير مما أكده القرآن وهو المنطق والحكمة التي‬
‫اقتضتها مشيئته ـ تعالى ـ لما هو من خصائص الرسالت التي‬
‫توجب أن يكون المرسل إلى الناس من جنسهم حتى يحسن‬
‫إبلغهم بما كلفه الله بإبلغه إليهم وحتى يستأنسوا به ويفهموا‬
‫عنه‪.‬‬
‫ومن هنا تكون "بشرية الرسول" بمعنى أن يجري عليه ما يجري‬
‫على الناس من البلء والموت ومن الصحة والمرض وغيرها من‬
‫الصفات البشرية فيكون ذلك أدعى لنجاح البلغ عن الله‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬

‫‪44‬‬
‫التوبة‪.128 :‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫السراء‪.93 :‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫السراء‪.95 :‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫البقرة‪.195 :‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫البقرة ‪.151‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫آل عمران‪.164 :‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫المؤمنون‪.32 :‬‬ ‫)‪(7‬‬
‫الجمعة‪.2 :‬‬ ‫)‪(8‬‬
‫‪---------------------‬‬
‫)‪ (9‬يحتاج محمد صلى الله عليه وسلم إلى الصلة عليه‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫الحق أن الصلة على محمد‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬من ربه ومن‬
‫المؤمنين ليست دليل حاجة‪ ،‬بل هي مظهر تكريم واعتزاز وتقدير‬
‫له من الحق سبحانه‪ ،‬وتقديًرا له من أتباعه‪ ،‬وليست كما يزعم‬
‫الظالمون لسد حاجته عند ربه؛ لن ربه قد غفر له ما تقدم من‬
‫ذنبه وما تأخر‪.‬‬
‫لن أية مقارنة منصفة بين ما كان عليه‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وبين غيره من أنبياء الله ورسله ترتفع به ليس فقط إلى مقام‬
‫العصمة؛ بل إلى مقام الكمال الذي أتم به الله الرسالت‪ ،‬وأتم‬
‫به التنزيل‪ ،‬وأتم به النعمة‪ ،‬فلم تعد البشرية بعد رسالته‪ ،‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬بحاجة إلى رسل ورسالت‪.‬‬
‫لذلك فإن رسالته ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي الخاتمة‬
‫والكاملة حملت كل احتياجات البشرية وما يلزمها من تشريعات‬
‫وُنظم ومعاملت‪ ،‬وما ينبغي أن تكون عليه من أخلق وحضارة‬
‫مما افتقدت مثل كماله كل الرسالت السابقة‪.‬‬
‫ب رسالة محمد‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أنها جاءت رحمة‬ ‫وحس ُ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫م ً‬ ‫ك إ ِّل َر ْ‬
‫ح َ‬ ‫سل َْنا َ‬‫ما أْر َ‬ ‫عامة للبشرية كلها‪ ،‬كما قال القرآن‪ ) :‬وَ َ‬
‫ن()‪.(1‬‬ ‫مي َ‬ ‫ل ِل َْعال َ ِ‬
‫فلم تكن كما جاء ما قبلها رسالة خاصة بقوم رسولهم‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى‪:‬‬
‫َ‬
‫ه()‪.(2‬‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ اع ْب ُ ُ‬‫هودا ً َقا َ‬‫م ُ‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫عاد ٍ أ َ‬ ‫)وَإ َِلى َ‬
‫ه()‪.(3‬‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ اع ْب ُ ُ‬ ‫صاِلحا ً َقا َ‬ ‫م َ‬ ‫خاهُ ْ‬‫مود َ أ َ َ‬ ‫)وَإ َِلى ث َ ُ‬
‫َ‬
‫ه()‪.(4‬‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ اع ْب ُ ُ‬ ‫شعَْيبا ً َقا َ‬‫م ُ‬ ‫خاهُ ْ‬‫نأ َ‬ ‫مد ْي َ َ‬ ‫)وَإ َِلى َ‬
‫وهكذا كل رسول كان مرسل ً إلى قومه‪..‬‬
‫وكانت رسالة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى العالمين وإلى‬
‫الناس كافة‪ ،‬كما جاء في قوله تعالى‪:‬‬

‫‪45‬‬
‫َ‬
‫ن()‪.(5‬‬ ‫مي َ‬ ‫ة ل ِل َْعال َ ِ‬‫م ً‬‫ح َ‬ ‫ك إ ِّل َر ْ‬ ‫سل َْنا َ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫)وَ َ‬
‫َ‬
‫ذيًرا()‪.(6‬‬ ‫شيرا ً وَن َ ِ‬ ‫س بَ ِ‬ ‫ة ِللّنا ِ‬ ‫كافّ ً‬ ‫ك إ ِّل َ‬ ‫سل َْنا َ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫)وَ َ‬
‫ورسالة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانت فوق كونها عالمية‪،‬‬
‫فقد كانت هي الخاتمة والكاملة التي ـ كما أشرنا ـ تفي‬
‫باحتياجات البشر جميعًا‪ ،‬وتقوم بتقنين وتنظيم شئونهم المادية‬
‫والمعنوية عبر الزمان والمكان بكل ما فيه خيرهم في الدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جال ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن رِ َ‬ ‫م ْ‬‫حد ٍ ِ‬ ‫مد ٌ أَبا أ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫وفي هذا قال الله تعالى‪َ ) :‬‬
‫ن()‪.(7‬‬ ‫م الن ّب ِّيي َ‬ ‫خات َ َ‬‫ل الل ّهِ وَ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫وَل َك ِ ْ‬
‫وقال في وصفه لكمال الدين برسالة محمد صلى الله عليه‬
‫َ‬ ‫وسلم )السلم(‪) :‬ال ْيو َ‬
‫مِتي‬ ‫م ن ِعْ َ‬ ‫ت ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ُ‬‫م ْ‬‫م وَأت ْ َ‬ ‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫م أك ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫م ِدينا()‪.(8‬‬‫ً‬ ‫سل َ‬ ‫م اْل ِ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬ ‫ضي ُ‬ ‫وََر ِ‬
‫إن عموم رسالة محمد إلى العالمين‪ ،‬وباعتبارها الرسالة الكاملة‬
‫والخاتمة؛ يعني امتداد دورها واستمرار وجودها إلى أن يرث الله‬
‫َ‬
‫سول َ ُ‬
‫ه‬ ‫ل َر ُ‬ ‫س َ‬ ‫ذي أْر َ‬ ‫الرض ومن عليها؛ مصداقا ً لقوله تعالى‪) :‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫ه()‪.(9‬‬ ‫ن ك ُل ّ ِ‬ ‫دي ِ‬ ‫حقّ ل ِي ُظ ْهَِره ُ ع ََلى ال ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫دى وَِدي ِ‬ ‫ِبال ْهُ َ‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬النبياء‪.107 :‬‬
‫)‪ (2‬العراف‪.65 :‬‬
‫)‪ (3‬العراف‪.72 :‬‬
‫)‪ (4‬العراف‪.85 :‬‬
‫)‪ (5‬النبياء‪.107 :‬‬
‫)‪ (6‬سبأ‪.28 :‬‬
‫)‪ (7‬الحزاب‪.40 :‬‬
‫)‪ (8‬المائدة‪.3 :‬‬
‫)‪ (9‬التوبة‪ ، 33 :‬الفتح‪ ، 28 :‬والصف‪.9 :‬‬
‫‪----------------------‬‬
‫مي فكيف عّلم‬ ‫ُ‬
‫)‪ (10‬محمد صلى الله عليه وسلم أ ّ‬
‫القرآن؟!‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫مي إما أن يكون المراد به من ل يعرف القراءة والكتابة أخ ً‬
‫ذا‬ ‫وال ّ‬
‫من " المية "‪ ،‬وإما أن يكون المراد به من ليس من اليهود أخ ً‬
‫ذا‬
‫من " الممية "؛ حسب المصطلح اليهودي الذي يطلقونه على‬
‫من ليس من جنسهم‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫فإذا تعاملنا مع هذه المقولة علمنا أن المراد بها من ل يعرف‬
‫القراءة والكتابة فليس هذا مما يعاب به الرسول‪ ،‬بل لعله أن‬
‫دا ودليل ً قوًيا على أن ما نزل عليه من القرآن إنما هو‬ ‫يكون تأكي ً‬
‫وحي ُأوحي إليه من الله لم يقرأه في كتاب ولم ينقله عن أحد‬
‫ول تعلمه من غيره‪ .‬بهذا يكون التهام شهادة له ل عليه‪.‬‬
‫حا في قوله‪:‬‬ ‫دا صري ً‬ ‫وقد رد ّ القرآن على هذه المقولة ر ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صيل ً * قُ ْ‬
‫ل‬ ‫ملى ع َلي ْهِ ب ُك َْرة ً وَأ ِ‬ ‫ي تُ ْ‬ ‫طيُر اْلوِّلي َ‬
‫ن اك ْت َت َب ََها فَهِ َ‬ ‫سا ِ‬ ‫)وََقاُلوا أ َ‬
‫فورا ً‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫ن غَ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ض إ ِن ّ ُ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬
‫سّر ِفي ال ّ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ذي ي َعْل َ ُ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫أن َْزل َ ُ‬
‫حيمًا()‪.(1‬‬ ‫َر ِ‬
‫ب النبي المي ـ الذي ل يعرف القراءة ول الكتابة ـ أن‬ ‫وحس ُ‬
‫يكون الكتاب الذي أنزل عليه معجًزا لمشركي العرب وهم أهل‬ ‫ُ‬
‫الفصاحة والبلغة؛ بل ومتحدًيا أن يأتوا بمثله أو حتى بسورة من‬
‫مثله‪.‬‬
‫كفاه بهذا دليل ً على صدق رسالته وأن ما جاء به ـ كما قال بعض‬
‫كبارهم ـ " ليس من سجع الكهان‪ ،‬ول من الشعر‪ ،‬ول من قول‬
‫البشر "‪.‬‬
‫مي " على معنى أنه‬ ‫أما إذا تعاملنا مع مقولتهم عن محمد )إنه " أ ّ‬
‫من المميين ـ أي من غير اليهود ـ فما هذا مما يعيبه‪ .‬بل إنه‬
‫لشرف له أنه من المميين أي أنه من غير اليهود‪.‬‬
‫ذلك لن اعتداد اليهود بالتعالي على من عداهم من " المميين "‪،‬‬
‫واعتبار أنفسهم وحدهم هم الرقى والعظم وأنهم هم شعب الله‬
‫ما مع ما جاء به‬ ‫المختار ـ كما يزعمون‪ .‬كل هذا مما يتنافي تما ً‬
‫محمد )من المساواة الكاملة بين بني البشر رغم اختلف‬
‫شعوبهم وألوانهم وألسنتهم على نحو ما ذكره القرآن؛ الذي‬
‫اعتبر اختلف الجناس واللوان واللسنة هو لمجرد التعارف‬
‫دا ـ ل يعطي تميًزا لجنس على جنس‪ ،‬فليس‬ ‫والتمايز؛ لكنه ـ أب ً‬
‫في السلم ـ كما يزعم اليهود ـ أنهم شعب الله المختار‪.‬‬
‫ولكن التمايز والتكريم في منظور السلم إنما هو بالتقوى‬
‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫س إ ِّنا َ‬ ‫والصلح؛ كما في الية الكريمة‪َ) :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫ل ل ِتعارُفوا إ َ‬ ‫ُ‬
‫عن ْد َ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫ن أك َْر َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫شُعوبا ً وَقََبائ ِ َ َ َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫جعَل َْناك ُ ْ‬ ‫ذ َك َرٍ وَأن َْثى وَ َ‬
‫م()‪.(2‬‬ ‫قاك ُ ْ‬ ‫أ َت ْ َ‬
‫‪00000000000000000‬‬
‫)‪ (1‬الفرقان‪.6 – 5 :‬‬
‫)‪ (2‬الحجرات‪.13 :‬‬
‫‪-----------------------‬‬
‫)‪ (11‬تعّلم محمد صلى الله عليه وسلم من غيره‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬

‫‪47‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫وهى من أسوأ المفتريات على محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫ن هُوَ إ ِّل‬ ‫وى * إ ِ ْ‬ ‫ن ال ْهَ َ‬ ‫ما ي َن ْط ِقُ ع َ ِ‬ ‫الذي قال ربه عز وجل عنه‪) :‬وَ َ‬
‫حى()‪.(1‬‬ ‫ي ُيو َ‬ ‫ح ٌ‬‫وَ ْ‬
‫لكن الحقد حين يتمكن من قلوب الحاقدين يدفعهم إلى المنكر‬
‫ل ل يقبله‬ ‫من القول ومن الزور؛ حتى إنهم ليتجرءون على قو ٍ‬
‫عقل عاقل‪ ،‬ول يجرؤ على مثله إل المفترون‪.‬‬
‫في هذه المقولة زعموا أنه حين كان ينزل عليه الوحي باليات‬
‫التي أثبت العلم الحديث المعاصر أنها من أبرز آيات العجاز‬
‫العلمي في القرآن فيما تتصل بمراحل خلق النسان من سللة‬
‫من طين ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخّلقة وغير‬
‫قا آخر‪..‬‬ ‫مخلقة ثم يكون إنشاؤه خل ً‬
‫هّ‬
‫ك الل ُ‬ ‫ن هذا خلقه‪ ) :‬فَت ََباَر َ‬ ‫م ْ‬‫حا َ‬ ‫زعموا أن كاتب وحيه قال ماد ً‬
‫ن()‪.(2‬‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫قي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬‫أ ْ‬
‫دا ـ صلى الله عليه وسلم‬ ‫ثم أفرطوا في زعمهم؛ فقالوا إن محم ً‬
‫ى‪..‬‬ ‫ـ قال له‪ :‬اكتبها فهكذا نزلت عل ّ‬
‫وهنا لبد من وقفة‪:‬‬
‫ل‪ :‬مما هو ثابت أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا‬ ‫فأو ً‬
‫نزل عليه الوحي يأخذ العرق يتصبب من جسده‪ ،‬ويكون في غيبة‬
‫عمن حوله‪ ..‬فإذا انقضى الوحي أخذ في ذكر وتلوة ما نزل عليه‬
‫من القرآن‪ ،‬وهذا ما تقّرره كل كتب السيرة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬معنى ما سبق أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ل يأخذ في‬
‫الملء على كاتب وحيه إل بعد اكتمال نزول الوحي‪ ،‬واكتمال‬
‫نزول اليات المتعلقة بمراحل خلق النسان في سورة "‬
‫المؤمنون "‪.‬‬
‫ثالًثا‪ :‬وبهذا يتضح كذب المقولة أن كاتب وحيه ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ هو الذي أملها عليه وأنه أمر بإثباتها‪.‬‬
‫رابًعا‪ :‬إن لفظة " تبارك الله " تكررت في القرآن الكريم تسع‬
‫مرات‪ ،‬تلتقي جميعها في مواضع يكون الحديث فيها عن قدرة‬
‫الخالق فيما خلق من مثل قوله تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن()‪.(3‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫مُر ت ََباَر َ‬ ‫خل ْقُ َواْل ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫)أل ل َ ُ‬
‫ذيرًا()‪.(4‬‬ ‫ن نَ ِ‬‫مي َ‬ ‫ن ل ِل َْعال َ ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن ع ََلى ع َب ْد ِهِ ل ِي َ ُ‬ ‫فْرَقا َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ذي ن َّز َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫)ت ََباَر َ‬
‫مرا ً‬ ‫سَراجا ً وَقَ َ‬ ‫ل ِفيَها ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ماِء ب ُُروجا ً وَ َ‬ ‫س َ‬‫ل ِفي ال ّ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫)ت ََباَر َ‬
‫مِنيرًا()‪.(5‬‬ ‫ُ‬
‫ما()‪.(6‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ما ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ملك ال ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫ذي ل ُ‬ ‫)وَت ََباَرك ال ِ‬
‫ديٌر()‪.(7‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ك وَهُوَ ع ََلى ك ُ ّ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫ذي ب ِي َد ِهِ ال ْ ُ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫)ت ََباَر َ‬

‫‪48‬‬
‫فلماذا تعّلم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ من كاتب وحيه آية "‬
‫المؤمنون " دون غيرها مما جاء في بقية السور؟!!‬
‫‪0000000000000000000‬‬
‫)‪ (1‬النجم‪ 3 :‬ـ ‪.4‬‬
‫)‪ (2‬المؤمنون‪.14 :‬‬
‫)‪ (3‬العراف‪.55 :‬‬
‫)‪ (4‬الفرقان‪.1 :‬‬
‫)‪ (5‬الفرقان‪.61 :‬‬
‫)‪ (6‬الزخرف‪.85 :‬‬
‫)‪ (7‬الملك‪.1 :‬‬
‫‪-----------------------‬‬
‫ظم الحجر السود‬ ‫)‪ (12‬محمد صلى الله عليه وسلم ُيع ّ‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫ظم الحجر‬ ‫إنهم في هذه المقولة ـ يريدون أن يتهموه بأنه كان ُيع ّ‬
‫ظم الكعبة كلها بالطواف حولها‪ ،‬وهي حجر ل‬ ‫السود ـ بل وُيع ّ‬
‫يختلف ـ في زعمهم ـ عن الحجار التي كانت ُتصنع منها الوثان‬
‫في الجاهلية‪ ،‬وكأن المر سواء!!‬
‫وحقيقة المر أن من بعض ما استبقاه السلم من أحوال‬
‫السابقين ما كان فيه من تعاون على خير أو أمر بمعروف ونهي‬
‫عن منكر‪ ،‬من ذلك ثناء الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على‬
‫حلف الفضول "‪ ،‬وهو عمل‬ ‫حلف كان في الجاهلية يسمى " ِ‬ ‫ِ‬
‫إنساني كريم كان يتم من خلله التعاون على نصرة المظلوم‪،‬‬
‫وفداء السير‪ ،‬وإعانة الغارمين‪ ،‬وحماية الغريب من ظلم أهل‬
‫مكة‪ ،‬وهكذا‪..‬‬
‫وقد أثنى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على هذا الحلف‪،‬‬
‫وقال‪" :‬لو دعيت إلى مثله لجبت"‪.‬‬
‫ضا كان مما استبقاه السلم من فضائل السابقين مما ورثوه‬ ‫وأي ً‬
‫عن إبراهيم ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬تعظيمهم للبيت الحرام وطوافهم به؛‬
‫بل وتقبيلهم للحجر السود‪.‬‬
‫وهناك بعض مرويات تقول إن هذا الحجر من أحجار الجنة‪.‬‬
‫وهنا فقط ل يكون أمامنا إل ما ثبت من أن الرسول ـ صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ كان ُيقبل الحجر السود عند طوافه بالبيت‪ ،‬وهو ما‬
‫تنطق به الرواية عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال‬
‫عن تقبيله لهذا الحجر‪) :‬والله إني لعلم أنك حجر ل تضر ول‬
‫تنفع‪ ،‬ولول أني رأيت رسول الله ُيقبلك ما قبلتك(‪.‬‬
‫وهنا نقول‪:‬‬

‫‪49‬‬
‫من المستحيل أن يكون تقبيل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫للحجر السود من باب المجاراة أو المشاكلة لعبدة الصنام فيما‬
‫كانوا يفعلون‪.‬‬
‫ضا أن يكون ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد فعل ذلك ‪-‬‬ ‫ومستحيل أي ً‬
‫جهه ـ صلى الله‬ ‫أي تقبيل الحجر السود ‪ -‬دون وحي أو إلهام و ّ‬
‫دا عن أية شبهة وثنية أو‬ ‫دا بعي ً‬ ‫عليه وسلم ـ إلى تقبيل الحجر بعي ً‬
‫مجاراة لعبدة الصنام‪.‬‬
‫ولنه صلى الله عليه وسلم قال‪] :‬خذوا عنى مناسككم[؛ فقد‬
‫مار‬ ‫أصبح تقبيل الحجر السود من بعض مناسك الحجاج والع ّ‬
‫للبيت الحرام‪.‬‬
‫كما أن تعظيم الحجر السود هو امتثال لوامر الله الذي أمر‬
‫بتعظيم هذا الحجر بالذات‪ ،‬وهو سبحانه الذي أمر برجم حجر آخر‬
‫كمنسك من مناسك الحج؛ فالمر بالنسبة للتعظيم أو الرجم ل‬
‫يعدو كونه إقراًرا بالعبودية لله تعالى وامتثال ً لوامره عز وجل‬
‫ما لحكامه‪.‬‬ ‫واستسل ً‬
‫‪-----------------------‬‬
‫)‪ (13‬كاد محمد صلى الله عليه وسلم أن يفتن‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫دوا‬ ‫كا ُ‬‫ن َ‬ ‫أخذوا ذلك من فهم مغلوط ليات سورة السراء‪ ) :‬وَإ ِ ْ‬
‫فت َرِيَ ع َل َي َْنا غ َي َْره ُ وَِإذا ً َلت ّ َ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ك ل ِت َ ْ‬ ‫ذي أوْ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ك عَ ِ‬ ‫ل َي َ ْ‬
‫فت ُِنون َ َ‬
‫شْيئا ً قَِليل ً * ِإذا ً‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫ن إ ِل َي ْهِ ْ‬‫ت ت َْرك َ ُ‬ ‫قد ْ ك ِد ْ َ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫ن ث َب ّت َْنا َ‬‫ول أ ْ‬ ‫خِليل ً * وَل َ ْ‬ ‫َ‬
‫صيرا ً (‬ ‫ك ع َل َي َْنا ن َ ِ‬ ‫جد ُ ل َ َ‬ ‫َ‬
‫م ل تَ ِ‬ ‫ت ثُ ّ‬‫ما ِ‬ ‫م َ‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫حَياةِ وَ ِ‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫َلذ َقَْنا َ‬
‫)‪.(1‬‬
‫بعض ما قيل في سبب نزول هذه الية أن وفد ثقيف قالوا‬
‫جلنا سنة حتى نقبض ما ُيهدى‬ ‫للرسول‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أ ّ‬
‫مـ‬ ‫سرناها وأسلمنا؛ فهَ ّ‬ ‫للهتنا من )الصنام(‪ ،‬فإذا قبضنا ذلك ك ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ بقبول ذلك فنزلت الية‪.‬‬
‫م " أي هممت أو قاربت أن تميل‬ ‫ن إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫ت ت َْرك َ ُ‬ ‫قوله تعالى‪ " :‬ك ِد ْ َ‬
‫لقبول ما عرضوه عليك؛ لول تثبيت الله لك بالرشد والعصمة‪ ،‬ولو‬
‫فعلت لعذبناك ضعف عذاب الحياة وعذاب الممات؛ يعني‪ :‬قاربت‬
‫أن تستجيب لما عرضوه‪ ،‬لكنك بتثبيت الله لم تفعل لعصمة الله‬
‫لك‪.‬‬
‫م‬
‫م على مقربة من الثقافة السلمية يعرفون أن " اله ّ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫م ْ‬‫وكل َ‬
‫" ـ أي المقاربة لشيء دون القيام به أو الوقوع فيه ـ ل ُيعتبر‬
‫ضع عن المة وجاء به ما صح‬ ‫معصية ول جزاء عليه‪ ،‬وهو مما و ِ‬
‫عن النبي‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قوله‪:‬‬

‫‪50‬‬
‫ضع عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم تعمل به أو تتكلم به(؛‬ ‫)و ِ‬
‫وعليه‪ ..‬فإنه ل إثم ول شيء ُيؤخذ على محمد ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ في ذلك‪.‬‬
‫‪000000000000000000‬‬
‫)‪ (1‬السراء‪.75-73 :‬‬
‫‪------------------------‬‬
‫ل محمد صلى الله عليه وسلم في الشهر‬ ‫قات َ َ‬ ‫)‪َ (14‬‬
‫الحرام‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫وذلك لما ورد في آيات سورة البقرة‪:‬‬
‫صد ّ‬ ‫ل ِفيهِ ك َِبيٌر وَ َ‬ ‫ل قَِتا ٌ‬ ‫ل ِفيهِ قُ ْ‬ ‫حَرام ِ قَِتا ٍ‬ ‫شهْرِ ال ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ِ‬ ‫ك عَ‬ ‫سَألون َ َ‬ ‫)ي َ ْ‬
‫َ‬
‫ه أك ْب َُر‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ل اللهِ وَك ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫من ْ ُ‬
‫ج أهْل ِهِ ِ‬ ‫خَرا ُ‬ ‫حَرام ِ وَإ ِ ْ‬ ‫جد ِ ا ل َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فٌر ب ِهِ َوال َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬
‫دوك ُ ْ‬
‫م‬ ‫حّتى ي َُر ّ‬ ‫م َ‬ ‫قات ُِلون َك ُ ْ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ل َول ي ََزاُلو َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫قت ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة أك ْب َُر ِ‬ ‫فت ْن َ ُ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ َوال ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫عوا( )‪.(1‬‬ ‫طا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م إِ ِ‬ ‫ن ِدين ِك ُ ْ‬ ‫عَ ْ‬
‫والمسلمون جميعا وعلى رأسهم إمامهم ورسولهم محمد ـ صلى‬ ‫ً‬
‫الله عليه وسلم ـ هم أحفظ الناس لحرمة الشهر الحرم وعدم‬
‫القتال فيها‪ ،‬واعتبار القتال فيها حدًثا كبيًرا أو كأنه كبيرة من‬
‫الكبائر‪..‬‬
‫جهوا من أعدائهم من‬ ‫لكن ما الذي يفعله المسلمون إذا ما وو ِ‬
‫المشركين بالقتال والعدوان على النفس والموال والعراض‪،‬‬
‫ليس هذا فحسب بل ماذا يفعل المسلمون إذا فوجئوا بمن‬
‫يخرجهم من المسجد الحرام وهم أهله وهم أولى به من‬
‫غيرهم ؟!‬
‫إن قانون " الدفع الحضاري " الذي يقره القرآن الكريم لحماية‬
‫الكون من إفساد المتجبرين والظلمة‪ ،‬ثم لحماية بيوت العبادة‬
‫ضا‪ ،‬والذي عّبرت عنه اليتان‬ ‫للمسلمين والنصارى واليهود أي ً‬
‫َ‬
‫ض()‬ ‫ت اْلْر ُ‬ ‫سد َ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ض لَ َ‬ ‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫س ب َعْ َ‬ ‫ول د َفْعُ الل ّهِ الّنا َ‬ ‫الكريمتان‪) :‬وَل َ ْ‬
‫ع‬
‫م ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫ص َ‬‫ت َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ل َهُد ّ َ‬ ‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضه ُ ْ‬
‫س ب َعْ َ‬ ‫ول د َفْعُ الل ّهِ الّنا َ‬ ‫‪ .(2‬وقوله‪) :‬وَل َ ْ‬
‫ن الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫صَر ّ‬ ‫م الل ّهِ ك َِثيرا ً وَل َي َن ْ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫جد ُ ي ُذ ْك َُر ِفيَها ا ْ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ٌ‬ ‫صل َ َ‬‫وَب ِي َعٌ وَ َ‬
‫زيٌز()‪ .(3‬هذا القانون القرآني ـ وليس‬ ‫قوِيّ ع َ ِ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صُره ُ إ ِ ّ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫قانون من ضربك على خدك اليمن فأدر له خدك اليسر ـ هو‬
‫وحده الذي يحمي الكون والناس من إفساد المتجبرين وظلم‬
‫الظالمين‪.‬‬
‫كن الله لهم في الرض بما يمنحهم‬ ‫وذلك على أساس أن من يم ّ‬
‫من القوة والثروة والعلم يجب ‪ -‬وبحسب القانون القرآني ‪ -‬أن‬
‫يكونوا صالحين وأخياًرا؛ بمعنى‪ :‬أن يستخدموا قوتهم وثروتهم‬

‫‪51‬‬
‫وعلمهم ل في الطغيان والتجبر‪ ،‬ولكن في حماية القيم النبيلة‬
‫كن لكل ما هو خير‪ ،‬وتنفي كل‬ ‫التي ُيحمى بها العدل والحق وتم ّ‬
‫ما هو شر حتى تنعم البشرية بالمن والستقرار‪ ،‬وتعتدل أمور‬
‫الحياة والناس‪.‬‬
‫وهذا ما جاءت الية التالية لليتين السابقتين لتقره؛ حيث يقول‬
‫َ‬ ‫م ِفي اْل َْر‬
‫وا‬‫صلة َ َوآت َ ُ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ض أَقا ُ‬ ‫ِ‬ ‫مك ّّناهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ذي َ‬‫الله عز وجل‪) :‬ال ّ ِ‬
‫عاقِب َ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫موِر()‪.(4‬‬ ‫ة اْل ُ‬ ‫من ْك َرِ وَل ِل ّهِ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫وا ع َ ِ‬ ‫ف وَن َهَ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مُروا ِبال ْ َ‬ ‫كاة َ وَأ َ‬ ‫الّز َ‬
‫ولن إقرار حقوق عباد الله في أرض الله وحماية المستضعفين‬
‫من بطش المتجبرين ل يقل حرمة عند الله من حرمة الشهر‬
‫ظلموا من المسلمين ومن‬ ‫الحرم؛ فقد أبيح القتال فيها لمن ُ‬
‫ُ‬
‫ما وعدواًنا‪.‬‬ ‫ُفتنوا في دينهم وأخرجوا من ديارهم ظل ً‬
‫ل ِفيهِ قُ ْ‬
‫ل‬ ‫حَرام ِ قَِتا ٍ‬ ‫شهْرِ ال ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ك عَ ِ‬ ‫سَألون َ َ‬ ‫وهذا ما تقرره الية‪) :‬ي َ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ل اللهِ وَك ُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ل ِفيهِ ك َِبيٌر وَ َ‬ ‫قَِتا ٌ‬
‫حَرام ِ‬ ‫جد ِ ا ل َ‬ ‫س ِ‬‫م ْ‬ ‫فٌر ب ِهِ َوال َ‬
‫َ‬
‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫صد ّ ع َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل َول ي ََزاُلو َ‬
‫ن‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫قت ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة أك ْب َُر ِ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ َوال ْ ِ‬
‫فت ْن َ ُ‬ ‫ه أك ْب َُر ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ج أهْل ِهِ ِ‬ ‫خَرا ُ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫عوا()‪.(5‬‬ ‫طا ُ‬ ‫ست َ َ‬‫نا ْ‬ ‫م إِ ِ‬ ‫ن ِدين ِك ُ ْ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫دوك ُ ْ‬‫حّتى ي َُر ّ‬ ‫م َ‬ ‫قات ُِلون َك ُ ْ‬ ‫يُ َ‬
‫‪0000000000000000‬‬
‫)‪ (1‬البقرة‪.217 :‬‬
‫)‪ (2‬البقرة‪.251 :‬‬
‫)‪ (3‬الحج‪.40 :‬‬
‫)‪ (4‬الحج‪.41 :‬‬
‫)‪ (5‬البقرة‪.217 :‬‬
‫‪------------------------‬‬
‫)‪ (15‬محمد صلى الله عليه وسلم مذنب كما في‬
‫القرآن‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫أخذوها من فهمهم الخاطئ في مفتتح سورة "الفتح"‪) :‬ليغفر لك‬
‫الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صرا ً‬
‫طا‬
‫ما()‪ .(1‬فقالوا‪ :‬كتاب محمد يعترف عليه ويصفه بأنه‬ ‫مستقي ً‬
‫مذنب!!‬
‫وسيرة محمد سيد الخلق وخاتم النبياء صلى الله عليه وسلم‬
‫كتاب كبير مفتوح استوفي فيه ك ُّتاب سيرته كل شيء في حياته‪.‬‬
‫في صحوه ونومه وفي حربه وسلمه‪ ،‬وفي عبادته وصلواته‪ ،‬في‬
‫حياته مع الناس بل وفي حياته بين أهله في بيته‪.‬‬
‫ليس هذا فحسب‪ ,‬بل إن صحابته حين كانوا يروون عنه حديًثا أو‬
‫فا بالغ الدقة‬ ‫يذكرون له عمل ً يصفونه صلى الله عليه وسلم وص ً‬
‫وبالغ التحديد لكافة التفاصيل حتى ليقول أحدهم‪ :‬قال صلى الله‬

‫‪52‬‬
‫عليه وسلم كذا وكان متكئا ً فجلس‪ ،‬أو قال كذا وقد امتل وجهه‬
‫بالسرور وهذا ما يمكن وصفه بلغة عصرنا‪ :‬إنه تسجيل دقيق‬
‫لحياته صلى الله عليه وسلم بالصوت والصورة‪..‬‬
‫جل له شمائله الكريمة فقال عنه‪ :‬إنه‬ ‫ثم جاء القرآن الكريم فس ّ‬
‫الرحمة المهداة إلى عباد الله‪) :‬وما أرسلناك إل رحمة للعالمين()‬
‫‪ .(2‬ووصفه بأنه الرؤوف الرحيم بمن أرسل إليهم‪) :‬لقد جاءكم‬
‫رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين‬
‫رؤوف رحيم()‪ .(3‬ثم لخص القرآن مجمل شمائله صلى الله عليه‬
‫وسلم في قوله‪) :‬وإنك لعلى خلق عظيم()‪.(4‬‬
‫أكثر من هذا أن تكفل القرآن بإذاعة حتى ما هو من خلجات‬
‫الرسول وحديث نفسه الذي بينه وبين الله مما ل يطلع الناس‬
‫عليه على نحو ما جاء في سورة الحزاب في أمر الزواج بزينب‬
‫بنت جحش‪ ,‬والذي كان القصد التشريعي فيه إبطال عادة التبني‬
‫من قوله تعالى‪) :‬وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس‬
‫والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي ل‬
‫يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذ قضوا منهن‬
‫وطًرا و كان أمر الله مفعو ً‬
‫ل()‪.(5‬‬
‫أقول‪ :‬مع أن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم هي كتاب مفتوح‬
‫ف التاريخ منه شيئًا‪ ,‬بل وتدخل القرآن ليكشف حتى ما‬ ‫لم يخ ِ‬
‫يحدث به نفسه صلى الله عليه وسلم مما ل يطلع عليه الناس‪،‬‬
‫ة ول ذنًبا في قول أو عمل‪.‬‬ ‫ولم يذكر له صلى الله عليه وسلم ذل ً‬
‫أفبعد هذا ل يتورع ظالموه من أن يقولوا‪ :‬إنه "مذنب"؟!!!‬
‫ولو كان هؤلء الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم على‬
‫شيء من سلمة النظر وصفاء القلوب لنتبهوا إلى بقية سورة‬
‫الفتح‪ ،‬والتي كانت كلها تثبيتا ً للمؤمنين وللرسول وتبشيًرا لهم‬
‫بالتأييد والنصر‪ ..‬لو كان محمد صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كما‬
‫ادعيتم – من المذنبين والعاصين لكان من المستحيل أن يجعله‬
‫الله تعالى ممن يؤيدهم بنوره ويتم عليهم نعمته ويهديهم صرا ً‬
‫طا‬
‫مستقيمًا؛ لن النصر يكون للصالحين ل للمذنبين‪.‬‬
‫ونقف أمام الذنب في منطوق الية‪) :‬ليغفر لك الله ما تقدم من‬
‫ذنبك وما تأخر(‪ ,‬فالذنب هنا ليس مما تعارف عليه الناس من‬
‫الخطأ والثام؛ لن سنة الله تبارك وتعالى هي عصمة جميع أنبيائه‬
‫وفي قمتهم خاتمهم صلى الله عليه وسلم‪ .‬وهذا مما يعرفه‬
‫ويقّره ويقرره أتباع كل الرسالت إل قتلة النبياء ومحّرفي الكلم‬
‫عن مواضعه من اليهود الذين خاضوا في رسل الله وأنبيائه بما‬
‫هو معروف‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫فالذنب هو ما يمكن اعتباره ذنبا ً على مستوى مقام نبوته صلى‬
‫الله عليه وسلم ذنًبا مما تقدره الحكمة اللهية‪ ,‬ل ما تحدده‬
‫أعراف الناس‪.‬‬
‫ومع هذا كله فإن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم قبل البعثة‬
‫كانت محل تقدير قومه وإكبارهم له لما اشتهر به صلى الله عليه‬
‫وسلم من العفة والطهر والتميز عن جميع أترابه من الشباب‪,‬‬
‫حتى كان معروًفا بينهم بالصادق المين‪.‬‬
‫أفبعد هذا ل يستحي الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم‬
‫والحاقدون عليه من أهل الكتاب أن يقولوا‪ :‬إنه مذنب؟!! )كبرت‬
‫كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إل كذبا()‪.(6‬‬
‫‪000000000000000‬‬
‫)‪ (1‬الفتح‪.2 :‬‬
‫)‪ (2‬النبياء ‪.117‬‬
‫)‪ (3‬التوبة‪.128 :‬‬
‫)‪ (4‬القلم‪.5 :‬‬
‫)‪ (5‬الحزاب‪.37 :‬‬
‫)‪ (6‬الكهف‪.5 :‬‬
‫‪-------------------------‬‬
‫)‪ (16‬محمد صلى الله عليه وسلم يحّرم ما أحل الله‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫استند الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم في توجيه هذا‬
‫التهام إلى ما جاء في مفتتح سورة التحريم من قوله تعالى‪) :‬يا‬
‫ل الله لك تبتغى مرضاة أزواجك والله‬ ‫أيها النبي لم تحّرم ما أح ّ‬
‫غفور رحيم()‪.(1‬‬
‫وهذه الية وآيات بعدها تشير إلى أمر حدث في بيت النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم عاتبته نساؤه وتظاهرن عليه بدوافع الغيرة‬
‫المعروفة عن النساء عامة؛ إذ كان صلى الله عليه وسلم قد‬
‫ما ل يوجد في بيوتهن‪ ،‬فأسر‬ ‫دخل عند إحداهن وأكل عندها طعا ً‬
‫إلى إحداهن بالمر فأخبرت به أخريات فعاتبنه فحّرم صلى الله‬
‫عليه وسلم تناول هذا الطعام على نفسه ابتغاء مرضاتهن‪.‬‬
‫والواقعة صحيحة لكن اتهام الرسول بأنه يحّرم ما أحل الله هو‬
‫تصّيد للعبارة وحمل لها على ما لم ترد له‪..‬‬
‫فمطلع الية )لم تحرم ما أحل الله لك( )هو فقط من باب‬
‫"المشاكلة" لما قاله النبي لنسائه ترضية لهن؛ والنداء القرآني‬
‫ما له صلى الله عليه وسلم بتحريم ما أحل الله؛ ولكنه‬ ‫ليس اتها ً‬
‫من باب العتاب له من ربه سبحانه الذي يعلم تبارك وتعالى أنه‬

‫‪54‬‬
‫صلى الله عليه وسلم يستحيل عليه أن يحّرم شيًئا أو أمًرا أو‬
‫عمل ً أحّله الله؛ ولكنه يشدد على نفسه لصالح مرضاة زوجاته‬
‫من خلقه العالي الكريم‪.‬‬
‫ول‬‫ولقد شهد الله للرسول بتمام تبليغ الرسالة فقال‪) :‬ولو تق ّ‬
‫علينا بعض القاويل * لخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين‬
‫* فما منكم من أحد عنه حاجزين()‪.(2‬‬
‫دا صلى الله عليه وسلم يحّرم ما أحل‬ ‫وعليه فالقول بأن محم ً‬
‫كاها الله تبارك‬ ‫الله من المستحيلت على مقام نبوته التي ز ّ‬
‫وتعالى وقد دفع عنه مثل ذلك بقوله‪) :‬وما ينطق عن الهوى * إن‬
‫هو إل وحى يوحى()‪.(3‬‬
‫فمقولة بعضهم أنه يحّرم هو تحميل اللفظ على غير ما جاء فيه‪،‬‬
‫وما هو إل وعد أو عهد منه صلى الله عليه وسلم لبعض نسائه‪,‬‬
‫فهو بمثابة يمين له كفارته ول صلة له بتحريم ما أحل الله‪.‬‬
‫‪00000000000‬‬
‫)‪ (1‬التحريم‪.1 :‬‬
‫)‪ (2‬الحاقة‪.47 -44 :‬‬
‫)‪ (3‬النجم‪.4 -3 :‬‬
‫‪-------------------------‬‬
‫)‪ (17‬الشيطان يوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫أ‪.‬د محمود حمدي زقزوق‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم يستندون في هذه‬
‫المقولة إلى أكذوبة كانت قد تناقلتها بعض كتب التفسير من أنه‬
‫صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصلة بالناس سورة‬
‫"النجم"‪ ,‬فلما وصل صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى‪:‬‬
‫)أفرأيتم اللت والعزى* ومناة الثالثة الخرى()‪(1‬؛ تقول الكذوبة‪:‬‬
‫إنه صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬ـ حسب زعمهم ـ تلك الغرانيق)‬
‫‪ (2‬العلى وإن شفاعتهن لترتجى‪.‬‬
‫ثم استمر صلى الله عليه وسلم في القراءة ثم سجد وسجد كل‬
‫من كانوا خلفه من المسلمين‪ ,‬وأضافت الروايات أنه سجد معهم‬
‫من كان وراءهم من المشركين!!‬
‫وذاعت الكذوبة التي عرفت بقصة "الغرانيق" وقال ‪ -‬من تكون‬
‫إذاعتها في صالحهم‪ :-‬إن محمدا ً أثنى على آلهتنا وتراجع عما كان‬
‫يوجهه إليها من السباب‪ .‬وإن مشركي مكة سيصالحونه‬
‫وسيدفعون عن المؤمنين به ما كانوا يوقعونه بهم من العذاب‪.‬‬
‫وانتشرت هذه المقولة حتى ذكرها عدد من المفسرين؛ حيث‬
‫ذكروا أن المشركين سجدوا كما سجد محمد صلى الله عليه‬

‫‪55‬‬
‫وسلم‪ ,‬وقالوا له‪ :‬ما ذكرت آلهتنا بخير قبل اليوم‪ .‬ولكن هذا‬
‫الكلم باطل ل أصل له‪.‬‬
‫وننقل هنا عن المام ابن كثير في تفسيره اليات التي اعتبرها‬
‫المرتكز الذي استند إليه الظالمون للسلم ورسوله وهي في‬
‫سورة الحج حيث تقول‪) :‬وما أرسلنا من قبلك من رسول ول نبي‬
‫إل إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى‬
‫الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم()‪ ,(3‬وبعد ذكره‬
‫لليتين السابقتين يقول‪" :‬ذكر كثير من المفسرين هنا قصة‬
‫الغرانيق وما كان من رجوع كثير ممن هاجروا إلى الحبشة‪ ,‬ظّنا‬
‫منهم أن مشركي مكة قد أسلموا"‪.‬‬
‫ثم أضاف ابن كثير يقول‪" :‬ولكنها ‪ -‬أي قصة "الغرانيق" ‪ -‬من‬
‫طرق كثيرة مرسلة ولم أرها مسندة من وجه صحيح‪ ،‬ثم قال ابن‬
‫كثير)‪ :(4‬عن ابن أبى حاتم بسنده إلى سعيد بن جبير قال‪" :‬قرأ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة "سورة النجم"‪ ,‬فلما بلغ‬
‫هذا الموضع‪) :‬أفرأيتم اللت والعّزى * ومناة الثالثة الخرى(‪ .‬قال‬
‫ابن جبير‪ :‬فألقى الشيطان على لسانه‪ :‬تلك الغرانيق العل وإن‬
‫شفاعتهن لترتجى‪ .‬فقال المشركون‪ :‬ما ذكر آلهتنا بخير قبل‬
‫اليوم‪ ..‬فأنزل الله هذه الية‪) :‬وما أرسلنا من قبلك من رسول ول‬
‫نبي إل إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي‬
‫الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عزيز حكيم( ليقرر العصمة‬
‫والصون لكلمه سبحانه من وسوسة الشيطان"‪.‬‬
‫وربما قيل هنا‪ :‬إذا كان الله تعالى ينسخ ما يلقي الشيطان‬
‫ويحكم آياته فلماذا لم يمنع الشيطان أصل ً من إلقاء ما يلقيه من‬
‫الوساوس في أمنيات النبياء؟! والجواب عنه قد جاء في اليتين‬
‫اللتين بعد هذه الية مباشرة‪:‬‬
‫ل‪ :‬ليجعل ما يلقيه الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض من‬ ‫أو ً‬
‫المنافقين والقاسية قلوبهم من الكفار‪ ,‬وهو ما جاء في الية‬
‫الولى منهما‪) :‬ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم‬
‫مرض()‪.(5‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ليميز المؤمنين من الكفار والمنافقين‪ ,‬فيزداد المؤمنون‬
‫إيماًنا على إيمانهم؛ وهو ما جاء في الية الثانية‪) :‬وليعلم الذين‬
‫أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن‬
‫الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم()‪.(6‬‬
‫ما وحديًثا قصة الغرانيق‪ .‬ومن القدماء‬ ‫هذا‪ :‬وقد أبطل العلماء قدي ً‬
‫المام الفخر الرازي الذي قال ما ملخصه)‪" :(7‬قصة الغرانيق‬
‫باطلة عند أهل التحقيق‪ ,‬وقد استدلوا على بطلنها بالقرآن‬
‫والسنة والمعقول؛ أما القرآن فمن وجوه‪ :‬منها قوله تعالى‪) :‬ولو‬

‫‪56‬‬
‫ول علينا بعض القاويل * لخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه‬ ‫تق ّ‬
‫الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين()‪ ,(8‬وقوله سبحانه‪:‬‬
‫)وما ينطق عن الهوى * إن هو إل وحى يوحى()‪ ,(9‬وقوله‬
‫سبحانه حكاية عن رسوله صلى الله عليه وسلم‪) :‬قل ما يكون‬
‫ي()‪.(10‬‬ ‫لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إل ما يوحى إل ّ‬
‫وأما بطلنها بالسنة فيقول المام البيهقى‪ :‬روى المام البخاري‬
‫في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة "النجم"‬
‫فسجد وسجد فيها المسلمون والمشركون والنس والجن وليس‬
‫فيها حديث "الغرانيق"‪ ,‬وقد روى هذا الحديث من طرق كثيرة‬
‫ليس فيها البتة حديث الغرانيق‪.‬‬
‫فأما بطلن قصة "الغرانيق" بالمعقول فمن وجوه منها‪:‬‬
‫وز تعظيم الرسول للصنام فقد كفر؛ لن من‬ ‫أ ـ أن من ج ّ‬
‫المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه صلى الله عليه وسلم كان‬
‫لنفي الصنام وتحريم عبادتها؛ فكيف يجوز عقل ً أن يثني عليها؟!‬
‫وزنا ذلك لرتفع المان عن شرعـه صلى‬ ‫ب ـ ومنها‪ :‬أننا لو ج ّ‬
‫الله عليه وسلم؛ فإنه ل فرق ‪ -‬في منطق العقل ‪ -‬بين النقصان‬
‫في نقل وحى الله وبين الزيادة فيه‪.‬‬
‫‪0000000000000000‬‬
‫)‪ (1‬النجم‪.20- 19 :‬‬
‫)‪ (2‬المراد بالغرانيق‪ :‬الصنام؛ وكان المشركون يسمونها بذلك‬
‫تشبيًها لها بالطيور البيض التي ترتفع في السماء‪.‬‬
‫)‪ (3‬الحج‪.52 :‬‬
‫)‪ (4‬عن‪ :‬التفسير الوسيط للقرآن لشيخ الزهر د‪ .‬طنطاوى ج ‪9‬‬
‫ص ‪ 325‬وما بعدها‪.‬‬
‫)‪ (5‬الحج‪.53 :‬‬
‫)‪ (6‬الحج‪.54 :‬‬
‫)‪ (7‬التفسير السابق‪ :‬ص ‪.321‬‬
‫)‪ (8‬الحاقة‪ 44 :‬ـ ‪.47‬‬
‫)‪ (9‬النجم‪.4 -3 :‬‬
‫)‪ (10‬يونس‪.15 :‬‬
‫=====================‬
‫قصة الغرانيق المكذوبة‬
‫تحت عنوان ‪ ) :‬وحي من الشيطان ( كتب أعداء السلم ما يلي ‪:‬‬
‫َ‬
‫ل وَل َ ن َب ِ ّ‬
‫ي‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬
‫م ْ‬ ‫ك ِ‬‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬‫سل َْنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬‫جاء في سورة الحج ‪ )) :‬وَ َ‬
‫ُ‬ ‫مّنى أ َل ْ َ‬
‫قي‬‫ما ي ُل ْ ِ‬
‫ه َ‬‫خ الل ُ‬‫س ُ‬ ‫من ِي ّت ِهِ فَي َن ْ َ‬
‫ن ِفي أ ْ‬ ‫طا ُ‬‫شي ْ َ‬‫قى ال ّ‬ ‫إ ِل ّ إ ِ َ‬
‫ذا ت َ َ‬
‫م ‪((.‬‬
‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ع َِلي ٌ‬ ‫ه آَيات ِهِ َوالل ُ‬
‫م الل ُ‬ ‫حك ِ ُ‬
‫م يُ ْ‬ ‫ن ثُ ّ‬
‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬

‫‪57‬‬
‫قال المفسرون ‪ :‬إن محمدا لما كان في مجلس قريش أنزل الله‬
‫لت والعّزى ومناة‬ ‫عليه سورة النجم فقرأها حتى بلغ أفرأيتم ال ّ‬
‫دث به‬ ‫الثالثة الخرى فألقى الشيطان على لسانه ما كان يح ّ‬
‫نفسه ويتمناه ‪ -‬وهو تلك الغرانيق الُعلى وإن شفاعتهن لُترَتجى ‪.‬‬
‫فلما سمعت قريش فرحوا به ومضى محمد في قراءته فقرأ‬
‫السورة كلها‪ ،‬وسجد في آخرها وسجد المسلمون بسجوده‪ ،‬كما‬
‫سجد جميع المشركين‪ .‬وقالوا‪ :‬لقد ذكر محمد آلهتنا بأحسن‬
‫الذكر‪ .‬وقد عرفنا أن الله يحيي ويميت ولكن آلهتنا تشفع لنا عنده‬
‫‪.‬‬
‫ونحن نسأل ‪ :‬كيف يتنكر محمد لوحدانية الله ويمدح آلهة قريش‬
‫ليتقرب إليهم ويفوز بالرياسة عليهم بالقوال الشيطانية؟ وما‬
‫الفرق بين النبي الكاذب والنبي الصادق إذا كان الشيطان ينطق‬
‫على لسان كليهما ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫هذا الكلم مبني على رواية باطلة مكذوبة ‪ ،‬قال عنها ابن كثير‬
‫وغيره ‪ " :‬لم تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم بسند صحيح "‬
‫‪.‬‬
‫وقد سئل ابن خزيمة عن هذه القصة فقال ‪ :‬من وضع الزنادقة ‪.‬‬
‫وقال البيهقي ‪ :‬هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ‪ ،‬ورواية‬
‫البخاري عارية عن ذكر الغرانيق ‪.‬‬
‫وقال المام ابن حزم ‪ )) :‬والحديث الذي فيه ‪ :‬وانهن الغرانيق‬
‫العل ‪ ،‬وان شفاعتهن لترجى ‪ .‬فكذب بحت لم يصلح من طريق‬
‫النقل ولمعنى للشتغال به ‪ ،‬إذ وضع الكذب ل يعجز عنه أحد (( ]‬
‫السلم بين النصاف والجحود [ ص ‪69‬‬
‫واستنادا ً إلى القرآن والسنة واللغة والمعقول والتاريخ نفسه فإن‬
‫هذه الرواية باطلة مكذوبة ‪:‬‬
‫‪ -1‬لن أسانيدها واهية وضعيفة فل تصح ‪.‬‬
‫‪ -2‬لن النبى صلى الله عليه وسلم معصوم في تبليغه للرسالة‬
‫محتجين بقوله سبحانه وتعالى ‪:‬‬
‫قط َعَْنا‬
‫م لَ َ‬ ‫ه ِبال ْي َ ِ‬ ‫َ‬
‫ل َل َ‬ ‫َ‬
‫ن ثُ ّ‬
‫مي ِ‬ ‫خذ َْنا ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ض اْلَقاِوي ِ‬
‫ل ع َل َي َْنا ب َعْ َ‬ ‫)) وَل َوْ ت َ َ‬
‫قو ّ َ‬
‫ن (( ] الحاقة ‪[ 44 :‬‬ ‫ه ال ْوَِتي َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ِ‬
‫‪ -3‬لن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحترم الصنام في‬
‫الجاهلية إذ لم يعرف عنه أنه تقرب لصنم بل قال ‪ )) :‬بغض إلي‬
‫الوثان والشعر (( ‪.‬‬
‫ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتاب ) نصب المجانيق لنسف‬
‫قصة الغرانيق ( للعلمة اللباني رحمه الله في باب كتب‬
‫وأبحاث ‪ ...‬والله الموفق‬

‫‪58‬‬
‫‪------------------------‬‬
‫)‪ (18‬عصمة الرسول – صلى الله عليه وسلم –‬
‫د‪ .‬سلمان بن فهد العودة‬
‫السؤال‪:‬‬
‫لقد تناقشت مع أحد الخوة في مسألة عصمة الرسول ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬وكان مما قلته له‪ :‬إنه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫ي‬‫معصوم من كل زلل‪ ،‬وذلك الخ ‪ -‬غفر الله لنا وله ‪ -‬أنكر عل ّ‬
‫ي قصته ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬مع )ابن أم‬ ‫هذا‪ ،‬وأورد عل ّ‬
‫مكتوم( في )عبس وتوّلى(‪ .‬حقيقة يا شيخي لم أجد جوابًا‪،‬‬
‫فأسعفنا بعلمك ‪ -‬دلنا الله وإياك إلى سبيل الرشاد ‪ -‬وأفتنا في‬
‫هذا المر الذي أشكل علينا!!‬
‫الجواب‪:‬‬
‫الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬معصوم فيما يبلغ عن الله؛‬
‫لقوله تعالى‪) :‬وما ينطق عن الهوى إن هو إل وحي يوحى( ]النجم‬
‫ول علينا بعض القاويل لخذنا‬ ‫‪ .[4-3 :‬ولهذا قال تعالى‪) :‬ولو تق ّ‬
‫منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه‬
‫حاجزين(‪] ،‬الحاقة ‪ .[47-44 :‬والدلة في هذا المعنى متوافرة‬
‫متكاثرة متواترة على أنه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬معصوم فيما‬
‫يبلغ عن ربه ‪ -‬عز وجل ‪ -‬ل يقع منه خلف ذلك ل عمدا ً ول سهوا‪ً.‬‬
‫ول يشكل على هذا ما ورد في قصة الغرانيق المشهورة – التي‬
‫أخرجها الضياء في المختارة )‪ (247‬فهو إفك مفترى‪ ،‬وباطل‬
‫مفتعل‪ ،‬والكلم في سورة الحج‪ ،‬وبيان حقيقة معناها له موضع‬
‫آخر غير هذا‪ ،‬ول يشكل عليه أيضا ً كونه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫ينسى الية أحياًنا‪ ،‬فإن هذا ليس نسيانا ً مطبقا ً مطلقًا‪ ،‬بمعنى أنه‬
‫فظها أصحابه‪ ،‬ودونها الك ُّتاب‪،‬‬ ‫ل يتذكرها‪ ،‬كل‪ ،‬بل هو قد قرأها وح ّ‬
‫ولكنها عزبت عنه تلك اللحظة فأسقطها‪ ،‬أو وقف يتذكرها‪ ،‬وهذه‬
‫جبّلة بشرية‪ ،‬ولهذا قال تعالى‪) :‬سنقرئك فل تنسى إل ما شاء‬ ‫ِ‬
‫الله إنه يعلم الجهر وما يخفى( ]العلى‪ .[7-6 :‬فهذا مما شاء‬
‫الله‪ ،‬ومما شاء الله أن ينساه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ .-‬ما‬
‫نسخت تلوته من آي القرآن الكريم‪.‬‬
‫أما ما اجتهد فيه ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فإنه ل يقر إل على‬
‫صواب‪ ،‬ولذلك "عوتب في شأن السرى ببدر )ما كان لنبي أن‬
‫يكون له أسرى حتى يثخن في الرض‪ (...‬الية‪] ،‬النفال ‪.([67‬‬
‫انظر الترمذي )‪ (3084‬عن عبد ا لله بن مسعود‪ ،‬وأبو داود )‬
‫‪ (2690‬عن عبد الله بن عباس‪.‬‬
‫وعوتب في شأن ابن أم مكتوم‪) :‬عبس وتولى أن جاءه العمى(‬
‫]عبس‪ .[2-1 :‬انظر الترمذي )‪ (3331‬عن عائشة‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫وعوتب في شأن زيد بن حارثة وزينب بنت جحش )وتخفي في‬
‫نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه‪(...‬‬
‫الية‪] ،‬الحزاب‪ ،[37 :‬انظر البخاري )‪ (4887‬عن أنس‪.‬‬
‫فكان ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يعلن ذلك لصحابه‪ ،‬ويحفظه‬
‫لهم‪ ،‬ويتلوه عليهم‪ ،‬ويتعبدهم بتلوته‪ ،‬ولم يعبأ بمقالة اليهود‬
‫والمنافقين‪ ،‬ول باضطراب ضعفاء النفوس؛ لن دين الله أعظم‬
‫له الله بها‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫من ذلك كله‪ ،‬وهذا من أعظم كمالته التي ح ّ‬
‫)وإنك لعلى خلق عظيم( ]القلم‪.[4 :‬‬
‫فصلى الله وسلم وبارك عليه‪ ،‬وأدخلنا في شفاعته‪ ،‬وأوردنا‬
‫حوضه‪ ،‬وارزقنا اتباعه ومحبته وإياكم وجميع المسلمين‪.‬‬
‫‪--------------------------‬‬
‫)‪ (19‬عصمة الرسول – صلى الله عليه وسلم‬
‫د‪.‬مساعد بن سليمان الطيار‬
‫السؤال‪:‬‬
‫فيما يتعلق بعصمة الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬هل هو‬
‫معصوم من الخطأ؟ أو معنى العصمة هنا أن الله عصمه من‬
‫الناس ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬وإذا كان معصوما ً من الخطأ‬
‫صلوات ربي وسلمه عليه‪ ،‬فما هو التفسير الصحيح لحادثة‬
‫العمى التي نزل فيها قول الله –تعالى‪" -‬عبس وتولى" وجزاكم‬
‫الله خير ونفع بكم‪.‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫وعليكم السلم ورحمة الله وبركاته‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫ن القول بأن الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬لم يقع منه خطأ‪،‬‬ ‫فإ ّ‬
‫مخالف لظاهر القرآن؛ لن الله سبحانه ـ الذي أرسله بالحق‪،‬‬
‫وهو أعلم به ـ قد عاتبه في غير ما آية‪ ،‬ول يكون العتاب إل‬
‫بسبب وقوع خطأ منه ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وقد يستعظم‬
‫ما أن ذلك ينقص من قدر النبي‬ ‫بعض الناس القول بهذا‪ ،‬زاع ً‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وليس المر كذلك؛ فحق الله أعظم‪،‬‬
‫واليمان بكلمه الذي نقله الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أولى‬
‫من هذا الزعم‪ ،‬ولو كان في هذه العتابات اللهية له ما ينقص من‬
‫قدره لما ذكرها الله –سبحانه‪ -‬في حقّ خليله محمد ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬والمسلم مطالب بالخذ بظاهر القرآن‪ ،‬ومن تأول‬
‫مثل هذه العتابات اللهية فإنه سيقع في التحريف والتكذيب بخبر‬
‫قا‬‫م" تعلي ً‬ ‫الله –سبحانه‪ -‬وقد ذكرت في كتابي "تفسير جزء ع ّ‬
‫ك"‬ ‫ض ظ َهَْر َ‬
‫ق َ‬‫ذي أ َن ْ َ‬‫ك ال ّ ِ‬
‫ك وِْزَر َ‬
‫ضعَْنا ع َن ْ َ‬
‫على قوله –تعالى‪": -‬وَوَ َ‬
‫صه ‪" :‬قال ‪:‬‬ ‫]الشرح‪ 2 :‬ـ ‪ [3‬ما يتعلق بأمر العصمة‪ ،‬وهذا ن ّ‬
‫مجاهد من طريق ابن أبي نجيح ‪" :‬ذنبك"‪ ،‬قال قتادة من طريق‬

‫‪60‬‬
‫سعيد ومعمر‪) :‬كانت على النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ذنوب‬
‫قد أثقلته‪ ،‬فغفرها الله له(‪ ،‬وكذا قال ابن زيد‪ .‬وهذه مسألة‬
‫تتعلق بالعصمة‪ ،‬وللناس فيها كلم كثير‪ ،‬وأغلب الكلم فيها عقلي‬
‫ل يعتمد على النصوص‪ ،‬وهذا النص صريح في وقوع الرسول ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في شيء من الذنوب التي قد غفرها الله‬
‫له‪ ،‬ولكن لم يبّين الله نوع هذه الذنوب‪ ،‬ولذا فل تتعدى ما أجمله‬
‫م ‪.‬ول تفترض مصطلحا ً للعصمة‬ ‫ل به تسل ْ‬‫ص‪ ،‬وقُ ْ‬
‫الله في هذه الن ّ‬
‫من عقلك تحمل عليه أفعال الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪،-‬‬
‫فتدخل بذلك في التأويلت السمجة التي ل دليل عليها من الكتاب‬
‫ول السنة؛ كما وقع من بعضهم في تأويل قوله –تعالى‪" :-‬ليغفر‬
‫لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر" ]الفتح ‪ ،[ 2 :‬قال ‪ :‬ما‬
‫تقدم ‪ :‬ذنب أبيك آدم‪ ،‬وما تأخر‪ :‬من ذنوب أمتك‪ ،‬وانظر الشبه‬
‫بين هذا القول وبين قول النصارى في الخطيئة‪ ،‬فالله يقول‪:‬‬
‫"ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك"‪ ،‬وهذا يقول هو ذنب غيره !‬
‫ن في الرسول جانبان ‪ :‬جانب بشري‪،‬‬ ‫والله المستعان"‪ .‬واعلم أ ّ‬
‫ما الجانب البشري فهو فيه كالبشر‪ :‬يحب ويكره‪،‬‬ ‫وجانب نبوي‪ ،‬أ ّ‬
‫ويرضى ويغضب‪ ،‬ويأكل ويشرب‪ ،‬ويقوم وينام … إلخ‪ ،‬مع ما‬
‫مّيزه الله به في هذا الجانب في بعض الشياء؛ كسلمة الصدر‪،‬‬
‫والقوة في النكاح‪ ،‬وعدم نوم القلب‪ ،‬وغيرها من الخصوصات‬
‫التي تتعلق بالجانب البشري‪ .‬ومن هذا الجانب قد يقع من النبي‬
‫– صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بعض الخطاء التي يعاتبه الله عليها‪،‬‬
‫ولك أن تنظر في جملة المعاتبات اللهية للنبي – صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪-‬؛ كعتابه بشأن أسرى بدر‪ ،‬وعتابه بشأن زواجه من زينب‬
‫– رضي الله عنها ‪ ،-‬وعتابه في عبد الله بن أم مكتوم – رضي‬
‫ص الله على هذا الجانب في الرسل‬ ‫الله عنه ‪ ،-‬وغيرها‪ ،‬وقد ن ّ‬
‫جميعهم صلوات الله وسلمه عليهم‪ ،‬ومن اليات في ذلك ‪" :‬قل‬
‫سبحان ربي هل كنت إل ّ بشرا ً رسول ً " ]السراء ‪ ،[93 :‬ومن‬
‫الحاديث قوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪" :-‬إنما أنا بشر‪ ،‬وإنكم‬
‫ي‪ ،‬ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض‪،‬‬ ‫تختصمون إل ّ‬
‫وأقضي له على نحو ما أسمع‪ ،‬من حق له أخيه شيئًا‪ ،‬فل يأخذ‪،‬‬
‫فإنما أقطع له من النار" )رواه البخاري )‪ ،(6967‬ومسلم )‬
‫‪(1713‬من حديث أم سلمة –رضي الله عنها‪ .-‬وتكمن العصمة‬
‫ن الله ُينّبه نبيه – صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬ ‫في هذا الجانب في أ ّ‬
‫على ما وقع منه من خطأ‪ ،‬وهذا ما ل يتأّتى لحد من البشر غيره‪،‬‬
‫مغفلة ‪ .‬وأما الجانب النبوي‪،‬‬ ‫فتأمله فإنه من جوانب العصمة ال ُ‬
‫ن النبي – صلى الله عليه‬ ‫وهو جانب التبليغ‪ ،‬فإنه لم يرد البتة أ ّ‬
‫وسلم ‪ -‬خالف فيه أمر الله؛ كأن يقول الله له‪ :‬قل لعبادي يفعلوا‬

‫‪61‬‬
‫كذا فل يقول لهم‪ ،‬أو يقول لهم خلف هذا المر‪ ،‬وهذا لو وقع‬
‫حَر النبي – صلى الله عليه وسلم‬ ‫س ِ‬ ‫فإنه مخالف للنبوة‪ ،‬ولذا لما ُ‬
‫حُر في الجانب النبوي‪ ،‬بل أّثر في الجانب‬ ‫س ْ‬‫‪ -‬لم ُيؤّثر هذا ال ّ‬
‫البشري انظر ما رواه البخاري )‪ ،(3268‬ومسلم )‪ (2189‬من‬
‫م فجانب التبليغ في‬ ‫حديث عائشة – رضي الله عنها‪ ،-‬ومن ث َ ّ‬
‫النبي – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬معصوم‪ ،‬ويدل على هذا الجانب‬
‫قوله تعالى ‪" :‬وما ينطق عن الهوى‪ ،‬إن هو إل ّ وحي يوحى"‬
‫]النجم‪ [4-3 :‬الله أعلم‪.‬‬
‫‪--------------------------‬‬
‫ء‬
‫ة تعري النبي صلى الله عليه وسلم أثناء بنا ِ‬ ‫)‪ (20‬شبه ٌ‬
‫ة‬‫الكعب ِ‬
‫أبو عبد العزيز سعود الزمانان‬
‫سو َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن َر ُ‬ ‫ث‪" :‬أ ّ‬ ‫حد ّ ُ‬‫ن ع َب ْد ِ اللهِ ي ُ َ‬ ‫جاب َِر ب ْ َ‬ ‫في الصحيحين من حديث َ‬
‫ة‪،‬‬ ‫جاَرة َ ل ِل ْك َعْب َ ِ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫ح َ‬ ‫معَهُ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ُ‬‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫م‪َ -‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫الل ّهِ ‪َ -‬‬
‫ت‬‫حل َل ْ َ‬
‫خي! ل َوْ َ‬ ‫ن أَ ِ‬‫ه‪َ :‬يا اب ْ َ‬ ‫م ُ‬‫س‪ ،‬ع َ ّ‬ ‫ه ال ْعَّبا ُ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ه‪ .‬فَ َ‬ ‫وَع َل َي ْهِ إ َِزاُر ُ‬
‫جعَل َ ُ‬
‫ه‬ ‫ه‪ ،‬فَ َ‬ ‫حل ّ ُ‬
‫ل‪ :‬فَ َ‬ ‫جاَرة‪َ .‬قا َ‬ ‫ح َ‬‫ن ال ْ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ك‪ُ ،‬‬ ‫ه ع ََلى َ‬
‫من ْك ِب ِ َ‬ ‫جعَل ْت َ ُ‬ ‫ك‪ ،‬فَ َ‬ ‫إ َِزاَر َ‬
‫ما ُرؤيَ ب َعْد َ ذ َل ِ َ ْ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ه‪َ .‬قا َ‬ ‫شي ّا ً ع َل َي ْ ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ه‪ ،‬فَ َ‬ ‫ع ََلى َ‬
‫ك الي َوْم ِ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫ط َ‬ ‫س َ‬ ‫من ْك ِب ِ ِ‬
‫ع ُْرَيانًا"‪.‬‬
‫وبدأ أهل البدع يشنعون؛ كيف تعرى النبي – صلى الله عليه‬
‫وسلم – فهذا كذب على النبي – صلى الله عليه وسلم – كما‬
‫يزعمون‪ ,‬والرد على هؤلء يكون بما يأتي‪:‬‬
‫ل‪ :‬هذا الحديث صحيح السناد ل غبار عليه‪ ,‬فقد أخرجه المام‬ ‫أو ً‬
‫البخاري في صحيحه )‪ (364‬كتاب الصلة – باب كراهية التعري‬
‫في الصلة وغيرها‪.‬‬
‫فهذا الحديث قبل بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم – وقال‬
‫الزهري – رحمه الله‪" :-‬لما بنت قريش الكعبة لم يبلغ النبي عليه‬
‫الصلة والسلم الحلم"‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬التعري عند أهل العلم يجوز إن كان لمصلحة شرعية‬
‫راجحة‪ ،‬كجواز التعري أثناء العلج‪ ,‬بل ل خلف على جواز أن‬
‫ينظر الطبيب إلى موضع المرض من المرأة عند الحاجة ضمن‬
‫ضوابط شرعية مع تقوى الله وصلح النية‪ ،‬والضرورات تقدر‬
‫بقدرها‪ ،‬فتعري النبي – صلى الله عليه وسلم – كان قبل البعثة‬
‫ل‪ ,‬وثانيا ً كان لمصلحة لكي يضع ثوبه على عاتقه لكي يتقوى بها‬ ‫أو ً‬
‫على حمل الحجارة‪ ,‬وعلى قربة يتقرب بها لله جل وعل وهي بناء‬
‫الكعبة‪.‬‬
‫كما حدث لنبي الله موسى عليه السلم لما اتهمه قومه برجولته‬
‫فبّرأه الله مما قالوا‪ ,‬وهذا كما أخرجه الشيخان من حديث أبي‬

‫‪62‬‬
‫ن ع َُراةً‬ ‫سُلو َ‬ ‫ل ي َغْت َ ِ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ن ب َُنو إ ِ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫هريرة – رضي الله عنه ‪ -‬قال‪َ " :‬‬
‫ه‪،‬‬‫حد َ ُ‬ ‫ل وَ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫سى ي َغْت َ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ض‪ ,‬وَ َ‬ ‫ٍ‬ ‫م إ َِلى سوأة ب َعْ‬ ‫ي َن ْظ ُُر ب َعْ ُ‬
‫ضه ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه آد َُر )أي ذو‬ ‫معََنا ِإل أن ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ي َغْت َ ِ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫من َعُ ُ‬
‫ما ي َ ْ‬ ‫قاُلوا‪َ :‬والل ّهِ َ‬ ‫فَ َ‬
‫جُر‬ ‫ح َ‬ ‫فّر ال ْ َ‬ ‫جرٍ فَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ه ع ََلى َ‬ ‫ضعَ ث َوْب َ ُ‬ ‫ل فَوَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫مّرة ً ي َغْت َ ِ‬
‫ب َ‬ ‫فتق( قال‪ :‬فَذ َهَ َ‬
‫حّتى‬ ‫جُر! َ‬ ‫ح َ‬ ‫جُر! ث َوِْبي َ‬ ‫ح َ‬‫قولُ‪ :‬ث َوِْبي َ‬ ‫سى ِفي إ ِث ْرِهِ ي َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫جمعَ ُ‬ ‫ه! فَ َ‬ ‫ب ِث َوْب ِ ِ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫سى ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ما ب ِ ُ‬ ‫قاُلوا‪َ :‬والل ّهِ َ‬ ‫سى فَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل إ َِلى سوأة ُ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ن َظ ََر ب َُنو إ ِ ْ‬
‫بأ ْ‬
‫سى فطفق ث َوْب َ ُ‬
‫ه‬ ‫مو َ‬ ‫س‪ ,‬فقام الحجر بعد حتى نظر إليه فأخذ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫ة")‪.(1‬‬ ‫سب ْعَ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫ة أوْ َ‬ ‫ست ّ ٌ‬ ‫دبا ِ‬ ‫جر َن َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ِبال َ‬ ‫جر ضربا؟ فوالله إ ِ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ِبال َ‬
‫وقد ثبت هذا الحديث عند الرافضة ورواه إمامهم ووصيهم‬
‫السادس المعصوم كما يزعمون‪ ،‬وقد أخرجه مفسرو الشيعة في‬
‫ضا‪:‬‬ ‫تفاسيرهم أي ً‬
‫‪ -‬ففي تفسير القمي عن أبي بصير‪ ،‬عن أبي عبد الله )ع(‪" :‬أن‬
‫بني إسرائيل كانوا يقولون‪ :‬ليس لموسى ما للرجال‪ ,‬وكان‬
‫موسى إذا أراد الغتسال ذهب إلى موضع ل يراه فيه أحد من‬
‫الناس‪ ,‬فكان يوما ً يغتسل على شط نهر وقد وضع ثيابه على‬
‫صخرة فأمر الله الصخرة فتباعدت عنه حتى نظر بنو إسرائيل‬
‫مُنوا ْ‬ ‫َ‬
‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫إليه‪ ,‬فعلموا أنه ليس كما قالوا‪ ,‬فأنزل الله‪َ) :‬يـأّيـَها ال ّ ِ‬
‫ما َقاُلوا ْ وَ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫دالل ِ‬ ‫عن َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫سى فَب َّرأه ُ الل ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ن َءاذ َْوا ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬‫كوُنوا ْ َ‬ ‫ل َ تَ ُ‬
‫جيًها( ]الحزاب‪.(2)[69/‬‬ ‫وَ ِ‬
‫ثم إن مفسرهم الطبرسي في مجمع البيان أثبت هذا الحديث‬
‫فقال‪" :‬إن موسى عليه السلم كان حييا ً ستيرا ً يغتسل وحده‪,‬‬
‫فقال ما يتستر مّنا إل لعيب بجلده إما برص وإما أدرة‪ ,‬فذهب‬
‫مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر‪ ,‬فمر الحجر بثوبه‪ ,‬فطلبه‬
‫موسى عليه السلم‪ ,‬فرآه بنو إسرائيل عريانا ً كأحسن الرجال‬
‫قا‪ ,‬فبرأه الله مما قالوا")‪.(3‬‬ ‫خل ً‬
‫قال رئيس علمائهم نعمة الله الجزائري في قصصه )ص ‪:(250‬‬
‫"قال جماعة من أهل الحديث‪ :‬ل استبعاد فيه بعد ورود الخبر‬
‫الصحيح‪ ,‬وإن رؤيتهم له على ذلك الوضع لم يتعمده موسى عليه‬
‫دا ينظر إليه أم ل‪ ,‬وإن مشيه عريانا ً‬ ‫السلم‪ ,‬ولم يعلم أن أح ً‬
‫لتحصيل ثيابه مضافا ً إلى تبعيده عما نسبوه إليه‪ ،‬ليس من‬
‫المنفرات"‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬ونقول نحن كذلك أهل السنة والجماعة كما قال‪ :‬ل استبعاد‬
‫فيه بعد ورود الخبر الصحيح‪ ,‬وإن رؤيته له على ذلك الوضع لم‬
‫يتعمده النبي – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فليس ذلك من المنفرات‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬ليس في الحديث أنه تعرى أمام الناس – صلوات ربي‬
‫وسلمه عليه – فالتعري أمام الناس متعمدا ً من خوارم المروءة‪،‬‬
‫فأين الدليل أن النبي – صلى الله عليه وسلم – مشى أمام‬

‫‪63‬‬
‫الناس عاريا ً ل لشيء وإنما من أجل التعري فقط وأن الكل ينظر‬
‫إليه!!‬
‫فليس في هذا الحديث أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬مشى‬
‫وتعرى أمام الناس‪ ،‬وهذا القول له شاهد عند الطبراني في كما‬
‫ذكر ذلك الحافظ في "الفتح"‪" :‬لما بنت قريش الكعبة انفردت‬
‫رجلين رجلين ينقلون الحجارة‪ ،‬فكنت أنا وابن أخي‪ ،‬جعلنا نأخذ‬
‫أزرنا فنضعها على مناكبنا ونجعل عليها الحجارة‪ ،‬فإذا دنونا من‬
‫الناس لبسنا أزرنا‪ ،‬فبينما هو أمامي إذ صرع‪ ,‬فسعيت وهو‬
‫شاخص ببصره إلى السماء قال فقلت لبن أخي‪ :‬ما شأنك؟ قال‪:‬‬
‫نهيت أن أمشي عرياًنا‪ ,‬قال‪ :‬فكتمته حتى أظهر الله نبوته"‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬على افتراض أن التعري لمصلحة ظهرت لمن تعرى أنه‬
‫ذنب‪ ،‬ولكنه ليس من الكبائر‪ ،‬وعقيدتنا أن النبياء معصومون من‬
‫كبائر الذنوب ومن خوارم المروءة‪ ،‬لذلك حينما تعرى أمام عمه‬
‫فقط لم يقر على ذلك وأغشي عليه وما رؤي عرياًنا بعد ذلك‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬نقول للرافضة‪ :‬ما شأنكم وشأن كشف العورات؟!‬
‫فدينكم دين جنس ودعوة للتعري والفاحشة وهذه حقيقة‪.‬‬
‫وسأذكر بعض المور التي تؤكد هذا الدعاء‪:‬‬
‫‪ - 1‬يتهمون النبي بأنه كان ينظر إلى عورات النساء ويخون‬
‫المؤمنين‪ ،‬وينظر إلى امرأة رجل مسلم وهي تغتسل عريانة!!!‬
‫ففي بحار النوار)‪" :(22/217‬قال الرضا‪ :‬إن رسول الله – صلى‬
‫الله عليه وسلم – قصد دار زيد بن حارثة في أمر أراده‪ ,‬فرأى‬
‫امرأته تغتسل فقال لها‪" :‬سبحان الذي خلقك"!!!‬
‫‪ - 2‬يروون عن جعفر بن محمد عليهما السلم قال‪" :‬كان رسول‬
‫الله – صلى الله عليه وسلم – ل ينام حتى يضع وجهه بين ثديي‬
‫فاطمة"‪ ,‬وفاطمة امرأة كبيرة بالغة‪ ,‬فكيف يضع النبي – صلى‬
‫الله عليه وسلم – وجهه بين ثدييها – رضي الله عنها‪.-‬‬
‫‪ - 3‬يزعمون أن إمامهم المعصوم الثاني عشر الغائب عندما‬
‫يظهر أنه سيكون عاريا ً بدون ثياب!! وهذا ما رواه الشيخ‬
‫الطوسي والنعماني عن المام الرضا‪" :‬أن من علمات ظهور‬
‫المهدي أنه سيظهر عاريا ً أمام قرص الشمس"‪ .‬حق اليقين )ص‬
‫‪.(347‬‬
‫‪ - 4‬الرافضة عندهم الدبر ليس من العورة‪ ,‬وهذا ما رواه الكليني‬
‫في الكافي )‪ (6/512‬عن أبي الحسن عليه السلم قال‪" :‬العورة‬
‫عورتان القبل والدبر‪ ،‬فأما الدبر مستور بالليتين‪ ,‬فإذا سترت‬
‫القضيب والبيضتين فقد سترت العورة"‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫‪ - 5‬جواز النظر إلى العورات من غير المسلمين‪ ,‬فعن جعفر‬
‫الصادق قال‪" :‬النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل نظرك إلى‬
‫عورة الحمار"‪ .‬الكافي )‪.(6/512‬‬
‫‪ - 6‬يزعمون أن إمامهم المعصوم الخامس محمد الباقر كان‬
‫يدخل الحمام ويكشف عورته أمام الناس‪ ،‬فعن عبيد الله الدابقي‬
‫ما بالمدينة‪ ...‬فقلت‪ :‬لمن هذا الحمام؟ فقال‬ ‫قال‪" :‬دخلت حما ً‬
‫لبي جعفر محمد بن علي عليه السلم فقلت‪ :‬كان يدخله؟ قال‪:‬‬
‫نعم‪ ,‬فقلت‪ :‬كيف كان يصنع؟ قال‪ :‬كان يدخل يبدأ فيطلي عانته‬
‫وما يليها ثم يلف على طرف إحليله ويدعوني فأطلي سائر بدنه‪،‬‬
‫فقلت له يوما ً من اليام‪ :‬الذي تكره أن أراه قد رأيته" ‪ -‬يقصد‬
‫عورته المغلظة‪) .-‬الكافي ‪.(6/508‬‬
‫‪--------------------------‬‬
‫)‪ (21‬الرد على شبهة أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ما ذبح على الصنم والنصب‬ ‫أكل طعا ً‬
‫أبو عبد العزيز سعود الزمانا‬
‫الرد على شبهة أن النبي – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أكل طعاما‬
‫ذبح على الصنم والنصب‪:‬‬
‫تعريف النصب‪ :‬هي الصنام والحجارة التي كان الكفار يذبحون‬
‫عليها‪.‬‬
‫أخرج المام أحمد )‪ (1/190‬قال‪ :‬حدثنا يزيد حدثنا المسعودي‬
‫عن نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل عن أبيه‬
‫عن جده قال‪ " :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة‬
‫هو وزيد بن حارثة فمر بهما زيد بن عمرو بن نفيل فدعواه‬
‫إلى سفرة لهما فقال يا ابن أخي إني ل آكل مما ذبح على‬
‫النصب قال فما رئي النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أكل‬
‫شيًئا مما ذبح على النصب قال قلت يا رسول الله إن أبي كان‬
‫كما قد رأيت وبلغك ولو أدركك لمن بك واتبعك فاستغفر له قال‬
‫نعم سأستغفر له فإنه يبعث يوم القيامة أمة واحدة"‪.‬‬
‫الشبهة‪:‬‬
‫قال المبتدعة والزنادقة كيف يذبح الرسول على النصب‬
‫والصنام‪ ،‬وكيف يأكل مما ذبح عليها؟‬
‫الرد‪:‬‬
‫ل‪ :‬رواية )إني ل آكل مما تذبحون على أنصابكم قال‪ :‬فما‬ ‫أو ً‬ ‫‪-‬‬
‫رؤي النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد ذلك أكل شيئا ً مما ذبح‬
‫على النصب( منكرة ول تصح‪.‬‬
‫‪ -‬قال الشيخ اللباني – رحمه الله‪" :-‬أخرجه المام أحمد )رقم‬
‫‪ (5369‬من حديث ابن عمر‪ ،‬وقد رواه أيضا من حديث سعيد بن‬

‫‪65‬‬
‫زيد بن عمرو )‪ (1648‬وفيه زيادة منكرة‪ ،‬وهي تتنافي مع التوجيه‬
‫الحسن الذي وجه به الحديث المؤلف وهي قوله بعد‪) :‬إني ل آكل‬
‫مما تذبحون على أنصابكم( قال‪ :‬فما رؤي النبي – صلى الله‬
‫عليه وسلم – بعد ذلك أكل شيئا ً مما ذبح على النصب‪ ,‬وعلة هذه‬
‫الزيادة أنها من رواية المسعودي وكان قد اختلط وراوي هذا‬
‫الحديث عنه يزيد بن هارون سمع منه بعد اختلطه‪ ،‬ولذلك لم‬
‫يحسن صنعا حضرة الستاذ الشيخ أحمد محمد شاكر حيث صرح‬
‫في تعليقه على المسند أن إسناده صحيح‪ ،‬ثم صرح بعد سطور‬
‫أنه إنما صححه مع اختلطه لنه ثبت معناه من حديث ابن عمر‬
‫بسند صحيح يعني هذا الذي في الكتاب‪ ،‬وليس فيه الزيادة‬
‫المنكرة‪ ،‬فكان عليه أن ينبه عليها حتى ل يتوهم أحد أن معناها‬
‫ثابت أيضا ً في حديث ابن عمر"‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬حكم على هذه الزيادة بالنكارة المام الذهبي أيضا‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫فالرواية أخرجها البزار)‪ (2755‬والنسائي في الكبرى )‪(8188‬‬
‫والطبراني )‪ (4663‬وأبو يعلى )‪ (7211‬من طريق محمد بن‬
‫عمرو عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب بن أبي‬
‫بلتعة عن أسامة بن زيد عن زيد بن حارثة قال خرجت مع رسول‬
‫الله‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫قال الذهبي في سير أعلم النبلء )‪ ":(222-1/221‬في سنده‬
‫محمد – يعني ابن عمرو بن علقمة ‪ -‬ل يحتج به‪ ،‬وفي بعضه‬
‫نكارة بينة "‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬وهذا العبارة منكرة‪" :‬شاة ذبحناها لنصب كذا وكذا‪"...‬‬ ‫‪-‬‬
‫وهي نكارة بينة كما قال الذهبي‪ ،‬وهذا نص في أنهم ذبحوها‬
‫للنصب ل عليه فقط‪ ،‬وهذه الجملة ل تحتمل ول تليق بالنبي –‬
‫صلى الله عليه وسلم – وفي سندها محمد بن عمرو بن علقمة‬
‫قال فيه الحافظ‪ ":‬صدوق له أوهام " وقال الجوزجاني وغيره‪":‬‬
‫ليس بقوي"]‪ [1‬وقال الذهبي في سير أعلم النبلء )‪-1/221‬‬
‫‪" :(222‬ل يحتج به"‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬الرواية الصحيحة هي كما جاءت في صحيح البخاري‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫قال البخاري ) ‪ (5499‬حدثنا معّلى بن أسد قال‪ :‬حدثنا عبد‬
‫العزيز يعني ابن المختار قال‪ :‬أخبرنا موسى بن عقبة قال‪:‬‬
‫أخبرني سالم‪ :‬أنه سمع عبد الله يحدث‪ ،‬عن رسول الله صلى‬
‫ح‪)-،‬‬‫فيل بأسفل ب َل ْد َ َ‬ ‫الله عليه وسلم‪ " :‬أنه لقي زيد بن عمرو بن ن ُ َ‬
‫مكان في طريق التنعيم‪ ،‬ويقال‪ :‬هو واد( ‪ -‬وذاك قبل أن ُينزل‬
‫دم إلى رسول‬ ‫ق ّ‬
‫على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي‪ ،‬ف ُ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم‪ ،‬فأبى أن يأكل منها‪،‬‬

‫‪66‬‬
‫ثم قال‪" :‬إني ل آكل مما تذبحون على أنصابكم‪ ،‬ول آكل إل مما‬
‫ذكر اسم الله عليه"‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وقال البخاري) ‪ (3826‬حدثني محمد بن أبي بكر قال‪ :‬حدثنا‬
‫فضيل بن سليمان قال‪ :‬حدثنا موسى بن عقبة قال‪ :‬حدثنا سالم‬
‫بن عبد الله‪ ،‬عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما‪ ":‬أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح‪،‬‬
‫قبل أن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي‪ ،‬فقدمت‬
‫إلى النبي صلى الله عليه وسلم سفرة‪ ،‬فأبى أن يأكل منها‪ ،‬ثم‬
‫قال زيد‪ :‬إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم‪ ،‬ول آكل إل‬
‫ما ذكر اسم الله عليه‪ .‬وأن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش‬
‫ذبائحهم‪ ،‬ويقول‪ :‬الشاة خلقها الله‪ ،‬وأنزل لها من السماء الماء‪،‬‬
‫وأنبت لها من الرض‪ ،‬ثم تذبحونها على غير اسم الله‪ .‬إنكارا‬
‫ما له"‪.‬‬
‫لذلك وإعظا ً‬
‫قال ابن بطال – رحمه الله ‪ ":-‬كانت السفرة لقريش‬ ‫‪-‬‬
‫فقدموها للنبي – صلى الله عليه وسلم – فأبى أن يأكل منها‪،‬‬
‫فقدمها النبي – صلى الله عليه وسلم – لزيد بن عمرو‪ ،‬فأبى أن‬
‫ل‪" :‬إنا ل نأكل‬‫يأكل منها‪ ،‬وقال مخاطبا ً لقريش الذين قدموها أو ً‬
‫ما ذبح على أنصابكم ") عمدة القاري ‪.(11/540‬‬
‫خامسًا‪ :‬أين ما يدل في الحديث أن النبي – صلى الله عليه‬ ‫‪-‬‬
‫وسلم – أكل من هذه السفرة؟ فليس في الحديث أنه – صلى‬
‫الله عليه وسلم – أكل منها‪ ،‬وإنما غاية ما في الحديث أن‬
‫السفرة قدمت للنبي – صلى الله عليه وسلم – ولزيد ولم يأكل‬
‫منها‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬فهذا هو الثابت في الصحيح أن النبي – صلى الله‬ ‫‪-‬‬
‫عليه وسلم – عرضت وقدمت له السفرة فامتنع أن يأكل منها‪،‬‬
‫نعم جاء عند أحمد )‪ (2/69‬من طريق عفان عن وهيب عن‬
‫موسى‪ .‬وأخرجه أحمد )‪ (2/90‬من طريق يحيى بن آدم عن زهير‬
‫عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر بلفظ‪ ":‬فقدم إليه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم فأبى أن يأكل‬
‫منها ثم قال‪" :‬إني ل آكل ما تذبحون على أنصابكم ول آكل إل‬
‫مما ذكر اسم الله عليه "‪.‬‬
‫فمما سبق بيانه يتضح أن رواية صحيح البخاري أن السفرة‬
‫قدمت للنبي – صلى الله عليه وسلم – فرفض أن يأكل منها‪ ،‬ثم‬
‫قدمت لزيد ولم يأكل منها‪ ،‬فل وجه لطعن طاعن أو لمز لمز‬
‫ولله الحمد‪.‬‬
‫ولو افترضنا صحة الرواية التي جاءت عند أحمد‪ ،‬وأن النبي –‬
‫صلى الله عليه وسلم – قدم السفرة لزيد‪ ،‬فكذلك ل يوجد دليل‬

‫‪67‬‬
‫على أنها ذبحت على نصب أو ذبحت لصنم‪ ،‬وإن كان قد يفهم‬
‫منها هذا ولكنها ليست صريحة‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬قال الخطابي في " أعلم الحديث " ‪":3/1657‬‬ ‫‪-‬‬
‫امتناع زيد بن عمرو من أكل ما في السفرة إنما كان من أجل‬
‫خوفه أن يكون اللحم الذي فيها مما ذبح على النصاب فتنزه من‬
‫أكله‪ ،‬وقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ل يأكل من‬
‫ذبائحهم التي كانوا يذبحونها لصنامهم‪ ،‬فأما ذبائحهم لمأكلتهم‬
‫فإنا لم نجد في شيء من الخبار أنه كان يتنزه منها‪ ،‬ولنه كان ل‬
‫يرى الذكاة واقعة إل بفعلهم قبل نزول الوحي عليه‪ ،‬وقبل تحريم‬
‫ذبائح أهل الشرك‪ ،‬فقد كان بين ظهرانيهم‪ ،‬مقيما ً معهم‪ ،‬ولم‬
‫ُيذكر أنه كان يتميز عنهم إل في أكل الميتة‪ ،‬وكانت قريش‬
‫وقبائل من العرب تتنزه في الجاهلية عن أكل الميتات‪ ،‬ولعله –‬
‫صلى الله عليه وسلم – لم يكن يّتسع إذ ذاك لن يذبح لنفسه‬
‫الشاة ليأكل منها الشلو أو البضعة‪ ،‬ول كان فيما استفاض من‬
‫أخباره أنه كان يهجر اللحم ول يأكله‪ ،‬وإذا لم يكن بحضرته إل‬
‫ذكاة أهل الشرك ول يجد السبيل إلى غيره‪ ،‬ولم ينزل عليه في‬
‫تحريم ذبائحهم شيء‪ ،‬فليس إل أكل ما يذبحونه لمأكلتهم بعد أن‬
‫تنزه من الميتات تنزيها ً من الله عز وجل له‪ ،‬واختيارا ً من جهة‬
‫الطبع لتركها استقذارا ً لها‪ ،‬وتقززا ً منها‪ ،‬وبعد أن يجتنب الذبائح‬
‫لصنامهم عصمة من الله عز وجل له لئل يشاركهم في تعظيم‬
‫الصنام بها"‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬قال السهيلي‪ ":‬فإن قيل‪ :‬فالنبي – صلى الله عليه‬ ‫‪-‬‬
‫وسلم – كان أولى من زيد بهذه الفضيلة‪ ،‬فالجواب أنه ليس في‬
‫الحديث أنه – صلى الله عليه وسلم – أكل منها‪ ،‬وعلى تقدير أن‬
‫يكون أكل‪ ،‬فزيد إنما كان يفعل ذلك برأي يراه ل بشرع بلغه‪،‬‬
‫وإنما كان عند أهل الجاهلية بقايا من دين إبراهيم‪ ،‬وكان في‬
‫شرع إبراهيم تحريم الميتة‪ ،‬ل تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه‪،‬‬
‫وإنما نزل تحريم ذلك في السلم‪ ،‬والصح أن الشياء قبل‬
‫الشرع ل توصف بحل ول بحرمة‪ ،‬مع أن الذبائح لها أصل في‬
‫تحليل الشرع واستمر ذلك إلى نزول القرآن‪." ...‬‬
‫‪ -‬وقال القاضي عياض في عصمة النبياء قبل النبوة‪ ":‬إنها‬
‫كالممتنع‪ ،‬لن النواهي إنما تكون بعد تقرير الشرع‪ ،‬والنبي –‬
‫صلى الله عليه وسلم – لم يكن متعبدا ً قبل أن يوحى إليه بشرع‬
‫من قبله على الصحيح‪."...‬‬
‫تاسعًا‪ :‬ومن التوجيهات كذلك كما قال الشيخ اللباني –‬ ‫‪-‬‬
‫رحمه الله ‪ ":-‬توهم زيد أن اللحم المقدم إليه من جنس ما حرم‬
‫الله‪ ،‬ومن المقطوع به أن بيت محمد – صلى الله عليه وسلم –‬

‫‪68‬‬
‫ل يطعم ذبائح الصنام‪ ،‬ولكن أراد الستيثاق لنفسه والعلن عن‬
‫مذهبه‪ ،‬وقد حفظ محمد له ذلك وسّر به"]‪.[2‬‬
‫عاشرًا‪ :‬قال الذهبي – رحمه الله‪ ":-‬لو افترض أن زيد بن‬ ‫‪-‬‬
‫حارثة هو الذي ذبح على النصب فقد فعله من غير أمر النبي –‬
‫صلى الله عليه وسلم – إل أنه كان معه‪ ،‬فنسب ذلك إليه‪ ،‬لن‬
‫زيدا ً لم كن معه من العصمة والتوفيق ما أعطاه لنبيه‪ ،‬وكيف‬
‫يجوز ذلك وهو عليه السلم قد منع زيدا ً أن يمس صنمًا‪ ،‬وما‬
‫مسه هو قبل نبوته‪ ،‬فكيف يرضى أن يذبح للصنم‪ ،‬هذا محال"‪.‬‬
‫وقال أيضا‪" :‬أن يكون ذبح لله واتفق ذلك عند صنم كانوا يذبحون‬
‫عنده"]‪[3‬‬
‫‪ -‬نتيجة البحث‪:‬‬
‫‪ :-1‬ليس في الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم –‬ ‫‪-‬‬
‫ذبح على النصب أو أكل مما ذبح على النصب‪ ،‬وغاية ما في‬
‫الحديث أن السفرة قدمت للنبي – صلى الله عليه وسلم – ولزيد‬
‫ولم يأكل منها‪.‬‬
‫‪ :-2‬الرواية التي في صحيح البخاري أن السفرة قدمت للنبي –‬
‫صلى الله عليه وسلم – فرفض أن يأكل منها‪ ،‬ثم قدمت لزيد ولم‬
‫يأكل منها‪ ،‬فل وجه لطعن طاعن أو لمز لمز ولله الحمد‪.‬‬
‫‪ :-3‬جاءت رواية عند أحمد أن النبي – صلى الله عليه وسلم –‬
‫قدم السفرة لزيد‪ ،‬وامتنع زيد أن يأكل منها‪ ،‬وكذلك ل يوجد أي‬
‫دليل على الذبح للنصب أو للصنم‪ ،‬وإن كان يفهم منها هذا ولكنها‬
‫ليست صريحة‪.‬‬
‫‪ :-4‬امتناع زيد بن عمرو من أكل ما في السفرة إنما كان من‬
‫أجل خوفه أن يكون اللحم الذي فيها مما ذبح على النصاب‬
‫فتنزه من أكله‪ ،‬وقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ل‬
‫يأكل من ذبائحهم التي كانوا يذبحونها لصنامهم‪.‬‬
‫‪ :-5‬قال الذهبي – رحمه الله‪" :-‬لو افترض أن زيد بن حارثة هو‬
‫الذي ذبح على النصب فقد فعله من غير أمر النبي – صلى الله‬
‫عليه وسلم – إل أنه كان معه‪ ،‬فنسب ذلك إليه‪ ،‬لن زيدا ً لم يكن‬
‫معه من العصمة والتوفيق ما أعطاه الله لنبيه‪ ،‬وكيف يجوز ذلك‬
‫وهو عليه السلم قد منع زيدا ً أن يمس صنمًا‪ ،‬وما مسه هو قبل‬
‫نبوته‪ ،‬فكيف يرضى أن يذبح للصنم‪ ،‬هذا محال"‪.‬‬
‫‪ :-6‬أما ما جاء في بعض الروايات التي فيها )إني ل آكل مما‬
‫تذبحون على أنصابكم( قال‪ :‬فما رؤي النبي – صلى الله عليه‬
‫وسلم – بعد ذلك أكل شيئا ً مما ذبح على النصب( وهذه الرواية‬
‫منكرة‪ ،‬حكم عليها بالنكارة المام الذهبي والمام اللباني –‬
‫رحمهما الله ‪.-‬‬

‫‪69‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫‪00000000000000000‬‬
‫]‪ [1‬المغني في الضعفاء ترجمة رقم ‪.5879‬‬
‫]‪ )[2‬فقه السيرة ص ‪.(82‬‬
‫]‪ )[3‬سير أعلم النبلء ‪.(1/135‬‬
‫‪--------------------------‬‬
‫)‪(22‬شبهة حول زواج النبي صلى الله عليه وسلم من‬
‫زينب بنت جحش والرد عليها‬
‫أبو عبد الله الذهبي‬
‫الحمد لله والصلة و الصلة و السلم على رسول الله‪ ،‬ثم أما‬
‫بعد‪:‬‬
‫أحبتي في الله شاء الله عز وجل ول مرد لمشيئته أن يطلق زيد‬
‫بن حارثة زوجته حينما تعذر بقاء الحياة الزوجية بينه و بينها على‬
‫الوجه المطلوب‪ ،‬و مضت سنة الله في خلقه أن ما رسخ في‬
‫النفوس بحكم العادة ل يسهل التخلص منه‪ ،‬فقد كانت عادة‬
‫التبني ل تزال قائمة في نفوس الناس‪ ،‬و ليس من السهل‬
‫التغلب على الثار المترتبة عليها‪ ،‬و من أهم هذه الثار أن الب ل‬
‫يتزوج امرأة من تبناه بعد وفاته أو طلقه لزوجته‪ ،‬فاختار الله‬
‫تعالى لهذه المهمة صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم و أمره‬
‫بالزواج من زينب بنت جحش بعد طلقها من زيد‪.‬‬
‫و بعد أن تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب رضي الله‬
‫عنها‪ ،‬أثار هذا الزواج أحاديث همز و لمز و أقاويل كثيرة من قبل‬
‫المشركين والمنافقين‪ ،‬فقد قالوا‪ :‬تزوج محمد حليلة ابنه زيد بعد‬
‫أن طلقها‪ ،‬كما وأن للمستشرقين و من شايعهم في العصر‬
‫الحاضر‪ ،‬أحاديث في هذا الموضوع‪ ،‬فاتخذوا من هذه الحادثة‬
‫ذريعة للطعن في رسول الله صلى الله عليه و سلم‪.‬‬
‫والذي أريد أن أتحدث عنه اليوم هو الرد على هؤلء‬
‫المستشرقين الذين اتخذوا من هذه القضية مدخل ً للطعن في‬
‫نبي الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬كما و أنهم تناولوا زواجه صلى‬
‫الله عليه وسلم بهذا العدد‪ ،‬فجعلوا منه مادة للنيل منه صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬و وصفوه بأشياء ينبو عنها القلم‪.‬‬
‫و لما كان هذا المر من الخطورة بمكان لتعلقه بأشرف خلق‬
‫الله على الطلق ‪ -‬و كان كل من يطلق لسانه في هذا الصدد‬
‫يقول‪ :‬لسنا نبتدع شيئًا‪ ،‬فها هي كتب التفسير و كتب السير‬
‫تحكي ذلك ‪ ،-‬لذا سأقوم الن بعرض تلك الروايات التي اعتمدوا‬
‫جه لسانيدها‬ ‫عليها رواية رواية‪ ،‬متبعا ً كل رواية منها ببيان ما و ّ‬

‫‪70‬‬
‫من نقد‪ ،‬ثم أتبع ذلك بنقدها جميعا ً من جهة متونها‪ ،‬و موقف‬
‫الئمة المحققين من هذه الروايات‪.‬‬
‫يقو الله تعالى‪} :‬وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه‬
‫أمسك عليك زوجك واتق الله‪ ،‬و تخفي في نفسك ما الله مبديه‪،‬‬
‫و تخشى الناس والله أحق أن تخشاه‪ ،‬فلما قضى زيد منها وطرا ً‬
‫زوجناكها لي ل يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا‬
‫ل{]الحزاب‪[37/‬‬ ‫قضوا منهن وطرا ً وكان أمر الله مفعو ً‬
‫إن السبب في طلق زيد لزينب ومن ثم زواج النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم منها؛ هو ما كان بين زيد و بين زينب من خلفات‪ ،‬و‬
‫أنه لم يكن بينهما وئام يؤمل معه أن تبقى الحياة الزوجية بينهما‪،‬‬
‫فطلقها بمحض اختياره و رغبته‪ ،‬و كان رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ينهاه عن ذلك‪ ،‬و قد كان الله عز وجل قد أعلم نبيه‬
‫صلى الله عليه وسلم أن زيدا ً سيطلق زينب‪ ،‬و أنه ستكون زوجة‬
‫له‪ ،‬و أنه صلى الله عليه وسلم كان يخفي هذا و يخشى من‬
‫مقولة الناس‪ ،‬أنه تزوج مطلقة من كان يدعى إليه‪ ،‬فعاتبه ربه‬
‫على ذلك‪ .‬انظر‪ :‬جامع البيان للطبري)‪ (22/11‬و تفسير القرآن‬
‫العظيم لبن كثير)‪ ،(3/489‬و انظر البخاري) برقم ‪.(4787‬‬
‫خلصة ما جاء في كتب التفسير والتي استدل بها المستشرقون‬
‫أن هناك سببا ً آخر لطلق زينب‪ ،‬هو أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم رأى زينب فجأة و هي في ثياب المنزل فأعجبته‪ ،‬و وقع‬
‫في قلبه حبها‪ ،‬فتكلم بكلم يفهم منه ذلك‪ ،‬إذ سمعه زيد فبادر‬
‫إلى طلقها تحقيقا ً لرغبة رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬و أن‬
‫زيدا ً شاوره في طلقها‪ ،‬و كان رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ينهاه عن ذلك‪ ،‬لكن في قلبه ضد هذا‪ ،‬و أنه كان راغبا ً في طلق‬
‫زيد لها ليتزوجها‪ ،‬و فوق ذلك فقد أقر الله رسوله على ما فعل‪،‬‬
‫م يخفي هذا والله سيبديه‪.‬‬ ‫بل عاتبه ل ِ َ‬
‫و رغم شناعة ما جاء في هذه الروايات‪ ،‬و هذا الفهم للية‬
‫الكريمة التي تتحدث عن طلق زيد لزينب و زواج النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم بها‪ ،‬إل أنه قد جاز على أئمة فضلء‪ ،‬ففسروا به‬
‫الية الكريمة‪ ،‬وأثبتوا ذلك صراحة في كتبهم وتفاسيرهم‪.‬‬
‫ومن هؤلء الئمة‪ :‬ابن جرير الطبري في كتابه جامع البيان)‬
‫‪ ،(22/12‬عند تفسيره الية ولم يذكر غيره‪.‬‬
‫و منهم‪ :‬الرازي في تفسيره)‪ ،(13/184‬حيث ذكر نحوا ً من كلم‬
‫ابن جرير‪.‬‬
‫ومنهم‪ :‬ابن القيم في كتابه الجواب الكافي)ص ‪ ،(247‬حيث‬
‫ذكره في معرض سوقه لحكايات في عشق السلف الكرام‬
‫والئمة العلم‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫ومنهم‪ :‬الزمخشري في تفسيره)‪.(3/262‬‬
‫وأحسن ما يعتذر به عن هؤلء الئمة وأتباعهم ممن ذهب يفسر‬
‫الية بهذا‪ ،‬أنهم عدوا هذا منه صلى الله عليه وسلم من عوارض‬
‫البشرية‪ ،‬كالغضب والنسيان‪ ،‬و لكنهم لم يستحضروا شناعة هذا‬
‫التفسير للية‪ ،‬و نسبة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬و‬
‫لم يدققوا في الروايات التي وصلتهم من جهة أسانيدها و متونها‬
‫كما فعل غيرهم‪ ،‬ونحن نسأل الله أن يثيبهم على اجتهادهم وأن‬
‫يغفر لهم‪.‬‬
‫والن إلى نقد الروايات‪..‬‬
‫الرواية الولى ذكرها ابن سعد في طبقاته)‪ (8/101‬و من طريقه‬
‫ساقها ابن جرير في تاريخه)‪ :(3/161‬قال‪ :‬أخبرنا محمد بن عمر‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثني عبد الله بن عامر السلمي‪ ،‬عن محمد بن يحيى بن‬
‫حبان‪ ،‬قال‪ :‬جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت زيد بن‬
‫حارثة يطلبه‪ ،‬و كان زيد إنما يقال له‪ :‬زيد بن محمد‪ ،‬فربما فقده‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم الساعة فيقول‪" :‬أين زيد؟‬
‫فجاء منزله يطلبه‪ ،‬فلم يجده‪ ،‬و تقوم إليه زينب بنت جحش‬
‫ضل ً أي وهي لبسة ثياب نومها ‪ ،-‬فأعرض رسول الله‬ ‫زوجته فُ ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم عنها‪ ،‬فقالت‪ :‬ليس هو هاهنا يا رسول الله‬
‫فادخل بأبي أنت وأمي‪ ،‬فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫أن يدخل‪ ،‬و إنما عجلت أن تلبس لما قيل لها‪ :‬رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم على الباب فوثبت عجلى‪ ،‬فأعجبت رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فولى و هو يهمهم بشيء ل يكاد يفهم منه‬
‫إل‪ :‬سبحان مصّرف القلوب‪ ،‬فجاء زيد إلى منزله‪ ،‬فأخبرته امرأته‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منزله‪ ،‬فقال زيد‪ :‬أل‬
‫قلت له أن يدخل؟ قالت‪ :‬قد عرضت ذلك عليه فأبى‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فسمعت شيئًا؟ قالت‪ :‬سمعته يقول حين ولى تكلم بكلم ل‬
‫أفهمه‪ ،‬و سمعته يقول‪ :‬سبحان الله العظيم‪ ،‬سبحان مصرف‬
‫القلوب‪ ،‬فجاء زيد حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا رسول الله بلغني أنك جئت منزلي فهل دخلت؟ بأبي‬
‫وأمي يا رسول الله‪ ،‬لعل زينب أعجبتك فأفارقها‪ ،‬فيقول رسول‬
‫الله‪" :‬أمسك عليك زوجك"‪ ،‬فما استطاع زيد إليها سبيل ً بعد ذلك‬
‫اليوم‪ ،‬فيأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره‪،‬‬
‫فيقول رسول الله‪" :‬أمسك عليك زوجك"‪ ،‬فيقول‪ :‬يا رسول الله‬
‫أفارقها‪ ،‬فيقول رسول الله‪" :‬احبس عليك زوجك"‪ ،‬ففارقها زيد‬
‫واعتزلها و حلت يعني انقضت عدتها قال‪ :‬فبينا رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم جالس يتحدث مع عائشة‪ ،‬إلى أن أخذت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم غشية‪ ،‬فسري عنه و هو يبتسم‬

‫‪72‬‬
‫و هو يقول‪" :‬من يذهب إلى زينب يبشرها أن الله قد زوجنيها من‬
‫السماء؟" وتل رسول الله صلى الله عليه وسلم } وإذ تقول‬
‫للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك‪ {..‬الية‪،‬‬
‫القصة كلها‪.‬‬
‫قالت عائشة‪ :‬فأخذني ما قرب و ما بعد لما يبلغنا من جمالها‪،‬‬
‫وأخرى هي أعظم المور وأشرفها ما صنع الله لها‪ ،‬زوجها الله‬
‫من السماء‪ ،‬و قلت‪ :‬هي تفخر علينا بهذا‪ ،‬قالت عائشة‪ :‬فخرجت‬
‫سلمى خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم تشتد فتحدثها‬
‫بذلك‪ ،‬فأعطتها أوضاحا ً حلي من الفضة عليها‪.‬‬
‫وإسناد هذه الرواية فيه علل ثلث‪ ،‬واحدة منها تكفي لرد هذه‬
‫الرواية‪:‬‬
‫العلة الولى‪ :‬أنها مرسلة‪ ،‬فمحمد بن يحيى بن حبان تابعي‪ ،‬يروي‬
‫عن الصحابة‪ ،‬و يروي أيضا ً عن التابعين‪ ،‬كعمر بن سليم و‬
‫العرج‪ ،‬و غيرهما‪)،‬ت ‪ 121‬هـ( و عمره) ‪ 74‬سنة(‪ ،‬فهو لم يدرك‬
‫القصة قطعا ً و لم يذكر من حدثه بها‪ .‬التهذيب)‪.(508-9/507‬‬
‫العلة الثانية‪ :‬عبد الله بن عامر السلمي‪ ،‬ضعيف بالتفاق‪ ،‬بل‬
‫قال فيه البخاري‪ :‬ذاهب الحديث‪ ،‬و قال أبو حاتم‪ :‬متروك‪.‬‬
‫التهذيب)‪ ،(5/275‬و ميزان العتدال)‪.(2/448‬‬
‫العلة الثالثة‪ :‬محمد بن عمر‪ ،‬و هو الواقدي‪ ،‬إخباري كثير الرواية‪،‬‬
‫لكنه متروك الحديث‪ ،‬ورماه جماعة من الئمة بالكذب و وضع‬
‫الحديث‪ .‬ميزان العتدال)‪.(3/664‬‬
‫الرواية الثانية‪ :‬ذكرها ابن جرير في تفسيره)‪ (22/13‬قال‪ :‬حدثني‬
‫يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ :‬كان النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم قد زّوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش بنت‬
‫عمته‪ ،‬فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ً يريده وعلى‬
‫الباب ستر من شعر‪ ،‬فرفعت الريح الستر فانكشفت و هي في‬
‫حجرتها حاسرة‪ ،‬فوقع إعجابها في قلب النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فلما وقع ذلك كرهت الخر‪ ،‬فجاء فقال‪ :‬يا رسول الله‬
‫إني أريد أن أفارق صاحبتي‪ ،‬قال‪" :‬مالك؟ أرابك منها شيء؟"‬
‫قال‪ :‬ل‪ ،‬والله ما رابني منها شيء يا رسول الله‪ ،‬ول رأيت إل‬
‫خيرًا‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬أمسك عليك‬
‫زوجك واتق الله"‪ ،‬فذلك قول الله تعالى } وإذ تقول للذي أنعم‬
‫الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في‬
‫نفسك ما الله مبديه {‪ ،‬تخفي في نفسك إن فارقها تزوجتها‪.‬‬
‫و هذه الرواية فيها علتان‪:‬‬

‫‪73‬‬
‫العلة الولى‪ :‬أنها معضلة‪ ،‬فابن زيد و هو عبد الرحمن بن زيد بن‬
‫أسلم ليس بصحابي ول تابعي‪ ،‬فقد سقط من السناد راويان أو‬
‫أكثر‪.‬‬
‫العلة الثانية‪ :‬أن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هذا ضعيف باتفاق‬
‫المحدثين‪ ،‬بل صرح بعضهم بأنه متروك الحديث‪ ،‬قال البخاري‬
‫وأبو حاتم‪ :‬ضعفه علي بن المديني جدًا‪ ،‬وقال أبو حاتم‪ :‬كان في‬
‫الحديث واهيًا‪ ،‬و جاء عن الشافعي أنه قال‪ :‬قيل لعبد الرحمن بن‬
‫زيد بن أسلم‪ :‬حدثك أبوك عن جدك أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪ :‬إن سفينة نوح طافت بالبيت و صلت خلف‬
‫المقام ركعتين؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬و لهذا لما ذكر رجل لمالك حديثا ً‬
‫منقطعا ً قال له‪ :‬اذهب إلى عبد الرحمن بن زيد يحدثك عن أبيه‬
‫عن نوح‪ .‬و أقوال الئمة في تضعيفه كثيرة‪ ،‬و هو رجل صالح في‬
‫نفسه لكنه شغل بالعبادة والتقشف عن حفظ الحديث فضعف‬
‫جدًا‪ .‬التهذيب)‪ .(6/178‬و يروى عنه شيء كثير في التفسير‪ ،‬فما‬
‫كان من رأيه في فهم القرآن‪ ،‬فهذا ينظر فيه‪ ،‬وأما ما يرويه‬
‫مسندا ً فغير مقبول‪ ،‬فكيف إذا أرسل الحديث؟!‪.‬‬
‫الرواية الثالثة‪ :‬ذكرها أحمد في مسنده)‪ ،(150-3/149‬قال‪:‬‬
‫حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال‪ :‬حدثنا حماد بن زيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫ثابت عن أنس قال‪ :‬أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم منزل‬
‫زيد بن حارثة فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأته‬
‫زينب‪ ،‬وكأنه دخله ل أدري من قول حماد أو في الحديث فجاء‬
‫زيد يشكوها إليه‪ ،‬فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬أمسك‬
‫عليك زوجك واتق الله‪ ،‬قال‪ :‬فنزلت } واتق الله و تخفي في‬
‫نفسك ما الله مبديه { إلى قوله } زوجناكها { يعني زينب‪.‬‬
‫مؤمل بن إسماعيل قواه بعض الئمة‪ ،‬و وصفه أكثرهم بأنه كثير‬
‫الخطأ يروي المناكير‪ ،‬قال يعقوب بن سفيان‪ :‬حديثه ل يشبه‬
‫حديث أصحابه‪ ،‬و قد يجب على أهل العلم أن يقفوا عن حديثه‪،‬‬
‫فإنه يروي المناكير عن ثقات شيوخه‪ ،‬و هذا أشد‪ ،‬فلوا كانت هذه‬
‫المناكير عن الضعفاء لكنا نجعل له عذرًا‪ .‬و قال محمد بن نصر‬
‫المروزي‪ :‬المؤمل إذا انفرد بحديث وجب أن يتوقف و يتثبت فيه‪،‬‬
‫لنه كان سيء الحفظ كثير الغلط‪ .‬التهذيب)‪.(10/381‬‬
‫و حديثه هذا قد رواه جماعة من الثقات من أصحاب حماد فلم‬
‫يذكروا أول الحديث‪ ،‬وإنما ذكروا مجيء زيد يشكوا زينب‪ ،‬و قول‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم له‪ ،‬و نزول الية‪ .‬البخاري)برقم‬
‫‪ (7420‬والترمذي) برقم ‪ (3212‬والنسائي) برقم ‪.(11407‬‬
‫الرواية الرابعة‪ :‬رواها ابن جرير في تفسيره)‪ ،(22/13‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد عن قتادة‪ } :‬وإذ تقول‬

‫‪74‬‬
‫للذي أنعم الله عليه { و هو زيد أنعم الله عليه بالسلم‪:‬‬
‫} وأنعمت عليه { أعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫} أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله‬
‫مبديه {‪ ،‬قال‪ :‬وكان يخفي في نفسه ود ّ أنه طلقها‪ ،‬قال الحسن‪:‬‬
‫ما أنزلت عليه آية كانت أشد منها قوله } واتق الله وتخفي في‬
‫نفسك ما الله مبديه {‪ ،‬و لو كان نبي الله صلى الله عليه وسلم‬
‫كاتما ً شيئا ً من الوحي لكتمها } وتخشى الناس والله أحق أن‬
‫تخشاه {‪ ،‬قال خشي نبي الله صلى الله عليه وسلم مقالة‬
‫الناس‪.‬‬
‫و روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة هذه القصة مختصرة‪،‬‬
‫ي‬
‫قال‪ :‬جاء زيد بن حارثة فقال‪ :‬يا رسول الله إن زينب اشتد عل ّ‬
‫لسانها‪ ،‬وأنا أريد أن أطلقها‪ ،‬فقال له‪" :‬اتق الله وأمسك عليك‬
‫زوجك"‪ ،‬قال‪ :‬والنبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يطلقها و‬
‫يخشى مقالة الناس‪ .‬فتح الباري)‪.(8/524‬‬
‫وقتادة هو بن دعامة السدوسي أحد الئمة الحفاظ‪ ،‬مشهور‬
‫بالتفسير‪ ،‬فما فسره من فهمه لليات فينظر فيه‪ ،‬وما ذكره‬
‫رواية فإن العلماء أخذوا عليه كثرة التدليس‪ ،‬فاشترطوا لصحة‬
‫حديثه أن يصرح بالسماع‪ ،‬و هذا إذا ذكر السناد‪ ،‬فإما ما يرسله‬
‫ول يذكر بعده في السناد أحدا ً كما في روايته لهذه القصة فهو‬
‫ضعيف جدًا‪ ،‬قال الشعبي‪ :‬كان قتادة حاطب ليل‪ ،‬و قال أبو‬
‫عمرو بن العلء‪ :‬كان قتادة وعمرو بن شعيب ل يغث عليهما‬
‫شيء‪ ،‬يأخذان عن كل أحد‪ .‬التهذيب)‪ .(356-8/351‬و كان يحيى‬
‫بن سعيد القطان ل يرى إرسال الزهري وقتادة شيئًا‪ ،‬و يقول‪ :‬هو‬
‫بمنزلة الريح‪ .‬جامع التحصيل في أحكام المراسيل للعلئي) ص‬
‫‪.(101‬‬
‫على أن روايته لتفسير الية ليس فيه تفصيل كما في الروايات‬
‫الخرى‪ ،‬و يمكن رد روايته إلى الروايات الصحيحة في تفسير‬
‫د( أي علم أن زيدا ً سيطلقها ول‬ ‫الية‪ ،‬فيكون معنى) أحب( و) و ّ‬
‫بد بإلهام الله له ذلك‪ ،‬وتكون خشيته من مقالة الناس حينئذ ٍ أن‬
‫يقولوا‪ :‬تزوج حليلة ابنه‪.‬‬
‫الرواية الخامسة‪ :‬ذكرها القرطبي في تفسيره)‪ (14/190‬قال‬
‫مقاتل‪ :‬زّوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش من‬
‫زيد فمكثت عنده حينًا‪ ،‬ثم إنه عليه السلم أتى زيدا ً يوما ً يطلبه‪،‬‬
‫م نساء‬ ‫فأبصر زينت قائمة‪ ،‬و كانت بيضاء جميلة جسيمة من أت ّ‬
‫قريش‪ ،‬فهويها وقال‪" :‬سبحان الله مقلب القلوب"‪ ،‬فسمعت‬
‫زينب بالتسبيحة فذكرتها لزيد‪ ،‬ففطن زيد فقال‪ :‬يا رسول الله‬
‫ي و تؤذيني‬ ‫ائذن لي في طلقها‪ ،‬فإن فيها كبرًا‪ ،‬تعظم عل ّ‬

‫‪75‬‬
‫بلسانها‪ ،‬فقال عليه السلم‪" :‬أمسك عليك زوجك واتق الله"‪ ،‬و‬
‫ضله في‬ ‫ف ّ‬ ‫قيل‪ :‬إن الله بعث ريحا ً فرفعت الستر و زينب ُ‬
‫مت َ َ‬
‫منزلها‪ ،‬فرأى زينب فوقعت في نفسه‪ ،‬و وقع في نفس زينب أنه‬
‫وقعت في نفس النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لما جاء يطلب‬
‫زيدًا‪ ،‬فجاء زيد فأخبرته بذلك‪ ،‬فوقع في نفس زيد أن يطلقها‪.‬‬
‫هذه الرواية لم يذكروا لها إسنادا ً إلى مقاتل‪ ،‬و لو صحت إلى‬
‫مقاتل لم يفدها شيئًا‪ ،‬فإن مقاتل ً وهو مقاتل بن سليمان فيما‬
‫يظهر قد كذبه جمع من الئمة ووصفوه بوضع الحديث‪ ،‬و تكلوا‬
‫في تفسيره‪ .‬أنظر ترجمته في التهذيب)‪.(285-10/279‬‬
‫الرواية السادسة‪ :‬قال ابن إسحاق‪ :‬مرض زيد بن حارثة فذهب‬
‫إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده و زينب ابنة جحش‬
‫امرأته جالسة عن رأس زيد‪ ،‬فقامت زينب لبعض شأنها‪ ،‬فنظر‬
‫إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طأطأ رأسه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫"سبحان مقلب القلوب والبصار"‪ ،‬فقال زيد‪ :‬أطلقها لك يا‬
‫رسول الله‪ ،‬فقال‪ :‬ل"‪ ،‬فأنزل الله عز وجل } وإذ تقول للذي‬
‫أنعم الله عليه وأنعمت عليه‪ {...‬إلى قوله }وكان أمر الله مفعول ً‬
‫{‪ .‬تعدد نساء النبياء و مكانة المرأة في اليهودية والمسيحية‬
‫والسلم اللواء أحمد عبد الوهاب) ص ‪.(68‬‬
‫هذه الرواية لم يذكروا لها إسنادًا‪ ،‬و لم أقف عليها في سيرة ابن‬
‫هشام‪.‬‬
‫و بعد أن تبين ضعف هذه الروايات وسقوطها من جهة أسانيدها‪،‬‬
‫فلننظر فيها من جهة متونها وما فيها من اضطراب ونكارة‪ ،‬من‬
‫عدة وجوه‪-:‬‬
‫الوجه الول‪ :‬تناقض الروايات المذكورة‪ ،‬ففي بعضها أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم زار زيد بن حارثة و هو غائب‬
‫فاستقبلته زينب‪ ،‬و في بعضها أن زيدا ً كان مريضًا‪ ،‬فزاره رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬و كان عليه أفضل الصلة وأتم‬
‫التسليم جالسا ً هو و زيد و زينب‪ ،‬فكيف يكون زيد غائبا ً و مريضا ً‬
‫في فراشه في وقت واحد‪.‬؟!‬
‫الوجه الثاني‪ :‬والروايات التي ذكرت أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم زار زيدا ً اختلفت في كيفية رؤية الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم لزينب رضي الله عنها‪ ،‬فرواية تقول بأنه كان واقفا ً‬
‫بالباب فخرجت إليه‪ ،‬و رواية بأنه كان واقفا ً بباب زيد فرفعت‬
‫الريح ستر الشعر فرآها فأعجبته‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬تتفق الروايات على أن إعجاب النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم بزينب ووقوع حبها في قلبه جاء متأخرًا‪ ،‬أي بعد أن‬
‫تزوجها زيد رضي الله عنه‪ ،‬و هذا شيء عجيب‪ ،‬فلقد ولدت زينب‬

‫‪76‬‬
‫ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاوز الثانية عشرة من‬
‫عمره‪ ،‬و شبت وترعرعت أمامه‪ ،‬فهي ابنة عمته‪ ،‬ألم يلحظ‬
‫مفاتنها إل متأخرًا‪ ،‬و بعد أن صارت زوجة لدعّيه‪ ،‬و هو الذي‬
‫زوجها له‪ ،‬والحجاب لم ينزل بعد‪ ،‬فقد نزل صبيحة عرسها‪ ،‬أل‬
‫يكون شاهدها‪ ،‬فلوا كان يهواها أو وقعت في قلبه لما منعه شيء‬
‫من زواجها‪ ،‬فإشارة منه صلى الله عليه وسلم كافية لن يقدموها‬
‫له‪ ،‬بل قد ورد أنه وهبت نفسها له‪ .‬أنظر كلم ابن العربي حول‬
‫هذا الوجه في كتابه أحكام القرآن)‪.(3/1543‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬لو افترضنا جدل ً أن حبها وقع في قلبه صلى الله‬
‫عليه وسلم متأخرا ً بعد رؤيته لها عند زيد بن حارثة‪ ،‬فبأي شيء‬
‫يمكن تفسير ما صدر منه صلى الله عليه وسلم و فهم منه زيد و‬
‫زينب أنها وقعت في قلبه‪ ،‬سواء كان ذلك تسبيحا ً أو طأطأة‬
‫للرأس‪ ،‬أو غير ذلك؟! كيف ذلك و هو الذي نهي عن أن يخبب‬
‫الرجل امرأة غيره عليه؟ أفيعمل ما قد نهي أمته عنه؟! فعن أبي‬
‫هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ):‬من خبب زوجة امرئ أو مملوكه فليس منا( أبو‬
‫داود) برقم ‪ (5170‬بسند صحيح‪.‬‬
‫ولو افترضنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقصد‬
‫إفهامها ذلك‪ ،‬وإنما صدر منه ذلك عفوا ً دون قصد‪ ،‬فكيف بما‬
‫ذكروا أنه عقد عليه قلبه من محبته و رغبته أن يطلقها زيد‬
‫ليتزوجها؟ ولو نسب ذلك إلى آحاد المسلمين لكان ينبغي تبرئته‬
‫من ذلك‪.‬‬
‫وفوق ذلك كله كيف يعاتبه الله كما تقول هذه الروايات لنه‬
‫أخفي ذلك عن الناس و لم يعلن أنه يحب زوجة زيد‪ ،‬وأنه يود لو‬
‫صوٌّر مثل هذا كاف في ظهور بطلن هذه‬ ‫طلقها ليتزوجها؟ ت َ َ‬
‫الروايات‪.‬‬
‫الوجه الخامس‪ :‬هذه الروايات التي فسروا بها الية لو لم يرد‬
‫غيرها لم يصح أن يفسر بها كتاب الله تعالى‪ ،‬لسقوطها إسنادا ً‬
‫ومتنًا‪ ،‬فكيف و قد وردت روايات أخرى في تفسير الية تفسيرا ً‬
‫منطقيا ً ل إشكال فيه ول نكارة‪ ،‬فالذي يخفيه صلى الله عليه‬
‫وسلم هو ما أعلمه ربه أنه ستصبح زوجة له‪ ،‬و الذي يخشاه هو‬
‫مقولة الناس إنه تزوج حليلة من كان يدعى إليه‪.‬‬
‫والغريب في المر أن بعض المفسرين ترك هذه الروايات‬
‫الصحيحة و التي ل مطعن فيها‪ ،‬و ذكر تلك الروايات الشاذة‬
‫الغريبة‪ ،‬و منهم من لم يذكرها لكنه ذهب يفسر اليات على‬
‫ضوئها‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫و إذا اتضح الن سقوط تلك الروايات سندا ً و متنا ً فإنه ل يفوتني‬
‫هنا أن أسجل مواقف بعض الئمة المحققين من المفسرين‬
‫وغيرهم الذي وقفوا أمام هذه الروايات موقفا ً حازما ً صلبًا‪،‬‬
‫فمنهم من ذكرها و فندها‪ ،‬و منهم من أضرب عنها صفحا ً بعد‬
‫الشارة إلى ضعفها و نكارتها‪.‬‬
‫قال ابن العربي بعد أن ذكر ملخص هذه الروايات‪ ،‬و بين عصمة‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬هذه الروايات كلها ساقطة السانيد‪.‬‬
‫أحكام القرآن)‪.(3/1543‬‬
‫قال القرطبي بعد أن ذكر التفسير الصحيح لما كان يخفيه صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬وما الذي كان يخشاه من الناس‪ :‬وهذا القول‬
‫أحسن ما قيل في تأويل هذه الية‪ ،‬وهو الذي عليه أهل التحقيق‬
‫من المفسرين والعلماء الراسخين‪ ،‬كالزهري والقاضي بكر بن‬
‫العلء القشيري والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم‪ .‬فأما ما‬
‫روي أن النبي صلى الله عليه وسلم هوى زينب امرأة زيد وربما‬
‫جان لفظ عشق فهذا إنما صدر عن جاهل‬ ‫م ّ‬
‫أطلق بعض ال ُ‬
‫بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا‪ ،‬أو مستخف‬
‫بحرمته‪ .‬الجامع لحكام القرآن)‪.(14/191‬‬
‫وقال ابن كثير بعد أن ذكر الروايات الصحيحة‪ :‬ذكر ابن أبي حاتم‬
‫وابن جرير هاهنا آثارا ً عن بعض السلف رضي الله عنهم أحببنا أن‬
‫نضرب عنها صفحا ً لعدم صحتها فل نوردها‪ ،‬و قد روى المام‬
‫أحمد هاهنا أيضا ً حديثا ً من رواية حماد بن زيد عن ثابت عن أنس‬
‫رضي الله عنه فيه غرابة تركنا سياقه أيضًا‪ .‬تفسير القرآن‬
‫العظيم)‪.(3/491‬‬
‫و قال ابن حجر بعد أن ذكر الروايات الصحيحة‪ :‬و وردت آثار‬
‫أخرى أخرجها ابن أبي حاتم والطبري و نقلها كثير من المفسرين‬
‫ل ينبغي التشاغل بها‪ .‬فتح الباري)‪.(8/524‬‬
‫و هناك ث ُّلة كبيرة من علماء السلم في العصر الحاضر تفطنوا‬
‫لمثل هذه الخبار‪ ،‬ورمقت أبصارهم ما تنطوي عليه من مداخل‬
‫خطيرة ل تليق بمقام النبياء‪ ،‬فأنار الله بصائرهم لكشف النقاب‬
‫عن هذه الثار الدخيلة‪ ،‬فكان لهم الفضل في التنبيه وإيقاظ‬
‫الفكر السلمي للتصدي لكل دسيسة يراد منها النيل من قداسة‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أو تشويه الحقائق التاريخية‬
‫في تراث السلم‪.‬‬
‫يقول الشيخ محمد رشيد رضا‪ :‬وللقصاص في هذه القصة كلم ل‬
‫ينبغي أن يجعل في حيز القبول‪ ،‬و يجب صيانة النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم عن هذه الترهات التي نسبت إليه زورا ً و بهتانًا‪.‬‬
‫محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ص ‪.(275‬‬

‫‪78‬‬
‫و خلصة المر‪..‬‬
‫كان زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش‬
‫لهلل ذي القعدة من العام الخامس الهجري و هي بنت خمس‬
‫وثلثين‪ .‬ابن سعد في الطبقات)‪.(8/114‬‬
‫روى البخاري في صحيحه) برقم ‪ :(7420‬أن زيدا ً جاء يشكو‬
‫زوجته‪ ،‬فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬اتق الله‬
‫وأمسك عليك زوجك"‪ ،‬قالت عائشة‪ :‬لو كان رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم كاتما ً شيئًا‪ ،‬لكتم هذه‪ ،‬فكانت تفخر على أزواج‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬تقول‪ :‬زوجكن أهاليكن‪ ،‬و زوجني‬
‫الله من فوق سبع سماوات‪.‬‬
‫و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫‪---------------------------‬‬
‫)‪ (23‬علة كثرة زواج النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫* الحمد لله وكفى وسلم على عباده الذين اصطفى‪.......‬وبعد‪:‬‬
‫أخرج البخاري في كتاب النكاح‪:‬‬
‫ت‬ ‫ْ‬
‫ت؟ قُل ُ‬‫ج َ‬ ‫س‪}:‬هَ ْ‬
‫ل ت ََزوّ ْ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫جب َي ْرٍ َقا َ‬
‫ن ع َّبا ٍ‬ ‫َ‬
‫ل ِلي اب ْ ُ‬
‫ُ‬
‫ن ُ‬ ‫سِعيد ِ ب ْ ِ‬
‫ن َ‬‫عَ ْ‬
‫ساًء{‪.‬‬ ‫مةِ أك ْث َُر َ‬
‫ها ن ِ َ‬ ‫خي َْر هَذ ِهِ اْل ّ‬
‫ن َ‬‫ج فَإ ِ ّ‬ ‫َل‪َ .‬قالَ‪ :‬فَت ََزوّ ْ‬
‫قال في الشرح‪:‬‬
‫قوله )فإن خير هذه المة أكثرها نساء( قيد بهذه المة ليخرج‬
‫مثل سليمان عليه السلم‪ ,‬فإنه كان أكثر نساء‪ ,‬وكذلك أبوه داود‪,‬‬
‫ووقع عند الطبراني من طريق أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن‬
‫عباس " تزوجوا فإن خيرنا كان أكثرنا نساء " قيل المعنى خير‬
‫أمة محمد من كان أكثر نساء من غيره ممن يتساوى معه فيما‬
‫عدا ذلك من الفضائل‪ .‬والذي يظهر أن مراد ابن عباس بالخير‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وبالمة أخصاء أصحابه; وكأنه أشار‬
‫حا ما آثر النبي صلى‬ ‫إلى أن ترك التزويج مرجوح‪ ,‬إذ لو كان راج ً‬
‫الله عليه وسلم غيره‪ ,‬وكان النبي صلى الله عليه وسلم ‪ -‬مع‬
‫كونه أخشى الناس لله وأعلمهم به ‪ -‬يكثر التزويج لمصلحة تبليغ‬
‫الحكام التي ل يطلع عليها الرجال‪ ,‬ولظهار المعجزة البالغة في‬
‫خرق العادة لكونه كان ل يجد ما يشبع به من القوت غالبا‪ ,‬وإن‬
‫وجد كان يؤثر بأكثره‪ ,‬ويصوم كثيًرا ويواصل‪ ,‬ومع ذلك فكان‬
‫يطوف على نسائه في الليلة الواحدة‪ ,‬ول يطاق ذلك إل مع قوة‬
‫البدن‪ ,‬وقوة البدن تابعة لما يقوم به من استعمال المقويات من‬
‫مأكول ومشروب‪ ,‬وهي عنده نادرة أو معدومة‪ .‬ووقع في "‬
‫الشفاء " أن العرب كانت تمدح بكثرة النكاح لدللته على‬
‫الرجولية‪ ,‬إلى أن قال‪ :‬ولم تشغله كثرتهن عن عبادة ربه‪ ,‬بل‬
‫زاده ذلك عبادة لتحصينهن وقيامه بحقوقهن واكتسابه لهن‬

‫‪79‬‬
‫وهدايته إياهن وكأنه أراد بالتحصين قصر طرفهن عليه فل‬
‫يتطلعن إلى غيره‪ ,‬بخلف العزبة فإن العفيفة تتطلع بالطبع‬
‫البشري إلى التزويج‪ ,‬وذلك هو الوصف اللئق بهن‪.‬‬
‫* والذي تحصل من كلم أهل العلم في الحكمة في استكثاره من‬
‫النساء عشرة أوجه تقدمت الشارة إلى بعضها‪.‬‬
‫أحدها‪ :‬أن يكثر من يشاهد أحواله الباطنة فينتفي عنه ما يظن به‬
‫المشركون من أنه ساحر أو غير ذلك‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬لتتشرف به قبائل العرب بمصاهرته فيهم‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬للزيادة في تألفهم لذلك‪.‬‬
‫رابعها‪ :‬للزيادة في التكليف حيث كلف أن ل يشغله ما حبب إليه‬
‫منهن عن المبالغة في التبليغ‪.‬‬
‫خامسها‪ :‬لتكثر عشيرته من جهة نسائه فتزاد أعوانه على من‬
‫يحاربه‪.‬‬
‫سادسها‪ :‬نقل الحكام الشرعية التي ل يطلع عليها الرجال‪ ,‬لن‬
‫أكثر ما يقع مع الزوجة مما شأنه أن يختفي مثله‪.‬‬
‫سابعها‪ :‬الطلع على محاسن أخلقه الباطنة‪ ,‬فقد تزوج أم حبيبة‬
‫وأبوها إذ ذاك يعاديه‪ ,‬وصفية بعد قتل أبيها وعمها وزوجها‪ ,‬فلو لم‬
‫يكن أكمل الخلق في خلقه لنفرن منه‪ ,‬بل الذي وقع أنه كان‬
‫أحب إليهن من جميع أهلهن‪.‬‬
‫طا من خرق العادة له في كثرة الجماع مع‬ ‫ثامنها‪ :‬ما تقدم مبسو ً‬
‫التقلل من المأكول والمشروب وكثرة الصيام والوصال‪ ,‬وقد أمر‬
‫من لم يقدر على مؤن النكاح بالصوم‪ ,‬وأشار إلى أن كثرته تكسر‬
‫شهوته فانخرقت هذه العادة في حقه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫تاسعها وعاشرها‪ :‬ما تقدم نقله عن صاحب " الشفاء " من‬
‫تحصينهن والقيام بحقوقهن‪ ,‬والله أعلم‪.‬‬
‫جمعه ورتبه وكتبه الفقير‬
‫د‪ /‬السيد العربي بن كمال‪.‬‬
‫‪---------------------------‬‬
‫)‪ (24‬شبهات وتهم ضد مقام النبوة‬
‫شبهات وتهم ضد مقام النبوة)‪(1‬‬
‫قال الله تبارك وتعالى‪) :‬إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله‬
‫في الدنيا والخرة وأعد لهم عذاًبا مهيًنا( ]الحزاب ‪.[57 :‬‬
‫ما من نبي ول رسول أرسله الله عز وجل إل واجه أعداء يكذبونه‬
‫ويشككون الناس في صدق نبوته وهذه سنة من سنن الله عز‬
‫وجل قال تعالى‪) :‬كذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين النس‬
‫والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك‬
‫ما فعلوه فذرهم وما يفترون( ]النعام ‪.[112 :‬‬

‫‪80‬‬
‫ولم يكن نبينا صلى الله عليه وسلم بدعا ً بين الرسل فقد واجه ما‬
‫واجهه إخوته من النبياء من التكذيب والعناد والقتال والتشريد‬
‫والسجن والطرد والستهزاء ولكن ذلك لم يثنه عن دعوته ولم‬
‫ل في عزيمته بل كان ثابتا ً كالطود الشم فصبر وهانت عليه‬ ‫يف ّ‬
‫نفسه في سبيل الله عز وجل حتى نصره الله عز وجل ورفع له‬
‫ذكره إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫وقد اتهم نبينا صلى الله عليه وسلم بأنه كاذب وقيل شهواني‬
‫وقالوا عنه ساحر وكاهن وشاعر ومجنون وأتهم بأنه عدواني‬
‫ومتعصب وإرهابي وهذه التهم مجرد شبهات واهية تسقط عند‬
‫أول وهلة من التعرف على شخصيته ودراسة سيرته وتتبع سنته‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وفيما يلي نستعرض كل شبهة أثيرت حول نبينا صلى الله عليه‬
‫وسلم ونفندها بحجج منيرة كالشمس في رائعة النهار‪.‬‬
‫الشبهة الولى‪ :‬قولهم عنه‪) :‬كاذب(‪:‬‬
‫الشبهة الثانية‪:‬قولهم عنه )ساحر‪ ،‬كاهن‪ ،‬مجنون(‪:‬‬
‫الشبهة الثالثة‪) :‬قالوا أساطير الولين اكتتبها فهي تملي عليه‬
‫بكرة وأصيل(‪:‬‬
‫الشبهة الرابعة‪ :‬وهي من شبه المستشرقين الحديثة وصفهم له‬
‫صلى الله عليه وسلم بأنه )شهواني(‪:‬‬
‫الشبهة الخامسة‪ :‬من أعظم الشبه والفتراء‪ :‬وصف النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم بأنه )إرهابي دموي سفاك للدماء(‪:‬‬
‫الشبهة الولى‪ :‬قولهم عنه‪) :‬كاذب(‪:‬‬
‫هذه أضعف فرية افتريت على نبينا صلى الله عليه وسلم‬
‫وأضعف شبهة يمكن أن يتشبث بها أحد قديما ً أو حديثًا‪ ،‬وذلك لما‬
‫اشتهر عنه صلى الله عليه وسلم منذ طفولته من صدق الحديث‬
‫وأمانة في الخلق حتى كانت من أوضح صفاته وأخلقه التي تميز‬
‫بها‪ ،‬حتى أنه كان يسمى في الجاهلية بالمين لصدقه وأمانته‬
‫صلى الله عليه وسلم ومما يثبت ذلك ما جرى في قصة بناء‬
‫قريش للكعبة قبل بعثته صلى الله عليه وسلم واختلفهم على‬
‫وضع الحجر السود حتى كادوا يقتتلون بسبب إرادة كل قبيلة أن‬
‫تفوز بشرف وضع الحجر السود في مكانه ولما اشتد الخلف‬
‫فيما بينهم وأصرت كل قبيلة على الفوز بهذا الشرف أراد أحد‬
‫عقلئهم أن يضع حدا ً للخلف فقال لهم حكموا بينكم أول داخل‬
‫عليكم من باب الصفا فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فلما‬
‫رأوه مقبل ً قالوا‪ :‬هذا محمد المين رضينا به حكمًا‪ .‬ففي هذه‬
‫القصة وقد حدثت قبل البعثة أكبر دليل على اشتهاره بالصدق‬
‫والمانة فيما بينهم‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫ومما يثبت اشتهاره بالصدق بين قريش وعدم شكهم في صدق‬
‫حديثه حديث أبي سفيان مع هرقل وسؤال هرقل حينما سأل أبا‬
‫سفيان‪ :‬هل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فقال‪ :‬ل ثم‬
‫رد هرقل في آخر الحديث بحكمة قل من يفطن لها إذ قال‪:‬‬
‫وسألتك أتتهمونه بالكذب فقلت‪ :‬ل فعلمت أنه لن يدع الكذب‬
‫على الناس ثم يكذب على الله تعالى و الحديث في صحيح‬
‫البخاري‪..‬‬
‫ومما يثبت نفي الكذب عنه ما ورد في حديث ركانة بن عبد يزيد‬
‫في السنن بإسناد فيه كلم‪ .‬وكان شديد العداوة للنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم والستهزاء به فقال يوما ً للنبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫يا ابن أخي بلغني عنك أمر ولست بكذاب فإن صرعتني علمت‬
‫أنك صادق‪ ،‬لقد أثبت صدقه بنفي الكذب عنه مع شدة العداوة‬
‫وكثرة استهزاءه بالنبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في السير‪.‬‬
‫وقد روى الترمذي عن علي أن أبا جهل قال له‪ :‬إنا ل نكذبك‪،‬‬
‫ولكن نكذب بما جئت به فأنزل الله تعالى فيهم‪) :‬فإنهم ل‬
‫يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون( ]النعام ‪.[33 :‬‬
‫وقد اشتهر بين قريش صدقه صلى الله عليه وسلم حتى إن أبا‬
‫طالب لما أخبره نبينا صلى الله عليه وسلم بخبر الصحيفة التي‬
‫كتبتها قريش وأن الرضة قد أكلتها ولم تترك فيها إل كلمة واحدة‬
‫ج قريش حتى فتحوا الكعبة‬ ‫هي )باسمك اللهم( قام أبو طالب يحا ّ‬
‫وأخرجوا الصحيفة ووجدوها حقا ً كما قال نبينا صلى الله عليه‬
‫وسلم فوبخهم أبو طالب بقوله شعرا ً في هذا‪:‬‬
‫وقد كان في أمر الصحيفة عبرة ***متى ما يخبر غائب القوم‬
‫ُيعجب‬
‫محا الله منها كفرهم وعقوقهم*** وما نقموا من ناطق الحق‬
‫معرب‬‫ُ‬
‫ل*** ومن يختلق ما ليس بالحق‬ ‫فأصبح ما قالوا من المر باط ً‬
‫ُيكذب‬
‫وقد كانت علمات الصدق تلوح على محياه صلى الله عليه وسلم‬
‫حتى قال عبد الله بن سلم الحبر اليهودي في قصة إسلمه أنه‬
‫لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ونظر في وجهه قال‪ :‬فلما‬
‫تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب(‪).‬رواه ابن ماجه‬
‫وغيره(‪.‬‬
‫ولو لم تكن فيه آيات مبينة**** كانت بديهته تأتيك بالخبر‬
‫‪000000000000‬‬
‫شبهات وتهم ضد مقام النبوة)‪(2‬‬
‫الشبهة الثانية‪:‬قولهم عنه )ساحر‪ ،‬كاهن‪ ،‬مجنون(‪:‬‬

‫‪82‬‬
‫وهذه الصفات التي وصفه بها كفار قريش لما جاءهم بالحق ولم‬
‫يستطيعوا له رد فجنحوا إلى هذه التهم والوصاف حتى يصدوا‬
‫الناس عنه إذ أنه ل يجلس إليه أحد فيعرض عليه السلم ويقرأ‬
‫القرآن على مسامعه إل أخذ بلب جليسه وأسر قلبه فأراد‬
‫المعاندون بإثارة هذه الشبهة أن يصدوا الناس عن الجلوس إليه‬
‫وسماعه خاصة في المواسم التي يجتمع فيها الناس من أنحاء‬
‫الجزيرة العربية‪.‬‬
‫هذا عتبة بن ربيعة جاء مندوبا ً لقريش لمفاوضة النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم حتى يترك دعوته فيقول له‪ :‬يا ابن أخي إنك منا حيث‬
‫قد علمت من السطة في العشيرة والمكان في النسب‪ ،‬وإنك قد‬
‫أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلمهم‬
‫وعبت به آلهتهم ودينهم‪ ،‬ثم عرض عليه المال والملك وعرض‬
‫عليه ما استطاعه من الغراء حتى إذا فرغ عتبة من كلمه‬
‫ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع إليه فقال‪ :‬أقد فرغت‬
‫يا أبا الوليد؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فاسمع مني‪ .‬قال‪ :‬أفعل‪ .‬فقال‬
‫الحبيب صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم )حــم* تنزيل من الرحمن الرحيم(‪.‬‬
‫]فصلت ‪.[2 : 1‬‬
‫ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ وقد ألقى عتبة‬
‫يديه وراء ظهره معتمدا ً عليهما وهو يسمع منصتا ً حتى انتهى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة فسجد‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫)قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك( سيرة ابن‬
‫هشام‪!!.‬‬
‫وعاد عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض‪ :‬نحلف بالله قد‬
‫جاءكم أبا الوليد بغير الوجه الذي ذهب به‪ .‬فلما جلس إليهم‬
‫قالوا‪ :‬ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال‪ :‬ورائي أني سمعت قول ً والله‬
‫ما سمعت مثله قط‪ ،‬والله ما هو بالشعر ول بالسحر ول بالكهانة‪،‬‬
‫أطيعوني واجعلوها لي‪ ،‬وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه‬
‫فاعتزلوه فو الله ليكونن لقولـه الذي سمعت منه نبأ عظيم‪.‬‬
‫فهذا عتبة بن ربيعة وهو من صناديد قريش وسادتهم بعدما سمع‬
‫القرآن وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ينفي أن يكون‬
‫شاعرا ً أو كاهنا ً أو ساحرًا‪.‬‬
‫وهذا النضر بن الحارث سيد آخر من سادة قريش وكبير من‬
‫كبرائهم ممن كفر حسدا ً وحقدا ً يقوم في قريش ذات يوم‬
‫ويقول‪ :‬يا معشر قريش إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له‬
‫بحيلة بعد‪ ،‬فقد كان فيكم محمد غلما ً حدثًا‪ ،‬أرضاكم فيكم‬
‫وأصدقكم حديثا ً وأعظمكم أمانة حتى إذا رأيتم في صدغه‬

‫‪83‬‬
‫الشيب‪ .‬وجاءكم بما جاءكم به قلتم ساحر ل والله ما هو بساحر‬
‫لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم‪ ،‬وقلتم كاهن‪ ،‬ل والله ما هو‬
‫بكاهن قد رأينا الكهنة وتخالجهم وسمعنا سجعهم‪ .‬وقلتم شاعر‪،‬‬
‫ل والله ما هو بشاعر قد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها هزجه‬
‫ورجزه‪ .‬قلتم مجنون ل والله ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون فما‬
‫هو بخنقه ول وسوسته ول تخليطه‪ .‬يا معشر قريش فانظروا في‬
‫شأنكم فإنه والله قد نزل لكم أمر عظيم‪ .‬فهذه شهادتين من‬
‫أعدى أعداءه تثبت كذبهم وافتراءهم عليه سيرة ابن هشام‪..‬‬
‫الشبهة الثالثة‪) :‬قالوا أساطير الولين اكتتبها فهي تملي عليه‬
‫بكرة وأصيل(‪:‬‬
‫اتهم المشركون نبينا صلى الله عليه وسلم بأنه جمع أساطير‬
‫الولين من الرواة الذين كانوا يتناقلونها ثم كتبها فهو يلقيها عليهم‬
‫ليدعي بذلك الوحي‪.‬‬
‫وقد بّين القرآن الكريم الرد على مثل هذه الشبهة ومفاده أنه‬
‫كان صلى الله عليه وسلم أميا ً ل يقرأ ول يكتب‪ .‬وأنه لم يخرج‬
‫من مكة ولم يسافر إلى البلد التي تكثر فيها هذه القصص‬
‫والساطير التي ادعتها عليه قريش ثم إن ما جاءهم به محكم ل‬
‫لبس فيه ول اختلف ول عجمة ول اعوجاج فيه على عكس ما‬
‫كان يتناقل في عصرهم من أساطير يكذب بعضها بعضًا‪.‬‬
‫وتحداهم أن يأتوا بمثله فلما عجزوا تحداهم أن يأتوا بسورة‬
‫واحدة مثله فلما عجزوا تحداهم أن يأتوا بعشر آيات مثله‪ ،‬ولن‬
‫يستطيعوا ولو اجتمع الجن كلهم والنس على أن يأتوا بمثله‪ ،‬وما‬
‫ما ليفضح عجزهم وكذبهم وبهتانهم‪ ،‬وهذه المم‬ ‫زال التحدي قائ ً‬
‫وصلت في العصر الحديث إلى اقتحام الفضاء وتطويع الكائنات‬
‫فهل يستطيعون ولو اجتمعوا أن يأتوا بآية مثله؟‬
‫)قل لئن اجتمعت النس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ل‬
‫يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيًرا( ]السراء ‪.[88 :‬‬
‫)أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم‬
‫من دون الله إن كنتم صادقين( ]يونس ‪.[38 :‬‬
‫)أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من‬
‫استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين( ]هود ‪.[13 :‬‬
‫وأنى لهم أن يأتوا بمثله وهو تنزيل من رب العالمين الحكيم‬
‫العليم وهو القاهر فوق عباده وهو اللطيف الخبير‪.‬‬
‫الشبهة الرابعة‪ :‬وهي من شبه المستشرقين الحديثة وصفهم له‬
‫صلى الله عليه وسلم بأنه )شهواني(‪:‬‬
‫حين تزوج إحدى عشرة امرأة بينما منع أتباعه من الزيادة على‬
‫أربع نساء‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫والجواب على هذه الشبهة‪:‬‬
‫أنه ينبغي أن ُيعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرا ً‬
‫قط إل عائشة – رضي الله عنها – كما أنه صلى الله عليه وسلم‬
‫إبان شبابه وفتوته لم يتزوج سوى خديجة – رضي الله عنها –‬
‫حين كان عمره خمسا ً وعشرين سنة وهي امرأة كبيرة فلو كان‬
‫ذا شهوة لما اكتفى بها وهي المرأة الكبيرة في السن فلم يتزوج‬
‫عليها حتى توفيت – رضي الله عنها‪.‬‬
‫وكان زواجه بعائشة – رضي الله عنها – إكراما ً لصديقه وأحب‬
‫الناس إليه وأوفاهم لـه وأكثرهم إخلصا ً له ولدعوته‪.‬‬
‫وكذلك كان زواجه بحفصة بنت عمر بن الخطاب إكراما ً لبيها‬
‫ثاني رجل في السلم وثاني وزراءه وإذا لم يكرم عمر بن‬
‫الخطاب فمن يكرم إذًا؟! وأما زواجه بأم حبيبة وأم سلمة وسودة‬
‫وميمونة وأم المساكين وهن أرامل فكان إيواًء لهن لما فقدن‬
‫أزواجهن ولما أصابهن من عذاب واضطهاد في ذات الله تعالى‪.‬‬
‫وزّوجه ربه تبارك وتعالى زينب بنت جحش وهو كاره لذلك خشية‬
‫من قول الناس‪» :‬محمد تزوج امرأة ابنة زيد« الذي تبناه قبل‬
‫السلم فأراد الله عز وجل أن يهدم قاعدة التبني التي كانت‬
‫ة في المجتمع الجاهلي حيث كان للبن المتبنى عند العرب‬ ‫متأصل ً‬
‫في الجاهلية جميع الحرمات والحقوق التي كانت للبن الحقيقي‬
‫سواء بسواء‪ ،‬فكان أقوى معول لهدم هذه القاعدة أن أمر الله‬
‫عز وجل نبيه أن ينكح زوجة زيد بعدما طلقها وقد كان ابنا ً لـه‬
‫بالتبني في الجاهلية ليستقر عند العرب عدم جواز التبني‪.‬‬
‫وكان زواجه لصفية وجويرية مسحا ً لدموعها وإذهابا ً لحزنهما‬
‫لموت زوجيهما في معركة قتال دارت بين رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم وبين رجالهما‪.‬‬
‫كما أن من فوائد زواجه صلى الله عليه وسلم ما كان شائعا ً عند‬
‫العرب من احترام للمصاهرة إذ كانوا يرون مناوأة ومحاربة‬
‫الصهار سبة وعارا ً على أنفسهم‪ .‬فلما تزوج النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم بأم سلمة المخزومية لم يقف خالد بن الوليد‬
‫المخزومي من المسلمين موقفه الشديد الذي وقفه بأحد‪،‬‬
‫وكذلك أبو سفيان قائد المشركين لم يواجه رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم بأي محاربة بعد زواجه بابنته أم حبيبة‪،‬وكذلك ل‬
‫نرى من قبيلتي بني المصطلق وبني النضير أي استفزاز وعداء‬
‫بعد زواجه بجويرية وصفية‪.‬‬
‫ومن أعظم وأجل مقاصد نكاحه صلوات ربي وسلمه عليه أنه‬
‫كان مأمورا ً بتزكية وتعليم الناس ولما كان من المبادئ التي قام‬
‫عليها بناء المجتمع المسلم أل يختلط الرجال بالنساء كانت‬

‫‪85‬‬
‫الحاجة داعية إلى وجود نساء مختلفات العمار والمواهب )وهن‬
‫أمهات المؤمنين( فيزكيهن النبي صلى الله عليه وسلم ويربيهن‬
‫ويعلمنهن ليقمن من بعده بتربية نساء المسلمين فيكفين مؤنة‬
‫ل كبير في نقل‬ ‫التبليغ في النساء‪ ،‬وقد كان لمهات المؤمنين فض ٌ‬
‫أحواله صلى الله عليه وسلم المنزلية للناس‪.‬‬
‫أفترى رجل ً يدع الزواج في شبابه من النساء ويقتصر على امرأة‬
‫كبيرة في السن كخديجة أو كسودة حتى يصل الخمسين من‬
‫عمره ثم فجأة يجد في نفسه شهوة عارمة فيتزوج بمثل هذا‬
‫العدد الكبير من النساء؟!‪.‬‬
‫اللهم إن هذا ل يقولـه إنسان عاقل بل ل يقوله إل مكابر فاجر‪.‬‬
‫الشبهة الخامسة‪:‬من أعظم الشبه والفتراء‪ :‬وصف النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم بأنه )إرهابي دموي سفاك للدماء(‪:‬‬
‫وهذه التهمة إنما يذيعها المستشرقون في العصر الحديث‬
‫تشكيكا ً في دعوته وصدق نبوته صلى الله عليه وسلم فقد ثبت‬
‫عنه صلى الله عليه وسلم من الحلم والحتمال والعفو عند‬
‫المقدرة والصبر على المكاره الشيء الكثير جدًا‪.‬‬
‫وكل حليم عرفت منه زلة وحفظت عنه هفوة ولكنه صلى الله‬
‫عليه وسلم لم يزدد مع كثرة الذى إل صبرا ً وعلى إسراف‬
‫خّير رسول‬ ‫الجاهل إل حلمًا‪ ،‬قالت عائشة – رضي الله عنها‪ :‬ما ُ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إل اختار أيسرهما ما لم‬
‫يكن إثما ً فإن كان إثما ً كان أبعد الناس عنه‪ ،‬وما انتقم لنفسه إل‬
‫أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها أخرجه البخاري‪ ،‬وكان أبعد‬
‫ى‪.‬‬ ‫ً‬
‫الناس غضبا وأسرعهم رض ً‬
‫وقد كان من أعظم دلئل نبوته التي وردت في كتب أهل الكتاب‪.‬‬
‫والتي آمن على مثلها من آمن منهم مثل عبد الله بن سلم‬
‫وسلمان الفارسي وغيرهما أن حلمه يسبق غضبه‪.‬‬
‫وقد كان العفو والصفح أحب إليه من النتقام كما في القصص‬
‫التالية‪:‬‬
‫* تصدى لـه غورث بن الحارث ليفتك به صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ورسول الله صلى الله عليه وسلم مطرح تحت شجرة وحده‬
‫قائل ً )من القيلولة وهو نوم وسط النهار( دون حرس‪ ،‬وأصحابه‬
‫قائلون كذلك‪ .‬وذلك في غزاة‪ ،‬فلم ينتبه رسول الله صلى الله‬
‫ت في يديه‬ ‫عليه وسلم إل وغورث قائم على رأسه‪ ،‬والسيف مصل ٌ‬
‫وقال‪ :‬من يمنعك مني؟ فقال صلى الله عليه وسلم‪» :‬الله«‪.‬‬
‫فسقط السيف من يد غورث‪ ،‬فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وقال‪» :‬من يمنعك«؟ قال غورث‪ :‬كن خير آخذ فتركه وعفا عنه‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫فعاد إلى قومه فقال‪ :‬جئتكم من عند خير الناس‪) .‬أخرجه المام‬
‫أحمد وهو في البخاري مختصرًا(‪.‬‬
‫* لما دخل المسجد الحرام صبيحة الفتح ووجد رجالت قريش‬
‫جالسين مطأطي الرؤوس ينتظرون حكم رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم الفاتح فيهم‪ ،‬فقال‪» :‬يا معشر قريش ما تظنون أني‬
‫فاعل بكم«؟ قالوا‪ :‬أخ كريم وابن أخ كريم‪ ،‬قال‪» :‬اذهبوا فأنتم‬
‫الطلقاء« )حسن إسناده ابن حجر في فتح الباري( فعفا عنهم‬
‫بعدما ارتكبوا من الجرائم ضده وضد أصحابه ما ل يقادر قدره‪،‬‬
‫ول يحصى عده‪ ،‬ومع هذا فقد عفا عنهم ولم يعنف ولم يضرب‪.‬‬
‫ولم يقتل فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫* سحره لبيد بن العصم اليهودي )القصة في صحيح البخاري(‪،‬‬
‫فعفا عنه ولم يؤاخذه‪ .‬بل لم يثبت أنه لمه أو عاتبه مجرد لوم أو‬
‫عتاب‪ .‬فضل ً عن المؤاخذة والعقاب‪.‬‬
‫* تآمر عليه المنافقون وهو في طريق عودته من تبوك إلى‬
‫المدينة تآمروا عليه ليقتلوه وعلم بهم وقيل له فيهم فعفا عنهم‪،‬‬
‫وقال‪) :‬ل ُيتحدث أن محمدا ً يقتل أصحابه( )القصة في صحيح‬
‫البخاري(‪.‬‬
‫* لم يذكر في غزوة من الغزوات أنه اعتدى على أحد أو غزا‬
‫قوما ً مسالمين بل كانت غزواته وسراياه موجهة إلى من بدأه‬
‫بالعداوة وحاول الكيد للسلم والمسلمين‪ ،‬وكان يأمر أمراءه إذا‬
‫أرسلهم أن ل يقتلوا امرأة ول طفل ً ول عجوزا ً ول راهبا ً معتزل ً‬
‫في صومعته وكان ينهاهم عن التحريق بالنار وإفساد الزرع‪.‬‬
‫وقد غّير النبي صلى الله عليه وسلم أغراض الحروب وأهدافها‬
‫التي كانت تضطرم نار الحرب لجلها في الجاهلية‪ ،‬فبينما كانت‬
‫الحرب عبارة عن النهب والسلب والقتل والغارة والظلم والبغي‬
‫والعدوان وأخذ الثأر والفوز بالوتر وكبت الضعيف وتخريب‬
‫العمران وتدمير البنيان وهتك حرمات النساء والقسوة على‬
‫الضعيف والولئد والصبيان وإهلك الحرث والنسل والعبث‬
‫والفساد في الرض في الجاهلية‪ ،‬إذ صارت هذه الحرب في‬
‫السلم جهادا ً في تحقيق أهداف نبيلة وأغراض سامية وغايات‬
‫محمودة يعتز بها المجتمع النساني في كل زمان ومكان وغدت‬
‫الحرب جهادا ً في تخليص النسان من نظام القهر والعدوان‪.‬‬
‫إن تحول المجتمع إلى نظام العدل والنصف بدل ً عن نظام يأكل‬
‫فيه القوي الضعيف‪ ،‬حتى يصير المجتمع إلى نظام يصير فيه‬
‫القوي ضعيفا ً حتى يؤخذ الحق منه وصارت بذلك الحرب جهادا ً‬
‫لتخليص المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين‬
‫يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من‬

‫‪87‬‬
‫لدنك وليا ً واجعل لنا من لدنك نصيرًا‪ .‬وصارت جهادا ً في تطهير‬
‫أرض الله من الغدر والخيانة والثم والعدوان وغدت وسيلة‬
‫لبسط المن والسلمة والرأفة والرحمة ومراعاة الحقوق‬
‫والمروءة‪.‬‬
‫ض يكون‬ ‫ض إلى خيرٍ مح ٍ‬ ‫أومن قام بتبديل الحرب من شّر مح ٍ‬
‫ك للدماء؟‪.‬‬‫إرهابيا ً أو سفا ٍ‬
‫أفترى من يأمر بهذا العدل والنصاف والرحمة والرأفة حتى مع‬
‫العدو أثناء القتال يمكن أن يوصف بأنه إرهابي أو قاتل أو سفاك‬
‫للدماء؟ سبحانك هذا بهتان عظيم!!‬
‫علما ً بأن جميع البلد التي فتحها بالسيف ظهر فيها السلم‬
‫وانتشر وثبت أهلها على السلم‪ ،‬مما يؤكد أن انتشار السلم‬
‫وثباته لصفاته الذاتية فيه وليس انتشاره عائدا ً إلى نشره بالقوة‬
‫والسيف فقط كما أن أكثر بقاع السلم وبلده مما فتح سلما ً‬
‫دون حرب أو قتال كما ثبت ذلك في دواوين السيرة وكتب‬
‫التاريخ‪.‬‬
‫إن هذه الشبه والتهم التي يطلقها أعداء السلم على نبينا صلى‬
‫الله عليه وسلم لم تكن يوما ً لتوهي من عضد الرسالة أو‬
‫الرسول الذي بعث بها‪) :‬يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم‬
‫ويأبى الله إل أن يتم نوره ولو كره الكافرون( ]التوبة ‪.[32 :‬‬
‫بل ربما كانت هذه الشبه فأل خير لهذا الدين إذ أنه ومنذ ظهور‬
‫فجر النبوة المحمدية كانت هذه الشبه والتهامات سببا ً وباعثا ً‬
‫قويا ً في إقبال الناس على دعوته صلى الله عليه وسلم فكلما‬
‫زادت التهم زاد تحري الناس وسؤالهم عن الرسول والرسالة‬
‫فيقودهم ذلك إلى النبهار بأضواء النبوة حتى يسلمهم ذلك إلى‬
‫الدخول في دين الله أفواجا ً والحمد لله أول ً وآخرًا‪.‬‬
‫وقولنا لمن يروج هذه الشبه والتهم هو ما قاله حسان ابن ثابت‬
‫في المنافحة عن النبي صلى الله عليه وسلم والذب عنه وهو‬
‫أجمل ما قيل في الذب عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم‬
‫يستطع أحد أن يحلق إلى ما دون هذا فضل ً عن أن يساميه وأّنى‬
‫لهم ذلك وهو المؤيد بروح القدس‪ ،‬يقول – رضي الله عنه‪:‬‬
‫ت عنه **** وعند الله في ذاك الجزاُء‬ ‫ت محمدا ً فأجب ُ‬‫هجو َ‬
‫هجوت مباركا ً برا ً حنيفا ً **** أمين الله شيمته الوفاُء‬
‫ت له بكفء؟**** فشركما لخير كما الفداُء‬ ‫أتهجوه ولس َ‬
‫فإن أبي ووالده وعرضي *** لعرض محمد منكم وقاُء‬
‫وإذا كان هذا ما قاله مؤمن به‪ ،‬فإن ما ورد عن أعداءه من الثناء‬
‫عليه كثيٌر جدا ً – والحق ما شهدت به العداء – فهذا الدكتور‬
‫مايكل هارت الذي ألف كتاب )المائة الوائل( يضع في المقام‬

‫‪88‬‬
‫الول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ويعلل ذلك بقوله‪)) :‬إن‬
‫اختيار المؤلف لمحمد صلى الله عليه وسلم ليكون في رأس‬
‫القائمة التي تضم الشخاص الذين كان لهم أعظم تأثير عالمي‬
‫في مختلف المجالت‪ ،‬إن هذا الختيار ربما أدهش الكثير من‬
‫القراء )يقصد بهم القراء من غير المسلمين الذين ألف لهم‬
‫الكتاب‪ ،‬وإل فإن المسلمين يعتقدون عقيدة جازمة بأن محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم هو خير الثقلين( إلى حد قد يثير بعض‬
‫التساؤلت‪ ،‬ولكن في اعتقاد المؤلف أن محمدا ً صلى الله عليه‬
‫وسلم كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى‬
‫وأبرز في كل المستويين الديني والدنيوي‪.‬‬
‫لقد أسس محمد صلى الله عليه وسلم ونشر أحد أعظم الديان‬
‫في العالم‪ ،‬وأصبح أحد الزعماء العالميين السياسيين العظام‪.‬‬
‫ففي هذه اليام وبعد مرور ثلثة عشر قرنا ً تقريبا ً على وفاته‪،‬‬
‫فإن تأثيره ل يزال قويا ً وعارمًا((*‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــ‬
‫*كتاب )المائة الوائل في المقدمة( للدكتور مايكل هارت‬
‫‪--------------------------‬‬
‫)‪ (25‬الثـار النبويـة‬
‫المجيب د‪ .‬ناصر بن عبد الرحمن الجديع‬
‫عضو هيئة التدريس بجامعة المام محمد بن سعود السلمية‬
‫السؤال‬
‫أثناء زيارتي لتركيا رأيت في متحف )طوب قابي سراي( في‬
‫اسطنبول قاعة للمانات المقدسة‪ ،‬تضم آثارا ً نبوية؛ شعرات‬
‫للرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ورسالته للمقوقس‪ ،‬وبردته‪،‬‬
‫وأشياء أخرى‪ ،‬ولم ألحظ ما يدل على ثبوت ذلك تاريخيًا‪.‬‬
‫فما حقيقة هذه الثار‪ ،‬و هل يصح أنها نبوية؟‬
‫الجواب‬
‫ليس هنالك ما يدل على ثبوت صحة نسبة هذه الثار ونحوها إلى‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫قال صاحب كتاب )الثار النبوية( المحقق أحمد تيمور باشا ص‬
‫‪ 78‬بعد أن سرد الثار المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫بالقسطنطينية )اسطنبول(‪) :‬ل يخفى أن بعض هذه الثار محتمل‬
‫الصحة‪ ،‬غير أنا لم نر أحدا ً من الثقات ذكرها بإثبات أو نفي‪ ،‬فالله‬
‫سبحانه أعلم بها‪ ،‬وبعضها ل يسعنا أن نكتم ما يخامر النفس فيها‬
‫من الريب ويتنازعها من الشكوك( الخ‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫ول شك في مشروعية التبرك بآثار نبينا محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم في حياته وبعد وفاته‪ ،‬ولكن الشأن في حقيقة وجود شيء‬
‫من آثار الرسول صلى الله عليه وسلم في العصر الحاضر‪.‬‬
‫وإن مما يضعف هذه الحقيقة ما جاء في صحيح البخاري)‪(3/186‬‬
‫عن عمرو بن الحارث رضي الله عنه أنه قال‪) :‬ما ترك رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم عند موته درهما ً ول دينارًا‪ ،‬ول عبدا ً ول‬
‫أمة‪ ،‬ول شيئا ً إل بغلته البيضاء‪ ،‬وسلحه‪ ،‬وأرضا ً جعلها صدقة(‬
‫فهذا يدل على قّلة ما خّلفه الرسول صلى الله عليه وسلم بعد‬
‫موته من أدواته الخاصة ‪.‬‬
‫وأيضا ً فقد ثبت فقدان الكثير من آثار الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم على مدى اليام والقرون؛ بسبب الضياع‪ ،‬أو الحروب‪،‬‬
‫والفتن ونحو ذلك‪.‬‬
‫ومن المثلة على ذلك فقدان البردة في آخر الدولة العباسية‪،‬‬
‫حيث أحرقها التتار عند غزوهم لبغداد سنة ‪656‬هـ ‪ ،‬وذهاب نعلين‬
‫ينسبان إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في فتنة تيمور لنك‬
‫بدمشق سنة ‪803‬هـ ‪.‬‬
‫ويلحظ كثرة ادعاء وجود وامتلك شعرات منسوبة إلى الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم في كثير من البلدان السلمية في العصور‬
‫المتأخرة‪ ،‬حتى قيل إن في القسطنطينية وحدها ثلثا ً وأربعين‬
‫شعرة سنة ‪1327‬هـ ‪ ،‬ثم أهدي منها خمس وعشرون‪ ،‬وبقي‬
‫ثماني عشرة‪.‬‬
‫ولذا قال مؤلف كتاب )الثار النبوية( ص ‪ 82‬بعد أن ذكر أخبار‬
‫التبرك بشعرات الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل أصحابه‬
‫رضي الله عنهم‪) :‬فما صح من الشعرات التي تداولها الناس بعد‬
‫بذلك فإنما وصل إليهم مما ُقسم بين الصحاب رضي الله عنهم ‪،‬‬
‫غير أن الصعوبة في معرفة صحيحها من زائفها(‪.‬‬
‫دعى الن من وجود بعض الثار‬ ‫ومن خلل ما تقدم فإن ما ي ُ ّ‬
‫النبوية في تركيا أو غيرها سواًء عند بعض الجهات‪ ،‬أو عند بعض‬
‫الشخاص موضع شك‪ ،‬يحتاج في إثبات صحة نسبته إلى الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم إلى برهان قاطع‪ ،‬يزيل الشك الوارد‪ ،‬ولكن‬
‫أين ذلك؟ ولسيما مع مرور أكثر من أربعة عشر قرنا ً من الزمان‬
‫على وجود تلك الثار النبوية‪ ،‬ومع إمكان الكذب في ادعاء نسبتها‬
‫إلى الرسول صلى الله عليه وسلم للحصول على بعض الغراض‪،‬‬
‫كما ُوضعت الحاديث ونسبت إليه صلى الله عليه وسلم كذبا ً‬
‫وزورًا‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫وعلى أي حال فإن التبرك السمى والعلى بالرسول ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬هو اتباع ما أثر عنه من قول أو فعل‪ ،‬والقتداء به‪،‬‬
‫والسير على منهاجه ظاهرا ً وباطنًا‪.‬‬
‫‪--------------------------‬‬
‫)‪ (26‬الرد على شبهة اهتمامه صلى الله عليه وسلم‬
‫بالدنيا والغنائم‬
‫الكاتب‪ :‬الشبكة السلمية‬

‫من الشبه التي أثارها أعداء السلم‪ ،‬ورّوجوا لها بهدف تشويه‬
‫شخصية محمد ٍ صلى الله عليه وسلم‪ ،‬للوصول إلى الطعن في‬
‫دعونه من أنه كان صاحب مطامع‬ ‫دعوته‪ ،‬وإبعاد الناس عنها‪ ،‬ما ي ّ‬
‫دنيوية‪ ،‬لم يكن يظهرها في بداية دعوته في مكة‪ ،‬ولكنه بعد‬
‫هجرته إلى المدينة بدأ يعمل على جمع الموال والغنائم من خلل‬
‫الحروب التي خاضها هو وأصحابه‪ ،‬ابتغاء تحصيل مكاسب مادية‬
‫وفوائد معنوية‪.‬‬
‫وممن صرح بذلك "دافيد صمويل مرجليوت " المستشرق‬
‫النجليزي اليهودي‪ ،‬حيث قال‪" :‬عاش محمد هذه السنين الست‬
‫بعد هجرته إلى المدينة على التلصص والسلب والنهب‪ ..‬وهذا‬
‫يفسر لنا تلك الشهوة التي أثرت على نفس محمد‪ ،‬والتي دفعته‬
‫إلى شن غارات متتابعة‪ ،‬كما سيطرت على نفس السكندر من‬
‫قبل ونابليون من بعد "‪.‬‬
‫والحق‪ ،‬فإن الناظر في سيرته صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والمتأمل‬
‫في تاريخ دعوته‪ ،‬يعلم علم اليقين أنه صلى الله عليه وسلم لم‬
‫يكن يسعى من وراء كل ما قام به إلى تحقيق أي مكسب دنيوي‪،‬‬
‫يسعى إليه طلب الدنيا واللهثون وراءها‪ ،‬وهذا رد إجمالي على‬
‫هذه الشبهة‪ ،‬أما الرد التفصيلي فبيانه فيما يلي‪:‬‬
‫ل في واقع حياة‬ ‫ذكر في هذه الشبهة ل يوجد عليه دلي ٌ‬ ‫‪-1‬أن ما ُ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬إذ لو كان كما قيل لعاش‬
‫عيش الملوك‪ ،‬في القصور والبيوت الفارهة‪ ،‬ولتخذ من الخدم‬
‫والحراس والحشم ما يكون على المستوى المتناسب مع تلك‬
‫المطامع المزعومة‪ ،‬بينما الواقع يشهد بخلف ذلك‪ ،‬إذ كان في‬
‫شظف من العيش‪ ،‬مكتفيا ً بما يقيم أود الحياة‪ ،‬وكانت هذه حاله‬
‫صلى الله عليه وسلم منذ أن رأى نور الحياة إلى أن التحق‬
‫ن بيوته صلى الله عليه وسلم‬ ‫بالرفيق العلى‪ ،..‬يشهد لهذا أ ّ‬
‫كانت عبارة عن غرف بسيطة ل تكاد تتسع له ولزوجاته‪.‬‬
‫وكذلك الحال بالنسبة لطعامه وشرابه‪ ،‬فقد كان يمر عليه الشهر‬
‫والشهران ل توقد ناٌر في بيته‪ ،‬ولم يكن له من الطعام إل‬

‫‪91‬‬
‫السودان ‪ -‬التمر والماء‪ ،-‬فعن عائشة رضي الله عنها قالت‬
‫لعروة‪) :‬ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلل‪ ،‬ثم الهلل‪ ،‬ثلثة أهلة‬
‫في شهرين‪ ،‬وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ناٌر‪ ،‬فقلت‪ :‬يا خالة ما كان يعيشكم؟ قالت‪ :‬السودان‪،‬‬
‫التمر والماء( متفق عليه‪ .‬وسيرته صلى الله عليه وسلم حافلة‬
‫بما يدل على خلف ما يزعمه الزاعمون‪.‬‬
‫عرف به النبي صلى‬ ‫‪-2‬ثم إن هذه الشبهة تتناقض مع الزهد الذي ُ‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬وحث عليه أصحابه‪ ،‬فقد صح عنه أنه قال‪) :‬إن‬
‫مما أخاف عليكم بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها(‬
‫متفق عليه‪ ،‬وقرن في التحذير بين فتنة الدنيا وفتنة النساء‪،‬‬
‫فقال‪) :‬إن الدنيا حلوة خضرة‪ ،‬وإن الله مستخلفكم فيها‪ ،‬فينظر‬
‫كيف تعملون‪ ،‬فاتقوا الدنيا واتقوا النساء‪ ،‬فإن أول فتنة بنى‬
‫إسرائيل كانت في النساء( رواه مسلم‪.‬‬
‫‪-3‬ومما يدحض هذه الشبهة وينقضها من أساسها أن أهل مكة‬
‫عرضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المال والملك‬
‫والجاه من أجل أن يتخلى عن دعوته‪ ،‬فرفض ذلك كله‪ ،‬وفضل‬
‫أن يبقى على شظف العيش مع الستمرار في دعوته‪ ،‬ولو كان‬
‫من الراغبين في الدنيا لما رفضها وقد أتته من غير عناء‪.‬‬
‫ن الوصايا التي كان يزود بها قواده تدل على أنه صلى الله‬ ‫‪-4‬أ ّ‬
‫عليه وسلم لم يكن طالب مغنم ول صاحب شهوة‪ ،‬بل كان هدفه‬
‫الوحد والوحيد إبلغ دين الله للناس‪ ،‬وإزالة العوائق المعترضة‬
‫سبيل الدعوة‪ ،‬فها هو يوصي معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما‬
‫أرسله إلى اليمن بقوله‪) :‬إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب‪،‬‬
‫فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى‪ ،‬فإذا عرفوا‬
‫ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم‬
‫وليلتهم‪ ،‬فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في‬
‫أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم‪ ،‬فإذا أقروا بذلك فخذ‬
‫منهم وتوق كرائم أموال الناس ( رواه البخاري‪.‬‬
‫فهو صلى الله عليه وسلم لم يقاتل أحدًا‪ ،‬قبل دعوته إلى‬
‫السلم‪ ،‬الذي تصان به الدماء والحرمات‪.‬‬
‫‪-5‬ومما ُيرد به على هذه الفرية أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قد ارتحل من الدنيا ولم يكن له فيها إل أقل القليل‪ ،‬ففي‬
‫الصحيح عن عمرو بن الحارث قال ‪ ) :‬ما ترك رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم عند موته درهمًا‪ ،‬ول دينارًا‪ ،‬ول عبدًا‪ ،‬ول أمة‪ ،‬ول‬
‫شيئا ً إل بغلته البيضاء‪ ،‬وسلحه وأرضا ً جعلها صدقة ( رواه‬
‫البخاري‪ ،‬وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت‪) :‬توفي‬

‫‪92‬‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من شيء يأكله‬
‫ذو كبد‪ ،‬إل شطر شعير في رف لي( متفق عليه‪.‬‬
‫‪-6‬وكما قيل‪ :‬فإن الحق ما شهدت به العداء‪ ،‬فقد أجرى الله‬
‫على ألسنة بعض عقلء القوم عبارات تكذب هذه الشبهة‪ ،‬من‬
‫ذلك ما قاله "كارليل" ‪" :‬أيزعم الكاذبون أن الطمع وحب الدنيا‬
‫هو الذي أقام محمدا ً وأثاره‪ ،‬حمق وأيـم الله‪ ،‬وسخافة وهوس "‪.‬‬
‫ويقول‪" :‬لقد كان زاهدا ً متقشفا ً في مسكنه‪ ،‬ومأكله‪ ،‬ومشربه‪،‬‬
‫وملبسه‪ ،‬وسائر أموره وأحواله‪ ..‬فحبذا محمد من رجل خشن‬
‫اللباس‪ ،‬خشن الطعام‪ ،‬مجتهد في الله‪ ،‬قائم النهار‪ ،‬ساهر الليل‪،‬‬
‫دائبا ً في نشر دين الله‪ ،‬غير طامع إلى ما يطمع إليه أصاغر‬
‫الرجال‪ ،‬من رتبة‪ ،‬أو دولة‪ ،‬أو سلطان‪ ،‬غير متطلع إلى ذكر أو‬
‫شهوة "‪.‬‬
‫‪-7‬وما زعمه المستشرق اليهودي "مرجليوت" من أن انتقام‬
‫رسول صلى الله عليه وسلم من يهود المدينة كان لسباب‬
‫مصطنعة وغير كافية‪ ،‬فجوابه أن الواقع خلف ذلك‪ ،‬إذ أبرم النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم مع اليهود معاهدة تقرهم على دينهم‪،‬‬
‫وتؤمنهم في أنفسهم وأموالهم‪ ،‬بل تكفل لهم نصرة مظلومهم‪،‬‬
‫وحمايتهم‪ ،‬ورعاية حقوقهم‪ ،‬ولم يكن في سياسته صلى الله عليه‬
‫وسلم إبعادهم‪ ،‬ومصادرة أموالهم إل بعد نقضهم العهود‬
‫والمواثيق‪ ،‬ووقوعهم في الخيانة والمؤامرة‪.‬‬
‫وبعد‪ :‬فل حجة لمن يدعي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان‬
‫صاحب مطامع دنيوية‪ ،‬يحرص عليها‪ ،‬ويسعى في تحصيلها‪ ،‬وإنما‬
‫هي دعوة صالحة نافعة‪ ،‬تعود بالخير على متبعيها في الدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬والحمد لله رب العالمين‬
‫‪--------------------------‬‬
‫سب النبي المين صلى الله عليه وسلم سب لجميع‬
‫المسلمين‬
‫إعداد‪ /‬زكريا حسيني‬
‫دا يوافي نعمه ويكافئ مزيده‪،‬‬ ‫الحمد لله رب العالمين حم ً‬
‫والصلة والسلم التمان الكملن على خير الخلق‪ ،‬سيد ولد آدم‪،‬‬
‫حامل لواء الحمد‪ ،‬نبي الهدى والرحمة‪ ،‬وعلى آله وصحبه‪ ،‬الذين‬
‫جاهدوا معه‪ ،‬وبلغوا رسالة الّله للناس‪ ،‬رضي الّله عنهم أجمعين‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫م وَل ِد ٍ كانت‬ ‫مى كانت له أ ّ‬ ‫ن أع ْ َ‬ ‫»عن ابن عباس رضي الل ّ ُ‬
‫ه عنهما أ ّ‬
‫ها فل ت َن ْت َِهي‪،‬‬ ‫قعُ فيه‪ ،‬فَي َن َْها َ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم وَت َ َ‬ ‫م النب ّ‬ ‫تَ ْ‬
‫شت ِ ُ‬
‫ي‬
‫قعُ في الّنب ّ‬ ‫ت تَ َ‬‫ت ليلةٍ جعل ْ‬ ‫جُر! قال‪ :‬فلما كان ذا َ‬ ‫ها فل ت َن َْز ِ‬
‫جُر َ‬‫وَي َْز ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم وتشتمه‪ ،‬فأخذ المْغول فوضعه في بطنها‬

‫‪93‬‬
‫ت ما هنالك‬ ‫خ ْ‬ ‫ل‪ ،‬فَل َط َ َ‬ ‫طف ٌ‬‫جل َي َْها ِ‬‫واتكأ عليه فقتلها فوقع بين رِ ْ‬
‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم‪،‬‬ ‫ح ذ ُك َِر ذلك لرسو ِ‬ ‫ما أصب َ‬ ‫م! َفل ّ‬ ‫بالد ّ ِ‬
‫َ‬
‫ل‪ ،‬لي عليه حقّ‬ ‫ل ما فَعَ َ‬ ‫ه رجل ً فَعَ َ‬ ‫شد ُ الل ّ َ‬ ‫فجمع الناس فقال‪» :‬أن ْ ُ‬
‫ل حتى قعد بين‬ ‫م«‪ .‬فقام العمى يتخطى الناس وهو ي َت ََزل َْز ُ‬ ‫إل ّ قا َ‬
‫ل الّله‪ ،‬أنا‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسو َ‬ ‫ي النب ّ‬ ‫ي َد َ ِ‬
‫جُرها فل‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫حب ُُها‪ ،‬كانت ت َ ْ‬
‫ك وتقعُ فيك فأن َْهاها فل ت َن َْتهي‪ ،‬وأْز ُ‬ ‫شت ِ ُ‬ ‫صا ِ‬
‫ة‪ ،‬فلما كان‬ ‫جُر‪ ،‬ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين‪ ،‬وكانت بي رفيق ً‬ ‫ت َن َْز ِ‬
‫ل فوضعته في‬ ‫ت المْغو َ‬ ‫ك وتقعُ فيك‪ ،‬فأخذ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ة جعلت تشت ُ ِ‬ ‫البارح َ‬
‫ت عليها حتى قتلتها ! فقال النبي صلى الله عليه‬ ‫ْ‬
‫بطنها‪ ،‬واتكأ ُ‬
‫هدٌر«‪.‬‬ ‫مها َ‬ ‫ن دَ َ‬ ‫دوا أ ّ‬ ‫شه َ ُ‬‫وسلم‪» :‬أل ا ْ‬
‫هذا الحديث أخرجه المام أبو داود في سننه في كتاب الحدود‪،‬‬
‫باب الحكم فيمن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم )‬
‫‪ ،(4361‬وأخرجه المام النسائي في سننه في كتاب المحاربة‬
‫باب الحكم فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم برقم )‬
‫‪ ،(4075‬وأخرجه الحاكم في المستدرك برقم )‪،(8044‬‬
‫والدارقطني والطبراني في الكبير‪ ،‬وصححه الشيخ اللباني في‬
‫إرواء الغليل )‪ (5/92‬برقم )‪ (1251‬وقال‪ :‬إسناده صحيح على‬
‫شرط مسلم‪.‬‬
‫شرح ألفاظ الحديث‪/‬‬
‫ُ‬
‫د«‪ :‬أي غير مسلمة ولذلك كانت تجترئ على ذلك المر‬ ‫م وَل َ ٍ‬ ‫»أ ّ‬
‫الشنيع‪.‬‬
‫مه‪.‬‬ ‫»تقع فيه«‪ :‬أي ت َِعيبه وتذمه؛ يقال‪ :‬وقع فيه أي عاَبه وذ ّ‬
‫»فل تنزجر«‪ :‬أي‪ :‬فل تمتنع‪.‬‬
‫ف‬‫ه سي ٍ‬ ‫شب ْ ُ‬
‫ل« بكسر الميم وسكون الغين المعجمة؛ ِ‬ ‫مغْوَ َ‬ ‫»فأخذ ال ِ‬
‫ة‬
‫طيه‪ ،‬وقيل حديدة ٌ دقيق ٌ‬ ‫ت ِثياِبه فَي ُغَ ّ‬ ‫ل تح َ‬ ‫قصير يشتمل به الرج ُ‬
‫ط في جوفه سيف دقيق يشده الفات ِ ُ‬
‫ك‬ ‫سو ْ ٌ‬ ‫ض‪ ،‬وقيل هو َ‬ ‫لها حد ّ ما ٍ‬
‫خ أبي داود‬ ‫س‪ ،‬وقد جاء في بعض نس ِ‬ ‫ل به النا َ‬ ‫طه ليغتا َ‬ ‫س ِ‬ ‫على وَ َ‬
‫»المعول« بالعين المهملة‪ ،‬وهو آلة حديدية تستعمل في الخطر‪.‬‬
‫»واتكأ عليها«‪ :‬أي تحامل عليها‪.‬‬
‫دا لها‪ ،‬والظاهر أنه لم‬ ‫»فوقع بين رجليها طفل« لعله كان ول ً‬
‫يمت‪.‬‬
‫ت‪.‬‬‫ت« أي لوّث َ ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫»فَل َط َ َ‬
‫»ما هناك« أي من الفراش‪.‬‬
‫»ذ ُك َِر ذلك لرسول الّله صلى الله عليه وسلم « أي ذ ُك َِر ذلك‬
‫ل‪.‬‬‫قت ْ ُ‬ ‫ال َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫م عليه‪.‬‬ ‫س ُ‬‫ل« أي أسأله بالله وأقْ ِ‬ ‫ه رج ً‬ ‫شد ُ الل ّ َ‬ ‫»فقال‪ :‬أن ْ ُ‬
‫»لي عليه حق«‪ :‬أي يجب عليه طاعتي وإجابة دعوتي‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫ل«‪ :‬وفي النسائي »يدلدل«‪ .‬وكلهما بمعنى يتحرك‬ ‫»ي َت ََزل َْز ُ‬
‫شيته‪.‬‬ ‫م ْ‬‫ويضطرب في ِ‬
‫»قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم « أي قعد أمام النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫»مثل اللؤلؤتين« في الحسن والبهاِء وصفاء اللون‪.‬‬
‫مَها هَد ٌَر«‪ :‬أ َل َ بالتخفيف أداة تنبيه‪ ،‬وإهدار دمها‪،‬‬‫ن دَ َ‬ ‫دوا أ ّ‬‫شه َ ُ‬‫»أ َل َ ا ْ‬
‫أي إبطاله‪ ،‬وأنه ل قصاص عليه في قتلها‪ .‬قال السندي في‬
‫شرحه على سنن النسائي‪ :‬لعل النبي صلى الله عليه وسلم علم‬
‫بالوحي صدق قوله‪ .‬واعتذار السندي هنا بقوله )لعل النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم علم بالوحي صدق قوله لبيان أن ل يجوز لحاد‬
‫الناس فعل هذا الرجل العمى لن هذا من وظائف إمام‬
‫المسلمين(‪.‬‬
‫ب رسول الله صلى الله عليه‬ ‫س ّ‬
‫أقوال العلماء في قتل من َ‬
‫وسلم‪:‬‬
‫قال السندي رحمه الّله‪ :‬في الحديث دليل على أن الذمي إذا لم‬
‫يكف لسانه عن الّله ورسوله فل ذمة له‪ ،‬فيحل قتله‪.‬‬
‫ب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫سا ّ‬
‫قال المنذري‪ :‬فيه أن َ‬
‫ُيقتل‪ ،‬وقد قيل‪ :‬إنه ل خلف في أن سابه من المسلمين يجب‬
‫قتله‪ ،‬وإنما الخلف إذا كان ذمًيا‪ ،‬فقال الشافعي‪ :‬يقتل وتبرأ منه‬
‫م‬
‫الذمة‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ل يقتل؛ ما هم عليه من الشرك أعظ ُ‬
‫ن الشرك أعظم من سب النبي صلى الله عليه وسلم(‬ ‫)أي أ ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم من اليهود‬ ‫م النب ّ‬ ‫شت َ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫وقال مالك‪َ :‬‬
‫والنصارى ُقتل‪ ،‬إل ّ أن يسلم‪ .‬انتهى كلم المنذري‪ .‬نقل ً عن عون‬
‫المعبود‪.‬‬
‫ي رضي الله عنه‪» :‬أن‬ ‫ضا من حديث عل ّ‬ ‫ولقد روى أبو داود أي ً‬
‫ي َُهودّية كانت تشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقع فيها‬
‫ت فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫ل حتى مات ْ‬ ‫فخنقها رج ٌ‬
‫دمها«‪ ،‬وصححه الشيخ اللباني في الرواء تحت رقم )‪(1251‬‬
‫‪ ،5/91‬وقال‪ :‬إسناده صحيح على شرط الشيخين‪ ،‬ويشهد له‬
‫حديث ابن عباس رضي الله عنهما ‪ -‬الذي معنا‪.‬‬
‫قال صاحب عون المعبود‪ :‬فيه دليل على أنه يقتل من يشتم‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬ثم قال‪ :‬وقد نقل ابن المنذر التفاق‬
‫ب النبي صلى الله عليه وسلم وجب قتله‪ .‬وقال‬ ‫على أن من س ّ‬
‫ما‪ .‬وقال‬‫الخطابي‪ :‬ل أعلم خلًفا في وجوب قتله إذا كان مسل ً‬
‫ب النبي صلى الله عليه‬ ‫ابن بطال‪ :‬اختلف العلماء في من س ّ‬
‫وسلم‪ ،‬فأما أهل العهد والذمة كاليهود فقال ابن القاسم عن‬
‫مالك‪ :‬يقتل من سبه صلى الله عليه وسلم منهم إل أن يسلم‪،‬‬

‫‪95‬‬
‫وأما المسلم فُيقتل من غير استتابة‪ .‬ونقل ابن المنذر عن الليث‬
‫والشافعي وأحمد وإسحاق مثله في حق اليهودي ونحوه‪ .‬وروى‬
‫عن الوزاعي ومالك في المسلم أنها ردة يستتاب منها‪ ،‬وعن‬
‫ما فهي ردة‪.‬‬‫الكوفيين إن كان ذمًيا ع ُّزَر وإن كان مسل ً‬
‫موقف اليهود من النبي محمد صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان اليهود أول‬
‫من أظهروا الحقد والحسد لرسول الّله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ومع أن النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬عاهدهم ووادعهم‪ ،‬وكان‬
‫المنتظر من أمثالهم أن يكونوا أول من يصدقه ويتبعه‪ ،‬وقد كانوا‬
‫يستفتحون به على المشركين‪ ،‬ويخبرونهم أنه أظلهم زمان آخر‬
‫النبياء‪ ،‬وأنهم إن ظهر فسوف يتبعونه ويقاتلونهم معه‪ ،‬وهم‬
‫دا حق وأن السلم حق كما‬ ‫يعرفون ذلك؛ يعرفون أن محم ً‬
‫يعرفون أبناءهم‪ ،‬فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به‪ ،‬ولقد جاءهم‬
‫المر من الّله عز وجل أن يؤمنوا به‪ ،‬وأن يفوا بعهده ليوفي‬
‫بعهدهم‪ ،‬ونهاهم أن يكونوا أول كافر به‪ ،‬لكن هيهات‪ ،‬فإن قلوبهم‬
‫قا أول‬‫قد امتلت بالحسد عليه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وكانوا ح ً‬
‫من كفر بمحمد ٍ ودين محمد ٍ صلوات الّله وسلمه عليه‪ ،‬ولم‬
‫يكتفوا بالكفر به‪ ،‬بل حاولوا قتله بكل ما يستطيعون‪ ،‬وبكل ما‬
‫أوتوا من قوة ومن مكر ودهاء وكيد للسلم ولنبي السلم‪.‬‬
‫موقف بني قينقاع من الرسول صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ضا للعهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى‬ ‫فأول قبائل اليهود نق ً‬
‫الله عليه وسلم هم بنو قينقاع وذلك في شوال من السنة الثانية‬
‫من الهجرة بعد غزوة بدر مباشرة‪ ،‬فحاربهم الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فنزلوا على حكمه‪ ،‬وأراد قتلهم فاستوهبهم منه عبد‬
‫ي ‪ -‬وكانوا حلفاءه ‪ -‬فوهبهم له‪ ،‬وأخرجهم من المدينة‬ ‫الّله بن أب ّ‬
‫إلى أذرعات‪.‬‬
‫موقف بني النضير مع النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ثم نقض بنو النضير العهد‪ ،‬وقد أرادوا الغدر برسول صلى الله‬
‫عليه وسلم عندما خرج إليهم يستعين بهم في دية رجلين من بني‬
‫عامر قتلهما عمرو بن أمية على سبيل الخطأ‪ ،‬وكان بين بني‬
‫عامر وبني النضير عقد وحلف‪ ،‬فلما أتاهم يستعينهم قالوا‪ :‬نعم‪،‬‬
‫ثم خل بعضهم ببعض وعزموا على قتله صلى الله عليه وسلم‬
‫بإلقاء صخرة على رأسه وهو جالس بجوار جدار من جدرهم‪،‬‬
‫فأوحي الّله تعالى إليه بذلك‪ ،‬فقام منصرًفا‪ ،‬ثم حاصرهم وأجلهم‬
‫إلى خيبر والشام‪ .‬وفي رواية لبن مردويه‪ :‬أن اليهود بعد غزوة‬
‫بدر كاتبتهم قريش‪ ،‬فأجمعوا على الغدر برسول الّله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬اخرج إلينا‬

‫‪96‬‬
‫في ثلثة من أصحابك‪ ،‬ويلقاك ثلثة من علمائنا‪ ،‬فإن آمنوا بك‬
‫اتبعناك‪ ،‬ففعل صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فاشتمل اليهود الثلثة على‬
‫الخناجر‪ ،‬فأرسلت امرأة من بني النضير إلى أخ لها من النصار‬
‫مسلم تخبره بأمر بني النضير‪ ،‬فأخبر أخوها النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قبل أن يصل إليهم‪ ،‬فرجع وصبحهم بالكتائب فحصرهم ثم‬
‫أجلهم‪.‬‬
‫موقف بني قريظة من الرسول صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫تمالت قريظة مع قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ة على قتاله وقتال من معه من‬ ‫مع ً‬
‫ج ِ‬
‫م ْ‬
‫وتحزبت مع الحزاب‪ُ ،‬‬
‫المسلمين‪ ،‬ناقضة عهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وذلك في غزوة الحزاب‪ ،‬فما كان من النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم إل أن توجه إليهم بأمر من الّله تعالى‪ ،‬حين نزل جبريل‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم مخبًرا إياه أن الملئكة لم تضع‬
‫أسلحتها‪ ،‬فانهض بمن معك إلى بني قريظة‪ ،‬فأمر رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم مؤذًنا يؤذن في الناس‪ :‬من كان سامًعا‬
‫مطيًعا فل يصلين العصر إل ّ في بني قريظة‪.‬‬
‫موقف يهود خيبر معه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫كان يهود خيبر من أكبر المحرضين للمشركين الوثنيين على قتال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬بل كانوا من أهم السباب في‬
‫تجميع الحزاب للقضاء على السلم ونبي السلم‪ ،‬فلذلك بعدما‬
‫استقر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهدأت‬
‫أحوال المسلمين بها تهيأ النبي صلى الله عليه وسلم وتوجه إلى‬
‫خيبر‪ ،‬لتأديبهم بسبب نقضهم العهد الذي بينهم وبين رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ولقد بّين القرآن الكريم موقف اليهود من السلم والمسلمين‬
‫في أكثر من آية منه‪ ،‬ومن أجمعها قوله تعالى‪) :‬لتجدن أشد‬
‫الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم‬
‫مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين‬
‫ورهبانا وأنهم ل يستكبرون )‪ (82‬وإذا سمعوا ما أنزل إلى‬
‫الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق‬
‫يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين( ]المائدة‪ ،[83 ،82 :‬هذا‬
‫موقف اليهود من السلم ونبي السلم عند ظهوره‪ ،‬وبداية‬
‫انتشار دينه‪.‬‬
‫فما موقف أعداء السلم اليوم؟‬
‫لقد تفنن أعداء السلم في كل مكان باتهام السلم بأنه دين‬
‫الرهاب‪ ،‬وذلك يرجع إلى إساءة ربما صدرت من بعض المنتمين‬
‫إلى هذا الدين! وهؤلء العداء؛ أل يعرفون عن السلم إل ّ هذه‬

‫‪97‬‬
‫التصرفات التي يتبرأ منها السلم وأهله؟ إنهم صموا آذانهم‬
‫وا ‪ -‬وهم يظهرون للناس أنهم أهل العقل‬ ‫وأغلقوا عقولهم وتغاب َ ْ‬
‫والذكاء والفهم ‪ -‬عن أن يتعرفوا على السلم وسماحته‪ ،‬وأنه‬
‫الدين الحق الذي ارتضاه الّله تبارك وتعالى لعباده‪ ،‬وأنهم ‪ -‬أعداء‬
‫هذا الدين ‪ -‬ما نهضوا ول عرفوا تطوًرا ول رقًيا إل باقتباسهم من‬
‫هذا الدين ما جعلهم يصلون إلى ما وصلوا إليه من رقي ورفعة‪.‬‬
‫ثم تجرأ أعداء السلم على نبي السلم عليه الصلة والسلم‪،‬‬
‫فصوروه بصور ل تليق بأراذل الناس وسفهائهم فضل ً عن‬
‫المؤمنين الصالحين‪ ،‬وفضل ً عن رسل الّله وأنبيائه الذين هم خير‬
‫البشر‪ ،‬بل خير الخلق‪.‬‬
‫سبب جرأة أعداء السلم على نبي السلم‪:‬‬
‫إن هذه الجرأة إنما نشأت وظهرت بسبب ضعف المسلمين‬
‫وجهل الكثير منهم بهذا الدين الحق‪ ،‬الذي قال الّله جل جلله‬
‫فيه‪) :‬إن الدين عند الله السلم(‪ ،‬وقال سبحانه‪) :‬ومن يبتغ غير‬
‫السلم دينا فلن يقبل منه وهو في الخرة من الخاسرين(‪ .‬بل إن‬
‫كثيًرا من المسلمين انبهروا بما عليه أعداء السلم من زخرف‬
‫الحياة الدنيا‪ ،‬فنظروا إلى الدين على أنه أمٌر هامشي‪ ،‬ل يهتمون‬
‫به إل بعد أن يفرغوا من أمور الدنيا‪ ،‬ولو علموا أن سعادتهم في‬
‫الدنيا والخرة إنما هي في نسبتهم إلى هذا الدين وتمسكهم به‪،‬‬
‫ضوا عليه بالنواجذ‪ ،‬ولم يفرطوا في شيء منه‬ ‫لتمسكوا به وع َ ّ‬
‫دا‪.‬‬
‫أب ً‬
‫ب لجميع المسلمين وطعن‬ ‫ب النبي صلى الله عليه وسلم س ّ‬ ‫س ّ‬
‫في دينهم‪:‬‬
‫معلوم أن رسل الّله عليهم صلوات الّله وتسليماته يأتون‬
‫برسالت الّله ليبلغوها إلى أقوامهم‪ ،‬فهم واسطة بين الّله وبين‬
‫ب نبًيا من النبياء فقد طعن في رسالته‪ ،‬ول شك‬ ‫عبادة‪ ،‬فمن س ّ‬
‫أن الطعن في الرسول والرسالة طعن في المرسل ‪ -‬سبحانه ‪-‬‬
‫وبذلك نستطيع أن نعرف لماذا أهدر النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫دم اليهودية التي آذته وسبته‪ ،‬وإذا كان المشرك ل يعرف لله عز‬
‫ي من‬ ‫ب لنب ّ‬
‫قا ول يرجو له وقاًرا فل يستغرب منه س ّ‬ ‫وجل ح ً‬
‫النبياء‪ ،‬أما اليهود فإنهم أهل كتاب‪ ،‬أرسل الّله تعالى إليهم رسول ً‬
‫وأنزل عليهم كتاًبا‪ ،‬وفي كتابهم تعظيم شأن هذا النبي‪ ،‬فمن آذاه‬
‫أو سبه فإنما يكفر بما عنده من العلم‪ ،‬ويكتم الحق وهو يعلم‪.‬‬
‫وحينما يسب الكفار المعاصرون نبي السلم فإن هذا السب‬
‫ب‬
‫والستهزاء والسخرية إنما هو طعن في دين السلم وس ّ‬
‫للمسلمين جميًعا الذين يدينون بدين السلم‪ ،‬لذلك وجب على‬
‫عا عن أنفسهم وعن دينهم وعن نبيهم‪.‬‬ ‫المسلمين أن يهبوا دفا ً‬

‫‪98‬‬
‫ب في‬ ‫قال شيخ السلم في »الصارم المسلول«‪ :‬وضرر الس ّ‬
‫الحقيقة إنما يعود إلى المة بفساد دينها وذل عصمتها وإهانة‬
‫مستمسكها‪ ،‬وإل ّ فالرسول صلوات الّله وسلمه عليه في نفسه‬
‫ل يتضرر بذلك‪ .‬ا هـ‪) .‬ص ‪.(443‬‬
‫واجب المة تجاه نبيها صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫يجب على كل مسلم من المسلمين تجاه نبّيه صلى الله عليه‬
‫وسلم ما يأتي‪:‬‬
‫‪ -1‬التعزير والتوقير‪ ،‬والذب عن سنته صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫والتعزير كما في التفسير تأييده بالمعونة والنصرة ول يكون ذلك‬
‫إل باتباع سنته‪.‬‬
‫‪ -2‬تصديقه فيما أخبر‪ ،‬وطاعته فيما أمر‪ ،‬والنتهاء عما نهى عنه‪.‬‬
‫‪ -3‬حبه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وتقديم محبته على النفس والوالد‬
‫والولد والناس أجمعين‪ ،‬ويظهر ذلك في اتباعه والقتداء به‬
‫وحده‪.‬‬
‫‪ -4‬الحذر من الستهزاء بشيء من سنته‪ ،‬أو َرد ّ شيء منها‬
‫بالعقل‪.‬‬
‫‪ -5‬محبة آل بيته وأزواجه وأصحابه‪ ،‬والتقرب إلى الّله تعالى‬
‫بحبهم‪.‬‬
‫‪ -6‬بيان حال من يطعن في صحابته أو أهل بيته‪.‬‬
‫‪ -7‬تربية أبناء المسلمين على محبة رسول الّله صلى الله عليه‬
‫وسلم والقتداء به‪ ،‬وتعريفهم حقوقه صلى الله عليه وسلم على‬
‫المة‪.‬‬
‫‪ -8‬التخلق بأخلقه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والقتداء به في‬
‫سلوكه‪.‬‬
‫‪ -9‬التعرف على سيرته صلى الله عليه وسلم وجهاده من أجل‬
‫تبليغ رسالة ربه‪.‬‬
‫‪ -10‬وعلى العلماء أن يعملوا على‪:‬‬
‫أ‪ -‬إحياء سنته صلى الله عليه وسلم في نفوس الناس‪.‬‬
‫ب‪ -‬التمييز بين الصحيح والضعيف مما ُينقل عنه من سنته‪.‬‬
‫جـ‪ -‬التحذير من البدع في الدين التي أساءت إلى السلم‪.‬‬
‫د‪ -‬التحذير من الغلو فيه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬بل ينزل منزلته‬
‫التي أنزله الّله تعالى إياها‪.‬‬
‫هـ‪ -‬الرد على الشبهات والباطيل التي يثيرها أعداء السلم‬
‫وتفنيدها‪.‬‬
‫‪ -11‬على المة السلمية أن تتصدى للعلم الغربي واليهودي‪،‬‬
‫والرد على ما يثيرونه من شبهات حول السلم ونبي السلم‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫ضا أن ُتعنى عناية فائقة بالدعوة إلى السلم‪،‬‬ ‫‪ -12‬وعلى المة أي ً‬
‫ودعم الدعاة ليقوموا بواجبهم تجاه الدين‪.‬‬
‫نسأل الّله تعالى أن يرد كيد العداء وأن يبطل مكرهم‪ ،‬وأن يعز‬
‫دينه ويعلي كلمته‪ ،‬وأن يوفق المسلمين للدفاع عن دينهم‪ ،‬والذود‬
‫عن نبيهم‪ ،‬والذب عن سنته صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأن يجمع‬
‫كلمتهم على الحق‪ ،‬إنه ولي ذلك والقادر عليه‪.‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫====================‬
‫إيماض البرق في خلق سيد الخلق صلى وسلم عليه‬
‫الحق‬
‫فضيلة الشيخ علي بن عبد الخالق القرني‬
‫الحمد لله الذي قد أنزل كتابه وللرسول أرسل‪..‬‬
‫اللهم لك الحمد حمدا ً يليق بجلل وجهك وعظيم سلطانك‪..‬‬
‫ولك الحمد زنة عرشك وعدد خلقك ورضا نفسك ومداد كلماتك‪..‬‬
‫ل تشكر نعمتك إل بنعمتك‪ ..‬ول تنال كرامتك إل برحمتك‪..‬‬
‫أنت أهل الثناء والمجد ** فامنن بجميل من الثناء المواتي‬
‫يا محب الثناء والمدح إني ** من حيائي خواطري في شتاتي‬
‫حمدنا وثنائنا ليس إل **هبة منك يا عظيم الهبات‬
‫لو نظمنا قلئد من جمان ** ومعان خلبة بالمئات‬
‫لو برينا الشجار أقلم شكر ** بمداد من دجلة والفرات‬
‫لو نقشنا ثنائنا من دمانا ** أو بذلنا أرواحنا الغاليات‬
‫أو وصلنا نهارنا بدجانا ** في صلة وألسن ذاكرات‬
‫أو قطعنا مفاوز من لهيب ** ومشينا بأرجل حافيات‬
‫أو بكينا دما وفاضت عيون ** بلهيب المدامع الحارقات‬
‫ما أبنا عن همسة من معاني ** في حنايا نفوسنا ماكينات‬
‫أي شيء أبقى وأنقى وأرقى ** من حروف بمدحكم مترعات‬
‫فالق الحب والنوى جل شائنا‪ ..‬لم يزل مرغما أنوف الطغاة‪..‬‬
‫الولي المتين ما خاب ظن لنفوس في فضله طامعات‪ ..‬الحمد‬
‫لك ل ند لك‪ ..‬والملك لك من عالم الذر الخفي إلى الفلك‪ ..‬ما‬
‫عام أو ما طار فيه أو سلك‪ ..‬ما كان من إنس وجن أو ملك‪ ..‬إل‬
‫وقد شهدوا بأن الملك لك‪ ..‬الحمد لله على توفيقه ومنه وفضله‬
‫وجوده‪ ..‬وصلوات الله والسلم ما ناح طير اليك والحمام‪ ..‬على‬
‫النبي المصطفى البشير الهاشمي المجتبى النذير وآله‪ ..‬ما انبلج‬
‫الصباح وصحبه ما هبت الرياح‪ ..‬بذكر الله ترتاح القلوب‪ ..‬ودنيانا‬
‫بذكراه تطيب‪ ..‬من شاء في ظل السعادة هجعته‪ ..‬فهنا تشاد‬
‫صروحها وتقام‪ ..‬أورام نسيان الهموم فهاهنا‪ ..‬تنسى الهموم‬

‫‪100‬‬
‫وتنسخ اللم‪ ..‬سبحان من ل هدي إل هديه‪ ..‬نفنى ويبقى الواحد‬
‫العلم‪..‬‬
‫أي فلذات الكباد وثمرات الفؤاد‪ ..‬فتيان الحمى وجنود الهدى‪..‬‬
‫معاقد المل ورجال العمل‪ ..‬قادة السفينة في موج كالجبال‪..‬‬
‫وليل خافت الذبال‪ ..‬حداة القافلة في خضم العواصف الهوج‬
‫والملتويات العوج‪..‬‬
‫نظر الله هذه الوجوه التي أحسبها في الخير قد رقت أندائها‪..‬‬
‫وتجاوبت أصدائها‪ ..‬وغردت أطيارها‪ ..‬وتنفست أزهارها‪ ..‬وفاح‬
‫أريج أصائلها وأسحارها‪ ..‬فالسعد واليمان في بسماتها‪ ..‬والورد‬
‫والريحان من نسماتها‪ ..‬في هذه الليلة الغراء‪ ..‬التي ل أرى فيها‬
‫إل المغوار وأب المغوار‪ ..‬والرجال وأبناء الرجال وأحفاد الرجال‪..‬‬
‫أحييكم بتحية السلم تحية ظامئ لريكم ورياكم‪ ..‬ومتطلع‬
‫لسهيلكم وثرياكم‪ ..‬تحية البوة للبنوة‪ ..‬والشيخوخة للفتوة‪..‬‬
‫والقرابة للخوة‪ ..‬فالسلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪ ..‬تصافح‬
‫مواطن الحساس من نفوسكم‪ ..‬وتخالط معاقد اليمان من‬
‫قلوبكم‪ ..‬وتحرك أوتار الحمية في صدوركم‪ ..‬سائلين لكم التأييد‬
‫من ذي العرش المجيد‪ ..‬وزيادة في النعيم‪ ..‬وسيادة تدفع إلى‬
‫حرم العز من ثنية التنعيم‪..‬‬
‫أهل بني طه ونون والضحى‪ ..‬وبني تبارك والكتاب المحكم‪ ..‬وبني‬
‫الباطح والمشاعر والصفا‪ ..‬والركن والبيت العتيق وزمزم‪..‬‬
‫حياكم الله وأحياكم للمة‪ ..‬ترفعون منارها‪ ..‬وتورون نارها‪..‬‬
‫وتقومون منئآدها‪ ..‬وتصلحون فسادها‪ ..‬وتنفقون كسادها‪..‬‬
‫وتحسنون تهيئتها وإعدادها‪ ..‬فتملكون قيادها‪ ..‬وتستنشقون رندها‬
‫وعرارها وشيحها وقيصومها وريحانها‪..‬‬
‫جمع الهداية قد شرفت منزل ** قدر المنازل عن سناها نازل‬
‫كم سرت فيها نحو ربعك منشدا ** لك يا منازل في القلوب‬
‫منازل‬
‫معشر الخوة‪ ......‬غير خاف على الغبي والنبيه‪ ..‬والحليم‬
‫والسفيه‪ ..‬أننا نعيش مرحلة حرجة لم يسبق لها مثال‪ ..‬المة كثير‬
‫فيما يعد العادون لكنهم مع هذا العدد مبددون‪..‬‬
‫مدوا يدا لغريب بات يقطعها ** وكان يلثمها لو أنه لطما‬
‫أسراهم في سجون البغي ما عرفوا ** لون الحياة وقتلهم بل‬
‫قودي‬
‫بنوا اللقيطة داسوا حرمة الصحف ** واستأسد الغي حين‬
‫استنوق الرشدوا‬
‫يهان كتاب الله في حملة إذلل منظمة‪ ..‬فل تنشق مرارة ول تثور‬
‫حرارة‪ ..‬فتتخذ مواقف تدل على الثأر للكرامة‪..‬‬

‫‪101‬‬
‫ماذا سيبقى من كرامة ديننا ** لما تداس وتستباح مصاحف‬
‫ردود أفعال هلهيل‪ !!..‬ل تتناسب مع فداحة المصيبة ومقدار‬
‫الهانة‪ !!..‬فلم يجد أبرهة حتى من يقول‪ :‬أنا رب السرى‬
‫وللمصحف رب يحميه‪ ..‬فوا ذله‪!!!..‬‬
‫في زمان الصقور صرنا حماما ** كيف يحيا مع الصقور الحماما؟‬
‫وقع السقف يا صناديد قومي ** أوى صاحون أنتم أم نياما‬
‫ل يهين الجموع إل رضاها ** رضي الناس بالهوان فهانوا‬
‫ول عجب إذا أرخصت نفسك عند ** قوم فل تغضب عليهم إن‬
‫أساءوا‬
‫لو كنت من هاشم لم تستبح صحفي ** بنوا اللقيطة من قرد ابن‬
‫نصرانيا‬
‫أمة تداعى عليها العداء‪ ..‬فإذا هي في عمومها غثاء ل منفعة ول‬
‫غناء‪ ..‬في اضطراب واحتراب‪ ..‬السرائر منها بليت‪ ..‬والصحائف‬
‫نشرت‪ ..‬والدفائن نبشت‪..‬‬
‫ب‬‫فهي والحداث تستهدفها ** تعشق اللهو وتعشق الطر َ‬
‫ب‬
‫تساق إلى الذبح خاضعة ** وترفع للذابحين الذن َ‬
‫تتلمس الهداية من مطالع الظلل‪ ..‬وتطلب الشفاء بأسباب‬
‫المرض العضال‪ ..‬تبحث عن الدليل وهو معها وحي من ربها‪..‬‬
‫يراد لها ومنها أن تفزع إلى عدوها‪ ..‬تتعادى لرضائه‪ !! ..‬وتتمادى‬
‫بإغوائه‪ !!..‬تتنازل عن عقلها لعقله وإن كان مأفونا‪ !!..‬وعن‬
‫فكرها لفكره وإن كان مجنونا‪ !!..‬يراد لها أن تلقح فضائلها‬
‫برذائله‪ !!..‬وتهزأ بماضيها افتتانا بحاضره‪ !!..‬وتسخر من رجالها‬
‫إعجابا برجاله‪ !!..‬وتنسى تاريخها لتحفظ تاريخه‪ !!..‬وتحتقر‬
‫لسانها احتراما للسانه‪ !!..‬وتحت ضغط ما يراد لها تضاءلت فيها‬
‫السوابق‪ ..‬وتصاهلت عرج الحمير‪ ..‬وترجل الجنس اللطيف‪..‬‬
‫مخلفا فينا شبابا للنوثة ينتمي‪ ..‬ونطق الرويبضة والتافه‪ ..‬وأشار‬
‫بالرأي البليد للذكا‪ ..‬وتؤم أشباه الرجال نسائها‪ ..‬خابت ذكور إذ‬
‫تأمهم نساء‪ ..‬ووئدت الخلق بأيدي نساء بلحى‪ ..‬من كل ذي وجه‬
‫لو الناصفاته تندى لكان من الفضيحة يقطر‪..‬‬
‫بئس المناخ لقد حسبت هوائه ** دنسا وأن بحاره ل تطهر‬
‫كل ذلك عبر شبكات وقنوات وصحف ومجلت‪ ..‬نظ َّر لها‬
‫المفسدون‪ ..‬واستحوذ عليها المستهترون‪ ..‬لو اطلعت عليها‬
‫لوليت منها فرارا ولمئت منها رعًبا‪ ..‬ولزالوا يخصفون عليها‬
‫زخرف القول غرورا‪ ..‬واتخذوا معها القرآن مهجورا‪ ..‬تنفث‬
‫السموم وتحمل النفاق والتدجيل‪ ..‬فإذا الحق باطل والباطيل‬
‫حقوق والفك أثوم قيل‪ ..‬شعاراها من ذا يعيب هز البطون‪ ..‬وذاك‬

‫‪102‬‬
‫من روائع الفنون‪ ..‬الدين أن تبدوا ظريفا مرنا‪ ..‬وإن عبدت نعجة‬
‫أو وثنا‪..‬‬
‫ما الدين بالعفاف والصلة ** الدين خذ فيه خفة وهات‬
‫فيها أعذب مطرب هو الحمار‪ ..‬وشر مزعج هو الهزار‪ ..‬وأشجع‬
‫الشجعان ذاك الرنب‪ ..‬والليث رمز الجبن ل تعجب‪ ..‬دنيا العلم‬
‫تقليب الحقائق‪ ..‬وتظهر العلقم حلو الرائق‪ ..‬فأفرزت لنا جيل‬
‫غالبه مظلم الروح‪ ..‬بليد الذهن‪ ..‬ضعيف الرادة‪ ..‬يترنح كالذي‬
‫يتخبطه الشيطان من المس‪ ..‬سقط متاع ل يباع ول يبتاع‪ ..‬دٍو‬
‫كحال الطبل‪ ..‬ما في جوفه شيء‪ ..‬ولكن للمسامع يشغل‪ ..‬هبل‬
‫إذا اجتمعوا صاحوا‪ ..‬كأنهم ثعالب ظبحت بين النواويس‪ ..‬رؤاهم‬
‫أهدافهم ما عرضت إل رأيت عجبا‪ ..‬ترى ناسا يتمنون العمى‪..‬‬
‫وآخرين يحمدون الصمم‪!!..‬‬
‫معشر الخوة‪ .....‬إن بلئنا ليس في هجمة عدونا فحسب‪ ..‬بل إن‬
‫من بلئنا فئة من بني جلدتنا‪ ..‬هي بمثابة بوق عدونا‪ !!..‬ل دور لها‬
‫سوى ترديد كلمه لكن بصوت أعلى‪ !!..‬آله صماء يديروها على‬
‫ما شاء‪ !!..‬ويريدها على ما شاء‪ !!..‬يحركها للفتنة فتتحرك‪..‬‬
‫لتغطي الشمس بغربال‪ ..‬وتطاول العماليق بالتنبال‪ !!..‬يدعوها‬
‫لتفريق الصفوف فتستجيب وتجيد التخريب‪ !!..‬يريدها حمى تنهك‬
‫فتكون طاعون ُيهلك‪ !!..‬يريدها لسانا فتكون لسانا ً وعينا ً وأذنا ً‬
‫ويدا ً ورجل ً ومقراضا ً للقطع وفأسا ً للقلع ومعول ً للصدع‪ !!..‬ما‬
‫يشاء العدو إخماد حركة إل كانت على يديها الهلكة‪ !!..‬قد تهيأت‬
‫فيها أدوات الفتنة‪ ..‬فجنسها وفردها غبي العين عن طلب‬
‫المعالي‪ ..‬وفي السوءات شيطان مريد‪ !!..‬بينه وبين أمته إدغام‬
‫بغير غنة‪ !!..‬كما تدغم اللم في اللم فل يظهر إل المتحرك‪!!..‬‬
‫طويل اليد اليسرى وأما يمينه فليس لها في المكرمات بنان‪!!..‬‬
‫يهدم المة ويدعي إنهاضها‪!!..‬‬
‫يا من حملت الفأس تهدمها على أنقاضها ** أقعد فما أنت الذي‬
‫يسعى إلى إنهاضها‬
‫كـم قلت أمراض البــلد ** وأنــت مــن أمراضــها‬
‫وتحت وطأة تداعي العداء‪ ..‬خرج مدافعون عن السلم بمنطق‬
‫الضعفاء العجزة‪ ..‬يتمسكون بالقشة لينفوا عنهم التهمة‪ ..‬فل‬
‫السلم نصروا‪ !!..‬ول لعدائه كسروا‪ !!..‬فضروا وما نفعوا‪ !!..‬بل‬
‫سوغوا وميعوا وخلطوا البعر بالدر الثمين‪ !!..‬فلم يميز بين غث‬
‫وسمين‪ !!..‬فجاءوا بالكفن في ثياب العرس‪ !!..‬وعرضوا النوائح‬
‫في مواكب الفرح‪ !!..‬فصارت المة في عمومها تمثال‪ ..‬ل يؤوي‬
‫ه وََلـك ِ ْ‬
‫ن‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ما ظ َل َ َ‬
‫مه ُ ُ‬ ‫بل يغري‪ ..‬وسراب يخدعوا ول يروي‪)..‬وَ َ‬
‫م(‪ ..‬إن أمة تتزحزح‬ ‫سك ُ ْ‬‫ف ِ‬‫عند ِ أ َن ْ ُ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن(‪)..‬قُ ْ‬
‫ل هُوَ ِ‬ ‫م ي َظ ْل ِ ُ‬
‫مو َ‬ ‫سه ُ ْ‬ ‫َأن ُ‬
‫ف َ‬

‫‪103‬‬
‫عن دينها مقدار شعرة‪ ..‬تنأى عن مراق الفلح والعزة سبعين‬
‫ذراعا‪ !!..‬ومع هذا كله فهي أمة مرحومة‪ ..‬ل تزال فيها طائفة‬
‫على الحق ظاهرين إلى قيام الساعة‪ ..‬فما زال في الكرخ زند‬
‫يوري بالمرخ نلمح شعلته‪ ..‬وما زلنا نرى من السنان صفحته‪..‬‬
‫ل تقل ذلت فما يصدق ** أن يستذل الفار ليث الجمي‬
‫مـا غفـا طرفـي ** ول قلبي سها‬
‫لم أزل ألمح في روضتنا ** وجنة الورد وأهداب المها‬
‫لم أزل أحمل في ذاكرتي ** صورة النجم الذي فوق السها‬
‫والناس مثل الرض منها بقعة ** تلقي بها خبثا وأخرى مسجد‬
‫لهذا كله كانت هذه الكلمات بعنوان‪:‬‬
‫))إيماض البرق في خلق سيد الخلق صلى وسلم عليه الحق((‬
‫خفق القلب له لما ومض ** بارق شب الجوى لما برق‬
‫خلته من بين أسداف الدجى ** أمل من بعد يأس قد برق‬
‫إيماض يقول‪ :‬إن المعركة مع أعداء الله ليست معركة خاطفة‬
‫قات ُِلون َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫سريعة‪ !!..‬لكنها شاقة طويلة مستمرة‪)!!..‬وَل َ ي ََزاُلو َ‬
‫ن يُ َ‬
‫عوْا(‪ ..‬نحتاج معها إلى طول‬ ‫ست َ َ‬
‫طا ُ‬ ‫نا ْ‬ ‫م إِ ِ‬ ‫عن ِدين ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫دوك ُ ْ‬
‫ى ي َُر ّ‬
‫حت ّ َ‬ ‫َ‬
‫نفس‪ ..‬وشدة صبر‪ ..‬وعمق إيمان‪ ..‬ورسوخ يقين‪ ..‬وبذل جهد‪..‬‬
‫وتظافر جهود‪ ..‬لستنقاذ الغثاء من دوامة السيل‪ ..‬فالسيل فيه‬
‫غرق وويل‪ ..‬ورسولنا صلى الله عليه وسلم في ذلك أسوة‪ ..‬فإن‬
‫لم نجعل النقاذ نهجا‪ ..‬فسوف تضيق بالدمع المآقي‪!!..‬‬
‫إيماض يقول‪ :‬لئن تخلينا اليوم عن كل وسائل النتصار المادية‪..‬‬
‫فقد بقي في أيدينا سلح من أنضى السلحة‪ ..‬ل يقوم له شيء)َل‬
‫ه(‪ ..‬والله ما هي إل نفحة‬ ‫خل ْ ِ‬
‫ف ِ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬‫ن ي َد َي ْهِ وََل ِ‬ ‫من ب َي ْ ِ‬‫ل ِ‬‫ي َأ ِْتيهِ ال َْباط ِ ُ‬
‫من نفحاته‪ ..‬تهب على هذا القطيع المبدد‪ ..‬فإذا قلوبهم مجتمعة‪..‬‬
‫ونوافرهم متآلفة‪ ..‬وأخلقهم شاما‪..‬‬
‫كلمات رب العالمين بها ** سما عقل وفيها للظلم كواشف‬
‫إيماض يقول‪ :‬زمزم فينا ولكن أين من يقنع الدنيا بجدوى‬
‫زمزم‪..‬؟؟!!‬
‫إيماض يقول‪ :‬إن الدعوة إلى الله بأخلق السلم‪ ..‬روح تجري‪..‬‬
‫ونفحة تسري‪ ..‬حقيقة جذابة‪ ..‬ليس بين النفوس وبين الذعان‬
‫لها إل إشراقها عليها‪..‬‬
‫ولولها لساوى الليث ذئبا ** وساوى الصارم الماضي قرابا‬
‫يشهد بذلك العقل والنقل والقريب والغريب والموالي والمعادي‪..‬‬
‫يذكر الستاذ النجار أن أحد عقلء الغرب وقف يخاطب جمعا ً من‬
‫المسلمين يقول‪ :‬يا أيها المسلمون إنكم لن تستطيعوا أن‬
‫تسايروا الغرب اليوم‪ ..‬ل اقتصاديا ول عسكريا ول سياسيا ول‬
‫إعلميا‪ !!..‬ولكنكم تستطيعون هذا الغرب المتكبر المتغطرس‬

‫‪104‬‬
‫المستعلي يجثوا على ركبهم أمامكم بالسلم‪ !!..‬ثم يقول إيتوني‬
‫بأربعين شابا ً يحسنون فهم هذا الدين فهما دقيقا‪ ..‬ويحسنون‬
‫تطبيقه على أنفسهم تطبيق دقيقًا‪ ..‬ويحسنون عرضه على الناس‬
‫بلغة العصر عرضا دقيقًا‪ ..‬وأنا أظمن لكم أن أفتح بهم‬
‫المريكيتين الشمالية والجنوبية‪!!..‬‬
‫حالـه‪:‬‬
‫ً‬
‫ولسوف تشرق شمسكم بسمائهم ** يوما وليست بعد ذلك‬
‫تغرب‬
‫والتاريخ أثبت أن انتشار السلم في بقاع من آسيا ورقاع من‬
‫أفريقيا‪ ..‬لم يكن بجيوش ول حشود‪ ..‬بل بأخلق السلم التي كان‬
‫يتعامل بها معهم تجار السلم‪!!..‬‬
‫ليس بعد اليقين يا عين شك ** أكد الفعل ما حواه الكلم‬
‫إيماض يقول‪ :‬أننا نعيش أزمة أخلق وإننا أمة الخلق‪ ..‬وإنما‬
‫المم الخلق‪..‬‬
‫إذا الخلق قد ولى ذووها ** فقل يا موت مر بنا سريعا‬
‫إيماض يقول‪ :‬أل ما أحوج المة الغافلة المنقطعة عن القافلة‪..‬‬
‫إلى صور مثالية عليا لخلق فاضلة‪ ..‬وليس ذلك إل في أخلق‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم الزاكيا‪..‬‬
‫سل الشيح عنها والخزامى ورندها ** وطيب مغانيها وصفو‬
‫الجداول‬
‫فالورد والريحان عرف عبيرها ** والمسك كدرة ماءها والعنبر‬
‫إيماض يقول‪ :‬والله وبالله وتالله‪ ..‬ل نعرف أحدا ً كمله الله بكل‬
‫فضيلة ونزهه عن كل رذيلة‪ ..‬مثل رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪!!..‬‬
‫فلن ترى في وصفه مثيل ** مستوجب ثنائي الجميل‬
‫فهو ختام الرسل باتفاق ** وأفضل الخلق على الطلق‬
‫ما فضيلة إل وهي صفته إتمام مكارم الخلق مـن مهمة بعثته‪..‬‬
‫خلقه‪ .‬فقالت تنثر الدر عبقريا‬ ‫سئلت عائشة رضي الله عنها عن ُ‬
‫عجيبا ** ليس من مسقط ول من عمان‬
‫خلق سني دعا القرآن له‪ ..‬إل‬ ‫قالت‪ " :‬كان خلقه القرآن "‪ ..‬ما ُ‬
‫خلق سيء حذر منه القرآن‪..‬‬ ‫كان أول عامل به وداع إليه‪ ..‬وما ُ‬
‫إل كان أول مجتنب له ومحذر منه‪..‬‬
‫َ‬ ‫ن أُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه(‪..‬‬
‫م ع َن ْ ُ‬‫ما أن َْهاك ُ ْ‬ ‫م إ َِلى َ‬ ‫فك ُ ْ‬
‫خال ِ َ‬ ‫ما أِريد ُ أ ْ‬
‫وحاله)وَ َ‬
‫في وجهه قسمات قد دللن على** ما ضمه القلب من أخلق‬
‫قرآن‬
‫دوا(‪..‬‬‫طيُعوه ُ ت َهْت َ ُ‬ ‫إيماض يقول‪):‬وَِإن ت ُ ِ‬

‫‪105‬‬
‫فكن في إتباع المصطفى مثل عصبة ** وراء خبير في ملغم‬
‫بقعة‬
‫فمن ينحرف يردى ومن يتبع يفز ** وبين الردى والفوز زح‬
‫بخطوة‬
‫فلزم صفاته وإياك الملل ** إن يستطل الوصف ولم يستطل‬
‫ل‬‫اجعله نصب العين والقلب ول ** تعدل به فهو يضاهي المث َ‬
‫ُ‬
‫ة(‪ ..‬صلح‬ ‫ل الل ّهِ أ ْ‬
‫سو َ ٌ‬ ‫سو ِ‬ ‫م ِفي َر ُ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬
‫كا َ‬ ‫إيماض فحواه‪):‬ل َ َ‬
‫القدوة صلح التباع‪ ..‬وإن صلحت العين صلح سواقيها‪ ..‬وإن رشد‬
‫المربي كان موسى‪ ..‬وإن هو ضل كان السامري‪..‬‬
‫إنه إيماض برق يكاد يخطف بصر زنيم‪ ..‬ليس يعرف من أبوه‪..‬‬
‫نبطي من زجاج مظلم‪ ..‬نسبة ل يعرف إل بالسراج‪ ..‬من أسخن‬
‫الله عينه وأدنى هلكه وحينا‪ ..‬فكشف عن لكنته‪ ..‬وصرح‬
‫بسوءته‪ ..‬يتطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم‪..‬‬
‫ويطعن في رسالته وفي خلقه‪ ..‬بل وفي نسبه‪ ..‬ويا لله‪..‬‬
‫يريد بقوله تدنيس شمس ** وأين الشمس من دنس وعار‬
‫ضريبان سلحه الفسا‪ ..‬نعوذ بالله وبالله نعوذ‪ ..‬قد جف من ماء‬
‫الكرامة وجهه‪ ..‬لكنه واقحة ولؤم ينقط‪ ..‬لو أن صاعقة هوت‪..‬‬
‫ما أثرت في وجه الوقح العديم الماء‪ ..‬ل تعجبن إذا امتحنت‬
‫بسخفه‪ ..‬فالحر ممتحن بأولد الزنا‪ !!..‬إنه شواظ يقول‪:‬‬
‫أرعد وأبرق يا سخيف فما ** على آساد غيل من نباح جراء‬
‫أخسأ رقيع فليس كفؤك غير ** ما يجري من العفاج والمعاء‬
‫لو ذات سوار لطمتني‪ ..‬والضرورة دعتني‪ ..‬ولول الضرورة لم‬
‫آته‪ ..‬وعند الضرورات آتي الكنيف!!‬
‫آل أرغم الله معطسك من شآن‪ ..‬مغالط أنتن من حلتيت‪ ..‬وأثقل‬
‫من كبريت‪ ..‬وأهدى إلى الظلل من خريت‪ ..‬وعريت وهريت‪..‬‬
‫وقطعت وفريت‪ ..‬وأحرقت وذريت‪ ..‬وأذبت وأجريت‪َ ..‬أغريت أم‬
‫ُأغريت‪ ..‬وضريت أم ضريت‪ ..‬وتطوعت أم كريت‪ ..‬أل خبت‪ ..‬لو‬
‫ضربت الجبل بالزجاج ألف ضربة ما انكسر‪ !!..‬ولو سترت الصبح‬
‫بكل شيء ما أنستر‪ !!..‬إنه خيار من خيار من خيار زكاه الله‬
‫ما‬
‫وى(‪ ..‬ونطقه)وَ َ‬ ‫ما غ َ َ‬‫م وَ َ‬ ‫حب ُك ُ ْ‬ ‫صا ِ‬‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ما َ‬ ‫وكفاه‪ ..‬زكى استقامته) َ‬
‫ما ك َذ َ َ‬
‫ب‬ ‫وى(‪ ..‬وفؤاده) َ‬ ‫ق َ‬ ‫ديد ُ ال ْ ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه َ‬‫م ُ‬‫وى(‪ ..‬وعلمه)ع َل ّ َ‬ ‫ن ال ْهَ َ‬ ‫َينط ِقُ ع َ ِ‬
‫ما ط ََغى(‪ ..‬وصدره‬ ‫َ‬
‫صُر وَ َ‬ ‫ما َزاغ َ ال ْب َ َ‬ ‫ما َرأى(‪ ..‬وبصره) َ‬ ‫ؤاد ُ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ف َ‬
‫ح لَ َ‬ ‫َ‬
‫ك(‪..‬‬‫ك وِْزَر َ‬ ‫عن َ‬ ‫ضعَْنا َ‬ ‫ك * وَوَ َ‬ ‫صد َْر َ‬ ‫ك َ‬ ‫شَر ْ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫وذكره)أل َ ْ‬
‫ك إ ِّل‬‫سل َْنا َ‬ ‫َ‬ ‫ك ل ََعلى ُ ُ‬ ‫خلقه)وَإ ِن ّ َ‬
‫ما أْر َ‬ ‫م(‪ ..‬وزكاه كله)وَ َ‬ ‫ظي ٍ‬ ‫ق عَ ِ‬ ‫خل ٍ‬ ‫و ُ‬
‫ن(‪..‬‬ ‫مي َ‬ ‫ة ل ّل َْعال َ ِ‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬ ‫َر ْ‬
‫فإذا كتاب الله أثنى مفصحا ** كان القصور قصارى كل فصيح‬
‫وأين دوي الذباب والزنبور من نغم الفرقان والزبور‪..‬‬

‫‪106‬‬
‫فما على البدر أن قالوا به كلف ** ول على المسك أن المسك‬
‫مفتوت‬
‫وطالما أخلي الياقوت جمر غضا ** ثم انطفى الجمر والياقوت‬
‫ياقوت‬
‫ومن العجائب والعجائب جمة أن تسخر القرعاء بالفرعاء‪!!..‬‬
‫والشمس ل تخفى محاسنها وإن غطى عليها برقع النواء‪..‬‬
‫لكن أنى يرى الشمس خفاش يلحظها ** والشمس تبهر أبصار‬
‫الخفافيش‬
‫ل أعلى‪ ..‬لقصى ما‬ ‫إيماض يقول‪ :‬إن رسول الله عليه وسلم مث ٌ‬
‫يبلغه البشر من مراق الكمال‪ ..‬وغاية تنقطع دونها المال‪ ..‬يقول‬
‫الصديق من رجح إيمانه بإيمان المة‪ :‬أما كلفتموني أخلق رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ..‬والله ما ذاك عندي ول عند أحد من‬
‫الناس‪ ..‬والله ما في طاقة متحدث ولو ألقت إليه البلغة أعنتها‪..‬‬
‫أن يتقصى أخلقه ويستوربها‪ ..‬لكنها تتحدث عن نفسها‪..‬‬
‫فالمسك ما قد شف عن ** ذاته ل ما غدا ينعته بائعه‬
‫خ ركائبنا على ساحل بحر مسك أخلقه‪..‬‬ ‫فحسبي وحسبكم أن ُنني َ‬
‫لنظفر منه الليلة بدرة‪ ..‬وعلى روض ريحان خلله‪ ..‬لنشتم منها‬
‫نفحه‪ ..‬فيكون العنوان‪:‬‬
‫))إيماض البرق في شجاعة سيد الخلق((‬
‫خلق‪ ..‬في هذه‬ ‫وأنا على يقين أني لن أبلغ‪ ..‬من تأمل هذا ال ُ‬
‫الدقائق‪ ..‬إل مقدار ما يبلغه واصف الشمس وهو ل يعرف منها إل‬
‫أنها كوكب ينسخ طلوعه سواد الليل‪!!..‬‬
‫ماذا عسى بلـغاء اليوم قائلة ** من بعد ما نطقت حم تنزيل‬
‫موضع النجم ل ينال بباع ل تقسه بغيره في جناس‪ ..‬سبع الغاب‬
‫ليس مثل السباع‪ ..‬ما عسى أجمله من ورق العرار إلى العبير‬
‫والعنبر‪ ..‬في خير من حملت أنثى ووضعت‪ ..‬وخير حاف على‬
‫الدنيا ومنتعل‪ ..‬إن هي إل دماجيل للعضد‪ ..‬وقلئد للجيد‪ ..‬عجزت‬
‫فيها عن أداء الواجب‪ ..‬وأحاول الجبر بالمسنون‪ ..‬وفضل الله‬
‫على من يشاء ليس بممنوع ول ممنون‪ ..‬وكلن ينفق على قدر‬
‫استطاعته‪ ..‬وهو ابن ساعته‪ ..‬من لم يقل له ربي أعيت عليه‬
‫مطالبه‪ ..‬أسألك اللهم أن تجعلها لوجهك العلى وأن تقبلها‪..‬‬
‫أقول والله تعالى المستعان ومن بغيره استعان ل يعان‪..‬‬
‫شجاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شجاعته‪..‬؟! تناقلتها‬
‫الخبار‪ ..‬وسارت مسير الشمس في رائعة النهار‪ ..‬حدث عنها ل‬
‫حرج‪ ..‬بمكان ل يجهل‪ ..‬ومنزلة ل تدفع‪ ..‬تناقلها الرواة بكل فج‪..‬‬
‫وأهدتها الحواضر للبوادي‪ ..‬وحسبه أنه نبي‪ ..‬وأنه أبو الشجعان‬
‫وصانعهم‪ ..‬على عينيه ملك الشجاعة فهي طوع زمامه‪ ..‬ولغيره‬

‫‪107‬‬
‫جمحت وليست تركب‪ ..‬والذي رفع السماء وعلم آدم السماء‪..‬‬
‫ما شهدت الغبراء أشجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم‪..‬‬
‫ول أثبت منه قلبا‪ ..‬كان طودا ل يتزعزع‪ ..‬شامخا ل يتزلزل‪ ..‬ل‬
‫ترهبه الزمات‪ ..‬ول تهزه الحوادث والملمات‪..‬‬
‫تروى أحاديث الوغى عن بأسه ** فالسيف يسند والعوالي تطلق‬
‫وما رآه فارس إل استتر ** في فعل النجوم عاين القمر‬
‫وحسبه أنه نبي‪ .....‬كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس حين‬
‫خرج على قومه بدعوة ينكرونها جميعا‪ ..‬وليس له من معين‬
‫سوى ربه‪ ..‬فصدع بها في جميع الماكن والزمان والحوال‪..‬‬
‫فوق الجبل وفي المسجد وفي الطريق والسوق‪ ..‬في المنازل‬
‫والمواسم والحواضر والبوادي حتى في المقابر‪ ..‬في الحضر‬
‫والسفر والمن والقتال والصحة والمرض‪ ..‬وحين يزور وحين‬
‫يزار‪ ..‬دعا من أحبوه ومن أبغضوه‪ ..‬ومن استمعوا له ومن‬
‫أعرضوا عنه‪ ..‬خطيبه يقارع الخطباء‪ ..‬وشاعره ينازل الشعراء‪..‬‬
‫دعاته يجوبون الفاق‪ ..‬في استنفار دعوي لم تملك قريش أمامه‬
‫إل أن تقول‪ :‬ل تسمعوا لهذا القران والغوا فيه لعلكم تغلبون‪!!..‬‬
‫بذل كل وسعه‪ ..‬واستخدم كل أسلوب ووسيلة مشروعة‪ ..‬في‬
‫حلم وأناة وهدوء‪ ..‬قذف بالحق على الباطل‪ ..‬فأزاح العلل وسد‬
‫الخلل‪ ..‬وقال ما يرضي الله وإن أغضب البشر‪ ..‬فذهب الزبد‬
‫جفاء وطاعنا حتى لم يجد من مطاعن‪ ..‬ونازل حتى لم يجد من‬
‫منازل‪ ..‬وبقي صلى الله عليه وسلم قدوة‪ ..‬يصبوا إليها كل من‬
‫عرف الحق‪ ..‬وبالحق يدين مثل‪ ..‬أعلى لنفس جمعت‪ ..‬سطوة‬
‫العادل في أنس الحليم‪ ..‬فهو الحياء ما حل في بلد إل بإذن الله‬
‫أحياه‪ ..‬وحسبه أنه نبي‪..........‬‬
‫كان أشجع الناس‪ ..‬حين قوطع وحوصر مع بني هاشم في شعب‬
‫لسنوات بل ميرة‪ ..‬حتى اضطروا لكل ورق الشجر‪ ..‬وسمع‬
‫صوت الصبية يتضائون من شد الجوع‪ ..‬فصبر وما وهن وما‬
‫ضعف وما استكان‪ ..‬حتى انتصر وسقطت المقاطعة‪ ..‬وأحق الله‬
‫الحق وأبطل الباطل‪ ..‬وكذلك الحق ل يتغير أصله وسوسه‪ ..‬وإن‬
‫تغير لبوسه‪..‬‬
‫ففي المعادن ما تمضي برونقه ** يد الصباغر ل يصدأ الذهب‬
‫والصخر في ظل العقيدة عسجد والل في ظل العقيد ماء‪..‬‬
‫والعز في كنف العزيز ومن عبد العبيد أذله الله‪..‬‬
‫وحسبه انه نبي‪ ........‬كان صلى الله عليه وسلم شجاعا أشجع‬
‫من الشجاعة‪ ..‬وأشد في الحق من الشدة‪..‬‬
‫ماضي العزيمة والسيوف كليلة ** طلق المحيا والخطوب دواجي‬

‫‪108‬‬
‫سعى كفار قريش إلى عمه أبي طالب فقالوا‪ :‬يا أبا طالب إن لك‬
‫فينا سنا ومنزلة وشرفا‪ ..‬وإنا قد إستنهيناك في ابن أخيك فلم تنه‬
‫عنا‪ ..‬وإنا والله ل نصبر على ذلك‪ ..‬فإما أن تكفه عنا أو ننازلك‬
‫وإياه حتى يهلك أحد الفريقين ثم انصرفوا‪ ..‬فعظم عليه فراق‬
‫قومه ولم يطب نفسا بإسلم ابن أخيه لهم وخذلنه‪ ..‬فبعث إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له‪ :‬يا ابن أخي أبقي علي‬
‫وعلى نفسك ول تحملني من المر مال أطيق‪ ..‬فظن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه خاذله‪ ..‬فحلق وحدق ببصره إلى‬
‫السماء‪ ..‬ووقفت الدنيا مشدودة السمع لما تفتر عنه شفتا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ..‬وأصاخ الكون وأنصت التاريخ‬
‫لكلمة التي يتوقف عليها مصير السعادة البشرية والحضارة‬
‫النسانية‪ ..‬فقال‪ :‬أترون هذه الشمس ‪.‬؟! قالوا‪ :‬نعم ‪ !.‬ففي‬
‫تصميم يفل الحديد‪ ..‬وعزيمة ل تعرف الهزيمة‪ ..‬وتحد يقهر‬
‫الخصوم اللد‪ ..‬وإصرار يقتحم البحر بجزره والمد‪ ..‬قال كلمة‬
‫صريحة ل يقبل معناها التأويل‪ ..‬ببلغة لو قست سحبانا بها ألفيته‬
‫ذا منطق تمتامي‪ ..‬قال‪ :‬والله ما أنا بأقدر أن أدع ما بعثت به من‬
‫إن يشعل أحدكم من هذه شمسي شعلة نار‪ ..‬والله لو وضعوا‬
‫الشمس في يميني والقمر في يساري‪ ..‬على أن أترك هذا المر‬
‫ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه‪ ..‬ثم استعبر وبكى‬
‫وولى‪ ..‬كأنما أنفاسه حرجف‪ ..‬وبين جنبيه لظى واقده‪ ..‬لو مادت‬
‫الجبال من تحته‪ ..‬أو خرت الفلك ما زعزع‪!..‬‬
‫يا لقوة اليمان وجلل البطولة‪ ..‬رجل يظن أنه تخلى عنه ناصره‬
‫الوحيد من أهله‪ ..‬ثم يقف هذا الموقف العظيم‪ ..‬إنه ثبات النبوة‪..‬‬
‫إن يكن أعزل فالحق له سيف ولمه ** فهو في جيش من‬
‫اليمان ما فل لهامه‬
‫وقف أبو طالب مأخوذا بما سمع ورأى‪ ..‬وهو في قرارة نفسه‬
‫يقول‪ :‬والله ما هذا إل نبي كريم ‪ ..‬بلغ أسمى درجات الثقة بالله‬
‫رب العالمين‪ ..‬فلن ينكس على عقبيه لنه يأوي إلى ركن شديد‪..‬‬
‫فما عليه وبين جنبيه دين‪ ..‬لو أراد به صم الجبال لما قرت‬
‫رواسيها‪ ..‬ثم يناديه أقبل يا ابن أخي فأقبل صلى الله عليه وسلم‬
‫فقال له‪ :‬إذهب فقل ما أحببت والله ل أسلمك لشيء أبدا‪ ..‬والله‬
‫لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفيًنا‪ ..‬حالـه‪:‬‬
‫قم وأبلغ نوره للعلمين ** قم واسمعه البرايا أجمعين‬
‫إن تكون في مثل نيران الخليل ** أسمع النمرود توحيد الجليل‬
‫فلم يزل يجهر بالتوحيد ول يخاف سطوة العبيد‪ !..‬وحسبه أنه نبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.......‬‬

‫‪109‬‬
‫كان أشجع الناس صلى الله عليه وسلم‪ ..‬عرضت عليه المغريات‬
‫من مال وملك وشرف وجاه ونساء‪ ..‬نظير أن يتنازل عن دعوته‬
‫فأبى ذلك العرض وازدراه ورفضه‪..‬‬
‫متميزا كالليث ديس عرينه ** متوثبا يدعوا الرجال نزالي‬
‫ل تذكروا نار الصواعق عنده ** نار الصواعق عنده كذبالي‬
‫قال قائل قريش‪ :‬يا معشر قريش إنه والله قد نزل بكم أمر ما‬
‫أتيتم له بحيله‪ ..‬قد كان محمد غلما حدثا فيكم‪ ..‬أصدقكم حديثا‬
‫وأعظمكم أمانة‪ ..‬حتى إذا رأيتم الشيب في صدغيه قلتم ساحر‬
‫كاهن شاعر مجنون‪ ..‬والله ما هو بذلك فانظروا في شأنكم‪ ..‬وما‬
‫معهم إل العناد وما بهم من العقل من النصاف مثقال درهم‪..‬‬
‫أجمعوا رأيهم على أن يفاوض ويغرى بالدنيا والنساء‪ ..‬وهو القائل‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ " :‬فاتقوا الدنيا واتقوا النساء "‪ ..‬انتدبوا‬
‫لتلك المهمة أبا الوليد بن عتبة‪ ..‬فأتى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وقال‪ :‬يا محمد أنت خير أم هاشم؟! أنت خير أم عبد‬
‫المطلب؟! أنت خير أم عبد الله؟! فلم يجبه رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ..‬لنه يريد هدايته‪ ..‬فمن الحكمة أن ل يدخل معه‬
‫في معارك جانبيه تعيقه عن ذلك الهدف‪ ..‬لقد كان بإمكانه صلى‬
‫الله عليه وسلم أن يقول أنا أفضل وصدق‪ ..‬فهو سيد ولد آدم‬
‫أجمعين‪ ..‬لكنه بذلك قد يضيع الفرصة الذهبية من هداية هذا‬
‫الرجل‪ ..‬وكان بإمكانه أن يثني على آباءه بما فيهم من صفات‬
‫حميدة‪ ..‬لكنه بذلك يتيح الفرصة أن يلزمه بما يترتب على ذلك‬
‫من إتباع دينهم‪ ..‬وقد فعل ولذا آثر بحكمته عدم الجابة‪..‬‬
‫فالسؤال ل يستحق ذلك‪ ..‬لنه ليس في صميم الموضوع الذي‬
‫عقد من أجله الحوار‪ ..‬فهم عتبة ذلك فقال‪ :‬إن كنت تزعم أن‬
‫هؤلء خير منك‪ ..‬فقد عبدوا اللهة التي عبت‪ ..‬وإن كنت تزعم‬
‫أنك خير منهم‪ ..‬فقل حتى نسمع قولك‪ ..‬والله ما رئينا سخلة‬
‫أشئم على قومه منك‪ ..‬فرقت جماعتنا‪ ..‬وعبت ديننا‪ ..‬وفضحتنا‪..‬‬
‫والله ما ننتظر إل مثل صيحة الحبلى‪ ..‬فيقوم بعضنا إلى بعض‬
‫بالسيوف‪ ..‬فنقتتل حتى نتفانى‪ ..‬وياله من عور عن الحقيقة‪..‬‬
‫لبد في العور من تيه ومن صلفا ** لنهم يحسبون الناس أنصافا‬
‫من أين يدري الفضل معدومه ** ل يعرف المعـروف إل ذووه‬
‫تظن بعض القـوم علمـة ** وهو إذا ينـطق بوم يـفوه‬
‫ثم ألقى عتبة حباله وعصيه‪ ..‬إغراءات تغشى البصائر‪ ..‬وتزيغ‬
‫البصار‪ ..‬بلغة مسمومة‪ ..‬ما لمست مستشرفا لها‪ ..‬إل أهدته‬
‫السم ونزعت منه الروح‪ ..‬وأبقت الجسم‪ ..‬وكم لعبت بهذا‬
‫النغمات من نشاز أصابع من على أوتار‪ ..‬فلم يبالي الصادقون‬
‫بما وقع منها وطار‪ ..‬قال‪ :‬يا محمد إن كان إن ما بك المال جمعنا‬

‫‪110‬‬
‫لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مال‪ ..‬وإن كنت تريد شرفا‬
‫سودناك فل نقطع أمرا دونك‪ ..‬وإن كنت تريد ملكا ملكناك‪ ..‬وإن‬
‫كان شيئا تراه ل تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب حتى‬
‫نبرئك‪ ..‬وإن كان إن ما بك النسا فاختر من أجمل نساء قريش‬
‫عشًرا‪ ..‬يا محمد قل نسمع‪..‬‬
‫فلوا كان الحديد للينوه ** ولكن كان أشد من الحديد‬
‫في حلم ورحابة صدر‪ ..‬أعرض عن كرهات عتبة وأغضى عن‬
‫سبابه‪ ..‬وقال في أدب النبوة يكنيه‪ :‬أفرغت يا أبا الوليد‪..‬؟ قال‪:‬‬
‫نعم‪ !..‬فأعلن موقفه الحاسم بشجاعة نادرة‪ ..‬دون مراوغة أو‬
‫مداهنة أو استعطاف أو استلطاف‪ ..‬لن قضيته قضية عقيدة‬
‫تقوم على الصراحة والبيان فل تنازل ول إدهان‪..‬‬
‫كالكوكب الدري تلقاه ** العز بين يديه والجاه‬
‫والرض في عينيه خردله ** وعلى عبيد الرض نعله‬
‫قذف باطلهم بأوائل فصلت ‪ ..‬فالشمس منها سطعت وحسمت‪..‬‬
‫ورفعت الحجاب‪ ..‬وأثارت العجاب‪ ..‬ومحت السلب باليجاب‪..‬‬
‫ه قُْرآنا ً‬ ‫ت آَيات ُ ُ‬ ‫صل َ ْ‬
‫ب فُ ّ‬ ‫م}‪ {2‬ك َِتا ٌ‬ ‫زي ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫حي ِ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن الّر ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ّ‬ ‫)حم}‪َ {1‬تن ِ‬
‫م َل‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫ض أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫ذيرا ً فَأع َْر َ‬ ‫شيرا ً وَن َ ِ‬ ‫ن}‪ {3‬ب َ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َعْل َ ُ‬ ‫ع ََرب ِي ّا ً ل ّ َ‬
‫ن}‪..({4‬‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫يَ ْ‬
‫عتبة يسمع القرآن من فم من أنزل عليه القرآن‪ ..‬فيلقي يديه‬
‫خلف ظهره وقد فغر فوه مأخوذا بسلطان البيان‪ ..‬ورسول الله‬
‫قد استحضر عظمة الله الذي خاطبه به‪ ..‬يتلوه بكل أحاسيسه‬
‫ومشاعره‪ ..‬ويهوي به على إغراءاتهم ومطامعهم‪..‬‬
‫فكان الي صاعقة عليهم ** تشب على مطامعهم سعيرا‬
‫كذالك السيف أمضى وهو هاو ** واقطع مضربا منه شهيرا‬
‫ق ْ َ‬ ‫لما بلغ قول الله)فَإ َ‬
‫ة‬
‫ق ِ‬
‫ع َ‬‫صا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ة ّ‬‫ق ً‬
‫ع َ‬ ‫صا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل أنذ َْرت ُك ُ ْ‬ ‫ضوا فَ ُ‬ ‫ن أع َْر ُ‬ ‫ِ ْ‬
‫د(‪ ..‬هب عتبة مذعورا قد خيل إليه أن الصاعقة حلت‬ ‫مو َ‬ ‫عاد ٍ وَث َ ُ‬ ‫َ‬
‫به‪ ..‬فأمسك بفم النبي صلى الله عليه وسلم يناشده الله والرحم‬
‫إل صمت‪ ..‬فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم‪)..‬فَوَقَ َ‬
‫ع‬
‫قل َُبوا ْ‬
‫ك َوان َ‬ ‫ن}‪ {118‬فَغُل ُِبوا ْ هَُنال ِ َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫حقّ وَب َط َ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن}‪ ..({119‬انقلب إلى قومه فلما راؤه قالوا‪ :‬نحلف بالله‬ ‫ري َ‬ ‫صاِغ ِ‬ ‫َ‬
‫لقد جاءكم بغير الوجه الذي ذهب به‪!!..‬‬
‫قد نطقت بضعفه العيون ** ما أبلغ العيون إذ تبين‬
‫بادروه‪ ..‬ما وراءك يا أبا الوليد‪..‬؟؟ فقال وقد آمن بسلطان اللغة‬
‫والبيان وإن لم يؤمن بالقران‪ :‬ما هو والله إل أن جئته فعرضت‬
‫عليه ما عرضت‪ ..‬ثم سمعت منه قول والله ما سمعت مثله‬
‫قط‪ !..‬والله ما هو بالسحر ول بالكهانة ول الشعر ما فقهت إل‬
‫َ‬
‫د( فأمسكت بفيه‬ ‫مو َ‬ ‫عاد ٍ وَث َ ُ‬ ‫قة ِ َ‬‫ع َ‬ ‫صا ِ‬‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬‫ة ّ‬ ‫ق ً‬‫ع َ‬‫صا ِ‬ ‫م َ‬ ‫قوله‪)..‬أنذ َْرت ُك ُ ْ‬

‫‪111‬‬
‫وناشدته أن يكف‪ ..‬ولقد علمتم أن محمد إذا قال شيئا لم‬
‫يكذب‪ ..‬يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي وخلوا بين هذا‬
‫الرجل وما هو فيه‪ ..‬والله ليكونن قوله بالذي سمعته نبأ عظيم‪..‬‬
‫قالوا‪ :‬سحرك والله يا أبا الوليد‪ !!..‬فعاد كالكلب بالوصيد‪ ..‬وكان‬
‫قريبا على صحة‪ ..‬فقد داخلته حروف العلل ول عجب‪!!..‬‬
‫من يكن للجرب خل‪ ..‬ليس يخلوا من إصابة‪ ..‬وهل يبصر الرمداء‬
‫شمس الضحى ‪.‬؟؟ وهل يحس بطعم العذب من إيف في‬
‫ن(‪..‬‬ ‫م ُنورِهِ وَل َوْ ك َرِه َ ال ْ َ‬
‫كافُِرو َ‬ ‫مت ِ ّ‬
‫ه ُ‬ ‫الفم‪..‬؟؟)َوالل ّ ُ‬
‫معشر الخوة‪:‬‬
‫إنها إشارة منه صلى الله عليه وسلم في شجاعة فذة‪ ..‬مفادها ل‬
‫لقاء بين الحق والباطل‪ ..‬ل إجتماع بين النور والظلم‪ ..‬الختلف‬
‫جوهري يستحيل معه اللقاء على شيء في منتصف الطريق‪..‬‬
‫المر ل يحتاج إلى مراوغة ول مساومة‪ ..‬ليس إل الخروج عن‬
‫الكفر بجملته إلى السلم بجملته‪ ..‬وإل فالبراءة التامة‪ّ)..‬لي‬
‫ع َمِلي ول َك ُم ع َمل ُك ُم َأنتم بريُئون مما أ َع ْم ُ َ‬
‫ما‬ ‫م ّ‬
‫ريٌء ّ‬ ‫ل وَأن َا ْ ب َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ ّ‬ ‫َ ْ ُ ْ َ ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن(‪ ..‬إن قوة الهجمة اليوم على الدين‪ ..‬ينبغي أن تقابل برد‬ ‫ُ‬
‫ملو َ‬ ‫ت َعْ َ‬
‫في غاية الوضوح‪ ..‬بعيدا عن التعميم والتمييع‪ ..‬فالمر جد ل هزل‬
‫ن(‪ ..‬ل بد من الوضوح التام‪ ..‬في‬ ‫ن فَي ُد ْه ُِنو َ‬ ‫دوا ل َوْ ت ُد ْه ِ ُ‬‫فيه‪)..‬وَ ّ‬
‫َ‬
‫ل َيا أي َّها‬‫القضايا المصيرية التي ل تحتمل إل وجها واحدا‪)..‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫ن}‪..({2‬‬ ‫دو َ‬ ‫ن}‪َ {1‬ل أع ْب ُد ُ َ‬
‫ما ت َعْب ُ ُ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫من يملك النبع لن يحتاج من ظمأ ** إلى الدلء ولن يحتاج‬
‫للقرب‬
‫يا ابن السلم‪ ..‬إن الرؤوس التي رفعها السلم تأبى أن تخضع‬
‫لغير السلم‪ ..‬وإن اللسنة التي استقامة على قول الحق‪ ..‬تأبى‬
‫أن يلويها لوي لغير الحق‪ ..‬السلم دعوة ربانية ل مجال فيها‬
‫للمساومات‪ ..‬مهما كانت الدوافع والغراءات والمبررات‪ ..‬فإذا‬
‫نثر الحب وتساقطت العصافير‪ ..‬وطرح الب وتهافتت اليعافير‪..‬‬
‫فكن ليثا ديس عرينه‪ ..‬ووسم عرنينه‪ ..‬وأبرق وأرعد‪ ..‬وقلها بمل‬
‫الفم‪ ..‬مطعم خبيث ل يأكله إل الخاطئون‪ ..‬والذي خلق الضب‬
‫وأنبت النجم والب‪ ..‬وفلق النوى والحب‪ ..‬لو حالف بطن الراحة‬
‫الشعر‪ ..‬وسقطت السماء على الغبراء‪ ..‬وصار الشرق غربا‬
‫والشمال جنوبا‪ ..‬فإني لرجوا الله أن ل يزل لي قدم‪ ..‬ول يزيغ‬
‫لي بصر‪ ..‬ول أحيد عن مبدأ حق‪ ..‬إني على بينة من ربي‪..‬‬
‫أل يا قبح الله شهوة أبيع بها ديني‪ !!..‬وأعق بها سلفي‪ !!..‬وأهين‬
‫بها نفسي‪ !!..‬وأهدم شرفي‪ !!..‬وأكون عارا على أمتي‪!!..‬‬
‫عرى العقيدة جلت عن مساومة ** ما قيمتي في المل من غير‬
‫معتقدي‬

‫‪112‬‬
‫هل يصير الحر عبدا آبقا‪..‬؟! هل يصير الصقر مثل الرخم‪..‬؟! هل‬
‫يتيه الشهم في أوهامه ينحني بعد بلوغ القمم‪..‬؟!‪..........‬‬
‫ل‪ ..........‬ل يكون العير مهرا ل يكون‪ ..‬المهر مهر‪ ..‬المهر مهر‪..‬‬
‫وحسب أنه نبي‪....‬‬
‫كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس‪ ..‬كبير الهمة‪ ..‬ل ينقض‬
‫عزمه‪ ..‬ول ينكث عقده‪..‬‬
‫أصالة عزم أخجلت كل صارم ** من البيض حتى خاف أن يتجردا‬
‫وحسب الفتى من عزمه خير ** صاحب يؤازره في كل خطب‬
‫يئوده‬
‫فإن لم يكن للمرء من عزماته ** نصير فأخلق أن تخيب جذوده‬
‫أشار الشباب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أحد‪..‬‬
‫بالخروج إلى المشركين خارج المدينة‪ ..‬وكان صلى الله عليه‬
‫وسلم يرى القتال داخلها‪ ..‬فنزل على رأيهم‪ ..‬وعلم الله أنه ما به‬
‫إليهم من حاجة‪ ..‬ولكن ليستن به من بعده من القادة‪ ..‬كما قال‬
‫الحسن رحمه الله‪ ..‬صلى بالمسلمين ثم دخل منزله‪ ..‬فتدجج‬
‫بسلحه وخرج في كامل عدته‪ ..‬وأمرهم بالخروج إلى العدو‪..‬‬
‫فندم ذوي الرأي منهم حين شعروا أنه أشاروا عليه بخطه كان‬
‫يفضل غيرها‪ ..‬فقالوا‪ :‬يا رسول الله ما كان لنا أن نخالفك‬
‫فامكث واصنع ما شئت‪ ..‬فأتى بالعجاز في باب اليجاز‪ ..‬وقال‬
‫بقلب أسد في همة تدك الجبل الشم والخصم اللد‪ :‬ما كان لنبي‬
‫إذا لبس لمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه‪..‬‬
‫ماض البصيرة غلب إذا اشتبهت ** مسالك الرأي صاد الباز‬
‫بالحجل‬
‫إن قال برا وإن ناداه منتصر ** لبى وإن هم لم يرجع بل نفلي‬
‫وحسبه أنه نبي‪ ..........‬كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس‪..‬‬
‫هو للصديق كما يحب وللعدى ** عند الكريهة ضيغم زئار‬
‫يجتمعون على حربه‪ ..‬ويحرض بعضهم بعضا‪ ..‬للوقوف في‬
‫وجهه‪ ..‬وعدم التقصير في عداوته‪ ..‬ويتطاولون عليه بالسخرية‪..‬‬
‫وهو صامد كالجبل الشهيق في علياءه‪ ..‬يقرر أن ما جاء به‬
‫سينفذ‪ ..‬لو كان الثمن إهلك هؤلء الصناديد‪ ..‬وحاله‪:‬‬
‫إن قومي تجمعوا وبقتلي تحدثوا ** ل أبالي بجمعهم كل جمع‬
‫مؤنث‬
‫يقول عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما‪ :‬اجتمع أشراف قريش‬
‫في الحجر‪ ..‬فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ..‬قالوا‪ :‬ما‬
‫رأينا مثل صبرنا على هذا الرجل‪ ..‬سفه أحلمنا‪ ..‬وعاب ديننا‪..‬‬
‫وفرق جماعتنا فبين هم كذلك‪ ..‬إذ طلع عليهم رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ..‬فأقبل يمشي حتى أستلم الركن‪ ..‬وعداته منه‬

‫‪113‬‬
‫تغص وتشرق‪ ..‬فمغرب من غيظه ومشرق‪ ..‬ثم مر بهم وهو‬
‫يطوف بالبيت‪ ..‬فغمزوه ببعض ما يقول‪ ..‬وأشاروا بأعينهم‬
‫وحواجبهم‪ ..‬وهروا هرير المجحرات اللواهث‪ ..‬قال ابن عمر‪:‬‬
‫فعرفت ذلك في وجهه إذ تغير‪ ..‬وظهرت عليه علمات الغضب‪..‬‬
‫ثم مضى فغمزوه بمثلها‪ ..‬ثم مضى فغمزوه بمثلها‪ ..‬فإذا‬
‫السكون تحرك‪ ..‬وإذا الخمود تلهب‪ ..‬وإذا السكوت كلم‪..‬‬
‫يستنزل الهلك من أعلى منابره‪ ..‬ويستوي عنده الرعديد‬
‫والبطل‪ ..‬فسل حساما من بيان فهومه‪ ..‬فرد سيوف الغي‬
‫مفلولة الحد‪ ..‬قال ‪ :‬تسمعون يا معشر قريش أما والذي نفس‬
‫محمد بيده‪ ..‬لقد جئتكم بالذبح‪ ..‬أل إنها لو تنزلت على جبل‪..‬‬
‫أهوت به وهو خاشع‪ ..‬فأخذت القوم كلمته‪ ..‬حتى ما منهم رجل‬
‫إل كأنما على رأسه طائر‪..‬‬
‫حال الجريظ دون القريظ‪ ..‬صادف در السل در يدفعه‪ ..‬في‬
‫هضبته ترفعه وتضعه‪ ..‬وإن أشدهم وصات على إيذاءه‪ ..‬ليرفؤه‬
‫ويسكنه بأحسن ما يجد من القول‪ ..‬يا أبا القاسم انصرف راشدا‬
‫والله ما كنت جهول‪ ..‬والله ما كان جهول صلى الله عليه وسلم‪..‬‬
‫لكنه جبل الوقار رسا وأشرف ** واعتلى وسما فطأطأت التلل‬
‫رؤوس‬
‫من أنكر الفضل الذي أوتيته ** جحد العيان وأنكر المحسوس‬
‫كذلك كان إذا غضب‪ ..‬ول يغضب إل لله ثم ل يقوم لغضبه شيء‪..‬‬
‫فإذا أوثير رأيت بركان رمى ** حمما ودك الرض زلزال‬
‫ترى الرجال وقوفا بعد فتكته ** بهم يظنون أحياء وقد قتلوا‬
‫وحسبه أنه نبي‪ ............‬كان صلى الله عليه وسلم أشجع‬
‫الناس‪ ..‬أدركته القائلة في إحدى غزواته في واد كثير العظاح‪..‬‬
‫فنزل تحت سمرة وعلق بها سيفه‪ ..‬وتفرق عنه أصحابه‪ ..‬فجاء‬
‫أعرابي فاختلط سيفه وسله‪ ..‬ويا لله عدو متمكن وسيف شاهر‬
‫وموت حاضر‪ ..‬يقول‪ :‬يا محمد أتخافني‪..‬؟؟ فل نفس جزعت ول‬
‫حال تغيرت ول روعة حصلت‪ !!..‬وما كان إل الرعد دعوى‬
‫هديده‪ ..‬يقول‪ .........:‬ل‪........‬‬
‫كأنما الليث شبيه له ** فهو أخو الليث لم وأب‬
‫من اتق الله فأسد الشرى ** لديه مثل الكلب العاوية‬
‫قال‪ :‬فمن يمنعك مني يا محمد‪..‬؟؟ فاستحضر عظمة الله‬
‫وقدرته ونصرته لولياءه‪ ..‬وقال‪..‬‬
‫يهوي فصيح القول من لهواته ** كالصخر يهبط من ذرى ثهلن‬
‫‪ ............‬الله‪ ...........‬فخارت قواه وانحلت وسقط السيف من‬
‫يده وأمكن من نفسه‪ ..‬وقال‪ :‬كن خير آخذ يا محمد فعفا عنه‬
‫يتألفه‪ ..‬فالله ما أشجعه وما أحلمه‪..‬‬

‫‪114‬‬
‫تهوي الجبال الراسيات وحلمه ** في الصدر ل يهوي ول يتزعزع‬
‫رجع العرابي إلى قومه يقول جئتكم من عند خير الناس‪ ..‬حاله‪:‬‬
‫قضيت التعجب من أمره ** فصرت أطالع باب البدل‬
‫وحسبه أنه نبي‪ ..........‬كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس‪..‬‬
‫خبيرا بفنون المنازلة‪ ..‬يزلزل الخصم فيوهي بنيانه‪ ..‬يقوض‬
‫أركانه‪ ..‬يرعب جنانه‪..‬‬
‫عزيمته ترد الغمد سيفا ** وحكمة تر السيف غمدا‬
‫إن تعدوا يا سيف لتستعينه ** أجاب قبل أن تتم سينه‬
‫ثبت في سنن الترمذي رحمه الله‪ ..‬أن ركانة مصارع لم يضع أحد‬
‫جنبه على الرض‪ ..‬طلب منازلة رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ومصارعته تبجحا بقوته وإعجابا ببنيته وسطوته‪ ..‬معه ثلث‬
‫مئة من الغنم وقال‪ :‬يا محمد هي لك أن تصارعني‪..‬؟؟‬
‫وساوس إبليس تغشى النظر ** وتخفي عن العقل نور الفكر‬
‫أي ركان أرح المطية ول تكن ** كمحاول صيد النجوم من المياه‬
‫الركد‬
‫هل لك أن تصارعني يا محمد‪..‬؟؟ فرأى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم في هذا العرض وسيلة لهدف أسمى من المصارعة‪..‬‬
‫وهو إسلم هذا الرجل مع توظيف هذه الطاقة المتفجرة لعلء‬
‫كلمة الله‪ ..‬ل يريد صرعه ل يريد قتله‪ ..‬وإنما يريد حياته‪ ..‬فما هو‬
‫إل الغيث‪ ..‬أما وقوعه خصب‪ ..‬وأما ماؤء فطهور صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ..‬عامله صلى الله عليه وسلم على أنه غريق بحاجة إلى‬
‫من ينتشله‪ ..‬حاله‪:‬‬
‫يا رب حيران لو شئته ** تدا ظمئآن لو شئت وردت‬
‫يقول له‪ :‬وما تجعل لي إن صرعتك‪..‬؟؟ فقال‪ :‬مئة من الغنم‪..‬‬
‫فصارعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرعه‪ ..‬فقال ركانة‪:‬‬
‫هل لك في العود‪..‬؟؟ قال صلى الله عليه وسلم‪ :‬وما تجعل لي‬
‫إن صرعتك‪..‬؟؟ قال‪ :‬مئة أخرى فصارعه رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فصرعه‪..‬‬
‫هو بالله وهل يخشى انهزاما ** من يكون الله في الدنيا نصيره‬
‫قال‪ :‬هل لك في العود‪..‬؟؟ قال صلى الله عليه وسلم‪ :‬وما تجعل‬
‫لي إن صرعتك‪..‬؟؟ قال المئة الباقية فصارعه رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم وصرعه‪ ..‬ثم بقي عليه كسرت شوكته ومالت‬
‫هامته‪ ..‬ارتطم بالرض ظهره هوى بأسه وهوت قواه‪ ..‬ومع ذلك‬
‫فقد ذهب ماله وصار حاله‪:‬‬
‫وإني لمقدام وعندك هائب ** وفي الحي سحفان وندك باقل‬

‫‪115‬‬
‫ثم قال‪ :‬يا محمد والله ما وضع جنبي على الرض أحد قبلك‪ ..‬وما‬
‫ي منك وأنا أشهد أن ل إله إل الله وأنك رسول‬ ‫كان أحد أبغض إل ّ‬
‫ي منك اليوم‬‫الله‪ ..‬حاله‪ :‬والله ما على الرض أحد أحب إل ّ‬
‫وأسبلت العينان منه بواكف ** من الدمع يجري بعد سح بوابلي‬
‫والليل ولى والظلم تبددا ** والصبح أشرق والضياء تجددا‬
‫فصار حال ركانة‪ ..‬عملت الجزم بي‪ ..‬وخفضت مني محل‬
‫النصب‪ ..‬ثم رفعت حالي‪ ..‬قام عنه صلى الله عليه وسلم ورد‬
‫عليه غنمه‪ ..‬وهدفه هدايته‪ ..‬فما الدنيا والله ببغيته‪ ..‬يرى الدنيا‬
‫وإن عظمت وجلت لديه‪ ..‬أقل من شسع النعال‪ ..‬ومن شيمة‬
‫العضب المهند‪ ..‬أنه يخاف ويرجى مغمدا ومجردا‪ ..‬وحسبه أنه‬
‫نبي‪.....‬‬
‫تبلى عظامي وفيها من محبته ** حب مقيم وشوق غير منصرم‬
‫كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس‪ ..‬ل يجارى في قوة رأيه‬
‫وإدراكه وبعد نظره فطن‪..‬‬
‫تكاد العمي تبصر الدجى لو ** أنها اكتحلت بنور ذكائه‬
‫وقف ضد رغبات أصحابه يوم الحديبية حين بركت ناقته فأعلن‬
‫مقسما‪ ..‬والذي نفسي بيده ل يسألونني خطة يعظمون فيها‬
‫حرمات الله إل أعطيتهم‪ ..‬حاله‪ :‬مع حرمات الله فديتك بالسويدا‬
‫من فؤادي‪ ..‬ومن حدقي فديتك بالسواد‪ ..‬دارت المفاوضات‬
‫وسدت قريش السبل وأشيع مقتل عثمان رضي الله عنه‪ ..‬فبايع‬
‫أصحابه تحت الشجرة على الموت وعدم الفرار‪ ..‬وتحت ذلك‬
‫التصميم أرسلت قريش سهيل للصلح‪..‬‬
‫ول ملمة إن هابوا وإن حرجوا ** ل يزار الليث إل فرق الغنم‬
‫أجبتهم معلنا بالسيف منصلتا ** ولو أجبت بغير السيف لم تجبي‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم يفاوض من مركز قوة‪ ..‬ويتنازل في‬
‫بعد نظر وأصالة رأي‪ ..‬عن بسم الله إلى باسمك اللهم‪ ..‬وعن‬
‫رسول الله إلى محمد ابن عبدالله‪..‬‬
‫عذب المناهل غير أن ورودها ** نار المنايا حوله تتأجج‬
‫وكانت قريش إذ تأبى لشرطها ** كباحثت عن مدية تستثيرها‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل برد من جاء من‬
‫المسلمين مهاجرا ول العكس‪ ..‬ويعلل ويقول‪ :‬من ذهب منا إليهم‬
‫فأبعده الله‪ ..‬ومن جاءنا فرد جعل الله له فرجا ومخرجا‪ ..‬وثقل‬
‫ذلك على المسلمين وذهلوا عن أنفسهم‪ ..‬لما أعيد أبو جندل‬
‫رضي الله عنه إلى أبيه يرفس في قيوده‪ ..‬يضربه أبوه في وجهه‬
‫ويأخذ بتلبيبه وهو يستصرخ‪ ..‬أأرد إلى المشركين وقد جئت‬
‫مسلما‪..‬؟؟‬

‫‪116‬‬
‫فاضطرمت القلوب واضطربت‪ ..‬وزلزل الهم قاصيهم ودانيهم‪..‬‬
‫حتى السماء رأوها غير ما عهدوا‪ ..‬أما الصديق رضي الله عنه‬
‫فقد تلقى ذلك بالرضا والتسليم‪ ..‬فكان قلبه على قلب محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم حاله‪:‬‬
‫والكف ليس الزند ينكر قربه ** والعين ل يقسوا عليها المحجر‬
‫من لحمه لحمي ومن دمه دمعي ** وعلى محبته أموت وأحشر‬
‫أما عمر رضي الله عنه لعظم الوارد عليه‪ ..‬أبى إل أن يعلن عما‬
‫في نفسه فيقول‪ :‬يا رسول الله ألست نبي الله حقا‪..‬؟؟ ألسنا‬
‫المسلمين‪..‬؟؟ أليسوا بالمشركين‪..‬؟؟ ألسنا على الحق وهم‬
‫على الباطل‪..‬؟؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي عمر‬
‫حرية إبداء رأيه ‪ ..‬مع تسديده بل عقاب ول تجريم‪ ..‬ويقول لعمر‬
‫في كل ذلك‪ :‬بلى‪ ..‬بلى‪ ..‬فيقول عمر‪ :‬فلم نعطي الدنية في ديننا‬
‫يا رسول الله‪ ..‬فيقول صلى الله عليه وسلم إني رسول الله‬
‫ولست أعصيه وهو ناصري‪ ..‬ويذعن الفاروق ويؤنب نفسه بعد‪..‬‬
‫وماهي والله إل غيرة على السلم منه‪ ..‬فهم بعدها هو وغيره‬
‫إنما يحقق المكاسب العليا للسلم‪ ..‬فهو السنة النبوية والسياسة‬
‫الشرعية التي يجب أن تقتفى‪ ..‬فأذعنوا وندموا وعرفوا قصورهم‬
‫فاقتصروا‪..‬‬
‫أخاطب البرق إن يسقي ديارهم ** ولو أراد بدمعي أو أراد دمي‬
‫معشر الخوة‪:‬‬
‫ومع ما فيه الصحابة من غم ل مزيد عليه‪ ..‬لم يخرجوا عن طوع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ..‬وهم يرون سهيل فردا في‬
‫جيش يتمادى في تفاوضه‪ ..‬فلم ينله أحد بأذى وإنما مرجعهم‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ..‬ورسول الله يسعه بالحلم‬
‫حتى وصل إلى الغاية المنشودة من الصلح‪ ..‬وانبلج الصبح فإذا‬
‫الصلح فتح‪ ..‬والغبن في الظاهر نصر‪ ..‬سمعوا كلم الله‬
‫وعظمت حرمات الله‪..‬‬
‫وكلما أوقدوا نارا بها احترقوا ** وأحدثوا الحرب فيهم يحدث‬
‫الحرب‬
‫هكذا تبدوا شجاعة وسياسة رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫العملقة‪ ..‬إلى جانب سطحية التفكير لدى زعماء المشركين‪..‬‬
‫فشرطهم الذي اشترطوه تعنتا واستعلء‪ ..‬كان وبال عليهم حيث‬
‫سبب لهم حروبا عصابات على أيدي أبي بصير وصحبه لم‬
‫يحسبوا لها حسابا‪..‬‬
‫حتى أقامت رؤوسا كان يحبلها ** أجلف قوم وفي أعناقهم صعر‬
‫فقدوا الهدف العلى من الصلح‪ ..‬وهو تأمين طريقهم إلى‬
‫الشام‪ ..‬فعادوا خاضعين ذليلين يعلنون تنازلهم عن شرطهم‬

‫‪117‬‬
‫الجائر‪ ..‬ويرجون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤوي‬
‫كل من جاءه من المسلمين‪..‬‬
‫فصار لواء الحق بالنصر خافقا ** وظل لواء الشرك بالذل يقهر‬
‫فما هو في صورته الظاهرة ظيم للمسلمين‪ ..‬هو عز وفتح ونصر‬
‫مبين‪ ..‬نزلت السكينة على المؤمنين ودخل في دين الله أضعاف‬
‫ما دخل قبل من المشركين‪ ..‬وما فتح في السلم فتح قبله كان‬
‫أعظم منه‪ ..‬وتم تحييد قريش وتكبيلها بهذه المعاهدة‪ ..‬فلم‬
‫يفكروا في الحرب لعشر سنين‪ !!..‬فحول المسلمون المعركة‬
‫إلى اليهود وغيرهم من المجرمين‪..‬‬
‫عافوا المذلة في الدنيا فعندهم ** عز الحياة وعز الموت سياني‬
‫تلكم هي الشجاعة حقا يا معشر الخوة‪:‬‬
‫تريث في غير عجلة‪ ..‬تثبت في تؤدة‪ ..‬بعد نظر في أصالة رأي‪..‬‬
‫لزم الوحي مع اتهام الرأي‪ ..‬قضاء المصالح على أحسن وجه‪..‬‬
‫درء المفاسد في أجمل هيئة‪..‬‬
‫من يلقي النار بالنار يزهدها ** لهبا إطفائه يغدوا محال‬
‫الحد والشدة ليست لوازم قوة‪ ..‬والتعقل والمدارات ليست‬
‫مؤشرات ضعف‪ ..‬والحزم والقوة والشجاعة حقا فعل ما ينبغي‬
‫كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي‪!!..‬‬
‫وريث المثابر أمضى خطا ** وأبلغ من قفزات الصخب‬
‫وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ":‬ليس الشديد‬
‫بالسرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"‬
‫والسيف ل يمضي بدون روية ** والرأي ل يمضي بغير مهند‬
‫وقد يدفع النسان عن نفسه الذى ** بمقوله إن لم يدافعه باليد‬
‫كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس‪ ..‬خاض غمار الحروب‬
‫في سبيل الله‪ ..‬لعلء كلمة الله حتى لم تكن فتنة وكان الدين‬
‫كله لله‪..‬‬
‫أزال ظلم الغي عن نير الهدى ** وحكم سيف الحق في كل‬
‫باطل‬
‫مضى فعله المشتق من مصدر العل ** فصح له منه اشتقاق‬
‫اسم فاعل‬
‫في يوم حنين اختل نظام جيشه وانفض عنه معظمه‪ ..‬وهو ثابت‬
‫في الميدان ل يبرح‪ ..‬مقبل ل يدبر‪ ..‬ظاهر ل يتوارى‪ ..‬وكيف‬
‫يتوارى عن الموت‪ ..‬من يوقن أن موته انتقال من حياة نصب‬
‫ومشقة‪ ..‬إلى ما اشتهت نفسه ولذت عينه‪ ..‬يركض بغلته البيضاء‬
‫في نحر العدو‪ ..‬ويترجل عنها حينا‪ ..‬فل يرى أحد أشد منه يومئذ‪..‬‬
‫كالسيل في دفعاته‪ ..‬والسيف في عزماته‪ ..‬والموت في وثباته‪..‬‬
‫يشهر نفسه وهو هدف العدو العلى‪ ..‬ويزأر‪ ..‬هلموا إلي أيها‬

‫‪118‬‬
‫الناس‪ ..‬أنا رسول الله‪ ..‬أنا محمد ابن عبد الله‪ ..‬أنا النبي ل‬
‫كذب‪ ..‬أنا ابن عبد المطلب‪..‬‬
‫تخرج اللفاظ من فيه كما ** تخرج الدرة من جوف الصدف‬
‫له عزمة لو صادمت ركن يذبل ** ورضوى لهدت يذبل ومحت‬
‫رضوى‬
‫مناديه ينادي‪ :‬يا أصحاب السمرة‪ ..‬يا أصحاب سورة البقرة‪ ..‬فجر‬
‫النداء مكامن الباء‪ ..‬وثاب الفار منهم ولبى‪ ..‬وأما الصوت وحاله‪:‬‬
‫يا رسول الله هانا ذا‪..‬‬
‫أنا بعض منك والكف على ** كل حال ل تضيع المعصم‬
‫وحمي الوطيس وبذل النفيس‪ ..‬ورمى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم وجوه القوم بقبضة من تراب قائل‪ :‬شاهت الوجوه‬
‫فما خلق الله إنسانا منهم‪ ..‬إل ملئت عيناه من تلك القبضة فولوا‬
‫مدبرين‪..‬‬
‫قد زلزل الرعب أيديهم وأرجلهم ** وعاد ثعلب قفر ذلك السد‬
‫فمجدل ومرمل وموسد ومضرج ومضمخ ومخضب‪ ..‬ونزلت‬
‫مد ُ‬ ‫موا ْ َوال َ‬
‫ح ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫داب ُِر ال ْقَوْم ِ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قط ِعَ َ‬‫السكينة على المؤمنين‪)..‬فَ ُ‬
‫ن(‪..‬‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ل ِل ّهِ َر ّ‬
‫ومن لذ بالله في دربه ** كفاه المهيمن من كل شر‬
‫كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس على الطلق‪ ..‬فر عنه‬
‫الكماة البطال غير مرة ‪ .‬وما أحصيت غير مرة‪ ..‬ذهل عنه‬
‫الشجعان ووجم الفرسان غير مرة‪ ..‬ولم يحفظ له وجمة‪..‬‬
‫على الزعازع والهوال والباس ** لو مادت الرض يبقى الشامخ‬
‫الراسي‬
‫ما وقعت هيعة أو صيحة أو فزع‪ ..‬إل تقلد السيف في عنقه وبادر‬
‫ظهر الفرس يسبق إلى العدو‪ ..‬يستبرأ الخبر ويطمئن أصحابه‬
‫بشعار‪ ..‬لن تراعوا لن تراعوا‪..‬‬
‫ليس يدنوا الخوف منه أبدا ** ليس غير الله يخشى أحدا‬
‫يغدوا وهوج الذاريات رواكد ** ويبيت يسري والكواكب نوموا‬
‫وحسبه أنه نبي‪ .......‬كان النبي صلى الله عليه وسلم أشجع‬
‫الناس يحقر كل ما يسميه الناس خطرا‪ ..‬يثبت حين تزلزل أقدام‬
‫البطال رهبا‪ ..‬موقفه أقرب موقف من عدوه‪ ..‬إذا اتقدت جمرة‬
‫الحرب آوى الناس إليه وإحتموا بظله‪..‬‬
‫يتقي الموت به أشياعه ** حين جف الريق وانشق البصر‬
‫يشهد بذلك غصن من دوحته وجزء من جملته‪ ..‬يؤكد العيان‬
‫بالبيان ويؤد الصطاح بالمصباح‪ ..‬إنه علي رضي الله عنه فارس‬
‫الفرسان وفتى الفتيان‪ ..‬البطل المقدام همام الهمام الليث‬

‫‪119‬‬
‫الكرار‪ ..‬مفرق كتائب الكفار من روي في شجاعته مشهود‬
‫الخبار‪ ..‬ما أمسك بذراع علج إل حار وانقطع نفسه وخار‪..‬‬
‫لو عاين السد الضرغام لمته ** ما ليم أن ظن رعبا أنه السد‬
‫يقول علي رضي الله عنه في رسول الله صلى الله عليه وسلم‪..‬‬
‫ولقد رأيتنا يوم بدر وقد حمي البأس واحمرت الحدق‪ ..‬ونحن نلوذ‬
‫ونتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو‬
‫وأشدنا بأسا‪ ..‬وإن الشجاع منا للذي يحاذي به‪..‬‬
‫له من بديع العزم ما لو تلوته ** على جبل لنهال في الدوي ربده‬
‫له هيبة في قوله وفعاله ** فلوا شاهدته السد كانت تهابه‬
‫هذه شهادة علي‪ ..‬وحسبه أنه رسول نبي‪..........‬‬
‫ل تسألن القوافي عن شجاعته ** إن شئت فاستنطق القران‬
‫والصحف‬
‫كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس لم يمل صدره هول قط‪..‬‬
‫وما كر إل كان أول طاعن ول عاينته الخيل إل اقشعرت‪..‬‬
‫يكون أمام الخيل أول طاعن ** ويضرب أخراها إذا هي ولت‬
‫ي ابن خلف قال بعد بدر متهددا‪ ..‬إني لي فرسا أعلفه‬ ‫روي أن أب ّ‬
‫كل يوم فرقا من ذرة أقتل عليها محمدا‪..‬‬
‫ظل عنك المحال يا من تعنى ** ليس يلقى الرجال غير الرجال‬
‫ي ** ودونه خياطف إلود صعاب مراتبه‬ ‫هيهات لقد رمت أمرا يا أب ّ‬
‫ي أراداها ** رأى نفسه أذل من القرد‬ ‫شماريخ لو أن أب ّ‬
‫فُروا ْ إ َِلى‬
‫ن كَ َ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م ي ُغْل َُبو َ‬
‫سَرة ً ث ُ ّ‬
‫ح ْ‬ ‫ن ع َل َي ْهِ ْ‬
‫م َ‬ ‫م تَ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫قون ََها ث ُ ّ‬ ‫ف ُ‬‫سُين ِ‬‫)فَ َ‬
‫ن(‪ ..‬بلغت المقالة رسول الله صلى الله عليه‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م يُ ْ‬‫جهَن ّ َ‬
‫َ‬
‫وسلم وهو بالمدينة‪ ..‬بل أنا أقتله عليها إن شاء الله‪ ..‬وحاله‪:‬‬
‫ي ثوابها‬ ‫فأنتم وعدتم بالهدية قبلنا ** فكان علينا يا أب ّ‬
‫ي‬
‫وفي يوم أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم أب ّ‬
‫فآذنوني‪ ..‬لنه صلى الله عليه وسلم ل يلتفت في القتال وراءه‪..‬‬
‫هزبر تفادى السد من وثباته ** لو مربض عنه يحيد الكابر‬
‫إذا ما رأته العين غير لونها ** له واقشعرت من عراه الدوائر‬
‫ي يركض فرسه متدرعا بالحديد مملوء الوطاب من سوء‬ ‫أقبل أب ّ‬
‫أدب الخطاب‪..‬‬
‫لو أن خفة عقله في رجله ** سبق الغزال ولم يفته الرنب‬
‫يبحث عن حتفه بظلفه ** ويجدع مارن أنفه بكفه‬
‫يصيح بأعلى صوته‪ :‬يا محمد ل نجوت إن نجوت‪ ..‬يا محمد ل‬
‫نجوت إن نجوت‪ ..‬فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬يا‬
‫رسول الله ما كنت صانع حين يغشاك فقد أتاك‪ ..‬وإن شئت‬
‫عطف عليه بعضنا فكفاكه‪ ..‬فأبى صلى الله عليه وسلم أشد‬
‫الباء‪..‬‬

‫‪120‬‬
‫بطل تشيعه السود إذا غزى ** حتى وثقنا أنها من جنده‬
‫قنصت مهابته البزات وصادت ** السد الكماة قشاعم من جرده‬
‫فصاح أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما أبى‪ :‬نوصيك‬
‫بالبغل شرا فإنه ابن الحمار‪ ..‬رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫لم يبادره‪ ..‬بل تركه يرعد وهو في غاية السكون والتؤدة‬
‫والهدوء‪..‬‬
‫وهدوء أمواج البحار تأهب ** للمد يكتسح الشواطىء صرصرا‬
‫إذا رأيت الموج في البحر سكن ** فالموت كامن لغراق السفن‬
‫ما أحد يشبهه صلى الله عليه وسلم ول يكون له إذا جد الجد‪..‬‬
‫يتلشى البحر في نيرانه ** ويخاف البحر من طوفانه‬
‫ي تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة ثم‬ ‫ولما دنى أب ّ‬
‫هزها‪ ..‬وحاله‪:‬‬
‫اقترب الوعد وحان الهلك ** وكل ما تحذره قد أتاك‬
‫ثم انتفض بالحرمة كما ينتفض البعير‪ ..‬فتطاير الصحابة من حوله‬
‫تطاير الشعارير‪ ..‬هيبة له حتى إذا رضيها عطف عليها بالفاء ل‬
‫جة بين درعه وبيضته‪ ..‬فأقتلعه‬ ‫بثم‪ ..‬فضربه بها في عنقه في فر َ‬
‫من على فرسه فخر‪..‬‬
‫فلم يزده الله إل هوانا ** وهو مهتضم حقير‬
‫وكان كفاقع عينيه عمدا ** فأصبح ل يضيء لها النهار‬
‫جعل يخور كما يخور الثور‪ ..‬قتلني محمد‪ ..‬قتلني محمد‪ ..‬وعاد‬
‫عواء بعد نبح هريره‪..‬‬
‫متبرقعا لؤما كأن عيونه ** طليت حواجبها عنية قاري‬
‫لم تغني عنه سيوف الهند مصلتتا ** لما أتته سيوف الواحد‬
‫الصمد‬
‫جاءه أصحابه يقولون‪ :‬أبا عامر والله ما بك من بأس ولو كان‬
‫الذي بك بعين أحدنا ما ضره‪ ..‬فقال‪ :‬واللت والعزى لو كان الذي‬
‫بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون‪ ..‬أليس قال لقتلنك‪ !!..‬والله‬
‫لو بصق علي لقتلني‪ ..‬فأصمت منهم كل من كان ينطق‪!!..‬‬
‫وما هم إل بائل من مخافتي ** وآخر منهم ظل بالريق يشرق‬
‫ي بالصفقة الخاسرة ** وضيع الدنيا والخرة‬ ‫وباء أب ّ‬
‫وهلك في طريقهم إلى مكة ول يجني الظالم إل على نفسه‪..‬‬
‫ومن ينزوا في أرض تسوخ فإنه ** على قدر ما ينزو يغوص‬
‫ويغرق‬
‫شجاعة أعجزت قولي ** وفخري أن يلم بها لماما‬
‫ولول إحتقار السد شبهتها به ** ولكنها معدودة في البهائم‬
‫كل الذي قلت شيء من شجاعته ** ما زدت إل لعلي زدت‬
‫نقصانا‬

‫‪121‬‬
‫فمن رام من شجاعة المختار كل الخبار‪ ..‬فدونه نزح البحار وما‬
‫هذه كلها إل إيماض برق باختصار‪!!..‬‬
‫ألفاظها نمت على مضمونها ** وصدورها دلت على العجاز‬
‫قولوا لشباه الرجال تصنعا ** إل تكونوا مثله فتقنعوا‬
‫معشر الخوة‪:‬‬
‫خلق‪ ..‬ما قام لله ناصح وما نفح‬ ‫أما إنه لول اليمان مقرونا بهذا ال ُ‬
‫عن السلم منافح‪ ..‬إن الشجاعة ليست منازلة في الحروب‬
‫فحسب‪))!!..‬الشجاعة(( تكليف يلتزم المسلم أداءه في السلم‬
‫والحرب‪ ..‬المر والنهي عن المنكر في عالم ضال))شجاعة((‪..‬‬
‫الدعوة إلى الصلح في أمة فاسدة النظم))شجاعة((‪ ..‬الثبات‬
‫أمام الشبهات والشهوات))شجاعة((‪ ..‬فعل أوامر الله والكف‬
‫عن نواهي الله))شجاعة((‪ ..‬الدفاع عن النفس والمال والعرض‬
‫والدين والمظلوم))شجاعة((‪ ..‬ثبات المسلمة أمام شبهات أدعياء‬
‫تحرير المرأة))شجاعة((‪..‬‬
‫هكذا كوني ول تخشي أذى ** من أحب الشهد قاس البرا‬
‫النفاق في السراء والضراء وكظم الغيظ والعفو عن‬
‫الناس))شجاعة((‪ ..‬المجاهدة على ذلك كله))شجاعة((‪..‬‬
‫وكل شجاعة في المرء تغني ** ول مثل الشجاعة في الحكيم‬
‫معشر الخوة‪:‬‬
‫خلق نصر السلم على يدي أبي بكر رضي الله عنه يوم‬ ‫بهذا ال ُ‬
‫الردة‪ ..‬والمام أحمد رحمه الله يوم المحنة‪..‬‬
‫وإن لم يسر نجل السري بسيره ** فل بدع إن طال العدى إنه‬
‫دعي‬
‫خلق هو الذي ترجم معنى ل إله إل الله في قلب عبدالله‬ ‫هذا ال ُ‬
‫رضي الله عنه ابن رأس النفاق أبي‪ ..‬حين بلغه أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم مر بأبيه ودعاه‪ ..‬فخمر أنفه وقال‪ :‬غبر‬
‫علينا ابن أبي كبشة إليك عنا فقد آذانا نتن حمارك‪ ..‬فغضب‬
‫ن ِبالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫وما ً ي ُؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫جد ُ ق َ ْ‬ ‫عبدالله لله‪ ..‬وفي ظلل قول الله‪َ)..‬ل ت َ ِ‬
‫م(‪ ..‬أتى‬ ‫كاُنوا آَباءهُ ْ‬ ‫ه وَل َوْ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫حاد ّ الل ّ َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬
‫ن َ‬
‫دو َ‬
‫وا ّ‬ ‫َوال ْي َوْم ِ اْل ِ‬
‫خرِ ي ُ َ‬
‫رسول الله وقال‪ :‬يا رسول الله والذي أكرمك بالهدى ودين الحق‬
‫لن شئت لتيتك برأسه‪ ..‬حاله‪:‬‬
‫وإني لرجوا أن أنال بقتله ** من الله أجرا مثل أجر المرابط‬
‫فقال صلى الله عليه وسلم‪ .....:‬ل‪ ......‬ولكن بر أباك وأحسن‬
‫صحبته‪ ..‬والحال‪:‬‬
‫فما البحر الخضم يعاب يوما ** إذا بالت بجانبه القرود‬
‫خلق مع اليمان هو الذي حرك الغيرة في قلب الشيخ‬ ‫هذا ال ُ‬
‫المحاربي‪ ..‬حين رأى منكرا على الحجاج ل يسعه السكوت عليه‪..‬‬

‫‪122‬‬
‫فأنكر عليه وهو يستشعر أن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان‬
‫جائر‪ ..‬فقال له‪ :‬أسكت وأغرب والله لقد هممت أن أخلع لسانك‬
‫فأضرب بها وجهك‪..‬‬
‫فقال الشيخ بعزيمة جبارة لو ** حملت أحدا لما شعرت له‬
‫بكلل‬
‫سبحان الله إن صدقناك أغضبناك وإن غششناك أغضبنا الله‪ ..‬ول‬
‫والله الذي ل إله إل هو‪ ..‬لغضب المير أهون من غضب الله‪..‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه( ثم مضى‪ ..‬وحاله‪:‬‬‫ري إ َِلى الل ّ ِ‬
‫م ِ‬‫ضأ ْ‬‫)وَأفَوّ ُ‬
‫فما دحضت رجلي ول زل مقولي ** ول طاش عقلي يوم تلك‬
‫الزلزل‬
‫وما أنا ممن تقبل الضيم نفسه ** ويرضى بما يرضى به كل‬
‫مائق‬
‫خلق مع اليمان هو الذي جعل عبادة في فتنة القول بخلق‬ ‫هذا ال ُ‬
‫القرآن يصدع ويقول‪ :‬كلم الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه‬
‫يعود‪ ..‬ثم كان حجة يفهم من يقول بذلك القول‪ ..‬حين دخل يوما‬
‫على الواثق وقال‪ :‬يا أمير المؤمنين أعظم الله أجرك في‬
‫القرآن‪ !!..‬قال‪ :‬ويلك القرآن يموت‪ !!..‬قال‪ :‬يا أمير المؤمنين‬
‫كل مخلوق يموت‪ ..‬ثم موه عليه ومخرق‪ ..‬قال‪ :‬بالله يا أمير‬
‫المؤمنين من يصلي بالناس التراويح إذا مات القرآن‪..‬‬
‫فأعاد الحر منهم حائرا ** وثنا منهم المنطيق مفحما‬
‫سيرت سفنهم في بحره ** فهوت في قعره والتطما‬
‫سدت الطريق وأغص بالريق ويئس من الساحل الغريق‪!!..‬‬
‫وإن رغمت أنوف من أناس ** فقل يا رب ل ترغم سواه‬
‫كلم السيف يوما ** لتبلغ مثل ما بلغ الكلم‬ ‫وما كانت ِ‬
‫خلق مع اليمان هو الذي جعل دعاة القيم يزدرون حطام‬ ‫هذا ال ُ‬
‫الدنيا وينظرون بشفقة ورثاء لمن يلهث ورائها كخادم لسيده‪..‬‬
‫تراه يشفق من تضييع درهمه ** وليس يشفق من دين يضيعه‬
‫حداه في درهمه أعز عندي من وحيد أمه كل المنى في ضمه‬
‫وشمه‪ ..‬فرفعوا أصواتهم إنما هذه الحياة الدنيا متاع‪ ..‬من هؤلء‬
‫شاعر مسلم شجاع استنفر فوجب عليه النفير‪ ..‬لما سمع يا خيل‬
‫الله اركبي وبالجنة ابشري‪ ..‬خرج مجاهدا في سبيل الله أمسكت‬
‫به زوجته وهي تبكي وتقول‪ :‬كيف تخرج وتتركني‪..‬؟! إلى من‬
‫تدعني‪..‬؟! فكر وتأمل ورأى أن ل عذر له فولى وهو يغالب‬
‫عواطفه‪ ..‬يقول‪:‬‬
‫باتت تذكرني بالله قاعدة ** والدمع ينهل من شانيه سبل‬
‫يا بنت عمي كتاب الله أخرجني ** كرها وهل أمنع الله ما فعل‬
‫فإن رجعت فرب الكون أرجعني ** وان لحقت بربي فابتغي بدل‬

‫‪123‬‬
‫ما كنت أعرج أو أعمى فيعذرني ** أو ضارع من ضنا لم يستطع‬
‫هول‬
‫ثم مضى شجاعا آثر الله ورسوله والدار الخرة وجعل الدنيا دابة‬
‫يركبها يستخدمها ول يخدمها حداءه‪..‬‬
‫اختر لنفسك منزل تعلوا به ** أو مت كريما تحت ظل القسطل‬
‫موت الفتى في عزة خير له ** من أن يعيش أسير طرف أكحل‬
‫عبد الله‪...........‬‬
‫من يرضى بالعير يهجر كاهل الفرس ** أتطلب جيفة الغربان يا‬
‫خير الشياهين‬
‫خذها رافعيا إذا رأيت أمة فتنت بدنياها‪ ..‬فاعلم أنها أمة جبانة‬
‫مأكولة مفلولة‪ ..‬فلو شهرت السيف الماضي‪ ..‬لقاتل في يدها‬
‫بروح ملعقة‪ ..‬ولو رعدت بالسطول المهول‪ ..‬لصلصل كآنية‬
‫المطبخ‪..‬‬
‫أسود لدى البيات عند نسائهم ** ولكنهم عند الهياج نقانق‬
‫إذا أبصروا شخصا يقولون جحفل ** وجبن الفتى سيف لعينيه‬
‫بارق‬
‫فل رحم الله امرأ باع دينه ** بدنيا سواه وهو للحق رامق‬
‫‪........ .. .. .. .. ..‬‬
‫خلق مع خوف الله هو الذي جعل القاسم ابن محمد رحمه‬ ‫هذا ال ُ‬
‫الله أحد الفقهاء السبعة يقول لمن سأله عن شيء ل يعلمه‪ :‬ل‬
‫أعلمه‪ ..‬ل أحسنه‪ ..‬فجعل يقول الرجل‪ :‬إني أرسلت إليك ل‬
‫أعرف غيرك‪ !!..‬فقال القاسم‪ :‬ل تنظر إلى طول لحيتي وكثرة‬
‫الناس حولي‪ ..‬والله ل أحسنه‪ ..‬ووالله لن يقطع لساني أحب‬
‫ي من أن أتكلم بما ل علم لي به‪..‬‬ ‫إل ّ‬
‫نأى بأعطافه من خوفه ورسا ** بأصله وسما بالنف والراسي‬
‫فقال شيخ من قريش كان بجنبه‪ :‬إلزمها فوالله ما رأيتك في‬
‫مجلس أنبل منك اليوم‪!!..‬‬
‫تحكي السماء إذا أنوارها لمعت ** برج ببرج ونبراسا بنبراس‬
‫كم شارب عسل فيه منيته ** وكم تقلد سيفا من به ذبحا‬
‫س ب ِغَي ْرِ ِ ْ‬ ‫)فَم َ‬
‫م(‪..‬‬‫عل ٍ‬ ‫ل الّنا َ‬ ‫ذبا ً ل ِي ُ ِ‬
‫ض ّ‬ ‫ن افْت ََرى ع ََلى الل ّهِ ك َ ِ‬
‫م ِ‬
‫م ّ‬ ‫ن أظ ْل َ ُ‬
‫م ِ‬ ‫َ ْ‬
‫خلق مع القرآن هو الذي جعل الشيخ ابن باز رحمه الله‬ ‫هذا ال ُ‬
‫أسد إذا علم بظلم يقع على المسلمين أو عدوان على شريعة‬
‫رب العالمين‪..‬‬
‫الحلم شيمته ولكن حينما ** يعصى الله فإنما هو ضيغم‬
‫فل يغرنك وجه راق منظره ** فالنصل فيه المنايا وهو بسام‬
‫يقول المجذوب رحمه الله‪ :‬حينما كان الشيخ للجامعة السلمية‬
‫صدر حكم بقتل أحد الدعاة في بلد ما فاعترى الشيخ ما يعتري‬

‫‪124‬‬
‫المؤمن من غم في هذه النازلة التي تستهدف السلم‪ ..‬فنفسه‬
‫تخذل عنه يقول المجذوب‪ :‬فكلفني بصياغة برقة لحاكم ذلك‬
‫البلد‪ ..‬قال‪ :‬فكتبتها بقلب منذر يقطر غيرة وغضبا وجئت بها‬
‫وكلي يقين أنه سيدخل على لهجتها من التعديل ما يجعلها إلى‬
‫لغة المسئولين المنذرين‪ ..‬لكنه حطم كل توقعاتي‪ !!..‬فأقرها‬
‫مدا ً‬ ‫منا ً ّ‬
‫مت َعَ ّ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫ل ُ‬ ‫قت ُ ْ‬‫من ي َ ْ‬ ‫جميعا ثم قال أضف إليها قول الله‪)..‬وَ َ‬
‫ذابا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه عَ َ‬ ‫ه وَأع َد ّ ل ُ‬ ‫ه ع َلي ْهِ وَلعَن َ ُ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫خاِلدا ً ِفيَها وَغ َ ِ‬
‫ض َ‬ ‫م َ‬
‫جهَن ّ ُ‬ ‫فَ َ‬
‫جَزآؤ ُه ُ َ‬
‫ظيمًا(‪ ..‬وأرسلت الرسالة وقضى الله قضاءه وقد أدى الشيخ‬ ‫عَ ِ‬
‫ما عليه رحمه الله‪ ..‬وحالـه‪:‬‬
‫وما كل نفس تحمل الذل إنني ** رأيت احتمال الذل شأن‬
‫البهائم‬
‫ول خير في العيدان إل صلبها ** ول ناهضات الطير إل صقورها‬
‫ول عجب يا معشر الخوة فقد نقل عنه أنه قال يوما‪ :‬والله منذ‬
‫عقلت إلى اليوم ما أعلم أني عملت عمل لغير الله‪..‬‬
‫تعود صدق القول حتى لو أنه ** تكلف قول غيره ل يجيده‬
‫فرحمه الله‪.............‬‬
‫خلق مع الحق هو الذي جعل شابا مسلما يدخل في جموع‬ ‫هذا ال ُ‬
‫النصارى‪ ..‬ليفحم كبيرهم حين وقف يتحدث عن عيسى عليه‬
‫السلم ويضعه في منزلة الله ويقول‪ :‬من قال آمنت بعيسى إله‬
‫لم يضره شيء ولم يتعرض لذى‪ !!..‬واستمر بعقول الناس‬
‫ويداعب خيالهم وآمالهم بتعاليل ل تطفىء الغليل‪!!..‬‬
‫كلم كل ما فيه هراء ** وأشخاص الحكاية أغبياء‬
‫فقل أين التصامم والعماء ‪..‬؟! لكن أعذب الصوات عند الحمير‬
‫صوت الحمار‪ ..‬عندما انتهى قام الشاب المسلم الشجاع وسأله‬
‫قائل‪ :‬هل فعل أنت تؤمن حق اليمان بأن من قال آمنت بعيسى‬
‫إله ل يضره شيء‪..‬؟! قال القس‪ :‬نعم‪ !!..‬فأخرج الشاب كأسا‬
‫استجلس بها الراكب واستركب بها الجالس وقال‪ :‬إن في هذه‬
‫الكأس سما نوعه كذا ودرجة تأثيره كذا أرجوا أن تثبت لنا‬
‫بطريقة عمليه تترجم صدق إيمانك بما قلت وتشرب بما في‬
‫داخل هذه الكأس‪..‬؟!‬
‫فمحا بنور الحق آية ليلهم ** وتطايروا كالحمر لقت قسورا‬
‫اتضح الحق‪ ..‬والقس افتضح ‪ ..‬إسود وجه‪ ..‬وأربد وهدد وأرعد‪..‬‬
‫ثم لن الجعد وسكن الرعد‪ ..‬وحاله‪:‬‬
‫ل مساس‪ ..‬لله المر من قبل ومن بعد‪ ..‬كالسامري يقول إن‬
‫حركته دعني ‪ ..‬فليس علي غير إزاري‪!!..‬‬
‫كذلك يعلوا الحق والحق واضح ** ويسهل كعب الزور والزور‬
‫عاثر‬

‫‪125‬‬
‫خلق مع اليمان هو الذي جعل المهلب يعرض عن من‬ ‫هذا ال ُ‬
‫شتمه وأقذعه وبهته بما ليس فيه‪ ..‬ولما قيل له‪ :‬لما ل ترد‬
‫عليه‪..‬؟! قال‪ :‬ل أعرف مساوئه وأخشى الله أن أبهته بما ليس‬
‫فيه‪!!..‬‬
‫ومن الناس اسود خدر**ومن الناس ذباب وطنين‬
‫خلق مع إيمان كالجبال هو الذي حرك سيف الله ليث‬ ‫وهذا ال ُ‬
‫السلم وفارس المشاهد‪ ..‬أبا سليمان خالد رضي الله عنه فدمر‬
‫جيش مهران الفارسي مع نصارى العرب بأكمله‪ ..‬دون أن يخسر‬
‫جنديا واحدا‪!!..‬‬
‫يستسهل الصعب إن هاجت حفيظته ** ل يشاور إل السيف إن‬
‫غضبا‬
‫لما إلتقى جيش السلم بجيش الفرس مع النصارى العرب قال‬
‫أحد نصارى العرب لمهران الفارسي‪ :‬دعنا وخالدا نحن العرب‬
‫أعلم بقتال العرب‪ ..‬فقدمه مهران الفارسي ليتقي به‪..‬‬
‫وكيف يجيء البغل يوما بحاجة ** تسر وفيه للحمار نصيب‬
‫ولكن‪...........‬؟!‬
‫وإذا الحمار بأرض قوم لم ** يروا خيل قالوا أغروا محجل‬
‫بلغت المقالة خالدا رضي الله عنه فعزم على أن يلقن المغرور‬
‫درسا لكل مغرور ويخبره أي رجال حرب هم المسلمون‪ ..‬وفي‬
‫أناة القطاة ووثوب السد قام عاشق المفاجأة من ل ينام ول‬
‫ينيم‪ ..‬ول يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه‪ ..‬وقال‪:‬‬
‫إني حامل عليه بعينه ومينه‪!!..‬‬
‫فما كان إل الليث انهوه الطوى ** وما كان إل السيف فارقه‬
‫الغمد‬
‫خرج إليه في جريدة من الخيل وهو مشغول بتسوية صفوف‬
‫جيشه وجيشه منشغل بالنظر إلى خالد‪ ..‬ما عسى أن يفعل أمام‬
‫عشرات اللف وبينا هم غارقون في دهشتهم‪ ..‬إذ انقض خالد‬
‫في أسلوب صاعق مفاجىء كالبرق الخاطف والرعد القاصف‬
‫والريح العاصف‪ ..‬على المغرور فاختطفه من بين يدي جيشه كأنه‬
‫ذباب‪..‬‬
‫ذباب طار في لهواته ليث ** كذاك الليث يلتهم الذباب‬
‫حمله على فرسه كما يحمل الصبي الرضيع ليرجع به إلى‬
‫المسلمين‪ ..‬وحاله‪:‬‬
‫فلو كنت حر العرض أو ذا حفيظة ** غلبت ولكن لم تلدتك‬
‫الحرائر‬
‫ثم قال له خالد نفس مقالته‪ :‬نحن العرب أعلم بقتال العرب‪ ..‬ثم‬
‫قده بالسيف ورماه على الجسر وقال‪ :‬هكذا فاصنعوا بهم‪ ..‬لله‬

‫‪126‬‬
‫در أبي سليمان‪ ..‬إنتضح بحره فأغرق‪ !!..‬وقدح زنده فأحرق‪!!..‬‬
‫فصار حيهم ميتا وهذرهم صمتا وجبالهم ل ترى فيها عوجا ول‬
‫أمتا‪ ..‬لم يتحملوا الصدمة فلذوا بالفرار‪!!..‬‬
‫وضاقت الرض حتى صار هاربهم ** إذا رأى غير شيء ظنه رجل‬
‫فركبهم المسلمون يقتلون ويأسرون ويسبون وهرب من هرب‬
‫منهم إلى الحصن ثم نزلوا على رأيه فدمر جيشهم بأكمله ولم‬
‫يخسر من جيشه‪!!..‬‬
‫ل يغمد السيف إل بعد ملحمة ** ول يعاقب إل بعد تحذير‬
‫بعض المواقف يا رجال حرائر ** والبعض يا ابن الكرمين إماء‬
‫ما جاء سيف الله من خمارة ** ما أنجبته الليلة الحمراء‬
‫حالـه‪:‬‬
‫أناضل عن دين عظيم وهبته ** عطاء مقل مهجتي وحياتيا‬
‫فممتثل لله أسلم وجهه ** يقول أنا وحدي سأحمي دينيا‬
‫بظهري ببطني بالذراع بمقلتي ** بجنبي بعظم الصدر حتى‬
‫التراقيا‬
‫على ذروة التوحيد تخفق رايتي ** وتحت روابيها تصب دمائيا‬
‫بمثل هذا الشجاعة في إيمان بالله ترتفع راية الله‪ ..‬في أرض‬
‫الله‪ ..‬وعندها يفرح المؤمنون بنصر الله‪ ..‬ل توهمه بعيدا إنما‬
‫التي قريب‪!..‬‬
‫لكن النصر ل يأتي ** جزافا بائنا عن مقصدي‬
‫لكنه بالصبر واليمان**ل الفعل الردي‬
‫يا قوموا إن الله أكبر**من جموع المعتدي‬
‫فامضوا على نهج الرسول**وعزمه المتوقدي‬
‫تجمل أيها السي**وبث الخير في الناسي‬
‫وقرب فارس اليمان**واطرد فارس اليأسي‬
‫ليزرع دربنا وردا**ويتحفنا بريحاني‬
‫ويقطع مارد الشواك**في رفق وإحساني‬
‫ويسقي من معين الوحي ** عذبا كل ظمآني‬
‫أيها الجيل‪:‬‬
‫إن سلحنا الذي ل يفل هو إيماننا‪ ..‬فكلما قوي إيماننا ازداد يقيننا‬
‫مُنوا(‪..‬‬
‫نآ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫دافِعُ ع َ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يُ َ‬ ‫بتحقق وعد الله بالدفاع عنا‪)..‬إ ِ ّ‬
‫أيها الجيل‪:‬‬
‫مالنا من فائت أضعناه من خصال أسلفنا‪ ..‬وحرمناه بسوء‬
‫فعالنا‪ ..‬مثل الشجاعة بل تهور ول حماقة‪ ..‬ولعمر الله‪ ..‬إن تلك‬
‫الشجاعة لم تمت إنما هي كامنة‪ !!..‬ولم تنطفىء شعلتها فهي‬
‫في كنف القرآن والسنة آمنة‪ !!..‬وما دامت نفحات الوحي‬

‫‪127‬‬
‫تلمس القلوب والعقول على أيدي القدوات فلبد من يوم يتحرك‬
‫فيه ذلك العرق المخبوء ليأتي بالعجائب‪!!..‬‬
‫إن الرماح حدائد منبوذة ** حتى يثقف جنبيها سمهر‬
‫أيها الجيل الخاطب‪:‬‬
‫الشجاعة عقيلة كرام ل يساق في مهرها بهرج الكلم‪ !!..‬إنها‬
‫كريمة بيت ل تنال بلو أو ليت‪ !!..‬إنما تنال باليمان الثابت‪..‬‬
‫يظاهره مجاهدة ومصابرة‪ ..‬وقوة توكل في ثقة وحلم وأناة‬
‫وشدة بأس‪ ..‬بل يأس ول طمع ول فزع‪ ..‬مع نظر في سير أنبياء‬
‫الله‪ ..‬وكثرة ذكر لله وحبس للنفس مع منهم كذلك من عباد‬
‫الله‪...‬‬
‫ترنوا إلى تلك الوجوه التي ** فيها يضيء الليل بل يرحل‬
‫سب ُل ََنا(‪..‬‬ ‫دوا ِفيَنا ل َن َهْد ِي َن ّهُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫جاهَ ُ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫)َوال ّ ِ‬
‫من رام نيل الشيء قبل أوانه ** رام انتقال يلملم وعسيب‬
‫ومستعجل الشيء قبل الوان ** يصيب الخسارة ويجني التعب‬
‫أيها الجيل‪:‬‬
‫الحق ساهر والعدو وقح كافر‪ ..‬لم يعد يخشى من التصريح بنا‪..‬‬
‫يريد فعله في ديار المسلمين‪ ..‬ألفاظه محددة صريحة ل تورية‪..‬‬
‫فعلى المة أخذ الحذر في تعقل ووعي‪ ..‬ل يجر المة إلى معركة‬
‫ليست مستعدة لها‪ ..‬الهجمة عظيمة لو قدر لها أن تنجح فلن‬
‫تبقي ولن تذر‪ !!..‬وعندها تتحول المة عافاها الله‪ ..‬إلى رعاة‬
‫خنازير لعباد صليب‪!!..‬‬
‫فيا أمتي فكري في المصير ** فان الحساب علينا عسير‬
‫فلنطرح التصرفات الرعناء جانبا‪ ..‬لسنا دعاة حرب اليوم‪ ..‬بل‬
‫في حالة دفاع عن ضرورياتنا‪ ..‬من دين ونفس ومال وعرض‬
‫ومقدسات بكل وسيلة تنفع ول تضر‪ ..‬وليس يكون ذلك إل برد‬
‫المر إلى أهله الذين يستنبطونه‪ ..‬لسنا في حالة هجوم لكن علينا‬
‫أن نشعر من تسول له نفسه أن يقترب من حياضنا‪ ..‬أننا لسنا‬
‫اللقمة السائغة بل اللقمة المرة‪ !!..‬التي لن يشعر معها بسعادة‬
‫إن حاول بلعها أبدا‪ ..‬بل تسد حلقه حتى تقضي عليه والله غالب‬
‫على أمره‪..‬‬
‫أعداء الله مسلكهم خائب وكيدهم حابط‪ ..‬وسعيهم في ضلل‬
‫صر‪..‬‬ ‫وأخرتهم خزي ووبال‪ ..‬ولم يبق منا نحن إل أن ننصر الله ل ِن ُن ْ َ‬
‫م وَي ُث َب ّ ْ‬
‫ت‬ ‫صْرك ُ ْ‬ ‫صُروا الل ّ َ‬
‫ه َين ُ‬ ‫حققوا الشرط يحقق الله الجزاء‪ِ)..‬إن َتن ُ‬
‫َ‬
‫مك ُ ْ‬
‫م(‪..‬‬ ‫دا َ‬ ‫أقْ َ‬
‫عبد الله‪ ..‬تعرف سبيل المجرمين من كتاب رب العالمين‪ ..‬وجدد‬
‫اليمان وأكد التوحيد وزد نون التوكيد‪..‬‬
‫خذ يا مليك فكلنا ** من بحر جودك والعطا‬

‫‪128‬‬
‫خذ من سويدانا ** قرابين المحبة والول‬
‫ما ظل ماء في البحار ** وطار طير في السما‬
‫أيها الجيل‪:‬‬
‫إنما السائل من لون الناء‪ ..‬إن تأنيث السماء جبن يورث تأنيث‬
‫الشمائل والطباع‪ ..‬والظاهر يؤثر على الباطن‪ ..‬لقد كان‬
‫المسلمون على عدوهم صخورا وجنادل‪ ..‬يوم كان منهم صخر‬
‫وجندل‪!!..‬‬
‫وكانوا عليهم غصصا وسموما يوم كان فيهم مرة وحنظل‪!!..‬‬
‫وكانوا عليهم حسكا وشوكا يوم كان فيهم قتادة وعوسجا‪ !!..‬ول‬
‫يرضى بالسماء والكنى واللقاب الرخوة إل العبيد‪ !!..‬وما شاعت‬
‫هذه الرخاوة يوم كان المسلمون سادة ‪ !!..‬وما راجت بينهم إل‬
‫عندما أضاعوا السيادة والقيادة‪ !!..‬أما والله لو نادى منادي‬
‫ببعض هذه السماء في حظرة عمر رضي الله عنه لهاجت شرته‬
‫وبادرت بالجواب درته‪!!..‬‬
‫فإن لم يكن حسن فعال فليكن ** قوة اسم وكنية ولقب وحسن‬
‫فال‬
‫وعادت النصل أن يزهى بجوهره ** وليس يعمل إل في يدي‬
‫بطل‬
‫أيها الجيل‪:‬‬
‫المسلمون جسد واحد‪ ..‬ودار السلم دار واحدة‪ ..‬ل تقبل‬
‫القسمان‪ !!..‬فإذا حاول تفريقها محاول‪ ..‬سفهته السواحل باتحاد‬
‫أمواجها‪ ..‬وصدمته الجبال بتناوح أثباجها‪ ..‬واشتباه فجاجها‪..‬‬
‫وكذبته الصحاري بسرابها وسراجها‪ ..‬ومراتع غزلنها ونعاجها‬
‫ومراعي أذوادها وأعراجها‪..‬‬
‫لن نبلغ المال في دربنا ** ما لم نوحد سيرنا في اللقاء‬
‫وهل يهز العضو إذا لم ** تكن العضاء ذات التقاء‬
‫إن الخلف جبن وفشل وذهاب ريح‪ ..‬والشاهد وحي الله‪ ..‬ل يكاد‬
‫خت َل َ َ‬
‫ف‬ ‫يذكر الحزاب بلفظ الجمع إل في مقام الهزيمة والخلف)َفا ْ‬
‫م(‪ ..‬ول يكاد يذكر الحزب بلفظ مفرد إل في‬ ‫من ب َي ْن ِهِ ْ‬‫ب ِ‬ ‫اْل َ ْ‬
‫حَزا ُ‬
‫َ‬
‫ن(‪ ..‬لقد مللنا‬ ‫حو َ‬‫فل ِ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ب الل ّهِ هُ ُ‬
‫حْز َ‬
‫ن ِ‬ ‫مقام الخير والفلح)أَل إ ِ ّ‬
‫جمع التكسير لكثرة ما تردد‪ ..‬وسئمنا منه لكثرة ما تعدد ونتطلع‬
‫لجمع السالم الصحيح يحدوا ويغرد‪..‬‬
‫إن التفرق شر كله‪ ..‬وشره ما كان في الدين‪ ..‬وأشنعه ما كان‬
‫عن هوى‪ ..‬ونتيجته التعادي‪ ..‬وأثره السخرية من الدين‪ ..‬وما‬
‫أعظم جناية مسلم‪ ..‬يقيم من عمله الفاسد‪ ..‬حجة على دينه‬
‫الصحيح‪..‬‬
‫إذا افترقت آراء قوم تشتتوا ** ولم يرجعوا إل بعار التخاذل‬

‫‪129‬‬
‫نريد مواجهة عدونا فل يكون بأسنا بيننا‪..‬‬
‫نريد إقامة فرض فل تشغلونا بالخلف في نافل‪..‬‬
‫نريد بالسلم العاليا فل تنزلوا به بالخلف السافل‪..‬‬
‫هّ‬
‫ل الل ِ‬ ‫حب ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫موا ب ِ َ‬ ‫ص ُ‬‫الخلف شر كله والعدو يستهدف الجمع كله)َواع ْت َ ِ‬
‫فّرُقوْا(‪..‬‬
‫ميعا ً وَل َ ت َ َ‬
‫ج ِ‬
‫َ‬
‫أرضنا أرض كتاب الله فيها**كملت دائرة الوحي الخيره‬
‫شهدت مبعث خير الناس لما**تتمم الخلق في أكرم سيره‬
‫يئس الشيطان أن يعبد فيها**فانبرى يطلب تفريق العشيره‬
‫اجمعوا الراء كي نبي بناءا**دونه تهوي الساطيل المغيره‬
‫واحذوا أن يوقد الشيطان فيكم**لهب التحريش يا أهل الجزيره‬
‫فاِتقوا أكناف ورد الحب**حتى يجد البائس والشاتي عبيره‬
‫أيها الجيل‪:‬‬
‫ما غرد بلبل بغير حنجرة‬
‫قل من يحتقر الليث تقدم ** حينما تسمع عن قرب زئيره‬
‫والله لن نجاري المم ونفوقها في ميادين الحياة‪ ..‬إل))بالسلم‬
‫وأخلقه((‪ ..‬فإن لم يكن فنحن هازلون في جد الزمان‪!!..‬‬
‫مغترون بالخوف بعهده المان‪ !!..‬سائرون إلى الورا بهدى‬
‫الشيطان‪ !!..‬من تطلع إلى ثوب العز فليحكه بأنامله‪..‬‬
‫وليجلبه بعوامله وإل فشاعر الذي يقول‪ :‬ما حك جلدك صارخ في‬
‫واد ** وسيبويه نافخ في رماد‬
‫يا من يداوي الجرح من دائه ** مهل فلن تحظى بطعم الشفا‬
‫ماذا يفيد الظامئين المنى ** إن لم يروا ماء بذاك السقا‬
‫أيها الجيل‪:‬‬
‫ظل سبيل من وها سقائه‪ ..‬ومن أريق بالفلة ماؤه‪ ..‬ل تطلب‬
‫الحكمة من عند غيرك‪ ..‬فعندك معدن الحكمة كتاب وسنة‪ ..‬ل‬
‫تتطفل على موائد الغير فعندك الجفنة الرائدة‪..‬‬
‫هل يطلب الماء ممن يشتكي عطشا**أو يطلب الثوب ممن‬
‫جسمه عاري‬
‫جَهادا ً‬‫هم ب ِهِ ِ‬ ‫جاه ِد ْ ُ‬‫العمل‪ ..‬العمل‪ ..‬بكتاب الله تلك نصرته حقا)وَ َ‬
‫ك َِبيرًا(‪ ..‬ل تكونن كبارق ليس في برقه ندى‪!!..‬‬
‫أوقد من الحق للراجين نبراسا ** واقرع ليقاظ أهل الكهف‬
‫أجراسا‬
‫وأبشر‪...........‬أبشر فإنك رأس والعل جسد ** والمجد وجه‬
‫وأنت السمع والبصر‬
‫ولم تزل نخلة السلم باسقة مليئة بعذوق التمر والرطب‪ ..‬وإن‬
‫الفقاقيع تطفوا ثم يمضينا‪!!..‬‬

‫‪130‬‬
‫ل يأس‪ ....‬فالنخلة الشماء كانت بذرة تحت التراب والموجة‬
‫الرعناء كانت قطرة فوق السحاب‪!!..‬‬
‫ل يأس‪ ...‬فالفجر يولد رغم أشباح الظلم والشمس تشرق رغم‬
‫أطباق القتام‪!!..‬‬
‫ل يأس‪ ...‬فالريح ل تهوى سوى قمم الجبال والطير ل ترقى‬
‫سوى الشجر الطوال والورد ل يزدان إل فوق أطراف التلل‪!!..‬‬
‫ل يأس‪ ...‬إن أظلمت فستنجلي وكمثل ما حملت تضع‪!!..‬‬
‫ل يأس‪ ...‬إن ضاقت الرض على بلبل فسوف يشدو في رحاب‬
‫السماء‪!!..‬‬
‫أيها الرافع في وجه غصون الشوك ما أخفيت بال‪!....‬‬
‫إنني أملك في وجه المآسي السود رايات اتزان‪!.....‬‬
‫إنني أبصر شمسا تشرئب الرض في شوق إليها يتسامى‬
‫الخشبان‪!.....‬‬
‫وأرى نهرا من النور يغني فيتيه الشاطئان‪!......‬‬
‫وأرى القصواء تحيي في رمال البيد أقوى مهرجان‪!......‬‬
‫وارى بلقاء سعد وأبا محجل والسيف اليماني وأطراف‬
‫السنان‪!.....‬‬
‫وأرى اليرموك تستعذب صوت النهروان‪!......‬‬
‫أيها الرافع في وجه غصون الشوك ما أخفيت بان‪!.......‬‬
‫مرحبا بالموت في عز ويا بعد هوان‪!.......‬‬
‫َ‬
‫ن(‪..‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫كنُتم ّ‬ ‫م ال َع ْل َوْ َ‬
‫ن ِإن ُ‬ ‫حَزُنوا وَأنت ُ ُ‬ ‫)وَل َ ت َهُِنوا وَل َ ت َ ْ‬
‫هو الله الذي يخشى‪..‬‬
‫هو الله الذي يحيي‪..‬‬
‫هو الله الذي يحمي‪..‬‬
‫وأهل الرض كل الرض‪ ..‬ل والله ما ضروا ول نفعوا‪ ..‬ول رفعوا‬
‫صب ُِروا ْ‬
‫ول خفضوا‪ ..‬فما لقيته في الله فل تجزع ول تيأس)وَِإن ت َ ْ‬
‫شْيئا (‪..‬‬ ‫م َ‬ ‫م ك َي ْد ُهُ ْ‬
‫ضّرك ُ ْ‬ ‫قوا ْ ل َ ي َ ُ‬
‫وَت َت ّ ُ‬
‫سيروا فإن لكم خيل ومضمارا ** وفجروا الصخر ريحانا ونوارا‬
‫وذكرونا بأيام لنا سلفت ** فقد نسينا شرحبيل وعمارا‬
‫وإن الفجر مرتقب بل ريب سيأتينا ** ويمل نوره أرجاء هذي‬
‫الرض يحيينا‬
‫وإنا لنأمل نصر الليوث وأن يلقم الحجر النابح‪ ...!!..‬إلهنا قد تم‬
‫ما أردنا وغاية انتهائي ما قصدنا‪...‬‬
‫إيماض لمع ومر‪ ..‬نقطة من يم‪ ..‬وقرطعب من جم وعبر‪ ..‬ووخز‬
‫إبر‪ ..‬وجمل من الخلق سمعنا ومبتداها ول زلنا في انتظار‬
‫الخبر‪ ..‬فإيعاب هدي المصطفى وخلله عسير‪ ..‬فمن يقوى على‬
‫حصر النجم‪ ..‬أرجوا الله أن يهز بهذا اليماض جامدا‪ ..‬ويؤز إلى‬

‫‪131‬‬
‫الخير خامدا‪ ..‬لنجني شيئا من ثمرة النية‪ ..‬ونغير أواخر السماء‬
‫المبينة‪ ..‬فإن تم فبيان وتوكيد‪ ..‬وذاك ما نريد‪ ..‬وإل فهو بث‬
‫ونفث‪ ..‬ومعراج صعود لمن يريد‪ ..‬ربما تبلغ يوما كلماتي‬
‫للقلوب‪ ..‬والله يقضي بهبات جمة‪ ..‬لي ولكم ولجميع المة‪..‬‬
‫ونسأل الله القبول والرضا‪ ..‬والختم بالحسنى إذا العمر انقضى‪..‬‬
‫اللهم إليك نشكو ضعف قوتنا‪ ..‬وقلة حيلتنا‪ ..‬وهواننا على الناس‪..‬‬
‫أنت رب المستضعفين وأنت ربنا وأنت أرحم الراحمين‪ ..‬نعوذ‬
‫بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات من أن تنزل بنا غضبك‪..‬‬
‫لك العتبى حتى ترضى‪ ..‬ول حول ول قوة إل بك‪ ..‬يا من ل يهزم‬
‫جنده‪ ..‬ول يغلب أولياؤه‪ ..‬أنت حسبنا ومن كنت حسبه فقد‬
‫كفيته‪ ..‬حسبنا الله ونعم الوكيل‪ ..‬حسبنا الله ونعم الوكيل‪..‬‬
‫حسبنا الله ونعم الوكيل‪ ..‬والحمد لله على إتمامه‪ ..‬ثم صلة الله‬
‫مع سلمه‪ ..‬على النبي وأله وصحبه وحزبه وكل مؤمن به‪..‬‬
‫سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن ل إله إل أنت أستغفرك وأتوب‬
‫إليك‪..‬‬
‫===================‬
‫وجاء دور البابا‪ ..‬جرائم كرسي البابوية بحق المة‬
‫السلمية‬
‫شريف عبد العزيز‬
‫‪shreef@islammemo.cc‬‬
‫مفكرة السلم‪ :‬نعم لقد عاد منصب البابوية ليمارس دوره‬
‫التاريخي والريادي في قيادة الحرب البدية والمفتوحة ضد المة‬
‫السلمية‪ ,‬هذا الدور الذي خفت صوته وإن بقي أثره مع قيام‬
‫الثورة الصناعية في أوروبا ودخولها في طور العلمانية‬
‫والماسونية المعادية‪ ,‬والتي تعادي الدين ممثل ً في الكنيسة‪,‬‬
‫وذلك بعد النحرافات الهائلة التي وقعت من قادة الكنيسة‬
‫ورموزها‪ ,‬عاد كرسي البابوية لدوره القديم في توجيه وتدشين‬
‫الحملت الصليبية من جديد على العالم السلمي‪ ,‬عاد البابا‬
‫ليمنح صكوك الغفران وتذاكر دخول الجنة لمن يستجيب للنداء‬
‫المقدس! ويذهب لشرب دماء المسلمين وخيراتهم‪ ,‬ولقد كنا‬
‫أول من نبه على خطورة هذا البابا المحارب في المقال المعنون‬
‫بـ"بعد اختيار بابا من ألمانيا هل ينتظر المسلمون حرًبا صليبية‬
‫سا‬
‫جديدة؟!"‪ ,‬وذلك عند إعلن اختيار بينيدكت السادس عشر رأ ً‬
‫دا للكنيسة الكاثوليكية‪ ,‬وأن هذا البابا يضطرم بروح صليبية‬‫جدي ً‬
‫خالصة وعنيفة ضد السلم والمسلمين ستدفعه ل محالة‬
‫للتحضير لحرب صليبية على العالم السلمي ربما تكون الكبر‬

‫‪132‬‬
‫والعنف في تاريخ المسلمين وربما تكون أولى الملحم‬
‫المذكورة في السنن‪.‬‬
‫ونحن في هذا المقام لسنا بصدد تفنيد الباطيل والكاذيب التي‬
‫حشا بها البابا محاضرته المشهورة عن السلم والنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ,‬فهي شبهات ممجوجة وترهات سبق لكثير من‬
‫العلماء الفذاذ أن ردوا عليها وأفحموا عباد الصليب وغيرهم فيها‪,‬‬
‫ولكننا سنرد على هذا الدعي الكذاب شبهته التي حاول أن يعتذر‬
‫بها عن إساءته المتعمدة للسلم ورسوله صلى الله عليه وسلم‪,‬‬
‫وذلك عندما قال‪ :‬إن كلمي فهم بالخطأ‪ ,‬وإنني أريد من هذه‬
‫المحاضرة أن أؤكد مفهوم نبذ العنف ضد الخرين باسم الدين‪,‬‬
‫وه مفهوم الجهاد عند المسلمين ودوره‬ ‫وهو بذلك يريد أن يش ّ‬
‫البارز في نشر السلم وهداية البشر‪ ,‬ووصمه بالوحشية‬
‫والتعصب‪ ,‬وردنا على هذه الفرية ل يكون بذكر منزلة الجهاد‬
‫وقدره في السلم وأهدافه ودوافعه‪ ,‬فهي أمور قد قتلت بحًثا‬
‫فا‪ ,‬وإنما يكون كشف زيف هذه الدعوى من الدعي‬ ‫وتصني ً‬
‫بييندكت بكشف الدور التاريخي والبارز لكرسي البابوية في شن‬
‫الحملت الصليبية ضد العالم السلمي من ألف سنة وحتى الن‪.‬‬
‫أصل الحروب الصليبية‪:‬‬
‫ترجع فكرة الحروب ذات الطابع الديني الخالص لكرسي البابوية‬
‫التي أضفت على الصراع الخالد بين المسلمين والنصارى صفة‬
‫الصليبية المتعصبة‪ ,‬وخلل هذا الصراع الطويل برز العديد من‬
‫الباباوات الذين كان لهم دور بارز في تأجيج المشاعر العدائية‬
‫ضد السلم والمسلمين تمثلت في حملت صليبية عالمية على‬
‫المة المحمدية منهم ما يلي‪:‬‬
‫· البابا حنا العاشر‪:‬‬
‫يعتبر البابا حنا العاشر ]‪ [928-914‬أول من نادى بطرد‬
‫المسلمين من الحوض الغربي للبحر المتوسط؛ بدًءا بجنوب‬
‫إيطاليا وجزر البحر المتوسط وجنوب غربي فرنسا ثم إسبانيا‪,‬‬
‫وهي الفترة التي كانت دولة السلم في الندلس وقتها في أوج‬
‫قوتها ومجدها تحت قيادة عبد الرحمن الناصر أول من تلقب‬
‫ضا‬
‫بأمير المؤمنين في الندلس‪ ,‬وكان البحارة المسلمون وقتها أي ً‬
‫مسيطرين على حوض البحر المتوسط وفتحوا الكثير من الجزر‬
‫وهددوا روما نفسها بغارات قوية كادت واحدة منها أن تفتح روما‬
‫وذلك سنة ‪ 324‬هجرية‪ ,‬وكانت البابوية وقتها في حالة صراع‬
‫مرير ضد المبراطور أوتو الكبير عطلت دعوات حنا العاشر‬
‫وخططه نحو شن حرب صليبية ضد المسلمين‪.‬‬
‫· البابا إسكندر الثاني‪:‬‬

‫‪133‬‬
‫يعتبر إسكندر الثاني ]‪ [1073-1061‬أول من استخدم فكرة‬
‫صكوك الغفران كورقة لتحميس الوروبيين على حرب‬
‫المسلمين‪ ,‬وذلك عندما دعاهم سنة ‪1063‬م‪455-‬هـ لنجدة‬
‫إخوانهم السبان في الندلس من نير المسلمين‪ ,‬مع العلم أن‬
‫المسلمين كانوا وقتها في أضعف حالتهم تحت حكم ملوك‬
‫الطوائف‪ ,‬وقد أسفرت هذه الدعوة عن واحدة من أشد المجازر‬
‫البشرية روعة عندما شن نصارى أوروبا حربا صليبية بقيادة قائد‬
‫فرسان البابوية على مدينة بربشتر في شرق الندلس سنة‬
‫‪1064‬م‪456-‬هـ راح ضحيتها أربعون ألف مسلم ومسلمة غير‬
‫آلف السارى من البنات والصبيان‪.‬‬
‫· البابا جريجوري السابع‪:‬‬
‫يعتبر البابا جريجوري السابع هو أكبر وأهم من تولى منصب‬
‫البابوية في التاريخ الكنسي كله‪ ,‬وهو مؤسس فكرة الحملت‬
‫الصليبية الشهيرة على العالم السلمي بالشام ومصر‪ ,‬وقد تولى‬
‫البابوية خلفا لسكندر الثاني سنة ‪1073‬م‪466-‬هـ‪ ,‬وهو بالمناسبة‬
‫ألماني الصل‪ ,‬وكانت وليته للبابوية نقطة تحول فاصلة في حياة‬
‫البابوية‪ ,‬إذ أصبح البابا من عهده هو سيد العالم النصراني وسيد‬
‫أوروبا المطلق وصاحب السلطة الكبر والهم على نصارى العالم‬
‫القديم‪ ,‬وقد أثبت ذلك في صراعه ضد المبراطور هنري الرابع‬
‫الذي اضطر للتوجه إلي قلعة كانوسا حيث مقر إقامة البابا‬
‫جريجوري السابع طلًبا لمغفرة البابا وصفحه بعد أن ثار عليه‬
‫شعبه وقواده‪ ,‬وإمعاًنا في إظهار السيادة والقوة تركه جريجوري‬
‫ثلثة أيام حافًيا عاري الرأس على الجليد حتى يرضي عنه‪ ,‬هذا‬
‫البابا أول من أشعل الحملت الصليبية على المة السلمية‪,‬‬
‫ولكن العمر لم يطل ليشهد انطلق هذه الحملت حيث هلك سنة‬
‫‪1088‬م وترك ذلك لتلميذه النجيب أوربان الثاني‪.‬‬
‫· البابا أوربان الثاني‪:‬‬
‫وقد أخذ على عاتقه إدخال الحملت الصليبية موضع التنفيذ‪ ,‬وقد‬
‫قام بجولة أوروبية واسعة لحشد الرأي العام واستثارة الهمم‬
‫الصليبية من أجل ذلك‪ ,‬ثم دعا لمؤتمر مصيري في كليرمونت‬
‫بفرنسا في ‪ 27‬نوفمبر سنة ‪1095‬م‪ ,‬وفيه أطلق صيحته‬
‫الشهيرة ]إنها إرادة الرب[‪ ,‬وأمر كل مسيحي ومسيحية بالخروج‬
‫لنجدة القبر المقدس من أيدي الكفرة ]يعني المسلمين[ ثم‬
‫أفاض في حديث مليء بالكذب والباطيل عن الضطهادات التي‬
‫يتعرض لها النصارى والحجيج ببلد المسلمين‪ ,‬فأدى ذلك لشتعال‬
‫روح حماسية عارمة بأوروبا نحو حرب المسلمين والخروج إلى‬
‫بلدهم‪ ,‬وقد أرسل أوربان أحد الرهبان المتعصبين واسمه‬

‫‪134‬‬
‫بطرس الناسك‪ ,‬وكان ذا موهبة خطابية فائقة‪ ,‬فطاف أوروبا‬
‫بأسرها يدعو النصارى لمحاربة المسلمين‪ ,‬ونتيجة لخطب‬
‫ومواعظ بطرس الناسك الحماسية والمليئة بالمؤثرات من بكاء‬
‫وعويل وأكاذيب خرج مئات اللف من نصارى أوروبا استجابة‬
‫لنداء البابا ورغبة في المغفرة ودخول الجنة بزعمهم‪ ,‬وذلك بل‬
‫نظام ول ترتيب ول قيادة‪ ,‬وهي الحملة المعروفة باسم حملة‬
‫الرعاع والتي أبادها السلجقة‪ ،‬ومؤرخو أوروبا يغفلون ذكر هذه‬
‫الحملة ول يعدونها من ضمن الحملت الصليبية‪ ،‬ثم تلت هذه‬
‫الحملة الفاشلة حملة المراء وكان معظمهم من فرنسا وقدرت‬
‫بمليون مقاتل صليبي وذلك سنة ‪ 1099‬م _ ‪ 490‬هـ‪ ,‬وهي‬
‫الحملة التي تنجح في إقامة أربع إمارات صليبية بالشام وذلك‬
‫بطرابلس وأنطاكية وبيت المقدس والرها‪ ,‬وذلك بعد سفك دم‬
‫قرابة المليون مسلم ومسلمة‪ ،‬والجدير بالذكر أن أوربان الثاني‬
‫قد هلك قبل أن يفرح بنجاحات الحملة بأرض الشام‪.‬‬
‫· البابا أوجينيوس الثالث‪:‬‬
‫وكان يعتلي كرسي البابوية سنة ‪ 1144‬م ـ ‪ 539‬هـ عندما‬
‫استطاع المير المجاهد عماد الدين زنكي أن يفتح الرها‪ ،‬فأصدر‬
‫أوجينيوس الثالث مرسوما ً داعيا ً أوروبا لحملة صليبية جديدة على‬
‫بلد السلم للثأر للدين الحق بزعمه! وقد أطلق على هذا‬
‫المرسوم عنوان ]قدر السلف[‪ ,‬وبالفعل استجاب لويس السابع‬
‫وكويزاد الثالث ملكا فرنس وألمانيا لنداء البابا وشنا الحملة‬
‫الصليبية الثانية والتي تحطمت على أبواب دمشق سنة ‪ 543‬هـ ـ‬
‫‪1148‬م‪.‬‬
‫· البابا باسكوال الثاني‪:‬‬
‫وهو الذي أنشأ جماعة فرسان المستشفى‪ ,‬والمعروفة في‬
‫المراجع العربية بالسبتارية‪ ,‬وذلك سنة ‪ 1113‬م ـ ‪ 509‬هـ‬
‫وكانت في البداية رعاية مرضى حجاج بيت المقدس وخدمتهم ثم‬
‫تحولت لجماعة حربية شديدة البأس والتعصب تحت قيادة‬
‫الراهب اليطالي جيرار الملقب بحامي فقراء المسيح‪.‬‬
‫· البابا كالكتس الثاني‪:‬‬
‫وهو الذي أنشأ جماعة فرسان معبد سليمان أو الداوية كما هو‬
‫معروف في المراجع العربية‪ ,‬وكانت مهمتهما حماية طريق‬
‫الحجاج‪ ،‬وهذه الجماعة من أشد الجماعات الصليبية تعصبا ً وحقدا ً‬
‫على المسلمين وحماسة في قتالهم‪ ،‬وهذه الجماعة وسابقتها‬
‫عملت على تنمية الروح الصليبية الخالصة ونشر فكرة التطوع‬
‫ونذر النفس لمحاربة المسلمين‪ ،‬وكانت تقوم على فكرة المزج‬
‫بين الرهبنة والجندية‪ ,‬ومعظم فرسانها من الرهبان والقساوسة‪,‬‬

‫‪135‬‬
‫وكان المسلمون إذا ظفروا بأي أسير من هاتين الجماعتين قتلوه‬
‫فورا ً لكثرة جرائمهم ووحشيتهم ضد المسلمين‪ ،‬وكانت هاتان‬
‫الجماعتان تحت الشراف المباشر لبابا روما‪ ,‬ولهما من‬
‫المتيازات والقطاعات ما يكفيهم عن العمل والتفرغ لقتال‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫· البابا جريجوري الثامن‪:‬‬
‫بعد أن حقق المسلمون بقيادة صلح الدين انتصارهم العالمي‬
‫وحرروا بيت المقدس سنة ‪ 583‬هـ ـ ‪1187‬م‪ ،‬خّر ميتا ً من هول‬
‫الصدمة البابا أوربان الثالث‪ ،‬وخلفه البابا جريجوري الثامن وكان‬
‫شيخا ً كبيرًا‪ ,‬ولكنه سعى بكل جهده لشن حملة صليبية ثالثة على‬
‫العالم السلمي‪ ,‬فأرسل خطابا ً عاما ً لنصارى أوروبا ووعدهم فيه‬
‫بالمغفرة الكاملة لجميع خطاياهم‪ ،‬وفرض عليهم صياما ً في كل‬
‫يوم جمعة على مدى خمس سنوات قادمة‪ ،‬وفرض عليهم ضريبة‬
‫تقدر بـ ‪ %10‬من دخولهم عرفت باسم ضريبة صلح الدين‪,‬‬
‫والمتناع عن أكل اللحوم في أيام السبت والربعاء من كل‬
‫أسبوع‪ ،‬وقد أدى هذا الخطاب لحماسة جارفة عمت أنحاء أوروبا‬
‫أسفرت عن الحملة الصليبية الثالثة والمعروفة باسم حملة‬
‫الملوك‪.‬‬
‫· البابا أنوسنت الثالث‪:‬‬
‫تولي البابا أنوسنت الثالث كرسي البابوية سنة ‪1198‬م ـ ‪ 595‬هـ‬
‫وكان صغيرا ً نوعا ً ما مقارنة لمن سبقوه من الباباوات‪ ،‬وهذا البابا‬
‫أحدث تغيرات خطيرة وجذرية بمكانة كرسي البابوية أشبه ما‬
‫يكون بجريجوري السابع‪ ،‬حيث كان يرى أن البابا يجب أن يكون‬
‫صاحب سلطة روحية وزمانية أو نوعا ً من القسيس الملك‪،‬‬
‫ورفض أن يكون دور البابا منحصرا ً في مجرد الدعوة للحملت‬
‫الصليبية ومنح صكوك الغفران‪ ،‬بل يجب أن يكون المر كله تحت‬
‫سيطرة البابوية‪ ،‬لذلك كان أنوسنت الثالث أكثر الباباوات محاربة‬
‫للمسلمين وشنا ً للحملت الصليبية ضدهم‪ ،‬وهو أول من حول‬
‫دفة الهجوم من الشام إلى مصر مركز الثقل في العالم‬
‫السلمي وقتها‪ ،‬وبالفعل أثمرت جهود أنوسنت الثالث لشن‬
‫الحملة الصليبية الرابعة وذلك سنة ‪600‬هـ ـ ‪1204‬م والتي تعتبر‬
‫أفشل الحملت الصليبية؛ حيث توجهت للقسطنطينية عاصمة‬
‫بيزنطة بدل ً من بلد السلم‪ ،‬وذلك بسبب العداء المذهبي بين‬
‫البيزنطيين الرثوذكس والفرنجة الكاثوليك‪.‬‬
‫ورغم هذا الفشل الذريع لنوسنت الثالث في الحملة الرابعة إل‬
‫أنه عاد وأرسل حملة أخرى سنة ‪ 1216‬م ـ ‪612‬هـ‪ ,‬وقد اختار‬
‫هذه السنة تحديدا ً بناًء على تفسيره المحرف لبعض نصوص‬

‫‪136‬‬
‫الكتاب المحرف عندهم‪ ،‬حيث كان يفسر ما ورد في سفر الرؤيا‬
‫من أن عدد سنوات عمر الوحش هو ‪ 666‬والوحش في تفسيره‬
‫هو السلم‪ ،‬وإذا كان ظهور السلم بحسابه سنة ‪ 622‬ميلدية و‬
‫‪ 666‬تكون السنة التي توقع فيها نهاية السلم سنة ‪1288‬م؛‬
‫لذلك كان أنوسنت على يقين بأن حملته ستقرب المسلمين‬
‫والسلم من هذه النهاية‪ ,‬ولكنه سرعان ما هلك سنة ‪1216‬م‬
‫قبل أن تتم الستعدادات لهذه الحملة‪ ,‬وكان هلكه بشرى كبيرة‬
‫للمسلمين فإنه من أهم وأخطر الشخصيات التي تولت كرسي‬
‫البابوية‪ ,‬وكان النصارى في أوروبا يقولون عنه‪] :‬إنه أدنى من الله‬
‫وأعلى من البشر‪ ،‬قاضي القضاة الذي ل يقاضيه أحد[‪.‬‬
‫· هونريوس الثالث‪:‬‬
‫وهو الذي خلف البابا أنوسنت الثالث وسار على نهجه واستكمل‬
‫الدور الذي بدأه في شن الحملة الصليبية الخامسة على‬
‫دا لسياسة أنوسنت الثالث أرسل هونريوس‬ ‫المسلمين‪ ,‬وتأكي ً‬
‫مبعوًثا من طرفه هو الكاردينال البرتغالي "بلجيوس" لقيادة‬
‫ضا عسكرًيا وميدانًيا‪ ,‬وكان‬ ‫الحملة‪ ,‬ليس فقط روحًيا وإنما أي ً‬
‫ذا نجيًبا لنوسنت الثالث يؤمن بكل مبادئه‪,‬‬ ‫بلجيوس هذا تلمي ً‬
‫ها على المسلمين‪ ,‬شديد اليمان بفكرة‬ ‫ويفيض كراهية وكر ً‬
‫الحروب الصليبية‪ ,‬ولكنه كان ل يصلح بالمرة للقيادة العسكرية‪,‬‬
‫فهو ضيق الفق‪ ,‬عديم الخبرة‪ ,‬مستبد‪ ,‬مغرم بنفسه‪ ,‬شديد‬
‫العناد‪ ,‬وهي خصال كلها كانت متوافرة في أستاذه أنوسنت‪,‬‬
‫ضا هي الخصال التي ستؤدي لفشل الحملة التي قادها على‬ ‫وأي ً‬
‫دمياط سنة ‪1221‬م‪618-‬هـ‪.‬‬
‫· جريجوري التاسع‪:‬‬
‫حا عن النفسية البابوية‬ ‫دا حقيقًيا وواض ً‬‫وهذا البابا يعتبر تجسي ً‬
‫المليئة بالحقد والكراهية للسلم والمسلمين‪ ,‬ذلك أن أكبر ملوك‬
‫أوروبا وقتها وهو المبراطور "فريدريك الثانى" قد تل ّ‬
‫كأ في‬
‫الخروج لقتال المسلمين بسبب عدم اقتناعه بفكرة الحروب‬
‫ما بالحرمان‬‫الصليبية بالكلية‪ ,‬ما حدا بالبابا أن يصدر مرسو ً‬
‫الكنسي والطرد من الرحمة بحقه وذلك سنة ‪1227‬م‪624-‬هـ‪,‬‬
‫وأجبره على الخروج في حملة صليبية على بلد السلم‪ ,‬وهي‬
‫الحملة السادسة‪ ,‬ولقد استطاع فريدريك أن يستولي على بيت‬
‫المقدس عن طريق التفاوض مع ملك مصر الذليل الجبان‬
‫"محمد الكامل اليوبي"‪ ,‬وذلك من غير ضربة سيف واحدة‪ ,‬فما‬
‫كان من جريجوري التاسع إل أن أصدر قراًرا ثانًيا بحرمان‬
‫فريدريك من الجنة! وأطلق عليه لقب الزنديق الكبر‪ ,‬وقال‬
‫كلمته الشهيرة والتي تعبر بصدق عن النفسية الحاقدة على‬

‫‪137‬‬
‫الدين وأهله‪ :‬إن الملوك الصليبيين يذهبون لسفك دماء‬
‫المسلمين‪ ,‬وليس للتفاوض معهم‪ .‬وبعدها شنت البابوية حرًبا ل‬
‫هوادة فيها ضد أسرة فريدريك كلها وأبادتها بالكلية‪ ,‬ودبرت عدة‬
‫محاولت لغتيال فريدريك ولكنها باءت بالفشل‪ ,‬وذلك كله لن‬
‫فريدريك رفض النصياع لوامر البابا في قتال المسلمين‪.‬‬
‫· أنوسنت الرابع‪:‬‬
‫وهو أول بابا في تاريخ البابوية يفكر في تشكيل حلف نصراني –‬
‫وثني ضد العالم السلمي‪ ,‬وذلك عندما أرسل إلى خان المغول‬
‫عا شريًرا لمحاربة العالم السلمي والجهتين‬ ‫يعرض عليه مشرو ً‬
‫الشرقية والشمالية من أجل إبادة المسلمين بالكلية‪ ,‬وقد أوفد‬
‫البابا الشرير من أجل استمالة المغول المئات من الوربيات‬
‫الزانيات من أجل إغواء المغول كخليلت وعشيقات‪ ,‬وكان لهذا‬
‫السلح مفعول السحر خاصة أيام الطاغية هولكو‪ ,‬ولكن هذه‬
‫المحاولت ورغم كثرتها وتأثيرها الجزئي إل أنها فشلت في‬
‫النهاية بسبب إصرار الخان على خضوع البابا والوروبيين له ودفع‬
‫الجزية السنوية له‪.‬‬
‫ولما فشلت مساعي أنوسنت الرابع اتجه نحو إعلن حرب صليبية‬
‫ما‬
‫جديدة على العالم السلمي كانت الكبر والفضل تنظي ً‬
‫حا وقيادة؛ إذ ندب لقيادة الحملة ملك فرنسا "لويس‬ ‫وتسلي ً‬
‫التاسع" وخلع عليه لقب قديس‪ ,‬وكان لويس التاسع شديد‬
‫اليمان بفكرة الحروب الصليبية ووجوب محاربة المسلمين‪,‬‬
‫وذلك سنة ‪ 1249‬م ـ ‪ 647‬هـ‪ ،‬ولكن هذه الحملة كان مصيرها‬
‫الفشل الذريع كسابقتها‪.‬‬
‫بعد ذلك عمت روح من الفتور في أرجاء أوروبا وفقدت البابوية‬
‫حماستها المتقدة‪ ,‬وانشغل الباباوات خلل هذه الفترة بمشاكلهم‬
‫الداخلية مع قادة الدول الوروبية والصراع ضد أسرة‬
‫الهوهنشتاوفن اللمانية والحركات اللحادية في جنوب فرنسا‪،‬‬
‫باستثناء المحاولت التي قام بها البابا كليمنت الرابع وخليفته‬
‫نيكولس الرابع من أجل تشكيل حلف بين المغول والصليبيين‬
‫للتصدي لدولة المماليك القوية الخذة في النمو والتمدد نحو‬
‫الشام وحدود العراق‪ ,‬وذلك سنة ‪1267‬م ـ ‪1274‬م‪.‬‬
‫وظل المر هكذا حتى ظهرت الدولة العثمانية في منطقة‬
‫الناضول‪ ,‬وذلك في أوائل القرن الثامن الهجري وأواسط القرن‬
‫الرابع عشر الميلدي‪.‬‬
‫· البابا كليمانس السادس‪:‬‬
‫وهو أول الباباوات دعوة لتكوين حلف صليبي مقدس! ضد الدولة‬
‫العثمانية الناشئة في آسيا الصغرى أو الناضول‪ ,‬وذلك سنة‬

‫‪138‬‬
‫‪1344‬م ـ ‪ 744‬هـ‪ ,‬وكانت الستجابة في بدايتها ضعيفة‬
‫ومحدودة‪ ،‬ولكنها مع الوقت أخذت في التوسع والزدياد‪ ،‬خاصة‬
‫مع الحماسة الدينية المتأججة في قلوب ملوك قبرص التي‬
‫أصبحت من أخطر البؤر الصليبية على السلم والمسلمين في‬
‫هذه الفترة‪.‬‬
‫· البابا أوربان الخامس‪:‬‬
‫ويعتبر أوربان الخامس أول الباباوات الداعين لحرب صليبية ضد‬
‫العثمانيين ولكن بجنود من النصارى الرثوذكس‪ ,‬وذلك سنة‬
‫‪ 1364‬هـ ـ ‪ 765‬هـ‪ ،‬وذلك أن إمبراطور بيزنطة وقتها قد تحول‬
‫للمذهب الكاثوليكي من أجل إغراء البابا والدول الوروبية‬
‫الكاثوليكية بمساعدته ضد قوة العثمانيين المتنامية‪ ,‬وذلك أيام‬
‫السلطان مراد الول‪ ،‬وقد استجاب لدعوة أوربان الخامس كل‬
‫من لويس ملك المجر وبولندا وأمراء البوسنة والصرب ورومانيا‬
‫وشكلوا حلفا ً صليبيا ً مقدسًا‪ ،‬ولكن هذا الحلف مني بهزيمة‬
‫ساحقة عند نهر مارتيزا بالقرب من أدرنة‪ ،‬وهذه الهزيمة الكبيرة‬
‫جعلت أوربان يجن جنونه ويكلف ملك قبرص الصليبي واسمه‬
‫]بطرس الول[ بغزو ميناء السكندرية وإيقاع أكبر قدر من‬
‫الخسائر البشرية فيها‪ ،‬وكان بطرس شديد الصليبية واليمان‬
‫بوجوب قتال المسلمين‪ ,‬فاستجاب على الفور لدعوة البابا وقاد‬
‫حملة صليبية نزلت بالسكندرية سنة ‪1365‬م ـ ‪ 767‬هـ‪ ,‬وارتكبت‬
‫هذه الحملة مجزرة بشرية مروعة راح ضحيتها عشرات اللف‬
‫من أهل السكندرية‪ ,‬ثم غادرها بطرس مسرعا ً قبل أن يقوم‬
‫المسلمون بنجدة المدينة‪ ,‬وكما قال المؤرخون ]دخل السكندرية‬
‫لصا ً وخرج منها لصًا[‪.‬‬
‫· البابا بونيفاس التاسع‪:‬‬
‫وهو البابا الذي كان معاصرا ً للفتوحات العظيمة التي قام بها‬
‫السلطان مراد الول ثم خليفته بايزيد الصاعقة الذي حقق‬
‫انتصارات باهرة على الجبهة الوروبية جعلته يسيطر على معظم‬
‫أجراء البلقان ويحكم حصاره على القسطنطينية‪ ،‬ما دعا بالبابا‬
‫فا صليبًيا فيه كل الوروبيين‬‫يونيفاس التاسع إلى أن يعلن حل ً‬
‫الكاثوليك والرثوذكس‪ ,‬وكان الكبر في القرن الرابع عشر‬
‫والضخم في تاريخ الصراع بين الصليبيين والعثمانيين‪ ,‬وذلك سنة‬
‫‪800‬هـ ـ ‪1396‬م‪ ,‬ولول مرة يقاتل الكاثوليك جنبا ً إلى جنب مع‬
‫الرثوذكس ضد المسلمين‪ ،‬ولقد انتصر بايزيد على هذا الحلف‬
‫الصليبي الضخم في معركة نيكوبوليس انتصارا ً رائعا ً وقال بايزيد‬
‫مقولته الشهيرة‪] :‬سأفتح إيطاليا وسأطعم حصاني هذا الشعير‬
‫في مذبح القديس بطرس بروما[‪ ,‬وهي المقولة التي أدخلت‬

‫‪139‬‬
‫الرعب والفزع في قلوب نصارى أوروبا عموما ً وكرسي البابوية‬
‫صا‪.‬‬
‫خصو ً‬
‫· البابا أوجين الرابع‪:‬‬
‫وهذا البابا ترجمة عملية للغدر والخيانة ونقض العهود‪ ،‬وذلك أن‬
‫الدولة العثمانية كانت قد وّقعت معاهدة سلم لمدة ‪ 10‬سنوات‬
‫مع الدول الوروبية‪ ,‬وذلك سنة ‪1442‬م ـ ‪ 846‬هـ‪ ,‬ولم يكن‬
‫أوجين الرابع راضًيا عن هذه المعاهدة‪ ,‬فأرسل من طرفه‬
‫الكاردينال اليطالي الشرير "سيزاريني" فطاف على ملوك‬
‫أوروبا وحّرضهم على نقض المعاهدة مع العثمانيين وأحلهم من‬
‫وزر ذلك‪ ,‬واصطحب معه صكوك غفران موقعة من البابا أوجين‬
‫الرابع لكل من يشترك في هذه الحملة‪ ,‬فاستجاب لندائه كل‬
‫ملوك أوروبا وعلى رأسهم "لديساس" ملك المجر‪ ،‬وكانت أخبار‬
‫اعتزال مراد الثاني الحكم لبنه محمد الثاني‪ ،‬ثم تفرغه للعبادة‬
‫قد وصلت لوجين الرابع‪ ,‬فقرر استغلل الفرصة للهجوم على‬
‫العالم السلمي‪ ,‬وذلك سنة ‪1448‬م ـ ‪ 852‬هـ‪ ،‬ولكن مؤامراته‬
‫الشريرة تحطمت تحت سيوف العثمانيين الذين أنزلوا هزيمة‬
‫ساحقة على التحالف الصليبي‪ ،‬وقتل "لديساس" في المعركة‬
‫ومعه الكاردنيال الشرير "سيزارينى"‪.‬‬
‫· البابا نيقول الخامس‪:‬‬
‫وهو البابا الذي كان من قدره أن يكون على كرسي البابوية سنة‬
‫‪1453‬م ـ ‪ 857‬هـ‪ ,‬وهي سنة فتح القسطنطينية على يد‬
‫العثمانيين بقيادة محمد الفاتح‪ ،‬فحاول نيقول الخامس توحيد‬
‫الصف النصراني المتشرذم ودعا إلى مؤتمر دولي في روما لشن‬
‫حرب صليبية جديدة على المسلمين لسترجاع القسطنطينية‪,‬‬
‫ولكنه فشل في ذلك‪ ,‬فأصيب بالهم والحزن وقتله الكمد سنة‬
‫‪1455‬م‪ ،‬وحاول خليفته بيوس الثاني تأجيج المشاعر الصليبية‬
‫بكل ما أوتي من مقدرة خطابية وحنكة سياسية‪ ,‬ولكنه فشل‬
‫بسبب الخلفات الداخلية بين الدول الوروبية‪ ,‬والعجيب‬
‫والمضحك في نفس الوقت أن بيوس الثاني قد أرسل بخطاب‬
‫للسلطان محمد الفاتح يدعوه فيها إلى دخول النصرانية ودعمها‪,‬‬
‫ووعده بأنه سيكفر عنه خطاياه إن هو أعتنق النصرانية مخلصًا!‬
‫· البابا جويلس الثاني‪:‬‬
‫فا صليبًيا ضد العثمانيين أيام السلطان بايزيد‬
‫وهو الذي شكل حل ً‬
‫الثاني مستغل ً حالة الصراع على الحكم بين بايزيد الثاني وأخيه‬
‫المير "جم"‪ ,‬فكلف البولنديين بالهجوم على مولدافيا التابعة‬
‫للعثمانيين‪ ،‬وشجع الرومانيين على الثورة على العثمانيين في‬
‫غرب البلد‪ ,‬وضم لهذا الحلف فرنسا والمجر وإيطاليا‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫· البابا إسكندر السادس‪:‬‬
‫وهو البابا الذي اشترى المير "جم" من فرسان القديس يوحنا‪,‬‬
‫وكان أسيرا ً عندهم في جزيرة رودوس‪ ,‬وساوم عليه أخاه‬
‫السلطان بايزيد الثاني من أجل وقف المساعدات عن مسلمي‬
‫الندلس‪ ,‬ووقف تهديدات العثمانيين لسواحل اليونان‪ ،‬ولكن‬
‫بايزيد رفض هذه المساومة الرخيصة‪ ،‬فما كان من إسكندر‬
‫السادس إل أن قتل المير "جم"‪ ,‬ثم دعا إلى حلف صليبي جديد‬
‫ضد العثمانيين اشتركت فيه فرنسا وإسبانيا‪ ,‬وذلك سنة ‪ 1499‬م‬
‫ـ ‪ 905‬هـ‪ ،‬فرد بايزيد بكل قوة على هذه الجريمة الصليبية بنصر‬
‫بحري كبير على البنادقة في خليج لبياتو‪.‬‬
‫· البابا بيوس الخامس‪:‬‬
‫خلل فترة حكم السلطان سليم الول وولده سليمان القانوني‬
‫بلغت الدولة العثمانية أوج قوتها واتساعها‪ ,‬وذلك من سنة ‪918‬هـ‬
‫ـ ‪1512‬م حتى سنة ‪974‬هـ ـ ‪1566‬م‪ ،‬وكانت أوروبا وقتها تعيش‬
‫حالة من الفوضى والصراع السياسي والديني وانقسامات كبيرة‬
‫فـ"فرنسوا الول" ملك فرنسا ينافس المبراطور شارلكان على‬
‫كرسي الحكم للمبراطورية الرومانية المقدسة! وكان الراهب‬
‫اللماني مارتن لوثر مؤسس المذهب البروتستانتي ينافس بابا‬
‫الكاثوليك ليو العاشر‪ ،‬وهذه الصراعات المتأججة مع قوة‬
‫العثمانيين المتنامية عطلت الحروب الصليبية عند كرسي البابوية‪.‬‬
‫وفي نفس السنة التي مات فيها سليمان القانوني تولى فيها‬
‫كرسي البابوية رجل في غاية الخطورة وهو بيوس الخامس الذي‬
‫وضع مشروعا ً بابويا ً لجمع شمل الدول الوروبية المتنافسة‬
‫وتوحيد قواها برا ً وبحرا ً تحت قيادة البابوية‪ ,‬كما كان الحال أيام‬
‫أنوسنت الثالث‪ ،‬واستطاع بيوس الخامس أن يقنع ملك فرنسا‬
‫شارل الخامس بنقض عهوده مع العثمانيين‪ ،‬وازدادت وتيرة‬
‫العداد لحرب صليبية جديدة بعد نجاح العثمانيين في فتح جزيرة‬
‫قبرص سنة ‪979‬هـ ـ ‪1571‬م‪ ،‬وبالفعل نجحت الحملة الصليبية‬
‫البابوية التي كان يقودها المير "دون خوان"‪ ,‬وهو أخ غير شرعي‬
‫لملك إسبانيا فيليب الثاني‪ ،‬وهو أيضا ً الذي قضى على ثورة‬
‫المسلمين في غرناطة قبل ذلك بثلث سنوات‪ ،‬نجح في هزيمة‬
‫الساطيل العثمانية في معركة ليبانتو سنة ‪979‬هـ ـ ‪1571‬م‪،‬‬
‫وكانت أول هزيمة بحرية ينالها العثمانيون منذ أكثر من ‪100‬‬
‫سنة‪ ،‬ما جعل الوروبيون يهللون لهذا النصر الكبير‪ ,‬وقام بيوس‬
‫الخامس بعمل قداس خاص بالمناسبة افترى فيه على الله عز‬
‫وجل الكذب وقال‪] :‬إن النجيل قد عنى دون خوان نفسه حيث‬
‫شر بمجيء رجل من الله يدعي حنا[‪.‬‬ ‫ب ّ‬

‫‪141‬‬
‫وبعدها حاول بيوس الخامس التصال بأعداء العثمانيين مثل شاه‬
‫الصفويين طهماسب وملك الحبشة وإمام اليمن‪ ،‬وسرت روح‬
‫صليبية خالصة في العالم الوروبي وفورة حماسية شديدة ضد‬
‫العالم السلمي‪.‬‬
‫· جريجوري العاشر‪:‬‬
‫بعد انتصار ليبانتو سنة ‪979‬هـ ـ ‪1571‬م لم يحقق الصليبيون‬
‫انتصارات كبرى على العثمانيين زعماء العالم السلمي‪ ،‬وسرت‬
‫روح من الفتور في الجانبين وانشغل كلهما بمشاكله الداخلية‬
‫وصراعاته القليمية‪ ،‬وظل المر على هذا المنوال حتى تولي‬
‫كرسي البابوية "جريجوري العاشر" وعلى ما يبدو أن أي بابا‬
‫يتلقب بهذا اللقب عادة يكون ذا طموحات صليبية خطيرة ضد‬
‫العالم السلمي‪ ،‬فمنذ أن تولي جريجوري العاشر المنصب أخذ‬
‫في الدعوة إلى تشكيل حلف مقدس ضد العثمانيين‪ ,‬مستغل ً‬
‫حالة الفوضى داخل الدولة العثمانية نتيجة تولي السلطان محمد‬
‫الرابع السلطنة وكان ابن سبع سنوات‪ ،‬وقد قرر جريجوري‬
‫الستفادة من قوة روسيا القيصرية الصاعدة فضمها للحلف على‬
‫الرغم من أن الروس أرثوذكس‪ ،‬وكذلك ضم في حلفه النمسا‬
‫رغم عصيان ملوكها الدائم لوامر البابوية‪ ,‬ولكن وجود أسرة‬
‫كوبريلي في منصب الصدارة العظمى داخل الدولة العثمانية‬
‫عطل مشروع جريجوري العاشر حتى جاء خلفه حنا الخامس‬
‫عشر‪ ,‬والذي استغل فشل الجيوش العثمانية في فتح فيينا‬
‫عاصمة النمسا سنة ‪1094‬هـ ـ ‪1681‬م في تأجيج مشاعر العداء‬
‫الصليبي ضد العالم السلمي‪ ,‬وكان هذا التاريخ هو تاريخ تحول‬
‫كفة الصراع لصالح الصليبيين‪ ،‬وأيضا ً تاريخ خفوت صوت البابوية‬
‫وبروز نجم روسيا القيصرية التي ستدخل في حرب صليبية‬
‫طويلة وشرسة نيابة عن العالم الصليبي ضد الدولة العثمانية‬
‫زعيمة العالم السلمي‪.‬‬
‫وفي هذه الفترة ظهرت الثورة الصناعية وما صاحبها من محافل‬
‫ماسونية وأفكار علمانية تحارب الدين ممثل ً في الكنيسة وحصلت‬
‫حالة من الفصام النكد بين الدين والحياة في أوروبا‪ ،‬وأصبح دور‬
‫البابا منحصرا ً في الجوانب الروحية‪ ،‬بل تعرض منصب البابوية‬
‫نفسه لللغاء أيام حكم موسوليني في إيطاليا‪ ,‬ولكن الحقيقة‬
‫الثابتة والتي ل يستطيع أحد أن يجادل فيها أو يحاول أن يخفيها‬
‫أن أثر البابا ظل باقيا ً في كل الحروب والصراعات التي نشبت‬
‫بعد ذلك بين العالم السلمي وأعدائه الغربيين‪ ،‬فلقد كان الطابع‬
‫الصليبي والحقد الديني بارزا ً في كل هذه الحروب والصراعات‪،‬‬
‫وعشرات السنيين التي جثم خللها الغرب على العالم السلمي‬

‫‪142‬‬
‫في صورة احتلل كانت الصليبية والعداوة الدينية طافحة في‬
‫كافة أعمال وتحركات الغرب‪ ،‬والمجازر الوحشية والمروعة التي‬
‫قام بها الحتلل الفرنسي في الجزائر والمغرب ودول غرب‬
‫إفريقيا ومثيلتها التي قام بها الحتلل الروسي في القوقاز‬
‫ووسط آسيا‪ ،‬وغير ذلك كثير يعتبر خير دليل على الحقد الصليبي‬
‫الطافح في هذه الحروب‪ ,‬والذي يرجع الفضل الول في إبرازه‬
‫وتأجيجه ثم تثبيته لكرسي البابوية‪.‬‬
‫ثم في الوقت الحاضر ماذا يسمي المشئوم بينيدكت السادس‬
‫عشر حرب البوسنة والمجازر المروعة التي قام بها الصرب‬
‫الكفرة بحق مسلمي البوسنة‪ ,‬حيث ذبحوا قرابة النصف مليون‬
‫مسلم‪ ,‬وما قام به الروس الكفرة في حروب الشيشان بحق‬
‫مسلمي القوقاز‪ ،‬وما يسمى حروب أمريكا على أفغانستان ثم‬
‫العراق وما يسمي حرب لبنان ونيجيريا وساحل العاج وإندونيسيا‬
‫الداخلية‪ ,‬حيث وثب النصارى في هذه البلد على مسلميها‬
‫وارتكبوا سلسلة من المجازر المروعة والتي يندى جبين البشرية‬
‫لمثلها‪.‬‬
‫فهل يعقل أو يصح بعد ذلك أن يتكلم عن الحرية ونبذ العنف‬
‫باسم الدين من يجلس على كرسي غارق في الدماء‪ ,‬ويد أسلفه‬
‫ملطخة بدماء المسلمين عبر سنوات الصراع البدي بين الكفر‬
‫واليمان‪.‬‬
‫وعلى ما يبدو أن دور كرسي البابوية قد عاد ليطل برأسه من‬
‫جديد ليتبوأ مكانه الريادي في قيادة العالم النصراني في حربه‬
‫المستمرة ضد العالم السلمي‪ ,‬وما يدرينا لعل هذا البابا‬
‫المحارب سيكون شرارة البدء لسلسلة الملحم الكبرى التي‬
‫ستقع في آخر الزمان بين الروم والمسلمين‪ .‬الله أعلم!!‬
‫===============‬
‫رسالة إلى العقل والقلب‬
‫بقلم طارق أبو عبد الله‬
‫أما فكرت في نفسك قط من عساه يكون ذلك الرجل الذي‬
‫شغل البشرية بما جاء به إلى يومنا هذا و ُبعثت به من العدم أمة‬
‫كانت تعيش في جاهلية عمياء فأصبحت في غضون سنوات قليلة‬
‫دولة راسخة الركان وحضارة مزدهرة امتدت في جميع أنحاء‬
‫المعمورة ل يقف في وجهها شيء؟‬
‫أما تأملت كيف استطاع رجل بمفرده – لو كان بمفرده – أن‬
‫يحدث أكبر تغيير شهده التاريخ و هو على يقين بما جاء به و ما‬
‫سيصل إليه من أول يوم بدأ فيه دعوته؟ ألم تسأل ما الذي جناه‬
‫هذا الرجل لنفسه من متاع الدنيا مقابل تحمله مشاق هذه‬

‫‪143‬‬
‫الدعوة و الصبر على أذى قومه و تكذيبهم ثم جهادهم عليها‬
‫جهادا كبيرا؟ إذا أردنا الجابة عن هذه السئلة فلبد أن نبدأ من‬
‫البداية التاريخية التي يتفق عليها المصدقون به و المكذبون من‬
‫قومه و من أهل الكتاب من وقت عاش إبراهيم عليه السلم‪.‬‬
‫هناك في تلك البقعة المباركة حيث ترك النبي إبراهيم عليه‬
‫السلم ولده الرضيع إسماعيل وزوجته هاجر وحدهما في‬
‫الصحراء بأمر من ربه وسافر إلى الشام تولى الله أمر الصبي و‬
‫عا صافًيا و ماء معيًنا بمعجزة إلهية‬ ‫أمه و فجر لهما بئر زمزم ينبو ً‬
‫باقية إلى يومنا هذا يرتوي منها الحجاج و المعتمرون من جميع‬
‫أنحاء الرض ثم ألف الله حولهم قلوب مجموعة من البدو‬
‫فعاشت معهما حول الماء ونما بينهم الفتى إسماعيل وتعلم‬
‫لغتهم حتى أمر الله إبراهيم عليه السلم أن يعيد بناء البيت‬
‫الحرام بعد أن هدمه طوفان نوح عليه السلم لكي يعبد الناس‬
‫عنده ربهم‪.‬‬
‫فرفع إبراهيم و إسماعيل قواعد البيت وأذن إبراهيم في الناس‬
‫بحج البيت فلبى الناس النداء ‪ -‬وما زالوا يلبون إلى يومنا هذا –‬
‫وظل هذا البيت آية و قبلة للناس تحج إليه العرب و تعظمه أشد‬
‫التعظيم ول ينكر حقه وفضله يهودي ول نصراني حتى أن الملك‬
‫النصراني الذي أراد هدمه – وهو أبرهة – كي ينصرف الناس عنه‬
‫إلى كنيسة بناها بالحبشة رد الله كيده في نحره وأرسل عليه‬
‫طيًرا من السماء ترميه بحجارة ملتهبة أهلكته و جنوده في حادثة‬
‫خلدها القرآن في سورة كاملة]‪ [1‬لم ينكرها أي من مشركي‬
‫العرب وهم الذين كانوا يتلهفون لكي يجدوا خطأ واحدا في‬
‫القرآن‪ .‬و في نفس هذا العام ُولد من بني إسماعيل بجوار البيت‬
‫ذلك الفتي اليتيم المي الذي عرف بين عشيرته بالصادق المين‬
‫وعاش بينهم أربعين سنة كان فيها مثال الصدق و الشهامة‬
‫والخلق الفاضلة فنشأ حنيفا على ملة أبيه إبراهيم ل يشارك‬
‫حّبب إليه‬ ‫قومه في عبادتهم للوثان ول في لهوهم و لعبهم و ُ‬
‫الخلوة فكان يخلو بنفسه في أحد جبال مكة يعبد ربه و يتأمل في‬
‫ملكوت السماوات والرض حتى نزل عليه روح القدس و أمين‬
‫الوحي جبريل عليه السلم فأقرأه أولى آيات القرآن الكريم‪:‬‬
‫ق‪ .‬اقَْرأ ْ وََرب ّ َ‬
‫ك‬ ‫م ْ َ‬
‫ن ع َل ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا َ‬
‫لن َ‬‫خل َقَ ا ْ ِ‬
‫ق‪َ .‬‬ ‫خل َ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫سم ِ َرب ّ َ‬ ‫ْ‬
‫)اقَْرأ ِبا ْ‬
‫َ‬
‫م‪ (.‬فعاد محمد‬ ‫م ي َعْل َ ْ‬
‫ما ل َ ْ‬
‫ن َ‬‫سا َ‬ ‫لن َ‬‫ماِْ‬ ‫م‪ .‬ع َل ّ َ‬ ‫م ِبال ْ َ َ‬
‫قل ِ‬ ‫ذي ع َل ّ َ‬ ‫م‪ .‬ال ّ ِ‬‫اْلك َْر ُ‬
‫يرجف بها فؤاده فدخل على خديجة زوجته قائل زملوني‪ ,‬زملوني‬
‫دا‪ ،‬إنك‬ ‫]‪ [2‬وأخبرها بما حدث فقالت‪ " :‬كل والله ما يخزيك الله أب ً‬
‫لتصل الرحم‪ ،‬وتحمل الكل‪ ،‬وتكسب المعدوم‪ ،‬وتقري الضيف‪،‬‬
‫وتعين على نوائب الحق"‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫صر في‬ ‫ثم ذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان امرًءا تن ّ‬
‫الجاهلية‪ ،‬وكان يكتب الكتاب العبراني‪ ،‬فيكتب من النجيل‬
‫خا كبيًرا قد عمي‪،‬‬ ‫بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب‪ ،‬وكان شي ً‬
‫فقالت له خديجة‪ :‬يا بن عم‪ ،‬اسمع من ابن أخيك‪ .‬فقال له ورقة‪:‬‬
‫يا بن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫خبر ما رأى‪ ،‬فقاله له ورقة‪ :‬هذا الناموس الذي نّزل الله على‬
‫عا]‪ ،[3‬ليتني أكون حًيا إذ يخرجك قومك‪.‬‬ ‫موسى‪ ،‬يا ليتني فيها جذ ً‬
‫و هذه كانت البداية‪ ..‬بداية الرسالة‪.‬‬
‫و الن نعود لنسأل أنفسنا نفس السئلة السابقة‬
‫دا من عند الله عز و‬ ‫هل كان هذا الرجل بمفرده أم أنه كان مؤي ً‬
‫جل؟‬
‫فا منه أم يكفي أن‬ ‫حا و منص ً‬ ‫فا واض ً‬‫ي أن أتخذ موق ً‬‫و هل يجب عل ّ‬
‫أسير هكذا كما سار أبائي و أجدادي ول أشغل نفسي بأمره؟‬
‫إن العقل الراجح و البحث المحايد إذا نظر في دعوى محمد –‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬للنبوة ذلك المر العظيم فعليه أن يبحث‬
‫في ثلثة أمور على القل هي‪:‬‬
‫‪ .1‬حياة محمد وسيرته وأخلقه وتعامله مع أعدائه فضل ً عن‬
‫أصحابه‪.‬‬
‫‪ .2‬ما جاء به محمد وما دعا إليه من عقائد و شرائع و معاملت‪.‬‬
‫‪ .3‬موقفه من النبياء السابقين الذين يتفق الناس على نبوتهم‬
‫وأصحاب الديانات الخرى من أهل الكتاب وموقف أهل الكتاب‬
‫منه‪.‬‬
‫وقبل أن نستطرد في هذا البحث أود أن نتفق مًعا على قاعدة‬
‫في غاية الوضوح والبداهة وهي أن العقيدة الصحيحة المنزلة من‬
‫عند الله في السماء لهداية البشر إلى ربهم يجب أن تكون هي‬
‫أوضح المور وأبسط المسائل ل يكتنفها الغموض والتعقيد ول‬
‫ضا أن تكون مبنية على أدلة‬ ‫يختلجها التكلف أو التناقض ويجب أي ً‬
‫قوية واضحة وضوح الشمس ل على الظنون والوهام ويجب أل‬
‫تحتاج الحقيقة إلى السب والشتم واختلق الكاذيب للقناع بها‬
‫ويجب أن يفهمها الناس على اختلف عقولهم وأفهامهم بدون‬
‫الحاجة إلى الخوض في متاهات الفلسفة والسفسطة‪.‬‬
‫فإذا اطمئن قلبك لسلمة هذا المنهج ونمت في نفسك روح‬
‫البحث عن الحق في هذا المر الخطير فالجزء الول من هذه‬
‫طا رئيسية وعلمات في‬ ‫الرسالة الصغيرة يضع أمامك خطو ً‬
‫طريق بحثك لك أن تقرأها وتعرضها على قلبك وعقلك ثم تتبع ما‬
‫تطمئن إليه نفسك و ينشرح له صدرك‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫وأما الجزء الثاني فيناقش جانًبا آخر من قضية الدين – أهم قضية‬
‫في حياة النسان الدنيوية والخروية ‪ -‬وهي مناقشة عقلنية‬
‫لبعض العقائد التي تربي بعضنا عليها بدون أن يعطي نفسه‬
‫فرصة للتفكر فيها بهدوء إيماًنا بأن النسان السوي هو الذي‬
‫يحترم عقله و فطرته ول يسير كالقطيع مغمض العينين في أمر‬
‫قد يترتب عليه سعادته البدية أو شقاؤه البدي و لكنه الذي‬
‫يعمل عقله وفكره ول يعطلهما ويسأل ربه في كل وقت أن‬
‫يهديه الصراط المستقيم الذي يوصله إليه‬
‫النبي المي‬
‫ر‬ ‫س وَب َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫)أ َ َ‬
‫ش ِ‬ ‫ن أنذ ِرِ الّنا َ‬
‫مأ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ل ّ‬‫ج ٍ‬
‫حي َْنا إ ِلى َر ُ‬‫ن أوْ َ‬
‫جبا أ ْ‬
‫س عَ َ‬ ‫ن ِللّنا ِ‬‫كا َ‬
‫مُنوْا(؟‬ ‫نآ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫كل من قرأ سيرة محمد وأخباره وأيامه من الباحثين المنصفين‬
‫غير المسلمين أجمعوا على أن هذا الرجل قد اجتمعت فيه كل‬
‫صفات الكمال البشري من حسن الخلق ورجاحة العقل وسلمة‬
‫الفطرة ورقة الطبع والشجاعة وبلغة اللسان‪.‬‬
‫هذا الفيلسوف النجليزي )توماس كارليل( الحائز على جائزة‬
‫نوبل يقول في كتابه البطال‪ " :‬لقد أصبح من أكبر العار على أي‬
‫فرد متحدث هذا العصر أن يصغي إلى ما يقال من أن دين‬
‫داع مزّور‪.‬‬ ‫السلم كذب‪ ،‬وأن محمدا ً خ ّ‬
‫وإن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه القوال السخيفة‬
‫داها ذلك الرسول ما زالت السراج‬ ‫المخجلة؛ فإن الرسالة التي أ ّ‬
‫المنير مدة اثني عشر قرنا ً لنحو مائتي مليون من الناس‪ ،‬أفكان‬
‫أحدكم يظن أن هذه الرسالة التي عاش بها ومات عليها هذه‬
‫المليين الفائقة الحصر والحصاء أكذوبة وخدعة؟!‬
‫إلى أن قال‪ " :‬وعلى ذلك‪ ،‬فلسنا ن َعُد ّ محمدا ً هذا قط رجل ً كاذبا ً‬
‫متصنعًا‪ ،‬يتذرع بالحيل والوسائل إلى بغيته‪ ،‬ويطمح إلى درجة‬
‫ملك أو سلطان‪ ،‬أو إلى غير ذلك من الحقائر‪ .‬وما الرسالة التي‬
‫داها إل حق صراح‪ ،‬وما كلمته إل قول صادق‪.‬‬ ‫أ ّ‬
‫فق‪ ،‬وهذه حقيقة تدفع كل باطل‪،‬‬ ‫مل ّ‬ ‫كل‪ ،‬ما محمد بالكاذب‪ ،‬ول ال ُ‬
‫حجة القوم الكافرين‪.‬‬ ‫وتدحض ُ‬
‫ثم ل ننسى شيئا ً آخر‪ ،‬وهو أنه لم يتلق دروسا ً على أستاذ أبدًا‪،‬‬
‫وكانت صناعة الخط حديثه العهد إذ ذاك في بلد العرب ـ وعجيب‬
‫ة العرب ـ ولم يقتبس محمد من نور أي إنسان آخر‪،‬‬ ‫مي َ َ‬ ‫ُ‬
‫وأيم الله أ ّ‬
‫ولم يغترف من مناهل غيره‪ ،‬ولم يكن إل كجميع أشباهه من‬
‫النبياء والعظماء‪ ،‬أولئك الذين أشّبههم بالمصابيح الهادية في‬
‫ظلمات الدهور‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫وقد رأيناه طول حياته راسخ المبدأ‪ ،‬صادق العزم بعيدًا‪ ،‬كريما ً‬
‫ل‪ ،‬شديد الجد‪ ،‬مخلصًا‪ ،‬وهو مع‬ ‫ل‪ ،‬حرًا‪ ،‬رج ً‬
‫ب َّرا‪ ،‬رؤوفًا‪ ،‬تقيًا‪ ،‬فاض ً‬
‫ذلك سهل الجانب‪ ،‬لّين العريكة‪ ،‬جم البشر والطلقة‪ ،‬حميد‬
‫العشرة‪ ،‬حلو اليناس‪ ،‬بل ربما مازح وداعب‪ ،‬وكان ـ على العموم‬
‫ة مشرقة من فؤاد صادق؛ لن من الناس‬ ‫ـ تضيء وجهه ابتسام ٌ‬
‫من تكون ابتسامته كاذبة ككذب أعماله وأقواله "‪ .‬ويقول‪ " :‬كان‬
‫ل‪ ،‬صادق النية‪ ،‬كان ذكي اللـب‪ ،‬شهم الفؤاد‪ ،‬لوذعيًا‪ ،‬كأنما‬ ‫عاد ً‬
‫بين جنبيه مصابيح كل ليل بهيم‪ ،‬ممتلئا ً نورًا‪ ،‬رجل ً عظيما ً‬
‫بفطرته‪ ،‬لم تثقفه مدرسة‪ ،‬ول هذبه معلم‪ ،‬وهو غني عن ذلك"‪.‬‬
‫و بعد أن أفاض )كارليل( في إنصاف النبي محمد ختم حديثه‬
‫بهذه الكلمات‪" :‬هكذا تكون العظمة· هكذا تكون البطولة·هكذا‬
‫تكون العبقرية"‪.‬‬
‫أما )ل مارتين( الفيلسوف الفرنسي فيدافع بحرارة عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وينفي بصرامة وقوة أن يكون كاذبا ً أو‬
‫مفتريا ً على الله فيقول‪:‬‬
‫)إن حياة محمد‪ ،‬وقوة كقوة تأمله وتفكيره وجهاده‪ ،‬ورباطة‬
‫جأشه لتثبيت أركان العقيدة السلمية··· إنه فيلسوف وخطيب‬
‫ومشرع وهاد للنسانية إلى العقل وناشر للعقائد المعقولة‬
‫الموافقة للذهن وهو مؤسس دين ل فرية فيه ومنشئ عشرين‬
‫دولة في الرض وفاتح دولة في السماء من ناحية الروح والفؤاد‪،‬‬
‫فأي رجل أدرك من العظمة النسانية ما أدرك محمد وأي آفاق‬
‫بلغ إنسان من مراتب الكمال ما بلغ محمد· ويقول في موضع‬
‫آخر‪" :‬أعظم حدث في حياتي هو أنني درست حياة رسول الله‬
‫محمد دراسة واعية‪ ،‬وأدركت ما فيها من عظمة وخلود‪ ،‬ومن ذا‬
‫الذي يجرؤ على تشبيه رجل من رجال التاريخ بمحمد؟! ومن هو‬
‫الرجل الذي ظهر أعظم منه‪ ،‬عند النظر إلى جميع المقاييس‬
‫التي ُتقاس بها عظمة النسان؟! إن سلوكه عند النصر وطموحه‬
‫الذي كان مكرسا ً لتبليغ الرسالة وصلواته الطويلة وحواره‬
‫كنه من إرساء أركان‬ ‫السماوي هذه كلها تدل على إيمان كامل م ّ‬
‫العقيدة‪ .‬إن الرسول والخطيب والمشرع والفاتح ومصلح العقائد‬
‫الخرى الذي أسس عبادة غير قائمة على تقديس الصور هو‬
‫محمد‪ ،‬لقد هدم الرسول المعتقدات التي تتخذ واسطة بين‬
‫الخالق والمخلوق]‪"[4‬‬
‫و هذا )جوتة( الديب اللماني‪"" :‬إننا أهل أوربا بجميع مفاهيمنا‪،‬‬
‫لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد‪ ،‬وسوف ل يتقدم عليه أحد‪،‬‬
‫ولقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا النسان‪ ،‬فوجدته في‬

‫‪147‬‬
‫النبي محمد… وهكذا وجب أن يظهر الحق ويعلو‪ ،‬كما نجح محمد‬
‫الذي أخضع العالم كله بكلمة التوحيد"]‪[5‬‬
‫ويقول الديب الروسي)ليو تولستوي( والذي حرمته الكنيسة‬
‫بسبب آرائه الحرة الجريئة‪:‬‬
‫"أنا واحد من المبهورين بالنبي محمد الذي اختاره الله الواحد‬
‫لتكون آخر الرسالت على يديه‪ ،‬وليكون هو أيضا ً آخر النبياء …‬
‫ويكفيه فخرا ً أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق‪ ،‬وجعلها تجنح‬
‫للسكينة والسلم‪ ،‬وفتح لها طريق الرقي والمدينة"]‪[6‬‬
‫ويقول العلمة )شيريل(‪ ،‬عميد كلية الحقوق بفيينا‪" :‬إن البشرية‬
‫لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها"‪.‬‬
‫فهل ترى أن كل هؤلء الدباء والمفكرين – ولول قصر الرسالة‬
‫لذكرت أكثر من ذلك‪ -‬من مختلف الجنسيات قد اخطأوا في مدح‬
‫محمد؟ أو أنهم أجمعوا علي الثناء عليه بمحض الصدفة؟ أم أنهم‬
‫كانوا غير مشهورين فأرادوا أن ينالوا الشهرة من خلل مدحهم‬
‫له – صلى الله عليه و سلم‪-‬؟ أم أن هذه الشخصية العظيمة‬
‫تستحق فعل الثناء والمدح؟ ترى هذا الرجل الذي لبث بين‬
‫ظهراني قوم جاهليين و ظل فيهم أربعين سنة ل يشاركهم في‬
‫عبادتهم للوثان و ل يقارف منكًرا مدة شبابه كله حتى إذا بلغ من‬
‫العمر أربعين سنة وأصبح إلى الشيخوخة أقرب منه إلى الشباب‬
‫أتى بهذا المر العظيم بعزيمة أمضى من السيف وأمل أسطع‬
‫من البرق ل يكل ول يمل حتى أدى رسالته ونجح في مهمته هل‬
‫يمكن أن يكون مزّورا؟‬
‫هؤلء أهل مكة قالوا له بألسنتهم قبل أن يبلغهم الدعوة "ما‬
‫جربنا عليك كذبا قط" وكانوا يودعون عنده أماناتهم حتي بعد أن‬
‫جهر بالدعوة لنه عندهم ما زال الصادق المين ولو كذب مرة‬
‫واحدة لما آمن به أحد منهم فهل تراه يذر الكذب على الناس ثم‬
‫يكذب على الله؟ وقد بلغ من حسن أخلقه أن الرجل كان يأتيه‬
‫قبل أن يسلم وهو أشد الناس كراهية له – صلى الله عليه وسلم‬
‫– فما يمكث معه إل قليل حتى يقوم من عنده داعًيا قومه قائل ً‬
‫لهم جئتكم من عند خير الناس و قد أصبح أحبهم إليه –صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫فا مع الناس فهل يتحمل أن يتكلف‬ ‫هب أن أخلقه هذه كانت تكل ً‬
‫ضا داخل بيته مع زوجاته و بناته – على كثرتهن – أم أنه كان‬ ‫أي ً‬
‫يحسن معاشرتهن]‪ [7‬ويقول‪) :‬خيركم خيركم لهله و أنا خيركم‬
‫لهلي( حتى أن أول من آمن به و صدقه زوجته خديجة؟ وحينما‬
‫سئلت زوجاته عن حاله في بيته قالت كان في مهنة أهله ‪ -‬تعني‬
‫في خدمة أهله ‪ -‬فإذا حضرت الصلة خرج فصلى وفي حديث‬

‫‪148‬‬
‫آخر كان يخصف نعله ويخيط ثوبه ويعمل في بيته كما يعمل‬
‫أحدكم في بيته ولم يضرب بكفه امرأة قط وكان يستئذن زوجاته‬
‫مّرض في بيت إحداهن و كان يداعبهن وسابق‬ ‫إذا أراد أن ي ُ َ‬
‫قا‬
‫عائشة زوجته مرتين فسبقته وسبقها وكان يمزح ول يقول إل ح ً‬
‫وكان يدعو أصحابه إلى إحسان عشرة النساء ويقول‪):‬اتقوا الله‬
‫ن بأمانة الله( وكان يقول أن خير‬ ‫في النساء‪ ،‬فإنكم أخذتموه ّ‬
‫الدراهم هو الدرهم الذي ينفقه الرجل على أهل بيته‬
‫بل إن خادمه أنس بن مالك يقول‪] :‬خدمت النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم عشر سنين‪ ،‬فما قال لي‪ :‬أف‪ ،‬ول‪ :‬لم صنعت؟ ول‪ :‬أل‬
‫صنعت]‪.‬وكانت آخر وصيته قبل موته )الصلة الصلة وما ملكت‬
‫أيمانكم( يوصي بالمحافظة على الصلة وإحسان معاملة الخدم‬
‫والعبيد‪.‬‬
‫سئل شيًئا يملكه‬‫و كان –صلى الله عليه وسلم‪ -‬أكرم الناس فما ُ‬
‫وقال ل وكان يعطي عطاء من ل يخشى الفقر وكان مثال ً في‬
‫ما تحت ظل شجرة و سيفه‬ ‫الحلم والصفح فقد روي أنه كان نائ ً‬
‫معلق عليها فجاء أعرابي فأخذ السيف وقال يا محمد من يمنعك‬
‫مني فقال ‪ :‬الله‪ .‬فسقط السيف من يد الرجل فأخذه النبي و‬
‫قال له‪ :‬من يمنعك أنت الن مني؟ فقال‪ :‬ل أحد‪ .‬فعفا عنه‬
‫وانصرف الرجل وقسم مرة مال ً بين ناس فجاءه أعرابي فجذبه‬
‫من طرف ردائه و قال‪ :‬هذه قسمة ما أريد بها وجه الله‪ .‬فغضب‬
‫رسول الله و ما زاد على أن قال‪) :‬ومن يعدل إذا لم يعدل الله‬
‫ورسوله؟ رحم الله موسى فقد أوذي بأكثر من هذا و صبر و كان‬
‫أرحم الناس و أرضاهم بقضاء الله( انظر إليه و قد فاضت روح‬
‫ابنه إبراهيم بين يديه فقال وهو تدمع عيناه‪ " :‬تدمع العين ويحزن‬
‫القلب‪ ،‬ول نقول إل ما يرضى ربنا‪ ،‬والله يا إبراهيم إنا بك‬
‫لمحزونون "‪ .‬و كان أشجع الناس حتى أن الصحابة كانوا يحتمون‬
‫به في المعركة إذا اشتد وطيسها و حمي أوارها‪ .‬أفما آن للعاقل‬
‫أن يفكر‪ :‬هل يمكن أن تجتمع كل هذه الشمائل‪-‬التي لم تتغير‬
‫طوال حياة صاحبها‪ -‬إل في نبي كريم متبع لملة أبيه إبراهيم؟ هل‬
‫جنى محمد – صلى الله عليه وسلم – لنفسه من دعوته تلك شيًئا‬
‫من متاع الدنيا الزائل أم أنه كان يربط الحجر والحجرين على‬
‫بطنه من الجوع و يقول اللهم ل عيش إل عيش الخرة ]‪[8‬؟ ألم‬
‫يكن يظل بالشهر والشهرين ول توقد في بيته نار و يقول‪) :‬اللهم‬
‫اجعل رزق آل محمد كفافًا( في حين أنك ترى في كل دين آخر‬
‫ما يكفل للكهنة ورجال الدين فيه مصادر الثروة والغنى]‪ [9‬فما‬
‫الذي صبره على ذلك إن لم يكن من الصادقين؟ وما الذي حمله‬
‫على أل يقبل غلو أصحابه في حبه ومدحه فتراه ل يرفع نفسه‬

‫‪149‬‬
‫عن قدره ويقول لصحابه‪) :‬ل تطروني كما أطرت النصارى‬
‫عيسى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله و رسوله( وفي‬
‫إحدى المواقف جلست جويريات يضربن بالدف صبيحة عرس‬
‫إحدى نساء النصار وجعلن يضربن بالدف ويندبن من قتل من‬
‫أبائها يوم بدر‪ ،‬إذ قالت إحداهن‪ :‬وفينا نبي يعلم ما في غد‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫)دعي هذا‪ ،‬و قولي بالذي كنت تقولين( ومصداق ذلك في كتاب‬
‫ه وَل َوْ ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫كن ُ‬ ‫شاء الل ّ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ضّرا ً إ ِل ّ َ‬‫فعا ً وَل َ َ‬ ‫سي ن َ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ك ل ِن َ ْ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫الله‪ُ " :‬قل ل ّ أ ْ‬
‫خير وما مسن ِي السوُء إ َ‬ ‫َ‬
‫ذيٌر‬‫ن أن َا ْ إ ِل ّ ن َ ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن ال ْ َ ْ ِ َ َ َ ّ َ‬ ‫م َ‬‫ت ِ‬ ‫ست َك ْث َْر ُ‬ ‫ب لَ ْ‬ ‫م ال ْغَي ْ َ‬ ‫أع ْل َ ُ‬
‫ن"‬ ‫مُنو َ‬ ‫قوْم ٍ ي ُؤ ْ ِ‬ ‫شيٌر ل ّ َ‬ ‫وَب َ ِ‬
‫و لما توفي أحد المهاجرين قالت عنه امرأة من النصار‪ :‬رحمة‬
‫الله عليك يا أبا السائب‪ ،‬فشهادتي عليك‪ :‬لقد أكرمك الله‪ .‬فقال‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪):‬وما يدريك أن الله أكرمه(‪ .‬فقلت‪:‬‬
‫بأبي أنت يا رسول الله‪ ،‬فمن يكرمه الله؟ فقال‪):‬أما هو فقد‬
‫جاءه اليقين‪ ،‬والله إني لرجو له الخير‪ ،‬والله ما أدري‪ ،‬وأنا رسول‬
‫دا‪.‬‬ ‫دا بعده أب ً‬ ‫الله‪ ،‬ما يفعل بي(‪ .‬قالت‪ :‬فو الله ل أزكي أح ً‬
‫ة أن‬ ‫أترى لو كان محمد يتحامى الكذب دهاء وسياسة خشي ً‬
‫دا عن خلف ما يقول ما الذي كان‬ ‫يكشف الغيب قريًبا أو بعي ً‬
‫يمنعه أن يتقول ما يشاء في شأن ما بعد الموت وهو ل يخشى‬
‫من يراجعه فيه ول يهاب حكم التاريخ عليه؟ لقد منعه الخلق‬
‫العظيم و تقدير المسئولية الكبرى أمام حاكم آخر أعلى من‬
‫التاريخ و أهله]‪[10‬‬
‫ضا؟‬ ‫هب أنه كان يكذب على الناس أفكان يكذب على نفسه أي ً‬
‫فقد كان مجموعة من الصحابة يحرسون النبي حتي نزلت هذه‬
‫ل‬‫فعَ ْ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ك وَِإن ل ّ ْ‬ ‫من ّرب ّ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬‫ما ُأنزِ َ‬ ‫ل ب َل ّغْ َ‬‫سو ُ‬ ‫َ‬
‫الية‪َ " :‬يا أي َّها الّر ُ‬
‫س " فقال لهم‪) :‬أيها‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬‫ك ِ‬‫م َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ه ي َعْ ِ‬‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫سال َت َ ُ‬‫ت رِ َ‬ ‫ما ب َل ّغْ َ‬ ‫فَ َ‬
‫سا بعدها و‬ ‫الناس‪ ،‬انصرفوا فقد عصمني الله( ]‪[11‬ولم يتخذ حر ً‬
‫قد وقف وحده في ميدان المعركة وسط المشركين و قد تفرق‬
‫أصحابه من حوله و هو يهتف‪ :‬أنا النبي ل كذب أنا ابن عبد‬
‫المطلب فمن ذا الذي حماه وعصمه حتى بلغ الرسالة كاملة‬
‫قا تمام الثقة من‬ ‫وأدى المانة أوفى أداء؟ وما الذي جعله واث ً‬
‫النصر والتمكين لدينه حتى في أحلك المواقف وأقسى الزمات]‬
‫‪ [12‬فيبشر أصحابه بعروش كسري وقيصر في حين أن اليهود‬
‫والعرب يحاصرونهم من أسفل منهم ومن فوقهم وقد زاغت‬
‫دا من الله الذي‬ ‫البصار وبلغت القلوب الحناجر إل إن كان موعو ً‬
‫ل يخلف الميعاد بالنصر والتمكين؟ هبه امتل رجاء ببقاء هذه‬
‫الدعوة و ظهورها ما دام يتعهدها بنفسه فمن الذي تكفل له بعد‬
‫موته ببقائها وحمايتها وسط أمواج المستقبل العاتية؟ وكيف‬

‫‪150‬‬
‫عَبر الزمان ما يفت في‬ ‫يجيئه اليقين في ذلك و هو يعلم من ِ‬
‫حّرف؟]‬ ‫عضد هذا اليقين فكم من نبي ُقتل وكم من كتاب فقد أو ُ‬
‫‪ [13‬هل رأيت كاهًنا أو ساحًرا أو عراًفا جاءه مثل هذا اليقين‬
‫الذي ل يتزعزع و الثبات الذي ل يتردد؟؟‬
‫ومن الذي ألف حوله قلوب أصحابه و جمعهم على دعوته بعد أن‬
‫كانوا قبائل متناحرة ل يجمعهم نظام ول ينقادون تحت لواء]‪[14‬؟‬
‫أرأيت كيف استجابوا له في النهاية إذ دعاهم إلى ترك دين أبائهم‬
‫وأجدادهم إلى عبادة الله وحده وترك النفة والفخر إلى ضرب‬
‫الظهور بالسياط إن شربوا الخمر أو قذفوا إنسانا و قطع اليدي‬
‫إن سرقوا أو أفسدوا في الرض؟ فمن الذي حول طباعهم من‬
‫الغلظة والبداوة وبعد أن كان أحدهم يأنف أن تسبق ناقته ناقة‬
‫أخرى إلى رفق السلم و رحمته وتواضعه فأصبح السيد والعبد‬
‫يقفان متجاورين في الصلة؟ ومن الذي كان يجيب دعائه إذا دعا‬
‫لحد من أصحابه؟ ألم يدع ُ للمدينة المنورة بأكملها أل يدخلها‬
‫طاعون فما دخلها وباء إلى اليوم؟ ألم يدع لقبيلة بأكملها أمام‬
‫أصحابه أن تسلم وتأتيه فأسلمت عن بكرة أبيها؟ أتراه يغامر لو‬
‫كان كاذًبا بأمر كهذا؟ أيمكن لرجل أمي أن يغامر ويزعم أنه نبي‬
‫يؤمن بجميع النبياء من قبله من أول آدم مروًرا بموسى وعيسى‬
‫عليهما السلم ويجعل الكفر بواحد منهم كالكفر بالجميع ثم‬
‫يتحدى أهل الكتاب من اليهود والنصارى الموجودين في عهده –‬
‫بل إلى قيام الساعة – ويناقشهم في أخص أمور دينهم بل‬
‫ويفضحهم ويواجههم بتحريفهم لكتب أنبيائهم؟ لقد بلغ من تحديه‬
‫إياهم أنه لما هاجر توجه إلى أحد معاقل اليهود في الجزيرة‬
‫العربية وهي يثرب ‪-‬وكان يمكنه أن يهاجر إلى أرض ليس بها أهل‬
‫كتاب فما الذي دعاه إلى ذلك لو كان من الكاذبين؟ قل لي بربك‬
‫لو كان هذا الدين من عند نفسه وليس من عند الله فما حاجته‬
‫لليمان بالنبياء السابقين ويدخل في هذه المواجهات]‪ [15‬مع‬
‫اليهود والنصارى ويعلن أن إلـهه وإلـههم واحد ولكنهم هم الذين‬
‫غيروا شريعته وبدلوا وحرفوا‪ .‬ثم إنك تجد أن علماء اليهود‬
‫دا وجماعات ويتبعون‬ ‫والنصارى المنصفين يدخلون في دينه أفرا ً‬
‫شريعته منذ أن بعثه الله و إلى اليوم‪ [16].‬إن الكثيرين منهم‬
‫عندما يتجردون من الهواء والنزعات الشخصية والعصبية فإنهم‬
‫سرعان ما يبصرون الحق ويعتنقونه بل إن عددا ً من‬
‫المستشرقين والمبشرين النصارى الذين بدئوا حملتهم مصممين‬
‫على القضاء على السلم وإظهار عيوبه المزعومة‪ ،‬أصبحوا هم‬
‫أنفسهم مسلمين‪ ،‬وما ذلك إل لن للحق حجته الدامغة التي ل‬

‫‪151‬‬
‫ة َأن‬ ‫كن ل ّهُ ْ‬
‫م آي َ ً‬ ‫َ‬
‫سبيل إلى إنكارها‪ .‬قال الله عز وجل‪ " :‬أوَل َ ْ‬
‫م يَ ُ‬
‫ل "‪.‬‬‫سَراِئي َ‬ ‫ه ع ُل َ َ‬
‫ماء ب َِني إ ِ ْ‬ ‫م ُ‬‫ي َعْل َ َ‬
‫ثم كيف يمكن لرجل عادي – لو كان عادًيا – أن يؤلف وحده‬
‫شريعة محكمة ل تدع أمًرا من أمور النسان إل ونظمته على‬
‫الوجه المثل بدًءا من طريقة الكل والشرب حتى نظام الحكم‬
‫فما تركت خيًرا من أمور الدنيا إل وأمرت به ول شًرا إل و نهت‬
‫عنه ويشهد بذلك مفكرو الغرب أنفسهم والدراسات الحديثة‬
‫والفضل ما شهدت به العداء‪ .‬وما زالت إلى اليوم هذه الشريعة‬
‫معينا ل ينضب للباحثين والعلماء يستخرجون منها من الحكم‬
‫الباهرة والحكام الدقيقة ما يدعو الناس لليمان والتصديق‪[17].‬‬
‫كيف أمكن لرجل بمفرده‪ -‬لو كان بمفرده‪ -‬أن يحدث أكبر تغيير‬
‫ديني وحضاري وسياسي واجتماعي في العالم استمر إلى الن‬
‫حتى إن مفكري الغرب عندما اجتمعوا لكي يحددوا المائة الوائل‬
‫دا على‬ ‫الذين كان لهم أكبر تأثير في تاريخ البشرية جعلوا محم ً‬
‫رأسهم وظهر ذلك في كتاب المائة الوائل لمايكل هارت]‪[18‬ألم‬
‫تمر على أمة السلم مائتا عام إل وكان المسلمون يعيشون‬
‫نهضة علمية في شتى المجالت في حين كانت أوروبا ترزح تحت‬
‫جبال من الجهل والتخلف والخرافات؟!‬
‫ثم ألم يكن أولى به لو كان يدعي النبوة أن يخفف من تكاليف‬
‫الشريعة لقصى درجة ممكنة لكي يستكثر من التباع ول ينفر‬
‫الناس من الدخول في الدين الجديد ]‪ [19‬لكنك ترى أنه أخبرنا‬
‫أن الله فرض علينا خمس صلوات في اليوم و الليلة منها ما‬
‫يوافق ساعات نوم النسان و أمرنا بزكاة تؤخذ من أغنيائنا لترد‬
‫على فقرائنا و أمرنا بصيام شهر كامل كل عام و بحج بيت الله‬
‫الحرام مع ما في ذلك من مشقة للبعض ثم حض بعد ذلك على‬
‫أداء الزيادة من هذه الطاعات و قيام الليل تقرًبا إلى الله ثم‬
‫المر بالحسان إلى الخلق بمختلف أنواع البر وصلة الرحام‬
‫والقارب وإن قطعوا والعفو عن النام إن ظلموا والمر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله ثم النهي‬
‫عن لذائذ النفوس و شهواتها المحرمة كالزنا وكل ما يدعو إليه‬
‫من نظر أو لمس أو تبرج وشرب الخمر وأكل الربا ثم يكون بعد‬
‫ذلك أول الناس التزاما بما يدعو إليه حتى في خلوته حين يظن‬
‫أن ل يراه بشر بل و يزيد على أصحابه في الطاعة ما ل يطيقونه‬
‫هم]‪ .[20‬فما الذي حمله على ذلك إن لم يكن من الصادقين في‬
‫عبادته لربه و في نبوته؟ هل الذي يأمر بهذه الوامر يمكن أن‬
‫سقا ً ّل‬ ‫َ‬
‫ن َفا ِ‬‫كا َ‬‫من َ‬ ‫منا ً ك َ َ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫ن ُ‬ ‫من َ‬
‫كا َ‬ ‫يكون كاذًبا على الله؟)أفَ َ‬
‫ن( أل تعجب أنه مع كل تكليفات السلم هذه فإنه أوسع‬ ‫وو َ‬‫ست َ ُ‬‫يَ ْ‬

‫‪152‬‬
‫الديان انتشاًرا و ذلك باعتراف غير المسلمين ويقبل عليه الناس‬
‫من جميع الفئات والعمار حتى الطفال‪ [21].‬لو كان محمد كاذًبا‬
‫فلماذا تركه الله ينشر دعوته طوال ‪ 23‬سنة بدون أن يعاقبه أو‬
‫على القل بكشف كذبه للناس ولو بزلة لسان؟!‬
‫أو كان صدفة أن يولد هذا النبي و يحيا أكثر عمره بجوار بيت الله‬
‫الحرام الذي بناه إبراهيم عليه السلم و ما زالت آثار إبراهيم‬
‫موجودة فيه إلى اليوم ثم يتخذه قبلة في صلته؟ ومن الذي‬
‫حفظ الكعبة من التدمير على يد إبرهة والمشركين وحفظ‬
‫مكانتها ومهابتها في قلوب المؤمنين؟ تـرى لو أن هذا الدين كان‬
‫من تأليفه فهل تكون الكعبة المشرفة من بنائه أم تكون بئر‬
‫َ‬
‫من‬ ‫حقّ ِ‬ ‫ل ِبال ْ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫جاءك ُ ُ‬ ‫س قَد ْ َ‬ ‫زمزم من حفره؟!) َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫ت‬‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ن ل ِل ّهِ َ‬
‫فُروا ْ فَإ ِ ّ‬ ‫م وَِإن ت َك ْ ُ‬ ‫خْيرا ً ل ّك ُ ْ‬ ‫مُنوا ْ َ‬ ‫م َفآ ِ‬ ‫ّرب ّك ُ ْ‬
‫كيمًا(‬ ‫ح ِ‬ ‫ه ع َِليما ً َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫َوال َْرض وَ َ‬
‫ِ‬
‫النبأ العظيم‬
‫م‬‫ت ِفيك ُ ْ‬ ‫قد ْ ل َب ِث ْ ُ‬ ‫كم ب ِهِ فَ َ‬ ‫م وَل َ أ َد َْرا ُ‬ ‫ه ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫ما ت َل َوْت ُ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫شاء الل ّ ُ‬ ‫)ُقل ل ّوْ َ‬
‫َ‬
‫ن(‬‫قُلو َ‬ ‫من قَب ْل ِهِ أفَل َ ت َعْ ِ‬ ‫مرا ً ّ‬ ‫عُ ُ‬
‫كل المؤرخين مجمعون على أن النبي نشأ أمًيا ل يعرف القراءة‬
‫والكتابة وأنه لم يكن يقرض الشعر في حياته بينما كانت العرب‬
‫تفتخر ببراعتها البلغية ويقيمون السواق يتباهون فيها بالقصائد‬
‫الطوال والمعلقات الجياد ولم يكن لمحمد أي شأن يذكر في هذا‬
‫المضمار من قريب أو بعيد‪ .‬ثم ماذا؟ ثم خرج علهم محمد بين‬
‫عشية وضحاها بآيات بينات غاية في البلغة وجمال النظم تحدى‬
‫بها قومه بل تحدى بها العالم كله ‪-‬وهكذا الرسل تأتي بمعجزات‬
‫من جنس ما برع فيه أقوامهم ليكون أبلغ في العجاز‪ -‬وقال‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫هـ َ‬
‫ذا‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫ن ع ََلى أن ي َأُتوا ْ ب ِ ِ‬ ‫ج ّ‬‫س َوال ْ ِ‬ ‫لن ُ‬ ‫تا ِ‬ ‫معَ ِ‬ ‫جت َ َ‬‫نا ْ‬ ‫ّ‬
‫للناس‪) :‬لئ ِ ْ ِ‬
‫ض ظ َِهيرًا(‪ .‬فانظر إلى‬ ‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ضه ُ ْ‬ ‫ن ب َعْ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫مث ْل ِهِ وَل َوْ َ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫ن ل َ ي َأُتو َ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫هذا النفي المؤكد بل الحكم المؤبد هل يستطيع عربي يدري ما‬
‫يقول أن يصدر هذا الحكم وهو يعلم أن مجال المساجلت مفتوح‬
‫بين العرب على مصراعيه؟ ألم يكن يخشى أن يثير هذا التحدي‬
‫حميتهم الدبية فيهبوا لمنافسته وهم جميع حذرون؟ سل نفسك‬
‫لو طوعت لمحمد نفسه أن يصدر هذا الحكم على أهل عصره‬
‫فكيف يصدره على الجيال القادمة إلى يوم القيامة بل على‬
‫النس والجن؟ ثم سلها ألم يفز القرآن في هذا التحدي فلم يهم‬
‫بمعارضته أحد إل باء بالعجز الواضح والفشل الفاضح على مر‬
‫العصور والدهور‪ [22] .‬لقد نزل هذا التحدي إلى أن يأتوا بعشر‬
‫سور مثله فما استطاعوا ثم نزل أكثر إلى سورة واحدة تضارع‬
‫أقصر سور القرآن و أعلن أنهم لن يستطيعوا فهل سمعت أن‬

‫‪153‬‬
‫رجل ً ألف سورة مثل سور القرآن تلقاها العالم بمثل ما تلقى به‬
‫ظا إلى اليوم كما‬ ‫القرآن؟ سل نفسك كيف ظل القرآن محفو ً‬
‫ن( يتناقله‬ ‫ظو َ‬ ‫حافِ ُ‬‫ه لَ َ‬ ‫ن ن َّزل َْنا الذ ّك َْر وَإ ِّنا ل َ ُ‬ ‫ح ُ‬
‫وعد الله‪) :‬إ ِّنا ن َ ْ‬
‫المسلمون جيل بعد جيل متواتًرا]‪ [23‬بينهم بنفس اللغة ل تتغير‬
‫فيه كلمة ول حرف ول حركة تشكيل بطريقة هي أعلى طرق‬
‫قدت أو غ ُّيرت‬ ‫ظا في حين أن غيره من الكتب فُ ِ‬ ‫الرواية تثبًتا وحف ً‬
‫أو اندثرت لغاتها الصلية‪ .‬سل التاريخ كم مرة تسلط الكفار على‬
‫المسلمين فأثخنوا فيهم القتل و أكرهوا أمما منهم على الكفر و‬
‫أحرقوا الكتب و هدموا المساجد و صنعوا ما كان يكفي القليل‬
‫كل أو بعضا كما ُفعل بالكتب من قبله لول‬ ‫منه لضياع هذا القرآن ُ‬
‫أن يد العناية تحرسه فبقي وسط هذه المعامع رافعا راياته و‬
‫أعلمه حافظا آياته و أحكامه‪[24]...‬‬
‫ألم تعجب كيف يسره الله القرآن للحفظ ما لم ييسر لي كتاب‬
‫آخر فتجد أن الطفل يبلغ السادسة من عمره وقد حفظ القرآن‬
‫كله وقد يكون مع ذلك أعمى! كيف يحدث ذلك النسجام العجيب‬
‫بين الفطرة البشرية و بين القرآن إل أن يكون خالق النفس‬
‫البشرية هو نفسه مصدر هذا القرآن؟‬
‫ثم إنك إذا تأملت طريقة نزول القرآن رأيت عجًبا‪...‬فإنه لم ينزل‬
‫جملة واحدة من السماء لكن كان ينزل مفرًقا حسب الوقائع‬
‫والحوال فربما نزلت بدايات سورة ول تنزل خواتيمها أو‬
‫أواسطها إل بعد عشر سنين تكون خللها نزلت سور أخرى‬
‫وختمت أو لم تختم فإذا هبط جبريل على النبي بآيات جمع النبي‬
‫أصحابه ليكتبوا وراءه ثم يقول ضعوا آية كذا في سورة كذا في‬
‫موضع كذا وآية كذا في سورة كذا وهكذا فتوضع الية في مكانها‬
‫الذي نزلت من أجله في أول السورة أو وسطها أو آخرها بين‬
‫آيتين قد تكونا نزلتا قبلها بعشر سنين فتقرأ السورة فل تحس‬
‫بأي تنافر بين أجزائها‪ .‬ثم إن الية توضع مكانها الذي نزلت من‬
‫ما ول تأخيًرا حتى‬ ‫دا ل تقدي ً‬ ‫أجله ول يتغير هذا المكان بعد ذلك أب ً‬
‫اكتمل هذا الكتاب المعجز في أجمل صورة و أعظم تركيب فأي‬
‫تدبير محكم وأى تقدير مبرم وأى علم محيط ل يضل ول ينسى‬
‫ول يتردد كان قد أعد لهذه المواد المبعثرة نظامها وهداها إلى ما‬
‫قدره لها حتى صيغ منها ذلك العقد النظيم وسرى بينها هذا‬
‫ن وَل َوْ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫عند ِ غ َي ْ ِ‬
‫ر‬ ‫ن ِ‬‫م ْ‬
‫ن ِ‬‫كا َ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫المزاج العجيب؟ ]‪)[25‬أفَل َ ي َت َد َب ُّرو َ‬
‫لفا ً ك َِثيًرا(‬‫خت ِ َ‬ ‫دوا ْ ِفيهِ ا ْ‬ ‫الل ّهِ ل َوَ َ‬
‫ج ُ‬
‫و الن سل نفسك هل رأيت كتاًبا ألف بهذه الطريقة أبد الدهر؟‬
‫وهل يستطيع كاتب أن يؤلف كتاًبا في مدة ثلث وعشرين سنة ل‬
‫يؤلفه مرتًبا ولكن مفرًقا قطًعا قطعا ً على غير ترتيب ل يقدم فيه‬

‫‪154‬‬
‫ول يؤخر ولكن يملي من وحي ضميره العبارات والجمل مفرقة‬
‫بين الحوادث والسنين فتجد كل جملة لها مكانا ينتظرها بين‬
‫جاراتها ل يجور ول يجار عليه وكأنه أحصى ما سوف تلده اليام‬
‫من مفاجآت الحوادث المستقبلية صغيرة وكبيرة في مدى دهره‬
‫در ما سوف تتطلبه تلك النوازل من كلم فقدر لكل حادثة‬ ‫ثم ق ّ‬
‫قدرها؟! فكيف لو كان أمًيا ل يقرأ ما يكتب له؟!!‬
‫هذا من جهة مبناه فإذا نظرت إلى محتواه وجدت من العجاز‬
‫في المعاني ما ل يقل عن العجاز في النظم و المباني‪[26].‬‬
‫ذلك أن القرآن حوى بين طياته كل ما يحتاج النسان إليه في‬
‫حياته لكي يحيا حياة طيبة صالحة‪ .‬تحدث القرآن عن وحدانية الله‬
‫عز وجل وأقام عليها البراهين العقلية القاطعة وذكر من صفات‬
‫الرب الحسنى وأفعاله الكريمة وسننه في خلقه ومظاهر نعمه‬
‫عليهم ما يزيد إيمان المؤمنين ويرقق قلوب الكافرين وذكر من‬
‫آيات الله المبثوثة في كونه ودعا النسان للنظر والتأمل فيها‬
‫وتحدث عن نشأة النسان والغرض من خلقه ومصيره بعد موته‬
‫ثم أخبره كيف يعبده ويتقرب إليه بأنواع العبادات البدنية والمالية‬
‫والقلبية و تضمن الخبار عن عالم الغيب من الملئكة و الجن‬
‫والشياطين وكذا الخبار عن قصص المم السابقة وأحوالهم مع‬
‫أنبيائهم وعقاب الله للقوام الظالمين بما جعله الله عبرة لكل‬
‫معتبر ورد القرآن على شبهات المشركين وحذر المعاندين‬
‫وأنذرهم وبشر المؤمنين وثّبـتهم وحاور أهل الكتاب فأسكتهم‬
‫وضرب للناس من كل شيء مثل ً وتحدث عن أهوال يوم القيامة‬
‫وعلماته وذكر ما أعده الله لعباده المؤمنين في جنات النعيم وما‬
‫جا يسير‬ ‫ينتظر الكافرين من عذاب أليم ثم رسم للنسان منه ً‬
‫دا ووضع له ضوابط تضمن له و‬ ‫عليه في حياته وحد له حدو ً‬
‫لمجتمعه السعادة الكاملة والمن التام فذكر أحكام المعاملت‬
‫المالية وأحكام النكاح والطلق و البيع والشراء والد َْين والميراث‬
‫وأحكام المارة والقضاء والحدود والقصاص حتى آداب الستئذان‬
‫والنظر والثياب ذكر القرآن منها ما يكفل للمجتمع طهارته و‬
‫للنسان عفافه و كرامته حتى مأكل النسان ومشربه أباح له كل‬
‫طيب و حرم عليه كل خبيث على التفصيل و الجمال وذكر أيضا‬
‫آداب التعامل مع الوالدين و إن كانوا غير مسلمين ومع الزوجة و‬
‫ذوي الرحام وإن كانوا غير بارين حتى الخدم و العبيد و الرامل‬
‫والمطلقات واليتام لم ينسهم القرآن حتى الطفل الرضيع‬
‫سي ًّا(‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫ك نَ ِ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫والرجل العمى والعرج ذكرهم الله)وَ َ‬
‫وهكذا لم تخل آية في القرآن من حكمة وموعظة أو بشارة أو‬
‫إنذار أو أمر أو نهي لما فيه مصلحة العباد الدينية والدنيوية فلله‬

‫‪155‬‬
‫قا و كم‬ ‫درها من آيات كم ألنت قلبا قاسيا و كم فتحت عقل مغل ً‬
‫شفت وساوس صدر مريض‪.‬‬
‫فهو معجزة كبيرة وشاملة وغنية تتجاوز كل الزمنة والمكنة‪،‬‬
‫وتلبي جميع المطالب النسانية بدًء من العقائد وانتهاًء بأصغر‬
‫من ّرب ّ َ‬
‫ك‬ ‫حقّ ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ه إ ِن ّ ُ‬
‫من ْ ُ‬‫مْري َةٍ ّ‬‫ك ِفي ِ‬ ‫الداب الجتماعية‪)[27] .‬فَل َ ت َ ُ‬
‫وَلـك َ‬
‫ن(‬ ‫مُنو َ‬ ‫س ل َ ي ُؤ ْ ِ‬‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫َ ِ ّ‬
‫فإذا نظرنا إلى القصص القرآني سنجد أنه حوى أحسن القصص‬
‫وقًعا في النفوس وأصدقها أحداثا و أكثرها عبرة في الوقت الذي‬
‫كانت كتب اليهود والنصارى حافلة بالمغالطات التاريخية وقصص‬
‫العاهرات و نسبة النقائص والفواحش للنبياء بينما القرآن قصصه‬
‫في أرفع درجات السمو الخلقي و الكمال النساني‪ .‬وإن تعجب‬
‫فعجب قول من يدعي زوًرا وبهتاًنا أن القرآن استقى أخباره‬
‫التاريخية من الكتب الموجودة بأيدي أهل الكتاب في عهده!! و‬
‫كأن القرآن لم يفضح تزويرهم صراحة و يواجههم بتحريفهم و‬
‫يكشف مغالطاتهم]‪ [28‬ثم إنك تجد أن القرآن يحوي تفاصيل‬
‫دقيقة لم تذكرها هذه الكتب وكفاك بقصتي يوسف وموسى‬
‫عليهما السلم دليل‪[29] .‬‬
‫فهل كان صدفة أن توافق أخبار القرآن عن المم السابقة و‬
‫أنبيائهم الصحيح المحرر]‪ [30‬من علوم أهل الكتاب و تزيد عليها‬
‫و أما ما داخلها من التحريف و التغيير فل يأبه له القرآن بل‬
‫يصححه و يفضحه أحيانا كثيرة؟ و ممن؟ من رجل أمي ل يقرأ ول‬
‫يكتب!!‬
‫كفاك بالعلم في المي معجزة في الجاهلية والتأديب في اليتم؟‬
‫دا اطلع على أخبار الولين فهل تراه اتخذ عند الله‬ ‫هب أن محم ً‬
‫دا أن تصدق اليام ما أخبر به من أمور المستقبل ولو بعد‬ ‫عه ً‬
‫مئات السنين؟ فقد أخبر القرآن عن حوادث ستقع في المستقبل‬
‫ما‪ .‬فمثل ذكر القرآن عن أناس معينين أنهم‬ ‫وحدثت كما أخبر تما ً‬
‫لن يسلموا وسيموتون على الكفر مثل أبي لهب وامرأته حمالة‬
‫الحطب والوليد بن المغيرة فمن أين علم محمد أن هؤلء لن‬
‫يسلموا؟! وكيف لم يخش أن تطوع لحدهم نفسه فيعلن إسلمه‬
‫دا؟ فيا عجًبا لهذه اليات هل كانت مؤلفة‬ ‫نفاقا لكي يحرج محم ً‬
‫من حروف و كلمات أم كانت أغلل ً وضعت في أعناقهم إلى‬
‫البد؟ ومثل آخر في أول سورة الروم حيث دار بين الفرس‬
‫الوثنيين و الروم النصارى أهل الكتاب معركة هزم فيها الفرس‬
‫الروم ففرح المشركون بذلك لنهم وثنيون مثلهم و حزن‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫هم ّ‬ ‫ض وَ ُ‬‫م‪ِ .‬في أَد َْنى الْر ِ‬ ‫ت الّرو ُ‬ ‫المسلمون فنزلت )الم‪ .‬غ ُل ِب َ ِ‬
‫من ب َعْد ُ‬ ‫ل وَ ِ‬‫من قَب ْ ُ‬ ‫مُر ِ‬ ‫ن ل ِل ّهِ اْل ْ‬
‫سِني َ‬
‫ضِع ِ‬ ‫ن‪ِ .‬في ب ِ ْ‬ ‫سي َغْل ُِبو َ‬ ‫ب َعْد ِ غ َل َب ِهِ ْ‬
‫م َ‬

‫‪156‬‬
‫زيُز‬ ‫شاُء وَهُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫من ي َ َ‬‫صُر َ‬‫صرِ الل ّهِ َين ُ‬ ‫ن ب ِن َ ْ‬‫مُنو َ‬ ‫ح ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫فَر ُ‬
‫مئ ِذ ٍ ي َ ْ‬ ‫وَي َوْ َ‬
‫م(‬ ‫حي ُ‬ ‫الّر ِ‬
‫و لقد صدق الله وعده فتمت للروم الغلبة على الفرس بإجماع‬
‫المؤرخين في أقل من تسع سنين و كان يومها هو اليوم الذي‬
‫انتصر فيه المسلمون على المشركين في غزوة بدر‪ .‬فكيف‬
‫حدث ذلك بهذه الدقة إل إذا كان الذي صدرت هذه اليات عن‬
‫علمه هو الذي صدرت هذه الحوادث عن مشيئته و حكمه؟‬
‫أما عن اليات التي تتحدث عن خلق الكون وخلق النسان و‬
‫الليل و النهار و الجبال و البحار والرياح و السحب والمطر‬
‫والحيوان والنبات و النجوم والكواكب و الشمس و القمر والرض‬
‫و السماء فقد ذكر القرآن من أسرارها في كلمات وجيزة ما‬
‫كانت تعجز علوم الدنيا حين نزل القرآن أن تتوقعه و لم يكتشفها‬
‫العلم إل في العصر الحديث و ما وقف أمامها فطاحل العلماء‬
‫مبهورا أن يكون رجل أمي قد أتى بكلم مثل هذا منذ ألف و‬
‫أربعمائة سنة!! ألم يخبر القرآن بأن للجبال أوتاد و أن البحر‬
‫مسجور و الرياح لواقح و السحب ثقال و الكائنات أزواج و‬
‫السماء ذات رجع و الرض ذات صدع والليل و النهار مكوران‬
‫على بعض و الشمس و القمر بحسبان و مواقع النجوم أمرها‬
‫عظيم]‪ !![31‬هل كان أحد في ذلك الوقت يعرف المراحل‬
‫الدقيقة لخلق الجنة في بطون أمهاتها أو يعرف أن الذي يرتفع‬
‫في الجو يضيق صدره من صعوبة التنفس أو أن كل شيء خلق‬
‫من ماء أو أن الحديد نزل من السماء ليستقر في الرض و لم‬
‫يتكون داخلها كما يتكون البترول مثل أو أن السماء تتسع‬
‫باستمرار أو أن هناك أنواعا من النجوم مختفية عن النظار تسير‬
‫في السماء تكنس ما حوله وصفها بأنها جوار كنس أو أن‬
‫السماوات والرض كانتا في بداية الخلق قطعة واحدة فتقها‬
‫ت الل ّهِ ُتنك ُِرون(؟ كل هذه الحقائق‬ ‫َ‬
‫م آَيات ِهِ فَأيّ آَيا ِ‬ ‫ريك ُ ْ‬‫الله؟)وَي ُ ِ‬
‫التي أثبتتها العلوم الحديثة وغيرها يذكرها القرآن في غاية‬
‫الوضوح و أمثالها في السنة النبوية كثير و أسلم بسببها كثير من‬
‫العلماء]‪[32‬فما الذي حمل محمدا على ذكر هذه الحقائق لقوم‬
‫أميين ومن الذي ضمن له أن العلم سوف يثبت صحتها يوما من‬
‫اليام؟ ]‪ [33‬هذا غير اليات التي تسبر أغوار النفس البشرية‬
‫وتخبر بما يجول في خاطرها سواء كانت هذه النفس نفس‬
‫مؤمن مصدق أو كافر معاند أو كتابي مرتاب‪ .‬ألم تنزل اليات‬
‫تفضح المنافقين الموجودين في المدينة و تخبر بخطرات‬
‫مّنا ُقل‬ ‫بآ َ‬ ‫ت اْل َع َْرا ُ‬‫نفوسهم؟ ألم يدع العراب اليمان فنزلت)َقال َ ِ‬
‫َ‬
‫م( ألم‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫لاِْ‬
‫لي َ‬ ‫خ ِ‬ ‫مَنا وَل َ ّ‬
‫ما ي َد ْ ُ‬ ‫سل َ ْ‬
‫كن ُقوُلوا أ ْ‬ ‫مُنوا وَل َ ِ‬ ‫لّ ْ‬
‫م ت ُؤ ْ ِ‬

‫‪157‬‬
‫يكن الولى لو كانت هذه دعوة شخصية أل ينفر محمد التباع من‬
‫حوله بل يستكثر منهم و يحتفظ بهم في صفه؟]‪ [34‬ناهيك عن‬
‫التأثير الكبير الذي أحدثه القرآن في نفوس أصحاب النبي يقول‬
‫الستاذ فتح الله كولن‪ " :‬لقد أحدث القرآن في أول عهده‬
‫بالنـزول وأول عهده بتشريفه الدنيا تأثيًرا ل يمكن تصوره في‬
‫الرواح وفي العقول والقلوب أضا‪ ،‬بحيث أن درجة الكمال التي‬
‫وصلت إليها الجيال التي نشأت في جوه النوراني كانت معجزة‬
‫قائمة بذاتها ل نحتاج معها إلى ذكر أي نوع آخر من معجزاته‪ .‬ول‬
‫يمكن العثور على أي أمثال لهم في مستواهم من ناحية التدين‬
‫والتفكير وأفق الفكر والخُلق ومعرفة أسرار العبودية‬
‫فالحقيقة أن القرآن قد أنشأ جيل من الصحابة آنذاك ل نبالغ إن‬
‫قلنا إنهم كانوا في مستوى الملئكة‪ .‬وحتى اليوم فهو يقوم بتنوير‬
‫قلوب المتوجهين إليه الناهلين من نبعه‪ ،‬ويهمس في أرواحهم‬
‫دعون أنفسهم بكل أحاسيسهم‬ ‫أسرار الوجود‪ .‬والذين ي َ َ‬
‫ومشاعرهم وقلوبهم وقابلية راكهم تسبح في جوه الذي ل مثيل‬
‫لـه سرعان ما تتغير عواطفهم وأفكارهم‪ ،‬ويحس كل واحد منهم‬
‫بأنه قد تغير بمقياس معين وأنه أصبح يعيش في عالم آخر")هَ َ‬
‫ذا‬
‫ن( ويمكنك أن تقرأ في‬ ‫قوم ٍ ُيوقُِنو َ‬‫ة لِ َ‬
‫م ٌ‬
‫ح َ‬ ‫هدىً وََر ْ‬ ‫س وَ ُ‬ ‫صائ ُِر للّنا ِ‬
‫بَ َ‬
‫القرآن لكي تشعر بهذا بنفسك فهو تاح على النترنت‪.‬‬
‫والن آن لنا أن نسأل أنفسنا هذا السؤال‪ :‬من أين أتى محمد‬
‫بالقرآن؟ هناك ثلثة احتمالت ل رابع لها‪ .‬إما أن يكون من كلم‬
‫محمد نفسه وإما أن يكون من كلم شخص آخر كان يتصل به‬
‫محمد بصورة غير معروفة في جميع الماكن والزمنة ليتلقى منه‬
‫اليات و إما أن يكون وحيا من عند الله أوحاه إليه عن طريق‬
‫الملك الذي أنزل على جميع النبياء من قبل و هو روح القدس‬
‫جبريل عليه السلم كما أخبر بذلك القرآن نفسه‪.‬‬
‫فإذا نظرنا إلى الحتمال الول سنجد أن القرآن صريح في لنه ل‬
‫صنعة فيه لمحمد ول لحد من الخلق لكنه منزل من عند الله‬
‫بلفظه ومعناه‪ .‬فأى مصلحة لمحمد لو كان القرآن من كلمه أن‬
‫ينسب بضاعته لغيره وينسلخ منها انسلخا ولو انتحلها لما وجد‬
‫أحدا من البشر يعارضه ويزعمها لنفسه؟ إن قومه أنفسهم قد‬
‫استبعدوا هذا الحتمال‪ -‬أن يكون القرآن من تأليف محمد‪ -‬لنه‬
‫عاش بينهم أربعين سنة يحضر مشاهدهم و يتعامل معهم ولم تبد‬
‫َ‬
‫م‬‫م لَ ْ‬
‫عليه أثارة من تلك العلوم التي ل عهد لهم بها قبل ذلك‪) .‬أ ْ‬
‫ن( ثم إنك تقرأ كلم النبي وأحاديثه‬ ‫منك ُِرو َ‬‫ه ُ‬ ‫م لَ ُ‬
‫م فَهُ ْ‬‫سول َهُ ْ‬
‫ي َعْرُِفوا َر ُ‬
‫في كتب السنة و تقرأ القرآن فل تحس بأنهما خرجا من ذات‬
‫المنبع بل تجد الفرق في السلوب بينهما واضحا هذا خطاب إلهي‬

‫‪158‬‬
‫و ذاك كلم بشري‪ ..‬ثم لماذا لم يحو القرآن لو كان من عند‬
‫محمد خطرات نفسه و آلمه و أحزانه المختلفة التي مرت به و‬
‫هو الذي مرت به الحداث الجسام مثل وفاة زوجته خديجة وعمه‬
‫أبي طالب في عام واحد و محاصرة المشركين له و لصحابه في‬
‫أحد شعاب مكة ثلث أعوام و مقتل عمه حمزة ووفاة جميع‬
‫أبنائه في حياته إل فاطمة ولكنك ل ترى إشارة لذلك في القرآن‪.‬‬
‫وهل تكون اليات التي تعاتب النبي في القرآن و توجهه و تأمره‬
‫و تنهاه من وضعه؟ أيكون من عنده ثم يجعل فيه حين دعا على‬
‫م أ َْو‬
‫ب ع َل َي ْهِ ْ‬
‫َ‬
‫يٌء أوْ ي َُتو َ‬ ‫ش ْ‬ ‫مرِ َ‬ ‫َ‬
‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫س لَ َ‬ ‫بعض المشركين)ل َي ْ َ‬
‫ن( أم يكون من عنده ثم يقول فيه‬ ‫مو َ‬ ‫م َ‬
‫ظال ِ ُ‬ ‫م فَإ ِن ّهُ ْ‬
‫ي ُعَذ ّب َهُ ْ‬
‫س َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫شى الّنا َ‬ ‫خ َ‬ ‫ديهِ وَت َ ْ‬ ‫مب ْ ِ‬‫ه ُ‬ ‫ما الل ّ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ِ‬ ‫في ِفي ن َ ْ‬ ‫خ ِ‬‫لنفسه)وَت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫حقّ َأن ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫ل الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ح ّ‬‫ما أ َ‬ ‫م َ‬ ‫حّر ُ‬
‫م تُ َ‬ ‫ي لِ َ‬ ‫شاه( أو يقول فيه)َيا أي َّها الن ّب ِ ّ‬ ‫خ َ‬ ‫أ َ‬
‫َ‬
‫م( و ذلك حين أقسم‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ك َوالل ّ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ت أْزَوا ِ‬ ‫ضا َ‬‫مْر َ‬ ‫ك ت َب ْت َِغي َ‬ ‫لَ َ‬
‫أل يتناول نوعا معينا من الطعام؟ بل إنه عبس مرة في وجه‬
‫رجل مسلم أعمى جاء يسأله عن شيء لنه كان مشغول بدعوة‬
‫أشراف قريش إلى السلم فنزلت سورة عرفت بسورة عبس ‪,‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك ل َعَل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ما ي ُد ِْري َ‬ ‫مى }‪ {2‬وَ َ‬ ‫جاءه ُ اْلع ْ َ‬ ‫س وَت َوَّلى }‪ {1‬أن َ‬ ‫بدايتها‪):‬ع َب َ َ‬
‫ه الذ ّك َْرى(‬ ‫فعَ ُ‬ ‫كى }‪ {3‬أ َوْ ي َذ ّك ُّر فََتن َ‬ ‫ي َّز ّ‬
‫ألم يكن أولى به – لو كان كما يدعي المبطلون كاذًبا – أن يكتم‬
‫هذه اليات؟‬
‫بل كانت تنزل به النوازل من شأنها أنها تحفزه إلى القول و‬
‫كانت حاجته القصوى تلح عليه أن يتكلم بحيث لو كان المر إليه‬
‫لوجد له مقال و مجال و لكنه كانت تمضى به الليالى و اليام‬
‫تتبعها الليالى و اليام و ل يجد فى شأنها قرآنا يقرؤه على الناس‪.‬‬
‫ألم يرجف المنافقون بحديث الفك عن زوجه عائشة رضي الله‬
‫عنها و أبطأ الوحي و طال المر و الناس يخوضون حتى بلغت‬
‫القلوب الحناجر و هو ل يستطيع إل أن يقول بكل تحفظ و‬
‫احتراس " إني ل أعلم عنها إل خيرا" ثم إنه بعد أن بذل جهده‬
‫في التحري و السؤال و استشارة الصحاب و مضى شهر بأكمله‬
‫و الكل يقولون ما علمنا عليها من سوء لم يزد على أن قال لها‬
‫آخر المر " يا عائشة أما إنه بلغني كذا و كذا فإن كنت بريئة‬
‫فسيبرئك الله و إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله " هذا‬
‫كلمه بوحي ضميره و هو كما ترى كلم البشر الذي ل يعلم‬
‫ديق المتثبت الذي ل يتبع الظن و ل يقول ما‬ ‫الغيب و كلم الص ّ‬
‫ليس له به علم على أنه لم يغادر مكانه بعد أن قال هذه‬
‫الكلمات حتى نزل صدر سورة النور معلًنا براءتها و مصدًرا‬
‫الحكم المبرم بشرفها و طهارتها‪ .‬فماذا كان يمنعه‪ -‬لو أن أمر‬

‫‪159‬‬
‫القرآن إليه‪ -‬أن يتقول هذه الكلمة الحاسمة من قبل ليحمى بها‬
‫عرضه و بذب بها عن عرينه و ينسبها إلى الوحي السماوي‬
‫لتنقطع ألسنة المتخرصين؟ و لكنه ما كان ليذر الكذب على‬
‫ل‪َ .‬ل َ َ‬
‫خذ َْنا‬ ‫َ‬
‫ض اْلَقاِوي ِ‬‫ل ع َل َي َْنا ب َعْ َ‬ ‫الناس و يكذب على الله ]وَل َوْ ت َ َ‬
‫قوّ َ‬
‫كم م َ‬
‫ه‬
‫حد ٍ ع َن ْ ُ‬‫نأ َ‬ ‫من ُ ّ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن‪ .‬فَ َ‬ ‫ه ال ْوَِتي َ‬ ‫قط َعَْنا ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫م لَ َ‬
‫ن‪ .‬ث ُ ّ‬ ‫ه ِبال ْي َ ِ‬
‫مي ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫ن[ ]‪[35‬‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬‫حا ِ‬ ‫َ‬
‫دا من‬ ‫والن إذا انتقلنا إلى الحتمال الثاني – وهو أن يكون أح ً‬
‫النس أو الجن قد أوحى بهذا القرآن العظيم والشريعة الكاملة‬
‫إلى محمد – فبرغم من تهاوي كثير من أركان هذا الحتمال بما‬
‫سبق ذكره إل أنه ل مانع من مناقشة بعض ما قد يحيك في صدر‬
‫المتشكك أو يقذف به الشيطان في فؤاد المرتاب‪ .‬أول الذي‬
‫يردد هذه الشبهة يلزمه أن يخبرنا من هو هذا الشخص – سواء‬
‫كان إنسا أم جنا ‪ -‬الذي آتاه الله علوم الولين والخرين وأطلعه‬
‫على الغيب و ما هو كائن إلى يوم القيامة و زوده بالعلوم‬
‫والمعارف الحديثة التي لم تكن لتخطر على بال أوسع الناس‬
‫خيال حينئذ فأخرج لنا هذا الكتاب مصدقا لما بين يديه من الكتب‬
‫السماوية و مهيمنا عليها ل يأتيه الباطل من بين يديه و ل من‬
‫خلفه!! ل شك أن هذا الشخص ‪ -‬لو كان موجودا لكان عربيا لن‬
‫القرآن بلسان عربي مبين – فهل تظن أن بين العرب الذين كانوا‬
‫يعيشون في جاهلية عمياء في ذلك الوقت من كان يمكنه أن‬
‫يفيض قلبه عن بعض علوم هذا الكتاب؟ هب أن هذا كان صحيحا‬
‫في الكتاب فمن أين أتى النبي بالسنة ‪ -‬وهي جميع أقواله‬
‫وأفعاله‪ -‬وبها من العجاز ما يداني إعجاز القرآن؟ وهل كان‬
‫محمد ذو الذكاء الثاقب والفطنة الحادة مخدوعا طوال ‪ 23‬سنة ]‬
‫‪ [36‬يظن أنه يوحي إليه من عند الله و ما هو من عند الله؟!! إن‬
‫أى قارئ في سيرة النبي محمد ليلحظ بكل وضوح أنه كان‬
‫صادقا في دعوته وفي جهاده – أو على القل كان يظن ذلك –‬
‫فهل تظن أن رحمة الله وعدله وكرمه كانت تترك رجل بهذه‬
‫الخلق النبيلة و السجايا الكريمة والنوايا الصادقة التي شهد‬
‫عليها أعداؤه ُيغرر به طوال هذه المدة؟؟ و لماذا لم يعلن هذا‬
‫الشخص عن ذاته –لو كان موجودا –ويعرفنا بنفسه أو ينسب هذا‬
‫القرآن لشخصه فينال بذلك عز الدنيا وشرف الدهر؟! ما الذي‬
‫جناه هذا الشخص لنفسه من دعوة الناس لليمان بالله و اليوم‬
‫الخر واللتزام بالخلق الفاضلة؟ ثم كيف يمكنه أن يضع شريعة‬
‫فذة ونظاما كامل للحياة شهد بروعته الفلسفة والمفكرون غير‬
‫المسلمين؟ هب أن هذا حدث أيمكنه أيضا أن ينصر هذه الدعوة‬
‫كن لهذا الدين في الرض إلى‬ ‫من محاولت وأدها المستمرة وُيم ّ‬

‫‪160‬‬
‫يومنا هذا ويحفظ مصادره الساسية من الضياع على مدار‬
‫التاريخ؟ إن هذا مما تأباه العقول السليمة والفطر السوية وصدق‬
‫ما‬ ‫م وَ َ‬ ‫ما َينب َِغي ل َهُ ْ‬ ‫ن‪ .‬وَ َ‬ ‫طي ُ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫ت ب ِهِ ال ّ‬ ‫ما ت َن َّزل َ ْ‬ ‫الله إذ يقول‪):‬وَ َ‬
‫خَر‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫معَ اللهِ إ ِلها آ َ‬ ‫َ‬
‫ن‪.‬فَل ت َد ْع ُ َ‬ ‫ُ‬
‫معُْزولو َ‬ ‫َ‬
‫مِع ل َ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫ن‪ .‬إ ِن ّهُ ْ‬‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬‫يَ ْ‬
‫ن(‬‫معَذ ِّبي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫فَت َ ُ‬
‫والن لم يبق إل أن يكون وحيا من عند الله أوحاه إلى محمد‬
‫ليخرج الناس من الظلمات إلى النور عن طريق رسول كريم هو‬
‫ن‬
‫ذي ب َي ْ َ‬‫ديقَ ال ّ ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫كن ت َ ْ‬ ‫فت ََرى وََلـ ِ‬ ‫ديثا ً ي ُ ْ‬‫ح ِ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫جبريل عليه السلم) َ‬
‫ن( ولم يبق إل‬ ‫مُنو َ‬ ‫قوْم ٍ ي ُؤ ْ ِ‬ ‫ة لّ َ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫دى وََر ْ‬ ‫يٍء وَهُ ً‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ل كُ ّ‬ ‫صي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ي َد َي ْهِ وَت َ ْ‬
‫أن تقرأ آيات القرآن وكلم النبي بنفسك وتتدبرهما بعقلك وقلبك‬
‫وانظر هل يكون هذا إل تنزيل من لدن حكيم عليم؟‬
‫البشارة‬
‫مد‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫مب َ ّ‬
‫ح َ‬
‫هأ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫س ُ‬ ‫دي ا ْ‬ ‫من ب َعْ ِ‬ ‫ل ي َأِتي ِ‬ ‫سو ٍ‬ ‫شرا ب َِر ُ‬ ‫وَ ُ‬
‫بالرغم مما نال الكتب السابقة كالتوراة والنجيل من تحريف و‬
‫تبديل إل أن الله شاء أن تبقى البشارة بالنبي محمد إلى يومنا‬
‫هذا واضحة وضوح الشمس يراها كل من له عينان نذكرها إن‬
‫شاء الله لكي تطمئن بها قلوب و تبتهج بها أرواح‪ .‬أما في العهد‬
‫القديم فإننا نجد موسى عليه السلم يبشر بظهور نبي ورسول‬
‫مثله فعندما ينـزل موسى عن جبل الطور بعد ما كلمه ربه يقول‬
‫مخاطبا ً بني إسرائيل‪:‬‬
‫" قال لي الرب‪ :‬قد أحسنوا في ما تكلموا‪ .‬أقيم لهم نبيا ً من‬
‫وسط إخوتهم مثلك‪ ،‬وأجعل كلمي في فمه‪ ،‬فيكلمهم بكل ما‬
‫أوصيه به‪ ،‬ويكون أن النسان الذي ل يسمع لكلمي الذي يتكلم‬
‫به باسمي أنا أطالبه‪ ،‬وأما النبي الذي يطغى فيتكلم باسمي كلما ً‬
‫لم أوصه أن يتكلم به‪ ،‬أو الذي يتكلم باسم آلهة أخرى‪ ،‬فيموت‬
‫ذلك النبي‪.‬‬
‫وإن قلت في قلبك‪ :‬كيف نعرف الكلم الذي لم يتكلم به الرب؟‬
‫صر‪ ،‬فهو الكلم‬ ‫فما تكلم به النبي باسم الرب ولم يحدث ولم ي ِ‬
‫الذي لم يتكلم به الرب‪ ،‬بل بطغيان تكلم به النبي‪ ،‬فل تخف منه‬
‫")التثنية ‪.(22 – 17 / 18‬‬
‫والنص كما هو واضح يتحدث عن نبي عظيم يأتي بعد موسى‬
‫عليه السلم‪ ،‬ويذكر صفات هذا النبي‪ ،‬والتي نستطيع من خللها‬
‫معرفة من يكون‪.‬ويزعم النصارى أن هذا النبي قد جاء‪ ،‬وهو‬
‫عيسى عليه السلم‪،‬‬
‫لكن النص دال على نبينا صلى الله عليه وسلم‪ ،‬إذ ل دليل عند‬
‫النصارى على تخصيصه بالمسيح‪ ،‬إذ يذكر النص التوراتي أوصاف‬
‫هذا المبعوث المبشر به‪:‬‬

‫‪161‬‬
‫‪ ((1‬أنه نبي " أقيم لهم نبيا ً "‪ ،‬والنصارى يدعون للمسيح اللهية‪،‬‬
‫بل يدعي الرثوذكس أنه الله نفسه‪ ،‬فكيف يقول لهم‪ :‬أقيم نبيًا‪،‬‬
‫ول يقول‪ :‬أقيم نفسي‪.‬‬
‫‪ ((2‬أنه من غير بني إسرائيل‪ ،‬بل هو من بين إخوتهم أي أبناء‬
‫عمومتهم "من وسط إخوتهم"‪ ،‬وعمومة بني إسرائيل هم بنو‬
‫عيسو بن إسحاق‪ ،‬وبنو إسماعيل بن إبراهيم‪.‬‬
‫ومن المعهود في التوراة إطلق لفظ " الخ " على ابن العم‪،‬‬
‫وعليه فهذا النبي يحتمل أن يكون من العرب تحقيقا ً للبركة‬
‫الموعودة في نسل إسماعيل‪ ،‬وقد يكون من بني عيسو بكر‬
‫إسحاق‪ .‬لكن أحدا ً من بني عيسو لم يدع أنه النبي المنتظر‪.‬‬
‫)‪ (3‬هذا النبي من خصائصه أنه مثل موسى الذي لم يقم في بني‬
‫إسرائيل نبي مثله‪ ،‬وفي التوراة السامرية ما يمنع صراحة قيام‬
‫مثل هذا النبي فقد جاء فيها‪ " :‬ول يقوم أيضا ً نبي في بني‬
‫إسرائيل كموسى الذي ناجاه الله")التثنية ‪.(4/10‬‬
‫وهذه الخصلة‪ ،‬أي المثلية لموسى متحققة في نبينا صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ممتنعة في المسيح‪ ،‬حيث نرى الكثير من أمثلة‬
‫التشابه بين موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والتي ل نجدها‬
‫في المسيح‪ ،‬من ذلك ميلدهما الطبيعي‪ ،‬وزواجهما‪ ،‬وكونهما‬
‫صاحبا شريعة‪ ،‬وكل منهما بعث بالسيف على عدوه‪ ،‬وكلهما قاد‬
‫أمته‪ ،‬وملك عليها‪ ،‬وكلهما بشر‪ ،‬بينما تزعم النصارى بأن المسيح‬
‫إله‪ ،‬وهذا ينقض كل مثل لو كان‪.‬‬
‫)‪ (4‬من صفات هذا النبي أنه أمي ل يقرأ ول يكتب‪ ،‬والوحي الذي‬
‫يأتيه وحي شفاهي‪ ،‬يغاير ما جاء النبياء قبله من صحف مكتوبة"‬
‫وأجعل كلمي في فمه"‪ ،‬وقد كان المسيح عليه السلم‬
‫قارئًا)انظر لوقا ‪.(18-4/16‬‬
‫)‪ (5‬أنه يتمكن من بلغ كامل دينه‪ ،‬فهو " يكلمهم بكل ما أوصيه‬
‫به "‪ .‬وهو وصف منطبق على محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقد‬
‫كان من أواخر ما نزل من القرآن عليه صلى الله عليه وسلم‬
‫َ‬ ‫قوله تعالى‪):‬ال ْيو َ‬
‫مِتي‬ ‫ت ع َل َي ْك ُ ْ‬
‫م ن ِعْ َ‬ ‫م ُ‬
‫م ْ‬
‫م وَأت ْ َ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬
‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫م أك ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫م ِدينًا(‬ ‫سل َ َ‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬
‫م ال ِ ْ‬ ‫ضي ُ‬
‫وََر ِ‬
‫وقبيل وفاة موسى عليه السلم ساق خبرا ً مباركا ً لقومه بني‬
‫إسرائيل‪ ،‬فقد جاء في سفر التثنية‪" :‬هذه البركة التي بارك بها‬
‫موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته‪ ،‬فقال‪ :‬جاء الرب من‬
‫سيناء‪ ،‬وأشرق لهم من سعير‪ ،‬وتلل من جبل فاران‪ ،‬وأتى من‬
‫ربوات القدس‪ ،‬وعن يمينه نار شريعة‪)"....‬التثنية ‪(.3-33/1‬‬
‫وجبل فاران هو جبل بمكة ويؤيد ذلك ما تقوله التوراة عن‬
‫إسماعيل‪ " :‬كان الله مع الغلم فكبر‪.‬وسكن في البرية وكان‬

‫‪162‬‬
‫ينمو رامي قوس‪ ،‬وسكن في برية فاران‪ ،‬وأخذت له أمه زوجة‬
‫من أرض مصر ")التكوين ‪ (.(21-21/20‬فالمقصود إذن بتلل‬
‫الرب من جبل فاران هو بعثة النبي محمد من مكة ليكون إماما‬
‫للمؤمنين ورحمة للعالمين‬
‫أما في العهد الجديد فإننا نجد البشارة أيضا واضحة ففي متى‬
‫‪ 43:21‬قال المسيح لليهود‪):‬أقول لكم‪ :‬إن ملكوت الله سينزع‬
‫من أيديكم ويسلم إلى شعب يؤدي ثمره‪ (.‬فمن يا ترى هذا‬
‫الشعب؟ إن تلميذ المسيح كانوا من بني إسرائيل حتى بولس‬
‫كان من بني إسرائيل أيضا ولهذا ل يمكن تفسير كلم المسيح أن‬
‫المقصود به هم تلميذه‪ .‬ول يمكن أن يكون مقصود المسيح هم‬
‫الوثنيون الذين اعتنقوا مبادئ بولس وإل أي ثمرة هذه التي أداها‬
‫الوثنيون لمبادئ المسيح وأي ملكوت لله هذا الذي سلم‬
‫للوثنيين؟ لم يبق إذن إل أن يكون مقصود المسيح هم المسلمون‬
‫الذين عظموا المسيح وأمه ورفعوا راية التوحيد في الرض‬
‫وحملوا لواء العبودية لله رب العالمين‪ .‬وفي إنجيل يوحنا)‪-1/19‬‬
‫‪ (21‬أرسل اليهود من أورشليم بعض الكهنة واللويين يسألون‬
‫يوحنا‪» :‬من أنت؟« فاعترف ولم ينكر‪ ،‬بل أكد قائل‪» :‬لست أنا‬
‫المسيح«‪ .‬فسألوه‪» :‬ماذا إذن؟ هل أنت إيليا؟« قال‪» :‬لست‬
‫إياه!«؛ »أو أنت النبي؟« فأجاب‪» :‬ل« نجد ذكرا لثلثة أشخاص‬
‫هم إيليا والمسيح والنبي‪ .‬فمن يا ترى يكون هذا النبي الذي كان‬
‫اليهود ينتظرونه غير النبي محمد؟ وفي موضع آخر من إنجيل‬
‫يوحنا حيث يبشر بمجيء النبي المنتظر يقول المسيح موصيا ً‬
‫تلميذه‪ " :‬إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي‪ ،‬وأنا أطلب من‬
‫الب فيعطيكم معزيا ً آخر‪ ،‬ليمكث معكم إلى البد‪ ،‬روح الحق‬
‫الذي ل يستطيع العالم أن يقبله‪ ،‬لنه ل يراه ول يعرفه‪ ،‬وأما أنتم‬
‫فتعرفونه لنه ماكث معكم‪ ،‬ويكون فيكم‪ ...‬إن أحبني أحد يحفظ‬
‫ل‪ .‬الذي ل يحبني‬ ‫كلمي‪ ،‬ويحبه أبي وإليه نأتي‪ ،‬وعنده نصنع منـز ً‬
‫ل يحفظ كلمي‪ ،‬والكلم الذي تسمعونه ليس لي‪ ،‬بل للب الذي‬
‫أرسلني‪ ،‬بهذا كلمتكم وأنا عندكم‪ ،‬وأما المعزي الروح القدس‬
‫الذي سيرسله الب فهو يعلمكم كل شيء‪ ،‬ويذكركم بكل ما قلته‬
‫لك‪ ..‬قلت لكم الن قبل أن يكون‪ ،‬حتى متى كان تؤمنون ")يوحنا‬
‫‪.(30 – 14/15‬‬
‫وفي الصحاح الذي يليه يعظ المسيح تلميذه طالبا ً منهم حفظ‬
‫وصاياه‪ ،‬ثم يقول‪" :‬إن لي أمورا ً كثيرة أيضا ً لقول لكم‪ ،‬ولكن ل‬
‫تستطيعون أن تحتملوا الن‪ ،‬وأما متى جاء ذاك‪ ،‬روح الحق‪ ،‬فهو‬
‫يرشدكم إلى جميع الحق‪ ،‬لنه ل يتكلم من نفسه بل كل ما‬

‫‪163‬‬
‫يسمع يتكلم به‪ ،‬ويخبركم بأمور آتية‪ ،‬ذاك يمجدني لنه يأخذ مما‬
‫لي ويخبركم")يوحنا ‪(-16/14)15/26‬‬
‫ونبينا محمد هو روح الحق الذي مكثت تعاليمه إلى البد وعلمنا‬
‫كل شيء وهو الذي مجد المسيح فنزهه مما نسبه إليه اليهود‬
‫ن‬ ‫ن ال ْهَ َ‬
‫وى‪ .‬إ ِ ْ‬ ‫ما َينط ِقُ ع َ ِ‬
‫وهو الذي ل يتكلم من قبل نفسه ولكن) َ‬
‫وى(‪.‬‬ ‫ديد ُ ال ْ ُ‬
‫ق َ‬ ‫ه َ‬
‫ش ِ‬ ‫حى‪ .‬ع َل ّ َ‬
‫م ُ‬ ‫ي ُيو َ‬ ‫هُوَ إ ِّل وَ ْ‬
‫ح ٌ‬
‫وليس المقصود بقوله‪ " :‬ل يستطيع العالم أن يقبله‪ ،‬لنه ل يراه‬
‫ول يعرفه‪ ،‬وأما أنتم فتعرفونه لنه ماكث معكم" الرؤية البصرية‬
‫والمعرفة الحسية‪ ،‬بل المعرفة اليمانية‪ .‬ومثله ما جاء في‬
‫يوحنا"أجاب يسوع‪ :‬لستم تعرفونني أنا‪ ،‬ول أبي‪ ،‬لو عرفتموني‬
‫لعرفتم أبي أيضًا")يوحنا ‪)8/19‬ومثله في الناجيل كثير(‪.‬‬
‫و كلمة المعزي التي في الترجمة الحالية للنجيل هي ترجمة‬
‫خاطئة للكلمة اليونانية البارقليط الموجودة كما هي في تراجم‬
‫عالمية أخري والتي كانت موجودة حتى القرن التاسع عشر كما‬
‫هي في الترجمة العربية للنجيل مما يدل على أنها اسم علم‪.‬‬
‫وفي تفسير كلمة " بارقليط " اليوناني نقول‪ :‬إن هذا اللفظ‬
‫اليوناني الصل‪ ،‬ل يخلو من أحد حالين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنه "باراكلي توس"‪ .‬فيكون بمعنى‪ :‬المعزي والمعين‬
‫والوكيل‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أنه " بيروكلوتوس "‪ ،‬فيكون قريبا ً من معنى‪ :‬محمد‬
‫وأحمد‪.‬‬
‫ويقول أسقف بني سويف النبا أثناسيوس في تفسيره لنجيل‬
‫يوحنا " إن لفظ بارقليط إذا حرف نطقه قليل ً يصير "بيركليت"‪،‬‬
‫ومعناه‪ :‬الحمد أو الشكر‪ ،‬وهو قريب من لفظ أحمد"‪.‬‬
‫ويسأل عبد الوهاب النجار الدكتور كارلو نيلنو – الحاصل على‬
‫الدكتوراه في آداب اليهود اليونانية القديمة‪ -‬عن معنى كلمة "‬
‫بيركلوتس " فيقول‪ " :‬الذي له حمد كثير"‪.‬‬
‫ويرى عبد الحد داود أن تفسير الكنيسة للبارقليط بأنه " شخص‬
‫يدعى للمساعدة أو شفيع أو محام أو وسيط " غير صحيح‪ ،‬فإن‬
‫كلمة بارقليط اليونانية ل تفيد أيا ً من هذه المعاني‪ ،‬فالمعزي في‬
‫اليونانية يدعى)باركالوف أو باريجوريس(‪ ،‬والمحامي تعريب‬
‫للفظة)سانجرس(‪ ،‬وأما الوسيط أو الشفيع فتستعمل له لفظة "‬
‫ميديتيا "‪ ،‬وعليه فعزوف الكنيسة عن معنى الحمد إلى أي من‬
‫هذه المعاني إنما هو نوع من التحريف‪ .‬يقول الدكتور سميسون‬
‫في كتاب "الروح القدس أو قوة في العالي"‪" :‬السم المعزي‬
‫ليس ترجمة دقيقة جدًا"‪ .‬بل إن أدوين جونس في كتابه " نشأة‬
‫الديانة المسيحية" يعترف بأن معنى البارقليط‪ :‬محمد‪ ،‬لكنه‬

‫‪164‬‬
‫يطمس اعترافه بكذبة ل تنطلي على أهل العلم والتحقيق‪،‬‬
‫فيقول بأن المسيحيين أدخلوا هذا السم في إنجيل يوحنا جهل ً‬
‫منهم بعد ظهور السلم وتأثرهم بالثقافة الدينية للمسلمين‪.‬‬
‫ومما يؤكد أن لفظة روح الله دالة على النبياء أيضًا‪ ،‬ما جاء في‬
‫رسالة يوحنا الولى‪" :‬فل تؤمنوا أيها الحباء بكل روح من الرواح‪،‬‬
‫بل امتحنوا الرواح حتى تعلموا هل هي من عند الله أم ل؟ لن‬
‫كثيرين من النبياء الكذبة برزوا إلى هذا العالم ")يوحنا)‪-4/1 (1‬‬
‫‪ ،(2‬فالنبياء الصادقون هم روح الله‪ ،‬والنبياء الكذبة هم روح‬
‫الشيطان‪.‬‬
‫وبين يوحنا كيفية معرفة روح الحق من روح الضلل‪ ،‬فقال‪" :‬‬
‫بهذا تعرفون روح الله‪ :‬كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد‬
‫جاء في الجسد فهو من الله‪ ،‬وكل روح ل يعترف بيسوع المسيح‬
‫أنه قد جاء في الجسد فليس من الله‪ ،‬وهذا هو روح ضد المسيح‬
‫الذي سمعتم أنه يأتي‪ ،‬والن هو في العالم")يوحنا)‪(.6 - 4/2 (1‬‬
‫ورسولنا هو روح الحق بدليل قول يوحنا‪ ،‬لنه يعترف بالمسيح أنه‬
‫رسول من عند الله‪ ،‬وأنه جسد‪ ،‬وأنه من الله كما سائر الناس‬
‫هم من الله أي الله خلقهم‪.‬أما تفسير الكنيسة للبارقليط بأنه‬
‫روح القدس بالمعنى الذي وضعته للقنوم فهو تفسير خاطئ‬
‫عقلًيا لعدة أمور‪:‬‬
‫ل‪ :‬أن نصوص العهد القديم صريحة في أن الروح القدس كان‬ ‫أو ً‬
‫دا أثناء حياة المسيح والنبياء قبله يؤيدهم ويؤيد أتباعهم]‬
‫موجو ً‬
‫‪[37‬في حين أن النبوءة فيها " إذا لم أذهب فإنه ل يأتيكم "‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬أن النصارى يعتقدون باتحاد أقنومي المسيح وروح القدس‬
‫فكيف يكونا متحدين ويرسل أحدهما الخر؟؟‬
‫ثالًثا‪ :‬قال المسيح عن البارقليط‬
‫يلزم من يقول هذا أن يخبرنا ما الذي قدمه هذا القنوم للعالم‬
‫خلل اللفي عام الماضية فمكث فيه للبد وذكرهم بكل ما قاله‬
‫المسيح ولم يستطع العالم أن يقبله وما هي النبوءات التي أخبر‬
‫بها مؤلفو العهد الجديد وحدثت بالفعل‪[38] .‬‬
‫رابًعا‪ :‬قول المسيح عن البارقليط كل ما يسمع يتكلم به يدل‬
‫على أنه يتكلم في حين أن اعتقاد النصارى في الروح القدس أنه‬
‫ضا على أن كلمه ليس من عند نفسه و لكنه يبلغ‬ ‫يلهم و يدل أي ً‬
‫ما يسمعه في حين يعتقد النصارى أن الروح القدس إله مساو‬
‫لله فكيف يكون إلها ول يتكلم من عند نفسه؟‬
‫سا‪ :‬قوله قلت لكم قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون‬ ‫خام ً‬
‫دا أصل أثناء‬
‫يوحي بأن الذي يتحدث عنه المسيح لم يكن موجو ً‬
‫دا و يوحي أيضا بأن‬ ‫الكلم في حين أن الروح القدس كان موجو ً‬

‫‪165‬‬
‫هذا الشخص الذي يتحدث عنه المسيح سوف تدعو الناس‬
‫لليمان بنفسه ولكن أكثر الناس لن يقبلوه لذا دعا المسيح‬
‫تلميذه لليمان به في حين أن تأثير الروح القدس الذي يدعيه‬
‫النصارى في إلهام كتبة الناجيل تأثير خفي ل يستلزم من أحد‬
‫اليمان بشيء محدد يترتب عليه ثواب وعقاب ويجعل المسيح‬
‫يركز عليه بهذه الطريقة‪.‬‬
‫وبذلك فإننا نرى في البارقليط النبوءة التي ذكرها القرآن‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو ُ‬ ‫ل إ ِّني َر ُ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫م َيا ب َِني إ ِ ْ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫الكريم)وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫ْ‬
‫من‬ ‫ل ي َأِتي ِ‬ ‫سو ٍ‬ ‫شرا ً ب َِر ُ‬ ‫مب َ ّ‬ ‫ن الت ّوَْراةِ وَ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ي َد َيّ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫دقا ً ل ّ َ‬ ‫ص ّ‬ ‫م َ‬ ‫كم ّ‬ ‫إ ِل َي ْ ُ‬
‫د(‪.‬‬ ‫َ‬
‫م ُ‬‫ح َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫س ُ‬ ‫دي ا ْ‬ ‫ب َعْ ِ‬
‫إلى الذين تهفو أرواحهم شوقا إلى نور الله‪ ..‬إلى الذين تساءلت‬
‫عقولهم كثيرا فلم يجدوا لهم آذانا صاغية ولم يجدوا جوابا شافيا‪..‬‬
‫إلى كل من اشتاق لن يعرف الحقيقة ناصعة البياض ل لبس فيها‬
‫ول غموض‪ ..‬ها قد آن الوان لذلك‬
‫السلم‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫خَرةِ ِ‬ ‫ه وَهُوَ ِفي ال ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫قب َ َ‬ ‫َ‬
‫سل َم ِ ِدينا فَلن ي ُ ْ‬‫ً‬ ‫من ي َب ْت َِغ غ َي َْر ال ِ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ن‬
‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫عندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم ما السلم كان أول ما‬
‫قال‪):‬أن تعبد الله ول تشرك به( وإذا نظرت في القاموس عن‬
‫معنى كلمة إسلم ستجد أن معناها الحرفي لها هو الذعان‬
‫والنقياد والستسلم‪ .‬ولما كان كل موصوف له من اسمه نصيب‬
‫فالسلم إذن يعني أن ُتسلم الوجه والقلب والجوارح وجميع‬
‫أمورك لله رب العالمين فل تكون عبادتك وقصدك وتوجهك في‬
‫جميع تصرفاتك إل إلى إلـه واحد هو الله عز وجل وأن تنقاد‬
‫بجسدك وقلبك وروحك لمر الله ونهيه وأن تستسلم لحكمه‬
‫صل َِتي‬ ‫ن َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫وتقف عند حدوده هذا باختصار هو السلم‪).‬قُ ْ‬
‫ك‬‫ه وَب ِذ َل ِ َ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬‫ن‪ .‬ل َ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ماِتي ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫م َ‬ ‫حَيايَ وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫كي وَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫وَن ُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن(‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ت وَأن َا ْ أوّ ُ‬ ‫مْر ُ‬ ‫أ ِ‬
‫واليمان بالله على النحو السابق يستلزم عدة أمور منها أن‬
‫تؤمن أن الله واحد في ذاته ل قسيم له ول ند له ول معبود بحق‬
‫سواه وأن تؤمن بربوبيته سبحانه فل شريك له أي أنه وحده هو‬
‫خالق السماوات والرض من العدم وأنه هو وحده الذي يملك‬
‫ل‬ ‫أمور جميع الخلئق من خلق ورزق وإماتة وإحياء قال تعالى)قُ ْ‬
‫من‬ ‫َ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ماِء َوال َْر‬ ‫من ي َْرُزقُ ُ‬
‫صاَر وَ َ‬ ‫معَ والب ْ َ‬ ‫س ْ‬‫ك ال ّ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫ضأ ّ‬ ‫ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫كم ّ‬ ‫َ‬
‫مَر‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫من ي ُد َب ُّر ال ْ‬ ‫ي وَ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫مي ّ َ‬ ‫ج ال َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ت وَي ُ ْ‬ ‫مي ّ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ج ال َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫َ‬
‫ذا‬‫ما َ‬ ‫حقّ فَ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه َرب ّك ُ ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ن‪ .‬فَذ َل ِك ُ ُ‬ ‫قو َ‬ ‫ل أفَل َ ت َت ّ ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ه فَ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫سي َ ُ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬
‫ن(‬ ‫صَرُفو َ‬ ‫ل فَأّنى ت ُ ْ‬ ‫ضل َ ُ‬ ‫حقّ إ ِل ّ ال ّ‬ ‫ب َعْد َ ال ْ َ‬

‫‪166‬‬
‫و أن الله له السماء الحسنى والصفات العلى فل شبيه له)ل َي ْ َ‬
‫س‬
‫صيُر(]‪ [39‬وأنه منزه عن النقص‬ ‫ميعُ الب َ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫يٌء وَهُوَ ال ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫مث ْل ِهِ َ‬‫كَ ِ‬
‫ل هُو الل ّ َ‬
‫م ي َل ِد ْ‬ ‫مد ل َ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫حد ٌ الل ّ ُ‬‫هأ َ‬ ‫ُ‬ ‫والقصور و عن الزوجة والولد)قُ ْ َ‬
‫كن ل ّه ك ُ ُ َ‬
‫د( وأنه ل يشبه أحدا من خلقه فهو‬ ‫ح ٌ‬‫فوً أ َ‬ ‫ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫م ُيوَلد وَل َ ْ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫فوق خلقه أجمعين محيط بهم بعلمه وسمعه وبصره وهو أقرب‬
‫إلى العبد من حبل الوريد له السلطان والقهر‪ ،‬والخلق والمر‬
‫ما‬‫السماوات مطويات بيمينه‪ ،‬والخلئق مقهورون في قبضته)وَ َ‬
‫َْ‬ ‫ساَوا ِ َ‬ ‫شيٍء ِفي ال َّ‬
‫ض( وهو أول‬ ‫ت وَل ِفي الْر ِ‬ ‫من َ ْ‬ ‫جَزه ُ ِ‬ ‫ه ل ِي ُعْ ِ‬‫ن الل ّ ُ‬‫كا َ‬ ‫َ‬
‫خر ليس بعده شيء فل يفني ول يموت ول‬ ‫ليس قبله شيء وآ ِ‬
‫سنة ول نوم و ل يحدث أمر في هذا الكون إل بقضائه‬ ‫تأخذه ِ‬
‫وقدره‪ ،‬وحكمته ومشيئته‪ .‬فما شاء كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن ل‬
‫يخرج عن مشيئته لفتة ناظر‪ ،‬ول فلتة خاطر بل هو المبدئ‬
‫م‬
‫كي ُ‬‫ح ِ‬ ‫عَباد ِهِ وَهُوَ ال ْ َ‬ ‫قاه ُِر فَوْقَ ِ‬ ‫المعيد‪ ،‬الفعال لما يريد)وَهُوَ ال ْ َ‬
‫خِبيُر( ل راد لمره‪ ،‬ول معقب لحكمه ول مهرب لعبد عن‬ ‫ال ْ َ‬
‫معصيته‪ ،‬إل بتوفيقه ورحمته ول قوة له على طاعته‪ ،‬إل بمشيئته‬
‫وإرادته فلو اجتمع النس والجن‪ ،‬والملئكة والشياطين على أن‬
‫يحركوا في العالم ذرة أو يسكنوها دون إرادته ومشيئته‪ ،‬لعجزوا‬
‫دوهُ‬ ‫يٍء َفاع ْب ُ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫خال ِقُ ك ُ ّ‬ ‫ه إ ِل ّ هُوَ َ‬ ‫م ل إ َِلـ َ‬ ‫ه َرب ّك ُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫عن ذلك‪).‬ذ َل ِك ُ ُ‬
‫صاَر‬ ‫ل‪ .‬ل ّ ت ُد ْرك ُه ال َب ْصار وهُو ي ُد ْر ُ َ‬ ‫كي ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫وَهُوَ ع ََلى ك ُ ّ‬
‫ك الب ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫ِ ُ‬ ‫يٍء وَ ِ‬ ‫ش ْ‬
‫خِبيُر(‪.‬لذا فهو وحده المستحق للعبادة‪.‬‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫طي ُ‬ ‫وَهُوَ الل ّ ِ‬
‫والعبادة‪ :‬هي اسم جامع لكل ما يحبه الله من أعمال القلوب‬
‫والجوارح –فل يستعان إل به ول ُيتوكل إل عليه ول ُيخاف إل منه‬
‫ول يرجى إل إياه هذا هو التوحيد الذي دعا إليه جميع النبياء فكان‬
‫ه( واليمان‬ ‫ن إ َِلـهٍ غ َي ُْر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ما ل َ ُ‬
‫ه َ‬ ‫دوا ْ الل ّ َ‬ ‫كل منهم يقول لقومه)اع ْب ُ ُ‬
‫بالله يستلزم من العبد أن يؤمن بجميع رسله من لدن آدم حتى‬
‫محمد – صلى الله عليه وسلم – وهو خاتمهم وأفضلهم وبالكتب‬
‫المنزلة على هذه الرسل مثل التوراة والنجيل والقرآن وأن‬
‫ن(‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫س ل َِر ّ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫قو ُ‬‫م يَ ُ‬
‫تؤمن بملئكة الله و اليوم الخر)ي َوْ َ‬
‫حين يجمع الله الناس ثم يحاسبهم و يدخل المؤمنين الجنة ‪-‬دار‬
‫ذب الكافرون في النار‪ .‬وللسلم أركان ل يتم إل بها‬ ‫كرامته ويع َ‬
‫هي شهادة أل إله إل الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلة‬
‫وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيل‪.‬‬
‫هذا هو السلم عقيدة صافية نقية ل تعقيد فيها ول ألغاز ول‬
‫أسرار يستأثر بها البعض دون البعض‪ .‬دين ل يتعارض مع الفطرة‬
‫البشرية‪ .‬دين يجعل مسئولية النسان أمام الله وحده ويجعل كل‬
‫إنسان مسئول عن عمله وحده فل تزر وازرة وزر أخرى‪ .‬دين ل‬
‫يجعل بين الله والنسان وساطة ول تباع فيه صكوك غفران ول‬

‫‪167‬‬
‫يملك أحد ‪ -‬حتى النبي نفسه ‪ -‬أن يغفر لحد أو يدخله الجنة بل‬
‫يجعل علقة النسان بربه علقة مباشرة‪ .‬دين جعل قلب النسان‬
‫معلقا بربه ل بصورة ول تمثال ول قطعة خشب أو حديد على أى‬
‫شكل كانت‪ .‬دين ل طبقية فيه ول أفضلية لحد دون أحد إل‬
‫بالتقوى والعمل الصالح قال رسول الله لبنته فاطمة‪):‬يا فاطمة‬
‫بنت محمد سليني من مالي ما شئت ل أغني عنك من الله شيًئا(‪.‬‬
‫دين ل يفرق في حدوده بين وزير و غفير قال رسول الله‪) :‬وأيم‬
‫الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها(‪ .‬دين يحترم‬
‫عقل النسان ول يحجر على تفكيره بل دعا إلى التفكير والنظر‬
‫والتدبر في آيات الله المتلوة والمبثوثة في كونه]‪ .[40‬دين ل‬
‫يتعارض مع مستجدات العلم و مطالب الحياة مهما تقدمت‬
‫بالنسان العهود‪ .‬دين وضع أفضل منهج للتعامل مع غرائز‬
‫النسان فل رهبانية معقدة ]‪ [41‬ول إباحية منحلة ولكن منهج‬
‫وسط يعترف بحاجات النسان و يوفر له أطهر السبل لشباعها‪.‬‬
‫دين لم تقم فيه سلطة مقدسة تحكم باسم الله زاعمة أن حقها‬
‫في الحكم والتشريع مستمد من قرابتها أو تفويضها من الله ولم‬
‫تظهر فيه كنيسة تستذل رقاب الناس بوصفها الممثلة لبن الله;‬
‫المستمدة لسلطانها من سلطان البن أو سلطان القنوم‪[42].‬‬
‫دين عّرف النسان بنفسه ومكانه في هذا الكون وحرره من‬
‫عبوديته لذاته أو لبشر مثله و أخبره بالغاية من وجوده في هذه‬
‫دون(‪ .‬جعل السلم‬ ‫س إ ِّل ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫ن َوا ْ ِ‬
‫لن َ‬ ‫ت ال ْ ِ‬
‫ج ّ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ق ُ‬ ‫ما َ‬
‫الحياة وهي)وَ َ‬
‫حياة النسان كلها تصب في هذه الغاية فصار لها معنى وصارت‬
‫كل حركة من حركات النسان يبتغي بها وجه الله حتى اللقمة‬
‫يضعها الرجل في فم زوجته يثاب عليها من الله‪ .‬السلم ليس‬
‫مجرد شعائر منفصلة عن الحياة تؤدي في دور العبادة ولكنه‬
‫منهج متكامل للحياة جاء ليتولى قيادة الحياة البشرية وتنظيمها‬
‫وتوجيهها وصيانتها فما ترك جانبا من جوانب الحياة إل تناوله‬
‫بالرعاية والصلح‪ .‬السلم لم يغفل غرائز النسان أو يتجاهلها‬
‫شـدها ]‪ .[43‬السلم هو الدين الذي أنشأ‬ ‫ولكنه يعترف بها وير ّ‬
‫من ظلمات الجاهلية في غضون مائتي عاما حضارة أذهلت‬
‫العالم و صارت مؤلفاتها هي المورد العلمي الول لجامعات‬
‫أوروبا في حين أن النصرانية احتاجت إلى نحو من ألف‬
‫وخمسمائة سنة لكي تنشئ ما يمكن أن يدعى حضارة مسيحية!!‬
‫]‪ [44‬والسلم هو الدين الذي يقف اليوم في مواجهة جميع أديان‬
‫العالم التي توحدت ضده مما يدل على أنه هو الحق إذ أن‬
‫الباطل يتعدد والحق ل يتعدد‪ .‬وهو الدين الوحيد الذي يضع أنبياء‬
‫الله في أسمى مكانة وأرفع منزلة و يجعلهم معصومين من‬

‫‪168‬‬
‫الزلل و المعاصي‪ .‬وهو الدين الذي صلته هي أجمل الصلوات‬
‫وأخشعها يقف فيها الغني بجوار الفقير في صفوف منتظمة‪..‬‬
‫الكل سواسية يناجون ربهم ويسألونه وحده المغفرة بل غناء ول‬
‫موسيقى ول تصفيق‪ [45].‬دين متميز حتى في ندائه للصلة‬
‫بالذان‪ .‬فالذان له معنى ويحوى ركائز العقيدة وليس مجرد‬
‫صلصة أجراس أو ضجيج أبواق‪ .‬دين جعل نظافة البدن وطهارة‬
‫النسان شعيرة من شعائره التي ل تجد لها مثيل في غيره‪ .‬دين‬
‫ل يحتاج أتباعه لجراء تغييرات وتعديلت فيه كلما جد عليهم جديد‬
‫لن شريعته منزلة من عند الله العليم الحكيم الذي يعلم كل‬
‫شيء وأثبت التاريخ و التجارب البشرية أنها الوحيدة الصالحة‬
‫لقيادة ركب الحياة في كل زمان ومكان‪ .‬وهو الدين الذي نقلت‬
‫إلينا تصرفات نبيه وأقواله وأفعاله وحركاته وسكناته كاملة‬
‫ووجدناها مثال للخلق الفاضل المستقيم وهو الذي ظل كتابه‬
‫محفوظا بحفظ الله منذ نزل إلى اليوم فتجد الية التي تطبع‬
‫اليوم في أحدث المصاحف هي نفسها التي كانت مكتوبة على‬
‫الجريد أيام الرسول والية التي يتلوها المسلم المريكي هي‬
‫َ‬
‫ن‪ .‬أل َي ْ َ‬
‫س‬ ‫دي ِ‬ ‫ك ب َعْد ُ ِبال ّ‬ ‫ما ي ُك َذ ّب ُ َ‬ ‫نفسها التي يتلوها المسلم الصيني‪).‬فَ َ‬
‫الل ّ َ‬
‫ن(]‪[46‬‬ ‫مي َ‬ ‫حاك ِ ِ‬ ‫حك َم ِ ال ْ َ‬ ‫ه ب ِأ ْ‬ ‫ُ‬
‫المسيح عليه السلم‬
‫من‬ ‫ه َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ه َرّبي وََرب ّك ُ ْ‬ ‫دوا ْ الل ّ َ‬ ‫ل اع ْب ُ ُ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ح َيا ب َِني إ ِ ْ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫وََقا َ‬
‫ما ِلل ّ‬ ‫ْ‬
‫ن‬‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫مأَواه ُ الّناُر وَ َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫جن ّ َ‬‫ه ع ََليهِ ال ْ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ك ِبالل ّهِ فَ َ‬ ‫شرِ ْ‬ ‫يُ ْ‬
‫صار‪.‬‬ ‫َ‬
‫ن أن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫يتبوأ المسيح عيسى بن مريم وأمه عليهما السلم مكانة سامية‬
‫في السلم فالمسيح هو كلمة الله و روح منه ألقاها إلى مريم‬
‫عليهما السلم وهو بشر كما أن الرسل جميعا من البشر وهو‬
‫رسول من أولي العزم من الرسل ]‪ [47‬وهم أفضل الرسل‬
‫ذكر في القرآن أكثر من ‪ 25‬مرة وأمه مريم بنت عمران‬ ‫جميًعا و ً‬
‫من أفضل نساء العالمين لم ُتذكر امرأة باسمها في القرآن‬
‫غيرها‪ .‬قال تعالى في سورة آل عمران‪:‬‬
‫ك‬
‫فا ِ‬ ‫صط َ َ‬ ‫ك َوا ْ‬ ‫ك وَط َهَّر ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫صط َ َ‬ ‫ها ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫مْري َ ُ‬ ‫ة َيا َ‬ ‫مل َئ ِك َ ُ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫)وَإ ِذ ْ َقال َ ِ‬
‫دي َواْرك َِعي‬ ‫ج ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ك َوا ْ‬ ‫م اقْن ُِتي ل َِرب ّ ِ‬ ‫مْري َ ُ‬ ‫ن }‪َ {42‬يا َ‬ ‫مي َ‬ ‫ساء ال َْعال َ ِ‬ ‫ع ََلى ن ِ َ‬
‫حيهِ إ َِلي َ‬ ‫كم َ‬
‫ت‬‫كن َ‬ ‫ما ُ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ب ُنو ِ‬ ‫ن أنَباء ال ْغَي ْ ِ‬ ‫ن }‪ {43‬ذ َل ِ َ ِ ْ‬ ‫معَ الّراك ِِعي َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م إ ِذ ْ‬ ‫ت ل َد َي ْهِ ْ‬ ‫كن َ‬ ‫ما ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ف ُ‬ ‫م ي َك ْ ُ‬ ‫م أي ّهُ ْ‬ ‫مه ُ ْ‬‫قون أقْل َ َ‬ ‫م إ ِذ ْ ي ُل ْ ُ‬ ‫ل َد َي ْهِ ْ‬
‫ة‬
‫م ٍ‬ ‫ك ب ِك َل ِ َ‬ ‫شُر ِ‬ ‫ه ي ُب َ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫مْري َ ُ‬ ‫ة َيا َ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫ن }‪ {44‬إ ِذ ْ َقال َ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫خت َ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫ة‬
‫خَر ِ‬ ‫جيها ً ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ها ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫مهْد ِ وَك َهْل ً وَ ِ‬ ‫س ِفي ال ْ َ‬ ‫م الّنا َ‬ ‫ن }‪ {45‬وَي ُك َل ّ ُ‬ ‫قّرِبي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫وَ ِ‬
‫َ‬
‫شٌر‬ ‫سِني ب َ َ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن ِلي وَل َد ٌ وَل َ ْ‬ ‫كو ُ‬ ‫ب أّنى ي َ ُ‬ ‫ت َر ّ‬ ‫ن }‪َ {46‬قال َ ْ‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ال ّ‬

‫‪169‬‬
‫َ‬
‫كن‬ ‫ه ُ‬ ‫قول ُل َ ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫مرا ً إ ِن ّ َ‬ ‫ضى أ ْ‬ ‫ذا قَ َ‬ ‫شاُء إ ِ َ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫خل ُقُ َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫ل ك َذ َل ِ ِ‬ ‫َقا َ‬
‫ل( }‬ ‫جي َ‬ ‫لن ِ‬ ‫ة َوالت ّوَْراة َ َوا ِ‬ ‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫ه ال ْك َِتا َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن }‪ {47‬وَي ُعَل ّ ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫فَي َ ُ‬
‫‪.({48‬‬
‫وقد كانت حياة المسيح مليئة بالمعجزات من لحظة ولدته حتى‬
‫رفعه إلى السماء فقد كانت ولدته معجزة إلهية جعلها الله آية‬
‫للعالمين حيث ولد من غير أب و قد وصف الله أحداث ولدته في‬
‫سورة مريم ]‪[48‬فقال تعالى‪:‬‬
‫شْرقِي ّا ً }‪{16‬‬ ‫كانا ً َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫)َواذ ْك ُْر ِفي ال ْك َِتا‬
‫ن أهْل َِها َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫م إ ِذ ِ انت َب َذ َ ْ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ِ‬
‫شرا ً‬ ‫ل ل ََها ب َ َ‬ ‫َ‬
‫مث ّ َ‬ ‫حَنا فَت َ َ‬ ‫سل َْنا إ ِل َي َْها ُرو َ‬ ‫جابا ً فَأْر َ‬ ‫ح َ‬ ‫م ِ‬ ‫دون ِهِ ْ‬ ‫من ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫خذ َ ْ‬ ‫َفات ّ َ‬
‫قي ّا ً }‪{18‬‬ ‫َ‬
‫ت تَ ِ‬ ‫كن َ‬ ‫ك ِإن ُ‬ ‫من َ‬ ‫من ِ‬ ‫ح َ‬ ‫عوذ ُ ِبالّر ْ‬ ‫ت إ ِّني أ ُ‬ ‫سوِي ّا ً }‪َ {17‬قال َ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت أّنى‬ ‫ك غلما َزك ِي ّا }‪َ {19‬قال ْ‬ ‫بل ِ‬ ‫ك ِلهَ َ‬ ‫ل َرب ّ ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ما أَنا َر ُ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫َقا َ‬
‫ك ب َغِي ّا ً }‪َ {20‬قا َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل ك َذ َل ِ ِ‬ ‫مأ ُ‬ ‫شٌر وَل َ ْ‬ ‫سِني ب َ َ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وَل َ ْ‬ ‫ن ِلي غ َُل ٌ‬ ‫كو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫مرا ً‬ ‫َ‬
‫نأ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫مّنا وَ َ‬ ‫ة ّ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫س وََر ْ‬ ‫ِ‬ ‫ة ِللّنا‬ ‫ه آي َ ً‬ ‫جعَل َ ُ‬ ‫ن وَل ِن َ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ي هَي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ك هُوَ ع َل َ‬ ‫ل َرب ّ ِ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬
‫ها‬ ‫جاء َ‬ ‫صي ّا ً }‪ {22‬فَأ َ‬ ‫كانا ً قَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ب ِهِ َ‬ ‫ه َفانت َب َذ َ ْ‬ ‫مل َت ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ضي ّا ً }‪ {21‬فَ َ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫سيا ً‬ ‫ت نَ ْ‬ ‫ُ‬
‫ت قب ْل هَذا وَكن ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ّ‬ ‫ت َيا لي ْت َِني ِ‬ ‫َ‬ ‫خلةِ قال ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫جذِع الن ّ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ض إ ِلى ِ‬ ‫َ‬ ‫خا ُ‬ ‫م َ‬ ‫ال َ‬ ‫ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ك‬ ‫حت َ ِ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫ل َرب ّ ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫حَزِني قَد ْ َ‬ ‫حت َِها أل ت َ ْ‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫ها ِ‬ ‫دا َ‬ ‫سي ّا }‪ {23‬فََنا َ‬ ‫من ِ‬ ‫ّ‬
‫جن ِي ّا }‬‫ً‬ ‫ك ُرطبا َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ساقِط ع َلي ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫خل ة ِ ت ُ َ‬ ‫َ‬ ‫جذ ِْع الن ّ ْ‬ ‫ك بِ ِ‬ ‫َ‬
‫سرِي ّا }‪ {24‬وَهُّزي إ ِلي ْ ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫حدا ً فَ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ْب َ َ‬
‫قوِلي‬ ‫شرِ أ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما ت ََري ِ ّ‬ ‫شَرِبي وَقَّري ع َْينا ً فَإ ِ ّ‬ ‫‪ {25‬فَك ُِلي َوا ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه‬
‫ت بِ ِ‬ ‫سي ّا ً }‪ {26‬فَأت َ ْ‬ ‫م ِإن ِ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬ ‫ن أك َل ّ َ‬ ‫صوْا ً فَل َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ت ِللّر ْ‬ ‫إ ِّني ن َذ َْر ُ‬
‫ُ‬
‫شْيئا ً فَرِي ّا ً }‪َ {27‬يا أ ْ‬ ‫م لَ َ‬
‫ت‬ ‫خ َ‬ ‫ت َ‬ ‫جئ ْ ِ‬ ‫قد ْ ِ‬ ‫مْري َ ُ‬ ‫ه َقاُلوا َيا َ‬ ‫مل ُ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫مَها ت َ ْ‬ ‫قَوْ َ‬
‫ك ب َغِي ّا ً }‪{28‬‬ ‫ُ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬
‫م ِ‬ ‫تأ ّ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫سوٍْء وَ َ‬ ‫مَرأ َ‬ ‫كا ْ‬ ‫ن أُبو ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫هاُرو َ‬ ‫َ‬
‫صب ِي ّا }‪َ {29‬قا َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫مهْد ِ َ‬ ‫ن ِفي ال َ‬ ‫من كا َ‬ ‫م َ‬ ‫ف ن ُكل ُ‬ ‫ت إ ِلي ْهِ َقالوا كي ْ َ‬ ‫شاَر ْ‬ ‫فَأ َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مَباَركا ً أي ْ َ‬ ‫جعَل َِني ُ‬ ‫جعَل َِني ن َب ِي ّا ً }‪ {30‬وَ َ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫ي ال ْك َِتا َ‬ ‫إ ِّني ع َب ْد ُ الل ّهِ آَتان ِ َ‬
‫حي ّا ً }‪ {31‬وَب َّرا ً‬ ‫صَلةِ َوالّز َ‬ ‫َ‬ ‫ما ُ‬
‫ت َ‬ ‫م ُ‬ ‫ما د ُ ْ‬ ‫كاةِ َ‬ ‫صاِني ِبال ّ‬ ‫ت وَأوْ َ‬ ‫كن ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫م وُِلد ّ‬ ‫ي ي َوْ َ‬ ‫م ع َل ّ‬ ‫َ‬ ‫سل ُ‬ ‫َ‬ ‫قي ّا }‪َ {32‬وال ّ‬ ‫ً‬ ‫ش ِ‬ ‫جّبارا َ‬ ‫ً‬ ‫جعَلِني َ‬ ‫ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫َ‬
‫وال ِد َِتي وَل ْ‬ ‫بِ َ‬
‫ل‬ ‫م قَوْ َ‬ ‫حي ّا ً }‪ {33‬ذ َل ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ث َ‬ ‫م أب ْعَ ُ‬ ‫ت وَي َوْ َ‬ ‫مو ُ‬ ‫مأ ُ‬ ‫وَي َوْ َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ذا‬ ‫ه إِ َ‬ ‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫من وَل َد ٍ ُ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫ن ل ِل ّهِ أن ي َت ّ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن }‪َ {34‬‬ ‫مت َُرو َ‬ ‫ذي ِفيهِ ي َ ْ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫م‬‫ه َرّبي وََرب ّك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن }‪ {35‬وَإ ِ ّ‬ ‫كو ُ‬ ‫كن فَي َ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫مرا ً فَإ ِن ّ َ‬ ‫ضى أ ْ‬ ‫قَ َ‬
‫م‬ ‫ف اْل ْ‬ ‫َ‬ ‫خت َل َ َ‬ ‫م }‪َ {36‬فا ْ‬ ‫صَرا ٌ‬ ‫دوه ُ هَ َ‬ ‫َفاع ْب ُ ُ‬
‫من ب َي ْن ِهِ ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫حَزا ُ‬ ‫قي ٌ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ّ‬ ‫ذا ِ‬
‫ظيم(‬ ‫شهَد ِ ي َوْم ٍ ع َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫من ّ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ل ّل ّ ِ‬ ‫فَوَي ْ ٌ‬
‫ثم أمده الله بالمعجزات الدالة على نبوته كما أمد الرسل من‬
‫سول ً‬ ‫قبله بالمعجزات‪ .‬قال تعالى حاكيا عن عيسى بن مريم‪):‬وََر ُ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫كم ّ‬ ‫خل ُقُ ل َ ُ‬ ‫م أ َّني أ َ ْ‬ ‫من ّرب ّك ُ ْ‬ ‫كم ِبآي َةٍ ّ‬ ‫جئ ْت ُ ُ‬ ‫ل أّني قَد ْ ِ‬
‫إَلى بِني إسراِئي َ َ‬
‫ِ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ن اللهِ وَأب ْرِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ئ‬
‫ْ‬ ‫ن طْيرا ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫خ ِفيهِ في َكو ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ن كهَي ْئةِ الطي ْرِ فأن ُ‬ ‫الطي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ما ت َأك ُُلو َ‬ ‫كم ب ِ َ‬ ‫ن الل ّهِ وَأن َب ّئ ُ ُ‬ ‫موَْتى ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫حِيـي ال ْ َ‬ ‫ص وَأ ْ‬ ‫ه والب َْر َ‬ ‫م َ‬ ‫الك ْ َ‬
‫ن }‪{49‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫كنُتم ّ‬ ‫م ِإن ُ‬ ‫ة ل ّك ُ ْ‬ ‫ك لي َ ً‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ن ِفي ب ُُيوت ِك ُ ْ‬ ‫خُرو َ‬ ‫ت َد ّ ِ‬

‫‪170‬‬
‫م‬
‫حّر َ‬ ‫ذي ُ‬ ‫ض ال ّ ِ‬ ‫كم ب َعْ َ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن الت ّوَْراةِ وَِل ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ي َد َيّ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫دقا ً ل ّ َ‬ ‫ص ّ‬ ‫م َ‬ ‫وَ ُ‬
‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن }‪ {50‬إ ِ ّ‬ ‫طيُعو ِ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬ ‫م َفات ّ ُ‬ ‫من ّرب ّك ُ ْ‬ ‫كم ِبآي َةٍ ّ‬ ‫جئ ْت ُ ُ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ع َل َي ْك ُ ْ‬
‫م(‬‫قي ٌ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ّ‬ ‫صَرا ٌ‬ ‫ذا ِ‬ ‫هـ َ‬ ‫دوه ُ َ‬ ‫م َفاع ْب ُ ُ‬ ‫َرّبي وََرب ّك ُ ْ‬
‫ثم يذكر الله ختام قصة عيسى مع بني إسرائيل عندما كذبوه و‬
‫صاِري إ َِلى‬ ‫لم َ‬ ‫َ‬
‫ن أن ََ‬ ‫م ال ْك ُفَْر َقا َ َ ْ‬ ‫من ْهُ ُ‬ ‫سى ِ‬ ‫عي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ما أ َ‬ ‫كفروا به‪ ):‬فَل َ ّ‬
‫مّنا ِبالل ّهِ َوا ْ‬ ‫ل ال ْحواريون نح َ‬
‫شهَد ْ ب ِأّنا‬ ‫صاُر الل ّهِ آ َ‬ ‫ن أن َ‬ ‫َ َ ِّ َ َ ْ ُ‬ ‫الل ّهِ َقا َ‬
‫َ‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫ل َفاك ْت ُب َْنا َ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َوات ّب َعَْنا الّر ُ‬ ‫ما أنَزل َ ْ‬ ‫مّنا ب ِ َ‬ ‫ن }‪َ {52‬رب َّناآ َ‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ن }‪ {54‬إ ِذ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ماك ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫خي ُْر ال َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ه َوالل ُ‬ ‫ّ‬
‫مكَر الل ُ‬ ‫َ‬ ‫مكُروا وَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن }‪ {53‬وَ َ‬ ‫دي َ‬ ‫شاه ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫مط َهُّر َ‬ ‫ي وَ ُ‬ ‫ك إ ِل َ ّ‬ ‫ك وََرافِعُ َ‬ ‫مت َوَّفي َ‬ ‫سى إ ِّني ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ه َيا ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫م‬‫مة ِ ث ُ ّ‬ ‫قَيا َ‬ ‫فُروا ْ إ َِلى ي َوْم ِ ال ْ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ك فَوْقَ ال ّ ِ‬ ‫ن ات ّب َُعو َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ع ُ‬ ‫جا ِ‬ ‫فُروا ْ وَ َ‬ ‫كَ َ‬
‫َ‬ ‫ما ُ‬ ‫َ‬ ‫إ ِل َ‬
‫ما‬ ‫ن }‪ {55‬فَأ ّ‬ ‫فو َ‬ ‫خت َل ِ ُ‬‫م ِفيهِ ت َ ْ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫م ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫م فَأ ْ‬ ‫جعُك ُ ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ّ‬
‫ُ‬
‫من‬ ‫ما ل َُهم ّ‬ ‫خَرةِ وَ َ‬ ‫ديدا ً ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ذابا ً َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫فُروا ْ فَأع َذ ّب ُهُ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫م‬‫ت فَي ُوَّفيهِ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ْ ال ّ‬ ‫مُنوا وَع َ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬ ‫ن }‪ {56‬وَأ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ّنا ِ‬
‫ك ن َت ُْلوه ُ ع َل َي ْ َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن }‪ {57‬ذ َل ِ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫جوَرهُ ْ‬ ‫أ ُ‬
‫م‬ ‫ل آد َ َ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫عند َ الل ّهِ ك َ َ‬ ‫سى ِ‬ ‫عي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫مث َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫كيم ِ }‪ {58‬إ ِ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫ت َوالذ ّك ْرِ ال ْ َ‬ ‫الَيا ِ‬
‫ك فَل َ‬ ‫من ّرب ّ َ‬ ‫حقّ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن }‪ {59‬ال َ‬ ‫كو ُ‬ ‫كن فَي َ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫لل ُ‬ ‫َ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ب ثِ ّ‬ ‫من ت َُرا ٍ‬ ‫ه ِ‬ ‫خل َ َ‬
‫ق ُ‬ ‫َ‬
‫ن(‬ ‫ري َ‬ ‫مت َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫من ال ْ ُ‬ ‫كن ّ‬ ‫تَ ُ‬
‫وذلك أن اليهود حاولوا قتل عيسى عليه السلم فنجاه الله منهم‬
‫وتوفاه بالنوم ثم رفعه إلى السماء الثالثة فهو يحيا فيها حتى‬
‫ينزل قبل يوم القيامة و ُألقى شبهه على شخص غيره فأخذه‬
‫سى‬ ‫عي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫م إ ِّنا قَت َل َْنا ال ْ َ‬ ‫اليهود وقتلوه‪ .‬قال تعالى عنهم‪):‬وَقَوْل ِهِ ْ‬
‫ن‬
‫م وَإ ِ ّ‬ ‫ه ل َهُ ْ‬ ‫شب ّ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫صل َُبوه ُ وَل َك ِ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ما قَت َُلوه ُ وَ َ‬ ‫ل الل ّهِ وَ َ‬ ‫سو َ‬ ‫م َر ُ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫اب ْ َ‬
‫عل ْم ٍ إ ِّل ات َّباع َ الظ ّ ّ‬
‫ن‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫م ب ِهِ ِ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫في َ‬ ‫فوا ِفيهِ ل َ ِ‬ ‫خت َل َ ُ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ما( و‬ ‫كي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫زيزا ً َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ه إ ِل َي ْهِ وَ َ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫ل َرفَعَ ُ‬ ‫قينًا‪ .‬ب َ ْ‬ ‫ما قَت َُلوه ُ ي َ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫عندما ينزل عيسى بن مريم في آخر الزمان فإنه سوف يكسر‬
‫الصليب ول يقبل إل السلم وتندحر الملل الكافرة ويعم السلم‬
‫وتكثر البركة وُترفع الشحناء والضغينة قال صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫" النبياء إخوة لعلت دينهم واحد وأمهاتهم شتى وأنا أولى الناس‬
‫بعيسى بن مريم لنه لم يكن بيني وبينه نبي وإنه نازل فإذا‬
‫رأيتموه فاعرفوه فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض سبط‬
‫كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل بين ممصرتين فيكسر الصليب‬
‫ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويعطل الملل حتى ُيهلك الله في‬
‫زمانه الملل كلها غير السلم ويهلك الله في زمانه المسيح‬
‫الدجال الكذاب وتقع المنة في الرض حتى ترتع البل مع السد‬
‫جميعا والنمور مع البقر والذئاب مع الغنم ويلعب الصبيان‬
‫والغلمان بالحيات ل يضر بعضهم بعضا فيمكث ما شاء الله أن‬
‫يمكث ثم ُيتوفى فيصلي عليه المسلمون ويدفنونه‪[49] "..‬وقد‬

‫‪171‬‬
‫وردت على لسان نبينا عدة نصوص في فضل المسيح ومريم‬
‫الصديقة عليهما السلم فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‪):‬ما‬
‫من مولود يولد إل والشيطان يمسه حين يولد‪ ،‬فيستهل صارخا‬
‫من مس الشيطان إياه‪ ،‬إل مريم وابنها( وقال)كمل من الرجال‬
‫كثير‪ ،‬ولم يكمل من النساء‪ :‬إل مريم ابنة عمران‪ ،‬وآسية امرأة‬
‫فرعون( وقال‪):‬رأى عيسى بن مريم رجل ً يسرق فقال له‪:‬‬
‫أسرقت؟ قال‪ :‬كل‪ ،‬والذي ل إله إل هو‪ ،‬فقال عيسى‪ :‬آمنت بالله‬
‫وكذبت عيني( وقال عن الرجل الذي يؤمن بعيسى قبل أن يسمع‬
‫عن محمد)صلى عليه وسلم(‪):‬إذا آمن بعيسى‪ ،‬ثم آمن بي فله‬
‫أجران( وقال‪-‬وهذا الحديث بشرى لكل نصراني‪):-‬من شهد أن ل‬
‫إله إل الله وحده ل شريك له وأن محمدا ً عبده ورسوله‪ ،‬وأن‬
‫عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه‪،‬‬
‫والجنة حق‪ ،‬والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل(‬
‫]‪ [50‬وقد كانت رسالة المسيح عليه السلم متممة لرسالة‬
‫موسى و مبشرة برسالة محمد باسمه الصريح كما مر بنا –‬
‫"حتى متى كان تؤمنون" – وكانت لبني إسرائيل فقط و لم تكن‬
‫هي الرسالة الخيرة للبشرية لذلك لم يشأ الله أن يظل النجيل‬
‫ظا بكامله للناس‪.‬‬ ‫ول كلم المسيح محفو ً‬
‫والن بعد أن عرفت نظرة السلم للمسيح عليه السلم فإني‬
‫سائلك‪ :‬ترى لو كان هذا الدين من عند محمد ولم يكن محمد‬
‫رسول من عند الله ما الذي دعاه لن ينظر للمسيح هذه النظرة‬
‫المعتدلة بعيدا عن غلو النصارى إلى تقديسه وانحراف اليهود إلى‬
‫عدائه؟ ألم يكن أحرى به لو كان كاذبا أن ينحاز إلى إحدى‬
‫الطائفتين لكي ينال تأييدها بدل من أن يواجههما جميعا؟ ما الذي‬
‫كان يمنعه لو كان كاذبا أن يدعى أن إلهه الذي يعبده هو المسيح‬
‫–ولم يكن لينكر عليه أحد– فينال بذلك تأييد الدولة الرومانية‬
‫ه‬
‫سول ِ ِ‬ ‫مُنوا ْ ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫القوية بالضافة لنصارى الجزيرة العربية؟)َفآ ِ‬
‫ُ‬
‫ن(‪.‬‬‫دو َ‬ ‫مات ِهِ َوات ّب ُِعوه ُ ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م ت َهْت َ ُ‬ ‫ن ِبالل ّهِ وَك َل ِ َ‬ ‫ذي ي ُؤ ْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫ي ال ّ ِ‬
‫م ّ‬
‫ي ال ّ‬
‫الن ّب ِ ّ‬
‫والن لنحاول مناقشة بعض ما يعتقده الناس في المسيح عليه‬
‫دا عن التعصب العمى‪.‬‬ ‫السلم بهدوء بعي ً‬
‫لعلك إذا سألت أفراد السرة النصرانية الواحدة عن طبيعة‬
‫المسيح عليه السلم تسمع إجابات شتى فمن قائل هو الله –‬
‫تعالى الله عما يصفون – و من قائل هو ابن الله والمثقف منهم‬
‫سيقول لك إن به جزء بشري يسمى ناسوتا و جزء إلهي يسمي‬
‫لهوتا!! وهذا انعكاس للغموض الذي يكتنف شخصية المسيح‬
‫لدى النصارى و للتعقيد الذي أقحمته الكنيسة في مسألة الله‬
‫وهي التي من المفترض أن تكون من أبسط أمور العقيدة لدى‬

‫‪172‬‬
‫النسان‪ .‬ويتفق عموم النصارى على أن هذا الله أو نصف الله‬
‫لم يكن بالقوة الكافية حتى نالت منه يد البشر بالتعذيب والهانة‬
‫والصلب في حادثة هي أشبه بالتمثيليات الدرامية أو الساطير‬
‫البدائية منها إلى الحقيقة اللهية! ومن العجيب أن ُيعتقد أن هذه‬
‫الجريمة الكبرى من البشر في حق الله إنما كانت سببا لخلص‬
‫البشر و مغفرة خطاياهم وذنوبهم التي هي أقل خطًرا بكثير من‬
‫محاولة قتل الله نفسه!! ولن كل من هذه العقائد أصبحت‬
‫مسلمات راسخة في عقول كثير من الناس غير خاضعة للنقاش‬
‫ول التفكير فهذه دعوة لكل باحث عن الحقيقة بصدق لكي يعيد‬
‫النظر فيما يعتقده و تربى عليه ولم تتح له فرصة للنقاش فيه‬
‫من قبل‪.‬‬
‫هب أنك أخطأت في حق والدك خطأ يسيًرا وأغضبته وبينما أنت‬
‫نادم وتحاول أن ترضي أباك إذا بأخيك الصغر تأخذه عاطفة‬
‫الخوة و التضحية فتفتق ذهنه عن فكرة غبية وهي أن يضحي‬
‫بنفسه من أجلك فيسلم لك نفسه لكي تقتله أمام أبيك و بذلك‬
‫يتحمل هو الثم عنك وتنجو أنت من تبعة الذنب ووخز الضمير‬
‫فهل تقبل أنت أو يقبل أبوك هذا الكلم؟؟ فكيف لو اقترح عليك‬
‫أخوك أن تقتل والدك نفسه تكفيًرا عن خطيئتك؟! بالطبع هذا‬
‫كلم ل يقبله عقل‪ .‬ولكن لماذا تقبله في حادثة الصلب المزعومة‬
‫وترضاه للمسيح عليه السلم ول ترضاه لخيك الصغير؟ لعلك‬
‫تجيب بأن المسيح ما نزل إلى الرض أصل ً إل لهذه المهمة وهي‬
‫التضحية بنفسه لكي يغفر الله خطايا البشر! وإني أسألك‪ :‬الذي‬
‫يريد أن يضحي بنفسه من أجل إنسان يتحمل عنه اللم أم‬
‫يتحمل منه اللم؟؟! هل خطيئة آدم بأكله من الشجرة تكفرها‬
‫خطيئة اليهود بمحاولة قتل المسيح؟ وهل ضاقت رحمة الله عز‬
‫وجل الذي يقبل التوبة عن عباده ووسعت رحمته كل شيء أن‬
‫يغفر لدم خطيئته ‪ -‬وهو الذي تاب بعدها واستغفر وأناب]‪-[51‬‬
‫فظل ناقما على البشر كل هذه المدة حتى ينزل بنفسه سبحانه‬
‫متجسدا في هيئة مخلوق ضعيف كي ترتكب البشرية هذه‬
‫الجريمة النكراء في حقه ثم تسقط عنها أوزارها مكافأة لها؟ هل‬
‫من العدل أن يذنب آدم فُيصلب المسيح؟ ألم يذكر العهد القديم‬
‫أن النفس التي تخطيء هي تموت وأن كل إنسان مسئول عن‬
‫عمله وأن الله يقبل توبة التائبين؟]‪[52‬هل من العقل أن تزعم‬
‫أن الله تاب على بولس الذي كان العدو الول لتلميذ المسيح‬
‫وللمؤمنين ولم يتب على آدم الذي خلقه الله بيديه وأسجد له‬
‫ما على رؤوس الشهاد؟‬ ‫ملئكته إل بعد أن يعلق المسيح عارًيا تما ً‬
‫وإذا كان المسيح قد نزل من أجل ذلك فلماذا جاء في إنجيل‬

‫‪173‬‬
‫متى صراخ المسيح قبل أن يقتل كما يزعمون لما وضع على‬
‫الصليب » إيلي إيلي‪ ،‬لم شبقتني‪ ،‬أي‪ :‬إلهي إلهي‪ ،‬لماذا تركتني؟‬
‫« متى ‪ 27/46‬وجاء في يوحنا ‪ 11/53‬أن المسيح هرب من‬
‫طالبيه مرارًا!! أينزل من أجل ذلك ثم يهرب ويصرخ ويستغيث‬
‫بالله كي يخلصه بينما ترى كثيًرا من المجرمين والقتلة يتقدمون‬
‫للقتل بقدم ثابتة وجأش رابط أم أنه كان يجهل مهمته على‬
‫دا ونقارن المسيح بالقتلة والمجرمين ألم‬‫الرض؟ ولم نذهب بعي ً‬
‫يأمر الله إبراهيم بذبح ولده فما كان من الولد إل أن استجاب‬
‫لمر الله صابرا محتسبا بدون أن يسأل حتى عن العلة؟ هل من‬
‫منطقي لو كان المسيح هو الله أن يكون أقل شجاعة من بعض‬
‫خلقه؟!‬
‫وإذا كانت هذه هي مهمة المسيح فلماذا عندما بشر النبياء‬
‫بالمسيح لم يبشروا به على أنه المخلص الذي سوف يخلص‬
‫البشرية من ذنبها الموروث ولكن بشروا به على أنه نبي صاحب‬
‫رسالة وفقط بدون ذكر أي شيء عن حادثة الصلب المزعومة‪-‬‬
‫التي كانت سُتعد أهم حادثة في حياة المسيح لو كانت مهمته حقا‬
‫أن يعلق على الصليب؟؟ وكيف نفسر النصوص التي تخبر عن‬
‫رضا الله عن الشعب أو عن أمة من المم إذا كانت البشرية كلها‬
‫كانت ما زالت موصومة بهذا الذنب القديم ولم يخلصها منه أحد‬
‫بعد؟ وهل من الرحمة أن تكون مهمة المسيح هي تحمل اللم‬
‫والتعذيب عن البشر بقتله على الصليب ثم يكون جزاء من لم‬
‫يؤمن أن المسيح مات على الصليب وظل يعبد الله كما كان‬
‫يعبده إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى من قبل المسيح هو‬
‫العذاب في النار؟ لو كان ذلك كذلك لكانت حادثة الصلب نقمة‬
‫على البشر وليست رحمة لهم إل إذا كانت حادثة الصلب هذه قد‬
‫افتدت جميع الناس من النار وسيدخل المؤمن والكافر الجنة في‬
‫النهاية!!‬
‫وإذا كان الصلب قد حط عن البشر خطاياهم فما فائدة تعاليم‬
‫المسيح والرسل من قبله إذا كان تكفير خطايا البشر مضمون و‬
‫أكيد لهذه الدرجة؟ ولماذا قال المسيح إن كل كلمة باطلة يتكلم‬
‫بها الناس‪ ،‬سوف يؤدون عنها الحساب في يوم الدينونة‪ .‬فإنك‬
‫بكلمك تبرر‪ ،‬وبكلمك تدان؟]‪ [53‬وما الذي سيمنع النسان أن‬
‫يرتكب أكبر الفواحش وأعظم المنكرات إذا علم أن الخلص‬
‫مضمون؟ ولماذا الحاجة إلى التعميد الذي تفعله الكنيسة بكل‬
‫مولود إذا كانت حادثة الصلب المزعومة هذه قد غفرت للنسان‬
‫خطيئته ]‪[54‬؟ وإذا كان كل مولود يرث نصيبا من هذه خطيئة‬
‫أبيه آدم فهل ورثت مريم وابنها عليهما السلم أيضا هذه الخطيئة‬

‫‪174‬‬
‫من أبيهما آدم عليه السلم؟ وماذا عن ظلم البشر بعضهم لبعض‬
‫هل يتحملها الصليب أيضا فل قصاص بينهم ول عدل أم أن هذه‬
‫خارج الموضوع؟ وماذا عن الذنوب التي ارتكبتها البشرية بعد‬
‫المسيح إلى اليوم من يكفرها؟ أم تراها تحتاج لمسيح جديد لكي‬
‫يقتله أحد الشقياء فتسقط عن البشر بقية خطاياهم؟ إننا نفهم‬
‫أن الذي يضحي بشيء فإنه يضحي به من أجل شخص آخر أو‬
‫لسترضاء من هو أعلى منه وأقدر كما ذبح إبراهيم الكبش فداًء‬
‫لسماعيل وتقربا إلى الله بذلك فإذا كان الله نفسه هو الذي‬
‫ضحى بولده –تعالى الله عما يصفون‪ -‬فمن أجل من يا ترى فعل‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ك ِ‬‫مل ِ ُ‬
‫من ي َ ْ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ذلك وليس في الكون من هو أعظم منه؟ )قُ ْ‬
‫ُ‬ ‫ن أ ََراد َ َأن ي ُهْل ِ َ‬
‫من ِفي‬ ‫ه وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م وَأ ّ‬ ‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬ ‫ح اب ْ َ‬
‫سي َ‬
‫م ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫شْيئا ً إ ِ ْ‬‫الل ّهِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫خل ُقُ َ‬
‫ما ي َ ْ‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬
‫ك ال ّ‬ ‫مل ْ ُ‬‫ميعا ً وَل ِل ّهِ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫الْر ِ‬
‫ديٌر(؟ إن من يقرأ الروايات المختلفة‬ ‫يٍء قَ ِ‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ع ََلى ك ُ ّ‬ ‫شاُء َوالل ّ ُ‬ ‫يَ َ‬
‫لحادثة الصلب في الناجيل سيجد بينها تناقضات ل يمكن الجمع‬
‫بينها فمثل من يقارن تفاصيل المحاكمة والصلب والقيامة‬
‫واكتشاف قبره ومن رآه عند قيامته وماذا قال على الصليب ومن‬
‫حمل الصليب وغير ذلك في الروايات المختلفة سيجد اختلفات‬
‫واضحة تدل على أن القصة واهية من أساسها أو أن كتابها‬
‫اعتمدوا على الشاعات والساطير وليست وحيا من الله ]‪![55‬‬
‫إنه ل يكاد أحد يتصور أن المسيح الذي كان يصوم ويتحمل الصبر‬
‫عن المأكل والمشرب ويقضي السابيع ل ينال فتات العيش هو‬
‫الذي كان على خشبة الصليب يستغيث بأعدائه و يطلب منهم أن‬
‫يسقوه إذ تملكه الظمأ وهو الذي طالما كان يقول)أن لي خبزا‬
‫لستم تعرفونه(]‪[56‬حتى بطرس رئيس الحواريين كان يقسم‬
‫على أنه ل يعرف الرجل الذي على الصليب)متى ‪.(72:26‬‬
‫لقد جعلت حادثة الصلب المزعومة هذه من المسيح عليه السلم‬
‫شخصية أسطورية مخلصة بدل من شخصية النبي المعلم الذي‬
‫يرشد الناس إلى الهدى والنور‪ .‬شخصية يلجأ إليها الناس في‬
‫السراء والضراء بعد أن كانوا يلجئون إلى الله‪ .‬حادثة الصلب‬
‫جعلت عبادة النسان مركزة حول المسيح عليه السلم بعد أن‬
‫كانت لله وحده‪ .‬ولكي ل يصير المسيح ندا لله في هذا الدين‬
‫الجديد تم اختلق الكذبة الثانية التي هي أكبر من أختها بادعاء أن‬
‫المسيح هو الله نفسه –سبحانه وتعالى عما يصفون‪ .‬ولخطورة‬
‫ضا بشيء من التفصيل‪:‬‬ ‫هذه المسألة فسنناقشها أي ً‬
‫ل‪ :‬هل يليق برب السماوات والرض ومن فيهن أن يتجسد في‬ ‫أو ً‬
‫صورة طفل رضيع يخرج من فرج امرأة ضعيفة ثم يمر بمراحل‬
‫نمو النسان المختلفة يأكل الطعام ويخرج الفضلت حتى إذا‬

‫‪175‬‬
‫جا لقي من البشر صنوف الهانة‬ ‫اكتمل نموه وصار رجل ً ناض ً‬
‫والتعذيب ألوانا؟ هل كان هذا المخلوق الضعيف الذي يلتقم ثدي‬
‫أمه هو كان يدبر أمور جميع الكائنات في الوقت الذي ل يستطيع‬
‫هو أن يدبر أمر طعامه وشرابه؟ ]‪ [57‬أم أنه كان يمسك‬
‫السماوات والرض أن تزول وهو في بطن أمه؟ أل ترى أنه من‬
‫المخجل أن نساوي الله بالبشر؟ هل يمكن لللـه العظيم أن يحل‬
‫في جسد ضعيف له بداية ونهاية؟ وأين هو هذا الجسد‪ -‬جسد‬
‫المسيح ‪ -‬الن؟ هل فني الجسد وهلك بمجرد صعود المسيح‬
‫للسماء أم أن هذا الجسد الذي يحتاج للطعام خالد وليست له‬
‫نهاية؟ وإذا كان الجسد تعرض للفناء فهل يفنى الله أو تفنى‬
‫صفة من صفات اللـه؟؟ وهل كلم السيد المسيح الذي في‬
‫النجيل يوحي بأنه كلم إله قادر قهار يخاطب عبيده أم كلم‬
‫معلم رفيق يخاطب تلميذه؟ ولماذا لم يأمر المسيح تلميذه‬
‫بالسجود له صراحة إن كان هو الله فهذا على القل أفضل من‬
‫السجود لصوره وتماثيله داخل الكنيسة؟! ]‪ [58‬لماذا لم يخبر‬
‫صراحة أنه هو الله ‪ -‬إن كان كذلك – فيحسم القضية ويقطع‬
‫الشك؟ هل من العدل لو كان المسيح هو الله أن يترك أهم‬
‫قضية في هذا الكون يكتنفها الغموض وتحيط بها الشبهات‬
‫ويتركها عرضة لراء الرجال وأهواء الملوك في المجامع؟ لماذا‬
‫حا على لسانه‬ ‫حا صري ً‬
‫صا واض ً‬‫لم يخلف لنا في العهد الجديد ن ً‬
‫يخبر فيه أنه هو الله فيريح المليين من ظلمات الشك؟‬
‫وماذا عن الحواريين‪ :‬هل كانوا يعاملون المسيح على أنه إله‬
‫يمشي على الرض أم نبي إنسان ومعلم متواضع ولذا سموا‬
‫تلميذ؟]‪ [59‬هل يمكن أن يكون للله تلميذ؟؟ ولو كانوا يعبدون‬
‫المسيح فكيف أمكنهم أن يبقوا داخل هيكل اليهود بعد رفعه‬
‫حوالي ثلثة عقود يعبدونه يوميا وسط اليهود الذين يعبدون الله؟]‬
‫‪ [60‬انظر إلى بطرس في)أعمال ‪ (22:2‬يقول‪ " :‬أيها الرجال‬
‫السرائيليون اسمعوا هذه القوال‪ .‬يسوع الناصري رجل قد‬
‫تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده‬
‫في وسطكم كما أنتم أيضا تعلمون"‪ .‬فهل عرفت أنت عن‬
‫المسيح ما لم يعرفه الحواريون؟ أيكون المسيح إلـها ول يستطيع‬
‫أن يدفع عن نفسه أذى حفنة من اليهود؟ أتقبل أن تعبد إلها‬
‫فا؟ أيكون المسيح هو الله ثم يأتي إلى عبد من عبيده لكي‬ ‫ضعي ً‬
‫يعتمد منه ويكمل نفسه؟ ألم يذكر العهد الجديد أن المسيح جاء‬
‫إلى يحيى‪-‬يوحنا المعمدان‪ -‬لكي يعتمد منه؟ إن المسيح لو كان‬
‫هو الله لسجد له يحيى حال فهل كان يحيى يجهل ربه؟ ]‪ [61‬وإذا‬
‫كان المسيح هو الله فهل يمكن أن يموت الله؟ إن نصوص العهد‬

‫‪176‬‬
‫القديم تنفي ذلك يكل صراحة انظر مثل في إرمياء ‪):10:10‬أما‬
‫الرب فهو الله الحق‪ ،‬الله الحي( وفي حزقيال)‪ :(3:18‬حي أنا‬
‫يقول الرب‪ .‬وفي دانيال ‪" 26:6‬هو الله الحي القيوم إلى البد"‬
‫ومن الذي كان يخاطبه المسيح في الناجيل بلفظ أبي وإلهي إن‬
‫كان هو الب والله أم أنه كان يخاطب نفسه؟ انظر قول المسيح‬
‫عليه السلم‪):‬وهذه الحياة البدية أن يعرفوك أنت الله الحقيقي‬
‫وحدك‪ ،‬ويسوع الذي أرسلته( يوحنا ‪ .3 :17‬وقوله‪ »:‬إني أصعد‬
‫إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم « يوحنا ‪20:18‬وقوله عن نفسه‪:‬‬
‫"أنا ل اقدر أن أفعل من نفسي شيئا ً ")يوحنا ‪ (5/30‬لذا عجز أن‬
‫يعد ابني زبدي بالملكوت)متى ‪ ،(20/23‬ولما سماه أحدهم‬
‫صالحا ً قال‪" :‬لم تدعوني صالحًا؟ ليس أحد صالحا ً إل واحد‪ ،‬وهو‬
‫الله")لوقا ‪ .(20-18/18‬وأخبر في مرقص ‪ 32:13‬أنه ل يعلم‬
‫وقت يوم القيامة ولكن الله هو الذي يعلمها فهل يكون المسيح‬
‫هو الله ويجهل ما يعلمه الله؟ أم أن العلم والرادة والصلح‬
‫صفات للجسد وليست صفات للروح؟ ومن الذي كان يصلي له‬
‫المسيح إن كان هو اللـه؟! ألم يذكر العهد الجديد أن المسيح‬
‫كان يعبد الله؟ أكان المسيح يعبد نفسه؟ وهل استعمال المسيح‬
‫لمصطلح ابن النسان عن نفسه تكرارا ومرارا في‬
‫النجيل)ذكرت ‪ 81‬مرة( إل تأكيدا لبشريته وبراءته مما سينسبه‬
‫الناس إليه؟ بل إن المسيح قال عن نفسه صراحة أنه نبي إنسان‬
‫ففي يوحنا)‪ (8/40‬قال)أنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه‬
‫من الله( وفي لوقا ‪ 4/25‬قال »الحق أقول لكم‪ :‬ما من نبي‬
‫يقبل في بلدته‪ « .‬فهل بعد شهادة المسيح لنفسه شهادة أخرى؟‬
‫وفي لوقا ‪ 7/17‬قال الناس أمامه بعد أن أحيا ميتا]‪[62‬بإذن الله‬
‫»قد قام فينا نبي عظيم وتفقد الله شعبه!« وفي متى)‪ (8:9‬بعد‬
‫أن رأى الجموع معجزاته "تعجبوا ومجدوا الله الذي أعطى الناس‬
‫سلطاًنا مثل هذا" فهل يا ترى كان الجموع يمجدون المسيح أم‬
‫رب المسيح؟ وإذا كان المسيح إلها فماذا عن أم المسيح عليه‬
‫السلم هل هي الخرى إلهة أم ماذا؟ وهل يمكن للمخلوق أن يلد‬
‫الخالق]‪[63‬‬
‫وأما إن كنت تعتقد أن الله تعالي عن أن يشابه خلقه أو أن يقتل‬
‫على أيديهم وأنه كان وما زال في السماء فوق جميع خلقه و ل‬
‫يخرج أحد منهم عن قبضته لكن له ولد هو المسيح أرسله إلي‬
‫الرض لهذه الغاية وهو أن يتعذب بأيدي البشر من أجل البشر‬
‫فقل لي بربك من أين علمت أن لله ولد؟؟ أمن الكتاب‬
‫المقدس؟ فإن الكتاب المقدس يعتبر البشر جميعا أبناء الله‬
‫بمعنى أن الله هو الذي يطعمهم ويرزقهم ل أبنائه على الحقيقة]‬

‫‪177‬‬
‫ن‬‫كا َ‬ ‫ل ِإن َ‬ ‫‪ [64‬كما أطلق على أنبياء آخرين هذا الوصف]‪).[65‬قُ ْ‬
‫ض‬
‫ت َوالْر ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ن َر ّ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ن‪ُ .‬‬ ‫دي َ‬ ‫ل ال َْعاب ِ ِ‬ ‫ن وَل َد ٌ فَأ ََنا أ َوّ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬‫ِللّر ْ‬
‫ن( ثم ما حاجة الله لكي يتخذ ولدا و هو‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ما ي َ ِ‬ ‫ش عَ ّ‬ ‫َر ّ ْ‬
‫ب العَْر ِ‬
‫ما‬‫ه َ‬ ‫ه َبل ل ّ ُ‬ ‫حان َ ُ‬
‫سب ْ َ‬ ‫ه وََلدا ً ُ‬ ‫خذ َ الل ّ ُ‬ ‫الغني عن خلقه أجمعين؟)َقاُلوا ْ ات ّ َ‬
‫َ‬
‫ن( وهل هذا الولد كانت حياته‬ ‫ه َقان ُِتو َ‬ ‫ل لّ ُ‬ ‫ض كُ ّ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬
‫ِفي ال ّ‬
‫سرمدية مثل حياة الله عز وجل أم أنه حادث على هذا الكون؟‬
‫فإن كان حادثا فهو مخلوق مثله كبقية مخلوقات الله عز وجل‬
‫َ‬
‫وإل فكيف يكون مولودا وسرمديا في نفس الوقت؟)ل َوْ أَراد َ الل ّ ُ‬
‫ه‬
‫َ‬
‫حد ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ه هُوَ الل ّ ُ‬ ‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬‫شاُء ُ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫خل ُقُ َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫فى ِ‬ ‫صط َ َ‬ ‫خذ َ وََلدا ً ّل ْ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫أ ْ‬
‫قّهاُر( وهل مشيئة هذا الولد تابعة لمشيئة الرب أم أن له إرادة‬ ‫ال ْ َ‬
‫مستقلة؟ وهل النسان مأمور بعبادة الرب وحده أم الرب وما‬
‫تنسب له من ولد؟ هل تستقيم الحياة إذا عبد النسان أكثر من‬
‫إله؟‬
‫ما‬‫ش عَ ّ‬ ‫ن الل ّهِ َر ّ ْ‬ ‫سد ََتا فَ ُ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ة إ ِّل الل ّ ُ‬ ‫)ل َوْ َ‬
‫ب العَْر ِ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ما آل ِهَ ٌ‬‫ن ِفيهِ َ‬ ‫كا َ‬
‫ن( ثم هل ضاقت السبل على رب الرض والسماوات فلم‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬‫يَ ِ‬
‫يجد وسيلة لتكفير خطيئة آدم إل التضحية بولده‪-‬بفرض وجود‬
‫الولد؟ و كيف تنزه الرهبان والقساوسة عن اتخاذ الولد وتنسب‬
‫ه وَل َد ٌ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫ت َوال َْرض أ َّنى ي َ ُ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ديعُ ال ّ‬ ‫ذلك لله رب العالمين؟)ب َ ِ‬
‫ِ‬
‫م(‬ ‫يٍء ع َِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫يٍء وهُوَ ب ِك ُ ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫خل َقَ ك ُ ّ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫حب َ ٌ‬‫صا ِ‬‫ه َ‬ ‫كن ل ّ ُ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫أما قضية التثليث وهي اعتقاد أن الله إلـه واحد مكون من ثلثة‬
‫أقانيم مختلفة فهي ثالثة الثافي و اللغز المحير والمعضلة‬
‫الكبرى التي ورثها رجال الكنيسة عن أسلفهم على علتها وذلك‬
‫أن آباء الكنيسة ال َُول لم يكتفوا بنسبة الولد لرب العالمين لكنهم‬
‫أضافوا لله شريكا ثالثا هو روح القدس وجعلوا الثلثة واحدا‬
‫والواحد ثلثة‪ .‬ويبدو أن الوقت لم يسعف النصارى الوائل لكي‬
‫يضعوا تفسيًرا مقنعا لهذا فقد شغلتهم الختلفات الكثيرة وعقد‬
‫المجامع الكنسية و تكفير بعضهم بعضا واختيار الناجيل لذا فإن‬
‫علماء النصارى المعاصرين أنفسهم يعترفون بصعوبة فهم حقيقة‬
‫التثليث فيقول أحدهم‪ :‬إن الثالوث سر يصعب إدراكه وإن من‬
‫يحاول إدراك سر الثالوث كمن يحاول وضع مياه المحيط كله في‬
‫كفه]‪ [66‬ويقول القمص باسيليوس إسحق‪ " :‬أجل إن هذا‬
‫التعليم عن التثليث يفوق إدراكنا " ]‪ [67‬فهل يعقل أن تكون‬
‫الحقيقة الكبرى في هذا الكون بهذا القدر من التعقيد؟ وأين ذكر‬
‫التثليث في العهد القديم ]‪ [68‬الذي تنضح نصوصه بالتوحيد؟ هل‬
‫يمكن أن يكون التثليث حقيقة ول يأتي له ذكر على لسان أي نبي‬
‫من النبياء في الكتاب المقدس بل ولم يعلمها المسيح لتلميذه‬
‫ولم يسمع بها أحد منهم في حين ل تكاد تخلو سورة في القرآن‬

‫‪178‬‬
‫َ‬
‫ب‬‫قو َ‬ ‫حاقَ ي َعْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ل وَإ ِ ْ‬ ‫عي َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬‫م وَإ ِ ْ‬ ‫هي َ‬ ‫ن إ ِب َْرا ِ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫من التوحيد؟ )أ ْ‬
‫ل أ ََأنتم أ َع ْل َ َ‬ ‫َ‬
‫ه( فالجملة‬ ‫م أم ِ الل ّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ‬ ‫صاَرى قُ ْ‬ ‫هودا ً أوْ ن َ َ‬ ‫كاُنوا ْ ُ‬ ‫ط َ‬ ‫سَبا َ‬ ‫َوال ْ‬
‫اليتيمة التي تثبت التثليث في يوحنا)‪ (1‬ستعرف في آخر الرسالة‬
‫أنها مدرجة ولم تكن في النسخ القديمة‪ .‬ولكن على العكس‬
‫هناك نصوص تفند هذا الدعاء انظر مثل قول المسيح عليه‬
‫السلم‪):‬اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد( مرقص ‪29 :12‬‬
‫أل ترى أن هذه الجملة تعني ل إله إل الله؟ ولو كان ما يدعيه‬
‫النصارى صحيحا لقال المسيح "اسمع يا إسرائيل أنا إلهك رب‬
‫واحد وثلثة أقانيم" وإل لكان المسيح غير أمينا‪[69] .‬وأيضا هناك‬
‫قول المسيح أيضا‪):‬وهذه الحياة البدية أن يعرفوك أنت الله‬
‫الحقيقي وحدك‪ ،‬ويسوع الذي أرسلته( يوحنا ‪.3 :17‬دليل آخر‬
‫على التوحيد فهل هذه الجملة الصريحة يفهم منها عاقل أن الله‬
‫مكون من ثلثة أقانيم؟ ول عجب أل نجد في الكتاب المقدس‬
‫ذكرا لثالوث ول سادوس فإن أمر الروح القدس نفسه ظل‬
‫مشكل على القوم ثمانية قرون إلى عام ‪ 879‬م حتى عقدوا‬
‫المجمع الكنسي الثامن ليبحثوا أمره‪ .‬وما روح القدس إل ملك‬
‫من الملئكة‪ -‬وهو جبريل عليه السلم ‪ -‬أرسله الله بالوحي‬
‫للنبياء والرسل ويؤيد الله به المؤمنين‪ ،‬ونصوص العهد القديم‬
‫والجديد شاهدة في أن روح القدس حل في كثير من النبياء‪،‬‬
‫وفي الحواريين وفي غيرهم‪ ،‬و يأتي روح القدس بمعنى القوة‬
‫والنصر والتأييد ولم يرد على لسان أى نبي أن الروح القدس إله‬
‫قوُلوا ْ ع ََلى الل ّهِ إ ِل ّ‬ ‫م وَل َ ت َ ُ‬ ‫ب ل َ ت َغُْلوا ْ ِفي ِدين ِك ُ ْ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫مع الله)َيا أ َهْ َ‬
‫ها‬‫قا َ‬ ‫ه أ َل ْ َ‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫ل الل ّهِ وَك َل ِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫حقّ إ ِن ّ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ة انت َُهوا ْ‬ ‫قوُلوا ْ ث َل َث َ ٌ‬ ‫سل ِهِ وَل َ ت َ ُ‬ ‫مُنوا ْ ِبالل ّهِ وَُر ُ‬ ‫ه َفآ ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م وَُرو ٌ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫إ َِلى َ‬
‫َ‬
‫ما ِفي‬ ‫ه َ‬ ‫ه وَل َد ٌ ل ّ ُ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫ه أن ي َ ُ‬ ‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬
‫حد ٌ ُ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫ه إ َِلـ ٌ‬ ‫ما الل ّ ُ‬ ‫م إ ِن ّ َ‬ ‫خْيرا ً ل ّك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ح‬
‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫سَتنك ِ َ‬ ‫ل‪ّ .‬لن ي َ ْ‬ ‫كي ً‬ ‫فى ِبالل ّهِ وَ ِ‬ ‫ض وَك َ َ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ماَوات وَ َ‬ ‫س َ‬‫ال ّ‬
‫ن‬
‫ف عَ ْ‬ ‫سَتنك ِ ْ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫قّرُبو َ‬ ‫م َ‬‫ة ال ْ ُ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫ن ع َْبدا ً ل ّل ّهِ وَل َ ال ْ َ‬ ‫كو َ‬ ‫َأن ي َ ُ‬
‫مُلوا ْ‬ ‫َ‬
‫مُنوا ْ وَع َ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬ ‫ميعًا‪ .‬فَأ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫م إ َِليهِ َ‬ ‫شُرهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫ست َك ْب ِْر فَ َ‬ ‫عَباد َت ِهِ وَي َ ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬ ‫ضل ِهِ وَأ ّ‬ ‫من فَ ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫م وََيزيد ُ ُ‬ ‫جوَرهُ ْ‬ ‫مأ ُ‬ ‫ت فَي ُوَّفيهِ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫دو ِ‬ ‫من ُ‬ ‫ن ل َُهم ّ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ذابا ً أُليما ً وَل َ ي َ ِ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ست َك ْب َُروا ْ فَي ُعَذ ّب ُهُ ْ‬ ‫فوا ْ َوا ْ‬ ‫سَتنك َ ُ‬ ‫ا ْ‬
‫صيرًا( وأما المسيح فقد خلقه الله من أم بدون أب‬ ‫الل ّهِ وَل ِي ّا ً وَل َ ن َ ِ‬
‫كما خلق حواء من أب بدون أم ونفخ فيه من روحه كما نفخ في‬
‫آدم من روحه وأحيا له الموتى كما أحيا الموتى لنبياء عديدين‬
‫من قبل فهل نقول على آدم وحواء وهؤلء النبياء أنهم أقانيم‬
‫ضا؟ أل ترى أنه لو كان المسيح وروح القدس إلهين من دون‬ ‫أي ً‬
‫الله لكان ممكنا أن يريد كل واحد منهم شيء غير الخر؟ فمن‬
‫الذي تنفذ إرادته في هذه الحالة؟ أم أن كل منهما إلـه ناقص‬

‫‪179‬‬
‫ب‬ ‫ن إ ِل َهٍ ِإذا ً ل ّذ َهَ َ‬‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫معَ ُ‬
‫ن َ‬‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫من وَل َد ٍ وَ َ‬‫ه ِ‬ ‫خذ َ الل ّ ُ‬
‫ما ات ّ َ‬‫اللوهية؟ ) َ‬
‫ما‬‫ن الل ّهِ ع َ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬‫ض ُ‬ ‫ضه ُ ْ َ‬
‫م ع َلى ب َعْ ٍ‬ ‫خل َقَ وَل َعََل ب َعْ ُ‬‫ما َ‬ ‫ل إ ِل َهٍ ب ِ َ‬‫كُ ّ‬
‫ن( وإذا كان الثلثة هم واحد فكيف يموت أحدهم على‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬‫يَ ِ‬
‫الصليب ويبقى اثنان لم يموتا؟! المفروض إن كان الثلثة واحد‬
‫والواحد ثلثة أن يموتوا جميعا أو يحيوا جميعا‪ .‬ولكن لما كان الله‬
‫ل يموت كان يستلزم ذلك أنه لو كان هناك ‪ 3‬أقانيم أن يموت‬
‫أحدهم فقط دون الخرين وهذا يعني أن الثلثة أقانيم منفصلة‬
‫وغير متحدة وهذا ينافي عقيدة التوحيد التي جاء بها النبياء‬
‫جميعا‪ .‬فكما ترى إن عقيدة الثالثوث والصلب ل تنسجمان معا‬
‫بصورة منطقية ول يمكن أن تكون هي الحق‪.‬‬
‫إن عقلء الغرب بدأوا يدركون هذه الخدعة الكبرى فقد ظهر عام‬
‫‪ 1977‬كتاب اسمه "أسطورة تجسيد الله" ‪The Myth of God‬‬
‫‪Incarnate‬كتبه سبعة من كبار رجال اللهوت البريطانيين بما فيهم‬
‫رئيس لجنة مذهب كنيسة إنجلترا يعلنون فيه إنكار ألوهية‬
‫المسيح ويقرون ببشريته فقط‪[70].‬وقد أدلت مجلة تايم)‪27‬‬
‫فبراير ‪ (1978‬بحثا هاما اشتغلت به دوائر جامعات وكنائس‬
‫العالم الغربي وهو ظاهرة الدعوة إلى بشرية المسيح والمعارضة‬
‫للوهيته جاء فيه‪ :‬إن موجة الرفض لفكرة ألوهية المسيح أو‬
‫ازدواج طبيعته تزداد قوة وانتشارا في أوساط المفكرين‬
‫اللهوتيين سواء في الجامعات أو في الكنائس الغربية وهؤلء‬
‫الرافضون يعلقون أنه ل يوجد في النجيل ولم يثبت عن المسيح‬
‫القول بألوهيته ويؤكدون أنه عليه السلم بشر عادي‪ [71] .‬وفي‬
‫سنة ‪ 1993‬ألقي البابا يوحنا بولس الثاني خطابه الرسولي‬
‫وأشار فيه إلى النفصال المتزايد بين الكنيسة والرأي العام‬
‫النصراني وذلك لعدم تصديق النصارى للعقيدة النصرانية الحالية‬
‫كما طالب النصارى بعدم مناقشة العقيدة النصرانية والتسليم‬
‫العمى بها‪ .‬فهل يمكن أن يكلف الله البشر باليمان بعقيدة هذا‬
‫شأنها؟؟‬
‫في البدء كانت الكذبة‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وم َ‬
‫ح‬
‫م ُيو َ‬‫ي وَل َ ْ‬ ‫ي إ ِل َ ّ‬
‫ح َ‬ ‫ل أوْ ِ‬ ‫ذبا ً أوْ َقا َ‬
‫ن افْت ََرى ع ََلى الل ّهِ ك َ ِ‬ ‫م ِ‬‫م ّ‬‫م ِ‬‫ن أظ ْل َ ُ‬ ‫َ َ ْ‬
‫يٌء‬ ‫ش ْ‬ ‫إ ِل َي ْهِ َ‬
‫إذا نظرنا في تاريخ النصرانية لنعرف كيف تسربت هذه الوثنية‬
‫إليها سنرى أن أتباع المسيح عليه السلم بعد رفعه إلى السماء‬
‫ظلوا يعبدون الله الواحد الحد في الهيكل تنفيذا لتعاليم المسيح‬
‫عليه السلم‪ ] :‬إلى طريق أمم ل تمضوا وإلى مدينة للسامريين‬
‫ل تدخلوا بل اذهبوا بالحري إلى خراف بني إسرائيل الضالة [‬
‫متى ‪ 6 ،5 / 10‬ولكنهم مع اضطهاد اليهود لهم حتى ل ينازعوهم‬

‫‪180‬‬
‫السلطة الدينية داخل الهيكل تحولوا إلى عبادة الله في البيوت‬
‫الواسعة وكان الذي يقود عمليات الضطهاد ضد أتباع المسيح‬
‫رجل يهودي اسمه شاؤول من طائفة الفريسيين أشد الطوائف‬
‫اليهودية بغضا للمسيح ولكن ظل للحواريين كيانا منظما و ظلوا‬
‫متمسكين بتعاليم المسيح بأل يمضوا إلى طريق المم وظلت‬
‫دعوتهم مستمرة ثم حدث أمر غريب فقد تحول شاول فجأة من‬
‫عدو لدود ظالم إلى رسول قديس يوحى إليه!! بدون مقدمات‬
‫دخل شاؤول النصرانية ذاكرا أنه رأى نورا غامرا سمع منه صوتا‬
‫إلهيا أعطاه إنجيل ً إلهًيا بدون أن يذكر أي شهود على هذه‬
‫الحادثة!! وانتقل شاؤول فجأة من كرسي الجلد إلى كـرسي‬
‫المحامي ثم أطلق على نفسه اسم بولس ثم أصبح بعدها أهم‬
‫شخصية في تاريخ المسيحية باعتراف المؤرخين للثار والتغييرات‬
‫الكبيرة التي حدثت بسببه حتى إن المسيحية تسمى باسمه أحيانا‬
‫فيقال مسيحية بولس‪ [72] .‬ثم أخذ بولس يدعو الناس إلى ما‬
‫كان غائًبا عن تلميذ المسيح وما كان غائبا عن المسيح نفسه‬
‫طوال حياته على الرض من أمور مثل تجسيد الله وألوهية‬
‫المسيح ونظرية المخلص وعقيدة الفداء والصلب والخطيئة‬
‫الصلية والتي كانت عند المم الوثنية التي أراد بولس أن تنتشر‬
‫فيها دعوته مع اختلف السماء‪[73].‬‬
‫وهنا يحق لنا أن نسأل عدة أسئلة إذا كان بولس رسول ً له كل‬
‫هذه الهمية فلماذا لم يبشر المسيح تلميذه بنبوته؟؟ إن ذلك لم‬
‫يحدث بدليل ما جاء في أعمال الرسل‪ :‬و لما جاء شاؤول بولس‬
‫إلى أورشاليم حاول أن يلتصق بالتلميذ وكان الجميع يخافونه غير‬
‫مصدقـين أنه تلميـذ]‪ !![74‬ولماذا لم يختره المسيح ليكون من‬
‫تلميذه و يتلقى عنه مباشرة قبل أن يرفع إلى السماء؟ ولنا أن‬
‫نسأل أيضا كيف ينتقل رجل فجأة من الكفر المحض إلى النبوة‬
‫والرسالة بدون أن يمر بأي مرحلة وسيطة ولم يكن أي من‬
‫دا‬
‫النبياء السابقين كافًرا قط فضل عن أن يكون عدًوا لدو ً‬
‫للدعوة؟ ولماذا ل نجد أي نص في كتاب سماوي يدل أو يشير‬
‫إليه أو يصفه‪ ،‬فرسائله تعد شهادة منه لنفسه فهي غير مقبولة‪،‬‬
‫وكذلك ما كتب بتأثير منه؟ ولماذا لم يؤيده الله بمعجزة كما أيد‬
‫موسى عليه السلم حين كلمه وكما أيد جميع النبياء؟ وما فائدة‬
‫رسالته بعد رفع المسيح مباشرة إل إن كان المسيح لم يبلغ‬
‫رسالة ربه على الوجه الكمل حاشاه من ذلك؟ وكيف عرف‬
‫بولس فجأة بعد أن سمع الصوت أن الذي يخاطبه هو صوت‬
‫الرب وليس شيطانا؟ و لماذا لم يذهب بولس بعد تنصره مباشرة‬
‫إلى التلميذ ليتلقى عنهم دين المسيح بل ذهب إلى الجزيرة‬

‫‪181‬‬
‫العربية ]‪ [75‬ومكث بعيدا ً عن التلميذ ثلث سنين‪ ،‬ثم لقي اثنين‬
‫منهم فقط لمدة خمسة عشر يوما ً )انظر غلطية ‪(19 -1/18‬‬
‫و لو كانت هذه التغييرات التي أحدثها بولس وحيا من عند الله‬
‫ألم يكن أولى أن ينال هذا الشرف أحد تلميذ المسيح الذين‬
‫آمنوا به في حياته وصحبوه و نالهم الضطهاد في سبيل دينه من‬
‫هذا الذي كان يحارب دعوة المسيح؟ بل ألم يكن أولى أن يخبر‬
‫بها المسيح صراحة ول يدعها لشخصية يكتنفها الريبة والغموض؟‬
‫و لماذا لم يذكر بولس اسم شاهد واحد على القل على قصة‬
‫الرؤية هذه؟ ألم يقر المسيح بأن شهادته هو لنفسه وحدها ل‬
‫تكفي وإنما يلزم شهادة أخرى معه كما نصت على ذلك التوراة؟‬
‫]‪ [76‬فهل بولس أفضل أم المسيح؟؟ وماذا عن الختلفات في‬
‫قصة رؤية بولس المزعومة بين الروايات المختلفة التي تضحض‬
‫هذه الواقعة؟ ]‪.[77‬‬
‫إن للرسل علمات من أظهرها أن يكونوا في الدرجة القصوى‬
‫من حسن الخلق والسجايا الكريمة فهل تحقق هذا في بولس؟‬
‫إذا نظرت في نصوص العهد الجديد ستجد له مواقف تطفح‬
‫غرورا ونفاقا وكذبا في سبيل تحقيق أهدافه فتجده يقول‪":‬صرت‬
‫لليهود كيهودي‪ ..‬وللذين تحت الناموس كأني تحت الناموس…و‬
‫للذين بل ناموس كأني بل ناموس…صرت للكل كل‬
‫شيء")كورنثوس)‪ .21-9/20(1‬فهو يريد أن ينشر دين الله‬
‫بالكذب والطرق الملتوية وانظر إليه عندما خاف من الجند قال‬
‫لهم‪" :‬أيجوز لكم أن تجلدوا إنسانا ً رومانيًا"فذهب القائد بنفسه‬
‫إلى بولس وسأله‪" :‬أأنت حقا روماني؟" فأجاب‪" :‬نعم!" فقال‬
‫القائد‪" :‬أنا دفعت مبلغا كبيرا من المال لحصل على الجنسية‬
‫الرومانية"‪ .‬فقال بولس‪" :‬وأنا حاصل عليها بالولدة!«أعمال‬
‫‪28-22/25‬فانظر إلى هذا الكذب البواح مع أنه يهودي فريسي‬
‫ابن فريسي كما في)أعمال ‪ (6:23‬وهو يسيء الدب مع الله‬
‫قائل بل ذوق " لن جهالة الله أحكم من الناس‪ ،‬وضعف الله‬
‫أقوى من الناس")كورنثوس)‪ (1/25(1‬ويقول عن التوراة)لو كان‬
‫العهد السابق بل عيب‪ ،‬لما ظهرت الحاجة إلى عهد آخر يحل‬
‫محله( عبرانيين)‪ (8/7‬ويقول مستحل ً المحرمات‪ " :‬كل الشياء‬
‫تحل لي")كورنثوس)‪[78] (6/12(1‬بالضافة لنه جعل نفسه‬
‫ما فوق النبياء جميًعا يدين العالم كله بما‬ ‫سا معصو ً‬
‫حوارًيا بل قدي ً‬
‫فيهم الملئكة الذين جعل المسيح دونهم بقليل ]‪ [79‬انظر‬
‫عبرانيين ‪ 9/2‬و كورنثوس)‪3-6/2(1‬‬
‫ولم يكتف بولس بذلك ولكنه مل العهد الجديد بأرائه المحضة ثم‬
‫جعلها وحيا مقدسا من عند الله فتراه يقول)ِإذا ً من ُزّوج فحسنا‬

‫‪182‬‬
‫يفعل ومن ل ي َُزوج يفعل أحسن()كورنثوس)‪ (7/39 (1‬فهل هذا‬
‫يتفق مع فطرة الله التي فطر الناس عليها؟ وماذا يحدث لو‬
‫طبق جميع الناس هذه النصيحة الغبية؟ حتى رسائله الشخصية‬
‫البحتة التي ل تعني أي شيء بالنسبة للناس جعلها وحيا أيضا من‬
‫عند الله فيقول في رسالته إلى تيموثاوس "سلم على برسكا‬
‫وأكيل‪ ،‬وعائلة أونيسيفورس‪ .‬أراستس مازال في مدينة‬
‫ضا‪ .‬اجتهد‬‫كورنثوس‪ .‬أما تروفيموس‪ ،‬فقد تركته في ميليتس مري ً‬
‫أن تجيء إلي قبل حلول الشتاء‪.‬يسلم عليك إيوبولس‪ ،‬وبوديس‪،‬‬
‫ولينوس‪ ،‬وكلوديا‪ ،‬والخوة جميعا(‪ .‬فما علقة هذه السلمات‬
‫ضا في هذه‬ ‫والتحيات بوحي الله للعالمين؟ وهو ل ينسى ردائه أي ً‬
‫الرسالة فيقول( وعندما تجيء‪ ،‬أحضر معك ردائي الذي تركته‬
‫عند كاربس في ترواس‪ ،‬وكذلك كتبي‪ ،‬وبخاصة الرقوق‬
‫المخطوطة‪ (!!.‬فهل هذا كلم مقدس؟‬
‫إن المسيح عليه السلم قد بشر ببولس رسول للشيطان ل‬
‫رسول للرحمن فقال‪" :‬ل تظنوا أني جئت لنقض الناموس أو‬
‫النبياء ما جئت لنقض بل لكمل فإني الحق أقول لكم‪ :‬إلى أن‬
‫تزول السماء والرض ل يزول حرف واحد من الناموس حتى‬
‫يكون الكل‪ ،‬فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس‬
‫هكذا يدعى‪ :‬أصغر في ملكوت السماوات")متى ‪ ،(19-5/17‬و‬
‫بولس معناها "الصغير"( وهو الذي نقض وصايا المسيح ووصايا‬
‫موسى عليهما السلم التي قال عنها المسيح " إ ن أردت أن‬
‫تدخل الحياة فاحفظ الوصايا "‪ .‬متى ] ‪ [ 16 :19‬وقال أيضا " »‬
‫على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون فكل ما قالوا لكم‬
‫أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه ولكن حسب أعمالهم ل تعملوا‬
‫لنهم يقولون ول يفعلون‪ ((.‬متى ] ‪ [ 1 :23‬فقد أحل بولس‬
‫شرب الخمر ودعا إليها صراحة وأحل أكل لحم الخنزير وحلل‬
‫ذبيحة الصنم وأبطل مفهوم النجاسة و حرم الختان –مع أن‬
‫المسيح قد اختتن]‪ -[80‬وألغى تقديس يوم السبت وقال عن‬
‫الشريعة التي كان المسيح من أشد الناس تمسكا بها أنها )لم‬
‫توصل الذين كانوا يعبدون الله بحسبها ولو إلى أدنى درجات‬
‫الكمال(]‪ [81‬ثم وصل به الحال إلى أن ألغى الشريعة معلل ذلك‬
‫بكل وقاحة بأن الشريعة تجلب الغضب‪ ،‬وحيث ل تكون شريعة ل‬
‫تكون معصية ] رومية ‪ [ 15 :4‬وقال "لذا نحن ‪ -‬أي بولس‪ -‬نقرر‬
‫تبرير أعمال النسان من خلل إيمانه‪ ،‬بدون التزامه بالشريعة " ]‬
‫‪ ][82‬رومية ‪ [ 28 :3‬فجعل بولس فصل تاما بين اليمان والعمل‬
‫وجعل المطلوب من الشخص فقط كي ينجو أن يؤمن أن‬
‫المسيح مات على الصليب كفارة لخطاء البشرية ثم ل عليه بعد‬

‫‪183‬‬
‫ذلك أن يفعل ما يريد طالما آمن بالمخلص فالنجاة ستأتيه‬
‫أوتوماتيكيا!! حتى أنه أخبر أن الكافر الذي ل يؤمن بالمسيح قد‬
‫يدخل الجنة إذا كان متزوجا من امرأة مؤمنة)كورنثيوس ‪-8:7 1‬‬
‫‪[83](16‬‬
‫ول يخفى ما لهذا العتقاد من أثر في التسبب في النحلل‬
‫الخلقي و الفوضى الجتماعية‪ .‬و على عكس ذلك قال يعقوب‬
‫ل‪):‬يا إخوتي‪ ،‬هل ينفع أحدا أن‬ ‫تلميذ المسيح في رسالته‪ " :‬قائ ً‬
‫يدعي أنه مؤمن‪ ،‬وليس له أعمال تثبت ذلك‪ ،‬هل يقدر إيمان مثل‬
‫هذا أن يخلصه؟( ]‪ [14:2‬و قوله " وهذا يؤكد لك‪ ،‬أيها النسان‬
‫الغبي‪ ،‬أن اليمان الذي ل تنتج عنه أعمال هو إيمان ميت " ]‪:2‬‬
‫‪[20‬‬
‫و قد دعي بولس في الدنيا بالصغير‪ ،‬ولسوف يدعى في الخرة‬
‫أصغر جزاء تبديله للناموس والوصايا‬
‫غير أن أخطر الشروخ التي أصابت جدار المسيحية على يد‬
‫بولس على الطلق هي الوثنية المتمثلة في عقائد تجسيد الله و‬
‫صلبه وأكل لحمه ودمه في العشاء الرباني وغير ذلك مما نبت‬
‫من أفكاره الفلسفية]‪ [84‬أو معتقدات الشعوب الخرى التي أراد‬
‫للمسيحية أن تنتشر فيها‪ .‬يقول شارل جنيبر" إن الدراسة‬
‫المفـصلة لرسائل بولس الكبرى تـكشف لنا النـقاب عن مزيج‬
‫من الفكار فـيبدو لول وهـلة غريًبا حـقـا فهي مزيج من الفكار‬
‫اليـهودية ثم من المفاهـيم المنـتشرة في الوساط الوثنـية‬
‫اليونانية ومن الذكريات النجـيلية والساطير الشرقية" ]‪[85‬‬
‫ويبدو أن هم بولس الول الذي استطاع تحويل المسيحية من‬
‫دعوى قومية إلى بني إسرائيل كما كانت في عهد المسيح إلى‬
‫دعوة عالمية كان الستكثار من التباع و المؤمنين الجدد من أبناء‬
‫المم المجاورة لذا صاغ لهم من معتقداتهم القديمة دينه الجديد‬
‫الذي ل يمت للمسيح بصلة إل اسمه ويدل على ذلك التشابه‬
‫الشديد بين عقائد النصارى الحالية والعقائد الوثنية القديمة‪[86] .‬‬
‫فكما أن اللهة عند الرومان تتجسد على شكل مخلوقات وتصارع‬
‫البشر جعل بولس إلهه الجديد كذلك وكما أن البشرية في نظر‬
‫الحضارات القديمة تحتاج إلى منقذ يخلصها من اللعنة جعل‬
‫بولس ذلك في دينه الجديد ومن أمثلة ذلك ديانة )مثرا( الذي‬
‫كانوا يسمونه في أوروبا)مثرا إله الخلص( والمثراوية تحوي‬
‫ضا حتى أن بعض الباحثين‬ ‫المعمودية والعشاء الرباني]‪ [87‬أي ً‬
‫أعلن في وضوح أن النصرانية هي المثراوية في ثوبها الجديد‬
‫ولهذا قيل »لم تتنصر الروم ولكن ترّومت النصارى«‪ .‬يقـول د‪.‬‬
‫جـنيبر‪ ] :‬ورأى بولس بوضوح أيضـا أن التباع الجـدد من‬

‫‪184‬‬
‫المشركـين لم يكـونوا ليتقـبلوا كل القـبول)فـضيحـة الصليب(أنه‬
‫يجـب تفـسير ميتـة عـيسى المشيـنة تفـسيًرا مرضيـا يجـعـل‬
‫منها واقـعـة ذات مغـزى ديني عـميق‪ ..‬وأعـمل بولس فكـره في‬
‫هـذه المشكلة‪ ..‬ووضـع لها حل ً كان له صـدى بالغ المـدى‪ ..‬لقـد‬
‫تجـاهل فكـره عـيسى الناصري)المسيح عـليه السلم( ولم يتجـه‬
‫إل إلى عـيسى المصلوب)الشخـصية التي اخـترعـها بولس(‬
‫فـتصوره شخـصية إلهـية تسـبق العـالم نفـسه في الوجـود‪..‬‬
‫دا طويـل ً حتى نزل‬‫رجـل سماوي احـتفـظ به الله إلى جانبه أمـ ً‬
‫إلى الرض لينـشيء فـيها حـقـا بشـريـا جـديدة يكـون هو دمها‪[..‬‬
‫]‪[88‬‬
‫فإذا نظرنا إلى موقف تلميذ المسيح من بولس فبرغم من أن‬
‫بعضهم تقبله في البداية عمل بحسن الظن الذي علمهم إياه‬
‫المسيح إل أنهم عارضوا دعوته ووقفوا في وجهها بعد أن ظهرت‬
‫لهم بدعه المهلكة ودليل ذلك اختفاء ذكرهم عن عالم المسيحية‬
‫بعد ظهور بولس‪ ،‬فقد اختفت كتاباتهم وحوربت‪ ،‬ولم ينج منها إل‬
‫إنجيل برنابا ورسالة يعقوب المضمنة في رسائل العهد الجديد‬
‫والتي تمتلئ بمخالفة بولس وخاصة في مسألة الفداء‪.‬حتى برنابا‬
‫وهو الوحيد الذي قدم بولس إلى التلميذ نفر منه بعد ذلك‬
‫واختلف معه وتركه واختفى ذكره من العهد الجديد بعد هذه‬
‫الحادثة و لو كان بولس رسول من عند الله حقا لما تركه تلميذ‬
‫المسيح عليه السلم]‪.[89‬‬
‫وقد ظل المؤمنون من أتباع التلميذ الذين كانت لهم رسائلهم‬
‫ضا يعبدون الله على شريعة المسيح بدون أن يتأثروا‬ ‫وكتبهم أي ً‬
‫ببدع بولس وحارب الكثير منهم دعوة بولس واتهموه بأنه أفسد‬
‫الديانة المسيحية بعد أن عجز عن القضاء عليها بالسيف‬
‫والسلطان فدخل في المسيحية وأخرجها من التوحيد إلى الوثنية‪.‬‬
‫حتى بدأ تدخل السلطة وانعقاد المجامع الكنسية‪ .‬وفي ذلك يقول‬
‫الشاعر القروي السوري رشيد سليم الخوري ‪-‬المولود في أسرة‬
‫أرثوذكسية‪ " :‬إن الكنيسة ظلت حتى مطلع القرن الرابع‬
‫الميلدي تعبد الله على أنه الواحد الحد وأن يسوع المسيح عبده‬
‫ورسوله حتى تنصر قسطنطين عاهل الروم وتبعه خلق كثير من‬
‫رعاياه اليونان والرومان فأدخلوا بدعة التثليث وجعلوا لله سبحانه‬
‫دا شاركوه منذ الزل في خلق السماوات والرض‬ ‫وتعالى أندا ً‬
‫وتدبير الكوان ومالهم السقف النطاكي مكاريوس فثار زميله‬
‫السقف أريوس على هذه البدعة ثورة عنيفة شطرت الكنيسة‬
‫واتسع بين الطائفتين نطاق الجدل حتى أدى إلى القتتال وفاز‬
‫أريوس بالحجة القاطعة في المجامع بيد أن السلطة وضعت‬

‫‪185‬‬
‫ثقلها في الميزان فأسكتت صوت الحق وأنفذت صوت الباطل‬
‫واستمر المسيحيون يعمهون في ضللتهم "‪.‬‬
‫وقضية المجامع هذه أمرها عجيب‪ .‬فإزاء تعدد مذاهب النصارى‬
‫في المسيح عليه السلم وتعدد أناجيلهم كذلك التي بلغت أكثر‬
‫من خمسين إنجيل ً كما تذكر بعض الروايات تم عقد المجامع‬
‫الكنسية وأولها مجمع نقية عام ‪ 325‬م الذي اجتمع فيه أكثر من‬
‫ألف أسقف لكي يحددوا طبيعة المسيح عليه السلم ويختاروا‬
‫الناجيل المعترف بها من ضمن عشرات الناجيل وبرغم أن ‪338‬‬
‫أسقفا فقط هم من قالوا بألوهية المسيح إل أن المبراطور‬
‫الروماني قسطنطين انحاز إلى هذا الرأي –وهو القرب إلى‬
‫وثنيته‪ -‬وانفض المجمع على لعن أريوس الذي يقول بالتوحيد‬
‫ونفيه وطرد من قال برأيه وحرق كتبه واختيار أربعة أناجيل فقط‬
‫هي أناجيل يوحنا ولوقا ومتى ومرقص التي كانت تعزز عقيدة‬
‫ألوهية المسيح وحرق بقية الناجيل وقتل كل من يثبت اقتناؤه لها‬
‫وأما الرسائل السبع فلم يعترف المجمع المذكور بالكثير منها‪،‬‬
‫وإنما تم العتراف بها فيما بعد وهذا القدر من التاريخ يتفق عليه‬
‫جل المؤرخين‪ .‬وهكذا تحققت نبوءة المسيح وهي‬
‫قوله)ستطردون خارج المجامع‪ ،‬بل سيأتي وقت يظن فيه من‬
‫يقتلكم أنه يؤدي خدمة لله‪ .‬وهم يفعلون هذا بكم لنهم لم يعرفوا‬
‫أبي‪ ،‬ول عرفوني( يوحنا ‪ 2:16‬و إنا لنعجب أشد العجب من دين‬
‫يتم اختيار عقائده وكتبه بهذه الطريقة‪ ...‬هل يمكن أن يترك الله‬
‫الناس في حيرة بدون بينة واضحة أو كتاب منير فيحددوا طبيعة‬
‫إلههم وكتبهم المقدسة من خلل المؤتمرات التي تتلعب فيها‬
‫الهواء والمصالح وحب الرياسة وتقلبات السياسة بالنفوس‬
‫البشرية؟]‪[90‬أم أن الحق كان واضحا ولكن اختلف الكهنة‬
‫والعلماء وإتباع الهواء أذهب به؟ ولماذا تم رفض بقية الناجيل‬
‫برغم أن الشخاص الذين كتبوها تعتبرهم الكنيسة قديسين؟‬
‫ولماذا كانت هذه الربعة فقط هي وحي الله وما عداها ليس‬
‫وحيا؟)‪ (91‬وما الذي يضمن أن قرارات هذه المجامع هي‬
‫قرارات معصومة من الخطأ وهي التي كانت قلما كان يسلم‬
‫أعضاؤها من الختلف بل كانت تنتهي غالبا بلعن بعضهم بعضا!!‬
‫ل شك أن أي عاقل ل يقبل أن يتحدد دينه واعتقاده و هو أهم ما‬
‫لديه بهذه الطريقة‪.‬‬
‫و برغم نتيجة هذه المجامع وانحياز المبراطور الروماني لوثنية‬
‫روما في شكلها الجديد واضطهاد الدولة الرومانية لتباع أريوس‬
‫فإنه ظل من النصارى من يعبد الله وحده واستمر من عقلء‬
‫النصارى ومصلحيهم من كل جيل من يستيقظ عقله ليعلن فساد‬

‫‪186‬‬
‫مبدأ التثليث والتجسد من حين لخر فيناله ما يناله من التهام‬
‫بالهرطقة والتكفير والحرمان من دخول الجنة من الكنيسة حتى‬
‫بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فانتصر لتباع التوحيد‬
‫وأصبحوا ظاهرين من حينها و تولت أمة السلم أمر الدعوة إلى‬
‫عبادة الله وحده و ما زال يلبي هذه الدعوة إلى اليوم كل من‬
‫استمع لنداء عقله وفطرته وقلبه من علماء النصارى وعوامهم‬
‫على السواء‪[92].‬‬
‫على أن فساد النصرانية لم يقتصر في أمر اللوهية ولكن جعلت‬
‫الكنيسة لنفسها سلطة مغفرة الذنوب ودخول الجنة وجعلت‬
‫لذلك صكوكا فأقحمت نفسها بين العبد وربه و احتكرت لنفسها‬
‫حق تفسير النجيل بل وقراءته ]‪[93‬وجعلت لنفسها أسرارا ل‬
‫يجوز للناس الطلع عليها و أدخلت بدعة تقديس مريم عليها‬
‫السلم وتقديس أشخاص عاديين وبدعة القربان المقدس وادعت‬
‫عصمة البابا]‪[94‬بل صار البابا يتلقى من الرب مباشرة وجعلت‬
‫السجود للصور والتماثيل والصلبان كعباد الوثان داخل الكنائس‪-‬‬
‫وهي جمادات ل تنفع ول تضر‪[95] -‬فأصبح تعلق النصراني بتمثال‬
‫المسيح وصورته والصليب بعد أن كان بالله و وبدلت التشريعات‬
‫التي كانت سائدة أيام المسيح كالصوم وحرمت الطلق وحولت‬
‫اتجاه القبلة من بيت المقدس إلى مشرق الشمس وابتدعت‬
‫الرهبنة التي تقوم على تعذيب الجسد وأوقدت شرارة سلسلة‬
‫من الحروب الهمجية عرفت في التاريخ باسم الحروب الصليبية‬
‫و صادرت الكنيسة عقول الناس وأفكار العلماء واضطهدتهم‬
‫فأشعلت الصراع النكد مع العلم وظلت أوروبا تعيش في عصور‬
‫الظلم مئات السنين حتى نبذ أهلها الدين وضاقوا ذرعا بتسلط‬
‫الكنيسة وطغيانها فظهرت عدة ثورات وحركات إصلحية]‬
‫‪[96‬نادت بالتحرر من سلطة الكنيسة وُرِفع شعار اللدينية وحينها‬
‫فقط بدأ ما يعرف بعصر النهضة الوروبية!!‬
‫يكتبون الكتاب بأيديهم‬
‫َ‬
‫عند ِ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن ِ‬‫م ْ‬‫ذا ِ‬ ‫هـ َ‬
‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬‫م ثُ ّ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ن ال ْك َِتا َ‬
‫ب ب ِأي ْ ِ‬ ‫ن ي َك ْت ُُبو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ل ّل ّ ِ‬‫فَوَي ْ ٌ‬
‫منا ً قَِليل ً‬ ‫شت َُروا ْ ب ِهِ ث َ َ‬ ‫ل ِي َ ْ‬
‫أنزل الله على عيسى عليه السلم النجيل وقال عنه في‬
‫دى‬‫ن الت ّوَْراةِ وَهُ ً‬‫م َ‬
‫ن ي َد َي ْهِ ِ‬
‫ما ب َي ْ َ‬‫دقا ً ل ّ َ‬ ‫ص ّ‬
‫م َ‬‫دى وَُنوٌر وَ ُ‬ ‫القرآن)ِفيهِ هُ ً‬
‫ن( و هذا الكتاب المبارك هو الذي كان يسمى‬ ‫قي َ‬ ‫ة ل ّل ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫عظ َ ً‬ ‫مو ْ ِ‬‫وَ َ‬
‫بالنجيل فقط غير منسوب إلى مؤلف من البشر وقد علمه‬
‫المسيح عليه السلم لتلميذه ووردت إشارات عنه في الكتاب‬
‫المقدس ]‪[97‬إل أنه يبدو أن هذا النجيل قد تعرض للفقد مع‬
‫معظم كتابات التلميذ التي كانوا يكتبون فيها مذكراتهم و‬

‫‪187‬‬
‫تسجيلهم للحداث ووصاياهم وقد عرفت أيضا باسم الناجيل إثر‬
‫المحاولت الغاشمة من الكنيسة للقضاء عليها وحرقها وقتل‬
‫مقتنيها‪ .‬و قد بلغت هذه الكتب أكثر من خمسين إنجيل و منها‬
‫إنجيل برنابا وإنجيل الطفولة وُينسب لمتى الحواري وإنجيل‬
‫فيليب وُينسب لفيليب الحواري وإنجيل المصريين وُينسب‬
‫لمرقص الحواري و إنجيل الثنى عشر رسول و إنجيل العبرانيين‬
‫أو الناصريين و إنجيل السبعين وينسب لتلمس وإنجيل مريم‬
‫المجدلية وإنجيل الحياة وإنجيل الولدة وإنجيل التذكرة وإنجيل‬
‫مرقيون وقد تم رفض أكثر هذه الناجيل بعد مجمع نيقية وبقيت‬
‫شذرات منها في المكتبات القديمة إل أن إنجيل برنابا منها هو‬
‫الذي ذاع صيته وانتشر و ترجم إلى لغات عديدة‪ .‬وقد جاء ذكر‬
‫إنجيل برنابا في ثنايا قرارات الكنسية منذ القرن الرابع الميلدي‬
‫تحرض على منع قراءته مثل قرار البابا ديماسوس عام ‪ 366‬م‬
‫وقرار البابا جلسيوس الول الذي جلس على كرسي البابوية عام‬
‫‪ 492‬م يحرم فيه قراءة عدة كتب منها إنجيل برنابا‪.‬ويتفق‬
‫المؤرخون على أن أقدم نسخة عثروا عليها لهذا النجيل‪ ،‬نسخة‬
‫مكتوبة باللغة اليطالية‪ ،‬عثر عليها كريمر أحد مستشاري ملك‬
‫بروسيا‪ ،‬و ذلك فى سنة ‪ .1709‬و قد انتقلت النسخة مع بقية‬
‫مكتبة ذلك المستشار فى سنة ‪ 1738‬إلى البلط الملكي بفيّنا‪ .‬و‬
‫كانت تلك النسخة هى الصل لكل نسخ هذا النجيل في اللغات‬
‫التي ترجم إليها‪ .‬وبرنابا كاتب هذا النجيل هو أحد حواريي‬
‫المسيح‪ ،‬واسمه يوسف بن لوي بن إبراهيم وجاء في العهد‬
‫الجديد أنه باع حقله وجاء ووضعه عند أرجل تلميذ المسيح)انظر‬
‫أعمال ‪ ،(37 – 5/36‬عرف بصلحه وتقواه وقد ذهب برنابا‬
‫للدعوة في أنطاكية‪" ..‬ووعظ الجميع أن يثبتوا في الرب بعزم‬
‫القلب‪ ،‬لنه كان رجل ً صالحا ً وممتلئا ً في الروح القدس واليمان‪،‬‬
‫فانضم إلى الرب جمع غفير ")أعمال ‪ (24 – 11/22‬و يعتبر‬
‫إنجيل برنابا وثيقة إدانة ضد التحريف الذي أحدثه بولس الكذاب‬
‫وبابوات الكنيسة من بعده في النصرانية وشاهدا على صدق‬
‫النبي محمد صلى الله عليه وسلم إذ أنه يقر بوحدانية الله عز‬
‫وجل و ببشرية المسيح عليه السلم ويبشر برسول السلم‬
‫باسمه الصريح محمد لذا لم تعترف به الكنيسة وحرمت قراءته‬
‫ولكن يأبى الله إل أن يتم نوره فالكتاب مترجم للعربية ومتاح‬
‫للجميع]‪[98‬وهذا ل يعني أنه خالي من الخطاء فهو كأي عمل‬
‫بشري معرض لذلك لكنه أقرب الناجيل إلى الصواب‪ .‬وهذه‬
‫إحدى فقراته يبشر المسيح فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم "‬
‫فأجاب يسوع‪....‬الحق أقول لكم إن كل نبى متى جاء فإنه إنما‬

‫‪188‬‬
‫يحمل علمة رحمة الله لمة واحدة فقط‪ .‬و لذلك لم يتجاوز‬
‫كلمهم الشعب الذى أرسل إليهم‪ .‬و لكن رسول الله متى جاء‪.‬‬
‫يعطيه الله ما هو بمثابة خاتم‪ .‬فيحمل خلصا و رحمة لمم الرض‬
‫الذين َيقبلون تعليمه‪ .‬و سيأتى بقوة على الظالمين‪ .‬و يبيد عبادة‬
‫الصنام بحيث يخزى الشيطان‪ .‬لّنه هكذا وعد الله إبراهيم‬
‫طمت يا‬ ‫قائل)أنظر فإني بنسلك أبارك كل قبائل الرض و كما ح ّ‬
‫إبراهيم الصنام تحطيما هكذا سيفعل نسلك"(‪.‬‬
‫أما التوراة فلم تسلم هي الخرى من التلعب والتحريف فقد آتى‬
‫الله موسى الكتاب فيه هدى ونور ومن كل شيء موعظة‬
‫وتفصيل لكل شيء لكن أحبار السوء الذين ورثوا الكتاب كانوا‬
‫يشترون به ثمنا قليل فيخفون كثيرا من أجزائه للهروب من‬
‫أحكامه غالبا وكسب المال ويكتبون بدل منها كتبا بأيديهم ثم‬
‫يقولون هذا من عند الله حتى تحول الكتاب إلى هذه المجموعة‬
‫المشوهة أخلقيا وعلميا من السفار التي تعرف بالعهد القديم‬
‫بعضها لمؤلفين مجهولين كما ذكر مراجعو الطبعة المنقحة‬
‫‪RSV‬مثل سفر صموئيل وسفر أخبار اليام]‪[99‬والتي ل نجد بينها‬
‫ن‬‫التوراة كما كانت على عهد موسى‪ .‬وصدق الله إذ يقول)وَإ ِ ّ‬
‫فريقا ً يل ْوو َ‬
‫و‬
‫ما هُ َ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫ن ال ْك َِتا ِ‬
‫م َ‬‫سُبوه ُ ِ‬
‫ح َ‬‫ب ل ِت َ ْ‬‫سن َت َُهم ِبال ْك َِتا ِ‬
‫ن أل ْ ِ‬‫َ ُ َ‬ ‫م لَ َ ِ‬‫من ْهُ ْ‬‫ِ‬
‫هّ‬
‫عند ِ الل ِ‬ ‫ن ِ‬‫م ْ‬‫ما هُوَ ِ‬ ‫ّ‬
‫عند ِ اللهِ وَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬
‫ن هُوَ ِ‬ ‫ُ‬
‫قولو َ‬ ‫ب وَي َ ُ‬ ‫ْ‬
‫ن الك َِتا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ن( وهذا ل يمنع أن يكون‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬
‫ب وَهُ ْ‬‫ن ع ََلى الل ّهِ ال ْك َذ ِ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫وَي َ ُ‬
‫في هذه السفار أثارة من علم النبياء وبقايا من وحي السماء‪،‬‬
‫لكنها غارت في بحور من تخليط البشر وتحريفهم وسترى أمثلة‬
‫على ذلك ولذلك فإن فَِرق النصارى مختلفون في كتابهم‬
‫المقدس أشد الختلف فتجد مثل البروتوستانت ‪-‬وهم أشد الفرق‬
‫تعظيما له ولذلك سموا بالنجيليين‪ -‬ل يعترفون بسبعة أسفار من‬
‫كتاب الكاثوليك وتوجد اختلفات كثيرة في السفار المعترف بها‬
‫لديهم بين كتابهم وكتاب الكاثوليك فأي الكتابين هو الصحيح؟؟‬
‫هذا بالضافة للسفار المفقودة ومشار إليها في ثنايا العهد القديم‬
‫مثل كتاب حروب الرب المذكور في سفر العدد ‪14:21‬و كتاب‬
‫ياشر المذكور في يشوع ‪.10:13‬‬
‫و أما الناجيل المعترف بها اليوم‪ -‬وهي إنجيل مّتى‪ ،‬وإنجيل‬
‫مرقص‪ ،‬وإنجيل لوقا‪ ،‬وإنجيل يوحنا التي ضمنتها الكنيسة مع‬
‫رسائل بولس و بقايا التوراة المحرفة في كتاب واحد أسمته‬
‫الكتاب المقدس فبالرغم من أي من كتـاب هذه الناجيل لم يدع‬
‫اللهام لنفسه وإنما اعترف بعضهم بأن ما كتبه هو مجرد تسجيل‬
‫للحداث حسبما يراها هو فإن الكنيسة تصر على هذه الدعوة‬
‫ولكن ما بهذه الناجيل من أخطاء وتناقضات]‪[100‬يكشف زيف‬

‫‪189‬‬
‫هذه الدعوة بكل وضوح‪ .‬يقول روبرت كيل تسلر]‪[101‬في كتاب‬
‫حقيقة الكتاب المقدس‪ " :‬أما ما يخص العهد الجديد فإن النص‬
‫ون بين أعوام)‬ ‫الصلي ‪-‬وهو ليس لدينا كما ذكرنا من قبل ‪ -‬قد تك ّ‬
‫‪ (50‬و)‪ (200‬بعد الميلد‪ ،‬وهذه مدة كبيرة من الزمن بعد وفاة‬
‫يسوع‪ ،‬بل إن)‪ (50‬سنة لتعد أيضا ً فترة زمنية كبيرة وفي هذا‬
‫الزمن استطاعت بعض الساطير أن تجد لها طريقا ً تنتشر فيه‪،‬‬
‫في وقت لم يعد فيه شهود عيان عند تكوين معظم النصوص‬
‫الصلية وهنا يجب علينا أن نتذكر‪ :‬كم من الساطير نشأت فقط‬
‫بعد عدة سنوات بسيطة من حريق جيوفارا؟ " وإذا لم تكن‬
‫مصدقا بوجود الشاعات في الناجيل فقل لي بربك من أين‬
‫عرف المؤلفون الحداث التي تلت القبض على شبيه المسيح إذا‬
‫كان كل التلميذ قد تركوه وهربوا كما هو مذكور في متى ‪56:26‬‬
‫ومرقس ‪ 50:14‬إل عن طريق الشاعات؟‬
‫أول هذه الخطاء هي نسبة الناجيل نفسها لصحابها فهي نسبة‬
‫تعتريها الشكوك وتحوم حولها الشبهات من كل جانب‪.‬أما بالنسبة‬
‫لنجيل يوحنا فقد كتب في أواخر القرن الول الميلدي في حين‬
‫أن يوحنا الحواري كما يقول بعض المؤرخين مات مشنوقا سنة‬
‫‪44‬م على يد غريباس الول وهو كما يذكر مؤلفه مكتوب خصيصا‬
‫لثبات إلوهية المسيح فقد ظلت الناجيل نحو قرن من الزمان‬
‫ليس فيها نص على إلوهية المسيح فالساقفة اعتنقوا إلوهية‬
‫المسيح قبل وجود النص الذي يدل عليها ولما أرادوا أن يحتجوا‬
‫على خصومهم لم يجدوا مناصا من أن يلتمسوا دليل ناطقا بذلك‬
‫فكتب أحدهم أو بعضهم هذا النجيل]‪ .[102‬تقول دائرة المعارف‬
‫البريطانية‪" :‬يعتقد كثير من العلماء أن نسبة هذا النجيل إلى‬
‫يوحنا الحواري غير صحيحة"]‪ [103‬وجاء في الترجمة المسكونية‬
‫للنجيل كلم مماثل لذلك‪ .‬ولول خشية التطويل لذكرت أراء عددا‬
‫من الباحثين بأسمائهم ولكن أكتفي بذكر كلم القس فهيم عزيز‬
‫بعد طرحه لسؤال من كاتب إنجيل يوحنا‪ :‬يجيب القس فهيم‬
‫عزيز‪ " :‬هذا السؤال صعب‪ ،‬والجواب عنه يتطلب دراسة واسعة‬
‫غالبا ً ما تنتهي بالعبارة‪ :‬ل يعلم إل الله وحده من الذي كتب هذا‬
‫النجيل "‪ .‬وهذه شهادة من أهلها ل تحتاج معها لشهادة أخرى‪.‬‬
‫أما إنجيل متى فقد جاء في مقدمة الرهبانية اليسوعية لنجيل‬
‫متى‪ " :‬أما المؤّلف‪ ،‬فالنجيل ل يذكر عنه شيئا ً وأقدم تقليد‬
‫كنسي ينسبه إلى الرسول متى‪ ..‬ولكن البحث في النجيل ل‬
‫يثبت ذلك الرأي أو يبطله على وجه حاسم‪ ،‬فلما كنا ل نعرف‬
‫اسم المؤلف معرفة دقيقة يحسن بنا أن نكتفي ببعض الملمح‬
‫المرسومة في النجيل نفسه‪." ...‬‬

‫‪190‬‬
‫أما مرقس ولوقا فلم يكونا من تلميذ المسيح عليه السلم يقول‬
‫المفسر دنيس نينهام مفسر مرقس‪ " :‬لم يوجد أحد بهذا السم‬
‫عرف أنه كان على صلة وثيقة‪ ،‬وعلقة خاصة بيسوع‪ ،‬أو كانت له‬
‫شهرة خاصة في الكنيسة الولى "‪ .‬وقال بطرس قرماج في‬
‫كتابه " مروج الخبار في تراجم البرار " عن مرقس‪" :‬كان ينكر‬
‫ألوهية المسيح "‪ .‬وأما لوقا فقد كفانا عناء البحث في أقوال‬
‫المؤرخين إذ يقول بنفسه في مقدمة إنجيله " إذ كان كثيرون قد‬
‫أخذوا بتأليف قصة في المور المتيقنة عندنا‪ ،‬كما سلمها إلينا‬
‫الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداما ً للكلمة‬
‫رأيت أنا أيضا ً ‪ -‬إذ قد تتبعت كل شيء من الول بتدقيق ‪ -‬أن‬
‫أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس‪ ،‬لتعرف صحة الكلم‬
‫ت به " فالذين كانوا في البدء هم التلميذ و هو يعلن‬ ‫الذي عّلم َ‬
‫أنه لم يكن معهم‪[104] .‬‬
‫أما عن النسخ الصلية التي كتبت منها هذه الناجيل فيقول‬
‫موريس نورن في " دائرة المعارف البريطانية "‪ " :‬إن أقدم‬
‫نسخة من الناجيل الرسمية الحالية كتب في القرن الخامس بعد‬
‫المسيح‪ ،‬أما الزمان الممتد بين الحواريين والقرن الخامس فلم‬
‫يخلف لنا نسخة من هذه الناجيل الربعة الرسمية‪ ،‬وفضل ً عن‬
‫استحداثها وقرب عهد وجودها منا‪ ،‬فقد حرفت هي نفسها تحريفا ً‬
‫ذا بال‪ ،‬خصوصا ً منها إنجيل مرقس وإنجيل يوحنا" وهذا يعني أن‬
‫هذه الناجيل منقطعة السند]‪[105‬فضل عن أن هذه النسخ‬
‫القديمة ليست باللغة الصلية التي كتبت بها الناجيل ول ُيعلم من‬
‫ترجمها ول متى ترجمت!! ول توجد أي طريقة علمية لثبات أن‬
‫هذه النسخ هي نفسها التي كانت موجودة في القرنين الول‬
‫والثاني الميلدي إل المقارنة بين عدة نسخ من هذه المخطوطات‬
‫لنفس النجيل ل تعتمد على بعضها البعض وحينها لن تكون‬
‫المقارنة بالتأكيد في صالح الكتاب المقدس!! حتى عملية النسخ‬
‫نفسها قبل اختراع الطباعة ل يمكن التسليم بدقتها نظرا لنه لم‬
‫يكن محفوظا عن ظهر قلب في صدور الرجال كالقرآن ولتغير‬
‫اللغة ومعاني الكلمات عبر القرون المتطاولة فضل عن أن‬
‫اللغات مختلفة في ثرائها اللغوي عن بعض وقد توجد كلمات في‬
‫لغة ل يوجد نظير لها في لغة أخرى لذا ل يمكن التسليم بالدقة‬
‫الكاملة لمن ترجم كلم المسيح مثل من الرامية ثم إلى اليونانية‬
‫ثم إلى اللتينية والعربية وأي ادعاء بأن الكتاب الحالي هو كتاب‬
‫مقدس يلزم أن يكون جميع المترجمين الذين ترجموه قديسين‬
‫أو موحي إليهم من الروح القدس فهل تضمن الكنيسة ذلك؟ ]‬
‫‪[106‬‬

‫‪191‬‬
‫لكن حدث اكتشافان أثريان هامان في أواسط القرن العشرين‬
‫قد يؤديان لحدوث انقلب في النظرة للكتاب المقدس والعقيدة‬
‫النصرانية من أساسها‪ .‬الول هو مخطوطات كثيرة ترجع للقرن‬
‫الول الميلدي]‪[107‬أو قبله تخص جماعات مسيحية موحدة‬
‫عاشت في هذه الفترة عثر عليها أحد البدو صدفة داخل أوان من‬
‫الفخار في كهوف قمران بجوار البحر الميت عام ‪ 1947‬لذا هي‬
‫تعرف بمخطوطات البحر الميت))‪ .Dead Sea Scrolls‬هذه‬
‫المخطوطات كتب عنها الدكتور ف‪ .‬البراين و هو عمدة في علم‬
‫آثار النجيل‪ " :‬إنه ل يوجد أدني شكل في العالم حول صحة هذا‬
‫المخطوط و سوف تعمل هذه الوراق ثورة في فكرتنا عن‬
‫المسيحية‪ ،‬و قال عنها القس)أ‪ .‬باول ديفيز( في كتابه عن‬
‫مخطوطات البحر الميت]‪)[108‬إن مخطوطات البحر الميت و‬
‫هي من أعظم الكتشافات أهمية منذ قرون عديدة‪ ،‬قد تغير‬
‫الفهم التقليدي للنجيل(‪ .‬ويعتقد كثير من العلماء أن هذه‬
‫المجموعة التي كتبت المخطوطات هي من السينيين ويعتقد‬
‫آخرون أنهم من البيونيين الذين كانوا يعتقدون بوحدانية الله‬
‫وبشرية المسيح عليه السلم و تنكروا لبولس الكذاب و قد‬
‫اضطهدهم الرومان‪ .‬وتتحدث الوثائق صراحة عن التنبؤ بمسيحين‬
‫سوف يرسلهما الله للعالم أحدهما سيكون من نسل هارون‬
‫وإسرائيل)يعقوب( عليهما السلم و ستكون مهمته محصورة في‬
‫التوجيه الديني)‪ (priestly messiah‬ويسميه أتباعه بمعلم البر والتقوى)‬
‫‪ (Teacher of Righteousness‬ولكن أحد الكهنة وهو الكاهن الشرير‬
‫‪ Wicked)(Priest‬سوف يخونه من أجل المال ويحاول تسليمه لعدائه‬
‫لكن الله يعاقبه هو بأن يسلمه إليهم و يجعلهم يقتلونه وتتحدث‬
‫أيضا المخطوطات عن الكذاب)‪[Man of lies)[109‬الذي لوث اسم‬
‫المعلم واحتقر التعاليم وأضل الكثيرين وواضح أن معلم البر‬
‫والتقوى هو المسيح عليه السلم والكاهن الخائن هو يهوذا الذي‬
‫دل الرومان على مكانه فمكر الله به وألقى عليه شبه المسيح‬
‫وأما الكذاب فهو بولس الذي لوث اسم المسيح ونسب إليه ما‬
‫لم يقله وأضل المليين من بعده‪ .‬وأما المسيح الخر الذي تتحدث‬
‫عنه المخطوطات فهو الذي سوف تشرق شمسه على كل العالم‬
‫لتبدد الظلمات وسوف تكون كلماته كوحي السماء وسوف يحكم‬
‫سيفه على جميع العالم وسوف ُيرسل لجميع أبناء عصره و يمحو‬
‫الجيل الذي بعث فيه الشر من العالم وسوف يختلق الناس‬
‫الكاذيب عنه]‪ [110‬وقد وردت له ولصحابه صفات كثيرة في‬
‫هذه المخطوطات تنطبق على النبي محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫وأصحابه ويمكنك أن تقرأ في هذه المخطوطات بنفسك فهي‬

‫‪192‬‬
‫موجودة في العديد من المكتبات العامة ومترجمة للعربية‬
‫والنجليزية وموجود فصول منها على النترنت‪.‬‬
‫وأما الكتشاف الثاني فهو مكتبة كاملة من الكتابات المسيحية‬
‫القديمة عثر عليها في نجع حمادي ‪((Nag Hammadi Library‬بمصر وهي‬
‫موجودة الن بالمتحف القبطي في القاهرة و من ضمن محتويات‬
‫هذه المكتبة إنجيل توماس)توما( وهو يحوي سردا لقوال المسيح‬
‫عليه السلم وإنجيل فيليب وإنجيل الحق وإنجيل المصريين‪ ،‬إلى‬
‫جانب بعض كتابات منسوبة للحواريين‪ ،‬مثل كتاب جيمس‪-‬‬
‫يحمس في المصرية‪ -‬و بعكس الناجيل الربعة المعروفة فلم يرد‬
‫أي ذكر لقصة الصلب المزعومة في مكتبة نجع حمادي بل ورد‬
‫تكذيب صريح لها‪ .‬و محتويات هذه المكتبة أيضا مترجمة ومتاحة‬
‫للباحثين ومن أمثلة ما ورد في إنجيل بطرس على لسان‬
‫بطرس)رأيته يبدو وكأنهم يمسكون به فقلت ما هذا الذي أراه يا‬
‫سيد هل هو أنت حقا من يأخذون؟ أم أنهم يدقون قدمي ويدي‬
‫شخص آخر قال لي)المخلص( من يدقون المسامير في يديه‬
‫ي شبهه في العار‬ ‫وقدميه هو البديل فهم يضعون الذي بقي ف ّ‬
‫ى( وتدل الرسومات الموجودة على أغلفة‬ ‫انظر إليه وانظر إل ّ‬
‫مجلدات هذه المكتبة على أن المسيحيين الوائل في مصر كانوا‬
‫يتخذون مفتاح الحياة الذي يرمز لخلود الروح عند المصريين‬
‫القدماء كرمز للمسيح عليه السلم وليس الصليب الروماني‬
‫المعروف الن و من يذهب إلى المتحف القبطي في القاهرة يجد‬
‫أن مفتاح الحياة هو الصليب الوحيد الذي يرمز لقيامة المسيح‬
‫خلل القرون الثلثة الولى للميلد‪ .‬ولم تستخدم الكنائس‬
‫المسيحية الصليب الروماني إل منذ النصف الثاني من القرن‬
‫الرابع عندما أصبحت كنيسة روما مسيطرة على الحركة‬
‫المسيحية‪ ،‬ومع هذا فإن ذلك الصليب لم يصبح مقبول لدى عامة‬
‫المسيحيين إل بعد أن أعلنت الكنيسة الرومانية عن العثور في‬
‫مدينة القدس على ما قيل إنه الصليب الخشبي الذي مات عليه‬
‫يسوع‪ .‬ثم تطور المر بعد ذلك‪ -‬خلل القرن الخامس‪ -‬عندما‬
‫وضعت الكنيسة الرومانية صور لجسد المسيح على الصليب‬
‫الخشبي‪[111].‬‬
‫إذا عدنا إلى الكتاب المقدس الموجود بين أيدي الناس اليوم‬
‫‪-‬على اختلف نسخه ‪ -‬وأخذنا ننظر في متنه وجدنا عجًبا بدًءا من‬
‫التناقضات الصارخة بين رواية مؤلفي هذا الكتاب للحداث و‬
‫القصص الخيالية التي نسجت عن المسيح بل عن الله عز وجل‬
‫التي ل يمكن أن يقبلها عقل و الكلم الفاحش الذي يتناول‬
‫الجنس و النساء بصورة خارجة عن الحياء ونسبة جميع الخطايا‬

‫‪193‬‬
‫للنبياء بدءا من شرب الخمر والسرقة حتى الزنا والكفر بالله عز‬
‫وجل مما أدى لظهور علم كامل في الغرب يعرف بعلم نقد‬
‫الكتاب المقدس]‪[112‬يعتمد على إجراء البحوث العصرية و‬
‫المقارنة بين النسخ والمخطوطات الموجودة لمعرفة الخطاء‬
‫الموجودة في هذا الكتاب والتي أوصلها بعضهم إلى ما يزيد عن‬
‫‪ 20‬ألف خطأ!! ]‪[113‬‬
‫وإذا أردت أمثلة فأول هذه الختلفات التي تلفت النظر هي‬
‫التباين الصارخ في سلسلة نسب المسيح بين إنجيلي متى ولوقا‬
‫فهما مختلفان اختلفا يصعب الجمع بينهما سواء في عدد أجداد‬
‫المسيح أو في أسمائهم ومثال ذلك عندما وصلت السلسلة إلى‬
‫داود عليه السلم جعل متى المسيح من ولد سليمان الملك بينما‬
‫جعله لوقا من ولد ناثان بن داود وهما أخوان ول يعقل أن يكون‬
‫المسيح من ذرية أخوين!! ثم إذا تأملت في سلسلة متى ستجد‬
‫أنه ذكر للمسيح أربع جدات هن ثامار وراحاب وراعوث و وزوجة‬
‫داود التي كانت لوريا الحثي و لكل واحدة من هؤلء الربع سوءة‬
‫تذكرها التوراة‪ ،‬فأما ثامار فهي التي ولدت فارص‪-‬وهو مذكور‬
‫ضمن أجداد المسيح‪ -‬زنا من والد أزواجها الذين تعاقبوا عليها‬
‫واحدا ً بعد واحد‪).‬انظر قصتها مع يهوذا في التكوين ‪.(30 - 38/2‬‬
‫وأما زوجة أوريا الحثي فهي التي تتهم التوراة ‪ -‬زورا ً ‪ -‬داود بأنه‬
‫فجر بها‪ ،‬فحملت‪ ،‬ثم دفع داود بزوجها إلى الموت‪ ،‬وتزوجها بعد‬
‫وفاته‪).‬انظر القصة الكاذبة في صموئيل)‪ .(4 - 11/1 (2‬وأما‬
‫راحاب زوجة سلمون‪ ،‬وأم بوعز‪ ،‬وكلهما من أجداد المسيح ‪-‬‬
‫حسب متى ‪ ،-‬فراحاب هي التي قال عنها يشوع‪" :‬امرأة زانية‬
‫اسمها راحاب ")يشوع ‪ ،(2/1‬وذكر قصة زناها في سفره‪ .‬وأما‬
‫راعوث فهي راعوث المؤابية والتوراة تقول‪ " :‬ل يدخل عموي ول‬
‫مؤابي في جماعة الرب‪ ،‬حتى الجيل العاشر ")التثنية ‪.(3 / 23‬‬
‫ولحسن الحظ هذه المرة فإن المسيح ليس داخل ً في هذا الطرد‬
‫من جماعة الرب‪ ،‬إذ هو الجيل الثاني والثلثون لها]‪ .[114‬فهل‬
‫يعقل أن يكون المسيح عليه السلم ولد زنا؟؟! إن اعتقاد بطلن‬
‫هذه القصص الكاذبة أهون بكثير من اعتقاد أن أجداد المسيح‬
‫زناة‪ .‬لكن الدهى من ذلك وأمّر هو أن كل من النجيلين بدل من‬
‫أن ينسب المسيح إلى مريم عليها السلم نسبه إلى يوسف‬
‫النجار!! أي أن هذه السلسلسة الطويلة من النسب هم أباء‬
‫وأجداد يوسف النجار وليسوا أباء المسيح فما هي علقة المسيح‬
‫بيوسف النجار؟؟ ترى هل خاف كاتبا النجيل من اليهود فنسبا‬
‫إلى مريم ما كان اليهود يرمونها به زورا وبهتانا فجعلوا المسيح‬
‫من ذرية يوسف النجار؟؟‬

‫‪194‬‬
‫و ل يقف التناقض بين الناجيل عند نسب المسيح ولكن‬
‫الختلفات بينها تشمل أسماء تلميذ المسيح الثنى عشر إذ يقدم‬
‫العهد الجديد أربع قوائم للتلميذ الثني عشر تختلف كل واحدة‬
‫عن الخرى في متى)‪ ،(4 - 10/1‬ومرقس)‪ ،(3/16‬لوقا)‪(6/14‬‬
‫وأعمال)‪ .(1/13‬وكذا تشمل الختلفات رواية أحداث كثيرة تروى‬
‫عن المسيح بل وتجد التناقض على لسان المسيح نفسه فمثل‬
‫تجد في متى)‪ (14 :11‬المسيح يقول عن يحيى أنه إيلي وفي‬
‫يوحنا)‪)28-19 :1‬يحيى ينكر أنه إيليا و في إنجيل متى ‪-18 :16‬‬
‫‪ 19‬سمى المسيح سمعان بطرس وأعطاه مفاتيح ملكوت‬
‫ً‬
‫السموات وقال له كل ما تربطه على الرض يكون مربوطا في‬
‫السماوات‪ ،‬وكل ما تحله على الرض يكون محلول ً في السماوات‬
‫بينما في نفس الصفحة قال له " اذهب عني يا شيطان‪.‬أنت‬
‫معثرة لي"‪ 23 :16‬ويذكر يوحنا أن المسيح قضى ثلثة أعياد‬
‫فصح في نبوته بينما تذكر الناجيل الثلثة الخرى أن المسيح‬
‫مارس النبوة عاما واحدا …إلى غير ذلك من عشرات بل مئات‬
‫الختلفات الصارخة في نصوص العهد القديم والجديد على‬
‫السواء مثل التناقضات بين روايات حادثة الصلب المشار إليها‬
‫آنفا فهل يا ترى يوحي الله بكلم يناقض بعضه بعضا؟ حاشاه‬
‫وكل‪ .‬إذا لبد أن هذه الروايات هي من كلم بشر يخطئون‬
‫ويصيبون ويتعصبون ويتقلبون وأما أن يأتوا بكلم مقدس من عند‬
‫أنفسهم فهذا ما ل يستطيعون! كل هذه التناقضات دعت الب‬
‫كاننجسير ‪Kannengiesser‬أستاذ معهد باريس الكاثوليكي في كتابه‬
‫اليمان بالقيامة وقيامة اليمان]‪[115‬أن يقول ما معناه‪ " :‬ل‬
‫ينبغي اعتبار روايات الناجيل حقائق لنها نصوص مكتوبة تبعا‬
‫للمناسبة أو نتيجة نضال جماعات متصارعة تسعى كل منها لنفاذ‬
‫نظرتها " وذكر الب روجيت ‪ Roguet‬من باريس أيضا في كتابه‬
‫مقدمة للناجيل كلما مثل هذا ]‪[116‬و أما عن النبؤات الكاذبة‬
‫التي لم يحدث أي منها إلى الن فلم يبخل مؤلفو العهد الجديد‬
‫بها ومن أظهرها نبوءة المسيح في)متى ‪ (34-24:29‬بأن القيامة‬
‫ستحدث في حياة الجيل الذي كان معه وقد مضى أكثر من‬
‫أربعين جيل ولم تقم القيامة!!‬
‫وأما عن نسبة النقائص لله عز وجل فالكتاب المقدس قد صور‬
‫الرب تبارك وتعالى بصورا ً ل تليق أبدا ً بجلله سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫ووصفه بأقبح الصفات‪ .‬فمثل تجد في سفر صموئيل الثاني ] ‪:22‬‬
‫‪ [ 9‬أن الرب له أنف يخرج منه دخان وله فم يخرج منه نار)كتنين‬
‫ضخم( يقول كاتب السفر‪):‬عندئذ ارتجت الرض وتزلزلت‪.‬‬
‫ارتجفت أساسات السماوات واهتزت لن الرب غضب‪ .‬نفث أنفه‬

‫‪195‬‬
‫دخانا‪ ،‬و نار آكلة من فمه‪ ،‬جمر اشتعلت منه‪ (..‬بينما يجعل‬
‫صاحب سفر ناحوم ] ‪[ 3 :1‬السحاب غبار رجل الله!!!‬
‫يقول)طريق الرب في الزوبعة والعاصفة‪ ،‬والغمام غبار قدميه(‬
‫أما صاحب سفر العدد فإنه يصف الرب بأنه)يجثم كأسد‪ ،‬ويربض‬
‫كلبوة‪ !![ 9 :24 ] (.‬و ل يختلف مؤلف المزمور كثيرا عن أصحابه‬
‫فإنه شبه الرب تبارك وتعالى بأنه ينام ويسكر ويصرخ عاليا ً من‬
‫شدة الخمر فيقول في ] ‪))[ 65 :78‬فاستيقظ الرب كنائم كجبار‬
‫معيط من الخمر يصرخ عاليا ً من الخمر(()تعالى الله عما‬
‫يصفون( إلى غير ذلك من نصوص العهد القديم التي تجعل الرب‬
‫يصارع النسان بل وُيهزم ويتعب وينسى ويغار و يبكي و يحزن‬
‫ويندم لنه خلق النسان ‪ -‬التكوين ] ‪ [ 5 :6‬و أما في العهد‬
‫الجديد فإن صاحب سفر رؤيا يوحنا يجعل الله في صورة خروف‬
‫له سبعة قرون وسبع أعين)هؤلء سيحاربون الخروف والخروف‬
‫ب الرباب وملك الملوك ] ‪ !!([ 14 :17‬ويتحدث‬ ‫يغلبهم لنه ر ّ‬
‫العهد الجديد أيضا بسوء أدب عن الله قائل "الروح يفحص كل‬
‫شيء حتى أعماق الله")كورنثوس)‪ .(2/10 (1‬وينسب الكتاب‬
‫المقدس لله المر بالزنا والسرقة فأول ما يبدأ به هوشع سفره‬
‫ل‪ :‬اذهب خذ لنفسك امرأة‬ ‫يقول‪ ":‬أول ما كلم الرب هوشع قائ ً‬
‫زانية وأولد زنى لن الرض قد زنت زنى" فهل يعقل أن يكون‬
‫هذا الكلم وحي من عند الله؟ أما المسيح عليه السلم فلم‬
‫يسلم أيضا من سوء أدب مؤلفي العهد الجديد المجهولين ولم‬
‫يقف الفتراء إلى جعل المسيح من ذرية زناة ولكنهم ذكروا أن‬
‫الشيطان قد أخذ المسيح عليه السلم لكي يختبره وصعد به فوق‬
‫قمة جبل‪)-‬متى ‪ !!(15-1:1‬فهل يمكن أن يكون المسيح نبيا ثم‬
‫يكون للشيطان سلطان عليه؟]‪[117‬فماذا لو كان إلها أو ابنا‬
‫للله؟!! كما اتهموا المسيح أيضا بشرب الخمر‪-‬وهو ما يخالف‬
‫تعاليم التوراة‪ -‬في قوله لليهود‪" :‬جاء ابن النسان يأكل ويشرب‪.‬‬
‫فيقولون‪ :‬هوذا إنسان أكول وشريب خمر‪ ،‬محب للعشارين‬
‫والخطاة")متى ‪ .(11/9‬و اتهموه بقسوة القلب فينقل لوقا عن‬
‫المسيح أمرا ً غريبا ً قاله للجموع التي تتبعه‪ " :‬إن كان أحد يأتي‬
‫إلي‪ ،‬ول يبغض أباه وأمه وأولده وإخوانه حتى نفسه أيضا ً فل‬
‫يقدر أن يكون تلميذا ً ")لوقا ‪ (27 - 14/26‬وتبع رجل المسيح ثم‬
‫جاءه يستأذنه ليدفن أباه‪ ،‬فيذكر متى أن المسيح نهاه وقال‪" :‬‬
‫اتبعني‪ .‬ودع الموتى يدفنون موتاهم ")متى ‪ ،(8/22‬واستأذنه‬
‫تلميذ آخر في وداع أهله‪ ،‬فلم يأذن له)لوقا ‪ (62-9/61‬وجعلوه‬
‫يتبرم من قضاء حوائج الناس فتقرأ في متى" تقدم إليه رجل‬
‫ل‪ :‬يا سيد ارحم ابني‪ ،‬فإنه يصرع ويتألم شديدًا‪،‬‬‫جاثيا ً له‪ ،‬وقائ ً‬

‫‪196‬‬
‫ويقع كثيرا ً في النار‪ ،‬وكثيرا ً في الماء‪ .‬وأحضرته إلى تلميذك‪،‬‬
‫فلم يقدروا أن يشفوه‪ .‬فأجاب يسوع‪ ،‬وقال‪ :‬أيها الجيل غير‬
‫المؤمن الملتوي‪ .‬إلى متى أكون معكم‪ .‬إلى متى احتملكم‪.‬‬
‫ي ههنا‪).‬متى ‪ ،(16-17/14‬وقصة مثلها في)متى ‪/ 15‬‬ ‫قدموه إل ّ‬
‫‪ .(28 - 22‬ونسبوا إليه اتهام النبياء قبله بأنهم سراق ولصوص‬
‫في قوله‪ ":‬جميع الذين أتوا قبلي هم سراق ولصوص‪ .‬ولكن‬
‫الخراف لم تسمع لهم" )يوحنا ‪ -..(12-10/7‬وقد طال السباب‬
‫المنسوب للمسيح تلميذه وخاصته‪ ،‬فقد قال لتلميذيه اللذين لم‬
‫يعرفاه‪ " :‬أيها الغبيان والبطيئا القلوب في اليمان بجميع ما تكلم‬
‫به النبياء")لوقا ‪ ،(24/25‬ومن عجائب العهد الجديد أنه يعتبر‬
‫المسيح ملعونا ً فيقول‪" :‬المسيح افتدانا من لعنة الناموس‪ ،‬إذ‬
‫صار لعنة لجلنا‪ ،‬لنه مكتوب‪ :‬ملعون كل من عّلق على‬
‫خشبة")غلطية ‪ ،(3/12‬ول تقف البذاءة عند ذلك فلم تسلم‬
‫أعراض النبياء السابقين أيضا من التهم الشنيعة والجرائم‬
‫البشعة‪ .‬فقد جعل العهد القديم نبي الله نوح عليه السلم يشرب‬
‫الخمر ويسكر ويتعرى!! سفر التكوين ] ‪ [ 20 :9‬ونبي الله لوط‬
‫يزني بابنتيه!! سفر التكوين ] ‪ .[ 30 :19‬نبي الله داود يزني‬
‫بزوجة جاره ويدبر مؤامرة دنيئة ضده اغتاله فيها!!!سفر صموئيل‬
‫الثاني ] ‪ [ 2 :11‬نبي الله هارون يكفر ويدعو اليهود إلى عبادة‬
‫العجل!!وهذا في سفر الخروج ] ‪ [2 :32‬ونبي الله سليمان‬
‫يخالف وصايا الرب ويتزوج من نساء المم اللتي يغوين قلبه‬
‫للهتهن فيكفر في أواخر حياته ويعبد الوثان!! سفر الملوك‬
‫الول ] ‪ [1 :11‬فهل هؤلء الذين اصطفاهم الله على خلقه‬
‫وشرفهم لحمل رسالته يمكن أن يكونوا كذلك؟ هل يمكن أن‬
‫مرَِنا‬ ‫َ‬ ‫يكون كذلك من قال عنهم القرآن )وجعل ْناهُ َ‬
‫ن ب ِأ ْ‬
‫دو َ‬‫ة ي َهْ ُ‬
‫م ً‬
‫م أئ ِ ّ‬
‫َ َ َ َ ْ‬
‫كاُنوا ل ََنا‬ ‫َ‬
‫كاةِ وَ َ‬
‫صلةِ وَِإيَتاَء الّز َ‬ ‫ت وَإ َِقا َ‬
‫م ال ّ‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫م فِعْ َ‬
‫ل ال َ‬ ‫وَأوْ َ‬
‫ن(؟؟وهل يعقل أن يرتكب النبياء الذين اختارهم الله هذه‬ ‫دي َ‬ ‫عاب ِ ِ‬‫َ‬
‫الفواحش ويكون البابوات الذين تختارهم الكنيسة معصومين؟‬
‫ما رموا مريم العذراء عليها السلم بالزنا‬ ‫وهل يمكن أن نأمن قو ً‬
‫وهي تحيا بينهم على أعراض أنبياء ماتوا من مئات السنين؟؟‬
‫وكأي كتاب قليل البضاعة فقير المحتوى يراد له أن يروج بين‬
‫العامة ويحقق أعلى الرباح فيطعمه مؤلفه ببعض الكلم الجنسي‬
‫الذي يخاطب في النسان غريزته ل عقله أو كأي مجلة لم تعد‬
‫تجد ما تجذب به قارئها إل أن تصدر صفحاتها بصور فاضحة قام‬
‫مؤلفو العهد القديم بوضع السفر سيء السمعة الذي طالما‬
‫أحرج الكنيسة بمحاولة تفسيره وتبرير وجوده في كتاب يفترض‬
‫أن يكون مقدسا وهو سفر نشيد النشاد‪ .‬هذا السفر الذي لم يكد‬

‫‪197‬‬
‫يترك جزءا من جسد المرأة إل وتغزل به وشبب به يدعي‬
‫أصحاب الكتاب المقدس أن الله أوحاه إلى نبيه سليمان فمثل‬
‫في إنشاد)‪ (4-7/1‬تقرأ‪ " :‬ما أجمل رجليك بالنعلين يا بنت‬
‫الكريم! دوائر فخذيك مثل الحلي صنعة يدي صناع‪ .‬سرتك كأس‬
‫مدورة ل يعوزها شراب ممزوج‪ .‬بطنك صبرة حنطة مسيجة‬
‫بالسوسن‪ .‬ثدياك كخشفتين توأمي ظبية‪ " .‬فهل يمكن أن يكون‬
‫هذا الكلم الذي يستحي الرجل أن ُيقرئه أبناءه وحيا من عند‬
‫الله؟؟]‪[118‬هذا بخلف قصص الزواني والعاهرات وزنا المحارم‬
‫والعري والخيانة التي يحفل بها الكتاب المقدس ولول خشية‬
‫الطالة وتدنيس صفحات هذه الرسالة لنقلت لك ما يندى له‬
‫الجبين من ذلك ولكن هذه بعض الشارات ويمكنك أن ترجع إليها‬
‫بنفسك حزقيال ] ‪ , [ 19 :23‬حزقيال ] ‪ , [ 35 :16‬هوشع ] ‪:1‬‬
‫‪ , [ 2‬صموئيل الثاني ] ‪ , [ 11 :12‬إشعياء ] ‪ ،, [ 2 :20‬اشعيا ]‬
‫‪ , [ 16 :3‬القضاة ] ‪ , [ 1 :16‬راعوث ] ‪ , [ 4 :3‬لملوك الول ]‬
‫‪ , [ 3 ،1 :1‬التكوين ] ‪ , [ 13 :38‬حزقيال ] ‪.[ 1 :23‬‬
‫أما عن الخطاء العلمية والتاريخية في الكتاب المقدس)إن كنت‬
‫ما زلت تعتقد أنه مقدس( فحدث ول حرج‪ .‬فيذكر سفر التكوين‬
‫مثل مرة أن الله خلق النباتات والحيوانات أول ً ثم خلق النسان‬
‫بعد ذلك التكوين)‪ (27 - 20 :1‬ومرة أخرى أن الله قد خلق‬
‫النسان أول ً ثم خلق الشجار والحيوانات‪ .‬التكوين)‪(19 ،7 :2‬‬
‫وهذا الخطأ يعرفه علماء اللهوت‪ .‬ويذكر العهد القديم أيضا أن‬
‫ولدة إبراهيم كانت في القرن العشرين من بداية الوجود‬
‫النساني وبالتحديد في عام ‪ 1948‬من بداية الخليقة و بتقدير‬
‫الفترة بين إبراهيم و عيسى عليهما السلم من نصوص العهد‬
‫القديم سنجد أن عمر البشرية على ظهر الرض لم يتجاوز ‪6‬‬
‫ألف سنة فقط!! في حين أن هذا بخلف المسلم به من أن‬
‫حضارات قامت قبل ‪ 5‬ألف سنة من الميلد حيث عثر على‬
‫مصنوعات بشرية تعود لكثر من خمسة آلف سنة قبل الميلد‪.‬‬
‫وعثرت بعثة جامعة القاهرة على آثار بشرية في منطقة الفيوم‬
‫ترجع لعشرات اللف من السنين‪ .‬وتذكر دائرة المعارف‬
‫البريطانية أن الثار النسانية في فلسطين ترجع لمائتي ألف‬
‫سنة‪ ،‬وصدق الله العظيم إذ يؤكد أن البشرية ضاربة جذورها في‬
‫س وَقُُرونا ً‬ ‫َ‬
‫ب الّر ّ‬‫حا َ‬
‫ص َ‬ ‫عادا ً وَث َ ُ‬
‫مود َ وَأ ْ‬ ‫التاريخ قرونا ً طويلة‪ ،‬فيقول‪):‬وَ َ‬
‫ك ك َِثيرًا(‬
‫ن ذ َل ِ َ‬
‫ب َي ْ َ‬
‫ومن الخطاء العلمية زعم التوراة أن الرض مسطحة‪ ،‬ولها زوايا‬
‫موافقة بذلك المستوى العلمي السائد حين كتابتها‪ ،‬فتقول‪ " :‬قد‬
‫جاءت النهاية على زوايا الرض الربع)حزقيال ‪].(7/2‬‬

‫‪198‬‬
‫‪[119‬ويمكنك الحصول على المزيد من المثلة من كتاب العالم‬
‫الفرنسي المسلم موريس بوكاي دراسة الكتب المقدسة في‬
‫ضوء المعارف الحديثة]‪[120‬فهل بعد كل ذلك يقول قائل أن‬
‫القرآن اقتبس من التوراة والنجيل؟؟‬
‫هذا كله بخلف الزيادات الطفيفة أو التعديلت أو الضافات التي‬
‫ما زالت في تغير وتحريف مستمر كلما ترجم النجيل أو نسخ أو‬
‫طبع طبعة جديدة منذ كتبت الناجيل أول مرة وإلى اليوم‬
‫ويمكنك ببساطة التأكد من ذلك بمراجعة نسختين من الكتاب‬
‫المقدس بينهما فترة زمنية كافية أو مختلفتين في اللغة إذا كنت‬
‫تجيد كل اللغتين‪[121].‬‬
‫فإذا علمنا كل هذا ل نستغرب إذا ً أن يقول دكتور ‪W.Graham Scroggie‬‬
‫وهو أحد أبرز المنصرين في العالم من معهد ‪Moody Bible Institute‬في‬
‫كتابه " هل الكتاب المقدس كلم الله؟ "نعم إن الكتاب المقدس‬
‫من وضع البشر‪ ،‬بالرغم من إنكار البعض)من المسيحيين( ِلهذا‬
‫القول من قبيل الحماسة وليس عن علم‪ ،‬فقد خطت أقلم‬
‫البشر هذه السفار بعباراتهم‪ ،‬بعد أن خطرت على عقولهم‪،‬‬
‫فصدرت بأسلوب البشر وتحمل صفاتهم‪ " .‬ا‪.‬هـ‪[122].‬‬
‫خاتمة‬
‫َ‬
‫م‬‫واء ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ْ‬‫س َ‬ ‫مة ٍ َ‬ ‫ب ت ََعال َوْا ْ إ َِلى ك َل َ َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬‫ل َيا أهْ َ‬ ‫)قُ ْ‬
‫شْيئا ً وَل َ ي َت ّ ِ‬ ‫َ‬
‫خذ َ ب َعْ ُ‬
‫ضَنا‬ ‫ك ب ِهِ َ‬ ‫شرِ َ‬ ‫ه وَل َ ن ُ ْ‬ ‫أل ّ ن َعْب ُد َ إ ِل ّ الل ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن(‪.‬‬‫مو َ‬‫سل ِ ُ‬ ‫دوا ْ ب ِأّنا ُ‬
‫م ْ‬ ‫قوُلوا ْ ا ْ‬
‫شه َ ُ‬ ‫ن الل ّهِ فَِإن ت َوَل ّوْا ْ فَ ُ‬ ‫دو ِ‬ ‫من ُ‬ ‫ب َْعضا ً أْرَبابا ً ّ‬
‫وفي الختام ها قد عرضت عليك رسالتي وبقي دورك أنت و قد‬
‫تعمدت أن أذكر لك عناوين المواقع و أسماء الكتب والعلماء‬
‫باللغة النجليزية لكي تتأكد بنفسك ومجال الختيار مفتوح أمامك‬
‫لكن تمهل فهذا ليس اختيارا عاديا لكنه أهم اختيار في حياتك‬
‫وبعد حياتك واعلم أن من رحمة الله أن جعل الحق واضحا وضوح‬
‫الشمس لذا فلن يغني أحد عنك من الله شيئا إن ضللت عنه أو‬
‫أضلوك عنه فأنت إنسان عاقل مسئول بمفردك أمام الله و أنت‬
‫لن تخسر شيئا بالتفكير فيما ذكرته لك والتأكد منه ولكن عليك‬
‫أن تكون مخلصا في طلب الحق وأن تكون مستعدا أن تؤثره‬
‫على غيره كما فعل نبي الله إبراهيم عليه السلم فلك فيه أسوة‬
‫حسنة‪ .‬فتوجه إلي السماء بقلبك وروحك ‪ -‬إلى ربك الذي خلقك ‪-‬‬
‫بدون أن تتمثله بصورة أو تمثال فالله أعظم من أن يشابه ما‬
‫صنعته أيدي البشر واسأله أن يهديك الطريق الموصل إليه‬
‫وعندما تعرف الحق فاعلم أنك قد عرفت الله حقا فاصبر من‬
‫أجله وصابر عليه فقد سبقك كثيرون إليه وتحملوا من أجله ولكن‬

‫‪199‬‬
‫احذر أن تحجب النور عن قلبك إن أبصرته فقد ل تراه مرة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫ويسرنا أن نتلقى تعليقاتك واستفساراتك على البريد‪:‬‬
‫‪ask.about.islam@gmail.com‬‬
‫وهذه بعض المواقع التي يمكنك أن تستعين بها في رحلتك‬
‫اليمانية‬
‫الحوار السلمي المسيحي ‪http://arabic.islamicweb.com/christianity‬‬
‫ابن مريم‪ ..‬المسيح الحق ‪http://www.ebnmaryam.com‬‬
‫الحقيقة‪ ..‬المسيحية في الميزان ‪http://www.alhakekah.com‬‬
‫التوضيح لدين المسيح ‪http://www.tawdeeh.com‬‬
‫الحقيقة العظمى ‪http://www.truth.org.ye‬‬
‫الجامع لحوار النصارى ‪http://www.aljame3.com‬‬
‫موسوعة العجاز العلمي في القرآن والسنة ‪http://www.55a.net‬‬
‫‪ http://www.halimo.com‬شبهات وهمية عن السلم‬
‫‪----------------------------‬‬
‫]‪ [1‬هي سورة الفيل‬
‫]‪ [2‬أي غطوني‬
‫]‪ [3‬أي شاًبا قويا لكي أنصرك‬
‫]‪)[4‬السفر إلى الشرق( ص ‪277‬‬
‫]‪)[5‬شمس الله تسطع على الغرب( زيغريدهونكه)‪.(465‬‬
‫]‪ [6‬نقل عن كتاب ربحت محمدا و لم أخسر المسيح للدكتور عبد‬
‫المعطي الدالتي‬
‫]‪ [7‬عن عائشة رضي الله عنها قالت‪ :‬قال لي رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪):‬إني لعلم إذا كنت عني راضية‪ ،‬وإذا كنت علي‬
‫غضبى( قالت‪ :‬فقلت‪ :‬من أين تعرف ذلك؟ فقال‪):‬أما إذا كنت‬
‫عني راضية‪ ،‬فإنك تقولين‪ :‬ل ورب محمد‪ ،‬وإذا كنت غضبى‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫ل ورب إبراهيم(‪ .‬قالت‪ :‬قلت‪ :‬أجل والله يا رسول الله‪ ،‬ما أهجر‬
‫إل اسمك‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن هُوَ إ ِل ّ ذ ِك َْرى‬‫جرا ً إ ِ ْ‬‫م ع َل َي ْهِ أ ْ‬
‫سأل ُك ُ ْ‬‫]‪ [8‬قال الله عز وجل‪ُ) :‬قل ل ّ أ ْ‬
‫ن(‬ ‫ل ِل َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬
‫]‪ [9‬فتجد ان الكنيسة مثل ادعت لنفسها حق مغفرة الذنوب‬
‫فيأتي المذنب فاضحا نفسه و يجلس بين يدي بشر مثله يخطئ و‬
‫يذنب ربما أكثر منه ثم يعترف أمامه بذنوبه ثم يمن عليه هذا‬
‫الشخص الخطاء بالمغفرة و ذلك في مقابل مبلغا من المال‬
‫يتبرع به أو يشتري به صكا يعرف بصك الغفران كما كان يحدث‬
‫في الماضي‬
‫]‪ [10‬النبأ العظيم للدكتور محمد عبد الله دراز ص ‪37 -36‬‬

‫‪200‬‬
‫]‪ [11‬وقد كان هذا الموقف سببا في إسلم صحفية أمريكية‬
‫عندما سمعت به‬
‫]‪ [12‬عن خباب بن الرت قال‪ :‬شكونا إلى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة‪ ،‬قلنا له‪ :‬أل‬
‫تستنصر لنا‪ ،‬أل تدعو الله لنا؟ قال‪):‬كان الرجل فيمن قبلكم يحفر‬
‫له في الرض‪ ،‬فيجعل فيه‪ ،‬فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه‬
‫فيشق باثنتين‪ ،‬وما يصده ذلك عن دينه‪ .‬ويمشط بأمشاط الحديد‬
‫ما دون لحمه من عظم أو عصب‪ ،‬وما يصده ذلك عن دينه‪ ،‬والله‬
‫ليتمن هذا المر‪ ،‬حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت‪ ،‬ل‬
‫يخاف إل الله‪ ،‬أو الذئب على غنمه‪ ،‬ولكنكم تستعجلون(‪.‬‬
‫]‪ [13‬النبأ العظيم‪ .‬بتصرف‬
‫َ‬
‫ن }‪ {62‬وَأل ّ َ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫صرِهِ وَِبال ْ ُ‬‫ك ب ِن َ ْ‬‫]‪ [14‬قال تعالى‪) :‬هُوَ ال ّذ ِيَ أي ّد َ َ‬
‫َ‬ ‫قت ما ِفي ال َ‬ ‫بين قُُلوبهم ل َو َ‬
‫ن قُُلوب ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫ت ب َي ْ َ‬‫ف ْ‬‫ما أل ّ َ‬ ‫ميعا ً ّ‬‫ج ِ‬‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫أن‬ ‫ِِ ْ ْ‬ ‫َْ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م(‪.‬‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬
‫م إ ِن ّ ُ‬
‫ف ب َي ْن َهُ ْ‬‫ه أل َ‬ ‫وََلـك ِ ّ‬
‫ن الل َ‬
‫]‪ [15‬ومنها أنه دعا النصارى مرة إلى المباهلة و هي أن يجمعوا‬
‫أطفالهم و نساءهم و أنفسهم في مكان واحد ثم يبتهلوا إلى بأن‬
‫يجعل لعنته على الكاذبين فما أجابوا‬
‫]‪ [16‬و أولهم كان ورقة بن نوفل كما مر في المقدمة ثم كان‬
‫عبد الله بن سلم و هو من علماء اليهود و فضلئهم و كعب‬
‫الحبار و هو من علمائهم أيضا و من النصارى فقد آمن به‬
‫النجاشي ملك الحبشة مع أنه لم يره و لم يخش على ملكه منه‬
‫وقال عندما سمع القرآن "إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج‬
‫من مشكاة واحدة " و غيرهم كثير و في العصور الوسطى هناك‬
‫مثل القس الندلسي بن محمد عبد الله الترجماني‬
‫الميروقي‪،‬الذي ألف بعد إسلمه كتاب تحفة الريب في الرد على‬
‫أهل الصليب و في عصرنا الحالي هناك مثل القس دافيد بنجامين‬
‫الكلداني كان قسيسا للروم من طائفة الكلدان و بعد إسلمه‬
‫تسمى بعبد الحد داوود و ألف كتاب النجيل و الصليب و القس‬
‫إسحاق هلل مسيحه الذي كان رئيس لجان التنصير في شمال‬
‫أفريقيا و قصته التي يرويها بنفسه مسجلة هنا‬
‫‪ :http://media.islamway.com/lessons/several//converts.rm‬و كذا القس المصري‬
‫إبراهيم خليل فلوبرس الستاذ السابق بكلية اللهوت النجيلية‬
‫الذي حصل على ماجستير من جامعة برينستون المريكية في‬
‫مجال التهجم على السلم ثم سمى نفسه إبراهيم خليل أحمد و‬
‫الشماس الدكتور وديع أحمد وهذا هو موقعه‪:‬‬
‫‪ http://www.wadee3.5u.com‬و القس المصري "فوزي صبحي سمعان"‬
‫الذي أسلم هو وأبوه وأخته لله رب العالمين و يعمل الن مدرسا‬

‫‪201‬‬
‫وض"‬ ‫مص المصري "عزت إسحاق مع ّ‬ ‫ق ّ‬
‫للدين السلمي و كذا ال ُ‬
‫الذي صار داعية مسلما و هؤلء و غيرهم يمكنك قراءة قصصهم‬
‫من‪ http://tanseer.jeeran.com/priests.html :‬أما من غير العرب فهم كثيرون‬
‫أيضا فمنهم القس المريكي يوسف استس و هذا هو موقعه‬
‫‪ /http://www.islamtomorrow.com‬و هذه مجموعة من اليهود المعاصرين‬
‫الذين دخلوا في السلم ‪/ /http://www.jews-for-allah.org‬‬
‫]‪ [17‬و هل أدل على ذلك من حكم الطلق الذي أباحه السلم‬
‫كحل أخير حين تصل المشاكل بين الزوجين إلى طريق مسدود و‬
‫حرمته الكنيسة فلما ظهر أن منعه يصادم طبيعة البشر و ظهرت‬
‫كثير من المراض الجتماعية نتيجة لتحريمه – كالزنا مثل – أباحته‬
‫كثير من الدول اليوم‪ .‬و كذلك تحريم السلم لكل لحم الخنزير و‬
‫إباحة الكنيسة له ثم ظهر علميا أن الخنزير هو المسبب لمرض‬
‫اللتهاب السحائي المخي وأنفلونزا الخنزير كما أنه تعيش في‬
‫أمعائه الدودة الشريطية التي تنتقل إلى أمعاء من يأكلها وتسبب‬
‫له التهاب العصاب وارتفاع ضغط الدماغ و قد وجد الطباء‬
‫مؤخرا دودة في مخ امرأة بعد تناولها وجبة لحم خنزير هذا‬
‫بالضافة إلى صفات الخنزير التي تنتقل إلى آكلها مثل انعدام‬
‫الغيرة و هذا مشاهد‪.‬‬
‫]‪ [18‬ترجم للعربية بعنوان الخالدون مائة أعظمهم محمد ويقول‬
‫مايكل هارت فيه‪" :‬كان محمد الرجل الوحيد في التاريخ الذي‬
‫نجح في مهمته إلى أقصى حد‪ ،‬سواء على المستوى الديني أم‬
‫على المستوي الزمني"‬
‫]‪ [19‬كما فعل مدعي النبوة الكذاب الذي سيأتي ذكره في‬
‫النصف الثاني من الرسالة‬
‫]‪ [20‬فقد كان قيام الليل في حقه صلى الله عليه و سلم فرضا‬
‫فيقوم من ثلث الليل إلى ثلثيه كل ليلة في حين أنه في حق بقية‬
‫المسلمين تطوع‬
‫]‪ [21‬و ذلك برغم بليين الدولرات التي تنفقها المؤسسات‬
‫التبشيرية النصرانية للصد عن سبيل الله‪.‬‬
‫]‪ [22‬النبأ العظيم ص ‪48‬‬
‫]‪ [23‬و معنى تواتر الخبر أن يتناقله جمع كبير من الناس يستحيل‬
‫تواطؤهم على الكذب عن جمع كبير مثلهم و هكذا إلى يومنا هذا‬
‫فقارن بين هذه الطريقة و الطريقة التي نقلت بها الكتب الخرى‬
‫كما في آخر الرسالة‬
‫]‪ [24‬ذلك بأن الذي يمسكه أن يزول هو الذي يمسك السماوات‬
‫و الرض أن تزول‪.‬‬
‫]‪ [25‬النبأ العظيم بتصرف‬

‫‪202‬‬
‫]‪ [26‬يقول بروفيسور الرياضيات المريكي المسلم جيفري لنغ‬
‫في كتابيه حتى الملئكة تسأل و الصراع من أجل اليمان‪):‬القرآن‬
‫هذا الكتاب الكريم قد أسرني بقوة‪ ،‬وتمّلك قلبي‪ ،‬وجعلني‬
‫أستسلم لله‪ ،‬والقرآن يدفع قارئه إلى اللحظة القصوى‪ ،‬حيث‬
‫دى للقارئ أنه يقف بمفرده أمام خالقه وإذا ما اتخذت القرآن‬ ‫يتب ّ‬
‫بجدية فإنه ل يمكنك قراءته ببساطة‪ ،‬فهو يحمل عليك‪ ،‬وكأن له‬
‫حقوقا ً عليك! وهو يجادلك‪ ،‬وينتقدك وُيخجلك ويتحداك … لقد‬
‫منزل القرآن كان‬ ‫كنت على الطرف الخر‪ ،‬وبدا واضحا ً أن ُ‬
‫يعرفني أكثر مما أعرف نفسي … لقد كان القرآن يسبقني دوما ً‬
‫في تفكيري‪ ،‬وكان يخاطب تساؤلتي(‬
‫]‪ [27‬للمفكر التركي محمد فتح الله كولن‪ .‬وله أيضا‪ ":‬لقد أتى‬
‫القرآن بنظرة متميزة للكون وللشياء وللنسان بأسلوب غاية‬
‫في الروعة والسحر‪ .‬لنه يتناول النسان ككل ضمن الوجود‬
‫بأكمله‪ ،‬ول يهمل أيّ شيء‪ ،‬بل يضع كل شيء مهما كان صغيرا‬
‫في مكانه المناسب‪ .‬الجزاء فيه رتبطة ارتباطا وثيقا ودقيقا‬
‫بالكل‪ ،‬والجوبة المختلفة عن أدق السئلة التي تخطر على بال‬
‫النسان في هذا المعرض الكوني الهائل ترد فيه‪ .‬وبينما يقوم‬
‫بتحليل أدق المسائل الموجودة سواء في عالم الشهود أم فيما‬
‫وراء الستار حتى أدق تفاصيلها‪ ،‬ل يدع هناك أي تردد أوبهة أو‬
‫علمة استفهام في العقول‪ .‬أجل! إن القرآن في جميع هذه‬
‫التفاصيل الدقيقة التي يوردها ل يدع أي فراغ في هذا الموضوع‬
‫ل في العقول ول في القلوب ول في المشاعر ول في المنطق‪،‬‬
‫لنه يحيط بعقل النسان وبأحاسيسه وبمشاعره وإدراكه"‬
‫]‪ [28‬لم يكن النجيل قد ترجم للعربية بعد أثناء حياة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‬
‫]‪ [29‬فمثل ذكر القرآن عن فرعون موسى بعد أن غرق في‬
‫البحر)فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية( وعندما تم‬
‫دراسة مومياء منفتاح التي يظن أنها لفرعون موسى في فرنسا‬
‫بواسطة فريق من علماء التشريح توصلوا إلى أن سبب وفاته هو‬
‫الغرق فعل و نلحظ أن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي ذكر بقاء‬
‫جثة فرعون محفوظة بعد غرقه – فهل كان محمد على علم‬
‫ببراعة المصريين في التحنيط؟ ثم أسلم رئيس الفريق الفرنسي‬
‫و هو الدكتور موريس بوكاي و عكف على دراسة القرآن‬
‫والنجيل والتوراة لمدة عشر سنين ثم ألف كتاب القرآن‬
‫والنجيل والتوراة والعلم الذي أصبح من أكثر الكتب انتشارا‬
‫وترجم لعدة لغات عالمية‬

‫‪203‬‬
‫]‪ [30‬فترى مثل في قصة أصحاب الكهف عند أهل الكتاب أنهم‬
‫عاشوا في الكهف ثلثمائة سنة شمسية وفي القرآن أنهم)لبثوا‬
‫في كهفهم ثلث مائة سنين وازدادوا تسًعا( و هذه السنون‬
‫التسعة هي فرق ما بين عدد السنين الشمسية والقمرية فانظر‬
‫إلى هذا الحساب الدقيق في أمة أمية ل تقرأ ول تحسب! – النبأ‬
‫العظيم‬
‫]‪ [31‬الجبال ممتدة في باطن الرض من أسفل فهي تشبه الوتد‬
‫و السحب يصل وزن الواحدة منها إلى أكثر من عشرة مليين‬
‫طن من الماء على هيئة بخار و الرياح تحمل حبوب اللقاح فتلقح‬
‫الزهار و تسير السحب المشحونة كهربيا حتى تلمس بعضها‬
‫فيحدث التفريغ الكهربي و البحر تخرج من قيعانه صهارات و‬
‫حمم بركانية ملتهبة تم تصويرها بالغواصات الحديثة وللمزيد من‬
‫صور العجاز العلمي يمكنك الرجوع إلى ‪www.55a.net‬‬
‫]‪ [32‬منهم مثل الدكتور كيث مور ‪Keith Moore‬عالم الجنة الشهير‬
‫صاحب كتاب ‪The Developing Human‬الذي ترجم لكثر من ‪ 25‬لغة‬
‫ووقف مرة في أحد المؤتمرات قائل‪:‬‬
‫"إن التعبيرات القرآنية عن مراحل تكون الجنين في النسان‬
‫لتبلغ من الدقة والشمول مالم يبلغه العلم الحديث‪ ,‬وهذا إن دل‬
‫علي شئ فإنما يدل علي أن هذا القرآن ليمكن أن يكون إل كلم‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫الله‪ ,‬وأن محمدا ً رسول الله" وصدق الله إذ يقول)وَل ِي َعْل َ َ‬
‫ُأوتوا ال ْعِل ْ َ‬
‫ن‬
‫م وَإ ِ ّ‬ ‫ه قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫خب ِ َ‬‫مُنوا ب ِهِ فَت ُ ْ‬ ‫ك فَي ُؤ ْ ِ‬ ‫من ّرب ّ َ‬ ‫حقّ ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م(‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫قي ٍ‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ط ّ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫مُنوا إ ِلى ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه لَهاد ِ ال ِ‬
‫م آَيات َِنا َِفي اْلَفا ِ‬
‫ق‬ ‫ريهِ ْ‬ ‫سن ُ ِ‬
‫]‪ [33‬إنه الله العليم الحكيم‪ .‬قال تعالى‪َ ):‬‬
‫َ‬ ‫فسهم حتى يتبين ل َه َ‬ ‫َ‬
‫ه ع ََلى‬ ‫ك أن ّ ُ‬ ‫ف ب َِرب ّ َ‬ ‫م ي َك ْ ِ‬ ‫حقّ أوَل َ ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫م أن ّ ُ‬‫وَِفي أن ُ ِ ِ ْ َ ّ َ َ َ ّ َ ُ ْ‬
‫شِهيد(‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬
‫]‪ " [34‬تعاوا نعيد النظر فيما نعتقد" تاليف حسن يوسف‬
‫]‪ [35‬النبأ العظيم‬
‫َ‬
‫ن إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫م‬ ‫ت ت َْرك َ ُ‬ ‫كد ّ‬ ‫قد ْ ِ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫]‪ [36‬حتى أنه قيل له‪ ):‬وَل َوْل َ أن ث َب ّت َْنا َ‬
‫م لَ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫م َ‬ ‫ف ال ْ َ‬‫ضعْ َ‬ ‫حَياةِ وَ ِ‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫شْيئا ً قَِليل ً }‪ِ {74‬إذا ً ّل َذ َقَْنا َ‬ ‫َ‬
‫صيرًا(‬ ‫ك ع َل َي َْنا ن َ ِ‬
‫جد ُ ل َ َ‬ ‫تَ ِ‬
‫]‪ [37‬انظر مثل لوقا ‪ 26:2‬و ‪ 67:1‬و ‪15:1‬‬
‫]‪" [38‬هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله عليه وسلم؟"‬
‫للدكتور‪ .‬منقذ بن محمود السقار‪ ....‬بتصرف‬
‫]‪ [39‬فأين هذا من رؤيا يوحنا التي وصف الله فيها بأنه خروف‬
‫ذو سبعة قرون؟!!‬
‫]‪ [40‬في حين قرر مجمع روما سنة ‪ 1215‬ما يلي‪" :‬على الناس‬
‫أن يتلقوا قول الكنيسة بالقبول وافق العقل أو خالفه وعلى‬

‫‪204‬‬
‫المسيحي إذا لم يستسغ عقله قول قالته الكنيسة أو مبدأ دينيا‬
‫أعلنته عليه أن يروض عقله على قبوله فإذا لم يستطع فعليه أن‬
‫يشك في عقله ول يشك في قول البابا"!!‬
‫]‪ [41‬وأنت ترى نتائج هذه الرهبانية في عدد حوادث الغتصاب‬
‫التي اقترفها رجال الكنيسة حتى أن عدد القسس الذين ارتكبوا‬
‫جرائم من هذا النوع وأعلن عنها في الجرائد في الوليات‬
‫المتحدة وحدها يصل إلى ‪ 1608‬قسيسا و هذه بعض مواقع‬
‫ضحايا العتداءات الجنسية لرجال الكنيسة الغربية‪:‬‬
‫‪ http://www.snapnetwork.org‬و ‪ http://www.thelinkup.org‬و‬
‫‪ http://www.survivorsfirst.org‬أما نتائج الباحية المنحلة بين عوام‬
‫النصارى في أكثر دول العالم فواضحة ول تحتاج إلى بيان!‬
‫]‪ [42‬من تفسير "في ظلل القرآن" بتصرف‬
‫]‪" [43‬السلم ليس فلسفة ولكنه منهاج حياة‪ ..‬ومن بين سائر‬
‫الديان نرى السلم وحده‪ ،‬يعلن أن الكمال الفردي ممكن في‬
‫جل هذا الكمال إلى ما بعد إماتة الشهوات‬ ‫الحياة الدنيا‪ ،‬ول يؤ ّ‬
‫الجسدية‪ ،‬ومن بين سائر الديان نجد السلم وحده يتيح للنسان‬
‫أن يتمتع بحياته إلى أقصى حد ٍ من غير أن يضيع اتجاهه الروحي‬
‫دقيقة واحدة‪ ،‬فالسلم ل يجعل احتقار الدنيا شرطا ً للنجاة في‬
‫الخرة‪ ..‬وفي السلم ل يحق لك فحسب‪ ،‬بل يجب عليك أيضا ً أن‬
‫تفيد من حياتك إلى أقصى حدود الفادة‪ ..‬إن من واجب المسلم‬
‫أن يستخرج من نفسه أحسن ما فيها ( من كتاب)السلم على‬
‫مفترق الطرق( للمفكر محمد أسد)كان يهوديا وأسلم( ص ‪-19‬‬
‫‪25‬‬
‫]‪ [44‬المستشرق روم لندو في)السلم والعرب( ص)‪(246-9‬‬
‫]‪[45‬وكم من أناس دخلوا السلم بسبب رؤيتهم للمسلمين وهم‬
‫يصلون‪ .‬يقول المفكر الفرنسي رينان‪" :‬السلم دين النسان‪..‬‬
‫وكلما دخلت مسجدا ً هزني الخشوع وشعرت بالحسرة لني‬
‫فُروا ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ما ي َوَد ّ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫لست مسلمًا" وصدق الله العظيم إذ يقول)ّرب َ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ف‬
‫سو ْ َ‬‫ل فَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫مت ُّعوا ْ وَي ُل ْهِهِ ُ‬
‫م ي َأك ُُلوا ْ وَي َت َ َ‬
‫ن‪ .‬ذ َْرهُ ْ‬
‫مي َ‬
‫سل ِ ِ‬ ‫كاُنوا ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ل َوْ َ‬
‫ن(‬‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫]‪ [46‬هذه المور وغيرها جعلت الكثيرين يدخلون السلم بمجرد‬
‫سماعهم عنه أو تعاملهم مع المسلمين وإل كيف انتشر السلم‬
‫في الصين وروسيا وجنوب إفريقيا والمريكتين؟؟‬
‫]‪ [47‬وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله‬
‫عليهم وتسليماته‬

‫‪205‬‬
‫]‪ [48‬ولحظ أن القرآن سمى سورة كاملة بسورة مريم و سورة‬
‫أخرى باسم آل عمران ولم يسم سورا باسم فاطمة أو عائشة أو‬
‫آل محمد‬
‫]‪ [49‬رواه أحمد في مسنده‪.‬‬
‫]‪ [50‬و قال أيضا "ما من أحد يسمع بي من هذه المة ول يهودي‬
‫ول نصراني فل يؤمن بي إل دخل النار"‪.‬‬
‫ْ‬ ‫]‪ [51‬قال تعالى‪):‬وقُل ْنا يا آدم اسك ُ َ‬
‫من َْها‬‫ة وَك ُل َ ِ‬ ‫جن ّ َ‬‫ك ال َ‬ ‫ج َ‬‫ت وََزوْ ُ‬ ‫ن أن َ‬ ‫َ َ َ َ ُ ْ ْ‬
‫ن}‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫ن الظال ِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫جَرة َ فَت َكوَنا ِ‬ ‫ش َ‬ ‫هـذ ِهِ ال ّ‬ ‫قَرَبا َ‬ ‫ما وَل َ ت َ ْ‬ ‫شئ ْت ُ َ‬
‫ث ِ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫غدا ً َ‬‫َر َ‬
‫طوا ْ‬ ‫كاَنا ِفيهِ وَقُل َْنا اهْب ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ما َ‬ ‫م ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫جه ُ َ‬ ‫ن ع َن َْها فَأ ْ‬
‫خَر َ‬ ‫طا ُ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫‪ {35‬فَأَزل ّهُ َ‬
‫مَتاع ٌ إ َِلى ِ‬ ‫َ‬
‫ن}‬ ‫حي ٍ‬ ‫قّر وَ َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫ض ع َد ُوّ وَل َك ُ ْ‬ ‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ضك ُ ْ‬‫ب َعْ ُ‬
‫م‬‫حي ُ‬ ‫ب الّر ِ‬ ‫وا ُ‬ ‫ه هُوَ الت ّ ّ‬ ‫ب ع َل َي ْهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫ت فََتا َ‬ ‫ما ٍ‬‫من ّرب ّهِ ك َل ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫قى آد َ ُ‬ ‫‪ {36‬فَت َل َ ّ‬
‫}‪({37‬‬
‫]‪ [52‬مثال ذلك » ل تموت الباء لجل البنين‪ ،‬ول البنون يموتون‬
‫لجل الباء‪ ،‬بل كل واحد يموت لجل خطيته « أيام ‪.25/4 -2‬‬
‫و‪ » :‬الذي سيجازي كل واحد حسب أعماله « رومية ‪.2/6‬و في‬
‫ل‪ :‬افترزا من بين هذه‬ ‫التوراة »وكلم الرب موسى وهارون قائ ً‬
‫م‬
‫الجماعة فاني أفنيهم في لحظة‪ .‬فخّرا على وجهيهما وقال‪ :‬الله ّ‬
‫اله أرواح جميع البشر‪ ،‬هل يخطئ رجل واحد فتسخط على كل‬
‫الجماعة« العدد ‪ ،26/23‬واستجاب له فعذب بني قورح فقط‪.‬‬
‫وأيضا)وأنتم تقولون لماذا ل يحمل البن من إثم الب‪ .‬أما البن‬
‫فقد فعل حقا ً وعدل ً حفظ جميع فرائضي وعمل بها فحياة يحيا‪.‬‬
‫النفس التي تخطيء هي تموت‪ .‬البن ل يحمل من إثم الب‪،‬‬
‫والب ل يحمل من إثم البن‪ .‬بّر الباّر عليه يكون‪ ،‬وشر الشرير‬
‫عليه يكون‪ ...‬فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها‬
‫وحفظ كل فرائضي وفعل حقا ً وعدل ً فحياة ً يحيا‪ .‬ل يموت‪ ،‬كل‬
‫معاصيه التي فعلها ل تذكر عليه في بره( حزقيال ‪.22-19 :18‬‬
‫]‪ [53‬متى ‪36 :12‬‬
‫]‪ [54‬كل مولود في السلم يولد على الفطرة مبرئا من كل‬
‫خطيئة كالصفحة البيضاء ثم هو مسئول عن نفسه أمام الله ل‬
‫يحاسب إل على سعيه‬
‫]‪ [55‬استنتج المفكر البريطاني إينوك باول ‪Enoch Powell‬في كتابه‬
‫تطور النجيل)‪ (The Evolution of the Gospel‬بعد أن قام بإعادة ترجمة‬
‫إنجيل متى من اليونانية إلى أن قصة الصلب لم تكن موجودة في‬
‫النص الصلي للناجيل ولكنها أضيفت في مرحلة متقدمة‬
‫]‪ [56‬المسيح والتثليث‪ -‬د‪ .‬محمد وصفي‬

‫‪206‬‬
‫س ُ‬
‫ل‬ ‫من قَب ْل ِهِ الّر ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ل قَد ْ َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م إ ِل ّ َر ُ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح اب ْ ْ ُ‬‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫]‪ّ )[57‬‬
‫ُ‬
‫ت ثُ ّ‬
‫م‬ ‫م الَيا ِ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫ف ن ُب َي ّ ُ‬‫م انظ ُْر ك َي ْ َ‬ ‫ن الط َّعا َ‬ ‫كاَنا ي َأك ُل َ ِ‬ ‫ة َ‬ ‫ق ٌ‬ ‫دي َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫م ُ‬‫وَأ ّ‬
‫ن(‬‫كو َ‬ ‫انظ ُْر أ َّنى ي ُؤ ْفَ ُ‬
‫كان ل ِب َ َ‬
‫م‬‫م َوالن ّب ُوّة َ ث ُ ّ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ب َوال ْ ُ‬ ‫ه ال ْك َِتا َ‬‫ه الل ّ ُ‬ ‫شرٍ أن ي ُؤ ْت ِي َ ُ‬ ‫ما َ َ َ‬ ‫]‪َ ) [58‬‬
‫ما‬
‫ن بِ َ‬ ‫كوُنوا ْ َرّبان ِّيي َ‬ ‫كن ُ‬ ‫ن الل ّهِ وََلـ ِ‬ ‫دو ِ‬
‫من ُ‬ ‫عَبادا ً ّلي ِ‬ ‫كوُنوا ْ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ل ِللّنا ِ‬ ‫قو َ‬ ‫يَ ُ‬
‫ن(‬‫سو َ‬ ‫م ت َد ُْر ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫ب وَب ِ َ‬ ‫ن ال ْك َِتا َ‬ ‫مو َ‬ ‫م ت ُعَل ّ ُ‬‫كنت ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫]‪ [59‬تقول دائرة معارف لروس‪" :‬إن تلميذ المسيح الولين‬
‫الذين عرفوا شخصيته وسمعوا قوله كانوا أبعد الناس في‬
‫العتقاد بأنه أحد القانيم الثلثة‪ ...‬وما كان بطرس تلميذ المسيح‬
‫يعتبر المسيح أكبر من رجل يوحى إليه‪.‬‬
‫]‪ [60‬انظر أعمال)‪ (2/46‬واقرأ ما كتبه الدكتور ‪Robert Alley‬الستاذ‬
‫بجامعة ‪ " : Richmond‬إن الفقرات التي يتكلم فيها المسيح عن ابن‬
‫الله هي إضافات متأخرة تمثل ما كانت الكنيسة تعتقده وادعاء‬
‫مثل هذا ل يتناسب مع حياة المسيح التي نتخيلها‪ .‬فأول ثلثة‬
‫عقود بعد)موت المسيح( كانت المسيحية فرعا بداخل الديانة‬
‫اليهودية وأول ثلثة عقود في تاريخ الكنيسة كان وجودها داخل‬
‫هيكل اليهود ول يمكن تصور أبدا أن أتباع المسيح كانوا يعلنون‬
‫ألوهية المسيح تحت هذه الظروف" و مما يجدر ذكره أن هذا‬
‫الرجل فقد منصبه كرئيس قسم الديان بالجامعة لقوله " ل‬
‫يمكنني أن أتخيل ولو لدقيقة واحدة أن المسيح امتلك الشجاعة‬
‫الكافية لكي بدعي اللوهية لنفسه"‬
‫]‪ [61‬من " المسيح والتثليث" للدكتور محمد وصفي‪ -‬بتصرف‬
‫]‪ [62‬جاء في العهد القديم أن أنبياء آخرين قد حصلت لهم‬
‫معجزة إحياء الموتى انظر حزقيال)‪ (10-1:37‬وملوك أول)‬
‫‪ (24-17:17‬وملوك ثاني)‪(27-22:4‬‬
‫َ‬
‫مَنا‬‫ن هُوَ إ ِّل ع َب ْد ٌ أن ْعَ ْ‬ ‫]‪ [63‬قال تعالى عن المسيح عليه السلم‪):‬إ ِ ْ‬
‫ل(‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫مث َل ً ل ّب َِني إ ِ ْ‬ ‫جعَل َْناه ُ َ‬ ‫ع َل َي ْهِ وَ َ‬
‫]‪ [64‬جاء تفسير مصطلح ابن الله بمعنى المؤمن بالله‪):‬وأما‬
‫الوصف الذي قَِبلوه فأعطاهم سلطانا ً أن يصيروا أولد الله أي‬
‫المؤمنون بْاسمه( يوحنا‪12 :1 :‬‬
‫]‪ [65‬انظر ‪):‬خروج ‪ ،22 :4‬مزمور ‪ ،7 :2‬وأخبار اليام الول ‪:22‬‬
‫‪ ،10.9‬متى ‪ ،9 :5‬ولوقا ‪ 38 :3‬و أما إطلق المسيح هذا الوصف‬
‫عن نفسه فلم يرد إل في مكانين بإصحاحي ‪ 11 ,5‬بإنجيل يوحنا‪.‬‬
‫يقول ‪Hastings‬في قاموسه للكتاب المقدس إن استعمال المسيح‬
‫لهذا المصطلح هو أمر مشكوك فيه ويقول شارل جنيبر‪" :‬‬
‫والنتيجة الكيدة لدراسات الباحثين‪ ،‬هي‪ :‬أن المسيح لم يدع قط‬
‫أنه هو المسيح المنتظر‪ ،‬ولم يقل عن نفسه إنه ابن الله‪ ...‬فتلك‬

‫‪207‬‬
‫لغة لم يبدأ في استخدامها سوى المسيحيين الذين تأثروا بالثقافة‬
‫اليونانية"‬
‫انظر‪ :‬المسيحية‪ ،‬نشأتها وتطورها‪ ،‬ص‪.50.‬‬
‫]‪ [66‬من كتاب سر الزل‪.‬‬
‫]‪ [67‬من كتابه‪ :‬الحق‪.‬‬
‫]‪ [68‬جاء في دائرة المعـارف المريكـية عن عـقـيدة التثـليث ]‪..‬‬
‫أن عـقـيدة التثـليث هي العـقـيدة المسيحـية التي تقـول‬
‫بالطبيعـة الثلثية للله هي عـقـيدة ليست من تعـاليم العـهد‬
‫القـديم ول توجـد في أي مكان بين ثناياه‪ [..‬دائرة المعـارف‬
‫المريكـية ط ‪1959‬‬
‫وقد اعترف كبار علماء اللهوت في قاموس الكتاب المقدس أن‪:‬‬
‫مادة التثليث لم ترد في الكتاب المقدس ويظن أن أول من‬
‫صاغها هو ترنفيان في القرن الثاني الميلدي وقد خالفه الكثيرون‬
‫ولكن مجمع نيقية أقر التثليث عام ‪ 325‬أ‪.‬هـ‪ .‬فانظر كيف يحفل‬
‫الكتاب المقدس بقصص الزانيات والزواني ويخلو من أهم مبادئ‬
‫العقيدة النصرانية!!‬
‫]‪ .[69‬ومن يدري لعل هذه الجملة تروق لباء الكنيسة يوما‬
‫فيضيفونها في طبعات الكتاب المقدس الجديدة بدل من الجملة‬
‫الصلية!!‬
‫]‪ [70‬جاء في مقدمة هذا الكتاب‬
‫] ‪The writers of this book are convinced that another major theological development‬‬
‫‪is called for in this last part of the Twentieth Century. The need arises from growing‬‬
‫‪knowledge of Christian origins and involves a recognition that Jesus was(as he is‬‬
‫‪presented in Acts 2.21) “A man approved by God “ for a special role within the‬‬
‫‪Divine purpose, and that the later conception of him as God Incarnate, The Second‬‬
‫‪Person of the Holy Trinity living a human life, is a mythological or poetic way of‬‬
‫‪ .[ .expressing his significance for us‬وترجمتها‬
‫و ترجمته‪ ] :‬إن ك ُّتاب هذا الكتاب مقتنعين بأن هناك‪ ،‬في هذا‬
‫الجزء الخير من القرن العشرين‪ ،‬حاجة ماسة لتطور عقائدي‬
‫كبير آخر‪ .‬هذه الحاجة أوجدتها المعرفة المتزايدة لصول‬
‫المسيحية‪ ،‬تلك المعرفة التي أصبحت تستلزم العتراف بعيسى‬
‫أنه كان)كما يصفه سفر أعمال الرسل‪ " :(2/21 :‬رجل أيده الله‬
‫" لداء دور خاص ضمن الهدف اللـهي‪ ،‬و أن المفهوم المتأخر‬
‫عن عيسى و الذي صار يعتبره " الله المتجسد و الشخص الثاني‬
‫من الثالوث المقدس الذي عاش حياة إنسانية " ليس في الواقع‬
‫إل طريقة تعبير أسطورية و شعرية عما يعنيه عيسى المسيح‬
‫بالنسبة إلينا ]‬

‫‪208‬‬
‫]‪ [71‬انظر عدد ‪ 8‬أبريل ‪ 98‬بعنوان ‪ The Search For Jesus‬و ‪15‬‬
‫أغسطس ‪ 88‬بعنوان ‪Who Was Jesus‬و ‪ 12‬أبريل ‪ 2004‬بعنوان ‪Why‬‬
‫‪ ?Did Jesus Have To Die‬و ‪ 18‬ديسمبر ‪ 95‬بعنوان ‪Is the Bible Fact or‬‬
‫‪ ?Fiction‬فكلها أمثلة توضح حيرة النسان الغربي إزاء هذه العقيدة‬
‫الغامضة‬
‫]‪ [72‬وهنا أطلب من القارئ أن يحاول بنفسه تطبيق المعايير‬
‫التي وضعناها في أول الرسالة للحكم على أي إنسان يدعي‬
‫النبوة والرسالة على بولس هذا‪.‬‬
‫]‪ [73‬يقول دجـوستاف ليون "ولو قـيل للحـواريـين الثنى عـشر‬
‫أن الله تجـسد في يسـوع‪ .‬ما أدركـوا هذه الفـضيحـة ولرفـعـوا‬
‫أصواتهم محـتجـين" حـياة الحـقائق ‪ /‬ص ‪ ،163‬و ‪187‬‬
‫]‪ [74‬أعمال ‪9/26‬‬
‫]‪ [75‬تقول دائرة المعارف البريطانية في الجابة عن هذا‬
‫السؤال‪" :‬إن ارتحاله إليها كان لحاجته إلى جو هادئ صامت‬
‫يتمكن فيه من تفكير في موقفه الجديد‪ ،‬وأن القضية الساس‬
‫عنده هي تفسير الشريعة حسب تجاربه الحديثة"‪.‬‬
‫]‪ [76‬يوحنا ‪ 8/17‬ويلحظ هنا أنه جعل الشهادة الخرى هي‬
‫شهادة الله عز وجل له‪ .‬فهل بعد هذا نقول أن الله هو‬
‫المسيح؟؟!‬
‫]‪ [77‬فقد ذكر في أعمال الرسل إصحاح ‪ 9/7‬أن الرجال‬
‫المسافرين معه وقفوا يسمعون الصوت بينما في إصحاح ‪22/9‬‬
‫المسافرون لم يسمعوا الصوت وفي أعمال ‪ 9/4‬أن بولس‬
‫"وحده سقط على الرض"ينما المسافرون وقفوا‪ ،‬وفي الرواية‬
‫الثالثة أن الجميع‬
‫سقطوا‪ ،‬فقد جاء فيها " سقطنا جميعا على الرض" أعمال‬
‫‪26/14‬‬
‫]‪ [78‬وهذا يعطينا فكرة عن الهداف التي كانت تحرك بولس‪.‬‬
‫فأين هذا من قول الله للنبي أكثر من مرة في القرآن " اتق الله‬
‫"؟‬
‫]‪ [79‬فأين هذا من تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وقوله)ل‬
‫تفضلوني على يونس بن متى( وقول الله له‪):‬ليس لك من المر‬
‫شيء(؟‬
‫]‪ [80‬لوقا ‪21:2‬‬
‫]‪ [81‬عبرانيين ‪7/17‬‬
‫]‪ [82‬قال فرانس أوفربيك ‪)Frans Overbeck‬أحد قيادات رجال‬
‫اللهوت الحرار(‪ :‬إن كل الجوانب الحسنة التي تشهدها‬
‫المسيحية ترجع إلى عيسى‪ ،‬أما الجوانب السيئة)وهي تطغي‬

‫‪209‬‬
‫على الجوانب الحسنة بأضعاف مضاعفة( فقد أحدثها بولس فيها‪.‬‬
‫)مبادئ المسيحية(‬
‫]‪ [83‬يقول إريك بروك ‪Erick Brock‬في كتاب مبادئ المسيحية ‪Die‬‬
‫‪Grundlagen desChristentums‬عن بولس‪ " :‬إن أهم جذور كل البلء الذي‬
‫أصاب المسيحية جاءت من أفكاره‪ ،‬وكم نحن الن في حاجة إلى‬
‫أن نشير مرارا ً إلى أن الحقيقة تؤكد أن كل المفكرين الحرار‬
‫المعتدلين قد أشاروا إلى أن المبادئ الخربة التي تتبناها‬
‫المسيحية اليوم ما هي إل مبادئ مخزية ولكن لم يرق الحال‬
‫للكنيسة لتخلصنا من هذه الرسائل والفكار البوليسية"‪.‬‬
‫]‪ [84‬يقول جوستاف لوبون كان بولس مفـطوًرا على فـرط‬
‫الخـيال وكانت نـفسه مملؤة بذكريات الفـلسفة )حـياة‬
‫الحـقائق( ص ‪187 ،163‬‬
‫]‪ [85‬لمسيحـية نشأتها وتطورها ‪ /‬شارل جـنيبر ص ‪ 70‬ويقول‬
‫أيضا ]‪ ..‬لقـد تطورت المسيحية إلى تأليف ديني تجـمع فيه سائر‬
‫العـقائد الخـصبة والشعـائر النابعـة من العاطفة الدينية الوثـنية‬
‫قامت المسيحـية بترتيبهـا وتركـيبها وأضفـت إليها النسـجام[‬
‫وراجع كتاب ‪ The Bible Myths and their Parallels in other Religions‬لمؤلفه‬
‫‪T.W Doane‬وكتاب ‪Mythology Christianity and‬‬
‫لمؤلفه ‪John Mackinnon Robertson‬‬
‫]‪ [86‬يقول الدكتور خالد شلدريك الذي أسلم بعد أن فهم عقيدة‬
‫التثليث‪" :‬إن عقيدة الب والبن من عقائد الوثنيين القدماء فإن‬
‫البوذيين يعبدون بوذا في طفولته مع أمه ياما في نفس الصورة‬
‫التي نراها منقوشة في كل كنيسة للمسيح في طفولته مع أمه‬
‫مريم واتخذ النصارى من عيد الوثنيين للعتدال الخريفي ‪25‬‬
‫ديسمبر موعد ولدة الشمس عندهم عيدا لميلد المسيح" وقد‬
‫كان الثالوث موجودا أيضا في ديانات وثنية سابقة ففي الهند كان‬
‫عندهم الثالوث اللهي براهما و كريشنا و سيفا وكان عند‬
‫المصريين القدماء الثالوث إيزيس وأوزوريس وحورس وصدق‬
‫صاَرى‬‫ت الن ّ َ‬‫ن الل ّهِ وََقال َ ْ‬‫ت ال ْ َي َُهود ُ ع َُزي ٌْر اب ْ ُ‬ ‫الله العظيم إذ يقول)وََقال َ ِ‬
‫ن‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن قَوْ َ‬‫ؤو َ‬ ‫ضاه ِ ُ‬‫م يُ َ‬ ‫واه ِهِ ْ‬ ‫ك قَوْل ُُهم ب ِأفْ َ‬ ‫ن الل ّهِ ذ َل ِ َ‬ ‫ح اب ْ ُ‬‫سي ُ‬‫م ِ‬‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ن( وهذا من إعجاز القرآن‬ ‫كو َ‬ ‫ه أّنى ي ُؤ ْفَ ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ل َقات َل َهُ ُ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫فُروا ْ ِ‬‫كَ َ‬
‫أنه أخبرنا كيفية نشأة عقيدة النصارى في المسيح‪ .‬فهل كان‬
‫محمد على اطلع بتاريخ الحضارات القديمة؟‬
‫]‪ [87‬يعلق المؤرخ أرنولد توينبي على مسألة أكل لحم المسيح‬
‫وشرب دمه بأن سكان منطقة البحر المتوسط كانوا قديما‬
‫يفعلون ذلك تقربا إلى أحد آلهة النبات التي تنبت عناصر الخبز‬
‫والنبيذ في هذه المناطق وقد انتقلت هذه الطقوس إلى‬

‫‪210‬‬
‫المسيحية عن طريقهم وليس لها أصل في الدين المسيحي‪ .‬أ‪.‬هـ‬
‫والن أيها القارىء الفطن هل تظن حقا أن الخبز والخمر يتحول‬
‫إلى جسد المسيح حقا؟ وإذا كان المسيح هو الله فهل يصير‬
‫الخبز والخمر لحم الله ودمه؟؟ أللله لحم ودم كالبشر؟! أل‬
‫تستحي أو تشمئز من أن تأكل لحم إلهك وتشرب دمه؟!!‬
‫]‪ [88‬المسيحـية نشأتها ‪ /‬جـنيبر ص ‪ 105‬وجاء في كتاب يسوع‬
‫المسيح للقس بولس إلياس‪):‬لقد لقح الفكر المسيحي بالفكار‬
‫الوثنية وقد حافظت الكنيسة المسيحية على تقاليد الشعوب‬
‫الوثنية و على تنوع الطقوس عند مختلف الطوائف( ثم يستطرد‬
‫قائل)إنه في مفتتح القرن السابع الميلدي كتب البابا غريغورس‬
‫الول إلى القديس أوغسطينوس قائل‪" :‬دع البريطانيين وعاداتهم‬
‫واترك لهم أعيادهم الوثنية واكتف بتنصير تلك العياد والعادات‬
‫مكتفيا بوضع إله المسيحيين موضع آلهة الوثنيين"(‬
‫]‪ [89‬تكررت قصة بولس بحذافيرها في السلم مع رجل يهودي‬
‫يدعى عبد الله بن سبأ لم ير النبي قط دخل السلم نفاقا‬
‫ومواراة بعد وفاة النبي وأثار الفتن ضد عثمان بن عفان و نسب‬
‫اللوهية لعلي بن أبي طالب وظهرت بسببه عقيدة التشيع التي‬
‫أخذت كثيرا مما عند ديانة الفرس وهذا يدل على الدور الخبيث‬
‫الذي يلعبه اليهود لتشويه العقائد على مر التاريخ‪.‬‬
‫]‪ [90‬و من أمثلة ذلك ما صدر عن المجمع الفاتيكاني الثاني في‬
‫الستينات من تبرئة اليهود من دم المسيح عليه السلم ضاربا‬
‫بنصوص الكتاب المقدس عرض الحائط إكراما لليهود!!‬
‫]‪ [91‬يقول العالم اللماني تولستوي في مقدمة إنجيله الخاص‬
‫الذي وضع فيه ما يعتقد صحته‪ " :‬ل ندري السر في اختيار‬
‫الكنيسة هذا العدد من الكتب وتفضيلها إياه على غيره‪ ،‬واعتباره‬
‫مقدسا ً منزل ً دون سواه مع كون جميع الشخاص الذين كتبوها‬
‫في نظرها رجال قديسون‪ ...‬ويا ليت الكنيسة عند اختيارها لتلك‬
‫الكتب أوضحت للناس هذا التفضيل‪...‬إن الكنيسة أخطأت خطأ ل‬
‫يغتفر في اختيارها بعض الكتب ورفضها الخرى واجتهادها‪." ..‬و‬
‫قال جـون لوريمر في تاريخ الكـنيسة عن هذه الناجـيل ]‪ ..‬لم‬
‫يصلنا إلى الن معـرفة وافـية عن الكـيفـية التي اعـتبرت بها‬
‫الكـتب المقـدسة كـتب قانونية‪ [..‬فإذا كانت قـد فـرضت بالقـوة‬
‫فـمن الذي فـرضها ولمصلحـة من؟ وإذا كان ليس هـناك معـرفة‬
‫عن كـيفـية اخـتيارها لتكـون كـتًبا قانونية فـكـيف تكـون‬
‫مقـدسة؟‬
‫]‪ [92‬هذا مثال واحد من آلف المثلة وهو للمريكية‪Barbara A. :‬‬
‫‪ Brown‬التي أسلمت في أوائل التسعينات وألفت كتاب ‪A closer look‬‬

‫‪211‬‬
‫‪ :at Christianity‬ويمكنك قراءته من هنا‬
‫‪http://home.swipnet.se/islam/books/Closer-Look/frcont13.htm‬‬
‫ويمكنك التعرف على نماذج أخرى ممن دخل السلم من‬
‫‪http://thetruereligion.org/modules/xfsection‬‬
‫]‪ [93‬فقد ظل مكتوبا باللغة اليونانية حتى القرن السادس عشر‬
‫عندما تم ترجمته للغة اللتينية التي يعرفها الناس وقد دفع أحد‬
‫المترجمين حياته ثمنا لهذه الجريمة!!‬
‫]‪ [94‬وجعلت الكنيسة البابا نائبا للمسيح على الرض وبالتالي‬
‫فأرائه غير قابلة للنقاش‪ ،‬وما يحدده في العقيدة يعتبر قضـايا‬
‫ن َأن‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬
‫ريد ُ ال ّ‬‫يقينية حتى كاد البابا أن يكون إلها رابعا)وَي ُ ِ‬
‫ضل َل ً ب َِعيدًا(!!‬ ‫م َ‬ ‫ضل ّهُ ْ‬
‫يُ ِ‬
‫]‪ [95‬برغم ما جاء في سفر الخروج‪).:‬ل يكن لك آلهة أخرى‬
‫أمامي‪ ،‬ل تصنع لك تمثال ً منحوتًا‪ ،‬ول صورة مما في السماء‬
‫فوق‪ ،‬وما في الرض من تحت‪ ،‬وما في الماء من تحت الرض‪ ،‬ل‬
‫تسجد لهن‪ ،‬ول تعبدهن؛ لني أنا الرب إلهك‪ ،‬إله غيور( ‪-20/3‬‬
‫‪6‬ولو كان استعمال هذه الصور والصلبان صوابا لستعملت أيام‬
‫المسيح أو في الثلثة أجيال الولى على القل‬
‫]‪ [96‬مثل حركة البروتستانت وهي تعني بالعربية المعارضين‬
‫التي تزعمها مارتن لوثر في القرن السادس عشر هي تخلو من‬
‫كثير من هذه المظاهر الوثنية واستعباد البشر الذي عند طوائف‬
‫النصارى الخرى‬
‫]‪ [97‬مثل ما جاء على لسان بولس‪ " :‬إني أتعجب أنكم تنتقلون‬
‫هكذا سريعا ً عن الذي دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر ليس‬
‫هو‪ ،‬غير أنه يوجد قوم يزعجونكم‪ ،‬ويريدون أن تحولوا إنجيل‬
‫المسيح " غلطية ‪ 8-1/6‬ويقول مرقس‪ " :‬من يهلك نفسه من‬
‫أجلي ومن أجل النجيل فهو يخلصها ")مرقس ‪ .(8/35‬ويقول‪"،‬‬
‫ل‪»15 :‬قَدِ‬ ‫ل اللهِ َقائ ِ ً‬ ‫جي ِ‬ ‫ل‪ ،‬ي ُب َ ّ‬
‫شُر ب ِإ ِن ْ ِ‬ ‫جِلي ِ‬‫قة ِ ا ل ْ َ‬‫من ْط َ َ‬
‫سوع ُ إ َِلى ِ‬ ‫ان ْط َل َقَ ي َ ُ‬
‫ل‬
‫جي ِ‬ ‫ه‪ .‬فَُتوُبوا َوآ ِ‬
‫مُنوا ِبال ِن ْ ِ‬ ‫ت الل ِ‬‫كو ُ‬ ‫مل َ ُ‬‫ب َ‬ ‫ن َواقْت ََر َ‬
‫ما ُ‬ ‫ل الّز َ‬ ‫م َ‬‫اك ْت َ َ‬
‫")مرقص ‪ (16-1/15‬فأي إنجيل ترى كان هذا الذي يعنيه‬
‫المسيح؟؟ أكان يدعو الناس لليمان بإنجيل لم ُيكتب بعد؟؟‬
‫]‪ [98‬ويمكنك قراءة بعض فصوله بالعربية من‪:‬‬
‫‪ /http://www.multimania.com/barnaba‬وبالنجليزية من ‪http://www.barnabas.net‬‬
‫وهذه مقدمة إنجيل برنابا يوضح فيها سبب تأليفه لهذا الكتاب‪:‬‬
‫برنابا رسول يسوع الناصري المسمى المسيح يتمنى لجميع‬
‫سكان الرض سلما ً و عزاًء‪ -2 .‬أيها العزاء إن الله العظيم‬
‫العجيب)وهي تسمية ل تصح لله( قد افتقدنا في هذه اليام‬
‫الخيرة بنبيه يسوع المسيح برحمة عظيمة للتعليم واليات التي‬

‫‪212‬‬
‫اتخذها الشيطان ذريعة لتضليل كثيرين بدعوى التقوى‪-3.‬‬
‫مبشرين بتعليم شديد الكفر‪ -4 .‬داعين المسيح ابن الله‪-5 .‬‬
‫ورافضين الختان الذي أمر الله به دائمًا‪ -6 .‬مجوزين كل لحم‬
‫نجس‪ -7 .‬الذين ضل في عدادهم أيضا ً بولس الذي ل أتكلم عنه‬
‫إل مع بالغ السى‪ -8 .‬وهو السبب الذي لجله أسطر ذلك الحق‬
‫الذي رأيته وسمعته أثناء معاشرتي ليسوع لكي تخلصوا ول‬
‫يضلكم الشيطان فتهلكون في دينونة الله‪ -9 .‬وعليه فاحذروا كل‬
‫أحد يبشركم بتعليم جديد مضاد لما أكتبه لتخلصوا خلصا ً أبديًا‪.‬‬
‫]‪ [99‬عجيب أن يقرأ النسان في العهد القديم معتقدا بقدسيته‬
‫بدون أن يدري على القل أسماء مؤلفي أسفاره!!‬
‫]‪ [100‬جاء في مجلة ‪LOOK‬عام ‪ 1952‬في مقال بعنوان حقيقة‬
‫الكتاب المقدس أن العهد الجديد وحده به نحو ‪20‬ألف خطأ!!‬
‫]‪Robert Kehl. Zeller [101‬‬
‫]‪ [102‬جاء في خاتمة إنجيل يوحنا"هذا هو التلميذ الذي يشهد‬
‫بهذا‪ ،‬وكتب هذا‪ ،‬ونعلم أن شهادته حق ")يوحنا ‪ .(24 / 21‬فهذه‬
‫الفقرة كما يقول المحققون دليل على عدم صحة نسبة النجيل‬
‫إلى يوحنا‪ ،‬إذ هي تتحدث عن يوحنا بصيغة الغائب‪ .‬إل إذا كانت‬
‫من إضافة أحد الناسخين أو المترجمين بدون إشارة منه بذلك‬
‫وفي هذه الحالة ما الذي يضمن أل تكون أجزاء أخرى هي من‬
‫إضافة الناسخين؟‬
‫]‪ [103‬يمكنك مراجعة ذلك بنفسك في الموسوعة البريطانية في‬
‫أي مكتبة عامة تحت كلمة ‪ Bible‬أو ‪Gospel‬‬
‫]‪ [104‬يفهم من هذه المقدمة أمور أخرى منها‪ :‬أن إنجيله‬
‫خطاب شخصي‪ ،‬وأنه دّونه بدافع شخصي‪ ،‬وأن له مراجع نقل‬
‫عنها بتدقيق‪ ،‬وأن كثيرين كتبوا غيره‪ ،‬ولم يذكر لوقا في مقدمته‬
‫شيئا ً عن إلهام إلهي ألهمه الكتابة أو وحي من روح القدس نزل‬
‫عليه‪ .‬نقل عن)هل العهد الجديد كلم الله(‬
‫]‪ [105‬فأين هذا من دقة تدوين الحاديث النبوية التي ُيعرف‬
‫سلسلة رواتها من أول رجل سمعها من النبي إلي آخر رجل في‬
‫السلسلة يرويها اليوم للناس كما سمعها و كل منهم يقول‪ :‬قال‬
‫فلن حدثنا فلن؟؟‬
‫]‪ [106‬جاء في مقدمة الطبعة المريكية المعدلة عام ‪ 1952‬أن‬
‫طبعة الملك جيمس حوت أخطاء جسيمة كثيرة جدا!‬
‫]‪ [107‬يوجد اختلف بين علماء التاريخ حول تاريخ ولدة المسيح‬
‫عليه السلم‬
‫]‪.Davies, A. Powell. The Meaning of the Dead Sea Scrolls [108‬‬
‫]‪ [109‬ويسمى أيضا ‪Spouter or Preacher of lies‬‬

‫‪213‬‬
‫]‪ [110‬انظر ‪ 4Q541 frag. 9 col. I‬ونبينا محمد هو الذي حارب أعداءه‬
‫وحكم سيفه و بالتالي ل تنطبق هذه الصفات على غيره‪ .‬والله‬
‫اعلم‬
‫]‪ [111‬مخطوطات البحر الميت ‪ -‬أحمد عثمان ص ‪147 -127‬‬
‫]‪ [112‬من أوائل من كتب فيه ريشارد سيمون ))‪Richard Simon‬في‬
‫كتابه التاريخ النقدي للعهد القديم ‪"."Critical History of the Old Testament‬‬
‫]‪ [113‬وما جاء على لسان الب كارل رانير في المجمع‬
‫المسكوني الفاتيكاني الثاني الذي انتهى عام ‪ 1965‬قوله‪ " :‬لقد‬
‫أصبح من الصعب تصديق الناجيل من كثرة ما تم بها من تحريف‬
‫وقد ألح العديد من رجال الكهنوت في المجمع على ضرورة‬
‫القيام بمراجعة الناجيل حتى ل يصاب المسيحيون بالحباط‬
‫وحتى ل يتعرض المثقفون للفضيحة وحتى ل تتعرض العقيدة‬
‫المسيحية نفسها للسخرية!!"‬
‫]‪)[114‬هل العهد الجديد كلمة الله( ص ‪151‬‬
‫]‪""Foi en la Resurrection, Resurrection de la foi [115‬‬
‫]‪.Initiation to the Gospels [116‬‬
‫]‪ [117‬عن أبي هريرة‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬قال‪):‬إن‬
‫عفريتا من الجن تفلت علي البارحة ‪ -‬أو إن الشيطان‪ -‬ليقطع‬
‫علي الصلة‪ ،‬فأمكنني الله منه‪ ،‬فأردت أن أربطه إلى سارية من‬
‫سواري المسجد‪ ،‬حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم‪ ،‬فذكرت قول‬
‫أخي سليمان‪} :‬رب اغفر لي وهب لي ملكا ل ينبغي لحد من‬
‫بعدي{( فرده الله خاسئا‬
‫]‪ [118‬يقول)ول ديورانت( فى كتابه المشهور قصة الحضارة‬
‫"مهما يكن من أمر هذه الكتابات الغرامية فان وجودها في العهد‬
‫القديم سر خفي‪ ....‬ولسنا ندرى كيف غفل أو تغافل رجال الدين‬
‫عما في هذه الغاني من عواطف شهوانية وأجازوا وضعها في‬
‫الكتاب المقدس" الجزء ‪ 3‬صفحة ‪.388‬‬
‫]‪ [119‬من كتاب هل العهد القديم كلمة اللـه؟؟ د‪ .‬منقذ السقار‬
‫‪ [Maurice Bucaille, The Bible, The Quran and Science[120‬يمكنك قراءته من‪:‬‬
‫‪http://home.swipnet.se/islam/books/maurice/frcont15.htm‬‬
‫]‪ [121‬يقول الدكتور روبرت في كتابه " حقيقة الكتاب المقدس‬
‫"‪ ":‬ل يوجد كتاب على الطلق به من التغييرات والخطاء‬
‫والتحريفات مثل ما في الكتاب المقدس "‪ ،‬وينقل روبرت أن آباء‬
‫الكنيسة يعترفون بوقوع التحريف عن عمد‪ ،‬وأن الخلف بينهم‬
‫محصور فيمن قام بهذا التحريف‪ .‬ومن الطريف أن د‪ .‬روبرت قد‬
‫أعد لمطبعة " تسفنجلي " مذكرة علمية تطبع مع الكتاب‬
‫المقدس‪ ،‬ثم منع من طبعها‪ ،‬ولما سئل عن السبب في منعها‬

‫‪214‬‬
‫قال‪ " :‬إن هذه المذكرة ستفقد الشعب إيمانه بهذا الكتاب "‪.‬‬
‫ولعل أهم أمثلة تحريف الطبعات قاطبة ما جاء في رسالة يوحنا‬
‫الولى " فإن الذين يشهدون)في السماء هم ثلثة الب والكلمة‬
‫والروح القدس‪ ،‬وهؤلء الثلثة هم واحد‪ ،‬والذين يشهدون في‬
‫الرض( هم ثلثة الروح والماء والدم‪ ،‬والثلثة هم في الواحد‬
‫")يوحنا)‪ ،(8 - 5/7 (1‬والفقرة الولى التي تتحدث عن شهود‬
‫السماء غير موجودة في النسخ القديمة‪ ،‬وقد كتب إسحاق نيوتن‬
‫رسالة بلغت خمسين صفحة أثبت فيها تحريف هذه العبارة التي‬
‫بقيت في سائر الطبعات والتراجم بلغات العالم المختلفة إلى‬
‫أواسط هذا القرن‪ .‬وكانت بعض الطبعات العربية القديمة قد‬
‫وضعتها بين هللين لتدل على عدم وجودها في المخطوطات‬
‫القديمة كما في ترجمة الشرق الوسط ‪1933‬م‪ ،‬ومثلها صنعت‬
‫طبعة دار الكتاب المقدس في الشرق الوسط‪ ،‬لكن الفقرة‬
‫موجودة بدون أهلة في سائر التراجم العربية سوى ترجمة العالم‬
‫الجديد البرتسنتية وترجمة الكاثوليك العربية المسماة بالرهبانية‬
‫اليسوعية‪ ،‬فإنهما أزالتاها‪ ،‬واعتبرتا نص التثليث المهم نصا ً دخيل ً‬
‫ملحقا ً بالكتاب المقدس‪ .‬وفي عام ‪1952‬م أصدرت لجنة تنقيح‬
‫الكتاب المقدس نسخة)‪ ،(R. S. V‬النسخة القياسية المراجعة‪ ،‬وكان‬
‫ر‬
‫هذا النص ضمن ما حذفه المنقحون‪ ،‬لكن هذا التنقيح لم يس ِ‬
‫على مختلف تراجم النجيل العالمية‪ .‬وكذلك ما جاء مرقص)‬
‫‪ (20-16/9‬فإنها موجودة في بعض النسخ دون بعض فقد ذكر‬
‫جورج بوست في قاموس الكتاب المقدس أنها لم تكن في‬
‫الكتب القديمة وغير ذلك من نصوص مثل يوحنا ‪ 53:7‬ويوحنا‬
‫‪ 11- 8:1‬ومتى ‪17:21‬‬
‫]‪ [122‬من كتابه هل الكتاب المقدس كلم الله ص ‪17‬‬
‫=================‬
‫مفاهيم أساسية لدراسة السيرة النبوية‬
‫محمد جلل القصاص‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫المقدمة وتشمل بيان‪:‬‬
‫أهمية وضع ضوابط لقراءة السيرة النبوية‬
‫)السيرة النبوية ـ على صاحبها الصلة والسلم ـ هي في الحقيقة‬
‫عبارة عن الرسالة التي حملها رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫كا‪ ،‬وقَل َ َ‬
‫ب بها‬ ‫إلى المجتمع البشرى قوًل وفعًل‪ ،‬وتوجيها وسلو ً‬
‫دل مكان السيئة الحسنة‪ ،‬وأخرج بها الناس من‬ ‫موازين الحياة‪ ،‬فب ّ‬
‫الظلمات إلى النور‪ ،‬ومن عبادة العباد إلى عبادة الله(‬

‫‪215‬‬
‫أي أنها ـ بلغة القوم ـ حركة من حركات الصلح التي عرفتها‬
‫البشرية‪.‬‬
‫واليوم يتنادى كثيرون للصلح الديني والجتماعي والقتصادي‬
‫والسياسي‪ ...‬الخ‪ .‬وكثير من هؤلء يدعي النتساب للدين وأنه‬
‫ينطلق من ثوابت الدين الكلية ويستوقد من سيرة الحبيب صلى‬
‫الله عليه وسلم شعلة يستضيء بها في رحلة)الصلح( التي يقوم‬
‫بها‪.‬‬
‫والحقيقة أن الكل يذهب للسيرة بخلفية فكرية مسبقة فَيبُتر‬
‫ويجتزئ وينقل ما يريد مما يحقق له أهدافه‪ ،‬وقد رأينا أن‬
‫العلمانيين ومن بذروا بذور العلمانية في عالمنا السلمي كـ)طه‬
‫حسين( و)ورفاعة الطهطاوي( قد كتبوا في السيرة النبوية‪.‬‬
‫ولكنها طريقة أهل الهواء والبدع الذين يعتقدون ثم يستدلون‪ ،‬أو‬
‫الذين يذهبون إلى النصوص ليأتوا بها على هواهم‪.‬‬
‫لذا كان لبد من وضع ضوابط لدراسة السيرة النبوية‪.‬‬
‫ولما كانت الخلفية الفكرية للكاتب أو المتحدث تنعكس على‬
‫أفكاره المكتوبة أو المقروءة ول بد‪ ،‬رأينا ـ ممن يتكلمون في‬
‫السيرة من دعاة الصحوة السلمية المباركة ـ من ل يرى في‬
‫السيرة إل السيف والجهاد‪ ،‬ومنهم من ل يرى إل الشخاص‪،‬‬
‫ويحاول أن يصور المر على أنه بطولت شخصية‪ ،‬وتنحصر رؤيته‬
‫في عبقرية الشخص وتوصيف الحدث دون ربطه بغيره أو النظر‬
‫إلى فقه الحدث وما فيه من التشريعات‪.‬‬
‫فغالب الطرح الموجود للسيرة النبوية يغلب عليه إثبات الوقائع‬
‫ووصف تطور الحداث وذكر النتائج‪.‬وهو أمر جيد إن كان الخطاب‬
‫موجه فقط للعوام من الناس‪.‬‬
‫وقد حاولت في هذه الرسالة أن أضع بعض الصول لدراسة‬
‫السيرة النبوية‪ .‬ولم تقع عيني على دراسة مشابه لشيوخنا‬
‫الكرام‪ ،‬لذا بذلت ما استطعت من الجهد وأعترف بأن المر‬
‫مازال يحتاج إلى مزيد من الدراسة‪ ،‬والله أسأل أن يبارك لي في‬
‫كلماتي وأن ينفع بها‪.‬‬
‫أول‪ :‬أهمية دراسة السيرة النبوية‪:‬‬
‫ب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبادة‪ ،‬قال تعالى‪):‬‬ ‫ح ّ‬ ‫‪1‬ـ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م(‪].‬الحزاب‪ :‬الية ‪[6‬‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن أن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫ي أوَْلى ِبال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫كو َ‬‫حّتى أ ُ‬ ‫م َ‬ ‫حد ُك ُ ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫سي ب ِي َد ِهِ َل ي ُؤ ْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ذي ن َ ْ‬ ‫وفي الحديث " فَوَ ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ه"‬ ‫ن َوال ِد ِهِ وَوَل َد ِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ب إ ِل َي ْهِ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫أ َ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ي َ‬ ‫معَ الن ّب ِ ّ‬ ‫ل‪ :‬ك ُّنا َ‬ ‫شام ٍ َقا َ‬ ‫ن هِ َ‬ ‫وفي البخاري عن ع َب ْد َ الل ّهِ ب ْ َ‬
‫مُر‪َ :‬يا‬ ‫ه عُ َ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ب فَ َ‬ ‫طا ِ‬ ‫خ ّ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫مَر ب ْ ِ‬‫خذ ٌ ب ِي َد ِ ع ُ َ‬ ‫م وَهُوَ آ ِ‬ ‫سل ّ َ‬
‫ع َل َي ْهِ وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قا َ‬
‫ل‬ ‫سي فَ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫يٍء إ ِّل ِ‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ب إ ِل َ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫تأ َ‬ ‫ل الل ّهِ َلن ْ َ‬ ‫سو َ‬ ‫َر ُ‬

‫‪216‬‬
‫ن‬
‫كو َ‬ ‫حّتى أ َ ُ‬ ‫سي ب ِي َد ِهِ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ذي ن َ ْ‬ ‫م‪َ " :‬ل َوال ّ ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫ح ّ‬ ‫تأ َ‬ ‫ن َوالل ّهِ َلن ْ َ‬ ‫ه اْل َ‬ ‫مُر فَإ ِن ّ ُ‬ ‫ه عُ َ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ك " فَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ب إ ِل َي ْ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫أ َ‬
‫مُر‬‫ن َيا ع ُ َ‬ ‫م‪ " :‬اْل َ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫سي فَ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫إ ِل َ ّ‬
‫مَتى‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫ساع َةِ فَ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫" وجاء رجل إلى النبي صلى الله فسأله ع َ ْ‬
‫ل ‪َ :‬ل‬ ‫ت ل ََها؟ َقا َ‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬ ‫ة َقا َ‬
‫ذا أع ْد َد ْ َ‬ ‫ل ـ صلى الله عليه وسلم ـ‪ :‬وَ َ‬ ‫ساع َ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل‪" :‬‬ ‫قا َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ب الل ّ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫يَء إ ِّل أّني أ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫قوْ ِ‬ ‫حَنا ب ِ َ‬ ‫يٍء فََر َ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬‫حَنا ب ِ َ‬ ‫ما فَرِ ْ‬ ‫س فَ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ل أن َ‬ ‫ت‪َ :‬قا َ‬ ‫حب َب ْ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫معَ َ‬ ‫ت َ‬ ‫أن ْ َ‬
‫َ‬
‫ب‬‫ح ّ‬ ‫س فَأَنا أ ُ ِ‬ ‫صّلى الل ّه ع َل َيه وسل ّم أ َنت مع من أ َحببت َقا َ َ‬
‫ل أن َ ٌ‬ ‫ْ ِ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ ْ َْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫معَهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن أكو َ‬ ‫جو أ ْ‬ ‫مَر وَأْر ُ‬ ‫م وَأَبا ب َكرٍ وَع ُ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه ع َلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‪.‬‬‫مال ِهِ ْ‬ ‫ل أع ْ َ‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫ل بِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م أع ْ َ‬ ‫نل ْ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫حّبي إ ِّياهُ ْ‬ ‫بِ ُ‬
‫والقتداء به ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو أحد ركني السلم الذي‬
‫قام عليهما)الخلص والمتابعة(‪ ،‬قال تعالى )لقد كان لكم في‬
‫رسول الله أسوة لمن كان يرجوا الله واليوم الخر وذكر الله‬
‫كثيًرا( ] الحزاب‪ .[ 21:‬وهو أيضا الترجمة الحقيقية للمحبة قال‬
‫الله تعالى‪) :‬قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر‬
‫لكم ذنوبكم والله غفور رحيم(] آل عمران‪[ 31 :‬‬
‫ومن أمحل المحال أن يحب المرء من يجهل أوصافه وأحواله‪،‬‬
‫ومن أمحل المحال أن يقتدي المرء بمن ل يعرف شيًئا عن‬
‫سيرته وهديه‪ ،‬من هنا تأتي أهمية شرح السيرة النبوية لتوضيح‬
‫صفاته وأحواله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ليعرفها من جهل فيحب‬
‫ويتبع‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وتعّلم السيرة النبوية عبادة فقد جاء عن علي بن الحسين‬
‫رضي الله عنهما أنه قال‪ " :‬كنا ُنعّلم مغازي النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم كما نعلم السورة من القرآن"‪.‬‬
‫وقال إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص‪» :‬كان أبي‬
‫يعلمنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعدها علينا‪،‬‬
‫ويقول‪ :‬هذه مآثر آبائكم فل تضيعوا ذكرها«)‪.(1‬‬
‫‪ 3‬ـ وإذا أعملنا قاعدة " الوسائل لها أحكام المقاصد " ـ وهو‬
‫ممكن هنا ـ وجدنا أن السيرة النبوية إحدى وسائل التعبد‪ ،‬تأخذ‬
‫حكم الغاية التي تصل إليها‪ .‬وبعض الغايات عبادات واجبة‪ ،‬وبعض‬
‫الغايات دفاع عن الحبيب صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ وفي السيرة توضيح لكثير من معاني القرآن الكريم‪ ،‬كتلك‬
‫اليات التي تتكلم عن الغزوات في سورة آل عمران‪ ،‬والتوبة‬
‫والحزاب والفتح والحشر‪ ،...‬كما أن في دراسة السيرة النبوية‬
‫بيان لكثير من أسباب النزول‪ .‬فهناك سور بأكملها تتكلم عن‬
‫غزوة مثل سورة النفال التي تتكلم عن غزوة بدر‪ ،‬وسورة التوبة‬
‫التي تتكلم عن غزوة تبوك‪ ،‬وسورة الحشر التي تتكلم عن جلء‬

‫‪217‬‬
‫بني النضير‪ ،‬وهناك آيات كثيرة في سورة آل عمران تتحدث عن‬
‫دا ل بد من دراسة السيرة‬ ‫غزوة أحد‪ ،‬وحتى تفهم هذه اليات جي ً‬
‫النبوية‪.‬‬
‫‪5‬ـ ولما كانت القدوة لبد منها في حياة الناشئة كان ل بد من‬
‫تعلم السيرة النبوية‪ ،‬لعطاء الجيال نماذج طيبة طاهرة‪ ،‬من‬
‫الصحابة والتابعين‪ ،‬وطرد النماذج الجاهلية أو الخيالية التي تعطى‬
‫للطفال فيما يعرض على الشاشات المرئية أو في القصص‬
‫المكتوبة مما عمت به البلوى هذه اليام‪ .‬ففي السيرة نماذج حية‬
‫للقادة العظماء وعلى رأسهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وفي السيرة نماذج حّية للزهاد وعلى رأسهم النبي محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وفي السيرة نماذج للتجار الناجحون المخلصون التقياء‪ .‬وفي‬
‫السيرة أفضل النماذج للمربين وعلى رأسهم النبي محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬وفي السيرة أسمى نماذج الصبر والثبات والجد‬
‫في الحصول على المراد‪.‬‬
‫ول بد من عقد المقارنة بين هذه النماذج الخيالية المكذوبة التي‬
‫ل يستفيد منها القارئ وخاصة الناشئة شيء‪ ،‬وبين نماذج البطولة‬
‫الحية الموجودة في السيرة النبوية‪.‬‬
‫بل ل بد من عقد المقارنة بين عظماء التاريخ السلمي وعلى‬
‫رأسهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم وباقي الجبابرة الذين‬
‫استخفوا قومهم فأطاعوهم‪ ،‬والذين ملكوا على الناس بالسيف‪،‬‬
‫ولم يتركوا أثرا لهم ُيحي ذكرهم بالخير بين الناس كما كان حال‬
‫من رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ واليوم دار الزمان دورة أخرى‪ ،‬وصار الكفر هو القوة‬
‫العظمى الوحيدة على وجه الرض ففرض علينا ما هو مرفوض‬
‫في ديننا‪ ،‬وتبعه كثير من قومنا رغبة ورهبة‪ ،‬ول بد من التصدي‬
‫لهذه الحالة والوقوف بوجهها‪ ،‬لذا كان ل بد من معرفة كيف عالج‬
‫رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المر من قبل‪ .‬وُتعرض‬
‫السيرة النبوية كنموذج للصلح ورد الناس إلى دين الله‪.‬‬
‫وأحاول ـ بحول الله وقوته ـ عرض بعض المفاهيم التي ل بد منها‬
‫ـ من وجهة نظري ـ لمن يريد دراسة السيرة النبوية أو عرضها‬
‫على الناس‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬السيرة النبوية وصحة المصادر‪:‬‬
‫يعاني النصارى واليهود من الشك الكبير في تراثهم الديني‪ ...‬كل‬
‫تراثهم الديني؛ بل في أقدس ما لديهم وهو ما يسمونه)الكتاب‬
‫المقدس(‪ ،‬فهم مختلفون أو قل يجهلون الكثير عن الشخصيات‬
‫التي كتبت)العهد القديم( وكذا من كتبوا الناجيل )القانونية منها‬

‫‪218‬‬
‫وغير القانونية(‪ ،‬والكلم في التشكيك فيمن كتبوا الناجيل‬
‫مشهور ومعلوم‪ ،‬والمعلومات عن الصول التي تمت الترجمة‬
‫منها تكاد تكون معدومة‪ ،‬والحديث عن ما يسمونهم بــ)الباء‬
‫محتكر بين طائفة معينة‪ ،‬ومن يدخل منهم‬ ‫الولون( حديث ُ‬
‫السلم يتكلم بأنه كله كذب ولول ذلك لخرج للعوام‪ ،‬فهم إذا في‬
‫شك كبير من كتابهم وتراثهم الفكري والتاريخي‪ ،‬وهو مصداق‬
‫قول الله تعالى‪):‬وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك‬
‫منه مريب( ويستر عيبهم أن الدين حكر على الحبار والرهبان‪،‬‬
‫وأن العوام ليس لهم من الدين سوى بعض القضايا الذهنية التي‬
‫يعتقدونها كقضية الفداء والصلب مثل عند النصارى‪ ،‬وبعض‬
‫الشعائر التعبدية التي يلتزم بها القليل‪ .‬ول يلم عليها الباقين‪.‬‬
‫هذا حال أقرب الديانات لنا ـ النصرانية ـ والمر أسوء في‬
‫اليهودية والبوذية وغيرهما من الديانات الخرى‪.‬‬
‫أما نحن المسلمين فنعرف عن نبينا صلى الله عليه وسلم‬
‫وصحابته الكرام رضوان الله عليهم كل شيء‪ ...‬نعرف عنه صلى‬
‫الله عليه وسلم مأكله ومشربه وملبسه ومشيته وجلسته‪ ،‬وكيف‬
‫كان ينام‪ ،‬وكيف كان يضحك‪ ،‬وما كان يحب من الشياء‪ ،‬ومن‬
‫كان يحب ويكره من الشخاص‪ ،‬ونعرف صلته وغزواته‪ ،‬وحاله‬
‫في بيته مع نسائه وأطفاله وأحفاده‪ ،‬ونعرف عن نبينا ما ل يعرفه‬
‫أحدنا عن أبيه‪.‬‬
‫مّنة من الله عظيمة يجب التنبيه عليها لمن يعرض السيرة‬ ‫وهذه ِ‬
‫النبوية على الناس‪ ،‬فنحن حين نعرض السيرة النبوية نتكلم عن‬
‫عْلم مدون‪ ،‬وليس عن قصص مفترى‪ .‬ونتكلم عن حقائق‬ ‫ِ‬
‫وأشخاص معروفة ومعلومة وليس عن أشخاص وهمية‪.‬‬
‫ويعرف أهمية هذا من يناظر النصارى ويختلط بهم‪.‬‬
‫وأمًرا آخر يجب التنبيه عليه وهو أن الكتب التي تأخذ منها السيرة‬
‫النبوية ومنها كتب التفسير تثبت الروايات الضعيفة والمكذوبة‬
‫دا وجود هذه الروايات في كتب‬ ‫للرد عليها وتضعيفها‪ .‬فل يعني أب ً‬
‫السير أنها صحيحة فل بد من اللتفات إلى التعليق الذي يذكره‬
‫المؤلف على القصة أو الرواية‪.‬‬
‫مثل قصة الغرانيق العل التي أوردها المفسرون في سورة النجم‬
‫ولم يقل أحد منهم أن القصة صحيحة‪ ،‬بمعنى أنه نزل في القرآن‬
‫آيات تقول عن)اللت( و)العزى( " أنهم هم الغرانيق العل وإن‬
‫ما من اليام آيات من‬ ‫دا يو ً‬
‫شفاعتهم لترتجى" فلم تكن هذه أب ً‬
‫كتاب الله وتم نسخها أو حذفها‪ .‬ولم يذكرها المفسرون من باب‬
‫التأيد‪ ،‬وإنما من باب التكذيب والرد على من يقول بها‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫ومثال ذلك أيضا ما يقال عن الحمار)يعفور( الذي كلم النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم يوم خيبر‪ ،‬وما يقال من أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم رأى زينب في ثياب شفافة فأعجبته وسعى في‬
‫طلقها من زيد ليتزوجها هو صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ضا‬
‫هذه الروايات ومثلها ترد في كتب السير وكتب التفسير أي ً‬
‫لتكذبيها والرد عليها‪.‬‬
‫وليس مجرد وجودها هو إثبات لها كما يفتري أهل الكتاب‪.‬‬
‫فالواجب على من يعرض السيرة أن ينبه على هذا المر‪.‬‬
‫طا ل يستحق الوقوف عنده‬ ‫وقد يبدو للقارئ أن هذا المر بسي ً‬
‫والتنبيه عليه‪ ،‬إل أنك حين تعلم أن دعاة الكفر ينقلون هذه‬
‫الشياء لمن يسمعونهم من المسلمين والنصارى ويقولون لهم ها‬
‫نحن ننقل لكم من كتب أئمتهم الكبار)بن كثير( و)القرطبي(‬
‫و)الجللين(‪ ...‬الخ يتبين لك مدى أهمية التنبيه على هذا المر‪،‬‬
‫وعلى هذا المسلك الفاسد الذي هو في حقيقة أمره كذب ليس‬
‫إل‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم المفترى عليها‪:‬‬
‫ب للحبيب صلى الله عليه وسلم ليس حدًثا‬ ‫ما يحدث اليوم من س ّ‬
‫عابًرا قامت به صحيفة سيئة الخلق نفثت به عن حقدها في عدد‬
‫ملئت قلوبهم‬ ‫م حفنه من أراذل الكفار ُ‬ ‫من أعدادها‪ ،‬وليس هو ه ّ‬
‫قا على شخص الحبيب صلى الله عليه وسلم فقاموا‬ ‫ظا وحن ً‬ ‫غي ً‬
‫يمثلون وينكتون ويسخرون‪ .‬بل لو كان المر كذلك لكان مما‬
‫يسعه الصدر على عظمه إذ أن مجاراة السفهاء أمر يترفع عنه‬
‫العقلء‪ ...‬ولكن‪..‬المر أعمق من هذا كله‪.‬‬
‫ت‬‫هذه المور ليست إل كما يقول الله عز وجل‪ ...):‬قَد ْ ب َد َ ِ‬
‫خفي صدورهُ َ‬ ‫ال ْبغْضاء م َ‬
‫ت‬‫م الَيا ِ‬ ‫م أك ْب َُر قَد ْ ب َي ّّنا ل َك ُ ُ‬
‫ُ ُ ُ ْ‬ ‫ما ت ُ ْ ِ‬
‫م وَ َ‬ ‫ن أفْ َ‬
‫واه ِهِ ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ن()آل عمران‪ :‬من الية ‪ .(118‬وهاأنذا أنادي‬ ‫ُ‬
‫قلو َ‬ ‫م ت َعْ ِ‬ ‫ِإن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬
‫العقلء‪ .‬فهل يسمعون؟‪ ...‬وهل يجيبون؟‪ ...‬وليت أولى العزم من‬
‫من يلبون؟‬ ‫العقلء َ‬
‫من قبل كان النصارى في حملتهم)التبشيرية( يتكلمون عن‬
‫النصرانية‪ ...‬يبترون ويكذبون ويبدون قليل ً ويخفون كثيًرا كي‬
‫ُيظهروا دينهم المحرف في صورة يتقبلها الخر‪ .‬واتخذوا مما‬
‫يسمى بحوار الديان‪ ...‬هذا الحوار الذي يجرى مع علماء‬
‫الدين)الرسميين( وسيلة ليقولوا لمن يخاطبونهم من ضعاف‬
‫المسلمين في أدغال أفريقيا وجنوب شرق أسيا أن السلم‬
‫يعترف بنا ول يتنكر لنا فكله خير ـ بزعمهم وهم كاذبون آثمون ـ‪.‬‬
‫وكانت حملتهم على السلم حملة على شعائره‪ ...‬يتكلمون‬
‫عن)التعدد( وعن)الطلق( وعن)الحدود( وعن)الجهاد(‬

‫‪220‬‬
‫وعن)الميراث( وعن ناسخ القرآن ومنسوخه‪ ،‬ثم في الفترة‬
‫الخيرة وخاصة بعد انتشار الفضائيات ودخولها كل البيوت تقريًبا‪،‬‬
‫صا‪ ،‬أخذ‬‫ما والبالتوك خصو ً‬ ‫وكذا بعد ظهور تقنية النترنت عمو ً‬
‫القوم منحى آخر وهو التركيز على شخص الحبيب صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ .‬قاموا ينقضون السلم بتشويه صورة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬
‫سه دعاة الكفر ثوب‬ ‫ْ‬
‫ح ي ُلب ِ ُ‬‫ودعك من كلم الراذل‪ ،‬هناك طر ٌ‬
‫دعون أنه الحقيقة التي ل مراء فيها‪ ،‬يخاطبون بهذا‬ ‫الِعلمية وي ّ‬
‫الهراء قومهم ومن يتوجهون إليهم بالتنصير!!‬
‫هذا توجه عام داخل حملت التنصير اليوم‪.‬‬
‫والمر بّين لمن له أدنى متابعة لما يتكلم به القوم‪ .‬وما حدث في‬
‫الصحف الوربية هو طفح لما ُيخاطب به القوم في الكنائس‬
‫وغرف البالتوك وبعض الفضائيات عن نبي السلم صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫فهم يحاضرون ويؤلفون عن)أخلق نبي السلم(‪ ،‬يتكلمون عن‬
‫زواجه بتسع من النساء ـ وقد اجتمع عند سليمان عليه السلم‬
‫سبعمائة من النساء وهذا في كتابهم ـ‪ ،‬وعن زواجه من عائشة‬
‫ومن زينب ومن صفية ـ رضي الله عنهن‪ ،‬وعن غزواته صلى الله‬
‫عليه وسلم؛ وبطريقة البتر للنصوص واعتماد الضعيف والشاذ‬
‫والمنكر من الحديث يخرجون بكلمهم الذي يشوهون به صورة‬
‫الحبيب صلى الله عليه وسلم‪ .‬ولكنه في الخير يبدو للمستمع أن‬
‫هذا كلم)بن كثير( و)الطبري( و)بن سعد( علماء السلم‪ .‬فيظن‬
‫المخاطبون أنها الحقيقة التي يخفيها)علماء( السلم!!‬
‫دعاة النصرانية يغرفون من وعاء الشيعة الكدر النجس حين‬
‫يتكلمون عن أمهات المؤمنين وعن صحابة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم بل وفي كلمهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أحيانا‪،‬‬
‫كا في‬ ‫ويغرفون من وعاء)القرآنيون( الذين يتركون السنة تشكي ً‬
‫ثبوتها أو في عصمة الحبيب صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫والمطلوب هو قراءة جيدة لما يحدث‪ ،‬والتصدي له على أرض‬
‫الواقع‪ .‬ل نريد ثورة كلمية‪ ،‬وغضبة ل يفهم منها)الخر( إل أنها‬
‫نفرة المتعصب‪ ،‬نريد قطع الطريق على هؤلء وإحباط كيدهم‪،‬‬
‫وإنقاذ الناس من الكفر بربهم‪.‬‬
‫مطلوب خطاب أكاديمي يجفف منابع المنصرين‪ ،‬أعني ما يقوله‬
‫القرآنيون والشيعة على شخص الحبيب صلى الله عليه وسلم‬
‫ونسائه أمهات المؤمنين رضي الله عنهن‪ .‬وما يفتريه النصارى‬
‫بالبتر للنص واعتماد المكذوب والشاذ والضعيف من الحديث‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫ي بهذا طلبة درجات التخصص العليا في الكليات الشرعية‪.‬‬ ‫ومعن ٌ‬
‫ما ما‪.‬‬‫وإن أخذ المر وقتا ولكنه سيثمر بإذن الله يو ً‬
‫ومطلوب خطاب لعامة الناس يبين لهم كيف كان نبيهم صلى الله‬
‫دا كل البعد عما يقولوه النصارى‪ ،‬وأن ما يقال‬ ‫عليه وسلم بعي ً‬
‫محض كذب‪ ،‬وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان كل الكمال‬
‫وجملة الجمال صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ويأخذ شخص الحبيب صلى‬
‫ما أكبر ممن يعرضون السيرة النبوية على‬ ‫الله عليه وسلم اهتما ً‬
‫الناس‪.‬‬
‫تالله ما حملت أنثى ول وضعت * * * مثل النبي رسول المة‬
‫الهادي‪.‬‬
‫وأعرض الن واحدة من الشبهات التي يتكلم بها النصارى على‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم والرد عليها‪ ،‬ليعرف قومنا كيف‬
‫ملة في ما ُيعرض من السيرة النبوية‪ ،‬وخاصة المسموعة‬ ‫مهْ َ‬‫أنها ُ‬
‫صرون‪.‬‬ ‫التي تصل إلى العوام‪ ،‬وهم من يستهدفهم المن ّ‬
‫م‬
‫يتكلمون بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شهوانًيا ل ه ّ‬
‫له إل النساء‪ ،‬مستندين في ذلك على أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم تزوج بتسعة من النساء‪ ،‬وزواجه من عائشة رضي الله‬
‫عنها وهي في التاسعة من عمرها‪ ،‬وزواجه زينب زوجة زيد بن‬
‫حارثة ابنه بالتبني‪ ،‬وكذا زواجه من بعض السبايا‪ .‬ويسمون هذه‬
‫السماء بغير‬
‫وما يجهله الكثيرون هو أن التعدد لم يأت به السلم ابتداًء وإنما‬
‫هو المعمول به في المم من قبل‪ ...‬كذا كان إبراهيم عليه‬
‫السلم‪ ،‬وكذا كان يعقوب عليه السلم‪ ،‬وكان داود عليه السلم‬
‫كذلك‪ ،‬وكان لسليمان عليه السلم من الزوجات والجواري‬
‫سبعمائة كما يقول كتاب النصارى)المقدس(‪.‬‬
‫وكان تعدد الزوجات منتشًرا عند الفراعنة‪ ،‬وعند العرب قبل‬
‫السلم‪ ،‬وعند شعوب وسط وشرق وجنوب شرق أسيا‪ ،‬وعند‬
‫الشعوب الوثنية في إفريقيا‪ ،‬بل ظلت الكنيسة حتى القرن‬
‫السابع عشر تعترف بالتعدد‪ ،‬ول يوجد نص صريح في العهد‬
‫الجديد)النجيل( يمنع التعدد‪ ،‬أما العهد القديم)التوراة والمزامير‬
‫ورسائل بعض النبياء( ففيها نصوص كثيرة صريحة تبين شرعية‬
‫التعدد‪.‬‬
‫عا من الرسل‪.‬‬ ‫فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن بد ً‬
‫منكر بل أتى بما هو‬ ‫والسلم في إباحته للتعدد لم يأت بجديد ٍ ُ‬
‫عا وعقل ً وواقًعا‬‫معروف معمول به بين جميع الناس‪ ،‬والمنكر شر ً‬
‫هو عدم إباحة التعدد‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫ثم لو افترضنا جدل ً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كما يقول‬
‫النصارى ـ وحاشاه صلى الله عليه وسلم ـ فهذا ليس بعيب عند‬
‫النصارى أنفسهم‪.‬‬
‫حا عليه السلم شرب الخمر وتعرى وضاجع بنتاه‪،‬‬ ‫فعندهم أن نو ً‬
‫ويفترون على نبي الله لوط عليه وعلى نبينا أفضل الصلة‬
‫والسلم أن ابنتاه سقتاه الخمر فشرب حتى ذهب عقله‪ ،‬ثم قام‬
‫فزنى بإحداهما ليلة كاملة‪ ،‬وفي الليلة الثانية تكررت الفعلة مع‬
‫البنت الثانية‪ .‬قطع الله لسانهم‪ .‬وإن تعجب فمن قول كبير‬
‫الضالين في مصر)شنودة( حين راح يبرر هذه الفعلة بقولة‪):‬أن‬
‫ابنتي لوط قد فعلتا ذلك لتنجبا منه نسل ً مؤمنًا(‪ .‬أغفل عن‬
‫وا‬
‫الحكمة نبي الله لوط وفطن إليها شنودة؟!! وهل ينتشر عض ً‬
‫من سكر حتى الثمالة؟!‬ ‫َ‬
‫دا كله كذب‪.‬‬ ‫أب ً‬
‫وعندهم أن نبي الله سليمان عليه السلم ولد ُ زنى أنجبه داود‬
‫حين زنى بـزوجة أمير الجيش أوريا الحثي‪ ،‬وأنه ـ سليمان عليه‬
‫السلم ـ ارتد في أخر عمره و عبد الصنام و بنى لهم المعابد‪،‬‬
‫وذلك حين غوته النساء‪.‬‬
‫وعندهم أن نبي الله يعقوب ـ عليه السلم ـ سرق مواشي حميه‬
‫وخرج بأهله خلسة دون أن يعلمه‪.‬‬
‫وكذا أن راوبين زنى بزوجة أبيه يعقوب وعلم يعقوب بذلك الفعل‬
‫القبيح و سكت عنه‪.‬‬
‫بل لم يسلم منهم المسيح ـ عليه السلم ـ فعندهم أن المسيح‬
‫عيسي بن مريم ـ عليه السلم ـ من نسل الزنى‪ .‬وذلك طبقا ً لما‬
‫ورد في إنجيل متى)‪) (10-1‬أن عيسى بن سليمان بن داوود و‬
‫جدهم الكبر فارض الذي هو من الزنا من يهوذا بن يعقوب(‪.‬‬
‫فلو حاكمناهم إلى كتابهم لما وجدنا ما يقولونه عيًبا‪ .‬وإنما أردت‬
‫دا إل‬‫من هذا العرض أن يعلم القارئ أن القوم ل يقدسون أح ً‬
‫الحبار والرهبان‪ ،‬الذين يعتقدون فيهم العصمة‪ ،‬وأنهم لو تحاكموا‬
‫لكتابهم ما عابوا شيًئا على محمد صلى الله عليه وسلم مما‬
‫يفترونه عليه‪.‬‬
‫ثم لم يكن الحبيب صلى الله عليه وسلم هذا الشخص الذي‬
‫تأخذه النظرة‪ ،‬ويجري وراء النساء هنا وهناك‪ ،‬كما يفترون‪،‬‬
‫وسيرته شاهد على ذلك‪ .‬فقد تزوج رسول الله صلى الله عليه‬
‫ما وهي بنت‬ ‫وسلم خديجة بنت خويلد وهو ابن أربعةٍ وعشرين عا ً‬
‫ة‬
‫ما‪ .‬وكانت متزوجة من رجلين قبله‪ .‬وظل معها خمس ً‬ ‫أربعين عا ً‬
‫ما‪ ...‬إلى أن ُتوفيت رضي الله عنها‪،‬أي حتى بلغ‬ ‫وعشرين عا ً‬
‫عمره الخمسين‪ ،‬وكانت هي في الخامسة والستين‪ .‬أي أنه قضى‬

‫‪223‬‬
‫ن يمنع‪ ،‬بل كانت هناك‬ ‫معها فترة الشباب‪ ،‬ولم يكن يومها دي ٌ‬
‫الرايات الحمر تنصب على البيوت‪ ،‬وهي رايات البغايا تنادي‬
‫دا صلى الله عليه وسلم كانت له‬ ‫الرجال‪ ،‬ولم يسمع أن محم ً‬
‫نزوات الشباب التي لم تكن محرمة في ذلك اليوم‪ .‬بل كان‬
‫ل النداء‪ .‬ثم ماتت خديجة رضي الله عنه وبقي‬ ‫م ّ‬ ‫الداعي إليها ل ي َ َ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وفّيا لها بعد وفاتها يذكرها‬
‫ة رضي الله عنها‪ :‬كان رسول‬ ‫بخير‪ ،‬حتى قالت أم المؤمنين عائش ُ‬
‫الله ‪-‬صلى الله عليه وآله وسلم‪ -‬ل يكاد يخرج من البيت حتى‬
‫ما من اليام‪،‬‬ ‫يذكر خديجة‪ ،‬فيحسن الثناء عليها‪ ،‬فذكرها يو ً‬
‫فأخذتني الغيرة فقلت‪ :‬هل كانت إل عجوًزا قد أبدلك الله خيًرا‬
‫منها‪ ،‬فغضب ثم قال‪" :‬ل والله ما أبدلني الله خيرا منها‪ ،‬آمنت إذ‬
‫كفر الناس‪ ،‬وصدقتني إذ كذبني الناس‪ ،‬وواستني بمالها إذ‬
‫حرمني الناس‪ ،‬ورزقني منها الله الولد دون غيرها من النساء"‪.‬‬
‫وكان يقول صلى الله عليه وآله وسلم‪" :‬خير نسائها خديجة بنت‬
‫خويلد‪ ،‬وخير نسائها مريم بنت عمران"‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حد ٍ‬‫ت ع َلى أ َ‬ ‫ما ِغْر ُ‬ ‫ت َ‬ ‫ه ع َن َْها َقال ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬‫ة َر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬
‫ن َ‬ ‫وفي البخاري ع َ ْ‬
‫ما‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ج َ‬‫دي َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ت ع ََلى َ‬ ‫ما ِغْر ُ‬ ‫م َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ساِء الن ّب ِ ّ‬ ‫ن نِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ما‬‫ها وَُرب ّ َ‬ ‫م ي ُك ْث ُِر ذ ِك َْر َ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫َرأي ْت َُها وَل َك ِ ْ‬
‫َ‬
‫ة فَُرب ّ َ‬
‫ما‬ ‫ج َ‬
‫دي َ‬ ‫خ ِ‬
‫ق َ‬ ‫دائ ِ ِ‬
‫ص َ‬ ‫م ي َب ْعَث َُها ِفي َ‬ ‫قط ّعَُها أع ْ َ‬
‫ضاًء ث ُ ّ‬ ‫م يُ َ‬‫شاة َ ث ُ ّ‬ ‫ح ال ّ‬ ‫ذ َب َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬
‫كان َ ْ‬ ‫ل‪ :‬إ ِن َّها َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ة فَي َ ُ‬‫ج ُ‬ ‫دي َ‬ ‫خ ِ‬‫مَرأة ٌ إ ِّل َ‬ ‫ن ِفي الد ّن َْيا ا ْ‬ ‫م ي َك ُ ْ‬ ‫ه لَ ْ‬ ‫ه ك َأن ّ ُ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫قُل ْ ُ‬
‫من َْها وَل َد ٌ‬ ‫ن ِلي ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫كان َ ْ‬‫وَ َ‬
‫أتسائل‪ :‬أهذا حال من يبحث عن الشهوة؟‬
‫كم كان عمر خديجة يوم ماتت؟‬
‫ما‪.‬‬ ‫خمس وستون عا ً‬
‫فعلم يبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟‬
‫أعلى شهوة كان يقضيها معها؟‬
‫وما ُيشتهى في امرأة قاربت السبعين من عمرها‪.‬‬
‫بل والله على ألفة وعشرة‪ .‬وتلك شيم الرجال‪..‬‬
‫أخو الخنا‪ ...‬ل يقر له قرار‪ ،‬ول يعرف اللفة والعشرة‪ ،‬وإنما يوم‬
‫هنا ويوم هناك‪.‬‬
‫ة من‬ ‫ماتت خديجة وتركت للنبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ست ً‬
‫البناء‪ ...‬أربعة بنات منهن من قارب سن الزواج‪ ،‬وولدان‬
‫صغيران‪....‬‬
‫ولم يفكر صلى الله عليه وسلم من تلقاء نفسه في الزواج‪ ،‬بل‬
‫ظل فترة من الزمن بل زواج حتى جاءته خولة بنت حكيم رضي‬
‫الله عنها زوجة عثمان بن مظعون وعرضت على رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم الزواج من ثيب عجوز‪ ...‬هي سودة بنت‬

‫‪224‬‬
‫ما لولده‪ ،‬وعرضت عليه‬ ‫مَعة رضي الله عنها‪ ،‬وأرضاها لتكون أ ً‬ ‫َز ْ‬
‫صلى الله عليه وسلم الزواج من عائشة رضي الله عنها لتوطد‬
‫العلقة بينه وين صاحبه أبي بكر رضي الله عنه‪ .‬فتزوج بعد ذلك‬
‫بسودة رضي الله عنها وكانت امرأة ضخمة ثبطة)بطيئة الحركة(‬
‫مصبية)ذات أولد( ل حاجة لها في الرجال‪ .‬هكذا يصفونها‪ .‬وليس‬ ‫ُ‬
‫هذا حال من يبحث عن شهوته‪ ،‬وإنما حال من يبحث عن أم‬
‫لولده الست الذين تركتهم له خديجة رضي الله عنها‪.‬‬
‫وتزوج من عائشة رضي الله عنها‪ ،‬ولم يكن الزواج في هذا‬
‫السن)التاسعة( عيب‪ ،‬فقد كان تكلم لخطبة عائشة رضي الله‬
‫عنها جبير بن المطعم بن عدي قبل رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وكان هذا المر ـ زواج الكبير من الصغيرة ـ أمر عادي في‬
‫هذه اليام فقد تزوج عبد المطلب مع ابنه عبد الله ببنت عم آمنة‬
‫بنت وهب التي في نفس سنها في ليلة واحدة‪ ،‬وكان يومها قد‬
‫تجاوز المائة عام‪ .‬وتزوج عمرو بن العاص وأنجب وهو بن اثنا‬
‫ما‪.‬‬
‫عشر عا ً‬
‫ولو كان في هذا المر عيب لم تكن قريش واليهود ليتركونه‬
‫لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الذين كانوا يفتعلون‬
‫الكاذيب للنيل منه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ومريم العذراء أنجبت المسيح عليه السلم وهي في الثانية عشر‬
‫من عمرها‪ ،‬كما تقول الموسوعة الكاثوليكية‪ ،‬أي أنها حملت وهي‬
‫في الحادية عشر‪ ،‬وكانت مخطوبة قبل ذلك‪ ،‬وكان يوسف النجار‬
‫خطيبها قد تجاوز الثمانين من عمره‪.‬‬
‫دودب‬ ‫ح َ‬‫م ْ‬‫ثم لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكهل ُ‬
‫الظهر الذي ل يقوم من مجلسه إل بغيره‪ ،‬بل كان صلى الله عليه‬
‫مع حتى يكسل‪ ،‬ويركب الخيل‬ ‫جا ِ‬
‫وسلم فتّيا من أشد الرجال‪ ،‬ي ُ َ‬
‫ما‪...‬‬ ‫ما‪ ...‬قسي ً‬
‫سي ً‬
‫ويلبس الحديد‪ ،‬ويثبت حين يفر البطال‪ ...‬و ِ‬
‫أسود الشعر واللحية‪ .‬بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ولو أن عائشة رضي الله عنها زفت إليه مكرهه لما أحبته هذا‬
‫الحب‪ .‬ولم تكن السيدة عائشة هذه الطفلة الغافلة التي ل تفقه‬
‫شيًئا‪ ،‬رمى بها أبوها وأمها إلى رجل عجوز كما يرسم لكم‬
‫الخيال‪ ..‬بل كانت من أعقل النساء‪ ،‬وهذا أمر معروف مشهور‪.‬‬
‫ليس المقام مقام تفصيل في الرد على شبهات النصارى وإنما‬
‫أضرب مثال ً لما أقترحه على من يعرض السيرة النبوية‪ .‬فهذا أمر‬
‫مستجد ويحتاج إلى معالجة خاصة‪ ،‬وقد شرحت نموذجا لبيان‬ ‫ُ‬
‫قولي‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫أقول‪ :‬ل بد من الوقوف مع هذه القضية وبيان أن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم كان بشًرا يعتريه ما يعتري البشر من حب‬
‫النساء والولد‪ ،‬ومن الحاجة إلى الطعام والشراب‪ ،‬وما إلى ذلك‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬البعثة المحمدية)السيرة النبوية( حلقة من حلقات الدعوة‬
‫إلى التوحيد‪:‬‬
‫ت‬‫ق ُ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫خلق الله عز وجل الناس لعبادته وحده ل شريك له)وَ َ‬
‫ن( فكان آدم عليه السلم نبًيا مرسل ً ‪ ،‬ثم‬ ‫دو ِ‬ ‫س إ ِّل ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫لن َ‬ ‫ن َوا ْ ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫كانت ذريته من بعده على التوحيد ألف عام حتى ظهر الشرك‪.‬‬
‫وأرسل نوح عليه السلم يدعو الناس إلى التوحيد‪ ،‬ومن يومها‬
‫وموكب الدعوة إلى الله يسير‪.‬‬
‫دعوة الكل بما فيها دعوة محمد صلى الله عليه وسلم هي‬
‫السلم بمفهومه العام‪ ،‬الستسلم لله‪ ...‬إخلص العبادة لله عز‬
‫وجل بشقيها الطاعة والنسك‪ ،‬أو الشرائع والشعائر‪.‬‬
‫وموجز دعوتهم ـ عليهم الصلة والسلم ـ أنها دعوة واحدة إلى‬
‫منهج "التوحيد" بكل فروعه وأنواعه وموالة أهله‪ ،‬وما يستلزمه‬
‫ذلك من نبذ الشرك بكل صورة وألوانه‪ ،‬ومعاداة أهله‪.‬‬
‫وفي القرآن جاء التعبير عن الرسالت جميعا ً بأنها كتاب واحد‬
‫ُ‬
‫ن‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫مب َ ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫ه الن ّب ِّيي َ‬ ‫ث الل ّ ُ‬ ‫حد َة ً فَب َعَ َ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬
‫سأ ّ‬ ‫ن الّنا ُ‬ ‫كا َ‬ ‫قال تعالى‪َ ):‬‬
‫ما‬
‫س ِفي َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م ب َي ْ َ‬ ‫حك ُ َ‬ ‫حقّ ل ِي َ ْ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫معَهُ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ن وََأنَز َ‬ ‫منذ ِِري َ‬ ‫وَ ُ‬
‫ُ‬
‫م‬
‫جاءت ْهُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫ن أوُتوه ُ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ِفيهِ إ ِل ّ ال ّ ِ‬ ‫خت َل َ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫فوا ْ ِفيهِ وَ َ‬ ‫خت َل َ ُ‬ ‫ا ْ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫فوا ْ ِفيهِ ِ‬ ‫خت َل َ ُ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫مُنوا ْ ل ِ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫دى الل ّ ُ‬ ‫م فَهَ َ‬ ‫ت ب َْغيا ً ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ال ْب َي َّنا ُ‬
‫م(‪ .‬وقال‬ ‫قي ٍ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ّ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫شاُء إ َِلى ِ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ي َهْ ِ‬ ‫حقّ ب ِإ ِذ ْن ِهِ َوالل ّ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫تعالى)ل َ َ َ‬
‫ن‬‫ميَزا َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫معَهُ ُ‬ ‫ت وَأنَزل َْنا َ‬ ‫سل ََنا ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫سل َْنا ُر ُ‬ ‫قد ْ أْر َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫مَنافِ ُ‬ ‫ديد ٌ وَ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫س َ‬ ‫ديد َ ِفيهِ ب َأ ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ط وَأنَزل َْنا ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫س ِبال ْ ِ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫قو َ‬ ‫ل ِي َ ُ‬
‫زيٌز(‪.‬‬ ‫ه قَوِيّ ع َ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫ه ِبال ْغَي ْ ِ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫صُره ُ وَُر ُ‬ ‫من َين ُ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫س وَل ِي َعْل َ َ‬ ‫ِللّنا ِ‬
‫َ‬
‫ما ي ُد ِْري َ‬
‫ك‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ميَزا َ‬ ‫حقّ َوال ْ ِ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬ ‫ل ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي أنَز َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫وقال تعالى‪):‬الل ّ ُ‬
‫ه‬
‫سل ِ ِ‬ ‫ن ِبالل ّهِ وَُر ُ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ن ي َك ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ة )إ ِ ّ‬ ‫مل ً‬ ‫ج ْ‬ ‫ب(‪ ،‬و ُ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ة قَ ِ‬ ‫ساع َ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ل َعَ ّ‬
‫َ‬
‫فُر‬‫ض وَن َك ْ ُ‬ ‫ن ب ِب َعْ ٍ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ن ُؤ ْ ِ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫سل ِهِ َوي ُ‬ ‫ن الل ّهِ وَُر ُ‬ ‫فّرُقوا ْ ب َي ْ َ‬ ‫ن أن ي ُ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫وَي ُ ِ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫ل‪ .‬أوَْلـئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫كافُِرو َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫سِبي ً‬ ‫ك َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫ذوا ْ ب َي ْ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن أن ي َت ّ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ض َوَي ُ ِ‬ ‫ب ِب َعْ ٍ‬
‫مِهينًا(‪..‬‬ ‫ذابا ً ّ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫قا ً وَأع ْت َد َْنا ل ِل ْ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫خت َل َ‬ ‫َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫عند َ اللهِ ال ِ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫فالدين عند الله واحد)إ ِ ّ‬
‫ال ّذي ُ‬
‫من‬ ‫م وَ َ‬ ‫م ب َْغيا ً ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫م ال ْعِل ْ ُ‬ ‫جاءهُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫ب إ ِل ّ ِ‬ ‫ن أوُْتوا ْ ال ْك َِتا َ‬ ‫ِ َ‬
‫ب( وليس هناك تعدد أديان‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ريعُ ال ْ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫ت الل ّهِ فَإ ِ ّ‬ ‫فْر ِبآَيا ِ‬ ‫ي َك ْ ُ‬
‫وإنما تعدد رسالت‪ .‬ولذلك من الخطأ العتقاد بتعدد الديان‪.‬‬
‫ن(‪ ،‬ومعرف أن‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ح ال ْ ُ‬ ‫م ُنو ٍ‬ ‫ت قَوْ ُ‬ ‫وتدبر قول الله تعالى)ك َذ ّب َ ْ‬
‫حا عليه الصلة والسلم‪ ،‬وإنما لما‬ ‫قوم نوح لم يكذبوا إل نبيهم نو ً‬

‫‪226‬‬
‫كانت الدعوات واحدة‪ ،‬أعتبر تكذيب قوم نوح لرسولهم نوح عليه‬
‫السلم تكذيب للرسل جميًعا‪.‬‬
‫من ي َب ْت َِغ غ َي َْر‬ ‫فالدين عند الله السلم ول يقبل من الناس غيره)وَ َ‬
‫ن( هو‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫خَرةِ ِ‬ ‫ه وَهُوَ ِفي ال ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫ل ِ‬ ‫قب َ َ‬ ‫سل َم ِ ِدينا ً فََلن ي ُ ْ‬ ‫ال ِ ْ‬
‫عد َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ق َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫هي ُ‬ ‫دين إبراهيم عليه السلم قال تعالى‪):‬وَإ ِذ ْ ي َْرفَعُ إ ِب َْرا ِ‬
‫ل منا إن َ َ‬
‫م‪َ.‬رب َّنا‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ك أن َ‬ ‫قب ّ ْ ِ ّ ِ ّ‬ ‫ل َرب َّنا ت َ َ‬ ‫عي ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫ت وَإ ِ ْ‬ ‫ن ال ْب َي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫سك ََنا‬ ‫َ‬ ‫ةل َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫نل َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مَنا ِ‬ ‫ك وَأرَِنا َ‬ ‫م ً‬ ‫سل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ّ‬ ‫م ً‬ ‫من ذ ُّري ّت َِنا أ ّ‬ ‫ك وَ ِ‬ ‫مي ْ َ ِ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جعَلَنا ُ‬ ‫َوا ْ‬
‫ه‬
‫ه َرب ّ ُ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫م( وقال تعالى‪):‬إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫حي ُ‬ ‫ب الّر ِ‬ ‫وا ُ‬ ‫ت الت ّ ّ‬ ‫ك أن َ‬ ‫ب ع َل َي َْنا إ ِن ّ َ‬ ‫وَت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن(‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ت ل َِر ّ‬ ‫م ُ‬ ‫سل َ ْ‬ ‫لأ ْ‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل ِ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫صى ب َِها‬ ‫وهو دين يعقوب عليه السلم وبنيه من بعده قال الله )وَوَ ّ‬
‫ن‬
‫موت ُ ّ‬ ‫ن فَل َ ت َ ُ‬ ‫دي َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫فى ل َك ُ ُ‬ ‫صط َ َ‬ ‫ها ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ي إِ ّ‬ ‫ب َيا ب َن ِ ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫م ب َِنيهِ وَي َعْ ُ‬ ‫هي ُ‬ ‫إ ِب َْرا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ت إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫قو َ‬ ‫ضَر ي َعْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫داء إ ِذ ْ َ‬ ‫شه َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ن‪).‬أ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫إ َل ّ وَأنُتم ّ‬
‫م‬
‫هي َ‬ ‫ك إ ِب َْرا ِ‬ ‫ه آَبائ ِ َ‬ ‫ك وَإ َِلـ َ‬ ‫دي َقاُلوا ْ ن َعْب ُد ُ إ َِلـهَ َ‬ ‫من ب َعْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬ ‫ل ِب َِنيهِ َ‬
‫ن( وجاء على‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫حدا ً وَن َ ْ‬ ‫حاقَ إ َِلـها ً َوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ل وَإ ِ ْ‬ ‫عي َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫مّنا ِبآَيا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫مّنا إ ِل ّ أ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫ما َتن ِ‬ ‫لسان قوم موسى عليه السلم )وَ َ‬
‫َ‬
‫ن(‪)،‬وََقا َ‬
‫ل‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صْبرا ً وَت َوَفَّنا ُ‬ ‫جاءت َْنا َرب َّنا أفْرِغ ْ ع َل َي َْنا َ‬ ‫ما َ‬ ‫َرب َّنا ل َ ّ‬
‫كنُتم‬ ‫منُتم ِبالل ّهِ فَعَل َي ْهِ ت َوَك ُّلوا ْ ِإن ُ‬ ‫مآ َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫سى َيا قَوْم ِ ِإن ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫ف‬
‫ِ َ َ ُْ ْ َ‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫إن‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫)‬ ‫السلم‬ ‫عليه‬ ‫نوح‬ ‫لسان‬ ‫على‬ ‫وجاء‬ ‫ن(‬ ‫مي‬
‫ّ َْ ِ ِ َ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫م‬
‫نأ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سأل ْت ُ ُ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫مْر ُ‬ ‫جرِيَ إ ِل ّ ع َلى اللهِ وَأ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫جرٍ إ ِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫َ‬
‫ن(‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫وجاء على لسان يوسف عليه السلم )رب قد آتيتني من الملك‬
‫وعلمتني من تأويل الحاديث فاطر السموات والرض أنت ولي‬
‫في الدنيا والخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين( ] يوسف‪:‬‬
‫‪[ 101‬‬
‫وجاء على لسان الحواريين )فلما أحس عيسى منهم الكفر قال‬
‫من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله‬
‫واشهد بأنا مسلمون( ] آل عمران‪.[ 52 :‬‬
‫وفي آية أخرى )وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي‬
‫قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون( ] المائدة‪[ 111 :‬‬
‫من‬ ‫ه ِ‬ ‫وجاء في خطاب سليمان عليه السلم إلى أهل اليمن )إ ِن ّ ُ‬
‫ي وَأ ُْتوِني‬ ‫ع َل َ ّ‬ ‫م‪ .‬أ َّل ت َعُْلوا‬ ‫ِ‬ ‫حي‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ح َ‬ ‫سم ِ الل ّهِ الّر ْ‬ ‫ه بِ ْ‬ ‫ن وَإ ِن ّ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ه هُوَ وَأوِتيَنا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذا ع َْر ُ‬ ‫َ‬
‫ل أهَك َ‬ ‫َ‬ ‫ت ِقي َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت كأ ن ّ ُ‬ ‫ك قال ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫جاء ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن(‪)،‬فل ّ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ن(‪ ،‬وجاء على لسان الملئكة وهم‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫من قَب ْل َِها وَك ُّنا ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْعِل ْ َ‬
‫من َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ن ِفيَها ِ‬ ‫كا َ‬ ‫جَنا َ‬ ‫خَر ْ‬ ‫يتكلمون عن قوم لوط عليه السلم‪):‬فَأ ْ‬
‫ن(‪ ،‬فالدين واحد‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت ّ‬ ‫جد َْنا ِفيَها غ َي َْر ب َي ْ ٍ‬ ‫ما وَ َ‬ ‫مِنين‪ .‬فَ َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن‬ ‫َ َ َ‬
‫سى اب ْ ِ‬ ‫س ب ِِعي َ‬ ‫وإن تعدد الرسالت‪ .‬وفي الحديث "أَنا أوْلى الّنا ِ‬

‫‪227‬‬
‫ُ‬ ‫خَرةِ َواْل َن ْب َِياءُ إ ِ ْ‬
‫شّتى‬ ‫م َ‬ ‫مَهات ُهُ ْ‬ ‫تأ ّ‬ ‫خوَة ٌ ل ِعَّل ٍ‬ ‫م ِفي الد ّن َْيا َواْل ِ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫َ‬
‫د"‬ ‫ح ٌ‬‫م َوا ِ‬ ‫وَِدين ُهُ ْ‬
‫ونجد في السيرة النبوية ربط بين الشخاص التي عاصرت رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وبين من سبقوا‪ُ .‬يشبه أبو بكر رضي‬
‫الله عنه بمؤمن آل فرعون‪ ،‬وعروة بن مسعود الثقفي بالرجل‬
‫الذي جاء من أقصى المدينة يسعى‪ ،‬وعقبة بن معيط بقاتل ناقة‬
‫صالح عليه السلم‪ .‬وأبو جهل بفرعون‪ ،‬وأمية بن أبي الصلت‬
‫ي‬
‫ل ن َب ِ ّ‬ ‫ن ل ِك ُ ّ‬ ‫بالذي آته الله آياته فانسلخ منها‪ ...‬وقريب من هذا " إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حواريا وحواري الزبير " و"ل ِك ُ ّ ُ‬
‫مةِ أُبو‬ ‫ن هَذ ِهِ اْل ّ‬ ‫مي ُ‬ ‫ن وَأ ِ‬ ‫مي ٌ‬ ‫مة ٍ أ ِ‬ ‫لأ ّ‬ ‫َ َ ِّ َ َ َ ِ ّ ّ َُْ‬
‫ح"‪.‬‬ ‫جّرا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ع ُب َي ْد َة َ ب ْ ُ‬
‫وحين عرض السيرة النبوية على الناس ل بد من الحرص على‬
‫تبين هذا الحبل الممدود بين عباد الله وعباد الشيطان على مر‬
‫العصور‪ ،‬والقرآن الكريم يستخدم مع المكذبين للرسالة في كل‬
‫العصور نفس الوصف فهم المل‪ ...‬الذين استكبروا‪ .‬وجاء التعبير‬
‫عن رفض دعوة الرسل ـ كل الرسل ـ بأنه عبادة للشيطان قال‬
‫تعالى)أ َل َم أ َع ْهد إل َيك ُم يا بِني آد َ‬
‫م‬‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫طا َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫دوا ال ّ‬ ‫م أن ّل ت َعْب ُ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ ِ ْ ْ َ َ‬ ‫ْ‬
‫ن(‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ع َد ُوّ ّ‬
‫والمطلوب هو توضيح هذا الربط بين عباد الله في كل زمان‬
‫ومكان‪ ،‬وبين عباد الشيطان في كل زمان ومكان من خلل‬
‫دراسة السيرة النبوية‪ .‬وبيان أن السيرة النبوية ما هي إل حلقة‬
‫من حلقات الدعوة إل الله عبر التاريخ‪ ،‬هي رسالة الله إلى‬
‫البشرية بعد أن انحرفوا لردهم إلى الدين الحق‪ .‬وهذا الربط‬
‫ضا يحدث نوع من النس بين مسلمي اليوم ومسلمي المس‪.‬‬ ‫أي ً‬
‫خامسا‪ :‬لم يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم للعرب فقط‪:‬‬
‫بعض ممن يشرحون السيرة النبوية‪ ،‬يحصرون أحداث السيرة‬
‫في العهد المكي بين الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين‬
‫وبين قريش‪ ،‬مما يفهم منه أن الدعوة كانت محلية‪ ،‬علما بأن‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم خرج إلى الطائف‪ ،‬وكان يعرض‬
‫نفسه على القبائل في الحج‪ ،‬وجاءه الجن واستمعوا إليه‪ ،‬وجاءه‬
‫فريق من نصارى الحبشة والشام حين سمعوا به صلى الله عليه‬
‫وسلم فتلى عليهم القرآن وأسلموا‪ .‬وفيهم نزل قول الله‬
‫م‬‫ل ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫قوْ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫صل َْنا ل َهُ ُ‬‫قد ْ و َ ّ‬ ‫تعالى‪.‬في سورة القصص‪):‬وَل َ َ‬
‫ذا ي ُت َْلى‬ ‫ن‪ .‬وَإ ِ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫هم ب ِهِ ي ُؤ ْ ِ‬ ‫من قَب ْل ِهِ ُ‬ ‫ب ِ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫ن آت َي َْناهُ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ي َت َذ َك ُّرون‪ .‬ال ّ ِ‬
‫ن‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫من قَب ْل ِهِ ُ‬ ‫من ّرب َّنا إ ِّنا ك ُّنا ِ‬ ‫حقّ ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫مّنا ب ِهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫م َقاُلوا آ َ‬ ‫ع َل َي ْهِ ْ‬
‫ك يؤ ْتو َ‬ ‫ُ‬
‫سي ّئ َ َ‬
‫ة‬ ‫سن َةِ ال ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫ؤو َ‬ ‫صب َُروا وَي َد َْر ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ِ‬ ‫مّرت َي ْ‬‫هم ّ‬ ‫جَر ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫أوْل َئ ِ َ ُ َ ْ َ‬
‫ه وََقاُلوا ل ََنا‬ ‫َ‬
‫ضوا ع َن ْ ُ‬ ‫مُعوا الل ّغْوَ أع َْر ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن‪ .‬وَإ ِ َ‬ ‫قو َ‬ ‫م ُينفِ ُ‬ ‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫وَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫جاه ِِلي َ‬ ‫م َل ن َب ْت َِغي ال ْ َ‬ ‫م ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫سَل ٌ‬ ‫م َ‬ ‫مال ُك ُ ْ‬ ‫م أع ْ َ‬ ‫مال َُنا وَل َك ُ ْ‬ ‫أع ْ َ‬

‫‪228‬‬
‫وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه إلى‬
‫الحبشة لتكوين نواة أخرى احتياطية للدعوة السلمية‪ ،‬ولم يكن‬
‫سبب الهجرة هو الهروب من التعذيب كما تتكلم بعض المصادر‪،‬‬
‫وإنما أصح من ذلك أن يقال أنها كانت لتكوين نواة احتياطية‬
‫للدعوة السلمية‪ ،‬يدل على ذلك كون من هاجروا إلى الحبشة‬
‫ممن لهم شوكة في مكة مثل جعفر بن أبي طالب وعثمان بن‬
‫عفان‪...‬‬
‫وكونهم لم يرجعوا بعد الهجرة مباشرة بل بعد سبع سنيين من‬
‫الهجرة حين استقرت الدولة السلمية بوضوح‪.‬‬
‫وبعد ذلك كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الملوك‬
‫يدعوهم إلى السلم‪ ،‬فقد كانت الدعوة عالمية من يومها الول‬
‫وفي كل مراحلها‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك البشارات التي كان يتكلم بها الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم من فتح فارس والشام‪.‬‬
‫ْ‬
‫مُلو َ‬
‫ن‬ ‫ح ّ‬ ‫ن فَي َت َ َ‬ ‫سو َ‬ ‫م ي ُب ِ ّ‬ ‫ن فَي َأِتي قَوْ ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫ح ال ْي َ َ‬ ‫فت َ ُ‬ ‫وجاء في الحديث " ت ُ ْ‬
‫ح‬ ‫َ‬ ‫م لوْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن أَ َ‬ ‫َ‬
‫فت َ ُ‬ ‫ن وَت ُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْل ُ‬ ‫خي ٌْر لهُ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫دين َ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫م َوال َ‬ ‫طاع َهُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫م وَ َ‬ ‫ب ِأهْل ِهِ ْ‬
‫ن أَ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬‫طاع َهُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫م وَ َ‬ ‫ن ب ِأهِْليهِ ْ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن فَي َت َ َ‬ ‫سو َ‬ ‫م ي ُب ِ ّ‬ ‫الشام فَي َأِتي قَوْ ٌ‬
‫ْ‬
‫ح ال ْعَِراقُ فَي َأِتي قَوْ ٌ‬
‫م‬ ‫فت َ ُ‬ ‫ن وَت ُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْل َ ُ‬ ‫م ل َوْ َ‬ ‫خي ٌْر ل َهُ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫دين َ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م لَ ْ‬
‫و‬ ‫خي ٌْر ل َهُ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫دين َ ُ‬
‫م ِ‬‫م َوال ْ َ‬ ‫طاع َهُ ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن ب ِأهِْليهِ ْ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن فَي َت َ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ي ُب ِ ّ‬
‫ن"‬ ‫مو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْل َ ُ‬ ‫َ‬
‫ك قَي ْ َ‬
‫صُر‬ ‫ذا هَل َ َ‬ ‫سَرى ب َعْد َه ُ وَإ ِ َ‬ ‫سَرى فََل ك ِ ْ‬ ‫ك كِ ْ‬ ‫ذا هَل َ َ‬ ‫وفي الحديث "إ ِ َ‬
‫ل الل ّهِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ما ِفي َ‬ ‫ن ك ُُنوُزهُ َ‬ ‫ق ّ‬ ‫ف َ‬ ‫سي ب ِي َد ِهِ ل َت ُن ْ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ذي ن َ ْ‬ ‫صَر ب َعْد َه ُ َوال ّ ِ‬ ‫فََل قَي ْ َ‬
‫"‬
‫م َفارِ َ‬
‫س‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫حَها الل ّ ُ‬ ‫ب فَي َفْت َ ُ‬ ‫زيَرة َ ال ْعََر ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن َ‬ ‫وفي الحديث " ت َغُْزو َ‬
‫جا َ‬
‫ل‬ ‫ن الد ّ ّ‬ ‫م ت َغُْزو َ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫حَها الل ّ ُ‬ ‫م فَي َ ْ‬
‫فت َ ُ‬ ‫ن الّرو َ‬ ‫م ت َغُْزو َ‬ ‫ه ثُ ّ‬‫حَها الل ّ ُ‬ ‫فت َ ُ‬ ‫فَي َ ْ‬
‫ه"‪.‬‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫فت َ ُ‬ ‫فَي َ ْ‬
‫دا التنبيه‬ ‫فالدعوة كانت عالمية من يومها الول‪ ،‬ومن المهم ج ً‬
‫على هذا المر‪ .‬فهناك من يردد أن الدعوة كانت محلية عربية‪،‬‬
‫قرشية‪ .‬ثم تحت أطماع استعمارية أصبحت عالمية‪ .‬هذا حديث‬
‫نفر غير قليل من)العقلنيين(‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬حال البشرية قبل البعثة المحمدية‪:‬‬
‫هذه الفقرة متممة لما قبلها‪.‬‬
‫كثير ممن يتناول دراسة السيرة النبوية يتناول فقط حال الجاهلية‬
‫في الجزيرة العربية فقط‪ ،‬بل يختزل البعض المر أكثر من ذلك‬
‫فل يتكلم إل عن حال قريش‪ ،‬وكأنه صلى الله عليه وسلم لم‬
‫يبعث إل إلى العرب!‪.‬‬

‫‪229‬‬
‫ومن فضلة القول أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث للناس‬
‫كافة‪ ،‬وأن نور السلم أضاء جنبات المعمورة كلها بعد قرن من‬
‫وفاته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫إخواني الكرام!‬
‫لم يكن حال البشرية خارج الجزيرة العربية خير من حالها في‬
‫الجزيرة العربية‪ ،‬ل في الناحية الدينية ول في الناحية الجتماعية‪،‬‬
‫ول في الناحية القتصادية‪ .‬لم تكن البشرية قبل محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬تعرف أيا من أنواع الرقي المادي أو التكريم‬
‫للنسان‪.‬‬
‫في الفرس‪:‬‬
‫كانت المحرمات النسبية التي تعارف على حرمتها أهل القاليم‬
‫المتواضعة موضع خلف ونقاش عندهم‪ ،‬حتى أن يزدجر الثاني‬
‫الذي حكم في أواسط القرن الخامس الميلدي تزوج بنته‪ ،‬ثم‬
‫قتلها‪ ،‬وبهرام جوبين الذي تملك في القرن السادس الميلدي‬
‫جا أخته‪.‬‬
‫كان متزو ً‬
‫ولم يكن هذا معصية بل كان قربة يتقربون به إلى الله‪!!.‬‬
‫وفيهم ظهرت دعوة )ماني( التي تدعو إلى العزوبية وترك الزواج‬
‫استعجال ً لفناء البشرية‪ ،‬ومع أن صاحب هذه الدعوة قتل إل أن‬
‫دعوته ظل لها أنصار إلى ما بعد الفتح السلمي‪.‬‬
‫وفيهم ظهرت دعوة )مزدك( التي دعت إلى أن يكون الناس‬
‫سواء في كل شيء‪ ،‬في الموال وفي النساء‪ ،‬ولقت هذه‬
‫جا كبيًرا‪ ،‬حتى صاروا ل يعرف الرجل ولده ول‬ ‫الدعوى روا ً‬
‫المولود أباه‪.‬‬
‫وكان الكاسرة يدعون أنهم تجري في عروقهم دم إلهي‪ ،‬وكان‬
‫الناس ينظرون إليهم كآلهة ويعتقدون أن في طبيعتهم شيًئا علوًيا‬
‫سا‪ ،‬فل يجري اسمهم على لسانهم‪ ،‬ول يجلسون في‬ ‫مقد ً‬
‫مجالسهم‪ ،‬وليس لحد حق عليهم‪ ،‬وأن ما يعطونه لحد إنما هو‬
‫صدقه وتكرم من غير استحقاق‪ ،‬وليس للناس قبلهم إل السمع‬
‫والطاعة‪.‬‬
‫ما على الطبقية المؤسسة على‬ ‫ودون ذلك كان المجتمع قائ ً‬
‫اعتبار الحرفة والنسب‪ ،‬وكان من قواعد السياسة أن يقنع كل‬
‫واحد بمركزه الذي منحه نسبه‪ ،‬ولم يكن يسمح لحد أن يتخذ‬
‫حرفة غير الحرفة التي خلقها الله لها‪ ،‬ولم يكن الملوك يولون‬
‫وضيعا وظيفة من وظائفهم‪.‬‬
‫ثم هم جميعهم أهل فارس كانوا ينظرون إلى المم الخرى نظرة‬
‫ازدراء وامتهان‪ ،‬ويلقبونها بألقاب فيها احتقار وسخرية‪ ،‬ويرون أن‬

‫‪230‬‬
‫بهم ما ليس في غيرهم من أسباب الرفعة والعلو‪ ،‬وأن الله قد‬
‫دا‪.‬‬
‫خصهم بمواهب ومنح لم يشرك فيها معهم أح ً‬
‫وفي ناحية الشعائر التعبدية‪ ،‬كانت الديانة عندهم هي عبادة النار‪،‬‬
‫والنار ل توحي لعبادها بشريعة ول ترسل رسول ً ول تتدخل في‬
‫شئون حياتهم‪ ،‬لذا أصبحت الديانة عند المجوس عبارة عن‬
‫طقوس يؤدونها في أماكن خاصة وأوقات خاصة‪ ،‬أما في أمورهم‬
‫فكانوا أحرارا يسيرون على أهوائهم‪ ،‬أو ما يؤدي إليه تفكيرهم‪ ،‬أو‬
‫ما توحي به مصالحهم ومنافعهم‪.‬‬
‫وفي الهند والصين كانت البوذية‪ ،‬وهي ديانة أرضية تدعو إلى قمع‬
‫شهوات النفس وترك الدنيا وما فيها ثم تحولت إلى الوثنية بعد‬
‫أن عبدت بوذا‪ ،‬وتسرب إلى مناهج العبادة السحر والوهام‪.‬‬
‫وكانت اللهة متعددة حتى أصحبت المعادن كالذهب والفضة‬
‫آلهة‪ ،‬والحيوانات آلهة والجرام الفلكية آلهة‪ ،‬وبعض الشخاص‬
‫التاريخية آلهة‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫ضا‪.‬‬
‫وكانت ذات الطبقية موجودة أي ً‬
‫أما اليهودية فلم تكن تصلح لحمل مشعل الحضارة للبشرية‪ ،‬فقد‬
‫تحولت لديانة مرتبطة بالجنس‪ ،‬ل ترى عليها في المم الخرى‬
‫من سبيل‪ ،‬فلم تكن لدى اليهود نية لهداية البشرية وإنما للنيل‬
‫منها‪ ،‬وتحقيق أطماعهم على حساب الخرين‪.‬‬
‫والمسيحية ديانة لم تعرف التطبيق في أرض الواقع‪ ،‬فلم تكن‬
‫المسيحية في عهدها الول من التفصيل والوضوح ومعالجة‬
‫مسائل النسان‪ ،‬بحيث تقوم عليها حضارة أو تسير في ضوئها‬
‫دولة‪ ،‬ثم جاءها)شاؤول اليهودي( المعروف بـ)بولس الرسول(‬
‫فطمس نورها وطعمها بخرافات الجاهلية التي انتقل منها‬
‫والوثنية الرومية التي نشأ عليها‪ ،‬وقضى قسطنطين على البقية‬
‫جا من الخرافات اليونانية‪،‬‬ ‫الباقية‪ ،‬حتى أصبحت النصرانية مزي ً‬
‫والوثنية الرومية‪ ،‬والفلطونية المصرية والرهبانية‪ ،‬كما يقول‬
‫صاحب كتاب )ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين(‪.‬‬
‫وأصبحت بعد زيادات المحرفين وتأويل الجاهلين‪ ،‬تحول بين‬
‫مر العصور ديانة وثنية‬‫النسان والعلم والفكر‪ ،‬وأصبحت على َ‬
‫يقدس أهلها القديسين والصور المعلقة في الكنائس‪ .‬حتى أن‬
‫أصحابها الوائل لو بعثوا لما استطاعوا التعرف على شي من‬
‫ديانتهم‪.‬‬
‫وحدث أن انقسم النصارى إلى ما يعرف اليوم بالكاثوليك‬
‫و)الرثوذكس( تبًعا لختلفهم في طبيعة المسيح عليه السلم‪،‬‬
‫وكان مذهب الدولة هو المذهب الكاثوليكي‪ .‬وقاموا باضطهاد من‬
‫خالفهم المذهب‪ ،‬فرجال كانوا يعذبون ثم يقتلون غرًقا‪ ،‬ورجال‬

‫‪231‬‬
‫كانوا يشعلون فيهم النار وهم أحياء موثقون‪ ،‬و غير ذلك من‬
‫الفظائع‪.‬‬
‫وكانت ذات الطبقية الموجودة في غيرهم‪ ،‬فكانت بعض الممالك‬
‫تزرع وتحصد‪ ،‬وتحمل زرعها على دوابها وأكتافها لخزينة الدولة‪.‬‬
‫وانشر ت الرشوة والفساد الداري في الدولة‪ ،‬والفساد الخلقي‬
‫بين عوام الناس‪.‬‬
‫وباقي الشعوب الوثنية في أفريقيا كانت تعيش عيشة أقرب‬
‫للبهيمية منها للنسانية‪.‬‬
‫هذا هو حال البشرية قبل البعثة المحمدية على صاحبها أفضل‬
‫الصلة والسلم‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬ومن المهم ونحن ندرس السيرة أو نعرضها على الناس‬
‫أن نوضح حال البشرية قبل البعثة المحمدية‪ ،‬وذلك لن فريقا من‬
‫عّباد الصليب اليوم يقولون بأن البشرية كانت في أوج حضارتها‬
‫ثم جاء العرب ـ يعنون المسلمين ـ وهدموا هذه الحضارة‪ .‬فكان‬
‫ل بد من التعريج على حال البشرية قبل البعثة المحمدية لبيان‬
‫أي حضارة كانت وهدمها السلم‪ .‬وبيان أي حضارة أقامها‬
‫السلم‪ ،‬وبيان كيف أن السلم كان نور ورحمة من الله للبشرية‬
‫لمن آمن منها ولمن كفر‪.‬‬
‫وهناك فريق آخر أخبث من هذا الفريق‪ ،‬يتكلم بأنها كانت حركة‬
‫سياسية كغيرها من الحركات ويعرض السيرة النبوية من هذا‬
‫القبيل‪ ،‬وأن الفتوحات ما هي إل أحد أشكال الحتلل‪ ،‬وأنه هبت‬
‫ثورات فيما بعد لمقاومة هذا الحتلل ورفع الظلم عن الناس‪.‬‬
‫ويذهب يقرأ السيرة النبوية بهذه الطريقة‪.‬‬
‫دا‬
‫ونحتاج إلى طرح للسيرة النبوية يبين أن الدعوة ما كانت أب ً‬
‫قرشية أو عربية‪ ،‬ولم تكن الحركات التي ظهرت في التاريخ‬
‫السلمي وخاصة الفرق التي ظهرت في القرون الولى حركات‬
‫شعوبية ـ باستثناء حركة الزنوج والتي لم تستمر ولم تترك أي أثر‬
‫فكري أو منهجي في حياة الناس ـ ضد العرب بل كانت حركات‬
‫عقدية منحرفة‪ ،‬وكان رؤوسها عرب وسبب نشأتها خلفات دينية‪.‬‬
‫وهذا الطرح ل بد أن يعمل على ربط العقيدة الصحيحة‪...‬‬
‫وأهداف الدعوة الكلية التي هي تعبيد الناس لله بأحداث السيرة‬
‫النبوية‪.‬‬
‫وهذا يستلزم قراء جديدة للسيرة النبوية‪ ،‬ولعل فيما يأتي مزيد‬
‫بيان‬
‫سابعا‪ :‬طبيعة الخطاب الدعوي في مكة وحدة الهداف‬
‫والمنطلقات‪:‬‬

‫‪232‬‬
‫في الجاهلية الولى كان المال دولة بين الغنياء‪ ...‬قِّلة غنية‬
‫كثرة بالكاد تجد قوت يومها‪.‬‬ ‫و َ‬
‫وفي الجاهلية الولى كانت الحروب تأكل الرجال على ناقة أو لن‬
‫سا سبقت أختها‪ !.‬وفي الجاهلية الولى كان الزنا وكانت الخمر‬ ‫فر ً‬
‫وكان وأد البنات وبيع الحرار‪ .‬وفي الجاهلية الولى كان الشرك‬
‫الكبر)شرك النسك وشرك الطاعة(‪ُ ...‬تدعى الصنام من دون‬
‫شّرع المل‬ ‫الله وُينذر لها وُيذبح عندها‪ ،‬وكان شرك الطاعة‪ ...‬ي ُ َ‬
‫ويتبع العوام‪ .‬ولم تخل الجاهلية من المصلحين‪ ،‬الذين يسعون‬
‫في إصلح ذات البين وحقن الدماء ورفع الظلم عن الضعفاء‪.‬‬
‫وحين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يضع يده في يد‬
‫أحد من هؤلء ألبته‪ .‬بكلمات أخر‪:‬‬
‫ُرغم أن الدعوة السلمية كانت تدعوا لمثل ما كان يدعو إليه‬
‫كثير من المصلحين من مكارم الخلق إل أنها لم تضع يدها في‬
‫يد أحد من هؤلء‪.‬‬
‫ذلك لنه وإن اتحدت الهداف فإن المنطلقات متغايرة‪ .‬فهؤلء‬
‫دوافعهم شتى‪ ..‬تدفعهم المروءة ويدفعهم الثناء الحسن ويدفعهم‬
‫عرف الباء‪ ،‬أما المسلمون فيدفعهم طاعة الله ورسوله ول‬
‫ينبغي أن يكون لهم دافع غير ذلك‪.‬‬
‫وهؤلء تقف أهدافهم عند إصلح الدنيا؛ والمسلمون يصلحون‬
‫الدنيا للخرة‪.‬‬
‫وشتان‪.‬‬
‫ل في بداية البعثة‬ ‫ومن يتدبر أحداث السيرة النبوية وما كان ي َت َن ََز ُ‬
‫يجد أن الدعوة السلمية بدأت بتعريف الناس بربهم‪ ..‬بأسمائه‬
‫وصفاته وآثار ذلك في مخلوقاته‪ ..‬كيف أنه الحي القيوم الرحيم‬
‫الرحمن ذي الجلل والكرام مالك الملك القريب المجيب‪ ..‬الخ‪،‬‬
‫ثم بترسيخ نظرية الثواب والعقاب وذلك بتعريفهم بالجنة)دار‬
‫من‬ ‫ص عليهم خبر من سبقوا‪َ ،‬‬ ‫الثواب( وبالنار)دار العقاب(‪ ،‬وقُ ّ‬
‫أطاعوا منهم كيف كانت عاقبتهم ومن عصوا منهم ماذا فعل الله‬
‫بهم‪ .‬واقرءوا ما نزل من القرآن في مكة‪.‬‬
‫ثم جاءت التشريعات باسم الله الذي عرفوه بأسمائه وصفاته‬
‫ن يدي الثواب والعقاب‪.‬‬‫وب َي ْ َ‬
‫فمثل ً قيل لهم‪ :‬الله ـ الذي عرفوه ـ يأمركم بالصلة‪ ،‬ومن فعل‬
‫فله الجنة ـ التي عرفوها ـ ومن عصى فله النار ـ التي عرفوها ـ‪.‬‬
‫والله الذي عرفتموه يأمركم بالزكاة ومن أطاع فثوابه الجنة التي‬
‫عرفتموها‪ ،‬ومن عصى فله النار التي عرفتموها‪.‬‬
‫لذا استقامت النفوس محبه ورهبة لله وخوًفا من النار وطمعا‬
‫في الجنة‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫وبهذا يتضح منطلق الدعوة السلمية وهدفها‪ ،‬وهو تعبيد الناس‬
‫لله‪ ...‬تعريفهم بربهم ليعظموه ويوقروه ويسبحوه‪ ،‬وإصلح الدنيا‬
‫ـ يجيء تبًعا وليس أصل ً ـ‪ ،‬ثم الفوز بالجنة‪.‬‬
‫ولهذا لم يرتد من أسلم‪ ،‬ولم يتلكأ في سيره إلى الله‪.‬‬
‫وعلى من يعرض السيرة النبوية على الناس ـ أو يقرؤها ـ عليه‬
‫أن يلتفت لهذا‪ .‬وأن ينتبه إلى أن الخطاب الدعوي كان في‬
‫الساس أخروي تنطلق منه باقي شئون الحياة‪.‬‬
‫وفي بيعة العقبة الثانية وغيرها من أحداث العهد المكي دليل‬
‫على ذلك‪.‬‬
‫وأزيد المر بياًنا فأقول‪:‬‬
‫نعم‪ .‬في العهد المكي كانت الدعوة السلمية في خطابها الموجه‬
‫للجاهلية يومها‪ ،‬كانت مصرة على أن تبدأ من اليوم الخر ترغيبا‬
‫وترهيبا‪.‬‬
‫تحاول أن تجعل القلوب معلقة بما عند ربها ترجوا رحمته‬
‫وتخشى عقابه‪ .‬ويكون كل سعيها دفعا للعقاب وطلًبا للثواب‬
‫فتكون الدنيا بجملتها مطية للخرة‪.‬‬
‫على هذا تربى الصحابة رضوان الله عليهم‪.‬بل ورسول الله ـ‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ هو أيضا تربى على هذا المعني ‪ ،‬فقد كان‬
‫ما‬ ‫يتنزل عليه بأبي هو وأمي وأهلي صلى الله عليه وسلم )وَإ ِ ّ‬
‫شِهيد ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫جعُهُ ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ك فَإ ِل َي َْنا َ‬ ‫م أ َوْ ن َت َوَفّي َن ّ َ‬‫ذي ن َعِد ُهُ ْ‬ ‫ض ال ّ ِ‬‫ك ب َعْ َ‬ ‫ن ُرِي َن ّ َ‬
‫م‬
‫ذي ن َعِد ُهُ ْ‬ ‫ض ال ّ ِ‬ ‫ك ب َعْ َ‬ ‫ما ن ُرِي َن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن( ]يونس‪) [40 :‬وَإ ِ ْ‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ع ََلى َ‬
‫ب(‪.‬‬ ‫سا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ك ال َْبلغ ُ وَع َل َي َْنا ال ْ ِ‬ ‫ما ع َل َي ْ َ‬ ‫ك فَإ ِن ّ َ‬ ‫أ َوْ ن َت َوَفّي َن ّ َ‬
‫ولهذا استقامت النفوس تبذل قصارى جهدها في أمر الدنيا ترجوا‬
‫جدا ً‬‫س ّ‬ ‫كعا ً ُ‬ ‫م ُر ّ‬ ‫به ما عند الله فكان حالهم كما وصف ربهم )ت ََراهُ ْ‬
‫َ‬
‫ن أث َ ِ‬
‫ر‬ ‫م ْ‬ ‫جوه ِِهم ّ‬ ‫م ِفي وُ ُ‬ ‫ماهُ ْ‬ ‫سي َ‬ ‫وانا ً ِ‬ ‫ض َ‬‫ن الل ّهِ وَرِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ضل ً ّ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫ي َب ْت َُغو َ‬
‫جوِد(‬ ‫س ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ضل ً ّ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫جدًا( ووصف للباطن)ي َب ْت َُغو َ‬ ‫س ّ‬ ‫كعا ً ُ‬ ‫فهذا وصف للظاهر)ُر ّ‬
‫وانًا(‪ ،‬والسياق يوحي بأن هذه هي هيئتهم الملزمة لهم‬ ‫ض َ‬ ‫الل ّهِ وَرِ ْ‬
‫التي يراهم الرائي عليها حيثما يراهم‪ .‬كما يقول صاحب الظلل‬
‫رحمه الله‪.‬‬
‫واقرأ آيات الحكام في كتاب الله لتطالع هذا الصرار من النص‬
‫القرآني على وضع صورة الخرة عند كل أمر ونهي ضمن السياق‬
‫بواحدة من دللت اللفظ‪ ،‬المباشرة منها أو غير المباشر)دللة‬
‫الشارة أو التضمن أو القتضاء أو مفهوم المخالفة‪ ..‬الخ(‪.‬‬
‫ذا اك َْتاُلوا ْ ع ََلى‬ ‫ن إِ َ‬‫ذي َ‬ ‫ن‪ .‬ال ّ ِ‬ ‫في َ‬ ‫مط َ ّ‬
‫ف ِ‬ ‫ل ل ّل ْ ُ‬ ‫فمثل يقول الله تعالى‪) :‬وي ْ ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ن‪ .‬أَل ي َظ ُ ّ‬ ‫سُرو َ‬ ‫خ ِ‬ ‫م يُ ْ‬‫م أو وَّزُنوهُ ْ‬ ‫كاُلوهُ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن‪ .‬وَإ ِ َ‬ ‫ست َوُْفو َ‬ ‫س يَ ْ‬ ‫الّنا ِ‬

‫‪234‬‬
‫ُأول َئ ِ َ َ‬
‫ب‬ ‫س ل َِر ّ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫م‪ .‬ي َوْ َ‬ ‫ظي ٍ‬ ‫ن‪ .‬ل ِي َوْم ٍ ع َ ِ‬ ‫مب ُْعوُثو َ‬ ‫ك أن ُّهم ّ‬
‫ن(‬‫مي َ‬ ‫ال َْعال َ ِ‬
‫فتدبر كيف يأتي المر بعدم تطفيف الكيل حين الشراء وبخسه‬
‫َ‬
‫ض‬‫م اْلْر َ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫حين البيع؟ ومثله قول الله تعالى )هُوَ ال ّ ِ‬
‫شوُر(‬ ‫من ّرْزقِهِ وَإ ِل َي ْهِ الن ّ ُ‬ ‫مَناك ِب َِها وَك ُُلوا ِ‬ ‫شوا ِفي َ‬ ‫م ُ‬ ‫ذ َُلول ً َفا ْ‬
‫فهنا أمر بالسعي على الرزق‪ ،‬وتذكير بأن هناك نشور ووقوف‬
‫بين يدي الله عز وجل‪ ،‬فيسأل المرء عن كسبه من أين أتى وإلى‬
‫أين ذهب؟‬
‫بل واقرأ عن اليات التي تتحدث عن الطلق في سورة البقرة‬
‫تجد أنها تختم باسم أو اسمين من أسماء الله عز وجل "‪ ...‬فَإ ِ ّ‬
‫ن‬
‫َ‬
‫م " "‪...‬‬ ‫يٍء ع َِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫م " "‪َ ...‬واع ْل َ ُ‬ ‫ميعٌ ع َِلي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫َ‬
‫صيٌر "‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫خِبيٌر " "‪َ ...‬واع ْل َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫صيٌر "‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫"‪ ....‬إ ِ ّ‬
‫وهذا ل شك استحضار للثواب والعقاب‪.‬‬
‫ومثله اليات التي تأمر بالحجاب ُتختم بـ)إن ذلكم كان عند الله‬
‫ما(‪.‬‬ ‫ما( و)‪ ..‬وكان الله غفوًرا رحي ً‬ ‫عظي ً‬
‫نعم كان هذا أسلوب القرآن العظيم في عرض قضايا الشريعة‬
‫كلها وهذه بعض اليات والحاديث في هذا الشأن تزيد المر‬
‫حا‪:‬‬ ‫وضو ً‬
‫ظهار انظر كيف يربط الله تعالى أداء الكفارة باليمان به‬ ‫في ال ّ‬
‫ل َأن‬ ‫من قَب ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫مت ََتاب ِعَي ْ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫شهَْري ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫صَيا ُ‬ ‫جد ْ ف َ ِ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫من ل ّ ْ‬ ‫وبرسوله ‪):‬فَ َ‬
‫مُنوا ِبالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ك ل ِت ُؤ ْ ِ‬ ‫كينا ً ذ َل ِ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سّتي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ست َط ِعْ فَإ ِط َْعا ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫من ل ّ ْ‬ ‫سا فَ َ‬ ‫ما ّ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫م(‬ ‫َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫دود ُ الل ّهِ وَل ِل ْ َ‬ ‫سول ِهِ وَت ِل ْ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫وانظر كيف جعل الله تعالى تحكيم شرعة شرط لليمان به ‪):‬فَل َ‬
‫دوا ْ ِفي‬ ‫ج ُ‬ ‫م ل َ يَ ِ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫جَر ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫مو َ‬ ‫حك ّ ُ‬ ‫ى يُ َ‬ ‫حت ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ك ل َ ي ُؤ ْ ِ‬ ‫وََرب ّ َ‬
‫سِليمًا(‬ ‫موا ْ ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬ ‫ت وَي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫م ّ‬‫حَرجا ً ّ‬ ‫م َ‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫َأن ُ‬
‫ب ِل َ ِ‬ ‫وفي الحديث‪َ " :‬ل يؤ ْم َ‬
‫ه‬
‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ب ل ِن َ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫خيهِ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫حّتى ي ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫حد ُك ُ ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫ُ ِ ُ‬
‫" ]البخاري كتاب اليمان الحديث رقم ‪ 13‬ترقيم العالمية[‪.‬‬
‫سي‬ ‫ف ِ‬ ‫ذي ن َ ْ‬ ‫وفي البخاري أيضا الحديث ‪ 14‬كتاب اليمان " فَوَ ال ّ ِ‬
‫ن َوال ِد ِهِ وَوَل َد ِهِ "‬ ‫كو َ‬ ‫َ‬ ‫بيده َل يؤ ْم َ‬
‫م ْ‬ ‫ب إ ِل َي ْهِ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫حّتى أ ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫حد ُك ُ ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫ُ ِ ُ‬ ‫َِ ِ ِ‬
‫ن‬
‫م ُ‬ ‫ن ي ُؤ ْ ِ‬ ‫ن كا َ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫وفي البخاري حديث رقم ‪ 6135‬كتاب الدب‪َ " :‬‬
‫ه‪ ...‬الحديث"‪.‬‬ ‫ف ُ‬ ‫ضي ْ َ‬‫م َ‬ ‫خرِ فَل ْي ُك ْرِ ْ‬ ‫ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل ِ‬
‫ومثل هذا كثير في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫هذا ما تربى عليه الصحابة رضوان الله عليهم‪ ،‬وإنا نجد في كتاب‬
‫ربنا أننا ملزمون بالسير على دربهم واقتفاء آثارهم قال الله‬

‫‪235‬‬
‫دى وَي َت ّب ِعْ غ َي َْر‬ ‫ه ال ْهُ َ‬‫ن لَ ُ‬‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ق الّر ُ‬ ‫شاقِ ِ‬ ‫من ي ُ َ‬ ‫تعالى‪):‬وَ َ‬
‫صيرًا(‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ساء ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫صل ِهِ َ‬ ‫ما ت َوَّلى وَن ُ ْ‬ ‫ن ن ُوَل ّهِ َ‬‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫دوا ْ وِّإن‬ ‫قد ِ اهْت َ َ‬ ‫منُتم ب ِهِ فَ َ‬ ‫ما آ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مُنوا ْ ب ِ ِ‬
‫مث ْ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫وقال الله تعالى‪):‬فَإ ِ ْ‬
‫م(‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ه وَهُوَ ال ّ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫فيك َهُ ُ‬ ‫سي َك ْ ِ‬‫ق فَ َ‬ ‫قا ٍ‬
‫ش َ‬ ‫م ِفي ِ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫ت َوَل ّوْا ْ فَإ ِن ّ َ‬
‫أقول‪ :‬ملزمون إذا بالتعريج على التوحيد وتصحيح المفاهيم فيه‬
‫لخواننا وأخواتنا‪ ،‬وبناتنا ونسائنا وكل عزيز علينا‪ ،‬ليكون حالهم مع‬
‫المر والنهي‪ ...‬كل المر والنهي كحال من سبقوا؟!‬
‫دا‪ ،‬حين يعرفون مصيرهم‬ ‫وحينها‪ ...‬حين يتعرفون على ربهم جي ً‬
‫بعد الموت‪ ،‬لن تجد كثير مشاغبة في المتثال للمر‪.‬‬
‫دعني أوسع المر أكثر من هذا وأقول‪:‬‬
‫لم ل نبدأ مخاطبة)الخر( بـالتوحيد نقول لهم‪ :‬آمنوا بربكم الذي‬
‫خلقكم ورزقكم وأحياكم ويميتكم ثم يحاسبكم؟‬
‫لم ل ننادي فيهم‪ :‬أسلموا قبل أن تكونوا من جثي جهنم التي‬
‫وصفها كذا وكذا؟‬
‫أسلموا كي ل تحرموا جنة فيها وفيها‪...‬؟‬
‫ب المخبر‪.‬‬ ‫َ‬
‫مطل ْ‬ ‫ْ‬ ‫ويدور الحوار حول دلئل صدق الخبر و َ‬
‫أسذاجة؟‬
‫مة أخرجت للناس‪.‬‬ ‫ل وربي‪.‬فهكذا نشأت خير أ ّ‬
‫وعلى من يشرح السيرة النبوية للناس عليه أن يوضح ذلك لهم‪،‬‬
‫من خلل مواقف الدعوة في العهد المكي والعهد المدني‪ ،‬ومنهج‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة‪ ،‬وبما كان يخاطب‬
‫الناس‪ ،‬وكيف كان يعلمهم التوحيد ويربهم عليه‪.‬‬
‫نعم‪ .‬نحن بحاجة إلى قراءة جديدة للسيرة النبوية نبين فيها‬
‫للناس أهداف الدعوة السلمية ومنطلقاتها‪ ...‬نحتاج هذا الطرح‬
‫الفكري اليوم أكثر من أي يوم مضى‪.‬‬
‫فاليوم قامت بعض الفصائل السلمية بالتحالف مع الحزاب ذات‬
‫التوجهات اليسارية‪ ،‬وتوجهت إلى الجماهير بخطاب دنيوي بحت‬
‫ونادت بشرع الله من باب الفضلية‪ ...‬لنه خير من غيره‪ ،‬أو لنه‬
‫هو النسب لصلح الدنيا‪ ،‬فُيقبل من ُيقبل وليس عنده هدف‬
‫سوى ما فهمه من هذا الخطاب الدعوي المنقوص‪.‬‬
‫واليوم رفعت بعض الفصائل المجاهدة الشعارات الوطنية‬
‫م شمل أبناء‬ ‫وراحت تثني على الزعامات العلمانية بدعوى ل ّ‬
‫الوطن الواحد‪ ،‬وهؤلء وأولئك نحسن الظن بهم ولكن خطاب‬
‫كهذا تضيع به الهداف الحقيقية للدعوة السلمية أو تتميع في‬
‫دا ـ معاذ الله ـ وإنما أنصح بما‬ ‫أحسن الحوال‪ ،‬ولست اغمز أح ً‬
‫حا‪.‬‬‫أراه صحي ً‬

‫‪236‬‬
‫أقول‪ :‬ل بد من المفاصلة الفكرية التي يتميز بها سبيل المؤمنين‬
‫من سبيل الكافرين والمنافقين‪ .‬وتعرف العامة أين هي وتمضي‬
‫بوضوح في طريق الله المستقيم‪ .‬كما بدأت الدعوة في مكة بين‬
‫ظهراني قريش على يد الحبيب صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ثامنا‪ :‬أساس الخلف بين الرسالة والجاهلية‪.‬‬
‫كا‬‫أقول ـ مستعينا بالله ـ‪ :‬كل رسالة واجهت مجتمًعا مستمس ً‬
‫بمجموعة من القيم والعراف والتقاليد الخاطئة التي تصفها‬
‫ة هذه التقاليد تقوم على نوعين من‬ ‫جمل ُ‬ ‫الرسالة بأنها كفر بالله‪ُ ،‬‬
‫الخطأ‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬التقرب والتوجه إلى غير الله بالنسك‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬الطاعة والتشريع والتباع من دون الله‪.‬‬
‫ويتحرك هذا المجتمع بإرادة واعية أو غير واعية للمحافظة على‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫فت ََنا ع َ ّ‬ ‫جئ ْت ََنا ل ِت َل ْ ِ‬‫وجوده ضد دعوات الرسل‪ ،‬وفي التنزيل )َقاُلوا ْ أ ِ‬
‫َ‬
‫ما‬‫ن ل َك ُ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ما الك ِب ْرَِياء ِفي الْر ِ‬
‫ن ل َك ُ َ ْ‬ ‫كو َ‬ ‫جد َْنا ع َل َي ْهِ آَباءَنا وَت َ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ن(‪،‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫بِ ُ‬
‫ما َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن ي َعْب ُد ُ آَباؤ َُنا‬ ‫كا َ‬ ‫حد َه ُ وَن َذ ََر َ‬ ‫ه وَ ْ‬ ‫جئ ْت ََنا ل ِن َعْب ُد َ الل َ‬ ‫وفي التنزيل‪َ):‬قالوا أ ِ‬
‫ن(‪ ،‬وفي التنزيل ")وََقا َ‬ ‫ما ت َعِد َُنا ِإن ُ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫صاد ِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫كن َ‬ ‫فَأت َِنا ب ِ َ‬
‫م‬‫ل ِدين َك ُ ْ‬ ‫ف َأن ي ُب َد ّ َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ه إ ِّني أ َ َ‬ ‫سى وَل ْي َد ْع ُ َرب ّ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ن ذ َُروِني أ َقْت ُ ْ‬ ‫فِْرع َوْ ُ‬
‫د(‬‫سا َ‬ ‫ض ال ْ َ‬ ‫أ َو َأن ي ُظ ْهر ِفي اْل َ‬
‫ف َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ْ‬
‫ومن يتدبر يجد أن شرك الطاعة هو أساس شرك النسك‪ ،‬فلول‬
‫عبدت الصنام في جزيرة العرب‪.‬‬ ‫طاعة عمرو بن لحي مثل لما ُ‬
‫من ضل)وََقاُلوا َرب َّنا إ ِّنا‬ ‫ولول طاعة كل قوم لكبرائهم لما ضل ً‬
‫سِبيَل( ونجد في القرآن الكريم‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضّلوَنا ال ّ‬ ‫ساد َت ََنا وَك ُب ََراءَنا فَأ َ‬ ‫أط َعَْنا َ‬
‫والسنة النبوية المطهرة حصر لمفهوم العبادة في الطاعة‪.‬‬
‫شي ْ َ‬ ‫قال تعالى )أ َل َم أ َع ْهد إل َيك ُم يا بِني آد َ‬
‫ه‬‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫طا َ‬ ‫دوا ال ّ‬ ‫م أن ّل ت َعْب ُ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ ِ ْ ْ َ َ‬ ‫ْ‬
‫ن(‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫م ع َد ُوّ ّ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫وعبادة الشيطان هي طاعته‪.‬‬
‫َ‬ ‫خ ُ َ‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫دو ِ‬ ‫من ُ‬ ‫م أْرَبابا ً ّ‬ ‫م وَُرهَْبان َهُ ْ‬ ‫حَباَرهُ ْ‬ ‫ذوا ْ أ ْ‬ ‫وقال تعالى)ات ّ َ‬
‫ُ‬
‫ه إ ِل ّ هُ َ‬
‫و‬ ‫حدا ً ل ّ إ َِلـ َ‬ ‫دوا ْ إ َِلـها ً َوا ِ‬ ‫مُروا ْ إ ِل ّ ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح اب ْ َ‬ ‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫ن(‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ه عَ ّ‬ ‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ُ‬
‫سمع عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه هذه الية من رسول‬
‫م(‬ ‫دوهُ ْ‬ ‫م ي َعْب ُ ُ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم فاعترض قائل‪):‬إ ِن ّهُ ْ‬
‫حَلل‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫موا ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫حّر ُ‬‫م َ‬ ‫ل صلى الله عليه وسلم‪) :‬ب ََلى إ ِن ّهُ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬
‫م( يقول بن كثير‪:‬‬ ‫م إ ِّياهُ ْ‬ ‫دته ْ‬ ‫عَبا َ‬ ‫ك ِ‬ ‫م فَذ َل ِ َ‬ ‫حَرام َفات ّب َُعوهُ ْ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫حّلوا ل َهُ ْ‬ ‫وَأ َ‬
‫سير‬ ‫ف ِ‬ ‫ما ِفي ت َ ْ‬ ‫مان وَع َْبد الّله ْبن ع َّباس وَغ َْيره َ‬ ‫فة ْبن ال ْي َ َ‬ ‫حذ َي ْ َ‬ ‫ل ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ذوا أ َحبارهم ورهْبانه َ‬
‫م‬‫م ا ِت ّب َُعوهُ ْ‬ ‫دون الّله " إن ّهُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م أْرَباًبا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َُ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫"ا ِت ّ َ‬
‫ذوا ك َِتاب‬ ‫جال وَن َب َ ُ‬ ‫حوا الّر َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ست َن ْ َ‬ ‫سد ّيّ ا ِ ْ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫موا وََقا َ‬ ‫حّر ُ‬ ‫حل ُّلوا وَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ِفي َ‬

‫‪237‬‬
‫دوا إ ِل ًَها‬ ‫ُ‬
‫مُروا إ ِّل ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫ل ت ََعاَلى " وَ َ‬ ‫ذا َقا َ‬ ‫م وَل ِهَ َ‬ ‫الّله وََراء ظ ُُهوره ْ‬
‫حَلل‬ ‫َ‬
‫ه فَهُوَ ال ْ َ‬ ‫حل ّل َ ُ‬‫ما َ‬ ‫حَرام وَ َ‬ ‫يء فَهُوَ ال ْ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫حّر َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ذي إ ِ َ‬ ‫دا" أيْ ال ّ ِ‬ ‫ح ً‬ ‫َوا ِ‬
‫ه ا ُت ّب ِ َ‬
‫ع‪.‬‬ ‫شَرع َ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫وَ َ‬
‫م الله ورسوله التباع في التحليل والتحريم عبادة‪ ،‬كما سمى‬ ‫فس ّ‬
‫المحللون والمحرمون ـ المشرعون آلهة ـ‪.‬‬
‫ة‬
‫م ٍ‬‫وا إ َِلى ك َل ِ َ‬ ‫ب ت ََعال َ ْ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ل َيا أ َهْ َ‬ ‫ومثل هذا قول الله تعالى‪" :‬قُ ْ‬
‫شي ًْئا وََل ي َت ّ ِ‬ ‫ه وََل ن ُ ْ‬ ‫سواٍء بيننا وبينك ُ َ‬
‫خذ َ‬ ‫ك ب ِهِ َ‬ ‫شرِ َ‬ ‫م أّل ن َعْب ُد َ إ ِّل الل ّ َ‬ ‫َ َ َََْ َََْ ْ‬
‫شهدوا بأناَ‬ ‫ُ‬ ‫وا فَ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫قولوا ا ْ َ ُ ِ ّ‬ ‫ن ت َوَل ْ‬ ‫ن اللهِ فَإ ِ ْ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫ضا أْرَباًبا ِ‬ ‫ضَنا ب َعْ ً‬ ‫ب َعْ ُ‬
‫ن ] آل عمران‪[ 64 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫وهذا المعنى هو الذي فهمه الصحابة رضوان الله عليهم‪ ،‬فهذا‬
‫ربعي بن عامر رضي الله عنه يخاطب رستم " الله ابتعثنا‪ ،‬والله‬
‫جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد‪،‬‬
‫ومن جور الديان إلى عدل السلم " ثم لم تكن الدعوة قرشية‬
‫أو عربية‪ ،‬ولم تكن الحركات التي ظهرت في التاريخ السلمي‬
‫وخاصة الفرق التي ظهرت في القرون الولى حركات شعوبية ـ‬
‫باستثناء حركة الزنوج ـ ضد العرب بل كانت حركات عقدية‬
‫منحرفة‪ ،‬وكان رؤوسها عرب وسبب نشأتها خلفات دينية‪.‬‬
‫وهذا الطرح ل بد أن يعمل على ربط العقيدة الصحيحة‪...‬‬
‫وأهداف الدعوة الكلية التي هي تعبيد الناس لله‪ ،‬بأحداث‬
‫السيرة‪.‬‬
‫ت من أجله هذه الفقرة هو أن كثيًرا‬ ‫والخلل الملحوظ الذي كتب ُ‬
‫من الكتاب والخطباء الذين يكتبون السيرة النبوية أو يلقون فيها‬
‫سا‪ ،‬يحصرون قضية الخلف بين الجاهلية والدعوة في عبادة‬ ‫درو ً‬
‫الصنام وبعض القضايا الخلقية مثل تحريم الزنا وشرب الخمر‬
‫ووأد البنات‪ ،‬وأن الغزوات كانت لمعالجة مشاكل الجوار ولمور‬
‫اقتصادية ونحو ذلك وهو من البتر الذي ل ُيقبل بحال‪.‬‬
‫والمراد‪ :‬أنه حين دراسة السيرة النبوية أو عرضها على الناس ل‬
‫دا أن الخلف بين الدعوة والجاهلية القائمة كان في بعض‬ ‫يفهم أب ً‬
‫العادات الجاهلية السيئة مثل وأد البنات والزنا وشرب الخمر‬
‫ورفع الظلم عن الضعفاء‪ ،‬وبعض مظاهر شرك النسك من عبادة‬
‫الصنام والستقسام بالزلم‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫وإنما كانت ول زالت القضية الكبرى التي انبثقت منها باقي‬
‫القضايا هي قضية الطاعة لمن‪ ،‬أو السلطان يكون لمن؟ أو‬
‫بتعبير آخر من تعبد؟ الله في صورة شرعة؟ أم الشيطان في‬
‫صورة المناهج الرضية التي زينها لوليائه؟‬

‫‪238‬‬
‫فمن عبد الصنام إنما عبدها طاعة للولياء الشيطان‪ ،‬ومن اعتقد‬
‫التثليث وكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك طاعة‬
‫لولياء الشيطان‪ ،‬قصد أم لم يقصد‪.‬‬
‫تاسعا‪ :‬المل ودورهم البارز في التصدي للدعوة‪:‬‬
‫موهم‪ ،‬الذي‬ ‫قد ّ ُ‬
‫م َ‬
‫ؤساؤهم و ُ‬ ‫ههم ور َ‬ ‫جو ُ‬ ‫ف القوم وو ُ‬ ‫شرا ُ‬ ‫المل هم‪ :‬أ َ ْ‬
‫صم الـمل ُ‬ ‫جع ِإلـى قولهم‪ .‬وفـي الـحديث‪ :‬هَ ْ‬
‫خت َ ِ ُ‬‫م يَ ْ‬‫ل ت َد ِْري ِفـي َ‬ ‫ي ُْر َ‬
‫علـى؟‬ ‫ال َ ْ‬
‫والمل من الكفار لهم دور بارز في تسير الحداث‪ ،‬ول بد من‬
‫الوقوف على دورهم وإبرازه للناس‪ .‬إذ هم موجودون مع الباطل‬
‫في كل مكان وزمان‪.‬‬
‫ومن خلل قراءتي للسيرة النبوية وما استمعت إليه من شبهات‬
‫من الضالين من أهل الكتاب‪ ،‬يمكنني القول أن الدعوة ل تواجه‬
‫شبهات حقيقية وإنما تواجه مجموعة من الناس ـ هم المل ـ‬
‫يعرفون الدعوة تماما‪ ،‬وهم يكذبون على قومهم ويرهبونهم تارة‬
‫ويرغبونهم تارة من أجل صدهم عن سبيل الله‪.‬‬
‫والن اذكر بعض المشاهد من السيرة النبوية ومن أحوال المم‬
‫السابقة أوضح بها قولي‪.‬‬
‫الوليد بن المغيرة يجلس بين قومه يصف القرآن بعدما سمعه‪:‬‬
‫إن له لحلوة‪ ،‬وإن عليه لطلوة‪ ،‬وإن أعله لمثمر‪ ،‬وإن أسفله‬
‫لمغدق‪ ،‬وإنه يعلو ول ُيعلى عليه‪ ،‬فيصيح القوم‪ :‬صبأ الوليد‪،‬‬
‫ويقوم إليه شيطانهم أبو جهل ويهمس في أذنيه بكلمات ثم يعود‬
‫ثانية إلى مجلسه‪ .‬وأقبل الوليد على القوم بوجهه‪ ،‬وظن القوم‬
‫أن الوليد سيقف موقف الداعي لهذا الدين الجديد؛ فالمر ليس‬
‫دا عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫من قَْبله ع َ َ‬ ‫ببعيد؛ ف ِ‬
‫ليقتله‪ ،‬وعاد من عنده مسلمًا‪ ،‬ولكن الوليد خّيب ظنهم فلم يكن‬
‫إقباله عليهم إقبال المخلص الداعي لهذا الدين الجديد بل كان‬
‫المخلص الداعي لدينهم‪ .‬ويتكلم الوليد‪ ..‬يصيح فيهم بأن قولوا‬
‫ة‪ ..‬ول تختلفوا حتى ل يظهر كذبكم‪.‬‬ ‫ة واحد ً‬ ‫في الرجل قول ً‬
‫ويعرض القوم آراءهم‪ :‬نقول ساحر‪ ..‬نقول شاعر‪ ..‬نقول كاهن‪..‬‬
‫ده‪ .‬وُيسند إليه‬ ‫نقول كاذب‪ ..‬والوليد ل يجد الوصف مناسبا ً فير ّ‬
‫المر‪ُ :‬قل أنت يا أبا عمارة نسمع‪ .‬ويصمت الوليد‪ ..‬يجو ُ‬
‫ل‬
‫ه فَك َّر‬‫بفكره‪ ..‬يحاول أن يجد نقيصة في الرجل أو في منهجه ]إ ِن ّ ُ‬
‫س‬
‫م ع َب َ َ‬ ‫م ن َظ ََر * ث ُ ّ‬ ‫ف قَد َّر * ث ُ ّ‬‫ل ك َي ْ َ‬
‫م قُت ِ َ‬‫ف قَد َّر * ث ُ ّ‬ ‫ل ك َي ْ َ‬
‫قت ِ َ‬ ‫وَقَد َّر * فَ ُ‬
‫َ‬
‫ست َك ْب ََر[)المدثر‪ .(23-18 :‬يحاول الوليد ُ‬ ‫م أد ْب ََر َوا ْ‬ ‫سَر * ث ُ ّ‬
‫وَب َ َ‬
‫ويحاول‪ ..‬ولكن أّنى له؟! فالرجل هو الصادق المين‪ ،‬ومنهجه هو‬
‫هو الذي وصفه من قبل بأن له حلوة وعليه طلوة‪ .‬ويعجز‬
‫هم وردها هو من قبل‪،‬‬ ‫الوليد‪ ،‬ويعود إلى بعض آرائهم التي قالوها ُ‬

‫‪239‬‬
‫دلل على قوله وما أكذبه‪ :‬أل ترون أنه‬ ‫يقول‪ :‬قولوا ساحر‪ ،‬ثم ي ُ َ‬
‫حٌر‬ ‫س ْ‬ ‫ذا إ ِل ّ ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫يفرق بين الرجل وزوجته‪ ،‬والبن وأبيه ]فَ َ‬
‫شرِ [)المدثر‪ .(25-24 :‬ويصيح القوم‬ ‫ل الب َ َ‬ ‫ذا إ ِل ّ قَوْ ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ي ُؤ ْث َُر * إ ِ ْ‬
‫فرحا ً بهذا!! قاتلك الله يا وليد! ما حملك على أل تفعل ما فعل‬
‫عمر‪ ،‬وقد وصفت القرآن بما هو حق‪ ،‬ونفيت عن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ما ليس بحق؟! كأني بقريش وقد أقسم‬
‫المل منهم أن ما يأتي به محمد صلى الله عليه وسلم هو من عند‬
‫هذا الغلم السود الذي يعتكف بجواره في غار حراء‪ ،‬كأني بهم‬
‫قد ْ‬‫وقد كلمت وجوههم وهم يرون هذا الغلم ل يتكلم العربية ]وَل َ َ‬
‫نعل َ َ‬
‫ن إ ِل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫دو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ذي ي ُل ْ ِ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫سا ُ‬ ‫شٌر ل ّ َ‬ ‫ه بَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ما ي ُعَل ّ ُ‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫م أن ّهُ ْ‬ ‫َْ ُ‬
‫ن[)النحل‪ .(103 :‬كأني برسلهم‬ ‫ي وَهَ َ‬ ‫َ‬
‫مِبي ٌ‬ ‫ي ّ‬ ‫ن ع ََرب ِ ّ‬ ‫سا ٌ‬ ‫ذا ل ِ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫أع ْ َ‬
‫تعدو في الصحراء تقصد اليهود يسألونهم عن خبر هذا النبي‪،‬‬
‫ويعطيهم اليهود المارة‪ :‬سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الول ما‬
‫واف قد بلغ مشارق الرض‬ ‫كان أمرهم؟ سلوه عن رجل ط ّ‬
‫ومغاربها ما كان نبؤه؟ سلوه عن الروح ما هي؟ وُيعطونهم صفة‬
‫الجابة‪ ،‬وتعود الرسل‪ ،‬ويحشر المل القوم منادين فيهم‪ :‬جئنا‬
‫بالقول الفصل بيننا وبين محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ويعطيهم‬
‫الصادق المين المارة تامة‪ .‬ثم‪ ..‬ماذا حدث؟ الموقف ل يتغير ول‬
‫يتبدل‪ ،‬يظهر الحق ويستيقن فريق من الناس‪ ،‬ثم يعاندون‪ .‬وما‬
‫كانت قريش بدعًا؛ فقد كان لهم سلف فيمن مضوا قوم نوح‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫كن َ‬ ‫ما ت َعِد َُنا ِإن ُ‬ ‫دال ََنا فَأت َِنا ب ِ َ‬ ‫ج َ‬‫ت ِ‬ ‫جاد َل ْت ََنا فَأك ْث َْر َ‬ ‫ح قَد ْ َ‬ ‫]َقاُلوا َيا ُنو ُ‬
‫جوِدلوا ودحضت حجتهم؛ فالطبيعي بعد هذا‬ ‫ن[)هود‪ُ (32 :‬‬ ‫صاد ِِقي َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫جاد َل ْت ََنا فَأك ْث َْر َ‬ ‫هو اليمان‪ ،‬ولكن انظر إلى كلمهم ما أعجبه ] َ‬
‫ْ‬
‫ن[)هود‪ .(32 :‬وقوم‬ ‫صاد ِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫كن َ‬ ‫ما ت َعِد َُنا ِإن ُ‬ ‫دال ََنا فَأت َِنا ب ِ َ‬ ‫ج َ‬‫ِ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫جئ ْت ََنا ل ِن َعْب ُد َ الل َ‬ ‫عاد ينادون نبيهم هودا ‪ -‬عليه السلم ‪َ] :-‬قالوا أ ِ‬
‫ما ت َعِد َُنا ِإن ُ‬ ‫ْ‬ ‫ما َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫كن َ‬ ‫ن ي َعْب ُد ُ آَباؤ َُنا فَأت َِنا ب ِ َ‬ ‫كا َ‬ ‫حد َه ُ وَن َذ ََر َ‬ ‫وَ ْ‬
‫ن[)العراف‪ (70 :‬فهم إذن يفهمون الرجل‪ ،‬ول يكون‬ ‫صاد ِِقي َ‬ ‫ال ّ‬
‫ذلك إل بإظهار الحجج والبراهين‪ ،‬ثم انظر إلى موقفهم بعد هذا‬
‫البيان‪ ،‬وكيف أنه يطابق موقف من كان قبلهم‪ .‬وقوم ثمود‬
‫يطلبون الية فتأتيهم‪ ،‬ثم ماذا؟ هل آمنوا؟ أبدا ً ل بل عقروا الناقة‬
‫م وََقاُلوا‬ ‫ة وع َتوا ع َ َ‬
‫مرِ َرب ّهِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫قُروا الّناقَ َ َ َ ْ‬ ‫وقالوا قولة من قبلهم ]فَعَ َ‬
‫ن [)العراف‪.(77 :‬‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫كن َ‬ ‫ما ت َعِد َُنا ِإن ُ‬ ‫ح ائ ْت َِنا ب ِ َ‬ ‫صال ِ ُ‬‫َيا َ‬
‫َ‬
‫مهِ إ ِل ّ أن َقاُلوا أ ْ‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬
‫من‬ ‫هم ّ‬ ‫جو ُ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ب قَوْ ِ‬ ‫وا َ‬ ‫ج َ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫وقوم لوط ]وَ َ‬
‫قَريت ِك ُم إنه ُ‬
‫م‬
‫م يا قوم؟ ]إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن[)العراف‪ (82 :‬ل ِ َ‬ ‫س ي َت َط َهُّرو َ‬ ‫م أَنا ٌ‬ ‫ْ َ ْ ِّ ُ ْ‬
‫ُ‬
‫ن[)العراف‪ (82 :‬ألهذا؟!! وقوم خليل الله إبراهيم‬ ‫س ي َت َط َهُّرو َ‬ ‫أَنا ٌ‬
‫مهِ إ ِل ّ َأن َقاُلوا اقْت ُُلوه ُ أ َْو‬ ‫ب قَوْ ِ‬ ‫وا َ‬ ‫ج َ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫‪ -‬عليه السلم ‪] :-‬فَ َ‬
‫ت لّ َ‬ ‫َ‬
‫ن[‬ ‫مُنو َ‬ ‫قوْم ٍ ي ُؤ ْ ِ‬ ‫ك لَيا ٍ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ن الّنارِ إ ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫جاه ُ الل ّ ُ‬ ‫حّرُقوه ُ فَأن َ‬ ‫َ‬

‫‪240‬‬
‫)العنكبوت‪ .(24 :‬وإن تعجب فمن أهل مدين قوم شعيب ‪ -‬عليه‬
‫السلم ‪ -‬نبي الله؛ إذ يبّلغ رسالة ربه فيؤمن البعض‪ ،‬ويكفر‬
‫ة‬
‫ف ٌ‬ ‫طائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫البعض الخر‪ ،‬ويأخذ الرجل بمبدأ المسالمة‪] :‬وَِإن َ‬
‫ُ‬
‫حّتى‬ ‫صب ُِروا َ‬ ‫مُنوا َفا ْ‬ ‫م ي ُؤ ْ ِ‬ ‫ة لّ ْ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ت ب ِهِ وَ َ‬
‫طائ ِ َ‬ ‫سل ْ ُ‬ ‫ذي أْر ِ‬ ‫مُنوا ِبال ّ ِ‬ ‫مآ َ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن[)العراف‪ ،(87 :‬أفي هذا‬ ‫مي َ‬ ‫حاك ِ ِ‬ ‫خي ُْر ال َ‬ ‫ه ب َي ْن ََنا وَهُوَ َ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫حك َ‬ ‫ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫من‬ ‫ست َك ْب َُروا ِ‬ ‫مل ال ّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫عْيب؟ ولكن انظر ما رد ّ المل ] َقا َ‬
‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫من قَْري َت َِنا أوْ ل َت َُعود ُ ّ‬ ‫ك ِ‬ ‫معَ َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب َوال ّ ِ‬ ‫شعَي ْ ُ‬ ‫ك َيا ُ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫خرِ َ‬ ‫مهِ ل َن ُ ْ‬ ‫قَوْ ِ‬
‫مل ّت َِنا [)العراف‪ .(88 :‬الموقف من الدعوة ورجالها هو هو‪،‬‬ ‫ِفي ِ‬
‫المنطق نفسه يتكرر‪ ،‬ول يكاد يتغير‪ ،‬يعرفون الحق ويستيقنون‬
‫منه تماما ً ثم ل يتبعونه‪ ،‬وليت المر بقي على هذا فالبلية به‬
‫خفيفة‪ ،‬بل يعلنون أنه ل هوادة‪ ،‬ول مقام مع الحق وأهله‪ .‬وانظر‬
‫إلى هذه اليات من سورة إبراهيم كيف أنها تكلمت بألسنتهم‬
‫مجتمعين على تفرقهم زمانا ً ومكانا ً ‪ -‬كأنهم فرد ٌ واحد ‪ -‬قال ‪-‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مود َ‬ ‫عاد ٍ وَث َ ُ‬ ‫ح وَ َ‬ ‫م قَوْم ِ ُنو ٍ‬ ‫من قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ن َب َأ ال ّ ِ‬ ‫م ي َأت ِك ُ ْ‬ ‫تعالى ‪) :-‬أل َ ْ‬
‫ت‬‫سل ُُهم ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫جاءَت ْهُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫م إ ِل ّ الل ّ ُ‬ ‫مه ُ ْ‬ ‫م ل َ ي َعْل َ ُ‬ ‫ن ب َعْد ِه ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫في‬ ‫سل ُْتم ب ِهِ وَإ ِّنا ل َ ِ‬ ‫ما أْر ِ‬ ‫فْرَنا ب ِ َ‬ ‫م وََقاُلوا إ ِّنا ك َ َ‬ ‫واه ِهِ ْ‬ ‫م ِفي أفْ َ‬ ‫دوا أي ْد ِي َهُ ْ‬ ‫فََر ّ‬
‫م أِفي الل ّهِ َ‬ ‫َ‬
‫ك َفاط ِ ِ‬
‫ر‬ ‫ش ّ‬ ‫سل ُهُ ْ‬ ‫ت ُر ُ‬ ‫ب * َقال َ ْ‬ ‫ري ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫عون ََنا إ ِل َي ْهِ ُ‬ ‫ما ت َد ْ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ك ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫َ‬
‫م إ َِلى‬ ‫فَر ل َ ُ‬ ‫َ‬
‫خَرك ُ ْ‬ ‫م وَي ُؤ َ ّ‬ ‫من ذ ُُنوب ِك ُ ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫م ل ِي َغْ ِ‬ ‫عوك ُ ْ‬ ‫ض ي َد ْ ُ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫دوَنا ع َ ّ‬ ‫ص ّ‬ ‫ن أن ت َ ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫مث ْل َُنا ت ُ ِ‬ ‫شٌر ّ‬ ‫م إ ِل ّ ب َ َ‬ ‫ن أنت ُ ْ‬ ‫مى َقاُلوا إ ِ ْ‬
‫ْ‬
‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ج‬‫أ َ‬
‫ن‬ ‫ح ُ‬ ‫م ِإن ن ّ ْ‬ ‫سل ُهُ ْ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫ن * َقال َ ْ‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ن ّ‬ ‫طا ٍ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ن ي َعْب ُد ُ آَباؤ َُنا فَأُتوَنا ب ِ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫عَباد ِهِ وَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء ِ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ن ع ََلى َ‬ ‫م ّ‬ ‫ه يَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م وَل َك ِ ّ‬ ‫مث ْل ُك ُ ْ‬ ‫شٌر ّ‬ ‫إ ِل ّ ب َ َ‬
‫ْ‬
‫ل ََنا َأن ن ّأت ِي َ ُ‬
‫ن‬
‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫ن الل ّهِ وَع ََلى الل ّهِ فَل ْي َت َوَك ّ ِ‬ ‫ن إ ِل ّ ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫طا ٍ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫كم ب ِ ُ‬
‫ما‬‫ن ع ََلى َ‬ ‫صب َِر ّ‬ ‫سب ُل ََنا وَل َن َ ْ‬ ‫داَنا ُ‬ ‫ل ع ََلى الل ّهِ وَقَد ْ هَ َ‬ ‫ما ل ََنا أ َل ّ ن َت َوَك ّ َ‬ ‫* وَ َ‬
‫فُروا‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ن * وََقا َ‬ ‫مت َوَك ُّلو َ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫موَنا وَع ََلى الل ّهِ فَل ْي َت َوَك ّ ِ‬ ‫آذ َي ْت ُ ُ‬
‫مل ّت َِنا [)إبراهيم‪-9 :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي ِ‬ ‫ضَنا أوْ ل َت َُعود ُ ّ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫جن ّ ُ‬ ‫خرِ َ‬ ‫م ل َن ُ ْ‬ ‫سل ِهِ ْ‬ ‫ل ُِر ُ‬
‫كم‬ ‫جن ّ ُ‬ ‫خرِ َ‬ ‫‪ .(13‬فانظر كيف أن الخيار بين أمرين ل ثالث لهما‪] :‬ل َن ُ ْ‬
‫مل ّت َِنا[)إبراهيم‪ ،(13 :‬وكيف أن هذا هو‬ ‫َ‬ ‫م َ‬
‫ن ِفي ِ‬ ‫ضَنا أوْ ل َت َُعود ُ ّ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫ّ ْ‬
‫مود َ‬ ‫عاد ٍ وَث َ ُ‬ ‫ح وَ َ‬ ‫كلم الكفار جميعهم في مختلف أزمنتهم ]قَوْم ِ ُنو ٍ‬
‫م[)إبراهيم‪.(9 :‬‬ ‫ن ب َعْد ِه ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫وما أريده هو أن أسلط الضوء على هذا النوع المجرم من الناس‪.‬‬
‫دا‪ ...‬يكره الحق وهو يعرفه‪ ،‬ويعرف ما فيه‬ ‫الذي ل يريد الحق أب ً‬
‫من الخير‪ .‬يلبس الحق على عوام الناس‪ ...‬يحاول أن يضلهم‪.‬‬
‫هذا النوع من الناس موجود في كل زمان ومكان‪ ،‬وهو الذي‬
‫يختلق المتشابه في القرآن‪ .‬هو الذي يفتعل المتشابه كذًبا وبهتانا‬
‫كي يلبس على الناس دينهم‪.‬‬
‫وإن تدبرت وجدت أن الجهاد في الشريعة يستهدف هؤلء الناس‪.‬‬
‫جا‪.‬‬ ‫وبمجرد القضاء عليهم يدخل الناس في دين الله أفوا ً‬

‫‪241‬‬
‫والمطلوب حين عرض السيرة النبوية أن تكون هناك تحليلت‬
‫لمواقف المل الذين استكبروا من الدعوة النبوية‪ ،‬وكيف أنهم‬
‫كانوا يعرفون الحق ويعاندونه‪ ...‬كيف أنهم كانوا يحاربون الحق‬
‫وهم يعلمون ما فيه من الخير‪.‬‬
‫عاشًرا‪ :‬الدعوة السلمية والخصوصية في المفاهيم والتصورات‪.‬‬
‫للشريعة السلمية خصوصية في الستعمالت اللغوية لللفاظ‬
‫ولها خصوصية في المفاهيم والتصورات‪.‬‬
‫أول‪ :‬خصوصية الشريعة السلمية في الستعمالت اللغوية‬
‫لللفاظ‪.‬‬
‫مثل كلمة)الذان( في اللغة‪:‬العلم‪ ..‬مطلق العلم‪.‬‬
‫ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫ل منه الثّــواء‬ ‫م ّ‬‫آذنتنا ب َِبيِنها أســـماء رب ثاوٍ ي َ َ‬
‫وخصص الشرع المعنى فجعله إعلم مخصوص عن شيء‬
‫مخصوص ـ الصلة المفروضة ـ بصيغة مخصوصة ـ صيغة الذان‬
‫الحالية‪.‬‬
‫ل الله تعالى‬ ‫وكذا الصوم‪ .‬مطلق المساك في اللغة‪ ،‬ومنه قو ِ‬
‫ما‬‫شَرِبي وَقَّري ع َْينا ً فَإ ِ ّ‬ ‫م عليها السلم)فَك ُِلي َوا ْ‬ ‫على لسان مري َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ن أك َل ّ َ‬ ‫وما ً فَل َ ْ‬‫ص ْ‬
‫ن َ‬ ‫م ِ‬
‫ح َ‬
‫ت ِللّر ْ‬‫قوِلي إ ِّني ن َذ َْر ُ‬ ‫حدا ً فَ ُ‬‫شرِ أ َ‬ ‫ن ال ْب َ َ‬‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫ت ََري ِ ّ‬
‫سي ًّا(‪ .‬وفي الشرع‪ :‬إمساك مخصوص)عن الطعام‬ ‫م ِإن ِ‬ ‫ال ْي َوْ َ‬
‫والشراب والشهوة( في وقت مخصوص )من الفجر حتى غروب‬
‫الشمس(‪ .‬بنية مخصوصة‪ ،‬وهي نية القربى من الله تعالى بأداء‬
‫ما افترضه علينا أو ما انتدبنا إليه‪.‬‬
‫وكذا التيمم في اللغة القصد‪ ...‬مطلق القصد‪.‬‬
‫ومنه قول الشاعر ‪:‬‬
‫ت مصر أطلب الجاه والغنى *** فنلتهما في ظل عيش‬ ‫تيمم ُ‬
‫ممّنع‬ ‫ُ‬
‫وزرت ملوك النيل ارتاد نيلهم * * * فأحمد مرتادي وأخصب‬
‫مربعي‬
‫فكلمة تيممت هنا تعني قصدت‪.‬‬
‫وفي الشرع تستخدم كلمة التيمم للدللة على أمر مخصوص‪،‬‬
‫ما‪ ،‬وهو مشروح‬ ‫وهو بديل الوضوء عند فقده حقيقة أو حك ً‬
‫تفصيله في كتب الفقه‪.‬‬
‫ما‬
‫وكلمة اليمان في اللغة التصديق الجازم ومنه قوله تعالى)‪ ...‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ة إخوة ُ يوسف لبيهم‪،‬‬ ‫ن( قول ُ‬ ‫صاد ِِقي َ‬ ‫ن ل َّنا وَل َوْ ك ُّنا َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ٍ‬ ‫ت بِ ُ‬ ‫أن َ‬
‫استعمل فيها اليمان بمعناه اللغوي أي)بمصدق لنا(‪.‬‬

‫‪242‬‬
‫ولكن إذا أطلقت لفظة اليمان في الشرع فإنها تدل على تصديق‬
‫مخصوص‪ .‬وهو التصديق بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫المستلزم للذعان بالجوارح‪.‬‬
‫ة بالقلب والتي يسميها علماء العقيدة " قول القلب‬ ‫أو قل‪ :‬معرف ٌ‬
‫" تولد هذه المعرفة يقينا في القلب وهو ما يسمى عند علماء‬
‫العقيدة بـعمل القلب تنضبط بموجبه به الجوارح‪ .‬قوة وضعفا‪...‬‬
‫ما‪.‬‬
‫دا وعد ً‬ ‫وجو ً‬
‫هذا هو دللة لفظ اليمان حين يستخدمه الشرع )على تفصيل ل‬
‫يناسبه المقام(‬
‫وأحيانا يستعمل الشرع اللفاظ بذات الدللة اللغوية لها‪ ،‬فمثل‬
‫كلمة الذان التي تكلمنا عليها‪ ،‬جاءت بمعناها اللغوي في القرآن‬
‫الكريم " فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء‪ ،‬وإن أدري أقريب أم‬
‫بعيد ما توعدون" ] النبياء‪ .[109 :‬فآذنتكم هنا بمعنى أعلمتكم‪،‬‬
‫استخدمت بمعناها اللغوي‪.‬‬
‫وقول الله تعالى " فأذنوا بحرب من الله " أي كونوا على علم‪.‬‬
‫أو‪ :‬أعلموا كل من لم يترك الربا بحرب من الله ورسوله‪.‬‬
‫مُنوا ْ‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫وكذا كلمة التيمم جاءت في سورة البقرة‪َ) ،‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ض وَل َ‬ ‫َ‬
‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫كم ّ‬ ‫جَنا ل َ ُ‬
‫خَر ْ‬ ‫ما أ َ ْ‬
‫م ّ‬‫م وَ ِ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫سب ْت ُ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫من ط َي َّبا ِ‬ ‫قوا ْ ِ‬ ‫ف ُ‬‫أن ِ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ضوا ْ ِفي ِ‬
‫ه‬ ‫م ُ‬ ‫ذيهِ إ ِل ّ أن ت ُغْ ِ‬ ‫خ ِ‬‫سُتم ِبآ ِ‬ ‫ن وَل َ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫ه ُتنفِ ُ‬‫من ْ ُ‬
‫ث ِ‬ ‫خِبي َ‬‫موا ْ ال ْ َ‬ ‫م ُ‬‫ت َي َ ّ‬
‫َ‬
‫د( ]البقرة‪ [ 267 :‬أي ول تقصدوا‬ ‫مي ٌ‬ ‫ح ِ‬‫ي َ‬ ‫ه غ َن ِ ّ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫موا ْ أ ّ‬ ‫َواع ْل َ ُ‬
‫الخبيث وتنفقوا منه‪.،‬‬
‫وكلمة الصلة "إن الله وملئكته يصلون على النبي‪ .‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " قال بن كثر في تفسير هذه‬
‫الية‪ ،‬قال البخاري ‪ :‬قال أبو العالية‪ :‬صلة الله تعالى ثنائه عليه ـ‬
‫أي على النبي صلى الله عليه وسلم ـ‪ ،‬وصلة الملئكة الدعاء‪.‬‬
‫والمعنى يتضح من ِدللة السياق‪.‬‬
‫والمقصود مما تقدم أن الشرع وإن كان قد استخدم اللغة‬
‫العربية لبيان مراد الله من عباده على لسان رسوله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬إل أنه لم يستخدمها بذات المعاني‪ ،‬وإنما كانت له‬
‫خصوصية في استعمالها‪ .‬فدللته اللغوية غير دللته الشرعية‪،‬‬
‫وإن تقاطعت المعاني وتطابقت أحيانا‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬خصوصية الشريعة السلمية في المفاهيم والتصورات‪.‬‬
‫للشريعة السلمية أيضا خصوصية في المفاهيم والتصورات‪ ،‬ول‬
‫تكاد تجد مفهوم من المفاهيم التي تعارف عليها الناس إل‬
‫وللشريعة السلمية خصوصية فيه‪.‬‬

‫‪243‬‬
‫مثل‪ :‬مفهوم الرزق‪ ...‬تحصيل الرزق‪ .‬أعني تحصيل الرزق على‬
‫مستوى الفرد وعلى مستوى المة ـ ما يقولون عنه الرقي‬
‫المادي ـ‪ ،‬الناس لهم أسباب مادية يسلكونها في تحصيل رزقهم‪.‬‬
‫والشرع له خصوصية في هذا المر‪ ،‬فهو يتكلم عن أسباب أخرى‬
‫مضافة إلى معالجة السباب المادية قال تعالى‪:‬‬
‫"ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء‬
‫والرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون" ] العراف‪:‬‬
‫‪[96‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مَها ع َلى قَوْم ٍ‬ ‫ة أن ْعَ َ‬ ‫م ً‬ ‫مغَّيرا ً ن ّعْ َ‬ ‫ك ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ه لَ ْ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ك ب ِأ ّ‬ ‫وقال تعالى ‪):‬ذ َل ِ َ‬
‫م()النفال‪(53 :‬‬ ‫ميعٌ ع َِلي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫َ‬
‫م وَأ ّ‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ما ب َِأن ُ‬‫حّتى ي ُغَي ُّروا ْ َ‬ ‫َ‬
‫وقال تعالى‪" :‬ولو أنهم أقاموا التوراة والنجيل وما أنزل إليهم‬
‫من ربهم لكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم" ] المائدة‪[ 66 :‬‬
‫مثال آخر‪ :‬من أين يأتي البلء؟‬
‫ما كثيًرا‪ ..‬نعرف منه وننكر‪.‬‬ ‫الناس يقولون كل ً‬
‫والشرع يعطي مفهوما آخر‪" :‬وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت‬
‫أيديكم ويعفوا عن كثير" ] الشورى‪.[30 :‬‬
‫"أو لما أصابتكم مصيبة قلت أنى هذا قل هو من عند أنفسكم"‬
‫] آل عمران‪[165 :‬‬
‫من‬ ‫ه َ‬‫ن الل ّ ُ‬ ‫صَر ّ‬ ‫والنصر والتمكين كيف الوصول إليه؟‪ ....) :‬وَل ََين ُ‬
‫زيٌز()الحج من الية‪(40 :‬‬ ‫قوِيّ ع َ ِ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صُره ُ إ ِ ّ‬ ‫َين ُ‬
‫فن ُّهم ِفي‬ ‫خل ِ َ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫م وَع َ ِ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫)وَع َد َ الل ّ ُ‬
‫ذي‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫م ِدين َهُ ُ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫مك ّن َ ّ‬ ‫م وَل َي ُ َ‬ ‫من قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫ف ال ّ ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ست َ ْ‬‫ما ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫ِ‬ ‫اْل َْر‬
‫دون َِني َل ي ُ ْ‬ ‫خوفه َ‬
‫ن‬
‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫منا ً ي َعْب ُ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫من ب َعْد ِ َ ْ ِ ِ ْ‬ ‫م وَل َي ُب َد ّل َن ُّهم ّ‬ ‫ضى ل َهُ ْ‬ ‫اْرت َ َ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ك فَأوْل َئ ِ َ‬
‫ن()النور‪(55 :‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫فَر ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫من ك َ َ‬ ‫شْيئا ً وَ َ‬ ‫ِبي َ‬
‫والمر أوسع من هذا فهناك خصوصية في كل المفاهيم تقريبا‪.‬‬
‫الكبر‪ ..‬البر‪ ..‬وفي مفهوم المعركة من حيث أسباب النصر فيها‬
‫ومن حيث جنودها الذين يحضرون القتال‪ ..‬الخ‪.‬‬
‫وإنما أردت هنا لفت النظر فقط‪.‬‬
‫لماذا الكلم في الخصوصية؟‬
‫لمور أركز على اثنين منها‪.‬‬
‫أولهما‪ :‬فيه نقض لستدللت أصحاب الفرق الضالة‪.‬‬
‫باستقراء مناهج الفرق الضالة وخصوصا التي تكلمت في اليمان‪،‬‬
‫ل الرجاء والعتزال والتصوف والمتفلسفة‪ ،‬تجد أن خطأ هؤلء‬ ‫أه َ‬
‫الرئيسي يكون في الجهل بأن للشريعة السلمية خصوصية في‬
‫استعمال اللفاظ وفي المفاهيم والتصورات‪ ،‬وبالتالي تجده‬
‫يستعمل اللفاظ بمعناها اللغوي مما يؤدي إلى الخروج بنتائج‬
‫مغلوطة‪.‬‬

‫‪244‬‬
‫دا في حالة الرجاء‪ ،‬وله أمثلة كثيرة في ضللت‬ ‫وهذا بين ج ً‬
‫النصارى التي يسمونها أدلة على إلوهية المسيح في القرآن‬
‫الكريم ‪ ،‬وكذا في أطروحات العصرانيين‪.‬‬
‫وحيث أن المقصود هنا هو بيان القاعدة وليس مناقشة أدلة‬
‫هؤلء فإن أكتفي بمثال أبين فيه قولي‪ ،‬ولعل الله أن ييسر‬
‫مناقشة هؤلء على ضوء هذه القاعدة لحقا‪.‬‬
‫ل الرجاء ـ مثل ـ فسروا )اليمان( بمعناه اللغوي‪ ،‬مدعين بأن‬ ‫أه ُ‬
‫القرآن نزل بلسان عربي مبين‪.‬استخدموا المقدمات المنطقية‬
‫العقلية لثبات باطلهم‪ ،‬فقالوا القرآن نزل بلسان عربي مبين‪.‬‬
‫أليس كذلك؟‬
‫بالطبع هو كذلك‪ .‬ل أحد ينكر هذا‪.‬‬
‫ثم استمروا على هذه المقدمات المغلوطة‪ ،‬فقالوا العرب ُتعّرف‬
‫لفظ اليمان بالتصديق الخبري أو ما يقولون عنه المعرفة‪.‬إذا‬
‫ملوها‬ ‫ح َ‬
‫اليمان هو التصديق أو المعرفة‪ ،‬وذهبوا إلى النصوص و َ‬
‫حمل على القول بباطلهم‪ ،‬والنصوص من كلم العرب الذي ترد‬
‫فيه الحتمالت ويدخله التأويل بأدنى الحجج‪ ،‬ومن شأنها أنها‬
‫ط َّيعة تسير على هوى من يحملها طائعة أو مكره‪.‬‬
‫ونعم الشرع استعمل اللغة العربية في بيان مراد الله من عبادة‬
‫ولكنه خصص وأضاف‪ ،‬ول بد من الوقوف عند المعنى الشرعي‬
‫وعدم تجاوزه‪.‬‬
‫والشرع لم يستخدم لفظة)اليمان( بذات الدللة اللغوية‪ ،‬وإنما‬
‫بدللة أخرى كما قدمنا‪ .‬وهذا أيضا فيه رد على مرجئة الفقهاء‬
‫الذين قالوا بأن العمل وإن كان ل بد منه إل أنه ل يدخل في‬
‫مسمى اليمان ذلك لنهم اعتمدوا تفسير لفظ اليمان بمعناه‬
‫اللغوي‪ ،‬ونحن نقول هناك فرق بين استعمال الشرع للفظة‬
‫اليمان واستعمال اللغة لها ول بد من استعماله بمعناه الشرعي‪.‬‬
‫ولست هنا معنيا بمناقشة مذهب المرجئة وإنما أريد أن أنبه على‬
‫أنه ل بد من الرجوع للمعنى الشرعي في تفسير معان الكلمات‪،‬‬
‫وليس الكتفاء فقط بالمعنى اللغوي أو العرفي‪.‬‬
‫ل الكلم‪ ...‬أهل التحريف والتعطيل في السماء والصفات‪،‬‬ ‫وأه ُ‬
‫ركب الشيطان رأسهم من باب التنزيه‪ ،‬حيث قاموا ينزهون ربهم‬
‫عن خلقه وعبيده ـ كما زعموا ـ فتصوروا أن التنزيه ل يكون إل‬
‫عن طريق نفي المماثلة بالكلية‪ ،‬ومن هناك راحوا يعطلون‬
‫ويحرفون‪.‬‬
‫ولو أنهم عادوا إلى الشرع‪ ،‬وعلموا كيف أن له خصوصية تامة‬
‫في تصورات النسان عن خالقه ومعبوده ـ سبحانه وتعالى ـ لما‬
‫كان شيء من هذا‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫والمثلة على هذه القاعدة عند العصرانيين‪ ،‬وعباد الصليب أكثر‬
‫وأوضح‪ ،‬وفي النية استخراج بحث في هذا الشأن والله‬
‫المستعان‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬المناعة الفكرية‪.‬‬
‫اليمان بأن للشريعة السلمية خصوصية في المفاهيم‬
‫والتصورات‪ ،‬والستعمالت اللغوية لللفاظ‪ ،‬وأنه ل بد من‬
‫الوقوف عليها ومراجعتها قبل التكلم في أي موضوع‪ ،‬وكذا‬
‫اليمان بأن الدين كامل " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت‬
‫عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم ديًنا "‪ .‬وليس فقط بل اليمان‬
‫بأن الحكام الشرعية في غاية الحكمة‪ ،‬وذلك لنها من الله العليم‬
‫الخبير الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير‪ .‬وأنه يجب رد كل‬
‫ما أشكل على المرء إلى الكتاب والسنة‪ ،‬وأن ل يمضي في اتخاذ‬
‫أحكام أو رسم تصورات قبل مراجعة أهل العلم من العلماء‬
‫الربانيين كما أمر ربنا‪.‬‬
‫دوه ُ إ َِلى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذا جاءهُ َ‬
‫عوا ْ ب ِهِ وَل َوْ َر ّ‬ ‫ذا ُ‬ ‫فأ َ‬ ‫خو ْ ِ‬ ‫ن أوِ ال ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫مٌر ّ‬ ‫مأ ْ‬‫ْ‬ ‫)وَإ ِ َ َ‬
‫سَتنب ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫من ْهُ ْ‬
‫ه ِ‬‫طون َ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫م ُ‬‫م ل َعَل ِ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫مرِ ِ‬ ‫ل وَإ َِلى أوِْلي ال ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫الّر ُ‬
‫ل()النساء‪:‬‬ ‫ن إ ِل ّ قَِلي ً‬ ‫طا َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ه ل َت ّب َعْت ُ ُ‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م وََر ْ‬ ‫ل الل ّهِ ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫وَل َوْل َ فَ ْ‬
‫‪(83‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫م ِ‬‫ل وَأوِْلي ال ْ‬ ‫سو َ‬ ‫طيُعوا ْ الّر ُ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫طيُعوا ْ الل ّ َ‬ ‫مُنوا ْ أ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫)َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫م‬‫كنت ُ ْ‬‫ل ِإن ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫دوه ُ إ َِلى الل ّهِ َوالّر ُ‬ ‫يٍء فَُر ّ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬‫م ِفي َ‬ ‫م فَِإن ت ََناَزع ْت ُ ْ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل()النساء‪(59 :‬‬ ‫ن ت َأِوي ً‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫خي ٌْر وَأ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫خرِ ذ َل ِ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ت ُؤ ْ ِ‬
‫فهنا جعل الرد لله والرسول شرط لصحة اليمان‪ " ...‬فردوه إلى‬
‫الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الخر"‪.‬‬
‫ولحظ أن الرد ليس مقتصرا على المور العظام بل على كل‬
‫شيء‪ .‬فانظر كيف أتى التعبير بكلمة شيء التي هي نكره‪ ،‬وفي‬
‫سياق الشرط لتفيد العموم‪ .‬فكل شيء يجب أن يرد إلى الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬ومن ل يعرف يسأل‪.‬‬
‫حين يعرف المسلم هذا المر تتكون عنده مناعة فكرية‪ ،‬فل يقبل‬
‫كل ما يسمع بل يكون عنده خاصية النتقاء‪ ...‬القبول والرد‪.‬‬
‫ودعني أضرب المثال ليتضح المقال‪.‬‬
‫نجد أن كثيًرا من المسلمين يردد كثيًرا من الكلمات وهي بمعان‬
‫مستحدثة ل نعرفها‪ .‬بل ننكرها‪.‬‬
‫مثل كلمة)الحرية( و كلمة)المساواة(‪ ،‬تردد على لسان كثير من‬
‫أبناء المة السلمية‪ ،‬وهي كلمات غربية بدللت غير إسلمية‪.‬‬
‫هذا أقل ما يمكن أن يقال فيها‪ .‬فـ)الحرية( تعني حرية المرأة في‬
‫التبرج والسفور بل والعري‪ ،‬ومخالطة الرجال في أماكن العمل‬
‫وفي أماكن اللهو بما ل يخفى‪ ،‬والحرية عندهم تشمل حرية‬

‫‪246‬‬
‫الكلمة وإن كانت سًبا لله ورسوله وطعنا ً في الدين‪ ،‬أو غمزا‬
‫لعباد الله الموحدين‪.‬‬
‫ن‬‫د()قـ‪" (18 :‬إ ِ ّ‬ ‫ب ع َِتي ٌ‬ ‫ل إ ِّل ل َد َي ْهِ َرِقي ٌ‬ ‫من قَوْ ٍ‬ ‫ظ ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫ما ي َل ْ ِ‬‫وعندنا ") َ‬
‫هّ‬
‫ه الل ُ‬ ‫ً‬
‫قي لَها َبال ي َْرفَعُ ُ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ ل ي ُل ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫ض َ‬‫ن رِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مة ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫م ِبالك َل ِ َ‬ ‫ال ْعَب ْد َ ل َي َت َك َل ّ ُ‬
‫قي ل ََها‬ ‫ط الل ّهِ َل ي ُل ْ ِ‬
‫خ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مة ِ ِ‬‫م ِبال ْك َل ِ َ‬‫ن ال ْعَب ْد َ ل َي َت َك َل ّ ُ‬ ‫ت وَإ ِ ّ‬ ‫جا ٍ‬ ‫ب َِها د ََر َ‬
‫م"‬ ‫جهَن ّ َ‬‫وي ب َِها ِفي َ‬ ‫َباًل ي َهْ ِ‬
‫و)المساواة( عندهم تشمل تسوية الرجل بالمرأة في كل شيء‪.‬‬
‫وعندنا للمرأة ما ليس للرجل‪ ،‬وللرجل ما ليس للمرأة‪ ،‬وعلى‬
‫ل من الحقوق ما ليس على الخر‪ ،‬تبعا للختلفات الجسمية‬ ‫ك ٍ‬
‫كمة العليم الحكيم‬ ‫ح ْ‬ ‫والنفسية‪ ...).‬وليس الذكر كالنثى‪ِ (.....‬‬
‫الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير‪ ،‬والمساواة عندهم تعني‬
‫أيضا مساواة أهل الكفر بأهل اليمان‪ ،‬وعندنا " أفنجعل‬
‫المسلمين كالمجرمين‪ .‬مالكم كيف تحكمون‪ .‬أم لكم كتاب فيه‬
‫تدرسون "؟؟!!‪.".‬‬
‫فبينهما فرق‪ :‬بين معاني اللفاظ الحديثة فيما هي مستعملة‬
‫اليوم فيه‪ ،‬ومعناها في الشرع‪ ،‬فرق يجب الوقوف عليه‪ ،‬ول يردد‬
‫هكذا دون تدبر‪.‬‬
‫فلو علموا أن هناك خصوصية للشريعة السلمية في المفاهيم‬
‫والتصورات‪ ،‬ما رددوا هكذا بدون وعي ولرجعوا إلى الشريعة‬
‫السلمية يستنطقونها ماذا تقول في كل ما يعرض عليهم‪.‬‬
‫والمطلوب ممن يعرض السيرة النبوية على الناس أو يقرأها هو‬
‫أن يبين هذه الخصوصية في المفاهيم والتصورات ومعاني‬
‫اللفاظ وهو يعرض الغزوات مثل‪ ،‬وهو يشرح بعض مواقف النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم مع أصحابه أو أعدائه‪ .‬لتتكون مناعة فكرية‬
‫عند من يسمع نحن في أمس الحاجة إليها اليوم في هذه اليام‪.‬‬
‫حادي عشر‪:‬الدعوة السلمية دعوة عملية وليست مفاهيم‬
‫نظرية‪.‬‬
‫من يتدبر حال النصرانية مثل يجد أنها تحولت إلى مجموعة من‬
‫المفاهيم النظرية التي يكفي مجرد التصديق بها للنتساب إليها‪،‬‬
‫وإذا انضم إلى هذه المفاهيم ممارسة بعض الشعائر التعبدية فإن‬
‫الشخص يعتبر من المتدينين‪!.‬‬
‫حتى أنك حين تستمع إلى دعوة النصرانية مثل ً تجد أنها دعوة إلى‬
‫التصديق بأمور نظرية‪ ،‬مثل قضية التثليث‪ ،‬وقضية الصلب‬
‫والفداء‪ ،‬وقداسة الباباوات‪ .‬وبعض الشعائر التعبدية‪ ،‬والحياة بعد‬
‫ذلك تخضع لما يمليه عليهم الواقع‪ ،‬أو ما يحلو لحبارهم ورهبانهم‬
‫وأرباب الرأي فيهم‪.‬‬

‫‪247‬‬
‫وكذا أصبحت البوذية واليهودية‪ ،‬وكاد الرجاء أن يفعلها بالدعوة‬
‫السلمية لول أن الله قيض لهذا الدين رجال ً أحيا بهم السنة‬
‫وأمات بهم البدعة‪.‬‬
‫وأعرض بعض المشاهد من السيرة النبوية‪ ،‬لبين بها أن الدين لم‬
‫يكن يوما ما نظرية مجردة ول مجادلة فكرية يكتفي بمجرد‬
‫القتناع فيها‪...‬‬
‫تروي لنا كتب السير أن مسلمة جلست في سوق بني قينقاع في‬
‫المدينة عند صائغ يهودي فراودها عن كشف وجهها فأبت عليه‪،‬‬
‫فعقد طرف ثوبها إلى ظهرها على حين غفلة منها‪ ،‬فلما قامت‬
‫انكشفت سوأتها‪ ،‬فضحكوا بها‪ ،‬فصاحت‪ .‬فوثب رجل من‬
‫المسلمين على الصائغ اليهودي فقتله‪ ،‬وشدت اليهود على‬
‫المسلم فقتلوه‪.‬‬
‫هذا مشهد من المشاهد ترويه لنا كتب السيرة‪ ،‬والمشهد التالي‬
‫له مباشرة في كتب السيرة هو حصار رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم لبني قينقاع وإصراره على ذبحهم لول وقاحة بن سلول‬
‫في شفاعته لهم‪ .‬وسقط من كل الروايات ما بين المشهدين ما‬
‫حدث في السوق والحصار من الحداث‪ ،‬كأن الحدثين متلصقين‪.‬‬
‫من فعل الفعلة ُقتل‬ ‫دا تكلم بأن َ‬ ‫فلم تروِ لنا كتب السير أن أح ً‬
‫دا تكلم بأن‬ ‫فوا أيديكم يكفي؛ ولم تروي لنا كتب السير أن أح ً‬ ‫فك ّ‬
‫المر لم يتجاوز كشف جزء من العورة لفترة وجيزة‪ ،‬ولم تروي‬
‫دا تكلم بأن لبني قينقاع إخوة في الدين‬ ‫لنا كتب السير أن أح ً‬
‫والملة في ذات المدينة‪ ،‬هم بنو قريظة وبنو النضير وورائهم في‬
‫خيبر عدد وعتاد ولهم حلفاء من غطفان‪ ،‬وغطفان يومها غطفان‪.‬‬
‫قا‪ ..‬لم تروي كتب السيرة سوى فعل‪ ،‬وهو‬ ‫بل لم يتكلم أحد مطل ً‬
‫حصار رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم حتى أجلهم‪.‬‬
‫وتروي لنا كتب السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذهب‬
‫في عشرة من أصحابه لبني النضير يطلب منهم وفاء ما عاهدوه‬
‫موا بقتله صلى الله عليه وسلم وحين علم‬ ‫عليه‪ ،‬فغدروا وه ّ‬
‫بغدرهم وهو جالس تحت جدار بيت من بيوتهم قام ولم يتكلم‪،‬‬
‫وأعد الجيش ولم يتمهل‪ ،‬وحاصرهم حتى خربت بيوتهم بأيديهم‬
‫وأيدي المؤمنين‪ ،‬وخرجوا منها أذلء صاغرين‪.‬‬
‫وتروي لنا كتب السير أن الخبار أتت رسول الله صلى الله عليه‬
‫مع العرب في بطن ع ُْرَنة‬ ‫ج ّ‬
‫وسلم بأن خالد بن سفيان الُهذلي ي ُ َ‬
‫عند سفح عرفة على بعد خمسمائة كيلو متر من المدينة‪،‬فأرسل‬
‫ل)عبد الله بن ُأنيس( من المدينة يسعى على قدميه فأخمد‬ ‫له رج ً‬
‫الفتنة‪ .‬ولم نسمع كثيًرا ول قليل ً من الكلم‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫وغدرت قريش بعهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم وراحت‬
‫وجاءت وقالت وأكثرت‪ ،‬وما كان من الحبيب صلى الله عليه‬
‫ََ‬
‫مع‬ ‫وسلم إل أن رد عليهم بفعل ل بقول‪ ...‬استنفر أصحابه وج ّ‬
‫جيشه وفتح مكة‪.‬‬
‫ل الله صلى‬ ‫ل رسو ِ‬ ‫وغدرت قريظة فذبحت‪ ،‬وقتلت غسان رسو َ‬
‫جُهز‬
‫موا بالت ّ َ‬ ‫الله عليه وسلم فتحرك جيش مؤتة‪ ،‬وبنو المصطلق ه ّ‬
‫فوجدوا الخيل صباحا تشرب من مائهم‪.‬‬
‫هكذا‪ ...‬نعم هكذا‪.‬‬
‫لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم كثيًرا‪.‬‬
‫ولم يكن الباعث على هذا)التصرف الفعلي( من الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم هو كثرة العدد ووفرة العتاد‪ ،‬فقد كانت الحال‬
‫حال‪ ...‬هو منهج الدعوة من يومها الول " أنظر كيف بدأت‪ " ،‬يا‬
‫حا طويل ً "‪.‬‬ ‫أيها المدثر قم فأنذر" "إن لك في النهار سب ً‬
‫فلم تكن فقط عملية وجادة مع المخالف وإنما أيضا في تربية‬
‫الجماعة المؤمنة‪ ،‬كانت الدروس كلها عملية‪.‬‬
‫يذبح سبعين من الصحابة يوم أحد منهم الحمزة بن عبد المطلب‬
‫ليتعلم القوم درسا من جملة واحدة " قلتم أنى هذا قل هو من‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فو‬‫م وَي َعْ ُ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫سب َ ْ‬ ‫صيب َةٍ فَب ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫من ّ‬ ‫كم ّ‬ ‫صاب َ ُ‬‫ما أ َ‬ ‫عند أنفسكم )وَ َ‬
‫عن ك َِثي ٍ‬
‫ر(‬ ‫َ‬
‫ويستمر حادث الفك شهرا ليتعلم القوم درسا عمليا)ل َوَْل إ ِذ ْ‬
‫خْيرا ً وََقاُلوا هَ َ‬
‫ذا‬ ‫م َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ت ب َِأن ُ‬‫مَنا ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫موه ُ ظ َ ّ‬ ‫معْت ُ ُ‬‫س ِ‬
‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫إ ِفْ ٌ‬
‫س لكم‬ ‫ما لي ْ َ‬ ‫واه ِكم ّ‬ ‫ن ب ِأفْ َ‬ ‫قولو َ‬ ‫م وَت َ ُ‬ ‫سن َت ِك ْ‬ ‫ه ب ِأل ِ‬ ‫قوْن َ ُ‬ ‫ن( )إ ِذ ْ ت َل ّ‬ ‫مِبي ٌ‬‫ك ّ‬
‫م()النور‪(15 :‬‬ ‫ظي ٌ‬ ‫عند َ الل ّهِ ع َ ِ‬ ‫ه هَّينا ً وَهُوَ ِ‬ ‫سُبون َ ُ‬ ‫ح َ‬‫م وَت َ ْ‬‫عل ْ ٌ‬
‫ب ِهِ ِ‬
‫ويحاصر المخلفين عن غزوة تبوك خمسين يوما حتى ضاقت‬
‫سا‬‫عليهم الرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم‪ ،‬ليتلقوا در ً‬
‫عملًيا هم ومن يشاهدونهم ومن يسمع بهم كي ل يتخلفوا ثانية‬
‫عن رسول الله ول يرغبوا بأنفسهم عن نفسه‪.‬‬
‫هذا حاله صلى الله عليه وسلم في التعامل مع عدوه ومع‬
‫أتباعه‪ ...‬هذا هو المنهج الرباني الذي تحرك به النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫وإن من أوضح المور لمن يتدبر نشأت الجماعة المؤمنة على يد‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم وكيف نمت وتطورت وكيف‬
‫عالجت مشاكلها الداخلية بين أفرادها والخارجية مع أعدائها‪ ،‬أن‬
‫ما ما نظرًيا‪.‬‬ ‫نهج الشرع كان عمليا‪ ،‬ولم يكن يو ً‬
‫لم يتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأجندة عمل لمن‬
‫يخالفونه يشرح فيها وجهات نظره‪ ،‬ورؤيته للمستقبل‪ ،‬وإنما كان‬
‫هادًئا كثير الصمت يعمل ول يتكلم‪.‬‬

‫‪249‬‬
‫ضا أن الفراد ميزتهم المواقف ولم يتميزوا‬ ‫دا أي ً‬
‫ومن الواضح ج ً‬
‫بالمعرفة الذهنية‪ ،‬ول بأصوات العامة لهم‪.‬‬
‫واليوم‪ :‬العقيدة دروس علمية‪ ..‬نظرية‪ ،‬ل تكاد تعرف )الخ ( إل‬
‫من كلمه‪ ،‬قليل من تتعرف عليهم من وجوههم وفعالهم‪.‬‬
‫واليوم شعارات نرفعها وننام تحتها مكتفين بمجرد النتساب‬
‫للعمل السلمي‪.‬‬
‫واليوم شعارات نرفعها ونتعصب لها‪.‬‬
‫والمطلوب حين عرض السيرة النبوية على الناس أن ينبه على‬
‫هذا المر‪ ،‬وأن نقف مع الحداث نبين كيف كانت الدعوة جادة‪،‬‬
‫ما ما مفاهيم نظرية‪.‬‬ ‫ولم تكن يو ً‬
‫وأن المفاهيم السلمية ما جاءت إل لتنشئ واقًعا‪ ...‬إل لتترجم‬
‫على أرض الواقع‪.‬‬
‫والله أسال أن يبارك لي في كلماتي وأن ينفع بها من كتب ومن‬
‫نشر ومن قرأ‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫=====================‬
‫وقفات شرعية مع جريمة الساءة إلى مقام النبي‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫الشيخ محمد بن صالح المنجد‬
‫ل مسلم غيور على دينه ما قام به السفهاء المجرمون من‬ ‫ساء ك ّ‬
‫الستهزاء بنبينا محمد ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وهو أفضل من‬
‫وطئت قدماه الثرى‪ ،‬وهو سيد الولين والخرين صلوات ربي‬
‫وسلمه عليه‪.‬‬
‫وهذه الوقاحة ليست غريبة عنهم؛ فهم أحق بها وأهلها؛ فقد‬
‫كفروا بالله ـ تعالى ـ وسبوه ونسبوا إليه الصاحبة والولد‪.‬‬
‫فماذا ينقم هؤلء من سيد البشر محمد ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬؟!‬
‫هل ينقمون منه أنه دعـا إلــى توحـيد اللـه ـ تعالـى ـ وهـم ل‬
‫يؤمنون لله بالوحدانية؟‬
‫م ربه تبارك ـ وتعالى ـ ونّزهه عما يقوله‬ ‫أم ينقمون منه أنه ع َظ ّ َ‬
‫هؤلء المفترون‪ ،‬وهم ينسبون إليه النقص والصاحبة والولد؟‬
‫أم ينقمون منه أنه دعا إلى معالي الخلق‪ ،‬وت َْرك سفسافها‪ ،‬ودعا‬
‫إلى الفضيلة‪ ،‬وسد كل باب يؤدي إلى الرذيلة‪ ،‬وهم يريدونها‬
‫فوضى أخلقية وجنسية عارمة؟‬
‫يريدون أن يغرقوا في مستنقع الشهوات والرذيلة‪ ،‬وقد كان لهم‬
‫ما أرادوا!‬
‫أم ينقمون منه أنه رسول الله؛ والله ـ تعالى ـ هو الذي اصطفاه‬
‫على الناس برسالته ووحيه؟‬

‫‪250‬‬
‫ودلئل نبوته ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أكثر من أن تحصر‪ :‬شق الله‬
‫له القمر لُيري الكفار آية‪ ،‬ونبع الماء من بين أصابعه ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬مرات‪ ،‬وتكلمت الشاة المسمومة فأخبرته أن‬
‫مًا‪ ،‬وأعطاه خمسا ً لم يعطهن أحدا ً من النبياء قبله‪،‬‬ ‫س ّ‬
‫بذراعها ُ‬
‫ما‬‫منها نصره بالرعب مسيرة شهر‪ ،‬وبعثه للناس كافة‪} :‬وَ َ‬
‫ة ّللناس بشيرا ونذيرا ول َك َ‬ ‫سل َْنا َ‬ ‫َ‬
‫سل‬ ‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫كافّ ً ّ ِ َ ِ ً َ َ ِ ً َ ِ ّ‬ ‫ك إل ّ َ‬ ‫أْر َ‬
‫ن{ ]سبأ‪.[28 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫أم لم يسمعوا عن آيته الكبرى‪ ،‬هذا القرآن الكريم‪ ،‬كلم رب‬
‫العالمين‪ ،‬الذي حفظه الله ـ تعالى ـ فلم تمتد إليه يد العابثين‬
‫المحرفين‪ ،‬أما كتبهم المنزلة على أنبيائهم فتلعبوا بها أيما‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ذا ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ن ال ْك َِتا َ‬
‫ب ب ِأي ْ ِ‬ ‫ن ي َك ْت ُُبو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ل ّل ّ ِ‬
‫تلعب‪} :‬فَوَي ْ ٌ‬
‫َ‬
‫م وَوَي ْ ٌ‬
‫ل‬ ‫ديهِ ْ‬‫ت أي ْ ِ‬‫ما ك َت َب َ ْ‬ ‫ل ل ُّهم ّ‬
‫م ّ‬ ‫مًنا قَِليل ً فَوَي ْ ٌ‬ ‫شت َُروا ب ِهِ ث َ َ‬ ‫عند ِ الل ّهِ ل ِي َ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن{ ]البقرة‪.[79 :‬‬ ‫سُبو َ‬ ‫ما ي َك ْ ِ‬ ‫م ّ‬‫ل ُّهم ّ‬
‫بل من أعظم الدلة على صدق نبينا محمد ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،-‬بقاء دينه هذه القرون الطويلة ظاهرا ً منصورًا‪ ،‬وقد كان‬
‫أمره ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬في حياته دائما ً إلى ظهور وعلو‬
‫كن كاذبا ً عليه‬ ‫م ّ‬ ‫على أعدائه‪ ،‬وحكمة الله ـ تعالى ـ تأبى أن ي ُ َ‬
‫وعلى دينه من العلو في الرض هذه المدة الطويلة‪ ،‬بل في‬
‫كتبهم التي كتمها علماؤهم وحرفوها أن الكذاب )مدعي النبوة( ل‬
‫يمكن أن يبقى إل مدة يسيرة ثم ينكشف أمره ويضمحل‪.‬‬
‫كر عن أحد ملوكهم أنه أ ُِتي برجل من أهل دينه )نصراني(‬ ‫كما ذ ُ ِ‬
‫كان يسب النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬ويرميه بالكذب‪ ،‬فجمع‬
‫الملك علماء ملته‪ ،‬وسألهم‪ :‬كم يبقى الكذاب؟ فقالوا‪ :‬كذا وكذا‪.‬‬
‫ثلثين سنة‪ ،‬أو نحوها‪ ،‬فقال الملك‪ :‬وهذا دين محمد له أكثر من‬
‫خمسمائة سنة‪ ،‬أو ستمائة سنة )يعني‪ :‬في أيام هذا الملك(‪ ،‬وهو‬
‫ظاهر مقبول متبوع؛ فكيف يكون هذا كذابًا؟ ثم ضرب عنق ذلك‬
‫الرجل)‪!!(1‬‬
‫ألم يعلموا أن كثيرا ً من عقلئهم وملوكهم وعلمائهم لما وصلت‬ ‫ً‬
‫إليهم دعوة السلم بيضاء نقية لم يملكوا إل القرار بصحة هذا‬
‫ظموا النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬ومنهم من أعلن‬ ‫الدين‪ ،‬وع َ ّ‬
‫الدخول في السلم‪.‬‬
‫فقد أقر ملك الحبشة النجاشي بذلك‪ ،‬ودخل في السلم‪.‬‬
‫ولما أرسل النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬كتابا ً إلى هرقل ملك‬
‫م أن‬ ‫الروم يدعوه فيه إلى السلم أقّر هرقل بصحة نبوته‪ ،‬وه ّ‬
‫ُيعلن إسلمه وتمنى أن يذهب إلى الرسول ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬ويكون خادما ً عنده‪ ،‬إل أنه خاف على نفسه من أهل ملته‬

‫‪251‬‬
‫ن بملكه وأخذته شهوة الرئاسة‪ ،‬فبقي على الكفر ومات‬ ‫ثم ض ّ‬
‫عليه‪.‬‬
‫ولم يزل الكثير من مفكريهم وكّتابهم ومؤرخيهم المنصفين‬
‫يعلنون الثناء على محمد ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪.-‬‬
‫‪ 1‬ـ برنارد شو النكليزي‪ ،‬له مؤلف أسماه )محمد( يقول‪:‬‬
‫ن رجال‬ ‫ل في تفكير محمد‪ ،‬وإ ّ‬ ‫»إن العالم أحوج ما يكون إلى رج ٍ‬
‫صب‪ ،‬قد‬ ‫ة للجهل أو التع ّ‬ ‫الدين في القرون الوسطى‪ ،‬ونتيج ً‬
‫ة‪ ،‬لقد كانوا يعتبرونه عدوّا ً‬ ‫رسموا لدين محمد ٍ صورة ً قاتم ً‬
‫ة‬
‫طلعت على أمر هذا الرجل‪ ،‬فوجدته أعجوب ً‬ ‫للنصرانية‪ ،‬لكّنني ا ّ‬
‫ن‬
‫ة‪ ،‬وتوصلت إلى أّنه لم يكن عدّوا للنصرانية‪ ،‬بل يجب أ ْ‬ ‫خارق ً‬
‫مى منقذ البشرية‪ ،‬وفي رأيي أّنه لو توّلى أمر العالم اليوم‪،‬‬ ‫يس ّ‬
‫من السلم والسعادة التي يرنو‬ ‫ل مشكلتنا بما يؤ ّ‬ ‫لوُّفق في ح ّ‬
‫البشر إليها«‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ويقول آن بيزيت‪:‬‬
‫»من المستحيل لي شخص يدرس حياة وشخصية نبي العرب‬
‫العظيم ويعرف كيف عاش هذا النبي وكيف عّلم الناس‪ ،‬إل أن‬
‫يشعر بتبجيل هذا النبي الجليل‪ ،‬أحد رسل الله العظماء«‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ شبرك النمساوي‪:‬‬
‫ن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها؛ إذ إّنه رغم‬ ‫»إ ّ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫ن يأتي بتشريع‪ ،‬سنكو ُ‬ ‫ميته‪ ،‬استطاع قبل بضعة عشر قرًنا أ ْ‬ ‫أ ّ‬
‫مته«‪.‬‬‫ن الوروبيين أسعد ما نكون‪ ،‬إذا توصلنا إلى ق ّ‬ ‫نح ُ‬
‫‪ 4‬ـ ويقول )جوته( المفكر اللماني‪:‬‬
‫»إننا أهل أوروبا بجميع مفاهيمنا‪ ،‬لـم نصـل بعـد إلى مـا وصـل‬
‫إليـه محـمـد‪ ،‬وسوف ل يتقدم عليه أحد‪ ،‬ولقد بحثت في التاريخ‬
‫ل أعلى لهذا النسان‪ ،‬فوجدته في النبي محمد‪ ،‬وهكذا‬ ‫مث َ ٍ‬‫عن َ‬
‫وجب أن يظهر الحق ويعلو‪ ،‬كما نجح محمد الذي أخضع العالم‬
‫كله بكلمة التوحيد«)‪.(2‬‬
‫ً‬
‫وقد ميز الله ـ سبحانه وتعالى ـ نبينا محمدا ً ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬وكّرمه بعدد من المعجزات الباهرات كما خصه بأشياء‬
‫دون غيره من النبياء‪ ،‬ومعرفة هذه الخصائص تزيدنا في معرفة‬
‫النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وتجعلنا نحبه ويزداد إيماننا به‬
‫فنزداد له تبجيل ً ونزداد له شوقًا‪.‬‬
‫والخصائص النبوية‪) :‬هي الفضائل والمور التي انفرد بها النبي‬
‫ما عن‬ ‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وامتاز بها إما عن إخوانه النبياء وإ ّ‬
‫سائر البشر(‪.‬‬
‫من‬ ‫ن وَ ِ‬ ‫َ‬
‫فـاقَ الُبـدوَر َوفـاقَ النِبيـاَء فَ َ‬
‫حس ٍ‬ ‫من ُ‬‫ق ِ‬ ‫خل ِ‬
‫ق َوال َ‬‫خل ِ‬
‫كم ِبال ُ‬
‫ِ َ‬
‫عظم ِ‬

‫‪252‬‬
‫وخصائصه ـ عليه الصلة والسلم ـ التي اخُتص بها دون بقية‬
‫النبياء ـ عليهم السلم ـ كثيرة‪ ،‬دنيوية وأخروية‪.‬‬
‫من الخصائص الدنيوية‪:‬‬
‫اختصاصه ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بأن آيته العظمى في كتابه‬
‫ضل‬ ‫وبأن كتابه مشتمل على ما اشتملت عليه الكتب السابقة‪ ،‬وفُ ّ‬
‫صل وبخواتيم سورة البقرة وببقاء معجزته إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫بالمف ّ‬
‫صرِم ِ‬ ‫من َ‬ ‫غيرِ ُ‬ ‫حكيم ٍ َ‬ ‫جئَتنا ب ِ َ‬‫مت وَ ِ‬ ‫صَر َ‬ ‫ت َفان َ‬ ‫ن ِباليا ِ‬ ‫جاَء النب ِّيو َ‬
‫ومنها‪ :‬اختصاص النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بكونه خاتم النبيين‬
‫وبإرساله إلى الثقلين ومنها‪ :‬اختصاص النبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫حرست بمبعثه‪ ،‬وباختصاصه بالسراء‬ ‫وسلم‪ -‬بأن السماء ُ‬
‫مهم جميعا ً فكانوا‬ ‫َ‬
‫والمعراج‪ ،‬وأنه ـ عليه الصلة والسلم ـ أ ّ‬
‫وراءه‪ ،‬هو المام وهم المأمومون‪ ،‬واختصاصه بأخذ الميثاق له‬
‫من جميع النبياء باليمان به ونصرته وأنه سيد ولد آدم‪ ،‬وبأنه‬
‫أوتي مفاتيح خزائن الرض‪.‬‬
‫وأما خصائصه الخروية فمنها‪:‬‬
‫شق عنه الرض‬ ‫اختصاصه ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بأنه أول من ت ُ َ‬
‫يوم القيامة وبإعطائه لواء الحمد‪ ،‬وبأن الله ـ تعالى ـ يبعثه يوم‬
‫القيامة مقاما ً محمودا ً وأنه أول من يدخل الجنة يوم القيامة‪،‬‬
‫وبأنه أول شفيع في الجنة وأول من يقرع بابها‪ ،‬وبأنه أكثر النبياء‬
‫تابعا ً يوم القيامة ويدخل من أمته الجنة سبعون ألفا ً بغير حساب‪،‬‬
‫وبأنه أول من يجوز الصراط من الرسل بأمته وبإعطائه الكوثر‪:‬‬
‫ما{ ]النساء‪.[113 :‬‬ ‫ظي ً‬‫ك عَ ِ‬ ‫ل الل ّهِ ع َل َي ْ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫كا َ‬‫}وَ َ‬
‫ف الهدى وحماكا َ‬ ‫ك في كن ِ‬ ‫ل من رّباكا ورعا َ‬ ‫ك‪ ..‬ج ّ‬ ‫ك رب ّ َ‬ ‫رّبا َ‬
‫ل لم ي ُْعطها في العالمين سواكا َ‬ ‫ض فضائ ٍ‬ ‫سبحانه أعطاك في َ‬
‫ولما كان ذلك كذلك فإن من واجب العالم كله ـ ول محيص له‬
‫عن ذلك ـ أن يجعل عظمة محمد ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬في‬
‫الخلق جميًعا فوق كل عظمة‪ ،‬وفضله فوق كل فضل‪ ،‬وتقديره‬
‫أكبر من كل تقدير‪ ،‬ويجب على العالم أجمع أن يؤمن برسالة‬
‫محمد ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬وأنه خاتم أنبياء الله الكرام‪.‬‬
‫ونحن نغتنم هذه الفرصة وندعو هؤلء إلى السلم‪ ،‬فإن ما‬
‫اقترفته أيديهم الثمة ل يمحوه إل السلم‪ ،‬فإن عاندوا وكابروا‬
‫وأصروا على ما هم عليه فليبشروا بعذاب النار خالدين فيها أبدًا‪.‬‬
‫ه‬‫دوا الل ّ َ‬ ‫ل اع ْب ُ ُ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ح َيا ب َِني إ ْ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ل اْلـ َ‬ ‫قال الله ـ تعالى ـ‪} :‬وََقا َ‬
‫ْ‬
‫مأَواهُ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ اْلـ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ك ِبالل ّهِ فَ َ‬ ‫شرِ ْ‬ ‫من ي ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫م إن ّ ُ‬ ‫َرّبي وََرب ّك ُ ْ‬
‫ظاِلـمين م َ‬
‫صاٍر{ ]المائدة‪.[72 :‬‬ ‫ن أن َ‬ ‫ما ِلل ّ ِ َ ِ ْ‬ ‫الّناُر وَ َ‬
‫و‬
‫ه وَهُ َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫سلم ِ ِديًنا فََلن ي ُ ْ‬
‫قب َ َ‬ ‫من ي َب ْت َِغ غ َي َْر ال ْ‬ ‫وقال ـ تعالى ـ‪} :‬وَ َ‬
‫ن{ ]آل عمران‪.[85 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن اْلـ َ‬ ‫م َ‬ ‫خَرةِ ِ‬ ‫ِفي ال ِ‬

‫‪253‬‬
‫مد ٍ ب ِي َد ِهِ َل‬ ‫ح ّ‬‫م َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ذي ن َ ْ‬ ‫وقال النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪َ» :-‬وال ّ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت وَل َ ْ‬
‫م‬ ‫مو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ي ثُ ّ‬ ‫صَران ِ ّ‬ ‫مةِ ي َُهود ِيّ وََل ن َ ْ‬ ‫ن هَذ ِهِ اْل ّ‬ ‫م ْ‬‫حد ٌ ِ‬‫معُ ِبي أ َ‬ ‫س َ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫ت ب ِهِ إ ِّل َ‬ ‫ُ‬
‫ب الّناِر« رواه مسلم )‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫سل ْ ُ‬
‫ذي أْر ِ‬ ‫ن ِبال ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ُؤ ْ ِ‬
‫‪.(153‬‬
‫* ولنا مع هذا الحدث وقفات‪:‬‬
‫ل‪ :‬مصالح وبشارات‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫َ‬
‫خي ًْرا‬‫ه ِفيهِ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫شي ًْئا وَي َ ْ‬ ‫هوا َ‬ ‫سى أن ت َك َْر ُ‬ ‫قال الله ـ تعالى ـ‪} :‬ع َ َ‬
‫ك َِثيًرا{ ]النساء‪ .[19 :‬وقال الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪:-‬‬
‫»ع َجبا ِل َمر ال ْمؤ ْمن إ َ‬
‫حد ٍ إ ِّل‬ ‫ك ِل َ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫س َ‬ ‫خي ٌْر وَل َي ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫مَره ُ ك ُل ّ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ ِ ُ ِ ِ ِ ّ‬ ‫َ ً‬
‫ن« رواه مسلم )‪.(2999‬‬ ‫م ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ِل ْ ُ‬
‫وقديما ً قيل‪:‬‬
‫ق بالنعم ِ‬ ‫ض الخل ِ‬ ‫ه بع َ‬ ‫ت ويبتلي الل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ع َظ ُ َ‬ ‫ه بالبلوى وإ ْ‬ ‫م الل ُ‬ ‫قد ي ُن ْعِ ُ‬
‫وقيل‪ :‬وربما صحت البدان بالعلل‪.‬‬
‫ة المسلمين للهِ ـ تعالى ـ‬ ‫فما وقع من الستهزاء أثار حمي ّ َ‬
‫ولرسوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬وأيقظهم من سباتهم‪،‬‬
‫صرهم بأعدائهم؛ فهي طعنة آلمتنا ولكنها أيقظتنا‪ ،‬وقد قال الله‬ ‫وب ّ‬
‫ـ تعالى ـ في حادثة الفك التي هي صورة من صور أذّيته ‪-‬صلى‬
‫م{ ]النور‪:‬‬ ‫خي ٌْر ل ّك ُ ْ‬ ‫ل هُوَ َ‬ ‫كم ب َ ْ‬ ‫شّرا ل ّ ُ‬ ‫سُبوه ُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫الله عليه وسلم‪} :-‬ل ت َ ْ‬
‫‪.[11‬‬
‫فمثل هذه الهجمات صارت سببا ً في حصول خير كثير للمسلمين‪،‬‬
‫وحصول الخزي والصغار لعدائهم‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫اختلف العداء وانقسامهم‪:‬‬
‫إذ حصل خلف بين الشركات الكبرى التي تأثرت من المقاطعة‬
‫من جهة والجهات التي نشرت ما نشرت من جهة أخرى‪ ،‬كما‬
‫انقسم الشعب الدانماركي على نفسه إزاء ما حصل‪ :‬هل هو فعل ً‬
‫من حرية الرأي؟ أم أنه اعتداء وعدوان؟‬
‫علو الصوت السلمي‪:‬‬
‫فهذه الزمة أعادت العتبار للمسلمين وجعلت لهم وزنًا‪ ،‬وأصبح‬
‫كل حاقد على السلم يعيد حساباته قبل أن ينال من السلم‬
‫وأهله‪.‬‬
‫وتمّلق الكثير من المنافقين للمد السلمي‪ ،‬واشترك بعضهم في‬
‫دت القضية الخط الحمر‪ ،‬بل حتى إن‬ ‫ل‪ :‬لقد تع ّ‬ ‫المقاطعة قائ ً‬
‫بعض القنوات الهابطة أصبحت تعلن أخبار الغضب السلمي‬
‫وتظهر تأييده‪ ،‬وفرضت مجريات الحداث على وسائل العلم‬
‫العالمية أن تقوم بتغطيتها تغطية كاملة‪ ،‬وتكّلم الساسة الكبار‬
‫وزعماء الدول وأدلوا بتصريحات حول الموضوع‪.‬‬
‫في المة خير كثير‪:‬‬

‫‪254‬‬
‫مة عظيمة‪ ،‬وأنها إذا مرضت‬ ‫متنا أ ّ‬
‫نأ ّ‬
‫ت هذه الحادثة الدنيئة‪ ،‬أ ّ‬ ‫أثبت ْ‬
‫ن نبّيهم‬
‫فإنها ل تموت‪ ،‬وفيها رجال يذودون بكل ما أوتوا دو َ‬
‫الكريم ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬وأن فيها خيرا ً كثيرًا‪ ،‬ولكنها‬
‫تعيش فترة من التخدير والخمول‪ ،‬وأنها إذا استيقظت فستتحرك‬
‫كالبركان‪ ،‬وهذا ما رأيناه من التسابق في المساهمة والبذل‪ ،‬وما‬
‫نسمعه من استنفار المة كلها‪ ،‬والتحرك في جميع المجالت؛‬
‫حيث شارك في هذه الحملة المحامون والتجار والصناع‬
‫والكاديميون والطلب والصغار والكبار والرجال والنساء‪.‬‬
‫ـ توحيد صفوف المسلمين‪ ،‬فرأينا ـ ولله الحمد ـ تكاتف‬
‫المسلمين وتبّنيهم لنفس المواقف‪ ،‬وإن اختلفت البلدان‪،‬‬
‫واللغات‪ .‬ويمكننا القول‪ :‬إن المة السلمية في العصر الحديث‬
‫قّلما قابلت حدثا ً كان له مثل هذا التأثير‪.‬‬
‫ي‬‫جنان ِ‬
‫ة خافقي و َ‬ ‫عرضي فدا عرض الحبيب محمد وفداه مهج ُ‬
‫ن‬
‫ل صـغيرنا وكبـيرنـا وفداه ما نظرت له العينا ِ‬ ‫وفداه كـ ّ‬
‫ـ إحياء جذوة اليمان في قلوب المسلمين‪ ،‬فقد رأينا من ردة‬
‫فعل المسلمين ما يدل على محبتهم للنبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،-‬حتى من عنده شيء من التفريط في بعض واجبات‬
‫الدين‪ ،‬ثار دفاعا ً عن الرسول الكريم ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ .-‬ول‬
‫عجب في ذلك؛ فإن للرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬في قلوب‬
‫المسلمين المكانة العظمى والمحبة الكبرى‪.‬‬
‫ـ ظهر في الزمة أن أهل التوحيد الخالص هم أهل النصرة‬
‫والمحبة الحقيقية‪ ،‬بخلف بعض أهل البدع والخرافات الذين‬
‫ل ـ في الذود عن عرض النبي ‪-‬صلى‬ ‫ضعفت أصواتهم ـ إل ما ق ّ‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬فـي أّول المــر‪ ،‬فـدعـوى محـبة النـبي ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬وآل بيـته وحـدهــا ل تكفي‪ ،‬بل ل بد من النصرة‬
‫بالقول والعمل والمبادرة إلى ذلك‪.‬‬
‫ـ تبين من الزمة حرص عدد من الغيورين على الدعوة إلى‬
‫السلم‪ ،‬وبيان الصورة المشرقة الحقيقية لهذا الدين‪ ،‬من خلل‬
‫ما رأينا من تسابق الكثيرين إلى طباعة الكتب بلغة أولئك وبذل‬
‫مد ويحتاج إلى ترشيد‬ ‫المال في سبيل هذا‪ ،‬وهذا مظهر ُيح َ‬
‫ووعي‪.‬‬
‫ـ مسايرة العلم وبعض كبار المسؤولين لمواقف الشعوب‬
‫السلمية وحركتها المباركة‪.‬‬
‫ـ إرسـال رسالة واضـحة للغـرب‪ ،‬أنـنا ـ نـحن المسلمـين ـ ل‬
‫س ديُننا أو ي َُنال منه‪ ،‬أو يعتدى على رسولنا؛‬ ‫م ّ‬ ‫نرضى أبدا ً أن ي ُ َ‬
‫فكّلنا فداء له؛ بأبي هو وأمي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪.-‬‬
‫ض محمد ٍ منكم فداُء‬ ‫عْرضي لِعر ِ‬ ‫ده و ِ‬ ‫ن أبي ووال َ‬ ‫فإ ّ‬

‫‪255‬‬
‫ن{‪:‬‬
‫ست َهْزِِئي َ‬‫م ْ‬‫ك ال ْ ُ‬‫في َْنا َ‬‫}إ ِّنا ك َ َ‬
‫قال ابن سعدي ـ رحمه الله ـ‪) :‬وقد فعل ـ تعالى ـ فما تظاهر‬
‫أحد بالستهزاء برسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وبما جاء به‬
‫إل أهلكه الله وقتله شر قتلة(‪ ،‬فهذه الجريمة النكراء ـ مع أنها‬
‫تمزق قلوبنا‪ ،‬وتملؤها غيظا ً وغضبًا‪ ،‬ونود أن نفدي رسول الله‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بأنفسنا ـ إل أنها مع ذلك مما نستبشر به‬
‫بهلك هؤلء‪ ،‬وقرب زوال دولتهم؛ إذ الله ـ تعالى ـ يكفي نبيه‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬المستهزئين المجرمين‪.‬‬
‫وقد كان المسلمون إذا حاصروا أهل حصن واستعصى عليهم‪ ،‬ثم‬
‫سمعوهم يقعون في النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ويسبونه‪،‬‬
‫يستبشرون بقرب الفتح‪ ،‬ثم ما هو إل وقت يسير‪ ،‬ويأتي الله ـ‬
‫تعالى ـ بالفتح من عنده؛ انتقاما ً لرسوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪.-‬‬
‫»الصارم المسلول« )ص ‪.(117-116‬‬
‫وشواهد التاريخ كثيرة على هلك وفضيحة المستهزئين بالنبي‬
‫محمد ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪.-‬‬
‫ظهور اتحاد الغرب على السلم‪:‬‬
‫فما أن استنجدت تلك الدولة باتحادهم حتى وقفوا جميعا ً بجانبها‪،‬‬
‫وتواصى بعض المجرمين على نشر هذه الصور في صحافتهم‬
‫تعاونا ً على الثم والعدوان وتفتيتا ً للمقاطعة وتأكيدا ً لحرية النشر‬
‫بزعمهم‪ ،‬وكان بعض ساستهم يأسف لهانة مشاعر المسلمين ثم‬
‫ن‬
‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫م إن ّ َ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫يتصل بكبير الدانمارك ليؤيده ويقول‪} :‬إّنا َ‬
‫ن{ ]البقرة‪ ،[14 :‬حتى ُيعلموا المسلمين أنهم جميعا ً‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫في خندق واحد‪ ،‬وأننا ل نستطيع مواجهتهم جميعا‪ً.‬‬
‫ظهور الحقد الصليبي الدفين‪:‬‬
‫حيث عّبر بعض مسؤوليهم عن أنه ل بد من إيقاف المقاطعة ولو‬
‫أدى ذلك إلى شن حرب صليبية جديدة‪ ،‬وهذا وإن لم يصرح به‬
‫ضاُء‬ ‫ت ال ْب َغْ َ‬ ‫كثير منهم إل أنها زلة تمثل رأي طائفة منهم‪} :‬قَد ْ ب َد َ ِ‬
‫خفي صدورهُ َ‬ ‫م َ‬
‫م‬
‫كنت ُ ْ‬‫ت إن ُ‬ ‫م الَيا ِ‬ ‫م أك ْب َُر قَد ْ ب َي ّّنا ل َك ُ ُ‬‫ُ ُ ُ ْ‬ ‫ما ت ُ ْ ِ‬
‫م وَ َ‬ ‫واه ِهِ ْ‬ ‫ن أفْ َ‬ ‫ِ ْ‬
‫ن{ ]آل عمران‪.[118 :‬‬ ‫قُلو َ‬‫ت َعْ ِ‬
‫اتضاح غطرسة الغرب وعناده‪:‬‬
‫ة وشعبا ً وينظر للمسلمين نظرة‬ ‫فهو يرفض العتذار حكوم ً‬
‫استحقار‪ ،‬بل يصرح بعض مسؤوليهم أنهم ل يريدون العتذار ول‬
‫يرغبون فيه‪.‬‬
‫اتضح في هذه الزمة موقف المنافقين‪:‬‬
‫سكوت‬ ‫ما بال ّ‬ ‫وهم الواقفون مواقف الّريبة من هذه الجريمة‪ ،‬إ ّ‬
‫تارة‪ ،‬أو بالّتبرير تارة‪ ،‬أو بالّتهوين تارة‪ ،‬أو بالستهزاء من استنكار‬
‫المسلمين لهذه الجريمة تارات وتارات‪.‬‬

‫‪256‬‬
‫ازدياد أهمية التقليل من الحجم الهائل لمستوردات الدول‬
‫السلمية من العالم الغربي‪:‬‬
‫والسعي للتعويض عن ذلك بمنتجات دول إسلمية أخرى من‬
‫خلل اشتراك الموارد مع المال مع الخبرات‪.‬‬
‫ظهور جدوى تلك المقاطعة التي قام بها المسلمون لمنتجات‬
‫المعتدين على مقام الرسول الكريم ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪:-‬‬
‫فلم تتحرك دولتهم لمطالب رسمية أو سياسية‪ ،‬لكن لما قامت‬
‫المقاطعة لم يمض عليها إل أيام قليلة حتى هبت الصحيفة الثمة‬
‫ورئيس تحريرها لتدارك المر‪ ،‬وتغير أسلوب رئيس وزرائهم‬
‫ن شيئا ً ما مع المسلمين ـ ل بل مع مصالحه ـ وبهذا‬ ‫المكابر‪َ ،‬فل َ‬
‫يظهر سلح جديد للمسلمين أفرادا ً وجماعات يمكن أن‬
‫يستخدموه للتأثير على أعدائهم‪ ،‬وإلحاق الضرر بهم‪.‬‬
‫المقاطعة القتصادية )‪:(1‬‬
‫ل شك أن للقتصاد في هذا الزمن تأثيرا ً كبيرا ً وفّعال ً على مواقف‬
‫الدول واتجاهاتها؛ وقد أصبحت الدعوة إلى مقاطعة البضائع‬
‫درها الدول التي تحارب المسلمين من‬ ‫والمنتجات التي تص ّ‬
‫وسائل الضغط عليها لتوقف أو تخفف من موقفها المعادي‬
‫للمسلمين‪.‬‬
‫وسلح المقاطعة سلح مؤثر بل شك في المواجهة مع العداء‪.‬‬
‫وقد اسُتخدم هذا السلح قديما ً وحديثًا‪.‬‬
‫فقديمًا‪ :‬استخدمته قـريـش ضــد النبـي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫شْعب أبي طالب«‪ ،‬واستمر ثلث سنوات‪ ،‬وكان‬ ‫فيمـا يسمـى بـ » ِ‬
‫تأثيره على المسلمين بالغًا‪.‬‬
‫وهدد به ثمامة بن أثال قريشا ً عندما منع الحنطة من بلد نجد‪،‬‬
‫حتى جاءت قريش وناشدت النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أن‬
‫يأذن لثمامة أن يبيعهم الحنطة‪ .‬والقصة في صحيح البخاري برقم‬
‫)‪.(4372‬‬
‫وأما حديثًا‪ :‬فقد اسُتخدمت المقاطعة في الحرب العالمية بين‬
‫المتحاربين‪ ،‬واسُتخدمت مؤخرا ً ضد عدد من البلد السلمية‬
‫كالعراق وليبيا وأفغانستان والسودان‪.‬‬
‫واستخدمتها الدول السلمية قبل معاهدات السلم ضد الشركات‬
‫المتعاونة مع إسرائيل‪.‬‬
‫وفي الحقيقة إن المتابع لمجريات الحداث يلمس ما لهذه‬
‫المقاطعة من آثارٍ كبيرة تدفع بعض الشركات إلى التبّرؤ من‬
‫العدوان والضغط على الساسة في بلدانهم لتخاذ ما يوقفها‪.‬‬
‫هذا من الناحية الواقعية‪ ،‬أما من ناحية الحكم الشرعي للمقاطعة‬
‫القتصادية‪:‬‬

‫‪257‬‬
‫فإن الصل جواز معاملة الكفار بالبيع والشراء سواء كانوا أهل‬
‫مة أو عهد أو محاربين‪ ،‬فل ُتمنع المقاطعة‪ ،‬ول ُتشرع‪ ،‬ولكن هذا‬ ‫ذ ّ‬
‫الحكم قد يتغير بالنظر إلى ما يترتب على المقاطعة القتصادية‬
‫من مصالح أو مفاسد‪:‬‬
‫فإذا غلب على الظن إفضاء المقاطعة القتصادية إلى الضرار‬
‫بالكفار الحربيين من غير أن يترتب على ذلك مفسدة تعود على‬
‫حق‬ ‫المسلمين‪ ،‬فهنا يتأكد المر وقد يصل إلى الوجوب؛ فكل ما ُيل ِ‬
‫الضرر بمن أعلن لنا العداء مطلوب ومأمور به‪ ،‬ول شك أن‬
‫التعامل التجاري والقتصادي الحاصل في هذا الزمن يباين‬
‫التعاملت التجارية في الزمان السابقة؛ فهو الن أوسع وأشمل‪،‬‬
‫ول شك في ارتباط القتصاد الن بالسياسة وتأثيره‪ ،‬وقد دعا‬
‫ضيق عليهم‬‫النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬على قريش أن ت ّ‬
‫معيشتهم؛ فعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال‪ :‬إن رسول‬
‫الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬لما دعا قريشا ً كذبوه واستعصوا‬
‫عليه‪ ،‬فقال‪» :‬اللهم أعني عليهم بسبٍع كسبع يوسف« فأصابتهم‬
‫صت كل شيء )أي أذ ْهَب َْته()‪ (1‬حتى كانوا يأكلون الميتة‪،‬‬ ‫ةح ّ‬‫سن َ ٌ‬‫َ‬
‫وكان يقوم أحدهم‪ ،‬فكان يرى بينه وبين السماء مثل الدخان من‬
‫جْهد والجوع‪ ،‬فأتاه أبو سفيان فقال‪ :‬أيْ محمد! إن قومك‬ ‫ال َ‬
‫هلكوا؛ فادع الله أن يكشف عنهم‪) .‬صحيح البخاري ‪.(4823‬‬
‫ففي هذا إشارة إلى استخدام السلح القتصادي ضد العداء‬
‫المحاربين‪.‬‬
‫ـ وإذا كانت المقاطعة القتصادية ل يترتب عليها إضرار بالكفار‪،‬‬
‫بل تعود على المسلمين أنفسهم بالضرر‪ ،‬فهنا يتوجه القول‬
‫بالتحريم‪ .‬قال شيخ السلم ابن تيمية ـ رحمه الله ـ‪» :‬الفعل إذا‬
‫كان يفضي إلى مفسدة وليس فيه مصلحة راجحة ي ُْنهى عنه«‪.‬‬
‫»مجموع الفتاوى« )‪.(1/164‬‬
‫ـ وأما إذا كانت المقاطعة القتصادية ستوقع الضرر بالكفار لكنها‬
‫في المقابل ستوقع ضررا ً بالمسلمين أيضًا؛ فهنا تعارضت مصلحة‬
‫الضرار بالكفار مع مفسدة وقوع الضرر على المسلمين‪ ،‬فينظر‪:‬‬
‫فإن كانت المفسدة على المسلمين غالبة منعت المقاطعة‪ ،‬وإن‬
‫كانت المصلحة بمقاطعتهم غالبة كانت مأمورا ً بها‪ ،‬وإن تساوت‬
‫المصلحة والمفسدة فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح‪.‬‬
‫ـ وأما إذا كانت المقاطعة القتصادية ل مصلحة فيها من حيث‬
‫الضرار بالكفار‪ ،‬ول مفـسـدة فيـهـا عـلـى المسلمـين‪ ،‬فل حرج‬
‫من القول باستحبابها؛ لنها تكون من وسائل التعبير عن السخط‬
‫ضد ممارسات الكفار العدوانية‪ ،‬فلو لم ينتج عن هذه المقاطعة‬
‫إل التعبير عن عقيدة الولء بين أهل اليمان والبراءة من أهل‬

‫‪258‬‬
‫الشرك والكفران‪ ،‬والتعبير كذلك عن إرادة الشعوب السلمية‬
‫لكفى‪ ،‬فهي على القل »تسجيل موقف للشعوب السلمية«‪.‬‬
‫دعوات وشعارات تساقطت‪:‬‬
‫م غفير من‬ ‫لقد أظهرت هذه الزمة حقائق كانت خافية على ج ّ‬
‫دعون أن بلدهم رمز للحرية‬ ‫الناس؛ فهؤلء القوم الذين ما فتئوا ي ّ‬
‫دقون باحترامهم لجميع الديان‪ ،‬أظهرت هذه‬ ‫والديمقراطية‪ ،‬ويتش ّ‬
‫الزمة ما تنطوي عليه قلوب هؤلء المجرمين من الحقد والكره‬
‫للمسلمين‪ ،‬وإن تظاهروا في كثير من الحيان أنهم مسالمون‪:‬‬
‫م أ َك ْب َُر{ ]آل‬ ‫دوُرهُ ْ‬
‫ص ُ‬
‫في ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫ما ت ُ ْ‬
‫م وَ َ‬
‫واه ِهِ ْ‬
‫}قَد بدت ال ْبغْضاُء م َ‬
‫ن أفْ َ‬‫ِ ْ‬ ‫ْ َ َ ِ َ َ‬
‫عمران‪.[118 :‬‬
‫جون بحرية‬ ‫ومنها‪ :‬انكشاف تزوير الغرب في معاييره؛ فهنا يحت ّ‬
‫الرأي والتعبير‪ ،‬وكل عاقل يعلم أن حرية الرأي المزعومة تقف‬
‫عند المساس بحرمة الخرين والعتداء عليهم‪ ،‬وهم كاذبون في‬
‫دعواهم حرية الرأي؛ فكلنا يذكر ما حدث منذ سنوات قريبة‬
‫عندما أقدمت حكومة إسلمية على تكسير أوثان وأصنام عندها‪،‬‬
‫أقاموا الدنيا وما أقعدوها!! فأين كانت حرية الرأي المزعومة؟!‬
‫ولماذا لم يعتبروا هذا أيضا ً من حرية الرأي؟!‬
‫وإذا كان الشرع والعقل بل والقانون يمنع النسان أن يتصرف‬
‫في بيته بما يؤذي جاره‪ ،‬كالصوات المزعجة أو الروائح الكريهة؛‬
‫دم الصحيفة على هذه الجريمة التي فيها استهانة‬ ‫ق ِ‬
‫فكيف ت ُ ْ‬
‫بمشاعر مليار و ‪ 300‬مليون مسلم‪ ،‬ثم تحتج بحرية الرأي؟‬
‫ومنها‪ :‬بيان بطلن ما يدعو إليه بعض المتغربين من أبناء جلدتنا‬
‫بمثل قولهم‪) :‬ل تقولوا على غير المسلمين كفارًا‪ ،‬بل قولوا‬
‫»الخر« حتى ل تشعلوا نار الفتنة بيننا وبينهم(‪.‬‬
‫فتبّين من الجريمة من الذي يكره الخر‪ ،‬ول يراعي حرمته ويعلن‬
‫الحرب عليه‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬كذب دعاويهم التي ملؤوا بها الدنيا من )حوار الحضارات(‬
‫القائم على احترام الخر‪ ،‬وعدم العتداء عليه!! فأي حوار‬
‫يريدون؟ وأي احترام يزعمون؟‬
‫إنهم يريدون منا أن نحترمهم ونوقرهم ونعظمهم‪ ،‬بل ونركع لهم‬
‫ونسجد‪ ،‬أما هم فل يزدادون إل استهزاءً بنا وسخرية وظلمًا!‬
‫ـ ومن المعاني التي تساقطت أيضا ً في هذه الزمة‪ :‬انهزامية‬
‫المة تجاه الغرب‪ ،‬فقد كان الغربيون ينظرون إلى المة‬
‫صيب بالشلل‪ ،‬فمهما‬ ‫ُ‬
‫السلمية كأنها الرجل المريض الذي أ ِ‬
‫ضربته فلن يتأوه‪ ،‬ولن يكون له رد فعل‪ ،‬ثم إذا بالموازين تنقلب‬
‫بعد نشر تلك الرسومات‪ ،‬وبدأ رئيس الوزراء الدانماركي ـ الذي‬
‫كان يرفض مجرد لقاء سفراء البلد السلمية في بلده ـ يستأجر‬

‫‪259‬‬
‫بعض القنوات العربية للظهور في مقابلت‪ ،‬محاول ً تبرير موقفه‬
‫وموقف بلده‪ ،‬وكذلك رأينا رئيس الوليات المتحدة المريكية‬
‫يتحدث منتقدا ً هذه الرسومات‪ ،‬وكذا الرئيس الفرنسي والمين‬
‫العام للمم المتحدة وغيرهم من الساسة؛ إذ أذهلتهم ردود أفعال‬
‫المسلمين فكان ل بد لهم من التحدث بالستنكار ولو تصّنعا ً‬
‫ة‪.‬‬‫ومجارا ً‬
‫فظهر أن مرض المة مؤقت‪ ،‬وأنها متى أخذت بأسباب السلمة‬
‫والعافية ـ ومن أعظمها‪ :‬اتحادها ـ فسوف تفعل الكثير والكثير‪.‬‬
‫المخذلون كثر‪:‬‬
‫في ظل توحد المسلمين واجتماع كلمتهم على موقف واحد في‬
‫سّر المرء لما يرى ويشاهد من الغَْيرة‬ ‫التصدي لهذه الهجمة ي ُ َ‬
‫السلمية العظيمة المتولدة من الغضب لنتهاك حرمته ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.-‬‬
‫إل أننا نرى هنا وهناك من يحاول تخذيل المسلمين‪ ،‬والوقوف في‬
‫صف أعدائهم‪.‬‬
‫ت هذه المقاطعة كثيرا من المنافقين‪ ،‬فحاولوا التبرير‬ ‫ً‬ ‫فقد أغاظ ْ‬
‫تارة‪ ،‬والتهوين تارة‪ ،‬وزعم الصلح وإرادة الخير تارة أخرى!‬
‫ن المقاطعة ستقطع الحوار معهم!‬ ‫َ‬
‫من زاعم ٍ أ ّ‬ ‫ف ِ‬
‫وهل نقبل الحوار مع من يهزأ بنبينا محمد ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،-‬ويسخر بثوابتنا؟!‬
‫ن سبب جناية تلك الصحيفة هو تقصير المسلمين‬ ‫َ‬
‫م‪ :‬أ ّ‬ ‫ومن زاع ٍ‬
‫ده تبرئة هؤلء المعتدين من‬ ‫أنفسهم في تعريفهم بالسلم! فمرا ُ‬
‫مها بالمسلمين!‬ ‫جْر ِ‬ ‫جنايتهم‪ ،‬أو تبريرها لهم‪ ،‬وإناطة ُ‬
‫وقد جهل هذا أن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬قد أدى الرسالة‪،‬‬
‫وبّلغ المانة أعظم التبليغ‪ ،‬ومع ذلك لم يسلم من سخرية كفار‬
‫قريش‪.‬‬
‫ئ بالمقاطعة فيقول‪ :‬هذا غاية ما تملكون؛ ترك أكل‬ ‫ومن مستهز ٍ‬
‫الزبدة والجبنة!!‬
‫وهذا شبيه بموقف المنافقين الذين كانوا يسخرون من المؤمنين‬
‫لكونهم يتصدقون بالقليل من المال‪ ،‬مع أنه غاية ما يستطيعونه‪:‬‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ت َوال ّ ِ‬ ‫صد ََقا ِ‬‫ن ِفي ال ّ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن اْلـ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬
‫عي َ‬ ‫مط ّوّ ِ‬
‫ن اْلـ ُ‬ ‫مُزو َ‬ ‫ن ي َل ْ ِ‬ ‫}ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ب‬
‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫م وَل َهُ ْ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫خَر الل ّ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫س ِ‬‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫خُرو َ‬
‫س َ‬‫م فَي َ ْ‬ ‫جهْد َهُ ْ‬ ‫ن إل ّ ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬‫ل يَ ِ‬
‫م{ ]التوبة‪.[79 :‬‬ ‫َ‬
‫أِلي ٌ‬
‫مموا خطأ جريدة على دولة كاملة‬ ‫ن المسلمين »ع ّ‬ ‫م‪ :‬أ ّ‬ ‫ومن زاع ٍ‬
‫ل تملك بحكم القانون أي سيطرة على هذه الجريدة«!!‬
‫والجواب عن هذا‪:‬‬

‫‪260‬‬
‫ل‪ :‬أن حكومتهم قد وقفت بجانب الجريدة وبررت فعلتها‪ ،‬بأنها‬ ‫أو ً‬
‫حرية الرأي‪.‬‬
‫وثانيًا‪ :‬أن شعبهم نفسه قد وافق غالبيته الجريدة والحكومة على‬
‫موقفهما؛ ففي استطلع للرأي رأى ‪ %79‬ممن شملهم‬
‫الستطلع أن رئيس الوزراء يجب أل يعتذر نيابة عن الدانمارك‪،‬‬
‫بينما قال ‪ :%18‬إن عليه العتذار‪.‬‬
‫وقال ‪ %62‬منهم‪ :‬إنه ل يتعين على الصحيفة تقديم اعتذار‪ ،‬بينما‬
‫قال ‪ :%31‬إن عليها أن تعتذر‪] .‬موقع إسلم أون لين[‪.‬‬
‫ويرى بعضهم أن هذه المقاطعة لن تفيد شيئًا؛ فهل تغافلوا عن‬
‫استغاثات الدانمارك المتكررة بالتحاد الوروبي لنهاء المقاطعة‬
‫السلمّية؟ وهل تجاهلوا الخسائر الدانماركّية التي ستصاب بها‬
‫حين تقاطعها المة السلمية؟ حيث بلغت خسارة شركة واحدة‬
‫من شركاتهم لللبان في دولة إسلمية واحدة ما يتراوح بين‬
‫ثمانمائة ألف ومليون وستمائة ألف دولر يوميًا‪ ،‬كما صرح بذلك‬
‫مدير هذه الشركة‪ ،‬فضل ً عن فرص الوظائف التي سيفقدها‬
‫أصحابها ]موقع الجزيرة[‪ .‬بل قد صرح بعضهم أن ما بنوه في‬
‫عشرات السنوات ـ أي من السمعة الحسنة لبضائعهم التجارية ـ‬
‫دم في أيام قليلت‪.‬‬ ‫قد ته ّ‬
‫ويرى آخرون أن المتضررين من المقاطعة إنما هم الوكلء‬
‫التجاريون الذين يحملون امتياز بيعها في البلدان السلمّية!!‬
‫وهذا عجيب‪ ،‬أن يتولى هؤلء الدفاع عن أولئك التجار؛ مع أن‬
‫التجار أنفسهم لهم مواقف مشرفة؛ فقد رأيناهم تداعوا بشجاعة‬
‫لطلب المقاطعة؛ فهل هو أحرص منهم على أموالهم أم أّنها‬
‫عقليات التطبيع؟‬
‫ومن هؤلء من بدأ يدعونا للتسامح معهم والسكوت عن أذاهم‪،‬‬
‫وما علموا أن التسامح ل يكون مشروعا ً إل إذا وقع موقعه‬
‫الصحيح‪ ،‬وأولئك المستهزئون بمقامه ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫ليسوا موضعا ً صالحا ً للتسامح‪ ،‬بل التسامح مع أمثال هؤلء‬
‫المجرمين جريمة شرعية‪ ،‬ولئن كان لرسول الله ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬الحق في التجاوز عمن أساء إليه فإن هذا ليس إلى‬
‫المة‪ ،‬بل الخذ بحقه والغضب له واجب شرعي ل يجوز أن يمس‬
‫أو يتبرع أحد بالتنازل عنه‪.‬‬
‫م‪ :‬أن المقاطعة مجرد رد فعل عاطفي‪ ،‬ول ينبغي أن‬ ‫ومن زاع ٍ‬
‫تكون تصرفاتنا مبنية على ردود الفعال وهذا الزعم ل بد له من‬
‫وقفة تبين أهمية ردود الفعال والتأصيل الشرعي لها من خلل ما‬
‫يلي‪:‬‬

‫‪261‬‬
‫أمر الشارع بإنكار المنكر مثال واقعي لعتبار ردود الفعال في‬
‫الشريعة‪:‬‬
‫َ‬
‫من ْك ًَرا‬ ‫م ُ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ن َرأى ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل الل ّهِ ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪َ » :-‬‬ ‫سو ُ‬ ‫قال َر ُ‬
‫ه‪،‬‬ ‫ْ‬
‫قلب ِ ِ‬ ‫ست َط ِعْ فَب ِ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫َ‬
‫نل ْ‬ ‫ه‪ ،‬فَإ ِ ْ‬
‫سان ِ ِ‬‫ست َط ِعْ فَب ِل ِ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫نل ْ‬ ‫َ‬ ‫ه‪ ،‬فَإ ِ ْ‬ ‫فَل ْي ُغَي ّْره ُ ب ِي َد ِ ِ‬
‫وذ َل ِ َ َ‬
‫ن« رواه مسلم )‪.(70‬‬ ‫ما ِ‬ ‫لي َ‬ ‫فاِْ‬ ‫ضعَ ُ‬ ‫كأ ْ‬ ‫َ‬
‫فإنكار المنكر وتغييره باليد هو رد فعل على ظهور المنكر ورؤيته‪،‬‬
‫وهو رد فعل أمر به النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪» -‬فليغيره‬
‫بيده«‪ ،‬وهو واجب بإجماع المسلمين‪ ،‬كما نقله النووي‪.‬‬
‫الغضب على انتهاك حرمات الله صورة من صور ردود الفعال‬
‫المأمور بها‪:‬‬
‫إذ من الغضب ما يكون محمودا ً بل ما يكون واجبًا‪ ،‬وهو الغضب‬
‫لله عز وجل‪ ،‬وقد كان رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ل‬
‫يغضب لنفسه‪ ،‬ولكن إذا انُتهكت حرمات الله لم يقم لغضبه‬
‫شيء‪.‬‬
‫سهِ ِفي‬ ‫ف ِ‬ ‫م ل ِن َ ْ‬‫ق َ‬‫ما ان ْت َ َ‬ ‫ت‪َ» :‬والل ّهِ َ‬ ‫ه ع َن َْها ـ َقال َ ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ة ـ َر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫فعَ ْ‬
‫ه« رواه‬ ‫ّ‬
‫م ل ِل ِ‬‫ق ُ‬ ‫ه‪ ،‬فَي َن ْت َ ِ‬ ‫ّ‬
‫ت الل ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫حُر َ‬ ‫ك ُ‬ ‫حّتى ت ُن ْت َهَ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫يٍء ي ُؤ َْتى إ ِلي ْهِ قَط َ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫البخاري )‪.(6288‬‬
‫جب ِّلي‪:‬‬ ‫بل إن التعامل برد الفعل أمر ِ‬
‫ولقد أحسن المام الشافعي ـ رحمه الله ـ حين قال‪» :‬من‬
‫اسُتغضب ولم يغضب فهو حمار«!!‬
‫)سير أعلم النبلء ‪.(10/43‬‬
‫فالنسان مجموعة من الحاسيس والمشاعر‪ ،‬فل بد أن يتأثر بما‬
‫يدور حوله ويكون له رد فعل عليه‪.‬‬
‫والمْيت هو الذي ل يوجد لديه ردود أفعال‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ّ‬
‫م‬
‫ت إيل ُ‬ ‫مي ّ ٍ‬‫ح بِ َ‬ ‫جر ٍ‬ ‫جْرحا ً ما ل ِ ُ‬ ‫ما تأّلم ُ‬ ‫حوه فَ َ‬ ‫جَر ُ‬ ‫َ‬
‫ومن أمثلة ردود الفعال من السّنة‪:‬‬
‫قنوته ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬شهرا ً على رعل وذكوان وبعض‬
‫أحياء العرب لما غدروا بالقراء في بئر معونة‪ .‬البخاري )‪(3064‬‬
‫ومسلم )‪.(677‬‬
‫ودعوته ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬للبيعة على القتال لما بلغته‬
‫شائعة قتل عثمان في الحديبية‪ ،‬ثم لما تبين كذب الشائعة كان‬
‫الصلح‪.‬‬
‫]ابن أبي شيبة مرويات غزوة الحديبية ص ‪.[124‬‬
‫در‬
‫ق َ‬‫وكغضبه ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬حينما اختصم أصحابه في ال َ‬
‫قأ في وجهه حب الرمان ـ كما عبر الراوي ‪ -‬ابن‬ ‫حتى كأنما ُيف َ‬
‫ماجة )‪.(82‬‬

‫‪262‬‬
‫وغير ذلك كثير من صور غضبه ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬تفاعل ً مع‬
‫طلع عليه أو ُينقل إليه من أقوال أو أفعال‪.‬‬ ‫ما ي ّ‬
‫ومن ردود أفعال الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ بحضرته ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪:-‬‬
‫ه« وما‬ ‫َ‬
‫ق ُ‬
‫ب ع ُن ُ َ‬
‫ضرِ ْ‬
‫مقولت عمر بن الخطاب المتعددة »د َع ِْني أ ْ‬
‫ي رأس المنافقين لما قال‪ :‬لئن‬ ‫ُ‬
‫شابهها كما كان مع عبد الله بن أب َ ّ‬
‫رجعنا إلى المدينة ليخرجن العز منها الذل‪ .‬البخاري )‪.(4905‬‬
‫وكما حصل مع ذي الخويصرة اليمانـي الـذي قـال‪ :‬اعـدل يا‬
‫رسول الله‪ .‬البخاري )‪ (3341‬مسلم )‪.(1675‬‬
‫ولذلك فإن ردود أفعال المسلمين تجاه هذا السب لخير من‬
‫م جدًا؛ لنه نوع من إنكار المنكر أو ً‬
‫ل‪،‬‬ ‫وطئت قدماه الرض‪ ،‬مه ّ‬
‫وهو أمر واجب‪ ،‬بل هذا من أعظم المنكرات التي يجب إنكارها‪،‬‬
‫وقد أمر النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بتغيير المنكر باليد‪ ،‬فإن لم‬
‫ُيسَتطع فباللسان‪ ،‬فإن لم ُيسَتطع فبالقلب قال‪» :‬وذلك أضعف‬
‫اليمان« وفي حديث آخر‪» :‬وليس وراء ذلك من اليمان حبة‬
‫خردل« رواه مسلم )‪.(4676‬‬
‫وثانيًا‪ :‬من أجل تقزيـم هـؤلء المعتـدين والمفتـريــن‪ ،‬كـــي ل‬
‫يستمرئوا هذا السب والعتداء‪.‬‬
‫أما أل ّ يكون هناك غيرة على حرمات الله‪ ،‬ول يتمعر وجهنا غيرة‬
‫ب نبينا‪ ،‬دون أن يحرك ذلك فينا‬ ‫س ّ‬‫ب دين الله‪ ،‬وي ُ َ‬
‫س ّ‬‫وغضبًا؛ في ُ َ‬
‫ساكنًا؛ فهذه والله هي الكارثة‪.‬‬
‫الواجب علينا‪:‬‬
‫على كل مؤمن يحب الله ورسوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬ويغار‬
‫دم‬‫على دينه أن ينتصر لرسوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬وأن يق ّ‬
‫كل ما في وسعه لرد هذه الهجمة الشرسة‪ ،‬ومهما بذلنا فهو‬
‫قليل في حق النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪.-‬‬
‫وأما تفصيل دورنا في هذا فمنه‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ إعلن النكير على كل الصعدة وبشدة‪:‬‬
‫فعلى الدول السلمية أن تهب على جميع مستوياتها لنصرة نبيها‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬وتستنكر ذلك في المؤتمرات والمحافل‬
‫العامة‪ ،‬وتتخذ موقفا ً حازما ًَ يتناسب مع شناعة الجريمة‪.‬‬
‫وكذلك يكون الحتجاج على مستوى الهيئات الرسمية وغير‬
‫الرسمية كوزارات الوقاف‪ ،‬ودور الفتيا‪ ،‬والجامعات‪ ،‬وإعلن‬
‫الستنكار من الشخصيات العامة كالعلماء‪ ،‬والمفكرين‪ ،‬ورجال‬
‫العلم‪.‬‬
‫ل حسب ما يستطيع‪:‬‬ ‫وكذلك النكار على المستوى الفردي‪ ،‬ك ّ‬
‫بإرسال رسالة‪ ،‬أو كتابة مقالة‪ ،‬أو اتصال هاتفي بحكومتهم‬

‫‪263‬‬
‫وخارجيتهم وصحافتهم‪ ،‬ومراسلة المنظمات والجامعات والفراد‬
‫المؤثرين في الغرب‪ ،‬ولو نفر المسلمون بإرسال آلف الرسائل‬
‫الرصينة القوية إلى المنظمات والفراد فإن هذا سيكون له أثره‬
‫اللفت قطعًا‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ مـطـالــبة هــؤلء الجنــاة بالعـتـذار الجـاد الواضـح‪ ،‬ل‬
‫الخداع وتبرير الجريمة الذي يسمونه اعتذارًا‪ ،‬فل نريد اعتذارا ً‬
‫لهانة المسلمين‪ ،‬وإنما نريد إقرارا ً واضحا ً بالخطأ‪ ،‬واعتذارا ً عنه‪،‬‬
‫ومعاقبة رادعة للمجرمين على جرمهم‪ ،‬وأن تكف حكوماتهم عن‬
‫العداء للسلم والمسلمين‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ذكـر فتاوى علماء المة التي تبين حكم من تعرض لرسول‬
‫الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بشيء من النتقاص ووجوب بغض‬
‫من فعل ذلك والبراءة منه‪.‬‬
‫حسن السلم وموافقته للعقول الصريحة‪ ،‬والرد على‬ ‫‪ 4‬ـ بيان ُ‬
‫شبهات المجرمين من خلل قيام المؤسسات العلمية والصحف‬
‫والمجلت والمواقع السلمية بكتابة ردود على هذه الفتراءات‪،‬‬
‫وأن تسطر على صفحاتها شمائل النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪،-‬‬
‫وتبين الدور العظيم الذي قام به ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬لنقاذ‬
‫البشرية‪ ،‬وأنه ُأرسل رحمة للعالمين‪ ،‬وهداية للناس أجمعين‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ استئجار ساعات لبرامج في المحطات الذاعية والتلفزيونية‬
‫ل سيما في البلدان الغربية لتدافع عن النبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،-‬وتذب عن جنابه‪ ،‬ويستضاف فيها ذوو القدرة والرسوخ‪،‬‬
‫والدراية بمخاطبة العقلية الغربية بإقناع‪ ،‬وهم بحمد الله كثر‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ إعداد المقالت القوية الرصينة لتنشر في المجلت والصحف‬
‫ومواقع النترنت باللغات المتنوعة‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ مطالبة الكّتاب والصحفيين والعلميين بل كل غيور بالقيام‬
‫بدور النصرة للنبي ـ عليه الصلة والسلم ـ من خلل محاولة‬
‫إثارة الرأي الغربي ضد هذا النتهاك والتدنيس العلني للمعتقدات‬
‫الدينية‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ إنشاء مراكز متخصصة لبحوث ودراسات في السيرة النبوية‬
‫والسلم وفضائله وترجمة ذلك إلى اللغات العالمية‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ الحرص على دعوة هذه الشعوب؛ فإننا وإن كنا ننظر إليهم‬
‫بعين الغضب والسخط والغيظ‪ ،‬إل أننا أيضا ً ننظر إليهم بعين‬
‫الشفقة عليهم‪ ،‬فهم عما قريب سيموتون‪ ،‬ويكونون من أهل النار‬
‫ة بهم‪،‬‬
‫إن ماتوا على ذلك‪ ،‬فدعوتهم إلى السلم والنجاة رحم ٌ‬
‫ت عنهم صورة‬ ‫ة عليهم؛ ول سيما عوامهم الذين غ ُي ّب َ ْ‬ ‫وشفق ٌ‬
‫السلم المشرقة‪ ،‬حتى نقيم الحجة ونوصل نور الهداية والحق‬
‫إليهم فيعرفوا عن ديننا وعظمة نبينا ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪:-‬‬

‫‪264‬‬
‫ة{ ]النفال‪:‬‬‫ن ب َي ّن َ ٍ‬
‫ي عَ ْ‬
‫ح ّ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫حَيى َ‬‫ن ب َي ّن َةٍ وَي َ ْ‬
‫ك عَ ْ‬ ‫ن هَل َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك َ‬ ‫}ل ّي َهْل ِ َ‬
‫‪.[42‬‬
‫‪ 10‬ـ ترجمة الكتب التي تدعو إلى السلم‪ ،‬والكتب التي تعّرف‬
‫ي السلم‪ ،‬وتبّين سيرته الحسنة العطرة وفضائله‬ ‫بالسلم ونب ّ‬
‫بلغة هؤلء القوم‪.‬‬
‫‪ 11‬ـ إنشاء مواقع إسلمية وبرامج متخصصة في الذاعات‬
‫والقنوات والشبكة المعلوماتية للتعريف بالنبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬وشمائله وأخلقه الكريمة باللغات المختلفة‪ ،‬ونشر ذلك‬
‫في المطبوعات من الصحف والمجلت ونحوها‪.‬‬
‫‪ 12‬ـ عقد المؤتمرات العلمية التي ُيتكلم فيها عن نبي السلم‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ورسالته‪ ،‬مع التركيز على تلك الدول‬
‫التي تحتاج إلى تصحيح صورتهم عن السلم‪.‬‬
‫‪ 13‬ـ نشر ما ذكره المنصفون من غير المسلمين بشأنه ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،-‬إذ هو أدعى لقبول أقوامهم له‪.‬‬
‫‪ 14‬ـ بيان خصائص دعوته ورسالته ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬وأنه‬
‫بعث بالحنيفية السمحة‪ ،‬وأن الصل في دعوته‬
‫‪ 15‬ـ المشاركة في حوارات علمية رصينة مع غير المسلمين من‬
‫المختصين أصحاب القدرات العلمية واللغوية‪ ،‬ودعوة أولئك‬
‫الباحثين بالحكمة لدراسة شخصية الرسول ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬والدين الذي جاء به‪.‬‬
‫‪ 16‬ـ العلن في محركات البحث المشهورة عن بعض الكتب أو‬
‫المحاضرات التي تتحدث عن الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪.-‬‬
‫‪ 17‬ـ التمسك بالسنة والتزام هدي النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫في كل شيء والصبر على ذلك؛ إذ بهذا يكفينا الله كيدهم‪َ} :‬وإن‬
‫شي ًْئا{ ]آل عمران‪.[120 :‬‬ ‫م ك َي ْد ُهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ضّرك ُ ْ‬ ‫قوا ل ي َ ُ‬ ‫صب ُِروا وَت َت ّ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫‪ 18‬ـ مقاطعة منتجاتهم ما دام لها تأثير عليهم ـ وهذا هو الواقع ـ‬
‫والبحث عن شركات بديلة يمتلكها مسلمون ترسيخا ً لمبدأ الولء‬
‫للمسلمين والبراء من الكافرين‪.‬‬
‫‪ 19‬ـ الوعي لكيفية إدارة أعداء السلم لصراعهم مع المسلمين‬
‫مد والتخطيط المسبق منهم لهذه الجريمة‪ ،‬مع‬ ‫وعدم استبعاد التع ّ‬
‫الدراسة المتأنية للمواقف المتوقعة منهم والتدابير التي ينبغي‬
‫اتخاذها مع كل موقف حتى ل يخلصوا إل شق الصف وإضعاف‬
‫قوة وحدة الموقف‪.‬‬
‫‪ 20‬ـ تبادل الفكار في هذه القضية‪ ،‬وإضافة الجديد منها‬
‫والتواصي بها‪ ،‬وبحث كل واحد عما يناسب ميوله وتخصصه منها‪،‬‬
‫وبهذا سيجد كل محب لرسوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬مجال ً‬
‫لظهار حبه وغيرته وتعظيمه؛ فهذا يأتي بفكرة‪ ،‬وذاك يكتب‬

‫‪265‬‬
‫ول‪ ،‬في نفير عام‬ ‫مقالة‪ ،‬وهذا يترجم‪ ،‬وذاك يرسل‪ ،‬وآخر يم ّ‬
‫لنصرة أفضل الخلق ـ عليه الصلة والسلم ـ‪.‬‬
‫ة‬
‫ك أطواقُ النجا ِ‬ ‫ت لوا َ‬ ‫ب في ذكراك ُقربى وتح َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل ال ُ‬‫رسو َ‬
‫ة‬
‫ت الُهدا ِ‬ ‫ك ما تجلى ضياٌء واعتلى صو ُ‬ ‫عليك صلة ُ رب ّ َ‬
‫حسناك عجزا ً وفي القلب اتقاد ُ الموريا ِ‬
‫ت‬ ‫ظ في ُ‬ ‫يحاُر اللف ُ‬
‫ت‬‫ت دمانا ما قضينا وفاءك والحقوقَ الواجبا ِ‬ ‫سفك ْ‬ ‫ولو ُ‬
‫ليس من النصرة‪:‬‬
‫إن ما نراه من ردود فعل غاضبة من المسلمين‪ ،‬وعمل جاد‬
‫ث البهجة‬ ‫لمواجهة تلك الهجمة التي يتعرض لها السلم َليبع ُ‬
‫والـسرور والمل في نفس كل مسلـم‪ ،‬غيـر أن بعـض‬
‫المسلمـين ـ وهم بحمد الله قلة ـ قد مال بهم حماسهم عن‬
‫الصواب‪ ،‬والمأمول من المسلمين أن يلزموا العدل والنصاف‪،‬‬
‫ن ل ِل ّهِ ُ‬ ‫َ‬
‫داَء‬‫شهَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫وا ِ‬‫كوُنوا قَ ّ‬ ‫مُنوا ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫حتى مع أعدائهم‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫ن قَوْم ٍ ع ََلى أل ّ ت َعْد ُِلوا اع ْد ُِلوا هُوَ أقَْر ُ‬ ‫شَنآ ُ‬ ‫م َ‬ ‫من ّك ُ ْ‬ ‫جرِ َ‬‫ط َول ي َ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ِبال ْ ِ‬
‫ن{ ]المائدة‪.[8 :‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬‫خِبيٌر ب ِ َ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫هإ ّ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫وى َوات ّ ُ‬ ‫ق َ‬
‫ِللت ّ ْ‬
‫فليس من النصرة‪:‬‬
‫منين‪ ،‬من أي‬ ‫‪ 1‬ـ العتداء على معصومي الدم والمال كالمستأ َ‬
‫دين كان‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ اختراق وتدمير مواقع صحف ومجلت لم تصدر منها بنبينا‬
‫ة؛ فمثل هذا العمل ُيحرضها هي‬ ‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬سخري ٌ‬
‫الخرى على سب الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬والنيل منه‪،‬‬
‫مصاّفة المعتدي في موقفه‪ ،‬ويحرض‬ ‫حيادها إلى ُ‬ ‫وينقلها من ِ‬
‫سفهاءهم على تدمير مواقعنا‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ليس من النصرة في شيء أن نجود بأموالنا لكل من يدعونا‬
‫إلى مشروع دعوي في تعريف الكفار بالسلم وبنبيه الكريم وفي‬
‫كشف ما يثار حوله من شبهات من غير أن نتوثق من صاحب‬
‫ن‬
‫المشروع والجهة المشرفة عليه‪ ،‬ومن غير أن نتبّين المضمو َ‬
‫كي ذلك من أهل العلم‪.‬‬ ‫المراد نشره‪ ،‬ومن يز ّ‬
‫ب بعض المظاهرات التي قام بها المسلمون في‬ ‫ح َ‬ ‫‪ 4‬ـ ما صا َ‬
‫أماكن شتى من إتلف للنفس والممتلكات‪.‬‬
‫ت من صحتها‪،‬‬ ‫‪ 5‬ـ عدم تحري البعض في نشر الخبار قبل التثب ّ ِ‬
‫كالخبر بإسلم خمسين دانماركيًا‪ ،‬أو خبر قتل الصحفي‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ نشر بعض البدع والتعّلق بالمنامات‪ ،‬كالدعوة إلى توحيد‬
‫الدعاء في ساعة معينة وصيغة معينة‪ ،‬أو تناقل رسائل بها‬
‫مخالفات شرعية‪ ،‬أو التعسف في محاولة الربط بين رقم بعض‬
‫اليات القرآنية التي لها شيء من التعلق بالموضوع وبين الرقم‬

‫‪266‬‬
‫التسلسلي الدولي لمنتجات الدولة المعتدية زاعمين أن ذلك من‬
‫العجاز العددي القرآني‪.‬‬
‫نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعلنا من أنصار دينه ونبيه ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬بوعي وصدق‪ ،‬وأن يعلي دينه‪ ،‬وينصر أولياءه‪ ،‬ويذل‬
‫غال ِب ع ََلى أ َمره ول َك َ‬
‫ن{‬ ‫مو َ‬ ‫س ل ي َعْل َ ُ‬‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫ْ ِ ِ َ ِ ّ‬ ‫ه َ ٌ‬ ‫أعداءه‪َ} ،‬والل ّ ُ‬
‫]يوسف‪.[21 :‬‬
‫وصلى الله وسلم على أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫=====================‬
‫من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته‪:‬‬
‫"نصرته"‬
‫د‪ .‬لطف الله بن مل عبد العظيم خوجه‬
‫وهو واجب على جميع المسلمين‪ :‬ذكوًرا وإناًثا‪ ،‬علماء وولة أمر‬
‫ل‪ ،‬كل بحسب قدرته واستطاعته‪ ،‬أدناها بالقلب‪،‬‬ ‫ما‪ ،‬قول ً وفع ً‬ ‫وعوا ً‬
‫ثم باللسان‪ ،‬ثم باليد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫‪)-‬من رأى منكم منكًرا فليغيره بيده‪ ،‬فإن لم يستطع فبلسانه‪،‬‬
‫فإن لم يستطع فبقلبه‪ ،‬وذلك أضعف اليمان(‪.‬‬
‫وأي منكر أعظم من العدوان على مقام رسول الله‪ ،‬صلى الله‬
‫عليه وسلم؟!‬
‫فهو فرض على الكفاية‪ ،‬إذا قام به بعض المسلمين سقط عن‬
‫ب‬‫الخرين‪ ،‬مع وجوب إنكار القلب في كل حال‪ ،‬سواء تعّين الذ ّ‬
‫والنصرة أو لم يتعّين على آحاد المؤمنين؛ لن النكار القلبي‬
‫علمة اليمان‪.‬‬
‫والدليل على وجوب نصرته‪ ،‬قوله تعالى‪:‬‬
‫ُ‬
‫صُروه ُ َوات ّب َُعوا ْ الّنوَر ال ّذ ِيَ أنزِ َ‬
‫ه‬‫معَ ُ‬‫ل َ‬ ‫مُنوا ْ ب ِهِ وَع َّزُروه ُ وَن َ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫‪َ} -‬فال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن{‪ .‬فعّلق الفلح بالنصرة؛ فمن لم ينصره‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫أ ُوَْلـئ ِ َ‬
‫فليس من المفلحين‪.‬‬
‫صُر‪{..‬؛ فنصرة‬ ‫م الن ّ ْ‬ ‫ن فَعَل َي ْك ُ ُ‬ ‫دي ِ‬‫م ِفي ال ّ‬ ‫صُروك ُ ْ‬ ‫سَتن َ‬ ‫نا ْ‬ ‫‪} -‬وَإ ِ ِ‬
‫المؤمنين واجبة‪ ،‬والنبي أوجب‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م {‪.‬‬ ‫مك ُ ْ‬‫دا َ‬ ‫ت أقْ َ‬ ‫صْرك ُ ْ‬
‫م وَي ُث َب ّ ْ‬ ‫ه َين ُ‬ ‫صُروا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ِإن َتن ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪َ} -‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ونصرة النبي من نصرة الله تعالى‪.‬‬
‫ما(‪،‬‬ ‫ما أو مظلو ً‬ ‫‪ -‬وقوله صلى الله عليه وسلم‪) :‬انصر أخاك ظال ً‬
‫فهذا في حق المؤمنين‪ ،‬وفي حق النبي أعظم‪.‬‬
‫ووقت النصرة‪ :‬وجود الظلم والعدوان على مقام النبي‪ ،‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬في ذاته‪ ،‬أو أخلقه‪ ،‬أو دينه‪.‬‬
‫جد هذا النوع من الظلم والعدوان‪ :‬وجب على المؤمنين‬ ‫فمتى و ِ‬
‫ب عنه‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫الذ ّ‬

‫‪267‬‬
‫ول يحل لهم أن يسكتوا أو يخضعوا ويرضوا‪!!..‬‬
‫ل على خلل في إيمانهم‪ ،‬وضعف في ولئهم لله‬ ‫فإن فعلوا ذلك؛ د ّ‬
‫ورسوله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم؛ فل يرضى بالطعن في النبي ـ‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ إل منافق أو كافر‪ ،‬أما المؤمن فيغضب‬
‫ويتمّعر وجهه لدنى من ذلك‪ ،‬لذى يلقاه عوام المسلمين؛ لما‬
‫بينه وبينهم من أخوة اليمان؛ فأي عدوان على رأس المؤمنين‬
‫وقائدهم ومقدمهم فهو عليه أشد وأنكى‪.‬‬
‫ما أخرجه أهل مكة من الحرم‬ ‫بل حاله كحال "خبيب بن عدي" ل ّ‬
‫ليقتلوه‪ ،‬فقال له أبو سفيان‪:‬‬
‫دا الن عندنا مكانك يضرب‬ ‫" أنشدك الله يا خبيب! أتحب أن محم ً‬
‫عنقه‪ ،‬وأنك في أهلك"؟‪.‬‬
‫دا الن في مكانه الذي هو‬ ‫فقال خبيب‪" :‬والله ما أحب أن محم ً‬
‫فيه تصيبه شوكة‪ ،‬وإني جالس في أهلي"‪.‬‬
‫دا كحب‬ ‫دا يحب أح ً‬‫فقال أبو سفيان‪" :‬ما رأيت من الناس أح ً‬
‫دا"‪.‬‬
‫أصحاب محمد ٍ محم ً‬
‫وسبب وجوب نصرة النبي‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أمران‪:‬‬
‫‪ -‬الول‪ :‬مّنته على أمته‪.‬‬
‫إذ هداهم الله تعالى به؛ فأخرجهم من الظلمات إلى النور‪ ،‬ولول‬
‫فضل الله عليهم به لكان الناس في ضللة وعمى‪ ،‬ولصابهم من‬
‫عذاب الخرة‪..‬‬
‫وإذا كان النسان يحفظ جميل ً صنعه إنسان إليه‪ :‬بتفريج كربة‪ ،‬أو‬
‫وقاية من فتنة‪ ،‬أو محنة‪ ،‬أو منع مصيبة‪ .‬يبقى عمره ل ينسى‬
‫جميله‪ ..‬يترصد‪ ،‬ويترقب متى يقدر على المكافأة والمجازاة‬
‫بالمثل‪ ،‬وهذا كله في أمور الدنيا‪ ،‬بل في بعضها‪ ،‬وجزء منها‪،‬‬
‫فكيف بمن كان له الجميل على الناس في‪:‬‬
‫‪ -‬فتح أبواب السعادة لهم في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫‪ -‬وتفريج كرباتهم وهمومهم باليمان‪.‬‬
‫‪ -‬وبيان مواطن الرحمة والخير والقرب من الله تعالى‪.‬‬
‫‪ -‬وإزالة ما بينهم من العداوة والشحناء والتباغض‪ ،‬وزرع اللفة‬
‫بين قلوبهم‪ ،‬وعطف بعضهم على بعض‪.‬‬
‫‪ -‬وإرشادهم إلى أحسن الدساتير والقوانين التي بها يسّيرون‬
‫شئونهم الدنيوية‪.‬‬
‫‪ -‬وإقرار العدل‪ ،‬ونفي الظلم ومنع أسبابه‪.‬‬
‫‪ -‬وزادهم أن كان سبًبا في نيلهم عظيم الثواب وجزيل الجر في‬
‫الخرة‪ ،‬فما مؤمن يدخل الجنة‪ ،‬لينعم فيها النعيم الذي ل ينتهي‪،‬‬
‫إل وللنبي‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬مّنة عليه في ذلك‪.‬‬
‫فهل أحد من البشر أعظم منه مّنة على العالمين؟!!‬

‫‪268‬‬
‫ولذا قال تعالى ممتًنا على عباده بهذا النبي‪:‬‬
‫َ‬
‫م‬‫سه ِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن أن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سول ً ّ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ث ِفيهِ ْ‬ ‫ن إ ِذ ْ ب َعَ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ِ‬ ‫ه ع ََلى ال ْ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫‪ } -‬لَ َ‬
‫من‬ ‫كاُنوا ْ ِ‬ ‫ة وَِإن َ‬ ‫م َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬
‫حك ْ َ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫مه ُ ُ‬‫م وَي ُعَل ّ ُ‬ ‫كيهِ ْ‬ ‫م آَيات ِهِ وَي َُز ّ‬ ‫ي َت ُْلو ع َل َي ْهِ ْ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ل ّ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ل لَ ِ‬ ‫قَب ْ ُ‬
‫‪ -‬وقال النبي‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬للنصار‪) :‬ألم آتكم ضلل ً‬
‫فهداكم الله بي‪ ،‬وعالة فأغناكم الله‪ ،‬وأعداء فألف الله بين‬
‫ن(‪.‬‬ ‫قلوبكم؟ قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬الله ورسوله أم ّ‬
‫‪ -‬الثاني‪ :‬أن الطعن في صاحب الشريعة طعن في الشريعة‬
‫ذاتها‪:‬‬
‫ب عن الشريعة واجب على كل مسلم بما يستطيع‪.‬‬ ‫والذ ّ‬
‫فهذا الذي يطعن في النبي‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬لم يكن‬
‫ليطعن فيه لول الشريعة التي حملها وبّلغها من عند الله تعالى‪،‬‬
‫جه إليه بالطعن‪ ،‬فما طعن‬ ‫صا كسائر الناس لم يتو ّ‬ ‫فلو كان شخ ً‬
‫فيه إل كاره وباغض لهذا الدين؛ فنصرته إذن من نصرة الله تعالى‬
‫ونصرة دينه‪ ،‬ليس نصرة لذاته‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫قات ُِلوا ْ‬ ‫َ‬
‫م فَ َ‬ ‫م وَط َعَُنوا ِفي ِدين ِك ُ ْ‬
‫ْ‬ ‫من ب َعْد ِ ع َهْد ِه ِ ْ‬ ‫مان َُهم ّ‬ ‫‪ } -‬وَِإن ن ّك َُثوا ْ أي ْ َ‬
‫وما ً‬ ‫ن قَ ْ‬ ‫قات ُِلو َ‬ ‫ن * أ َل َ ت ُ َ‬ ‫م َينت َُهو َ‬ ‫م ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫ما َ‬
‫َ‬
‫م ل َ أي ْ َ‬ ‫فرِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ة ال ْك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫أئ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫مّر ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫م أ َوّ َ‬ ‫ؤوك ُ ْ‬ ‫هم ب َد َ ُ‬ ‫ل وَ ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫ج الّر ُ‬ ‫خَرا ِ‬ ‫موا ْ ب ِإ ِ ْ‬ ‫م وَهَ ّ‬ ‫مان َهُ ْ‬
‫َ‬
‫ن ّك َُثوا ْ أي ْ َ‬
‫ن * َقات ُِلوهُ ْ‬
‫م‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ُ ِ‬‫كنُتم ّ‬ ‫شوْه ُ ِإن ُ‬ ‫خ َ‬ ‫حقّ َأن ت َ ْ‬ ‫شونهم َفالل ّ َ‬
‫هأ َ‬ ‫ُ‬ ‫خ َ َُْ ْ‬ ‫أ َت َ ْ‬
‫يعذ ّبهم الل ّ َ‬
‫دوَر قَوْم ٍ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫م ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫صْرك ُ ْ‬ ‫م وََين ُ‬ ‫خزِه ِ ْ‬ ‫م وَي ُ ْ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ه ب ِأي ْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َُ ُْ ُ‬
‫شاُء َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ه ع ََلى َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫م وَي َُتو ُ‬ ‫ظ قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ب غ َي ْ َ‬ ‫ن * وَي ُذ ْه ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ّ‬
‫م {‪.‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ع َِلي ٌ‬
‫الحاجة إلى نصرة النبي‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬في هذا الوقت‪:‬‬
‫الحاجة متجددة؛ لتجدد الطعونات‪ ،‬فانتقاص النبي‪ ،‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬أمر قديم ِقدم السلم‪ ،‬اضطلع به فريقان هما‪ :‬الكافرون‪،‬‬
‫والمنافقون‪.‬‬
‫اتفقا على العداوة والطعن؛ لن دعوة السلم تقضي على‬
‫أحلمهم وطموحهم في العلو في الرض بغير الحق‪ ،‬والفساد‬
‫واتباع الهوى وعبادة الذات والمصالح الشخصية‪ ،‬فالسلم يريد‬
‫أن تكون الكلمة العليا في الرض لله تعالى‪ ،‬والناس سواسية‪ ،‬ل‬
‫يفضلون إل بالتقوى‪ ،‬مهما تباينت أجناسهم وألوانهم ومراتبهم‪،‬‬
‫والكل يجب أن يخضع لحكم الله تعالى‪ ،‬ل فرق بين شريف أو‬
‫وضيع‪.‬‬
‫وهذه المور ل تعجب الفريقان؛ فلذا يعادون السلم‪ ،‬والرسول‬
‫الذي جاء به وبّلغه‪.‬‬
‫فأما الكافرون فعداوتهم ظاهرة‪ ،‬وعداوة المنافقين مبطنة‪ ،‬تظهر‬
‫ل{‪.‬‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ح ِ‬‫م ِفي ل َ ْ‬ ‫في مواقف‪} :‬وَل َت َعْرِفَن ّهُ ْ‬

‫‪269‬‬
‫الكافرون قالوا عن رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ :‬شاعر‪،‬‬
‫مجنون‪ ،‬كاهن‪ ،‬ساحر‪ ،‬يعلمه بشر‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬
‫ن*أ ْ‬ ‫جُنو ٍ‬ ‫ن وََل َ‬
‫م ْ‬ ‫كاه ِ ٍ‬‫ك بِ َ‬ ‫ت َرب ّ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ت ب ِن ِعْ َ‬‫ما أن َ‬ ‫‪} -‬فَذ َك ّْر فَ َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مُنو ِ‬‫ب ال ْ َ‬ ‫ص ب ِهِ َري ْ َ‬ ‫عٌر ن ّت ََرب ّ ُ‬ ‫شا ِ‬ ‫َ‬
‫حر أوَ‬ ‫َ‬
‫سا ِ ٌ ْ‬ ‫ل إ ِّل َقاُلوا َ‬ ‫سو ٍ‬ ‫من ّر ُ‬ ‫من قَب ْل ِِهم ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما أَتى ال ّ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫‪ } -‬ك َذ َل ِ َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫جُنو ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫شٌر {‪.‬‬ ‫ه بَ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ُ‬‫ما ي ُعَل ُ‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬
‫قولو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫م أن ّهُ ْ‬ ‫قد ْ ن َعْل ُ‬‫‪ } -‬وَل َ‬
‫أما المنافقون فقالوا في رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫أقبح القول‪ ،‬كقول مقدمهم عبد الله بن أبي ابن سلول‪ ،‬كما جاء‬
‫في القرآن الكريم‪ ،‬سورة المنافقون‪:‬‬
‫َ‬
‫من َْها اْلذ َ ّ‬ ‫َ‬
‫ن اْلع َّز ِ‬ ‫دين َةِ ل َي ُ ْ‬
‫ل {‪.‬‬ ‫ج ّ‬ ‫خرِ َ‬ ‫م ِ‬‫جعَْنا إ َِلى ال ْ َ‬ ‫ن ل َِئن ّر َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫‪} -‬ي َ ُ‬
‫هذان الصنفان موجودان في كل زمان‪ ،‬وأهدافهم هي الهداف‬
‫نفسها‪ ،‬ودوافعهم هي الدوافع نفسها‪ ،‬فكلما شعروا بخطر‬
‫السلم على طموحاتهم في العلو والفساد أظهروا الطعن‬
‫والسب والشتم بالشريعة وصاحبها‪.‬‬
‫فالعدو الكافر المحارب اليوم يمثله الصهاينة أو الصولية‬
‫النجيلية‪ ،‬التي تقود العالم إلى خططها المهلكة‪ ،‬فهي التي‬
‫خططت لقيام دولة إسرائيل في فلسطين؛ بزعم أن المسيح‬
‫عيسى عليه السلم لن يعود إل بعد اجتماع اليهود في فلسطين‪،‬‬
‫وقيام دولة إسرائيل‪ ،‬وبناء هيكل سليمان‪ ،‬ولذا هم ماضون في‬
‫هذه المهمة‪ ،‬وهم الذين يريدون حكم العالم‪ ،‬تحت دعوى‬
‫العولمة‪ ،‬وحرب الرهاب والخارجين عن القانون الدولي‪!..‬‬
‫وليس ثمة أحد يقف في طريقهم في تنفيذ تلك الخطط‬
‫الجرامية إل حملة السلم وأتباع محمد‪ ،‬صلى الله عليه وسلم؛‬
‫ومن هنا سبب حنقهم وطعنهم في هذا النبي الكريم‪ ،‬صلوات الله‬
‫وسلمه عليه‪ ،‬بقصد تشويه صورة السلم؛ لضعافه والتنفير منه‪،‬‬
‫فهم يرددون اليوم ما قاله أجدادهم المستشرقون من قبل من‬
‫أنه‪:‬‬
‫‪ -‬سفاك للدماء‪ ،‬إرهابي‪ ،‬لم ينتشر دينه إل بالقتل والسيف‪..‬‬
‫شهواني همه النساء‪ ..‬ل يعترف بالخر‪..‬‬
‫وغير ذلك‪ ،‬وغير مستغرب أن يقولوا ذلك وأكثر من ذلك؛ فقد‬
‫كفروا وباعوا أنفسهم للشيطان‪.‬‬
‫وسائل النصرة‪:‬‬
‫وفي هذا الحال واجب على المة أن يهبوا لنصرة النبي ـ صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ ودينه‪ ،‬كل بحسب قدرته واستطاعته‪ ،‬ووسائل‬
‫النصرة تكون من طريقين‪:‬‬
‫‪ -‬الول‪ :‬بعرض سيرته‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫‪270‬‬
‫‪ -‬الثاني‪ :‬بدفع الشبهات والطعونات حوله‪.‬‬
‫الول‪ :‬عرض سيرته‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وذلك من خلل كل الوسائل المتاحة‪ ،‬بالمقالة‪ ،‬والمطوية‪،‬‬
‫والنشرة‪ ،‬والكتاب الصغير‪ ،‬والكبير‪ ،‬والبرامج المرئية‬
‫والمسموعة‪ ،‬ومن خلل المدارس‪ ،‬والمساجد‪ ،‬والبيوت‪،‬‬
‫والمحافل‪.‬‬
‫وعلى وسائل العلم السلمية‪ :‬أن ُتعنى بهذه القضية؛ فتعطيها‬
‫قدًرا يتلءم مع كونها إسلمية‪ ،‬ول يليق بها أن تهمل حقوق النبي‪،‬‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ونصرته في وقت ينتقص فيه من‬
‫مقامه‪!!..‬‬
‫وأضعف اليمان أن تخصص له‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬من‬
‫البرامج وقًتا كسائر البرامج الخرى؛ حتى يقف الصغير والكبير‬
‫على تفاصيل سيرته وسنته‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فهذا الرجل‬
‫أعظم رجل في التاريخ‪ ،‬وهو منا‪ ،‬ونحن منه‪ ،‬وقد فزنا به‪،‬‬
‫وشرفنا بالنسبة إليه‪ ،‬فل يليق بنا أن نجهل تاريخه وسيرته؛ فل‬
‫نعرف منها إل القليل‪ ،‬ثم يجب التركيز حين عرض سيرته على‬
‫الجانب الهم‪ ،‬وهو حقيقة دعوته‪:‬‬
‫َ‬
‫ة‬
‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫ك إ ِّل َر ْ‬ ‫سل َْنا َ‬‫ما أْر َ‬ ‫‪ -1‬أنها جاءت رحمة للبشرية‪ } :‬وَ َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫ل ِل َْعال َ ِ‬
‫خُلوا ِفي‬ ‫َ‬
‫مُنوا اد ْ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ -2‬أنها جاءت للسلم والمن‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ة {‪.‬‬ ‫كافّ ً‬ ‫سل ْم ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫‪ -3‬أنها جاءت لسعاد البشرية‪ ،‬ل لشقائها‪ ،‬كما يروج لذلك‬
‫َ ُ‬
‫ن َذ َك َرٍ أوْ أن َْثى وَهُ َ‬
‫و‬ ‫م ْ‬ ‫صاِلحا ً ِ‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫الكافرون والمنافقون‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ما َ‬
‫كاُنوا‬ ‫ن َ‬ ‫س ِ‬ ‫ح َ‬‫م ب ِأ ْ‬ ‫جَرهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫جزِي َن ّهُ ْ‬ ‫ة وَل َن َ ْ‬ ‫حَياة ً ط َي ّب َ ً‬
‫ه َ‬ ‫حي ِي َن ّ ُ‬‫ن فَل َن ُ ْ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ُ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫‪ -4‬جاءت لخراج الناس من ظلمات البغي والظلم إلى نور العدل‬
‫ت إ َِلى‬
‫ما ِ‬ ‫ن الظ ّل ُ َ‬ ‫م َ‬‫س ِ‬ ‫ج الّنا َ‬ ‫خرِ َ‬ ‫ك ل ِت ُ ْ‬ ‫ب َأنَزل َْناه ُ إ ِل َي ْ َ‬ ‫والحسان‪ } :‬ك َِتا ٌ‬
‫ميد ِ {‪ ،‬وكما قال ربعي ابن‬ ‫ح ِ‬ ‫زيزِ ال ْ َ‬ ‫ط ال ْعَ ِ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫م إ َِلى ِ‬‫ن َرب ّهِ ْ‬ ‫الّنورِ ب ِإ ِذ ْ ِ‬
‫عامر لرستم قائد الفرس‪ ،‬لما سأله عن سبب مجيئهم‪" :‬إن الله‬
‫ابتعثنا لخراج العباد‪ ،‬من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد‪ ،‬ومن‬
‫جور الديان إلى عدل السلم‪ ،‬ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا‬
‫والخرة"‪.‬‬
‫فقد جاء النبي‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬بهذا السلم لتحصيل كل‬
‫خير‪ ،‬ولمنع كل شر‪.‬‬
‫جا‪ ،‬ودخول‬ ‫ويدل على صدق هذا‪ :‬دخول الناس في السلم أفوا ً‬
‫كثير منهم بدون قتال‪ ،‬بل بالدعوة وحدها‪ ،‬فلول صدق تلك‬
‫المبادئ لم ينتشر السلم‪ ،‬ولم يدخل الناس فيه أفواجا‪ ،‬بل لو‬

‫‪271‬‬
‫صح ادعاء أعداء السلم لما بقي للسلم قائمة‪ ،‬ولرفضه حتى‬
‫أهله‪ ،‬لكن المر عكس ذلك‪ ،‬فكل يوم يدخل الناس في هذا‬
‫الدين عن رضا‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬دفع الشبهات والطعونات حول النبي‪ ،‬صلى الله عليه‬
‫سلم‪.‬‬
‫كافة ما يثار حوله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬من شبهات هي قديمة‪،‬‬
‫وكل السباب والشتائم والطعونات قد أجيب عنها إجابات شافية؛‬
‫ما طرحها المستشرقون‪.‬‬ ‫ل ّ‬
‫والمطلوب إعادة صياغتها بأساليب ملئمة ميسرة؛ لحفظ عوام‬
‫المسلمين من النجراف خلف تلك الشبهات‪.‬‬
‫ثم إن مما ينبغي التنبه له في هذا المقام‪:‬‬
‫أن بعض ما يطرحه هؤلء الطاعنون قاصدين تشويه صورة‬
‫السلم‪ ،‬والنبي ـ صلى الله عليه وسلم‪ ،‬هي في عرف وحكم‬
‫الشريعة‪ :‬حق‪ ،‬وصدق‪ ،‬وعدل‪.‬؟‬
‫كقولهم عن السلم‪:‬‬
‫‪ -‬أنه دين ل يصحح الديان الخرى‪ ،‬ويتعالى عليها‪ ،‬فل يعترف‬
‫بالمساواة بينها وبين السلم‪.‬‬
‫وهذا عندهم من الطعونات‪ ،‬وهو عند المسلمين من الحقائق‪،‬‬
‫ومما دله عليه كلم ربهم سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫م {‪.‬‬ ‫سل َ ُ‬ ‫عند َ الل ّهِ ال ِ ْ‬ ‫ن ِ‬‫دي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫‪ } -‬إِ ّ‬
‫ن‬‫م َ‬‫خَرةِ ِ‬
‫ه وَهُوَ ِفي ال ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫سل َم ِ ِدينا ً فََلن ي ُ ْ‬
‫قب َ َ‬ ‫من ي َب ْت َِغ غ َي َْر ال ِ ْ‬ ‫‪ } -‬وَ َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫ري َ‬
‫ِ‬ ‫س‬ ‫ال ْ َ‬
‫خا ِ‬
‫َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫كنُتم ّ‬ ‫ن ِإن ُ‬ ‫م ال َع ْل َوْ َ‬ ‫حَزُنوا وَأنت ُ ُ‬ ‫‪ } -‬وَل َ ت َهُِنوا وَل َ ت َ ْ‬
‫‪ -‬وقال صلى الله عليه وسلم‪ ) :‬السلم يعلو ول يعلى عليه (‪.‬‬
‫نعم من أصول السلم‪ ،‬أنه يعلو ول يعلى عليه‪..‬‬
‫ض لهم غيره‪..‬‬ ‫فهو الدين الذي ارتضاه الله تعالى لعباده‪ ،‬ولم يرت ِ‬
‫وهو الذي يقبله ول يقبل غيره‪ ،‬حتى لو كانت اليهودية‬
‫والنصرانية‪..‬‬
‫ق إلى قيام الساعة‪..‬‬ ‫فهو شامل خاتم با ٍ‬
‫فلو كان ثمة شريعة من الشرائع السابقة صحيحة باقية دون‬
‫تحريف إلى اليوم لكان السلم أحسن منها‪ ،‬وعلى أتباعها تركها‬
‫واتباع السلم؛ لنه الناسخ لجميع الشرائع السابقة‪..‬‬
‫دلة‪ ،‬قد تبرأ الله منها‪ ،‬وحكم‬ ‫فكيف الحال إذا كانت محّرفة مب ّ‬
‫بضلل أتباعها؟!‬
‫فالسلم هو الدين الصحيح‪ ،‬ول دين صحيح غيره؛ فاليهودية‬
‫محّرفة والنصرانية كذلك‪ ،‬دع عنك ما سواهما‪ ،‬والسلم خاتم‬
‫لجميع ما سبق‪ ،‬للناس كافة‪ ،‬فل دين غيره يقبل الله به‪.‬‬

‫‪272‬‬
‫وعلى المسلمين أن يعلموا هذا ويتمسكوا به‪ ،‬وليس لهم خيار‬
‫غيره‪ ،‬إن أرادوا البقاء مسلمين‪.‬‬
‫ما‪ ،‬فهذا دينه‬‫فإذا جاءهم من يجعل هذه الخاصية للسلم طعًنا وذ ً‬
‫هو‪!!..‬‬
‫وليس لنا أن ندفع تهمة بإلغاء أصل من أصول السلم‪ ،‬كما يفعل‬
‫البعض حينما يزعم أن النصرانية واليهودية والسلم في مرتبة‬
‫ب عن السلم‪ ،‬فهذا من أبطل‬ ‫سواء ل فرق بينها‪ ،‬يريد أن يذ ّ‬
‫الباطل‪ ،‬فالدفاع عن الحق ل يكون بإحقاق الباطل بل بإبطاله‪،‬‬
‫ودفاعنا عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما يكون بتقرير‬
‫الدين كما جاء به دون تحريف‪ ،‬ل بتحريف ما جاء به فذلك ليس‬
‫عا‪ ،‬بل خدمة ُتقدم للطاعنين فيه‪ ،‬وليس شيء أفرح لقلوبهم‪:‬‬ ‫دفا ً‬
‫من أن يقّر لهم المسلمون بصحة دينهم الباطل بخبر الله تعالى‪.‬‬
‫==================‬
‫شبهات وتهم ضد مقام النبوة‬
‫)‪ (1‬قال الله تبارك وتعالى‪) :‬إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم‬
‫الله في الدنيا والخرة وأعد لهم عذاًبا مهيًنا( ]الحزاب ‪.[57 :‬‬
‫ما من نبي ول رسول أرسله الله عز وجل إل واجه أعداء يكذبونه‬
‫ويشككون الناس في صدق نبوته وهذه سنة من سنن الله عز‬
‫وجل قال تعالى‪) :‬كذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين النس‬
‫والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك‬
‫ما فعلوه فذرهم وما يفترون( ]النعام ‪.[112 :‬‬
‫ولم يكن نبينا صلى الله عليه وسلم بدعا ً بين الرسل فقد واجه ما‬
‫واجهه إخوته من النبياء من التكذيب والعناد والقتال والتشريد‬
‫والسجن والطرد والستهزاء ولكن ذلك لم يثنه عن دعوته ولم‬
‫ل في عزيمته بل كان ثابتا ً كالطود الشم فصبر وهانت عليه‬ ‫يف ّ‬
‫نفسه في سبيل الله عز وجل حتى نصره الله عز وجل ورفع له‬
‫ذكره إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫وقد اتهم نبينا صلى الله عليه وسلم بأنه كاذب وقيل شهواني‬
‫وقالوا عنه ساحر وكاهن وشاعر ومجنون وأتهم بأنه عدواني‬
‫ومتعصب وإرهابي وهذه التهم مجرد شبهات واهية تسقط عند‬
‫أول وهلة من التعرف على شخصيته ودراسة سيرته وتتبع سنته‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وفيما يلي نستعرض كل شبهة أثيرت حول نبينا صلى الله عليه‬
‫وسلم ونفندها بحجج منيرة كالشمس في رائعة النهار‪.‬‬
‫الشبهة الولى‪ :‬قولهم عنه‪) :‬كاذب(‪:‬‬
‫الشبهة الثانية‪:‬قولهم عنه )ساحر‪ ،‬كاهن‪ ،‬مجنون(‪:‬‬

‫‪273‬‬
‫الشبهة الثالثة‪) :‬قالوا أساطير الولين اكتتبها فهي تملي عليه‬
‫بكرة وأصيل(‪:‬‬
‫الشبهة الرابعة‪ :‬وهي من شبه المستشرقين الحديثة وصفهم له‬
‫صلى الله عليه وسلم بأنه )شهواني(‪:‬‬
‫الشبهة الخامسة‪ :‬من أعظم الشبه والفتراء‪ :‬وصف النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم بأنه )إرهابي دموي سفاك للدماء(‪:‬‬
‫الشبهة الولى‪ :‬قولهم عنه‪) :‬كاذب(‪:‬‬
‫هذه أضعف فرية افتريت على نبينا صلى الله عليه وسلم‬
‫وأضعف شبهة يمكن أن يتشبث بها أحد قديما ً أو حديثًا‪ ،‬وذلك لما‬
‫اشتهر عنه صلى الله عليه وسلم منذ طفولته من صدق الحديث‬
‫وأمانة في الخلق حتى كانت من أوضح صفاته وأخلقه التي تميز‬
‫بها‪ ،‬حتى أنه كان يسمى في الجاهلية بالمين لصدقه وأمانته‬
‫صلى الله عليه وسلم ومما يثبت ذلك ما جرى في قصة بناء‬
‫قريش للكعبة قبل بعثته صلى الله عليه وسلم واختلفهم على‬
‫وضع الحجر السود حتى كادوا يقتتلون بسبب إرادة كل قبيلة أن‬
‫تفوز بشرف وضع الحجر السود في مكانه ولما اشتد الخلف‬
‫فيما بينهم وأصرت كل قبيلة على الفوز بهذا الشرف أراد أحد‬
‫عقلئهم أن يضع حدا ً للخلف فقال لهم حكموا بينكم أول داخل‬
‫عليكم من باب الصفا فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فلما‬
‫رأوه مقبل ً قالوا‪ :‬هذا محمد المين رضينا به حكمًا‪ .‬ففي هذه‬
‫القصة وقد حدثت قبل البعثة أكبر دليل على اشتهاره بالصدق‬
‫والمانة فيما بينهم‪.‬‬
‫ومما يثبت اشتهاره بالصدق بين قريش وعدم شكهم في صدق‬
‫حديثه حديث أبي سفيان مع هرقل وسؤال هرقل حينما سأل أبا‬
‫سفيان‪ :‬هل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فقال‪ :‬ل ثم‬
‫رد هرقل في آخر الحديث بحكمة قل من يفطن لها إذ قال‪:‬‬
‫وسألتك أتتهمونه بالكذب فقلت‪ :‬ل فعلمت أنه لن يدع الكذب‬
‫على الناس ثم يكذب على الله تعالى و الحديث في صحيح‬
‫البخاري‪..‬‬
‫ومما يثبت نفي الكذب عنه ما ورد في حديث ركانة بن عبد يزيد‬
‫في السنن بإسناد فيه كلم‪ .‬وكان شديد العداوة للنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم والستهزاء به فقال يوما ً للنبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫يا ابن أخي بلغني عنك أمر ولست بكذاب فإن صرعتني علمت‬
‫أنك صادق‪ ،‬لقد أثبت صدقه بنفي الكذب عنه مع شدة العداوة‬
‫وكثرة استهزاءه بالنبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في السير‪.‬‬
‫وقد روى الترمذي عن علي أن أبا جهل قال له‪ :‬إنا ل نكذبك‪،‬‬

‫‪274‬‬
‫ولكن نكذب بما جئت به فأنزل الله تعالى فيهم‪) :‬فإنهم ل‬
‫يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون( ]النعام ‪.[33 :‬‬
‫وقد اشتهر بين قريش صدقه صلى الله عليه وسلم حتى إن أبا‬
‫طالب لما أخبره نبينا صلى الله عليه وسلم بخبر الصحيفة التي‬
‫كتبتها قريش وأن الرضة قد أكلتها ولم تترك فيها إل كلمة واحدة‬
‫ج قريش حتى فتحوا الكعبة‬ ‫هي )باسمك اللهم( قام أبو طالب يحا ّ‬
‫وأخرجوا الصحيفة ووجدوها حقا ً كما قال نبينا صلى الله عليه‬
‫وسلم فوبخهم أبو طالب بقوله شعرا ً في هذا‪:‬‬
‫وقد كان في أمر الصحيفة عبرة ***متى ما يخبر غائب القوم‬
‫ُيعجب‬
‫محا الله منها كفرهم وعقوقهم*** وما نقموا من ناطق الحق‬
‫معرب‬‫ُ‬
‫ل*** ومن يختلق ما ليس بالحق‬ ‫فأصبح ما قالوا من المر باط ً‬
‫ُيكذب‬
‫وقد كانت علمات الصدق تلوح على محياه صلى الله عليه وسلم‬
‫حتى قال عبد الله بن سلم الحبر اليهودي في قصة إسلمه أنه‬
‫لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ونظر في وجهه قال‪ :‬فلما‬
‫تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب(‪).‬رواه ابن ماجه‬
‫وغيره(‪.‬‬
‫ولو لم تكن فيه آيات مبينة**** كانت بديهته تأتيك بالخبر‬
‫الشبهة الثانية‪:‬قولهم عنه )ساحر‪ ،‬كاهن‪ ،‬مجنون(‪:‬‬
‫وهذه الصفات التي وصفه بها كفار قريش لما جاءهم بالحق ولم‬
‫يستطيعوا له رد فجنحوا إلى هذه التهم والوصاف حتى يصدوا‬
‫الناس عنه إذ أنه ل يجلس إليه أحد فيعرض عليه السلم ويقرأ‬
‫القرآن على مسامعه إل أخذ بلب جليسه وأسر قلبه فأراد‬
‫المعاندون بإثارة هذه الشبهة أن يصدوا الناس عن الجلوس إليه‬
‫وسماعه خاصة في المواسم التي يجتمع فيها الناس من أنحاء‬
‫الجزيرة العربية‪.‬‬
‫هذا عتبة بن ربيعة جاء مندوبا ً لقريش لمفاوضة النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم حتى يترك دعوته فيقول له‪ :‬يا ابن أخي إنك منا حيث‬
‫قد علمت من السطة في العشيرة والمكان في النسب‪ ،‬وإنك قد‬
‫أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلمهم‬
‫وعبت به آلهتهم ودينهم‪ ،‬ثم عرض عليه المال والملك وعرض‬
‫عليه ما استطاعه من الغراء حتى إذا فرغ عتبة من كلمه‬
‫ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع إليه فقال‪ :‬أقد فرغت‬
‫يا أبا الوليد؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فاسمع مني‪ .‬قال‪ :‬أفعل‪ .‬فقال‬
‫الحبيب صلى الله عليه وسلم‪:‬‬

‫‪275‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم )حــم* تنزيل من الرحمن الرحيم(‪.‬‬
‫]فصلت ‪.[2 : 1‬‬
‫ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ وقد ألقى عتبة‬
‫يديه وراء ظهره معتمدا ً عليهما وهو يسمع منصتا ً حتى انتهى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة فسجد‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫)قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك( سيرة ابن‬
‫هشام‪!!.‬‬
‫وعاد عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض‪ :‬نحلف بالله قد‬
‫جاءكم أبا الوليد بغير الوجه الذي ذهب به‪ .‬فلما جلس إليهم‬
‫قالوا‪ :‬ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال‪ :‬ورائي أني سمعت قول ً والله‬
‫ما سمعت مثله قط‪ ،‬والله ما هو بالشعر ول بالسحر ول بالكهانة‪،‬‬
‫أطيعوني واجعلوها لي‪ ،‬وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه‬
‫فاعتزلوه فو الله ليكونن لقولـه الذي سمعت منه نبأ عظيم‪.‬‬
‫فهذا عتبة بن ربيعة وهو من صناديد قريش وسادتهم بعدما سمع‬
‫القرآن وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ينفي أن يكون‬
‫شاعرا ً أو كاهنا ً أو ساحرًا‪.‬‬
‫وهذا النضر بن الحارث سيد آخر من سادة قريش وكبير من‬
‫كبرائهم ممن كفر حسدا ً وحقدا ً يقوم في قريش ذات يوم‬
‫ويقول‪ :‬يا معشر قريش إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له‬
‫بحيلة بعد‪ ،‬فقد كان فيكم محمد غلما ً حدثًا‪ ،‬أرضاكم فيكم‬
‫وأصدقكم حديثا ً وأعظمكم أمانة حتى إذا رأيتم في صدغه‬
‫الشيب‪ .‬وجاءكم بما جاءكم به قلتم ساحر ل والله ما هو بساحر‬
‫لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم‪ ،‬وقلتم كاهن‪ ،‬ل والله ما هو‬
‫بكاهن قد رأينا الكهنة وتخالجهم وسمعنا سجعهم‪ .‬وقلتم شاعر‪،‬‬
‫ل والله ما هو بشاعر قد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها هزجه‬
‫ورجزه‪ .‬قلتم مجنون ل والله ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون فما‬
‫هو بخنقه ول وسوسته ول تخليطه‪ .‬يا معشر قريش فانظروا في‬
‫شأنكم فإنه والله قد نزل لكم أمر عظيم‪ .‬فهذه شهادتين من‬
‫أعدى أعداءه تثبت كذبهم وافتراءهم عليه سيرة ابن هشام‪..‬‬
‫الشبهة الثالثة‪) :‬قالوا أساطير الولين اكتتبها فهي تملي عليه‬
‫بكرة وأصيل(‪:‬‬
‫اتهم المشركون نبينا صلى الله عليه وسلم بأنه جمع أساطير‬
‫الولين من الرواة الذين كانوا يتناقلونها ثم كتبها فهو يلقيها عليهم‬
‫ليدعي بذلك الوحي‪.‬‬
‫وقد بّين القرآن الكريم الرد على مثل هذه الشبهة ومفاده أنه‬
‫كان صلى الله عليه وسلم أميا ً ل يقرأ ول يكتب‪ .‬وأنه لم يخرج‬
‫من مكة ولم يسافر إلى البلد التي تكثر فيها هذه القصص‬

‫‪276‬‬
‫والساطير التي ادعتها عليه قريش ثم إن ما جاءهم به محكم ل‬
‫لبس فيه ول اختلف ول عجمة ول اعوجاج فيه على عكس ما‬
‫كان يتناقل في عصرهم من أساطير يكذب بعضها بعضًا‪.‬‬
‫وتحداهم أن يأتوا بمثله فلما عجزوا تحداهم أن يأتوا بسورة‬
‫واحدة مثله فلما عجزوا تحداهم أن يأتوا بعشر آيات مثله‪ ،‬ولن‬
‫يستطيعوا ولو اجتمع الجن كلهم والنس على أن يأتوا بمثله‪ ،‬وما‬
‫ما ليفضح عجزهم وكذبهم وبهتانهم‪ ،‬وهذه المم‬ ‫زال التحدي قائ ً‬
‫وصلت في العصر الحديث إلى اقتحام الفضاء وتطويع الكائنات‬
‫فهل يستطيعون ولو اجتمعوا أن يأتوا بآية مثله؟‬
‫)قل لئن اجتمعت النس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ل‬
‫يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيًرا( ]السراء ‪.[88 :‬‬
‫)أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم‬
‫من دون الله إن كنتم صادقين( ]يونس ‪.[38 :‬‬
‫)أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من‬
‫استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين( ]هود ‪.[13 :‬‬
‫وأنى لهم أن يأتوا بمثله وهو تنزيل من رب العالمين الحكيم‬
‫العليم وهو القاهر فوق عباده وهو اللطيف الخبير‪.‬‬
‫الشبهة الرابعة‪ :‬وهي من شبه المستشرقين الحديثة وصفهم له‬
‫صلى الله عليه وسلم بأنه )شهواني(‪:‬‬
‫حين تزوج إحدى عشرة امرأة بينما منع أتباعه من الزيادة على‬
‫أربع نساء‪.‬‬
‫والجواب على هذه الشبهة‪:‬‬
‫أنه ينبغي أن ُيعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرا ً‬
‫قط إل عائشة – رضي الله عنها – كما أنه صلى الله عليه وسلم‬
‫إبان شبابه وفتوته لم يتزوج سوى خديجة – رضي الله عنها –‬
‫حين كان عمره خمسا ً وعشرين سنة وهي امرأة كبيرة فلو كان‬
‫ذا شهوة لما اكتفى بها وهي المرأة الكبيرة في السن فلم يتزوج‬
‫عليها حتى توفيت – رضي الله عنها‪.‬‬
‫وكان زواجه بعائشة – رضي الله عنها – إكراما ً لصديقه وأحب‬
‫الناس إليه وأوفاهم لـه وأكثرهم إخلصا ً له ولدعوته‪.‬‬
‫وكذلك كان زواجه بحفصة بنت عمر بن الخطاب إكراما ً لبيها‬
‫ثاني رجل في السلم وثاني وزراءه وإذا لم يكرم عمر بن‬
‫الخطاب فمن يكرم إذًا؟! وأما زواجه بأم حبيبة وأم سلمة وسودة‬
‫وميمونة وأم المساكين وهن أرامل فكان إيواًء لهن لما فقدن‬
‫أزواجهن ولما أصابهن من عذاب واضطهاد في ذات الله تعالى‪.‬‬
‫وزّوجه ربه تبارك وتعالى زينب بنت جحش وهو كاره لذلك خشية‬
‫من قول الناس‪» :‬محمد تزوج امرأة ابنة زيد« الذي تبناه قبل‬

‫‪277‬‬
‫السلم فأراد الله عز وجل أن يهدم قاعدة التبني التي كانت‬
‫ة في المجتمع الجاهلي حيث كان للبن المتبنى عند العرب‬ ‫متأصل ً‬
‫في الجاهلية جميع الحرمات والحقوق التي كانت للبن الحقيقي‬
‫سواء بسواء‪ ،‬فكان أقوى معول لهدم هذه القاعدة أن أمر الله‬
‫عز وجل نبيه أن ينكح زوجة زيد بعدما طلقها وقد كان ابنا ً لـه‬
‫بالتبني في الجاهلية ليستقر عند العرب عدم جواز التبني‪.‬‬
‫وكان زواجه لصفية وجويرية مسحا ً لدموعها وإذهابا ً لحزنهما‬
‫لموت زوجيهما في معركة قتال دارت بين رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم وبين رجالهما‪.‬‬
‫ً‬
‫كما أن من فوائد زواجه صلى الله عليه وسلم ما كان شائعا عند‬
‫العرب من احترام للمصاهرة إذ كانوا يرون مناوأة ومحاربة‬
‫الصهار سبة وعارا ً على أنفسهم‪ .‬فلما تزوج النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم بأم سلمة المخزومية لم يقف خالد بن الوليد‬
‫المخزومي من المسلمين موقفه الشديد الذي وقفه بأحد‪،‬‬
‫وكذلك أبو سفيان قائد المشركين لم يواجه رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم بأي محاربة بعد زواجه بابنته أم حبيبة‪،‬وكذلك ل‬
‫نرى من قبيلتي بني المصطلق وبني النضير أي استفزاز وعداء‬
‫بعد زواجه بجويرية وصفية‪.‬‬
‫ومن أعظم وأجل مقاصد نكاحه صلوات ربي وسلمه عليه أنه‬
‫كان مأمورا ً بتزكية وتعليم الناس ولما كان من المبادئ التي قام‬
‫عليها بناء المجتمع المسلم أل يختلط الرجال بالنساء كانت‬
‫الحاجة داعية إلى وجود نساء مختلفات العمار والمواهب )وهن‬
‫أمهات المؤمنين( فيزكيهن النبي صلى الله عليه وسلم ويربيهن‬
‫ويعلمنهن ليقمن من بعده بتربية نساء المسلمين فيكفين مؤنة‬
‫ل كبير في نقل‬ ‫التبليغ في النساء‪ ،‬وقد كان لمهات المؤمنين فض ٌ‬
‫أحواله صلى الله عليه وسلم المنزلية للناس‪.‬‬
‫أفترى رجل ً يدع الزواج في شبابه من النساء ويقتصر على امرأة‬
‫كبيرة في السن كخديجة أو كسودة حتى يصل الخمسين من‬
‫عمره ثم فجأة يجد في نفسه شهوة عارمة فيتزوج بمثل هذا‬
‫العدد الكبير من النساء؟!‪.‬‬
‫اللهم إن هذا ل يقولـه إنسان عاقل بل ل يقوله إل مكابر فاجر‪.‬‬
‫الشبهة الخامسة‪:‬من أعظم الشبه والفتراء‪ :‬وصف النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم بأنه )إرهابي دموي سفاك للدماء(‪:‬‬
‫وهذه التهمة إنما يذيعها المستشرقون في العصر الحديث‬
‫تشكيكا ً في دعوته وصدق نبوته صلى الله عليه وسلم فقد ثبت‬
‫عنه صلى الله عليه وسلم من الحلم والحتمال والعفو عند‬
‫المقدرة والصبر على المكاره الشيء الكثير جدًا‪.‬‬

‫‪278‬‬
‫وكل حليم عرفت منه زلة وحفظت عنه هفوة ولكنه صلى الله‬
‫عليه وسلم لم يزدد مع كثرة الذى إل صبرا ً وعلى إسراف‬
‫خّير رسول‬ ‫الجاهل إل حلمًا‪ ،‬قالت عائشة – رضي الله عنها‪ :‬ما ُ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إل اختار أيسرهما ما لم‬
‫يكن إثما ً فإن كان إثما ً كان أبعد الناس عنه‪ ،‬وما انتقم لنفسه إل‬
‫أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها أخرجه البخاري‪ ،‬وكان أبعد‬
‫ى‪.‬‬ ‫ً‬
‫الناس غضبا وأسرعهم رض ً‬
‫وقد كان من أعظم دلئل نبوته التي وردت في كتب أهل الكتاب‪.‬‬
‫والتي آمن على مثلها من آمن منهم مثل عبد الله بن سلم‬
‫وسلمان الفارسي وغيرهما أن حلمه يسبق غضبه‪.‬‬
‫وقد كان العفو والصفح أحب إليه من النتقام كما في القصص‬
‫التالية‪:‬‬
‫* تصدى لـه غورث بن الحارث ليفتك به صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ورسول الله صلى الله عليه وسلم مطرح تحت شجرة وحده‬
‫قائل ً )من القيلولة وهو نوم وسط النهار( دون حرس‪ ،‬وأصحابه‬
‫قائلون كذلك‪ .‬وذلك في غزاة‪ ،‬فلم ينتبه رسول الله صلى الله‬
‫ت في يديه‬ ‫عليه وسلم إل وغورث قائم على رأسه‪ ،‬والسيف مصل ٌ‬
‫وقال‪ :‬من يمنعك مني؟ فقال صلى الله عليه وسلم‪» :‬الله«‪.‬‬
‫فسقط السيف من يد غورث‪ ،‬فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وقال‪» :‬من يمنعك«؟ قال غورث‪ :‬كن خير آخذ فتركه وعفا عنه‪.‬‬
‫فعاد إلى قومه فقال‪ :‬جئتكم من عند خير الناس‪) .‬أخرجه المام‬
‫أحمد وهو في البخاري مختصرًا(‪.‬‬
‫* لما دخل المسجد الحرام صبيحة الفتح ووجد رجالت قريش‬
‫جالسين مطأطي الرؤوس ينتظرون حكم رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم الفاتح فيهم‪ ،‬فقال‪» :‬يا معشر قريش ما تظنون أني‬
‫فاعل بكم«؟ قالوا‪ :‬أخ كريم وابن أخ كريم‪ ،‬قال‪» :‬اذهبوا فأنتم‬
‫الطلقاء« )حسن إسناده ابن حجر في فتح الباري( فعفا عنهم‬
‫بعدما ارتكبوا من الجرائم ضده وضد أصحابه ما ل يقادر قدره‪،‬‬
‫ول يحصى عده‪ ،‬ومع هذا فقد عفا عنهم ولم يعنف ولم يضرب‪.‬‬
‫ولم يقتل فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫* سحره لبيد بن العصم اليهودي )القصة في صحيح البخاري(‪،‬‬
‫فعفا عنه ولم يؤاخذه‪ .‬بل لم يثبت أنه لمه أو عاتبه مجرد لوم أو‬
‫عتاب‪ .‬فضل ً عن المؤاخذة والعقاب‪.‬‬
‫* تآمر عليه المنافقون وهو في طريق عودته من تبوك إلى‬
‫المدينة تآمروا عليه ليقتلوه وعلم بهم وقيل له فيهم فعفا عنهم‪،‬‬
‫وقال‪) :‬ل ُيتحدث أن محمدا ً يقتل أصحابه( )القصة في صحيح‬
‫البخاري(‪.‬‬

‫‪279‬‬
‫* لم يذكر في غزوة من الغزوات أنه اعتدى على أحد أو غزا‬
‫قوما ً مسالمين بل كانت غزواته وسراياه موجهة إلى من بدأه‬
‫بالعداوة وحاول الكيد للسلم والمسلمين‪ ،‬وكان يأمر أمراءه إذا‬
‫أرسلهم أن ل يقتلوا امرأة ول طفل ً ول عجوزا ً ول راهبا ً معتزل ً‬
‫في صومعته وكان ينهاهم عن التحريق بالنار وإفساد الزرع‪.‬‬
‫وقد غّير النبي صلى الله عليه وسلم أغراض الحروب وأهدافها‬
‫التي كانت تضطرم نار الحرب لجلها في الجاهلية‪ ،‬فبينما كانت‬
‫الحرب عبارة عن النهب والسلب والقتل والغارة والظلم والبغي‬
‫والعدوان وأخذ الثأر والفوز بالوتر وكبت الضعيف وتخريب‬
‫العمران وتدمير البنيان وهتك حرمات النساء والقسوة على‬
‫الضعيف والولئد والصبيان وإهلك الحرث والنسل والعبث‬
‫والفساد في الرض في الجاهلية‪ ،‬إذ صارت هذه الحرب في‬
‫السلم جهادا ً في تحقيق أهداف نبيلة وأغراض سامية وغايات‬
‫محمودة يعتز بها المجتمع النساني في كل زمان ومكان وغدت‬
‫الحرب جهادا ً في تخليص النسان من نظام القهر والعدوان‪.‬‬
‫إن تحول المجتمع إلى نظام العدل والنصف بدل ً عن نظام يأكل‬
‫فيه القوي الضعيف‪ ،‬حتى يصير المجتمع إلى نظام يصير فيه‬
‫القوي ضعيفا ً حتى يؤخذ الحق منه وصارت بذلك الحرب جهادا ً‬
‫لتخليص المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين‬
‫يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من‬
‫لدنك وليا ً واجعل لنا من لدنك نصيرًا‪ .‬وصارت جهادا ً في تطهير‬
‫أرض الله من الغدر والخيانة والثم والعدوان وغدت وسيلة‬
‫لبسط المن والسلمة والرأفة والرحمة ومراعاة الحقوق‬
‫والمروءة‪.‬‬
‫ض يكون‬ ‫ض إلى خيرٍ مح ٍ‬‫أومن قام بتبديل الحرب من شّر مح ٍ‬
‫إرهابيا ً أو سفا ٍ‬
‫ك للدماء؟‪.‬‬
‫أفترى من يأمر بهذا العدل والنصاف والرحمة والرأفة حتى مع‬
‫العدو أثناء القتال يمكن أن يوصف بأنه إرهابي أو قاتل أو سفاك‬
‫للدماء؟ سبحانك هذا بهتان عظيم!!‬
‫علما ً بأن جميع البلد التي فتحها بالسيف ظهر فيها السلم‬
‫وانتشر وثبت أهلها على السلم‪ ،‬مما يؤكد أن انتشار السلم‬
‫وثباته لصفاته الذاتية فيه وليس انتشاره عائدا ً إلى نشره بالقوة‬
‫والسيف فقط كما أن أكثر بقاع السلم وبلده مما فتح سلما ً‬
‫دون حرب أو قتال كما ثبت ذلك في دواوين السيرة وكتب‬
‫التاريخ‪.‬‬
‫إن هذه الشبه والتهم التي يطلقها أعداء السلم على نبينا صلى‬
‫الله عليه وسلم لم تكن يوما ً لتوهي من عضد الرسالة أو‬

‫‪280‬‬
‫الرسول الذي بعث بها‪) :‬يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم‬
‫ويأبى الله إل أن يتم نوره ولو كره الكافرون( ]التوبة ‪.[32 :‬‬
‫بل ربما كانت هذه الشبه فأل خير لهذا الدين إذ أنه ومنذ ظهور‬
‫فجر النبوة المحمدية كانت هذه الشبه والتهامات سببا ً وباعثا ً‬
‫قويا ً في إقبال الناس على دعوته صلى الله عليه وسلم فكلما‬
‫زادت التهم زاد تحري الناس وسؤالهم عن الرسول والرسالة‬
‫فيقودهم ذلك إلى النبهار بأضواء النبوة حتى يسلمهم ذلك إلى‬
‫الدخول في دين الله أفواجا ً والحمد لله أول ً وآخرًا‪.‬‬
‫وقولنا لمن يروج هذه الشبه والتهم هو ما قاله حسان ابن ثابت‬
‫في المنافحة عن النبي صلى الله عليه وسلم والذب عنه وهو‬
‫أجمل ما قيل في الذب عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم‬
‫يستطع أحد أن يحلق إلى ما دون هذا فضل ً عن أن يساميه وأّنى‬
‫لهم ذلك وهو المؤيد بروح القدس‪ ،‬يقول – رضي الله عنه‪:‬‬
‫ت عنه **** وعند الله في ذاك الجزاُء‬ ‫ت محمدا ً فأجب ُ‬ ‫هجو َ‬
‫هجوت مباركا ً برا ً حنيفا ً **** أمين الله شيمته الوفاُء‬
‫ت له بكفء؟**** فشركما لخير كما الفداُء‬ ‫أتهجوه ولس َ‬
‫فإن أبي ووالده وعرضي *** لعرض محمد منكم وقاُء‬
‫وإذا كان هذا ما قاله مؤمن به‪ ،‬فإن ما ورد عن أعداءه من الثناء‬
‫عليه كثيٌر جدا ً – والحق ما شهدت به العداء – فهذا الدكتور‬
‫مايكل هارت الذي ألف كتاب )المائة الوائل( يضع في المقام‬
‫الول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ويعلل ذلك بقوله‪)) :‬إن‬
‫اختيار المؤلف لمحمد صلى الله عليه وسلم ليكون في رأس‬
‫القائمة التي تضم الشخاص الذين كان لهم أعظم تأثير عالمي‬
‫في مختلف المجالت‪ ،‬إن هذا الختيار ربما أدهش الكثير من‬
‫القراء )يقصد بهم القراء من غير المسلمين الذين ألف لهم‬
‫الكتاب‪ ،‬وإل فإن المسلمين يعتقدون عقيدة جازمة بأن محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم هو خير الثقلين( إلى حد قد يثير بعض‬
‫التساؤلت‪ ،‬ولكن في اعتقاد المؤلف أن محمدا ً صلى الله عليه‬
‫وسلم كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى‬
‫وأبرز في كل المستويين الديني والدنيوي‪.‬‬
‫لقد أسس محمد صلى الله عليه وسلم ونشر أحد أعظم الديان‬
‫في العالم‪ ،‬وأصبح أحد الزعماء العالميين السياسيين العظام‪.‬‬
‫ففي هذه اليام وبعد مرور ثلثة عشر قرنا ً تقريبا ً على وفاته‪،‬‬
‫فإن تأثيره ل يزال قويا ً وعارمًا((*‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــ‬
‫*كتاب )المائة الوائل في المقدمة( للدكتور مايكل هارت‪.‬‬
‫=====================‬

‫‪281‬‬
‫إثبات الوحي عن طريق خديجة رضي الله عنها‬
‫الحمد لله والصلة على رسول الله وعلى ءاله وصحبه ومن واله‬
‫يقول النصارى ‪:‬‬
‫كيف ل يعرف النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬الوحي الذي انزل‬
‫عليه ؟‬
‫وكيف يطلب من خديجة –رضي الله عنها‪ -‬ان تتاكد له من الوحي‬
‫بجلوسه على فخذها ؟‬
‫وكيف ينتظر منها ان تخبره اذا كان هذا وحي ام شيطان ؟‬
‫ويستدلون على كلمهم هذا برواية اوردها ابن هشام في سيرته‪.‬‬
‫وللرد على هذه الشبهة ‪ ,‬نورد لكم هذه الرواية اول ً من سيرة‬
‫ابن هشام وهي من طريقين ‪,‬ثم نقوم بمشيئة الله تعالى بتفنيد‬
‫مزاعمهم وثم نبيين ضعف هذه الرواية وسقوطها وبالله تعالى‬
‫نستعين‪.‬‬
‫واليكم الرواية‪:‬‬
‫الطريق الولى ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫عي ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ل‬
‫موْلى آ ِ‬ ‫كيم ٍ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن أِبي َ‬ ‫ل بْ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫حد ّث َِني إ ْ‬ ‫حاقَ ‪ :‬وَ َ‬ ‫س َ‬ ‫نإ ْ‬ ‫ل اب ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫ه ع َن َْها أن َّها َقال َ ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ة َر ِ‬ ‫ج َ‬ ‫دي َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ث >‪ <239‬ع َ ْ‬ ‫حد ّ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫الّزب َي ْرِ ‪ :‬أن ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫طيعُ أ ّ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م أت َ ْ‬ ‫ن عَ ّ‬ ‫م أيْ اب ْ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ل َِر ُ‬
‫ت فَإ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ذا‬ ‫م ‪َ .‬قال ْ‬ ‫ل ن َعَ ْ‬ ‫جاَءك ؟ َقا َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ذي ي َأِتيك إ َ‬ ‫ذا ال ِ‬ ‫حِبك هَ َ‬ ‫صا ِ‬ ‫خب َِرِني َب ِ َ‬ ‫تُ ْ‬
‫ع‬
‫صن َ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫م كَ َ‬ ‫سَل ُ‬ ‫ل ع َل َي ْهِ ال ّ‬ ‫ري ُ‬ ‫جب ْ ِ‬ ‫جاَءه ُ ِ‬ ‫خب ِْرِني ب ِهِ ‪ .‬فَ َ‬ ‫جاَءك فَأ ْ‬ ‫َ‬
‫ذا‬‫ة هَ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫دي َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ة َيا َ‬ ‫ج َ‬ ‫دي َ‬ ‫خ ِ‬ ‫م لِ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫ذي‬ ‫خ ِ‬ ‫س ع ََلى فَ ِ‬ ‫جل ِ ْ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫ن عَ ّ‬ ‫م َيا اب ْ َ‬ ‫ت قُ ْ‬ ‫جاَءِني ‪َ ،‬قال َ ْ‬ ‫ل قَد ْ َ‬ ‫ري ُ‬ ‫جب ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫س‬
‫جل َ‬ ‫َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه ع َلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫سَرى ; َقا َ‬ ‫الي ُ ْ‬ ‫ْ‬
‫س ع ََلى‬ ‫جل ِ ْ‬ ‫ل َفا ْ‬ ‫حو ّ ْ‬ ‫ت فَت ُ َ‬ ‫م َقال َ ْ‬ ‫ل ن َعَ ْ‬ ‫ل ت ََراه ُ ؟ َقا َ‬ ‫ت هَ ْ‬ ‫ع َل َي َْها ‪َ ،‬قال َ ْ‬
‫م‬‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫حو ّ َ‬ ‫ت فَت َ َ‬ ‫مَنى ; َقال َ ْ‬ ‫ذي ال ْي ُ ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫فَ ِ‬
‫ت‬ ‫م ‪َ .‬قال َ ْ‬ ‫ل ن َعَ ْ‬ ‫ل ت ََراه ُ ؟ َقا َ‬ ‫ت هَ ْ‬ ‫قال َ ْ‬ ‫مَنى ‪ ،‬فَ َ‬ ‫ها ال ْي ُ ْ‬ ‫خذ ِ َ‬ ‫س ع ََلى فَ ِ‬ ‫جل َ َ‬ ‫فَ َ‬
‫ه‬‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫حو ّ َ‬ ‫ت فَت َ َ‬ ‫ري ‪َ ،‬قال َ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫س ِفي ِ‬ ‫جل ِ ْ‬ ‫ل َفا ْ‬ ‫حو ّ ْ‬ ‫فَت َ َ‬
‫م َقا َ‬
‫ل‬ ‫ل ن َعَ ْ‬ ‫ل ت ََراه ُ ؟ َقا َ‬ ‫ت هَ ْ‬ ‫ها ‪َ .‬قال َ ْ‬ ‫جرِ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫س ِفي ِ‬ ‫جل َ َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ع َل َي ْهِ وَ َ‬
‫م‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ها وََر ُ‬ ‫ماَر َ‬ ‫خ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ت وَأ َل ْ َ‬ ‫سَر ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫فَت َ َ‬
‫ن‬
‫ت َيا اب ْ َ‬ ‫ل َل ‪َ ،‬قال َ ْ‬ ‫ل ت ََراه ُ ؟ َقا َ‬ ‫ه هَ ْ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫م َقال َ ْ‬ ‫ها ‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫جرِ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫س ِفي ِ‬ ‫جال ِ ٌ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫مل ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫شي ْطا ٍ‬ ‫ذا ب ِ َ‬ ‫ما هَ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫هل َ‬ ‫شْر فَوَاللهِ إن ّ ُ‬ ‫ت وَأب ْ ِ‬ ‫م اث ْب ُ ْ‬ ‫عَ ّ‬
‫الطريق الخرى ‪:‬‬
‫ث‬ ‫دي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ذا ال ْ َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫س ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َ‬ ‫ت ع َب ْد َ الل ّهِ ب ْ َ‬ ‫حد ّث ْ ُ‬ ‫حاقَ ‪ :‬وَقَد ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫نإ ْ‬ ‫ل اب ْ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫ث عَ ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ذا ال ْ َ‬ ‫ث ب ِهَ َ‬ ‫حد ّ ُ‬ ‫ن تُ َ‬ ‫سي ْ ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ت ُ‬ ‫ة ب ِن ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫مي َفاط ِ َ‬ ‫تأ ّ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ل قَد ْ َ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ع َل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ل أد ْ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫معْت َُها ت َ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ة إّل أّني َ‬ ‫ج َ‬ ‫دي َ‬ ‫خ ِ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫سو ِ‬ ‫ت ل َِر ُ‬ ‫قال َ ْ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ري ُ‬ ‫جب ْ ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫عن ْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫ب ِ‬ ‫عَها ‪ ،‬فَذ َهَ َ‬ ‫ن د ِْر ِ‬ ‫م ب َي ْن ََها وَب َي ْ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن ) انتهى(‬ ‫طا ٍ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ما هُوَ ب ِ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫مل َ ٌ‬ ‫ذا ل َ َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫مإ ّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫الل ّهِ َ‬

‫‪282‬‬
‫نقول وبالله تعالى التوفيق‪,‬‬
‫على فرض صحة هذه الرواية ‪,‬لم يرد فيها ان النبي عليه السلم‬
‫لم يعرف الوحي الذي انزل عليه‪,‬وليس فيها انه طلب من خديجة‬
‫ان تتاكد له من الوحي‪,‬وهذا يرجع عندهم الى التعصب العمى‬
‫الذي يقودهم الى اختلق الكاذيب او انهم ل يفقهون ما يقراؤن‬
‫ويرددون كلم المسشرقين كطائر الببغاء‪ ,‬وكل ما في الرواية ان‬
‫خديجة رضي الله عنها هي التي طلبت التاكد وليس النبي عليه‬
‫السلم‪ ...,‬فتامل!‬
‫ونحن لسنا بحاجة الى هذا التبرير لن الرواية ضعيفة ‪ ,‬ولكن‬
‫اردنا ان نبين على فرض صحتها مدى تفكيرهم السقيم وحقدهم‬
‫على البشير النذير‪.‬‬
‫واليك الن عزيزي القارئ اثبات ضعف هذه القصة ‪:‬‬
‫الطريق الولى ‪:‬‬
‫فيها انقطاع ‪ ،‬لن اسماعيل بن ابي حكيم لم يسمع من خديجة‬
‫ث عن خديجة )بضم الحاء وكسر‬ ‫حد ّ َ‬ ‫َ‬
‫ه ُ‬
‫رضي الله عنها ‪ ،‬وقال ‪ :‬أن ّ ُ‬
‫الدال( ولم يذكر من حدثه عنها ‪ ،‬وهذا كاف لبطال هذه الطريق‬
‫ولله الحمد‬
‫الطريق الخرى ‪:‬‬
‫وهي عن فاطمة بنت حسين عن خديجة‪,‬وفاطمة هي بنت‬
‫الحسين بن علي بن ابي طالب رضي الله عنهم‪,‬وهي تابعيةولدت‬
‫بعد وفاة خديجة بنحو ثلث واربعين سنة‪ ,‬ففاطمة على هذا لم‬
‫تسمع من خديجة ‪,‬فيصبح الحديث من المراسيل وهذا ايضا كاف‬
‫لتضعيف هذه الطريق‪ ,‬وحتى الحسين رضي الله عنه لم يرى‬
‫خديجة لنها توفيت رضي الله عنها قبل الهجرة بثلث سنين‬
‫‪,‬والحسين و لد في شعبان سنة أربع من الهجرة اي بعد وفاتها‬
‫بسبع سنين ‪,‬فاذا كان ابوها لم يسمع من خديجة ‪,‬فكيف بابنته‬
‫فاطمة ؟ رضي الله عنهم جميعا ‪,,,,,,,‬فتامل !‬
‫وهكذا عزيزي القارئ يتبين لك مدى ضعف هذه الرواية ومدى‬
‫سقوط الحتجاج بها ‪,‬وان خصومنا من النصارى يتعلقون‬
‫بالضعيف والمكذوب نسال الله السلمة ونعوذ بالله من الخذلن‪.‬‬
‫والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪،،،‬‬
‫==================‬
‫زواجه صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله‬
‫عنها‬
‫يحاول الحاقدون على السلم من النصارى أن يثيروا الشبهات‬
‫في زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين عائشة‬
‫رضي الله عنها وللرد عليهم وتبيان جهلهم نقول وبالله التوفيق ‪:‬‬

‫‪283‬‬
‫أول ً ‪ :‬نقول لهم ‪ :‬إذا كنتم تعيبون النبي محمدا ً صلى الله عليه‬
‫وسلم أنه تزوج عائشة وهي صغيرة ‪ ،‬فما رأيكم في أنبياء كتابكم‬
‫المقدس الذي وصفهم بأنهم زناة ومجرمين كداود وحاشاه‪،‬‬
‫وسراق كيعقوب وحاشاه‪ ،‬وعباد أوثان كسليمان وحاشاه الخ ؟!‬
‫مع ان هذه الخطايا غير مسقطة لنبوتهم كما تؤمنون ‪ . . . .‬؟!‬
‫أليس من العجيب إنكارهم على رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم زواجه الشرعي من السيدة عائشة رضي الله عنها وهم‬
‫يقبلون من كتابهم المقدس أن النبياء يمارسون زنى المحارم‬
‫كالنبي لوط عليه السلم و يهوذا‪ ،‬و يزنون و يقتلون ليس فقط‬
‫بدون وجه حق بل للوصول للزنى كقصة النبي داود عليه السلم‬
‫و زوجة أوريا و أنهم أهل خمر كالنبي نوح و النبي لوط عليهما‬
‫السلم فوق ذلك كله أنهم عبدة أوثان كالنبي سليمان عليه‬
‫السلم الذي عبد الوثان لجل إرضاء زوجاته الوثنيات‪ .‬كما في‬
‫سفر الملوك ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬لعل النصارى ل يقرأون لكتابهم ول يعرفون دينهم‬
‫جيدا‪..‬ولعل القساوسة يخفون الحقائق دائما‪..‬ففي الوقت الذي‬
‫كان يسأل فيه النصارى عن زواج الرسول الكريم من السيده‬
‫عائشة ويدعون ان الفرق السنى كبير بل كبير جدا في وجهة‬
‫نظرهم المحدودة‪...‬‬
‫نجد ان السيدة مريم العذراء حينما كانت متزوجة )او مخطوبة(‬
‫بشهادة النصارى من يوسف النجار وولدت السيد المسيح‪ ..‬كان‬
‫سنها ‪ 12‬سنة فقط في حين كان يوسف النجار على مشارف‬
‫التسعين من عمره‪ ..‬حوالي)‪ ..(89‬يعني أكبر منها بحوالى‬
‫‪77‬سنة‪ ..‬وهذا الكلم موثق في الموسوعة الكاثوليكية‪...‬‬
‫‪http://www.newadvent.org/cathen/08504a.htm‬‬
‫" ‪a respectable man to espouse Mary, then twelve to fourteen years of age, Joseph,‬‬
‫"‬‫‪who was at the time ninety years old‬‬
‫‪http://www.cin.org/users/james/files/key2mary.htm‬‬
‫"‬ ‫" ‪Virgin Mary Delivers jesus Pbuh @ the age of 12‬‬
‫ن زواج الرسول )ص( من السيدة عائشة رضي الله عنها‬ ‫ثالثا ً ‪ :‬إ ّ‬
‫كان أصل ً باقتراح من خولة بنت حكيم على الرسول )ص( لتوكيد‬
‫ديق ‪ ،‬لتربطهما‬
‫ب الناس إليه سيدنا أبي بكر الص ّ‬
‫الصلة مع أح ّ‬
‫أيضا ً برباط المصاهرة الوثيق‪.‬‬
‫ن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت قبل ذلك مخطوبة‬ ‫رابعا ً ‪ :‬أ ّ‬
‫لجبير بن المطعم بن عدي‪ ،‬فهي ناضجة من حيث النوثة مكتملة‬
‫بدليل خطبتها قبل حديث خولة‪.‬‬

‫‪284‬‬
‫ن قريش التي كانت تترّبص بالرسول )ص( الدوائر‬ ‫خامسا ً ‪ :‬أ ّ‬
‫لتأليب الناس عليه من فجوة أو هفوة أو زّلة‪ ،‬لم ُتدهش حين‬
‫ُأعلن نبأ المصاهرة بين أعّز صاحبين وأوفى صديقين‪ ،‬بل‬
‫استقبلته كما تستقبل أيّ أمر طبيعي‪.‬‬

‫ن السيدة عائشة رضي الله عنها لم تكن أول صبّية‬ ‫سادسا ً ‪ :‬أ ّ‬
‫ن أبيها‪ ،‬ولن تكون كذلك‬ ‫ف في تلك البيئة إلى رجل في س ّ‬ ‫ُتز ّ‬
‫م آمنة‬ ‫ُ‬
‫ن‪ .‬لقد تزّوج عبد المطلب الشيخ من هالة بنت ع ّ‬ ‫أخراه ّ‬
‫في اليوم الذي تزّوج فيه عبد الله أصغر أبنائه من صبّية هي في‬
‫م لقد تزّوج سيدنا عمر بن‬ ‫ن هالة وهي آمنة بنت وهب‪ .‬ث ّ‬ ‫س ّ‬
‫طاب من بنت سيدنا علي بن أبي طالب كّرم الله وجهه وهو‬ ‫الخ ّ‬
‫طاب يعرض بنته الشابة‬ ‫ن سيدنا عمر بن الخ ّ‬ ‫دها‪ ،‬كما أ ّ‬ ‫نج ّ‬ ‫في س ّ‬
‫ن مثل‬ ‫ديق وبينهما من فارق الس ّ‬ ‫حفصة على سيدنا أبي بكر الص ّ‬
‫ن نفرا ً من‬ ‫الذي بين الرسول )ص( وعائشة رضي الله عنها‪ .‬ولك ّ‬
‫المستشرقين يأتون بعد أكثر من ألف وأربعمئة عام من ذلك‬
‫الزواج فيهدرون فروق العصر والقليم‪ ،‬ويطيلون القول فيما‬
‫وصفوه بأّنه الجمع الغريب بين الكهل والطفولة ويقيسون بعين‬
‫كة قبل الهجرة بما يحدث اليوم في بلد‬ ‫عقد في م ّ‬ ‫الهوى زواجا ً ُ‬
‫ن الخامسة والعشرين‪.‬‬ ‫الغرب حيث ل تتزّوج الفتاة عادة قبل س ّ‬
‫كر جدا ً‬ ‫ن نضوج الفتاة في المناطق الحاّرة مب ّ‬ ‫ويجب النتباه إلى أ ّ‬
‫خر الفتاة في المناطق الباردة إلى‬ ‫ن الثامنة عادة‪ ،‬وتتأ ّ‬ ‫وهو في س ّ‬
‫ن الواحد والعشرين كما يحدث ذلك في بعض البلد الباردة‪.‬‬ ‫س ّ‬
‫وأيا ً ما يكون المر فإّنه عليه الصلة والسلم لم يتزّوج السيدة‬
‫عائشة رضي الله عنها من أجل المتعة‪ ،‬وهو الذي بلغ الخامسة‬
‫ب‬‫والخمسين من عمره‪ ،‬وإّنما كان ذلك لتوكيد الصلة مع أح ّ‬
‫مل أعباء‬ ‫صة بعد أن تح ّ‬‫الرجال إليه عن طريق المصاهرة‪ ،‬خا ّ‬
‫الرسالة وأصبحت حمل ً ثقيل ً على كاهله‪ ،‬فليس هناك مجال‬
‫مه النساء‬ ‫للتفكير بهذا الشأن‪ ،‬ولو كان عليه الصلة والسلم ه ّ‬
‫ن لكان فعل ذلك أّيام كان شابا ً حيث ل أعباء‬ ‫والستمتاع به ّ‬
‫رسالة ول أثقالها ول شيخوخة‪ ،‬بل عنفوان الشباب وشهوته‬
‫ن الشباب نجد أّنه‬ ‫الكامنة‪ .‬غير أّننا عندما ننظر في حياته في س ّ‬
‫كان عازفا ً عن هذا كّله‪ ،‬حّتى إّنه رضي بالزواج من السيدة‬
‫ن الربعين وهو ابن‬ ‫خديجة رضي الله عنها الطاعنة في س ّ‬
‫م لو كان عنده هوس بالنساء لما رضي‬ ‫الخامسة والعشرين‪ .‬ث ّ‬
‫بهذا عمرا ً طويل ً حّتى ُتوّفيت زوجته خديجة رضي الله عنها دون‬
‫أن يتزّوج عليها‪ .‬ولو كان زواجه منها فلتة فهذه خديجة رضي الله‬
‫عنها توّفاها الله‪ ،‬فبمن تزّوج بعدها؟ لقد تزّوج بعدها بسودة بنت‬

‫‪285‬‬
‫زمعة العامرية جبرا ً لخاطرها وأنسا ً لوحشتها بعد وفاة زوجها‬
‫طاب‪ .‬هذا‬ ‫غب الرجال والخ ّ‬ ‫ن كبير‪ ،‬وليس بها ما ير ّ‬‫وهي في س ّ‬
‫ن الرسول )ص( كان عنده أهداف من الزواج إنسانية‬ ‫ل على أ ّ‬‫يد ّ‬
‫وتشريعية وإسلمية ونحو ذلك‪ .‬ومنها أّنه عندما عرضت عليه‬
‫كر الرسول )ص( أيرفض‬ ‫خولة بنت حكيم الزواج من عائشة ف ّ‬
‫بنت أبي بكر وتأبى عليه ذلك صحبة طويلة مخلصة ومكانة أبي‬
‫ما جاءت‬ ‫بكر عند الرسول ‪ e‬التي لم يظفر بمثلها سواه‪ .‬ول ّ‬
‫عائشة رضي الله عنها إلى دار الرسول )ص( فسحت لها سودة‬
‫المكان الول في البيت وسهرت على راحتها إلى أن توّفاها الله‬
‫وهي على طاعة الله وعبادته‪ ،‬وبقيت السيدة عائشة رضي الله‬
‫قهت عليه حّتى أصبحت‬ ‫عنها بعدها زوجة وفّية للرسول )ص( تف ّ‬
‫ب‬
‫من أهل العلم والمعرفة بالحكام الشرعية‪ .‬وما كان ح ّ‬
‫الرسول )ص( للسيدة عائشة رضي الله عنها إل ّ امتدادا ً طبيعيا ً‬
‫سئل عليه الصلة والسلم‪ :‬من‬ ‫لحّبه لبيها رضي الله عنهما‪ .‬ولقد ُ‬
‫ب الناس إليك؟ قال‪) :‬عائشة( قيل‪ :‬فمن الرجال؟ قال‪:‬‬ ‫أح ّ‬
‫)أبوها(‪ .‬هذه هي السيدة عائشة رضي الله عنها الزوجة الثيرة‬
‫ب الناس إليه‪ .‬لم يكن زواجه منها لمجّرد‬ ‫عند الرسول )ص( وأح ّ‬
‫الشهوة ولم تكن دوافع الزواج بها المتعة الزوجية بقدر ما كانت‬
‫غاية ذلك تكريم أبي بكر وإيثاره وإدناؤه إليه وإنزال إبنته أكرم‬
‫ب العالمين‪.‬‬ ‫وة ‪ ..‬والحمد لله ر ّ‬ ‫المنازل في بيت النب ّ‬
‫سيرة السيدة عائشة رضي الله عنها زوجة رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‬
‫لفضيلة الستاذ محمد راتب النابلسي ‪.‬‬
‫الحمد لله رب العالمين ‪ ،‬والصلة والسلم على سيدنا محمد ‪،‬‬
‫الصادق الوعد المين ‪ ،‬اللهم ل علم لنا إل ما علمتنا ‪ ،‬إنك أنت‬
‫العليم الحكيم ‪ ،‬اللهم علمنا ما ينفعنا ‪ ،‬وانفعنا بما علمتنا ‪ ،‬وزدنا‬
‫علما ‪ ،‬وأرنا الحق حقا ً وارزقنا اتباعه ‪ ،‬وأرنا الباطل باطل ً وارزقنا‬
‫اجتنابه ‪ ،‬واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ‪ ،‬وأدخلنا‬
‫برحمتك في عبادك الصالحين ‪.‬‬
‫أيها الخوة الكرام ‪ ...‬مع الدرس الحادي عشر من دروس سير‬
‫الصحابّيات الجليلت رضوان الله تعالى عليهن أجمعين ‪ ،‬ومع‬
‫أمهات المؤمنين ‪ ،‬زوجات رسول الله صلى الله عليه وسّلم ‪،‬‬
‫ومع الزوجة الثالثة السيدة عائشة بنت أبي بكرٍ رضي الله عنهما‪.‬‬
‫أيها الخوة الكرام ‪ ...‬قد يسأل أحدكم ‪ :‬هذا الفارق الكبير في‬
‫السن بين السيدة عائشة وبين رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسّلم ؟ كيف تزّوج النبي امرأة ً في سن أمه ؟ ثم كيف تزوج‬

‫‪286‬‬
‫امرأة ً في سن ابنته ؟ المور التي ل يدلي الشرع فيها بحكم ٍ‬
‫ترجع إلى العراف ‪.‬‬
‫فأنت إذا قلت ‪ :‬أنا أكلت اللحم ‪ .‬ماذا تقصد ؟ لحم الضأن أو لحم‬
‫البقر ‪ ،‬لنك إذا أكلت سمكا ً تقول ‪ :‬أكلت سمكا ً ‪ .‬فإذا إنسان‬
‫حلف بالطلق أّل يأكل لحما ً ‪ ،‬فهل بإمكانه أن يأكمل سمكًا؟ نعم‬
‫بإمكانه ‪ ،‬مع أن السمك لحم ‪ ،‬لكن العرف هو أن اللحم هو لحم‬
‫الضأن أو البقر والسمك شيٌء آخر ‪ ،‬ففي الموضوعات التي لم‬
‫م شرعي يعود المر إلى العرف‪.‬‬ ‫يكن هناك حك ٌ‬
‫ب كبير ‪ ،‬فأحد المصادر‬ ‫وهذا موضوع طويل في أصول الفقه ‪ ،‬با ٌ‬
‫م‬‫التشريعية العرف فهو الذي يحكم القضايا التي ليس فيها حك ٌ‬
‫شرعي ‪.‬‬
‫لو أن في زواج الرسول صلى الله عليه وسّلم من السيدة‬
‫خذ على النبي صلى‬ ‫عائشة ‪ ،‬أيّ مأخذ ٍ في أعراف العرب وقتها ل ُ ِ‬
‫الله عليه وسّلم هذا الزواج ‪ ،‬بل إن البيئة وقتها تسمح بأن تأخذ‬
‫امرأة ً في سن أمك ‪ ،‬وتسمح بأن تأخذ امرأة ً في سن ابنتك ؛‬
‫ولكن السيدة عائشة لها دور كبير جدا ً في موضوع الفقه ‪..‬‬
‫فقال بعض العلماء ‪ " :‬إن ربع الحكام الشرعّية ع ُِلم منها " ‪ .‬إن‬
‫ربع الحكام الشرعية التي عرفناها من رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسّلم إنما ع ُرَِفت من أحاديث روتها السيدة عائشة رضي‬
‫الله عنها ‪ ،‬فامرأة النبي ‪ ،‬زوجة النبي ‪ ،‬أم المؤمنين لها دوٌر‬
‫خطيٌر جدا ً في الدعوة ؛ لنها يمكن أن تختص بالنساء ‪ ،‬تعلمون‬
‫ت‬ ‫أن النساء يسألن النبي عليه الصلة والسلم عن موضوعا ٍ‬
‫ص حاَلهن ‪ ،‬وأفضل إنسانة تعّبر عن الحكام الشرعية المتعّلقة‬ ‫تخ ّ‬
‫بالمرأة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسّلم ‪ ،‬إذا ً لها دوٌر في‬
‫الدعوة ‪.‬‬

‫ويقول العلماء أيضا ً ‪ " :‬ما رأوا أحدا ً أعلم بمعاني القرآن وأحكام‬
‫الحلل والحرام من السيدة عائشة ‪ ،‬وما رأى العلماء أحدا ً أعلم‬
‫بالفرائض والطب والشعر والنسب من السيدة عائشة " ‪ .‬مع أنها‬
‫صغيرة إل أنها كانت شيئا ً نادرا ً في الذكاء ‪ ،‬وشيئا ً نادرا ً في‬
‫الحفظ ‪ ،‬وشيئا ً نادرا ً في الوفاء للنبي عليه الصلة والسلم ‪.‬‬
‫إذا ً فليعلم القارئ حقا ً ويطمئن أن زوجات النبي صلى الله عليه‬
‫ل جلله له ‪ ،‬لما سيكون لهن من دوٍر‬ ‫ن الله ج ّ‬ ‫وسّلم قد اختاره ّ‬
‫في الدعوة مستقبل ً ‪.‬‬
‫ة في سن ابنته ‪ ،‬أو امرأة ً في‬ ‫فهذا الذي يفكر أن النبي تزوج زوج ً‬
‫سن أمه ‪ ،‬هذا ل يعرف من هو النبي ‪ ،‬فالنبي عليه الصلة‬
‫ن‪،‬‬‫والسلم بقي مع السيدة خديجة وهي في سن أمه ربع قر ٍ‬

‫‪287‬‬
‫وكان بإمكانه أن يتزّوج أجمل فتيات مكة ‪ ،‬فهو بعيد ٌ جدا ً عن هذا‬
‫كر فيه أعداء السلم ‪.‬‬ ‫الذي يف ّ‬
‫***‬
‫أيها الخوة الكرام ‪ ...‬هذه السيدة الجليلة ـ السيدة عائشة ـ روت‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسّلم ألفي حديث ومئتين‬
‫وعشرة أحاديث ‪ ،‬وحفظت القرآن الكريم كّله في حياة النبي ‪.‬‬
‫إذا ً من يقول ‪ :‬إن هناك فارقا ً في السن ‪ .‬هذا الفارق في السن‬
‫ن في هذا‬ ‫كان مألوفا ً في عصر النبي ‪ ،‬ولو كان هناك مطع ٌ‬
‫ة‬
‫الموضوع لما سكت أعداء النبي ‪ ،‬ولجعلوا من هذه القضية قضي ً‬
‫كبيرة ً جدا ً ‪.‬‬
‫من صفات هذه الزوجة الطاهرة ‪ ،‬على صغر سنها ‪ ،‬أّنها كانت‬
‫ة ذلك النمو السريع ‪ ،‬العوام الن يعبرون عن هذه الظاهرة‬ ‫نامي ً‬
‫بقولهم ‪ :‬قطعتها كبيرة ‪ .‬فالعبرة بالمرأة في قطعتها ل في‬
‫ة ذلك النمو السريع الذي‬ ‫عمرها ‪ ،‬كانت على صغر سّنها نامي ً‬
‫تنموه نساء العرب ‪ ،‬وكانت متوّقدة الذهن ‪ ،‬نّيرة الفكر ‪ ،‬شديدة‬
‫الملحظة ‪ ،‬وهي وإن كانت صغيرة السن لكّنها كبيرة العقل ‪.‬‬
‫نحن تعّلمنا في الجامعة أن للنسان عمرين ؛ عمر زمني ‪ ،‬وعمر‬
‫عقلي ‪ ،‬وقد يبتعدان عن بعضهما ‪ ،‬قد تجد إنسانا ً عمره الزمني‬
‫عشر سنوات ‪ ،‬أما عمره العقلي فخمسة عشر عاما ً ‪ ،‬وقد تجد‬
‫إنسانا ً عمره الزمني عشرون عاما ً ؛ وعمره العقلي خمسة عشر‬
‫وه الخاص ‪،‬‬ ‫عاما ً ‪ ،‬فالعقل ل ينمو مع نمو الجسم بل له نم ّ‬
‫فالسيدة عائشة رضي الله عنها على صغر سنها نمت نموا ً سريعا ً‬
‫وعلى صغر سنها كانت متوّقدة الذهن ‪ ،‬نيرة الفكر ‪ ،‬شديدة‬
‫الملحظة ‪ ،‬فهي وإن كانت صغيرة السن لكنها كبيرة العقل ‪ ،‬أي‬
‫لسلمية ‪.‬‬‫لها دور في الدعوة ا ً‬
‫تروي كتب السيرة أن النبي عليه الصلة والسلم تزوج امرأةً‬
‫فيما بعد ‪ ،‬قال لها ضّراتها ‪ " :‬إذا التقيت بالنبي فقولي له ‪ :‬أعوذ‬
‫بالله منك " ‪ .‬فلما دخل عليها النبي قالت ‪ " :‬أعوذ بالله منك "‪.‬‬
‫فماذا قال لها ؟ ‪:‬‬
‫َ‬
‫ك" *‬‫قي ب ِأهْل ِ ِ‬ ‫" ال ْ َ‬
‫ح ِ‬
‫) من صحيح البخاري ‪ :‬عن " السيدة عائشة " (‬
‫رفضها ‪ ،‬هل يعقل أن تكون زوجة رسول الله بهذا الدراك ؟‬
‫فهي مبّلغة عن رسول الله ‪ ،‬تبّلغ عنه الشرع ‪ ،‬شيٌء خطيٌر جدا ً‬
‫أن تكون زوجة النبي عليه الصلة والسلم محدودة التفكير ‪ ،‬لنها‬
‫تنقل عنه ‪ ،‬وربما نقلت عنه الشيء الذي ما أراده النبي عليه‬
‫الصلة والسلم ‪.‬‬

‫‪288‬‬
‫ة بالغة من أن الله سبحانه وتعالى هّيأ‬ ‫ة إلهي ٌ‬‫إذا ً هناك حكم ٌ‬
‫لرسوله الكريم هذه الزوجة العاقلة‪ ،‬المتقدة في الذهن والذكاء‬
‫والفطنة ‪ ،‬كثيرة الملحظة ‪ ،‬ذات النفسّية الطّيبة ‪.‬‬
‫يقولون ‪ " :‬ولو لم تكن السيدة عائشة رضي الله عنها في تلك‬
‫السن التي صحبت بها رسول الله صلى الله عليه وسّلم ‪ ،‬وهي‬
‫السن التي يكون فيه النسان أفرغ بال ً ‪ ،‬وأشد استعدادا ً لتلقي‬
‫العلم ‪ ،‬لما تهّيأ لها ذلك " ‪.‬‬
‫ي في حياة المؤمن ‪ ،‬والنبي عليه الصلة‬ ‫فالعلم شيٌء أساس ٌ‬
‫والسلم كل شيٍء يقوله ينبغي أن ينقل عنه ‪ ،‬وأفضل امرأةٍ تنقل‬
‫ن الله سبحانه وتعالى اختارها على‬ ‫عنه زوجته ‪ ،‬إذا ً فلنطمئن أ ّ‬
‫علم ٍ لرسول الله صلى الله عليه وسّلم‪.‬‬
‫جمع علم عائشة إلى علم جميع أمهات‬ ‫قال المام الُزهري ‪ " :‬لو ُ‬
‫المؤمنين ‪ ،‬وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل " ‪.‬‬
‫والحقيقة أن الشيء الذي يدهش العقول ‪ ،‬أو الشيء الذي يلفت‬
‫النظر أن تكون المرأة على درجة عالية جدا ً من الفهم والعلم‬
‫ل‬‫والفقه ‪ ،‬فالمرأة عند الناس امرأة ‪ ،‬لكن المرأة التي تتمّتع بعق ٍ‬
‫ظ شديد ؛ هذه امرأةٌ‬ ‫ك عميق ‪ ،‬وفهم ٍ دقيق ‪ ،‬وحف ٍ‬ ‫راجح ‪ ،‬وإدرا ٍ‬
‫ة لن تكون زوجة لرسول الله صلى الله‬ ‫نادرة ٌ جدا ً ‪ ،‬وامرأة ٌ مؤ ّ‬
‫هل ٌ‬
‫عليه وسّلم ‪.‬‬
‫عطاء بن أبي رباح يقول ‪ " :‬كانت عائشة أفقه الناس ‪ ،‬وأعلم‬
‫الناس ‪ ،‬وأحسن الناس رأيا ً في العامة " ‪.‬‬
‫مَتع الحياة أن تعيش مع الذكي ‪ ،‬ومن البلء الشديد‬ ‫من ُ‬ ‫والحقيقة ِ‬
‫أن تعيش مع المحدود ـ محدود التفكير ـ تكاد تخرج من جلدك ‪،‬‬
‫سمعتم مرة ً مني أن المام أبا حنيفة رضي الله عنه بينما كان‬
‫يلقي درسا ً على إخوانه حول صلة الفجر ‪ ،‬وفيما قرأت كانت‬
‫مباسطة‪ ،‬ليس هناك كلفة ‪،‬‬ ‫رجله تؤلمه ‪ ،‬وبينه وبين تلميذه ُ‬
‫ولعذرٍ فيه كان يمد رجله ‪ ،‬وتعلمون أن النبي عليه الصلة‬
‫والسلم ما رؤي مادا ً رجليه قط بين أصحابه ـ أما إذا وجد عذر‬
‫ن ـ دخل رجل طويل القامة ‪ ،‬عريض المنكبين ‪،‬‬ ‫فموضوع ثا ٍ‬
‫ة ‪ ،‬وجلس في مجلس هذا المام‬ ‫جب ً‬
‫ةو ُ‬‫حسن الهيئة ‪ ،‬يرتدي عمام ً‬
‫العظيم ‪.‬‬
‫فأبو حنيفة رضي الله عنه ظّنه عالما ً كبيرا ً ‪ ،‬فاستحيا منه ورفع‬
‫رجله ‪ ،‬أي أن بينه وبين إخوانه ليس هناك تكليف ‪ ،‬أما هذا‬
‫فضيف غريب لعّله ينتقده ‪ ،‬فلما انتهى الدرس سأله هذا الرجل‪:‬‬
‫يا إمام كيف نصلي الصبح إذا طلعت الشمس قبل الفجر ؟ فقال‬
‫له ‪ " :‬عندئذ ٍ يمد أبو حنيفة رجله "‪.‬‬

‫‪289‬‬
‫فأن يعيش النسان مع شخص محدود التفكير يخرج من جلده‬
‫أحيانا ً ‪ ،‬والحقيقة من سعادة النسان أن يكون الذين حوله في‬
‫مستواه ‪ ،‬يفهمون عليه‪.‬‬
‫لذلك فأنا أرى أن من إكرام الله لرسول الله أنه قّيض له‬
‫ل من الفطنة‪ ،‬والوفاء ‪ ،‬والذكاء ‪،‬‬ ‫أصحابًاعلى مستوى عا ٍ‬
‫حب ‪ ،‬والتضحية ‪ ،‬والخلص ‪ ،‬وكّلما ارتقى مقامك عند الله هّيأ‬ ‫وال ُ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫الله لك أناسا قريبين منك ‪ ،‬كلما ارتقى مقامك عند الله هّيأ الله‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫درون ما‬ ‫لك أناسا ً يفهمون عليك ‪ ،‬يفهمون عليك بالشارة ‪ ،‬يق ّ‬
‫أنت فيه ‪ ،‬يعرفون قدرك حق المعرفة ‪ ،‬يعرفون أهدافك النبيلة ‪.‬‬
‫من حوله ل يعرفون قيمته ول‬ ‫وإذا غضب الله على عبد ٍ جعل َ‬
‫فضله‪ ،‬لذلك ورد في الثر ‪:‬‬
‫جهال‬ ‫" أكرموا عزيز قوم ٍ زل ‪ ،‬وغنيا ً افتقر ‪ ،‬وعالما ً ضاع بين ال ُ‬
‫"‪.‬‬
‫كانت عائشة أفقه الناس ‪ ،‬وأعلم الناس ‪ ،‬وأحسن الناس رأيا ً ‪،‬‬
‫وقال أبو موسى الشعري ‪" :‬ما أشكل علينا أمٌر فسألنا عنه‬
‫عائشة ‪ ،‬إل وجدنا عندها فيه علما ً " ‪.‬‬
‫وقال مسروق ‪ " :‬رأيت مشيخة أصحاب رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسّلم الكابر يسألونها عن الفرائض " ‪.‬‬
‫ب ول بشعرٍ من‬ ‫وقال عروة ‪ " :‬ما رأيت أحدا ً أعلم بفقهٍ ول ط ٍ‬
‫عائشة " ‪.‬‬
‫وقال أبو الزناد ‪ " :‬ما كان ينزل بها شيٌء إل أنشدت فيه شعرا ً‬
‫"‪.‬‬
‫شاعرة ‪ ،‬ذات حافظة عالية جدا ً ‪ ،‬ذكية ‪ ،‬فطنة ‪ ،‬تنقل عن رسول‬
‫الله أكثر من ألفي حديث‪.‬‬
‫***‬
‫أيها الخوة ‪ ...‬أردت من هذه المقدمة أن تعلموا أن عائشة أم‬
‫المؤمنين ‪ ،‬اختارها الله عّز وجل لنبّيه الكريم ‪ ،‬لتكون زوجته‬
‫ة عنه ‪.‬‬‫وأمينة سّره وراوي ً‬
‫كلكم يعلم أن النبي عليه الصلة والسلم عقد عليها وهو في مكة‬
‫قبل الهجرة ‪ ،‬ثم هاجر عليه الصلة والسلم إلى المدينة ‪،‬‬
‫واستقبله النصار ‪ ،‬وهم محيطون به ‪ ،‬متقّلدي سيوفهم ‪ ،‬وهنا‬
‫وله إليهم‬ ‫دث ول حرج عن سرور أهل المدينة ‪ ،‬فكان يوم تح ّ‬ ‫ح ّ‬
‫يوما ً سعيدا ً ‪ ،‬لم يَرْوا فرحين فرحهم برسول الله صلى الله عليه‬
‫وسّلم ‪.‬‬
‫فكلكم تحضرون عقود قران ‪ ،‬وموالد بمناسبة ذكرى مولد‬
‫الرسول عليه الصلة والسلم ‪ ،‬ونشيد طلع البدر علينا يمكن أل‬

‫‪290‬‬
‫يكون واحد من الخوة الحاضرين إّل سمعه مئات المّرات إن لم‬
‫نقل أكثر ‪.‬‬
‫والعبد الفقير لما كنت في المدينة المنورة في إحدى الُعمرات ‪،‬‬
‫وقفت قبالة مسجد ِقباء ‪ ،‬فهناك ميدان في وسطه ُنصب تذكاري‬
‫‪ ،‬مكتوب عليه بكرة جميلة طلع البدر علينا ‪ ،‬أيْ في هذا المكان ـ‬
‫في مكان مسجد قباء ‪ ،‬وقباء في ظاهر المدينة ـ خرج النصار‬
‫من المدينة ‪ ،‬ليستقبلوا رسول الله صلى الله عليه وسّلم ‪ ،‬وفي‬
‫هذا المكان بالذات أنشدوا ‪ :‬طلع البدر علينا ‪ .‬والله أيها الخوة‬
‫كأنني أسمع هذا النشيد لول مرة ‪ ،‬وله وقعٌ في هذا المكان ل‬
‫يوصف ‪ ،‬في المكان الذي وقف فيه النصار ينتظرون النبي عليه‬
‫الصلة والسلم ‪ ،‬وحينما أطل عليهم قالوا ‪:‬‬
‫طلع البدر علينا من ثنّيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله‬
‫داع‬
‫مطاع‬ ‫أيها المبعوث فينا جئت بالمر ال ُ‬
‫***‬
‫وفي الصحيحين عن أبي بكرٍ رضي الله عنه في حديث الهجرة ‪،‬‬
‫قال ‪ " :‬وخرج الناس حين قدمنا المدينة في الطرق وعلى‬
‫البيوت ‪ ،‬والِغلمان والخدم يقولون ‪ :‬الله أكبر جاء رسول الله‪،‬‬
‫الله أكبر جاء محمد ‪ ،‬الله أكبر جاء رسول الله ‪ ،‬وكان النصار قد‬
‫اجتمعوا فمشوا حول ناقته صلى الله عليه وسّلم ‪ ،‬ل يزال أحدهم‬
‫حا ً على كرامة رسول الله صلى الله‬ ‫ينازع صاحبه زمام الناقة ُ‬
‫ش ّ‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وتعظيما ً له ‪ ،‬وكّلما مّر بدارٍ من دور النصار دعوه‬
‫إلى المنزل ‪ ،‬فيقول عليه الصلة والسلم ‪:‬‬
‫" دعوها فإنها مأمورة فإنما أنزل حيث أنزلني الله " ‪.‬‬
‫) من كشف الخفاء ‪ :‬عن " ابن الزبير " (‬
‫إخواننا الكرام ‪ ...‬كان عليه الصلة والسلم حكيما ً إلى درج ٍ‬
‫ة‬
‫كبيرة جدا ً ‪ ،‬لنه لو اختـار البيت بنفسه لكان ‪ ،‬كل إنسان لم يختر‬
‫بيته ليكون ُنزل ً لرسول الله يتأّلم ‪ ،‬لذلك ترك المر لله عّز‬
‫وجل ‪ ،‬قال ‪ " :‬دعوها فإنها مأمورة "‪ .‬حتى يطّيب قلب أصحابه‬
‫جميعا ً فما اختار هو البيت ‪ ،‬بل قال "دعوها فإنها مأمورة " ‪،‬‬
‫ونزلت في بيت أبي أيوب النصاري رضي الله عنه ‪.‬‬
‫ولقد كنت في تركيا قبل سنة تقريبا ً ‪ ،‬وصّليت الجمعة في مسجد‬
‫أبي أيوب النصاري في مدينة استنبول ‪ ،‬هذا الصحابي الجليل‬
‫ور‬
‫أين مات ؟ مات في أقصى الشمال ‪ ،‬وله مسجد ٌ والله من ّ‬
‫تشعر فيه بروحانية عجيبة‪ ،‬فلما انتهت الصلة زرت مقام هذا‬
‫الصحابي الجليل وقرأت الفاتحة ‪ ،‬وتأثرت تأثرا ً كبيرا ً ‪ ،‬ولكن‬
‫الذي أدهشني أن كل زّوار المقام حينما يخرجون من هذا المقام‬

‫‪291‬‬
‫دبا ً معه ‪ ،‬فهذا‬‫ل يديرون ظهورهم إليه ‪ ،‬يرجعون القهقرى تأ ّ‬
‫مضيف النبي عليه‬ ‫الصحابي الجليل الذي أكرمه الله بأن يكون ُ‬
‫ة جدا ً ‪.‬‬
‫ص رائع ٌ‬‫الصلة والسلم ‪ ،‬له قص ٌ‬
‫فهو لم يستطع أن ينام في الدور الذي فوق رسول الله ‪ ،‬فبيته‬
‫طابقان‪ ،‬والنبي عليه الصلة والسلم رأى في الطابق الرضي‬
‫أسهل لزّواره ومن يأتيه ‪ ،‬وسمح لبي أيوب أن ينام في الطابق‬
‫العلوي ‪ ،‬من شدة أدب هذا الصحابي الجليل لم يستطع أن ينام‬
‫ج شديد ‪ ،‬ومرةً‬ ‫في الطابق الذي فوق رسول الله ‪ ،‬وكان في حر ٍ‬
‫قدر الماء انكسر ‪ ،‬فخاف أن ينزل على النبي قطرة ُ ماء ‪ ،‬فجاء‬
‫باللحاف الذي ل يملك غيره في الشتاء ‪ ،‬فوضعه فوق الماء ‪ ،‬كي‬
‫يمنع نزول الماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬هذا هو‬
‫الصحابي الجليل أبو أيوب النصاري الذي حظي بضيافة رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسّلم ‪.‬‬
‫ولما استقر عليه الصلة والسلم في المدينة ‪ ،‬أين كانت‬
‫عائشة ؟ كانت في مكة ‪ ،‬ولما يدخل بها رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪.‬‬
‫يجب أن نعلم أيها الخوة علما ً دقيقا ً ‪ ،‬أن العقد على عائشة سبق‬
‫ق‬
‫الدخول بسنوات ‪ ،‬فإذا قلنا صغيرة ‪ ،‬وبينها وبين النبي فر ٌ‬
‫كبير ‪ ،‬فإن العقد شيء والدخول شيٌء آخر ‪ ،‬عقد عليها بمكة ‪،‬‬
‫ولم يدخل بها إل في المدينة ‪ ،‬ولما استقر عليه الصلة والسلم‬
‫بالمدينة ‪ ،‬أرسل زيد بن حارثة وأبا رافع إلى مكة ليأتيا بمن خّلف‬
‫من أهله ‪ ،‬وأرسل معهما عبد الله بن أريقط يدلهما على الطريق‬
‫جه‪ ،‬وأم أيمن‬ ‫‪ ،‬فقدما بفاطمة وأم كلثوم ابنتيه ‪ ،‬وسودة زو ِ‬
‫حاضنته في صغره ‪ ،‬وابنها أسامة بن زيد ‪ ،‬وأما زينب فمنعها‬
‫زوجها أبو العاص بن الربيع ‪ ،‬وخرج مع الجميع عبد الله بن أبي‬
‫بكر بأم عائشة زوج أبيه ‪ ،‬وأختيه عائشة وأسماء زوج الزبير بن‬
‫العوام ‪ ،‬وكانت حامل ً بابنها عبد الله بن الزبير ‪ ،‬وهو أول مولود‬
‫عبيد الله ‪.‬‬‫للمهاجرين في المدينة ‪ ،‬وصحبهم من مكة طلحة بن ُ‬
‫وبعد أن استقر النبي بالمدينة ‪ ،‬وانتهى ضجيج الهجرة ‪ ،‬وانتهت‬
‫المطاردة ‪ ،‬أرسل هؤلء الصحابة ليأتوا بأهله ؛ أتوا بفاطمة ‪ ،‬وأم‬
‫كلثوم ‪ ،‬وسودة ‪ ،‬وأم أيمن ‪ ،‬وابنها أسامة بن زيد ‪ ،‬أما زينب‬
‫فمنعها زوجها من الهجرة ‪.‬‬
‫والنبي عليه الصلة والسلم يهّيئ الدور لزوجته سودة ولزوجته‬
‫عائشة ليستقبل فيها أهله ‪.‬‬
‫وفي أيامنا هذه تجد شخصا ً عاديا ً جدا ً يسألك عن مكان سكنى‬
‫ة صغيرة ٌ جدا ً ملحق ٌ‬
‫ة‬ ‫ابنته المخطوبة ‪ ،‬أين ستسكنها ؟ ‪ .‬غرف ٌ‬
‫بالمسجد هذه الغرفة بيت عائشة ‪ ،‬وهو رسول الله صلى الله‬

‫‪292‬‬
‫عليه وسّلم‪ ،‬وكانت هذه الغرفة الصغيرة التي ل تتسع لصلته‬
‫ونوم زوجته معا ً ‪ ،‬إما أن يصلي فتنزاح جانبا ً ‪ ،‬وإما أن يناما معا ً ‪،‬‬
‫أما أن يصلي هو وتنام هي فالغرفة ل تتسع لهما ‪ ،‬هذا بيت‬
‫رسول الله ‪.‬‬
‫طبعا ً حينما حضر أهل النبي عليه الصلة والسلم من مكة إلى‬
‫المدينة ؛ ابنته فاطمة ‪ ،‬وأم كلثوم ‪ ،‬وزوجته عائشة وأمها ‪ ،‬ومن‬
‫ن فهذا الشيء يبعث في النفس السرور طبعا ً ‪ ،‬لن ورد‬ ‫يصبحه ّ‬
‫عن النبي عليه الصلة والسلم ‪:‬‬
‫" المرء حيث أهله والمرء حيث رحله " ‪.‬‬
‫وصلت هذه السيدة الجليلة إلى المدينة مع أمها أم رومان ‪،‬‬
‫وأختها أسماء ‪ ،‬وأخيها عبد الله‪ ،‬واستقروا في دار الوالد الصديق‬
‫ض أشهر معدودات ـ بعد أشهر معدودة ـ‬ ‫رضي الله عنه‪ ،‬ولم تم ِ‬
‫حتى تكّلم الصديق رضي الله عنه إلى النبي عليه الصلة والسلم‬
‫في إتمام الزواج الذي عقده بمكة ‪.‬‬
‫فالنبي عقد بمكة قبل سنوات من الهجرة ‪ ،‬وبعد الهجرة بأمد‬
‫طويل استقدم أهله ‪ ،‬وبعد هذا الستقدام بقيت في بيت أبيها ‪،‬‬
‫فلما كّلم الصديق رسول الله في شأن إتمام الزواج ‪ ،‬سارع‬
‫النبي عليه الصلة والسلم ‪ ،‬وسارعت نساء النصار إلى منزل‬
‫الصديق لتهيئة هذه العروس الشاّبة لرسول الله صلى الله عليه‬
‫وسّلم ‪.‬‬
‫أجمل موقف وقفته أم السيدة عائشة رضي الله عنها ‪ ،‬حينما‬
‫دخلت على النبي صلى الله عليه وسّلم ‪ ،‬ومعها ابنتها العروس‬
‫هيئت له ‪ ،‬دخلت على النبي صلى الله‬ ‫السيدة عائشة بعد أن ُ‬
‫عليه وسلم وهو في دار أبي بكر وقالت ‪ " :‬يا رسول الله هؤلء‬
‫أهلك ‪ ،‬بارك الله لك فيهن وبارك لهن فيك " ‪ .‬وهذا أجمل دعاٍء‬
‫قران ‪ " :‬بارك الله لك فيها وبارك لها فيك " ‪.‬‬ ‫ُيلقى في عقود ال ِ‬
‫والزواج المبارك هو الذي يكون مبنيا ً على طاعة الله ‪ ،‬وعلى‬
‫تطبيق منهج رسول الله ‪ ،‬والله عّز وجل يلقي الحب بين‬
‫دة ‪ ،‬وينجب من هذين الزوجين الذّرية‬ ‫الزوجين ‪ ،‬واللفة والمو ّ‬
‫الطيبة الصالحة ‪ ،‬فالزواج شيء جميل جدا ً ‪ ،‬والزواج له ثمرة ؛‬
‫وثمرته أولد أبرار ‪ ،‬والنسان حينما يموت ينقطع عمله ‪ ،‬أما إن‬
‫كان له ولد صالح ‪ ،‬فهذا الولد الصالح ينفع الناس من بعده ‪ ،‬وكل‬
‫أعماله في صحيفة أبيه ‪.‬‬
‫ب علم ٍ‬‫ن طال ُ‬
‫البارحة زارني صديقان ‪ ،‬أحد الصديقين له اب ٌ‬
‫شرعي ‪ ،‬متفّتح ‪ ،‬يدعو إلى الله عّز وجل ‪ ،‬فقلت له ‪ :‬إن هذا‬
‫البن أثمن شيٍء في الدنيا بالنسبة لبيه ‪.‬‬

‫‪293‬‬
‫***‬
‫ر‬
‫أيها الخوة ‪ ...‬وتنقضي ليلة الزفاف المباركة في دار أبي بك ٍ‬
‫ول النبي عليه الصلة والسلم بأهله إلى‬ ‫رضي الله عنه ‪ ،‬ثم يتح ّ‬
‫حجرات التي‬ ‫البيت الجديد ‪ ،‬ما كان هذا البيت سوى حجرةٍ من ال ُ‬
‫شّيدت حول مسجد رسول الله صلى الله عليه وسّلم ‪ ،‬من اللبن‬ ‫ُ‬
‫ش ‪ ،‬وبعض‬ ‫وسعف النخيل ‪ ،‬وقد ُفرش بحصير ‪ ،‬ووضع فيه فرا ٌ‬
‫ل بيت رسول‬ ‫ن بسيطة للشراب والطعام ‪ ،‬وهذا ك ّ‬ ‫ملحقاته ‪ ،‬وأوا ٍ‬
‫الله ‪.‬‬
‫غرفة سقفها من سعف النخيل ‪ ،‬جدرانها من اللبن ‪ ،‬فيها‬
‫فراش ‪ ،‬وفيها بعض الدوات البسيطة جدا ً ‪ ،‬وفي هذا البيت‬
‫المتواضع بدأت حياة العروس الكريمة عائشة رضي الله عنها ‪،‬‬
‫وبدأت الحياة الزوجية الحافلة بالمكُرمات والخيرات ‪ ،‬مكُرمات‬
‫النبوة وخيرات الرسالة ‪.‬‬
‫ة جدا ً لكن ل سعادة فيها ‪ ،‬وهناك‬ ‫وأنا أعلم أن هناك بيوتا ً فخم ً‬
‫بيوت متواضعة جدا ً فيها سعادة زوجية تامة ‪ ،‬السعادة الزوجية‬
‫أساسها طاعة الله ‪ ،‬والشقاء الزوجي أساسه معصية الله عّز‬
‫وجل ‪.‬هذه العروس الصغيرة على صغر سنها إل أنها احتّلت‬
‫مكانها المرموق في بيت النبوة ‪ ،‬وحياة رسول الله ‪ ،‬وتاريخ‬
‫الدعوة ‪ ،‬والتاريخ السلمي ‪.‬‬
‫الحقيقة التي ل ريب فيها أنه ُيشهد لهذه الزوجة أنها كانت في‬
‫أعلى مستوى من العلـم ‪ ،‬والمعرفة في شؤون الدين ‪ ،‬وعلى‬
‫ب عظيم من الدراية لسرار الحكام الشرعية ‪ ،‬ولها منزلة‬ ‫جان ٍ‬
‫رفيعة من التقوى والورع ‪ ،‬بالضافة إلى معرفتها بالمور‬
‫الجتماعّية والسياسية ‪ ،‬لذلك فاعلم أخي الكريم ‪:‬‬
‫" الدنيا كلها متاع ‪ ،‬وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة " ‪.‬‬
‫) من الجامع الصغير ‪ :‬عن " ابن عمرو " (‬
‫التي ‪..‬‬
‫" إذا نظرت إليها سرتك ‪ ،‬وإذا غبت عنها حفظتك ‪ ،‬وإذا أمرتها‬
‫أطاعتك"‪.‬‬
‫) من الجامع الصغير ‪ :‬عن " عبد الله بن سلم " (‬
‫وحينما قال الله عز وجل ‪:‬‬
‫ب الّنارِ ((‬
‫ذا َ‬‫ة وَقَِنا ع َ َ‬
‫سن َ ً‬
‫ح َ‬ ‫ة وَِفي اْل ِ‬
‫خَرةِ َ‬ ‫سن َ ً‬‫ح َ‬
‫)) َرب َّنا آت َِنا ِفي الد ّن َْيا َ‬
‫) سورة البقرة (‬
‫قال العلماء ‪ " :‬حسنة الدنيا هي المرأة الصالحة " ‪.‬‬
‫وأنا أرجو الله سبحانه وتعالى لكل إخوتنا الشباب ‪ ،‬الذين لم‬
‫يقدموا على الزواج بعد ‪ ،‬فماذا يمنعهم أن يكون دعاؤهم لله عّز‬
‫م ارزقنا زوجة صالحة ‪ .‬الزوجة الصالحة أحد أسباب‬ ‫وجل ‪ :‬الله ّ‬

‫‪294‬‬
‫النجاح في الحياة ‪ ،‬فحينما تطلب امرأة صالحة ‪ ،‬تتوافر فيها‬
‫الشروط ‪ ،‬تكون قد حققت أحد جوانب السعادة في حياتك‬
‫الدنيا ‪.‬‬
‫س آخر إن شاء الله ننتقل إلى هذه الزوجة الطاهرة مع‬ ‫في در ٍ‬
‫ضّراتها ـ نساء النبي ـ عليهن جميعا ً رضوان الله عّز وجل ‪ ،‬وكيف‬
‫أن الحياة الزوجية جزٌء من حياة النسان الطيبة ‪..‬‬
‫َ ُ‬
‫حَياةً‬
‫ه َ‬
‫حي ِي َن ّ ُ‬‫ن فَل َن ُ ْ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ٌ‬ ‫ن ذ َك َرٍ أوْ أن َْثى وَهُوَ ُ‬‫م ْ‬‫حا ِ‬‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫)) َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ((‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫س ِ‬‫ح َ‬‫م ب ِأ ْ‬‫جَرهُ ْ‬
‫مأ ْ‬ ‫ة وَل َن َ ْ‬
‫جزِي َن ّهُ ْ‬ ‫ط َي ّب َ ً‬
‫) سورة النحل ‪ :‬من آية " ‪( " 97‬‬
‫والمرأة الصالحة جزٌء من الحياة الطيبة ‪.‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‬
‫=============‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم مذنب كما فى القرآن‬
‫الرد على شبهة أن محمد صلى الله عليه وسلم مذنب كما فى‬
‫القرآن ‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫أخذوها من فهمهم الخاطئ فى مفتتح سورة " الفتح "‪) :‬ليغفر‬
‫لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك‬
‫ما( )‪ .(1‬فقالوا‪ :‬كتاب محمد يعترف عليه ويصفه‬ ‫طا مستقي ً‬ ‫صرا ً‬
‫بأنه مذنب !!‬
‫وسيرة محمد سيد الخلق وخاتم النبياء صلى الله عليه وسلم‬
‫كتاب كبير مفتوح استوفى فيه ك ُّتاب سيرته كل شىء فى حياته‪.‬‬
‫فى صحوه ونومه وفى حربه وسلمه ‪ ،‬وفى عبادته وصلواته ‪ ،‬فى‬
‫حياته مع الناس بل وفى حياته بين أهله فى بيته‪.‬‬
‫ليس هذا فحسب بل إن صحابته حين كانوا يروون عنه حديًثا أو‬
‫فا بالغ الدقة‬ ‫يذكرون له عمل ً يصفونه صلى الله عليه وسلم وص ً‬
‫وبالغ التحديد لكافة التفاصيل حتى ليقول أحدهم‪ :‬قال صلى الله‬
‫عليه وسلم كذا وكان متكئا ً فجلس ‪ ،‬أو قال كذا وقد امتل وجهه‬
‫بالسرور وهذا ما يمكن وصفه بلغة عصرنا‪ :‬إنه تسجيل دقيق‬
‫لحياته صلى الله عليه وسلم بالصوت والصورة‪..‬‬
‫ثم جاء القرآن الكريم فسجل له شمائله الكريمة فقال عنه‪ :‬إنه‬
‫الرحمة المهداة إلى عباد الله‪) :‬وما أرسلناك إل رحمة للعالمين(‬
‫)‪ .(2‬ووصفه بأنه الرؤوف الرحيم بمن أرسل إليهم‪):‬لقد جاءكم‬
‫رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين‬
‫رؤوف رحيم( )‪ .(3‬ثم لخص القرآن مجمل شمائله صلى الله‬
‫عليه وسلم فى قوله‪) :‬وإنك لعلى خلق عظيم( )‪.(4‬‬

‫‪295‬‬
‫أكثر من هذا أن تكفل القرآن بإذاعة حتى ما هو من خلجات‬
‫الرسول وحديث نفسه الذى بينه وبين الله مما ل يطلع الناس‬
‫عليه على نحو ما جاء فى سورة الحزاب فى أمر الزواج بزينب‬
‫بنت جحش والذى كان القصد التشريعى فيه إبطال عادة التبنى‬
‫من قوله تعالى‪):‬وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس‬
‫والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكى ل‬
‫يكون على المؤمنين حرج فى أزواج أدعيائهم إذ قضوا منهن‬
‫وطًرا و كان أمر الله مفعو ً‬
‫ل( )‪.(5‬‬
‫أقول‪ :‬مع أن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم هى كتاب مفتوح‬
‫لم يخف التاريخ منه شيئا ً بل وتدخل القرآن ليكشف حتى ما‬
‫يحدث به نفسه صلى الله عليه وسلم مما ل يطلع عليه الناس ‪،‬‬
‫ة ول ذنًبا فى قول أو عمل‪.‬‬ ‫ولم يذكر له صلى الله عليه وسلم ذل ً‬
‫أفبعد هذا ل يتورع ظالموه من أن يقولوا أنه " مذنب " ؟ !!!‬
‫ولو كان هؤلء الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم على‬
‫شىء من سلمة النظر وصفاء القلوب لنتبهوا إلى بقية سورة‬
‫الفتح ‪ ،‬والتى كانت كلها تثبيتا ً للمؤمنين وللرسول وتبشيًرا لهم‬
‫بالتأييد والنصر‪ ..‬لو كان محمد صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كما‬
‫ادعيتم – من المذنبين والعاصين لكان من المستحيل أن يجعله‬
‫الله تعالى ممن يؤيدهم بنوره ويتم عليهم نعمته ويهديهم صراطاً‬
‫مستقيما ً ؛ لن النصر يكون للصالحين ل للمذنبين‪.‬‬
‫ونقف أمام الذنب فى منطوق الية‪):‬ليغفر لك الله ما تقدم من‬
‫ذنبك وما تأخر )فالذنب هنا ليس مما تعارف عليه الناس من‬
‫الخطأ والثام ؛ لن سنة الله تبارك وتعالى هى عصمة جميع‬
‫أنبيائه وفى قمتهم خاتمهم صلى الله عليه وسلم‪ .‬وهذا مما‬
‫يعرفه ويقره ويقرره أتباع كل الرسالت إل قتلة النبياء ومحّرفى‬
‫الكلم عن مواضعه من اليهود الذين خاضوا فى رسل الله وأنبيائه‬
‫بما هو معروف‪.‬‬
‫فالذنب هو ما يمكن اعتباره ذنبا ً على مستوى مقام نبوته صلى‬
‫الله عليه وسلم ذنًبا مما تقدره الحكمة اللهية ـ ل ما تحدده‬
‫أعراف الناس‪.‬‬
‫ومع هذا كله فإن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم قبل البعثة‬
‫كانت محل تقدير قومه وإكبارهم له لما اشتهر به صلى الله عليه‬
‫وسلم من العفة والطهر والتميز عن جميع أترابه من الشباب‬
‫حتى كان معروًفا بينهم بالصادق المين‪.‬‬
‫أفبعد هذا ل يستحى الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم‬
‫والحاقدون عليه من أهل الكتاب أن يقولوا‪ :‬إنه مذنب ؟!!‬
‫)كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إل كذبا( )‪. (6‬‬

‫‪296‬‬
‫)‪ (1‬الفتح‪.2 :‬‬
‫)‪ (2‬النبياء ‪.117‬‬
‫)‪ (3‬التوبة‪.128 :‬‬
‫)‪ (4‬القلم‪.5 :‬‬
‫)‪ (5‬الحزاب‪.37 :‬‬
‫)‪ (6‬الكهف‪.5 :‬‬
‫==================‬
‫تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫يحاول الحاقدون على السلم من النصارى أن يثيروا الشبهات‬
‫في زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمهات المؤمنين‪،‬‬
‫فكيف ندحض هذه الشبهة ونلقم أصحابها الحجارة في حلوقهم؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫نقول لهؤلء النصارى ‪:‬‬
‫إنكم تزعمون أن تعدد الزوجات عيب يخل بمقام النبوة ‪ ،‬وبديهي‬
‫أن الزنا الصريح أشد عيبا ً وفظاعة من تعدد الزوجات ) على‬
‫فرض أن الزواج عيب ( ‪ .‬وأن الزنا بإمرأة القائد المخلص وقتله‬
‫للستيلء على إمرأته أشد فظاعة ونكرا ً من الزنا العادي ‪ .‬وأن‬
‫الزنا بالبنات والمحارم أشد فظاعة وجرما ً من الزنا بإمرأة القائد‬
‫وأن خيانة الله سبحانه وخداعه في أمر الرسالة أشد جرما ً من‬
‫الزنا في ذاته ‪ ،‬وهذه المور كلها قد ذكرها كتابكم المقدس‬
‫ة وألصقها بالنبياء الكرام الذي عبرعنهم كتابكم المقدس‬ ‫صراح ً‬
‫بأنهم أولد الله البكار ! وأنتم مع ذلك تؤمنون بكتابكم المقدس‬
‫وتؤمنون بأن هؤلء النبياء الذين ارتكبوا هذه الجرائم والموبقات‬
‫من كبار النبياء‪ ،‬وتؤمنون أيضا ً أن ارتكاب النبياء لهذه الخطايا‬
‫والجرائم ليس فيه اسقاط لنبوتهم ‪.‬‬
‫على أن تعدد الزواج قد وجد في النبياء العظام كإبراهيم وداود‬
‫ويعقوب وسليمان وغيرهم كما نص بذلك كتابكم المقدس‬
‫وبالتالي كيف يصح لعاقل منكم قرأ كتابه المقدس أن يعيب‬
‫ويطعن على محمد صلى الله عليه وسلم الذي جمع بين عدد من‬
‫النساء ؟!‬
‫أل يعلم المبشرون أن طعنهم على كتاب الله ونبي الله بهذه‬
‫الحالة هو في الحقيقة طعن على كتابهم المقدس ؟! لن البداهة‬
‫تقضي بأن يقول الناس إذا كان تعدد الزواج عيبا ً ينافي النبوة‬
‫فالزنا الصريح والشرك والخيانة التي اثبتها كتابكم المقدس في‬
‫حق نبي الله داود وسليمان الحكيم تنافي النبوة من باب أولى‬
‫ومع هذا فل يمكن للمبشرين أن يسقطوا ويطعنوا في نبوة هؤلء‬
‫النبياء ‪...‬‬

‫‪297‬‬
‫أيها السائل الكريم ‪:‬‬
‫لقد درج أعداء السلم منذ القديم على التشكيك في نبي السلم‬
‫والطعن في رسالته والنيل من كرامته‪ ،‬ينتحلون الكاذيب‬
‫والباطيل ليشككوا المؤمنين في دينهم‪ ،‬ويبعدوا الناس عن‬
‫اليمان برسالته صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ول عجب أن نسمع مثل‬
‫هذا البهتان والفتراء والتضليل في حق النبياء والمرسلين‪ ،‬فتلك‬
‫ل‪ ،‬وصدق الله حيث‬ ‫سنة الله في خلقه‪ ،‬ولن تجد لسنة الله تبدي ً‬
‫ك‬ ‫فى ب َِرب ّ َ‬ ‫ن وَك َ َ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫ى ع َد ُوّا ً ّ‬ ‫جعَل َْنا ل ِك ُ ّ‬
‫ل ن َب ِ ّ‬ ‫ك َ‬ ‫يقول‪} :‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫صيرًا{ ]الفرقان‪.[31 :‬‬ ‫هاِديا ً وَن َ ِ‬
‫َ‬
‫وقبل أن نتحدث عن أمهات المؤمنين الطاهرات وحكمة الزواج‬
‫ب أن نرد على شبهة سقيمة طالما أثارها كثير من‬ ‫بهن نح ّ‬
‫العداء من الصليبيين الحاقدين والغربيين المتعصبين‪.‬‬
‫رددوها كثيًرا ليفسدوا بها العقائد ويطمسوا بها الحقائق ولينالوا‬
‫من صاحب الرسالة العظمى محمد بن عبد الله صلوات الله‬
‫وسلمه عليه إنهم يقولون‪ " :‬لقد كان محمد رجل ً شهوانًيا يسير‬
‫وراء شهواته وملذاته ويمشي مع هواه‪ ،‬لم يكتف بزوجة واحدة أو‬
‫دد الزوجات فتزوج عشر نسوة‬ ‫بأربع كما أوجب على أتباعه‪ ،‬بل ع ّ‬
‫أو يزيد سيًرا مع الشهوة وميل ً مع الهوى"‪.‬‬
‫ضا‪" :‬فرق كبير وعظيم بين عيسى وبين محمد‪،‬‬ ‫كما يقولون أي ً‬
‫فرق بين من يغالب هواه ويجاهد نفسه كعيسى بن مريم وبين‬
‫ة‬ ‫م ً‬ ‫ت ك َل ِ َ‬‫من يسير مع هواه ويجري وراء شهواته كمحمد"‪} ،‬ك َب َُر ْ‬
‫خرج م َ‬
‫ن إ ِل ّ ك َذ ًِبا{ ]الكهف‪.[5 :‬‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م ِإن ي َ ُ‬ ‫واه ِهِ ْ‬ ‫ن أفْ َ‬ ‫تَ ْ ُ ُ ِ ْ‬
‫قا إنهم لحاقدون كاذبون فما كان محمد عليه الصلة والسلم‬ ‫ح ً‬
‫رجل ً شهوانًيا إنما كان نبًيا إنسانًيا تزوج كما يتزوج البشر‪ ،‬ليكون‬
‫قدوة لهم في سلوك الطريق السوي‪ ،‬وليس هو إلًها ول ابن إله‬
‫ضله الله‬ ‫كما يعتقد النصارى في نبيهم‪ ،‬إنما هو بشر مثلهم ف ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما أ َن َا ْ ب َ َ‬
‫ما‬
‫ى أن ّ َ‬ ‫حى إ ِل ّ‬ ‫م ُيو َ‬ ‫مث ْل ُك ُ ْ‬ ‫شٌر ّ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬‫عليهم بالوحي والرسالة‪} ،‬قُ ْ‬
‫د{ ]الكهف‪.[110 :‬‬ ‫ح ٌ‬‫ه َوا ِ‬ ‫م إ َِلـ ٌ‬
‫إ َِلـهُك ُ ْ‬
‫عا من الرسل حتى يخالف‬ ‫ولم يكن صلوات الله وسلمه عليه بد ً‬
‫سنتهم أو ينقض طريقتهم فالرسل الكرام قد حكى القرآن‬
‫الكريم عنهم بقول الله جل وعل‪} :‬ول َ َ َ‬
‫ك‬ ‫من قَب ْل ِ َ‬ ‫سل ً ّ‬ ‫سل َْنا ُر ُ‬ ‫قد ْ أْر َ‬ ‫َ‬
‫ة{ ]الرعد‪[38 :‬‬ ‫جا وَذ ُّري ّ ً‬ ‫وجعل ْنا ل َه َ‬
‫م أْزَوا ً‬ ‫َ َ َ َ ُ ْ‬
‫ذا يثيرون هذه الزوابع الهوج في حق خاتم النبيين عليه‬ ‫فعلم إ ً‬
‫الصلة والسلم؟ ولكن كما يقول القائل‪:‬‬
‫قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من‬
‫سقم‬

‫‪298‬‬
‫صـاُر وََلـ ِ‬ ‫َ‬
‫مى‬‫كن ت َعْ َ‬ ‫مى الب ْ َ‬‫وصدق الله حيث يقول‪} :‬فَإ ِن َّها ل َ ت َعْ َ‬
‫دوِر{ ]الحج‪[46 :‬‬ ‫ب ال ِّتى ِفى ال ّ‬
‫ص ُ‬ ‫قُلو ُ‬
‫ال ْ ُ‬
‫رد الشبهة‪:‬‬
‫إذا نظرنا إلى دعوة النبي عليه السلم‪ ،‬والى الدولة التي أقامها‬
‫وأسسها‪ ،‬وإلى ما صنعه هذا النبي العظيم في حياته‪ ،‬وإلى هذه‬
‫الدولة السلمية التي امتدت من الصين إلى المغرب‪ ،‬فبعد هذا‬
‫من الذي يقول إن هذا عمل رجل مشغول‪ ،‬وان الذي شغله‬
‫المرأة؟ ومن الذي تفرغ لعمل عظيم وبلغ فيه ما بلغ محمد عليه‬
‫السلم في مسعاه؟ فهل بعد هذا يقال أن النبي عليه السلم‬
‫شغلته المرأة ُ عن عمله‪ ،‬وأنه كان متعلق القلب بالنساء؟ فأي‬
‫افتراء هذا‪ ،‬وأي إفك وإفساد مثل هذا‪.‬‬
‫هناك نقطتان جوهريتان تدفعان الشبهة عن النبي الكريم‬
‫وتلقمان الحجر لكل مفتر أثيم يجب أل نغفل عنهما وأن نضعهما‬
‫نصب أعيننا حين نتحدث عن أمهات المؤمنين وعن حكمة تعدد‬
‫زوجاته الطاهرات رضوان الله عليهن أجمعين‪.‬‬
‫هاتان النقطتان هما‪:‬‬
‫ل‪ :‬لم يعدد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم زوجاته إل‬ ‫أو ً‬
‫بعد ان تجاوز من العمر الخمسين‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬جميع زوجاته الطاهرات ثيبات ـ أرامل ـ ما عدا السيدة‬
‫عائشة رضي الله عنها فهي بكر‪ ،‬وهي الوحيدة من بين نسائه‬
‫التي تزوجها صلى الله عليه وسلم وهي في حالة الصبا والبكارة‪،‬‬
‫ومن هاتين النقطتين ندرك بكل بساطة تفاهة هذه التهمة‬
‫وبطلن ذلك الدعاء الذي ألصقه به المستشرقون الحاقدون‪.‬‬
‫فلو كان المراد من الزواج الجري وراء الشهوة أو السير مع‬
‫الهوى أو مجرد الستمتاع بالنساء لتزوج في سن الشباب ل في‬
‫سن الشيخوخة‪ ،‬ولتزوج البكار الشابات ل الرامل المسنات‪،‬‬
‫وهو القائل لجابر بن عبد الله حين جاءه وعلى وجهه أثر التطيب‬
‫والنعمة‪)) :‬هل تزوجت؟(( قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪)) :‬بكًرا أم ثيًبا؟(( قال‪:‬‬
‫بل ثيًبا‪ ،‬فقال له صلوات الله عليه‪)) :‬فهل بكًرا تلعبها وتلعبك‬
‫وتضاحكها وتضاحكك((‪.‬‬
‫فالرسول الكريم أشار عليه بتزوج البكر وهو عليه السلم يعرف‬
‫طريق الستمتاع وسبيل الشهوة‪ ،‬فهل يعقل أن يتزوج الرامل‬
‫ويترك البكار ويتزوج في سن الشيخوخة ويترك سن الصبا إذا‬
‫كان غرضه الستمتاع والشهوة؟!‬
‫إن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يفدون رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم بمهجهم وأرواحهم‪ ،‬ولو أنه طلب الزواج لما تأخر أحد‬
‫منهم عن تزويجه بمن شاء من الفتيات البكار الجميلت‪ ،‬فلماذا‬

‫‪299‬‬
‫لم يعدد الزوجات في مقتبل العمر وريعان الشباب؟! ولماذا ترك‬
‫ول‬‫الزواج بالبكار وتزوج الثيبات؟! إن هذا بل شك يدفع كل تق ّ‬
‫وافتراء ويدحض كل شبهة وبهتان ويرد على كل أفاك أثيم يريد‬
‫وه سمعته‪ ،‬فما كان زواج‬ ‫أن ينال من قدسية الرسول أو يش ّ‬
‫الرسول بقصد الهوى أو الشهوة‪ ،‬وإنما كان لحكم جليلة وغايات‬
‫نبيلة وأهداف سامية سوف يقر العداء بنبلها وجللها إذا ما تركوا‬
‫كموا منطق العقل والوجدان‪ ،‬وسوف يجدون‬ ‫التعصب العمى وح ّ‬
‫في هذا الزواج المثل العلى في النسان الفاضل الكريم‬
‫والرسول النبي الرحيم‪ ،‬الذي يضحي براحته في سبيل مصلحة‬
‫غيره وفي سبيل مصلحة الدعوة والسلم‪.‬‬
‫إن الحكمة من تعدد زوجات الرسول كثيرة ومتشعبة ويمكننا أن‬
‫نجملها فيما يلي‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬الحكمة التعليمية‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬الحكمة التشريعية‪.‬‬
‫ثالًثا‪ :‬الحكمة الجتماعية‪.‬‬
‫رابًعا‪ :‬الحكمة السياسية‪.‬‬
‫ل‪ :‬الحكمة التعليمية‪:‬‬‫أو ً‬
‫لقد كانت الغاية الساسية من تعدد زوجات الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم هي تخريج بعض معلمات للنساء يعلمهن الحكام‬
‫الشرعية‪ ،‬فالنساء نصيف المجتمع‪ ،‬وقد فرض عليهن من‬
‫التكاليف ما فرض على الرجال‪.‬‬
‫وقد كان الكثيرات منهن يستحيين من سؤال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم عن بعض المور الشرعية وخاصة المتعلقة بهن‬
‫كأحكام الحيض والنفاس والجنابة والمور الزوجية وغيرها من‬
‫الحكام‪ ،‬وقد كانت المرأة تغالب حياءها حينما تريد أن تسأل‬
‫الرسول الكريم عن بعض هذه المسائل‪ ،‬كما كان من خلق‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم الحياء الكامل‪ ،‬وكان كما تروي‬
‫كتب السنة أشد حياًء من العذراء في خدرها‪ ،‬فما كان عليه‬
‫الصلة والسلم يستطيع أن يجيب عن كل سؤال يعرض عليه من‬
‫جهة النساء بالصراحة الكاملة بل كان يكني في بعض الحيان‬
‫ولربما لم تفهم المرأة عن طريق الكناية مراده عليه السلم‪.‬‬
‫تروي السيدة عائشة رضي الله عنها أن امرأة من النصار سألت‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض فعّلمها صلى‬
‫الله عليه وسلم كيف تغتسل ثم قال لها‪)) :‬خذي فرصة ممسكة ـ‬
‫أي قطعة من القطن بها أثر الطيب ـ فتطهري بها(( قالت‪ :‬كيف‬
‫أتطهر بها؟ قال‪)) :‬تطهري بها(( قالت‪ :‬كيف يا رسول الله أتطهر‬
‫بها؟ فقال لها‪)) :‬سبحان الله تطهري بها((‪ ،‬قالت السيدة عائشة‪:‬‬

‫‪300‬‬
‫فاجتذبتها من يدها فقلت‪ :‬ضعيها في مكان كذا وكذا وتتبعي بها‬
‫أثر الدم‪ .‬وصرحت لها بالمكان الذي تضعها فيه‪ ،‬فكان صلوات‬
‫الله عليه وسلم يستحي من مثل هذا التصريح‪.‬‬
‫ضا من النساء من تستطيع أن تتغلب على‬ ‫وهكذا كان القليل أي ً‬
‫نفسها وعلى حيائها فتجاهر النبي صلى الله عليه وسلم بالسؤال‬
‫عما يقع لها‪ ،‬نأخذ مثل ً لذلك حديث أم سلمة المروي في‬
‫سليم ـ زوج أبي طلحة ـ إلى‬ ‫الصحيحين وفيه تقول‪ :‬جاءت أم ُ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له‪ :‬يا رسول الله إن‬
‫الله ل يستحي من الحق‪ ،‬هل على المرأة من غسل إذا هي‬
‫احتلمت؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم‪)) :‬نعم إذا رأت‬
‫الماء(( فقالت أم سلمة‪ :‬لقد فضحت النساء‪ ،‬ويحك أو تحتلم‬
‫ذا فيم يشبهها الولد؟((‪.‬‬ ‫المرأة؟ فأجابها النبي الكريم بقوله‪)) :‬إ ً‬
‫مراده عليه السلم أن الجنين يتولد من ماء الرجل وماء المرأة‪،‬‬
‫خل َ ْ‬
‫قَنا‬ ‫ولهذا يأتي له شبه بأمه‪ ،‬وهكذا كما قال تعالى‪} :‬إ ِّنا َ‬
‫صيرًا{‬ ‫النسان من نط ْ َ َ‬
‫ميعا ً ب َ ِ‬
‫س ِ‬
‫ه َ‬‫جعَل َْنـ ُ‬
‫ج ن ّب ْت َِليهِ فَ َ‬ ‫م َ‬
‫شا ٍ‬ ‫فة ٍ أ ْ‬ ‫ِ ّ‬
‫]النسان‪ .[2 :‬قال ابن كثير رحمه الله‪" :‬أمشاج أي أخلط‬
‫والمشج والمشيج الشيء المختلط بعضه في بعض‪ ،‬قال ابن‬
‫عباس‪ :‬يعني ماء الرجل وماء المرأة‪ ،‬إذا اجتمعا واختلطا‪"...‬‬
‫وهكذا مثل هذه السئلة المحرجة‪ ،‬كان يتولى الجواب عنها فيما‬
‫بعد زوجاته الطاهرات‪ ،‬ولهذا تقول السيدة عائشة رضي الله‬
‫عنها‪) :‬رحم الله نساء النصار؛ ما منعهن الحياء أن يتفقهن في‬
‫الدين‪ ،‬وكانت المرأة منهن تأتي إلى السيدة عائشة في الظلم‬
‫لتسألها عن بعض أمور الدين‪ ،‬وعن أحكام الحيض والنفاس‬
‫والجنابة وغيرها من الحكام‪ ،‬فكان نساء الرسول خير معلمات‬
‫وموجهات لهن وعن طريقهن تفقه النساء في دين الله‪.‬‬
‫ثم إنه من المعلوم أن السنة المطهرة ليست قاصرة على قول‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فحسب‪ ،‬بل هي تشمل قوله وفعله‬
‫وتقريره‪ ،‬وكل هذا من التشريع الذي يجب على المة اتباعه‪،‬‬
‫فمن ينقل لنا أخباره وأفعاله عليه السلم في المنزل غير هؤلء‬
‫النسوة اللواتي أكرمهن الله‪ ،‬فكن أمهات للمؤمنين‪ ،‬وزوجات‬
‫لرسوله الكريم في الدنيا والخرة؟!‬
‫ل شك أن لزوجاته الطاهرات رضوان الله عليهن أكبر الفضل في‬
‫نقل جميع أحواله وأطواره وأفعاله المنزلية عليه أفضل الصلة‬
‫والتسليم‪.‬‬
‫ولقد أصبح من هؤلء الزوجات معلمات ومحدثات نقلن هديه‬
‫عليه السلم‪ ،‬واشتهرن بقوة الحفظ والنبوغ والذكاء‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬الحكمة التشريعية‪:‬‬

‫‪301‬‬
‫ونتحدث الن عن الحكمة التشريعية التي هي جزء من حكمة‬
‫تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهذه الحكمة‬
‫ظاهرة تدرك بكل بساطة‪ ،‬وهي أنها كانت من أجل إبطال بعض‬
‫العادات الجاهلية المستنكرة‪ ،‬ونضرب لذلك مثل ً بدعة التبني التي‬
‫كان يفعلها العرب قبل السلم فقد كانت ديًنا متوارًثا عندهم‪،‬‬
‫دا ليس من صلبه ويجعله في حكم الولد الصلبي‪،‬‬ ‫يتبنى أحدهم ول ً‬
‫ويتخذه ابًنا حقيقًيا له حكم البناء من النسب في جميع الحوال؛‬
‫في الميراث والطلق والزواج ومحرمات المصاهرة ومحرمات‬
‫النكاح إلى غير ما هنالك مما تعارفوا عليه‪ ،‬وكان ديًنا تقليدًيا متبًعا‬
‫في الجاهلية‪.‬‬
‫كان الواحد منهم يتبنى ولد غيره فيقول له‪" :‬أنت ابني‪ ،‬أرثك‬
‫وترثني"‪ ،‬وما كان السلم ليقرهم على باطل‪ ،‬ول ليتركهم‬
‫يتخبطون في ظلمات الجاهلة‪ ،‬فمهد لذلك بأن ألهم رسوله عليه‬
‫السلم أن يتبنى أحد البناء ـ وكان ذلك قبل البعثة النبوية ـ فتبنى‬
‫عليه السلم زيد بن حارثة على عادة العرب قبل السلم‪ .‬وفي‬
‫سبب تبنيه قصة من أروع القصص‪ ،‬وحكمة من أروع الحكم‬
‫ذكرها المفسرون وأهل السير‪ ،‬ل يمكننا الن ذكرها لعدم اتساع‬
‫ي الكريم زيد َ بن حارثة‪ ،‬وأصبح الناس‬ ‫المجال‪ .‬وهكذا تبنى النب ُ‬
‫يدعونه بعد ذلك اليوم زيد بن محمد‪.‬‬
‫روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه‬
‫قال‪) :‬إن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫م‬
‫م لَبائ ِهِ ْ‬ ‫عوهُ ْ‬ ‫ما كنا ندعوه إل زيد بن محمد حتى نزل القرآن }اد ْ ُ‬
‫س ُ‬ ‫َ‬
‫عند َ الله{ ]الحزاب‪ [5 :‬فقال النبي صلى الله عليه‬ ‫ط ِ‬ ‫هُوَ أقْ َ‬
‫وسلم‪)) :‬أنت زيد بن شراحبيل((‪.‬‬
‫وقد زوجه عليه السلم بابنة عمته زينب بن جحش السدية‪ ،‬وقد‬
‫عاشت معه مدة من الزمن‪ ،‬ولكنها لم تطل فقد ساءت العلقات‬
‫بينهما‪ ،‬فكانت تغلظ له القول‪ ،‬وترى أنها أشرف منه؛ لنه كان‬
‫كا قبل أن يتبناه الرسول وهي ذات حسب ونسب‪.‬‬ ‫دا مملو ً‬ ‫عب ً‬
‫ولحكمة يريدها الله تعالى طلق زيد زينب‪ ،‬فأمر الله رسوله أن‬
‫يتزوجها ليبطل بدعة التبني ويقيم أسس السلم‪ ،‬ويأتي على‬
‫الجاهلية من قواعدها‪ ،‬ولكنه عليه السلم كان يخشى من ألسنة‬
‫المنافقين والفجار‪ ،‬أن يتكلموا فيه ويقولوا‪ :‬تزوج محمد امرأة‬
‫ابنه‪ ،‬فكان يتباطأ حتى نزل العتاب الشديد لرسول الله عليه‬
‫حقّ َأن‬ ‫شى الناس والل ّ َ‬
‫هأ َ‬ ‫ّ َ َ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫السلم‪ ،‬في قوله جل وعل‪} :‬وَت َ ْ‬
‫ن ع ََلى‬ ‫كو َ‬ ‫ى ل َ يَ ُ‬ ‫طرا ً َزوّ ْ‬
‫جَنـاك ََها ل ِك َ ْ‬
‫من َْها وَ َ‬ ‫ضى َزي ْد ٌ ّ‬‫ما قَ َ‬‫شـاه ُ فَل َ ّ‬ ‫خ َ‬ ‫تَ ْ‬
‫طرا ً وَ َ‬‫ن وَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫من ْهُ ّ‬‫ضوْا ْ ِ‬‫ذا قَ َ‬‫م إِ َ‬‫عَيائ ِهِ ْ‬
‫ج أد ْ ِ‬ ‫ج ِفى أْزَوا ِ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ل{ ]الحزاب‪.[37 :‬‬ ‫فُعو ً‬ ‫م ْ‬‫مُر الل ّهِ َ‬ ‫أ ْ‬

‫‪302‬‬
‫وهكذا انتهى حكم التبني‪ ،‬وبطلت تلك العادات التي كانت متبعة‬
‫في الجاهلية‪ ،‬وكانت ديًنا تقليدًيا ل محيد عنه ونزل قوله تعالى‬
‫من‬ ‫َ َ‬ ‫ما َ‬
‫حد ٍ ّ‬ ‫مد ٌ أَبا أ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫دا هذا التشريع اللهي الجديد } ّ‬ ‫مؤك ً‬
‫ىء‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬ ‫جال ِك ُ ْ‬
‫ش ْ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫كا َ‬ ‫م الن ّب ِّيي َ‬‫خات َ َ‬‫ل اللهِ وَ َ‬ ‫كن ّر ُ‬ ‫م وَلـ ِ‬ ‫ّر َ‬
‫ع َِليمًا{ ]الحزاب‪.[40 :‬‬
‫وقد كان هذا الزواج بأمر من الله تعالى‪ ،‬ولم يكن بدافع الهوى‬
‫والشهوة كما يقول بعض الفاكين المرجفين من أعداء الله‪،‬‬
‫وكان لغرض نبيل وغاية شريفة هي إبطال عادات الجاهلية وقد‬
‫ن ع ََلى‬ ‫كو َ‬ ‫ى ل َ يَ ُ‬ ‫صّرح الله عز وجل َبغرض َ هذا الزواج بقوله‪} :‬ل ِك َ ْ‬
‫طرًا{‬ ‫ن وَ َ‬ ‫من ْهُ ّ‬ ‫ضوْا ْ ِ‬ ‫ذا قَ َ‬ ‫م إِ َ‬ ‫عَيائ ِهِ ْ‬
‫ج أد ْ ِ‬ ‫ج ِفى أْزَوا ِ‬ ‫حَر ٌ‬‫ن َ‬‫مِني َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫]الحزاب‪.[37 :‬‬
‫وقد تولى الله عز وجل تزويج نبيه الكريم بزينب امرأة ولده من‬
‫التبني‪ ،‬ولهذا كانت تفخر على نساء النبي بهذا الزواج الذي قضى‬
‫به رب العزة من فوق سبع سماوات‪.‬‬
‫روى البخاري بسنده أن زينب رضي الله عنها كانت تفخر على‬
‫أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتقول‪) :‬زوجكن أهاليكن‬
‫وزوجني الله من فوق سبع سموات(‪ ،‬وهكذا كان هذا الزواج‬
‫للتشريع وكان بأمر الحكيم العليم فسبحان من دقت حكمته أن‬
‫من ال ْعِل ْم ِ إ ِل ّ‬ ‫ُ‬
‫ما أوِتيُتم ّ‬ ‫تحيط بها العقول والفهام وصدق الله‪} :‬وَ َ‬
‫ل{ ]السراء‪.[85 :‬‬ ‫قَِلي ً‬
‫ثالًثا‪ :‬الحكمة الجتماعية‪:‬‬
‫أما الحكمة الثالثة فهي الحكمة الجتماعية‪ ،‬وهذه تظهر بوضوح‬
‫في تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بابنة الصديق الكبر أبي‬
‫بكر رضي الله عنه‪ ،‬وزيره الول‪ ،‬ثم بابنة وزيره الثاني الفاروق‬
‫عمر رضي الله عنه وأرضاه‪ ،‬ثم باتصاله عليه السلم بقريش‬
‫اتصال مصاهرة ونسب وتزوجه العدد منهن مما ربط بين هذه‬
‫البطون والقبائل برباط وثيق وجعل القلوب تلتف حوله وتلتقي‬
‫حول دعوته في إيمان وإكبار وإجلل‪.‬‬
‫لقد تزوج النبي صلوات الله عليه بالسيدة عائشة بنت أحب‬
‫الناس إليه وأعظمهم قدًرا لديه أل وهو أبو بكر الصديق الذي كان‬
‫أسبق الناس إلى السلم‪ ،‬وقدم نفسه وروحه وماله في سبيل‬
‫نصرة دين الله والذود عن رسوله وتحمل ضروب الذى في‬
‫دا‬
‫سبيل السلم حتى قال عليه السلم كما في الترمذي مشي ً‬
‫بفضل أبي بكر‪)) :‬ما لحد عندنا يد إل وقد كافيناه بها ما خل أبا‬
‫دا يكافيه الله تعالى بها يوم القيامة‪ ،‬وما‬ ‫بكر فإن له عندنا ي ً‬
‫نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر‪ ،‬وما عرضت السلم‬

‫‪303‬‬
‫ذا خليل ً لتخذت أبا‬‫على أحد إل تردد ما عدا أبا بكر‪ ،‬ولو كنت متخ ً‬
‫ل‪ ،‬إل وإن صاحبكم خليل الله تعالى((‪.‬‬‫بكر خلي ً‬
‫فلم يجد الرسول صلى الله عليه وسلم مكافأة لبي بكر في‬
‫الدنيا أعظم من أن يقر عينه بهذا الزواج بابنته ويصبح بينهما‬
‫مصاهرة وقرابة تزيد في صداقتهما وترابطهما الوثيق‪ ،‬كما تزوج‬
‫صلوات الله عليه بالسيدة حفصة بنت عمر‪ ،‬فكان ذلك قرة عين‬
‫لبيها عمر على إسلمه وصدقه وإخلصه وتفانيه في سبيل هذا‬
‫الدين‪ ،‬وعمر هو بطل السلم الذي أعز الله به السلم‬
‫والمسلمين‪ ،‬ورفع به منار الدين‪ ،‬فكان اتصاله عليه السلم به‬
‫عن طريق المصاهرة خير مكافأة له على ما قدم في سبيل‬
‫السلم‪ ،‬وقد ساوى صلى الله عليه وسلم بينه وبين وزيره الول‬
‫أبي بكر في تشريفه بهذه المصاهرة فكان زواجه بابنتيهما أعظم‬
‫شرف لهما بل أعظم مكافأة ومنة ولم يكن بالمكان أن يكافئهما‬
‫في هذه الحياة بشرف أعلى من هذا الشرف فما أجل سياسته‪،‬‬
‫وما أعظم وفاءه للوفياء المخلصين‪.‬‬
‫كما يقابل ذلك إكرامه لعثمان وعلى رضي الله عنهما بتزويجهما‬
‫ببناته وهؤلء الربعة هم أعظم أصحابه وخلفاؤه من بعده في‬
‫نشر ملته وإقامة دعوته فما أجلها من حكمة وما أكرمها من‬
‫نظرة‪.‬‬
‫رابًعا‪ :‬الحكمة السياسية‪:‬‬
‫لقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ببعض النسوة من أجل‬
‫تأليف القلوب عليه وجمع القبائل حوله‪ ،‬فمن المعلوم أن‬
‫النسان إذا تزوج من قبيلة أو عشيرة يصبح بينه وبينهم قرابة‬
‫ومصاهرة‪ ،‬وذلك بطبيعته يدعوهم إلى نصرته وحمايته ولنضرب‬
‫بعض المثلة على ذلك لتتضح لنا الحكمة التي هدف إليها‬
‫الرسول الكريم من وراء هذا الزواج‪.‬‬
‫ل‪ :‬تزوج صلوات الله عليه بالسيدة جويرية بنت الحارث سيد‬ ‫أو ً‬
‫بني المصطلق وكانت قد أسرت مع قومها وعشيرتها‪ ،‬ثم بعد أن‬
‫وقعت تحت السر أرادت أن تفتدي نفسها‪ ،‬فجاءت إلى رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم تستعينه بشيء من المال فعرض عليها‬
‫الرسول الكريم أن يدفع عنها الفداء وأن يتزوج بها فقبلت ذلك‪،‬‬
‫فتزوجها فقال المسلمون‪ :‬أصهار رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم تحت أيدينا ـ أي أنهم في السر ـ فأعتقوا جميع السرى‬
‫الذين كانوا تحت أيديهم‪ ،‬فلما رأى بنو المصطلق هذا النبل‬
‫والسمو وهذه الشهامة والمروءة أسلموا جميًعا ودخلوا في دين‬
‫الله وأصبحوا من المؤمنين‪ ،‬فكان زواجه صلى الله عليه وسلم‬

‫‪304‬‬
‫بها بركة عليها وعلى قومها وعشيرتها لنه كان سبًبا لسلمهم‬
‫وعتقهم وكانت جويرية أيمن امرأة على قومها‪.‬‬
‫أخرج البخاري في صحيحة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت‪:‬‬
‫أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء بني المصطلق‬
‫فأخرج الخمس منه ثم قسمه بين الناس فأعطى الفارس‬
‫ما فوقعت جويرية بنت الحارث في سهم‬ ‫سهمين والراجل سه ً‬
‫ثابت بن قيس‪ ،‬فجاءت إلى الرسول فقالت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أنا‬
‫جويرية بنت الحارث سيد قومه وقد أصابني من المر ما قد‬
‫علمت‪ ،‬وقد كاتبني ثابت على تسع أواق فأعني على فكاكي‬
‫فقال عليه السلم‪)) :‬أو خير من ذلك؟(( فقالت‪ :‬ما هو؟ فقال‪:‬‬
‫))أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك(( فقالت‪ :‬نعم يا رسول الله‪ ،‬فقال‬
‫رسول الله‪)) :‬قد فعلت(( وخرج الخبر إلى الناس فقالوا‪ :‬أصهار‬
‫رسول الله يسترقون؟ فأعتقوا ما كان في أيديهم من سبي بني‬
‫المصطلق فبلغ عتقهم مائة بيت بتزوجه عليه السلم بنت سيد‬
‫قومه‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬وكذلك تزوجه صلى الله عليه وسلم بالسيدة صفية بنت‬
‫حيي بن أخطب التي أسرت بعد قتل زوجها في غزوة خيبر‪،‬‬
‫ووقعت في سهم بعض المسلمين فقال أهل الرأي والمشورة‪:‬‬
‫هذه سيدة بني قريظة ل تصلح إل لرسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فعرضوا المر على الرسول الكريم فدعاها وخيرها بين‬
‫أمرين‪:‬‬
‫أ ـ إما أن يعتقها ويتزوجها عليه السلم فتكون زوجة له‪.‬‬
‫ب ـ وإما أن يطلق سراحها فتلحق بأهلها‪.‬‬
‫فاختارت أن يعتقها وتكون زوجة له‪ ،‬وذلك لما رأته من جللة‬
‫قدره وعظمته وحسن معاملته‪ ،‬وقد أسلمت وأسلم بإسلمها عدد‬
‫من الناس‪.‬‬
‫روي أن صفية رضي الله عنها لما دخلت على النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قال لها‪ :‬لم يزل أبوك من أشد اليهود لي عداوة حتى‬
‫قتله الله‪ ،‬فقالت يا رسول الله‪ :‬إن الله يقول في كتابه‪} :‬وَل َ ت َزُِر‬
‫خَرى{ ]فاطر‪ ،[18 :‬فقال لها الرسول الكريم‪:‬‬ ‫َوازَِرة ٌ وِْزَر أ ُ ْ‬
‫اختاري فإن اخترت السلم أمسكتك لنفسي‪ ،‬وإن اخترت‬
‫اليهودية فعسى أن أعتقك فتلحقي بقومك‪ ،‬فقالت‪ :‬يا رسول‬
‫الله‪ :‬لقد هويت السلم وصدقت بك قبل أن تدعوني إلى رحلك‬
‫وما لي في اليهودية أرب وما لي فيها والد ول أخ وخيرتني الكفر‬
‫والسلم فالله ورسوله أحب إلي من العتق وأن أرجع إلى‬
‫قومي‪ ،‬فأمسكها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه‪.‬‬

‫‪305‬‬
‫ثالًثا‪ :‬وكذلك تزوجه عليه الصلة والسلم بالسيدة أم حبيبة رملة‬
‫بنت أبي سفيان الذي كان في ذلك الحين حامل لواء الشرك‬
‫وألد العداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وقد أسلمت ابنته‬
‫في مكة ثم هاجرت مع زوجها إلى الحبشة فراًرا بدينها‪ ،‬وهناك‬
‫مات زوجها‪ ،‬فبقيت وحيدة فريدة ل معين لها ول أنيس‪ ،‬فلما علم‬
‫الرسول الكريم بأمرها أرسل إلى النجاشي ملك الحبشة ليزوجه‬
‫إياها‪ ،‬فأبلغها النجاشي ذلك فسرت سروًرا ل يعرف مقداره إل‬
‫الله سبحانه؛ لنها لو رجعت إلى أبيها أو أهلها لجبروها على‬
‫دا‪ ،‬وقد أصدقها عنه أربعمائة‬ ‫الكفر والردة أو عذبوها عذاًبا شدي ً‬
‫دينار مع هدايا نفيسة‪ ،‬ولما عادت إلى المدينة المنورة تزوجها‬
‫النبي المصطفى عليه الصلة والسلم‪ .‬ولما بلغ أبا سفيان الخبر‬
‫أقر ذلك الزواج وقال‪" :‬هو الفحل ل يقدع أنفه"‪ ،‬فافتخر‬
‫بالرسول ولم ينكر كفاءته له إلى أن هداه الله تعالى للسلم‪،‬‬
‫ومن هنا تظهر لنا الحكمة الجليلة في تزوجه عليه السلم بابنة‬
‫أبي سفيان‪ ،‬فقد كان هذا الزواج سبًبا لتخفيف الذى عنه وعن‬
‫أصحابه المسلمين سيما بعد أن أصبح بينهما نسب وقرابة مع أن‬
‫أبا سفيان كان وقت ذاك من ألد بني أمية خصومة لرسول الله‬
‫ومن أشدهم عداء له وللمسلمين‪ ،‬فكان تزوجه بابنته سبًبا لتأليف‬
‫قلبه وقلب قومه وعشيرته كما أنه صلى الله عليه وسلم اختارها‬
‫ما لها على إيمانها لنها خرجت من ديارها فارة بدينها‬ ‫لنفسه تكري ً‬
‫فما أكرمها من سياسة وما أجلها من حكمة‬
‫==============‬
‫حديث أبوال البل وألبانها‬
‫الرد ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫عَ َ‬
‫م‬
‫مَرهُ ُ‬ ‫دين َةِ فَأ َ‬ ‫م ِ‬ ‫جت َوَْوا ِفي ال ْ َ‬ ‫سا ا ْ‬ ‫ن َنا ً‬ ‫هأ ّ‬ ‫ه ع َن ْ ُ‬ ‫ضي الل ّ ُ‬ ‫س َر ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ن أن َ‬ ‫ْ‬
‫شَرُبوا‬ ‫ل فَي َ ْ‬ ‫عيهِ ي َعِْني الب ِ َ‬ ‫قوا ب َِرا ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ي َل َ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم أ ْ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حّتى‬ ‫وال َِها َ‬ ‫ن أل َْبان َِها وَأب ْ َ‬ ‫م ْ‬‫شرُِبوا ِ‬ ‫عيهِ فَ َ‬ ‫قوا ب َِرا ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫وال َِها فَل َ ِ‬ ‫ن أل َْبان َِها وَأب ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي صلى الله‬ ‫ل فَب َلغَ الن ّب ِ ّ‬ ‫ساُقوا الب َ‬ ‫ي وَ َ‬ ‫ع َ‬ ‫قت َلوا الّرا ِ‬ ‫م فَ َ‬
‫دان ُهُ ْ‬ ‫ت أب ْ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫صل َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫جل ه ُ ْ‬ ‫م وَأْر ُ‬ ‫قطعَ أي ْد ِي َهُ ْ‬ ‫جيَء ب ِهِ ْ‬ ‫م فَ ِ‬ ‫ث ِفي طلب ِهِ ْ‬ ‫عليه وسلم فَب َعَ َ‬
‫م ‪ .‬رواه البخاري‬ ‫َ‬
‫مَر أع ْي ُن َهُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫وَ َ‬
‫أول ً ‪ :‬نقول لك ما قاله المسيح في إنجيل لوقا ] لوقا ‪: [ 41 : 6‬‬
‫)) لماذا تنظر القذى الذي في عين اخيك ‪.‬واما الخشبة التي في‬
‫عينك فل تفطن لها (( ألم يرد في كتابك المقدس أن الرب أمر‬
‫نبيه ) حزقيال ( بأكل الخراء وهو البراز ‪ )) :‬وتأكل كعكعا ً من‬
‫الشعير على الخـرء الذي يخرج من النسان وتخبزه أمام عيونهم‬
‫(( ] حزقيال ‪[ 13 _ 12 : 4‬‬

‫‪306‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬العجب أنك تتكلم على نصح الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫للعرابيين بشرب ألبان البل وأبوالها ول تتكلم على ان‬
‫العرابيين تم شفائهم فعل ً بهذه اللبان والبوال ولم يبدوا‬
‫اعتراضا ً لهذا المر‪ ،‬فذكر الحديث ‪ ) :‬حتى صلحت ابدانهم ( وفي‬
‫راوية ‪ ) :‬فلما صحو (‬
‫ثالثا ‪ :‬ان الطب شاهد بصحة هذا الحديث وليس في الحديث‬
‫إلزام للنسان بشرب ألبان البل وأبوالها لن النسان ل يؤمر‬
‫بأكل ما تعافه نفسه ول بشرب ما تعافه نفسه كما ثبت عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه أباح أكل الضب ولم يأكله ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫)) لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه ((‬
‫رابعا ً ‪ :‬اليك الن تجربة علمية أثبتت امكانية علج مرض‬
‫الستسقاء بالفراز البولي للبل ‪:‬‬
‫الخرطوم ـ علي عثمان‬
‫دراسة علمية تجريبية غير مسبوقة اجرتها كلية المختبرات الطبية‬
‫بجامعة الجزيرة بالسودان عن استخدامات قبيلة البطانة فى‬
‫شرق السودان ) بول البل( فى علج بعض المراض حيث انهم‬
‫يستخدمونه شرابا لعلج مرض )الستسقاء ( والحميات والجروح‪.‬‬
‫وقد كشف البروفسور احمد عبدالله محمدانى تفاصيل تلك‬
‫الدراسة العلمية التطبيقية المذهلة داخل ندوة جامعة الجزيرة‬
‫حيث ذكر ان الدراسة استمرت ‪ 15‬يوما حيث اختير ‪ 25‬مريضا‬
‫مصابين بمرض الستسقاء المعروف وكانت بطونهم منتفخة‬
‫بشكل كبير قبل بداية التجربة العلجية‪ .‬وبدأت التجربة باعطاء‬
‫كل مريض يوميا جرعة محسوبة من )بول البل( مخلوطا بلبن‬
‫البل حتى يكون مستساغا وبعد ‪ 15‬يوما من بداية التجربة أصابنا‬
‫الذهول من النتيجة اذ انخفضت بطونهم وعادت لوضعها الطبيعى‬
‫وشفى جميع افراد العينة من الستسقاء‪ .‬وتصادف وجود‬
‫بروفسور انجليزى اصابه الذهول ايضا واشاد بالتجربة العلجية‪.‬‬
‫وقال البروفسور احمد‪ :‬اجرينا قبل الدراسة تشخيصا لكبد‬
‫المرضى بالموجات الصوتية فاكتشفنا ان كبد ‪ 15‬من الـ ‪25‬‬
‫مريضا يحتوى )شمعا ( وبعضهم كان مصابا بتليف فى الكبد‬
‫بسبب مرض البلهارسيا وجميعهم استجابوا للعلج بـ) بول البل(‬
‫وبعض افراد العينة استمروا برغبتهم فى شرب جرعات بول‬
‫البل يوميا لمدة شهرين آخرين‪ .‬وبعد نهاية تلك الفترة اثبت‬
‫التشخيص شفاءهم من تليف الكبد وسط دهشتنا جميعا‪.‬‬
‫ويقول البروفسور احمد عبدالله عميد كلية المختبرات الطبية عن‬
‫تجربة علجية اخرى وهذه المرة عن طريق لبن البل وهى تجربة‬
‫قامت بها طالبة ماجستير بجامعة الجزيرة لمعرفة اثر لبن البل‬

‫‪307‬‬
‫على معدل السكر فى الدم فاختارت عددا من المتبرعين‬
‫المصابين بمرض السكر لجراء التجربة العلمية واستغرقت‬
‫الدراسة سنة كاملة حيث قسمت المتبرعين لفئتين ‪ :‬كانت تقدم‬
‫للفئة الولى جرعة من لبن البل بمعدل نصف لتر يوميا شراب‬
‫على )الريق( وحجبته عن الفئة الثانية‪ .‬وجاءت النتيجة مذهلة‬
‫بكل المقاييس اذ ان نسبة السكر فى الدم انخفضت بدرجة‬
‫ملحوظة وسط الفئة الولى ممن شربوا لبن البل عكس الفئة‬
‫الثانية‪ .‬وهكذا عكست التجربة العلمية لطالبة الماجستير مدى‬
‫تأثير لبن البل فى تخفيض او علج نسبة السكر فى الدم‪.‬‬
‫واوضح د‪ .‬احمد المكونات الموجودة فى بول البل حيث قال انه‬
‫يحتوى على كمية كبيرة من البوتاسيوم يمكن ان تمل جرادل‬
‫ويحتوى ايضا على زلل بالجرامات ومغنسيوم اذ ان البل ل‬
‫تشرب فى فصل الصيف سوى ‪ 4‬مرات فقط ومرة واحدة فى‬
‫الشتاء وهذا يجعلها تحتفظ بالماء فى جسمها فالصوديوم يجعلها‬
‫لتدر البول كثيرا لنه يرجع الماء الى الجسم‪ .‬ومعروف ان مرض‬
‫الستسقاء اما نقص فى الزلل او فى البوتاسيوم وبول البل‬
‫غنى بالثنين معا‪.‬‬
‫وهذا رابط باللغة النجليزية يخدم الموضوع ‪http://www.answering- :‬‬
‫‪christianity.com/urine.htm‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‬
‫==============‬
‫الصول في إثبات طهارة آمنه أم الرسول‬
‫السلم عليكم ورحمه الله وبركاته‬
‫يعانى الصليبيين مشكله جنسيه كبيره ومأزق خطير فى شخصيه‬
‫يهوذا الجد الكبر للمسيح حيث يثبت كتابهم بالدليل القاطع ان‬
‫ربهم من نسل زنى ‪ ,‬وبدل ً من ان يقوموا بحل مشكلتهم والتفرغ‬
‫لها او العتراف بالحق بأن كتابهم محرف ‪ ,‬التفوا الى السلم‬
‫فى محاوله يائسه للطعن فى نسب الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم ونسبه الشريف ‪...‬‬
‫شبهه الصليبى ‪:‬‬
‫جاء فى كتاب تاريخى اسمه الطبقات الكبرى لبن سعد فى‬
‫المجلد الؤل التى ‪:‬‬
‫ذكر تزوج عبد الله بن عبد المطلب آمنة بنت وهب أم رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬قال حدثنا محمد بن عمر بن واقد‬
‫السلمي قال حدثني عبد الله بن جعفر الزهري عن عمته أم بكر‬
‫بنت المسور بن مخرمة عن أبيها قال وحدثني عمر بن محمد بن‬
‫عمر بن علي بن أبي طالب عن يحيى بن شبل عن أبي جعفر‬

‫‪308‬‬
‫محمد بن علي بن الحسين قال كانت آمنة بنت وهب بن عبد‬
‫مناف بن زهرة بن كلب في حجر عمها وهيب بن عبد مناف بن‬
‫زهرة فمشى اليه عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي‬
‫بابنه عبد الله بن عبد المطلب أبي رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فخطب عليه آمنة بنت وهب فزوجها عبد الله بن عبد‬
‫المطلب وخطب اليه عبد المطلب بن هاشم في مجلسه ذلك‬
‫ابنته هالة بنت وهيب على نفسه فزوجه إياها فكان تزوج عبد‬
‫المطلب بن هاشم وتزوج عبد الله بن عبد المطلب في مجلس‬
‫واحد فولدت هالة بنت وهيب لعبد المطلب حمزة بن عبد‬
‫المطلب فكان حمزة عم رسول الله صلى الله عليه ‪.‬‬
‫تناقض نفس الكتاب الجزء الثالث باب في البدريين طبقات‬
‫البدريين من المهاجرين ‪.‬‬
‫أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم‬
‫عن أبيه قال كان حمزة معلما يوم بدر بريشة نعامة قال محمد‬
‫بن عمر وحمل حمزة لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم في‬
‫غزوة بني قينقاع ولم يكن الرايات يومئذ وقتل رحمه الله يوم‬
‫أحد على رأس اثنين وثلثين شهرا من الهجرة وهو يومئذ بن تسع‬
‫وخمسين سنة كان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫بأربع سنين ‪ ،‬وشبهه النصرانى هنا ان هذا التناقض يثبت ان ام‬
‫الرسول قد انجبت النبى صلى الله عليه وسلم من رجل آخر غير‬
‫عبد الله بن عبد المطلب بعد ‪ 4‬سنوات من زواجها ‪.‬‬
‫الـــــــرد‬
‫اول‪ .‬قال النبى صلى الله عليه وسلم ) ولدت من نكاح وليس من‬
‫سفاح ( صحيح البخارى‬
‫ثانيا ‪ .‬هذا كتاب تاريخ ونحن ل نأخذ ديننا من كتب تاريخيه ‪ ,‬بل‬
‫من القرأن والسنه الصحيحه ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ .‬الروايتين قالهما محمد بن عمر بن واقد الواقدي السلمي‬
‫فمن هو هذا الرجل ؟‬
‫بكل تأكيد ل يعرفه عوام النصارى لنهم كما يقال باللهجة‬
‫المصرية ) غلبه ( ‪ ,‬أما قساوستهم الذين احترفوا الكذب على‬
‫الله وتزوير الحقائق فيعرفونه ‪ ,‬ولذلك اليكم تعريف بهذا الرجل‬
‫وأقوال علماء السلم قبل ان يولد ببغاوات النصارى ‪:‬‬
‫محمد بن عمر بن واقد الواقدي السلمي ابو عبد الله المدني‬
‫قاضي بغداد مولى عبد الله بن بريدة السلمي‬
‫قال البخاري ‪ :‬الواقدي مديني سكن بغداد متروك الحديث تركه‬
‫أحمد وابن نمير وابن المبارك وإسماعيل بن زكريا ) تهذيب‬
‫الكمال مجلد ‪(26‬‬

‫‪309‬‬
‫هذا في ص ‪ 186-185‬وفي نفس الصفحة قال أحمد هو كذاب‬
‫وقال يحيى ضعيف وفي موضع آخر ليس بشيء وقال أبو داود ‪:‬‬
‫أخبرني من سمع من علي بن المديني يقول روى الواقدي ثلثين‬
‫ألف حديث غريب وقال أبو بكر بن خيثمة سمعت يحيى بن معين‬
‫يقول ل يكتب حديث الواقدي ليس بشيء وقال عبد الرحمن بن‬
‫أبي حاتم سألت عنه علي بن المديني فقال ‪ :‬متروك الحديث هنا‬
‫علة جميلة أيضا في سند الحديث وهي روايته عن عبد الله بن‬
‫جعفر الزهري قال إسحاق بن منصور قال أحمد بن حنبل كان‬
‫الواقدي يقلب الحاديث يلقي حديث ابن أخي الزهري على معمر‬
‫ذا قال إسحاق بن راهويه كما وصف وأشد لنه عندي ممن يضع‬
‫الحديث الجرح والتعديل ‪/8‬الترجمة ‪ 92‬وقال علي بن المديني‬
‫سمعت أحمد بن حنبل يقول الواقدي يركب السانيد تاريخ بغداد‬
‫‪ 16-3/13‬وقال المام مسلم متروك الحديث وقال النسائي ليس‬
‫بثقة وقال الحاكم ذاهب الحديث قال الذهبي رحمه الله مجمع‬
‫على تركه وذكر هذا في مغني الضعفاء ‪ /2‬الترجمة ‪5861‬‬
‫قال النسائي في " الضعفاء والمتروكين " المعروفون بالكذب‬
‫على رسول الله أربعة الواقدي بالمدينة ومقاتل بخراسان ومحمد‬
‫بن سعيد بالشام‬
‫وبالتالى اخوانى الكرام ويا باحثين عن الحقيقه من النصارى‬
‫تكون الروايتين بهما ضعف لن الراوى متروك الحديث ‪.‬‬
‫لكن هناك طرق اخرى تؤكد الروايه الثانيه ان حمزه كان اكبر من‬
‫الرسول بعامين او ‪ 4‬سنوات وهى صحيحه ‪ ,‬و ان زواج جد النبى‬
‫كان قبل ابنه عبد الله والد الرسول بأعوام كثيره و لو كان ميلد‬
‫حمزه تم قبل ميلد الرسول بعامين او بأربع سنوات ‪ .‬والدليل هو‬
‫] كان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع سنين‬
‫وهذا ل يصح عندي لن الحديث الثابت أن حمزة وعبد الله بن‬
‫السد أرضعتها ثويبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إل أن‬
‫تكون أرضعتهما في زمانين‪.‬‬
‫وذكر البكائي عن ابن إسحاق قال كان حمزة أسن من رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم بسنتين [ ‪ ،‬كتاب الستيعاب في تمييز‬
‫الصحاب ‪.‬‬
‫كما انه معروف ان الخوه فى الرضاعه ل تعنى ول تستلزم فى‬
‫نفس الوقت بل قد يكون امراه ارضعت طفل وبعد ‪ 20‬سنه‬
‫ترضع طفل اخر فيكونوا اخوه فى الرضاعه والفرق بينهم ‪20‬‬
‫سنه ‪.‬‬

‫‪310‬‬
‫والن نسئل النصارى عن رد يثبت براءه نسب المسيح من الزنى‬
‫‪ ,‬وايضا نريد دليل من النجيل على نسب السيده مريم العذراء ‪,‬‬
‫من هو والد العذراء مريم وبالدليل ؟‬
‫واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين‬
‫اخوكم حليمو ‪,‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫الشيخ الفلوجة‬
‫الرد العلمي على الطعن في نسب الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه‬
‫ومن واله‪.‬‬
‫نتناول في يأتي من سطور الرد على الطعن في نسب النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم استدلل ببعض الروايات الساقطة الواردة‬
‫في بعض كتب التراث التي كان أصحابها معروفين بعدم‬
‫اقتصارهم على نقل الصحيح من الروايات بل كانوا إذا ذكروا‬
‫الرواية بسندها لم يجدوا ضرورة في التعليق عليها لن ذكر‬
‫السند بمثابة ذكر الحكم على الرواية وإل لماذا يتعب هؤلء‬
‫العلماء أنفسهم بذكر أسماء الرواة وأنسابهم وتعريفهم للقارئ‬
‫فلو كانت هذه الروايات مقبولة كلها لما ذكروا لها سندا‪ .‬الطعن‬
‫مبني على ان عبد الله بن عبد المطلب وأبوه هاشم تزوجوا في‬
‫نفس اليوم بينما ولد لهاشم سيدنا حمزة قبل أربع سنين من‬
‫ولدة النبي بناء على أن حمزة رضي الله عنه أكبر من النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬الن نورد الروايات التي تمسكوا وبها‬
‫ونحققها بإذن الله‪.‬‬
‫‪ -1‬الرواية الولى‪ :‬التي تتحدث أن عبد الله بن عبد المطلب‬
‫وأبوه تزوجوا في نفس اليوم‪.‬‬
‫الطبقات الكبرى ج‪ 1 :‬ص‪94 :‬‬
‫ذكر تزوج عبد الله بن عبد المطلب آمنة بنت وهب أم رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال حدثنا محمد بن عمر بن واقد‬
‫السلمي قال حدثني عبد الله بن جعفر الزهري عن عمته أم بكر‬
‫بنت المسور بن مخرمة عن أبيها قال وحدثني عمر بن محمد بن‬
‫عمر بن علي بن أبي طالب عن يحيى بن شبل عن أبي جعفر‬
‫محمد بن علي بن الحسين قال كانت آمنة بنت وهب ابن عبد‬
‫مناف بن زهرة بن كلب في حجر عمها وهيب بن عبد مناف بن‬
‫زهرة فمشى اليه عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي‬
‫بابنه عبد الله بن عبد المطلب أبي رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فخطب عليه آمنة بنت وهب فزوجها عبد الله بن عبد‬

‫‪311‬‬
‫المطلب وخطب اليه عبد المطلب بن هاشم في مجلسه ذلك‬
‫ابنته هالة بنت وهيب على نفسه فزوجه إياها فكان تزوج عبد‬
‫المطلب بن هاشم وتزوج عبد الله بن عبد المطلب في مجلس‬
‫واحد فولدت هالة بنت وهيب لعبد المطلب حمزة بن عبد‬
‫المطلب فكان حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم في‬
‫النسب وأخاه من الرضاعة قال أخبرنا هشام بن محمد بن عن‬
‫أبيه وعن أبي الفياض الخثعمي قال لما تزوج عبد الله بن عبد‬
‫المطلب آمنة بنت وهب أقام عندها ثلثا وكانت تلك السنة‬
‫عندهم إذا دخل الرجل على امرأته في أهلها‪.‬‬
‫الرواية ساقطة لنها من رواية محمد بن عمر الواقدي قال عنه‬
‫العلماء‪:‬‬
‫الضعفاء والمتروكين لبن الجوزي ج‪ 3 :‬ص‪87 :‬‬
‫‪ 3137‬محمد بن عمر بن واقد أبو عبد الله السلمي الواقدي‬
‫قاضي بغداد قال أحمد بن حنبل هو كذاب كان يقلب الحاديث‬
‫يلقي حديث ابن أخي الزهري على معمر ونحو ذا وقال يحيى‬
‫ليس بثقة وقال مرة ليس بشيء ل يكتب حديثه وقال البخاري‬
‫والرازي والنسائي متروك الحديث وذكر الرازي والنسائي أنه‬
‫كان يضع الحديث وقال الدراقطني فيه ضعف وقال ابن عدي‬
‫احاديثه غير محفوظة والبلء منه‪.‬‬
‫الرواية الثانية‪:‬‬
‫المستدرك على الصحيحين ج‪ 2 :‬ص‪ 656 :‬مجمع الزوائد ج‪8 :‬‬
‫ص‪230 :‬‬
‫‪ 4176‬أخبرنا أبو جعفر محمد بن محمد بن عبد الله البغدادي‬
‫حدثنا هاشم بن مرثد الطبراني حدثنا يعقوب بن محمد الزهري‬
‫حدثنا عبد العزيز بن عمران حدثنا عبد الله بن جعفر عن أبي‬
‫عون عن المسور بن مخرمة عن بن عباس عن أبيه قال قال عبد‬
‫المطلب قدمنا اليمن في رحلة الشتاء فنزلنا على حبر من اليهود‬
‫فقال لي رجل من أهل الزبور يا عبد المطلب أتأذن لي أن أنظر‬
‫إلى بدنك ما لم يكن عورة قال ففتح إحدى منخري فنظر فيه ثم‬
‫نظر في الخرى فقال أشهد أن في إحدى يديك ملكا وفي‬
‫الخرى النبوة وأرى ذلك في بني زهرة فكيف ذلك فقلت ل أدري‬
‫قال هل لك من شاعة قال قلت وما الشاعة قال زوجة قلت أما‬
‫اليوم فل قال إذا قدمت فتزوج فيهم فرجع عبد المطلب إلى مكة‬
‫فتزوج هالة بنت وهب بن عبد مناف فولدت له حمزة وصفية‬
‫وتزوج عبد الله بن عبد المطلب آمنة بنت وهب فولدت رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فقالت قريش حين تزوج عبد الله آمنة‬

‫‪312‬‬
‫فلح عبد الله على أبيه قال المام الهيثمي مجمع الزوائد ج‪8 :‬‬
‫ص‪ 230 :‬رواه الطبراني وفيه عبدالعزيز بن عمران وهو متروك‬
‫هذه الرواية كذلك ساقطة لن فيه سندها عبدالعزيز بن عمران‬
‫قال عنه العلماء‬
‫الضعفاء والمتروكين لبن الجوزي ج‪ 2 :‬ص‪111 :‬‬
‫‪ 1957‬عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز أبو ثابت ويعرف‬
‫بابن أبي ثابت المدني الزهري قال يحيى ليس بثقة وقال‬
‫البخاري ل يكتب حديثه وقال النسائي متروك الحديث وقال‬
‫الترمذي والدارقطني ضعيف وقال ابن حبان يروي المناكير عن‬
‫المشاهير‬
‫كما أن لفظ تزوج ل تعني الدخول بل هي تعني إبرام العقد وقد‬
‫يتأخر الدخول عن الزواج بسنين فالروايات ليس فيها أن عبد الله‬
‫بن عبد المطلب وأبوه دخل كل واحد على زوجته في نفس اليوم‬
‫حتى يكون هنا استعجاب من تأخر ولدة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم عن عمه حمزة رضي الله عنه‪.‬‬
‫‪ -2‬الرواية الثالثة‪ :‬التي تفيد أن حمزة رضي الله عنه أكبر من‬
‫النبي بأربع سنين‬
‫الطبقات الكبرى ج‪ 3 :‬ص‪10 :‬‬
‫قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني موسى بن محمد بن‬
‫إبراهيم عن أبيه قال كان حمزة معلما يوم بدر بريشة نعامة قال‬
‫محمد بن عمر وحمل حمزة لواء رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم في غزوة بني قينقاع ولم يكن الرايات يومئذ وقتل رحمه‬
‫الله يوم أحد على رأس اثنين وثلثين شهرا من الهجرة وهو‬
‫يومئذ بن تسع وخمسين سنة كان أسن من رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم بأربع سنين وكان رجل ليس بالطويل ول بالقصير‬
‫قتله وحشي بن حرب وشق بطنه وأخذ كبده فجاء بها إلى هند‬
‫بنت عتبة بن ربيعة فمضغتها ثم لفضتها ثم جاءت فمثلت بحمزة‬
‫وجعلت من ذلك مسكتين ومعضدين وخدمتين حتى قدمت بذلك‬
‫وبكبده مكة وكفن حمزة في بردة فجعلوا إذا خمروا بها رأسه‬
‫بدت قدماه وإذا خمروا بها رجليه تنكشف عن وجهه فقال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم غطوا وجهه وجعل على رجليه‬
‫الحرمل‪.‬‬
‫هذه الرواية ساقطة فقد اجتمع فيها محمد بن عمر الواقدي وقد‬
‫قدمنا كلم العلماء فيه وكذلك موسى بن محمد بن إبراهيم وقد‬
‫قال فيه العلماء‪:‬‬
‫أبو حاتم في كاتبه المجروحين ج‪ 2 :‬ص‪241 :‬‬

‫‪313‬‬
‫موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي من أهل المدينة‬
‫يروي عن أبيه ما ليس من حديثه فلست أدري أكان المتعمد‬
‫لذلك أو كان فيه غفلة فيأتي بالمناكير عن أبيه والمشاهير على‬
‫التوهم وأيما كان فهو ساقط الحتجاج‪.‬‬
‫‪ -3‬الرواية الرابعة‪ :‬حول طعن قريش في نسب النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‬
‫سنن الترمذي ج‪ 5 :‬ص‪584 :‬‬
‫‪ 3607‬حدثنا يوسف بن موسى البغدادي حدثنا عبيد الله بن‬
‫موسى عن إسماعيل بن أبي خالد عن يزيد بن أبي زياد عن عبد‬
‫الله بن الحارث عن العباس بن عبد المطلب قال قلت ثم يا‬
‫رسول الله إن قريشا جلسوا فتذاكروا أحسابهم بينهم فجعلوا‬
‫مثلك كمثل نخلة في كبوة من الرض فقال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم إن الله خلق الخلق فجعلني من خيرهم من خير فرقهم‬
‫وخير صليت ثم تخير القبائل فجعلني من خير قبيلة ثم تخير‬
‫البيوت فجعلني من خير بيوتهم فأنا خيرهم نفسا وخيرهم بيتا‬
‫قال أبو عيسى هذا حديث حسن وعبد الله بن الحارث هو أبو‬
‫نوفل‬
‫أول من بفهم من الرواية طعن قريش في نسب النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم هو جاهل باللغة العربية لن الرواية تقول الحساب‬
‫جمع حسب ول ذكر للنسب في الرواية ومعنى الحسب مخالف‬
‫للنسب كما جاء في كتب اللغة‪:‬‬
‫مختار الصحاح ج‪ 1 :‬ص‪57 :‬‬
‫ب أيضا ما يعده النسان من مفاخر آبائه وقيل حسبه دينه‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬ ‫و ال َ‬
‫ب وبابه ظرف وقال بن السكيت‬ ‫سي ٌ‬‫ح ِ‬‫وقيل ماله والرجل َ‬
‫ب والكرم يكونان بدون الباء والشرف والمجد ل يكونان إل‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ال َ‬
‫بالباء‬
‫النهاية في غريب الحديث ج‪ 1 :‬ص‪381 :‬‬
‫مفاخرهم‬ ‫ده الناس من َ‬ ‫شَرف بالباء وماي َعُ ّ‬ ‫حسب في الصل ‪ .‬ال ّ‬ ‫ال َ‬
‫جل وان لم يكن له آَباء‬ ‫كرم يكونان في الر ُ‬ ‫حسب وال َ‬ ‫‪ .‬وقيل ال َ‬
‫جد ليكونان إل ّ بالباء‬ ‫م ْ‬‫شرف وال َ‬ ‫شرف وال ّ‬ ‫لُهم َ‬
‫فهم أرادوا النتقاص من قبيلة النبي صلى الله عليه وسلم بني‬
‫هاشم في مفاخرهم ولهذا جعلوا النبي مثل النخلة وهي شيء‬
‫مكرم عند العرب فالنبي عند قريش إنسان عظيم وجعلوا بني‬
‫هاشم كالكبوة وهي أن تلقى الكناسة أي أن النبي كرجل فهو‬
‫عظيم معروف بأخلقه العالية لكن قبيلته ل مكانة لها وما يدل‬
‫على ذلك صراحة الرواية التالية‪:‬‬
‫مجمع الزوائد ج‪ 8 :‬ص‪215 :‬‬

‫‪314‬‬
‫وعن عبدالله بن عمر قال إنا لقعود بفناء رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم إذ مرت امرأة فقال رجل من القوم هذه ابنة محمد‬
‫فقال رجل من القوم إن مثل محمد في بني هاشم مثل الريحانة‬
‫في وسط النتن فانطلقت المرأة فأخبرت النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الغضب‬
‫ثم قام على القوم فقال ما بال أقوال تبلغني عن أقوام إن الله‬
‫عز وجل خلق السموات سبعا فاختار العليا منها فسكنها وأسكن‬
‫سمواته من شاء من خلقه وخلق الخلق فاختار من الخلق بني‬
‫آدم واختار من بني آدم العرب واختار من العرب مضر واختار‬
‫من مضر قريشا واختار من قريش بني هاشم واختارني من بني‬
‫هاشم فأنا من خيار إلى خيار فمن أحب العرب فبحبي أحبهم‬
‫ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم رواه الطبراني في الكبير‬
‫والوسط إل انه قال فمن أحب العرب فلحبي أحبهم ومن أبغض‬
‫العرب فلبغضي ابغضهم وفيه حماد بن واقد وهو ضعيف يعتبر به‬
‫وبقية رجاله وثقوا‬
‫ونذكر رواية تذكر الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وكيف كان معروفا لدى قريش في اليوم الذي ولد فيه أنه‬
‫ابن عبد الله بن عبد المطلب‪:‬‬
‫المستدرك على الصحيحين ج‪ 2 :‬ص‪656 :‬‬
‫‪ 4177‬حدثنا أبو محمد عبد الله بن حدثنا يعقوب بن سفيان حدثنا‬
‫أبو غسان محمد بن يحيى الكناني حدثني أبي عن بن إسحاق قال‬
‫كان هشام بن عروة يحدث عن أبيه عن عائشة رضي الله عنهما‬
‫قالت ثم كان زفر قد سكن مكة يتجر بها فلما كانت الليلة التي‬
‫ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مجلس من‬
‫قريش يا معشر قريش هل الليلة مولود فقالوا والله ما نعلمه‬
‫قال الله أكبر أما إذا أخطأكم فل بأس فانظروا واحفظوا ما أقول‬
‫لكم ولد هذه الليلة نبي هذه المة الخيرة بين كتفيه علمة فيها‬
‫شعرات متواترات كأنهن عرف فرس ل يرضع ليلتين وذلك أن‬
‫عفريتا من الجن أدخل أصبعيه في فمه فمنعه الرضاع فتصدع‬
‫القوم من مجلسهم وهم متعجبون من قوله وحديثه فلما صاروا‬
‫إلى منازلهم أخبر كل إنسان منهم أهله فقالوا قد ولد لعبد الله‬
‫بن عبد المطلب غلم سموه محمدا فالتقى القوم فقالوا هل‬
‫سمعتم حديث اليهودي وهل بلغكم مولد هذا الغلم فانطلقوا‬
‫حتى جاءوا اليهودي فأخبروه الخبر قال فاذهبوا معي حتى أنظر‬
‫إليه فخرجوا حتى أدخلوه على آمنة فقال اخرجي إلينا ابنك‬
‫فأخرجته وكشفوا له عن ظهره فرأى تلك الشامة فوقع اليهودي‬
‫مغشيا عليه فلما أفاق قالوا ويلك ما لك قال ذهبت والله النبوة‬

‫‪315‬‬
‫من بني إسرائيل فرحتم به يا معشر قريش أما والله ليسطون‬
‫بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق والمغرب وكان في النفر‬
‫يومئذ الذين قال لهم اليهودي ما قال هشام بن الوليد بن المغيرة‬
‫ومسافر بن أبي عمرو وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وعتبة‬
‫بن ربيعة شاب فوق المحتلم في نفر من بني مناف وغيرهم من‬
‫قريش هذا حديث صحيح السناد ولم يخرجاه وقد تواترت الخبار‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد مختونا مسرورا وولد‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار التي في الزقاق‬
‫المعروف بزقاق المدكل بمكة وقد صليت فيه وهي الدار التي‬
‫كانت بعد مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم في يد عقيل‬
‫بن أبي طالب في أيدي ولده بعده‬
‫إذن قريش كانت تقر أن النبي صلى الله عليه وسلم ابن عبد‬
‫الله بن عبد المطلب وفي صحيح مسلم في قصة صلح الحديبية‬
‫دليل قاطع على عدم اعتراض قريش على نسب النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪:‬‬
‫صحيح مسلم ج‪ 3 :‬ص‪1411 :‬‬
‫‪ 1784‬حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان حدثنا حماد بن‬
‫سلمة عن ثابت عن أنس ثم أن قريشا صالحوا النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فيهم سهيل بن عمرو فقال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم لعلي اكتب بسم الله الرحمن الرحيم قال سهيل أما باسم‬
‫الله فما ندري ما بسم الله الرحمن الرحيم ولكن اكتب ما نعرف‬
‫باسمك اللهم فقال اكتب من محمد رسول الله قالوا لو علمنا‬
‫أنك رسول الله لتبعناك ولكن اكتب اسمك واسم أبيك فقال‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم اكتب من محمد بن عبد الله‬
‫فاشترطوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن من جاء منكم لم‬
‫نرده عليكم ومن جاءكم منا رددتموه علينا فقالوا يا رسول الله‬
‫أنكتب هذا قال نعم إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله ومن جاءنا‬
‫منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا‬
‫فقد اعترضت قريش على انه رسول الله وطلبوا منه كتابة اسمه‬
‫واسم أبيه فكتب محمد بن عبد الله ولم يعترض أحد فأين‬
‫العتراض المزعوم؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ونختم برواية صحيحة تذكر‬
‫بوضوح كيف كان نسب النبي صلى الله عليه وسلم معروفا لدى‬
‫العرب‪:‬‬
‫صحيح ابن خزيمة ج‪ 4 :‬ص‪13 :‬‬
‫‪ 2260‬حدثنا محمد بن عيسى حدثنا سلمة يعني بن الفضل قال‬
‫محمد بن إسحاق وهو بن يسار مولى مخرمة وحدثني محمد بن‬
‫مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري عن أبي بكر بن عبد‬

‫‪316‬‬
‫الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي عن أم سلمة بنت أبي‬
‫أمية بن المغيرة قالت ثم لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها حين‬
‫جاء النجاشي فذكر الحديث بطوله وقال في الحديث قالت وكان‬
‫الذي كلمه جعفر بن أبي طالب قال له أيها الملك كنا قوما أهل‬
‫جاهلية نعبد الصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الرحام‬
‫ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك حتى‬
‫بعث الله إلينا رسول منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه‬
‫فدعانا إلى الله لتوحيده ولنعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا‬
‫من دونه من الحجارة والوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء المانة‬
‫وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا‬
‫عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة وأن‬
‫نعبد الله ل نشرك به شيئا وأمرنا بالصلة والزكاة والصيام قالت‬
‫فعدد عليه أمور السلم فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به‬
‫من ثم الله فعبدنا الله وحده ولم نشرك به وحرمنا ما حرم علينا‬
‫وأحللنا ما أحل لنا ثم ذكر باقي الحديث‪.‬‬
‫فنسب النبي كان معروفا ل اعتراض حوله جدير بالذكر أن هذه‬
‫الواقعة التي كانت في بلط النجاشي حضرها سيدنا عمرو بن‬
‫العاص وهو كافر يومئذ جاء يسترد المسلمين الذي هاجروا إلى‬
‫الحبشة وحاول في سبيل ذلك كل طاقته وهو سمع هذا الكلم‬
‫وكيف أن نسب النبي صلى الله عليه وسلم معروف ل اعتراض‬
‫عليه وقد سكت ولم يعترض فأن العتراض‬
‫المزعوم؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟‬
‫في الخير ارجوا أني قد وفقت إلى الرد على هذا الفتراء فإن‬
‫كان حقا فمن الله وإن كان غير ذلك فمن نفسي والشيطان‬
‫والصلة والسلم على محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه و آخر‬
‫دعوانا أن الحمد لله رب العلمين‬
‫====================‬
‫شبهة أن الرسول طلق سودة لنها أسنت‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫اعترضوا على أن الرسول طلق سودة لنها أسنت واستدلوا‬
‫استدلل خاطئ بما جاء فى الصحيحين‬
‫من حديث هشام بن عروة أن سودة بنت زمعة لما أسنت وهبت‬
‫يومها لعائشة‬
‫ومن صحيح البخارى عن عروة قال لما أنزل الله فى سودة‬
‫وأشباهها وإن أمرأة خافت من بعلها نشوزا ً أوإعراضا ً وذلك أن‬
‫سودة كانت إمرأة قد أسنت فعرفت حب الرسول لعائشة‬

‫‪317‬‬
‫ومنزلتها منه فوهبت لها يومها ولم ترغب فى أن يفارقها الرسول‬
‫فقبل الرسول ذلك] هذا ليس نص الحديث[‬
‫الرد على هذه الشبهة‬
‫إن زواج الرسول من سودة كان من الساس زواج رحمة ورأفة‬
‫ل زواج رغبة فقد كانت فى السادسة والستين من العمر وكانت‬
‫قد أسلمت وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة فرارا ً من أذى‬
‫الجاهلين من قريش ومات بعد أن عادا وكان اهلها ل يزالون على‬
‫الشرك فإذا عادت إليهم فتنوها عن دينها فتزوجها الرسول‬
‫لحمايتها من الفتنة ولكن بعد زمن وصلت السيدة سودة إلى‬
‫درجة من الشيخوخة يصعب معها على الرسول أن يعطيها كامل‬
‫حقوقها فأراد تطليقها أيضا ً رأفة بها كى ل يذرها كالمعلقة] ولكى‬
‫ل يأتى الجهال فى عصرنا ليقولوا أن الرسول لم يكن يعدل بين‬
‫زوجاته[فقالت رضى الله عنها ] إنى قد كبرت ول حاجة بى‬
‫للرجال ولكنى أريد أن أبعث بين نسائك يوم القيامة[ فأنزل الله‬
‫تعالى] وإن أمرأة خافت من بعلها نشوزا ً أو إعراضا ً فل جناح‬
‫عليهما أن يصلحا بينهما صلحا ً والصلح خير وأحضرت النفس‬
‫الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا[‬
‫علمتنا هذه الية أنه إذا خافت امرأة من زوجها نفور أو إعراض‬
‫فلها أن تسقط عنه بعض حقوقها سواء نفقة أو كسوة أو مبيت‬
‫وله أن يقبل ذلك فل حرج عليها فى بذلها ذلك له ول حرج عليه‬
‫فى قبوله فراجعها الرسول وكان يحسن إليها كل الحسان‬
‫================‬
‫شبهة تعدد زوجات الرسول‬
‫رد الشيخ محمد الغزالي على شبهة تعدد زوجات الرسول‪-‬ص‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‬
‫كل من قرأ بإنصاف عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعرف‬
‫سيرته ل يملك إل أن يثني على هذا الرجل العظيم ‪،‬الذي أفنى‬
‫حياته في سبيل الله ‪،‬وتبليغ رسالته ‪،‬والعارف بسيرته صلى الله‬
‫عليه وسلم ليعلم أنه لم يكن صاحب شهوة ‪،‬فقد تزوج من‬
‫السيدة خديجة وهو ابن خمس وعشرين ‪،‬وكانت هي في الربعين‬
‫من عمره‪،‬ولم يتزوج معها غيرها طيلة حياتها ‪،‬وقد ماتت وهو‬
‫فوق الخمسين ‪،‬فهل من المعقول أن الزواج بعد الخمسين كان‬
‫لشهوة‪،‬بعد أن أمضى زهرة شبابه مع امرأة عجوز؟!!‬
‫ثم إن المانة التي تحملها النبي صلىالله عليه وسلم لم تكن‬
‫لتترك له فرصة أن يستمتع بحياته كمااستمتع الخرون‪.‬‬

‫‪318‬‬
‫واللئي تزوجهن الرسول صلىالله عليه وسلم كلهن باستثناء‬
‫عائشة سبق لهن الزواج ‪،‬فلو كان يبغي الشهوة والجمال لتزوج‬
‫الحسان ‪،‬وهو نبي المة !!‬
‫فا‬
‫والقارئ لقصة زواجه ليعلم أنه ما تزوج لشهوة ‪،‬وإنما كان تخفي ً‬
‫عن اللئي تزوجهن‪،‬وحفاظا عليهن من صروف الزمان ‪.‬‬
‫يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله ‪:‬‬
‫انطلقت هذه الشائعة بين الوروبيين حتى كادت تكون بينهم‬
‫يقيًنا! قالوا‪ :‬كان لمحمد تسع نسوة يتقلب في أحضانهن ويشبع‬
‫شبابه المنهوم‪ ،‬ل يسأم من واحدة حتى يتجدد هواه مع أخرى‪..‬‬
‫وقالوا‪ :‬إن ساغ ذلك لواحد من الناس فما يسوغ من داع إلى‬
‫الروحانية يصل الناس بالسماء‪ ،‬ويحدثهم عن الله والدار الخرة!‪.‬‬
‫إن هذا العشق المشبوب للمرأة له دللة واسعة‪ ،‬فالرجل رجل‬
‫دنيا وليس رجل دين‪ ،‬وما نصدق مزاعمكم معشر المسلمين عن‬
‫تجرده وتقواه‪.‬‬
‫حا فما استنتجتموه حق! لكن هذا‬ ‫قلت‪ :‬إذا كان ما قلتموه صحي ً‬
‫الذي ذكرتم لون من تحريف الكلم عن مواضعه يجعله أدنى إلى‬
‫الكذب‪ ..‬إن تاريخ محمد من ألسنة العدو والصديق يشهد بغير ما‬
‫ذكرتم‪ ،‬فقد تزوج في الخامسة والعشرين من عمره بامرأة في‬
‫الربعين من عمرها‪ ،‬وظل معها وحدها قريًبا من ثمان وعشرين‬
‫سنة حتى ماتت فأين هذه المتع التي تصفون؟‪.‬‬
‫عندما كان في الربعين من عمره كانت شيخة في الخامسة‬
‫والخمسين‪ ،‬وعندما كان في الثالثة والخمسين كانت تقترب من‬
‫السبعين فأين الحسناوات اللتي يتنقل بين صدورهن كما‬
‫تزعمون؟ وهو كما يقرر العدو قبل الصديق ل يعرف إل الوفاء‬
‫للسيدة العجوز التي قضى معها شبابه كله‪.‬‬
‫ثم ماتت زوجته خديجة في عام أطلق عليه عام الحزن‪،‬‬
‫فاستقدم إلى داره امرأة تقاربها في السن هي التي هاجرت معه‬
‫إلى المدينة‪..‬‬
‫وصحيح أنه في السنوات العشر الخيرة من حياته اجتمعت لديه‬
‫نسوة أخريات! من هن؟ مجموعة من الرامل المنكسرات‬
‫أحاطت بهن ظروف صعبة‪ ،‬لم يشتهرن بالجمال ول كان لهن من‬
‫السن المبكرة ما يحدد الحياة اللهم إل بكًرا واحدة بنت صديقه‬
‫قا لعلقاتهما‪ .‬وتزوج بعدها حفصة بنت‬ ‫أبي بكر تزوجها توثي ً‬
‫صديقه عمر‪ ،‬ولم تعرف بجمال‪ ،‬بل بدا أن البناء بها بعد موت‬
‫زوجها كان جبر خاطر ودعم مودة وجهاد!!‪..‬‬
‫وتزوج أم حبيبة المهاجرة إلى الحبشة‪ ،‬إنه لم يرها هناك بيد أنه‬
‫يعرف إسلمها برغم أنف أبيها زعيم المشركين يومئذ‪ ،‬وبقاءها‬

‫‪319‬‬
‫على السلم برغم أنف زوجها الضائع فهل يتركها في وحشتها‬
‫وعزلتها؟ لقد أرسل يخطبها ويعز جانبها‪.‬‬
‫وكلما أحاطت ظروف سيئة بامرأة ذات مكانة‪ ،‬ضمها إليه‪ ،‬وما‬
‫كان للشهوة موضع يلحظ‪ ،‬وأدركت النسوة القادمات هذه‬
‫الحقيقة‪ ،‬وعرفن أن هذا الوضع فوق طاقة النسان العادي‪،‬‬
‫فعرض بعضهن في صراحة أن يبقى منتسًبا للبيت النبوي مكتفًيا‬
‫بهذا الشرف‪ ،‬ومتنازل ً عن حظ المرأة من الرجل‪ ،‬فإن الرسول‬
‫آواهن مستجيًبا لنداء إنساني ل لبواعث الغريزة! أين مكان‬
‫الغريزة والحالة على ما شرحنا؟‬
‫وفي استبقاء أولئك الزوجات على ما ارتضين نزلت آيات كريمة‪.‬‬
‫ضا‬
‫منها قوله تعالى‪" :‬وإن امرأة خافت من بعلها نشوًزا أو إعرا ً‬
‫حا‪ .‬والصلح خير" ومنها‬ ‫فل جناح عليهما أن يصلحها بينهما صل ً‬
‫قوله "ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء‪ .‬ومن ابتغيت‬
‫ممن عزلت فل جناح عليك‪ .‬ذلك أدنى أن تقر أعينهن ول يحزن‬
‫ويرضين بما آتيتهن كلهن‪."..‬‬
‫إنه ل يستطيع إل ذلك‪ ،‬فإن دوافع الشهوة كانت ميتة وراء هذا‬
‫التعدد الذي فرضته أزمات أحاطت ببعض المؤمنات العريقات‪..‬‬
‫ولنفرض جدل ً أن العجاب بالجمال هو الذي أوحى بتزوج‬
‫بعضهن‪ ،‬أفكانت أيام الحصار المضروب على الدعوة‪ ،‬والزمات‬
‫الخانقة التي يتعرض لها المسلمون عامة‪ ،‬وأهل البيت النبوي‬
‫خاصة‪ ،‬تيسر للمؤمنين ونبيهم طعم الراحة؟ ما أشقى ربات‬
‫ذا للمستضعفين‬ ‫البيت عندما يكون رب البيت أًبا لمة كبيرة ومل ً‬
‫واللجئين وناشدي العون في الصباح والمساء‪ ،‬إنه يؤثر غيره بما‬
‫لديه ويبيت هو واللتي معه – على الطوى‪..‬‬
‫روى البخاري ومسلم عن عائشة قالت‪ :‬ما شبع آل محمد من‬
‫خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله –صلى الله‬
‫عليه وسلم‪..-‬‬
‫وعند مسلم قالت عائشة‪ :‬لقد مات رسول الله وما شبع من خبز‬
‫وزيت في يوم واحد مرتين‪..‬‬
‫وعند الترمذي‪ ،‬قال مسروق‪ :‬دخلت على عائشة فدعت لي‬
‫بطعام وقالت‪ :‬ما أشبع فأشاء أن أبكي إل بكيت! قلت‪ :‬لم؟‬
‫قالت‪ :‬أذكر الحال التي فارق عليها رسول الله الدنيا! والله ما‬
‫شبع من خبز ولحم مرتين في يوم!‬
‫وعند البيهقي قالت‪ :‬ما شبع رسول الله ثلثة أيام متوالية‪ ،‬ولو‬
‫شئنا لشبعنا‪ ،‬ولكنه كان يؤثر على نفسه!‬
‫وعند الطبراني ما كان ما كان يبقى على مائدة رسول الله شيء‬
‫من خبز الشعير قليل ول كثير! قال الحسن‪" :‬كان رسول الله –‬

‫‪320‬‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬يواسي الناس بنفسه‪ ،‬حتى جعل يرقع‬
‫إزاره بالدم" ما أكثر العفاة الطارقين‪ ،‬يلتمسون المطعم‬
‫والملبس!!‬
‫وكان الناس ربما اقتحموا البيت النبوي قبل إعداد الطعام بوقت‬
‫ل‪ ،‬ول ريب أن ذلك‬ ‫طويل‪ ،‬أو جلسوا بعد الفراغ منه وقًتا طوي ً‬
‫كان يشق على رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬ويجد منه‬
‫ما لهذا‬‫ما صار ً‬‫الحرج فلم يكن بد من تنزل الوحي اللهي يضع نظا ً‬
‫التسيب قال تعالى‪" :‬يأيها الذين آمنوا ل تدخلوا بيوت النبي إل أن‬
‫يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه‪ ،‬ولكن إذا دعيتم فادخلوا‪،‬‬
‫فإذا طعمتم فانتشروا ول مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي‬
‫النبي فيستحي منكم والله ل يستحي من الحق‪."..‬‬
‫إن زوجات النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬تعبن معه طويل ً في‬
‫خدمة المجتمع وتعليم الناس ومعاونة الضعفاء واستقبال الوفود‪.‬‬
‫وكان مألوًفا أن يصحو النبي للصلة‪ ،‬ويصلي بالناس في المسجد‬
‫ثم يعود إلى بيته ليسأل عن شيء يفطر به فل يجده فينوي‬
‫الصيام‪ ..‬وربما وجد بعض الخل فل يضجر ول يشقى بل يقبل‬
‫ل‪ :‬نعم الدم الخل‪ !!..‬هذا هو نهج الحياة التي‬ ‫عليه راضًيا قائ ً‬
‫عا بالدنيا بين‬
‫ذا بالنساء واستمتا ً‬ ‫يزعم الوربيون أنها كانت تلذ ً‬
‫أحضانهن‪ ..‬أين هذه الدنيا الناعمة؟؟‬
‫وقد ذكر كتاب السيرة جميًعا كيف ضاقت الزوجات بهذا‬
‫الشظف‪ ،‬وكيف اجتمعن على المطالبة بتغييره‪ ،‬وكيف تطلعن‬
‫إلى حياة أهدأ وأهنأ‪ ..‬فلما بوغتن بالرد الصارم‪ :‬هذا أو الفراق!‬
‫ثابت إلى نفوسهن مشاعر اليمان وآثرن انتظار الخرة‪ ،‬والعيش‬
‫في ظل النبوة المكافحة على استعجال الطيبات في هذه الدنيا‪..‬‬
‫ضا على بيت الوحي أن يعيش كأضعف بيت في الدنيا‪،‬‬ ‫كان مفرو ً‬
‫وأن يتحمل المقيمات به كل ما يتحمله المهاجرون الذين أخرجوا‬
‫من ديارهم وأموالهم‪ ،‬وعاشوا من بعد على ما تيسر‪..‬‬
‫وكافأهن الله سبحانه على هذا البذل‪ ،‬بأن صرن أمهات‬
‫للمؤمنين‪ ،‬وهو لقب –كما رأيت‪ -‬فيه من التكليف مثل ما فيه من‬
‫التشريف‪..‬‬
‫أكانت هناك ديانة أرضية أو سماوية تنهي عن تعدد الزوجات؟ أو‬
‫ترى فيه أدنى شائبة؟ ل‪ ،‬بل إن أنبياء العهد القديم ألفوا التعدد‬
‫دون حدود! والمذكور عن سليمان وحده أنه تزوج بثلثمائة امرأة‪.‬‬
‫وليس في النصرانية نهى عن التعدد‪ ،‬وقد حكى "ويل ديورانت"‬
‫في قصة الحضارة عن آثام الحبار والرهبان ما يثير الشمئزاز!‬
‫فلنترك الدين إلى الفلسفة! ولننظر إلى فلسفة الغريق لنرى‬
‫كيف يعيش قادة الفكر القديم‪!..‬‬

‫‪321‬‬
‫وقد كنت راغًبا عن ذكر هذه الدنايا‪ ،‬ولكني رأيت الطاعنين في‬
‫محمد يجمعون بين قلة الحياء وكثرة الفتراء فقلت‪ :‬ما بد من‬
‫حمل العصا‪..‬‬
‫كتب ماجد نصر الدين في صحيفة اللواء الردنية مقال ً عنوانه‬
‫"لماذا ينهل المثقفون من تراث موبوء بالشذوذ؟" نقتطف منه‬
‫هذه الجملة "إن الفلسفة الذين يعتبرهم البعض مثله العلى هم‬
‫لواطيون‪ ،‬شاذون جنسًيا‪ ،‬يفخرون بشذوذهم‪ ،‬ويتباهون بمضاجعة‬
‫الغلمان!! وقد كرهت امرأة سقراط رجلها وعافت عشرته‬
‫لتعلقه بأحد تلميذه‪ ،‬وقس على ذلك أفلطون الذي تعرف على‬
‫سقراط وهو صغير‪ ،‬وسقراط مشهور بهذا الداء ومتهم بإفساد‬
‫الشباب‪..‬‬
‫ويزعم أرسطو أن نسبة الشواذ في عصره تعادل نسبة‬
‫الطبيعيين وقد جرت على لسانه عبارات ل نجرؤ على نقلها هنا‪.‬‬
‫وتقول مؤلفة "الجنس في التاريخ‪ :‬إن معظم المجتمعات حرمت‬
‫اللواط‪ ،‬أو تجاهلته إل اليونان‪ ،‬فإن البغاء المذكر كان شائًعا‪،‬‬
‫ويمكن استئجار الغلمان!"‪.‬‬
‫والحضارة الغربية الحديثة ورثت عن اليونان والرومان مباذل‬
‫وضيعة مخزية‪ ،‬ومع ذلك فهي تتغافل بخبث عن عللها‪ ،‬وتتناسى‬
‫الدنس الذي تصبح فيه وتمسى‪ ،‬وتبسط لسانها بالذى في سيرة‬
‫أمير النبياء‪ ،‬ومعلم المم الطهر والعفاف!!‬
‫ربما قال قائل‪ :‬آمنا بأن تعدد الزوجات كان مألوًفا في الديانات‬
‫الرضية والسماوية حتى جاء السلم فوضع عليه القيود‪ ،‬فلماذا‬
‫لم يلتزم نبي السلم بالعدد الذي وقف المسلمين عنده؟ ألم‬
‫يجيء في الحاديث الصحاح أنه أمر رجل ً لديه عشر زوجات أن‬
‫يمسك أربًعا ويسرح الباقيات؟‬
‫قلت‪ :‬سؤال صحيح! فلنتدبر الجابة عليه! إن النسوة الست التي‬
‫طلقهن صاحب العشرة سيتركن بيته ويجدن بيوًتا أخرى‪ ،‬فلهن‬
‫حق الزواج ممن أحببن‪ ،‬ول حرج على أحد في التزوج منهن!‪.‬‬
‫لكن ماذا عسى يفعل زوجات الرسول إذا كان الوحي قد نزل‬
‫من قبل يقول للمسلمين‪" :‬وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله‪،‬‬
‫دا إن ذلكم كان عند الله‬ ‫ول أن تنكحوا أزواجه من بعده أب ً‬
‫ما"‪.‬‬
‫عظي ً‬
‫لقد صرن أمهات للمؤمنين وفق النص القائل‪" :‬النبي أولى‬
‫بالمؤمنين من أنفسهن وأزواجه أمهاتهم‪ "..‬وما كان لمؤمن أن‬
‫يتزوج أمه! فهل يسوغ بعد هذا تسريحهن ليعشن في وحدة‬
‫وإياس؟‬

‫‪322‬‬
‫ولنفرض زوًرا أن تسريحهن مطلوب فهل هذا هو الجزاء اللهي‬
‫لنسوة تحملن مع صاحب الرسالة شظف العيش ومشقات‬
‫الحصار المضروب على أمته؟‬
‫لقد اخترن البقاء معه عندما خيرهن‪ ،‬وأبين العودة إلى أهلهن في‬
‫بيوت أمل بالسمت والعسل‪ ،‬وحملهن اليمان على البقاء في جو‬
‫التهجد والصيام والكفاح مع النبي الذي انتصب لمقاومة الضلل‬
‫في العالمين‪ ،‬فهل يكون الجزاء بعد هذا الوفاء الخلص منهن؟‬
‫إن الله أذن ببقائهن‪ ،‬والقتصار عليهن‪ ،‬وصدر لهن تشريع خاص‬
‫"ل يحل لك النساء من بعد ول أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك‬
‫حسنهن‪ ،‬إل ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيًبا"‪.‬‬
‫وإن أسائل الهاجمين على محمد من خلل هذه الثغرة المزعومة‬
‫في حياته‪ :‬أهي محاكمة خاصة لهذا النسان الشريف؟ ومحاولة‬
‫متعمدة للنيل منه وحده؟ أعرف أن مساءات كثيرة وجهت لنبياء‬
‫من قبله‪ ،‬وتعرض الرجال الصالحون لقبح التهم! ألم يتهم النبي‬
‫الطاهر لوط بأنه زنى بابنتيه كلتيهما بعد ما أفقدته الخمر وعيه‬
‫وأنجب منهما؟ ألم يتهم النبي يعوقب بأنه سرق منصب النبوة‬
‫من أخيه الكبر عيصو بعد عملية احتيال ماكرة على أبيه الذي‬
‫كف بصره؟ أم يتهم سليمان بأنه انطلق في شوارع القدس‬
‫يبحث عن الحبيب المجهول ليأخذه إلى فراشه‪ ،‬مع أن عنده ألف‬
‫امرأة؟ إن هذا البحث الماجن استغرق عدة صفحات مليئة بجمل‬
‫طائشة تحت عنوان نشيد النشاد الذي لسليمان! من شاء قرأه‬
‫في العهد القديم‪.‬‬
‫ومع جنون التهام الذي سيطر على كاتبي هذه الصحف‪ ،‬فإن‬
‫المتهمين بقوا أنبياء مكرمين! أما سليمان فقد جعله اليهود مل ً‬
‫كا‪،‬‬
‫ولكن أي ملك؟ إنه باني الهيكل الذي يجب أن يعاد بناؤه ليكون‬
‫مسكًنا للرب يتجلى فيه بهاؤه ويحكم العالم كله من سدته‬
‫بوساطة شعبه المختار من بني إسرائيل!‬
‫أما محمد الصوام القوام لله طوال حياته‪ ،‬والذي جمع آخر عمره‬
‫بضع نسوة من الرامل والمصابات عشن معه على مستويات‬
‫الضرورة‪ ،‬وتمحضن لله والدار الخرة فهو وحده الذي يستباح‬
‫وتتوارث الضغائن عليه‪ ،‬ويتجمع حلف الطلسي لحماية شاتميه!!‬
‫ومن أولئك الشاتمون الغاضبون؟ أهم رهبان وقذتهم العبادة‬
‫وكبتوا حب النساء في دمائهم فهم يشتهون ويميتون شهواتهم‬
‫ابتغاء رضوان الله كما يزعمون؟ كل‪ ،‬إنهم أفراد وشعوب شربوا‬
‫كؤوس الشهوات حتى الثمالة‪ ،‬ولم يتركوا باًبا للذة إل افتتحوه‬
‫دون تهيب أو حياء‪.‬‬

‫‪323‬‬
‫وحضارة أوروبا تميزت بأنها يسرت للدهماء من المتع ما كان‬
‫حكًرا على الملوك والرؤساء فأضحى الصعلوك قادًرا على‬
‫دا ما تحجزه عن‬ ‫دا طلب مزي ً‬
‫التصال بسبعين امرأة كلما ذاق جدي ً‬
‫دناياه تقاليد ول قوانين‪ ،‬وفي هذا الوسط من الدنس يذمون‬
‫دا وينالون منه! أي منطق هذا المنطق الجائر الظلوم؟‬ ‫محم ً‬
‫إن السلم لم يأمر بتعدد الزوجات‪ ،‬فإن الزواج ليس نشداًنا للذة‬
‫فقط وإنما هو قدرة على التربية ورعاية السرة‪ ،‬فمن عجز عن‬
‫ذلك كلفه السلم بالصوم‪ ،‬ونحن نوجه للوروبيين سؤال ً ل مهرب‬
‫منه‪ :‬هل التعدد الذي أذن السلم به أفضل أم الزنى‪.‬‬
‫إنني أسائل كل منصف صادق‪ :‬هل المجتمعات الوروبية تكتفي‬
‫بالواحدة أم أن التعدد قانون غير مكتوب يخضع له الكثيرون؟ وثم‬
‫سؤال آخر‪ :‬هل الضرورات هي التي تدفع إلى التعدد الحرام أم‬
‫إن الثارات المتعمدة في الختلط المطلق وفي تقاليد الرقص‬
‫التي ل آخر لها من وراء هذا الفيضان من العلقات الثمة؟؟‬
‫وأختم هذا القول بسؤال حاسم‪ :‬هل وعي التاريخ الجاد سيرة‬
‫قا وأشرف ثوًبا وأغير على الحرمات وأبعد عن‬ ‫رجل أعف خل ً‬
‫الشبهات من محمد؟ ‪..‬؟‪.‬‬
‫هل حكى عن أحفال في بيته رصت فيها الموائد وعليها زجاجات‬
‫الخمور‪ ،‬وأطايب الطعمة‪ ،‬وأنواع المشهيات والهواضيم؟‬
‫لقد كانت عيدان الحصير تنطبع على جلده وهو نائم‪ ،‬أو جالس‪،‬‬
‫فإذا ظفر مع أصحابه بالخبز واللحم عد ذلك من النعيم الذي‬
‫يسأل الناس عنه يوم القيامة!!‬
‫فهل هذا النبي الفارس المخشوشن الجلد يوصف بأنه من‬
‫أصحاب الشهوات ومن الذي يصفه؟ الذين ابتلهم الله "باليدز"‬
‫بعد ما ابتلهم بالزهري وغيره من أمراض السفاف والسراف‬
‫والسقوط!!‬
‫وطاولت الرض السماء سفاهة وعيرت الشهب الحصا والجنادل!‬
‫وقال السها للشمس أنت ضئيلة وقال الدجى للصبح‪ :‬لونك‬
‫حائل!‬
‫فياموت زر إن الحياة ذميمة ويا نفس جدي إن دهرك هازل‬
‫والله أعلم‬
‫===============‬
‫زوجات ل عشيقات‬
‫للمؤلف ‪ /‬حمدي شفيق‬
‫الفصل الول ‪ :‬تعدد الزوجات قبل السلم‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬أسباب تعدد الزوجات في السلم‬
‫الفصل الثالث ‪ :‬زوجات النبي صلى الله عليه وسلم‬

‫‪324‬‬
‫الفصل الول‬
‫تعدد الزوجات قبل السلم‬
‫تعدد الزوجات من النظم التي تعرضت لهجمات المستشرقين‬
‫الشرسة في إطار حملت مسعورة لم تتوقف أبدا للطعن في‬
‫السلم العظيم و رسوله المين )صلى الله عليه وسلم( ‪.‬‬
‫والحملة على التعدد بدأها اليهود مبكرا في عهد الرسول عليه‬
‫الصلة و السلم ‪.‬‬
‫عن عمر مولى غفرة ‪ )) :‬قالت اليهود لما رأت الرسول )صلى‬
‫الله عليه وسلم( يتزوج النساء ‪ :‬انظروا إلى هذا الذي ل يشبع‬
‫من الطعام ‪ ،‬ول والله ماله همة إل النساء (( ‪ ،‬وحسدوه لكثرة‬
‫نسائه وعابوه بذلك ‪ ..‬وقالوا – لعنهم الله – )) لو كان نبيا ما‬
‫رغب في النساء ‪ ..‬وكان أشدهم في ذلك حيى بن أخطب ‪،‬‬
‫فكذبهم الله تعالى وأخبرهم بفضله وسعته على نبيه ‪ ،‬ونزل قوله‬
‫سبحانه ‪} :‬أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله { –‬
‫يعنى رسول الله )صلى الله عليه وسلم( – } فقد آتينا آل‬
‫إبراهيم الكتاب و الحكمة وآتيناهم ملكا عظيما { )‪ (1‬يعني‬
‫سبحانه ما آتى داود وسليمان عليهما السلم ‪ ،‬فقد تزوج كلهما‬
‫أكثر مما تزوج نبينا محمد )صلى الله عليه وسلم( ‪ ،‬وكان لكل‬
‫منهما من الجواري ما لم يمتلك مثله رسولنا عليه السلم ‪.‬‬
‫وعلى مر العصور ظل أعداء هذا الدين في الداخل و الخارج‬
‫يحاولون النتقاص من مبدأ التعدد ‪ ،‬واتخاذه ذريعة للتشكيك في‬
‫القرآن الكريم والرسول العظيم والشريعة الغراء ‪.‬‬
‫ووصل المر بإحدى الدول السلمية إلى حظر تعدد الزوجات‬
‫واعتباره جريمة يعاقب عليها ‪ ،‬على غرار الدول الغربية !! وفي‬
‫مصر‪ ..‬حاولت جيهان زوج الرئيس الراحل أنور السادات‬
‫استصدار قانون مشابه يمنع التعدد ‪ ،‬لكن رجال الزهر الشريف‬
‫والتيار السلمي الجارف نجحوا في إحباط المحاولة ‪ ،‬وإن كانت‬
‫جيهان قد نجحت في تمرير قانون يجعل اقتران الرجل بأخرى‬
‫إضرارا بالزوجة الولى يعطيها الحق في طلب الطلق !! وبعد‬
‫مقتل السادات وانهيار سطوة جيهان تم إلغاء هذه المادة‬
‫المخالفة للشريعة الغراء ‪.‬‬
‫ولكن وسائل العلم المختلفة لم تتوقف عن مهاجمة التعدد‬
‫الشرعي والسخرية منه ‪ ،‬والتندر على معددي الزوجات في‬
‫الفلم والمسلسلت الساقطة التي تقوم في ذات الوقت بتزيين‬
‫الفواحش ‪ ،‬وتعرض اتخاذ العشيقات على أنه أمر كوميدي‬
‫للتسلية والفكاهة والتبسيط !!! وخرجت امرأة علمانية على‬
‫شاشة محطة دولية تهاجم التعدد في السلم ‪!!..‬‬

‫‪325‬‬
‫ووصل البعض إلى غاية السفه والضلل عندما نشر في صحيفة‬
‫أسبوعية قاهرية سلسلة مقالت عنوانها )) تعدد الزوجات‬
‫حرام (( !! هكذا بكل بساطة يحاول جاهل مغمور إلغاء نصوص‬
‫القرآن والسنة بجرة قلم أحمق مخبول !!!‬
‫ووصل تضليل الرأي العام في البلد السلمية حدا جعل النساء‬
‫في ريف مصر يتداولون قول شائعا عن الرجل ‪ )) :‬جنازته ول‬
‫جوازته (( ‪ ،‬أي موته أفضل من زواجه بأخرى !!‬
‫لكل هذه السباب وغيرها جاء هذا )الكتاب( ‪ ..‬وهو محاولة‬
‫متواضعة لتصحيح المفاهيم ورد المور إلى نصابها ‪ ،‬والله‬
‫المستعان على ما يصفون ‪..‬‬

‫تعدد الزوجات قبل السلم‬


‫لم يبتكر السلم نظام التعدد ‪ ..‬فالثابت تاريخيا أن تعدد الزوجات‬
‫ظاهرة عرفتها البشرية منذ أقدم العصور ‪ ..‬كانت الظاهرة‬
‫منتشرة بين الفراعنة ‪ ..‬وأشهر الفراعنة على الطلق وهو‬
‫رمسيس الثاني ‪ ،‬كان له ثماني زوجات وعشرات المحظيات و‬
‫الجواري ‪ ،‬وأنجب أكثر من مائة وخمسين ولدا وبنتا ‪ ..‬وأسماء‬
‫زوجاته ومحظياته وأولده منقوش على جدران المعابد حتى اليوم‬
‫‪..‬‬
‫وأشهر زوجات رمسيس الثاني هي الملكة الجميلة نفرتارى ‪..‬‬
‫وتليها في المكانة و الترتيب الملكة )) أيسه نفر (( أو )) إيزيس‬
‫نفر (( وهى والدة ابنه الملك )) مرنبتاح (( الذي تولى الحكم بعد‬
‫وفاة أبيه وإخوته الكبر سنا ‪.‬‬
‫ويروى أن فرعون موسى كانت له عدة زوجات منهن السيدة‬
‫)) آسيا (( عليها السلم ‪ ،‬وكانت ابنة عمه ‪ ،‬ولم تنجب أولدا‬
‫منه ‪ ،‬ولهذا احتضنت سيدنا موسى – على نبينا وعليه الصلة‬
‫والسلم – وقالت لفرعون عن الرضيع موسى الذي التقطته‬
‫الخادمات من صندوق عائم في مياه نهر النيل ‪ } :‬قرة عين لي‬
‫ولك ل تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا { ‪(2).‬‬
‫وكان تعدد الزوجات معروفا في عهد أبى النبياء خليل الرحمن‬
‫إبراهيم – صلى الله على نبينا وعليه وسلم – وأنجبت له السيدة‬
‫هاجر الذبيح )) إسماعيل (( جد العرب عليه السلم ‪ ،‬بينما رزقه‬
‫الله من )) سارة (( بسيدنا )) إسحاق (( عليه السلم ‪.‬‬
‫وجمع نبي الله يعقوب بين أختين – ابنتي خاله لبان – هما‬
‫)) ليا (( و )) راحيل (( )‪ (3‬وجاريتين لهما ‪ ،‬فكانت له أربع حلئل‬
‫في وقت واحد ‪..‬‬

‫‪326‬‬
‫وأنجب عليه السلم منهما السباط ) أحد عشر ولدا ( بالضافة‬
‫إلى سيدنا يوسف – عليه السلم ‪ ..‬وأمه هي )) راحيل (( التي‬
‫كانت أحب حليلت النبي يعقوب إلى قلبه ‪ ،‬وأنجبت له )) بنيامين‬
‫(( بعد يوسف – عليه السلم ‪.‬‬
‫***‬
‫وكانت لسيدنا داود – عليه السلم – عدة زوجات والعديد من‬
‫الجواري ‪ ..‬وكذلك كانت لبنه سليمان زوجات وجواري عديدات ‪.‬‬
‫ومن الضروري أن ننتبه هنا إلى ما بثه اليهود – قاتلهم الله – من‬
‫شائعات قبيحة ‪ ،‬وأكاذيب مفضوحة عن النبي الكريم داود – عليه‬
‫السلم – فقد زعم أعداء الله أن داود – عليه السلم – افتتن‬
‫بزوجة أحد قواده فأرسله إلى جبهة القتال ليموت هناك فيتزوج‬
‫داود من أرملته التي يريدها !! وهى فرية دنيئة أكد المفسرون‬
‫الكبار – ومنهم المام ابن كثير رضي الله عنه – أنها مكذوبة ‪،‬‬
‫ومن السرائيليات التي يجب طرحها وعدم اللتفاف إليها ‪(4) .‬‬
‫واليماء بعصمة النبياء عليهم السلم من ثوابت العقيدة ‪،‬‬
‫والطعن عمدا في طهارة المرسلين ونبل أخلقهم هو كفر صريح‬
‫يخرج من الملة – والعياذ بالله ‪..‬‬
‫لقد كان لداود وسليمان زوجات كثيرات وعشرات من الجواري )‬
‫ملك اليمين ( ‪ ،‬ومن ثم ل يتصور أن تبقى لي منهما حاجة إلى‬
‫غيرهن ‪ ..‬وليس نبي الله داود الذي كان يصوم يوما ويفطر يوما‬
‫هو الذي يتحايل ليتخلص من قائده حتى يتزوج بعد ذلك من‬
‫أرملته !!‪..‬‬
‫***‬
‫وكان تعدد الزوجات منتشرا في جزيرة العرب قبل السلم‬
‫أيضا ‪..‬‬
‫روى المام البخاري – رضي الله عنه – بإسناده أن غيلن الثقفي‬
‫أسلم وتحته عشر نسوة ‪ ،‬فقال له النبي )صلى الله عليه‬
‫وسلم( ‪ ) :‬اختر منهن أربعا ( ‪.‬‬
‫وروى أبو داود – رضي الله عنه – بإسناده أن عميرة السدى قال‬
‫‪ :‬أسلمت وعندي ثماني نسوة ‪ ،‬فذكرت ذلك للنبي )صلى الله‬
‫عليه وسلم( فقال ‪ ) :‬اختر منهن أربعا ( ‪.‬‬
‫وقال المام الشافعي – رضي الله عنه – في مسنده ‪ :‬أخبرني‬
‫من سمع ابن أبى الزياد يقول أخبرني عبد المجيد عن ابن سهل‬
‫عن عبد الرحمن عن عوف بن الحارث عن نوفل ابن معاوية‬
‫الديلمى قال ‪ :‬أسلمت وعندي خمس نسوة ‪ ،‬فقال لي رسول‬
‫الله )صلى الله عليه وسلم( ‪ ) :‬اختر أربعا أيتهن شئت ‪ ،‬وفارق‬
‫الخرى ( ‪.‬‬

‫‪327‬‬
‫وروى البخاري في كتاب النكاح أن النبي )صلى الله عليه وسلم(‬
‫آخى بين عبد الرحمن بن عوف وبين سعد بن عوف النصاري ‪،‬‬
‫وعند النصاري امرأتان ‪ ،‬فعرض عليه أن يناصفه زوجتيه وماله ‪،‬‬
‫فقال له عبد الرحمن بن عوف ‪ )) :‬بارك الله لك في أهلك‬
‫ومالك ‪ ..‬دلني على السوق ‪. (( ..‬‬
‫***‬
‫وكان تعدد الزوجات شائعا في الشعوب ذات الصل‬
‫)) السلفى (( ‪..‬‬
‫وهى التي تسمى الن بالروس والصرب والتشيك والسلوفاك ‪..‬‬
‫وتضم أيضا معظم سكان ليتوانيا وأستونيا ومقدونيا ورومانيا‬
‫وبلغاريا ‪..‬‬
‫وكان شائعا أيضا بين الشعوب الجرمانية والسكسونية التي‬
‫ينتمي إليها معظم سكان ألمانيا والنمسا وسويسرا وبلجيكا‬
‫وهولندا والدانمارك والسويد والنرويج وانجلترا ‪..‬‬
‫ويلحظ أن التعدد كان ومازال منتشرا بين شعوب وقبائل أخرى‬
‫ل تدين بالسلم ‪ ..‬ومنها الشعوب الوثنية في أفريقيا والهند‬
‫والصين واليابان‬
‫ومناطق أخرى في جنوب شرق آسيا ‪.‬‬
‫***‬
‫ويقول الدكتور محمد فؤاد الهاشمي ‪ )) :‬إن الكنيسة ظلت حتى‬
‫القرن السابع عشر تعترف بتعدد الزوجات ((‪(5).‬‬
‫ول يوجد نص صريح في أي من الناجيل الربعة يحظر تعدد‬
‫الزوجات ‪ ،‬وكل ما حدث هو أن تقاليد بعض الشعوب الوروبية‬
‫الوثنية كانت تمنع تعدد الزوجات ) ونقول بعض الشعوب ‪ ،‬لن‬
‫أغلبها‪ -‬كما ذكرنا – كان يعرف تعدد الزوجات على أوسع‬
‫نطاق ( ‪ ،‬فلما اعتنقت هذه القلية التي تمنع التعدد النصرانية‬
‫فرضت تقاليدها السابقة على النصرانيين ‪ ،‬وبمرور الزمن ظن‬
‫الناس أن تحريم التعدد هو من صلب النصرانية ‪ ،‬بينما هو تقليد‬
‫قديم فرضه البعض على الخرين على مر السنين ‪..‬‬
‫ونحن نتحدى معارضي التعدد أن يأتونا بنص على تحريم التعدد‬
‫في أي إنجيل من الربعة التي تمثل العهد الجديد ‪..‬‬
‫أما العهد القديم أو التوراة ففيها نصوص صريحة على إباحة‬
‫التعدد في دين الخليل إبراهيم وإسحاق ويعقوب ‪ ،‬وشريعة داود‬
‫وسليمان ‪ ،‬وغيرهم من أنبياء بنى إسرائيل – على نبينا وعليهم‬
‫الصلة والسلم ‪..‬‬
‫بل إن علماء الجتماع والمؤرخين ‪ ،‬ومنهم وستر مارك و‬
‫هوبهوس و هيلير و جنربرج وغيرهم ‪ ،‬يلحظون أن التعدد لم‬

‫‪328‬‬
‫ينتشر إل بين الشعوب التي بلغت قدرا معينا من الحضارة ‪..‬‬
‫وهى الشعوب التي استقرت في وديان النهار ومناطق المطار‬
‫الغزيرة ‪ ،‬وتحولت إلى الزراعة المنظمة والرعي بدل من الصيد‬
‫وجمع ثمار الغابات و الزراعة البدائية ‪ ..‬ففي المرحلة البدائية‬
‫من عمر المجتمعات كان السائد هو نظام وحدة السرة ‪ ،‬ووحدة‬
‫الزوجة ‪..‬‬
‫ويرى هؤلء المؤرخون وعلماء الجتماع أن نظام التعدد سوف‬
‫يتسع نطاقه كلما تقدمت المدنية ‪ ،‬واتسع نطاق الحضارة في‬
‫العالم ‪.‬‬
‫وشهادة هؤلء العلماء – وهم جميعا من غير المسلمين – هي‬
‫أقوى رد على المغالطين من معارضي التعدد الذين يزعمون أنه‬
‫قد انقضى زمانه وانتهى عصره !!‬
‫***‬
‫لقد كان تعدد الزوجات – إذن – معروفا ومنتشرا في سائر أنحاء‬
‫العالم قبل أن يبعث النبي محمد )صلى الله عليه وسلم( رحمة‬
‫للعالمين ‪..‬‬
‫وكان التعدد مطلقا بل أية حدود أو ضوابط أو قيود ‪ ..‬لم يكن‬
‫هناك كما يتضح من المثلة السابقة حد أقصى لعدد الزوجات أو‬
‫المحظيات ‪..‬‬
‫ولم يكن هناك اشتراط على الزوج أن يعدل بين زوجاته ‪ ،‬أو‬
‫يقسم بينهن بالسوية – كما أمر بذلك السلم ‪..‬‬
‫أفإذا أمر السلم العظيم بالرحمة والعدل والمساواة بين‬
‫الزوجات ‪ ،‬وتحديد الحد القصى بأربع زوجات ‪ ،‬وحظر التعدد إذا‬
‫خشي الزوج أل يعدل – يأتي نفر من الجهلة والمتنطعين‬
‫ليعترضوا ؟! هل من المعقول أن تأتينا الرحمة من السماء‬
‫فنردها على الرحمن الرحيم ؟!‬
‫لقد كانت المجتمعات الجاهلية – قبل السلم – تموج بألوان‬
‫شتى من الظلم والجرائم والفواحش ما ظهر منها وما بطن ‪..‬‬
‫وكانت المرأة بالذات هي الضحية والمجني عليها على الدوام ‪،‬‬
‫وفى كل المجتمعات كان الزوج يقضى معظم أوقاته في أحضان‬
‫صاحبات الرايات الحمراء ‪ ،‬ول يعود إلى بيته إل مكدودا منهك‬
‫القوى خالي الوفاض من المال والعافية !!‬
‫وما كانت المرأة تجرؤ على النكار أو العتراض عليه !! وكان‬
‫آخر يمضى الشهر تلو الشهر عند الزوجة الجميلة ‪ ،‬ويؤثر أولده‬
‫منها بالهدايا والموال الطائلة ‪ ،‬ول تجرؤ الخرى أو الخريات ول‬
‫أولدهن على النطق بكلمة واحدة إزاء هذا الظلم الفادح ‪..‬‬

‫‪329‬‬
‫فهل إذا جاء السلم واشترط تحقيق العدالة والرحمة و البر‬
‫والكرام لكل الزوجات والولد على قدم المساواة ‪ ..‬هل إذا‬
‫جاءت مثل هذه الضوابط نرفضها ‪ ،‬ونتطاول على التشريع اللهي‬
‫وعلى النبي وعلى الدين كله ؟!‬
‫إنها حقا ل تعمى البصار ‪ ..‬ولكن تعمى القلوب التي في الصدور‬
‫السوداء !!‬
‫‪.................................................................................‬‬
‫‪..................................‬‬
‫)‪ (1‬سورة النساء الية ‪.54‬‬
‫)‪ (2‬سورة القصص الية ‪9‬‬
‫)‪ (3‬كان الجمع بين الختين جائزا حتى ذلك الوقت ثم منعه‬
‫القرآن بعد ذلك بنص صريح ‪.‬‬
‫)‪ (4‬ابن كثير – تفسير القرآن العظيم – تفسير سورة ص اليات‬
‫‪.25 – 21‬‬
‫)‪ ) (5‬كان نصرانيا وأسلم ( كتاب الديان في كفة الميزان ص‬
‫‪. 109‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫أسباب تعدد الزوجات قبل السلم‬

‫حديث الرقام‬
‫يأبى الله جل وعل إل أن يظهر آيات قدرته ودلئل رحمته حينا‬
‫بعد حين ‪..‬‬
‫وإذا كان على المؤمن أن يخضع لحكم ربه ولو لم يدرك علة‬
‫الحكم ‪ ،‬فإن غير المؤمنين يكتشفون في كل حين من أسرار‬
‫التشريع اللهي وحكمته ‪ ،‬ما يجعل المنصفين منهم ينحنون إجلل‬
‫للرب العظيم ‪..‬‬
‫والمثال الواضح هنا إباحة تعدد الزوجات ‪..‬‬
‫ففي آخر الحصاءات الرسمية لتعداد السكان بالوليات المتحدة‬
‫المريكية تبين أن عدد الناث يزيد على عدد الرجال بأكثر من‬
‫ثمانية مليين امرأة ‪ ..‬وفى بريطانيا تبلغ الزيادة خمسة مليين‬
‫امرأة ‪ ،‬وفى ألمانيا نسبة النساء إلى الرجال هي ‪ .. 1 : 3‬وفى‬
‫إحصائية نشرتها مؤخرا جريدة )) الميدان (( السبوعية )‪ (1‬أكدت‬
‫الرقام أنه من بين كل عشر فتيات مصريات في سن الزواج‬
‫) الذي تأخر من ‪ 22‬إلى ‪ 32‬سنة ( تتزوج واحدة فقط !! والزوج‬
‫دائما يكون قد تخطى سن الخامسة والثلثين وأشرف على‬
‫الربعين ‪ ،‬حيث ينتظر الخريج ما بين ‪ 10‬إلى ‪ 12‬سنة ليحصل‬
‫على وظيفة ثم يدخر المهر ثم يبحث عن نصفه الخر !!‬

‫‪330‬‬
‫وقالت الصحيفة ‪ :‬إن العلقات المحرمة تزيد ‪ ،‬وكذلك ظاهرة‬
‫الزواج العرفي في ظل وجود مليين من النساء بل زواج ‪..‬‬
‫وأكدت الباحثتان غادة محمد إبراهيم و داليا كمال عزام في‬
‫دراستهما )‪ (2‬تراجع حالت الزواج بين الشباب بنسبة ‪% 90‬‬
‫بسبب الغلء والبطالة وأزمة المساكن ‪.‬‬
‫***‬
‫وتقول إحصائية رسمية أمريكية ‪ :‬إنه يولد سنويا في مدينة‬
‫نيويورك طفل غير شرعي من كل ستة أطفال يولدون هناك‬
‫] صحيفة الخبار المصرية عدد ‪ ، [ 1968 / 7 /2‬ول شك أن‬
‫العدد على مستوى الوليات المتحدة يبلغ المليين من مواليد‬
‫السفاح سنويا ‪.‬‬
‫وفى كل من العراق وإيران اختل التوازن العددي بين الرجال‬
‫والنساء بصورة مفزعة بسبب الحرب الضارية التي استمرت بين‬
‫البلدين ثماني سنوات ‪ ..‬فالنسبة تتراوح بين ‪ 1‬إلى ‪ 5‬في بعض‬
‫المناطق ) رجل لكل خمسة نساء ( و ‪ 1‬إلى ‪ 7‬في مناطق أخرى‬
‫‪ ..‬والمر شديد الغرابة والخطورة في جمهورية البوسنة‬
‫والهرسك التي فرضت عليها حرب عنصرية قذرة طحنت البلد‬
‫أربع سنوات كاملة ) من عام ‪ 1992‬حتى عام ‪.. ( 1996‬‬
‫فالنسبة في معظم أنحاء البوسنة والهرسك هي رجل لكل ‪27‬‬
‫امرأة !! نعم ‪ 1‬إلى ‪ !!! 27‬ولنا أن نتخيل حجم المأساة‬
‫الجتماعية التي يعيشها حاليا هذا البلد المسلم الذي فرضت عليه‬
‫الشيوعية عشرات السنين ‪ ،‬ثم تحرر من الشيوعية المجرمة‬
‫ليقع بين أنياب صليبية أشد فتكا وإجراما ‪ ..‬فماذا تفعل الفتيات‬
‫المسلمات اللئي ل يجدن أزواجا من المسلمين ؟ وهل نتركهن‬
‫ليتزوجن من شباب الصرب الرثوذكس أو الكروات الكاثوليك ‪،‬‬
‫لن بعض المتنطعين و المتنطعات يأبون تعدد الزوجات ؟!! أو أن‬
‫هؤلء يفضلون ويفضلن أن تتخذ الفتيات المسلمات عشاقا ) زناة‬
‫من خلف الستار ( على النمط الغربي المنحل ؟!!‬
‫***‬
‫وفى تحقيق ساخن عن )) انفجار العوانس (( تذكر السيدة تهاني‬
‫البرتقالي مراسلة الهرام في الكويت ما حدث منذ سنوات‬
‫عندما انتشرت ظاهرة إرسال مئات الخطابات من فتيات إلى‬
‫زوجات كويتيات تطالب كل فتاة في رسالتها المرأة المتزوجة‬
‫بقبول مشاركة امرأة أخرى لها في زوجها لحل مشكلة العنوسة‬
‫في المجتمع الكويتي والخليجي بصفة عامة ‪ ..‬ويقول التحقيق‬
‫الذي نشرته مجلة الهرام العربي في عددها الول ‪ :‬إن عدد‬
‫عوانس الكويت حوالي ‪ 40‬ألف فتاة ‪.‬‬

‫‪331‬‬
‫وهو عدد ليس بالقليل بالمقارنة بتعداد الشعب الكويتي ككل ‪،‬‬
‫وهو نصف مليون نسمة ) أي أن نسبة العوانس في الكويت تبلغ‬
‫‪ % 16‬من عدد النساء في الكويت ‪ ،‬الذي يزيد على الربع مليون‬
‫نسمة ( ‪.‬‬
‫***‬
‫حرمان المرأة من العواطف أشد خطورة من حرمانها الجنسي ‪..‬‬
‫فمتعة الشباع الجنسي بدون عواطف ليس لها أي تأثير لدى‬
‫المرأة ‪ ..‬بينما الكلمة الرقيقة واللمسة الحانية تأثيرها أكثر‬
‫بكثير ‪ ،‬وتجعلها تنعم بالشباع الجنسي ‪ ..‬هذا ما يؤكده الدكتور‬
‫سعيد عبد العظيم – أستاذ المراض النفسية و العصبية بطب‬
‫القاهرة – ويضيف أن الحرمان العاطفي عند المرأة هو الطريق‬
‫السريع إلى النحراف أو البرود الجنسي ‪ ،‬بالضافة إلى العديد‬
‫من المراض الجسدية والنفسية وغيرها ‪(3) ..‬‬
‫‪ $‬يقول الدكتور محمد هلل الرفاعى أخصائي أمراض النساء‬
‫والتوليد ‪:‬‬

‫عدم الزواج أو تأخيره يعرض المرأة لمراض الثدي أكثر من‬


‫المتزوجة ‪ ،‬وكذلك سرطان الرحم والورام الليفية ‪ ..‬وقد سألت‬
‫كثيرا من المترددات على العيادة ‪ :‬هل تفضلين عدم الزواج أم‬
‫الشتراك مع أخرى في زوج واحد ؟‬

‫كانت إجابة الغلبية الساحقة هي تفضيل الزواج من رجل متزوج‬


‫بأخرى على العنوسة الكئيبة ‪ ،‬بل إن بعضهن فضلت أن تكون‬
‫حتى زوجة ثالثة أو رابعة على البقاء في أسر العنوسة ‪.‬‬
‫وإذا كان هذا هو رأى العلم ‪ ،‬فإن المرأة الطبيبة تكون أقدر على‬
‫وصف الحال بأصدق مقال ‪ ..‬تقول طبيبة في رسالة بعثت بها‬
‫إلى الكاتب الكبير أحمد بهجت )) إنها قرأت إحصائية تقول ‪ :‬إن‬
‫هناك ما يقرب من عشرة مليين سيدة وآنسة بمصر يعشن‬
‫بمفردهن ‪ ..‬وهن إما مطلقات أو أرامل لم ينجبن أو أنجبن ‪ ،‬ثم‬
‫كبر البناء وتزوجوا أو هاجروا ‪ ،‬أو فتيات لم يتزوجن مطلقا ‪..‬‬
‫وتقول الطبيبة ‪ :‬هل يستطيع أحد أن يتخيل حجم المأساة التي‬
‫يواجهها عالم )النساء الوحيدات( ؟ إن نساء هذا العالم ل‬
‫يستطعن إقامة علقات متوازنة مع الخرين ‪ ،‬بل يعشن في حالة‬
‫من التوتر والقلق والرغبة في النزواء بعيدا عن مصادر العيون و‬
‫اللسنة والتهامات المسبقة بمحاولت خطف الزواج من‬
‫الصديقات أو القريبات أو الجارات ‪ ..‬وهذا كله يقود إلى مرض‬

‫‪332‬‬
‫الكتئاب ‪ ،‬ورفض الحياة ‪ ،‬وعدم القدرة على التكيف مع نسيج‬
‫المجتمع ‪.‬‬
‫وتدق الطبيبة ناقوس الخطر محذرة مما يواجه هؤلء النسوة من‬
‫أمراض نفسية وعضوية مثل الصداع النصفي و ارتفاع ضغط‬
‫الدم والتهابات المفاصل وقرحة المعدة والثنى عشر والقولون‬
‫العصبي واضطرابات الدورة الشهرية وسقوط الشعر والنحراف‬
‫الخلقي ‪ ..‬ويضطر الكثير منهن للرتباط برجل متزوج ‪(4).‬‬
‫و الطريف أن بعض الدول الغربية التي تعانى من المشكلة‬
‫المزعجة ‪ ،‬وهى زيادة عدد النساء فيها على عدد الرجال ‪،‬‬
‫اضطرت إلى القرار بمبدأ تعدد الزوجات ‪ ،‬لنه الحل الوحيد‬
‫أمامها لتفادى وقوع انفجار اجتماعي ل قبل لها بمواجهته ‪ ،‬أو‬
‫علج آثاره المدمرة ‪ ..‬حدث هذا في ذات الوقت الذي يرفع فيه‬
‫بعض المسلمين – اسما فقط – راية الحرب على تعدد الزوجات‬
‫وشرعيته !!‬
‫يحكى الدكتور محمد يوسف موسى ما حدث في مؤتمر الشباب‬
‫العالمي الذي عقد عام ‪ ، 1948‬بمدينة ميونخ اللمانية ‪ ..‬فقد‬
‫وجهت الدعوة إلى الدكتور محمد يوسف وزميل مصري له‬
‫للمشاركة في حلقة نقاشية داخل المؤتمر كانت مخصصة لبحث‬
‫مشكلة زيادة عدد النساء أضعافا مضاعفة عن عدد الرجال بعد‬
‫الحرب العالمية الثانية ‪ ..‬وناقشت الحلقة كل الحلول المطروحة‬
‫من المشاركين الغربيين ‪ ،‬وانتهت إلى رفضها جميعا ‪ ،‬لنها‬
‫قاصرة عن معالجة واحتواء المشكلة العويصة ‪ .‬وهنا تقدم‬
‫الدكتور محمد موسى وزميله الخر بالحل الطبيعي الوحيد ‪ ،‬وهو‬
‫ضرورة إباحة تعدد الزوجات ‪..‬‬
‫في البداية قوبل الرأي السلمي بالدهشة و النفور ‪ ..‬ولكن‬
‫الدراسة المتأنية المنصفة العاقلة انتهت بالباحثين في المؤتمر‬
‫إلى إقرار الحل السلمي للمشكلة ‪ ،‬لنه ل حل آخر سواه ‪..‬‬
‫وكانت النتيجة اعتباره توصية من توصيات المؤتمر الدولي ‪..‬‬
‫وبعد ذلك بعام واحد تناقلت الصحف ووكالت النباء مطالبة‬
‫سكان مدينة )) بون (( العاصمة اللمانية الغربية بإدراج نص في‬
‫الدستور اللماني يسمح بتعدد الزوجات )‪ (5‬وهكذا يتبين الحق‬
‫ولو كره العلمانيون !!‬
‫***‬
‫والخذ بنظام تعدد الزوجات جـّنب المجتمعات السلمي شرورا‬
‫ومصائب ل حصر لها ‪ ..‬وتكفى مقارنة بسيطة بين المجتمع‬
‫السعودي مثل – الذي تندر فيه الجرائم الخلقية مثل الغتصاب‬
‫والدعارة – وبين المجتمع المريكي الذي تكاد نسبة العشيقات‬

‫‪333‬‬
‫فيه تزيد على نسبة الزوجات ‪ ..‬كما تبلغ نسبة الطفال غير‬
‫الشرعيين فيه أكثر من ‪ % 45‬من نسبة المواليد سنويا !! وتقول‬
‫الحصاءات الرسمية المريكية إن عدد الطفال غير الشرعيين‬
‫كان ‪ 88‬ألف مولود سنة ‪ ، 1938‬ثم ارتفع إلى ‪ 202‬ألف عام‬
‫‪ ، 1957‬ووصل إلى ربع مليون مولود من الزنا عام ‪ .. 1958‬ثم‬
‫قفز الرقم إلى المليين من ثمرات الزنا في التسعينيات !!‬
‫والرقام الحقيقية تكون عادة أضعاف الرقام الرسمية التي‬
‫تذكرها الحكومات ‪ ..‬وما خفي كان أعظم !!‬
‫ولكل هذا تساءل الكاتب الشهير الفرنسي أتيين دينيه ‪ )) :‬هل‬
‫حظر تعدد الزوجات له فائدة أخلقية ؟! ويجيب بنفسه ‪ :‬إن هذا‬
‫المر مشكوك فيه ‪ ..‬لن الدعارة النادرة في أكثر القطار‬
‫السلمية سوف تتفشى بآثارها المخربة ‪ ،‬وكذلك سوف تنتشر‬
‫عزوبة النساء بآثارها المفسدة ‪ ،‬على غرار البلد التي تحظر‬
‫التعدد ‪(6) .‬‬

‫ضوابط التعدد‬
‫قال الله تعالى ‪ } :‬وإن خفتم أل تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما‬
‫طاب لكم من النساء مثنى وثلث ورباع فإن خفتم أل تعدلوا‬
‫فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أل تعولوا { ‪(7) .‬‬
‫قال ابن كثير في تفسير هذه الية التي نصت على إباحة تعدد‬
‫الزوجات‪ :‬أي أنه إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة وخاف أل‬
‫يعطيها مهر مثلها فليعدل إلى ما سواها من النساء فإنهن كثير‬
‫ولم يضيق الله عليه ‪(8) .‬‬
‫وروى البخاري – بإسناده – أن عروة بن الزبير سأل خالته‬
‫السيدة عائشة – رضي الله عنها – عن هذه الية فقالت ‪ ) :‬يا‬
‫ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله‬
‫ويعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط‬
‫] يعدل [ في صداقها ] مهرها [ فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ‪،‬‬
‫فنهى الولياء عن نكاح من عنده من اليتامى إل أن يقسطوا‬
‫إليهن ‪ ،‬ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق ] أي يعطوهن‬
‫أعلى مهر تحصل عليه نظائرهن [ ‪ ،‬وأمروا ] وفى حالة خشية‬
‫عدم العدل [ أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن ] من‬
‫غير اليتامى الموجودات في كفالة هؤلء [ (‪.‬‬
‫وروى أبو جعفر محمد بن جرير في تفسيره عن ربيعة في معنى‬
‫الية ‪ ،‬قال تعالى عن اليتامى ‪ :‬اتركوهن فقد أحللت لكم أربعا ‪..‬‬
‫وقال أبو جعفر أيضا نقل عن آخرين ‪ :‬انكحوا غيرهن من الغرائب‬
‫اللواتي أحلهن الله لكم وطيبهن من واحدة إلى أربع ‪ ،‬فإن خفتم‬

‫‪334‬‬
‫أن تظلموا إذا تزوجتم من الغرائب أكثر من واحدة ‪ ،‬فتزوجوا‬
‫منهن واحدة فقط ‪ ،‬أو ما ملكت أيمانكم ‪ ..‬وقال آخرون ‪ :‬بل‬
‫معنى ذلك النهي عن نكاح ما فوق الربع حرصا على أموال‬
‫اليتامى أن يتلفها الولياء ‪ ،‬وذلك أن قريشا – في الجاهلية – كان‬
‫الواحد منهم يتزوج العشرة من النساء أو أكثر أو أقل ‪ ،‬فإذا أنفق‬
‫ماله كله على زوجاته العشر و صار معدما تحول إلى مال‬
‫اليتامى فأنفقه على نسائه أو تزوج به أخريات فنهاهم الله تعالى‬
‫عن ذلك ‪(9) .‬‬
‫وقال المام النسفى في تفسيره ‪ )) :‬قيل ‪ :‬كانوا – في الجاهلية‬
‫– ل يتحرجون من الزنا ‪ ،‬ويتحرجون من ولية اليتامى ‪ ،‬فقيل لهم‬
‫إن خفتم ظلم اليتامى فخافوا كذلك من الزنا فتزوجوا ما حل‬
‫لكم من النساء ‪ ،‬ول تحوموا حول المحرمات ‪ ..‬أو أنهم كانوا‬
‫يتحرجون من الولية في أموال اليتامى ‪ ،‬ول يتحرجون من‬
‫الستكثار من النساء مع أن الظلم يقع بينهن إذا كثرن عن أربع ‪،‬‬
‫فكأنما يقال لهم ‪ :‬إذا تحرجتم من ظلم اليتامى فتحرجوا أيضا‬
‫من ظلم النساء الكثيرات ‪ ،‬فإن خفتم من عدم العدل بين‬
‫الزوجات فالزموا واحدة أو الماء ] الجواري [ بل حصر حتى ل‬
‫تظلموا أحدا ‪(10) ..‬‬
‫وأما معنى } خفتم { فهو ‪ :‬إذا غلب على الظن عدم القسط‬
‫] عدم العدل [ في اليتيمة فاعدلوا عنها ] اتركوها إلى غيرها [ ‪..‬‬
‫وليس القيد هنا لزما ‪ ،‬بمعنى أنه حتى في حالة من لم يخف‬
‫الظلم في اليتامى فله أن يتزوج أكثر من واحدة ] اثنتين أو ثلثا‬
‫أو أربعا [ مثل من يخاف الظلم تماما )‪ (11‬فإباحة التعدد حكم‬
‫عام لكل المسلمين بضوابطه ‪.‬‬
‫أما معنى قوله تعالى ‪ } :‬ذلك أدنى أل تعولوا { أي أقرب إلى أل‬
‫تظلموا ‪ ،‬وليس كما ذهب إليه البعض ‪) :‬أدنى أل تكثر عيالكم (‬
‫فقد نقل الطبري عن ابن عباس ومجاهد وابن عمير أن العول هو‬
‫الجور ] الظلم [ ‪ ،‬والميل كما أن المعنى ليس كما قال آخر ذلك‬
‫أدنى أل تفتقروا ‪ ،‬فالمعنى ل يستقيم بذلك ‪ ،‬وإنما الصحيح هو ما‬
‫ذهب إليه جمهور العلماء من أن الهدف هو أل تظلموا ول تميلوا‬
‫عن الحق ‪.‬‬

‫عدم الزيادة على أربع‬


‫يستفاد من نص الية الكريمة وأقوال المفسرين – رضي الله‬
‫عنهم – أن الله تعالى أحل للمسلم من زوجة إلى أربع ‪ ..‬فل‬
‫تجوز الزيادة على أربع في وقت واحد ‪ ،‬فإذا خاف الزوج أن‬

‫‪335‬‬
‫يظلم إذا تزوج أكثر من واحدة فإن عليه أن يكتفي بزوجة واحدة‬
‫فقط ‪.‬‬
‫وكذلك إذا خاف أل يعدل إن تزوج ثلثة فعليه الكتفاء باثنين ‪..‬‬
‫وإذا خاف زوج الثلث الظلم إن تزوج بالرابعة فعليه القتصار‬
‫على الثلث فقط ‪.‬‬
‫والشريعة الغراء تحظر حتى الزواج بواحدة فقط إذا خاف الزوج‬
‫أن يظلمها ‪ ..‬فالسلم العظيم حريص على العدل في كل‬
‫الظروف و الحوال ‪.‬‬
‫وهناك إجماع بين العلماء على عدم جواز الجمع بين أكثر من‬
‫أربع زوجات )‪ (12‬وإذا كان الرسول )صلى الله عليه وسلم( قد‬
‫جمع بين تسع زوجات ‪ ،‬فهذا حكم خاص به عليه السلم ‪ ،‬ول‬
‫يجوز القياس عليه أو تعميمه ‪.‬‬
‫وسوف نورد فيما بعد أسباب اقترانه عليه السلم بكل زوجة‬
‫وظروف كل زيجة ‪ ،‬لزالة اللبس وسوء الفهم والرد على أكاذيب‬
‫المستشرقين واليهود بهذا الصدد ‪..‬‬
‫قال المام الشافعي – رضي الله عنه – في مسنده ‪ )) :‬وقد‬
‫دلت سنة النبي )صلى الله عليه وسلم( المبينة عن الله تعالى أنه‬
‫ل يجوز لحد غير رسول الله )صلى الله عليه وسلم( أن يجمع‬
‫بين أكثر من أربع نسوة (( ‪ ..‬وذهب بعض الشيعة إلى جواز‬
‫الجمع بين تسع نسوة لكل مسلم ) مثنى ‪ +‬ثلث ‪ +‬رباع فيكون‬
‫المجموع تسعا ( !!‬
‫وفى رأى أخر شاذ ‪ ،‬بل يجوز الجمع بين ‪ 18‬زوجة ) على أساس‬
‫مثنى تفيد ‪ 2+2‬وثلث تفيد ‪ ، 3+3‬ورباع تفيد ‪ 4+4‬فيكون‬
‫المجموع ‪ 18‬زوجة ( !!!‬
‫ولكن نصوص السنة القاطعة وعمل الصحابة والتابعين ‪ ،‬تفيد‬
‫اقتصار المسلم على أربع فقط ‪ ،‬كما أجمع علماء أهل السنة من‬
‫السلف والخلف على أنه ل يجوز لغير النبي )صلى الله عليه‬
‫وسلم( الزيادة على أربع زوجات ‪ .‬ونشير هنا إلى الحاديث التي‬
‫سبق أن أوردناها في الفصل الول من هذا الكتاب ‪ ،‬ومنها حديث‬
‫المام البخاري – رضي الله عنه – ] كما رواه مالك والنسائي‬
‫والدارقطنى [ ‪ ،‬أن غيلن الثقفي قد أسلم وله عشر زوجات‬
‫فقال له النبي )صلى الله عليه وسلم( ‪ ) :‬اختر منهن أربعا وفارق‬
‫سائرهن ( ‪.‬‬
‫وكذلك حديث أبى داود أن حارث بن قيس السدى قال ‪ :‬أسلمت‬
‫وعندي ثمان نسوة ‪ ،‬فذكرت ذلك للنبي )صلى الله عليه وسلم(‬
‫فقال ‪ ) :‬اختر منهن أربعا( ‪(13).‬‬

‫‪336‬‬
‫وقال ابن كثير موضحا معنى } مثنى وثلث ورباع { ‪ :‬انكحوا من‬
‫شئتم من النساء إن شاء أحدكم اثنين وإن شاء ثلثا وإن شاء‬
‫أربعا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬جاعل الملئكة رسل أولى أجنحة مثنى‬
‫وثلث ورباع { )‪ (14‬أي منهم من له جناحان ‪ ،‬ومنهم من له ثلثة‬
‫أجنحة ‪ ،‬ومنهم من له أربعة أجنحة ‪ ..‬والمقام هنا كما يقول ابن‬
‫عباس – رضي الله عنه – وجمهور العلماء وهو مقام امتنان‬
‫وإباحة ‪ ،‬فلو كان يجوز للرجال الجمع بين أكثر من أربع زوجات‬
‫لذكره تعالى ‪(15) .‬‬
‫ورد المام القرطبى على من زعم إباحة أكثر من أربع قائل ‪:‬‬
‫)) قال هذا من بعد فهمه للكتاب والسنة ‪ ،‬وأعرض عما كان عليه‬
‫سلف هذه المة ‪ ،‬وزعم أن )) الواو (( في الية جامعة ‪ ،‬والذي‬
‫صار إلى هذه الجهالة وقال هذه المقالة هم الرافضة وبعض أهل‬
‫الظاهر ‪ .‬وذهب البعض إلى أقبح منها فقالوا بإباحة الجمع بين‬
‫ثماني عشر زوجة ‪ ،‬وهذا كله جهل باللسان ] اللغة [ والسنة ‪،‬‬
‫ومخالفة لجماع المة ‪ ،‬إذ لم ُيسمع عن أحد من الصحابة أو‬
‫التابعين أنه جمع في عصمته أكثر من أربع (( ‪.‬‬
‫وبعد أن أورد الحاديث التي أمر الرسول )صلى الله عليه وسلم(‬
‫الصحابة المشار إليهم بإمساك أربع وتطليق ما زاد عليهن ‪ ،‬أكد‬
‫القرطبى )‪ (16‬أن ما أبيح للرسول )صلى الله عليه وسلم( من‬
‫الجمع بين تسع زوجات هو من خصوصياته )صلى الله عليه‬
‫وسلم( ثم قال القرطبى ‪ :‬الله تعالى خاطب العرب بأفصح‬
‫اللغات ‪ ،‬والعرب ل تدع أن تقول تسعة وتقول اثنين ثلثة أربعا ‪،‬‬
‫وكذلك تستقبح من يقول ‪ :‬أعط فلنا أربعة ستة ثمانية ول يقول‬
‫ثمانية عشر ‪ .‬وإنما الواو في الية الكريمة } مثنى وثلث‬
‫ورباع { ‪ ،‬هي بدل انحكوا ثلثا بدل من مثنى ‪ ،‬ورباعا بدل من‬
‫ثلث (( ‪ ..‬فإذا تزوج بخامسة يبطل العقد ‪ ،‬ويقام عليه الحد على‬
‫اختلف بين العلماء في ذلك ‪ ..‬وقيل ولماذا لم يستخدم الله‬
‫تعالى لفظ ) أو ( في الية ؟ ورد عليه القرطبى بأن ) أو ( لو‬
‫استخدمت لجاز أن يمنع زوج الثنين من اتخاذ ثالثة وزوج الثلث‬
‫من اتخاذ رابعة ‪ ،‬بينما هذا مباح له ‪.‬‬

‫القدرة على التعديد‬


‫أشرنا من قبل إلى أن القدرة شرط لستخدام رخصة تعدد‬
‫الزوجات ‪ ..‬وذلك لن زواج الثانية أو الثالثة أو الرابعة هو مثل‬
‫زواج الولى ‪ ،‬فيشترط فيه الستطاعة المالية والصحية والنفسية‬
‫‪ ..‬فإذا انتفى شرط القدرة أو الستطاعة فل يجوز التعدد ‪.‬‬

‫‪337‬‬
‫وذلك بديهي ‪ ،‬لن من ل يستطيع النفاق على بيتين يجب عليه‬
‫القتصار على واحدة ‪ .‬وزوج الثنين عليه الكتفاء بهما إذا لم يكن‬
‫في استطاعته أن يعول زوجة ثالثة أو رابعة وهكذا ‪..‬‬
‫والنفاق الذي نقصده إنما يمتد أيضا إلى أولده من الزوجة أو‬
‫الزوجات والستطاعة الصحية – في رأينا – هي القدرة على‬
‫ممارسة الجماع مع الزوجات ‪ ،‬لن واجب الزوج أن يلبى الرغبات‬
‫الطبيعية للزوجة أو الزوجات حتى يساعدهن على التزام العفة‬
‫والطهارة ‪ ..‬فإذا كان الزوج عاجزا جنسيا مثل فإنه ل يتصور‬
‫السماح له بإمساك حتى ولو زوجة واحدة ‪ ،‬لن في ذلك ظلما‬
‫فادحا لها ‪..‬‬
‫ونرى كذلك أن الرجل الذي تؤهله قدرته الجنسية للزواج بواحدة‬
‫فقط يحظر عليه القتران بغيرها حتى ل يظلمها ‪ ،‬ويفوت‬
‫مصلحتها من الزواج ‪ ،‬والمر في ذلك يتوقف على ظروف كل‬
‫حالة على حدة ‪ ،‬ويعتمد أول على ضمير الزوج وصدقه مع النفس‬
‫‪ ،‬وورعه في دينه سوف يمنعه من ظلم زوجته أو زوجاته ‪.‬‬
‫فإذا أصر الرجل على إمساك زوجة أو زوجات ل يقدر على‬
‫إمتاعهن بالجماع بالقدر المعقول ‪ ،‬فإن لها أو لهن الحق في‬
‫اللجوء إلى القضاء لطلب التطليق للضرر وخشية الفتنة ‪..‬‬
‫وللقاضي هنا سلطة واسعة في تقدير مدى الضرر حسب كل‬
‫حالة على حدة ‪..‬‬
‫أما القدرة النفسية فنعنى بها القدرة على تطبيق معايير العدالة‬
‫بين الزوجات في كل شئ ممكن بغير محاباة لحداهن أو لولده‬
‫منها ‪ ،‬على حساب زوجته أو زوجاته الخريات وأولدهن منه ‪..‬‬
‫فإذا تخلف أحد مقومات الستطاعة أو المقدرة الثلثة المذكورة‬
‫ل يجوز تعديد الزوجات مطلقا ‪.‬‬

‫العدل بين الزوجات‬


‫يقول الله تبارك وتعالى ‪ } :‬فإن خفتم أل تعدلوا فواحدة ‪) { ..‬‬
‫‪(17‬‬
‫ويقول عز من قائل ‪ } :‬ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو‬
‫حرصتم فل تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا‬
‫وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما ( )‪ (18‬فكيف يمكن التوفيق‬
‫بين النصين ؟ وما هي العدالة المطلوبة ؟‬
‫يقول المام القرطبى ‪ )) :‬أخبر الله تعالى بعدم استطاعة تحقيق‬
‫العدل بين النساء في ميل الطبع في المحبة والجماع والحظ من‬
‫القلب ‪ ،‬فوصف الله تعالى حالة البشر وأنهم بحكم الخلقة ل‬
‫يملكون ميل قلوبهم إلى بعض دون بعض ‪.‬‬

‫‪338‬‬
‫ولهذا كان )صلى الله عليه وسلم( يقسم بين زوجاته ] في‬
‫النفقات [ ‪ ،‬فيعدل ثم يقول ‪ ) :‬اللهم إن هذه قسمتي فيما أملك‬
‫فل تلمني فيما تملك ول أملك ( ‪ ..‬ثم نهى الله تعالى عن المبالغة‬
‫في الميل فقال ‪ } :‬فل تميلوا كل الميل { أي ل تتعمدوا الساءة‬
‫– كما قال مجاهد – الزموا التسوية في القسم والنفقة لن هذا‬
‫مما يستطاع (( ‪(19).‬‬
‫وروى قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبى‬
‫هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله )صلى الله عليه وسلم( ‪ ) :‬من‬
‫كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل (‬
‫)‪ . (20‬والمقصود هنا الذي ل يعدل في النفقة والمبيت وليس‬
‫في الحب وهوى القلب ‪ ،‬فل أحد يملك القلوب سوى رب القلوب‬
‫مـَعـلقة {‬
‫(‪ .‬وقال ابن عباس وابن جرير والحسن البصري ‪ } :‬كال ُ‬
‫أي تتركونها ل هي مطلقة ] فتبتغى زوجا آخر [ ول هي ذات زوج‬
‫] يرعاها ويقوم على شئونها ويعطيها حقوقها [ ‪ ،‬وقال قتادة‬
‫} كالمعلقة { أي كالمسجونة ‪ ..‬وكان أبى بن كعب – رضي الله‬
‫عنه – يقرأ الية هكذا ‪ } :‬فتذروها كالمسجونة { ‪..‬‬
‫وقرأ ابن مسعود – رضي الله عنه – } فتذروها كأنها معلقة {‬
‫وهى قراءات لتوضيح المعنى فحسب ‪ ،‬وليست تغييرا في‬
‫نصوص المصحف الشريف أو ألفاظه – حاشا لله ‪..‬‬
‫يقول الشيخ السيد سابق ‪ )) :‬فإن العدل المطلوب هو العدل‬
‫الظاهر المقدور عليه ‪ ،‬وليس هو العدل في المحبة و المودة و‬
‫الجماع (( ‪(21) .‬‬
‫قال محمد بن سيرين – رضي الله عنه – )) سألت عبيدة عن‬
‫هذه الية فقال ‪ :‬العدل المنفى في الحب والجماع (( ‪ .‬وقال أبو‬
‫بكر بن العربي ] عن الحب [ ‪ :‬ذلك ل يملكه أحد إذ قلبه بين‬
‫إصبعين من أصابع الرحمن يصرفه كيف يشاء ‪ ،‬وكذلك الجماع‬
‫فقد ينشط للواحدة ما ل ينشط للخرى ‪ ..‬فإن لم يكن ذلك‬
‫بقصد منه فل حرج عليه فيه ‪ ،‬فإنه ل يستطيعه فل يتعلق به‬
‫تكليف (( ‪.‬‬
‫وقال المام الخطابي ‪ )) :‬يجب القسم بين الحرائر الضرائر ‪،‬‬
‫وإنما المكروه في الميل هو ميل العشرة الذي يترتب عليه بخس‬
‫الحقوق ] المادية [ دون ميل القلوب (( ‪،‬ويقول الشيخ سيد‬
‫قطب رحمة الله عليه ‪ )) :‬المطلوب هو العدل في المعاملة‬
‫والنفقة والمعاشرة والمباشرة ‪ ..‬أما العدل في مشاعر القلوب‬
‫وأحاسيس النفوس فل يطالب به أحد من بنى النسان ‪ ،‬لنه‬
‫خارج عن إرادة النسان ‪ ،‬وهو العدل الذي قال الله عنه } ولن‬
‫تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء { هذه الية التي يحاول بعض‬

‫‪339‬‬
‫الناس أن يتخذ منها دليل على تحريم التعدد ‪ ،‬والمر ليس‬
‫كذلك ‪ ..‬وشريعة الله ليست هازلة حتى تشرع المر في آية‬
‫وتحرمه في آية أخرى ‪ ..‬ولن الشريعة ل تعطى باليمين وتسلب‬
‫بالشمال !!‬
‫فالعدل المطلوب في الية هو العدل في النفقة والمعاملة و‬
‫المعاشرة و المباشرة ‪ ،‬ويدونه يتعين عدم التعدد ‪ ،‬فهو يشمل‬
‫سائر الوضاع الظاهرة بحيث ل ينقص زوجة شيئا منها ‪ ،‬وبحيث‬
‫ل تؤثر إحدى الزوجات على الخريات بشيء من نفقة أو‬
‫معاشرة أو مباشرة ‪ ،‬وذلك على النحو الذي كان الرسول )صلى‬
‫الله عليه وسلم( – وهو أرفع إنسان عرفته البشرية – يفعله‬
‫ويقوم به ‪ ،‬في الوقت الذي كان الجميع ل يجهلون أنه عليه‬
‫السلم كان يحب عائشة لكن هذا لم يجعله يفضلها على غيرها‬
‫في القسم أو النفقة ‪(22).‬‬
‫***‬
‫والخلصة أن الميل القلبي أو الحب لزوجة أكثر من غيرها –‬
‫فيما نرى – يجب أن يظل في مكانه داخل الصدر ‪ ،‬ول يترجم‬
‫إلى تصرفات أو من أفعال من شأنها أن تجرح أحاسيس باقي‬
‫الزوجات أو تضر بمصالحهن ومصالح أولدهن لحساب الزوجة‬
‫المحظية وأولدها ‪..‬‬
‫ونحن أول وأخيرا بشر ولسنا ملئكة ‪ ،‬ولهذا يجب أن يقنع الجميع‬
‫بالعدالة فيما يستطاع ‪ ،‬فالعدل المطلق ل مكان له إل في الخرة‬
‫عند الله تعالى الذي ل يظلم عنده أحد ‪ ..‬ول سبيل إلى إجبار أحد‬
‫من البشر على العدل في المشاعر والحاسيس ‪..‬‬
‫والله تعالى بعدله ورحمته سوف يعوض تلك التي ل تحظى بقدر‬
‫كبير من الحب أو الجاذبية أو محبة زوجها ‪ ،‬سوف يعوضها إن‬
‫صبرت واتقت كل الخير في الدنيا والخرة ‪ ..‬ولعل هذا الوضع‬
‫يكون اختبارا لها وابتلء من الله تؤجر عليه إن صبرت وامتثلت‬
‫لمر الله ‪ ،‬ونذكر هنا مثل هذه الزوجة بأن بقاءها مع زوجها‬
‫وتمتعها بقدر منقوص من حبه ‪ ،‬مع كل حقوقها الخرى وحقوق‬
‫أولدها ‪ ،‬خير لها ألف مرة من الطلق البغيض والحرمان التام‬
‫من كل ذلك ‪ ..‬فالدنيا ليست دار بقاء ومتاعها ناقص وزائل في‬
‫النهاية ‪ ،‬والنعيم المقيم والسعادة التامة مكانها الجنة وليست‬
‫الرض ‪..‬‬
‫وأخيرا فإنه لو كان صحيحا أن الية ‪ 129‬من سورة النساء تحظر‬
‫التعدد ] لنها كما زعموا ‪ :‬قطعت بأن العدل بين النساء مستحيل‬
‫[ نقول لو كان هذا صحيحا لكان واجبا أن يطلق الرسول عليه‬
‫السلم وأصحابه زوجاتهم فور نزول الية ويكتفي كل منهم‬

‫‪340‬‬
‫بواحدة ‪ ،‬لكنهم لم يفعلوا ‪ ،‬وحاشا لله أن يخالف النبي )صلى‬
‫الله عليه وسلم( وصحابته أمر الله في مثل هذه الحالة أو‬
‫غيرها ‪..‬‬
‫ولهذا فالصحيح أن التعدد مسموح به ومباح إلى قيام الساعة ‪..‬‬
‫خاصة وأن من علمات الساعة أن ) تبقى النساء ويذهب الرجال‬
‫حتى يكون لخمسين امرأة قيم ] رجل [ واحد ( حديث شريف )‬
‫‪(23‬‬

‫القسم بين الزوجات‬


‫ة هو ‪ :‬توزيع النصاب‬‫قسم – بفتح القاف وسكون السين – لغ ً‬ ‫ال َ‬
‫قسم – بكسر القاف – فهو النصيب‬ ‫على عدد من الناس ‪ ..‬أما ال ِ‬
‫ذاته والجمع أقسام ‪.‬‬
‫وأما في اصطلح الفقهاء فمعناه العدل بين الزوجات في المبيت‬
‫والنفقة وغيرها )‪ (24‬والعدل أو القسم واجب على الزوج في‬
‫الطعام والسكن والكسوة والمبيت ] عند كل واحدة مثل‬
‫الخرى [ ‪ ،‬وسائر المور المادية بل تفرقة بين غنية وفقيرة أو‬
‫عظيمة وحقيرة ‪ ،‬فإذا خاف عدم العدل وعدم الوفاء بحقوقهن‬
‫جميعا فإنه يحرم عليه الجمع بينهن ‪(25) .‬‬
‫والعبرة في النفقة – طبقا للراجح من مذهب الحناف – هي‬
‫بحالة الزوج يسرا أو عسرا بغض النظر عن حال الزوجات ‪.‬‬
‫وعلى ذلك تجب التسوية بينهن في النفقة وتشمل المأكل‬
‫والمشرب والملبس والمسكن ‪..‬‬
‫لن القول بغير ذلك من شأنه أن يتسبب في الخلفات و الحقاد‬
‫والعداوات بين الزوجات وأولد كل منهن ‪ ،‬وهم أولد رجل واحد ‪.‬‬
‫ولذلك نشدد على ضرورة العدل التام في النفقات وسائر المور‬
‫المادية ‪ .‬كما يجب – في رأينا – أن يجتهد الب لخفاء مشاعره‬
‫ومحبته لحدى زوجاته عن الخريات ‪ ،‬فالفطنة والكياسة‬
‫والحكمة مطلوبة من الزوج حماية لكيان السرة ومنعا‬
‫للخلفات ‪..‬‬
‫وضع الفقهاء شروطا للقسم ‪ ...‬أولها العقل ‪ :‬إذ ل يجب القسم‬
‫على المجنون ‪ ،‬أما الزوجة المجنونة فيجب القسم لها إذا كانت‬
‫هادئة قائمة بمنزل زوجها بحيث يمكنه مباشرتها ‪ ،‬وإل فل قسم‬
‫لها ‪.‬‬
‫والشرط الثاني للقسم أن يكون الزوج بالغا ‪ ،‬أما الزوجة فل‬
‫يشترط لها البلوغ ‪ ،‬بل يكفى أن تكون مطيقة للوطء ‪ ،‬فإذا لم‬
‫يكن الزوج بالغا وظلم أحدى زوجاته ‪ ،‬فإن الثم يقع على وليه ‪،‬‬

‫‪341‬‬
‫لنه هو الذي زوجه ‪ ،‬وهو الذي احتمل مسئولية ذلك ‪ ،‬فعليه أن‬
‫يدور به على نسائه ليعدل بينهن ‪(26).‬‬
‫والشرط الثالث للقسم ‪ :‬أل تكون المرأة ناشزا ‪ ..‬فإن كانت‬
‫عاصية خارجة على طاعة زوجها فل حق لها في القسم ‪ ..‬ول‬
‫يسقط القسم وجود مانع يمنع الوطء ‪ ،‬سواء كان هذا المانع‬
‫بالزوجة مثل الحيض أو النفاس أو المرض ‪ ،‬أو كان المانع‬
‫بالزوج مثل المرض أو الضعف الجنسي ‪ ،‬لن الوطء ليس لزما‬
‫للقسم ‪ ،‬فالمبيت الغرض منه النس وليس الجماع بالضرورة ‪..‬‬
‫فإذا كان الزوج مريضا مرضا ل يستطيع معه النتقال فيجوز له‬
‫أن يقيم عند من يستريح لخدمتها وتمريضها ‪ ..‬وذلك مأخوذ من‬
‫فعل الرسول )صلى الله عليه وسلم( عندما داهمه مرض الموت‬
‫فأذنت له زوجاته – رضي الله عنهن – بأن يقيم في منزل السيدة‬
‫عائشة – رضي الله عنها – لما يعلمن من حبه لها وارتياحه‬
‫لتمريضها له وخدمتها إياه ‪..‬‬
‫ول يجوز مطلق ترك إحدى الزوجات بغير جماع عمدا بحجة عدم‬
‫الحب لها ‪ ،‬لن هذا يؤدى إلى تعريضها للفتنة و الفساد ‪ ..‬فإذا لم‬
‫يجامعها بالقدر الكافي لعفتها وإحصانها فل مفر من الطلق ‪،‬‬
‫ولعل الله يبدلها زوجا خيرا منه ‪ ،‬ويبدله زوجا خيرا له منها ‪.‬‬
‫وهناك رأى وجيه يحدد حق كل زوجة في المبيت عندها بليلة كل‬
‫أربع ليال على اعتبار أنه يحق له الزواج من أربع ‪ ..‬وهو ذات‬
‫الحق بالنسبة للمتزوج بواحدة الذي تشغله العبادة أو العمل‬
‫فعليه أن يبيت عند زوجته ليلة واحدة كل أربع ليال ‪ ،‬وله أن يتعبد‬
‫الثلث ليال الباقيات ‪..‬‬
‫وهناك الرأي الراجح الذي ذكرناه من قبل وذهب إلى ضرورة أن‬
‫يجامع الرجل كل زوجة بالقدر المعقول الذي يكفى لعفافها‬
‫وصرفها عن التعلق بغيره ‪ ..‬ويرى بعض الحناف أنه يجب الحكم‬
‫للزوجة قضاء بالوطء من وقت لخر ‪ ،‬بما يراه القاضي كافيا‬
‫لعفافها وإحصانها ‪..‬‬
‫ويرى المالكية أنه يحرم على الزوج المتناع عمدا عن جماع‬
‫إحدى الزوجات في نوبتها ليوفر قوته وحيويته لجماع أخرى أجمل‬
‫منها يتلذذ بها أكثر ‪ ..‬فإذا كان عند صاحبة النوبة ووجد في نفسه‬
‫الميل والقدرة على الجماع ثم امتنع عامدا ليوفر قوته للجمل‬
‫فنه يأثم بذلك ‪ ،‬لنه إضرار متعمد منه بصاحبة النوبة ‪ ،‬حتى ولو‬
‫لم تتضرر بالفعل ولم تبادر بالشكوى ‪..‬‬
‫وللزوج أن يقسم بين زوجاته حسب حالة ‪ ..‬فإن كان يعمل‬
‫بالنهار قسم بينهن بالليل ‪ ،‬ولو كان عمله الذي يكسب قوته منه‬
‫ليل ] مثل الحارس وغيره [ ‪ ،‬قسم بينهن بالنهار ‪ ..‬أي لكل‬

‫‪342‬‬
‫واحدة ليلة أو يوم مثل ‪ ،‬أو لكل واحدة يومان أو ليلتان ‪ ..‬ويجوز‬
‫أن يقسم بينهن ‪ :‬لكل واحدة أسبوع أو أكثر بالتراضي بينهن ‪،‬‬
‫على تفصيل واختلف في الراء بين المذاهب ‪(27).‬‬
‫ويحرم على الزوج أن يجامع غير صاحبة النوبة ‪ ،‬ول أن ُيقّبل‬
‫ضرتها ‪ ..‬ويجوز له الدخول على زوجاته من غير صاحبة اليوم أو‬
‫الليلة للضرورة أو لقضاء حاجة أو إذا احتاجت منه شيئا من‬
‫المصروفات أو لرعاية الولد وغير ذلك من المصالح الضرورية ‪.‬‬
‫ويرى الحنابلة أن القسم يجب أن يكون ليلة و ليلة ‪ ،‬بحيث ل‬
‫تزيد عن ذلك إل بالتراضي عليه ‪ ..‬وله أن يخرج في ليلة كل‬
‫واحدة منهن لقضاء ما جرت عليه العادة من صلوات وأداء حقوق‬
‫وواجبات وغيرها ‪ ..‬وليس له أن يتعمد الخروج الكثير في ليلة‬
‫إحداهن دون الخرى ‪ ،‬لن ذلك ظلم وإجحاف بها ] إل إذا رضيت‬
‫بذلك [ ‪.‬‬
‫ويضيف الحنابلة حكما طريفا آخر هو ‪ :‬أنه ل يجوز للزوج الدخول‬
‫على أي زوجة أخرى غير صاحبة النوبة ليل إل في النوازل‬
‫الشديدة ‪ ،‬مثل مرض الموت إذا كانت تريد أن توصى إليه وغير‬
‫ذلك من المور الخطيرة فحسب ‪ ..‬أما في النهار فيجوز له‬
‫الدخول على غير صاحبة النوبة لقضاء حاجة بشرط أل يطيل‬
‫البقاء عندها ‪ ،‬فإن أطال البقاء عندها يقضى اليوم لضرتها ‪ ،‬وإذا‬
‫جامع غير صاحبة النوبة فإنه يلتزم بقضاء الجماع لصاحبة النوبة ]‬
‫أي يجامعها مرة بدل وعوضا عن جماعه لغيرها [ خلفا لرأى‬
‫الشافعية ‪.‬‬
‫وبالنسبة للزوجة الجديدة نحن نرجح رأى الحناف الذي ل يعطى‬
‫لي زوجة قديمة أو جديدة استثناء في المبيت ‪ ،‬وكذلك ل فرق‬
‫بين البكر والثيب ] من سبق لها الزواج [ ولو تزوج بكرا جديدة أو‬
‫ثيبا جديدة يبدأ المبيت عندها ‪ :‬سبع ليال للبكر وثلث ليال إذا‬
‫كانت الجديدة ثيبا ‪ ،‬ثم يعوض نساءه الباقيات عن هذه المدة ‪،‬‬
‫فذلك هو ما يقتضيه مبدأ العدل بين الزوجات ‪ ..‬وسنة الرسول‬
‫)صلى الله عليه وسلم( تدل على التسوية في القسم ‪ ،‬ولكن‬
‫يكون البدء بالدور للجديدة فهذا جائز ‪ ،‬ثم يعطى الخريات من‬
‫اليام والليالي مثل ما أمضى عند الجديدة ‪..‬‬
‫ويجوز للزوجة أن تتنازل لضرتها عن نصيبها بمقابل أو بغير مقابل‬
‫‪ ..‬وإذا تنازلت لها ثم رجعت يجوز هذا الرجوع ‪(28) .‬‬
‫وقد تنازلت أم المؤمنين سودة بنت زمعة – رضي الله عنها –‬
‫عندما كبرت في السن عن ليلتها للسيدة عائشة – رضي الله‬
‫عنها – لما تعلمه من حب النبي )صلى الله عليه وسلم( لها ‪..‬‬
‫وهكذا ضربت السيدة سودة أروع المثلة ‪ ،‬واكتفت بأن تحشر‬

‫‪343‬‬
‫يوم القيامة ضمن أزواج المصطفى )صلى الله عليه وسلم(‬
‫وكفى بها نعمة ‪.‬‬
‫وفى حالة سفر الزوج هناك تفرقة بين سفر النتقال من بلد إلى‬
‫بلد آخر للستقرار فيه ] مثل من يسافر من الريف للستقرار‬
‫بمدينة معينة ‪ ،‬أو يهاجر نهائيا من دولة إلى أخرى [ ‪ ،‬وبين السفر‬
‫العارض المؤقت الذي يرجع بعده إلى بلده الذي به زوجاته ‪.‬‬
‫فإذا كان الزوج مسافرا إلى البلد الخر ليستقر به نهائيا فيجب‬
‫عليه اصطحاب كل الزوجات معه إن تيسر ذلك ‪ ،‬أو إجراء قرعة‬
‫بينهن ليأخذ الفائزة في القرعة معه بعض الوقت ثم يعيدها‬
‫وتسافر إليه أخرى ‪ ،‬وهكذا ‪ ..‬فإن تعذر عليه هذا الحل أيضا ل‬
‫مفر من تطليق من ل يريدها وإمساك من يريد اصطحابها معه‬
‫إلى حيث يستقر نهائيا ‪ ،‬فهذه الحالة ليست سفرا بالمعنى‬
‫الدقيق وإنما هي هجرة في حقيقة المر ‪ ،‬فل يجوز هنا هجر بعض‬
‫الزوجات واصطحاب البعض الخر إل برضا الجميع ‪ ،‬وهو يكاد‬
‫يكون مستحيل في هذه الحالة ‪ ،‬لن الزوجة المرغوب عنها سوف‬
‫تفقد زوجها نهائيا برحيله إلى البلد الخر ‪(29) .‬‬
‫أما إذا كان السفر مؤقتا لغرض التجارة أو الحج أو الغزو أو‬
‫العلج أو السياحة وغيرها ‪ ،‬فالرأي الذي نرجحه هو أنه يجب على‬
‫الزوج إجراء قرعة بين الزوجات لتحديد من تسافر معه ‪ ..‬ومدة‬
‫السفر المؤقت هنا تسقط من الحساب ‪ ،‬بمعنى أنها تعتبر من‬
‫نصيب الفائزة في القرعة وحدها ول تعويض للخريات عنها عند‬
‫العودة من السفر ‪ ..‬وإذا سافرت الزوجة وحدها فل تعويض لها‬
‫عما فاتها في غيابها ‪ ..‬أما إذا سافرت كل الزوجات مع زوجهن‬
‫فإن عليه القسم بينهن كما كان يفعل في بلده الول ‪..‬‬
‫وأخيرا ‪ :‬هل يجوز للزوج أن يجمع بين زوجاته في مكان واحد ؟‬
‫يرى الفقهاء أنه إذا كان المنزل يحتوى على عدة شقق أو أدوار‬
‫لكل منها باب خاص بها ولها منافع تامة مستقلة عن بقية الشقق‬
‫] دورة مياه و مطبخ ومنشر لتجفيف الملبس المغسولة [ فإنه‬
‫يجوز للزوج أن يجمع بين زوجاته في هذا المنزل ولو بدون رضا‬
‫كل منهن ‪ ،‬طالما أن كل واحدة سوف تسكن في شقة منفصلة‬
‫ومستقلة عن الخريات ‪(30) .‬‬
‫أما إذا كان المسكن له باب واحد ودورة مياه واحدة ومطبخ‬
‫واحد ‪ ،‬وبه عدة حجرات أو حجرة واحدة فل يجوز للرجل أن‬
‫يجمع كل زوجاته في مثل هذا المنزل إل برضائهن جميعا ‪..‬‬
‫وكذلك لو كانوا جميعا على سفر وأقاموا في غرفة أو خيمة‬
‫واحدة ] مثل السفر للحج مثل [ فيجوز في هذه الحالة برضاهن‬

‫‪344‬‬
‫أو بدون رضاهن في حالة الضرورة ] مثل تكدس الخيام في منى‬
‫وعرفات [ ‪.‬‬
‫وأفتى المالكية بأن مجامعة الرجل زوجته أمام الخرى أو‬
‫الخريات حرام ‪ ،‬وليس مكروها ‪ ،‬والحرمة تشمل كل الحالت‬
‫سواء كانت الزوجة محل الجماع مكشوفة العورة للخريات أم ل‬
‫)‪ ...(31‬ونحن نؤيد هذا الرأي المالكي السديد ‪ ،‬فالحقيقة أنه ل‬
‫يجوز مثل هذا الجماع من الناحية النسانية ‪ ،‬لن فيه جرحا عميقا‬
‫لمشاعر الخريات ‪ ،‬وإثارة سخيفة للغريزة والحقاد فيما بينهن ‪..‬‬
‫كما أن فيه خدشا لحياء من يجامعها زوجها أمام الخريات ‪..‬‬
‫والنسان الذي كرمه الله يختلف عن الحيوانات العجماوات ‪،‬‬
‫ولهذا ترفض الفطرة النسانية السليمة مثل هذا الجماع أمام‬
‫أخريات ‪ ..‬بل إن بعض الحيوانات مثل القطط يستحيل عليها‬
‫ممارسة الجنس إذا كان هناك من يراقبها أو يراها ‪ ،‬أو حتى يقف‬
‫قريبا منها ‪ ،‬ولو لم يكن يراها !! وسبحان الله الذي أعطى كل‬
‫شيء خلقه ثم هدى ‪...‬‬
‫ونرى أنه يمكن للزوج زيادة نفقة إحدى الزوجات عن الخريات‬
‫في حالت وظروف خاصة ‪ ،‬منها زيادة عدد أولدها عن‬
‫الخريات ‪.‬‬
‫فإذا أعطى مثل ستة أرغفة لزوجة عندها خمسة أطفال بينما‬
‫أعطى من لها ثلثة أربعة أرغفة فإنه ل يكون ظالما بداهة ‪ ..‬بل‬
‫هذا هو صميم العدل ‪ ،‬إذ القسمة هنا على أساس أن لكل فرد‬
‫رغيفا ‪ ..‬وكذلك إذا كانت أحدى الزوجات مريضة مرضا شديدا‬
‫يحتاج إلى علج ‪ .‬وعلى الزوجات الخريات أن يحمدن الله على‬
‫نعمة العافية ‪ ،‬ول يطلبن مقابل لما تكلفه علج أختهن المريضة ‪.‬‬
‫***‬
‫وإذا اشترطت المرأة في عقد الزواج أل يتزوج عليها ‪ ،‬فإن على‬
‫الزوج احترام العقد وعدم القتران بأخرى إل برضا الزوجة الولى‬
‫وتنازلها عن الشرط ‪ ..‬ففي الحديث الشريف ‪ ) :‬إن أحق‬
‫الشروط أن توفوا ما استحللتم به الفروج ( ]رواه البخاري‬
‫ومسلم[ ‪ ..‬ومعنى الحديث الواضح أن الشروط المدرجة في‬
‫عقد الزواج هي أولى الشروط بالحترام واللتزام ‪.‬‬
‫‪.................................................................................‬‬
‫‪......................‬‬
‫)‪ (1‬عدد الثلثاء ‪ 6‬مايو ‪. 1997‬‬
‫)‪ (2‬أعدت تحت أشراف أساتذة المركز القومي للبحوث‬
‫الجتماعية والجنائية‪.‬‬
‫)‪ (3‬مجلة طبيبك الخاص عدد مايو ‪. 1997‬‬

‫‪345‬‬
‫)‪ (4‬صندوق الدنيا – الهرام – عدد ‪ 13‬مايو ‪ 1997‬م ‪.‬‬
‫)‪ (5‬السيد سابق – فقه السنة – نظام السرة – المجلد الثاني –‬
‫ط مكتبة المسلم – ص ‪.104‬‬
‫)‪ (6‬كتاب محمد رسول الله ‪ ،‬ترجمة المرحوم الدكتور عبد‬
‫الحليم محمود شيخ الزهر السبق ‪.‬‬
‫)‪ (7‬الية ‪ 3‬من سورة النساء ‪.‬‬
‫)‪ (8‬ابن كثير – تفسير القرآن العظيم – تفسير الية ‪ 3‬من سورة‬
‫النساء ‪.‬‬
‫)‪ (9‬راجع جامع البيان في تفسير القرآن لبن جرير الطبري‬
‫تفسير سورة النساء ‪.‬‬
‫)‪ (10‬تفسير النسفى – سورة النساء ‪.‬‬
‫)‪ (11‬السيد سابق ‪ -‬فقه السنة – المجلد الثاني نظام السرة –‬
‫ط مكتبة المسلم ص ‪ 95‬الهامش ‪.‬‬
‫)‪ (12‬السيد سابق – المرجع السابق ‪.‬‬
‫)‪ (13‬راجع الفصل الول "التعدد قبل السلم" من هذا الكتاب‪.‬‬
‫)‪ (14‬الية الولى من سورة فاطر‬
‫)‪ (15‬ابن كثير‪ ...‬المرجع المشار إليه من قبل‬
‫)‪ (16‬الجامع لحكام القرآن – القرطبى – ط الريان – ص ‪1578‬‬
‫‪.‬‬
‫)‪ (17‬الية ‪ 3‬من سورة النساء ‪.‬‬
‫)‪ (18‬الية ‪ 129‬من سورة النساء ‪.‬‬
‫)‪ (19‬الجامع لحكام القرآن للقرطبى – الية ‪ 129‬من سورة‬
‫النساء ‪.‬‬
‫)‪ (20‬رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي ‪.‬‬
‫)‪ (21‬فقه السنة – المجلد الثاني – نظام السرة ص ‪. 99‬‬
‫)‪ (22‬سيد قطب – في ظلل القرآن – الجزء الول – ط دار‬
‫الشروق – ص ‪. 582‬‬
‫)‪ (23‬رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه ‪.‬‬
‫)‪ (24‬الفقه على المذاهب الربعة – الجزء الرابع – قسم الحوال‬
‫الشخصية – ط الريان – ص ‪ 213‬وما بعدها ‪.‬‬
‫)‪ (25‬السيد سابق – فقه السنة – ط مكتبة المسلم – المجلد‬
‫الثاني ص ‪. 98‬‬
‫)‪ (26‬الفقه على المذاهب الربعة ‪.‬‬
‫)‪ (27‬الفقه على المذاهب الربعة – الجزء الرابع ص ‪ 216‬وما‬
‫بعدها ‪..‬‬
‫)‪ (28‬المرجع السابق ص ‪219‬‬
‫)‪ (29‬لمرجع السابق ص ‪. 220‬‬

‫‪346‬‬
‫)‪ (30‬راجع التفاصيل في المرجع السابق ص ‪. 223‬‬
‫)‪ (31‬المرجع السابق ص ‪. 224‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫زوجات النبي صلى الله عليه وسلم‬

‫قلنا من قبل أن أعداء السلم ) منذ بزوغ فجره وحتى اليوم (‬


‫حاولوا باستماتة النيل منه والطعن فيه باستغلل تعدد زوجات‬
‫النبي ) صلى الله عليه وسلم ( ‪..‬‬
‫زعموا أن نبي السلم كان منصرفا إلى إشباع شهوته بالتقلب‬
‫في أحضان تسع نساء !! قالها يهود يثرب )‪ .. (1‬فرد عليهم‬
‫القرآن الكريم ردا بليغا وبين أنهم فعلوا ذلك حسدا للرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬على الرغم من أن داود وسليمان –‬
‫عليهما السلم – آتاهما الله الملك وكان لهما من الزوجات‬
‫والجواري أضعاف ما كان لمحمد صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫ومازال المستشرقون في الخارج والعلمانيون واليساريون في‬
‫الداخل يتطاولون بوقاحة على المقام الشريف والسنة‬
‫المطهرة ‪ ،‬كيدا منهم لهذا الدين ‪ ،‬والله يحفظه – رغم أنوفهم –‬
‫إلى أن يرث الله الرض ومن عليها ‪.‬‬
‫وهناك آخرون ل يعلمون بواعث تعدد زوجات الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪..‬‬
‫ومن يطالع السيرة العطرة سوف يكتشف بسهولة أن بعض هذه‬
‫الزيجات كان في المقام الول تلبية لدوافع إنسانية ‪ ،‬والبعض‬
‫الخر كان لتأليف القلوب ‪ ،‬وتطييب النفوس ‪ ،‬وتمهيد الرض‬
‫للدعوة المباركة بالمصاهرة وجبر الخاطر ‪..‬‬
‫ثم هناك حقه الطبيعي صلى الله عليه وسلم في الزواج ‪ ،‬لنه‬
‫بشر ‪ ،‬وليس ملكا ً ‪..‬‬
‫وقد أشرنا من قبل إلى أن الزواج هو شريعة كل أنبياء الله‬
‫) حتى من لم يتزوج منهم مثل عيسى ويحيى عليهما السلم (‬
‫وأنه ل يوجد نص في الناجيل الربعة يحظر تعدد الزوجات ‪(2).‬‬
‫ولنبدأ بأول زوجات المصطفى صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وهى‬
‫سيدتنا خديجة بنت خويلد – رضي الله عنها وأرضاها – فقد‬
‫تزوجت في الجاهلية من هند بن النباش التميمى وكنيته أبو‬
‫هالة ‪ ..‬وبعد موته تزوجت عتيق بن عابد المخزومى )‪ .. (3‬ثم‬
‫مات عنها عتيق ‪ ..‬وكانت من أرفع بيوت قريش وأوسطها نسبا‬
‫وحسبا ‪ .‬وكان لها مال ترسل رجال من قومها يتاجرون لها فيه ‪..‬‬
‫ولما سمعت بأمانة محمد عليه السلم أرسلت إليه ليتاجر لها في‬

‫‪347‬‬
‫مالها في رحلة الشام ‪ ،‬على أن تعطيه ضعف ما كانت تعطى‬
‫غيره من الجر ‪.‬‬
‫ورحل صلى الله عليه وسلم بمالها مع غلمها ميسرة إلى‬
‫الشام ‪ ،‬فباع واشترى وعاد إلى مكة بأضعاف ما كانت خديجة‬
‫تربحه من قبل ‪ ..‬وأعطته السيدة خديجة ضعف الجر المتفق‬
‫عليه ‪ ..‬وحكى لها ميسرة ما كان من معجزاته عليه السلم خلل‬
‫الرحلة ‪ :‬أظلته غمامة ‪ ،‬وأخبر أحد‬
‫الرهبان ميسرة بأن رفيقه محمدا سيكون النبي الخاتم الموجود‬
‫في كتب السابقين ‪..‬‬
‫فازدادت إعجابا به ‪ ،‬وأرسلت إليه صديقتها نفيسة بنت أمية‬
‫تعرض عليه الزواج من خديجة التي كان عمرها في ذلك الوقت‬
‫أربعين سنة ‪..‬‬
‫فوافق عليه السلم ‪ ،‬وكان عمره وقت أن تزوجها خمسا‬
‫وعشرين سنة ‪.‬‬
‫وولدت له السيدة خديجة كل أولده وبناته باستثناء إبراهيم ولده‬
‫من مارية القبطية ) الجارية التي أهداها المقوقس إلى النبي ‪( ..‬‬
‫ولم يتزوج صلى الله عليه وسلم أخرى حتى ماتت السيدة خديجة‬
‫عن خمس وستين سنة ‪ ،‬بينما كان عليه السلم قد تخطى‬
‫الخمسين سنة ‪..‬‬
‫والن نتساءل ‪ :‬إذا كان نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم قد‬
‫عاش بل زواج حتى سن الخامسة والعشرين ‪ ..‬ولم يكن أهل‬
‫مكة يقولون عنه إل كل الخير ‪ ،‬وكانوا يلقبونه بالصادق المين ‪..‬‬
‫وكانت طهارته وعفته مضرب المثال – باعتراف أعتى‬
‫المشركين وأشدهم عداوة له وحقدا عليه ‪..‬‬
‫وإذا كان تزوج بعد ذلك من السيدة خديجة وهى أكبر منه سنا‬
‫بخمس عشرة سنة ‪ ،‬وظل مكتفيا بها زوجة وحيدة حتى بعد أن‬
‫تجاوزت الستين ‪ ..‬فأين ما يزعمون من حبه للشهوات واستكثاره‬
‫من النساء ؟!!‬
‫لقد كان عليه السلم في تلك الفترة في ريعان شبابه ‪ ،‬ولم يكن‬
‫قد شغل بعد بأعباء الدعوة المباركة ‪ ،‬وتبعاتها الثقيلة ‪ ،‬ولو كان –‬
‫كما يزعم أعداء السلم – من ذوى الشهوة الطاغية لتزوج من‬
‫شاء من النساء ‪ ،‬وقد كان تعدد الزوجات والجواري شائعا قبل‬
‫السلم – كما ذكرنا )‪ – (4‬بل قيد أو عدد محدد ‪ ..‬وما كان ذلك‬
‫عيبا ول محظورا ‪ ..‬فلماذا لم يفعل صلى الله عليه وسلم ؟!‬
‫أليس هذا دليل على أنه صلى الله عليه وسلم قد عدد زوجاته‬
‫فيما بعد لسباب أخرى أسمى وأرفع قدرا من مجرد إشباع‬

‫‪348‬‬
‫الشهوة ‪ ،‬رغم أن هذا الشباع بالزواج ليس عيبا ول شائنا‬
‫للزوج ؟!‬
‫ثم هناك نقطة أخرى – قبل أن ننتقل إلى باقي الزوجات – لقد‬
‫كان عليه السلم يذكر السيدة خديجة بكل الخير والوفاء بعد‬
‫موتها ‪ ..‬وحتى بعد أن صار له تسع نسوة ‪ ..‬كان يغضب إذا أساء‬
‫أحد إلى ذكراها العطرة ‪ ،‬ولو كانت عائشة أحب زوجاته إليه –‬
‫ويذكر عليه السلم – في كل مناسبة – معروف خديجة وفضلها‬
‫عليه وعلى الدعوة الغراء ‪ ،‬ولم ينسها رغم أنها كانت عجوزا‬
‫ورزق بعدها بزوجات أصغر سنا ‪ ،‬وربما أكثر جمال ‪..‬‬
‫هل مثل هذا الزوج يقال عنه إنه يضع الشهوة الجنسية في‬
‫المقام الول ؟!! هل يظن مثل هذا الظن المريض بمن وصفه‬
‫رب العزة بأنه } على خلق عظيم { ؟!‬
‫***‬
‫ونأتي الن إلى ظروف زواجه صلى الله عليه وسلم بثانية زوجاته‬
‫السيدة سودة بنت زمعة – رضي الله عنها – فقد كانت متزوجة‬
‫في الجاهلية بالسكران بن عمرو بن عبد شمس ‪ ،‬وهو ابن‬
‫عمها ‪ ،‬وأسلما بمكة وخرجا مهاجرين إلى أرض الحبشة في‬
‫الهجرة الثانية ‪ ..‬ثم قدما من الحبشة ‪ ،‬ومات السكران بمكة ‪،‬‬
‫وترملت زوجته السيدة سودة ‪ ،‬فلما انقضت عدتها أرسل لها‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فخطبها وتزوجها بمكة ‪ ،‬وهاجرت‬
‫معه إلى المدينة ‪.‬‬
‫وكانت – رضي الله عنها – قد كبرت سنها ‪ ،‬وبعد فترة من زواج‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم بها تنازلت عن ليلتها للسيدة‬
‫عائشة ‪ ،‬وقالت كما جاء في إحدى الروايات ‪ :‬يا رسول الله ‪،‬‬
‫والله ما بي حب الرجال – تقصد أنها مسنة وليست بها حاجة إلى‬
‫الرجال – ولكني أرجو أن أبعث في أزواجك يوم القيامة ‪ .‬وقبل‬
‫منها النبي صلى الله عليه وسلم تنازلها للسيدة عائشة ‪ ،‬وأبقى‬
‫عليها زوجة في عصمته حتى موته صلى الله عليه وسلم )‪.. (5‬‬
‫فهل يكون اقترانه – عليه الصلة والسلم – بعجوز أخرى دليل‬
‫على ما يذهب إليه أعداء الله ورسوله من أن تعدد زوجاته صلى‬
‫الله عليه وسلم كان للشهوة أو حب النساء ؟!! أو أنها مواساة‬
‫منه – عليه السلم – لرملة مسلمة لم يعد لها عائل بعد موت‬
‫رجلها ‪ ،‬وليس لها مال أو شباب أو جمال يدفع غيره صلى الله‬
‫عليه وسلم للزواج منها ؟!!‬
‫والله ‪ ..‬إن مثل هذه الزيجة التي ل يطمع فيها أحد لهي بعض‬
‫أعبائه عليه السلم ‪ ،‬وواجب ثقيل ألزم به نفسه الشريفة النبيلة‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪349‬‬
‫ومن سواه يواسى الرملة المحزونة ؟ من سواه يجبر المكسور ‪،‬‬
‫ويفك السير ‪ ،‬ويعين على شدائد الدهر ‪ ،‬وهو الذي أرسله ربه‬
‫رحمة للعالمين ؟!!‬
‫***‬
‫وأما السيدة عائشة بنت الصديق أبى بكر – رضي الله عنهما –‬
‫فهي الزوجة الثالثة لنبي الهدى صلى الله عليه وسلم ‪ ..‬ومن‬
‫الطبيعي أن يرتبط الداعية بالرجال الذين يقوم على أكتافهم‬
‫البناء الشاهق ‪ ،‬وتنتشر الدعوة بهم ‪ ،‬ومن خللهم إلى سائر‬
‫إرجاء المعمورة ‪ ..‬وخير الروابط بين النبي وكبار أصحابه هو‬
‫الرباط المقدس ) الزواج ( ‪ ..‬ولهذا تزوج عليه السلم من‬
‫السيدة عائشة ‪ ،‬وكانت صغيرة السن ‪ ..‬كما تزوج أيضا لذات‬
‫السبب من السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب – رضي الله‬
‫عنهما ‪..‬‬
‫وهناك سبب ثان لزواجه صلى الله عليه وسلم من السيدة‬
‫حفصة ‪ ،‬فقد كانت متزوجة قبله من خنيس بن حذافة السهمي‬
‫الذي أسلم معها وهاجر بها إلى المدينة فمات عنها ) عند قدوم‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة أحد ( متأثرا بإصابته في‬
‫الغزوة )‪ ، (6‬وعندما انقضت عدتها عرض عمر على أبى بكر‬
‫الصديق أن يزوجه ابنته حفصة ‪ ،‬فسكت أبو بكر ‪ ،‬مما أغضب‬
‫عمر – رضي الله عنهم أجمعين – وكان عمر قد عرضها قبل ذلك‬
‫على عثمان بن عفان فلم يوافق كذلك ‪ ،‬مما أسخط الفاروق‬
‫عليه كما سخط على صاحبه ‪ ،‬فجاء عمر يشكوهما إلى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪..‬‬
‫وطيب صلى الله عليه وسلم خاطره وتزوجها تكريما لعمر ‪ ،‬كما‬
‫كرم أبا بكر من قبل وتزوج بابنته عائشة ‪ ..‬وكان الباعث لبى‬
‫بكر على عدم قبول الزواج من حفصة أنه سمع النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم يذكرها لنفسه ‪ ،‬وما كان الصديق ليفشى سر رسول‬
‫الله ‪ ،‬أو يتزوج بمن عزم صلى الله عليه وسلم على الزواج‬
‫منها ‪..‬‬
‫ومن المعروف أن السيدة حفصة – رضي الله عنها – لم تكن‬
‫جميلة مثل عائشة أو صفية ‪ ،‬لكنها كانت صوامة قوامة )‪(7‬‬
‫تحب الله ورسوله )‪(8‬‬
‫فهل يكون الزواج في حالة السيدة عائشة والسيدة حفصة‬
‫استكثارا من النساء ‪ ،‬أو جريا وراء الشهوات ؟!! أم هي‬
‫ضرورات الدعوة ‪ ،‬وجبر الخاطر ‪ ،‬وتوكيد الروابط بين المصطفى‬
‫صلى الله عليه وسلم وكبار رجال الدعوة الوليدة والرأفة بزوجة‬

‫‪350‬‬
‫شهيد – مثل حفصة – لم يكن لها من الجمال أو المال ما يغرى‬
‫غيره عليه السلم بالزواج منها ؟!!‬
‫إنه الرحمة المهداة ‪ ،‬والنعمة المسداة – عليه الصلة والسلم ‪..‬‬
‫***‬
‫هناك أيضا ظروف زواج الرسول المين من السيدة زينب بنت‬
‫خزيمة الملقبة بأم المساكين – رضي الله عنها – فقد كانت زوجة‬
‫لبن عمه عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف –‬
‫رضي الله عنه – الذي استشهد في يوم بدر وتركها وحيدة ل‬
‫عائل لها ‪..‬‬
‫فهل يكون جزاء الصحابي وابن العم الشهيد أن تترك أرملته‬
‫وحدها ؟!! ومن يصل الرحم ‪ ،‬ويجازى الشهيد ‪ ،‬ويخلفه في أهله‬
‫بكل البر والخير والرحمة سوى الصادق المين خاتم المرسلين‬
‫صلى الله عليه وسلم ؟!!‬
‫وهل مثل هذه الزيجة يكمن خلفها أي مطمع حسي أو غيره ؟!‬
‫أو أنها واجب وعبء إضافي على عاتق المصطفى صلى الله‬
‫عليه وسلم ؟!! وقد ماتت – رضي الله عنها – بعد زواجها من‬
‫الرسول بعدة أشهر ‪.‬‬
‫***‬
‫وكذلك جاء زواجه صلى الله عليه وسلم من السيدة أم سلمة –‬
‫رضي الله عنها – واسمها )) هند بنت سهيل بن المغيرة‬
‫المخزومى ‪ ..‬وقد أصيب – رضي الله عنه – يوم أحد ‪ ،‬ثم برئ‬
‫الجرح بعدها بشهر ‪ ..‬وخرج – رضي الله عنه – في )) سرية‬
‫قطن (( ثم رجع منها بعد شهر آخر ‪ ،‬وانتقض الجرح عليه‬
‫فتسبب في استشهاده – رضي الله عنه – وخلف وراءه السيدة‬
‫أم سلمة وكثرة من الطفال ‪..‬‬
‫فلما انقضت عدتها أرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يخطبها ‪ ،‬فاعتذرت بأنها تقدمت في السن ‪ ،‬وأنها ذات أطفال ‪،‬‬
‫وأنها شديدة الغيرة ‪ ،‬فرد عليه البشير النذير ‪ )) :‬أما ما ذكرت‬
‫من غيرتك فيذهبها الله ‪ ..‬وأما ما ذكرت من سنك فأنا أكبر منك‬
‫سنا ‪ ...‬وأما ما ذكرت من أيتامك فعلى الله وعلى رسوله (( ‪) .‬‬
‫‪] (9‬أي أن عيالها سوف يرعاهم الله ورسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم[ ‪ ،‬وهذا أهم أهداف هذه الزيجة المباركة ‪ ،‬أي كفالة هؤلء‬
‫اليتام ‪ ،‬فضل عن رعاية الصحابية الجليلة بعد أن أصبحت‬
‫أرملة ‪..‬‬
‫وأخيرا جاءت هذه الزيجة تكريما للزوج أبى سلمة نفسه بعه‬
‫استشهاده ‪ ،‬برعاية أرملته وأطفاله ‪ ،‬وصلة لرحمه ‪ ،‬فهو ابن‬

‫‪351‬‬
‫عمة الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ..‬فأين اتباع الشهوة في‬
‫مثل هذا الرتباط بأرملة تجاوزت الخمسين وذات أطفال ؟!!‬
‫وأما زواجه صلى الله عليه وسلم بالسيدة أم حبيبة رملة بنت‬
‫أبى سفيان بن حرب – رضي الله عنها – فله قصة توضح الهدف‬
‫منه ‪ ،‬والمقصد النبيل الذي تحقق به ‪ ..‬فقد كانت أم حبيبة زوجة‬
‫لعبيد الله بن جحش بن خزيمة ‪ ،‬وهاجرت معه إلى أرض الحبشة‬
‫في الهجرة الثانية ‪ ..‬وهناك فتن عبيد الله وارتد عن السلم –‬
‫والعياذ بالله – وثبتت السيدة أم حبيبة – رضي الله عنها – على‬
‫دينها رغم الغربة والوحشة والوحدة ‪ ..‬ولم تكن تستطيع الرجوع‬
‫إلى مكة حيث كان أبوها أبو سفيان أحد زعماء قريش يضطهد‬
‫الرسول وأصحابه أشد الضطهاد ‪ ،‬فلو رجعت أم حبيبة لتعرضت‬
‫للفتنة في دينها بدورها ‪ ..‬وكان ل بد من تكريمها وتعويضها عن‬
‫الزوج الذي ارتد ‪ ،‬ثم مات بالحبشة ‪..‬‬
‫وهكذا أرسل جابر المكسورين ‪ ،‬ومؤنس المتوحشين إلى‬
‫النجاشي ملك الحبشة – وكان قد أسلم – طالبا منه أن يعقد له‬
‫على أم حبيبة ‪ ..‬وبالفعل زوجه النجاشي إياها ‪ ،‬وأرسلها إليه‬
‫بالمدينة بعد هجرته صلى الله عليه وسلم معززة مكرمة ‪..‬‬
‫ولما بلغ أبا سفيان خبر زواج النبي صلى الله عليه وسلم من‬
‫ابنته أم حبيبة شعر بالسعادة ‪ ،‬وقال عن زوج ابنته مبتهجا ‪،‬‬
‫والذي كان ما يزال عدوا له ولدينه ‪ )) :‬هو الفحل ل يقرع أنفه ((‬
‫)‪ .. (10‬أي أن مثل النبي صلى الله عليه وسلم ل يرد صهره ‪،‬‬
‫فهو كفء كريم تفخر كل قبيلة بمصاهرته وتزويجه بناتها ‪.‬‬
‫قال أبو سفيان بن حرب ذلك على الرغم من أنه كان ما يزال‬
‫مشركا عدوا للسلم ‪ ،‬ولكنه ل يخدع نفسه كأب تزوجت ابنته‬
‫بأعظم وأشرف الرجال ‪..‬‬
‫وشاء الله جلت قدرته أن تدور اليام ‪ ،‬ويأتي أبو سفيان إلى‬
‫المدينة محاول إثناء النبي صلى الله عليه وسلم عن غزو مكة بعد‬
‫أن نقض المشركين عهودهم معه ‪ ،‬واعتدوا على حلفائه من‬
‫قبيلة خزاعة ‪ ،‬وقتلوهم في البلد الحرام في الشهر الحرام ‪.‬‬
‫ولم يجد أبو سفيان ملجأ بعد أن رفض كبار الصحابة التوسط له‬
‫عند النبي صلى الله عليه وسلم سوى بيت ابنته وفوجئ أبو‬
‫سفيان بابنته تطوى عنه الفراش في ضيق واشمئزاز ‪ ..‬فسألها ‪:‬‬
‫والله يا بنية ما أدرى هل رغبت بالفراش عنى أم رغبت بي‬
‫عنه ؟!! فردت عليه بحسم ‪ )) :‬بل هو فراش رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك (( ‪..‬‬
‫يا الله ‪ ..‬إنها العقيدة الراسخة كالجبال في قلب زوجة‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬تواجه بها أباها الذي خرجت‬

‫‪352‬‬
‫من صلبه ‪ ..‬وذلك هو اليمان الحق الذي يجعل الله ورسوله أحب‬
‫إلى المسلم الصادق من أمه وأبيه وابنه وأخيه ‪.‬‬
‫هل كان من المطلوب من الرسول أن يترك مثل هذه السيدة‬
‫العظيمة للضياع بين زوج مرتد وأب كان كافرا ً ؟!! ومن سواه‬
‫صلى الله عليه وسلم أولى بأن يكرم مثواها ‪ ،‬ويجزيها على ثباتها‬
‫وصبرها وجهادها في سبيل عقيدتها ورسالتها ؟!! ومن يكون‬
‫مناسبا لبنة سيد قريش سوى سيد الولين والخرين ؟!!‬
‫***‬
‫ونأتي إلى قصة زواجه صلى الله عليه وسلم من السيدة زينب‬
‫بنت جحش السدى – رضي الله عنها – وهى ابنة عمته أميمة‬
‫بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ‪ ..‬أي أنها من أعرق‬
‫وأشرف بيوت قريش وأرفعها نسبا وأما ‪ ..‬وكانت فيما يروون‬
‫فائقة الجمال ‪..‬‬
‫وعندما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم يخطبها ظن أهلها أنه‬
‫يريدها لنفسه ‪ ،‬ثم فوجئوا به يطلبها لزيد بن حارثة ‪ ..‬كان زيد –‬
‫رضي الله عنه – عبدا في الجاهلية ‪ ،‬وانتهي به المطاف عند‬
‫الصادق المين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي‬
‫أكرم مثواه ‪ ،‬وبلغ من تأثير عطفه وحنانه على زيد أن فضله زيد‬
‫على أبيه وعمه ) لما خيره بين البقاء معه أو اللحاق بأبيه وعمه‬
‫عندما عثرا عليه ‪ ،‬وجاءا من ديارهما في طلبه ‪ ..‬وهنا أشهدهم‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم أن زيد ابني أرثه ويرثني ‪ ...‬وذلك‬
‫قبل تحريم التبني ( فرضي أبوه الصلبى بذلك ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعتق زيدا‬
‫وتبناه ‪ ،‬ثم أبطل السلم التبني فاسترد زيد اسمه الول‬
‫) وحريته من قبل ( ‪ ،‬فإن آل جحش رفضوا أن يزوجوه ابنتهم‬
‫وهى من فتيات قريش المعدودات اللتي يتنافس خيرة شباب‬
‫العرب للفوز بهن ‪..‬‬
‫ولكن الله تعالى شاء أن يمضى هذا الزواج لحكمة كبرى ‪ ،‬بل‬
‫لعدة مقاصد ‪ :‬أولها أن يهدم التفاخر بالنساب ‪ ،‬ويثبت القاعدة‬
‫الخالدة الراشدة ) إن أكرمكم عند الله أتقاكم ( وليس أغناكم أو‬
‫أعرقكم نسبا أو أفضلكم حسبا ‪..‬‬
‫***‬
‫ولهذا نزل قول الله تعالى ‪ } :‬وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا‬
‫قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن‬
‫يعص الله ورسوله فقد ضل ضلل مبينا { )‪.. (11‬‬
‫وفور نزول هذه الية الكريمة عرف عبد الله بن جحش وأخته‬
‫زينب – رضي الله عنهما – أنه ل محيد لهم عن طاعة الله‬

‫‪353‬‬
‫ورسوله ‪ ،‬فقال عبد الله لبن خاله محمد صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫)) مرني بما شئت (( فزوجها صلى الله عليه وسلم من زيد بن‬
‫حارثة ‪..‬‬
‫وعلى الرغم من إتمام الزواج ظلت زينب تستعصي على زيد ‪،‬‬
‫وتشمخ عليه بنسبها وحسبها ‪ ،‬حتى ضاق – رضي الله عنه – بها‬
‫ذرعا ‪ ،‬وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في‬
‫تطليقها لستحالة العشرة بينهما ‪ ،‬فأمره النبي أن يتقى الله‬
‫ويمسك عليه زوجه فل يطلقها ‪..‬‬
‫في ذلك الوقت أطلع الله تعالى رسوله على ما سوف يحدث ‪،‬‬
‫وهو أن زيد سيطلق زينب ‪ ،‬ثم يزوجها الله من رسوله المين ‪،‬‬
‫ليهدم بذلك قاعدة التبني التي سادت في الجاهلية ‪ ،‬إذ العدل‬
‫والصوب هو أن ُيـدعى كل ابن لبيه الحقيقي ‪ ،‬وليس لذلك الذي‬
‫تبناه ‪ ..‬وإذا كان السلم يحرم إلى البد زواج الب من امرأة ابنه‬
‫‪ ،‬فالمر ليس كذلك في حالة البن بالتبني إذ هو ليس ابنا‬
‫حقيقيا ‪ ،‬وما ينبغي أن يكون ‪.‬‬
‫ونزل قول الله تعالى ‪ } :‬وإذ تقول للذي أنعم الله عليه و أنعمت‬
‫ق الله وتخفى في نفسك ما الله‬ ‫عليه أمسك عليك زوجك وات ِ‬
‫مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها‬
‫وطرا زوجناكها لكي ل يكون على المؤمنين حرج في أزواج‬
‫أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعول { )‪. (12‬‬
‫وأفضل تفسير لهذه الية الكريمة وأقربه إلى ما يليق بمقام‬
‫النبوة الشريف النبيل ‪ ،‬وما هو مقطوع به من عصمة النبياء –‬
‫صلوات الله وسلمه عليهم – ما قاله المام على بن الحسين بن‬
‫على بن أبى طالب ‪ ،‬الملقب يزين العابدين – رضي الله عنه ‪..‬‬
‫روى على بن الحسين ‪ )) :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم كان‬
‫قد ُأوحي إليه أن زيدا سوف يطلق زينب ‪ ،‬وأن الله سيزوج‬
‫رسوله إياها ‪ ..‬فلما شكا زيد للنبي صلى الله عليه وسلم ما يلقى‬
‫من أذى زوجته ‪ ،‬وأنها ل تطيعه ‪ ،‬وأعلمه أنه يريد طلقها ‪ ،‬قال له‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم على جهة الدب والوصية ‪ ) :‬اتق‬
‫الله وأمسك عليك زوجك ( ‪ ..‬وهو صلى الله عليه وسلم يعلم أنه‬
‫سيفارقها ‪ ،‬ثم يتزوجها هو من بعده ‪ ،‬وهذا ) العلم ( هو ما أخفاه‬
‫صلى الله عليه وسلم في نفسه ‪ ،‬ولم يرد أن يأمره بطلقها ‪..‬‬
‫فعاتبه الله تعالى على هذا القدر من خشية الناس في شيء قد‬
‫أباحه الله له ‪ ،‬وقوله لزيد )) أمسك عليك زوجك (( ‪ ،‬مع علمه‬
‫بأنه يطلقها ‪ ،‬وأعلمه سبحانه أن الله أحق بالخشية في كل‬
‫حال (( ‪.‬‬

‫‪354‬‬
‫قال علماؤنا رحمهم الله ‪ )) :‬وهذا القول أحسن ما قيل في‬
‫تفسير هذه الية ‪ ،‬وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين و‬
‫العلماء الراسخين ‪ ،‬مثل الزهري وبكر بن علء القشيرى وأبو بكر‬
‫بن العربي وغيرهم )‪ . (13‬ورفض المام ابن كثير – رضي الله‬
‫عنه – كل رواية أخرى ل تناسب عصمة الرسول و مقام النبوة‬
‫الرفيع ‪ ،‬إذ هي من الموضوع وما ل يصح سنده ول معناه ‪(14) .‬‬
‫ويعلق المام القرطبى على تلك الرواية الجاهلية التي تفسر‬
‫قوله تعالى للرسول ‪ } :‬وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى‬
‫الناس والله أحق أن تخشاه { ‪ .‬بأنه صلى الله عليه وسلم أخفى‬
‫في نفسه هوى لزينب ‪ ،‬بقوله )) هذا القول يصدر عن جاهل‬
‫بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا ‪ ،‬أو مستخف‬
‫بحرمته صلى الله عليه وسلم ‪..‬‬
‫وقال الحكيم الترمذي في )) نوادر الصول (( ‪ )) :‬على بن‬
‫الحسين جاء بهذا ) التفسير السليم للية ( من خزانة العلم‬
‫جوهرة من الجواهر ‪ ،‬ودرا من الدرر ‪ ،‬فإنه إنما عتب الله عليه‬
‫أنه أعلمك أن هذه ستكون من أزواجك ‪ ،‬فكيف قال بعد ذلك‬
‫لزيد ) أمسك عليك زوجك ( ‪ ،‬وأخذتك خشية الناس أن يقولوا ‪:‬‬
‫تزوج امرأة ابنه ‪ ،‬و ) والله أحق أن تخشاه ( ‪..‬‬
‫وقال النحاس ‪ :‬قال بعض العلماء ‪ :‬ليس هذا خطيئة من النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬لنه لم يؤمر بالتوبة أو بالستغفار منه ‪،‬‬
‫وقد يكون الشئ ليس خطيئة ‪ ،‬ولكن غيره أحسن منه ‪ ،‬وقد‬
‫أخفى الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك في نفسه خشية أن‬
‫يفتن الناس (( ‪(15) .‬‬
‫والخلصة أنه عليه الصلة والسلم تزوج السيدة زينب بنت‬
‫جحش بعد طلقها من زيد بن حارثة بأمر من الله الذي تولى‬
‫سبحانه تزويجها له مباشرة ‪ ،‬ليهدم بذلك قاعدة التبني إلى البد ‪،‬‬
‫وحتى ل يكون هناك حرج على الباء في الزواج من مطلقات‬
‫الدعياء ‪ ،‬لنهم ليسوا أبناءهم ‪ ..‬وقد كانت السيدة زينب ابنة‬
‫عمة الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وربيت تحت رعايته ‪ ،‬ولو‬
‫كان له فيها مأرب لتزوجها منذ البداية ‪ ،‬ولم يزوجها بنفسه لزيد‬
‫من قبل ‪..‬‬
‫ومن أقوى ما قيل في تفنيد مزاعم المنافقين حول هذه الية ما‬
‫قاله فضيلة الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – قال ‪ )) :‬إنهم‬
‫يقولون إن الذي يخفيه النبي في نفسه ويخشى فيه الناس دون‬
‫الناس هو ميله إلى زينب ‪ .‬أي أن الله – بزعمهم – يعتب عليه‬
‫عدم التصريح بهذا الميل !! ونقول ‪ :‬هل الصل الخلقي أن‬

‫‪355‬‬
‫الرجل إذا أحب امرأة أن يشهر بها بين الناس ؟ وخاصة إذا كان‬
‫ذا عاطفة منحرفة جعلته يحب امرأة رجل آخر ؟!!‬
‫هل يلوم الله رجل لنه أحب امرأة آخر فكتم هذا الحب في نفسه‬
‫؟! وهل كان يرفع درجته لو أنه صاغ فيها قصائد غزل ؟!! هذا‬
‫والله هو السفه ! وهذا السفه هو ما يريد بعض المغفلين أن‬
‫يفسر به القرآن !!‬
‫ً‬
‫إن الله ل يعاتب أحدا على كتمان حب طائش ‪ ..‬والذي أخفاه‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه تأذيه من هذا الزواج‬
‫المفروض ‪ ،‬وتراخيه في تنفيذ أمر الله به ‪ ،‬وخوفه من كلم‬
‫الناس عندما يجدون نظام التبني – كما ألفوه – قد انهار ‪.‬‬
‫وقد أفهم الله رسوله أن أمره سبحانه ل يجوز أن يعطله توهم‬
‫شيء ما ‪ ،‬وأنه – إزاء التكليف العلى – ل مفر له من السمع‬
‫والطاعة ‪ ،‬شأن من سبقه من المرسلين ‪ ،‬وأعقب الية السابعة‬
‫والثلثين هذه بآيات أخرى تؤكد هذا المعنى ‪:‬‬
‫} ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في‬
‫الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا ‪ .‬الذين يبلغون‬
‫رسالت الله ويخشونه ول يخشون أحدا إل الله وكفى بالله‬
‫حسيبا { )‪(16‬‬
‫ويضيف الشيخ الغزالي ‪ )) :‬إنك حين تثبت قلب رجل تقول له ‪:‬‬
‫ل تخش إل الله ‪ ،‬إنك ل تقول له ذلك وهو بصدد ارتكاب‬
‫معصية ‪ ..‬إنما تقول له ذلك وهو يبدأ القيام بعمل فاضل كبير‬
‫يخالف التقاليد الموروثة ‪ ،‬وظاهر في هذه اليات كلها أن الله ل‬
‫يجرئ نبيه على حب امرأة ‪ ،‬إنما يجرئه على إبطال عادة سيئة‬
‫يتمسك الناس بها ‪ ،‬عادة التبني ‪ ،‬ويراد منه كذلك أن ينزل على‬
‫حكمها ‪ ،‬لذلك يقول الله تعالى بعد ذلك مباشرة ‪ ،‬وهو يهدم‬
‫نظام التبني ‪ } :‬ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول‬
‫الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيٍء عليما { )‪ (17‬و )‪(18‬‬
‫أما السيدة صفية بنت حيى بن أخطب زعيم اليهود ‪ ،‬فقد وقعت‬
‫في السر بعد فتح خيبر ‪ ،‬وكان أبوها وأخوها وزوجها قد قتلوا في‬
‫المعركة ‪ ..‬ورفقا ورحمة بها خيرها الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم بين إطلق سراحها وإلحاقها بقومها إن أرادت البقاء على‬
‫يهوديتها ‪ ،‬وبين الزواج منه إن أسلمت ‪ ،‬فقالت له ‪ )) :‬يا رسول‬
‫الله ‪ ،‬لقد هويت السلم وصدقت بك قبل أن تدعوني ‪ ..‬و‬
‫خيرتني بين الكفر والسلم ‪ ،‬فالله ورسوله أحب إلى من العتق‬
‫ومن الرجوع إلى قومي ‪ ..‬فتزوجها الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وجعل تحريرها من السر هو مهرها ‪(19) .‬‬

‫‪356‬‬
‫ومن الواضح أنه كان من الضروري أل يتزوج ابنة ملك اليهود‬
‫سوى من يفوق أباها منزلة ومكانة ‪ ،‬وهو سيد ولد آدم صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ..‬وليس معقول و ل مقبول أن تترك هذه المسكينة‬
‫بعد ما كانت فيه من عز ورفاهية ورفعة لمن قد يسئ معاملتها ‪،‬‬
‫أو يضرب وجهها ‪..‬‬
‫ويؤيد هذه الرؤية رواية دحية الكلبي – رضي الله عنه – فقد قال‬
‫للنبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أعطني جارية من سبى يهود ‪.‬‬
‫فقال عليه السلم له ‪ )) :‬اذهب فخذ جارية (( ‪ ،‬فذهب دحية‬
‫فأخذ صفية ‪ ..‬فرآها الصحابة فقالوا ‪ )) :‬يا رسول الله ‪ ،‬إنها‬
‫سيدة بنى قريظة وبنى النضير ‪ ،‬ما تصلح إل لك (( )‪.. (20‬‬
‫فتزوجها صلى الله عليه وسلم لذلك السبب ‪.‬‬
‫***‬
‫وذات المر كان دافعا للنبي صلى الله عليه وسلم للزواج من‬
‫السيدة جويرية بنت الحارث بن ضرار زعيم بنى المصطلق ‪..‬‬
‫فقد حارب أبوها المسلمين ‪ ،‬ولحقت به هزيمة منكرة كادت‬
‫تتسبب في فناء قبيلته أو إذللهم أبد الدهر ‪ ..‬فقد سقط المئات‬
‫من بنى المصطلق أسرى ‪ ،‬ومنهم السيدة جويرية بنت الحارث ‪..‬‬
‫وجاءت إليه فقالت ‪ )) :‬يا رسول الله ‪ ،‬أنا جويرية بنت الحارث‬
‫سيد قومه ‪ ..‬وقد أصابني من المر ما قد علمت ] تقصد السر‬
‫والذل [ فوقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبني على تسع أواق‬
‫عنى في فكاكي ] تطلب معاونته صلى الله عليه وسلم في‬ ‫‪ ،‬فأ ِ‬
‫دفع المتفق عليه لتحريرها من السر [ فقال لها صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ :‬أو خير من ذلك ؟ فسألته ‪ :‬ما هو ؟ فقال صلى الله عليه‬
‫وسلم أؤدي عنك كتابك وأتزوجك ‪..‬فقالت ‪ :‬نعم يا رسول الله ‪،‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬قد فعلت ((‬
‫‪ ..‬وخرج الخبر إلى الصحابة فقالوا ‪ :‬أصهار رسول الله –‬
‫يقصدون بنى المصطلق – في السر ‪ ..‬فجعل الناس يطلقون‬
‫سراح من عندهم من أسرى بنى المصطلق ‪ ،‬حتى تحرروا جميعا‬
‫‪.‬‬
‫تقول السيدة عائشة – رضي الله عنها – )) أعتق بتزويج جويرية‬
‫من النبي أهل مائة بيت ‪ ،‬فل أعلم امرأة أعظم بركة على قومها‬
‫منها ‪ (21) .‬و )‪ .. (22‬وقد أسلم قومها جميعا بعد ذلك وحسن‬
‫إسلمهم ‪.‬‬
‫وهكذا كانت هذه الزيجة بركة وخيرا للسلم والمسلمين من كل‬
‫الوجوه ‪ ،‬ولم تكن للستكثار من النساء كما يظن الجهلة ويشيع‬
‫المنافقون و المستشرقون !!‬

‫‪357‬‬
‫ولو كان المر حبا للنساء استكثارا ً من الحسناوات لما نزل بعد‬
‫ذلك أمر من الله له يحظر عليه الزواج بعد من ذكرنا ‪ ،‬ولظل‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم حرا يتزوج من شاء ‪ ،‬ويطلق من‬
‫ل يريد ‪ ..‬ومات صلى الله عليه وسلم عن تسع زوجات ) وكانت‬
‫السيدتان خديجة وزينب بنت خزيمة قد توفيتا في حياته ( وكان‬
‫لهن نعم الزوج والعشير ‪ ..‬وصدق فيه قول رب العزة ‪ } :‬وما‬
‫أرسلناك إل رحمة للعالمين { ‪(23) .‬‬
‫‪.................................................................................‬‬
‫‪.......................................‬‬
‫)‪ (1‬راجع النص في المقال الول من هذا الكتاب‪.‬‬
‫)‪ (2‬راجع الفصل الول ) التعدد قبل السلم( ‪.‬‬
‫)‪ (3‬الطبقات الكبرى لبن سعد – الجزء الثامن – ص ‪. 14‬‬
‫)‪ (4‬راجع الفصل الول "التعدد قبل السلم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬الطبقات الكبرى – الجزء الثامن – ص ‪ 57‬وما بعدها –‬
‫وقارن أسد الغابة في معرفة الصحابة – ابن الثير – الجزء‬
‫السابع ‪.‬‬
‫)‪ (6‬أسد الغابة – الجزء الثاني ص ‪. 147‬‬
‫)‪ (7‬صوامة ‪ :‬كثيرة الصوم ‪ ،‬قوامة ‪ :‬كثيرة القيام والعبادة ليل ‪.‬‬
‫)‪ (8‬لمزيد من التفاصيل راجع سيرة ابن هاشم – السيرة النبوية‬
‫للمام الذهبي – طبقات ابن سعد – أسد الغابة‪.‬‬
‫)‪ (9‬طبقات ابن سعد – الجزء الثامن ص ‪ – 102‬وانظر سنن‬
‫النسائي في كتاب النكاح – الجزء السادس ص ‪. 81‬‬
‫)‪ (10‬انظر طبقات ابن سعد – الجزء الثامن ص ‪ 109‬وما بعدها ‪،‬‬
‫وهو مثل عربي مأخوذ مما يفعله العرب حين ‪ :‬يردون الفحل‬
‫المريض أو الذي به عيب عن تلقيح إناث البل بضربه على أنفه‬
‫برمح أو عصا ‪ ..‬بينما يتركون الفحل الصيل ليلقح الناث بغير‬
‫ضرب ‪..‬‬
‫)‪ (11‬الية ‪ 36‬من سورة الحزاب ‪.‬‬
‫)‪ (12‬الية ‪ 37‬من سورة الحزاب‬
‫)‪ (13‬تفسير القرطبى – الجزء الثامن – سورة الحزاب الية ‪37‬‬
‫ص ‪ – 5272‬ط الشعب‬
‫)‪ (14‬تفسير القرآن العظيم – ابن كثير – الجزء الثالث – ط‬
‫المكتبة القيمة ص ‪ 460‬وما بعدها ‪.‬‬
‫)‪ (15‬تفسير القرطبى _ الجزء الثامن – ص ‪ – 5273‬ط‬
‫الشعب ‪.‬‬
‫)‪ (16‬اليتان ‪ 38‬و ‪ 39‬من سورة الحزاب ‪.‬‬
‫)‪ (17‬الية ‪ 40‬من سورة الحزاب ‪.‬‬

‫‪358‬‬
‫)‪ (18‬محمد الغزالي – فقه السيرة – ص ‪ 439‬وما بعدها ‪.‬‬
‫)‪ (19‬طبقات ابن سعد – الجزء الثامن – ص ‪.138:148‬‬
‫)‪ (20‬أسد الغابة – الجزء السابع – ص ‪. 169‬‬
‫)‪ (21‬أسد الغابة – الجزء السابع – ص ‪. 57‬‬
‫)‪ (22‬سيرة ابن هاشم ص ‪. 294 : 2‬‬
‫)‪ (23‬الية ‪ 107‬من سورة النبياء ‪.‬‬
‫====================‬
‫الرد القاصم على زواج أم المومنين و المومنات‬
‫مسلم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫شام ِ ب ْ ِ‬ ‫ن هِ َ‬ ‫ة‪ ،‬ع َ ْ‬ ‫مَعاوِي َ َ‬ ‫خب ََرَنا أُبو ُ‬ ‫حَيى‪ ،‬أ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫حَيى ب ْ ُ‬ ‫حد ّث ََنا ي َ ْ‬ ‫‪ - 3545‬وَ َ‬
‫ن‬‫ة‪ - ،‬هُوَ اب ْ ُ‬ ‫حد ّث ََنا ع َب ْد َ ُ‬ ‫ه‪َ -‬‬ ‫ظ لَ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ر‪َ - ،‬والل ّ ْ‬ ‫مي ْ ٍ‬ ‫ن نُ َ‬ ‫حد ّث ََنا اب ْ ُ‬ ‫ة‪ ،‬ح وَ َ‬ ‫ع ُْروَ َ‬
‫َ‬
‫ي‬
‫جِني الن ّب ِ ّ‬ ‫ت ت ََزوّ َ‬ ‫ة‪َ ،‬قال َ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ه‪ ،‬ع َ ْ‬ ‫ن أِبي ِ‬ ‫م‪ ،‬ع َ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫شا‬ ‫ن هِ َ‬ ‫ن ‪ -‬عَ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬ ‫ُ‬
‫سِع‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت تِ ْ‬ ‫ن وَب ََنى ِبي وَأَنا ب ِن ْ ُ‬ ‫سِني َ‬ ‫ت ِ‬ ‫س ّ‬ ‫ت ِ‬ ‫صلى الله عليه وسلم وَأَنا ب ِن ْ ُ‬
‫ن‪.‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مٌر‪،‬‬ ‫معْ َ‬‫خب ََرَنا َ‬ ‫ق‪ ،‬أ ْ‬ ‫خب ََرَنا َع َب ْد ُ الّرّزا ِ‬ ‫د‪ ،‬أ ْ‬ ‫مي ْ ٍ‬ ‫ح َ‬‫ن ُ‬ ‫حد ّث ََنا ع َب ْد ُ ب ْ ُ‬ ‫‪ - 3546‬وَ َ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫ة‪ ،‬أ ّ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ة‪ ،‬ع َ ْ‬ ‫ن ع ُْروَ َ‬ ‫ي‪ ،‬ع َ ْ‬ ‫ن الّزهْرِ ّ‬ ‫عَ ِ‬
‫سِع‬‫ت تِ ْ‬ ‫ي ب ِن ْ ُ‬ ‫ت إ ِل َي ْهِ وَه ِ َ‬ ‫ن وَُزفّ ْ‬ ‫سِني َ‬ ‫سب ِْع ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ى ب ِن ْ ُ‬ ‫جَها وَهْ َ‬ ‫وسلم ت ََزوّ َ‬
‫شَرة َ ‪.‬‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ت ثَ َ‬ ‫ي ب ِن ْ ُ‬ ‫ت ع َن َْها وَه ِ َ‬ ‫ما َ‬ ‫معََها وَ َ‬ ‫ن وَل ُعَب َُها َ‬ ‫سِني َ‬ ‫ِ‬
‫********‬
‫‪ /*1‬ليست هاته الرواية ل اية قرانية و لحديث نبوي شريف‬
‫‪/*2‬لم يكن في دلك الوقت لمكاتب الحالة المدنية لتوتيق السن‬
‫بدقة مع العلم ان الدين يرفعون أصواتهم عاليا يتناسون‬
‫يوحنا ‪8‬‬
‫ة ب َعْد ُ فَك َي ْ َ‬
‫ف‬ ‫سن َ ً‬ ‫ن َ‬ ‫سو َ‬ ‫م ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫مرِ َ‬ ‫ن ال ْعُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫س لَ َ‬ ‫د‪» :‬ل َي ْ َ‬ ‫ه ال ْي َُهو ُ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫‪57‬فَ َ‬
‫م؟«‬ ‫َ‬
‫هي َ‬ ‫ت إ ِب َْرا ِ‬ ‫َرأي ْ َ‬
‫===‪ -‬أي فرق في السن على القل ‪ 17‬سنة مع العلم انهم‬
‫يعتبرون كتابهم مقدسا كايات قرانية ‪+‬‬
‫ك الّثاِني‬ ‫مُلو ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ك َِتا ُ‬
‫م‬ ‫مل َ َ‬ ‫خْزَيا ِفي الّثان ِي َةِ َوال ْعِ ْ‬ ‫َ‬ ‫‪َ 8/26‬‬
‫دا َ‬ ‫ك‪ ،‬وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫حي َ‬ ‫مرِهِ ِ‬ ‫ن عُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫كا َ‬
‫ة‪.‬‬ ‫حد َ ً‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫سن َ ً‬ ‫م َ‬ ‫شِلي َ‬ ‫ه ِفي ُأوُر َ‬ ‫م ُ‬ ‫حك ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫خَبارِ الّيام ِ الّثاِني‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫بأ ْ‬ ‫ك َِتا ُ‬
‫ن ت َوَّلى‬ ‫َ‬ ‫‪22/2‬وَ َ‬
‫حي َ‬ ‫مرِهِ ِ‬ ‫ن عُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خْزَيا ِفي الّثان ِي َةِ والربعين ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫كا َ‬
‫م‬
‫شِلي َ‬ ‫حد َة ً ِفي ُأوُر َ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫سن َ ً‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫حك ْ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫دا َ‬ ‫ك‪ ،‬وَ َ‬ ‫مل ْ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫==‪ -‬أي فرق في السن ‪ 20‬سنة –مع الشارة انهم قد صححوا‬
‫هدا الخطا مؤخرا‪ -‬ادن نجد فرق السنوات من ‪ 17‬سنة حتى ‪20‬‬
‫سنة ‪.‬اما القول هل أحد ناقلي الرواية عن عائشة قد أخطأ فل‬
‫يجدون عدرا عندما يتعلق المر بالسلم و مع هدا سوف ارفع‬

‫‪359‬‬
‫درجة التحدي لقصاها و أقبل رواية ‪ 9‬سنوات و سؤالي أو‬
‫أسئلتي لعباد الخروف دو ‪ 9‬عيون من حوله و من خلفه‬
‫أ*‪ /‬هل عندهم دليل و احد أن عائشة في دلك الوقت و في ظل‬
‫الظروف الطبيعية المواتية انها لم تكن حائضا في سن ‪ 9‬سنوات‬
‫او ‪ 9‬سنوات و بضع اشهر ؟=‪ -‬فل دليل لهم‬
‫ب*‪ /‬لمادا أهل الكتاب من يهود و نصارى بل حتى الفرس و‬
‫الرومان و قريش لم ينكر احدهم هدا السن مع الشارة ان‬
‫النكاح في السلم يعلن و خصوصا ادا تعلق المر بمحمد صلى‬
‫الله عليه و سلم لن أمره كان أكبر حدث و كانوا يتتبعون كل‬
‫صغيرة و كبيرة عنه ‪.‬أ كان حلل عند الجميع الزواج بفتاة ‪9‬‬
‫سنوات فاقر الجميع النبي على دلك ؟====‪ -‬لن تجدوا عندهم‬
‫اجابة‬
‫ادن المنطق يرد بقوة على الغبياء ‪.‬و الن لندخل في صلب‬
‫الموضوع‬
‫‪/*1‬‬
‫سنن البيهقي‬
‫باب السن التي وجدت المرأة حاضت فيها‬
‫عن الشافعي قال أعجل من سمعت به من النساء يحضن نساء‬
‫بتهامة يحضن لتسع سنين‬
‫=‪ -‬شهادة على ان النساء يحضن ل ‪ 9‬سنين‬
‫‪/*2‬‬
‫الشافعي قال رأيت بصنعاء جدة بنت إحدى وعشرين سنة‬
‫حاضت ابنة تسع وولدت ابنة عشرويذكر عن الحسن بن صالح‬
‫أنه قال أدركت جارة لنا صارت جدة بنت إحدى وعشرين‬
‫سنة‪.‬وروينا عن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها قالت إذا بلغت‬
‫الجارية تسع سنين فهي امرأة=== شهادة على ان النساء‬
‫يحضن ل ‪ 9‬سنوات وو لدن وسنهن ‪ 10‬سنوات و اصبحن جدات‬
‫و هن ‪ 21‬سنة ‪.‬بل أكتر من دلك فعائشة رضي الله عنها شهدت‬
‫على نفشها انها حاضت و هي بنت ‪ 9‬سنوات و دلك بقولها بلغت‬
‫الجارية تسع سنين فهي امرأة‪ .‬و معروف أن مصطلح امرأة ل‬
‫يطلق ال لمن بلغت سن البلوغ و كما قال تعالى‬
‫النساء ‪74‬‬
‫ل‬
‫جا ِ‬‫ن الّر َ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫في َ‬ ‫ضعَ ِ‬
‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل الل ّهِ َوال ْ ُ‬ ‫سِبي ِ‬‫ن ِفي َ‬ ‫قات ُِلو َ‬‫م َل ت ُ َ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬
‫وَ َ‬
‫ن هَذ ِهِ ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫قْري َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جَنا ِ‬‫خرِ ْ‬ ‫ن َرب َّنا أ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ن يَ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫دا ِ‬‫ساِء َوال ْوِل ْ َ‬ ‫َوالن ّ َ‬
‫ن ل َد ُن ْ َ‬ ‫َ‬
‫صيًرا‬
‫ك نَ ِ‬ ‫م ْ‬‫جَعل ل ََنا ِ‬ ‫ك وَل ِّيا َوا ْ‬ ‫ن ل َد ُن ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫جَعل ل ََنا ِ‬ ‫ظال ِم ِ أهْل َُها َوا ْ‬ ‫ال ّ‬
‫ففرق بين لفظ النساء –جمع امرأة‪-‬و الولدان === ادن عائشة‬
‫لم تكن صبية‬

‫‪360‬‬
‫‪/*3‬‬
‫بخاري كتاب الشهادات‬
‫وقال الحسن بن صالح‪ :‬أدركت جارة لنا جدة‪ ،‬بنت إحدى‬
‫وعشرين سنة‬
‫و ‪........‬و‪................‬‬
‫ادن شهادات من كتب الحديت بل من عائشة نفسها ان ‪9‬‬
‫سنوات= البلوغ خصوصا في دالك الوقت حيت الظروف‬
‫المناخية و طبيعة الكل كانت موالية لبلوغهن سن الحيض مبكرا‬
‫‪/*4‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬‫م ِ‬ ‫ب لك ُ ْ‬ ‫ما طا َ‬ ‫حوا َ‬ ‫مى َفان ْك ِ ُ‬ ‫سطوا ِفي الي ََتا َ‬ ‫ق ِ‬ ‫م أل ت ُ ْ‬ ‫فت ُ ْ‬‫خ ْ‬‫ن ِ‬ ‫)‪ (2‬وَإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫حد َة ً أوْ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م أّل ت َعْد ُِلوا فَ َ‬ ‫فت ُ ْ‬‫خ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ث وَُرَباع َ فَإ ِ ْ‬ ‫مث َْنى وَث َُل َ‬ ‫ساِء َ‬ ‫الن ّ َ‬
‫ك أد َْنى أّل ت َُعوُلوا )‪(3‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ذ َل ِ َ‬ ‫مان ُك ُ ْ‬ ‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سا‬‫ف ً‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫ن لك ُ ْ‬ ‫ن ط ِب ْ َ‬ ‫ة فَإ ِ ْ‬ ‫حل ً‬ ‫ن نِ ْ‬ ‫صد َُقات ِهِ ّ‬ ‫ساَء َ‬ ‫وَآُتوا الن ّ َ‬
‫ريًئا‬ ‫م ِ‬ ‫فَك ُُلوه ُ هَِنيًئا َ‬
‫شهادة قوية من القران ان عائشة كانت حائضا لن النبي صلى‬
‫الله عليه و سلم تزوجها بمهر و حسب الية ل يعطى المهل ال‬
‫للنساء و كلمة النساء او امرأة يعني يحضن سورة الطلق‬
‫م فَعِد ّت ُهُ ّ‬
‫ن‬ ‫ن اْرت َب ْت ُ ْ‬ ‫م إِ ِ‬ ‫سائ ِك ُ ْ‬ ‫ن نِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫ِ‬ ‫حي‬ ‫م ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫س َ‬ ‫‪َ (3‬والّلِئي ي َئ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ة أَ ْ‬
‫ن‬
‫ضعْ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫جل ُهُ ّ‬ ‫لأ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ت اْل َ ْ‬ ‫ن وَأوَل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ح ْ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫شهُرٍ َوالّلِئي ل َ ْ‬ ‫ث ََلث َ ُ‬
‫ل ل َه من أ َمره يسرا )‪ (4‬ذ َل ِ َ َ‬
‫مُر الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫كأ ْ‬ ‫جعَ ْ ُ ِ ْ ْ ِ ِ ُ ْ ً‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ق الل ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ن ي َت ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مل َهُ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جًرا )‪(5‬‬ ‫هأ ْ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫سي َّئات ِهِ وَي ُعْظ ِ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫فْر ع َن ْ ُ‬ ‫ه ي ُك َ ّ‬ ‫ق الل ّ َ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ه إ ِل َي ْك ُ ْ‬
‫أن َْزل َ ُ‬
‫فادعوا زورا و بهتانا أن معنى لم يحضن=الصغيرات‪.‬و صراحة‬
‫هاته الشبهة زل فيها الكثير المن رحم ربي و سبب هاته الزلة‬
‫هي رواية ‪ 9‬سنوات علما ان المنطق يقول ل قياس للغائب على‬
‫الحاضر فقاسوا حاضرهم على اساس ان سن ‪ 9‬سنوات ليس‬
‫هناك حيض ‪.‬‬
‫و الجواب‬
‫‪ /*1‬فلو كان يتعلق المر بالصغيرات فهل يعقل ان يقول الله عز‬
‫و جل ان ارتبتم !!‪?,‬فالصغيرات ل ريب فيهن هل حضن ام ل‬
‫فهناك اليقين ل الريب ‪.‬ادن ما معنى الئي لم يحضن ?‬
‫فالجواب‬
‫بخاري كتاب الحيض‬
‫باب‪ :‬الستحاضة‪.‬‬
‫‪ - 300‬حدثنا عبد الله بن يوسف قال‪ :‬أخبرنا مالك‪ ،‬عن هشام بن‬
‫عروة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عائشة أنها قالت‪:‬‬
‫قالت فاطمة بنت أبي حبيش لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫يا رسول الله‪ ،‬إني ل أطهر‪ ،‬أفادع الصلة‪ ،‬فقال رسول الله صلى‬

‫‪361‬‬
‫الله عليه وسلم‪) :‬إنما ‪0000FF‬فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلة‪،‬‬
‫فإذا ذهب قدرها‪ ،‬فاغسلي عنك الدم وصلي(‬
‫‪ - 321‬حدثنا إبراهيم بن المنذر قال‪ :‬حدثنا معن قال‪ :‬حدثني ابن‬
‫أبي ذئب‪ ،‬عن ابن شهاب‪ ،‬عن عروة‪ ،‬وعن عمرة‪ ،‬عن عائشة‬
‫زوج النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫أن أم حبيبة استحضيت سبع سنين‪ ،‬فسألت رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم عن ذلك‪ ،‬فأمرها أن تغتسل‪ ،‬فقال‪) :‬هذا عرق(‪.‬‬
‫فكانت تغتسل لكل صلة‬
‫أي هن الدين اما لم يحضن على الحقيقة لعلة ما او الئي تعطل‬
‫الحيض عنهن حسب العادة لسبب أو اخر و هدا شي معروف‬
‫‪ /*2‬السورة ابتدأت ب‬
‫صوا ال ْعِد ّةَ‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫ساَء فَط َل ّ ُ‬ ‫ذا ط َل ّ ْ‬ ‫ي إِ َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ن وَأ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ن ل ِعِد ّت ِه‬ ‫ّ‬ ‫قوهُ‬ ‫م الن ّ َ‬ ‫قت ُ ُ‬ ‫ّ‬ ‫أي َّها الن ّب ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ن ي َأِتي َ‬ ‫ن إ ِّل أ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫خُر ْ‬ ‫ن وََل ي َ ْ‬ ‫ن ب ُُيوت ِهِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫جوهُ ّ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫م َل ت ُ ْ‬ ‫ه َرب ّك ُ ْ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫َوات ّ ُ‬
‫قد ْ ظ َل َ َ‬
‫م‬ ‫دود َ الل ّهِ فَ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن ي َت َعَد ّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫دود ُ الل ّهِ وَ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫مب َي ّن َةٍ وَت ِل ْ َ‬ ‫شة ٍ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫فا ِ‬ ‫بِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جل َهُ ّ‬
‫ن‬ ‫نأ َ‬ ‫ذا ب َل َغْ َ‬ ‫مًرا )‪ (1‬فَإ ِ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ث ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫حد ِ ُ‬ ‫ه يُ ْ‬ ‫ل الل ّ َ‬ ‫ه َل ت َد ِْري ل َعَ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬
‫َ‬
‫نَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫س ُ‬
‫دوا ذ َوَيْ ع َد ْ ٍ‬
‫ل‬ ‫شه ِ ُ‬ ‫ف وَأ ْ‬ ‫معُْرو ٍ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ف أوْ َفارُِقوهُ ّ‬ ‫معُْرو ٍ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫كوهُ ّ‬ ‫م ِ‬ ‫فَأ ْ‬
‫َ‬
‫ن ِبالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م ُ‬ ‫ن ي ُؤ ْ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ظ ب ِهِ َ‬ ‫م ُيوع َ ُ‬ ‫شَهاد َة َ ل ِل ّهِ ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫م وَأِقي ُ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫جا‬ ‫خَر ً‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ق الل ّ َ‬ ‫َ‬
‫َوال ْي َوْم ِ اْل ِ‬
‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫خرِ وَ َ‬
‫و عندما يستعمل لفظ النساء‪-‬جمع امراة‪-‬فهدا يعني من يحضن‬
‫ادن الئي يئسن قد مروا بالحيض و اللئى لم يحضن ايضا نفس‬
‫المر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ساَء‬‫ذى َفاع ْت َزُِلوا الن ّ َ‬ ‫ل هُوَ أ ً‬ ‫ض قُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫حي‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك عَ‬ ‫سأُلون َ َ‬ ‫‪ 2/122/*3‬وَي َ ْ‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن فَأُتوهُ ّ‬ ‫ذا ت َط َهّْر َ‬ ‫ن فَإ ِ َ‬ ‫حّتى ي َط ْهُْر َ‬ ‫ن َ‬ ‫قَرُبوهُ ّ‬ ‫ض وََل ت َ ْ‬ ‫حي ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ِفي ال ْ َ‬
‫حي ُ َ‬
‫ن‬ ‫ري َ‬ ‫مت َط َهّ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن وَي ُ ِ‬ ‫واِبي َ‬ ‫ب الت ّ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫مَرك ُ ُ‬ ‫ثأ َ‬ ‫َ ْ‬
‫فهنا جاء ايضا مصطلح النساء مقرنا بالحيض أي ان سورة‬
‫الطلق تتكلم عني النساء ل الطفال‬
‫****‬
‫أما شبهة كنت ألعب ما صديقاتي فل تستحق حتى الرد لن هل‬
‫يريد ال ‪VAMPIRES‬‬
‫أن تلعب التينس أو البز البال أو كرة القدم ‪. ...??..‬فلكل عصر و‬
‫أمة لعبها ‪.‬لكن الكفرة عندما ترجموا رواية عائشة رضي الله‬
‫عنها باللعب بلعبها تر جموها بالدمى حتى يو حى للقارىء أنها‬
‫الدمى التي نعرفها=ادن فهي صبية ‪.‬متناسين ما قاله النبي صلى‬
‫الله عليه و سلم حينما راى رجل و ليس طفل يتبع حمامة فقال‬
‫شيطان يتبع شيطانة ‪.‬فهل في عصرنا الرجال يلعبون بالحمام ؟‬
‫بل اصبحت لعب الطفال تم ما المانع ان لعبت أنا شخصيا لعب‬
‫الطفال عبر النترنت ’?‬

‫‪362‬‬
‫و مع هدا نقول‬
‫أن هناك روايات أخرى تناقض ‪ 9‬سنوات‬
‫‪http://www.iiie.net/Articles/Ayesha.html‬‬
‫‪+‬‬
‫‪www.islamicsupremecouncil.com/ayesha.htm‬‬
‫يعني أن هناك روايات تقول ‪ 9‬سنوات ‪ 13/14-‬سنوات و ‪17‬‬
‫سنوات و ليختر عباد يسوعة ما يشاؤون من سنها‬
‫بل ربهم يهوه و موسى البايبل هم البيدوفيل‬
‫العدد‬
‫فصل رقم ‪31‬‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ب‪ِ :‬‬ ‫ل الحر ِ‬ ‫مها ِرجا ُ‬ ‫ب التي غ َن ِ َ‬ ‫ة الَغنائم ِ والسل ِ‬ ‫‪32‬فكاَنت جمل َ ُ‬
‫ن الب َ َ‬
‫ن‬ ‫قرِ اث َْني ِ‬ ‫م َ‬ ‫فا‪33 ،‬و ِ‬ ‫ن أل ً‬ ‫سبعي َ‬ ‫ةو َ‬ ‫مس ً‬ ‫ت مئةٍ وخ ْ‬ ‫الغن َم ِ س َ‬
‫ن الّنساءِ‬ ‫م َ‬ ‫فا‪35 ،‬وَ ِ‬ ‫ن أل ً‬ ‫ستي َ‬ ‫دا و ِ‬ ‫ن الحميرِ واح ً‬ ‫م َ‬ ‫فا‪34 ،‬و ِ‬ ‫ن أل ً‬ ‫سبعي َ‬ ‫و َ‬
‫ف ذل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ب الذي َ‬ ‫ك وهوَ نصي ُ‬ ‫ن ِنص ُ‬ ‫فا‪36 ،‬فكا َ‬ ‫ن أل ً‬ ‫الَعذارى اثنين وَثلثي ِ‬
‫س‬
‫فا وخم َ‬ ‫ن أل ً‬ ‫ة وَثلثي َ‬ ‫سبع ً‬ ‫ث مئةٍ و َ‬ ‫ن الغن َم ِ َثل َ‬ ‫م َ‬ ‫ب‪ِ :‬‬ ‫خرجوا للحر ِ‬
‫سا‪،‬‬ ‫ن رأ ً‬ ‫سبعي َ‬ ‫ةو َ‬ ‫س ً‬ ‫ت مئةٍ وخم َ‬ ‫منها س َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ة الّر ّ‬ ‫ة‪37 ،‬فكاَنت جزي َ ُ‬ ‫مئ ٍ‬
‫َ‬
‫منها اث َْني ِ‬
‫ن‬ ‫ب ِ‬ ‫ة الّر ّ‬ ‫فا‪ ،‬فكاَنت جزي َ ُ‬ ‫ن أل ً‬ ‫ة وَثلثي َ‬ ‫قرِ ست ّ ً‬ ‫ن الب َ‬ ‫م َ‬ ‫‪38‬و ِ‬
‫ة‬‫ة‪ ،‬فكاَنت جزي َ ُ‬ ‫س مئ ٍ‬ ‫فا وخم َ‬ ‫ن أل ً‬ ‫ن الحميرِ َثلثي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن‪39 ،‬و ِ‬ ‫سبعي َ‬ ‫و َ‬
‫فا‪ ،‬فكاَنت‬ ‫شَر أل ً‬ ‫ةع َ‬ ‫ن الّنساءِ ست ّ َ‬ ‫م َ‬‫ن‪40 ،‬و ِ‬ ‫سّتي َ‬ ‫دا و ِ‬ ‫منها واح ً‬ ‫ب ِ‬ ‫الّر ّ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ن وثلثي َ‬ ‫منها اث َْني ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫ة الّر ّ‬ ‫جزي َ ُ‬
‫‪ 32‬هل نساء أم صغيرات ??الجواب هنا‬
‫عدد ‪31‬‬
‫ل َامرأةٍ ضاجَعت َرج ً‬
‫ل‪،‬‬ ‫ل وك ُ َ‬‫ن الطفا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ذ َك َرٍ ِ‬ ‫ن ا َقُْتلوا ك ُ َ‬ ‫‪17‬فال َ‬
‫ن َرجل ً‬ ‫ل والّنساِء الّلواتي لم ُيضاجعْ َ‬ ‫ن الطفا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ث ِ‬ ‫ما النا ُ‬ ‫‪18‬وأ ّ‬
‫كم‪.‬‬ ‫نل ُ‬ ‫سَتبقوهُ ّ‬ ‫فا َ ْ‬
‫انظروا معي‬
‫*الطفال الدكور يقتلوا‬
‫*كل امراة متزوجة أو أرملة تقتل‬
‫بقي مادا ?? العدارى و ألطفال البنات ‪..‬هؤلء سيكون مصيرهم‬
‫‪ .....-‬منههم ‪ 32‬صغيرة لربهم يهوه‬
‫هدا ل يستبعد من أمة القردة و الخنازير أحبارهم أكدوا بجواز‬
‫معاشرة صغيرة دو ‪- 3‬تلث سنوات‪-‬‬
‫‪Ledit Rabbin Joseph, "viennent prendre la note : Une fille trois ans et un jour de vieux‬‬
‫‪est betrothed par des rapports. Et si un Levir a eu des rapports avec elle, il l'a acquise.‬‬
‫‪Et on peut être exposé sur son compte en raison des rapports d'interdiction de loi avec‬‬
‫‪une femme mariée. Et elle donne l'uncleanness à lui qui a des rapports avec elle quand‬‬
‫‪elle menstruating, pour transporter l'uncleanness au inférieur quant à la couche‬‬
‫‪supérieure [ de ce qui se trouve dessous ]. Si elle était mariée à un prêtre, elle peut‬‬
‫‪manger de la nourriture dans le statut de rations sacerdotales. Si un de ceux qui sont‬‬
‫‪incapable au mariage avec ses rapports eus avec elle, il l'a rendue incapable pour se‬‬

‫‪363‬‬
marier dans le sacerdoce. Si un quelconque de ceux qui sont interdits dans le Torah
pour avoir des rapports avec ses rapports eus avec elle, il est mis à la mort sur son
.[ compte, mais à elle est exempt de responsabilité [ M.Nid. 5:4
Sanhedrin 7/55B
http://www.infidels.org/library/mode...daism.html#132
. ps/ cette vérité a été confirmé aussi par israel shamir
********
Barre Isaac de R. Nahman dit. "ils ont fait le décret qu'un gentil enfant devrait être
considéré malpropre avec l'uncleanness de flux [ décrit à Lev.15 ], de sorte qu'un
enfant d'israélite ne devrait pas traîner avec lui et commettre pederasty [ comme le fait
".[ il
Pour ledit R. Zira, "j'ai pris beaucoup d'angoisse avec R. Assi, et R. Assi avec R.
Yohanan, et R. Yohanan avec R. Yannai, et R. Yannai avec R. Nathan b. Amram, et
R. Nathan b. Amram avec Rabbin [ sur cette matière ] : 'quel âge est d'un gentil enfant
a considéré malpropre avec l'uncleanness de flux [ décrit à Lev.15 ] '? Et il a dit à moi,
'le jour l'où il est soutenu.' Mais quand je suis venu chez R. Hiyya, il a dit à moi, 'de
l'âge de neuf ans et d'un jour.' Et quand est-ce que je suis venu transmettre la matière à
Rabbin, il a-t-il dit à moi, 'jettent ma réponse et adoptent cela de R. Hiyya, qui a
déclaré, "de quel âge est un gentil enfant considéré malpropre avec l'uncleanness de
'".flux [ décrit à Lev.15 ] ? De l'âge de neuf ans et d'un jour
37A ] Puisqu'il est alors approprié à avoir des relations sexuelles, il également est ]
".[ considéré malpropre avec l'uncleanness de flux [ de Lev.15
Ledit Rabina, "par conséquent une gentille fille qui est de trois ans et d'un jour de
vieille, puisqu'elle est alors appropriée pour avoir des relations sexuelles, donne
".également l'uncleanness de la variété de flux
!
C'est art de l'auto-portrait-evident
Abodah Zarah 36B-37A
http://www.infidels.org/library/mode...daism.html#133
**
girls as young as six years of age are beginning puberty," explains Dr. Doshi
‫ثم أليس يسوع كان يوبخ تلميده لنهم كانوا ل يتركون الطفال‬
???-‫يأتون اليه الى درجة أنه أكد أن الملكوث جاء جاء من أجلهم‬
‫طيب اين كانت تلك المحبة‬. ‫ربما يقول عباد الخروف هاده محبة‬
‫عندما كان يسوع يقرأ العهد القديم و يعلمه في المجامع و هو‬
‫بل‬... ‫تتعلق بقتل الطفال‬- ‫سادكرها من بعد‬- ‫يقرأ فقرات كثيرة‬
‫ألستم تقولون أن يسوع هو رب العهد القديم ادن على ألقل قد‬
‫ صغيرة و تحول الن الى الطفال‬32 ‫ندم عن علقته مع‬
‫و ل أريد الكلم عن شدوده الجنسي سأتناوله في‬.... ‫الدكور‬
+ ‫موضوع آخر‬
‫لوقا‬
‫ل اللهِ إ َِلى‬ ُ
ِ َ ‫ن قِب‬
ْ ‫م‬ ُ ‫جب َْر اِئي‬
ِ ‫ل‬ ِ ‫ك‬ َ ْ ‫ل ال‬
ُ َ ‫مل‬ َ ‫س‬ِ ‫ أْر‬،‫س‬ِ ِ ‫ساد‬ّ ‫ها ال‬
َ ِ‫شهْر‬ َ ‫وَِفي‬
،‫ة‬
ُ ‫صَر‬ِ ‫مَها الّنا‬
ُ ‫س‬
ْ ‫لا‬ َ ْ ‫دين َةٍ ِبال‬
ِ ‫جِلي‬ ِ ‫م‬
َ

364
‫م‬
‫س ُ‬‫د‪َ ،‬وا ْ‬ ‫داوُ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ن ب َي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ف‪ِ ،‬‬ ‫س ُ‬ ‫ه ُيو ُ‬ ‫م ُ‬‫س ُ‬ ‫لا ْ‬ ‫ج ٍ‬ ‫طوب َةٍ ل َِر ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫‪27‬إ َِلى ع َذ َْراءَ َ‬
‫م‪.‬‬ ‫مْري َ ُ‬ ‫ال ْعَذ َْراِء َ‬
‫ل ل َها‪» :‬سل َ َ‬
‫ب‬‫م ع َل َي َْها! الّر ّ‬ ‫م‪ ،‬أي ّت َُها ال ْ ُ‬
‫من ْعَ ُ‬ ‫َ ٌ‬ ‫ك وََقا َ َ‬ ‫مل َ ُ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫‪28‬فَد َ َ‬
‫ساِء«‪.‬‬ ‫َ‬ ‫مَباَرك َ ٌ‬
‫ن الن ّ َ‬ ‫ت ب َي ْ َ‬ ‫ة أن ْ ِ‬ ‫ك‪ُ :‬‬ ‫معَ ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫سى أ ْ‬ ‫ما ع َ َ‬ ‫سَها‪َ » :‬‬ ‫ت ن َفْ َ‬ ‫ساَءل ْ‬ ‫ك‪ ،‬وَ َ‬ ‫مل ِ‬ ‫ت ل ِكلم ِ ال َ‬ ‫ضطَرب َ ْ‬ ‫‪َ29‬فا ْ‬
‫ة‬
‫حي ّ ُ‬ ‫ن هَذ ِهِ الت ّ ِ‬ ‫كو َ‬ ‫تَ ُ‬
‫و هنا توقفت حائرا في هدا النص أي أنا على يقين أن سن مريم‬
‫كان صغيرا جدا ‪ 5‬أو ‪ 7‬أو ‪ 8‬سنوات و الدليل‬
‫‪ /*1‬ادا كانت مخطوبة ليوسف فما المانع من ايتزوج بها ال انها‬
‫صغيرة السن أي طفلة و ليست امراة و كان ينتظر حتي تكون‬
‫امرأة ‪?,,‬‬
‫ة فيه دليل على أن‬ ‫حي ّ ُ‬‫ن هَذ ِهِ الت ّ ِ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫َ‬
‫كو َ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫ما ع َ َ‬ ‫‪/*2‬قولها » َ‬
‫الطفلة ما زلت في طور التعليم و غير ناضجة لمعرفة هاته‬
‫الكلمة أي بريئة‬
‫َ‬
‫ت‬‫س ُ‬ ‫ذا‪ ،‬وَأَنا ل َ ْ‬ ‫ث هَ َ‬ ‫حد ُ ُ‬ ‫ف يَ ْ‬ ‫ك‪» :‬ك َي ْ َ‬ ‫مل َ ِ‬ ‫م ل ِل ْ َ‬ ‫مْري َ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫‪ /*3‬قولها َقال َ ْ‬
‫ل؟« مما يبن برأءة هاته الطفلة التي تعتقد أنه بمجرد‬ ‫ج ً‬ ‫ف َر ُ‬ ‫أ َع ْرِ ُ‬
‫معرفة رجل سوف تلد فهل تدكرت ادن يوسف خطيبها ‪.‬نعم‬
‫شيء بديهي ان تخطب الطفلة يعني و ليها يعطي و عدا لب‬
‫الزوج بان تكون ابنته الصغيرة ان كبرت زوجة لبنه و هدا‬
‫معروف في التقاليد العربية حتى و لو كان سنهما ‪ 4‬سنوات ادن‬
‫مجرد و عد لكن أن تحمل و تلد طفلة في هدا السن و تعاني من‬
‫هاته الولدة فهدا شيء مقزز و ربما هدا الدافع الدي دفع بيسوع‬
‫ان يكون قاسيا مع امه في المعاملة‬
‫مما يقوي اسنتاجي أنهم كانوا يتزوجون الصبية لوقا ‪2‬‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫ت فَُنوِئي َ‬ ‫ت هَُنا َ‬ ‫‪36‬وَ َ‬
‫شيَر‪ ،‬وَه ِ َ‬ ‫طأ ِ‬ ‫سب ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ة ب ِن ْ ُ‬‫حن ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ة‪ ،‬ه ِ َ‬ ‫ك ن َب ِي ّ ٌ‬ ‫كان َ ْ‬
‫ن ب َعْد َ‬ ‫سِني َ‬ ‫سب ْعَ ِ‬ ‫جَها َ‬ ‫معَ َزوْ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ش ْ‬ ‫عا َ‬ ‫ت قَد ْ َ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ن‪ ،‬وَ َ‬ ‫س ّ‬ ‫ة ِفي ال ّ‬ ‫م ٌ‬ ‫قد ّ َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ُ‬
‫ع َذ َْراوِي ّت َِها‬
‫ما معنى بعد عدريتها و هي متزوجة ‪....‬المسألو و اضحة كوضوح‬
‫الشمس يريدون القول و هي طفلة و استبدلوها بكلمة عدريتها‬
‫و خوفا من الفضيحة أراد عباد الخروف استبدال سن مريم ب‬
‫‪ 12‬سنة‬
‫‪ .‬وهذا الكلم موثق في الموسوعة الكاثوليكية‪...‬‬
‫‪http://www.newadvent.org/cathen/08504a.htm‬‬
‫" ‪a respectable man to espouse Mary, then twelve to fourteen years of age, Joseph,‬‬
‫‪" who was at the time ninety years old‬‬
‫‪http://www.cin.org/users/james/files/key2mary.htm‬‬
‫"‬ ‫" ‪Virgin Mary Delivers jesus Pbuh @ the age of 12‬‬

‫‪365‬‬
‫=====================‬
‫الرد المبين في الدفاع عن أمنا مارية‬
‫للسف أعداء الدين كتيرا ما رفعوا أصواتهم أن مارية لم تكن‬
‫زوجة و لكن سرية بل حتى أغلب المسلمين يقولون‬
‫اما مارية القبطية فقد أهداها المقوقس عظيم القبط إلى رسول‬
‫الله‬
‫فهى جاريته و ملك يمينه و ساريته منذ أن جاءت المدينة‬
‫المنور ‪ ،،،‬فلم يكن رسول الله بحاجة لن يتزوجها حتى تحل له ‪،‬‬
‫و لن الرجل له شرعا ً أن يتسرى بما ملكت يمينه وقتما شاء كما‬
‫تسرى ابراهيم بهاجر و تسرى يعقوب ببلهة و زلفة ‪ ،‬و تسرى‬
‫داود بثلثين من امائه‪ ،‬و سليمان بثلثمائة‪....‬الخ‬
‫بل إن هذا من أوجه إكرامها إذ يعفها بذلك من جهة‪ ،‬كما أن‬
‫انجابها لولد يجعلها )أم ولد( و هو وضع أشبه لوضع الزوجة‬
‫بالضبط فل يجوز بعده بيعها و شراءها‬
‫و اعتراض غلى مصطلح سرية أو ملك يمين هو‬
‫‪/*1‬‬
‫صحيح مسلم‬
‫كتاب النكاح‬
‫ن ع ُل َي ّ َ‬
‫ة‬ ‫ل‪ - ،‬ي َعِْني اب ْ َ‬ ‫عي ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫حد ّث ََنا إ ِ ْ‬ ‫ب‪َ ،‬‬ ‫حْر ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫حد ّث َِني ُزهَي ُْر ب ْ ُ‬ ‫‪َ - 3563‬‬
‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫س‪ ،‬أ ّ‬ ‫ن أن َ ٍ‬ ‫ز‪ ،‬ع َ ْ‬ ‫زي ِ‬ ‫ن ع َب ْد ِ ال ْعَ ِ‬ ‫‪ -‬عَ ْ‬
‫ي الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ب ن َب ِ ّ‬ ‫س فََرك ِ َ‬ ‫َ‬
‫داةِ ب َِغَل ٍ‬ ‫صل َة َ ال ْغَ َ‬ ‫ها َ‬ ‫عن ْد َ َ‬ ‫صل ّي َْنا ِ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫خي ْب ََر َقا َ‬ ‫غ ََزا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬‫ح َ‬ ‫ف أِبي ط َل ْ َ‬ ‫ة وَأَنا َرِدي ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ب أُبو ط َل ْ َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم وََرك ِ َ‬
‫َ‬
‫ن ُرك ْب َِتي‬ ‫خي ْب ََر وَإ ِ ّ‬ ‫ق َ‬ ‫ي الل ّهِ صلى الله عليه وسلم ِفي ُزَقا ِ‬ ‫جَرى ن َب ِ ّ‬ ‫فَأ ْ‬
‫ن‬
‫سَر ال َِزاُر ع َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ي الل ّهِ صلى الله عليه وسلم َوان ْ َ‬ ‫خذ َ ن َب ِ ّ‬ ‫س فَ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ل َت َ َ‬
‫َ‬
‫ي‬ ‫خذ ِ ن َب ِ ّ‬ ‫ض فَ ِ‬ ‫ي الل ّهِ صلى الله عليه وسلم فَإ ِّني لَرى ب ََيا َ‬ ‫خذ ِ ن َب ِ ّ‬ ‫فَ ِ‬
‫َ‬
‫ه أك ْب َُر‬ ‫ل " الل ّ ُ‬ ‫ة َقا َ‬ ‫قْري َ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ما د َ َ‬ ‫الل ّهِ صلى الله عليه وسلم فَل َ ّ‬
‫ن"‪.‬‬ ‫من ْذ َِري َ‬ ‫ح ال ْ ُ‬ ‫صَبا ُ‬ ‫ساَء َ‬ ‫حةِ قَوْم ٍ فَ َ‬ ‫سا َ‬ ‫ذا ن ََزل َْنا ب ِ َ‬ ‫خي ْب َُر إ ِّنا إ ِ َ‬ ‫ت َ‬ ‫خرِب َ ْ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫م فَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل وَقَد ْ َ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫َقالَها ث َل َ َ‬ ‫َ‬
‫مد ٌ‬‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫قالوا ُ‬ ‫مال ِهِ ْ‬ ‫م إ ِلى أع ْ َ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫ج ال َ‬ ‫خَر َ‬ ‫مّرا ٍ‬ ‫ث َ‬
‫مد ٌ َوال ْ َ‬ ‫َ‬
‫س‪.‬‬ ‫مي ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬‫حاب َِنا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫ل ب َعْ ُ‬ ‫زيزِ وََقا َ‬ ‫ل ع َب ْد ُ ال ْعَ ِ‬ ‫َوالل ّهِ ‪َ .‬قا َ‬
‫ل وأ َ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو َ‬ ‫ل َيا َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫حي َ ُ‬ ‫جاَءه ُ د ِ ْ‬ ‫ى فَ َ‬ ‫ُ‬ ‫سب ْ‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ها ع َن ْوَة ً وَ ُ‬ ‫صب َْنا َ‬ ‫َ‬ ‫َقا َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خذ َ‬ ‫ة " ‪ .‬فَأ َ‬ ‫جارِي َ ً‬ ‫خذ ْ َ‬ ‫ب فَ ُ‬ ‫ل " اذ ْهَ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫ى ‪ .‬فَ َ‬ ‫سب ْ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫جارِي َ ً‬ ‫أع ْط ِِني َ‬
‫ي الل ّهِ صلى الله عليه وسلم‬ ‫ل إ َِلى ن َب ِ ّ‬ ‫ج ٌ‬ ‫جاَء َر ُ‬ ‫ى فَ َ‬ ‫حي َ ّ‬ ‫ت ُ‬ ‫ة ب ِن ْ َ‬ ‫في ّ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫سي ّد ِ قَُري ْظ ََ‬ ‫ى‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ص‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫د‬ ‫ت‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ط‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫يا‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫فَ‬
‫ِ ْ ْ َ ِ ْ َ َ َ ِ ّ َ ِْ َ ُ َ ّ َ‬ ‫َ َِ ّ‬
‫جاَء ب َِها فَل َ ّ‬
‫ما‬ ‫ل فَ َ‬ ‫عوه ُ ب َِها " ‪َ .‬قا َ‬ ‫ل " اد ْ ُ‬ ‫ك ‪َ .‬قا َ‬ ‫ح إ ِل ّ ل َ َ‬ ‫صل ُ ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ضيرِ َ‬ ‫َوالن ّ ِ‬
‫ى‬
‫سب ْ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫جارِي َ ً‬ ‫خذ ْ َ‬ ‫ل" ُ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم َقا َ‬ ‫ن َظ ََر إ ِل َي َْها الن ّب ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ل وَأ َع ْت َ َ‬
‫ما‬
‫مَزة َ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ت َيا أَبا َ‬ ‫ه َثاب ِ ٌ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫جَها ‪ .‬فَ َ‬ ‫قَها وَت ََزوّ َ‬ ‫ها " ‪َ .‬قا َ‬ ‫غ َي َْر َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جهَّزت َْها‬ ‫ق َ‬ ‫ري ِ‬ ‫ن ِبالط ّ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ذا َ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬ ‫جَها َ‬ ‫قَها وَت ََزوّ َ‬ ‫سَها أع ْت َ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫صد َقََها َقا َ‬ ‫أ ْ‬

‫‪366‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫لَ ُ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ح الن ّب ِ ّ‬ ‫صب َ َ‬ ‫ل فَأ ْ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫سل َي ْم ٍ فَأهْد َت َْها ل َ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫هأ ّ‬ ‫ُ‬
‫ل‬‫ئ ب ِهِ " َقا َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ْ‬
‫ىٌء فَلي َ ِ‬ ‫عن ْد َه ُ َ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫سا فَ َ‬
‫َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن كا َ‬ ‫م ْ‬‫ل" َ‬ ‫وسلم ع َُرو ً‬
‫جيُء‬ ‫ل يَ ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ط وَ َ‬ ‫جيُء ِبالقِ ِ‬ ‫ل يَ ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ط ن ِط ًَعا َقا َ‬ ‫س َ‬ ‫وَب َ َ‬
‫ة‬
‫م َ‬ ‫ت وَِلي َ‬ ‫سا ‪ .‬فَ َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫حي ْ ً‬‫سوا َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫س ْ‬ ‫جيُء ِبال ّ‬ ‫ل يَ ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫مرِ وَ َ‬ ‫ِبالت ّ ْ‬
‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم‬ ‫سو ِ‬ ‫َر ُ‬
‫‪=http://www.al-eman.com/hadeeth/viewc...9&SW‬عتقها‪SR1#‬‬
‫ادن العتق =يكون مهرا في حالة ادا ما قرر الدي اعتقها ان‬
‫يتزوجها ‪-‬‬
‫ألم يأمر النبي في عدة أحاديت بعتق مسلمة بل و دعا لمن‬
‫أعتقها و تزوجها يعني ألم يحك المؤرخون أن مارية أسلمت و‬
‫هى فى طريقها الى أرض الحجاز قادمة من مصر ‪.‬بمعنى ادن‬
‫كانت ل َ َ‬
‫مَها ث ُ ّ‬
‫م‬ ‫ب ع َل َي َْها فَل َط َ َ‬ ‫ض َ‬ ‫داء فَغَ ِ‬ ‫سوْ َ‬ ‫مة َ‬ ‫هأ َ‬ ‫حة َ َ ْ ُ‬ ‫ع َْبد الّله ْبن َرَوا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫خَبره َ‬ ‫م ‪ -‬فَأ ْ‬
‫خب ََره ُ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫صّلى الّله ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫سول الّله ‪َ -‬‬ ‫فَزِع َ فَأَتى َر ُ‬
‫شَهد‬ ‫ضوء وَت َ ْ‬ ‫سن ال ْوُ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫صّلي وَت ُ ْ‬ ‫صوم وَت ُ َ‬ ‫ل تَ ُ‬ ‫ي ؟ " َقا َ‬ ‫ما ه ِ َ‬ ‫ه" َ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل " َيا أَبا ع َْبد الّله هَذ ِ ِ‬
‫ه‬ ‫قا َ‬ ‫سول الّله فَ َ‬ ‫ن َل إ َِله إ ِّل الّله وَأّنك َر ُ‬ ‫أ ْ‬
‫فعَ َ‬
‫ل‬ ‫جنَها فَ َ‬ ‫قن َّها وََل َت ََزوّ َ‬ ‫حقّ َل ُع ْت ِ َ‬ ‫ذي ب َعََثك ِبال ْ َ‬ ‫ل وَا َل ّ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫مَنة " فَ َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫‪http://quran.al-islam.com/Tafseer/Di‬‬
‫كان جواب النبي هاده مؤمنة يعني افهم =اعتقها و تزوجها‬
‫مارية نفس الشيء كانت جارية المقوقس و الخير أعتقها من‬
‫أجل محمد فيكون النبي صلى الله عليه و سلم الدي بعث لبادة‬
‫الرق من العالم و و ضع الغلل هو الدي أعتقها‬
‫سنن ابن ماجه‬
‫كتاب النكاح‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫حد ّث ََنا ع َب ْد َة ُ ب ْ ُ‬
‫ن‬ ‫ج‪َ ،‬‬ ‫ش ّ‬ ‫سِعيد ٍ ال َ‬ ‫سِعيد ٍ أُبو َ‬ ‫ن َ‬ ‫حد ّث ََنا ع َب ْد ُ اللهِ ب ْ ُ‬ ‫‪َ - 2032‬‬
‫َ‬
‫ن أِبي‬ ‫ي‪ ،‬ع َ ْ‬ ‫شعْب ِ ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ى‪ ،‬ع َ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ح بْ ِ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ح بْ ِ‬ ‫صال ِ ِ‬‫ن َ‬ ‫ن‪ ،‬ع َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ل الل ّهِ ـ صلى الله عليه‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َقا َ‬ ‫سى‪َ ،‬قا َ‬ ‫َ‬
‫ل َر ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ن أِبي ُ‬ ‫ة‪ ،‬ع َ ْ‬ ‫ب ُْرد َ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬
‫ن‬
‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫مَها فَأ ْ‬ ‫ن أد َب ََها وَع َل َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫ة فَأد ّب ََها فَأ ْ‬ ‫جارِي َ ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫تل ُ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وسلم ـ " َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫ب‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ما َر ُ‬ ‫ن وَأي ّ َ‬ ‫جَرا ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫جَها فَل َ ُ‬ ‫قَها وَت ََزوّ َ‬ ‫م أع ْت َ َ‬ ‫مَها ث ُ ّ‬ ‫ت َعِْلي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حقّ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫دى َ‬ ‫كأ ّ‬ ‫مُلو ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ع َب ْد ٍ َ‬ ‫ن وَأي ّ َ‬ ‫جَرا ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫مد ٍ فَل َ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن بِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب ِن َب ِي ّهِ َوآ َ‬ ‫م َ‬ ‫آ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي قَد ْ‬ ‫شعْب ِ ّ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ح َقا َ‬ ‫صال ِ ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫ن " ‪َ .‬قا َ‬ ‫جَرا ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫واِليهِ فَل ُ‬ ‫م َ‬ ‫حقّ َ‬ ‫ع َلي ْهِ وَ َ‬
‫دون ََها إ َِلى‬ ‫ما ُ‬ ‫ب ِفي َ‬ ‫ب ل َي َْرك َ ُ‬ ‫ن الّراك ِ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ىٍء ‪ .‬إ ِ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫أ َع ْط َي ْت ُك ََها ب ِغَي ْرِ َ‬
‫دين َةِ‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫‪=http://www.al-eman.com/hadeeth/viewc...4&SW‬عتقها‪SR1#‬‬
‫فيا أخي هل من علم الناس مثل هاته التعاليم تظن ان يبقي‬
‫مارية جارية له ‪.‬بل حتى الروايت التي تكلمت عن عتق صفية و‬
‫تزوجها من النبي كان الصحابة يسؤلون ما اصدقها فيرد عليهم‬
‫اصدقها عتقها ‪.‬‬

‫‪367‬‬
‫َ‬
‫ت‪ ،‬وَع َب ْد ُ‬ ‫حد ّث ََنا َثاب ِ ٌ‬ ‫د‪َ ،‬‬ ‫ن َزي ْ ٍ‬ ‫ماد ُ ب ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫حد ّث ََنا َ‬ ‫ة‪َ ،‬‬ ‫ن ع َب ْد َ َ‬ ‫مد ُ ب ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫حد ّث ََنا أ ْ‬ ‫‪َ -‬‬
‫َ‬
‫ت‬‫صاَر ْ‬ ‫م َ‬ ‫ي ثُ ّ‬ ‫ة ال ْك َل ْب ِ ّ‬ ‫حي َ َ‬ ‫ة ل ِد ِ ْ‬ ‫في ّ ُ‬ ‫ص ِ‬ ‫ت َ‬ ‫صاَر ْ‬ ‫ل َ‬ ‫س‪َ ،‬قا َ‬ ‫ن أن َ ٍ‬ ‫ز‪ ،‬ع َ ْ‬ ‫زي ِ‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫عت ْقََها‬ ‫ل ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫جَها وَ َ‬ ‫ل الل ّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ب َعْد ُ فَت ََزوّ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ل َِر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ماد ٌ فَ َ‬ ‫داقََها ‪َ .‬قا َ‬
‫ت‬ ‫مد ٍ أ ن ْ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬‫ت َيا أَبا ُ‬ ‫زيزِ ل َِثاب ِ ٍ‬ ‫ل ع َ َب ْد ُ العَ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ص َ‬ ‫َ‬
‫سَها ‪.‬‬ ‫ها َقا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ف َ‬ ‫ها ن َ ْ‬ ‫مهََر َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫مهََر َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫سا َ‬ ‫ت أن َ ً‬ ‫سأل َ‬ ‫َ‬
‫حد ّث ََنا‬ ‫د‪َ ،‬‬ ‫م ٍ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬‫ن ُ‬ ‫س بْ ُ‬ ‫حد ّث ََنا ُيون ُ ُ‬ ‫ر‪َ ،‬‬ ‫ش ٍ‬ ‫مب َ ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫ش بْ ُ‬ ‫حب َي ْ ُ‬ ‫حد ّث ََنا ُ‬ ‫‪َ - 2034‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ة‪ . ،‬أ ّ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ة‪ ،‬ع َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫عك ْرِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ب‪ ،‬ع َ ْ‬ ‫ن أّيو َ‬ ‫د‪ ،‬ع َ ْ‬ ‫ن َزي ْ ٍ‬ ‫ماد ُ ب ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫داقََها‬ ‫جعَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ص َ‬ ‫قَها َ‬ ‫عت ْ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫في ّ َ‬‫ص ِ‬ ‫اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أع ْت َقَ َ‬
‫جَها ‪.‬‬ ‫وَت ََزوّ َ‬
‫‪-‬نفس الرابط‪-‬‬
‫*‪3‬‬
‫موطأ مالك‬
‫كتاب العتق والولء‬
‫ن ع َب ْدِ‬ ‫ّ‬ ‫مال ِ ٌ‬ ‫حد ّث َِني َ‬
‫ن ع ُب َي ْد ِ اللهِ ب ْ ِ‬ ‫ب‪ ،‬ع َ ْ‬
‫َ‬
‫شَها ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن اب ْ‬ ‫ِ‬ ‫ك‪ ،‬ع َ‬
‫َ‬
‫‪ - 1474 -‬وَ َ‬
‫ل‬ ‫سو ِ‬ ‫جاَء إ َِلى َر ُ‬ ‫صارِ َ‬ ‫ن الن ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل‪ِ ،‬‬ ‫ج ً‬ ‫ن َر ُ‬ ‫سُعوٍد‪ ،‬أ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ة بْ ِ‬ ‫ن ع ُت ْب َ َ‬ ‫اللهِ ب ْ ِ‬
‫ّ‬
‫ل الل ّهِ‬ ‫سو َ‬ ‫ل َيا َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫داَء فَ َ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫جارِي َةٍ ل َ ُ‬ ‫الل ّهِ صلى الله عليه وسلم ب ِ َ‬
‫ل ل ََها‬ ‫قا َ‬ ‫قَها ‪ .‬فَ َ‬ ‫ة أ ُع ْت ِ ُ‬ ‫من َ ً‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ها ُ‬ ‫ت ت ََرا َ‬ ‫ن ك ُن ْ َ‬ ‫ة فَإ ِ ْ‬ ‫من َ ً‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ة ُ‬ ‫ى َرقَب َ ً‬ ‫ّ‬
‫ن ع َل َ‬ ‫إِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه"‪.‬‬ ‫ه إ ِل ّ الل ّ ُ‬ ‫ن ل َ إ ِل َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫دي َ‬ ‫شه َ ِ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم " أت َ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‪.‬‬ ‫ت ن َعَ ْ‬ ‫ل الل ّهِ َقال َ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫دا َر ُ‬ ‫م ً‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫نأ ّ‬ ‫دي َ‬ ‫شه َ ِ‬ ‫ل " أت َ ْ‬ ‫م ‪َ .‬قا َ‬ ‫ت ن َعَ ْ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫َ‬
‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫م ‪ .‬فَ َ‬ ‫ت ن َعَ ْ‬ ‫ت " ‪َ .‬قال َ ْ‬ ‫موْ ِ‬ ‫ث ب َعْد َ ال ْ َ‬ ‫ن ِبال ْب َعْ ِ‬ ‫ل " أُتوقِِني َ‬ ‫َقا َ‬
‫قَها " ‪.‬‬ ‫َ‬
‫الل ّهِ صلى الله عليه وسلم " أع ْت ِ ْ‬
‫" ‪=http://www.al-eman.com/hadeeth/viewc...0&SW .‬عتقها‪SR1#‬‬
‫====================‬
‫شبهة الطاعنين فى حديث "مباشرة رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‬
‫روى البخارى ومسلم – رحمهما الله – عن عائشة رضى الله‬
‫عنها‪ ،‬قالت ‪" :‬كانت إحدانا إذا كانت حائضًا‪ ،‬فأراد رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أن يباشرها‪ ،‬أمرها أن تتزر) ( فى فور‬
‫حيضتها) ( ثم يباشرها‪ .‬قالت ‪ :‬وأيكم يملك إربه) ( كما كان‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬يملك إربه") (‪0‬‬
‫هذا الحديث وما فى معناه‪ ،‬الذى يبين حدود علقة الرجل بزوجته‬
‫وهى حائض‪ ،‬والحكام المتعلقة بحيضتها‪ ،‬طعن فيه أعداء السنة‬
‫بحجة أنه يطعن فى عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فى سلوكه‪ ،‬ويخالف بزعمهم القرآن الكريم ‪0‬‬
‫يقول أحمد صبحى منصور ‪" :‬فالبخارى هنا يسند تلك الروايات‬
‫لمهات المؤمنين ليجعلهن شهود على أن النبى كان يباشرهن‬
‫وهن حائضات‪ ،‬ويجعل عائشة فى إحدى الروايات تشير إلى‬

‫‪368‬‬
‫خصوصية النبى الجنسية – فى زعمه – بقولها ‪" :‬وأيكم يملك‬
‫إربه كما كان النبى يملك إربه"‪0‬‬
‫وفى روايات أخرى يجعل البخارى من النبى ملزما ً لنسائه ل‬
‫يفترق عنهن حتى فى المحيض‪ .‬فيروى أن أم سلمة قالت ‪:‬‬
‫"بينما أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعة فى‬
‫خميصة) ( إذ حضت‪ ،‬فانسللت) ( فأخذت ثياب حيضتى‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫أنفست؟) ( قلت ‪ :‬نعم‪ .‬فدعانى فاضطجعت معه فى الخميلة") (‬
‫‪0‬‬
‫يقول أحمد صبحى ‪ :‬وهكذا ل عمل أمام النبى ول مسؤوليات‬
‫ملقاة على عاتقه إل أن يجلس فى الخميلة مع إحدى زوجاته‪ ،‬ول‬
‫يمنعه من ذلك حيض أو غيره‪ ،‬بل هناك أكثر من ذلك‪ .‬يفترى‬
‫البخارى أن عائشة قالت ‪" :‬كان النبى صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫يتكئ فى حجرى وأنا حائض ثم يقرأ القرآن") ( هكذا ضاقت كل‬
‫الماكن واشتد الزحام بحيث يلجأ النبى إلى ذلك تلك هى سنة‬
‫الرسول التى كتبها البخارى‪ ،‬فما هى سنته فى القرآن؟ يقول‬
‫تعالى ‪{ :‬ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى‬
‫المحيض ول تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث‬
‫أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين‪ ( )‬لم يقل‬
‫رب العزة "فاعتزلهن" فقط‪ ،‬وإنما أيضا ً ‪" :‬ول تقربوهن"‪0‬‬
‫ونحن نؤمن بأن النبى طبق هذه السنة التى فرضها الله عليه‪ ،‬أما‬
‫البخارى فيؤكد من خلل أحاديثه أن النبى لم يطبق شرع الله‪.‬‬
‫ولكل إنسان أن يختار‪ .‬هل ينتصر لله ورسوله‪ ،‬أم ينصر البخارى‬
‫فى كذبه على الله ورسوله") ( وبنفس كلمه قال غيره من‬
‫أعداء السيرة العطرة) (‪0‬‬
‫ويجاب عن ما سبق بما يلى ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬المام البخارى – رحمه الله – لم يخترع‪ ،‬ولم يؤلف‪،‬‬
‫الحاديث السابقة وغيرها الواردة فى بيان حدود علقة الرجل‬
‫بزوجته أثناء حيضتها‪ ،‬والمبينة الحكام الشرعية المتعلقة بفترة‬
‫حيض المرأة ‪0‬‬
‫لقد نقل البخارى – كما نقل غيره من رواة السنة – ما سمعه من‬
‫شيوخه الثقات مما سمعوه من شيوخهم إلى أن وصل النقل إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إلى الصحابى الذى روى‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪0‬‬
‫ولنا أن نتساءل‪ .‬لماذا كل هذا الحقد‪ ،‬والتشنيع على المام‬
‫البخارى‪ ،‬مع أن غيره من علماء الحديث شاركه فى رواية هذه‬
‫الحاديث المتعلقة بأحكام الحيض؛ والتى أوردتها جميع كتب‬
‫الجوامع والسنن تحت اسم كتاب "الحيض"؟‪0‬‬

‫‪369‬‬
‫إن كل هذا الحقد الذى يظهروه فى حق المام البخارى‪ ،‬هو جزء‬
‫يسير مما تخفيه صدورهم نحو عدائهم لسنة المصطفى صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬ولرواتها من الئمة العلم قديما ً وحديثا ً‪0‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬ما نقله رواة السنة المطهرة‪ ،‬وعلى رأسهم المام‬
‫البخارى‪ ،‬من الحاديث المبينة الحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة‬
‫أثناء حيضتها‪ ،‬دين واجب ذكره لتتعلم المة المراد بخطاب‬
‫ربها ‪{ :‬ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى‬
‫المحيض ول تقربوهن حتى يطهرن فإن تطهرن فأتوهن من حيث‬
‫أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين‪( )0‬‬
‫وفى البيان المنقول إلينا ما يبين عصمة رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فى سلوكه وهديه ومحاسن أخلقه الباطنة مع أهل‬
‫بيته على ما سيأتى بعد قليل ‪0‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬ليس فى حديث مباشرة رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬نسائه فى المحيض ما يتعارض مع قوله تعالى ‪{ :‬‬
‫فاعتزلوا النساء فى المحيض ول تقربوهن‪ ‬بل فى هذا الحديث‬
‫وغيره البيان العملى للية الكريمة ‪0‬‬
‫وهذا البيان كما هو معلوم؛ من مهامه صلى الله عليه وسلم فى‬
‫رسالته‪ ،‬لقوله تعالى ‪{ :‬وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل‬
‫إليهم ولعلهم يتفكرون‪ ( )‬فهل فى بيانه صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬للية الكريمة‪ ،‬ونقل هذا البيان بالسند الصحيح‪ ،‬ما يشوه‬
‫سيرته العطرة؟ أو يطعن فى عصمته فى سلوكه وهديه كما‬
‫يزعم أعداء السنة؟‪0‬‬
‫إن الية الكريمة تتحدث عن وجوب اعتزال الرجل زوجته‬
‫الحائض‪ ،‬وعدم القتراب منها‪ ،‬حتى تطهر من حيضتها‪ .‬فهل‬
‫العتزال وعدم القتراب هنا‪ ،‬كما هو مفهوم عند اليهود؟ من‬
‫إهمال الزوجة الحائض‪ ،‬واعتبارها نجسة‪ ،‬فل يأكل ول يشرب‬
‫معها‪ ،‬ول يسكن معها فى بيت واحد؟‪0‬‬
‫إن هذا السؤال ورد على لسان أصحاب رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وهو وارد على لسان كل مسلم إلى يوم الدين‪ ،‬كيف‬
‫يتعامل مع زوجته الحائض؟ فجاءت الجابة‪ ،‬وجاء البيان القولى‬
‫والعملى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بإباحة كل شئ‬
‫من الزوجة الحائض إل الجماع ‪0‬‬
‫فعن أنس بن مالك رضى الله عنه‪ ،‬أن اليهود كانوا إذا حاضت‬
‫المرأة فيهم لو يؤاكلوها‪ ،‬ولم يجامعوهن فى البيوت‪ .‬فسأل‬
‫أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم‪ ،‬النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فأنزل الله تعالى ‪{ :‬ويسألونك عن المحيض قل هو أذى‬
‫فاعتزلوا النساء فى المحيض ول تقربوهن حتى يطهرن‪…‬الية)‬

‫‪370‬‬
‫( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬اصنعوا كل شئ إل‬
‫النكاح" فبلغ ذلك اليهود فقالوا ‪ :‬ما يريد هذا الرجل أن يدع من‬
‫أمرنا شيئا ً إل خالفنا فيه‪ ،‬فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا‪ .‬فل نجامعهن؟‬
‫فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬حتى ظننا أن قد‬
‫وجد عليهما) ( فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبى صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬فأرسل فى آثارهما‪ .‬فسقاهما‪ .‬فعرفا أن لم يجد‬
‫عليهما") (‪0‬‬
‫فتأمل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬اصنعوا كل شئ‬
‫إل النكاح" إنها كلمة جامعة جاءت جوابا ً عن موقف اليهود من‬
‫المرأة الحائض‪ ،‬وجاءت تفسيرا ً وبيانا ً لقول رب العزة ‪{ :‬‬
‫فاعتزلوا النساء فى المحيض ول تقربوهن حتى يطهرن‪‬‬
‫فقوله ‪{ :‬ول تقربوهن حتى يطهرن‪ ‬تفسير لقوله ‪{ :‬فاعتزلوا‬
‫النساء فى المحيض‪ ‬والمراد ‪ :‬اعتزالهن‪ ،‬وعدم قربانهن‬
‫بالجماع مادام الحيض موجودًا) (‪0‬‬
‫وهذا يعنى أن المراد بالعتزال وعدم القران‪ ،‬إنما المراد به‬
‫الفرج فقط‪ ،‬وما عدا ذلك من مؤاكلة‪ ،‬ومشاربة‪ ،‬واجتماع معهن‬
‫فى البيوت‪ ،‬ومباشرتهن‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فهو حلل كما قال المعصوم‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" ،‬اصنعوا كل شئ إل النكاح"‪0‬‬
‫وتأمل ‪ :‬كيف تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من‬
‫كلمة عباد بن بشر‪ ،‬وأسيد بن حضير‪ ،‬لما طلبا الرخصة فى‬
‫الوطء أيضا ً تتميما ً لمخالفة العداء "إن اليهود تقول كذا وكذا‪ .‬فل‬
‫نجامعهن؟" فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬لن‬
‫تلك الرخصة مخالفة لكتاب الله عز وجل باعتزال النساء فى‬
‫المحيض‪ ،‬وعدم قربانهن بالجماع!‪0‬‬
‫وعندما ظنا رضى الله عنهما‪ ،‬أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬قد غضب عليهما بعث فى آثارهما رسول ً ليحضرا عنده‪،‬‬
‫فسقاهما من لبن جاء إليه هدية‪ ،‬فعرفا حينئذ أنه صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬لم يغضب عليهما ‪0‬‬
‫وفى هذا الحديث النبوى القولى ‪" :‬اصنعوا كل شئ إل النكاح"‬
‫والذى جاء تفسيرا ً وبيانا ً للية الكريمة‪ ،‬طبقه رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬عمليًا‪ ،‬فجاء بيانه للية الكريمة {فاعتزلوا‬
‫النساء فى المحيض ول تقربوهن‪ ‬بيانا ً قوليا ً وعمليا ً‪0‬‬
‫وإليك نماذج من هذا البيان العملى ‪:‬‬
‫‪ -1‬بيانه صلى الله عليه وسلم عمليا ً طهارة جسد المرأة‬
‫الحائض‪ ،‬وجواز النوم معها فى ثيابها‪ ،‬والضطجاع معها فى لحاف‬
‫واحد‪ ،‬وذلك ما دل عليه حديث أم سلمة السابق‪ ،‬عندما حاضت‪،‬‬

‫‪371‬‬
‫وذهبت فى خفية لتأخذ ثياب حيضتها‪ ،‬وظننت عدم جواز نومها‬
‫وهى حائض مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذ به عليه‬
‫الصلة والسلم‪ ،‬يقول لها ‪ :‬أنفست؟ فتقول ‪ :‬نعم‪ .‬فيدعوها‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬للنوم معه فى لحاف واحد‬
‫كما قالت ‪" :‬فدعانى فاضطجعت معه فى الخميلة") (‪0‬‬
‫فهذا الفعل وقع منه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬للبيان التشريعى‬
‫للية الكريمة‪ ،‬وردا ً على ما فهمته أم سلمة‪ ،‬من عدم طهارتها‬
‫جسديا ً عندما حاضت‪ ،‬وظنت عدم جواز نومها مع زوجها رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فى لحاف واحد‪ .‬وليس المر كما‬
‫يزعم أعداء عصمته‪ ،‬بأن الماكن ضاقت به صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ول مسئولية ملقاة على عاتقه‪ ،‬إل أن يجلس فى الخميلة‬
‫مع إحدى زوجاته‪ ،‬ول يمنعه من ذلك حيض أو غيره!‪0‬‬
‫وقد دل على ذلك البيان التشريعى أيضا ً قول ميمونة زوج النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم قالت ‪" :‬كان رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬يضطجع معى وأنا حائض‪ ،‬وبينى وبينه ثوب") ( ودل عليه‬
‫أيضا ً قول عائشة رضى الله عنها "كنت أنا ورسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬نبيت فى الشعار) ( الواحد‪ ،‬وأنا طامث) ( أو‬
‫حائض فإن أصابه منى شئ غسل مكانه ولم يعده) ( وصلى فيه‪،‬‬
‫ثم يعود‪ ،‬فإن أصابه منى شئ فعل ذلك‪ ،‬ولم يعده‪ ،‬وصلى‬
‫فيه") (‪0‬‬
‫وفى هذا الحديث الخير ‪ :‬زيادة على حديث أم سلمة وميمونة‬
‫رضى الله عنهما‪ ،‬وتلك الزيادة هى بيان الحكم للرجل إذا أصاب‬
‫ثوبه شئ من حيض زوجته وهى نائمة معه فى لحاف واحد‪ ،‬فما‬
‫عليه إل بغسل مكان ما أصابه من دم الحيض فقط ول يتجاوزه‪،‬‬
‫وإذا صلى مع ذلك صحت صلته ‪0‬‬
‫‪ -2‬ويبين رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬عمليا ً صحة الصلة‬
‫فى المكان الذى توجد فيه المرأة الحائض‪ ،‬بل وصحة الصلة فى‬
‫ثوبها ‪0‬‬
‫فعن عائشة رضى الله عنها‪ ،‬قالت ‪ :‬كان رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬يصلى بالليل‪ ،‬وأنا إلى جنبه‪ ،‬وأنا حائض‪ ،‬وعلى‬
‫مرط) ( لى‪ ،‬وعليه بعضه") (‪ .‬وعن ميمونة زوج النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬قالت ‪ :‬صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وعليه مرط بعضه عليه‪ ،‬وعليها بعضه‪ ،‬وهى حائض") (‪0‬‬
‫‪ -3‬ويبين رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬عمليا ً جواز مؤاكلة‬
‫الحائض‪ ،‬والشرب من فضلها فتقول عائشة رضى الله عنها ‪:‬‬
‫كنت أشرب وأنا حائض‪ ،‬ثم أناوله النبى صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫فيضع فاه على موضع فى‪ .‬فيشرب وأتعرق العرق) ( وأنا حائض‪،‬‬

‫‪372‬‬
‫ثم أناوله النبى صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فيضع فاه على موضع‬
‫ى") (‪0‬‬
‫ف ّ‬
‫‪ -4‬ويبين رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬عمليا ً جواز تسريح‬
‫وغسل الحائض رأس زوجها‪ .‬فتقول عائشة رضى الله عنها ‪ :‬كان‬
‫ى رأسه‪ ،‬وأنا فى‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يدنى إل ّ‬
‫حجرتى‪ .‬فأرجله) ( وأغسله وأنا حائض") (‪0‬‬
‫ً‬
‫‪ -5‬ويبين رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬عمليا طهارة ذات‬
‫المرأة الحائض‪ ،‬وطهارة ثيابها ما لم يلحق شيئا ً منها نجاسة‪،‬‬
‫وذلك كله دل عليه عندما كان صلى الله عليه وسلم‪ ،‬معتكفا ً فى‬
‫المسجد‪ ،‬وطلب من زوجته عائشة رضى الله عنها أن تناوله ثوب‬
‫من حجرته ‪0‬‬
‫فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال ‪ :‬بينما رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فى المسجد‪ .‬فقال ‪ :‬يا عائشة! ناولينى الثوب"‬
‫فقالت ‪ :‬إنى حائض‪ .‬فقال ‪" :‬إن حيضتك ليست فى يدك"‬
‫فناولته") (‪0‬‬
‫ففى قوله ‪" :‬إن حيضتك ليست فى يدك" معناه ‪ :‬أن النجاسة‬
‫التى يصان المسجد عنها – وهى دم الحيض – ليست فى يدها‪،‬‬
‫فدل ذلك على أن ذات الحائض طاهرة ‪0‬‬
‫وعن عائشة رضى الله عنها قالت ‪ :‬كان رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يتكئ فى حجرى وأنا حائض‪ .‬فيقرأ القرآن") (‪0‬‬
‫ففى هذا الحديث دللة واضحة على جواز ملمسة الحائض‪ ،‬وأن‬
‫ذاتها وثيابها على الطهارة‪ ،‬ما لم يلحق شيئا ً منها نجاسة‪ ،‬كما فى‬
‫الحديث دللة واضحة على جواز قراءة القرآن بقرب محل‬
‫النجاسة) ( وكل هذا منه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬للبيان‬
‫التشريعى الذى هو من مهامه فى رسالته‪ ،‬وليس المر كما يزعم‬
‫أعداء عصمته‪ ،‬بأن الماكن ضاقت به حتى لجأ إلى حجر عائشة‬
‫يقرأ فيه القرآن!‪0‬‬
‫‪ -6‬ويبين رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬عمليا ً ما للرجل من‬
‫امرأة إذا كانت حائضا ً فتأتى رواية عائشة السابقة‪ ،‬لتبين بأنه‬
‫صلى الله عليه وسلم كان يباشر نسائه فوق الزار) ( وتأتى‬
‫رواية أنس السابقة "اصنعوا كل شئ إل الجماع") ( لتبين جواز‬
‫المباشرة تحت الزار دون الفرج‪ ،‬ويؤيده ما رواه أبو داود بإسناد‬
‫قوى) (‪ .‬عن عكرمة عن بعض أزواج النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬أن النبى صلى الله عليه وسلم‪ ،‬كان إذا أراد من الحائض‬
‫شيئا ً ألقى على فرجها ثوبًا") ( ول تعارض فى ذلك فرواية عائشة‬
‫محمولة على الستحباب‪ ،‬لمن ل يضبط نفسه عند المباشرة من‬

‫‪373‬‬
‫الفرج‪ ،‬أما من وثق من نفسه‪ ،‬جاز له المباشرة تحت الزار دون‬
‫الفرج) (‪0‬‬
‫ول شك أنه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬كان أملك الناس لربه‪ ،‬فهذا‬
‫من خصائصه‪ ،‬كما صرحت عائشة رضى الله عنها‪ ،‬رغم أنف‬
‫المنكرين لذلك) (‪0‬‬
‫وبعـد ‪:‬‬
‫فهذا بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قول ً وعمل ً لقوله‬
‫تعالى ‪{ :‬فاعتزلوا النساء فى المحيض ول تقربوهن‪ ( )‬وهو‬
‫بيان يهم كل مسلم ومسلمة‪ ،‬وعنه سأل أصحاب رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قديما ً ورجعوا إليه) ( وعنه يسأل كل‬
‫مسلم ومسلمة إلى يوم الدين ‪0‬‬
‫فليختر كل إنسان لنفسه؛ إذا حاضت أخته‪ ،‬أو زوجته‪ ،‬أو أمه‪ ،‬أو‬
‫خالته‪ ،‬أو… الخ هل يعتزلهن فل يؤاكلهن ول يشاربهن ول‬
‫يساكنهن فى بيت واحد – كما هو حال اليهود؟ أم يكون له قدوة‬
‫وأسوة بسنة وسيرة المعصوم صلى الله عليه وسلم؟!‪0‬‬
‫إن سنة وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فى معاملة‬
‫المرأة الحائض تمثل قمة التكريم للمرأة‪ ،‬كما تمثل عظمة‬
‫أخلقه‪ ،‬وعصمته صلى الله عليه وسلم فى سلوكه مع أهل بيته‪،‬‬
‫إذا أصابهن ما كتبه رب العزة على بنات آدم ‪0‬‬
‫فالمرأة فى فترة حيضتها‪ ،‬تكون شبه مريضة أو مريضة يصبها‬
‫توعك وآلم تجعلها تشعر فى تلك الفترة بالهبوط والضيق ‪0‬‬
‫كما أن أغلبية الرجال يشعرون بالشمئزاز والنفور من الرائحة‬
‫الشهرية المرافقة للطمث‪ .‬وقليل منهم الذين يشعرون ببهجة‬
‫وانجذاب‪ .‬وشم هذه الرائحة الشهرية ل يقتصر على منطقة‬
‫العضاء الجنسية‪ ،‬بل تمتد فى معظم النساء إلى إفرازات الجلد‬
‫والنفس) ( وكل هذا ول شك مما قد يفسد العلقة بين الرجل‬
‫وأهله فى تلك الفترة التى تعترى المرأة شهريا ً‪0‬‬
‫فهل تعتزل أخى المسلم ‪ :‬زوجتك الحائض فى تلك الفترة‪ ،‬فل‬
‫تؤاكلها‪ ،‬ول تشاربها‪ ،‬ول تساكنها‪ ،‬فى بيت واحد‪ ،‬مما قد يزيد‬
‫الجفاء بينك وبين زوجتك؟‪0‬‬
‫أم تمتثل لسنة وسيرة المعصوم صلى الله عليه وسلم‪ ،‬مع أهل‬
‫بيته فى تلك الفترة التى تحيض فيها المرأة؛ فيكون لذلك أطيب‬
‫الثر فى العلقة بينك وبين أهل بيتك‪ ،‬ويكون لك الجر والهداية‪،‬‬
‫والفلح‪ ،‬جزاء امتثالك وطاعتك لله عز وجل ولرسوله صلى الله‬
‫عليه وسلم؟ اختر لنفسك ما شئت ‪0‬‬
‫===================‬
‫عصمة محمد تكافؤ أخلقه ؟‬

‫‪374‬‬
‫وهكذا نشأ المصطفى صلى الله عليه وسلم‪ ،‬محفوظا ً ومعصوما ً‬
‫قبل النبوة وبعدها من الشيطان الرجيم‪ ،‬ومعصوما ً من كل ما‬
‫يمس عقيدته بسوء‪ ،‬بل ومن كل ما يمس خلقه‪ ،‬حتى كان أفضل‬
‫قومه مروءة‪ ،‬وأحسنهم خلقًا‪ ،‬وأعظمهم حلما ً وأمانة‪ ،‬وأصدقهم‬
‫حديثا ً حتى سماه قومه "المين") (‪0‬‬
‫وهذا السم العظيم "المين" يمثل أصدق تمثيل مدح رب العزة‬
‫له بقوله سبحانه ‪{ :‬وإنك لعلى خلق عظيم‪( )0‬‬
‫وهو اسم يمثل التكافؤ الخلقى فى شخصية سيدنا محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم أصدق تمثيل؛ وأعنى بالتكافؤ الخلقى ‪ :‬أن‬
‫أخلقه صلى الله عليه وسلم كلها قبل النبوة وبعدها تنبع من‬
‫عصمة المولى عز وجل له‪ ،‬فهو الذى أدبه ربه فأحسن تأديبه‪،‬‬
‫سِبها متفقة‪ ،‬فصهره مثل شجاعته‪،‬‬ ‫ومن هنا كانت أخلقه كلها ن ِ َ‬
‫وشجاعته مثل كرمه‪ ،‬وكرمه مثل حلمه… وهكذا ل تجد له خلقا ً‬
‫فى موضعه من الحياة يزيد أو ينقص على خلق آخر فى موضعه‬
‫منها‪ ،‬وهذا التكافؤ الخلقى فى وجوده الواقعى فى شخصيته‬
‫صلى الله عليه وسلم معجزة فى الحياة‪ ،‬لن النسان معترك‬
‫الغرائز‪ ،‬والتكافؤ الخلقى فى الشباب ضرب من المحالت فى‬
‫متعارف الحياة‪ ،‬فإذا حققه الوجود الواقعى فى شباب سيدنا‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم كان وجوده معجزة‪ ،‬ودليل على‬
‫عصمة رب العزة له‪ ،‬وعنايته به وحفظه من مظاهر الجاهلية‪،‬‬
‫على ما سبق تفصيله ‪0‬‬
‫وكذلك التكافؤ الخلقى فى شخصيته صلى الله عليه وسلم بعد‬
‫النبوة يعد معجزة ودليل على عصمته‪ .‬لن التاريخ لم يذكر من‬
‫النماذج العليا للبشرية من كان هذا التكافؤ الخلقى خليقته العامة‬
‫سوى المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وإذا ذكر التاريخ‬
‫غيره من النماذج العليا ذكره عنوانا ً لتبرير جزئى فى بعض‬
‫الفضائل والخلق‪ .‬فهذا مثل مضروب فى الصبر‪ ،‬وذاك فى‬
‫الحلم‪ ،‬وثالث فى الكرم‪ ،‬ورابع فى الشجاعة‪ .‬وهكذا تتفرق‬
‫النهايات فى الخلق والفضائل فى نماذج متعددة‪ ،‬ولكنها تجتمع‬
‫متكافئة فى شخصيته صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهذا من العجاز‬
‫والعصمة ‪0‬‬
‫وإذا أردت مثل ً على هذا التكافؤ الخلقى فى شخصيته صلى الله‬
‫عليه وسلم فتأمل حاله قبل زواجه من خديجة رضى الله عنها‬
‫من شظف العيش‪ ،‬وقلة ذات يده‪ ،‬وتأمل حاله بعد زواجه منها‪،‬‬
‫حيث أصبح صلى الله عليه وسلم بين عشية وضحاها من أغنياء‬
‫عرفا ً مالها ماله‪ ،‬وثراؤها‬
‫قريش‪ ،‬وذوى ثرواتها‪ ،‬حيث أصبح ُ‬
‫ثراءه‪ .‬فهل غير ذلك تكافؤه الخلقى؟!‪0‬‬

‫‪375‬‬
‫كل! إن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ظل بعد هذا الثراء‬
‫الغامر‪ ،‬كما كان من ولد ونهد وشب‪ ،‬يعيش فى شظف عيشه؛ ل‬
‫من قلة المال فى يده‪ ،‬بل لن خصيصة التكافؤ الخلقى عنده‬
‫طبعته على الزهادة فى الحياة المادية المترهلة التى كانت تحياها‬
‫قريش‪ ،‬وطبعته على التسامى بنفسه عن مطامع الماديين‪ ،‬إذا‬
‫هبط عليهم الثراء من غير كد ول تعب ‪0‬‬
‫فحياته صلى الله عليه وسلم قبل زواجه من خديجة كانت تقلل‬
‫من الدنيا‪ ،‬وكذلك كانت حياته بعد زواج خديجة‪ ،‬حياة تقلل من‬
‫الدنيا وهى ملء يده وهكذا كان آخر حياة شبابه‪ ،‬صورة من‬
‫أولها) (‪0‬‬
‫ول غرو فى أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك‬
‫المثابة من التكافؤ الخلقى‪ ،‬فقد عصمه ربه عز وجل‪ ،‬واصطنعه‬
‫لنفسه‪ ،‬وأراد منه أن يكون خاتم أنبيائه ورسله إلى الخلق كافة‪،‬‬
‫ول يقوم بذلك إل أمين صاحب خلق عظيم‪ ،‬ينال ثقة الناس‬
‫فيستجيبون له ويؤمنون به ‪0‬‬
‫ط‪ -‬من مظاهر عصمته صلى الله عليه وسلم كمال عقله ‪:‬‬
‫إن كمال العقل وفطنته من أبرز صفات الرسل الذاتية التى‬
‫منحهم الله تعالى إياها‪ ،‬وهى من لوازم الرسالة اللهية‪،‬‬
‫والصطفاء الربانى لها‪ ،‬كما أنها عامل مهم‪ ،‬وسبب قوى من‬
‫أسباب تبليغ رسالة الرسل إلى أقوامهم‪ ،‬ومعالجتهم بالتربية‬
‫الحكيمة‪ ،‬والقيادة السليمة وفق طبائعهم وأخلقهم‪ .‬قال‬
‫تعالى ‪{ :‬ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة‬
‫وجادلهم بالتى هى أحسن‪ ( )‬وواضح من هذه الية الكريمة‬
‫التى تبين سبيل الدعوة أنها تعتمد على رجاحة العقل وفطنته ‪0‬‬
‫فلبد أن يكون الرسول أكمل الناس عقل ً وفطنة حتى يقيم‬
‫الحجة على قومه على خير وجه‪ ،‬بحيث تكون ملزمة للخصم كل‬
‫اللزام‪ ،‬فإن آمن‪ ،‬وإل جادله فاستعمل معه أسلوب المعارضة‪،‬‬
‫والمناقضة‪ ،‬وهو فى كل ذلك يسلك مسالك الكرام ل يسئ ول‬
‫يغضب) ( وقد قص الله عز وجل لنا من أحوال فطنة الرسل مال‬
‫ينقض منه العجب‪ ،‬من سرعة البديهة‪ ،‬وإقامة الحجة الصادقة‪،‬‬
‫وذلك كنوح‪ ،‬وهود‪ ،‬وصالح‪ ،‬وإبراهيم‪ ،‬ولوط‪ ،‬ويونس‪ ،‬وموسى‪،‬‬
‫وداود‪ ،‬وسليمان‪ ،‬وعيسى‪ ،‬ومحمد‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليهم‬
‫أجمعين ‪0‬‬
‫وإذا ذهبنا لذكر نماذج من فطن النبياء فى القرآن الكريم‪ ،‬فإن‬
‫ذلك يفضى بنا إلى الطالة‪ ،‬ولكن بحسبنا أن نأتى ببعض النماذج‬
‫من واقع حياة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬لتكون كافية‬

‫‪376‬‬
‫للدللة على باقى النبياء عليهم الصلة والسلم‪ ،‬إذ ما يجوز فى‬
‫حق نبى يجوز فى حق غيره من النبياء ‪0‬‬
‫قال القاضى عياض ‪ :‬بعد أن قرر أنه ل مرية فى أنه صلى الله‬
‫عليه وسلم أعقل الناس وأذكاهم وفى ذروة الذرى فى الفطنة‪،‬‬
‫ورجاحة العقل قال ‪" :‬ومن تأمل تدبيره أمر بواطن الخلق‬
‫وظواهرهم‪ ،‬وسياسة العامة والخاصة‪ ،‬مع عجيب شمائله‪ ،‬وبديع‬
‫سيره‪ ،‬فضل ً عما أفاضه من العلم‪ ،‬وقرره من الشرع‪ ،‬دون تعلم‬
‫سبق‪ ،‬ول ممارسة تقدمت‪ ،‬ول مطالعة للكتب فيه‪ ،‬لم يمتر فى‬
‫رجحان عقله‪ ،‬وثقوب فهمه لول بديهة") (‪0‬‬
‫وإليك بعض المثلة على كمال عقله وفطنته من سيرته العطرة ‪:‬‬
‫أ‪ -‬سرعة حله للمشاكل المستعصية التى تحار فى حلها العقول‬
‫الكبيرة الشهيرة وصور ذلك كثيرة منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬حله لمشكلة قريش فى وضع الحجر السود الذى تنافست‬
‫فيه قبائلها‪ ،‬وأرادت كل قبيلة أن تحوز شرف وضعه‪ ،‬وتستأثر به‬
‫على غيرها‪ ،‬حتى وصل بها الحال إلى شفا الحرب‪ ،‬حيث قربت‬
‫بنو عبد الدار جفنة مملوءة دمًا‪ ،‬ثم تعاقدوا هم وبنو عدى على‬
‫الموت‪ ،‬وأدخلوا أديهم فى ذلك الدم فى تلك الجفنة‪ ،‬فسموا‬
‫لعقة الدم‪ ،‬فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمسا ً ثم إنهم‬
‫اجتمعوا فى المسجد فتشاوروا وتناصفوا‪ ،‬وأشار عليهم أبو أمية‬
‫بن المغيرة‪ ،‬وكان يومئذ أسن قريش كلها على أن يجعلوا بينهم‬
‫فيما يختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد – يعنى‬
‫باب بنى شيبة – فكان أول داخل رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فلما رأوه قالوا ‪ :‬هذا المين رضينا‪ ،‬هذا محمد! فلما‬
‫انتهى إليهم أخبروه الخبر فقال صلى الله عليه وسلم ‪" :‬هلم‬
‫إلى ثوبًا‪ ،‬فأتى به‪ ،‬فأخذ الركن فوضعه فيه بيده‪ ،‬ثم قال ‪ :‬لتأخذ‬
‫كل قبيلة بناحية من الثوب‪ ،‬ثم ارفعوه جميعًا‪ .‬ففعلوه حتى إذا‬
‫بلغوا به موضعه‪ ،‬وضعه هو بيده صلى الله عليه وسلم ثم بنى‬
‫عليه") (‪0‬‬
‫وبذلك رفع ما بينهم من ذلك الخلف الذى كاد يؤدى برجالهم‪،‬‬
‫والذى حارت فيه عقولهم‪ ،‬وفيهم المشهورون بالعقل والحنكة‬
‫والتجربة والسؤود‪ ،‬ومع ذلك بارت فى هذه المشكلة العويصة‪،‬‬
‫حتى خلصهم منها ذو الفطنة النبوية سيدنا محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وهو يومئذ فى سن الخامسة والثلثين من عمره صلى‬
‫الله عليه وسلم) ( على الرغم من وجود الكبار والكبار جدًا‪،‬‬
‫وعلى الرغم من وجود العقلء والنبلء جدًا‪ ،‬إل أنه صلى الله‬
‫عليه وسلم هو الذى حل المشكلة‪ ،‬إنه صلى الله عليه وسلم‬
‫الذى ارتضاه الجميع لمكانته‪ ،‬فلما حكم ارتضوا حكمه لعدالته‪ .‬لم‬

‫‪377‬‬
‫يعترض أحد على شخصه‪ ،‬ولم يعترض أحد على فكره‪ ،‬حتى قال‬
‫من ل يعرفه! يا عجبا لقوم أهل شرف وعقول‪ ،‬وسن وأموال‪،‬‬
‫ل‪ ،‬فرأسوه فى مكرمتهم‬ ‫عمدوا إلى أصغرهم سنًا‪ ،‬وأقلهم ما ً‬
‫وحرزهم‪ ،‬كأنهم خدم له!! ) (‪0‬‬
‫‪ -2‬ومثل هذا الحل السريع الحاسم حله صلى الله عليه وسلم‬
‫لمشكلة المهاجرين {الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون‬
‫فضل ً من الله ورضوانا ً وينصرون الله ورسوله‪ ( )‬فوفدوا إلى‬
‫المدينة ل يملكون شيئًا‪ ،‬فكانوا بذلك فى خطر المجاعة والغربة‪،‬‬
‫مما اقتضى إيجاد حل سريع لهذه المشكلة‪ ،‬وكان رجلها وواحدها‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬حيث آخى بين المهاجرين‬
‫والنصار على المواساة والحق‪ ،‬والتوارث‪ ،‬واستمروا على ذلك‬
‫الحال إلى أن أنزل الله تعالى ‪{ :‬وأولوا الرحام بعضهم أولى‬
‫ببعض فى كتاب الله‪ ( )‬فنسخت حكم التوارث بين المهاجرين‬
‫والنصار) ( وبذلك حل النبى صلى الله عليه وسلم مشكلة من‬
‫أكبر المشاكل استعصاًء فى الحل ‪0‬‬
‫‪ -3‬كما حل فى نفس الوقت مشكلة أخرى هى بمثابة المشكلة‬
‫الولى فى الهمية‪ ،‬وهى مشكلة التعايش فى المدينة بين‬
‫طوائف مختلفة ‪ :‬الوس والخزرج الذى كان بينهما من العداء‬
‫بسبب ما كان يجرى بينهما من الحروب مال يكاد ينسى‬
‫والمهاجرين الذين تركوا أوطانهم وأموالهم‪ ،‬وأتوا لنصرة رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وجموع يهود التى كانت تسيطر على‬
‫الحركة القتصادية فى المدينة باحتكارها التجارة فيها‪ ،‬وتشكيلهم‬
‫خطرا ً عظيما ً على الدولة السلمية الفتية‪ ،‬وهم أيضا ً منقسمون‬
‫على أنفسهم‪ ،‬فبعضهم يوالى الوس‪ ،‬والبعض الخر يوالى‬
‫الخزرج‪ .‬فكان لبد من إيجاد ثقة كاملة‪ ،‬بين هذه الطراف‬
‫المختلفة للتعايش السلمى‪ ،‬والدفاع العام عن عدو مشترك يقدم‬
‫عليهم من الخارج‪ ،‬يريد المساس بأحد من هذه الطوائف‪ ،‬فكان‬
‫ذلك بما أجراه النبى صلى الله عليه وسلم من عهد موادعة بين‬
‫هذه الطوائف يرضى جميعها ‪0‬‬
‫وبهذا العهد) ( قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على‬
‫النعرات الجاهلية‪ ،‬والدسائس اليهودية‪ ،‬وأوجب للجميع الود‬
‫والخاء‪ ،‬والتراحم‪ ،‬وإقامة العدل‪ ،‬وما كان لذلك أن يتم لول هذا‬
‫العلج الناجح‪ ،‬من ذى الفطنة العظيمة‪ ،‬والسياسة الحكيمة –‬
‫صلوات الله وسلمه عليه ‪0‬‬
‫‪ -4‬وكم كانت فطنته الكاملة تحل من مشاكل عديدة فى أسرع‬
‫وقت وأقصره‪ ،‬فيتحقق بذلك له ولمته ما يصبون إليه من نصر‬
‫وسعادة وعز وسيادة‪ ،‬وليس أدل على ذلك من صلح الحديبية!‬

‫‪378‬‬
‫الذى كان آية من اليات العظيمة‪ ،‬فبه فتح الله عليه مكة دون‬
‫حرب أو قتل… ومن كان يتصور فتح مكة بهذا السلم العظيم؟!!‬
‫والمثلة غير ذلك ينوء عنها الحصر فى مثل هذا المقام المقتضى‬
‫لليجاز‪ ،‬والتيان من كل بحر قطرة كالنموذج لغيره‪ ،‬والدليل‬
‫على ما سواه ‪0‬‬
‫ب‪ -‬ومن مظاهر كمال عقله صلى الله عليه وسلم وفطنته‪،‬‬
‫سرعة إقامة الحجة على المعارضين وقطع شغبهم وجدالهم‬
‫بالباطل‪ ،‬فل يستطيعون مجاراته أو مكابرته‪ ،‬بل ل يسعهم إل‬
‫الذعان والتسليم‪ ،‬أو النكوص على أعقابهم خاسئين خاسرين‪،‬‬
‫وصور ذلك كثيرة منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬ما جاء عن سعيد بن أبى راشد) ( – رحمه الله – قال ‪ :‬رأيت‬
‫التنوخى رسول هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫)بحمص( وكان جارا ً لى شيخا ً كبيرًا‪ ،‬قد بلغ الفناء أو قرب‪ ،‬فقلت‬
‫‪ :‬أل تخبرنى عن رسالة هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ورسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل؟‬
‫قال ‪ :‬بلى… وذكر الحديث وفيه ‪" :‬فانطلقت بكتابه )أى كتاب‬
‫هرقل( حتى جئت "بتبوك" فإذا هو جالس بين أصحابه على‬
‫الماء‪ ،‬فقلت ‪ :‬أين صاحبكم؟‪ ،‬قيل ‪ :‬ها هو ذا‪ ،‬قال ‪ :‬فأقبلت‬
‫أمشى حتى جلست بين يديه‪ ،‬فناولته كتابى فوضعه فى حجره‪،‬‬
‫إلى أن قال ‪ :‬ثم إنه ناول الصحيفة رجل ً عن يساره‪ ،‬فقلت ‪ :‬من‬
‫صاحب كتابكم الذى يقرأ لكم؟ فقالوا ‪ :‬معاوية‪ .‬فإذا فى كتاب‬
‫صاحبى ‪ :‬يدعونى إلى جنة عرضها السماوات والرض أعدت‬
‫للمتقين! فأين النار؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫"سبحان الله‪ ،‬فأين الليل إذا جاء النهار؟!…") (‪0‬‬
‫‪ -2‬وجاءت قريش إلى حصين بن عبيد) ( وهو من عظماء قريش‪،‬‬
‫فقالوا له ‪ :‬كلم لنا هذا الرجل‪ ،‬يقصدون ‪ :‬رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فإنه يذكر آلهتنا ويسبهم‪ ،‬فجاءوا معه حتى جلسوا‬
‫قريبا ً من باب النبى صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقال ‪ :‬أوسعوا‬
‫للشيخ‪ ،‬وعمران) ( وأصحابه متوافرون ‪0‬‬
‫فقال حصين ‪ :‬ما هذا الذى بلغنا عنك‪ ،‬إنك تشتم آلهتنا‪ ،‬وتذكرهم‪،‬‬
‫وقد كان أبوك حصينة وخيرًا؟ فقال صلى الله عليه وسلم ‪ :‬يا‬
‫حصين‪ ،‬إن أبى وأباك فى النار‪ .‬يا حصين! كم تعبد من إله؟ قال ‪:‬‬
‫سبعا ً فى الرض‪ ،‬وواحدا ً فى السماء‪ .‬قال ‪ :‬فإذا أصابك الضر من‬
‫تدعوا؟ قال ‪ :‬الذى فى السماء‪ .‬قال‪ :‬فإذا هلك المال من تدعوا؟‬
‫قال ‪ :‬الذى فى السماء‪ .‬قال ‪ :‬فيستجيب لك وحده‪ ،‬وتشركهم‬
‫معه؟! أرضيته فى الشكر أم تخاف أن يغلب عليك؟ قال ‪ :‬ل‬
‫واحدة من هاتين‪ .‬قال ‪" :‬وعلمت أنى لم أكلم مثله" قال ‪ :‬يا‬

‫‪379‬‬
‫حصين! أسلم تسلم‪ .‬قال ‪ :‬إن لى قوما ً وعشيرة فماذا أقول؟‬
‫قال ‪ :‬قل ‪ :‬اللهم إنى أستهديك لرشد أمرى‪ ،‬وزدنى علما ً‬
‫ينفعنى‪ .‬فقالها حصين‪ ،‬فلم يقم حتى أسلم‪ .‬فقام إليه عمران‬
‫فقبل رأسه‪ ،‬ويديه‪ ،‬ورجليه‪ ،‬فلما رأى ذلك النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم بكى‪ ،‬وقال ‪ :‬بكيت من صنيع عمران‪ ،‬دخل حصين‪ ،‬وهو‬
‫كافر‪ ،‬فلم يقم إليه عمران‪ ،‬ولم يلتفت ناحيته‪ ،‬فلم أسلم قضى‬
‫حقه‪ ،‬فدخلنى من ذلك الرقة‪ ،‬فلما أراد حصين أن يخرج قال‬
‫لصحابه ‪ :‬قوموا فشيعوه إلى منزله‪ ،‬فلما خرج من سدة الباب‬
‫رأته قريش فقالوا ‪ :‬صبأ) ( وتفرقوا عنه) (‪0‬‬
‫فنتأمل كلمة "حصين" الذى تعظمه قريش ‪" :‬وعلمت أنى لم‬
‫أكلم مثله" إن هذه الكلمة من هذا الرجل تبين مدى كمال عقله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأنه يفوق عقل المعظمين من البشر‪ ،‬إنه‬
‫عقل نبى مصطفى معصوم!) (‪0‬‬
‫‪ -3‬وعن أبى أمامة رضى الله عنه) ( قال ‪ :‬إن فتى شابا ً أتى‬
‫النبى صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬ائذن لى‬
‫ه) ( فقال‬ ‫بالزنا!! فأقبل القوم عليه‪ ،‬فزجروه‪ ،‬وقالوا ‪ :‬مهٍ م ٍ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أدنه‪ ،‬فدنا منه قريبًا‪ .‬قال ‪ :‬فجلس فقال‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أتحبه لمك؟ قال ‪ :‬ل! والله‪ ،‬جعلنى الله‬
‫فداك فقال صلى الله عليه وسلم ‪ :‬ول الناس يحبونه لمهاتهم‪.‬‬
‫ثم قال صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أفتحبه لبنتك؟ قال ‪ :‬ل!‪ ،‬والله يا‬
‫رسول الله‪ ،‬جعلنى الله فداك‪ .‬قال صلى الله عليه وسلم ول‬
‫الناس يحبونه لبناتهم‪ .‬ثم قال صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أفتحبه‬
‫لختك؟ قال ‪ :‬ل والله‪ ،‬جعلنى الله فداك‪ .‬قال صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ :‬ول الناس يحبونه لخواتهم‪ ،‬ثم قال صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ :‬أفتحبه لعمتك؟ قال ‪ :‬ل والله‪ ،‬جعلنى الله فداك‪ .‬قال‬
‫صلى الله عليه وسلم ول الناس يحبونه لعماتهم‪ .‬ثم قال صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ :‬أفتحبه لخالتك؟ قال ‪ :‬ل والله‪ ،‬جعلنى الله‬
‫فداك‪ .‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ :‬ول الناس يحبونه لخالتهم‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فوضع يده عليه‪ ،‬وقال ‪ :‬اللهم اغفر ذنبه‪ ،‬وطهر قلبه‪،‬‬
‫وحصن فرجه‪ ،‬فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شئ") (‪0‬‬
‫انتهى الفتى عن هذه الفاحشة‪ ،‬وأصبح ل يلتفت إليها‪ ،‬فقد أقنعه‬
‫صلى الله عليه وسلم إقناعا ً تامًا‪ ،‬وردد‪ ،‬وكرر‪ ،‬حتى قبح هذا‬
‫الفعل فى نظر الرجل‪ ،‬فأبغضه وابتعد عنه‪ ،‬وهو صلى الله عليه‬
‫وسلم بدعائه له زاد المر حسنا ً فلم يقف عند حد القناع‪ ،‬وإنما‬
‫دعا له – وهو مستجاب الدعوة – فاقتناع الرجل‪ ،‬وهداه الله‪،‬‬
‫وهكذا النبوة) (‪0‬‬

‫‪380‬‬
‫والشاهد مما سبق أنه محمد لم يغضب‪ ،‬ولم يثر‪ ،‬وإنما كلمه‬
‫كلما ً سهل ً غاية السهولة‪ ،‬أقنعه كل القناع‪ .‬وهذا من كمال العقل‬
‫وفطنته ‪0‬‬
‫ً‬
‫‪ -4‬وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن أعرابيا أتى رسول الله‬
‫فقال ‪ :‬يا رسول الله! إن امرأتى ولدت غلما ً أسود‪ ،‬وإنى‬
‫أنكرته) ( فقال له النبى هل لك من إبل؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬قال صلى‬
‫الله عليه وسلم ما ألوانها؟ قال ‪ :‬حمر‪ .‬قال ‪ :‬فهل فيها من‬
‫أورق) ( قال ‪ :‬نعم‪ .‬قال رسول الله‪ :‬فأنى هو؟) ( قال ‪ :‬لعله يا‬
‫رسول الله يكون نزعه عرق له) ( فقال له النبى وهذا لعله يكون‬
‫نزعه عرق له) (‪0‬‬
‫إنه صلى الله عليه وسلم فى هذا الموقف جعل السائل ينطق‬
‫بالجواب‪ ،‬وضرب له صلى الله عليه وسلم مثل ً من بيئته‪ ،‬وأقنعه‬
‫أيما إقناع‪ ،‬ولقد كان الرجل منصفًا‪ ،‬فما أن ضرب له صلى الله‬
‫عليه وسلم المثل إل اقتنع‪ .‬لقد سلم الرجل واعترف أن العرق‬
‫نزاع‪ ،‬وعليه فلعل عرقا ً نزع ابنه هذا‪ ،‬كما أن إبله التى فيها جمل‬
‫يختلف لونه عن بقية البل لعله نزعه عرق) (‪0‬‬
‫جـ‪ -‬ومن مظاهر كمال عقله وفطنته براهينه الساطعة القاطعة‬
‫التى كان يقيمها على مجادليه ومناظريه من مشركين‪ ،‬وأهل‬
‫كتاب وغيرهم‪ ،‬وصور ذلك كثيرة أكتفى منها بما يلى ‪:‬‬
‫‪ -1‬مجادلته لكفار قريش‪ ،‬وهو ما كان من ابن الزبعرى) ( الذى‬
‫سمع بقول الله تعالى {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب‬
‫جهنم أنتم لها واردون‪ .‬لو كان هؤلء آلهة ما وردوها وكل فيها‬
‫خالدون‪ .‬لهم فيها زفير وهم فيها ل يسمعون‪ ( )‬فقال ‪ :‬أما‬
‫والله لو وجدت محمدا ً لخصمته‪ ،‬فسلوا محمدًا! أكل ما يعبد من‬
‫دون الله فى جهنم مع من عبده؟ فنحن نعبد الملئكة! واليهود‬
‫تعبد عزيزًا! والنصارى تعبد عيسى ابن مريم! فعجب الحاضرون‬
‫مما قاله ابن الزبعرى‪ ،‬ورأوا أنه قد خصم رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم وغلبه‪ ،‬فقال النبى صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن كل‬
‫من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبده‪ ،‬إنهم إنما‬
‫يعبدون الشياطين‪ ،‬ومن أمرتهم بعبادته" فأنزل الله تعالى‬
‫تصديقا ً لنبيه صلى الله عليه وسلم ‪{ :‬إن الذين سبقت لهم منا‬
‫الحسنى أولئك عنها مبعدون‪ .‬ل يسمعون حسيسها وهم فى ما‬
‫اشتهت أنفسهم خالدون‪ .‬ل يحزنهم الفزع الكبر وتتلقاهم‬
‫الملئكة هذا يومكم الذى كنتم توعدون‪( )0‬‬
‫فانظر إلى هذا الجواب المفحم الذى لم يترك للمجادل مجال ً‬
‫للتمادى بالباطل‪ ،‬حيث أعلمه أن من ذكر لم يأمروهم بعبادتهم‪،‬‬

‫‪381‬‬
‫وأنهم إنما يعبدون الشياطين‪ ،‬وأنهم لو أمروهم بذلك أو حبذوا‬
‫ذلك منهم لكان الحكم عاما ً فيهم ‪0‬‬
‫على هذا النحو كانت مجادلة النبىللمشركين فى مكة‪ ،‬وأهل‬
‫الكتاب فى المدينة) ( والوفود الواردة من كل نواحى الجزيرة‪،‬‬
‫يجادلوه فيأيده الله‪ ،‬ويقيم الحجة عليهم‪ ،‬وأذكر من ذلك مثال ً ما‬
‫يلى ‪:‬‬
‫‪ -2‬وفد بنى تميم ‪ :‬فلقد قدم عليه أشرافهم‪ ،‬منهم القرع بن‬
‫حابس‪ ،‬وهو من سادات العرب وحكامها) ( والزبرقان بن بدر‬
‫التميمى– أحد بنى سعد – وعمرو بن الهتم‪ .‬وقالوا لرسول الله ‪:‬‬
‫جئنا نفاخرك‪ ،‬فأذن لشاعرنا وخطيبنا‪ ،‬وتمت المفاخرة‪ ،‬وفى‬
‫نهايتها قال القرع بن حابس ‪ :‬إن هذا الرجل لموتى له) ( لخطيبه‬
‫أخطب من خطيبنا‪ ،‬ولشاعره أشعر من شاعرنا‪ ،‬ولصواتهم أعلى‬
‫من أصواتنا) (‪0‬‬
‫لقد اعترف الرجل بكمال عقله وفطنته ‪ ،‬وأنه اختار من أتباعه‬
‫خطيبا ً يناسب هذه القبيلة من العرب‪ ،‬ففاق خطيبهم‪ ،‬واختار‬
‫شاعرا ً فاق شاعرهم‪ ،‬وما ذلك إل لكمال عقله وفطنته‪ ،‬وفهمه‬
‫الدقيق للوافدين عليه‪ ،‬وفهمه الدقيق لتباعه ‪0‬‬
‫لقد أسلم الوفد) (‪ ،‬وهكذا كل من ورد عليه‪ ،‬يعترف بنبوته‪،‬‬
‫وعصمة المولى عز وجل له‪ ،‬وتأييده فى كل أموره) (‪0‬‬
‫__________________‬
‫ابوعبدالله‬
‫=================‬
‫عصمه الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫السلم عليكم ورحمه الله وبركاته‬
‫وردت هذه الشبهه على أحد المنتديات فيما يتعلق بتناقض‬
‫القرآن بالقول بعصمه الرسول عليه الصله والسلم‬
‫الشبهه كما وردت‬
‫يقول القرآن ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ل فَ َ‬ ‫فعَ ْ‬
‫م تَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫ك وَإ ِ ْ‬‫ن َرب ّ َ‬
‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬‫ما أن ْزِ َ‬‫ل ب َل ّغْ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫"َيا أي َّها الّر ُ‬
‫م"‬ ‫قوْ َ‬‫دي ال ْ َ‬ ‫ه َل ي َهْ ِ‬‫ن الل ّ َ‬‫س إِ ّ‬‫ن الّنا ِ‬‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫م َ‬‫ص ُ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬
‫ه ي َعْ ِ‬ ‫سال َت َ ُ‬
‫ت رِ َ‬ ‫ب َل ّغْ َ‬
‫المائدة ‪67‬‬
‫من خلل هذه الية نفهم أن الله قد عصم نبيه محمد بن عبد الله‬
‫من الناس ‪ ،‬فماذا تعني هذه العصمة ؟؟؟‬
‫أول ً ‪ :‬العصمة في اللغة ‪:‬‬
‫تحت مادة "عصم" في معجم العين للفراهيدي يقول ‪ :‬عصم‪:‬‬
‫شر‪ ،‬أي‪ :‬يدفعُ عنك‪ .‬واعتصمت‬ ‫ه من ال ّ‬ ‫ك الل ُ‬ ‫م َ‬‫ص َ‬ ‫ة‪ :‬أن ي َعْ ِ‬ ‫م ُ‬
‫ص َ‬‫العِ ْ‬
‫شر‪ .‬واستعصمت‪ ،‬أي‪ :‬أبيت‪.‬‬ ‫بالله‪ ،‬أي‪ :‬امتنعت به من ال ّ‬

‫‪382‬‬
‫ت‪ ،‬أي‪ :‬لجأت إلى شيء اعتصمت به‪ .‬قال‪ :‬قل لذي‬ ‫َ‬
‫م ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫وأع ْ َ‬
‫ت‬
‫ص ُ‬ ‫سك بـالط ناب يا ابن الفجار يا ابن ضريبه وأ َع ْ َْ‬ ‫م ّ‬ ‫م َ‬ ‫صم ِ ال ُ‬ ‫معْ ِ‬ ‫ال َ‬
‫ه يده‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫م بما تنال ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫ت له ما يعتصم به‪ .‬والغريق ي َعْت َ ِ‬ ‫فلنا‪ :‬هَّيأ ُ‬
‫لحه بالخوف مُعتصما‬ ‫لم ّ‬ ‫يلجأ إليه‪ .‬قال‪ :‬يظ ّ‬
‫صمة‬ ‫تحت مادة "عصم" في لسان العرب ‪ -‬باختصار‪ -‬نجد ‪ :‬العِ ْ‬
‫ع‪.‬‬ ‫من ْ ُ‬ ‫في كلم العرب‪ :‬ال َ‬
‫فط‪ُ.‬‬ ‫ح ْ‬ ‫صمة‪ :‬ال ِ‬ ‫ن بالله إذا امتنع به‪ .‬والعَ ْ‬ ‫م فل ٌ‬ ‫ص َ‬ ‫واع ْت َ َ‬
‫مِتسا ُ‬
‫ك‬ ‫م‪:‬ال ْ‬ ‫م‪ :‬المانعُ الحامي‪ .‬والع ِْتصا ُ‬ ‫ة‪ .‬والعاص ُ‬ ‫مَنع ُ‬ ‫ة‪ :‬ال َ‬ ‫م ُ‬ ‫ص َ‬ ‫الع ْ‬
‫بالشيء‬
‫ع‪.‬‬‫من ْ ُ‬ ‫ة‪ :‬ال َ‬ ‫م ُ‬ ‫ص َ‬ ‫و في الصحاح للجوهري يقول ‪ :‬عصم والعِ ْ‬
‫ظ‪.‬‬ ‫ف ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ة‪ :‬ال ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ص َ‬ ‫م‪ ،‬أي منَعه من الجوع‪ .‬والعِ ْ‬ ‫ه الطعا ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ص َ‬ ‫يقال‪ :‬ع َ َ‬
‫طفه من‬ ‫ت بل ُ ْ‬ ‫ت بالله‪ ،‬إذا امتنع َ‬ ‫م ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫م‪ .‬واع ْت َ َ‬ ‫ص َ‬ ‫ه فان ْعَ َ‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫يقال‪ :‬ع َ َ‬
‫م‬
‫ص َ‬ ‫ب‪ .‬وقوله تعالى‪" :‬ل عا ِ‬ ‫صما‪ :‬اكتس َ‬ ‫ً‬ ‫م عَ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫م ي َعْ ِ‬ ‫ص َ‬ ‫المعصية‪ .‬وع َ َ‬
‫ة‪،‬‬ ‫م ٍ‬ ‫ص َ‬ ‫ع ْ‬ ‫م‪ ،‬أي ل ذا ِ‬ ‫مْعصو َ‬ ‫م من أمر الله" يجوز أن يراد ل َ‬ ‫اليو َ‬
‫ل‪.‬‬ ‫ل بمعنى مفعو ٍ‬ ‫فيكون فاع ٌ‬
‫ت‬‫م ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫ت القربة‪ :‬جعلت لها عصامًا‪ .‬وأع ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫قال ابن السكيت‪ :‬أع ْ َ‬
‫قط‪.‬‬ ‫م به لئل يس ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫فلنًا‪ ،‬إذا هّيأت له في الرحل أو السرج ما ي َعْت َ ِ‬
‫سه‬ ‫عه فر ُ‬ ‫دد واستمسك بشيٍء خوفا ً من أن يصر َ‬ ‫م‪ ،‬إذا تش ّ‬ ‫ص َ‬ ‫وأع ْ َ‬
‫أو راحلته‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫م به‪.‬‬ ‫ص َ‬ ‫ست َعْ َ‬ ‫م به وا ْ‬ ‫ص َ‬ ‫عصام ِ وكذلك اع ْت َ َ‬ ‫م ال ْ‬ ‫ل الفروسةِ دائ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫كِ ْ‬
‫هذا باختصار ‪ ،‬لمن شاء النصوص كاملة يجدها في الهامش ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬تفسير الية ‪:‬‬
‫الطبري ‪:‬‬
‫ن ي ََناُلوك‬ ‫َ‬
‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مَنعك ِ‬ ‫ن الّناس { ي َ ْ‬ ‫م ْ‬‫صمك ِ‬ ‫قوْل ِهِ ‪ } :‬وََالّله ي َعْ ِ‬ ‫وَي َعِْني ب ِ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫سْير‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ُتوك َأ ب ِهِ ِ‬ ‫قْرَبة ‪ ,‬وَهُوَ َ‬ ‫صام ال ْ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صله ِ‬ ‫سوٍء ‪ ,‬وَأ ْ‬ ‫بِ ُ‬
‫كا‬‫مال ِ ً‬ ‫ن َ‬ ‫كا إ ِ ّ‬ ‫مال ِ ً‬ ‫م َ‬ ‫عر ‪ :‬وَقُْلت ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫شا ِ‬ ‫ول ال ّ‬ ‫ه قَ ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫خْيط ‪ ,‬وَ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫م‪.‬‬ ‫مَنعك ُ ْ‬ ‫صم ي َعِْني ‪ :‬ي َ ْ‬ ‫عا ِ‬ ‫ن ِفي الّناس َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫سي َعْ ِ‬ ‫َ‬
‫ابن كثير‪:‬‬
‫سال َِتي‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت رِ َ‬ ‫ن الّناس " أيْ ب َل ّغْ أن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫صمك ِ‬ ‫وله ت ََعاَلى " وََالّله ي َعْ ِ‬ ‫وَقَ ْ‬
‫م فََل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فرك ب ِهِ ْ‬ ‫مظ ْ ِ‬ ‫داِئك وَ ُ‬ ‫مؤ َّيدك ع ََلى أع ْ َ‬ ‫صرك وَ ُ‬ ‫حاِفظك وََنا ِ‬ ‫وَأَنا َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫كا َ‬ ‫سوٍء ي ُؤ ِْذيك وَقَد ْ َ‬ ‫م إ ِل َْيك ب ِ ُ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫حد ِ‬ ‫صل أ َ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫حَزن فَل َ ْ‬ ‫ف وََل ت َ ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫تَ َ‬
‫ما‬ ‫حَرس ك َ َ‬ ‫م ‪ -‬قَْبل ن ُُزول هَذ ِهِ اْلَية ي ُ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫صّلى الّله ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫ي‪َ -‬‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫مْعت ع َْبد الّله ْبن‬ ‫َ‬
‫س ِ‬ ‫ل َ‬ ‫حَيى َقا َ‬ ‫حد ّث ََنا ي َ ْ‬ ‫زيد َ‬ ‫حد ّث ََنا َي َ ِ‬ ‫مد َ‬ ‫ح َ‬ ‫مام أ ْ‬ ‫ل اْل ِ َ‬ ‫َقا َ‬
‫دث‬ ‫ح ّ‬ ‫ت تُ َ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ي الّله ع َن َْها ‪َ -‬‬ ‫ض َ‬ ‫شة ‪َ -‬ر ِ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫دث أ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫مر ْبن َرِبيَعة ي ُ َ‬ ‫عا ِ‬ ‫َ‬
‫ي إ َِلى‬ ‫َ‬
‫ذات ل َي َْلة وَه ِ َ‬ ‫سهَِر َ‬ ‫م‪َ -‬‬ ‫سل ّ َ‬‫صّلى الّله ع َل َي ْهِ وَ َ‬
‫قْلت ما َ ْ‬ ‫َ‬ ‫سول الّله ‪-‬‬ ‫ن َر ُ‬ ‫أ ّ‬
‫حا‬‫صال ِ ً‬ ‫جًل َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫ل ل َي ْ َ‬ ‫سول الّله َقا َ‬ ‫شأنك َيا َر ُ‬ ‫َ‬ ‫ت ‪ :‬فَ ُ‬ ‫جْنبه َقال َ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ت فَب َي َْنا أَنا ع َلى ذ َل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫مْعت‬ ‫س ِ‬ ‫ك إ ِذ ْ َ‬ ‫حُرسِني اللي ْلة َقال ْ‬ ‫حاِبي ي َ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬

‫‪383‬‬
‫جاَء‬ ‫قا َ‬ ‫ماِلك فَ َ‬ ‫قا َ َ‬ ‫ذا فَ َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫قا َ‬ ‫سَلح فَ َ‬
‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫سْعد ْبن َ‬ ‫ل أَنا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫وت ال ّ‬ ‫ص ْ‬ ‫َ‬
‫مْعت غ َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫طيط‬ ‫س ِ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫سول الله َقال ْ‬ ‫حُرسك َيا َر ُ‬ ‫جْئت ِل ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ِبك َقا َ‬
‫َ‬
‫جاه ُ ِفي‬ ‫خَر َ‬ ‫ومه أ ْ‬ ‫م ‪ِ -‬في ن َ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫صّلى الّله ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫سول ‪ -‬الّله َ‬ ‫َر ُ‬
‫فظ‬ ‫َ‬
‫صارِيّ ب ِهِ وَِفي ل ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سِعيد الن ْ َ‬ ‫حَيى ْبن َ‬ ‫ريق ي َ ْ‬ ‫نط ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫حي ْ ِ‬‫حي َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ال ّ‬
‫دمه‬ ‫ق َ‬‫م ْ‬ ‫ذات ل َي َْلة َ‬ ‫م‪َ -‬‬ ‫سل ّ َ‬
‫صّلى الّله ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫سول الّله ‪َ -‬‬ ‫سهَِر َر ُ‬ ‫َ‬
‫ي الّله ع َن َْها‬ ‫َ‬
‫ض َ‬ ‫ة ‪َ -‬ر ِ‬ ‫ش َ‬‫خوله ب َِعائ ِ َ‬ ‫جَرته ب َْعد د ُ ُ‬ ‫ديَنة ي َعِْني ع ََلى أَثر ه ِ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫من َْها ‪....‬‬ ‫ن ِ‬ ‫سَنة ث ِن ْت َي ْ ِ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫كا َ‬ ‫‪ -‬وَ َ‬
‫و كامل النصوص تجدونها في الكتب المذكورة ‪.‬‬
‫ى‬
‫باختصار نجد أن العصمة في التفسير و في اللغة تؤديان معن ً‬
‫واحدا ً و هو أن الله يمنع نبيه محمد من الناس ‪،‬أن يؤذوه أو‬
‫ينالوه بسوء ‪.‬‬
‫و لن نتكلم عن الذى الذي لحق النبي في بلده الول مكة ‪ ،‬لن‬
‫المائدة سورة مدنية ‪ ،‬فهذا يعني أن الية نزلت بعد أن هاجر إلى‬
‫المدينة ‪ ،‬و بعد أن اتخذ حرسا ً يحرسونه ‪ ،‬و هذا لم يكن ليتأتى له‬
‫في مكة ‪ ،‬إذ كان المسلمون الوائل مستضعفين ‪ ،‬اللهم إل منعة‬
‫رهطه من آل هاشم ‪ ،‬و هي ل تكفي و ل ُتقاَرن بالعصمة اللهية ‪.‬‬
‫ذا ً القرآن يقرر بضمانة إلهية أن نبي السلم محمد كان في منعة‬
‫من البشر ‪ .‬و الضمانة اللهية نافذة ل راد ّ لها ‪ ،‬و لكننا نقرأ آية‬
‫أخرى تبدو مناقضة لهذه الية ‪ ،‬حيث تقول ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت أوْ قُت ِ َ‬
‫ل‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل أفَإ ِ ْ‬ ‫س ُ‬‫ن قَب ْل ِهِ الّر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ل قَد ْ َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫مد ٌ إ ِّل َر ُ‬ ‫ح ّ‬‫م َ‬ ‫ما ُ‬ ‫"وَ َ‬
‫َ‬
‫شي ًْئا‬ ‫ه َ‬ ‫ضّر الل ّ َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫قب َي ْهِ فَل َ ْ‬ ‫ب ع ََلى ع َ ِ‬ ‫قل ِ ْ‬ ‫ن ي َن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫قاب ِك ُ ْ‬ ‫م ع ََلى أع ْ َ‬ ‫قل َب ْت ُ ْ‬ ‫ان ْ َ‬
‫ن" آل عمران ‪144‬‬ ‫ري َ‬ ‫شاك ِ ِ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫زي الل ّ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫إن الله في الية السابقة يضع احتمالية قتل محمد مقابل موته‬
‫الطبيعي مثله مثل أي إنسان آخر ‪ ،‬فإما أن يموت المرء ميتة‬
‫طبيعية أو يموت مقتول ً ‪ ،‬فل ثالث لهذين الحتمالين ‪ ،‬و السؤال‬
‫الذي يطرح نفسه ‪:‬‬
‫هل نسي الله ما قاله في سورة المائدة و العصمة التي منحها‬
‫كن أن ُيقَتل ؟؟‬ ‫لنبيه و المنعة ليفترض هنا أنه ُيم ِ‬
‫المفروض أن الله دقيق جدا ً في تعابيره و ل ينسى ما يقول كما‬
‫سى" ‪ ،‬فكيف يجعل من قتل‬ ‫ل َرّبي وََل ي َن ْ َ‬ ‫ض ّ‬ ‫تقول اليات "َل ي َ ِ‬
‫محمد أمر وارد و من خلله هو )الله نفسه( بينما قال في آية‬
‫أخرى أنه سيعصمه من الناس ؟؟؟‬
‫التناقض بّين في اليتين ‪ ،‬و نحن نفترض في الله أن يتحرى الدقة‬
‫أكثر في كتابه ‪ ،‬فأين هذا من كلم تجار العجاز العلمي عن دقة‬
‫التعبير القرآن و أنك لو بدلت كلمة مكان أخرى لختل المعنى و‬
‫غير ذلك من كلمات التخدير و التفخيم لهذا النص البشري‬
‫المحض الذي يسري عليه ما يسري على غيره من الكتب ‪.‬‬

‫‪384‬‬
‫كز على التناقضات الواضحة في هذا‬ ‫في الخواطر القادمة سأر ّ‬
‫الكتاب ‪ ،‬و التي ل ُيفت ََرض أن يسقط فيها المنعوت بالكمال ‪.‬‬
‫تحياتي‬
‫الهامش ‪:‬‬
‫مادة "عصم" في لسان العرب كاملة ‪:‬‬
‫اقتباس‪:‬‬
‫ده‪ :‬أن‬ ‫ة الله ع َب ْ َ‬ ‫صم ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫ع‪ .‬و ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫صمة في كلم العرب‪ :‬ال َ‬ ‫@عصم‪ :‬العِ ْ‬
‫صمًا‪ :‬من ََعه ووََقاه‪ .‬وفي‬ ‫مه ع َ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫صمه ي َعْ ِ‬ ‫قه‪ .‬ع َ َ‬ ‫مه مما ُيوب ِ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ي َعْ ِ‬
‫م؛ أي ل‬ ‫َ‬
‫ح َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مرِ اللهِ إل َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م اليو َ‬ ‫ص َ‬ ‫التنزيل‪ :‬ل عا ِ‬
‫ة‪ ،‬وذو‬ ‫صم ٍ‬ ‫ع ْ‬ ‫م‪ ،‬وقيل‪ :‬هو على الَنسب أي ذا ِ‬ ‫مْرحو ُ‬ ‫م إل ال َ‬ ‫مْعصو َ‬ ‫َ‬
‫من هنا قيل‪ :‬إن معناه ل‬ ‫ً‬
‫صمةِ يكون مفعول كما يكون فاعل‪ ،‬ف ِ‬ ‫ً‬ ‫العِ ْ‬
‫َ‬
‫مستثنى هنا من غير نوع الّول‬ ‫م‪ ،‬وإذا كان ذلك فليس ال ُ‬ ‫مْعصو َ‬ ‫َ‬
‫ى ليس من نوع‬ ‫مستثن ً‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عه‪ ،‬وقيل‪ :‬إل َ‬ ‫بل هو من نو ِ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ة؛‪ :‬قال الفراء‪َ :‬‬ ‫صم ُ‬ ‫م العِ ْ‬ ‫الّول‪،‬وهو مذهب سيبويه‪ ،‬والس ُ‬
‫صم‪،‬‬ ‫ف العا ِ‬ ‫م خل ُ‬ ‫ب لن المعصو َ‬ ‫في موضع نص ٍ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫م به ِ ِ‬ ‫َ‬
‫صُبه بمنزلة قوله تعالى‪ :‬ما لهُ ْ‬ ‫م‪ ،‬فكان ن ْ‬ ‫معصو ٌ‬ ‫م َ‬ ‫مْرحو ُ‬ ‫وال َ‬
‫ْ‬
‫مْعصوم‬ ‫صما ً في تأويل ال َ‬ ‫ت عا ِ‬ ‫ن‪ ،‬قال‪ :‬ولو جعل َ‬ ‫علم ٍ إل اّتباع َ الظ ّ‬
‫َ‬
‫ن‪ ،‬قال‪ :‬ول‬ ‫م ْ‬ ‫مرِ الله جاَز رفْعُ َ‬ ‫م من أ ْ‬ ‫م اليو َ‬ ‫مْعصو َ‬ ‫أي ل َ‬
‫ل )* قوله »يخرج المفعول إلخ« كذا‬ ‫ج المفعو ُ‬ ‫خّر َ‬ ‫ن أن ي ُ َ‬ ‫ت ُن ْك َِر ّ‬
‫بالصل والتهذيب‪ ،‬والمناسب العكس كما يدل عليه سابق‬
‫خل ِقَ من‬ ‫عل‪َ ،‬أل ترى قوَله عز وجل‪ُ :‬‬ ‫الكلم ولحقه( على الفا ِ‬
‫م اليوم يجوز‬ ‫ص َ‬‫دفوق؛ وقال الخفش‪ :‬ل عا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ق؟ معناه َ‬ ‫َماٍء دافِ ٍ‬
‫م رْفعا ً‬ ‫ح َ‬ ‫ن ر ِ‬ ‫م ْ‬‫م‪ ،‬ويكون إل َ‬ ‫مْعصو َ‬ ‫عصمةٍ أي ل َ‬ ‫أن يكون ل ذا ِ‬
‫ف من‬ ‫خل ْ ٌ‬ ‫ن ل عاصم‪ ،‬قال أبو العباس‪ :‬وهذا َ‬ ‫م ْ‬ ‫بدل ً ِ‬
‫ل في تأويل المفعول إل شاذ ّا ً في كلمهم‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫الكلم ل يكون الفاع ُ‬
‫ب بالستثناء‬ ‫ص ٌ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م‪ ،‬و َ‬ ‫م‪ ،‬والّول عاص ٌ‬ ‫م معصو ٌ‬ ‫والمرحو ُ‬
‫المنقطع‪ ،‬قال‪ :‬وهذا الذي قاله الخفش يجوز في الشذوذ‪،‬‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫مني ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ل ي َعْ ِ‬ ‫وقال الزجاج في قوله تعالى‪ :‬سآِوي إلى جب ٍ‬
‫ق الماء‪ ،‬قال‪ :‬ل‬ ‫ري ِ‬ ‫ن ت َغْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫الماء‪ ،‬أي يمنُعني من الماء‪ ،‬والمعنى ِ‬
‫حم‪ ،‬هذا استثناء ليس من‬ ‫ن َر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م من أمر الله إل َ‬ ‫م اليو َ‬ ‫ص َ‬ ‫عا ِ‬
‫ه فإنه‬ ‫َ‬
‫م الل ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ب‪ ،‬المعنى لك ْ‬ ‫ن نص ٌ‬ ‫م ْ‬‫الول‪ ،‬وموضعُ َ‬
‫صم في معنى‬ ‫معصوم‪ ،‬قال‪ :‬وقالوا‪ :‬وقالوا يجوز أن يكون عا ِ‬
‫ن في‬ ‫م ْ‬ ‫ة‪ ،‬ويكون َ‬ ‫صم ٍ‬ ‫ع ْ‬ ‫م ل ذا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫صوم‪ ،‬ويكون معنى ل عا ِ‬ ‫معْ ُ‬ ‫َ‬
‫م إل المرحوم؛ قال‬ ‫مْعصو َ‬ ‫موضع رفٍع‪ ،‬ويكون المعنى ل َ‬
‫ذاقُ من النحويين اتفقوا على أن‬ ‫ح ّ‬ ‫الزهري‪ :‬وال ُ‬
‫ب‬‫ص ٌ‬‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ل ل مفعول‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ع‪ ،‬وأنه فاع ٌ‬ ‫م بمعنى ل مان ِ َ‬ ‫ص َ‬ ‫قوَله ل عا ِ‬
‫صمة‪:‬‬ ‫ن بالله إذا امتنع به‪ .‬والعَ ْ‬ ‫م فل ٌ‬ ‫ص َ‬ ‫على النقطاع‪ .‬واع ْت َ َ‬

‫‪385‬‬
‫ت‬‫ت بالله إذا امتنعْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫م‪ .‬واع ْت َ َ‬ ‫ص َ‬ ‫مُته فان ْعَ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ط‪ .‬يقال‪ :‬ع َ َ‬ ‫حفْ ُ‬ ‫ال ِ‬
‫فه‬ ‫بل ُط ْ ِ‬
‫م‬‫م‪ :‬مَنعه من الجوع‪ .‬وهذا طعا ٌ‬ ‫صمه الطعا ُ‬ ‫صية‪ .‬وع َ َ‬ ‫معْ ِ‬ ‫من ال َ‬
‫م‪ :‬امتنعَ وأَبى؛‬ ‫ص َ‬ ‫ست َعْ َ‬ ‫م به وا ْ‬ ‫ص َ‬ ‫م أي يمنع من الجوع‪ .‬واع ْت َ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ي َعْ ِ‬
‫ة عن امرأة العزيز حين راود َْته عن‬ ‫َ‬ ‫قال الله عز وجل حكاي ً‬
‫ت؛ قال‬ ‫َ‬
‫جبها إلى ما طلب َ ْ‬ ‫م‪ ،‬أي ت َأّبى عليها ولم ي ُ ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ست َعْ َ‬ ‫سه‪ :‬فا ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن ْ‬
‫الزهري‪ :‬العرب تقول‬
‫ل أوس بن حجر‪:‬‬ ‫مت؛ ومنه قو ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫َ‬ ‫ت بمعنى اع ْت َ‬ ‫م ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫َ‬ ‫أ َع ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫فأ َ ْ‬
‫ب له وت َوَ ّ‬
‫كل‬ ‫سبا ٍ‬ ‫م‪ ،‬وأْلقى بأ ْ‬ ‫ص ٌ‬ ‫معْ ِ‬ ‫هو ُ‬ ‫سه و ْ‬ ‫ف َ‬ ‫شَرط فيها ن ْ‬
‫ن كانت‬ ‫م ْ‬‫له‪ .‬وفي الحديث‪َ :‬‬ ‫م بالحْبل الذي د َ ّ‬ ‫ص ٌ‬ ‫معْت َ ِ‬ ‫أي وهو ُ‬
‫مهاِلك يوم‬ ‫مه من ال َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ه أي ما ي َعْ ِ‬ ‫ه إل الل ُ‬ ‫شهادة َ أن ل إل َ‬ ‫صمُته َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ِ‬
‫م‪:‬‬ ‫م‪ :‬المانعُ الحامي‪ .‬والع ِْتصا ُ‬ ‫ة‪ .‬والعاص ُ‬ ‫مَنع ُ‬ ‫ة‪ :‬ال َ‬ ‫م ُ‬ ‫ص َ‬ ‫القيامة؛ الع ْ‬
‫شعُْر أبي طالب‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ك بالشيء‪ ،‬افِْتعا ٌ‬ ‫مِتسا ُ‬
‫ل منه؛ ومنه ِ‬ ‫ال ْ‬
‫مل‬ ‫ة للرا ِ‬ ‫َ‬ ‫صم ٌ‬ ‫ِثما ُ‬
‫ع ْ‬ ‫مى ِ‬ ‫ل اليتا َ‬
‫مّني‬ ‫موا ِ‬ ‫ص ُ‬‫ة‪ .‬وفي الحديث‪ :‬فقد ع َ َ‬ ‫ضياِع والحاج ِ‬ ‫منُعهم من ال ّ‬ ‫أي ي َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صمها الله بالوََرِع‪ .‬وفي‬ ‫ك‪ :‬فعَ َ‬ ‫موالهم‪ .‬وفي حديث الفْ ِ‬ ‫ِدماَءهم وأ ْ‬
‫دة‬ ‫صمة أْبناِئنا إذا َ‬ ‫َ‬
‫ش ّ‬ ‫ونا أي يمتنعون به من ِ‬ ‫شت َ ْ‬ ‫ع ْ‬ ‫مر‪ :‬و ِ‬ ‫حديث ع ُ َ‬
‫مه‪ :‬هَّيأ له شيئا ً‬ ‫َ‬
‫ص َ‬ ‫م إليه‪ :‬اعتصم به‪ .‬وأع ْ َ‬ ‫ص َ‬ ‫دب‪ .‬وع َ َ‬ ‫ج ْ‬ ‫سنة وال َ‬ ‫ال ّ‬
‫ك بعُْرِفه‪ ،‬وكذلك البعيُر إذا‬ ‫مَتس َ‬ ‫َ‬
‫س‪ :‬ا ْ‬ ‫م بالفَر ِ‬ ‫عص َ‬ ‫م به‪ .‬وأ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫يعْت َ ِ‬
‫طفيل‪:‬‬ ‫ه؛ قال ُ‬ ‫حبال ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫حب ْ‬ ‫كب َ‬ ‫س َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫َ‬
‫ث‬ ‫شهَد ِ الهَْيجا بأل ْوَ َ‬ ‫حه‪ ،‬ولم ي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫قط الّروْع ُ ُر ْ‬ ‫س ِ‬ ‫إذا ما غ ََزا لم ي ُ ْ‬
‫َ‬ ‫صم ِ‬ ‫معْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ل‪ :‬لم ي َث ُْبت على‬ ‫م الرج ُ‬ ‫دا‪ .‬وأعص َ‬ ‫َ‬
‫وث‪ :‬ضعيف‪ ،‬ويروى‪ :‬كذا ما غ َ‬ ‫أل َ‬ ‫ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫سْرج ما‬ ‫ل أو ال ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫ت له في الّر ْ‬ ‫ت فلنا ً إذا هَي ّأ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫الخيل‪ .‬وأع ْ َ‬
‫َ‬
‫ك بشيٍء من أن‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫دد وا ْ‬ ‫قط‪ .‬وأعصم إذا تش ّ‬ ‫م به لئل َيس ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫ي َعْت َ ِ‬
‫حاف بن حكيم‪:‬‬ ‫ج ّ‬ ‫سه أو راحلته؛ قال ال َ‬ ‫عه فَر ُ‬ ‫صَر َ‬ ‫يَ ْ‬
‫عصام ِ‬ ‫فروسةِ داِئم ال ْ‬ ‫فل ال ُ‬ ‫جواد ِ غ َِنيمة‪ ،‬ك ِ ْ‬ ‫ي على ال َ‬ ‫والت ّغَْلب ّ‬
‫عصام‪ ،‬وهي‬ ‫َ‬
‫م‪ ،‬وجمعُ الجمِع أ ْ‬ ‫ص ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫ة‪ ،‬والجمعُ ِ‬ ‫قلد ُ‬ ‫ة‪ :‬ال ِ‬ ‫صم ُ‬ ‫والعِ ْ‬
‫ة‬
‫صم ُ‬ ‫العُ ْ‬
‫)* قوله »وهي العصمة« هذا الضبط تبع لما في بعض نسخ‬
‫الصحاح‪ ،‬وصرح به المجد ولكن ضبط في الصل ونسختي‬
‫المحكم والتهذيب العصمة بالتحريك‪ ،‬وكذا قوله الواحدة عصمة(‬
‫عصام؛ عن كراع‪ ،‬وُأراه على حذف الزائد‪،‬‬ ‫أيضًا‪ ،‬وجمُعها أ َ ْ‬
‫ذباُتها التي في‬ ‫ب عَ َ‬ ‫كل ِ‬ ‫م ال ِ‬ ‫عصا ُ‬ ‫ة‪ .‬قال الليث‪ :‬أ َ ْ‬ ‫صم ُ‬ ‫والجمعُ ال َع ْ ِ‬
‫م؛ قال لبيد‪:‬‬ ‫َ‬
‫عصا ٌ‬ ‫ة‪ ،‬ويقال ِ‬ ‫صم ٌ‬ ‫أعناِقها‪ ،‬الواحدة ع ُ ْ‬
‫مها‬ ‫عصا ُ‬ ‫ن قافِل ً أ َ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫دوا ِ‬ ‫ضفا ً َ‬ ‫سُلوا غ ُ ْ‬ ‫ة‪ ،‬وأْر َ‬
‫حتى إذا يئ ِس الرما ُ َ‬
‫َ َ ّ‬

‫‪386‬‬
‫م‪ ،‬بالصاد‪.‬‬ ‫مى الِعصا َ‬ ‫سيبه ُيس ّ‬ ‫ب بهُل ِْبه وع َ ِ‬ ‫قال ابن شميل‪ :‬الذ ّن َ ُ‬
‫عصام‪،‬‬ ‫َ‬
‫قلدةِ أ ْ‬ ‫صمةِ ال ِ‬ ‫قال ابن بري‪ :‬قال الجوهري في جمع العُ ْ‬
‫ة على أْفعال‪ ،‬والصواب‬ ‫َ‬ ‫معُ فُْعل ٌ‬ ‫ج َ‬ ‫ح‪ ،‬لنه ل ي ُ ْ‬ ‫وقوله ذلك ل َيص ّ‬
‫مع‬‫ج ِ‬ ‫م‪ ،‬ثم ُ‬ ‫ص ٍ‬ ‫ع َ‬ ‫مَعت على ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫صمة‪ ،‬ثم ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫دته ِ‬ ‫ن واح َ‬ ‫قول من قال‪ :‬إ ّ‬
‫شياع‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫َ‬
‫شَيع وأ ْ‬ ‫م على أ َ ْ‬
‫شيعة و ِ‬ ‫عصام‪ ،‬فتكون بمنزلة ِ‬ ‫ص ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫ِ‬
‫ل‪ ،‬قال‪ :‬وهذا‬ ‫َ‬ ‫م مث ُ‬ ‫َ‬
‫عدا ٍ‬ ‫ل وأ ْ‬ ‫عد ْ ٍ‬ ‫ل ِ‬ ‫ص ٌ‬ ‫ع ْ‬ ‫عصام ِ‬ ‫وقد قيل إن واحد َ ال ْ‬
‫م‪،‬‬‫عصا ٍ‬ ‫م جمعُ ِ‬ ‫ص ٌ‬ ‫م‪ ،‬وع ُ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ص‬
‫ه فيه‪ ،‬وقيل‪ :‬بل هي جمعُ ع ُ ُ‬ ‫شب ُ‬ ‫ال َ ْ‬
‫ل بصاحِبه‬ ‫م الرج ُ‬ ‫َ‬
‫ص َ‬ ‫فيكون جمعَ الجمع‪ ،‬والصحيح هو الول‪ .‬وأع ْ َ‬
‫خلدًا‪ .‬وفي التنزيل‪ :‬ول‬ ‫خل َد َ به إ ْ‬ ‫مه‪ ،‬وكذلك أ َ ْ‬ ‫عصاما ً إذا ل َزِ َ‬ ‫إ ْ‬
‫حد َْيبية جمع‬ ‫كواِفر؛ وجاء ذلك في حديث ال ُ‬ ‫صم ِ ال َ‬ ‫كوا ب ِعِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫م ّ‬ ‫تُ َ‬
‫قد ِ‬ ‫ة‪ ،‬قال ابن عرفة‪ :‬أي ب ِعَ ْ‬ ‫فَر ُ‬ ‫كواِفر‪ :‬النساُء الك َ َ‬ ‫صمة‪ ،‬وال َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ِ‬
‫قدة ُ الّنكاح؛ قال عروة‬ ‫ة الّنكاح أي ع ُ ْ‬ ‫صم ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫ن‪ .‬يقال‪ :‬بيدهِ ِ‬ ‫حه ّ‬ ‫ِنكا ِ‬
‫بن الورد‪:‬‬
‫ُ‬
‫دورِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫س ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب‪ ،‬على ما كان ِ‬ ‫م وَهْ ٍ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫صم َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫مل َك ْ ُ‬ ‫إذا ً ل َ‬
‫سك شيئا ً فقد‬ ‫َ‬ ‫ل‪ .‬وك ّ‬ ‫صمةِ الحب ْ ُ‬ ‫قال الزجاج‪ :‬أص ُ‬
‫م َ‬ ‫ل ما أ ْ‬ ‫ل العِ ْ‬
‫ة‪ .‬ويقال للراكب إذا‬ ‫صم ُ‬ ‫ت العِ ْ‬ ‫ت فقد زال ِ‬ ‫فْر َ‬ ‫مه؛ تقول‪ :‬إذا ك َ‬ ‫ص َ‬ ‫عَ َ‬
‫س‬
‫قَربو ِ‬ ‫حله أو ب َ‬ ‫سط َر ْ‬ ‫مَتسك بوا ِ‬ ‫ة فا ْ‬ ‫ب أو داب ّ ٌ‬ ‫م به ب َِعيٌر صعْ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ق ّ‬ ‫ت َ‬
‫فر‪:‬‬ ‫م‪ .‬وقال ابن المظ ّ‬ ‫َ‬
‫ص ٌ‬ ‫معْ ِ‬ ‫م فهو ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ع‪ :‬قد أع ْ َ‬ ‫صر َ‬ ‫جه لئل ي ُ َ ْ‬ ‫سْر ِ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حب ْ ِ‬‫موا ب َ‬ ‫ص ُ‬ ‫صم به‪ .‬وقوله‪ :‬واع ْت َ ِ‬ ‫م إذا لجأ إلى الشيء وأع ْ َ‬ ‫ص َ‬ ‫أع ْ َ‬
‫م بالله‬ ‫ص ْ‬ ‫ن ي َعْت َ ِ‬ ‫سكوا بعهد ِ الله‪ ،‬وكذلك في قوله‪ :‬وم ْ‬ ‫م ّ‬ ‫الله؛ أي ت َ‬
‫ض‬ ‫ع ُ‬ ‫َ‬ ‫س ْ‬
‫صمُته َبيا ٌ‬ ‫ل‪ ،‬وع ُ ْ‬ ‫م‪ :‬الوَ ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ده‪ .‬والع ْ َ‬ ‫حْبلهِ وع َهْ ِ‬ ‫كب َ‬ ‫ن َيتم ّ‬ ‫م ْ‬ ‫أي َ‬
‫شاء‪،‬‬ ‫معةِ من ال ّ‬ ‫ل في موضع الّز َ‬ ‫ع ِ‬ ‫جل الوَ ِ‬ ‫معةِ الشاةِ في رِ ْ‬ ‫ه َز َ‬ ‫شب ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫م إذا كان ذلك منه أبيض‪ .‬قال الزهري‪:‬‬ ‫َ‬
‫ص ُ‬ ‫قال‪ :‬ويقال للُغراب أع ْ َ‬
‫معة تكون في‬ ‫شْبه الّز َ‬ ‫عل إنه ِ‬ ‫والذي قاله الليث في نعت الوَ ِ‬
‫عها ل في‬ ‫ض في أذ ُْر ِ‬ ‫َ‬ ‫ل‪ ،‬وإنما ع ُصم ُ َ‬ ‫محا ٌ‬
‫ل َبيا ٌ‬ ‫ة الْوعا ِ‬ ‫ْ‬ ‫الشاِء ُ‬
‫ظفة‪ ،‬قال‪ :‬والذي ُيغي ُّره‬ ‫َ‬
‫ة إنما تكون في الوْ ِ‬ ‫مع ُ‬ ‫فِتها‪ ،‬والّز َ‬ ‫أوْظ ِ َ‬
‫َ‬
‫ن على‬ ‫صوَِرها‪ ،‬فك ُ ْ‬ ‫ث من تفسير الحروف أكثُر مما ُيغّيره من ُ‬ ‫اللي ُ‬
‫حذ َرٍ من تفسيره كما تكون على حذرٍ من تصحيفه‪ .‬قال ابن‬
‫ض‪ ،‬وفي‬ ‫عه بيا ٌ‬ ‫ل الذي في ِذرا ِ‬ ‫وعو ِ‬ ‫ظباِء وال ُ‬ ‫م من ال ّ‬ ‫عص ُ‬ ‫سيده‪ :‬وال َ ْ‬
‫حدى يديه‬ ‫التهذيب‪ :‬في ِذراع َْيه بياض‪ ،‬وقال أبو عبيدة‪ :‬الذي بإ ْ‬
‫س‬
‫قوْ َ‬ ‫ت ال َ‬ ‫م‪ .‬وفي حديث أبي سفيان‪ :‬فَتناوَل ْ ُ‬ ‫ص ٌ‬ ‫ل عُ ْ‬ ‫وعو ُ‬ ‫ض‪ ،‬وال ُ‬ ‫بيا ٌ‬
‫ل‬‫والن ّب ْ َ‬
‫صمًا‪ ،‬والسم‬ ‫ي ظ َْبي ً‬ ‫َ‬
‫م عَ َ‬ ‫ص َ‬ ‫منا‪ .‬وقد ع َ ِ‬ ‫صماَء ن َُرد ّ بها قَر َ‬ ‫ة عَ ْ‬ ‫لْرم َ‬
‫صماُء من المَعز‪ :‬البيضاُء اليدين أو اليد ِ وسائُرها‬ ‫ة‪ .‬والعَ ْ‬ ‫صم ُ‬ ‫العُ ْ‬
‫ة بيضاء‪،‬‬ ‫حْيه ِريش ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جنا َ‬ ‫م‪ :‬وفي أحد َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ب أع ْ َ‬ ‫حمُر‪ .‬وغرا ٌ‬ ‫أسود ُ أو أ ْ‬
‫َ‬
‫ب‬
‫ض‪ .‬والغرا ُ‬ ‫جل َْيه بيضاُء‪ ،‬وقيل‪ :‬هو البي ُ‬ ‫حدى رِ ْ‬ ‫وقيل‪ :‬هو الذي إ ِ ْ‬
‫جناح الطائر بمنزلة‬ ‫ة بيضاُء لن َ‬ ‫حه ريش ٌ‬ ‫جنا ِ‬ ‫م‪ :‬الذي في َ‬ ‫َ‬
‫ص ُ‬ ‫الع ْ َ‬

‫‪387‬‬
‫اليد ِ له‪ ،‬ويقال هذا كقولهم الب ََْلق العقوق وب َْيض ال َُنوق لكل‬
‫ب‬
‫ة كالُغرا ِ‬ ‫ده‪ .‬وفي الحديث‪ :‬المرَأة الصالح ُ‬ ‫شيء ي َعِّز ُوجو ُ‬
‫م؟ قال‪ :‬الذي‬ ‫َ‬ ‫صم‪ ،‬قيل‪ :‬يا رسو َ‬ ‫َ‬
‫ص ُ‬ ‫ب الع ْ َ‬ ‫ل الله‪ ،‬وما الُغرا ُ‬ ‫الع ْ َ‬
‫جل َْيه ب َْيضاء؛‬ ‫حدى رِ ْ‬ ‫إ ْ‬
‫صم‪ .‬وفي‬ ‫َ‬
‫جد الُغراب الع ْ َ‬ ‫جد كما ل ُيو َ‬ ‫يقول‪ :‬إنها عزيزة ٌ ل ُتو َ‬
‫ت فقال‪ :‬ل يدخ ُ‬
‫ل‬ ‫متبّرجا ِ‬ ‫ت ال ُ‬ ‫ختال ِ‬ ‫م ْ‬ ‫كر الّنساَء ال ُ‬ ‫الحديث‪ :‬أنه ذ َ َ‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مث ْ ُ‬
‫عصم؛ قال ابن الثير‪ :‬هو الْبي ُ‬ ‫ب ال ْ‬ ‫ل الُغرا ِ‬ ‫ن إل ِ‬ ‫ة منه ّ‬ ‫الجن ّ َ‬
‫ة من‬ ‫ن يدخل الجن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة َ‬ ‫جلين‪ ،‬أراد قِل ّ َ‬ ‫جناحين‪ ،‬وقيل‪ :‬البيض الّر ْ‬ ‫ال َ‬
‫ض‬ ‫َ‬
‫م هو البي ُ‬ ‫عص ُ‬ ‫النساء‪ .‬وقال الزهري‪ :‬قال أبو عبيد الغراب ال ْ‬
‫صماء‪ ،‬والذكر‬ ‫ُ‬
‫صم‪ ،‬والنثى منهن ع َ ْ‬ ‫وعول ع ُ ْ‬ ‫اليدين‪ ،‬ومنه قيل لل ُ‬
‫ن عزيٌز ل‬ ‫َ‬
‫م‪ ،‬لبياض في أيديها‪ ،‬قال‪ :‬وهذا الوصف في الغِْربا ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫أع ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ض البط ِ‬ ‫مٌر‪ ،‬قال‪ :‬وأما هذا الْبي ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫جُلها ُ‬ ‫يكاد ُيوجد‪ ،‬وإنما أْر ُ‬
‫ع‪،‬‬ ‫والظ ّهْرِ فهو الْبق ُ‬
‫َ‬
‫صم ِ‬ ‫ب الع ْ َ‬ ‫ة في الّنساء كالُغرا ِ‬ ‫وذلك كثير‪ .‬وفي الحديث‪ :‬عاِئش ُ‬
‫ن في‬ ‫ض يكو ُ‬ ‫صمة الَبيا ُ‬ ‫في الغرْبان؛ قال ابن الثير‪ :‬وأصل العُ ْ‬
‫عل‪ .‬قال الزهري‪ :‬وقد ذكر ابن قتيبة‬ ‫س والظ ّْبي والوَ ِ‬ ‫فر ِ‬ ‫دي ال َ‬ ‫يَ َ‬
‫مث ْ ُ‬
‫ل‬ ‫ن إ ِل ّ ِ‬ ‫ة منه ّ‬ ‫ل الجن َ‬ ‫حديث النبي‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ :‬ل يدخ ُ‬
‫عصم‪ ،‬فيما َرد ّ على أبي عبيد وقال‪ :‬اضطرب قول‬ ‫ب ال َ ْ‬ ‫الغرا ِ‬
‫م‬
‫عص َ‬ ‫أبي عبيد لنه زعم أن ال َ ْ‬
‫د‪ :‬وهذا الوصف في الغِْربان عزيٌز ل‬ ‫ض اليدين‪ ،‬ثم قال بع ُ‬ ‫هو البي ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل؛‬ ‫ج َ‬ ‫مّرة ً اليدين ومّرة الْر ُ‬ ‫يكاد يوجد‪ ،‬وإنما أْرجُلها حمٌر‪ ،‬فذكر َ‬
‫سرا ً في خبر آخَر رواه‬ ‫قال الزهري‪ :‬وقد جاء هذا الحرف مف ّ‬
‫ل وع َد َْلنا مَعه‬ ‫رو بن العاص فعَد َ َ‬ ‫م ِ‬‫ن مع ع َ ْ‬ ‫عن خزيمة‪ ،‬قال‪ :‬ب َْينا نح ُ‬
‫شْعبا ً‬‫حتى دخْلنا ِ‬
‫جَلين‪،‬‬ ‫مْنقارِ والّر ْ‬ ‫م أحمُر ال ِ‬ ‫عص ُ‬ ‫بأ ْ‬ ‫غرا ٌ‬ ‫ن وفيها ُ‬ ‫ن ِبغْربا ٍ‬ ‫فإذا نح ُ‬
‫مرٌو‪ :‬قال رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ :‬ل يدخ ُ‬
‫ل‬ ‫فقال ع َ ْ‬
‫ب في هؤلء الِغرْبان؛ قال‬ ‫ن النساِء إل ّ قَد ُْر هذا الُغرا ِ‬ ‫ةم َ‬ ‫الجن َ‬
‫الزهري‪ :‬فقد بان في هذا الحديث أن معنى قول النبي‪ ،‬صلى‬
‫مث ْ ُ‬
‫ل‬ ‫الله عليه وسلم‪ :‬إل ّ ِ‬
‫ن‪ ،‬لن‬ ‫قل ِّته في الِغربا ِ‬ ‫جَلين ل ِ‬ ‫عصم‪ ،‬أنه أراد أحمَر الّر ْ‬ ‫الُغراب ال َ ْ‬
‫ع‪ .‬وروي عن ابن شميل أنه قال‪:‬‬ ‫ق ُ‬ ‫سود ُ والب ُ ْ‬ ‫أكثَر الغِْربان ال ّ‬
‫ض الجناحين‪ ،‬والصواب ما جاء في الحديث‬ ‫م البي ُ‬ ‫عص ُ‬ ‫ب ال َ ْ‬ ‫الُغرا ُ‬
‫المفسر‪ ،‬قال‪ :‬والعرب تجعل البياض حمرة ً فيقولون للمرأةَ‬
‫َ ُ ْ‬ ‫ُ ّ‬
‫مر لغلبة البياض‬ ‫ح ْ‬ ‫مراء‪ ،‬ولذلك قيل للعاجم ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ّ‬
‫البيضاء اللوْ ِ‬
‫ل‪.‬‬ ‫َ‬
‫ع ِ‬ ‫ل والوَ ِ‬ ‫ذراِع الَغزا ِ‬ ‫ض بِ ِ‬ ‫ة فهي البيا ُ‬ ‫صم ُ‬ ‫على ألوانهم‪ ،‬وأما العُ ْ‬
‫ة‪ .‬قال ابن العرابي‪:‬‬ ‫صم ُ‬ ‫َ‬
‫م‪ ،‬والسم العُ ْ‬ ‫ص ِ‬ ‫م ب َّين العَ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫يقال‪ :‬أع ْ َ‬

‫‪388‬‬
‫ب في‬ ‫ف في اليدين‪ ،‬ومن الُغرا ِ‬ ‫ن ذوات الظ ّل ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫صم ُ‬ ‫العُ ْ‬
‫ي‪:‬‬‫صمة في الخيل؛ قال غ َْيلن الّرَبع ّ‬ ‫ساقَْين‪ ،‬وقد تكون العُ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫خْلج الْنساء أراد‬ ‫َ‬ ‫مُتها بال ْ‬ ‫قَد ْ ل َ ِ‬
‫ضو َ‬ ‫شد ّةِ الّرك ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫طباء ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ت عُ ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ح َ‬
‫صمةِ في الخيل قال‪ :‬إذا‬ ‫صمِتها‪ .‬قال أبو عبيدة في العُ ْ‬ ‫موضعَ ع ُ ْ‬
‫حدى يديه‬ ‫َ‬
‫جل َْيه فهو أ ْ‬
‫م‪ ،‬فإذا كان بإ ْ‬ ‫عص ُ‬ ‫ن رِ ْ‬ ‫ض بيديه دو َ‬ ‫كان البيا ُ‬
‫م الُيمنى أو اليسرى‪ ،‬وقال‬ ‫َ‬
‫ل أو كث َُر قيل‪ :‬أ ْ‬ ‫لخرى قَ ّ‬ ‫دون ا ُ‬
‫عص ُ‬
‫سغ‪،‬‬ ‫حدى يديه فوق الّر ْ‬ ‫ب البياض إ ْ‬ ‫صي ُ‬ ‫م الذي ي ُ ِ‬ ‫عص ُ‬ ‫ابن شميل‪ :‬ال َ ْ‬
‫م‪ .‬وقال ابن المظفر‪:‬‬ ‫عص ُ‬ ‫ضت اليد ُ فهو أ َ ْ‬ ‫وقال الصمعي‪ :‬إذا اْبي ّ‬
‫ض‬‫دي الفَرس َبيا ٌ‬ ‫حدى ي َ َ‬ ‫سغ‪ ،‬وإذا كان بإ ْ‬ ‫ض في الّر ْ‬ ‫ة َبيا ٌ‬ ‫صم ُ‬ ‫العُ ْ‬
‫سرى‪ ،‬وإن كان بيديه جميعا ً‬ ‫َ‬
‫ل أو كث َُر فهو أ ْ‬ ‫ق ّ‬
‫منى أو الي ُ ْ‬ ‫م الي ُ ْ‬ ‫عص ُ‬
‫م اليدين‪ ،‬إل ّ أن‬ ‫عص ُ‬ ‫فهو أ ْ‬
‫م‪ ،‬وإن كان بوجهه‬ ‫ص ُ‬‫ب عنه العَ َ‬ ‫ل ذه َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫مح ّ‬ ‫ح فهو ُ‬ ‫ض ٌ‬ ‫يكون بوجِهه و َ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ج ِ‬ ‫ح الو ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ض فهو أعصم‪ ،‬ل ُيوقِعُ عليه وَ َ‬ ‫حدى يديه بيا ٌ‬ ‫ح وبإ ِ ْ‬ ‫ض ٌ‬ ‫وَ َ‬
‫ة‪.‬‬
‫ل إذا كان البياض بيد ٍ واحد ٍ‬ ‫م التحجي ِ‬ ‫اس َ‬
‫ق؛ قال الزهري‪ :‬قال ابن المظفر العصيم الصدأ ُ‬ ‫م‪ :‬العََر ُ‬
‫ّ َ‬ ‫َ ِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫صي ُ‬ ‫والع ِ‬
‫س على َفخذِ‬ ‫خ والبول إذا ي َب ِ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ن والو َ‬ ‫ق والِهناِء والد َّر ِ‬ ‫من العََر ِ‬
‫ة؛ وأنشد‪:‬‬ ‫خثور ً‬ ‫ريق ُ‬ ‫الناقة حتى يبقى كالط ّ ِ‬ ‫َ‬
‫صيم ِ‬ ‫ح كالعَ ِ‬ ‫ل‪ ،‬ب ِل َب ِّته سرائ ُ‬ ‫م قَِتي ً‬ ‫مهِ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫موا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ضحى ع َ ْ‬ ‫وأ ْ‬
‫م‪ :‬الوَب َُر؛ قال‪:‬‬ ‫صي ُ‬ ‫والعَ ِ‬
‫ل‪ ،‬حتى طاَر‬ ‫م ِ‬ ‫ن الّر ْ‬ ‫م َ‬ ‫فة ٍ ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ف إلى َ‬ ‫ق ٍ‬ ‫س ْ‬ ‫ت بين ِذي َ‬ ‫َرع َ ْ‬
‫مها‬ ‫صي ُ‬ ‫عنها ع َ ِ‬
‫طران‬ ‫ق ِ‬ ‫ل شيء وأث َُره من ال َ‬ ‫ةك ّ‬ ‫م‪ :‬بقي ّ ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫م والعُ ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫م والعُ ْ‬ ‫صي ُ‬ ‫والعَ ِ‬
‫ب وغيرهما؛ قال ابن بري‪ :‬شاهده قول الشاعر‪:‬‬ ‫خضا ِ‬ ‫وال ِ‬
‫صيم ِ‬ ‫ن كالعَ ِ‬ ‫مغاب ِ ِ‬ ‫ل ي َوْم ٍ َرجيعا ً بال َ‬ ‫جُر ك ّ‬ ‫ن الَهوا ِ‬ ‫كساهُ ّ‬ ‫َ‬
‫ع‪ :‬العَرق؛ وقال لبيد‪:‬‬ ‫جي ُ‬ ‫والّر ِ‬
‫ْ‬
‫صيم ِ‬ ‫ه ب َعَ ِ‬ ‫هنأت َ ُ‬ ‫شوف َ‬ ‫م ُ‬ ‫مْثل ال َ‬ ‫ة‪ِ ،‬‬ ‫سريح ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫دي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫خطيرةٍ ُتوفي ل َ‬ ‫بِ َ‬
‫م أيضا ً َورقُ الشجر؛ قال الفرزدق‪:‬‬ ‫صي ُ‬ ‫وقال ابن بري‪ :‬العَ ِ‬
‫ت‬ ‫فِلكا ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫شبا‪ُ ،‬‬ ‫ج ال ّ‬ ‫مها ب ُِعو ِ‬ ‫صي ُ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫شه ْ ٍ‬ ‫شْهباَء ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫قت‪ِ ،‬‬ ‫ت َعَل ّ ْ‬
‫مجامع‬ ‫ال َ‬
‫ت‪:‬‬ ‫فِلكا ٌ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ك‪ ،‬و ُ‬ ‫شو ْ ُ‬ ‫شَبا‪ :‬ال ّ‬ ‫دب‪ ،‬وال ّ‬ ‫ج ْ‬ ‫شْهباء‪ :‬شجرة ٌ بيضاء من ال َ‬ ‫َ‬
‫ك‪ .‬وقال امرأة من العرب‬ ‫َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ع‪ :‬أصو ُ‬ ‫ُ‬
‫شوْ ِ‬ ‫مجام ُ‬ ‫ت‪ ،‬وال َ‬ ‫سَتديرا ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضب ْ ِ‬ ‫خت َ َ‬ ‫ت منه بعدما ا ْ‬ ‫سل ّ‬ ‫ك أي ما َ‬ ‫حَنائ ِ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ص َ‬ ‫طيني ع ُ ْ‬ ‫لجارِتها‪ :‬أع ْ ِ‬
‫به؛ وأنشد الصمعي‪:‬‬ ‫َ‬
‫س‬ ‫ْ‬
‫م الد ّْر ِ‬ ‫صي ُ‬ ‫ضح‪ ،‬ع َ ِ‬ ‫ق الن ّ ْ‬ ‫ن ع ََر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫س‪ِ ،‬‬ ‫فَراَر الوَْر ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫سا ْ‬ ‫فّر ل ِلي ُب ْ ِ‬ ‫ص َ‬ ‫يَ ْ‬
‫جَرب )* قوله‪ :‬أثر الخضاب إلخ هو‬ ‫خضاب في أثر ال َ‬ ‫أ َث َُر ال ِ‬
‫ل‬‫م‪ :‬أثُر ك ّ‬ ‫ص ُ‬ ‫تفسير لعصيم الدرس في البيت السابق(‪ .‬والعُ ْ‬
‫صمًا‪:‬‬ ‫م عَ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫م ي َعْ ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ن أو نحوه‪ .‬وع َ َ‬ ‫فرا ٍ‬ ‫س أو َزع ْ َ‬ ‫شيء من وَْر ٍ‬

‫‪389‬‬
‫ل‬‫م ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شكاُله‪ .‬قال الليث‪ :‬عصاما ال َ‬ ‫مل‪ِ :‬‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال َ‬ ‫عصا ُ‬ ‫ب‪ .‬و ِ‬ ‫س َ‬ ‫اك ْت َ َ‬
‫َ‬
‫ضْين في أعلهما‪ ،‬وقال‬ ‫شد ّ في طرف العارِ َ‬ ‫ده الذي ي ُ َ‬ ‫شكاُله وقَي ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫م‪ِ :‬ربا ُ‬
‫ط‬ ‫دتْين‪ .‬والِعصا ُ‬ ‫مَزا َ‬ ‫مي ال َ‬ ‫ل كِعصا َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عصاما ال َ‬ ‫الزهري‪ِ :‬‬
‫مل به؛ قال الشاعر قيل هو لمرئ‬ ‫ح َ‬ ‫سي ُْرها الذي ت ُ ْ‬ ‫قْربةِ و َ‬ ‫ال ِ‬
‫القيس‪ ،‬وقيل ِلتأّبط شّرا ً وهو الصحيح‪:‬‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫ح ِ‬ ‫مَر ّ‬ ‫ل ُ‬ ‫ذلو ٍ‬ ‫مّني َ‬ ‫ل ِ‬ ‫عصامها على كاه ٍ‬ ‫ت ِ‬ ‫جعَل ْ ُ‬ ‫وقِْربة أْقوام ٍ َ‬
‫ة‬
‫قْرب َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫عص َ‬ ‫ل ُتشد ّ به‪ .‬و َ‬ ‫حب ْ ٌ‬ ‫قْربةِ والد ّل ْوِ والداوة‪َ :‬‬ ‫م ال ِ‬ ‫وعصا ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫دها بالِعصام‪ .‬وك ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫مها‪َ :‬‬ ‫ص َ‬ ‫عصامًا‪ ،‬وأع ْ َ‬ ‫ل لها ِ‬ ‫مها‪ :‬جع َ‬ ‫ص َ‬ ‫وأع ْ َ‬
‫م‪ .‬وحكى أبو‬ ‫َ‬
‫ص ٌ‬‫ة وع ُ ُ‬ ‫صم ٌ‬ ‫م‪ ،‬والجمعُ أع ْ ِ‬ ‫عصا ٌ‬ ‫م به شيٌء ِ‬ ‫ص َ‬ ‫شيٍء ع ُ ِ‬
‫ص‬
‫عصام‪ ،‬فهو على هذا من باب ِدل ٍ‬ ‫زيد في جمع الِعصام ِ ِ‬
‫مزادِ‬ ‫صم ِ ال َ‬ ‫ظ من العرب في ع ُ ُ‬ ‫ن‪ .‬قال الزهري‪ :‬والمحفو ُ‬ ‫هجا ٍ‬ ‫و ِ‬
‫ت‬‫م ْ‬ ‫شد ّ بها إذا ع ُك ِ َ‬ ‫ب الّرواَيا وت ُ َ‬ ‫خَر ِ‬ ‫ب في ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫ل التي ت ُن ْ َ‬ ‫أنها الحبا ُ‬
‫م‪ ،‬وأما‬ ‫عصا ٌ‬ ‫د‪ِ ،‬‬ ‫على ظ َْهر البعير ثم ي ُْرَوى عليها بالّرواء الواح ُ‬
‫قْربة‬ ‫م ال ِ‬ ‫كى به فَ ُ‬ ‫سي ُْر الوثيقُ ُيو َ‬ ‫ط الدقيقُ أو ال ّ‬ ‫وكاُء فهو الشري ُ‬ ‫ال ِ‬
‫ل‬
‫حب ْ ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ب فيه‪ .‬وقال الليث‪ :‬ك ُ ّ‬ ‫ح ل اْرِتيا َ‬ ‫ة‪ ،‬وهذا ك ُّله صحي ٌ‬ ‫مزاد ِ‬ ‫وال َ‬
‫ر‬
‫جد ّ بني عام ٍ‬ ‫مه‪ .‬وفي الحديث‪ :‬فإذا َ‬ ‫عصا ُ‬ ‫م به شيٌء فهو ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ي ُعْ َ‬
‫ل شيء‪،‬‬ ‫طك ّ‬ ‫عصام وهو ربا ُ‬ ‫م‪ :‬جمعُ ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫صم؛ العُ ُ‬ ‫مقي ّد ٌ ب ِعُ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ل آد َ ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫فنائه فهو ل ي ُب ْعِد ُ في طلب‬ ‫حَبسه ب ِ‬ ‫ب بلِده قد َ‬ ‫ص َ‬ ‫خ ْ‬ ‫أراد أن ِ‬
‫مكاَنه‪ ،‬ومثله قول‬ ‫ح َ‬ ‫قّيد الذي ل ي َْبر ُ‬ ‫م َ‬ ‫عى‪ ،‬فصار بمنزلة ال ُ‬ ‫مْر َ‬ ‫ال َ‬
‫مقي ّد ِ ل ي َن ْزِعُ‬ ‫ن فيها كال ُ‬ ‫مل أي يكو ُ‬ ‫قي ّد ُ الج َ‬ ‫م َ‬ ‫هناِء‪ :‬إنها ُ‬ ‫ة في الد ّ ْ‬ ‫َقيل َ‬
‫رها من البلد‪.‬‬ ‫إلى غي ِ‬
‫ة‬
‫ة‪ :‬طريق ُ‬ ‫مزاد ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫عصا ُ‬ ‫م الوعاِء‪ :‬ع ُْروُته التي ُيعل ّقُ بها‪ .‬و ِ‬ ‫عصا ُ‬ ‫و ِ‬
‫مزادة عند الك ُْلية‪،‬‬ ‫ف ال َ‬ ‫م طرائقُ ط ََر ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ط ََرِفها‪ .‬قال الليث‪ :‬العُ ُ‬
‫ط الليث وغ ُد َِده‪.‬‬ ‫َ‬
‫م؛ قال الزهري‪ :‬وهذا من أغالي ِ‬ ‫عصا ٌ‬ ‫والواحد ِ‬
‫مل‬ ‫ب البعير وهو ذ َن َُبه العَظ ْ ُ‬ ‫سي ُ‬ ‫م‪ ،‬بالضاد المعجمة‪ ،‬ع َ ِ‬ ‫والِعضا ُ‬
‫ن بالصاد والضاد‪ .‬وقال ابن سيده‪:‬‬ ‫ب‪ ،‬وسيذكر‪ ،‬وهو ل َُغتا ِ‬ ‫الهُل ْ ُ‬
‫ستد َقّ طرِفه‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫ب ُ‬ ‫م الذ ّن َ ِ‬ ‫عصا ُ‬ ‫ِ‬
‫د؛ قال‪:‬‬ ‫سوارِ من الي َ ِ‬ ‫ضعُ ال ّ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫م‪َ :‬‬ ‫ص ُ‬ ‫معْ َ‬ ‫وال ِ‬
‫م‬‫ص ُ‬ ‫معْ َ‬ ‫فها وال ِ‬ ‫ك كَ ّ‬ ‫غدا ً ل ِغَي ْرِ َ‬ ‫ديُثها‪ ،‬و َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك د َّلها و َ‬ ‫عن ْد َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫فالي َوْ َ‬
‫ن؛ ومنه أيضا ً قول‬ ‫صما ِ‬ ‫معْ َ‬ ‫صم الَيد‪ ،‬وهما َ‬ ‫معْ َ‬ ‫وربما جعلوا ال ِ‬
‫العشى‪:‬‬
‫جباَره ْ‬ ‫لَء ال ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صما ً ِ‬ ‫معْ َ‬ ‫بو ِ‬ ‫خضا ِ‬ ‫فا ً في ال ِ‬ ‫ك كَ ّ‬ ‫فأ ََرت ْ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ل‪ ،‬ال ّ‬ ‫َ‬
‫جد َ‬ ‫ذكُر والنثى فيه سواء؛ قال‪ :‬أْر ِ‬ ‫م‪ :‬الكثيُر الك ِ‬ ‫والعَْيصو ُ‬
‫س َ‬ ‫ْ‬
‫صوم ِ‬ ‫شْيخةٍ ع َي ْ ُ‬ ‫َرأ ُ‬
‫م من‬ ‫ي‪ :‬العَْيصو ُ‬ ‫ضوم‪ ،‬بالضاد المعجمة‪ .‬قال الزهر ّ‬ ‫ويروى ع َي ْ ُ‬
‫ل ال ّ‬ ‫َ‬
‫ت‪.‬‬ ‫ة إذا ان َْتبه ْ‬ ‫دم ُ‬ ‫م ِ‬ ‫مد َ ْ‬ ‫وم ال ُ‬ ‫ة الن ّ ْ‬ ‫طويل ُ‬ ‫الّنساء الكثيرة ُ الك ْ ِ‬

‫‪390‬‬
‫ة‬
‫م‪ ،‬بالصاِد‪ :‬الناق ُ‬ ‫صو ُ‬ ‫ل‪ .‬والعَ ُ‬ ‫كو ً‬ ‫م إذا كان أ َ ُ‬ ‫م وع َْيصا ٌ‬ ‫صو ٌ‬ ‫ل ع َي ْ ُ‬ ‫ورج ٌ‬
‫م الك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ل في‬ ‫ح ُ‬ ‫ل‪ .‬وروي عن المؤّرج أنه قال‪ :‬الِعصا ُ‬ ‫الكثيرة ُ الك ْ ِ‬
‫ت‪ ،‬قال الزهري‪:‬‬ ‫حل ْ‬ ‫ة إذا اك ْت َ َ‬ ‫ت الجاري ُ‬ ‫صم ِ‬ ‫بعض اللغات‪ .‬وقد اع ْت َ َ‬
‫ن‪.‬‬ ‫ْ‬
‫ة مأمو ٌ‬ ‫ة عنه فهو ثق ٌ‬ ‫ول أعرف راوَيه‪ ،‬فإن صحت الرواي ُ‬
‫ذر‪،‬‬ ‫من ْ ِ‬ ‫جب الّنعمان بن ال ُ‬ ‫م؛ هو اسم حا ِ‬ ‫عصا ُ‬ ‫وقولهم‪ :‬ما َورا َءك يا ِ‬
‫شهَْبر‬ ‫م بن َ‬ ‫عصا ُ‬ ‫وهو ِ‬
‫ريدون به‬ ‫ً‬
‫عظامي ّا؛ ي ُ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫مي ّا ول ت َك ُ ْ‬ ‫ً‬ ‫عصا ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ي؛ وفي المثل‪ :‬ك ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫جْر ِ‬ ‫ال َ‬
‫قوله‪:‬‬
‫هماما‪،‬‬ ‫مِلكا ً ُ‬ ‫صي َّرْته َ‬ ‫عصاما و َ‬ ‫ت ِ‬ ‫سوّد َ ْ‬ ‫عصام ٍ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫ما‬‫مْته الك َّر والْقدا َ‬ ‫ّ‬
‫وَع َل َ‬
‫م ب َد ٍْر‬ ‫ل جاء يو َ‬ ‫دثين أن جبري َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ض ال ُ‬ ‫وفي ترجمة عصب‪َ :‬رَوى بع ُ‬
‫م ث َن ِي َّته الُغباُر أي ل َزِقَ به؛ قال الزهري‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ص َ‬ ‫س أنثى وقد ع َ َ‬ ‫على فر ٍ‬
‫دث فهي لغة في عصب‪ ،‬والباُء‬ ‫مح ّ‬ ‫غلطا من ال ُ‬ ‫ً‬ ‫فإن لم يكن َ‬
‫جْيهما‪ ،‬يقال‪ :‬ضْربة‬ ‫مخر َ‬ ‫ن في حروف كثيرة لقرب َ‬ ‫م َيتعاقبا ِ‬ ‫والمي ُ‬
‫ْ‬
‫صبُتها‬ ‫د‪ ،‬وقَ َ‬ ‫م‪ِ :‬بل ٌ‬ ‫ص ُ‬ ‫ده‪ .‬والعوا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫سب َد َ رأسه و َ‬ ‫م‪ ،‬و َ‬ ‫ب ولزِ ٍ‬ ‫لزِ ٍ‬
‫مْعصوما ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫صْيما و َ‬ ‫صما وع ُ َ‬ ‫ة وعا ِ‬ ‫صْيم َ‬ ‫ة وع ُ َ‬ ‫صم َ‬ ‫ع ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ة‪ .‬وقد َ‬ ‫كي ُ‬ ‫أْنطا ِ‬
‫م امرَأة؛ أنشد ثعلب‪:‬‬ ‫ة‪ :‬اس ُ‬ ‫صم ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫عصامًا‪ .‬و ِ‬ ‫و ِ‬
‫في َ‬ ‫َ‬
‫ت جان ِب َْيه‬ ‫ض ْ‬ ‫شّر خا َ‬ ‫ظتي‪ ،‬إذا ال ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫ف َ‬ ‫م‪ ،‬ك َي ْ َ‬ ‫ص َ‬ ‫ع ْ‬ ‫مي‪ ،‬يا ِ‬ ‫م ت َعْل َ ِ‬ ‫أل َ ْ‬
‫ح؟‬ ‫مجاد ِ ُ‬ ‫ال َ‬
‫َ‬
‫ق‪ .‬مادة عصم في الصحاح للجوهري ‪:‬‬ ‫سوي ِ‬ ‫م‪ :‬ك ُْنىة ال ّ‬ ‫وأبو عاص ٍ‬
‫عصم‬
‫خضاب‬ ‫طران وال ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫ة كل شيء وأثره من ال َ‬ ‫م‪ :‬بقي ّ ُ‬ ‫صي ُ‬ ‫أبو عمرو‪ :‬العَ ِ‬
‫ه‬‫م ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ع‪ .‬يقال‪ :‬ع َ َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ة‪ :‬ال َ‬ ‫م ُ‬ ‫ص َ‬ ‫م بالضم مثله‪ .‬والعِ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ونحوه‪ .‬والعُ ْ‬
‫ما قول‬ ‫ق‪ .‬وأ ّ‬ ‫سوي ِ‬ ‫م‪ :‬كنية ال َ‬ ‫م‪ُ ،‬أي منَعه من الجوع‪ .‬وأبو عاص ٍ‬ ‫الطعا ُ‬
‫س شيخةٍ ع َْيصوم ِ‬ ‫جد َ رأ ُ‬ ‫الراجز‪ :‬أْر ِ‬
‫م‪.‬‬‫ص َ‬ ‫ه فان ْعَ َ‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫ظ‪ .‬يقال‪ :‬ع َ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ة‪ :‬ال ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ص َ‬ ‫فيقال‪ :‬هي الكول‪ .‬والعِ ْ‬
‫م‬‫ص ُ‬ ‫م ي َعْ ِ‬ ‫ص َ‬ ‫طفه من المعصية‪ .‬وع َ َ‬ ‫ت بل ُ ْ‬ ‫ت بالله‪ ،‬إذا متنع َ‬ ‫م ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫واع ْت َ َ‬
‫م من أمر الله" يجوز‬ ‫م اليو َ‬ ‫ص َ‬
‫ب‪ .‬وقوله تعالى‪" :‬ل عا ِ‬ ‫صمًا‪ :‬اكتس َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ل‪.‬‬ ‫ل بمعنى مفعو ٍ‬ ‫ة‪ ،‬فيكون فاع ٌ‬ ‫م ٍ‬ ‫ص َ‬ ‫ع ْ‬ ‫م‪ ،‬أي ل ذا ِ‬ ‫مْعصو َ‬ ‫أن يراد ل َ‬
‫سوار من‬ ‫م‪ :‬موضع ال ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫معْ َ‬ ‫م‪ .‬وال ِ‬ ‫عصا ُ‬ ‫ة‪ ،‬والجمع ال ْ‬ ‫ة لقلد ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ص َ‬ ‫والعُ ْ‬
‫ن جناح‬ ‫ة بيضاء ل ّ‬ ‫حه ريش ٌ‬ ‫م‪ :‬الذي في جنا ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ب الع ْ َ‬ ‫الساعد‪ .‬والغرا ُ‬
‫ض‬
‫ق‪ ،‬وب َي ْ ُ‬ ‫الطائر بمنزلة اليد له‪ .‬ويقال‪ :‬هذا كقولهم‪ :‬البلقُ الَعقو ُ‬
‫م من الظباء‬ ‫ص ُ‬ ‫ي‪ :‬الع ْ َ‬ ‫ل شيء يعز وجوده‪ .‬قال الصمع ّ‬ ‫ق‪ ،‬لك ّ‬ ‫النو ِ‬
‫والوعول‪ :‬الذي في ذراعيه بياض‪ .‬وقال أبو عبيدة‪ :‬الذي بإحدى‬
‫صماُء‪.‬‬ ‫م‪ .‬وعنٌز ع َ ْ‬ ‫ص ٌ‬ ‫ل عُ ْ‬ ‫ة‪ .‬والوعو ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ض‪ .‬والسم العُ ْ‬ ‫يديه بيا ٌ‬
‫سيُرها الذي ُتحمل به‪ .‬قال الشاعر أبو‬ ‫قربة و َ‬ ‫م‪ :‬رباط ال ِ‬ ‫والِعصا ُ‬
‫كبير‪:‬‬

‫‪391‬‬
‫ل‬
‫ح ِ‬‫مَر ّ‬
‫ل ُ‬‫ذلو ٍ‬‫ل مني َ‬ ‫مها على كاه ٍ‬ ‫عصا َ‬ ‫ت ِ‬ ‫وقِْرب َةِ أقوام ٍ جعل ُ‬
‫ت‬‫م ُ‬‫ص ْ‬‫ت القربة‪ :‬جعلت لها عصامًا‪ .‬وأع ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ص ْ‬‫قال ابن السكيت‪ :‬أع ْ َ‬
‫قط‪.‬‬ ‫م به لئل يس ُ‬ ‫فلنًا‪ ،‬إذا هّيأت له في الرحل أو السرج ما ي َعْت َ ِ‬
‫ص ُ‬
‫سه‬‫عه فر ُ‬ ‫دد واستمسك بشيٍء خوفا ً من أن يصر َ‬ ‫م‪ ،‬إذا تش ّ‬ ‫ص َ‬‫وأع ْ َ‬
‫أو راحلته‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫عصام ِ‬ ‫م ال ْ‬ ‫ل الفروسةِ دائ ُ‬ ‫ف ُ‬‫كِ ْ‬
‫زمه‪.‬‬ ‫ل بصاحبه‪ :‬ل ِ‬ ‫م الرج ُ‬ ‫ص َ‬‫م به‪ .‬وأع ْ َ‬ ‫ص َ‬‫ست َعْ َ‬ ‫م به وا ْ‬ ‫ص َ‬ ‫وكذلك اع ْت َ َ‬
‫مّيا ول تكن عظاميًا‪ ،‬يريدون به قوله‪:‬‬ ‫عصا ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫وفي المثل‪ :‬ك ُ ْ‬
‫ه الك َّر والْقداما‬ ‫عصاما وع َل ّ َ‬
‫مت ْ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫سوّد َ ْ‬ ‫عصام ٍ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫هماما‬ ‫ً‬
‫مِلكا ُ‬ ‫ه َ‬‫صي َّرت ْ ُ‬‫و َ‬
‫‪----------‬‬
‫والله يعصمك من الناس‬
‫الرسول ل يجيء إل بعد أن يعم الشر ويسود الفساد ‪ ،‬وذلك أنه‬
‫لو لم يسد الفساد ‪ ،‬ولم يعم الشر لكتفى الله المجتمع ليردع‬
‫بعضه بعضا ً ‪ ،‬أو يكتفي الحق بأن تردع النفس اللوامة النفس‬
‫المارة بالسوء لتستوي النفس المطمئنة على عرش السلوك‬
‫البشري ‪.‬‬
‫لكن عندما يعم الفساد الكون ‪ .‬فالسماء ترسل الرسول بمنهج‬
‫يصلح حال البشرية ‪ .‬وبطبيعة الحال لن يترك المجتمع الشرير‬
‫الرسول لحاله بل يقاومه ؛ لن مثل هذا المجتمع يريد أن تكون‬
‫كفة غير متوازية ؛ لن هناك منتفعين بالفساد والشر ‪ ،‬وهم‬
‫المدافعون عن الفساد ‪ ،‬فإن جاء من ينصف الضعفاء‬
‫والمظلومين فل بد أن يتعرض للمتاعب التي تأتيه من قبل‬
‫القوياء المفسدين ‪.‬‬
‫وعلى الر غم من وفاة الرسول الكريم منذ أكثر من ‪ 1400‬عام‬
‫إل أن الحرب عليه مازالت قائمة وهذا دليل قاطع على أنه قد‬
‫وفقه الله عز وجل في إبلغ رسالته وأن صداها مازالت تعيش‬
‫بيننا إلى يوم الدين ‪ ،‬ومازالت الحرب قائمة عليه حتى بعد‬
‫وفاته ‪.‬‬
‫إن هذه المتاعب تبدأ في النفس ؛ لن الرسول مخاطب من الله‬
‫فيمكنه أن يتحملها ؛ لن الحق قد أعده لهذه المهمة ‪ ،‬ومثل تلك‬
‫المتاعب تأتي أيضا ً }للتباع{ ‪ ،‬لذلك يمدهم الله بالمدد الذي‬
‫يجعلهم يتحملونها ‪.‬‬
‫والحق يحفظ للرسول ذاته على الرغم من كل ما يحدث ‪:‬‬
‫) والله يعصمك من الناس ( ‪.‬‬
‫فكأن الحق يقول لرسوله ‪ :‬اطمئن يا محمد ؛ لن من أرسلك‬
‫هداية للناس لن يخلي بينك وبين الناس ‪ .‬ولن يجرؤ أحد أن ينهي‬

‫‪392‬‬
‫حياتك ‪ .‬ولكني سأمكنك من الحياة إلى أن تكمل رسالتك ‪.‬وإياك‬
‫أن يدخل في ُروعك أن الناس يقدرون عليك ‪ ،‬صحيح أنك قد‬
‫تتألم ‪ ،‬وقد تعاني من أعراض التعب في أثناء دعوتك ‪ ،‬ولكن‬
‫هناك حماية إلهية لك ‪.‬‬
‫ونحن نعلم قد المتاعب التي تعرض لها الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ .‬ألم تكسر َرباعيته "السن بين الثنية والناب " صلى الله‬
‫عليه وسلم في غزوة أحد ؟ ألم يشج وجهه ؟ ألم تدم اصبعه‬
‫فيقول ‪ } :‬إن أنت إل أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت { ‪.‬‬
‫لكن قول الحق سبحانه لرسوله ‪ } :‬والله يعصمك من الناس {‬
‫لم يكن المقصود هو منع الجهاد في سبيل الله والمعاناة في‬
‫سبيل نشر الدعوة ‪ .‬ولكن الحق يبين لرسوله ‪ :‬إن أحدا ً غير قادر‬
‫على أن يأخذ حياتك ‪.‬‬
‫ولم يمنع سبحانه المتاعب عن رسوله الكريم حتى ل يكون هناك‬
‫أحد الداعين إلى الله ل يتحمل من اللم أكثر مما تحمل رسوله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ولننظر ونستمع جيدا ً إلى ما ترويه عائشة‬
‫أم المؤمنين – رضى الله عنها – حول هذه الية إنها قالت ‪:‬‬
‫} سهر رسول الله ذات ليلة وأنا إلى جنبه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رسول‬
‫الله ما شأنك ؟ قال ‪ ) :‬ليت رجل ً صالحا ً من أصحابي يحرسني‬
‫الليلة ( ‪ ،‬قالت ‪ :‬وبينما نحن في ذلك إذ سمعت صوت سلح ‪..‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬من هذا ؟ فقالوا ‪ :‬سعد‬
‫وحذيفة جئنا نحرسك ‪ .‬فنام صلى الله عليه وسلم حتى سمعت‬
‫غطيطة ونزلت هذه الية ‪ ...‬فأخرج رسول الله صلى الله عليه‬
‫دم وقال ‪ ) :‬انصرفوا أيها الناس فقد‬ ‫وسلم رأسه من قَُبة أ َ‬
‫عصمني الله ( رواه القرطبي ‪.‬‬
‫وهناك باحثة بلجيكية عكفت على دراسة سيرة رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم حتى وصلت إلى هذه النقطة ‪ ،‬فتوقفت عندها‬
‫تقول ‪ :‬لو كان هذا الرجل يخدع الناس جميعا ً ما خدع نفسه في‬
‫حياته‪ ،‬ولو لم يكن واثقا ً من ا‪ ،‬الله يحرسه لما فعل ذلك كتجربة‬
‫واقعية تدل على ثقته في خالقه ‪ .‬وأضافت الباحثة البلجيكية ‪:‬‬
‫ولذلك أنا أقول بملء اليقين ‪:‬‬
‫أشهد أن ل إله إل الله وأن محمدا ً رسول الله ‪.‬‬
‫فها هي لمحة واحدة من لمحات حياة رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم كانت سبب في إسلم هذه المرأة ‪.‬‬
‫فاللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا الحبيب المصطفى صلى‬
‫الله عليه وسلم‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫بارك الله فيك يا أخ السيف البتار‬

‫‪393‬‬
‫ولكن انا عندى سؤال‪...‬‬
‫كيف نستطيع التوفيق بين اليتين الكريمتين‬
‫]والله يعصمك من الناس[ ‪...‬والتى تعنى انه ل يستطيع احد ان‬
‫يقتل الرسول او يضره الضرر الذى يتسبب فى وفاته‪.‬‬
‫وبين الية]وما محمد إل رسول قد خلت من قبله الرسل افإين‬
‫مات او قتل انقلبتم على اعقابكم[‬
‫‪...‬والتى ل تنفى ان الرسول يمكن ان يموت كسائر البشر او ان‬
‫يقتله احد من البشر؟‬
‫والسلم عليكم‬
‫الخت الكريمة الريحانة ‪ ...‬أشكرك على المرور والمداخلة‬
‫الجميلة التي بها توضح المور أكثر مما كانت عليه ‪.‬‬
‫لما انهزم من انهزم من المسلمين يوم أحد وقتل من قتل منهم‪,‬‬
‫نادى الشيطان‪ :‬أل إن محمدا ً قد قتل‪ ,‬ورجع ابن قميئة إلى‬
‫المشركين‪ ,‬فقال لهم‪ :‬قتلت محمدًا‪ ,‬وإنما كان قد ضرب رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فشجه في رأسه‪ ,‬فوقع ذلك في‬
‫قلوب كثير من الناس واعتقدوا أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قد قتل‪ ,‬وجوزوا عليه ذلك‪ ,‬كما قد قص الله عن كثير من‬
‫النبياء عليهم السلم‪ ,‬فحصل ضعف ووهن وتأخر عن القتال‪,‬‬
‫ففي ذلك أنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ت أ َْو‬
‫ما َ‬ ‫ل أفَِإن ّ‬
‫خل َت من قَبل ِه الرس ُ َ‬
‫ل قَد ْ َ ْ ِ ْ ْ ِ ّ ُ‬ ‫سو ٌ‬ ‫مد ٌ إ ِل ّ َر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ما ُ‬ ‫} وَ َ‬
‫َ‬
‫ضّر الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫قب َي ْهِ فََلن ي ّ ُ‬ ‫ب ع ََلى ع َ ِ‬
‫قل ِ ْ‬
‫من ي ّن ْ َ‬‫م وَ َ‬ ‫م ع ََلى أع ْ َ‬
‫قاب ِك ُ ْ‬ ‫قل َب ْت ُ ْ‬‫ل ان ْ َ‬ ‫قُت ِ َ‬
‫ن{‬‫ري َ‬ ‫شاك ِ ِ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫زي الل ّ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫شي ًْئا وَ َ‬ ‫َ‬
‫لتوضيح أكثر‬
‫فالرسول جاء على ضربين‪ :‬أحدهما‪ :‬يراد به المرسل‪ ،‬والخر‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ك لَ ِ‬ ‫الرسالة‪ ،‬وههنا المراد به المرسل بدليل قوله‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫ن { ]البقرة‪[252 :‬‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ل ب َل ّغْ { ]المائدة‪[67 :‬‬ ‫سو ُ‬ ‫َ‬
‫وقوله‪َ }:‬يـاأي َّها الّر ُ‬
‫وفعول قد يراد به المفعول‪ ،‬كالركوب والحلوب لما يركب ويحلب‬
‫والرسول بمعنى الرسالة‬
‫كقوله ‪ :‬لقد كذب الواشون ما فهت عندهم بسر ول أرسلتهم‬
‫برسول‬
‫ك {]طه‪:‬‬ ‫سول َ َرب ّ َ‬ ‫أي برسالة‪ ،‬قال‪ :‬ومن هذا قوله تعالى‪ }:‬إ ِّنا َر ُ‬
‫‪[47‬‬
‫ثم قال‪ } :‬أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم { وفيه‬
‫مسائل‪:‬‬
‫المسألة الولى ‪ :‬حرف الستفهام دخل على الشرط وهو في‬
‫الحقيقة داخل على الجزاء‪ ،‬والمعنى أتنقلبون على أعقابكم ان‬

‫‪394‬‬
‫مات محمد أو قتل‪ ،‬ونظيره ‪ <<< .....‬قوله‪ :‬هل زيد قائم‪،‬‬
‫فأنت إنما تستخبر عن قيامه‪ ،‬إل أنك أدخلت هل على السم‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬أنه تعالى بين في آيات كثيرة انه عليه السلم ل‬
‫يقتل‬
‫ن {]الزمر‪[30 :‬‬ ‫مي ُّتو َ‬ ‫م ّ‬ ‫ت وَإ ِن ّهُ ْ‬
‫مي ّ ٌ‬‫ك َ‬ ‫قال‪ }:‬إ ِن ّ َ‬
‫س {]المائدة‪[67 :‬‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬‫ك ِ‬ ‫م َ‬ ‫ص ُ‬ ‫وقال‪َ }:‬والل ّ ُ‬
‫ه ي َعْ ِ‬
‫ن ك ُل ّهِ {]الصف‪[9 :‬‬ ‫دي ِ‬ ‫وقال‪ }:‬ل ِي ُظ ْهَِره ُ ع ََلى ال ّ‬
‫فالقائل إن قال ‪ :‬لما علم أنه ل يقتل فلم قال } أو قتل { ؟‬
‫فان الجواب عنه من وجوه‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن صدق القضية الشرطية ل يقتضي صدق جزأيها‪ ،‬فانك‬
‫تقول‪ :‬ان كانت الخمسة زوجا كانت منقسمة بمتساويين‪،‬‬
‫فالشرطية صادقة وجزآها كاذبان‪ ،‬وقال تعالى‪:‬‬
‫سد ََتا {]النبياء‪ [22 :‬فهذا حق مع‬ ‫ف َ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ة إ ِل ّ الل ّ ُ‬
‫ما آل ِهَ ٌ‬ ‫ن ِفيهِ َ‬ ‫كا َ‬ ‫} ل َوْ َ‬
‫أنه ليس فيهما آلهة‪ ،‬وليس فيهما فساد‪ ،‬فكذا ههنا‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬ان هذا ورد على سبيل اللزام‪ ،‬فإن موسى عليه السلم‬
‫مات ولم ترجع أمته عن ذلك‪ ،‬والنصارى زعموا أن عيسى عليه‬
‫السلم قتل وهم ل يرجعون عن دينه‪ ،‬فكذا ههنا‬
‫والثالث‪ :‬ان الموت ل يوجب رجوع المة عن دينه‪ ،‬فكذا القتل‬
‫وجب أن ل يوجب الرجوع عن دينه‪ ،‬لنه فارق بين المرين‪ ،‬فلما‬
‫رجع الى هذا المعنى كان المقصود منه الرد على أولئك الذين‬
‫شكوا في صحة الدين وهموا بالرتداد‪.‬‬
‫َ‬
‫م ع ََلى أع ْ َ‬
‫م { أي صرتم كفارا‬ ‫قاب ِك ُ ْ‬ ‫قل َب ْت ُ ْ‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬قوله‪ } :‬ان ْ َ‬
‫بعد إيمانكم‪ ،‬يقال لكل من عاد الى ما كان عليه رجع وراءه‬
‫وانقلب على عقبه ونكص على عقبيه ‪.‬‬
‫وذلك أن المنافقين قالوا لضعفة المسلمين‪ :‬ان كان محمد قتل‬
‫فالحقوا بدينكم‪ ،‬فقال بعض النصار‪ :‬ان كان محمد قتل فإن رب‬
‫محمد لم يقتل‪ ،‬فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد‪ .‬وحاصل الكلم‬
‫أنه تعالى بين أن قلته ل يوجب ضعفا في دينه بدليلين‪:‬‬
‫الول‪ :‬بالقياس على موت سائر النبياء وقتلهم‬
‫والثاني‪ :‬أن الحاجة الى الرسول لتبليغ الدين وبعد ذلك فل حاجة‬
‫اليه‪ ،‬فلم يلزم من قتله فساد الدين‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬ليس لقائل أن يقول‪ :‬إن قوله‪ } :‬أفإن مات أو‬
‫قتل { شك وهو على الله تعالى ل يجوز‪ ،‬فإنا نقول‪ :‬المراد أنه‬
‫سواء وقع هذا أو ذاك فل تأثير له في ضعف الدين ووجوب‬
‫الرتداد‪.‬‬
‫والله أعلم‬

‫‪395‬‬
‫==================‬
‫العجاز العلمي في حديث البهر‬
‫للستاذ الدكتور‪ /‬مجاهد أبو المجد‬
‫في البداية والنهاية للمام إسماعيل بن كثير الدمشقي‬
‫قال البخاري رواه عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم شاه فيها سم‪.‬‬
‫وقد قال المام أحمد حدثنا حجاج ثنا ليـث عن سعيد بن أبى‬
‫سعيد عن أبى هريرة قال لما فتحت خيبر أهديت للنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم شاه فيها سم فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬اجمعوا لي من كان هنا من اليهود" فجمعوا له‪ ،‬فقال‬
‫لهم النبي "هل أنتم صادقي عن شيء إذا سألتكم؟"‬
‫فقالوا‪ :‬نعم يا أبا القاسم‬
‫فقال‪" :‬هل جعلتم في هذه الشاه سمًا؟"‬
‫فقالوا‪ :‬نعم‬
‫قال‪" :‬ما حملكم على ذلك؟"‬
‫قالوا‪" :‬أردنا إن كنت كاذبا ً أن نستريح منك وإن كنت نبيا ً لم‬
‫يضرك"‪.‬‬
‫وفى الصحيحين من حديث شعبه عن هشام بن زيد عن أنس بن‬
‫مالك أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫بشاة مسمومة فأكل منها فجئ بها إلى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فسألها عن ذلك قالت أردت لقتلك فقال "ما كان‬
‫الله ليسلطك علي" أو قال‪" :‬على ذلك"‬
‫قالوا‪ :‬أل تقتلها‬
‫قال‪" :‬ل"‬
‫قال أنس‪ :‬فمازلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‬
‫وقال الزهري عن جابر واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده ثلث سنين حتى‬
‫كان وجعه الذي توفى منه فقال‪) :‬مازلت أجد من الكلة التي‬
‫أكلت من الشاة يوم خيبر‪ ،‬حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري(‬
‫فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدًا‪.‬‬
‫قال ابن هشام البهر العرق المعلق بالقلب‬
‫قال فإن كان المسلمون ليرون أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم مات شهيدا ً مع ما أكرمه الله به من النبوة‪.‬‬
‫لسان العرب لبن منظور‪:‬‬

‫‪396‬‬
‫البهر‪ :‬عرق في الظهر مستبطن الصلب والبهر عرق إذا انقطع‬
‫مات صاحبه والبهر عرق مستبطن في الصلب والقلب متصل به‬
‫فإذا انقطع لم تكن معه حياة‪.‬‬
‫التلخيص‪:‬‬
‫صل ِّية‬
‫)‪ (1‬أن امرأة تدعى زينب بنت الحارث قدمت شاه م ْ‬
‫مسمومة للرسول صلى الله عليه وسلم فأكل منها‪.‬‬
‫)‪ (2‬أن الذراع أخبرت الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها‬
‫مسمومة‪.‬‬
‫)‪ (3‬أن الرسول أخبر في مرضه الذي توفى فيه أن هذا أوان‬
‫انقطاع البهر منه صلى الله عليه وسلم من أثر الشاة‬
‫المسمومة‪.‬‬
‫)‪ (4‬إن كثيرا ً من علماء المة وسلفها يرون أن الرسول مات‬
‫شهيدا ً وأن الله أنعم عليه بالشهادة بجانب النبوة‪.‬‬
‫)‪ (5‬البهر‪ :‬عرق يتصل بالقلب ويمر بالصلب والبهر هو ما‬
‫نسميه طبيا ً الورطى‪.‬‬
‫يقول ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد أن النبي بقى بعد هذا‬
‫الحادث ثلث سنين حتى قال في وجعه الذي مات فيه‪ :‬مازلت‬
‫أجد من الكلة التي أكلت من الشاه يوم خيبر فهذا أوان انقطاع‬
‫البهر منى‪.‬‬
‫قال الزهري‪ :‬فتوفى صلى الله عليه وسلم شهيدًا‪.‬‬
‫من استعراض القصة في كتب السيرة تبرز لنا عدة أسئلة؟‬
‫السؤال الول‪:‬‬
‫هل نستطيع أن نعرف نوع السم الذي وضعته زينب بنت الحارث‬
‫للرسول صلى الله عليه وسلم في الشاة؟‬
‫هذا السم‪:‬‬
‫)‪ (1‬يستخدم من آلف السنين ومعروف في الجزيرة العربية‪.‬‬
‫)‪ (2‬يظهر أثره في اللهوات كما قال أنس رضى الله عنه‪.‬‬
‫إذن ما هو السم الذي استخدم من آلف السنين وتظهر علمته‬
‫على اللهوات؟‬
‫اللهوات‪ :‬قالت عائشة رضى الله عنها "ما رأيت رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم مستجمعا ً ضاحكا ً حتى أرى منه لهواته إنما كان‬
‫يبتسم" صحيح مسلم‬
‫اللهوات‪ :‬جمع لهاة وهى اللحمة الحمراء المعلقة في أعلى‬
‫الحنك قاله الصمعي‪.‬‬
‫وفى فتح الباري للمام ابن حجر العسقلني في التعليق على‬
‫حديث وفاة الرسول وقصة الشاة المسمومة التي قدمت‬
‫للرسول صلى الله عليه وسلم بخيبر – يقول ابن حجر أما قول‬

‫‪397‬‬
‫أنس فمازلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم "فاللهوات جمع لهاة وهى اللحمة المعلقة في أصل الحنك‬
‫وقيل هي ما بين منـقطع اللسان على منقطع اصل الفم وهذا هو‬
‫الذي يوافق الجمع المذكور‪.‬‬
‫ومراد أنس رضى الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يعتريه‬
‫المرض من تلك الكلة أحيانا ً وهو موافق لقوله في حديث عائشة‬
‫"ما أزال أجد ألم الطعام"‪.‬‬
‫ويقول ابن حجر ويحتمل أن يكون أنس أراد أن يعرف ذلك في‬
‫اللهوات بتغيير لونها أو بنتوء فيها )قاله الطبري(‬
‫وفى صحيح مسلم بشرح النووي وأما اللهوات فبفتح اللم والهاء‪:‬‬
‫جمع َلهات بفتح اللم وهى اللحمة الحمراء المعلقة في أصل‬
‫الحنك "قاله الصمعي" وقيل اللحمات اللواتي في سقف الفم‪.‬‬
‫وقوله )مازلت أعرفها( أي العلمة كأنه بقى للسم علمة وأثر من‬
‫سواد أو غيره‪.‬‬
‫من المعلوم طبيا ً في علـم السموم أن السم الذي يترك أثرا ً‬
‫على أصل الحنك واللثة هو المواد الثقيلة )‪ (Heavy ****ls‬مثل‬
‫الزرنيخ )‪ (Arsenic‬والقصدير )‪.(Lead‬‬
‫فهل استخدم الزرنيخ أو القصدير )‪ (Arsenic - Lead‬منذ سنوات‬
‫عديدة كسم زعاف – وهل يترك كلهما أثرا ً على اللهوات؟‬
‫في‪Human Health fact sheet :‬‬
‫‪ANL, November 2001‬‬
‫‪.Arsenic has been recognized from ancient times be poisonous‬‬
‫الزرنيخ منذ العصور القديمة يستخدم كمادة سامة‪.‬‬
‫هل يترك القصدير أو الزرنيخ أثرا ً على اللهوات؟‬
‫* ‪Brit. Med. J 3(5666) 336-7, 1969‬‬
‫)‪(Lead poisoning in soldiers in Hong Kong‬‬
‫‪.clinical finding include blue lines on the gum‬‬
‫ظهور خط أزرق في اللثة بالفم نتيجة التسمم بالقصدير‪.‬‬
‫* ‪Journal of the society of Occupational Medicine, Vol 40, No. 4 pages 149-152, 28‬‬
‫‪references, 1990‬‬
‫‪.Arsenic trioxide could cause gingival ulceration and gum discoloration‬‬
‫الزرنيخ يؤدى إلى التهاب وتغير في لون اللثة‪.‬‬
‫يتضح بعد هذا التفصيل أن القصدير والزرنيخ تؤدى إلى تغير في‬
‫لون اللثة واللهاة كما تؤدى إلى التهابات بالفم واللثة واللهاة‪.‬‬
‫بعد هذا الشرح نستنتج التي‪:‬‬

‫‪398‬‬
‫)‪ (1‬من المرجح أن يكون الزرنيخ أو القصدير أو كليهما قد‬
‫استخدم في تسميم الشاة المصلية التي قدمت للرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم بخيبر‪.‬‬
‫)‪ (2‬أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تناول السم فع ً‬
‫ل‪.‬‬
‫السؤال الثاني‪:‬‬
‫هل يؤثر التسمم بالزرنيخ أو القصدير على الشريان البهر؟‬
‫* ‪Bulletin of Environmental contamination and toxicology Vol. 31, No. 3 pages 267-‬‬
‫‪.270, 1983‬‬
‫‪The accumulation of arsenic (AS) compounds was studied in human tissues. The‬‬
‫‪.highest mean total AS concentration occurred in the aorta‬‬
‫* ‪.Journal of Nutrition, Vol. 96, No. 1 pages 37-45, 1968‬‬
‫‪.Large amounts of AS accumulated in tissues especially red cells and aorta‬‬
‫كمية كبيرة من الزرنيخ تتجمع في البهر‪.‬‬
‫‪:Toxnet web site‬‬
‫‪During exposure to lead the concentration is relatively high in soft tissues especially‬‬
‫‪.aorta‬‬
‫أي أن القصدير أيضا ً يتجمع بنسبة عالية في الشريان البهر‪.‬‬
‫ومن هذا يمكننا أن نستنتج بوضوح أن كل ً من القصدير والزرنيخ‬
‫يتركزان بكمية كبيرة في الشريان البهر‪.‬‬
‫السؤال الثالث‪:‬‬
‫هل تتشابه أعراض المرض الذي توفى عنه رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم مع انقطاع البهر؟‬
‫بدأ المرض بالنبي صلى الله عليه وسلم في مطلع شهر ربيع‬
‫الول وبدأ بأن اشتكى بوجع في رأسه – قالت عائشة رضى الله‬
‫ي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم من‬ ‫عنها رجع عل ّ‬
‫جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعا ً في رأسي وأنا أقول وارأساه قال‬
‫سلتك وكفنتك‬ ‫"بل أنا وارأساه"‪ :‬قال‪) :‬ما ضرك لو مت قبلي فغ ّ‬
‫ثم صليت عليك ودفنتك( رواه أحمد وابن ماجه‪.‬‬

‫وكانت عائشة رضى الله عنها تحدث أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال بعدما دخل بيته واشتد وجعه "هريقوا على من سبع‬
‫قرب لم تحلل أوكيتهن لعلى أعهد إلى الناس" رواه البخاري‬
‫ومسلم‪.‬‬
‫قالت عائشة ما رأيت رجل ً أشد عليه الوجع من رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم )البخاري ومسلم(‪.‬‬
‫وقال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه )دخلت على رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم وهو يوعك وعكا ً شديدا ً فمسسته بيدي‬
‫فقلت يا رسول الله – إنك لتوعك وعكا ً شديدا فقال رسول الله‬

‫‪399‬‬
‫صلى الله عليه وسلم "أجل إني أوعك كما يوعك الرجلن منكم"‬
‫البخاري ومسلم‬
‫وعن أنس رضى الله عنه قال لما ثقل المرض على النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم جعل يتغشاه فقالت فاطمة واكرب أباه‪ ،‬فقال‬
‫لها "ليس على أبيك كرب بعد اليوم" رواه البخارى‬
‫يقول العباس رضى الله عنه‪" :‬وكنت إذا لمسته ضربتني الحمى"‬
‫ومن استعراض هذه الروايات يتضح لنا التي‪:‬‬
‫)‪ (1‬أن الرسول صلى الله عليه وسلم أصيب بحمى وارتفاع‬
‫شديد في درجة الحرارة‪.‬‬
‫)‪ (2‬أنه كان يوعك وعكا ً شديدا ً ويتألم ألما ً شديدا‪ً.‬‬
‫)‪ (3‬كان يتصبب عرقا ً من شدة ارتفاع درجة الحرارة‪.‬‬
‫)‪ (4‬كان صلى الله عليه وسلم يغشى عليه لما ثقل عليه‬
‫المرض‪.‬‬
‫العلمات والعراض الكلينيكية لنقطاع البهر‪:‬‬
‫‪:Signs and symptoms of Aortic dissection‬‬
‫‪ chest pain .1‬آلم في الصدر‬
‫‪ sudden, severe, stabbing tearing‬حادة ‪ -‬شديدة‬
‫‪ decreased movement .2‬صعوبة الحركة‬
‫‪ pallor .3‬اصفرار الوجه‬
‫‪ profuse sweating .4‬عرق شديد‬
‫‪ -‬لحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يوعك وعكا ً‬
‫شديدًا‪.‬‬
‫‪ -‬وكان يحمله العباس وعلى بن أبى طالب رضى الله عنهما‪.‬‬
‫الخلصة‪:‬‬
‫أن أعراض مرض وفاة النبي صلى الله عليه وسلم تتشابه مع‬
‫أعراض انقطاع البهر إلى حد كبير‪.‬‬
‫السؤال الرابع‪:‬‬
‫أ‪ -‬هل عرف النبي صلى الله عليه وسلم باقتراب أجله؟‬
‫ب‪ -‬منذ متى عرف مرض انقطاع البهر؟‬
‫ج‪ -‬من الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المرض؟‬
‫أ‪ -‬بشر النبي صلى الله عليه وسلم باقتراب أجله في آيات عدة‬
‫من القرآن الكريم منها قولـه تعالى "إنك ميت وانهم ميتون"‬
‫الزمر ‪ 30‬وقوله سبحانه "وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن‬
‫مت فهم الخالدون * كل نفس ذائقة الموت" النبياء ‪.34،35‬‬
‫"وما محمد إل رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل‬
‫انقلبتم على أعقابكم" آل عمران ‪ 144‬وقوله "إذا جاء نصر الله‬
‫والفتح ‪ (...‬سورة النصر‪.‬‬

‫‪400‬‬
‫عن ابن عمر رضى الله عنهما قال "أنزلت هذه السورة "إذا جاء‬
‫نصر الله والفتح" على رسول الله صلى الله عليه وسلم في‬
‫وسط أيام التشريق وعرف أنه الوداع ( سنن البيهقي‪.‬‬
‫وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن عمر رضى الله عنه سأل‬
‫الصحابة عن قوله تعالى "إذا جاء نصر الله والفتح" قالوا فتح‬
‫المدائن والقصور قال‪ :‬ما تقول يا ابن عباس؟ قال "أجل أو مثل‬
‫ضرب لمحمد صلى الله عليه وسلم ينعي له نفسه" البخاري‬
‫وعن عائشة رضى الله عنها قالت‪ :‬أقبلت فاطمة تمشى كأن‬
‫مشيتها ً مشي النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم "مرحبا ً يا بنيتي" ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله‬
‫ثم أسر إليها حديثا ً فبكت فقلت لها لم تبكى؟ ثم أسر إليها حديثا ً‬
‫فضحكت فقالت‪ :‬ما رأيت كاليوم فرحا ً أقرب من حزن فسألتها‬
‫عما قال فقالت ما كنت لفشي سر النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فسألتها فقالت أسر إلى‬
‫"أن جبريل كان يعارضني القرآن مرة وأنه عارضني العام مرتين‬
‫ول أراه إل حضر أجلي ‪ ،‬وأنك أول أهل بيتي لحاقا ً بي" فبكيت‬
‫فقال "أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء‬
‫المؤمنين" فضحكت لذلك )البخاري ومسلم(‪.‬‬
‫وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال‪ :‬خطب رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم الناس وقال‪" :‬إن الله خّير عبدا ً بين الدنيا‬
‫وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله" قال "فبكى أبو بكر‬
‫فعجبنا لبكائه وكان أبو بكر آنذاك أعلمنا" البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وتقول عائشة رضى الله عنها‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وهو صحيح يقول "إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده‬
‫من الجنة ثم يحيا أو يخير" فلما اشتكى ورأسه على فخذ عائشة‬
‫غشى عليه فلما أفاق شخص ببصره نحو سقف البيت ثم قال‬
‫"اللهم الرفيق العلى" فقلت إذا ً ل يجاورنا فعرفت أنه حديثه‬
‫الذي كان يحدثنا وهو صحيح" البخاري‬
‫ب‪ -‬وهكذا يتضح لنا في نهاية هذا المبحث أن الرسول كان يعلم‬
‫قرب أجله وأنه خّير بين الخلد في الدنيا ولقاء الله فاختار صلى‬
‫الله عليه وسلم لقاء ربه وأن الله أخبره بأن السم الذي دس له‬
‫في شاة زينب بنت الحارث اليهودية قد سبب انقطاع البهر‪.‬‬
‫‪http://www.science4islam.com/index.aspx?act=da&id=349‬‬
‫الخلصة‪:‬‬
‫)‪ (1‬أن الله حقق للنبي صلى الله عليه وسلم معجزة مادية بأن‬
‫جعل الذراع يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مسموم‪.‬‬

‫‪401‬‬
‫)‪ (2‬أن الله حقق للنبي صلى الله عليه وسلم معجزة علمية‬
‫شاهـدة على صدق نبوته وعلى أنه ل ينطق عن الهوى‪.‬‬
‫العجاز العلمي في الحديث‪:‬‬
‫‪ -1‬معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم لمرض انقطاع البهر‬
‫بأكثر من ألف عام لمعرفة العلماء لهذا المرض‪.‬‬
‫‪ -2‬إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم أن التسمم يسبب مرضا‬
‫للبهر وهذا لم يعرف إل حديثا ً ومازال ل يذكر في معظم كتب‬
‫أمراض القلب‪.‬‬
‫‪ -3‬أن الله أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بقرب أجله وأخبره‬
‫بسبب الوفاة إذ لم يعرف هذا المرض بصورة قاطعة إل في‬
‫القرن التاسع عشر‪.‬‬
‫‪ -4‬احتجام الرسول بعد أن طعم السم من ذراع الشاة يحتاج إلى‬
‫بحث عن تأثير الحجامة على علج بعض السموم‪.‬‬
‫====================‬
‫شبهات حول أميته‬
‫شبهة إنكار أمية الرسول الكريم و الرد عليها‬
‫الدكتور مسلم محمد جودت اليوسف‬
‫إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره ‪ ،‬و نعوذ بالله من‬
‫شرور أنفسنا ‪ ،‬و من سيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده الله فل مضل‬
‫له ‪ ،‬و من يضلل فـل هادي لـه ‪ ،‬و أشهد أن ل إله إل الله وحده ل‬
‫شريك لـه ‪ ،‬و أشهد أن محمدا ً عبده و رسولـه]‪. …[1‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِّل وَأن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫موت ُ ّ‬
‫قات ِهِ َول ت َ ُ‬ ‫حقّ ت ُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫مون { ] آل عمران ‪. [ 102 :‬‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫وا‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ها‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫يا‬ ‫}‬
‫ٍ َ ِ َ ٍ َ َ َ‬ ‫ْ ِ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ّ ُ‬ ‫ّ ُ ّ‬ ‫َ َّ‬
‫ذي‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ّ‬
‫قوا الل َ‬ ‫ساًء َوات ّ ُ‬ ‫ً‬
‫جال ً ك َِثيرا وَن ِ َ‬ ‫ما رِ َ‬ ‫من ْهُ َ‬ ‫ث ِ‬ ‫جَها وَب َ ّ‬ ‫من َْها َزوْ َ‬ ‫ِ‬
‫م َرِقيبا ً { ] النساء ‪[ 1 :‬‬ ‫َ‬
‫ن ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫كا َ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫ن ب ِهِ َواْلْر َ‬ ‫ساَءُلو َ‬ ‫تَ َ‬
‫َ‬
‫ح ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫صل ِ ْ‬ ‫ديدا ً * ي ُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ه وَُقوُلوا قَوْل ً َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫وزا ً‬ ‫َ‬
‫قد ْ َفاَز فَ ْ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫سول َ ُ‬‫ه وََر ُ‬ ‫ن ي ُط ِِع الل ّ َ‬ ‫م ْ‬‫م وَ َ‬ ‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫م وَي َغْ ِ‬ ‫مال َك ُ ْ‬ ‫أع ْ َ‬
‫ظيما ً { ] الحزاب ‪. [ 71 – 70 :‬‬ ‫عَ ِ‬
‫و بعد ‪:‬‬
‫وردني عن طريق الشيخ الدكتور أحمد نجيب حفظه الله تعالى‬
‫أن مهندسا ً في جنوب سورية يثير العديد من الشبه حول‬
‫الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم و الشريعة السلمية و‬
‫مصادرها ‪ ،‬و قد كلفني الشيخ مشكورا ً بالرد على هذه الشبه‬
‫لبيان الحق و نصرته ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬
‫فقلت مستعينا ً بالله تعالى ‪:‬‬

‫‪402‬‬
‫م‬‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬ ‫مُنوا ِفي ال ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سل ََنا َوال ّ ِ‬ ‫صُر ُر ُ‬ ‫) إ ِّنا ل َن َن ْ ُ‬
‫د( )غافر‪(51:‬‬ ‫شَها ُ‬ ‫اْل َ ْ‬
‫ذلك أن شبهة إنكار أمية الرسول صلى الله عليه وسلم قديمة و‬
‫ليست حديثة كما يظن البعض ‪.‬‬
‫جاء في دائرة المعارف في مادة أمي ‪:‬‬
‫) أمي لقب محمد في القرآن ‪ ،‬و هو لقب يرتبط من بعض‬
‫الوجوه بكلمة " أمة " و لكن يظهر أنه ليس مشتقا ً منها‬
‫مباشرة ‪ ،‬لنه لم يظهر إل بعد الهجرة و يختلف معناه عن معنى‬
‫كلمة " أمة " التي كانت شائعة قبل الهجرة ( ‪.‬‬
‫و جاء في السياق نفسه قوله ‪ ) :‬و قد استدل قوم بإطلق لفظ‬
‫أمي على محمد بأنه لم يكن يقرأ و ل يكتب ‪ .‬و الحقيقة أن كلمة‬
‫أمي ل علقة لها بهذه المسألة لن الية ‪ 78‬من سورة البقرة‬
‫التي تدعو إلى هذا الفتراض ل ترمي الميين بالجهل بالقراءة و‬
‫الكتابة بل ترميهم بعدم معرفتهم بالكتب المنزلة ( ‪.‬‬
‫ثم جاء في هذا العصر من يجتر و يثير هذه الشبهة من جديد ثم‬
‫يلقيها على الناس حتى يفسد عليهم دينهم الذي ارتضاه الله‬
‫لهم ‪.‬‬
‫و لعل أهم نقاط الشبهة تتمثل في تفسير كلمتي المي ‪ ،‬و اقرأ ‪:‬‬
‫أول ً – تفسير كلمة المي ‪:‬‬
‫‪ -‬ادعى هذا المبتدع أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم‬
‫كان يعلم القراءة و الكتابة و دليله على ذلك هو الفهم المحرف‬
‫ي ال ّ ِ‬ ‫ُ‬
‫ه‬
‫دون َ ُ‬
‫ج ُ‬‫ذي ي َ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ي اْل ّ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫َ‬ ‫لقوله تعالى ‪ ) :‬ال ّ ِ‬
‫ذي‬
‫ْ‬
‫م‬
‫ف وَي َن َْهاهُ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫مُرهُ ْ‬ ‫ل ي َأ ُ‬ ‫جي ِ‬ ‫م ِفي الت ّوَْراةِ َواْل ِن ْ ِ‬ ‫عن ْد َهُ ْ‬ ‫مك ُْتوبا ً ِ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ع‬ ‫ض‬
‫َ َ ِ َ ََ َ ُ َُْ ْ‬‫ي‬ ‫و‬ ‫ث‬ ‫ئ‬ ‫با‬‫خ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫َّ ِ َُ َ ّ ُ َ ِْ ُ‬‫م‬ ‫ر‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫با‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ط‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ ْ ِ َُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ ِ‬
‫مُنوا ب ِهِ وَع َّزُروهُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫م َفال ِ‬ ‫َ‬
‫ت ع َلي ْهِ ْ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ل الِتي َ‬ ‫ّ‬ ‫غل َ‬ ‫ْ‬
‫م َوال ْ‬ ‫صَرهُ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن(‬‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه أول َئ ِ َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ذي أن ْزِ َ‬ ‫صُروه ُ َوات ّب َُعوا الّنوَر ال ّ ِ‬ ‫وَن َ َ‬
‫)لعراف‪ (157:‬فمعنى لفظ " المي " بحسب زعمه هو غير‬
‫يهودي أو غير كتابي و ليس معناها الذي ل يعرف الكتابة و‬
‫القراءة ‪ .‬ثم يدعم شبهته بتفسير محرف آخر لقوله تعالى ‪:‬‬
‫م ال ْك َِتا َ‬
‫ب‬ ‫مهُ ُ‬ ‫ك وَي ُعَل ّ ُ‬‫م آَيات ِ َ‬ ‫م ي َت ُْلو ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫سول ً ِ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ث ِفيهِ ْ‬ ‫) َرب َّنا َواب ْعَ ْ‬
‫َ‬
‫م ( ) البقرة ‪ . (129:‬و‬ ‫كي ُ‬‫ح ِ‬ ‫زيُز ال ْ َ‬ ‫ت ال ْعَ ِ‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫م إ ِن ّ َ‬ ‫كيهِ ْ‬ ‫ة وَي َُز ّ‬ ‫م َ‬‫حك ْ َ‬ ‫َوال ْ ِ‬
‫الدليل على ذلك ‪ -‬بحسب زعمه ‪ -‬أن قريشا ً كانوا يتهمون‬
‫الرسول بأنه يؤلف القرآن و هي تهمة كان من شأنها أن تبدو‬
‫مستحيلة و مضحكة لو كان الرسول حقا ً ل يحسن القراءة و‬
‫الكتابة ‪.‬‬
‫هذه هي مجمل أدلة هذه البدعة و فيما يلي الرد على هذه‬
‫البدعة المضلة و بيان الحق المبين الذي عليه سلف هذه المة ‪:‬‬

‫‪403‬‬
‫‪ -‬للرد على هذه الشبهة نعود إلى أهل اللغة و أهل التفسير لنرى‬
‫ما معنى كلمة " أمي " عندهم فهم أعلم بمراد الله تعالى ‪ ،‬يقول‬
‫جب َل َْته أمه أي‬ ‫ابن منظور ‪ ) :‬معنى المي المنسوب إلى ما عليه َ‬
‫ل يكتب فهو أمي لن الكتابة مكتسبة فكأنه نسب إلى ما يولد‬
‫عليه أي على ما ولدته أمه عليه ( ]‪.[2‬‬
‫و قال الزهري ‪ ) :‬قيل للذي ل يكتب و ل يقرأ أمي ‪ ،‬لنه على‬
‫حيلته التي ولدته أمه عليها و الكتابة مكتسبة متعلمة و كذلك‬
‫القراءة من الكتاب (]‪. [3‬‬
‫و قال الراغب الصبهاني ‪ ) :‬المي هو الذي ل يكتب و ل يقرأ من‬
‫كتاب ‪ ،‬و عليه حمل قول تعالى ‪ ) :‬هو الذي بعث في الميين‬
‫رسول ً منهم …‪. [4] ( .‬‬
‫أما ابن قتيبة فقد نسب كلمة أمي إلى أمة العرب التي لم تكن‬
‫تقرأ أو تكتب فقال ‪ ) :‬قيل لمن ل يكتب أمي ‪ ،‬لنه نسب إلى‬
‫أمة العرب أي جماعتها و لم يكن من يكتب من العرب أي‬
‫جماعتها و لم يكن من يكتب من العرب إل قليل من ل يكتب إلى‬
‫المة … (]‪. [5‬‬
‫و مما سلف نرى أن كلمة أمي تعني عند أئمة اللغة ‪ :‬الذي ل‬
‫يقرأ و ل يكتب و ليس كما يدعي هذا المبتدع أن معناها غير‬
‫الكتابي أو غير اليهودي ‪.‬‬
‫أما تفسير كلمة أمي عند أهل التفسير فإننا نراهم قد اتفقوا مع‬
‫أهل اللغة حول معنى هذه الكلمة ‪:‬‬
‫قال المام الطبري عليه رحمة الله تعالى ‪ :‬يعني بالميين الذين‬
‫ل يكتبون و ل يقرءون ‪ ،‬ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم إنا‬
‫أمة أمية ل نكتب و ل نحسب ‪.[6] ( ....‬‬
‫أما المام الشوكاني عليه رحمة الله تعالى فقد فسر المي بأنه ‪:‬‬
‫منسوب إلى المة المية التي هي على أصل ولدتها من أمهاتها‬
‫لم تتعلم الكتابة و ل تحسن القراءة للمكتوب (]‪. [7‬‬
‫ثانيا ً – تفسير كلمة اقرأ ‪-:‬‬
‫يأتي هذا المبتدع بتفسير مضحك لمعنى " اقرأ " فقد فسر كلمة‬
‫خل َقَ ( ) العلق ‪:‬‬ ‫ْ‬
‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫سم ِ َرب ّ َ‬
‫اقرأ في قوله تعالى ‪ ) :‬اقَْرأ ِبا ْ‬
‫‪ ( 1‬ببلغ و ليس أمر القراءة المعروف عند أهل اللغة و التفسير‬
‫بل و من في قلبه قليل من الفقه و الفهم ‪.‬‬
‫ْ‬
‫خل َ َ‬
‫ق‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫سم ِ َرب ّ َ‬
‫إن معنى كلمة اقرأ في قوله تعالى ‪ ) :‬اقَْرأ ِبا ْ‬
‫( ) العلق ‪ ( 1 :‬هو مجرد فعل القراءة و ليس التبليغ كما يدعي‬
‫هذا المبتدع ‪ ،‬لن الفعل قد جاء مكسور الهمزة من قرأ – يقرأ –‬
‫اقترأ الكتاب بمعنى نطق بالمكتوب فيه و ألقى النظر عليه و‬
‫طالعه ‪.‬‬

‫‪404‬‬
‫و قرأ الكتاب تتبع ما فيه و قرأ الية نطق بها ‪ [8] ،‬و أقرأ اسم‬
‫تفضيل من قرأ أي أجود قراءة – و استقرأه طلب منه أن يقرأ و‬
‫القّراء الحسن القراءة ]‪.[9‬‬
‫و بعد هذا فإن فعل اقرأ في أول سورة العلق لم يكن المراد به‬
‫المر بالتبليغ ‪ ،‬فلو كان دال ً على التبليغ فيجب أن يأتي من ‪:‬‬
‫أقرأ – يقرئ – أقرئ ‪ ،‬و ذلك بإيراد همزة التعدية نقول أقرأ فلنا ً‬
‫السلم ‪ ،‬و أقرأه إياه أي بلغه ‪ ،‬وفي الحديث عن عائشة رضي‬
‫الله عنها أنها قالت ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ً‬
‫يا عائش هذا جبريل يقرئك السلم … ( ]‪[10‬‬
‫و نجد الزمخشري في أساس البلغة يقول ‪ :‬و ل يقال اقرأ‬
‫سلمي على فلن بل أقرئه ( ‪.‬‬
‫و نستدل من ذلك أن قوله تعالى ‪ ) :‬اقرأ باسم ربك ( يراد منه‬
‫المر بالقراءة و ل يراد منه التبليغ ‪ ،‬لنه لو كان ذلك لوجب أن‬
‫يقول أقرئ و يكون المحذوف هو مفعول الفعل طلبا ً للختصار ‪.‬‬
‫و ورد في لسان العرب أقرأ غيره إقراء و منه قوله تعالى‬
‫) سنقرئك فل تنسى ( ‪.‬‬
‫و الواقع لو كان معنى اقرأ في آية العلق بلغ لستوعبه الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم لول وهلة ‪ ،‬و لم يحتج – و هو على صواب‬
‫– بأنه غير قادر على القراءة عندما خاطبه جبريل لول مرة ‪ :‬ما‬
‫أنا بقارئ ‪ ،‬لنه في هذه الحالة سيكون قد عصى أمر ربه ‪ ،‬و لم‬
‫يصدع بما أمر به أما و إنه كان عاجزا ً عن القراءة التي بمعنى‬
‫فعل القراءة فإنه كان مصيبا ً أي غير قادر على القراءة و الكتابة‬
‫عن عائشة رضي الله عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬أول ما بدئ به رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان‬
‫ل يرى رؤيا إل جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلء ‪ ،‬فكان‬
‫يخلو بغار حراء يتحنث فيه و هو التعبد الليالي أولت العدد قبل‬
‫أن يرجع إلى أهله و يتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فتزوده‬
‫لمثلها حتى جاءه الحق و هو في غار حراء فجاءه الملك ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫اقرأ ‪ ،‬قال ‪ :‬ما أنا بقارئ ‪ ،‬قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني‬
‫الجهد ثم أرسلني ‪ ،‬فقال لي اقرأ ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت ما أنا بقارئ ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫اقرأ باسم ربك الذي خلق حتى بلغ ما لم يعلم ‪ ،‬قال ‪ :‬فرجع بها‬
‫ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال ‪ :‬زملوني زملزني‬
‫فزملوه حتى ذهب عنه الريع …‪.[11] ( .‬‬
‫الرسـول الكريم صلى الله عليه وسلم أخبر الملك بأنه ل يعرف‬
‫القراءة و الكتابة فلو كان مدلول اقرأ في مفتتح السورة بمعنى‬
‫بلغ لكان قوله صلى الله عليه وسلم ) ما أنا بقارئ ( و عدم‬

‫‪405‬‬
‫جوازه على الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فإنه لم يقل بهذا‬
‫القول أحد من قبل ‪.‬‬
‫و هذا و بالضافة إلى ما سبق أورد العديد من الدلة من القرآن‬
‫الكريم و السنة النبوية الشريفة و التي تثبت بطلن ما يدعيه هذا‬
‫المبتدع‬
‫‪ -1‬القرآن الكريم ‪:‬‬
‫مين ِ َ‬
‫ك‬ ‫ه ب ِي َ ِ‬ ‫ّ‬
‫خط ُ‬‫ب َول ت َ ُ‬
‫ن ك َِتا ٍ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬
‫ت ت َت ْلو ِ‬ ‫قال تعالى ‪ ) :‬وَ َ‬
‫ن ( ) العنكبوت ‪. ( 48 :‬‬ ‫مب ْط ُِلو َ‬
‫ب ال ْ ُ‬
‫ِإذا ً لْرَتا َ‬
‫يبين البيان اللهي أن محمدا ً ‪ -‬صلى الله عليه وسلم لم يقرأ قبل‬
‫القرآن كتابا ً بسبب أميته و لو كان يكتب و يقرأ لرتاب الذين في‬
‫قلبهم مرض ‪ ،‬ثم إن مجرور من إذا كان نكرة يدل على الزمن‬
‫المطلق عندما يكون منفيا ً ‪ ،‬أي أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫لم يكن يعلم القراءة و الكتابة و لم يتعلمها ل قبل البعثة و ل‬
‫بعدها بل ظل أميا ً ل يقرأ و ل يكتب حتى توفاه الله تعالى ‪.‬‬
‫قال النحاس ‪ ) :‬و ذلك دليل على نبوته ‪ ،‬لنه ل يكتب و ل يخالط‬
‫أهل الكتاب فجاءهم بأخبار النبياء و المم و زالت الريبة‬
‫والشك ( ]‪.[12‬‬
‫أما ما ذكره النقاش في تفسير هذه الية عن الشعبي أنه قال ما‬
‫مات النبي صلى الله عليه وسلم حتى كتب و أسند حديث كبشة‬
‫السلولي ‪ ،‬مضمنه ‪ :‬أنه صلى الله عليه وسلم قرأ صحيفة لعيينة‬
‫بن حصن ‪ ،‬و اخبر بمعناها ‪.‬‬
‫قال أهل العلم أن هذا كله ضعيف و ل يصح ل سندا ً و ل متنا ً ‪].‬‬
‫‪ [13‬فمدار هذه الرواية عن عيينة بن حصن و عيينة هذا لم تصح‬
‫له رواية أبدا ً ]‪.[14‬‬
‫‪ -2‬في الحديث النبوي الشريف ‪:‬‬
‫‪ -‬عن سعيد بن عمرو بن سعيد أنه سمع بن عمر رضي الله‬
‫عنهما يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ :‬إنا أمة أمية‬
‫ل نكتب و ل نحسب ‪ ،‬الشهر هكذا و هكذا و هكذا و عقد البهام‬
‫في الثالثة و الشهر هكذا و هكذا يعني تمام ثلثين ( ]‪.[15‬‬
‫هذا الحديث يدل دللة المفهوم و المنطوق على أن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم كان ل يكتب ول يحسب ‪ ،‬كما يجب أن ل نفهم‬
‫أن معنى هذا الحديث أنه ل يوجد في أمة العرب من يعلم‬
‫القراءة والكتابة ‪ ،‬بل كان فيهم من يعلم ذلك ‪ ،‬بيد أن هذا قليل‬
‫جدا ً ‪ ،‬لذلك كان الحكم للغالب ‪.‬‬
‫قال الحوذي ‪ ) :‬قال صلى الله عليه وسلم إنا أمة أمية ل نكتب‬
‫و ل نحسب أراد أنهم على أصل ولدة أمهم لم يتعلموا الكتابة و‬
‫الحساب فهم على جبلتهم الولى ( ]‪.[16‬‬

‫‪406‬‬
‫إضافة إلى هذا فإن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم اتخذ‬
‫لنفسه كتابا ً يكتبون الوحي و لم يذكر التاريخ الصادق أنه صلى‬
‫الله عليه وسلم قام بكتابة الوحي بنفسه ‪ ،‬ولو كان عالما ً‬
‫بالقراءة و الكتابة لفعل ذلك و لو لمرة واحدة ‪ ،‬و لكن لم يؤثر‬
‫عنه ذلك ‪ ،‬و لعل عقد صلح الحديبية يبين هذا ‪:‬‬
‫‪ -‬عن البراء قال لما أحصر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن‬
‫البيت صالحه أهل مكة على أن يدخلها فيقيم بها ثلثا ً و ل يدخلها‬
‫إل بجلبان السلح السيف و قرابه و ل يخرج معه أحد من أهلها و‬
‫ل يمنع أحدا ً أن يمكث بها ممن كان معه ‪ ،‬فقال لعلي ‪ :‬اكتب بيننا‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ‪،‬‬
‫فقال المشركون ‪ :‬لو نعلم أنك رسول الله تابعناك و لكن اكتب‬
‫محمد بن عبد الله ‪ .‬قال ‪ :‬فأمر عليا ً أن يمحوها ……‪[17]. ( .‬‬
‫و ربما يحتج محتج بحديث ذكر الدجال المكتوب بين عينيه كافر‬
‫بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قرأ هذه الكلمة بما يعني‬
‫أنه كان يعلم القراءة ‪.‬‬
‫نقول ردا ً على هذه الشبهة بنص الحديث الوارد عن حذيفة و‬
‫الذي ينص على كلمة كافر يقرؤها كل مؤمن كاتب و غير كاتب ‪.‬‬
‫‪ -‬عن حذيفة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا‬
‫أعلم بما مع الدجال منه ‪ ،‬معه نهران يجريان أحدهما رأي العين‬
‫ماء أبيض و الخر رأي العين نار تأجج ‪ ،‬فإما أدركه أحد فليأت‬
‫النهر الذي يراه نارا ً و ليغمض ‪ ،‬ثم ليطأطئ رأسه فليشرب منه‬
‫فإنه ماء بارد و إن الدجال ممسوح العين عليها ظفرة غليظة‬
‫مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب و غير كاتب ( ]‬
‫‪.[18‬‬
‫و في رواية التي رواها المام أحمد مكتوب بين عينيه كافر مهجاة‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬عن جابر بن عبد الله أنه قال ‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يخرج الدجال في خفقة من الدين و أدبار من العلم فله‬
‫أربعون ليلة يسيحها في الرض اليوم منها كالسنة و اليوم منها‬
‫كالشهر و اليوم منها كالجمعة ثم سائر أيامه كأيامكم هذه و لـه‬
‫حمار يركبه عرض ما بين اليسرى أربعون ذراعا ً فيقول للناس أنا‬
‫ربكم و هو أعور و إن ربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر ك‬
‫ف ر مهجاة يقرؤه كل مؤمن كاتب و غير كاتب ‪.[19] ( ....‬‬
‫أما الحكم على من يقول أو يروج هذه القوال المبتدعة ‪ ،‬فهو بل‬
‫شك على غير هدى من الله تعالى و عليه التوبة من هذه البدع‬
‫الضالة المضلة ‪ .‬و على أهل العلم و طلبه مناصحته و أمره‬
‫بالمعروف و نهيه عن المنكر حتى يعود إلى صوابه و رشده أو‬

‫‪407‬‬
‫يسحق من الله و من أولي العزم ما يستحق إن استمر على‬
‫نهجه هذا و طغيانه ‪.‬‬
‫و ل يمكنني أن أحكم على هذا المبتدع بأكثر من هذا لشح أخباره‬
‫عني ‪ ،‬لذلك أتمنى على من يقرأ هذا الرد أن يمدني بكتب و‬
‫مصنفات و أقاويل هذا الرجل لكي أدرسها دراسة أعمق و أشمل‬
‫فيكون الرد عليه وعلى بدعه أعمق و أحكم و أدق و أوضح ‪ .‬و‬
‫الله المستعان ‪.‬‬
‫ه‬
‫مات ِ ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫حقّ ب ِك َل ِ َ‬ ‫حقّ الل ّ ُ‬‫و أختم قولي هذا بقول الله تعالى ‪ ) :‬وَي ُ ِ‬
‫ن ( ) يونس ‪.( 82 :‬‬ ‫مو َ‬‫جرِ ُ‬ ‫وَل َوْ ك َرِه َ ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫‪---------------------------‬‬
‫]‪ - [1‬هذه الخطبة تسمى عند أهل العلم بخطبة الحاجة ‪ ،‬و هي‬
‫تشرع بين يدي كل خطبة ‪ ،‬سواء كانت خطبة جمعة أو عيد أو‬
‫مـقدمة كتاب …إلخ ‪.‬‬
‫]‪ - [2‬لسان العرب لبن منظور ‪ ،‬ج ‪.12/34‬‬
‫]‪ - [3‬الزاهر للزهري الهروي ‪ ،‬ج ‪.1/109‬‬
‫]‪ - [4‬غريب القرآن ‪ ،‬للراغب الصبهاني ‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫]‪ - [5‬غريب الحديث ‪ ،‬لبن قتيبة ‪ ،‬ج ‪.1/84‬‬
‫]‪ - [6‬تفسير الطبري ‪ ،‬ج ‪. 1/373‬‬
‫]‪ - [7‬فتح القدير ‪ ،‬ج ‪.1/104‬‬
‫]‪ - [8‬المنجد في اللغة و العلم ‪ ،‬ص ‪.617‬‬
‫]‪ - [9‬المعجم الوسيط ‪ ،‬ج ‪.2/253‬‬
‫]‪ - [10‬صحيح البخاري ‪ ،‬ج ‪.3/1374‬‬
‫]‪ - [11‬صحيح مسلم ‪ ،‬ج ‪ .1/141‬صحيح البخاري ‪ ،‬ج ‪.1/4‬‬
‫]‪ - [12‬فتح القدير ‪ ،‬ج ‪-4/207‬تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪.13/351‬‬
‫]‪ - [13‬تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪.13/352‬‬
‫]‪ - [14‬الصابة في تمييز الصحابة ‪ ،‬ج ‪.4/767‬‬
‫]‪ - [15‬صحيح مسلم ‪ ،‬ج ‪ -2/716‬صحيح البخاري ‪ ،‬ج ‪.2/675‬و‬
‫اللفظ للمام مسلم ‪.‬‬
‫]‪ - [16‬تحفة الحوذي ‪ ،‬ج ‪ -8/212‬و انظر شرح النووي على‬
‫صحيح مسلم ‪ ،‬ج ‪.7/192‬‬
‫]‪ - [17‬صحيح مسلم ‪ ،‬ج ‪ -3/1410‬مصنف ابن أبي شيبة ‪ ،‬ج‬
‫‪.7/383‬‬
‫]‪ - [18‬صحيح مسلم ‪ ،‬ج ‪.4/2249‬‬
‫]‪ - [19‬مسند اإمام أحمد ‪ ،‬ج ‪.3/367‬‬
‫‪-‬منقول من صيد الفوائد‪-‬‬
‫ملحظة*‪/‬‬

‫‪408‬‬
‫صلى الله‬ ‫وسلم ‪yam.com/vb/showth‬‬ ‫صلى الله عليه‬ ‫‪http://www.ebnma‬‬
‫وسلم ‪ead.php?t=497‬‬ ‫عليه‬
‫‪--------------------‬‬
‫أمية محمد صلى الله عليه و سلم في ميزان الحق‬
‫الحمد لله رب العالمين ‪ ،‬و الصلة و السلم على أشرف‬
‫المرسلين و خير خلق الله أجمعين سيدنا محمد بن عبد الله‬
‫مي العربي النذير المبين الصادق المين ‪ ،‬و على آله و‬ ‫النبي ال ّ‬
‫صحبه و سلم تسليما كثيرا ‪ .........‬و بعد ‪،،،‬‬
‫ما من شك يخالج نفسية المسلم في أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قد بعثه ربه ‪ I‬إلى الناس كافة ‪ ،‬و قد شاءت ارادة‬
‫الله تعالى و حكمته أن يكون هذا النبي المبعوث رحمة للناس‬
‫أميا ل يدري ما الكتاب و ل يخطه بيمينه !‪ ..‬و لم يكن هذا حال‬
‫نبينا صلى الله عليه وسلم فحسب ‪ ،‬بل كان حال أغلبية العرب‬
‫سول ً‬ ‫ن َر ُ‬ ‫مّيي َ‬‫ث ِفي ال ُ ّ‬ ‫ذي ب َعَ َ‬ ‫كافة كما قال الله تعالى ‪ ( :‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫ة وَِإن‬
‫م َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬
‫حك ْ َ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫م وَي ُعَل ّ ُ‬
‫مه ُ ُ‬ ‫كيهِ ْ‬‫م آَيات ِهِ وَي َُز ّ‬‫م ي َت ُْلو ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن ) ‪ -‬الجمعة ‪. 2 :‬‬ ‫ضل َ ٍ‬ ‫َ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مِبي ٍ‬‫ل ّ‬ ‫في َ‬ ‫لل ِ‬ ‫كاُنوا ِ‬
‫فمما هو معروف و قد ذهب إليه أغلب الئمة و المفسرين أن‬
‫أولئك الميين المذكورين في الية الكريمة هم العرب ؛ و في‬
‫حديث ابن عمر ‪ t‬عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪ :‬إنا‬
‫أمة أمية ل نكتب و ل نحسب الشهر هكذا و هكذا – بخاري ‪/‬‬
‫‪ 1913‬و مسلم ‪ ،1080 /‬فالعرب كانوا قوم ل ثقافة لهم و ل‬
‫علوم و ل اطلع على ثقافات العالم المتحضر أنذاك ‪ ،‬إل قليل‬
‫منهم بالطبع ‪ ،‬كذلك كانوا قوم ل دين لهم يتبعونه و ل كتاب لهم‬
‫يقرأونه أي أنهم كانوا أمة على أصل ولدتها ‪ ،‬لم تتعلم الكتابة ول‬
‫مية ‪ .‬و لكن‬ ‫قراءتها ؛ و هذا قد جعل القرآن الكريم يصفهم بال ّ‬
‫أهل الكتاب في خلل نقاشهم الدائم مع المسلمين ل يقبلون هذا‬
‫المر ‪ ،‬بل و يحاولون أن يتخذونه مولجا إلى أن ثقافة محمد هي‬
‫مصدر القرآن الكريم ‪ .‬ففي بعض مؤلفات النصارى و مواقعهم‬
‫على شبكة النترنت نقرأ مقالت و مؤلفات تحاول تفسير هذا‬
‫الموضوع بشكل مغاير تماما للمفهوم السلمي فتخلط ما بين‬
‫ي ‪ ،‬إلى تنتهي‬ ‫ي و المم ّ‬ ‫مميّين ‪ ،‬و ما بين الم ّ‬ ‫المّيين و ال َ‬
‫بالقاريء إلى أن المسلمين ل يفهمون كتابهم الذين يرتلونه في‬
‫صلواتهم أناء الليل و أطراف النهار !!‬
‫و من الذي يفهمه ‪ ،‬و يشرح معاني أياته للناس ؟!!‪ ..‬أهم‬
‫النصارى الذين ل يعترفون به أصل ككلم الله ؟!!!‬

‫‪409‬‬
‫و قبل أن نتطرق معا إلى مؤلفاتهم و مقالتهم ‪ ،‬تعالوا معا نعرف‬
‫ي؟و‬ ‫مسبقا ما هي المّية ؟ و ما هي الممّية ؟ ‪ ،‬و من هو الم ّ‬
‫ي ؟ و ما الفرق بينهما ؟‬ ‫من هو المم ّ‬
‫ي ( هو الذي ل يقرأ و‬ ‫يقول المعجم الوجيز – باب أ م ي ‪ ) :‬الم ّ‬
‫ل يكتب ‪ ،‬و ) المّية ( مصدر صناعي بمعنى الجهل بالقراءة و‬
‫الكتابة ‪ ،‬و ) الممي ( هو من ليس من أهل الكتاب ‪ ،‬و بذلك‬
‫تكون ) الممية ( مصدر صناعي بمعنى عدم النتماء لملة أهل‬
‫الكتاب يهود كانوا أم نصارى ‪ .‬و كما نرى فإن الفارق واضح هنا‬
‫في المعنى ‪ ،‬و لكن أهل الكتاب يصرون على أن الكلمتين بمعنى‬
‫واحد و هذا خطأ !! و نتساءل ‪ :‬من أين جاء لديهم هذا الخلط ؟!‬
‫يقول الله تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم ‪ .. ( :‬وَقُ ْ‬
‫ل‬
‫دوا ْ ‪) ..‬‬ ‫موا ْ فَ َ‬ ‫ل ّل ّذين ُأوتوا ْ ال ْكتاب وال ُميين أ َأ َسل َمتم فَإ َ‬
‫قد ِ اهْت َ َ‬ ‫سل َ ُ‬
‫نأ ْ‬ ‫ْ ْ ُ ْ ِ ْ‬ ‫َِ َ َ ّ ّ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬
‫‪ -‬آل عمران ‪ . 20 :‬و يفهم من الية الكريمة التفرقة بين أهل‬
‫الكتاب و الميين ‪ ،‬و لن النصارى يطلقون لفظ ) المم ( على‬
‫غير المؤمنين برسالة المسيح ‪ u‬كما نقرأ في العهد الجديد ‪:‬‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫م ُ‬‫) َفاذ ْهَُبوا وَت َل ْ ِ‬
‫ب َوال ِب ْ ِ‬ ‫سم ِ ال ِ‬ ‫م ِبا ْ‬ ‫دوهُ ْ‬
‫م ُ‬
‫مم ِ وَع َ ّ‬‫ميعَ ال َ‬
‫ج ِ‬
‫ذوا َ‬
‫س ( متى ‪ ، 19 : 28‬هذا غير أن ) المم ( مصطلح‬ ‫قد ُ ِ‬ ‫ح ال ْ ُ‬
‫َوالّرو ِ‬
‫يهودي مستخدم في العهد القديم للدللة على غير اليهود ‪ .‬فمن‬
‫هنا جاء هذا الخلط العمى !‬
‫و لكن حقيقة المر نجد أن القرآن الكريم في الية السابقة ل‬
‫يخلط في المعني بمفهوم أهل الكتاب ‪ ،‬و لكن الله تعالى يقول‬
‫لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم ‪ :‬يا محمد قل لهل الكتاب‬
‫من المّليين و كذلك مشركي العرب ) الميين ( هل تدخلون في‬
‫دين السلم ؟ ‪ ،‬و ليس المقصد هنا بأن الميين هم المميين ‪.‬‬
‫يقول المام القرطبي مفسرا هذه الية ‪ :‬أهل الكتاب يعني اليهود‬
‫والنصارى والميين الذين ل كتاب لهم وهم مشركو العرب‪– .‬‬
‫تفسير القرطبي لسورة أل عمران ‪. 20 :‬‬
‫أيضا نقول أن القرآن الكريم إذ يطلق مصطلح ) الميين ( للدللة‬
‫على مشركي العرب ‪ ،‬فليس معنى هذا أن العرب كلهم يجهلون‬
‫القراءة و الكتابة ! ‪ ،‬فنحن طبعا نقرأ في كتب السيرة أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قد استعان بعدد من كّتاب الوحي لتدوين‬
‫القرآن الكريم فور نزوله ‪ ،‬أيضا نقرأ أن عمر بن الخطاب ‪ t‬قد‬
‫أسلم بعد أن قرأ جزء من سورة طه ‪ ،‬أيضا نقرأ أن مشركى‬
‫مكة قبل الهجرة قد كتبوا صحيفة مقاطعة للمسلمين و وضعوها‬
‫في الكعبة ‪ ،‬كذلك كان في أسرى معركة بدر من الكفار من أراد‬
‫افتداء نفسه أن يعلم عشرة من صبيان المسلمين القراءة و‬
‫الكتابة ‪ ،‬و في التاريخ نقرأ عن المعلقات السبعة و هي قصائد‬

‫‪410‬‬
‫عرف عنها أنها كانت ُتكتب على صحائف و تعّلق في السواق و‬ ‫ُ‬
‫المنتديات العربية قبل السلم ‪ .. ،‬و غير هذا مما يدل على أن‬
‫العرب كان علم القراءة و الكتابة معروف لديهم و لكن كان عدد‬
‫القراء ندرة في هؤلء القوم على عكس القوام الخرى ‪ ،‬فأهل‬
‫الكتاب مثل كانوا يتعلمون العبرانية و اليونانية لقراءة كتبهم التي‬
‫لم تكن قد ترجمت إلى العربية بعد ‪ ،‬و لكن أيضا كان منهم‬
‫الميون الذين ل يقرأون و ل يكتبون كما يقول الله تبارك و تعالى‬
‫عنهم في كتابه الكريم ‪ ( :‬ومنه ُ‬
‫ب إ ِل ّ‬‫ن ال ْك َِتا َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ل َ ي َعْل َ ُ‬ ‫مّيو َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫َ ِ ُْ ْ‬
‫َ‬
‫ن ) ‪ -‬البقرة ‪ ، 78 :‬و الماني قد فسرها‬ ‫م إ ِل ّ ي َظ ُّنو َ‬ ‫ن هُ ْ‬‫ي وَإ ِ ْ‬‫مان ِ ّ‬
‫أ َ‬
‫الحافظ ابن كثير بأنها تلوات أو قراءات محفوظة من التوراة ل‬
‫تتطلب منهم علم القراءة ‪ .‬و كما نرى أن هذه الية تستخدم‬
‫لفظ ) أميون ( للدللة على غير الملمين بالقراءة و الكتابة ل‬
‫على غير اليهود لنها تتحدث عن اليهود !!‬
‫‪ o‬أمية محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم ‪:‬‬
‫كما قلنا شاءت حكمة الله تعالى أن يكون ذلك المبعوث رحمة‬
‫للعالمين صلى الله عليه وسلم رجل أميا ل يقرأ و ل يكتب ‪ ،‬و‬
‫قد ظل صلوات ربي عليه على أميته حتى وافته المنية كما هو‬
‫ثابت في مجمل الحاديث و كتب السيرة ‪ .‬و هذا كي ل يرتاب‬
‫أحد في أنه يتلقى القرآن عن أحد من العالمين مهما كانت ثقافته‬
‫‪ .‬فبعد أن تحدى المولى ‪ U‬العرب أن يأتوا بسورة من مثله و قد‬
‫فشلوا ‪ ،‬كان ذلك التحدي العظم ؛ أن ذلك الذي فشلتم في‬
‫محاكاته و تقليده و أنتم جهابذة الشعر ‪ ،‬قد جاء به هذا النبي‬
‫المي غير المتعلم ! فمن أين جاء به صلوات ربي عليه و‬
‫تسليماته ؟!‪ ..‬قطعا من عند الله رب العالمين ‪.‬‬
‫ت ت َت ُْلو‬ ‫كن َ‬ ‫ما ُ‬ ‫ن الله ‪ U‬على نبيه الكريم و يقول ‪ ( :‬وَ َ‬ ‫و في هذا يم ّ‬
‫ن)‪-‬‬ ‫مب ْط ُِلو َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ك ِإذا ً ل ّْرَتا َ‬ ‫مين ِ َ‬ ‫خط ّ ُ‬
‫ه ب ِي َ ِ‬ ‫ب وَل َ ت َ ُ‬ ‫من ك َِتا ٍ‬ ‫من قَب ْل ِهِ ِ‬ ‫ِ‬
‫العنكبوت ‪ . 48 :‬أي أنك يا محمد قبل أن تقرأ هذا القرآن قد‬
‫لبثت في قومك عمرا ل تقرأ كتابا ول تحسن الكتابة بل كل رجل‬
‫من قومك وغيرهم يعرف أنك رجل أمي ل تقرأ ول تكتب ‪ ،‬و لول‬
‫ذلك لما كانت ريبة المبطلين من المشركين و أهل الكتاب ! إذ‬
‫أنهم يعلمون حق العلم أن محمد صلى الله عليه وسلم رجل أميا‬
‫فمن أين جاء بهذا القرآن ؟‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫مرَِنا َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ُروحا ً ّ‬ ‫حي َْنآ إ ِل َي ْ َ‬
‫ك أوْ َ‬ ‫أيضا يقول الله تعالى ‪ ( :‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫من‬ ‫دي ب ِهِ َ‬ ‫جعَل َْناه ُ ُنورا ً ن ّهْ ِ‬ ‫كن َ‬ ‫ن وََلـ ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫لي َ‬‫ب وَل َ ا ِ‬ ‫ما ال ْك َِتا ُ‬ ‫ت ت َد ِْري َ‬ ‫كن َ‬ ‫ُ‬
‫قيم ٍ ) ‪ -‬الشورى ‪:‬‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ط ّ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫ى ِ‬ ‫َ‬ ‫عَباد َِنا وَإ ِن ّ َ َ‬ ‫نّ َ‬
‫ك لت َهْد ِيَ إ ِل َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شآُء ِ‬
‫‪ . 52‬أي أنك يامحمد كنت رجل أميا ل تعلم الكتاب و ل تكتبه ‪ ،‬و‬
‫في هذا نداء للمشركين و ليس للنبي صلى الله عليه وسلم أن‬

‫‪411‬‬
‫يعملوا عقولهم كيف لهذا المي بهذا البيان و هذه الفصاحة ! و ما‬
‫كنت على دين قبل ذلك فيقولون انك قد تركته إلى ملة أخرى بل‬
‫كنت تبحث عن اليمان و تتفكر في خالق هذا الكون ‪ ،‬فمن الذي‬
‫علمه هذا اليمان الذي ما سبقه إليه أحد من العالمين ؟!‪.‬‬
‫و قديما اتهم بعض المشركين محمدا صلى الله عليه وسلم في‬
‫قراءته للقرآن أنه يقول الشعر ‪ ،‬و ما هو مرسل من عند الله !‬
‫م‬‫ه ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫ما ت َل َوْت ُ ُ‬‫ه َ‬ ‫شآَء الل ّ ُ‬ ‫فكان رد القرآن عليهم واضحا ‪ُ ( :‬قل ل ّوْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‪-‬‬ ‫قُلو َ‬ ‫من قَب ْل ِهِ أفَل َ ت َعْ ِ‬ ‫مرا ً ّ‬ ‫م عُ ُ‬ ‫ت ِفيك ُ ْ‬ ‫قد ْ ل َب ِث ْ ُ‬
‫م ب ِهِ فَ َ‬‫وَل َ أد َْراك ُ ْ‬
‫يونس ‪ ، 16 :‬أي قل يا محمد لهؤلء القوم أنني قد لبثت فيكم‬
‫أربعون عاما قبل هذا القرآن فهل كذبتكم قط ؟ أم كنت مشهور‬
‫عندكم بالصدق و المانة ! ‪ ،‬و هل علم عني أحد أنني أقرض‬
‫الشعر ؟ أم أنني رجل أمّيا ! أفل تعقلون و تعلمون أن هذا عناد‬
‫على غير الصواب ؟!‪ ..‬و في هذا نجد أسلوب القرآن في دفع‬
‫الحجة بالحجة القوي ليعلم أولو اللباب أنه من عند الله ‪.‬‬
‫أيضا قال المشركين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يتلقى‬
‫القرآن عن كتب اليهود و النصارى ‪ ،‬لن تلك القصص الواردة فيه‬
‫نجدها مذكورة في تلك الكتب ‪ ،‬يعلمه اياها أعجمي قد اختلفوا‬
‫في ذكر اسمه ! فمنهم من قال أنه نصراني و اسمه جبر ‪ ،‬و‬
‫منهم من قال إنه غلم اسمه سبيعة يجالسه عند المروة ‪ ،‬و‬
‫منهم من قال إنه سلمان الفارسي ‪ t‬رغم أن اسلم سلمان‬
‫معروف أنه كان بعد الهجرة و تلك الحادثة كانت قبلها !! ‪ ،‬و‬
‫منهم من قال إنه اعجمي و اسمه بلعام ‪ ،‬و غيره ‪ ..‬فيرد عليهم‬
‫قد نعل َ َ‬
‫ن‬
‫سا ُ‬ ‫شٌر ل ّ َ‬ ‫ه بَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ما ي ُعَل ّ ُ‬ ‫قوُلو َ‬
‫ن إ ِن ّ َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫بقوله تعالى ‪ ( :‬وَل َ َ ْ َ ْ ُ‬
‫م أن ّهُ ْ‬
‫َ‬
‫ن ) ‪ -‬النحل ‪:‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ي ّ‬ ‫ن ع ََرب ِ ّ‬ ‫سا ٌ‬‫ذا ل ِ َ‬ ‫هـ َ‬‫ي وَ َ‬ ‫م ّ‬‫ج ِ‬‫ن إ ِل َي ْهِ أع ْ َ‬
‫دو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ذي ي ُل ْ ِ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫‪ ، 103‬أي يا من كان له لب مفكر ؛ إن تلك الكتب التي تلحدون‬
‫– و اللحاد هو الميل عن القصد – إليها باللسان العبراني أو‬
‫اليوناني و لم تكن قد ترجمت إلى العربية بعد ‪ ،‬أما القرآن فإنه‬
‫ذو لغة عربية جلية و أسلوب منفرد ذو بيان و فصاحة عجز‬
‫العرب أن يأتوا بمثله ! فمن يكون ذلك الذي علمه إياه ؟! و لم ل‬
‫يظهر هو فيكون أولى منه بشرف النبوة و القيادة بدل من‬
‫الكتفاء بدور المعلم الخفي ؟!!‬
‫و في هذا نفي لمفهوم علم النبي صلى الله عليه وسلم بالكتاب‬
‫قبل البعثة ‪ ،‬بل و اشتهار ذلك بين العرب و إل لقاموا عليه و‬
‫قالوا ‪ :‬ل يا محمد ! نحن نعلم أنك تكتب الكتاب و تقرأه ‪ ..‬فلم ل‬
‫تكون أنت مصدر هذا القرآن ؟!!‬
‫و من اليات التي تذكر أمية النبي الكريم صلى الله عليه وسلم‬
‫جل ً‬‫ن َر ُ‬ ‫سب ِْعي َ‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬‫ى قَوْ َ‬ ‫س َ‬ ‫مو َ‬ ‫خَتاَر ُ‬‫بصورة مباشرة قوله تعالى ‪َ ( :‬وا ْ‬

‫‪412‬‬
‫َ‬ ‫ما أ َ َ‬
‫ل‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ت أهْل َك ْت َهُ ْ‬ ‫شئ ْ َ‬ ‫ب ل َوْ ِ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ة َقا َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ج َ‬ ‫م الّر ْ‬ ‫خذ َت ْهُ ُ‬ ‫قات َِنا فَل َ ّ‬ ‫مي َ‬ ‫لّ ِ‬
‫َ‬
‫من‬ ‫ل ب َِها َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ك تُ ِ‬ ‫ي إ ِل ّ فِت ْن َت ُ َ‬ ‫ن هِ َ‬ ‫مّنآ إ ِ ْ‬ ‫فَهآُء ِ‬ ‫س َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ما فَعَ َ‬ ‫وَإ ِّيايَ أت ُهْل ِك َُنا ب ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خي ُْر‬ ‫ت َ‬ ‫مَنا وَأن َ‬ ‫ح ْ‬ ‫فْر ل ََنا َواْر َ‬ ‫ت وَل ِي َّنا َفاغ ْ ِ‬ ‫شآُء أن َ‬ ‫من ت َ َ‬ ‫دي َ‬ ‫شآُء وَت َهْ ِ‬ ‫تَ َ‬
‫خَرةِ إ ِّنا هُد َْنـآ‬ ‫ة وَِفي ال َ ِ‬ ‫سن َ ً‬ ‫ح َ‬ ‫هـذ ِهِ الد ّن َْيا َ‬ ‫ب ل ََنا ِفي َ‬ ‫ن ‪َ ,‬واك ْت ُ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫ال َْغافِ‬
‫يٍء‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫سعَ ْ‬ ‫مِتي وَ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫شآُء وََر ْ‬ ‫ن أَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ب ِهِ َ‬ ‫صي ُ‬ ‫يأ ِ‬
‫ُ‬
‫ذاب ِ َ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫إ ِل َي ْ َ‬
‫فَ َ‬
‫ن‪,‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫هم ِبآَيات َِنا ي ُؤ ْ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫كـاة َ َوال ّ ِ‬ ‫ن الّز َ‬ ‫ن وَي ُؤ ُْتو َ‬ ‫قو َ‬ ‫ن ي َت ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫سأك ْت ُب َُها ل ِل ّ ِ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫عند َهُ ْ‬ ‫ً‬
‫مك ُْتوبا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫دون َ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫ذي ي َ ِ‬ ‫ّ‬
‫ي ال ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ي ال ُ ّ‬ ‫ل ْالن ّب ِ ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ل‬‫ح ّ‬ ‫من ْك َرِ وَي ُ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫ف وَي َن َْهاهُ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫هم ِبال ْ َ‬ ‫مُر ُ‬ ‫ل ي َأ ُ‬ ‫جي ِ‬ ‫ِفي الت ّوَْراةِ َوال ِن ْ ِ‬
‫ل‬‫م َوالغ ْل َ َ‬ ‫صَرهُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ضعُ ع َن ْهُ ْ‬ ‫ث وَي َ َ‬ ‫خَبآئ ِ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫م ع َل َي ْهِ ُ‬ ‫حّر ُ‬ ‫ت وَي ُ َ‬ ‫م الط ّي َّبا ِ‬ ‫ل َهُ ُ‬
‫صُروه ُ َوات ّب َُعوا ْ الّنوَر‬ ‫مُنوا ْ ب ِهِ وَع َّزُروه ُ وَن َ َ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َفال ّ ِ‬ ‫ت ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ال ِّتي َ‬
‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫س إ ِّني َر ُ‬ ‫ل ي َأي َّها الّنا ُ‬ ‫ن ‪ ,‬قُ ْ‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه أ ُوَْلـئ ِ َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ال ّذ ِيَ ُأنزِ َ‬
‫ه إ ِل ّ هُ َ‬
‫و‬ ‫ض ل إ َِلـ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ذي ل َ ُ‬ ‫ميعا ً ال ّ ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫الل ّهِ إ ِل َي ْك ُ ْ‬
‫ن ِبالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م ُ‬ ‫ذي ي ُؤ ْ ِ‬ ‫ي ال ّ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ي ال ُ ّ‬ ‫سول ِهِ الن ّب ِ ّ‬ ‫مُنوا ْ ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫ت َفآ ِ‬ ‫مي ُ‬ ‫حِيـي وَي ُ ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫ن ) ‪ -‬العراف ‪ . 158-155 :‬نجد أن‬ ‫دو َ‬ ‫م ت َهْت َ ُ‬ ‫مات ِهِ َوات ّب ُِعوه ُ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫وَك َل ِ َ‬
‫اليات الكريمة وردت في سياق حديث القرآن الكريم عن قوم‬
‫موسى ‪ ، u‬و من منهم أدرك محمدا و أمن بدعوته ‪ .‬و كيف‬
‫يعرفون محمدا ؟‪ ..‬و تجيبهم الية أنه ذلك النبي الذي يجدونه‬
‫بصفاته مذكورا في كتبهم ‪ .‬و ما هي تلك الصفات ؟ ‪ ..‬و تجيبهم‬
‫الية إنه مذكور بأنه أمي ل يقرأ و ل يكتب ‪ ،‬و إنه يأمرهم‬
‫بالمعروف و مكارم الخلق و ينهاهم عن المنكر من أفعالهم ‪ ،‬و‬
‫يحل لهم من الطيبات ما حرم عليهم في شريعتهم و يحرم‬
‫عليهم الخبائث التي كانوا يستحلونها من قبل ‪ ،‬و يضع عنهم ثقال‬
‫العمال التي فرضت عليهم من قبل كقتل النفس عند التوبة و‬
‫قطع أثر النجاسة و عدم مجالسة الحائض و تحريم شحوم الغنام‬
‫ظهور البقار و لحم البل و غيرها و التي قيدتهم من أعناقهم‬
‫بأغلل الشريعة ‪ .‬فالذين أمنوا بدعوة محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم منهم وعّزروه ووقروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل‬
‫معه و هو القرآن الكريم أولئك هم الفائزون بسعادة الدنيا‬
‫والخرة – تفسير الجللين لسورة العراف ‪. 157 :‬‬
‫و يعترض بعض النصارى و يقولون إن حديث النبي المي يقتطع‬
‫مرتين و ل ينسجم مع خطاب موسى لربه ‪ ،‬ل في النسق و ل‬
‫في الموضوع ! أي أن موسى يطلب من ربه أن يسجل له و‬
‫لقومه يهوديتهم حسنة لهم فيرد ربه أن على موسى و قومه أن‬
‫ينتظروا قرابة اللف سنه حتى يأتي محمد و يؤمنوا به فيسجل‬
‫ة !! – ) في سبيل الحوار السلمي المسيحي –‬ ‫لهم بهذا حسن ً‬
‫الحداد ( ‪.‬‬

‫‪413‬‬
‫حقا لقد اثبت هؤلء النصارى أنهم ل يفهمون كلمات القرآن ! ‪..‬‬
‫بل ل يفهمون العربية بالمرة ! ‪ ،‬ففي الية ‪ 156‬يقول موسى ‪u‬‬
‫خَرةِ إ ِّنا هُد َْنـآ‬ ‫ة وَِفي ال َ ِ‬ ‫سن َ ً‬‫ح َ‬ ‫هـذ ِهِ الد ّن َْيا َ‬ ‫ب ل ََنا ِفي َ‬ ‫لربه ‪َ ( :‬واك ْت ُ ْ‬
‫ك ‪ ، ) ..‬و ) هدنا إليك ( أي تبنا إليك توبة نصوح – انظر تفسير‬ ‫إ ِل َي ْ َ‬
‫الجللين لسورة العراف ‪ ، 156 :‬أنظر أيضا المعجم الوجيز ‪:‬‬
‫هائ ِد ٌ و الجمع هود ٌ ‪ ،‬و‬ ‫هاد َ هَوَد َا ً أي تاب و رجع إلى الحق فهو َ‬
‫ليس المقصود أي الملة اليهودية كما ذهب بعض النصارى !‬
‫شآُء‬ ‫ن أَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ب ِهِ َ‬
‫صي ُ‬‫يأ ِ‬
‫ُ‬
‫ذاب ِ َ‬‫ل عَ َ‬ ‫و يرد عليه رب العزة ‪َ ( : U‬قا َ‬
‫يٍء ‪ ) ..‬أي أنه إن كانت قد أصابتكم فتنة‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬‫ت كُ ّ‬ ‫سعَ ْ‬ ‫مِتي وَ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫وََر ْ‬
‫اهلكت بعضكم فإن ذلك عذابي و تلك بإرادتي ‪ ،‬و مع ذلك‬
‫فرحمتي قد وسعت كل شيء من الخلق حتى إن البهيمة لها‬
‫رحمة وعطف على ولدها‪ .‬قال المام القرطبي عن ابن عباس ‪:‬‬
‫طمع في هذه الية كل شيء حتى إبليس ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنا شيء ؛‬
‫فقال الله تعالى ‪ .. ( :‬فَ َ‬
‫ن ‪ ، ) ..‬فقالت اليهود‬ ‫قو َ‬ ‫ن ي َت ّ ُ‬ ‫ذي َ‬‫سأك ْت ُب َُها ل ِل ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬
‫ذي َ‬ ‫والنصارى ‪ :‬بل نحن متقون ؛ فقال الله تعالى ‪ ( :‬ال ّ ِ‬
‫ي ‪ ) ..‬الية ‪ .‬فخرجت بذلك عن العموم –‬ ‫م ّ‬ ‫ي ال ُ ّ‬ ‫سو َ‬
‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫الّر ُ‬
‫تفسير القرطبي لسورة العراف ‪. 156 :‬‬
‫ذلك هو تفسير الية الكريمة الذي حاول النصارى مداراته ببعض‬
‫البهلوانات الجدلية فهم يصرفون نظر القاريء عن مدلول الية‬
‫الكريمة بالتفكير في السياق ‪ ،‬و قول موسى ‪ ،‬و جواب الله ‪، U‬‬
‫و ‪ ...‬و ‪ ! ...‬و لكن كلم الله واضحا جليا لمن كان له قلب أو‬
‫ألقى السمع و هو شهيد ‪.‬‬
‫‪ o‬أمية محمد صلى الله عليه وسلم في كتب السيرة ‪:‬‬
‫ة نود أن نؤكد أنه ل توجد أحاديث ‪ ،‬و لو ضعيفة ‪ ،‬في كتب‬ ‫بداي ً‬
‫السيرة تشير إلى أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كان‬
‫يقرأ أو يكتب أو أن أحد قد علمه شيء ‪ ،‬أللهم إل ما سبق و‬
‫أوردناه عن أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه بشر أعجمي و‬
‫قد ورد ذكرهما في سيرة رسول الله لبن اسحاق و من أخذ عنه‬
‫في سياق التكذيب و التضعيف ‪ .‬لن تلك الكتب قد كتبها العرب‬
‫الذين عاش النبي الكريم بينهم و قد اشتهر بالمية ‪ .‬أما رفض‬
‫بعض المشككين لهذه المية قد ظهر سببا من أسباب رفضهم‬
‫لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم بل و رفضهم العتراف‬
‫بالقرآن الكريم ككتاب من عند الله ‪ ،‬و هذا قد ظهر في بداية‬
‫القرن الخامس الهجري عندما بدأت كتابات النصارى تعلن عن‬
‫رفضهم للسلم ‪.‬‬
‫أما محمدا صلى الله عليه وسلم فكما نقرأ في كتب السيرة‬
‫نشأ في قريش و استرضع في بني سعد و قد اشتهروا بالفصاحة‬

‫‪414‬‬
‫لنهم قوم وبر ) أي يعيشون على رعي الغنام ( فل سبيل إلى‬
‫اختلط لغتهم بلغة العاجم كقريش و غيرها ممن اشتهروا‬
‫بالتجارة ؛ و لذا فقد اشتهر عن الرسول الكريم بأنه فصيح‬
‫اللسان و هذا ل يغير في مفهوم المّية لنها المتواتر عنه صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫و بعد ذلك تربى في كنف أمه حتى السادسة ‪ ،‬ثم جده حتى‬
‫الثامنة ‪ ،‬ثم عمه أبو طالب حتى بلغ أشده ‪ .‬و بالرغم من أنه قد‬
‫تربى وسط أبناء عمه جعفر و علي و قد اشتهر عنهم القراءة و‬
‫الكتابة لكن لم يرد في كتب السيرة ما يشير بذلك إلى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫و بعد ذلك عمل محمد صلى الله عليه وسلم بالتجارة ‪ ،‬و تسجل‬
‫كتب السيرة رحلة وحيدة له مع موله زيد بن حارثة عندما ذهبوا‬
‫إلى بصرى و لم يذهبوا أبعد من ذلك ‪ ،‬و بعدها يعود محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم و يتزوج من أم المؤمنين خديجة رضي الله‬
‫عنها ‪ ،‬و هنا ينوه أحد الكتاب النصارى أن هذا الزواج كان زواجا‬
‫نصرانيا على يد القس ورقة بن نوفل ابن عم خديجة ‪ ،‬و لذلك لم‬
‫يتزوج محمد غيرها طيلة حياتها !!!‬
‫و نقول ‪ :‬ل يوجد في كتب السيرة ما يؤيد ذلك بل ل يوجد ذكر‬
‫لورقة بن نوفل في حياة خديجة إل عندما سألته عن حالة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم عند عودته من غار حراء و قد ثقل عليه‬
‫أمر الوحي ‪ ،‬أما عن زواجهما فما كان معروف عن خديجة أنها‬
‫كانت على ملة النصارى و ل محمدا صلى الله عليه وسلم‬
‫بالطبع ‪ ،‬فكيف ُيعقد لهما عقدا نصرانيا ؟!!! ‪ ..‬أما عن عدم‬
‫زواجه سواها طيلة حياتها رضي الله عنها ‪ ،‬فلهذا مقال أخر إن‬
‫شاء الله حتى ل نخرج عن موضوعنا الساسي ‪.‬‬
‫و في غار حراء نزل الروح المين بأول كلمات القرآن على النبي‬
‫المتحنث بين جنبات الغار فتحكي كتب السيرة أن جبريل ‪ u‬ضمه‬
‫إلى صدره حتى بلغ منه الجهد و قال له ‪ :‬إقرأ ! ‪ ،‬فرد الرسول‬
‫الكريم صلى الله عليه وسلم ‪ :‬ما أنا بقاريء !! و هذا طبقا‬
‫للروايات الصحيحة – انظر السيرة النبوية لبن هشام ‪ 1/225‬و‬
‫مسند أحمد ‪ 232/6‬حديث عائشة رضي الله عنها و البخاري‪ 3/‬و‬
‫مسلم‪ ،160/‬فأعاد جبريل ذلك مرة أخرى و رد صلى الله عليه‬
‫وسلم بنفس ذلك الرد ‪ ،‬و في المرة الثالثة قال له النبي‬
‫الكريم ‪ :‬ماذا أقرأ ؟ فكانت اليات الولى من سورة العلق هي‬
‫أول ما نزل من القرآن الكريم ‪.‬‬
‫و يحتج بعض النصارى بأمر الروح المين للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم متسائلين ‪ :‬هل كان جبريل يجهل أنه مرسل لنبي أمي‬

‫‪415‬‬
‫حتى يخاطبه بصيغة أمر القراءة ؟‪ ..‬و يرد المام القرطبي و‬
‫يقول ‪ :‬معنى المر الكريم ( إقرأ باسم ربك‪ ) ..‬الية أي اذكر‬
‫اسمه‪ .‬أمره أن يبتدئ القراءة باسم الّله ‪ .‬و قيل فيها حث لمته‬
‫على العلم ‪ ،‬و قد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا‬
‫في الكثير من أحاديثه أي أن المعني رمزيا و ليس ملموسا كما‬
‫ذهب أغلب النصارى !‬
‫و في صلح الحديبية و عندما رفض وفد قريش التوقيع على‬
‫الصحيفة و فيها ) محمد رسول الله ( و أرادوا استبدالها بـ‬
‫) محمد بن عبد الله ( ‪ ،‬فأمر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم‬
‫علّيا بن أبي طالب ‪ ،‬و قد كان كاتُبه في هذا الصلح ‪ ،‬أن يمحو ما‬
‫أرادوا ‪ .‬و قد ثقل عليه ‪ t‬أن يمحو بيده كلمة ) رسول الله ( ‪،‬‬
‫فتناول النبي صلى الله عليه وسلم الصحيفة و سأل عن مكان‬
‫الكلمة ثم محاها بيده ‪ .‬السيرة النبوية لبن هشام ‪ ، 3/198‬و هذا‬
‫دليل واضح على عدم معرفته بالقراءة ‪ ..‬و غير هذا الكثير من‬
‫المواقف و الحاديث التي ل تخرج عن هذا الموضوع ‪ ،‬و الجدير‬
‫بالذكر أنه على الرغم من حث النبي الكريم أصحابه على طلب‬
‫العلم ‪ ،‬و بيانه لفضل العلم و منزلة العلماء و لكن لم ينتقده أبدا‬
‫أحد من أصحابه بسبب أميته أو يحاول أحدهم تعليمه مبادي‬
‫القراءة و الكتابة أو شيء من هذا القبيل ! و ذلك يرجع أول إلى‬
‫علو مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم بين أصحابه فل ذكر‬
‫هنا لمّيته و إن كانت أمرا واقعا ‪ .‬و ثانيا إن أمية النبي الكريم‬
‫صلى الله عليه وسلم لم تكن لتمنع أصحابع أن يتلقوا مباديء‬
‫السلم على يديه صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ o‬هل الثقافة و النبوة ل تجتمعان ؟‬
‫و ل يفهم النصارى مفهوم الثقافة بالنسبة للنبياء فيصرون على‬
‫أن كل النبياء الذين ورد ذكرهم في كتبهم كانوا على درجة عالية‬
‫من الثقافة و سيدهم موسى الكليم – و ل زال الكلم عن‬
‫لسانهم ‪ -‬الذي يقولون أنه قد تثقف في قصر فرعون بكل علوم‬
‫المصريين و حكمتهم أما بالنسبة لمحمد صلى الله عليه وسلم‬
‫ميته !!‬ ‫فيتعجبون من موقف المسلمين في الصرار على أ ّ‬
‫و نقول لهم ‪ :‬إن أولئك النبياء صلوات ربي عليهم و تسليمه قد‬
‫مـة السلمية ‪،‬‬ ‫بعثوا في قومهم مثلهم كمثل العالم الفقية في ال ّ‬
‫و لم يكن من المستغرب أن يسمع بهم الخاصة و العامة في‬
‫وقت من الوقات ‪ .‬و لم يكن قيامهم إنكارا لقيام النبياء من‬
‫قبلهم ‪ ،‬بل هو تفسير لبعض السفار و حض على اتباع السنن‬
‫التي رسمها لهم من قبل إبراهيم و إسحاق و يعقوب و داوود و‬
‫موسى عليهم جميعا أفضل الصلة و السلم ‪ ،‬فل مجال هنا‬

‫‪416‬‬
‫للتفكير في ثقافة ذلك النبي و نترك التفكير في دعوته ‪ .‬أما في‬
‫حالة محمد صلى الله عليه وسلم فإنه خاتم هؤلء النبياء و‬
‫صاحب الشريعة الخاتمة الذي بعث للناس كافة ‪ ..‬الميون منهم‬
‫و الكتابيون ‪ ،‬فهنا تظهر أميته كحجة دامغة على مصدر رسالته‬
‫السماوية ‪ ،‬فل يخالج نفسية المؤمن شك و لو بسيط أنه قد جاء‬
‫بشيء من عنده ‪ ،‬و سبحان من وسعت حكمته كل شيء ‪.‬‬
‫فمفهوم ثقافة النبياء العالية ‪ ،‬و إن كان القرآن لم يشر إليه من‬
‫قريب أو من بعيد ‪ ،‬ل نعترض عليه ‪ ،‬و لكن مفهوم أمية محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم ل يقلل من نبوته و إن كانت المية في حد‬
‫ذاتها نقص يتنزه عنه العوام ‪ ،‬كذلك ل يقلل من تفضيل الله‬
‫تعالى له عن العالمين ؛ فتفضيله و اجتبائه إياه صلى الله عليه‬
‫وسلم كان بأنه يحمل ختام الشرائع و نهاية رسالت السماء إلى‬
‫بني أدم ‪ ،‬و أن ذلك النبي المي هو الذي رسم النهج الذي سار‬
‫عليه من بعده المليين و المليين من عباد الله على اختلف‬
‫طبقاتهم و ألسنتهم و ألوانهم ‪ ،‬و هذا مالم يحدث مع أحد من‬
‫العالمين سواه ‪.‬‬
‫أحمد الله العلي القدير على نعمة السلم ‪ ،‬و أسأله الهداية لنا و‬
‫لعباده المتقين ‪ ،‬و الثبات على دينه و مّلة نبيه الكريم العربي‬
‫المي المبعوث رحمة للعالمين صلوات ربي عليه و تسليمه ‪.‬‬
‫و أخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ‪ ،‬و السلم عليكم و‬
‫رحمة الله و بركاته ‪.‬كتبه الخ ‪ /‬طـارق‬
‫=================‬
‫شبهات حول معجزاته‬
‫سؤال في معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‬
‫حياكم الله جميعا يا أخوة‬
‫والله أنا كان لي سؤال ‪..‬‬
‫هل معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم وآيات العجاز‬
‫العلمى حاليا في القرآن والسنة تتعارض مع قوله تعالى‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مود َ‬‫ن َوآت َي َْنا ث َ ُ‬‫ب ب َِها ال َوُّلو َ‬ ‫ت إ ِل ّ أن ك َذ ّ َ‬‫ل ِبالَيا ِ‬ ‫س َ‬ ‫من َعََنا أن ن ّْر ِ‬‫ما َ‬ ‫}وَ َ‬
‫فا{ )‪(59‬‬ ‫وي ً‬ ‫ت إ ِل ّ ت َ ْ‬
‫خ ِ‬ ‫ل ِبالَيا ِ‬ ‫س ُ‬ ‫موا ْ ب َِها وَ َ‬
‫ما ن ُْر ِ‬ ‫صَرة ً فَظ َل َ ُ‬
‫مب ْ ِ‬
‫ة ُ‬‫الّناقَ َ‬
‫سورة السراء‬
‫‪---------‬‬
‫السلم عليكم‬
‫هنا سأل قريش النبي تعجيزا قل لربك ينزل علينا ملئكة ان كنت‬
‫صادقا قل لله أن يفعل كدا ‪.........‬فلو أجاب الله طلبهم لنتفت‬
‫اللوهية أصل عنه لمادا ??لنهم اصبحوا هم المرين و الله هو‬

‫‪417‬‬
‫المأمور و ها ل يعقل ‪..‬اضف أن سؤالهم كان تعجيزا و طغيانا ل‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫جَر ل ََنا ِ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫استبصارا ) ‪19/17‬وََقاُلوا ْ َلن ن ّؤ ْ ِ‬
‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫ف ُ‬ ‫حّتى ت َ ْ‬ ‫ك َ‬
‫ط السماء ك َما زعمت عل َينا كس ً َ ْ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ينبو ً َ‬
‫ي ِبالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫فا أوْ ت َأت ِ َ‬ ‫َ َ َ ْ َ َ َْ ِ َ‬ ‫ّ َ‬ ‫ق َ‬‫س ِ‬‫عا أوْ ت ُ ْ‬ ‫َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫نل َ‬ ‫َ‬
‫ملئ ِك َةِ قَِبيل ً أوْ ي َ ُ‬ ‫ْ‬
‫ماء‬ ‫ف أوْ ت َْرَقى ِفي ال ّ‬
‫س َ‬ ‫خُر ٍ‬ ‫من ُز ْ‬ ‫ت ّ‬ ‫ك ب َي ْ ٌ‬ ‫كو َ‬ ‫َوال َ‬
‫ن َرّبي‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬‫ل ُ‬ ‫قَرؤ ُه ُ قُ ْ‬ ‫ل ع َل َي َْنا ك َِتاًبا ن ّ ْ‬ ‫حّتى ت ُن َّز َ‬ ‫ك َ‬ ‫ن ل ُِرقِي ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫وََلن ن ّؤ ْ ِ‬
‫ل(‬‫سو ً‬ ‫شًرا ّر ُ‬ ‫ت إ َل ّ ب َ َ‬ ‫كن ُ‬ ‫ل ُ‬ ‫هَ ْ‬
‫و هي طلبات سخيفة لنه بمنطقهم من فجر النهار يستدل به‬
‫على أنه نبي ادا لحتج من يصنع السدود الن علينا و من ترقى‬
‫في السماء لحتج المريكان و الروس علينا ‪..‬و خصوصا أن‬
‫الشريعة السلمية خالدة و عالمية ‪....‬‬
‫‪..‬و اظف ايضا ان المعجزات ليست مفتاحا لليمان فكم من‬
‫معجزة اتت بني اسرائيل و لم يومنوا بل ازدادوا كفرا و مسألة‬
‫أخرى في حالة ادا ما استجاب الله لطلب و احد منهم و كفروا‬
‫سيكون العقاب ادا فهده رحمة لهم و لكن لم يكونوا يعقلون أما‬
‫معجزات النبي في السنة لم تطلب بل فرضت كتحدي و كان‬
‫أكبر تحدي انهم كانوا بلغاء الغرب و أسياد اللغة و لم يستطيعوا‬
‫تحديه ‪...‬‬
‫لم أتدكر أية في القرآن حيت أمر فرعون موسى أن يأتيه بأيات‬
‫‪-‬اساور من دهب أو متل هدا القبيل ‪-‬لكن لم يستطع موسى بل‬
‫موسى هو الدي عرض عليه المعجزة بقوله أو او جئتك بشيء‬
‫مبين ‪.‬ادن الله هو المر ل المأمور ‪+‬سخافة الطلبات ‪+‬امكانية‬
‫احتجاج الغرب علينا‪+‬ليست المعجزات تؤدي لليمان ‪+‬بعد‬
‫التكديب بالمعجز يكون العقاب ‪-‬و ليس من شاني هل الله يحب‬
‫العرب أم ل لصبرهم ‪ -‬هدا هو معنى الية ‪.‬اما المعجزات في‬
‫السنة فهي لم تكن مطلوبة تحديا‬
‫و الله أعلم‬
‫‪---------------‬‬
‫السلم عليكم‬
‫لم أفهم السؤال جيدا ‪.‬ما أردت قوله هو‬
‫مَلئ ِك َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫قت َرِِني َ‬‫م ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫معَ ُ‬‫جاء َ‬ ‫ب أوْ َ‬ ‫من ذ َهَ ٍ‬ ‫سوَِرة ٌ ّ‬ ‫ي ع َل َي ْهِ أ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫فَل َوَْل أل ْ ِ‬
‫‪53/43‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن وَل ي َ َ‬ ‫ّ‬ ‫م أ ََنا َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ي ع َلي ْ ِ‬ ‫ن ‪.‬فَلوْل أل ِ‬
‫ق َ‬ ‫كاد ُ ي ُِبي ُ‬ ‫مِهي ٌ‬ ‫ذي هُوَ َ‬‫ذا ال ِ‬‫ن هَ َ‬
‫م ْ‬ ‫خي ٌْر ّ‬ ‫أ ْ‬
‫مَلئ ِك َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مقْت َرِِني َ‬‫ة ُ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫معَ ُ‬
‫جاء َ‬‫ب أوْ َ‬ ‫من ذ َهَ ٍ‬ ‫سوَِرة ٌ ّ‬ ‫أ ْ‬
‫هل يستطيع ألله عز و جل أن يلبي طلب فرعون هدا حتى‬
‫يؤمن ‪?,,,,‬الجواب بالطبع نعم لكن لمادا لم يستطع موسى أن‬

‫‪418‬‬
‫يلبي طلب فرعون بل هو الدي عرض على فرعون معجزة لم‬
‫يطلبها فرعون بقوله‬
‫‪26/30‬‬
‫قال أولو جئتك بشيء مبين‬
‫س َ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫من َعََنا أن ن ّْر ِ‬
‫ما َ‬
‫الجواب هو في جوابي الول ‪.‬لمادا قال الله وَ َ‬
‫َ‬
‫ب ب َِها ال َوُّلو َ‬
‫ن‬ ‫ت إ ِل ّ أن ك َذ ّ َ‬
‫ِبالَيا ِ‬
‫فالله قادر لكن للسباب التي دكرت و خاصة أنهم أصبحوا هو‬
‫المرين و سينفي صفة اللوهية عن الله لم يستجب لهم ‪...‬أما‬
‫معجزات ارسول صلى الله عليه و سلم كتفجير الماء كن يديه و‬
‫انشقاق القمر ‪...‬لم تكن مطلوبة منهم‬
‫و السلم‬
‫‪---------‬‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‬

‫أخي الحبيب يوري علينا ال نستبق الحداث‬


‫لنرجع لما جاء قبل هذه الية من سورة السراء‬
‫ة ول َك َ‬ ‫َ‬
‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬
‫م لَ‬ ‫ه َقاد ٌِر ع ََلى أن ي ُن َّز ٍ‬
‫ل آي َ ً َ ِ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫قوله تعالى‪ } :‬قُ ْ‬
‫ل إِ ّ‬
‫ن{‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬
‫ذكر في هذه الية الكريمة‪ :‬أنه قادر على تنزيل الية التي‬
‫اقترحها الكفار على رسوله‪ ،‬وأشار لحكمة عدم إنزالها بقوله‪:‬‬
‫} ول َك َ‬
‫ن { وبين في موضع آخر أن حكمة عدم‬ ‫مو َ‬ ‫م ل َ ي َعْل َ ُ‬‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬ ‫َ ِ ّ‬
‫إنزالها أنها لو أنزلت ولم يؤمنوا بها‪ ،‬لنزل بهم العذاب العاجل كما‬
‫وقع بقوم صالح لما اقترحوا عليه إخراج ناقة عشراء‪ ،‬وبراء‪،‬‬
‫جوفاء‪ ،‬من صخرة صماء‪ ،‬فأخرجها الله لهم منها بقدرته‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫كن َ‬‫ما ت َعِد َُنا ِإن ُ‬ ‫ح ائ ْت َِنا ب ِ َ‬ ‫ومشيئته‪ ،‬فعقروها } وََقاُلوا ْ َيا َ‬
‫صال ِ ُ‬
‫ن { فأهلكهم الله دفعة واحدة بعذاب استئصال‪ ،‬وذلك‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ب ب َِها ال َوُّلو َ‬ ‫ت إ ِل ّ أن ك َذ ّ َ‬ ‫ل ِبالَيا ِ‬‫س َ‬ ‫من َعََنا أن ن ّْر ِ‬ ‫ما َ‬ ‫في قوله } وَ َ‬
‫فا‬
‫وي ً‬
‫خ ِ‬ ‫ت إ ِل ّ ت َ ْ‬
‫ل ِبالَيا ِ‬ ‫س ُ‬‫ما ن ُْر ِ‬ ‫موا ْ ب َِها وَ َ‬‫صَرة ً فَظ َل َ ُ‬ ‫مب ْ ِ‬ ‫ة ُ‬ ‫مود َ الّناقَ َ‬ ‫َوآت َي َْنا ث َ ُ‬
‫{ وبين في مواضع أخر أنه ل داعي إلى ما اقترحوا من اليات‪،‬‬
‫لنه أنزل عليهم آية أعظم من جميع اليات التي اقترحوها‬
‫وغيرها‪ ،‬وتلك الية هي في هذا القرآن العظيم‪ .‬وذلك في قوله }‬
‫م { فإنكاره جل‬ ‫ب ي ُت َْلى ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫م أ َّنا َأنَزل َْنا ع َل َي ْ َ‬
‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫فه ِ ْ‬‫م ي َك ْ ِ‬‫أوَل َ ْ‬
‫َ‬
‫وعل عليهم عدم الكتفاء بهذا الكتاب عن اليات المقترحة يدل‬
‫على أنه أعظم وأفخم من كل آية‪ ،‬وهو كذلك أل ترى أنه آية‬
‫واضحة‪ ،‬ومعجزة باهرة‪ ،‬أعجزت جميع أهل الرض‪ ،‬وهي باقية‬
‫تتردد في آذان الخلق غضة طرية حتى يأتي أمر الله‪ .‬بخلف‬

‫‪419‬‬
‫غيره من معجزات الرسل صلوات الله عليهم وسلمه فإنها كلها‬
‫مضت وانقضت ‪.‬‬
‫والله المستعان‬
‫‪------------------‬‬
‫معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم‬

‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته جزا الله خيرا كل من ساهم‬


‫فى الجابة على سؤالى وقد لحظت من خلل مراسلتي مع‬
‫شخص نصرانى انهم ليعلمون معجزات خاتم النبيين وامام‬
‫المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ويقولون ها هى‬
‫معجزات عيسى فاين معجزات محمد ولل سف فان كثيرا من‬
‫المسلمين ايضا ليعلمون ان معجزات سيدنا محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم وصلت عند بعض العلماء الى الف معجزة ولذا فقد‬
‫رأيت انه ل يوجد مفر من حصر معجزات الرسول الكريم صلى‬
‫الله عليه وسلم‬

‫**دعا صلى الله عليه وسلم عليه فاختلج لسانه‬

‫عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال‪ :‬كان فلن‬
‫يجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فإذا تكلم النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم بشيء اختلج )ردد الكلم على هيئة المستهتر(‬
‫بوجهه‪ ،‬فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬كن كذلك‪ ،‬فلم يزل‬
‫يختلج حتى مات‪.‬‬
‫أخرجه البيهقي في الدلئل‪.‬‬

‫**ابن عباس حبر المة بسبب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم‬

‫عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‪ :‬أتى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم الخلء فوضع له وضوًءا‪ ،‬فلما خرج قال‪ :‬من صنع‬
‫هذا؟ قالوا‪ :‬ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬اللهم فقهه في الدين‪ .‬صحيح‪،‬‬
‫أخرجه البخاري في الوضوء‪ ،‬ورواه مسلم‪.‬‬
‫وعنه قال‪ :‬إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على‬
‫كتفي ثم قال‪ :‬اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل‪ .‬صحيح‪،‬‬
‫أخرجه الحاكم وقال‪ :‬هذا حديث صحيح السناد‪ ،‬ولم يخرجاه‪،‬‬
‫وقال الذهبي‪ :‬صحيح‪ ،‬ورواه البيهقي في الدلئل‪.‬‬
‫وقد استجاب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم هذه الدعوة في‬
‫ما ُيهتدى بهداه‪ ،‬وُيقتدى بسناه في علوم‬
‫ابن عمه؛ فكان إما ً‬

‫‪420‬‬
‫الشريعة‪ ،‬ول سيما في علم التأويل وهو التفسير؛ فإنه انتهت إليه‬
‫علوم الصحابة قبله‪ ،‬وما كان عقله من كلم ابن عمه رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪..‬‬
‫قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه‪ :‬لو أن ابن عباس أدرك‬
‫أسناننا ما عاشره أحد منا‪ ،‬وكان يقول‪ :‬نعم ترجان القرآن ابن‬
‫عباس‪ .‬رواه الحاكم في المستدرك‪.‬‬

‫** دعا له فطال عمره وهو شاب‬

‫ثبت أنه صلى الله عليه وسلم دعا للسائب بن يزيد ومسح بيده‬
‫على رأسه‪ ،‬فطال عمره حتى بلغ أربًعا وتسعين سنة‪ ،‬وهو تم تام‬
‫القامة معتدل‪ ،‬ولم يشب منه موضع أصابت يد رسول الله صلى‬
‫مّتع بحواسه قواه‪.‬‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬و ُ‬
‫صحيح‪ :‬أخرجه البخاري كتاب المناقب‪ ،‬ومسلم في الفضائل‪.‬‬
‫هذا وقد تأخرت وفاة ابن عباس عن وفاة عبد الله بن مسعود‬
‫ببضع وثلثين سنة‪ ،‬فما ظنك بما حصله بعده في هذه المدة؟!‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬خطب الناس ابن عباس في عشية عرفة‪ ،‬ففسر لهم‬
‫سورة البقرة تفسيًرا لو سمعه الروم والترك والديلم لسلموا‪_ .‬‬
‫رضي الله عنه وأرضاه _‬

‫**زاد أولده عن المائة وزاد عمره عن المائة وزاد ماله عن‬


‫المائة ألف بسبب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم‬

‫إنه أنس بن مالك رضي الله عنه‪ ..‬يحدثنا عن ذلك فيقول‪ :‬جاءت‬
‫أم سليم‪ ،‬وهي أم أنس‪ ،‬رضي الله عنهما‪ ،‬إلى رسول الله صلى‬
‫دتني ببعضه‪ ،‬فقالت‪ :‬يا‬ ‫الله عليه وسلم وقد أزرتني بخمارها ور ّ‬
‫رسول الله هذا ُأنيس أتيتك به يخدمك فادع الله له‪ ،‬قال‪ :‬اللهم‬
‫أكثر ماله وولده‪ .‬صحيح‪ :‬أخرجه البخاري في الدعوات‪ .‬وفي‬
‫طل عمره واغفر له‪.‬‬ ‫لفظ‪ :‬اللهم أكثر ماله وولده وأ ِ‬
‫قال أنس‪ :‬فوالله إن مالي لكثير‪ ،‬وإن ولدي وولد ولدي يتعادون‬
‫مْينة أنه قد دفن من صلبي‬ ‫ُ‬
‫على نحو المائة‪ .‬قال‪ :‬وحدثتني ابنتي أ َ‬
‫إلى مقدم الحجاج البصرة‪ :‬تسعة وعشرين ومائة‪.‬‬
‫وروى الترمذي وغيره أن أنس بن مالك رضي الله عنه خدم‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين‪ ،‬ودعا له‪ ،‬وكان له‬
‫بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين‪ ،‬وكان فيها ريحان يجيء‬
‫منها ريح المسك‪ .‬حسن‪ :‬أخرجه الترمذي في المناقب‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫حديث حسن‪.‬‬

‫‪421‬‬
‫وفي رواية قال‪ :‬دفنت من صلبي مائة واثنتين‪ ،‬وإن ثمرتي‬
‫لتحمل في السنة مرتين‪ ،‬ولقد بقيت حتى سئمت الحياة‪ ،‬وأرجو‬
‫الرابعة فولده إذن يزيدون على المائة‪ ،‬وأما عمره فقد مات‬
‫وعمره مائة عام وقيل‪ :‬عش ومائة‪ ،‬وكانت وفاته سنة ثلث‬
‫وتسعين على الراجح‪ ،‬وأما ماله فقد كانت السحابة تمطر في‬
‫أول أرضه ول تمطر في آخرها لعظم مساحة أرضه‪.‬‬

‫**دعاؤه لعبد الرحمن بن عوف‬

‫عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال لعبد الرحمن بن عوف‪ :‬بارك الله لك‪ .‬رواه البخاري‪ .‬قال‬
‫عبد الرحمن‪ :‬فلقد رأيتني ولو رفعت حجًرا لرجوت أن أصيب‬
‫تحته ذهًبا أو فضة‪ .‬أخرجه ابن سعد والبيهقي‪.‬‬
‫وفتح الله له أبواب الرزق‪ ،‬ومن عليه ببركات من السماء‬
‫والرض‪ ،‬وكان حين قدم المدينة فقيًرا ل يملك شيًئا‪ ،‬فآخى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع‬
‫النصاري رضي الله عنه‪ ،‬فقال سعد لعبد الرحمن‪ :‬إن لي‬
‫زوجتين فاختر أجملهما أطلقها ثم تعتد ثم تتزوجها‪ ،‬وإن لي من‬
‫المال كذا وكذا فخذ منه ما شئت‪ .‬فقال عبد الرحمن‪ :‬ل حاجة‬
‫لي في ذلك‪ ،‬بارك الله لك في زوجتيك ومالك‪ ،‬ثم قال‪ :‬دلوني‬
‫على السوق‪ .‬أخرجه البخاري‪.‬‬
‫فصار يتعاطى التجارة‪ ،‬وفي أقرب زمن رزقه الله مال ً كثيًرا‬
‫ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬حتى أنه لما توفي بالمدينة‬
‫فر الذهب من تركته‬ ‫ح ِ‬‫سنة إحدى وثلثين أو اثنتين وثلثين‪ُ ،‬‬
‫رحت اليدي من كثرة العمل‪ ،‬وأخذت كل زوجة‬ ‫ج ِ‬
‫بالفئوس‪ ،‬حنى ُ‬
‫فا‪ .‬وقيل‪ :‬إن نصيب كل‬ ‫من زوجاته الربع ربع الثمن ثمانين أل ً‬
‫واحدة كان مائة ألف‪ ،‬وقيل‪ :‬بل صوِلحت إحداهن على نيف‬
‫وثمانين ألف دينار‪ ،‬وأوصى بألف فرس وخمسين ألف دينار في‬
‫سبيل الله‪ ،‬وأوصى بحديقة لمهات المؤمنين رضي الله عنهن‪،‬‬
‫بيعت بأربعمائة ألف‪ ،‬وأوصى لمن بقي من أهل بدر لكل رجل‬
‫بأربعمائة دينار‪ ،‬وكانوا مائة‪ ،‬فأخذوها وأخذ عثمان فيمن أخذ‪،‬‬
‫وهذا كله غير صدقاته الفاشية في حياته‪ ،‬وعطاءاته الكثيرة‪،‬‬
‫دا‪ ،‬وتصدق‬ ‫وصلته الوفيرة؛ فقد أعتق في يوم واحد ثلثين عب ً‬
‫مرة بعير‪ :‬وهي الجمال التي تحمل الميرة‪ ،‬وكانت سبعمائة بعير‪،‬‬
‫وردت عليه‪ ،‬وكان أرسلها للتجارة‪ ،‬فجاءت تحمل من كل شيء‬
‫فتصدق بها وبما عليها من طعام وغيره بأحلسها وأقتابها وجاء أنه‬
‫تصدق مرة بشطر ماله‪ ،‬وكان الشطر أربعة آلف‪ ،‬ثم تصدق‬

‫‪422‬‬
‫فا‪ ،‬ثم تصدق بأربعين ألف دينار‪ ،‬ثم تصدق بخمسمائة‬
‫بأربعين أل ً‬
‫فرس في سبيل الله ثم بخمسمائة راحلة‪.‬‬

‫** الفرس الضعيف يسبق ويدر الموال الطائلة‬

‫عن جعيل الشجعي رضي الله عنه قال‪ :‬غزوت مع رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته‪ ،‬وأنا على فرس لي‬
‫عجفاء ضعيفة‪ ،‬قال‪ :‬فكنت في ُأخريات الناس‪ ،‬فلحقني رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وقال‪ :‬سر يا صاحب الفرس‬
‫فقلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬عجفاء ضعيفة‬
‫قال‪ :‬فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مخفقة معه فضربها‬
‫بها وقال‪ :‬اللهم بارك له‪.‬‬
‫قال‪ :‬فلقد رأيتني أمسك برأسها أن تقدم الناس‪ ،‬ولقد بعت من‬
‫فا‪.‬‬
‫بطنها باثني عشر أل ً‬
‫رواه البخاري في التاريخ‪ ،‬والنسائي في السنن الكبرى‪ ،‬والبيهقي‬
‫في الدلئل‪.‬‬

‫مجاب الدعوة بسبب دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم‬


‫**سعد ُ‬
‫عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪ :‬اللهم استجب لسعد إذا دعاك‪ .‬فكان ل يدعو إل‬
‫استجيب‪.‬‬
‫أخرجه الترمذي‪ ،‬والحاكم صححه‪.‬‬
‫ومن هذا ما رواه جابر بن سمرة رضي الله عنه قال‪ :‬شكا أهل‬
‫دا‪ ،‬يعني ابن أبي قاص رضي الله عنه‪ ،‬إلى عمر بن‬ ‫الكوفة سع ً‬
‫الخطاب‪ ،‬رضي الله عنه‪ ،‬فعزله واستعمل عليهم عماًرا‪ ،‬فشكوا‬
‫دا رضي الله عنه( حتى ذكروا أنه ل يحسن يصلي‪،‬‬ ‫)أي سع ً‬
‫فأرسل إليه فقال‪ :‬يا أبا إسحاق‪ ،‬إن هؤلء يزعمون أنك ل تحسن‬
‫تصلي! فقال‪ :‬أما والله فإني كنت أصلي بهم صلة رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ل أخرم عنها؛ أصلي صلة العشاء فأركد‬
‫في الوليين وأخف في الخريين‪ ،‬قال‪ :‬ذاك الظن بك يا أبا‬
‫إسحاق‪،‬‬
‫وأرسل معه رجل ً أو رجال ً إلى الكوفة يسأل عنه أهل الكوفة‪،‬‬
‫دا‬‫دا إل سأل عنه ويثنون معروًفا‪ ،‬حتى دخل مسج ً‬ ‫فلم يدع مسج ً‬
‫لبني عبس فقام رجل منهم يقال له‪ :‬أسامة بن قتادة يكنى أبا‬
‫دا كان ل يسير بالسرية ول‬ ‫سعدة‪ ،‬فقال‪ :‬أما إذا نشدتنا فإن سع ً‬
‫يقسم بالسوية‪ ،‬ول يعدل في القضية‬

‫‪423‬‬
‫قال سعد‪ :‬أما والله لدعون بثلث‪ :‬اللهم إن كان عبدك هذا كاذًبا‪،‬‬
‫قام رياًء وسمعة‪ ،‬فأطل عمره وأطل فقره وعرضه للفتن‪.‬‬
‫قال عبد الملك بن عمير الراوي ن جابر بن سمرة‪ :‬فأنا رأيته بعد‬
‫قد سقط حاجباه على عينيه من الك َِبر‪ ،‬وإنه ليتعرض للجواري في‬
‫سئل يقول‪ :‬شيخ كبير‬
‫الطرق فيغمزهن‪ ،‬وكان بعد ذلك إذا ُ‬
‫مفتون‪ ،‬أصابتني دعوة سعد‪ .‬صحيح‪ ،‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫**نزول المطر الشديد يوم تبوك بدعاء النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‬

‫عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قيل لعمر بن‬
‫الخطاب‪ ،‬حدثنا عن شأن ساعة العسرة‪ ،‬فقال عمر‪ :‬خرجنا إلى‬
‫تبوك في قيظ شديد )أي قلة نزول المطر(‪ ،‬فزلنا منزل ً وأصابنا‬
‫فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع‪ ،‬حتى أن كان أحدنا‬
‫ليذهب فيلتمس الرجل فل يجده حتى يظن أن رقبته ستنقطع‪،‬‬
‫حتى أن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه )أي روثه وفضلته(‬
‫فيشربه‪ ،‬ثم يجعل ما بقي على كبده‪ ،‬فقال أبو بكر الصديق‪ :‬يا‬
‫رسول الله‪ ،‬إن الله قد عودك في الدعاء خيًرا‪ ،‬فادع الله لنا‬
‫فقال صلى الله عليه وسلم‪ :‬أو تحب ذلك؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬فرفع يديه نحو السماء‬
‫فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأطلت ثم سكبت فملوا ما‬
‫معهم‪ ،‬ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر‪.‬‬
‫أخرجه البيهقي في الدلئل‪ ،‬وقال ابن كثير في البداية‪ :‬هذا إسناد‬
‫جيد قوي ولم يخرجوه‪.‬‬

‫**منع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم من القتل في غزوة‬
‫ذات الرقاع‬

‫عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال‪ :‬غزونا مع رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم غزوة قبل نجد‪ ،‬فأدركنا رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم في واد كثير العضاة )أي كثير الشجار(‪ ،‬فنزل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة فعلق سيفه بغصن‬
‫من أغصانها‪ ،‬قال‪ :‬وتفرق الناس في الوادي يستظلن بالشجر‬
‫قال‪ :‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬إن رجل ً أتاني وأنا‬
‫نائم فأخذ السيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي فلم أشعر إل‬
‫والسيف صلًتا في يده‬
‫فقال لي‪ :‬من يمنعك مني؟‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬الله‬

‫‪424‬‬
‫ثم قال في الثانية‪ :‬من يمنعك مني؟‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬الله‬
‫قال‪ :‬فشام السيف )أي أغمده(‪ ،‬فها هو جالس‪ ،‬ثم لم يعرض له‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الفضائل‬
‫هذا الرجل اسمه غورث بن الحارث‪ ،‬وقيل‪ :‬اسمه غويرث‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫دعثورا‪.‬‬

‫**رؤيته صلى الله عليه وسلم أصحابه من وراء ظهره‬

‫عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪ :‬بينما رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ذات يوم إذ أقيمت الصلة‪ ،‬فقال‪ :‬أيها الناس إني‬
‫إمامكم‪ ،‬فل تسبقوني في الركوع ول بالسجود‪ ،‬ول ترفعوا‬
‫رءوسكم؛ فإني أراكم من أمامي ومن خلفي‪ ،‬وأيم الذي نفس‬
‫محمد بيده‪ ،‬لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليل ً ولبكيتم كثيًرا‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫يا رسول الله! وما رأيت؟ قال‪ :‬رأيت الجنة والنار‪.‬‬
‫صحيح‪ ،‬أخرجه مسلم في الصلة‪ ،‬والبيهقي في الدلئل‪.‬‬
‫وفي رواية‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬هل ترون‬
‫قبلتي ها هنا؟ فوالله ما يخفى علي ركوعكم ول سجودكم‪ ،‬إني‬
‫لراكم وراء ظهري‪.‬‬
‫صحيح‪ ،‬رواه البخاري ومسلم في الصلة‪.‬‬
‫كان صوت النبي صلى الله عليه وسلم يبلغ ما لم يبلغه صوت‬
‫أحد **‬
‫عن عائشة رضي الله عنها‪ :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس‬
‫يوم الجمعة على المنبر‪ ،‬فقال للناس‪ :‬اجلسوا‪ ،‬فسمع عبد الله‬
‫بن رواحة فجلس في بني غنم‪ ،‬فقيل‪ :‬يا رسول الله! ذاك ابن‬
‫رواحة جالس في بني غنم‪ ،‬سمعك وأنت تقول للناس اجلسوا‬
‫فجلسوا فجلس في مكانه‪.‬أخرجه أبو نعيم‪ ،‬وأخرجه البيهقي في‬
‫الدلئل‪.‬‬

‫** تكثير الطعام والشراب بين يدي الرسول صلى الله عليه و‬
‫سلم‬

‫* فأما الطعام‪:‬‬

‫فقد وقع ذلك منه صلى الله عليه و سلم مرات عديدة منها ما‬
‫روي عن جابر بن عبد الله‪ -‬رضي لله عنهما‪ -‬في الخندق حيث‬
‫يقول جابر‪ :‬لما حفر الخندق رأيت برسول الله صلى الله عليه و‬

‫‪425‬‬
‫صا )الخمص‪ :‬خلء البطن من الطعام( فانكفأت )أي‬ ‫سلم خم ً‬
‫انقلبت ورجعت( إلى امرأتي فقلت لها‪ :‬هل عندك شيء؟ فاني‬
‫دا فأخرجت‬ ‫صا شدي ً‬‫رأيت برسول الله صلى الله عليه و سلم خم ً‬
‫لي جراًبا )أي وعاء من جلد( فيه صاع من شعير ولنا بهيمة داجن‬
‫قال‪ :‬فذبحتها وطحنت ففرغت إلي فراغي فقطعتها في برمتها‬
‫ثم وليت إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت‪ :‬ل‬
‫تفضحني برسول الله صلى الله عليه و سلم ومن معه قال‪:‬‬
‫فجئته فساررته فقلت‪ :‬يا رسول الله! إنا قد ذبحنا بهيمة لنا‬
‫عا من شعير كان عندنا فتعال أنت في نفر معك‬ ‫وطحنت صا ً‬
‫فصاح رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال‪ :‬يا أهل الخندق!‬
‫إن جابًرا قد صنع لكم سوًرا وهو الطعام الذي يدعى إليه وقيل‬
‫قا فحيهل بكم ومعناه أعجل به‬ ‫الطعام مطل ً‬
‫وقال‪ :‬رسول الله صلى الله عليه و سلم‪ :‬ل تنزلن برمتكم ول‬
‫تخبزن عجينتكم‪ ,‬حتى أجي فجئت وجاء رسول الله صلى الله‬
‫عليه و سلم يقدم الناس حتى جئت امرأتي فقالت‪ :‬بك‪ ,‬وبك ‪-‬‬
‫أي ذمته ودعت عليه فقلت‪ :‬قد فعلت الذي قلت لي ‪ -‬معناه أني‬
‫أخبرت النبي بما عندنا فهو أعلم بالمصلحة فأخرجت له عجينتنا‬
‫فبصق فيها صلى الله عليه و سلم وبارك ثم عمد إلي برمتنا‬
‫فبصق فيها وبارك ثم قال‪ :‬ادعى خابزة فلتخبز معك‪ ,‬واقدحي‬
‫من برمتكم )أي اغرفي والمقدح المغرفة( ول تنزلوها‪ ,‬وهم ألف‬
‫فأقسم بالله! لكلوا حتى تركوه وانحرفوا )أي شبعوا وانصرفوا(‬
‫وان برمتنا لتغظ )أي تغلي ويسمع غليانها( كما هي وإن عجينتنا‪-‬‬
‫أو كما قال الضحاك‪ -‬لتخبز كما هو )أي يعود إلي العجين( رواه‬
‫البخاري ومسلم‬

‫* وأما الشراب‪:‬‬

‫فنأخذ من ذلك مثال ً واحدا ً وهو اللبن فمن أدلة تكثيره صلى الله‬
‫عليه و سلم اللبن ما أخرجه البخاري وغيره عن أبي هريرة‪-‬‬
‫رضي الله عنه‪ -‬أنه كان يقول‪ :‬ألله الذي ل اله إل هو‪ ,‬إن كنت‬
‫لعتمد بكبدي على الرض من الجوع‪ ,‬وإن كنت لشد الحجر على‬
‫بطني من الجوع‬
‫ولقد قعدت يوما ً على طريقهم الذي يخرجون منه‪ ,‬فمر أبو بكر‬
‫فسألته عن آية في كتاب الله‪ ,‬ما سألته إل ليشبعني فمر ولم‬
‫يفعل ثم مر بي عمر فسألته عن آية في كتاب الله‪ ,‬ما سألته إل‬
‫ليشبعني فمر ولم يفعل‬

‫‪426‬‬
‫ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه و سلم فتبسم حين رآني‬
‫وعرف ما في نفسي وما في وجهي‪ ,‬ثم قال ‪ :‬يا أبا هر‬
‫قلت‪ :‬لبيك يا رسول الله‬
‫قال‪ :‬الحق‬
‫ومضى فتبعته فدخل فاستأذن فأذن له‪ ,‬فوجد لبنا ً في قدح فقال‪:‬‬
‫من أين هذا اللبن؟‬
‫قالوا‪ :‬أهداه لك فلن‪ -‬أو فلنة‬
‫قال‪ :‬يا أبا هر‬
‫قلت‪ :‬لبيك يا رسول الله‬
‫قال‪ :‬الحق إلي أهل الصفة فادعهم لي‬
‫ل ول‬
‫ل ول ما ٍ‬ ‫قال‪ :‬وأهل الصفة أضياف السلم‪ ,‬ل يأؤون على أه ٍ‬
‫د‪ ,‬إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئًا‪ ,‬وإذا‬ ‫على أح ٍ‬
‫أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها و أشركهم فيها‪ ,‬فساءني ذلك‬
‫فقلت‪ :‬وما هذا اللبن في أهل الصفة كنت أحق أن أصيب من‬
‫هذا اللبن شربة أتقوى بها‪ ,‬ولم يكن من طاعة الله وطاعة‬
‫رسوله صلى الله عليه و سلم بد فأتيتهم فدعوتهم‪ ,‬فأقبلوا‬
‫فاستأذنوا فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت‬
‫قال‪ :‬يا أبا هر‬
‫قلت‪ :‬لبيك يا رسول الله‬
‫قال‪ :‬خذ فأعطهم‬
‫فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى‪ ,‬ثم يرد‬
‫على القدح فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى‪ ,‬ثم يرد على‬
‫القدح فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى‪ ,‬ثم يرد على القدح‬
‫فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى‪ ,‬ثم يرد على القدح حتى‬
‫انتهيت إلى النبي صلى الله عليه و سلم وقد روي القوم كلهم‪,‬‬
‫فأخذ القدح فوضعه على يده‪ ,‬فنظر إلي فتبسم فقال‪ :‬يا أبا هر‬
‫قلت‪ :‬لبيك يا رسول الله‬
‫قال‪ :‬بقيت أنا وأنت‬
‫قلت‪ :‬صدقت يا رسول الله‬
‫قال‪ :‬اقعد فاشرب فقعدت فشربت‬
‫فقال‪ :‬اشرب فشربت‪ ,‬فما زال يقول‪ :‬اشرب ‪ ,‬حتى قلت‪ :‬ل‬
‫والذي بعثك بالحق‪ ,‬ما أجد له مسلكا ً‬
‫قال‪ :‬فأرني ‪ ,‬فأعطيته القدح‪ ,‬فحمد الله وسمى وشرب الفضلة‬
‫‪ -‬انظر البخاري لفتح ‪6452-11‬‬
‫‪ --‬ثمانون رجل ً يأكلون بعض أرغفة الخبز وتكفيهم‪:‬‬

‫‪427‬‬
‫عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪ :‬قال أبو طلحة لم سليم‪:‬‬
‫فا‬
‫لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعي ً‬
‫أعرف فيه الجوع‪ ،‬فهل عندك من شيء؟‬
‫قالت‪ :‬نعم‬
‫صا من شعير ثم أخرجت خماًرا لها فلفت الخبز‬ ‫فأخرجت أقرا ً‬
‫ببعضه ثم دستني تحت يدي ولثتني ببعضه )أي لفتني به(‪ ،‬ثم‬
‫أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قال‪ :‬فذهبت به‬
‫فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه‬
‫الناس‪ ،‬فقمت عليهم‪ ،‬فقال لي رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬أرسلك أبو طلحة؟ فقلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬بطعام؟ قلت‪ :‬نعم‪،‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه‪ :‬قوموا‪،‬‬
‫فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته‪ ،‬فقال‬
‫أبو طلحة‪ :‬يا أم سليم‪ ،‬قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫والناس وليس عندنا ما نطعمهم‪ ،‬فقلت‪ :‬الله ورسوله أعلم‪،‬‬
‫فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه‪ ،‬فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬هلم يا أم سليم‪ :‬ما عندك؟‬
‫فاتت بذلك الخبز‪ ،‬فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ت وعصرت أم سليم عكة فآدمته‪ ،‬ثم قال رسول الله صلى‬ ‫فف ّ‬
‫الله عليه وسلم فيه ما شاء الله أن يقول‪ ،‬ثم قال‪ :‬ائذن لعشرة‪،‬‬
‫فأكل القوم كلهم والقوم سبعون أو ثمانون رجل‪ .‬صحيح‪ ،‬أخرجه‬
‫البخاري في المناقب‪ ،‬وأخرجه مسلم في الشربة‪ ،‬والترمذي في‬
‫المناقب‪.‬‬
‫‪ --‬قصعة الثريد يأكل منها المئات‪:‬‬
‫عن سمرة بن جندب قال‪ :‬بينما نحن عند النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم إذ ُأتي بقصعة فيها ثريد )الخبز المختلط باللحم والرز(‬
‫قال‪ :‬فأكل وأكل القوم فلم يزالوا يتداولونها إلى قريب من‬
‫الظهر؛ يأكل القوم ثم يقومون ويجئ قوم فيتعاقبونه‪ ،‬قال‪ :‬فقال‬
‫له رجل‪ :‬هل كانت ُتمد بطعام؟ قال‪ :‬أما من الرض فل‪ ،‬إل أن‬
‫تكون كانت تمد من السماء ‪ -‬رواه أحمد‪.‬‬
‫‪ --‬البركة في الشعير‪:‬‬
‫عن جابر رضي الله عنه‪ :‬أن رجل ً أتى النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير‪ ،‬فما زال الرجل‬
‫يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله‪ ،‬فأتى النبي صلى الله عليه‬
‫ما‬
‫وسلم فقال‪ :‬لو لم تكله لكلتم منه ولقام لكم )أي لستمر دائ ً‬
‫دا وما انقطع خيره( ‪ -‬رواه مسلم في كتاب الفضائل‪.‬‬ ‫أب ً‬
‫‪ --‬البركة في السمن‪:‬‬

‫‪428‬‬
‫عن جابر رضي الله عنه‪ :‬أن أم مالك كانت ُتهدي إلى رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم في عكة لها سمًنا فيأتيها بنوها فيسألون‬
‫الدم وليس عندهم شئ‪ ،‬فتعمد إلى التي كانت تهدي فيه إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فتجد فيه سمًنا فما زال يقيم‬
‫لها أدم بيتها حتى عصرتها‪ ،‬فأتت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فقال‪ :‬أعصرتيها؟ قالت‪ :‬نعم‪ ،‬فقال‪ :‬لو تركتيها ما زالت‬
‫قائمة ‪ -‬رواه مسلم في كتاب الفضائل‪.‬‬
‫‪ --‬البركة في مزود أبي هريرة رضي الله عنه‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬أتيت رسول الله صلى الله‬
‫ما بتمرات فقلت‪ :‬ادع الله لي فيهن بالبركة‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫عليه وسلم يو ً‬
‫فصفهن بين يديه ثم دعا‪ ،‬فقال لي‪ :‬اجعلهن في مزود )الوعاء‬
‫من الجلد وغيره‪ ،‬ويجعل فيه الزاد( وأدخل يدك ول تنثره‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قا )الوسق‪50 :‬كيلة = ‪ 4‬أردب‬ ‫فحملت منه كذا وكذا وس ً‬
‫وكيلتان( في سبيل الله ونأكل ونطعم‪ ،‬وكان ل يفارق حقوي‪،‬‬
‫فلما قتل عثمان رضي الله عنه انقطع حقوي فسقط‪ .‬حسن‪،‬‬
‫رواه أحمد‪ ،‬والترمذي في مناقب أبي هريرة‪.‬‬
‫وفي رواية‪ :‬أنه قال‪ُ :‬أصبت بثلث مصيبات في السلم لم أصب‬
‫ُ‬
‫بمثلهن‪:‬‬
‫‪ .1‬موت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت صويحبه‪.‬‬
‫‪ .2‬وقتل عثمان‪.‬‬
‫‪ .3‬والمزود‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وما المزود يا أبا هريرة؟‬
‫قال‪ :‬قلت تمر في مزود‬
‫قال‪ :‬جئ به‪ ،‬فأخرجت تمًرا فأتيته به‬
‫قال‪ :‬فمسه ودعا فيه ثم قال‪ :‬ادع عشرة‪ ،‬فدعوت عشرة فأكلوا‬
‫حتى شبعوا‪ ،‬ثم كذلك حتى أكل الجيش كله وبقي من تمر معي‬
‫في المزود‬
‫فقال‪ :‬يا أبا هريرة إذا أردت أن تأخذ منه شيًئا‪ ،‬فأدخل يدك فيه‬
‫ول تكفه‬
‫قال‪ :‬فأكلت منه حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأكلت منه‬
‫حياة أبي بكر كلها‪ ،‬وأكلت منه حياة عمر كلها‪ ،‬وأكلت منه حياة‬
‫عثمان كلها‪ ،‬فلما قتل عثمان انتهب ما في يدي‪ ،‬وانتهب المزود‪،‬‬
‫أل أخبركم كم أكلت منه‪ ،‬أكلت منه أكثر من مائتي‬
‫وسق)الوسق‪50 :‬كيلة = ‪ 4‬أردب وكيلتان( ‪ -‬دلئل النبوة‬
‫للبيهقي‪.‬‬
‫‪ --‬البركة في شطر الشعير‪:‬‬

‫‪429‬‬
‫عن عائشة رضي الله عنها قالت‪ :‬لقد توفي رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم وما في بيتي شئ يأكله ذو كبد إل شطر شعير‬
‫)أي نصف قدح من شعير أو شئ قليل من الشعير( في رف لي‪،‬‬
‫كلته ففني ‪ -‬صحيح‪ ،‬أخرجه‬ ‫فأكلت منه حتى طال علي‪ ،‬ثم ِ‬
‫البخاري ومسلم‪.‬‬
‫‪----------------‬‬
‫** أراد أن يدمغ النبي صلى الله عليه وسلم بحجر فيبست يده‬
‫على الحجر‬
‫عن المعتمر بن سليمان عن أبيه‪ :‬أن رجل ً من بني مخزوم قام‬
‫إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده فهر )حجر يمل‬
‫الكف( ليرمي به رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فلما أتاه وهو‬
‫ساجد رفع يده وفيها الفهر ليدمغ )أي ليرمي( به رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فيبست يده على الحجر فلم يستطع‬
‫إرسال الفهر من يده‪ ،‬فرجع إلى أصحابه فقالوا‪ :‬أجبنت عن‬
‫الرجل؟‬
‫قال‪ :‬لم أفعل ولكن هذا في يدي ل أستطيع إرساله فعجبوا من‬
‫ذلك‪ ،‬فوجدوا أصابعه قد يبست على الفهر‪ ،‬فعالجوا أصابعه حتى‬
‫خلصوها‪ ،‬وقالوا هذا شئ يراد ‪-‬أخرجه أبو نعيم في الدلئل‪.-‬‬

‫** حاول اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت عليه ُأسود‬
‫فهالته‬
‫عن عروة بن الزبير قال‪ :‬كان النضر بن الحارث ممن يؤذي‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعرض له‪ ،‬فخرج رسول الله‬
‫ما يريد حاجته في نصف النهار في حر‬ ‫صلى الله عليه وسلم يو ً‬
‫شديد فبلغ أسفل من ثنية الحجون‪ ،‬وكان يبعد إذا ذهب لحاجته‬
‫دا أخلى منه الساعة‬‫فرآه النضر بن الحارث فقال‪ :‬ل أجده أب ً‬
‫فأغتاله‪ ،‬قال‪ :‬فدنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم‬
‫انصرف راجًعا مرعوًبا إلى منزله فلقيه أبو جهل فقال‪ :‬من أين‬
‫الن؟‬
‫دا رجاء أن أغتاله وهو وحده ليس معه‬ ‫فقال النضر‪ :‬اتبعت محم ً‬
‫أحد‪ ،‬فإذا أساود )أي ُأسود( تضرب بأنيابها على رأسه فاتحة‬
‫أفواهها‪ ،‬فهالتني فذعرت منها ووليت راجًعا‬
‫فقال أبو جهل‪ :‬هذا بعض سحره ‪-‬أخرجه أبو نعيم‪.-‬‬

‫** أراد قتل الرسول صلى الله عليه وسلم فخذله الله‬

‫‪430‬‬
‫عن جابر رضي الله عنه أن رجل ً من محارب يقال له غورث بن‬
‫دا‪ ،‬فقالوا‪ :‬كيف تقتل؟ قال‪:‬‬ ‫الحارث قال لقومه‪ :‬أقتل لكم محم ً‬
‫أفتك به‪،‬‬
‫فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس وسيفه‬
‫في حجره‪ ،‬فقال‪ :‬يا محمد‪ ،‬أنظر إلى سيفك هذا؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬فأخذه واستله وجعل يهزه ويهم فيكبته الله )أي‬
‫فيخذله الله(‬
‫فقال‪ :‬يا محمد‪ ،‬أنظر إلى سيفك هذا؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬فأخذه واستله وجعل يهزه ويهم فيكبته الله‬
‫فقال‪ :‬يا محمد أما تخافني؟‬
‫قال‪ :‬ل‪ ،‬وما أخاف منك‬
‫قال‪ :‬أل تخافني وفي يدي السيف؟‬
‫قال ‪ :‬ل يمنعني الله منك‬
‫ثم أغمد السيف ورده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫َ‬
‫ت الل ّهِ ع َل َي ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م َ‬‫مُنوا ْ اذ ْك ُُروا ْ ن ِعْ َ‬‫نآ َ‬ ‫فأمزل الله عز وجل‪َ :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫طوا ْ إل َيك ُم أ َيديهم فَك َ ّ َ‬ ‫إذ ْ هَم قَو َ‬
‫م ‪ -‬سورة‬ ‫عنك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ف أي ْد ِي َهُ ْ‬ ‫س ُ ِ ْ ْ ْ َُِ ْ‬ ‫م أن ي َب ْ ُ‬
‫ّ ْ ٌ‬ ‫ِ‬
‫المائدة‪ ،‬من الية‪ -11:‬أخرجه أبو نعيم‪.‬‬

‫** عصمته صلى الله عليه و سلم من الناس‬


‫لقي رسول الله صلى الله عليه و سلم من أعدائه كثير الذى‬
‫وعظيم الشدة منذ أن جهر بدعوته ولكن الله تبارك وتعالى‬
‫حفظه ونصره وعصمه من الناس كما قال تعالى في كتابه العزيز‬
‫ت‬‫ما ب َل ّغْ َ‬
‫ل فَ َ‬
‫فعَ ْ‬ ‫ك وَِإن ل ّ ْ‬
‫م تَ ْ‬ ‫من ّرب ّ َ‬
‫ك ِ‬ ‫ما ُأنزِ َ‬
‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ل ب َل ّغْ َ‬
‫سو ُ‬ ‫َ‬
‫َيا أي َّها الّر ُ‬
‫س ‪ -‬سورة المائدة آية ‪ -67‬وقد‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬
‫ك ِ‬ ‫م َ‬‫ص ُ‬
‫ه ي َعْ ِ‬‫ه َوالل ّ ُ‬
‫سال َت َ ُ‬ ‫رِ َ‬
‫كان النبي صلى الله عليه و سلم يحرس قبل نزول هذه الية من‬
‫قبل بعض أصحابه فلما نزلت هذه الية قال‪ :‬يا أيها الناس‬
‫انصرفوا عني فقد عصمني الله عز وجل‬
‫* ومن المثلة على عصمة الله لرسوله وكف العداء عنه‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال أبو جهل‪ :‬هل يعفر‬
‫محمد وجهه بين أظهركم؟ ‪ -‬أي يسجد ويلصق وجهه بالعفر وهو‬
‫التراب‬
‫قال‪ :‬قيل‪ :‬نعم‬
‫فقال‪ :‬واللت والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لطأن على رقبته أو‬
‫لعفرن وجهه في التراب‬
‫قال‪ :‬فأتى رسول الله رضي الله عنه وهو يصلي زعم ليطأ على‬
‫رقبته قال فما فجئهم )أي بغتهم( منه إل وهو ينكص على عقبيه‬
‫)أي رجع يمشي إلى ورائه( ويتقي بيديه قال فقيل له‪ :‬مالك؟‬

‫‪431‬‬
‫فقال‪ :‬إن بيني وبينه لخندًقا من نار وهول ً وأجنحة‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم‪ :‬لو دنا مني لختطفته‬
‫وا ‪ -‬رواه البخاري مختصًرا ورواه مسلم‬ ‫وا عض ً‬
‫الملئكة عض ً‬
‫واللفظ له‬
‫عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه في قصة الهجرة النبوية‬
‫قال‪ :‬فارتحلنا بعد ما مالت الشمس واتبعنا سراقة بن مالك‬
‫فقلت‪ :‬أتينا يا رسول الله‬
‫فقال‪ :‬ل تحزن إن الله معنا فدعا عليه النبي صلى الله عليه و‬
‫سلم فارتطمت به فرسه إلى بطنها فقال‪ :‬إني أراكما قد دعوتما‬
‫علي فادعوا لي فالله لكما أن أرد عنكما الطلب‬
‫دا إل‬
‫فدعا له النبي صلى الله عليه و سلم فنجا فجعل ل يلقى أح ً‬
‫دا إل رده قال‪ :‬ووفى لنا ‪ -‬رواه‬ ‫قال‪ :‬كفيتكم ما هنا فل يلقى أح ً‬
‫مسلم والبخاري مطول ً‬
‫عن سلمة بن الكوع رضي الله عنه قال‪ :‬غزونا مع رسول الله‬
‫صلى الله عليه و سلم حنيًنا فولى صحابة النبي صلى الله عليه و‬
‫سلم فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه و سلم )أي أتوه من‬
‫كل جانب( نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب الرض ثم‬
‫استقبل به وجوههم فقال‪ :‬شاهت الوجوه )أي قبحت( فما خلق‬
‫الله منهم إنساًنا إل مل عينيه تراًبا بتلك القبضة فولوا مدبرين‬
‫فهزمهم الله عز وجل وقسم رسول الله صلى الله عليه و سلم‬
‫غنائمهم بين المسلمين ‪ -‬رواه مسلم‬
‫عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال‪ :‬غزونا مع رسول الله‬
‫صلى الله عليه و سلم قبل نجد )أي ناحية نجد في غزوته إلى‬
‫غطفان وهي غزوته ذي أمر موضع من ديار غطفان( فأدركنا‬
‫رسول الله صلى الله عليه و سلم في واد كثير العضاه )هي كل‬
‫شجرة ذات شوك( فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم تحت‬
‫شجرة فعلق سيفه بغصن من أغصانها قال‪ :‬وتفرق الناس في‬
‫الوادي يستظلون بالشجر قال‪ :‬فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫و سلم‪ :‬إن رجل ً أتلني وأنا نائم فأخذ السيف فاستيقظت وهو‬
‫ل( في‬ ‫قائم على رأسي فلم أشعر إل والسيف صلًتا )أي مسلو ً‬
‫يده فقال لي‪ :‬من يمنعك مني؟‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬الله‬
‫ثم قال في الثانية‪ :‬من يمنعك مني؟‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬الله‬
‫قال‪ :‬فشام السيف )أي رده في غمده( فها هو ذا جالس ثم لم‬
‫يعرض له رسول الله صلى الله عليه و سلم ‪ -‬رواه البخاري‬
‫ومسلم‬

‫‪432‬‬
‫‪ --‬جالس أمامها ول تراه‪:‬‬
‫دا‬‫ت يَ َ‬ ‫قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها‪ :‬لما نزلت }ت َب ّ ْ‬
‫َ‬
‫ب { جاءت العوراء أم جميل‪ ،‬ولها ولولة وفي يدها‬ ‫ب وَت َ ّ‬ ‫أِبي ل َهَ ٍ‬
‫ما أبينا‪ ،‬ودينه قلينا‪ ،‬وأمره عصينا‪ ،‬ورسول‬ ‫فهر وهي تقول‪ :‬مذم ً‬
‫الله صلى الله عليه وسلم جالس‪ ،‬وأبو بكر إلى جنبه‪ ،‬فقال أبو‬
‫بكر رضي الله عنه‪ :‬لقد أقبلت هذه‪ ،‬وأنا أخاف أن تراك‪ ،‬فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬إنها لن تراني‪ ،‬وقرأ قرآًنا‬
‫ْ‬
‫ن لَ‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫جعَل َْنا ب َي ْن َ َ‬
‫ك وَب َي ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫قرآ َ‬ ‫ت ال ْ ُ‬‫ذا قََرأ َ‬ ‫اعتصم به منها‪} :‬وَإ ِ َ‬
‫سُتورًا{‪.‬‬ ‫م ْ‬‫جابا ً ّ‬ ‫ح َ‬
‫خَرةِ ِ‬ ‫ن ِبال ِ‬ ‫مُنو َ‬‫ي ُؤ ْ ِ‬
‫قال‪ :‬فجاءت حتى قامت على أبي بكر‪ ،‬فلم تر النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فقالت‪ :‬يا أبا بكر بلغني أن صاحبك هجاني‪ ،‬فقال أبو‬
‫بكر‪ :‬ل ورب هذا البيت ما هجاك )أي أنه حكى ما قاله ربه‪ ،‬وما‬
‫كان هذا كلمه‪ ،‬وإنما كلم ربه تعالى فلم يكن هاجًيا له(‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فانصرفت وهي تقول‪ :‬لقد علمت قريش أني بنت سيدها ‪ -‬رواه‬
‫أبو يعلى‪.‬‬
‫‪ --‬مر صلى الله عليه وسلم عليهم وألقى على رءوسهم التراب‬
‫ول يرونه‪:‬‬
‫لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم علًيا رضي الله عنه يوم‬
‫الهجرة أن يبيت في مضجعه تلك الليلة‪ ،‬واجتمع أولئك النفر من‬
‫قريش يتطلعون من صير الباب ويرصدونه‪ ،‬ويريدون بياته‬
‫ويأتمرون أيهم يكون أشقاها ‪ ،‬فخرج رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم عليهم‪ ،‬فأخذ حفنة من البطحاء‪ ،‬فجعل يذره على‬
‫سد ّا ً‬ ‫رءوسهم‪ ،‬وهم ل يرونه وهو يتلو } وجعل ْنا من بي َ‬
‫م َ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫َ َ َ َ ِ َْ ِ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ل َ ي ُب ْ ِ‬‫م فَهُ ْ‬ ‫شي َْناهُ ْ‬‫سد ّا ً فَأ َغ ْ َ‬
‫م َ‬ ‫خل ْ ِ‬
‫فهِ ْ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر‬
‫ل‪ ،‬وجاء رجل ورأى القوم‬ ‫فخرجا من خوخة في دار أبي بكر لي ً‬
‫ببابه‪ ،‬فقال‪ :‬ما تنتظرون؟‬
‫دا‬‫قالوا‪ :‬محم ً‬
‫قال‪ :‬خبتم وخسرتم‪ ،‬قال‪ :‬والله مر بكم وذّر على رءوسكم‬
‫التراب‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬والله ما أبصرناه‬
‫وقاموا ينفضون التراب عن رءوسهم‪ ،‬وهم‪ :‬أبو جهل والحكم بن‬
‫العاص وعقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث وأمية بن خلف‬
‫وزمعة بن السود وطعيمة بن عدي وأبو لهب وأبي بن خلف ونبيه‬
‫ومنبه ابنا الحجاج‪.‬‬
‫أخرجه ابن سعد وابن هشام وأحمد‪ ،‬وقد حسنه ابن كثير وابن‬
‫حجر في الفتح‪.‬‬

‫‪433‬‬
‫** انشقاق القمر‬
‫عن أنس بن مالك رضي الله عنه‪ :‬أن أهل مكة سألوا رسول الله‬
‫صلى الله عليه و سلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقتين حتى‬
‫رأوا حراء بينهما رواه البخاري ومسلم‬
‫فكان هذا النشقاق _كما قال الخطابي_ آية عظيمة ل يكاد يعدلها‬
‫جا‬‫شيء من آيات النبياء؛ وذلك أنه ظهر في ملكوت السماء خار ً‬
‫من جملة طباع ما في هذا العالم المركب من الطبائع فليس مما‬
‫يطمع في الوصول إليه بحيلة فلذلك صار البرهان به أظهر وقد‬
‫ذكر الله سبحانه وتعالى هذه المعجزة في كتابه العزيز فقال عز‬
‫ة‬
‫مُر }‪ {1‬وَِإن ي ََرْوا آي َ ً‬ ‫ق َ‬ ‫شقّ ال ْ َ‬‫ة َوان َ‬ ‫ساع َ ُ‬‫ت ال ّ‬ ‫من قائل‪ :‬اقْت ََرب َ ِ‬
‫َ‬
‫م وَك ُ ّ‬
‫ل‬ ‫واءهُ ْ‬ ‫مّر }‪ {2‬وَك َذ ُّبوا َوات ّب َُعوا أهْ َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫حٌر ّ‬‫س ْ‬ ‫قوُلوا ِ‬ ‫ضوا وَي َ ُ‬ ‫ي ُعْرِ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جٌر }‪{4‬‬ ‫مْزد َ َ‬
‫ما ِفيهِ ُ‬ ‫ن اْلنَباء َ‬ ‫م َ‬
‫هم ّ‬ ‫جاء ُ‬ ‫قد ْ َ‬‫قّر }‪ {3‬وَل َ َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫مرٍ ّ‬ ‫أ ْ‬
‫ن الن ّذ ُُر ‪-‬سورة القمر ‪-‬ونقل الحافظ بن كثير‬ ‫ما ت ُغْ ِ‬‫ة فَ َ‬ ‫ة َبال ِغَ ٌ‬
‫م ٌ‬ ‫حك ْ َ‬‫ِ‬
‫الجماع على أن انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي صلى الله‬
‫عليه و سلم وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات وأن الحاديث‬
‫التي وردت بذلك متواترة من طرق متعددة تفيد القطع‬
‫ومع عظم هذه المعجزة فإن أهل مكة المعاندين لم يصدقوا ولم‬
‫يذعنوا بل استمروا على كفرهم وإعراضهم وقالوا‪ :‬سحرنا محمد‬
‫فقال بعضهم لئن كان سحرنا ما يستطيع أن يسحر الناس كلهم‬
‫فسألوا من قدم عليهم من المسافرين فأخبروهم بنظير ما‬
‫شاهدوه فعلموا صحة ذلك وتيقنوه‪.‬‬

‫** دلئل نبوته صلى الله عليه و سلم فيما يتعلق ببعض‬
‫الحيوانات‬
‫* قصة البعير وسجوده وشكواه لرسول الله صلى الله عليه و‬
‫سلم‪:‬‬
‫عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪ :‬كان أهل البيت من‬
‫النصار لهم جمل يسنون عليه وأنه استصعب عليهم فمنعهم‬
‫ظهره وأن النصار جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم‬
‫فقالوا‪ :‬إنه كان لنا جمل نسني عليه )أي نستقي عليه( أنه‬
‫استصعب علينا ومنعنا ظهره‪ ,‬وقد عطش الزرع والنخل‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لصحابه‪ :‬قوموا فقاموا‬
‫فدخل الحائط والجمل في ناحيته‪ ,‬فمشى النبي صلى الله عليه و‬
‫سلم نحوه‬
‫فقالت النصار‪ :‬يا رسول الله إنه قد صار مثل الكلب وإنا نخاف‬
‫عليك صولته‬

‫‪434‬‬
‫ي منه بأس‬‫فقال‪ :‬ليس عل َ‬
‫فلما نظر الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أقبل‬
‫نحوه حتى خر ساجدا ً بين يديه‪ ,‬فأخذ رسول الله صلى الله عليه‬
‫و سلم بناصيته أذل ما كانت قط‪ ,‬حتى أدخله في العمل فقال له‬
‫أصحابه‪ :‬هذه البهيمة ل تعقل تسجد لك‪ ,‬ونحن أحق أن نسجد لك‬
‫فقال‪ :‬ل يصلح لبشر أن يسجد لبشر‪ ,‬ولو صلح لبشر أن يسجد‬
‫لبشر لمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها‪,‬‬
‫والذي نفس محمد بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة‬
‫تتفجر بالقيح والصديد ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه ‪ -‬رواه‬
‫المام أحمد في مسنده‬
‫وعن عبد الله بن جعفر‪ -‬رضى الله عنهما قال‪ :‬أردفني رسول‬
‫ي حديثا ً ل‬
‫الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم خلفه فأسر إل َ‬
‫أخبر به أحدا ً أبدا ً وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم أحب‬
‫ما استتر به في حاجته هدف أو حائش نخل)أي جماعة النخل(‬
‫فدخل يوما ً حائطا ً من حيطان النصار فإذا جمل قد أتاه فجرجر‬
‫)أي ردد صوته في حنجرته( وذرفت عيناه قال بهر وعفان‪ :‬فلما‬
‫ن وذرفت عيناه فمسح‬ ‫رأى النبي صلى الله عليه و سلم ح َ‬
‫رسول الله صلى الله عليه و سلم سراته )الظهر وقيل السنام(‬
‫وذفراه )العظم الشاخص خلف الذن ( سكن فقال‪ :‬من صاحب‬
‫هذا الجمل؟‬
‫فجاء فتى من النصار فقال‪ :‬هو لي يا رسول الله‬
‫فقال‪ :‬أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملككها الله‪ ,‬إنه شكا‬
‫إلي أنك تجيعه وتدئبه ‪ -‬رواه أبو داوود والمام أحمد في مسنده‬
‫والحاكم في المستدرك‬
‫* إخبار الذئب بنبوته صلى الله عليه و سلم‪:‬‬
‫عن أبي سعيد الخضري رضي الله عنه قال‪ :‬عدا الذئب على شاة‬
‫فأخذها فطلبه الراعي فانتزعها منه‪ ,‬فأقعى الذئب على ذنبه‬
‫فقال‪ :‬أل تتقي الله؟ تنزع مني رزقا ً ساقه الله إلي؟‬
‫فقال‪ :‬يا عجبي ذئب يقعي على ذنبه يكلمني كلم النس‬
‫فقال الذئب‪ :‬أل أخبرك بأعجب من ذلك؟ محمد صلى الله عليه و‬
‫سلم بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق‬
‫قال ‪ :‬فأقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة فزواها إلى‬
‫زاوية من زواياها‪ ,‬ثم أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم‬
‫فأخبره‬
‫فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فنودي‪ :‬الصلة جامعة ثم‬
‫خرج فقال للراعي أخبرهم فأخبرهم فقال رسول الله صلى الله‬
‫عليه و سلم‪ :‬صدق‪ ,‬والذي نفس محمد بيده ل تقوم الساعة حتى‬

‫‪435‬‬
‫يكلم السباع النس‪ ,‬ويكلم الرجل عذبة سوطه‪ ,‬وشراك نعله‪,‬‬
‫ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده ‪ -‬رواه المام أحمد في‬
‫المسند‪ ,‬و الحاكم في المستدرك‪ ,‬وابن سعد في الطبقات‬
‫وفى رواية من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عندما كلم‬
‫الذئب راعي الغنم فقال الرجل‪ :‬تالله إن رأيت كاليوم ذئبا ً يتكلم‬
‫فقال الذئب‪ :‬أعجب من هذا الرجل في النخلت بين الحرتين )أي‬
‫المدينة المنورة( يخبركم بما مضى وما هو كائن بعدكم وكان‬
‫الرجال يهوديًا‪ ,‬فجاء النبي صلى الله عليه و سلم فأسلم وخَبره‬
‫فصدقه النبي صلى الله عليه و سلم ‪ -‬رواه المام أحمد في‬
‫المسند ‪3/88‬‬
‫* الوحش يوقر الرسول صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫قالت عائشة رضي الله عنها‪ :‬كان لل رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وحش فإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعب‬
‫واشتد وأقبل وأدبر‪ ،‬فإذا أحس برسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قد دخل ربض فلم يترمرم )أي سكن ولم يتحرك( ما دام رسول‬
‫اله صلى الله عليه وسلم في البيت كراهية أن يؤذيه ‪ -‬صحيح‪،‬‬
‫أخرجه أحمد ‪ ،‬وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد‪.‬‬
‫* وافد الذئاب يرضى بأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫عن حمزة بن أبي أسيد قال‪ :‬خرج رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم في جنازة رجل من النصار بالبقيع‪ ،‬فإذا الذئب مفتر ً‬
‫شا‬
‫ذراعيه على الطريق‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬هذا جاء يستفرض‬
‫فافرضوا له‬
‫قالوا‪ :‬ترى رأيك يا رسول الله‬
‫قال‪ :‬من كل سائمة شاة في كل عام‬
‫قالوا‪ :‬كثير‬
‫قال‪ :‬فأشار إلى الذئب أن خالسهم فانطلق الذئب‪ .‬حسن‬
‫بشواهده ‪ -‬أخرجه البيهقي في الدلئل‪ ،‬ورواه البزار وأبو نعيم‪.‬‬
‫ورضي الذئب بأن يأخذ منهم الشياة خلسة كما عرض عليه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫** إفحام أهل الكتاب‬
‫كان أهل الكتاب كثيًرا ما يسألون رسول الله صلى الله عليه و‬
‫سلم عن أشياء على سبيل المتحان والتعجيز وليس على سبيل‬
‫الهداية والنصياع للحق فسألوه عن أشياء كثيرة فكان رسول‬
‫الله صلى الله عليه و سلم يورد الجواب على وجهه ويأتي به‬
‫على نصه كما هو معروف لديهم ومقرر في كتبهم وقد علموا أنه‬
‫صلى الله عليه و سلم أمي ل يقرأ ول يكتب ول اشتغل بمدارسة‬

‫‪436‬‬
‫ولم يتلق العلم على أيديهم ومع هذا لم يحك عن واحد من اليهود‬
‫والنصارى على شدة عداوتهم له وحرصهم على تكذيبه وكثرة‬
‫سؤالهم له وتعنتهم في ذلك أنه أنكر على رسول الله صلى الله‬
‫عليه و سلم جوابه أو كذبه بل أكثرهم صرح بصحة نبوته وصدق‬
‫مقالته والمكابر منهم اعترف بعناده وحسده لرسول الله صلى‬
‫الله عليه و سلم‬
‫* وها هي بعض النماذج التي سئل فيها رسول الله صلى الله‬
‫عليه و سلم فأجاب بما طابق الحق المقرر عند أهل الكتاب‬
‫عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪ :‬بلغ عبد الله بن سلم‬
‫مقدم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة فأتاه فقال‪ :‬إني‬
‫سائلك عن ثلث ل يعلمهن إل نبي‬
‫قال‪ :‬ما أول أشراط الساعة )العلمات التي تتقدمها(؟ وما أول‬
‫طعام يأكله أهل الجنة؟ ومن أي شيء ينزع الولد إلى أبيه )أي‬
‫يجيء يشبهه( ومن أي شيء ينزع إلى أخواله؟‬
‫فا جبريل‬‫فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم‪ :‬خبرني بهن آن ً‬
‫قال فقال عبد الله‪ :‬ذاك عدو اليهود من الملئكة‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم‪ :‬أما أول أشراط الساعة‬
‫فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب‬
‫وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت‬
‫وأما الشبه في الولد فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه‬
‫كان الشبه له وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها‬
‫قال‪ :‬أشهد أنك رسول الله‬
‫ثم قال‪ :‬يا رسول الله إن اليهود قوم بهت )أي يكذبون على‬
‫الناس( إن علموا بإسلمي قبل أن تسألهم بهتوني عندك فجاءت‬
‫اليهود ودخل عبد الله البيت فقال رسول الله صلى الله عليه و‬
‫سلم‪ :‬أي رجل فيكم عبد الله بن سلم؟‬
‫قالوا‪ :‬أعلمن وابن أعلمنا وأخبرنا وابن أخبرنا‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم‪ :‬أفرأيتم إن أسلم عبد‬
‫الله؟‬
‫قالوا‪ :‬أعاذه الله من ذلك‪ ,‬فخرج عبد الله إليهم فقال‪ :‬أشهد أن‬
‫دا رسول الله‬‫ل إله إل الله وأشهد أن محم ً‬
‫فقالوا‪ :‬شرنا وابن شرنا ووقعوا فيه ‪ -‬رواه البخاري‬
‫ما عند رسول الله صلى‬ ‫عن ثوبان رضي الله عنه قال‪ :‬كنت قائ ً‬
‫الله عليه و سلم فجاء حبر من أحبار اليهود ‪ -‬أي عالم من‬
‫علمائهم‬
‫فقال‪ :‬السلم عليك يا محمد فدفعته دفعة كاد يصرع منها فقال‪:‬‬
‫لم تدفعني؟‬

‫‪437‬‬
‫فقلت‪ :‬أل تقول يا رسول الله‬
‫فقال اليهودي‪ :‬إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم‪ :‬إن اسمي محمد الذي‬
‫سماني به أهلي‬
‫فقال اليهودي‪ :‬جئت أسألك‬
‫فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم‪ :‬أينفعك شيء إن‬
‫حدثتك؟‬
‫قال‪ :‬أسمع بأذني فنكت رسول الله صلى الله عليه و سلم بعود‬
‫معه )أي يخط بالعود في الرض ويؤثر به فيها( فقال‪ :‬سل‬
‫فقال اليهودي‪ :‬أين يكون الناس يوم تبدل الرض غير الرض‬
‫والسماوات؟‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم‪ :‬هم في الظلمة دون‬
‫الجسر ‪ -‬المراد به‪ :‬الصراط‬
‫قال‪ :‬فمن أول الناس إجازة ‪ -‬المقصود‪ :‬الجواز والعبور؟‬
‫قال صلى الله عليه و سلم‪ :‬فقراء المهاجرين‬
‫قال اليهودي‪ :‬فما تحفتهم )وهي ما يهدى إلى الرجل ويخص به(‬
‫حين يدخلون الجنة؟‬
‫قال‪ :‬زيادة كبد النون ‪ -‬أي الحوت‬
‫قال‪ :‬فما غذاؤهم على إثرها؟‬
‫قال‪ :‬ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها‬
‫قال ‪ :‬فما شرابهم عليه‬
‫قال ‪ :‬عينا فيها تسمى سلسبيل‬
‫قال ‪ :‬صدقت قال أردت أن أسألك عن شيء ل يعلمه أحد من‬
‫أهل الرض إل نبي أو رجل أو رجلن‬
‫قال ‪ :‬ينفعك إن حدثتك‬
‫قال ‪ :‬أسمع بأذني‬
‫قال ‪ :‬جئت أسألك عن الولد قال ماء الرجل أبيض وماء المرأة‬
‫أصفر فإذا اجتمعا فعل مني الرجل مني المرأة أذكر بإذن الله‬
‫وإذا عل مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله تعالى‬
‫فقال ‪ :‬اليهودي لقد صدقت وإنك لنبي ثم انصرف‬
‫فذهب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد سألني عن‬
‫الذي سألني عنه ومالي علم بشيء منه حتى أتاني الله عز وجل‬
‫به ‪ -‬في صحيح مسلم‬

‫** حنين الجذع شوقا ً إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم‬
‫وشفقا ً من فراقه‬

‫‪438‬‬
‫عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما‪ -‬إن النبي صلى الله‬
‫عليه و سلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة‪ ,‬فقالت‬
‫امرأة من النصار‪ -‬أو رجل‪ -‬يا رسول الله‪ ,‬أل نجعل لك منبرا ً ؟‬
‫قال‪ :‬إن شئتم‬
‫فجعلوا له منبرا ً فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر‪ ,‬فصاحت‬
‫النخلة صياح الصبي‪ ,‬ثم نزل النبي صلى الله عليه و سلم فضمه‬
‫إليه‪ ,‬يئن أنين الصبي الذي يسكن قال‪ :‬كانت تبكي على ما كانت‬
‫تسمع من الذكر عندها ‪ -‬رواه البخاري‬
‫وفي رواية أخرى عن جابر رضي الله عنه قال‪ :‬كان المسجد‬
‫مسقوفا ً على جذوع من نخل‪ ,‬فكان النبي إذا خطب يقوم إلى‬
‫جذع منها‪ ,‬فلما صنع له المنبر فكان عليه فسمعنا لذلك الجذع‬
‫صوتا ً كصوت العشار )جمع عشراء‪ ,‬وهى الناقة التي أتى عليها‬
‫عشرة أشهر من حملها(‪ ,‬حتى جاء النبي فوضع يده عليها‪,‬‬
‫فسكنت رواه البخاري‬
‫وفى رواية من حديث ابن عباس‪ -‬رضي الله عنهما‪ -‬قال صلى‬
‫ن إلى يوم القيامة ‪ -‬رواه‬ ‫الله عليه و سلم ‪ :‬ولو لم أحتضنه لح َ‬
‫المام أحمد في مسنده‪ ,‬وابن ماجه‬
‫وكان الحسن البصري رحمه الله إذا حدث بحديث حنين الجذع‬
‫يقول يا معشر المسلمين الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله‬
‫عليه و سلم شوقا ً إلى لقائه فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه‪..‬‬
‫** عذق النخلة ينزل منها ويمشي إلى النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‬
‫جاء إعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬بما‬
‫أعرف أنك رسول الله؟‬
‫قال‪ :‬أرأيت إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد أني‬
‫رسول الله؟‬
‫قال‪ :‬نعم‬
‫قال‪ :‬فدعا العذق فجعل العذق ينزل من النخلة حتى سقط في‬
‫الرض‪ ،‬فجعل ينقز حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ثم قال له‪ :‬ارجع‪ ،‬فرجع حتى عاد إلى مكانه‬
‫فقال‪ :‬أشهد أنك رسول الله‪ ،‬وآمن ‪ -‬صحيح‪ ،‬رواه البيهقي في‬
‫الدلئل‪ ،‬والحاكم في المستدرك‪.‬‬

‫** انقياد الشجر لرسول الله صلى الله عليه و سلم‬


‫عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال‪ :‬سرنا مع رسول الله‬
‫صلى الله عليه و سلم حتى نزلنا وادًيا أفيح )أي واسًعا( فذهب‬
‫رسول الله صلى الله عليه و سلم يقضي حاجته فاتبعته بإداوة‬

‫‪439‬‬
‫من ماء فنظر رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم ير شيًئا‬
‫يستتر به فإذا شجرتان بشاطئ الوادي )أي جانبه( فانطلق‬
‫رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى إحداهما فأخذ بغصن من‬
‫أغصانها فقال‪ :‬انقادي علي بإذن الله فانقادت معه كالبعير‬
‫المخشوش )هو الذي يجعل في أنفه خشاش وهو عود يجعل في‬
‫أنف البعير إذا كان صعًبا ويشد فيه حبل ليذل وينقاد وقد يتمانع‬
‫لصعوبته فإذا اشتد عليه وآلمه انقاد شيًئا( الذي يصانع قائده حتى‬
‫أتى الشجرة الخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال‪ :‬انقادي علي‬
‫بإذن الله فانقادت معه كذلك حتى إذا كان بالمنصف )هو نصف‬
‫المسافة( مما بينهما لم بينهما )يعني جمعهما( فقال‪ :‬التئما علي‬
‫بإذن الله فالتأمتا قال جابر‪ :‬فخرجت أحضر )أي أعدو وأسعى‬
‫دا( مخافة أن يحس رسول الله صلى الله عليه و سلم‬ ‫سعًيا شدي ً‬
‫بقربي فيبتعد فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة فإذا أنا‬
‫برسول الله صلى الله عليه و سلم مقبل ً وإذا الشجرتان قد‬
‫افترقتا فقامت كل واحدة منهما على ساق فرأيت رسول الله‬
‫صلى الله عليه و سلم وقف وقفة فقال برأسه هكذا؟ وأشار أبو‬
‫إسماعيل برأسه يميًنا وشمال ً ثم أقبل فلما انتهى إلي قال‪ :‬يا‬
‫جابر هل رأيت مقامي؟ قلت‪ :‬نعم يا رسول الله قال‪ :‬فانطلق‬
‫إلى الشجرتين فاقطع من كل واحدة منهما غصًنا فأقبل بهما‬
‫حتى إذا قمت مقامي فأرسل غصًنا عن يمينك وغصًنا عن يسارك‬
‫قال جابر‪ :‬فقمت فأخذت حجًرا فكسرته وحسرته )أي أحددته‬
‫بحيث صار مما يمكن قطع الغصان به( فانذلق لي )أي صار‬
‫دا( فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصًنا ثم‬ ‫حا ً‬
‫أقبلت أجرهما حتى قمت مقام رسول الله صلى الله عليه و‬
‫سلم أرسلت غصًنا عن يميني وغصًنا عن يساري ثم لحقته‬
‫فقلت‪ :‬قد فعلت يا رسول الله فعم ذاك؟ قال‪ :‬إني مررت‬
‫بقبرين يعذبان فأحببت بشفاعتي أن يرفه عنهما )أي يخفف( ما‬
‫دام الغصنان رطبين ‪ -‬رواه مسلم‬
‫عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال‪ :‬كنا مع رسول الله‬
‫صلى الله عليه و سلم في سفر فأقبل أعرابي فلما دنا منه قال‬
‫له رسول الله صلى الله عليه و سلم‪ :‬أين تريد؟‬
‫قال‪ :‬إلى أهلي‬
‫قال‪ :‬هل لك في خير؟‬
‫قال‪ :‬وما هو؟‬
‫دا عبده‬ ‫قال‪ :‬تشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له وأن محم ً‬
‫ورسوله‬
‫قال‪ :‬ومن يشهد على ما تقول؟‬

‫‪440‬‬
‫قال‪ :‬هذه السلمة )شجرة من أشجار البادية(‬
‫فدعاها رسول الله صلى الله عليه و سلم وهي بشاطئ الوادي‬
‫دا حتى قامت بين يديه فأشهدها‬ ‫فأقبلت تخد )تشق( الرض خ ً‬
‫ثلًثا فشهدت ثلًثا أنه كما قال ثم رجعت إلى منبتها ورجع‬
‫العرابي إلى قومه وقال‪ :‬إن اتبعوني آتك بهم وإل رجعت فكنت‬
‫معك رواه الطبراني في الكبير وأبو يعلى والبزار ورجال‬
‫الطبراني رجال الصحيح‬
‫** تسليم الحجر عليه صلى الله عليه و سلم‬
‫عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه و سلم‪ :‬إني لعرف حجًرا بمكة كان يسلم علي قبل أن‬
‫أبعث إني لعرفه الن رواه أحمد ومسلم والترمذي‬
‫قا على هذا الحديث‪ :‬فيه معجزة له صلى‬ ‫قال المام النووي معل ً‬
‫الله عليه و سلم وفي هذا إثبات التمييز في بعض الجمادات وهو‬
‫ة‬ ‫خ ْ‬
‫شي َ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ط ِ‬‫ما ي َهْب ِ ُ‬
‫من َْها ل َ َ‬
‫ن ِ‬‫موافق لقوله تعالى في الحجارة وَإ ِ ّ‬
‫ح‬
‫سب ّ ُ‬ ‫يٍء إ ِل ّ ي ُ َ‬‫ش ْ‬‫من َ‬ ‫الل ّهِ ‪ -‬سورة البقرة آية ‪ 74‬وقوله تعالى وَِإن ّ‬
‫مد َهِ ‪ -‬سورة السراء آية ‪44‬‬ ‫ح ْ‬
‫بِ َ‬
‫** تسبيح الطعام بحضرته صلى الله عليه و سلم‬
‫عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‪ :‬كنا نعد اليات بركة‬
‫فا كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم‬ ‫وأنتم تعدونها تخوي ً‬
‫في سفر فقال الماء فقال‪ :‬اطلبوا فضلة من ماء فجاءوا بإناء فيه‬
‫ماء قليل فأدخل يده في الناء ثم قال‪ :‬حي على الطهور المبارك‬
‫والبركة من الله فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله‬
‫ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل أخرجه البخاري في‬
‫صحيحه‬
‫** الشجرة تنتقل من مكانها ثم ترجع‬
‫عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪ :‬جاء جبريل إلى رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو جالس حزين قد خضب‬
‫بالدماء )أي ملت الدماء رأسه( من ضربة بعض أهل مكة فقال‬
‫له‪ :‬ما لك؟‬
‫قال‪ :‬فعل بي هؤلء وفعلوا‬
‫فقال له جبريل‪ :‬أتحب أن أريك آية؟‬
‫فقال‪ :‬نعم‬
‫قال‪ :‬فنظر إلى شجرة من وراء الوادي فقال‪ :‬ادع تلك الشجرة‪،‬‬
‫فدعاها‬
‫قال‪ :‬فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه‬
‫فقال‪ :‬مرها فلترجع‪ ،‬فأمرها‪ ،‬فرجعت إلى مكانها‬

‫‪441‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬حسبي )أي يكفيني‬
‫اطمئناًنا( ‪ -‬صحيح‪ ،‬أخرجه أحمد في مسنده‪ ،‬ورواه ابن ماجة في‬
‫سننه‪.‬‬
‫** الربعون نخلة تثمر في عام زرعها‬
‫عن بريدة رضي الله عنه قال‪ :‬جاء سلمان الفارسي إلى رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة بمائدة عليها رطب‪،‬‬
‫فوضعها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬يا‬
‫سلمان‪ ،‬ما هذا؟‬
‫فقال‪ :‬صدقة عليك وعلى أصحابك‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ارفعها؛ فإنا ل نأكل الصدقة‪،‬‬
‫قال‪ :‬فرفعها‪ ،‬فجاء الغد بمثله‪ ،‬فوضعه بين يدي رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‬
‫فقال‪ :‬ما هذا يا سلمان؟‬
‫فقال‪ :‬هدية لك‪،‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحابه‪ :‬ابسطوا )يعني‬
‫ابسطوا أيديكم وكلوا(‬
‫ثم نظر إلى الخاتم على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فآمن به‪ ،‬وكان لليهود‪ ،‬فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ما على أن يغرس نخل ً فيعمل سلمان فيه حتى‬ ‫بكذا وكذا دره ً‬
‫ُتطِعم‪ ،‬فغرس رسول الله صلى الله عليه وسلم النخيل إل نخلة‬
‫واحدة غرسها عمر‪ ،‬فحملت النخل من عامها ولم تحمل النخلة‬
‫التي زرعها عمر‪،‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬ما شأن هذه النخلة؟‬
‫فقال عمر‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أنا غرستها‪،‬‬
‫فنزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرسها‪ ،‬فحملت من‬
‫عامها ‪ -‬حسن‪ ،‬أخرجه أحمد‪ ،‬والترمذي في الشمائل‪ ،‬وابن حبان‪،‬‬
‫والحاكم‪.‬‬
‫وفي هذا الحديث أربعون معجزة؛ لن كل نخلة تثمر في عامها‬
‫معجزة وحدها؛ فالنخلة ل تثمر إل بعد سبع سنوات على القل‪.‬‬
‫** تسبيح الحصى‬
‫عن أبي ذر رضي الله عنه قال‪ :‬كنت رجل ً ألتمس خلوات النبي‬
‫ما‬
‫الله صلى الله عليه وسلم لسمع منه أو لخذ عنه‪ ،‬فهجرت يو ً‬
‫من اليام‪ ،‬فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج من بيته‪،‬‬
‫فسألت عنه الخادم فأخبرني أنه في بيت‪ ،‬فأتيته وهو جالس ليس‬
‫عنده أحد من الناس‪ ،‬وكأني حينئذ أرى أنه في وحي‪ ،‬فسلمت‬
‫عليه‪ ،‬فرد علي السلم ثم قال‪ :‬ما جاء بك؟ فقلت‪ :‬جاء بي الله‬
‫ورسوله‪ ،‬فأمرني أن أجلس‪ ،‬فجلست إلى جنبه ل أسأله عن‬

‫‪442‬‬
‫عا‬
‫شيء ل يذكره لي‪ ،‬فمكثت غير كثير فجاء أبو بكر يمشي مسر ً‬
‫فسلم عليه فرد السلم ثم قال‪ :‬ما جاء بك؟ قال‪ :‬جاء بي الله‬
‫ورسوله‬
‫فأشار بيده أن أجلس فجلس إلى ربوة مقابل النبي صلى الله‬
‫سا‪،‬‬‫عليه وسلم بينه وبينها الطريق‪ ،‬حتى إذا استوى أبو بكر جال ً‬
‫فأشار بيده‪ ،‬فجلس إلى جنبي عن يميني‪ ،‬ثم جاء عمر ففعل مثل‬
‫ذلك‪ ،‬وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك‪،‬‬
‫وجلس إلى جنب أبي بكر على تلك الربوة‪ ،‬ثم جاء عثمان فسلم‬
‫فرد السلم وقال‪ :‬ما جاء بك؟ قال‪ :‬جاء بي الله ورسوله‪ ،‬فأشار‬
‫إليه بيده‪ ،‬فقعد إلى الربوة‪ ،‬ثم أشار بيده فقعد إلى جنب عمر‪،‬‬
‫فتكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة لم أفقه أولها غير أنه‬
‫قال‪ :‬قليل ما يبقين‪ ،‬ثم قبض على حصيات سبع أو تسع أو قريب‬
‫من ذلك‪ ،‬فسبحن في يده حتى سمع لهن حنين كحنين النخل في‬
‫كف النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ثم ناولهن أبا بكر وجاوزني‬
‫فسبحن في كف أبي بكر‪ ،‬ثم أخذهن منه فوضعهن في الرض‬
‫فخرسن فصرن حصى‪ ،‬ثم ناولهن عمر فسبحن في كفه كما‬
‫سبحن في كف أبي بكر‪ ،‬ثم أخذهن فوضعهن في الرض‬
‫فخرسن‪ ،‬ثم ناولهن عثمان فسبحن في كفه نحو ما سبحن في‬
‫كف أبي بكر وعمر‪ ،‬ثم أخذهن فوضعهن في الرض فخرسن‪.‬‬
‫حسن‪ :‬أخرجه البيهقي في الدلئل‪ ،‬ورواه السيوطي في‬
‫الخصائص الكبرى‪ ،‬وعزاه للبزار والطبراني في الوسط وأبي‬
‫نعيم‪.‬‬
‫أنطق الله عز وجل الشجرة له‬
‫عن معن قال‪ :‬سمعت أبي قال‪ :‬سألت مسروًقا‪ :‬من آذن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بالجن ليلة استمعوا القرآن؟ فقال‪ :‬حدثني‬
‫أبوك‪ ،‬يعني ابن مسعود‪ :‬أنه آذنته بهم شجرة‪.‬‬
‫وكان ذلك ليلة الجن عندما غاب النبي صلى الله عليه وسلم عن‬
‫أصحابه‪ ،‬وجاءه داعي الجن فذهب معهم‪ ،‬وقرأ عليهم القرآن‪،‬‬
‫وآمنوا به واتبعوا النور الذي أنزل معه‪.‬‬
‫رواه مسلم‪.‬‬
‫** إجابة دعائه صلى الله عليه و سلم‬
‫كان رسول الله صلى الله عليه و سلم كما وصفه ربه عز وجل ‪:‬‬
‫م ‪ -‬سورة التوبة آية ‪ 128‬فكان ينظر إلى‬ ‫حي ٌ‬
‫ف ّر ِ‬ ‫ن َر ُ‬
‫ؤو ٌ‬ ‫مِني َ‬ ‫ِبال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫أصحابه نظرة الرحمة والشفقة فكلما ألم بأصحابه مكروه من‬
‫عاهة أو مرض أو تفكير في أمر يشغل بالهم أسرع رسول الله‬
‫صلى الله عليه و سلم بالدعاء لهم للتخفيف عنهم ولكي ينالوا‬
‫بركة دعوته صلى الله عليه و سلم أما بالنسبة للكفار‬

‫‪443‬‬
‫والمشركين والمعاندين فقد كان رسول الله صلى الله عليه و‬
‫سلم يدعو عليهم حيث تشتد شوكتهم ويكثر أذاهم وتارة كان‬
‫يدعو لهم حيث تؤمن غائلتهم ويرجى تآلفهم‬
‫وإذا دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم لناس أو دعا عليهم‬
‫فإنك تجد ما دعا به قد تحقق قطًعا وهذه بعض المثلة من‬
‫دعواته المستجابة صلى الله عليه و سلم‬
‫‪ --‬سرعة الجابة‬
‫عن أنس بن مالك رضي الله عنه‪ :‬أن رجل ً دخل المسجد يوم‬
‫جمعة ورسول الله صلى الله عليه و سلم قائم يخطب فاستقبل‬
‫ما ثم قال‪ :‬يا رسول الله‬ ‫رسول الله صلى الله عليه و سلم قائ ً‬
‫صا البل وهلكها من‬ ‫هلكت الموال )المراد هنا المواشي خصو ً‬
‫قلة القوات بسبب عدم المطر والنبات( وانقطعت السبل )أي‬
‫انقطعت الطرق فلم تسلكها البل إما لخوف الهلك أو الضعف‬
‫بسبب قلة الكل أو عدمه( فادع الله يغثنا قال‪ :‬فرفع رسول الله‬
‫صلى الله عليه و سلم يديه ثم قال‪ :‬اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم‬
‫أغثنا‬
‫قال أنس‪ :‬ول والله ما نرى في السماء من سحاب ول قزعة‬
‫)القطعة من الغيم(‪ /‬وما بيننا وبين سلع )جبل قرب المدينة( من‬
‫بيت ول دار قال‪ :‬فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس )هو ما‬
‫يتقي به السيف ووجه الشبه الستدارة والكثافة ل القدر( فلما‬
‫توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت‬

‫قال‪ :‬فل والله ما رأينا الشمس سبًتا‬


‫قال‪ :‬ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول‬
‫ما فقال‪ :‬يا‬‫الله صلى الله عليه و سلم قائم يخطب فاستقبله قائ ً‬
‫رسول الله هلكت الموال وانقطعت السبل فادع الله يمسكها‬
‫عنا‬
‫قال‪ :‬فرفع رسول الله صلى الله عليه و سلم يديه ثم قال‪ :‬اللهم‬
‫حولنا ول علينا اللهم على الكام )جمع أكمة وهي الرابية‬
‫المرتفعة من الرض( والظراب )جمع ظرب وهي صغار الجبال‬
‫والتلل( ومنابت الشجر فانقلعت وخرجنا نمشي في الشمس ‪-‬‬
‫رواه البخاري ومسلم‬
‫‪ --‬يمهل ول يهمل‬
‫عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‪ :‬بينما رسول الله‬
‫صلى الله عليه و سلم يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له‬
‫جلوس وقد نحرت جزور )أي ناقة( بالمس فقال أبو جهل‪ :‬أيكم‬
‫يقوم إلى سل )هو اللفافة التي يكون فيها الولد في بطن الناقة‬

‫‪444‬‬
‫وسائر الحيوان وهي من الدمية المشيمة( جزور بني فلن‬
‫فيأخذه فيضل في كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم‬
‫)وهو عقبة بن أبي معيط( فأخذه فلما سجد النبي صلى الله عليه‬
‫و سلم وضعه بين كتفيه قال‪ :‬فاستضحكوا )أي حملوا أنفسهم‬
‫على الضحك والسخرية( وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم‬
‫أنظر لو كانت لي منعة )أي لو كان لي قوة تمنع أذاهم أو كان‬
‫لي عشيرة بمكة تمنعني( طرحته عن ظهر رسول الله صلى الله‬
‫عليه و سلم والنبي صلى الله عليه و سلم ساجد ما يرفع رأسه‬
‫حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة‬
‫فجاءت وهي جويرية )تصغير جارية بمعنى شابة أي أنها إذ ذاك‬
‫ليست بكبيرة( فطرحته عنه ثم أقبلت عليهم تشتمهم فلما قضى‬
‫النبي صلى الله عليه و سلم صلته رفع صوته ثم دعا عليهم‬
‫وكان إذا دعا دعا ثلًثا وإذا سأل سأل ثلًثا ثم قال‪ :‬اللهم عليك‬
‫بقريش )ثلث مرات( فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك‬
‫وخافوا دعوته ثم قال‪ :‬اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وعتبة بن‬
‫ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عقبة )اتفق العلماء على أنه‬
‫غلط وصوابه‪ :‬الوليد بن عتبة( وأمية بن خلف وعقبة بن أبي‬
‫دا صلى الله‬‫معيط وذكر السابع فلم أحفظه فوالذي بعث محم ً‬
‫عليه و سلم بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر ثم‬
‫سحبوا إلى القليب )القليب هي البئر التي لم تطو وإنما وضعوا‬
‫في القليب تحقيًرا لهم ولئل يتأذى الناس برائحتهم( قليب بدر‬
‫قال أبو إسحاق‪ :‬الوليد بن عقبة غلط في هذا الحديث ‪ -‬رواه‬
‫مسلم‬
‫‪ --‬دعوة وهداية‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬كنت أدعو أمي إلى السلم‬
‫ما فأسمعتني في رسول الله صلى الله‬ ‫وهي مشركة فدعوتها يو ً‬
‫عليه و سلم ما أكره فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم‬
‫وأنا أبكي قلت‪ :‬يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى السلم‬
‫فتأبى علي فدعونها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره فادع الله أن‬
‫يهدي أم أبي هريرة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم‪:‬‬
‫اللهم اهد أم أبي هريرة‬
‫فخرجت مستبشًرا بدعوة نبي الله صلى الله عليه و سلم فلما‬
‫جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف )أي مغلق( فسمعت أمي‬
‫خشف )أي صوتهما في الرض( قدمي فقال‪ :‬مكانك يا أبا هريرة‬
‫وسمعت خضخضة الماء )أي صوت تحريكه(‬

‫‪445‬‬
‫قال‪ :‬فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب‬
‫دا‬
‫ثم قالت‪ :‬يا أبا هريرة أشهد أن ل إله إل الله وأشهد أن محم ً‬
‫عبده ورسوله‬
‫قال‪ :‬فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأتيته وأنا‬
‫أبكي من الفرح قال قلت‪ :‬يا رسول الله أبشر قد استجاب الله‬
‫دعوتك وهدى أم أبي هريرة فحمد الله وأثنى عليه وقال خيًرا‬
‫قال قلت‪ :‬يا رسول الله ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده‬
‫المؤمنين ويحببهم إلينا‬
‫قال‪ :‬فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم‪ :‬اللهم حبب عبيدك‬
‫هذا يعني أبا هريرة وأمه إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهم‬
‫المؤمنين فما خلق مؤمن يسمع بي ول يراني إل أحبني ‪ -‬رواه‬
‫مسلم‬
‫من آذن النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬أي أعلمه بحضور الجن‪.‬‬
‫** بشارات لبعض الصحاب‬
‫‪ --‬أم حرام بنت ملحان‬
‫عن أنس بن مالك رضي الله عنه‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫و سلم كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه وكانت أم‬
‫حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله صلى الله‬
‫ما فأطعمته ثم جلست تفلي رأسه فنام رسول‬ ‫عليه و سلم يو ً‬
‫الله صلى الله عليه و سلم ثم استيقظ وهو يضحك قالت‪ :‬فقلت‪:‬‬
‫ما يضحكك يا رسول الله؟‬
‫قال‪ :‬ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج‬
‫كا على السرة أو مثل الملوك‬ ‫هذا البحر )هو ظهره ووسطه( ملو ً‬
‫على السرة )يشك أيهما قال(‬
‫قالت‪ :‬فقلت‪ :‬يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها‬
‫ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ وهو يضحك‬
‫قالت‪ :‬فقلت‪ :‬ما يضحكك يا رسول الله؟‬
‫قال‪ :‬ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله كما قال‬
‫في الولى‬
‫قالت‪ :‬فقلت‪ :‬يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم‬
‫قال‪ :‬أنت من الولين‬
‫فركبت أم حرام بنت ملحان البحر في زمن معاوية فصرعت عن‬
‫دابتها حين خرجت من البحر فهلكت ‪ -‬رواه البخاري ومسلم‬
‫‪ --‬عكاشة بن محصن‬
‫عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم‬
‫قال‪ :‬عرضت علي المم فرأيت النبي ومعه الرهيط )تصغير رهط‬
‫وهو‪ :‬الجماعة دون العشرة( والنبي ومعه الرجل والرجلن والنبي‬

‫‪446‬‬
‫ليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل‬
‫لي‪ :‬هذا موسى وقومه ولكن انظر إلى الفق فنظرت فإذا سواد‬
‫عظيم فقيل لي‪ :‬انظر إلى الفق الخر فإذا سواد عظيم فقيل‬
‫فا يدخلون الجنة بغير حساب ول‬ ‫لي‪ :‬هذه أمتك ومعهم سبعون أل ً‬
‫عذاب‬
‫ثم نهض فدخل منزله فخاض الناس )أي تكلموا وتناظروا( في‬
‫أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ول عذاب فقال بعضهم‪:‬‬
‫فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه و سلم‬
‫وقال بعضهم‪ :‬فلعلهم الذين ولدوا في السلم ولم يشركوا بالله‬
‫وذكروا أشياء‬
‫فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال‪ :‬ما الذي‬
‫تخوضون فيه؟‬
‫فأخبروه فقال‪ :‬هم الذين ل يرقون ول يسترقون ول يتطيرون‬
‫وعلى ربهم يتوكلون‬
‫فقام عكاشة بن محصن فقال‪ :‬ادع الله أن يجعلني منهم‬
‫فقال‪ :‬أنت منهم‬
‫ثم قام رجل آخر فقال‪ :‬ادع الله أن يجعلني منهم فقال‪ :‬سبقك‬
‫بها عكاشة ‪ -‬رواه البخاري ومسلم‬
‫‪ --‬أم ورقة بنت نوفل‬
‫عن أم ورقة بنت نوفل أن النبي صلى الله عليه و سلم لما غزا‬
‫بدًرا قالت‪ :‬قلت له‪ :‬يا رسول الله ائذن لي في الغزو معك‬
‫أمرض مرضاكم لعل الله يرزقني الشهادة‬
‫قال‪ :‬قري في بيتك فإن الله تعالى يرزقك الشهادة‬
‫قال‪ :‬فكانت تسمى الشهيدة‬
‫قال‪ :‬وكانت قد قرأت القرآن فاستأذنت النبي صلى الله عليه و‬
‫سلم أن تتخذ في دارها مؤذًنا فأذن لها‬
‫ما لها وجارية )أي علقت عتقهما على‬ ‫قال‪ :‬وكانت دبرت غل ً‬
‫موتها وهو أن يقول السيد لعبده‪ :‬أنت حر بعد موتي( فقاما إليها‬
‫بالليل فغماها بقطيفة لها حتى ماتت وذهبا‬
‫فأصبح عمر فقام في الناس فقال‪ :‬من كان عنده من هذين علم‬
‫أو من رآهما فليجيء بهما فأمر بهما فصلبا فكانا أول مصلوب‬
‫بالمدينة ‪ -‬رواه أبو داود والمام أحمد في مسنده والبيهقي‬
‫وحسنه اللباني‬
‫وفي رواية البيهقي في آخره‪ :‬فقال عمر‪ :‬صدق رسول الله صلى‬
‫الله عليه و سلم كان يقول‪ :‬انطلقوا بنا نزور الشهيدة‬
‫** ما حدث من قلة الماء بالحديبية‬

‫‪447‬‬
‫وحدثني محمد بن الحجازي عن أسيد بن أبي أسيد عن أبي قتادة‬
‫‪ ،‬قال لما نزلنا على الحديبية ‪ ،‬والماء قليل سمعت الجد بن قيس‬
‫يقول ما كان خروجنا إلى هؤلء القوم بشيء نموت من العطش‬
‫عن آخرنا فقلت ‪ :‬ل تقل هذا يا أبا عبد الله فلم خرجت ؟ قال‬
‫خرجت مع قومي ‪ .‬قلت ‪ :‬فلم تخرج معتمرا ؟ قال ل والله ما‬
‫أحرمت ‪ .‬قال أبو قتادة ‪ :‬ول نويت العمرة ؟ قال ل فلما دعا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل فنزل بالسهم وتوضأ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدلو ومج فاه فيه ثم رده‬
‫في البئر فجاشت البئر بالرواء ‪ .‬قال أبو قتادة ‪ :‬فرأيت الجد مادا‬
‫رجليه على شفير البئر في الماء فقلت ‪ :‬أبا عبد الله أين ما قلت‬
‫؟ قال إنما كنت أمزح معك ‪ ،‬ل تذكر لمحمد مما قلت شيئا ‪ .‬قال‬
‫أبو قتادة ‪ :‬وقد كنت ذكرته قبل ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال فغضب الجد وقال بقينا مع صبيان من قومنا ل يعرفون لنا‬
‫شرفا ول سنا ‪ ،‬لبطن الرض اليوم خير من ظهرها قال أبو‬
‫قتادة ‪ :‬وقد كنت ذكرت قوله للنبي صلى الله عليه وسلم فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنه خير منه قال أبو قتادة ‪:‬‬
‫فلقيني نفر من قومي فجعلوا يؤنبونني ويلومونني حين رفعت‬
‫مقالته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لهم بئس‬
‫القوم أنتم ويحكم عن الجد بن قيس تذبون ؟ قالوا ‪ :‬نعم كبيرنا‬
‫وسيدنا ‪ .‬فقلت ‪ :‬قد والله طرح رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم سؤدده عن بني سلمة ‪ ،‬وسود علينا بشر بن البراء بن‬
‫معرور ‪ ،‬وهدمنا المنامات التي كانت على باب الجد وبنيناها على‬
‫باب بشر بن البراء فهو سيدنا إلى يوم القيامة ‪.‬‬
‫قال أبو قتادة ‪ :‬فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى‬
‫البيعة فر الجد بن قيس فدخل تحت بطن البعير فخرجت أعدو‬
‫وأخذت بيد رجل كان يكلمني فأخرجناه من تحت بطن البعير‬
‫فقلت ‪ :‬ويحك ما أدخلك هاهنا ؟ أفرارا مما نزل به روح‬
‫القدس ؟ قال ل ‪ ،‬ولكني رعبت وسمعت الهيعة ‪ .‬قال الرجل ل‬
‫نضحت عنك أبدا ‪ ،‬وما فيك خير ‪ .‬فلما مرض الجد بن قيس ونزل‬
‫به الموت لزم أبو قتادة بيته فلم يخرج حتى مات ودفن فقيل له‬
‫في ذلك فقال والله ما كنت لصلي عليه وقد سمعته يقول يوم‬
‫الحديبية كذا وكذا ‪ ،‬وقال في غزوة تبوك كذا وكذا ‪ ،‬واستحييت‬
‫من قومي يرونني خارجا ول أشهده ‪ .‬ويقال خرج أبو قتادة إلى‬
‫ماله بالواديين فكان فيه حتى دفن ومات الجد في خلفة عثمان ‪.‬‬
‫** السراء والمعراج‬
‫ثم أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت القدس‬
‫راكبا على البراق صحبة جبريل عليه السلم ‪ .‬فنزل هناك ‪.‬‬

‫‪448‬‬
‫وصلى بالنبياء إماما ‪ .‬وربط البراق بحلقة باب المسجد ‪ .‬ثم عرج‬
‫به إلى السماء الدنيا ‪ .‬فرأى فيها آدم ‪ .‬ورأى أرواح السعداء عن‬
‫يمينه والشقياء عن شماله ‪ .‬ثم إلى الثانية ‪ .‬فرأى فيها عيسى‬
‫ويحيى ‪ .‬ثم إلى الثالثة ‪ .‬فرأى فيها يوسف ‪ .‬ثم إلى الرابعة ‪.‬‬
‫فرأى فيها إدريس ‪ .‬ثم إلى الخامسة ‪ .‬فرأى فيها هارون ‪ .‬ثم إلى‬
‫السادسة ‪ .‬فرأى فيها موسى ‪ .‬فلما جاوزه بكى ‪ .‬فقيل له ما‬
‫يبكيك ؟ قال أبكي أن غلما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر‬
‫مما يدخلها من أمتي ‪ .‬ثم عرج به إلى السماء السابعة ‪ .‬فلقي‬
‫فيها إبراهيم ‪ .‬ثم إلى سدرة المنتهى ‪ .‬ثم رفع إلى البيت المعمور‬
‫‪ .‬فرأى هناك جبريل في صورته له ستمائة جناح وهو قوله تعالى‬
‫) ‪ ( 14 - 13 : 53‬ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى‬
‫وكلمه ربه وأعطاه ما أعطاه ‪ .‬وأعطاه الصلة ‪ .‬فكانت قرة عين‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم في قومه وأخبرهم اشتد تكذيبهم له وسألوه أن‬
‫يصف لهم بيت المقدس ‪ .‬فجله الله له حتى عاينه ‪ .‬وجعل‬
‫يخبرهم به ‪ .‬ول يستطيعون أن يردوا عليه شيئا ‪ .‬وأخبرهم عن‬
‫عيرهم التي رآها في مسراه ومرجعه وعن وقت قدومها ‪ ،‬وعن‬
‫البعير الذي يقدمها ‪ .‬فكان كما قال ‪ .‬فلم يزدهم ذلك إل ثبورا ‪.‬‬
‫وأبى الظالمون إل كفورا ‪.‬‬
‫==================‬
‫الرد على شبهة اكشفي عن فخذيك‬
‫حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد الله يعني ابن عمر بن غانم‬
‫عن عبد الرحمن يعني ابن زياد عن عمارة بن غراب قال إن عمة‬
‫له حدثته أنها سألت عائشة قالت ‪:‬‬
‫)) إحدانا تحيض وليس لها ولزوجها إل فراش واحد قالت أخبرك‬
‫بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل فمضى إلى‬
‫مسجده قال أبو داود تعني مسجد بيته فلم ينصرف حتى‬
‫غلبتني عيني وأوجعه البرد فقال ادني مني فقلت إني حائض‬
‫فقال وإن اكشفي عن فخذيك فكشفت فخذي فوضع خده‬
‫وصدره على فخذي وحنيت عليه حتى دفئ ونام ((‬
‫) رواه أبو داود ‪ 1/70‬رقم ‪ 270‬والبيهقي في سننه ‪1/313‬‬
‫‪ 1/55‬حديث رقم ‪.(120‬‬
‫الحديث ضعيف‪ .‬ضعفه اللباني في ضعيف الجامع ص ‪ .26‬وفي‬
‫ضعيف الدب المفرد ص ‪.30‬‬
‫‪ -‬عبد الرحمن بن زياد‪ :‬وهو الفريقي مجهول‪ .‬قال البخاري في‬
‫كتاب الضعفاء الصغير ‪ « 307‬في حديثه بعض المناكير» وقال أبو‬
‫زرعة « ليس بالقوي» )سؤالت البرذعي ص ‪ (389‬وقال‬

‫‪449‬‬
‫الترمذي ضعيف في الحديث عند أهل الحديث مثل يحيى بن‬
‫سعيد القطان وأحمد بن حنبل )أنظر سنن الترمذي حديث رقم‬
‫‪ 54‬و ‪ 199‬و ‪ (1980‬بل قال « ليس بشيء كما في )الضعفاء‬
‫والمتروكون لبن الجوزي ‪ 2/204‬ترجمة رقم ‪ 2435‬وميزان‬
‫العتدال في نقد الرجال للذهبي ترجمة رقم ‪ 6041‬تهذيب‬
‫الكمال ‪.(21/258‬‬
‫وقال البزار له مناكير )كشف الستار رقم ‪ (2061‬وقال النسائي‬
‫« ضعيف» )الضعفاء والمتروكون ‪ (337‬وقال الدارقطني في‬
‫سننه )‪ « (1/379‬ضعيف ل يحتج به» وضعفه أيضا في كتاب‬
‫العلل‪.‬‬
‫‪ -‬عمارة بن غراب اليحصبي‪ :‬قال الحافظ في تقريب التهذيب «‬
‫تابعي مجهول‪ .‬غلط من عده صحابيا» )ترجمة رقم ‪.(4857‬‬
‫و قال المنذري ‪ :‬عمارة بن غراب والراوي عنه عبد الرحمن بن‬
‫زياد بن أنعم الفريقي والراوي عن الفريقي عبد الله بن عمر بن‬
‫غانم وكلهم ل يحتج بحديثه ‪ .‬انتهى‬
‫======================‬
‫الرد على شبهة ماتت فاضطجع معها ‪.‬‬
‫هناك شبها ً كثيرة الهدف منها التلبيس على المسلم أمور دينه ‪,‬‬
‫بالطعن في ديننا الحنيف الذي يثبت كفرهم بصريح العبارة ‪,‬‬
‫والطعن في نبينا صلوات الله وسلمه عليه ‪ ,‬والطعن في أصحابه‬
‫أهل الجنة الذين أقاموا الدين ونصروا الله ورسوله ‪ ,‬وليس هدف‬
‫هؤلء الطغمة الحديثة تبشيرا ً بنصرانيتهم أو دعوة لعقيدتهم التي‬
‫اثبت على مر العصور فسادها من قبل مئات بل الف من العلماء‬
‫ومن بعض علمائهم أيضا ً ‪ ,‬بل فقط هدفهم إخراج المسلم من‬
‫دينه‬
‫ولقد نحى نفس المنحى قبلهم كثير من المستشرقين في أزمنة‬
‫متعددة قريبة ‪ ,‬وكثير من الزنادقة في أزمنة سابقة ‪ ,‬ولكن‬
‫بعصرنا هذا حققت لهم التقنية الحديثة نوع من المان حيث‬
‫يتخفون وراء الجهزة للطعن بأمان من أن يقام عليهم حد أو‬
‫يقتص منهم ‪ ,‬وهذا هو ديدنهم كما وصفهم كتاب ربنا عز وجل ) ل‬
‫يقاتلونكم جميعا إل من وراء جدر ( والجدر الحديثة الن هي‬
‫التقنية التي يتخفون وراءها ‪ ,‬فهم أجبن من المواجهة وأضعف‬
‫حجة في المشافهة ‪.‬‬
‫وهدفنا هنا هو بيان الحق والصدق للمسلم حتى يكن على يقين‬
‫أن الله تعالى اختار خير البشر لرسالته وخير الصحبة وخير جيل‬
‫لصحبة رسوله ثم استخلف رسالته لخير المم طالما تمسكوا بما‬
‫كان عليه رسوله صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪450‬‬
‫يثير طغام النصارى قصة من السيرة بفهم مختلق مكذوب ‪ ,‬ل‬
‫يوافق لغة ول فهما ول عرفا ول عقل ‪ ,‬ولكن فقط يناسب كفرا‬
‫بقلوبهم وزندقة وفسقا ً إستقوه من كتابهم ‪.‬‬
‫يقول كلب النصارى ) أن رسول الله ‪ -‬بأبي هو وأمي ‪ -‬مارس‬
‫الجنس مع فاطمة بنت أسد وهي ميتة ( وهم كعادتهم يسوقون‬
‫أحداثا حقيقية بتحريف يناسب ما جبلهم كتابهم عليه ‪ ,‬ولنبدأ في‬
‫المقصود بعون الله ‪.‬‬
‫الرواية التي يستند فيها النصارى قولهم ‪:‬‬
‫عن ابن عباس قال‪ ) :‬لما ماتت فاطمة أم علي بن أبي طالب‬
‫ألبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه واضطجع معها‬
‫في قبرها فقالوا‪ :‬ما رأيناك صنعت ما صنعت بهذه فقال‪ :‬إنه لم‬
‫يكن أحد بعد أبي طالب أبر بي منها إنما ألبستها قميصي لتكسى‬
‫من حلل الجنة واضطجعت معها ليهون عليها( ) الستيعاب في‬
‫معرفة الصحاب لبن عبد البر (‬
‫عن ابن عباس قال‪ ) :‬لما ماتت أم علي بن أبي طالب فاطمة‬
‫بنت أسد بن هاشم وكانت ممن كفل النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وربته بعد موت عبد المطلب‪ ،‬كفنها النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫في قميصه‪ ،‬وصلى عليها واستغفر لها وجزاها الخير بما وليته‬
‫منه‪ ،‬واضطجع معها في قبرها حين وضعت فقيل له‪ :‬صنعت يا‬
‫رسول الله بها صنعا لم تصنع بأحد! قال‪ :‬إنما كفنتها في قميصي‬
‫ليدخلها الله الرحمة ويغفر لها‪ ،‬واضطجعت في قبرها ليخفف‬
‫الله عنها بذلك( ) كنز العمال (‬
‫المعنى اللغوي لكلمة أضطجع ‪:‬‬
‫جعا ً‬ ‫َ‬
‫ض ْ‬ ‫جعُ َ‬ ‫ض َ‬ ‫جعَ ي َ ْ‬ ‫ض َ‬‫طجاِع‪َ ،‬‬ ‫ض ِ‬ ‫ضجع‪ :‬أصل بناء الفعل من ال ْ‬
‫جع‬ ‫ضط َ َ‬ ‫ل‪ ،‬والفتعال منه ا ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ست َعْ َ‬ ‫ع‪ ،‬وقلما ي ُ ْ‬ ‫ج ٌ‬ ‫جوعًا‪ ،‬فهو ضا ِ‬ ‫ض ُ‬ ‫و ُ‬
‫قى‬ ‫ست َل ْ َ‬‫جع‪ :‬نام‪.‬وقيل‪ :‬ا ْ‬ ‫ضط َ َ‬ ‫ع‪ .‬وا ْ‬ ‫ج ٌ‬‫ضط َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫طجاعًا‪ ،‬فهو ُ‬ ‫ض ِ‬ ‫جعُ ا ْ‬ ‫ضط ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬
‫ت فلنا ً ِإذا وضعت جنبه بالرض‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جعْ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ووضع جنبه بالرض‪ .‬وأ ْ‬
‫ة‪ُ :‬يكثر‬ ‫مز ٍ‬ ‫ة مثال هُ َ‬ ‫جع ٌ‬ ‫ض َ‬ ‫سه؛ ورجل ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫جعُ ن َ ْ‬‫ض َ‬ ‫جعَ وهو ي َ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫و َ‬
‫طجاِع‪.‬‬ ‫ض ِ‬ ‫ة ال ْ‬ ‫ة‪ :‬هيئ ُ‬ ‫جعَ ُ‬‫ض ْ‬ ‫ن‪ .‬وال ّ‬ ‫سل ُ‬ ‫طجاع َ ك َ ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫ال ْ‬
‫م‬
‫جُنوب ُهُ ْ‬ ‫جاَفى ُ‬ ‫جِع؛ قال الله عز وجل‪} :‬ت َت َ َ‬ ‫ض َ‬ ‫م ْ‬ ‫ع‪ :‬جمع ال َ‬ ‫ج ُ‬ ‫مضا ِ‬ ‫وال َ‬
‫جِعها التي‬ ‫جِع{ ]السجدة‪[16 :‬؛ أي‪ :‬ت ََتجافى عن مضا ِ‬ ‫ضا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫عَ ِ‬
‫َ‬
‫صق‬ ‫م وي ُل ْ ِ‬ ‫طجاع ُ في السجود‪ :‬أن ي ََتضا ّ‬ ‫ض ِ‬ ‫ت فيها‪ .‬وال ْ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ضط َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫ض َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫طجع‬ ‫طجعا ً فمعناه‪ :‬أن ي َ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫م ْ‬ ‫صّلى ُ‬ ‫صدره بالرض‪ ،‬وِإذا قالوا‪َ :‬‬
‫ليمن مستقبل ً للقبيلة‪.‬‬ ‫قه ا َ‬ ‫ش ّ‬ ‫على ِ‬
‫ل الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬ ‫ة رسو ِ‬ ‫جع ُ‬ ‫ض ْ‬ ‫وفي الحديث‪ )) :‬كانت ِ‬
‫َ‬
‫ف ((‪.‬‬ ‫وها لي ٌ‬ ‫ش ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫دما ً َ‬ ‫أ َ‬

‫‪451‬‬
‫جْلسةِ من‬ ‫طجاِع وهو النوم كال ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫ة‪ ،‬بالكسر‪ِ :‬‬ ‫جع ُ‬ ‫ض ْ‬ ‫ال ّ‬
‫الجلوس‪ ،‬وبفتحها المّرة الواحدة‪.‬‬
‫جعُ عليه‪ ،‬فيكون في الكلم مضاف محذوف‬ ‫ضط َ ِ‬ ‫والمراد ما كان ي َ ْ‬
‫وها‬ ‫ح ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ش ُ‬ ‫ش أد َم ٍ َ‬
‫عه ِفرا َ‬‫طجا ِ‬‫ض ِ‬‫تا ْ‬ ‫جعته أو ذا ُ‬ ‫ض ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫تقديره‪ :‬كانت ذا ُ‬
‫جعَْته‪.‬‬ ‫َ‬
‫ض َ‬‫ضه‪ ،‬فقد أ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫خ ِ‬‫ف‪ .‬وكل شيء ت َ ْ‬ ‫ِلي ٌ‬
‫ع‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ج َ‬
‫ض َ‬
‫جعَ في أمره وا ّ‬ ‫ض َ‬‫صيُر فيه‪ .‬و َ‬ ‫ق ِ‬‫جيعُ في المر‪ :‬الت ّ ْ‬ ‫ض ِ‬‫والت ّ ْ‬
‫ن‪.‬‬ ‫َ‬
‫ع‪ :‬وَهَ َ‬ ‫ج َ‬‫ض َ‬‫وأ ْ‬
‫) لسان العرب لبن منظور (‬
‫فيفهم مما سبق أن المعنى العام للضطجاع هو النوم أو‬
‫الستلقاء على الجنب ‪.‬‬
‫الفهم العوج للضطجاع ‪:‬‬
‫وليتم لنا من أين أتى النصارى بعوج الفهم ) هذا بعد المرض‬
‫الذي بقلوبهم ( ليتم لنا ذلك نعرض هنا معنى الضطجاع بكتابهم‬
‫الملئ بالدنس ‪:‬‬
‫التكوين ‪30:36-19‬‬
‫‪ 32‬هلم نسقي ابانا خمرا ونضطجع معه ‪ .‬فنحيي من ابينا نسل ‪.‬‬
‫‪ 33‬فسقتا اباهما خمرا في تلك الليلة ‪ .‬ودخلت البكر واضطجعت‬
‫مع ابيها ‪ .‬ولم يعلم باضطجاعها ول بقيامها ‪ 34 .‬وحدث في الغد‬
‫ان البكر قالت للصغيرة اني قد اضطجعت البارحة مع ابي ‪.‬‬
‫نسقيه خمرا الليلة ايضا فادخلي اضطجعي معه ‪ .‬فنحيي من ابينا‬
‫نسل ‪ 35 .‬فسقتا اباهما خمرا في تلك الليلة ايضا ‪ .‬وقامت‬
‫الصغيرة واضطجعت معه ‪ .‬ولم يعلم باضطجاعها ول بقيامها ‪.‬‬
‫‪ 36‬فحبلت ابنتا لوط من ابيهما ‪.‬‬
‫التكوين ‪26-10‬‬
‫فقال ابيمالك ما هذا الذي صنعت بنا ‪ .‬لول قليل لضطجع احد‬
‫الشعب مع امرأتك فجلبت علينا ذنبا ‪.‬‬
‫تكوين ‪30:16‬‬
‫فلما اتى يعقوب من الحقل في المساء خرجت ليئة لملقاته‬
‫فاح ابني ‪ .‬فاضطجع معها‬ ‫ي تجيء لني قد استأجرتك بل ّ‬ ‫وقالت ال ّ‬
‫تلك الليلة‬
‫تكوين ‪34:2‬‬
‫وي رئيس الرض واخذها واضطجع‬ ‫فرآها شكيم ابن حمور الح ّ‬
‫معها واذّلها‬
‫تكوين ‪35:22‬‬
‫وحدث اذ كان اسرائيل ساكنا في تلك الرض ان رأوبين ذهب‬
‫واضطجع مع بلهة سّرية ابيه ‪ .‬وسمع اسرائيل وكان بنو يعقوب‬
‫اثني عشر‬

‫‪452‬‬
‫تكوين ‪39:7‬‬
‫وحدث بعد هذه المور ان امرأة سيده رفعت عينيها الى يوسف‬
‫وقالت اضطجع معي‬
‫خروج ‪22:16‬‬
‫واذا راود رجل عذراء لم تخطب فاضطجع معها يمهرها لنفسه‬
‫زوجة‬
‫إذن الضجاع لديهم هو الزنا ‪ ,‬وهذا فهم معوج مناسب لعموم‬
‫كتابهم ‪ ,‬وعلى الرغم من أن نصارى العرب يتحدثون العربية‬
‫ولكن ) في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ( فصرفوا الكلمة‬
‫عن معناها المتعارف عليه إلى المعنى البعيد والمناسب لهدفهم ‪.‬‬
‫التقط كلب النصارى ما سأورده الن لعرضه بفهم كتابهم الملئ‬
‫بالزنا والدعارة كشبهة على عوام المسلمين ‪ ,‬وما أتوا إل من‬
‫جهلهم باللغة العربية ) سقت لك سابقا ً معنى اضطجع ( وعلة‬
‫كتابهم ‪-‬الزنا والدعارة والفجور‪ -‬والتي اخرجت كتابهم عن وقار‬
‫المحترم من الكتب فضل عن القداسة تلك العلة التي تؤرقهم‬
‫ليل نهار ‪ ,‬فرموا غيرهم بما فيهم كقول الشاعر ‪ :‬رمتني بدائها‬
‫وانسلت ‪.‬‬
‫تفسير الروايات بعضها البعض ‪:‬‬
‫يفهم كل مسلم وكل عاقل أن المعنى يؤخذ من جمع الروايات‬
‫ببعضها ‪ ,‬وسأسوق لك هنا ما ورد في قصة وفاة فاطمة بنت‬
‫أسد رضي الله عنها لتتبين مدى كذب وحقد هؤلء ‪ ,‬ولن أطيل‬
‫عليك بذكر السند ولكن فقط المتن ‪:‬‬
‫مة ب ِْنت أسد‬
‫فن فاط ِ َ‬‫‪ -1‬أن رسول الله صّلى الله عليه وسّلم ك ّ‬
‫جّزأها خيرًا‪ .‬وروي عن ابن‬ ‫في قميصه واضطجع في قبرها و َ‬
‫عباس نحو هذا وزاد فقالوا‪ :‬ما رأيناك صنعت بأحد ما صنعت‬
‫بهذه! قال‪ " :‬إنه لم يكن بعد أبي طالب أبّر قاله ابن حبيب‪ .‬منها‬
‫إنما ألبستها قميصي لُتكسى من حلل الجنة واضطجعت في‬
‫قبرها ليهون عليها عذاب القبر " ) أسد الغابة لبن الثير (‬
‫التقط كلب النصارى لفظة اضطجع وفسروها تفسير كتابهم‬
‫بالزنا اعتمادا على الرواية التي جاءت بلفظ " اضطجع معها "‬
‫ومعنى النص في هذه الرواية اضطجع بقبرها كما هو واضح‬
‫بالرواية الولى ‪ ,‬وكعادتهم تحريف الكلم عن مواضعه ولم يكملوا‬
‫قراءة بقية الروايات والتي تفسر بعضها البعض ‪.‬‬
‫فلقد كفنها صلى الله عليه وسلم بقميصه = لتكسى من حلل‬
‫الجنة‬
‫اضطجع في قبرها = ليهون عليها عذاب القبر‬

‫‪453‬‬
‫‪ -2‬عن الزبير بن سعيد القرشي قال‪ ) :‬كنا جلوسا عند سعيد بن‬
‫المسيب‪ ،‬فمر بنا علي بن الحسين‪ ،‬ولم أَر هاشميا قط كان أعبد‬
‫لله منه‪ ،‬فقام إليه سعيد بن المسيب‪ ،‬وقمنا معه‪ ،‬فسلمنا عليه‪،‬‬
‫فرد علينا‪ ،‬فقال له سعيد‪ :‬يا أبا محمد‪ ،‬أخبرنا عن فاطمة بنت‬
‫أسد بن هاشم أم علي بن أبي طالب ‪ -‬رضي الله تعالى عنهما‪-‬‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬حدثني أبي قال‪ :‬سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي‬
‫طالب يقول ‪:‬‬
‫لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم‪ ،‬كفنها رسول الله ‪-‬صّلى‬
‫الله عليه وسّلم‪ -‬في قميصه‪ ،‬وصلى عليها‪ ،‬وكبر عليها سبعين‬
‫تكبيرة‪ ،‬ونزل في قبرها‪ ،‬فجعل يومي في نواحي القبر كأنه‬
‫يوسعه‪ ،‬ويسوي عليها‪ ،‬وخرج من قبرها وعيناه تذرفان‪ ،‬وحثا في‬
‫قبرها‪.‬فلما ذهب قال له عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي الله تعالى عنه‬
‫‪ :-‬يا رسول الله‪ ،‬رأيتك فعلت على هذه المرأة شيئا لم تفعله‬
‫على أحد فقال‪ ) :‬يا عمر إن هذه المرأة كانت أمي التي‬
‫ولدتني‪.‬إن أبا طالب كان يصنع الصنيع‪ ،‬وتكون له المأدبة‪ ،‬وكان‬
‫يجمعنا على طعامه‪ ،‬فكانت هذه المرأة تفضل منه كله نصيبا‪،‬‬
‫فأعود فيه‪.‬‬
‫وإن جبريل ‪-‬عليه السلم‪ -‬أخبرني عن ربي ‪-‬عز وجل‪ -‬أنها من‬
‫أهل الجنة‪.‬وأخبرني جبريل ‪-‬عليه السلم‪ -‬أن الله تعالى أمر‬
‫سبعين ألفا من الملئكة يصلون عليها( ) مستدرك الحاكم (‬
‫‪ -3‬عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب‬
‫عن أبيه عن جده‪ ) :‬أن رسول الله " ص " دفن فاطمة بنت أسد‬
‫بن هاشم أم علي بن أبي طالب بالروحاء مقابل حمام أبي‬
‫قطيفة( ) مقاتل الطالبين الصفهاني (‬
‫‪ -4‬يوم ماتت صلى النبي صّلى الله عليه وسّلم عليها‪ ،‬وتمرغ في‬
‫قبرها‪ ،‬وبكى‪ ،‬وقال‪" ) :‬جزاك الله من أم ٍ خيرًا‪ ،‬فقد كنت خير‬
‫م" ( ) مختصر تاريخ دمشق لبن عساكر (‬ ‫أ ّ‬
‫فهل يفهم من الروايات السابقة ما ذهب إليه كلب النصارى ؟؟‬
‫نبذة تعريفية بفاطمة بنت أسد رضي الله عنها ‪:‬‬
‫نسوق للمسلمين تعريفا ً بسيطا بمن هي فاطمة بنت أسد ‪ ,‬فمن‬
‫هي فاطمة بنت أسد ؟؟‬
‫هي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف أم علي بن أبي‬
‫طالب وإخوته قيل إنها ماتت قبل الهجرة وليس بشيء والصواب‬
‫أنها هاجرت إلى المدينة وبها ماتت‪.‬‬
‫أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال‪:‬حدثنا أبو محمد‬
‫إسماعيل بن علي الحطيمي قال‪ :‬حدثنا محمد بن عبدوس قال‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال‪ :‬حدثنا محمد بن بشر عن‬

‫‪454‬‬
‫زكريا عن الشعبي قال‪ :‬أم علي بن أبي طالب فاطمة بنت أسد‬
‫بن هاشم أسلمت وهاجرت إلى المدينة وتوفيت بها‪ .‬قال الزبير‪:‬‬
‫هي أول هاشمية ولدت لهاشمي هاشميًا‪ .‬قال‪ :‬وقد أسلمت‬
‫وهاجرت إلى الله ورسوله وماتت بالمدينة في حياة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم وشهدها رسول الله ) الستيعاب في معرفة‬
‫الصحاب لبن عبد البر (‬
‫وكانت فاطمة بنت أسد زوج أبي طالب بن عبد المطلب بن‬
‫هاشم بن عبد مناف بن قصي فولدت له طالبا وعقيل وجعفرا‬
‫وعليا وأم هانئ وجمانة وريطة بني أبي طالب وأسلمت فاطمة‬
‫بنت أسد وكانت امرأة صالحة وكان رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يزورها ويقيل في بيتها ) أي ينام القيلولة وهي نوم الظهر(‬
‫) الطبقات الكبرى لبن سعد (‬
‫قال محمد بن عمر‪ :‬وهو الّثبت عندنا‪ .‬وأم علي عليه السلم‬
‫فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف‪ ،‬وأسلمت قديمًا‪ ،‬وهي‬
‫أول هاشمية ولدت لهاشمي‪ ،‬وهي ربت النبي صّلى الله عليه‬
‫ل‪ ،‬وجعفر‪ ،‬وعليًا‪ ،‬وأم هانئ‪،‬‬ ‫وسّلم و‪ ،‬وولدت لبي طالب عقي ً‬
‫ن من جعفر بعشر‬ ‫واسمها فاختة‪ ،‬وحمامة‪ .‬وكان عقيل أس ّ‬
‫ن من علي بعشر سنين‪ ،‬وجعفر هو ذو‬ ‫سنين‪ ،‬وجعفر أس ّ‬
‫الهجرتين‪ ،‬وذو الجناحين ) مختصر تاريخ دمشق لبن عساكر (‬
‫مرو بن مّرة عن أبي البحتري عن علي‬ ‫وروى العمش عن ع َ ْ‬
‫مة ب ِْنت رسول الله‬ ‫مة ب ِْنت أسد‪ :‬اكفي فاط ِ َ‬ ‫قال‪ :‬قلت لمي فاط ِ َ‬
‫سقاية الماء والذهاب في الحاجة وتكفيك‬ ‫صّلى الله عليه وسّلم ِ‬
‫ن‪ .‬وهذا يدل على هجرتها لن عليا ً إنما‬ ‫ن والعج َ‬ ‫الداخل‪ :‬الطح َ‬
‫مة بالمدينة ‪ ) .‬أسد الغابة لبن الثير (‬ ‫تزوج فاط ِ َ‬
‫عن أبي هريرة‪ .‬وكان جعفر بن أبي طالب الثالث من ولد أبيه‬
‫وكان طالب أكبرهم سنا ً ويليه عقيل ويلي عقيل ً جعفر ويلي‬
‫جعفرا ً علي‪ .‬وكل واحد منهم أكبر من صاحبه بعشر سنين وعلي‬
‫أصغرهم سنًا‪ ....‬وأمهم جميعا ً فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد‬
‫مناف ) مقاتل الطالبين الصفهاني (‬
‫عن جرير سمعت النبي " ص " يدعوا النساء إلى البيعة حين أ‬
‫نزلت هذه الية " يأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك " وكانت‬
‫فاطمة بنت أسد أول امرأة بايعت رسول الله ‪ ) .‬مقاتل الطالبين‬
‫الصفهاني (‬
‫==============‬
‫سؤال ‪ :‬ما صحة الحديث الذي جاء فيه ان الرسول كان‬
‫يقبل نسائه وهو صائم و يمص لسان زوجته عائشة ؟‬
‫الحمد لله ‪،‬‬

‫‪455‬‬
‫جواب ‪ :‬الحديث أخرجه أبو داود ‪ ،‬وقال ابن العرابي ‪ :‬بلغني عن‬
‫ابن داود أنه قال ‪ :‬اسناده ليس بصحيح وأخرجه أحمد في‬
‫المسند والتقى في اسناديه مع أبي داود في محمد بن دينار عن‬
‫سعد بن أوس عن مصدع عن عائشة ‪.‬‬
‫وتقبيله صلى الله عليه وسلم لنسائه _ وهو صائم _ صحيح ‪ .‬أما‬
‫قوله ‪ )) :‬ويمص لسانها (( فيقول ابن القيم رحمه الله ‪ )) :‬وقال‬
‫عبد الحق ‪ :‬ل تصح هذه الزيادة في مص اللسان لنها من حديث‬
‫محمد بن دينار عن سعد بن أوس ول يحتج بهما ‪ .‬وبنحوه هذا قال‬
‫الخطابي ‪ ] ((.‬النتصارات السلمية في كشف شبه النصرانية _‬
‫دراسة وتحقيق د ‪ :‬سالم القرني _ مكتبة العبيكان [‬
‫وقد أورد العلمة اللباني الحديث في سلسلة الحاديث‬
‫الضعيفة ‪ .‬انتهى‬
‫==============‬
‫شبهه قتل أم قرفه‬
‫سؤال ‪ :‬ما صحة ما روي عن زيد بن ثابت في قتله لم قرفة‬
‫التي كانت تحرض الناس على عداوة الرسول كما جاء في‬
‫السيرة النبوية لبن هشام ‪ ..‬باب غزوة زيد بن حارثة بنى فزارة‬
‫و مصاب أم قرفة؟‬
‫جواب ‪:‬‬
‫لقد جاءت الرواية في طبقات ابن سعد وعنه ابن الجوزي في‬
‫كتابه المنتظم ومدار الرواية على محمد بن عمر الواقدي * وهو‬
‫شخص متهم بالكذب لدى علماء الحديث ‪ ،‬والقصة أوردها ابن‬
‫كثير في البداية والنهاية مختصرة ولم يعلق عليها بشىء وذكرها‬
‫ابن هشام في السيرة وكلهما عن محمد ابن اسحق الذي لم‬
‫يذكر سند الرواية ‪ ،‬فالحاصل ان الرواية لم تصح فل يجوز‬
‫الحتجاج بها ‪.‬‬
‫هو محمد بن عمر بن واقد الواقدي السلمي ابو عبد الله المدني‬
‫قاضي بغداد مولى عبد الله بن بريدة السلمي‬
‫قال البخاري ‪ :‬الواقدي مديني سكن بغداد متروك الحديث تركه‬
‫أحمد وابن نمير وابن المبارك وإسماعيل بن زكريا ) تهذيب‬
‫الكمال مجلد ‪(26‬‬
‫هذا في ص ‪ 186-185‬وقال أحمد هو كذاب وقال يحيى ضعيف‬
‫وفي موضع آخر ليس بشيء وقال أبو داود ‪ :‬أخبرني من سمع‬
‫من علي بن المديني يقول روى الواقدي ثلثين ألف حديث غريب‬
‫وقال أبو بكر بن خيثمة سمعت يحيى بن معين يقول ل يكتب‬
‫حديث الواقدي ليس بشيء وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم‬
‫سألت عنه علي بن المديني فقال ‪ :‬متروك الحديث هنا علة‬

‫‪456‬‬
‫جميلة أيضا في سند الحديث وهي روايته عن عبد الله بن جعفر‬
‫الزهري قال إسحاق بن منصور قال أحمد بن حنبل كان الواقدي‬
‫يقلب الحاديث يلقي حديث ابن أخي الزهري على معمر ذا قال‬
‫إسحاق بن راهويه كما وصف وأشد لنه عندي ممن يضع الحديث‬
‫الجرح والتعديل ‪/8‬الترجمة ‪ 92‬وقال علي بن المديني سمعت‬
‫أحمد بن حنبل يقول الواقدي يركب السانيد تاريخ بغداد ‪-3/13‬‬
‫‪ 16‬وقال المام مسلم متروك الحديث وقال النسائي ليس بثقة‬
‫وقال الحاكم ذاهب الحديث قال الذهبي رحمه الله مجمع على‬
‫تركه وذكر هذا في مغني الضعفاء ‪ /2‬الترجمة ‪5861‬‬
‫قال النسائي في " الضعفاء والمتروكين " المعروفون بالكذب‬
‫على رسول الله أربعة الواقدي بالمدينة ومقاتل بخراسان ومحمد‬
‫بن سعيد بالشام ‪.‬‬
‫================‬
‫قوم النبى محمد صلى الله عليه وسلم زناة من‬
‫أصحاب الجحيم‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫ما ذنب النبى محمد صلى الله عليه وسلم أن يقع قومه ومن‬
‫أرسل إليهم فى خطيئة الزنا أو أن يكونوا من أصحاب الجحيم ؟‬
‫مادام هو صلوات الله وسلمه عليه قد برئ من هذه الخطيئة‬
‫ولسيما فى مرحلة ما قبل النبوة ‪ ،‬وكانت مرحلة الشباب التى‬
‫يمكن أن تكون إغراء له ولمثاله أن يقعوا فى هذه الخطيئة ؛‬
‫لسيما وأن المجتمع الجاهلى كان يشجع على ذلك وكان الزنا‬
‫فيه من المور العادية التى يمارسها أهل الجاهلية شباًنا وشيًبا‬
‫ضا‪ .‬وكان للزنا فيه بيوت قائمة يعترف المجتمع بها ‪ ،‬وُتعلق‬ ‫أي ً‬
‫على أبوابها علمات يعرفها بها الباحثون عن الخطيئة ‪ ،‬وتعرف‬
‫بيوت البغايا باسم أصحاب الرايات‪.‬‬
‫ومع هذا العتراف العلنى من المجتمع الجاهلى بهذه الخطيئة ‪،‬‬
‫ومع أن ممارستها للشباب وحتى للشيب لم تكن مما يكره‬
‫دا صلى الله عليه‬‫المجتمع أو يعيب من يمارسونه ؛ فإن محم ً‬
‫دا بل شهدت كل كتب السير والتواريخ له‬ ‫وسلم لم يقع فيها أب ً‬
‫صلى الله عليه وسلم بالطهارة والعفة وغيرهما من الفضائل‬
‫الشخصية التى يزدان بها الرجال وتحسب فى موازين تقويمهم‬
‫وتقديرهم ‪ ،‬وأرسله الله سبحانه ليغير هذا المنكر‪ .‬هذه واحدة‬
‫والثانية‪ :‬أن الرسالة التى دعا بها ودعا إليها محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم حّرمت الزنا تحريما ً قاطعا ً وحملت آياتها فى القرآن‬
‫الكريم عقابا ً شديدا ً للزانى والزانية يبدأ بعقوبة بدنية هى أن يجلد‬

‫‪457‬‬
‫كل منهما مائة جلدة قاسية يتم تنفيذها علنا ً بحيث يشهدها الناس‬
‫لتكون عبرة وزجرا ً لهم عن التورط فيها‬
‫كما تقول الية الكريمة‪):‬الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما‬
‫مائة جلدة ول تأخذكم بهما رأفة فى دين الله إن كنتم تؤمنون‬
‫بالله واليوم الخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ( )‪.(1‬‬
‫فإذا كان الزانيان محصنين أى كل منهما متزوج ارتفعت العقوبة‬
‫إلى حد ّ العدام رميا ً بالحجارة حتى الموت‪.‬‬
‫ول تقف العقوبة عند ذلك بل نرى أن رسالة محمد صلى الله‬
‫ن يمارسون هذه الخطيئة فى مرتبة دونية من‬ ‫م ْ‬
‫عليه وسلم تضع َ‬
‫البشر حتى لكأنهم صنف منحط وشاذ عن بقية الطهار السوياء‬
‫فتقول الية الكريمة عنهم‪) :‬الزانى ل ينكح إل زانية أو مشركة‬
‫ن أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ( )‬ ‫والزانية ل ينكحها إل زا ٍ‬
‫‪.(2‬‬
‫من الذى يحمل المسئولية عن الخطيئة ؟‬
‫فإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم قد طهر من هذه الخطيئة‬
‫فى المجتمع الذى كان يراها عادية ومألوفة ‪ ،‬ثم كانت رسالته‬
‫صلى الله عليه وسلم تحرمها التحريم القاطع والصريح ‪ ،‬وتضع‬
‫مرتكبيها فى مرتبة النحطاط والشذوذ عن السوياء من البشر‪..‬‬
‫م ي ُعَّير محمد صلى الله عليه وسلم بأن بعض قومه زناة ؟‬ ‫فل ِ َ‬
‫وهل يصح فى منطق العقلء أن يعيبوا إنسانا ً بما فى غيره من‬
‫العيوب ؟ وأن يحملوه أوزار الخرين وخطاياهم ؟‪.‬‬
‫وهنا يكون للمسألة وجه آخر يجب التنويه إليه وهو خاص‬
‫بالمسئولية عن الخطيئة أهى فردية خاصة بمن يرتكبونها ؟ أم أن‬
‫آخرين يمكن أن يحملوها نيابة عنهم ويؤدون كفارتها ؟ !‬
‫أن السلم يمتاز بأمرين مهمين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬أن الخطيئة فردية يتحمل من وقع فيها وحده عقوبتها ول‬
‫يجوز أن يحملها عنه أو حتى يشاركه فى حملها غيره وصريح‬
‫آيات القرآن يقول‪) :‬ل يكلف الله نفسا ً إل وسعها لها ما كسبت‬
‫وعليه ما اكتسبت( )‪ .(3‬ثم‪) :‬ول تكسب كل نفس إل عليها ول‬
‫تزر وازرة وزر أخرى( )‪ .(4‬وورد هذا النص فى آيات كثيرة‪.‬‬
‫أما المر الثانى‪ :‬فيما أقره السلم فى مسألة الخطيئة فهو أنها‬
‫ل تورث ‪ ،‬ول تنقل من مخطئ ليتحمل عنه وزره آخر حتى ولو‬
‫بين الباء وأبنائهم وفى هذا يقول القرآن الكريم‪):‬واتقوا يوما ً ل‬
‫تجزى نفس عن نفس شيئا ً ( )‪.(5‬‬
‫)هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت ( )‪.(6‬‬
‫)ليجزى الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب( )‪.(7‬‬
‫)يوم تأتى كل نفس تجادل عن نفسها ( )‪.(8‬‬

‫‪458‬‬
‫)ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم ل يظلمون ( )‪.(9‬‬
‫)كل نفس بما كسبت رهينة( )‪.(10‬‬
‫وغير هذا كثير مما يؤكد ما أقّره السلم من أن الخطايا فردية‬
‫وأنها ل تورث ول يجزى فيها والد عن ولده ‪ ،‬ول مولود هو جاز‬
‫عن والده شيئًا‪.‬‬
‫وما دام المر فل أن فلم يلم محمد صلى الله عليه وسلم ول‬
‫يعاب شخصه أو تعاب رسالته بأن بعض أهله أو حتى كلهم زناة‬
‫مارسوا الخطيئة التى كان يعترف بها مجتمعه ول يجزى فيها شيئا ً‬
‫أو ينقص الشرف والمروءة أو يعاب بها عندهم من يمارسها‪.‬‬
‫وحسب محمد صلى الله عليه وسلم أنه لم يقع أبدا ً فى هذه‬
‫الخطيئة ل قبل زواجه ول بعده ‪ ،‬ثم كانت رسالته دعوة كبرى‬
‫إلى التعفف والتطهر وإلى تصريف الشهوة البشرية فى‬
‫المصرف الحلل الذى حض السلم عليه وهو النكاح الشرعى‬
‫الحلل ‪ ،‬ودعا المسلمين إلى عدم المغالة فى المهور تيسيرا ً‬
‫على الراغبين فى الحلل ‪ ،‬حتى كان الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم يزوج الرجل بأقل وأيسر ما يملك من المال ‪ ،‬وأثر عنه‬
‫صلى الله عليه وسلم أن شابا ً جاءه يرغب إليه فى الزواج وما‬
‫كان معه ما يفى بالمراد فقال له صلى الله عليه وسلم‪ ] :‬التمس‬
‫ولو خاتما ً من حديد [ )‪.(11‬‬
‫أكثر من هذا أنه صلى الله عليه وسلم كان يزوج بعض الصحابة‬
‫بما يحفظ من القرآن الكريم‪.‬‬
‫لهذا لم تقع خطايا الزنا فى المجتمع فى العهد النبوى كله إل فى‬
‫ندرة نادرة ‪ ،‬ربما لن الحق سبحانه شاء أن تقع وأن يقام فيها‬
‫الحد الشرعى ليسترشد بها المجتمع فى مستقبل اليام ؛‬
‫كتشريع تم تطبيقه فى حالت محددة يكون هاديا ً ودليل ً فى‬
‫القضاء والحكم‪.‬‬
‫هذا عن اتهام محمد صلى الله عليه وسلم بأن أهله زناة ‪ ،‬وهو‬
‫كما أوضحنا اتهام متهافت ل ينال من مقام النبوة ول يرتقى إلى‬
‫أقدام صاحبها صلى الله عليه وسلم‪ .‬وقد أتينا عليه بما تستريح‬
‫إليه ضمائر العقلء وبصائر ذوى القلوب النقية‪.‬‬
‫أما عن اتهامه صلى الله عليه وسلم بأن أهله من أصحاب‬
‫الجحيم ‪ ،‬فهى شهادة لجلل التشريع الذى أنزله الحق ‪ -‬على‬
‫محمد فأكمل به الدين وأتم به النعمة‪.‬‬
‫بل إن ما يعيبون به محمدا ً صلى الله عليه وسلم من أن أهله من‬
‫أصحاب الجحيم ليس أبدا ً عيًبا فى منطق العقلء ذوى النصفة‬
‫والرشد ؛ بل إنه وسام تكريم لمحمد صلى الله عليه وسلم‬
‫وى‬ ‫ولرسالته الكاملة والخاتمة فى أن التشريع الذى نزلت به س ّ‬

‫‪459‬‬
‫بين من هم أقرباء محمد صلى الله عليه وسلم وبين من هم‬
‫غرباء عنه فى جميع الحكام ثوابا ً وعقوبة‪.‬‬
‫بل إن التشريع الذى نزل على محمد صلى الله عليه وسلم نص‬
‫صراحة على التزام العدل خاصة حين يكون أحد أطرافه ذا قربى‬
‫فقال القرآن‪):‬ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين‬
‫ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم( )‬
‫‪ .(12‬وقوله‪) :‬وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى ( )‪.(13‬‬
‫أما فى السنة النبوية فحديث المرأة المخزومية ـ من بنى مخزوم‬
‫ذوى الشرف والمكانة ـ التى ارتكبت جريمة السرقة وهى جريمة‬
‫عقوبتها حد ّ السرقة وهو قطع يد السارق كما تنص عليه آيات‬
‫القرآن ‪ ،‬وشغل بأمرها مجتمع المدينة لئل يطبق عليها الحد ّ‬
‫فتقطع يدها وهى ذات الشرف والمكانة فسعوا لدى أسامة بن‬
‫ب رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أن يشفع لها لدى‬ ‫زيد – ح ّ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلم رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فقال‪ ] :‬أتشفع فى حد من حدود الله ؟ ثم قام‬
‫فخطب فقال‪ :‬يا أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا‬
‫إذا سرق فيهم الشريف تركوه ‪ ،‬وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا‬
‫عليه الحد ‪ ،‬وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع‬
‫محمد يدها [ )‪.(14‬‬
‫وعليه فكون بعض آل محمد وذوى قرباه من أصحاب الجحيم‬
‫كأبى لهب عمه الذى نزلت فيه سورة المسد‪) :‬تبت يدا أبى لهب‬
‫وتب ( )‪ (15‬وغيره ممن كان نصيًرا لهم مع بقائه على شركه‪..‬‬
‫كون هؤلء من أصحاب الجحيم لنهم بقوا على شركهم ولم‬
‫تنفعهم قرابتهم لمحمد صلى الله عليه وسلم هو فى الواقع‬
‫وت فى العدل بين‬ ‫شهادة تقدير تعطى لمحمد ورسالته التى س ّ‬
‫القريب وبين الغريب ‪ ،‬ولم تجعل لعامل القرابة أدنى تأثير فى‬
‫النحياز ضد الحق لصالح القريب على الغريب‪ .‬وما قاله‬
‫المبطلون هو فى الحق وسام وليس باتهام‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم على النبى العظيم‪.‬‬
‫)‪ (1‬النور‪.2 :‬‬
‫)‪ (2‬النور‪.3 :‬‬
‫)‪ (3‬البقرة‪.286 :‬‬
‫)‪ (4‬النعام‪.164 :‬‬
‫)‪ (5‬البقرة ‪.48‬‬
‫)‪ (6‬يونس‪.30 :‬‬
‫)‪ (7‬إبراهيم‪.51 :‬‬
‫)‪ (8‬النحل‪.111 :‬‬

‫‪460‬‬
‫)‪ (9‬الجاثية‪.22 :‬‬
‫)‪ (10‬المدثر‪.38 :‬‬
‫)‪ (11‬رواه البخارى ] كتاب النكاح [‪.‬‬
‫)‪ (12‬التوبة‪.113 :‬‬
‫)‪ (13‬النعام‪.152 :‬‬
‫)‪ (14‬رواه البخارى ] كتاب أحاديث النبياء [‪.‬‬
‫)‪ (15‬المسد‪.1 :‬‬
‫===================‬
‫أنتم أعلم بأمور دنياكم‬
‫قصة هذا الحديث معروفة‪..‬‬
‫فقد مر الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة على قوم‬
‫يؤبرون النخل ‪ -‬أي يلقحونه ‪ -‬فقال‪ " :‬لو لم يفعلوا لصلح له "‬
‫فامتنع القوم عن تلقيح النخل في ذلك العام ظنا ً منهم أن ذلك‬
‫من أمر الوحي‪ ،‬فلم ينتج النخل إل شيصا ً )أي بلحا ً غير ملقح‪،‬‬
‫وهو مر ل يؤكل( فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم على هذه‬
‫الصورة سأل عما حدث له فقالوا‪ " :‬قلت كذا وكذا‪ " ..‬قال‪" :‬‬
‫أنتم أعلم بأمور دنياكم " عن عائشة وعن ثابت وعن أنس(‪ :‬وفي‬
‫صحيح مسلم عن موسى بن طلحة عن أبيه أن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪ " :‬ما أظن يغني ذلك شيئا ً "‪ ..‬ثم قال‪ " :‬إن كان‬
‫ينفعهم ذلك فليصنعوه‪ .‬فإني إنما ظننت ظنا ً فل تؤاخذوني‬
‫بالظن‪ .‬ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا ً فخذوا به "‪.‬‬
‫***‬
‫تلك قصة الحديث‪..‬‬
‫وهي واضحة الدللة فيما تركه الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫للناس من أمور يتصرفون فيها بمعرفتهم‪ ،‬لنهم أعلم بها وأخبر‬
‫بدقائقها‪ .‬إنها المسائل " العلمية الفنية التطبيقية " التي تتناولها‬
‫خبرة الناس في الرض‪ ،‬منقطعة عن كل عقيدة أو تنظيم‬
‫سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي‪ .‬وهي في الوقت ذاته تصلح‬
‫للتطبيق مع كل عقيدة وكل تنظيم‪ ،‬لنها ليست جزءا ً من أي‬
‫عقيدة أو أي تنظيم‪ ..‬بل إنها حقائق علمية مجردة عن وجود‬
‫النسان ذاته بكل عقائده وكل تنظيماته‪ .‬كحقيقة اتحاد الكسجين‬
‫واليدروجين لتكوين الماء‪ ،‬وحقيقة انصهار الحديد في درجة كذا‬
‫مئوية‪ .‬هي حقائق ليسن ناشئة عن وجود النسان‪ .‬وإنما هي‬
‫سابقة له‪ ،‬موجودة منذ وجدت هذه العناصر في الكون‪ .‬وقصارى‬
‫" تدخل " النسان فيها أن يكتشفها ويعرفها‪ ،‬ثم يستغلها لصالحه‪،‬‬
‫ويطبقها في حياته العملية‪.‬‬

‫‪461‬‬
‫وقصة النخل ل تخرج عن كونها حقيقة علمية اكتشفها النسان‬
‫فطبقها في حياته العملية‪ :‬حقيقة التلقيح والخصاب في عالم‬
‫النبات‪ .‬وهي عملية ل يتم بدونها تكون الثمرة ونضجها على النحو‬
‫المعروف‪ .‬والرسول صلى الله عليه وسلم لم يقطع فيها برأي ‪-‬‬
‫كما هو ظاهر من الحديث ‪ -‬وإنما قال‪ " :‬إنما ظننت ظنا ً "‪ .‬ولعل‬
‫الشك الذي ساوره صلى الله عليه وسلم قد جاء من اعتقاده بأن‬
‫الله ل بد أن يكون قد أودع فطرة الحياة ما تتم به عملياتها "‬
‫البيولوجية " دون حاجة إلى تدخل النسان‪ !..‬وطالما خطر في‬
‫نفسي أنا هذا السؤال‪ :‬من كان يلقح النخيل‪ ،‬وينقل فسائل‬
‫النباتات التي ل تنمو بغير التنقيل‪ ،‬قبل أن يوجد النسان على‬
‫ظهر الرض‪ ،‬والنباتات كلها سابقة للنسان في الخليقة؟! ول‬
‫شك أن علماء النبات لديهم لهذا السؤال جواب‪ .‬ولكني أقول‬
‫فقط‪ :‬إنها خاطرة جديرة بأن تخطر على قلب إنسان!‬
‫هي إذن المسائل " التكنيكية " البحتة بتعبيرنا العلمي الحديث‪.‬‬
‫المسائل التي يتحصل عليها المؤمنون والكفار سواء‪ .‬ول تؤثر‬
‫بذاتها في عقيدة القلب أو اتجاه الشعور‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن فريقا ً من الناس يريدون أن يفهموا منها غير ما‬
‫قصده الرسول وحدده‪ .‬يريدون أن يبسطوها حتى تشمل الحياة‬
‫الدنيا كلها‪ ،‬بتشريعاتها وتطبيقاتها‪ ،‬باقتصادياتها واجتماعياتها‪،‬‬
‫بسياساتها وتنظيماتها‪ .‬فل يدعون لدين الله ولرسول الله مهمة‬
‫غير " تنظيف القلب البشري وهدايته " بالمعنى الروحي الخالص‪،‬‬
‫الذي ل شأن له بواقع الحياة اليومي‪ ،‬ول شأن له بتنظيم المجتمع‬
‫وسياسة المور فيه‪ .‬ثم يسندون هذا اللون من التفكير للرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ويجعلونه ‪ -‬هو ‪ -‬شاهدا ً عليه!!‬
‫وما أريد أن أبادر بسوء الظن! فقد يكون هذا الفريق من الناس‬
‫مخلصا ً في تفكيره مطمئنا ً إليه! وقد يكون ذلك بالنسبة إليه‬
‫مهربا ً " ل شعوريا ً " من ضغط المفاهيم الوربية ‪ -‬الغربية أو‬
‫الشرقية ‪ -‬عن الدين من جانب‪ ،‬و" العلوم " القتصادية‬
‫والجتماعية المنقطعة عن الدين من جانب آخر‪ .‬مهربا ً يلجأ إليه‬
‫العاجزون المغلوبون‪ ،‬ليحتفظوا بعقيدتهم الشخصية في الله‪ ،‬ثم‬
‫يكونوا بعد ذلك تقدميين أو تحرريين!!‬
‫ولكن قليل ً من النظر كان جديرا ً أن يردهم إلى التفكير الصائب‬
‫والتقدير الصحيح‪ ،‬ويرفع عنهم هذه الذلة الفكرية التي يعانونها‬
‫إزاء الغرب‪ ،‬فتلوي أفكارهم ‪ -‬بوعي أو بغير وعي ‪ -‬وتفسد‬
‫مشاعرهم فينحرفون عن السبيل‪.‬‬
‫لو كان السلم رسالة " روحية " بالمعنى المفهوم لهذا اللفظ ‪-‬‬
‫المعنى الوجداني الخالص الذي ل شأن له بواقع الحياة اليومي ‪-‬‬

‫‪462‬‬
‫ففيم إذن كان هذا الحشد الهائل من التشريعات والتوجيهات في‬
‫القرآن والحديث؟‬
‫ذوهُ‬ ‫ل فَ ُ‬
‫خ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫ما آَتاك ُ ُ‬
‫م الّر ُ‬ ‫وفيم إذن يقول الله سبحانه وتعالى‪) :‬وَ َ‬
‫ه َفان ْت َُهوا(! ثم يعقب في نفس الية بالتهديد‬ ‫ما ن ََهاك ُ ْ‬
‫م ع َن ْ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ب( ]‪[116‬؟!‬ ‫قا ِ‬‫ديد ُ ال ْعِ َ‬ ‫ه َ‬
‫ش ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه إِ ّ‬‫قوا الل ّ َ‬
‫للمخالفين‪َ) :‬وات ّ ُ‬
‫فيم هذا كله إذا كانت المسألة هي " تنظيف القلب " ليس غير؟!‬
‫***‬
‫وإن تنظيف القلب البشري لمهمة ضخمة دون شك‪ ..‬مهمة تحتاج‬
‫إلى رسول!‬
‫وإنها ‪ -‬حين تنجح ‪ -‬لهي الضمان الول لسلمة الحياة كلها‬
‫واستقامتها ونظافتها‪ .‬فإن أخفقت‪ ..‬فل ضمان!‬
‫والسلم يوجه لهذا القلب أكبر عناية يمكن أن يوجهها إليه نظام‬
‫ما بالله‪ ،‬ويوجهه دائما ً لخشيته وتقواه‬ ‫أو دين‪ .‬فهو يربطه دائ ً‬
‫والعمل على رضاه‪ .‬ثم هو يتتبع هذا القلب في كل نزعة من‬
‫نزعاته‪ ،‬وكل ميل من ميوله‪ ..‬في العمال الظاهرة والمشاعر‬
‫المستترة‪ ..‬في السر الذي يخفى على الناس ول يخفى على‬
‫الله‪ ،‬بل فيما هو أخفى من السر‪ ،‬من المشاعر الساربة في حنايا‬
‫الضمير ]‪ ..[117‬يتتبعه في كل ذلك‪ ،‬عمل ً عمل ً وخاطرا ً خاطرا ً‬
‫وفكرة فكرة‪ ..‬فينظفها بخشية الله‪ ،‬والحياء من رقابته الدائمة‬
‫التي ل يغيب عنها شيء في الرض ول في السماء‪ ..‬ويوجهه إلى‬
‫صفحة الكون الواسعة‪ ،‬وما فيها من آيات القدرة المعجزة‪،‬‬
‫ليمسح عنه الغلظة التي تحجر المشاعر‪ ،‬والغبش الذي يحجب‬
‫عنه النور‪ ..‬ويطلقه من إسار الشهوات والضرورات التي تثقله‬
‫فا يسبح الله ويفرح‬ ‫فا صافًيا شفي ً‬ ‫وتشده إلى الرض‪ ،‬لينطلق خفي ً‬
‫بهداه‪..‬‬
‫نعم‪ ..‬يبذل السلم ذلك الجهد الضخم كله " لتنظيف القلب "‪.‬‬
‫ولكن السلم دين الفطرة‪ ..‬الدين الذي يعرف أسرار الفطرة‬
‫فيقدم لها ما يلصح لها وما يصلحها‪ .‬الدين الذي يعالج الفطرة‬
‫على أحسن وجه وأنسب طريقة‪ ،‬ليخرج منها بأقصى ما تستطيع‬
‫أن تمنحه من الخير‪ .‬الدين الذي يتلبس بالفطرة فيملؤها كلها ول‬
‫يترك فراغا ً واحدا ً ل ينفذ إليه‪ .‬الدين الذي يأخذ الفطرة كما هي‬
‫كل ّ واحدا ً ل يتجزأ‪ ،‬كل ً يشمل الجسم والعقل والروح‪ ،‬فيعالجها‬
‫العلج الشامل الذي يأخذ في حسابه الجوانب كلها‪ .‬ويأخذها‬
‫مرتبطا ً بعضها ببعض في نظام وثيق‪..‬‬
‫ومن ثم ل يأخذ شعور النسان ويترك سلوكه‪ .‬ل يأخذ " مبادئه "‬
‫ويترك " تطبيقه "‪ .‬ل يأخذ آخرته ويدع دنياه‪ ..‬وإنما يعمل حساب‬
‫ذلك كله في توجيهاته وتشريعاته سواء‪.‬‬

‫‪463‬‬
‫***‬
‫السلم يتناول الحياة كلها‪ ،‬بكل ما تشتمل عليه من تنظيمات‪.‬‬
‫ويرسم للبشر صورة كاملة لما ينبغي أن تكون عليه حياتهم في‬
‫هذه الرض‪.‬‬
‫إنه يتناول النسان من يقظته في الصباح الباكر حتى يسلم جنبه‬
‫للنوم في آخر المساء‪ .‬يعلمه ويلقنه ماذا يصنع وماذا يقول أول‬
‫ما يفتح عينيه‪ ،‬ثم حين يقوم‪ ،‬ثم حين يقضي ضرورته‪ ،‬ثم حين‬
‫يؤدي صلته‪ ،‬ثم حين يضرب في مناكب الرض باحثا ً عن رزقه‪:‬‬
‫زارعا ً أو صانعا ً أو عامل ً أو بائعا ً أو شاريًا‪ ..‬ثم حين يتناول طعامه‪،‬‬
‫ثم حين يستريح من القيلولة‪ ،‬ثم حين يعود في آخر اليوم‪ ،‬ثم‬
‫حين يلقى زوجه وأطفاله‪ ،‬ثم حين يضع جنبه‪ ،‬ثم حين يأخذ في‬
‫النوم‪ ..‬بل إذا صحا كذلك في وسط النوم فزعا ً أو غير مفّزع!‬
‫وكما تناول النسان فردا ً في جميع أحواله‪ ،‬فقد تناوله كذلك وهو‬
‫يعيش في المجتمع مع غيره من الفراد‪ .‬فعلم المجتمع ولقنه‬
‫كيف تكون الصلت بين أفراده‪ ،‬وكيف تكون العلقات‪ .‬وكيف‬
‫ينشئ تقاليده على المودة والخاء والحب‪ ،‬والتكافل والتعاون‪.‬‬
‫وكيف يشتري وكيف يبيع‪ .‬وكيف يزرع وكيف يجني‪ .‬وكيف يملك‬
‫وكيف يوزع الثروة بين الفراد‪.‬‬
‫وكما تناول الفرد والمجتمع تناول كذلك " الدولة " ممثلة‬
‫المجتمع‪ .‬فأعطى ولي المر حقوقا ً وأوجب عليه واجبات‪ .‬وعلمه‬
‫ولقنه كيف يحكم الناس‪ ،‬وكيف يقيم بينهم العدل‪ ،‬وكيف يوزع‬
‫المال بينهم‪ ،‬بأي نسب وعلى أي الفئات ومن أي الموارد‪ .‬وكيف‬
‫يعلن الحرب وكيف يقيم السلم‪ ،‬وكيف يتعامل مع الدول‬
‫والجماعات والفراد‪..‬‬
‫الحياة كلها بجميع دقائقها وتفصيلتها‪ .‬الحياة المادية والفكرية‬
‫والروحية‪ .‬الحياة الفردية والجتماعية‪ .‬الحياة بكل ما تشمله من‬
‫مفاهيم‪ .‬وكانت تلك هي طريقة السلم الفذة في " تنظيف‬
‫القلب "!‬
‫أوَ يعجب الناس من هذا القول؟! أيقولون ما للقلب والروح بواقع‬
‫الرض؟ بالقتصاد والسياسة والجتماع؟!‬
‫ويح الناس!‬
‫أليسوا هم الذين " اكتشفوا " في القرن التاسع عشر والقرن‬
‫العشرين أن " مشاعر " الناس مرتبطة بوضعهم القتصادي‬
‫وبعلقات النتاج؟!‬
‫فيم العجب إذن إن قيل لهم إن السلم وهو " ينظف القلب "‬
‫يضع في حسابه إقامة نظام اقتصادي عادل‪ ،‬ونظام اجتماعي‬
‫متوازن‪ ،‬ونظام سياسي راشد محكم الرباط؟‬

‫‪464‬‬
‫أم هم ي ُد ِّلون على الله بعلمهم؟ ويحسبون أنهم وحدهم الذين‬
‫أدركوا هذه الحقيقة‪ ،‬بينما الله الذي خلق الخلق وهو أدرى به‪ ،‬قد‬
‫فاته إدراكها؟! سبحانه وتعالى عما يصفونه علوا ً كبيرًا‪..‬‬
‫كل! إن السلم قد تناول هذه الحقائق كلها قبل أن يصحو لها‬
‫الناس‪ .‬وبّين أن الحياة السليمة النظيفة المتكاملة ل يمكن أن‬
‫تتم في داخل القلب معزولة عن واقع الحياة‪ .‬ل يمكن أن تتم في‬
‫الوجدان والمشاعر إن لم يكن لها رصيد مواز لها من العمل‬
‫والسلوك‪ .‬ومن ثم لم يجعل الدين " عقيدة " كامنة في الضمير‪.‬‬
‫وإنما جعلها نظاما ً قائما ً على عقيدة‪ ،‬ومجتمعا ً قائما ً على هذا‬
‫النظام‪.‬‬
‫صحيح أنه لم ينزل في ذلك إلى مهاوي المادية الهابطة‬
‫والمذاهب القتصادية المنحرفة‪ .‬لم يجعل المادة هي الصل‪،‬‬
‫والنسان هو التابع الذليل الذي ل يملك نفسه إزاء التطورات‬
‫الحتمية للقتصاد والنتاج‪ ..‬وإنما جعل النسان هو الصل‪ .‬جعل‬
‫القلب البشري هو المصدر الذي تصدر عنه الطاقة ويصدر عنه‬
‫الشعاع‪ .‬ولكنه في الوقت ذاته لم يشأ أن يجعله معلقا ً في البرج‬
‫العاجي‪ ،‬يطلق شحنته الهائلة في الفضاء في قفزات الخيال‬
‫وسبحات الروح‪ .‬وإنما أراد لهذه الطاقة الضخمة أن تنتج في‬
‫واقع الرض‪ ،‬وأن تنشئ مجتمعها ونظامها بوحي من العقيدة‬
‫وهدي من الله‪ ،‬فيتوازن بذلك الشعور والعمل‪ ،‬والوجدان‬
‫والسلوك‪ ،‬ويتوازن بذلك " النسان "‪.‬‬
‫وكان هذا هو المر الطبيعي ما دام السلم " دين الفطرة "‪.‬‬
‫إن المشاعر المرفرفة والوجدان المشرق والفكار الجميلة ل‬
‫قيمة لها إذا لم تتحول إلى قوة بانية في عالم الواقع‪ ،‬إذا لم‬
‫تتحول إلى حقيقة ظاهرة ملموسة يحس بها الناس‪.‬‬
‫والعمال " العظيمة " والنتاج الباهر والحركة الفاعلة ل قيمة لها‬
‫إذا لم تستند إلى شعور عميق بالخير‪ ،‬وإحساس حي بروابط‬
‫الخوة النسانية واللتقاء إلى الله‪.‬‬
‫بل هما ‪ -‬بدون هذا التزاوج ‪ -‬ينقلبان إلى شر مدمر للبشرية‪:‬‬
‫الولى تنقلب إلى زهادة وعزلة تتوقف بها الحياة‪.‬‬
‫والثانية تنقلب إلى طغيان كافر يدمر الحياة على وجه الرض‪.‬‬
‫ول بد منهما معا ً لتستقيم الحياة‪ ،‬مرتبطين متمازجين‪ ،‬ل انفصال‬
‫بينهما ول افتراق!‬
‫تلك هي " الفطرة " البشرية‪.‬‬
‫والسلم دين الفطرة وكلمة الله‪.‬‬

‫‪465‬‬
‫ومن ثم لم يكن بد ‪ -‬وهو " ينظف القلب البشري " ‪ -‬أن يجعل‬
‫في حسابه الباطن والظاهر‪ ،‬والشعور والعمل‪ ،‬والوجدان‬
‫والسلوك‪.‬‬
‫وهو بذلك واقعي إلى أقصى حدود الواقعية‪...‬‬
‫إنه يعنى أشد العناية بعالم الروح ونظافة الضمير‪ .‬وإنه يثق في‬
‫أن القلب البشري مصدر الطاقة ومصدر الشعاع‪ .‬ولكنه ‪ -‬مع‬
‫ذلك ‪ -‬ل يفترض في الناس كلهم أنهم من أولي العزم! ل يفترض‬
‫فيهم أنهم يستطيعون دائما ً أن يعيشوا بقلوب نظيفة في مجتمع‬
‫غير نظيف‪ ،‬أو يمارسوا العدالة في مجتمع غير عادل‪ ،‬أو يحرصوا‬
‫على الفضائل في مجتمع يحرص على المنكرات‪.‬‬
‫ففي " الفطرة " البشرية ضعف يحتاج إلى سند ويحتاج إلى‬
‫ضِعيفًا(‪.‬‬
‫ن َ‬ ‫خل ِقَ اْل ِن ْ َ‬
‫سا ُ‬ ‫معونة‪) :‬وَ ُ‬
‫هناك ثقلة الضرورة ودفعة الشهوات‪.‬‬
‫وهي " واقع " ل مصلحة في تجاهله‪ ،‬ول سبيل إلى نكرانه‪.‬‬
‫ول بد من تنظيمه‪ ..‬ل بد من تنظيمه ليستطيع النسان أن يفرغ‬
‫من ضغطه على العصاب والمشاعر‪ .‬وينطلق حيث يشاء‪ ،‬حيث‬
‫يليق بخليفة الله أن يكون‪.‬‬
‫من أجل ذلك يحرص السلم على واقع المجتمع أن يكون نظيفا ً‬
‫ليعاون الفرد على نظافة الضمير‪ .‬ولن تكون نظافة المجتمع إل‬
‫بنظام اقتصادي عادل‪ ،‬ونظام اجتماعي متوازن‪ ،‬ونظام سياسي‬
‫راشد محكم الرباط بالعقيدة الصحيحة واليمان الصحيح‪.‬‬
‫***‬
‫من صميم مهمة الدين إذن في تنظيف القلب كانت هذه‬
‫التشريعات وهذه التوجيهات التي تتناول السرة والمجتمع‪،‬‬
‫وسياسة الحكم‪ ،‬وسياسة المال‪ .‬يستوي في ذلك التشريع‬
‫القتصادي‪ ،‬والتشريع السياسي‪ ،‬والتشريع الجنائي‪ ،‬والتشريع‬
‫المدني‪ ،‬والتشريع الدولي‪ ..‬والتوجيهات العديدة المتعلقة بكل‬
‫هذه الشئون‪.‬‬
‫ولم يكن السلم ‪ -‬وهو جاد في تناول النسان والحياة البشرية‬
‫بالتنظيم والتنظيف ‪ -‬ليغفل هذه الشئون الواقعية كلها‪ ،‬وينصرف‬
‫إلى تهذيب الضمير في عالم المثل والحلم‪ .‬ولم يكن رسول‬
‫السلم صلى الله عليه وسلم ليتخلى عن مهمته الهائلة في ذلك‬
‫الشأن‪ ،‬وينفض يديه منها‪ ،‬ويقول للناس‪ " :‬أنتم أعلم بأمور‬
‫دنياكم " أي تصرفوا أنتم في تشريعاتكم وتنظيماتكم‪ ،‬في‬
‫سياسة المال وفي سياسة الحكم‪ ،‬في علقات المجتمع‪ ،‬وفي‬
‫القوانين التي تنظم الحياة‪..‬‬

‫‪466‬‬
‫كل! لم يكن ليفعل ذلك‪ .‬ولو فعل فما أدى إذن رسالة الله‪ .‬والله‬
‫ة‬
‫ريعَ ٍ‬ ‫ك ع ََلى َ‬
‫ش ِ‬ ‫جعَل َْنا َ‬ ‫م َ‬ ‫هو الذي يقول له في مجال التكليف‪) :‬ث ُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن( ]‪.[118‬‬ ‫مو َ‬ ‫ن ل ي َعْل َ ُ‬ ‫واَء ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن اْل ْ‬
‫مرِ َفات ّب ِعَْها َول ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬ ‫م َ‬
‫ِ‬
‫***‬
‫فا‪ ،‬أو فريقا ً غيره‬ ‫ولكن هذا الفريق من الناس الذي ذكرناه آن ً‬
‫يقول‪ :‬إن الحياة تتطور‪ .‬فكيف إذن يمكن أن يشرع الله أو يشرع‬
‫رسوله للجيال التالية لعصر القرآن؟ إن ما كان يصلح منذ ألف‬
‫وأربعمائة عام ل يصلح اليوم‪ .‬وما كان حركة تقدمية ثورية في‬
‫ذلك التاريخ يصبح اليوم أمرا ً رجعيا ً عتيقا ً متجمدا ً ل يجاري التطور‬
‫ول يصلح للحياة‪ ..‬ومن ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫هذه الكلمة ليفتح الباب للتطور‪ ،‬ول يقف بالناس عند تشريعات‬
‫وتنظيمات قد اقتضتها بيئة معينة وظروف معينة‪ ،‬وإنما يتركهم‬
‫يشرعون وينظمون فيما هم أدرى به من المور‪.‬‬

‫" التطور "‪ ..‬ويح الناس من التطور!‬


‫إنه هوس يصيب هذا القرن العشرين! هوس يخّيل إليهم أن‬
‫الحياة كلها بل قواعد‪ ،‬والكون كله بل ناموس!‬
‫لقد كانت فكرة التطور اكتشافا ً جديدا ً بالنسبة لوربا في تاريخها‬
‫الحديث‪ ،‬بعد أن غرقت فترة طويلة في ظلم العصور الوسطى‪،‬‬
‫ل تعلم شيئا ً ول تساير ركب الحياة‪ .‬وفي القرن التاسع عشر‬
‫امتلت رءوس المفكرين والعلماء بفكرة التطور‪ ،‬في العلم‬
‫والسياسة والقتصاد والجتماع‪ ،‬ثم تلقفتها الجماهير في نهاية‬
‫القرن الفائت وفي خلل هذا القرن‪ ..‬تلقفتها بما يشبه اللوثة‪..‬‬
‫تفسر بها كل شيء وتفسد بها كل شيء!‬
‫بينما العالم السلمي لم يكن غريبا ً عن فكرة التطور وآثاره في‬
‫حياة الجماعة‪ .‬فقد فطن إليها ابن خلدون في مقدمته وعالجها‬
‫علجا ً " علميا ً " وافيا ً يشهد له بالبراعة والتدقيق‪ .‬ولقد فطن‬
‫إليها عمر بن عبد العزيز في صدر السلم إذ يقول " يجد ّ للناس‬
‫من القضية بقدر ما يجد لهم من القضايا " وفطن إليها الفقه‬
‫السلمي كله‪ ،‬وهو يضع التفريعات الدائمة في كل شئون الحياة‬
‫النامية المتجددة جيل ً بعد جيل‪.‬‬
‫ولكن الفكر السلمي لم يخرج عن صوابه وهو يحس بالتطور‬
‫ويساوق خطاه‪ .‬فلم يفهم من التطور أن الحياة بل قواعد‪،‬‬
‫والكون بل ناموس! لم يفهم منه أن ينفصل عن الصول الثابتة‬
‫وينطلق بل دليل!‬

‫‪467‬‬
‫وجاء " العلم " في القرون الخيرة يؤيد الفهم السلمي للتطور‪،‬‬
‫ول يؤيد اللوثة التي أصابت الجماهير في أوربا‪ ،‬وأشباه العلماء‬
‫هناك‪ ،‬وانتقلت عن طريقهم إلى الشرق في عصرنا الخير‪.‬‬
‫***‬
‫الحياة البشرية تتطور‪ ،‬والكون كله يتطور‪ ..‬نعم! ولكن هذا ل‬
‫ينفي وجود قواعد ثابتة في هذا الكون وفي الحياة البشرية‪..‬‬
‫أولها وأبسطها‪ ،‬وأقربها إلى البديهة‪ ،‬صدور الكون كله عن إرادة‬
‫الله الخالق المدبر‪ ،‬وانتظام سننه ونواميسه انتظاما ً دقيقا ً معجزا ً‬
‫ل يخل ثانية ول ثالثة‪ ،‬ول قيد شعرة في هذا الفضاء الهائل‬
‫الرهيب!‬
‫السدم تتطور إلى نجوم‪ ..‬والنجوم تتطور وهو تدور‪ ،‬فتسخن‬
‫وتبرد‪ ،‬وتتكور وتنبعج‪ .‬وتسرع وتبطئ‪ ..‬ولكن شيئا ً واحدا ً من ذلك‬
‫ل يحدث بل قانون‪ ،‬وشيئا ً واحدا ً من ذلك ل يحدث مخالفا ً‬
‫للناموس الناموس الذي يكشف العلم طرفا ً منه كلما تيسرت له‬
‫الوسائل وأتيحت له الدوات‪.‬‬
‫ومجموعتنا الشمسية الصغيرة التي نحن جزء منها‪ ،‬تتبع نواميس‬
‫الكون وهي تتطور‪ ،‬وتسير على النهج الذي أراده لها الله منذ‬
‫الزل‪ ،‬ل تنحرف عنه لحظة إلى يمين أو شمال‪.‬‬
‫والرض التي نعيش عليها تحكمها ‪ -‬في تطورها ‪ -‬النواميس‬
‫الزلية التي تحكم الكون‪ ،‬فيسير كل شيء على سطحها كما‬
‫أراده الله وفق قانونه الذي ارتضاه‪.‬‬
‫الكسجين هو الكسجين‪ ..‬واليدروجين هو اليدروجين‪ .‬في‬
‫الرض والشمس وجميع النجوم سواء‪ .‬والماء قدر من الكسجين‬
‫وقدران من اليدروجين )أيد ‪ (2‬ل تتغير هذه النسبة سواء ركب‬
‫الماء في المعمل أم هطل من السماء‪ ..‬والمطر هو المطر‪..‬‬
‫بخار يصعد من البحر‪ ،‬فينطلق إلى الجو‪ ،‬فيتكاثف‪ ،‬فيتركز ويثقل‪،‬‬
‫فينزل إلى الرض‪ ..‬سواء حدث ذلك " طبيعيا ً " أم أنزل صناعيا ً‬
‫من السماء‪ ..‬ل يتغير قانون واحد من قوانينه‪ ،‬ول يختل في‬
‫مساره عن الناموس‪.‬‬
‫والحياة على الرض كذلك‪ ..‬تطورت‪ ..‬ل نعلم علم اليقين كيف‪،‬‬
‫وإن كنا نحاول أن نصل إلى اليقين‪ ..‬ولكنا نجد من أبحاث العلم‬
‫ما يؤكد لنا تأكيدا ً قاطعا ً أن الحياة لم تنشأ على الرض مصادفة‪،‬‬
‫ولم يكن استمرارها مئات اللوف من السنين كذلك بالمصادفة‪.‬‬
‫وإنما هو نتيجة النظام المحدد المقرر الذي بنيت به المجموعة‬
‫الشمسية وأخذت به مسارها في الفضاء‪ .‬بحيث لو اختلت نسبة‬
‫واحدة من النسب لنعدمت بذلك الحياة‪ ..‬فهي إذن إرادة الخالق‪،‬‬
‫وتدبيره الدقيق المعجز‪ .‬ولوله لم تقم حياة]‪.[119‬‬

‫‪468‬‬
‫والنسان بعد ذلك‪ ..‬النسان الذي مله غرور العلم‪ ..‬وأصابته لوثة‬
‫التطور‪ ..‬ذلك النسان يتطور‪ .‬تتغير حياته يوما ً بعد يوم‪،‬‬
‫ويستحدث جديدا ً كل يوم‪ .‬ولكنه مع ذلك خاضع للنواميس‪.‬‬
‫النواميس التي تدخل التطور في حسابها‪ ،‬فإذا التطور ذاته جزء‬
‫من القانون الثابت الذي يحكم الكون ويحكم الحياة!‬
‫***‬
‫ونه من طاقة أو‬ ‫يتطور الكون‪ ..‬فهل تغيرت طبيعته؟ هل تغير تك ّ‬
‫مجموعة من الطاقات؟‬
‫كل! لم يقل بذلك أحد من العلماء! وإنما تتغير " صوره " و"‬
‫حالته " ويظل جوهره ثابتا ً على ما هو عليه‪.‬‬
‫ثم‪ ..‬هل تغيرت الحقيقة السابقة على ذلك‪ ..‬حقيقة الزل والبد‬
‫وهي صدور الوجود عن إرادة الله؟‬
‫كل! ل يقول بذلك أحد من العقلء! فالكون في وجوده‪ ،‬كالكون‬
‫في تطوره‪ .‬كالكون في فنائه حين يقدر له الفناء‪ ،‬صادر عن‬
‫إرادة الله‪ ،‬مرتبط دائما ً بإرادة الله‪.‬‬
‫والنسان كذلك يتطور‪ ..‬فهل تتغير طبيعته؟ أم تتغير صوره‬
‫وحالته ويثبت الجوهر الذي فيه؟‬
‫هل تتغير الحقائق الزلية في تكوينه‪:‬‬
‫ل ِفي‬ ‫ع ٌ‬ ‫جا ِ‬ ‫ملئ ِك َةِ إ ِّني َ‬ ‫ك ل ِل ْ َ‬ ‫ل َرب ّ َ‬ ‫ك‪) :‬وَإ ِذ ْ َقا َ‬ ‫أنه صدر عن إرادة َرب ّ َ‬
‫ة( ]‪.[120‬‬ ‫ف ً‬ ‫خِلي َ‬ ‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫اْل َْر‬
‫َ‬
‫قوا َرب ّك ُ ُ‬
‫م‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫وأن البشر جميعا ً من نفس واحدة‪َ) :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫ة( ]‪.[121‬‬ ‫حد َ ٍ‬ ‫س َوا ِ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫خل َ َ‬‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫وأن من هذه النفس ‪ -‬أي من جنسها ‪ -‬قد خلق " الزوج " الذي‬
‫من َْها‬ ‫خل َقَ ِ‬ ‫حد َةٍ وَ َ‬ ‫س َوا ِ‬ ‫ف ٍَ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫خل َ َ‬ ‫يكملها ويلتقي بها ويوائمها‪َ ) :‬‬
‫م أْزَواجا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن أن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خل َقَ ل َك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن آَيات ِهِ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جَها( ]‪) [122‬وَ ِ‬ ‫َزوْ َ‬
‫ة( ]‪.[123‬‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫موَد ّة ً وََر ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫جعَ َ‬ ‫سك ُُنوا إ ِل َي َْها وَ َ‬ ‫ل ِت َ ْ‬
‫وأن من هذه النفس وزوجها انبث الخلق كلهم والقبائل‬
‫ما‬
‫من ْهُ َ‬ ‫ث ِ‬ ‫جَها وَب َ ّ‬ ‫من َْها َزوْ َ‬ ‫خل َقَ ِ‬ ‫حد َةٍ وَ َ‬ ‫س َوا ِ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫خل َ َ‬
‫والشعوب ) َ‬
‫ن‬‫ل ل ِت ََعاَرُفوا إ ِ ّ‬ ‫شُعوبا ً وَقََبائ ِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫جعَل َْناك ُ ْ‬ ‫ساًء( ]‪) .[124‬وَ َ‬ ‫جال ً ك َِثيرا ً وَن ِ َ‬ ‫رِ َ‬
‫َ‬
‫عن ْد َ الل ّهِ أت ْ َ‬ ‫َ‬
‫م( ]‪.[125‬‬ ‫قاك ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫أك َْر َ‬
‫وأن النسان قبضة من طين الرض ونفخة من روح الله‪ .‬قبضى‬
‫من طين الرض تتمثل فيها عناصر الرض المادية من حديد‬
‫ونحاس وكلسيوم وفوسفور وأكسجين وإيدروجين‪ ،‬وتتمثل فيها‬
‫شهوات الرض ودوافع الرض‪ .‬ونفخة من روح الله تتمثل فيها‬
‫روح النسان الشفيفة القادرة على السمو والرفعة‪ ،‬كما تتمثل‬
‫ن‬ ‫سا َ‬ ‫قَنا اْل ِن ْ َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫فيها الرادة الضابطة والقدرة على الختيار‪) :‬وَل َ َ‬
‫حي‬ ‫ن ُرو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِفيهِ ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ف ْ‬‫ه وَن َ َ‬ ‫سوّي ْت ُ ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن( ]‪) [126‬فَإ ِ َ‬ ‫طي ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سلل َةٍ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬

‫‪469‬‬
‫َ‬
‫ها‬
‫جوَر َ‬ ‫مَها فُ ُ‬‫ها فَأل ْهَ َ‬‫وا َ‬‫س ّ‬
‫ما َ‬ ‫س وَ َ‬‫ف ٍ‬ ‫ن( ]‪) [127‬وَن َ ْ‬ ‫دي َ‬‫ج ِ‬‫سا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫قُعوا ل َ ُ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬
‫ها( ]‪.[128‬‬ ‫سا َ‬‫ن دَ ّ‬‫م ْ‬‫ب َ‬ ‫خا َ‬‫ها وَقَد ْ َ‬ ‫ن َز ّ‬
‫كا َ‬ ‫م ْ‬‫ح َ‬ ‫ها قَد ْ أفْل َ َ‬ ‫وا َ‬
‫ق َ‬
‫وَت َ ْ‬
‫هل تتغير هذه الحقائق الزلية مهما تغيرت " مظاهر " الحياة؟ أم‬
‫تتغير المظاهر والصل في ثبوته ل يزال؟‬
‫وهل النسان في ذلك إل بضعة من الناموس الكبر الذي يحكم‬
‫الكون ويحكم الحياة؟ بضعة محكومة بذلك الناموس‪ ،‬خاضعة‬
‫لرادة الله؟‪.‬‬
‫كل ما في المر أن الله قد ميز هذا المخلوق وكرمه حين نفخ‬
‫فيه من روحه؟ فجعله " واعيا ً " لعملية الثبوت وعملية التطور‪.‬‬
‫وجعل له الرادة التي يختار بها طريقه‪ :‬مع الخط الواصل‬
‫المهتدي إلى الله‪ ،‬أو مع الخط الضال المنقطع عن الله‪ .‬وجعل‬
‫هذا الزدواج في طبيعته هو الناموس الثابت بالنسبة لدوره في‬
‫َ‬
‫ها‬
‫كا َ‬‫ن َز ّ‬ ‫م ْ‬‫ح َ‬‫الحياة‪ ،‬الذي يترتب عليه الجزاء في أخراه‪) :‬قَد ْ أفْل َ َ‬
‫ها(‪.‬‬‫سا َ‬‫ن دَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬‫خا َ‬ ‫وَقَد ْ َ‬
‫***‬
‫في النسان إذن عنصر ثابت ل يتغير مهما تغيرت ظروفه‪ ،‬ومهما‬
‫تطورت حياته على الرض‪ .‬لنه يتصل بحقائق أزلية ل يدركها‬
‫التغيير‪.‬‬
‫وفيه إلى جانب ذلك عنصر متغير‪ .‬أو قل‪ " :‬صور " متغيرة من‬
‫الجوهر الثابت‪ ،‬و " حالت " متطورة للكيان الدائم‪ .‬ولكنها في‬
‫تغيرها وتطورها ل تخرج بالنسان عن كونه النسان‪ .‬ول تنفصل‬
‫في لحظة واحدة عن كيانه الدائم‪ ،‬بحكم ترابط النفس النسانية‬
‫وشمولها لكل ما يشتمل عليه النسان‪.‬‬
‫ومن هذا الثبوت وهذا التطور في فطرة البشر ‪ -‬وهي كذلك‬
‫فطرة الكون ‪ -‬نشأت في حياة النسان قواعد ثابتة وبجانبها‬
‫أحوال متغيرة‪ ،‬ولكنها في تغيرها ‪ -‬كما أسلفنا ‪ -‬ل تنفصل عن‬
‫القواعد الثابتة في الحياة‪.‬‬
‫فقد ترتب على الحقائق الزلية الخالدة حقائق أخرى‪ ،‬فصارت‬
‫مثلها خالدة دائمة ل تتغير‪.‬‬
‫ترتب عليها أن يحس الخلق ‪ -‬بفطرتهم ما دامت سليمة ‪ -‬يحسوا‬
‫بعظمة الله بالقياس إلى ضآلتهم‪ ،‬فيعبدوه‪ ،‬ويستمدوا منه العون‬
‫في الحياة‪.‬‬
‫وترتب عليها أن يحس الزوجان ‪ -‬اللذان خلقهما الله من نفس‬
‫واحدة بحنين والتصاق بعضهما ببعض‪ ،‬وأن وجودهما ل يتكامل إل‬
‫متحدين متوادين متراحمين‪.‬‬

‫‪470‬‬
‫وترتب عليها أن يحس الناس ‪ -‬حين تصفو سريرتهم وتنظف‬
‫نفوسهم ‪ -‬بالخوة في النسانية‪ ،‬إذ هم جميعا ً من نفس واحدة‬
‫ذات رحم مع الجميع‪ ،‬فيتعاونوا ويتشاركوا في الخير‪..‬‬
‫تلك عناصر دائمة لنها ترتكز على أسس دائمة‪.‬‬
‫وثمة عناصر أخرى تجد ّ كل يوم‪ ،‬نتيجة تطور المعلومات البشرية‪،‬‬
‫والتفاعل الدائم بين العقل والكون‪ ،‬يحاول أن يتعرف أسراره‪،‬‬
‫ويستكنه كنهه‪ ،‬ويستخرج كنوزه‪ ،‬ويسخرها لمنفعته‪ ،‬فتقوم‬
‫أوضاع جديدة‪ ،‬وينتقل الناس من بداوة إلى حضارة‪ ،‬ومن زرع‬
‫إلى صناعة‪ ،‬ومن صناعة إلى‪...‬؟‬
‫ً‬
‫والسلم دين الفطرة يجاري البشرية في جانبيها جميعا‪ ،‬بما‬
‫يناسبهما جميعًا‪.‬‬
‫الجانب الول يعطيه شرائع ثابتة‪ .‬والجانب الخر يعطيه أسسا ً‬
‫ثابتة‪ ،‬ثم يترك له مجال التطور الدائم في إطار هذه السس‬
‫الثابتة‪ ،‬متمشيا ً في ذلك مع فطرة الكون وفطرة الحياة‪.‬‬
‫الجانب الول يعطيه العقيدة‪..‬‬
‫والعقيدة ليست ثابتة في السلم وحده‪ ،‬بل ثابتة في جميع‬
‫الديانات منذ أرسل الله الرسل للناس يربونهم‪ ،‬ويعلمونهم‬
‫حقيقة أزلية واحدة‪ :‬أن الله واحد‪ .‬وأن الخلق كله خلقه‪ .‬وأن حق‬
‫اللوهية على العباد أن يعبدوه ويخلصوا له الدين‪.‬‬
‫وتلك العقيدة الواحدة ل تتغير‪ ،‬لن الساس الذي تقوم عليه ثابت‬
‫ل يتغير‪ .‬وقد عني القرآن ببيان هذه الحقيقة‪ ،‬وخاصة في السور‬
‫التي تستعرض رسالة الرسل الواحدة المكررة على مر الزمان‬
‫كسورة هود وسورة العراف‪.‬‬
‫وإلى جانب العقيدة يعطيه كذلك تشريعات الزواج والطلق‪،‬‬
‫والحدود‪ .‬وتشريعات مدنية مختلفة‪.‬‬
‫الزواج والطلق ‪ -‬أو العلقة بين الرجل والمرأة عامة ‪ -‬عنصر‬
‫ثابت له تشريع ثابت‪ ،‬لنه يرتكز على أسس ل تتغير‪ .‬هي الرجل‬
‫من جهة والمرأة من جهة‪ ،‬والعلقة الشديدة التي تجذب كل ً‬
‫منهما للخر وتشده إليه‪.‬‬
‫والحياة تتغير ظروفها‪ :‬المجتمع يتغير‪ .‬والقتصاد يتغير‪ .‬ونظم‬
‫التعليم تتغير‪ .‬والسياسة تتغير‪ .‬ولكن ذلك ل يغير شيئا ً من‬
‫الحقيقة التي تحكمها الفطرة بوظائفها وعملياتها الحيوية‪ ،‬وغددها‬
‫وكيماوياتها‪ ،‬وهي أن الرجل رجل والمرأة امرأة‪ ،‬ول غنى‬
‫لحدهما عن الخر‪ ،‬ول انفصال ول استقلل! ]‪.[129‬‬
‫والحدود ‪ -‬أي العقوبات المفروضة على الجرائم ‪ -‬عنصر ثابت‬
‫كذلك‪ ،‬لنه يرتكز على شيء ثابت‪ :‬هو علقة النسان بأخيه‬

‫‪471‬‬
‫النسان ‪ -‬أو علقة الفرد بالمجتمع ‪ -‬وحرمة كل إنسان التي ل‬
‫يجوز أن يعتدي عليها الخرون‪.‬‬
‫والحياة تتغير ظروفها‪ :‬ارتباطات العمل تتغير‪ .‬وعلقات النتاج‬
‫تتغير‪ .‬وعلقات النسان " باللة " تتغير‪ .‬والنظم السياسية تتغير‪.‬‬
‫ولكن ذلك ل يغير شيئا ً من الحقيقة الثابتة التي تحكمها وقائع‬
‫التاريخ البشري‪ .‬وهي أن الناس كلهم من نفس واحدة‪ ،‬وعلقة‬
‫الرحم تربط الجميع ]‪.[130‬‬
‫وكذلك بعض التشريعات المدنية لها صفة الثبوت كالبيع واليجارة‬
‫والرهن والدين والوكالة‪ ..‬إلخ فكانت لها تشريعات ثابتة‪ .‬ومما‬
‫يلفت النظر في هذا الشأن أن التشريع الفرنسي الحديث في‬
‫المسائل المدنية قد أخذ كثيرا ً عن فقه مالك‪ ،‬إذ كان أقرب‬
‫الفقهاء ‪ -‬جغرافيا ً ‪ -‬إلى فرنسا بسسب انتشار مذهبه في‬
‫الشمال الفريقي! كما أن الفقه الوربي كله قد أخذ عن الفقه‬
‫السلمي حين أعطى المرأة أخيرا ً جدا ً حق الملك والتعامل‬
‫والتصرف الحر في الشئون المدنية ]‪.[131‬‬
‫أما الجانب المتطور من الحياة البشرية‪ ،‬وهو في الوقت ذاته‬
‫متصل بالجانب الثابت‪ ،‬فهو سياسة الحكم وسياسة المال‪ ،‬و "‬
‫شكل " المجتمع أو شكل البيئة‪ ،‬من بدوية إلى زراعية إلى‬
‫تجارية إلى صناعية‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫وتلك أمور كما قلنا تتطور بتطور العقل البشري وتفاعله مع‬
‫الكون‪ ،‬ولكنها في تطورها ل تنفصل عن الصل الثابت‪ ،‬ول يمكن‬
‫أن تنفصل‪ ،‬بحكم وحدة النسان وترابطه‪ ،‬واستحالة تجزئته‬
‫وتقطيعه وفصل بعضه عن بعض‪.‬‬
‫وفي هذه المور كان السلم حكيما ً غاية الحكمة‪ ،‬مساوقا ً‬
‫للفطرة‪ ،‬ملبيا ً لحاجاتها‪ ،‬فوضع الخطوط العريضة ولم يضع‬
‫التفصيلت‪ .‬أو وضع " الطار " الذي يريد للبشرية أن تتطور في‬
‫حدوده‪ ،‬وترك لكل جيل من الجيال المتعاقبة أن يضع " الصورة‬
‫" في داخل الطار‪ .‬الصورة التي تناسبه‪ ،‬وتتفق مع ظروفه‬
‫المادية ومبلغ من العلم والنتاج‪ .‬بشرط واحد‪ :‬هو أن تكون‬
‫الصورة على قدر الطار‪ ،‬ل أكبر منه فيتحطم‪ ،‬ول أصغر منه‬
‫فيبدو حولها الفراغ‪.‬‬
‫في سياسة الحكم وضع أساسين‪ :‬العدل والشورى‪:‬‬
‫َ‬
‫موا ِبال ْعَد ْ ِ‬
‫ل( ]‪[132‬‬ ‫حك ُ ُ‬‫ن تَ ْ‬‫سأ ْ‬‫ن الّنا ِ‬ ‫م ب َي ْ َ‬ ‫حك َ ْ‬
‫مت ُ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫)وَإ ِ َ‬
‫م( ]‪.[133‬‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫شوَرى ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫مُرهُ ْ‬
‫)وَأ ْ‬
‫ثم لم يحدد طريق الشورى‪ .‬وهل يكون مجلس واحد أو‬
‫مجلسان‪ .‬وهل ينتخب المجلس أو يعين‪ .‬وهل يكون التمثيل‬

‫‪472‬‬
‫شخصيا ً أو مهنيًا‪ ..‬إلخ‪ ..‬إلخ وترك ذلك للتجارب البشرية‬
‫واجتهادها في التطبيق‪.‬‬
‫وفي سياسة المال وضع مجموعة من السس ذات طابع واحد‬
‫يجمعها في النهاية‪ .‬هو ضرورة اشتراك الناس في الخير‪ ،‬بحيث ل‬
‫يكون هناك محروم‪.‬‬
‫قرر القرآن أن المال في الصل مال الله‪ ،‬وهو أعطاه للجماعة‪:‬‬
‫ه( ]‪[134‬‬ ‫ن ِفي ِ‬ ‫في َ‬ ‫خل َ ِ‬
‫ست َ ْ‬‫م ْ‬ ‫جعَل َك ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ما َ‬‫م ّ‬‫قوا ِ‬ ‫سول ِهِ وَأ َن ْفِ ُ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫)آ ِ‬
‫م( ]‪.[135‬‬ ‫ذي آَتاك ُ ْ‬ ‫ل الل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫)َوآُتوهُ ْ‬
‫وقرر أن الجماعة هي صاحبة الحق الول فيه‪ ،‬وأن الفرد "‬
‫موظف " فيه‪ ،‬يستحقه بحسن قيامه عليه‪ ،‬فإذا لم يحسن القيام‬
‫فَهاَء‬‫س َ‬ ‫عليه عاد حق التصرف فيه إلى الجماعة‪َ) :‬ول ت ُؤ ُْتوا ال ّ‬
‫م قَِيامًا( ]‪.[136‬‬ ‫َ‬
‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫جعَ َ‬‫م ال ِّتي َ‬ ‫وال َك ُ ُ‬‫م َ‬‫أ ْ‬
‫وقرر أن الله يكره حبسه في يد فئة قليلة من الناس تتداوله‬
‫ن اْل َغ ْن َِياِء‬‫ة ب َي ْ َ‬‫دول َ ً‬ ‫ن ُ‬ ‫كو َ‬ ‫ي ل يَ ُ‬‫فيما بينها ويحرم منه مجموع المة )ك َ ْ‬
‫م( ]‪[137‬‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ِ‬
‫ً‬
‫وقرر فريضة الزكاة على الموال حقا معلوما للفقراء‪ ،‬تأخذه لهم‬ ‫ً‬
‫قَراِء‬ ‫ف َ‬‫ت ل ِل ْ ُ‬ ‫صد ََقا ُ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫الدولة وتعطيه لهم من بيت المال‪) :‬إ ِن ّ َ‬
‫ن ع َل َي َْها‪[138] (..‬‬ ‫مِلي َ‬ ‫ن َوال َْعا ِ‬ ‫كي ِ‬
‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫والرسول صلى الله عليه وسلم يقول‪ " :‬الناس شركاء في ثلث‪:‬‬
‫الماء والكل والنار " ]‪[139‬‬
‫ويقول‪ :‬لن يمنح أحدكم أخاه )أرضه( خير له من أن يأخذ خرجا ً‬
‫معلوما ً " ]‪ [140‬وعمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول‪ " :‬لول‬
‫آخر المسلمين ما فتحت قرية إل قسمتها بين أهليها‪ .‬كما قسم‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم خيبر " ]‪.[141‬‬
‫ثم لم يحدد طريقة اشتراك الناس في مال الله الذي أعطاه‬
‫للجماعة وهل تكون بتأميم المرافق العامة‪ .‬أم تكون بإشراك‬
‫العمال في رأس المال‪ ،‬أم تكون بإعطائهم الجور التي تكفل‬
‫حاجاتهم الضرورية التي بينها الرسول صلى الله عليه وسلم على‬
‫حديثه‪ " :‬من ولي لنا عمل ً وليس له منزل فليتخذ منزل ً أو ليست‬
‫له زوجة فليتخذ زوجة‪ ،‬أو ليس له خادم فليتخذ خادمًا‪ ،‬أو ليست‬
‫له دابة فليتخذ دابة"]‪.[142‬‬
‫لم يحدد صورة معينة من هذه الصور‪ ،‬وترك الجيال المتعاقبة‬
‫تفكر لنفسها في الصورة التي تناسبها‪ ،‬وتتلءم مع إمكانياتها‪ .‬ولم‬
‫يضع ‪ -‬في سياسة المال أو سياسة الحكم ‪ -‬تفصيلت ثابتة‬
‫جامدة‪ ،‬لكي ل تصطدم بالنمو المطرد في أحوال الجماعة‪،‬‬
‫والتطور المستمر فيها‪ .‬ولكنه مع ذلك لم يدع هذه المور تفلت‬
‫من الصول الثابتة‪ .‬ولم يدعها للناس يتصرفون فيها بل دليل‪،‬‬

‫‪473‬‬
‫بحجة أنهم أعلم بأمور " دنياهم "! فقد كان هذا التصرف الحر ‪-‬‬
‫في أوربا‪ ،‬وفي خارج الطار السلمي عامة ‪ -‬شناعة بشعة يندى‬
‫لها جبين النسانية " المتطورة "! كان القطاع في أوربا ثم كانت‬
‫الرأسمالية بكل ما فيها من مظالم غنية عن الوصف‪ .‬وكلهما‬
‫حرام في نظر السلم‪ ،‬فهما يجعلن المال ‪ -‬سواء في صورة‬
‫أرض أو رأس مال ‪ -‬دولة بين الغنياء وحدهم‪ ،‬ويحرم منه بقية‬
‫الناس‪ .‬ثم كان الخلص منهما هو الشيوعية ‪ -‬أي العبودية‬
‫المطلقة للدولة‪ ،‬الدكتاتورية المطلقة على الفراد!‬
‫والسلم ‪ -‬كلمة الله لجميع البشر على الرض ولجميع الجيال ‪-‬‬
‫لم يكن ليترك الناس لمثل هذا " التطور " الذي يرسفون فيه في‬
‫الغلل‪ ،‬وإنما يأخذ بيدهم دائما ً ويرشدهم‪ ،‬حتى وهو يترك لهم‬
‫حرية النمو وحرية التكيف مع ما يجد ّ من الوضاع‪ ،‬لكيل يشردوا‬
‫عن الطريق‪ ،‬ولكي يحتفظوا بتحررهم الوجداني الدائم في جميع‬
‫الوضاع وجميع الحوال‪.‬‬
‫***‬
‫ن بها الناس في القرن العشرين! تطور‬ ‫ج ّ‬‫تلك قصة التطور التي ُ‬
‫في أشكال الحياة الظاهرة‪ ،‬وثبات ‪ -‬مع ذلك ‪ -‬في الصول‪..‬‬
‫فالسلم لم يغفل ذلك التطور من حسابه‪ .‬لم يقف في سبيله‪.‬‬
‫وفي الوقت ذاته لم ينحسر عنه ويترك الناس بل دليل‪ .‬إنه‬
‫يساوق التطور على الدوام ويحفظه من التعثر والنحراف‪.‬‬
‫يحفظه برده إلى القواعد الثابتة في الحياة البشرية‪ .‬إلى الله‬
‫والعقيدة‪ .‬والطار الدائم الذي يرسم العلقة التي ينبغي أن تكون‬
‫بين أفراد الجنس الواحد‪ ،‬الذين انبثقوا من نفس واحدة‪ ،‬وما‬
‫تزال تصل بينهم الرحام‪.‬‬
‫وبذلك يكون السلم دين الفطرة‪.‬‬
‫وهو كذلك منهج الحياة ]‪.[143‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫]‪ [116‬سورة الحشر ] ‪.[ 7‬‬
‫فى " سورة طه ] ‪ [ 7‬انظر فصل‪" :‬‬ ‫خ َ‬‫سّر وَأ َ ْ‬ ‫]‪ " [117‬ي َعْل َ ُ‬
‫م ال ّ‬
‫تعبد الله كأنك تراه "‪.‬‬
‫]‪ [118‬سورة الجاثية ] ‪.[ 18‬‬
‫]‪ [119‬انظر بالتفصيل في هذا الشأن كتاب " العلم يدعو لليمان‬
‫" تأليف أ‪ .‬كريسي موريسون وترجمة محمد صالح الفلكي وكتاب‬
‫" مع الله في السماء " تأليف الدكتور أحمد زكي‪.‬‬
‫]‪ [120‬سورة البقرة ] ‪.[ 30‬‬
‫]‪ [121‬سورة النساء ] ‪.[ 1‬‬
‫]‪ [122‬سورة النساء ] ‪.[ 1‬‬

‫‪474‬‬
‫]‪ [123‬سورة الروم ] ‪.[ 21‬‬
‫]‪ [124‬سورة النساء ] ‪.[ 1‬‬
‫]‪ [125‬سورة الحجرات ] ‪.[ 13‬‬
‫]‪ [126‬سورة المؤمنون ] ‪.[ 12‬‬
‫]‪ [127‬سورة الحجر ] ‪.[ 29‬‬
‫]‪ [128‬سورة الشمس ] ‪.[ 10 - 7‬‬
‫]‪ [129‬في كتاب " شبهات حول السلم " في فصل‪ :‬السلم‬
‫والمرأة‪ ،‬بحث تفصيلي لعلقة الرجل والمرأة وطبيعتها في‬
‫السلم‪ ،‬وقد بينت هناك كيف عالج السلم المر في عدالة‬
‫كاملة‪ ،‬وكيف أن " التطور " المزعوم ل يضيف شيئا ً لهذه العدالة‬
‫أما التطور بمعنى الفساد الخلقي أو بمعنى المساواة اللية بين‬
‫المرأة والرجل‪ ،‬فقد كانت له ظروف محلية في أوربا ‪ -‬شرحتها‬
‫هناك ‪ -‬وليس " قيمة " حقيقية من القيم النسانية‪.‬‬
‫]‪ [130‬في كتاب " النسان بين المادية والسلم " بحث مفصل‬
‫في نظرة السلم للفرد والمجتمع‪ ،‬والجريمة والعقاب‪ .‬وفي هذا‬
‫الكتاب فصل عنوانه " ادرءوا الحدود بالشبهات " يعرض المعاني‬
‫النسانية الرفيعة في تشريع الحدود السلمي‪.‬‬
‫]‪ [131‬تقول الشيوعية إن هذه العلقات كلها ل وجود لها إل حيث‬
‫توجد الملكية الفردية‪ .‬وحيث تلغى الملكية الفردية تزول هذه‬
‫التشريعات‪ .‬وهذا حق‪ .‬ولكن الشيوعية ذاتها قد بدأت تبيح‬
‫الملكية الفردية من جديد‪ .‬والبقية تأتي!‬
‫]‪ [132‬سورة النساء ] ‪.[ 58‬‬
‫]‪ [133‬سورة الشورى ] ‪.[ 38‬‬
‫]‪ [134‬سورة الحديد ] ‪.[ 7‬‬
‫]‪ [135‬سورة النور ] ‪.[ 33‬‬
‫]‪ [136‬سورة النساء ] ‪.[ 5‬‬
‫]‪ [137‬سورة الحشر ] ‪.[ 7‬‬
‫]‪ [138‬سورة التوبة ] ‪.[ 60‬‬
‫]‪ [139‬ذكره صاحب مصابيح السنة في الحسان‪.‬‬
‫]‪ [140‬رواه البخاري‪.‬‬
‫]‪ [141‬رواه البخاري‪.‬‬
‫]‪ [142‬رواه أحمد وأبو داود‪.‬‬
‫]‪ [143‬انظر ‪ -‬إن شئت ‪ -‬كتاب " التطور والثبات في حياة‬
‫البشرية "‪.‬‬
‫=====================‬
‫ادرءوا الحدود بالشبهات‬
‫" ادرءوا الحدود بالشبهات " ]‪.[85‬‬

‫‪475‬‬
‫" ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم‪ ،‬فمن كان له ملجأ‬
‫فخلوا سبيله‪ ،‬فإن المام إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ‬
‫في العقوبة " ]‪.[86‬‬
‫***‬
‫" الشك يفسر في صالح المتهم "‪.‬‬
‫تلك هي القمة النسانية التي بلغتها أوربا بعد السلم بأكثر من‬
‫ألف عام!‬
‫ومع ذلك فهي لم تصل إليها في سهولة ويسر‪ ،‬ولم تصدر فيها‬
‫عن مشاعر إنسانية خالصة‪ ،‬تحس بقيمة " النسان " في ذاته‪،‬‬
‫وتقدر حرمته وكرامته وحقوقه‪ ،‬وتعطف عليه حتى وهو يخطئ‬
‫في حق الجماعة‪ ،‬ويهبط عن المستوى اللئق بالنسان‪ ..‬وإنما‬
‫جاء ذلك بعد صراع مستمر عنيف‪ ،‬جرت فيه أنهار من الدماء‬
‫وطاحت فيه كثير من الرءوس!‬
‫كان الوضع الذي استقر في أوربا فترة طويلة من الزمان‪ ،‬يقسم‬
‫الناس إلى سادة في جانب وعبيد في جانب‪ .‬سادة من "‬
‫الشراف " يجري في عروقهم دم مقدس! من لون غير دماء‬
‫البشر العاديين! سادة هم الذين يملكون ويحكمون ويشرعون‪.‬‬
‫وعبيد ل يملكون شيًئا‪ ،‬ول يشرعون شيئًا‪ ،‬وكان ما لهم هو الذل‬
‫والهوان المقيم‪.‬‬
‫وحتى القانون الروماني المشهور بعدالته " المثالية! " والذي‬
‫يعتبر الصل الذي تستمد منه القوانين الوربية الحديثة في كثير‬
‫من المسائل‪ ،‬حتى هذا كان قانونا ً " للرومان فقط "! الذين‬
‫يملكون حقوق المواطن الروماني‪ .‬وقليل ما هم! أما بقية‬
‫الشعب في إيطاليا نفسها‪ ،‬ودع عنك المستعمرات والملحقات‬
‫والبلد المغلوبة‪ ،‬فلم تكن تستمتع بهذا العدل الروماني‪ ،‬ولم تكن‬
‫لها حصانة من العسف والضطهاد‪ .‬والفرق الهائل بين عدد‬
‫الحرار وعدد العبيد يرينا إلى أي حد كانت القلة القليلة تستمتع‬
‫على حساب الكثرة المغلوبة‪ .‬فقد كان الحرار في روما سنة‬
‫‪ 204‬ق‪ .‬م‪ 214 .‬ألفًا‪ ،‬وكان العبيد ‪ 20‬مليونا ً من البشر في‬
‫إيطاليا‪ ،‬غير بقية المستعمرات!‬
‫ووجدت في بقاع الرض ‪ -‬في أوربا وفارس والهند وسواها ‪-‬‬
‫قوانين صريحة تفرق بين الشريف والعبد في طريقة المعاملة‬
‫أمام القضاء‪ .‬وتنص على اختلف العقوبة على العمل الواحد‪.‬‬
‫فالعبد السراق يقتل‪ ،‬والشريف السارق يكتفي برد ما لديه!‬
‫والمعتدي على الشريف ‪ -‬إن كان شريفا ً مثله ‪ -‬فالعين بالعين‬
‫والسن بالسن‪ .‬أما المعتدي على العبد فجزاؤه الغرامة! والغرامة‬
‫ل تؤدى إليه إنما تؤدى للسيد الذي يملك العبد‪ ،‬تعويضا ً له عن "‬

‫‪476‬‬
‫إتلف " بعض ممتلكاته! أما السيد ذاته فله على عبده حق القتل‬
‫والبادة والتعذيب! وحتى حين كانت القوانين تخجل من هذه‬
‫الصراحة فالتطبيق كان يأخذ نفس الروح‪ :‬فالشريف ل يؤخذ‬
‫بالظنة‪ ،‬ول يحاكم إل حين تثبت عليه التهمة‪ ،‬ويحكم عليه بأخف‬
‫العقاب‪ .‬والعبد ‪ -‬أي الشعب‪ ..‬يسام التنكيل لقل شبهة‪ ،‬ويعذب‬
‫بوحشية ليعترف‪ ،‬ثم يوقع عليه العقاب البشع الذي ل يتناسب مع‬
‫الجرم ول يتناسب مع " النسانية "!‬
‫ولكن استمرار الحال على هذه الصورة البشعة لم يكن من‬
‫المستطاع‪ ،‬فل بد أن يثور العبيد لكرامتهم مهما طال عليهم المد‬
‫وطال منهم السكوت‪..‬‬
‫وقامت الثورات بالفعل مزلزلة مدمرة وأطاحت بالرءوس‪..‬‬
‫رءوس الملوك والملكات والشراف والنبلء‪ ..‬وتقررت ‪ -‬نظريا‬
‫على القل ‪ -‬بعض حقوق النسان‪ .‬تقررت له حرماته وحقوقه‬
‫وضماناته‪ .‬وكان من هذه الضمانات‪ :‬ضمانة الحياة فل يموت‬
‫جوعًا‪ .‬وضمانة الحياة فل يعتدى عليه بغير الحق‪ .‬وضمانة العيش‬
‫فل يموت جوعًا‪ .‬وضمانة الحريات‪ :‬حرية القول والجتماع‬
‫والسفر واختيار العمل‪ .‬وضمانة العدالة في القضاء فل يؤخذ‬
‫المتهم بالشبهة‪ ،‬ول يؤثر عليه في التحقيق بالوعيد ول بالوعد‪..‬‬
‫ويفسر الشك في صالح المتهم‪ ،‬فل يحكم عليه بالعقوبة الكاملة‬
‫إل حين تثبت التهمة بالدليل القاطع الذي ل شبهة فيه‪.‬‬
‫ثم كانت الثورة الصناعية في إنجلترا‪ ،‬وتلتها الحركة الرأسمالية‬
‫في بلد أوربا‪..‬‬
‫وللشيوعية رأي في الرأسمالية‪ :‬أنها استعباد من رءوس الموال‬
‫للكادحين‪ ،‬وامتصاص لجهدهم الذي يبذلون فيه العرق والدماء‬
‫والدموع ليتحول إلى ثراء فاجر في يد الرأسماليين العتاة‪..‬‬
‫وإنها لكذلك‪..‬‬
‫ولكن التاريخ قد وعى ‪ -‬رغم ذلك ‪ -‬حركة هائلة من التحرر في‬
‫فترة الرأسمالية‪ ،‬نقلت الشعب من مقام العبودية المطلقة‬
‫والهوان الكامل‪ ،‬إلى وضع أقل ما يقال عنه إنه يحمل من‬
‫الضمانات السياسية والجتماعية والقانونية ما يعترف بكرامة‬
‫الفرد ويرد اعتباره إليه‪..‬‬
‫إنه يحمل من الضمانات السياسية والجتماعية والقانونية ما‬
‫يعترف بكرامة الفرد ويرد اعتباره إليه‪..‬‬
‫ولم يكن ذلك تفضل ً من " السادة " الحكام والملك والمشرعين‪.‬‬
‫ول كان إحساسا ً منهم بالخير الفياض في نفوسهم‪ ،‬والتقدير "‬
‫الحر " لكرامة النسان كان صراعا ً طويل ً عنيفا ً اصطدمت فيه‬
‫القوى من الجانبين كما حدث من قبل في صراع العبيد ضد‬

‫‪477‬‬
‫القطاع‪ ..‬وإن كانت لم تصحبه الثورات الدموية من الشعوب ضد‬
‫الحكام‪ ،‬لن الثورة الفرنسية كانت قد قررت لهم المبادئ ولم‬
‫يبق سوى التنفيذ‪ ،‬ولن العمال كانوا يملكون السلح الذي‬
‫يواجهون به الرأسمالية وهو سلح الضراب!‬
‫***‬
‫كل! لم تصل أوربا إلى العدالة عن تقدير صادق للكرامة‬
‫النسانية‪ ،‬وشعور صادق بقيمة النسان! وإنما كانت خطوة‬
‫خطوة يتراجعها السادة الحاكمون ليكسبها الشعب الحاقد‬
‫الغضبان!‬
‫وحتى في العصر الحديث حين استقرت المور ‪ -‬بعض الشيء ‪-‬‬
‫وزال عنها شيء من شعور الحقد‪ ،‬وأصبحت العدالة من أمور‬
‫الحياة العادية البديهية المقررة‪ ..‬وصار القبض على شخص واحد‬
‫في إنجلترا مثل ً بدون تهمة‪ ،‬أو اعتقاله يوما ً بدون تحقيق‪ ،‬يثير‬
‫البلد كلها‪ ،‬ويقيمها ويقعدها‪ ،‬وتستجوب عنه الحكومة أمام‬
‫الشعب‪ ..‬حتى عندئذ لم يصطبغ القانون الوربي أو الغربي عامة‬
‫بالصبغة " النسانية "‪ .‬فما تزال فيه السمة الرومانية البغيضة‬
‫التي كانت تقصر العدالة من قبل على المواطن الروماني‪ ،‬وهي‬
‫اليوم تقصرها على الرجل البيض‪ ،‬الذي يستمتع وحده بالحقوق‬
‫النسانية ويحرم منها بقية بني النسان‪ .‬والشواهد البشعة على‬
‫ذلك في كل مكان على ظهر الرض وطئه الرجل البيض وما‬
‫زال مسيطرا ً عليه‪ ،‬في أفريقيا وآسيا وأمريكا‪ ..‬وبين البيض‬
‫والملونين في كل مكان!‬
‫أما السلم فلم يكن في حاجة إلى الثورة المزلزلة التي تهرق‬
‫الدماء وتقطع الرءوس!‬
‫بل لم يكن في حاجة إلى مجرد المطالبة بالحقوق!‬
‫بل لقد كان هو الذي يمنح الناس الكرامة النسانية‪ ،‬ويحرضهم‬
‫على التشبث بها‪ ،‬والمحافظة عليها‪ ،‬والكفاح من أجلها في وجوه‬
‫الطغاة والظالمين!‬
‫ل‪ ..‬ككل حق منحه للناس قبل أن يطلبوه‪ ،‬ورباهم‬ ‫يمنحها متفض ً‬
‫على اعتناقه في ظل العقيدة‪ ،‬كجزء من العقيدة‪ ،‬وطالبهم‬
‫بإقامته ‪ -‬في ظل العقيدة ‪ -‬كفرض من الفروض!‬
‫ول عجب في ذلك‪ .‬فالسلم كلمة الله‪ .‬والله هو المانح‪،‬‬
‫والمتفضل على البشر بكل نعمة من نعم الحياة!‬
‫وقد قضى الله أن يكون الحق والعدل قوام الحياة‪...‬‬
‫الحق الذي هو صنعة الله‪ .‬والذي خلق الله به السماوات والرض‪:‬‬
‫خل َ ْ‬ ‫ض ِبال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ذا َباط ِل ً‬
‫ت هَ َ‬ ‫ق َ‬ ‫ما َ‬ ‫ق( ]‪َ) [87‬رب َّنا َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ت َواْلْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬
‫س َ‬ ‫) َ‬
‫م إ ِل َي َْنا ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ع ََبثا ً وَأن ّك ُ ْ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قَناك ُ ْ‬ ‫ما َ‬‫م أن ّ َ‬‫سب ْت ُ ْ‬
‫ح ِ‬ ‫ك( ]‪) [88‬أفَ َ‬ ‫حان َ َ‬
‫سب ْ َ‬‫ُ‬

‫‪478‬‬
‫ش‬ ‫ه إ ِّل هُوَ َر ّ ْ‬ ‫حقّ ل إ ِل َ َ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫مل ِ ُ‬‫ه ال ْ َ‬ ‫ن فَت ََعاَلى الل ّ ُ‬
‫ب العَْر ِ‬ ‫جُعو َ‬ ‫ت ُْر َ‬
‫م( ]‪ .[89‬الحق الذي هو صفة كل شيء صدر عن إرادة‬ ‫ري ِ‬ ‫ال ْك َ ِ‬
‫الله‪ ،‬والذي ينبغي للبشر خلفائه في الرض ‪ -‬أن يحكموا به‬
‫َ‬ ‫كذلك‪) :‬إن الل ّ ْ‬
‫ن‬
‫سأ ْ‬ ‫ن ال َّنا ِ‬ ‫م ب َي ْ َ‬ ‫مت ُ ْ‬‫حك َ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫ل( ]‪) [90‬وَإ ِ َ‬ ‫مُر ِبال ْعَد ْ ِ‬ ‫ه ي َأ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ن قَوْم ٍ ع َلى أل ت َعْد ِلوا‬ ‫َ‬ ‫شَنآ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫من ّك ْ‬ ‫جرِ َ‬ ‫ل( ]‪َ) .[91‬ول ي َ ْ‬ ‫ْ‬
‫موا ِبالعَد ْ ِ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫وى( ]‪َ) [92‬فاع ْد ُِلوا وَل َوْ َ‬ ‫َ‬
‫ذا قُْرَبى( ]‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ق َ‬‫ب ِللت ّ ْ‬ ‫اع ْد ُِلوا هُوَ أقَْر ُ‬
‫‪.[93‬‬
‫وقد اقتضى الحق والعدل أن يتساوى الناس كلهم أمام القانون‪،‬‬
‫لن الناس كلهم متساوون في صدورهم عن إرادة الله‪،‬‬
‫ً‬
‫وصدورهم عن نفس واحدة خلقها الله‪ ،‬ومتساوون أخيرا في‬
‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قوا َرب ّك ُ ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫مصيرهم إلى الله‪َ) :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫ساًء( ]‬ ‫جال ً ك َِثيرا ً وَن ِ َ‬ ‫ما رِ َ‬ ‫من ْهُ َ‬ ‫ث ِ‬ ‫جَها وَب َ ّ‬ ‫من َْها َزوْ َ‬ ‫خل َقَ ِ‬ ‫حد َةٍ وَ َ‬ ‫س َوا ِ‬ ‫ف ٍ‬ ‫نَ ْ‬
‫شُعوبا ً‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ُ‬ ‫جعَلَناك ُ ْ‬ ‫ن ذ َك َرٍ وَأن َْثى وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫قَناك ُ ْ‬ ‫خل ْ‬ ‫س إ ِّنا َ‬ ‫‪َ) [94‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل لَ ّ‬
‫ما‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م( ]‪) [95‬وَإ ِ ْ‬ ‫قاك ُ ْ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ أت ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬‫ن أك َْر َ‬ ‫ل ل ِت ََعاَرُفوا إ ِ ّ‬ ‫وَقََبائ ِ َ‬
‫ن( ]‪ " [96‬أنتم بنو آدم‪ .‬وآدم من تراب " ]‬ ‫ضُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬‫ميعٌ ل َد َي َْنا ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫‪.[97‬‬
‫من هذه المساواة المطلقة في المنشأ والمصير قامت المساواة‬
‫كاملة في السلم أمام الشريعة‪ .‬ل فرق بين سيد وعبد‪ ،‬ول بين‬
‫شريف وحقير‪.‬‬
‫يقول الرسول الكريم‪ " :‬إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا‬
‫سرق فيهم الشريف تركوه‪ ،‬وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه‬
‫الحد‪ .‬وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"‪] .‬‬
‫‪ [98‬فيضع بذلك حدا ً للمظالم التي كانت قائمة في الرض ‪-‬‬
‫والتي ظلت قائمة في غير السلم ‪ -‬بعد ذلك بألف عام! ويضع‬
‫حدا ً للخرافة البغيضة التي تفرق بين الناس في الخلقة‪ ،‬وتفرق‬
‫بينهم بعد ذلك في الحقوق‪ .‬ولم يكن ذلك القول خطبة حماسية‬
‫جميلة لسترضاء الشعوب‪ ،‬ول مبدأ مثاليا ً جميل ً معلقا ً في‬
‫الفضاء‪ .‬وإنما كان حقيقة واقعة شهدها التطبيق العملي في حياة‬
‫المسلمين‪ .‬فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقيد من‬
‫نفسه‪ ،‬أي يدعو الناس للقصاص منه إذا كان أحدهم يظن أنه قد‬
‫ظلمه أو اعتدى عليه!! وكان عمر يجلد ابن عمر لنه شرب‬
‫الخمر‪ ،‬وهو ابنه وهو شريف من قريش!‬
‫أما العبيد الرقاء بالفعل‪ ،‬فقد عمل السلم على تحريرهم‪،‬‬
‫وسلك إلى ذلك مسالك شتى‪ .‬وإن كانت قد بقيت منه بقية في‬
‫نطاق ضيق فذلك لن المر كان يرتبط ارتباطا ً أساسيا ً بأسرى‬
‫الحرب‪ ،‬والمعاملة فيهم بالمثل‪ ،‬وكان الرق هو مصير أسرى‬
‫الحرب في معظم الحوال ]‪.[99‬‬

‫‪479‬‬
‫ولكن المهم ‪ -‬ونحن بصدد التطبيق القانوني ‪ -‬أن السلم ‪ -‬وهو‬
‫يعترف بالرق كضرورة مؤقتة يعمل دائما ً على الخلص منها ‪ -‬لم‬
‫يبح " للسادة " أن يميزوا أنفسهم على عبيدهم‪ ،‬ولم يبح لهم‬
‫التصرف " الحر " في هؤلء العبيد‪ " :‬من قتل عبده قتلناه‪ ،‬ومن‬
‫جدع عبده جدعناه‪ ،‬ومن أخصى عبده أخصيناه " ]‪.[100‬‬
‫ولم يكن ذلك أيضا ً كلمة تقال في الهواء‪ ،‬ول مبدا ً مثاليا ً معلقا ً‬
‫في الفضاء‪ .‬وإنما كان حقيقة واقعة شهدها التطبيق العملي في‬
‫حياة المسلمين‪ .‬فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫ب عبده‪ .‬وقصة عمر مع الشريف الذي‬ ‫بالقصاص من رجل ج ّ‬
‫لطم عبدا ً لنه داس عفوا على ذيله أثناء الطواف في الحج‬
‫ً‬
‫معروفة‪ ،‬فقد أصر عمر على القصاص‪ ..‬على أن يلطم العبد ذلك‬
‫الشريف‪ ..‬وظل الشريف يرجو ويشفع وعمر يصر‪ ..‬حتى فر‬
‫الرجل أخيرا ً وارتد عن السلم!‬
‫أما البلد المفتوحة‪ ،‬فقصة القبطي الذي جاء يشكو ابن عمرو بن‬
‫العاص لنه ضرب ابنه بغير حق‪ ،‬فأمر عمر بأن يضرب القبطي‬
‫ن عمرو ويقتص منه‪ ..‬هذه القصة وحدها تحمل الدليل!‬ ‫اب َ‬
‫***‬
‫تلك أولى مراحل العدالة في السلم! المساواة بين الناس كلهم‬
‫أمام الشريعة‪..‬‬
‫ولكنها درجة واحدة وبعدها درجات‪..‬‬
‫فالسلم ل يكتفي بأن تكون المعاملة للجميع واحدة‪ ..‬ولكنه‬
‫يعطي إلى جانب ذلك شريعة هي في ذاتها عادلة فل يظلم ول‬
‫يحيف‪ .‬فالشرع ل يعرف قول القائلين‪ :‬المساواة في الظلم‬
‫عدل! وإنما هو العدل‪ ،‬والمساواة في العدل!‬
‫وليس هنا مجال التفصيل في عدالة الشرع السلمي‪ ..‬فقد‬
‫عرضنا ذلك التفصيل في فصل " الجريمة والعقاب " في كتاب "‬
‫النسان بين المادية والسلم " ولكنا نقول هنا ‪ -‬بغاية ما نستطيع‬
‫من إيجاز ‪ -‬إن الشرع السلمي يبلغ قمة العدالة حين ينظر إلى‬
‫الفرد والمجتمع في آن واحد‪ ،‬ليتأكد من أن كل ً منهما يأخذ حظه‬
‫من الحقوق‪ ،‬ويؤدي نصيبه من الواجبات‪ .‬وأن أيا منهما ل يظلم‬
‫لحساب الخر‪ ،‬أو يفتات على أخيه‪.‬‬
‫فبينما كانت القوانين في الدول القديمة ‪ -‬وما زالت في الدول‬
‫الجماعية في الوقت الحاضر ‪ -‬تشتط في عقاب المجرم‪ ،‬لنه‬
‫وهو فرد ضائع ل كيان له‪ ،‬يعتدي على الكيان المقدس‪ ،‬كيان‬
‫الجماعة ؛ وُيتخذ ذلك ستارا ً للتنكيل بكل فرد تحدثه نفسه‬
‫بالخروج على السادة ذوي القداسة والسلطان‪..‬‬

‫‪480‬‬
‫وبينما تبالغ الدول الغربية الرأسمالية في إباحة الحرية للفرد‪،‬‬
‫على أساس أنه هو الكائن المقدس ول قداسة للجماعة ول كيان‪،‬‬
‫وينشأ من ذلك تخفيف العقوبة على المجرم وتلمس العذار له‪..‬‬
‫نجد السلم يمسك الميزان من منتصفه‪ ،‬فل يميل في جانب‬
‫الفرد ول جانب الجماعة‪ ،‬لنه ل يراهما فردا ً وجماعة منفصلين‪،‬‬
‫ول يعتبرهما معسكرين متقابلين تقوم بينهما العداوة والبغضاء‪،‬‬
‫ويرغب كل منهما في تحطيم الخر والقضاء عليه‪ ..‬بل ينظر إلى‬
‫ل متجاوب موحد الغاية متعاون في‬ ‫الفرد والجماعة على أنهما ك ّ‬
‫م لكي يرد إلى السبيل ؛ وسواء جاء‬ ‫الداء‪ ..‬فإذا شذ فإنه ُيقوّ ُ‬
‫الشذوذ من الفرد بمفرده أو جاء من الجماعة‪ ..‬فكلهما مخطئ‬
‫وكلهما ينبغي أن يرد إلى الصواب!‬
‫وهو إذ ينظر مرة بعين الجماعة‪ ،‬فيرى حقها في الطمأنينة على‬
‫نفسها‪ ،‬والمحافظة على حقوقها‪ ،‬فيمنع العدوان عليها‪ ،‬ويعاقب‬
‫المعتدين‪ ..‬فإنه ينظر في ذات الوقت إلى الفرد‪ ،‬فيرى دوافعه‬
‫إلى الجريمة‪ ،‬سواء كانت منبعثة من داخل النفس‪ ،‬من نزوة‬
‫الغريزة‪ ،‬ودفعة الشهوات‪ ،‬أو من الظروف الخارجية‪ ،‬الجتماعية‬
‫والقتصادية‪ ،‬فيقدر هذه الدوافع‪ ،‬وينظر إليها بعين العتبار‪..‬‬
‫ويعمل على إزالتها بكل طريقة ممكنة قبل أن يوقع العقوبة‪:‬‬
‫بالتشريع الذي يكفل الضرورات مرة‪ ،‬والتشريع الذي يصون‬
‫الحرمات مرة‪ ،‬والتربية التي تهذب النفس وتنظف مساربها‪،‬‬
‫وتجعل روح الحب والتعاون والتكافل هي الروح السائدة في‬
‫الجماعة‪ ..‬أول ً وأخيرا ً بالعقيدة التي تربط القلب بالله‪ ،‬وتوجهه‬
‫لخشيته والعمل على رضاه‪ ..‬فإذا عجز ولي المر عن إزالة‬
‫الدوافع لي سبب من السباب‪ ،‬أو ساورته في ذلك شبهة‪ ،‬فعند‬
‫ذلك يدرأ الحدود بالشبهات!!‬
‫أي عدالة يمكن أن تبلغ هذه العدالة؟!‬
‫" روي أن غلمانا ً لبن حاطب بن أبي بلتعة سرقوا ناقة لرجل من‬
‫مزينة‪ ،‬فأتى بهم عمر‪ ،‬فأقروا‪ ،‬فأمر كثير بن الصلت بقطع‬
‫أيديهم‪ ،‬فلما ولى رده‪ .‬ثم قال‪ :‬أما والله لول أني أعلم أنكم‬
‫تستعملونهم وتجيعونهم حتى إن أحدهم لو أكل ما حرم الله عليه‬
‫لحل له‪ ،‬لقطعت أيديهم‪ .‬ثم وجه القول لبن حاطب بن أبي بلتعة‬
‫فقال‪ :‬وايمن والله إذ لم أفعل ذلك لغرمنك غرامة توجعك! ثم‬
‫قال‪ :‬يا مزني‪ ،‬بكم أريدت منك ناقتك؟ قال‪ :‬بأربعمائة‪ .‬قال عمر‬
‫لبن حاطب‪ :‬اذهب فأعطه ثمانمائة "!‬
‫فهذه حادثة واضحة الدللة على أن " المجرم " ل يؤخذ بذنبه‬
‫حتى ينظر الحاكم أول ً في دوافع الجريمة‪ ،‬فيزنها بميزان الحق‬
‫والعدل‪ ،‬ويبحث عن المسئول الحقيقي فيها‪ ،‬فيوقع العقوبة عليه‪.‬‬

‫‪481‬‬
‫وقد كان المسئول في هذا الحادث هو " السيد " الذي يمثل‬
‫الملك! بينما أعفى " المجرم " من العقاب‪ ،‬لنه اعتبره واقعا ً‬
‫تحت ضغط الضرورة التي تغلب النسان على نفسه وتدفعه إلى‬
‫النحراف‪ .‬وهي كذلك تطبيق عملي لحديث الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬ادرءوا الحدود بالشبهات"‪.‬‬
‫وإن الدول " الحرة " التي تعطف اليوم على المجرم‪ ،‬وتتلمس‬
‫له المعاذير‪ ،‬وتخف عنه العقوبة أو ترفعها عنه ‪ -‬بعد أن كانت‬
‫تشتد عليه وتقسو ‪ -‬هذه الدول تصنع ذلك بروح أخرى غير روح‬
‫السلم! فعلم النفس التحليلي‪ ،‬وغيره من الدراسات النفسية‬
‫والجتماعية‪ ،‬يبرر الجريمة اليوم على أساس سلبية النسان إزاء‬
‫الدوافع الداخلية أو الخارجية‪ ،‬وانعدام " الرادة " التي تقوم عليها‬
‫" المسئولية "‪ .‬ولكن السلم ل يهبط إلى هذا المستوى في‬
‫نظرته إلى النسان‪ .‬إنه ل يلغي كيانه اليجابي الفاعل المريد‪ .‬ول‬
‫يسقط عنه مسئوليته كإنسان‪ .‬وإنما هو ‪ -‬مع ذلك ‪ -‬يعطف عليه‬
‫في لحظة الضعف‪ ،‬ويدرأ عنه الحدود بالشبهات‪ ..‬فهو في الواقع‬
‫عطف مضاعف ‪ -‬بالنسبة للمستوى الرفيع الذي يطالب به‬
‫النسان ‪ -‬وهو عطف أكرم ول شك من ذلك الذي تمارسه الدول‬
‫" الحرة " على كائن ل إرادة له في نظرها ول كيان!‬
‫أما الدول الجماعية التي تكفل للناس حاجاتهم‪ ،‬وتجعل الدولة‬
‫مسئولة عنها‪ ،‬وتغني الناس ‪ -‬فيما تقول ‪ -‬عن الجريمة‪ ،‬فإنها‬
‫تأخذ ثمن ذلك دكتاتورية بشعة‪ ،‬وتحكما ً في كل صغيرة وكبيرة‪،‬‬
‫واستعبادا ً للدولة‪ .‬بينما كان عمر ‪ -‬الذي طبق هذا المبدأ‪ ،‬مبدأ‬
‫مسئولية الجماعة ومسئولية الدولة عن حاجة الفراد ]‪ - [101‬هو‬
‫الذي يقول‪ " :‬إن أحسنت فأعينوني‪ ،‬وإن وجدتم في اعوجاجا ً‬
‫لقومناه بحد السيف! " فل يغضب‪ ،‬بل يقول في هدوء وطمأنينة‪:‬‬
‫" الحمد لله الذي جعل في رعية عمر من يقومه بحد سيفه! "‪.‬‬
‫***‬
‫الشريعة عادلة في ذاتها‪ ،‬ومطبقة بالمساواة على الجميع‪.‬‬
‫ولكن هذا وذاك ل يستنفدان كل معاني العدالة في شريعة‬
‫السلم‪.‬‬
‫ما زالت هناك " الضمانات " المختلفة للفرد الذي يوجه له‬
‫التهام‪ :‬ضمانة الصدق في التهام ذاته‪ .‬وضمانة حسن التحري‪.‬‬
‫وضمانة التحقيق وضمانة التنفيذ‪.‬‬
‫وما ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صيُبوا قَ ْ‬ ‫سقٌ ب ِن َب َأ ٍ فَت َب َي ُّنوا أ ْ‬
‫ن تُ ِ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬‫ن َ‬‫مُنوا إ ِ ْ‬
‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫)َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن( ]‪.[102‬‬ ‫مي َ‬ ‫ما فَعَل ْت ُ ْ‬
‫م َناد ِ ِ‬ ‫حوا ع ََلى َ‬ ‫جَهال َةٍ فَت ُ ْ‬
‫صب ِ ُ‬ ‫بِ َ‬

‫‪482‬‬
‫فهذه الضمانة الولى‪ ..‬ل يؤخذ أحد بالظنة‪ .‬ول بد أن يوزن التهام‬
‫ذاته ليرى مبلغه من الصدق ومبلغه من الجد‪ ،‬فللناس حرماتهم‬
‫المصونة وكراماتهم التي ل يجوز أن تمس‪ ..‬إل بالحق‪.‬‬
‫سوا( ]‪[103‬‬‫س ُ‬
‫ج ّ‬‫)َول ت َ َ‬
‫فهذه هي الضمانة الثانية‪ ..‬ل تكون الجاسوسية من وسائل‬
‫الثبات!‬
‫وقد روي أن عمر مر ببيت رابته منه أصوات‪ ..‬فتسور الجدار‬
‫فوجد قوما ً يشربون ويغنون فأراد أن يعاقبهم‪ ..‬فقام له صاحب‬
‫االدار فقال عمر‪ :‬وما ذاك؟ قال‪ :‬إن الله تعالى يقول‪َ) :‬ول‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ت ِ‬‫سوا( وأنت تجسست علينا‪ .‬ويقول‪) :‬وَأُتوا ال ْب ُُيو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ج ّ‬‫تَ َ‬
‫واب َِها( وأنت تسورت علينا! فلم يجد عمر أمامه إل أن يستتيبه!‬ ‫َ‬
‫أب ْ َ‬
‫ثم ضمانات التحقيق‪ ..‬وهنا يرتفع السلم إلى القمة التي لم‬
‫تبلغها النسانية في غير السلم إل منذ فترة قريبة‪ ،‬وبدافع‬
‫الصراع الدموي الطويل الذي فصلناه من قبل‪ ،‬ل بدافع النسانية‬
‫الطليقة التي تكرم " النسان " حتى في لحظة الهبوط!‬
‫إن المحقق ليست مهمته اليقاع بالمجرم وتضييق الخناق عليه‬
‫في التحقيق! ول يجوز له أن يستخدم وسيلة من وسائل الرهاب‬
‫تنتهي بالعتراف‪.‬‬
‫جاء في سنن أبي داود )ج ‪ 4‬ص ‪ " :(191‬حدثنا عبد الوهاب بن‬
‫بجدة‪ ..‬أن قوما ً من الكلعيين سرق لهم متاع‪ .‬فاتهموا أناسا ً من‬
‫الحاكة‪ ،‬فأتوا النعمان بن بشير صاحب النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فحبسهم أياما ً ثم خلى سبيلهم‪ .‬فأتوا النعمان فقالوا‪:‬‬
‫خليت سبيلهم بغير ضرب ول امتحان؟ فقال النعمان‪ :‬ما شئتم!‬
‫إن شئتم أن أضربهم‪ ..‬فإن خرج متاعكم فذاك‪ ،‬وإل أخذت من‬
‫ظهوركم مثل ما أخذت من ظهورهم! فقالوا‪ :‬هذا حكمك؟ فقال‪:‬‬
‫هذا حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم " ]‪.[104‬‬
‫أما الذي يعترف بنفسه‪ ..‬فالقمة التي وصل إليها السلم بشأنه‬
‫عجب عاجب في التاريخ!‬
‫" حدثنا موسى بن إسماعيل‪ ..‬أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ي بلص قد اعترف اعترافا ً ولم يوجد معه متاع‪ ،‬فقال رسول‬ ‫ُ‬
‫أت ِ َ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬ما إخالك سرقت؟! " قال‪ :‬بلى!‬
‫فأعاد عليه مرتين أو ثلثًا‪ ،‬ثم أمر فأقيم عليه الحد " ]‪.[105‬‬
‫أما قصة ماعز بن مالك الذي اعترف على نفسه بالزنا فهي قصة‬
‫مشهورة‪ .‬فقد ظل يجيء إلى الرسول مرة بعد مرة يعترف لديه‬
‫والرسول صلى الله عليه وسلم يرده‪ ،‬حتى اعترف أربع مرات‪،‬‬
‫فعاد الرسول يسأله ويستوضحه وينفي له التهمة أو يفتح له‬
‫طريق الخلص! فيقول له‪ " :‬لعلك قّبلت‪ ،‬أو غمزت‪ ،‬أو نظرت "‪.‬‬

‫‪483‬‬
‫وماعز يصر ويقول ل! فقال له‪ " :‬أزنيت؟ " قال‪ :‬نعم! قال‪" :‬‬
‫فهل تدري ما الزنا؟ " ]‪ .[106‬فما أقام عليه الحد حتى اطمأن‬
‫اطمئنانا ً كامل ً أنه يصر على العتراف ول يريد أن يدرأ عن نفسه‬
‫العذاب!‬
‫فإذا كان هذا هو جو التحقيق فل مجال بطبيعة الحال لشيء من‬
‫الوسائل البشعة التي تتخذ في غير السلم‪.‬‬
‫أما التنفيذ بعد كل هذه الضمانات‪ ..‬التنفيذ في مجرم تثبت عليه‬
‫التهمة من غير إكراه‪ ،‬ووقعت عليه عقوبة في ذاتها عادلة‪،‬‬
‫ووقعت لنه ل شبهة في الجريمة تدفع عنه الحد‪ ..‬التنفيذ بعد‬
‫ذلك كله يحمل ضماناته!‬
‫حدثنا أبو كامل‪ ..‬عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪ " :‬إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه " ]‪.[107‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪ " :‬ل تعذبوا بعذاب الله " ]‪) [108‬أي‬
‫النار(‪.‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪ " :‬فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة " ]‬
‫‪.[109‬‬
‫ولكن هذا ليس كل ما هناك‪...‬‬
‫لقد بلغنا العدالة ولم نبلغ بعد قمة السلم!‬
‫إن المجرم إذا وقعت عليه العقوبة بعد هذا الحتياط كله‪..‬‬
‫المجرم الذي ل شبهة في جريمته‪ ..‬المجرم الذي ل عذر له في‬
‫ارتكابها‪ ..‬وإنما هي نزوة من نزوات النفس الشريرة‪ ،‬ودفعة من‬
‫دفعات الهبوط‪..‬‬
‫ذلك المجرم لم يخرج بعد من دائرة النسانية‪ ،‬بل لم يخرج من‬
‫دائرة الجماعة السلمية! إنه ل ينبذ ول يضطهد‪ ..‬ول يعّير‬
‫ذكر بها‪ ..‬ول يحول شيء قط بينه وبين أن يعود‬ ‫بجريمته‪ ..‬ول ي ّ‬
‫إلى الجماعة ‪ -‬في لحظته ‪ -‬تائبا ً منيبا ً إلى الله‪ ،‬فيقبل فيها وتفتح‬
‫له القلوب‪.‬‬
‫" حدثنا قتيبة بن سعيد‪ ..‬عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أتى برجل قد شرب‪ ،‬فقال‪ " :‬اضربوه "‪ .‬قال أبو‬
‫هريرة‪ ،‬فمنا الضارب بيده‪ ،‬والضارب بنعله‪ ،‬والضارب بثوبه‪ .‬فلما‬
‫انصرف قال بعض القوم‪ :‬أخزاك الله! فقال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ " :‬ل تقولوا هكذا‪ .‬ل تعينوا عليه الشيطان " ]‬
‫‪.[110‬‬
‫وفي حادث السارق الذي مر ذكره‪ ،‬والذي أمر الرسول بإقامة‬
‫الحد عليه‪ ،‬قال له الرسول‪ " :‬استغفر الله وتب إليه " فقال‪:‬‬
‫استغفر الله وأتوب إليه‪ ،‬فقال‪ " :‬اللهم تب عليه اللهم تب عليه "‬
‫ثلث مرات]‪.[111‬‬

‫‪484‬‬
‫نعم إن السلم ل يحب أن يفقد نفسا ً واحدة يمكن أن تتوب إلى‬
‫الله وتهتدي إليه‪ .‬إنه ل يصر على لحظة الضعف التي تصيب فردا ً‬
‫ه من أجلها‪ .‬وإنما يفتح له بابه لكي يعود‪..‬‬
‫من البشر‪ ،‬ول ُيعن ِت ُ ُ‬
‫يعود إلى الله ويعود إلى الجماعة‪ ،‬فينطلق فيما هي منطلقة من‬
‫الخير‪ ،‬ويأخذ لنفسه من ذلك الخير بنصيب‪ .‬ول تقف الجريمة‬
‫العابرة حاجزا ً في حياته‪ ،‬ول تسمم أحاسيسه وأفكاره‪ ،‬ول توصد‬
‫أمامه البواب فيصبح مجرما ً مصرا ً على الجرام بعد أن كان‬
‫مجرما ً بغير قصد‪ .‬وذلك معنى قول الرسول الكريم‪ " :‬ل تعينوا‬
‫عليه الشيطان "‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن تكريم الرسول الكريم للبشرية‪ " ..‬للنسان " الذي‬
‫خلقه الله في أحسن تقويم‪ ..‬حتى وهو يرتد في لحظة لسفل‬
‫سافلين‪ ..‬تكريمه له ما دام ل يصر على الثم ول يمرد عليه‪ ،‬ول‬
‫يقف عند الحياء الذين يرجوهم للجماعة‪ ،‬ويستبقيهم لخير يمكن‬
‫أن يصنعوه في الرض‪ ،‬أو ليتقي شرا ّ يمكن أن يصدر عنهم ‪ -‬أي‬
‫لهداف " عملية " واقعية! ‪ -‬وإنما يتجاوز ذلك إلى آفاق أخرى‪،‬‬
‫رفافة شفيفة‪ ،‬نسيجها الرحمة الخالصة‪ ،‬والتكريم الخالص‪ ..‬لوجه‬
‫الله!‬
‫جاء في قصة ماعز بن مالك‪ .." :‬فأمر به فرجم‪ ،‬فسمع النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه‪:‬‬
‫انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم‬
‫رجم الكلب‪ .‬فسكت عنهما‪ ،‬ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار‬
‫شائل برجليه‪ ،‬فقال‪ " :‬أين فلن وفلن؟ " فقال‪ :‬نحن ذان يا‬
‫رسول الله‪ .‬قال‪ " :‬انزل فكل من جيفة هذا الحمار "‪ .‬فقال‪ :‬يا‬
‫نبي الله‪ ،‬من يأكل من هذا؟ قال‪ " :‬فما نلتما من عرض أخيكما‬
‫ل منه‪ .‬والذي نفسي بيده إنه الن لفي أنهار‬ ‫آنفا ً أشد من أك ٍ‬
‫الجنة ينغمس فيها "‪.‬‬
‫يا الله‪ ..‬ويا نبي الله‪.‬‬
‫أل إنها آفاق ما بعدها آفاق‪ ..‬أل إنه النور الذي يشع من هذا‬
‫القلب الكوني الذي يتصل بالله‪ ،‬ثم يفيض بالرحمة والهدى على‬
‫عباد الله‪..‬‬
‫وذلك كله قبل أن يقول قولته علم الجتماع وعلم القتصاد‪ ،‬وعلم‬
‫النفس التحليلي وعلم الجريمة‪ ،‬قبل أن يتفلسف المتفلسفون‬
‫في هذا الميدان بأكثر من ألف عام‪.‬‬
‫ــــــــــــــــ‬

‫]‪ [85‬رواه عبد الله بن عباس )ورد في كتاب الكامل لبن عدي‬
‫وفي مسند أبي حنيفة للحارثي(‪.‬‬

‫‪485‬‬
‫]‪ [86‬ذكره صاحب مصابيح السنة في الصحاح‪.‬‬
‫]‪ [87‬سورة الزمر ] ‪.[ 5‬‬
‫]‪ [88‬سورة آل عمران ] ‪.[ 191‬‬
‫]‪ [89‬سورة المؤمنون ] ‪.[ 116 - 115‬‬
‫]‪ [90‬سورة النحل ] ‪.[ 90‬‬
‫]‪ [91‬سورة النساء ] ‪.[ 58‬‬
‫]‪ [92‬سورة المائدة ] ‪.[ 8‬‬
‫]‪ [93‬سورة النعام ] ‪.[ 152‬‬
‫]‪ [94‬سورة النساء ] ‪.[ 1‬‬
‫]‪ [95‬سورة الحجرات ] ‪.[ 13‬‬
‫]‪ [96‬سورة يس ] ‪.[ 32‬‬
‫]‪ [97‬مسلم وأبو داود‪.‬‬
‫]‪ [98‬رواه الستة‪.‬‬
‫]‪ [99‬انظر بالتفصيل فصل " السلم والرق " في كتاب "‬
‫شبهات حول السلم "‪.‬‬
‫]‪ [100‬الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي‪.‬‬
‫]‪ [101‬مبدأ كفالة الدولة للفراد ومسئوليتها عن جميع أمورهم‬
‫مبدأ صريح في السلم‪ ،‬وقد كان عمر رضي الله عنه يقول‪ :‬لو‬
‫م َلم أسوّ لها‬
‫أن بغلة عثرت بصنعاء لكنت مسئول ً عنها ل ِ َ‬
‫الطريق! ويقول ابن حزم في صراحة إن )الجماعة( مسئولة عن‬
‫كل فرد فيها‪ ،‬وإن للنسان أن يقاتل من في يده طعامه أو‬
‫شرابه )إذا منعه عنه( فإن قتل لهله الدية‪ ،‬وإن قتل تدفع ل يقام‬
‫عليه الحد!‬
‫=================‬
‫وجوب محبته صلى الله عليه وسلم‬
‫الفصل الول‪ :‬المعنى الصحيح لمحبته صلى الله عليه وسلم‬
‫والدلة على وجوبها‬
‫المبحث الول‪ :‬المعنى الصحيح لمحبته صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫المطلب الول‪ :‬تعريف المحبة‪:‬‬
‫أحببت قبل الشروع في بيان المعنى الصحيح لمحبة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم أن أتطرق للمعنى اللغوي والصطلحي لكلمة‬
‫المحبة‪ ،‬وذلك بهدف التعريف بهذه الكلمة وبيان مدلولها‪:‬‬
‫أ‪ -‬أصل اشتقاق المحبة‪:‬‬
‫قال صاحب لسان العرب‪" :‬المحبة‪ :‬اسم للحب" ]‪ ،[1‬ويرى ابن‬
‫القيم أن مادة كلمة "حب" تدور في اللغة على خمسة أشياء‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬الصفاء والبياض‪ ،‬ومنه قولهم لصفاء بياض السنان‬
‫ونضارتها "حبب السنان"‬

‫‪486‬‬
‫الثاني‪ :‬العلو والظهور‪ ،‬ومنه "حبب الماء وحبابه" وهو ما يعلوه‬
‫عند المطر الشديد‪ ،‬وحبب الكأس منه‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬اللزوم والثبات‪ ،‬ومنه‪ ،‬حب البعير وأحب‪ ،‬إذا برك ولم‬
‫يقم‪.‬‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫ضرب بعير السوء إذ أحّبا‬ ‫حلت عليه بالفلة ضربا‬
‫الرابع‪ :‬اللب‪ ،‬ومنه‪ :‬حبة القلب‪ ،‬للبه وداخله‪.‬‬
‫ومنه‪ :‬الحبة لواحدة الحبوب‪ ،‬إذ هي أصل الشيء ومادته وقوامه‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬الحفظ والمساك‪ ،‬ومنه حب الماء للوعاء الذي يحفظ‬
‫فيه ويمسكه وفيه معنى الثبوت أيضا‪.‬‬
‫ثم قال رحمه الله‪ :‬ول ريب أن هذه الخمسة من لوازم المحبة‪:‬‬
‫‪ -1‬فإنها صفاء المودة‪ ،‬وهيجان إرادات القلب للمحبوب‪.‬‬
‫‪ -2‬وعلوها وظهورها منه لتعلقها بالمحبوب المراد‪.‬‬
‫‪ -3‬وثبوت إرادة القلب للمحبوب ولزومها لزوما ل تفارقه‪.‬‬
‫‪ -4‬ولعطاء المحب محبوبه لبه وأشرف ما عنده‪ ،‬وهو قلبه‪.‬‬
‫‪ -5‬ولجتماع عزماته وإراداته وهمومه على محبوبه‪.‬‬
‫فاجتمعت فيها المعاني الخمسة ]‪.[2‬‬
‫ووضعوا لمعناها حرفين مناسبين للمسمى غاية المناسبة‪:‬‬
‫"الحاء" التي هي من أقصى الحلق‪.‬‬
‫و"الباء" الشفوية التي هي نهايته‪.‬‬
‫فللحاء البتداء‪ ،‬وللباء النتهاء‪ ،‬وهذا شأن المحبة وتعلقها‬
‫بالمحبوب‪ ،‬فإن ابتداءها منه وانتهاءها إليه‪.‬‬
‫ه‪.‬‬
‫حب ْ ُ‬‫ه وأ َ‬‫حب ْ ُ‬
‫وقالوا في فعلها‪َ :‬‬
‫ب" ولم‬‫ح ّ‬ ‫م ِ‬
‫ثم اقتصروا على اسم الفاعل من "أحب" فقالوا‪ُ " :‬‬
‫يقولوا "حاب"‪ .‬واقتصروا على اسم المفعول من "حب" فقالوا‪:‬‬
‫حب" إل قليل كما قال الشاعر‪:‬‬ ‫م َ‬‫"محبوب" ولم يقولوا " ُ‬
‫حب المكرم ]‪[3‬‬ ‫م َ‬
‫ولقد نزلت فل تظني غيره مني بمنزلة ال ُ‬
‫وأعطوا "الحب" حركة الضم التي هي أشد الحركات وأقواها‪،‬‬
‫مطابقة لشدة حركة مسماه وقوتها‪.‬‬
‫حب" وهو المحبوب‪ :‬حركة الكسر لخفتها عن الضمة‬ ‫وأعطوا "ال ِ‬
‫وخفة المحبوب‪ ،‬وخفة ذكره على قلوبهم وألسنتهم‪...‬‬
‫فتأمل هذا اللطف والمطابقة والمناسبة العجيبة بين اللفاظ‬
‫والمعاني تطلعك على قدر هذه اللغة‪ ،‬وأن لها شأنا ليس لسائر‬
‫اللغات ]‪.[4‬‬
‫ب‪ -‬الحد الصطلحي للمحبة‪:‬‬

‫‪487‬‬
‫قال ابن حجر ]‪" :[5‬وحقيقة المحبة عند أهل المعرفة من‬
‫المعلومات التي ل تحد‪ ،‬وإنما يعرفها من قامت به وجدانا ول‬
‫يمكن التعبير عنها" ]‪[6‬‬
‫وقال ابن القيم‪" :‬ل تحد المحبة بحد أوضح منها‪ ،‬فالحدود ل‬
‫تزيدها إل خفاء وجفاء‪ ،‬فحدها وجودها‪ .‬ول توصف المحبة بوصف‬
‫أظهر من المحبة‪ ،‬وإنما يتكلم الناس في أسبابها‪ ،‬وموجباتها‪،‬‬
‫وعلماتها‪ ،‬وشواهدها‪ ،‬وثمراتها‪ ،‬وأحكامها فحدودهم ورسومهم‬
‫دارت على هذه الستة‪ ،‬وتنوعت بهم العبارات وكثرت الشارات‪،‬‬
‫بحسب إدراك الشخص ومقامه وحاله وملكه للعبارة" ]‪.[7‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا الذي ذكره ابن القيم وابن حجر هو الذي تطمئن له‬
‫النفس فالمحبة أمر شعوري وجداني يتعرف عليه بواسطة المور‬
‫الستة التي أشار إليها ابن القيم‪ ،‬وذلك لكون هذه المور هي‬
‫العناصر التي يمكن أن يعبر عن المحبة من طريقها‪.‬‬
‫ولذلك فل داعي لذكر تعريفات العلماء لها فحدها وجودها‪،‬‬
‫والحدود ل تزيدها إل خفاء وجفاء كما قال ابن القيم رحمه الله‬
‫تعالى‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أقسام المحبة‪:‬‬


‫أ‪ -‬أقسام المحبة من حيث العموم‪:‬‬
‫تنقسم المحبة من حيث العموم إلى قسمين‪:‬‬
‫‪ -2‬خاصة‪.‬‬ ‫‪ -1‬مشتركة‪.‬‬
‫القسم الول‪ :‬المحبة المشتركة‪.‬‬
‫وهي ثلثة أنواع‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬محبة طبيعية كمحبة الجائع للطعام‪ ،‬والظمآن للماء ونحو‬
‫ذلك‪ ،‬وهذه ل تستلزم التعظيم‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬محبة رحمة وإشفاق‪ ،‬كمحبة الوالد لولده الطفل‪ ،‬وهذه‬
‫أيضا ل تستلزم التعظيم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬محبة أنس وألف‪ ،‬وهي محبة المشتركين في صناعة أو‬
‫علم أو مرافقة أو تجارة أو سفر‪ ،‬لبعضهم بعضا‪ ،‬وكمحبة الخوة‬
‫بعضهم بعضا‪ .‬فهذه النواع الثلثة‪ ،‬التي تصلح للخلق‪ ،‬بعضهم من‬
‫بعض‪ ،‬ووجودها فيهم ل يكون شركا في محبة الله‪ ،‬ولهذا كان‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل‪ ،‬وكان‬
‫يحب نساءه‪ ،‬وعائشة أحبهن إليه‪ ،‬وكان يحب أصحابه‪ ،‬وأحبهم‬
‫إليه الصديق رضي الله عنه‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬المحبة الخاصة التي ل تصلح إل لله‪.‬‬

‫‪488‬‬
‫ومتى أحب العبد بها غيره‪ ،‬كان شركا ل يغفره الله‪ ،‬وهي محبة‬
‫العبودية المستلزمة للذل والخضوع والتعظيم‪ ،‬وكمال الطاعة‪،‬‬
‫وإيثاره على غيره‪.‬‬
‫فهذه المحبة ل يجوز تعلقها بغير الله أصل ]‪ [8‬بل يجب إفراد الله‬
‫بهذه المحبة الخاصة التي هي توحيد اللهية‪ ،‬بل الخلق والمر‬
‫والثواب والعقاب‪ ،‬إنما نشأ عن المحبة ولجلها‪ ،‬فهي الحق الذي‬
‫خلقت به السموات والرض‪ ،‬وهي الحق الذي تضمنه المر‬
‫والنهي وهي سر التأله‪ ،‬وتوحيدها هو شهادة أن ل إله إل الله‪،‬‬
‫وليس كما يزعم المنكرون‪ ،‬أن الله هو الرب الخالق‪ ،‬فإن‬
‫الشضركين كانوا مقرين بأنه ل رب إل الله ول خالق سواه‪ ،‬ولم‬
‫يكونوا مقرين بتوحيد اللهية الذي هو حقيقة ل إله إل الله‪ ،‬فإن‬
‫الله الذي تألهه القلوب حبا وذل وخوفا ورجاء وتعظيما وطاعة‪.‬‬
‫وإله بمعنى مألوه‪ ،‬أي‪ :‬محبوب معبود‪ ،‬وأصله من التأله وهو‬
‫التعبد الذي هو آخر مراتب المحبة‪ ،‬فالمحبة حقيقة العبودية ]‪[9‬‬
‫وسيأتي مزيد تفصيل لهذا القسم‪.‬‬
‫ب‪ -‬أقسام المحبة باعتبار متعلقها ومحبوبها‪:‬‬
‫تنقسم المحبة باعتبار متعلقها ومحبوبها إلى قسمين‪:‬‬
‫‪ -2‬مذمومة ضارة‪.‬‬ ‫‪ -1‬نافعة محمودة‪.‬‬
‫القسم الول‪ :‬المحبة النافعة‬
‫وهي التي تجلب لصاحبها ما ينفعه وهو السعادة وهي ثلثة أنواع‪:‬‬
‫أ‪ -‬محبة الله‪.‬‬
‫ب‪ -‬محبة في الله‪.‬‬
‫ج‪ -‬محبة ما يعين على طاعة الله واجتناب معصيته‪.‬‬
‫فيحب الله تعالى حبا ل يشاركه فيه أحد‪ ،‬ويكون الله عز وجل هو‬
‫المحبوب المراد الذي ل يحب لذاته ول يراد لذاته إل هو‪ ،‬وهو‬
‫المحبوب العلى الذي ل صلح للعبد ول فلح ول نعيم ول سرور‬
‫إل بأن يكون هو محبوبه ومراده وغاية مطلوبه‪ .‬وتكون هذه‬
‫المحبة مستلزمة لما يتبعها من عبادته تعالى وخضوعه له‪،‬‬
‫وتعظيمه عز وجل‪.‬‬
‫والمحبة في الله‪ :‬بأن يحب المؤمنين ل يحبهم إل لله ويكون هواه‬
‫تبعا لحب الله تعالى ورضاه‪ ،‬فل يحب إل ما يحب الله تعالى‪.‬‬
‫ومحبة ما يعين على طاعة الله أنواع كثيرة تندرج فيها جميع‬
‫العبادات‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬المحبة الضارة‬
‫وهي المحبة المذمومة التي تجلب لصاحبها ما يضره وهو الشقاء‪.‬‬
‫وهي ثلثة أنواع أيضا‪:‬‬
‫‪ -1‬المحبة مع الله‪.‬‬

‫‪489‬‬
‫‪ -2‬محبة ما يبغضه الله‪.‬‬
‫‪ -3‬محبة ما تقطع محبته عن محبة الله تعالى أو تنقصها‪.‬‬
‫فمن النوع الول‪ :‬محبة المشركين آلهتهم كحب الله‪.‬‬
‫ومن النوع الثاني‪ :‬محبة الفواحش والمنكرات التي يبغضها الله‪.‬‬
‫ومن النوع الثالث‪ :‬عشق النساء الذي يزيد عن حده حتى يضيع‬
‫الوامر ويدخل في النواهي‪ ،‬وفي مقدمة ذلك عشق الفاسقات‬
‫والعاهرات والولدان‪ .‬فهذه ستة أنواع عليها مدار محاب الخلق‪.‬‬
‫فأصل المحاب المحمودة محبة الله تعالى بل وأصل اليمان‬
‫والتوحيد والنوعان الخران تبع لها‪.‬‬
‫كما أن المحبة مع الله أصل الشرك والمحاب المذمومة‪،‬‬
‫والنوعان الخران تبع لها ]‪.[10‬‬
‫فأصل الشرك الذي ل يغفره الله هو الشرك في هذه المحبة‪،‬‬
‫فإن المشركين لم يزعموا أن آلهتهم وأوثانهم شاركت الرب‬
‫سبحانه في خلق السموات والرض وإنما كان شركهم بها من‬
‫جهة محبتها مع الله فوالوا عليها وعادوا عليها وتألهوها وقالوا‪:‬‬
‫س‬
‫نا ِ‬ ‫ن ال ّ‬
‫م َ‬‫هذه آلهة صغار تقربنا إلى الله العظم‪ ،‬قال تعالى‪} :‬وَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شد ّ‬‫مُنوا أ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ب الل ّهِ َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م كَ ُ‬
‫ح ّ‬ ‫دادا ً ي ُ ِ‬
‫حّبون َهُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ أن ْ َ‬
‫دو ِ‬
‫ن ُ‬ ‫خذ ُ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫حب ّا ً ل ِّله{ ]‪.[11‬‬‫ُ‬
‫ففرق بين محبة الله أصل‪ ،‬والمحبة له تبعا‪ ،‬والمحبة معه شركا‪،‬‬
‫وعليك بتحقيق هذا الموضع فإنه مفرق الطرق بين أهل التوحيد‬
‫وأهل الشرك ]‪.[12‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬حقيقة المحبة الشرعية‪:‬‬


‫المقصود بالمحبة الشرعية‪ :‬محبة الله سبحانه وتعالى ومحبة‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم وكل ما يدخل في فلكها ويدور مع‬
‫محورها‪.‬‬
‫فهذه المحبة من أعظم واجبات اليمان وأكبر أصوله‪ ،‬بل ومن‬
‫أوجب العبادات المناطة بقلب المؤمن‪ ،‬ذلك لنه لبد في إيمان‬
‫القلب من حب الله ورسوله‪ ،‬وأن يكون الله ورسوله صلى الله‬
‫عليه وسلم إليه مما سواهما‪.‬‬
‫فهي أصل كل عمل من أعمال اليمان والدين‪ ،‬كما أن التصديق‬
‫به أصل كل قول من أقوال اليمان والدين‪ ،‬فإن كل حركة في‬
‫الوجود إنما تصدر عن محبة‪ :‬إما محبة محمودة‪ ،‬أو عن محبة‬
‫مذمومة‪.‬‬
‫فجميع العمال اليمانية الدينية ل تصدر إل عن المحبة المحمودة‪،‬‬
‫وأصل المحبة المحمودة هي محبة الله سبحانه وتعالى‪ ،‬إذ العمل‬
‫الصادر عن محبة مذمومة ل يكون عمل صالحا عند الله‪ ،‬بل جميع‬

‫‪490‬‬
‫العمال اليمانية الدينية ل تصدر إل عن محبة الله‪ ،‬فإن الله‬
‫تعالى ل يقبل من العمل إل ما أريد به وجهه‪ .‬كما ثبت في‬
‫الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه‬
‫قال‪" :‬أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عمل أشرك فيه‬
‫معي غيري تركته وشركه" ]‪.[13‬‬
‫فإخلص الدين لله هو الدين الذي ل يقبل الله سواه وهو الذي‬
‫بعث به الولين والخرين من الرسل‪ ،‬وأنزل به جميع الكتب‬
‫واتفق عليه أهل اليمان‪،‬‬
‫وهذا هو خلصة الدعوة النبوية وهو قطب القرآن الذي تدور عليه‬
‫رحاه ]‪ .[14‬فأصل الدين وقاعدته يتضمن أن يكون الله هو‬
‫المعبود الذي تحبه القلوب وتخشاه ول يكون لها إله سواه‪ ،‬والله‬
‫ما تألهه القلوب بالمحبة والتعظيم والرجاء والخوف والجلل‬
‫والعظام ونحو ذلك‪.‬‬
‫والله سبحانه أرسل الرسل بأنه ل إله إل هو فتخلو القلوب عن‬
‫محبة ما سواه بمحبته‪ ،‬وعن رجاء ما سواه برجائه‪ ،‬وعن سؤال‬
‫ما سواه بسؤاله‪ ،‬وعن العمل لما سواه بالعمل له‪ ،‬وعن‬
‫الستعانة بما سواه بالستعانة به ]‪.[15‬‬
‫فإذا كان أصل العمل الديني هو إخلص الدين لله‪ ،‬وهو إرادة الله‬
‫وحده فالشيء المراد لنفسه هو المحبوب لذاته‪ ،‬وهذا كمال‬
‫المحبة‪ ،‬ولكن أكثر ما جاء المطلوب باسم العبادة كقوله تعالى‪:‬‬
‫ن{ ]‪ ،[16‬وقوله‪َ} :‬يا أ َي َّها‬ ‫دو ِ‬ ‫س إ ِل ّ ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫ن َواْل ِن ْ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ ْ‬‫ما َ‬ ‫}وَ َ‬
‫م{ ]‪،[17‬‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َوال ّ ِ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫خل َ َ‬
‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬‫دوا َرب ّك ُ ُ‬ ‫س اع ْب ُ ُ‬ ‫الّنا ُ‬
‫وأمثال هذا والعبادة تتضمن كمال الحب ونهايته‪ ،‬وكمال الذل‬
‫ونهايته‪ ،‬فالمحبوب الذي ل يعظم ول يذل له ل يكون معبودا‪،‬‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫والمعظم الذي ل يحب ل يكون معبودا‪ ،‬ولهذا قال تعالى‪} :‬وَ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ب الل ّهِ َوال ّ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫م كَ ُ‬ ‫حّبون َهُ ْ‬ ‫دادا ً ي ُ ِ‬ ‫ن الل ّهِ أن ْ َ‬ ‫دو ِ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫خذ ُ ِ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫الّنا ِ‬
‫َ‬
‫ه{ ]‪[18‬‬ ‫حب ّا ً ل ِل ّ ِ‬
‫شد ّ ُ‬ ‫مُنوا أ َ‬ ‫آ َ‬
‫فبين سبحانه أن المشركين بربهم الذين يتخذون من دون الله‬
‫أندادا‪ ،‬وإن كانوا يحبونهم كما يحبون الله‪ ،‬فالذين آمنوا أشد حبا‬
‫لله منهم لله ولوثانهم لن المؤمنين أعلم بالله‪ ،‬والحب يتبع‬
‫العلم‪ ،‬ولن المؤمنين جعلوا جميع حبهم لله وحده‪ ،‬وأولئك جعلوا‬
‫بعض حبهم لغيره وأشركوا بينه وبين النداد في الحب‪ ،‬ومعلوم‬
‫شَر َ‬
‫كاُء‬ ‫جل ً ِفيهِ ُ‬ ‫مث َل ً َر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫أن ذلك أكمل قال تعالى‪َ } :‬‬
‫مد ُ ل ِل ّهِ ب َ ْ‬
‫ل‬ ‫ح ْ‬‫مث َل ً ال ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ست َوَِيا ِ‬
‫ل يَ ْ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫ج ٍ‬ ‫سَلما ً ل َِر ُ‬ ‫جل ً َ‬ ‫ن وََر ُ‬ ‫سو َ‬ ‫شاك ِ ُ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن{ ]‪.[19‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي َعْل ُ‬ ‫أكث َُرهُ ْ‬
‫واسم المحبة فيه إطلق وعموم فإن المؤمن يحب الله ويحب‬
‫رسله وأنبياءه وعباده المؤمنين‪ ،‬وان كان ذلك من محبة الله‪،‬‬

‫‪491‬‬
‫وإن كانا المحبة التي لله ل يستحقها غيره‪ .‬ولهذا جاءت محبة الله‬
‫سبحانه وتعالى مقرونة بما يختص به سبحانه من العبادة والنابة‬
‫إليه والتبتل له‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬فكل هذه السماء تتضمن محبة الله‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وكما أن محبته هي أصل الدين‪ ،‬فكذلك كمال الدين يكون بكمالها‬
‫ونقصه بنقصها ]‪ [20‬وكمال هذه المحبة هو بالعبودية والذل‬
‫والخضوع والطاعة للمحبوب سبحانه وتعالى فالحق الذي خلق به‬
‫ولجله الخلق هو عبادة الله وحده التي هي كمال محبته‬
‫والخضوع والذل له‪ ،‬ولوازم عبوديته من المر والنهي والثواب‬
‫والعقاب‪ ،‬ولجل ذلك أرسل الرسل‪ ،‬وأنزل الكتب‪ ،‬وخلق الجنة‬
‫والنار ]‪.[21‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م أي ّك ُ ْ‬ ‫حَياة َ ل ِي َب ْل ُوَك ُ ْ‬
‫ت َوال ْ َ‬ ‫موْ َ‬‫خل َقَ ال ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال تعالى‪} :‬ال ّ ِ‬
‫ل{ ]‪[22‬‬ ‫م ً‬ ‫عَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫م أي ّهُ ْ‬ ‫ة ل ََها ل ِن َب ْل ُوَهُ ْ‬ ‫ض ِزين َ ً‬ ‫ما ع َلى الْر ِ‬
‫َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬‫وقال تعالى‪} :‬إ ِّنا َ‬
‫َ‬
‫ت‬
‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل{ ]‪ ،[23‬وقال تعالى‪} :‬وَهُوَ ال ّ ِ‬ ‫م ً‬ ‫ن عَ َ‬‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫شه ع ََلى ال ْماِء ل ِيبل ُوك ُ َ‬ ‫ست ّةِ أ َّيام ٍ وَ َ‬ ‫َ‬
‫م أي ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫َْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن ع َْر ُ ُ‬‫كا َ‬ ‫ض ِفي ِ‬ ‫َواْلْر َ‬
‫ل{ ]‪.[24‬‬ ‫م ً‬ ‫َ‬
‫ن عَ َ‬‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫فأخبر سبحانه في هذه اليات أن خلق العالم والموت والحياة‬
‫وتزين الرض بما عليها أنه للبتلء والمتحان ليختبر خلقه أيهم‬
‫أحسن عمل‪ ،‬فيكون عمله مواففا لمحاب الرب تعالى‪ ،‬فيوافق‬
‫الغاية التي خلق هو لها وخلق لجلها العالم وهي عبوديته‬
‫المتضمنة لمحبته وطاعته‪ ،‬وهي العمل الحسن وهو مواقع محبته‬
‫ورضاه‪ ،‬وقدر سبحانه مقادير تخالفها بحكمته في تقديرها‪،‬‬
‫وامتحن خلقه يين أمره وقدره ليبلوهم أيهم أحسن عمل‪.‬‬
‫فانقسم الخلق في هذا البتلء فريقين‪:‬‬
‫الفريق الول‪ :‬داروا مع أوامره ومحابه‪ ،‬ووقفوا حيث وقف بهم‬
‫المر‪ ،‬وتحركوا حيث حركهم المر‪ ،‬واستعملوا المر في القدر‪،‬‬
‫وركبوا سفينة المر في بحر القدر‪ ،‬وحكموا المر على القدر‪،‬‬
‫ونازعوا القدر بالقدر امتثال لمره واتباعا لمرضاته فهؤلء هم‬
‫الناجون‪.‬‬
‫والفريق الثاني‪ :‬عارضوا بين المر والقدر‪ ،‬وبين ما يحبه ويرضاه‬
‫وبين ما قدره وقضاه‪ ،‬فهؤلء هم المفرطون ]‪.[25‬‬
‫وحقيقة المحبة‪ :‬حركة نفس المحب إلى محبوبه‪ ،‬فالمحبة حركة‬
‫بل سكون ]‪ [26‬فالحب يوجب حركة النفس وشدة طلبها‪،‬‬
‫والنفس خلقت متحركة بالطبع كحركة النار‪ ،‬فالحب حركتها‬
‫الطبيعية‪ ،‬فكل من أجل شيئا من الشياء وجد في حبه لذة‬
‫وروحا‪ ،‬فإذا خل عن الحب مطلقا تعطلت النفس عن حركتها‬

‫‪492‬‬
‫وثقلت وكسلت وفارقها خفة النشاط‪ ،‬ولهذا تجد الكسالى أكثر‬
‫الناس هما وغما وحزنا‪ ،‬ليس لهم فرح ول سرور‪ ،‬بخلف أرباب‬
‫النشاط والجد في العمل أي عمل كان‪ ،‬فإن كان النشاط في‬
‫عمل هم عالمون بحسن عواقبه وحلوة غايته كان التذاذهم بحبه‬
‫ونشاطهم فيه أقوى‪.‬‬
‫وإنه ليس للقلب والروح ألذ ول أطيب ول أحلى ول أنعم من‬
‫محبة الله والقبال عليه وعبادته وحده وقرة العين به‪ ،‬والنس‬
‫بقربه‪ ،‬والشوق إلى لقائه ورؤيته‪ ،‬وإن مثقال ذرة من هذه اللذة‬
‫ل يعدل بأمثال الجبال من لذات الدنيا ولذلك كان مثقال ذرة من‬
‫إيمان بالله ورسوله يخلص من الخلود في دار اللم فكيف‬
‫باليمان الذي يمنع من دخولها ]‪.[27‬‬
‫ولهذا كان أعظم صلح العبد أن يصرف قوى حبه كلها لله تعالى‬
‫وحده بحيث يحب الله بكل قلبه وروحه وجوارحه فليس لقلب‬
‫العبد صلح ول نعيم إل بأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما‬
‫سواهما‪ ،‬وأن تكون محبته لغير الله تابعة لمحبة الله‪ ،‬فل يحب إل‬
‫لله‪.‬‬
‫كما في الحديث الصحيح‪" :‬ثلث من كن فيه‪ ،‬وجد بهن حلوة‬
‫اليمان‪ :‬من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما‪ ،‬ومن كان‬
‫يحب المرء ل يحبه إل لله‪ ،‬ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد‬
‫أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار" ]‪ ،[28‬فأخبر أن‬
‫العبد ل يجد حلوة اليمان إل بأن يكون الله أحب إليه مما سواه‪،‬‬
‫ومحبة الرسول هي من محبته‪ ،‬ومحبة المرء إن كانت لله فهي‬
‫من محبة الله‪ ،‬وإن كانت لغير الله فهي منقصة لمحبة الله‬
‫مضعفة لها‪ ،‬وتصدق هذه المحبة بأن يكون كراهته لبغض الشياء‬
‫إلى محبوبه ‪ -‬وهو الكفر ‪ -‬بمنزلة كراهته للقائه في النار أو أشد‪.‬‬
‫ول ريب أن هذا من أعظم المحبة‪ ،‬فإن النسان ل يقدم على‬
‫محبة نفسه وحياته شيئا‪ ،‬فإذا قدم محبة اليمان بالله على نفسه‬
‫بحيث لو خير بين الكفر وإلقائه في النار لختار أن يلقى في النار‬
‫ول يكفر كان الله أحب إليه من نفسه فالحديث دل على أن‬
‫حلوة اليمان تتبع كمال محبة العبد لله‪ ،‬وهذه الحلوة ل تحصل‬
‫إل بثلثة أمور‪:‬‬
‫‪ -3‬دفع ضدها‪.‬‬ ‫‪ -1‬تكميل هذه المحبة‪ -2 .‬تفريعها‪.‬‬
‫‪" -1‬فتكميلها"‪ :‬أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما‪،‬‬
‫فإن محبة الله ورسوله ل يكتفي فيها بأصل الحب‪ ،‬بل لبد أن‬
‫يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما‪.‬‬
‫‪ -2‬و"تفريعها"‪ :‬أن يحب المرء ل يحبه إل لله‪.‬‬

‫‪493‬‬
‫‪ -3‬و"دفع ضدها" أن يكره ضد اليمان أعظم من كراهته اللقاء‬
‫في النار ]‪ [29‬وهذه المحبة هي فوق ما يجده سائر العشاق‬
‫والمحبين من محبة محبوبهم‪ ،‬بل ل نظير لهذه المحبة كما ل‬
‫مثيل لمن تعلقت به‪.‬‬
‫وهي محبة تقتضي تقديم المحبوب فيها على النفس والمال‬
‫والولد وتقتضي كمال الذل والخضوع والتعظيم والجلل والطاعة‬
‫والنقياد ظاهرا وباطنا وهذا ل نظير له في محبة المخلوق كائنا‬
‫من كان‪.‬‬
‫ولهذا من أشرك بين الله وبين غيره في هذه المحبة الخاصة كان‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫مشركا شركا ل يغفره الله كما قال الله تعالى‪} :‬وَ ِ‬
‫حب ّا ً‬ ‫َ‬
‫شد ّ ُ‬ ‫مُنوا أ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ب الل ّهِ َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م كَ ُ‬‫حّبون َهُ ْ‬ ‫دادا ً ي ُ ِ‬
‫ن الل ّهِ أن ْ َ‬ ‫دو ِ‬
‫ن ُ‬‫م ْ‬ ‫خذ ُ ِ‬ ‫ي َت ّ ِ‬
‫ه{ والصحيح أن معنى الية‪ :‬والذين آمنوا أشد حبا لله من أهل‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫النداد لندادهم كما تقدم بيانه أن محبة المؤمنين لربهم ل يماثلها‬
‫محبة مخلوق أصل‪ ،‬كما ل يماثل محبوبهم غيره‪ .‬وكل أذى في‬
‫محبة غيره فهو نعيم في محبته‪ ،‬وكل مكروه في محبة غيره فهو‬
‫قرة عين في محبته ]‪.[30‬‬
‫وكثير من الناس يدعي محبة الله تعالى من غير تحقيق لموجباتها‬
‫قال بعض السلف‪ :‬ادعى قوم على عهد رسول الله صلى الله‬
‫ن‬
‫ل إِ ْ‬ ‫عليه وسلم أنهم يحبون الله فأنزل الله هذه الية ]‪} [31‬قُ ْ‬
‫م{ ]‪[32‬‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬
‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه وَي َغْ ِ‬ ‫حب ِب ْك ُ ُ‬
‫ه َفات ّب ُِعوِني ي ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫حّبو َ‬‫م تُ ِ‬‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫وهذا لن الرسول هو الذي يدعو إلى ما يحبه الله‪ ،‬وليس شيء‬
‫يحبه الله إل والرسول يدعو إليه‪ ،‬وليس شيء يدعو إليه الرسول‬
‫إل والله يحبه‪ ،‬فصار محبوب الرب ومدعو الرسول متلزمين بل‬
‫هذا هو هذا في ذاته‪ ،‬وإن تنوعت الصفات‪.‬‬
‫فكل من ادعى أنه يحب الله ولم يتبع الرسول فقد كذب‪،‬‬
‫وليست محبته لله وحده‪ ،‬بل إن كان يحبه فهي محبة شرك‪،‬‬
‫فإنما يتبع ما يهواه كدعوى اليهود والنصارى محبة الله‪ ،‬فإنهم لو‬
‫أخلصوا له المحبة لم يحبوا إل ما أحب فكانوا يتبعون الرسول‪،‬‬
‫فلما أحبوا ما أبغض الله مع دعواهم حبه كانت محبتهم من جنس‬
‫محبة المشركين‪.‬‬
‫وهكذا أهل البدع فمن قال إنه من المريدين لله المحبين له‪ ،‬وهو‬
‫ل يقصد اتباع الرسول والعمل بما أمر به‪ ،‬وترك ما نهى عنه‪،‬‬
‫فمحبته فيها شوب من محبة المشركين واليهود والنصارى‬
‫بحسب ما فيه من البدع‪ ،‬فإن البدع ليست مما دعا إليه الرسول‬
‫ول يحبها الله‪ ،‬فإن الرسول دعا إلى كل ما يحبه الله‪ ،‬فأمر بكل‬
‫معروف ونهى عن كل منكر ]‪.[33‬‬

‫‪494‬‬
‫فمحبة الله ورسوله وعباده المتقين تقتضي فعل محبوباته وترك‬
‫مكروهاته والناس يتفاضلون في هذا تفاضل عظيما‪ ،‬فمن كان‬
‫أعظم نصيبا من ذلك كان أعظم درجة عند الله‪.‬‬
‫ومن كان أقل نصيبا كان ذلك سببا في نزول درجته ومنزلته‪ ،‬وأما‬
‫من كان غير متبع لسبيل النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يكون‬
‫محبا لله سبحانه وتعالى ]‪[34‬؟‪ ،‬ومعلوم أنه ل يتم اليمان‬
‫والمحبة لله إل بتصديق الرسول فيما أخبر وطاعته فيما أمر ]‬
‫‪.[35‬‬
‫فلبد لمحب الله من متابعة الرسول والمجاهدة في سبيل الله‬
‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫بل هذا لزم لكل مؤمن قال تعالى‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م وَأن ْ ُ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ب ِأ ْ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫م ي َْرَتاُبوا وَ َ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫سول ِهِ ث ُ ّ‬ ‫ِبالل ّهِ وََر ُ‬
‫ن{ ]‪ [36‬فهذا حب المؤمن لله‪.‬‬ ‫صاد ُِقو َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫الل ّهِ ُأول َئ ِ َ‬
‫َ‬
‫م‬‫وان ُك ُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫م وَأب َْناؤ ُك ُ ْ‬ ‫ن آَباؤ ُك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫وفد قال تعالى‪} :‬قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ها‬ ‫ساد َ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫شوْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫جاَرة ٌ ت َ ْ‬ ‫ها وَت ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل اقْت ََرفْت ُ ُ‬ ‫وا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫شيَرت ُك ُ ْ‬ ‫م وَع َ ِ‬ ‫جك ُ ْ‬ ‫وَأْزَوا ُ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫سِبيل ِ ِ‬ ‫جَهاد ٍ ِفي َ‬ ‫سول ِهِ وَ ِ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ب إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ضوْن ََها أ َ‬ ‫ن ت َْر َ‬ ‫ساك ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫وَ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ن{ ]‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬‫فا ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫قوْ َ‬ ‫دي ال َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫مرِهِ َوالل ُ‬ ‫ه ب ِأ ْ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫حّتى ي َأت ِ َ‬ ‫صوا َ‬ ‫فَت ََرب ّ ُ‬
‫‪ [37‬فأخبر أن من كانت محبوباته أحب إليه من الله ورسوله‬
‫والجهاد في سبيله فهو من أهل الوعيد‪.‬‬
‫ْ‬
‫م‬‫حب ّهُ ْ‬ ‫قوْم ٍ ي ُ ِ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ف ي َأِتي الل ّ ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫وقال في الذين يحبهم ويحبونه }فَ َ‬
‫ن ِفي‬ ‫دو َ‬ ‫جاه ِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫عّزةٍ ع ََلى ال ْ َ‬ ‫ن أَ ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه أذ ِل ّةٍ ع ََلى ال ْ ُ‬
‫حبون َ‬
‫وَي ُ ِ ّ َ ُ‬
‫م{ ]‪.[38‬‬ ‫ة لئ ِ ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ن ل َوْ َ‬ ‫خاُفو َ‬ ‫ل الل ّهِ َول ي َ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫فمن تمام محبة الله ورسوله بغض من حاد الله ورسوله‪ ،‬والجهاد‬
‫ر‬
‫خ ِ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫وما ً ي ُؤ ْ ِ‬ ‫جد ُ ق َ ْ‬ ‫في سبيله لقوله تعالى‪} :‬ل ت َ ِ‬
‫كانوا آباَءهُم أ َو أ َبناَءهُم أوَ‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ ْ َْ‬ ‫َ‬ ‫ه وَل َوْ َ ُ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫حاد ّ الل ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫وا ّ‬ ‫يُ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ح‬‫م ب ُِرو ٍ‬ ‫ن وَأي ّد َهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫لي َ‬ ‫ماِْ‬ ‫ب ِفي قُُلوب ِهِ ُ‬ ‫ك ك َت َ َ‬ ‫م أول َئ ِ َ‬ ‫شيَرت َهُ ْ‬ ‫م أوْ ع َ ِ‬ ‫وان َهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫إِ ْ‬
‫ه{ ]‪[39‬‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫ما‬ ‫س َ‬ ‫فُروا ل َب ِئ ْ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م ي َت َوَل ّوْ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬ت ََرى ك َِثيرا ً ِ‬
‫م وَِفي ال ْعَ َ‬ ‫فس ه َ‬ ‫قَدمت ل َه َ‬
‫م‬
‫ب هُ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫ط الل ّ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م أن ْ ُ ُ ُ ْ‬ ‫ّ َ ْ ُ ْ‬
‫خ ُ‬ ‫َ‬ ‫ما أن ْزِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ذوهُ ْ‬ ‫ما ات ّ َ‬ ‫ل إ ِلي ْهِ َ‬ ‫ي وَ َ‬ ‫ن ِباللهِ َوالن ّب ِ ّ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن‪ ،‬وَلوْ كاُنوا ي ُؤ ْ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ت‬‫كان َ ْ‬ ‫ن{ ]‪ ،[40‬وقال تعالى‪} :‬قَد ْ َ‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ن ك َِثيرا ً ِ‬ ‫أوْل َِياَء وَل َك ِ ّ‬
‫ه إ ِذ ْ َقاُلوا ل ِ َ‬ ‫ل َك ُ ُ‬
‫م إ ِّنا ب َُرآُء‬ ‫مهِ ْ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َوال ّ ِ‬ ‫هي َ‬ ‫ة ِفي إ ِب َْرا ِ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫سوَة ٌ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫دا ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ‬ ‫م وَب َ َ‬ ‫ُ‬
‫فْرَنا ب ِك ْ‬ ‫َ‬
‫ن اللهِ ك َ‬ ‫ّ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ُ‬
‫من ْك ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ه{ ]‪.[41‬‬ ‫حد َ ُ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وَ ْ‬ ‫حّتى ت ُؤ ْ ِ‬ ‫ضاُء أَبدا ً َ‬ ‫داوَة ُ َوال ْب َغْ َ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫فأمر المؤمنين أن يتأسوا بإبراهيم ومن معه حيث أبدوا العداوة‬
‫والبغضاء لمن أشرك حتى يؤمنوا بالله وحده ]‪.[42‬‬

‫‪495‬‬
‫وثبات المحبة إنما يكون بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫في أعماله وأقواله وأخلقه‪ ،‬فبحسب هذا التباع يكون منشأ هذه‬
‫المحبة وثباتها وقوتها‪ ،‬وبحسب نقصانه يكون نقصانها‪.‬‬
‫وهذا التباع يوجب المحبة والمحبوبية معا‪ ،‬ول يتم المر إل بهما‬
‫فليس الشأن في أن تحب الله‪ ،‬بل الشأن في أن يحبك الله‪ ،‬ول‬
‫يحبك الله إل إذا اتبعت حبيبه ظاهرا وباطنا‪ ،‬وصدقته خبرا‪،‬‬
‫وأطعته أمرا‪ ،‬وأجبته دعوة‪ ،‬وآثرته طوعا وفنيت عن حكم غيره‬
‫بحكمه‪ ،‬وعن محبة غيره من الخلق بمحبته‪ ،‬وعن طاعة غيره‬
‫بطاعته‪ ،‬وإن لم يكن ذلك فل تتعن‪ ،‬وارجع من حيث شئت‬
‫فالتمس نورا فلست على شيء ]‪.[43‬‬
‫ومحبة الله ورسوله على درجتين‪:‬‬
‫واجبة‪ ،‬وهي درجة المقتصدين‪ .‬ومستحبة‪ ،‬وهي درجة السابقين‪.‬‬
‫فالولى‪ :‬تقتضي أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما‪،‬‬
‫ن‬
‫مُنو َ‬ ‫وما ً ي ُؤ ْ ِ‬ ‫جد ُ ق َ ْ‬ ‫بحيث ل يحب شيئا يبغضه‪ ،‬كما قال تعالى‪} :‬ل ت َ ِ‬
‫ه{ وذلك يقتضي‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫حاد ّ الل ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫وا ّ‬ ‫خرِ ي ُ َ‬ ‫ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬
‫محبة جميع ما أوجبه الله تعالى‪ ،‬وبغض ما حرمه الله تعالى‪،‬‬
‫وذلك واجب‪ ،‬فإن إرادة الواجبات إرادة تامة تقتضي وجود ما‬
‫أوجبه الله‪ ،‬كما تقتضي عدم الشياء التي نهى الله عنها وذلك‬
‫مستلزم لبغضها التام‪.‬‬
‫فيجب على كل مؤمن أن يحب ما أحبه الله‪ ،‬ويبغض ما أبغضه‬
‫ل الل ّه فَأ َحب َ َ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬ ‫الله قال تعالى‪} :‬ذ َل َ َ‬
‫م{‬ ‫مال َهُ ْ‬ ‫ط أع ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫هوا َ‬ ‫م ك َرِ ُ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫ل أي ّك ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫سوَرة ٌ فَ ِ‬ ‫ت ُ‬ ‫ما أن ْزِل ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫]‪ .[44‬وقال تعالى‪} :‬وَإ ِ َ‬
‫َ‬
‫ن‪،‬‬‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫مانا ً وَهُ ْ‬ ‫م ِإي َ‬ ‫مُنوا فََزاد َت ْهُ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬ ‫مانا ً فَأ ّ‬ ‫ه هَذ ِهِ ِإي َ‬ ‫َزاد َت ْ ُ‬
‫َ‬
‫م{ ]‪،[45‬‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫جسا ً إ َِلى رِ ْ‬ ‫م رِ ْ‬ ‫ض فََزاد َت ْهُ ْ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬ ‫وَأ ّ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ك وَ ِ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ما أ ُن ْزِ َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫حو َ‬ ‫فَر ُ‬ ‫ب يَ ْ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫ن آت َي َْناهُ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقال تعالى‪َ} :‬وال ّ ِ‬
‫ضه{ ]‪.[46‬‬ ‫ن ي ُن ْك ُِر ب َعْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫حَزا ِ‬ ‫ال َ ْ‬
‫وأما محبة السابقين بأن يحب ما أحبه الله من النوافل والفضائل‬
‫محبة تامة‪ ،‬وهذه حال المقربين الذين قربهم الله إليه‪ .‬فإذا كانت‬
‫محبة الله ورسوله الواجبة تقتضي بغض ما أبغضه الله ورسوله‪،‬‬
‫كما في سائر أنواع المحبة‪ ،‬فإنها توجب بغض الضد ‪.[47] "...‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬المعنى الصحيح لمحبة النبي صلى الله عليه‬


‫وسلم وانقسام الناس فيها‪:‬‬
‫اعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أوجب لنبينا صلى الله عليه‬
‫وسلم على القلب واللسان والجوارح حقوقا زائدة على مجرد‬
‫التصديق بنبوته‪ ،‬كما أوجب سبحانه على خلقه من العبادات على‬
‫القلب واللسان والجوارح أمورا زائدة على مجرد التصديق به‬

‫‪496‬‬
‫سبحانه‪ .‬وحرم سبحانه لحرمة رسوله ‪ -‬مما يباح أن يفعل مع‬
‫غيره ‪ -‬أمورا زائدة على مجرد التكذيب بنبوته‪.‬‬
‫فمن تلك الحقوق حقه صلى الله عليه وسلم بأن يكون أحب إلى‬
‫المؤمن من نفسه وولده وجميع الخلق كما دلت على ذلك الدلة‬
‫من القرآن والسنة ]‪ [48‬والتي سيأتي ذكرها‪.‬‬
‫"فحب النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم واجبات الدين" ]‬
‫‪.[49‬‬
‫فهذه المحبة الواجبة له صلى الله عليه وسلم هي من محبة الله‪،‬‬
‫فهي حب لله وفي الله‪ ،‬ذلك لن محبة الله توجب محبة ما يحبه‬
‫الله‪ ،‬والله يحب نبيه وخليله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فوجب بذلك‬
‫محبته حقا‪ ،‬فهي متفرعة عن محبة الله وتابعة لها واقتران ذكرها‬
‫مع محبة الله في القرآن والسنة إنما هو للتنبيه على أهميتها‬
‫وعظم منزلتها‪.‬‬
‫وبمقتضى هذه المحبة يجب موافقة الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم في حب ما يحبه وكره ما يكرهه‪ ،‬أي بتحقيق المتابعة له‬
‫فيحب بقلبه ما أحب الرسول‪ ،‬ويكره ما كرهه الرسول‪ ،‬ويرضى‬
‫بما يرضى الرسول‪ ،‬ويسخط ما يسخط الرسول‪ ،‬ويعمل‬
‫بجوارحه بمقتضى هذا الحب والبغض‪.‬‬
‫وقد انقسم الناس في فهمهم لهذه المحبة إلى ثلثة أقسام هي‪:‬‬
‫القسم الول‪ :‬أهل الفراط‪.‬‬ ‫•‬
‫القسم الثاني‪ :‬أهل التفريط‪.‬‬ ‫•‬
‫القسم الثالث‪ :‬الذين توسطوا بين الفراط والتفريط‪.‬‬ ‫•‬
‫أما أصحاب القسم الول‪ :‬فهم الذين بالغوا في محبته بابتداعهم‬
‫أمورا لم يشرعها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ظنا منهم‬
‫أن فعل هذه المور هو علمة المحبة وبرهانها‪.‬‬
‫ومن تلك المور احتفالهم بمولده‪ ،‬ومبالغتهم في مدحه وإيصاله‬
‫إلى أمور ل تنبغي إل لله تعالى ومن ذلك قول قائلهم‪:‬‬
‫سواك عند حلول الحادث‬ ‫يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به‬
‫العمم‬
‫فضل وإل فقل يا زلة القدم‬ ‫إن لم تكن في معادي آخذا بيدي‬
‫]‪[50‬‬
‫وقوله‪:‬‬
‫ومن علومك علم اللوح‬ ‫فإن من جودك الدنيا وضرتها‬
‫والقلم‬
‫فإذا كانت الدنيا والخرة من جود الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ومن بعض علومه علم اللوح والقلم لن "من" للتبعيض‪،‬‬
‫فماذا للخالق جل وعل؟‬

‫‪497‬‬
‫إضافة إلى صرف بعض أنواع العبادة له كالدعاء والتوسل‬
‫والستشفاع والحلف به والطواف والتمسح بالحجرة التي فيها‬
‫قبره صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك من البدعّيات‬
‫والشركّيات التي تفعل بدعوى المحبة للرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وهي أمور لم يشرعها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم‬
‫ولم يفعلها الصحابة رضوان الله عليهم الذين عرفوا بإجللهم‬
‫وتقديرهم ومحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وإضافة‬
‫إلى ذلك فإن ما يقوم به هؤلء هي أمور مخالفة لما جاء به‬
‫الشارع‪ ،‬بل هي أمور قد حذر الشارع من فعلها‪ ،‬ولقد صار حظ‬
‫أكثر أصحاب هذا القسم منه صلى الله عليه وسلم مدحه‬
‫بالشعار والقصائد المقترنة بالغلو والطراء الزائد الذي حذر منه‬
‫الشارع الكريم‪ ،‬مع عصيانهم له في كثير من أمره ونهيه‪ ،‬فتجد‬
‫هذا النوع من أعصى الخلق له صلوات الله عليه وسلمه ]‪.[51‬‬
‫فيا ترى أي محبة هذه التي يخالف أصحابها شرع نبيهم‪ ،‬فيحلوا‬
‫ما حرم الله ويحرموا ما أحل الله‪ ،‬فكرهوا ما أحب الله ورسوله‪،‬‬
‫وأحبوا ما كرهه الله ورسوله‪ .‬فكيف تكون لهؤلء محبة وهم قد‬
‫ابتدعوا ما ابتدعوه من أمور لم تشرع في الدين‪ ،‬ونعلم أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تبرأ ممن ابتدع في هذا‬
‫الدين فقال‪" :‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"‪.‬‬
‫والذي يجب على أمثال هؤلء أن يعلموا أن محبة الرسول‬
‫وتعظيمه إنما تكون بتصديقه فيما أخبر به عن الله‪ ،‬وطاعته فيما‬
‫أمر به‪ ،‬ومتابعته‪ ،‬ومحبته وموالته‪ ،‬ل بالتكذيب بما أرسل به‪،‬‬
‫والشراك به والغلو فيه‪ ،‬فهذا ل يعدو كونه كفرا به‪ ،‬وطعنا فيما‬
‫جاء به ومعاداة له ]‪.[52‬‬
‫كما يجب عليهم أن يفرقوا بين الحقوق التي يختص بها الله وحده‬
‫ويبين الحقوق التي له ولرسله‪ ،‬والحقوق التي يختص بها‬
‫الرسول‪ ،‬فقد ميز سبحانه بين ذلك في مثل قوله }وَت ُعَّزُروهُ‬
‫َ‬
‫ل{ ]‪ ،[53‬فالتعزير والتوقير‬ ‫صي ً‬ ‫حوه ُ ب ُك َْرة ً وَأ ِ‬ ‫سب ّ ُ‬‫وَت ُوَقُّروه ُ وَت ُ َ‬
‫ن ي ُط ِِع الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫م ْ‬
‫للرسول والتسبيح بكرة وأصيل لله‪ ،‬وكما قال‪} :‬وَ َ‬
‫ن{‪ ،‬فالطاعة لله‬ ‫م ال ْ َ‬
‫فائ ُِزو َ‬ ‫قهِ فَُأول َئ ِ َ‬
‫ك هُ ُ‬ ‫ه وَي َت ّ ْ‬‫ش الل ّ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ه وَي َ ْ‬ ‫سول َ ُ‬
‫وََر ُ‬
‫ولرسوله‪ ،‬والخشية والتقوى لله وحده وكما يقول المرسلون‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{ ]‪.[54‬‬ ‫طيُعو ِ‬ ‫قوه ُ وَأ ِ‬ ‫ه َوات ّ ُ‬‫دوا الل ّ َ‬ ‫ن اع ْب ُ ُ‬‫}أ ِ‬
‫فعلى هؤلء أن يعلموا أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫تنال بدعائه والستغاثة به‪ ،‬فتلك أمور صرفها لغير الله يعد شركا‬
‫مع الله فالله وحده هو الذي يدعى ويستغاث به فهو رب‬
‫العالمين‪ ،‬وخالق كل شيء‪ ،‬وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه‪،‬‬
‫وهو القريب الذي يجيب الداع إذا دعاه وهو سميع الدعاء سبحانه‬

‫‪498‬‬
‫وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا‪ .‬وسيأتي بإذن الله مزيد‬
‫تفصيل لما وقع فيه أصحاب هذا القسم من الغلو في حقه‪ ،‬وذلك‬
‫في الباب الرابع الذي عقدته للكلم عن الغلو في حقه صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫أما أصحاب القسم الثاني فهم أهل التفريط الذين قصروا في‬
‫تحقيق هذا المقام فلم يراعوا حقه صلى الله عليه وسلم في‬
‫وجوب تقديم محبته على محبة النفس والهل والمال‪ .‬كما لم‬
‫يراعوا ماله من حقوق أخرى كتعزيره وتوقيره وإجلله وطاعته‬
‫واتباع سنته والصلة والسلم عليه إلى غير ذلك من الحقوق‬
‫العظيمة الواجبة له‪ .‬والسبب في ذلك يعود إلى إحدى المور‬
‫التالية أو إليها جميعا وهي‪:‬‬
‫أول‪ :‬إعراض هؤلء عن سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وعن‬
‫اتباع شرعه بسبب ما هم عليه من المعاصي‪ ،‬وإسرافهم في‬
‫تقديم شهوات أنفسهم وأهوائهم على ما جاء في الشرع من‬
‫الوامر والنواهي‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬اعتقاد الكثير أن مجرد التصديق يكفي في تحقيق اليمان‪،‬‬
‫وأن هذا هو القدر الواجب عليهم‪ ،‬ولذا تراهم يكتفون بالتصديق‬
‫بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬دون تحقيق المتابعة له‪ ،‬وهذا‬
‫هو حال أهل الرجاء الذين يؤخرون العمل عن مسمى اليمان‬
‫ويقولون إن اليمان هو التصديق بالقلب فقط‪ ،‬أو تصديق القلب‬
‫وإقرار اللسان وما أكثرهم في زماننا هذا‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬جهل الكثير منهم بأمور دينهم بما فيها الحقوق الواجبة له‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والتي من ضمنها محبته صلى الله عليه‬
‫وسلم فكثير من الناس ‪ -‬ول حول ول قوة إل بالله ‪ -‬ليس لهم‬
‫من السلم إل اسمه وليس لهم من الدين إل رسمه‪.‬‬
‫فالواجب على هؤلء أن يعودوا إلى رشدهم وأن يقلعوا عن‬
‫غيهم‪ ،‬وما هم عليه من المعاصي والذنوب التي هي سبب نقصان‬
‫إيمانهم وضعف محبتهم وبعدهم عما يقربهم إلى الله تعالى‪.‬‬
‫كما يجب عليهم أن يعلموا أن مجرد التصديق ل يسمى إيمانا بل‬
‫اليمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالركان يزيد بطاعة‬
‫الرحمن وينقص بطاعة الشيطان‪ ،‬فليس لحد أن يخرج العمل‬
‫عن مسمى اليمان فلذلك يجب على كل من يؤمن بالله ورسوله‬
‫أن يطيع الله ورسوله ويتبع ما أنزل الله من الشرع على رسوله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فبذلك يحصل اليمان‪ ،‬فإن التباع هو‬
‫ميزان اليمان فبحسب اتباع المرء يكون إيمانه‪ ،‬فمتى ما قوي‬
‫اتباعه قوي إيمانه والعكس بالعكس‪.‬‬

‫‪499‬‬
‫كما يجب عليهم معرفة أمور دينهم وبخاصة الواجب منها والتي‬
‫من ضمنها معرفة ما للمصطفى صلى الله عليه وسلم من‬
‫الحقوق الواجبة فلقد ذم الله تبارك وتعالى أولئك النفر الذين لم‬
‫يعرفوا ما للنبي صلى الله عليه وسلم من حق في عدم رفع‬
‫الصوت عند مخاطبته أو مناداته ووصفهم الله بأنهم ل يعقلون‬
‫َ‬
‫مل‬ ‫ت أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫جَرا ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن وََراءِ ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫ك ِ‬ ‫دون َ َ‬ ‫ن ي َُنا ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫قال تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ن{ ]‪ ،[55‬وفي السورة نفسها أثنى على الذين عرفوا حق‬ ‫قُلو َ‬ ‫ي َعْ ِ‬
‫ن‬
‫ضو َ‬ ‫ن ي َغُ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫وى‬ ‫ق َ‬‫م ِللت ّ ْ‬ ‫ه قُُلوب َهُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مت َ َ‬‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ل الل ّهِ ُأول َئ ِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫عن ْد َ َر ُ‬ ‫م ِ‬ ‫وات َهُ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫م{ ]‪ ،[56‬والله سبحانه وتعالى يقول في‬ ‫ظي ٌ‬ ‫جٌر ع َ ِ‬ ‫فَرة ٌ وَأ ْ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫ن{ ]‬ ‫مو َ‬ ‫ن ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ي َعْل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫وي ال ّ ِ‬ ‫ست َ ِ‬
‫ل يَ ْ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫كتابه العزيز }قُ ْ‬
‫‪ .[57‬وليعلم هؤلء أنه ل يتحقق لهم إيمان ول محبة إل باتباعهم‬
‫للمصطفى صلى الله عليه وسلم واقتدائهم بسنته والسير على‬
‫نهجه وهداه‪.‬‬
‫أما القسم الثالث‪ :‬فهم الذين توسطوا بين الطرفين السابقين‬
‫أهل الفراط وأهل التفريط‪ .‬فأصحاب هذا القسم هم السلف من‬
‫الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم الذين آمنوا بوجوب هذه‬
‫المحبة حكما وقاموا بمقتضاها اعتقادا وقول وعمل‪ .‬فأحبوا النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فوق محبة النفس والولد والهل وجميع‬
‫الخلق امتثال لمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم‬
‫ي أوَْلى‬ ‫َ‬
‫فجعلوه أولى بهم من أنفسهم تصديقا لقوله تعالى }الن ّب ِ ّ‬
‫م{ ]‪ ،[58‬وأيقنوا بوجوب أن يوقى بالنفس‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ِبال ْ ُ‬
‫م‬‫حوْل َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫دين َةِ وَ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن ل َهْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫والموال طاعة لقوله تعالى } َ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ل الل ّهِ َول ي َْرغ َُبوا ب ِأن ْ ُ‬ ‫خل ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م عَ ْ‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫فوا ع َ ْ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ن الع َْرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ه{ ]‪ .[59‬وقاموا بمقتضى هذه المحبة اعتقادا وقول وعمل‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫بحسب ما أو جب الله لنبيه صلى الله عليه وسلم من حقوق‬
‫على القلب واللسان والجوارح من غير إفراط ول تفريط‪ .‬فآمنوا‬
‫وصدقوا بنبوته ورسالته وما جاء به من ربه عز وجل‪ .‬وقاموا‪-‬‬
‫بحسب استطاعتهم‪ -‬بما يلزم من طاعته والنقياد لمره والتأسي‬
‫بفعله والقتداء بسنته إلى غير ذلك مما يعد من لوازم اليمان‬
‫برسالته‪.‬‬
‫ه َفان ْت َُهوا{ ]‬ ‫م ع َن ْ ُ‬ ‫ما ن ََهاك ُ ْ‬ ‫ذوه ُ وَ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫ما آَتاك ُ ُ‬ ‫قال تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫‪ [60‬وامتثلوا لما أمر به سبحانه وتعالى من حقوق زائدة على‬
‫وته وما يدخل في لوازم رسالته‪.‬‬ ‫مجرد التصديق بنب ّ‬
‫فمن ذلك امتثالهم لمره سبحانه بالصلة عليه والتسليم قال‬
‫َ‬
‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ي َيا أي َّها ال ّ ِ‬ ‫ن ع ََلى الن ّب ِ ّ‬ ‫صّلو َ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ملئ ِك َت َ ُ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫سِليمًا{ ]‪ .[61‬وما أمر به سبحانه من‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬ ‫صّلوا ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬

‫‪500‬‬
‫ه{‪ .‬فتعزيره يكون‬ ‫حو ُ‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫تعزيره وتوقيره قال تعالى‪} :‬وَت ُوَقُّروه ُ وَت ُ َ‬
‫بنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وتوقيره‪ :‬يكون بإجلله وإكرامه وأن يعامل بالتشريف والتكريم‬
‫والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار ]‪.[62‬‬
‫عاَء‬ ‫جعَُلوا د ُ َ‬ ‫ويدخل في ذلك مخاطبته بما يليق قال تعالى‪}:‬ل ت َ ْ‬
‫م ب َْعضًا{ ]‪.[63‬‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫عاِء ب َعْ ِ‬ ‫م ك َد ُ َ‬ ‫ل ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫الّر ُ‬
‫وحرمة التقدم بين يديه بالكلم حتى يأذن‪ ،‬وحرمة رفع الصوت‬
‫فوق صوته وأن يجهر له بالكلم كما يجهر الرجل للرجل قال‬
‫َ‬
‫قوا‬ ‫سول ِهِ َوات ّ ُ‬ ‫ي الل ّهِ وََر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن ي َد َ‬ ‫موا ب َي ْ َ‬ ‫قد ّ ُ‬‫مُنوا ل ت ُ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫تعالى‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫وات َك ُ ْ‬ ‫ص َ‬‫مُنوا ل ت َْرفَُعوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م‪َ ،‬يا أي َّها ال ّ ِ‬ ‫ميعٌ ع َِلي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫الل ّ َ‬
‫َ‬ ‫ه ِبال ْ َ‬
‫ن‬
‫ضأ ْ‬ ‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫جهْرِ ب َعْ ِ‬ ‫ل كَ َ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫جهَُروا ل َ ُ‬ ‫ي َول ت َ ْ‬ ‫ت الن ّب ِ ّ‬ ‫صو ْ ِ‬ ‫فَوْقَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫تحب َ َ‬
‫عن ْد َ‬ ‫م ِ‬ ‫وات َهُ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ضو َ‬ ‫ن ي َغُ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ن‪ ،‬إ ِ ّ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫م وَأن ْت ُ ْ‬ ‫مال ُك ُ ْ‬ ‫ط أع ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ل اللهِ أولئ ِ َ‬ ‫ّ‬
‫فَرةٌ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫وى لهُ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫م ِللت ّ ْ‬ ‫ه قُلوب َهُ ْ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫َر ُ‬
‫م{ ]‪.[64‬‬ ‫َ‬
‫ظي ٌ‬ ‫جٌر ع َ ِ‬ ‫وَأ ْ‬
‫فقاموا بهذه المور امتثال وطاعة لمر الله تبارك وتعالى وأدوا ما‬
‫فرض عليهم من الحقوق الخرى التي يطول ذكرها والتي هي‬
‫مذكورة في ثنايا هذا البحث‪ .‬وهم مع قيامهم بهذه المور لم‬
‫يتجاوزوا ما أمروا به فلم يغالوا ولم يبالغوا كما فعل أهل الفراط‬
‫الذين وصفوا النبي صلى الله عليه وسلم بأمور ل تنبغي لغير الله‬
‫كعلم الغيب‪ ،‬وصرفوا له أمورا ل يجوز صرفها لغير الله كدعائه‬
‫والسجود له والستغاثة به والطواف بقبره‪.‬‬
‫بل هم مؤمنون بأن ما أكرم الله به نبيه صلى الله عليه وسلم‬
‫من النبوة والرسالة والرفعة وعظم القدر وشرف المنزلة‪ ،‬كل‬
‫ذلك ل يوجب خروجه عن بشريته وعبوديته لله قال تعالى‪} :‬قُ ْ‬
‫ل‬
‫ل{ ]‪.[65‬‬ ‫سو ً‬ ‫شرا ً َر ُ‬ ‫ت إ ِّل ب َ َ‬ ‫ل ك ُن ْ ُ‬ ‫ن َرّبي هَ ْ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ُ‬
‫واعتقدوا أنه ليس من المحبة في شيء الغلو في حقه وقدره‬
‫ووصفه بأمور قد اختص الله بها وحده‪ ،‬بل علموا أن في هذا‬
‫مخالفة ومضادة لتلك المحبة ومناقضة لما أمر به سبحانه وتعالى‬
‫سي‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقوله لمته‪} :‬قُ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫ك ل ِن َ ْ‬ ‫للأ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ست َك ْث َْر ُ‬ ‫ب َل ْ‬ ‫م ال ْغَي ْ َ‬ ‫ت أع ْل َ ُ‬ ‫ه وَل َوْ ك ُن ْ ُ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ضّرا ً إ ِّل َ‬ ‫فعا ً َول َ‬ ‫نَ ْ‬
‫َ‬
‫ن{ ]‬ ‫مُنو َ‬ ‫قوْم ٍ ي ُؤ ْ ِ‬ ‫شيٌر ل ِ َ‬ ‫ذيٌر وَب َ ِ‬ ‫ن أَنا إ ِّل ن َ ِ‬ ‫سوُء إ ِ ْ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫سن ِ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ما َ‬ ‫خي ْرِ وَ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫‪.[66‬‬
‫ض ال ْغَي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ب إ ِل ّ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ل َ ي َعْل َ ُ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫ن{ ]‪.[67‬‬ ‫ن ي ُب ْعَُثو َ‬ ‫ن أّيا َ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫فكل غلو في حقه صلى الله عليه وسلم ليس من محبته في‬
‫شيء بل يعد مخالفة لما أمر به فيجب البتعاد عن ذلك والحذر‬
‫َ‬ ‫فون ع َ َ‬
‫ن‬
‫مرِهِ أ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫خال ِ ُ َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫حذ َرِ ال ّ ِ‬ ‫من عقوبته قال تعالى‪} :‬فَل ْي َ ْ‬

‫‪501‬‬
‫م{ كما يعد مشاقة للرسول‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫تصيبهم فتن ٌ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫صيب َهُ ْ‬‫ة أوْ ي ُ ِ‬ ‫ُ ِ َُ ْ ِ َْ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫ل ِ‬‫سو َ‬ ‫ق الّر ُ‬ ‫شاقِ ِ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬قال تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫ما ت َوَّلى‬
‫ن ن ُوَل ّهِ َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬‫سِبي ِ‬ ‫دى وَي َت ّب ِعْ غ َي َْر َ‬ ‫ه ال ْهُ َ‬
‫ن لَ ُ‬‫ما ت َب َي ّ َ‬
‫ب َعْد ِ َ‬
‫صيرا{ ]‪ ،[68‬ولذا فإنه يجب الحذر من‬ ‫ً‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ساَء ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫صل ِهِ َ‬‫وَن ُ ْ‬
‫حال الغلة الذين غلوا في حق النبي صلى الله عليه وسلم بما‬
‫ابتدعوه من المور التي لم يشرعها الله في كتابه أو على لسان‬
‫رسوله‪ ،‬بل حذر الله ورسوله منها‪.‬‬
‫وقد يظن البعض بأن السير على منهج أهل التوسط فيه انتقاص‬
‫من قدر النبي صلى الله عليه وسلم وغمط لحقه‪ ،‬والمر على‬
‫عكس ما يظنون فالذي يعتقده السلف الصالح رضوان الله‬
‫عليهم أجمعين أن الحق الواجب أن يثنى على النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم بما هو أهل له من الخصائص الثابتة له التي خصه‬
‫الله بها والفضائل العظيمة التي شرفه بها والصفات الحقيقية‬
‫والخلقية التي كان عليها وذلك للتعرف وتعريف الناس بفضله‬
‫ومكانته وعظيم قدره عند الله وعند خلقه حتى يتأسى ويقتدى به‬
‫في أقواله وأفعاله فهو السوة والقدوة عليه أفضل الصلة‬
‫ُ‬
‫ة‬
‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬ ‫سوَة ٌ َ‬‫ل الل ّهِ أ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫م ِفي َر ُ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫كا َ‬‫قد ْ َ‬‫والتسليم قال تعالى‪} :‬ل َ َ‬
‫ه ك َِثيرًا{ ]‪.[69‬‬ ‫خَر وَذ َك ََر الل ّ َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ه َوال ْي َوْ َ‬ ‫جو الل ّ َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫لِ َ‬
‫فمن صميم المحبة له صلى الله عليه وسلم الشتغال بمعرفة‬
‫سيرته بقصد التأسي والقتداء بما كان عليه من كريم الخصال‬
‫ومحاسن الفعال والقوال‪ .‬وكذا معرفة شمائله ودلئل نبوته‬
‫التي تعمق إيمان المسلم بصدق نبوته وتزيد في محبته وتعظيمه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬ولقد اهتم السلف بهذه الجوانب وأولوها‬
‫رعايتهم واهتمامهم فاعتنوا بتأليف المؤلفات التي أوضحت هذه‬
‫الجوانب وأبرزتها فقد ألفت لهذا الغرض كتب الشمائل التي‬
‫اعتنت بذكر صفاته وأحواله في عباداته وخلقه وهديه ومعاملته ]‬
‫‪ ،[70‬كما ألفت كتب الدلئل التي اعتنت بدلئل وعلمات نبوته‬
‫صلى الله عليه وسلم ]‪.[71‬‬
‫هذا بالضافة إلى ما كتب في الفضائل والخصائص التي كانت‬
‫للنبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬كما اعتنوا بأصل هذه الجوانب‬
‫جميعها أل وهو سيرته الشريفة صلى الله عليه وسلم فقد ألفت‬
‫لهذا الغرض المؤلفات التي اعتنت بحياته منذ ولدته إلى وفاته‬
‫وضمت في جوانب ذلك الحديث عن نشأته وبعثته وما حدث له‬
‫من المور قبل الهجرة وبعدها وما كان من أمر دعوته وغزواته‬
‫وسراياه وما يتعلق بهذه الجوانب وغيرها مما هو داخل في‬
‫سيرته ]‪ .[72‬فقد دونت هذه الجوانب جميعها وخدمت بقصد أن‬
‫يتأسى الناس به صلى الله عليه وسلم وأن يتعرفوا على كمال‬

‫‪502‬‬
‫ذاته صلى الله عليه وسلم وما تميز به من صفات‪ ،‬وتفرد به من‬
‫أخلق لتزيد تلك المعرفة من محبتهم له وتنميتها في قلوبهم‬
‫ولتبعث في نفوسهم تعظيمه وإجلله‪.‬‬
‫وبهذا يعلم أن أهل التوسط لم ينتقصوا من قدره صلى الله عليه‬
‫وسلم بل حفظوا وحافظوا على كل ما من شأنه أن يضمن‬
‫استمرارية محبة المة وتعظيمها له‪.‬‬
‫فهذه حال أهل التوسط وهذا هو منهجهم فمن أراد أن يسير على‬
‫النهج القويم ويسلك الصراط المستقيم فعليه بسبيل أهل اليمان‬
‫وطريقهم أل وهو الكتاب والسنة فذاك طريق الحق‪ ،‬والحق أحق‬
‫أن يتبع‪.‬‬
‫وهذا منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن‬
‫سار على نهجهم إلى يوم الدين‪ ،‬فقد كانت محبتهم للنبي صلى‬
‫الله عليه وسلم تحكمها قواعد الكتاب والسنة‪ ،‬فما أمر به‬
‫الشارع ائتمروا به وما نهى عنه الشارع انتهوا عنه‪ ،‬ولم يحكموا‬
‫في هذه المحبة عواطفهم وأهواءهم كما فعل أهل الفراط الذين‬
‫زلت بهم أقدامهم بسبب غلوهم في حقه ذاك الغلو الذي دفعهم‬
‫إليه تحكيم أهوائهم‪ ،‬وهو غلو ما أنزل الله به من سلطان بل إن‬
‫نصوص الشرع تنص على تحريمه‪ ،‬وإنه ليصدق وصف أهل‬
‫ن‬ ‫ض ّ‬ ‫الفراط بقوله تعالى‪} :‬وم َ‬
‫م َ‬‫هدىً ِ‬‫واه ُ ب ِغَي ْرِ ُ‬
‫ن ات ّب َعَ هَ َ‬
‫م ِ‬
‫م ّ‬‫ل ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ن{ ]‪.[73‬‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫م الظال ِ ِ‬ ‫دي ال ْ َ‬
‫قو ْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫الل ّهِ إ ِ ّ‬
‫فخلصة القول في هذا الجانب أن المفهوم الصحيح لمحبته صلى‬
‫الله عليه وسلم يتمثل في ذلك المفهوم الذي كان عليه سلف‬
‫المة وأئمتها من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن سار على‬
‫نهجهم وسلك سبيلهم‪ .‬ذلك المفهوم المستمد من آيات القرآن‬
‫ونصوص السنة والذي لم يخرج عنهما قيد أنملة‪.‬‬
‫وما ذكرته ههنا عن هذا المفهوم الصحيح على سبيل الجمال‪،‬‬
‫وتفصيل ذلك مستوفى بين دفتي هذا البحث فمنه ما سبق بيانه‬
‫ومنه ما سيأتي تفصيله ونسأل الله العانة على ذلك‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الدلة على وجوب محبته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫المطلب الول‪ :‬الدلة من القرآن على وجوب محبته صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫لما كانت محبة الله ورسوله من أعظم واجبات اليمان‪ ،‬وأكبر‬
‫أصوله وأجل قواعده‪ ،‬بل هي أصل كل عمل من أعمال اليمان‬
‫والدين كما أن التصديق أصل كل قول من أقوال اليمان ]‪.[74‬‬
‫ولما كانت هذه المحبة من اليمان الواجب الذي ل يتم إيمان‬
‫العبد إل به‪ .‬ولما كانت هذه المحبة هي إحدى الحقوق الواجبة‬

‫‪503‬‬
‫للنبي صلى الله عليه وسلم على أمته‪ ،‬فقد جعل الله هذه المحبة‬
‫فوق محبة النسان لنفسه وأهله وماله والناس أجمعين‪ .‬كما نص‬
‫على ذلك في كتابه الله العزيز‪:‬‬
‫َ‬
‫وان ُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫خ َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫م وَأب َْناؤ ُك ُ ْ‬ ‫ن آَباؤ ُك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫أول‪ :‬قال تعالى‪} :‬قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ها‬
‫ساد َ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫شوْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫جاَرة ٌ ت َ ْ‬ ‫ها وَت ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل اقْت ََرفْت ُ ُ‬ ‫وا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫شيَرت ُك ُ ْ‬ ‫م وَع َ ِ‬ ‫جك ُ ْ‬‫وَأْزَوا ُ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫سِبيل ِ ِ‬‫جَهاد ٍ ِفي َ‬ ‫سول ِهِ وَ ِ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ب إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ضوْن ََها أ َ‬ ‫ن ت َْر َ‬‫ساك ِ ُ‬‫م َ‬ ‫وَ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ن{ ]‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬‫فا ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫قوْ َ‬ ‫دي ال َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫مرِهِ َوالل ُ‬ ‫ه ب ِأ ْ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫حّتى ي َأت ِ َ‬ ‫صوا َ‬ ‫فَت ََرب ّ ُ‬
‫‪.[75‬‬
‫فالية نصت على وجوب محبة الله ورسوله وأن تلك المحبة يجب‬
‫أن تكون مقدمة على كل محبوب‪ ،‬ول خلف في ذلك بين المة ]‬
‫‪.[76‬‬
‫قال القاضي عياض‪" :‬كفى بهذه الية حضا وتنبيها ودللة وحجة‬
‫على لزوم محبته‪ ،‬ووجوب فرضها‪ ،‬واستحقاقه لها صلى الله عليه‬
‫وسلم إذ قرع تعالى من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله‬
‫ه{‬ ‫ورسوله‪ ،‬وأوعدهم بقوله تعالى‪} :‬فَتربصوا حتى يأ ْتي الل ّ َ‬
‫مرِ ِ‬ ‫ه ب ِأ ْ‬‫ُ‬ ‫َ ّ َ ِ َ‬ ‫ََ ّ ُ‬
‫ثم فسقهم بتمام الية وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله" ]‬
‫‪.[77‬‬
‫والمتأمل لهذه الية يجد أن المر فيها لم يقتصر على وجود أصل‬
‫المحبة لله ورسوله‪ ،‬بل لبد مع ذلك أن يكون الله ورسوله أحب‬
‫إليه مما سواهما‪ .‬وهذه المحبة لله تقتضي تحقيق العبودية له لن‬
‫العبادة هي الغاية التي خلق الله لها العباد من جهة أمره ومحبته‬
‫ن{ ]‬ ‫دو ِ‬ ‫س إ ِل ّ ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫ن َوال ِن ْ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ ْ‬‫ما َ‬ ‫ورضاه كما قال تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫‪ [78‬وبها أرسل الرسل وأنزل الكتب‪ ،‬وهي اسم يجمع كمال‬
‫الحب لله ونهايته وكمال الذل لله ونهايته فالحب الخالي عن‬
‫الذل والذل الخالي عن الحب ل يكون عبادة‪ ،‬وإنما العبادة ما‬
‫يجمع كمال المرين ولهذا كانت العبادة ل تصلح إل لله‪ ،‬وهي وإن‬
‫كانت منفعتها للعبد والله غني عنها فهي له من جهة محبته لها‬
‫ورضاه بها ]‪[79‬‬
‫وأما محبة الرسول فتقتضي تحقيق المتابعة له صلى الله عليه‬
‫وسلم وموافقته في حب المحبوبات وبغض المكروهات‪ .‬ومحبته‬
‫صلى الله عليه وسلم متفرعة عن محبة الله تعالى وتابعة لها‪.‬‬
‫فمن أحب الله ورسوله محبة صادقة من قلبه أوجب له ذلك أن‬
‫يحب بقلبه ما يحبه الله ورسوله‪ ،‬ويكره ما يكرهه الله ورسوله‪،‬‬
‫ويرضى ما يرضى الله ورسوله‪ ،‬ويسخط ما يسخط الله ورسوله‬
‫وأن يعمل بجوارحه بمقتضى هذا الحب والبغض‪ ،‬فإن عمل‬
‫بجوارحه شيئا يخالف ذلك‪ ،‬بأن ارتكب بعض ما يكرهه الله‬
‫ورسوله أو ترك بعض ما يحبه الله ورسوله مع وجوبه والقدرة‬

‫‪504‬‬
‫عليه دل ذلك على نقص محبته الواجبة فعليه أن يتوب من ذلك‬
‫ويرجع إلى تكميل المحبة الواجبة‪.‬‬
‫فجميع المعاصي إنما تنشأ من تقديم هوى النفوس على محبة‬
‫الله ورسوله‪ ،‬وقد وصف الله المشركين باتباع الهوى في مواضع‬
‫ك َفاع ْل َ َ‬ ‫جيُبوا ل َ َ‬
‫ن‬
‫ما ي َت ّب ُِعو َ‬
‫م أن ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫ست َ ِ‬
‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫من كتابه فقال تعالى‪} :‬فَإ ِ ْ‬
‫أ َهْواَءهُم وم َ‬
‫ه{ ]‪،[80‬‬ ‫ن الل ّ ِ‬‫م َ‬ ‫هدىً ِ‬ ‫واه ُ ب ِغَي ْرِ ُ‬ ‫ن ات ّب َعَ هَ َ‬
‫م ِ‬
‫م ّ‬ ‫ض ّ‬
‫ل ِ‬ ‫نأ َ‬‫ْ َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫وكذلك البدع إنما تنشأ من تقديم الهوى على الشرع‪ ،‬ولهذا‬
‫يسمى أهلها "أهل الهواء" ]‪[81‬‬
‫والذنوب تنقص من محبة الله تعالى بقدر ذلك‪ ،‬ولكن ل تزيل‬
‫المحبة لله ورسوله إذا كانت ثابتة في القلب‪ ،‬ولم تكن الذنوب‬
‫عن نفاق كما في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي‬
‫الله عنه في حديث حمار ]‪ [82‬الذي كان يشرب الخمر‪ ،‬وكان‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم يقيم عليه الحد فلما كثر ذلك منه‬
‫لعنه رجل‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل تلعنه فإنه يحب‬
‫الله ورسوله" ]‪ [83‬وفيه دللة على أنا منهيون عن لعنة أحد‬
‫بعينه‪ ،‬وإن كان مذنبا‪ ،‬إذا كان يحب الله ورسوله ]‪.[84‬‬
‫ثانيا‪ :‬ومن اليات التي يستدل بها على وجوب محبة النبي صلى‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫ي أوَْلى ِبال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫الله عليه وسلم قوله تعالى‪} :‬الن ّب ِ ّ‬
‫م{ ]‪ [85‬فالية دليل على أن من لم يكن الرسول أولى به‬ ‫سه ِ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫من نفسه فليس من المؤمنين‪ ،‬وهذه الولوية تتضمن أمورا منها‪:‬‬
‫أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إلى العبد من نفسه‪ ،‬لن‬
‫الولوية أصلها الحب‪ ،‬ونفس العبد أحب إليه من غيره‪ ،‬ومع هذا‬
‫يجب أن يكون الرسول أولى به منها‪ ،‬فبذلك يحصل له اسم‬
‫اليمان‪.‬‬
‫ويلزم من هذه الولوية والمحبة كمال النقياد والطاعة والرضا‬
‫والتسليم وسائر لوازم المحبة من الرضا بحكمه والتسليم لمره‪،‬‬
‫وإيثاره على ما سواه‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن ل يكون للعبد حكم على نفسه أصل‪ ،‬بل الحكم على‬
‫نفسه للرسول صلى الله عليه وسلم يحكم عليها أعظم من حكم‬
‫السيد على عبده أو الوالد على ولده‪ ،‬فليس له في نفسه تصرف‬
‫قط إل ما تصرف فيه الرسول الذي هو أولى به منها‪.‬‬
‫ومن العجب أن يدعي حصول هذه الولوية والمحبة التامة من‬
‫كان سعيه واجتهاده ونصيبه في الشتغال بأقوال غيره وتقريرها‬
‫والغضب والمحبة لها والرضا بها والتحاكم إليها‪ ،‬وعرض ما قاله‬
‫الرسول عليها‪ ،‬فإن وافقها قبله‪ ،‬وإن خالفها التمس وجوه الحيل‬
‫وبالغ في رده ليا وإعراضا ]‪[86‬‬

‫‪505‬‬
‫ولذلك فإنه ينبغي على كل مسلم أن يعلم أن محبة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ليست مجرد دعوى تتحقق بتلفظ اللسان فقط ‪-‬‬
‫كما يظن كثير من الناس ‪ -‬بل لبد لهذه الدعوى من البرهان‬
‫الذي يثبت صدقها‪ ،‬وبرهان المحبة تحقيق الولوية في شتى‬
‫صورها وأشكالها فبحسب ذلك التحقيق تتحدد درجة المحبة‬
‫وتتعين‪ .‬وليعلم أنه ل يتم للعبد مقام اليمان حتى يكون الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم أجل إليه من نفسه فضل عن ابنه وأبيه‪.‬‬
‫فإذا كان هذا شأن محبة عبده ورسوله فكيف بمحبته سبحانه؟‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬ومما يستدل به كذلك على وجوب محبة النبي صلى الله‬
‫ه{ ]‪.[87‬‬ ‫حب ّا ً ل ِل ّ ِ‬ ‫مُنوا أ َ َ‬
‫شد ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫عليه وسلم قوله تعالى‪َ} :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ووجه الستدلل بهذه الية‪ :‬أن الية قد تضمنت وجوب محبة‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم لنه مما يدخل في محبة الله محبة‬
‫ما يحبه الله‪ ،‬والله يحب نبيه وخليله صلى الله عليه وسلم فمن‬
‫أجل ذلك وجبت علينا محبته‪ .‬ومن المعلوم أن أصل حب أهل‬
‫اليمان هو حب الله‪ ،‬ومن أحب الله أحب من يحبه الله‪ ،‬وكل ما‬
‫يحب سواه فمحبته تكون تبعا لمحبة الله‪ ،‬إذ ليس في الوجود ما‬
‫يستحق أن يحب لذاته من كل وجه إل الله تعالى‪.‬‬

‫فالرسول عليه الصلة والسلم إنما يحب لجل الله ويطاع لجل‬
‫الله ويتبع لجل الله‪ ،‬وكذا النبياء والصالحون وسائر العمال‬
‫الصالحة تحب جميعا لنها مما يحب الله‪.‬‬
‫وبهذا يعلم تعين محبة النبي صلى الله عليه وسلم ووجوبها‬
‫ولزومها‪.‬‬
‫هذا وقد جاء ذكر محبة الرسول مقترنا بمحبة الله في قوله‬
‫َ‬
‫ه{ وكذلك في قوله صلى‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬
‫سول ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب إ ِل َي ْك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ح ّ‬
‫تعالى‪} :‬أ َ‬
‫الله عليه وسلم‪" :‬ثلثة من كن فيه وجد بهن حلوة اليمان من‬
‫كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ‪"..‬‬
‫وفي مواطن أخرى متعددة من السنة كما سيأتي‪.‬‬

‫وهذا القتران يدلل على مدى الصلة الوثيقة يين محبة الله‬
‫ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وإن كانت محبة الرسول‬
‫داخلة ضمن محبة الله تعالى أصل‪ ،‬لكن إفرادها بالذكر مع أنها‬
‫ضمن محبة الله فيه إشارة إلى عظم قدرها وإشعار بأهميتها‬
‫ومكانتها‪.‬‬
‫ه َفات ّب ُِعوِني‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬
‫حّبو َ‬
‫م تُ ِ‬‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬‫ل إِ ْ‬‫رابعا‪ :‬ومن الدلة قوله تعالى‪} :‬قُ ْ‬
‫م{ ]‪.[88‬‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬‫م َوالل ّ ُ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬
‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه وَي َغْ ِ‬ ‫حب ِب ْك ُ ُ‬
‫يُ ْ‬

‫‪506‬‬
‫ففي هذه الية إشارة ضمنية إلى وجوب محبة النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬لن الله تبارك وتعالى قد جعل برهان محبته تعالى‬
‫ودليل صدقها هو اتباع النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهذا التباع ل‬
‫يتحقق ول يكون إل بعد اليمان بالنبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫واليمان به لبد فيه من تحقق شروطه التي منها محبة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬فوالذي نفسي بيده ل يؤمن‬
‫أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده" ]‪.[89‬‬
‫فمحبته صلى الله عليه وسلم شرط في اليمان الذي ل يتحقق‬
‫التباع إل بوجوده‪ .‬ومن جهة أخرى فإن محبة الله مستلزمة‬
‫لمحبة ما يحبه من الواجبات‪ ،‬واتباع رسوله هو من أعظم ما‬
‫أوجبه الله تعالى على عباده وأحبه‪ .‬وهو سبحانه أعظم شيء‬
‫بغضا لمن لم يتبع رسوله‪ .‬فمن كان صادقا في دعوى محبة الله‬
‫اتبع رسوله ل محالة‪ ،‬وكان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما‪.‬‬
‫فتأمل هذا التلزم بين محبة الله تعالى ومحبة نبيه صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الدلة من السنة على وجوب محبته صلى الله‬


‫عليه وسلم‪.‬‬
‫تضافرت الدلة من السنة على تأكيد وجوب محبة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم باعتبار هذه المحبة من صميم الدين فل يتم لحد‬
‫إيمان إل بتحقيقها‪ .‬بل إنه ل يكتفي بوجود أصلها فقط‪ ،‬إذ لبد مع‬
‫ذلك من تقديم محبته بعد محبة الله على محبة النفس والوالد‬
‫والولد والناس أجمعين‪.‬‬

‫ومما يدل على وجوب تقديم محبته صلى الله عليه وسلم على‬
‫محبة النفس‪.‬‬
‫أول‪ :‬ما جاء في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال‬
‫للنبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬يا رسول الله‪ ،‬لنت أحب إلي من‬
‫كل شيء إل من نفسي‪.‬‬
‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل والذي نفسي بيده‪ ،‬حتى‬
‫أكون أحب إليك من نفسك"‪ .‬فقال له عمر‪ :‬فإنه الن والله لنت‬
‫أحب إلي من نفسي"‪ .‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬الن يا‬
‫عمر" ]‪.[90‬‬
‫فالحديث نص على وجوب تقديم محبة الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم على محبة النفس‪.‬‬

‫‪507‬‬
‫وأما الدليل على وجوب تقديم محبته على محبة الوالد والولد‬
‫والناس أجمعين‪:‬‬
‫ثانيا‪ :‬فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪" :‬فوالذي نفسي بيده ل يؤمن أحدكم حتى أكون‬
‫أحب إليه من والده وولده"‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬وعن أنس رضي الله عنه قال‪ :‬قال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬ل يؤمن أحدكم‬
‫حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" ]‪.[91‬‬
‫"فالمراد من قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل يؤمن أحدكم" أي‪:‬‬
‫ل يحصل له اليمان الذي تبرأ به ذمته‪ ،‬ويستحق به دخول الجنة‬
‫بل عذاب حتى يكون الرسول أحب إليه من أهله وولده والناس‬
‫أجمعين‪ ،‬بل ل يحصل له ذلك حتى يكون الرسول أحب إليه من‬
‫نفسه أيضا‪ ،‬كما تقدم في حديث عمر رضي الله عنه‪ .‬فمن لم‬
‫يكن كذلك‪ ،‬فهو من أصحاب الكبائر إذا لم يكن كافرا‪ ،‬فإنه ل‬
‫يعهد في لسان الشرع نفي اسم مسمى أمر الله به ورسوله إل‬
‫إذا ترك بعض واجباته‪ ،‬فأما إذا كان الفعل مستحبا في العبادة لم‬
‫ينفها لنتفاء المستحب‪ ،‬ولو صح هذا لنفي عن جمهور المؤمنين‬
‫اسم اليمان والصلة والزكاة والحج وحب الله ورسوله‪ ،‬لنه ما‬
‫من عمل إل وغيره أفضل منه‪ ،‬وليس أحد يفعل أفعال البر مثل‬
‫ما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬بل ول أبو بكر ول عمر‪ ،‬فلو‬
‫كان من لم يأت بكمالها المستحب يجوز نفيها عنه‪ ،‬لجاز أن ينفي‬
‫عن جمهور المسلمين من الولين والخرين‪ ،‬وهذا ل يقوله عاقل‪.‬‬
‫وعلى هذا فمن قال‪ :‬إن المنفي هو الكمال‪ ،‬فإن أراد أنه نفي‬
‫الكمال الواجب الذي يذم تاركه ويتعرض للعقوبة فقد صدق‪ ،‬وإن‬
‫أراد نفي الكمال المستحب فهذا لم يقع قط في كلم الله‬
‫ورسوله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وأكثر الناس يدعي أن الرسول أحب إليه مما ذكر‪ ،‬فل بد حينئذ‬
‫من تصديق ذلك بالعمل والمتابعة له‪ ،‬وإل فالمدعي كاذب‪.‬‬
‫فإن القرآن بين أن المحبة التي في القلب تستلزم العمل الظاهر‬
‫م‬‫حب ِب ْك ُ ُ‬‫ه َفات ّب ُِعوِني ي ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫م تُ ِ‬‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫بحبها كما قال تعالى‪} :‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫م‬‫ل وَأط َعَْنا ث ُ ّ‬ ‫سو ِ‬ ‫مّنا ِبالل ّهِ وَِبالّر ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ه{‪ ،‬وقال تعالى‪} :‬وَي َ ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ن{ إلى قوله‪:‬‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ك ِبال ْ ُ‬ ‫ما ُأول َئ ِ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ن ب َعْد ِ ذ َل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ريقٌ ِ‬‫ي َت َوَّلى فَ ِ‬
‫م‬
‫م ب َي ْن َهُ ْ‬‫حك ُ َ‬‫سول ِهِ ل ِي َ ْ‬‫عوا إ َِلى الل ّهِ وََر ُ‬ ‫ذا د ُ ُ‬ ‫ن إِ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ن قَوْ َ‬
‫كا َ‬‫ما َ‬‫}إ ِن ّ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{ ]‪ ،[92‬فنفي‬ ‫حو َ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫م فْ ل ِ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫معَْنا وَأط َعَْنا وَأول َئ ِ َ‬ ‫قوُلوا َ‬
‫س ِ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫أ ْ‬
‫اليمان عمن تولى عن طاعة الرسول وأخبر أن المؤمنين إذا‬
‫دعوا إلى الله ورسوله سمعوا وأطاعوا‪.‬‬

‫‪508‬‬
‫فتبين أن هذا من لوازم اليمان والمحبة‪ ،‬ولكن كل مسلم لبد أن‬
‫يكون محبا بقدر ما معه من السلم‪ ،‬كما أن كل مؤمن لبد أن‬
‫يكون مسلما وكل مسلم لبد أن يكون مؤمنا‪ ،‬وإن لم يكن مؤمنا‬
‫اليمان المطلق‪ ،‬لن ذلك ل يحصل إل لخواص المؤمنين‪ ،‬فإن‬
‫الستسلم لله ومحبته ل يتوقف على هذا اليمان الخاص‪.‬‬
‫وهذا الفرق يجده النسان من نفسه ويعرفه من غيره‪ ،‬فعامة‬
‫الناس إذا أسلموا بعد كفر‪ ،‬أو ولدوا في السلم‪ ،‬والتزموا‬
‫شرائعه‪ ،‬وكانوا من أهل الطاعة لله ورسوله‪ ،‬وهم مسلمون‬
‫ومعهم مطلق اليمان‪ ،‬لكن دخول حقيقة اليمان إلى قلوبهم‬
‫يحصل شيئا فشيئا إن أعطاهم الله ذلك‪ ،‬وإل فكثير من الناس ل‬
‫يصلون إلى اليقين‪ ،‬ول إلى الجهاد ولو شككوا لشكوا ولو أمروا‬
‫بالجهاد لما جاهدوا‪ ،‬وليسوا كفارا ول منافقين‪ ،‬بل ليس عندهم‬
‫من علم القلب ومعرفته ويقينه ما يدرأ الريب‪ ،‬ول عندهم من‬
‫قوة الحق لله ورسوله ما يقدمونه على الهل والمال‪.‬‬
‫وهؤلء إن عوفوا من المحنة وماتوا دخلوا الجنة‪ ،‬وإن ابتلوا بمن‬
‫يدخل عليهم شبهات توجب ريبهم فإن لم ينعم الله عليهم بما‬
‫يزيل الريب وإل صاروا مرتابين وانتقلوا إلى نوع من النفاق" ]‬
‫‪.[93‬‬
‫رابعا‪ :‬وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪" :‬ثلث من كن فيه وجد حلوة اليمان‪ :‬أن يكون‬
‫الله ورسوله أحب إليه مما سواهما‪ .‬وأن يحب المرء ل يحبه إل‬
‫لله‪ .‬وأن يكره أن‪ ،‬يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما‬
‫يكره أن يقذف في النار"‪.‬‬
‫وفي هذا الحديث أخبر صلى الله عليه وسلم أن هذه الثلث من‬
‫كن فيه وجد حلوة اليمان‪ .‬والمتأمل في هذه المور الثلثة يرى‬
‫أنها تتبع كمال محبة العبد لله ]‪ [94‬لن محبة الله تكمل بأن‬
‫يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما‪ ،‬ذلك لن محبة الله‬
‫ورسوله ل يكتفي فيها بأصل الحب‪ ،‬بل لبد أن يكون الله‬
‫ورسوله أحب إليه مما سواهما‪.‬‬
‫وتفريعها‪ :‬أن يحب المرء ل يحبه إل لله‪.‬‬
‫ودفع ضدها‪ :‬بأن يكره ضد اليمان أعظم من كراهة اللقاء في‬
‫النار ]‪ .[95‬والشاهد من الحديث معنا قوله‪" :‬أن يكون الله‬
‫ورسوله أحب إليه مما سواهما"‪ .‬فمن المعلوم أن كل من آمن‬
‫بالنبي صلى الله عليه وسلم إيمانا صحيحا ل يخلو عن وجدان‬
‫شيء من تلك المحبة‪ ،‬غير أن الناس يتفاوتون فمنهم من أخذ‬
‫من تلك المرتبة بالحظ الوفى وهم الذين جعلوا محبة الله‬
‫ورسوله مقدمة على ما سواهما‪ .‬ومنهم من أخذ منها بالحظ‬

‫‪509‬‬
‫الدنى كمن كان مستغرقا في الشهوات محجوبا في الغفلت في‬
‫أكثر الوقات‪.‬‬
‫ومنهم من هو بين هذين المرين‪.‬‬
‫فالحظ الوفى هو بتحقيق هذه المرتبة من المحبة وهي أن يكون‬
‫الله ورسوله أحب إليه مما سواهما"‪ .‬وذلك بأن يتوجه بكليته نحو‬
‫هذه الغاية فيحب ما أحب الله ورسوله ويكره ما كرهه الله‬
‫ورسوله‪ ،‬فيمتثل للوامر ويجتنب النواهي ول يتلقى شيئا من‬
‫المأمورات والمنهيات إل من مشكاة النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ول يسلك إل طريقته‪ ،‬ويرضى بما شرعه حتى ل يجد في نفسه‬
‫حرجا مما قضاه‪ ،‬ويتخلق بأخلقه‪ ،‬فمن جاهد نفسه على ذلك‬
‫وجد حلوة اليمان‪.‬‬
‫وأما قوله‪" :‬وأن يحب المرء ل يحبه إل لله" ففيه دللة واضحة‬
‫على أن حب الشخاص الواجب فيه أن يكون تبعا لما جاء به‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فيجب على المؤمن محبة الله‬
‫ومحبة من يحبه الله من الملئكة والرسل والنبياء والصديقين‬
‫والشهداء والصالحين عموما‪.‬‬
‫وفي الحديث "من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد‬
‫استكمل اليمان" ]‪.[96‬‬
‫ومتى كان حب المرء وبغضه وعطاؤه ومنعه لهوى نفسه كان‬
‫ذلك نقصا في إيمانه الواجب فيجب عليه التوبة من ذلك والرجوع‬
‫إلى اتباع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من تقديم‬
‫محبة الله ورسوله وما فيه رضا الله ورسوله على هوى النفس‬
‫ومراداتها كلها ]‪.[97‬‬
‫خامسا‪ :‬عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪" :‬جاء رجل إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول الله متى‬
‫الساعة؟‪ ،‬قال‪" :‬وما أعددت للساعة؟"‪ ،‬قال‪ :‬حب الله ورسوله‪.‬‬
‫قال‪" :‬فإنك مع من أحببت"‪.‬‬
‫قال أنس‪ :‬فما فرحنا بعد السلم فرحا أشد من قول النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪" :‬فإنك مع من أحببت"‪ .‬قال أنس‪ :‬فأنا أحب الله‬
‫ورسوله وأبا بكر وعمر فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل‬
‫بأعمالهم" ]‪.[98‬‬
‫سادسا‪ :‬عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪" :‬من أشد أمتي لي حبا ناس يكونون بعدي يود‬
‫أحدهم لو رآني بأهله وماله" ]‪.[99‬‬
‫سابعا‪ :‬وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال‪ .‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬أحبوا الله لما يغدوكم به من نعمه‪،‬‬
‫وأحبوني بحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي" ]‪.[100‬‬

‫‪510‬‬
‫ثامنا‪ :‬وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال يوم خيبر‪" :‬لعطين هذه الراية رجل يحب الله‬
‫ورسوله يفتح الله على يديه"‪.‬‬
‫قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪ :‬ما أحببت المارة إل يومئذ‪.‬‬
‫قال‪ :‬فتساورت لها ]‪ [101‬رجاء أن أدعى لها‪ .‬قال‪ :‬فدعا رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فأعطاه إياها‪" ...‬‬
‫الحديث ]‪.[102‬‬
‫وعن سهل بن سعد ]‪ [103‬رضي الله عنه أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم قال يوم خيبر‪:‬‬
‫"لعطين الراية غدا رجل يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله‬
‫ويحبه الله ورسوله"‪ .‬قال‪ :‬فبات الناس يدوكون ]‪ [104‬ليلتهم‪:‬‬
‫أيهم يعطاها؟‪ ،‬فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها‪ .‬فقال‪" :‬أين علي بن أبي‬
‫طالب؟" فقيل‪ :‬هو يا رسول الله يشتكي عينيه‪ .‬قال‪" :‬فأرسلوا‬
‫إليه فأتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه‬
‫ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع‪ ،‬فأعطاه الراية ‪"....‬‬
‫الحديث ]‪.[105‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬ما جاء عن الصحابة في شأن محبته صلى الله‬


‫عليه وسلم‪:‬‬
‫إن مما ل ريب فيه أن حظ الصحابة من حبه صلى الله عليه‬
‫وسلم كان أتم وأوفر‪ ،‬ذلك أن المحبة ثمرة المعرفة‪ ،‬وهم بقدره‬
‫صلى الله عليه وسلم ومنزلته أعلم وأعرف من غيرهم فبالتالي‬
‫كان حبهم له صلى الله عليه وسلم أشد وأكبر‪.‬‬
‫وإن المتأمل لما ورد عن الصحابة رضوان الله عليهم من كلم‬
‫في هذا الخصوص يلمس صدق تلك المحبة وعظمها في‬
‫نفوسهم‪.‬‬
‫فعن عمرو بن العاص ]‪ [106‬رضي الله عنه قال‪" :‬وما كان أحد‬
‫أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ول أجل في‬
‫عيني منه وما كنت أطيق أن أمل عيني منه إجلل له‪ ،‬ولو سئلت‬
‫أن أصفه ما أطقت‪ ،‬لني لم أكن أمل عيني منه" ]‪.[107‬‬
‫وقد سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه‪ :‬كيف كان حبكم‬
‫لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟‪ ،‬قال‪" :‬كان والله أحب إلينا‬
‫من أموالنا وأولدنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ" ]‬
‫‪.[108‬‬
‫وقد سأل أبو سفيان بن حرب ‪ -‬وهو على الشرك حينذاك ‪ -‬زيد‬
‫بن الدثنة ]‪[109‬رضي الله عنه حينما أخرجه أهل مكة من الحرم‬

‫‪511‬‬
‫ليقلتوه ‪ -‬وكان قد أسر يوم الرجيع ‪ [110] -‬أنشدك الله يا زيد‬
‫أتحب أن محمدا الن عندنا مكانك نضرب عنقه وإنك في أهلك؟‪،‬‬
‫قال‪" :‬والله ما أحب أن محمدا الن في مكانه الذي هو فيه‬
‫تصيبه شوكة تؤذيه وإني جالس في أهلي"‪.‬‬
‫فقال أبو سفيان‪ :‬ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب‬
‫أصحاب محمد محمدا ]‪.[111‬‬
‫وعن الشعبي قال‪ :‬جاء رجل من النصار إلى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬لنت أحب إلي من نفسي وولدي وأهلي‬
‫ومالي ولول أني آتيك فأراك لظننت أني سأموت وبكى النصاري‪.‬‬
‫فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ما أبكاك؟"‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ذكرت أنك ستموت ونموت فترفع مع النبيين ونحن إن دخلنا‬
‫الجنة كنا دونك‪.‬‬
‫فلم يخبره النبي صلى الله عليه وسلم بشيء فأنزل الله عز‬
‫ن ي ُط ِِع الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫م ْ‬ ‫وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم‪} :‬وَ َ‬
‫ك مع ال ّذي َ‬ ‫والرسو َ ُ‬
‫ن‬‫ن الن ّب ِّيي َ‬‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ ْ‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ن أن ْعَ َ‬‫ل فَأول َئ ِ َ َ َ ِ َ‬ ‫َ ّ ُ‬
‫ً‬
‫ك َرِفيقا{ ]‪،[112‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن أولئ ِ َ‬ ‫ن َوال ّ‬
‫س َ‬ ‫ح ُ‬‫ن وَ َ‬‫حي َ‬‫صال ِ ِ‬
‫داِء َوال ّ‬
‫شه َ َ‬ ‫قي َ‬
‫دي ِ‬
‫ص ّ‬‫َوال ّ‬
‫فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬أبشر" ]‪.[113‬‬
‫وقال سعد بن معاذ ]‪ [114‬رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يوم بدر‪" :‬يا نبي الله أل نبني لك عريشا تكون فيه ونعد‬
‫عندك ركائبك‪ ،‬ثم نلقى عدونا‪ ،‬فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا‬
‫كان ذلك ما أحببنا وإن كان الخرى جلست على ركائبك فلحقت‬
‫بمن وراءنا من قومنا فقد تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد حبا لك‬
‫منهم ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك‪ ،‬يمنعك الله بهم‬
‫يناصحونك ويجاهدون معك"‪ ،‬فأثنى عليه رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم خيرا ودعا له بخير ]‪.[115‬‬
‫وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪ :‬لما كان يوم أحد جاض ]‬
‫‪ [116‬أهل المدينة جيضة وقالوا‪ :‬قتل محمد‪ ،‬حتى كثرت‬
‫الصوارخ ]‪ [117‬في ناحية المدينة‪ .‬فخرجت امرأة من النصار‬
‫محرمة فاستقبلت ]‪ [118‬بأبيها وابنها وزوجها وأخيها ل أدري أيهم‬
‫استقبلت به أول فلما مرت على أحدهم قالت‪ :‬من هذا؟‪ ،‬قالوا ‪:‬‬
‫أبوك أخوك زوجك ابنك‪ .‬تقول‪ :‬ما فعل رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم؟‪ ،‬يقولون‪ :‬أمامك حتى دفعت إلى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فأخذت بناحية ثوبه ثم قالت‪ :‬بأبي أنت وأمي يا‬
‫رسول الله ل أبالي إذا سلمت من عطب ]‪.[119‬‬
‫وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال‪ :‬مر رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار وقد أصيب زوجها‬
‫وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد‪ ،‬فلما‬

‫‪512‬‬
‫ُنعوا لها قالت‪ :‬ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا‪:‬‬
‫خيرا يا أم فلن هو بحمد الله كما تحبين‪ .‬قالت‪ :‬أرونيه حتى أنظر‬
‫إليه‪ .‬قال‪ :‬فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت‪ :‬كل مصيبة بعدك ]‬
‫‪ [120‬جلل" ]‪.[121‬‬
‫ولقد حكم الصحابة رضوان الله عليهم رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم في أنفسهم وأموالهم فقالوا‪" :‬هذه أموالنا بين يديك‬
‫فاحكم فيها بما شئت وهذه نفوسنا بين يديك لو استعرضت بنا‬
‫البحر لخضناه‪ ،‬نقاتل بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن‬
‫شمالك" ]‪.[122‬‬
‫وما هذا اليثار الذي تضمنته هذه الكلمات إل تعبيرا عما تكنه‬
‫نفوسهم من المحبة له صلى الله عليه وسلم واسمع إلى قول‬
‫قيس بن صرمة النصاري ]‪ [123‬إذ يقول‪:‬‬
‫يذكر لو يلقى حبيبا مؤاتيا‬ ‫ثوى في قريش بضع عشرة حجة‬
‫فلم ير من يؤوي ولم ير‬ ‫ويعرض في أهل المواسم نفسه‬
‫داعيا‬
‫وأصبح مسرورا بطيبة راضيا‬ ‫فلما أتانا واتقرت به النوى‬
‫وأنفسنا عند الوغى والتأسيا‬ ‫بذلنا له الموال من حل مالنا‬
‫جميعا وإن كان الحبيب‬ ‫نعادي الذي عادى من الناس كلهم‬
‫المصافيا‬
‫وأن رسول الله أصبح هاديا ]‬ ‫ونعلم أن الله ل رب غيره‬
‫‪[124‬‬

‫________________________________________‬
‫]‪(290 /1) [1‬‬
‫]‪ [2‬زاد ابن القيم في كتابه روضة المحبين )ص ‪ (18 ،17‬على‬
‫هذه المعاني الخمسة مايلي‪" :‬وقيل‪ :‬بل هي مأخوذة من القلق‬
‫والضطراب‪ ،‬ومنه سمي القرط حبا لقلقه في الذن واضطرابه‪.‬‬
‫وقيل بل هي مأخوذة من الحب الذي هو إناء واسع فيمتلئ به‬
‫بحيث ل يسع لغيره‪ ،‬وكذلك قلب المحب ليس فيه سعة لغير‬
‫محبوبه‪ ،‬وقيل‪ :‬مأخوذة من الحب وهو الخشبات الربع التي‬
‫يستقر عليها ما يوضع من جرة أو غيرها فسمي الحب بذلك لن‬
‫المحب يتحمل لجل محبوبه الثقال‪ ،‬كما تتحمل الخشبات ثقل ما‬
‫يوضع عليها‪.‬‬
‫]‪ [3‬البيت لعنترة بن شداد‪.‬‬
‫]‪ [4‬مدارج السالكين )‪.(11 -9 /3‬‬

‫‪513‬‬
‫]‪ [5‬أحمد بن علي بن حجر العسقلني‪ -‬صاحب كتاب فتح‬
‫الباري‪ -‬من أئمة العلم والتاريخ‪ ،‬ولد بالقاهرة سنة ‪ 773‬هـ‪،‬‬
‫وتوفي بها سنة ‪ 852‬هـ‪ ،‬وله مؤلفات كثيرة‪ .‬العلم )‪(178 /1‬‬
‫]‪ [6‬فتح الباري )‪.(463 /10‬‬
‫]‪ [7‬مدارج السالكين )‪.(9 /3‬‬
‫]‪ [8‬تيسير العزيز الحميد )ص ‪.(411‬‬
‫]‪ [9‬تيسير العزيز الحميد )ص ‪.(412‬‬
‫]‪ [10‬إغاثة اللهفان )‪ ،(141 ،140 /2‬وجامع الرسائل )‪/2‬‬
‫‪.(202‬‬
‫]‪ [11‬الية )‪ (165‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫]‪ [12‬روضة المحبين )‪.(293‬‬
‫]‪ [13‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كناب الزهد‪ :‬باب من أشرك‬
‫في عمله غير الله )‪.(223 /8‬‬
‫]‪ [14‬مجموع الفتاوى )‪.(49 ،48 /12‬‬
‫]‪ [15‬مجموع الفتاوى )‪.(524 ،523 /11‬‬
‫]‪ [16‬الية )‪ (56‬من سورة الذاريات‪.‬‬
‫]‪ [17‬الية )‪ (21‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫]‪ [18‬الية )‪ (165‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫]‪ [19‬الية )‪ (29‬من سورة الزمر‪.‬‬
‫]‪ [20‬مجموع الفتاوى )‪.(57 ،56 /10‬‬
‫]‪ [21‬روضة المحبين )ص ‪.(59‬‬
‫]‪ [22‬الية )‪ (2‬من سورة الملك‪.‬‬
‫]‪ [23‬الية )‪ (7‬من سورة الكهف‪.‬‬
‫]‪ [24‬الية )‪ (7‬من سورة هود‪.‬‬
‫]‪ [25‬روضة المحبين )‪.(61 ،60‬‬
‫]‪ [26‬روضة المحبين )ص ‪.(59‬‬
‫]‪ [27‬روضة المحبين )ص ‪ (168 ،166 ،165‬بتصرف‪.‬‬
‫]‪ [28‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ :‬باب حلوة‬
‫اليمان‪ ،‬فتح الباري )‪ (60 /1‬ح ‪ ،16‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪،‬‬
‫كتاب اليمان‪ :‬باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلوة اليمان‬
‫)‪.(48 /1‬‬
‫]‪ [29‬مجموع الفتاوى )‪.(206 /10‬‬
‫]‪ [30‬روضة المحبين )‪.(200 ،199‬‬
‫]‪ [31‬مجموع الفتاوى )‪.(315 /18‬‬
‫]‪ [32‬الية )‪ (31‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫]‪ [33‬مجموع الفتاوى )‪.(360 /8‬‬
‫]‪ [34‬مجموع الفتاوى )‪.(316 /18‬‬

‫‪514‬‬
‫]‪ [35‬مجموع الفتاوى )‪.(366 /8‬‬
‫]‪ [36‬الية )‪ (15‬من سورة الحجرات‪.‬‬
‫]‪ [37‬الية )‪ (24‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫]‪ [38‬الية )‪ (54‬من سورة المائدة‪.‬‬
‫]‪ [39‬الية )‪ (22‬من سورة المجادلة‪.‬‬
‫]‪ [40‬الية )‪ (81 ،80‬من سورة المائدة‪.‬‬
‫]‪ [41‬الية )‪ (4‬من سورة الممتحنة‪.‬‬
‫]‪ [42‬مجموع الفتاوى )‪.(361 /8‬‬
‫]‪ [43‬مدارج السالكين )‪.(37 /3‬‬
‫]‪ [44‬الية )‪ (28‬من سورة محمد‪.‬‬
‫]‪ [45‬اليتان )‪ (125 ،124‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫]‪ [46‬اليتان )‪ (36‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫]‪ [47‬قاعدة في المحبة لشيخ السلم ابن تيمية )ص ‪.(92 ،91‬‬
‫]‪ [48‬الصارم المسلول )ص ‪ (421 ،420‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫]‪ [49‬الرد على الخنائي )ص ‪.(231‬‬
‫]‪ [50‬ديوان البوصيري )ص ‪.(238‬‬
‫]‪ [51‬تيسير العزيز الحميد )ص ‪.(186‬‬
‫]‪ [52‬الرد على الخنائي )ص ‪ (25 ،24‬بتصرف‪.‬‬
‫]‪ [53‬الية )‪ (9‬من سورة الفتح‪.‬‬
‫]‪ [54‬الية )‪ (3‬من سورة نوح‪.‬‬
‫]‪ [55‬الية )‪ (4‬من سورة الحجرات‪.‬‬
‫]‪ [56‬الية )‪ (3‬من سورة الحجرات‪.‬‬
‫]‪ [57‬الية )‪ (9‬من سورة الزمر‪.‬‬
‫]‪ [58‬الية )‪ (6‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫]‪ [59‬الية )‪ (120‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫]‪ [60‬الية )‪ (7‬من سورة الحشر‪.‬‬
‫]‪ [61‬الية )‪ (56‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫]‪ [62‬الصارم المسلول )ص ‪.(422‬‬
‫]‪ [63‬الية )‪ (63‬من سورة النور‪.‬‬
‫]‪ [64‬اليات )‪ (3 ،2 ،1‬من سورة الحجرات‪.‬‬
‫]‪ [65‬الية )‪ (93‬من سورة السراء‪.‬‬
‫]‪ [66‬الية )‪ (65‬من سورة النمل‪.‬‬
‫]‪ [67‬الية )‪ (188‬من سورة العراف‪.‬‬
‫]‪ [68‬الية )‪ (115‬من سورة النساء‪.‬‬
‫]‪ [69‬الية )‪ (21‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫]‪ [70‬من تلك الكتب‪ :‬كتاب الشمائل للترمذي‪ ،‬كتاب الشمائل‬
‫لبن كثير‪.‬‬

‫‪515‬‬
‫]‪ [71‬منها‪ :‬كتاب دلئل النبوة لبي نعيم الصبهاني‪ ،‬وكتاب دلئل‬
‫النبوة للبيهقي‪.‬‬
‫]‪ [72‬ومن أشمل الكتب التي تحدثت عن سيرته صلى الله عليه‬
‫وسلم كتاب السيرة لبن كثير‪.‬‬
‫]‪ [73‬الية )‪ (50‬من سورة القصص‪.‬‬
‫]‪ [74‬مجموع الفتاوى )‪.(49 ،48 /10‬‬
‫]‪ [75‬الية )‪ (24‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫]‪ [76‬تفسير القرطبي )‪ (95 /8‬بتصرف‪.‬‬
‫]‪ [77‬الشفا )‪.(563 /2‬‬
‫]‪ [78‬الية )‪ (56‬من سورة الذاريات‪.‬‬
‫]‪ [79‬التحفة العراقية لشيخ السلم ابن تيمية )‪(13 ،4/12‬‬
‫مطبوعة ضمن الرسائل المنيرية )بتصرف يسير(‪.‬‬
‫]‪ [80‬الية )‪ (50‬من سورة القصص‪.‬‬
‫]‪ [81‬جامع العلوم والحكم لبن رجب )ص ‪ (366‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫]‪ [82‬هذا لقبه واسمه النعيمان بن عمرو بن رفاعة النصاري‪،‬‬
‫وقيل إن القصة وقعت لبنه عبد الله‪ .‬فتح الباري )‪،(77 /12‬‬
‫والصابة )‪.(541 ،540 /3‬‬
‫]‪ [83‬أخرجه في كتاب الحدود‪ ،‬باب ما يكره من لعن شارب‬
‫الخمر وأنه ليس بخارج من الملة‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري )‪.(75 /12‬‬
‫]‪ [84‬كتاب قاعدة في المحبة لشيخ السلم ابن تيمية )‪،72‬‬
‫‪ (73‬بتحقيق محمد رشاد سالم‪.‬‬
‫]‪ [85‬الية )‪ (6‬من سورة الحزاب‪.‬‬
‫]‪ [86‬الرسالة التبوكية )ص ‪ (30 ،29‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫]‪ [87‬الية )‪ (165‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫]‪ [88‬الية )‪ (31‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫]‪ [89‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ :‬باب حب‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم من اليمان‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري )‪/1‬‬
‫‪ (58‬ح ‪.14‬‬
‫]‪ [90‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان والنذور‪ :‬باب‬
‫كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري )‬
‫‪ (523 /11‬ح ‪.6632‬‬
‫]‪ [91‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ :‬باب حب‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم من اليمان‪ ،‬واللفظ له‪ .‬انظر‪:‬‬
‫فتح الباري )‪ (58 /1‬ح ‪ ،15‬وأخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب‬
‫اليمان‪ :‬باب بيان خصال من اتصف بها وجد حلوة اليمان )‪/1‬‬
‫‪.(48‬‬
‫]‪ [92‬الية )‪ (51‬من سورة النور‪.‬‬

‫‪516‬‬
‫]‪ [93‬تيسير العزيز الحميد )‪.(417 ،415‬‬
‫]‪ [94‬المقصود كمال المحبة الواجب الذي يذم تاركه ويتعرض‬
‫للعقوبة وليس المراد الكمال المستحب‪.‬‬
‫]‪ [95‬مجموع الفتاوى )‪.(206 /10‬‬
‫]‪ [96‬أخرجه أبو داود في سننه‪ ،‬كتاب السنة‪ :‬باب الدليل على‬
‫زيادة اليمان ونقصانه )‪ (60 /5‬وصححه اللباني في صحيح‬
‫الجامع الصغير )‪.(229 /5‬‬
‫]‪ [97‬جامع العلوم والحكم )ص ‪ (367 ،366‬بتصرف‪.‬‬
‫]‪ [98‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الدب‪ :‬باب المرء مع‬
‫من أحب‪ ،‬انظر‪ :‬فتح الباري )‪ (557 /10‬ح ‪ ،6171‬وأخرجه‬
‫مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب البر والصله‪ :‬باب المرء مع من أحب )‬
‫‪ (42 /8‬واللفظ له‪.‬‬
‫]‪ [99‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الجنة وصفة نعيمها‬
‫وأهلها‪ :‬باب فيمن يود رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بأهله‬
‫وماله‪ .‬انظر‪.(148 /8) :‬‬
‫]‪ [100‬أخرجه الترمذي في سننه‪ ،‬كتاب المناقب‪ :‬باب مناقب‬
‫أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم )‪ (664 /5‬ح ‪ ،3789‬وقال‬
‫الترمذي حديث حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه‪ .‬وأخرجه‬
‫الحاكم في مستدركه )‪ (150 ،149 /3‬وصححه‪ ،‬ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫وأخرجه أبو نعيم في الحلية )‪ .(211 /3‬والخطيب في تاريخ بغداد‬
‫)‪ ،(160 /4‬والطبراني في الكبير )‪ (341 /10‬ح ‪.10664‬‬
‫]‪" [101‬تساورت لها"‪ :‬أي رفعت لها شخصي‪ .‬النهاية )‪/2‬‬
‫‪.(420‬‬
‫]‪ [102‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة‪ :‬باب‬
‫فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه )‪.(121 /7‬‬
‫]‪ [103‬سهل بن سعد الساعدي النصاري من مشاهير الصحابة‪،‬‬
‫مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس عشرة سنة‪.‬‬
‫وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة‪ ،‬مات سنة إحدى‬
‫وتسعين وقيل قبل ذلك‪ .‬الصابة )‪.(87 /2‬‬
‫]‪ [104‬أي يخوضون ويموجون فيمن يدفعها إليه‪ .‬النهاية )‪/2‬‬
‫‪.(145‬‬
‫]‪ [105‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب المغازي‪ :‬باب غزوة‬
‫خيبر انظر‪ :‬فتح الباري )‪ (476 /7‬ح ‪ ،4210‬وأخرجه مسلم في‬
‫صحيحه‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة‪ :‬باب فضائل علي بن أبي طالب‬
‫رضي الله عنه )‪.(121 /7‬‬
‫]‪ [106‬هو عمرو بن العاص بن وائل القرشي السهمي أسلم‬
‫قبل الفتح‪ ،‬أحد دهاة العرب في السلم‪ ،‬وأحد القادة الفاتحين‪،‬‬

‫‪517‬‬
‫فتح مصر وكان أميرا عليها‪ ،‬توفي سنة ‪ 43‬هـ‪ .‬الصابة )‪-2 /3‬‬
‫‪.(3‬‬
‫]‪ [107‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب اليمان‪ :‬باب كون‬
‫السلم يهدم ما قبله وكذا الهجره )‪.(78 /1‬‬
‫]‪ [108‬الشفا )‪.(568 /2‬‬
‫]‪ [109‬زيد بن الدثنة ‪ -‬بفتح الدال وكسر المثلثة بعدها نون ‪ -‬ابن‬
‫معاوية النصاري البياضي‪ ،‬شهد بدرا وأحدا‪ ،‬وكان في غزوة بئر‬
‫معونة فأسره المشركون وقتلته قريش بالتنعيم‪ .‬الصابة )‪/1‬‬
‫‪.(548‬‬
‫]‪ [110‬الرجيع‪ :‬بفتح الراء وكسر الجيم هو في الصل اسم‬
‫للروث‪ ،‬وسمي بذلك لستحالته‪ ،‬والمراد هنا‪ :‬اسم موضع من بلد‬
‫هذيل كانت الوقعة بالقرب منه‪ .‬فتح الباري )‪.(379 /7‬‬
‫]‪ [111‬البداية لبن كثير )‪ ،(65 /4‬وأخرجه البيهقي في الدلئل )‬
‫‪ (326 /3‬في أمر خبيب‪.‬‬
‫]‪ [112‬اليتان )‪ (70 ،9‬من سورة النساء‪.‬‬
‫]‪ [113‬أخرجه البيهقي في شعب اليمان )ص ‪ (13‬بتحقيق‬
‫محمد بن عبد الوهاب العقيل‪ ،‬رسالة ماجستير في الجامعة‬
‫السلمية‪ .‬وأورده السيوطي في الدر المنثور وعزاه إلى سعيد‬
‫بن منصور وابن المنذر‪ .‬انظر )‪ .(182 /2‬والحديث له شاهد آخر‬
‫من حديث عائشة مرفوعا بنحوه‪ ،‬أخرجه الطبراني في المعجم‬
‫الصغير )‪ .(26 /1‬وأبو نعيم في الحلية )‪ ،(125 /8‬وقال الهيثمي‬
‫في مجمع الزوائد )‪" :(7 /7‬رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن‬
‫عمران العابدي وهو ثقة‪ ،‬وله شاهد آخر من حديث ابن عباس‬
‫مرفوعا بنحوه‪ ،‬أخرجه الطبراني في الكبير )‪ (86 /12‬ح رقم‬
‫‪ ،12559‬وقال الهيثمي في مجمع الزوائد )‪ (7 /7‬وفيه عطاء بن‬
‫السائب وقد اختلط‪ .‬وله شاهد من طريق آخر عن سعيد بن جبير‬
‫مرسل‪ .‬أخرجه ابن جرير في تفسيره )‪ .(163 /5‬وطرق هذا‬
‫الحديث يقوي بعضها بعضا‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫]‪ [114‬سعد بن معاذ بن النعمان النصاري الشهلي‪ ،‬سيد‬
‫الوس‪ ،‬صحابي جليل‪ ،‬شهد بدرا‪ ،‬ورمي بسهم يوم الخندق‬
‫فعاش بعد ذلك شهرا ثم مات‪ ،‬وذلك سنة خمس من الهجرة‪.‬‬
‫الصابة )‪.(35 /2‬‬
‫]‪ [115‬أورده ابن هشام في السيرة )‪ (192 /2‬وعزاه لبن‬
‫إسحاق‪ ،‬وأورده ابن كثير في البداية )‪(268 /3‬‬
‫]‪ [116‬يقال‪ :‬جاض في القتال‪ :‬إذا فر‪ .‬وجاض عن الحق‪ :‬عدل‪.‬‬
‫وأصل الجيض‪ :‬الميل عن الشيء‪ ،‬ويروى بالحاء والصاد‬
‫المهملتين النهاية )‪.(324 /1‬‬

‫‪518‬‬
‫]‪ [117‬جمع صارخ‪ :‬وهو المصوت يعلمه بأمر حادث يستعين به‬
‫عليه أو ينعي له ميتا‪ .‬النهاية )‪.(21 /3‬‬
‫]‪ [118‬أي أخبرت بمقتل أبيها‪ ،‬وابنها‪ ،‬وزوجها‪ ،‬وأخيها‪.‬‬
‫]‪ [119‬أورده الهيثمي في مجمع الزوائد )‪ (115 /6‬وقال‪ :‬رواه‬
‫الطبراني في الوسط عن شيخه محمد بن شعيب ولم أعرفه‬
‫وبقية رجاله ثقات‪.‬‬
‫]‪ [120‬جلل‪ :‬أي هينة ويسيره‪ ،‬والكلمة من الضداد تكون‬
‫للحقير والعظيم النهاية )‪.(289 /1‬‬
‫]‪ [121‬رواه ابن هشام في السيرة )‪ .(43 /3‬وعنه أورده ابن‬
‫كثير في البداية والنهاية )‪ (47 /4‬وأخرجه البيهقي في الدلئل )‬
‫‪ (302 /3‬بنحوه‪.‬‬
‫]‪ [122‬روضة المحبين )ص ‪.(277‬‬
‫]‪ [123‬قياس بن صرمة‪ ،‬وقيل صرمة بن قيس‪ ،‬وقيل قيس بن‬
‫مالك بن صرمة وقيل غير ذلك‪ ،‬الوسي النصاري‪ ،‬أدرك السلم‬
‫شيخا كبيرا فأسلم‪ ،‬وقد قال هذه البيات حين قدم النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم المدينة‪ .‬الصابة )‪(177 -176 /2‬‬
‫]‪ [124‬روضة المحبين )ص ‪.(277‬‬
‫================‬
‫قصة الحمار يعفور‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪،،،‬‬
‫اما بعد‬
‫قصة الحمار يعفور وردت في موقع مسيحي اساسه النيل‬
‫والسخرية من الرسول ) ص ( ومن شخص يدعى مهران ‪ .‬فكان‬
‫جل همهم ان ينالوا منه بأي شئ يقع في ايديهم من غير تدقيق‬
‫ول تمحيص لذلك اقتطعوا القوال وبتروها لهذا الغرض ‪.‬‬
‫واليكم القصة كما اوردها هذا الموقع ‪:‬‬
‫عن أبي منظور قال ‪ :‬لما فتح الله على نبيه )ص( خيبرا ً أصاب‬
‫من سهمه أربعة أزواج من البغال وأربعة أزواج خفاف ‪ ،‬وعشر‬
‫أواق ذهب وفضة ‪ ،‬وحمار أسود ومكتل ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فكلم النبي )ص( الحمار ‪ ،‬فكلمه الحمار ‪ ،‬فقال له ‪ :‬ما‬
‫اسمك ؟ قال ‪ :‬يزيد بن شهاب ‪ ،‬أخرج الله من نسل جدي ستين‬
‫حمارا ً كلهم لم يركبهم إل نبي ‪ ،‬لم يبق من نسل جدي غيري ‪،‬‬
‫ول من النبياء غيرك ‪ ،‬وكنت أتوقع أن تركبني ‪ ،‬قد كنت قبلك‬
‫لرجل يهودي ‪ ،‬وكنت أعثر به عمدا َ ‪ ،‬وكان يجيع بطني ويضرب‬
‫ظهري ‪ ،‬فقال النبي )ص( ‪ :‬سميتك يعفور ‪ ،‬يا يعفور ! قال ‪:‬‬
‫لبيك ‪ ،‬قال تشتهي الناث قال ‪ :‬ل ‪.‬‬

‫‪519‬‬
‫فكان النبي )ص( يركبه لحاجته فإذا نزل عنه بعث به إلى باب‬
‫الرجل فيأتي الباب فيقرعه برأسه فإذا خرج إليه صاحب الدار‬
‫أومأ إليه أن أجب رسول الله )ص( فلما قبض النبي )ص( جاء‬
‫إلى بئر كان لبي التيهان فتردى فيها فصارت قبره جزعا ً منه‬
‫على الرسول )ص( ‪ .‬راجع ‪ :‬تاريخ ابن كثير ‪ . 150 : 6‬وكذلك ‪:‬‬
‫أسد الغابة ج ‪ 4‬ص ‪ . 707‬وكذلك ‪ :‬لسان الميزان ‪ ،‬باب من‬
‫اسمه محمد ‪ ،‬محمد بن مزيد ‪.‬وكذلك ‪ :‬السيرة الحلبية ‪ ،‬غزوة‬
‫خيبر‬
‫وللرد اقول وبالله تعالى نتأيد ‪:‬‬
‫اول ً ‪ :‬أورد المام ابن كثير في تاريخه ‪ 150 : 6‬هذه القصة وأشار‬
‫إلى انها ضعيفة وقد أنكرها غير واحد من الحفاظ الكبار‬
‫ثانيا ً ‪ :‬قد نص ابن الثير في أسد الغابة ج ‪ 4‬ص ‪ 707‬الى ان‬
‫القصة ضعيفة وليست بصحيحة واليكم كلمه في نقله عن ابي‬
‫موسى عقب ذكر القصة ‪:‬‬
‫)) هذا حديث منكر جدا ً إسنادا ً ومتنا ً ل أحل لحد أن يرويه عني‬
‫إل مع كلمي عليه ((‬
‫فهل ذكر النصارى أصحاب الموقع كلم ابي موسى عليه في ان‬
‫الحديث منكر جدا ً ؟‬
‫ام اخفوها حتى ُيلبسوا الموضوع على الناس ويخفوا الحق‬
‫وتضحك الناس ؟‬
‫ثالثا ً ‪ :‬أورد الحافظ الكبير ابن حجر العسقلني في كتاب لسان‬
‫الميزان ‪ ،‬باب من اسمه محمد بن مزيد هذه القصة كمثال الى‬
‫الكذب الذي يرويه محمد بن مزيد ‪ ،‬واورد كلم الحافظ ابن حبان‬
‫واليكم نص الكلم ‪:‬‬
‫)) محمد بن مزيد أبو جعفر‪ :‬عن أبي حذيفة النهدي ذكر ابن‬
‫حبان أنه روى عن أبي حذيفة هذا الخبر الباطل ((‬
‫ثم ذكر ابن حجر القصة كاملة فقال ‪:‬‬
‫قال ابن حبان ‪ :‬هذا خبر ل أصل له وإسناده ليس بشيء‪ .‬وقال‬
‫ابن الجوزي‪ :‬لعن الله واضعه‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬كلم المام السيوطي في الللئ المصنوعة‬
‫الجزء الول ‪) ،‬كتاب المناقب(‬
‫واسم الكتاب كامل الللئ المصنوعة في الحاديث الموضوعة ‪،‬‬
‫وهو خصيصا لتبيان الحاديث الموضوعة اي الكاذبة‬
‫بعد ان ساق المام السيوطي الحديث قال ‪ :‬موضوع ) اي‬
‫الحديث (‬
‫ثم ذكر كلم المام الحافظ ابن حبان واليكم كلمه‪:‬‬

‫‪520‬‬
‫قال ابن حبان ل أصل له وإسناده ليس بشيء ول يجوز الحتجاج‬
‫بمحمد بن مزيد‪.‬‬
‫فكما رأينا جميعا ً اخواني وزملئي ان الرابط النصراني لم يكن‬
‫ابدا ً امينا ً في النقل ‪ ،‬ولقد بتروا الكلم من السياق واخفوا عليكم‬
‫اقوال العلماء قبل وبعد ان يذكروه وذلك لغاية في انفسهم‬
‫و المضحك المبكي ان النصارى يسخرون من شيء غير ثابت‬
‫لدينا وثابت لديهم في كتابهم المقدس فاليكم مثل هذا الحوار‬
‫الحميري الذكي !!‬
‫فنحن نقرأ في سفر العدد ] ‪ [ 27 : 22‬ما يلي ‪:‬‬
‫أتان بلعام ‪ :‬حمارة بلعام‬
‫َ‬
‫ب‬
‫ض ُ‬ ‫م‪ .‬فََثاَر غ َ َ‬ ‫ت ب َل َْعا َ‬‫ح َ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫ض ْ‬ ‫ب َرب َ َ‬ ‫ك الّر ّ‬ ‫مل َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ت ال ََتا ُ‬ ‫ما َرأ ِ‬ ‫)) فَل َ ّ‬
‫َ‬
‫ن‪،‬‬‫ب ال ََتا َ‬ ‫عن ْد َئ ِذ ٍ أن ْط َقَ الّر ّ‬ ‫ب‪ِ 28 .‬‬ ‫ضي ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫ب ال ََتا َ‬ ‫ضَر َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ب َل َْعا َ‬
‫ت؟‬ ‫ث د َفََعا ٍ‬ ‫ن ث َل َ َ‬ ‫ضَرب ْت َِني ْال َ‬ ‫حّتى َ‬ ‫ت َ‬ ‫جن َي ْ ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫ما َ‬ ‫م‪َ :‬‬ ‫ت ل ِب َل َْعا َ‬ ‫قال َ ْ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬
‫ف ل َك ُن ْ ُ‬
‫ت‬ ‫سي ْ ٌ‬ ‫دي َ‬ ‫ن ِفي ي َ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫مّني‪ .‬ل َوْ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫خْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫ك َ‬ ‫م‪ :‬لن ّ ِ‬ ‫ل ب َل َْعا ُ‬ ‫قا َ‬ ‫‪29‬فَ َ‬
‫داِئما ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت ع َل َي َْها َ‬ ‫ك ال ِّتي َرك ِب ْ َ‬ ‫ت أَنا أَتان َ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن ‪ :‬أل َ ْ‬ ‫ه الَتا ُ‬ ‫ك‪ .‬فَأ َ‬
‫جاب َت ْ ُ‬ ‫قَد ْ قَت َل ْت ُ ِ‬
‫ل«‪(( .‬‬ ‫ل‪َ » :‬‬ ‫قا َ‬ ‫ذا؟ فَ َ‬ ‫ك هَك َ َ‬ ‫صن َعَ ب ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل ع َوّد ْت ُ َ‬ ‫م؟ وَهَ ْ‬ ‫إ َِلى هَ َ ْ‬
‫نأ ْ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ذا الي َوْ ِ‬
‫والتان ‪ :‬هي أنثى الحمار ‪.‬‬
‫وأيضا ُ فاننا نرى ان للحمار مكانة كبيرة في كتاب النصارى‬
‫المقدس ‪:‬‬
‫يقول كاتب رسالة بطرس الثانية ] ‪: [ 16 : 2‬‬
‫حد ّا ً ل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ماقَةِ ذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ح َ‬ ‫ضعَ َ‬ ‫ي‪ ،‬فَوَ َ‬ ‫شرِ ّ‬ ‫ت بَ َ‬ ‫صوْ ٍ‬ ‫م ن َط َقَ ب ِ َ‬ ‫ماَر الب ْك َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫)) إ ِ ّ‬
‫ي! ((‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫اي ان الحمار لديه علم اكثر من النبي !!‬
‫ول ننسى ايضا ً حوار الشجار الذي ل يضحك به على طفل صغير‬
‫وهذا العجازي " الكاروتني المقدس" !! من سفر القضاة‬
‫الصحاح التاسع العدد السابع ‪:‬‬
‫)) و اخبروا يوثام فذهب و وقف على راس جبل جرزيم و رفع‬
‫صوته و نادى و قال لهم اسمعوا لي يا اهل شكيم يسمع لكم الله‬
‫‪:‬‬
‫‪ 8‬مرة ذهبت الشجار لتمسح عليها ملكا فقالت للزيتونة املكي‬
‫علينا‬
‫‪ 9‬فقالت لها الزيتونة ااترك دهني الذي به يكرمون بي الله و‬
‫الناس و اذهب لكي املك على الشجار‬
‫‪ 10‬ثم قالت الشجار للتينة تعالي انت و املكي علينا‬
‫‪ 11‬فقالت لها التينة ااترك حلوتي و ثمري الطيب و اذهب لكي‬
‫املك على الشجار‬
‫‪ 12‬فقالت الشجار للكرمة تعالي انت و املكي علينا‬

‫‪521‬‬
‫‪ 13‬فقالت لها الكرمة ااترك مسطاري الذي يفرح الله و الناس و‬
‫اذهب لكي املك على الشجار‬
‫‪ 14‬ثم قالت جميع الشجار للعوسج تعال انت و املك علينا‬
‫‪ 15‬فقال العوسج للشجار ان كنتم بالحق تمسحونني عليكم‬
‫ملكا فتعالوا و احتموا تحت ظلي و ال فتخرج نار من العوسج و‬
‫تاكل ارز لبنان ((‬
‫فعجبا للنصارى من خفة هذه العقول التي تصدق بهذه الخرافات‬
‫المقدسة الموجودة في كتبهم و العجيب انهم يتشدقون بما هو‬
‫ضعيف السند ولغي اسلميا !!‬
‫ادعوا الله سبحانه وتعالى ان يهدينا جميعا الى طريق الحق‬
‫والهدى انه نعم المولى ونعم المجيب‬
‫وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين ‪،،‬‬
‫==============‬
‫شبهه ذاك رجل بال الشيطان في اذنه‬
‫سؤال ‪ :‬روى البخارى في صحيحة ‪ :‬أنه ذكر عند رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم رجل نام ليله حتى أصبح ) أي لم يصلي‬
‫الفريضة ( قال ‪ :‬ذاك رجل بال الشيطان في أذنه (( فما معنى‬
‫قوله ‪ )) :‬بال الشيطان في أذنه (( ؟ وهل الشيطان يبول ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫الحمد لله ‪،‬‬
‫لقد وجه العلماء الفاضل معنى بول الشيطان في أذن من نام‬
‫حتى فاتته الفريضه عدة توجيهات منها ‪:‬‬
‫التوجيه الول ‪ :‬أن يقال بأن هذا مثل مضروب للغافل عن القيام‬
‫بثقل النوم كمن وقع البول في أذنه فثقل أذنه وأفسد حسه ‪,‬‬
‫والعرب تكني عن الفساد بالبول قال الراجز ‪ :‬بال سهيل في‬
‫الفضيخ ففسد ‪ .‬وكنى بذلك عن طلوعه لنه وقت إفساد الفضيخ‬
‫فعبر عنه بالبول ‪ .‬ووقع في رواية الحسن عن أبي هريرة في هذا‬
‫الحديث عند أحمد " قال الحسن إن بوله والله لثقيل " وروى‬
‫محمد بن نصر من طريق قيس بن أبي حازم عن ابن مسعود "‬
‫حسب الرجل من الخيبة والشر أن ينام حتى يصبح وقد بال‬
‫الشيطان في أذنه " وهو موقوف صحيح السناد ‪ .‬وقال الطيبي ‪:‬‬
‫خص الذن بالذكر وإن كانت العين أنسب بالنوم إشارة إلى ثقل‬
‫النوم ‪ ,‬فإن المسامع هي موارد النتباه ‪ .‬وخص البول لنه أسهل‬
‫مدخل في التجاويف وأسرع نفوذا في العروق فيورث الكسل في‬
‫جميع العضاء ‪.‬‬

‫‪522‬‬
‫التوجيه الثاني ‪ :‬ان يقال بأن المر هو على حقيقته ‪ .‬قال‬
‫القرطبي وغيره ل مانع من ذلك إذ ل إحالة فيه لنه ثبت أن‬
‫الشيطان يأكل ويشرب وينكح فل مانع من أن يبول ‪.‬‬
‫التوجيه الثالث ‪ :‬أن يقال بأن ذلك هو كناية عن سد الشيطان‬
‫أذن الذي ينام عن الصلة حتى ل يسمع الذكر ‪.‬‬
‫التوجيه الرابع ‪ :‬أن يقال بأن معناه أن الشيطان مل سمعه‬
‫بالباطيل فحجب سمعه عن الذكر ‪.‬‬
‫التوجيه الخامس ‪ :‬هو أن المر كناية عن ازدراء الشيطان به ‪.‬‬
‫التوجيه السادس ‪ :‬هو ان يقال بأن المعنى أن الشيطان استولى‬
‫عليه واستخف به حتى اتخذه كالكنيف المعد للبول ‪ ,‬إذ من عادة‬
‫المستخف بالشيء أن يبول عليه ‪.‬‬
‫==============‬
‫الوحي في ثوب عائشة‬
‫السلم عليكم ورحمه الله وبركاته‬
‫يظن الصليبيين عندما نسخر من شبهاتهم الضعيفه ول نهتم بها‬
‫اننا ليس عندنا حجه للرد ‪ .‬حتى كثر اللغط حول موضوع الوحى‬
‫فى ثوب عائشه رضى الله عنها فقلنا رحمة بعقولهم الضعيفه‬
‫ومستواهم الثقافى واللغوى المتواضع قررنا ان نرد عليهم لعلهم‬
‫يعقلون او يهتدى منهم من يبحث عن الحق ‪ ,‬ولكن لو كان‬
‫الحديث به شئ يهين الرسول ما قاله الرسول او عقب عليه‬
‫علماء اللغه وجهابذه العربيه ‪.‬‬
‫نص الحديث فى البخارى ‪:‬‬
‫حدثنا إسماعيل قال حدثني أخي عن سليمان عن هشام‬
‫بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن نساء‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم كن حزبين فحزب فيه‬
‫عائشة وحفصة وصفية وسودة والحزب الخر أم سلمة‬
‫وسائر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان المسلمون‬
‫قد علموا حب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة فإذا‬
‫كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أخرها حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم في بيت عائشة بعث صاحب الهدية بها إلى رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة فكلم حزب أم سلمة‬
‫فقلن لها كلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم الناس‬
‫فيقول من أراد أن يهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫هدية فليهده إليه حيث كان من بيوت نسائه فكلمته أم سلمة‬
‫بما قلن فلم يقل لها شيئا فسألنها فقالت ما قال لي شيئا فقلن‬
‫لها فكلميه قالت فكلمته حين دار إليها أيضا فلم يقل لها شيئا‬

‫‪523‬‬
‫فسألنها فقالت ما قال لي شيئا فقلن لها كلميه حتى يكلمك فدار‬
‫إليها فكلمته فقال لها ل تؤذيني في عائشة فإن الوحي لم‬
‫يأتني وأنا في ثوب امرأة إل عائشة قالت فقالت أتوب إلى الله‬
‫من أذاك يا رسول الله ثم إنهن دعون فاطمة بنت رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم تقول إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت أبي بكر‬
‫فكلمته فقال يا بنية أل تحبين ما أحب قالت بلى فرجعت إليهن‬
‫فأخبرتهن فقلن ارجعي إليه فأبت أن ترجع فأرسلن زينب بنت‬
‫جحش فأتته فأغلظت وقالت إن نساءك ينشدنك الله العدل في‬
‫بنت ابن أبي قحافة فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة وهي‬
‫قاعدة فسبتها حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لينظر‬
‫إلى عائشة هل تكلم قال فتكلمت عائشة ترد على زينب‬
‫حتى أسكتتها قالت فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى‬
‫عائشة وقال إنها بنت أبي بكر قال البخاري الكلم الخير‬
‫قصة فاطمة يذكر عن هشام بن عروة عن رجل عن‬
‫الزهري عن محمد بن عبد الرحمن وقال أبو مروان عن‬
‫هشام عن عروة كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة‬
‫وعن هشام عن رجل من قريش ورجل من الموالي عن‬
‫الزهري عن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قالت‬
‫عائشة كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنت‬
‫فاطمة‬
‫الشرح ‪:‬‬
‫نعلم اول ان القرأن يفسر بعضه بعضا والسنه تفسر بعضها‬
‫بعضا والسنه ايضا تفسر القران كما كان يفعل الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬وحرف ) فى ( هو الذى يسبب للنصارى سوء‬
‫فهم بسبب ضعفهم اللغوى ‪ .‬فقد قال فرعون عن السحرة ‪:‬‬
‫ُ‬
‫ل (( ] سورة طه آية ‪ [ 71‬وطبيعى‬ ‫خ ِ‬ ‫ج ُ‬
‫ذوِع الن ّ ْ‬ ‫م ِفي ُ‬ ‫صل ّب َن ّك ُ ْ‬
‫)) وَل َ‬
‫ان ل يقول عاقل ان السحره صلبهم فرعون فى داخل‬
‫النخل !!!! بل ) فى ( هنا تعنى على النخل ‪.‬‬
‫س‬
‫ن ل َِبا ٌ‬
‫ثانيا ‪ :‬يقول القران على النساء والرجال لفظ لباس )) هُ ّ‬
‫َ‬
‫ن (( ] سورة البقرة ‪ -‬آية ‪ . [ 187‬ول يعنى‬ ‫س ل ّهُ ّ‬
‫م ل َِبا ٌ‬‫م وَأنت ُ ْ‬ ‫ل ّك ُ ْ‬
‫هذا ان المرأه _ بنطلون _للرجل او أن الرجل _ فستان _ للمرأه‬
‫‪ .‬كما يفهم النصارى ‪ ,‬بل ان لفظ ) لباس ( عند المصريين يعنى‬
‫شئ اخر غير باقى الدول العربيه ‪ ,‬وطبيعى ان المفهوم من اليه‬
‫انه كما تستر الملبس الجسد فان المرأه تستر زوجها من الزنى‬
‫والمعاصى وكذلك الرجل يستر على زوجته ويعفها ‪...‬‬

‫‪524‬‬
‫المر الخر لكى نفهم معنى ) فى ثوب عائشه ( هو البحث عن‬
‫القصه بكل ملبساتها وظروفها فى احاديث اخرى فى النقاش‬
‫الذى كان بين الرسول ونسائه ‪ ,‬وهنا يتضح لنا المقصود‬
‫والمعنى ‪ .‬وهذا هو عين العقل وضمير الباحث عن الحقيقه مع‬
‫الدرايه باستخدام العرب لللفاظ فى مواقف لتدل عن معنى فى‬
‫ذهن المحاور واليكم الن حديث اخر يتجاهله النصارى لنه يفضح‬
‫جهلهم ‪:‬‬
‫نص الحديث‬
‫ن‬
‫ن َزي ْد ٍ ع َ ْ‬ ‫ماد ُ ب ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫حد ّث ََنا َ‬ ‫صرِىّ ‪َ -‬‬ ‫ت ‪ -‬بَ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن د ُُر ْ‬ ‫حَيى ب ْ ُ‬ ‫حد ّث ََنا ي َ ْ‬ ‫‪َ - 4253‬‬
‫ت َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫حّروْ َ‬ ‫س ي َت َ َ‬‫ن الّنا ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ة َقال ْ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن أِبيهِ ع َ ْ‬ ‫ن ع ُْروَة َ ع َ ْ‬ ‫شام ِ ب ْ ِ‬ ‫هِ َ‬
‫ُ‬
‫ن‬ ‫قل ْ َ‬ ‫ة فَ ُ‬ ‫م َ‬‫سل َ َ‬ ‫م َ‬ ‫حَباِتى إ َِلى أ ّ‬ ‫وا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫معَ َ‬ ‫جت َ َ‬ ‫ت َفا ْ‬ ‫ة َقال َ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫داَياهُ ْ‬ ‫ب ِهَ َ‬
‫ُ‬
‫ريد ُ‬ ‫ة وَإ ِّنا ن ُ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫داَياهُ ْ‬ ‫ن ب ِهَ َ‬ ‫حّروْ َ‬ ‫س ي َت َ َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫ة إِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫م َ‬ ‫َيا أ ّ‬
‫ل الل ّهِ ‪-‬صلى الله عليه‬ ‫سو ِ‬ ‫قوِلى ل َِر ُ‬ ‫ة فَ ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ريد ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ما ت ُ‬ ‫خي َْر ك َ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫كان فَذ َك َرت ذ َل ِ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ة‬
‫م َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫م َ‬ ‫كأ ّ‬ ‫َ ْ‬ ‫ما َ َ‬ ‫ن إ ِل َي ْهِ أي ْن َ َ‬ ‫دو َ‬ ‫س ي ُهْ ُ‬ ‫َ‬ ‫مرِ الّنا‬ ‫وسلم‪ -‬ي َأ ُ‬
‫َ‬ ‫فَأ َع َْر‬
‫ل الل ّهِ إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫سو َ‬ ‫ت َيا َر ُ‬ ‫قال َ ْ‬ ‫م فَ َ‬ ‫ت ال ْك َل َ َ‬ ‫عاد َ ِ‬ ‫عاد َ إ ِل َي َْها فَأ َ‬ ‫م َ‬ ‫ض ع َن َْها ث ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫حباِتى قَد ذ َك َر َ‬
‫ر‬ ‫ة فَأ ُ‬
‫مُ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫داَياهُ ْ‬ ‫ن ب ِهَ َ‬ ‫حّروْ َ‬ ‫س ي َت َ َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫وا ِ َ‬ ‫ص َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ت ذ َل ِك َقا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ل » َيا أ ّ‬ ‫ة َقال ْ‬ ‫ت الّثال ِث َ ُ‬ ‫ما كان َ ِ‬ ‫ت‪ .‬فَل ّ‬ ‫ما كن ْ َ‬ ‫ن أي ْن َ َ‬ ‫دو َ‬ ‫س ي ُهْ ُ‬ ‫الّنا َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ى وَأَنا ِفى‬ ‫ح ُ‬ ‫ى ال ْوَ ْ‬ ‫ما أن ْزِ َ َ‬
‫ل ع َل ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ة فَإ ِن ّ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ة ل َ ت ُؤ ِْذيِنى ِفى َ‬ ‫م َ‬‫سل َ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ها ‪.‬‬ ‫ن غ َي َْر َ‬ ‫من ْك ُ ّ‬ ‫مَرأةٍ ِ‬ ‫فا ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫لِ َ‬
‫وهنا يتضح ان المقصود بالثوب هو اللحاف وهو الغطاء او الستره‬
‫لن كل نساء النبى لهن ستره ولكن لم يأتى الوحى ال فى بيت‬
‫عائشه وهذا لفضلها ومن مناقبها رضى الله عنها والسبب فى‬
‫ذلك هو ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬فسروا هذا الستثناء في حق السيدة عائشة دون زوجات‬
‫النبي لسببين الول انها كانت كثيرة التنظيف والتطهير لثيابها‬
‫وفرشها ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬الثاني انها ابنة ابي بكر وفضلها من فضل ابيها ‪.‬‬
‫مفهوم الحديث ان ام المؤمنين السيدة عائشة هي الوحيدة من‬
‫زوجات النبي التي كان ينزل الوحي عليه وهو نائم بجانبها في‬
‫الفراش او بمعنى اخر في فراشها دون وضع جماع ‪.‬‬
‫وفي اللغة العربية من الممكن التعبير بالجزء عن الكل اذا اعتبرنا‬
‫ان الثياب ملزم للمرء وملمس لجسده وكذلك الفرش واللحاف‬
‫ليستغني عنه المرء ودائما ً ما يتردد عليه المرء للنوم ويكون‬
‫مهاد ورداء لجسده ‪.‬‬
‫نظن ان المر قد وضح الن لمن يبحث عن الحق والقمنا‬
‫النصارى حجر فى شبهاتهم الضعيفه ‪ .‬ويبقى لنا سؤال ؟‬
‫كيف خلع المسيح ثيابه ونشف قدم التلميذ وبقى عريانا ؟‬

‫‪525‬‬
‫هل هذا يليق برب خالق والله معبود ؟‬
‫واليكم النص من انجيل يوحنـــــــا ‪: 13/5‬‬
‫ب ماء في مغسل وابتدأ يغسل ارجل التلميذ ويمسحها‬ ‫)) ثم ص ّ‬
‫بالمنشفة التي كان متزرا بها‪(SVD) (( .‬‬
‫واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين‬
‫=====================‬
‫هل كان الرسول ‪ -‬صلى الله عليه و سلم ‪ -‬ينسى ؟‬
‫الحمد لله و كفي و سلم علي عباده الذين اصطفي وبعد ‪:‬‬
‫فاختصارا ً نحن اليوم نسأل سؤال ً لنرد شبهة اثارها النصاري و‬
‫السؤال هو ‪:‬‬
‫هل يجوز ان ينسي النبي ؟؟‬
‫و نجيب بالقول التي ‪:‬‬
‫وقوع النسيان من النبي يكون على قسمين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬وقوع النسيان منه فيما ليس هو مأمور فيه بالبلغ مثل‬
‫المور العادية و الحياتيه فهذا جائز مطلقا ً لما جبل عليه من‬
‫الطبيعة البشرية‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬وقوع النسيان منه فيما هو مأمور فيه بالبلغ وهذا جائز‬
‫بشرطين‪:‬‬
‫الشرط الول ‪ :‬أن يقع منه النسيان بعد ما يقع منه تبليغه‪ ،‬وأما‬
‫قبل تبليغه فل يجوز عليه فيه النسيان أصل ً ‪.‬‬
‫الشرط الثاني ‪ :‬أن ل يستمر على نسيانه‪ ،‬بل يحصل له تذكره‬
‫إما بنفسه‪ ،‬وإما بغيره ‪.‬‬
‫قال القاضي عياض رحمه الله ‪:‬‬
‫يجوز النسيان عليه ابتداء فيما ليس هو مأمور فيه بالبلغ ‪،‬‬
‫واختلفوا فيما هو مأمور فيه بالبلغ والتعليم‪ ،‬و من ذهب الي‬
‫الجازة قال‪ :‬ل بد أن يتذكره أو يذكره به احد ‪.‬‬
‫قال السماعيلي النسيان من النبي لشيء من القرآن يكون على‬
‫قسمين‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬نسيانه الذي يتذكره عن قرب‪ ،‬وذلك قائم بالطباع‬
‫البشرية‪ ،‬وعليه يدل قوله في حديث ابن مسعود في السهو ‪:‬‬
‫)) إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون‪ (( .‬وهذا القسم سريع‬
‫ن ن َّزل َْنا الذ ّك َْر وَإ ِّنا ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫ح ُ‬‫الزوال‪ ،‬لظاهر قوله تعالى ‪ )) :‬إ ِّنا ن َ ْ‬
‫ن ((‬ ‫حافِ ُ‬
‫ظو َ‬ ‫لَ َ‬
‫والثاني ‪ :‬أن يرفعه الله عن قلبه لنسخ تلوته‪ ،‬وهو المشار إليه‬
‫ه (( وهذا‬ ‫شاَء الل ُ‬ ‫ما َ‬ ‫سى إ ِل ّ َ‬ ‫ك فَل َ َتن َ‬ ‫قرِئ ُ َ‬
‫سن ُ ْ‬
‫في قوله تعالى ‪َ )) :‬‬
‫سَها ((‬ ‫َ‬ ‫س ْ‬
‫ن آي َةٍ أوْ ُنن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫ما َنن َ‬ ‫القسم مشار اليه في قوله‪َ )) :‬‬

‫‪526‬‬
‫اذا فهمنا هذا المر فاننا عندئذ نستطيع الرد علي اعتراض‬
‫النصاري علي حديث واية ‪:‬‬
‫ه‬
‫شاَء الل ُ‬ ‫ما َ‬ ‫سى إ ِل ّ َ‬ ‫ك فَل َ َتن َ‬ ‫قرِئ ُ َ‬ ‫سن ُ ْ‬‫الية هي قوله تعالى ‪َ :‬‬
‫ُ‬
‫فزعموا أن اليات تدل على أن محمد قد أسقط عمد أو أنسي‬
‫ضا على جواز النسيان‬ ‫آيات لم يتفق له من يذكره إياها‪ ،‬وتدل أي ً‬
‫على النبي ‪.‬‬
‫ت‬ ‫َ‬
‫ه ع َن َْها َقال ْ‬ ‫ضي الل ُ‬ ‫ة َر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫والحديث هو ‪ :‬ما روى البخاري ع َ ْ‬
‫سمع النبي َقارًئا ي ْ ُ‬
‫ه‪،‬‬
‫ه الل ُ‬‫م ُ‬ ‫ح ُ‬‫ل‪ :‬ي َْر َ‬ ‫قا َ‬ ‫جد ِ ف َ َ‬ ‫س ِ‬‫ل ِفي اْلم ْ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫قَرأ ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ِ َ ِّ ّ‬
‫َ‬ ‫قد ْ أ َذ ْك ََرِني ك َ َ‬
‫ذا‪ .‬وفي‬ ‫ذا وَك َ َ‬‫سوَرة ك َ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫قط ْت َُها ِ‬ ‫س َ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ذا وَك َ َ‬
‫ذا آي َ ً‬ ‫لَ َ‬
‫سيُتها ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫رواية‪ :‬أن ْ ِ‬
‫فزعموا بجهلهم أن النبي أسقط عمد بعض آيات القرآن ‪.‬‬
‫الجواب عنهم في الية نقول ‪:‬‬
‫سى وعد كريم بعدم نسيان ما‬ ‫ك فَل َ َتن َ‬ ‫قرِئ ُ َ‬ ‫أول ً ‪ :‬بأن قوله‪َ :‬‬
‫سن ُ ْ‬
‫يقرؤه من القرآن‪ ،‬إذ إن )ل( في الية نافية‪ ،‬اي ان الله اخبر فيها‬
‫نبيه صلي الله عليه و سلم بأنه ل ينسى ما أقرأه إياه‪.‬‬
‫وقيل )ل( ناهية‪ ،‬فهي مثل ان تقول لشخص ل تشرك بالله فهل‬
‫معني ذلك انه اشرك؟؟!! ومثل ما قال لقمان لبنه )) ل تشرك‬
‫بالله (( فهل معني ذلك انه اشرك؟؟؟‬
‫ومعنى الية على هذا ‪ :‬سنعلمك القرآن‪ ،‬فل تنساه‪ ،‬فهي تدل‬
‫على عكس ما أرادوا الستدلل ِبها عليه‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الستثناء في الية معلق على مشيئة الله ولم تقع المشيئة‪،‬‬
‫ه ‪((.‬‬ ‫ه وَقُْرآن َ ُ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ج ْ‬ ‫ن ع َل َي َْنا َ‬ ‫بدليل ما مر من قوله تعالى ‪ )) :‬إ ِ ّ‬
‫ثالًثا ‪ :‬الستثناء في الية ل يدل على ما زعموا من أنه يدل على‬
‫إمكان أن ينسى شيئا من القرآن‪ ،‬فان الستثناء ل يجب حدوثه‬
‫مثل قوله تعالي ‪ )) :‬خالدين فيها ما دامت السموات والرض إل‬
‫ما شاء ربك (( فلما كان الوعد على وجه التأبيد ربما يوهم أن‬
‫قدرة الله ل تسع غيره ‪ ،‬وأن ذلك خارج عن ارادته جل شأنه‪،‬‬
‫فجاء الستثناء في قوله تعالى ‪ )) :‬إل ما شاء الله (( فإنه إذا أراد‬
‫أن ينسيه لم يعجزه ذلك‪ ،‬فالقصد هو نفي النسيان رأسا ً ‪ .‬وجاء‬
‫بالستثناء ليبين ان هذا المر وهو عدم النساء ليس خارجا ً عن‬
‫إرادته فإذا أراده لم يمنعه مانع فكل شىء بيده سبحانه‪.‬‬
‫وقيل إن الحكمة في هذا الستثناء أن يعلم العباد أن عدم نسيان‬
‫النبي القرآن هو محض فضل الله وإحسانه‪ ،‬ولو شاء تعالى أن‬
‫ينسيه لنساه‪ ،‬وفي ذلك إشعار للنبي أنه دائما مغمور بنعمة الله‬
‫وعنايته‪ ،‬وإشعار للمة بأن نبيهم لم يخرج عن دائرة العبودية‪ ،‬فل‬
‫يفتنون به كما فتن النصارى بالمسيح ‪.‬‬

‫‪527‬‬
‫القول الثاني ‪ :‬أن الستثناء المراد به منسوخ التلوة فيكون‬
‫المعنى أن الله تعالى وعد بأن ل ينسى نبيه ما يقرؤه‪ ،‬إل ما شاء‬
‫‪ -‬سبحانه ‪ -‬أن ينسيه إياه بأن نسخ تلوته ‪.‬‬
‫والجواب عما زعموه في الحديث الشريف ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬اليات التي أنسيها النبي ثم ذكرها كانت مكتوبة بين يدي‬
‫النبي و لم تنزل آية علي النبي ال قام كتبة الوحي بكتابتها ‪.‬‬
‫وكانت محفوظة في صدور أصحابه الذين تلقوها عنه‪ ،‬والذين بلغ‬
‫عددهم مبلغ التواتر ‪.‬وليس في الخبر إشارة إلى أن هذه اليات‬
‫لم تكن مما كتبه كتاب الوحي ول ما يدل على أن أصحاب النبي‬
‫كانوا نسوها جميعا حتى يخاف عليها الضياع‬
‫ثانيا ‪ :‬أن روايات الحديث ل تفيد أن هذه اليات التي سمعها‬
‫الرسول من أحد أصحابه كانت قد محيت من ذهنه الشريف‬
‫جملة بل غاية ما تفيده أنها كانت غائبة عنه ثم ذكرها وحضرت‬
‫في ذهنه بقراءة صاحبه وليس غيبة الشيء عن الذهن كمحوه‬
‫منه فالنسيان هنا بسبب اشتغال الذهن بغيره أما النسيان التام‬
‫فهو مستحيل على النبي ‪.‬‬
‫قال الباقلني وإن أردت أنه ينسى مثل ما ينسي العالم الحافظ‬
‫بالقرآن نسيانا ل يقدح في فان ذلك جائز بعد أدائه وبلغه ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬أن قوله ) أسقطتها ( مفسرة بقوله في الرواية الخرى ‪) :‬‬
‫سيُتها (‪ ،‬فدل على أنه أسقطها نسيانا ل عمدا فل محل لما‬ ‫ُ‬
‫أن ْ ِ‬
‫أوردوه من أنه قد يكون أسقط عمدا بعض آيات القرآن‪.‬‬
‫سيُتها" دليل على جواز النسيان عليه‬ ‫ُ‬
‫قال النووي‪ :‬قوله "كنت أن ْ ِ‬
‫فيما قد بلغه إلى المة ‪.‬‬
‫اخيرا ً ذهب البعض ان ما نسيه النبي كان مما نسخه الله تعالي و‬
‫لم يعلم الصحابي بنسخه ثم وقع العلم عند الصحابي بذلك ‪.‬‬
‫و نقول للنصاري ان حفظ القرآن و جمعه ليس مسئولية‬
‫الرسول و ليس مسئولية الصحابة و ل ابي بكر و ل عمر و ل‬
‫عثمان فالله بينها واضحة في كتابه )) انا نحن نزلنا الذكر و انا له‬
‫لحافظون )) فمن انزل الذكر هو الذي عليه حفظه و بّين جل‬
‫جلله )) ل تحرك به لسانك لتعجل به ان علينا جمعه و قرآنه ((‬
‫اي ان المتكفل بجمعه و حفظه للمة ليس النبي بل الله عز و‬
‫جل و يفعل الله ذلك علي الوجه الذي يشاء ‪.‬‬
‫فبهذا تكون شبهتهم واهية‬
‫=====================‬
‫نصراني يريد التعرف على بعض من صفات وأخلق‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫الجواب ‪:‬‬

‫‪528‬‬
‫الحمد لله ‪،‬‬
‫لقد كانت أخلق النبي صلى الله عليه وسلم مستمدة من القرآن‬
‫الكريم ‪ ،‬ذلك أن السيدة عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن‬
‫أخلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت لسائلها ‪ :‬أما تقرأ‬
‫القرآن ؟ قال ‪ :‬بلى ‪ .‬فقالت ‪ :‬كان خلقه القرآن ‪.‬‬
‫وإذا كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم هو القرآن وما جاء‬
‫به ‪ ،‬فهيا بنا نتعرف على هذه الخلق ‪:‬‬
‫ل‪ :‬التواضع ‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫إن التواضع في البيت النبوي قد استمد من التوجيه القرآني‬
‫س َول‬‫ك ِللّنا ِ‬‫خد ّ َ‬‫صعّْر َ‬ ‫العظيم ‪ ،‬يقول الله سبحانه وتعالى ‪َ )) :‬ول ت ُ َ‬
‫ه َل ي ُ ِ‬ ‫َْ‬
‫خورٍ ((‬ ‫ل فَ ُ‬‫خَتا ٍ‬‫م ْ‬‫ل ُ‬‫ب كُ ّ‬‫ح ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫حا إ ِ ّ‬
‫مَر ً‬
‫ض َ‬
‫ش ِفي الْر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫] لقمان ‪[ 18 :‬‬
‫لذلك فقد روي عن أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال ‪)) :‬‬
‫كان رسول الله يعلف الناضج ‪ ،‬ويعقل البعير ‪ ،‬ويقم البيت ‪،‬‬
‫ويحلب الشاة ‪ ،‬ويخصف النعل ‪ ،‬ويرقع الثوب ‪ ،‬ويأكل مع‬
‫خادمه ‪ ،‬ويطحن عنه إذا تعب ‪ ،‬ويشتري الشيىء من السوق‬
‫فيحمله إلى أهله ‪ ،‬ويصافح الغني والفقير والكبير والصغير ‪،‬‬
‫ويسلم مبتدئا ً على كل من استقبله ‪ ،‬من صغير أو كبير ‪ ،‬وأسود‬
‫وأحمر ‪ ،‬وحر وعبد (( ] إحياء علوم الدين ‪[ 306 / 3‬‬
‫ومن تواضعه عليه الصلة والسلم أنه كان في سفر ‪ ،‬وأمر‬
‫أصحابه بطهو شاة ‪ ،‬فقال أحدهم ‪ :‬علي ذبحها ‪ ،‬وقال آخر ‪ :‬علي‬
‫سلخها ‪ ،‬وقال ثالث ‪ :‬على طبخها ‪ ،‬فقال الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ )) :‬وعلي جمع الحطب (( فقالوا يا رسول الله ‪،‬‬
‫نكفيك العمل ‪ ،‬فقال ‪ )) :‬علمت أنكم تكفونني ‪ ،‬ولكن أكره أن‬
‫أتميز عليكم ‪ ،‬وإن الله سبحانه وتعالى يكره من عبده أن يراه‬
‫متميزا ً بين أصحابه (( ] شرح الزرقاني ‪[ 265 : 4‬‬
‫وقد قال عليه الصلة والسلم ‪ )) :‬التواضع ل يزيد العبد إل‬
‫ة ‪ ،‬فتواضعوا يرفعكم الله (( ] كنز العمال [‬ ‫رفع ً‬
‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ )) :‬إن الله تعالى أوحى إلي أن‬
‫تواضعوا ‪ ،‬حتى ل يفخر أحد على أحد ‪ ،‬ول يبغي أحد على أحد ((‬
‫] كنز العمال [‬
‫ومن أقواله عليه الصلة والسلم في الحض عل التواضع قوله ‪:‬‬
‫)) ل تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ‪ ،‬إنما أنا عبد فقولوا‬
‫عبد الله ورسوله (( ] سيرة ابن هشام [‬
‫ثانيا ‪ :‬الصدق‬

‫‪529‬‬
‫لقد كان الصدق من صفات الرسول صلى الله عليه وسلم في‬
‫الجاهلية والسلم ‪ ،‬فقد كانت قريش تعرف محمدا ً قبل أن يتنزل‬
‫عليه الوحي بـالصادق المين ‪.‬‬
‫ً‬
‫وحتى عندما بدأت الرسالة ‪ ،‬وأراد أن يدعو قريشا اعترفت‬
‫بصدقه قبل أن يتكلم عن رسالته ‪ ،‬فعندما صعد الصفا وقال ‪:‬‬
‫)) يا صباحاه (( ‪ ،‬كي تجتمع له قريش ‪ ،‬فاجتمعت على الفور‬
‫وقالوا له ‪ :‬مالك ؟‬
‫قال ‪ )) :‬أرأيتم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ‪ ،‬أما‬
‫كنتم تصدقونني ؟ ((‬
‫ً‬
‫قالوا ‪ :‬بلى ‪ ،‬ما جربنا عليك كذبا ‪.‬‬
‫قال ‪ )) :‬فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ((‬
‫وها هو هرقل ملك الروم وإمبراطور الروم يسأل أبا سفيان في‬
‫ركب من قريش بعد صلح الحديبية فيقول ‪ :‬هل كنتم تتهمونه‬
‫بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فقال أبو سفيان ‪ :‬ل ‪ ،‬فقال ملك‬
‫الروم ‪ :‬ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله ‪.‬‬
‫] تاريخ الطبري ‪[ 86 : 3‬‬
‫وفي القرآن الكريم الصدق صفة وصف بها الرسول صلى الله‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫حَزا َ‬‫ن اْل َ ْ‬‫مُنو َ‬ ‫ما َرأى ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫عليه وسلم في قوله تعالى ‪ )) :‬وَل َ ّ‬
‫م‬
‫ما َزاد َهُ ْ‬‫ه وَ َ‬‫سول ُ ُ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫صد َقَ الل ّ ُ‬‫ه وَ َ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ما وَع َد ََنا الل ّ ُ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫َقاُلوا هَ َ‬
‫ما (( ] الحزاب ‪[ 22 :‬‬ ‫سِلي ً‬ ‫إ ِّل ِإي َ‬
‫ماًنا وَت َ ْ‬
‫قال الله تعالى ‪ )) :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع‬
‫الصاقين (( ] التوبة ‪[ 119 :‬‬
‫وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ )) :‬عليكم بالصدق ‪ ،‬فإن الصدق يهدي إلى البر ‪،‬‬
‫والبر يهدي إلى الجنة ‪ ] (( . .‬رواه البخاري ومسلم وغيرهما [‬
‫ثالثا ً ‪ :‬المانة ‪:‬‬
‫لقد أمر القرآن الكريم برد المانة وامتدح هذا المر ‪ ،‬وعقب على‬
‫المر بالتخويف من الخيانة فقال عز وجل ‪ )) :‬ان الله يأمركم ان‬
‫تؤدوا المانات الى أهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا‬
‫بالعدل ((‪ ] .‬النساء ‪[ 58 :‬‬
‫ان نهوض الرسول صلى الله عليه وسلم بتبليغ الرسالة التي‬
‫ائتمنه الله عليها وكلفه أن يقوم بها ‪ ،‬فبلغها للناس أعظم ما‬
‫يكون التبليغ ‪ ،‬وقام بإدائها أعظم ما يكون القيام ‪ ،‬واحتمل في‬
‫سبيلها أشق ما يحتمله بشر ‪.‬‬
‫وقد عرف الناس أمانة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل‬
‫بعثته ‪ ،‬فكانوا يسمونه المين ] سيرة ابن هشام ‪ ،‬وتاريخ الطبري‬
‫‪[ 251 / 2‬‬

‫‪530‬‬
‫ومن احدى المشاهد التي تظهر لنا امانة الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم ان جابر ابن عبدالله قال ‪ :‬أتيت النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وهو في المسجد ضحى ‪ ،‬فقال ‪ )) :‬صل ركعتين (( ‪ ،‬وكان‬
‫لي عليه دين فقضاني وزادني ‪ ] .‬فتح المبدي ‪[ 229 / 2 :‬‬
‫وقد تعددت وكثرت أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي‬
‫تحض على المانة ترغيبا ً وترهيبا ً منها ‪:‬‬
‫ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ )) :‬قال الله تعالى ‪ :‬ثلثة أنا خصمهم يوم‬
‫القيامة ‪ :‬رجل أعطى بي ثم غدر ‪ ،‬ورجل باع حرا ً فأكل ثمنه ‪،‬‬
‫ورجل استأجر أجيرا ً فاستوفى منه العمل ولم يوفه أجره ((‬
‫] رواه البخاري [‬
‫رابعا ً ‪ :‬الوفاء ‪:‬‬
‫ان الوفاء بالعهد ‪ ،‬وعدن نسيانه أو الغضاء عن واجبه خلق‬
‫كريم ‪ ،‬ولذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم فيه بالمحل‬
‫الفضل والمقام السمى ‪ ،‬فوفاؤه ‪ ،‬وصلته لرحامه كان مضرب‬
‫المثل ‪ ،‬وحق له ذلك وهو سيد الوفياء وإليك ما يثبت هذه‬
‫الحقيقة ‪:‬‬
‫حديث عبدالله بن أبي الحمساء إذ قال ‪ :‬بايعت النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ببيع قبل أن يبعث وبقيت له بقية فوعدته أن آتيه بها‬
‫في مكانه فنسيت ثم تذكرت بعد ثلث ‪ ،‬فجئت فإذا هو في‬
‫مكانه‪ ،‬فقال ‪ )) :‬يا فتى لقد شققت علي أنا هنا منذ ثلث‬
‫أنتظرك ((‬
‫روى البخاري في الدب المفرد عن أنس بن مالك قال ‪ :‬كان‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتي بهدية قال ‪ )) :‬اذهبوا بها إلى‬
‫بيت فلنة فإنها كانت صديقة لخديجة ‪ ،‬إنها كانت تحت خديجة ((‬
‫أي وفاء هذا ياعباد الله ؟ إنه يكرم أحباء خديجة وصديقاتها بعد‬
‫موتها رضي الله عنها ‪.‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬العدل‬
‫لقد أمر القرآن الكريم بالعدل فقال سبحانه وتعالى ‪َ )) :‬يا أ َي َّها‬
‫ن‬
‫شَنآ ُ‬ ‫م َ‬ ‫من ّك ُ ْ‬‫جرِ َ‬ ‫ط وََل ي َ ْ‬ ‫س ِ‬
‫ق ْ‬ ‫داَء ِبال ْ ِ‬
‫شهَ َ‬ ‫ن ل ِل ّهِ ُ‬
‫مي َ‬ ‫كوُنوا قَ ّ‬
‫وا ِ‬ ‫مُنوا ُ‬‫نآ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫وى َوات ّ ُ‬‫ب ِللت ّقْ َ‬ ‫قَوْم ٍ ع ََلى أّل ت َعْد ُِلوا اع ْد ُِلوا هُوَ أقَْر ُ‬
‫ما (( ] المائدة ‪[ 8 :‬‬ ‫خِبيٌر ب ِ َ‬‫َ‬
‫وقد حض النبي صلى الله عليه وسلم على العدل والمساواة في‬
‫أحاديث كثيرة بعد ضرب المثل والقدوة للناس عمليا ً‬
‫_ قال عليه الصلة والسلم ‪ )) :‬ما من عبد استرعاه الله رعية‬
‫فلم يحطها بنصيحة إل لم يجد رائحة الجنة (( ] اللؤلؤ والمرجان‬
‫‪[ 30 : 1‬‬

‫‪531‬‬
‫_ وقال عليه الصلة والسلم ‪ )) :‬المسلم أخو المسلم ل يظلمه‬
‫ول يسلمه ‪ ،‬ومن كان في حاجة أخيه المسلم كان الله في حاجته‬
‫((‬
‫_ وكان عليه الصلة والسلم يعدل ويتحرى العدل بين زوجاته ثم‬
‫يعذر إلى ربه وهو مشفق خائف فيقول ‪ )) :‬اللهم هذا قسمي‬
‫فيما أملك فل تلمني فيما تملك ول أملك ((‬
‫_ وكان الحسن يقول ‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ل‬
‫يأخذ أحدا ً يقرف أحد ‪ ،‬ول يصدق أحد على أحد ‪.‬‬
‫والقرف ‪ :‬التهمة والذنب ‪.‬‬
‫سادسا ً ‪ :‬الكرم‬
‫ان الكرم المحمدي كان مضرب المثال ‪ ،‬وكان صلى الله عليه‬
‫وسلم ل يرد سائل ً ‪ .‬فقد سأله رجل حلة كان يلبسها فدخل‬
‫فخلعها ‪ ،‬ثم خرج بها في يده وأعطاه إياها ‪ .‬ففي صحيح البخاري‬
‫ومسلم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال ‪ )) :‬ما سئل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ً قط فقال ل ‪ .‬وقال أنس‬
‫بن مالك رضي الله عنه ‪ )) :‬ما سئل رسول الله شيئا ً قط فقال‬
‫ل ((‬
‫وحسبنا في الستدلل على كرم رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم حديث البخاري عن أبن عباس رضي الله عنهما وقد سئل‬
‫عن جود الرسول وكرمه فقال ‪ :‬كان رسول الله أجود الناس ‪،‬‬
‫وكان أجود ما يكون في شهر رمضان حين يلقاه جبريل بالوحي‬
‫فيدارسه القرآن‬
‫وكيف ل يكون الحبيب صلى الله عليه وسلم أكرم الناس‬
‫م‬‫قت ُ ْ‬ ‫ما أ َن ْ َ‬
‫ف ْ‬ ‫واجودهم على الطلق وقد نزل عليه قول ربه ‪ )) :‬وَ َ‬
‫ن (( ] سبأ ‪[ 39 :‬‬ ‫خي ُْر الّرازِِقي َ‬
‫ه وَهُوَ َ‬
‫ف ُ‬ ‫يٍء فَهُوَ ي ُ ْ‬
‫خل ِ ُ‬ ‫ن َ‬
‫ش ْ‬ ‫م ْ‬‫ِ‬
‫سابعا ً ‪ :‬الزهد‬
‫والمراد بالزهد الزهد في الدنيا ‪ ،‬وذلك بالرغبة عنها ‪ ،‬وعدم‬
‫الرغبة فيها ‪ ،‬وذلك بطلبها طلبا ً ل يشق ‪ ،‬ول يحول دون أداء‬
‫واجب ‪ ،‬وسد باب الطمع في الكثار منها والتزيد من متاعها ‪،‬‬
‫وهو ما زاد على قدر الحاجة ‪ ،‬وإليك هذه المواقف التي تدل على‬
‫ان النبي صى الله عليه وسلم كان أزهد الناس ‪:‬‬
‫قال عليه الصلة والسلم لعمر وقد دخل عليه فوجده على‬
‫فراش من أدم حشوه ليف فقال ‪ :‬إن كسرى وقيصر ينامان على‬
‫كذا وكذا ‪ ،‬وأنت رسول الله تنام على كذا وكذا ‪ ،‬فقال له النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬مالي وللدنيا يا عمر ‪ ،‬وإنما أنا كراكب‬
‫استظل بظل شجرة ثم راح وتركها ((‬

‫‪532‬‬
‫وقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح ‪ )) :‬لو كان لي مثل‬
‫أحد ذهبا ً لما سرني أن يبيت عندي ثلثا إل قلت فيه هكذا وهكذا‬
‫إل شيئا ً أرصده لدين ((‬
‫فهذا أكبر مظهر للزهد الصادق الذي كان الحبيب صلى الله عليه‬
‫وسلم يعيش عليه ويتحلى به ‪.‬‬
‫وكان عليه الصلة والسلم يدعو ربه قائل ً ‪ )) :‬اللهم اجعل قوت‬
‫آل محمد كفافا (( أي بل زيادة ول نقصان ‪.‬‬
‫وقد قالت عائشة رضي الله عنها ‪ :‬مات رسول الله صلى الله‬
‫عايه وسلم وما في بيتي شيىء يأكله ذو كبد إل شطر شعير في‬
‫رف لي ‪.‬‬
‫ثامنا ً ‪ :‬أدبه وحسن عشرته ‪:‬‬
‫إن من كمال خلق المرء حسن صحبته ومعاشرته لهله ‪ ،‬وكمال‬
‫أدبه في مخالطته لغيره ‪ ،‬وقد كان الحبيب صلى الله عليه وسلم‬
‫مضرب المثل في حسن الصحبة وجميل المعاشرة وأدب‬
‫المخالطة وإليك هذه المثلة ‪:‬‬
‫قال أنس بن مالك ‪ :‬خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫عشر سنوات فما قال لي أف قط ‪ ،‬وما قال لشيء صنعته لم‬
‫صنعته ؟ ول لشيىء تركته لم تركته ؟‬
‫ووصفه علي رضي الله عنه فقال ‪ :‬كان رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أوسع الناس صدرا ً ‪ ،‬وأصدق الناس لهجة ‪ ،‬وألينهم‬
‫عريكة ‪ ،‬وأكرمهم عشره ‪.‬‬
‫وقالت عائشة رضي الله عنها ‪ :‬ما كان أحد أحسن خلقا ً من‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دعاه أحد من أصحابه ول‬
‫أهل بيته إل قال ‪ )) :‬لبيك (( أي أجاب دعوته ‪.‬‬
‫ووصفه ابن أبهي هالة وهو صحيح ‪ :‬كان دائم البشر ‪ ،‬سهل‬
‫الخلق ‪ ،‬لين الجانب ‪ ،‬ليس بفظ ول غليظ ‪ ،‬ول سخاب ‪ ،‬ول‬
‫فحاش ‪ ،‬و عياب ‪ ،‬ول مداح ‪ ،‬يتغافل عما ل يشتهي ول يؤيس منه‬
‫‪ .‬وكان يجيب من دعاه ‪ ،‬ويقبل الهدية ممن اهداه ‪ ،‬ولو كانت‬
‫كراع شاه ويكافىء عليها ‪.‬‬
‫وروى الترمذي عن عبد الله بن سلم أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪ )) :‬أيها الناس أفشوا السلم‪ ،‬وأطعموا الطعام‪،‬‬
‫وصلوا الرحام‪ ،‬وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلم ((‬
‫قال البراء بن عازب رضي الله عنه‪" :‬كان رسول الله أحسن‬
‫خلقًا"‪ ،‬أخرجه البخاري ومسلم‬ ‫الناس وجها ً وأحسنهم َ‬
‫وحسبنا في بيان أدبه صلى الله عليه وسلم وحسن عشرته‬
‫ن‬
‫م َ‬
‫مةٍ ِ‬‫ح َ‬‫ما َر ْ‬‫وجميل مخالطته قول ربه تبارك وتعالى فيه ‪ )) :‬فَب ِ َ‬
‫حوْل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫ضوا ِ‬ ‫ف ّ‬‫ب َلن ْ َ‬
‫قل ْ ِ‬
‫ظ ال ْ َ‬
‫ظا غ َِلي َ‬
‫ت فَ ّ‬‫م وَل َوْ ك ُن ْ َ‬
‫ت ل َهُ ْ‬
‫الل ّهِ ل ِن ْ َ‬

‫‪533‬‬
‫َ‬
‫ت فَت َوَك ّ ْ‬
‫ل‬ ‫م َ‬
‫ذا ع ََز ْ‬ ‫م ِفي اْل ْ‬
‫مرِ فَإ ِ َ‬ ‫شاوِْرهُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫فْر ل َهُ ْ‬
‫ست َغْ ِ‬‫م َوا ْ‬ ‫َفاع ْ ُ‬
‫ف ع َن ْهُ ْ‬
‫ن (( ] المائدة ‪[ 159 :‬‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫مت َوَك ِّلي َ‬ ‫ح ّ‬‫ه يُ ِ‬‫ن الل ّ َ‬
‫ع ََلى الل ّهِ إ ِ ّ‬
‫فجزاه الله عن أمته خير الجزاء ‪.‬‬
‫تاسعا ‪ :‬خشيته لله وطول عبادته ‪:‬‬
‫ومن مظاهر خشيته لله وطول عبادته ‪:‬‬
‫طر قدماه ‪ ،‬فإذا سئل في ذلك‬ ‫انه كان يصلي من الليل حتى تتف ّ‬
‫قال ‪ )) :‬أفل أكون عبدا ً ((‬
‫وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال ‪ )) :‬وجعلت قرة‬
‫عيني في الصلة ((‬
‫و قالت عائشة ‪ :‬كان عمل رسول الله صلى الله عليه و سلم‬
‫ديمة ‪ ،‬و أيكم يطيق ما كان يطيق ! ‪ .‬و قالت ‪ :‬كان يصوم حتى‬
‫نقول ‪ :‬ل يفطر ‪ .‬و يفطر حتى نقول ‪ :‬ل يصوم ‪ .‬و نحوه عن ابن‬
‫العباس ‪ ،‬و أم سلمى ‪ ،‬و أنس ‪ .‬و قالت ‪ :‬كنت ل تشاء أن تراه‬
‫من الليل مصليا ً إل رأيته مصليا ‪ ،‬و ل نائما ً إل رأيته نائما ً ‪ .‬و قال‬
‫عوف بن مالك ‪ :‬كنت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة‬
‫فاستاك ثم توضأ ‪ ،‬ثم قام يصلي ‪ ،‬فقمت معه ‪ ،‬فبدأ فاستفتح‬
‫البقرة ‪ ،‬فل يمر بآية رحمة إل وقف فسأل ‪ ،‬و ل يمر بآية عذاب‬
‫إل وقف فتعوذ ‪ ،‬ثم ركع ‪ ،‬فمكث بقدر قيامه ‪ ،‬يقول ‪ :‬سبحان ذي‬
‫الجبروت و الملكوت و العظمة ‪ ،‬ثم سجد و قال مثل ذلك ‪ ،‬ثم‬
‫قرأ آل عمران ‪ ،‬ثم سورة سورة ‪ ،‬يفعل مثل ذلك ‪ .‬و عن حذيفة‬
‫مثله ‪ ،‬و قال سجد نحوا ً من قيامه ‪ ،‬و جلس بين السجدتين‬
‫نحوًامنه ‪ ،‬و قال ‪ :‬حتى قرأ البقرة ‪ ،‬و آل عمران ‪ ،‬و النساء ‪ ،‬و‬
‫المائدة ‪ .‬و عن عائشة ‪ :‬قام رسول الله صلى الله عليه و سلم‬
‫بأية من القرأن ليلة ‪.‬‬
‫وإليك بعض من الداب المحمدية ‪:‬‬
‫كان عليه الصلة والسلم يجالس الفقراء و يؤاكل المساكين ‪،‬‬
‫ويصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم ‪.‬‬
‫خافض الطرف ينظر إلى الرض ‪ ،‬و يغض بصره بسكينة و أدب ‪،‬‬
‫نظره إلى الرض أطول من نظره إلى السماء لتواضعه بين‬
‫الناس ‪ ،‬و خضوعه لله تعالى ‪ ..‬كأن على رأسه الطير ‪.‬‬
‫و كان عليه الصلة والسلم أشجع الناس ‪ ،‬و كان ينطلق إلى ما‬
‫يفزع الناس منه ‪ ،‬قبلهم ‪ ،‬و يحتمي الناس به ‪ ،‬و ما يكون أحد ٌ‬
‫أقرب إلى العدو منه ‪.‬‬
‫و كان عليه الصلة والسلم ُيخاطب جلساَء ه بما يناسب ‪ .‬فعن‬
‫ن أخذنا في‬ ‫زيد بن ثابت ‪ ،‬قال ‪ :‬كنا إذا جلسنا إلي الرسول إ ْ‬
‫ن أخذنا في ذكر الدنيا ‪،‬‬ ‫حديث في ذكر الخرة ‪ ،‬أخذ معنا ‪ ،‬و إ ْ‬
‫ن أخذنا في ذكر الطعام و الشراب ‪ ،‬أخذ معنا ‪.‬‬ ‫أخذ معنا ‪ ،‬و إ ْ‬

‫‪534‬‬
‫و كان عليه الصلة والسلم إذا أحزنه أمٌر فزع إلى الصلة ‪ ،‬لجأ‬
‫إليها ‪ ،‬و كان يحب الخلوة بنفسه للذكر و التفكر و التأمل و‬
‫مراجعة أمره ‪.‬‬
‫‪ :‬وكان يبادر من لقيه بالسلم والتحية و هو علمة التواضع‬
‫كان ل يعيب طعاما ً يقدم إليه أبدا ً ‪ ،‬وإنما إذا أعجبه أكل منه ‪،‬‬
‫وإن لم يعجبه تركه ‪.‬‬
‫يتكلم على قدر الحاجة ‪ ،‬ل فضول ول تقصير ‪.‬‬
‫ل يغضب لنفسه ول ينتصر لها‬
‫ل الناس عما في الناس ‪ ،‬ليكون عارفا ً بأحوالهم و شؤونهم‬ ‫يسأ ُ‬
‫و ل يجلس و ل يقوم إل على ذكر‬
‫و كان النبي صلى الله عليه وسلم يرقع ثوبه ‪ ،‬و يخصف نعله ‪ ،‬و‬
‫يأكل مع العبد ‪ ،‬و يجلس على الرض ‪ ،‬و يصافح الغني و‬
‫الفقير ‪ ..‬و ل يحتقر مسكينا ً لفقره ‪ ..‬و ل ينزع يده من يد أحد‬
‫حتى ينزعها هو ‪ ،‬و يسلم على من استقبله من غني و فقير ‪ ،‬و‬
‫كبير و صغير ‪.‬‬
‫فصل اللهم وبارك وسلم على عبدك ورسولك محمد عليه الصلة‬
‫والسلم‬
‫مراجع ‪:‬‬
‫"الدب المفرد" للبخاري‬
‫"مكارم الخلق" لبن أبي الدنيا وللخرائطي‬
‫وكتب الشمائل وأخلق النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ومن أجمل الكتب المعاصرة التي وقفت عليها في هذا الموضوع‬
‫"الخلق الفاضلة" للرحيلي وهو كتاب جميل ‪.‬‬
‫==============‬
‫ة ‪ " :‬قردةٌ في‬ ‫ة حول رواي ِ‬ ‫ة المثار ِ‬ ‫الردُ على الشبه ِ‬
‫ة زنت فُرجمت "‬ ‫الجاهلي ِ‬
‫كتب الدكتور هشام عزمي‬
‫ص الثرِ ‪:‬‬ ‫ن ُ‬
‫م البخاري في " صحيحه " )‪ ، (3849‬كتاب مناقب‬ ‫روى الما ُ‬
‫ب القسامة في الجاهليةِ ‪:‬‬ ‫النصار ‪ ،‬با ٌ‬
‫ن‬‫رو ب ْ ِ‬‫م ِ‬
‫ن عَ ْ‬‫ن ‪ ،‬عَ ْ‬ ‫صي ْ ٍ‬‫ح َ‬ ‫ن ُ‬‫م ‪ ،‬عَ ْ‬ ‫شي ْ ٌ‬ ‫حد ّث ََنا هُ َ‬ ‫ماد ٍ ‪َ ،‬‬ ‫ح ّ‬
‫ن َ‬ ‫م بْ ُ‬ ‫حد ّث ََنا ن ُعَي ْ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن قا َ‬ ‫َ‬
‫معَ ع َلي َْها قَِرد َة ٌ ‪ ،‬قد ْ‬ ‫جت َ َ‬
‫جاه ِل ِي ّةِ قِْرد َة ً ا ْ‬ ‫ت ِفي ال َ‬ ‫ل ‪َ " :‬رأي ْ ُ‬ ‫مو ٍ‬ ‫مي ْ ُ‬ ‫َ‬
‫م‪.‬‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫مت َُها َ‬‫ج ْ‬‫ها ‪ ،‬فََر َ‬ ‫مو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ت ‪ ،‬فََر َ‬ ‫َزن َ ْ‬
‫الرد ُ ‪:‬‬
‫أول ً ‪:‬‬
‫ح البخاري‬ ‫ط المام ِ البخاري ‪ ،‬فصحي ُ‬ ‫ث ليس على شر ِ‬ ‫هذا الحدي ُ‬
‫ه‬
‫ل الل ِ‬ ‫ح من أمورِ رسو ِ‬ ‫سماه ُ ‪ " :‬الجامعُ المختصُر المسند ُ الصحي ُ‬

‫‪535‬‬
‫ه عليه وسلم – وسننهِ وأيامهِ " فالخبُر ليس مسندا ً‬ ‫– صلى الل ُ‬
‫ه‪.-‬‬ ‫ه الل ُ‬‫ط البخاري – رحم ُ‬ ‫ل فهو ليس على شر ِ‬ ‫للرسو ِ‬
‫ث التي تروى عن الصحابةِ ‪،‬‬ ‫ة ‪ ،‬وهي الحادي ُ‬ ‫ث الموقوف ُ‬ ‫فالحادي ُ‬
‫ه عليه وسلم ‪ ، -‬والتي يسميها‬ ‫م رفُعها للنبي – صلى الل ُ‬ ‫ول يت ُ‬
‫ط البخاري –‬ ‫ل العلم ِ " الثار " هي ليست كذلك على شر ِ‬ ‫ض أه ِ‬ ‫بع ُ‬
‫رحمه الله ‪. -‬‬
‫ث التي يوردها البخاري ‪،‬‬ ‫ة ‪ ،‬وهي الحادي ُ‬ ‫ث المعلق ُ‬ ‫وكذلك الحادي ُ‬
‫ل أسانيدها ‪ ،‬أو يورد ُ قول ً بدون سند ٍ كأن يقول ‪ " :‬قال‬ ‫ف أو َ‬ ‫ويحذ ُ‬
‫س‬
‫ض كأن يقول ‪ُ " :‬يروى عن أن ٍ‬ ‫س " ‪ ،‬أو يورده ُ بصيغةِ التمري ِ‬ ‫أن ٌ‬
‫ة‬
‫ت سواٌء رواها بصيغةِ الجزم ِ ‪ ،‬أو بصيغ ِ‬ ‫" ‪ ،‬وهذه المعلقا ُ‬
‫ط المام ِ البخاري ‪ ،‬وقد بلغت‬ ‫ض ‪ ،‬فليست هي على شر ِ‬ ‫التمري ِ‬
‫ح ألفا ً وثلثمائة وواحدا ً وأربعين ‪.‬‬ ‫ت البخاري في الصحي ِ‬ ‫معلقا ُ‬
‫ثانيا ً ‪:‬‬
‫ن ‪ ،‬وهو من كبارِ التابعين ‪ ،‬وليس‬ ‫ن ميمو ٍ‬ ‫هذا الخبُر رواه ُ عمرو ب ُ‬
‫ة ‪ ،‬وأسلم في عهد ِ النبي –‬ ‫من أدرك الجاهلي َ‬ ‫صحابيا ً ‪ ،‬وإنما هو م ّ‬
‫ق‬
‫ه ‪ ،‬ويطل ُ‬ ‫ه لم يره ُ ‪ ،‬ولم يرو عن ُ‬ ‫ه عليه وسلم – ولكن ُ‬ ‫صلى الل ُ‬
‫م " ‪ ،‬ترجم له‬ ‫ضَر ٌ‬
‫خ ْ‬ ‫م َ‬‫ل‪ُ ":‬‬ ‫ب التراجم ِ والرجا ِ‬ ‫على أمثالهِ في كت ِ‬
‫شهُوٌْر " ] سيُر‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬‫ضَر ٌ‬
‫خ ْ‬‫م َ‬ ‫ظ في " التقريب " فقال ‪ُ " :‬‬ ‫الحاف ُ‬
‫ة )‪. [ ( 3/118‬‬ ‫أعلم ِ النبلء )‪ – (4/158‬والصاب ُ‬
‫ة‬
‫ن الجوزي – رحمه الله ‪ " :‬وقد أوهم أبو مسعود بترجم ِ‬ ‫قال اب ُ‬
‫ج عنهم‬ ‫ه من الصحابةِ الذين انفرد بالخرا ِ‬ ‫ن أن ُ‬ ‫ن ميمو ٍ‬ ‫عمرو ب ِ‬
‫ه في‬ ‫ه ليس من الصحابةِ ‪ ،‬ول ل ُ‬ ‫البخاري ‪ ،‬وليس كذلك فإن ُ‬
‫ث الصحيحين لبن‬ ‫ل من حدي ِ‬ ‫ف المشك ِ‬ ‫ح مسند ٌ " ‪ ] .‬كش ُ‬ ‫الصحي ِ‬
‫الجوزي )‪. [ (4/175‬‬
‫م القرطبي – رحمه الله – يعد ُ‬ ‫ن كما قال الما ُ‬ ‫ن ميمو ٍ‬ ‫فعمرو ب ُ‬
‫من كبارِ التابعين من الكوفيين ] تفسيُر القرطبي )‪(1/442‬‬
‫تفسير سورة البقرة الية ‪. [ 65‬‬
‫ثالثا ً ‪:‬‬
‫ه – لما ذكر هذا الثَر الذي ليس على‬ ‫ه الل ُ‬ ‫البخاري – رحم ُ‬
‫ن‬‫شرطهِ ‪ ،‬إنما أراد الشارة َ إلى فائدةٍ والتأكيد ِ على أن عمرو ب َ‬
‫ن عمرو الذي‬ ‫ل البخاري بظ ِ‬ ‫ة ‪ ،‬ولم يبا ِ‬ ‫ن قد أدرك الجاهلي َ‬ ‫ميمو ٍ‬
‫ب الرجم ِ ‪.‬‬ ‫ه في الجاهليةِ ‪ ،‬بأن القردة َ قد زنت فرجموها بسب ِ‬ ‫ظن ُ‬
‫رابعا ً ‪:‬‬
‫ظ‬ ‫ه – قال الحاف ُ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫ن عبد ِ البرِ – رحم ُ‬ ‫م اب ُ‬ ‫الخبُر استنكره ُ الما ُ‬
‫مرو‬ ‫صة ع َ ْ‬ ‫ست َن ْك ََر ا ِْبن ع َْبد ال ْب َّر قِ ّ‬ ‫ه ‪ " : -‬وَقَد ْ ا ِ ْ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫ن حجرٍ – رحم ُ‬ ‫اب ُ‬
‫مك َّلف ‪،‬‬ ‫ضاَفة الّزَنا إ َِلى غ َْير ُ‬ ‫ل ‪ِ " :‬فيَها إ ِ َ‬ ‫مون هَذ ِهِ وََقا َ‬ ‫مي ْ ُ‬ ‫ْبن َ‬

‫‪536‬‬
‫هل ال ْعِْلم " ‪ ] .‬فتح‬ ‫عْند أ َ ْ‬
‫كر ِ‬ ‫من ْ َ‬
‫ذا ُ‬ ‫حد ّ ع ََلى ال ْب ََهاِئم وَهَ َ‬ ‫مة ال ْ َ‬ ‫وَإ َِقا َ‬
‫الباري لبن حجر ‪ ) 7/197‬الطبعة السلفية ( [ ‪.‬‬
‫خامسا ً ‪:‬‬
‫م اللباني – رحمه الله – فقال ‪ " :‬هذا أثٌر‬ ‫استنكر الخبَر الما ُ‬
‫ج ‪ ،‬وأن من‬ ‫م أن القردة َ تتزو ُ‬ ‫ن أن يعل َ‬ ‫ن لنسا ٍ‬ ‫منكٌر ‪ ،‬إذ كيف يمك ُ‬
‫ب أن‬ ‫ض ‪ ،‬فمن خان قتلوه ُ ؟! ثم ه ّ‬ ‫ة على العر ِ‬ ‫خلقهم المحافظ َ‬ ‫ُ‬
‫م‬
‫ن ميمون أن رج َ‬ ‫ذلك أمٌر واقعٌ بينها ‪ ،‬فمن أين علم عمرو ب ُ‬
‫القردةِ إنما كان لنها زنت " ‪ ] .‬مختصر صحيح البخاري لللباني )‬
‫‪. [ (2/535‬‬
‫سادسا ً ‪:‬‬
‫خ‬‫ة من شي ِ‬ ‫ن أن الف َ‬ ‫ه ‪ " : -‬وأنا أظ ُ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫خ اللباني – رحم ُ‬ ‫قال الشي ُ‬
‫ة‬
‫م ‪ ،‬أو من عنعن ِ‬ ‫ف مته ٌ‬ ‫ه ضعي ٌ‬ ‫ن حماد ٍ ‪ ،‬فإن ُ‬ ‫ف نعيم ِ ب ِ‬ ‫المصن ِ‬
‫ه كان مدلسا " ‪ ] .‬مختصر صحيح البخاري لللباني )‬ ‫ً‬ ‫هشيم ‪ ،‬فإن ُ‬ ‫ُ‬
‫‪[ (2/535‬‬
‫سابعا ً ‪:‬‬
‫ف الثرِ محققُ " سير أعلم النبلء " )‬ ‫وممن ذهب إلى تضعي ِ‬
‫ن حماد ٍ كثيُر الخطأ ِ ‪،‬‬ ‫مب ُ‬ ‫‪ (4/159‬فقد قال في الحاشيةِ ‪ " :‬ونعي ُ‬
‫س وقد عنعن " ‪.‬‬ ‫م مدل ٌ‬ ‫هشي ٌ‬ ‫و ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ثامنا ‪:‬‬
‫ت‬‫ل معلقا ِ‬ ‫ن حماد ٍ ‪ ،‬من رجا ِ‬ ‫مب ُ‬ ‫ف في سندهِ ُنعي ُ‬ ‫فالخبُر ضعي ٌ‬
‫ه البخاري مقرونا ً بغيرهِ في‬ ‫البخاري ل من أسانيدهِ ‪ ،‬روى عن ُ‬
‫ه بغيرهِ إل في‬ ‫ث أرقام ) ‪ ، (7139-4339-393‬ولم يقرن ُ‬ ‫الحادي ِ‬
‫ه–‬ ‫ه الل ُ‬ ‫ث المقطوِع الذي ليس على شرطهِ – رحم ُ‬ ‫هذا الحدي ِ‬
‫حديث رقم )‪. (3849‬‬
‫ق‬
‫ن حماد ٍ قال عنه الحافظ في " التقريب " ‪ " :‬صدو ٌ‬ ‫ُ‬ ‫مب ُ‬ ‫ونعي ُ‬
‫ن حبان‬ ‫ف " ‪ ،‬وذكره ُ اب ُ‬ ‫يخطيُء كثيرا ً " ‪ ،‬وقال النسائي ‪ " :‬ضعي ٌ‬
‫في " الثقات " وقال ‪ " :‬ربما أخطأ ووهم " ‪ ] .‬تهذيب الكمال )‬
‫‪(29/476‬‬
‫تاسعا ً ‪:‬‬
‫ن بشيرٍ الواسطي ‪،‬‬ ‫مب َ‬ ‫هشي َ‬ ‫ف لن في سندهِ ُ‬ ‫وكذلك الخبُر ضعي ٌ‬
‫ه الحافظ في المرتبةِ الثالثةِ في طبقاتهِ‬ ‫ُ‬ ‫س ‪ ،‬وجعل ُ‬ ‫وهو كثيُر التدلي ِ‬
‫ت‪:‬‬ ‫ج بحديثهم إل بما صرحوا به السماع َ ‪ ،‬قل ُ‬ ‫‪ ،‬وهم ممن ل ُيحت ُ‬
‫ولم يصرح بالسماِع في هذا الخبرِ ‪.‬‬
‫عاشرا ً ‪:‬‬
‫خ اللباني إلى تقويةِ هذا الثر مختصرا ً دون وجود‬ ‫مال الشي ُ‬
‫ب الزنا فقال ‪ -‬رحمه‬ ‫النكارةِ أن القردة َ قد زنت وأنها ُرجمت بسب ِ‬
‫ن عبد ِ البر في " الستيعاب " )‪(3/1205‬‬ ‫الله ‪ " : -‬لكن ذكر اب ُ‬

‫‪537‬‬
‫ن العوام أيضا ً ‪ ،‬عن حصين ‪ ،‬كما رواه هشيم‬ ‫ه رواه ُ عباد ُ ب ُ‬ ‫أن ُ‬
‫مختصرا ً‬
‫ل الشيخين ‪،‬‬ ‫ة من رجا ِ‬ ‫ل اللباني ( وعباد ُ هذا ثق ٌ‬ ‫ت ‪ ) :‬القائ ُ‬ ‫قل ُ‬
‫ن ميمون به مطول ً ‪،‬‬ ‫ن حطان ‪ ،‬عن عمرو ب ِ‬ ‫ه عيسى ب ُ‬ ‫وتابع ُ‬
‫ن حبان ‪،‬‬ ‫ه العجلي واب ُ‬ ‫ه السماعيلي ‪ ،‬وعيسى هذا وثق ُ‬ ‫أخرج ُ‬
‫ة تبعد النكارة َ الظاهرة َ من روايةِ نعيم المختصرة ‪،‬‬ ‫وروايته مفصل ٌ‬
‫ن عبد ِ البر ‪ ،‬والله أعلم " ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫وقد مال الحافظ إلى تقويتها خلفا لب ِ‬
‫] مختصر صحيح البخاري لللباني )‪. [ (536-2/535‬‬
‫الحادي عشر ‪:‬‬
‫ت‬‫ة الخبرِ ‪ ،‬فإن الراوي أخبر عما رأى في وق ِ‬ ‫لو اقترضنا صح َ‬
‫ه في‬ ‫ه ل سيما أن ُ‬ ‫ل بأن هذا ما ظن ُ‬ ‫ه ل حرج من القو ِ‬ ‫جاهليتهِ فإن ُ‬
‫روايةٍ رأى قردا ً وقردة ً مع بعضهما فجاء قرد ٌ آخر ‪ ،‬وأخذها من ُ‬
‫ه‬
‫فاجتمع عليها القردة ُ الخرون ورجموهما‪.‬‬
‫فهذه صورة ُ الحكايةِ ظنها الراوي رجما ً للزنى ‪ ،‬وهو لم يأخذ هذا‬
‫ة عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ، -‬وليست كذلك الراوي‬ ‫حكاي ً‬
‫ب النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫لها أحد ُ أصحا ِ‬
‫=================‬
‫الرد على شبهة اهتمامه صلى الله علية وسلم بالغنائم‬
‫من الشبه التي أثارها أعداء السلم ‪ ،‬ورّوجوا لها بهدف تشويه‬
‫شخصية محمد ٍ صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬للوصول إلى الطعن في‬
‫دعونه من أنه كان صاحب‬ ‫دعوته ‪ ،‬وإبعاد الناس عنها ‪ ،‬ما ي ّ‬
‫مطامع دنيوية ‪ ،‬لم يكن يظهرها في بداية دعوته في مكة ‪ ،‬ولكنه‬
‫بعد هجرته إلى المدينة بدأ يعمل على جمع الموال والغنائم من‬
‫خلل الحروب التي خاضها هو وأصحابه ‪ ،‬ابتغاء تحصيل مكاسب‬
‫مادية وفوائد معنوية ‪.‬‬
‫وممن صرح بذلك "دافيد صمويل مرجليوت " المستشرق‬
‫النجليزي اليهودي ‪ ،‬حيث قال ‪" :‬عاش محمد هذه السنين الست‬
‫بعد هجرته إلى المدينة على التلصص والسلب والنهب ‪...‬وهذا‬
‫يفسر لنا تلك الشهوة التي أثرت على نفس محمد ‪ ،‬والتي دفعته‬
‫إلى شن غارات متتابعة ‪ ،‬كما سيطرت على نفس السكندر من‬
‫قبل ونابليون من بعد " ‪.‬‬
‫والحق‪ ،‬فإن الناظر في سيرته صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬والمتأمل‬
‫في تاريخ دعوته‪ ،‬يعلم علم اليقين أنه صلى الله عليه وسلم لم‬
‫يكن يسعى من وراء كل ما قام به إلى تحقيق أي مكسب دنيوي‪،‬‬
‫يسعى إليه طلب الدنيا واللهثون وراءها ‪ ،‬وهذا رد إجمالي على‬
‫هذه الشبهة‪ ،‬أما الرد التفصيلي فبيانه فيما يلي ‪:‬‬

‫‪538‬‬
‫ل في واقع حياة‬ ‫ذكر في هذه الشبهة ل يوجد عليه دلي ٌ‬ ‫‪-1‬أن ما ُ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬إذ لو كان كما قيل لعاش‬
‫عيش الملوك ‪ ،‬في القصور والبيوت الفارهة ‪ ،‬ولتخذ من الخدم‬
‫والحراس والحشم ما يكون على المستوى المتناسب مع تلك‬
‫المطامع المزعومة ‪ ،‬بينما الواقع يشهد بخلف ذلك‪ ،‬إذ كان في‬
‫شظف من العيش‪ ،‬مكتفيا ً بما يقيم أود الحياة ‪ ،‬وكانت هذه حاله‬
‫صلى الله عليه وسلم منذ أن رأى نور الحياة إلى أن التحق‬
‫ن بيوته صلى الله عليه وسلم‬ ‫بالرفيق العلى‪ ، ..‬يشهد لهذا أ ّ‬
‫كانت عبارة عن غرف بسيطة ل تكاد تتسع له ولزوجاته ‪.‬‬
‫وكذلك الحال بالنسبة لطعامه وشرابه ‪ ،‬فقد كان يمر عليه الشهر‬
‫والشهران ل توقد ناٌر في بيته ‪ ،‬ولم يكن له من الطعام إل‬
‫السودان ‪ -‬التمر والماء‪ ، -‬فعن عائشة رضي الله عنها قالت‬
‫لعروة ‪ ) :‬ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلل‪ ،‬ثم الهلل‪ ،‬ثلثة‬
‫أهلة في شهرين‪ ،‬وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ناٌر‪ ،‬فقلت‪ :‬يا خالة ما كان يعيشكم؟ قالت‪:‬‬
‫السودان‪ ،‬التمر والماء ( متفق عليه‪ .‬وسيرته صلى الله عليه‬
‫وسلم حافلة بما يدل على خلف ما يزعمه الزاعمون ‪.‬‬
‫عرف به النبي صلى‬ ‫‪-2‬ثم إن هذه الشبهة تتناقض مع الزهد الذي ُ‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬وحث عليه أصحابه ‪ ،‬فقد صح عنه أنه قال ‪:‬‬
‫) إن مما أخاف عليكم بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا‬
‫وزينتها ( متفق عليه ‪ ،‬وقرن في التحذير بين فتنة الدنيا وفتنة‬
‫النساء ‪ ،‬فقال ‪ ) :‬إن الدنيا حلوة خضرة ‪ ،‬وإن الله مستخلفكم‬
‫فيها ‪ ،‬فينظر كيف تعملون ‪ ،‬فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ‪ ،‬فإن أول‬
‫فتنة بنى إسرائيل كانت في النساء( رواه مسلم ‪.‬‬
‫‪-3‬ومما يدحض هذه الشبهة وينقضها من أساسها أن أهل مكة‬
‫عرضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المال والملك‬
‫والجاه من أجل أن يتخلى عن دعوته ‪ ،‬فرفض ذلك كله ‪ ،‬وفضل‬
‫أن يبقى على شظف العيش مع الستمرار في دعوته ‪ ،‬ولو كان‬
‫من الراغبين في الدنيا لما رفضها وقد أتته من غير عناء ‪.‬‬
‫ن الوصايا التي كان يزود بها قواده تدل على أنه صلى الله‬ ‫‪-4‬أ ّ‬
‫عليه وسلم لم يكن طالب مغنم ول صاحب شهوة‪ ،‬بل كان هدفه‬
‫الوحد والوحيد إبلغ دين الله للناس ‪ ،‬وإزالة العوائق المعترضة‬
‫سبيل الدعوة ‪ ،‬فها هو يوصي معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما‬
‫أرسله إلى اليمن بقوله ‪ ) :‬إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب ‪،‬‬
‫فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى ‪ ،‬فإذا عرفوا‬
‫ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم‬
‫وليلتهم ‪ ،‬فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في‬

‫‪539‬‬
‫أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم ‪ ،‬فإذا أقروا بذلك‬
‫فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس ( رواه البخاري ‪.‬‬
‫فهو صلى الله عليه وسلم لم يقاتل أحدا ً ‪ ،‬قبل دعوته إلى‬
‫السلم ‪ ،‬الذي تصان به الدماء والحرمات ‪.‬‬
‫‪-5‬ومما ُيرد به على هذه الفرية أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قد ارتحل من الدنيا ولم يكن له فيها إل أقل القليل ‪ ،‬ففي‬
‫الصحيح عن عمرو بن الحارث قال ‪ ) :‬ما ترك رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم عند موته درهما ً ‪ ،‬ول دينارا ً ‪ ،‬ول عبدا ً ‪ ،‬ول أمة ‪،‬‬
‫ول شيئا ً إل بغلته البيضاء ‪ ،‬وسلحه وأرضا ً جعلها صدقة ( رواه‬
‫البخاري ‪ ،‬وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت ‪:‬‬
‫) توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من شيء‬
‫يأكله ذو كبد ‪ ،‬إل شطر شعير في رف لي ( متفق عليه ‪.‬‬
‫‪-6‬وكما قيل ‪ :‬فإن الحق ما شهدت به العداء ‪ ،‬فقد أجرى الله‬
‫على ألسنة بعض عقلء القوم عبارات تكذب هذه الشبهة ‪ ،‬من‬
‫ذلك ما قاله "كارليل" ‪" :‬أيزعم الكاذبون أن الطمع وحب الدنيا‬
‫هو الذي أقام محمدا ً وأثاره ‪ ،‬حمق وأيـم الله ‪ ،‬وسخافة وهوس‬
‫"‪.‬‬
‫ويقول ‪" :‬لقد كان زاهدا ً متقشفا ً في مسكنه ‪ ،‬ومأكله ‪،‬‬
‫ومشربه ‪ ،‬وملبسه ‪ ،‬وسائر أموره وأحواله ‪...‬فحبذا محمد من‬
‫رجل خشن اللباس ‪ ،‬خشن الطعام ‪ ،‬مجتهد في الله ‪ ،‬قائم النهار‬
‫‪ ،‬ساهر الليل ‪ ،‬دائبا ً في نشر دين الله ‪ ،‬غير طامع إلى ما يطمع‬
‫إليه أصاغر الرجال ‪ ،‬من رتبة ‪ ،‬أو دولة ‪ ،‬أو سلطان ‪ ،‬غير متطلع‬
‫إلى ذكر أو شهوة " ‪.‬‬
‫‪-7‬وما زعمه المستشرق اليهودي "مرجليوت" من أن انتقام‬
‫رسول صلى الله عليه وسلم من يهود المدينة كان لسباب‬
‫مصطنعة وغير كافية‪ ،‬فجوابه أن الواقع خلف ذلك‪ ،‬إذ أبرم النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم مع اليهود معاهدة تقرهم على دينهم‪،‬‬
‫وتؤمنهم في أنفسهم وأموالهم ‪ ،‬بل تكفل لهم نصرة مظلومهم ‪،‬‬
‫وحمايتهم ‪ ،‬ورعاية حقوقهم ‪ ،‬ولم يكن في سياسته صلى الله‬
‫عليه وسلم إبعادهم ‪ ،‬ومصادرة أموالهم إل بعد نقضهم العهود‬
‫والمواثيق ‪ ،‬ووقوعهم في الخيانة والمؤامرة ‪.‬‬
‫وبعد ‪ :‬فل حجة لمن يدعي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان‬
‫صاحب مطامع دنيوية ‪ ،‬يحرص عليها ‪ ،‬ويسعى في تحصيلها ‪،‬‬
‫وإنما هي دعوة صالحة نافعة ‪ ،‬تعود بالخير على متبعيها في الدنيا‬
‫والخرة ‪ ،‬والحمد لله رب العالمين‬
‫=================‬
‫رضاع الكبير في السلم‬

‫‪540‬‬
‫كتبه د‪ .‬هشام عزمي‬
‫صار حديث رضاع الكبير مضغة في أفواه النصارى يتصايحون به‬
‫و يقذفونه في وجوه المسلمين حين عجزهم عن مواجهة الواقع‬
‫الليم في كتابهم “المكدس” بالفضائح الجنسية !! لذا وجب‬
‫الوقوف أمام جهلهم أو تجهيلهم حتى نقيم الحجة عليهم و يكون‬
‫الجميع على بينة فنقول ‪ -‬و الله المستعان ‪ -‬أن حديث رضاع‬
‫الكبير مما تلقته المة بالقبول رواية ودراية ‪.‬‬
‫أما الرواية فقد بلغت طرق هذا الحديث نصاب التواتر كما قال‬
‫المام الشوكاني )نيل الوطار ‪.(6/314‬‬
‫وأما الدراية فقد تلقى الحديث بالقبول الجمهور من الصحابة‬
‫والتابعين فمن بعدهم من علماء المسلمين إلى يومنا هذا ‪.‬‬
‫تلقوه بالقبول على أنه واقعة عين بسالم ل تتعداه إلى غيره ‪ ،‬ول‬
‫تلح للحتجاج بها‪ .‬قال الحافظ ابن عبد البر ‪ ” :‬هذا يدل على أنه‬
‫حديث ترك قديما ولم يعمل به ‪ ،‬ول تلقاه الجمهور بالقبول على‬
‫عمومه ‪ ،‬بل تلقوه على أنه خصوص ” ‪) .‬شرح الزرقاني على‬
‫الموطأ ‪ ،(3/292‬وقال الحافظ الدارمي عقب ذكره الحديث في‬
‫سننه ‪ ” :‬هذا لسالم خاصة ”‬
‫ُ‬
‫ة‬
‫م َ‬‫سل َ َ‬ ‫م َ‬ ‫وبذلك صرحت بعض الروايات ‪ ،‬ففي صحيح مسلم عن أ ّ‬
‫َ‬ ‫قو ُ َ‬
‫ج‬‫سائ ُِر أْزَوا ِ‬ ‫ل ‪ :‬أَبى َ‬ ‫ت تَ ُ‬‫كان َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ج الن ّب ِ ّ‬ ‫َزوْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ضاع َةِ ‪ ،‬وَقُل ْ َ‬
‫ن‬ ‫دا ب ّ َ‬ ‫ح ً‬
‫نأ َ‬ ‫ن ع َل َي ْهِ ّ‬ ‫خل ْ َ‬‫ن ي ُد ْ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫صّلى‬ ‫َ‬
‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫صَها َر ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ة أْر َ‬ ‫ص ً‬ ‫خ َ‬ ‫ذا إ ِّل ُر ْ‬ ‫ما ن ََرى هَ َ‬ ‫ة ‪َ :‬والل ّهِ َ‬ ‫ش َ‬‫ل َِعائ ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫حد ٌ ب ِهَذ ِ ِ‬ ‫ل ع َلي َْنا أ َ‬ ‫خ ٍ‬‫دا ِ‬‫ما هُوَ ب ِ َ‬ ‫ة ‪ ،‬فَ َ‬ ‫ص ً‬ ‫خا ّ‬ ‫سال ِم ٍ َ‬ ‫م لِ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه ع َلي ْهِ وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ضاع َةِ وََل َراِئيَنا ‪.‬‬ ‫الّر َ‬
‫إن قصة رضاعة سالم قضية عين لم تأت في غيره ‪ ،‬واحتفت بها‬
‫قرينة التبني ‪ ،‬وصفات ل توجد في غيره ‪ ،‬فل يقاس عليه ‪.‬‬
‫ثم ننتقل إلى نقطة أخرى‪ :‬هل قوله ‪ -‬عليه الصلة و السلم ‪-‬‬
‫أرضعيه يحتم ملمسة الثدي كما يدعي النصارى؟ بالطبع‬
‫النصراني لديه قائمة طويلة من استشهادات اللغويين العرب و‬
‫علماء المسلمين بأن الرضاع هو مص الثدي و بالتالي طالما قال‬
‫النبي “أرضعيه” فهو يقصد ل محالة هذا المعنى المباشر و ل‬
‫شيء سواه !‬
‫ن‪ ،‬سنجيب على هذه الجدلية نقطة بنقطة بعون الله و لنبدأ‬ ‫حس ٌ‬
‫أول ً بمقصد اللغويين و العلماء من تعريفهم للرضاع بمص الثدي‪:‬‬
‫هل كانوا يقصدون الكبير؟ و هل قصروا التعريف على المص‬
‫المباشر؟ لنر كيف عرفوا الرضاع …‬
‫الرضاع بالفتح والكسر )َرضاع ‪ِ -‬رضاع (‪ :‬اسم من الرضاع ‪-‬‬
‫النهاية في غريب الحديث لبن الثير )‪.(2/229‬‬

‫‪541‬‬
‫وهو اسم لمص الثدي وشرب لبنه ‪ -‬القناع للشربيني )‪(2/364‬‬
‫والروض المربع شرح زاد المستنقع لمنصور البهوتي )‪.(3/218‬‬
‫وشرعًا‪ :‬اسم لحصول لبن امرأة أو ما يحصل منه في معدة طفل‬
‫أو دماغه ‪ -‬القناع للشربيني )‪. (2/364‬‬
‫وقال الجرجاني‪ :‬هو مص الرضيع من ثدي الدمية في مدة‬
‫الرضاع ‪ -‬التعريفات للجرجاني )‪.(111‬‬
‫ن دون الحولين لبنا ثاب عن‬ ‫م ْ‬
‫ص َ‬
‫وعرفه بعض العلماء بأنه‪ :‬م ُ‬
‫حمل‪ ،‬أو شربه ونحوه ‪ -‬السلسبيل في معرفة الدليل للبليهي )‬
‫‪ (3/95‬وانظر الروض المربع )‪. (3/218‬‬
‫فظهر من هذه النماذج أن المقصود بالمص من الثدي إنما هو‬
‫الرضيع أو ما دون الحولين و ل مكان للكبير هنا يا سادة يا كرام ‪.‬‬
‫و كذلك شرب اللبن بدون مباشرة الثدي يصح أن يكون رضاعا ً ‪.‬‬
‫و قبل أن يتحفز النصارى للرد نسأل بكل هدوء و عقلنية‪ :‬هل‬
‫الطفل الذي يشرب الحليب من غير رضعه من الثدي مباشرة‬
‫يثبت له حكم الرضاعة أم ل؟‬
‫الجواب أنه يثبت حسب قول الجمهور و لم يخالف سوى داود بن‬
‫خلف الظاهري ‪ -‬مؤسس المذهب الظاهري المنقرض ‪ -‬و قد قاد‬
‫هذا الموقف الشاذ للمدرسة الظاهرية ابن حزم الظاهري إلى‬
‫رأي غاية في الشناعة بخصوص رضاع الكبير ل يوافقه عليه أحد‬
‫من العلماء ‪ .‬قال فضيلة الستاذ الدكتور موسى شاهين ‪” :‬‬
‫استدلل ابن حزم بقصة سالم على جواز مس الجنبي ثدي‬
‫الجنبية ‪ ،‬والتقام ثديها ‪ ،‬إذا أراد أن يرتضع منها مطلقا ‪ ،‬استدلل‬
‫خطأ ‪ ،‬دعاه إليه أن الرضاعة المحرمة عنده إنما تكون بالتقام‬
‫الثدي ومص اللبن منه” ‪.‬‬
‫إذن إذا كان شرب اللبن بدون مباشرة الثدي يثبت حكم الرضاع‬
‫للصغير فأولى به الكبير ‪ ،‬أليس كذلك ؟!‬
‫قال أبو عمر ‪ :‬صفة رضاع الكبير أن يحلب له اللبن ويسقاه ‪،‬‬
‫فأما أن تلقمه المرأة ثديها ‪ ،‬فل ينبغي عند أحد من العلماء ‪.‬‬
‫وقال القاضي عياض ‪ :‬ولعل سهلة حلبت لبنها فشربه من غير أن‬
‫يمس ثديها ‪ ،‬ول التقت بشرتاهما ‪ ،‬إذ ل يجوز رؤية الثدي ‪ ،‬ول‬
‫مسه ببعض العضاء ‪.‬‬
‫قال النووي ‪ :‬وهو حسن‬
‫)شرح الزرقاني على الموطأ ‪ . ( 3/292‬انتهى القتباس حسب‬
‫الحاجة ‪.‬‬
‫فما رأي النصارى الصاغر في هذا التعريف القاطع لرضاع الكبير‬
‫؟ لقد قالها الحافظ الكبير أبو عمر ابن عبد البر واضحة صريحة‬
‫ل تقبل المناقشة و الجدال “صفة رضاع الكبير أن يحلب له اللبن‬

‫‪542‬‬
‫ويسقاه ‪ ،‬فأما أن تلقمه المرأة ثديها ‪ ،‬فل ينبغي عند أحد من‬
‫العلماء” و هذا هو القول الحق الذي يليق بالرسول ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه و سلم ‪ -‬و عليه المسلمون شرقا ً و غربا ً ‪ .‬أما النصارى‬
‫الذين أفسدت عقولهم و قلوبهم النصوص الجنسية بكتابهم فهم‬
‫ل يرون سوى انعكاس قلوبهم المريضة و عقولهم العليلة في‬
‫الحديث !‬
‫و ها هو دليل آخر من كلم ابن قتيبة الدينوري )ت ‪276‬ه( و هو‬
‫عالم نحوي ليس له مثيل و خبير باللغة العربية و معانيها ‪..‬‬
‫قال ابن قتيبة ‪:‬‬
‫فأراد رسول الله صلى الله عليه و سلم ‪ -‬بمحلها عنده‪ ،‬و ما‬
‫أحب من ائتلفهما‪ ،‬و نفي الوحشة عنهما ‪ -‬أن يزيل عن أبي‬
‫حذيفة هذه الكراهة‪ ،‬و يطيب نفسه بدخوله فقال لها “أرضعيه”‪.‬‬
‫و لم يرد‪ :‬ضعي ثديك في فيه‪ ،‬كما يفعل بالطفال‪.‬‬
‫و لكن أراد‪ :‬احلبي له من لبنك شيئا‪ ،‬ثم ادفعيه إليه ليشربه‪.‬‬
‫ليس يجوز غير هذا‪ ،‬لنه ل يحل لسالم أن ينظر إلى ثدييها‪ ،‬إلى‬
‫أن يقع الرضاع‪ ،‬فكيف يبيح له ما ل يحل له و ما ل يؤمن معه من‬
‫الشهوة؟‬
‫) تأويل مختلف الحديث لبن قتيبة ص ‪(309-308‬‬
‫فما رأي أدعياء العلم النصارى ؟!‬
‫ف ُ‬ ‫َ‬
‫ظوا‬ ‫ح َ‬‫م وَي َ ْ‬
‫صارِه ِ ْ‬‫ن أب ْ َ‬
‫م ْ‬‫ضوا ِ‬ ‫ن ي َغُ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫ل ل ِل ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫أليس يقول تعالى ” قُ ْ‬
‫ن ” )النور ‪:‬‬ ‫صن َُعو َ‬‫ما ي َ ْ‬
‫خِبيٌر ب ِ َ‬
‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ك أ َْز َ‬
‫كى ل َهُ ْ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬ ‫فُُرو َ‬
‫جه ُ ْ‬
‫‪ (30‬؟ فكيف يسمح النبي حتى ُيرتكب مثل هذا الفعل الشائن‬
‫المحرم ؟؟‬
‫النبي هو الذي قال‪ :‬أرضعيه تحرمي عليه ‪ .‬النص لم يصرح بأن‬
‫الرضاع كان بملمسة الثدي‪.‬‬
‫سياق الحديث متعلق بالحرج من الدخول على بيت أبي حذيفة‬
‫فكيف يرضى بالرضاع المباشر بزعم سفهاء النصارى ؟‬
‫وإذا كان أبو حذيفة يتغير وجهه من مجرد دخول سالم إلى بيته ‪:‬‬
‫فما ظنكم بحاله وقد كشفت امرأته ثديها لسالم ليرضع منه ؟!!!‬
‫أو نسي ‪ -‬أو جهل ‪ -‬هؤلء أن النبي ‪ -‬صلى اله عليه و سلم ‪-‬‬
‫حرم المصافحة ؟ فكيف يجيز لمس الثدي بينما يحرم لمس اليد‬
‫لليد ؟!‬
‫و آخر درس نعلمه للنصارى أن الحجة ل تقوم على الخصم بما‬
‫فهمه خصمه وانما تقوم بنص صريح يكون هو الحجة‪.‬‬
‫و السلم ‪.‬‬
‫———————————–‬
‫المصادر …‬

‫‪543‬‬
‫عـْبـد الـّلـه بن محمد ُزَقـْيـل‬ ‫رضاع الكبير للشيخ َ‬
‫أحكام الرضاع في السلم د‪ /‬سعد الدين بن محمد الكبي‬
‫تأويل مختلف الحديث لبن قتيبة الدينوري‬
‫شرح الزرقاني على الموطأ ‪CD‬‬
‫==============‬
‫بركات المتعال في دحض شبهة زواج الطفال‬
‫بقلم د‪ .‬هشام عزمي‬
‫ن َثلث َ ُ‬
‫ة‬ ‫م فَعِد ّت ُهُ ّ‬‫ن اْرت َب ْت ُ ْ‬ ‫سائ ِك ُ ْ‬
‫م إِ ِ‬ ‫ن نِ َ‬‫م ْ‬‫ض ِ‬ ‫ِ‬ ‫حي‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫س َ‬ ‫)َوالّلِئي ي َئ ِ ْ‬
‫حضن وُأولت اْل َحمال أ َجل ُه َ‬ ‫أَ ْ‬
‫مل َهُ ّ‬
‫ن‬ ‫ح ْ‬‫ن َ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫ن يَ َ‬‫نأ ْ‬ ‫ْ َ ِ َ ُ ّ‬ ‫ُ‬ ‫م يَ ِ ْ َ َ‬ ‫شهُرٍ َوالّلِئي ل َ ْ‬
‫سرًا(‬ ‫ل ل َه م َ‬
‫مرِهِ ي ُ ْ‬‫نأ ْ‬ ‫جعَ ْ ُ ِ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ق الل ّ َ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬
‫م ْ‬
‫وَ َ‬
‫)الطلق‪(4:‬‬
‫هذه الية ذكرت في منتدى نصراني تحت عنوان ‪) :‬هذه الية‬
‫القرآنية واحدة من أسباب عدم إيماني بالقران (‪.‬‬
‫وقال صاحب الموضوع بعد أن قرأ تفسير المفسرين الذي يفسر‬
‫)واللئي لم يحضن( على أنهن هن الفتيات الصغيرات اللئي‬
‫تزوجن وهن لم يبلغن الحلم )لم يحضن(‪ .‬فقال معلقا على هذا‬
‫التفسير ‪ :‬نرى هنا أن زواج الطفال وهو المحرم في جميع‬
‫شرائع العالم الن و الذي هو ضد حقوق النسان لكنه مسموح به‬
‫في القران ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قد أجمع علماء السلم على جواز زواج الفتاة قبل‬
‫المحيض و الدخول بها و استدلوا بالية الرابعة من سورة الطلق‬
‫‪.‬‬
‫قال الطبري رحمه الله‪ :‬تأويل الية‪ } :‬واللئي يئسن من‬
‫المحيض… فعدتهن ثلثة أشهر واللئي لم يحضن { يقول‪ :‬وكذلك‬
‫عدة اللئي لم يحضن من الجواري لصغرهن إذا طلقهن أزواجهن‬
‫بعد الدخول )‪ (14/142‬ومثله قال ابن كثير ) ‪،(4/402‬‬
‫والقرطبي )‪ (18/165‬وغيرهما‪.‬‬
‫و كذلك استدلوا بحديث زواج النبي بعائشة ‪..‬‬
‫“ تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين‬
‫وبنى بها وهي بنت تسع سنين “ رواه البخاري ومسلم وعنده‬
‫“سبع سنين” ‪.‬‬
‫قال النووي ‪:‬‬
‫“ كان لها ست وكسر‪ ،‬ففي رواية اقتصرت على السنين وفي‬
‫رواية عدت السنة التي دخلت فيها “ شرح مسلم )‪. (9/207‬‬
‫ُنقل الجماع على جواز تزويج الب البكر الصغيرة ‪ -‬على القل‬
‫إجماع الصحابة ‪ -‬وممن نقل الجماع ‪ :‬المام أحمد في ”‬
‫المسائل ” ‪ -‬رواية صالح – ) ‪ ( 3/129‬والمروزي في ” اختلف‬

‫‪544‬‬
‫العلماء ” ) ص ‪ ، ( 125‬وابن المنذر في ” الجماع ” ) ص ‪( 91‬‬
‫وابن عبد البر في ” التمهيد “‪ ،‬والبغوي في ” شرح السنة “)‬
‫‪ ( 9/37‬والنووي في ” شرح مسلم ” ) ‪ ( 9/206‬وابن حجر في”‬
‫الفتح ” ) ‪ ، ( 12/27‬والباجي في ” المنتقى ” ) ‪، ( 272 / 3‬‬
‫وابن العربي في ” عارضة الحوذي ” ) ‪ ، ( 25 / 5‬والشنقيطي‬
‫في ” مواهب الجليل ” )‪. (3/27‬‬
‫و لكن القاعدة أيضا ً هي صلحية الفتاة للزواج و عدم الضرار بها‬
‫‪..‬‬
‫قال النووي ‪:‬‬
‫وأما وقت زفاف الصغيرة المزوجة والدخول بها ‪ :‬فإن اتفق‬
‫عمل به ‪،‬‬ ‫الزوج والولي على شيء ل ضرر فيه على الصغيرة ‪ُ :‬‬
‫وإن اختلفا ‪ :‬فقال أحمد وأبو عبيد ‪ :‬تجبر على ذلك بنت تسع‬
‫سنين دون غيرها ‪ ،‬وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة ‪ :‬حد ّ ذلك‬
‫ن‪،‬‬‫أن تطيق الجماع ‪ ،‬ويختلف ذلك باختلفهن ‪ ،‬ول يضبط بس ّ‬
‫وهذا هو الصحيح ‪ ،‬وليس في حديث عائشة تحديد ول المنع من‬
‫ذلك فيمن أطاقته قبل تسع ول الذن فيمن لم تطقه وقد بلغت‬
‫تسعا ‪ ،‬قال الداودي ‪ :‬وكانت عائشة قد شّبت شبابا ً حسنا ً رضى‬
‫الله عنها ‪.‬‬
‫” شرح مسلم ” ) ‪. ( 206 / 9‬‬
‫قال ابن قدامة في المغني‬
‫)‪ (5635‬فصل ‪ :‬وإمكان الوطء في الصغيرة معتبر بحالها‬
‫واحتمالها لذلك ‪ .‬قاله القاضي ‪ .‬وذكر أنهن يختلفن ‪ ,‬فقد تكون‬
‫صغيرة السن تصلح ‪ ,‬وكبيرة ل تصلح ‪ .‬وحده أحمد بتسع سنين ‪,‬‬
‫فقال في رواية أبي الحارث في الصغيرة يطلبها زوجها ‪ :‬فإن أتى‬
‫عليها تسع سنين ‪ ,‬دفعت إليه ‪ ,‬ليس لهم أن يحبسوها بعد‬
‫التسع ‪.‬‬
‫وذهب في ذلك إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى بعائشة‬
‫وهي ابنة تسع ‪.‬‬
‫قال القاضي ‪ :‬وهذا عندي ليس على طريق التحديد ‪ ,‬وإنما ذكره‬
‫لن الغالب أن ابنة تسع يتمكن من الستمتاع بها ‪ ,‬فمتى كانت ل‬
‫تصلح للوطء ‪ ,‬لم يجب على أهلها تسليمها إليه ‪ ,‬وإن ذكر أنه‬
‫يحضنها ويربيها وله من يخدمها ‪ ,‬لنه ل يملك الستمتاع بها ‪,‬‬
‫وليست له بمحل ‪ ,‬ول يؤمن شره نفسه إلى مواقعتها ‪ ,‬فيفضها‬
‫أو يقتلها ‪ .‬وإن طلب أهلها دفعها إليه ‪ ,‬فامتنع ‪ ,‬فله ذلك ‪ ,‬ول‬
‫تلزمه نفقتها ; لنه ل يمكن من استيفاء حقه منها ‪.‬‬

‫‪545‬‬
‫قلت‪ :‬من الثابت طبيا ً أن أول حيضة تبدأ بعد بدء مرحلة البلوغ‬
‫بسنتين)‪ . (1‬فأول حيضة و المعروفة باسم المينارك ‪ menarche‬تقع‬
‫بين سن التاسعة و الخامسة عشر)‪. (2‬‬
‫أما علمات البلوغ في الفتيات فهي ‪:‬‬
‫‪ .1‬تغير الصوت نحو الطبيعة النثوية ‪.‬‬
‫‪ .2‬استدارة منحنيات الجسم فتأخذ زوايا الجسم تدورات لطيفة‬
‫بسبب الترسيب النتقائي للدهون ‪.‬‬
‫‪ .3‬نمو الحلمتين و الثديين بتأثير هرمون الستروجين ‪.‬‬
‫‪ .4‬وجود بعض الميول النفسية مثل الخجل و النعزال و الميل‬
‫للجنس الخر ‪.‬‬
‫‪ .5‬النمو السريع للرحم و المهبل و باقي العضاء الجنسية ‪.‬‬
‫‪ .6‬ظهور أول حيضة)‪. (3‬‬
‫فثبت أن الحيض يتأخر عن البلوغ و ل يحدد بدايته ‪ .‬و هكذا نجمع‬
‫بين كل الراء فقد كان علمائنا يقصدون بوطء الصغيرة الفتاة‬
‫التي لم تحض بعد و إن كانت أعراض البلوغ قد نالتها‬
‫و قد نبه خالق المرأة إلى هذا المر في كتابه فلم يشترط نزول‬
‫دم المحيض كعلمة على بدء البلوغ و ما هي بعلمة له أصل ً عند‬
‫أهل الطب بل هي تدل على اكتمال عملية البلوغ و تقع بعد بدئه‬
‫بسنتين ‪.‬‬
‫و أيضا ً د‪ .‬دوشني ‪ -‬و هي طبيبة أمريكية ‪ -‬تقرر أن الفتاة البيضاء‬
‫في أمريكا قد تبدأ في البلوغ عند السابعة أو الثامنة و الفتاة ذات‬
‫الصل الفريقي عند السادسة)‪ . (4‬و هذا بالتأكيد ليس له علقة‬
‫بنزول الحيض ‪.‬‬
‫لذا فكلم هذا النصراني عن زواج الطفال و غيره من الهراء بعيد‬
‫عن الصحة فالفتاة عادة تبدأ سن البلوغ في سن الثامنة أو‬
‫التاسعة بظهور علمات البلوغ المعتبرة عند أهل الطب و في هذا‬
‫السن يمكن الدخول بها بل مشاكل طبية أو نفسية من أي نوع‬
‫بغض النظر عن نزول الحيض من عدمه و إنما الضابط هنا هو‬
‫بلوغ الفتاة و صلحيتها للزواج ‪.‬‬
‫و الله أعلم ‪.‬‬
‫)‪The different changes of puberty in body and mind , what we call the secondary(1‬‬
‫‪sexual characters, start to appear about two years before the first period. (Toppozada’s‬‬
‫‪(Textbook of Gynaecology, p. 82‬‬
‫)‪Menstruation starts between 9-15 years of age. In Egypt, the menarche usually (2‬‬
‫‪occurs between 11-13 years depending on constitutional factors or ethnic origin. (ibid.‬‬
‫‪(p. 83‬‬
‫‪ibid., p. 83‬‬ ‫)‪(3‬‬

‫‪546‬‬
‫)‪/http://www.mercyporthuron.com/news/january2003 (4‬‬
‫===============‬
‫رسول اللـه يستقبل زائريه وهو لبس مرط عائشة‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله وبعد ‪...‬‬
‫ما زال النصارى يفضحون انفسهم يوما تلو الخر ويتبين للعيان‬
‫جهلهم المخزي وحقدهم على سيد المرسلين عليه افضل الصلة‬
‫والسلم ول ضير في ذلك ان كانوا في الصل ل يفقهون كتبهم‬
‫وما فيها من اخطاء وتناقضات وغزل يخدش حياء العاهرات‬
‫والمومسات ‪.‬‬
‫انقل لكم شبهة تتلقفها السن النصارى البذيئة في محاولت‬
‫مستميتة منهم للطعن في أشرف النبياء والمرسلين وبداية‬
‫أقتبس الشبهة من مواقعهم مع تعليقاتهم حتى تضحكوا قليل إن‬
‫لم يكن كثير على جهلهم وبعد ذلك نناقش هذه الشبهة التافهة‬
‫السخيفة بموضوعية وبعين النصاف ‪.‬‬
‫=== بداية القتباس ===‬
‫ومنها ما ذكرت ان النبي كان يستقبل زائريه وهو لبس ثوب‬
‫زوجته‪:‬‬
‫حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد حدثني أبي عن‬
‫جدي حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن يحيى بن سعيد‬
‫بن العاص أن سعيد بن العاص أخبره أن عائشة زوج النبي‬
‫وعثمان حدثاه أن أبا بكر استأذن على رسول الله وهو مضطجع‬
‫على فراشه لبس مرط عائشة فأذن لبي بكر وهو كذلك فقضى‬
‫إليه حاجته ثم انصرف ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك‬
‫الحال فقضى إليه حاجته ثم انصرف قال عثمان ثم استأذنت‬
‫عليه فجلس وقال لعائشة اجمعي عليك ثيابك فقضيت إليه‬
‫حاجتي ثم انصرفت فقالت عائشة يا رسول الله مالي لم أرك‬
‫فزعت لبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان قال رسول الله إن‬
‫عثمان رجل حيي وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن ل‬
‫يبلغ إلي في حاجته صحيح مسلم ‪4415‬‬
‫واضح من الحديث أن الرسول كان مضطجعا في فراشه لبسا ً‬
‫مرط )ثوب = فستان( عائشة فلما حضر عثمان لم يرد الرسول‬
‫أن يراه عثمان هكذا لما يعرفه من حياء عثمان وخجله فأعطى‬
‫المرط لعائشة وجلس وقال لها اجمعي عليك ثيابك وباقي‬
‫التفاصيل واضحة في الحديث ‪.‬‬
‫سؤال ‪ :‬لماذا قال النبي لعائشة عندما جاء عثمان اجمعي عليك‬
‫ثيابك؟ هل هذا يعني ان زوجة النبي صلوات الله عليه وسلم وام‬
‫المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت هي الخرى كاشفة عن‬

‫‪547‬‬
‫عورتها لنها من غير مرط ) ثوب( ؟؟!!‪ .‬الم يقل في الحديث ان‬
‫ابو بكر وعمر استأذنا على النبي فأذن لهم وهو على تلك الحال )‬
‫أي مضطجع وعليه مرط عائشة ( ثم عندما جاء عثمان قال‬
‫لعائشة اجمعي عليك ثيابك ! أليس هذا دليل على أنها كانت‬
‫موجودة كما أنها هي التي نقلت الرواية هذه ؟‬
‫وجاء الحديث بلفظ أخر ‪,,‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أن عائشة قالت‪ :‬كان رسول الله مضطجعا في بيتي كاشفا عن‬
‫فخذيه أو ساقيه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال‬
‫فتحدث ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدث ثم استأذن‬
‫عثمان فجلس رسول الله وسوى ثيابه ‪ ...‬فلما خرج قالت عائشة‬
‫دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله ثم دخل عمر فلم تهتش له‬
‫ولم تباله ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك فقال ‪ :‬أل‬
‫أستحي من رجل تستحي منه الملئكة ؟‬
‫=== انتهى القتباس ===‬
‫نـقـول وبـاللـه الـتـوفـيــق ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬المرط ليس فستانا ً ولثوبا ‪ ،‬المرط هو كساء من صوف او‬
‫ً‬
‫خز يضعه الرجل عليه ‪ ،‬كما تضعه المرأة ‪ ،‬ويلتحف فيه الرجل‬
‫والمرأة سواء ‪ ،‬كما في جامع الترمذي ‪ ،‬فمثل ً خرج النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط من شعر أسود‬
‫مُروط وبالفتح‬ ‫خّز ]ج[ ُ‬ ‫ف أو َ‬ ‫صو ٍ‬ ‫ط (‪ :‬بالكسر كساٌء من ُ‬ ‫مْر ُ‬‫) ال ِ‬
‫شعَرِ ) معجم القاموس المحيط (‬ ‫ف ال ّ‬‫ن َت ْ ُ‬
‫فع به‬‫ؤتَزر به وتتل ّ‬‫ني ْ‬ ‫خّز أو صوف أو ك َّتا ٍ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬
‫ط ‪ :‬كساٌء ِ‬ ‫مْر ُ‬‫ال ِ‬
‫ط‪ ) .‬معجم المحيط (‬ ‫مُرو ٌ‬
‫المرأة ج ُ‬
‫وكذلك تقول العرب ) لِبس ( إذا وضع الشيء عليه او جلس‬
‫عليه ‪ ،‬ولهذا جاء في حديث ) جالس على حصير بلي من طول‬
‫ما لبس ( ـ أو من طول ما جلس عليه تلف الحصير ‪ ،‬فمعنى‬
‫كلمة لبس أعم في لغة العرب من معناها في اللهجات العامية ‪،‬‬
‫في اللغة تشمل وضع الرداء أو اللحاف على الجسد ‪ ،‬بل و‬
‫الجلوس على الحصير أو أي سجاد ـ وهذا هو الذي كان فعله‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم كان ملتحفا ً بالمرط أي بالكساء ‪.‬‬
‫وهل يعقل أن النبي صلى الله عليه وسلم يلبس فستان امرأة ‪،‬‬
‫ن نلتمس العذر لسذاجة عقولهم‬ ‫ولماذا ؟ ولكن ل بأس فنح ُ‬
‫وطريقة تفكيرهم ‪.‬‬
‫وثانيا ً ‪ :‬القصة واضحة ل إشكال فيها كانت عائشة في ناحية‬
‫البيت ومتحجبة الحجاب الشرعي ‪ ،‬والنبي صلى الله عليه وسلم‬
‫مضطجع وعليه مرط ‪ ،‬عليه لحاف هو في الصل تتلحف به‬
‫عائشة ‪ ،‬ولكنه وضعه عليه وهو مضطجع ‪ ،‬دخل أبو بكر ودخل‬

‫‪548‬‬
‫عمر والنبي على هذا الحال ‪ ،‬وعائشة على حجابها ‪ ،‬ثم لما دخل‬
‫عثمان وهو شديد الحياء خشي أن عثمان يشعر أنه قد أحرج‬
‫النبي فيمتنع من قول حاجته ‪ ،‬فأمر النبي عائشة أن ل تكتفي‬
‫بالحجاب ولكن تجمع عليها ثيابها أكثر حتى يبدو اهل البيت في‬
‫حال استقبال الناس ‪ ،‬وأما هو فجلس له وتهيأ له ‪ ،‬حتى ليمنعه‬
‫الحياء من سؤال حاجته ـ‬
‫اما ماجاء في اللفظ الخر للحديث فنقول ‪,,‬‬
‫إن النبي صلى الله عليه وسلم بشر من البشر ‪ ،‬ومن طبيعة‬
‫البشر أنه قد يسقط بعض الكلفة أمام بعض خاصته ‪ ،‬بما ليفعله‬
‫أمام غيرهم ‪ ،‬والنبي صلى الله عليه وسلم كان يرى في عثمان‬
‫حياء شديدا ً ‪ ،‬فهو يستحي أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫في مثل هذا الحال ‪ ،‬إنه شخص شديد التحرج ‪ ،‬وخاف النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أن يمنعه رؤية هيئة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم على هذا الحال ان يذكر حاجته من النبي ‪ ،‬فجلس له وتهيأ‬
‫له بما يناسب طبيعة عثمان رضي الله عنه ‪ ،‬ثم قال إن هذا‬
‫الرجل تستحي منه الملئكة ‪ ،‬وليس في هذا نفي أن الملئكة‬
‫تستحي من النبي ‪ ،‬ولكن ذكر هنا حياءها من عثمان ‪ ،‬لنه شديد‬
‫الحياء ‪ ،‬والملئكة أيضا موصوفة بالحياء ‪ ،‬فإذا رأت عثمان‬
‫استحيت من كونه أشد حياء من الملئكة ‪ ،‬كأن النبي يقول لهذا‬
‫السبب أنا أقدر شدة حيائه ‪ ،‬وتميزه بهذه الناحية فيكون تهيئي له‬
‫يختلف عن غيره ‪ ،‬وليس في هذا ما يغض من منزل النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم أبدا ‪ ،‬ولكن الحاقد ينظر بنظرة الحقد ل بعين‬
‫النصاف ـ‬
‫هذا هو المعنى المستفاد من الحديث ل أكثر ‪ ،‬ولهذا رواه أهل‬
‫الحديث وتلقاه المسلمون من غير استنكار لنه ليس فيه ما‬
‫يستنكر ‪ ،‬أما الحاقدون الجاهلون بلغة العرب ‪ ،‬فهم يتوهمون‬
‫وُيوهمون ماليس يدل عليه سياق الحديث ول لغته ‪ ،‬وهو أنه كان‬
‫النبي يلبس فستان عائشة وهي بل فستان ‪ ،‬ثم لما دخل أبو بكر‬
‫وعمر كان على هذا الحال ‪ ،‬ثم لم دخل عثمان نزع الفستان‬
‫ولبسته عائشة ‪ ،‬وهذا فهم أعجمي وسقيم وطفولي وغبي ‪،‬‬
‫وليدل عليه الحديث والقصة بعيده كل البعد عن هذا الفهم‬
‫المريض ‪ ،‬ولكن لنهم قد أكل الغيظ قلوبهم ‪ ،‬ولهم نقول )قل‬
‫موتوا بغيظكم ( ـ والله المستعان عليهم‬
‫كتبه الشيخ حامد جزاه الله خيرا ً مع بعض الضافات والتعديلت‬
‫====================‬
‫تقييم دقيق لحادثة الراهب بحيرى‬
‫عبد الستار غوري‬

‫‪549‬‬
‫لم يدع نبي السلم أبدا ً أن تعاليمه هي نتاج فكره الخاص‪ .‬وقد‬
‫دافع عنه القرآن الكريم في الية الكريمة " وكذلك أوحينا إليك‬
‫روحا ً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ول اليمان ولكن جعلناه‬
‫نورا ً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط‬
‫مستقيم‪ -‬صراط الله الذي له ما في السماوات والرض أل إلى‬
‫الله تصير المور" سورة الشورى ‪53-52‬‬
‫وأما الشبهة التي ُتثار حول تعاليمه صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وهي‬
‫أن مصدرها الديانة اليهودية والنصرانية ‪ ،‬فإن من الجدير بالذكر‬
‫أن مصادر تلك الديان السماوية واحد وهو الوحي اللهي ‪ ،‬وأن‬
‫دع‬‫هناك وحدة في هدف تلك الديان وهو إرشاد البشرية‪ .‬لم ي ّ‬
‫نبي السلم أبدا ً أن ما جاء به هو دين فريد في نوعه‪ .‬وقد وضح‬
‫ت بدعا ً من الرسل وما‬ ‫القرآن الكريم هذه الحقيقة " قل ما كن ُ‬
‫ي وما أنا إل نذير‬ ‫أدري ما ُيفعل بي ول بكم إن أتبع إل ما يوحى إل ّ‬
‫مبين " سورة الحقاف ‪9‬‬
‫إن التشابه في بعض المور الدينية بين الديان السماوية الثلث‬
‫ناتج عن وحدة المصدر ‪ ،‬ومن المتعذر أن يكون نبي السلم‬
‫صلى الله عليه وسلم قد اقتبس تعاليمه من النجيل وقد اعترف‬
‫بعض المستشرقين بذلك ‪ ،‬فقد قال البروفيسور مونتجمري واط‬
‫")‪ (....‬إن من المستبعد أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم قد‬
‫قرأ الكتب الدينية اليهودية أو النصرانية ]ص ‪ (....) [39‬ومن‬
‫الرجح أنه لم يقرأ أي كتاب آخر ‪.‬‬
‫وقد شاركه ج‪.‬س‪.‬هجسن نفس الرأي بقوله " إن قاعدة نبوة‬
‫محمد من ناحية مبدأية هي نفس تجربة وأعمال أنبياء بني‬
‫إسرائيل‪ .‬لكنه لم يعرف شيئا ً عنهم بشكل مباشر‪ .‬ومن الواضح‬
‫أن تجربته كانت خاصة "‬
‫إن السلم طريقة حياة أوحى به الله من خلل نبيه لرشاد‬
‫البشرية جمعاء على مدى العصور والزمان ‪ ،‬وقد حافظ دائما ً‬
‫على تعاليمه وأهدافه ‪ ،‬وكان من الممكن اعتباره سخيفا ً لو‬
‫اختلفت تعاليمه الساسية التي تتناسب مع الزمان والمكان عما‬
‫هي عليه ‪ ،‬فالله واحد وهو خالق وقيوم كل شيء ‪ ،‬ل شبيه ول‬
‫شريك له ‪ ،‬ويوم القيامة آت ل شك فيه ‪ ،‬كما وإن الجريمة والزنا‬
‫والكذب والسرقة والقسوة‪...‬الخ كلها ذنوب قد تعرض مرتكبها‬
‫للعقاب‪ .‬أما الرحمة والصدق وإخراج الزكاة وخدمة جميع‬
‫الكائنات والرفاهية الجتماعية والفضائل فقد كانت حقيقة منذ‬
‫مئات آلف السنين ‪ ،‬وما زالت حقيقة إلى يومنا هذا وستبقى‬
‫حقيقة عبر القرون القادمة‪ .‬فكيف تكون تعاليم نبي مختلفة عن‬
‫تعاليم نبي آخر مع وجود فترة زمنية بينهما قد تبلغ مئات بل آلف‬

‫‪550‬‬
‫السنين؟ وكذلك الحال بالنسبة للحداث التاريخية ‪ ،‬ما عدا إحداث‬
‫بعض التغيير فيها من خلل انعدام المسئولية أو الهمال في‬
‫توخي الدقة وقت تدوينها‪ .‬من المهم معرفة تلك الحقيقة ‪ ،‬ومن‬
‫واجب المستشرقين تعريف الجميع بها‪ .‬يقول القرآن الكريم "‬
‫شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ً والذي أوحينا إليك وما‬
‫وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ول تتفرقوا‬
‫فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء‬
‫ويهدي إليه من ينيب " سورة الشورى ‪13‬‬
‫كان نبي السلم ُأميا ً ل يعرف القراءة ول الكتابة ‪ ،‬ولم يكن لديه‬
‫أي اتصال بأي مسئول ديني ‪ ،‬كما لم تتوفر لديه فرصة لتلقي‬
‫العلم من أحدهم ‪ ،‬هناك حديث يروي أنه سافر ضمن قافلة‬
‫تجارية مع عمه وولي أمره أبي طالب عندما كان في التاسعة أو‬
‫في الثانية عشرة من عمره ‪ ،‬وقد توقفت القافلة في بصرى‪.‬‬
‫وكان هناك راهب يعيش في صومعة وقد تعرف على محمد صلى‬
‫سئل عن‬ ‫الله عليه وسلم على أنه رسول رب العالمين‪ .‬وعندما ُ‬
‫سبب ذلك ‪ ،‬قال إن كل شجرة وصخرة قد ركعت له ‪ ،‬وأن ذلك‬
‫لم يحدث إل للنبياء‪ .‬وقد أعاده أبو طالب إلى مكة المكرمة مع‬
‫أبي بكر وبلل بناء على نصيحة بحيرا‪ .‬لم يألوا المستشرقين‬
‫جهدا ً في إثارة الشبهة حول تلك الحادثة ‪ ،‬والدعاء بأن نبي‬
‫السلم قد اقتبس دينه من ذلك الراهب‪ .‬لقد تركوا ثقافتهم‬
‫وموضوعيتهم ودراستهم التحليلية ومستوى بحوثهم العالي الذي‬
‫عرفوا به وجعلوا من الحبة ُقبة ‪.‬‬
‫ُ‬
‫لقد رُوي ذلك الحديث بواسطة سلسلة من رواة مختلفين‬
‫)إسناد( ‪ ،‬وفي مجموعات مختلفة ‪ .‬وأقوى تلك الروايات رواية‬
‫الترمذي ‪ ،‬وجميع الروايات الخرى موضوعة بحيث أن ل أحد‬
‫ممن جمعوا الحاديث أعطاها أي اهتمام‪.‬‬
‫وهذه سلسلة رواة الحديث كما رواه الترمذي ‪-:‬‬
‫روى الترمذي عن الفضل ابن سهل‪ ،‬عن عبدالرحمن ابن غزوان‬
‫—عن يونس أبي اسحق – عن أبي بكر ابن أبي موسى عن أبيه‬
‫]أبي موسى الشعري[ أنه قال ‪ " :‬ذهب أبو طالب إلى بلد‬
‫الشام‪....‬الخ"‬
‫قام العلمة شبلي ُنعماني ومن بعده تلميذه العلمة س‪.‬سليمان‬
‫ندفي بإجراء دراسة تحليلية لحادثة بحيرا في كتابهم " سيرة‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم" )‪ 7‬مجلدات( باللغة الردية ‪ ،‬وهذه‬
‫خلصة ملحظاتهم التي وردت في المجلد الول ) للشلبي(‬
‫والمجلد الثالث ) لسليمان نفدي( ‪- :‬‬

‫‪551‬‬
‫مع أن أحد الرواة – عبدالرحمن ابن غزوان – قد حصل على‬
‫اعتراف من ُنقاد علم أسماء الرجال )علم مصداقية رواة‬
‫الحاديث( لكن آخرين قد وجهوا له التهم‪ .‬يقول العلمة الذهبي‬
‫في كتابه " ميزان العتدال " أن عبدالرحمن يروي الحاديث‬
‫الضعيفة ‪ ،‬وأكثر تلك الحاديث الغير مقبولة هو الحديث المتعلق‬
‫بحادثة بحيرا‪ .‬وكذلك فقد روى حديث المماليك المختلق‪ .‬يقول‬
‫ل عن المام الليث" وكتب ابن‬ ‫حكيم " لقد روى حديثا ً غير مقبو ٍ‬
‫حبان " لقد ارتكب أخطاًء" ‪ .‬إن عبدالرحمن هذا قد روى ذلك‬
‫الحديث من يونس ابن اسحق ‪ ،‬ورغم أن بعض النقاد قد أيدوا‬
‫يونس لكنه يعتبر بشكل عام ضعيفا ً وغير موثوق به‪ .‬يقول يحيى ‪:‬‬
‫شعبة بالغش‪ .‬أما المام أحمد فقد صنف‬ ‫ل‪ ،‬واتهمه ُ‬ ‫م ً‬
‫لقد كان مه ِ‬
‫روايته بشكل عام على أنها غير موثوقة ول قيمة لها‪ .‬نقل يونس‬
‫هذا روايته عن أبي بكر الذي بدوره روى عن أبيه أبي موسى‬
‫الشعري ‪ ،‬لكن ليس مؤكدا ً إن كان قد سمع الحديث من أبيه‬
‫مباشرة ‪ ،‬ورفض المام أحمد ابن حنبل تماما ً سماع أبي بكر عن‬
‫أبيه ‪ ،‬مما جعل ابن سعد يصنف حديثه على أنه ضعيف‪ .‬وبذلك‬
‫فإن بالمكان تصنيف الحديث على أنه منقطع ) أي انقطاع‬
‫سلسلة الرواة(‪.‬‬
‫وبعد هذا الموجز عن سلسلة رواة ذلك الحديث من كتاب سيرة‬
‫النبي ‪ ،‬فإننا سنجري دراسة تفصيلية للرواة ‪ ،‬فعلينا أول ً أن‬
‫نعطي وصفا ً للراوي الول أبي موسى الشعري الذي كان أحد‬
‫صحابة نبي السلم صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قال عنه ابن السير ‪:‬‬
‫قالت جماعة من علماء الوراثة والسيرة الذاتية أن أبي موسى‬
‫ذهب إلى مكة ‪ ،‬وتحالف مع سعيد ابن العاص ثم عاد إلى قبيلته‪.‬‬
‫وبعد ذلك ]بعد ليس أقل من ‪ 15-10‬سنة[ ذهب إلى مكة مع‬
‫إخوته ‪ ،‬وتزامنت رحلته مع عودة المسلمين الذين هاجروا إلى‬
‫الحبشة زمن فتح خيبر‪ُ .‬يقال أن الرياح قادت سفينتهم إلى أرض‬
‫النجاشي ‪ ،‬حيث عاشوا لبعض الوقت‪ .‬ثم انضموا إلى المهاجرين‬
‫أثناء عودتهم من الحبشة إلى المدينة‪.‬‬
‫توفي أبو موسى ما بين عام ‪ 53-42‬هجرية عن عمر ناهز ‪63‬‬
‫عامًا‪.‬‬
‫جمع حافظ شمس الدين محمد ابن أحمد ابن أسامة الذهبي‬
‫معلومات مفصلة عن أبي موسى فقال‪- :‬‬
‫روي أن أبا موسى توفي عام ‪ 42‬هـ‪.‬‬
‫يروي أبو أحمد الحكيم أنه توفي عام ‪ 42‬هـ ‪.‬‬
‫وفي رواية أخرى أنه توفي عام ‪ 43‬هـ ‪.‬‬

‫‪552‬‬
‫روى أبو نعيم أبو بكر ابن أبي شيبة ‪ ،‬ابن نمير وقعنب ابن‬
‫المحرر أنه توفي عام ‪ 44‬هـ ‪.‬‬
‫أما الواقدي فإنه يقول إنه توفي عام ‪ 52‬هـ ويقول المدائني "‬
‫في عام ‪ 53‬بعد المغيرة "‬
‫ذكر في طبقات القرى " الحقيقة هي أن أبا موسى توفي في‬ ‫و ُ‬
‫شهر ذي الحجة من عام ‪" 44‬‬
‫سجلت معلومات أخرى مشابهة من قبل المؤرخين ‪-:‬‬ ‫وقد ُ‬
‫) أ ( ابن حجر العسقلني‬
‫) ب ( ابن سعد‬
‫يتضح من ذلك أن ‪-:‬‬
‫‪ -1‬أبا موسى الشعري قد توفي عن عمر ناهز ‪63‬‬
‫‪ -2‬أنه توفي ما بين عام ‪ 53 – 42‬هـ والرجح أنه توفي عام ‪44‬‬
‫ذكر الذهبي أعله‬ ‫كما ُ‬
‫‪ -3‬إذا كان قد توفي عام ‪ 42‬هـ فإنه يكون قد ولد عندما كان‬
‫عمرالنبي صلى الله عليه وسلم ‪ 32‬عاما ً أي من ‪ 23 – 20‬عاما ً‬
‫بعد حادثة بحيرا‪.‬‬
‫‪ -4‬ل يمكن بحال من الحوال اعتبار أبي موسى الشعري شاهد‬
‫عيان للحادثة التي حدثت قبل ميلده بمدة ‪ 34 – 20‬عاما ً وقبل‬
‫‪ 40 – 30‬عاما ً قبل بلوغه حيث أن درجة فهمه وتذكره لمثل تلك‬
‫الحادثة تكون ضعيفة‪.‬‬
‫وحتى ولو لم يكن أبي موسى شاهد عيان فإن من الممكن قبول‬
‫روايته لو أنه قال منذ البداية أنه سمع الحادثة من النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم نفسه ‪ ،‬أو من أحد صحابته الذين سمعوها من‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم نفسه‪.‬‬
‫وفي غياب مثل تلك الرابطة فإن سلسلة الرواية تعتبر‬
‫مقطوعة ‪ ،‬ويعتبر مثل ذلك الحديث "مرسل" أي تصنيفه ضعيف‪.‬‬
‫وحتى لو أننا تجاهلنا تلك النقطة فإن لسلسلة الرواية عيوبا ً جدية‬
‫أخرى تحول دون قبولها‪ .‬فإن أبو بكر يروي الحديث عن أبيه أبي‬
‫موسى الشعري ‪ ،‬ول يوجد دليل واحد على أنه سمع حديثا ً عن‬
‫أبيه وذلك لنه توفي عام ‪ 106‬هـ بينما توفي والده أبو موسى‬
‫الشعري عام ‪ 42‬هـ عن عمر ناهز ‪ 63‬عاما ً كما روى المام‬
‫شمس الدين الذهبي ‪ ،‬كما نورد هنا " يروي ابن سعد عن هيثم‬
‫ابن عدي أنه مات عام ‪ 42‬هـ أو لحقًا‪"...‬‬
‫وهذا يعني أنه عاش ‪ 64‬عاما ً أو نحوها بعد وفاة أبيه مما يجعله‬
‫لم يكن إل صبيا ً وقتها‪.‬‬
‫وقد رفض المام أحمد ابن حنبل رفضا ً قاطعا ً إمكانية قبول‬
‫روايته‪.‬‬

‫‪553‬‬
‫ويعتبره ابن سعد كاذبا ً ول يؤخذ بقوله‪.‬‬
‫يقول الحافظ يوسف المزي أن اسمه كان إما عمار أو عامر‪.‬‬
‫ويضيف ‪- :‬‬
‫إنه روى الحاديث عن‪ :‬السود ابن هلل‪ ،‬البراء ابن عازب‪ ،‬جابر‬
‫ابن سمره‪ ،‬عبدالله ابن عباس‪ ،‬علي ابن أبي طالب ومما قيل‬
‫عنه خطأ ً عن أبيه أبي موسى الشعري‪.‬‬
‫لقد ُنقل الحديث من أبي بكر إلى يونس ابن إسحق‪ .‬وكما ذكرنا‬
‫فإنه ضعيف ول ُيعتمد عليه ومهمل بل وحتى ملفق‪ .‬يقول أبو‬
‫حكيم إنه غالبا ً ما يشعر بالحيرة والحساس بالهذيان إزاء روايته‪.‬‬
‫رغم أن بعض النقاد أيدوا وحتى قبلوا روايته إل أن معظمهم‬
‫مّزي معلومات مفصلة‬ ‫يعتبرونه غير موثوق به‪ .‬لقد جمع حافظ ِ‬
‫نوعا ً ما عنه ‪ ،‬وأرى أن إلقاء الضوء على بعضها ضروريا ً ‪-:‬‬
‫يروي صالح ابن أحمد ابن حنبل المديني أنه كان يستمع إلى‬
‫ذكر يونس ابن إسحق‪ " :‬كان الهمال‬ ‫يحيى‪ .‬وأنه قال عندما ُ‬
‫وعدم الهتمام صفة متأصلة في شخصه "‪ .‬يستشهد ُبندار بقول‬
‫سلم ابن قتيبة "جئت من الكوفة‪ .‬وقد سألني شعبة عمن رأيت‬ ‫َ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫هناك ‪ ،‬فقلت رأيت فلنا وفلنا ‪ ،‬وقابلت أيضا يونس ابن اسحق ‪،‬‬
‫ثم سألني وأي حديث نقل إليك ‪ ،‬فرويت له ما سمعت ‪ ،‬فسكت‬
‫ت له أن يونس قال " قال لي بكر ابن ماعز" فقال شعبة‬ ‫برهة قل ُ‬
‫" ألم يقل أن عبدالله ابن مسعود روى له ؟ )وكان ذلك مستحيل ً‬
‫وبوضوح نظرا ً للفارق الزمني بينهما‪ .‬وهذا يعني أن شعبة ينظر‬
‫إليه على أنه مبتدع( ‪ .‬يقول أبو بكر الثرم سمعت أبا عبدالله‬
‫ذكر اسم يونس ابن أبي اسحق يصنف روايته عن أبيه بأنها‬ ‫عندما ُ‬
‫غير موثوقة‪ .‬لقد أخبر أبو طالب أحمد ابن حنبل أن هناك‬
‫إضافات على روايات الشخاص في حديث يونس ابن اسحق‪.‬‬
‫سمع ابنه اسرائيل ذلك ود َّونه من أبي اسحق ‪ ،‬لكن ل يوجد أية‬
‫إضافات كإضافات يونس‪ .‬قال عبدالله ابن أحمد ابن حنبل " لقد‬
‫سألت أبي عن يونس ابن أبي اسحق فأجاب أن رواياته ضعيفة‬
‫ومشوشة )‪ (...‬وأنه كذا وكذا " قال أبو هيثم أنه كان موثوقا ً به ‪،‬‬
‫لكن أحاديثه يصعب تصديقها واتخاذها دليل ً على شيء‪ .‬وقال عنه‬
‫المام النسائي بقوله ل ضرر من ورائه )‪ (...‬توفي عام ‪ 159‬أو‬
‫‪ 152‬أو ‪ 158‬والصح أنه توفي عام ‪.159‬‬
‫أما الراوي التالي عبدالرحمن ابن غزوان فرغم أن معظم النقاد‬
‫وضعوه في صف الرواة القوياء والموثوق بروايتهم ‪ ،‬إل أنه لم‬
‫مّزي ‪-:‬‬‫يسلم من الّلوم فقد قال عنه المام ِ‬
‫قال ابن حبان عنه لقد اعتاد ارتكاب الخطاء‪ .‬فإن روايته لقصة‬
‫المماليك عن الليث‪---‬عن مالك‪---‬عن الزهري‪---‬عن عروة‪---‬عن‬

‫‪554‬‬
‫عائشة تؤلم وتزعج القلب )العقل(‪ .‬يقول محمد ابن جرير‬
‫الطبري أنه توفي عام ‪ 207‬هـ ‪.‬‬
‫والن يتبقى فقط الفضل ابن سهل ابن إبراهيم العرج‪ .‬لقد كان‬
‫راويا ً قويا ً ‪ ،‬ولكن هناك تحفظات بالنسبة له‪ .‬يقول الخطيب‬
‫البغدادي ‪-:‬‬
‫قال لي أحمد ابن سليمان ابن علي المقرىء‪---‬أبو سعيد أحمد‬
‫ت عبدان‬ ‫ابن محمد المِلني‪---‬عبدالله ابن عدي‪---‬قال "سمع ُ‬
‫يقول أنه سمع أبا داود الساجستاني يقول أنه لم ُيحب رواية‬
‫بعض الحاديث عن الفضل العرج" فسألته عن السبب‪ .‬فأجاب‬
‫كيف يمكن أنه لم يفوت منه أي حديث صحيح" ‪ .‬قال ابن عدي‬
‫أنه سمع أحمد ابن الحسين الصوفي يقول أن الفضل ابن سهل‬
‫العرج كان شخصا ً ماكرا ً كالثعالب ومراوغا ً ومخادعًا‪.‬‬
‫مما يجدر ملحظته أنه لو أن راويا ً واحدا ً قد ُوجه له النقد ‪ ،‬أو أن‬
‫هناك انقطاع في سلسلة رواة الحديث ‪ ،‬أو أن الراوي الول لم‬
‫يكن شاهد عين للحادثة ‪ ،‬فإن سلسلة الرواة بأكملها تصبح محل‬
‫شك ‪ ،‬مما يجعل الرواية أو الحديث غير موثوق به‪.‬‬
‫بغض النظر عن ذكر أحد في هذا الحديث ‪ ،‬فإن معظم الرواة‬
‫ُيعتبرون بطريقة أو بأخرى مجروحين‪ .‬وثانيا ً إن سلسلة الرواة‬
‫تعتبر منقطعة‪ .‬وأخيرا ً الراوي الول ليس شاهد عين للحدث أو‬
‫طرف فيه‪.‬‬
‫رغم وجود كل هذه العيوب وكون سلسلة الرواة في حالة‬
‫مشكوك فيها ‪ ،‬فإن من الغريب أن عالما ً باحثا ً يتجرأ بل‬
‫ويستشهد بذلك الحديث ويقدمه كدليل على موضوع هام هو‬
‫الحادثة التي يتناولها الحديث المذكور على أنها المصدر الرئيسي‬
‫لتعاليم النبي الدينية ؟‬
‫بعد القيام بدراسة خارجية لسناد الحديث ‪ ،‬فإن نصه ومحتوياته‬
‫يخضعان أيضا ً للدراسة وهذا هو نص الحديث ‪-:‬‬
‫سافر أبو طالب مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بلد الشام‬
‫بصحبة بعض كبار رجال قريش في قافلة تجارية ‪ ،‬وعندما اقتربوا‬
‫من الراهب بحيرا ‪ ،‬قرروا التوقف للستراحة ‪ ،‬فذهب إليهم‬
‫الراهب رغم أنه لم يكن يفعل ذلك عندما كانوا يمرون في‬
‫رحلتهم السابقة ‪ ،‬فهو لم ُيعرهم أي اهتمام أبدًا‪ .‬وعندما كانوا‬
‫يحطون رحالهم مر الراهب من وسطهم ‪ ،‬وتوجه نحو النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬فأمسك بيده وقال "هذا رئيس العالم ‪ ،‬رسول‬
‫رب العالمين ‪ ،‬وسي َُعينه الله رحمة للعالمين‪ .‬فسأله كبراء قريش‬
‫عن سبب قوله ذلك ‪ ،‬فقال "عندما ظهرتم من الممر ‪ ،‬فإن كل‬
‫شجرة وحجر انحنت له ‪ ،‬ولم يحدث ذلك لحد إل لنبي ‪ ،‬وعرفته‬

‫‪555‬‬
‫أيضا ً بسبب خاتم النبوة الشبيه بالتفاحة الموجودة أسفل عظم‬
‫كتفه ‪ ،‬ثم عاد وأحضر لهم طعام الغداء ‪ ،‬وكان نبي المستقبل مع‬
‫قطيع البل‪ .‬فأرسل له الراهب طعامًا‪ .‬عندما حضر نبي‬
‫المستقبل كانت غمامة تظله ‪ ،‬وعندما وصل وجد أن الرجال قد‬
‫اتخذوا الماكن الظليلة تحت الشجرة ‪ ،‬فجلس النبي فما كان من‬
‫ظل الشجرة إل أن انحنى فوقه‪ .‬قال الراهب " أنظروا هنا! لقد‬
‫خضع ظل الشجرة له ‪ ،‬وكان ما يزال واقفا ً معهم ‪ ،‬ويطلب منهم‬
‫عدم أخذ محمد صلى الله عليه وسلم إلى بلد الروم ‪ ،‬لنهم‬
‫سيتعرفون على صفاته ويقتلونه ‪ ،‬وفجأة ظهر سبعة أشخاص من‬
‫الروم ‪ ،‬فرحب بهم الراهب وسألهم عن سبب زيارتهم ‪ ،‬فأجابوا‬
‫" بلغنا أن النبي المنتظر سيأتي من مكان إقامته هذا الشهر ‪،‬‬
‫ولذلك فقد ُأرسل أشخاص إلى كل جهة وُأرسلنا إلى هذه‬
‫الطريق"‪ .‬فقال الراهب "هل يوجد رئيس لكم من حيث جئتم ؟‬
‫أجابو نعم وقالوا إن فرقتهم أفضل فرقة مما جعل الرئيس‬
‫يختارهم لتلك الجهة ‪ ،‬فسألهم الراهب" هل فكرتم ؟ هل بإمكان‬
‫أحد أن يمنع إتمام مهمة قضاها الله ؟ وعندما أجابوا بالنفي حثهم‬
‫على مبايعة النبي ‪ ،‬وبناء على طلبه أخبره الرجال أن أبو طالب‬
‫هو ولي أمر محمد صلى الله عليه وسلم‪ .‬ونزول ً على إصراره‬
‫المتواصل بضرورة أن يعيده أبو طالب إلى مكة مع أبي بكر‬
‫وبلل ]أو أن أبي بكر هو الذي أرسل بلل ً معه ‪ ،‬وهذا ل يبدو نقل ً‬
‫مناسبًا[ وزودهم الراهب بزيت وكعك كمئونة للطريق‪.‬‬
‫عندما ُيحلل النص بطريقة نقدية فإن ذلك يكشف عن ثغرات‬
‫جدية‪ .‬وها هي بعض الملحظات‪:‬‬
‫‪ -1‬كان الدخول في التعاملت التجارية والذهاب ضمن قوافل‬
‫تجارية محصورا ً على الشخاص الثرياء ولم يحلم أبو طالب أن‬
‫يكون منهم ‪ ،‬لنه لم يكن ثريا ً أبدا ً بل إن ثروته كانت ضئيلة‬
‫لدرجة عدم تمكنه من النفاق على أولده ‪ ،‬مما جعل بعض‬
‫أقاربه يتعاطفون معه ويأخذون على عاتقهم مسئولية تربية بعض‬
‫أبنائه‪ .‬إن قصة الحديث مختلقة ول يوجد دليل على أن أبا طالب‬
‫كان له رحلت تجارية إلى أي مكان‪ .‬كان بائع عطور بسيط ‪ ،‬وقد‬
‫ُروي أنه كان أعرجا ً وبذلك يفقد الهلية للقيام برحلة شاقة كتلك‪.‬‬
‫‪ -2‬لو كان بحيرا حقا ً عالما ً عظيما ً وبارعا ً لدرجة أن خطط لنبوة‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فإن من المفروض أن يوجد له في‬
‫السجلت النصرانية أدب كثير ‪ ،‬ومجلدات عن حياته وأعماله ‪،‬‬
‫ولكننا ل نجد عنه شيئا ً إل في أحاديث الدرجة الثالثة في الدب‬
‫السلمي‪.‬‬

‫‪556‬‬
‫‪ -3‬اختار بحيرا نبي المستقبل وفي حضور كبار رجال قريش قال‬
‫إن الصبي سيصبح رئيس العالم المختار ‪ ،‬ونبي رب العالمين‬
‫ورحمة للعالمين‪ .‬وبذلك يكون رجال قريش شهودا ً على تلك‬
‫الحادثة الغير عادية ‪ ،‬وينقلونها إلى أهل مكة عند عودتهم إليها‬
‫وبذلك تصبح حديث الناس ‪ ،‬ومن الطبيعي أنه عندما يحدث شيء‬
‫يتعلق بنبي المستقبل فإن أولئك الرجال ومن سمع الحادثة منهم‬
‫سيعودون للحديث عن تلك الحادثة ‪ ،‬لقد ظهر محمد في الصباح‬
‫الباكر في البيت الحرام بعد ذلك ببضعة سنوات ‪ ،‬حيث حل‬
‫النزاع حول وضع الحجر السود ‪ ،‬وكان من المفروض أن يصيح‬
‫الناس " لقد وصل رسول رب العالمين ‪ ،‬ورئيس جميع‬
‫المخلوقات ‪ ،‬وظهر رحمة العالمين ‪ ،‬ونحن نؤيده ونقبل رأيه "‪.‬‬
‫لكن كتب التاريخ لم تذكر شيئا ً من هذا القبيل ‪ ،‬بل تذكر أنهم‬
‫قالوا "جاء المين‪---‬الصادق‪---‬الخ" ومرة أخرى عندما أعلن النبي‬
‫المنتظر أنه اختير لداء المهمة ‪ ،‬وكان من المفترض أن يعلن كل‬
‫من اعتنقوا السلم أنهم كانوا يعرفون ذلك وينتظرونه ‪ ،‬فإننا نجد‬
‫أن ذلك لم يحدث‪.‬‬
‫سئل بحيرا عن سبب معرفته بأن الصبي سيصبح نبيا ً‬ ‫‪ -4‬عندما ُ‬
‫أجاب بأن جميع الشجار والحجارة قد ركعت له‪ .‬ولو كان المر‬
‫كذلك فإن كل من كانت له صلة به في مكة أو غيرها سيعرف‬
‫ذلك أيضا ً ‪ ،‬فقد كان أمرا ً غير عادي ‪ ،‬وظاهرة غير طبيعية أو‬
‫مألوفة ‪ ،‬وبذلك ل يمكن أن تمر دون أن ل يلحظها الناس ‪ .‬من‬
‫الغريب أن رجال القافلة الذين ارتحلوا معها مئات من الميال لم‬
‫يلحظوا المر وكان بحيرا فقط هو الذي أدركها‪ .‬وبناء عليه فإن‬
‫من المفترض أن علمة النبوة المذكورة تكون موجودة في‬
‫النجيل ‪ ،‬لكن المر ليس كذلك مما يجعل الحادثة مختلقة وغير‬
‫موثوقة‪.‬‬
‫‪ -5‬لو أن المستشرقين الذين اتخذوا من تلك الحادثة عامل ً‬
‫يساعدهم في ادعائهم أن محمدا ً صلى الله عليه وسلم قد تعلم‬
‫وأخذ تعاليم دينه عن النصرانية من خلل الراهب المذكور ‪ ،‬لو‬
‫أنهم اعتقدوا أن حادثة بحيرا تلك كانت حقيقة وليست خيال ً ‪ ،‬ولو‬
‫أنهم كانوا صادقين في دراساتهم لكان موقفهم تجاه السلم‬
‫مختلفا ً تماما ً ‪ ،‬بينما يكشف موقفهم السلبي الحالي من السلم‬
‫أنهم حقا ً ل يعتقدون بصحة ذلك الحديث‪.‬‬
‫‪ -6‬لو كان قول أن الشجار والحجارة ركعت للنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فإن ذلك لن ينحصر في تلك الحادثة فقط ‪ ،‬ويكون‬
‫مئات اللف من الشخاص قد شاهدوا ذلك في مكة وسواها‪.‬‬

‫‪557‬‬
‫لكننا ل نجد حديثا ً صحيحا ً واحدا ً يؤيد حدوث ذلك مما يؤكد أن‬
‫ذلك الحديث موضوع ل أصل له‪.‬‬
‫كما ويجدر ذكره أن السلم قد حّرم الركوع لحد سوى الله‪.‬‬
‫يقول القرآن الكريم ‪:‬‬
‫" ل تسجدوا للشمس ول للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن‬
‫كنتم إياه تعبدون " سورة فصلت ‪37‬‬
‫" والنجم والشجر يسجدان‪ -‬والسماء رفعها ووضع الميزان "‬
‫سورة الرحمن ‪7-6‬‬
‫" ويعبدون من دون الله ما ل ينفعهم ول يضرهم" سورة الفرقان‬
‫‪55‬‬
‫" وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن " سورة‬
‫الفرقان ‪60‬‬
‫وقد منع الرسول صلى الله عليه وسلم الركوع أمام أحد سوى‬
‫منع ذلك في النجيل ‪ " :‬ل تصنع لك تمثال ً منحوتا ً ول‬‫الله‪ .‬كما ُ‬
‫صورة مما في السماء من فوق وما في الرض من تحت وما في‬
‫الماء من تحت الرض‪ .‬ل تسجد لهن ول تعبدهن‪ .‬لني أنا الرب‬
‫إلهك إله غيور أفتقد ذنوب الباء في البناء في الجيل الثالث‬
‫والرابع من مبغضي " الخروج ‪6-4 : 20‬‬
‫وبذلك يتضح عدم جواز الركوع لغير الله في أية حالة‪.‬‬
‫‪ -7‬بالنسبة " لخاتم النبوة " فإنه ل يوجد له دليل واضح في‬
‫النجيل ‪ ،‬ولو كان لهذه العلمة أي ذكر فيه ‪ ،‬ولو ُوجدت تلك‬
‫العلمة حقا ً على ظهره الشريف ‪ ،‬كما جاء في الحديث على‬
‫لسان الراهب ‪ ،‬فإنه ل يوجد أي تبرير لغياب تأييد كبار قريش‬
‫لتصديق دعوى محمد صلى الله عليه وسلم بأنه رسول الله ‪،‬‬
‫وبالتالي قبول دينه على أنه دين الحق ‪ .‬رغم وجود كتلة سوداء‬
‫دع‬
‫شبيهة بالغدة أعلى ظهره )تحت عظام الكتف( ‪ ،‬إل أنه لم ي ّ‬
‫أبدا ً أنها علمة نبوته ‪ ،‬مع أنه كان بإمكانه إبرازها كدليل على‬
‫صدق دعواه]‪ ، [1‬وهذا يدل على عدم أهميتها كعلمة إعجازية ‪.‬‬
‫وبذلك تسقط مصداقية الحديث‪.‬‬
‫‪ -8‬لو لم تكن تلك الحادثة مختلقة من قبل راوٍ ساذج أو أصدقاء‬
‫مغفلين أو بعض أعداء السلم ‪ ،‬لعرضها النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم كدليل واضح على صدق نبوته ‪ ،‬ولكان من الصعب على‬
‫الكفار رفض دليل واضح عليها كعلمة ختم النبوة‪.‬‬
‫‪ -9‬وتنطبق الملحظات السابقة على حادثة تظليل السحابة لنبي‬
‫السلم‪.‬‬
‫مد ّ الشجرة لظلها نحوه ‪.‬‬ ‫‪ -10‬كما أنها تنطبق على حادثة َ‬

‫‪558‬‬
‫‪ -11‬لقد حثهم الراهب على عدم أخذ الصبي إلى بلد الروم ‪ ،‬لنه‬
‫لدى رؤيته له تعّرف على علمات النبوة التي ستجعلهم يقتلونه ‪،‬‬
‫وهذا يعني أن علمات نبوة النبي المنتظر كانت من الوضوح في‬
‫النجيل بحيث ل يمكن أن تفوت عن أنظار كبار الروم ‪ .‬هل يتفق‬
‫المستشرقون مع ملحظات الراهب ؟ وإن كان المر كذلك فما‬
‫مدى استعدادهم لقبول مصداقية نبوة محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم ؟ هل يعتقد أولئك أن العلمات لصالح نبي السلم حقا ً‬
‫موجودة في النجيل بوضوح بحيث أن مجرد رؤيته تجعل العاِلم‬
‫يتعرف عليه كما ظن الراهب ؟‬
‫‪ -12‬أما عن مجموعة الرجال السبعة الروم الذين قالوا إن النبي‬
‫المنتظر كان سيخرج من بلده ذلك الشهر ‪ ،‬فإن المرء يتساءل‬
‫عن مصدر علمهم ذلك ‪ ،‬فبالنسبة للنجيل ل يوجد شيء فيه من‬
‫هذا القبيل ‪ ،‬ومن الغريب أن يكون المستشرقون قد اختاروا بناء‬
‫قصرهم بدون أي أساس وعلى أرضية مزيفة ‪ ،‬مما يجعله قابل ً‬
‫للسقوط بمجرد ضربة واحدة من قبل ناقد موضوعي‪.‬‬
‫‪ -13‬لو كانت الحادثة حقيقية لما تردد كبار قريش وخاصة أبو‬
‫طالب في اعتناق السلم فور إعلن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫لرسالته‪.‬‬
‫‪ -14‬لو كان في الرواية أي جزء من حقيقة لمتلت كتب الدب‬
‫الديني السلمي بوصف مراحل حياة ذلك الراهب المختلفة ‪،‬‬
‫لكننا ل نجد له أثرا ً فيها‪.‬‬
‫‪ -15‬يقول الفصل الخير من الحديث أنه وبناء على إصرار من‬
‫الراهب فإن أبا طالب أعاد الصبي مع أبي بكر وبلل ‪ ،‬وهذا دليل‬
‫واضح على أن القصة مختلقة ‪ ،‬فإن الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم لم يكن أكبر من أبا بكر رضي الله عنه إل بعامين أو ثلثة ‪،‬‬
‫فلو كان عمر النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ ‪ 9‬سنوات ‪ ،‬فإن‬
‫عمر أبا بكر سيكون ‪ 6‬سنوات ‪ ،‬ولو كان عمر نبي المستقبل ‪12‬‬
‫عاما ً لكان عمر أبي بكر ‪ 9‬أعوام ‪ ،‬هناك مثل فارسي يقول "‬
‫الكذب ل ذاكرة له "‪ .‬لقد نسي مؤلف القصة أن أبا بكر كان‬
‫أصغر من النبي صلى الله عليه وسلم كما هو مدون في التاريخ‪.‬‬
‫يروي ابن سعد ‪-:‬‬
‫أخبرنا محمد ابن عمر أنه سمع شعيب ابن طلحة يروي عن ابن‬
‫أبي بكر الصديق أنه قال " كان بلل ِتربا ً لي )متساوين في‬
‫السن(‪ .‬قال محمد ابن عمر " لو كان المر كذلك وكان أبو بكر‬
‫قد توفي حقا ً عام ‪ 13‬هـ عندما كان عمره ‪ 63‬عاما ً ‪ ،‬لكان‬
‫الفرق بين هذا وبين ما ُروي لنا عن بلل ‪ 7‬سنين‪ .‬ويقول شعيب‬
‫ابن طلحة عن ميلد بلل‪ :‬كان في مثل سن أبي بكر‪.‬‬

‫‪559‬‬
‫يروي الحافظ الذهبي الذي يعتبر مصدرا ً موثوقا ً في معرفة‬
‫أسماء الرجال ملخصا ً لحياة أبي بكر فيقول ‪-:‬‬
‫توفي الصديق قبل نهاية شهر جمادى الخرة بثمانية أيام ‪ ،‬عام‬
‫‪ 13‬هـ وكان عمره ‪ 63‬عامًا‪.‬‬
‫ُتظهر الروايات أعله أنه يبدو أن ل منطق في إرسال أبي بكر مع‬
‫نبي المستقبل لحمايته أثناء رحلة عودته إلى بلده‪.‬‬
‫‪ -16‬أما بالنسبة لبلل فمن المحتمل أن ل يكون قد ُولد بعد في‬
‫ذلك الوقت ‪ ،‬يقول ابن سعد‪-:‬‬
‫دفن في باب الصغير عام ‪ 20‬هـ عن‬ ‫توفي بلل في دمشق و ُ‬
‫عمر جاوز الستين عامًا‪ .‬وُيقال أيضا أنه توفي عام ‪ 17‬أو ‪18‬هـ‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد زودنا ابن حجر العسقلني بمعلومات مماثلة فقال ‪-:‬‬
‫توفي بلل في بلد الشام عام ‪ 17‬أو ‪ 18‬هـ ويقال أيضا ً عام ‪20‬‬
‫هـ عندما جاوز الستين من عمره‪.‬‬
‫روى شمس الدين الذهبي بعض التقارير عن بلل فقال ‪-:‬‬
‫روى يحيى ابن بكير‪ :‬توفي بلل في دمشق بمرض الطاعون عام‬
‫‪ 18‬هـ ‪ ،‬وروى محمد ابن إبراهيم التيمي وابن اسحق وأبو عمر‬
‫الزرير ورواة آخرون أنه توفي في دمشق عام ‪ 20‬هـ‬
‫ذكر الحافظ جمال الدين المزي بعض المعلومات عن بلل‬
‫فقال ‪-:‬‬
‫ويقول البخاري أنه توفي في بلد الشام في عهد عمر رضي الله‬
‫عنه‬
‫ويروي أحمد ابن عبدالله ابن البرقي أنه توفي عام ‪ 20‬هـ‬
‫ويقول الواقدي وعمار ابن علي أنه توفي في دمشق عام ‪ 20‬هـ‬
‫عن عمر جاوز الستين عامًا‪.‬‬
‫أستنتج من المراجع والمعلومات العامة أعله ‪-:‬‬
‫· تقارب أعمار النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وبلل رضي‬
‫الله عنهم فقد كانت أعمارهم عند وفاتهم كانت ‪ 63‬عاما ً تقريبًا‪.‬‬
‫· توفي النبي صلى الله عليه وسلم عام ‪ 11‬هـ‬
‫· توفي أبو بكر رضي الله عنه عام ‪ 13‬هـ بعد عامين وثلثة أشهر‬
‫من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫· توفي بلل رضي الله عنه عام ‪ 17‬أو ‪ 18‬والرجح أنها عام ‪20‬‬
‫هـ أي ‪ 7-6‬والرجح ‪ 9‬سنوات بعد وفاة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫· وبناء عليه فإنه قد ل يكون قد ُولد بعد أو أن عمره كان ‪3-1‬‬
‫سنوات ‪ ،‬عندما كان عمر الرسول صلى الله عليه وسلم ‪9‬‬
‫سنوات‪.‬‬

‫‪560‬‬
‫· عندما كان عمر النبي صلى الله عليه وسلم ‪ 12‬عاما ً كان عمر‬
‫بلل ‪ 7-5‬سنوات والرجح ‪ 3‬سنوات‪.‬‬
‫وبذلك نستطيع بسهولة أن نستنتج أنه ل يمكن أن يكون بلل‬
‫رضي الله عنه قد ُأرسل لحماية النبي صلى الله عليه وسلم أثناء‬
‫رحلة عودته من بصرى إلى بلده‪.‬‬
‫وهذا يجعل من المستحيل قبول هذا الحديث ‪ ،‬ويثبت أنه ملفق ل‬
‫أصل له‪ .‬وبذلك يتضح للجميع بطلن الساس الذي ارتكز عليه‬
‫المستشرقون في زعمهم أن محمدا ً صلى الله عليه وسلم قد‬
‫أخذ تعاليمه الدينية عن الراهب النصراني‪.‬‬
‫قال عبدالرحمن مبارك بوري خلل تفسيره لهذا الحديث في‬
‫سنن الترمذي ‪-:‬‬
‫لقد اعتبره أئمتنا وهما ً وذلك لن النبي صلى الله عليه وسلم كان‬
‫عمره ‪ 12‬عاما ً وقتئذ ٍ ‪ ،‬وكان أبو بكر يصغره بسنتين وربع السنة ‪،‬‬
‫بينما لم يكن بلل قد ُولد بعد في ذلك الوقت‪ .‬جاء في ميزان‬
‫العتدال أن من المور التي تدل على تلفيق هذا الحديث قوله "‬
‫وأرسله مع أبي بكر وبلل " مع أن بلل ً لم يكن قد ُولد بعد ‪،‬‬
‫وكان أبو بكر ما يزال صبيًا‪.‬‬
‫صنف الذهبي هذا الحديث على أنه ضعيف وغير موثوق نظرا ً‬
‫لقوله " وأرسله أبو بكر مع بلل مع أن أبا بكر لم يكن قد اشترى‬
‫بلل ً بعد ‪ ،‬وبناًء عليه فل حق له في أن يأمره بأداء أية مهمة )‪(...‬‬
‫قال الحافظ ابن القيم في كتابه زادالمعاد)‪ (...‬عندما بلغ محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ 12‬عاما ً ذهب مع عمه إلى بلد الشام ‪،‬‬
‫ويقال أيضا ً أن عمره كان ‪ 9‬سنوات وقتذاك )‪ (...‬وهذا خطأ‬
‫واضح لن من الرجح أن بلل ً لم يكن قد ظهر للوجود بعد ‪ ،‬ولو‬
‫كان موجودا ً لما أمكن أن يكون مع أبي بكر‪.‬‬
‫يقول الحديث أنه بناًء على إصرار الراهب فقد أعيد النبي‬
‫ُ‬
‫المنتظر إلى مكة تحت رعاية أبي بكر وبلل ‪ ،‬بحجة أنه لو أخذ‬
‫إلى بلد الروم فإن ذلك سيضع حياته في خطر ‪ ،‬وذلك لن علماء‬
‫الدين سيتعرفون عليه ويقتلونه‪ .‬لم ُيرسل أبي بكر وبلل معه‬
‫ليكونوا رفاق طريق ولم تكن رحلة ترفيهية ‪ .‬ومن السخف‬
‫واستحالة التصديق أن أبا طالب رغم محبته لمحمد أكثر من‬
‫محبته لبنائه ‪ ،‬أن يتركه في رعاية صبيين أحدهما يصغره بثلث‬
‫سنوات ‪ ،‬والخر إما أن ل يكون قد ُولد بعد ) إن كان عمرالنبي‬
‫المنتظر ‪ 9‬سنوات( أو أنه كان طفل ً رضيعا ً عمره سنتين ‪ .‬يصعب‬
‫تفسير كيف أن المثقفين المستشرقين الذين ُيشهد لهم بالقيام‬
‫ببحوث تستحق التقدير ‪ ،‬والذين اختاروا هذا الحديث الواضح‬

‫‪561‬‬
‫تلفيقه ‪ ،‬وأقاموا على أساسه قصرا ً في الهواء ‪ ،‬أن تكون أمانيهم‬
‫هي التي الدافع الذي ألقى بهم في هاوية عالم التعلم هذه ‪.‬‬
‫‪ - 17‬عندما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم شابا ً في سن‬
‫الخامسة والعشرين ‪ ،‬شارك مرة أخرى في رحلة مع قافلة‬
‫تجارية إلى بلد الشام لصالح خديجة رضي الله عنها‪ .‬لو كان‬
‫يعرف أن أهل تلك البلد ُيكنون له العداوة ‪ ،‬وأنهم بمجرد رؤيته‬
‫سيتعرفون عليه من خلل علمات نبوته الواضحة لما قام أبدا ً‬
‫بتلك الرحلة‪ .‬لكنه لم ُيبد أي تردد في قبول عرض خديجة له في‬
‫التجار لصالحها ‪ ،‬ولم يقم أحد بإيذائه وعاد سالما ً معافا ً بعد‬
‫قيامه بعمليات تجارية رابحة‪.‬‬
‫‪ 18‬من الغريب ملحظتة في هذا الحديث الذي وبالرغم من أنه‬
‫كله ملفق ‪ ،‬إل أنه أقوى من جميع الحاديث التي تناولت حادثة‬
‫بحيرا ‪ ،‬لكن الراهب لم يخاطب نبي المستقبل مباشرة في أي‬
‫وقت من الوقات ‪ ،‬وبإمكان الشخص ملحظة ذلك من خلل‬
‫قراءته للحديث ليرى بنفسه تلك الظاهرة الغريبة‪ .‬ل يوجد في‬
‫الحديث ضمير غائب بديل ً لمحمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬لقد‬
‫استعمل الراهب في كل مرة شخصا ً ثالثا ً أو ضمير إشارة بدل ً‬
‫من الصبي‪ .‬هذا يدل على أن الراهب لم يعتبر أن صبيا ً أميا ً يمكنه‬
‫أن يفهم ما يقول عنه‪ .‬ومن الملحظ أيضا ً أن أحدا ً من رواة ذلك‬
‫الحديث لم يكن من السخف لدرجة أن ُيظهر الراهب وهو‬
‫يخاطب الصبي بشكل مباشر‪ .‬لنهم من الطبيعي أن ل يتصورا‬
‫أن صبيا ً في مثل عمره يستحق تلك المحادثة ‪.‬‬
‫وخلصة القول‪ :‬إن من المفيد إلقاء نظرة على الملحظات‬
‫الحيادية لبعض المستشرقين ‪ .‬يقول جون ب‪ .‬نوس وديفيد س‪.‬‬
‫نوس في كتابهم الشهير " أديان الرجل" ‪-:‬‬
‫)‪ .(...‬إن من الواجب إدراج الحديث الشريف الذي يقول إن‬
‫محمدا ً صلى الله عليه وسلم تعلم اليهودية والنصرانية خلل‬
‫رحلته مع القافلة التجارية المتجهة للشام ‪ ،‬وكانت الولى بصحبة‬
‫عمه أبي طالب عندما كان في سن الثانية عشرة ‪ ،‬والثانية عندما‬
‫كان عمره ‪ 25‬عاما ً كموظف لخديجة التي تزوجها فيما بعد ‪،‬‬
‫على أنه حديث غير مقبول‪.‬‬
‫ويقول توماس كارليل ‪-:‬‬
‫ل أعرف ماذا أقول بشأن سيرجيوس ] َبحيرا أو ُبحيرا ‪ ،‬مهما كان‬
‫اللفظ ‪،‬وقد ُأطلق عليه أيضا ً اسم سرجيوس[ ‪ ،‬الراهب‬
‫النسطوري الذي قيل إنه تحادث مع أبي طالب ‪ ،‬أو كم من‬
‫الممكن أن يكون أي راهب قد علم صبيا ً في مثل تلك السن ‪،‬‬
‫لكنني أعرف أن حديث الراهب النسطوري مبالغ فيه بشكل كبير‬

‫‪562‬‬
‫‪ ،‬فقد كان عمر محمد صلى الله عليه وسلم ‪ 14‬عاما ً ]كان إما ‪9‬‬
‫ة غير لغته ‪ ،‬وكان‬ ‫أو ‪ 12‬عاما ً على أكثر تقدير[ ولم يعرف لغ ً‬
‫معظم ما في الشام غريبا ً وغير مفهوم بالنسبة له‪.‬‬
‫نستنتج من متابعة التعليل أعله أن دعوى أولئك العلماء في أن‬
‫نبي السلم قد أخذ تعاليم دينه من بعض علماء النجيل مثل‬
‫بحيرا ل أساس لها من الصحة ‪ ،‬ولم يؤلفوا تلك القصة الغريبة‬
‫والمستحيلة الحدوث إل بدافع تمني حدوثه‪.‬‬
‫إن الدراسة الموضوعية تتطلب جهودا ً مستمرة ‪ ،‬وغير مجهزة‬
‫مسبقا ً لتأمين الحقائق بطريقة معقولة وممكن تبريرها وتتسم‬
‫بالمسئولية‪.‬‬
‫***ملحظة المترجمة ‪ :‬قال الكاتب عن خاتم النبوة ما معناه أن‬
‫دع أبدا ً أنها علمة نبوته ‪،‬‬‫الرسول صلى الله عليه وسلم " لم ي ّ‬
‫مع أنه كان بإمكانه إبرازها كدليل على صدق دعوته "‪.‬‬
‫وهذا يعارض ما جاء في صحيح البخاري عن قصة إسلم الصحابي‬
‫ت عليه ‪،‬‬ ‫الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه ‪......." :‬فسلم ُ‬
‫ت إلى ظهره ‪ ،‬هل أرى الخاتم الذي وصف لي‬ ‫ثم استدر ُ‬
‫صاحبي ‪ ،‬فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدبرته ‪،‬‬
‫عرف أني أستثبت في شيء ُوصف لي ‪ ،‬فألقى رداءه عن ظهره‬
‫ت عليه أقبله وأبكي‪"...‬‬ ‫ت إلى الخاتم فعرفُته ‪ ،‬فأكبب ُ‬ ‫‪ ،‬فنظر ُ‬
‫*** كما أن الكاتب نفى وجود علمة خاتم النبوة في الناجيل‬
‫رغم أن سفر النشاد ‪ 10 : 5‬يقول " حبيبي أبيض وأحمر ‪.‬معلم‬
‫بين ربوة ‪.................‬وكله مشتهيات‪"...‬‬
‫لقد ثبت أن كلمة مشتهيات أصلها في النسخة العبرية " محمدم"‬
‫كما هو موضح هنا ‪-:‬‬
‫"‪Hikow mamtaqiym wkulow mahamadiym zeh dowdiy wzeh ree`iy bnowt‬‬
‫‪".yruushaalaaim‬‬
‫لذا فإنني أتساءل ‪ ::‬إذا كانت " معلم بين ربوة" هذه هي بداية‬
‫لفقرة انتهت بالحديث عن محمد ‪ ،‬أفل يكون من الطبيعي أنها‬
‫أيضا ً تتحدث عنه ؟‬
‫]‪ [1‬وهذا يعارض ما جاء في صحيح البخاري عن قصة إسلم‬
‫الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه ‪:‬‬
‫ت إلى ظهره ‪ ،‬هل أرى الخاتم‬ ‫ت عليه ‪ ،‬ثم استدر ُ‬ ‫"‪.......‬فسلم ُ‬
‫الذي وصف لي صاحبي ‪ ،‬فلما رآني رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم استدبرته ‪ ،‬عرف أني أستثبت في شيء ُوصف لي ‪،‬‬
‫ت‬‫ت إلى الخاتم فعرفُته ‪ ،‬فأكبب ُ‬ ‫فألقى رداءه عن ظهره ‪ ،‬فنظر ُ‬
‫عليه أقبله وأبكي‪"...‬‬

‫‪563‬‬
‫*** كما أن الكاتب نفى وجود علمة خاتم النبوة في الناجيل‬
‫رغم أن سفر النشاد ‪ 10 : 5‬يقول " حبيبي أبيض وأحمر ‪.‬معلم‬
‫بين ربوة ‪.................‬وكله مشتهيات‪"...‬‬
‫لقد ثبت أن كلمة مشتهيات أصلها في النسخة العبرية " محمدم"‬
‫كما هو موضح هنا ‪-:‬‬
‫"‪Hikow mamtaqiym wkulow mahamadiym zeh dowdiy wzeh ree`iy bnowt‬‬
‫‪".yruushaalaaim‬‬
‫لذا فإنني أتساءل ‪ ::‬إذا كانت " معلم بين ربوة" هذه هي بداية‬
‫لفقرة انتهت بالحديث عن محمد ‪ ،‬أفل يكون من الطبيعي أنها‬
‫أيضا ً تتحدث عنه ؟‬
‫=================‬
‫آمنت بك وبمن أنزلك‬
‫بسم الله وحده ‪ ,‬والصلة والسلم على من ل نبي بعده‬
‫يثير جهلة النصارى كل يوم مسألة للتشبيه على عوام المسلمين‬
‫أمر دينهم ‪ ,‬ول يعنينا الرد على النصارى قدر ما يعنينا توضيح ما‬
‫يثار للمسلم ليكن على بينة من دينه ‪ ,‬وهذا ما كررناه في عدة‬
‫مواضع أن المسلم أفضل عند الله من مجموع النصارى ‪,‬‬
‫وأفضليته جاءت من توحيده لله وإفراده إياه بالعبادة ‪ .‬لذا‬
‫الحرص على نقاء عقيدة المسلم وعلى فهمه لمور دينه بدفع ما‬
‫يثيره جهلة الكفار هو من الجهاد في سبيل الله بالكلمة ‪ .‬فاللهم‬
‫نسأل إخلص النية والعمل لوجهك الكريم ‪.‬‬
‫يذكر ضلل النصارى حديثا ً وردت به قصة استشارة اليهود‬
‫لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر حادثة زنا فأجابهم‬
‫صلى الله عليه وسلم بحكم الزنا ووضح لهم أنه موجود بكتابهم‬
‫ولكنهم أخفوه فناشدهم الله فأظهروا النص ‪ ,‬ويحاول ضلل‬
‫النصارى الستلل بلفظ ورد بالحديث أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال عن التوراة ) آمنت بك وبمن أنزلك (‬
‫نقول وبالله التوفيق‬
‫سنن ابن ماجه ‪:‬‬
‫ن ع َْبد‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ش‪ ،‬ع َ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن الع ْ َ‬ ‫ة‪ ،‬ع َ ْ‬ ‫مَعاوِي َ َ‬ ‫ن محمد‪ .‬ثنا أُبو ُ‬ ‫ي بْ ُ‬ ‫‪ -1‬حدثنا ع َل ِ ّ‬
‫مّر الن ّّبي صلى الله عليه‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ب؛ َقا َ‬ ‫عازِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ن الب ََراِء ب ْ ُ‬ ‫ة‪ ،‬ع َ ْ‬ ‫مّر َ‬ ‫ن ُ‬ ‫اللهِ ب ْ ُ‬
‫ل‪:‬‬ ‫قا َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫جُلوٍد‪ .‬فَد َع َهُ ْ‬ ‫م ْ‬‫مم ٍ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫وسلم ب ِي َُهود ِيّ ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫جل ً ِ‬ ‫عا َر ُ‬ ‫م‪ .‬فَد َ َ‬ ‫حد ّ الّزاِني؟( َقاُلوا ‪ :‬ن َعَ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي ك ََتاِبك ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫كذا ت َ ِ‬ ‫)هَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫موسى‪،‬‬ ‫ل الّتوَراة َ ع ََلى ُ‬ ‫ذي أن َْز َ‬ ‫ك ِباللهِ ال ّ ِ‬ ‫شد ُ َ‬‫ل‪) :‬أن ْ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫ماِئه ْ‬ ‫ع ُل َ َ‬
‫خب ِْر َ‬
‫ك‬ ‫م أُ ْ‬ ‫شد ْت َِني ل َ ْ‬ ‫ك نَ َ‬‫ل‪ .‬وَل َوْ ل َ أ َن ّ َ‬ ‫حد ّ الّزاِني؟( َقال‪َ :‬‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ذا ت َ ِ‬‫َأهك َ َ‬
‫م‪.‬‬‫ج ُ‬ ‫شَرافَِنا الّر ْ‬ ‫ه ك َث َُر ِفي أ َ ْ‬ ‫م‪َ .‬ولك ِن ّ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫حد ّ الّزاِني‪ِ ،‬في ك َِتاب َِنا‪ ،‬الّر ْ‬ ‫جد ُ َ‬ ‫نَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مَنا ع َل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫ف أقَ ْ‬ ‫ضِعي َ‬ ‫خذ َْنا ال ّ‬ ‫ذا أ ّ‬ ‫ه‪ .‬وَك ُّنا إ ِ َ‬ ‫ف ت ََرك َْنا ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫خذ َْنا ال ّ‬ ‫ذا أ ّ‬ ‫ن إِ َ‬‫فَك ُ ّ‬

‫‪564‬‬
‫ف َو‬ ‫ري ِ‬‫ش ِ‬‫ه ع ََلى ال ّ‬ ‫م ُ‬‫قي ْ ُ‬ ‫ئ نُ ِ‬ ‫معْ ع ََلى َ‬
‫ش ٍ‬ ‫جت َ ِ‬ ‫وا فَل ْن َ ْ‬
‫قل َْنا ت ََعال ْ‬
‫د‪ .‬فَ ُ‬‫ح ّ‬
‫ال َ‬
‫م‪ .‬فقال الن ّّبي‬ ‫رج ِ‬ ‫ن ال ّ‬‫كا َ‬‫م َ‬ ‫د‪َ ،‬‬ ‫جل ْ ِ‬ ‫ميم ِ وَ ال َ‬‫ح ِ‬ ‫معَْنا ع ََلى الت ّ ْ‬ ‫ضيِع‪َ .‬فاجت َ َ‬ ‫الوَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مَر َ‬
‫ك‪ ،‬إ ِذ ْ‬ ‫حَيا أ ْ‬‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ّ‬ ‫م! إ ِّني أوّ ُ‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ ) :‬الل ّهُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‪.‬‬ ‫ج َ‬ ‫مَر ب ِهِ فَُر ِ‬ ‫ه(‪ .‬وَأ َ‬ ‫ماُتو ُ‬‫أ َ‬
‫وفي سنن ابي داوود ‪:‬‬
‫‪ -1‬حدثنا عبد الله بن مسلمة قال‪ :‬قرأت على مالك بن أنس‪،‬‬
‫عن نافع‪ ،‬عن ابن عمر أنه قال‪ :‬إن اليهود جاءوا إلى رسول الله‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فذكروا له أن رجل ً منهم وامرأة زنيا‪.‬‬
‫فقال لهم رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪" :-‬ما تجدون في‬
‫التوراة في شأن الّزنا؟" فقالوا‪ :‬نفضحهم ويجلدون‪ .‬فقال عبد‬
‫الله بن سلم‪ :‬كذبتم إن فيها الرجم‪ ،‬فأتوا بالتوراة فنشروها‬
‫فجعل أحدهم يده على آية الرجم‪ ،‬ثم جعل يقرأ ما قبلها وما‬
‫بعدها‪ .‬فقال له عبد الله بن سلم‪ :‬ارفع يدك‪ ،‬فرفعها فِإذا فيها‬
‫آية الرجم‪ .‬فقالوا‪ :‬صدق يا محمد فيها آية الرجم‪ ،‬فأمر بهما‬
‫رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فرجما‪ .‬قال عبد الله بن‬
‫حني على المرأة يقيها الحجارة‪.‬‬ ‫عمر‪ :‬فرأيت الرجل ي َ ْ‬
‫‪ -2‬حدثنا مسدد‪ ،‬ثنا عبد الواحد بن زياد‪ ،‬عن العمش‪ ،‬عن عبد‬
‫الله بن مرة‪ ،‬عن البراء بن عازب قال‪ :‬مّروا على رسول الله‬
‫م وجهه وهو يطاف به‬ ‫م َ‬ ‫ح ّ‬ ‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بيهودي قد ُ‬
‫فناشدهم ما حد ّ الزاني في كتابهم؟‪ .‬قال‪ :‬فأحالوه على رجل‬
‫ي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ما حد ّ الزاني في‬ ‫منهم‪ ،‬فنشده النب ّ‬
‫كتابكم؟‪ .‬فقال‪ :‬الرجم‪ ،‬ولكن ظهر الزنا في أشرافنا فكرهنا أن‬
‫يترك الشريف ويقام على من دونه فوضعنا هذا عنا‪ ،‬فأمر به‬
‫رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فرجم‪ .‬ثم قال‪" :‬اللهم إّني‬
‫أول من أحيا ما أماتوا من كتابك"‪.‬‬
‫‪ -3‬حدثنا محمد بن العلء‪ ،‬ثنا أبو معاوية‪ ،‬عن العمش‪ ،‬عن عبد‬
‫مّر على رسول الله‬ ‫الله بن مرة‪ ،‬عن البراء بن عازب قال‪ُ :‬‬
‫مم ٍ مجلود‪ ،‬فدعاهم فقال‪:‬‬ ‫مح ّ‬‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بيهودي ُ‬
‫وهكذا تجدون حد ّ الزاني؟" قالوا‪ :‬نعم‪ .‬فدعا رجل ً من علمائهم‬
‫قال له‪" :‬نشدتك بالّله الذي أنزل التوراة على موسى‪ ،‬أهكذا‬
‫تجدون حد ّ الزاني في كتابكم؟" فقال‪ :‬اللهم ل‪ ،‬ولول أنك‬
‫نشدتني بهذا لم أخبرك‪ ،‬نجد حد ّ الزاني في كتابنا الّرجم‪ ،‬ولكنه‬
‫كثر في أشرافنا‪ ،‬فكنا إذا أخذنا الرجل الشريف تركناه‪ ،‬وإذا أخذنا‬
‫الرجل الضعيف أقمنا عليه الحد‪ .‬فقلنا‪ :‬تعالوا فنجتمع على شيء‬
‫نقيمه على الشريف والوضيع‪ ،‬فاجتمعنا على التحميم والجلد‬
‫وتركنا الرجم‪.‬‬

‫‪565‬‬
‫فقال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪" :-‬اللهم إّني أول من‬
‫أحيا أمرك إذ أماتوه" فأمر به فرجم‪ ،‬فأنزل الله عز وجل‪َ } :‬يا‬
‫ن ِفي ال ْك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ر{ إلى قوله‪:‬‬ ‫ف ِ‬ ‫عو َ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫حُزن ْ َ‬ ‫ل ل َ يَ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫أي َّها الّر ُ‬
‫قوُلون إ ُ‬
‫حذ َُروا { إلى‬ ‫م ت ُؤ ْت َوْه ُ َفا ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ذوه ُ وَإ ِ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ذا فَ ُ‬ ‫م هَ َ‬ ‫ن أوِتيت ُ ْ‬ ‫َ ِ ْ‬ ‫} يَ ُ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ه فَأول َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أن َْز َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫قوله‪ } :‬وَ َ‬
‫ما‬‫م بِ َ‬‫حك ُ ْ‬‫م يَ ْ‬‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬‫]المائدة‪ [44-42 :‬في اليهود إلى قوله‪ } :‬وَ َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ن { في اليهود‪ ،‬إلى قوله‪ } :‬وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه فَُأول َئ ِ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬‫أ َن َْز َ‬
‫ن { ]المائدة‪-45 :‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬‫فا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه فَُأول َئ ِ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫حك ُ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫لَ ْ‬
‫‪ [47‬قال‪ :‬هي في الكفار كلها‪ ،‬يعني‪ :‬هذه الية‪.‬‬
‫‪ -4‬حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني‪ ،‬ثنا ابن وهب‪ ،‬حدثني هشام‬
‫دثه‪ ،‬عن ابن عمر قال‪ :‬أتى نفٌر من‬ ‫بن سعد‪ ،‬أن زيد بن أسلم ح ّ‬
‫قف فأتاهم‬ ‫يهود فدعوا رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬إلى ال ُ‬
‫في بيت المدارس فقالوا‪ :‬يا أبا القاسم‪ ،‬إن رجل ً مّنا زنى بامرأة‬
‫فاحكم بينهم‪ ،‬فوضعوا لرسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫وسادة ً فجلس عليها ثم قال‪" :‬ائتوني بالتوراة" فأتي بها‪ .‬فنزع‬
‫الوسادة من تحته ووضع التوراة عليها ثم قال‪" :‬آمنت بك وبمن‬
‫ب‪ ،‬ثم ذكر‬ ‫أنزلك"‪ .‬ثم قال‪" :‬ائتوني بأعلمكم" فأتي بفتى شا ّ‬
‫قصة الرجم نحو حديث مالك عن نافع‪.‬‬
‫‪ -5‬حدثنا محمد بن يحيى‪ ،‬ثنا عبد الرزاق‪ ،‬أخبرنا معمر‪ ،‬عن‬
‫الزهري‪ ،‬قال‪ :‬ثنا رجل من مزينة‪ ،‬ح‪ ،‬وثنا أحمد بن صالح‪ ،‬ثنا‬
‫عنبسة‪ ،‬ثنا يونس قال‪ :‬قال محمد بن مسلم‪ :‬سمعت رجل ً من‬
‫مزينة ممن يّتبع العلم وي َِعيه‪ ،‬ثم اتفقا‪ :‬ونحن عند سعيد بن‬
‫م‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫المسيب‪ ،‬فحدثنا عن أبي هريرة وهذا حديث معمر وهو أت ّ‬
‫زنى رجل من اليهود وامرأة‪ ،‬فقال بعضهم لبعض‪ :‬اذهبوا بنا إلى‬
‫هذا النبي؛ فِإنه نبي بعث بالتخفيف‪ ،‬فِإن أفتانا بفتيا دون الرجم‬
‫ي من أنبيائك‪ .‬قال‪:‬‬ ‫قبلناها واحتججنا بها عند الّله‪ .‬قلنا‪ :‬فُْتيا نب ّ‬
‫فأتوا النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وهو جالس في المسجد في‬
‫أصحابه فقالوا‪ :‬يا أبا القاسم‪ ،‬ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا؟‬
‫فلم يكلمهم كلمة حتى أتى بيت مدارسهم‪ .‬فقام على الباب‬
‫فقال‪" :‬أنشدكم بالّله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون‬
‫مم ويجبه ويجلد‪،‬‬ ‫في التوراة على من زنى إذا أحصن؟" قالوا‪ :‬يح ّ‬
‫والتجبيه‪ :‬أن يحمل الزانيان على حمار ويقابل أفقيتهما ويطاف‬
‫بهما‪.‬‬
‫قال‪ :‬وسكت شاب منهم‪ .‬فلما رآه النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫ظ به النشدة فقال‪ :‬اللهم إذ نشدتنا فِإنا نجد في التوراة‬ ‫سكت أل ّ‬
‫الرجم‪ .‬فقال النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪" :-‬فما أول ما‬
‫ارتخصتم أمر الّله؟" قال‪ :‬زنى ذو قرابة من ملك من ملوكنا‬

‫‪566‬‬
‫خر عنه الّرجم‪ ،‬ثم زنى رجل في أسرة من الناس فأراد رجمه‬ ‫فأ ّ‬
‫فحال قومه دونه‪ ،‬وقالوا‪ :‬ل يرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك‬
‫فترجمه‪ ،‬فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم‪ .‬فقال النبي ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪" :-‬فإ ِّني أحكم بما في التوراة" فأمر بهما فرجما‪.‬‬
‫قال الزهري‪ :‬فبلغنا أن هذه الية نزلت فيهم‪ } :‬إ ِّنا أ َن َْزل َْنا الت ّوَْراةَ‬
‫فيها هُدى ونور يحك ُم بها النبيون ال ّذي َ‬
‫موا { ]المائدة‪[44 :‬‬ ‫سل َ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِّّ َ‬ ‫َُ ٌ َ ْ ُ َِ‬ ‫ً‬ ‫ِ َ‬
‫كان النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬منهم‪.‬‬
‫‪ -6‬حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الصبغ الحراني‪ ،‬قال‪ :‬حدثني‬
‫محمد ‪ -‬يعني‪ :‬ابن سلمة ‪ -‬عن محمد بن إسحاق‪ ،‬عن الزهري‬
‫دث سعيد بن المسيب‪ ،‬عن أبي‬ ‫قال‪ :‬سمعت رجل ً من مزينة يح ّ‬
‫هريرة قال‪:‬‬
‫صنا حين قدم رسول الله‬ ‫ُ‬
‫ح ِ‬ ‫زنى رجل وامرأة من اليهود وقد أ ْ‬
‫ً‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬المدينة‪ ،‬وقد كان الرجم مكتوبا عليهم‬
‫ي‬ ‫مط ْل ِ ّ‬ ‫في التوراة فتركوه وأخذوا بالتجبيه‪ ،‬يضرب مائة بحبل َ‬
‫جُهه مما يلي دبر الحمار‪ ،‬فاجتمع أحبار‬ ‫بقار ويحمل على حمار و ْ‬
‫من أحبارهم فبعثوا قوما ً آخرين إلى رسول الله ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬فقالوا‪ :‬سلوه عن حد ّ الزاني‪ ،‬وساق الحديث‪.‬‬
‫فقال فيه‪ :‬قال‪ :‬ولم يكونوا من أهل دينه‪ ،‬فيحكم بينهم فخّير في‬
‫ك َفاحك ُم بينه َ َ‬ ‫جاُءو َ‬
‫م{‬ ‫ض ع َن ْهُ ْ‬ ‫م أوْ أع ْرِ ْ‬ ‫ْ ْ ََُْ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذلك قال‪ } :‬فَإ ِ ْ‬
‫]المائدة‪.[42 :‬‬
‫‪ -7‬حدثنا يحيى بن موسى البلخي‪ ،‬ثنا أبو أسامة قال مجالد‪:‬‬
‫ُأخبرنا عن عامر‪ ،‬عن جابر بن عبد الله قال‪ :‬جاءت اليهود برجل‬
‫وامرأة منهم َزنيا قال‪" :‬ائتوني بأعلم رجلين منكم"‪ .‬فأتوه بابني‬
‫صوريا‪ ،‬فنشدهما كيف تجدان أمر هذين في التوراة؟‪.‬‬
‫قال‪ :‬نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها‬
‫مثل الميل في المكحلة رجما‪ .‬قال‪ " :‬فما يمنعكما أن‬
‫ترجموهما؟" قال‪ :‬ذهب سلطانا فكرهنا القتل‪ .‬فدعا رسول الله‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بالشهود‪ ،‬فجاءوا بأربعة فشهدوا أنهم‬
‫رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة‪ ،‬فأمر النبي ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬برجمهما‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم ‪:‬‬
‫َ‬
‫ق‪،‬‬‫ح َ‬ ‫س َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ب بْ ُ‬ ‫شعَي ْ ُ‬ ‫حد ّث ََنا ُ‬ ‫ح‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫صال ِ‬
‫ى أُبو َ‬ ‫َ‬ ‫س‬
‫مو َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م بْ ُ‬ ‫حك َ ُ‬ ‫حد ّث َِني ال ْ َ‬ ‫‪ -1‬وَ َ‬
‫سو َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أَ ْ‬
‫ن َر ُ‬ ‫ه‪ :‬أ ّ‬ ‫خب ََر ُ‬ ‫مَر أ ْ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ن ع َب ْد َ اللهِ ب ْ َ‬ ‫ن َنافٍِع أ ّ‬ ‫ه‪ ،‬ع َ ْ‬ ‫خب ََرَنا ع ُب َي ْد ُ الل ِ‬
‫ُ‬
‫ي ب ِي َُهود ِيّ وَي َُهود ِي ّةٍ قَد ْ َزن ََيا‪َ ،‬فان ْط َل َ َ‬
‫ق‬ ‫م‪ -‬أت ِ َ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫اللهِ ‪َ -‬‬
‫ما‬ ‫ل‪َ " :‬‬ ‫قا َ‬ ‫د‪ .‬فَ َ‬ ‫جاَء ي َُهو َ‬ ‫ى َ‬ ‫حت ّ َ‬ ‫م‪َ -‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ ‪َ -‬‬ ‫سو ُ‬ ‫َر ُ‬
‫ما‬ ‫جوهَهُ َ‬ ‫سوّد ُ وُ ُ‬ ‫ى؟" َقاُلوا‪ :‬ن ُ َ‬ ‫ن َزن َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ى َ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي الت ّوَْراةِ ع َل َ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫تَ ِ‬
‫ْ‬ ‫ما‪ ،‬وَي ُ َ‬
‫ل‪" :‬فَأُتوا‬ ‫ما‪َ .‬قا َ‬ ‫ف ب ِهِ َ‬ ‫طا ُ‬ ‫جوه ِهِ َ‬ ‫ن وُ ُ‬ ‫ف ب َي ْ َ‬‫خال ِ ُ‬ ‫ما‪ ،‬وَن ُ َ‬‫مل ُهُ َ‬ ‫ح ّ‬‫وَن ُ َ‬

‫‪567‬‬
‫مّروا‬ ‫ذا َ‬ ‫ى إِ َ‬ ‫حت ّ َ‬ ‫ها‪َ ،‬‬ ‫قَرُأو َ‬ ‫ؤوا ب َِها‪ ،‬فَ َ‬ ‫جا ُ‬ ‫ن" فَ َ‬ ‫صاِدقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ة‪ ،‬إ ِ ْ‬ ‫بالت ّوَْرا ِ‬
‫قَرأ ي َد َه ُ ع َل َ‬ ‫ُ‬
‫جم ِ ‪.‬‬ ‫ى آي َةِ الّر ْ‬ ‫َ‬ ‫ذي ي َ ْ‬ ‫فَتى ال ّ ِ‬ ‫ضعَ ال ْ َ‬ ‫م‪ ،‬وَ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ِبآي َةِ الّر ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أِبي‬ ‫ما ع َ ْ‬ ‫ة‪ ،‬ك ِل َهُ َ‬ ‫شي ْب َ َ‬ ‫ن أِبي َ‬ ‫ى‪ ،‬وَأُبو ب َك ْرِ ب ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫حي َ‬‫ن يَ ْ‬ ‫ى بْ ُ‬ ‫َ‬ ‫حد ّث ََنا َيحي َ‬ ‫‪َ -2‬‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ة َقا َ‬
‫ن ع َب ْد ِ الل ِ‬ ‫ش‪ ،‬ع َ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن الع ْ َ‬ ‫ة‪ ،‬ع َ ِ‬ ‫مَعاوِي َ َ‬ ‫خب ََرَنا أُبو ُ‬ ‫ى‪ :‬أ ْ‬ ‫حي َ َ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫مَعاوِي َ َ‬ ‫ُ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ب َقا َ‬ ‫عازِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ْ‬
‫ن الب ََراِء ب ْ ِ‬ ‫ة‪ ،‬ع َ ِ‬ ‫مّر َ‬ ‫ن ُ‬ ‫بْ ِ‬
‫جُلودًا‪،‬‬ ‫م ْ‬ ‫ما ً َ‬ ‫م َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫م‪ -‬ب ِي َُهود ِيّ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫ي‪َ -‬‬ ‫مّر ع ََلى الن ّب ِ ّ‬ ‫ُ‬
‫حد ّ الّزاِني‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ذا ت َ ِ‬ ‫ل‪" :‬هَك َ َ‬ ‫قا َ‬ ‫م‪ -‬فَ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه ع َلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫م‪َ -‬‬ ‫عاهُ ْ‬ ‫فَد َ َ‬
‫َ‬
‫شد ُ َ‬
‫ك‬ ‫ل‪" :‬أن ْ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫مائ ِهِ ْ‬ ‫ن ع ُل َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جل ً ِ‬ ‫عا َر ُ‬ ‫م‪ .‬فَد َ َ‬ ‫م؟" َقاُلوا‪ :‬ن َعَ ْ‬ ‫ِفي ك َِتاب ِك ُ ْ‬
‫حد ّ الّزاِني ِفي‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ذا ت َ ِ‬ ‫ى‪ ،‬أ َهَك َ َ‬ ‫َ‬ ‫س‬‫مو َ‬ ‫ى ُ‬ ‫َ‬
‫ل الت ّوَْراة َ ع َل َ‬ ‫ذي أ َن َْز َ‬ ‫ِباللهِ ال ّ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫جد ُهُ‬ ‫ك‪ ،‬ن َ ِ‬ ‫خب ِْر َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ذا ل َ ْ‬ ‫شد ْت َِني ب ِهَ َ‬ ‫ك نَ َ‬ ‫ل‪ ،‬وَل َوْل َ أن ّ َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫م؟" َقا َ‬ ‫ك َِتاب ِك ُ ْ‬
‫َ‬
‫شَرافَِنا‪.‬‬ ‫ه ك َث َُر ِفي أ ْ‬ ‫م‪ ،‬وَل َك ِن ّ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫الّر ْ‬
‫‪ -3‬حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة‪ .‬كلهما عن أبي‬
‫معاوية‪ .‬قال يحيى‪ :‬أخبرنا أبو معاوية عن العمش‪ ،‬عن عبدالله‬
‫بن مرة‪ ،‬عن البراء بن عازب‪ .‬قال‪:‬‬
‫مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمما مجلودا‪.‬‬
‫فدعاهم صلى الله عليه وسلم فقا ) هكذا تجدون حد الزاني في‬
‫كتابكم؟ ( قالوا‪ :‬نعم‪ .‬فدعا رجل من علمائهم‪ .‬فقال ) أنشدك‬
‫بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في‬
‫كتابكم؟ ( قال‪ :‬ل‪ .‬ولول أنك نشدتني بهذا لم أخبرك‪ .‬نجده‬
‫الرجم‪ .‬ولكنه كثر في أشرافنا‪ .‬فكنا‪ ،‬إذا أخذنا الشريف تركناه‪.‬‬
‫وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد‪ .‬قلنا‪ :‬تعالوا فلنجتمع على‬
‫شيء نقيمه على الشريف والوضيع‪ .‬فجعلنا التحميم والجلد مكان‬
‫الرجم‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) اللهم! إني أول‬
‫من أحيا أمرك إذا أماتوه (‪ .‬فأمر به فرجم‪.‬‬
‫فأنزل الله عز وجل‪ } :‬يا أيها الرسول ل يحزنك الذين يسارعون‬
‫في الكفر* إلى قوله‪ :‬إن أوتيتم هذا فخذوه { ]‪/ 5‬المائدة ‪[41/‬‬
‫يقول‪ :‬ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم‪ .‬فإن أمركم بالتحميم‬
‫والجلد فخذوه‪ .‬وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا‪.‬‬
‫فأنزل الله تعالى‪ } :‬ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم‬
‫الكافرون { ]‪/ 5‬المائدة ‪ } .[44/‬ومن لم يحكم بما أنزل الله‬
‫فأولئك هم الظالمون { ]‪/ 5‬المائدة ‪ } .[45/‬ومن لم يحكم بما‬
‫أنزل الله فأولئك هم الفاسقون { ]‪/ 5‬المائدة ‪ .[47/‬في الكفار‬
‫كلها‪.‬‬
‫وفي مسند المام أحمد ‪:‬‬
‫‪ -1‬حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا أبو معاوية حدثنا العمش عن‬
‫عبد الله بن مرة عن البراء بن عازب قال‪ - :‬مر على رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم بيهودي محمم مجلود فدعاهم فقال أهكذا‬

‫‪568‬‬
‫تجدون حد الزاني في كتابكم فقالوا نعم قال فدعا رجل من‬
‫علمائهم فقال أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا‬
‫تجدون حد الزاني في كتابكم فقال ل والله ولول أنك أنشدتني‬
‫بهذا لم أخبرك نجد حد الزاني في كتابنا الرجم ولكنه كثر في‬
‫أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا‬
‫عليه الحد فقلنا تعالوا حتى نجعل شيئا نقيمه على الشريف‬
‫والوضيع فاجتمعنا على التحميم والجلد فقال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه قال فأمر‬
‫به فرجم فأنزل الله عز وجل يا أيها الرسول ل يحزنك الذين‬
‫يسارعون في الكفر إلى قوله يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه‬
‫يقولون ائتوا محمدا فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوه وإن‬
‫أفتاكم بالرجم فاحذروا إلى قوله ومن لم يحكم بما أنزل الله‬
‫فأولئك هم الكافرون قال في اليهود إلى قوله ومن لم يحكم بما‬
‫أنزل الله فأولئك هم الظالمون ومن لم يحكم بما أنزل الله‬
‫فأولئك هم الفاسقون قال هي في الكفار كلها‪.‬‬
‫وفي نصب الرواية ‪:‬‬
‫‪ -1‬حديث آخر رواه الطبراني في "معجمه" حدثنا بكر بن سهل‬
‫ثنا عبد الّله بن صالح حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي‬
‫طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى‪ } :‬إن أوتيتم هذا فخذوه‪،‬‬
‫وإن لم تؤتوه فاحذروا { قال‪ :‬هم اليهود زنت منهم امرأة‪ ،‬وقد‬
‫كان الّله تعالى حكم في التوراة في الزنا الرجم‪ ،‬فنفسوا أن‬
‫يرجموها‪ ،‬وقالوا‪ :‬انطلقوا إلى محمد‪ ،‬فعسى أن يكون عنده‬
‫رخصة‪ ،‬فاقبلوها‪ ،‬فأتوه‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا أبا القاسم إن امرأة منا زنت‪،‬‬
‫فما تقول فيها؟ فقال عليه السلم‪ :‬كيف حكم الّله في التوراة‬
‫في الزاني؟ فقالوا‪ :‬دعنا من التوراة‪ ،‬فما عندك في ذلك؟ فقال‪:‬‬
‫ائتوني بأعلمكم بالتوراة التي أنزلت على موسى صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فأتوه‪ ،‬فقال لهم‪ :‬بالذي نجاكم من آل فرعون‪ ،‬وبالذي‬
‫فلق البحر فأنجاكم‪ ،‬وأغرق آل فرعون‪ ،‬إل أخبرتموني ما حكم‬
‫الّله في التوراة في الزاني؟ فقالوا‪ :‬حكم الّله الرحم‪.‬‬
‫في صحيح البخاري ‪:‬‬
‫ن ع َب ْدِ‬ ‫ن َنافٍِع ع َ ْ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫مال ِ ٌ‬ ‫حد ّث َِني َ‬ ‫ن ع َب ْد ِ الل ّهِ َ‬ ‫ل بْ ُ‬ ‫عي ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫حد ّث ََنا إ ِ ْ‬ ‫‪َ -1‬‬
‫َ‬
‫ل‬
‫سو ِ‬ ‫جاُءوا إ َِلى َر ُ‬ ‫ن ال ْي َُهود َ َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ما أن ّ ُ‬ ‫ه ع َن ْهُ َ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫مَر َر ِ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ِ‬ ‫الل ّهِ ب ْ‬
‫مَرأ َة ً َزن ََيا‬‫م َوا ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫جًل ِ‬ ‫ن َر ُ‬
‫الل ّه صّلى الل ّه ع َل َيه وسل ّم فَذ َك َروا ل َ َ‬
‫هأ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬
‫ن ِفي‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ما ت َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫َ‬
‫ه ع َلي ْهِ وَ َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫َ‬
‫ل لهُ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫ْ‬
‫ل ع َب ْد ُ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن َقا َ‬ ‫دو َ‬ ‫جل َ ُ‬
‫م وَي ُ ْ‬ ‫حه ُ ْ‬ ‫ض ُ‬
‫ف َ‬ ‫قاُلوا ن َ ْ‬ ‫جم ِ فَ َ‬ ‫ن الّر ْ‬ ‫شأ ِ‬ ‫الت ّوَْراةِ ِفي َ‬
‫َ‬
‫ع‬
‫ض َ‬ ‫ها فَوَ َ‬ ‫شُرو َ‬ ‫وا ِبالت ّوَْراةِ فَن َ َ‬ ‫م فَأت َ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ن ِفيَها الّر ْ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫سَلم ٍ ك َذ َب ْت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫بْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ع َب ْد ُ‬ ‫ل لَ ُ‬
‫قا َ‬ ‫ها فَ َ‬ ‫ما ب َعْد َ َ‬ ‫ما قَب ْل ََها وَ َ‬ ‫قَرأ َ‬ ‫جم ِ فَ َ‬ ‫م ي َد َه ُ ع ََلى آي َةِ الّر ْ‬ ‫حد ُهُ ْ‬ ‫أ َ‬

‫‪569‬‬
‫جم ِ َقاُلوا َ‬
‫صد َقَ‬ ‫ة الّر ْ‬ ‫ذا ِفيَها آي َ ُ‬ ‫ك فََرفَعَ ي َد َه ُ فَإ ِ َ‬
‫َ‬
‫سَلم ٍ اْرفَعْ ي َد َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ُ‬ ‫الل ّهِ ب ْ‬
‫ه ع َل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ما َر ُ‬ ‫مَر ب ِهِ َ‬‫جم ِ فَأ َ‬ ‫ة الّر ْ‬ ‫مد ُ ِفيَها آي َ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬‫َيا ُ‬
‫قيَها ال ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جاَرةَ‬ ‫ح َ‬ ‫مْرأةِ ي َ ِ‬ ‫حِني ع ََلى ال ْ َ‬ ‫ل يَ ْ‬‫ج َ‬ ‫ت الّر ُ‬ ‫ما فََرأي ْ ُ‬ ‫م فَُر ِ‬
‫ج َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫قال ابن حجر ‪:‬‬
‫وفي رواية أيوب فجاءوا وزاد عبيد الله بن عمر " بها فقرؤها "‬
‫وفي رواية زيد بن أسلم " فأتى بها فنزع الوسادة من تحته‬
‫فوضع التوراة عليها ثم قال آمنت بك وبمن أنزلك "‬
‫كل الروايات التي وردت لم ترد بها لفظة ) آمنت بك وبمن أنزلك‬
‫( ال في رواية أبي داوود عن زيد بن أسلم وزيد ابن اسلم من‬
‫طبقة التابعين فيكون سند زيادة زيد ابن اسلم منقطعا ‪ .‬ولكن‬
‫المعنى ل غبار عليه لما سنسوقه لحقا ً‬
‫ونلخص ما سبق أن الحديث ورد بعدة صيغ في مواطن مختلفة ‪:‬‬
‫‪ -1‬حديث البراء بن عازب ) رواه أبو داوود ومسلم وابن ماجة‬
‫وفي مسند أحمد (‬
‫‪ -2‬حديث أبو هريرة ) رواه أبو داوود (‬
‫‪ -3‬حديث ابن عمر ) رواه أبو داوود ومسلم (‬
‫‪ -4‬حديث جابر بن عبد الله ) رواه أبو داوود (‬
‫ولهذا فقول القائل من ضلل النصارى كيف يقل محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم ) آمنت بك وبمن أنزلك ( أليس هذا إقرار منه‬
‫بالتوراة ‪ ,‬وهنا عدة مسائل تغيب عن فكر ضلل النصارى لما‬
‫غشي أعينهم من الكفر ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المبلغ عن رب‬
‫العباد ‪ ,‬وهو قد حدد وبين لنا أوامر الشريعة ونواهيها ‪ ,‬وما بلغه‬
‫من رب العزة بلغنا به ‪ ,‬ولهذا فنحن مأمورون باتباع ما يشرعه‬
‫لنا ‪ )0‬وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ( وهو‬
‫المبلغ ) يا أيها النبي بلغ ما أنزل اليك ( ومما أنزل اليه صلى الله‬
‫عليه وسلم ومما بلغنا به ‪ -‬اليمان بالله وملئكته وكتبه ورسله‬
‫) آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله‬
‫وملئكته وكتبه ورسله ل نفرق بين أحد من رسله ( ولقوله‬
‫) قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم واسماعيل‬
‫وإسحاق ويعقوب والسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي‬
‫النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون (‬
‫فأحد عناصر ودعائم اليمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫هو اليمان بالكتب السابقة إجمال ً أنها من عند الله نزلت على‬
‫أنبيائه المبلغين عنه وأنهم خير بشر بلغوا أمانة الله ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬ما أقره النبي صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وهو المبلغ عن ربه‬
‫– من شرع من هم قبلنا كاليهود والنصارى يعد من الصحيح من‬

‫‪570‬‬
‫شرعهم ومما لم تناله يدهم بالتحريف والتبديل ‪ ,‬سواء تحريف‬
‫لفظ وخط ‪ ,‬أو تحريف معنى وتأويل ‪ ,‬والتحريف أنواع ‪ ,‬وهذا مما‬
‫ل يفهمه عوام الضالين من النصارى ‪ ,‬وليس هذا موضعه ‪ ,‬ولقد‬
‫وصفهم رب العزة بأنهم ) إن هم إل كالنعام بل هم أضل سبيل (‬
‫‪.‬‬
‫أما إيماننا بكتبهم إجمال ً فل يعد من قبيل القرار بكل ما أتى بها ‪,‬‬
‫بل هو إيمان تسليم بأنها نزلت من عند الله على رسل الله وأما‬
‫تفاصيل كتبهم ففيه مسائل ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬ما ورد لديهم يدل على وحدانية الله وإفراده بالعبادة ‪,‬‬
‫حتى لو لم يصلنا ما يؤيده من قول أو اقرار من نبي الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فهذا نؤمن به بصريح لفظه ول نسلم لهم بتأويله‬
‫أو صرف اللفظ عن صريح معناه كما يذهبون في تفسيراتهم ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬ما ورد تأييد وإقرار له من نبي الله صلى الله عليه وسلم‬
‫كمسألتنا هذه – مسألة رجم الزاني ‪ ,‬وهي مما بين صلى الله‬
‫عليه وسلم أنهم أخفوها عن أتباعهم وأبدلوا الحكم بحكم آخر‬
‫وهو نوع من التحريف )يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم‬
‫كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ( والقاعدة الشرعية نوافقهم‬
‫فيما وافق شرعنا لقول الله ) ولكن تصديق الذي بين يديه‬
‫وتفصيل الكتاب ل ريب فيه من رب العالمين ( ‪.‬‬
‫تصديق ‪ :‬لما معهم من الحق وافق شرعنا وأقره صلى الله عليه‬
‫وسلم فكتابهم كما ذكرنا بموضع آخر به من الحق جزء ومن‬
‫الباطل أجزاء ‪.‬‬
‫تفصيل ‪ :‬لما أجمل بكتابهم ولم تتضح أحكامه يبينها شرعنا‬
‫ويقرها صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫الثالثة ‪ :‬نرفض ما فيه شرك بالله كإشراك أحد معه سبحانه في‬
‫العبادة سواء كان شرك الربوبية أو اللوهية ‪.‬‬
‫مما سبق يتبين لنا أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫) آمنت بك وبمن أنزلك ( هو إيمان إجمال ل تفصيل ‪ ,‬إيمان أنها‬
‫من عند الله نزلت على نبي من أنبياء الله ‪ ,‬وهذا ما ل ينكره‬
‫عاقل أن التوراة كتاب من كتب الله ‪ ,‬ومن ينكر هذا سواء من‬
‫ملة السلم أو أي ملة أخرى فهو كافر بل ريب ‪.‬‬
‫ل يجوز في حق النبي تأخير البيان عن وقت الحاجة ) يا أيها‬
‫الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت‬
‫رسالته والله يعصمك من الناس إن الله ل يهدي القوم‬
‫الكافرين ( فهو صلى الله عليه وسلم مأمور بالتبليغ في الحال ‪,‬‬
‫ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن حكم الزاني من اليهود رغبة‬

‫‪571‬‬
‫منهم في عدم تحمل مسئولية الحكم في الحادثة – كان هذا‬
‫وقت التبليغ فل يجوز في حقه صلى الله عليه وسلم تأخير التبليغ‬
‫‪ ,‬فبين لهم صلى الله عليه وسلم الحكم وهذه الحادثة أدل على‬
‫صدق النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن رسول الله ومبلغا‬
‫عنه لكان أولى به أن يخالفهم بالحكم وهذا ما ل يجوز بحقه صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وتبليغه صلى الله عليه وسلم في هذه الحالة هو نوع من إقامة‬
‫الحجة عليهم ونوع من الهداية فهو المبلغ والهدى من الله‬
‫والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن كما ورد بالثر ‪.‬‬
‫وهنا مسألة أخرى يثيرها ضلل النصارى متعلقة بهذه المسألة ‪,‬‬
‫م الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫حك ْ ُ‬‫م الت ّوَْراة ُ ِفيَها ُ‬ ‫عند َهُ ُ‬ ‫ك وَ ِ‬ ‫مون َ َ‬‫حك ّ ُ‬ ‫ف يُ َ‬‫فيستدلون بالية ) وَك َي ْ َ‬
‫( كاقرار من رب العزة بالتوراة وبأحكام التوراة وان محمدا صلى‬
‫الله عليه وسلم بعث للعرب فقط أو ان التوراة هي مصدر أحكام‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬وهذا استدلل فاسد ‪ ,‬فمعرفة‬
‫التفسير تستلزم معرفة أسباب النزول ‪ ,‬وهذا ما ل يفهمه ضلل‬
‫النصارى ‪ ,‬وسبب نزول اليات هو القصة السابقة فليعلم هذا ‪.‬‬
‫وصلى الله على نبينا محمد رغم أنف الكافرين‬
‫كتبه الخ ‪ /‬برسوم‬
‫===================‬
‫شبهات و ردود متنوعة حول الرسول الكريم‬
‫الرد على شبهة مباشرة رسول الله لزوجته وهى حائض‬
‫ذكر المعترضون ما ورد فى الصحيحين من حديث ميمونة بنت‬
‫الحارث الهللية )رضى الله عنها( قالت‪ :‬كان النبى إذا أراد أن‬
‫يباشر إمراة من نسائه أمرها فاتزرت و هى حائض‪ .‬و لهما عن‬
‫عاشة نحوه‪ .‬و ظنوا بجهلهم أن ذلك يتعارض مع قوله تعالى‬
‫ساء ِفي‬ ‫ذى َفاع ْت َزُِلوا ْ الن ّ َ‬ ‫ل هُوَ أ َ ً‬ ‫ض قُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫حي‬
‫م ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ك عَ‬ ‫سأ َُلون َ َ‬
‫)) وَي َ ْ‬
‫ْ‬
‫ث‬‫حي ْ ُ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬‫ن فَأُتوهُ ّ‬ ‫ذا ت َط َهّْر َ‬ ‫ن فَإ ِ َ‬ ‫ى ي َط ْهُْر َ‬ ‫حت ّ َ‬‫ن َ‬ ‫قَرُبوهُ ّ‬ ‫ض وَل َ ت َ ْ‬ ‫حي ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م ِ‬
‫َ‬
‫ن(( )البقرة‬ ‫ري َ‬‫مت َط َهّ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬‫ح ّ‬ ‫ن وَي ُ ِ‬ ‫واِبي َ‬‫ب الت ّ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫مَرك ُ ُ‬‫أ َ‬
‫‪(22‬‬
‫و سبب ذلك أنهم أناس ل يفقهون فالمباشرة المنهى عنها فى‬
‫الية الكريمة هى المباشرة فى الفرج أما ما دون ذلك فهو حلل‬
‫بالجماع و قد روى المام أحمد و أبو داوود و الترمذى و ابن‬
‫ماجة عن عبد الله بن سعد النصارى أنه سأل رسول الله )ص( ‪:‬‬
‫ما يحل لى من امرأتى و هى حائض؟ فقال )ص( ‪ " :‬ما فوق‬
‫الزار"‪ ,‬و روى إبن جرير أن مسروقا ً ركب إلى عائشة ) رضى‬
‫الله عنها( فقال‪ :‬السلم على النبى و على أهله‪ ,‬فقالت عائشة‪:‬‬
‫مرحبا ً مرحبا ً فأذنوا له فدخل فقال‪ :‬إنى أريد أن أسألك عن‬

‫‪572‬‬
‫شىء و أنا أستحى فقالت ‪ :‬إنما أنا أمك و أنت إبنى فقال‪ :‬ما‬
‫للرجل من إمرأته و هى حائض؟ فقالت له ‪ " :‬كل شىء إل‬
‫الجماع" و فى رواية ما" فوق الزار"‬
‫و قد راينا فى حديث ميمونة أن نبى الله )ص( كان إذا ما أراد أن‬
‫يباشر إمرأة من نسائه أمرها" فاتزرت " فأين التعارض المزعوم‬
‫إذا ً يا ملبسى الحق بالباطل‪.‬‬
‫و لعل ما دفعهم إلى العتراض هو وضع المرأة الحائض فى‬
‫ن ِفي‬ ‫كو ُ‬ ‫ة أ َّيام ٍ ت َ ُ‬ ‫سب ْعَ َ‬‫مْرأة ُ فَ َ‬
‫ذا حاضت ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫الكتاب الل مقدس )) وَإ ِ َ َ َ ِ‬
‫م‬‫ما ت ََنا ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ساِء‪ .‬ك ُ ّ‬ ‫م َ‬ ‫جسا ً إ َِلى ال ْ َ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫كو ُ‬ ‫سَها ي َ ُ‬ ‫م ُ‬‫ن ي َل ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫مث َِها‪ ،‬وَك ُ ّ‬ ‫طَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫م ُ‬ ‫ن ي َل ْ ِ‬ ‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫جسًا‪ ،‬وَك ُ ّ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫كو ُ‬ ‫س ع َل َي ْهِ ي َ ُ‬ ‫جل ِ ُ‬ ‫ضَها أوْ ت َ ْ‬ ‫حي ْ ِ‬ ‫ع َل َي ْهِ ِفي أث َْناِء َ‬
‫ل‬‫ساِء‪ .‬وَك ُ ّ‬ ‫م َ‬ ‫جسا ً إ َِلى ال ْ َ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫كو ُ‬ ‫ماٍء وَي َ ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ه وَي َ ْ‬ ‫ل ث َِياب َ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫شَها ي َغْ ِ‬ ‫فَِرا َ‬
‫ن‬‫كو ُ‬ ‫ماٍء‪ ،‬وَي َ ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ح ّ‬‫ست َ ِ‬ ‫ه وَي َ ْ‬ ‫ل ث َِياب َ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ه‪ ،‬ي َغْ ِ‬ ‫س ع َل َي ْ ِ‬ ‫جل ِ ُ‬ ‫مَتاعا ً ت َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫جودا ع َلى‬ ‫ً‬ ‫موْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ً‬
‫شْيئا َ‬ ‫س َ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫ن ي َل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ساِء‪ .‬وَك ُ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫جسا إ ِلى ال َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫نَ ِ‬
‫جسا ً إ َِلى‬ ‫س ع َل َي ْهِ ي َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن نَ ِ‬ ‫كو ُ‬ ‫جل ِ ُ‬ ‫ذي ت َ ْ‬ ‫مَتاِع ال ّ ِ‬ ‫ش أوْ ع ََلى ال ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫فَرا‬ ‫ال ْ ِ‬
‫جسا ً‬ ‫ها رج ٌ َ‬
‫ن نَ ِ‬ ‫كو ُ‬ ‫مث َِها‪ ،‬ي َ ُ‬ ‫ن طَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫يٌء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ه َ‬ ‫صاب َ ُ‬‫ل وَأ َ‬ ‫شَر َ َ ُ‬ ‫عا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ساِء‪ .‬وَإ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫جسًا‪)((.‬لوين‪(19-15-‬‬ ‫َ‬
‫ح نَ ِ‬ ‫صب ِ ُ‬ ‫م ع َل َي ْهِ ي ُ ْ‬ ‫ش ي ََنا ُ‬ ‫ل فَِرا ٍ‬ ‫م‪ .‬وَك ُ ّ‬ ‫ة أّيا ٍ‬ ‫سب ْعَ َ‬ ‫َ‬
‫فهذا هو كتابهم الذى يجعلها فى حيضها كالكم المهمل الذى ل‬
‫يقترب منه أحد و كأنها ) جربة ( و قد ورد عن أنس أن اليهود‬
‫كانت إذا حاضت المرأة منهم لم يواكلوها و لم يجامعوها فى‬
‫البيوت فسأل الصحابة رسول الله )ص( فى ذلك فأنزل الله‬
‫تعالى ))البقرة ‪ ((22‬فقال رسول الله )ص( ‪ " :‬اصنعوا كل شىء‬
‫إل النكاح" فبلغ ذلك اليهود فقالوا‪ :‬ما يريد هذا الرجل أن يدع من‬
‫أمرنا شيئا ً إل خالفنا فيه ‪.‬‬
‫و من المعروف فى قواعد علم مقارنة الديان عدم مؤاخذة دين‬
‫وفقا ً لشرية دين أخر فما بالك و السلم أعدل و أسمى و قد‬
‫أنصفت شريعته المرأة فى هذا المقام و غيره !!‪.‬‬
‫الرد على شبهة قراءة النبى )ص( للقرأن فى حجر عائشة و هى‬
‫حائض‬
‫روى البخارى عن عاشة قالت‪ :‬كان رسول الله )ص( يأمرنى‬
‫فأغسل رأسه و أنا حائض و كان يتكىء فى حجرى و أنا حائض‬
‫فيقرأ القرأن ‪.‬‬
‫و هذا أيضا ً ل شبهة فيه و ما دفعهم إلى العتراض على ذلك‬
‫الحديث إل نفس السبب الذى دفعهم للعتراض على الحديث‬
‫السابق و هو تصورهم المتطرف لوضع المرأة الحائض و جعلها‬
‫كالقاذورات التى تنجس كل ما تمسه و هذا ليس من شريعة‬
‫السلم الوسطية العادلة فالمرأة إن كانت ل يمكنها الصلة أو‬
‫الصيام و هى حائض إل أنها ل تنجس زوجها إذا ما مسته و ل‬

‫‪573‬‬
‫ينظر إليها فى حيضها بهذا الزدراء حتى أن المرأة الحائض‬
‫عندهم مذنبة !!‬
‫م ت َط ْهُُر‪.‬‬ ‫َ‬
‫ة أّيام ٍ ث ُ ّ‬ ‫سب ْعَ َ‬‫سَها َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ب ل ِن َ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫سي ْل َِها ت َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ذا ط َهَُر ْ‬ ‫))‪28‬وَإ ِ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مام ٍ وَت َأِتي‬ ‫ح َ‬ ‫ي َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن أوْ فَْر َ‬ ‫مت َي ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫سَها ي َ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫خذ ُ ل ِن َ ْ‬ ‫ن ت َأ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫‪29‬وَِفي ال ْي َوْم ِ الّثا ِ‬
‫ن‬
‫كاه ِ ُ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ماِع‪30 .‬فَي َعْ َ‬ ‫جت ِ َ‬ ‫مةِ ال ْ‬ ‫خي ْ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ن إ َِلى َبا ِ‬ ‫ِ‬ ‫كاه ِ‬‫ما إ َِلى ال ْ َ‬ ‫ب ِهِ َ‬
‫َ‬ ‫ة وَي ُك َفُّر ع َن َْها ال ْ َ‬ ‫خط ِي ّةٍ َواْل َ‬
‫ب‬
‫م الّر ّ‬ ‫ما َ‬ ‫نأ َ‬ ‫كاه ِ ُ‬ ‫حَرقَ ً‬ ‫م ْ‬ ‫خَر ُ‬ ‫ة َ‬ ‫ح َ‬ ‫حد َ ذ َِبي َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ست َِها(()لويين ‪-(30-28:15‬‬ ‫جا َ‬ ‫ل نَ َ‬ ‫سي ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫فأين ذلك من شريعة السلم الطاهرة التى تحترم المرأة لذا‬
‫لستدل العلماء من حديث أم المؤمنين عائشة بجواز ملمسة‬
‫الحائض وأن ذاتها وثيابها على الطهارة ما لم يلحق شيئا منها‬
‫نجاسة وفيه جواز القراءة بقرب محل النجاسة ‪ ,‬قاله النووي ‪:‬‬
‫وفيه جواز استناد المريض في صلته إلى الحائض إذا كانت‬
‫أثوابها طاهرة ‪ ,‬قاله القرطبي بل و يمكن للمرأة نفسها أن تتعبد‬
‫بقراءة القرأن دون النطق به ويمكنها تقليب صفحاته باستعمال‬
‫سواك أو بارتداء قفاز أو ما شابه ذلك بل و عند إبن حزم يمكنها‬
‫الجهر بقراءة القرأن و هى حائض دون مس المصحف الشريف‬
‫الرد على شبهة معاتبة أم المؤمنين حفص لرسول الله )ص(‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ح ّ‬ ‫ما أ َ‬ ‫م َ‬ ‫حّر ُ‬ ‫م تُ َ‬ ‫ي لِ َ‬ ‫جاء فى تفسير قوله تعالى )) َيا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫َ‬
‫ض الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫م )‪ (1‬قَد ْ فََر َ‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ك َوالل ّ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ت أْزَوا ِ‬ ‫ضا َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ك ت َب ْت َِغي َ‬ ‫لَ َ‬
‫َ‬ ‫حل ّ َ َ‬
‫سّر‬ ‫م )‪ (2‬وَإ ِذ ْ أ َ‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫م وَهُوَ ال ْعَِلي ُ‬ ‫موَْلك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫مان ِك ُ ْ‬ ‫ة أي ْ َ‬ ‫م تَ ِ‬‫ل َك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ع َل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫ت ب ِهِ وَأظ ْهََره ُ الل ّ ُ‬ ‫ما ن َب ّأ ْ‬ ‫ديثا ً فَل َ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫جه ِ َ‬ ‫ض أْزَوا ِ‬ ‫ي إ ِلى ب َعْ َ ِ‬
‫الن ّب ِ ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذا‬‫ك هَ َ‬ ‫ن أنب َأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ها ب ِهِ َقال َ ْ‬ ‫ما ن َب ّأ َ‬ ‫ض فَل َ ّ‬ ‫عن ب َعْ ٍ‬ ‫ض َ‬ ‫ه وَأع َْر َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ف ب َعْ َ‬ ‫ع َّر َ‬
‫َ‬
‫خِبيُر )‪)(((3‬التحريم( عدة روايات إنتقى‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ي ال ْعَِلي ُ‬ ‫ل ن َب ّأن ِ َ‬ ‫َقا َ‬
‫ملوها أكثر مما‬ ‫الخبثاء بعضها و نفخوا فيها ليغيروا معانيهاو يح ّ‬
‫تحتمل بكثير و مفاد هذه الروايات أن رسول الله )ص( أصاب‬
‫ماريا أم إبنه إبراهيم فى البيت المخصص لحفص فقالت ‪ :‬أى‬
‫رسول الله فى بيتى و فى يومى؟‬
‫فقال )ص( ‪ :‬أل ترضين أن ًاحرمها على فل أقربها ؟ فقالت ‪ :‬أى‬
‫رسول الله كيف يحُرم عليك الحلل ؟ فحلف بالله أل يصيبها و‬
‫قال ل تذكرى ذلك لحد ‪.‬‬
‫و وردت عدة روايات لهذا الحديث كثير منها ضعيف و منها‬
‫روايات تفيد بأن ذلك كان يوم عائشة و الصحيح أن ذلك كان يوم‬
‫حفص كما دلت الكثير من النصوص و الله أعلم‬
‫و قد أمسك السفهاء بهذه الرواية و أخذو يخوضون فى عرض‬
‫رسول الله )ص( حقدا ً عليه بل و بثوا سمومهم و سفالتهم و‬
‫قالوا أن أم المؤمين حفص قد و جدت رسول الله )ص( فى‬
‫وضع )الخيانة الزوجية(!! و أنه صلى الله عليه و أله و سلم طلب‬

‫‪574‬‬
‫منها أل تفضحه إلى غير ذلك من ترهات عقولهم السفيهة و‬
‫قلوبهم المريضة بل و وصل الحقد إلى درجة تحريف الكلم عن‬
‫مواضعه و التطاول على الله تعالى ‪.‬‬
‫و نقول لهؤلء الجهلة أين هذه الخيانة الزوجية؟ و هل معاشرة‬
‫رسول الله )ص( لسريته و أم ولده تعتبر عندكم خيانة زوجية و‬
‫العياذ بالله ؟‬
‫بالطبع ل فهى من نسائه اللتى أحل الله له و هذا أمر معروف و‬
‫ل حرج فيه و أما معاتبة أم المؤمنين حفص لرسول الله )ص(‬
‫فلم تكن بسبب الخيانة كما يزعمون و إنما بسبب غيرتها عندما‬
‫خل رسول الله بأم إبراهيم فى البيت المخصص لها و كانت فى‬
‫ذلك اليوم عند والدها عمر بن الخطاب) رضى الله عنه(‬
‫فالمسألة كلها تتعلق بترك رسول الله )ص( للقسمة فى ذلك‬
‫اليوم و كما هو واضح فهذا لم يكن عن عمد و لم يقصد به‬
‫رسول الله )ص( إيذاء حفص التى كانت شديدة الغيرة عليع عليه‬
‫السلم بدليل أنه طيب خاطرها و حّرم ماريا على نفسه إرضاًء‬
‫لها ‪.‬‬
‫و قد طلب منها )ص( عدم إخبار أحد لمر من إثنين‪ (1) :‬إما لن‬
‫رسول الله )ص( لم يشأ ان تعلم عائشة فتحزن لذلك و قد كانت‬
‫أقرب زوجاته إلى قلبه )صلوات الله و سلمه عليه(ذلك على‬
‫الخذ بالروايات التى أشارت إلى أن ذلك كان يومها و هذا ل حرج‬
‫فيه فهذه حياته الخاصة عليه السلم و هؤلء هن زوجاته أمهات‬
‫المؤنين )‪ (2‬المر الثانى و هو الرجح و دلت عليه كثير من‬
‫الروايات أن رسول ال له)ص( طلب من حفص عدم إخبار أحد‬
‫"بكونه سُيحرم ماريا على نفسه "لن رسول الله )ص( كره ذلك‬
‫سن ذلك لمته فيحرم الناس‬ ‫و إنما فعله إرضاًء لها و لم يشأ أن ي ُ‬
‫على أنفسهم طيبات أحلها الله لهم فأنزل الله )التحريم( ‪.‬‬
‫ن ا ِْبن‬ ‫ي عَ ْ‬ ‫و من الروايات التى تؤكد ذلك المعنى ماَرَوى ال ْعَوْفِ ّ‬
‫طاب من ال ْ َ‬ ‫خ ّ‬ ‫مَر ْبن ال ْ َ‬
‫شة‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ؟ َقا َ‬ ‫مْرأَتا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ل ‪ :‬قُْلت ل ِعُ َ‬ ‫ع َّباس َقا َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫صاب ََها‬ ‫مارَِية أ َ‬ ‫هيم َ‬ ‫م إ ِب َْرا ِ‬ ‫شأن أ ّ‬ ‫ديث ِفي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫دء ال ْ َ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫صة وَ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ح ْ‬‫وَ َ‬
‫ت‬‫جد َ ْ‬ ‫صة ِفي ن َوَْبتَها فَوَ َ‬ ‫ح فْ َ‬ ‫م ِفي ب َْيت َ‬ ‫سل ّ َ‬‫صّلى الّله ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫ي َ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫حد ِ‬ ‫جْئت إ َِلى أ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫شي ًْئا َ‬ ‫ي َ‬ ‫جْئت إ ِل َ ّ‬ ‫قد ْ ِ‬ ‫ي الّله ل َ َ‬ ‫ت َيا ن َب ِ ّ‬ ‫قال َ ْ‬ ‫صة فَ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ح ْ‬ ‫َ‬
‫مَها فَلَ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شي قا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حّر َ‬ ‫نأ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ضي ْ َ‬‫ل " أل ت َْر َ‬ ‫مي وَع َلى فَِرا ِ‬ ‫أْزَواجك ِفي ي َوْ ِ‬
‫َ‬
‫حد ٍ "‬ ‫ك ِل َ َ‬ ‫ري ذ َل ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ل ل ََها " َل ت َذ ْك ُ‬ ‫مَها وََقا َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ت ب ََلى فَ َ‬ ‫أقَْرب ََها " َقال َ ْ‬
‫ي‬ ‫َ‬
‫ه ت ََعاَلى " َيا أي َّها الن ّب ِ ّ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ة فَأ َظ ْهََره ُ الّله ع َل َي ْهِ فَأ َن َْز َ‬ ‫ش َ‬ ‫ه ل َِعائ ِ َ‬ ‫فَذ َك ََرت ْ ُ‬
‫ضات أ َْزَواجك " اْلَيات ‪.‬‬ ‫مْر َ‬ ‫ل الّله َلك ت َب ْت َِغي َ‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫ما أ َ‬ ‫حّرم َ‬ ‫م تُ َ‬ ‫لِ َ‬
‫كما وردت روايات أخرى عن أسباب نزول هذه الية الكريمة منها‬
‫صّلى الّله ع َل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ما رواه البخارى عن عائشة قالت‪َ :‬‬

‫‪575‬‬
‫ها‬‫عْند َ‬ ‫كث ِ‬ ‫م ُ‬ ‫حش وَي َ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫عْند َزي َْنب ب ِْنت َ‬ ‫سًل ِ‬ ‫شَرب ع َ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ه ‪ :‬أك َْلت‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل لَ ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ل ع َل َي َْها فَل ْت َ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫صة ع ََلى أي ّت َِنا د َ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ح ْ‬ ‫واط َأت أَنا وَ َ‬ ‫فَت َ َ‬
‫شَرب‬ ‫َ‬
‫ل" َل وَل َك ِّني ك ُْنت أ ْ‬ ‫مَغاِفير ‪َ .‬قا َ‬ ‫َ‬
‫مْنك ِريح َ‬ ‫جد ِ‬ ‫مَغاِفير إ ِّني أ ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ري‬ ‫خب ِ ِ‬‫فت ل ت ُ ْ‬ ‫حل ْ‬ ‫ه وَقَد ْ َ‬ ‫عود ل ُ‬ ‫نأ ُ‬ ‫حش فَل ْ‬ ‫ج ْ‬‫عْند َزي َْنب ب ِْنت َ‬ ‫سل ِ‬ ‫عَ َ‬
‫دا "‬ ‫َ‬ ‫ب ِذ َل ِ َ‬
‫ح ً‬ ‫كأ َ‬
‫فهل طلب رسول الله )ص( فى هذه الرواية من حفص عدم‬
‫إخبار أحد خشية الفضيحة أيضا ًً يا عّباد الصليب؟ !!‬
‫و لو كانت المسألة بهذه الصورة الشوهاء التى رسمتموها فهل‬
‫كانت ُتذكر فى قرأن ُيتلى على المؤمن و الكافر إلى يوم القيامة‬
‫و يتدارسه المؤمنون فى كل وقث و حين؟ كما قال أبى عبد‬
‫الرحمن السلمى حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرأن كعبد الله بن‬
‫مسعود و عثمان بن عفان و غيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا عن‬
‫النبى )ص( عشر أيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من‬
‫العلم و العمل قال‪ :‬فتعلمنا القرأن و العلم و العمل جميعا ً (‪ ,‬و‬
‫نحن لم نسمع مثل هذه التعليقات السخيفة من عبدة الصليب‬
‫فى عهد النى )ص( و صحابته ل من يهودى و ل منافق و ل حتى‬
‫صليبى و بدأت سخافاتهم تظهر فى العصور اللحقة شأن ‪%99‬‬
‫من شبهاتهم المريضة‪.‬‬
‫أما عن ترك القسمة فى ذلك اليوم فهو حالة إستثنائية عارضة‬
‫كما أوضحنا أنفا ً و ما ل يعرفه هؤلء الجهال أن القسمة لم تكن‬
‫))فريضة شرعية(( فى حق رسول الله )ص( حيث أن القسمة‬
‫ن‬
‫من ْهُ ّ‬ ‫شاء ِ‬ ‫من ت َ َ‬ ‫جي َ‬ ‫الشرعية ُوضعت عنه فى قوله تعالى))ت ُْر ِ‬
‫ح ع َل َي ْ َ‬
‫ك‬ ‫جَنا َ‬ ‫ت فََل ُ‬ ‫ن ع ََزل ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬‫ت ِ‬ ‫ن اب ْت َغَي ْ َ‬ ‫م ِ‬‫شاء وَ َ‬ ‫من ت َ َ‬ ‫ك َ‬ ‫وَت ُؤ ِْوي إ ِل َي ْ َ‬
‫ك أ َدنى َأن ت َ َ‬
‫ن‬‫ن ك ُل ّهُ ّ‬ ‫ما آت َي ْت َهُ ّ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ن وَي َْر َ‬ ‫حَز ّ‬ ‫ن وََل ي َ ْ‬ ‫قّر أع ْي ُن ُهُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ذ َل ِ َ ْ َ‬
‫حِليمًا(( )الحزاب ‪(51‬‬ ‫ه ع َِليما ً َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ما ِفي قُُلوب ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫لن عالم الغيب سبحانه قد علم أن نبيه الكريم سيبقى على‬
‫القسمة حتى لو لم تكن واجبة عليه فرفع عنه ذلك التكليف حتى‬
‫إذا ما قسم لهن إختيارا ً استبشرن به و حملن جميلته فى ذلك و‬
‫إعترفن بمنته عليهن فى إبقاءه على القسمة و قد ابقى رسول‬
‫الله )ص( على هذه القسمة و كان يقول ) اللهم هذا فعلى فيما‬
‫املك فل تلمنى فيما تملك و ل أملك( و ظل على هذا إلى مرض‬
‫موته عليه السلم و لم ُيطبب فى بيت عائشة إل بعد ان جمع‬
‫أزواجه و أستئذنهن فى ذلك‬
‫و اليات فى سورة التحريم تتضمن معجزة من معجزاته صلى‬
‫سّر الن ّب ِ ّ َ‬ ‫َ‬
‫ض‬‫ي إ ِلى ب َعْ ِ‬ ‫الله عليه و سلم‪ ,‬فى قوله تعالى )) وَإ ِذ ْ أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ض ُ‬ ‫ف ب َعْ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ ع َّر َ‬ ‫ت ب ِهِ وَأظ ْهََره ُ الل ّ ُ‬ ‫ما ن َب ّأ ْ‬ ‫ديثا ً فَل َ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫جه ِ َ‬ ‫أْزَوا ِ‬

‫‪576‬‬
‫ذا َقا َ َ‬ ‫ن َأنب َأ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫ل ن َب ّأن ِ َ‬ ‫ك هَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ها ب ِهِ َقال َ ْ‬ ‫ما ن َب ّأ َ‬ ‫ض فَل َ ّ‬ ‫عن ب َعْ ٍ‬ ‫ض َ‬ ‫وَأع َْر َ‬
‫خِبيُر(()‪ 3‬التحريم(‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ال ْعَِلي ُ‬
‫و الحديث الى أسره النبى لزوجته حفص هو تحريمه ماريا و أكل‬
‫العسل على نفسه ‪ ,‬فلما أنبأت حفص عائشة بذلك أطلعه الله‬
‫تعالى على ما دار بينهما فأخبرها رسول الله )ص( ببعض ما وقع‬
‫منها و أعرض عن بعض بكرم خلقه فتعجبت و قالت من أنبأك‬
‫هذا؟!! قال )ص( نبانى العليم الخبير‪.‬‬
‫فما الذى يعترض عليه الحاقدون و قد قالت أم المومنين عائشة‬
‫)) و الله ما مست يد رسول الله )ص( إمرأة ل تحل له(( و أين‬
‫ما ذكرناه من سيرة رسول الله )ص( العطرة التى ُنقلت إلينا‬
‫كاملة ساطعة البياض من سير داوود الذى زنى بإمراة جاره و‬
‫لوط الذى زنى بابنتيه أو يهوذا الذى زنى بأرملة إبنه و إبراهيم‬
‫الذى أراد إستغلل عرض زوجته ليكون له من وراءها خير كثير! و‬
‫القى بإحدى زوجاته فى الصحراء إرضاًءً لخرى !!!‪.‬‬
‫الرد على شبهة أن رسول الله )ص( طلق سودة لنها أسنت‬
‫إعترضوا بان رسول الله صلى الله عليه و سلم طلق أم‬
‫المؤمنين سودة لمجرد انها أسنت و استدلوا استدلل خاطىء بما‬
‫ن‬ ‫شام بن ع ُروة ع َ َ‬ ‫ديث ه ِ َ‬
‫ن أِبيهِ ع َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ح ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫حي ْ ِ‬ ‫حي َ‬ ‫ص ِ‬ ‫جاء فى ال ّ‬
‫شة‬‫ومَها ل َِعائ ِ َ‬ ‫ت يَ ْ‬ ‫مَعة وَهَب َ ْ‬ ‫دة ب ِْنت َز ْ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ما ك َب َِر ْ‬ ‫ت ‪ :‬لَ ّ‬ ‫شة َقال َ ْ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫َ‬
‫دة وَِفي‬ ‫سوْ َ‬ ‫سم ل ََها ب ِي َوْم ِ َ‬ ‫ق ِ‬‫م يَ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫صّلى الّله ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫فَ َ‬
‫شَباهَها‬ ‫دة وَأ َ ْ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫ل الّله ِفي َ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬ ‫خارِيّ عن عروة قال‪:‬ل َ ّ‬ ‫حيح ال ْب ُ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ضا وَذ َل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دة‬ ‫سوْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫كأ ّ‬ ‫شوًزا أوْ إ ِع َْرا ً‬ ‫ن ب َْعلَها ن ُ ُ‬ ‫م ْ‬‫ت ِ‬ ‫خافَ ْ‬ ‫مَرأة َ‬ ‫ن اِ ْ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫صّلى الّله‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سول الّله َ‬ ‫فاِرقَها َر ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫فَرقَ ْ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫سن ّ ْ‬ ‫مَرأة قَد ْ أ َ‬ ‫ت اِ ْ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫َ‬
‫سول الّله‬ ‫ب َر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ه وَع ََرفَ ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫كان َِها ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ضن ّ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ع َل َي ْهِ وَ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ومَها ِ‬ ‫ت يَ ْ‬ ‫ه فَوَهَب َ ْ‬ ‫من ْزَِلتَها ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫شة وَ َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫صّلى الّله ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬
‫سول اللهّ‬ ‫َ‬
‫ل ذ َل ِك َر ُ‬ ‫قب َ‬ ‫شة فَ َ‬ ‫م ل َِعائ ِ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫صلى الله ع َلي ْهِ وَ َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سول الله َ‬ ‫ّ‬ ‫َر ُ‬
‫م‬‫سل ّ َ‬ ‫صّلى الّله ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬
‫قلت بعد الحمد لله و الصلة و السلم على رسول الله‪ :‬إن زواج‬
‫رسول الله )ص( من سودة رضى الله عنها كان من الساس‬
‫زواج رحمة و رأفة ل زواج رغبة فقد تزوجها رسول الله )ص( و‬
‫هى فى السادسة و الستين من عمرها و كانت قد أسلمت مع‬
‫زوجها و هاجرا إلى الحبشة فرارا ًً من أذى الجاهلين من قريش و‬
‫مات بعد أن عادا و كان أهلها ل يزالون على الشرك فإذا عادت‬
‫إليهم فتنوها فى دينها فتزوجها رسول الله )ص( لحمايتها من‬
‫الفتنة و لكن بعد زمن وصلت أم المؤمنين إلى درجة من‬
‫الشيخوخة يصعب معها على رسول الله )ص( أن يعطيها كامل‬
‫ة بها كى ل يذرها كالمعلقة )و‬ ‫حقوقها و فأراد تطليقها أيضا ً رأف ً‬

‫‪577‬‬
‫كى ل يأتى الجهال فى عصرنا و يقولوا أن الرسول)ص( لم يكن‬
‫يعدل بين أزواجه( فقالت رضى الله عنها )فإنى قد كبرت و ل‬
‫حاجة لى بالرجال و لكنى أريد أن ُابعث بين نسائك يوم القيامة(‬
‫شوزا ً أ َوْ إ ِع َْراضا ً‬ ‫من ب َعْل َِها ن ُ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫خافَ ْ‬ ‫مَرأ َة ٌ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫فأنزل الله تعالى ))وَإ ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬
‫ضَر ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫خي ٌْر وَأ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫صل ْ ُ‬‫صْلحا ً َوال ّ‬ ‫ما ُ‬ ‫حا ب َي ْن َهُ َ‬‫صل ِ َ‬‫ما أن ي ُ ْ‬ ‫ح ع َل َي ْهِ َ‬
‫جن َا ْ َ‬
‫فَل َ ُ‬
‫مُلو َ‬ ‫ا َ‬
‫ن‬ ‫ما ت َعْ َ‬
‫ن بِ َ‬‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫قوا ْ فَإ ِ ّ‬ ‫سُنوا ْ وَت َت ّ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ح وَِإن ت ُ ْ‬‫ش ّ‬ ‫س ال ّ‬ ‫ف ُ‬ ‫لن ُ‬
‫خِبيرًا(( )البقرة(‬ ‫َ‬
‫و علمتنا هذه الية المباركة أن إذا إمرأة خافت من زوجها أن‬
‫ينفر عنها أو يعرض عنها فلها أن تسقط عنه بعض حقوقها سواًء‬
‫نفقة او كسوة أو مبيت و له أن يقبل ذلك فل حرج عليها فى‬
‫بذلها ذلك له و ل حرج عليه فى قبوله‪ ,‬فراجعها رسول الله )ص(‬
‫و كان يحسن إليها كل الحسان‪.‬‬
‫الرد على شبهة أن رسول الله )ص( طلق إحدى زوجاته لنه وجد‬
‫فيها بياض‬
‫ذكر الطبرانى و غيره عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم تزوج امرأة من أهل البادية فرأى بها بياضا ففارقها قبل‬
‫أن يدخل بها و كالعادة إعترض النصارى !!!!!!!!!‬
‫قلت بعد الحمد لله و الصلة و السلم على رسول الله‪ :‬قال‬
‫رسول الله )ص( " خير النساء من إذا نظرت إليها سرتك و إذا‬
‫أمرتها أطاعتك و إذا أقسمت غليها أبرتك و إذا غبت حفظتك فى‬
‫نفسها و مالك" و من هذا الحديث الشريف نجد أن من حقوق‬
‫الزوج أن يتزوج إمرأة يسره النظر إليها و تكون على خلق و‬
‫دين‪ ,‬و رسول الله )ص( كانت معظم زيجاته كما هو معلوم‬
‫لغراض إنسانية بحته و هو لم يعدد الزوجات إل بعد الخمسين و‬
‫خلق و الخلق و عندما‬ ‫لكن هذا ل يمنع انه كان رجل جميل ال ُ‬
‫تزوج هذه المرأة كان يسره النظر إليها و لكنه وجد فيها هذا‬
‫العيب الجلدى الذى نفره منها نفرة شديدة و كانت قد أخفته‬
‫عليه فمّتعها و ردها إلى بيت أهلها قبل أن يمسها ولم تكتمل هذه‬
‫الزيجة فما الحرج فى ذلك؟!!‬
‫و عندما خطب المغيرة بن شعبة إمراة فأخبر رسول الله )ص(‬
‫فقال عليه السلم"اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم‬
‫بينكما"أى تدوم بينكم المودة و العشرة و كان رسول الله )ص(‬
‫إذا أراد أن يتزوج يرسل بعض النسوة ليتعرفن ما قد يخفى من‬
‫العيوب فيقول لها" شمى فمها‪,‬شمى إبطيها‪ "....‬فمن هذه‬
‫ن لنا ما إن فعلناه كان‬ ‫الحاديث الطيبة نجد أن رسول الله قد س ّ‬
‫سببا ً فى إستمرار المحبة و المودة و حسن المعاشرة ‪ ,‬و السلم‬
‫دين واقعى فهو يعطى كل ذى حق حقه و هل يعقل أن يطالب‬

‫‪578‬‬
‫إنسان بأن يستمر فى معاشرة إمرأة وجد منها ما ينفره؟؟ أو‬
‫تستمر إمرأة فى معاشرة رجل وجدت منه ما ينفرها؟؟ الجابة‬
‫هى بالطبع ل ‪ ,‬و الحياة الزوجية فى السلم شعارها المعاشرة‬
‫بالمعروف أو التسريح بإحسان و إلم تقم الحياة بين الزوجين‬
‫على الصدق و المودة والرضى قامت على نفاق أو إكراه !!‬
‫و هذا ل وجود له فى دين الله‪ ,‬فالسلم و إن كان يحث على‬
‫الصبر كما قال رسول الله )ص( " ل يفرك مؤمن مؤمنة إن كره‬
‫منها خلقا ً رضى منها أخر" إل أن هناك أشياء قد ل يطيقها‬
‫النسان و يشتد نفوره منها مما قد يذهب بأسس المودة و أداء‬
‫الحقوق لذا فالسلم هنا يرخص بالطلق كما ورد فى البخارى‬
‫عن ابن عباس قال" جاءت إمراة ثابت بن قيس إلى رسول الله‬
‫)ص( فقالت‪ :‬يا رسول الله ما أعتب عليه فى خلق و ل دين و‬
‫لكنى أكره الكفر فى السلم ) تعنى كفران العشير( فقال‬
‫رسول الله )ص( ‪ :‬أتردين عليه حديقته؟ قالت‪ :‬نعم‪ ,‬فقال رسول‬
‫الله )ص( لثابت ‪ :‬إقبل الحديقة و طلقها‪.‬‬
‫اما الحال عند النصارى فهو مأساة تشريعية بمعنى الكلمة و كثير‬
‫منهم يستنجدون بالشريعة السلمية فالكنيسة المظلمة ل تكاد‬
‫تبيح الطلق إل فى أضيق الحدود كحال الزنى أو تغيير الدين أما‬
‫الكاثوليك فل طلق عندهم أساسا ً و لكن إنفصال جسدى !! و‬
‫كثير من النصارى البائسين الذين لم يوفقوا فى إختيار شركاء‬
‫الحياة يلجأون إلى الحيل و يغيرون مللهم ليحصلوا على حرياتهم‬
‫و ل حول و ل قوة إل بالله‪.‬‬
‫و انا اذكر هنا قصة من التراث النصرانى و هو ما حدث مع فيليب‬
‫أغسطس أحد أشهر ملوك الحملت الصليبية الذى كان قد تزوج‬
‫الميرة الدنماركية) انجبورج( و لم يشعر معها بأى سعادة‬
‫فهجرها و إستغرق عام كامل فى إقناع مجلس الساقفة حتى‬
‫يحصل على الطلق و لكن البابا سلستين الثالث أبى أن يوافق‬
‫على هذا‪ ,‬فتحدى فيليب البابا و تزوج )أنى( الميرانية فحرمة‬
‫سلستين!! و لكن فيليب ظل على موقفه و قال ) خير لى أن‬
‫أفقد نصف أملكى من أن افارق أنى( و امره انوسنت الثالث أن‬
‫يرجع انجبورج فلما رفض حرمه من كثير من حقوقه فقال فى‬
‫حسرة )) ما أسعد صلح الدين ليس فوقه بابا يتحكم فى حياته((‬
‫و هدد بإعتناق السلم وواصل كفاحه دفاعا ً عن المرأة التى أحبها‬
‫أربع سنين و لكن الشعب إنضم إلى الكنيسة فى الضغط عليى‬
‫خوفا ً من عذاب النار الذى هدد به البابا!!! فطرد فيليب زوجته‬
‫انى و لكنه أبقى إنجبورج محبوسة فى ايتامب حتى عام ‪1202‬‬

‫‪579‬‬
‫بعد أن قضت أفضل سنين عمرها فى هذا الجحيم و كل ذلك‬
‫بسبب الفهم النصرانى المتطرف للزواج ‪.‬‬
‫الرد على شبهة موت الرسول صلى الله عليه وسلم متأثرا بسم‬
‫الشاة‬
‫إعترض النصارى على إفتخار المسلمين بأن الله قد جمع للنبى‬
‫الكريم )ص( الشهادة إلى سائر فضائله فمات متأثرا ً بسم الشاة‬
‫التى أهدته إياها إمرأة ُ يهودية يوم خيبر‪,‬على أساس أن ذلك‬
‫يتنافى مع عصمته ) صلوات الله و سلمه عليه( و ذلك يرجع إلى‬
‫جهلهم بالمعانى الشرعية فعصمة رسول الله قد تمت كما وعده‬
‫ربه عز و جل لن هذه العصمة هدفها تمكينه من تبليغ الرسالة و‬
‫ك‬‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ما ُأنزِ َ‬ ‫ل ب َل ّغْ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫َ‬
‫هى مقترنة بها كما قال تعالى"َيا أي َّها الّر ُ‬
‫س‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫م َ‬‫ص ُ‬ ‫ه ي َعْ ِ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫سال َت َ ُ‬ ‫ت رِ َ‬ ‫ما ب َل ّغْ َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫فعَ ْ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ك وَِإن ل ّ ْ‬ ‫من ّرب ّ َ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪ ) "(67‬المائدة(‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ْ‬
‫دي ال َ‬ ‫ه ل َ ي َهْ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫إِ ّ‬
‫و ذلك قد حدث بنعمة الله ‪ ,‬فإذا ما بلغ الرسول المين الرسالة‬
‫فهو بل شك عائد ٌ إلى ربه و أفضل الموت ما كان فى سبيل الله‬
‫و قد قال رسول الله )ص(‪ ) -:‬تضمن الله لمن خرج في سبيله‪،‬‬
‫ل يخرجه إل جهادا في سبيلي‪ ،‬وإيمانا بي‪ ،‬وتصديقا برسلي‪ .‬فهو‬
‫علي ضامن أن أدخله الجنة‪ .‬أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج‬
‫منه‪ .‬نائل ما نال من أجر أو غنيمة‪ .‬والذي نفس محمد بيده! ما‬
‫من كلم يكلم في سبيل الله‪ ،‬إل جاء يوم القيامة كهيئته حين‬
‫كلم‪ ،‬لونه لون دم وريحه مسك‪ .‬والذي نفس محمد بيده! لول أن‬
‫يشق على المسلمين‪ ،‬ما قعدت خلف سرية تغزو في سبيل الله‬
‫أبدا‪ .‬ولكن ل أجد سعة فأحلهم‪ .‬ول يجدون سعة‪ .‬ويشق عليهم‬
‫أن يتخلفوا عني‪ .‬والذي نفس محمد بيده! لوددت أن أغزو في‬
‫سبيل الله فأقتل‪ .‬ثم أغزو فأقتل‪ .‬ثم أغزو فأقتل ( لما علم من‬
‫در الله له هذه الوفاة الطيبة لتكتمل فضائله عليه‬ ‫أجر الشهيد‪ .‬فق ّ‬
‫ما‬‫ن"و يقول "وَ َ‬ ‫مي ُّتو َ‬ ‫ت وَإ ِن ُّهم ّ‬ ‫مي ّ ٌ‬ ‫ك َ‬ ‫السلم‪ ,‬و الله تعالى يقول "إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت أوْ قُت ِ َ‬
‫ل‬ ‫ما َ‬ ‫ل أفَِإن ّ‬ ‫س ُ‬‫من قَب ْل ِهِ الّر ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ل قَد ْ َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫مد ٌ إ ِل ّ َر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫شْيئا ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه َ‬ ‫ضّر الل َ‬ ‫قب َي ْهِ فَلن ي َ ُ‬ ‫ى عَ ِ‬ ‫ب ع َل َ‬ ‫قل ِ ْ‬‫من َين َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫قاب ِك ْ‬ ‫م ع َلى أع ْ َ‬ ‫قلب ْت ُ ْ‬ ‫ان َ‬
‫ة"‬ ‫ق ُ‬‫ذآئ ِ َ‬‫س َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬‫ن " و يقول "ك ُ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫شاك ِ ِ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫زي الل ّ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫سي َ ْ‬‫وَ َ‬
‫وقصة شاة خيبر هى من شمائل نبوته و دلئل عصمته لو كانو‬
‫يعلمون فقد روى ابن كثير عن ابن إسحاق قال‪ -:‬لما إطمأن‬
‫رسول الله )ص( أهدت له إمرأة يهودية شاة مصلية و قد سألت‬
‫أى عضو أحب إلى رسول الله )ص(؟ فقيل لها الذراع فأكثرت‬
‫من السم فيها‪ ,‬ثم سممت الشاة ثم جاءت بها ‪ ,‬فلما وضعتها بين‬
‫يديه تناول الذراع فلك منها مضغة لم يسغها و معه بشر ابن براء‬
‫قد أخذ منها كما أخذ رسول الله )ص( فأما بشر فأساغها و أما‬

‫‪580‬‬
‫رسول الله )ص( فلفظها ثم قال"إن هذا العظم يخبرنى أنه‬
‫مسموم" )) و هذا من معجزاته عليه السلم (( ثم دعا بها‬
‫فاعترفت‪ ,‬فقال" ما حملكى على ذلك؟" قالت بلغنى ما لم يخف‬
‫ذابا إسترحنا منه و إن كان نبيا فسيخبر"‬ ‫عليك فقلت إن كان ك ّ‬
‫فتجاوز عنها رسول الله )ص( و مات بشر من أكلته ‪ ,‬أما رسول‬
‫الله فلم يمت إل بعد هذه الواقعة بثلث سنوات كاملة كانت هذه‬
‫السنوات الثلث من أهم مراحل الدعوة النبوية ففيها َفتحت مكة‬
‫و دخل الناس فى دين الله أفواجا و حج النبى )ص( حجة الوداع‬
‫و إكتملت الشريعة‪.‬‬
‫و قد جاءت الرهاصات التى تشير إلى قرب أجل النبى )ص( قبل‬
‫مرض موته و بينما كان فى أوج فتوحاته و إنتصاراته و منها ما‬
‫جاء فى القرأن الكريم من قوله تعالى ‪" :‬ال ْيو َ‬
‫م‬‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫م أك ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫م ِدينا ")المائدة(‬ ‫سل َ َ‬ ‫م ال ِ ْ‬‫ت ل َك ُ ُ‬
‫ضي ُ‬‫مِتي وََر ِ‬ ‫ت ع َل َي ْك ُ ْ‬
‫م ن ِعْ َ‬ ‫م ُ‬‫م ْ‬
‫م وَأت ْ َ‬ ‫ِدين َك ُ ْ‬
‫و لم ينزل بعد هذه الية أى من أيات الحكام و ل يقولن جاهل‬
‫أن سورة المائدة فيها أحكام فى مواضع لحقة عن هذه الية لن‬
‫ترتيب كان وفق ما يقرره الوحى فكان رسول الله يقول "ضعوا‬
‫هذه الية على رأس المائة من سورة كذا" و" ضعوا تلك الية‬
‫على رأس المائتين من سورة كذا" و كذلك من الرهاصات التى‬
‫ح)‬ ‫فت ْ ُ‬‫صُر الل ّهِ َوال ْ َ‬ ‫جاء ن َ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫جاءت فى القرأن الكريم قوله تعالى "إ ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مد ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ْ‬ ‫واجا ً )‪ (2‬فَ َ‬ ‫ن الل ّهِ أفْ َ‬‫ن ِفي ِدي ِ‬ ‫خُلو َ‬ ‫س ي َد ْ ُ‬ ‫ت الّنا َ‬ ‫‪ (1‬وََرأي ْ َ‬
‫وابا ً )‪)"(3‬النصر(‬ ‫ن تَ ّ‬ ‫كا َ‬‫ه َ‬ ‫فْره ُ إ ِن ّ ُ‬
‫ست َغْ ِ‬‫ك َوا ْ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫فكانت هذه السورة إشارة رقيقة إلى أن رسول الله )ص( أدى‬
‫الرسالة و بلغ المانة و نصح للمة و عليه الن أن يستعد للرحيل‬
‫من هذه الدار بسلم إلى دار السلم فكان رسول الله )ص( ل‬
‫ينقطع عن القول فى ركوعه" سبحانك اللهم ربنا و بحمدك‪,‬‬
‫اللهم اغفر لى" فى كل صلواته عليه السلم‬
‫و أيضا ما رواه البخارى عن ابن عباس قال‪ -:‬كان رسوا الله‬
‫)ص( أجود الناس و كان أجود ما يكون فى رمضان حين يلقاه‬
‫جبريل و كان يلقاه فى كل ليلة من ليالى رمضان فيدارسه‬
‫القرأن فكان جبريل يقرأ و النبى يسمع حينا و النبى يقرأ و‬
‫جبريل يسمع حينا حتى كان العام الذى توفى فيه الرسول‬
‫فعارضه جبريل بالقرأن مرتين لذا قال رسول الله )ص( " ما‬
‫أرى ذلك إل لقتراب أجلى" و قد شهد العرضة الخيرة أحد‬
‫مشاهير كتاب الوحى و هو زيد بن ثابت النصارى‪.‬‬
‫و منها ما ورد عن أبو مويهبة مولى رسول الله )ص( قال‪:‬‬
‫أيقظنى رسول الله )ص( ليلة و قال‪:‬إنى ٌأمرت أن أستغفر لهل‬
‫البقيع فإنطلق معى فانطلقت معه )ص( فسلم عليهم ثم قال ‪-:‬‬

‫‪581‬‬
‫ليهنئكم ما أصبحتم فيه‪ ,‬قد أقبلت الفتن كقطع اليل المظلم ثم‬
‫قال‪ -:‬قد ُأوتيت مفاتيح خزائن الرض و الخلد فيها ثم الجنة و‬
‫خيرت بين ذلك و بين لقاء ربى فإخترت لقاء ربى ‪ ,‬ثم استغفر‬ ‫ُ‬
‫لهل البقيع ثم انصرف ‪ .‬فبدأ مرضه الذى قبض فيه‪.‬‬
‫و منها ما ورد عن أم المؤمنين عائشة قالت‪ -:‬فما رجع من البقيع‬
‫وجدنى و أنا صداعا و انا أقول‪ -:‬وارأساه! قال )ص(‪ :‬بل أنا والله‬
‫يا عائشة وارأساه! ثم قال‪ :‬ما بالك لو مت قبلى فقمت علبك و‬
‫كفنتك و صليت عليك و دفنتك؟ فقلت‪ :‬فكأنى بك و الله لو فعلت‬
‫ذلك فرجعت إلى بيتى فعُرست ببعض نسائك‪.‬‬
‫ً‬
‫فتبسو و تتام به وجعه و تمرض فى بيتى‪ .‬فخرج منه يوما بين‬
‫رجلين أحدهما الفضل بن العباس و الخر على قال الفضل‪:‬‬
‫فأخرجته حتى جلس على المنبر فحمد الله و كان أول ما تكلم به‬
‫النبى )ص( أن سلم على أصحاب أحد فأكثر و استغفر لهم ثم‬
‫قال‪ :‬أيها الناس إنه قد دنا منى حقوق من بين أظهركم فمن‬
‫كنت جلدت له ظهرا ً فهذا ظهرى فليستقد منه و من كنت شتمت‬
‫له عرضا ً فهذا عرضى فليستقد منه و من أخذت له مال ً فهذا‬
‫مالى فليأخذ منه و ل يخش الشحناء فإنها ليست من شأنى و إن‬
‫أحبكم إلى من أخذ منى حقا ً إن كان له أو حللنى فلقيت ربى و‬
‫أنا طيب النفس ثم نزل فصلى الظهر ثم رجع إلى المنبر فعاد‬
‫إلى مقولته الولى فادعى عليه رجل بثلثة دراهم فأعطاه عوضها‬
‫ثم قال )ص(‪ :‬أيها الناس من كان عنده شىء فليؤده و ل يقول‬
‫فضوح الدنيا أل و إت فضوح الدنيا أهون من فضوح الخرة ُزم‬
‫صلى على أصحاب أحد و استغفر لهم ثم قال ‪ :‬إن عبدا ً خّيره‬
‫الله بين الدنيا و ما عنده فاختار ما عنده ‪.‬فبكى أبو بكر و قال‪:‬‬
‫فديناك بأنفسنا و أبائنا! فقال رسول الله )ص( ل يبقين فى‬
‫المسجد باب إل باب أبى بكر فإنى ل أعلم أحدا ً افضل فى‬
‫الصحبة عندى منه و لو كنت متخذا ً خليل ً لخذت أبا بكر خليل ً و‬
‫وة السلم‪.‬‬ ‫ُ‬
‫لكن أخ َ‬
‫و منها أيضا ما ورد أن لما إشتد الوجع برسول الله )ص( و نزل‬
‫به الموت جعل يأخذ الماء بيده و يجعله على وجهه و يقول ‪-:‬‬
‫واكرباه فتقول فاطمة‪ -:‬واكربى على كربتك يا أبتى فيقول‬
‫رسول الله )ص(‪ -:‬ل كرب على أبيك بعد اليوم‪ ,‬فلما رأى شدة‬
‫جزعها استندها و سارها ‪ ,‬فبكت ثم سارها فضحكت ‪ ,‬فلما توفى‬
‫رسول الله )ص( سالتها عائشة عن ذلك فقالت ‪ -:‬أخبرنى أبى‬
‫أنه ميت فبكيت ثم أخبرنى أنى أول أهله لحوقا به فضحكت ‪.‬‬
‫) و قد ماتت رضى الله عنها بعد ر سول الله )ص( بستة أشهر (‪.‬‬

‫‪582‬‬
‫و قالت أم المؤمنين عائشة‪ :‬و كنت أسمع رسول اله )ص( يقول‬
‫كثيرًا‪ :‬إن الله لم يقبض نبى حتى يخيره ‪ .‬فلمل احتضر كانت أخر‬
‫كلمة سمعتها منه و هو يقول‪ :‬بل الرفيق العلى‪ .‬قالت‪ :‬قلت إذا ً‬
‫ؤالله ل يختارنا و علمت أنه يخّير ‪.‬‬
‫و نقول للمتمطعين الذين يقولون أن عصمة رسول الله )ص(‬
‫ليست معجزة و أن أى إنسان يمكنه إدعاؤها‪ ,‬فأقول لهم‪ :‬و هل‬
‫كان الرسول )ص( كأى إنسان؟ إنه بإعتراف مؤرخى الشرق و‬
‫الغرب أعظم شخصية عرفها التاريخ و أعظم قائد دينى و‬
‫سياسى و أعدائه كانوا أكثر من أن يحصوا من اليهود و النصارى‬
‫و الوثنيين و المجوس و المنافقين و كلهم حاول إغتياله و القضاء‬
‫على دعوته المباركة و كان الرسول العظيم)ص( يحرسه الصحبة‬
‫ما ُأنزِ َ‬
‫ل‬ ‫ل ب َل ّغْ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫َ‬
‫من كيد الكافرين فلما أنزل الله )) َيا أي َّها الّر ُ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫م َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ه ي َعْ ِ‬‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫سال َت َ ُ‬ ‫ت رِ َ‬ ‫ما ب َل ّغْ َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫فعَ ْ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ك وَِإن ل ّ ْ‬ ‫من ّرب ّ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫إ ِل َي ْ َ‬
‫ن (( "المائدة ‪"67‬‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫قوْ َ‬ ‫دي ال ْ َ‬ ‫ه ل َ ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫س إِ ّ‬ ‫الّنا ِ‬
‫قال النبى )ص(‪" :‬أيها الناس إنصرفوا عنا فقد حرسنا الله "‬
‫فصرف الحراس فى أشد مراحل الخطر و التهديد فيا له من نبى‬
‫يتوكل على ربه الحفيظ الذى هو على كل شىء وكيل‪.‬‬
‫أخيرا نوجه السؤال إلى عباد الصليب و نقول قد جاء فى‬
‫حب أ َحل َم‪ ،‬وتنبأ َ بوُقوع آية أوَ‬ ‫َ‬
‫صا ِ ُ ْ ٍ َ َ َ َ ّ ِ ُ ِ َ ٍ ْ‬ ‫ي أوْ َ‬ ‫م ن َب ِ ّ‬ ‫ذا ظ َهََر ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫كتابكم")) إ ِ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ل‪:‬‬ ‫م َقا َ‬ ‫ة ال ِّتي ت َن َب ّأ ب َِها‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫جوب َ ُ‬ ‫ة أوِ الع ْ ُ‬ ‫ك الي َ ُ‬ ‫ت ت ِل ْ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ق َ‬‫ح ّ‬ ‫ة‪2 .‬فَت َ َ‬ ‫جوب َ ٍ‬ ‫أع ْ ُ‬
‫صُغوا إ َِلى‬ ‫ها‪3 .‬فَل َ ت ُ ْ‬ ‫ها وَن َعْب ُد ْ َ‬ ‫م ت َعْرُِفو َ‬ ‫خَرى ل َ ْ‬ ‫ب وََراَء آل ِهَةٍ أ ُ ْ‬ ‫م ن َذ ْهَ ْ‬ ‫هَل ُ ّ‬
‫َ‬
‫م ل ِي ََرى‬ ‫جّرب ُك ُ ْ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ب إ ِل َهَك ُ ْ‬ ‫ن الّر ّ‬ ‫م‪ ،‬ل َ ّ‬ ‫ِ‬ ‫حل َ‬ ‫ب ال َ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫ي أوْ َ‬ ‫ك الن ّب ِ ّ‬ ‫ك َل َم ِ ذ َل ِ َ‬
‫َ‬ ‫ل أ َن ْ ُ‬
‫ك‬‫ما ذ َل ِ َ‬ ‫م‪5. . . .‬أ ّ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ل قُُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫حّبون َ ُ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫َ‬
‫ل ((" التثنية ‪"5-1 :13‬‬ ‫قت َ ُ‬ ‫ه يُ ْ‬ ‫م فَإ ِن ّ ُ‬ ‫حال ِ ُ‬ ‫ي أوِ ال ْ َ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫فكيف الحال و قد قتل المسيح كما تزعمون بعد بدء دعوته بعام‬
‫و نصف أو ثلثة أعوام فقط على أحد القوال و بذلك يصدق فيه‬
‫ذلك النص حرفيا ً و مسألة قيام المسيح لم يشهدها أحد من‬
‫اليهود )الذين كان ُيفترض أن ٌيقدم لهم الية( حتى تحتجوا بها !!‬
‫رد عام‬
‫مما سبق من شبهات نجد أنها تعكس حقدا ً أصيل ً على محمد‬
‫)ص( فإذا ما تزوج إعترضوا و إذا ما طلق إعترضوا !! بل و‬
‫ة ليكفروا بربهم العظيم و‬ ‫اتخذوا هذه العتراضات الواهية ذريع ًً‬
‫نبيه الكريم )ص( و حقيقة المر أن رسول الله )ص( حتى لو لم‬
‫يكن قد تزوج على الطلق كانو سيكفرون به لن الله تعالى‬
‫م قُ ْ‬
‫ل‬ ‫مل ّت َهُ ْ‬ ‫حّتى ت َت ّب ِعَ ِ‬ ‫صاَرى َ‬ ‫ك ال ْي َُهود ُ وَل َ الن ّ َ‬ ‫عن َ‬ ‫ضى َ‬ ‫يقول )) وََلن ت َْر َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫جاء َ‬ ‫ذي َ‬ ‫هم ب َعْد َ ال ّ ِ‬ ‫واء ُ‬ ‫ت أهْ َ‬ ‫ن ات ّب َعْ َ‬ ‫َ‬
‫دى وَلئ ِ ِ‬ ‫دى الل ّهِ هُوَ ال ْهُ َ‬ ‫ن هُ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫صيرٍ ((‬ ‫ي وَل َ ن َ ِ‬ ‫من وَل ِ ّ‬ ‫ن الل ّهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ما ل َ َ‬ ‫ال ْعِل ْم ِ َ‬

‫‪583‬‬
‫أما عن شبهاتهم الوهمية فمرجعها كلها إلى ثقافة هؤلء القوم‬
‫عن الزواج فهو عندهم شر لبد منه بل و عند البعض شر محض‬
‫فهو الحلل الدنس!!‬
‫يقول ترتليانوس" و الشهوة فى الحقيقة هى سبب الزنا أل يوجد‬
‫مظهر من مظاهر الزنا فى الزواج حيث أنه متضمن فيه حيث أن‬
‫نفس الفعال تحدث فى الثنين؟ و المسيح قال ) من نظر إلى‬
‫إمرأة ليشتهيها فقد زنى بها فى قلبه(‬
‫ل‪ :‬و قد يسأل أحدهم )هل أنت بذلك تهدم أساس‬ ‫و يستطرد قائ ً‬
‫الزواج بإمراة واحدة أيضا ً ( نعم! و لكن ليس دون سبب وجيه ‪,‬‬
‫لنه حتى هذه الزيجات أساسسها نفس هذا الخزى و هو‬
‫الزنى !!!!!!‪ ,‬و لذلك "حسن للرجل أل يمس إمراة")كورنثوس‬
‫الولى ‪ , (1:7‬فلتشعر أنك بمركز أفضل إذا أتاح الله فرصة‬
‫الزواج مرة واحدة و إلى البد!! و أنك مدين بالشكر إذا علمت‬
‫أنه لم يدعك تتورط مرة أخرى!!!!!! و إل فأنت تسىءإلى‬
‫نفسك بالنغماس حيث أنك تستعمل الزواج بدون مقياس ‪ ,‬أفل‬
‫يكفيك أن تسقط من قمة مرتبة البتولية الطاهرة إلى مرتبة‬
‫أدنى بالزواج؟ فإنك بل شك ستنحدر إلى هوة سحيقة بالزواج‬
‫الثالث و الرابع !!!!!!‬
‫ففى ذلك اليوم ينطق بكلمة )الويل( على الحبالى و‬
‫المرضعات!!! )مرقس ‪ 17:13‬و متى ‪ 19:24‬و لوقا ‪(23:21‬‬
‫سوف يحدث ذلك اى )الويل( قيل عن المتزوجين و غير‬
‫الطاهرين لن الزواج يعطى دورا ً للرحام و الثداء و الرضع!!!!!!‬
‫و قد حاول شنودة تبرير زواج أبراهيم بل و أكثر من مرة بأن‬
‫السبب كان إحياء نسل فى زمن لم يكن فيه إيمان‪.‬‬
‫و يبرر بولس هذه الدعوة التى زرعها فى الفكر النصرانى قائل ً "‬
‫ن ولكنني اعطي رأيا‬ ‫واما العذارى فليس عندي امر من الرب فيه ّ‬
‫كمن رحمه الرب ان يكون امينا‪ .‬فاظن ان هذا حسن لسبب‬
‫الضيق الحاضر انه حسن للنسان ان يكون هكذا" " كورنثوس ‪1‬‬
‫‪ "25:7‬فها هو يفتينا برأيه و يقول صراحة هذا ليس بوحى ثم‬
‫نجده فى الكناب المقدس مسطورا ً و يقول أيضًا" فاريد ان‬
‫تكونوا بل هم‪.‬غير المتزوج يهتم في ما للرب كيف يرضي الرب‪.‬‬
‫واما المتزوج فيهتم في ما للعالم كيف يرضي امرأته""كورنثوس‬
‫‪"34_32:7 1‬‬
‫و قد قال البابا المتفزلق يوحنا الذهبى‪" :‬إن للبتولية مزايا عملية‬
‫فالعذراء تهرب من المشاغل و الحزان التى تشغل المرأة‬
‫المتزوجة و تقلقها على عائلتها"!!!! و عندما سئل عن إحتمال‬
‫ل‪ ":‬إنها دائما ً‬
‫فتاء البشرية لو إمتنع الناس عن الزواج فقرد قائ ً‬

‫‪584‬‬
‫إرادة الله و ليس النشاط الجنسى هو الذى سخلق شعبا ً‬
‫جديدًا" !!!‬
‫و طبعا ً هذا الكلم المتهافت الصادر عن أناس إنتكست فطرتهم‬
‫فرأوا الحق باطل و رأو الباطل حق ل يحتاج إلى جهد فى تفنيده‬
‫فهؤلء الذين يعيشون فى الوهم لم يفهموا أن قول المسيح‬
‫) من نظر إلى إمرأة ليشتهيها فقد زنى بها( ل يعنى أن الناس‬
‫كلهم زناة حتى لو نظروا لزوجاتهم؟!! و إنما يقصد من يطلق‬
‫ضوا‬ ‫ن ي َغُ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫البصر للنساء الجنبيات و ذلك كقوله تعالى" ُقل ل ّل ْ ُ‬
‫ما‬‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫كى ل َهُ ْ‬
‫م إِ ّ‬ ‫ك أ َْز َ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬ ‫ظوا فُُرو َ‬
‫جه ُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫صارِه ِ ْ‬
‫م َ‬
‫ن أب ْ َ‬ ‫ِ ْ‬
‫ن )‪"(30‬النور"‬ ‫صن َُعو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫أما القول بأن الزواج مثل الزنى لنه يتضمن نفس الفعال و أن‬
‫الزواج أكثر من مرة هو سقط فى الهاوية على حد زعم هؤلء‬
‫الضلل فهو كذب و إفتراء فالزواج هو شىء فطرنا الله عليه و‬
‫ن‬ ‫خل َقَ ل َ ُ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬‫كم ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ن آَيات ِهِ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن علينا به إذ يقول تعالى )) وَ ِ‬ ‫م ّ‬
‫َ‬ ‫َأن ُ‬
‫ن ِفي‬ ‫ة إِ ّ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬‫موَد ّة ً وََر ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ل ب َي ْن َ ُ‬
‫جعَ َ‬ ‫سك ُُنوا إ ِل َي َْها وَ َ‬ ‫م أْزَواجا ً ل ّت َ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬
‫ن (( )الروم(‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َت َ َ‬ ‫ت لّ َ‬ ‫ك َلَيا ٍ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫و نحن نرى اناس يسجدون للشمس و أناس يسجدون لله فهل‬
‫ُيذم الذين يسجدون الله العظيم لمجرد ان أخرين يسجدون‬
‫بنفس الطريقة للهتهم الباطلة فأين هذا الهراء من قول رسول‬
‫الله )ص( " أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به إن بكل‬
‫تسبيحة صدقة وبكل تكبيرة صدقة وبكل تحميدة صدقة وبكل‬
‫تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة وفي‬
‫بضع أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله‪ :‬أياتي أحدنا شهوته ويكون‬
‫له فيها أجر قال‪ :‬أرأيتم لو وضعها في الحرام أليس كان يكون‬
‫عليه وزر فكذلك إذا وضعها في الحلل يكون له أجر" فإن الله لم‬
‫يخلق فينا الغرائز ليعذبنا بها و إنما أمرنا أن نحسن إستعمالها‬
‫فيما أرشدنا إليه و حينها نكون قد وصلنا إلى قمة العبودية لله‬
‫َ‬
‫ها‬
‫جوَر َ‬ ‫مَها فُ ُ‬ ‫ها )‪ (7‬فَأل ْهَ َ‬ ‫وا َ‬‫س ّ‬ ‫ما َ‬ ‫س وَ َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫تعالى"وَن َ ْ‬
‫ها")الشمس( ‪.‬‬ ‫وا َ‬ ‫ق َ‬‫وَت َ ْ‬
‫أما عن قول شنودة بأن زواج إبراهيم كان لغرض إحياء النسل‬
‫المؤمن فهو قول فهو حق اراد به باطل! و إل فبماذا يفسر ذلك‬
‫الضال زواج إبراهيم من قطورة بعد إنجابه إسماعيل و إسحاق؟‬
‫)تل ‪ (1:22‬و إذا كان التعدد ضد إرادة الله أساسا ً فلماذا لم‬
‫يجعل الله نسل إبراهيم خليله كله من سارة وحدها و قد علمنا‬
‫كيف أن الله مكنها من النجاب و هى عجوز‪ ,‬ألم يكن الله قادرا ً‬
‫على جعلها تحمل مرة ثانية و ثالثة إذا أراد بدل ً من أن يسمح‬
‫لبراهيم بالزواج الثانى الذى يعتبره النصارى جريمة نكراء؟!!‬

‫‪585‬‬
‫أما إدعاء بولس بأن الزواج يبعد النسان عن ربه وهو كما رأينا ل‬
‫يكاد يبيح الزواج إل فى حالة الخوف من الوقوع فى الزنا فجعله‬
‫زواج إضطرارى أو شر أهون من شر!!!!فأين ذلك من أسوتنا و‬
‫قدوتنا رسول الله )ص( الذى يقول )يا معشر الشباب من‬
‫أستطاع منكم الباءة فليتزوج‪ ,‬فإنه أغض للبصر و أحصن للفرج و‬
‫من لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء( و الله تعالى يقول "‬
‫فسك ُ َ‬ ‫كم م َ‬ ‫َ‬
‫جعَ َ‬
‫ل‬ ‫سك ُُنوا إ ِل َي َْها وَ َ‬ ‫م أْزَواجا ً ل ّت َ ْ‬ ‫ن أن ُ ِ ْ‬ ‫خل َقَ ل َ ُ ّ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن آَيات ِهِ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫ن ")الروم‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫ت ل ّقَوْم ٍ ي َت َ َ‬ ‫ك َلَيا ٍ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ة إِ ّ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫موَد ّة ً وََر ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ب َي ْن َ ُ‬
‫‪(21‬‬
‫فقد علمنا الله و رسوله كيف نجعل من الزواج المبارك سبب‬
‫فى التقرب أكثر من طاعة الله و تأسيس أسرة مسلمة و نسل‬
‫صالح و إدخال السعادة على الباء بزواج أبناءهم و بذرياتهم و‬
‫فى الوقت ذاته علمنا عدم النشغال بالهل عن خدمة دين الله‬
‫شغَل َت َْنا‬ ‫َ‬
‫ب َ‬ ‫ن اْلع َْرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫فو َ‬ ‫خل ّ ُ‬
‫َ‬
‫م َ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫سي َ ُ‬ ‫تعالى فقال تعالى" َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫س ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫ما ل َي ْ َ‬ ‫سن َت ِِهم ّ‬ ‫ن ب ِأل ْ ِ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫فْر ل ََنا ي َ ُ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫وال َُنا وَأهُْلوَنا َفا ْ‬ ‫م َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ َ‬ ‫شيئا ً إ َ‬
‫ضّرا ً أوْ أَراد َ ب ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م َ‬ ‫ن أَراد َ ب ِك ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ َ ْ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫كم ّ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫قُ ْ‬
‫خِبيرًا")الفتح(‬ ‫ن َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ل َ‬ ‫فعا ً ب َ ْ‬ ‫نَ ْ‬
‫ت‬‫حَياةِ الد ّن َْيا َوال َْباقَِيا ُ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫ن ِزين َ ُ‬ ‫ل َوال ْب َُنو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫و قال تعالى "ال ْ َ‬
‫مل ً ")الكهف( و قال تعالى"‬ ‫َ‬ ‫وابا ً وَ َ‬ ‫عند َ َرب ّ َ‬
‫خي ٌْر أ َ‬ ‫ك ثَ َ‬ ‫خي ٌْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫حا ُ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من‬‫عن ذ ِك ْرِ الل ّهِ وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫م وََل أوَْلد ُك ُ ْ‬ ‫وال ُك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫مُنوا َل ت ُل ْهِك ُ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن")المنافقون(‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ك فَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫فعَ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫و قد كانت الفترة التى عدد فيها رسول الله )ص( زوجاته هى‬
‫ة و جهادا ً و تعليما ً و أعباًء كما أنه‬ ‫أكثر فترات عمره عمل ً و تضحي ً‬
‫كان أزهد الناس و أبعدهم عن الدنيا و زينتها و كان الله يريد‬
‫لزوجاته أيضا ً ان يكن بعيدات عن الدنيا و زينتها إذ يقول تعالى"يا‬
‫ايها النبى قل لزواجك" فهذا هو الفكر السوى الذى نتبعه فى‬
‫اللسلم العظيم‬
‫ونحن نتسائل ماذا عن موسى و يعقوب و جدعون و سليمان و‬
‫داوود و غيرهم من النبياء الذين تزوجوا بل و عددو بل ووصل‬
‫عدد نساء البعض منهم إلى مئات الزوجات و هم أتقى الناي و‬
‫اعبدهم و أعلمهم بالله ؟!!‬
‫فهل سقط هؤلء فى الهاوية التى نجى منها بولس و ترتليانوس‬
‫و أشباههم ‪.‬‬
‫و بالنسبة للبابا يوحنا الذهبى الذى يتحدث عن إرادة الله فنقول‬
‫لذلك الجاهل أن إرادة الله كانت فى خلق أدم و حواء و نسلهما‬
‫و إعطاءهما العضاء المناسبة لذلك و العواطف المؤدية لذلك و‬
‫قد أثبت العلم أن تأخير سن الزواج له مضار صحية و نفسية‬

‫‪586‬‬
‫كإلتهابات الجهاز البولى و التناسلى عند الرجل و المراض‬
‫الخبيثة عند المرأة و مرجع ذلك لختلل وظائف الغدد و كبت‬
‫عمل العضاء المخصصة للتناسل‪ ,‬و هل عدم الزواج خال من‬
‫المشاكل؟‬
‫إن عدم الزواج هو المشاكل نفسها فأين تذهب المودة و الرحمة‬
‫و السكن؟!!!‬
‫و كما هو واضح فإن الجميع يتمسك بوصايا بولس رغم ما تحمله‬
‫من أفكار خاطئة و مبادىء هدامة ل يقبلها عقل قويم أو فكر‬
‫مستنير‪ ,‬و هل خلقنا الله لنكون ملئكة يمشون على الرض؟‬
‫نعبده ليل نهار و ل تفتر أبدًا؟؟ يا مغلقى العقول إن الله خلق‬
‫النسان إنسانا ً و خق الملك ملكا ً و أمر النسان بما ل يفوق‬
‫طاقته و هو عبادة الله وحده بإخلص و بالوالدين إحسانا ً و أن‬
‫نجتنب الفواحش ما ظهر منها و ما بطن ولم يطلب منا أن نخرج‬
‫من نطاق أدميتنا و نتحدى فطرتنا فى ما نعتقده و ما نفعله كما‬
‫تفعلون أنتم ‪.‬‬
‫حتى أنى قرأت عن )قديسة( فى الكنيسة الكاثوليكية تركت ابنها‬
‫الصغير من أجل الرهبنة فجرى الطفل المسكين وراءها و نام‬
‫على الرض أمام الدير كى ل تمر أمه فمرت من فوقه و تخطته‬
‫بكل قسوة و وقاحةو هو يبكى بشدة و لو كانت هذه النانية تفقه‬
‫لعلمت أن كل إنسان راع و كل انسان مسئول عن رعيته فهى‬
‫التى جاءت بالطفل إلى الحياة ثم يتمته و حرمته من حنان‬
‫المومة فى أشد فترات الحتياج إليها لتسكن كالبلهاء فى دير و‬
‫تركت ابنها للضياغ و هذه القصة المثيرة للغثيان يذكرها هؤلء‬
‫بافتخار فهل توجد انتكاسة أكبر من هذه‬
‫=================‬
‫شبهات حول حديث غمس الذباب في الناء‬
‫قال صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬إذا وقع الذباب في شراب أحدكم‬
‫فليغمسه ثم لينتزعه فإن في إحدى جناحية داء وفي الخرى‬
‫شفاء ( أخرجه البخاري وابن ماجه وأحمد ‪.‬‬
‫وفي لفظ آخر قال عليه الصلة والسلم ‪ ) :‬إن في أحد جناحي‬
‫الذباب سم والخر شفاء فإذا وقع في الطعام فامقلوه فإنه يقدم‬
‫السم ويؤخر الشفاء ( رواه أحمد وابن ماجه‬
‫يرد الستاذ الدكتور أمين رضا أستاذ جراحة العظام والتقويم‬
‫بجامعة السكندرية‪ ،‬إثر مقال نشرته بعض الصحف لطبيب آخر‬
‫تشكك في الحديث المذكور‪.‬‬
‫يقول الدكتور أمين رضا ‪:‬‬

‫‪587‬‬
‫رفض أحد الطباء الزملء حديث الذبابة على أساس التحليل‬
‫العلمي العقلي لمتنه ل على أساس سنده ‪.‬‬
‫دا للمناقشة الهادئة التي بدأتها هذه الجريدة أرى أن‬ ‫وامتدا ً‬
‫أعارض الزميل الفاضل بما يأتي ‪:‬‬
‫ليس من حقه أن يرفض هذا الحديث أو أي حديث نبوي آخر‬
‫لمجرد عدم موافقته للعلم الحالي ‪ .‬فالعلم يتطور ويتغير ‪ .‬بل‬
‫ويتقلب كذلك ‪ .‬فمن النظريات العلمية ما تصف شيًئا اليوم بأنه‬
‫صحيح ‪ .‬ثم تصفه بعد زمن قريب أو بعيد بأنه خطأ ‪ .‬فإذا كان هذا‬
‫سا على‬ ‫هو حال العلم فكيف يمكننا أن نصف حديًثا بأنه خطأ قيا ً‬
‫نظرية علمية حالية ‪ .‬ثم نرجع فنصححه إذا تغيرت هذه النظرية‬
‫العلمية مستقبل ً ؟‪.‬‬
‫ليس من حقه رفض هذا الحديث أو أي حديث آخر لنه " اصطدم‬
‫ما " على حد تعبيره ‪ .‬فالعيب الذي سبب هذا‬ ‫بعقله اصطدا ً‬
‫الصطدام ليس من الحديث بل من العقل‪ ،‬فكل المهتمين‬
‫ما ‪ .‬ومن احترام‬ ‫ما عظي ً‬ ‫بالعلوم الحديثة يحترمون عقولهم احترا ً‬
‫العقل أن نقارن العلم بالجهل ‪.‬‬
‫العلم يتكون من أكداس المعرفة التي تراكمت لدى النسانية‬
‫جمعاء بتضافر جهودها جيل بعد جيل لسبر أغوار المجهول ‪ .‬أما‬
‫الجهل فهو كل ما نجهله‪ ،‬أي ما لم يدخل بعد في نطاق العلم ‪.‬‬
‫وبالنظرة المتعقلة تجد أن العلم لم يكتمل بعد ‪ ،‬وإل لتوقف تقدم‬
‫النسانية ‪ ،‬وأن الجهل ل حدود له ‪ ،‬والدليل على ذلك تقدم العلم‬
‫ما بعد يوم من غير أن يظهر للجهل نهاية ‪.‬‬ ‫وتوالي الكتشافات يو ً‬
‫إن العالم العاقل المنصف يدرك أن العلم ضخم ولكن حجم‬
‫الجهل أضخم ‪ ،‬ولذلك ل يجوز أن يغرقنا العلم الذي بين أيدينا في‬
‫الغرور بأنفسنا ‪ ،‬ول يجوز أن يعمينا علمنا عن الجهل الذي نسبح‬
‫فيه ؛ فإننا إذ قلنا أن علم اليوم هو كل شيء ‪ ،‬وإنه آخر ما يمكن‬
‫الوصول إليه أدى ذلك بنا إلى الغرور بأنفسنا‪ ،‬وإلى التوقف عن‬
‫التقدم‪ ،‬وإلى البلبلة في التفكير ‪ ،‬وكل هذا يفسد حكمنا على‬
‫الشياء‪ ،‬ويعمينا عن الحق حتى لو كان أمام عيوننا‪ ،‬ويجعلنا نرى‬
‫قا فتكون النتيجة أننا نقابل أموًرا تصطدم‬ ‫الحق خطأ‪ ،‬والخطأ ح ً‬
‫ما ‪ ،‬وما كان لها أن تصطدم لو استعملنا عقولنا‬ ‫بعقولنا اصطدا ً‬
‫ما يحدوه التواضع والحساس بضخامة الجهل‬ ‫استعمال ً فطرًيا سلي ً‬
‫أكثر من التأثر ببريق العلم والزهو به‪.‬‬
‫حا أنه لم يرد في الطب شيء عن علج المراض‬ ‫ليس صحي ً‬
‫بالذباب ؛ فعندي من المراجع القديمة ما يوصف وصفات طبية‬
‫لمراض مختلفة باستعمال الذباب ‪ ،‬أما في العصر الحديث‬
‫فجميع الجراحين الذين عاشوا في السنوات التي سبقت اكتشاف‬

‫‪588‬‬
‫مركبات السلفا ‪ -‬أي في السنوات العشر الثالثة من القرن‬
‫الحالي ‪ -‬رأوا بأعينهم علج الكسور المضاعفة والقرحات المزمنة‬
‫صا ‪ ،‬وكان هذا العلج‬ ‫بالذباب ‪ ،‬وكان الذباب يربي لذلك خصي ً‬
‫مبنًيا على اكتشاف فيروس البكتريوفاج القاتل للجراثيم ‪.‬‬
‫على أساس أن الذباب يحمل في آن واحد الجراثيم التي تسبب‬
‫المرض‪ ،‬وكذلك البكتريوفاج الذي يهاجم هذه الجراثيم ‪ .‬وكلمة‬
‫بكتريوفاج هذه معناها " آكلة الجراثيم " ‪ ،‬وجدير بالذكر أن توقف‬
‫البحاث عن علج القرحات بالذباب لم يكن سببه فشل هذه‬
‫الطريقة العلجية ‪ ،‬وإنما كان ذلك بسبب اكتشاف مركبات‬
‫دا ‪ .‬وكل هذا مفصل‬ ‫السلفا التي جذبت أنظار العلماء جذًبا شدي ً‬
‫قا في الجزء التاريخي من رسالة الدكتوراه التي أعدها‬ ‫تفصيل ً دقي ً‬
‫الزميل الدكتور أبو الفتوح مصطفى عيد تحت إشرافي عن‬
‫التهابات العظام والمقدمة لجامعة السكندرية من حوالي سبع‬
‫سنوات‪.‬‬
‫في هذا الحديث إعلم بالغيب عن وجود سم في الذباب ‪ .‬وهذا‬
‫شيء لم يكشفه العلم الحديث بصفة قاطعة إل في القرنين‬
‫الخيرين ‪ .‬وقبل ذلك كان يمكن للعلماء أن يكذبوا الحديث النبوي‬
‫لعدم ثبوت وجود شيء ضار على الذباب ‪ ,‬ثم بعد اكتشاف‬
‫الجراثيم يعودون فيصححون الحديث‪.‬‬
‫إن كان ما نأخذه على الذباب هو الجراثيم التي يحملها فيجب‬
‫مراعاة ما نعلمه عن ذلك ‪:‬‬
‫حا أن جميع الجراثيم التي يحملها الذباب جراثيم‬ ‫) أ ( ليس صحي ً‬
‫ضا‪.‬‬
‫ضارة أو تسبب أمرا ً‬
‫حا أن عدد الجراثيم التي تحملها الذبابة‬ ‫) ب ( ليس صحي ً‬
‫والذبابتان كاف لحداث مرض فيمن يتناول هذه الجراثيم‪.‬‬
‫ما عن الجراثيم‬ ‫حا أن عزل جسم النسان عزل ً تا ً‬ ‫)جـ( ليس صحي ً‬
‫الضارة ممكن‪ ،‬وإن كان ممكًنا فهذا أكبر ضرر له ‪ ،‬لن جسم‬
‫النسان إذا تناول كميات يسيرة متكررة من الجراثيم الضارة‬
‫تكونت عنده مناعة ضد هذه الجراثيم تدريجًيا‪.‬‬
‫في هذا الحديث إعلم بالغيب عن وجود شيء على الذباب يضاد‬
‫السموم التي تحملها ‪ ،‬والعلم الحديث يعلمنا أن الحياء الدقيقة‬
‫من بكتريا وفيروسات وفطريات تشن الواحدة منها على الخرى‬
‫حرًبا ل هوادة فيها ‪ ،‬فالواحدة منها تقتل الخرى بإفراز مواد‬
‫سامة ‪ ،‬ومن هذه المواد السامة بعض النواع التي يمكن‬
‫استعمالها في العلج ‪ ،‬وهي ما نسميه " المضادات الحيوية " مثل‬
‫البنسلين والكلوروميستين وغيرهما‪.‬‬

‫‪589‬‬
‫إن ما ل يعلمه وما لم يكشفه المتخصصون في علم الجراثيم‬
‫حتى الن ل يمكن التكهن به ‪ ،‬ولكن يمكن أن يكون فيه الكثير‬
‫مما يوضح المور توضحًيا أكمل ؛ ولذلك يجب علينا أن نتريث‬
‫قليل ً قبل أن نقطع بعدم صحة هذا الحديث بغير سند من علم‬
‫الحديث‪ ،‬ول سند من العلم الحديث‪.‬‬
‫دا إلى صيد الذباب ووضعه عنوة‬ ‫هذا الحديث النبوي لم يدع ُ أح ً‬
‫في الناء‪ ،‬ولم يشجع على ترك النية مكشوفة‪ ،‬ولم يشجع على‬
‫الهمال في نظافة البيوت والشوارع وفي حماية المنازل من‬
‫دخول الذباب إليها‪.‬‬
‫إن من يقع الذباب في إنائه ويشمئز من ذلك ول يمكنه تناول ما‬
‫سا إل وسعها‪.‬‬ ‫فيه فإن الله ل يكلف نف ً‬
‫دا من الطباء والقائمين على صحة‬ ‫هذا الحديث النبوي ل يمنع أح ً‬
‫الشعب من التصدي للذباب في مواطنه ومحاربته وإعدامه‬
‫وإبادته‪ ،‬ول يمكن أن يتبادر إلى ذهن أحد علماء الدين أن هذا‬
‫الحديث يدعو الناس إلى إقامة مزارع أو مفارخ للذباب ‪ ،‬أو أنه‬
‫يدعو إلى التهاون في محاربته ‪ ،‬ومن صنع ذلك أو اعتقد فيه فقد‬
‫وقع في خطأ كبير " أ هـ‪.‬‬
‫================‬
‫كيف لنبي الرحمة أن يهدر دماء رجال من قريش في‬
‫فتح مكة‬
‫‪ al-morabet‬كتب "‬
‫بسم الله والحمد لله‬
‫والصلة والسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن واله‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪----‬وبعد‪ :‬سؤال يتردد من‬
‫النصارى ))كيف لنبي الرحمة ان يهدر دماء رجال من قريش في‬
‫فتح مكة؟((سم الله والحمد لله والصلة والسلم على رسول‬
‫الله وعلى آله وصحبه ومن واله السلم عليكم ورحمة الله‬
‫وبركاته‪----‬وبعد‪ :‬سؤال يتردد من النصارى ))كيف لنبي الرحمة‬
‫ان يهدر دماء رجال من قريش في فتح مكة؟((‬
‫وللجابة على هذا السؤال يجب ان يعرف هؤلء اول سبب الغزوة‬
‫))فتح مكة(( والمر الجلي من سيرة سيد الخلق صلى الله عليه‬
‫وسلم هو صلح الحديبية وان قريش قد غدرت بهذا الصلح‬
‫ونقضت هذا الصلح ومعروف ان خزاعة دخلت في حلف رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وبنو بكر الذين دخلوا في حلف قريش‬
‫اغتنموا الفرصة ‪-‬وكان بينهم وبين خزاعة ثارات في الجاهلية ‪-‬‬
‫اغتنموا فترة الصلح واغاروا على خزاعة ليل فاصابوا منهم رجال‬
‫وقاتل معهم رجال من قريش مستغلين ظلمة الليل حتى وصلوا‬

‫‪590‬‬
‫للحرم ‪ -‬ول شك ان ما فعلت قريش وحلفاؤها كان غدرا ونقضا‬
‫لميثاق الصلح وبعد هذا تحرك الجيش السلمي نحو مكة وكان‬
‫الفتح العظيم باذن الله ولما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫مكة وطهر الكعبة من الصنام بعد ذلك خطب الرسول محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم وقال‪ :‬يا معشر قريش ‪:‬ما ترون اني فاعل‬
‫بكم؟ قالوا خيرا اخ كريم وابن اخ كريم قال‪ :‬فاني اقول لكم كما‬
‫قال يوسف لخوته ))ل تثريب عليكم اليوم((اذهبوا فانتم الطلقاء‬
‫واهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ دماء تسعة نفر‬
‫من اكابر المجرمين وامر بقتلهم وان وجدوا تحت استار الكعبة‬
‫وهم ))عبد العزى بن خطل وعبد الله بن ابي سرح وعكرمة بن‬
‫ابي جهل والحارث بن نفيل ومقيس بن صبابة وهبار بن السود‬
‫وقينتان كانت لبي خطل كانتا تغنيان بهجو النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وسارة مولة لبعض بني عبد المطلب وهؤلء جميعا كانوا‬
‫اشد عداوة وبغضا للسلم وللمسلمين ولسيد الخلق محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم وكانوا شديدي الذى له بمكة فاما بن سرح فقد‬
‫جاء به عثمان بن عفان الى النبي صلى الله عليه وسلم وشفع‬
‫فيه فحقن دمه وقبل اسلمه بعد ان امسك عنه رجاء ان يقوم‬
‫بعض الصحابة فيقتله وكان قد اسلم قبل ذلك وهاجر ثم ارتد‬
‫ورجع الى مكة )ارتد( واما عكرمة بن ابي جهل ففر الى اليمن‬
‫فاستامنت له امراته فامنه النبي صلى الله عليه وسلم فرجع‬
‫معها واسلم وحسن اسلمه وانا بن خطل فكان متعلقا باستار‬
‫الكعبة فجاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم واخبره فقال‬
‫اقتله فقتله واما مقيس بن صبابة فقتله نميلة بن عبدالله وكان‬
‫مقيس قد اسلم قبل ذلك ثم عدا على رجل من النصار فقتله ثم‬
‫ارتد ولحق بالمشركين واما الحارث فكان شديد الذى لرسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم بمكة فقتله علي واما هبار بن السود‬
‫فهو الذي كان قد عرض لزينب بنت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم حين هاجرت فنخس بها حتى سقطت على صخرة‬
‫واسقطت جنينها ففر هبار يوم مكة ثم اسلم وحسن اسلمه واما‬
‫القينتان فقتلت احداهما واستؤمن للخرى فاسلمت كما استؤمن‬
‫لسارة واسلمت ومن هذا يتبين لنا كرم اخلق سيد الخلق وامام‬
‫المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم فقد اوذي من هؤلء‬
‫وغيرهم اشد الذى ولكن عفا عنهم وكانت كلمته صلى الله عليه‬
‫وسلم ))اذهبوا فانتم الطلقاء((اروع مثل لعفوه وكرمه صلى الله‬
‫عليه وسلم اللهم صل وسلم وبارك على الحبيب المصطفى‬
‫وعلى آله وصحبه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين واخر دعوانا‬
‫ان الحمد لله رب العالمين والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته‬

‫‪591‬‬
‫=================‬
‫ردود تاريخية وحديثية على جولدزيهر‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على آله وصحبه ومن وله‪ ،‬وبعد فقد‬
‫رد العلماء على المستشرق اليهودي جولدزيهر في كتاباته التي‬
‫ذم فيها المويين بناء على نقولت زائفة وأقوال مغرضة‪ ،‬رمى‬
‫أصحابها إلى تمزيق المة وطعن رجالتها ولعن بعضها ‪ ،‬ونشر‬
‫الكلم الذي ل مصلحة لحد فيه إل للعدو من اليهود والنصارى‬
‫والفرق الضالة‪ ،‬وقد نقل علماؤنا الثقات حقائق ثابتة ترد على‬
‫تلك الفتراءات الباطلة‪.‬‬
‫ورد في طبقات ابن سعد ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬ما يدل على نسك عبد‬
‫الملك بن مروان وعلمه وعبادته وتقواه قبل خلفته‪ ،‬حتى إنه كان‬
‫يلقب بحمامة المسجد‪ ،‬ولما سئل الصحابي الجليل عبد الله بن‬
‫عمر رضي الله عنهما‪ :‬أرأيت إذا تفانى أصحاب رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فمن نسأل ؟ فأجابهم‪ :‬سلوا هذا الفتى ‪ .‬مشيًرا‬
‫إلى عبد الملك بن مروان ‪.‬‬
‫صا على إرشاد العلماء وطلب‬ ‫وأما بعد خلفته فقد كان حري ً‬
‫العلم إلى تتبع السنن والثار ‪.‬‬
‫ولما جاء الناس لمبايعته بالخلفة كان يتلو كتاب الله عز وجل‬
‫دا عن رغد الحياة ولذائذها ‪.‬‬‫دا وتقلل ً وبع ً‬
‫على مصباح ضئيل‪ ،‬زه ً‬
‫وقل مثل هذا في الوليد بن عبد الملك ‪ ،‬فقد أنشئت في عصره‬
‫أكثر المساجد المعروفة اليوم ‪ .‬وهذا الكلم ل يعني أنهم كانوا‬
‫خلفاء راشدين ‪ -‬كل ‪ -‬ولكن كانت لهم أخطاء وتجاوزات‪ ،‬وكانت‬
‫لهم حسنات وإيجابيات‪ ،‬ثم إن التاريخ يذكر بكثير من العجاب‬
‫فتوحات المويين‪ ،‬حتى إن رقعة السلم لم تزد كثيًرا في العصر‬
‫ما كانت عليه في العصر الموي‪ ،‬والفضل في ذلك‬ ‫العباسي ع ّ‬
‫كله لله سبحانه وتعالى ثم للمويين خلفاء وقادة‪ ،‬فقد كان أبناء‬
‫خلفائهم على رأس الجيوش الفاتحة لعلء كلمة الله عز وجل‬
‫ونشر دينه ورفع الظلم عن العباد ‪.‬‬
‫إن كلم المستشرقين عن وضع الحديث من قبل العلماء والحكام‬
‫المويين ل أساس له من الصحة ‪ ،‬وإذا تجرأ بعض المغفلين‬
‫وبعض الخاطئين من الفرق الضالة على وضع بعض الحاديث‬
‫لنصر أفكارهم أو الطعن في مخالفيهم‪ ،‬فإن ذلك في نطاق ضيق‬
‫دا‪ ،‬وقد تصدى لهم علماء السلم وكشفوا تلك المحاولت‬ ‫ج ً‬
‫وأخضعوا كل الحاديث للفحص الدقيق ومعرفة الرواة كلهم‪ ،‬فلم‬
‫يثبت إل الصحيح‪ ،‬وعرف الموضوع من المسند المرفوع‪،‬‬
‫والصحيح من الضعيف ‪.‬‬

‫‪592‬‬
‫لقد كان هناك عداء بين الخلفاء وزعماء الطوائف المنشقة عن‬
‫جماعة المسلمين كالخوارج‪ ،‬والرافضة‪ ،‬والمعتزلة‪ ،‬والزنادقة ‪.‬‬
‫لكن هذه الطوائف لم تنهض لجمع الحديث ونقده وتدوينه وفق‬
‫منهج أهل السنة‪ ،‬إنما الذين فعلوا ذلك هم العلماء والحفاظ‬
‫والئمة التقياء أمثال فقهاء المدينة السبعة‪ :‬سعيد بن المسيب‪،‬‬
‫وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هاشم المخزومي‪،‬‬
‫وعبيد ا لله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود‪ ،‬وعروة بن الزبير بن‬
‫العوام‪ ،‬والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق‪،‬و خارجة بن زيد‪،‬‬
‫وسليمان بن يسار‪ ،‬ونافع بن شهاب الزهري‪ ،‬وعطاء بن أبي‬
‫رباح‪ ،‬وعامر بن شراحيل الشعبي‪ ،‬وعلقمة بن السود‪ ،‬والحسن‬
‫البصري وغيرهم رضي الله عنهم ‪.‬‬
‫وهؤلء العلماء لم يصطدموا مع المويين في معارك ونزاعات إل‬
‫ما كان من سعيد بن المسيب ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬وجفائه لعبد الملك‬
‫بن مروان بسبب طلب عبد الملك البيعة لبنه الوليد ثم لسليمان‬
‫من بعده‪ ،‬فأبى سعيد ؛ لن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن‬
‫بيعتين في وقت واحد ‪ ،‬فهذا سبب الجفاء‪ ،‬ول نعلم خلًفا بين‬
‫سعيد بن المسيب وخلفاء بني أمية قبل هذه الحادثة ‪.‬‬
‫‪ -‬كما وقع بين الحجاج بن يوسف الثقفي وبعض العلماء شيء‬
‫من ذلك سببه اشتداد الحجاج في مقاومة خصوم بني أمية مما‬
‫أوقعه ذلك في كثير من الظلم والعدوان‪.‬‬
‫‪ -‬ومما يزيد في تهافت دعوى هذا المستشرق اتخاذه عداء ابن‬
‫المسيب لعبد الملك ذريعة لرمي علماء المدينة كلهم بالكذب‬
‫ووضع الحديث‪ ،‬في الوقت الذي ل يذكر شيًئا عن سعيد في‬
‫مسألة الوضع المزعومة‪ ،‬وكان من اللزم في قياس المستشرق‬
‫أن يكون ابن المسيب على رأس قائمة الوضاعين‪ ،‬لكنه لم يذكر‬
‫ذلك؛ لنه ل يملك دليل ً عليه ‪.‬‬
‫‪ -‬لقد جهل هؤلء المستشرقون أو تجاهلوا صفات علماء السلم‬
‫وأخلقهم وخصائصهم من الترفع عن الكذب‪ ،‬والتحلي بالصدق‬
‫والمانة والستقامة‪.‬‬
‫‪ -‬لقد ادعى المستشرق جولدزيهر أن الحكام المويين وضعوا‬
‫الحاديث كما وضعها خصومهم‪ ،‬ولم يستطع هذا المستشرق ول‬
‫دا مما وضعه الحكام المويين ‪.‬‬ ‫غيره أن يذكروا حديًثا واح ً‬
‫‪ -‬لكن جولدزيهر كشف عن جهله وقصور علمه في حقائق‬
‫السلم وعلومه‪ ،‬حين زعم أن اختلف الحديث وتعارض بعضه‬
‫فيما يبدو أحياًنا دليل على حصول الوضع في الحديث ‪.‬‬

‫‪593‬‬
‫وهذا جهل فظيع قد ينطلي على من ليس له باع في علم‬
‫الحديث‪ ،‬لكن العلماء ذكروا أسباب الختلف والتعارض الشكلي‬
‫والظاهري بين بعض الحاديث‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يفعل النبي صلى الله عليه وسلم الفعل على وجهين‬
‫إشارة إلى الجواز‪ ،‬فيروي صحابي ما شاهده في الحالة الولى‪،‬‬
‫ويروي الثاني ما شاهده في الحالة الثانية كأحاديث صلة الوتر‬
‫أنها سبع ركعات أو تسع أو إحدى عشرة ‪.‬‬
‫‪ -2‬اختلف الصحابة في حكاية حال شاهدوها من رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم مثل‪ :‬اختلفهم في حجته صلى الله عليه‬
‫دا أو متمتًعا؟ والحالت الثلث‬ ‫وسلم هل كان فيها قارًنا أو مفر ً‬
‫جائزة ومشروعة مأخوذة من النصوص الشرعية ‪.‬‬
‫‪ -3‬اختلف الصحابة في فهم المراد من حديث النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فهذا يفهم الوجوب وذاك يفهم الستحباب‪.‬‬
‫خا لحكم سابق ول يكون‬ ‫دا ناس ً‬
‫ما جدي ً‬
‫‪ -4‬أن يسمع الصحابي حك ً‬
‫الصحابي الخر قد سمع ذلك الحكم الجديد‪ ،‬فيظل يروي الحكم‬
‫الول على ما سمع ‪.‬‬
‫وغير ذلك من السباب العلمية والدينية والواقعية التي ظن‬
‫المستشرقون أنها ذريعة لفتراءاتهم ‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أنه يجب على كل مسلم‪ ،‬بل وكل عاقل أن ل يقبل‬
‫التهامات والفتراءات الموجهة إلى السلم أو غيره إل بعد أن‬
‫يدرس ويبحث في الدين أو المر المفترى عليه‪ ،‬فالمستشرقون‬
‫يتظاهرون بالبحث والنصاف والموضوعية‪ ،‬وهم بعيدون ذلك‪،‬‬
‫إنما تسوقهم الهواء والحقاد والخيالت الفاسدة ‪ .‬والواقع الذي‬
‫عاشوه ورأوه في كنائسهم وعلمائهم ودينهم المحرف المرفوض‬
‫===============‬
‫ناوليني الخمره‬
‫‪bigstory‬‬
‫بس الله الرحمن الرحيم‬
‫الحديث الذي لم يفهمه ببغاوات النصاري عن ام سلمه قال لها‬
‫النبي وهي حائض ناولييني الخمره من المسجد فقلت اني حائض‬
‫فقال ان حيضت ليست في يدك ‪.‬‬
‫وحقا مازال النصاري يفضحون انفسهم ليتبيين لنا انهم ل‬
‫يفقهون شيء في اللغه العربيه ول مبادئها وللرد علي تللك‬
‫الشبهه التافهه التي وجدتها في صفحه الدليل والبرهان‬
‫)الفاشليين( أذكر هنا رأي المام إبن الثير في كتابه غريب‬
‫الحديث والثر )) في حديث عن أم سلمه قال لها النبي ناولييني‬
‫الخمره من المسجد فقالت له انها حائض فقال بها ان حيضتك‬

‫‪594‬‬
‫ليست في يدك الخمره بضم الخاء هي مقدار ما يضع الرجل‬
‫عليه وجهه في سجوده من حصير او نسيجه خوص ونحوه من‬
‫النبات وسميت خمره بضم الخاء لن خيوطها مستوره بسعفيها ‪.‬‬
‫وقد جاء في سنن ابي داوود عن ابن عباس قال جاءت فأره‬
‫فأخذت تجر الفتيله فجاءت بها فالقتها بين يدي رسول الله صلي‬
‫الله عليه وسلم علي الخمره التي كان قاعدا عليها فاحرقت منها‬
‫مثل موضع درهم انتهي والنصاري كانو يظنون ان الرسول صلي‬
‫الله عليه وسلم يطلب الخمره المسكره وهم معذروون نظرا‬
‫لجهلهم باللغه العربيه وبهذا يتبيين لنا مدي جهلهم فهم يفضحون‬
‫انفسهم بما تكتبه ايديهم كل يوم‪ .‬وبالرغم من أن الشبهه تافهه‬
‫ول تحتاج اصل الي رد ال اني احببت ان أرد عليهم لعل يهتدي‬
‫منهم شخص يبحث عن الحقيقه‪ .‬والن نوضح مدي قدسيه الخمر‬
‫في الكتاب المكدس ففي العهد القديم نجد هذا النص ))أعطو‬
‫مسكرا لهالك وخمرا لمريء النفس يشرب وينسي فقره ول‬
‫يذكر تعبه ( المثال ‪ 6:31‬وهذه دعوي واضحه الي السكر‬
‫والعربده اول معجزات الرب يسوع في صالح المساطيل عندما‬
‫حول الماء الي خمر )يوحنا ‪ (7:2‬ومنذ ان جرت تلك المعجزه‬
‫والخمر ما زالت تتدفق في العالم النصراني نص اخر ايضا‬
‫يوقوله بولس رسولهم ناصحا بشرب الخمر ))ل تكن فيما بعد‬
‫شراب ماء بل استعمل خمرا من اجل معدتك واسقامك الكثيره ‪.‬‬
‫)رساله بولس إلي ثيموساوس ‪(23:5‬واخر دعوانا ان الحمد لله‬
‫رب العالميين كتبه‬
‫والسلم عليكم ورحمه الله وبركاته‬
‫اخوكم ‪bigstory1‬‬
‫===============‬
‫شبهة قول عائشة رضي الله عنها يابن أخي‪ ،‬هذا من‬
‫عمل الك ُّتاب‬
‫د‪ .‬غازي عناية‬
‫سِئلت‬ ‫يقولون‪ :‬روي عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال‪ُ :‬‬
‫عائشة عن لحن القرآن‪ ،‬عن قوله تعالى‪) :‬إن هذان لساحران(‬
‫وعن قوله تعالى‪) :‬والمقيمين الصلة والمؤتون الزكاة( وعن‬
‫ن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئون(‪.‬‬ ‫قوله تعالى‪) :‬إ ّ‬
‫فقالت‪ :‬يابن أخي‪ ،‬هذا من عمل الك ُّتاب‪ ،‬قد أخطأوا في الكتاب‪.‬‬
‫قال السيوطي في هذا الخبر‪ :‬إسناده صحيح على شرط‬
‫مح أنه‬ ‫الشيخين‪ .‬ويقولون أيضًا‪ :‬روي عن أبي َلف مولى بني ُ‬
‫ج َ‬
‫ك عن آية‬ ‫دخل مع عبيد بن عمير على عائشة فقال‪ :‬جئت أسأل ِ‬
‫ة‬
‫في كتاب الله‪ ،‬كيف كان رسول الله )ص( يقرؤها؟ قالت‪ :‬أي ّ ُ‬

‫‪595‬‬
‫آية؟ قال‪) :‬والذين يؤتون ما آتوا( أو )الذين يأتون ما آتوا(‪ .‬قالت‪:‬‬
‫ي‬
‫ب إل ّ‬‫أيهما أحب إليك؟ قلت‪ :‬والذي نفسي بيده‪ ،‬لحداهما أح ّ‬
‫من الدنيا جميعًا‪ .‬قالت‪ :‬أيهما؟ قلت‪) :‬والذين يأتون ما آتوا(‬
‫فقالت‪ :‬أشهد أن رسول الله )ص( كذلك كان يقرؤها‪ ،‬وكذلك‬
‫ُأنزلت‪ ،‬ولكن الهجاء حرف‪.‬‬
‫ـ تفنيد هذه الشبهة‪:‬‬
‫ً‬
‫ل‪ :‬بأن هذه الروايات مهما يكن سندها صحيحا‪ ،‬فإنها مخالفة‬ ‫أو ً‬
‫للمتواتر القاطع‪ ،‬ومعارض القاطع ساقط مردود‪ ،‬فل يلتفت إليها‪،‬‬
‫ول يعمل بها‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أنه قد نص في كتاب »إتحاف فضلء البشر«‪ ،‬على أن لفظ‬
‫)هذان( قد رسم في المصحف من غير ألف ول ياء‪ ،‬ليحتمل‬
‫وجوه القراءات الربع فيها‪ ،‬وإذن فل يعقل أن يقال أخطأ الكاتب‪،‬‬
‫فإن الكاتب لم يكتب ألفًا‪ ،‬ول ياًء‪ .‬ولو كان هناك خطأ تعتقده‬
‫عائشة ما كانت تنسبه للكاتب‪ ،‬بل كانت تنسبه لمن يقرأ بتشديد‬
‫)إن(‪ ،‬وباللف لفظا ً في )هذان(‪ .‬ولم ينقل عن عائشة‪ ،‬ول عن‬
‫غيرها تخطئة من قرأ بما ذكر‪ ،‬وكيف تنكر هذه القراءة وهي‬
‫متواترة مجمع عليها؟‪ ،‬بل هي قراءة الكثر‪ ،‬ولها وجه فصيح في‬
‫العربية ل يخفى على مثل عائشة‪ .‬ذلك هو إلزام المثنى اللف‬
‫في جميع حالته‪ .‬وجاء منه قول الشاعر العربي‪:‬‬
‫عيناها لنا وفاها‬
‫ت َ‬ ‫»واها ً لسلمى ثم واها ً واها ً يا لي َ‬
‫ضى به أباها‬‫وموضعَ الخلخال من رجلها بثمن ي َْر َ‬
‫ن أباها وأَبا أباها قد بلَغا في المجد ِ غايتاها«‪.‬‬ ‫إ ّ‬
‫فبعيد ٌ عن عائشة أن تنكر تلك القراءة‪ ،‬ولو جاء بها وحدها رسم‬
‫المصحف‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬إن ما نسب إلى عائشة )رض( من تخطئة رسم المصحف‬
‫في قوله تعالى‪) :‬والمقيمين الصلة( بالياء‪ ،‬مردود بما ذكره أبو‬
‫حيان في البحر إذ يقول ما نصه‪» :‬وذكر عن عائشة )رض(‪ ،‬عن‬
‫أبان بن عثمان أن كتبها بالياء من خطأ كاتب المصحف‪ .‬ول يصح‬
‫ذلك عنهما‪ ،‬لنها عربيان فصيحان‪ ،‬وقطع النعوت مشهور في‬
‫لسان العرب‪ .‬وهو باب واسع ذكر عليه شواهد سيبويه‪ ،‬وغيره‪.‬‬
‫وقال الزمخشري‪» :‬ل يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه خطأ في‬
‫خط المصحف‪ .‬وربما التفت إليه من لم ينظر في الكتاب )يريد‬
‫كتاب سيبويه( ولم يعرف مذاهب العرب‪ ،‬وما لهم في النصب‬
‫على الختصاص من الفتنان‪ ،‬وخفي عليه أن السابقين الولين‬
‫ة في‬ ‫الذين مثلهم في التوراة‪ ،‬ومثلهم في النجيل‪ ،‬كانوا أبعد َ هم ً‬
‫الغيرة على السلم‪ ،‬وذب المطاعن عنه‪ ،‬من أن يتركوا في كتاب‬
‫من يلحقهم«‪.‬‬ ‫ة يسدها من بعدهم‪ ،‬وخرقا ً يرفوه َ‬ ‫الله ثلم ً‬

‫‪596‬‬
‫ن قراءة »الصابئون« بالواو‪ ،‬لم ينقل عن عائشة أنها‬ ‫رابعًا‪ :‬أ ّ‬
‫من يقرأ بها‪ ،‬ولم ينقل أنها كانت تقرأ بالياء دون الواو‪ .‬فل‬ ‫ت َ‬ ‫طأ ْ‬‫خ ّ‬
‫ت من كتب الواو‪.‬‬ ‫َ‬
‫يعقل أن تكون خطأ ْ‬
‫ن كلم عائشة في قوله تعالى‪) :‬يؤتون ما آتوا( ل يفيد‬ ‫خامسًا‪ :‬أ ّ‬
‫إنكار هذه القراءة المتواترة المجمع عليها‪ .‬بل قالت للسائل‪:‬‬
‫ب إليك؟ ول تحصر المسموع عن رسول الله )ص( فيما‬ ‫أيهما أح ّ‬
‫قرأ هي به‪ .‬بل قالت‪ :‬إنه مسموع ومنزل فقط‪.‬‬
‫وهذا ل ينافي أن القراءة الخرى مسموعة‪ ،‬ومنزلة كتلك‪.‬‬
‫خصوصا ً أنها متواترة عن النبي )ص(‪ .‬أما قولها‪ :‬ولكن الهجاء‬
‫حرف‪ :‬فكلمة حرف مأخوذة من الحرف بمعنى القراءة‪ ،‬واللغة‪،‬‬
‫والمعنى أن هذه القراءة المتواترة التي رسم بها المصحف‪ ،‬لغة‪،‬‬
‫ووجه من وجوه الداء في القرآن الكريم‪ .‬ول يصح أن تكون كلمة‬
‫حرف في حديث عائشة مأخوذة من التحريف الذي هو الخطأ‪،‬‬
‫وإل كان حديثا ً معارضا ً للمتواتر‪ ،‬ومعارض القاطع ساقط‪.‬‬
‫================‬
‫ورقة ابن نوفل المعلم المزعوم‬
‫بقلم عبد الرحيم الشريف‬
‫ماجستير في علوم القرآن والتفسير‬
‫تفنيد مزاعم كتابي السلم دعوة نصرانية وقس ونبى‬
‫كتابان مشهوران جدا ً يعتبران من أعمدة كتب المنصرين‬
‫و)) الباحثين (( النصارى في الديانة السلمية حول مصادر‬
‫القرآن الكريم‪.‬‬
‫الكتاب الول‪ :‬قس ونبي ‪ ،‬بحث في نشأة السلم ‪ .‬لبي موسى‬
‫الحريري‪.‬‬
‫الكتاب الثاني ‪ :‬القرآن دعوة نصرانية ‪ ،‬في سبيل الحوار‬
‫السلمي المسيحي ‪ .‬للستاذ الحداد‪.‬‬
‫وكما ترون فإن كل الكتابين لم يصرح المؤلفان باسميهما ‪...‬‬
‫ولكن ‪ ..‬ل بأس من التعريف بهما ‪.‬‬
‫مؤلف كتاب ‪ :‬قس ونبي ‪ .‬هو الب ج‪ .‬قزي ‪ ،‬مدرس جامعي‬
‫معروف في إحدى أشهر الجامعات التبشيرية في أحد بلد الشام‪.‬‬
‫وما زال على قيد الحياة إلى الن ‪.‬‬
‫أما مؤلف كتاب ‪ :‬القرآن دعوة نصرانية هو الب يوسف درة‬
‫الحداد ‪ ..‬ولد في يبرود في سوريا سنة ‪ 1913‬وتوفي سنة‬
‫‪1979‬درس اللهوت في القدس‪.‬‬
‫ولكنه قبيل وفاته جمدت الكنيسة التي يتبعها نشاطاته لنها‬
‫وجدت في كتابه اقتباسات كثيرة من القرآن فخشيت على‬

‫‪597‬‬
‫الرعية من أن يتبدل فكرها أكثر من الفائدة المتوخاة من‬
‫الكتاب!!!‬
‫وهذه حكمة الله تعالى ودرس لمثاله لعلهم يتعظون‪..‬‬
‫ومدحه الب جورج فاخوري البولسي ) ما زال على قيد الحياة (‬
‫ولكنه تحفظ على بعض الشوائب التقنية في الكتاب ‪ .‬كما صرح‬
‫بذلك في الصفحة ‪ 281‬من الطبعة الثالثة من الكتاب التي‬
‫صدرت سنة ‪.1993‬‬
‫الكاتبان أنهكا نفسيهما في إثبات العلقة بين السلم والنصرانية‬
‫وكيف أن السلم اقتبس منها‪.‬‬
‫كتاب الحريري أقرب إلى الموضوعية الكاديمية إل أنه في نفس‬
‫الوقت القسى عبارة‪.‬‬
‫ولننتقل إلى أهم ما في كتابيهما وهو ورقة بن نوفل‪.‬‬
‫قال الحداد‪ " :‬القرآن كله دعوة نصرانية ‪ .‬وقد درس محمد هذه‬
‫الدعوة مدة خمس عشرة سنة بعد زواجه من خديجة‪ ،‬ثرية‬
‫مكة ‪ ،‬على يد ورقة بن نوفل " ص ‪11‬‬
‫أما الحريري‪ " :‬القس اختار محمدا ً وتبناه " ص ‪.65‬‬
‫ولكن كل الكتابين لما يتحفانا بذكر نبذة كاملة عن حياة ورقة‪..‬‬
‫رغم أنه أساس الكتابين وهذا خلل منهجي خطير في الكتابين ‪..‬‬
‫يؤكد سوء نية الكاتبين ووجود مواقف في سيرة ورقة يريدان‬
‫إخفاءها‪.‬‬
‫والذي يعنينا هو تاريخ ولدة ورقة‪..‬‬
‫ولد ورقة سنة ‪ 508‬للميلد وتوفي سنة ‪ 611‬للميلد‪ .‬وهذا‬
‫التاريخ مهم لنبحث في مدى ) صدق ( حضرة البوين‪.‬‬
‫لما ولد سيدنا محمد كان عمر ورقة ) ‪ 60‬عاما ( ‪.‬‬
‫أي تزوج سيدنا محمد من خديجة وعمر ورقة ) ‪ 85‬عاما (‪.‬‬
‫وبعث سيدنا محمد وعمر ورقة ) ‪ 100‬عام (‪ .‬وكان أعمى حينها‪.‬‬
‫يقولون انتحر محمد بعد وفاة ورقة‪.‬‬
‫أي أن الدعوة السلمية والعهد النبوي استمر ) ‪ 4‬أعوام (‪.‬‬
‫وهذا إعجاز ) زماني ( حققه سيدنا محمد نشكرهم على جهدهم‬
‫في إثباته !!‪.‬‬
‫ماذا كان دين قس مكة العريق في النصرانية ؟؟!!‬
‫جاء في البداية والنهاية لبن كثير ‪:2/340 :‬‬
‫" أن نفرا من قريش منهم ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى‬
‫بن قصي وزيد بن عمرو بن نفيل وعبدالله بن جحش بن رئاب‬
‫وعثمان بن الحويرث كانوا ثم صنم لهم يجتمعون إليه قد اتخذوا‬
‫ذلك اليوم من كل سنة عيدا كانوا يعظمونه وينحرون له الجزور‬
‫ثم يأكلون ويشربون الخمر ويعكفون عليه فدخلوا عليه في الليل‬

‫‪598‬‬
‫فرأوه مكبوبا على وجهه فأنكروا ذلك فأخذوه فردوه إلى حاله‬
‫فلم يلبث أن انقلب انقلبا عنيفا فأخذوه فردوه إلى حاله فانقلب‬
‫الثالثة فلما رأوا ذلك اغتموا له وأعظموا ذلك فقال عثمان بن‬
‫الحويرث ماله قد أكثر التنكس إن هذا لمر قد حدث وذلك في‬
‫الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل‬
‫عثمان يقول أيا صنم العيد الذي صف حوله صناديد وفد من بعيد‬
‫ومن قرب تنكست مغلوبا فما ذاك قل لنا أذاك سفيه أم تنكست‬
‫للعتب ‪." ...‬‬
‫إذن ورقة ظل يعبد الصنام طيلة ‪ 60‬سنة ‪.‬‬
‫وأكد تلك الحادثة يوم ولدة سيدنا محمد في السيرة الحلبية ‪:‬‬
‫‪ " 1/116‬وذكر أن نفرا من قريش منهم ورقة بن نوفل وزيد بن‬
‫عمرو بن نفيل وعبد الله بن جحش كانوا يجتمعون إلى صنم‬
‫فدخلوا عليه ليلة ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوه‬
‫منكسا على وجهه فأنكروا ذلك فأخذوه فردوه إلى حاله فانقلب‬
‫انقلبا عنيفا فردوه فانقلب كذلك الثالثة "‪.‬‬
‫خرج ورقة بن نوفل يطلب الدين الصح بعد أن استمر في عبادة‬
‫الصنام ‪ 60‬سنة ‪ ،‬فما الدين الذي اتبعه ؟‬
‫جاء في الستيعاب في أثناء الحديث عن زيد بن عمرو ) أحد‬
‫مصادر القرآن بحسب الزملء النصارى ( ‪ " 2/616‬ومن خبره‬
‫في ذلك خرج في الجاهلية يطلب الدين هو وورقة بن نوفل فلقيا‬
‫اليهود فعرضت عليهما يهود دينهم فتهود ورقة ‪.‬‬
‫ثم لقيا النصارى فعرضوا عليهما دينهم فترك ورقة اليهودية‬
‫وتنصر وأبى زيد بن عمرو أن يأتي شيئا من ذلك وقال ‪ :‬ما هذا‬
‫إل كدين قومنا نشرك ويشركون‪." ...‬‬
‫هل لحظتم زيد بن عمرو اعتبر النصرانية شرك ل يختلف عن‬
‫شرك المشركين ‪ ..‬قارنوا ذلك بعقيدة ورقة مصدر القرآن‪..‬‬
‫فلننتقل الن إلى مناقشة وضع ورقة كأستاذ عميق في النصرانية‬
‫‪..‬‬
‫حقيقة الموقف بهدوء وموضوعية ‪...‬‬
‫عبد ورقة وأصحابه الصنام ستين عاما ً ولم يطلعوا على أي كتاب‬
‫من الديان الخرى‬
‫انقلب الصنم الذي كانوا يعبدونه بعد ولدة سيدنا محمد‬
‫خرج في رحلة البحث عن الحقيقة كل من ورقة وزيد بحثا عن‬
‫الدين الحنيف ) المستقيم (‬
‫تهودا لما التقيا باليهود وتعلما على يديهما‬
‫هل تهودا في لحظة ؟!‬
‫من المؤكد أنهما بقيا عند اليهود ليتعلما‬

‫‪599‬‬
‫ثم التقيا بعض النصارى الذين عرضوا دينهم‬
‫رفض زيد النصرانية لنها ديانة تقوم على الشرك‪.‬‬
‫وافق ورقة ‪.‬‬
‫نفهم من هنا من خلل دراسة شخصية ورقة أن شخصيته لينة‬
‫سهلة النقياد للخرين‬
‫بينما لزيد شخصية قوية‪.‬‬
‫وأيضًا‪ :‬ورقة لم يكن عنده تلك الخلفية الثقافية التي تؤهله أن‬
‫يحكم في صحة الديان‪.‬‬
‫بسهولة غادر اليهودية واعتنق المسيحية ول أدري ماذا كان‬
‫سيفعل لو قابل هنديا ً ؟!‬
‫المهم‪:‬‬
‫لحظ تناقض الحداد في أثناء حديثه عن تأثر محمد‬
‫بالموحدين ‪ ...‬ذكر معلمي محمد من الموحدين‪:‬‬
‫قس بن ساعدة ‪ 29‬كلمة ‪ ،‬أسعد الحميري ‪ ، 32‬المتلمس ‪، 40‬‬
‫سيف بن ذي يزن ‪ ، 41‬صرمة ‪ ، 66‬وكيع ‪ ، 117‬زيد بن عمرو‬
‫‪ ، 270‬أمية بن الصلت ‪.493‬‬
‫أما ورقة المسكين فقط ) ‪ 23‬كلمة ( ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!‬
‫وعاد وذكرهم ص ‪ 272‬ولم يذكر ورقة بينهم ؟؟!!‬
‫وقد يقول قائل ربما الستاذ الحداد قصد أنه نصراني وليس‬
‫موحدا ً فنقول له قد وقع في تناقض لنه قال ص ‪ ":145‬وورقة‬
‫بن نوفل ‪ ..‬الذي ربما تنصر "‪.‬‬
‫وفي ص ‪ 149‬اقرأ بتأمل " ‪ ..‬ورقة بن نوفل ‪ ،‬ابن عم خديجة ‪،‬‬
‫ذاك القس الحنيف المتنصر )؟( الذي ترجم النجيل "‪ ] .‬علمة‬
‫الستفهام منه ونحن نضع أمامها !! [‬
‫وكان زميله الحريري أشجع منه فقد صرح في فصل عنوانه "‬
‫نصرانية القس ورقة "‬
‫ما شاء الله ‪ ،‬إن دين النصارى يصل فيه النسان إلى أعلى‬
‫المراتب بسرعة البرق !!‬
‫صار ورقة ) قس مكة ( في زمن قياسي وبعد تقلبه بين الوثنية‬
‫واليهودية !!؟؟!!‬
‫وانظر إلى عبارته التي أدان نفسه بها بنفسه‬
‫" لقد قيل عن القس ورقة أنه كان على دين موسى ثم صار‬
‫على دين عيسى‪ " ..‬ص ‪.16‬‬
‫) قيل ( أي أنه يشك في ذلك وما تطرق إليه الحتمال سقط به‬
‫الستدلل‪.‬‬
‫ثم يذكر أن الحنيفية هي التحنث وهي البيونية وهي النصرانية‪.‬‬
‫والنصرانية هي السلم ؟؟!! انظر‪ :‬الحريري ص ‪ 109‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪600‬‬
‫" إن التحنث أو التعبد أو الصوم و الخلوة عادة نصرانية "‬
‫الحريري ص ‪.289‬‬
‫ولحظ القنبلة التي فجرها بعد أن أعمى الله بصيرته ‪..‬‬
‫ففد نقل عن ابن الثير أن أول من تحنث هو عبد‬
‫المطلب ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!‬
‫ثم تناقض الحداد معلنا أن الحنيفية هي المسيحية " أطلقوا على‬
‫دعوتهم للنصرانية باسم الحنيفية وسموا التعبد والصيام على‬
‫طريقتهم ‪ :‬التحنف " ص ‪.289‬‬
‫ولحظ المسكين الذي تشفق عليه عندما تقرأ‪ " :‬ولكن جماعة‬
‫من العقول من المستقلة أبت أن تقبل اليهودية والنصرانية كما‬
‫هما بل اكتفت بعبادة الله‪ ...‬وهؤلء أطلق عليهم الشعب لفظ‬
‫حنفاء "‪ .‬ص ‪.142‬‬
‫ً‬
‫يبدو أنه ينسى ما يكتبه أو كتبه بعد أن شرب ) كأسا ( منعشا ‪.‬‬
‫ما هذا التناقض يا حضرة الب المحترم؟!‬
‫ول حول ول قوة إل بالله تشفق على المسكين عندما تقرأ‬
‫عبارته " اقتران التحنف باسم قس مكة ‪ ،‬ورقة بن نوفل ‪ ،‬برهان‬
‫على نصرانيته "‪.‬‬
‫أعود وأؤكد لكم أني ل أجّرح بورقة البريء من كل تلك‬
‫الخزعبلت‬
‫ماذا كانت مهمة ورقة ؟؟!!‬
‫لقد كان يترجم النجيل إلى العربية وهذا النجيل المترجم كان‬
‫يلقيه على تلميذه محمد فأصبح قرآنًا‪.‬‬
‫فقط ‪ ..‬أرأيتم ما أسهل تلك المهمة المقنعة‪.‬‬
‫عرف بها ولم‬ ‫يقول الحريري " نذكر بمهمة القس ورقة التي ُ‬
‫ُيعرف بغيرها ‪ ..‬أن القس ورقة كان ينقل النجيل العبراني إلى‬
‫العربية "‪ .‬ص ‪.71‬‬
‫" أما النجاح الثاني الذي تحقق على يد القس فيقوم على نقل‬
‫ي النقل قرآنا ً ‪.‬‬‫سم َ‬ ‫النجيل العبراني إلى لسان عربية مبين و ُ‬
‫والقرآن في الحقيقة القراءة العربية للكتاب العبراني "‪ .‬ص ‪.20‬‬
‫ولكن الحريري ناقض نفسه عندما تحدث عن ترجمات النجيل‬
‫العبراني‪ " ..‬وضع في الصل باللغة الرامية ثم نقل إلى اليونانية‬
‫ثم إلى اللتينية وربما إلى العربية "‪ .‬ص ‪.72‬‬
‫ربما ‪ :‬يبني عليها بناءه المتين‬
‫هنيئا لكم بهذا المدرس الجامعي العلمي ‪ ...‬؟!‬
‫أما الحداد فقد ذكر نقل عن الصحيحين " ورقة بن نوفل ‪ ،‬قس‬
‫مكة ‪ ،‬كان يترجم الكتاب والنجيل من العبرانية إلى العربية ‪،‬‬

‫‪601‬‬
‫وذلك بجوار محمد وحضوره "‪ .‬ص ‪ .211‬أي صحيحين‬
‫يقصد ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!‬
‫محمد كان بجوار ورقة أثناء ترجمة النجيل ؟؟!!‬
‫ورقة انتظر حتى صار عمره ‪ 100‬سنة فقام بترجمة النجيل‪.‬‬
‫لو كان ورقة هو النبي الحقيقي ) كما ذكر الحريري أكثر من مرة‬
‫في كتابه ( فلماذا تأخر كل تلك الفترة في ترجمة النجيل ؟!‬
‫ألم يخش أن يتوفاه الله قبل أن يلتقي بمحمد صلى الله عليه‬
‫وسلم ؟! كل هذه الدرر كانت موجودة لدى ورقة ولم يفرج عنها‬
‫إل بحضور محمد ؟!‬
‫والحقيقة تقول إن النجيل لم يترجمه إلى العربية أحد في عصر‬
‫النبوة ول قبله‪.‬‬
‫الحقيقة ي سادة نشرتها دار الكتاب المقدس في الشرق‬
‫الوسط ‪ ،‬ومجلس كنائس الشرق الوسط في كتابهم المليء‬
‫بصور فلسطين ) عدا المسجد القصى ؟؟؟!!! ( وعنوان‬
‫الكتاب ‪ :‬المرشد إلى الكتاب المقدس ‪ ،‬طبعة ‪1996‬م‪.‬‬
‫أول ترجمات النجيل إلى العربية‪:‬‬
‫يقول ص ‪:79‬‬
‫" عام ‪639‬م طلب القائد العربي عمر بن سعد بن أبي وقاص‬
‫من البطريرك اليعقوبي يوحنا أن يضع ترجمة للنجيل في اللغة‬
‫العربية ربما تم ذلك حوالي ذلك التاريخ ‪...‬‬
‫عام ‪867‬م أعمال الرسل والرسائل كلها ‪ ،‬مكتبة سانت كاترين ‪،‬‬
‫سيناء ‪..........‬‬
‫حوالي سنة ‪930‬م أسفار التوراة الخمسة وأشعيا ‪ ،‬قام بها‬
‫العالم اليهودي سعيد الفيومي‪...‬‬
‫وأول ترجمة كاملة للكتاب المقدس بعهديه تمت في روما ‪...‬‬
‫وعرفت بالبروباغاندا !! "‪.‬‬
‫هل مجلس الكنائس أصدق أم البوين الكريمين أصدق ؟؟!!‬
‫أشفق عليكم يا من يلعب بكم هؤلء وهؤلء !!‬
‫لماذا لم يشر مجلس الكنائس العالمي إلى ورقة ولو‬
‫بإشارة ؟؟!!!!‬
‫أطلت عليكم في الحديث عن ورقة وأسأل الله تعالى أن ييسر‬
‫لي متابعة الحديث عن علقة ورقة بزواج سيدنا محمد بخديجة‬
‫وعلقته بالوحي ‪ ،‬ونتعرف على شخصية جديدة من شخوص هذه‬
‫الرواية هي شخصية عداس بن مرداس‪....‬‬
‫وسنجد هنالك تناقضات تكاد تقتل قارئها من الضحك‬
‫دور المزعوم لورقة في زواج السيدة خديجة بسيد البشر محمد‬
‫بن عبد الله عليه الصلة والسلم‪:‬‬

‫‪602‬‬
‫ذكر الحريري ص ‪ 37‬أن أبا طالب )) ألح (( على سيدنا محمد‬
‫أن يعمل عند خديجة رضي الله عنها ‪ ..‬ثم أعجبت السيدة خديجة‬
‫بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعرضت عليه الزواج‪.‬‬
‫ويبالغ في ذكر تأثير أبي طالب على سيدنا محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم ص ‪ 38‬معبرا ً عنه بـ " المخطط الذي يتنفذ على يد أبي‬
‫طالب وخديجة ‪ ..‬ولم تبخل علينا كتب السير والخبار فيما كان‬
‫عليه القس والعم والزوج‪ .‬لقد كان لكل منهم دوره فيما دّبر الله‬
‫على أيديهم "‪.‬‬
‫حسنا ً لقد طلب منا الرجوع إلى كتب السير والخبار ‪ ..‬وله ما‬
‫يريد حضرة المدرس الجامعي الصادق جدًا‪..‬‬
‫جاء في السيرة الحلبية ‪ " : 226 / 1‬أن خديجة رضي الله تعالى‬
‫عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم أذهب إلى عمك فقل له‬
‫تعجل إلينا بالغداة فلما جاءها معه رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قالت له يا أبا طالب تدخل على عمي فكلمه يزوجني من‬
‫ابن أخيك محمد بن عبد الله فقال أبو طالب يا خديجة ل‬
‫تستهزئى فقالت هذا صنع الله فقام فذهب وجاء مع عشرة من‬
‫قومه إلى عمها ‪ ..‬وخطب أبو طالب يومئذ فقال الحمد لله الذي‬
‫جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضىء معد أي معدنه‬
‫وعنصر مضر أي أصله وجعلنا حضنة بيته أي المتكفلين بشأنه‬
‫وسواس حرمه أي القائمين بخدمته وجعله لنا بيتا محجوجا وحرما‬
‫آمنا وجعلنا حكام الناس ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله ل‬
‫يوزن به رجل إل رجح به شرفا ونبل وفضل وعقل وإن كان في‬
‫المال قل فإن المال ظل زائل وأمر حائل وعارية مسترجعة وهو‬
‫والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل وقد خطب إليكم رغبة‬
‫في كريمتكم خديجة وقد بذل لها من الصداق ما عاجله وآجله‬
‫إثنتي عشرة أوقية ونشا أي وهو عشرون درهما والوقية أربعون‬
‫درهما ً ‪ ....‬وعند ذلك قال عمها عمرو بن اسد هو الفحل ل يقدع‬
‫كلهما وأنكحها منه وقيل قائل ذلك ورقة بن نوفل اي فإنه بعد‬
‫أن خطب أبو طالب بما تقدم خطب ورقة فقال الحمد لله الذي‬
‫جعلنا كما ذكرت وفضلنا على ما عددت فنحن سادة العرب‬
‫وقادتها وأنتم أهل ذلك كله ل ينكر العرب فضلكم ول يرد أحد من‬
‫الناس فخركم وشرفكم ورغبتنا في التصال بحبلكم وشرفكم‬
‫فاشهدوا على معاشر قريش إني قد زوجت خديجة بنت خويلد‬
‫من محمد بن عبد الله وذكر المهر فقال أبو طالب قد أحببت أن‬
‫يشركك عمها فقال عمها اشهدوا على معاشر قريش أنى قد‬
‫أنكحت محمد بن عبد الله خديجة بنت خويلد وأولم عليها صلى‬
‫الله عليه وسلم نحر جزورا "‪.‬‬

‫‪603‬‬
‫ها قد رجعنا يا حضرة الب فقل لنا ما عندك ؟!‬
‫قال الب الحريري ص ‪ " :38‬وعندما بلغت الساعة الحاسمة‬
‫أرسلت خديجة إلى أعمامها فحضروا وأرسل محمد إلى أعمامه‬
‫فحضروا ‪ ...‬وخطب ولي أمره أبو طالب وقال ‪ ... :‬وخطب‬
‫القس ورقة ولي أمر خديجة وقال‪ :‬الحمد لله الذي جعلنا كما‬
‫ضلنا على ما عددت فنحن سادة العرب وقادتها ‪.‬‬ ‫ذكرت ‪ ،‬وف ّ‬
‫ي يا معشر‬ ‫وأنتم أهل ذلك كله ل ينكر العرب فضلكم فاشهدوا عل ّ‬
‫قريش‪ .‬إني زوجت خديجة بنت خويلد من محمد بن عبد الله ‪.‬‬
‫وفرح أبو طالب فرحا ً شديدا ً وقال ‪ :‬الحمد لله ‪ ...‬وهو بعد هذا‬
‫) الزواج ( له نبأ عظيم وشأن خطير "‪.‬‬
‫دق وبين ما جاء في‬ ‫فلنقارن بين ما قاله القزي الصادق المص ّ‬
‫السيرة ‪:‬‬
‫‪ .1‬ورد في السيرة أن أبا طالب قال لخديجة لما أخبرته بعزمها‬
‫الزواج من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬يا خديجة ل‬
‫تستهزئي "‪ .‬أي أنه لم يكن من ) المخططين ( لهذا الزواج ‪.‬‬
‫‪ .2‬ورد في السيرة قبل هذه الفقرة ذكر للوسطاء بين السيدة‬
‫خديجة وسيدنا محمد لقناعه بالزواج ومنهم نفيسة بنت منية‬
‫وغلمها ميسرة وغيرهما ولم أجد في أي مرجع من مراجع‬
‫السيرة ذكر للوسيط ورقة‪.‬‬
‫‪ .3‬ادعاؤه بأن ورقة هو ولي أمر خديجة وهذا ما تنفيه كل كتب‬
‫السيرة ‪ .‬كيف يكون ورقة ولي أمرها وعمها موجود ؟؟!!‬
‫‪ .4‬والذي يؤكد ذلك أن أبا طالب رفض حديث ورقة ) الذي تكلم‬
‫بصفته عضوا في الوفد ليس أكثر ( والدليل على استياء أبي‬
‫طالب من حديث ورقة قوله بعد أن أنهى ورقة حديثه‪ " :‬قد‬
‫أحببت أن يشركك عمها " ولهذا لم يتم عقد الزواج إلى بعد‬
‫موافقة عمها الصريحة‪.‬‬
‫‪ .5‬اشتراط موافقة ولي أمر خديجة ) عمها ( والمهر دليل على‬
‫أن الزواج لم يكن حسب شريعة النصارى‪.‬‬
‫‪ .6‬لحظوا النص الذي ذكره ) أرسلت خديجة إلى أعمامها‬
‫فحضروا ( وورقة ليس من أعمامها بل لم ُيذكر ) رغم حضوره‬
‫مع الوفد ( لن وجوده أقل أهمية من وجودهم‪..‬‬
‫‪ .7‬ليس لورقة كل تلك القداسة والهالة والحترام لدى قريش بل‬
‫ولدى أقاربه وهذا مهم كما سيمر معنا قريبًا‪.‬‬
‫‪ .8‬أخفى الحريري بخبث شديد وأمانة علمية منقطعة النظير‬
‫قول ورقة‪ " :‬ول يرد أحد من الناس فخركم وشرفكم ورغبتنا في‬
‫ور الكلم بحيث يصبح‬ ‫التصال بحبلكم وشرفكم "‪ ...‬بل ح ّ‬

‫‪604‬‬
‫الشرف والمكانة لورقة وأهله أسمى مما لبني هاشم كما هو‬
‫متواتر في التاريخ ‪.‬‬
‫‪ .9‬كما حذف اعتراض أبي طالب على حديث ورقة‪ ..‬فكيف دبرا‬
‫أمر الزواج إذا ً ؟؟ ولماذا حذفه ؟؟‬
‫‪ .10‬وأخبث عبارة قالها الحريري كانت في نهاية الفقرة ‪ " :‬بعد‬
‫هذا ) الزواج ( له نبأ عظيم وشأن خطير " من أين جاء بكلمة‬
‫) الزواج ( ؟؟؟؟!!!!!!!!!‬
‫ظن المسكين الذي يجهل تعابير العربية أن ) بعد ( معناها ) المر‬
‫التالي ( ولكن المعنى الصحيح هو ) فوق ( لن أبا طالب كان‬
‫يذكر ذلك أثناء افتخاره بنسبه وأخلق محمد ‪ ...‬أي محمد فوق‬
‫كل ذلك له كذا وكذا من الصفات‪..‬‬
‫ولحظوا تلك الخباثة المنقطعة النظير ‪ :‬لقد جعل عبارة " بعد‬
‫هذا ) الزواج ( له نبأ عظيم وشأن خطير " في آخر خطبة أبي‬
‫طالب مع انها كانت في وسطها‪.‬‬
‫ويمضي المسكين في خيالته وأوهامه‪ " :‬يلحظ ثانية أن القس‬
‫لم يكن حاضرا ً حفلة الزواج ومتقدما على الحاضرين وحسب بل‬
‫كان محتفل بالعقد ومكلل فهو الذي أبرم العقد وشهد عليه وأعلن‬
‫على الحضور ما جرى هو المحتفل الول بالعقد أو قل هو الكاهن‬
‫الذي ربط باسم الله ما ل يحل إنسان بحسب تعاليم البيونيين‬
‫كاهن نصراني يبارك الزواج فعلى أي دين يكون الزوجان إذن "‪.‬‬
‫أسئلة ‪:‬‬
‫‪ .1‬هل التكليل في بيت خديجة أم في‬
‫الكنيسة ؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!‬
‫‪ .2‬لماذا أصر أبو طالب أن يصدر الموافقة على الزواج من عم‬
‫خديجة‪.‬‬
‫‪ .3‬ل يوجد في كلم ورقة أي حرف يدل على النصرانية ‪ ..‬وأين‬
‫اختفت عبارات التكليل المعروفة ؟؟‬
‫‪ .4‬هل المهر والصداق المتقدم والمتأخر موجود عند‬
‫النصارى ؟؟؟؟؟؟؟؟‬
‫‪ .5‬هل سأل الكاهن المكلل الحاضرين ‪ :‬من له اعتراض على‬
‫الزواج فليتكلم ‪ ،‬أو ليصمت إلى البد ؟؟‬
‫‪ .6‬تلميح الحريري إلى أن الزواج كان نصرانيا ً ‪ .‬والدليل عدم‬
‫زواج محمد على خديجة يتناقض مع ما ذكره وأخوه الحداد في‬
‫مقدمة كتابيهما ـ في أن السلم مأخوذ عن الهراطقة ـ أن‬
‫النصرانية بدعة ل تمانع تعدد الزوجات ؟؟؟؟‬

‫‪605‬‬
‫فكر الحريري وجمع قواه ثم نطق باثا ً سموم حقده مستنتجا ما‬
‫حاول التأسيس له من قواعد باطلة بأدلة واهية ظانا ً أن كل‬
‫الطير يؤكل لحمه ‪ .‬معتبرا ً أن ما يصدق على مصادر دينه لبد أن‬
‫يصدق على مصادر الدين الحق ‪...‬‬
‫قال الحريري الصادق ص ‪ " : 41‬مهما كان جريئا ً ل يخطر بباله‬
‫وهو الخادم أن يتزوج من سيدته التي أشفقت عليه واستخدمته‬
‫في تجارتها وقد كان قومها قد طلبوها للنكاح قبل ذلك ورفضت‬
‫وذكروا لها الموال فلم تقبل ‪ .‬لن يكون لمحمد ذلك لول دافع دّبر‬
‫له المناسب ‪ .‬ومن يكون هذا الدافع غير القس ؟ فلول ذاك‬
‫القس لما كان ما كان ‪ ،‬ومتى أراد القس شيئا ً كان "‪.‬‬
‫وهذا ذكرني بقوله ص ‪ " :54‬القس قدير على كل شيء في كل‬
‫حال "‪.‬‬
‫الرد‪:‬‬
‫‪ .1‬ناقض نفسه ) كعادتهم ( فقد ذكر هو بنفسه وساطة نفيسة‬
‫لتقنع سيدنا محمد بالزواج من خديجة ومن بعث نفيسة سوى‬
‫خديجة رضي الله عنها‪.‬‬
‫‪ .2‬رفضت الزواج من قومها الغنياء رفضا طبيعيا لنها غنية ول‬
‫تريد المال‪ .‬بل تريد الصدق والطهارة العفة ومكارم الخلق التي‬
‫وجدتها في سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ .3‬عبارته ‪ :‬وهو الخادم ‪ ،‬سيدته ‪ ...‬من قال أنه الخادم وهي‬
‫السيدة ؟‬
‫بل كان وكيل أعمالها ‪ ..‬موظفا ً مسؤول ً في شركتها ) بحسب‬
‫تعابيرنا ( وهل كل الموظفين خدم ؟!‬
‫لحظوا بالله عليكم عبارات الحقد والغيظ من سيدنا محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وهل الثروة هي التي تحكم على النسان ؟؟‬
‫لو كان الحريري مسيحيا ً حقيقيا ً لمن بأن المال ما هو إل شيطان‬
‫وما الثروة بمقياس يقاس به الشريف والوضيع إل‬
‫عند ‪!!!!!!!!! ..........‬‬
‫ما هذا الكلم يا حريري ص ‪ " :61‬القس دبر ‪ ،‬والزوجة نفذت ‪،‬‬
‫والعم عضد ‪ ،‬والنبي استسلم لرادة الله‪ .‬على هؤلء قامت‬
‫الدعوة الجديدة "‪.‬‬
‫وفي ص ‪ 39‬يذكر الحريري المتناقض أن أبا خديجة رفض‬
‫فقالت له ‪ " :‬أما تستحي ؟ تريد أن تسفه نفسك عند قريش ؟‬
‫فلم تزل به حتى رضي "‪.‬‬
‫لماذا لم تتوجه إلى الزعيم القس الذي يقول للشيء كن فيكون‬
‫؟؟!!‬

‫‪606‬‬
‫ولماذا لم تخبر أباها أن تلك إرادة ورقة سيدك وأبوك وقس‬
‫كنيستك المطاع ؟‬
‫لحظ معي يا زميلي الضطراب الشديد عند من وصفهم الله‬
‫تعالى في سورة الفاتحة بوصفهم الليق بهم‪..‬‬
‫يقول ص ‪ 40‬بعد أن ذكر القصة المعروفة في محاولة رقية أخت‬
‫القس ورقة الزواج بعبد الله بن عبد المطلب أو على القل‬
‫الحمل منه بولد ولو سفاحا ً حيث سحبت ثوبه تريد مضاجعته‬
‫ولكنه أبى‪ ..‬رغم عرضها المغري بذبائح سخية من البل‪.‬‬
‫" ونلظ ‪ ..‬كيفية زواج والد محمد المدعو عبد الله )؟( ] علمة‬
‫السؤال من عنده [ ‪ ..‬وقد عرت رقية أخت القس ورقة نفسها‬
‫عليه ‪ ..‬إل أنها لم توفق بالزواج من عبد الله "‪.‬‬
‫هذا هو ورقة الذي إذا أراد شيئا ً كان ؟؟ ما هذا التناقض ‪.‬‬
‫بل نفس ورقة كان قد خطب خديجة ولكنها لم توافق عليه كما‬
‫هو معروف ومشتهر في كتب السيرة‪ .‬انظر الطبقات الكبرى‬
‫لبن سعد ‪.14 / 8‬‬
‫فكيف ينسجم هذا مع أحلم الستاذ الجامعي المحترم ؟‬
‫الحداد يؤكد سطوة ورقة وحظوته حيث عّبر عن هذا الزواج بأنه‬
‫" زواج مصلحة مدروس " قام به " ورقة أقوى شخصية في مكة‬
‫والحامي الكبر للنصارى فيها والحجاز كلها "‪ .‬ص ‪.288‬‬
‫والله يا زملء إني أخشى على أعصابكم لكن هذا ما قال به الب‬
‫الصادق المصدق حرفيًا‪.‬‬
‫واقرأ في نفس الصفحة ‪ " :‬وهل كان قس مكة النصراني‬
‫وسيدة قريش التي تأتمر بأمره يرضيان بهذا الزواج لو لم يكن‬
‫مثلهما نصرانيا ً "‪.‬‬
‫خديجة التي رفضت الزواج بورقة تأتمر بأمره‪ ...‬خديجة‬
‫النصرانية لم تعرف جبريل الذي نزل على سيدنا محمد‪.‬‬
‫لم تذكر لنا يا عزيزي أي أمر ائتمرت به خديجة من قبل ورقة‬
‫ونفذته ‪ ..‬اذكر لنا أمرا ً واحدًا‪.‬‬
‫وليثبت الحداد نصرانية سيدنا محمد ادعى أن الحاضنة بركة ) أم‬
‫أيمن ( الحبشية مسيحية " فكان محمد طفل في حضانة مسيحية‬
‫" ص ‪.277‬‬
‫ل أدري أين ذهب عقل الحداد وهو يكتب هذا الكلم ‪ ...‬هل من‬
‫المعقول أن يسلم النصارى أبناءهم إلى المسيحيين الذين‬
‫قّتلوهم وأجبروهم على الرحيل إلى صحراء العرب بدعوى أنهم‬
‫هراطقة ؟؟!!‬
‫وأنه تعمد ‪ ..‬يقول ص ‪ 322‬في تفير قوله تعالى في سورة‬
‫الضحى " ووجدك ضال ً فهدى " " هداية في الطفولة في بيئة‬

‫‪607‬‬
‫نصرانية ل تكون إل العماد النصراني ول يستقيم غير ذلك "‪ .‬وذكر‬
‫أن حليمة أخذت سيدنا محمد إلى ورقة الذي عمده في غار حراء‬
‫وعمره ست سنين‪.‬‬
‫وماذا قال الحريري ‪ .‬لقد قال ص ‪ 40‬أنه سافر إلى الشام‬
‫وعمده بحيرا‪.‬‬
‫هل يوجد أحد من نصارى النادي تعمد مرتين‬
‫هذه هي السس التي اعتمدوا عليه لثبات نصرانية سيدنا‬
‫محمد ‪.‬‬
‫أل تشفقون إخواني على هؤلء الذي بحثوا واجتهدوا ليبحثوا في‬
‫أصل السلم ولم يجدوا أقوى من تلك الدلة‪.‬‬
‫ل!‬‫أليست تلك شهادة للسلم بأنه كام ُ‬
‫أشهد أن ل إله إل الله وأشهد بأن محمدا ً عبده ورسوله‪.‬‬
‫ويتابع درة الحداد درره ص ‪ " 335‬وحدهم النصارى من بني‬
‫إسرائيل والمتنصرون معهم من العرب بزعامة ورقة بن نوفل‬
‫وعبد المطلب الول جد محمد العلى يقولون بإسلم القرآن لنه‬
‫إسلمهم "‪.‬‬
‫أليس استقسام عبد المطلب بالزلم عدة مرات دليل شركه ‪..‬‬
‫أم أن الحداد يوافق أن النصرانية شرك‪.‬‬
‫ومن هو عبد المطلب الول والثاني وهل هناك أقنوم ثالث لعبد‬
‫المطلب ؟؟!!!‬
‫هل تنازل بنو هاشم عن السقاية والرفادة وسدنة البيت الحرام‬
‫لورقة ؟ من قال بذلك ؟‬
‫كم من مرة كانت تسيل دماء العرب لنول ذلك الشرف‬
‫العظيم ‪ ..‬وكيف ناله ورقة وآله بتلك السهولة ؟!‬
‫وأختم قصة زواج سيدنا محمد بطرفة قالها الحريري ص ‪" :57‬‬
‫ولكن‪ ،‬لبد لنا أن نسأل ل عن نبوة محمد ‪ ،‬بل عن نبوة خديجة ‪..‬‬
‫"‪.‬‬
‫فالله مصدر الوحي هو ورقة والنبي هي خديجة أما محمد فـ‪......‬‬
‫الحريري ‪ " :277‬وهنا تبرز خصوصا ً تلك الشخصية الجبارة التي‬
‫لعبت الدور الول في هداية ورقة "‪.‬‬
‫علقة ورقة بالوحي‪:‬‬
‫الحريري ص ‪ " :65‬لقد أراد القس أن يكون محمد خليفة له‬
‫على عمله الروحي بين العرب ويحافظ على استمرارية‬
‫النصرانية ‪." ..‬‬
‫وص ‪ " :194‬جل همنا أن نقدم الدليل للمرة اللف على أن‬
‫القرآن العربي هو قراءة ميسرة للكتاب العجمي وعلى أن‬
‫محمدا ً لم يكن ليعرف أية لغة أعجمية ‪." ..‬‬

‫‪608‬‬
‫تلك مهمة ورقة التي نجح بها كما قال الحريري ص ‪" :205‬‬
‫تحقق على يد القس والنبي فمرده إلى جمع الفرق والشيع‬
‫والحزاب النصرانية المنتشرة في مكة والحجاز آنذاك وجعلها‬
‫دينا واحدا وأمة واحدة وما السلم في حقيقته وجوهره إل دين‬
‫التوحيد "‪.‬‬
‫وهنا نلحظ التناقض الواضح الفاحش ‪:‬‬
‫محمد نصراني ابن نصراني ابن نصراني ) الحداد ‪ ( 291‬فكيف‬
‫يحتاج شخصا ً كان عريقا في الوثنية ولم يتنصر إل في سني حياته‬
‫الخيرة‪ .‬فمن الحق بتعليم الخر والجدر بذك ؟؟؟!!‬
‫لماذا احتاج محمد إلى ورقة لو كان محمد نصرانيا ً ابن نصراني‬
‫ابن نصراني ؟؟‬
‫ورقة الذي حابا الوثنيين حتى ل يلقي نفس مصير زميله الشجاع‬
‫زيد بن عمرو الذي قتله عباد الصنام وتركو ورقة ؟؟ لماذا تركو‬
‫ورقة وقتلوا زيدا ً فقط ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟‬
‫ما علقة ورقة العجوز الكبير في السن العاجز الصم العمى‬
‫) الحريري ص ‪ ( 62‬بغار حراء ذلك الغار الذي يقع على قمة جبل‬
‫النور ذلك الجبل الشاهق العالي الذي يعجز أشد الرجال وأقواهم‬
‫عن صعوده إل بشق النفس ؟؟‬
‫ثم لو كنت النصرانية عريقة في مكة فلماذا رحل ورقة‬
‫وأصدقاؤه خارجها بحثا ً عن الدين الحنيف ؟‬
‫يقول الحداد ص ‪ " :316‬فنحن مدينون بنبوءة محمد النبي‬
‫العربي إلى زعماء النصرانية بمكة "‪.‬‬
‫هل اعترف الحداد بنبوة سيدنا محمد ‪ ....‬هل لذلك لفظته‬
‫الكنيسة التي يتبعها ‪ ،‬ومنعت قراءة كتابه ؟‬
‫اللهم ثبت علينا العقل والدين‬
‫وفجأة أثناء وجودنا مع هذا الكم الكبير من زعماء النصرانية في‬
‫مكة يفجر الحريري القنبلة ص ‪ " :34‬ولسنا نجد في مكة في‬
‫أيام النبي محمد ‪ ،‬غير القس ورقة يلزم محمدا ً طوال أربع‬
‫وأربعين سنة "‪.‬‬
‫ل يوجد نصارى في مكة أعلم من ورقة الذي عبد الصنام ‪60‬‬
‫سنة ؟!‬
‫أما ملزمة محمد لورقة الذي كان يلبس طاقية الخفاء فقد‬
‫غابت عن أبي جهل وأبي سفيان ومعارضو محمد الذين احتاروا‬
‫في أصل القرآن‪..‬‬
‫هل تتذكرون كم كلمة كتب الزميل الراعي عن ورقة وأثره في‬
‫أصل القرآن ؟؟‬
‫وهيا بنا لنلتقي بعداس النينوي‪:‬‬

‫‪609‬‬
‫يقول الحريري ص ‪ " :59‬لم تتوان خديجة عن البحث‬
‫والستشارات لتهدئ من روع زوجها فقد كانت تذهب به إلى‬
‫القس ورقة تارة وإلى عداس النينوي طورا ً ثم كتبت خديجة إلى‬
‫بحيرا تسأله عن جبريل "‪.‬‬
‫بزعمه‪ :‬خديجة النصرانية ل تعرف جبريل‪.‬‬
‫ورقة قس مكة ل يعرف جبريل‪.‬‬
‫عداس ل يعرف جبريل‪.‬‬
‫خديجة ل تثق بورقة ولذلك بعثت برسالة إلى بحيرا‪.‬‬
‫أهملت خديجة كل الجالية النصرانية في مكة وبعثت برسالة إلى‬
‫بحيرا‪.‬‬
‫وأختم مع هذا الخلط العجيب لعدة أمور ليس لها علقة ببعضها‪:‬‬
‫يقول الحريري ص ‪ " :54‬حاولوا تجنب خطر ما أدركوا وما‬
‫عرفوا ‪ .‬وما تجنبوه من مخاطر كان إثباتا ً أخطر لما نبحث عنه ‪.‬‬
‫لقد حاولوا إثبات نبوة محمد فيما هم في الحقيقة يثبتون نبوة‬
‫القس‪ .‬والقس قدير على كل شيء في كل حال‪ .‬أما الذين‬
‫تعاونوا مع القس وسمعوا نداءه وذهلوا بتدابيره فأولهم وأهمهم‬
‫زوج النبي وأبو طالب عمه وكفيله ‪ .‬وأبو بكر صديقه الحميم ‪،‬‬
‫ووالد خديجة بعد رضاه ‪ ،‬وأخوها عمرو ‪ ،‬وغيرهم كثير‪ .‬كلهم‬
‫خذوا فيما‬
‫انصاعوا لتدابير الله على يد القس ووكيله في مكة وات ُ ِ‬
‫دبر‪ .‬وبارك الراهب بحيرا والراهب عداس النينوي وسلمان‬
‫الفارسي هذا التدبير "‪.‬‬
‫الله أكبر ولله الحمد‬
‫أسأل الله تعالى أن ييسر البحث القادم حول نصرانية مكة في‬
‫عهد النبوة وتناقضهما في ذلك‪.‬‬
‫الديانة النصرانية في مكة‪:‬‬
‫يقول الحريري بثقة بالنفس قل نظيرها ‪...‬‬
‫" هذه الشهادات وغيرها في كتب السير والخبار تدل على وجود‬
‫نصراني واسع في مكة "‪ .‬ص ‪.18‬‬
‫وص ‪ " :99‬وتشهد كتب الخبار على وجود مناخ نصراني عام‬
‫طغى على بيت محمد "‪.‬‬
‫ولكن‪ ..‬قال ص ‪ " :105‬فل شرك إذن ول جهل بالله ول إنكار‬
‫وجوده ول الوثنية بمعناها الحقيقي كان موجودا في مكة‪ .‬ولئن‬
‫طاب لكتاب السير والخبار إثبات ذلك "‪.‬‬
‫لنكمل روايته الخيالية " فمكة لم تكن مشركة ول وثنية ول‬
‫جاهلة بالله وبالتالي لم تكن في عصر الجاهلية‪ ..‬وربما منادمة‬
‫محمد للرهبان ومعرفته بهم والتجاؤه إليهم في ملماته وصعوباته‬

‫‪610‬‬
‫وأمراضه خير شاهد على إلمام محمد بالنصرانية‪ ،‬أو على تنصره‬
‫كما عرفنا "‪.‬‬
‫ول أدري ما هي التماثيل والصنام التي كانت حول الكعبة هل‬
‫كانت ) ألعاب البوكيمون ( ؟!‬
‫كيف سكت الوثنيون من قريش على النصارى رغم أن الوثنية‬
‫كانت تدر على قريش الرباح الهائلة‪..‬‬
‫أم ‪ ...............‬دينهم واحد ؟؟!!‬
‫لحظ حيرة الحداد ص ‪ " 254‬وما كان قس مكة ورقة بن نوفل‬
‫ليطوف مع مريده محمد حول الكعبة ‪ ..‬لو كانت الكعبة معبد‬
‫أوثان "‪.‬‬
‫هل طردتك الكنيسة لمر بيسط أيها الب المسكين ‪...‬‬
‫لقد دفنت محروما ً لنك ) دون أن تدري ( كنت بكتاباتك سببا ً في‬
‫هداية بعض شباب النصارى !!!!!!‬
‫ها أنت تحت التراب ‪ ..‬كيف ستقابل ربك بتلك الكاذيب ؟؟!!‬
‫إذن سيدنا محمد لم يحطم الـ ‪ 360‬صنما التي كانت موجودة‬
‫حول الكعبة وداخلها يوم الفتح ‪..‬‬
‫أنا متيقن بأن الحداد والحريري يتحدثون عن شيء آخر ل علقة‬
‫له بالسلم ول الجاهلية ول بكل جزيرة العرب‪ ..‬بل ولم يوجد‬
‫على سطح الرض‪.‬‬
‫هل يؤمنان بوجود حياة على سطح المريخ ؟؟!! فيها مكة وكعبة‬
‫وورقة ‪ ....‬ذلك أقرب للمنطق يا دعاة البحث العلمي ‪.‬‬
‫مشفق والله على طلبة الجامعة التي تحمل اسم القنوم الثالث‬
‫‪...‬‬
‫كيف يتحمل طلبة لبنان ما يدرسهم أستاذهم من أغلوطات ؟؟!!!‬
‫إن كان معلموهم كذلك فكيف سيتخرجون ؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!‬
‫بأي علم ٍ سيناظرون المسلمين ؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!‬
‫واستفد مما يضيف الحداد ص ‪ " : 303‬ورقة بن نوفل قس مكة‬
‫‪ ..‬والذين يلتفون حوله من عبد المطلب جد محمد إلى أبي‬
‫طالب عم محمد إلى عبد الله والد محمد إلى السيدة خديجة ابنة‬
‫عمه ‪ .‬إلى محمد نفسه الذي يدور في فلكه قبل مبعثه ‪ ،‬كانوا‬
‫كلهم نصارى على مذهب النصرانية السرائيلية "‪.‬‬
‫)) بدون تعليق ((‬
‫والن مع الحلقة الخيرة من حلقات ‪ :‬تناقضات الحداد والحريري‬
‫‪:‬‬
‫يقول ص ‪ " :290‬إن التعبد والصوم والخلوة ليس من شرع‬
‫إبراهيم ول من شرع موسى ول عادة نصرانية وممارسة الخلوة‬
‫على انفراد عادة رهبانية "‪.‬‬

‫‪611‬‬
‫ولكنه يقول ص ‪ " :322‬ومنذ زمن المزمور الثالث في الزبور‬
‫اعتاد أتقياء الله ممارسة الخلوة والنوم في بيت الله ينتظرون‬
‫منه وحيًا‪." ..‬‬
‫وخذ هذا التناقض للمدرس الجامعي الحريري ‪:‬‬
‫ص ‪ " 42‬فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده وكان يخلو‬
‫بغار حراء "‪ .‬وكرر نفس العبارة ص ‪.43‬‬
‫ولكنه بعد أسطر قليلة في نفس الصفحة قال ‪ " :‬ولكن ‪ ،‬لم يك‬
‫محمد يعرف وحده أهمية الخلوة إعدادا ً للنفس وانقطاعا ً إلى‬
‫الله لو لم يتعرف على أناس مارسوها قبله ولو لم يتبع في ذلك‬
‫مسيرة جده وندماء جده أمثال أبي أمية بن المغيرة والقس‬
‫ورقة بن نوفل وغيرهما فعن هؤلء أخذ محمد الطريقة وعلى‬
‫خطواتهم سار في إعداد حياه الروحية ورسالته العلنية إلى‬
‫الناس "‪.‬‬
‫وبعد أسطر يقول ‪ " :‬ول نعرف بالحصر مقومات خلوة محمد في‬
‫غار حراء ول كيفيتها "‪.‬‬
‫ثم يكتشف أنها معروفة محصورة في نقاط محددة ص ‪" 45‬‬
‫وفي كتب السيرة وصف لها بما يتفق والتقاليد النصرانية في‬
‫ذلك الحين "‪.‬‬
‫ثم يعددها ‪ :‬وهي التحنف ‪ ،‬الزهد والنقطاع عن الناس ‪،‬‬
‫الصيام ‪ ،‬أعمال البر والحسان ‪ ،‬شهر رمضان ‪ ،‬الطواف حول‬
‫الكعبة‪.‬‬
‫ثم يقول ص ‪ " :46‬هذه بعض مقومات خلوة النبي في غار حراء‬
‫كلها عادات نصرانية ‪. "..‬‬
‫هل هناك تناقض ؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!‬
‫رأفة بطلبك يا أستاذ حرام عليكم ‪..‬‬
‫ونسي انه قال ص ‪ " :43‬كان رسول الله يجاور في حراء من‬
‫كل سنة شهرا ً وكان ذلك مما تحنث به قريش في الجاهلية "‪.‬‬
‫وذكر ص ‪ " :142‬الصيام سنة عامة في كل الديان والمذاهب "‪.‬‬
‫قد صدق الحريري عندما عبر عن نفسيته وهو يحاول اثبات‬
‫مصدر القرآن بقوله " وجميعنا كنا ضحية بلبلة في السلم ل‬
‫حدود لها ول نهاية "‪ .‬ص ‪.219‬‬
‫البلبلة صنعتها يداك وعقلك يا حريري عندما حسبت مصادر دين‬
‫السلم كمصادر دينك ‪.‬‬
‫هذه البلبلة صدر عنها اعتراف الحريري بنجاح دعوة سيدنا محمد‬
‫حيث قال ص ‪ " 200‬لقد نجح القس في ذلك وتوقف نجاحه على‬
‫نجاح تلميذه ونجح التلميذ ومآثر نجاحه يدل عليها أثره الكبير في‬
‫تاريخ العالم "‪.‬‬

‫‪612‬‬
‫احذر يا أستاذ قزي كي ل يخسرك طلب الجامعة بعد ان تلفظك‬
‫كما لفظت الكنيسة صديقك اليبرودي‪.‬‬
‫من سيعلم طلبكم خفايا السلم وأصول القرآن ‪ ....‬بعدكم أيها‬
‫الب العلمة‪.‬‬
‫الحمد لله رب العالمين على نعمة الصراط المستقيم‬
‫تبه الستاذ عبد الرحيم الشريف لموقعي ‪ -‬العجاز العلمي‬
‫وردود‬
‫‪/http://www.rudood.com‬‬
‫=================‬
‫الفهرس العام‬

‫‪613‬‬
614

You might also like