You are on page 1of 204

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫هذه من صفات المتقين فهل تستغل هذه الوقات في الستغفار ؟ فإن قلت‬
‫سي ّد ُ‬ ‫م‪َ ':‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫نعم فأقول عليك بسيد الستغفار‪ ،‬فعَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل الل ّه َ‬ ‫اِلست ِغْ َ َ‬
‫َ‬
‫قت َِني وَأَنا عَب ْد ُك وَأَنا عَلى‬ ‫خل ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ه إ ِل أن ْ َ‬ ‫ت َرّبي َل إ ِل َ‬
‫َ‬ ‫م أن ْ َ‬ ‫ُ ّ‬ ‫قو َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫فارِ أ ْ‬ ‫ْ‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫بو‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ص‬ ‫ما‬ ‫ر‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫عو‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ما‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫و‬ ‫ك‬‫َ‬
‫َ ّ‬ ‫ِِْ َ ِ‬ ‫ّ َ َ َْ ُ ُ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ ْ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ ِ‬ ‫عَهْدِ‬
‫َ‬ ‫وَأ َُبوُء ل َ َ‬
‫ت'رواه البخاري‬ ‫ب إ ِّل أن ْ َ‬ ‫فُر الذ ُّنو َ‬ ‫ه َل ي َغْ ِ‬ ‫فْر ِلي فَإ ِن ّ ُ‬ ‫ك ب ِذ َن ِْبي َفاغْ ِ‬
‫والترمذي والنسائي وأحمد‪.‬‬
‫وعليك أيضا ً بكثرة تكرار الستغفار مائة أو سبعين مرة كما ورد عن النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم في كل ليلة‪ ،‬وفي كل وقت من أوقات السحر‪ ،‬ول‬
‫ل ذ َك ََر‬ ‫ج ٌ‬ ‫تنس أن من السبعة الذين يظلهم في ظله يوم ل ظل إل ظله ‪...':‬وََر ُ‬
‫ه' رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ومالك‬ ‫ت عَي َْنا ُ‬ ‫ض ْ‬ ‫فا َ‬ ‫خال ًِيا فَ َ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫وأحمد ‪ .‬فاحرص يا أخي على هذا الوقت الثمين‪ ،‬واحرصي يا أختي على هذا‬
‫الوقت العظيم أل يفوت علينا خاصة وأننا في شهر رمضان‪ ،‬وأننا ممن قام‬
‫للسحور فجميعنا يقظان‪ ،‬فلنستغل هذه الدقائق في هذه العبادة العظيمة ‪.‬‬
‫توجيهات وأفكار موجهة للمرأة في رمضان ‪:‬‬
‫الوسيلة الثالثة والثلثون‪ :‬استحضار النية وكثرة الذكر أثناء عمل البيت‪:‬‬
‫فالمرأة في رمضان يذهب الكثير من وقتها في مطبخها‪ ،‬خاصة في الساعات‬
‫المباركة مثل ساعات الغروب وأوقات الستجابة‪ ،‬وكذلك ساعات السحر في‬
‫وقت السحور‪ ،‬ولكن حتى ل تعتبر هذه الساعات الطويلة ضياعا ً فعليها أن‬
‫تنتبه لهذه المور‪ ،‬وعلينا نحن أن ننبه زوجاتنا وبناتنا ونساءنا إلى مثل هذه‬
‫المور حتى يكتب لها وقتها ول يضيع عليها ومنها‪:‬‬
‫‪ -1‬استحضار النية والخلص في إعداد الفطور والسحور واحتساب التعب‬
‫والرهاق في إعدادها فَع َ‬
‫صّلى الل ُ‬
‫هّ‬ ‫ي َ‬ ‫معَ الن ّب ِ ّ‬ ‫ل‪ :‬ك ُّنا َ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫س َر ِ‬ ‫ن أن َ ٍ‬ ‫َ ْ‬
‫ً‬ ‫ْ‬
‫ل فَن ََزلَنا َ‬ ‫فط ُِر َقا َ‬ ‫ْ‬ ‫فرِ فَ ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫من ْزِل ِفي ي َوْم ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫مّنا ال ُ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫صائ ِ ُ‬ ‫مّنا ال ّ‬ ‫س َ‬ ‫م ِفي ال ّ‬
‫َ‬
‫ط‬ ‫ق َ‬ ‫س َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫س ب ِي َدِهِ َقا َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫قي ال ّ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مّنا َ‬ ‫ساِء وَ ِ‬ ‫ب ال ْك ِ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫صا ِ‬ ‫حاّر أك ْث َُرَنا ظ ِّل َ‬ ‫َ‬
‫هّ‬ ‫ب فَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫ْ‬
‫ل الل ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫وا الّركا َ‬ ‫ق ْ‬ ‫س َ‬‫ضَرُبوا الب ْن ِي َةِ وَ َ‬ ‫فط ُِرو َ‬ ‫م ْ‬‫م ال ُ‬ ‫م وََقا َ‬ ‫وا ُ‬ ‫ص ّ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ر'رواه البخاري ومسلم‬ ‫ج ِ‬ ‫م ِبال ْ‬ ‫ن الي َوْ َ‬ ‫فط ُِرو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫م‪ ':‬ذ َهَ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫والنسائي ‪.‬‬
‫إذًا‪ :‬أيتها المسلمة إن عملك ل يضيع أبدا بل هل تصدقين إن قلت لك إن هذا‬ ‫ً‬
‫العمل حرم منه كثير من الرجال ؟ لن القائم على الصائم له أجر عظيم فما‬
‫بالك وأنت صائمة‪ ،‬ثم أنت أيضا ً تعدين هذا الطعام‪ ،‬وتقضين كثيرا ً من وقتك‬
‫في إعداده‪ ،‬فل شك أنك على خير‪ ،‬والمهم استحضار هذه النية‪ :‬من طاعة‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للزوج‪ ،‬ورعاية للولد‪ ..‬وغير ذلك‪ ،‬ولن يضيع الله عملك إن شاء الله ‪.‬‬
‫‪ -2‬يمكن للمرأة استغلل هذه الساعات في الغنيمة الباردة وهى كثرة الذكر‬
‫والتسبيح والستغفار والدعاء وهى تعمل‪ ،‬فبدل ً من أن يضيع عليها وقتها في‬
‫رمضان بدون فائدة؛ فإنها تجمع بين الحسنيين‪ :‬استحضار النية وكثرة الذكر‬
‫والدعاء وهى تعمل وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ‪.‬‬
‫‪ -3‬الستماع للقرآن والمحاضرات عبر جهاز التسجيل الخاص بالمطبخ‪،‬‬
‫وأقول 'الخاص بالمطبخ' لحث الرجال والخوان على الحرص على توفير‬
‫جهاز تسجيل خاص بالمطبخ ‪ ..‬لماذا ؟ لن المرأة تقضى كثيرا ً من وقتها في‬
‫المطبخ‪ ،‬فلعلها أن تستغل هذا الوقت في مثل هذه المور تارة‪ :‬باستماع‬
‫شريط‪ ،‬وتارة‪ :‬بالتسبيح والتهليل والتحميد‪ ،‬وأيضا ً بالحتساب واستحضار النية‬
‫الخالصة في إطعامها وعملها وتعبها لها ولولدها وزوجها ‪.‬‬
‫الوسيلة الرابعة والثلثون‪ :‬شراء ملبس وحاجيات العيد في بداية رمضان‪:‬‬
‫وفي ذلك مكاسب منها‪ :‬استغلل أيام وليالي رمضان‪ -‬وخاصة العشر الواخر‪-‬‬
‫فما الذي يحدث ؟ يضيع وقت كثير من النساء وكذلك أولياء أمورهن في‬
‫الذهاب للخياطة‪ ،‬أو الذهاب للمعارض أو السواق‪ ،‬وهكذا تضيع الوقات‬
‫الثمينة في أمور يمكن قضاؤها والنتهاء منها قبل دخول الشهر أو في أوله‬
‫حيث تكون السواق شبه فارغة‪ ،‬والسعار رخيصة‪ ،‬فلماذا ننتظر إلى وقت‬
‫الزحام وغلء لسعار ؟!‬
‫أمر آخر‪ :‬وهو تفريغ الزوج وعدم إشغاله في أعظم اليام وهى العشر‬
‫الواخر‪ ..‬لماذا أفتن ولدي‪ ،‬أو زوجي‪ ،‬أو غيره بمخالطة النساء المتبرجات في‬
‫مثل هذه اليام الفاضلة ؟!‬
‫الوسيلة الخامسة والثلثون‪ :‬صلة التراويح في المساجد‪:‬‬

‫) ‪(212/6‬‬

‫روحانية متميزة فتجد صفوف المسلمين والمصلين متراصة وتسمع التسبيح‬


‫والبكاء‪ ،‬إل أن هذا الخير قد تحرمه بعض نسائنا ل إهمال ً منها وإنما انشغال‬
‫بالولد والجلوس معهم وهى بهذا بين أمرين‪ :‬أول ً ‪ :‬إما الذهاب إلى المسجد‬
‫وأخذ صغارها وقد يؤذون المصلين فتنشغل بهم‪ ،‬أو الجلوس في البيت‬
‫وحرمان النفس من المشاركة مع المسلمين‪ ،‬وربما حاولت الصلة في بيتها‬
‫ولكنها تشكو من ضعف النفس وقلة الخشوع وكثرة الفكار والهواجس فماذا‬
‫تفعل إذن ؟‬
‫أسوق هذا القتراح‪ :‬لم ل تتفق مع بعض أخواتها بالجتماع في أحد البيوت‬
‫للصلة جماعة مع اهتمام إحداهن بالصغار‪ ،‬أو تجلس إحداهن مع الصغار‬
‫والخريات يذهبن للصلة في المسجد‪ ،‬وهكذا إذا اتفقت الخوات على أن‬
‫تقوم واحدة منهن كل ليلة بالهتمام بالصغار؛ فإنها على القل ستكسب كثيرا ً‬
‫من أيام وليالي رمضان مع المسلمين أما أن تخسرها بهذه السهولة فل ‪.‬‬
‫وعلى الزواج والباء الحرص على حث أزواجهم وأخواتهم وبناتهم على‬
‫الذهاب معهم إلى المساجد فإن في ذهابها خيرا ً كثيرًا‪ ،‬إذا خرجت بصفة‬
‫شرعية‪ :‬غير متعطرة ول متجملة أو متبرجة كذلك ينبغي عليها أل تخضع‬
‫بالقول‪ ،‬وأل ترفع صوتها في المسجد؛ فتؤذى المصلين‪ ،‬وعليها أن تتجنب‬
‫الحديث في المسجد لغير حاجة خشية أن تقع في المحرم من غيبة أو نميمة‪.‬‬
‫وخلصة القول‪ :‬أنه ينبغي أن يعلم أن صلة المرأة في بيتها أفضل‪ ،‬وخروجها‬
‫للمسجد لتحصيل منافع ل يمكن تحصيلها في البيت‪ ،‬وإل فبيوتهن خير لهن ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وفي صلح المرأة صلح المجتمع؛ فلذلك نحث الباء والخوة على الحرص‬
‫على أخذ أزواجهم وبناتهم إلى المساجد‪ ،‬وأل ُيتركن في البيت بل عون ول‬
‫ة 'رواه أبوداود والنسائي‬ ‫صي َ َ‬
‫قا ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ل الذ ّئ ْ ُ‬‫ما ي َأ ْك ُ ُ‬
‫توجيه‪ ،‬عرضة للغفلة‪ ' :‬فَإ ِن ّ َ‬
‫وأحمد ‪.‬‬
‫الوسيلة السادسة والثلثون‪ :‬وضع جدول غذائى منتظم‪:‬‬
‫لماذا ل تجعلي لك جدول ً غذائيا ً منتظما ً لتقسيم الصناف على أيام السبوع‪،‬‬
‫ول شك أننا بهذا التنظيم نكسب أمورا ً كثيرة منها‪:‬‬
‫ل‪:‬عدم السراف في الطعام والشراب‪ ،‬وقد نهينا عن ذلك ‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيا‪:‬قلة المصاريف المالية‪ ،‬وترشيد الستهلك ‪.‬‬ ‫ً‬
‫ثالثًا‪:‬التجديد في أصناف المأكولت والمشروبات وإبعاد الروتين والملل بوجود‬
‫هذه الصناف يوميًا‪.‬‬
‫رابعًا‪:‬حفظ وقت المرأة‪ ،‬وطلب راحتها‪ ،‬واستغلله بما ينفع خاصة في هذا‬
‫الشهر المبارك‪ .‬ويا ليت أن بعض الخوات يفعلن مثل هذه الجدول‪ ،‬وأن‬
‫ينفعن غيرهن من أخواتهن في توزيعه في مدراسهن وأماكن اجتماعهن؛ فإن‬
‫فعل ذلك‪ -‬كما ذكرنا‪ -‬فيه فوائد جمة ‪.‬‬
‫ثم أختم القتراح الخاص بالمرأة بتحميلها المسؤلية أمام الله عن السراف‬
‫في بيتها‪ ،‬فهي المسؤلة الولى عن السراف في الطعام والشراب وتعدد‬
‫م َراٍع وَك ُل ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫النواع ‪.‬وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‪' :‬ك ُل ّك ُ ْ‬
‫ن‬
‫ة عَ ْ‬ ‫سُئول َ ٌ‬
‫م ْ‬ ‫جَها وَ َ‬ ‫ت َزوْ ِ‬ ‫ة ِفي ب َي ْ ِ‬ ‫مْرأ َة ُ َرا ِ‬
‫عي َ ٌ‬ ‫ه' ثم قال 'َوال ْ َ‬ ‫عي ّت ِ ِ‬
‫ن َر ِ‬ ‫ل عَ ْ‬‫سُئو ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫عي ّت َِها'رواه البخاري ومسلم وأبوداود والترمذي وأحمد ‪.‬‬ ‫َر ِ‬
‫الوسيلة السابعة والثلثون‪:‬استغلل وقت الحيض والنفاس في الذكر وأعمال‬
‫البر‪:‬‬
‫الصلة في أول وقتها من أعظم الوسائل لستغلل رمضان‪ ،‬والملحظ عند‬
‫المرأة تأخير الصلة عن وقتها‪ ،‬والتكاسل عنها‪ ،‬ثم نقرها كنقر الغراب وذلك‬
‫بحجة إما العمل في المطبخ أو التعب في الدراسة أو التعب من الصوم أو‬
‫غيرها من العذار‪ ،‬فعلى المرأة أن تحرص على المحافظة على الفرائض‬
‫الخمس في وقتها بخشوع وخاصة في هذا الشهر المبارك‪ ،‬والذي كما ذكرت‬
‫تتضاعف فيه الحسنات وتتنوع فيه العبادات‪.‬‬
‫وأيضًا‪ :‬فبعض النساء إذا حاضت أو نفست؛ تركت العمال الصالحة‪ ،‬وأصابها‬
‫الفتور مما يجعلها تحرم نفسها من فضائل هذا الشهر وخيراته‪ ،‬فنقول لهذه‬
‫الخت‪ :‬وإن تركت الصلة والصيام فهناك عبادات أخرى مثل‪ :‬الدعاء‬
‫والتسبيح والستغفار والصدقة والقيام على الصائمين وتفطيرهم وغيرها من‬
‫العمال الصالحة الكثيرة‪ ،‬ثم أبشرك أنه يكتب لك من الجر مثل ما كنت‬
‫تعملين وأنت صحيحة قوية ‪.‬‬
‫كيف ذلك ؟ لحديث رسول صلى الله عليه وآله وسلم الله عليه وآله وسلم‬
‫َ‬
‫م ُ‬
‫ل‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫ن اْل َ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫سافََر ك ُت ِ َ‬ ‫ض ال ْعَب ْد ُ أوْ َ‬ ‫مرِ َ‬‫الذي قال فيه‪':‬إ َِذا َ‬
‫حا' رواه البخاري وأبوداود وأحمد ‪.‬‬ ‫حي ً‬‫ص ِ‬
‫ما َ‬ ‫قي ً‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫إذا‪ :‬فلتبشري‪ ،‬والمهم استحضار النية الصالحة‪ ،‬والحرص على كثير من‬ ‫ً‬
‫الخيرات‪ ،‬والعبادات التي تستطيعينها‪.‬‬
‫وقراءة القرآن للحائض والنفساء‪ :‬فيها خلف مشهور بين العلماء لكن شيخ‬
‫السلم ابن تيمية رحمه الله تعالى رأى جواز قراءة القرآن للحائض والنفساء‬
‫بدون شرط أو قيد‬
‫أخيرا ً من الوسائل والفكار للصغار في رمضان‪:‬‬
‫الوسيلة الثامنة والثلثون‪:‬تشجيع الصغار على المحافظة على الصلة‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫) ‪(212/7‬‬

‫اقتراح لئمة المساجد للهتمام بالصغار وتشجيعهم على المحافظة على‬


‫الصلوات والتبكير للمسجد وتعويدهم على صلة التروايح‪ ،‬وذلك بأن يعلن‬
‫إمام المسجد لهل الحي أول يوم في رمضان عن رصد عشر جوائز لحسن‬
‫عشرة صغار يحافظون على صلة الجماعة‪ ،‬ويبكروا لها‪ ،‬ويحافظوا على‬
‫صلة التروايح ‪ .‬ومن الجميل‪ :‬مشاركة بعض جماعة المسجد بالتشجيع كبعض‬
‫التجار بالجوائز القيمة‪ ،‬و بعض الباء بطرح بعض المبالغ لشراء جوائز قيمة‬
‫لتشجيع هؤلء‪ ،‬ول بأس من تعاون الشباب مع إمام المسجد بمتابعة هؤلء‬
‫الصغار‪ ،‬ثم في نهاية الشهر أي في ليلة العيد توزع الجوائز على هؤلء‬
‫الصغار‪ ،‬ولك أن ترى أثر ذلك على الصغار‪ ،‬بل والكبار‪ ،‬بل والحي كله‪ ،‬ولو‬
‫كان في المسجد لوحة للمثاليين كل شهر لرأيت عجبا ً من البناء والباء ‪.‬‬
‫الوسيلة التاسعة والثلثون‪:‬مسابقات في حفظ القرآن والسنة‪:‬‬
‫وهى خاصة أيضا ً بالصغار‪ ،‬وذلك بطرح مسابقات رمضانية لهم‪ :‬إما بحفظ‬
‫بعض الجزاء من القرآن الكريم‪ ،‬أو الحاديث النبوية‪ ،‬أو بمعرفة سيرة‬
‫الصحابة معرفة شاملة‪ ،‬أو غيرها من المسابقات النافعة‪ ،‬وتوزيع الجوائز في‬
‫الليلة الخيرة من رمضان‪ ،‬ولك أيضا ً أن ترى أثر ذلك على الصغار‪ ،‬واستغلل‬
‫أوقاتهم وحفظهم من الشوارع ووسائل العلم‪ ،‬وانشغالهم بالبحث والقراءة‬
‫والنظر والحفظ من خلل هذه المسابقات‪.‬‬
‫الوسيلة الربعون والخيرة ‪:‬تعويد الصغار على الصيام وفعل الخيرات‪:‬‬
‫وتشجيع الب بصحبتهم للمسجد تارة‪ ،‬وبالثناء تارة‪ ،‬وبالكلمة الطيبة‬
‫وبالجوائز‪ ،‬بل وتعويدهم على الصدقة وبذل الطعام‪ ،‬وتوزيعه على الفقراء‬
‫والمساكين المجاورين ‪ .‬وعندما تعطى الطفل الصغير ليوزعه بنفسه للجيران‬
‫وللفقراء والمساكين وتذكره بالجر وبفضل هذه العمال؛ فإن ذلك ُينشأه‬
‫نشأة صالحة‬
‫صب َْيان ََنا‬
‫م ِ‬ ‫صو ّ ُ‬‫ه ب َعْد ُ وَن ُ َ‬
‫م ُ‬ ‫وتقول الربيع بنت معوذ عن صيام عاشوراء‪' :‬فَك ُّنا ن َ ُ‬
‫صو ُ‬
‫َ‬
‫م عََلى الط َّعام ِ أعْط َي َْناه ُ َذا َ‬ ‫ة من ال ْعِهن فَإَذا ب َ َ‬
‫حّتى‬ ‫ك َ‬ ‫حد ُهُ ْ‬
‫كى أ َ‬‫ْ ِ ِ َ‬ ‫م الل ّعْب َ َ ِ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬
‫جعَ ُ‬
‫وَن َ ْ‬
‫َ‬
‫عن ْد َ ال ِفْطاِر' رواه البخاري ومسلم وأحمد‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ن ِ‬‫كو َ‬‫يَ ُ‬
‫أي‪ :‬حتى ُيتم صومه ذلك اليوم ُتشغله بهذه اللعبة‪ ،‬وفي ذلك تمرين لهم‪ ،‬وقد‬
‫أقر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الفعل؛ لنه ُفعل بحضرته‪ ،‬فهو أيضا ً من‬
‫السنن التقريرية عنه صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫خاتمة‬
‫هذه أربعون وسيلة لستغلل شهر رمضان‪ ،‬وما بقى أيها الحبة إل أن نحرص‬
‫على هذه الوسائل وننشرها بين الناس كافة‪ ،‬ومحاولة الوقوف مع أئمة‬
‫المساجد لحياء مساجدنا وأحيائنا بمثل هذه الفكار والقتراحات وغيرها مما‬
‫يفتح الله به على بعض المهتمين‪ ،‬جعلنا الله وإياكم من مفاتيح الخير في كل‬
‫مكان ‪ ..‬اللهم بلغنا شهر رمضان‪ ،‬واجعلنا من الصائمين القائمين فيه يا أرحم‬
‫الراحمين‪ ،‬وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‬
‫تسليما ً كثيرًا‪.‬‬
‫من محاضرة‪':‬أربعون وسيلة لستغلل شهر رمضان' للشيخ‪ /‬إبراهيم الدويش‬
‫الفهرس العام ‪:‬‬
‫وسائل عامة ‪1 ... :‬‬
‫الوسيلة الولى ‪ :‬هل تحب أن تصوم رمضان مرتين؟ كيف؟ ‪1 ...‬‬
‫الوسيلة الثانية‪:‬حث المحسنين وأهل الخير على النفاق فى هذا الشهر الذى‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تضاعف فيه الحسنات‪1 ... :‬‬


‫الوسيلة الثالثة‪:‬التوجه إلى القرى والهجر‪2 ... :‬‬
‫الوسيلة الرابعة‪ :‬زيارة تجمعات الشباب‪2 ... :‬‬
‫الوسيلة الخامسة‪:‬هدنة مع وسائل العلم‪2 ... :‬‬
‫الوسيلة السادسة‪:‬الدعاء قبل الفطار‪3 ... :‬‬
‫الوسيلة السابعة‪:‬بر الوالدين‪3 ... :‬‬
‫الوسيلة الثامنة‪:‬الجلوس فى المسجد بعد صلة الفجر‪3 ... :‬‬
‫الوسيلة التاسعة‪:‬تدريب النفس على هجر المعاصى‪4 ... :‬‬
‫الوسيلة العاشرة‪:‬السواك فى رمضان‪4 ... :‬‬
‫الوسيلة الحادية عشر‪:‬العمرة فى رمضان‪4 ... :‬‬
‫الوسيلة الثانية عشر‪:‬نشر العلم فى القرى والهجر‪4 ... :‬‬
‫الوسيلة الثالثة عشر‪:‬عصر يوم الخميس‪5 ... :‬‬
‫أفكار وتوجيهات لئمة المساجد‪5 ... :‬‬
‫الوسيلة الرابعة عشر‪:‬تنويع الحديث بعد صلة العصر‪5 ... :‬‬
‫الوسيلة الخامسة عشر‪ :‬قراءة كتاب الصيام من أمهات الكتب‪6 ... :‬‬
‫الوسيلة السادسة عشر‪:‬صندوق للفتاوى‪6 ... :‬‬
‫الوسيلة السابعة عشر‪ :‬لوحة العلنات‪6 ... :‬‬
‫الوسيلة الثامنة عشر‪:‬هدية رمضان‪6 ... :‬‬
‫الوسيلة التاسعة عشر‪ :‬إقامة مسابقة السرة المسلمة‪6 ... :‬‬
‫الوسيلة العشرون‪:‬كلمة يسيرة من الدعاة‪7 ... :‬‬
‫الوسيلة الحادية والعشرون‪ :‬إحياء سنة العتكاف‪7 ... :‬‬
‫الوسيلة الثانية والعشرون‪:‬إفطار جماعي‪7 ... :‬‬
‫الوسيلة الثالثة والعشرون‪:‬التودد للذين ل يشهدون الصلة إل في رمضان‪... :‬‬
‫‪7‬‬
‫الوسيلة الرابعة والعشرون‪:‬حفل لتوزيع جوائز المسابقة‪7 ... :‬‬
‫وسائل وأفكار وتوجيهات في الهتمام بالقرآن‪8 ... :‬‬
‫الوسيلة الخامسة والعشرون ‪:‬حلقات للكبار لتحسين التلوة‪8 ... :‬‬
‫الوسيلة السادسة والعشرون‪ :‬عقد حلقة في البيت لتلوة القرآن‪8 ... :‬‬
‫الوسيلة السابعة والعشرون‪ :‬تدُبر القرآن‪8 ... :‬‬
‫الوسيلة الثامنة والعشرون‪ :‬درس على الرصيف‪9 ... :‬‬
‫توجيهات ووسائل للجادين خاصة‪10 ... :‬‬

‫) ‪(212/8‬‬

‫الوسيلة التاسعة والعشرون‪ :‬الحرص على تكبيرة الحرام‪10 ... :‬‬


‫الوسيلة الثلثون ‪:‬تذكير الغافلين‪10 ... :‬‬
‫الوسيلة الحادية والثلثون‪ :‬للجادين خاصة وللمسلمين عامة الصدقة في‬
‫السر‪10 ... :‬‬
‫الوسيلة الثانية والثلون‪ :‬السحر من أجمل الوقات ومناجاة المولى جل وعل‪:‬‬
‫‪11 ...‬‬
‫توجيهات وأفكار موجهة للمرأة في رمضان ‪12 ... :‬‬
‫الوسيلة الثالثة والثلثون‪ :‬استحضار النية وكثرة الذكر أثناء عمل البيت‪... :‬‬
‫‪12‬‬
‫الوسيلة الرابعة والثلثون‪ :‬شراء ملبس وحاجيات العيد في بداية رمضان‪... :‬‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪13‬‬
‫الوسيلة الخامسة والثلثون‪ :‬صلة التراويح في المساجد‪13 ... :‬‬
‫الوسيلة السادسة والثلثون‪ :‬وضع جدول غذائى منتظم‪14 ... :‬‬
‫الوسيلة السابعة والثلثون‪:‬استغلل وقت الحيض والنفاس في الذكر وأعمال‬
‫البر‪15 ... :‬‬
‫أخيرا ً من الوسائل والفكار للصغار في رمضان‪15 ... :‬‬
‫الوسيلة الثامنة والثلثون‪:‬تشجيع الصغار على المحافظة على الصلة‪15 ... :‬‬
‫الوسيلة التاسعة والثلثون‪:‬مسابقات في حفظ القرآن والسنة‪16 ... :‬‬
‫الوسيلة الربعون والخيرة ‪:‬تعويد الصغار على الصيام وفعل الخيرات‪16 ... :‬‬

‫) ‪(212/9‬‬

‫أرحم الخلق بالخلق‬


‫المحتويات‬
‫مقدمة‬
‫ي وهذا الخلق‬ ‫النب ً‬
‫ه بالرحمة‬‫وصف الله لنبي ً‬
‫ه بأمته‬‫رحمت ً‬
‫رحمته بالطفال‬
‫رحمته بالبهائم والدواب‬
‫رحمته تتجاوز حدود عصره‪:‬‬
‫أمره بالرحمة وحثه عليها‬
‫ه‬
‫أهل السنة على منهاج ً‬
‫مجالت الرحمة وصورها لدى أهل السنة‬
‫كيف نتعامل مع المخالف؟‬
‫الرحمة للخلق لتكون على حساب المنهج‬
‫مقدمة‬
‫االحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور أنفسنا‪ ،‬ومن‬
‫سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‪ ،‬وأشهد‬
‫أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله‪ ،‬أما‬
‫بعد ‪:‬‬
‫في وسط هذا العالم الذي يموج بالبعد عن الله سبحانه وتعالى وعن شرعه‪،‬‬
‫العالم الذي يموج بالبدعة والعراض عن الله سبحانه وتعالى‪ ،‬تتعالى صيحات‬
‫النقاذ ودعوات النهوض بهذه المة‪ ،‬ولن يصلح آخر هذه المة إل ما أصلح‬
‫ي أنه لها الناجية‪،‬‬
‫أولها‪ ،‬ولن يقوم بهذا الدين إل تلك الطائفة التي أخبر النب ً‬
‫حيث هلكت سائر الفرق والطوائف‪ ،‬وكتب الله النصرة لهذه الطائفة "ل تزال‬
‫طائفة من أمتي على الحق ظاهرين ل يضرهم من خذلهم ول من خالفهم"‪.‬‬
‫لذا كان لزاما ً علينا الحديث والمناداة بإحياء منهج خير القرون‪ :‬منهج أهل‬
‫السنة والجماعة وسلف المة‪.‬‬
‫ول شك أن منهج أهل السنة ومنهج خير القرون منهج أوسع دللة وأعمق‬
‫دائرة من أن يكون مجرد مقررات معرفية دون أن يكون لها رصيد من العمل‬
‫والسلوك‪ ،‬إنه منهج أشمل من ذلك بكثير‪ ،‬فهو ليس المنهج الذي ل يعرف إل‬
‫جانبا ً واحدا ً من جوانب التوحيد لله سبحانه وتعالى‪ ،‬أو ل يتحدث إل في إطار‬
‫المعرفة والجدل النظري والثبات النظري والنفي وحده فقط‪ ،‬بل هو أشمل‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من ذلك كله‪.‬‬


‫ومن الجوانب المهمة عند أهل السنة الجانب الخلقي والسلوكي وما فتىء‬
‫من صنف في معتقدهم مختصرا ً أو مفصل ً أن يشير إلى هذا البعد‪ ،‬البعد‬
‫الخلقي والسلوكي في عقيدة أهل السنة‪ ،‬ويصفهم بما هم أهل له من‬
‫جوانب في الرقائق والسلوك أو الخلق أو المعتقد‪ ،‬ومن ذلك أن أهل السنة‬
‫كما ُوصفوا أرحم الخلق بالخلق‪ ،‬هذه محاولة متواضعة للحديث حول هذا‬
‫الجانب‪.‬‬
‫النبي وهذا الخلق‪:‬‬
‫إن العََلم الول والقائد الوحد لهل السنة هو محمد ً ‪،‬ومن ثم فإن أولئك‬
‫الذين يرغبون سلوك هذا المنهج ويدعون إليه لبدأن يكون لهم نسب وثيق‬
‫بالنبي من المحبة والتوقير له وإنزاله المنزلة التي أنزله الله إياها‪.‬‬
‫ه البحث عن هديه وعن سنته وسلوكه لتقتفى آثارها‪ ،‬ول يسوغ‬ ‫ومن التباع ل ً‬
‫أبدا ً أن يطغى اهتمامنا بعَلم من أعلم أهل السنة ‪ -‬على جللته وقدره‪ -‬على‬
‫َ‬
‫اهتمامنا واعتنائنا بالنبي ‪ ،‬ول أن تحتكم إلى قول إمام أكثر مما تحتكم إلى‬
‫قوله وهديه‪.‬‬
‫وجدير بنا بكل حال أن نعود إلى هديه بقراءة دقيقة متأنية فاحصة؛ لنلتمس‬
‫من هديه وسنته معالم طريق النجاة الذي أخبر أنه لن ينجو إل من كان على‬
‫ما كان عليه وأصحابه‪.‬‬
‫وصف الله لنبيه بالرحمة ‪:‬‬
‫من الصفات التي اتصف بها نبينا محمد هذه الصفة وهي صفة )الرحمة( وهو‬
‫بها أهل‪ ،‬فلقد وصفه الله سبحانه وتعالى بذلك؛ فوصفه بالرحمة على الخلق‬
‫والعطف عليهم ) فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فضا ً غليظ القلب‬
‫لنفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في المر فإذا عزمت‬
‫فتوكل على الله ( ويمتن الله سبحانه على المسلمين أن بعث لهم هذا‬
‫الرسول صاحب القلب الكبير الرحيم )لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز‬
‫عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم (‪ .‬و أخبر سبحانه وتعالى‬
‫أن رسالته رحمة للعالمين أجمع )وما أرسلناك إل رحمة للعالمين(‪.‬‬
‫رحمته بأمته‪:‬‬
‫ً‬
‫وتلمس رحمته بالخلق في كل أحواله وأموره‪ ،‬فهو كثيرا ما يترك بعض‬
‫العمال شفقا ً على أمته حتى ل تفرض هذه العمال عليهم فيعجزوا عن‬
‫القيام بها وعن الوفاء بها‪ ،‬ألم تقرؤوا كثيرا ً في سنته قوله ‪":‬لول أن أشق‬
‫على أمتي"؟ إن هذا مصداق هذا الوصف الذي وصفه به ربه سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫وهو عز وجل أعلم به‪ ،‬فهو يقول ‪":‬لول أن أشق على أمتي لمرتهم‬
‫بالسواك عند كل صلة " و "لول أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية‬
‫تغزو في سبيل الله عز وجل" ويصلي فيصلي الناس بصلة ثم يعتذر لهم ول‬
‫يخرج لهم خشية أن تفرض هذه الصلة على أمته فل يطيقوها‪ ،‬ويفرض الله‬
‫عليه خمسين صلة فما يزال حتى تخفف هذه الصلة إلى خمس رحمة بأمته‪،‬‬
‫ويأمره جبريل أن يقرئ أمته على حرف فيقول ‪ :‬إن أمتي ل تطيق ذلك‪،‬‬
‫فيقول ‪ :‬أقرئهم على حرفين حتى أوصله على سبعة أحرف‪.‬‬
‫وما يزال في تلقيه للوحي وفي كلمه وفي أفعاله وعبادته يخشى أن يشق‬
‫على أمته‪ ،‬ويخشى أن تكلف ما ل طاقة لها به‪ ،‬وأن تؤمر بما ل تطيق‪ ،‬ولهذا‬
‫كان كما وصفه سبحانه وتعالى ‪ ):‬ونيسرك لليسرى ( لقد يسر لليسر في‬
‫كل أموره وحياته‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫) ‪(213/1‬‬

‫والشواهد على رحمته لتقف عند هذا الحد؛ فنعيش مع جانب آخر من سيرته‬
‫‪ ،‬سيرته مع أزواجه‪ :‬ففي حجة الوداع أصاب عائشة رضي الله عنها الحيض‬
‫مما منعها أن تعتمر كما اعتمر الناس‪ ،‬فتقول للنبي ‪ :‬يذهب الناس بحج‬
‫وعمرة وأذهب بعمرة؟ فيقول الراوي ‪ :‬وكان هينا ً لينا ً إذا هوت أمرا ً تابعها‬
‫عليه‪ .‬ومن تأمل سيرته وهديه في تعامله مع زوجاته يلمس ذلك واضحا ً من‬
‫رحمته وشفقته بهن‬
‫رحمتة بالطفال‪:‬‬
‫ً‬
‫جاء أعرابي ‪-‬كما تروي عائشة رضي الله عنها‪ -‬إلى النبي فرأى أمرا لم‬
‫يعهده رآه يقبل الصبيان فقال ‪ :‬تقبلون الصبيان؟ قال ‪ :‬نعم‪ ،‬قال العرابي‪:‬‬
‫إنا ل نقبلهم فقال ‪" :‬أوأملك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟"‪ .‬إذا ً فهذا‬
‫العرابي الذي ما اعتاد أن يقبل الصبيان وأن يداعبهم‪ ،‬جاء إلى النبي ذاك‬
‫الرجل الذي يهابه الناس ويتحدثون عنه‪ ،‬ويغذ الناس سيرهم إليه لتكتحل‬
‫حق لهم كذلك فمن رآه وآمن به فقد ثبت له فضل ل يثبت‬ ‫أعينهم برؤيته‪ ،‬و ُ‬
‫لحد من البشر‪ ،‬ثبت له فضل الصحبة؛ فيستغرب هذا العرابي أن يرى مثل‬
‫هذا الرجل العظيم في مكانته ومنزلته يتعامل مع الصبيان هذه المعاملة‪.‬‬
‫وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه قبل الحسن بن علي‪ ،‬وعنده‬
‫القرع بن حابس رضي الله عنه فاستنكر هذا السلوك ولم يألفه‪ ،‬قال ‪ :‬إن‬
‫لي عشرة من الولد ما قبلت أحدا ً منهم‪ ،‬فنظر إليه النبي وقال ‪" :‬من ل‬
‫َيرحم ل ُيرحم" ‪.‬‬
‫ويصلي بأصحابه كما روى ذلك عبد الله بن شداد رضي الله عنه ‪-‬وهو عند‬
‫المام النسائي‪ -‬فيسجد فيأتي الحسن أو الحسين فيرقى على ظهره ؛‬
‫ي ‪ ،‬فلما فرغ من صلته قال ‪":‬إن ابني هذا‬ ‫فيطيل السجود حتى ظنوا أنه نس ً‬
‫ارتحلني فكرهت أن أقوم قبل أن يقضي حاجته"‪.‬‬
‫إن هذا القلب الرحيم العظيم ليأبى أن يزعج هذا الطفل الصغير ويقلقه؛‬
‫فيطيل سجوده والناس وراءه ينتظر أن يقضي هذا الصبي حاجته فيقوم من‬
‫نفسه‪.‬‬
‫ويسمع بكاء الصبي وهو يصلي وقد نوى أن يطيل الصلة فيوجز فيها حتى ل‬
‫تفتن أمه‪.‬‬
‫رحمته بالبهائم والدواب‪:‬‬
‫وتتجاوز رحمته ذلك كله إلى الحيوان والبهيمة؛ فيروي عبد الله بن جعفر‬
‫رضي الله عنهما أن النبي دخل حائطا ً لرجل من النصار‪ ،‬فإذا فيه جمل فلما‬
‫ن وذرفت عيناه فأتاه فمسح ظفراه فسكت‪ ،‬فقال ‪":‬من رب‬ ‫رأى النبي ح ّ‬
‫هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟" فجاء فتى من النصار فقال‪ :‬لي يا رسول‬
‫الله‪ ،‬فقال له ‪" :‬أفل تتق الله في هذه البهيمة ملكك الله إياها؟ فإنه شكا إلي‬
‫أنك تجيعه وتدئبه" ‪ .‬رواه أبو داود‪.‬‬
‫الله أكبر لهذا القلب الرحيم العظيم ‪ ،‬مع ما يحمل من عبء الرسالة ل‬
‫لصحابه بل للبشرية أجمع‪ ،‬للثقلين النس والجن ومع ما يحمله من هم وجهد‬
‫يجد هذا الحيوان البهيم مكانا ً رحبا ً واسعا ً في قلب هذا الرجل العظيم ؛ فيأتي‬
‫إلى النبي وقد عرف عنه الرحمة؛ فيشتكي إليه‪ ،‬فيجيب الشكوى ‪ ،‬ويسأل‬
‫عنه صاحبه ليخبره بشكوى هذه البهيمة‪.‬‬
‫ويروي المام أبو داود في سننه من حديث سهل بن الحنضلية رضي الله عنه‬
‫أنه مر ببعير قد لحق ظهره ببطنه فقال اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فاركبوها صالحة وكلوها صالحة وفي صحيح المام مسلم أن عائشة رضي‬
‫الله عنها ركبت بعيرا وكانت فيه صعوبة فجعلت تردده فقال لها رسول الله‬
‫عليك بالرفق وكان في سفر كما روى ذلك أبو داود عن عبد الرحمن بن عبد‬
‫الله بن مسعود عن أبيه رضي الله عنه قال كنا مع النبي في سفر فانطلق‬
‫لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت‬
‫تعرش فلما جاء رسول الله قال ‪ :‬من فجع هذه بولدها ردوا ولدها إليها" ‪.‬‬
‫والحديث معشر الخوة الكرام ليس حديثا عن رحمته بالبهائم المعجمة‬
‫والدواب والحيوان إنما هي إشارة إلى أن ذلك القلب العظيم الرحيم الذي‬
‫وسعت رحمته هذه الدواب لبد أن يكون أرحم وأرفق بأولئك الذين خلقهم‬
‫الله سبحانه وتعالى‪ ،‬وخلق كل ما في هذه الرض لهم )هو الذي خلق لكم ما‬
‫في الرض جميعا(‪.‬‬
‫أفل يتقي الله أولئك الذين حملهم الله أمانة المسلمين وأمانة الجيل فلئن‬
‫كان من يتولى هذه البهيمية عرضة للمسألة والنكار من محمد ‪ ،‬فكيف‬
‫بأولئك الذين دعا عليهم ؟‬
‫ه تتجاوز حدود عصره‪:‬‬ ‫رحمت ً‬
‫تتجاوز رحمة النبي ورأفته بأمته عليه أفضل الصلة وأتم والسلم ذلك العصر‬
‫الذي عاشه ‪ ،‬وذاك الجيل الذي عاشره ليضع هذه الضمانة لمن بعده فيدعو‬
‫ربه تبارك وتعالى "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا ً فرفق بهم فارفق به‪،‬‬
‫ومن ولي من أمر أمتي شيئا ً فشق عليه فاشقق عليه" فيضع هذا نبراسا ً‬
‫وهديا ً لكل من يتحمل أمانة ومسؤولية في أمة محمدأجمع إلى أن تقوم‬
‫الساعة‪ ،‬ويدعو ربه تبارك وتعالى وتقدس أن يرفق بمن يرفق بأمته‪ ،‬وأن‬
‫يرحم من يرحم أمته‪ ،‬وأن يشق على من يشق عليها‬
‫أمره بالرحمة وحثه عليها‪:‬‬

‫) ‪(213/2‬‬

‫هذه معشر الخوة الكرام بعض المعالم من هدي أرحم البشر عليه أفضل‬
‫الصلة وأتم التسليم وهو مع ذلك ‪ ،‬لم يحلنا على هذا الهدي –وإن كان وحده‬
‫كافيًا‪ -‬بل أمرنا بالرحمة وحثنا عليه‪ ،‬وأعلى لنا شأنها؛ فأخبرأن الراحمين هم‬
‫أولى الناس برحمة الله ففي الترمذي وأبي داود من حديث عبد الله بن‬
‫ه قال‪ " :‬الراحمون يرحمهم الرحمن‪،‬‬ ‫عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن ً‬
‫ارحموا من في الرض يرحمكم من في السماء‪ ،‬الرحم شجنة من الرحمن‬
‫من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله"‪.‬‬
‫والراحمون يستحقون مغفرة الله سبحانه وتعالى‪ ،‬والمغفرة أخص من‬
‫الرحمة‪ ،‬ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين أن رجل ً كان‬
‫يمشي في الطريق فاشتد عليه العطش فنزل بئرا ً فشرب‪ ،‬فلما خرج رأى‬
‫كلبا ً يتلوى من العطش؛ فنزل البئر وسقاه‪ ،‬فلما سقاه غفر الله عز وجل له‪.‬‬
‫وفي رواية أنها بغي من بغايا بني إسرائيل‪.‬‬
‫أرأيتم أولئك الذين رحمهم الله وغفر لهم وقد رحموا دابة من الدواب؟ فما‬
‫بالكم بمن يرحم عباد الله سبحانه وتعالى الصالحين التقياء؟‬
‫وكما أعلى النبي منزلة الراحمين وأخبر أنهم أولى الناس برحمة الله عز‬
‫وجل ومغفرته ‪ ،‬توعد أولئك الذين ل يرحمون؛ فأخبرأنهم أبعد الناس عن‬
‫رحمة الله سبحانه وتعالى كما في حديث جرير بن عبد الله في الصحيحين‬
‫أنه قال‪ ":‬ل يرحم الله من ل يرحم الناس"‪ .‬ومضى معنا في حديث القرع بن‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حابس أنه قال ‪":‬من ل يرحم ل ُيرحم"‪.‬‬


‫وأخبر أن أولئك الذين ل يرحمون أشقياء قد كتبت عليهم الشقاوة؛ ففي‬
‫حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند أبي داو ود أنه قال سمعت أبا القاسم‬
‫يقول‪":‬ل تنزع الرحمة إل من شقي"‪.‬‬
‫إذا فالراحمون يرحمهم الله سبحانه وتعالى ويغفر لهم‪ ،‬وألئك الذين نزعت‬
‫الرحمة من قلوبهم أشقياء قد عوقبوا بنزع هذه الرحمة‪ ،‬وهم أبعد الناس عن‬
‫رحمة الله سبحانه وتعالى‪ ،‬والله عز وجل ل يرحم من ل يرحم عباده؛‬
‫فالجزاء من جنس العمل‪.‬‬
‫هذه وقفة سريعة مع إمام أهل السنة وقائدهم وفرطهم على الحوض هذه‬
‫وقفة مع هديه العملي وهديه القولي وكيف أنه كان أرحم الناس ‪:‬‬
‫وإذا رحمت فأنت أم أو أب هذان هما في الدنيا هما الرحماء‬
‫أهل السنة على منهاجه‪:‬‬
‫ولما كانت هذه صفة النبي‪ ،‬كان أهل السنة هم أهل الرحمة بالخلق‪ ،‬فكانوا‬
‫خير الناس للناس‪ ،‬يعرفون الحق ويرحمون الخلق‪ ،‬كما نص على ذلك جمع‬
‫من صنف في معتقدهم‪.‬‬
‫وأذكر بما قلته أول حديثي من أن منهج أهل السنة ل يقف عند مجرد‬
‫المقررات المعرفية وحدها‪ ،‬ول عند باب من أبواب العلم والعتقاد‪ ،‬بل هو‬
‫منهج وسلوك يطبع حياة المسلم كلها في اعتقاده في ذات الله سبحانه‬
‫وتعالى وفي أسمائه وصفاته وفيما يجب له سبحانه وتعالى وما يستحقه من‬
‫العبادة والتأله والخضوع والحتكام إلى شرعه تعالى وتقدس‪ ،‬وفي التلقي‬
‫من الوحيين دون غير هما‪ ،‬وفي تعظيم أمر الله سبحانه وتعالى وشرعه‪،‬‬
‫وفي عبادته تبارك وتعالى والجتهاد في ذلك‪ ،‬وفي باب الخلق والسلوك‬
‫والتعامل مع الناس‪.‬‬
‫ولهذا كان أهل السنة كما قلنا ينصون على هذا الجانب ويؤكدون به فيما‬
‫قالوه‪ ،‬هذا هو المام أبو عثمان الصابوني رحمه الله يقول عن أهل السنة‪:‬‬
‫ويتواصون بقيام الليل للصلة بعد المنام‪ ،‬وبصلة الرحام‪ ،‬وإفشاء السلم‪،‬‬
‫وإطعام الطعام‪ ،‬والرحمة على الفقراء والمساكين واليتام‪ ،‬والهتمام بأمور‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيميه‪ "..‬أهل السنة والجماعة يتبعون الكتاب والسنة‪،‬‬
‫ويطيعون الله ورسوله؛ فيتبعون الحق ويرحمون الخلق"‪.‬‬
‫ويقول أيضا في موضع آخر‪":‬وأهل السنة فيهم العلم والعدل والرحمة؛‬
‫فيعلمون الحق الذي يكونون به موافقين للسنة سالمين من البدعة‪ ،‬ويعدلون‬
‫على من خرج منها ولو ظلمهم‪ ،‬كما قال تعالى ‪ ):‬كونوا قوامين لله شهداء‬
‫بالقسط ول يجرمنكم شنأن قوم على أن ل تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى (‪،‬‬
‫ويرحمون الخلق‪ ،‬ويريدون لهم الخير والهدى والعلم‪ ،‬ل يقصدون الشر لهم‬
‫ابتداء بل إذا عاقبوهم وبينوا خطأهم وجهلهم وظلمهم‪ ،‬كان قصدهم بذلك‬
‫بيان الحق ورحمة الخلق"‪.‬‬
‫والنقول عن سلف المة تطول في ذلك‪ ،‬وانظر في أي كتاب صنفه إمام من‬
‫أئمة أهل السنة من المتقدمين أوالمتأخرين لتراه ينص على أن أهل السنة‬
‫والسلف يرحمون الخلق‪ ،‬وأنهم يأمرون بإطعام الطعام وإفشاء السلم‪،‬‬
‫ويتحدث عن الجوانب الخلقية والسلوكية‪.‬‬
‫فجدير بنا أن ل نهمل هذا الجانب؛ فالذي يتصدر دعوة الناس ويعلن لهم أنه‬
‫يسير وفق ما كان عليه النبي وأصحابه‪ ،‬وأنه من الطائفة الناجية المنصورة‪،‬‬
‫وأنه يحمل الحق الواضح للناس ينبغي أن يكون سلوكه وهديه وسمته خير‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دليل للناس على صدق مقالته‪ ،‬وعلى صدق ما يدعوهم إليه؛ فيتمثل هذا‬
‫السلوك وهذا الجانب في حياته كلها وفي سلوكه‪.‬‬
‫مجالت الرحمة وصورها لدى أهل السنة‪:‬‬
‫تتمثل مجالت وصور الرحمة بالخلق عند أهل السنة في جوانب كثيرة منها ‪:‬‬

‫) ‪(213/3‬‬

‫الول‪ :‬الرحمة بالفقراء والمساكين وأهل الحاجة وقضاء حوائج الناس‪ ،‬ولهم‬
‫في ذلك أسوة في نبيهم الذي كان يعطف على الرملة والمسكين‪ ،‬وكان قبل‬
‫النبوة والرسالة يطعم الطعام‪ ،‬وكان يحمل الكل‪ ،‬ويكسب المعدوم‪ ،‬ويعين‬
‫على نوائب الحق‪ ،‬كما وصفته بذلك من هي من أعلم الناس به زوجه خديجة‬
‫رضي الله عنها‪ ،‬فكيف يكون المر بعد النبوة وبعد الرسالة؟‬
‫إذا ينبغي أن يشعر أهل الحاجات ومن ضاقت بهم السبل أن أهل السنة‬
‫والدعاة إلى الله عز وجل و إلى منهج أهل السنة هم أقرب الناس إليه؛‬
‫فيمسحون دمعة المسكين‪ ،‬ويسدون خلة المحتاج ويحسنون إلى من يحتاج‬
‫أن يحسن إليه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬الحرص على هداية الناس وإصلحهم‪ ،‬وهذا من أعظم مجالت الرحمة‬
‫وأجلها‪ ،‬فإن كان أحدهم يسعى إلى أن ينقذ فقيرا ً من جوع ومسغبة‪ ،‬أو ينقذ‬
‫يتيما ً من بؤس اليتم‪ ،‬فإنه أولى أن ينقذه من نار وقودها الناس والحجارة‪،‬‬
‫وأولى أن ينقذه من نار ومن عذاب تنسيه غمسة واحدة فيه كل نعيم الدنيا‪،‬‬
‫وأن يدله على جنة عرضها السماوات والرض‪ ،‬جنة ينسى حين يدخلها‬
‫ويغمس فيها غمسة واحدة كل شقاء الدنيا وبؤسها‪.‬‬
‫ولهذا يخبر الله عز وجل عنه أنه أرسل النبي رحمة للعالمين‪ ،‬وأعظم رحمة‬
‫للناس أن أنقذهم الله به من الضلل ومن الشرك والكفر به سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫وأنقذهم من نار تلظى وقودها الناس والحجارة حمانا الله وإياكم منها‬
‫ووالدينا وجميع المسلمين‪ ،‬لهذا كان هو الرحمة المهداة‪ ،‬وكانت حاله كما قال‬
‫عن نفسه‪ " :‬وأنا آخذ بحجزكم عن النار "‪.‬‬
‫ويشبه نفسه برجل أوقد نارا ً فجعل الفراش يتهافت فيها‪ ،‬وهو يذبها عنها‪،‬‬
‫ويأخذ بحجز أمته عن النار‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬الرفق بهم في من وله الله مسؤولية أوأمرا من أمور المسلمين‪،‬‬
‫وقد دعافقال‪":‬اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا ً فرفق بهم فارفق به‪ ،‬ومن‬
‫ولي من أمر أمتي شيئا ً فشق عليهم فاشقق عليه " فكل من وله الله أمانة‬
‫أومسؤولية‪ ،‬من أب أو زوج أو أستاذ أو مدير أو مسؤول صغيرا ً أو كبيرًا‪،‬‬
‫فينبغي له أن يرفق بالمسلمين ويرحمهم‪.‬‬
‫ومن رفق الراعي برعيته أن يرفق بهم في نصحهم وفي تصحيح أخطائهم ؛‬
‫ولهذا كان كما وصفه معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه وقصته‬
‫مشهورة معروفة‪ ،‬حين عطس رجل في الصلة فقال يرحمك الله ثم رمقه‬
‫الناس بأبصارهم فقال‪ :‬ويل أمي ما بالكم ترمقوني بأبصاركم؟ فيقول رضي‬
‫الله عنه ‪:‬فبأبي و أمي رسول الله ما رأيت معلما ً أحسن تعليما ً ول تأديبا ً منه‪،‬‬
‫فو الله ما كهرني ول ضربني ول شتمني‪ ،‬وإنما دعاني وقال ‪":‬إن هذه الصلة‬
‫ل يصح فيها شيء من كلم الناس‪ ،‬إنما هو الذكر والتسبيح والدعاء وقراءة‬
‫القرآن"‪.‬‬
‫وحين جاء العرابي وبال في طائفة المسجد وانتهره الناس‪ ،‬أدركه بقلبه‬
‫الرحيم وأعلمه بحق وواجب هذه الماكن وصيانتها‪ ،‬فقال هذا الرجل ‪:‬اللهم‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ارحمني وارحم محمدًا‪ ،‬ول ترحم أحد غيرنا‪ ،‬وذلك أنه رأى وعرف الرحمة في‬
‫قلب النبي وهذا يفسر لنا قوله ‪ " :‬الراحمون يرحمهم الرحمن‪ ،‬ارحموا من‬
‫في الرض يرحمكم من في السماء "‪.‬‬
‫إذا فمن رحمة أهل السنة بالخلق أن يرفقوا بمن يقع في الخطأ ويقع في‬
‫المنكر‪ ،‬خاصة الذي يقع فيه عن جهل ولم يجد من يذكره ويعلمه؛ فينبغي أن‬
‫نحسن إليه‪ ،‬وأن نرفق به‪ ،‬وأن ندعوه بعملنا وسلوكنا ورحمتنا قبل أن ندعوه‬
‫بقولنا وإنكارنا؛ فيرى في سلوكنا مما يشعره بصدق مقالتنا ودعوتنا‪ ،‬ويدعوه‬
‫إلى أن يستجيب لما نرجوه ونطلبه منه‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أن ل يسعى النسان إلى الحكم على الناس ويكون هذا همه‪ .‬إن‬
‫البعض من الناس يؤتى من غيرته وحرصه على حماية العقيدة فيتصور أنه‬
‫بقدر ما يخرج الناس من العقيدة ومن دائرة أهل السنة والتوحيد يكون أكثر‬
‫غيرة على عقيدة أهل السنة وأكثر حماية لها‪ ،‬ويتوهم بعض الناس أن الذين‬
‫تطول قائمة من يجرحونهم ويخرجونهم من دائرة أهل السنة هم أكثر الناس‬
‫غيرة على منهج أهل السنة‪ ،‬وأنهم أصدق الناس توحيدًا‪ ،‬فهم أولئك الذين لم‬
‫ينج منهم أحد‪ ،‬ولن يستطيع أحد أن يفلتهم‪.‬‬
‫إن المنتمي إلى هذه العقيدة العظيمة يعز عليه أن تخالف هذه العقيدة‪،‬‬
‫ويدعوه حبه لهذه العقيدة وتمكنها في قلبه إلى أن يتجاوز مجاملة الخلق‬
‫ومداهنتهم على حساب الخلل بها‪ ،‬لكن هذا أيضا ل يدعو النسان إلى أن‬
‫يكون همه البحث عن أخطاء الناس والتفتيش عنها والتنقيب ويرى أن هذا‬
‫من تمام الغيرة على العقيدة أليس النبي يقول لصحابه‪":‬ما أحب أن يبلغني‬
‫أحد عن أحد شيئًا"؟‬

‫) ‪(213/4‬‬

‫والمر ليقف عن أبواب السلوك؛ فحين قتل أسامة رضي الله عنه رجل ً قال‬
‫لإله إلالله ‪-‬والموقف يوحي ويشعر لكل من يقرأه أن هذا الرجل كما قال‬
‫أسامة‪ -‬هذا رجل يقتل المسلمين فما ترك أحدا ً إل قتله‪ ،‬فحين أدركه أسامة‬
‫– رضي الله عنه – ورفع عليه السيف قال‪ :‬أشهد أن ل إله إل الله‪ .‬أي إنسان‬
‫يسمع هذه القصة سيظن كما ظن أسامة – رضي الله عنه – أن هذا الرجل‬
‫إنما قال هذه الكلمة فرارا من القتل‪ ،‬وإل أين تصديقه بهذه الشهادة وأين‬
‫إقراره بها قبل ذلك؟ ومع ذلك لما أنكر عليه النبي قال أسامة إنما قالها‬
‫فرارا من القتل قال له ‪":‬أفل شققت عن قلبه"؟‬
‫إن هذا الخطاب ليس لسامة وحده رضي الله عنه‪ ،‬بل الخطاب للمة أجمع‪،‬‬
‫فما كلفنا بالتفتيش عن قلوب الناس‪.‬‬
‫هذا إنسان يشهد أن ل إله إل الله وأن محمدرسول الله‪ ،‬بل يقول لك أنا على‬
‫عقيدة التوحيد‪ ،‬وأنا على هذا المنهج ومن أتباعه‪ ،‬وتقول له‪ :‬ل إنك لست على‬
‫ذلك‪ ،‬وتنكر عليه ادعائه وتذهب تفتش عما يقول وتبحث عن كلمة تحتمل‬
‫ة ! هل مقتضى الغيرة على عقيدة أهل‬ ‫تأويل حتى تخرجه من هذه الدائر ‍‬
‫السنة يقتضي منا هذا المسلك؟ أم يقتضي منا أن نأخذ الناس على ظاهرهم؛‬
‫فمن أظهر خيرا وصدقا ونصيحة واتباعا للسنة قبلنا منه وحسابه على الله عز‬
‫وجل‪ ،‬ومن أظهر خلف ذلك عاملناه بما يظهر منه‪.‬‬
‫أما أن يكون الصل عندنا أن نشك في عقائد الناس حتى يثبت خلف ذلك‪،‬‬
‫فليس هذا من الغيرة على عقيدة أهل السنة‪ ،‬ول على عقيدة التوحيد‪ ،‬وليس‬
‫من النصرة لمنهجك أن تسعى إلى إخراج الناس منه‪ ،‬وإبعادهم عنه‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كيف نتعامل مع المخالف؟‬


‫لشك أن الرحمة بالناس والخلق ل يمكن أن تدعونا إلى أن نتستر على‬
‫الخطاء والمور الظاهرة‪ ،‬وقد شرع الله لنا التعامل مع ما يظهر من الناس‬
‫ويبدو منهم‪ ،‬وسرائرهم إلى الله سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫والمخالفون أصناف منهم ‪:‬‬
‫المجتهد المخطئ‪ :‬فقد يجتهد النسان ويبذل وسعه في تحري الحق والبحث‬
‫عن الدليل ثم يقع في خطأ‪ ،‬فيتأول نصا ً من كتاب الله أو سنة النبي على‬
‫خلف تأويله‪ ،‬أو تبدو له شبهة أو عارض من العوارض فيصل إلى نتيجة‬
‫خاطئة‪ ،‬فهذا قد قال عنه‪ " :‬إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن اجتهد‬
‫وأخطأ فله أجر واحد "‪.‬‬
‫والمجتهد الذي بذل وسعه معذور سواء في المور العملية أو المور الخبرية‪،‬‬
‫وغالب هؤلء إنما يقع خطؤه في أمور ليست معلومة من الدين بالضرورة‪.‬‬
‫وقد يكون له من الخير والفضل والحسنات ما يمحو ذلك والماء إذا بلغ قلتين‬
‫لن يحمل الخبث‪.‬‬
‫ومنهم الجاهل المعذور‪ :‬الذي قلد من وثق في عمله وورعه ودينه أو وقع في‬
‫أمر عن حسن نية‪.‬‬
‫ومنهم متعد ظالم ومبتدع آثم‪.‬‬
‫ومنهم منافق زنديق‪.‬‬
‫ومنهم مشرك ظالم‪.‬‬
‫فالمخالفون والمخطئون لنا ليسوا طائفة واحدة‪ ،‬وليسوا على درجة واحدة‪،‬‬
‫ول يجوز أن نحشرهم كلهم في واد واحد‪.‬‬
‫وقد تحدث أئمة أهل السنة حديثا طويل مستفيضا عن الموقف من هؤلء‬
‫والتعامل معهم‪ ،‬كل على حسب منزلته فمنهم من يعذر ويحسن إليه‪ ،‬ومنهم‬
‫من يغلظ عليه‪ ،‬ومنهم من يهجر‪ ،‬ومنهم من يؤدب ويعزر‪.‬‬
‫المقصود أيضا أن أهل السنة ل يبغون على المخالف كما قال شيخ السلم‬
‫رحمه الله ويرفقون بمن خالفهم‪.‬‬
‫الرحمة للخلق لتكون على حساب المنهج‪:‬‬
‫لقد سبق أن أهل السنة يعرفون الحق ويرحمون الخلق‪ ،‬وهذا يعني أن‬
‫الرحمة بالخلق ليست على حساب المنهج‪ ،‬ول تؤدي هذه الرحمة إلى‬
‫المساومة عليه‪ ،‬وإلى الغضاء عن البتداع والضلل والخطأ‪.‬‬
‫ومواقف شيخ السلم العملية أيضا تؤيد هذا المعنى الذي قاله‪ ،‬منها مواقفه‬
‫مع أعدائه الذين امتحن رحمه الله بسببهم وأدخل السجن وأوذي وصار له ما‬
‫صار بسببهم‪ ،‬يقل ابن القيم رحمه الله جئت يوما مبشرا له بموت أكثر‬
‫أعدائه وأشدهم عداوة وإيذاًء له؛ فنهرني وتنكر لي واسترجع ثم قام من‬
‫فوره إلى بيت أهله فعزاهم ثم قال إني لكم مكانه ول يكون لكم أمر‬
‫تحتاجون فيه إلى مساعدة إل وساعدتكم فيه‪ ،‬فسروا به ودعوا له‪.‬‬
‫ولما مرض مرض الوفاة رحمه الله دخل عليه أحد الذين عادوه وآذوه واعتذر‬
‫له‪ ،‬فقال‪ :‬إني قد عذرت وحللت كل أولئك الذين آذوني وخالفوني‪ ،‬ولهذا قال‬
‫عنه خصومه وهو ابن مخلوف‪:‬ما رأينا مثل ابن تيميه ‪ ..‬قدر علينا وصفح عنا‬
‫وحاج عنا‪.‬‬
‫والمقصود من ذلك كله أيها الخوة الكرام أننا ينبغي أن نقتدي بإمام أهل‬
‫السنة وفرطهم في هذا الخلق العظيم وهو الرحمة‪ ،‬وأن نرى أنه من تمام‬
‫انتسابنا إلى منهج أهل السنة أيضا أن ننظر إلى سلوكهم وهديهم وورعهم‬
‫وسمتهم‪ ،‬وأن نقتفي أثرهم عليهم رحمة الله ورضوانه أسأل الله سبحانه‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتعالى أن يجعلنا وإياكم من نجاه الله سبحانه وتعالى فكان على مثل ما كان‬
‫عليه وأصحابه إنه سميع قريب مجيب وصلى الله على نبينا محمد‪ .‬لقد سبق‬
‫أن أهل السنة يعرفون الحق ويرحمون الخلق‪ ،‬وهذا يعني أن الرحمة بالخلق‬
‫ليست على حساب المنهج‪ ،‬ول تؤدي هذه الرحمة إلى المساومة عليه‪ ،‬وإلى‬
‫الغضاء عن البتداع والضلل والخطأ‪.‬‬

‫) ‪(213/5‬‬

‫ومواقف شيخ السلم العملية أيضا تؤيد هذا المعنى الذي قاله‪ ،‬منها مواقفه‬
‫مع أعدائه الذين امتحن رحمه الله بسببهم وأدخل السجن وأوذي وصار له ما‬
‫صار بسببهم‪ ،‬يقل ابن القيم رحمه الله جئت يوما مبشرا له بموت أكثر‬
‫أعدائه وأشدهم عداوة وإيذاًء له؛ فنهرني وتنكر لي واسترجع ثم قام من‬
‫فوره إلى بيت أهله فعزاهم ثم قال إني لكم مكانه ول يكون لكم أمر‬
‫تحتاجون فيه إلى مساعدة إل وساعدتكم فيه‪ ،‬فسروا به ودعوا له‪.‬‬
‫ولما مرض مرض الوفاة رحمه الله دخل عليه أحد الذين عادوه وآذوه واعتذر‬
‫له‪ ،‬فقال‪ :‬إني قد عذرت وحللت كل أولئك الذين آذوني وخالفوني‪ ،‬ولهذا قال‬
‫عنه خصومه وهو ابن مخلوف‪:‬ما رأينا مثل ابن تيميه ‪ ..‬قدر علينا وصفح عنا‬
‫وحاج عنا‪.‬‬
‫والمقصود من ذلك كله أيها الخوة الكرام أننا ينبغي أن نقتدي بإمام أهل‬
‫السنة وفرطهم في هذا الخلق العظيم وهو الرحمة‪ ،‬وأن نرى أنه من تمام‬
‫انتسابنا إلى منهج أهل السنة أيضا أن ننظر إلى سلوكهم وهديهم وورعهم‬
‫وسمتهم‪ ،‬وأن نقتفي أثرهم عليهم رحمة الله ورضوانه أسأل الله سبحانه‬
‫وتعالى أن يجعلنا وإياكم من نجاه الله سبحانه وتعالى فكان على مثل ما كان‬
‫عليه وأصحابه إنه سميع قريب مجيب وصلى الله على نبينا محمد‪.‬‬

‫) ‪(213/6‬‬

‫أرضية العنف فرنسا وروسيا‬


‫الحرب العالمية الثانية‬
‫الحلقة )‪ (21‬الجمعة ‪ 26‬ربيع الول ‪1396‬هـ‪ 26 -‬آذار ‪1976‬‬
‫شوح‬ ‫العلمة محمود م ّ‬
‫)أبو طريف(‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫تحدثنا عنه في الجمعة الماضية هو بعض من الدروس المستفادة من تاريخ‬
‫النبوات السابقة على نبوة سيدنا محمد صلوات الله عليه وآله وسلم وكما‬
‫ذكرنا فإن الله تبارك وتعالى قص علينا في القرآن الكريم من نبأ المرسلين‬
‫ومن نبأ أقوامهم؛ ما يثبت الفئدة ويفيد العبرة كيل نرتكب مثل الذي ارتكبوا‬
‫وكيل نسقط في مثل ما سقطوا فيه‪ ،‬وليس عندي في الحق ما أضيفه في‬
‫هذا المجال إلى الذي قلته في الجمعة الماضية‪ ،‬وإن كان مجال القول في‬
‫هذه الناحية متراحبا ً شديد التشعب عظيم الرتباط ثم هو يتمتع بضرورة‬
‫حاسمة في أيامنا ‪ ،‬ولكن المنابر لها أسلوبها وحق مثل هذه الموضوعات أن‬
‫تكتب ل أن يتحدث بها على المنابر؛ إل أن بعضا ً من الخوة حفظهم الله‬
‫تعالى نبهوني إلى التباس وقع فيما يختص بنحلة آريوس الذي كان يدعو إلى‬
‫الوحدانية في القرن الثالث الميلدي‪ ،‬والذي حاربته المسيحية وطاردته‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتغلبت عليه في مجمع نيقيا عام ‪ 325‬للميلد ومعهم الحق في هذا اللتباس‪،‬‬
‫إن كان المر على النحو الذي قالوه‪ ...‬لقد دعوت بالشريط المسجل وإلى‬
‫غاية المس وصباح اليوم‪ ،‬أردت أن أستمع إليه لكتشف هذا اللتباس فلم‬
‫تسمح لي كثرة الشواغل لشيء من هذا؛ فأنا مضطر إلى أن أصحح المسألة‬
‫لنها خطأ علمي إن كان المر على النحو الذي أخبرني به الخوة مشكورين‬
‫يجب أن يصحح‪ ،‬لن هذه معلومات أصبحت في ذمة التاريخ وواجب النسان‬
‫حيالها نقلها بدقة وأمانة‪.‬‬
‫في هذه الناحية كنت أتحدث عن مدرسة السكندرية المعروفة في تاريخ‬
‫الفلسفة باسم الفلطونية الحديثة‪ ،‬وطلبت إليكم أن تتذكروا السكندرية‬
‫وفي الحقيقة فإن آريوس كان أسقف السكندرية‪ ،‬ولكنه رجل لم يلوث‬
‫بأدران الوثنية ولهذا فهو لم يتورط بالقول بألوهية عيسى وبالثالوت الذي‬
‫انتهى إليه مجمع نيقيا بتأثير من المبراطور الروماني الوثني قسطنطين الذي‬
‫تظاهر بالدخول في الكنيسة وبالدخول في النصرانية ورفض أن يعمد مسيحيا ً‬
‫إل بعد أن أصبح على فراش الموت؛ وكان طيلة عمره رجل ً من رجال‬
‫السياسة يهتم باستقرار المملكة واستتباب المن في ربوعها وعدم ظهور‬
‫بوادر التفرق والخلف والنقود التي ضربت في عهد قسطنطين المبراطور‬
‫الروماني والمحفوظة الن في المتاحف تشير إلى هذا‪ .‬فالنقود ضرب على‬
‫أحد وجهيها شعار الصليب الذي هو شعار النصرانية وضرب على الوجه الخر‬
‫تمثال جوبيتر الذي هو كبير آلهة الوثنية اليونانية القديمة‪ .‬فالرجل ل يطمئن‬
‫كبار الثقات من المؤرخين لصحة مسيحّيته‪ ،‬ويكفي أن نرجع إلى مؤرخ ثقة‬
‫كالستاذ فيشر في تاريخه‪ :‬تاريخ أوروبا في العصور الوسطى لندرس عظم‬
‫الريبة التي تنتاب المؤرخين في صحة دخول قسطنطين في النصرانية‬
‫فآريوس رجل من الموحدين الذين كانوا حقيقة على دين عيسى كما أنزله‬
‫الله تعالى؛ يقول إن عيسى عبد أنعم الله عليه ل أكثر ول أقل‪ ،‬اختصه‬
‫بالرسالة وكلفه بإبلغها إلى الناس ول زيادة؛ وأما مدعيات بعض رجال‬
‫الكنيسة من إضفاء طابع الوثنية على العقيدة المسيحية فشيء رفضه‬
‫آريوس‪ ،‬وسبق قبل مجمع نيقيا عام ‪ 325‬أن ُدعي إلى مجمع اجتمع فيه‬
‫رهبان مصر وليبيا‪ ،‬وحرموا بدعة آريوس وقرروا طرده من الكنيسة وإحراق‬
‫كتبه ومطاردة تعاليمه؛ المأساة عند هذا الحد لم تشكل نقطة النفراج‬
‫بالنسبة للمسيحية لكن نقطة النفراج في الحقيقة تشكلت مع مجمع نيقيا‬
‫ففي ذلك المجمع قررت بصورة نهائية ألوهية عيسى صلوات الله عليه‬
‫وتعالى الله عما يقول الظالمون علوا ً كبيرًا؛ من الذي حمل هذه الراية؟‬
‫حملها راهب كان في معية آريوس من تلميذ المدرسة الفلطونية الحديثة‬
‫اسمه الكسندر فهو الذي أثار المسألة وحرض قسطنطين بمساعدة عدد من‬
‫الرهبان‪ ،‬تمت الدعوة إلى مجمع نيقيا فاجتمع فيه ألفان وثمانية وأربعون‬
‫راهبا ً اختلفوا في هذا الموضوع وعلت أصواتهم ورمى بعضهم بعضا ً بالكفر‬
‫واللحاد والمروق والوثنية فاختار قسطنطين منهم ثلثمائة وثمانية عشر‬
‫سلمهم كل إمكانيات السلطة ليقرروا العقيدة التي يرونها تحت رياسته‪،‬‬
‫ورياسته رياسة وثنية في الصل متأثرة بالفلسفة التي كانت سائدة في‬
‫العصر الروماني في ذلك الحين والتي تقول باختصار إن الله الواحد يستحيل‬
‫أن يصدر عنه العالم المتكثر لن صدور العالم المتكثر يقتضي الحركة‪،‬‬
‫والحركة تقتضي التغير‪ ،‬والتغير يقتضي الحدوث فرارا ً من هذه الشكال؛‬
‫قالوا إن الواحد الول صدر عنه العقل الفعال‪ ،‬والعقل الفعال صدرت عنه‬
‫النفس الكلية‪ ،‬والنفس الكلية صدرت عنها الكوان المتكثرة‪ ،‬وفاضت عنها؛‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهذا هو ملخص نظرية الفيض المعروفة في تاريخ الفلسفة الفلطونية‪.‬‬


‫نلحظ أن الفلطونية فيها ثلثة مبادئ أساسية‪ ،‬ونلحظ أن النصرانية قررت‬
‫ثلثة أقانيم متأثرة بهذا الجو السكندري المحض الذي كانت مدرسنه تحمل‬
‫لواء الفلسفة الفلطونية‪.‬‬

‫) ‪(214/1‬‬

‫استنتجنا من هذا أن السلم ل يستطيع من البدء أن يضع رسالته تحت‬


‫سيطرة سلطة زمنية لن السلطة الزمنية؛ إما أن تحذف نفسها وإما أن‬
‫تحذف الرسالة‪ ،‬ومعلوم أن السلم يقوم على أساس حذف كل سلطة ل‬
‫تتواءم ول تتناسب مع سلطة السلم؛ وهذا درس من الدروس المستفادة‬
‫من النبوات السابقة التي نشأت في الزمن القديم تحت ظل سلطات زمنية؛‬
‫فتأثرت بها فدخلها التحريف والتغيير والتبديل‪ .‬والفرق بين السلم الذي نشأ‬
‫في جوه الحر المتحرر الذي أنشأ سلطته الخاصة مؤسسة على عقيدته‬
‫الخاصة منبثقة عن هذه العقيدة وفق تصور مسبق وتصميم مرسوم هذا ما‬
‫أردت أن أصحح به ما ربما وقع من التباس في الجمعة الماضية وموعدنا‬
‫اليوم حديث غيره‪.‬‬

‫) ‪(214/2‬‬

‫نحن اليوم نريد أن نواجه القضية التي تشكل عندنا أهمية حاسمة ولماذا‬
‫تشكل هذه الهمية؟ تشكل هذه الهمية لن الجو العام في العالم كله خضع‬
‫لنطباعات ومؤثرات هي ‪-‬وفاقا ً لموازين السلم ومقاييسه العتقادية‬
‫والعملية‪ -‬تحمل نذر خطر ساحق‪ ،‬ليس على السلم وحسب وإنما على‬
‫البشرية ككل‪ ،‬القضية هي قضية العنف في الدعوة وعدم العنف في الدعوة‬
‫أي السلوكين أجدى‪ !..‬وأي السلوكين أقوم‪ !..‬وأيهما أدعى إلى أن تصحح‬
‫الوضاع باتجاه السلم تصحيحا ً مبرءا ً من العقد والنتكاسات‪ !..‬هذا الموضوع‬
‫في الواقع كنت أثرته بصورة مبدئية في أوائل الصيف الماضي يوم كنا‬
‫نخطب في الجامع الوسط‪ ،‬وأثرته في ظروف شاء الله أن تثار فيها‪ .‬وكنت‬
‫أرى أن العنف ل يجدي وأن العنف يخرب الشخصية النسانية وأن العنف يولد‬
‫في المجتمعات ردود أفعال غير مأمونة العواقب ثم كان بعد أيام‪ ،‬فتلقيت‬
‫من أخ كريم رسالة بعد الخطبة الولى يتساءل فيها برفق وباحترام كيف‬
‫يمكن لنا أن ل ندعو إلى العنف مع حاكم أو سلطة استنزفت دم الشعب‬
‫وجلدت الحرار وأراقت الدماء وضيقت على الحريات ووضعت الناس في‬
‫سجن كبير‪ ،‬وأخذت الكتاب قرأته وطويته ووضعته في جيبي وقلت لصاحبه‬
‫ف مني أحسه‬ ‫سأجيبك إن شاء الله وإلى تاريخه لم أجب الرجل على أس ٍ‬
‫حتى الن‪ .‬شاء الله أن نبدأ موضوعاتنا الخيرة وأن يكون للعنف والحديث‬
‫عنه مكانه الخاص في هذه الحاديث نحن اليوم نواجه؛ لكني أريد أن أقول‬
‫للمانة إنني أشعر بأن هذا الخ وبقية الخوة الذين يشعرون بهذه المشاعر‬
‫ويحسون هذه الحاسيس ويفكرون على هذا النحو؛ معهم بعض العذر‪ ..‬ل كل‬
‫العذر‪ ،‬ظواهر المور توحي بأن الذي يضغط ويكبت ويعتدي ويظلم إنسان‬
‫عدو للشعب يجب أن ل يتفاهم معه الشعب إل بكفة الحديد والنار والدماء‬
‫والدموع لكني أريد أتساءل وأن تتساءلوا معي‪ :‬أترى ظواهر الحياة‬
‫الجتماعية النسانية شيء ينزل من السماء أو ينجم من الرض مبتوت الصلة‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بما قبله مبتوت الصلة بما حوله أم الظواهر الجتماعية حصيلة تفاعلت‬
‫طويلة وعديدة ومعقدة تربط بينها عوامل شديدة التعقيد ل شك أن الظاهرة‬
‫الجتماعية هي حصيلة عوامل تمتد في الزمان والمكان طول ً وعرضًا‪ .‬وحين‬
‫نأتي إلى الظاهرة كظاهرة لنبني آراءنا على أساسها فهذا موقف سليم في‬
‫ظاهر المر‪ ،‬هروبي في التحليل الخير وفي محصلة الحساب هروبي‪ ،‬لنه‬
‫يشكل نوعا ً من السقاط‪ ،‬فنحن سمحنا بالتغاضي بالتهاون بالتخلي عن‬
‫الواجبات بالكف عن الرقابة‪ ،‬بإسقاط واجب المر بالمعروف والنهي عن‬
‫مَرضّية‪ ،‬والظاهرات المرضية‬ ‫المنكر عن أكتافنا سمحنا لبروز الظاهرات ال َ‬
‫كنقط المطر التي تنزل واحدة واحدة ولكنها من حيث المآل تشكل سيل ً‬
‫عارما ً يجرف كل ما أمامه‪ ،‬من المسؤول عن بروز الظاهرات الجتماعية‬
‫الشاذة سواء في الحياة الجتماعية أو في الحياة السياسية أو في الحياة‬
‫القتصادية؟ المسؤول ليس الحاكم الذي هو المحصلة النهائية لهذا العدد‬
‫الذي ل يتناهى من السباب ل؛ هو طرف من جملة أطراف ولعله أن يكون‬
‫الطرف الذي يستدعي الشفقة والرثاء أما الطرف الذي يستوجب المحاسبة‬
‫ويستوجب التدقيق ويستوجب طول الوقوف في الخذ والرد معها فجمهور‬
‫الشعب الذي سمح باللمبالة‪ ،‬بالتخفف من المسؤوليات‪ ،‬بالجبن بالنهزامية‬
‫والهروب أن تبرز ظواهر سلبية وخطرة من هذا النوع أنا في الحقيقة كما‬
‫قلت أعطي تساؤل الخ وكل الذين يشاركونه الرأي والحاسيس جانبا ً من‬
‫المشروعية ولكني وفاقا ً لما أخذت به نفسي من نهج علمي ل أستطيع أن‬
‫أسقط من المسؤولية أطرافها التي تشترك فيها؛ المسؤولية واضحة‬
‫وأطرافها قسم بارز على السطح يطفو‪ ،‬والقسم الخر يضع رأسه تحت الماء‬
‫ل يكاد يرى ولكنك لو غمست يدك قليل ً لعثرت على الرؤوس التي أفرزت‬
‫هذه الظواهر المرضية‪ .‬وبعد فالحديث عن هذه الظاهرة ‪-‬وهي ظاهرة‬
‫مزعجة‪ -‬حديث يقتضي شيئين واسمحوا لي إذا قلت لكم إنني اليوم سأقدم‬
‫لكم وجبة عسيرة الهضم ل تكادون تسمعون فيها آية من كتاب الله ول حديثا ً‬
‫من أحاديث رسول الله ول واقعة من وقائع السيرة وإنما هو المحاكمة؛‬
‫والمحاكمة العقلية الجافة فقط تقتضي منا أول ً أن نتعرف على التربة التي‬
‫ولدت ظاهرة العنف تلك الظاهرة التي تطبع عصرنا الحديث بطابعها الظاهر‬
‫البارز والشيء الثاني الذي تقتضيه شعور بأقصى درجة ممكنة من المانة في‬
‫مواجهة الوقائع؛ منذ زمن وأنا أريد أن أقطع من التاريخ منظورا ً خاصًا‪ ،‬طبعا ً‬
‫ل أتكلم عن القضية من وجهة نظر السلم‪ ،‬فذلك حديث يأتي في الجمعة‬
‫القادمة وما يليها‪ .‬إنما أريد أن أتتبع الظاهرة الموجودة اليوم منذ زمن بعيد‪،‬‬
‫منذ أكثر من قرنين كان الناس يعيشون حالة ل عقلنية ل شعورية ثمة ملك‬
‫أو أمير حوله حاشية من القطاعيين والفرسان وحولهم يدور عدد من‬
‫المثقفين هؤلء هم الذي يفكرون ويقررون ويقدرون وينفذون؛ وأما جماهير‬
‫الناس السواد العظم الذي تنعكس عليه آثار هذه التصرفات والذي سيعاني‬
‫من هذه النتائج معاناة حقيقية فهو غائب عن‬

‫) ‪(214/3‬‬

‫المنظور التاريخي تمامًا؛ لم يبدأ في الواقع ترشيد الحياة النسانية وإخضاعها‬


‫لنوع من العقلنية والتوجيه إل مع ظهور الثورة الفرنسية عام ‪ .1789‬في‬
‫ذلك الوقت تبين أن بقاء الحياة تسير في مجراها مدفوعة بعوامل غير‬
‫منظور إليها في ضوء العقل؛ شيء يوصل إلى مثل هذه الفورات التي لم‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يكن لها في الحسبان وجود والتي تحمل في طياتها نذرا ً وأخطارا ً قد تلحق‬
‫بالبشرية دمارا ً وتخريبا ً واسع النطاق هنا بدأ التفكير في ضرورة إخضاع‬
‫الحياة النسانية لشيء من العقلنية تفاديا ً لماذا تفاديا ً للظاهرة البشعة التي‬
‫رافقت ظهور الثورة الفرنسية مهما يكن تقدير المؤرخين والدارسين‬
‫الجتماعيين‪ ،‬ومهما يكن من تقدير الساسة لقيمة الثورة الفرنسية وأثرها في‬
‫تطوير الفكر المعاصر‪ ،‬وأثرها في تعريف جماهير الشعوب إلى حقوقها‬
‫المهضومة المسروقة المغتصبة؛ فل بد لنا من أن نلقي نظرة عجلى على‬
‫الحالة العجيبة التي رافقت الثورة الفرنسية‪ .‬الثورة الفرنسية على صعيد‬
‫الفكر؛ حصيلة عالم النوار الذي وجد في أواخر القرن السادس عشر وخلل‬
‫القرن السابع عشر وجد مفكرون يتحدثون عن الطبيعة النسانية يتحدثون‬
‫عن حقوق النسان يتحدثون عن الحرية يتحدثون عن النظمة الحاكمة‬
‫الدستورية‪ ،‬يقرون حقوقا ً معينة للشعوب يقرون واجبات معينة على‬
‫الحاكمين؛ هذا الختمار الفكري وَل ّد َ حالة من التهيب في فرنسا وفي أوروبا‬
‫عموما ً لتغيير الوضاع‪ .‬هنا نضع أيدينا على مفرق من المفارق التي تفرق بين‬
‫السلم وبين غيره من كل الحركات الرضية؛ السلم ل ينتظر الحادثة حتى‬
‫تقع لكي يطب لها‪ ،‬إنما يخطط ويدقق وفقا ً لمنهج علمي صارم ‪-‬غاية في‬
‫الصرامة‪ -‬قلت قبل قليل وللمثل والتوضيح أن الظاهرة الجتماعية ليست‬
‫شيئا ً مقطوع الصلة بما قبله وبما حوله وإنما هي شيء له ارتباطات واسعة‬
‫في عمق المكان وفي عمق الزمان على حد سواء لكن هذه الظاهرات لها‬
‫أسباب هذه السباب أيضا ً هي كل شيء في الظاهرات نقول أيضا ً ل فجملة‬
‫الظاهرات التي لها أسبابها‪ ،‬نجد وراءها علل ً تربط بين هذه السباب‪،‬‬
‫مجموعة هذه العلل ترتبط في حركتها بمنطق خاص هو الذي يوجه سير‬
‫الظاهرة حينما نتعرف على المنطق نكون قادرين على إدخال التعديل‬
‫المطلوب لحداث التغيير في سير الظاهرة الجتماعية‪ ،‬السلم يفكر بهذا‬
‫الشكل‪ ،‬ولهذا ل يترك المور للمصادفات وإنما يقيسها ويخطط لها وفقا ً‬
‫لقواعده العامة الموحى بها من قبل الله تبارك وتعالى لكن الثورات الرضية‬
‫كانت تكون على غير هذا الشكل ول عجب‪ ،‬فالثورات الرضية حصيلة جهد‬
‫إنساني محكوم بزمانه محكوم بمكانه ومحكوم بما هو أخطر بالحالة العقلية‬
‫ن تفكير‬ ‫وبالحالة العاطفية والنفسية للنسان المفكر لن هؤلء جميعا ً ت ُّلو ُ‬
‫النسان‪ ،‬وتجعله يسير باتجاه معين الثورة الفرنسية في الواقع كانت حصيلة‬
‫اختمار ذهني وعقلي في المجتمع الغربي عموما ً لكنها حين انفجرت أين‬
‫ذهب الذين فكروا وأين ذهب الذي قدروا وأين ذهب الذي كتبوا أذكر لكم مثل ً‬
‫الثورة بدأت عام ‪ 1789‬واستمر الرهاب واستمرت المجازر إلى عام ‪1794‬‬
‫خمس سنوات الكاتب المفكر الغربي الشهير )فوندورسيه( قدم مشروع‬
‫دستور لتحكم بموجبه الدولة في فرنسا لكن هذا المشروع لم ير النور‬
‫لسببين الول أنه جاء متأخرا ً فبعد أن قضي على دانتون عميل الرهاب‬
‫وروبسبير خليفة دانتون وأصبحت البشائر واضحة بقرب دكتاتورية نابليون‬
‫أصبح هذا الدستور بل معنى‪ ،‬لن السلطة ترسخت وهي التي ستعرف ما‬
‫تريد وتخطط لهذا وتضعه؛ هذا واحد والشيء الثاني أن دستور )فوندورسيه(‬
‫كان مجهودا ً عقليا ً لنسان معتزل في صومعة‪ ،‬فكر بأن الحياة يمكن أن نضع‬
‫لها خطوطا ً مواصفاتها كذا كذا وكذا وانتهى كل شيء‪ ،‬غافل ً عن أن وقائع‬
‫الحياة لها منطق غير منطق الفكر المجرد‪ ،‬وأن الحياة الجتماعية المتحركة‬
‫لها احتياجاتها التي لن يدركها النسان الذي ل يعايش الحياة الواقعة‪ ،‬ول‬
‫يحترق بلظاها ويتقلب على جمرها فالمفكرون كانوا غائبين‪ ،‬قام بالثورة‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرعاع من الجهلة الوباش الذين ل يملكون القدرة على التفكير‪ ،‬مع علمي‬
‫بأن كارل ماركس يمجد هذه الكومونة‪- ،‬التي تسمى كومونة باريس‪ -‬ويعتبرها‬
‫أول محاولة رشيدة في التفكير النساني تهدف إلى إلغاء الطبقية وإزالة‬
‫الظلم من عالم الحياة ‪-‬لكن هذا خطأ‪ -‬فالحقيقة أن الذين عاصروا الثورة‬
‫الفرنسية‪ ،‬وأن السلطة التي قطعت رأس الملك وقطعت رأس الملكة‪،‬‬
‫وألغت النظام الملكي‪ ،‬وأقامت الجمهورية وقضت على الجيرونديين وقضت‬
‫على اليعاقبة أيضًا‪ ،‬ونكلت بخصومها جميعًا‪ .‬هذه الثورة أقامت المجلس‬
‫الوطني الفرنسي الذي وصفه المفكر الفرنسي دومورير بأنه مكون من‬
‫ثلثمائة وغد‪ ،‬وأربعمئة معتوه‪ ،‬هذا هو قوام المجلس الوطني الذي أقام عهد‬
‫الرهاب الدموي والذي أصبحت فيه الرؤوس تتساقط حتى أصبحت التسمية‬
‫لهؤلء الناس في الدبيات السائدة إبان الثورة الفرنسية أصبحت التسمية‬
‫اللطيفة أن هؤلء الذين يعدمون على المقصلة كانوا يسمون العاطسين في‬
‫الزكائب؛‬

‫) ‪(214/4‬‬

‫تعرفون ما معنى العاطسين في الزكائب؟ الزكيبة حقيبة من جلد توضع في‬


‫أسفل المقصلة حتى إذا نزلت السكين على الرأس ففصلته عن الجسد‬
‫سقط الرأس في الحقيبة‪ ،‬والرأس حين يسقط أثناء القطع يتحرك الفم وهو‬
‫يلفظ أنفاسه الخيرة‪ .‬فمن باب النكتة سماهم الفرنسيون؛ العاطسين في‬
‫الزكائب‪ .‬لو تتبعنا هذه السلسلة المخيفة من العاطسين في الزكائب أثناء‬
‫الثورة الفرنسية لوقفت شعور رؤوسنا لفظاعة الرهاب ولفداحة العنف الذي‬
‫أصبح يسود المجتمع الفرنسي‪ .‬هذا الرهاب لم يكن له نظير في كل التاريخ‬
‫الحديث إل في الثورة الروسية التي قامت عام ‪ 1917‬وولدت النظام‬
‫الشيوعي‪.‬‬

‫) ‪(214/5‬‬

‫في الواقع أيضا ً قامت هذه الثورة على أكتاف الرعاع؛ وإن كان لينين‬
‫وتروتسكي وزينوفيه وكثير آخرون من المفكرين من رواد الثورة‪ ،‬ولكن الداة‬
‫المنفذة كانت من الرعاع ومنذ نشبت الثورة وإلى أن استتبت خسرت روسيا‬
‫سبعة مليين نسمة قتلوا في أثناء هذه الثورة‪ ،‬هذا شيء يجب أن يعرف عن‬
‫أرضية العنف عن التربة التي نشأ فيها العنف‪ ،‬نفحص الن العنف من الذي‬
‫يقوم به وفقا ً للحصاءات فإن الثورة الفرنسية قام بها نفر قليل والذين‬
‫صوتوا في فرنسا على الجمعية الوطنية يشكلون ستة بالمئة من مجموع‬
‫سكان فرنسا اذهب إلى الثورة الروسية فسوف تجد أن الثورة الروسية‬
‫حينما قامت كان قوام الحزب الشيوعي مئتي ألف مواطن من أصل مئتي‬
‫مليون أي أن الذي قام بالثورة الروسية نسبته إلى مجموع المة نسبة واحد‬
‫إلى ألف‪ .‬فالحديث عن الثورات الشعبية من قبل حركات من هذا اللون‬
‫حديث تكذبه الوقائع الراهنة بل يدل على أن عصبة منظمة استطاعت أن‬
‫تهتبل فرصة مناسبة فتثبت على الحكم وبضربة خاطفة وعنيفة نكلت‬
‫بخصومها فأوقعتهم في شلل حرمهم التفكير في المقاومة واستتبوا على‬
‫هذه الرضية التي ترون‪ ..‬هذا واحد‪ ..‬السمة الثانية وهي سمة مهمة كما يجب‬
‫أن ل تغيب عن الذهان للتربة التي ينشأ فيها العنف‪ .‬أن العنف الذي رافق‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الثورة الفرنسية وَل ّد َ شرها ً وطمعا ً كما أن العنف الذي رافق الثورة الروسية‬
‫ولد شرها وطمعا ً ففرنسا بعد ثورتها شكلت إمبراطورية جاست خلل الديار‬
‫ل العروش حيثما حل‬ ‫في أوربا وكان نابليون يركل التيجان بين قديمه وكان يث ّ‬
‫وكان يغزو مصر وحاول أن يغزو سوريا لول أنه وقف عند أبواب عكا‪ .‬فالمة‬
‫التي تمارس العنف ل بد لها من أن تتوسع في العنف لن العنف طريق أوله‬
‫صغير ونهايته بغير نهاية ودائما ً قانونه الذي يحكمه أن أوله يطلب آخره‬
‫باستمرار العنف بداية ل نهاية لها تعود الشعب الفرنسي على استعمال‬
‫أساليب العنف وقضى على كل خصومه في الداخل فالتفت إلى المم‬
‫المجاورة يمارس عليها أساليب العنف ويقيم عليها هذه القواعد العنيفة‪.‬‬
‫فحطم العروش وأزال الممالك وفتح البلدان كذلك الشأن بالنسبة للثورة‬
‫الروسية نجحت الثورة الروسية عام ‪ 1917‬بعد أن أكلت من بنيها سبعة‬
‫مليين نسمع ومضت المدة الواقعة بين عام ‪ 1917‬وعام ‪ 1924‬وهي حياة‬
‫لينين في تدعيم المر في الداخل‪ ،‬ورد خطر التحالف الوربي الذي حاول أن‬
‫يدمر الثورة الروسية وجاء ستالين إلى الحكم من بعد لينين‪ ،‬فلم يجد أثناء‬
‫الصراعات الداخلية العنيفة فرصة تسمح له بتوجيه قوى الثورة خارج نطاق‬
‫البلد الروسية ثم قامت الحرب العالمية الثانية وانتهت الحرب العالمية‬
‫الثانية‪ ،‬ومن عجيب المصادفات أو من التدبير المحكم؛ أن أركان الحلفاء‬
‫أمريكا إنكلترا التحاد السوفياتي كل الركان خرجوا من الحرب كما دخلوها‬
‫بغير إضافة في الرض‪ ،‬بغير مرابح على الرض‪ ،‬إل روسيا فالواقع أن أمريكا‬
‫لم تحتل أرض الغير في الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وكذلك فرنسا كذلك إنكلترا؛‬
‫بل نقول إن دول الحلفاء الثلثة هذه‪ ،‬خسرت بعد الحرب العالمية الثانية‬
‫ممتلكاتها خارج حدودها ما عدا روسيا فالواقع أن روسيا هي الدولة الوحيدة‬
‫التي وجهت جيشها الحمر بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة لكي يحتل‬
‫ن سكاُنها ما ل يقل عن ستين مليونا ً من‬ ‫أقساما ً من أوروبا الشرقية ي ُك ّوِ ُ‬
‫البشر؛ على أية ذريعة على ذريعة تأمين سلمة الثورة وعلى ذريعة الحفاظ‬
‫ن‪ -‬شيء ثالث ونحن نفحص الثورات نجد‬ ‫على مكاسب الثورة ‪-‬هذا شيء ثا ٍ‬
‫أن الثورات عموما ً كالهرة تأكل أبناءها؛ فالذي يقوم بالثورة اليوم يمارس‬
‫العنف على خصومه ولكن يجب أن ل يغيب عن البال أن كل فعل يتطلب رد‬
‫فعل يوازيه ويكافئه وهذا القانون صادق في النسانيات كما هو صادق في‬
‫الطبيعة فحين يمارس المنتصر العنف على خصومه ينتظر بالمقابل ردا ً لهذا‬
‫الفعل موازيا ً لمقدار العنف الذي مارسه على الخصوم ومن هنا كان قانون‬
‫الثورات الذي يحكمها باستمرار التصفيات المستمرة أعطوني ثورة واحدة‬
‫قامت في الدنيا وبقي القائمون بها يحكمونها حتى النهاية‪ ..‬ل يوجد‪ ..‬بحجة‬
‫التصفيات والتخلف عن متطلبات العصر وعدم التجاوب مع رغبات الشعب و‪.‬‬
‫و‪.‬و‪ .‬إلى آخر هذه الذرائع يأتي المنتصرون ليأكل بعضهم بعضًا‪ .‬وأقول إن‬
‫الذين قاموا بالثورة الفرنسية لم يبق منهم في ‪-‬عهد حكومة الديركتوا‪ -‬ول‬
‫أي مخلوق‪.‬‬

‫) ‪(214/6‬‬

‫وأن الذين قاموا بالثورة الروسية والذين شكلوا المكتب العلى للجنة‬
‫المركزية للحزب الشيوعي الروسي لم يأت عام ‪ 1936‬إل كان جميع أعضاء‬
‫هذا المكتب ‪-‬ما عدا ستالين‪ -‬إما مقتول ً وإما منفيا ً إلى مجاهل سيبريا يتجمد‬
‫في البرد والثلج‪ ،‬هذا القانون تلحظونه الن في دول العالم الثالث ل يتخلف‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ول يمكن أن يتخلف؛ من المسؤول عنه المسؤول عنه هو العنف لن العنف‬


‫دائما ً يتطلب آثاره؛ وآثاره هي هذه ل غير‪ ،‬هذه هي التربة‪ .‬لكن هذه التربة أو‬
‫بالحرى لكن تقديرنا لهذه التربة يبقى ناقصا ً إذا نحن أغضينا النظر عن عدد‬
‫من المور‪ ،‬مع الحرب العالمية الولى ‪-‬خضوعا ً لضرورات الحرب‪ -‬أصبح‬
‫تدخل الدولة في الشؤون العامة شيئا ً ضروريا ً لتامين المرافق‪ ،‬تأمين‬
‫السوقية‪ ،‬تأمين التموين‪ ،‬تأمين إلى آخره؛ ضرورة الحرب تقتضي وجود نوع‬
‫من إشراف الدولة على جمهور شعبها‪ ،‬ولكن هذا الشراف كان في الحرب‬
‫العالمية الولى ليس بارزا ً إلى الحد الذي نراه؛ أما مع الحرب العالمية الثانية‬
‫فقد اختلف المر أصبح تدخل العنف أي تدخل جهاز الدولة الذي يمثل قمة‬
‫العنف السمة التي تطبع العصر بكامله سواء كان الذين كانوا يمارسونه دول ً‬
‫رأسمالية أو دول ً اشتراكية لماذا هنا يجب نتبصر – يا إخوتي ويا أحبائي‪ ،‬أنتم‬
‫في معظمكم شباب تحملون على أكتافكم مسؤولية هائلة عظيمة‪ ،‬نحن في‬
‫الواقع بدأنا نسلم المانة دخلنا الكهولة وجاء الزمن الذي يتطلب منا أن نسلم‬
‫المانة لكم أريد أن أقول لكم كلمة؛ الوقوف عند ظواهر المور شيء خطر‬
‫ومضيعة للوقت في غير طائل ومشي في الظلم‪ ،‬اعرفوا كل شيء وفكروا‬
‫في كل شيء وقبل أي شيء؛ اعرفوا في أي عصر تعيشون واعرفوا‬
‫المواصفات الحقيقية للعصر الذي تعيشون فيه‪ ،‬و اعرفوا المكانات التي‬
‫يمكن أن يقدمها هذا العصر سلبا ً أو إيجابا ً قلت إنه مع الحرب العالمية الثانية‬
‫أصبح تدخل الدولة أي جهاز العنف السمة التي تطبع العصر برمته فما قدمت‬
‫لنا الحرب العالمية الثانية أبرزت إلى الساحة ثلثة شياطين‪ ،‬الدارة‬
‫الحكومية‪ ،‬والعلم‪ ،‬والتكنولوجيا‪.‬‬
‫الدارة الحكومية أصبحت تتدخل في الصغيرة والكبيرة‪ ،‬وتعطي نفسها حق‬
‫الشراف والتوجيه والتقرير والتنفيذ أي حق قولبة المجتمع البشري بل قولبة‬
‫العقل البشري وصياغته على النحو الذي تريد‪ ،‬والتكنولوجيا سهلت على‬
‫النسان ما كان يبذله من جهد يشعره بشخصيته ووضعت في يد الدولة‪ .‬كل‬
‫مقادير هذه الشخصية؛ ماذا كان من نتائج هذا؟ كان من نتائج هذا أن تضخم‬
‫جهاز العنف وأن تضخم موضوع تدخل الدولة في شؤون الفراد وأن تضخم‬
‫الوضع البوي الذي تأخذه الدولة وأن تجسم هذا الدور حتى أصبحت الجهزة‬
‫الحاكمة في أي مكان من الماكن تشعر بأنها وصية على الناس وبأنه ل يجوز‬
‫للمواطنين أن يروا رأيا ً يخالف ما يراه الزعيم‪ ،‬ول ينبغي لنا أن نسقط من‬
‫حسابنا أن ثمة ظاهرة معروفة في التاريخ السياسي وهي أن الجهزة‬
‫الحاكمة دائما ً حتى أفضلها وأمتنها تصاب بما يسمى بالتسمم بالحكم لمجرد‬
‫أن تصل إلى الحكم تصاب بهذا التسمم‪ ،‬فترى أن الجهاز الذي تهيمن عليه‬
‫أفضل جهاز‪ ،‬وأن أي إصلح ل يمكن أن يتأتى إل من هذا الجهاز‪.‬‬

‫) ‪(214/7‬‬

‫ومن هنا كان دورها العنيف ودورها الخطر ودورها المخرب‪ ،‬هل استطاع‬
‫المردة الثلثة البالسة الثلثة أن يضيئوا أمامنا الطريق لنرى هل تراجع العنف‬
‫في الحياة النسانية أم تقدم؟ نرجع إلى الرقام في التاسع من أيار عام‬
‫‪ 1945‬شنت على مدينة طوكيو عاصمة اليابان غارة جوية دامت ست‬
‫ساعات‪ ،‬كانت الغارة مكونة من ‪ 286‬طائرة قاذفة ألقت على مدينة طوكيو‬
‫‪ 1670‬طن من القنابل الحارقة فأحرقت ‪ 40‬كيلو متر مربع من المدينة‬
‫وتكشف الموقف عن قتل ‪ 84‬ألف نسمة من أصل ‪ 67000‬ألف نسمة هم‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قوام سكان مدينة طوكيو‪ 286 ،‬طائرة ألف وست مئة وسبعين طن من‬
‫القنابل المتفجرة‪ ،‬في السادس من آب ألقت طائرة قاذفة واحدة على‬
‫هيروشيما من ارتفاع ‪ 400‬متر قنبلة واحدة بحجم البيضة أحرقت ‪ 11‬كيلو‬
‫متر مربع بواسطة النار والريح الحارقة من المدينة‪ .‬وأسفرت هذه القنبلة‬
‫عن قتل ‪ 160‬ألف نسمة من أصل ‪ 240‬ألف نسمة أين أصبحت النسب‬
‫طارت مع الريح‪ ،‬الحروب الكلسيكية أصبحت لعبة أطفال وأصبح العلم‬
‫والتكنولوجيا والدارة الحكومية يشكلن خطرا ً يهدد المجتمع البشري كله‬
‫بالدمار والفناء فإذا أضفنا إلى هذا أنه بحلول عام ‪ 1957‬وهو تاريخ قريب‬
‫بالنسبة إلينا زادت القوة التدميرية باكتشاف القنابل الهيدروجينية عشر مرات‬
‫نكتشف أن الخطر تجسم وأن العنف بلغ مراحل تنذر بالويل والثبور وعظائم‬
‫المور‪ ،‬فإذا نظرنا أيضا ً إلى أن العلم يقول لنا اليوم‪ :‬إن الكيلو غرام الواحد‬
‫من مادة اليورانيوم المشعة التي تستخدم في التفجيرات النووية تحوي ست‬
‫مئة ألف كيلو قوة طاقية للنفجار‪ ،‬وعرفنا أن الذي أمكن استخلصه من‬
‫القوة التدميرية والتفجيرية هو واحد إلى ألف أدركنا أن القوة الرهيبة‬
‫المتحصلة اليوم التي رفعت القمار الصناعية إلى القمر وإلى المريخ وإلى‬
‫كوكب الزهرة تساوي واحد من ستين من القوة التي يمكن للعلم أن‬
‫يستخلصها من المواد المشعة؛ إذا عرفنا هذا يقف شعر رأس النسان‪ ،‬أية‬
‫طريق تسير فيها هذه البشرية من هنا نجد أن العملقين الكبيرين اللذين هما‬
‫روسيا وأمريكا اتفقا على أن ل يكون بينهما صدام نووي لن الصدام النووي‪،‬‬
‫يشكل دمارا ً كامل ً للبشرية وذلك ذروة العنف وهو النتيجة الطبيعية لغياب‬
‫المراقبة الشعبية من الساحة لكنهما اتفقا على ماذا على السماح بالحروب‬
‫الموضعية سأضرب لكم من الحروب الموضعية مثلين لتروا أنه حتى مع‬
‫استعمال الساليب الكلسيكية التقليدية بأن الحروب الموضعية تشكل تهديدا ً‬
‫خطيرا ً بما تملكه من آلة عنيفة جبارة في حرب كوريا التي استمرت ثلث‬
‫سنوات ثم ختمت بالهدنة استخدم ما يقرب من خمسة مليين رجل في‬
‫الحرب ومات في هذه الحرب مليون ومئتا ألف رجل ودمر أربعون بالمئة من‬
‫القوة الزراعية في البلد ودمرت سبعون بالمئة من الثورة الصناعية في‬
‫البلد في الجزائر وهي حرب موضعية قتل مليون قتيل في الجزائر باستخدام‬
‫فرنسا لقوات حلف الطلسي التقليدية الكلسيكية سياسة الرض المحروقة‪،‬‬
‫تسمعونها أكثر من سبعين بالمئة من الراضي القابلة للزراعة جرى إحراقها‬
‫من قبل القوات الستعمارية الغازية فأي دمار وأية قابلية للدمار تحملها هذه‬
‫التطورات الرهيبة؛ نسأل أنفسنا هل تراجع العنف؟ ل‪ ..‬نسأل أنفسنا أيضًا‪ :‬ما‬
‫مصير هذا البؤس والشقاء؟ سأذكر لكم يا أحباب عام ‪ 1945‬وصلت ألمانيا‬
‫إلى القاع حتى إن وزيرا ً من كبار الوزراء الحلفاء قال بكل مرارة وألم إنه‬
‫وخلل قرون طويلة لم يسبق أن عانى شعب أوروبي هذه الحالة من الدمار‬
‫والضياع والبؤس والشقاء شاعت على ألسنة اللمان مقطوعة شعرية يغنونها‬
‫في الطرقات بعد أن فقدت ألمانيا عشرين بالمئة من سكانها وبعد أن دمرت‬
‫فيها ثلث مئة ألف مسكن‪ ،‬وبعد أن فقدت تسعين بالمئة من الرأسمال غير‬
‫المنقول الذي تملكه كان الرجل منهم يمشي ويغني ويدندن بمقطوعة يقول‪:‬‬
‫سقط الرجل في قبر جندي وسقطت المرأة في سرير زنجي‪ ،‬الرجل سقط‬
‫في سبيل الوطن والمرأة سقطت في سبيل سيجارة‪ ،‬عرض المرأة كان يباع‬
‫ويشترى بسيجارة أمريكية هذا الشقاء الرهيب من المسئول عنه يا إخوة‪ ،‬هل‬
‫المسئول عنه البالسة الذين يسيطرون على العالم اليوم؟ أم المسئول عنه‬
‫جماهير الشعب‪ .‬البالسة باستمرار يحضرون طائراتهم التي تنقلهم وما‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سرقوا من أموال المة خارج مناطق الخطر ‪-‬عند اللزوم‪ -‬والشقاء والبلء‬
‫ينزل على المم‪ ،‬هل لم يكن في المكان أن نتصور طريقة أخرى لحل‬
‫المشاكل نتفادى بها كل هذه المآسي نقول نعم وفرق المسألة كله أن‬
‫السلم يرى أن حل المشاكل بإماتة نوازع العنف في ذات النسان الفرد‪،‬‬
‫بينما ل يصحو الناس على العنف إل بعد أن يستشري وبعد أن يصبح شيئا ً ل‬
‫سبيل إلى علجه بحال من الحوال‪.‬‬

‫) ‪(214/8‬‬

‫نحن في السلم بدايتنا معروفة نبدأ النضال على مستويين‪ ،‬المستوى الول‪:‬‬
‫في داخل الضمير النساني حتى نذلل هذا الضمير ويكون قادرا ً على رفض‬
‫العنف كوسيلة لحل المشكلت وهذا الميدان النساني الفردي له الولوية‬
‫المطلقة على كل نضال والنضال الخر مع الظاهرات الجتماعية ل مع الناس‬
‫مع الظاهرات الجتماعية كيل ينصب حقدنا وكيل تنصب نقمتنا على النسان‬
‫من حيث هو إنسان بل على الظاهرة التي تطبع هذا النسان بطابع معين‬
‫نحن نعطي الولوية المطلقة للنضال الول لماذا لكي ندفع إلى الوراء وبعيدا ً‬
‫جدا ً سائر النزعات الشريرة التي تجعل النسان المسلم قابل ً لن يستجيب‬
‫للعنف ولكي نحمي النسان المسلم من أن يتلوث بشرور المجتمع الذي‬
‫يعيش فيه ثم نعطي المستوى التالي الهمية الخرى وهو النضال ضد‬
‫الظاهرات مع كل الذين يشاركوننا في آرائنا مع تقدير كامل لقيمة الحياة‬
‫النسانية وقيمة النفس البشرية‪ .‬أظن أنني إلى الن استطعت أن أرسم‬
‫صورة مقاربة إلى حد ما للرضية التي نشأ عليها العنف والخطار التي تهدد‬
‫البشرية نتيجة الخذ بأسباب العنف وأظن أنه آن لنا بعد أن انفتح الباب كله‬
‫أن ندخل رحاب السلم لنرى أية إنسانية وأية رحمة وأية شفقة وأي شعور‬
‫عظيم للمسئولية الضخمة عن المصير البشري كله يحسه النسان المسلم‪،‬‬
‫فإلى السبوع القادم أرجو أن أقف معكم في رحاب السلم وأرجو في‬
‫الختام أن تتحملوا مثل هذه الوجبات العسيرة الهضم بقي لي معكم حديثان‬
‫وبعدها سأخلد إلى الراحة وأترككم للتفكير في كل هذا الذي قلناه‪ ،‬وهو‬
‫تفكير سوف يشقي كثيرين جدا ً لنه تفكير إن أراده النسان بأمانة فسوف‬
‫يؤرق ليله وسوف يشغل نهاره ونسأل الله تبارك وتعالى أن تكون أيامنا‬
‫وليالينا خالصة لوجهه الكريم في خدمة دينه العظيم ونبيه الكريم صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬

‫) ‪(214/9‬‬

‫أركان اليمان مقدمة‬


‫بسم الله والصلة والسلم على رسول الله‪ ،‬قبل التحدث عن أركان اليمان‬
‫نقدم ما يلي‪:‬‬
‫‪-1‬الفرق بين السلم واليمان‪:‬‬
‫ً‬
‫في السلم واليمان يجتمع الدين كله‪ ،‬فإذا ذكرا جميعا فسر السلم بالمور‬
‫الظاهرة من العمال‪ ،‬وفسر اليمان بالمور الباطنة من العتقاد كما في‬
‫َ‬
‫سل َ ْ‬
‫مَنا(‬ ‫كن ُقوُلوا أ ْ‬
‫مُنوا وَل َ ِ‬ ‫مّنا ُقل ل ّ ْ‬
‫م ت ُؤْ ِ‬ ‫بآ َ‬ ‫قوله تعالى‪َ) :‬قال َ ِ‬
‫ت العَْرا ُ‬
‫]الحجرات‪.[14 :‬‬
‫وفي حديث جبريل عليه السلم كما عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه –‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال‪ :‬بينما نحن عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ذات يوم إذ طلع‬
‫علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ل ُيرى عليه أثر السفر ول‬
‫يعرفه منا أحد‪ ،‬حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى‬
‫ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه‪ .‬وقال‪ :‬يا محمد! أخبرني عن السلم‪ ،‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ )) :‬السلم أن تشهد أن ل إله إل الله وأن‬
‫محمدا ً رسول الله وتقيم الصلة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن‬
‫استطعت إليه سبيل ً (( قال‪ :‬صدقت‪ .‬فعجبنا له يسأله ويصدقه‪ .‬قال‪:‬‬
‫فاخبرني عن اليمان قال‪ )) :‬أن تؤمن بالله وملئكته وكتبه ورسله واليوم‬
‫الخر وتؤمن بالقدر خيره وشره(( قال‪ :‬صدقت‪ .‬قال‪ :‬فأخبرني عن الحسان‪،‬‬
‫قال‪)) :‬أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك(( قال‪ :‬فأخبرني‬
‫عن الساعة‪ :‬قال‪)) :‬ما المسؤول عنها بأعلم من السائل(( قال‪ :‬فأخبرني عن‬
‫أماراتها قال‪)) :‬أن تلد المة ربتها وان ترى الحفاة العراة العالة رعاة الشاء‬
‫يتطاولون في البنيان(( قال‪ :‬ثم انطلق فلبثت مليا ً ثم قال لي‪)) :‬يا عمر!‬
‫أتدري من السائل(( قلت‪ :‬الله ورسوله اعلم‪ ،‬قال‪)) :‬فإنه جبريل أتاكم‬
‫يعلمكم دينكم(( ]صحيح المام مسلم[‪.‬‬
‫ن‬
‫دي َ‬
‫ن ال ّ‬
‫وإذا افترقا‪ ،‬فسر أحدهما بما يفسر به الخر كما في قوله تعالى‪) :‬إ ِ ّ‬
‫م( ]آل عمران‪ ،[19:‬فجعل السلم هو الدين بشرائعه‬ ‫سل َ ُ‬‫عند َ الل ّهِ ال ِ ْ‬
‫ِ‬
‫الظاهرة والباطنة‪ ،‬وقد فسر الرسول صلى الله عليه وسلم اليمان لوفد‬
‫عبدالقيس بما فسر به السلم في حديث جبريل عليه السلم كما أخبر ابن‬
‫عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم باليمان بالله‬
‫وحده‪ ،‬ثم قال‪)) :‬أتدرون ما اليمان بالله وحده؟ قالوا‪ :‬الله ورسوله اعلم‪،‬‬
‫قال‪ :‬شهادة أن ل إله إل الله وأن محمدا ً رسول الله وإقام الصلة وإيتاء‬
‫الزكاة وصيام رمضان ‪ .....‬الحديث(( وكما في حديث شعب اليمان وقوله‪:‬‬
‫))أعلها قول ل إله إل الله‪ ،‬وأدناها إماطة الذى عن الطريق (( مع ما بينهما‬
‫من أعمال ظاهرة وباطنة‪ .‬وينبغي التنبه إلى أن العمال الظاهرة ل تسمى‬
‫إسلما ً إل بوجود أصل التصديق واليمان‪ ،‬أما مع عدم وجود أصل اليمان‬
‫الذي يصحح‪ ،‬به أعماله فيكون منافقًا‪.‬‬
‫وهما واجبان فل ينال أحد ٌ رضوان الله – تعالى – ول ينجو من عقابه إل‬
‫بالنقياد الظاهر مع يقين القلب فل يصح التفريق بينهما‪.‬‬
‫ول يستكمل النسان اليمان والسلم الواجبين عليه إل بامتثال الوامر‬
‫والبتعاد عن النواهي كما يلزم من الكمال بلوغ الغاية لختلف الدرجات في‬
‫زيادة العمال من النوافل وزيادة التصديق‪ .‬والله اعلم‪.‬‬
‫‪-2‬تعريف اليمان‪:‬‬
‫ومعنى اليمان في اللغة‪ :‬التصديق المستلزم للقبول‪ ،‬والذعان‪.‬‬
‫وشرعا‪ :‬التصديق بالقلب‪ ،‬والقرار باللسان‪ ،‬والعمل بالركان يزيد بالطاعة‬
‫وينقص بالمعصية‪.‬‬
‫دخول العمال في مسمى اليمان‪:‬‬
‫العمال داخلة في مسمى اليمان‪ ،‬دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع‬
‫السلف‪.‬‬
‫م( ]البقرة ‪ ،[143 :‬أي صلتكم وانتم‬ ‫ُ‬
‫مان َك ْ‬‫ضيعَ ِإي َ‬
‫ه ل ِي ُ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫َ‬
‫ما كا َ‬ ‫قال تعالى‪) :‬وَ َ‬
‫متجهون لبيت المقدس قبل أن تؤمروا بالتوجه إلى الكعبة‪.‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪)) :‬اليمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة‬
‫فأفضلها قول ل إله إل الله وأدناها إماطة الذى عن الطريق والحياء شعبة‬
‫من اليمان((] صحيح المام مسلم[‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وحكى المام الشافعي – رحمه الله – إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم‬
‫ممن أدركهم على ذلك‪.‬‬
‫‪-3‬زيادة اليمان ونقصانه‪:‬‬
‫اليمان يزيد وينقص‪ ،‬يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ويدل على ذلك أدلة‬
‫كثيرة منها‪:‬‬
‫جعَل َْنا ِ‬ ‫مَلئ ِك َ ً‬ ‫َ‬
‫م ِإل‬ ‫عد ّت َهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ب الّنارِ ِإل َ‬ ‫حا َ‬ ‫ص َ‬ ‫جعَل َْنا أ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫‪(1‬قول الله تعالى‪) :‬وَ َ‬
‫مانا(ً‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫مُنوا ِإي َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب وَي َْزَداد َ ال ِ‬ ‫ن أوُتوا الك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ست َي ْ ِ‬‫فُروا ل ِي َ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ل ّل ّ ِ‬‫فِت ْن َ ً‬
‫دثر ‪.[31 :‬‬ ‫]الم ّ‬
‫ت‬‫م وَإ َِذا ت ُل ِي َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ت قُلوب ُهُ ْ‬ ‫جل ْ‬ ‫َ‬ ‫ه وَ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن إ َِذا ذ ُك َِر الل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ما ال ُ‬ ‫‪(2‬قول الله تعالى‪) :‬إ ِن ّ َ‬
‫ما‬‫م ّ‬‫صل َة َ وَ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مو َ‬ ‫قي ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪ ( 2‬ال ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫م ي َت َوَكلو َ‬ ‫َ‬
‫مانا وَعَلى َرب ّهِ ْ‬ ‫ً‬ ‫م ِإي َ‬ ‫ه َزاد َت ْهُ ْ‬ ‫م آَيات ُ ُ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫ُ‬
‫م‬
‫عند َ َرب ّهِ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫جا ٌ‬ ‫م د ََر َ‬ ‫قا ً ل ّهُ ْ‬
‫ح ّ‬ ‫ن َ‬
‫مُنو َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ن ) ‪ ( 3‬أوْل َئ ِ َ‬ ‫قو َ‬ ‫م ُينفِ ُ‬ ‫َرَزقَْناهُ ْ‬
‫م ) ‪] ( 4‬النفال[‬ ‫ري ٌ‬ ‫َ‬
‫فَرةٌ وَرِْزقٌ ك ِ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫وَ َ‬

‫) ‪(215/1‬‬

‫‪(3‬ما روى مسلم بسنده عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أنه قال‪:‬‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪)) :‬من رأى منكم منكرا ً‬
‫فليغيره بيده‪ ،‬فإن لم يستطع فبلسانه‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه‪ ،‬وذلك أضعف‬
‫اليمان((‪.‬‬
‫ففي هذا الحديث بيان مراتب تغيير المنكر وكونها من اليمان‪ ،‬وأن أدنى‬
‫مرتبة من مراتب التغيير مرتبة تغيير المنكر بالقلب وهي اضعف اليمان؛ فما‬
‫سبقها من المراتب أقوى إيمانًا‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫‪(4‬وحديث الشعب الذي سبق ففيه أن اليمان شعب متعددة ومتفاوتة في‬
‫الفضل‪ ،‬فمنها ما يزول اليمان بزوالها إجماعا ً كالشهادتين‪ ،‬ومنها ما ل يزول‬
‫بزوالها إجماعا ً كترك إماطة الذى عن الطريق‪ .‬وبحسب أنواع هذه الشعب‬
‫وكثرة ما يتحلى به المؤمن منها وقوة تمثله بها يكون زيادة إيمانه‪ ،‬وبنقص‬
‫ذلك يكون نقصه‪ .‬وهذا وجه الستشهاد من الحديث‪.‬‬
‫‪ -‬وإذا ثبت زيادة اليمان ونقصه فإن أهل اليمان يتفاضلون‪ ،‬فمنهم كامل‬
‫اليمان‪ ،‬ومنهم من هو دون ذلك‪ ،‬ومنهم من هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته‬
‫)ناقص اليمان لجل معصيته(‪.‬‬
‫أما من أخرج العمال عن مسمى اليمان فإنه يعتقد أن اليمان ل يزيد ول‬
‫ينقص وأن الناس متساوون في إيمانهم‪ ،‬فإيمان أفسق الناس كإيمان‬
‫الصحابة رضي الله عنهم وهذا من أبطل الباطل لمخالفة الكتاب والسنة‬
‫والعقل الصحيح‪ .‬وفيه دليل على بطلن إخراج العمال من مسمى اليمان‬
‫لنه يترتب على ذلك هذه اللوازم الباطلة‪.‬‬
‫وأما اليمان بالله تعالى فإنه يعني‪ :‬العتقاد الجازم بأن الله رب كل شيء‬
‫ومليكه‪ ،‬وأنه الخالق المدبر للكون كله وأنه هو المستحق العبادة وحده ل‬
‫شريك له‪ ،‬وأن كل معبود سواه باطل‪ ،‬وعبادته باطلة وأنه سبحانه متصف‬
‫بصفات الكمال ونعوت الجلل منزه عن كل عيب ونقص‪.‬‬
‫‪-4‬أثر المعصية على اليمان‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫المعصية‪ :‬هي خلف الطاعة سواء كان تركا لمر‪ ،‬أو ارتكابا لنهي‪.‬‬
‫واليمان كما سبق معرفة ذلك‪ ،‬بضع وسبعون شعبة أعلها قول ل إله إل الله‬
‫وأدناها إماطة الذى عن الطريق‪ .‬فليست شعبه على حد سواء عظما ً وقدرًا‪،‬‬
‫وعلى هذا تختلف المعصية التي هي الخروج عن الطاعة‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب‬‫فقد تكون ناقضة لليمان كما أخبر الله تعالى عن فرعون بقوله‪} :‬فَك َذ ّ َ‬
‫صى {]النازعات ‪.[21‬‬ ‫وَعَ َ‬
‫وقد تكون فيما دون ذلك فل يحصل بها خروج من اليمان ولكنها تقدح في‬
‫ذلك بالنقص والتشويه‪ ،‬فمن أتى الكبائر كالزنا والسرقة وشرب الخمر ونحو‬
‫ذلك غير معتقد حلها ذهب ما في قلبه من الخشية والخشوع والنور‪ ،‬وإن بقي‬
‫أصل التصديق في قلبه فإن أناب إلى الله – تعالى – وعمل الصالحات رجع‬
‫إلى قلبه نوره وخشيته‪ ،‬وإن تمادى في المعاصي زاد الرين على قلبه إلى أن‬
‫يختم عليه – والعياذ بالله – فيصبح ل يعرف معروفا ً ول ينكر منكرًا‪.‬‬
‫روى المام أحمد – رحمه الله – وغيره عن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪-‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ )) :‬إن المؤمن إذا أذنب كانت‬
‫نكتة سوداء في قلبه‪ ،‬فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه‪ ،‬وإن زاد زادت حتى‬
‫ن‬
‫ل َرا َ‬ ‫يعلو قلبه ذاك الرين الذي ذكر الله – عز وجل – في القرآن‪} :‬ك َل ّ ب َ ْ‬
‫ن { ]المطففين ‪((.[14‬‬ ‫سُبو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫عََلى قُُلوب ِِهم ّ‬
‫‪-5‬نواقض اليمان والسلم‪:‬‬
‫ُيقصد بنو اقض اليمان ما يذهبه بعد الدخول فيه‪:‬‬
‫ومنها‪:‬‬
‫‪-1‬إنكار الربوبية أو شيء من خصائصها ‪ ،‬أو دعاء شيء منها أو تصديق‬
‫حَيا‬ ‫ت وَن َ ْ‬ ‫مو ُ‬ ‫حَيات َُنا الد ّن َْيا ن َ ُ‬ ‫ي ِإل َ‬ ‫ما هِ َ‬ ‫المدعي لذلك يقول الله تعالى‪} :‬وََقاُلوا َ‬
‫ن {]الجاثية ‪.[24‬‬ ‫م ِإل ي َظ ُّنو َ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫عل ْم ٍ إ ِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ما ل َُهم ب ِذ َل ِ َ‬ ‫ما ي ُهْل ِك َُنا ِإل الد ّهُْر وَ َ‬ ‫وَ َ‬
‫‪-2‬الستنكاف‪ ،‬والستكبار عن عبادة الله – تعالى – قال الله تعالى‪ } :‬لن‬
‫ن‬
‫ف عَ ْ‬ ‫سَتنك ِ ْ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫قّرُبو َ‬ ‫م َ‬ ‫ة ال ْ ُ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫ن عَْبدا ً ل ّل ّهِ وَل َ ال ْ َ‬ ‫كو َ‬ ‫ح َأن ي َ ُ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫سَتنك ِ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫مُلوا ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ِ‬ ‫ميعا}‪ {172‬فَأ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫م إ ِليهِ َ‬ ‫شُرهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫ست َك ْب ِْر فَ َ‬ ‫عَباد َت ِهِ وَي َ ْ‬ ‫ِ‬
‫فوا ْ‬ ‫سَتنك َُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ِ‬ ‫ضل ِهِ وَأ ّ‬ ‫من فَ ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫م وََيزيد ُ ُ‬ ‫جوَرهُ ْ‬ ‫مأ ُ‬ ‫ت فَي ُوَّفيهِ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫صيرا}‬ ‫ن اللهِ وَل ِي ّا وَل ن َ ِ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫ن لُهم ّ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ذابا أليما وَل ي َ ِ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ست َكب َُروا فَي ُعَذ ّب ُهُ ْ‬ ‫َوا ْ‬
‫‪]{173‬النساء[‪.‬‬
‫‪-3‬الشرك في عبادة الله‪ ،‬بأن يصرف شيئا من العبادة لغير الله‪ ،‬أو يتخذ‬ ‫ً‬
‫وسائط وشفعاء يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم‪ .‬يقول الله تعالى‪:‬‬
‫عند َ‬ ‫فَعاؤَُنا ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ؤلء ُ‬ ‫ن هَ ُ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م وَي َ ُ‬ ‫فعُهُ ْ‬ ‫م وَل َ َين َ‬ ‫ضّرهُ ْ‬ ‫ما ل َ ي َ ُ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫}وَي َعْب ُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه وَت ََعالى‬ ‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ت وَل ِفي الْر ِ‬ ‫َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫م ِفي ال ّ‬ ‫ما ل ي َعْل ُ‬ ‫َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫الل ّهِ قُل أت ُن َب ّئو َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ن {]يونس ‪.[18‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫عَ ّ‬

‫) ‪(215/2‬‬

‫ن ل َُهم‬ ‫جيُبو َ‬‫ست َ ِ‬ ‫من ُدون ِهِ ل َ ي َ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬


‫ذي َ‬‫حقّ َوال ّ ِ‬ ‫ه د َعْوَةُ ال ْ َ‬ ‫ويقول الله تعالى‪} :‬ل َ ُ‬
‫ن‬‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬‫عاء ال ْ َ‬ ‫ما د ُ َ‬ ‫ما هُوَ ب َِبال ِغِهِ وَ َ‬ ‫ماء ل ِي َب ْل ُغَ َفاه ُ وَ َ‬ ‫في ْهِ إ َِلى ال ْ َ‬ ‫ط كَ ّ‬‫س ِ‬ ‫يٍء إ ِل ّ ك ََبا ِ‬
‫ش ْ‬‫بِ َ‬
‫ل {]الرعد ‪.[14‬‬ ‫ضل َ ٍ‬ ‫إ ِل ّ ِفي َ‬
‫‪-4‬جحد شيء مما أثبته الله – تعالى لنفسه – أو أثبته له رسوله صلى الله‬
‫عليه وسلم وكذلك من يجعل لمخلوق شيئا ً من الصفات الخاصة بالله كعلم‬
‫الغيب وأيضا ً إثبات شيء نفاه الله – تعالى – عن نفسه أو نفاه عنه رسوله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫يقول الله – تعالى ‪ : -‬مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ):‬ف ْ‬ ‫ً‬
‫حد ٌ‬
‫هأ َ‬ ‫ل هُوَ الل ُ‬
‫َ‬
‫حد ٌ ) ‪( 4‬‬ ‫فوا ً أ َ‬ ‫ه كُ ُ‬ ‫كن ل ّ ُ‬‫م يَ ُ‬ ‫م ُيول َد ْ ) ‪ ( 3‬وَل َ ْ‬ ‫م ي َل ِد ْ وَل َ ْ‬‫مد ُ ) ‪ ( 2‬ل َ ْ‬ ‫ص َ‬‫ه ال ّ‬ ‫) ‪ ( 1‬الل ّ ُ‬
‫]الخلص[‪.‬‬
‫ن ِفي‬ ‫دو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ي ُل ِ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫عوه ُ ب َِها وَذ َُروا ال ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ذي َ‬ ‫سَنى فاد ْ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ماء ال ُ‬ ‫س َ‬ ‫ويقول تعالى‪) :‬وَل ِلهِ ال ْ‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫ن( ]العراف ‪.[180 :‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫جَزوْ َ‬ ‫سي ُ ْ‬ ‫مآئ ِهِ َ‬ ‫س َ‬ ‫أ ْ‬
‫صط َب ِْر‬ ‫َْ‬
‫ما فاعبده َوا ْ‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ويقول الله – تعالى‪َ) :‬ر ّ‬
‫مي ّا(]مريم ‪.[65 :‬‬ ‫ً‬ ‫س ِ‬ ‫م له َ‬ ‫ل ت َعْل َ ُ‬ ‫ل ِعَِباد َت ِهِ هَ ْ‬
‫‪-5‬تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم في شيء مما جاء به يقول تعالى‪):‬و‬
‫ر‬
‫ت وَِبالّزب ُ ِ‬ ‫سل ُُهم ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫جاءت ْهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫من قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫قد ْ ك َذ ّ َ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫َِإن ي ُك َذ ُّبو َ‬
‫َ‬
‫كير)‪](26‬فاطر[‪.‬‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫فُروا فَك َي ْ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ال ّ ِ‬ ‫خذ ْ ُ‬ ‫مأ َ‬ ‫مِنيرِ ) ‪ ( 25‬ث ُ ّ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫وَِبال ْك َِتا ِ‬
‫‪-6‬اعتقاد عدم كمال هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أو جحود شيء من‬
‫ما أنزل الله من الحكم الشرعي عليه‪ ،‬أو اعتقاد أن حكم غيره أحسن منه أو‬
‫أتم أو اشمل لحاجة البشر‪ ،‬أو اعتقاد مساواة حكم غير الله – تعالى ورسوله‪،‬‬
‫أو اعتقاد جواز الحكم بغير ما أنزل الله – تعالى – وإن اعتقد أن حكم الله‬
‫ل إ ِل َي ْكَ‬ ‫ما ُأنزِ َ‬ ‫مُنوا ْ ب ِ َ‬ ‫مآ َ‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬
‫أفضل يقول الله تعالى‪) :‬أ َل َم تر إَلى ال ّذين يزعُمو َ‬
‫ِ َ َْ ُ َ‬ ‫َْ َ َ ِ‬
‫فُروا ْ‬ ‫مُروا ْ َأن ي َك ُْ‬ ‫غوت وقَد أ ُ‬
‫موا إ ِلى الطا ُ ِ َ ْ ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫حاك ُ‬ ‫َ‬ ‫ن أن ي َت َ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ك َي ُ ِ‬ ‫من قَب ْل ِ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ما ُأنزِ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ضلل ب َِعيدا( ]النساء ‪.[60 :‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ضلهُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن أن ي ُ ِ‬ ‫شي ْطا ُ‬ ‫َ‬ ‫ريد ُ ال ّ‬ ‫ب ِهِ وَي ُ ِ‬
‫م لَ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫جَر ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ما َ‬ ‫موك ِفي َ‬ ‫َ‬ ‫حك ُ‬ ‫ّ‬ ‫ى يُ َ‬ ‫حت ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ويقول الله تعالى‪) :‬فل وََرب ّك ل ي ُؤْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سِليما( ]النساء ‪.[65 :‬‬ ‫ً‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫سل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت وَي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫حَرجا ً ّ‬ ‫م َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫دوا ْ ِفي َأن ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫يَ ِ‬
‫ن(‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫م الكافُِرو َ‬ ‫ه فأوْلئ ِك هُ ُ‬ ‫ما أنَزل الل ُ‬ ‫حكم ب ِ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫من ل ْ‬ ‫ويقول الله تعالى‪) :‬وَ َ‬
‫]المائدة‪.[44 :‬‬
‫‪-7‬عدم تكفير المشركين‪ ،‬أو الشك في كفرهم‪ ،‬لن هذا شك فيما جاء به‬
‫ُ‬
‫سل ُْتم ب ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ما أْر ِ‬ ‫فْرَنا ب ِ َ‬ ‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪ .‬قال تعالى‪) :‬وََقاُلوا ْ إ ِّنا ك َ َ‬
‫ب( ]إبراهيم‪.[9 :‬‬ ‫ري ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫عون ََنا إ ِل َي ْهِ ُ‬ ‫ما ت َد ْ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ك ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫في َ‬ ‫وَإ ِّنا ل َ ِ‬
‫‪-8‬الستهزاء بالله تعالى‪ ،‬أو بالقرآن الكريم‪ ،‬أو بالدين‪ ،‬أو بالثواب والعقاب أو‬
‫نحو ذلك‪ ،‬أو الستهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم أو بأحد من النبياء‪،‬‬
‫َ‬
‫ما ك ُّنا‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬ ‫قول ُ ّ‬ ‫م ل َي َ ُ‬ ‫سأل ْت َهُ ْ‬ ‫سواء أكان ذلك مزحا ً أم جدًا‪ ،‬يقول تعالى‪):‬وَل َِئن َ‬
‫خوض ونل ْعب قُ ْ َ‬
‫ن ) ‪ ( 65‬ل َ ت َعْت َذُِروا ْ قَد ْ‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫سول ِهِ ُ‬ ‫ل أِبالل ّهِ َوآَيات ِهِ وََر ُ‬ ‫ُ ََ َ ُ‬ ‫نَ ُ‬
‫كاُنوا ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫كَ َ‬
‫ة ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ف ً‬ ‫ب طآئ ِ َ‬ ‫م ن ُعَذ ّ ْ‬ ‫منك ْ‬ ‫فةٍ ّ‬ ‫عن طآئ ِ َ‬ ‫ف َ‬ ‫م ِإن ن ّعْ ُ‬ ‫مان ِك ْ‬ ‫فْرُتم ب َعْد َ ِإي َ‬
‫ن ) ‪]( 66‬التوبة[‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫من‬ ‫‪-9‬مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين‪ ،‬يقول الله تعالى‪) :‬وَ َ‬
‫ن( ]المائدة‪.[51 :‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫دي ال ْ َ‬ ‫ه ل َ ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م فَإ ِن ّ ُ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ي َت َوَل ُّهم ّ‬
‫‪-10‬اعتقاد أنه يسع أحد الخروج عن هدي محمد صلى الله عليه وسلم ول‬
‫و‬
‫ه َ ُ َ‬
‫ه‬ ‫و‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫قب َ َ‬ ‫سل َم ِ ِدينا ً فََلن ي ُ ْ‬ ‫من ي َب ْت َِغ غَي َْر ال ِ ْ‬ ‫يجب عليه اتباعه‪ ،‬يقول تعالى‪) :‬وَ َ‬
‫ن( ]آل عمران ‪.[85 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫خَرةِ ِ‬ ‫ِفي ال ِ‬
‫‪-11‬العراض الكلي عن دين الله – تعالى – أو عما ل يصح السلم إل به ل‬
‫يتعلمه ول يعمل به‪ ،‬يقول الله تعالى‪) :‬وم َ‬
‫ت َرب ّهِ ث ُ ّ‬
‫م‬ ‫من ذ ُك َّر ِبآَيا ِ‬ ‫م ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ن أظ ْل َ ُ‬ ‫َ َ ْ‬
‫َ‬
‫ن( ]السجدة ‪.[22 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫ق ُ‬ ‫منت َ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ض عَن َْها إ ِّنا ِ‬ ‫أعَْر َ‬
‫‪-12‬من أبغض شيئا ً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولو عمل به‪،‬‬
‫ل الل ّه فَأ َحب َ َ‬ ‫ما َأنَز َ‬ ‫قال الله تعالى‪) :‬ذ َل َ َ‬
‫م( ]محمد‪.[9 :‬‬ ‫مال َهُ ْ‬ ‫ط أعْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫هوا َ‬ ‫م ك َرِ ُ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫‪-13‬فعل السحر – ومنه الصرف والعطف – أو الرضى به ‪ ،‬والدليل قول الله‬
‫ة فَل َ ت َك ْ ُ‬ ‫تعالى‪) :‬وما يعل ّمان م َ‬
‫فْر( ]البقرة ‪:‬‬ ‫ن فِت ْن َ ٌ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫قول َ إ ِن ّ َ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫حد ٍ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ َ َُ َ ِ ِ ْ‬
‫‪.[102‬‬

‫) ‪(215/3‬‬

‫هذه من أبرز النواقض‪ ،‬وهناك نواقض كثيرة ترجع في جملتها إلى بعض ما‬
‫ذكر من ذلك جحود القرآن أو شيء منه‪ ،‬أو الشك في إعجازه‪ ،‬أو امتهان‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المصحف أو جزء منه‪ ،‬أو تحليل شيء مجمع على تحريمه كالزنا وشرب‬
‫الخمر‪ ،‬أو الطعن في الدين أو سبه أو ترك الصلة‪ .‬نعوذ بالله من الضلل‪.‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫أركان اليمان وشعبه‬
‫أركان اليمان‪:‬‬
‫الركان‪ :‬جمع ركن‪ ،‬وركن الشيء جانبه القوى‪.‬‬
‫وأركان اليمان ستة هي‪:‬‬
‫‪ -1‬اليمان بالله تعالى‬
‫‪ -2‬اليمان بالملئكة‬
‫‪ -3‬اليمان بالكتب‬
‫‪ -4‬اليمان بالرسل‬
‫‪ -5‬اليمان باليوم الخر‬
‫‪ -6‬اليمان بالقدر خيره وشره‬
‫والدليل على هذا جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأله جبريل‬
‫عليه السلم عن اليمان قال‪)) :‬أن تؤمن بالله وملئكته وكتبه ورسله واليوم‬
‫الخر وتؤمن بالقدر خيره وشره(( ]صحيح المام مسلم[‪.‬‬
‫شعب اليمان‬
‫الشعب‪ :‬جمع شعبة‪ ،‬والشعبة الخصلة والجزء‪ .‬وشعب اليمان خصاله‬
‫المتعددة‪ ،‬وهي كثيرة‪ ،‬فقد جاء في الحديث أنها بضع وسبعون شعبة‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ـ قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪)) :‬اليمان بضع وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة‪ ،‬فأفضلها قول ل‬
‫إله إل الله وأدناها إماطة الذى عن الطريق((]صحيح المام مسلم[‪.‬‬
‫وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن أفضل هذه الخصال التوحيد‬
‫المتعين على كل أحد‪ ،‬والذي ل يصح شيء من الشعب إل بعد صحته‪ ،‬وأدناه‬
‫إزالة ما يتوقع ضرره بالمسلمين‪ ،‬من إماطة الذى عن طريقهم‪ ،‬وبين هذين‬
‫الطرفين أعداد من الشعب‪ .‬كحب الرسول صلى الله عليه وسلم وحب‬
‫المرء لخيه كما يحب لنفسه‪ ،‬والجهاد وغير ذلك كثير‪ ،‬ولم يرد التصريح‬
‫بخصال اليمان كلها‪ .‬فاجتهد العلماء في عدها كما فعل البيهقي في الجامع‬
‫لشعب اليمان وغيره‪.‬‬
‫وشعب اليمان المتعددة بعضها دعائم وأصول يزول اليمان بزوالها مثل إنكار‬
‫فُروا َأن ّلن ي ُب ْعَُثوا قُ ْ‬
‫ل ب ََلى‬ ‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬‫م ال ّ ِ‬
‫اليمان باليوم الخر‪ ،‬قال الله تعالى‪َ) :‬زعَ َ‬
‫سيٌر( ]التغابن ‪.[7 :‬‬ ‫ك عََلى الل ّهِ ي َ ِ‬ ‫مل ْت ُ ْ‬
‫م وَذ َل ِ َ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫م ل َت ُن َب ّؤُ ّ‬
‫ن بِ َ‬ ‫وََرّبي ل َت ُب ْعَث ُ ّ‬
‫ن ثُ ّ‬
‫وبعضها فروع قد ل يزول اليمان بزوالها‪ ،‬وإن كان يوجب تركها نقصا ً في‬
‫اليمان أو فسقًا‪ ،‬مثل‪ :‬عدم إكرام الجار‪ ،‬عن أبي هريرة رضي الله عنه أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪ )) :‬من كان يؤمن بالله واليوم الخر‬
‫فليقل خيرا ً أو ليصمت‪ ،‬ومن كان يؤمن بالله واليوم الخر فليكرم جاره ومن‬
‫كان يؤمن بالله واليوم الخر فليكرم ضيفه ((]رواه البخاري[‪ .‬وقد يجتمع في‬
‫النسان شعب إيمان‪ ،‬وشعب نفاق‪ ،‬فيستحق بشعب النفاق العذاب ول يخلد‬
‫في النار لما في قلبه من اليمان‪ .‬والله أعلم‬

‫) ‪(215/4‬‬

‫أركان اليمان‬
‫أركان اليمان‪:‬‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أركان اليمان هي‪ :‬اليمان بالله و ملئكته وكتبه و رسله و اليوم الخر و‬
‫القدر خيره و شره‪ ,‬و ل يتم إيمان أحد إل إذا آمن بها جميعا على الوجه الذي‬
‫دل عليه كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم‪ .‬و أما من جحد شيئا‬
‫منها فقد خرج عن دائرة اليمان و صار من الكافرين‪ .‬و قد جاء ذكر هذه‬
‫الركان في الكتاب و السنة‪ ,‬و نذكر من ذلك المثلة التالية‪:‬‬
‫قوله عز و جل‪" :‬آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه و المؤمنون كل آمن‬
‫بالله و ملئكته و كتبه و رسله‪ ,‬ل نفرق بين أحد من رسله‪ ,‬و قالوا سمعنا و‬
‫أطعنا‪ ,‬غفرانك ربنا و إليك المصير" )البقرة‪ ,‬الية ‪.(285‬‬
‫و قوله صلى الله عليه و سلم عندما سئل عن اليمان‪" :‬أن تؤمن بالله و‬
‫ملئكته و كتبه و رسله و اليوم الخر‪ ,‬و تؤمن بالقدر خيره و شره" )رواه‬
‫المام مسلم في صحيحه(‪.‬‬
‫اليمان بالله عز و جل‪:‬‬
‫يتضمن اليمان بالله عز و جل توحيده في ربوبيته‪ ,‬و في ألوهيته‪ ,‬و في‬
‫أسمائه و صفاته‪ .‬و فيما يلي تلخيص لكل من أنواع التوحيد هذه‪:‬‬
‫‪ (1‬توحيد الربوبية‪ :‬معنى توحيد الربويية هو العتقاد الجازم بأن الله رب كل‬
‫شيء و ل رب غيره‪ .‬و الرب في اللغة هو المالك المدبر‪ ,‬و على هذا فإن‬
‫ربوبية الله على جميع مخلوقاته تعني تفرده سبحانه و تعالى في خلقهم و‬
‫ملكهم و تدبير أمورهم‪ .‬فإن توحيد الربوبية معناه القرار بأن الله عز و جل‬
‫هو الفاعل المطلق في الكون‪ ,‬ل يشاركه أحد في فعله سبحانه و تعالى‪ .‬و‬
‫على هذا فإن الله سبحانه و تعالى‪ ,‬خالق السماوات والرض و ما فيهن‪ ,‬هو‬
‫الوحيد المستحق للعبادة‪ ,‬و هو وحده الجدير بصفات الجلل و الكمال لن‬
‫هذه الصفات ل تكون إل لرب العالمين‪.‬‬
‫و أما الذين يقرون بأن الله رب كل شيء‪ ,‬و ل يوحدونه في ألوهيته‬
‫فيشركون معه غيره في العبادة‪ ,‬و ل يوحدونه في أسمائه و صفاته‪,‬‬
‫فيعطلونها أو يشبهونها بصفات المخلوق أو يؤولونها تأويلت فاسدة ل وجه‬
‫لها‪ ,‬فإن توحيد الربوبية ل ينفعهم‪ .‬فإن المشركين كانوا مقرين بأن الله وحده‬
‫خالق كل شيء‪ ,‬و لكنهم ظلوا مشركين مع إقرارهم هذا‪ ,‬و عبدوا غيره‬
‫سبحانه‪ .‬و ذكر هذا المعنى في القرآن الكريم في قوله تعالى‪" :‬قل من‬
‫يرزقكم من السماء و الرض‪ ,‬أمن يملك السمع و البصار و من يخرج الحي‬
‫من الميت و يخرج الميت من الحي و من يدبر المر فسيقولون الله فقل أفل‬
‫تتقون" )يونس‪ ,‬الية ‪ .(31‬فإن أكثر العباد ل ينكرون الخالق و ربوبيته على‬
‫الخلق‪ ,‬و لكن معظم كفرهم من عبادتهم غير الله عز و جل‪.‬‬
‫‪ (2‬توحيد اللوهية‪ :‬معنى توحيد اللوهية هو العتقاد الجازم بأن الله سبحانه و‬
‫تعالى هو الله الحق‪ ,‬و ل إله غيره‪ ,‬و إفراده سبحانه بالعبادة‪ .‬و الله هو‬
‫المألوه‪ ,‬أي المعبود‪ ,‬و العبادة في اللغة هي النقياد و التذلل و الخضوع‪ .‬فل‬
‫يتحقق توحيد اللوهية إل بإخلص العبادة لله وحده في باطنها و ظاهرها‪,‬‬
‫بحيث ل يكون شيء منها لغير الله سبحانه‪ .‬و يقول ابن تيمية في توحيد‬
‫اللوهية‪" :‬و هذا التوحيد هو الفارق بين الموحدين و المشركين‪ ,‬و عليه يقع‬
‫الجزاء و الثواب في الولى و الخرة‪ ,‬فمن لم يأت به كان من المشركين"‬
‫)رسالة الحسنة و السيئة لبن تيمية(‪ .‬و بهذا فإن توحيد اللوهية يستلزم أن‬
‫نتوجه إلى الله وحده بجميع أنواع العبادة و أشكالها‪ ,‬و منها المور التالية‪:‬‬
‫‪ (1‬إخلص المحبة لله عز و جل‪ ,‬فل يتخذ العبد من درن الله ندا يحبه كما‬
‫يحب الله عز و جل‪.‬‬
‫‪ (2‬إفراد الله عز و جل في الدعاء و التوكل و الرجاء فيما ل يقدر عليه إل هو‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سبحانه و تعالى‪.‬‬
‫‪ (3‬إفراد الله عز و جل بالخوف منه‪ ,‬فل يعتقد المؤمن أن بعض المخلوقات‬
‫تضره بمشيئتها و قدرتها فيخاف منها فإن ذلك شرك بالله‪.‬‬
‫‪ (4‬إفراد الله سبحانه بجميع أنواع العبادات البدنية مثل الصلة و السجود و‬
‫الصوم‪ ,‬و جميع العبادات القولية مثل النذر و الستغفار‪.‬‬
‫‪ (3‬توحيد السماء و الصفات‪ :‬معنى توحيد السماء و الصفات هو العتقاد‬
‫الجازم بأن الله عز و جل متصف بجميع صفات الكمال‪ ,‬و منزه عن جميع‬
‫صفات النقص‪ ,‬و أنه متفرد عن جميع الكائنات‪ .‬و يكون هذا بإثبات ما أثبته‬
‫الله سبحانه لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه و سلم من السماء و‬
‫الصفات الواردة في الكتاب و السنة من غير تحريف ألفاظها أو معانيها‪ ,‬و ل‬
‫تعطيلها بنفيها أو نفي بعضها عن الله عز و جل‪ ,‬و ل تكييفها بتحديد كنهها و‬
‫إثبات كيفية معينة لها‪ ,‬و ل تشبيهها بصفات المخلوقين‪ .‬فيجب على المسلم‬
‫أن ل يقع في التشبيه‪ ,‬أو التحريف و التغيير و التبديل‪ ,‬أو التعطيل‪ ,‬أو‬
‫التكييف‪.‬‬
‫اليمان بالملئكة‪:‬‬

‫) ‪(216/1‬‬

‫اليمان بالملئكة ركن من أركان اليمان‪ .‬و المقصود من اليمان بالملئكة هو‬
‫العتقاد الجازم بأن لله ملئكة موجودين مخلوقين من نور‪ ,‬و أنهم ل يعصون‬
‫الله ما أمرهم‪ ,‬و أنهم قائمون بوظائفهم التي أمرهم الله القيام بها‪ .‬فل يصح‬
‫اليمان إل باليمان بوجود الملئكة و بما ورد في حقهم من صفات و أعمال‬
‫في كتاب الله سبحانه و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم من غير زيادة و‬
‫ل نقصان و ل تحريف‪.‬‬
‫قال الله تعالى‪" :‬و من يكفر بالله و ملئكته و كتبه و رسله و اليوم الخر فقد‬
‫ضل ضلل بعيدا" )النساء‪ ,‬الية ‪ .(136‬و بهذا فإن وجود الملئكة ثابت بالدليل‬
‫القطعي‪ ,‬فقد ورد ذكرها في الكثير من اليات في القرآن الكريم‪ ,‬و لذلك‬
‫فإن إنكار وجود الملئكة كفر بإجماع المسلمين و بنص القرآن الكريم كما‬
‫جاء في الية المذكورة سابقا‪.‬‬
‫و لقد عرفنا الله سبحانه و تعالى بالملئكة‪ ,‬و أوصافهم‪ ,‬و أعمالهم‪ ,‬و‬
‫أحوالهم‪ ,‬بالقدر الذي ينفعنا في تطهير عقيدتنا و تصحيح أعمالنا‪ .‬و أما حقيقة‬
‫الملئكة‪ ,‬و كيف خلقهم و تفصيلت أحوالهم فقد استأثر الله سبحانه بهذا‬
‫العلم‪ .‬و المؤمن الصادق يقر بكل ما أخبر به الله سبحانه و تعالى‪ ,‬ل يزيد‬
‫على ذلك و ل ينقص منه‪ ,‬و ل يتكلف البحث فيما لم يطلعنا عليه الله سبحانه‬
‫و تعالى‪ ,‬و ل يخوض فيه‪.‬‬
‫خلقية‪:‬‬
‫صفات الملئكة ال ِ‬
‫أخبرنا الله سبحانه و تعالى في القرآن الكريم بعض صفات الملئكة الخلقية‪,‬‬
‫و منها‪:‬‬
‫‪ (1‬أنهم خلقوا قبل آدم‪ ,‬و ذلك في قوله تعالى‪" :‬و إذ قال ربك للملئكة إني‬
‫جاعل في الرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و‬
‫نحن نسبح بحمدك و نقدس لك قال إني إعلم ما ل تعلمون" )البقرة‪ ,‬الية‬
‫‪.(30‬‬
‫‪ (2‬و أخبرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الملئكة خلقوا من نور‪ ,‬و‬
‫ذلك في قوله عليه السلم‪" :‬خلقت الملئكة من نور‪ ,‬و خلق الجان من مارج‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من نار‪ ,‬و خلق آدم مما وصف لكم" )أخرجه مسلم و أحمد في المسند(‪.‬‬
‫‪ (3‬و الملئكة لهم القدرة على أن يتمثلوا بصور البشر بإذن الله تعالى‪ ,‬و قد‬
‫ذكر هذا في القرآن الكريم عن جبريل عليه السلم عندما جاء مريم في‬
‫صورة بشرية‪ ,‬و أيضا في حديث جبريل المشهور عندما جاء يعلم الصحابة‬
‫معنى السلم و اليمان و الحسان و أشراط الساعة‪.‬‬
‫‪ (4‬و قد أخبرنا الله أن للملئكة أجنحة في قوله عز و جل‪" :‬الحمد لله فاطر‬
‫السماوات والرض‪ ,‬جاعل الملئكة رسل أولي أجنحة مثنى و ثلث و رباع‪,‬‬
‫يزيد في الخلق ما يشاء‪ ,‬إن الله على كل شيء قدير" )فاطر‪ ,‬الية ‪.(1‬‬
‫عباد مكرومون‪:‬‬
‫و علقة الملئكة بالله سبحانه و تعالى هي علقة العبودية الخالصة‪ ,‬و الطاعة‬
‫و الخضوع المطلق لوامر الله سبحانه‪ ,‬فقد قال الله سبحانه و تعالى‪" :‬ل‬
‫يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون" )التحريم‪ ,‬الية ‪ .(6‬و بهذا فإنه‬
‫من الشرك بالله أن يعبدوا أو يستعان بهم أو يعتقد أن لهم من المر شيئا‪.‬‬
‫علقة الملئكة بالكون و النسان‪:‬‬
‫إن عبادة الملئكة لله سبحانه و تعالى ل تقتصر على تسبيحهم بحمد الله و‬
‫تمجيدهم له‪ ,‬و إنما تشمل أيضا تنفيذ إرادته جل و عل بتدبير أمور الكون و‬
‫رعايته بكل ما فيه من مخلوقات‪ ,‬و ما فيه من قوانين‪ ,‬و إنفاذ قدره وفق‬
‫قضائه في هذه المخلوقات كلها‪ ,‬و تنفيذ إرادته سبحانه في مراقبة و تسجيل‬
‫كا ما يحدث في الكون من حركات إرادية و غير إرادية‪ .‬و للملئكة أعمال‬
‫أخرى في حياة النسان هدفها هداية البشر و إسعادهم و مساعدتهم على‬
‫عبادة الله و اجتناب الشر و الفساد و الضلل‪ .‬فإن الله اختار الملئكة لنزال‬
‫الوحي على الرسل‪ ,‬و الملك المختار هو جبريل‪ ,‬و ذلك لهداية الناس‪ .‬و‬
‫الملئكة يلزمون النسان في حياته كلها لسعاده و هدايته و حثه على الحق و‬
‫الخير‪ .‬و قد أخبرنا الله سبحانه و تعالى أنه سخر الملئكة للدعاء للمؤمنين و‬
‫الستغفار لهم‪ ,‬في قوله تعالى‪" :‬الذين يحملون العرش و من حوله يسبحون‬
‫بحمد ربهم و يؤمنون به و يستغفرون للذين آمنوا‪ ,‬ربنا وسعت كل شيء‬
‫رحمة و علما‪ ,‬فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك‪ ,‬و قهم عذاب الجحيم‪ ,‬ربنا و‬
‫أدخلهم جنات عدن التي وعدتهم و من صلح من آبائهم و أزواجهم و ذرياتهم‪,‬‬
‫إنك أنت العزيز الحكيم‪ ,‬و قهم السيئات‪ ,‬و من تق السيئات يومئذ فقد رحمته‬
‫و ذلك هو الفوز العظيم" )غافر‪ ,‬اليات ‪.(9-7‬‬
‫و الملئكة يثبتون العبد على العمل الصالح‪ ,‬و خاصة الجهاد في سبيل الله‪,‬‬
‫كما قال تعالى‪" :‬إذ يوحي ربك إلى الملئكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا‪,‬‬
‫سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق العناق و اضربوا منهم‬
‫كل بنان" )النفال‪ ,‬الية ‪.(12‬‬
‫عدد الملئكة‪:‬‬

‫) ‪(216/2‬‬

‫ل يحصي عدد الملئكة إل الله عز و جل‪ ,‬قال تعالى‪" :‬و ما جعلنا أصحاب‬
‫النار إل ملئكة و ما جعلنا عدتهم إل فتنة للذين كفروا‪ ,‬ليستيقن الذين أتوا‬
‫الكتاب و يزداد الذين آمنوا إيمانا‪ ,‬و ل يرتاب الذين أوتوا الكتاب و المؤمنون‪,‬‬
‫و ليقول الذين في قلوبهم مرض و الكافرون ماذا أراد الله بهذا مثل‪ ,‬كذلك‬
‫يضل الله من يشاء و يهدي من يشاء‪ ,‬و ما يعلم جنود ربك إل هو‪ ,‬و ما هي إل‬
‫ذكرى للبشر" )المدثر‪ ,‬الية ‪.(31‬‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اليمان بالملئكة تفصيلي و إجمالي‪:‬‬


‫يجب اليمان بالملئكة التي وردت أسماؤهم في الكتاب أو في السنة‬
‫بالتفصيل‪ ,‬و من هؤلء ما يلي‪:‬‬
‫‪ (1‬جبريل‪ :‬و هو الملك الموكل بالوحي‪.‬‬
‫‪ (2‬ميكائيل‪ :‬و هو الملك الموكل بالقطر الذي به حياة الرض و النبات و‬
‫الحيوان‪.‬‬
‫‪ (3‬إسرافيل‪ :‬و هو الملك الموكل بالنفخ في الصور‪.‬‬
‫‪ (4‬مالك‪ :‬و هو خازن النار‪.‬‬
‫و أما الملئكة الذين لم يرد ذكرهم فيجب أن نؤمن بهم بصورة إجمالية‪ ,‬فمثل‬
‫نؤمن بالكرام الكاتبين الذين جعلهم الله علينا حافظين‪ ,‬و نؤمن بملك الموت‬
‫الموكل بقبض أرواح العالمين‪ ,‬و نؤمن بحملة العرش‪ ,‬و بالملئكة الموكلون‬
‫بالنار‪ ,‬و الملئكة الموكلون بالجنان و غيرهم‪.‬‬
‫أثر اليمان بالملئكة في حياة النسان‪:‬‬
‫من الثار العظيمة لليمان بالملئكة في حياة المؤمن‪:‬‬
‫‪ (1‬أن الله جنبنا بما علمنا من أمر الملئكة الوقوع في الخرافات و الوهام‬
‫التي وقع فيها من ل يؤمنون بالغيب‪.‬‬
‫‪ (2‬الستقامة على أمر الله عز و جل‪ ,‬فإن من يؤمن برقابة الملئكة لعماله‬
‫و أقواله‪ ,‬و شهادتهم على كل ما يصدر منه‪ ,‬فإنه يتجنب مخالفة الله و‬
‫معصيته في السر و في العلنية‪.‬‬
‫‪ (3‬الصبر‪ ,‬و مواصلة الجهاد في سبيل الله‪ ,‬و عدم اليأس‪ ,‬و ذلك بمعرفة أن‬
‫الملئكة جنود الله معه و أنه ليس وحده في الطريق‪.‬‬
‫اليمان بالنياء و المرسلين‪:‬‬
‫و من أركان اليمان أيضا اليمان بأنبياء الله و رسله‪ ,‬و هو اليمان بمن سمى‬
‫الله تعالى في كتابه من رسله و أنبيائه‪ ,‬و اليمان بأن الله عز و جل أرسل‬
‫رسل سواهم‪ ,‬و أنبياء ل يعلم عددهم و أسماءهم إل الله تعالى‪ .‬و قد ذكر هذا‬
‫المعنى في القرآن الكريم في قوله تعالى‪" :‬و لقد أرسلنا رسل من قبلك‪,‬‬
‫منهم من قصصنا عليك و منهم من لم نقصص عليك" ) غافر‪ ,‬الية ‪.(78‬‬
‫لقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم خمسة و عشرون من النبياء و الرسل‬
‫و هم‪ :‬آدم‪ ,‬نوح‪ ,‬ادريس‪ ,‬صالح‪ ,‬ابراهيم‪ ,‬هود‪ ,‬لوط‪ ,‬يونس‪ ,‬اسماعيل‪,‬‬
‫اسحاق‪ ,‬يعقوب‪ ,‬يوسف‪ ,‬أيوب‪ ,‬شعيب‪ ,‬موسى‪ ,‬هارون‪ ,‬اليسع‪ ,‬ذو الكفل‪,‬‬
‫داوود‪ ,‬زكريا‪ ,‬سليمان‪ ,‬إلياس‪ ,‬يحيى‪ ,‬عيسى‪ ,‬محمد صلوات الله و سلمه‬
‫عليهم أجمعين‪ .‬فهؤلء الرسل و النبياء يجب اليمان برسالتهم و نبوتهم‬
‫تفصيل‪ ,‬فمن أنكر نبوة واحد منهم أو أنكر رسالة من بعث منهم برسالة‪,‬‬
‫كفر‪ .‬و أما النبياء و الرسل الذين لم يقصصهم القرآن علينا‪ ,‬فقد أمرنا أن‬
‫نؤمن بهم إجمال‪ .‬و ليس لنا أن نقول برسالة أحد من البشر أو نبوته مادام‬
‫أن ذكره لم يأتي في القرآن أو من الرسول صلى الله عليه و سلم‪.‬‬
‫موضوع الرسالة‪:‬‬
‫قال تعالى‪" :‬و ما نرسل المرسلين إل مبشرين و منذرين‪ ,‬فمن آمن و أصلح‬
‫فل خوف عليهم و ل هم يحزنون‪ ,‬و الذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما‬
‫كانوا يفسقون" )النعام‪ ,‬الية ‪ .(49-48‬و على هذا فإنه يجب علينا أن نؤمن‬
‫بأن الله بعث رسله إلى الخلق لتبشيرهم و إنذارهم‪ ,‬و أن الله سبحانه بعث‬
‫هؤلء الرسل جميعا لتحقيق غرض واحد هو عبادة الله عز و جل و إقامة دينه‬
‫و توحيده‪ .‬قال تعالى‪" :‬و لقد بعثنا في كل أمة رسول أن اعبدوا الله و اجتنبوا‬
‫الطاغوت" )النحل‪ ,‬من الية ‪.(36‬‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الواجب علينا نحو الرسل‪:‬‬


‫بعد اليمان بأنبياء الله و رسله‪ ,‬يجب علينا تصديق رسل الله جميعا‪ ,‬و أن ل‬
‫نفرق بينهم بأن نؤمن ببعض و نكفر ببعض‪ ,‬فقد قال سبحانه و تعالى‪" :‬إن‬
‫الذين يكفرون بالله و رسله و يريدون أن يفرقوا بين الله و رسله و يقولون‬
‫نؤمن ببعض و نكفر ببعض و يريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيل أولئك هم‬
‫الكافرون حقا ‪) "...‬النساء‪ ,‬اليات ‪ .(151-150‬و يجب علينا أيضا أن نؤمن‬
‫بأن كل رسول أرسله الله تعالى قد بلغ رسالته على الوجه الكمل‪ .‬و يجب‬
‫علينا أن نطيع الرسل و ل نخالفهم لن ذلك من طاعة الله‪ ,‬فقد قال الله عز‬
‫و جل‪" :‬و ما أرسلنا من رسول إل ليطاع بإذن الله" )النساء‪ ,‬الية ‪.(64‬‬

‫) ‪(216/3‬‬

‫و مما يجب علينا أيضا في حق النبياء و الرسل أن نعتقد بأنهم أكمل الخلق‬
‫علما و عمل‪ ,‬و أنهم كانوا جميعا رجال من البشر كما جاء في قوله عز و جل‪:‬‬
‫"و ما أرسلنا قبلك إل رجال نوحي إليهم" )النبياء‪ ,‬الية ‪ .(7‬و يجب علينا أيضا‬
‫أن نؤمن بأنهم ل يملكون شيئا من خصائص اللوهية‪ ,‬و ل يملكون النفع أو‬
‫الضرر‪ ,‬و ل يعلمون الغيب إل ما أطلعهم الله عليه‪ .‬و يجب علينا أيضا أن‬
‫نؤمن بأن الله سبحانه و تعالى أيدهم بالمعجزات الدالة في صدقهم‪ .‬و أخيرا‬
‫يجب أن نؤمن بأن الله فضل بعض الرسل على بعض‪ ,‬لقوله عز و جل‪" :‬تلك‬
‫الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم كلم الله و رفع بعضهم درجات و آتينا‬
‫عيسى ابن مريم البينات و أيدناه بروح القدس" )البقرة‪ ,‬الية ‪.(253‬‬
‫اليمان بمحمد صلى الله عليه و سلم‪:‬‬
‫من اليمان بالنبياء و الرسل اليمان بمحمد صلى الله عليه و سلم‪ ,‬و أنه لم‬
‫يعبد صنما و لم يشرك بالله طرفة عين قط‪ .‬و نؤمن بأنه خاتم النبياء‪ ,‬لقوله‬
‫تعالى‪" :‬و لكن رسول الله و خاتم النبيين" )الحزاب‪ ,‬من الية ‪ (40‬فل نبوة‬
‫بعده صلى الله عليه و سلم‪ ,‬و كل من ادعاها بعده فهو كذاب‪ .‬و يجب علينا‬
‫أن نؤمن بأنه صلى الله عليه و سلم إمام المتقين‪ ,‬و أنه وحده الجدير‬
‫بالقتداء و التأسي‪ ,‬و أنه حبيب الرحمن‪ ,‬و أنه مبعوث إلى عامة الجن و كافة‬
‫الورى بالحق و الهدى‪ ,‬و إلى الناس جميعا كما قال الله سبحانه و تعالى‪" :‬و‬
‫ما أرسلناك إل كافة للناس بشيرا و نذيرا" )سبأ‪ ,‬الية ‪ .(28‬و يجب علينا أن‬
‫نقدم محبته على الوالد و الولد و النفس‪ ,‬كما جاء في الحديث عن أنس‬
‫رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه و سلم‪" :‬ل يؤمن أحدكم‬
‫حتى أكون أحب إليه من والده و ولده و الناس أجمعين" )متفق عليه(‪.‬‬
‫و أيضا فإن علينا أن نؤمن بأن الله جل و عل قد أيد محمد صلى الله عليه و‬
‫سلم بالمعجزات الدالة على صدقه صلى الله عليه و سلم‪ ,‬و أن القرآن‬
‫العظيم معجزته الباهرة‪ ,‬و أن الله أيده بالمعجزات الحسية المذكورة في‬
‫الحاديث مثل انشقاق القمر و غيرها‪ .‬و نؤمن بأن الله تعالى حباه أخلق‬
‫القرآن كلها‪.‬‬
‫و كلمة أخيرة يجب علينا ذكرها أن اليمان الصادق برسول الله يتضمن‬
‫التصديق و النقياد‪ ,‬التصديق بأنه رسول الله و النقياد للشريعة التي أرسل‬
‫لتبليغها‪ ,‬فل يصح اليمان بالتصديق فقط دون طاعة رسول الله و المتثال‬
‫لوامره‪.‬‬
‫اليمان بكتب الله عز و جل‪:‬‬
‫من أركان اليمان أيضا اليمان بكتب الله عز و جل‪ .‬و معنى هذا أن نؤمن‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالكتب التي أنزلها الله على أنبيائه و رسله‪ .‬و من هذه الكتب ما سماه الله‬
‫تعالى في القرآن الكريم‪ ,‬و منها ما لم يسم‪ ,‬و نذكر فيما يلي الكتب التي‬
‫سماها الله عز و جل في كتابه العزيز‪:‬‬
‫‪ (1‬التوراة‪ :‬و قد أنزلت على موسى عليه السلم‪.‬‬
‫‪ (2‬النجيل‪ :‬و قد أنزل على عيسى عليه السلم‪.‬‬
‫‪ (3‬الزبور‪ :‬الذي أنزل على إبراهيم و موسى‪.‬‬
‫و أما الكتب الخرى التي نزلت على سائر الرسل‪ ,‬فلم يخبرنا الله تعالى عن‬
‫أسمائها‪ .‬و يجب علينا أن نؤمن بهذه الكتب إجمال‪ ,‬و ل يجوز لنا أن ننسب‬
‫كتابا إلى الله تعالى سوى ما نسبه إلى نفسه مما أخبرنا عنه في القرآن‬
‫الكريم‪ .‬كما يجب أن نؤمن بأن هذه الكتب جميعا نزلت بالحق و النور و‬
‫الهدى‪ ,‬و توحيد الله عز و جل‪ ,‬و أن ما نسب إليها مما يخالف ذلك إنما هو‬
‫تحريف البشر و صنعهم‪ .‬و يجب علينا أيضا أن نؤمن بأن القرآن الكريم هو‬
‫آخر كتاب نزل من عند الله تعالى‪ ,‬و أن الله اختصه بمزايا من أهمها‪:‬‬
‫‪ (1‬أنه تضمن خلصة التعاليم اللهية‪ ,‬و جاء مؤيدا و مصدقا لما جاء في‬
‫الكتب السابقة من التوحيد و وجوب عبادة الله و طاعته‪ .‬و جمع كل ما كان‬
‫متفرقا في تلك الكتب من الحسنات و الفضائل‪ ,‬و جاء مهيمنا و رقيبا‪ ,‬يقر ما‬
‫فيها من حق‪ ,‬و يبين ما دخل عليها من تحريف و تغيير‪ .‬و أن القرآن جاء‬
‫بشريعة عامة للبشر فيها كل ما يلزمهم لسعادتهم في الدارين‪ ,‬و أنه نسخ‬
‫جميع الشرائع الخاصة بالقوام السابقة‪.‬‬
‫‪ (2‬أن القرآن الكريم هو الكتاب الرباني الوحيد الذي تعهد الله بحفظه‪ ,‬فقد‬
‫قال الله تعالى‪" :‬إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون" )الحجر‪ ,‬الية ‪.(9‬‬
‫‪ (3‬أن القرآن الكريم أنزله الله تعالى على رسوله محمد صلى الله عليه و‬
‫سلم للناس كافة و ليس خاصا بقوم معينين‪.‬‬
‫و قد أخبرنا الله عز و جل عن التحريف الذي أدخله اليهود و النصارى على‬
‫الكتب التي أرسلت إليهم‪ ,‬و نذكر في هذا الشأن اليات التالية‪:‬‬
‫‪" -‬و قالت اليهود عزير ابن الله و قالت النصارى المسيح ابن الله‪ ,‬ذلك‬
‫قولهم بأفواههم‪ ,‬يضاهئون قول الذين كفروا من قبل‪ ,‬قاتلهم الله أنى‬
‫يؤفكون" )التوبة‪ ,‬الية ‪.(30‬‬
‫‪" -‬لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم" )المائدة‪ ,‬الية ‪.(72‬‬
‫‪" -‬لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلثة‪ ,‬و ما من إله إل إله واحد" )المائدة‪,‬‬
‫الية ‪.(73‬‬

‫) ‪(216/4‬‬

‫‪" -‬و ما المسيح ابن مريم إل رسول قد خلت من قبله الرسل و أمه صديقة‬
‫كانا يأكلن الطعام‪ ,‬انظر كيف نبين لهم اليات ثم انظر أنى يؤفكون"‬
‫)المائدة‪ ,‬الية ‪.(75‬‬
‫و لهذا‪ ,‬فإنه ل يوجد اليوم كتاب علي ظهر الرض تصلح نسبته إلى الله تبارك‬
‫و تعالى سوى القرآن الكريم‪ ,‬و من الدلة على ذلك ما يلي‪:‬‬
‫‪ (1‬أن الكتب التي نزلت قبل القرآن‪ ,‬قد ضاعت نسخها الصلية و لم يبق في‬
‫أيدي الناس إل تراجمها‪.‬‬
‫‪ (2‬أن هذه الكتب قد اختلط فيها كلم الله بكلم الناس‪ ,‬من تفسير و سير‬
‫النبياء و تلميذهم‪ ,‬و استنباطات الفقهاء‪ ,‬فل يعرف فيها كلم الله من كلم‬
‫البشر‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ (3‬أنه ليس لي من تلك الكتب سند تاريخي موثوق لكي نستطيع أن ننسبها‬
‫إلى الرسول الذي أرسلت إليه‪.‬‬
‫‪ (4‬و من الدلة على التحريف تعدد نسخ تلك الكتب و اختلفها فيما نقلته من‬
‫القوال و الراء‪.‬‬
‫‪ (5‬ما تضمته تلك الكتب من العقائد الفاسدة و التصورات الباطلة عن الخالق‬
‫سبحانه و عن رسله الكرام‪.‬‬
‫اليمان باليوم الخر‪:‬‬
‫و معناه اليمان بكل ما أخبرنا به الله عز و جل و رسوله صلى الله عليه و‬
‫سلم مما يكون بعد الموت من فتنة القبر و عذابه و نعيمه‪ ,‬و البعث و الحشر‬
‫و الصحف و الحساب و الميزان و الحوض و الصراط و الشفاعة و الجنة و‬
‫النار‪ ,‬و ما أعد الله لهلما جميعا‪.‬‬
‫و لليمان باليوم الخر أثر عظيم في حياة النسان‪ ,‬و له أثر كبير في توجيه‬
‫النسان و انضباطه و التزامه بالعمل الصالح و تقوى الله عز و جل‪ .‬و ذلك‬
‫لن من يعتقد أنه سيحاسب على كل ما يفعله‪ ,‬و من آمن بأنه سيفوز بالجنة‬
‫إذا أصلح العمل و سيعاقب بالنار إذا أساء‪ ,‬ل بد أن يحمله هذا العتقاد على‬
‫أن يحسن العمل و يبتعد عن كل ما نهى عنه الله عز و جل و رسوله صلى‬
‫الله عليه و سلم‪ .‬و أما من ل يعتقد بأن هناك حساب و ل عقاب و ل ثواب‪,‬‬
‫فإنه سيكون منفلتا من أي ضابط سوى هواه و شهوته‪ .‬و قد بين الله لنا هذا‬
‫في العديد من اليات في القرآن الكريم بالربط بين اليمان باليوم الخر‬
‫والعمل الصالح‪ ,‬كما قال عز و جل‪" :‬أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي‬
‫يدع اليتيم و ل يحض على طعام المسكين" )الماعون‪ ,‬اليات ‪ ,(3-1‬و قال‪:‬‬
‫"ل تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الخر يوادون من حاد الله و رسوله"‬
‫)المجادلة‪ ,‬الية ‪.(22‬‬
‫و لقد دل على اليمان باليوم الخر كتاب الله‪ ,‬و سنة رسوله صلى الله عليه‬
‫و سلم‪ ,‬و العقل و الفطرة السليمة‪ .‬و المنكرون للبعث ليس لهم دليل على‬
‫إنكارهم‪ ,‬و ذلك لنه أمر من أمور الغيب الذي ل يعلمه إل الله‪ ,‬فل سبيل لحد‬
‫في إثباتها أو إنكارها إل سبيل واحد و هو إعلم الله عز و جل‪ .‬و لقد أثار‬
‫المنكرون بعض الشبهات و الشكوك حول البعث‪ ,‬كاستبعادهم العودة إلى‬
‫الحياة بعد تحولهم إلى رفات و تراب‪ .‬و لكن الله سبحانه و تعالى رد على‬
‫شبهة هؤلء‪ ,‬و من ذلك قوله تعالى‪" :‬و قالوا أءذا كنا عظاما و رفاتا أءنا‬
‫لمبعوثون خلقا جديدا قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في‬
‫صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة‪ ,‬فسينغضون إليك‬
‫رؤوسهم و يقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا يوم يدعوكم‬
‫فتستجيبون بحمده و تظنون إن لبثتم إل قليل" )السراء‪ ,‬الية ‪.(52-49‬‬
‫‪ (1‬فتنة القبر و سؤال الملكين‪:‬‬
‫لقد أخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم في الحاديث الصحيحة أن الناس‬
‫يمتحنون في قبورهم‪ ,‬فيقال للعبد‪ :‬من ربك و ما دينك و من نبيك؟ فيقول‬
‫المؤمن‪ :‬ربي الله‪ ,‬و السلم ديني‪ ,‬و محمد صلى الله عليه و سلم نبيي‪ ,‬و‬
‫أما المرتاب فيقول‪ :‬ل أدري‪ ,‬سمعت الناس يقولون شيئا فقلته‪ ,‬فيضرب و‬
‫يعذب‪.‬‬
‫‪ (2‬عذاب القبر و نعيمه‪:‬‬
‫من الدلئل على عذاب القبر و نعيمه قوله سبحانه و تعالى‪" :‬و حاق بآل‬
‫فرعون سوء العذاب‪ ,‬النار يعرضون عليها غدوا و عشيا‪ ,‬و يوم تقوم الساعة‪,‬‬
‫أدخلوا آل فرعون أشد العذاب" )غافر‪ ,‬الية ‪ .(46-45‬ففي هذه الية توعد‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله سبحانه و تعالى آل فرعون بنوعين من العذاب‪ ,‬فإذا كان الثاني بعد قيام‬
‫الساعة فل بد أن يكون الول واقعا بهم ما بين الموت و النشور‪ ,‬و هو عذاب‬
‫القبر‪ .‬الحاديث الصحيحة المثبتة لعذاب القبر كثيرة جدا‪ ,‬تبلغ حد التواتر‪ .‬و‬
‫أما كيفية عذاب القبر و نعيمه‪ ,‬و كيفية عودة الروح إلى الميت‪ ,‬فل يجوز فيه‬
‫الزيادة على ما صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم‪.‬‬
‫‪ (3‬أشراط الساعة‪:‬‬
‫يجب علينا أيضا أن نؤمن أن الساعة آتية ل ريب فيها‪ ,‬و أن موعدها ل يعلمه‬
‫إل الله سبحانه و تعالى‪ .‬و يجب علينا أن نؤمن بما ثبت عن رسول الله صلى‬
‫الله عليه و سلم من علمات و أشراط الساعة‪ .‬و من علمات الساعة‬
‫علمات صغرى‪ ,‬يدور معظمها حول فساد الناس في آخر الزمان و ظهور‬
‫الفتن بينهم‪ ,‬و بعدهم عن هدى الله و طريق الرسل‪ .‬و من علمات الساعة‬
‫علمات كبرى‪ ,‬نذكرها مع شرح مختصر لكل منها فيما يلي‪:‬‬

‫) ‪(216/5‬‬

‫أ – طلوع الشمس من المغرب‪ :‬لقد ورد في بعض الحاديث الصحيحة عن‬


‫رسول الله صلى الله عليه و سلم أن هذه الية تكون أول العلمات الكبرى‬
‫ظهورا‪ .‬و قد ورد في الحديث أيضا أن هذه الية إذا ظهرت‪ ,‬و رآها الناس‬
‫آمنوا أجمعون‪ ,‬و ذلك حين ل ينفع نفس إيمانها إذا لم تكن قد آمنت من قبل‪.‬‬
‫ب – خروج الدابة‪ :‬و قد أشار الله سبحانه و تعالى إلى هذه الية في قوله‪:‬‬
‫"و إذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الرض تكلمهم أن الناس كانوا‬
‫بآياتنا ل يوقنون" )النمل‪ ,‬الية ‪ .(82‬و قد ورد ذكر خروج الدابة في أحاديث‬
‫كثيرة‪.‬‬
‫ج – ظهور الدجال‪ :‬و الدجال هو الكذاب شديد الدجل‪ ,‬و الدجل في اللغة‬
‫التغطية‪ ,‬و سمي الكذاب دجال لنه يغطي الحق بباطله‪ .‬و من أمارات‬
‫الساعة الكبرى ظهور شخص سماه الرسول صلى الله عليه و سلم بالدجال‬
‫لكثرة تدجيله و كذبه‪ ,‬يدعي اللوهية‪ ,‬و يحاول أن يفتن الناس عن دينهم بما‬
‫يحدثه من خوارق العادات و عجائب المور بإذن الله سبحانه و تعالى‪ ,‬فيفتن‬
‫بعض الناس‪ ,‬و يثبت الله الذين آمنوا‪ ,‬فل ينخدعون بدجله و ضلله‪ ,‬ثم يأذن‬
‫الله بالقضاء على فتنته‪ ,‬فينزل عيسى عليه السلم فيقتله‪.‬‬
‫د – نزول عيسى عليه السلم‪ :‬فقد دلت السنة و أجمعت المة على أن‬
‫عيسى عليه السلم ينزل في آخر الزمان قرب الساعة أثناء وجود الدجال‬
‫فيقتله‪ ,‬و يحكم بشريعة السلم‪ ,‬ثم يمكث في الرض ما شاء الله أن يمكث‪,‬‬
‫ثم يموت‪ ,‬و يصلي عليه المسلمون و يدفن‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬ظهور يأجوج و مأجوج‪ :‬ورد ذكر هذه العلمة في القرآن‪ ,‬في قوله‬
‫تعالى‪" :‬ثم أتبع سببا‪ ,‬حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما ل‬
‫يكادون يفقهون قول‪ .‬قالوا‪ :‬يا ذا القرنين إن يأجوج و مأجوج مفسدون في‬
‫الرض‪ ,‬فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا و بينهم سدا؟ ‪) " ...‬الكهف‪,‬‬
‫اليات ‪.(98-92‬‬
‫‪ (4‬بداية اليوم الخر‪:‬‬
‫و يبدأ اليوم الخر بإحداث تغيير عام في هذا الكون‪ ,‬فتنشق السماء‪ ,‬و تتناثر‬
‫النجوم‪ ,‬و تتصادم الكواكب‪ ,‬و تتفتت الرض‪ ,‬و تغدو صعيدا جرزا‪ ,‬و تصبح‬
‫الجبال كثيبا مهيل‪ ,‬و يخرب كل شيء‪ ,‬و يدمر كل ما عرفه الناس في هذا‬
‫الوجود‪ ,‬و يكون هذا على إثر الفخة الولى‪ ,‬ينفخها إسرافيل بأمر ربه‪,‬‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيصعق كل من في السموات و من في الرض إل ما شاء الله تعالى‪.‬‬


‫‪ (5‬البعث‪:‬‬
‫و نؤمن بعدها أن الله سبحانه و تعالى يأمر بالنفخة الثانية‪ ,‬فتعود الحياة على‬
‫أثرها إلى الموات‪ ,‬و هذا هو يوم البعث و هو إعادة النسان روحا و جسدا‬
‫كما كان في الدنيا‪ ,‬و قد ورد في الحاديث الصحيحة أن محمد صلى الله عليه‬
‫و سلم هو أول من يخرج من قبره‪.‬‬
‫‪ (6‬الحشر‪:‬‬
‫و نؤمن أنه يكون الحشر بعد بعث الخلئق و إخراجهم من قبورهم‪ .‬و الحشر‬
‫هو سوقهم جميعا إلى الموقف‪ ,‬و هو المكان الذي يقفون فيه انتظارا لفصل‬
‫القضاء بينهم‪ ,‬و يكونون في هذا الموقف كما خلقوا أول مرة‪ ,‬حفاة عراة‬
‫غرل‪ .‬فإذا اشتد المر بالناس‪ ,‬و عظم الكرب في هذا الموقف العظيم‪,‬‬
‫استشفعوا إلى الله عز و جل بالرسل و النبياء أن ينقذهم مما هم فيه‪ ,‬و‬
‫يجعل لهم فصل القضاء و كل رسول يحيلهم على من بعده‪ ,‬حتى يأتون‬
‫محمد صلى الله عليه و سلم فيشفع فيهم و يقبل الباري شفاعته‪ ,‬فينصرف‬
‫الناس إلى فصل القضاء‪.‬‬
‫‪ (7‬جزاء العمال‪:‬‬
‫و نؤمن بجزاء العمال يوم القيامة‪ ,‬فيجزى العباد على كل ما كسبوه في‬
‫الحياة الدنيا من خير أو شر‪ ,‬قال تعالى‪" :‬يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق‪ ,‬و‬
‫يعلمون أن الله هو الحق المبين" )النور‪ ,‬الية ‪.(25‬‬
‫‪ (8‬العرض و الحساب‪:‬‬
‫و نؤمن بأن الجزاء يكون بعد محاكمة عادلة‪ ,‬يعرض فيها الناس على ربهم و‬
‫تقام فيها الحجج عليهم و لهم‪ ,‬و يطلعون على أعمالهم‪ ,‬و يقرؤون صحفهم‪.‬‬
‫‪ (9‬الحوض‪:‬‬
‫و يجب علينا أن نؤمن بما أخبر به المصطفى صلى الله عليه و سلم عن‬
‫الحوض الذي تفضل الله يه عليه و على أمته‪ ,‬فإن الحاديث الواردة في ذلك‬
‫تبلغ حد التواتر‪ .‬و يكون أول من يرده نبينا محمد صلى الله عليه و سلم‪ ,‬ثم‬
‫ترده بعده أمته‪ ,‬و يطرد عنها الكفار‪ ,‬و طائفة من العصاة و أهل الكبائر‪ .‬و‬
‫ذلك بعد النتهاء من الموقف‪.‬‬
‫‪ (10‬الميزان‪:‬‬
‫و يجب علينا أن نؤمن بما أخبر به الله عز و جل و رسوله صلى الله عليه و‬
‫سلم ما أن أعمال العباد خيرها و شرها توزن يوم القيامة بميزان‪ .‬و تدل‬
‫الخبار على أنه ميزان حقيقي‪ ,‬له كفتان‪ ,‬و أن الله سبحانه و تعالى يحول‬
‫أعمال العباد إلى أجسام لها ثقل‪ ,‬فتوضع الحسنات في كفة و السيئات في‬
‫كفة‪.‬‬
‫‪ (11‬الصراط‪:‬‬
‫و نؤمن أنه يكون بعد الحساب و الميزان انصراف الناس من الموقف‪ ,‬ليمروا‬
‫فوق الجسر المنصوب على جهنم‪ ,‬و هو الصراط‪ .‬و المرور على الصراط‬
‫عام لجميع الناس‪ ,‬و تكون سهولة مرورهم ذلك عليهم بقدر أعمالهم في‬
‫الحياة الدنيا‪.‬‬
‫‪ (12‬الجنة و النار‪:‬‬

‫) ‪(216/6‬‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫و بعد ذلك كله نؤمن بوجود الجنة و النار‪ ,‬و أنهما مخلوقتان من مخلوقات‬
‫الله عز و جل أعدهما الله للثواب و العقاب‪ ,‬و أنه سبحانه و تعالى خلقهما‬
‫قبل الخلق‪ ,‬و أنهما موجودتان الن‪ ,‬و أنهما باقيتان و ل تبيدان‪ .‬و قد تكرر‬
‫ذكر خلود المؤمنين في الجنة و الكافرين في النار في معظم المواقع التي‬
‫ذكرت فيها الجنة و النار في القرآن الكريم‪.‬‬
‫اليمان بقضاء الله و قدره‪:‬‬
‫و اليمان بالقدر أحد أركان اليمان‪ ,‬فمن كفر بقدر الله خرج من دين الله عز‬
‫و جل‪.‬‬
‫تعريف القدر‪ :‬علم الله تعالى بما تكون عليه المخلوقات في المستقبل‪.‬‬
‫تعريف القضاء‪ :‬إيجاد الله تعالى الشياء حسب علمه و إرادته‪.‬‬
‫اليمان بالقدر يشتمل على أربعة مراتب و هي‪:‬‬
‫المرتبة الولى‪ :‬اليمان بعلم الله القديم و أنه علم أعمال العباد قبل أن‬
‫يعملوها‪ ,‬و الدليل على هذا قوله تعالى‪" :‬ما أصاب من مصيبة في الرض و ل‬
‫في أنفسكم إل في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير"‬
‫)الحديد‪ ,‬الية ‪.(22‬‬
‫المرتبة الثانية‪ :‬كتابة ذلك في اللوح المحفوظ‪ ,‬و الدليل قوله تعالى‪" :‬ألم‬
‫تعلم أن الله يعلم ما في السماء و الرض‪ ,‬إن ذلك لفي كتاب‪ ,‬إن ذلك على‬
‫الله يسير" )الحج‪ ,‬الية ‪ .(70‬و الكتاب المذكور في الية هو اللوح المحفوظ‪.‬‬
‫المرتبة الثالثة‪ :‬مشيئة الله النافذة و قدرته الشاملة‪ .‬قال تعالى‪ " :‬قل إن‬
‫تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في‬
‫دير" )آل عمران‪ ,‬الية ‪.(29‬‬ ‫الرض والله على كل شيء ق ِ‬
‫المرتبة الرابعة‪ :‬إيجاد الله لكل المخلوقات‪ ,‬و أنه الخالق و كل ما سواه‬
‫مخلوق‪ .‬قال تعالى‪ " :‬ذلكم الله ربكم ل إله إل هو خالق كل شيء فاعبدوه‬
‫وهو على كل شيء وكيل" )النعام‪ ,‬الية ‪.(102‬‬
‫و أهل السنة في اليمان بالقدر بين طائفتين غاليتين هما‪ (1) :‬المكذبين‬
‫بالقدر )‪ (2‬التاركين للعمل اتكال على القدر‪.‬‬
‫‪ (1‬فأما المكذبين بالقدر‪ ,‬المسمون بالقدرية‪ :‬يزعمون أن الله يعلم‬
‫بالموجودات بعد خلقها و ايجادها‪ ,‬و قد سماهم رسول الله صلى الله عليه و‬
‫سلم مجوس المة‪ .‬و منهم القدرية المتأخرة الذين يقرون بعلم الله أفعال‬
‫العباد قبل وقوعها لكنهم زعموا بأن أفعال العباد واقعة منهم على وجه‬
‫الستقلل‪ ,‬و هذا مذهب باطل و لو أنه أخف من مذهب القدرية الولى في‬
‫بطلنه‪ .‬و قد أراد القدرية بزعمهم تنزيه الله سبحانه و تعالى‪ ,‬فقالوا أن الله‬
‫شاء اليمان للكافر و لكن الكافر هو الذي شاء الكفر‪ ,‬و لكنهم وقعوا فيما هو‬
‫أشد من ذلك بأنهم جعلوا مشيئة الكافر تتغلب على مشيئة الله سبحانه و‬
‫تعالى‪.‬‬
‫‪ (2‬و أما التاركين العمل اتكال على القدر فهم بقولون‪ :‬بما أن الله قدر كل‬
‫شيء و علمه قبل وقوعه‪ ,‬فلماذا نعمل فلنترك المر للقدار التي ستحصل‬
‫شئنا أم أبينا‪ .‬و أخذ هذا المذهب طوائف كثيرة كالمتصوفة‪ ,‬و أبطلوا به المر‬
‫و النهي و أحدثوا في المة فسادا عظيما‪ .‬و هم بذلك يزعمون أن العباد‬
‫مجبرون على أعمالهم‪ ,‬و هم يسمون بالجبرية‪.‬‬
‫و أما أهل السنة فهم وسط بين هاتين الطائفتين الغاليتين‪ .‬فما عليه أهل‬
‫الحق هو أنه يجب اليمان بالقدر‪ ,‬و لكن ل يجوز أن يحتج به في ترك العمل‬
‫و ل أن يحتج به في مخالفة الشرع‪ .‬فالقدر عندهم يتعزى به بعد وقوع‬
‫المصائب‪ ,‬و ل يحتج به لتبرير الذنوب و المعاصي‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مذهب أهل السنة في السباب و علقته بالتوكل‪ :‬إن اليمان بالقدر ل ينافي‬
‫الخذ بالسباب‪ ,‬فإننا مأمورون بالخذ بالسباب مع التوكل على الله عز و‬
‫جل‪ ,‬و اليمان بأن السباب ل تعطي النتائج إل بإذن الله سبحانه و تعالى‪ .‬و‬
‫يحرم على المسلم ترك الخذ بالسباب‪ .‬و لذلك فإن مذهب أهل السنة هو‬
‫وجوب الخذ بالسباب مع التوكل على الله‪ ,‬فل نترك الخذ بالسباب‪ ,‬و ل‬
‫نترك التوكل على الله و اليمان بأن كل شيء إنما يحصل بمشيئة الله‬
‫سبحانه و تعالى‪.‬‬

‫) ‪(216/7‬‬

‫أرواح الشهداء‬
‫د‪.‬خالد الحمد *‬
‫كتب الله لي أن أعيش خمس سنوات من زهرة عمري في الجزائر الحبيبة ‪،‬‬
‫في السبعينات من القرن الماضي ‪ ،‬كانت غنية بالمعرفة ‪ ،‬والخبرة ‪ ،‬والدعوة‬
‫‪ ،‬ولله الفضل والمنة ‪...‬‬
‫وكنت ألحظ أمرا ً غريبا ً ‪ ،‬وهو توجه الجزائريين نحو السلم ‪ ،‬وشوقهم‬
‫ورغبتهم الجامحة نحو التمسك بالسلم والشريعة السلمية ‪ ،‬وقد عبر الشيخ‬
‫محمد سعيد رمضان البوطي عن هذه الملحظة ـ وكان يحضر سنويا ً في‬
‫الملتقى الفكري السلمي الجزائري ـ قال الشيخ البوطي معبرا ً عن الرغبة‬
‫الجامحة عند الجزائريين للندفاع نحو السلم ‪ ] :‬أرى في الجزائر دعوة قوية‬
‫ول أرى دعاة [ ‪ ،‬وليسمح لي الشيخ أن أعدل هذه العبارة لتكون أكثر دقة‬
‫فأقول ‪ :‬أرى في الجزائر دعوة قوية ‪ ،‬أكبر بكثير مما يبذل من دعوة في‬
‫الجزائر ‪ ،‬التي مازال دعاتها شبابا ً ‪،‬قليلي الزاد ) يومذاك (‪ ،‬ول نجد تناسبا ً‬
‫بين قوة الدعوة ‪ ،‬ومايبذل من أسباب فيها ‪ ] ...‬كان الشيخ محفوظ يرحمه‬
‫الله في السجن طوال السنوات الخمس التي عشتها هناك ‪ ،‬وكان إخوانه في‬
‫البليدة ‪ ،‬لهم نشاط يمتد حتى الجامعة المركزية في العاصمة ‪ ،‬وكان الخ‬
‫عبدالله جاب الله طالبا ً في كلية الحقوق ‪ ،‬جامعة قسنطينة ‪ ،‬ولكنه كان قمة‬
‫في النشاط والحركة ‪ ،‬وخاصة في الشرق الجزائري [ ‪....‬‬
‫وهذه القصة الواقعية التالية تبين لك أخي القارئ ‪ ،‬شدة اندفاع الجزائريين‬
‫نحو السلم ‪....‬‬
‫لباس المرأة في السلم ‪:‬‬
‫كنت مدرسا ً للفلسفة ‪ ،‬وعندهم تدرس الفلسفة لطلب الثالث الثانوي‬
‫فقط ‪ ،‬وفي ثانويتنا أكثر من ألف طالب وطالبة ‪ ،‬ومعظم الطالبات يلبسن‬
‫الزي الوربي تماما ً ‪ ،‬وقانون المدرسة الجزائرية يسمح للطالب وللطالبة أن‬
‫يلبس كل منهما مايشاء ‪...‬‬
‫كنت أقطع فناء الثانوية ‪ ،‬ومررت بقرب ثلث طالبات من الول ثانوي ‪،‬‬
‫متبرجات جدا ً ‪ ،‬وبعد أن تجاوزتهن سمعت نداء يقول ‪ :‬أستاذ ‪ ...‬أستاذ ‪...‬‬
‫أستاذ الفلسفة ‪...‬أستاذ خالد ‪ ...‬وترددت في الوقوف ‪ ،‬ودعاة الماركسية‬
‫المعادين لي ولدعوتي ينتظرون موقفا ً من هذا النوع ليصوروه وينشرونه في‬
‫الولية كلها ‪ ...‬ولكن إلحاح النداء ‪ ،‬وركضهن حتى لحقنني اضطرني إلى‬
‫الوقوف ‪ ،‬وأنا أتصبب عرقا ً من الخجل ‪ ،‬مطرقا ً إلى الرض ‪:‬‬
‫قالت إحداهن ‪ ::‬يا أستاذ كيف تلبس المرأة في السلم ؟‬
‫اعتبرت للوهلة الولى أن هذا من باب السخرية ‪ ،‬ولكن الله عزوجل ألهمني‬
‫أن أجاوب باقتضاب وأقول الكلمات التالية فقط ‪:‬‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أي ثوب واسع ‪ ،‬فضفاض ‪ ،‬يستر جسدها كله ‪ ،‬لونه غير زاه ‪...‬‬
‫وتابعت المشي ‪ ،‬وتنفست الصعداء ‪ ،‬فقد هربت من هذا الموقف الذي‬
‫أخافني كثيرا ً ‪ ،‬وسألت الله عزوجل أن يجعل العواقب سليمة ‪....‬‬
‫وبعد بضعة أيام ) ثلثة أو أربعة ( كدت أسجد لله شكرا ً في فناء المدرسة‬
‫عندما رأيت ولول مرة هذه الفتيات الثلث يلبسن الحجاب الذي وصفته‬
‫ي بأنني حرمتهم من مناظر‬ ‫لهن ‪ ....‬واعترض الماركسيون و الشهوانيون عل ّ‬
‫كانوا يتلصصون عليها كل يوم ‪...‬‬
‫سوف ل أنسى هذه التجربة التي عشتها قبل ثلثين سنة ‪ ،‬ومازالت حاضرة‬
‫في شعوري ‪ ،‬لنها تفسر شدة إقبال الشعب الجزائري على التمسك‬
‫بالسلم الذي يحبونه حبا ً جما ً ‪ ،‬مع أنهم يجهلون مساحات واسعة منه‬
‫يومذاك ‪ ،‬هذه الحادثة تفسرالقبال الشديد على السلم في الجزائر ‪ ،‬وهذا‬
‫القبال أكبر من جهود الدعاة بمئات المرات ‪....‬‬
‫وكان التفسير الوحيد عندي هو بركة أرواح الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم‬
‫في سبيل الله عزوجل ليحفظ لهم الجزائر المسلمة ‪ ،‬وللعلم فالثورة‬
‫الجزائرية بدأت ثورة إسلمية ‪ ،‬جهاد مقدس ضد الحقد الصليبي والستعمار‬
‫الفرنسي ‪ ،‬والحلف الطلسي الذي حاول خلل قرن ونصف نزع الجزائر من‬
‫السلم ‪ ...‬وحيث كنت أعمل في الواحات ‪ ،‬ليوجد مسيحي واحد ‪ ،‬وتوجد‬
‫خمس كنائس بنيت خلل عهد الستعمار الفرنسي ‪ ...‬واستمرت الثورة‬
‫الجزائرية إسلمية ‪ ،‬ومعظم قادتها كانوا من حفظة القرآن الكريم ‪ ،‬والب‬
‫الروحي لها كان الشيخ عبد الحميد بن باديس يرحمه الله ‪ ...‬وكان الثوار‬
‫يرددون ماقاله ابن باديس ‪:‬‬
‫شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب‬
‫واستمرت الثورة الجزائرية إسلمية حتى عام )‪ ( 1954‬حيث خطفها‬
‫الماركسيون الدهاة من أيدي المشايخ بعد مؤتمر وادي الصومام ‪ ...‬وبعد أن‬
‫استشهد قرابة مليون ونصف جزائري ‪ ،‬معظمهم نحسبهم شهداء ولنزكيهم‬
‫على الله ‪ ،‬وهؤلء الشهداء لهم مكانة عظيمة عند ربهم ‪ ،‬ولهم حظوة ‪ ،‬ومن‬
‫أجلهم ‪ ،‬رعى الله الجزائر وحفظها ‪ ،‬وربطها بالسلم الذي مات من أجله‬
‫مليون ونصف جزائري ‪...‬‬
‫والجزائر ـ اليوم ـ على الرغم من كل مصائبها ‪ ،‬والويلت التي جرها عليها‬
‫المتطرفون ودعاة التكفير ‪ ،‬أفضل من كثير من الدول العربية والمسلمة ‪،‬‬
‫مع أنها رضخت قرنا ً ونصف القرن تحت استعمار صليبي سافر يقوده الحلف‬
‫الطلسي ‪...‬‬
‫وفي سوريا شهداء أيضا ً ‪:‬‬

‫) ‪(217/1‬‬

‫وفي سوريا قدم عشرات اللوف من الشباب المسلم روحه رخيصة في‬
‫سبيل الله عزوجل ‪ ،‬ليخلص سوريا من الطاغوت الذي أراد أن يقضي على‬
‫الحركة السلمية في بلد الشام كافة ‪ ،‬أراد أن يكمل المخطط الذي بدأه‬
‫طاغوت عربي قبله ومات قبل أن يكمل مهمته كلها ‪ ،‬أراد الطاغوت السوري‬
‫أن يقضي على رغبة المسلمين في بلد الشام في اللتزام بالسلم عقيدة‬
‫وشريعة وعبادة ونظام حياة كما أراده الله عزوجل ‪ ...‬وقرر الطاغوت أن‬
‫هؤلء السلميين لتجدي معهم إل التصفية الجسدية ‪ ،‬وقدصرح بذلك في‬
‫المؤتمر السادس لحزب البعث العربي الشتراكي ‪ ،‬وقال ‪ :‬أما الخوان‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسلمون فلتنفع معهم إل التصفية الجسدية ‪ ...‬وبدأ مشروعه في التصفية‬


‫الجسدية ‪...‬‬
‫وكانت المذبحة الجماعية الولى التي نفذها كبير المجرمين رفعت السد في‬
‫سجن تدمر في أوائل صيف )‪ ، (1980‬كانت هذه القافلة الولى من قوافل‬
‫الشهداء السوريين ‪ ،‬يرحمهم الله تعالى ‪ ،‬ونسأله أن يتقبلهم مع الشهداء‬
‫والصديقين والنبياء وحسن أولئك رفيقا ً ‪ ...‬ألف أو يزيد من خيرة أبناء‬
‫الشعب السوري ‪ ،‬قتلوا رشا ً بالرصاص في زنزاناتهم ‪ ،‬وفي مهاجع سجن‬
‫تدمر ‪ ،‬ثم حملوا بالشاحنات ـ وبعضهم مازال حيا ً ـ ودفنوا في إخدود جماعي‬
‫قرب جبل عويمر عند تدمر ‪ .. ..‬قتلوا ودفنوا كما قتل ودفن أهل الخدود‬
‫الذين خلد الله عزوجل ذكرهم ‪ ] :‬والسماء ذات البروج ‪ ،‬واليوم الموعود ‪،‬‬
‫وشاهد ومشهود ‪ ،‬قتل أصحاب الخدود ‪ ،‬النار ذات الوقود ‪ ،‬إذ هم عليها قعود‬
‫‪ ،‬وهم على مايفعلون بالمؤمنين شهود ‪ ،‬ومانقموا منهم إل أن يؤمنوا بالله‬
‫العزيز الحميد [ ‪ ،‬ومن هؤلء أصحاب الخدود ‪ ،‬امرأة تحمل رضيعا ً لها ‪ ،‬هابت‬
‫النار ‪ ،‬وخافت على وليدها الرضيع ‪ ،‬عندما ساقها جلوزة المن يومذاك‬
‫) والمخابرات العسكرية ( ‪ ،‬كي تقتحم النار ‪ ،‬وترمى نفسها في الخدود ‪،‬‬
‫هابت وتراجعت ‪ ،‬ولكن الرضيع نطق وقال ‪ :‬يا أماه لتخافي إنك على حق ‪...‬‬
‫قوافل الشهداء ‪:‬‬
‫وتتالت قوافل الشهداء في سوريا ‪ ،‬في حماة ) ‪ ، (1981‬و)‪ (1982‬وفي‬
‫جسر الشغور ‪ ،‬وادلب ‪ ،‬وحلب ‪ ،‬وكانت أكبر هذه القوافل مجزرة تدمر‬
‫المستمرة ‪ ،‬حيث نفذ حكم العدام بقرابة ) ‪ ( 23‬ألفا ً من خيرة أبناء الشعب‬
‫السوري ‪ ،‬يرحمهم الله تعالى ‪ ،‬ونحسبهم شهداء ولنزكيهم على الله ‪،‬‬
‫ولنستمع للخ محمد سليم حماد يصف لنا إقبالهم على الموت في سبيل‬
‫الله ‪ :‬يقول محمد سليم حماد في كتابه ) تدمر شاهد ومشهود ( ‪:‬‬
‫) وما ل ينسى من أيام عام ‪ 1984‬المريرة أننا شهدنا فيها أحد أكبر عمليات‬
‫العدام الجماعي إن لم تكن أكبرها على الطلق ‪ .‬فبعد انقطاع تنفيذ‬
‫الحكام عدة أشهر في تلك الفترة فوجئنا بالمشانق تنصب ذات يوم في‬
‫الساحة السادسة بأعداد كبيرة ‪،‬وراح الزبانية يخرجون من الخوة المعتقلين‬
‫در الخوة الذين تمكنوا من مشاهدة جانب‬ ‫فوجا ً إثر فوج إلى حتفهم ‪ .‬يومها ق ّ‬
‫مما يجري من خلل شق في الباب عدد الذين أعدموا بمائتين من غير مبالغة‬
‫‪ ،‬كان من بينهم كما بلغنا الخ يوسف عبيد من دمشق ‪.‬‬
‫وفي مهجع السل ‪ 23‬بالباحة الرابعة حيث كان قد اجتمع على إخواننا هناك‬
‫ب المرض أخرج الشرطة يومها أخا ً مسلول ً من حلب‬ ‫ب السجن وك َْر ُ‬ ‫ك َْر ُ‬
‫اسمه يوسف عبارة للعدام ‪ .‬فلقد نادوا الخ رحمه الله إلى لقاء ربه قبيل‬
‫صلة الفجر ‪ .‬فهرع وصلى مع الخوة الفريضة ثم ودعهم ومضى إلى منيته‬
‫مقبل ً على الله ‪ .‬وكان من نزلء المهجع نفسه أخ شاعر موهوب تفجرت‬
‫مشاعره عندما أبصر الخوة يساقون رتل ً طويل ً إلى المشانق ‪ ،‬وانسابت مع‬
‫دموعه ودموع إخوانه قصيدة رقيقة له حفظناها جميعا ً وأخذنا ننشدها منذ‬
‫ذاك يقول فيها ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وسار موكب الجناز في الصباح * مخلفا وراءه الجراح * و راسما مسيرة‬
‫الكفاح‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فل حياة دونما سلح * من قبلها نادى المنادي هاتفا مجلجل * حي على الفلح‬
‫‪ ..‬حي على الفلح ‪.‬‬
‫وسار موكب الشباب في خشوع * لم يعرفوا لغير ربهم خضوع * عيونهم‬
‫تضيىء كالشموع * تقول للجيال ل خضوع * من قبلها نادى المنادي هاتفا ً‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مجلجل ً‬
‫حي على الفلح ‪ ..‬حي على الفلح ‪.‬‬
‫وداع الشقاء‬
‫وتتابع نصب المشانق وتكرر مشهد الزهرات تساق إلى حتفها على أيدي‬
‫الزبانية الطغاة ‪ .‬وكان من أشد المشاهد إيلما ً كما بلغني يوم أن سمع أخ‬
‫من بيت العابدي من دمشق اسم أبيه يطلب للعدام من مهجع مجاور ‪ .‬ورآه‬
‫يساق أمام عينيه من خلل ثقوب الباب فتزهق روحه على حبل المشنقة ‪.‬‬
‫وكان الولد قد اعتقل مع أبيه وهو ابن خمسة عشر عاما ً في مرحلة دراسته‬
‫العدادية !‬
‫ً‬
‫ولم يكن أقل إيلما يوم أن طلبوا فيما بعد اثنين من الشباب المعتقلين معنا‬
‫للعدام هما طريف حداد وملهم التاسي وكلهما من حمص ‪ .‬وكان معهما‬
‫في نفس المهجع شقيقاهما بشار حداد ومطاع أتاسي ‪ .‬وعندما تقدم بشار‬
‫ليودع أخاه طريف ثابت الجنان قال له ‪ :‬اثبت واصبر ‪ ..‬واللقاء في الجنة ‪.‬‬
‫والحمد لله أن رزقك الشهادة ‪ .‬ول تنسانا من الشفاعة ‪.‬‬

‫) ‪(217/2‬‬

‫كذلك خرج من بيننا أخ آخر للقاء الله في تلك اليام العصيبة هو عبد الغني‬
‫دباغ من حمص ‪ .‬ثم لم نلبث أن سمعنا بأن أخوين اثنين له في مهجع آخر‬
‫أعدما بعد مدة وجيزة من الزمان ‪.‬‬
‫وفوجئنا ذات صباح بالمشانق تنصب من بعد الفجر بقليل ‪ ،‬وبالشرطة‬
‫يجوبون المهاجع ويسألون عن أسماء بعينها ‪ .‬ولم تلبث أصوات التكبيرات أن‬
‫علت من جديد ‪ ..‬فأسقط بأيدينا ‪ ..‬وانهارت آمالنا الواهية ‪ ..‬وعدنا يلفنا‬
‫الوجوم والترقب ‪ .‬حتى إذا فتح الشرطي باب المهجع ‪ 26‬علينا انتفضنا كلنا‬
‫وقد بلغت القلوب الحناجر واحتبست أنفاسنا ‪ ..‬وكل منا يتوقع أن يتلو‬
‫الشرطي اسمه ويناديه للردى ‪ .‬لكن جلدنا لم يناد إل اسم أخ واحد من بلدة‬
‫سراقب اسمه عبد الحكيم العمر كما أعتقد ‪ .‬كان مدرس لغة عربية وملزما ً‬
‫مكلفا ً حين اعتقل ‪ .‬وكان صاحب فضل علينا في المهجع بدماثة خلقه وحسن‬
‫معشره ‪ ،‬وبحلقات البلغة والنحو التي واظبنا عليها حتى تعلمنا منه الكثير ‪.‬‬
‫وقال له أن يضب أغراضه لنه سينقل إلى مدرسة المدفعية بحلب حيث كان‬
‫يقضي خدمته اللزامية ‪ .‬ورغم استغرابنا من هذا السلوب الجديد إل أننا‬
‫قدرنا أنهم إنما أخروا إعدامه لنه عسكري وحسب ‪ ،‬وأن دوره الن قد دنا ‪.‬‬
‫وأدرك عبد الحكيم أنها منيته ‪ ،‬وجعل رحمه الله يطوف علينا ويتفرس في‬
‫وجه كل منا ويردد آخر كلمات له في هذه الدنيا سمعناها ‪:‬‬
‫سامحوني يا شباب ‪ ..‬واللقاء إن شاء الله في الجنة ‪.‬‬
‫فلما وصل بتطوافه إلى مجموعة من أهل بلده كانوا شركاء في مجموعة‬
‫الطعام في المهجع أوصاهم بأهله وأولده ‪ .‬ومضى إلى العدام ونفسه رحمه‬
‫الله تفيض بالرضا والطمئنان ‪ ،‬وكأنه ذاهب لملقاة أحب الناس إليه ! ( ‪.‬‬
‫انتهى النقل من كتاب شاهد ومشهود ‪.‬‬
‫هكذا كان الشباب المسلم يقبلون على الله عزوجل ‪ ،‬يضحون بأرواحهم من‬
‫أجل حماية إسلمهم في بلدهم سوريا من بطش الطغاة ‪ ،‬ومن مخططاتهم‬
‫الهادفة إلى القضاء على الصحوة السلمية ‪ ،‬والحركة السلمية ‪ ،‬التي‬
‫تطالب بالعودة إلى السلم واللتزام به عقيدة وشريعة ونظام حياة ‪ ...‬فهل‬
‫استطاع الطاغية تنفيذ مهمته !!!؟‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لقد قتل عشرات اللوف من الشباب المسلم في سوريا ‪ ،‬وقل أن تجد بيتا ً‬
‫في مدينة حماة إل وفيه شهيد ‪ ،‬أو سجين ‪ ،‬أو مفقود ‪ ،‬أو منفي ‪ ...‬ومثل‬
‫ذلك في جسر الشغور وادلب وقرى ادلب ‪ ،‬وفي حلب كذلك ‪ ...‬فهل قضى‬
‫الطاغية على الحركة السلمية !!؟ قال تعالى ] ويمكرون ويمكر الله والله‬
‫خير الماكرين [ ‪...‬‬
‫إقبال الشباب على المساجد في سوريا ‪:‬‬
‫من اللفت للنظر أن الطاغية قبل موته صار يبني مدارس لتحفيظ القرآن ‪،‬‬
‫سميت باسمه ‪ ،‬وصار يحاول الظهور بأنه مهتم بالسلم ‪ ،‬وهذه يفهمها‬
‫دارسو الفلسفة ‪ ،‬الذين درسوا الجدل عند ) هيجل ( ‪ ،‬الفكرة ونقيضها‬
‫والتركيب منهما ‪ ،‬بل صار يتقرب لجميع الحركات السلمية العربية ‪ ،‬وخاصة‬
‫الخوان المسلمون في فلسطين وأقصد ) حماس ( ‪،‬كما تقرب للخ محفظ‬
‫النحناح يرحمه الله ‪ ،‬وللخوة في لبنان ‪ ،‬وفي الردن ‪ ،‬كل ذلك لينفي عن‬
‫نفسه أنه حاول القضاء على الحركة السلمية في بلد الشام ‪...‬‬
‫واليوم يؤكد القادمون من سوريا أن المساجد تمتل بالشباب ‪ ،‬وأن الحجاب‬
‫ينتشر بسرعة بين الفتيات ‪ ،‬وأن إقبال السوريين على اللتزام بالسلم يزداد‬
‫‪ ،‬وقد اعترف النظام بذلك ‪ ،‬فصار يحاول استيعاب هؤلء الشباب ‪ ،‬كي‬
‫ليستوعبهم الخوان المسلمون ـ مع أنهم خارج البلد ـ‬
‫فما الذي يدفع هؤلء الشباب إلى السلم !!؟ وبداية لننكر جهود كثير من‬
‫العلماء والدعاة الموجودين داخل سوريا اليوم ‪ ،‬ولكن كما رأينا في الجزائر ‪،‬‬
‫النتائج ) اللتزام بالسلم ( أكبر بكثير من الجهود الدعوية المبذولة ‪...‬‬
‫وحسب تفسيري للواقع ‪ ...‬إنها أرواح الشهداء ‪ ...‬أرواح عشرات اللوف من‬
‫الشهداء السوريين الذين قدموا أرواحهم حفاظا ً على السلم في سوريا ‪،‬‬
‫كما فعل إخوانهم الجزائريون قبل نصف قرن ‪ ،‬عندما قدموا أرواحهم‬
‫ليحفظوا السلم في الجزائر ‪ ...‬والله خير حافظا ً وهو أرحم الراحمين ‪...‬‬

‫) ‪(217/3‬‬

‫وأنعم الله علي أن قابلت عدة شباب سوريين يعيشون داخل سوريا ‪ ،‬ولدوا‬
‫في عقد الثمانينات ‪ ،‬وكتب الله لهم الحياة ‪ ...‬وعجبت أن هؤلء الشباب‬
‫يملكون فهما ً اسلميا ً صافيا ً للسلم دين ودولة ‪ ،‬عقيدة وشريعة ‪ ،‬وينظرون‬
‫إلى جماعة الخوان المسلمين عبر الفضائيات ومواقع النترنت على أنها‬
‫سوف تخلص سوريا من الطاغوت ‪ ،‬وتحقق لهم مايحلمون به من السلم‬
‫عقيدة وشريعة ونظام حياة ‪ ...‬ويعتبرون أنفسهم جنودا ً من جنودها ‪ ...‬ولو‬
‫أن المقام يسمح بالكلم لقلت أني وجدت لدى الشباب داخل سوريا ؛‬
‫ماليصدقه العقل ‪ ،‬إل باللجوء إلى التفسير الرباني ‪ ،‬العناية الربانية ‪ ،‬وهذه‬
‫واحدة ‪ ...‬سجين في عام )‪ (1995‬عندما أفرج الطاغية عن دفعة كبيرة ‪،‬‬
‫وطلب منهم التوقيع على تعهد منهم أن ليعودوا لمثل ذلك ‪ ،‬أبى أحد‬
‫السجناء أن يوقع ذلك التعهد وقال لمدير السجن ‪ :‬هل تريدني أن أتعهد على‬
‫أن لأعود للدراسة في كلية الشريعة ‪ ،‬وأن أتعهد أن ل أصلي إمام جمعة إذا‬
‫غاب الخطيب ‪ ،‬هذه جرائمي عندكم ‪ ،‬فأنا عندكم في السجن منذ ثلثة عشر‬
‫عاما ً ‪ ،‬وهذه جريمتي ‪ :‬طالب في كلية الشريعة ‪ ،‬أخطب الجمعة إذا تغيب‬
‫المام ‪ ...‬هل أتعهد أن ل أعود لمثل ذلك ‍!!!؟ وصار مدير السجن يترضاه‬
‫ويقول له هذا أمر روتيني ‪ ،‬لبد منه ‪ ،‬وأرجو أن توقع ولتحرم أهلك من‬
‫الفرحة بخروجك من السجن ‪ ،‬ولكنه أصر ‪ ،‬وبقي عشر سنوات أخرى ‪ ،‬حتى‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خرج بدون تعهد ‪ ،‬وعرفت بعد خروجه أنه مصر على اللتزام بدراسة‬
‫الشريعة ‪ ،‬ومصر على أن السلم عقيدة وشريعة ونظام حياة ‪.‍.‬‬
‫حزب العدالة والتنمية التركي ‪:‬‬
‫وقبل مدة قليلة قابلت عضوين في البرلمان التركي من حزب العدالة‬
‫والتنمية ‪ ،‬ودار الحوار بيننا بضع ساعات عبر مترجم معهم ‪ ،‬ومما استخلصته‬
‫أن فساد الحكومة التي سبقتهم ) وكانت ائتلف من ثلثة أحزاب يرأسها‬
‫أجاويد ( ‪ ،‬فساد هذه الحكومة السابقة ‪ ،‬كان السبب القوى في توجه‬
‫الناخبين التراك إلى بذل أصواتهم لحزب العدالة والتنمية السلمي ‪...‬‬
‫وقل مثل ذلك في انتخابات مصر التي قال المحللون أنها لوكانت نزيهة لفاز‬
‫الخوان المسلمون بالكثرية الساحقة فيها ‪ ،‬لسبب هام وهو فساد المنافس ‪،‬‬
‫وتأكد الشعب المصري من فساد الحزب الوطني الذي يحكم مصر ‪ ،‬وقل‬
‫مثل ذلك في نجاح حماس الفلسطينية ‪.‬‬
‫وفساد الخصم ‪ ،‬وتوجه الناس نحو الدعاة المسلمين ‪ ،‬هذا إعداد رباني وتهيئة‬
‫لحفظ السلم وقوته في هذه البلد ‪ ،‬واستجابة لرواح الشهداء الذين بذلوا‬
‫أرواحهم في سبيل الله عزوجل ؛ ليحفظوا بلدهم مسلمة ‪ ] ،‬والله غالب‬
‫على أمره ‪ ،‬ولكن أكثر الناس ليعلمون [ ‪.‬‬
‫ويتضح ذلك أيضا ً عندما ننظر إلى بلدان عربية غير الجزائر وسوريا ‪ ،‬تبذل في‬
‫هذه البلدان جهود وافرة من الدعوة السلمية ‪ ،‬كي تعد جيل ً من الشباب‬
‫المسلم يؤمن أن السلم عقيدة وشريعة ‪ ،‬دين ودولة ‪ ،‬ونظام حياة‬
‫شامل ‪ ...‬هذه البلدان لم تمر بالمحن التي مرت فيها الجزائر ‪ ،‬وسوريا ‪ ،‬نجد‬
‫بشكل واضح أن النتائج المحصودة أقل بكثير من الجهود الدعوية المبذولة ‪...‬‬
‫فالدعاة متوفرون بكثرة ‪ ،‬والنظام ليحارب السلم ‪ ،‬ومع ذلك تجد إقبال‬
‫الشباب على اللتزام والتمسك بالسلم عقيدة وشريعة ونظام حياة ‪ ،‬أقل‬
‫من تلك البلدان ‪ ...‬على الرغم من جهود الدعاة الكثيرة المقدمة لهم ‪...‬‬
‫في الجزائر وجدنا النتائج المحصودة أكبر بكثير من الجهود المبذولة ‪ ،‬وفي‬
‫سوريا اليوم كذلك توجه الشباب نحو السلم الشامل ‪ ،‬السلم عقيدة‬
‫وشريعة ونظام حياة أكبر بكثير من الجهود الدعوية المبذولة ‪...‬‬
‫وفي غير الجزائر وسوريا نجد الصورة معكوسة ‪ ،‬فالجهود الدعوية المبذولة‬
‫أكبر بكثير من النتائج المحصودة ‪ ....‬ولتفسير عندي سوى بركة أرواح‬
‫الشهداء ‪ ،‬أو قل العناية الربانية بأولد الشهداء وأحفادهم ‪.....‬‬
‫قال تعالى ‪ ] :‬ولتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ً ‪ ،‬بل أحياء عند‬
‫ربهم يرزقون [ وقال تعالى أيضا ً ‪ ] :‬ولتقولوا لمن يقتل في سبيل الله‬
‫أموات بل أحياء ولكن لتشعرون [‬
‫فهؤلء الشهداء أحياء ‪ ،‬ومازالوا دعاة ‪ ،‬يدعون الشباب إلى السلم ‪،‬‬
‫واللتزام به ‪ ،‬ولكننا لنشعر بذلك ‪ ،‬سوى أننا نتأكد من وجود أيدي خفية غير‬
‫ظاهرة دفعت الشباب والشابات في الجزائر نحو اللتزام بالسلم ‪ ،‬كما تدفع‬
‫اليوم الشباب والشابات في سوريا إلى اللتزام بالسلم عقيدة وشريعة‬
‫ونظام حياة ‪...‬‬
‫] والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس ليعلمون [‬
‫والحمد لله رب العالمين ‪...‬‬
‫* كاتب سوري في المنفى‬

‫) ‪(217/4‬‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أرى عينيه ما لم تريا !‬


‫السؤال ‪:‬‬
‫ً‬
‫ما حكم السلم ممن يزعم أنه رأى في منامه أمورا لم يرها ‪ ،‬مع العلم بأنة‬
‫يلجأ إلى زعمه هذا للترغيب و الترهيب في الدعوة ‪ ،‬أو إلى الصلح بين‬
‫الناس ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫أقول مستعينا بالله تعالى ‪:‬‬‫ً‬
‫من المقرر شرعا ً أن الكذب من الكبائر ‪ ،‬و ل شك أن الذنوب تتفاوت ؛‬
‫فبعضها أشنع من بعض ‪ ،‬و من أشنع الكذب ما تعّلق بالغيبيات كالكذب في‬
‫اّدعاء الرؤى الصالحة ‪ ،‬و لذلك استحق من وقع في ذلك الوعيد الشديد‬
‫بالعذاب يوم القيامة ‪.‬‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْ ِ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫س عَ ْ‬ ‫ن عَّبا َ ٍ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫فقد روى البخاري في صحيحه عَ ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ن وَ ل ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫حل ْم ٍ ل َ ْ‬ ‫حل ّ َ‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬
‫شِعيَرت َي ْ ِ‬ ‫قد َ ب َي ْ َ‬ ‫ن ي َعْ ِ‬
‫فأ ْ‬ ‫م ي ََرهُ كل َ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ن تَ َ‬‫م ْ‬‫ل‪َ ):‬‬ ‫وَ َ‬
‫ل(‪.‬‬ ‫فعَ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫قال المام المناوي رحمه الله شارحا هذا الحديث في فيض القدير ‪ ) :‬من‬ ‫ً‬
‫حلما ً ؛ أي ‪ :‬رأى رؤيا في‬ ‫تحّلم ( بالتشديد أي تكلف الحلم بأن زعم أنه حلم ُ‬
‫حال كونه ) كاذبا ً ( في دعواه أنه رأى ذلك في منامه ‪ ) ،‬ك ُّلف ( بضم الكاف‬
‫و شد اللم المكسورة ) يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين ( بكسر العين‬
‫تثنية شعيرة ) و لن ( يقدر أن ) يعقد بينهما ( لن اتصال إحداهما بالخرى‬
‫غير ممكن عادة ً فهو يعذب حتى يفعل ذلك ‪ ،‬و ل يمكنه فعله ‪ ،‬فكأنه يقول ‪:‬‬
‫يكلف ما ل يستطيعه فيعذب عليه ؛ فهو كناية عن تعذيبه على الدوام ‪ .‬اهـ ‪.‬‬
‫و قد يرد هنا تساؤل عن الحكمة من المبالغة في النكير على الكذب في‬
‫الرؤى أكثر من النكير على من يكذب في الحقيقة ‪ ،‬و يكشف هذا اللتباس‬
‫ما ذكره ابن حجر في الفتح ‪ ،‬و عزا أصله إلى الطبري رحمهما الله ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫إنما اشتد في الكذب على المنام الوعيد مع أن الكذب في اليقظة قد يكون‬
‫أشد مفسدة منه إذ قد تكون شهادة في قتل أو حد أو أخذ مال ‪ ،‬لن الكذب‬
‫ب على الله أنه أراه ما لم يره ‪ ،‬و الكذب على الله أشد من‬ ‫في المنام كذ ٌ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن افت ََرى عَلى الل ِ‬ ‫م ِ‬‫م ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ن أظل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫الكذب على المخلوقين ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ ) :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ن كذ َُبوا عَلى َرب ّهِ ْ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ؤلِء ال ِ‬ ‫شَهاد ُ هَ ُ‬ ‫ل ال َ ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫م وَ ي َ ُ‬ ‫ن عََلى َرب ّهِ ْ‬ ‫ضو َ‬‫ك ي ُعَْر ُ‬ ‫ك َذًِبا ُأول َئ ِ َ‬
‫ن ( ] هود ‪ ، [ 18 :‬و إنما كان الكذب في المنام‬ ‫مي َ‬ ‫ة الل ّهِ عََلى ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫َأل ل َعْن َ ُ‬
‫كذبا على الله لحديث ) الرؤيا جزء من النبوة ( و ما كان من أجزاء النبوة‬
‫فهو من قبل الله تعالى ‪.‬اهـ ‪.‬‬
‫ول له نفسه أن يدعي رؤيا ما لم ي َُر‬ ‫ت ‪ :‬و كفى بهذا الوعيد زاجرا ً لمن تس ّ‬ ‫قل ُ‬
‫في منامه ‪ ،‬و رادعا لمثاله من التذّرع بالذرائع لستحلل الكذب و استمرائه‬ ‫ً‬
‫أو إشاعته و ترويجه ‪.‬‬
‫أما ما ُيزعم من أنه كذب لترقيق القلوب ‪ ،‬و ترغيبها في الخير ‪ ،‬أو تنفيرها‬
‫عن الشر ؛ فهو من تلبيس إبليس على العباد ليجّرئهم على محارم الله ‪ ،‬و‬
‫يزين لهم الوقوع في الموبقات المهلكات ‪ ،‬و العياذ بالله ‪.‬‬
‫ه بين من يزعم تدعيم دعوته إلى الله باختلق الدعاوى ‪ ،‬و التصّنع‬ ‫شب َ ٌ‬‫مة ِ‬ ‫وث ّ‬
‫ضاع الحديث من المبتدعة المتدروشين القائلين ‪:‬‬ ‫بالرؤى الكاذبة و بين وُ ّ‬
‫) نحن ل نكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم و لكننا نكذب له ( أي‬
‫لنشر سنتة باختلق الخبار و وضع الحاديث في فضائل العمال ‪ ،‬و هذا شر‬
‫مستطير ‪ ،‬و خطر عظيم على من بدأه و من رّوجه أو وافقه ‪.‬‬
‫ما‬‫َ‬ ‫)‬ ‫نه‬‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ليعلم‬ ‫و‬ ‫فليتق الله امرؤٌ في كلمه ‪ ،‬و ليراقب رّبه في جميع أحواله ‪،‬‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل ِإل ل َد َي ْهِ َرِقي ٌ‬


‫ب عَِتيد ٌ ( ] ق ‪. [ 18 :‬‬ ‫ن قَوْ ٍ‬
‫م ْ‬ ‫ف ُ‬
‫ظ ِ‬ ‫ي َل ْ ِ‬
‫هذا و الله الهادي إلى سواء السبيل ‪ ،‬و بالله التوفيق ‪.‬‬

‫) ‪(218/1‬‬

‫أريد أن أتوب ولكن‬


‫المقدمة‬
‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ‪ ،‬من يهده الله فل مضل له ‪ ،‬ومن يضلل فل‬
‫هادي له ‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له وأن محمدا ً عبده‬
‫ورسوله ‪ ،‬أما بعد ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فإن الله أمر المؤمنين جميعا بالتوبة ‪ ) :‬وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون‬
‫لعلكم تفلحون ( النور ‪. 31/‬‬
‫وقسم العباد إلى تائب وظالم ‪ ،‬وليس ثم قسم ثالث البتة ‪ ،‬فقال عز وجل ‪:‬‬
‫) ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ( الحجرات ‪ 11/‬وهذا أوان بعد فيه كثير‬
‫من الناس عن دين الله فعمت المعاصي وانتشر الفساد‪ ،‬حتى ما بقي أحد لم‬
‫يتلوث بشيء من الخبائث إل من عصم الله ‪.‬‬
‫ولكن يأبى الله إل أن يتم نوره فانبعث الكثيرون من غفلتهم ورقادهم‪،‬‬
‫وأحسوا بالتقصير في حق الله ‪ ،‬وندموا على التفريط والعصيان ‪ ،‬فتوجهت‬
‫ركائبهم ميممة شطر منار التوبة ‪ ،‬وآخرون سئموا حياة الشقاء وضنك العيش‬
‫‪ ،‬وهاهم يتلمسون طريقهم للخروج من الظلمات إلى النور ‪.‬‬
‫لكن تعترض طريق ثلة من هذا الموكب عوائق يظنونها تحول بينهم وبين‬
‫التوبة ‪ ،‬منها ما هو في النفس ‪ ،‬ومنها ما هو في الواقع المحيط ‪.‬‬
‫ولجل ذلك كتبت هذه الرسالة آمل ً أن يكون فيها توضيح للبس وكشف‬
‫لشبهة أو بيان لحكم ودحر للشيطان ‪.‬‬
‫وتحتوي هذه الرسالة على مقدمة عن خطورة الستهانة بالذنوب فشرحا ً‬
‫لشروط التوبة ‪ ،‬ثم علجات نفسية ‪ ،‬وفتاوى للتائبين مدعمة بالدلة من‬
‫القرآن الكريم والسنة ‪ ،‬وكلم أهل العلم وخاتمة ‪.‬‬
‫والله أسأل أن ينفعني وأخواني المسلمين بهذه الكلمات ‪ ،‬وحسبي منهم‬
‫دعوة صالحة أو نصيحة صادقة ‪ ،‬والله يتوب علينا أجمعين ‪.‬‬
‫مقدمة في خطر الستهانة بالذنوب‬
‫اعلم رحمني الله وإياك أن الله عز وجل أمر العباد بإخلص التوبة وجوبا ً‬
‫فقال سبحانه ‪ ) :‬يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا ً ( التحريم ‪8/‬‬
‫ومنحنا مهلة للتوبة قبل أن يقوم الكرام الكاتبون بالتدوين فقال صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ) :‬إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات ‪ -‬محتمل أن‬
‫تكون الساعة الفلكية المعروفة ‪ ،‬أو هي المدة اليسيرة من الليل أو النهار ‪،‬‬
‫من لسان العرب ‪ -‬عن العبد المسلم المخطئ ‪ ،‬فإن ندم واستغفر الله منها‬
‫ألقاها ‪ ،‬وإل كتبت واحدة ( رواه الطبراني في الكبير والبيهقي في شعب‬
‫اليمان وحسنه اللباني في سلسلة الحاديث الصحيحة ‪ . 1209‬ومهلة أخرى‬
‫بعد الكتابة وقبل حضور الجل ‪.‬‬
‫ً‬
‫ومصيبة كثير من الناس اليوم أنهم ل يرجون لله وقارا ‪ ،‬فيعصونه بأنواع‬
‫الذنوب ليل ً ونهارا ً ‪ ،‬ومنهم طائفة ابتلوا باستصغار الذنوب ‪ ،‬فترى أحدهم‬
‫يحتقر في نفسه بعض الصغائر ‪ ،‬فيقول مثل ً ‪ :‬وماذا تضر نظرة أو مصافحة‬
‫أجنبية ‪ .‬الجانب هم ما سوى المحارم ‪.‬‬
‫ويتسلون بالنظر إلى المحرمات في المجلت والمسلسلت ‪ ،‬حتى أن بعضهم‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يسأل باستخفاف إذا علم بحرمة مسألة كم سيئة فيها ؟ أهي كبيرة أم‬
‫صغيرة ؟ فإذا علمت هذا الواقع الحاصل فقارن بينه وبين الثرين التاليين من‬
‫صحيح المام البخاري رحمه الله ‪:‬‬
‫‪ -‬عن أنس رضي الله عنه قال ‪ ) :‬إنكم لتعملون أعمال ً هي أدق في أعينكم‬
‫من الشعر ‪ ،‬كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من‬
‫الموبقات ( والموبقات هي المهلكات ‪.‬‬
‫‪ -‬عن ابن مسعود رضي الله عنه قال ‪ " :‬إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد‬
‫تحت جبل يخاف أن يقع عليه ‪ ،‬وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه‬
‫فقال به هكذا – أي بيده – فذبه عنه "‬
‫وهل يقدر هؤلء الن خطورة المر إذا قرأوا حديث رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ) :‬إياكم ومحقرات الذنوب ‪ ،‬فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل‬
‫قوم نزلوا بطن واد ‪ ،‬فجاء ذا بعود ‪ ،‬وجاء ذا بعود ‪ ،‬حتى حملوا ما أنضجوا به‬
‫خبزهم ‪ ،‬وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه ) وفي رواية (‬
‫إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه ( رواه‬
‫أحمد ‪ ،‬صحيح الجامع ‪. 2687-2686‬‬
‫وقد ذكر أهل العلم أن الصغيرة قد يقترن بها من قلة الحياء وعدم المبالة‬
‫وترك الخوف من الله مع الستهانة بها ما يلحقها بالكبائر بل يجعلها في رتبتها‬
‫‪ ،‬ولجل ذلك ل صغيرة مع الصرار ‪ ،‬ول كبيرة مع الستغفار ‪.‬‬
‫ونقول لمن هذه حاله ‪ :‬ل تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى من‬
‫عصيت ‪.‬‬
‫وهذه كلمات سينتفع بها إن شاء الله الصادقون ‪ ،‬الذين أحسوا بالذنب‬
‫والتقصير وليس السادرون في غيهم ول المصرون على باطلهم ‪.‬‬
‫إنها لمن يؤمن بقوله تعالى ‪ ) :‬نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم ( الحجر ‪49/‬‬
‫‪ ،‬كما يؤمن بقوله ‪ ) :‬وأن عذابي هو العذاب الليم ( الحجر ‪. 50/‬‬
‫شروط التوبة ومكملتها‬
‫كلمة التوبة كلمة عظيمة ‪ ،‬لها مدلولت عميقة ‪ ،‬ل كما يظنها الكثيرون ‪،‬‬
‫ألفاظ باللسان ثم الستمرار على الذنب ‪ ،‬وتأمل قوله تعالى ‪ ) :‬وأن‬
‫استغفروا ربكم ثم توبوا إليه ( هود ‪ 3/‬تجد أن التوبة هي أمر زائد على‬
‫الستغفار ‪.‬‬
‫ولن المر العظيم لبد له من شروط ‪ ،‬فقد ذكر العلماء شروطا ً للتوبة‬
‫مأخوذة من اليات والحاديث ‪ ،‬وهذا ذكر بعضها ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬القلع عن الذنب فورا ً ‪.‬‬

‫) ‪(219/1‬‬

‫الثاني ‪ :‬الندم على ما فات ‪.‬‬


‫الثالث ‪ :‬العزم على عدم العودة ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬إرجاع حقوق من ظلمهم ‪ ،‬أو طلب البراءة منهم ‪.‬‬
‫وذكر بعض أهل العلم تفصيلت أخرى لشروط التوبة النصوح ‪ ،‬نسوقها مع‬
‫بعض المثلة ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن يكون ترك الذنب لله ل لشيء آخر ‪ ،‬كعدم القدرة عليه أو على‬
‫معاودته ‪ ،‬أو خوف كلم الناس مثل ً ‪.‬‬
‫فل يسمى تائبا ً من ترك الذنوب لنها تؤثر على جاهه وسمعته بين الناس ‪ ،‬أو‬
‫ربما طرد من وظيفته ‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ول يسمى تائبا ً من ترك الذنوب لحفظ صحته وقوته ‪ ،‬كمن ترك الزنا أو‬
‫الفاحشة خشية المراض الفتاكة المعدية ‪ ،‬أو أنها تضعف جسمه وذاكرته ‪.‬‬
‫ول يسمى تائبا ً من ترك أخذ الرشوة لنه خشي أن يكون معطيها من هيئة‬
‫مكافحة الرشوة مثل ً ‪.‬‬
‫ول يسمى تائبا ً من ترك شرب الخمر وتعاطي المخدرات لفلسه ‪.‬‬
‫وكذلك ل يسمى تائبا ً من عجز عن فعل معصية لمر خارج عن إرادته ‪،‬‬
‫كالكاذب إذا أصيب بشلل أفقده النطق ‪ ،‬أو الزاني إذا فقد القدرة على‬
‫الوقاع ‪ ،‬أو السارق إذا أصيب بحادث أفقده أطرافه ‪ ،‬بل لبد لمثل هذا من‬
‫الندم والقلع عن تمني المعصية أو التأسف على فواتها ولمثل هذا يقول‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬الندم توبة ( رواه أحمد وابن ماجه ‪ ،‬صحيح‬
‫الجامع ‪. 6802‬‬
‫والله نّزل العاجز المتمني بالقول منزلة الفاعل ‪ ،‬أل تراه صلى الله عليه‬
‫وسلم قال ‪ ) :‬إنما الدنيا لربعة نفر ‪ ،‬عبد رزقه الله مال ً وعلما ً فهو يتقي فيه‬
‫ربه ‪ ،‬ويصل فيه رحمه ‪ ،‬ويعلم لله فيه حقا ً ‪ ،‬فهذا بأفضل المنازل ‪ ،‬وعبد‬
‫رزقه الله علما ً ‪ ،‬ولم يرزقه مال ً ‪ ،‬فهو صادق النية ‪ ،‬يقول ‪ :‬لو أن لي مال ً‬
‫لعملت بعمل فلن ‪ ،‬فهو بنيته ‪ ،‬فأجرهما سواء ‪ ،‬وعبد رزقه الله مال ً ولم‬
‫يرزقه علما ً يخبط في ماله بغير علم ول يتقي فيه ربه ‪ ،‬ول يصل فيه رحمه ‪،‬‬
‫ول يعلم لله فيه حقا ً ‪ ،‬فهذا بأخبث المنازل ‪ ،‬وعبد لم يرزقه الله مال ً ول علما ً‬
‫فهو يقول ‪ :‬لو أن لي مال ً لعملت فيه بعمل فلن ‪ ،‬فهو بنيته ‪ ،‬فوزرهما سواء‬
‫( رواه أحمد والترمذي وصححه صحيح الترغيب والترهيب ‪. 1/9‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن يستشعر قبح الذنب وضرره ‪.‬‬
‫وهذا يعني أن التوبة الصحيحة ل يمكن معها الشعور باللذة والسرور حين‬
‫يتذكر الذنوب الماضية ‪ ،‬أو أن يتمنى العودة لذلك في المستقبل ‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد ساق ابن القيم رحمه الله في كتابه الداء والدواء والفوائد أضرارا كثيرة‬
‫للذنوب منها ‪:‬‬
‫حرمان العلم – والوحشة في القلب – وتعسير المور – ووهن البدن –‬
‫وحرمان الطاعة – ومحق البركة – وقلة التوفيق – وضيق الصدر – وتولد‬
‫السيئات – واعتياد الذنوب – وهوان المذنب على الله – وهوانه على الناس –‬
‫ولعنة البهائم له – ولباس الذل – والطبع على القلب والدخول تحت اللعنة –‬
‫ومنع إجابة الدعاء – والفساد في البر والبحر‪ -‬وانعدام الغيرة – وذهاب الحياء‬
‫– وزوال النعم – ونزول النقم – والرعب في قلب العاصي – والوقوع في‬
‫أسر الشيطان – وسوء الخاتمة – وعذاب الخرة ‪.‬‬
‫وهذه المعرفة لضرار الذنوب تجعله يبتعد عن الذنوب بالكلية ‪ ،‬فإن بعض‬
‫الناس قد يعدل عن معصية إلى معصية أخرى لسباب منها ‪:‬‬
‫أن يعتقد أن وزنها أخف ‪.‬‬
‫لن النفس تميل إليها أكثر ‪ ،‬والشهوة فيها أقوى ‪.‬‬
‫لن ظروف هذه المعصية متيسرة أكثر من غيرها ‪ ،‬بخلف المعصية التي‬
‫تحتاج إلى إعداد وتجهيز ‪ ،‬أسبابها حاضرة متوافرة ‪.‬‬
‫لن قرناءه وخلطاؤه مقيمون على هذه المعصية ويصعب عليه أن يفارقهم ‪.‬‬
‫لن الشخص قد تجعل له المعصية المعينة جاها ً ومكانة بين أصحابه فيعز‬
‫عليه أن يفقد هذه المكانة فيستمر في المعصية ‪ ،‬كما يقع لبعض رؤساء‬
‫عصابات الشر والفساد ‪ ،‬وكذلك ما وقع لبي نواس الشاعر الماجن لما‬
‫نصحه أبو العتاهية الشاعر الواعظ ولمه على تهتكه في المعاصي ‪ ،‬فأنشد‬
‫أبو نواس ‪:‬‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أتراني يا عتاهي تاركا ً تلك الملهي‬


‫أتراني مفسدا ً بالنسك عند القوم جاهي‬
‫الثالث ‪ :‬أن يبادر العبد إلى التوبة ‪ ،‬ولذلك فإن تأخير التوبة هو في حد ذاته‬
‫ذنب يحتاج إلى توبة ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬أن يخشى على توبته من النقص ‪ ،‬ول يجزم بأنها قد قبلت‪ ،‬فيركن‬
‫إلى نفسه ويأمن مكر الله ‪.‬‬
‫ً‬
‫الخامس ‪ :‬استدراك ما فات من حق الله إن كان ممكنا ‪ ،‬كإخراج الزكاة التي‬
‫منعت في الماضي ولما فيها من حق الفقير كذلك ‪.‬‬
‫السادس ‪ :‬أن يفارق موضع المعصية إذا كان وجوده فيه قد يوقعه في‬
‫المعصية مرة أخرى ‪.‬‬
‫السابع ‪ :‬أن يفارق من أعانه على المعصية وهذا والذي قبله من فوائد حديث‬
‫قاتل المائة وسيأتي سياقه ‪.‬‬
‫والله يقول ‪ ) :‬الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو إل المتقين ( الزخرف ‪. 67/‬‬
‫وقرناء السوء سيلعن بعضهم بعضا ً يوم القيامة ‪ ،‬ولذلك عليك أيها التائب‬
‫بمفارقتهم ونبذهم ومقاطعتهم والتحذير منهم إن عجزت عن دعوتهم ول‬
‫يستجرينك الشيطان فيزين لك العودة إليهم من باب دعوتهم وأنت تعلم أنك‬
‫ضعيف ل تقاوم ‪.‬‬
‫وهناك حالت كثيرة رجع فيها أشخاص إلى المعصية بإعادة العلقات مع قرناء‬
‫الماضي ‪.‬‬

‫) ‪(219/2‬‬

‫الثامن ‪ :‬إتلف المحرمات الموجودة عنده مثل المسكرات وآلت اللهو كالعود‬
‫والمزمار ‪ ،‬أو الصور والفلم المحرمة والقصص الماجنة والتماثيل ‪ ،‬وهكذا‬
‫فينبغي تكسيرها وإتلفها أو إحراقها ‪.‬‬
‫ومسألة خلع التائب على عتبة الستقامة جميع ملبس الجاهلية لبد من‬
‫ً‬
‫حصولها ‪ ،‬وكم من قصة كان فيها إبقاء هذه المحرمات عند التائبين سببا في‬
‫نكوصهم ورجوعهم عن التوبة وضللهم بعد الهدى‪ ،‬نسأل الله الثبات ‪.‬‬
‫التاسع ‪ :‬أن يختار من الرفقاء الصالحين من يعينه على نفسه ويكون بديل ً‬
‫عن رفقاء السوء وأن يحرص على حلق الذكر ومجالس العلم ويمل وقته بما‬
‫يفيد حتى ل يجد الشيطان لديه فراغا ً ليذكره بالماضي ‪.‬‬
‫العاشر ‪ :‬أن يعمد إلى البدن الذي رباه بالسحت فيصرف طاقته في طاعة‬
‫الله ويتحرى الحلل حتى ينبت له لحم طيب ‪.‬‬
‫الحادي عشر ‪ :‬أن تكون التوبة قبل الغرغرة ‪ ،‬وقبل طلوع الشمس من‬
‫مغربها ‪ :‬والغرغرة الصوت الذي يخرج من الحلق عند سحب الروح‬
‫والمقصود أن تكون التوبة قبل القيامة الصغرى والكبرى لقوله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ) :‬من تاب إلى الله قبل أن يغرغر قبل الله منه ( رواه أحمد‬
‫والترمذي ‪ ،‬صحيح الجامع ‪ . 6132‬وقوله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬من تاب‬
‫قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه ( رواه مسلم ‪.‬‬
‫توبة عظيمة‬
‫ً‬
‫ونذكر هنا نموذجا لتوبة الرعيل الول من هذه المة ‪ ،‬صحابة رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫عن بريدة رضي الله عنه ‪ :‬أن ماعز بن مالك السلمي أتى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فقال ‪ ) :‬يا رسول الله إني ظلمت نفسي وزنيت ‪ ،‬وإني أريد‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن تطهرني فرده ‪ ،‬فلما كان من الغد أتاه ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول الله إني زنيت‬
‫فرده الثانية ‪ ،‬فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫ي العقل‬ ‫) أتعلمون بعقله بأسا ً ؟ أتنكرون منه شيئا ً ؟ ( قالوا ‪ :‬ما نعلمه إل وف ّ‬
‫‪ ،‬من صالحينا فيما نرى ‪ ،‬فأتاه الثالثة ‪ ،‬فأرسل إليهم أيضا ً ‪ ،‬فسأل عنه‬
‫فأخبره أنه ل بأس به ول بعقله ‪ ،‬فلما كان الرابعة حفر له حفرة ‪ ،‬ثم أمر به‬
‫فرجم ‪ ،‬قال ‪ :‬فجاءت الغامدية ‪ ،‬فقالت ‪ :‬يا رسول الله إني زنيت فطهرني ‪،‬‬
‫وإنه ردها ‪ ،‬فلما كان الغد ‪ ،‬قالت ‪ :‬يا رسول الله لم تردني ؟ لعلك أن تردني‬
‫كما رددت ماعزا ً ‪ ،‬فوالله إني لحبلى ‪ ،‬قال ‪ ) :‬أما ل ‪ ،‬فاذهبي حتى تلدي ( ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة ‪ ،‬قالت ‪ :‬هذا قد ولدته ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫) اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه ( ‪ ،‬فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة‬
‫خبز ‪ ،‬فقالت ‪ :‬هذا يا رسول الله قد فطمته ‪ ،‬وقد أكل الطعام ‪ ،‬فدفع الصبي‬
‫إلى رجل من المسلمين ‪ ،‬ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها ‪ ،‬وأمر الناس‬
‫فرجموها ‪ ،‬فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فتنضخ الدم على وجه‬
‫خالد فسبها ‪ ،‬فسمع نبي الله سبه إياها ‪ ،‬فقال‪ ) :‬مهل ً يا خالد ! فوالذي‬
‫نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس }وهو الذي يأخذ الضرائب {‬
‫لغفر له ( رواه مسلم ‪ .‬ثم أمر بها فصلى عليها ‪ ،‬ودفنت ‪.‬‬
‫وفي رواية فقال عمر يا رسول الله رجمتها ثم تصلي عليها ! فقال ‪ ( :‬لقد‬
‫تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة وسعتهم ‪ ،‬وهل وجدت شيئا ً‬
‫أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل ‪ .‬رواه عبد الرزاق في مصنفه‬
‫‪. 7/325‬‬
‫التوبة تمحو ما قبلها‬
‫وقد يقول قائل ‪ :‬أريد أن أتوب ولكن من يضمن لي مغفرة الله إذا تبت وأنا‬
‫راغب في سلوك طريق الستقامة ولكن يداخلني شعور بالتردد ولو أني أعلم‬
‫أن الله يغفر لي لتبت ؟‬
‫فأقول له ما داخلك من المشاعر داخل نفوس أناس قبلك من صحابة رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫ولو تأملت في هاتين الروايتين بيقين لزال ما في نفسك إن شاء الله ‪.‬‬
‫الولى ‪ :‬روى المام مسلم رحمه الله قصة إسلم عمرو بن العاص رضي الله‬
‫عنه وفيها ‪ " :‬فلما جعل الله السلم في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فقلت ‪ :‬ابسط يمينك فلبايعك ‪ ،‬فبسط يمينه فقبضت يديّ قال ‪ :‬مالك‬
‫يا عمرو ؟ قال ‪ :‬قلت أردت أن أشترط ‪ ،‬قال ) تشترط بماذا؟( قلت ‪ :‬أن‬
‫يغفر لي ‪ .‬قال ‪ ) :‬أما علمت يا عمرو أن السلم يهدم ما كان قبله وأن‬
‫الهجرة تهدم ما كان قبلها ‪ ،‬وأن الحج يهدم ما كان قبله ؟ ( ‪.‬‬
‫ً‬
‫والثانية ‪ :‬وروى المام مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما ‪ :‬أن أناسا من‬
‫أهل الشرك قتلوا فأكثروا ‪ ،‬وزنوا فأكثروا ثم أتوا محمدا ً صلى الله عليه‬
‫وسلم فقالوا ‪ " :‬إن الذي تقول وتدعوا إليه لحسن ‪ ،‬ولو تخبرنا أن لما عملنا‬
‫كفارة ‪ ،‬فنزل قول الله تعالى ‪ ) :‬والذين ل يدعون مع الله إلها ً آخر ‪ ،‬ول‬
‫يقتلون النفس التي حرم الله إل بالحق ول يزنون ‪ ،‬ومن يفعل ذلك يلق‬
‫أثاما ً ( الفرقان ‪ . 68/‬ونزل ‪ ) :‬قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ل‬
‫تقنطوا من رحمة الله ( ‪.‬‬
‫هل يغفر الله لي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقد تقول أريد أن أتوب ولكن ذنوبي كثيرة جدا ولم أترك نوعا من الفواحش‬
‫إل واقترفته ‪ ،‬ول ذنبا ً تتخيله أو ل تتخيله إل ارتكبته لدرجة أني ل أدري هل‬
‫يمكن أن يغفر الله لي ما فعلته في تلك السنوات الطويلة ‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫) ‪(219/3‬‬

‫وأقول لك أيها الخ الكريم ‪ :‬هذه ليست مشكلة خاصة بل هي مشكلة كثير‬
‫ممن يريدون التوبة وأذكر مثال ً عن شاب وجه سؤال ً مرة بأنه قد بدأ في‬
‫عمل المعاصي من سن مبكرة وبلغ السابعة عشرة من عمره فقط وله‬
‫سجل طويل من الفواحش كبيرها وصغيرها بأنواعها المختلفة مارسها مع‬
‫أشخاص مختلفين صغارا ً وكبارا ً حتى اعتدى على بنت صغيرة ‪ ،‬وسرق عدة‬
‫سرقات ثم يقول ‪ :‬تبت إلى الله عز وجل ‪ ،‬أقوم وأتهجد بعض الليالي وأصوم‬
‫الثنين والخميس ‪ ،‬وأقرأ القرآن الكريم بعد صلة الفجر فهل لي من توبة ؟‬
‫والمبدأ عندنا أهل السلم أن نرجع إلى الكتاب والسنة في طلب الحكام‬
‫والحلول والعلجات ‪ ،‬فلما عدنا إلى الكتاب وجدنا قول الله عز وجل ‪ ) :‬قل‬
‫يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم ل تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر‬
‫الذنوب جميعا ً أنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له ( الزمر‬
‫اليتان ‪53،54‬‬
‫فهذا الجواب الدقيق للمشكلة المذكورة وهو واضح ل يحتاج إلى بيان ‪.‬‬
‫أما الحساس بأن الذنوب أكثر من أن يغفرها الله فهو ناشيء عن عدم يقين‬
‫العبد بسعة رحمة ربه أول ً ‪.‬‬
‫ً‬
‫ونقص في اليمان بقدرة الله على مغفرة جميع الذنوب ثانيا ‪.‬‬
‫وضعف عمل مهم من أعمال القلوب هو الرجاء ثالثا ً ‪.‬‬
‫وعدم تقدير مفعول التوبة في محو الذنوب رابعا ً ‪.‬‬
‫ونجيب عن كل منها ‪.‬‬
‫فأما الول ‪ :‬فيكفي في تبيانه قول الله تعالى ‪ ) :‬ورحمتي وسعت كل شيء (‬
‫العراف ‪. 56/‬‬
‫وأما الثاني ‪ :‬فيكفي فيه الحديث القدسي الصحيح ‪ ) :‬قال تعالى من علم أني‬
‫ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ول أبالي ‪ ،‬ما لم يشرك بي شيئا ً (‬
‫رواه الطبراني في الكبير والحاكم ‪ ،‬صحيح الجامع ‪ . 4330‬وذلك إذا لقي‬
‫العبد ربه في الخرة ‪.‬‬
‫وأما الثالث ‪ :‬فيعالجه هذا الحديث القدسي العظيم ‪ ) :‬يا ابن آدم إنك ما‬
‫دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ول أبالي ‪ ،‬يا ابن آدم لو بلغت‬
‫ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ول أبالي‪ ،‬يا ابن آدم لو أنك‬
‫أتيتني بقراب الرض خطايا ثم لقيتني ل تشرك بي شيئا ً لتيتك بقرابها مغفرة‬
‫( رواه الترمذي ‪ ،‬صحيح الجامع ‪. 4338‬‬
‫وأما الرابع ‪ :‬فيكفي فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬التائب‬
‫من الذنب كمن ل ذنب له ( رواه ابن ماجه ‪ ،‬صحيح الجامع ‪. 3008‬‬
‫وإلى كل من يستصعب أن يغفر الله له فواحشه المتكاثرة نسوق هذا‬
‫الحديث ‪:‬‬
‫توبة قاتل المائة‬
‫عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه أن نبي الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال ‪ ) :‬كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين‬
‫نفسا ً فسأل عن أعلم أهل الرض فدل على راهب ‪ ،‬فأتاه فقال ‪ :‬إنه قتل‬
‫مل به مائة ‪ ،‬ثم‬ ‫تسعة وتسعين نفسا ً فهل له من توبة ؟ فقال ‪ :‬ل ‪ ،‬فقتله فك ّ‬
‫دل على رجل عالم ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنه قتل مائة نفس‬ ‫سأل عن أعلم أهل الرض ف ّ‬
‫فهل له من توبة ؟ فقال ‪ :‬نعم ‪ ،‬ومن يحول بينه وبين التوبة ‪ ،‬انطلق إلى‬
‫أرض كذا وكذا فإن بها أناسا ً يعبدون الله تعالى فاعبد معهم ول ترجع إلى‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أرضك فإنها أرض سوء ‪ ،‬فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه ملك الموت ‪،‬‬
‫فاختصمت فيه ملئكة الرحمة وملئكة العذاب ‪ ،‬فقالت ملئكة الرحمة ‪ :‬جاء‬
‫تائبا ً مقبل ً بقلبه إلى الله تعالى ‪ ،‬وقالت ملئكة العذاب ‪ :‬إنه لم يعمل خيرا ً‬
‫قط ‪ ,‬فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم – أي حكما ً ‪ -‬فقال ‪ :‬قيسوا‬
‫ما بين الرضيين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له ‪ ،‬فقاسوا فوجدوه أدنى إلى‬
‫الرض التي أراد ‪ ،‬فقبضته ملئكة الرحمة ( متفق عليه ‪ .‬وفي رواية في‬
‫الصحيح ) فكان إلى القرية الصالحة أقرب بشبر فجعل من أهلها ( وفي‬
‫رواية في الصحيح ) فأوحى الله تعالى إلى هذه أن تباعدي وإلى هذه أن‬
‫تقربي وقال ‪ :‬قيسوا ما بينهما ‪ ،‬فوجدوه إلى هذه أقرب بشبر فغفر له ( ‪.‬‬
‫نعم ومن يحول بينه وبين التوبة ! فهل ترى الن يا من تريد التوبة أن ذنوبك‬
‫أعظم من هذا الرجل الذي تاب الله عليه ‪ ،‬فلم اليأس ؟‬
‫بل إن المر أيها الخ المسلم أعظم من ذلك ‪ ،‬تأمل قول الله تعالى ‪:‬‬
‫) والذين ل يدعون مع الله إلها ً آخر ‪ ،‬ول يقتلون النفس التي حرم الله إل‬
‫بالحق ول يزنون ‪ ،‬ومن يفعل ذلك يلق أثاما ً ‪ ،‬يضاعف له العذاب يوم القيامة‬
‫ويخلد فيه مهانا ً ‪ ،‬إل من تاب وآمن وعمل عمل ً صالحا ً فأولئك يبدل الله‬
‫سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا ً رحيما ً ( الفرقان ‪. 70 – 68/‬‬
‫ووقفة عند قوله ‪ ) :‬فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ( الفرقان ‪ 70/‬تبين‬
‫لك فضل الله العظيم ‪ ،‬قال العلماء التبديل هنا نوعان ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬تبديل الصفات السيئة بصفات حسنة كإبدالهم بالشرك إيمانا ً وبالزنا‬
‫عفة وإحصانا ً وبالكذب صدقا ً وبالخيانة أمانة وهكذا ‪.‬‬

‫) ‪(219/4‬‬

‫والثاني ‪ :‬تبديل السيئات التي عملوها بحسنات يوم القيامة ‪ ،‬وتأمل قوله‬
‫تعالى ‪ ) :‬يبدل الله سيئاتهم حسنات ( ولم يقل مكان كل سيئة حسنة فقد‬
‫يكون أقل أو مساويا ً أو أكثر في العدد أو الكيفية ‪ ،‬وذلك بحسب صدق التائب‬
‫وكمال توبته ‪ ،‬فهل ترى فضل ً أعظم من هذا الفضل ؟ وانظر إلى شرح هذا‬
‫الكرم اللهي في الحديث الجميل ‪:‬‬
‫عن عبد الرحمن بين جبير عن أبي طويل شطب الممدود أنه أتى النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬وفي طرق أخرى – " جاء شيخ هرم قد سقط حاجباه على‬
‫دعم على عصا حتى قام بين يديّ النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫عينيه وهو ي ّ‬
‫فقال ‪ :‬أرأيت رجل ً عمل الذنوب كلها فلم يترك منها شيئا ً وهو في ذلك لم‬
‫يترك حاجة ول داجة أي صغيرة ول كبيرة إل أتاها ‪ ،‬وفي رواية ‪ ،‬إل اقتطعها‬
‫بيمينه لو قسمت خطيئته بين أهل الرض لوبقتهم أي أهلكتهم فهل لذلك من‬
‫توبة ؟ قال ‪ ) :‬فهل أسلمت ( قال ‪ :‬أما أنا فأشهد أن ل إله إل الله وأنك‬
‫رسول الله ‪ .‬قال ‪ ) :‬تفعل الخيرات وتترك السيئات فيجعلهن الله لك خيرات‬
‫كلهن ( قال ‪ :‬وغدراتي وفجراتني ‪ ،‬قال ‪ ) :‬نعم ( قال ‪ :‬الله أكبر فما زال‬
‫يكبر حتى توارى‪ .‬قال الهيثمي رواه الطبراني والبزار بنحوه ورجال البزار‬
‫رجال الصحيح غير محمد بن هارون أبي نشيطة وهو ثقة ‪ ،‬المجمع ‪1/36‬‬
‫وقال المنذري في الترغيب إسناده جيد قوي ‪ 4/113‬وقال ابن حجر في‬
‫الصابة هو على شرط الصحيح ‪.4/149‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وهنا قد يسأل تائب ‪ ،‬فيقول ‪ :‬إني لما كنت ضال ل أصلي خارجا عن ملة‬
‫السلم قمت ببعض العمال الصالحة فهل تحسب لي بعد التوبة أو تكون‬
‫ذهبت أدراج الرياح ‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وإليك الجواب ‪ :‬عن عروة بن الزبير أن حكيم بن حزام أخبره أنه قال‬
‫لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أي رسول الله أرأيت أمورا ً كنت أتحنث‬
‫بها في الجاهلية من صدقة أو عِتاقة أو صلة رحم أفيها أجر ؟ فقال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬أسلمت على ما أسلفت من خير ( رواه‬
‫البخاري ‪.‬‬
‫فهذه الذنوب تغفر ‪ ،‬وهذه السيئات تبدل حسنات ‪ ،‬وهذه الحسنات أيام‬
‫الجاهلية تثبت لصاحبها بعد التوبة ‪ ،‬فماذا بقي !‬
‫كيف أفعل إذا أذنبت‬
‫وقد تقول إذا وقعت في ذنب فكيف أتوب منه مباشرة وهل هناك فعل أقوم‬
‫به بعد الذنب فورا ً ؟ ‪.‬‬
‫فالجواب ‪ :‬ما ينبغي أن يحصل بعد القلع عملن ‪.‬‬
‫الول ‪ :‬عمل القلب بالندم والعزم على عدم العودة ‪ ،‬وهذه تكون نتيجة‬
‫الخوف من الله ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬عمل الجوارح بفعل الحسنات المختلفة ومنها صلة التوبة وهذا‬
‫نصها ‪:‬‬
‫عن أبي بكرة رضي الله عنه قال ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول ‪ ) :‬ما من رجل يذنب ذنبا ً ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر‬
‫الله إل غفر الله له ( رواه أصحاب السنن ‪ ،‬صحيح الترغيب والترهيب ‪1/284‬‬
‫‪ .‬ثم قرأ هذه الية ‪ ) :‬والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله‬
‫فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إل الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم‬
‫يعلمون ( آل عمران ‪. 135/‬‬
‫وقد ورد في روايات أخرى صحيحة صفات أخرى لركعتين تكفران الذنوب‬
‫وهذا ملخصها ‪:‬‬
‫‪ -‬ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ) لن الخطايا تخرج من العضاء‬
‫المغسولة مع الماء أو مع آخر قطر الماء (‬
‫ومن إحسان الوضوء قول بسم الله قبله والذكار بعده وهي ‪ :‬أشهد أن ل إله‬
‫إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله – اللهم اجعلني‬
‫من التوابين واجعلني من المتطهرين – سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن ل‬
‫إله إل أنت ‪ ،‬أستغفرك وأتوب إليك ‪ .‬وهذه أذكار ما بعد الوضوء لكل منها أجر‬
‫عظيم ‪.‬‬
‫‪ -‬يقوم فيصلي ركعتين ‪.‬‬
‫‪ -‬ل يسهو فيهما ‪.‬‬
‫‪ -‬ل يحدث فيهما نفسه ‪.‬‬
‫‪ -‬يحسن فيهن الذكر والخشوع ‪.‬‬
‫‪ -‬ثم استغفر الله ‪.‬‬
‫والنتيجة ‪:‬‬
‫غفر له ما تقدم من ذنبه ‪.‬‬
‫إل وجبت له الجنة ‪ .‬صحيح الترغيب ‪95 ، 94 /1‬‬
‫ثم الكثار من الحسنات والطاعات ‪ ،‬أل ترى أن عمر رضي الله عنه لما أحس‬
‫بخطئه في المناقشة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية‬
‫‪ ،‬قال بعدها فعلمت لذلك أعمال ً أي صالحات لتكفير الذنب‪.‬‬
‫وتأمل في المثل الوارد في هذا الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫) إن مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل رجل كانت عليه درع‬
‫أي لباس من حديد يرتديه المقاتل ضيقة ‪ ،‬قد خنقته ‪ ،‬ثم عمل حسنة‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فانفكت حلقة ‪ ،‬ثم عمل أخرى فانفكت الخرى حتى يخرج إلى الرض ( رواه‬
‫الطبراني في الكبير ‪ ،‬صحيح الجامع ‪ . 2192‬فالحسنات تحرر المذنب من‬
‫سجن المعصية ‪ ،‬وتخرجه إلى عالم الطاعة الفسيح ‪ ،‬ويلخص لك يا أخي ما‬
‫تقدم هذه القصة المعبرة ‪.‬‬

‫) ‪(219/5‬‬

‫عن ابن مسعود قال ‪ :‬جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬يا‬
‫رسول الله إني وجدت امرأة في بستان ففعلت بها كل شيء غير أني لم‬
‫أجامعها‪ ،‬قبلتها ولزمتها ‪ ،‬ولم أفعل غير ذلك فافعل بي ما شئت ‪ ،‬فلم يقل‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم شيئا ً فذهب الرجل ‪ ،‬فقال عمر ‪ :‬لقد ستر‬
‫الله عليه لو ستر نفسه ‪ ،‬فأتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره ‪ ،‬ثم‬
‫قال ‪ ) :‬ردوه علي ( ‪ ،‬فردوه عليه فقرأ عليه ‪ ) :‬أقم الصلة طرفي النهار‬
‫وزلفا ً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ( ‪.‬‬
‫فقال معاذ – وفي رواية عمر – يا رسول الله أله وحده ‪ ،‬أم للناس كافة ؟‬
‫فقال ‪ ) :‬بل للناس كافة ( رواه مسلم ‪.‬‬
‫أهل السوء يطاردونني‬
‫وقد تقول أريد أن أتوب ولكن أهل السوء من أصحابي يطاردونني في كل‬
‫ي حملة شعواء وأنا‬ ‫مكان وما أن علموا بشيء من التغير عندي حتى شنوا عل ّ‬
‫أشعر بالضعف فماذا أفعل ؟!‬
‫ونقول لك اصبر فهذه سنة الله في ابتلء المخلصين من عباده ليعلم‬
‫الصادقين من الكاذبين وليميز الله الخبيث من الطيب ‪.‬‬
‫وما دمت وضعت قدميك على بداية الطريق فاثبت ‪ ،‬وهؤلء شياطين النس‬
‫والجن يوحي بعضهم إلى بعض لكي يردوك على عقبيك فل تطعهم ‪ ،‬إنهم‬
‫سيقولون لك في البداية هذا هوس ل يلبث أن يزول عنك ‪ ،‬وهذه أزمة‬
‫عارضة ‪ ،‬والعجب أن بعضهم قال لصاحب له في بداية توبته عسى ما شر !!‬
‫والعجب أن إحداهن لما أغلق صاحبها الهاتف في وجهها لنه تاب ول يريد‬
‫مزيدا ً من الثام اتصلت به بعد فترة وقالت عسى أن يكون زال عنك‬
‫الوسواس ؟‬
‫والله يقول ‪ ) :‬قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس ‪ ،‬من شر‬
‫الوسواس الخناس ‪ ،‬الذي يوسوس في صدور الناس ‪ ،‬من الجنة والناس (‬
‫الناس ‪. 6-1/‬‬
‫فهل ربك أولى بالطاعة أم ندماء السوء ؟!‬
‫وعليك أن تعلم أنهم سيطاردونك في كل مكان وسيسعون لردك إلى طريق‬
‫الغواية بكل وسيلة ولقد حدثني بعضهم بعد توبته أنه كانت له قرينة سوء‬
‫تأمر سائق سيارتها أن يمشي وراءه وهو في طريقه إلى المسجد وتخاطبه‬
‫من النافذة ‪.‬‬
‫هنالك ‪ ) :‬يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الخرة (‬
‫إبراهيم ‪. 27/‬‬
‫سيسعون إلى تذكيرك بالماضي وتزيين المعاصي السابقة لك بكل طريقة ‪،‬‬
‫ذكريات ‪ ..‬توسلت ‪ ..‬صور ‪ ..‬ورسائل ‪ ..‬فل تطعهم واحذرهم أن يفتنوك‬
‫وتذكر هنا قصة كعب بن مالك الصحابي الجليل ‪ ،‬لما أمر رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم الصحابة جميعا ً بمقاطعته لتخلفه عن غزوة تبوك حتى يأذن‬
‫الله ‪ ،‬أرسل إليه ملك غسان الكافر رسالة يقول فيها ‪ " :‬أما بعد فإنه قد‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بلغنا أن صاحبك قد جفاك ‪ ،‬ولم يجعلك الله بدار هوان ول مضيعة ‪ ،‬فالحق بنا‬
‫نواسك " يريد الكافر استمالة المسلم حتى يخرج من المدينة ويضيع هناك‬
‫في ديار الكفر ‪.‬‬
‫ما هو موقف الصحابي الجليل قال كعب ‪ " :‬فقلت حين قرأتها وهذه أيضا ً من‬
‫البلء فتيممت بها التنور أي الفرن فسجرتها أي أحرقتها ‪.‬‬
‫وهكذا اعمد أنت أيها المسلم من ذكر أو أنثى إلى كل ما يرسل إليك من أهل‬
‫السوء فاحرقه حتى يصير رمادا ً وتذكر وأنت تحرقه نار الخرة ‪ ) .‬فاصبر إن‬
‫وعد الله حق ول يستخفنك الذي ل يوقنون (‬
‫إنهم يهددونني‬
‫أريد أن أتوب ولكن أصدقائي القدامى يهددونني بإعلن فضائحي بين الناس ‪،‬‬
‫ونشر أسراري على المل ‪ ،‬إن عندهم صورا ً ووثائق ‪ ،‬وأنا أخشى على‬
‫سمعتي ‪ ،‬إني خائف !!‬
‫ً‬
‫ونقول ‪ :‬جاهد أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا ‪ ،‬فهذه ضغوط‬
‫أعوان إبليس تجتمع عليك كلها ‪ ،‬ثم ل تلبث أن تتفرق وتتهاوى أمام صبر‬
‫المؤمن وثباته ‪.‬‬
‫ً‬
‫واعلم أنك إن سايرتهم ورضخت لهم فسيأخذون عليك مزيدا من الثباتات ‪،‬‬
‫فأنت الخاسر أول ً وأخيرا ً ‪ ،‬لكن ل تطعهم واستعن بالله عليهم ‪ ،‬وقل حسبي‬
‫الله ونعم الوكيل ‪ ،‬وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خاف قوما ً قال‬
‫‪ ) :‬اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم ( رواه أحمد وأبو‬
‫داود ‪ ،‬صحيح الجامع ‪. 4582‬‬
‫صحيح أن الموقف صعب وأن تلك المسكينة التائبة التي اتصل بها قرين‬
‫السوء يقول مهددا ً ‪ :‬لقد سجلت مكالمتك ولديّ صورتك ولو رفضت الخروج‬
‫معي لفضحنك عند أهلك !! صحيح أنها في موقف ل تحسد عليه ‪.‬‬
‫وانظر إلى حرب أولياء الشياطين لمن تاب من المغنين والمغنيات والممثلين‬
‫والممثلت فإنهم يطرحون أسوأ إنتاجهم السابق في السواق للضغط‬
‫والحرب النفسية ‪ ،‬ولكن الله مع المتقين ‪ ،‬ومع التائبين ‪ ،‬وهو ولي‬
‫ً‬
‫المؤمنين ‪ ،‬ل يخذلهم ول يتخلى عنهم ‪ ،‬وما لجأ عبد إليه فخاب أبدا ‪ ،‬واعلم‬
‫أن مع العسر يسرا ً ‪ ،‬وأن بعد الضيق فرجا ً ‪.‬‬
‫وإليك أيها الخ التائب هذه القصة المؤثرة شاهدا ً واضحا ً على ما نقول ‪.‬‬

‫) ‪(219/6‬‬

‫إنها قصة الصحابي الجليل مرثد بن أبي مرثد الغنويّ الفدائي الذي كان يهرب‬
‫المستضعفين من المسلمين من مكة إلى المدينة سرا ً ‪ " .‬كان رجل يقال‬
‫له ‪ :‬مرثد بن أبي مرثد ‪ ،‬وكان رجل ً يحمل السرى من مكة ‪ ،‬حتى يأتي بهم‬
‫المدينة ‪ ،‬قال ‪ :‬وكانت امرأة بمكة بغي يقال لها عناق وكانت صديقة له ‪،‬‬
‫وأنه كان وعد رجل ً من أسارى مكة يحتمله ‪ ،‬قال ‪ :‬فجئت حتى انتهيت إلى‬
‫ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة ‪ ،‬قال ‪ :‬فجاءت عناق فأبصرت‬
‫ي عرفت ‪ ،‬فقالت ‪ :‬مرثد ؟ فقلت‪:‬‬ ‫سواد ظلي بجانب الحائط ‪ ،‬فلما انتهت إل ّ‬
‫مرثد ‪ ،‬قالت ‪ :‬مرحبا ً وأهل ً ‪ ،‬هلم فبت عندنا الليلة ‪ ،‬قلت ‪ :‬يا عناق حرم الله‬
‫الزنا ‪ ،‬قالت ‪ :‬يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم قال فتبعني ثمانية ‪،‬‬
‫وسلكت الخندمة ) وهو جبل معروف عند أحد مداخل مكة ( فانتهيت إلى غار‬
‫أو كهف ‪ ،‬فدخلت فجاءوا حتى قاموا على رأسي وعماهم الله عني قال ‪ :‬ثم‬
‫رجعوا ‪ ،‬ورجعت إلى صاحبي فحملته ‪ ،‬وكان رجل ً ثقيل ً ‪ ،‬حتى انتهيت إلى‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذخر ففككت عنه أكبله ) أي قيوده ( فجعلت أحمله وُيعييني ) أي يرهقني(‬


‫حتى قدمت المدينة ‪ ،‬فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ‪ :‬يا‬
‫رسول الله أنكح عناقا ً ؟ مرتين ‪ ،‬فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ي شيئا ً ‪ ،‬حتى نزلت ) الزاني ل ينكح إل زانية أو مشركة ‪ ،‬والزانية‬ ‫ولم يرد عل ّ‬
‫ل ينكحها إل زان أو مشرك ( النور ‪ 3/‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ ) :‬يا مرثد الزاني ل ينكح إل زانية أو مشركة ‪ ،‬والزانية ل ينكحها إل زان أو‬
‫مشرك فل تنكحها ( صحيح سنن الترمذي ‪. 3/80‬‬
‫هل رأيت كيف يدافع الله عن الذين آمنوا وكيف يكون مع المحسنين؟‪.‬‬
‫وعلى أسوأ الحالت لو حصل ما تخشاه أو انكشفت بعض الشياء واحتاج‬
‫المر إلى بيان فوضح موقفك للخرين وصارحهم ‪ ،‬وقل نعم كنت مذنبا ً فتبت‬
‫إلى الله فماذا تريدون ؟‬
‫ولنتذكر جميعا ً أن الفضيحة الحقيقة هي التي تكون بين يدي الله يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬يوم الخزي الكبر ‪ ،‬ليست أمام مائة أو مائتين ول ألف أو ألفين ‪،‬‬
‫ولكنها على رؤوس الشهاد ‪ ،‬أما الخلق كلهم من الملئكة والجن والنس ‪،‬‬
‫من آدم وحتى آخر رجل ‪.‬‬
‫فهلم إلى دعاء إبراهيم ‪:‬‬
‫) ول تخزني يوم يبعثون ‪ ،‬يوم ل ينفع مال ول بنون ‪ ،‬إل من أتى الله بقلب‬
‫سليم ( الشعراء ‪89-87/‬‬
‫وتحصن في اللحظات الحرجة بالدعية النبوية ‪ :‬اللهم استر عوراتنا وآمن‬
‫روعاتنا ‪ ،‬اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا ‪ ،‬وانصرنا على من بغى علينا ‪،‬‬
‫اللهم ل تشمت بنا العداء ول الحاسدين ‪.‬‬
‫ذنوبي تنغص معيشتي‬
‫وقد تقول ‪ :‬إني ارتكبت من الذنوب الكثير وتبت إلى الله ‪ ،‬ولكن ذنوبي‬
‫ي حياتي ‪ ،‬ويقض مضجعي ‪ ،‬ويؤرق‬ ‫تطاردني ‪ ،‬وتذكري لما عملته ينغص عل ّ‬
‫ليلي ويقلق راحتي ‪ ،‬فما السبيل إلى إراحتي ‪.‬‬
‫فأقول لك أيها الخ المسلم ‪ ،‬إن هذه المشاعر هي دلئل التوبة الصادقة ‪،‬‬
‫وهذا هو الندم بعينه ‪ ،‬والندم توبة فالتفت إلى ما سبق بعين الرجاء ‪ ،‬رجاء أن‬
‫يغفر الله لك ‪ ،‬ول تيأس من روح الله ‪ ،‬ول تقنط من رحمة الله ‪ ،‬والله‬
‫يقول ‪ ) :‬ومن يقنط من رحمة ربه إل الضالون ( الحجر ‪. 56/‬‬
‫قال ابن مسعود رضي الله عنه ‪ ) :‬أكبر الكبائر الشراك بالله ‪ ،‬والمن من‬
‫مكر الله ‪ ،‬والقنوط من رحمة الله ‪ ،‬واليأس من روح الله( رواه عبد الرزاق‬
‫وصححه الهيثمي وابن كثير ‪.‬‬
‫والمؤمن يسير إلى الله بين الخوف والرجاء ‪ ،‬وقد ُيغّلب أحدهما في بعض‬
‫الوقات لحاجة ‪ ،‬فإذا عصى غّلب جانب الخوف ليتوب ‪ ،‬وإذا تاب غّلب جانب‬
‫الرجاء يطلب عفو الله ‪.‬‬
‫هل اعترف ؟‬
‫ي أن‬‫وسأل سائل بصوت حزين يقول ‪ :‬أريد أن أتوب ولكن هل يجب عل ّ‬
‫أذهب وأعترف بما فعلت من ذنوب ؟‬
‫وهل من شروط توبتي أن أقر أمام القاضي في المحكمة بكل ما اقترفت‬
‫ي؟‬ ‫وأطلب إقامة الحد عل ّ‬
‫وماذا تعني تلك القصة التي قرأتها قبل قليل عن توبة ماعز ‪ ،‬والمرأة ‪،‬‬
‫والرجل الذي قّبل امرأة في بستان ‪.‬‬
‫فأقول لك أيها الخ المسلم ‪ :‬اتصال العبد بربه دون وسائط من مزايا هذا‬
‫التوحيد العظيم ‪ ،‬الذي ارتضاه الله ) وإذا سألك عبادي عني فإني قريب‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أجيب دعوة الداع إذا دعان ( البقرة ‪ . 186/‬وإذا آمنا أن التوبة لله فإن‬
‫العتراف هو لله أيضا ً ‪ ،‬وفي دعاء سيد الستغفار‪ ) :‬أبوء لك بنعمتك علي‬
‫وأبوء بذنبي ( أي أعترف لك يا الله ‪.‬‬
‫ولسنا ولله الحمد مثل النصارى ‪ ،‬قسيس وكرسي اعتراف وصك غفران ‪..‬‬
‫إلى آخر أركان المهزلة ‪.‬‬
‫بل إن الله يقول ‪ ) :‬ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ( التوبة ‪/‬‬
‫‪ 104‬أي عن عباده دون وسيط ‪.‬‬

‫) ‪(219/7‬‬

‫أما بالنسبة لقامة الحدود فإن الحد إذا لم يصل إلى المام أو الحاكم أو‬
‫القاضي فإنه ل يلزم النسان أن يأتي ويعترف ‪ ،‬ومن ستر الله عليه ل بأس‬
‫أن يستر نفسه ‪ ،‬وتكفيه توبته فيما بينه وبين الله ‪ ،‬ومن أسمائه سبحانه‬
‫السّتير وهو يحب الستر على عباده ‪ ،‬أما أولئك الصحابة مثل ماعز والمرأة‬
‫اللذان زنيا والرجل الذي قبل امرأة في بستان فإنهم رضي الله عنهم فعلوا‬
‫أمرا ً ل يجب عليهم وذلك من شدة حرصهم على تطهير أنفسهم بدليل أنه‬
‫صلى الله عليه وسلم لما جاءه ماعز أعرض عنه وعن المرأة في البداية‬
‫وكذلك قول عمر للرجل الذي قّبل امرأة في بستان لقد ستر الله عليه لو‬
‫ستر نفسه ‪ ،‬وسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم إقرارا ً ‪.‬‬
‫وعلى هذا فل يلزم الذهاب للمحكمة لتسجيل العترافات رسميا ً إذا أصبح‬
‫العبد وقد ستره ربه ‪ ،‬ول يلزم كذلك الذهاب إلى إمام المسجد وطلب إقامة‬
‫الحد ‪ ،‬ول الستعانة بصديق في الجلد داخل البيت ‪ ،‬كما يخطر في أذهان‬
‫البعض ‪.‬‬
‫وعند ذلك ُتعلم بشاعة موقف بعض الجهال من بعض التائبين في مثل القصة‬
‫التي ملخصها ‪:‬‬
‫ذهب مذنب إلى إمام مسجد جاهل ‪ ،‬واعترف لديه بما ارتكب من ذنوب‬
‫وطلب منه الحل ‪ ،‬فقال هذا المام لبد أول ً أن تذهب إلى المحكمة وتصدق‬
‫اعترافاتك شرعا ً ‪ ،‬وتقام عليك الحدود ‪ ،‬ثم ينظر في أمرك ‪ ،‬فلما رأى‬
‫المسكين أنه ل يطيق تطبيق هذا الكلم ‪ ،‬عدل عن التوبة ورجع إلى ما كان‬
‫فيه ‪.‬‬
‫وأنتهز هذه الفرصة لتعليق مهم فأقول ‪ :‬أيها المسلمون إن معرفة أحكام‬
‫الدين أمانة ‪ ،‬وطلبها من مصادرها الصحيحة أمانة ‪ ،‬والله يقول ‪ ) :‬فاسألوا‬
‫أهل الذكر إن كنتم ل تعلمون ( النحل ‪ 43/‬وقال ‪ ) :‬الرحمن فاسأل به‬
‫خبيرا ً ( الفرقان ‪. 59/‬‬
‫فليس كل واعظ يصلح أن ُيفتي ‪ ،‬ول كل إمام مسجد أو مؤذن يصلح أن ُيخبر‬
‫ص يصلح ناقل ً‬ ‫بالحكام الشرعية في قضايا الناس ‪ ،‬ول كل أديب أو قا ّ‬
‫للفتاوى ‪ ،‬والمسلم مسئول عمن يأخذ الفتوى ‪ ،‬وهذه مسألة تعبدية ‪ ،‬وقد‬
‫خشي صلى الله عليه وسلم على المة من الئمة المضلين‪ ،‬قال أحد‬
‫من تأخذون دينكم ‪ ،‬فاحذروا عباد الله‬ ‫السلف ‪ :‬إن هذا العلم دين فانظروا ع ّ‬
‫من هذه المزالق والتمسوا أهل العلم فيما أشكل عليكم ‪ .‬والله المستعان ‪.‬‬
‫فتاوى مهمة للتائبين‬
‫وقد تقول ‪ :‬أريد أن أتوب ولكني أجهل أحكام التوبة ‪ ،‬وتدور في ذهني أسئلة‬
‫كثيرة عن صحة التوبة من بعض الذنوب ‪ ،‬وكيفية قضاء حقوق الله التي‬
‫فرطت فيها ‪ ،‬وطريقة إرجاع حقوق العباد التي أخذتها ‪ ،‬فهل من إجابات‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على هذه التساؤلت ؟‬


‫ّ‬
‫وإليك أيها العائد إلى الله ما عله يشفي الغليل ‪.‬‬
‫س ‪ : 1‬إنني أقع في الذنب فأتوب منه ‪ ،‬ثم تغلبني نفسي المارة بالسوء‬
‫ي إثم الذنب الول وما بعده ؟‬ ‫فأعود إليه ! فهل تبطل توبتي الولى ويبقى عل ّ‬
‫جـ ‪ : 1‬ذكر أكثر العلماء على أنه ل يشترط في صحة التوبة أل يعود إلى‬
‫الذنب ‪ ،‬وإنما صحة التوبة تتوقف على القلع عن الذنب‪ ،‬والندم عليه ‪،‬‬
‫والعزم الجازم على ترك معاودته ‪ ،‬فإن عاوده يصبح حينئذ كمن عمل معصية‬
‫جديدة تلزمه توبة جديدة منها وتوبته الولى صحيحة ‪.‬‬
‫س ‪ : 2‬هل تصح التوبة من ذنب وأنا مصر على ذنب آخر ؟‬
‫جـ ‪ : 2‬تصح التوبة من ذنب ولو أصر على ذنب آخر ‪ ،‬إذا لم يكن من النوع‬
‫نفسه ‪ ،‬ول يتعلق بالذنب الول ‪ ،‬فمثل ً لو تاب من الربا ولم يتب من شرب‬
‫الخمر فتوبته من الربا صحيحة ‪ ،‬والعكس صحيح ‪ ،‬أما إذا تاب من ربا الفضل‬
‫وأصر على ربا النسيئة فل تقبل توبته حينئذ ‪ ،‬وكذلك من تاب من تناول‬
‫الحشيشة وأصر على شرب الخمر أو العكس ‪ ،‬وكذلك من تاب عن الزنا‬
‫بامرأة وهو مصر على الزنا بغيرها فهؤلء توبتهم غير صحيحة ‪ ،‬وغاية ما‬
‫فعلوه أنهم عدلوا عن نوع من الذنب إلى نوع آخر منه ‪ .‬راجع المدارج‪.‬‬
‫س ‪ : 3‬تركت حقوقا ً لله في الماضي من صلوات لم أؤدها وصيام تركته‬
‫وزكاة منعتها ‪ ،‬فماذا أفعل الن ؟‬
‫جـ ‪ : 3‬أما تارك الصلة فالراجح أنه ل يلزمه القضاء لنه قد فات وقتها ‪ ،‬ول‬
‫يمكن استدراكه ويعوضه بكثرة التوبة والستغفار ‪ ،‬والكثار من النوافل لعل‬
‫الله أن يتجاوز عنه ‪.‬‬
‫ً‬
‫وأما تارك الصيام فإن كان مسلما وقت تركه للصيام ‪ ،‬فإنه يجب عليه‬
‫القضاء مع إطعام مسكين عن كل يوم أخره من رمضان حتى دخل رمضان‬
‫الذي بعده ‪ ،‬من غير عذر وهذه كفارة التأخير ‪ ،‬وهي واحدة ل تتضاعف ولو‬
‫توالت أشهر رمضان ‪.‬‬
‫مثال ‪ :‬رجل ترك ‪ 3‬أيام من رمضان سنة ‪ 1400‬هـ و ‪ 5‬أيام من رمضان سنة‬
‫‪ 1401‬هـ تهاونا ً ‪ ،‬وبعد سنين تاب إلى الله ‪ ،‬فإنه يلزمه قضاء الصيام ثمانية‬
‫أيام ‪ ،‬وإطعام مسكين عن كل يوم من اليام الثمانية ‪.‬‬
‫مثال آخر ‪ :‬امرأة بلغت عام ‪ 1400‬هـ وخجلت من إخبار أهلها ‪ ،‬فصامت أيام‬
‫عادتها الثمانية مثل ً ولم تقضها ‪ ،‬ثم تابت إلى الله الن فعليها الحكم السابق‬
‫نفسه ‪ ،‬وينبغي أن يعلم أن هناك فروقا ً بين ترك الصلة وترك الصيام ‪ ،‬ذكره‬
‫أهل العلم على أن هناك في العلماء من يرى عدم القضاء على من ترك‬
‫الصيام متعمدا ً دون عذر ‪.‬‬

‫) ‪(219/8‬‬

‫وأما تارك الزكاة فيجب عليه إخراجها وهي حق لله من جهة ‪ ،‬وحق للفقير‬
‫من جهة أخرى ‪ .‬للمزيد راجع مدارج السالكين ‪. 1/383‬‬
‫ي فكيف تكون التوبة ؟‬ ‫س ‪ : 4‬إذا كانت السيئة في حق آدم ّ‬
‫جـ ‪ : 4‬الصل في هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬من كانت‬
‫لخيه عنده مظلمة ‪ ،‬من عرض أو مال ‪ ،‬فليتحلله اليوم قبل أن يؤخذ منه يوم‬
‫ل دينار ول درهم ‪ ،‬فإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ‪ ،‬وإن لم‬
‫يكن له عمل أخذ من سيئات صاحبه فجعلت عليه( رواه البخاري فيخرج‬
‫التائب من هذه المظالم إما بأدائها إلى أصحابها وإما باستحللها منهم وطلب‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مسامحتهم ‪ ،‬فإن سامحوه وإل ردها ‪.‬‬


‫س ‪ : 5‬وقعت في غيبة شخص أو أشخاص ‪ ،‬وقذفت آخرين بأمورٍ هم بريئون‬
‫منها فهل يشترط إخبارهم بذلك مع طلب المسامحة وإذا كان ل يشترط‬
‫فكيف أتوب ؟!‬
‫جـ ‪ : 5‬المسألة هنا تعتمد على تقدير المصالح والمفاسد ‪.‬‬
‫فإن كان إذا أخبرهم بم اغتابهم أو قذفهم ل يغضبون منه ول يزدادون عليه‬
‫حنقا ً وغما ً صارحهم وطلب منهم المسامحة ولو بعبارات عامة ‪ ،‬كأن يقول‬
‫إني أخطأت في حقك في الماضي ‪ ،‬أو ظلمتك بكلم ‪ ،‬وإني تبت إلى الله‬
‫فسامحني ‪ ،‬دون أن يفصل فل بأس بهذا ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وإن كان إذا أخبرهم بما اغتابهم أو قذفهم حنقوا عليه وازدادوا غما وغيظا –‬
‫وربما يكون هذا هو الغالب – أو أنه إذا أخبرهم بعبارات عامة لم يرضوا إل‬
‫بالتفاصيل التي إذا سمعوها زادوا كراهية له ‪ ،‬فإنه حينئذ ل يجب عليه‬
‫إخبارهم أصل ً لن الشريعة ل تأمر بزيادة المفاسد ‪ ،‬وإخبار شخص بأمور كان‬
‫مستريحا ً قبل سماعها على وجه يسبب البغضاء وينافي مقصد الشريعة في‬
‫تأليف القلوب والتحاب بين المسلمين ‪ ،‬وربما يكون الخبار سببا ً لعداوة ل‬
‫يصفو بعدها قلب المغتاب أبدا ً لمن اغتابه ‪ ،‬وفي هذه الحالة يكفي التوبة‬
‫أمور منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬الندم وطلب المغفرة من الله والتأمل في شناعة هذه الجريمة واعتقاد‬
‫تحريمها ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكذب نفسه عند من سمع الغيبة ‪ ،‬أو القذف ويبرئ المقذوف‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يثني بالخير على من اغتابه في المجالس التي ظلمته فيها ‪ ،‬ويذكر‬
‫محاسنه ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يدافع عمن اغتابه ‪ ،‬ويرد عنه إذا أراد أحد أن يسيء إليه ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن يستغفر له بظهر الغيب المدارج ‪ ، 1/291‬والمغني مع الشرح ‪12/78‬‬
‫ولحظ أيها الخ المسلم الفرق بين الحقوق المالية وجنايات البدان ‪ ،‬وبين‬
‫الغيبة والنميمة ‪ ،‬فالحقوق المالية يستفيد أهلها إذا أخبروا بها ‪ ،‬وردت إليهم ‪،‬‬
‫ويسرون بذلك ‪ ،‬ولذلك ل يجوز كتمها بخلف الحقوق التي في جانب‬
‫الِعرض ‪ ،‬والتي ل تزيد من ُيخبر بها إل ضررا ً وتهييجا ً ‪.‬‬
‫س ‪ : 6‬كيف يتوب القاتل المتعمد ؟‬
‫جـ ‪ : 6‬القاتل المتعمد عليه ثلثة حقوق ‪:‬‬
‫حق الله ‪ ،‬وحق القتيل ‪ ،‬وحق الورثة ‪.‬‬
‫فحق الله ل ُيقضى إل بالتوبة ‪.‬‬
‫حق الورثة أن يسلم نفسه إليهم ليأخذوا حقهم ‪ ،‬إما بالقصاص أو بالدية أو‬
‫العفو ‪.‬‬
‫ويبقى حق القتيل الذي ل يمكن الوفاء به في الدنيا ‪ ،‬وهنا قال أهل العم إذا‬
‫حسنت توبة القاتل ‪ ،‬فإن الله يرفع عنه حق القتيل ويعوض القتيل يوم‬
‫القيامة خيرا ً من عنده عز وجل ‪ ،‬وهذا أحسن القوال ‪ .‬المدارج ‪. 1/299‬‬
‫س ‪ : 7‬كيف يتوب السارق ؟‬
‫جـ ‪ : 7‬إذا كان الشيء عنده الن رده إلى أصحابه ‪.‬‬
‫وإن تلف أو نقصت قيمته بالستعمال أو الزمن وجب عليه أن يعوضهم عن‬
‫ذلك ‪ ،‬إل إذا سامحوه فالحمد لله ‪.‬‬
‫س ‪ : 8‬أشعر بالحرج الشديد إذا واجهت من سرقت منهم ‪ ،‬ول أستطيع أن‬
‫أصارحهم ‪ ،‬ول أن أطلب منهم المسامحة فكيف أفعل ؟‬
‫جـ ‪ : 8‬ل حرج عليك في البحث عن طريق تتفادى فيه هذا الحراج الذي ل‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تستطيع مواجهته ‪ ،‬كأن ترسل حقوقهم مع شخص آخر ‪ ،‬وتطلب عدم ذكر‬
‫اسمك ‪ ،‬أو بالبريد ‪ ،‬أو تضعها خفية عندهم‪ ،‬أو تستخدم التورية وتقول هذه‬
‫حقوق لكم عند شخص ‪ ،‬وهو ل يريد ذكر اسمه ‪ ،‬والمهم رجوع الحق إلى‬
‫أصحابه ‪.‬‬
‫س ‪ : 9‬كنت أسرق من جيب أبي خفية ‪ ،‬وأريد الن أن أتوب ول أعلم كم‬
‫سرقت بالضبط ‪ ،‬وأنا محرج من مواجهته ؟‬
‫جـ ‪ : 9‬عليك أن تقدر ما سرقته بما يغلب على ظنك أنه هو أو أكثر منه ‪ ،‬ول‬
‫بأس أن تعيده إلى أبيك خفية كما أخذته خفية ‪.‬‬
‫س ‪ : 10‬سرقت أموال ً من أناس وتبت إلى الله ‪ ،‬ول أعرف عناوينهم ؟‬
‫وآخر يقول أخذت من شركة أموال ً خلسة ‪ ،‬وقد أنهت عملها وغادرت البلد ؟‬
‫وثالث يقول سرقت من محل تجاري سلعا ً ‪ ،‬وتغير مكانه ول أعرف صاحبه ؟‬
‫جـ ‪ : 10‬عليك بالبحث عنهم على قدر طاقتك ووسعك ‪ ،‬فإذا وجدتهم فادفعها‬
‫إليهم والحمد لله ‪ ،‬وإذا مات صاحب المال فتعطى لورثته ‪ ،‬وإن لم تجدهم‬
‫على الرغم من البحث الجاد فتصدق بهذه الموال بالنيابة عنهم ‪ ،‬وانوها لهم‬
‫ولو كانوا كفارا ً لن الله يعطيهم في الدنيا ول يعطيهم في الخرة ‪.‬‬

‫) ‪(219/9‬‬

‫ويشبه هذه المسألة ما ذكره ابن القيم رحمه الله في المدراج ‪ 1/388‬أن‬
‫رجل ً في جيش المسلمين غل ) أي سرق ( من الغنيمة ‪ ،‬ثم تاب بعد زمن ‪،‬‬
‫فجاء بما غله إلى أمير الجيش فأبى أن يقبله منه ‪ ،‬وقال كيف لي بإيصاله‬
‫إلى الجيش وقد تفرقوا ؟ فأتى هذا التائب حجاج بن الشاعر يستفتيه فقال‬
‫له حجاج ‪ :‬يا هذا إن الله يعلم الجيش وأسماءهم وأنسابهم فادفع خمسه إلى‬
‫صاحب الخمس وتصدق بالباقي عنهم ‪ ،‬فإن الله يوصل ذلك إليهم ففعل فلما‬
‫ي من نصف ملكي ‪ ،‬وهناك‬ ‫أخبر معاوية قال لن أكون أفتيتك بذلك أحب إل ّ‬
‫فتوى مشابهة لشيخ السلم ابن تيمية رحمه الله قريبة من هذه قصة‬
‫مذكورة في المدارج ‪.‬‬
‫ً‬
‫س ‪ : 11‬غصبت مال ً ليتام وتاجرت به وربحت ‪ ،‬ونما المال أضعافا وخفت‬
‫من الله فكيف أتوب ؟‬
‫جـ ‪ : 11‬للعلماء في هذه المسألة أقوال أوسطها وأعدلها أنك ترد رأس المال‬
‫الصلي لليتام ‪ ،‬زائدا ً نصف الرباح ‪ ،‬فتكون كأنك وإياهم شركاء في الربح مع‬
‫إعادة الصل إليهم ‪.‬‬
‫وهذه رواية عن المام أحمد ‪ ،‬وهو رأي شيخ السلم ابن تيمية وترجيح تلميذه‬
‫ابن القيم رحمه الله ) المدراج ‪( 1/392‬‬
‫وكذلك لو غصب سائمة من إبل أو غنم فنتجت أولدا ً فهي ونصف أولدها‬
‫للمالك الصلي ‪ ،‬فإن ماتت أعطى قيمتها مع نصف النتاج إلى مالكها ‪.‬‬
‫س ‪ : 12‬رجل يعمل في الشحن الجوي وتتخلف عندهم بضائع أخذ منها‬
‫مسجل ً خلسة وبعد سنوات تاب فهل ُيرجع المسجل نفسه أو قيمته أو شبيها ً‬
‫به ‪ ،‬علما ً بأن هذا النوع قد انتهى من السوق ؟‬
‫جـ ‪ : 12‬يرجع المسجل نفسه زائدا ً عليه ما نقص من قيمته لقاء الستعمال‬
‫أو تقادم الزمن ‪ ،‬وذلك بطريقة مناسبة دون أن يؤذي نفسه ‪ ،‬فإن تعذر ‪،‬‬
‫تصدق بقيمته نيابة عن صاحبه الصلي ‪.‬‬
‫س ‪ : 13‬كان عندي أموال من الربا ولكني أنفقتها كلها ‪ ،‬ولم يبق عندي منها‬
‫شيء ‪ ،‬وأنا الن تائب فماذا يلزمني ؟‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جـ ‪ : 13‬ل يلزمك إل التوبة إلى الله عز وجل توبة نصوحا ً والربا خطير ‪ ،‬ولم‬
‫يؤذن بحرب أحد في القرآن الكريم إل أهل الربا وما دامت الموال الربوية‬
‫قد ذهبت كلها ‪ ،‬فليس عليك من جهتها شيء الن ‪.‬‬
‫س ‪ : 14‬اشتريت سيارة بمال بعضه حلل وبعضه حرام ‪ ،‬وهي موجودة‬
‫عندي الن فكيف أفعل ؟‬
‫جـ ‪ : 14‬من اشترى شيئا ً ل يتجزأ كالبيت أو السيارة بمال بعضه حلل وبعضه‬
‫حرام فيكفيه أن يخرج ما يقابل الحرام من ماله الخر ويتصدق به تطييبا ً‬
‫لتلك الممتلكات ‪ ،‬فإن كان هذا الجزء من المال الحرام هو حق للخرين‬
‫وجب رد ّ مثله إليهم على التفصيل السابق ‪.‬‬
‫س ‪ : 15‬ماذا يفعل بالمال الذي ربحه من تجارة الدخان ‪ ،‬وكذلك إذا احتفظ‬
‫بأمواله الخرى الحلل ؟‬
‫جـ ‪ : 15‬من تاجر بالمحرمات كبيع آلت اللهو والشرطة المحرمة والدخان‬
‫وهو يعلم حكمها ثم تاب يصرف أرباح هذه التجارة المحرمة في وجوه الخير‬
‫تخلصا ً ل صدقة ‪ ،‬لن الله طيب ل يقبل إل طيبا ً ‪.‬‬
‫وإذا اختلط هذا المال الحرام بأموال أخرى حلل كصاحب البقالة الذي يبيع‬
‫الدخان مع السلع المباحة ‪ ،‬فإنه يقدر هذا المال الحرام تقديرا ً باجتهاده ‪،‬‬
‫ويخرجه بحيث يغلب على ظنه أنه نقى أمواله من الكسب الحرام ‪ ،‬والله‬
‫يعوضه خيرا ً وهو الواسع الكريم ‪.‬‬
‫وعلى وجه العموم فإن من لديه أموال ً من كسب حرام ‪ ،‬وأراد أن يتوب فإن‬
‫كان ‪:‬‬
‫‪ -1‬كافرا عند كسبها فل ُيلزم عند التوبة بإخراجها لن رسول الله صلى الله‬ ‫ً‬
‫عليه وسلم لم ُيلزم الصحابة بإخراج ما لديهم من الموال المحرمة لما‬
‫أسلموا ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -2‬وأما إن كان عند كسبه للحرام مسلما عالما بالتحريم فإنه ُيخرج ما لديه‬
‫من الحرام إذا تاب ‪.‬‬
‫س ‪ : 16‬شخص يأخذ الرشاوي ‪ ،‬ثم هداه الله إلى الستقامة ‪ ،‬فماذا يفعل‬
‫بالموال التي أخذها من الرشوة ؟‬
‫جـ ‪ : 16‬هذا الشخص ل يخلو من حالتين ‪:‬‬
‫‪ -1‬إما أن يكون أخذ الرشوة من صاحب حق مظلوم اضطر أن يدفع الرشوة‬
‫ليحصل على حقه لنه لم يكن له سبيل للوصول إلى حقه إل بالرشوة ‪ ،‬فهنا‬
‫يجب على هذا التائب أن يرد المال إلى الراشي صاحب الحق لنه في حكم‬
‫المال المغصوب ولنه ألجأه إلى دفعه بالكراه ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون أخذ الرشوة من راش ظالم مثله تحصل عن طريق الرشوة‬
‫على أشياء ليست من حقه ‪ ،‬فهذا ل ُيرجع إليه ما أخذه منه ‪ ،‬وإنما يتخلص‬
‫التائب من هذا المال الحرام في وجوه الخير كإعطائه للفقراء مثل ً ‪ ،‬كما‬
‫يتوب مما تسبب فيه من صرف الحق عن أهله ‪.‬‬
‫ي وقد تبت‬ ‫س ‪ : 17‬عملت أعمال ً محرمة وأخذت مقابلها أموال فهل يجب عل ّ‬
‫ً‬
‫ي؟‬‫إرجاع هذه الموال لمن دفعها إل ّ‬
‫جـ ‪ : 17‬الشخص الذي يعمل في أعمال محرمة ‪ ،‬أو يقدم خدمات محرمة ‪،‬‬
‫ويأخذ مقابل ً أو أجرة على ذلك إذا تاب إلى الله وعنده هذا المال الحرام فإنه‬
‫يتخلص منه ول يعيده إلى من أخذه منه ‪.‬‬

‫) ‪(219/10‬‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فالزانية التي أخذت مال ً على الزنا ل تعيده إلى الزاني إذا تابت ‪ ،‬والمغني‬
‫الذي أخذ أموال ً على الغناء المحرم ل يعيده إلى أصحاب الحفلة إذا تاب ‪،‬‬
‫وبائع الخمر أو المخدارت ل يعيدها إلى من اشتروها منه إذا تاب ‪ ،‬وشاهد‬
‫الزور الذي أخذ مقابل ً ل يعيد المال من استخدمه لشهادة الزور وهكذا ‪،‬‬
‫والسبب أنه إذا أرجع المال للعاصي الذي دفعه فإنه يكون قد جمع له بين‬
‫وض بالتخلص منه ‪ ،‬وهذا اختيار شيخ السلم ابن تيمية‬ ‫مع ّ‬
‫الِعوض الحرام وال ُ‬
‫وترجيح تلميذه ابن القيم ‪ .‬كما في المدارج ‪. 1/390‬‬
‫س ‪ : 18‬هناك أمر يقلقني ويسبب لي إرهاقا ً وأرقا ً ‪ ،‬وهو أني وقعت في‬
‫الفاحشة مع امرأة فكيف أتوب ‪ ،‬وهل يجوز لي أن الزواج منها لستر‬
‫القضية ؟‬
‫وآخر يسأل أنه وقع في الفاحشة في الخارج ‪ ،‬وأن المرأة حملت منه فهل‬
‫يكون هذا ولده ‪ ،‬وهل يجب عليه إرسال نفقة الولد ‪.‬‬
‫جـ ‪ : 18‬لقد كثرت السئلة عن الموضوعات المتعلقة بالفواحش كثرة تجعل‬
‫من الواجب على المسلمين جميعا ً إعادة النظر في أوضاعهم وإصلحها على‬
‫هدي الكتاب والسنة وخصوصا ً في مسائل غض البصر وتحريم الخلوة ‪ ،‬وعدم‬
‫مصافحة المرأة الجنبية واللتزام بالحجاب الشرعي الكامل وخطورة‬
‫الختلط ‪ ،‬وعدم السفر إلى بلد الكفار والعتناء بالبيت المسلم والسرة‬
‫المسلمة والزواج المبكر وتذليل صعوباته ‪.‬‬
‫أما بالنسبة إلى السؤال فمن فعل الفاحشة فل يخلو من حالتين ‪:‬‬
‫‪ -1‬إما أنه زنى بالمرأة اغتصابا ً وإكراها ً فهذا عليه أن يدفع لها مهر مثلها ‪،‬‬
‫عوضا ً عما ألحق بها من الضرر ‪ ،‬مع توبته إلى الله توبة نصوحا ً ‪ ،‬وإقامة الحد‬
‫عليه إذا وصل أمره إلى المام ‪ ،‬أو من ينوب عنه كالقاضي ونحوه ‪ .‬انظر‬
‫المدارج ‪1/366‬‬
‫‪ -2‬أن يكون قد زنى بها برضاها ‪ ،‬فهذا ل يجب عليه إل التوبة ‪ ،‬ول ُيلحق به‬
‫الولد مطلقا ً ول تجب عليه النفقة لن الولد جاء من سفاح ومثل هذا ينسب‬
‫لمه ‪ ،‬ول يجوز إلحاقه بنسب الزاني ‪.‬‬
‫ول يجوز للتائب الزواج منها لستر القضية والله يقول ‪ ) :‬الزاني ل ينكح إل‬
‫زانية أو مشركة والزانية ل ينكحها إل زان أو مشرك ( التوبة ‪. 3/‬‬
‫ول يجوز العقد على امرأة في بطنها جنين من الزنا ‪ ،‬ولو كان منه‪ ،‬كما ل‬
‫يجوز العقد على امرأة ل يدرى أهي حامل أم ل ‪.‬‬
‫أما إذا تاب هو وتابت المرأة توبة صادقة وتبين براءة رحمها ‪ ،‬فإنه يجوز له‬
‫حينئذ أن يتزوج منها ‪ ،‬ويبدأ معها حياة جديدة يحبها الله ‪.‬‬
‫س ‪ : 19‬لقد حصل والعياذ بالله أني ارتكبت الفاحشة وعقدت على المرأة‬
‫الزانية ‪ ،‬وقد صار لنا سنوات وقد تبنا أنا وهي إلى الله توبة صادقة فماذا‬
‫ي؟‬‫يجب عل ّ‬
‫جـ ‪ : 19‬ما دامت التوبة قد صحت من الطرفين فعليكما إعادة العقد‬
‫بشروطه الشرعية من الولي والشاهدين ‪ ،‬ول يلزم أن يكون ذلك في‬
‫المحكمة بل لو حصل في البيت لكان كافيا ً ‪.‬‬
‫س ‪ : 20‬امرأة تقول إنها تزوجت من رجل صالح وقد فعلت أمورا ً ل ترضي‬
‫الله قبل زواجها ‪ ،‬وضميرها يؤنبها الن ‪ ،‬وتسأل هل يجب عليها إخبار زوجها‬
‫بما حصل منها في الماضي ؟‬
‫جـ ‪ : 20‬ل يجب على أيّ من الزوجين إخبار الخر بما فعل في الماضي من‬
‫المنكرات ‪ ،‬ومن ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله وتكفيه‬
‫التوبة النصوح ‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأما من تزوج بكرا ً ثم تبين له عند الدخول بها أنها ليست كذلك لفاحشة‬
‫ارتكبتها في الماضي ‪ ،‬فإنه يحق له أخذ المهر الذي أعطاها ويفارقها ‪ ،‬وإن‬
‫رأى أنها تابت فستر الله عليها وأبقاها فله الجر والمثوبة من الله ‪.‬‬
‫س ‪ : 21‬ماذا يجب على التائب من فاحشة اللواط ؟‬
‫جـ ‪ : 21‬الواجب على الفاعل والمفعول به التوبة إلى الله توبة عظيمة ‪ ،‬فإنه‬
‫ل ُيعلم أن الله أنزل أنواعا ً من العذاب بأمة كما أنزله بقوم لوط لشناعة‬
‫جريمتهم فإنه ‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -1‬أخذ أبصارهم فصاروا عميانا ‪ ،‬يتخبطون كما قال تعالى ‪ ) :‬فطمسنا‬
‫أعينهم (‬
‫‪ -2‬أرسل عليهم الصيحة ‪.‬‬
‫‪ -3‬قلب ديارهم ‪ ،‬فجعل عاليها سافلها ‪.‬‬
‫‪ -4‬أمطرهم بحجارة من سجيل منضود ‪ ،‬فأهلكهم عن بكرة أبيهم ‪.‬‬
‫ً‬
‫ولذلك كان الحد الذي يقام على مرتكب هذه الفاحشة القتل محصنا أو غير‬
‫محصن ‪ ،‬كما قال صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬من وجدتموه يعمل عمل قوم‬
‫لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ( رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه‬
‫وصححه اللباني في إرواء الغليل ‪.‬‬
‫س ‪ : 22‬تبت إلى الله ولديّ أشياء محرمة كأدوات موسيقية وأشرطة وأفلم‬
‫‪ ،‬فهل يجوز لي بيعها خصوصا ً وأنها تساوي مبلغا ً كبيرا ً ؟‬
‫جـ ‪ : 22‬ل يجوز بيع المحرمات وثمن بيعها حرام ‪ ،‬قال صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ) :‬إن الله إذا حرم شيئا ً حرك ثمنه ( رواه أبو داود وهو حديث صحيح ‪.‬‬
‫وكل ما تعلم أن غيرك سيستخدمه في الحرام فل يجوز لك بيعه إياه‪ ،‬لن الله‬
‫نهى عن ذلك فقال ‪ ) :‬ول تعاونوا على الثم والعدوان( ومهما خسرت من‬
‫مال الدنيا فما عند الله خير وأبقى ‪ ،‬وهو يعوضك بمنه وفضله وكرمه ‪.‬‬

‫) ‪(219/11‬‬

‫س ‪ : 23‬كنت إنسانا ً ضال ً أنشر الفكار العلمانية ‪ ،‬وأكتب القصص والمقالت‬


‫اللحادية ‪ ،‬وأستخدم شعري في نشر الباحية والفسوق ‪ ،‬وقد تداركني الله‬
‫برحمته ‪ ،‬فأخرجني من الظلمات إلى النور وهداني فكيف أتوب ؟‬
‫جـ ‪ : 23‬هذه والله النعمة الكبرى والمنة العظمى ‪ ،‬وهي الهداية فاحمد الله‬
‫عليها ‪ ،‬واسأل الله الثبات والمزيد من فضله ‪.‬‬
‫أما من كان يستخدم لسانه وقلمه في حرب السلم ونشر العقائد المنحرفة‬
‫أو البدع المضلة والفجور والفسق فإنه يجب عليه التي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أن يعلن توبته منها جميعا ً ‪ ،‬وُيظهر تراجعه على المل بكل وسيلة وسبيل‬
‫يستطيعه حتى ُيعذر فيمن أضلهم ‪ ،‬ويبين الباطل الذي كان لئل يغتر من تأثر‬
‫به من قبل ‪ ،‬ويتتبع الشبهات التي أثارها والخطاء التي وقع فيها فيرد عليها ‪،‬‬
‫ويتبرأ مما قال وهذا التبيين واجب من واجبات التوبة ‪ ،‬قال تعالى ‪ ) :‬إل‬
‫الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم ‪ ،‬وأنا التواب الرحيم (‬
‫البقرة ‪. 160/‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬أن يسخر قلمه ولسانه في نشر السلم ‪ ،‬ويوظف طاقته وقدراته في‬
‫نصر دين الله ‪ ،‬وتعليم الناس الحق والدعوة إليه ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬أن يستخدم هذه الطاقات في الرد على أعداء وفضحهم وفضح‬
‫مخططاتهم ‪ ،‬كما كان يناصرهم من قبل ويفند مزاعم أعداء السلم‪ ،‬ويكون‬
‫سيفا ً لهل الحق على أهل الباطل ‪ ،‬وكذلك كل من اقنع شخصا ً ولو في‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مجلس خاص بأمر محرم كجواز الربا ‪ ،‬وأنه فوائد مباحة ‪ ،‬فإنه ينبغي عليه أن‬
‫فر عن خطيئته والله الهادي ‪.‬‬ ‫يعود ويبين له كما أضله حتى يك ّ‬
‫وختاما ً ‪:‬‬
‫يا عبد الله فتح الله باب التوبة فهل ولجت ) إن للتوبة بابا ً عرض ما بين‬
‫مصراعيه ما بين المشرق والمغرب ‪ ،‬وفي رواية عرضه مسيرة سبعين‬
‫عاما ً ‪ ،‬ل يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها ( ‪ .‬رواه الطبراني في الكبير ‪،‬‬
‫صحيح الجامع ‪. 2177‬‬
‫ونادى الله ) يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا ً‬
‫فاستغفروني أغفر لكم ( رواه مسلم ‪ .‬فهل استغفرت ‪.‬‬
‫والله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ‪ ،‬ويبسط يده بالنهار ليتوب‬
‫مسيء الليل ‪ ،‬والله يحب العتذار فهل أقبلت ‪.‬‬
‫فلله ما أحلى قول التائب ‪ ،‬أسألك بعزك وذلي إل رحمتني ‪.‬‬
‫أسألك بقوتك وضعفي ‪ ،‬وبغناك وفقري إليك هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة‬
‫بين يديك ‪ ،‬عبيدك سواي كثير وليس لي سيد سواك ل ملجأ ول منجا منك إل‬
‫إليك ‪ ،‬أسألك مسألة المسكين وابتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل ‪ ،‬وأدعوك‬
‫دعاء الخائف الضرير سؤال من خضعت لك رقبته ورغم لك أنفه وفاضت لك‬
‫عيناه وذل لك قلبه ‪.‬‬
‫وتأمل هذه القصة ودللتها في موضع التوبة ‪:‬‬
‫روي أن أحد الصالحين كان يسير في بعض الطرقات فرأى بابا ً قد فتح وخرج‬
‫منه صبي يستغيث ويبكي وأمه خلفه تطرده حتى خرج‪ ،‬فأغلقت الباب في‬
‫وجهه ‪ ،‬ودخلت فذهب الصبي غير بعيد ثم وقف مفكرا ً فلم يجد له مأوى غير‬
‫البيت الذي أخرج منه ول من يؤويه غير والدته ‪ ،‬فرجع مكسور القلب حزينا ً‬
‫فوجد الباب مغلقا ً فتوسده ووضع خده على عتبة الباب ‪ ،‬ونام ودموعه على‬
‫خديه ‪ ،‬فخرجت أمه بعد حين ‪ ،‬فلما رأته على تلك الحال لم تملك أن رمت‬
‫نفسها عليه والتزمته تقبله وتبكي ‪ ،‬وتقول ‪ :‬يا ولدي أين ذهبت عني ومن‬
‫يؤويك سواي ‪ ،‬ألم أقل لك ل تخالفني ول تحملني على عقوبتك بخلف ما‬
‫جبلني الله عليه من الرحمة بك والشفقة عليك ثم أخذته ودخلت !!‬
‫ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬الله أرحم بعباده من هذه بولدها (‬
‫رواه مسلم‪.‬‬
‫وأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء ؟‬
‫والله يفرح إذا تاب العبد إليه ‪ ،‬ولن نعدم خيرا ً من رب يفرح ) لله أشد فرحا ً‬
‫بتوبة عبده حين يتوب إليه من رجل كان في سفر في فلة من الرض ‪ ،‬نزل‬
‫منزل ً وبه مهلكة ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه ‪ ،‬فأوى إلى ظل شجرة ‪،‬‬
‫فوضع رأسه فنام نومة تحتها ‪ ،‬فاستيقظ وقد ذهبت راحلته فطلبها ‪ ،‬فأتى‬
‫شرفا ً فصعد عليه فلم ير شيئا ً ‪ ،‬ثم أتى آخر فأشرف فلم ير شيئا ً ‪ ،‬حتى إذا‬
‫اشتد عليه الحر والعطش قال ‪ :‬أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى‬
‫أموت ‪ ،‬فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته ‪ ،‬فينما هو كذلك‬
‫‪ ،‬رفع رأسه فإذا راحلته قائمة عنده ‪ ،‬تجر خطامها ‪ ،‬عليها زاده طعامه‬
‫وشرابه ‪ ،‬فأخذ بخطامها ‪ ،‬فالله أشد فرحا ً بتوبة المؤمن من هذا براحلته‬
‫وزاده ( السياق مجموع من روايات صحيحة ‪ ،‬انظر ترتيب صحيح الجامع‬
‫‪. 4/368‬‬
‫ً‬
‫واعلم يا أخي ‪ ،‬أن الذنب ُيحدث للتائب الصادق انكسارا وذلة بين يدي الله ‪،‬‬
‫وأنين التائبين محبوب عند رب العالمين ‪.‬‬
‫ول يزال العبد المؤمن واضعا ً ذنوبه ُنصب عينيه فُتحدث له انكسارا ً وندما ً ‪،‬‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيعقب الذنب طاعات وحسنات كثيرة حتى أن الشيطان ربما يقول ‪ :‬يا ليتني‬
‫لم أوقعه في هذا الذنب ‪ ،‬ولذلك فإن بعض التائبين قد يرجع بعد الذنب أحس‬
‫مما كان قبله بحسب توبته ‪.‬‬
‫والله ل يتخلى عن عبده أبدا ً إذا جاء مقبل ً عليه تائبا ً إليه ‪.‬‬

‫) ‪(219/12‬‬

‫أرأيت لو أن ولدا ً كان يعيش في كنف أبيه يغذيه بأطيب الطعام والشراب ‪،‬‬
‫ويلبسه أحسن الثياب ‪ ،‬ويربيه أحسن التربية ‪ ،‬ويعطيه النفقة ‪ ،‬وهو القائم‬
‫بمصالحه كلها ‪ ،‬فبعثه أبوه يوما ً في حاجة ‪ ،‬فخرج عليه عدو في الطريق‬
‫فأسره وكتفه وشد وثاقه ‪ ،‬ثم ذهب إلى بلد العداء ‪ ،‬وصار يعامله بعكس ما‬
‫كان يعامله به أبوه ‪ ،‬فكان كلما تذكر تربية أبيه وإحسانه إليه المرة بعد المرة‬
‫تهيجت من قلبه لواعج الحسرات ‪ ،‬وتذكر ما كان عليه وكل ما كان فيه من‬
‫النعيم ‪.‬‬
‫فينما هو في أسر عدوه يسومه سوء العذاب ‪ ،‬ويريد ذبحه في نهاية المطاف‬
‫‪ ،‬إذ حانت منه التفاتة نحو ديار أبيه فرأى أباه منه قريبا ً ‪ ،‬فسعى إليه وألقى‬
‫بنفسه عليه وانطرح بين يديه يستغيث يا أبتاه يا أبتاه يا أبتاه ‪ ،‬أنظر إلى‬
‫ولدك وما هو فيه والدموع تسيل على خديه‪ ،‬وهو قد اعتنق أباه والتزمه‬
‫وعدوه يشتد في طلبه حتى وقف على رأسه وهو ملتزم لوالده ممسك به ‪.‬‬
‫فهل تقول إن والده سيسلمه في هذه الحال إلى عدوه ويخلي بينه وبينه فما‬
‫الظن بمن هو أرحم بعبده من الوالد بولده ومن الوالدة بولدها ‪ .‬إذا فر عبد‬
‫إليه وهرب من عدوه إليه ‪ ،‬وألقى بنفسه طريحا ً ببابه يمرغ خده في ثرى‬
‫أعتابه باكيا ً بين يديه ‪ ،‬يقول ‪ :‬يا رب ارحم من ل راحم له سواك ‪ ،‬ول ناصر‬
‫له سواك ‪ ،‬ول مؤوي له سواك ‪ ،‬ول معين له سواك ‪ ،‬مسكينك وفقيرك‬
‫وسائلك ‪ ،‬أنت معاذه‪ ،‬وبك ملذه ‪ ،‬ل ملجأ ول منجا منك إل إليك ‪ ،‬فهيا إلى‬
‫فعل الخيرات ‪ ،‬وكسب الحسنات ‪ ،‬ورفقة الصالحين ‪ ،‬وحذار من الزيغ بعد‬
‫الرشاد ‪ ،‬والضللة بعد الهداية والله معك ‪.‬‬

‫) ‪(219/13‬‬

‫أزمة أخلق‬
‫د‪.‬عثمان قدري مكانسي‬
‫‪othman47@hotmail.com‬‬
‫نحن معشر المسلمين – في الغالب والحمد لله – يحب بعضنا لبعضنا الخير‬
‫مرا ً مديدًا‪ .‬ويمد أحدنا لجاره أو‬
‫ويتمنى له حياة طيبة وصحة ممتازة وع ُ‬
‫صديقه أو قريبه يد العون ما استطاع إلى ذلك سبيل ً ‪ .‬هكذا علمتنا الحياة ‪،‬‬
‫وهكذا طلب منا ديننا الحنيف ‪.‬‬
‫زرت من دول أوربا وأمريكا وأفريقيا وآسيا الكثير ‪ ،‬واطلعت على بعض‬
‫أخلقهم فوجدت الحلو والحامض ‪ ،‬والمالح والمر ‪ ،‬وخبرت الغث والسمين ‪.‬‬
‫وجدت فيهم ما أريده وما ل أطيقه ‪ .‬هم بشر ‪ ،‬والبشر خلقوا من عجل –‬
‫بفتح العين ل كسرها وفتح الجيم ل تسكينها ‪ . -‬وسررت لبعض ما رأيت ‪،‬‬
‫وتأففت استنكارا ً لشياء أخرى ‪ ،‬أعجبت ببعض التصرفات ‪ ،‬واغتممت‬
‫لغيرها ‪ .‬وعدت لصل إلى قناعة لم تتأثر بالقول المشهور ‪:‬‬
‫ن عين البغض ُتبدي المساويا‬ ‫وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولك ّ‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صة أسلم‬ ‫مة والعرب منهم خا ّ‬ ‫وبصيغة أخرى كانت قناعتي أن المسلمين عا ّ‬
‫صدورا ً ‪ ،‬وأقرب إلى الفطرة ‪ ،‬وأكثر تحمل ً للمآسي من كثير من البشر ‪ .‬قد‬
‫يخالفني أحدهم وقد يوافقني فيما ارتأيت ‪ ،‬والموافقة قد تعزز رؤيتي ‪،‬‬
‫والمخالفة أقبلها – ديموقراطيا ً ‪ ،‬فالديموقراطية على كل اللسن هذه اليام‬
‫ضدي ‪ ،‬فأنا ل أعتقد شيئا ً إل بعد تمحيص وقناعة ‪ .‬وتركه –‬ ‫– ول تفت في ع ُ‬
‫على هذا الساس – قليل المكان ‪ .‬لكننى أفيء إلى الحق سريعا ً لن الحق‬
‫هدفي ‪ ،‬ولن العمل به والتزامه بغيتي وقرة عيني ‪ .‬ول أعتبر هذا مديحا ً‬
‫للنفس إنما أراه صفة ينبغي التحلي بها ‪ ،‬وشيمة ل فكاك عنها للمسلم‬
‫ونصب عيني القول المأثور " ل خير فيمن يمدح نفسه ‪ .‬ول أنسى ما حييت‬
‫ي عيوبي " ‪.‬‬ ‫ً‬
‫قول عمر رضي الله عنه " رحم الله امرأ أهدى إل ّ‬
‫ب المسلمين في صفاتهم العامة ‪ ،‬وأرغب‬ ‫ضل العر َ‬ ‫وعلى الرغم أنني أف ّ‬
‫العيش في البلد العربية ‪ ،‬وحين أقول ‪ :‬البلد العربية أنأى عن لفظ " الشرق‬
‫الوسط " فهذا تعبير فرضه اليهود والوربيون ليبرروا وجود إسرائيل بيننا ‪،‬‬
‫أما " البلد العربية " فتظهر اليهود طارئين ‪ ،‬وجسما ً غريبا ً عن أهل البلد دينا ً‬
‫ت ومفاهيم ‪ ....‬أقول ‪ :‬فينا – معشر المسلمين العرب – مفاهيم ل‬ ‫وعادا ٍ‬
‫قّر بها ‪ ،‬وعادات غير حضارية تؤذي الجميع‬ ‫يقبلها السلم ‪ ،‬وتصرفات ل ي ُ ِ‬
‫وتظهرنا متخلفين عن غيرنا من المم ‪.‬‬
‫ل‪ -‬تجد كل جالية تتجمع في أحياء أو كانتونات‬ ‫ففي الوليات المتحدة – مث ً‬
‫بعضها إلى بعض فتدخل أحياءهم لتجد الناس – مع أنهم في أمريكا – يواصل‬
‫بعضهم بعضا ً ويعيشون حياتهم بعاداتهم التي تشّربوها في بلدهم ‪ ،‬ويتكلمون‬
‫وقون منها ‪ ،‬ويساعد‬ ‫مع بعضهم لغتهم الوطنية ‪ ،‬ولهم أسواقهم التي يتس ّ‬
‫بعضهم بعضا ً مادي ّا ً واجتماعي ّا ً وفكري ّا ً ‪ ،‬وبهذا تراهم محافظين على كيانهم ‪،‬‬
‫فل يذوبون في المجتمعات ‪ ..‬هذا واضح في كل مدينة زرتها من بوسطن في‬
‫الشمال الشرقي إلى المكسيك جنوبا ً ‪ .‬حتى إن بعض المواطنين من أصل‬
‫أسباني أبا ً عن جد ممن ولدوا في الوليات المتحدة على التحديد ليعرفون‬
‫النجليزية ‪..‬‬
‫دة‬ ‫أما العرب المسلمون ‪ -‬ناهيك عن النصارى ‪ -‬فهم ينصهرون في سنوات ع ّ‬
‫في المجتمع المريكي ‪ ،‬وينسى الفتى لغته العربية التي تعلمها في بلده أو‬
‫يكاد ‪ ،‬أما الطفال الذين ولدوا هناك فيسمعون العربية من آبائهم دون‬
‫ممارستها غالبا ً ‪ .‬وليس لهم مجتمعات خاصة بهم كغيرهم ‪ .‬ومما آلمني أن‬
‫عددا ً ل بأس به من البناء ينسلخ عن دينه فيكون علمانيا ً – لنقطاعه وأسرته‬
‫عن المسجد – أو يدرس النصرانية فل يعرف غيرها دينا ً ‪ .‬وعلى هذا فقل ‪:‬‬
‫م ‪ ...‬وقد سئل بعض المسؤولين في‬ ‫على الحجاب والمظاهر السلمية السل ُ‬
‫الغرب عن سبب قبول المسلمين الملتزمين مقيمين أو لجئين فكان الجواب‬
‫‪ :‬إننا نتقبلهم لن أولدهم أو أحفادهم على أبعد تقدير سيكونون مثلنا بل مّنا‬
‫بمفاهيمهم وأخلقهم ‪ ،‬ومبادئهم ‪ ،‬ونحن بحاجة إلى دماء جديدة ‪ ،‬فنتحمل‬
‫الكبار لكسب الجيل الجديد الذي سيذوب في مجتمعنا ‪ .‬ومن هنا خطورة‬
‫البقاء في المجتمعات الغربية على الجيل الجديد من أبناء المسلمين ‪ .‬وقد‬
‫يدلل أحدهم على النظرة التشاؤمية فيما أقول حين يعرض صورا ً لبعض‬
‫السر المحافظة على تدينها وإسلمها في الغرب وتأثيرها في مفاهيمه ‪،‬‬
‫فأكرر ‪ :‬إن هذا أمر إيجابي ملموس ‪ ،‬ل ننكره ‪ ،‬إنما هو شمعة في ظلم ‪،‬‬
‫ضة من ماء زلل في بركة مالحة ‪ .‬ومن هنا نفهم نهي النبي صلى الله‬ ‫وب ّ‬
‫عليه وسلم عن البقاء في بلد الكفر دون ضرورة فالمآسي أكبر من الفائدة‬
‫بما ل ُيقاس ‪ .‬والمثلة أكثر من أن ُتحصى ‪ .‬وإنك لتجد من العادات والمفاهيم‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المتولدة عند المسلمين في الغرب ما تبتعد عن السلم أشواطا ً من حيث‬


‫يدرون أو ل يدرون ‪ .‬وتربية الولد هناك تحتاج إلى أضعاف ما تحتاجه من‬
‫جهد في بلد مسلم ‪.‬‬
‫وهذا ل يعني أن المسلمين في بلدهم يحَيون حياة إسلمية !! ويعيشون في‬
‫بحبوحة من الرغد المادي أو الخلق الفاضلة ‪ .‬لكن الرمد أقل سوءا ً من‬
‫ى‪.‬‬‫ن بصره ل يعود إليه من عم ً‬‫العمى ‪ ،‬ولربما يشفى المرء من رمد ‪ ،‬لك ّ‬
‫) ‪(220/1‬‬

‫ولن أكون متشائما ً إن قلت الحقيقة التي قد تنبه النسان إلى السلبيات‬
‫الشنيعة التي تطرأ على مجتمعاتنا لتكون بعد فترة جزءا ً منها – مع السف –‬
‫فالفساد الخلقي في بلد المسلمين ينشر أجنحته بدفع وعون من أولي المر‬
‫الذين خرجوا عن دينهم أو ابتعدوا عنه ‪ ،‬وهؤلء ظهروا بشكل واضح ل لبس‬
‫فيه ‪ .‬وقد أخبرنا عنهم النبي صلى الله عليه وسلم حين قال ‪:‬‬
‫" دعاة على أبواب جهنم ‪ ،‬من أجابهم إليها قذفوه فيها " ‪ .. .‬قالوا صفهم لنا‬
‫يا رسول الله ‪ .‬قال ‪ " :‬هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا " ‪ ...‬هؤلء الذين ما‬
‫فتئوا يؤصلون الفساد في عادات المجتمع ومفاهيمه عن طريق القنوات‬
‫م لها سوى تغيير المفاهيم والعادات السلمية بمفاهيم‬ ‫الفضائية التي ل ه ّ‬
‫الخنا والفجور والدعوة إلى نبذ كل ما هو أصيل وشريف ‪ ، ،‬فالزنا حاجة‬
‫طبيعية ‪ ،‬والخمر مشروبات روحية منعشة ‪ ،‬والُعري حرية في التصرف‪،‬‬
‫وأكثر من ذلك أن كل الدعايات تعتمد على الجنس ‪ ،‬حتى غدت المور مألوفة‬
‫بين الناس ‪ ،‬وما عادوا يخجلون منها أو يستنكرونها ‪ ،‬ولن تجد في أي بلد‬
‫عربي أو مسلم من السلم سوى صور ميتة ل تنبئ عن دين ول أخلق ‪ ،‬وقد‬
‫قن َّنت القوانين لباحة ما يقتل الحياء والخفر والشرف ‪ ،‬أو يئد القوانين‬
‫الشرعية من بنوك ربوية ومعاملت مخالفة لصريح الدين وإحلل للقوانين‬
‫الوربية مكان الشريعة السلمية في أطهر بلد الله وأكرمها عليه سبحانه ‪.‬‬
‫ناهيك عن تأصيل الحرية الشخصية على حساب الحريات العامة ‪ .‬وبهذا ُتزرع‬
‫النانية محل الثرة ‪ ،‬والشخصانية محل الغْيرّية ‪ ،‬والفردية مكان الجماعية ‪.. .‬‬
‫أي مجتمع يكون هذا المجتمع ‪ ،‬وأي راحة يمكن أن يتمتع بها النسان في مثل‬
‫هذه الغابات ؟! ‪.‬‬
‫في بلد الغرب سوق أوربية مشتركة ‪ ،‬فما عادت الحدود موجودة ‪ ،‬وصار‬
‫الوربي يتنقل من بلد إلى آخر ‪ ،‬ومن مدينة إلى غيرها كأنه يتحرك في بلده‬
‫وموطنه ‪ ،‬وفي البلد العربية والسلمية تضييق على النسان ‪ ،‬فل يستطيع‬
‫زيارة بلد " مسلم " آخر إل بشق النفس ‪ .‬وليست له في ذلك البلد من‬
‫حقوق سوى القل القل ولو ولد أبناؤه فيها أو عاش شطر شبابه في خدمتها‬
‫‪ ،‬بل إنه يعتبر " أجنبيا ً " نعم ‪..‬أجنبيا ً ‪ ..‬يرى هذه الكلمة تجابهه أول ما يصل‬
‫إلى حدودها البرية أو الجوية ‪ ،‬وقد يراها أخف اسميا في بلد آخر حيث يسمى‬
‫" وافدا ً " لكن النتيجة واحدة تشعرك بالغربة ولو كانت لغتك هي لغتهم‪،‬‬
‫ودينك دينهم ‪ ،‬وسحنتك سحنتهم !!‪ .‬ومما ينتج عن ذلك أن راتبك يمكن أن‬
‫يكون ثلث راتب أحدهم وهو أقل منك إنتاجا ً ‪ ،‬وأضعف منك فهما ً وأقل منك‬
‫دراية !‪ .‬ولكنها القليمية والبعد عن الحضارة ‪ -‬وهذا ل تجده على الغلب في‬
‫بلد " الكفر والزندقة " ‪ -‬ومن ثم الشعور كذبا ً وزورا ً بالفوقية المصطنعة‬
‫وة ‪ ،‬وتعصف بالحقوق ‪ ،‬وتؤصل التباعد والتنافر بين‬ ‫التي تقصم ظهر الخ ّ‬
‫المسلمين ‪ ...‬فالجهل رائدهم ‪ ،‬والنانية حاكمتهم ‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فضل ً عن أنظمة الحكم المستبدة التي سيطرت ملكّية كانت أم جمهورية أم‬
‫جمهوكية ‪ .‬ل فرق ‪ ،‬فالثروة بيد المتنفذين يستأثرون بها كاملة في بنوك‬
‫أوربة ‪ ،‬وقد يوزع بعضهم الفتات – إن كان كريما ً – على شعبه المقهور ‪ ،‬أو‬
‫يفرض بعضهم الخر ضرائب باهظة ‪ ،‬فل يكفيه ما سرقه واستأثر به ‪ .‬ول‬
‫بأس أن تزهق أرواح عشرات اللف ليبقى هؤلء جاثمين على صدور المة‬
‫المسكينة ! ‪.‬‬
‫قد يقول بعضهم ‪ :‬هذه ليست أزمة أخلق – كما ذكرت في عنوان المقال –‬
‫إنما هي انعدام الخلق وغيابها ‪ .. .‬أقول ‪ :‬لعلي أظل بعد هذا كله متفائل ً أن‬
‫يؤوب المسلمون إلى أصالتهم ‪ ،‬وأن يتجاوزوا محنتهم ‪ ،‬وأن ينشطوا من‬
‫سباتهم ‪ ،‬ليأخذوا مكانهم الذي ينتظرهم في قيادة العالم كما فعل أسلفهم‬
‫حين ترجم الخليفة الفاروق الحقيقة الصادقة ‪ " :‬نحن قوم أعزنا الله بالسلم‬
‫‪ ،‬ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله "‬

‫) ‪(220/2‬‬

‫أزمة التثّبت‬
‫الكاتب‪ :‬الشيخ د‪.‬سلمان بن فهد العودة‬
‫لعل أكثر أعضاء النسان شغل ً هو اللسان؛ فهو ل يكف عن الكلم حتى لو‬
‫كان صاحبه مريضا ً لسنين طويلة ومن هنا جاءت أهمية آداب اللسان والعناية‬
‫بها‪ ،‬والتي من بينها التثّبت فيما ُيقال أو ُينقل‪.‬‬
‫رطا ً في نقل ما يسمعون من أحكام‬ ‫مف ِ‬ ‫وواقع الناس اليوم يشهد تساهل ً ُ‬
‫وفتاوى وأخبار وأحداث سواء تعّلقت بعلماء أو زعماء ومشاهير أو عامة وكلما‬
‫كثر جهل المتحدث‪ ،‬وقل ورعه كان أشد ّ وأجرأ في هذا المضمار‪.‬‬
‫ؤاد َ ك ُ ّ‬
‫ل‬ ‫صَر َوال ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫معَ َوال ْب َ َ‬
‫س ْ‬‫ن ال ّ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫عل ْ ٌ‬‫ك ب ِهِ ِ‬ ‫س لَ َ‬‫ما ل َي ْ َ‬‫ف َ‬ ‫ق ُ‬ ‫يقول تعالى‪) :‬وَل َ ت َ ْ‬
‫ل(‪] .‬سورة السراء‪.[36:‬‬ ‫ؤو ً‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن عَن ْ ُ‬ ‫كا َ‬‫ك َ‬ ‫ُأولئ ِ َ‬
‫ويندرج تحت الية كل معنى يدل على قول ما ل علم للنسان به‪.‬‬
‫فل ي َْرم النسان غيره بما ليس له به علم ول يقول‪ :‬رأيت ولم ير ول سمعت‬
‫ولم يسمع ول يشهد الزور‪ .‬وكل هذا مرويّ عن السلف‪.‬‬
‫َ‬
‫ومنهج القرآن في التثّبت أعظم منهج وأحكم طريق؛ قال تعالى‪ ):‬قد ْ ب َي ّّنا‬
‫ن(‪] .‬سورة البقرة‪.[118:‬‬ ‫قوْم ٍ ُيوقُِنو َ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫الَيا ِ‬
‫ص الله بذلك القوم الذين يوقنون؛ لنهم أهل التثّبت في المور‪،‬‬ ‫وخ ّ‬
‫حة‪ ،‬فهؤلء المنتفعون بالبيان‬ ‫ّ‬ ‫وص‬ ‫يقين‬ ‫على‬ ‫الشياء‬ ‫حقائق‬ ‫معرفة‬ ‫والطالبون‬
‫الذين ل يجرون وراء الشكوك‪ ،‬ول يأخذون بالتقولت وإنما يبحثون عن‬
‫اليقين‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جَهال َ ٍ‬
‫ة‬ ‫ما ب ِ َ‬ ‫صيُبوا قَوْ ً‬ ‫سقٌ ب ِن َب َأ ٍ فَت َب َي ُّنوا أن ت ُ ِ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫جاءك ُ ْ‬ ‫مُنوا ِإن َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقال‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن(‪] .‬الحجرات‪.[6:‬‬ ‫مي َ‬
‫م َنادِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ما فَعَلت ُ ْ‬ ‫حوا عََلى َ‬ ‫صب ِ ُ‬‫فَت ُ ْ‬
‫قرأ الجمهور )فتبّينوا( من التبيين وقرأ حمزة والكسائي وخلف فتثّبتوا من‬
‫التثّبت‪.‬‬
‫ّ‬
‫والتبيين‪ :‬تطلب البيان وهو ظهور المر‪ .‬والتثّبت التحري وتطلب الثبات‪ ،‬وهو‬ ‫ّ‬
‫الصدق‪.‬‬
‫ومآل القراءتين واحد وإن اختلف معناهما‪.‬‬
‫والية أصل في الشهادة والرواية والنقل ورعاية حال الناقل وعدم‬
‫السترسال وراء الشائعات والظنون والوهام‪.‬‬
‫وهي أصل في وجوب التثّبت وأل ّ يتتّبع السامع القيل والقال ول ينصاع إلى‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الوقوع في المزالق بسبب التسّرع أو تصديق ما ل حقيقة له‪.‬‬


‫فخبر الفاسق يكون داعيا ّ إلى التتّبع والتثّبت‪ ،‬ول يصلح لن يكون مستندا ً‬
‫للحكم بحال من الحوال وإنما كان الفاسق معّرضا ً خبره للريبة والختلق؛‬
‫لن الفاسق ضعيف الوازع الديني في نفسه وضعف الوازع يجّرئه على‬
‫الستخفاف بالمحظور وبما يخبر به مما يترتب عليه إضرار بالغير أو بالصالح‬
‫العام‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة( فربما سمع السامع كلمة ونشرها‬ ‫جَهال ٍ‬ ‫ما ب ِ َ‬ ‫صيُبوا قَوْ ً‬ ‫وعّلة التثّبت هي‪) :‬أن ت ُ ِ‬
‫في المجالس والمحافل والمنتديات وصفحات النترنت‪ ،‬ثم تبّين له بعد ُ أن‬
‫صاحبها بريء؛ فيندم على وقوعه في عرضه وما ل يمكن تداركه ولذلك كانت‬
‫الكلمة كالرصاصة إذا انطلقت لم يمكن إرجاعها‪.‬‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫ل‬
‫عثَرةِ الّرج ِ‬ ‫من َ‬ ‫مرُء ِ‬ ‫ت ال َ‬ ‫س َيمو ُ‬ ‫ه***وَلي َ‬ ‫َ‬ ‫عثَرةٍ ِبلسان ِ ِ‬ ‫من َ‬ ‫فتى ِ‬ ‫ت ال َ‬ ‫َيمو ُ‬
‫ل‬
‫مه ِ‬ ‫على َ‬ ‫ل ت ََبرا َ‬ ‫ه ِبالّرج ِ‬ ‫عثَرت ُ ُ‬ ‫ه***وَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ه من فيهِ َترمي ب َِرأ ِ‬ ‫َفعثَرت ُ ُ‬
‫والية نزلت في الوليد بن عقبة لما ذهب لخذ الزكاة من الحارث بن ضرار‬
‫الخزاعي‪ ،‬فخشيهم لشيء كان بينه وبينهم في الجاهلية‪ ،‬فرجع إلى النبي‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يخبره بامتناعهم عن دفع الزكاة‪ .‬والقصة ذكرها أهل‬
‫السير والتفسير ورواها الطبراني‪ ،‬والمام أحمد‪ ،‬وابن أبي حاتم‪ ،‬وابن‬
‫مردويه‪ ،‬وغيرهم‪ -‬بسند ل بأس به وتوارد أهل التفسير كافة على حكاية هذه‬
‫القصة على أنها سبب النزول‪.‬‬
‫ذر النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬من القول بغير علم والكذب عليه في‬ ‫وقد ح ّ‬
‫مِغيَرةِ ‪ -‬رضي الله عنه ‪َ -‬قا َ‬
‫ل‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫حديث بلغ مبلغ التواتر‪ .‬ففي الصحيحين عَ ِ‬
‫ب‬‫س ك َك َذِ ٍ‬ ‫ي لي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ك َذًِبا عَل ّ‬ ‫ل‪ ) :‬إ ِ ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫ي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم – ي َ ُ‬ ‫ت الّنب ّ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫ن الّناِر( ‪.‬‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫دا‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ذ‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫د‪،‬‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫عَ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ّ ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سلم ِ‬ ‫م إ ِلى ال ِ ْ‬ ‫عاهُ ْ‬ ‫ة‪ ،‬لما د َ َ‬
‫ْ‬
‫م َ‬
‫ذي َ‬
‫ْ‬
‫ج ِ‬ ‫وعند البخاري في قصة خالد بن الوليد مع ب َِني َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خال ِد ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫صب َأَنا‪ .‬فَ َ‬ ‫صب َأَنا‪َ ،‬‬ ‫ن‪َ :‬‬ ‫قوُلو َ‬ ‫جعَُلوا ي َ ُ‬ ‫مَنا‪ .‬فَ َ‬ ‫سل َ ْ‬ ‫قوُلوا أ ْ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫سُنوا أ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫فَل َ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫م إ ِّني أب َْرأ إ ِل َي ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ما‬
‫م ّ‬ ‫ك ِ‬ ‫ل صلى الله عليه وسلم‪) :‬الل ّهُ ّ‬ ‫سُر ‪َ ،...‬قا َ‬ ‫م وَي َأ ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫قت ُ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن‪.‬‬ ‫مّرت َي ْ ِ‬ ‫د(‪َ .‬‬ ‫خال ِ ٌ‬ ‫صن َعَ َ‬ ‫َ‬
‫قال الخطابي‪ :‬أنكر عليه العجلة وترك التثّبت في أمرهم قبل أن يعلم المراد‬
‫من قولهم صبأنا فاللفظ المحتمل يجب الناة فيه حتى تفهم حقيقته وقد‬
‫تختلف لغات الناس ومصطلحاتهم وأعرافهم‪.‬‬
‫ن‬ ‫جل َ ُ‬‫ن الل ّهِ َوال ْعَ َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫م َ‬ ‫وفي الثر عند الترمذي وغيره بسند ل بأس به ) الَناة ُ ِ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬

‫) ‪(221/1‬‬

‫وفي حادثة الفك رّبى الله المؤمنين فيها تربية سامية رفيعة على التثّبت‬
‫خي ًْرا‬
‫م َ‬ ‫سهِ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫ت ب َِأن ُ‬‫مَنا ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬‫مُنو َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫موه ُ ظ َ ّ‬ ‫معْت ُ ُ‬ ‫س ِ‬‫والناة والتحّري‪) :‬ل َوَْل إ ِذ ْ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫داء‬ ‫شهَ َ‬ ‫م ي َأُتوا ِبال ّ‬ ‫داء فَإ ِذ ْ ل َ ْ‬ ‫ؤوا عَل َي ْهِ ب ِأْرب َعَةِ ُ‬
‫شهَ َ‬ ‫جا ُ‬ ‫ن * ل َوَْل َ‬ ‫مِبي ٌ‬‫ك ّ‬‫ذا إ ِفْ ٌ‬‫وََقاُلوا هَ َ‬
‫ن(‪] .‬النور‪[13-12:‬‬ ‫كاذُِبو َ‬‫م ال ْ َ‬‫عند َ الل ّهِ هُ ُ‬‫ك ِ‬‫فَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ومن أثر هذا التوجه الرباني سألت أم الدرداء زوجها أبا الدرداء‪ " :‬أسمعت ما‬
‫قيل عن عائشة؟" قال‪" :‬نعم يا أم الدرداء‪ ،‬وذلك الكذب" ثم قال لها‪ :‬يا أم‬
‫الدرداء‪ ،‬أرأيت لو كنت مكان عائشة؛ أكنت تفعلين؟" قالت‪" :‬ل" قال‪" :‬لو‬
‫كان أبو الدرداء مكان صفوان؛ هل كان يفعل؟" قالت‪" :‬ل" قال‪" :‬فصفوان‬
‫ك"‪.‬‬ ‫خير مني‪ ،‬وعائشة خير من ِ‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وللتثّبت أنواع وضروب كثيرة منها‪:‬‬


‫‪ -1‬التثّبت في القول على الله عز وجل‪.‬‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ْ‬
‫ي ب ِغَي ْرِ ال َ‬ ‫م َوالب َغْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن َوال ِث َ‬ ‫َ‬
‫ما ب َط َ‬ ‫من َْها وَ َ‬ ‫ما ظ َهََر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ح َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ف َ‬‫ي ال ْ َ‬ ‫م َرب ّ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫)ق ُ ْ‬
‫َ‬ ‫وََأن ت ُ ْ‬
‫ن(‬ ‫مو َ‬ ‫ما ل َ ت َعْل َ ُ‬ ‫قوُلوا ْ عََلى الل ّهِ َ‬ ‫طاًنا وَأن ت َ ُ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ل ب ِهِ ُ‬ ‫م ي ُن َّز ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫كوا ْ ِبالل ّهِ َ‬ ‫شرِ ُ‬
‫]العراف‪[33:‬‬
‫فجعل القول على الله بغير علم قرينا ً للشرك بالله؛ لن من يتكلم في‬
‫الحرام والحلل والتشريع هو موّقع عن رب العالمين‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ 2‬ـ التثّبت في النقل عن رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فإن كذبا على‬
‫رسول الله ليس ككذب على أحد‪.‬‬
‫وهذا عمر ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬ل يقبل من أبي موسى حديث الستئذان إل ببّينة‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ذاًبا عََلى أ ْ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫ب فَل َ ت َ ُ‬ ‫طا ِ‬ ‫خ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ي بن كعب‪َ :‬يا اب ْ َ‬ ‫ولما قال له أب ّ‬
‫شي ًْئا‬ ‫ت َ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ه! إ ِن ّ َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ل‪ُ :‬‬ ‫ل الل ّهِ ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪َ .-‬قا َ‬ ‫سو ِ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‪.‬‬ ‫ن أت َث َب ّ َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫حب َب ْ ُ‬ ‫فَأ ْ‬
‫ل الل ّهِ ‪-‬صلى الله‬ ‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫جل ً إ َِذا َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫ه ‪ : -‬ك ُن ْ ُ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ضي الل ّ ُ‬ ‫ي َر ِ‬ ‫وقال عل ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫حد ٌ ِ‬ ‫حد ّثِني أ َ‬ ‫فعَِني‪ ،‬وَإ َِذا َ‬ ‫ن ي َن ْ َ‬ ‫شاَء أ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫من ْ ُ‬‫ه ِ‬ ‫فعَِني الل ُ‬ ‫ديثا ن َ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫عليه وسلم‪َ -‬‬
‫رْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صد َقَ أُبو ب َك ٍ‬ ‫حد ّثِني أُبو ب َكرٍ وَ َ‬ ‫ه‪ ،‬قال وَ َ‬ ‫صد ّقت ُ ُ‬ ‫ف ِلي َ‬ ‫حل َ‬ ‫ه فإ ِذا َ‬ ‫فت ُ ُ‬ ‫حل ْ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫حاب ِهِ ا ْ‬ ‫ص َ‬ ‫أ ْ‬
‫‪ -‬رضي الله عنه – ‪..‬‬
‫ن َفان ْظ ُُروا‬ ‫م ِدي ٌ‬ ‫ذا ال ْعِل ْ َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ل‪ :‬إ ِ ّ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫ري َ‬ ‫سي ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫مد ِ ب ْ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫مقدمة مسلم عَ ْ‬ ‫وفي‬
‫ْ‬
‫م‪.‬‬ ‫ن ِدين َك ُ ْ‬ ‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ت َأ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫عَ ّ‬
‫ومن هنا نشأ علم الجرح والتعديل والذي ُوضعت له ضوابط وشروط في‬
‫النقل والرواية قال عنها المستشرقون‪ :‬إن السنة النبوية توّفر لها من التثّبت‬
‫في النقل واتصال السند ما لم يتوفر للنجيل والتوراة‪.‬‬
‫وصنف السلف الدواوين الكبيرة في الصحيح والحسن والضعيف والموضوع‬
‫حياطة منهم‪ ،‬وتثّبتا ً في النقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ومن الضرورة التحّري في تصحيح الحاديث المروّية وأل ّ ُيتساهل في قبولها‬
‫ونسبتها للرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬؛ لن الصل عدم النسبة حتى تثبت‬
‫ح ول تجوز‬ ‫والصل براءة ذمة المكلف وعدم اللتزام بهذا النص حتى يص ّ‬
‫رواية الضعيف إل مع بيان ضعفه أو حاله‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ التثّبت في أقوال أهل العلم فعدم التثّبت في نقل أقوالهم يحدث أخطاء‬
‫ضا‪.‬‬ ‫كبيرة وفساًدا عري ً‬
‫‪ 4‬ـ التثّبت في نقل أقوال الناس‪.‬‬
‫حة لكن الفراغ‬ ‫وهذا النوع ينبغي أل ّ ُينقل إل لحاجة قاضية أو ضرورة مل ّ‬
‫وضعف التربية قد يحمل المرء على القيل والقال تبّرعا ً من غير سؤال ول‬
‫ن‬‫ه‪ :‬إ ِ ّ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫ة فَ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫حذ َي ْ َ‬ ‫مع َ ُ‬ ‫ل ك ُّنا َ‬ ‫م‪َ ،‬قا َ‬ ‫ما ٍ‬ ‫ن هَ ّ‬ ‫مصلحة‪ ،‬وقد جاء في الصحيحين عَ ْ‬
‫ت الن ِّبي ‪ -‬صلى الله عليه‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ة َ‬ ‫ف ُ‬ ‫حذ َي ْ َ‬ ‫ل ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ن‪ .‬فَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ث إ َِلى عُث ْ َ‬ ‫دي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫جل ً ي َْرفَعُ ال ْ َ‬ ‫َر ُ‬
‫م(‪.‬‬ ‫ما ٌ‬ ‫ة نَ ّ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ت(‪ ،‬وفي رواية )ل َ ي َد ْ ُ‬ ‫ة قَّتا ٌ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ْ‬
‫ل ال َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ل‪) :‬ل َ ي َد ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫وسلم – ي َ ُ‬
‫فى‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) -‬ك َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫وفي مقدمة صحيح مسلم َقا َ‬
‫َ‬
‫ع(‪ .‬وفيه عن عمر وابن مسعود رضي الله‬ ‫م َ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫ث ب ِك ُ ّ‬ ‫حد ّ َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫مْرِء ك َذًِبا أ ْ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫َ‬
‫ع(‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫ث ب ِك ُ ّ‬ ‫حد ّ َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ن ال ْك َذِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫مْرِء ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫عنهما‪) :‬ب ِ َ‬
‫ولن يعدم النسان المتحري لنفسه من وسائل التثّبت ما يجعله يقطع شكا ً‬
‫بيقين فمن ذلك‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ الوقوف على ما ُنقل إليه بنفسه إن كان ثمة حاجة لذلك أو تجاوز‬
‫الموضوع ونسيانه إذا لم يكن ثمة حاجة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ العتماد على الرواة الثقات عندما ل يستطع أن يقف على المر بنفسه‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل مظهره على أنه من الصالحين‪ ،‬بل يعتمد‬ ‫وليس الثقة هنا هو فقط من د ّ‬
‫ذلك على أمور أخرى؛ من الفطنة والتعقل والتأني والتجربة والسلمة من‬
‫الهوى واعتلل المزاج والغرض الشخصي باستهداف شخص أو جماعة من‬
‫الناس‪.‬‬
‫وقد قال مالك‪ :‬أدركت بالمدينة سبعين ُيستسقى بهم المطر من السماء ل‬
‫آخذ عن واحد منهم حديثًا‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن أ َِبيهِ َقا َ‬ ‫وعَن اب َ‬
‫خذ ُ‬
‫ما ي ُؤْ َ‬
‫ن‪َ .‬‬
‫مو ٌ‬
‫مأ ُ‬ ‫ة ك ُلهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫مائ َ ً‬
‫دين َةِ ِ‬
‫م ِ‬ ‫ل أد َْرك ْ ُ‬
‫ت ِبال َ‬ ‫ن أِبي الّزَناد ِ عَ ْ‬ ‫ِ ْ ِ‬
‫ه‪.‬‬ ‫ل ل َيس م َ‬ ‫ُ‬ ‫م ال ْ‬
‫ن أهْل ِ ِ‬‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ث‪،‬‬
‫ُ‬ ‫دي‬‫ِ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫عَن ْهُ ُ‬

‫) ‪(221/2‬‬

‫وليس ذلك عن قدح فيهم إنما لغفلة منهم لقبولهم رواية كل من يسمعون‬
‫منه‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن الناس من هو متسرع في الكلم يختلق الروايات اختلقا‪ ،‬فهذا واضح‬
‫وظاهر‪.‬‬
‫ن َيخلق ما َيقو ُ‬
‫ل‬ ‫من كا َ‬ ‫َ‬
‫ب حيله*** َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫س في الك ّ‬ ‫َ‬
‫من ي َُنم وَلي َ‬ ‫ة في َ‬ ‫حيل َ ٌ‬
‫لي ِ‬
‫َفحيَلتي فيهِ َقليلهَ‬
‫دثه حديثا ً فهو‬ ‫دق كل ما قيل له فكل من ح ّ‬ ‫ومنهم من فيه نوع تغفيل يص ّ‬
‫عنده ثقة ثْبت خاصة إن كان ظاهره يوحي بذلك ومثل هذا يسهل خداعه‪.‬‬
‫جل ل يكذب لكنه يرى المور على غير ما هي عليه كمن‬ ‫ومنهم من هو متع ّ‬
‫يرى زحاما ً للناس فيراه حادثًا‪ ،‬وهو ليس كذلك‪ ،‬فيعطي خياله أو عاطفته‬
‫مجال ً للتأثير على الرواية وإضافة بعض "البهارات" عليها ولعل أهم ما يوقع‬
‫الناس في أزمة النقل أمور منها‪:‬‬
‫ون الحاديث‪ ،‬ويتناولون‬ ‫َ‬
‫ل‪ :‬الفراغ الذي يعيشه الكثير خاصة الشباب فيتعاط ْ‬ ‫أو ً‬
‫ي ويفوته‬ ‫الموضوعات دون اكتمال المعرفة وقد ينسى بعضهم الدب الشرع ّ‬
‫أننا في عصر المعلوماتية وثورة التصال التي ل تعفينا من البحث عن اليقين‬
‫كد من حقائق الشياء!‬ ‫أو على القل التأ ّ‬
‫جهون والناصحون‪ ،‬وأصبح الكثيرون‬ ‫ل المرّبون والمو ّ‬ ‫ثانيًا‪ :‬التربية‪ :‬إذ ق ّ‬
‫ب‪.‬‬‫يعتمدون على أنفسهم في التربية دون نصيحة من أحد أو توجيه من مر ّ‬
‫ثالثًا‪ :‬أجهزة العلم التي حركت في الناس نوازع المعرفة والطلع ولم‬
‫تمنحهم أدوات التثّبت وآليات التحصيل‪.‬‬
‫وينبغي إشاعة منهج التثّبت عند أي حكم؛ فكثيرا ً ما نخفق عند التطبيق خاصة‬
‫ل الزمات‪ ،‬ويعّز المصدر الموثوق‪.‬‬ ‫عندما تكثر الشاعات أو تط ّ‬
‫والمسلم يأوي إلى جبل من اليقين والصل البراءة‪ ،‬والسلمة‪.‬‬
‫ققوا‬ ‫ققوا لم يح ّ‬ ‫يقولون أقوال ً ول يعلمونها***ولو قيل‪ :‬هاتوا ح ّ‬
‫إن النسياق وراء الظنون والشكوك له آثار مدمرة على العمل السلمي‬
‫والحياة السلمية‪ ،‬ومنها توهين الصف المسلم‪ ،‬بنشر الشاعات‪ ،‬وتداول‬
‫القوال وإعمال الظنون والكثيرون حين يتعلق المر بهم ينزعجون ويطالبون‬
‫الخرين بالتثّبت ويستغربون كيف يجرؤ مؤمن على نقل هذا القول أو حكايته‬
‫لكن حين يتعلق المر بالخرين ينسون هذا المعنى ويستجيزون لنفسهم‬
‫التساهل في النقل والرواية وقصارى ما يعتذر به المرء منهم أن يقول‪ :‬أنا‬
‫ناقل وأبرأ من عهدة الكلم والحق أنه رّوجه وأشاعه ونشره وقد يكون‬
‫سياق أو بقسماته وملمحه‪.‬‬ ‫استحسنه بصفة مباشرة أو بفحوى ال ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن ي ُؤَْتى‬
‫بأ ْ‬‫ح ّ‬ ‫ذي ي ُ ِ‬‫س ال ِ‬ ‫ولهذا قال صلى الله عليه وسلم‪) :‬وَل ْي َأ ِ‬
‫ت إ ِلى الّنا ِ‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ه(‪.‬‬‫إ ِل َي ْ ِ‬
‫إن إطلق القول في الخرين ليس محمدة ول صفة خير ورحم الله الشافعي‬
‫إذ يقول‪:‬‬
‫ن‬ ‫س‬
‫ُ ُ‬ ‫أل‬ ‫وللناس‬ ‫ت‬
‫ٌ‬ ‫عورا‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫امرئ***فك‬ ‫َ‬ ‫ة‬‫عور‬ ‫به‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫تذك‬ ‫ل‬ ‫لساَنك‬
‫وما شيء أحقّ بطول سجن من لسان‪ ,‬وإذا غلبت على المرء شهوة الحديث‬
‫أو القول فليكن في خير أو بّر‪ ,‬أو على القل في مباح ل ُيؤاخذ به في الخرة‬
‫م به في الد‬ ‫ول ُيذ ّ‬

‫) ‪(221/3‬‬

‫أزمة الرسوم المسيئة كشفت عن أن المة مازالت حية‬


‫الدوحة – موقع القرضاوي ‪2006-2-19‬‬
‫• ‪ ...‬الدين هو المحرك‬
‫• ‪ ...‬ل تكفي المسيرات‬
‫• ‪ ...‬النفاق هو إعراضك عن بعض ما أنزل اللهّ‬
‫• ‪ ...‬العمل أول ً‬
‫• ‪ ...‬إصلح ثم دعوة‬
‫• ‪ ...‬السيرة ضرورة للمسلم‬
‫نفي فضيلة د‪ .‬يوسف القرضاوي ما نشرته بعض الصحف ومواقع النترنت‬
‫من انه رفض التوقيع علي بيان لعدد من العلماء بشأن الرسوم الدنماركية‬
‫وقال أن هذا ل أساس له من الصحة‪ ،‬وفند حجة هؤلء من أن فضيلته يريد‬
‫التصعيد في تلك الزمة فقال أن التصعيد كان ليصال غضب المة ‪،‬وكان‬
‫الغضب العاقل الحكيم ل المتهور ول المتجاوز للحدود‪ ،‬كما قال فضيلته في‬
‫خطبة الجمعة أمس بجامع عمر بن الخطاب أن كل ما جاء في البيان ذكره‬
‫فضيلته من قبل حين دعا ليوم الغضب منذ عدة أسابيع وما أصدره من بيانات‬
‫للتحاد العالمي لعلماء المسلمين‪.‬‬
‫لكن جوعي القرن الفريقي كانوا محورا ثانيا لخطبته الثانية إذ تأسف كثيرا‬
‫لما يعانون منه ولما رأي علي شاشات التلفزيون من لهفتهم للغاثة‪ ،‬وهو إذ‬
‫طالب جمعية قطر الخيرية ومؤسسة الشيخ عيد والهيئة المشتركة للغاثة‬
‫وأهل الخير بإغاثة هؤلء‪ ،‬فانه تعجب من دفع بعض الدول مئات المليين‬
‫لنقاذ أمريكا من إعصار ضربها في حين صمتت هذه الدول عن إنقاذ جوعي‬
‫القرن الفريقي‪ ،‬والذين طالب احد زعماء الصومال لهم بستين مليون ولم‬
‫يدفعها أحد‪ ،‬وقارن فضيلته بين إمكانية أحد الغنياء في أن يدفع ذلك المبلغ‬
‫أو دولة من الدول‪ ،‬وما يرمي في القمامة من المأكولت في وقت يهلك فيه‬
‫الناس جوعي وعطشي ويموتون دقيقة بعد دقيقة‪ ..‬وناشد الجامعة العربية‬
‫ومنظمات المم المتحدة ومنظمة المؤتمر السلمي لبذل الجهد لغاثة هؤلء‬
‫الملهوفين وإطعام هؤلء الجائعين وستر العراة‪ ،‬محببا للناس هذه الغاثة‬
‫حين قال‪ :‬أن الله تعالي يحب إغاثة اللهفان وأي لهفة عند هؤلء الذين‬
‫يموتون أمامنا جوعا؟!‪.‬‬
‫لكن الخطبة الولي لفضيلته كانت دعوة للمسلمين لتعلم السيرة النبوية‬
‫وتحويل الحب العاطفي لرسول الله )صلي الله عليه وسلم( كما بدا في‬
‫أزمة الرسول إلي عمل جاد نوصل فيه سيرة الرسول )صلي الله عليه‬
‫وسلم( للخرين وندعو البشرية للسلم واعتبر الحدث المؤسف الذي جري‬
‫في الدنمارك نافعا حين قال‪ :‬رب ضارة نافعة‪ ،‬وكم من منحة في طي محنة‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كما يقول الصوفية وقبل ذلك يقول الله تبارك وتعالي )فعسي أن تكرهوا‬
‫شيئا‪ ،‬ويجعل الله فيه خيرا ً كثيرًا(‪.‬‬
‫فهذه الرسوم كان من ورائها خير كثير‪ ،‬وإن أساءت إلي رسول الله )صلي‬
‫الله عليه وسلم( وأساءت إلي أمة السلم كلها‪ ،‬وأوضح الخير والنفع الذي‬
‫يراه في هذا المقام‪ ..‬قال‪:‬‬
‫أثبتت الزمة أن هناك أمة إسلمية‪ ،‬لم تزل حية‪ ،‬ولم تمت‪ ،‬وأنها حقيقة ل‬
‫وهم‪ ،‬وان هذه المة غضبت لرسولها ولمحمدها )صلي الله عليه وسلم( من‬
‫المحيط إلي المحيط‪ ،‬وقامت للدفاع عن رسولها وبذل النفس والنفيس في‬
‫سبيل هذا الرسول عليه الصلة والسلم‪..‬‬
‫فقد كان كثيرا من الناس يشككون في هذه المة السلمية‪ ،‬فهناك امة‬
‫عربية‪ ،‬وأمة تركية‪ ،‬لكن ل توجد امة إسلمية‪ ،‬فهذا الحادث اثبت أن هناك أمة‬
‫إسلمية‪ ،‬فهذا كسب كبير‪ ..‬وأضاف‪ :‬أثبتت الحادثة أن هذه المة ل تزال‬
‫توحدها أشياء كثيرة‪ :‬صحيح أن السياسة فرقتها‪ ،‬مزقتها كل ممزق‪ ،‬ذهبت بها‬
‫يمنة ويسرة عن طريق المناهج الوضعية والمذاهب المستوردة من الشرق‬
‫والغرب‪ ،‬ومن اليمين ومن اليسار‪ ..‬الشتراكية والليبرالية فهذا قبلته إلي‬
‫واشنطن‪ ،‬وهذا قبلته إلي باريس‪ ..‬لكن الحوادث أثبتت أن هذه المة التي‬
‫مزقتها اليدلوجيات والسياسات والعصبيات المختلفة‪ :‬العرقية‪ ،‬واللونية‪،‬‬
‫واللغوية‪ ،‬واليديولوجية‪ ،‬هذه المة ل تزال امة واحدة وتحتاج إلي محرك‬
‫يحركها‪ ،‬والي قيادة تقودها‪ ،‬مازالت ل إله إل الله‪ ،‬محمد رسول الله هي التي‬
‫تجمع هذه المة‪ ،‬وهذا مكسب كبير أيضا‪.‬‬
‫الدين هو المحرك‬

‫) ‪(222/1‬‬

‫وتحدث عن أمر ثالث قال أن هذه المة مازال الدين هو المحرك الول لها‬
‫قال‪ :‬الدين هو الذي يوجه مسيرتها‪ ،‬ويحرك مشاعرها‪ ،‬وهذا ما رأيناه حينما‬
‫مس قدس القداس عند المسلمين‪ ،‬وهو يتمثل في أمرين‪ :‬القرآن الكريم‬ ‫ُ‬
‫والرسول )صلي الله عليه وسلم( الذي أنزل عليه القرآن‪ ..‬وربما غضب‬
‫الناس للرسول أكثر مما يغضبون للقرآن‪ ،‬لن القرآن شيء تجريدي أزلي‪،‬‬
‫إنما الرسول شخصية‪ ،‬الناس تغضب للمجسد والمحس أكثر من المعنوي‪،‬‬
‫وخصوصا أن هذه الساءة ليست كلمات‪ ،‬بل رسوما وصورا يعرفها المي‬
‫والقاري وكل أحد‪ ،‬وهي صور مسيئة غاية الساءة‪ ،‬مسفة غاية السفاف‬
‫ولذلك حركت سواكن المة‪ ،‬فجرت مكنوناتها‪ ،‬أثارت المة من أعماقها‪،‬‬
‫فغضبت المة لرسولها‪ ..‬أثبتت أن الدين ليس شيئا ً تافهًا‪ ،‬عارضا‪ ،‬ليس طارئا‬
‫علي الحياة فهو جوهر الحياة‪ ،‬وسر الوجود‪ ،‬وربما ل يعرف ذلك الغربيون‪،‬‬
‫لن الدين عندهم علي الهامش وربما ليس له وجود‪ ،‬أما الدين عندنا فهو‬
‫مسرحياتنا‪ ،‬الدين عندنا أساس وجودنا الدين عندنا جوهر بقائنا‪ ،‬ومن هنا‬
‫يجب أن نستفيد من هذه المناسبة لنعلم المة من جديد‪ ،‬ونؤديها ونقودها من‬
‫جديد‪ ،‬قيادة حكيمة بصيرة‪ ،‬حتى تسير علي نور وعلي بصيرة‪ ،‬وعلي بينة من‬
‫أمرها‪.‬‬
‫ل تكفي المسيرات‬
‫إننا ل ينبغي أن نكتفي بمسيرات الغضب التي غضبت من أجل النبي صلي‬
‫الّله عليه وسلم ‪ ،‬فداه أبي وأمي‪ ،‬فقد دلت هذه المسيرات أن المة تحب‬
‫رسولها‪ ،‬وحب رسول الّله جزء من اليمان‪ ،‬كما قال عليه الصلة والسلم‪ :‬ل‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده وماله والناس أجمعين ‪،‬‬
‫حب الّله وحب رسول الّله صلي الّله عليه وسلم هما من أصول اليمان‪ :‬أن‬
‫يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما‪ ،‬ولكن الحب وحده ل يكفي الله‬
‫ورسوله معني هذا أن تتبع رسول الّله صلي الّله عليه وسلم ‪ ،‬أن تؤمن‬
‫برسالته وبما جاء به‪ ،‬أن يكون هواك تبعا لما جاء به محمد صلي الّله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬أن تجعل حياتك ومسيرتك كلها مقيدة بتعاليم رسول الله‪ ،‬أل تسير‬
‫وحبلك علي غاريك‪ ،‬تفعل ما تشاء وتحكم ما تريد‪ ،‬ليس هذا من اليمان في‬
‫شيء فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل يجدوا في‬
‫أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليمًا‪ ،‬وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا‬
‫قضي الله ورسوله أمرا ً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله‬
‫ورسوله فقد ضل ضلل ً مبينًا‪..‬‬
‫وقال‪ :‬ليس لك خيار أمام حكم الله ورسوله‪ ،‬ل تكن كالمنافقين الذين يقبلون‬
‫من الحكام ما وافق هواهم ويرفضون ما ل يوافق أهواءهم‪ ..‬قيل لهم تعالوا‬
‫إلي ما أنزل الله وإلي الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا يعرضون‬
‫إعراضا ً ول يقبلون ما جاء به الله والرسول‪ ..‬وليس هذا شأن المؤمنين‪ ،‬بل‬
‫شأنهم هو إتباع كل ما جاء به الله ورسوله‪ ،‬ل يتخير‪ ،‬فهذا شأن بني إسرائيل‬
‫مع كتابهم‪،‬وقد قّرعهم الله أشد تقريع وأقساه في كتابه حينما قال‪ :‬أفتؤمنون‬
‫ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك إل خزي في الحياة‬
‫الدنيا ويوم القيامة يردون إلي أشد العذاب وما الّله بغافل عما تعملون‪.‬‬
‫النفاق هو إعراضك عن بعض ما أنزل الّله‬
‫وقال إن قبول البعض ورفض بعض هو النفاق‪ ،‬بل يجب أن يقبل المسلم كل‬
‫ما جاء به الله ورسوله‪ ،‬ولذلك قال الله تعالي لرسوله‪ :‬وأن احكم بينهم بما‬
‫أنزل الله ول تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك‪،‬‬
‫لنك إذا أعرضت عن بعض ما أنزل الله إليك فكأنك أعرضت عن الكل‪ ،‬ل‬
‫يجوز أن تقبل بعضا من هذا الدين وتترك بعضا‪ ،‬القرآن به )‪ (114‬سورة هل‬
‫يجوز أن تقبل القرآن كله وتقول‪ :‬لكني ل أقبل سورة قل هو الله أحد؟ ل‬
‫يجوز‪ :‬لبد أن تقبل القرآن كله هذا هو الدين‪ ،‬لبد أن تأخذ السلم كله‪،‬‬
‫ولذلك إذا كنا نحب الله ورسوله فلبد أن نؤمن بكل ما جاء به القرآن‪ ،‬ولبد‬
‫أن نعمل بكل ما جاء به القرآن‪ ،‬وبكل ما جاء به رسول الّله صلي الّله عليه‬
‫وسلم مبينا للقرآن‪ ،‬فقد كانت مهمته أن يبين للناس ما نزل إليهم‪ ،‬كما ذكر‬
‫الله تعالي في كتابه‪ ،‬علينا أن نتبع ما جاء به رسول الّله‪ ،‬وهو لم يجئ إل بما‬
‫فيه الخير‪ ،‬والنور والهداية والرحمة والمصلحة للناس جميعًا‪ ..‬ولم يكن يريد‬
‫لنفسه شيئا ً إن أجري إل علي رب العالمين‪ ،‬إنما كان يريد أن يهدي الناس‬
‫للتي هي أقوم‪ ،‬أن يخرجهم من الظلمات إلي النور أن يهديهم لصراط ربهم‬
‫العزيز الحميد‪ ،‬أن يصلح من أحوالهم‪ ،‬أن ينتقل بهم من الجهل إلي العلم‪،‬‬
‫من الضللة إلي الهدي‪ ،‬من الفوضى‪ ،‬إلي النظام‪ ،‬من الشر إلي الخير من‬
‫الفساد إلي الصلح‪ ،‬من الرذيلة إلي الفضيلة‪ ..‬إلي كل خير كما قال تعالي‪:‬‬
‫ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء‪ ،‬وهدي ورحمة وبشري للمسلمين‪.‬‬
‫العمل أول ً‬

‫) ‪(222/2‬‬

‫وتحدث عن عواطفنا فقال‪ :‬علينا نحن المسلمين وقد ظهرت منا هذه‬
‫العواطف الجياشة الصادقة نحو رسول الّله صلي الّله عليه وسلم أن نحققها‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في حياتنا‪ ،‬ونجعل منها واقعا ً معايشا ً ملموسا ول تكون مجرد عواطف طائرة‬
‫في الهواء‪ ،‬نريد أن نثبتها‪ ،‬وأن نجعل لها كيانا ً في حياتنا نحول حبنا للرسول‬
‫إلي إيمان صادق بكل ما جاء به من الهدي ودين الحق والبينات والعقائد‬
‫الصادقة‪ ،‬وما جاء به من العبادات الخالصة‪ ،‬وما جاء به من الخلق الفاضلة‪،‬‬
‫والقيم الراقية‪ ،‬والتشريعات العادلة التي تنظم أمر الحياة وعلقات الناس‬
‫بعضهم ببعض علي أقوم وأعدل وأمتن ما يكون‪..‬‬
‫ّ‬
‫وأضاف علينا بعد ذلك أن نعمل ونتبع كل ما جاء به محمد صلي الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬نجعله واقعا في حياتنا الفردية‪ ،‬حياة كل إنسان‪ ،‬في سلوكه‬
‫الشخصي ُيحل ما أحل الله ويحرم ما حّرم الله‪ ،‬في حياتنا السرية‪ ،‬في‬
‫علقاتنا السرية‪ ،‬في علقة الرجل بزوجته‪ ،‬علقة المرأة بزوجها‪ ،‬وعلقة كل‬
‫منهما بأولده بنين وبنات‪ ،‬وعلقة الولد بآبائهم وأمهاتهم‪ ،‬وعلقاتهم بأصولهم‬
‫وفروعهم‪ ،‬وعلقاتهم بأرحامهم‪ ،‬بأخوالهم وخالتهم‪ ،‬بأعمامهم وعماتهم‪،‬‬
‫بأجدادهم وجداتهم‪ ،‬فالسلم جاء بالسرة الواسعة‪ ،‬الموسعة‪ ،‬الممتدة وأولو‬
‫الرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الّله‪.‬‬
‫وقال إن علينا أن نعمل للسلم في مجتمعنا‪ :‬نقيم المجتمع المسلم الذي‬
‫يرتبط بعضه ببعض‪ ،‬علي أساس من التعاطف والتعارف والتراحم‪ ،‬والتعاون‬
‫علي البر والتقوى‪ ،‬وليس التعاون علي الثم والعدوان وأن نكون كالبنيان‬
‫المرصوص يشد بعضه بعضا‪ ،‬كالجسد الواحد‪ ،‬هناك علقات وأحكام تضبط‬
‫هذا المجتمع وتنظمها بالتشريعات المحكمة وبالتوجهات والوصايا الخلقية‪،‬‬
‫التي تجبر نقص التشريعات علينا أن نقيم أمة من هذه المجتمعات المحلية‬
‫المختلفة‪ ،‬نقيم منها كلها أمة واحدة‪ ،‬أمة وسطا‪ ،‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا‬
‫لتكونوا شهداء علي الناس‪ ،‬ويكون الرسول عليكم شهيدا ‪..‬‬
‫وذكر انه ينبغي أن نقيم السلم في حياتنا‪ ،‬ول يكون مجرد شيء نظري‬
‫نتحدث عنه‪ ،‬ونخطب فيه‪ ،‬فإذا نظرنا إلي الواقع نجد السلم غريبا‪ ،‬نريد‬
‫السلم حيا واقعا مشاهدا في حياتنا‪ ،‬في حياة كل منا‪ :‬أفرادا وأسرا‬
‫ومجتمعات وأمة ودولة‪ ،‬نريد دولة إسلمية تحكم بما انزل الله‪ ،‬تقيم العدل‬
‫بين الناس‪ ،‬تقيم عدل الله في أرض الله الذين إن مكناهم في الرض أقاموا‬
‫الصلة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة المور ‪.‬‬
‫إصلح ثم دعوة‬
‫وقال زيد بن المسلم في هذه المناسبة‪ ،‬لكي يحب رسول الله حقا‪ ،‬ولكي‬
‫يؤمن به حقا ولكي يؤمن برسالته حقا‪ ،‬ولكي يتحمس للعمل بها ويدعو غيره‬
‫إليها‪ ،‬لن المسلم كما هو مطالب بالعمل بالسلم مطالب بدعوة غيره‬
‫لرسالة السلم‪ ،‬كل مسلم مطالب بدعوة غيره لما يؤمن به‪ ،‬فالسلم ل‬
‫يكتفي منك بأن تكون صالحا في نفسك‪ ،‬وتقول أنا مالي ومال الناس(‪ ،‬ل‪،‬‬
‫الله تعالي يلزمك علي إصلح غيرك كما أصلحت نفسك‪ :‬أصلح نفسك وادع‬
‫غيرك انظر إلي صورة العصر والعصر إن النسان لفي خسر‪ ،‬إل الذين آمنوا‬
‫وعملوا الصالحات‪ ،‬وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر لم يكتف من النسان أن‬
‫يؤمن ويعمل الصالحات ويعيش وحده‪ ،‬ل‪ ،‬لبد أن توصي غيرك بالحق‪ ،‬وتقبل‬
‫الوصية من غيرك بالحق‪ ،‬لبد أن تتفاعل مع غيرك حتى يقوم المجتمع‬
‫الصالح ول تكتفي بهذا‪ ،‬لن الحق طريقه طويل‪ ،‬وأعباؤه شاقة فلبد أن‬
‫توصي غيرك بالصبر وتقبل من غيرك الوصية بالصبر‪..‬‬
‫وانتقل متحدثا ً عن محور هام قال‪ :‬إذا كنت ممن اتبع محمدا صلي الله عليه‬
‫وسلم فيجب أن تدعو إلي الله وداعيا علي بصيرة‪ ،‬وبيئة‪ ،‬وهذا يقتضي منك‬
‫أن تعرف السلم الذي تدعو إليه‪ ..‬فكيف تدعو الناس إلي شيء وأنت ل‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تعرفه؟ بل كيف تعمل بهذا السلم وأنت ل تعرفه؟ ولذلك كان العلم بالسلم‬
‫مقدما علي العمل بالسلم‪ ،‬العلم إمام والعمل تابعه المام البخاري يقول‬
‫في باب‪ :‬العلم قبل العمل واستدل بقول الله تعالي في سورة محمد فاعلم‬
‫انه ل إله إل الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات اعلم ثم استغفر‬
‫والستغفار عمل‪ ،‬فالعلم قبل العمل‪ ..‬لذلك كان طلب العلم فريضة علي كل‬
‫مسلم ومسلمة‪.‬‬

‫) ‪(222/3‬‬

‫وقال أن هناك قدرا ً من العلم لبد أن يعرفه كل مسلم قال لبد أن تعرف‬
‫من أمور عقيدتك ما تصحح به عقيدتك‪ :‬ل تدخل في الخرافات ول الضاليل‬
‫ول الشرك هذا فرض علي كل مسلم وما يؤدي به العبادة سليمة خالصة لله‬
‫تعالي بعيدة عن النقص والقصور‪ ،‬بعيدة عن الرياء‪ ،‬عما ينقص هذه العبادة‬
‫ويجعلها تقصر عن القبول عند الله وما أمروا إل ليعبدوا الله مخلصين له‬
‫الدين حنفاء وتعرف الحلل من الحرام‪ ،‬لبد أن تعرف نذرا من سيرة رسولك‬
‫صلي الله عليه وسلم يجعلك تؤمن بهذا الرسول عليه الصلة والسلم‪ ،‬فلكي‬
‫تقول إن محمد رسول الله لبد أن تكون مطمئنا إلي رسالة محمد‪ ،‬وهذا ما‬
‫يدعوك لقراءة سيرته أو تسمع من العلماء‪ ..‬فكثير منا ل يعرف من سيرة‬
‫النبي إل قشورًا‪ ،‬ربما بعضها من الشياء التي ل تثبت عن الرسول‪ ،‬أتتها‬
‫أحاديث موضوعة أو حكايات أو إشاعات يتناقلها الناس بعضهم عن بعض‪،‬‬
‫ليس هذا هو المقصود بالسيرة‪ ،‬نريد السيرة الحية العطرة التي تمثل هذا‬
‫النبي العظيم منذ ولدته إلي أن توفاه الله عز وجل وهي سيرة كلها نور علي‬
‫نور‪ ،‬وكلها طيب من طيب‪ ،‬وخيار من خيار‪ ،‬منذ ولدته عليه الصلة والسلم‪..‬‬
‫نقية من الخرافات وهو ما نسلكه في هذه الخطب‪ ،‬وقام به موقع إسلم اون‬
‫لين بلغات شتي تبدأ عن قريب بالنجليزية‪.‬‬
‫السيرة ضرورة للمسلم‬
‫قال روي عن سعد بن أبي وقاص أنه قال‪ :‬كنا نروي أبناءنا مغازي رسول الله‬
‫صلي الله عليه وسلم كما نحفظهم السور من القرآن قال‪ :‬بدل ً من‬
‫الخرافات والروايات المستوردة وفيها ما فيها من الفواحش والباطيل‬
‫يتعلمون سيرة رسول الله صلي الله عليه وسلم‪ ،‬يعرفون هذه البطولت‬
‫وهذا النداء‪ ،‬وأن هذا السلم الذي وصل إليه لم يصل عفوا‪ ،‬إنما وصل بعد‬
‫تضحيات تضحيات هائلة‪ ،‬بعد دماء أريقت وأرواح أزهقت وأموال بذلت ورجال‬
‫ضحوا بأنفسهم ونفائسهم في سبيل الله‪ ..‬ينبغي أن نتعلم سيرة الرسول من‬
‫الثقاة‪ ،‬من العلماء في كتب موثقة‪ ،‬ومن أعظم ما كتب في عصرنا كتاب فقه‬
‫السيرة للشيخ محمد الغزالي رحمه الله كتبه وكان منتدبا ً في المدينة بجوار‬
‫مسجد وقبر رسول الله فكان يقرأه وعواطفه مشبوبة‪) :‬كانت دموعي‬
‫تختلط بمدادي وأنا أكتب هذا الكتاب عن رسول الله صلي الله عليه وسلم(‬
‫وهناك كتب كثيرة‪..‬‬
‫وقال فضيلته‪ :‬علينا أن نقرأ من جديد عن الرسول صلي الله عليه وسلم‬
‫بلغات العالم ونستخدم الدوات الحديثة وآليات العصر‪ :‬الفضائيات‪ ،‬النترنت‬
‫نستغلها لنعرف الناس بهذه الشخصية العظيمة محمد صلي الله عليه وسلم‪،‬‬
‫التي وصفها وأثني عليها الله في كتابه هذا الثناء العظيم حينما قال وإنك‬
‫لعلي خلق عظيم ‪ ،‬ولم يثن عليه بأنه صائم النهار‪ ،‬صائم الليل‪ ،‬كثير التسبيح‬
‫والتحميد والتهليل وهو كذلك لنه أثني عليه بهذا التأكيد‪ ،‬الجملة السمية وهي‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أوكد من الجملة الفعلية‪.‬‬


‫وفّرق بين الخلق الحسن والخلق العظيم‪ :‬فكثير من الناس أخلقهم حسنة‪،‬‬
‫أما أن يكون النسان خلقه عظيما‪ ،‬فهذا شيء قلما يوجد‪ ،‬ومن الذي قال له‬
‫هذا؟ إنه الله ولم يقل له بشر مثله‪ ..‬الله الذي أّدبه فأحسن تأديبه‪ ،‬الذي‬
‫أنزل عليه القرآن‪ .‬ورأي في نهاية خطبته الولي أن علينا أن نتعلم سيرة‬
‫رسول الله‪ ،‬وأن نعلم الناس بعد ذلك هذه السيرة وهذه واجباتنا نحو هذا‬
‫ب ضارة نافعة‪،‬‬ ‫الرسول العظيم علمتها إيانا هذه الحداث المؤسفة لكن ُر ّ‬
‫علي أمتنا الكبرى أن تحب رسولها كما أثبتت ذلك هذه الحداث‪ ،‬وأن تحول‬
‫هذا الحب إلي واقع والي إيمان ملموس بما جاء به محمد صلي الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وأن تحول هذا اليمان إلي عمل وسلوك في حياتها كلها الفردية‬
‫والسرية والجتماعية والممية وأن تدعو الناس إلي هذا كله‪ ،‬المة السلمية‬
‫أمة دعوة‪ ،‬ليست أمة منكمشة علي ذاتها‪ ،‬مكلفة بأن تنشر دينها في العالم‪..‬‬
‫وما أرسلناك إل رحمة للعالمين وكل ضلل ضلته المم المختلفة‪ ،‬المة‬
‫السلمية مسئولة عنه‪ ..‬ثم عليها بعد ذلك أن تتعلم سيرة هذا الرسول‬
‫الكريم‪ ،‬وتتعلم سنته‪ ،‬وتتعلم رسالته‬

‫) ‪(222/4‬‬

‫أزمة العقل المبدع‬


‫محمد خيرى بن عبد المجيد‬
‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه‪ ،‬ونستغفره ونستهديه‪ ،‬ونعوذ بالله ‪ -‬تعالى‪ -‬من‬
‫شرور أنفسنا‪ ،‬ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل‬
‫فل هادى له‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً‬
‫عبده ورسوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وبعد‪:‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ن إ ِل وَأن ْت ُ ْ‬
‫موت ُ ّ‬
‫قات ِهِ َول ت َ ُ‬
‫حق ّ ت ُ َ‬
‫ه َ‬‫قوا الل ّ َ‬
‫مُنوا ات ّ ُ‬
‫نآ َ‬ ‫قال ‪-‬تعالى‪َ)) :-‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن(()آل عمران‪ ،(102 :‬وقال – تعالى‪)) :-‬يا أيها الناس اتقوا ربكم‬ ‫مو َ‬‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬
‫ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجال كثيرا ونساء‬
‫واتقوا الله الذي تساءلون به والرحام إن الله كان عليكم رقيبًا(()النساء‪،(1:‬‬
‫وقال – تعالى‪)) :-‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قول ً سديدا ً * يصلح لكم‬
‫أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا ً عظيمًا((‬
‫)الحزاب‪ ،(71-70 :‬وبعد‪-:‬‬
‫فمما لشك فيه أنه ينبغي على أفراد الفئة المسلمة أن تراجع نفسها مراجعة‬
‫دقيقة حتى تستكشف جوانب الخلل فيها‪ ،‬ولماذا هذا التراجع المرير لهذه‬
‫الفئة في التأثير على )الخر(‪ ،‬وستكشف لنا هذه المراجعة عن أخطاء تتراوح‬
‫بين القلة والكثرة‪ ،‬وفى هذا المبحث سنتناول أحد هذه الخطاء وهى أزمة‬
‫فقدان العقل المبدع أو العقل المفكر‪ ،‬وهى أزمة تربوية في الساس‪ ،‬تنتج‬
‫نتيجة ممارسات تربوية خاطئة ينتج عنها تفرد آحاد بالتفكير‪ ،‬والباقي أو البقية‬
‫تجلس في مقاعد المتفرجين أو المستمعين‪ ،‬وفى أغلب الحيان‬
‫دة نقاط‪:‬‬ ‫المصفقين!!‪ ،‬وتنبع أهمية الموضوع من ع ّ‬
‫‪ -1‬أن آيات القرآن تدعو إلى التفكر في اليات الكونية‪ ،‬وفي النفس‪ ،‬ومن‬
‫آيات الله في الكون قوله – تعالى‪)) :-‬هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه‬
‫شراب ومنه شجر فيه تسيمون )‪ (10‬ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل‬
‫والعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لية لقوم يتفكرون)‪ (11‬وسخر لكم‬
‫الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك ليات‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لقوم يعقلون(( )النحل‪ (12:‬يقول ابن جرير الطبري ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ -‬في‬
‫تفسير قوله ‪ -‬تعالى‪)) :-‬إن في ذلك لية(( يقول جل ثناؤه‪ :‬إن في إخراج الله‬
‫بما ينزل من السماء من ماء ما وصف لكم لية‪ :‬يقول‪ :‬لدللة واضحة وعلمة‬
‫بينة }لقوم يتفكرون{ يقول‪ :‬لقوم يعتبرون مواعظ الله‪ ،‬ويتفكرون في‬
‫حججه فيتذكرون وينيبون‪ ،‬ويقول في تفسير قوله – تعالى‪)) :-‬إن في ذلك‬
‫ليات لقوم يعقلون(( يقول ‪ -‬تعالى‪ -‬ذكره‪ :‬إن في تسخير الله ذلك على ما‬
‫سخره لدللت واضحات لقوم يعقلون حجج الله ويفهمون عنه تنبيهه إياهم")‬
‫‪ (1‬فالقرآن ليس كتاب تاريخ أو جغرافيا‪ ،‬أو علوم طبيعة‪ ،‬ولكنه رسم للعقول‬
‫دروبا ً تسدد الفكر‪ ،‬وأوجد المناخ العلمي كي ينتفع الناس بما سخر الله لهم‬
‫مما في الرض‪ ،‬ويستنبطوا في العلوم ما ينفعهم ول يضرهم‪.‬‬
‫أوجد القرآن المناخ العلمي لينتفع الناس من التاريخ والجغرافيا‪ ،‬فذكر أسباب‬
‫التقدم وأسباب النهيار عند المم ))قل سيروا في الرض ثم انظروا كيف‬
‫كان عاقبة المكذبين(()النعام‪ ،(11 :‬فالمناخ العلمي هو الذي يسمح بالبداع‪،‬‬
‫وطرح السئلة‪ ،‬ولذلك شنع القرآن على الجمود‪ ،‬وعلى الذين يقولون‪)) :‬إنا‬
‫وجدنا آباءنا(()الزخرف‪.(23:‬‬
‫إن الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬عندما أعطى النسان قوى العقل ليفكر أراد منه أن يكون‬
‫التفكير طريقا ً لما هو أنجح وأقوى وأحكم‪ ،‬ولم يعطها للنسان ليجعلها خيالت‬
‫وخرافات يقول الشيخ ابن عاشور‪" :‬إن إصلح التفكير من أهم ما قصدته‬
‫الشريعة السلمية في إقامة نظام الجتماع‪ ،‬وبهذا نفهم وجه اهتمام القرآن‬
‫باستدعاء العقول للنظر والعلم والعتبار"‪.(3).‬‬
‫كما يدعو القرآن إلى التفكير بشكل عام‪ ،‬والتخلص من إرث الباء والجداد‬
‫كما في قوله – تعالى‪)) :-‬قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى‬
‫وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إل نذير لكم بين يدي عذاب‬
‫شديد(()سبأ‪.(46 :‬‬

‫) ‪(223/1‬‬

‫وبين القرآن أن سبيل الدعوة الصحيحة وهو سبيل المرسلين الدعوة على‬
‫بصيرة يقول – تعالى‪ -‬في سورة يوسف ))قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على‬
‫بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين(()‪ (108‬قال أبو‬
‫جعفر‪ :‬يقول – تعالى ذكره ‪ -‬لنبيه محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ :-‬قل يا‬
‫محمد هذه الدعوة التي أدعو إليها والطريقة التي أنا عليها من الدعاء إلى‬
‫توحيد الله‪ ،‬وإخلص العبادة له دون اللهة والوثان‪ ،‬والنتهاء إلى طاعته وترك‬
‫معصيته }سبيلي{ وطريقتي ودعوتي أدعو إلى الله وحده ل شريك له }على‬
‫بصيرة{ بذلك‪ ،‬ويقين علم مني به أنا‪ ،‬ويدعو إليه على بصيرة أيضا ً من‬
‫اتبعني وصدقني وآمن بي }وسبحان الله{ يقول له – تعالى‪ -‬ذكره‪ :‬وقل‬
‫تنزيها ً لله وتعظيما ً له من أن يكون له شريك في ملكه أو معبود سواه في‬
‫سلطانه‪} :‬وما أنا من المشركين{ يقول‪ :‬وأنا بريء من أهل الشرك به لست‬
‫منهم‪ ،‬ول هم مني‪ ،‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ذكر من قال‬
‫ذلك‪ :‬حدثني المثنى قال أخبرنا إسحاق قال حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن‬
‫الربيع بن أنس في قوله‪)) :‬قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة((‬
‫يقول‪ :‬هذه دعوتي حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال‪ :‬قال ابن زيد في‬
‫قوله‪)) :‬قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة(( قال‪} :‬هذه سبيلي{ هذا‬
‫أمري وسنتي ومنهاجي }أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني{ قال‪:‬‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وحق والله على من اتبعه أن يدعو إلى ما دعا إليه‪ ،‬ويذكر بالقرآن‬
‫والموعظة‪ ،‬وينهى عن معاصي الله"‪ ،‬حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال‬
‫حدثني حجاج عن أبي جعفر عن الربيع بن أنس قوله‪} :‬قل هذه سبيلي{ هذه‬
‫دعوتي حدثنا ابن حميد قال حدثنا حكام عن أبي جعفر عن الربيع‪} :‬قل هذه‬
‫سبيلي{ قال‪ :‬هذه دعوتي‪ (4).‬يقول الهروى ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬في المنازل في‬
‫الكلم على نفس الية‪" :‬يريد أن تصل باستدللك إلى أعلى درجات العلم‬
‫وهى البصيرة التي تكون نسبة المعلوم فيها إلى القلب كنسبة المرئي إلى‬
‫البصر‪ ،‬وهذه هي الخصيصة التي اختص بها الصحابة عن سائر المة‪ ،‬وهى‬
‫أعلى درجات العلماء‪ ،‬قال – تعالى‪)) :-‬قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على‬
‫بصيرة أنا ومن اتبعني(( أي أنا واتباعى على بصيرة‪ ،‬ومن اتبعني كذلك يدعو‬
‫إلى الله على بصيرة‪ ،‬وعلى القولين فالية تدل على أن أتباعه هم أهل‬
‫البصائر الداعون إلى الله ‪ -‬تعالى‪ ،-‬ومن ليس منهم فليس من أتباعه على‬
‫الحقيقة والموافقة‪ ،‬وإن كان أتباعه على النتساب والدعوى()‪.(5‬‬
‫فنرى من تفسير السلف لهذه الية أن" البصيرة " يجب أن تكون من سمات‬
‫القائد والتباع أيضا ً ل ينفرد بها أحد دون الخر‪ ،‬ونرى كذلك أن القرآن قد‬
‫فكرهم‪ ،‬واّتبعوا ما عليه‬‫أخبرنا عن قوم ضلوا بسبب عدم تفعيل عقلهم وت ّ‬
‫الباء وهم أصحاب "العقلية البائية"‪ ،‬وهم الذين قالوا‪)) :‬إنا وجدنا آباءنا على‬
‫أمة وإنا على آثارهم مقتدون(()الزخرف ‪ (23‬فحين عطلوا تفكيرهم عن‬
‫إبصار الحق ارتكسوا هم وآباءهم في الضلل المبين‪.‬‬
‫‪ -2‬ومن أسباب طرح الموضوع ما تقوم به قوى الضلل بتطبيق ما يسمى‬
‫بسياسة "تجفيف المنابع" أي تجفيف رموز الفكر والدعوة السلمية من‬
‫اللتقاء والدعوة إلى الجماهير‪ ،‬وبذلك تبقى الجماهير بعيدة عمن يرشدها‬
‫ويوجهها إلى طريق الحق‪ ،‬فتصبح هذه الجماهير وحيدة بدون توجيه أو إرشاد‪،‬‬
‫وتصبح بقدر فريسة سهلة لدهاقنة الباطل لتلّبس عليهم دينهم‪ ،‬وطبعا ً ق ّ‬
‫ل أن‬
‫يظهر من بين هؤلء الجماهير من يقول "أنا لها"‪ ،‬وذلك لعدم وجود من يربى‬
‫على إيجاد عقول إبداعية‪ ،‬أو ما يطلق عليه بالصف الثاني من الكوادر‬
‫الدعوية إل ما رحم ربك‪ ،‬وللحديث بقية إن شاء الله‪.‬‬
‫__________________‬
‫* المقالة جزء من مبحث للباحث بعنوان "أزمة العقل المبدع"‪.‬‬
‫ثبت المراجع‪:‬‬
‫‪ -1‬تفسير الطبري تفسير سورة النحل‪.‬‬
‫‪ -2‬د‪ .‬محمد العبدة"بعض أسس التفكير كما جاءت في القرآن الكريم"ص ‪3‬‬
‫من سلسلة دروب النهضة طباعة دار الصفوة بمصر‪.‬‬
‫‪ -3‬الطاهر بن عاشور"النظام الجتماعي في السلم" نقل عن المصدر‬
‫السابق ص ‪.4‬‬
‫‪ -4‬تفسير الطبري تفسير سورة يوسف‪.‬‬
‫‪ -5‬فتح المجيد شرح كتاب التوحيد طبعة دار الفتح ص ‪.5 .77‬‬
‫‪http://www.islamselect.co‬‬

‫) ‪(223/2‬‬

‫أزمة القيادات في العالم السلمي‬


‫د‪ .‬عبد العزيز القارئ ‪20/1/1424‬‬
‫‪23/03/2003‬‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة تلفت نظَر المفكرين‪،‬‬ ‫مل في واقع المسلمين اليوم يجد ْ ظاهرةً هام ً‬ ‫متأ ّ‬‫ال ُ‬
‫هي أن الصحوة السلمية في المة تنتشر ويتزايد حجمها على مستوى‬
‫الشعوب‪ ،‬بينما هناك فقر مدقع على مستوى القيادات ؛ أي أن هناك اتساعا ً‬
‫على مستوى القاعدة وانكماشا ً على مستوى القمة‪..‬‬
‫هناك قيادات محلية في كل قطرٍ فيها خير وبركة‪ ،‬وكثيٌر منها ل خيَر فيها ول‬
‫ن المسلمين اليوم محرومون من القيادة على مستوى المة‪،‬‬ ‫ة ؛ ولك ّ‬ ‫برك َ‬
‫قيادةٍ مؤهلةٍ لنقاذ المة كلها من وهدتها‪.‬‬
‫أما القيادات السياسية ؛ أي حكام العرب ؛ وحكام العالم السلمي‪ ،‬فقد‬
‫ن المقال‪..‬‬ ‫ل ولسا ِ‬ ‫ن الحا ِ‬ ‫أعلنوا إفلسهم بلسا ِ‬
‫صن ََعه على‬ ‫ة الستعمار‪َ ،‬‬ ‫ف هو صنيع ُ‬ ‫ث لهما‪ :‬صن ٌ‬ ‫وثبت أنهم على صنفين ل ثال َ‬
‫عينه وهي َّأه‪ ،‬وأوصله إلى الكرسي‪ ،‬ووضعه كابوسا على صدر الشعب يكتم‬
‫ً‬
‫ه‪ ،‬ويتولى حراسة مصالح‬ ‫ك لتحّررِ ِ‬ ‫أنفاسه‪ ،‬ويكبت أيّ بوادر لنهضته أو أيّ تحر ٍ‬
‫سادته الذين أوصلوه إلى الكرسي‪ ،‬ويتولون حمايته‪ ،‬وعندما ينتهي مفعوله‬
‫وتنفد صلحيته ي ُْلقون به في المزبلة‪ ،‬وربما تركوه لمصيره وتخلوا عنه لشعبه‬
‫هد‪ ،‬وليس من‬ ‫شا َ‬ ‫م َ‬ ‫ليتولى القضاء عليه‪ ،‬وهذا له أمثلة كثيرة في الواقع ال ُ‬
‫موضوعنا النشغال بتفاصيل ذلك‪.‬‬
‫ب بالعجز‬ ‫ٌ‬ ‫مصا‬ ‫لكنه‬ ‫ر‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ر‬
‫ٌ‬ ‫خي‬ ‫فيه‬ ‫أي‬ ‫ن‪،‬‬‫خ ٌ‬‫ف آخر ليس كذلك‪ ،‬فيه د َ َ‬ ‫وصن ٌ‬
‫مرِ الجديد وضخامة حجمه وشراسته‪.‬‬ ‫ست َعْ ِ‬‫م ْ‬‫التام أمام قوة ال ُ‬
‫ة‪ ،‬ل تستطيع الدفاع‬ ‫ت ضعيف ٍ‬ ‫جّرد َ واجها ٍ‬ ‫م َ‬‫المهم أن كل الصنفين أثبتوا أنهم ُ‬
‫ة مصالحها العليا‪ ،‬ول قدرة َ لها على مكافحة العدو‪،‬‬ ‫عن المة‪ ،‬ول حراس َ‬
‫ة ول إرادة َ لذلك‪..‬‬ ‫ب عن مصالح المة‪ ،‬ول ني َ‬ ‫والذ ّ‬
‫قابتين‬ ‫وحتى تكتمل الصورة المثيرة للسخرية والمرارة انظر إلى تلك الن ّ َ‬
‫ة حكام ِ العالم‬ ‫قاب َ ُ‬‫كام ِ العرب " الجامعة العربية " ون ِ َ‬ ‫ح ّ‬‫ة ُ‬ ‫قاب َ ُ‬
‫الشهيرتين‪ :‬ن ِ َ‬
‫السلمي " المؤتمر السلمي "‪ ،‬إنهما في وضٍع من الشلل والعاقة والعجز‬
‫التام ل تحسدان عليه‪.‬‬
‫ويا أسفا ً على أمةٍ عظيمةٍ تمثلها هاتان النقابتان المشلولتان!!‬
‫ت سياسيةٍ ؛ لقد تخلت القيادات‬ ‫المقصود أن نقول‪ :‬إن المة الن بل قيادا ٍ‬
‫جم ِ ضد ّ شعبه‪،‬‬ ‫مَها ِ‬ ‫ً‬
‫السياسية عن واجباتها‪ ،‬وربما انقلب بعضها مخلبا للعدو ال ُ‬
‫وضد ّ أمته‪.‬‬
‫أما قيادات الحركات السلمية فكثير منها ضعيف‪ ،‬والحركات التي يقودها‬
‫أناس ليسوا من العلماء‪ ،‬ول فقه لهم بالشريعة‪ ،‬ول يشاورون العلماء‪ ،‬ل‬
‫ل قياداتها‪ ،‬ل نجرح فيهم من جهة الصدق‬ ‫ل لحالها وحا ِ‬ ‫تحتاج إلى تفصي ٍ‬
‫ت معينة‪،‬‬ ‫والعدالة‪ ،‬فلربما كانوا أفضل صدقا ً وإخلصًا‪ ،‬ول نستخف بشخصيا ٍ‬
‫ول نريد التنقص من أحد‪ ،‬معاذ الله‪ ،‬إنما هدفنا مناقشة الحالة‪..‬‬
‫م هو الشرط الثاني بعد العدالة للولية عند الفقهاء ثم‬ ‫ه في الدين والعل ُ‬ ‫الفق ُ‬
‫ل وليةٍ عامةٍ تحتاج‬ ‫يليه شرط الكفاية‪ ،‬بمعنى العقلية الدارية السياسية‪ ،‬ك ّ‬
‫إلى هذه الشروط الثلثة وليست الولية الكبرى فحسب‪.‬‬
‫مل قول النبي صلى الله عليه وسلم لبي ذر الغفاري‪) :‬يا أبا ذر إني أراك‬ ‫تأ ّ‬
‫ن ما َ‬
‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫ن على اثنين‪ ،‬ول تولي َ ّ‬ ‫مَر ّ‬ ‫ب لنفسي ل ت َأ ّ‬ ‫ب لك ما أح ّ‬ ‫ضعيفا وإني أح ّ‬
‫يتيم()‪.(1‬‬
‫أبو ذر رضي الله عنه ل ينقصه الشرط الول ول الثاني‪ ،‬فقد ورد أنه أصدق‬
‫الناس‬
‫لهجة )‪ (2‬ولم يكن ضعيفا بمعنى الجبن والخور‪ ،‬كيف ومواقفه القوية في‬ ‫ً‬
‫مسألة الموال معروفة‪ ،‬أول ً في مواجهة أمير الشام معاوية رضي الله عنه‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وذلك عندما كان بالشام‪ ،‬وثانيا ً في حضرة الخليفة الراشد عثمان بن عفان‬
‫رضي الله عنه وأرضاه‪ ،‬وذلك عندما رجع أبو ذر إلى المدينة‪..‬‬
‫إذن المقصود بالضعف هنا‪ :‬الضعف في القيام بوظائف الولية‪ ،‬لفتقاده‬
‫ة‪ ،‬ولذلك نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن‬ ‫ة والسياسي َ‬‫ة الداري َ‬ ‫الحنن ْك َ َ‬
‫سائر الوليات العامة والخاصة‪..‬‬
‫صد َقُُهم لهج ً‬
‫ة‪،‬‬ ‫َ‬
‫أبو ذر رضي الله عنه‪ ،‬صحابي جليل‪ ،‬من علماء الصحابة‪ ،‬وأ ْ‬
‫ن هو في قوته في الحق‪ ،‬ومع كل ذلك ل يراه النبي صلى الله عليه‬ ‫م ْ‬ ‫وهو َ‬
‫ً‬
‫وسلم مناسبا لتولي المارة‪..‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقارن ببعض قيادات الحركات السلمية تجد أمرا عجبا‪ ،‬ول نحتاج إلى‬
‫د‪ ،‬ولكن تتحدث عنهم أعمالهم وإنجازاتهم‪ ،‬وطريقتهم في‬ ‫التشهير بأح ٍ‬
‫التفكير‪ ،‬وطريقتهم في العمل‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وقف أمام الجموع المتحمسة للسلم في‬ ‫حد ُ أحسن هذه القيادات حا ً‬ ‫أ َ‬
‫ف هل استوى الله على العرش أم‬ ‫ب إذا لم يعر ْ‬ ‫بلده يقول‪ :‬ماذا يضير الشع َ‬
‫ل ؟!‬
‫ه ل يعرف هل استوى الرحمن على العرش‬ ‫س ُ‬
‫من الواضح أن هذا القيادي نف َ‬
‫َ‬
‫مثالها من برنامجه‪..‬‬ ‫َ‬ ‫أم ل !! ولذلك هو ي ُل ِْغي هذه المسأل َ‬
‫ة وأ ْ‬
‫ق صدر هذا القيادي بهذه‬ ‫وبصرف النظر عن السبب الذي أّدى إلى ضي ِ‬
‫دمةِ الولويات في‬ ‫مق ّ‬ ‫ة اللهِ في ُ‬
‫المسألة وأمثال َِها فإننا نقول‪ :‬إذا لم تكن معرف ُ‬
‫برنامج أيّ حركةٍ إسلميةٍ فإن لنا أن نتساءل‪ :‬إلى أيّ شيٍء يدعون الناس‬
‫متفّرعٌ من هذا الهدف‪.‬‬ ‫ف آخر هو ُ‬ ‫ل هد ٍ‬ ‫ن‪ ،‬لن ك ّ‬ ‫إ ِذ َ ْ‬

‫) ‪(224/1‬‬

‫وفي حركة أخرى من الحركات السلمية الرئيسية الكبرى في الساحة هي‬


‫حركة الخوان المسلمين قارن في مجال القيادات بين حسن البنا وسيد‬
‫قطب رحمهما الله وبين قيادتها الن حتى تعرف أن الخط البياني في هبوط‪..‬‬
‫م هذه الحركات‬ ‫ت أرحا ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ق َ‬
‫هذه الزمة في القيادات تجعلنا نتساءل‪ :‬لماذا عَ ِ‬
‫مؤَهِّلين سواًء من‬ ‫سيَها عن أن تقدم للمة قادة ً ُ‬ ‫مؤ َ ّ‬
‫س ِ‬ ‫السلمية من بعد ُ‬
‫سون بتربية المة‬ ‫س ُ‬‫الصف الول‪ ،‬أو حتى من الصف الثاني‪ ،‬هل انشغل المؤ ّ‬
‫عن تربية القادة ؟!‬
‫إن أمثال حسن البنا‪ ،‬وعبد الحميد بن باديس‪ ،‬ومحمد بن عبد الوهاب‪ ،‬وأبي‬
‫العلى المودودي وغيرهم من القادة الفذاذ ل تنجب المة أمثالهم دائمًا‪،‬‬
‫فلماذا لم يعتنوا بتربية جيل من القادة يتسلمون الراية من بعدهم ؟!‬
‫انظر إلى القادة من الرعيل الول الذين رباهم النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ماذا فعلوا من بعده‪ ،‬وكيف أكملوا مسيرته حتى وصل نور رسالته إلى‬
‫مشارق الرض ومغاربها‪..‬‬
‫ً‬
‫إن إهمال هذا الجانب وهو إعداد القادة يؤدي دائما إلى ضعف الحركة‬
‫وانحطاطها‪ ،‬لنه يقفز إلى القيادة حينئذ ٍ من ليس أهْل ً لها‪..‬‬
‫َ‬
‫جى ول خيَر ي ُن ْت َظر‪ ،‬يكون الحال‬ ‫ل ي ُْرت َ َ‬‫عندما تكون القيادة لغير العلماء فل أم َ‬
‫عندئذ ٍ تطبيقا ً مبكرا ً لقوله صلى الله عليه وسلم‪ ...) :‬حتى إذا لم ي ُب ْق عالما ً‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ضّلوا()‪.(3‬‬ ‫ضّلوا وأ َ‬ ‫اتخذ الناس رؤوسا ً جهال ً فأفتوا بغير علم ف َ‬
‫إنها مهمة النبياء‪ ،‬سواء كانت دعوةً أو جهادًا‪ ،‬والنبياء استخلفوا عليها‬
‫ة النبياء()‪.(4‬‬ ‫ن العلماَء ورث ُ‬ ‫العلماَء‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم ‪) :‬إ ّ‬
‫نقول‪ :‬إذا كانت القيادات الحركية بهذه الحالة‪ ،‬والقيادات السياسية مفلسة‪،‬‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإن مسؤولية القيادة يجب أن تنتقل إلى العلماء‪..‬‬


‫ن بوجودهم فإنهم القيادة الحقيقية للمة‪،‬‬ ‫موقِ ٌ‬ ‫أعني العلماَء الربانيين‪ ،‬وإني ل َ ُ‬
‫والله تعالى ل يترك هذه المة بل قيادةٍ صحيحةٍ وإل فستكون نهايتها‪.‬‬
‫العلماء هم أولو المر في هذه المة‪ ،‬وهم أهل الحل والعقد‪ ،‬ويجب على‬
‫سْلم أو‬ ‫المة طاعتهم والرجوع إليهم‪ ،‬خاصة عند الملمات والزمات‪ ،‬أزمات ال ّ‬
‫أزمات الخوف‪ ،‬تأمل القرآن ‪:‬‬
‫َ‬
‫ل وَإ ِلى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف أَذا ُ‬ ‫ن أ َوِ ال َ‬ ‫َ‬ ‫) وإَذا جاَءهُ َ‬
‫سو ِ‬ ‫عوا ب ِهِ وَلوْ َرّدوه ُ إ ِلى الّر ُ‬ ‫خو ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫مٌر ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َِ َ‬
‫م ( ] ‪/83‬النساء [‪.‬‬ ‫ه‬‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫طو‬‫ُ‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ر‬‫م‬ ‫ُأوِلي ال َ‬
‫ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ ِ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ْ ِ‬
‫قوله ) يستنبطونه ( دل على أن أولي المر الذين هم مرجع المة هم‬
‫ف‬‫ن القيادات السياسية الن ونحن في خو ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك‪َ :‬‬ ‫العلماء‪ ،‬وإل فقل برب ّ َ‬
‫يفهم القرآن أصل ً حتى يستنبط منه‪.‬‬
‫العلماُء الربانيون موجودون‪ ،‬ولكنهم مشتتون في ثنايا المة‪ ،‬ليس بينهم‬
‫ص على‬ ‫ط ول تنسيقٌ ؛ ولو سرًا‪ ،‬وهم محاَربون‪ ،‬وهناك حر ٌ‬ ‫ل ول تراب ٌ‬ ‫تواص ٌ‬
‫إبعادهم عن مراكز التأثير‪ ،‬ومن باب أولى عن مراكز القيادة‪ ،‬بل في بعض‬
‫بلدان العالم السلمي التي ابتليت بحكومات ظالمةٍ قمعية شرسة هناك‬
‫محاولت للقضاء عليهم وإبادتهم‪..‬‬
‫ل بد من تحرك هؤلء العلماء ليأخذوا زمام المبادرة‪ ،‬فالمة الن أصبحت‬
‫مكشوفة وبل قيادة‪..‬‬
‫ت هنا بصدد وضع برامج مسّبقة ول‬ ‫كيف يتحركون ؟ وماذا يصنعون ؟ لس ُ‬
‫خطط معّلبة‪ ،‬يكفي أن أقول ‪ :‬إن الواجب عليهم الن أن يتحركوا‪ ،‬وأول‬
‫ضي بهم إلى‬ ‫خطوةٍ هو محاولة التواصل‪ ،‬والترابط‪ ،‬والتشاور‪ ،‬لعل ذلك ُيف ِ‬
‫التنسيق فيما بينهم‪ ،‬وتكوين جبهةٍ واحدةٍ سرية أو علنية‪ ،‬أو كلتاهما معا‪ً.‬‬
‫لقد مرت في تاريخ أمتنا أزمات أشد ّ مما تواجهه اليوم‪ ،‬وحّلت بها كوارث‬
‫ومصائب كبيرة هددت وجودها وبيضتها‪ ،‬لكنها نجت من كل تلك المحن‪ ،‬وكان‬
‫الفضل بعد الله يرجع لجهود العلماء‪..‬‬
‫كان من أهم أسباب الضعف أن الفتن التي هجمت على المة بدأت من‬
‫الداخل‪ ،‬متمثلة في الروافض‪ ،‬البويهيين‪ ،‬والفاطميين‪ ،‬وفرق الباطنية من‬
‫إسماعيليين وحشاشين‪ ،‬كل هؤلء كانوا عوامل فساد نخرت في كيان المة‪،‬‬
‫ض ملوك المسلمين وسلطينهم ‪ :‬من‬ ‫ة بع ِ‬ ‫ولول وقفة العلماء ضدهم‪ ،‬ووقف ُ‬
‫السلجقة‪ ،‬واليوبيين‪ ،‬لكان أثر هؤلء الروافض مدمرًا‪..‬‬
‫ثم جاء الهجوم الصليبي‪ ،‬الذي بدأت أولى موجاته في أوائل القرن الخامس‬
‫الهجري‪ ،‬وكان لمراسلت خلفاء الدولة الفاطمية الرافضية مع نصارى أوربا‬
‫يحثونهم على مهاجمة الشام أبلغ الثر في غزو الصليبيين للعالم السلمي)‬
‫‪ .(5‬بل وكان لمراسلت " ابن العلقمي " الوزير الرافضي لخر الخلفاء‬
‫العباسيين أبلغ الثر في هجوم المغول على بغداد سنة )‪ (656‬هـ وانهيار‬
‫الخلفة العباسية على يدهم‪..‬‬

‫) ‪(224/2‬‬

‫منذ هجوم الصليبيين على الجناح الغربي في أوائل القرن الخامس‪ ،‬حتى‬
‫سقوط الخلفة العباسية على يد المغول في منتصف القرن السابع كانت‬
‫هذه فترات عصيبة مرت بالمة السلمية‪ ،‬كادت فيها هذه العواصف الهائلة‬
‫المدمرة تتسبب بفنائها‪ ،‬لكن يلحظ المفكر أن الجانب السياسي في المة‬
‫وإن كان مهترئا ً فاسدا ً في الغالب – سوى ومضات قليلة لم تدم طويل ً –‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتعدى نحس هذا الفساد السياسي إلى المجتمع‪ ،‬فكثرت فيه مظاهر الفساد‪،‬‬
‫ن الجانب العلمي كان قويًا‪ ،‬والمدارس مزدهرة والعلماء‬ ‫وأسباب الدمار‪ ،‬لك ّ‬
‫قائمين بواجبهم في محاولة إصلح المة‪ ،‬والعجيب أنه في هذه الفترات‬
‫العصيبة ظهر مشاهير من العلماء ‪ :‬كابن الجوزي‪ ،‬وأبي حامد الغزالي‪ ،‬وشيخ‬
‫السلم ابن تيمية‪ ،‬وغيرهم ومن يراجع كتب التاريخ والتراجم يجد عجبًا‪..‬‬
‫ومع انهيار النظام السياسي ؛ بانهيار الخلفة العباسية ببغداد واستسلم‬
‫سلطين الشام وأمرائه للصليبيين ؛ فإن كيان المة ظل صامدا ً أمام تلك‬
‫ة‪ ،‬وداوت‬ ‫ة ثابت ً‬
‫العواصف الهائلة‪ ،‬بل ونهضت المة من بين الركام قوي ً‬
‫جراحها‪ ،‬ورممت ما انهدم من بنائها‪ ،‬بل وأنجبت قيادات سياسية جديدة‪،‬‬
‫سليمة صحيحة‪ ،‬تولت مهام ترميم الكيان السياسي وإنقاذه‪ ،‬كعماد الدين‬
‫زنكي‪ ،‬ونور الدين زنكي الشهيد‪ ،‬وصلح الدين اليوبي‪ ،‬وسيف الدين قطز‪،‬‬
‫وقبلهم ملوك السلجقة‪ :‬طغرل بك‪ ،‬وملكشاه‪ ،‬ووزيره نظام الملك الذي‬
‫اشتهر بإنشاء المدارس ورعاية العلماء‪ ،‬والسلطان ألب أرسلن صاحب غزوة‬
‫" ملذكرد " التي كانت البوابة الهامة لفتح بلد الروم بعد ذلك " آسيا الصغرى‬
‫ت تلك‬ ‫ق ْ‬ ‫" أو " تركيا " وتأسيس خلفة " آل عثمان " فكيف أمكن ذلك لمةٍ تل َ ّ‬
‫ت بتلك الكوارث الكبرى ؟!‬ ‫من ِي َ ْ‬
‫ةو ُ‬
‫الضربات الهائل ً‬
‫الفضل بعد الله يرجع إلى العلماء‪ ،‬الذين بنشر العلم حافظوا على روح المة‬
‫كلوا فريق‬ ‫ط الدفاع الخير القوي الذي لم يمكن لحدٍ اختراقه‪ ،‬وش ّ‬ ‫وشك ُّلوا خ ّ‬
‫الطباء الذين داووا جراح النفوس‪ ،‬وث َّبتوا إيمان المة‪.‬‬
‫ذين والملوك المجاهدين تجد قاسما ً‬ ‫ق ِ‬ ‫وعندما تقرأ سيرة أولئك القادةِ المن ِ‬
‫ح سيرتهم‬ ‫مشتركا ًَ بينهم‪ :‬حبهم للعلم والعلماء‪ ،‬واعتناءهم بالمدارس‪ ،‬وصل َ‬
‫وقوة َ إيمانهم‪ ،‬ثم عنايَتهم مع ذلك بالسباب المادية بتقوية الجبهة الداخلية‪،‬‬
‫والقضاء على الروافض‪ ،‬والعناية بالتسليح وإنشاء مصانع السلح‪.‬‬
‫ة‬
‫ة الصليبي َ‬ ‫وهكذا في العصر الحديث‪ ،‬عندما واجه العالم السلمي الهجم َ‬
‫م‬‫ه غنائ َ‬ ‫م ُ‬‫س َ‬‫ه وتقا َ‬‫ة في الستعمار الوربي الذي مّزقَ أوصال ُ‬ ‫ة المتمثل َ‬‫الثاني َ‬
‫ه حتى تحّرَر من هذا الستعمار على يد العلماء‬ ‫للدول الوربية‪ ،‬بدأت نهضت ُ ُ‬
‫أمثال‪ :‬الشيخ عبد الحميد بن باديس في الجزائر‪ ،‬والسنوسي في ليبيا‪،‬‬
‫والمهدي في السودان‪ ،‬والشيخ محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية‪،‬‬
‫وعلماء المسلمين بالهند وغيرهم‪.‬‬
‫واليوم هاهو التاريخ يعيد نفسه‪ ،‬وهاهو العالم السلمي يواجه الهجمة‬
‫الصليبية الثالثة‪ ،‬وهي هذه المرة أمريكية‪ ،‬فل بد أن يتحرك العلماء‪ ،‬ويقوموا‬
‫بواجبهم في تثبيت المة والحفاظ على روحها وإيمانها‪ ،‬ووحدتها‪ ،‬وثباتها‪،‬‬
‫ة للقيادة "الخيرة"!!‬ ‫ة‪ ،‬أو يهيؤوا الم َ‬ ‫ويهيؤوا للمة قيادات جديد ً‬
‫المقالة التالية‬
‫)الحرب الصليبية الثالثة أمريكية(‬
‫)‪ (1‬مسلم في المارة ] انظر النووي ‪.[ 210 /12‬‬
‫)‪ (2‬الترمذي في السنن ]‪ / 669 / 5‬الحلبي [‪.‬‬
‫)‪ (3‬البخاري في العلم ] ‪ /1/36‬الحلبي [‪.‬‬
‫)‪ (4‬أبو داود في العلم ] انظر مختصر المنذري ‪ [ 243 /5‬وذكره البخاري في‬
‫الترجمة ] ‪ /1/26‬الحلبي [‪.‬‬
‫)‪ (5‬الحروب الصليبية ‪ /‬لمحمد العمروسي المطوي ‪ /‬طبع دار الغرب‬
‫السلمي ‪1982‬م ‪ /‬ص ‪.35‬‬

‫) ‪(224/3‬‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أزمة الهوية عند الشباب المسلم‪..‬‬


‫)نظرة تشخيصية(‬
‫تنتمي أزمة الهوية السلمية المعاصرة للشباب المسلم لذلك النوع من‬
‫الزمات المزمنة الذي تتشعب أسبابه وتتفرع متعلقاته‪ ،‬فالنظرة لها يجب أن‬
‫تكون نظرة شاملة متعمقة دارسة للواقع الفعلي لذلك الشباب المسلم‬
‫وتيارات التأثير التي تؤثر فيه ومنابع المد التي تمده وتغذيه‪ ،‬فهي أزمة تجتمع‬
‫فيها مسارات سياسية وعقائدية وفكرية ثقافية وتنموية اجتماعية تجتمع كلها‬
‫لتشكل أزمة التكوين الثقافي والسلوكي والعقائدي والفكري لذلك الشباب‬
‫المسلم الذي ينتشر في ربوع الرض‪ ،‬بعضه يعيش في موطنه والبعض الخر‬
‫خارج وطنه‪ ،‬والغريب الداعي للبحث أن كليهما يعاني من أزمة الهوية!!‬
‫إن المسار التاريخي قد أفرز فسحة في البناء الحضاري اسمها )القابلية‬
‫للستعمار(‪ ،‬وهذه الفسحة تعكس تنامي عوامل التفكك في البعاد الفكرية و‬
‫السياسية والقتصادية والجتماعية كما تعكس تراجعا ً كبيرا ً في النتماء‬
‫العقائدي للشباب في تلك المساحة الستعمارية التاريخية‪ ،‬فهنا إذن مساحة‬
‫تسمح للبؤر الناشئة في عصر التفكك والضعف بالرتباط بمركز آخر للتلقي‬
‫والتوجيه ونفس الشيء يحدث بالنسبة للوعي عندما يبدأ بالتواصل مع‬
‫مرجعيات مغايرة وليس المهم أنها تابعة للمركز الستعماري بقدر ما هي‬
‫مبتعدة عن المركز الحضاري الصلي وهو في قضيتنا هنا الحضارة السلمية‪،‬‬
‫وبالتالي فإن الوعي سيبدأ بالتغير وستفقد المقولت الصلية التي تكون‬
‫الهوية هيمنتها عليه فيغدو القبول بمقولت الخر شيئا ً مألوفًا‪،‬وبسلوكيات‬
‫الخر وطريقة تفكيره وربما يتنامى ذلك أيضا ً للعتقاد!!‬
‫وهذا يعني إلغاء التجانس )القتصادي‪ ،‬الجتماعي‪ ،‬السياسي‪ ،‬الثقافي‪،‬‬
‫الفكري‪ ،‬العتقادي( ذلك الذي يعد أهم مظهر من مظاهر وحدة الحضارة‬
‫وتحديد الهوية‪ ،‬ولذا يمكن أن نعرف ذاك التجانس بأنه )العناصر المشتركة‬
‫التي تصلح كمقومات لبناء هوية مجتمع واحد للمة(‪ ،‬وعليه فإن مقابلة أي‬
‫تعدد سيعني زوال ذلك التجانس الذي يفرز الحضارة ويبني الهوية‪ ،‬فكما أن‬
‫قضية الهوية الشخصية يعد أزمة موجبة للعلج فإنه لبد للنظر إليها من خلل‬
‫أزمة أخرى أكثر إيجابا للعلج هي أزمة الهوية المجتمعية التي تسبب الضياع‬
‫الفردي والذوبان في المغاير‪...‬‬
‫وتستعمل كلمة)هوية( في الدبيات المعاصرة لداء معنى كلمة ‪ Identity‬التي‬
‫تعبر عن خاصية المطابقة‪ :‬مطابقة الشيء لنفسه‪ ،‬أو مطابقة لمثيله‪ ،‬وفى‬
‫المعاجم الحديثة فإنها ل تخرج عن هذا المضمون‪ ،‬فالهوية هي‪ :‬حقيقة‬
‫الشيء أو الشخص المطلقة‪ ،‬المشتملة على صفاته الجوهرية‪ ،‬والتي تميز‬
‫عن غيره‪ ،‬وتسمى أيضا ً وحدة الذات‪.‬‬
‫ولذلك فإذا اعتمدنا المفهوم اللغوي لكلمة هوية أو استندنا إلى المفهوم‬
‫الفلسفي الحديث فإن المعنى العام للكلمة ل يتغير‪ ،‬وهو يشمل المتياز عن‬
‫الغير‪ ،‬والمطابقة للنفس‪ ،‬أي خصوصية الذات‪ ،‬وما يتميز الفرد أو المجتمع‬
‫عن الغيار من خصائص ومميزات ومن قيم ومقومات‪.‬‬
‫وخلصة القوال‪ :‬إن الهوية الثقافية والحضارية لمة من المم‪ ،‬هي القدر‬
‫الثابت‪ ،‬والجوهري والمشترك من السمات والقسمات العامة‪ ،‬التي تميز‬
‫حضارة هذه المة عن غيرها من الحضارات‪ ،‬والتي تجعل للشخصية طابعا ً‬
‫تتميز به عن الشخصيات الخرى‪.‬‬
‫وسوف نحاول من خلل استقراء وجهات نظر الخبراء والمربين والدعاة‬
‫البحث في قضية الهوية السلمية لشبابنا هادفين للخروج بمنظور علجي‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نافع يعد انطلقة مقبولة للعودة إلى النتماء والتطبيق للمعنى السلمي‬
‫الصيل‪..‬‬
‫ل‪ :‬مظاهر ضعف الهوية السلمية لدى الشباب المسلم‪..‬‬ ‫أو ً‬
‫تتكاثر المظاهر التي قد يراها البعض انفتاحا ً وتقدما ً ورقيا ً في حين يراها‬
‫الخرون إذلل ً وتبعية وذوبانا ً للهوية‪..‬‬
‫يقول الدكتور محمد إسماعيل المقدم‪ :‬يمكنك أن ترى أزمة الهوية السلمية‬
‫في الشباب الذي يعلق علم أمريكا في عنقه وفي سيارته‪ ،‬وفي الشباب‬
‫الذي يتهافت على تقليد الغربيين في مظهرهم ومخبرهم‪ ،‬وفي المسلمين‬
‫الذين يتخلون عن جنسية بلدهم السلمية بغير عذر ملجئ ثم يفتخرون‬
‫بالفوز بجنسية البلد الكافرة وفي المذيع المسلم الذي يعمل بوقا ً لذاعة‬
‫معادية لدينه من أجل حفنة دولرات‪ ......،‬وفي أستاذ الجامعة الذي يسبح‬
‫بحمد الغرب صباح مساء‪ ...‬وفي كل ببغاء مقلد يلغي شخصيته ويرى بعيون‬
‫الخرين ويسمع بآذانهم وباختصار‪ :‬يسحق ذاته ليكون جزءا ً من هؤلء الخرين‬
‫" أيبتغون عندهم العزة "؟!‬

‫) ‪(225/1‬‬

‫ويقول الدكتور عصام هاشم‪ :‬يوم أن ضّيع أفراد المة هويتهم‪ ،‬وذهبوا‬
‫يتخبطون في دياجير ظلمة الحضارة المعاصرة بحثا ً عن هوية‪ ،‬ظهرت نسخة‬
‫مشوهة من الحضارة الغربية بين شباب بلد السلم‪ ،‬حيث ظهر من يقلدهم‬
‫في لباسهم وأكلهم وشربهم وقصات شعورهم‪ ،‬بل وحتى في سعيهم البهيمي‬
‫في إشباع شهواتهم‪ ،‬وظهر من فتيات السلم كذلك من تعرت وتفسخت‬
‫وتركت حجابها وظهرت على شاشات الفضائيات والقنوات مغنية أو راقصة‬
‫أو مقدمة‪ ،‬والدهى من ذلك والمر أن هناك من بني جلدتنا وممن يتكلمون‬
‫بألسنتنا يسعون باسم الثقافة والتقدم إلى مزيد من طمس الهوية السلمية؛‬
‫فيسعون لكشف المحجبة‪ ،‬وإفساد المؤدبة‪ ،‬وإخراج المكنونة المستترة‪..‬‬
‫ويقول الدكتور جمال عبد الهادي‪ :‬إن الزمة بلغت إلى حد أن المة صارت‬
‫تستورد قيمها من غيرها لتبني حضارتها ولشك أن هذه أعظم مخادعة للذات‬
‫؛ لنها تبني بيتها على جرف هار‪ ،‬إن من يتصور أن في اتباع قيم الخرين‬
‫ومناهج حياتهم الوجاية والوقاية من بطش أمم شاء الله لها العلو في الرض‬
‫زمنا ً والفساد فيها إلى حين لهو واهم؛ لن صدام الحضارات والديان‬
‫والثقافات أصبح حقيقة واقعة ومعلوم من التاريخ والواقع بالضرورة‪..‬‬
‫ويقول الدكتور عبد العزيز التويجري‪ :‬إن الخطر الكبر الذي يتهدد المم‬
‫س الهوية الثقافية والذاتية‬
‫والشعوب في هذا العصر‪ ،‬هو ذلك الخطر الذي يم ّ‬
‫الحضارية والشخصية التاريخية للمجتمعات النسانية في الصميم‪ ،‬والذي قد‬
‫يؤدي إذا استفحل‪ ،‬إلى ذوبان الخصوصيات الثقافية التي تجمع بين هذه المم‬
‫والشعوب‪ ،‬والتي تجعل من كل واحدة منها‪ ،‬شعبا ً متميزا ً بمقومات يقوم‬
‫عليه كيانه‪ ،‬وأمة متفردة بالقيم التي تؤمن بها وبالمبادئ التي تقيم عليها‬
‫حياتها‪.‬‬
‫ومهما تكن اللفاظ الجامعة التي يوصف بها هذا الخطر الذي بات اليوم‬
‫ظاهرة ً تكتسح مناطق شتى من العالم‪ ،‬بما فيها المناطق الكثر نموّا ً والوفر‬
‫دما ً في المجالت كافة‪ ،‬وأيا ً كانت طبيعة هذه الظاهرة وحجمها والدوات‬ ‫تق ّ‬
‫التي تستخدم في تحريكها‪ ،‬فإن مما لشك فيه أن لهوية والثقافة‬
‫وناتهما ومقوماتهما‪ ،‬هما المستهدف في المقام الول‪ ،‬وأن‬ ‫بخصوصياتهما ومك ّ‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الغاية التي يسعى إليها الماسكون بأّزمة السياسة الدولية في هذه المرحلة‪،‬‬
‫هي محو الهويات ومحاربة التنوع الثقافي‪ ،‬والعمل على انسلخ المم‬
‫والشعوب عن مقوماتها‪ ،‬لتندمج جميعا ً في إطار النموذج المريكي القوى‬
‫إبهارًا‪ ،‬والشد ّ افتتانا ّ في العصر‪.‬‬
‫ونحن نستطيع استقراء أهم المظاهر التي تدل على أزمة الهوية لدى الشباب‬
‫المسلم في عدة نقاط هامة وأساسية‪:‬‬
‫‪ -1‬النبهار الشديد بالتقدم الغربي على مستوى التكنولوجيا والحضارة‬
‫المادية‪.‬‬
‫‪ -2‬التطلع لمشابهة الغربيين والمريكيين وغيرهم من الشعوب المتقدمة مع‬
‫الشعور بالدونية والنكسار تجاه تلك الشعوب‪.‬‬
‫‪ -3‬التحرر من القيم المقيدة للسلوك الباحي تشبها بالتحرر الغربي الجنسي‬
‫والسلوكي‪.‬‬
‫‪ -4‬ضعف الولء والنتماء للتشكيل السلمي القيمي والمبادئي والمعيشي‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ما هي طبيعة النزاع والتحدي بين الهوية السلمية والثقافات الخرى؟‬
‫وما سبب النكسار لدى الشباب المسلم أمام الثقافات الغربية؟!‬
‫يقول الستاذ الدكتور أحمد زايد‪ :‬إن ثقافة العولمة التي تتحدى وتتصارع مع‬
‫الهوية السلمية هي ذات خصائص معينة تجعلها تتميز بالقوة والدعم الذين‬
‫تفتقدهما الثقافة السلمية في هذا العصر‪ ،‬فهي ثقافة يصاحبها في الغالب‬
‫خطاب تقني وعملي‪ ،‬فهي تنقل عبر الوسائل التصالية الحديثة‪ ،‬وهي بذلك‬
‫مصنوعة بحساب‪.‬‬
‫وهي نخبوية ُتفرض من أعلى من دون أن تكون لها قاعدة شعبية‪ ،‬أو تعبر‬
‫عن حاجات محلية‪ ،‬أو تلتزم بأشكال ومضمون التراث الثقافي التي تنتقي‬
‫منه‪.‬‬
‫ّ‬
‫وإذا كانت ثقافة العولمة ثقافة نخبوية‪ ،‬فإنها تساعد على تركز القوة‪ .‬والقوة‬
‫هنا ليست قوة سياسية فحسب‪ ،‬بل قوة التكنولوجيا المرتبطة بالمشروعات‬
‫الصناعية ذات الصبغة الكونية كشبكات الحاسوب والنترنت‪ ،‬وهي ما يطلق‬
‫عليها تقنيات العولمة ‪ ،‬وهي مرتبطة ارتباطا ً وثيقا ً بثقافة الستهلك‪،‬‬
‫فالعمليات المرتبطة بنشر الحداثة تساعد على نشر القيم والرموز وأساليب‬
‫السلوك المرتبطة بالستهلك‪.‬‬
‫وهي ثقافة تعمل على خلق نماذج وصيغة موحدة عبر العالم‪ ،‬كما تدعم‬
‫نظاما ً للصور الذهنية حول موضوعات خاصة لها علقة مباشرة أو غير‬
‫مباشرة بالسوق الرأسمالي‪.‬‬
‫وتنطوي ثقافة العولمة التي تنبثق من الحداثة المادية بخصائصها تلك‪ ،‬على‬
‫دد الهوية والثقافة في آن واحد‪ ،‬مما يؤكد قوة الترابط‬ ‫مخاطر عديدة تته ّ‬
‫ً‬
‫والتلزم بين الهوية والثقافة أيا كانتا وهو المر الذي يستدعى تقوية العلقة‬
‫بين العنصرين الرئيسْين من عناصر الكيان الممي‪ :‬الهوية والثقافة؛ لن في‬
‫ة من السقوط الحضاري‪ ،‬وصيانة للذات‪،‬‬ ‫الحفاظ على الهوية والثقافة وقاي ً‬
‫ديات مهما تكن‪.‬‬ ‫وتعزيزا ً للقدرات التي يمكن التصد ّيّ بها لضغوط التح ّ‬

‫) ‪(225/2‬‬

‫ويقول الستاذ الدكتور شفيق عياش )عميد كلية الدعوة وأصول الدين‬
‫بجامعة القدس(‪ :‬يمثل المحور الثقافي المتداد الوسع لحركة العولمة‬
‫الثقافية‪ ،‬ولعلي هنا أبرز بعض التحديات التي تأتي بها العولمة‪ ،‬وتطال في‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا المحور كافة العناصر المكونة للوجود الديني أو النتمائي للدول‬


‫المستهدفة عبر وسائل متبعة لنشر ثقافة التغريب والعولمة‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬تحريف المفاهيم الدينية‪ ،‬كي تتفق مع الفكار الفكرية التي تروجها‬
‫العولمة المعاصرة‪ ،‬وذلك باستبعاد اليمان بالغيبيات واعتباره مضادا للعقلنية‬
‫العلمانية‪.‬‬
‫‪ -2‬إيجاد فئات وشرائح ومؤسسات في المجتمعين العربي والسلمي تعمل‬
‫كوكيل للثقافة الغربية‪ ،‬وذلك بتقديم المساعدات المالية لمشاريع أبحاثها‬
‫وعقد الندوات واللقاءات التي تدعم توجهاتها الثقافية للهيمنة على الثقافتين‬
‫العربية والسلمية‪.‬‬
‫‪ -3‬إنشاء مجموعة من المراكز والمؤسسات التي تؤثر مباشرة على الثقافة‬
‫العربية‪ ،‬مثل‪ :‬الجامعات التبشيرية ومراكز اللغات والترجمة ومؤسسات‬
‫خيرية ومدارس أجنبية يتمثل دورها جميعا ً في التأثير الفكري والتربوي‬
‫واللغوي على طلبة العلم والمعرفة‪ ،‬وفرض مناهجها وأفكارها مع التقليل من‬
‫مواد اللغة العربية والتربية السلمية‪ ،‬ثم القيام بالتبشير والتنصير‬
‫) والخطورة كل الخطورة تكمن في تخريج هذه الجيال على النهج المريب‬
‫من التغريب( وهي أجيال لن تعود لها صلة بماضيها وتراثها وثقافتها ولن‬
‫يكون لها ولء ول انتماء لبائها وأقرانها ممن يتخرجون من المدارس العربية‪،‬‬
‫وكأننا بذلك نعمل على إيجاد حالة من النفصام في شخصية المجتمع وبنيته‬
‫الساسية تبدو آثاره في ظاهرة استعلء لغوي ومباهاة بلغة الغرب وثقافاتهم‬
‫وإعلمهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -4‬يعد العلم مرتعا خصبا وميزانا فسيحا يتم من خلله الغزو الثقافي‬
‫لشاعة الفواحش والمنكرات من أجل تحطيم القيم والثوابت الخلقية‪ ،‬ولقد‬
‫تحولت وسائل العلم إلى قنوات لبن مسموم ونشر للرذيلة والنحطاط‬
‫بالغريزة البشرية وانهيار السلوك النساني والتباس الحق بالباطل والهدى‬
‫بالضلل والخير بالشر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ - 5‬إن قنوات التلفزة تشكل تهديدا خطيرا ومعول هدم للهوية السلمية‬
‫الحضارية والثقافية من خلل بث البرامج والفلم والمسلسلت الخليعة‬
‫والمسرحيات الهابطة‪ ،‬ولقد كشفت دراسة قام بها تسعة من أطباء علم‬
‫النفس على مدى خمس سنوات في جريدة الرأي الكويتية عام ‪1992‬م‪،‬‬
‫أظهرت أن البرامج المتلفزة تؤثر على الطفال المراهقين وتدفعهم إلى‬
‫الصراعات وتجعلهم أكثر تقبل ً للعنف الجنسي‪ ،‬وكشفت هذه الدراسة أيضا ً‬
‫أن أفلم الرسوم المتحركة التي تعرض صباح العطلة السبوعية تتضمن‬
‫مشاهد عنف تزيد بمعدل أربع أو خمس مرات عما يشاهد في الفلم التي‬
‫تعرض بعد ذهاب الطفال للفراش‪ ،‬فعلى الرغم من كل هذه المظاهر التي‬
‫وضحتها كل هذه الدراسات نرى تكالب أجهزة العلم على هذه المنتجات‬
‫العلمية‪.‬‬
‫ويقول الباحث الدكتور إبراهيم متولي‪ :‬إن التحدي الملح تجاه العودة بالهوية‬
‫السلمية هو التحدي التربوي‪ ،‬وباستقراء الدراسات التربوية السابقة‬
‫والخاصة بهذا التجاه يتضح لي ما يلي‪ :‬من استعراض الدراسات السابقة‬
‫يتضح أن ثمة أمور ل بد من التأكيد عليها لعل من أهما ما يلي‪-:‬‬
‫‪ -1‬أن العالم السلمي يتعرض لمجموعة من التحديات والمخاطر ل بد‬
‫للنظمة التعليمية والتربوية من مواجهتها بصورة حاسمة‪.‬‬
‫‪ -2‬حاجة المجتمعات العربية والسلمية إلى صياغة حديثة لنظرية تربوية‬
‫إسلمية تكون في مواجهة التحديات والمخاطر التي تحدق بالمة العربية‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلمية‪.‬‬
‫‪ -3‬أن التعليم في القرن الجديد ‪ -‬الحادي والعشرين ‪ -‬يرتكز على مجموعة‬
‫من المبادئ‪ ،‬هي‪ :‬بيئة تعليمية جديدة ‪ -‬التعليم الشخصي ‪ -‬تعليم مبتكر‬
‫للمعرفة ‪ -‬التعليم مدى الحياة‪ ،‬وكلها أساسيات مبادئية للتعليم الحديث يجب‬
‫أل تهملها النظرية السلمية الحديثة في مواجهة التغريب والعلمنة‪.‬‬
‫‪ -4‬أن المجتمعات العربية السلمية تتعرض الن ‪ -‬وفي المستقبل ‪-‬‬
‫لمجموعة من الخطار والتحديات بعضها داخلي كالتغير في التركيب‬
‫السكاني‪ ،‬والتغيرات الثقافية والقيمية‪ ،‬والتغيرات المجتمعية المختلفة‪،‬‬
‫وبعضها خارجي‪ :‬كالثورة العملية والتكنولوجية‪ ،‬والتوتر بين العولمة والمحلية‪،‬‬
‫والتغيرات القتصادية والسياسية التي يشهدها العالم ‪ ،‬والطريقة الوحيدة‬
‫لمواجهة ذلك هي التنشئة العلمية التربوية القوية والمنهجية لبناء تلك‬
‫المجتمعات والشعوب‪.‬‬
‫‪ -5‬المدرسة السلمية المستقبلية هي إحدى الطروحات التربوية التي‬
‫ينشدها التربويون العرب والمسلمون لمجابهة تلك الخطار والتحديات‪ ،‬حيث‬
‫إن المطلوب منها شيئان؛ الول‪ :‬يتعلق بالكيفية التي يتم من خللها التعامل‬
‫مع تلك الخطار والتحديات والمر الخر مراعاة الخصوصية والذاتية العربية‬
‫السلمية‬
‫التي تتميز بها الهوية السلمية ‪.‬‬
‫ونحن نستطيع أن نحدد سبب النكسار لدى الشباب المسلم أمام تلك‬
‫الثقافات بعدة أمور هامة‪:‬‬

‫) ‪(225/3‬‬

‫‪ -1‬الفراغ النفسي والمعنوي والطموحي لدى هذا الشباب المسلم‪ ،‬وعدم‬


‫وجود الشخصية النموذجية التي يأمل دائما ً أن يتشبه بها في ظل رؤياه‬
‫لشخصيات دنيوية مادية قد أثبتت نجاحات متتالية على المستوى المادي‬
‫والتكنولوجي ) والشباب المسلم هنا بحاجة ماسة لبناء الطموح عنده عن‬
‫طريق توجيهه للقتداء بكبار وعظماء المة السلمية في تاريخها الزاهر‬
‫وبأبطالها أصحاب النجازات المشاهدة في عصرها الحديث‪.‬‬
‫‪ -2‬الهجمة العلمية التي تصور المسلمين بصورة دونية مستذلة مع ضعف‬
‫العزة النابتة في داخلية أولئك الشباب تجاه السلم والعتزاز به أدى إلى‬
‫هروب ذلك الشباب من التشبه بتلك الصورة المنكرة إعلميا إلى الصورة‬
‫المحبوبة إعلميًا‪..‬‬
‫‪ -3‬الرتباط بالهوية السلمية والثقافة السلمية الضعيف‪ ،‬والذي يحتاج إلى‬
‫جزء كبير من اليقين واليمان باليوم الخر وبقدرة الرب _سبحانه_ وبالقضاء‬
‫والقدر‪ ،‬والشباب مع ضعف إيمانهم بتلك السس‪ ،‬وعدم تربيتهم عليها‬
‫يخرجون مستنكرين للهوية السلمية التي يرونها مقيدة لحريتهم الل محدودة‬
‫والتي تقدمها لهم الثقافات الغربية التي تقدم الحاجات المادية والشهوات‬
‫كمادة أساسية مباحة دائما بغرض التفرغ للعمل!!‬
‫ثالثًا‪ :‬التوصيف الخاص للمشكلة والتشخيص الدقيق للمرض لمكانية‬
‫النطلق للعلج‪:‬‬
‫يقول الدكتور مصطفى حلمي‪ :‬القضية ليست في الهوية بل القضية في المة‬
‫السلمية فالسلم هو المستهدف لن الغرب عامة يعلم أن السلم هو‬
‫البديل الحضاري الوحد لثقافتهم وحضارتهم وهو البديل القوي الذي يمكنه أن‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يمل الفراغ الذي تعانية الحضارة الغربية اليوم بخلف الطروحات الصينية أو‬
‫اليابانية التي ل تقدم جديدا ً يغني‪ ،‬والغرب يخشى مما يسميه الحركات‬
‫الصولية التي تمثل بعثا ً جديدا ً للهوية السلمية إذ إنها في حالة صعود مقلق‬
‫بالنسبة لهم‪ ،‬فالجماهير التي تؤيد الحركات السلمية اليوم هي نفسها التي‬
‫كانت تؤيد الناصرية والبعثية منذ عشرين عامًا‪.‬‬
‫ويقول الدكتور جمال عبد الهادي‪ :‬الواقع أن الذي أصبح يواجه الحل السلمي‬
‫ليس هم وحدهم وإنما أناس من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا!! سواء في تركيا‬
‫أو في الجزائر أو في غيرها من دول السلم‬
‫ويقول الدكتور شفيق عياش‪ :‬إن المخاطر المحدقة بالثقافة السلمية من‬
‫جانب العولمة المعاصرة‪ ،‬وبخاصة مع ظهور وسائل العلم الحديثة كالنترنت‬
‫والقنوات الفضائية وغيرها التي تعمل على نشر ثقافة العولمة‪ ،‬وتهدف إلى‬
‫تعريض المقومات الحضارية للمة كالدين واللغة والثقافة يتطلب من جميع‬
‫فعاليات المة السياسية والتعليمية والثقافية والقتصادية وغيرها التعاون من‬
‫أجل وضع خطة استراتيجية محكمة كفيلة بالتغلب على مخاطر العولمة‬
‫الثقافية من أجل إنقاذ شباب المة وحمايتهم من النحراف الخلقي‬
‫والسلوكي‪.‬‬
‫وهذه بعض النقاط نبين من خللها أهم الحلول الكفيلة بالحد من خطر‬
‫الثقافة الغربية الغازية لبلد العرب والمسلمين على النحو التي‪:‬‬
‫‪ -1‬بناء النسان البناء المتكامل ليكون في حجم التحدي وتربيته على‬
‫أخلقيات عقائدية تمنحه المناعة الحضارية المطلوبة‪ ،‬ولعل أهم مرحلة في‬
‫هذه التربية العمل على إشاعة وترسيخ القيم العقائدية واليمانية؛ لن بها‬
‫وقف الجيل الول من المة في وجه كل اختراق بل واستطاعوا من خلل‬
‫ترسيخ المبادئ العامة البداع الحضاري الذي يكرم النسان كيفما كان نوعه‬
‫ولونه وجنسه فبدون هذه الخطوة الساسية ومع تفشي آفة القطيعة بين‬
‫العقيدة والسلوك في حياة المسلم المعاصر لن يكون بإمكاننا الوقوف طويل ً‬
‫في وجه الزيف الحضاري القادم‪ ،‬إنها التربية التي تمنحنا كذلك إمكانية الرؤية‬
‫المستقبلية الحقة كما تمدنا بكل الشواهد لفهم طبيعة وحقيقة الصراع‬
‫الغربي خاصة مع الصهيونية التي استفادت من الوطن العربي والنظام‬
‫العالمي الجديد لتفرض نفسها على المة‪.‬‬
‫‪ -2‬تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة التي أصابت ثقافتنا‪ ،‬مما أدى إلى انحراف‬
‫ل‪ ،‬واليمان بالقدر أصبح عجزا ً وقعودا ً‬‫الفرد والمجتمع‪ ،‬فالتوكل أصبح تواك ً‬
‫عن العمل‪ ،‬والزهد أصبح خمول ً وقعودا ً عن العمل‪ ،‬والعبادة رهبنة وانقطاع‬
‫عن الحياة‪ ،‬وذكر الله _سبحانه وتعالى_ أصبح تمتمات وهمهمات وأقوال بل‬
‫أفعال‪ ،‬كما يجب أن نوضح ونبرز المقاييس الثقافية السلمية الصحيحة‬
‫وتفعيلها في النتاج الثقافي الذي يحمل مفاهيمها الحقيقية‪.‬‬

‫) ‪(225/4‬‬

‫‪ -3‬يجب على المة السلمية أن تسارع في الستفادة من مكتسبات‬


‫التكنولوجيا في وسائلها العلمية‪ ،‬خاصة القمار الصناعية والقنوات‬
‫التلفزيونية واستعمالها في توعية وتثقيف الطفال والشباب وحمايتهم من‬
‫الوقوع في فلك النحراف والضلل وحماية وجود المة السلمية وغيرها من‬
‫خطر الغزو العلمي والتكنولوجي الجديد‪ ،‬وبخاصة أن الثقافة السلمية ثقافة‬
‫عالمية‪ ،‬ورسالة السلم جاءت للبشرية جمعاء‪ ،‬كما أخبرنا بذلك القرآن‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شُعوبا ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬


‫م ُ‬‫جعَل َْناك ُ ْ‬
‫ن ذ َك َرٍ وَأن َْثى وَ َ‬‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫قَناك ُ ْ‬‫خل َ ْ‬‫س إ ِّنا َ‬ ‫الكريم قال تعالى‪َ" :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫خِبيٌر" )الحجرات‪:‬‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬‫ن الل ّ َ‬‫م إِ ّ‬ ‫قاك ُ ْ‬‫عن ْد َ الل ّهِ أ َت ْ َ‬ ‫مك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ل ل ِتعارُفوا إ َ‬
‫ن أك َْر َ‬
‫ِ ّ‬ ‫وَقََبائ ِ َ َ َ َ‬
‫‪.(13‬‬
‫‪ -4‬تجديد الخطاب الثقافي السلمي وتطويره‪ ،‬بحيث يلئم روح العصر مع‬
‫ضرورة الحفاظ على أصالة الثقافة السلمية ومضمونها من أجل خدمة‬
‫الهوية السلمية‪ ،‬ودعوة الناس إلى التعرف على حقيقة الدين السلمي من‬
‫خلل القنوات الفضائية وشبكات التصال العالمية "النترنت"‪ ،‬وتيسير العمل‬
‫الصحفي وسهولة الترجمة‪ ،‬حيث إن العالم اليوم يتغير بسرعة فائقة‪ ،‬وعلينا‬
‫أن نطور أدواتنا ووسائلنا‪ ،‬وطريق تصدير ثقافتنا‪ ،‬إن التبليغ اليوم عبر تقنية‬
‫الشبكات اللكترونية والفضائيات يمثل أفضل وأسرع الطرق للتأثير قي‬
‫عقول أجيالنا‪ ،‬وكذلك في عقول الخرين‪ ،‬ل أن نكون مجرد مستهلكين لثقافة‬
‫الغير ومعلوماته؛ لن الستهلك الثقافي بدون أن نكون منتجين ثقافيا ً يجعلنا‬
‫نذوب في ثقافة الخر ونفقد بالتالي الثقة في ثقافتنا ومبادئنا‪ ،‬وهذا ما يهدف‬
‫إليه الخر الغربي بكل تأكيد‪.‬‬
‫‪ -5‬ضرورة وضع ضوابط وقيود وإشراف من قبل مختصين عند استخدام‬
‫شبكة النترنت‪ ،‬وبخاصة فيما يتعلق بالبرامج الباحية والمنافية لقيم وثقافة‬
‫المجتمعات السلمية‪.‬‬
‫‪ -6‬ينبغي إنشاء مراكز ثقافية إسلمية موحدة تهتم بدراسة قضايا العصر‪،‬‬
‫سواء كانت ثقافية أم اجتماعية أم حضارية فور ظهورها ومن ثم متابعة‬
‫تطورها ووضع التصور السليم للموقف السلمي إزاءها‪ ،‬وهذا يتطلب عقد‬
‫الندوات العلمية والمؤتمرات الثقافية وإيجاد مراكز ثقافية موحدة‪ ،‬ل يعني‬
‫إطلقا ً إلغاء التنوع والتعدد الثقافي‪ ،‬وإنما يعني السعي نحو تأسيس رؤية‬
‫ثقافية كونية ناتجة عن التفاعل اليجابي والحر بين مختلف مراكز الفكر‬
‫والثقافة‪ ،‬فالتوحد ضمن حقيقة التعدد والتفاق ضمن حقيقة التنوع ‪.‬‬
‫‪ -7‬النفتاح على الثقافة الغربية والستفادة من تطورها العلمي والتكنولوجي‬
‫ينبغي أن يكون من خلل استراتيجية تضمن إيجابية هذا النفتاح؛ لن النفتاح‬
‫المذموم هو الذي أدى إلى ذوبان الشخصية الثقافية بسبب النهيار والغتراب‬
‫عبر منافذ الختراق والتغريب‪ ،‬والسلم ل يمنع النفتاح المحكم الرامي نحو‬
‫الستفادة من علوم الخرين النافعة‪ ،‬قال _سبحانه وتعالى_‪ ":‬قل هل عندكم‬
‫من علم فتخرجوه لنا"‪.‬‬
‫‪ -8‬المشروع الحضاري السلمي ل يمكن أن يحقق تميزه السلمي‪ ،‬ومن ثم‬
‫أداء دوره العالمي وفق منهج الله إل إذا ركن إلى العلم الشرعي بمعناه‬
‫الواسع وتم تأهيل العالم المسلم بحيث تكون دراسته لعلم الشريعة دراسة‬
‫تأصيلية مرتبطة بالوقائع الحية التي تعيشها المة والعالم في هذا العصر‪.‬‬

‫) ‪(225/5‬‬

‫أزمة الوعي الحضاري‬


‫د‪ .‬مسفر بن علي القحطاني * ‪24/6/1425‬‬
‫‪10/08/2004‬‬
‫ل‪ -‬النسان على سائر خلقه بالعقل المدرك والروح الواعية‪،‬‬ ‫كّرم الله ‪-‬عّز وج ّ‬
‫خلق ‪ ,‬قال الله‬ ‫وجعله محور الرسالت السماوية‪ ،‬وميّزه في الخلق وال ُ‬
‫ن‬‫م َ‬
‫م ِ‬ ‫ْ‬ ‫م ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬
‫حرِ وََرَزقَناهُ ْ‬ ‫مل َْناهُ ْ‬‫ح َ‬
‫م وَ َ‬ ‫قد ْ ك َّر ْ‬
‫مَنا ب َِني آد َ َ‬ ‫‪-‬تعالى‪) :-‬وَل َ َ‬
‫ل( )‪ .(1‬وانطلقا ً من هذا‬ ‫ضي ً‬ ‫ف ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قَنا ت َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م عََلى ك َِثيرٍ ِ‬
‫م ّ‬ ‫ضل َْناهُ ْ‬
‫ت وَفَ ّ‬ ‫الط ّي َّبا ِ‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل‪ -‬والعمارة‬ ‫التشريف جاء التكليف الرباني للنسان بمهمة العبادة لله ‪-‬عّز وج ّ‬
‫للرض‪ ،‬وأي خلل في أداء النسان لهذين المرين تصبح حياته مضطربة قلقة‪،‬‬
‫وعيشه في ضيق وضنك‪.‬‬
‫وبناًء على ما سبق ذكره من تمهيد ٍ ُنسّلم بحقائقه ونشهد بوقائعه‪ ..‬فإننا نجد‬
‫أن المجتمعات في مسيرتها التاريخية إنما تتطور وتنمو وتقوى بفعل النسان‬
‫ونضجه وتمام وعيه بهدفه الحقيقي في الحياة‪ ،‬وبإعماله سنن القوة والنصر‬
‫والتمكين في الرض‪ ..‬ول تنهار المم والمجتمعات وتضعف وتتلشى إلى‬
‫العدم أحيانا ً إل بسبب غياب أو انحراف معنى ذلك الوجود النساني‪ ،‬وهذا هو‬
‫سّر الحضارة عند قيامها أو انهيارها‪.‬‬
‫ومن أجل تكييف هذا القصد وبيان أهمية هذا الوعي الحضاري يجدر بنا أن‬
‫نسقطه على واقع أزمتنا الراهنة التي تعيشها البلد من جّراء تلك الحوادث‬
‫خص حقيقة الخلل الواقع ول‬ ‫الرهابية‪ ،‬وذلك التطرف الفكري المأزوم لنش ّ‬
‫نتشاغل بالعرض عن توصيف المرض‪ ..‬إن الفترات الماضية بحوادثها الخالية‬
‫التي مّرت بالمة ألقت في روعنا نمطا ً من التفكير جعلت آخر ما نفكر فيه‬
‫مش تأثير أنفسنا فيما‬ ‫‪-‬عند حدوث أزمة ما‪ -‬أن نلوم ذواتنا‪ ,‬وعادة ما نه ّ‬
‫ما‬‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬ ‫قوْم ٍ َ‬ ‫ما ب ِ َ‬ ‫ه ل ي ُغَي ُّر َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫يحدث بنا من مشكلت؛ مع أننا نؤمن )إ ِ ّ‬
‫م‬
‫ُ ْ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫ص‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫د‬ ‫َ‬
‫ما أ َ َ ْ ْ ُ ِ َ ٌ ْ َ ْ ُ ْ ِ ْ َ‬
‫ي‬ ‫ل‬ ‫ث‬ ‫ق‬ ‫ة‬ ‫ب‬ ‫صي‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫صا‬‫َ‬ ‫َ‬
‫م ()‪ (2‬ونقرأ قوله تعالى‪) :‬أوَل َ ّ‬ ‫سهِ ْ‬‫ف ِ‬ ‫ب ِأ َن ْ ُ‬
‫ديٌر()‪ . (3‬إن أزمتنا‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م إِ ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫عن ْد ِ أ َن ْ ُ‬‫ن ِ‬
‫م ْ‬‫ل هُوَ ِ‬ ‫أ َّنى هَ َ‬
‫ذا قُ ْ‬
‫الراهنة في جميع المجالت الحياتية سواء كانت أمنّية أو غيرها هي )أزمة‬
‫وعي( في فهم الدين وفقه التدين‪ ،‬وخلل في معرفة الفرد بواجبات وحقوق‬
‫النتماء للمجتمع‪ ،‬بالضافة إلى تلك الغشاوة المزمنة التي أفقدتنا رؤية‬
‫المدخل الحضاري بالولوج في أزقة الوهن والولوغ في حضارات الوهم‬
‫والعيش في وهد الماديات‪.‬‬
‫إن الوعي الحضاري الشامل لحاجات النسان والمجتمع هو رهان المستقبل‬
‫للمة المسلمة مهما بلغت من ذبول مادامت المة تملك نبع الحياة وإكسير‬
‫النصر‪..‬‬
‫ومع هذه الهمية القصوى للوعي الحضاري ل بد من تحرير هذا المصطلح‬
‫وبيان مفهومه وحقيقته؛ ليتضح المقصود منه ويتمهد فهمه للتطبيق والعمل ‪..‬‬
‫فـ)الوعي( من المصطلحات التي شاع استعمالها نتيجة للتطور الواسع في‬
‫استخدامها‪ ،‬كما يظهر في مجالت شّتى‪ ،‬خصوصا ً في القضايا الفكرية‬
‫والثقافية‪.‬‬
‫وبالرجوع إلى أهل اللغة في بيان معنى الوعي‪ ..‬يقول ابن فارس‪":‬الواو‬
‫م أعيه وعيًا‪ .‬وأوعيت‬ ‫ت العل َ‬ ‫م الشيء‪ .‬ووعي ُ‬ ‫والعين والياء‪ :‬كلمة تدل على ض ّ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫المتاع في الوعاء أعيه‪ ، "..‬وهذا ما نجده أيضا في قوله تعالى‪ ) :‬وَت َعِي ََها أذ ُ ٌ‬
‫ن‬
‫َ‬
‫عى( )‪ ،(5‬وهي هنا بمعنى الجمع والحفظ ‪.‬‬ ‫معَ فَأوْ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ة()‪ (4‬وقوله‪) :‬وَ َ‬ ‫عي َ ٌ‬‫َوا ِ‬
‫وفي مرحلة لحقه صارت الكلمة تستخدم بمعنى الفهم وسلمة الدراك وكان‬
‫علماء النفس في الماضي يعّرفون الوعي بأنه ‪ ":‬شعور الكائن بما في‬
‫نفسه‪ ،‬وما يحيط به")‪ (6‬ومع تقدم العلم وتعقد ّ المصطلحات والمفاهيم أخذ‬
‫مدلول ) الوعي( ينحو نحو العمق والتفرع والتوسع‪ ،‬ليدخل العديد من‬
‫المجالت النفسية والجتماعية والفكرية‪ .‬ويمكن ضبط معناه بأنه "الدراك‬
‫العقلي الواضح بمتطلبات العمل الناجح "؛ وبالتالي فإن أي مشروع إنساني‬
‫لبد أن ُيسبق بتفكير موضوعي يضمن سلمته وتوافقه مع سنن الحياة‪ .‬و‬
‫الوعي المجرد من العمل –في وجهة نظري‪ -‬سفسطة وخيال‪.‬‬
‫أما مصطلح )الحضارة(؛ فهو من المصطلحات التي تختلف مدلولتها من‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثقافة إلى أخرى ومن تداولت تحكمها البيئات المختلفة‪.‬‬


‫فالحضارة في اللغة العربية مأخوذة من الحاضرة وهي ضد البادية وفي‬
‫النجليزية )‪ (civilization‬تعود إلى الجذر اللتيني )‪ (civites‬وتعني المدنية‪،‬‬
‫فالمعنيان متقاربان في اللغتين من حيث الجذر )‪(7‬؛ إل أن ابن خلدون وهو‬
‫من أوائل من استخدم هذا المصطلح جعل الحضارة هي‪ " :‬غاية العمران‬
‫ونهاية لعمره‪ ،‬وأنها مؤذنة بفساده")‪ .. (8‬فالحضارة عند ابن خلدون تعني‬
‫غاية المبالغة في التحضر ونهاية عمر الترف المادي المؤذن بعدها‬
‫بالنحطاط‪ ،‬وهذا المعنى يختلف مع المعنى الذي يقصده المعاصرون‪.‬‬
‫يقول ديورانت‪" :‬الحضارة نظام اجتماعي يعين النسان على الزيادة من‬
‫إنتاجه الثقافي‪ ،‬وتتألف من عناصر أربعة‪ :‬الموارد القتصادية‪ ،‬والنظم‬
‫السياسية‪ ،‬والتقاليد الخلقية ومتابعة العلوم والفنون‪ .‬وهي تبدأ حيث ينتهي‬
‫الضطراب والقلق"‪.‬‬

‫) ‪(226/1‬‬

‫فمعنى الحضارة عند ديورانت هو كونها حضارة حادثة على النتاجية بصرف‬
‫النظر عن مستواها‪ .‬أما تايلور فنجده ل يحد ّ مستوى الحضارة بحد ّ سوى‬
‫التقدم اللمتناهي‪ .‬حيث يقول في تعريفها ‪":‬هي درجه من التقدم الثقافي‬
‫تكون فيها الفنون والعلوم والحياة السياسية في درجة متقدمة"‪.‬‬
‫إلى غير ذلك من التعريفات التي تتفاوت حسب الخلفيات المعرفية‬
‫والتاريخية والعقائدية في النظر إلى الحضارة‪ ,‬وبشكل عام هناك من وسع‬
‫مفهوم الحضارة ليشمل كل أبعاد التقدم وهو اتجاه بعض المفكرين‬
‫الفرنسيين وهناك من جعله قاصر على نواحي التقدم المادي مثل أصحاب‬
‫الفكر اللماني وهناك من جعله مرادفا ً لمفهوم الثقافة‪.‬‬
‫أما المفكر السلمي مالك بن نبي فقد استطاع أن يعطي مفهوما ً ديناميكّيا‬
‫للحضارة يتحدد في ضرورة " توفر مجموع الشروط الخلقية والمادية التي‬
‫تتيح لمجتمع معين أن يقسم لكل فرد من أفراده في كل طور من أطوار‬
‫وجوده منذ الطفولة إلى الشيخوخة المساعدة الضرورية له في هذا الطور أو‬
‫ذاك من أطوار نموه " )‪. (9‬‬
‫م من العمران‬ ‫فحقيقة الحضارة عند مالك بن نبي وكثير من المفكرين هي أع ّ‬
‫المادي؛ وهذا ما دعا البعض للتميز بين مصطلح )الحضارة( ومصطلح‬
‫)المدنية( باعتبار الشتباه اللغوي بينها؛ فالمتحضر هو الذي يسكن الحواضر‪،‬‬
‫والمتمدن هو الذي يسكن المدن‪ ،‬لكن حين وجد كثير من المفكرين‬
‫والباحثين أن ارتقاء حياة النسان ذو بعدين أساسين‪ُ :‬بعد شكلي‪ ،‬وبُعد‬
‫داخلي؛ رأوا أن يطلقوا مصطلح )المدينة( على ما يتم من ارتقاء في‬
‫مضامين الحياة الحضرية‪ ،‬ومصطلح )الحاضرة( على الرتقاء الشكلي الذي‬
‫يتمحور حول وسائل العيش وأدوات النتاج وطريقة تنظيم البيئة – وليس هذا‬
‫بمطرد عند الكل ‪.-‬‬
‫وفي المذهبية السلمية التي ننظر من خللها للكون والحياة اهتمام شديد‬
‫بمسألة التفريق بين المدنية والحضارة‪.‬‬
‫ما قطعوا أشواطا في العمران‪ ،‬واستخدام‬ ‫ً‬ ‫ما وأقوا ً‬ ‫م الله ‪-‬عز وجل‪ -‬أم ً‬ ‫فقد ذ ّ‬
‫وهم عن أمر الله ‪-‬تعالى‪ -‬وفساد مضامين‬ ‫الموارد‪ ،‬وتصنيع الدوات‪ ،‬لكن عت ّ‬
‫نظمهم العمرانية؛ تسبب في هلكهم وإبادتهم‪ .‬وفي هذا يقول الله ‪-‬عّز وج ّ‬
‫ل‪:‬‬
‫شد ّ‬ ‫كاُنوا أ َ َ‬
‫م َ‬‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ة ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫عاقِب َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫ف َ‬
‫كا َ‬ ‫ض فَي َن ْظ ُُروا ك َي ْ َ‬ ‫َْ‬
‫سيُروا ِفي الْر ِ‬‫م يَ ِ‬
‫َ‬
‫)أوَل َ ْ‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫منهم قُوة ً وأ ََثاروا اْل َرض وعَمرو َ َ‬
‫ت‬‫م ِبال ْب َي َّنا ِ‬
‫سل ُهُ ْ‬
‫م ُر ُ‬‫جاَءت ْهُ ْ‬‫ها وَ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫ما عَ َ‬‫م ّ‬‫ها أك ْث ََر ِ‬ ‫ْ َ َ َ ُ‬ ‫ِ ُْ ْ ّ َ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ص علينا ما‬ ‫ن( )‪ .(10‬وق ّ‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َظل ِ ُ‬‫سهُ ْ‬
‫ف َ‬ ‫َ‬
‫ن كاُنوا أن ْ ُ‬ ‫م وَلك ِ ْ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ه ل ِي َظل ِ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫فَ َ‬
‫عادٍ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬
‫فاَء ِ‬ ‫خل َ َ‬
‫م ُ‬ ‫جعَل َك ُ ْ‬ ‫بلغه قوم ثمود من الرتقاء والقوة‪َ( :‬واذ ْك ُُروا إ ِذ ْ َ‬
‫ل ب ُُيوتا ً َفاذ ْك ُُروا‬ ‫م ِفي اْل َْر‬ ‫َ‬
‫ن ال ْ ِ‬
‫جَبا َ‬ ‫حُتو َ‬ ‫صورا ً وَت َن ْ ِ‬‫سُهول َِها قُ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬‫ض ت َت ّ ِ‬‫ِ‬ ‫وَب َوّأك ُ ْ‬
‫َْ‬
‫ن()‪ ، (11‬ولكن القوم كفروا وأعرضوا‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬
‫ف ِ‬‫م ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫وا ِفي الْر ِ‬ ‫آلَء الل ّهِ َول ت َعْث َ ْ‬
‫عما قاله لهم أخوهم صالح؛ فكانت النتيجة أن أخذتهم الرجفة‪" :‬فأخذتهم‬
‫الرجفة فأصبحوا في ديارهم جاثمين"‬
‫وفي المقابل؛ فإن المدينة المنورة التي شهدت أول مجتمع إسلمي‪ ،‬لم تكن‬
‫في أوضاعها المدنية تتجاوز ما عليه قرية صغيرة في أي بلد من بلدان العالم‬
‫الثالث اليوم‪ .‬لكن ذلك المجتمع كان حسب المقاييس المدنية –وهي شبه‬
‫كل قمة التمدن والرقي الخلقي والسلوكي والعلئقي‪ .‬ففي‬ ‫عامة– يش ّ‬
‫المجتمع المدني كانت الهداف الكبرى واضحة‪ ،‬والغايات مشرقة‪ ،‬وقد بلغ‬
‫من وضوحها وسيطرتها على النفوس أن كان المسلمون –حتى الطفال –‬
‫يتسابقون إلى نيل شرف الشهادة على نحو لم يسبق له مثيل في التاريخ‪،‬‬
‫وكان من المسلمين من يعمل ويجتهد ليتصدق ببعض أجره في المساء‪ ,‬وبلغ‬
‫الناس من النقاء وحب التطهر أن اعترف أمام النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫بعض الرجال والنساء بارتكاب جرائمهم مطالبين بكل إصرار أن ينزل عليهم‬
‫عقوبة الدنيا ولو كانت الرجم بالحجارة حتى الموت حتى يلقوا الله تعالى وهو‬
‫عنهم راض‪ ..‬وبلغت شفافية الحكم والدولة أن كان مرّتب الخليفة ل يزيد‬
‫على نفقة الطعام مع كسوة قليلة‪ ..‬وخل ذلك المجتمع من مظاهر تسلط‬
‫الدولة فالقضاء والسجون ورجال الشرطة‪ ..‬أمور هامشية إن لم تكن‬
‫معدومة‪ ..‬ومهما بّينا درجة المدنية التي بلغها المجتمع السلمي آنذاك؛ فإن‬
‫الحقائق تظل أكبر من الكلمات)‪.(12‬‬
‫وخلصة القول‪ :‬إن مقصودنا من استخدام كلمة )الوعي( في سياق المفهوم‬
‫الحضاري الشامل للمدنية؛ يمكن تحديده بأنه‪" :‬أدراك الفرد ومؤسسات‬
‫المجتمع المختلفة بمسؤولياتهم الكبرى في بناء الشخصية النسانية المتكاملة‬
‫والسعي في دفع عملية النهضة والتقدم المعنوي والمادي من خلل إصلح‬
‫الفكر والسلوك والواقع"‪.‬‬
‫بقي أن نتحدث عن مشكلت الوعي الحضاري ومقوماته التي تنهض به‪ ،‬ولعل‬
‫ذلك يكون في مقالنا القادم ‪-‬بإذن الله‪ -‬والله الموفق للحق والصواب‪*..‬‬
‫رئيس قسم الدراسات السلمية والعربية بجامعة الملك فهد للبترول‬
‫والمعادن‬
‫‪ - 1‬سورة السراء ‪.70‬‬
‫‪ - 2‬سورة الرعد ‪.11‬‬

‫) ‪(226/2‬‬

‫سورة آل عمران ‪. 165‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬


‫معجم مقاييس اللغة ‪6/124‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬
‫سورة الحافة ‪12‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪5‬‬
‫سورة المعارج ‪18‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪6‬‬
‫انظر ‪ :‬تجديد الوعي لبكار ص ‪6‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪7‬‬
‫انظر ‪ :‬المعجم الوجيز ص ‪ 157‬إعداد مجمع اللغة العربية في القاهرة ‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪8‬‬
‫مقدمة ابن خلدون ‪.2/36‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ - 10‬مشكلة الفكار في العالم السلمي لمالك بن نبي ص ‪. 50‬‬


‫‪ - 11‬سورة الروم ‪.9‬‬
‫‪ - 12‬سورة العراف ‪.74‬‬
‫‪ - 13‬انظر‪ :‬تجديد الوعي لبكار ص ‪ ,126-120‬مقدمات للنهوض بالعمل‬
‫الدعوي لبكار ص ‪.353‬‬

‫) ‪(226/3‬‬

‫أزمة فهم‬
‫د‪ .‬سلمان العودة ـ السلم اليوم‬
‫ً‬
‫ثمة أزمة يعانيها فئام من الناس تستعصي إفرازاتها أحيانا على الحل أو حتى‬
‫التدارك تلك هي أزمة الفهم‪.‬‬
‫ل نعم الله ‪-‬عز وجل‪ -‬على عبادة فإن شاركه حسن القصد كان‬ ‫الفهم من أج ّ‬
‫هو الغاية فبه يأمن النسان بنيات الطريق ويهتدي إلى أصحاب الصراط‬
‫م(‪.‬‬ ‫قي َ‬ ‫مست َ ِ‬ ‫ط ال ُ‬ ‫صَرا َ‬ ‫المستقيم )اهدَِنا ال ّ‬
‫الفهم هو من توفيق الله عز وجل لعبده وهو نور يمّيز به الفاسد من الصحيح‬
‫والحق من الباطل والغي من الرشاد‪.‬‬
‫والناس متفاوتون في درجات الفهم ومراتبهم في ذلك بعدد أنفاسهم وبما ل‬
‫يحصيه إل الله ‪-‬عز وجل‪ -‬إذ لو كانت الفهام متساوية لتساوت أقدام العلماء‬
‫صيصة يمدح بها صاحبها أو تذكر في‬ ‫خ ّ‬ ‫والفقهاء في العلم وما كان للفهم ِ‬
‫موضع الثناء‪.‬‬
‫َ‬
‫ن ل َهُ َ‬
‫ما‬ ‫صب ِّيا ِ‬‫ما َ‬ ‫معَهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مَرأَتا ِ‬ ‫تا ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫وفي عهد داود وسليمان عليهما السلم » َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صِبي الَباِقي‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫ص َ‬ ‫خت َ ِ‬‫حَتا ت َ ْ‬‫صب َ َ‬ ‫ها فَأ ْ‬ ‫خذ َ وَل َد َ َ‬ ‫ما فَأ َ‬ ‫داهُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ب عََلى إ ِ ْ‬ ‫دا الذ ّئ ْ ُ‬ ‫فَعَ َ‬
‫ل ك َي ْ َ‬
‫ف‬ ‫قا َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫سلي ْ َ‬ ‫مّرَتا عَلى ُ‬ ‫َ‬ ‫ما فَ َ‬ ‫من ْهُ َ‬ ‫ْ‬
‫ضى ب ِهِ ل ِلك ُب َْرى ِ‬ ‫ق َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫إ َِلى َداوُد َ عَلي ْهِ ال ّ‬
‫َ‬
‫صغَْرى‬ ‫ت ال ّ‬ ‫قال َ ِ‬ ‫ما‪ .‬فَ َ‬ ‫م ب َي ْن َهُ َ‬ ‫شقّ ال ْغُل َ َ‬ ‫ن أَ ُ‬ ‫كي ِ‬ ‫س ّ‬‫ل ائ ُْتوِني ِبال ّ‬ ‫قا َ‬ ‫صَتا عَل َي ْهِ فَ َ‬ ‫ق ّ‬ ‫ما فَ َ‬‫مُرك ُ َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫ضى ب ِهِ ل ََها‬ ‫ق َ‬ ‫ك‪ .‬فَ َ‬ ‫ل‪ .‬هُوَ اب ْن ُ ِ‬ ‫ه ل ََها‪َ .‬قا َ‬ ‫من ْ ُ‬‫ظي ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل َ‬ ‫فعَ ْ‬‫ت ل َ تَ ْ‬ ‫قال َ ْ‬ ‫م‪ .‬فَ َ‬ ‫ل ن َعَ ْ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ش ّ‬‫أ َت َ ُ‬
‫«‪.‬‬
‫صه الله ‪-‬عز وجل‪ -‬بفهم هذه القضية‬ ‫ن ( فخ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫سلي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ها ُ‬ ‫مَنا َ‬ ‫فهّ ْ‬‫قال تعالى‪) :‬فَ َ‬
‫ما(‬ ‫عل ً‬‫ْ‬ ‫ما وَ ِ‬ ‫ْ‬
‫حك ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫وأثنى عليه وعلى داود عليه السلم بالعلم والحكمة ) وَكل آت َي َْنا ُ‬
‫وقد كان داود معروفا ً بدقته في تحري الصواب والفطنة إليه‪.‬‬
‫وإذا كان الفهم هو معرفة الشيء وتصوره من اللفظ والعلم به أو هو هيئة‬
‫س؛ فإن الفقه هو الفهم بمعنى خاص يدخل‬ ‫للنفس تتحقق بها معاني ما ُيح ّ‬
‫فيه العقل والقلب والجوارح‪.‬‬
‫وقد جاءت لفظة الفقه في القرآن في نحو من عشرين موضعا ً من تأملها‬
‫وجد أنها ل تقتصر على مجرد الفهم فمن سمع كلما ً أو قلده صوتيا ً أو حفظه‬
‫قه ذلك إذا كان خاليا من فقدانه للشعور بمعنى ما سمع وتأثره‬ ‫ل يقال له فَ ُِ‬
‫به وإدراك مراميه ‪.‬‬
‫ديًثا(‪.‬‬ ‫ح ِ‬‫ن َ‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫َ‬
‫قوْم ِ ل َ ي َكاُدو َ‬ ‫ْ‬
‫ؤلء ال َ‬ ‫ما ل ِهَ ُ‬‫قال تعالى‪ ):‬فَ َ‬
‫ل (‪.‬‬ ‫قو ُ‬ ‫ما ت َ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ه كِثيًرا ّ‬ ‫َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ف َ‬‫ما ن َ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫شعَي ْ ُ‬ ‫)َقاُلوا ْ َيا ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قُهوهُ (‪.‬‬ ‫ف َ‬ ‫ة أن ي َ ْ‬ ‫م أك ِن ّ ً‬ ‫جعَل َْنا عََلى قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫) وَ َ‬
‫فهم قطعا عرفوا اللفاظ وربما حفظوا الكلم لكن المعنى والثر واللزم لم‬ ‫ً‬
‫يخالط شغاف قلوبهم ولم تلن له أفئدتهم وتتقبله أنفسهم‪.‬‬
‫يقول الشاعر‪:‬‬
‫ت ** ملَء أفواه البنات الي ُّتم‬ ‫ه« انطلق ْ‬ ‫ب »وامعتصما ُ‬ ‫ر ّ‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫س نخوة َ المعتصم‬ ‫عهم لكّنها ** لم تلم ْ‬ ‫لمست أسما َ‬


‫فالفقه عملية نامية متطورة ترتكز على جانب فطري وجانب مكتسب وفقيه‬
‫النفس هو من كان عنده ملكة فطرية طبيعيه للفهم ثم طور ذلك بالعلم‬
‫كاه‪.‬‬ ‫وز ّ‬
‫قُهوا «‪.‬‬ ‫سل َم ِ ؛ إ َِذا فَ ِ‬ ‫م ِفي ال ِ ْ‬ ‫خَياُرهُ ْ‬ ‫جاهِل ِي ّةِ ِ‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫خَياُرهُ ْ‬ ‫وفي الصحيح » ِ‬
‫ولعل معنى الحديث أن الكمال الفطري والشرعي هو الغاية وأن من حباهم‬
‫الله بذلك فهم خيار الناس‪.‬‬
‫والفهم الذي هو غاية الفقه ل بد أن يشتمل على‪:‬‬
‫ل‪ :‬فهم الواقع والفقه فيه ومعرفة مداخله ومخارجه وحقيقة ما تجري عليه‬ ‫أو ً‬
‫فه‬ ‫م تح ّ‬ ‫المور زمانا ومكانا ومرحلة وسياقات للحداث؛ فُيستنبط منه عل ٌ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫القرائن وتفسره العلمات ويشهد له العقل السليم‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬فهم الواجب الذي ينبغي تجاه هذا الواقع وهو فهم حكمه الذي حكم الله‬
‫به في كتابه أو على لسان رسوله ويطبق أحدها على الخر ويرى ملءمته‬
‫وهنا يدور المر بعد استفراغ الوسع والجهد بين الجر والجرين وهذا عين ما‬
‫أراده أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب في رسالته التي تلقتها المة بالقول‬
‫إلى أبي موسى الشعري رضي الله عنه‪:‬‬
‫س‬
‫ِ ِ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬
‫ُ ّ ٍ ّ‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫ْ ٍ َ‬‫ن‬ ‫رآ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫في‬ ‫ما ل َي ْ َ ِ‬
‫س‬ ‫م ّ‬‫ك ِ‬ ‫ما أ ُد ِْلي إ ِل َي ْ َ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫فهْ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫فهْ َ‬ ‫م ال ْ َ‬‫" ثُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما‬ ‫حب َّها إ َِلى الل ّهِ ِفي َ‬ ‫مد ْ إ َِلى أ َ‬ ‫م اعْ ِ‬ ‫شَباه َ ث ُ ّ‬ ‫ل َوال ْ‬ ‫مَثا َ‬ ‫ف ال ْ‬ ‫ك َواعْرِ ِ‬ ‫عن ْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫موَر ِ‬ ‫ال ُ‬
‫ق‪"...‬‬ ‫ح ّ‬ ‫شب َهَِها ِبال ْ َ‬ ‫ت ََرى وَأ َ ْ‬
‫ه قُد ّ‬
‫ص ُ‬ ‫مي ُ‬ ‫ن قَ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫وهو ما توصل به شاهد يوسف لمعرفة الجاني في قوله‪ِ ) :‬إن َ‬
‫ت‬‫من د ُب ُرٍ فَك َذ َب َ ْ‬ ‫ه قُد ّ ِ‬ ‫ص ُ‬‫مي ُ‬ ‫ن قَ ِ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫ن * وَإ ِ ْ‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬‫ت وَهُوَ ِ‬ ‫صد َقَ ْ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫من قُب ُ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ن(‪ .‬وتوصل به سليمان عليه السلم إلى معرفة عين الم »‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫من ال ّ‬ ‫وَهُوَ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ما‪.« .‬‬ ‫شقّ الغُل َ َ‬
‫م ب َي ْن َهُ َ‬ ‫نأ ُ‬ ‫سكي ِ‬ ‫ائ ُْتوِني ِبال ّ‬
‫ذي‬ ‫ّ‬
‫واستخرج به علي رضي الله عنه كتاب حاطب من المرأة بقوله‪َ ":‬وال ِ‬
‫َ‬
‫ك" ‪.‬‬ ‫جّرد َن ّ ِ‬ ‫ب أوْ ل ُ َ‬ ‫ن ال ْك َِتا َ‬ ‫ج ّ‬ ‫خرِ ِ‬ ‫ف ب ِهِ ل َت ُ ْ‬ ‫حل َ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫وهو أيضا الذي فطن له الزبير بن العوام واستطاع إخراج كنز حيي بن‬ ‫ً‬
‫ل ك َِثيٌر‬ ‫ما ُ‬ ‫أخطب عندما ظهر له الكذب بدعوى ذهابه بالنفاق بقوله‪ ":‬ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ذا "‪.‬‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫َوال ْعَهْد ُ أقَْر ُ‬
‫وتنشأ مشكلت الفهم من أربعة أمور‪:‬‬

‫) ‪(227/1‬‬

‫الول‪ :‬الخلط بين الحادثة المفردة والحكم العام‬


‫وفي الصحيح ‪ -‬قصة حاطب بن أبي بلتعة ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬المشهورة وكتابه‬
‫قا َ‬
‫ل‬ ‫لزعماء قريش؛ يخبرهم بمسير النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إليهم ‪ -‬فَ َ‬
‫َ‬
‫ب‬‫ضرِ َ‬‫ن ‪ ،‬فَد َعِْني فَأ ْ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ه َوال ْ ُ‬‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫خا َ‬ ‫ه قَد ْ َ‬ ‫ب‪ :‬إ ِن ّ ُ‬ ‫طا ِ‬ ‫خ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مُر ب ْ ُ‬ ‫عُ َ‬
‫ه‪.‬‬ ‫ق ُ‬ ‫عُن ُ َ‬
‫ُ‬ ‫ل ب َد ْرٍ فَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ما ي ُد ِْري َ‬
‫ملوا‬ ‫ل اعْ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ه قَدِ اطلعَ عَلى أهْ ِ‬ ‫ل الل َ‬ ‫ك لعَ ّ‬ ‫مُر وَ َ‬ ‫ل » َيا عُ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ل ‪:‬ف َ َ‬ ‫َقا َ‬
‫ة«‪.‬‬ ‫جن ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫ُ‬
‫ت لك ُ‬ ‫َ‬ ‫جب َ ْ‬‫قد ْ و َ َ‬‫م فَ َ‬ ‫شئ ْت ُ ْ‬
‫ما ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫مَر وََقا َ‬
‫م‪.‬‬ ‫ه أعْل ُ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ت عَي َْنا عُ َ‬ ‫معَ ْ‬ ‫ل ‪ :‬فَد َ َ‬ ‫َقا َ‬
‫فهذه حادثة فردية في حياة حاطب فعلها لحاجة في نفسه فعامله الصحابة‬
‫على تعميم المفرد لكن أحكم الخلق ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وأعلمهم‬
‫بالنفوس ومداواتها لم يعمم ولم يؤاخذه على أنه جاسوس خائن وأنه وهب‬
‫حياته لذلك بل كمفردة في حياته سرعان ما تخلص منها وحفظ له سابقته‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في السلم ومقامه وجهاده ‪.‬‬


‫‪-‬وفي الصحيحين أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم – قال لبي ذر لما سابب‬
‫رجل وعيره بأمه‪:‬‬
‫ن‬
‫ّ ّ‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫َ ِ ِ ِ ْ َِ ِ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ذ‬ ‫ه‬ ‫تي‬ ‫ع‬
‫ِ ِ َ َِ‬‫سا‬ ‫ن‬ ‫حي‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ذر‪:‬‬ ‫أبو‬ ‫قال‬ ‫‪.‬‬ ‫«‬ ‫ة‬
‫ك َ ِِّ ٌ‬
‫ي‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫جا‬ ‫مُرؤٌ ِفي َ‬ ‫كا ْ‬ ‫» إ ِن ّ َ‬
‫م ‪. « ..‬‬ ‫ل‪ » :‬ن َعَ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫فلم يقل له النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أنت امرؤ جاهلي فهذه فعلة مفردة‬
‫ل تعمم على حياة الشخص ول تسقط مقامه وسابقته‪ .‬وأبو ذر لم يفعل هذا‬
‫لثورة شبابه أو لنه حديث عهد بإسلم بل وهو كبير السن صاحب مقام كبير‬
‫وشأو واسع‪.‬‬
‫ً‬
‫ولهذا قال شيخ السلم بن تيمية‪ -‬في اقتضاء الصراط‪ -‬معقبا على هذا‬
‫الحديث‪:‬‬
‫"وفيه أن الرجل مع فضله وعلمه ودينه قد يكون فيه بعض هذه الخصال‬
‫المسماة بجاهلية ويهودية ونصرانية ول يوجب ذلك كفره ول فسقه" فحمل‬
‫المفرد على العام بإطلق ليس من الصواب ويجب الحذر منه فهو من آفات‬
‫الفهم وأسبابه‪.‬‬
‫وينبغي لطلبة العلم أل ينساقوا وراء الحكام العامة وسحبها على الشخاص‬
‫والجماعات والقبائل بل حتى أحيانا على الشعوب‪.‬‬
‫وكم عانينا ممن اتهم أئمة كبارا ً كأمثال ابن حجر والنووي رحمهما الله بقوله‪:‬‬
‫"جهمي‪ ..‬جلد‪ ...‬معطل‪ ...‬تحرق كتبهم كالفتح وشرح مسلم‪"...‬‬
‫وما ذاك إل أنه وقع في بعض المواضع على بعض التأويلت التي اجتهدوا فيها‬
‫والذين هم فيها بين أجر وأجرين فحشرهم مع الجهمية والمعتزلة وغيرهم‬
‫من هو على‬ ‫ولم يفرق بين من انطلق في كلمه من أصول منحرفة وبين َ‬
‫السنة ووافق بعض الفرق بمحض اجتهاد في بعض الراء فجاءت المشكلة‬
‫من سحب المفرد على العام فخسرنا كثيرًا‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬الخلط بين الفكرة المحددة والنطباع‬
‫والفكرة لها نماذج وشروط وسياقات أما النطباع فهو الثر النفسي الذي‬
‫يحدثه الكلم في السامع ‪.‬‬
‫وفي قصة أسيد بن حضير وعباد بن بشر ‪-‬كما في مسلم‪:-‬‬
‫َ‬ ‫ؤاك ُِلو َ‬ ‫كانوا إَذا حاضت ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫عَ َ‬
‫ن‬
‫مُعوهُ ّ‬ ‫جا ِ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ها وَل ْ‬ ‫م يُ َ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫مْرأة ُ ِفيهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ْي َُهود َ َ ُ ِ َ َ ِ‬ ‫سأ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ن أن َ‬ ‫ْ‬
‫ب الن ِّبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬الن ِّبي ‪-‬صلى الله‬ ‫حا‬ ‫ص‬ ‫ل أَ‬ ‫َ‬ ‫في ال ْبيوت فَسأ َ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ل هُوَ أ ًَذى َفاعْت َزُِلوا‬ ‫ض قُ ْ‬ ‫حي‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ل ال ْل ّه تعاَلى ) ويسأ َ‬ ‫َ‬ ‫ز‬ ‫ن‬ ‫عليه وسلم‪ -‬فَأ َ‬
‫ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ْ‬ ‫ُ ََ‬ ‫َْ‬
‫ل الل ّهِ ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬ ‫سو ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ة‬
‫َ ِ‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫ر‬
‫ِ ِ‬ ‫خ‬ ‫آ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬
‫ِ ِ‬ ‫ض(‬ ‫حي‬ ‫م ِ‬ ‫ساَء ِفي ال ْ َ‬ ‫الن ّ َ‬
‫ل‬ ‫ج ُ‬ ‫ذا الّر ُ‬ ‫ريد ُ هَ َ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫قاُلوا َ‬ ‫ك ال ْي َُهود َ فَ َ‬ ‫ح «‪ .‬فَب َل َغَ ذ َل ِ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ىٍء إ ِل ّ الن ّ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫صن َُعوا ك ُ ّ‬ ‫»ا ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫شي ًْئا إ ِل ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫ش ٍ‬ ‫ن بِ ْ‬ ‫ضي ْرٍ وَعَّباد ُ ب ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ُ‬ ‫سي ْد ُ ب ْ ُ‬ ‫جاَء أ َ‬ ‫فَنا ِفيهِ فَ َ‬ ‫خال َ‬ ‫مرَِنا َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َد َع َ ِ‬ ‫أ ْ‬
‫ل‪:‬‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫ن !!‬ ‫معُهُ ّ‬ ‫جا ِ‬ ‫ذا‪ .‬أفَل َ ن ُ َ‬ ‫َ‬
‫ذا وَك َ‬ ‫َ‬
‫لك َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن الي َُهود َ ت َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل اللهِ إ ِ ّ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫َيا َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ما‬‫جد َ عَلي ْهِ َ‬ ‫ن قَد ْ وَ َ‬ ‫حّتى ظن َّنا أ ْ‬ ‫ل اللهِ ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪َ -‬‬ ‫سو ِ‬ ‫ه َر ُ‬ ‫ج ُ‬‫فَت َغَي َّر وَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س َ‬
‫ل‬ ‫ن إ ِلى الن ِّبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فَأْر َ‬ ‫ن َلب َ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ما هَدِي ّ ٌ‬ ‫قب َلهُ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫جا َفا ْ‬ ‫خَر َ‬ ‫فَ َ‬
‫ما‪.‬‬ ‫َ‬
‫جد ْ عَلي ْهِ َ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫َ‬
‫نل ْ‬ ‫ما فَعََرَفا أ ْ‬ ‫قاهُ َ‬ ‫س َ‬ ‫ما فَ َ‬ ‫ِفي آَثارِهِ َ‬
‫ن ‪ .‬هو نتيجة النطباع‪ .‬وكثيرا ما نخلط بين الفكرة وبين‬ ‫ً‬ ‫معُهُ ّ‬ ‫جا ِ‬ ‫َ‬
‫فقولهم‪ :‬أفَل ن ُ َ‬
‫انطباعاتنا ونتصرف بإملء الخير فينشأ سوء الفهم ومعضلته‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬عدم القدرة على الستيعاب‪.‬‬
‫وقديما ً قيل‪:‬‬
‫ه‬
‫دع ُ‬ ‫شيئا ً فَ َ‬ ‫طع َ‬ ‫ِإذا َلم َتست َ ِ‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ع‬
‫َوجاوِْزهُ ِإلى ما َتسَتطي ُ‬
‫وقيل ‪:‬‬
‫صحيحا ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ب قول َ‬ ‫من عائ ِ ٍ‬ ‫كم ِ‬ ‫وَ َ‬
‫سقيم ِ‬‫فهم ِ ال َ‬‫ن ال َ‬
‫م َ‬
‫ه ِ‬‫َوآفَت ُ ُ‬
‫وهذا يتوقف على المرسل والمستقبل والموضوع‪ ,‬والناس عقولهم كالوعية‬
‫تتفاوت تفاوتا ً عجيبا ً في التلقي والستقبال‪.‬‬
‫تجد من يملك قدرة على فهم دقائق المسائل وشواردها علمية كانت أو‬
‫فلسفية أو غيرها من أول مرة؛ بينما تجد آخر ل يستطيع أن يفهم إل المور‬
‫العملية البدهية‪ .‬وليس عدل أن يكون نقص الفهم سببا ً في رفض الشياء‬
‫وتفنيدها؛ فالسذاجة والبساطة ليست أبدا ً عنوان الحقيقة‪.‬‬

‫) ‪(227/2‬‬

‫ومن رحمة الله عز وجل بالمة أن مهمات السلم وكلياته وأصوله الكبار في‬
‫غاية السهولة في الفهم والتطبيق‪ ,‬ول تحتاج إلى جهابذة أو أفذاذ وأنماط‬
‫معينة من العقول‪ ,‬كالشهادتين والصلة والزكاة والحج ‪...‬‬
‫وينبغي العناية بمثل هذا لنه محل اجتماع مع شدة الحاجة والضرورة الملحة‬
‫إليها؛ ففيه السلمة في الدنيا والنجاة في الخرة‪.‬‬
‫أما المرسل أو المتحدث فقد يكون ل ي ُِبين‪ ,‬أو ل ُيفِهم‪ ,‬غامضا ً في طرحه‬
‫وعبارته‪ ,‬خطابيا ً مسترسل ً مما يولد انطباعا ً غير ما يريد هو‪ .‬وبعض الناس إذا‬
‫لم يرق له الكلم أو لم يوافق ما يريد قال‪ :‬فيه عموم‪ ,‬أو إجمال‪ ,‬أو غموض‪,‬‬
‫وهو يقصد أنه لم يأت على ما في نفسه أو لم يوافق رأيه‪ ,‬وكثيرا ً ما يعامل‬
‫الطلب أو المريدون أقوال ونصوص إمامهم كأنها وحي‪ ,‬ولعل المتتبع لمقلدي‬
‫الئمة السابقين واللحقين يرى غرائب من ذلك‪...‬‬
‫ثم يأتي دور طبيعة الموضوع فمن تكلم عن مسألة عامة ليس كمن في‬
‫معضلة كلمية‪ ,‬والحديث الديني غير السياسي‪.‬‬
‫ومن هنا جاء اهتمام العلماء بالفروق‪ ,‬بل ألفوا فيها كتبا‪ ,‬ككتاب "الفروق"‬
‫للقرافي‪ .‬فقد تسمع الكلمة فيتبادر إليك معنى هي أبعد ما تكون عنه‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬التحّيز‬
‫س (‪ ،‬ويفترض أن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ف ُ‬ ‫وى الن ُ‬ ‫ما ت َهْ َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ن إ ِل الظ ّ‬ ‫والمقصود به الهوى‪ِ ) :‬إن ي َت ّب ُِعو َ‬
‫يخلو القلب من المسبقات لكي يفهم فهما ً صحيحا‪ً.‬‬
‫فمن قرأ القرآن وفي قلبه هوى؛ ربما يحوز معاني القرآن بهواه‪.‬‬
‫ها إ ِّل‬ ‫َ‬
‫صَل َ‬ ‫ظى * َل ي َ ْ‬ ‫م َناًرا ت َل َ ّ‬ ‫فالخارجي الذي يقرأ قوله تعالى‪) :‬فَأنذ َْرت ُك ُ ْ‬
‫قى( يقول‪ :‬النار ل يدخلها إل الكافرون‪ ,‬فكل من دخل النار فهو كافر‪,‬‬ ‫ش َ‬ ‫اْل َ ْ‬
‫فيكفر عصاة المسلمين!‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه اب ْت َِغاء‬
‫من ْ ُ‬‫ه ِ‬ ‫ما ت َ َ‬
‫شاب َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م َزي ْغٌ فَي َت ّب ُِعو َ‬‫ن في قُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ِ‬ ‫ولذلك قال تعالى‪ ) :‬فَأ ّ‬
‫فت ْن َةِ َواب ْت َِغاء ت َأ ِْويل ِهِ (‪.‬‬
‫ال ْ ِ‬
‫فالتحيز والهوى والزيغ يحرم النسان من خير كثير‪ ,‬وهو من مشكلت الفهم‪.‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬

‫) ‪(227/3‬‬

‫أزمة منهج أم أزمة رجال ؟‬


‫محمد جلل القصاص‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫>‪TD/‬‬
‫كثرت على الساحة الفكرية السلمية الدعوة إلى )التعقل( و)التفكر(‪ ،‬و)مد‬
‫الجسور مع الخر( ذي المناهج العلمانية‪ ،‬و)الفادة من القوى الوطنية‬
‫الخرى(‪ ،‬و)فهم طبيعة المتغيرات(‪ ،‬و)انتهاز الفرصة السانحة(‪ ،‬و)أن رأس‬
‫ة في التقدم المادي والرتقاء بمستوى المة‬ ‫الوليات هو الصلح الديني( رغب ً‬
‫خاصة والنسانية عامة‪.‬‬
‫ودون ذلك دعوات أخرى تنادي بـ )النفتاح على الخر(‪ ،‬وإعادة قراءة‬
‫الشريعة من جديد تحت ضوء المصالح والمفاسد ‪ -‬بمفهوم أصحاب هذا‬
‫الطرح ‪ ،-‬ودفع أعلى الضررين بتحمل أدناهما‪ ،‬واعتبار المقاصد في التشريع‪،‬‬
‫وأن الفتوى تتغير بتغير الحال والزمان والمكان‪.‬‬
‫أتفهم هذا كله‪ ،‬وأجاهد نفسي على قبوله ول أستطيع‪.‬‬
‫أعرف جيدا ً أن للنص سبب نزول‪ ،‬وأن الصل في الحكام التعليل‪ ،‬وأن‬
‫للسياق ِدللة ل ُتهمل‪ ،‬وأن معرفة الحكم ل تعني أبدا إصداره‪ ،‬إذ ْ ل بد من‬
‫تنقيح المناط‪.‬‬
‫ً‬
‫وأعرف أن هناك )روح للشريعة(‪ ،‬ومقاصد للتشريع تعطينا الرخصة ‪ -‬أحيانا ‪-‬‬
‫لتجاوز الدللة الظاهرة للنص وإعمال التأويل المصاغ‪.‬‬
‫ولكن ما يطرحه القوم‪ ،‬ل يتماشى ‪ -‬عندي ‪ -‬مع هذا كله‪ ،‬بل تصطدم ‪ -‬عندي‬
‫‪ -‬أطروحتهم بأشياء‪:‬‬
‫منها أن المقاصد متأخرة على الحكام ل أنها سابقة عليها‪ ،‬وهذا ينسف كثيرا‬
‫من هذه الطروحات‪.‬‬
‫فالعقل يستنبط المقاصد من الحكام الشرعية ل أنه يضع مقاصد يصيغ من‬
‫أجلها الحكام‪.‬‬
‫والعقل ل شأن له بالحكم الشرعي‪ ،‬وإنما بالمناط الذي ينطبق عليه هذا‬
‫الحكم‪.‬‬
‫فمثل ً ل مجال لعمال العقل في كون " كل مسكر خمر وكل خمر حرام "‪،‬‬
‫شرب خمرا ً أم ل؟‬ ‫وإنما في كون ما ُ‬
‫ول مجال لعمال العقل في أن الحركة الكثيرة تبطل الصلة‪ ،‬وإنما في كون‬
‫المصلي تحرك كثيرا أم ل؟‬
‫وإن راح العقل ناحية الدليل فكي يستبين صحته‪ ...‬من صحة طرق إثباته‪ ،‬أو‬
‫طريقة استنباطه‪ ،‬والبحث عن العلة إن كانت بادية لُيعمل القياس وينقح‬
‫المناط‪.‬‬
‫خفيت العلة فل سبيل للعقل على الحكم الشرعي‪ .‬ول مناص له من‬ ‫أما إن َ‬
‫النقياد‪ ،‬والتسليم إن كان مسلما‪.‬‬
‫أما ما يحدث اليوم من قبل أصحاب هذه الطروحات هو شيء آخر‪.‬‬
‫فحين تنظر في خلفيات الكلم‪ ،‬وتتعدد قراءتك لصحاب هذا الطرح‪ ،‬تجد أن‬
‫من يتكلمون بهذه الفكار‪ ،‬يحاولون ‪ -‬في الجملة ‪ -‬تعديل الشريعة السلمية‪،‬‬
‫أو قل‪ :‬إعادة قراءة الشريعة السلمية من جديد‪ ،‬أو بعبارة أوضح هي حالة‬
‫عجز أصابت رجال اليوم وهم يتعاملون مع الواقع المرير الذي آلت إليه المة‪،‬‬
‫فراحوا ُيلقون بالتبعة على الشريعة السلمية ذاتها ل على النسان المعاصر‪،‬‬
‫خروجا من هذا المأزق التاريخي‪ .‬هذا ما أفهمه‪.‬‬
‫وتصطدم عندي هذه الطروحات بأن هدف البعثة المحمدية ‪ -‬وكل بعثة‬
‫كانت‪ ،‬من آدم _عليه السلم_ إلى محمد _صلى الله عليه وسلم_ هي تعبيد‬
‫َ‬
‫ن قَب ْل ِ َ‬
‫ك‬ ‫م ْ‬‫سل َْنا ِ‬
‫ما أْر َ‬
‫الناس لله وليس ما يسمى الرقي المادي بالنسانية‪" ،‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن" )النبياء‪ .(25:‬بل إن‬ ‫دو ِ‬‫ه إ ِّل أَنا َفاعْب ُ ُ‬
‫ه ل إ ِل َ َ‬
‫حي إ ِل َي ْهِ أن ّ ُ‬ ‫ل إ ِّل ُنو ِ‬
‫سو ٍ‬‫ن َر ُ‬
‫م ْ‬
‫ِ‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرقي المادي لزم من لوازم النضباط على شرع الله‪ ،‬قال الله _تعالى_‪:‬‬
‫ض‬ ‫َْ‬
‫ماِء َوالْر ِ‬‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫م ب ََر َ‬
‫كا ٍ‬ ‫حَنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫وا ل َ َ‬
‫فت َ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫مُنوا َوات ّ َ‬ ‫قَرى آ َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ن أ َهْ َ‬ ‫َ‬
‫"وَل َوْ أ ّ‬
‫َ‬
‫ن" )العراف‪.(96:‬‬ ‫سُبو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬‫خذ َْناهُ ْ‬ ‫ن ك َذ ُّبوا فَأ َ‬ ‫وَل َك ِ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن فَوْقِهِ ْ‬
‫م‬ ‫م َلك َُلوا ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن َرب ّهِ ْ‬
‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ل إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫ما أن ْزِ َ‬‫ل وَ َ‬ ‫جي َ‬ ‫موا الت ّوَْراة َ َواْلن ْ ِ‬ ‫م أَقا ُ‬ ‫"وَل َوْ أن ّهُ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن" )المائدة‪:‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬‫ساَء َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫صد َة ٌ وَك َِثيٌر ِ‬ ‫قت َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫م ٌ‬‫مأ ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫م ِ‬
‫جل ِهِ ْ‬ ‫ت أْر ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬‫وَ ِ‬
‫‪.(66‬‬
‫فمن هنا الطريق وليس من هناك‪ ،‬وكثيرا ما أردد قول حسان بن ثابت حين‬
‫أقرأ هذه الطروحات‪:‬‬
‫إذا زحفت للغور من بطن عالج *** فقول لها ليس الطريق من هنالك‬
‫وتصطدم هذه الطروحات عندي بأن المشكلة مشكلة رجال يحملون المنهج‬
‫وليس مشكلة المنهج نفسه‪ ،‬فل أرى أن أحدا ً يخالفني في القول بأن الواقع‬
‫فكرة وليس الفكرة هي التي تشكل الواقع‪ .‬هذه بديهة‪.‬‬ ‫ُتشكله ال ِ‬
‫ورسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ُ -‬بعث في وسط ركام هائل من‬
‫التصورات المغلوطة‪ ،‬وفي وسط أمواج متلطمة من الكفر والفسوق‬
‫والظلم‪ .‬وبالعبيد والضعفاء كان ما كان‪ ...‬وصاغ المنهج السلمي الحفاة‬
‫العراة الميون صياغة أخرى لم يعرف التاريخ مثلها‪...‬أخرج منهم أمة هي خير‬
‫أمة أخرجت للناس‪ ،‬تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله‪ .‬وكتب‬
‫الله لهم الغلبة على كل قوى الرض يومها‪ ،‬وانتشر العدل والمان بين‬
‫الناس‪ ...‬ومنهم كان النور الذي اقتبس منه كل الناس‪ ،‬صار بأيديهم كل‬
‫شيء‪ ،‬ثم حين غيرنا غّير الله علينا‪.‬‬

‫) ‪(228/1‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ديك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫صيب َةٍ فَب ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫صاب َك ُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫وفي القرآن تشخيص دقيق للداء "وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م" )آل‬ ‫ُ‬
‫سك ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫عن ْد ِ أن ْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل هُوَ ِ‬ ‫ذا قُ ْ‬ ‫م أّنى هَ َ‬ ‫ر" )الشورى‪" ،(30:‬قُل ْت ُ ْ‬ ‫ن ك َِثي ٍ‬ ‫فو عَ ْ‬ ‫وَي َعْ ُ‬
‫م"‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ما ب ِأن ْ ُ‬ ‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬ ‫قوْم ٍ َ‬ ‫ما ب ِ َ‬ ‫ه ل ي ُغَي ُّر َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫عمران‪ :‬من الية ‪" ،(165‬إ ِ ّ‬
‫)الرعد‪ :‬من الية ‪.(11‬‬
‫فكان الطريق الصحيح هو أن نعود إلى ما كان عليه سلفنا الصالح _رضوان‬
‫الله عليهم_ لنتقدم ونرتقي ماديا ً ومعنويا ً وسياسيا ً وعسكريا ً كما تقدموا‬
‫_رضوان الله عليهم_‪ُ .‬نرضي ربنا فيرضينا ويسبغ علينا نعمه الظاهرة‬
‫حَنا‬ ‫فت َ ْ‬ ‫َ‬
‫وا ل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫مُنوا َوات ّ َ‬ ‫قَرى آ َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ن أ َهْ َ‬ ‫َ‬
‫والباطنة‪ ،‬والقرآن بين أيدينا يرشدنا "وَل َوْ أ ّ‬
‫َْ‬
‫ض" )العراف‪ :‬من الية ‪.(96‬‬ ‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬
‫ت ِ‬ ‫كا ٍ‬ ‫م ب ََر َ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫وندعو أوروبا ‪ -‬ومن سار خلفها ‪ -‬وقد جربت الدين المنحرف وكيف فعل بها‪،‬‬
‫أن تنبذه وراء ظهرها‪ ،‬وتأخذ بالسلم إن كانت تريد الخير في الدنيا والخر‪،‬‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ها ٌ‬ ‫م ب ُْر َ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫س قَد ْ َ‬ ‫ونقول لهم ما امرنا الله بتبليغه "َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫َ‬
‫واٍء ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫س َ‬ ‫مةٍ َ‬ ‫وا إ َِلى ك َل ِ َ‬ ‫مِبينًا" )النساء‪..." ،(174:‬ت ََعال َ ْ‬ ‫م ُنورا ً ُ‬ ‫وَأن َْزل َْنا إ ِل َي ْك ُ ْ‬
‫ضَنا ب َْعضًا‪) "...‬آل عمران‪ :‬من‬ ‫شْيئا ً َول ي َت ّ ِ‬ ‫َ‬
‫خذ َ ب َعْ ُ‬ ‫ك ب ِهِ َ‬ ‫شرِ َ‬ ‫ه َول ن ُ ْ‬ ‫أّل ن َعْب ُد َ إ ِّل الل ّ َ‬
‫الية ‪.(64‬‬
‫السوار التي تحيط بنا عالية‪ ،‬وعلى من ل يستطيع أن يهدمها أو يقذفها أو‬
‫يتسلق عليها‪ ...‬عليه أن ل يزين للباقين الجلوس خلفها‪.‬‬

‫) ‪(228/2‬‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أزمة وسائل أم أزمة أهداف‬


‫د‪ .‬عبد الكريم بكار ‪28/1/1424‬‬
‫‪31/03/2003‬‬
‫الحمد لله رب العالمين والصلة والسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين وبعد ‪:‬‬
‫فإنه ما اجتمع لفيف من المهتمين بالدعوة‪ ،‬والغيورين على صلح الناس إل‬
‫دارت بينهم أحاديث ومجادلت وشكايات حول عجز الدعاة عن امتلك‬
‫الوسائل الدعوية التي يتمكنون من خللها من نشر أفكارهم وتعميم مبادئهم‬
‫ل من المقارنة بين تخلف وسائلنا وتقدم وسائل‬ ‫ومقولتهم‪ .‬ونحن ل نم ّ‬
‫الخرين من منافسين ومعادين‪ ،‬ولسنا في ذلك – في كثير من الحيان‪-‬‬
‫مخطئين أو مبالغين؛ إذ مما ل شك فيه أن العمل الدعوي يعاني من نقص‬
‫ظاهر في الوسائل التي يمكن أن تستخدم في تبليغ رسالة السلم‪ ،‬حيث‬
‫إنك ل تكاد تجد فضائية إسلمية ذات تميز واضح وجاذبية عالية‪ ،‬كما أنك ل‬
‫تجد شيئا ً من ذلك في مجال البث الذاعي أو في مجال العلم المقروء‪،‬‬
‫فالمجلت والجرائد السلمية قليلة العدد نسبيًا‪ ،‬ومستوى معظمها على‬
‫المستوى المهني يتردد بين المتوسط والضعيف‪ ،‬ول يختلف الشأن في‬
‫)خطبة الجمعة( حيث إن الخطباء القادرين على تشخيص الحالة السلمية‬
‫ووصف العلج لها قليلون جدًا‪ ،‬لكن مع هذا فالمهم دائما ً أن ندرك السباب‬
‫الجوهرية لما نرى من ظواهر ووقائع ومشكلت‪ ،‬ولما نشكو منه من قصور‬
‫صات وأزمات‪ .‬ومع أن تخلف المسلمين وضعف مؤسساتهم المختلفة‬ ‫ومنغ ّ‬
‫سينعكس ول ريب على كل الوسائل التي بين أيديهم في كل شؤون الحياة‪،‬‬
‫إل‬
‫أن ذلك ليس هو السبب الجوهري في تخلف الوسائل الدعوية‪ ،‬وإنما يكمن‬
‫السبب الساس في أن معظم الدعاة ل يملكون الهداف الواضحة لحركتهم‬
‫الدائبة‪ .‬الهدف الجيد الواضح والمدروس يجعل من نفسه أداة لتحريض الذين‬
‫بلوروه على إيجاد الساليب والوسائل التي تبّلغهم إياه‪ ،‬وإن كثيرا ً من‬
‫الهداف الدعوية ل يفعل ذلك لنه ل تتوفر فيه سمات الهدف الجيد‪ ،‬ومن ثم‬
‫فإنه ُيدَرك بطريقة مبتذلة أو بطريقة غامضة‪ ،‬مما يفقده سمة التحريض التي‬
‫أشرنا إليها‪.‬‬
‫أزمتنا الساسية إذن في فقد الهدف الجيد‪ ،‬وليست في الفتقار إلى الوسيلة‬
‫الناجحة‪ ،‬وأزمة الهدف الجيد هي نتيجة قصور بنيوي يعاني منه العمل الدعوي‬
‫منذ مدة ليست بالقصيرة‪ ،‬وذلك القصور يتمثل في ضعف فهم نوعية الحركة‬
‫المطلوبة لهواية الناس وإصلح شؤونهم ونوعية الخطاب الذي تجب صياغته‬
‫في كل ذلك‪ ،‬وهذا يترتب عليه عدم القدرة على تحديد الولويات التي يجب‬
‫جه إليها معظم الجهود والمكانات‪ ،‬مما يدفع الناس إلى أن يعلوا في‬ ‫أن تو ّ‬
‫كل اتجاه‪ ،‬وأن يهتموا بكل شيء ولكن دون تحقيق اختراقات جيدة في أي‬
‫مجال من المجالت‪.‬‬
‫إننا إذا امتلكنا الهدف الجيد فقد نتمكن من امتلك الوسيلة المناسبة‪ ،‬وقد ل‬
‫نتمكن‪ ،‬لكن إذا لم نمتلكه فإننا قطعا ً لن نعرف الوسيلة المطلوبة ولن نصل‬
‫بالتالي إليها‪.‬‬
‫دلوا في اتجاه التاريخ السلمي‬ ‫لو تأملنا في سير المصلحين العظام الذين ع ّ‬
‫لوجدنا أن أكثرهم – إن لم نقل جميعهم‪ -‬لم يكونوا يملكون أي إمكانية جيدة‬
‫أو وسيلة فعالة لنشر أفكارهم وإصلح الوضاع العامة عند انطلقتهم الولى‪،‬‬
‫لكن نجد أنهم كانوا – على مستويات مختلفة‪ -‬يعرفون ماذا يريدون‪ ،‬وكانت‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشياء التي يعملون من أجل الوصول إليها تلوح أمامهم في الفق‪ ،‬ول‬
‫يختلف وضع مصلحي المم الخرى عن وضع مصلحينا‪ ،‬فاليهود الذين اجتمعوا‬
‫في سويسرا في أواخر‬
‫القرن التاسع عشر – كانوا يعانون من عزلة عالمية ومن شيء من الضطهاد‬
‫في بعض البلدان؛ وفي ذلك الوقت توصلوا إلى أنهم يستهدفون إقامة دولة‬
‫لهم على أرض فلسطين بعد خمسين سنة‪ ،‬والذي ينظر إلى ضآلة ما بين‬
‫أيديهم من إمكانات وإلى تحقيق ذلك الهدف في ظل الحكومة العثمانية‪،‬‬
‫يستغرب من ذلك الطموح‪ ،‬لكن العمل الشاق والمثابر نحو الهدف المحدد‬
‫يوجد طبيعة الكثير من الظروف الملئمة‪ ،‬ويوفر الكثير من المكانات‬
‫المطلوبة وهذا ما حدث‪.‬‬
‫بعض الذين يشتغلون بالدعوة إلى الله – تعالى‪ -‬يغلب عليهم قصر النظر‪،‬‬
‫فهم ل ينظرون إلى بعيد‪ ،‬ول يستطيعون التأمل في مآلت الشياء‪ ،‬وهذا‬
‫يحرمهم من رؤية ما هو كامن من إمكانات ومعطيات وعقبات‪ ،‬وهم لهذا‬
‫مشغولون بما هو ناجز ظانين دوامه واستمراره‪ ،‬مع أن التقدم العلمي‬
‫والتقني الذي يحدث الن يجعل ناموس الحياة الساس في التغير والتبدل‪،‬‬
‫وليس في الثبات والستمرار‪.‬‬
‫س العملي‪ ،‬وينظر إلى‬‫ّ‬ ‫الح‬ ‫عليه‬ ‫يغلب‬ ‫من‬ ‫وهناك ممن يشتغل بالدعوة‬
‫التخطيط وبناء الستراتيجيات وبلورة الهداف على أنه مضيعة للوقت‪ ،‬وليس‬
‫هناك ما يدعو إليه‪ ،‬وهو في نظره قد يكون مظهرا ً من مظاهر الفرار من‬
‫العمل وتحمل المسؤوليات الكبيرة‪ ،‬وهذه الشريحة واسعة جدا ً وإلى حد ل‬
‫دق!‬
‫ُيص ّ‬

‫) ‪(229/1‬‬

‫ومن المؤسف أن فيمن يشّنع على التخطيط الدعوي من ل يخطط وينظر‪،‬‬


‫كما أنه في الوقت نفسه ل يعمل ول ينتج‪ ،‬فهو في الحقيقة يعاني من عطالة‬
‫دمه للمة خلل أسبوع أو شهر مضى لم يجد شيئا ً‬ ‫شاملة‪ ،‬ولو سئل عما ق ّ‬
‫يتحدث عنه! وهناك من يعمل من غير رؤية راشدة ول أهداف واضحة ول فقه‬
‫للولويات‪ ،‬وهؤلء أسوأ حال ً من أولئك؛ لن حركتهم قد تفضي إلى حدوث‬
‫كوارث!‬
‫الهدف الجيد يحتاج إلى أن نرسم خطة لتنفيذه‪ ،‬وتلك الخطة يجب أن تشتمل‬
‫على المكانات والوقات المطلوبة‪ ،‬بالضافة إلى العقبات المتوقعة‪ ،‬وبذلك‬
‫وحده نجد أنفسنا مضطرين إلى البحث عن الوسيلة الفعالة والملئمة‪.‬‬
‫لست ممن تتملكه الرغبة بإغراء الخرين بالبحث عن المستحيل وسلوك‬
‫الطرق الوعرة لبلوغ الرغائب؛ لن مشكلتنا الساسية ليست مع المستحيل‬
‫الذي نتمناه‪ ،‬ولكن مع الممكن الذي ضيعناه!‪.‬‬
‫فيا أيها الذين خنقهم الواقع بمعطياته الصعبة‪ ،‬فحرموا من رؤية الفاق‬
‫الممتدة التي تنتظرهم‪ ،‬ويا من أدمنوا الشكوى من ضعف الحيلة وانعدام‬
‫الوسيلة‪ ،‬امنحوا أنفسكم الوقت الكافي للعثور على أفضل تحديد ممكن لما‬
‫ترغبون في تحقيقه‪ ،‬وسوف تجدون أن ذلك سيجعل وسائلكم أكثر تقدما ً‬
‫وفاعلية‪ ،‬كما أنه سيجعلكم أكثر واقعية‪ ،‬وسيكون لكم من وراء هذا وذاك‬
‫إدارة أجود للمكانات المحدودة التي بين أيديكم‪ .‬والله الهادي‬

‫) ‪(229/2‬‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أزمتنا التربوّية‬
‫د‪ .‬محمد بن عبد العزيز الشريم * ‪14/10/1426‬‬
‫‪16/11/2005‬‬
‫من المؤكد أن التصدي لموضوع بالغ الهمية كالتربية المعاصرة في مقالة‬
‫واحدة ُيعد ّ ضربا ً من التبسيط الموغل في الخيال‪ ،‬ولكن مما ل شك فيه أن‬
‫لزمة التربية نقطة بداية محددة‪ ،‬ثم تتشعب لتشمل جوانب متعددة ربما‬
‫تكون الحاطة بها من المور بالغة الصعوبة‪ ،‬فضل ً عن علجها‪.‬‬
‫ب الجميع مثل التربية في هذا الزمن‬ ‫ل أحسب أن هناك موضوعا ً يشغل ل ّ‬
‫الذي ُرزئت فيه المة بأبشع إفرازات الحضارة الغربية‪ ،‬التي نحتاجها ونعتمد‬
‫عليها‪ ،‬ولكننا في الوقت نفسه نصطلي بنيرانها‪ .‬ولذلك فليس في تقديري أنه‬
‫من التهويل والمبالغة أن نصف حالنا مع التربية بأنه أزمة‪.‬‬
‫من المسؤول؟‬
‫ليس هناك شك في أن المجتمع بكافة شرائحه وطبقاته مسؤول عن تربية‬
‫أبنائه‪ ،‬وأنه يتحمل تبعات تلك التربية‪ ،‬وأنه كذلك المستفيد الول من نجاحه‬
‫في تربيتهم وأنه ‪-‬في الوقت نفسه‪ -‬الخاسر الكبر من إخفاقهم‪ .‬ولكن‬
‫السؤال المحوري الذي يجدر بنا طرحه‪ :‬من هو المجتمع؟ وكيف نمسك‬
‫بزمام المسؤولية المهملة في تبعات المجتمع المعاصر لنلقي باللئمة على‬
‫صر في دوره تجاه التربية؟‬ ‫من ق ّ‬
‫البحث عن إجابة لمثل هذا السؤال سيقودنا حتما إلى الدخول في حلقة‬
‫مفرغة؛ حيث إن البيت والشارع والمسجد والمدرسة‪ ،‬بل والدولة بكافة‬
‫قطاعاتها تشترك في المسؤولية‪ ،‬وتتحمل التقصير الناتج عن ضعف القيام‬
‫بمهامها‪ ،‬ولكن كل طرف يلقي بالمسؤولية الكبرى عن الخفاق أو التقصير‬
‫على الطراف الخرى‪ .‬وهذا في تقديري هو جوهر أزمتنا التربوية!‬
‫ملمح الزمة‬
‫نعاني في مجتمعاتنا العربية والسلمية من إشكالية متجذرة ساهمت‬
‫المتغيرات الحديثة ‪-‬ومن أبرزها الطفرات القتصادية والنفتاح العالمي‪ -‬في‬
‫جعلها سمة لبعض المجتمعات التي صاغت ‪-‬ربما دون وعي منها‪ -‬منظومتها‬
‫الجتماعية وفقا ً لتك المتغيرات‪ ،‬ونتج عن ذلك مزيج متهالك أنتج بناء ثقافيا ً‬
‫دياته المحلية‪ ،‬فضل ً عن‬ ‫وفكريا ً وأخلقيا ً هزيل ً ل يستطيع الصمود أمام تح ّ‬
‫التحديات العالمية الكبرى‪.‬‬
‫أبرز ملمح الزمة التربوية تكمن في ضعف القدرة على استشعار‬
‫المسؤوليات الملقاة على عواتقنا‪ ،‬بل وانعدام الرغبة في ذلك‪ .‬وبهذا أصبح‬
‫كثير من أفراد مجتمعاتنا يجيدون فنا ً قّلما يتقنه غيرهم‪ ،‬أل وهو تبرير التقصير‬
‫ونت في‬ ‫وإلقاء اللوم في ذلك على الخرين‪ .‬هذه الحالة النفسية التي تك ّ‬
‫ذرت بعد بضعة عقود من الهمال التربوي تتزايد حدتها‬ ‫العقل الجمعي ثم تج ّ‬
‫وغ للمجرم جريمته؛‬ ‫حتى إن الشخص ربما يسمع ‪-‬على سبيل المثال‪ -‬من يس ّ‬
‫لن المجتمع لم يوفر له وظيفة محترمة! قد يكون المجتمع وّفر له وظيفة‬
‫مقبولة أو حتى متواضعة‪ ،‬ولكن كونها ليست محترمة أعطاه مسوغا ً نفسيا ً‬
‫وغ له ارتكابها!‬‫ليرتكب جريمته‪ ،‬بل ويمتد التسويغ ليجد من يس ّ‬
‫كيف نواجهها؟‬
‫ددة لم تحظ باهتمام‬ ‫هذه الحالة النفسية الناتجة عن ظروف مختلفة ومتج ّ‬
‫ف على المستوى التطبيقي‪ .‬ربما يكون الجانب التنظيري لهذه‬ ‫تربوي كا ٍ‬
‫القضية شغل كثيرين عن نقل تلك المهمة إلى حيز التنفيذ ابتداء من السرة‬
‫وانتهاء بالمؤسسات التعليمية العليا‪ .‬ولكوني لست متفائل ً بأن توكل مثل هذه‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المهمات الحيوية إلى مؤسسات ضعيفة الصلة بأبنائنا وبناتنا في هذا الزمن‬
‫المتأزم بالمتغيرات لتتولى المسؤولية وحدها‪ ،‬فإني أرى أن نستثمر بجدية‬
‫في برامج التربية المنزلية التي يقوم عليها الباء والمهات‪ ،‬وربما القارب‬
‫حتى نحقق أهدافنا‪.‬‬
‫نتائج التربية المنزلية التي نباشرها بأنفسنا كآباء وأمهات سوف تكون ‪-‬بإذن‬
‫الله‪ -‬اللبنة الولى وحجر الساس لتفعيل بقية قطاعات المجتمع لتبني عليها‬
‫ل‪ ،‬لسيما في ظل تزايد المسؤوليات‬ ‫ما يمكن أن يكون برنامجا ً تربويا ً متكام ً‬
‫التربوية التي تضطلع بها القطاعات التربوية خارج نطاق المنزل والسرة‪.‬‬
‫وضعف القيام بهذه المسؤولية ‪-‬في تقديري‪ -‬هو مكمن الخلل الذي نشأت‬
‫عنه أزمتنا التربوية المعاصرة التي جعلت بعض المؤثرات التي يتعرض لها‬
‫أبناؤنا لفترة قصيرة تجّرهم إلى الهاوية بشكل يشابه فعل السحر فيهم‪.‬‬
‫ل يكفي أن تكون الرغبة صادقة في تربية أبناء صالحين ما لم يكن الباء‬
‫والمهات على وعي بالمسؤولية الملقاة على عواتقهم وأهمية استجابتهم‬
‫لمتغيرات التربية المعاصرة؛ إذ إن كثيرا ً منهم يربي أبناءه بالطريقة نفسها‬
‫التي رّباه بها والداه‪ .‬فبعضهم ترّبى على الضرب والقسوة وربما التهديد‬
‫بالطرد من المنزل‪ ،‬وكان هذا السلوب مجديا ً معه في زمن لم يكن أصحاب‬
‫قفه وجره معهم إلى مهالك أعظم وأطم‪ ،‬كما هو الحال‬ ‫السوء مستعدين لتل ّ‬
‫الن‪.‬‬

‫) ‪(230/1‬‬

‫ولذلك فإن الخطوة الولى التي ينبغي أن نتجرأ على القيام بها هي الثورة‬
‫على النماط التربوية الشائعة التي ل تكرس إل التمرد والعصيان‪ ،‬أو تكرس‬
‫‪-‬ربما كردة فعل على الولى‪ -‬الكسل والتكالية‪ ،‬ونستبدل بها أنماطا ً تشجع‬
‫على التعاون والطاعة والثقة بالنفس والمبادرة‪ .‬وهذه الثورة ليس لها مكان‬
‫إل دواخل أنفسنا‪ ،‬حيث ننظر في أخطائنا بمنظار صاف وصادق يرتجي‬
‫الناظر من خلله تشخيص الخطأ‪ ،‬ثم العتراف به‪ ،‬ثم البحث عن علج له‪.‬‬
‫برامج التربية المنزلية ينبغي أن تنبع القناعة بها قبل أن تطبق‪ ،‬وهذه القضية‬
‫بحاجة إلى أن تكون من هموم السياسيين والخطباء والدعاة والصحفيين‬
‫والوجهاء التي ل يغفلون عنها حتى نستطيع الخروج من النفق المظلم الذي‬
‫دخلناه ثم اعتقدنا أنه العالم الذي ل يمكن تغييره‪.‬‬
‫إن كثرة الحديث عن هذا المر ربما أحدثت ثورة اجتماعية ضد القناعات‬
‫والرؤى الخاطئة السائدة تشابه ثورة "الرأي الخر" التي غزت ‪-‬كممارسة‬
‫اجتماعية‪ -‬كافة المستويات‪ ،‬بدرجة أصبح من يخالفها متخلفًا‪.‬‬
‫ولعل الله تعالى أن ييسر من أهل العلم والتجربة والحماس من يساهم في‬
‫وضع لبنات عملية أصيلة تساهم في تأسيس برامج التربية المنزلية التي‬
‫نؤمل عليها توجيه المة نحو المستوى الذي تطمح في الوصول إليه في وقت‬
‫هي بأمس الحاجة إلى مقاومة المؤثرات التي تكتسحها دون هوادة؛ فهذه‬
‫المهمة أكبر من أن يتناولها فرد أو مؤسسة بمفردها؛ إذ ل بد من تكاتف‬
‫الجهود وتصحيح بعضها بعضا ً عند وقوع بعض الخطاء التي لبد من وجودها‬
‫في مشروع ضخم بهذا الحجم‪.‬‬
‫* رئيس تحرير مجلة السر‬

‫) ‪(230/2‬‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أزواج يضربون زوجاتهم!!!‬


‫فوزية الخليوي ‪5/2/1427‬‬
‫‪05/03/2006‬‬
‫باختلف النفوس وطبائعها تختلف ردة الفعل عند الغضب‪ ،‬وأثناء النقاش‬
‫الحاد عند الزواج‪ ،‬فمنهم من يستطيع أن يملك زمام أعصابه‪ ،‬وأن التحدث‬
‫بهدوء وروية عند أي مشكلة أو تقصير !! بينما صنف آخر يستعمل يديه قبل‬
‫لسانه‪ ،‬فما تشعر المرأة إل ويداه تهوي عليها بالضرب!‪.‬‬
‫وليس مدار حديثي عن الضرب الشرعي الذي نص الشارع الحكيم عليه في‬
‫حال النشوز كما قال الله تعالى)واللتي تخافون نشوزهن فعظوهن‬
‫واهجروهن في المضاجع واضربوهن( والنشوز هو العصيان والتعالي‪ ،‬وفسر‬
‫فا كالسواك ونحوه!‪.‬‬ ‫المحدثون الضرب في هذه الحالة أن يكون خفي ً‬
‫صا بشعب أو‬ ‫ما ذا هوية‪ ،‬أو مخت ً‬ ‫إن هذا الصدام بين المرأة والرجل‪ ،‬ليس صدا ً‬
‫ما بعادات أو تقاليد‪ ،‬أو حتى ديانة‪ ..‬إنه‬ ‫طبقة معينة من الرجال‪ ،‬أو محكو ً‬
‫صدام بين الرجولة والنوثة‪ ،‬حيث الرجل والمرأة في كل زمان ومكان‪.‬‬
‫ً‬
‫أنه نابع من إحساس الرجل برجولته‪ ،‬فيظنه أن هذا ل يزيده إل قوة وشرفا‪.‬‬
‫عا‪.‬‬
‫ول يزيد المرأة إل استكانة وخضو ً‬
‫ر‬
‫ِ‬ ‫الصاف‬ ‫فير‬ ‫ص‬
‫َ ِ‬ ‫من‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫تجف‬ ‫ربواء‬ ‫ة‬
‫ي وفي الحروب نعام ٌ‬ ‫أسد ٌ عل ّ‬
‫حيث ردة الفعل من المرأة باختلف أجناسهن واحدة‪ .‬حيث المرأة خالصة‬
‫النسانية لها إحساس بقيمة ذاتها ومعنى وجودها ورفضها الساحق لهذا‬
‫المر‪ ..‬لماذا؟!!‬
‫لن فيه إهداًرا لكرامتها!!‬
‫قا لدميتها!!‬
‫وسح ً‬
‫حا لكبريائها!!‬‫وجر ً‬
‫فقد روى أبو داود في الحديث الصحيح ) أن ‪-‬النبي صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫قال‪ :‬لقد طاف بآل محمد سبعون امرأة كل امرأة تشتكي زوجها‪ ،‬فل تجدون‬
‫أولئك خياركم(‪ .‬ومروًرا بوقتنا الحالي فقد ذكر الكاتب )عبد الرحمن‬
‫السماري( في جريدة "الجزيرة" عن الرسائل الكثيرة التي تصله من‬
‫الزوجات أو آبائهن أو أمهاتهن والتي تشتكي عنف بعض الزواج مع زوجاتهم‬
‫والذي يمتد إلى الضرب الشديد‪ ،‬كاستخدام العصا‪ ،‬أو الحذاء أو توجيه‬
‫اللكمات على سائر الجسد‪.‬‬
‫وانتهاًء بإحصائية تتعلق بالوليات المتحدة أن هناك ‪ 6‬مليين زوجة يتعرضن‬
‫لحوادث الضرب من جانب الزوج كل عام وأن عدًدا يتراوح بين ‪4000-2000‬‬
‫زوجة يتعرض للضرب الذي يفضي إلى الموت كل عام‪ ،‬ويضيع ثلث وقت‬
‫رجال الشرطة في الرد على مكالمات هاتفية للبلغ عن حوادث العنف‬
‫المنزلي‪.‬‬
‫قد ل يدرك!!‬
‫قد ل يدرك الرجل عندما ترتفع يده عالًيا ثم تهوي على وجه المرأة أنه يهوي‬
‫ضا بالمواقف الجميلة السابقة في حقها!!‬ ‫أي ً‬
‫قد ل يدرك الرجل أن بصمات أصابعه هذه لم تطبع على الوجه إنما طبعت‬
‫على صفحة إسمنتية رطبة فبقيت شاهدة عليه على مر السنين!!‬
‫حقيقة النوثة‬
‫أن تمييز الرجل لمرأة دون أخرى غلط فاحش فكما تساوت تركيباتهن‬
‫الجسدية فكذلك النفسية بكون المرأة لها إحساس بقيمة ذاتها ووجودها‬
‫واعتزازها بإنسانيتها‪ ،‬وأخيًرا في رغبتها في التقدير‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن ألطف الدلئل هذه اللفتة من إحدى النساء في هذه القصة؛ فتدبر!‬
‫في عهد يوسف بن ناشفين ‪-‬ملك المغرب والندلس‪ -‬تمنى ثلثة نفر‪ :‬فالول‬
‫تمنى ألف دينار‪ ،‬والثاني تمنى عمل ً يعمل به للمير‪ ،‬وتمنى الثالث زوجته‬
‫وكانت من أحسن النساء‪ ،‬ولها الحكم في بلده‪ ،‬فبلغه الخبر فأعطى الول‬
‫والثاني ما تمنيا‪ ،‬وقال للثالث‪ :‬يا جاهل ما حملك على هذا الذي ل تصل إليه!‬
‫ما‬
‫ثم أرسله إليها؛ فتركته في خيمة ثلثة أيام تحمل إليه في كل يوم طعا ً‬
‫دا‪،‬‬
‫ما واح ً‬ ‫دا‪ ،‬ثم أحضرته‪ ،‬وقالت له‪ :‬ما أكلت في هذه اليام؟ فقال‪ :‬طعا ً‬ ‫واح ً‬
‫فقالت له‪ :‬كل النساء شيء واحد‪ ،‬وأمرت له بكسوة ومال وأطلقته!‪.‬‬
‫أقسام الرجال في هذا الباب‪:‬‬
‫)‪ (1‬القابضون على الجمر!!‬
‫ت رجال ً يضربون نساَءهم ‪... ...‬‬ ‫رأي ُ‬
‫ب زينبا‬ ‫فشّلت يميني يوم أضر ُ‬
‫أدرك هذا الصنف أن الرجولة ليست بالسلطة وممارسة القوة! بل هي‬
‫مصدر للمان وملذ للحنان‪ ..‬تعامل مع المرأة على أنها خالصة النسانية‪،‬‬
‫مكتملة النوثة‪ ،‬نظر إليها من خلل منظارها هي )على أنه الواحة الخضراء‬
‫التي تتفيؤ من ظلها وتنهل من معينها‪ ،‬ترتوي به‪ ،‬وتستقر معه( هذا المعنى‬
‫ل زوجتي ما‬ ‫ل ثوبي‪ ،‬ما وسعني‪ ،‬ول أم ّ‬
‫م ّ‬
‫وجه عمرو بن العاص فقال‪ :‬ل أ ِ‬ ‫ت ّ‬
‫ملل من سيئ الخلق‪.‬‬ ‫أحسنت عشرتي‪ ،‬وإن ال ُ‬
‫وانظر إلى أفعالهم حيث جعلوها خبيئة لهم يحتسبونها عند الله وقد تجاوزوا‬
‫بذلك حظوظ نفوسهم‪.‬‬
‫قال قبيضية بن عبد الرحمن ‪ :‬تزوجت بأم أولدي هؤلء؛ فلما كان بعد الملك‬
‫طلعت من شق الباب فرأيتها فأبغضتها وهي معي‬ ‫بأيام قصدتهم للسلم‪ ،‬فا ّ‬
‫منذ ستين سنة‪.‬‬

‫) ‪(231/1‬‬

‫أماأبو عثمان الحيري لما سئل عن أرجى عمل عمله فقال‪ :‬لما ترعرعت ولم‬
‫أتزوج بعد‪ ،‬جاءتني امرأة فقالت‪ :‬يا أبا عثمان‪ ،‬قد أحببتك حّبا ذهب بنومي‬
‫وقراري‪ ،‬وأنا أسألك بمقلب القلوب أن تتزوج بي‪ ،‬فقلت‪ :‬ألك والد؟ فقالت‪:‬‬
‫فلن الخياط‪ ،‬فراسلته فأجاب فتزوجت بها فلما دخلت وجدتها عوراء‪ ،‬سيئة‬
‫الخلق؛ فقلت‪ :‬اللهم لك الحمد على ما قدرته علي‪ ،‬وكان أهل بيتي يلومونني‬
‫ما إلى أن صارت ل تدعني أخرج من عندها‪،‬‬ ‫على ذلك‪ ،‬فأزيدها بّرا وكر ً‬
‫ظا لقلبها‪ ،‬وبقيت معها على هذه‬ ‫ً‬ ‫فتركت حضور المجلس إيثاًرا لرضاها وحف َ‬
‫الحالة خمس عشرة سنة‪ ،‬وكنت في بعض أحوالي كأني قابض على الجمر‪،‬‬
‫ول أبدي لها شيًئا من ذلك إلى أن ماتت‪ ،‬فما شيء أرجى عندي من حفظي‬
‫عليها ما كان في قلبي من جهتها!!‬
‫)‪ (2‬أسود في عرين المرأة‬
‫ت تندُبني ‪... ...‬‬
‫أعرفّنك بعد المو ِ‬
‫وفي حياِتي ما زّودتني زادا‬
‫نعم ل أنكر أن عدم ارتياح الرجل لشكل المرأة وهيئتها أو تركيبتها النفسية‬
‫هي من أهم الضغوط التي يواجهها الرجل في حياته الزوجية‪ ،‬مما تجعله يثور‬
‫لتفه السباب ويلجأ إلى الضرب والسباب أو يجعلها مثاًرا للتندر والسخرية‪،‬‬
‫وليس لها أن تنبس ببنت شفه‪.‬‬
‫ليس معنى هذا أل يرى للمرأة أي حق في التقدير والتعزيز لصفاتها اليجابية؛‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما هائل ً من العاطفة‪ ،‬فما أن تطأ قدماها بيت الزوجية إل‬ ‫فكل امرأة تحمل ك ّ‬
‫وهي تحمل أمنياتها وأحلمها وإن اختلف عمق هذه الحلم من فتاة لخرى‪.‬‬
‫فمن الخطأ تجاهل جميع ذلك ووأده‪ ،‬وإلغاء مكنونات نفسها بالشتيمة‬
‫والسخرية‪ ،‬مما يقود إلى اتساع الهوة بينهما‪ ..‬فما تزيدهما العشرة إل غربة‬
‫وكربة‪ ،‬ول يزيدهما الزواج إل قهًرا وكبًتا‪.‬‬
‫عشرة خمسين سنة‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ومن أخبارهم أن أحدهم طلق امرأته فقالت بعد ِ‬
‫مالك عندي ذنب غيره‪.‬‬
‫وقيل لعرابي‪ :‬كيف حبك لزوجتك؟ قال‪:‬ربما مدت يدها إلى صدري فوددت‬
‫والله أن آجرة خّرت من السقف فقدت يدها وضلعين من أضلع صدري‪.‬‬
‫وإلى هؤلء ما قاله الرافعي رحمه الله‪:‬إن زوجة الرجل إنما هي إنسانيته‬
‫ومروءته؛ فإن احتملها أعلن أنه رجل كريم‪ ،‬وإن نبذها أعلن أنه رجل ليس‬
‫فيه كرامة‪.‬‬
‫الثار السلبية للضرب‪:‬‬
‫‪-1‬النفور بين الزوجين‪:‬‬
‫سا للمشاعر السلبية‪ ،‬يجمع بذلك بين اللم‬ ‫عندما يجعل الزوج الضرب متنف ً‬
‫النفسي والجسدي‪ ،‬وهو الذي نهى عنه الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬؛‬
‫فقال‪" :‬ل يجلد أحدكم زوجته جلد البعير‪ ،‬ثم يجامعها آخر اليوم" ]رواه‬
‫البخاري[‪.‬‬
‫وهنا تحدث الجفوة النفسية بينهما‪ ،‬والتي تكون سبًبا مباشًرا للتباعد بين‬
‫الزوجين‪ ،‬وإن جمعهما سقف واحد‪ ،‬وأدى كل منهما حقوقه وواجباته‪.‬‬
‫‪-2‬أثر المشاجرات على نفسية الطفل‪:‬‬
‫إن الشجار وضرب الم أمام أعين البناء يفقدهم الشعور بالمن‪ ،‬ويجعلهم‬
‫حائرين بين الولء لبيهم أو لمهم‪ .‬وقد يستغل الطفل أحدهما ضد الخر‪،‬‬
‫إضافة إلى أنه يعطيه فكرة سيئة عن الحياة الزوجية‪ ،‬والطمأنينة في البيت‪.‬‬
‫‪-3‬حدوث الطلق‪:‬‬
‫ل عجب أنه عند تفاقم العنف ضد المرأة‪ ،‬تلجأ إلى الطلق كحل سلمي‪ ،‬كما‬
‫فعلت حبية زوجة ثابت بن قيس‪ ،‬عندما ضربها فكسر بعضها‪ ،‬فجاءت إلى‬
‫الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬؛ فقالت‪ :‬ل أنا ول ثابت‪ ،‬فقال‪ :‬أتردين عليه‬
‫حديقته‪ ،‬فقالت‪ :‬نعم‪ ،‬فطلقها‪.‬‬
‫ضا من ذلك؛ ففي إحصائية نشرتها جريدة‬ ‫ً‬ ‫بع‬ ‫يؤيد‬ ‫ولعل ارتفاع نسبة الطلق‬
‫"اليوم" السعودية )‪ (11128‬أن المحاكم السعودية تسجل يومّيا ما بين ‪-25‬‬
‫‪ 35‬حالة طلق‪ ،‬أي معدل ‪ 16‬ألف حالة سنوّيا مقابل ‪ 66‬ألف حالة زواج‪.‬‬

‫) ‪(231/2‬‬

‫أسئلة القرآن‬
‫الحمد لله علي الشأن ‪ ،‬عظيم السلطان ‪ ،‬يسأله من في السموات والرض ‪،‬‬
‫كل يوم هو في شأن ‪.‬‬
‫أحمده سبحانه ‪ ،‬حمد الشاكرين ‪ ،‬وأستغفره استغفار المذنبين التائبين ‪،‬‬
‫وأسأله سؤال العابدين القانتين ‪ .‬وأثني عليه ثناء النبياء والمرسلين ‪.‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬رب العالمين ‪ ،‬وإله الولين‬
‫والخرين ‪ ،‬يدبر المر يفصل اليات لعلكم بلقاء ربكم توقنون ‪.‬‬
‫وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ‪ ،‬ومصطفاه وخليله ‪ ،‬سيد المرسلين ‪ ،‬وخاتم‬
‫النبيين ‪ ،‬صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ‪ ،‬ومن سار على نهجهم ‪،‬‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واقتفى أثرهم بإحسان إلى يوم الدين ‪ ،‬وسلم تسليما ‪.‬‬


‫أما بعد ‪ ،‬فأوصيكم ونفسي بتقوى الله ‪ ،‬فهي وصية الله تعالى للولين‬
‫والخرين ‪ ،‬كما قال سبحانه ‪ :‬ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم‬
‫وإياكم أن اتقوا الله ‪ .‬كما أن تقوى الله تعالى وصية النبي الكريم ‪ ،‬والحبيب‬
‫الرحيم ‪ ،‬صلى الله عليه وسلم لنا جميعا ‪ ،‬كما في حديث العرباض بن سارية‬
‫رضي الله عنه ‪ :‬وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها‬
‫القلوب ‪ ،‬وذرفت منها العيون ‪ ،‬فقلنا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬كأنها موعظة مودع‬
‫فأوصنا ‪ ،‬قال ‪ :‬أوصيكم بتقوى الله ‪.‬‬
‫عباد الله ‪ :‬أسئلة ‪ ،،،‬يوجهها القرآن الكريم للعقلء ‪ ،‬يبحثون عن ما ينفع‬
‫ويفيد ‪.‬‬
‫أسئلة ‪ ،،،‬يوجهها القرآن للحكماء ‪ ،‬يبحثون عن الحرية من أغلل العادات‬
‫والتقاليد ‪.‬‬
‫أسئلة يوجهها القرآن لولي اللباب ‪ ،‬يتفكرون في خلق السموات والرض ‪،‬‬
‫فيرون السماء ليس بها فطور ‪ ،‬ويرون الرض مستقرة بهم ل تميد ‪.‬‬
‫أسئلة يوجهها القرآن للناس كافة ‪ ،‬فل يفقهها إل من كان له قلب أو ألقى‬
‫السمع وهو شهيد ‪.‬‬
‫ل الغواية ‪ ،‬وتزيل الران‬ ‫ِ‬ ‫أه‬ ‫أعين‬ ‫يغشى‬ ‫الذي‬ ‫الدخان‬ ‫سحب‬ ‫أسئلة ‪ ،،،‬تقشع‬
‫من قلوب الغافلين عن سبل الهداية ‪ ،‬فتنير الطريق لمن أراد أن يسلك‬
‫سبيل النجاة ‪ ،‬وتقيم الحجة عليه بينة دراية ورواية ‪ .‬فتهز عقله ليفكر ‪،‬‬
‫وتروي له قصص الولين ليكون له بهم عبرة وآية ‪ ،‬تشرح له ببيان تام‬
‫الوضوح قصة البداية والنهاية ‪ ،‬وما بين ذلك من أحداث يتصرف فيها بوحدانية‬
‫وتفرد ‪ ،‬وحكمة بالغة ‪ ،‬الذي له ملك السموات والرض وهو على كل شيء‬
‫شهيد ‪.‬‬
‫عباد الله ‪ :‬القرآن يسأل ‪ ،‬وهو نفسه يجيب ‪ ،‬ويتعجب من حال من يفقه‬
‫ويعلم ‪ ،‬ثم ل يستجيب ! وحق لنا أن نعجب ممن يرى ويبصر اليات والنذر ‪،‬‬
‫ثم ل يقلع عن غيه ول ينيب ! فهم بربهم يشركون ‪ ،‬ومن عذابه ل يشفقون ‪،‬‬
‫ويغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ‪ ،‬ول يزالون في شك‬
‫مريب ! أفي الله شك ؟ أفي الله شك ؟ أفي الله شك فاطر السموات‬
‫والرض ؟‬
‫فاستمع يا رعاك الله إلى هذا السؤال وكرره على نفسك ‪ ،‬وانظر إجابته‬
‫فيمن حولك ‪ ،‬وأتبعه بأسئلة متتالية ‪ ،‬تقرع السماع ‪ ،‬وتقطع الطماع ‪ ،‬إل‬
‫فيما عند الواحد القهار ‪ ،‬المانع الضار ‪ ،‬العزيز الحميد ‪.‬‬
‫أل فأجيبوا أيها العقلء ‪ ،‬أيها الحرار من أغلل التقليد ‪ ،‬وسلسل الشيطان‬
‫المريد ‪ .‬أجيبونا فأخبرونا ‪ :‬لمن الرض ومن فيها إن كنتم تعلمون ؟ لقد‬
‫أجابوا قديما ‪ ،‬وهو نفس الجواب حديثا ‪ :‬فسيقولون لله ! قل أفل تذكرون ؟‬
‫قل ‪ :‬من رب السموات السبع ورب العرش العظيم ؟ سيقولون ‪ :‬لله ! قل ‪:‬‬
‫أفل تتقون ؟ قل ‪ :‬من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ول يجار عليه ‪ ،‬إن‬
‫كنتم تعلمون ؟ سيقولون ‪ :‬لله ! قل ‪ :‬فأنى تسحرون ؟ ما الذي سحر‬
‫عقولكم ؟ ما الذي أذهب ألبابكم ‪ ،‬ما الذي شتت أذهانكم ؟ وأنتم ترون‬
‫الملك يتصرف في ملكه كيف يشاء ‪ ،‬ول تملكون من التصرف فيه شيئا ‪،‬‬
‫فأين تذهبون ؟ ما لكم كيف تحكمون ؟ أم لكم كتاب فيه تدرسون ‪ ،‬إن لكم‬
‫فيه لما تخيرون ‪ .‬بل أتيناهم بالحق ‪ ،‬وإنهم لكاذبون ‪ ،‬ما اتخذ الله من ولد ‪،‬‬
‫وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ‪ ،‬ولعل بعضهم على بعض ‪،‬‬
‫سبحان الله عما يصفون ‪ ،‬عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون ‪ .‬بل‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هو الله العزيز الحكيم ‪.‬‬


‫هذه السئلة لن يكون الجواب عنها إل كلمة واحدة ‪ ،‬وجواب واحد ‪ ،‬هو‬
‫التوحيد ‪ ،‬ل إله إل الله ‪ ،‬ولكن أكثر الناس ل يؤمنون ‪.‬‬
‫أيها الحبيب‪ :‬استمع إلى سؤال القرآن ‪ ،‬وتأمل إجابته ‪ ،‬وقف مجل مكبرا لمن‬
‫بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون ‪ .‬واسألهم ‪ :‬أمن خلق السموات‬
‫والرض ‪ ،‬وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم‬
‫أن تنبتوا شجرها ‪ ،‬أأله مع الله ؟ بل هو قوم يعدلون ‪ .‬أمن جعل الرض قرارا‬
‫‪ ،‬وجعل خللها أنهارا وجعل لها رواسي ‪ ،‬وجعل بين البحرين حاجزا ‪ ،‬أأله مع‬
‫الله ؟ بل أكثرهم ل يعلمون ‪ .‬نعم والله إن أكثرهم ل يعلمون الحق ‪ ،‬فهم‬
‫معرضون ‪.‬‬

‫) ‪(232/1‬‬

‫أمن يجيب المضطر إذا دعاه ‪ ،‬ويكشف السوء ‪ ،‬ويجعلكم خلفاء الرض ‪ ،‬أأله‬
‫مع الله ؟ قليل ما تذكرون ‪ .‬أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ‪ ،‬ومن‬
‫يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ‪ ،‬أأله مع الله ؟ تعالى الله ‪ ،‬تعالى الله‬
‫عما يشركون ‪ .‬أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ؟ ومن يرزقكم من السماء‬
‫والرض ؟ أأله مع الله ؟ قل هاتوا برهانكم ‪ ،‬هاتوا برهانكم ‪ ،‬إن كنتم صادقين‬
‫‪.‬‬
‫بكل وضوح ‪ ،‬وبكل عقلنية ‪ ،‬بكل منطقية ‪ ،‬نستدل على الرزاق ذي القوة‬
‫المتين ‪ ،‬ولكن القوم في خوض يلعبون ‪ ،‬وعن الوقوف بين يديه غافلون ‪،‬‬
‫وعما يريد منهم معرضون ‪ ،‬ولما ينهاهم عنه فاعلون ‪ .‬فيأتي السؤال ‪ ،‬ويعقبه‬
‫الجواب ‪ ،‬ثم يتلو ذلك التعجب من الفعال ‪ ،‬والقوال ‪.‬‬
‫واستمع يا رعاك الله لهذا السؤال القرآني أيضا‬
‫‪ :‬قل من يرزقكم من السماء والرض أمن يملك السمع والبصار ومن يخرج‬
‫الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر المر فسيقولون الله!‬
‫فقل أفل تتقون ؟ فذلكم الله ربكم الحق ‪ ،‬فماذا بعد الحق إل الضلل ؟ فأنى‬
‫تصرفون ؟ كذلك حقت كلمت ربك على الذين فسقوا أنهم ل يؤمنون ‪ .‬نعم ‪،‬‬
‫ل يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الليم ‪ .‬ولو فتحنا عليهم بابا‬
‫من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم‬
‫مسحورون ‪ ،‬وإن يروا كل آية ل يؤمنوا بها ‪ .‬فهم في ريبهم يترددون ‪.‬‬
‫إذ إنه ل يشك في الخالق البارىء المصور إل من غيب عقله في سراديب‬
‫الضلل ‪ ،‬فهو يجادل بالباطل ليدحض به الحق ‪ ،‬ويحاول أن يغطي أشعة‬
‫الشمس البازغة بغربال !‬
‫أيها المسلم ‪ :‬وأنت ترقب شاشة التلفاز ‪ ،‬وترى أثار الدمار ‪ ،‬وترى الدنيا‬
‫ت اللف من‬ ‫ت اللف من القتلى ‪ ،‬ومئا ِ‬ ‫عائمة ‪ ،‬والمصيبة قائمة ‪ ،‬عشرا ِ‬
‫المصابين ‪ ،‬ومليين من المشردين ‪ ،‬في عدة ثوان ‪ ،‬لم تكمل دقيقة واحدة ‪،‬‬
‫إل وقد اجتمع الجوع والمرض ‪ ،‬والخوف والمصيبة ‪ ،‬بفقد الحبة من الباء‬
‫والبناء ‪ ،‬والخوة والصدقاء ‪ .‬فاقرع آذانهم بسؤال القرآن واضحا ومتجليا ‪:‬‬
‫قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة ‪ ،‬أغير الله تدعون إن كنتم‬
‫صادقين ‪ .‬فأين اللهة من دون الله توقف هذا الطوفان ؟ أين اللهة من دون‬
‫الله تكشف البلء ‪ ،‬وهي غرقى مثل عابديها ‪ ،‬متناثرة أضعف من عابديها ‪.‬‬
‫فاسألهم ‪ ،‬أيها العاقلون ‪ :‬أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر‬
‫هل هن كاشفات ضره ؟ أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته ‪ ،‬قل‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حسبي الله ‪ ،‬عليه يتوكل المتوكلون ‪.‬‬


‫إن ما رأيناه من هيجان البحار ‪ ،‬وتلطم المواج ‪ ،‬وهدير الرياح ‪ ،‬وزلزلة‬
‫الرض ‪ ،‬إشارة ‪ ،‬مجرد إشارة لعظمة من سيوقف العباد كلهم بين يديه ‪ ،‬بعد‬
‫أن تزلزل الرض زلزالها ‪ ،‬وتخرج الرض أثقالها ‪ ،‬ويبعث الناس حفاة عراة‬
‫غرل بين يدي الملك الحق المبين ‪ ،‬وقد غضب غضبا لم يغضب قبله مثله ‪ ،‬ول‬
‫يغضب بعده مثله ‪ ،‬فأين المفر ؟ كل ل وزر ‪.‬‬
‫لقد كادت الرض تهلك في ثوان ‪ ،‬وهو نذير غضب الرحمن ‪ ،‬أل يظن أولئك‬
‫أنهم مبعوثون ليوم عظيم ؟ يوم يقوم الناس لرب العالمين ‪.‬‬
‫إذا عرفت إجابة تلك السئلة أيها الحبيب ‪ ،‬فلن تستطيع تخيل عظمة‬
‫السائل ‪ ،‬ول يمكنك أن تتصور ذلتك وأنت بين يديه ‪ ،‬مكبل بالذنوب ‪ ،‬ليس‬
‫بينك وبينه ترجمان ‪ ،‬ول معاذير تنفع ‪ ،‬ول سلطان لك ينصرك أو يرحمك ‪ ،‬أو‬
‫يمكنه أن يجادل عنك أو أن يدفع ‪.‬‬
‫عباد الله ‪ :‬يوم الدين والله أشد أهوال مما رأيتم ‪ ،‬وأشد رعبا مما شاهدتم ‪،‬‬
‫وأكثر خرابا ودمارا مما تصورتم ‪ ،‬ففروا إلى الله ‪ ،‬فل ملجأ منه إل إليه ‪.‬‬
‫وارفعوا أيديكم بالتضرع بين يديه ‪ ،‬وأرغموا أنوفكم بالسجود لعظمته ‪،‬‬
‫ورطبوا ألسنتكم بالتسبيح بحمده والتقديس له ‪.‬‬

‫) ‪(232/2‬‬

‫معاشر المسلمين ‪ :‬حين يسأل القرآن سؤال يوجهه لمن يبحث عن الحق‬
‫ويسعى إليه ؛ لن المجادل ‪ ،‬ومن طبع الله على قلبه فل تقنعه حجج ول آيات‬
‫‪ ،‬ول تنفعه ذكرى ‪ ،‬ول يقتنع بالبينات ‪ ،‬فل يستفيد من اليات إل المؤمنون ‪،‬‬
‫ول يعقل المثال إل العالمون ‪ ،‬وإل فإن من رأى هيجان البحار ل بد أن يسأل‬
‫نفسه ‪ :‬ما الذي أهاجها ؟ وهي هي التي كنا نستخرج منها اللحم الطري‬
‫والحلية التي نلبسها ‪ ،‬لؤلؤا ومرجانا ‪ ،‬وطعاما لذيذا ‪ ،‬فغشيت أمواجها البر‬
‫وتعدت على البلدان !! أفلم يتلى علينا قوله جل وعل ‪ :‬الله الذي سخر لكم‬
‫البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ‪ .‬فالذي‬
‫سخره هو الذي أهاجه ‪ ،‬والذي أمسكه هو الذي أطلقه ‪ ،‬فل والله ل ممسك‬
‫له غيره ‪ ،‬ول مسخر له سواه ‪ .‬فتأمل يا رعاك الله قوله جل وعل ‪ :‬ربكم‬
‫الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله ‪ ،‬إنه كان بكم رحيما ‪ ،‬وإذا‬
‫مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إل إياه ‪ ،‬فلما نجاكم إلى البر‬
‫أعرضتم ‪ ،‬وكان النسان كفورا ‪ .‬أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل‬
‫عليكم حاصبا ثم ل تجدوا لكم وكيل ؟ أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى‬
‫فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغركم بما كفرتم ثم ل تجدوا لكم علينا به‬
‫تبيعا ‪ .‬أما ترون هذه اليات ممثلة أمام أعينكم فتبصرون ؟ ولكن صدق الله‬
‫إذ يقول ‪ :‬وما منعنا أن نرسل باليات إل أن كذب بها الولون ‪ ،‬وآتينا ثمود‬
‫الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل باليات إل تخويفا وإذ قلنا لك إن ربك‬
‫أحاط بالناس ‪ ،‬وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إل فتنة للناس والشجرة الملعونة‬
‫في القرآن ‪ ،‬ونخوفهم ‪ ،‬فما يزيدهم إل طغيانا كبيرا ‪ .‬فهذا يقول غضب‬
‫الرض ‪ ،‬وذاك يقول كوارث الطبيعة ‪ ،‬وآخر من دونه أزواج ‪ .‬مع إقرارهم بأن‬
‫الذي حدث ل يمكنهم رده ‪ ،‬ول يملكون له كشفا ول تحويل ‪ .‬والعجب مع‬
‫وضوح الدلة ‪ ،‬وبيان المحجة ‪ ،‬ونصاعة الحجة وثبوت قوله جل وعل واصفا‬
‫نفسه ‪ ،‬تقدست نفسه ‪ :‬الذي له ملك السموات والرض ولم يتخذ ولدا ولم‬
‫يكن له شريك في الملك ‪ ،‬وخلق كل شيء فقدره تقديرا ‪ .‬مع كل هذا‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الوصف ‪ ،‬انظر ماذا كان ردهم على هذه الصفات ‪ ،‬وما هو موقفهم من هذه‬
‫اليات ‪ :‬واتخذوا من دونه آلهة ل يخلقون شيئا وهم يخلقون ‪ ،‬ول يملكون‬
‫لنفسهم ضرا ول نفعا ‪ ،‬ول يملكون موتا ول حياة ول نشورا ‪ .‬فشتان بين‬
‫الخالق ‪ ،‬والمخلوق ‪ ،‬سبحانه وتعالى عما يصفون ‪ ،‬بديع السموات والرض ‪،‬‬
‫كل له قانتون ‪ ،‬فسل أيها العاقل ‪ ،‬سل الملحدين ‪ ،‬والكافرين ‪ ،‬سل‬
‫المعرضين ‪ ،‬سل الغافلين ‪ ،‬سل المنكوبين ‪ :‬أمن هذا الذي هو جند لكم‬
‫ينصركم من دون الرحمن ؟ إن الكافرون إل في غرور ‪ .‬أمن هذا الذي‬
‫يرزقكم إن أمسك رزقه ؟ بل لجو في عتو ونفور ! قل أرأيتم إن أخذ الله‬
‫سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به ؟ انظر كيف‬
‫نصرف اليات ثم هم يصدفون ! قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو‬
‫جهرة ‪ ،‬هل يهلك إل القوم الظالمون ؟ ثم سلهم ‪ :‬أرأيتم إن جعل الله عليكم‬
‫الليل سرمدا إلى يوم القيامة ‪ ،‬من إله غير الله يأتيكم بضياء ؟ أفل‬
‫تسمعون !؟ قل ‪ :‬أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة !‬
‫من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه ؟ أفل تبصرون !؟‬
‫فيا لهول الموقف يوم القيامة ‪ ،‬حين يناديهم أين شركائي الذين كنتم‬
‫تزعمون ؟ أين ما كنتم تدعون من دون الله ؟ هل ينصرونكم أو ينتصرون ؟‬
‫أو ينفعونكم أو يضرون ؟ إذا لم يدفعوا عنكم البلء في الدنيا فهم والله أعجز‬
‫من أن يدفعوه في الخرى !!! قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم‬
‫سوءا أو أراد بكم رحمة ‪ ،‬ول يجدون لهم من دون الله وليا ول نصيرا ‪ .‬وكذب‬
‫به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل ‪ ،‬لكل نبأ مستقر ‪ ،‬وسوف‬
‫تعلمون ‪.‬‬
‫عباد الله ‪ :‬إن مراد القرآن الكريم من طرح السئلة ‪ ،‬وبيان إجابتها على‬
‫ألسنة الملحدين ‪ ،‬والكافرين ‪ ،‬والمتشككين ‪ ،‬إن مراد القرآن من ذلك بيان‬
‫أن الحق واضح أبلج ‪ ،‬وأن من عاند الحق ‪ ،‬أو جادل فيه إنما يجادل عن‬
‫هوى ‪ ،‬وإنما يتبع السراب ‪ ،‬مع جريان النهر أمام عينيه ‪ ،‬تعلقا بالزيف ‪،‬‬
‫واتباعا للشيطان ‪ ،‬وخداعا للنفس ‪.‬‬
‫ومن فوائد طرح السئلة القرآنية ‪ ،‬تبيان أن الحق مع وضوحه وتجليه إل أن‬
‫في الناس من يعاند ‪ ،‬وتستيقن نفسه الحق ‪ ،‬فيتكبر عنه ‪ ،‬ويظلم نفسه ومن‬
‫اتبعه من السفهاء ‪ .‬أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيل ‪ ،‬أم‬
‫تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون ! إن هم إل كالنعام ‪ ،‬بل هم أضل‬
‫سبيل ‪.‬‬
‫فاللهم ل تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ‪ ،‬اللهم ل تعذبنا بذنوبنا ‪ ،‬اللهم بك‬
‫نستغيث من سخطك وعذابك ‪ ،‬ونقر لك بأنا مذنبون ‪ ،‬وعاصون ‪ ،‬ولكنا بك‬
‫مؤمنون ‪ ،‬ولك موحدون ‪ ،‬فادفع عنا وبلدنا كل سوء ‪ ،‬ومتعنا بنعمك ‪ ،‬واجعلها‬
‫لنا عونا على طاعتك ‪ ،‬وذلول إلى جنتك ‪ ،‬ومهرا لرضوانك ‪ ،‬وسببا لعافيتك ‪.‬‬
‫يا أرحم الراحمين ‪.‬‬
‫ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود ‪.‬‬

‫) ‪(232/3‬‬

‫الخطبة الثانية ‪:‬‬


‫الحمد لله ذي البطش الشديد ‪ ،‬الفعال لما يريد ‪.‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬ذو العرش المجيد ‪.‬‬
‫وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ‪ ،‬أشرف الخلق وسيد العبيد ‪ .‬صلى الله عليه‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعلى آله وصحبه ‪ ،‬ومن ترسم خطاهم ‪ ،‬لم يزغ عنه ‪ ،‬ول يحيد ‪ ،‬وسلم‬
‫تسليما ‪.‬‬
‫أما بعد ‪ ،‬فاتقوا الله تعالى ‪ ،‬وراقبوه في سركم وعلنيتكم ‪ .‬وإياكم أن‬
‫تستهينوا برقابته ‪ ،‬أو أن تأتوه يوم القيامة مفلسين ‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي‬
‫الله عنه ‪ ،‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪ :‬أتدرون من‬
‫المفلس ؟ قالوا ‪ :‬المفلس فينا من ل درهم له ول متاع ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن المفلس‬
‫من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلة وصيام وزكاة ‪ ،‬ويأتي وقد شتم هذا ‪،‬‬
‫وقذف هذا ‪ ،‬وأكل مال هذا ‪ ،‬وسفك دم هذا ‪ ،‬وضرب هذا ‪ ،‬فيعطى هذا من‬
‫حسناته ‪ ،‬وهذا من حسناته ‪ ،‬فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه ‪ ،‬أخذ‬
‫من خطاياهم فطرحت عليه ‪ ،‬ثم طرح في النار ‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫أيها العقلء ‪ :‬يا من أقررتم بجواب أسئلة الله لكم بأن ل إله إل هو ‪ ،‬يدبر‬
‫المر ما من شفيع إل من بعد إذنه ‪ ،‬أجب سؤاله حين توقف بين يديه وقد‬
‫شتمت هذا ‪ ،‬وقذفت هذا ‪ ،‬وأكلت مال هذا ‪ ،‬وسفكت دم هذا ‪ ،‬وضربت هذا ‪،‬‬
‫وروعت أم هذا ‪ ،‬أو طفل هذا ‪ ،‬وهذا نكرة ‪ ،‬يدخل فيه كل مظلوم ظلمته ‪،‬‬
‫وكل شخص غششته ‪ ،‬أو دم سفكته ‪ ،‬قتلته بغير ذنب اقترفه ‪ ،‬أو جرم أحدثه‬
‫‪ ،‬فسفكت دمه ‪ ،‬وأحرقت فؤاد أهله ‪ ،‬وربما كان له طفل يتمته ‪ ،‬أو أم‬
‫فجعتها ‪ ،‬أو زوج رملتها ‪ ،‬أو أب بفقده لبنه قهرته ‪ ،‬فكلهم يوم القيامة‬
‫خصماؤك ‪ ،‬حتى لو كنت من المصلين ‪ ،‬حتى لو كنت من المزكين ‪ ،‬ولو كنت‬
‫من الصائمين ‪ ،‬سيسألك بين يدي من بانت لك عظمته في كل شيء أمام‬
‫ناظريك ‪ ،‬يا رب سل هذا ‪ :‬لم قتلني ؟ أما كنت أرسلت له رسول رؤوفا‬
‫رحيما يخبره أنك ل ترضى هذا الفعل أبدا ؟ وأنك قلت وقولك الحق ‪ :‬ومن‬
‫يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له‬
‫عذابا عظيما ‪ .‬أما سمع رسولك صلى الله عليه وسلم يقول ‪ :‬المسلم أخو‬
‫المسلم ‪ ،‬ل يخونه ‪ ،‬ول يكذبه ‪ ،‬ول يخذله ‪ ،‬كل المسلم على المسلم حرام ‪،‬‬
‫عرضه ‪ ،‬وماله ‪ ،‬ودمه ‪ ،‬التقوى ها هنا ‪ ،‬بحسب امرىء من الشر أن يحقر‬
‫أخاه المسلم ‪ .‬رواه الترمذي ‪ .‬وفي رواية عند مسلم ‪ :‬ل يظلمه ول يخذله ‪،‬‬
‫ول يحقره ‪.‬‬
‫أيها المسلمون ‪ :‬تخففوا من الذنوب ‪ ،‬واتركوا المعاصي ‪ ،‬قبل أن توقفوا بين‬
‫يدي الواحد القهار ‪ ،‬ثم اعلموا أن أول ما يقضى بين العباد فيه الدماء ‪،‬‬
‫فاتقوها بكل ما تستطيعون ‪ ،‬فإن سفك الدم ِ الحرام بغير حق قرين للشرك ‪،‬‬
‫قرين للفاحشة ‪ ،‬كما قال جل وعل واصفا عباده المخلصين ‪ :‬والذين ل‬
‫يدعون مع الله إلها آخر ول يقتلون النفس التي حرم الله إل بالحق ول‬
‫يزنون ‪ ،‬ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه‬
‫مهانا ‪ .‬وقال جل من قائل ‪ :‬قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أل تشركوا به‬
‫شيئا ‪ ،‬وبالوالدين إحسانا ‪ ،‬ول تقتلوا أولدكم من إملق نحن نرزقكم وإياهم ‪،‬‬
‫ول تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ‪ ،‬ول تقتلوا النفس التي حرم الله‬
‫إل بالحق ‪ ،‬ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ‪.‬‬
‫أل فاعلموا عباد الله أن من فجع المسلمين في بيوتهم وطرقاتهم بأصوات‬
‫الرصاص ‪ ،‬وأزيز القنابل ‪ ،‬وصوت المتفجرات ‪ ،‬ناهيك عن ما نتج عنها من‬
‫خراب ودمار وإصابات ‪ ،‬وسفك للدم الحرام ‪ ،‬من فعل هذا والله لم يقدر‬
‫الله حق قدره ‪ ،‬ولم يعرفه حق معرفته ‪ ،‬وإل لما فعل ما فعل ‪ .‬ففكر أيها‬
‫العاقل ‪ ،‬إذا نهي المرء أن يمر بين يدي المصلي ‪ ،‬كيف يباح له أن يقتله ؟‬
‫بغير ذنب جناه !!! هل أعد القاتل جوابه حين يسأله الرب تبارك وتعالى لم‬
‫قتلت عبدي هذا ؟ هل سيحيله إلى أسامه ؟ وما يغني عنك أسامة ‪ ،‬وأنت‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تشكك في العالم الرباني وتزدريه ‪ ،‬وتخلع بيعة المام من عنقك وتستمع‬


‫لنعيق الفقيه ؟ هذا والله قياس عجيب ‪ ،‬فقتل المسلمين بزعم اتباع السنة ‪،‬‬
‫وإقامة علم الجهاد من أبطل الباطل ‪ ،‬وهو من اليمان ببعض الكتاب والكفر‬
‫ببعض ‪ ،‬وإل فإن الذي أمر بالجهاد هو نفسه الذي نهى عن قتل النفس إل‬
‫بالحق ‪ ،‬وهو نفسه الذي أمر بطاعة الولة ‪ ،‬وهو نفسه الذي حكم في من‬
‫خلع البيعة من الرعية ‪ ،‬ونازع الولة أن يضرب عنقه بالسيف كائنا من كان ‪.‬‬

‫) ‪(232/4‬‬

‫فهل توافقوننا أيها المجاهدون – زعمتم ‪ -‬إذا قلنا سنطبق هذا الحديث على‬
‫ابن لدن ‪ ،‬أو سعد الفقيه ‪ ،‬فنقتله به ؟ أو ستتأولون الحديث وتصرفونه ؟ لم‬
‫أخذتم بأجر الجهاد ومنزلته وتركتم المر بعصمة الدماء ‪ ،‬وتكاتف المسلمين ‪،‬‬
‫واجتماع كلمتهم ؟ ولكن لكل قوم وارث ‪ ،‬وقد ورث ما يسمى بتنظيم‬
‫القاعدة ورث الخوارج في فكرهم ‪ ،‬وحججهم ‪ ،‬وأفعالهم ‪ ،‬وقتلهم‬
‫للمسلمين ‪ ،‬وقتالهم ‪ ،‬فل تعجب ممن طوعت له نفسه قتل أخيه ‪ ،‬ومن‬
‫طوعت له نفسه قتل عثمان ‪ ،‬ومن سوغت له نفسه قتل علي ‪ ،‬تقربا إلى‬
‫الله ‪ ،‬وطمعا فيما عنده ‪ ،‬ل تعجب ممن ورث أولئك أن تطوع له نفسه قتل‬
‫أي كان ‪ ،‬فمهما قيل في عصمة نفس ذلك المسلم فلن تكون أكثر عصمة‬
‫من نفس عثمان ونفس علي رضي الله عنهما ‪ ،‬وصدق الله حين يقول ‪:‬‬
‫وقال الذين ل يعلمون لول يكلمنا الله أو تأتينا آية ‪ ،‬كذلك قال الذين من‬
‫قبلهم مثل قولهم ‪ ،‬تشابهت قلوبهم ‪ ،‬قد بينا اليات لقوم يوقنون ‪ .‬إنا‬
‫أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ‪ ،‬ول تسأل عن أصحاب الجحيم ‪.‬‬
‫وإني داع فأمنوا ‪ :‬يا من تنزه عن الشبيه والنظير ‪ ،‬وتعالى عن المعين‬
‫والوزير ‪ ،‬وتقدس عن المساعد والمشير ‪ .‬يا ذا العز المنيع ‪ ،‬ويا ذا الجاه‬
‫الرفيع ‪.‬‬
‫اللهم احفظ مملكتنا بحفظك ‪ ،‬واكلها برعايتك ‪ ،‬وجد عليها من واسع‬
‫فضلك ‪ ،‬واحرسها بعينك التي ل تنام ‪ ،‬واكنفها بركنك الذي ل يضام ‪ ،‬واحفظ‬
‫أمنها من كيد الكفرة اللئام ‪ ،‬وإفساد الخارجين على المام ‪ ،‬اللهم من سعى‬
‫فيها بشر أو فتنة فرده على عقبيه ذليل حقيرا ‪ ،‬وسلط عليه من جنود المن‬
‫سيفا شهيرا ‪ ،‬وأوقعه في أيديهم قتيل أو أسيرا ‪ .‬يا كافي من كل شيء ‪ ،‬ول‬
‫يكفي منه شيء ‪ .‬يا من يحول بين المرء وقلبه ‪ ،‬حل بيننا وبين من يؤذينا ‪.‬‬
‫سلط عليه جندا من جندك ‪ ،‬واجعلهم عبرة للمعتبرين ‪ ،‬وردهم على أدبارهم‬
‫خائبين ‪ ،‬اللهم ل ترفع لهم راية ‪ ،‬ول تحقق لهم غاية ‪.‬‬
‫اللهم احفظ إمامنا بحفظك ‪ ،‬وأيده بنصرك ‪ ،‬وأسبغ عليه نعمة من عندك ‪.‬‬
‫وصلوا على الحبيب المصطفى ‪ ،‬إن الله وملئكته ‪...‬‬
‫قاله فضيلة الشيخ ‪ /‬عادل بن سالم اكلباني الجمعة ‪ 19‬ذي القعدة ‪1425‬‬

‫) ‪(232/5‬‬

‫أسئلة‬
‫عن صحة بعض الحاديث‬
‫لفضيلة الشيخ‬
‫سليمان بن ناصر العلوان‬
‫فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان أيده الله ورفع ذكره آمين ‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نسمع من العامة أحاديث ول نعرف صحتها فرأينا الكتابة لجنا بكم لتوافونا‬
‫بدرجتها ‪.‬‬
‫وهي‬
‫‪ -1‬يس لما قرأت له‬
‫‪ -2‬تكبيرة الحرام خير من الدنيا وما فيها‬
‫ن الله ل ينظر إلى الصف العوج‬ ‫‪ -3‬إ ّ‬
‫‪ )) -4‬جنبوا مساجدكم صبيانكم ((‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫هذه الخبار ماعدا الخير ليس لها أصل والجزم بنسبتها إلى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم قول بل علم وأهل العلم متفقون على تحريم رواية الحاديث‬
‫المنكرة والباطلة ومتفقون على تحريم القول على الله وعلى رسوله صلى‬
‫ل أن يروي عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم‬ ‫الله عليه وسلم بل علم مث ُ‬
‫أحاديث منكرة ويجزم بصحتها وهو ل يعلم وقد روى البخاري في صحيحه )‬
‫حريز قال حدثني عبد الواحد بن عبد الله‬ ‫‪ ( 3509‬عن علي بن عياش حدثنا َ‬
‫ت واثلة بن السقع يقول قال رسول الله صلى الله عليه‬ ‫النصري قال سمع ُ‬
‫دعي الرجل إلى غير أبيه أو ُيري عينه مالم‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫أن‬ ‫فرى‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫أعظم‬ ‫وسلم ) إن من‬
‫تر أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم مالم يقل (( ‪.‬‬
‫وحديث ) جنبوا مساجدكم صبيانكم و مجانينكم ‪ ( ...‬رواه ابن ماجه في سننه‬
‫) ‪ ( 750‬من طريق الحارث بن نبهان حدثنا عتبة بن يقظان عن أبي سعيد‬
‫عن مكحول عن واثلة بن السقع عن النبي صلى الله عليه وسلم به وهذا‬
‫الحديث منكر ‪.‬‬
‫الحارث بن نبهان متروك الحديث قاله أبو حاتم والنسائي ‪.‬‬
‫وقال البخاري منكر الحديث ‪.‬‬
‫وقد روى له الترمذي ) ‪ ( 1775‬حديث أبي هريرة قال نهى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم أن ينتعل الرجل وهو قائم (( ‪ .‬وقال ل يصح عند أهل الحديث‬
‫والحارث بن نبهان ليس عندهم بالحافظ ‪.‬‬
‫وُروي الحديث من طريق أبي ُنعيم النخعي ثنا العلء بن كثير عن مكحول عن‬
‫أبي الدرداء وعن واثلة وعن أبي أمامة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم أنه قال )) جنبوا مساجدكم ‪ (( ...‬رواه البيهقي في السنن ) ‪/ 10‬‬
‫‪ ( 103‬وقال – العلء بن كثير هذا شامي منكر الحديث ‪( ..‬‬
‫وقال المام العقيلي في الضعفاء ] ‪ [ 347 / 3‬حدثني آدم بن موسى قال‬
‫سمعت البخاري قال ‪ :‬العلء بن كثير عن مكحول ‪ :‬منكر الحديث ‪.‬‬
‫قبه ] الرواية فيها لين [ ‪.‬‬ ‫وأسند العقيلي حديثه هذا وقال عَ ِ‬
‫حّرر عن‬ ‫م َ‬
‫ورواه ابن عدي في الكامل ) ‪ ( 1435 / 4‬من طريق عبد الله بن ُ‬
‫يزيد بن الصم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫جنبوا مساجدكم ‪ ....‬الحديث وفيه نكارة ‪.‬‬
‫عبد الله بن محرر متروك الحديث قاله النسائي وغيره وقال ابن عدي رواياته‬
‫غير محفوظة ‪.‬‬
‫وتفرده عن أقرانه بالرواية عن يزيد غير محتمل فالحديث منكر ول يصح في‬
‫الباب شيء ‪.‬‬
‫وقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم للصبيان بدخول المساجد وفعل ذلك‬
‫بنفسه حين صلى بالمسلمين وهو حامل ُأمامة بنت زينب ‪ .‬رواه البخاري‬
‫ومسلم من حديث أبي قتادة ‪ ...‬غير أنه ُيتقى أذاهم للمصلين وكثرة اللغط‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والعبث الباعث على التشويش على الراكعين الساجدين والله أعلم ‪.‬‬
‫قاله‬
‫سليمان بن ناصر العلوان‬
‫‪ 1421 / 3 / 6‬هـ‬
‫صحة حديث لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلس وسط الحلقة‬
‫فضيلة الشيخ المحدث سليمان بن ناصر العلوان أمد ّ الله في عمره على‬
‫عمل صالح ‪.‬‬
‫قرأت في أحد الكتب حديث حذيفة )) لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫من جلس وسط الحلقة (( ‪.‬‬
‫فتعاظمت هذا الوعيد في مثل هذا العمل اليسير فقلت أكتب لفضيلتكم‬
‫تبينون درجته فإن صح عندكم فما معناه ؟ ‪.‬‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫هذا الحديث رواه أبو داود في سننه ) ‪ ( 4826‬حدثنا موسى بن إسماعيل‬
‫حدثنا أبان حدثنا قتادة حدثني أبو مجلز عن حذيفة أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم لعن من جلس وسط الحلقة (( ‪.‬‬
‫ورواه أحمد ) ‪ (384 / 5‬والترمذي ) ‪ (2753‬والحاكم ) ‪ (281 / 4‬من طريق‬
‫شعبة عن قتادة نحوه ‪.‬‬
‫وقال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وصححه الحاكم وفيه نظر ‪.‬‬
‫ن أبا مجلز ل حق بن حميد لم يسمع من حذيفة‬ ‫فالحديث رواته ثقات غير أ ّ‬
‫قاله يحيى بن معين‪.‬‬
‫وقال المام أحمد رحمه الله حدثنا حجاج بن محمد قال قال شعبة لم يدرك‬
‫أبو مجلز حذيفة ) العلل رقم ‪. ( 788‬‬
‫فأصبح الحديث ضعيفا ً وهو ليس على ظاهره اتفاقا ‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد تأوله قوم على الرجل السفيه الذي يقيم نفسه مقام السخرية ليكون‬
‫ضحكة بين الناس ‪.‬‬
‫وتأوله آخرون على من يأتي حلقة قوم فيتخطى رقابهم ويقعد وسطها ول‬
‫يقعد حيث انتهى به المجلس فلعن للذى ‪.‬‬
‫وتأولته طائفة ثالثة بتأويل آخر ‪.‬‬
‫ت أن الحديث معلول فل يؤخذ منه‬ ‫َ‬ ‫علم‬ ‫وقد‬ ‫شيء‬ ‫ول يصح من هذه التأويلت‬
‫حكم ‪.‬‬
‫*************‬
‫فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله‬
‫قرأت في أحد كتب الشيخ اللباني رحمه الله أنه صحح حديث عائشة ) كان‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ول يمس ماء ( ‪.‬‬

‫) ‪(233/1‬‬

‫وقد سمعت من بعض العلماء أن هذا الحديث ل يصح فأحببت أن أرفع هذا‬
‫دد خطاكم‬‫السؤال لفضيلتكم لمعرفة الصحيح من ذلك والله أسأل أن يس ّ‬
‫وينفع فيكم القاصي والداني ‪.‬‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫هذا الحديث رواه أبو داود الطيالسي ) ‪ ( 1397‬وأحمد في مسنده )‪( 43 / 6‬‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأبو داود ) ‪ ( 228‬والترمذي ) ‪ ( 118‬وابن ماجة ) ‪ ( 581‬وغيرهم من طريق‬


‫أبي إسحاق السبيعي عن السود عن عائشة قالت ‪ .‬كان رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ينام وهو جنب ول يمس ماء ( ‪.‬‬
‫وهو معلول أخطأ فيه أبو إسحاق واضطرب فيه ولم يأت به على وجهه‬
‫الصحيح وقد رواه غير واحد عن السود عن عائشة بلفظ آخر فقد خّرج‬
‫مسلم في صحيحه من طريق إبراهيم عن السود عن عائشة قالت )) كان‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان جنبا ً أراد أن يأكل أو ينام توضأ‬
‫وضوَءه للصلة (( وهذا هو المحفوظ ‪.‬‬
‫وقد ذكر أبو داود في سننه ) ‪ ( 228‬عن يزيد بن هارون أنه قال هذا الحديث‬
‫وهم يعني حديث أبي إسحاق ‪ .‬وقال المام أحمد ) ليس صحيحا ً ( وقال أبو‬
‫عيسى الترمذي في جامعه ) وقد روى عن أبي إسحاق هذا الحديث شعبة‬
‫والثوري وغير واحد ويرون أن هذا غلط من أبي إسحاق ( ‪.‬‬
‫وهذا ل خلف فيه بين أئمة الحديث حكى اتفاقهم غير واحد ‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في الفتح ) ‪ ( 362 / 1‬وهذا الحديث مما‬
‫اتفق أئمة الحديث من السلف على إنكاره على أبي إسحاق منهم إسماعيل‬
‫بن أبي خالد وشعبة ويزيد بن هارون وأحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبي شيبة‬
‫ومسلم بن الحجاج وأبو بكر الثرم والجوزجاني والترمذي والدارقطني ‪.‬‬
‫وقال أحمد بن صالح المصري الحافظ ‪ :‬ل يحل أن ُيروى هذا الحديث – يعني‬
‫أنه خطأ مقطوع به فل تحل روايته دون بيان علته ‪.‬‬
‫وأما الفقهاء المتأخرون ‪ :‬فكثير منهم نظر إلى ثقة رجاله فظن صحته ‪.‬‬
‫وهؤلء يظنون أن كل حديث رواه ثقة فهو صحيح ول يتفطنون لدقائق علم‬
‫علل الحديث ‪ .‬ووافقهم طائفة من المحدثين كالطحاوي والحاكم والبيهقي ‪...‬‬
‫(‪.‬‬
‫وتبعهم على ذلك بعض أهل عصرنا وجزموا بصحة الخبر معتمدين على ظاهر‬
‫إسناده وثقة رواته وهذه غفلة عن دقائق علم العلل ومخالفة لصنيع أئمة هذا‬
‫الشأن الذين أطبقوا على خطأ أبي إسحاق واضطرابه في ذلك وتفرده عن‬
‫الثقات والله أعلم ‪.‬‬
‫*************‬
‫فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله‬
‫ما صحة الحديث الوارد ) صلة بسواك أفضل من سبعين صلة بغير سواك ؟‬
‫الجواب‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الجواب ‪ :‬هذا الحديث ل يصح ول يثبت له إسناد وقد رواه أحمد في مسنده )‬
‫‪ ( 272 / 6‬من طريق محمد بن إسحاق قال وذكر محمد بن مسلم بن‬
‫شهاب الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة أن النبي صلى الله عليه‬
‫ً‬
‫وسلم قال ) فضل الصلة بسواك على الصلة بغير سواك سبعين ضعفا ( ‪.‬‬
‫ح الخبر وقال ) أنا‬ ‫ورواه ابن خزيمة في صحيحه ) ‪ ( 137‬غير أنه قال إن ص ّ‬
‫استثنيت صحة هذا الخبر لني خائف أن يكون محمد بن إسحاق لم يسمع من‬
‫محمد بن مسلم وإنما دلسه عنه ‪.‬‬
‫وقال عبد الله بن المام أحمد قال أبي إذا قال ابن إسحاق وذكر فلن فلم‬
‫يسمعه ‪.‬‬
‫وقال المام يحيى بن معين ‪ :‬ل يصح هذا الحديث وهو باطل ‪.‬‬
‫وقال البيهقي رحمه الله في السنن ) ‪ ( 38 / 1‬وهذا الحديث أحد ما يخاف‬
‫أن يكون من تدليسات محمد بن إسحاق وأنه لم يسمعه من الزهري وقد‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رواه معاوية بن يحيى الصدفي عن الزهري وليس بالقوي ‪ .‬وُروي من وجه‬


‫آخر عن عروة عن عائشة ومن وجه آخر عن عمرة عن عائشة فكلهما‬
‫ضعيف ( ‪.‬‬
‫وقد جاء للحديث شواهد من حديث ابن عباس رواه أبو نعيم ‪.‬‬
‫ومن حديث جابر رواه أبو نعيم أيضا ً ‪.‬‬
‫ومن حديث ابن عمر رواه أبو نعيم ‪.‬‬
‫ول يصح من هذه الحاديث شيء ول ترتقي إلى درجة الحسن لغيره ‪.‬‬
‫فإن هذا الثواب الكبير ل يمكن قبوله بمثل هذه السانيد الضعيفة ‪.‬‬
‫ولعل هذا من أسرار حكم الئمة على هذا الخبر بالضعف تارة وبالبطلن تارة‬
‫أخرى والله أعلم ‪.‬‬
‫قاله‬
‫سليمان بن ناصر العلوان‬
‫‪ 1421 / 9 / 13‬هـ‬
‫صحة الحديث‪ :‬أقامها الله وأدامها‬
‫فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان‬
‫أنا أقرأ في كتب الفقهاء فأرى كثيرا ً منهم يستحب أن ُيقال في لفظ القامة‬
‫أقامها الله وأدامها ‪ .‬ويذكرون في ذلك حديثا ً وهو معروف لدى فضيلتكم فما‬
‫صحته ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫أخي السائل اعلم أن الستحباب حكم شرعي ‪ ،‬والحكام الشرعية من‬
‫واجبات ومندوبات ومحرمات ومكروهات ل تقوم إل على أدلة صحيحة فل‬
‫يمكن اثبات حكم بدون دليل محفوظ ‪.‬‬
‫وقد اعتاد الفقهاء التساهل في ذلك فيثبتون الستحباب بحديث ضعيف‬
‫والكراهية بمثل ذلك وأشد ‪.‬‬
‫وقد تفاقم المر في العصور المتأخرة فترى الحاديث الضعيفة والمنكرة‬
‫م‬
‫والخبار الواهية في كتب العقائد والتفاسير وأحكام الحلل والحرام ‪ .‬وأعظ ُ‬
‫من ذلك الجزم بنسبة ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا خطر‬
‫عظيم وذنب كبير ‪.‬‬

‫) ‪(233/2‬‬

‫وقولكم ] ويذكرون في ذلك حديثا ً [ هذا الحديث ضعيف رواه أبو داود ) ‪528‬‬
‫( من طريق محمد بن ثابت العبدي حدثني رجل من أهل الشام عن شهر بن‬
‫حوشب عن أبي أمامة أو عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن‬
‫بلل ً أخذ في القامة فلما أن قال ‪ :‬قد قامت الصلة قال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم )) أقامها الله وأدامها (( وقال في سائر القامة كنحو حديث عمر‬
‫رضي الله عنه في الذان ‪.‬‬
‫ث علل ‪.‬‬
‫وفي هذا الحديث ثل ُ‬
‫أولها ‪ :‬محمد بن ثابت العبدي قال عنه النسائي ليس بالقوي وقال أبو داود‬
‫ليس بشيء ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬البهام فلم يسم العبدي شيخه في السناد‬
‫ً‬
‫الثالثة ‪ :‬شهر بن حوشب مختلف فيه وقد قال ابن عون )) إن شهرا نزكوه ‪.‬‬
‫أي طعنوا فيه وقال النسائي ليس بالقوي ‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال الترمذي عن البخاري ‪ .‬شهر حسن الحديث وقال المام أحمد ‪ .‬ل بأس‬
‫بحديث عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب ‪.‬‬
‫وقال الدار قطني ‪ .‬يخّرج من حديثه ما روى عنه عبد الحميد بن بهرام ‪.‬‬
‫والناظر في أحاديث شهر ل يشك أنه سيء الحفظ يضطرب في الحاديث‬
‫والله أعلم ‪.‬‬
‫والحديث ضعفه النووي في المجموع ) ‪ ( 122 / 3‬وابن حجر في التلخيص )‬
‫‪. ( 211 / 1‬‬
‫بيد أن النووي رحمه الله قال ) لكن الضعيف يعمل به في فضائل العمال‬
‫باتفاق العلماء ‪. ( ...‬‬
‫وهذا غير صحيح وليس في المسألة اتفاق ‪ .‬فظاهر كلم المام مسلم في‬
‫من ُتروى عنه أحاديث‬ ‫ن أحاديث الفضائل ل ُتروى إل ع ّ‬ ‫مقدمة صحيحه أ ّ‬
‫الحكام ‪.‬‬
‫وهذا ظاهر كلم ابن حبان في مقدمة كتابه المجروحين ورجحه المام بن‬
‫حزم رحمه الله ‪.‬‬
‫وقال شيخ السلم في الفتاوى ) ‪ ( 250 / 1‬ول يجوز أن يعتمد في الشريعة‬
‫على الحاديث الضعيفة التي ليس صحيحة ول حسنة لكن أحمد بن حنبل‬
‫وزوا أن ُيروى في فضائل العمال مالم يعلم أنه ثابت إذا‬ ‫وغيره من العلماء ج ّ‬
‫لم يعلم أنه كذب وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي وُروي‬
‫حديث ل يعلم أنه كذب جاز أن يكون الثواب حقا ً ولم يقل أحد من الئمة إنه‬
‫يجوز أن يجعل الشيء واجبا ً أو مستحبا ً بحديث ضعيف ومن قال هذا فقد‬
‫خالف الجماع وهذا كما أنه ل يجوز أن يحرم شيء إل بدليل شرعي ولكن إذا‬
‫علم تحريمه وُروي حديث في وعيد الفاعل له ولم يعلم أنه كذب جاز أن‬ ‫ُ‬
‫يرويه ‪ ،‬فيجوز أن يروي في الترغيب والترهيب ما لم يعلم أن كذب ولكن‬
‫فيما علم أن الله رغب فيه أو رهب منه بدليل آخر غير هذا الحديث المجهول‬
‫حاله ‪.‬‬
‫وهذا كالسرائيليات يجوز أن ُيروى منها ما لم يعلم أنه كذب للترغيب‬
‫والترهيب فيما علم أن الله تعالى أمر به في شرعنا ونهى عنه في شرعنا‬
‫فأما أن يثبت شرعا ً لنا بمجرد السرائيليات التي لم تثبت فهذا ل يقوله عالم‬
‫ول كان أحمد بن حنبل ول أمثاله من الئمة يعتمدون على مثل هذه الحاديث‬
‫في الشريعة ‪ .‬ومن نقل عن أحمد أنه كان يحتج بالحديث الضعيف الذي ليس‬
‫بصحيح ول حسن فقد غلط عليه ‪. (....‬‬
‫والمنقول عن أهل العلم من الخلف في هذه المسألة أكثر من ذلك ‪.‬‬
‫ودعوى النووي رحمه الله من التفاق على العمل بالحاديث الضعيفة في‬
‫الفضائل غير صحيحة والخلف محفوظ ‪.‬‬
‫والمنقول عن الصحابة والتابعين عدم التفريق فالكل شرع من الله فل تصح‬
‫المغايرة بدون دليل ول أعلم عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنه‬
‫تساهل في المرويات بالفضائل أو الترهيب دون ماعداها ‪.‬‬
‫وقد روى البخاري ) ‪ ( 2062‬ومسلم ) ‪ – 130 / 14‬شرح النووي ( من‬
‫طريق عبيد بن عمير )) أن أبا موسى الشعري استأذن على عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله عنه فلم يؤذن له ‪ ،‬وكأنه كان مشغول ً فرجع أبو موسى‬
‫ففرغ عمر فقال ‪ :‬ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس ؟ ائذنواله ‪ .‬قيل قد‬
‫رجع فدعاه ‪ ،‬فقال ‪ :‬كنا نؤمر بذلك فقال ‪ :‬تأتيني على ذلك بالبينة ‪ .‬فانطلق‬
‫إلى مجلس النصار فسألهم ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬ل يشهد لك على هذا إل أصغرنا أبو‬
‫سعيد الخدري ‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي هذا من أمر رسول الله‬ ‫فذهب بأبي سعيد الخدري فقال عمر ‪ :‬أخفي عل ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم أم ألهاني الصفق بالسواق ) يعني الخروج للتجارة ( ‪.‬‬
‫وقد كان قصد عمر رضي الله عنه بطلب البينة التثبت لئل يتسارع الناس إلى‬
‫رواية الحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون ضبط ول تحري‬
‫وفي بعض رواياته في صحيح مسلم ) إنما سمعت شيئا ً فأحببت أن أتَثبت ( ‪.‬‬
‫قاله‬
‫سليمان بن ناصر العلوان‬
‫‪ 1421 / 5 / 6‬هـ‬
‫صحة ما يروى ‪ -‬الغناء ينبت النفاق في القلب‬
‫فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله‬
‫هل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ) الغناء ينبت النفاق بالقلب كما‬
‫ت الماُء البقل (( ؟‬
‫ُينب ُ‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫هذا الحديث رواه البيهقي في شعب اليمان ) ‪ ( 279 / 4‬من طريق محمد‬
‫بن صالح الشج أنا عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رّواد حدثنا إبراهيم من‬
‫طهمان عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫بنحوه ‪.‬‬
‫وهذا إسناده منكر تفرد به عبد الله بن عبد العزيز وأحاديثه منكرة قاله أبو‬
‫حاتم وغيره ‪.‬‬

‫) ‪(233/3‬‬

‫دث بأحاديث كذب ‪.‬‬ ‫وقال ابن الجنيد ‪ .‬ل ُيساوي شيئا ً يح ّ‬
‫ورواه ابن عدي في الكامل ) ‪ ( 1590‬من طريق عبد الرحمن بن عبد الله‬
‫بن عمر العمري عن أبيه سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم به ‪.‬‬
‫وهذا إسناده ضعيف جدا ً ‪ .‬وقد اتفق الحفاظ على تضعيف عبد الرحمن بن‬
‫عبد الله الُعمري ‪.‬‬
‫قال المام أحمد رحمه الله ‪ .‬ليس بشيء ‪.‬‬
‫وقال النسائي متروك الحديث ‪.‬‬
‫لم بن مسكين عن شيخ‬ ‫ورواه أبو داود في سننه ) ‪ ( 4927‬من طريق س ّ‬
‫حْبوته‬
‫ل أبو وائل ُ‬‫شهد أبا وائل في وليمة فجعلوا يلعبون ‪ .‬يتلعبون يغنون فح ّ‬
‫وقال سمعت عبد الله يقول ‪ .‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫يقول ) إن الغناء ينبت النفاق في القلب ( ‪.‬‬
‫وهذا إسناده ضعيف مداره على الشيخ المجهول ول يحتج به ‪.‬‬
‫وقد ورد موقوفا ً على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رواه البيهقي في‬
‫السنن الكبرى ) ‪ ( 223 / 10‬من طريق غندر عن شعبة عن الحكم عن حماد‬
‫عن إبراهيم قال قال عبد الله بن مسعود فذكره ‪.‬‬
‫ورواته ثقات ول يضر النقطاع بين إبراهيم وعبد الله فقد صح عن العمش‬
‫أنه قال قلت لبراهيم أسند لي عن ابن مسعود ؟‬
‫فقال إبراهيم ‪ .‬إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله فهو الذي سمعت وإذا قلت‬
‫‪ :‬قال عبد الله فهو عن غير واحد عن عبد الله ( رواه أبو زرعة في تاريخ‬
‫دمشق وابن سعد في الطبقات ‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان ) ‪ ( 248 / 1‬هو صحيح عن ابن‬
‫مسعود من قوله ( ‪.‬‬
‫وهذا الثر ليس هو الدليل الوحيد على تحريم الغاني والموسيقى ‪.‬‬
‫فهناك أدلة كثيرة من المرفوع والموقوف تفيد تحريم الغناء المقرون‬
‫بالمعازف والمزامير وقد اتفق أكثر أهل العلم على ذلك ‪.‬‬
‫وبالغ القاضي عياض فزعم الجماع على كفر مستحله وفيه نظر‪ .‬بيد أن‬
‫ده غير واحد من‬ ‫فتاوى الصحابة والتابعين والئمة الربعة على التحريم وقد ع ّ‬
‫أهل العلم كبيرة من الكبائر ‪.‬‬
‫وقال المام مالك رحمه الله ) إنما يفعله عندنا الفساق ‪. (..‬‬
‫م‬
‫وقال المام ابن القيم رحمه الله في الغاثة ) ‪ ( 228 / 1‬ول ينبغي لمن ش ّ‬
‫رائحة العلم أن يتوقف في تحريم ذلك ‪ .‬فأقل ما فيه أنه من شعار الفساق‬
‫وشاربي الخمور ‪. ( ...‬‬
‫وفي هذه الزمنة امتد أمر الغناء وأدخلت عليه محسنات كثيرة فغمر‬
‫المجالس والمحافل وازداد عشاقه فصار تجارة الفساق وأصبح ظاهرة في‬
‫كثير من البلد يشترك فيه الرجال والنساء فيقفون أمام المل في المسارح‬
‫والندية الرياضية والصالت المغلقة يغنون بالفحش والخنا ويدعون للفسوق‬
‫والنحراف والرذيلة والخلعة وأمثال ذلك من العظائم المعلوم قبحها بالفطر‬
‫ن‬
‫السليمة والعقول الصحيحة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم )) ليكون ّ‬
‫ن أقوام‬
‫حَر والحرير والخمر والمعازف ‪ .‬ولينزل ّ‬ ‫من أمتي أقوام يستحلون ال ِ‬
‫إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم – يعني الفقير‪ -‬لحاجة‬
‫م ويمسخ آخرين قردة وخنازير‬ ‫م الله ويضع العل َ‬‫فيقولون ارجع إلينا غدا ً فيبيت ُهُ ُ‬
‫إلى يوم القيامة (( ‪.‬‬
‫مار حدثنا صدقة بن‬ ‫ذكره البخاري في صحيحه ) ‪ ( 5590‬عن هشام بن ع ّ‬
‫خالد حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثنا عطية بن قيس الكلبي حدثنا‬
‫عبد الرحمن بن عَْنم الشعري قال حدثني أبو عامر أو أبو مالك الشعري‬
‫والله ما كذبني سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ‪.‬‬
‫ورواه ابن حبان في صحيحه ) ‪ ( 6754‬عن الحسين بن عبد الله القطان قال‬
‫حدثنا هشام بن عمار فذكره دون آخره ‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في تغليق التعليق ) ‪ ( 22 / 5‬وهذا حديث‬
‫صحيح ل علة له ول مطعن له وقد أعله أبو محمد بن حزم بالنقطاع بين‬
‫البخاري وصدقة بن خالد ‪ ،‬وبالختلف في اسم أبي مالك وهذا كما تراه قد‬
‫سقته من رواية تسعة عن هشام متصل ً فيهم مثل الحسن بن سفيان وعبدان‬
‫وجعفر الفريابي وهؤلء حفاظ أثبات وأما الختلف في كنية الصحابي‬
‫فالصحابة كلهم عدول ‪. ( ...‬‬
‫وقال الحافظ ابن رجب في نزهة السماع ص ) ‪ ( 45‬فالحديث صحيح‬
‫محفوظ عن هشام بن عمار ‪. ( ..‬‬
‫وفي الباب غير ذلك ‪.‬‬
‫والمعازف هي آلت اللهو من عود وغيره والله أعلم ‪.‬‬
‫قاله‬
‫سليمان بن ناصر العلوان‬
‫‪ 1421 / 5 / 21‬هـ‬
‫شيخنا الفاضل سليمان العلوان سلمه الله وجعل الجنة مأواه‬
‫ً‬
‫نود من فضيلتكم التعريف بدرجة حديث )) ل يغلب اثنا عشر ألفا من قلة (( ‪.‬‬
‫الجواب ‪:‬‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫هذا الحديث رواه المام أحمد في مسنده عن وهب بن جرير ) ‪( 294 / 1‬‬
‫وأبو داود ) ‪ ( 2611‬والترمذي ) ‪ ( 1555‬وابن خزيمة ) ‪ ( 2538‬وابن حبان )‬
‫‪ ( 4717‬وغيرهم من طرق عن وهب بن جرير عن أبيه عن يونس بن يزيد‬
‫عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ) خير الصحابة أربعة وخير السرايا أربعة‬
‫مئة وخير الجيوش أربعة آلف ول يغلب اثنا عشر ألفا ً من قلة (‬
‫ورواه أحمد ) ‪ ( 299 / 1‬عن يونس ثنا حبان بن علي حدثنا عقيل بن خالد‬
‫عن الزهري بذلك ‪.‬‬

‫) ‪(233/4‬‬

‫وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم في مستدركه وقال على شرط‬
‫الشيخين والضياء المقدسي وابن القطان وغيرهم ‪ ....‬وفيه نظر ‪.‬‬
‫قال المام أبو عيسى الترمذي رحمه الله ل يسنده كبير أحد غيُر جرير بن‬
‫حازم وإنما ُروي هذا الحديث عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫مرسل ‪( ..‬‬
‫وقال أبو داود في سننه ) الصحيح أنه مرسل ( ‪.‬‬
‫وقد رواه في المراسيل ) ‪ ( 313‬عن سعيد بن منصور حدثنا عبد الله بن‬
‫المبارك عن حيوة عن عقيل عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫ورواه ) ‪ ( 314‬عن مخلد بن خالد حدثنا عثمان يعني ابن عمر أخبرنا يونس‬
‫عن عقيل عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه (( ‪.‬‬
‫قال أبو داود قد ُأسند هذا ول يصح أسنده جرير بن حازم وهو خطأ (( ‪.‬‬
‫وأخطأ فيه حبان بن علي فرواه عن عقيل موصول ً والصحيح عن عقيل‬
‫مرسل رواه حيوة ويونس والليث ابن سعد ‪.‬‬
‫ورواه عبد الرزاق في المصنف ) ‪ ( 9699‬عن معمر عن الزهري مرسل ‪ً.‬‬
‫قال المام أبو حاتم في العلل ) ‪ ( 347 / 1‬المرسل أشبه ل يحتمل هذا‬
‫الكلم أن يكون كلم النبي صلى الله عليه وسلم ‪. ( ..‬‬
‫وب رفعه وقال ) جرير بن‬ ‫وقد جزم بعض المتأخرين بخطأ هذا القول وص ّ‬
‫حازم ثقة محتج به في الصحيحين وقد وصله والوصل زيادة واجب قبولها من‬
‫ثقة ‪. ( ..‬‬
‫وهذا ليس بشيء فجرير ل يمكن مقارنته أو مساواته بمن أرسله فهم أجل‬
‫وأحفظ وأضبط منه ‪.‬‬
‫وقد ذكر المام ابن حبان جرير بن حازم وقال كان يخطئ لنه أكثر ما كان‬
‫يحدث من حفظه (( ‪.‬‬
‫دث بأحاديث وهم فيها ‪. ( ...‬‬ ‫وقال زكريا الساجي )) صدوق ح ّ‬
‫وقد وثقه أكثر الحفاظ وانتقدوا عليه أحاديث يرويها عن قتادة وتفردات‬
‫يخالف فيها غيره والله أعلم ‪.‬‬
‫وقوله ) والوصل زيادة واجب قبولها من الثقة ( ‪.‬‬
‫وهذا قول الخطيب وتبعه على ذلك كثير من الفقهاء والصوليين وجماعة من‬
‫المتأخرين ‪.‬‬
‫وفيه نظر كثير ‪.‬‬
‫فأئمة هذا الشأن العارفون بعلل الحاديث المتخصصون بذلك أمثال ابن‬
‫مهدي والقطان وأحمد والبخاري ومسلم وأبي داود والنسائي والترمذي ل‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقولون بذلك ‪.‬‬


‫ول يحكمون على هذه المسألة بحكم مستقل ‪ .‬بل يعتبرون القرائن‬
‫ويحكمون على كل حديث بما يترجح عندهم ‪.‬‬
‫وتأمل في صنيعهم والمنقول عنهم ترى وضوح هذا المنهج ‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر في النكت ) ‪ ( 687 / 2‬والذي يجري على قواعد‬
‫المحدثين أنهم ل يحكمون عليه بحكم مستقل من القبول والرد بل يرجحون‬
‫دمناه في مسألة تعارض الوصل والرسال ‪. (..‬‬ ‫بالقرائن كما ق ّ‬
‫ونحو هذا قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في شرح علل الترمذي ) ‪/ 2‬‬
‫‪. ( 643 -630‬‬
‫وقال الحافظ العلئي في نظم الفرائد ص ) ‪ ( 376‬وأما أئمة الحديث‬
‫فالمتقدمون منهم كيحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي ومن‬
‫بعدهما كعلي بن المديني وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وهذه الطبقة‬
‫وكذلك من بعدهم كالبخاري وأبي حاتم وأبي زرعة الرازي ومسلم والنسائي‬
‫والترمذي وأمثالهم ثم الدارقطني والخليلي كل هؤلء يقتضي تصرفهم من‬
‫الزيادة قبول ً وردا ً الترجيح بالنسبة إلى ما يقوى عند الواحد منهم في كل‬
‫حديث ول يحكمون في المسألة بحكم كلي يعم جميع الحاديث وهذا هو الحق‬
‫الصواب ‪. ( ...‬‬
‫وكلم الئمة في مثل هذا كثير ‪ ،‬وحاصل كلمهم أن وصل الثقة وزيادته تقبل‬
‫في موضع وترد في موضع آخر على حسب القرائن المحتفة بذلك ‪.‬‬
‫فإذا تفرد الثقة بوصل حديث أو زيادة لفظة فيه وخالف غيره فيحكم للثقة‬
‫الضابط ‪ ،‬وإذا اختلف ثقاة حفاظ متقاربون في ذلك قدم الكثر ‪.‬‬
‫فإذا كان لحدهم اختصاص بمرويات شيخه قدم على غيره ‪.‬‬
‫ومن القرائن المرجحة اتفاق الحفاظ الناقدين على تصحيح وصل أو ترجيح‬
‫إرسال ‪.‬‬
‫مثال ذلك روى أحمد في مسنده ) ‪ ( -8 / 2‬وأبو داود ) ‪ ( 3179‬والترمذي )‬
‫‪ ( 1007‬والنسائي ) ‪ ( 56 / 4‬وغيرهم من طرق عن سفيان بن عيينة عن‬
‫الزهري عن سالم عن أبيه قال )) رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر‬
‫يمشون أمام الجنازة (( ورفعه خطأ والصواب أنه مرسل قال أبو عيسى‬
‫الترمذي رحمه الله ) حديث ابن عمر هكذا رواه ابن جريج وزياد بن سعد‬
‫وغير واحد عن الزهري عن سالم عن أبيه نحو حديث ابن عيينة ‪.‬‬
‫وروى معمر ويونس بن يزيد ومالك وغيرهم من الحفاظ عن الزهري أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم كان يمشي أمام الجنازة ‪.‬‬
‫وأهل الحديث كلهم ي ََرْون أن الحديث المرسل في ذلك أصح ‪.‬‬
‫وسمعت يحيى بن موسى يقول ‪ :‬سمعت عبد الرزاق يقول ‪ :‬قال ابن‬
‫المبارك ‪ :‬حديث الزهري في هذا مرسل ‪ ،‬أصح من حديث ابن عيينة ‪. ( ..‬‬
‫وقال المام النسائي والصواب مرسل ‪.‬‬
‫فأنت ترى اتفاق المحدثين على تصحيح إرساله وقد خالف في ذلك بعض أهل‬
‫العلم فصحح رفعه وهذا غلط ‪.‬‬
‫ول أرى لتصحيحه وجها ً معتبرا ً فأوثق الناس في الزهري ماعدا ابن عيينة‬
‫يروونه مرسل ًَ واتفاق أكابر الحفاظ على تصحيح إرساله قرينة مرجحة لذلك‬
‫والله أعلم ‪.‬‬
‫كتبه‬
‫سليمان بن ناصر العلوان‬
‫‪ 1421 / 3 / 6‬هـ‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من تعلم لغة قوم أمن مكرهم‬


‫فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله‬

‫) ‪(233/5‬‬

‫ت في الذاعة حديث )) من تعلم لغة قوم أمن مكرهم [ فبحثت عنه‬ ‫سمع ٌ‬
‫فلم أجده !! أين مصدره ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫ل أعلم هذا حديثا ً ول أظن له أصل ً وقد كره أهل العلم تعلم رطانة العاجم‬
‫والمخاطبة بها بدون حاجة وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال ) ل تعلموا‬
‫رطانة العاجم (( رواه عبد الرزاق في المصنف ) ‪ ( 1609‬والبيهقي في‬
‫السنن ) ‪. [ 234 / 9‬‬
‫م بعض‬ ‫وقد ُبلي المسلمون في هذا العصر بالرطانة العجمية وأصبح تعل ُ‬
‫اللغات الجنبية ضرورة ملحة في كثير من المهن والعمال وهذا جائز لهل‬
‫الحاجات والمصالح ول سيما مصالح المسلمين العامة ‪.‬‬
‫سْريانية ((‬‫وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت أن يتعلم اللغة ال ّ‬
‫رواه أحمد ) ‪ ( 182 / 5‬من طريق العمش عن ثابت بن عبيد عن زيد بن‬
‫ثابت ورواه الترمذي ) ‪ ( 2715‬من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن‬
‫أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه زيد قال أمرني رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم أن أتعّلم له كلمات من كتاب يهود قال ) إني والله ما آمن‬
‫يهود على كتاب (( قال ‪ :‬فما مّر بي نصف شهر حتى تعلمته له قال ‪ :‬فلما‬
‫تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم (( ‪.‬‬
‫ورواه أحمد و أبو داود والحاكم وغيرهم وقال الترمذي هذا حديث حسن‬
‫صحيح وخالفه غيره فتكلم في ابن أبي الزناد فقد ضعفه يحي بن معين‬
‫وأحمد وجماعة ووثقه مالك وغيره ول بأس به إذا لم يتفرد بالحديث وقد‬
‫اعتبر بحديثه غير واحد والخبر محفوظ وقد علقه البخاري في صحيحه ) ‪/ 95‬‬
‫‪ ( 7‬جازما ً بصحته ‪.‬‬
‫وهو دليل على جواز تعلم اللغة الجنبية للمصلحة والحاجة وهذا ل ينازع فيه‬
‫أهل العلم ‪.‬‬
‫ً‬
‫وأما تعلم هذه اللغة لغير حاجة وجعلها فرضا في مناهج التعليم في أكثر‬
‫المستويات فهذا دليل على العجاب بالغرب والتأثر بهم وهو مذموم شرعا ً‬
‫وأقبح منه إقرار مزاحمة اللغات الجنبية للغة القرآن ولغة السلم ‪.‬‬
‫ومثل هذا لبد ّ أن وراَءه أيد أثيمة ومؤامرات مدروسة لعزل المسلمين عن‬
‫فهم القرآن وفقه السنة فإن فهم القرآن والسنة واجب ول يمكن ذلك إل‬
‫بفهم اللغة العربية ‪.‬‬
‫فإذا اعتاد الناس في بيوتهم وبلدهم التخاطب باللغة الجنبية صارت اللغة‬
‫العربية مهجورة لدى الكثير وعّز عليهم فهم القرآن والسلم وحينها ترّقب‬
‫الفساد والميل إلى علوم الغربيين واعتناق سبيل المجرمين وهذا ما صنعته‬
‫بلد الستعمار في الدول العربية فالله المستعان ‪.‬‬
‫قاله‬
‫سليمان بن ناصر العلوان‬
‫‪1421 / 4 / 29‬‬
‫الحديث الوارد في سورة الدخان‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العوان حفظه الله‬


‫سمعت في الذاعة حديثا ً منسوبا ً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪:‬‬
‫من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك !!! فماهي‬
‫درجة هذا الحديث ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫هذا الحديث منكر ول يصح في الباب شيء وقد ذكره ابن الجوزي في‬
‫الموضوعات ) ‪ ( 248 / 1‬وقال تفرد به عمر بن راشد وهو وهم صوابه عمر‬
‫بن عبد الله ‪.‬‬
‫والخبر رواه الترمذي في جامعه ) ‪ ( 2888‬وابن عدي في الكامل ) ‪/ 5‬‬
‫‪ ( 1720‬من طريق زيد بن الحباب عن عمر بن أبي خثعم عن يحيى بن أبي‬
‫كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫قال الترمذي رحمه الله ‪ .‬هذا الحديث غريب ل نعرفه إل من هذا الوجه ‪.‬‬
‫وعمر بن أبي خثعم يضعف ‪ ،‬قال محمد ‪ :‬هو منكر الحديث (( ‪.‬‬
‫دث عن يحيى بن أبي كثير ثلثة أحاديث لو‬ ‫وقال أبو زرعة ‪ :‬واهي الحديث ح ّ‬
‫كانت في خمس مئة حديث لفسدتها ‪.‬‬
‫وروى الترمذي ) ‪ ( 2889‬وأبو يعلى في مسنده ) ‪ ( 6224‬من طريق هشام‬
‫أبي المقدام عن الحسن البصري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال‬
‫دخان في ليلة الجمعة غفر له ( ‪.‬‬ ‫صلى الله عليه وسلم ) من قرأ حم ال ّ‬
‫وهذا السناد معلول بعلتين ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬هشام بن زياد أبو المقدام ‪ .‬ليس بشيء قاله النسائي وغيره ‪.‬‬
‫وقال ابن حبان في كتابه المجروحين ) ‪ ( 88 / 3‬هشام بن زياد كان ممن‬
‫يروي الموضوعات عن الثقات والمقلوبات عن الثبات حتى يسبق إلى قلب‬
‫المستمع أنه كان المتعمد لها ‪ .‬ل يجوز الحتجاج به ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬النقطاع فإن الحسن لم يسمع من أبي هريرة وقد قال المام أبو‬
‫ن قال‬‫زرعة رحمه الله ‪ .‬لم يسمع الحسن من أبي هريرة ولم يره فقيل ‪ :‬فم ْ‬
‫دثنا ؟ قال يخطىء ‪.‬‬ ‫ح ّ‬
‫وقال الترمذي رحمه الله عقيب هذا الحديث ‪ .‬لم يسمع الحسن من أبي‬
‫ي بن زيد ‪.‬‬‫عبيد وعل ّ‬
‫هريرة هكذا قال أّيوب ويونس بن ُ‬
‫والخبر أورده ابن الجوزي في الموضوعات )‪ (247 /1‬وقال هذا الحديث من‬
‫جميع طرقه باطل ل أصل له ‪.‬‬
‫قاله‬
‫سليمان بن ناصر العلوان‬
‫‪ 1422 / 2 / 14‬هـ‬

‫) ‪(233/6‬‬

‫أسئلة مهمة في حياة المسلم ) ‪( 2 -1‬‬


‫س ‪ :1‬كم مراتب دين السلم؟‬
‫مراتب الدين ثلث‪ :‬السلم‪ ،‬واليمان‪ ،‬والحسان‪.‬‬
‫س ‪ :2‬ما السلم‪ ،‬وكم أركانه؟‬
‫السلم هو‪ :‬الستسلم لله بالتوحيد‪ ،‬والنقياد له بالطاعة‪ ،‬والبراءة من‬
‫الشرك وأهله‪ ،‬وأركانه خمسة ذكرها النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في‬
‫َ‬
‫ه‪ ،‬وَإ َِقام ِ‬
‫ما ُدون َ ُ‬
‫فَر ب ِ َ‬ ‫ن ي ُعْب َد َ الل ّ ُ‬
‫ه وَي ُك ْ َ‬ ‫س‪ :‬عََلى أ ْ‬
‫م ٍ‬ ‫م عََلى َ‬
‫خ ْ‬ ‫سل ُ‬
‫ي ال ْ‬
‫قوله‪) :‬ب ُن ِ َ‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن( متفق عليه‪.‬‬ ‫ضا َ‬ ‫م َ‬ ‫صوْم ِ َر َ‬ ‫ت‪ ،‬وَ َ‬ ‫ج ال ْب َي ْ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ة‪ ،‬وَ َ‬ ‫كا ِ‬ ‫ة‪ ،‬وَِإيَتاِء الّز َ‬ ‫صل ِ‬ ‫ال ّ‬
‫س ‪ :3‬ما اليمان وكم أركانه؟ اليمان هو‪ :‬قول القلب واللسان‪ ،‬وعمل القلب‬
‫واللسان والجوارح‪ ،‬يزيد بالطاعة‪ ،‬وينقص بالمعصية‪ ،‬قال النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫ن( رواه‬ ‫ما ِ‬ ‫من الي َ‬ ‫ة ِ‬ ‫شعْب َ ٌ‬ ‫حَياُء ُ‬ ‫ة‪َ ،‬وال ْ َ‬ ‫شعْب َ ً‬ ‫ن ُ‬ ‫سب ُْعو َ‬ ‫ضع ٌ و َ َ‬ ‫ن بِ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫عليه وسلم ‪) :-‬الي َ‬
‫مسلم‪ ،‬ولعلك تلحظ في نفسك نشاطا ً في الطاعة بعد انقضاء مواسم‬
‫الخيرات‪ ،‬وفتورا فيها بعد المعاصي‪ ،‬وما ذاك إل بسبب زيادة اليمان‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ل إِ ّ‬‫ن الل ّي ْ ِ‬ ‫ي الن َّهارِ وَُزَلفا ً ّ‬
‫م َ‬ ‫صل َة َ ط ََرفَ ِ‬ ‫ونقصانه‪ ،‬قال ‪ -‬عز وجل ‪" :-‬وَأقِم ِ ال ّ‬
‫ت "‪ ،‬وأركانه ستة‪ ،‬وهي في قوله النبي ‪ -‬صلى الله‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ت ي ُذ ْهِب ْ َ‬ ‫سَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ه‪ ،‬وَت ُؤْ ِ‬‫سل ِ ِ‬
‫ه‪ ،‬وَُر ُ‬ ‫قائ ِ ِ‬
‫ه‪ ،‬وَل ِ َ‬ ‫ه‪ ،‬وَك َِتاب ِ ِ‬ ‫ملئ ِك َت ِ ِ‬ ‫ه‪ ،‬وَ َ‬ ‫ن ِبالل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ت ُؤْ ِ‬ ‫عليه وسلم ‪) :-‬أ ْ‬
‫ه( ]متفق عليه[‪.‬‬ ‫قد َرِ ك ُل ّ ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ث‪ ،‬وَت ُؤْ ِ‬ ‫ِبال ْب َعْ ِ‬
‫س ‪ :4‬ما معنى ل إله إل الله؟‬
‫نفي استحقاق العبادة لغير الله‪ ،‬وإثباتها لله وحده ‪ -‬عز وجل ‪.-‬‬
‫س ‪ :5‬أين الله؟‬
‫سأل النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬جارية فقال لها‪ :‬أين الله؟ فقالت‪ :‬في‬
‫السماء )أي‪ :‬في العلو( فقال النبي النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لسيدها‪:‬‬
‫ة( رواه مسلم‪ ،‬فالله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬في جهة العلو‪ ،‬وهو‬ ‫من َ ٌ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫قَها فَإ ِن َّها ُ‬ ‫)أ َعْت ِ ْ‬
‫عل‪ ،‬وارتفع‪ ،‬قال ‪ -‬عز وجل ‪ ? :-‬ل َي ْ َ‬
‫س‬ ‫مستو على عرشه‪ ،‬ومعنى استوى‪َ :‬‬
‫صيُر?‪.‬‬ ‫ميعُ الب َ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫يٌء وَهُوَ ال ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫مث ْل ِهِ َ‬ ‫كَ ِ‬
‫س ‪ :6‬هل الله معنا؟‬
‫نعم الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬معنا بعلمه وحفظه وإحاطته‪ ،‬ولكنه ‪ -‬عز وجل ‪ -‬في‬
‫ه‪ ،‬وقريب في‬ ‫ي في د ُن ُوِ ِ‬ ‫السماء‪ ،‬ول يحيط به شيء من المخلوقات‪ ،‬فهو عَل ِ ّ‬
‫ه‪.‬‬ ‫عُُلو ِ‬
‫س ‪ :7‬هل ُيرى الله بالعين؟‬
‫اتفقت المة على أن الله ل ُيرى في الدنيا‪ ،‬وأن المؤمنين َيرون الله في‬
‫ضَرة ٌ * إ َِلى َرب َّها َناظ َِرةٌ "‪.‬‬ ‫مئ ِذ ٍ ّنا ِ‬ ‫جوه ٌ ي َوْ َ‬ ‫شر وفي الجنة‪ ،‬قال" وُ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ال َ‬
‫س ‪ :8‬ما الفرق بين السماء والصفات لله ‪ -‬عز وجل ‪-‬؟‬
‫ل‪ :‬أن السماء يشتق منها صفات‪ :‬كـ)الرحمن( يشتق‬ ‫هناك فروق أهمها‪ :‬أو ً‬
‫منها )الرحمة(‪ ،‬أما الصفات فل يشتق منها أسماء‪ :‬مثل صفة )الستواء( فل‬
‫يقال من أسماء الله )المستوي(‪ ،‬ثانيًا‪ :‬أن أسماء الله ل تشتق من أفعاله‪،‬‬
‫فمن أفعاله ‪ -‬عز وجل ‪) -‬الغضب( فل يقال من أسماء الله )الغاضب(‪ ،‬أما‬
‫صفاته فإنها تشتق من أفعاله‪ :‬فتثبت صفة )الغضب(؛ لن من أفعال الله أنه‬
‫يغضب‪ ،‬ثالثا‪ :‬أن أسماء الله وصفاته تشترك في جواز)الستعاذة(و)الحلف(‬
‫بها‪ ،‬لكن تختلف في)التعبيد( وفي )الدعاء(‪ ،‬فيتعبد الله بأسمائه ول يتعبد‬
‫بصفاته‪ ،‬مثل‪) :‬عبد الكريم(‪ ،‬ول يجوز )عبد الكرم(‪ ،‬كما أنه ُيدعى الله ‪ -‬عز‬
‫وجل ‪ -‬بأسمائه مثل‪) :‬يا كريم(‪ ،‬ول يجوز )يا كرم الله(‪.‬‬
‫س ‪ :9‬ما معنى اليمان بالملئكة؟‬
‫هو القرار الجازم بوجودهم‪ ،‬وأنهم نوع من مخلوقات الله ‪ -‬عز وجل ‪ " :-‬ب َ ْ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ن "‪ ،‬واليمان بهم‬ ‫مُلو َ‬ ‫مرِهِ ي َعْ َ‬ ‫هم ب ِأ ْ‬ ‫ل وَ ُ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ه ِبال ْ َ‬ ‫قون َ ُ‬ ‫سب ِ ُ‬ ‫ن * ل يَ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫مك َْر ُ‬ ‫عَباد ٌ ّ‬ ‫ِ‬
‫يتضمن أربعة أمور‪ (1) :‬اليمان بوجودهم‪ (2) .‬اليمان بمن علمنا اسمه منهم‬
‫كجبريل‪ (3) .‬اليمان بما علمنا من صفاتهم‪ (4) .‬اليمان بما علمنا من‬
‫مَلك الموت‪.‬‬ ‫وظائفهم التي اختصوا بها ك َ‬
‫س ‪ :10‬ما القرآن؟‬
‫م به الله ‪ -‬عز وجل‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫القرآن هو كلم الله ‪ -‬عز وجل ‪ ،-‬منه بدأ وإليه يعود‪ ،‬ت َكل َ‬
‫‪ -‬حقيقة بحرف وصوت‪ ،‬سمعه منه جبريل‪ ،‬ثم ب َل َّغه للنبي النبي ‪ -‬صلى الله‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليه وسلم ‪ ،-‬والكتب السماوية كلها كذلك‪.‬‬


‫س ‪ :11‬هل نستغني بالقرآن عن سنة النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬؟‬
‫ل يجوز الستغناء بأحدهما عن الخر بل السنة مفسرة للقرآن وزيادة عليه‪،‬‬
‫ه‪َ ،‬أل‬
‫معَ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫مث ْل َ ُ‬
‫ب وَ ِ‬‫ت ال ْك َِتا َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫قال النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪) :-‬أل إ ِّني أوِتي ُ‬
‫ه‬
‫م ِفي ِ‬‫جد ْت ُ ْ‬‫ما وَ َ‬ ‫ن‪ ،‬فَ َ‬‫قْرآ ِ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬‫م ب ِهَ َ‬‫ل‪ :‬عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫قو ُ‬‫ن عََلى أ َِريك َت ِهِ ي َ ُ‬ ‫ل َ‬
‫شب َْعا ُ‬ ‫ج ٌ‬‫ك َر ُ‬‫ش ُ‬‫ُيو ِ‬
‫َ‬
‫ه( رواه أحمد وأبو داود‪.‬‬ ‫مو ُ‬ ‫حّر ُ‬ ‫حَرام ٍ فَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫م ِفيهِ ِ‬ ‫جد ْت ُ ْ‬
‫ما وَ َ‬ ‫حّلو ُ‬
‫ه‪ ،‬وَ َ‬ ‫ل فَأ ِ‬ ‫حل ٍ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬
‫ِ‬
‫سل؟‬ ‫ّ ُ‬ ‫ر‬ ‫بال‬ ‫اليمان‬ ‫معنى‬ ‫ما‬ ‫‪:‬‬‫‪12‬‬ ‫س‬
‫هو التصديق الجازم بأن الله بعث في كل أمة رسول ً منهم‪ ،‬يدعوهم إلى‬
‫عبادة الله وحده‪ ،‬والكفر بما ي ُعَْبد من دونه‪ ،‬وأن جميعهم صادقون مصد ُّقون‬
‫راشدون كرام بررة أتقياء أمناء هداة مهتدون‪ ،‬وأنهم بّلغوا ما أرسلهم الله به‪.‬‬
‫س ‪ :13‬ما معنى اليمان باليوم الخر؟‬

‫) ‪(234/1‬‬

‫هو التصديق الجازم بإتيانه‪ ،‬ويدخل في ذلك اليمان بالموت وما بعده من‬
‫فتنة القبر وعذابه أو نعيمه‪ ،‬وبالنفخ في الصور‪ ،‬وقيام الناس لربهم‪ ،‬ونشر‬
‫م إلى الجنة‬ ‫الصحف‪ ،‬ووضع الميزان‪ ،‬والصراط‪ ،‬والحوض‪ ،‬والشفاعة‪ ،‬ومن ث َ ّ‬
‫أو إلى النار‪.‬‬
‫س ‪ :14‬ما أنواع الشفاعة يوم القيامة؟‬
‫أعظمها الشفاعة العظمى‪ :‬وهي في موقف القيامة بعدما يقف الناس‬
‫ضي بينهم‪ ،‬فيشفع النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬ ‫ق َ‬ ‫خمسين ألف سنة ينتظرون أن ي ُ ْ‬
‫وسلم ‪ -‬بعد أن يأتي الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬للفصل بين الناس‪ ،‬وهي خاصة بنبينا‬
‫عد َ إياه‪.‬‬ ‫محمد النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ،-‬وهي المقام المحمود الذي وُ ِ‬
‫النوع الثاني‪ :‬الشفاعة في استفتاح باب الجنة‪ ،‬وأول من يستفتح بابها نبينا‬
‫النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ،-‬وأول من يدخلها من المم أمته‪ .‬الثالث‪:‬‬
‫الشفاعة في أقوام قد أمر بهم إلى النار أن ل يدخلوها‪ .‬الرابع‪ :‬الشفاعة‬
‫خَرجوا منها‪ .‬الخامس‪ :‬الشفاعة‬ ‫صاة الموحدين أن ي ُ ْ‬ ‫فيمن دخل النار من عُ َ‬
‫في رفع درجات أقوام من أهل الجنة‪ .‬وهذه الثلث الخيرة ليست خاصة بنبينا‬
‫النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ،-‬ولكنه هو المقدم فيها‪ ،‬ثم بعده النبياء‬
‫والملئكة والولياء والشهداء‪ .‬السادس‪ :‬الشفاعة في أقوام أن يدخلوا الجنة‬
‫بغير حساب‪ ،‬ثم يخرج الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬برحمته من النار أقواما ً بدون شفاعة‬
‫ل يحصيهم إل الله فيدخلهم الجنة‪ .‬السابع‪ :‬الشفاعة في تخفيف عذاب بعض‬
‫الكفار‪ ،‬وهي خاصة لنبينا النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في عمه أبي طالب‪.‬‬
‫س ‪ :15‬هل نطلب الشفاعة من الحياء؟‬
‫نعم‪ ،‬لكن فيما يقدرون عليه من أمور الدنيا شريطة أن يكونوا حاضرين‪ ،‬قال‬
‫من َْها " وقال النبي ‪-‬‬ ‫ب ّ‬ ‫صي ٌ‬ ‫ه نَ ِ‬‫كن ل ّ ُ‬‫ة يَ ُ‬‫سن َ ً‬ ‫ح َ‬ ‫ة َ‬ ‫فاعَ ً‬‫ش َ‬‫فع ْ َ‬ ‫من ي َ ْ‬
‫ش َ‬ ‫‪ -‬عز وجل ‪ّ " :-‬‬
‫جُروا( رواه البخاري‪.‬‬ ‫فُعوا ت ُؤْ َ‬ ‫ش َ‬‫صلى الله عليه وسلم ‪) :-‬ا ْ‬
‫س ‪ :16‬هل الجنة والنار موجودتان؟‬
‫ً‬
‫لقد خلق الله الجنة والنار قبل خلق الناس‪ ،‬وهما ل تفنيان أبدا ول تبيدان‪،‬‬
‫سر لما خلق له‪.‬‬ ‫مي َ ّ‬‫ضِله‪ ،‬وللنار أهْل ً ب ِعَد ِْله‪ ،‬وكل ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫هل ب ِ َ‬ ‫وخلق للجنة أ ْ‬
‫س ‪ :17‬ما معنى اليمان بالقدر؟‬
‫هو التصديق الجازم أن كل خير أو شر إنما هو بقضاء الله وقدره‪ ،‬وأنه الفعال‬
‫ه‬
‫ماَوات ِ ِ‬ ‫س َ‬
‫ل َ‬ ‫ب أ َهْ َ‬ ‫ه عَذ ّ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫َ‬
‫ل النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪) :-‬ل َوْ أ ّ‬ ‫لما يريد‪َ ،‬قا َ‬
‫وأ َهْ َ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خي ًْرا ل َهُ ْ‬
‫ه َ‬ ‫مت ُ ُ‬‫ح َ‬
‫ت َر ْ‬ ‫م َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫مهُ ْ‬
‫ح َ‬‫م‪ ،‬وَل َوْ َر ِ‬ ‫ظال ِم ٍ ل َهُ ْ‬‫م وَهُوَ غَي ُْر َ‬ ‫ضهِ عَذ ّب َهُ ْ‬‫ل أْر ِ‬ ‫َ‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ق ت مث ْ َ ُ‬ ‫م‪ ،‬وَل َوْ أ َن ْ َ‬ ‫َ‬
‫حّتى‬ ‫ك‪َ ،‬‬ ‫من ْ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫ما قَب ِل َ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫ِ‬ ‫سِبي‬ ‫حدٍ ذ َهًَبا ِفي َ‬ ‫لأ ُ‬ ‫ف ْ َ ِ‬ ‫مال ِهِ ْ‬ ‫أعْ َ‬
‫م ي َك ُ ْ‬
‫ن‬ ‫ك لَ ْ‬ ‫خط َأ َ َ‬ ‫ما أ َ ْ‬‫ن َ‬
‫َ‬
‫ك‪ ،‬وَأ ّ‬ ‫خط ِئ َ َ‬ ‫ن ل ِي ُ ْ‬ ‫م ي َك ُ ْ‬ ‫ك لَ ْ‬ ‫صاب َ َ‬ ‫ما أ َ‬
‫َ‬
‫ن َ‬ ‫مأ ّ‬
‫قدر‪ ،‬وتعل َ َ‬
‫ن ِبال ْ َ َ ِ َ َ ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ُؤْ ِ‬
‫ت الّناَر(‪ .‬رواه أحمد وأبو داود‪.‬‬ ‫خل َ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت عَلى غي ْرِ هَذا لد َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ّ‬ ‫َ‬
‫صيب َك وَلوْ ُ‬‫َ‬ ‫ل ِي ُ ِ‬
‫م كل شيء‬ ‫َِ َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫الله‬ ‫بأن‬ ‫اليمان‬ ‫الول‪:‬‬ ‫ثلثة‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫أمور‬ ‫يتضمن‬ ‫بالقدر‬ ‫اليمان‬
‫ل‪ .‬الثاني‪ :‬اليمان بأن الله قد كتب ذلك في اللوح المحفوظ‪ ،‬قال‬ ‫جملة وتفصي ً‬
‫َ‬
‫خل ُ َ‬
‫ق‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ق قَب ْ َ‬ ‫خلئ ِ ِ‬ ‫قاِديَر ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪) :-‬ك َت َ َ‬
‫ة( رواه مسلم‪ .‬الثالث‪ :‬اليمان بمشيئة‬ ‫سن َ ٍ‬‫ف َ‬ ‫ن أ َل ْ َ‬ ‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫ض بِ َ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫الله النافذة التي ل يردها شيء‪ ،‬وقدرته التي ل يعجزها شيء‪ ،‬ما شاء كان‪،‬‬
‫وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬وبأن الله هو الموجد للشياء كلها‪ ،‬وأن كل ما سواه‬
‫مخلوق له‪.‬‬
‫س ‪ :18‬ما الحسان؟‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫قال النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إجابة لمن سأله عن الحسان‪) :‬أ ْ‬
‫ك( متفق عليه‪ ،‬واللفظ‬ ‫ه ي ََرا َ‬ ‫ن ت ََراه ُ فَإ ِن ّ ُ‬ ‫ن ل ت َك ُ ْ‬ ‫ك إِ ْ‬ ‫ه‪ ،‬فَإ ِن ّ َ‬ ‫ك ت ََرا ُ‬ ‫ه ك َأ َن ّ َ‬ ‫شى الل ّ َ‬ ‫خ َ‬ ‫تَ ْ‬
‫لمسلم‪.‬‬
‫س ‪ :19‬ما شروط قبول العمل الصالح؟‬
‫له شروط‪ :‬منها‪ (1) :‬اليمان بالله وتوحيده‪ :‬فل يقبل العمل من مشرك‪(2) .‬‬
‫الخلص‪ :‬بأن ي ُب ْت ََغى بهذا العمل وجه الله ‪ -‬عز وجل ‪ (3) .-‬متابعة النبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فيه بأن يكون وفق ما جاء به‪ :‬فل يعبد الله إل بما‬
‫شرع‪ ،‬وإذا اختل شرط منها فالعمل مردود على صاحبه‪ ،‬قال ‪ -‬عز وجل ‪:-‬‬
‫منُثورا ً " ‪.‬‬ ‫جعَل َْناه ُ هََباء ّ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫م ٍ‬
‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مُلوا ِ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫مَنا إ َِلى َ‬ ‫"وَقَدِ ْ‬
‫س ‪ :20‬إذا اختلفنا فإلى أي شيء نرجع؟‬
‫نرجع إلى الشرع الحنيف‪ ،‬والحكم في ذلك إلى كتاب الله وسنة رسوله النبي‬
‫يٍء‬‫ش ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ،-‬حيث قال الله ‪ -‬عز وجل ‪ :-‬فَِإن ت ََناَزعْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ت ِفيك ْ‬ ‫ْ‬
‫ل وقال النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪) :-‬ت ََرك ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫فَُرّدوه ُ إ َِلى الل ّهِ َوالّر ُ‬
‫َ‬
‫ه( رواه أحمد‪.‬‬ ‫ة ن َب ِي ّ ِ‬ ‫سن ّ َ‬
‫ه‪ ،‬وَ ُ‬ ‫ب الل ّ ِ‬ ‫ما‪ :‬ك َِتا َ‬ ‫م ب ِهِ َ‬ ‫سك ْت ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫ضّلوا َ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫مَري ْ ِ‬ ‫أ ْ‬
‫س ‪ :21‬ما أقسام التوحيد؟‬

‫) ‪(234/2‬‬

‫هو أقسام ثلثة‪ (1) :‬توحيد الربوبية‪ :‬وهو إفراد الله بأفعاله كالخلق‬
‫والرزق‪..‬إلخ‪ ،‬وقد كان الكفار يقرون بهذا القسم قبل بعثة النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم (‪ (2‬توحيد اللوهية‪ :‬وهو إفراد الله بأفعال العباد‪ ،‬كالصلة والنذر‪..‬‬
‫إلخ‪ ،‬ومن أجل إفراد الله بالعبادة بعثت الرسل وأنزلت الكتب‪ (3) .‬توحيد‬
‫السماء والصفات‪ :‬وهو إثبات ما أثبته الله ورسوله من السماء الحسنى‬
‫والصفات العلى من غير تحريف ول تعطيل ول تكييف ول تمثيل‪.‬‬
‫ي؟‬ ‫س ‪ :22‬من هو الول ّ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن أوْل َِياء اللهِ ل َ َ‬ ‫َ‬
‫ف عَلي ْهِ ْ‬‫خو ْ ٌ‬ ‫ي‪ ،‬قال ‪ -‬عز وجل ‪" :-‬أل إ ِ ّ‬ ‫ق ّ‬ ‫هو المؤمن الصالح الت ّ ِ‬
‫ن " وقال النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬ ‫قو َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مُنوا وَكاُنوا ي َت ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن * ال ّ ِ‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫وَل َ هُ ْ‬
‫م يَ ْ‬
‫ن( متفق عليه‪.‬‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ح ال ُ‬‫صال ِ ُ‬‫ه وَ َ‬ ‫ّ‬
‫ي الل ُ‬ ‫ما وَل ِي ّ َ‬
‫وسلم ‪) :-‬إ ِن ّ َ‬
‫س ‪ :23‬ما الواجب علينا نحو أصحاب النبي؟‬
‫الواجب لهم علينا محبتهم والترضي عليهم‪ ،‬وسلمة قلوبنا وألسنتنا لهم‪،‬‬
‫ونشر فضائلهم‪ ،‬والكف عن مساوئهم وما شجر بينهم‪ ،‬وهم غير معصومين‬
‫من الخطأ‪ ،‬لكنهم مجتهدون؛ للمصيب منهم أجران‪ ،‬وللمخطئ أجر واحد على‬
‫اجتهاده‪ ،‬وخطؤه مغفور‪ ،‬ولهم من الفضائل ما يذهب سيئ ما وقع منهم إن‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقع‪ ،‬وهل يغير يسير النجاسة البحر إذا وقعت فيه؟! قال النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫حاِبي(متفق عليه‪ ،‬فرضي الله عنهم وأرضاهم‬ ‫َ‬
‫ص َ‬
‫سّبوا أ ْ‬ ‫عليه وسلم ‪) :-‬ل ت َ ُ‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫س ‪ :24‬ما أقسام التوسل؟‬
‫التوسل قسمان‪ :‬الول‪ :‬التوسل الجائز‪ :‬وهو ثلثة أنواع‪ (1) :‬التوسل بأسماء‬
‫الله وصفاته‪ (2) .‬أن يتضرع إلى الله ببعض العمال الصالحة‪ ،‬كحبه للنبي‬
‫طلب النسان من‬ ‫النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬واّتباعه له‪ (3) .‬أن ي َ ْ‬
‫المسلم الحي الحاضر أن يدعو الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬له‪ .‬القسم الثاني‪ :‬التوسل‬
‫المحرم‪ :‬وهو على نوعين‪ (1) :‬أن يسأل الله ‪ -‬عز وجل ‪-‬بجاه النبي ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬أو الولي‪ ،‬كأن يقول‪) :‬اللهم إني أسألك بجاه نبيك‪ ،‬أو بجاه‬
‫ل(‪ ،‬صحيح أن جاه النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عظيم‪ ،‬وكذلك‬ ‫الحسين مث ً‬
‫جاه الصالحين من عباد الله‪ ،‬ولكن الصحابة وهم أحرص الناس على الخير‬
‫لما أجدبت الرض لم يتوسلوا بجاه النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬مع وجود‬
‫قبره بينهم‪ ،‬وإنما توسلوا بدعاء عمه العباس‪ (2).‬أن يسأل العبد ربه حاجته‬
‫ولّيه‪ ،‬كأن يقول‪) :‬اللهم إني‬ ‫سما ً بنبيه النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أو ب ِ َ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫أسألك كذا بوَلّيك فلن‪ ،‬أو بحق نبيك فلن(؛ لن القسم بالمخلوق على‬ ‫َ‬
‫حقّ للعبد على الله‬ ‫المخلوق ممنوع‪ ،‬وهو على الله أشد منعًا‪ ،‬ثم إنه ل َ‬
‫سم به على الله‪.‬‬ ‫ق ِ‬ ‫بمجرد طاعته له ‪ -‬عز وجل ‪ -‬حتى ي ُ ْ‬
‫س ‪ :25‬هل نبالغ في مدح الرسول عن القدر الذي أعطاه الله إياه؟‬
‫لشك أن سيدنا محمدا ً النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أشرف الخلق‬
‫وأفضلهم‪ ،‬ولكن ل نزيد في مدحه‪ ،‬كما زاد النصارى في مدح عيسى ابن‬
‫مريم‪ ،‬لنه نهانا عن ذلك بقوله‪) :‬ل تط ْروِني ك َ َ‬
‫م‬‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬
‫صاَرى اب ْ َ‬ ‫ما أط َْر ِ‬
‫ت الن ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫َ‬
‫ه( رواه البخاري‪ ،‬والطراء‪ :‬هو المبالغة‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫قوُلوا عَب ْد ُ الل ّهِ وََر ُ‬‫ه‪ ،‬فَ ُ‬ ‫فَإ ِن ّ َ‬
‫ما أَنا عَب ْد ُ ُ‬
‫والزيادة في المدح‪.‬‬
‫س ‪ :26‬ما أنواع المحبة؟‬
‫هي أربعة أنواع‪ (1) :‬محبة الله‪ :‬وهي أصل اليمان‪ (2) .‬المحبة في الله‪:‬‬
‫ل يحب على قدر‬ ‫ملة‪ ،‬وأما آحاد المسلمين فك ٌ‬ ‫ج ْ‬
‫وهي موالة المؤمنين وحبهم ُ‬
‫قربه من الله ‪ -‬عز وجل ‪ (3) .-‬محبة مع الله‪ :‬وهي إشراك غير الله في‬
‫المحبة الواجبة‪ ،‬كمحبة المشركين للهتهم وهي أصل الشرك‪ (4) .‬محبة‬
‫طبيعية‪ :‬وهي على أقسام‪) :‬أ( محبة إجلل‪ :‬كمحبة الوالدين‪) .‬ب( محبة‬
‫شفقة‪ :‬كمحبة الولد‪) .‬ج( محبة مشاكلة‪ :‬كمحبة سائر الناس‪) .‬د( محبة‬
‫فطرية‪ :‬كمحبة الطعام‪.‬‬
‫س ‪ :27‬ما أنواع الخوف؟‬
‫هو أنواع أربعة‪ (1) :‬خوف تأله وتعبد‪ :‬وهو الركن الثاني الذي يقوم عليه‬
‫اليمان‪ ،‬حيث إن اليمان يقوم على ركنين‪ :‬كمال المحبة‪ ،‬وكمال الخوف‪(2) .‬‬
‫خوف السر‪ :‬وهو الخوف من غير الله؛ كالخوف من آلهة المشركين أن تصيبه‬
‫بمكروه‪ ،‬وهو شرك أكبر‪ (3) .‬ترك بعض الواجبات خوفا ً من الناس‪ :‬وهو‬
‫محرم‪ (4) .‬الخوف الطبيعي‪ :‬كالخوف من السبع وغيره‪ ،‬وهو جائز‪.‬‬
‫س ‪ :28‬ما أنواع التوكل؟‬
‫هو ثلثة أنواع‪ (1) :‬التوكل على الله في جميع المور‪ :‬من جلب المنافع ودفع‬
‫المضار‪ ،‬وهو واجب‪ (2) .‬التوكل على المخلوق فيما ل يقدر عليه إل الله‪:‬‬
‫كالّتوكل على الموات‪ ،‬وهو شرك أكبر‪ (3) .‬توكيل النسان غيره في فعل ما‬
‫يقدر عليه‪ :‬كالبيع والشراء‪ ،‬وهو جائز‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫س ‪ :29‬ما أقسام الناس في الولء والبراء؟‬


‫الناس في الولء والبراء أقسام ثلثة‪:‬‬

‫) ‪(234/3‬‬

‫خّلص من النبياء‬ ‫)‪ (1‬من يحب محبة خالصة ل معاداة معها‪ :‬وهم المؤمنون ال ُ‬
‫والصديقين والشهداء والصالحين‪ ،‬وعلى رأسهم سيدنا محمد النبي ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬وزوجاته وأصحابه‪ (2) .‬من يبغض بغضا ً خالصا ً ل محبة ول‬
‫موالة معها‪ :‬وهم الكفار كأهل الكتاب والمشركين‪ ،‬لكن ل ينافي ذلك العدل‬
‫معهم‪ (3) .‬من يحب من وجه ويبغض من وجه آخر‪ :‬وهم عصاة المؤمنين؛‬
‫فيحب لما عنده من إيمان‪ ،‬ويبغض لما عنده من معاص‪ ،‬وعلى قدر زيادة‬
‫أحدهما على الخر يزيد الولء والبراء‪ ،‬ومن علمات موالة الكفار‪ :‬مناصرتهم‬
‫ومعاونتهم على المسلمين‪ ،‬ومشاركتهم في أعيادهم أو تهنئتهم بها‪ ،‬أو مدح‬
‫ما هم عليه‪ ،‬وأما علمات موالة المؤمنين‪ :‬فمنها الهجرة إلى بلد السلم‬
‫عند الستطاعة‪ ،‬ومعاونة المسلمين ومناصرتهم بالنفس والمال‪ ،‬والتألم‬
‫والسرور لما يقع بهم‪ ،‬ومحبة الخير لهم‪.‬‬
‫س ‪:30‬ما أول شيء خلقه الله؟‬
‫ً‬
‫ل يقال أول ما خلق الله هو كذا مطلقا‪ ،‬لن معناها أن الله قبل أن يخلق هذا‬
‫الشيء كان معطل ً عن صفة الخلق ثم اتصف بها بعد ذلك‪ ،‬وهذا غير صحيح‪،‬‬
‫بل صفة الخلق صفة فعلية قديمة وأزلية بقدم الله ‪ ،‬والعرش سابق للقلم‬
‫في الخلق‪.‬‬
‫‪ http://islamroad.jeeran.com‬المصدر‪:‬‬

‫) ‪(234/4‬‬

‫أسئلة وأجوبة‬
‫إحسان بن محمد العتيبي‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫السؤال الول‪:‬‬
‫هل يجب عند تفسير ما لم يرد في تفسيره نص التزام ما ورد عن السلف‬
‫ة على ضوء المكتشفات‬ ‫وعدم الزيادة عليه أو التيان بأمرٍ جديد‪ ،‬خاص ً‬
‫الجديدة وهل يصح أن نقول خواطر في التفسير؟‬
‫الجواب‪:‬‬
‫مًا‪ ،‬فيكون عنه وعن غيره مما‬ ‫ّ‬ ‫عا‬ ‫السؤال‬ ‫هذا‬ ‫عن‬ ‫الجواب‬ ‫يكون‬ ‫أن‬ ‫ن‬‫أ‪.‬يحس ُ‬
‫سر به‬‫قد يرد في ذهن القارئ‪ ،‬فأقول‪ :‬يجب أن نعرف أن أحسن ما يف ّ‬
‫القرآن أول ً ‪ :-‬القرآن نفسه‪ ،‬فما يكون قد جاء مجمل ً في آية فبينته آية‬
‫ما ً في آية فخصصته آية أخرى‪ - … ،‬وهكذا ‪ :-‬فإنه ل‬ ‫أخرى‪ ،‬وما يكون عا ّ‬
‫أحسن من تفسير هذا بهذا‪ .‬ومن لم يجد تفسير ما أراد في القرآن ووجده‬
‫دم عليها شيئًا‪ .‬فإن لم يجد في الكتاب والسنة‬ ‫في السنة‪ :‬فل ينبغي أن يق ّ‬
‫بغيته في تفسير الية‪ :‬فعليه بآثار السلف وعلى رأسهم أصحاب النبي ‪ -‬صلى‬
‫ك فيه أن أقوال الصحابة أقرب إلى الصواب من‬ ‫الله عليه وسلم ‪ -‬ومما ل ش ّ‬
‫أقوال من بعدهم‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية ‪ -‬رحمه الله ‪ :-‬فإن قال قائل‪ :‬فما أحسن طرق‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التفسير؟ فالجواب‪ :‬أن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن؛ فما‬
‫ن فإنه قد ُفسر في موضع آخر وما اختصر من مكان فقد‬ ‫ُ‬
‫أجمل في مكا ٍ‬
‫بسط في موضع آخر‪ ،‬فإن أعياك ذلك فعليك بالسّنة فإنها شارحة للقرآن‬
‫وموضحة له؛ بل قد قال المام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي‪ :‬كل‬
‫ما حكم به رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فهو مما فهمه من القرآن‬
‫قال الله ‪ -‬تعالى ‪} :-‬إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك‬
‫الله ول تكن للخائنين خصيمًا{ وقال ‪ -‬تعالى ‪} :-‬وأنزلنا إليك الذكر لتبين‬
‫للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون{ وقال ‪ -‬تعالى ‪} :-‬وما أنزلنا عليك‬
‫الكتاب إل لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون{ ولهذا‬
‫قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ " :-‬أل إني أوتيت القرآن ومثله معه‬
‫" يعني‪ :‬السّنة‪ .‬والسنة أيضا تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن؛ ل أنها تتلى‬
‫كما يتلى وقد استدل المام الشافعي وغيره من الئمة على ذلك بأدلة كثيرة‬
‫ليس هذا موضع ذلك‪ .‬والغرض أنك تطلب تفسير القرآن منه فإن لم تجده‬
‫فمن السنة … وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ول في السنة رجعنا‬
‫في ذلك إلى أقوال الصحابة فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرآن‬
‫والحوال التي اختصوا بها؛ ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل‬
‫الصالح؛ ل سيما علماؤهم وكبراؤهم كالئمة الربعة الخلفاء الراشدين والئمة‬
‫المهديين‪ ،‬مثل عبد الله بن مسعود … ومنهم الحبر البحر " عبد الله بن‬
‫عباس " ابن عم رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وترجمان القرآن ببركة‬
‫دعاء رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬له حيث قال‪ " :‬اللهم فقهه في‬
‫الدين وعلمه التأويل "‪....‬‬
‫إذا لم تجد التفسير في القرآن ول في السنة ول وجدته عن الصحابة فقد‬
‫رجع كثير من الئمة في ذلك إلى أقوال التابعين " كمجاهد بن جبر " فإنه‬
‫كان آية في التفسير كما قال محمد بن إسحاق‪ :‬حدثنا أبان بن صالح عن‬
‫مجاهد قال‪ :‬عرضت المصحف على ابن عباس ثلث عرضات من فاتحته إلى‬
‫خاتمته أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها …‬
‫وكسعيد بن جبير وعكرمة مولى ابن عباس وعطاء بن أبي رباح والحسن‬
‫البصري ومسروق بن الجدع وسعيد بن المسيب وأبي العالية والربيع بن‬
‫أنس وقتادة والضحاك بن مزاحم وغيرهم من التابعين وتابعيهم ومن بعدهم‬
‫فتذكر أقوالهم في الية فيقع في عباراتهم تباين في اللفاظ يحسبها من ل‬
‫علم عنده اختلفا فيحكيها أقوال وليس كذلك فإن منهم من يعبر عن الشيء‬
‫بلزمه أو نظيره ومنهم من ينص على الشيء بعينه والكل بمعنى واحد في‬
‫كثير من الماكن فليتفطن اللبيب لذلك‪ ،‬والله الهادي‪.‬‬
‫وقال شعبة بن الحجاج وغيره‪ :‬أقوال التابعين في الفروع ليست حجة فكيف‬
‫تكون حجة في التفسير؟ يعني أنها ل تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم‬
‫وهذا صحيح أما إذا أجمعوا على الشيء فل يرتاب في كونه حجة فإن اختلفوا‬
‫فل يكون قول بعضهم حجة على بعض ول على من بعدهم ويرجع في ذلك‬
‫إلى لغة القرآن أو السنة أو عموم لغة العرب أو أقوال الصحابة في ذلك‪" .‬‬
‫مجموع الفتاوى " )‪ (371 364 / 13‬بتصرف‪.‬‬
‫ب‪ .‬وأما بالنسبة لقوال السلف في تفسير الية‪ :‬فما اتفق عليه السلف‪ :‬فل‬
‫ينبغي الخروج عنه‪ ،‬وما اختلفوا فيه‪ :‬فليس قول واحد حجة دون الخر‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية ‪ -‬رحمه الله ‪ :-‬فما ثبت عنه من السنة فعلينا‬
‫اتباعه؛ سواء قيل إنه في القرآن؛ ولم نفهمه نحن أو قيل ليس في القرآن؛‬
‫كما أن ما اتفق عليه السابقون الولون والذين اتبعوهم بإحسان؛ فعلينا أن‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نتبعهم فيه؛ سواء قيل إنه كان منصوصا في السنة ولم يبلغنا ذلك أو قيل إنه‬
‫مما استنبطوه واستخرجوه باجتهادهم من الكتاب والسنة‪ " .‬مجموع الفتاوى‬
‫" )‪.(164 / 5‬‬

‫) ‪(235/1‬‬

‫دعي أن‬ ‫ج‪ .‬و أما بالنسبة للمكتشفات الجديدة‪ :‬فإني أقول‪ :‬ل يمكن لحدٍ أن ي ّ‬
‫تفسير آية من كتاب الله ظل غائبا ً عن القرون السابقة ولم ُيعرف إل هذه‬
‫اليام! لن في ذلك اتهاما ً للرب ‪ -‬تعالى‪ -‬أنه يبّين للناس ما قاله لهم خبرا ً أو‬
‫أمرا ً أو نهيًا‪ ،‬واتهاما ً للقرآن أنه ليس كتاب هداية ول بيانا ً للناس! والصواب‬
‫في هذا‪ :‬أن ما ُيكتشف من المحدثات مما ل يخالف ظاهر الكتاب ‪ -‬ل يعدو‬
‫أن يكون توضيحا لما قاله سلف المة أو يكون توكيدا ً لما سبق بيانه ولكنه‬
‫على ضوء المخترعات الحديثة وبتفصيل علمي يتناسب مع هذا الزمان‪.‬‬
‫ومن قطع النظر عن تفسير السلف واخترع قول ً له في تفسير الية فإنه‬
‫حتما ً سيقع في الخطأ‪ ،‬ومن أوضح المثلة على ذلك ما قاله بعض المعاصرين‬
‫ن ك َِثيرا ً‬ ‫ة وَإ ِ ّ‬ ‫ك آي َ ً‬ ‫ف َ‬ ‫خل ْ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ن لِ َ‬‫كو َ‬ ‫ك ل ِت َ ُ‬‫ك ب ِب َد َن ِ َ‬‫جي َ‬ ‫على قوله ‪ -‬تعالى ‪َ} :-‬فال ْي َوْ َ‬
‫م ن ُن َ ّ‬
‫ن{ ]يونس ‪ ،[92 /‬فقد نشر بعض الكّتاب قريبا ً‬ ‫ن آَيات َِنا ل ََغافُِلو َ‬ ‫س عَ ْ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫في " الساحات " صورة " فرعون " واستدل بالية على ذلك! و}ننجيك{ من‬ ‫ّ‬
‫" النجو " وهو الرتفاع‪ ،‬وفرعون جعله الله ‪ -‬تعالى ‪-‬آية في طفوه على‬
‫سطح البحر بعد موته وهي الية لقيام الساعة في كل ميت يموت‪ ،‬ولو كان‬
‫المقصود بقاء جثة فرعون فليس هناك ما يدل على أنها ستبقى إلى قيام‬
‫الساعة‪ ،‬بل من الممكن أن تيقى حتى يراها بنو إسرائيل ليتأكدوا من موته‪.‬‬
‫ولو كانت جثة فرعون هي المقصودة وأنها ستبقى إلى قيام الساعة‪ :‬لسهل‬
‫على المشركين المطالبة بهذه الية!! والحال نفسه في سفينة نوح حيث‬
‫ة‬
‫ها آي َ ً‬ ‫قد ْ ت ََرك َْنا َ‬ ‫جعلها الله آية في طفوها على سطح البحر‪ .‬قال ‪ -‬تعالى ‪} :-‬وَل َ َ‬
‫ر{ ]القمر ‪ [15 /‬وليس المقصود بترك الية هنا أنها موجودة‬ ‫مد ّك ِ ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫فَهَ ْ‬
‫بنفسها كما يزعم الرافضة أنها موجودة في روسيا! وأنهم وجدوا عليها " علي‬
‫" " فاطمة " " الحسن " " الحسين "!! ‪ -‬بل المقصود بالية هنا‪ :‬كونها تطفو‬
‫مل َْنا‬ ‫ة ل َه َ‬
‫ح َ‬ ‫م أّنا َ‬ ‫بضخامتها وعظمها على سطح البحر‪ ،‬كما قال ‪ -‬تعالى ‪َ} :-‬وآي َ ٌ ُ ْ‬
‫ن{ ]يس ‪،41 /‬‬ ‫ما ي َْرك َُبو َ‬ ‫مث ْل ِهِ َ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫قَنا ل َهُ ْ‬ ‫خل َ ْ‬‫ن‪ .‬وَ َ‬ ‫حو ِ‬ ‫ش ُ‬‫م ْ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫فل ْ ِ‬‫م ِفي ال ْ ُ‬ ‫ذ ُّري ّت َهُ ْ‬
‫‪.[42‬‬
‫هذا بالنسبة للمكتشفات التي ل تخالف الشرع‪ ،‬أما تلك التي تخالف الشرع‬
‫ويلوي أصحابها أعناق النصوص لتتوافق مع النظريات والوهميات ويسمونها‬
‫هم قطعيات فهذا ل يجوز التعويل عليه ول الخذ به‪ ،‬بل يجب التحذير منه‪.‬‬
‫سئلت اللجنة الدائمة‪ :‬ما حكم الشرع في التفاسير التي تسمى بـ " التفاسير‬
‫العلمية "؟ وما مدى مشروعية ربط آيات القرآن ببعض المور العلمّية‬
‫التجريبّية؟ فقد كثر الجدل حول هذه المسائل؟‬
‫م ي ََر‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سر قوله ‪ -‬تعالى ‪}-‬أوَل ْ‬ ‫فأجابت‪ :‬إذا كانت من جنس التفاسير التي تف ّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫كان ََتا َرْتقا ً فَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ُ‬
‫ماِء ك ّ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫جعَلَنا ِ‬ ‫ما وَ َ‬ ‫قَناهُ َ‬
‫فت َ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ت َواْلْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫فُروا أ ّ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن{ ]النبياء ‪ ،[30 /‬بأن الرض كانت متصلة بالشمس‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي أَفل ي ُؤْ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫وجزًءا منها‪ ،‬ومن شدة دوران الشمس انفصلت عنها الرض‪ ،‬ثم برد سطحها‬
‫وبقي جوفها حاّرًا‪ ،‬وصارت من الكواكب التي تدور حول الشمس‪ .‬إذا كانت‬
‫مد َةً‬ ‫جا ِ‬‫سب َُها َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل تَ ْ‬ ‫جَبا َ‬ ‫التفاسير التي يستدل مؤلفوها بقوله ‪ -‬تعالى ‪}-‬وَت ََرى ال ْ ِ‬
‫ب{ ]النمل ‪ [88 /‬على دوران الرض‪ ،‬وذلك أن هذه‬ ‫حا ِ‬ ‫س َ‬ ‫مّر ال ّ‬ ‫مّر َ‬ ‫ي تَ ُ‬ ‫وَهِ َ‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التفاسير تحّرف الكِلم عن مواضعه‪ ،‬وُتخضع القرآن الكريم لما يسمونه‬


‫نظريات علمّية‪ ،‬وإنما هي ظنّيات أو وهمّيات وخيالت‪ .‬وهكذا جميع التفاسير‬
‫التي تعتمد على آراء جديدة ليس لها أصل في الكتاب والسّنة ول في كلم‬
‫مة؛ لما فيها من القول على الله بغير علم‪ .‬الشيخ عبد العزيز بن باز‪،‬‬
‫سلف ال ّ‬
‫الشيخ عبد الرزاق عفيفي‪ ،‬الشيخ عبد الله بن غديان‪ ،‬الشيخ عبد الله بن‬
‫قعود " فتاوى اللجنة الدائمة " )‪.(181 ،180 / 4‬‬

‫) ‪(235/2‬‬

‫د‪ .‬وأما بالنسبة للخواطر والفوائد المستنبطة من اليات فهي من فضل الله‬
‫يؤتيه من يشاء‪ ،‬وقد يستنبط طالب العلم ما ل يستنبطه العالم من الفوائد‪،‬‬
‫وقد يستنبط العالم ما ل يستنبطه عاِلم آخر‪ ،‬وهذا بحسب توفيق الله لكل‬
‫واحد منهما وما وهبه الله لكل واحد منهما من الدوات‪ ،‬لكنهم في كل‬
‫الحوال ل يخرجون عن المعنى الصحيح للية ول يقولون بما لم يقله الوائل‬
‫من معنى الية‪ ،‬كما يفعله الباطنية الذين الباطنية يفسرون‪} :‬وكل شيء‬
‫أحصيناه في إمام مبين{ أنه علي‪ ،‬ويفسرون قوله ‪ -‬تعالى ‪} :-‬تبت يدا أبي‬
‫لهب وتب{ بأنهما أبو بكر وعمر‪ ،‬وقوله‪} :‬فقاتلوا أئمة الكفر{ أنهم طلحة‬
‫والزبير‪ ،‬و }والشجرة الملعونة في القرآن{ بأنها بنو أمية‪ .‬وأما باطنية‬
‫الصوفية فيقولون في قوله ‪ -‬تعالى ‪} :-‬اذهب إلى فرعون{ إنه القلب‪ ،‬و‬
‫}إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة{ إنها النفس‪ ،‬ويقول أولئك‪ :‬هي عائشة‬
‫ويفسرون هم والفلسفة تكليم موسى بما يفيض عليه من العقل الفعال أو‬
‫غيره‪ ،‬ويجعلون )خلع النعلين(‪ :‬ترك الدنيا والخرة‪ ،‬ويفسرون )الشجرة التي‬
‫كلم منها موسى( و )الوادي المقدس( ونحو ذلك بأحوال تعرض للقلب عند‬
‫حصول المعارف له‪.‬‬
‫قال شيخ السلم بعد أن ذكر المثلة السابقة ‪ :-‬وهؤلء المتأخرون ‪ -‬مع‬
‫ضللهم وجهلهم ‪ -‬يدعون أنهم أعلم وأعرف من سلف المة ومتقدميها‪" .‬‬
‫مجموع الفتاوى " )‪.(240 / 13‬‬
‫وقال‪ :‬وقد تبين بذلك أن من فسر القرآن أو الحديث وتأوله على غير‬
‫التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين فهو مفتر على الله ملحد في آيات‬
‫الله محرف للكلم عن مواضعه وهذا فتح لباب الزندقة واللحاد وهو معلوم‬
‫البطلن بالضطرار من دين السلم‪ " .‬مجموع الفتاوى " )‪.(244 / 13‬‬
‫وقد ذكر شيخ السلم ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬أقسام مثل هذه الفوائد والشارات في‬
‫اليات‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫وجماع القول في ذلك أن هذا الباب نوعان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن يكون المعنى المذكور باطل؛ لكونه مخالفا ً لما علم‪ ،‬فهذا هو في‬
‫نفسه باطل فل يكون الدليل عليه إل باطل؛ لن الباطل ل يكون عليه دليل‬
‫يقتضي أنه حق‪.‬‬
‫قا لكن يستدلون عليه من القرآن والحديث‬ ‫ً‬ ‫والثاني‪ :‬ما كان في نفسه ح ّ‬
‫بألفاظ لم يرد بها ذلك‪ ،‬فهذا الذي يسمونه " إشارات " و " حقائق التفسير "‬
‫لبي عبد الرحمن أي‪ :‬السلمي ‪ -‬فيه من هذا الباب شيء كثير‪.‬‬
‫وأما النوع الول‪ :‬فيوجد كثيرا ً في كلم القرامطة والفلسفة المخالفين‬
‫للمسلمين في أصول دينهم فإن من علم أن السابقين الولين قد ‪ -‬رضي‬
‫الله عنهم ‪ -‬ورضوا عنه علم أن كل ما يذكرونه على خلف ذلك فهو باطل‪،‬‬
‫ومن أقر بوجوب الصلوات الخمس على كل أحد ما دام عقله حاضرا ً علم أن‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صا ً على سقوط ذلك من بعضهم فقد افترى‪ ،‬ومن علم أن الخمر‬ ‫من تأول ن ّ‬
‫ً‬
‫والفواحش محرمة على كل أحد ما دام عقله حاضرا علم أن من تأول نصا‬
‫يقتضي تحليل ذلك لبعض الناس أنه مفتر‪.‬‬
‫وأما النوع الثاني‪ :‬فهو الذي يشتبه كثيرا ً على بعض الناس فإن المعنى يكون‬
‫صحيحا ً لدللة الكتاب والسنة عليه‪ ،‬ولكن الشأن في كون اللفظ الذي‬
‫يذكرونه دل عليه‪ ،‬وهذان قسمان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن يقال‪ :‬إن ذلك المعنى مراد باللفظ‪ ،‬فهذا افتراء على الله‪ ،‬فمن‬
‫قال المراد بقوله‪} :‬تذبحوا بقرة{ هي النفس‪ ،‬وبقوله }اذهب إلى فرعون{‬
‫هو القلب‪} ،‬والذين معه{ أبو بكر‪} ،‬أشداء على الكفار{ عمر‪} ،‬رحماء‬
‫مدا ً‬‫جدًا{ علي‪ :‬فقد كذب على الله إما متع ّ‬ ‫كعا ً س ّ‬
‫بينهم{ عثمان‪} ،‬تراهم ر ّ‬
‫وإما مخطئًا‪.‬‬
‫والقسم الثاني‪ :‬أن يجعل ذلك من باب العتبار والقياس‪ ،‬ل من باب دللة‬
‫ميه‬ ‫ميه الفقهاء قياسا ً هو الذي تس ّ‬
‫اللفظ‪ :‬فهذا من نوع القياس‪ ،‬فالذي تس ّ‬
‫الصوفية إشارة‪ ،‬وهذا ينقسم إلى صحيح وباطل كانقسام القياس إلى ذلك‪:‬‬
‫فمن سمع قول الله ‪ -‬تعالى ‪} :-‬ل يمسه إل المطهرون{ وقال‪ :‬إنه اللوح‬
‫المحفوظ أو المصحف فقال‪ :‬كما أن اللوح المحفوظ الذي كتب فيه حروف‬
‫القرآن ل يمسه إل بدن طاهر فمعاني القرآن ل يذوقها إل القلوب الطاهرة‬
‫وهي قلوب المتقين كان هذا معنى صحيحا ً واعتبارا ً صحيحًا‪ ،‬ولهذا يروى هذا‬
‫عن طائفة من السلف‪ .‬قال ‪ -‬تعالى ‪} :-‬الم‪ .‬ذلك الكتاب ل ريب فيه هدى‬
‫للمتقين{ وقال‪} :‬هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين{ وقال‪} :‬يهدي به‬
‫الله من اتبع رضوانه سبل السلم{ وأمثال ذلك‪.‬‬
‫وكذلك من قال‪ " :‬ل تدخل الملئكة بيتا فيه كلب ول جنب " فاعتبر بذلك أن‬
‫القلب ل يدخله حقائق اليمان إذا كان فيه ما ينجسه من الكبر والحسد فقد‬
‫أصاب قال ‪ -‬تعالى ‪} :-‬أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم{‪ ،‬وقال ‪-‬‬
‫تعالى ‪} :-‬سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الرض بغير الحق وإن يروا‬
‫كل آية ل يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد ل يتخذوه سبيل وإن يروا سبيل‬
‫الغي يتخذوه سبيل{ وأمثال ذلك‪ " .‬مجموع الفتاوى " )‪.(243 241 / 13‬‬
‫والله أعلم‬
‫السؤال الثاني‪:‬‬
‫هل ما يحكيه الله في قصص القرآن على لسان أحد المذكورين فيها هو‬
‫باللفظ أو بالمعنى؟‬
‫الجواب‪:‬‬

‫) ‪(235/3‬‬

‫ما يحكيه الله ‪ -‬تعالى ‪-‬على لسان أحد المذكورين من المم السابقة إنما هو‬
‫بمعناه ل بلفظه‪ ،‬وذلك لسباب كثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أ‪ .‬أن لغات المم السابقة لم يكن أكثرها عربية‪ ،‬والقرآن تكلم الله ‪ -‬تعالى‬
‫‪-‬به بالعربية وهكذا ُأنزل‪ ،‬ومن المستحيل أن يكون نقل الكلم ‪ -‬لمن ل يتكلم‬
‫بالعربية باللفظ العربي‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫خاهُ‬
‫ه وَأ َ‬ ‫ب‪ .‬تعدد اللفاظ في القصة الواحدة‪ ،‬فمرة مثل يقول‪َ} :‬قالوا أْر ِ‬
‫ج ْ‬
‫َ‬
‫ن{ ]العراف ‪ ،[111 /‬ومرة أخرى في القصة‬ ‫ري َ‬‫ِ‬ ‫ش‬
‫حا ِ‬‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫دائ ِ‬ ‫ل ِفي ال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫س ْ‬
‫وَأْر ِ‬
‫ن{ ]الشعراء ‪/‬‬ ‫ري َ‬
‫ش ِ‬‫حا ِ‬
‫ن َ‬
‫دائ ِ ِ‬ ‫ث ِفي ال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ه وَأ َ َ‬
‫خاه ُ َواب ْعَ ْ‬ ‫ج ْ‬
‫َ‬
‫نفسها ‪ -‬يقول‪َ} :‬قاُلوا أْر ِ‬
‫‪.[36‬‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت‪ .‬لو كان ما ذكره الله ‪ -‬تعالى ‪-‬هو لفظهم لما كان العجاز في كلم الله‬
‫بل في لفظهم‪ ،‬ويتجلى العجاز في مثل ما ذكره الله ‪ -‬تعالى ‪-‬باللفظ‬
‫المعجز من كلمه هو ‪ -‬سبحانه ‪ ،-‬مع ملحظة أن القرآن هو كلم الله‪ ،‬ولو‬
‫ح أن يقال إنه " كلم الله "!‬ ‫كان المنقول هو كلمهم لفظا ً وعنى لما ص ّ‬
‫قالت اللجنة الدائمة‪ :‬الكلم يطلق على اللفظ والمعنى‪ ،‬ويطلق على كل‬
‫واحد منهما وحده بقرينة‪ ،‬وناقله عمن تكلم به من غير تحريف لمعناه ول‬
‫تغيير لحروفه ونظمه مخبر مبلغ فقط‪ ،‬والكلم إنما هو لمن بدأه‪ ،‬أما إن غّير‬
‫حروفه ونظمه مع المحافظة على معناه‪ :‬فينسب إليه اللفظ حروفه ومعناه‪،‬‬
‫وينسب من جهة معناه إلى من تكلم به ابتداًء‪ ،‬ومن ذلك ما أخبر الله به عن‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫ت ب َِرّبي وََرب ّك ُ ْ‬
‫سى إ ِّني عُذ ْ ُ‬
‫مو َ‬ ‫المم الماضية‪ ،‬كقوله ‪ -‬تعالى ‪} :-‬وََقا َ‬
‫ل ُ‬
‫ن َيا‬‫ل فِْرعَوْ ُ‬ ‫ب{ ]غافر ‪ ،[27 /‬وقوله‪} :‬وََقا َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ب ِي َوْم ِ ال ْ ِ‬
‫م ُ‬‫مت َك َب ّرٍ ل ي ُؤْ ِ‬
‫ل ُ‬‫كُ ّ‬
‫ب{ ]غافر ‪ ،[36 /‬فهاتان تسميان قرآنًا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صْرحا ً ل َعَّلي أب ْل ُغُ اْل ْ‬
‫سَبا َ‬ ‫ن ِلي َ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫ما ُ‬
‫ها َ‬‫َ‬
‫وتنسبان إلى الله كلما له باعتبار حروفهما ونظمهما؛ لنهما من الله ل من‬ ‫ً‬
‫كلم موسى وفرعون؛ لن النظم والحروف ليس منهما‪ ،‬وتنسبان إلى موسى‬
‫وفرعون باعتبار المعنى‪ ،‬فإنه كان واقعا ً منهما‪ ،‬وهذا وذاك قد علمهما الله‬
‫في الزل وأمر بكتابتهما في اللوح المحفوظ‪ ،‬ثم وقع القول من موسى‬
‫وفرعون بلغتهما طبق ما كان في اللوح المحفوظ‪ ،‬ثم تكلم الله بذلك‬
‫بحروف أخرى ونظم آخر في زمن نبينا محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫ل منهما باعتبار‪ .‬الشيخ عبد العزيز بن باز‪ ،‬الشيخ عبد الرزاق‬ ‫فنسب إلى ك ّ‬
‫عفيفي‪ ،‬الشيخ عبد الله بن قعود " فتاوى اللجنة الدائمة " )‪.(7 ،6 / 4‬‬
‫والله أعلم‬
‫السؤال الثالث‪:‬‬
‫هل قوله ‪ -‬تعالى ‪}-‬ليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة{‬
‫قد تحقق فيما مضى أو ل؟‬
‫الجواب‪:‬‬
‫سر أن يبّين ما أجمله الله ‪ -‬تعالى ‪-‬إل بنص من القرآن أو بنص‬ ‫ل يمكن لمف ّ‬
‫ً‬
‫من السّنة‪ ،‬وهذا ما ليس موجودا هنا‪ ،‬إذ يستحيل الجزم بمعرفة الفساد‬
‫الول والثاني وأهلهما دون أن يكون ذلك عن طريق الوحي؛ لن هذا من‬
‫الغيب‪ ،‬وهو ما لم يبينه لنا نبينا ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ،-‬وليس في بيانه أي‬
‫فائدة تذكر‪ ،‬فالشتغال فيه نوع من تضييع الوقات والبعد عن معاني القرآن‬
‫وخاصة هنا وهو أن سبب الهلك إنما هو الفساد والفساد!‬
‫قال الشيخ عبد الرحمن السعدي‪ :‬واختلف المفسرون في تعيين هؤلء‬
‫المسلطين‪ ،‬إل أنهم اتفقوا على أنهم قوم كفار‪ ،‬إما من أهل العراق أو‬
‫الجزيرة أو غيرها‪ :‬سّلطهم الله على بني إسرائيل لما كثرت فيهم المعاصي‬
‫وتركوا كثيرا ً من شريعتهم وطغوا في البلد‪ " .‬تفسير السعدي " )ص ‪.(405‬‬
‫قال ابن كثير‪ :‬وقد اختلف المفسرون من السلف والخلف في هؤلء‬
‫المسّلطين عليهم من هم؟ فعن ابن عباس وقتادة‪ :‬أنه جالوت الجزري‬
‫وجنوده … وعن سعيد بن جبير‪ :‬أنه ملك الموصل سْنحاريب وجنوده‪ ،‬وعنه‬
‫أيضا ً وعن غيره‪ :‬أنه بختنصر ملك بابل‪.‬‬
‫وقال‪ :‬وقد وردت في هذا آثار كثيرة إسرائيلية لم أر تطويل الكتاب بذكرها‬
‫لن منها ما هو موضوع من وضع بعض زنادقتهم ومنها ما قد يحتمل أن يكون‬
‫صحيحا ونحن في غنية عنها ولله الحمد وفيما قص الله علينا في كتابه غنية‬
‫عما سواه من بقية الكتب قبله ولم يحوجنا الله ول رسوله إليهم وقد أخبر‬
‫الله عنهم أنهم لما طغوا وبغوا سلط الله عليهم عدوهم فاستباح بيضتهم‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسلك خلل بيوتهم وأذلهم وقهرهم جزاء وفاقا وما ربك بظلم للعبيد فإنهم‬
‫كانوا قد تمردوا وقتلوا خلقا من النبياء والعلماء‪ " .‬تفسير ابن كثير " )‪/ 3‬‬
‫‪.(26‬‬
‫ما ب َعَث َْنا‬ ‫ه‬ ‫ُ‬
‫أول‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ء‬‫جا‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪}-‬‬ ‫تعالى‬ ‫‪-‬‬ ‫قوله‬ ‫عن‬ ‫الدائمة‬ ‫اللجنة‬ ‫سئلت‬ ‫وقد‬
‫ُ َ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫ِ َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫م ِ ً َ‬
‫د{ ]السراء ‪ [5 /‬هل هي خاصة بالمؤمنين أم‬ ‫دي ٍ‬ ‫س َ‬
‫ش ِ‬ ‫عَبادا لَنا أوِلي ب َأ ٍ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫هي عامة؟ وهل وقعت أم لم تقع؟ فأجابوا بظاهر الية ولم يجزموا بمعنى لم‬
‫تنص عليه الية‪ ،‬وأحالوا على " تفسير ابن كثير "‪ .‬انظر " فتاوى اللجنة‬
‫الدائمة " )‪ .(247 ،246 / 4‬وما قاله علماء اللجنة خير من كثير من كلم‬
‫بعض المعاصرين الذين تكلفوا القول في تأويل الية وحملها جزمًا! على‬
‫ن يحتاج معها صاحبها لوحي!‬ ‫معا ٍ‬
‫والله أعلم‬
‫السؤال الرابع‪:‬‬

‫) ‪(235/4‬‬

‫هل ورد في الحديث أن الطائفة المنصورة بأكناف بيت المقدس‪ ،‬وما صحة‬
‫الحديث بشأن المهدي وفيه‪ " :‬ل خير في الحياة بعده "؟‬
‫الجواب‪:‬‬
‫أ‪ .‬الحديث رواه المام أحمد )‪ (21816‬من حديث أبي أمامة ‪ -‬رضي الله عنه‬
‫‪ .-‬ولفظه‪ " :‬ل تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين ل‬
‫يضرهم من خالفهم إل ما أصابهم من لواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول الله وأين هم؟ قال‪ :‬ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس "‪.‬‬
‫قال الشيخ اللباني‪ :‬هذا سند ضعيف لجهالة عمرو بن عبد الله الحضرمي …‬
‫ولحديث أبي أمامة شاهد بنحوه رواه الطبراني )‪ (754 / 317 / 20‬عن مرة‬
‫البهزي … " السلسلة الصحيحة " )‪ / 4‬ص ‪.(600 ،599‬‬
‫قلت‪ :‬ونص الحديث عند الطبراني‪ " :‬ل تزال طائفة من أمتي على الحق‬
‫ظاهرين على من ناوأهم وهم كالناء بين الكلة حتى يأتي أمر الله وهم‬
‫كذلك‪ ،‬قلنا‪ :‬يا رسول الله وأين هم؟ قال‪ :‬بأكناف بيت المقدس "‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والصواب أن حديث الطبراني ل يصلح شاهدا ً لحديث أبي أمامة؛ وذلك‬
‫لن في الحديث مجاهيل ل يعرف حالهم‪ ،‬ومثل هذا السند ل يصلح في‬
‫ضاعًا‪ .‬قال الهيثمي عن حديث مرة‬ ‫الشواهد؛ فقد يكون أحدهم متروكا ً أو و ّ‬
‫ب‬
‫البهزي ‪ :-‬وفيه جماعة لم أعرفهم‪ " .‬مجمع الزوائد " )‪ .(289 / 7‬وتعق ّ‬
‫قب في الجملة‪ .‬والله أعلم‬ ‫شيخنا اللباني على الهيثمي متع ّ‬
‫قلت‪ :‬لكن ورد أن الطائفة المنصورة في الشام‪ ،‬وبيت المقدس جزء من‬
‫الشام‪ ،‬وهو يغني عن الحديث الضعيف الذي يخصصها في " بيت المقدس "‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪ :‬وإذا كان كذلك‪ :‬فدين السلم بالشام في هذه‬
‫الوقات وشرائعه أظهر منه بغيره‪ ،‬هذا أمر معلوم بالحس والعقل وهو‬
‫كالمتفق عليه بين المسلمين العقلء الذين أوتوا العلم واليمان وقد دلت‬
‫النصوص على ذلك‪ :‬مثل ما روى أبو داود في سننه عن عبد الله بن عمر‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ " :-‬ستكون هجرة بعد هجرة‬
‫فخيار أهل الرض ألزمهم مهاجر إبراهيم " وفي سننه أيضا عن عبد الله بن‬
‫خولة عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪ " :‬إنكم ستجندون أجنادا‪ :‬جندا‬
‫بالشام وجندا باليمن وجندا بالعراق فقال ابن خولة‪ :‬يا رسول الله اختر لي‬
‫فقال‪ :‬عليك بالشام؛ فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من خلقه‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فمن أبى فليلحق بيمنه وليتق من غدره فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله‬
‫"‪ ،‬وكان الخوالي يقول‪ :‬من تكفل الله به فل ضيعة عليه‪ ،‬وهذان نصان في‬
‫تفضيل الشام‪ ،‬وفي مسلم عن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬عن النبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪ " :‬ل يزال أهل المغرب ظاهرين ل يضرهم من‬
‫خالفهم ول من خذلهم حتى تقوم الساعة " قال المام أحمد‪ :‬أهل المغرب‬
‫هم أهل الشام وهو كما قال؛ فإن هذه لغة أهل المدينة النبوية في ذاك‬
‫الزمان كانوا يسمون أهل نجد والعراق أهل المشرق ويسمون أهل الشام‬
‫أهل المغرب؛ لن التغريب والتشريق من المور النسبية فكل مكان له غرب‬
‫وشرق؛ فالنبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬تكلم بذلك في المدينة النبوية فما‬
‫تغرب عنها فهو غربة وما تشرق عنها فهو شرقة‪ ،‬ومن علم حساب البلد ‪-‬‬
‫أطوالها وعروضها ‪ -‬علم أن المعاقل التي بشاطئ الفرات ‪ -‬كالبيرة ونحوها ‪-‬‬
‫هي محاذية للمدينة النبوية كما أن ما شرق عنها بنحو من مسافة القصر‬
‫كحران وما سامتها مثل الرقة وسميساط فإنه محاذ أم القرى مكة ‪ -‬شرفها‬
‫الله ‪ -‬ولهذا كانت قبلته هو أعدل القبل فما شرق عما حاذى المدينة النبوية‬
‫فهو شرقها وما يغرب ذلك فهو غربها‪ ،‬وفي الكتب المعتمد عليها مثل "‬
‫مسند أحمد " وغيره عدة آثار عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في هذا‬
‫الصل‪ :‬مثل وصفه أهل الشام " بأنه ل يغلب منافقوهم مؤمنيهم "‪ ،‬وقوله "‬
‫رأيت كأن عمود الكتاب ‪ -‬وفي رواية ‪ -‬عمود السلم أخذ من تحت رأسي‬
‫فأتبعته نظري فذهب به إلى الشام " وعمود الكتاب والسلم ما يعتمد عليه‬
‫وهم حملته القائمون به‪ ،‬ومثل قوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ " :-‬عقر دار‬
‫المؤمنين الشام " ومثل ما في الصحيحين عن معاذ بن جبل عن النبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أنه قال‪ " :‬ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين على‬
‫الحق ل يضرهم من خالفهم ول من خذلهم حتى تقوم الساعة "‪ ،‬وفيهما أيضا‬
‫عن معاذ بن جبل قال‪ " :‬وهم بالشام " وفي تاريخ البخاري قال‪ " :‬وهم‬
‫بدمشق " وروي‪ " :‬وهم بأكناف بيت المقدس " وفي الصحيحين أيضا عن‬
‫ابن عمر عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ " :-‬أنه أخبر أن ملئكة الرحمن‬
‫مظلة أجنحتها بالشام " والثار في هذا المعنى متعاضدة ولكن الجواب ‪-‬‬
‫ليس على البديهة ‪ -‬على عجل‪ " .‬مجموع الفتاوى " )‪.(44 42 / 27‬‬
‫ونلحظ استعمال شيخ السلم للفظة " روي " عند ذكر الحديث وهو مما‬
‫يدل على ضعفها عنده أو على عدم الجزم بصحتها على القل‪ ،‬وإن كان لم‬
‫يستعمل مثل هذه اللفظة في موضع آخر وهو " مجموع الفتاوى " )‪/ 28‬‬
‫‪ .(533‬والله أعلم‬

‫) ‪(235/5‬‬

‫ب‪ .‬أما حديث " ل خير في الحياة بعده " الوارد في المهدي‪ :‬فقد رواه المام‬
‫أحمد )‪ (10933‬و )‪ (11092‬من حديث أبي سعيد الخدري ‪ -‬رضي الله عنه ‪-‬‬
‫بلفظ‪ " :‬أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلف من الناس وزلزل‬
‫فيمل الرض قسطا وعدل كما ملئت جورا وظلما‪ ،‬يرضى عنه ساكن السماء‬
‫وساكن الرض‪ ،‬يقسم المال صحاحا‪ ،‬فقال له رجل‪ :‬ما صحاحا؟ قال‪:‬‬
‫بالسوية بين الناس‪ ،‬قال‪ :‬ويمل الله قلوب أمة محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ -‬غنى ويسعهم عدله حتى يأمر مناديا فينادي فيقول‪ :‬من له في مال حاجة؟‬
‫فما يقوم من الناس إل رجل فيقول‪ :‬ائت السدان يعني‪ :‬الخازن فقل له‪ :‬إن‬
‫المهدي يأمرك أن تعطيني مال‪ ،‬فيقول له‪ :‬احث‪ ،‬حتى إذا جعله في حجره‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأبرزه ندم فيقول‪ :‬كنت أجشع أمة محمد نفسا ً أو عجز عني ما وسعهم‪،‬‬
‫قال‪ :‬فيرده فل يقبل منه‪ ،‬فيقال له‪ :‬إنا ل نأخذ شيئا أعطيناه فيكون كذلك‬
‫سبع سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين‪ ،‬ثم ل خير في العيش بعده أو قال‪:‬‬
‫ثم ل خير في الحياة بعده ‪ .-‬وفيه العلء بن بشير المزني‪ ،‬قال علي بن‬
‫المديني‪ :‬مجهول‪ ،‬كما في " ميزان العتدال " )‪ .(120 / 5‬وضعفه شعيب‬
‫الرناؤط في " مسند أحمد " )‪.(427 / 17‬‬
‫والله أعلم‬
‫السؤال الخامس‪:‬‬
‫هل وسائل الدعوة وطرقها توقيفية‪ ،‬وهل حديث " من كان على ما أنا عليه‬
‫وأصحابي " شامل لجميع المور‪ ،‬وما المراد بسنة الخلفاء الراشدين؟‬
‫الجواب‪:‬‬
‫ف شّرف الله‬ ‫أ‪ .‬أمر الله ‪ -‬تعالى ‪-‬بالدعوة إليه‪ ،‬والدعوة إلى الله عبادة شر ٌ‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫مُرو َ‬‫س ت َأ ُ‬
‫ت َِللّنا ِ‬‫ج ْ‬ ‫مةٍ أ ُ ْ‬
‫خرِ َ‬
‫ُ‬
‫خي َْر أ ّ‬ ‫م َ‬ ‫بها هذه المة‪ ،‬قال ‪ -‬تعالى ‪} :-‬ك ُن ْت ُ ْ‬
‫خْيرا ً‬
‫ن َ‬ ‫ب لَ َ‬
‫كا َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫ن أهْ ُ‬
‫م َ‬‫ن ِبالل ّهِ وَل َوْ آ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫من ْك َرِ وَت ُؤْ ِ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ف وَت َن ْهَوْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬
‫ن{ ]آل عمران ‪ .[110 /‬والصل في‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫ن وَأك ْث َُرهُ ُ‬ ‫مُنو َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬‫من ْهُ ُ‬
‫م ِ‬‫ل َهُ ْ‬
‫الوسائل التي ُتسلك في الدعوة إلى الله الباحة وليس التحريم والمنع؛‬
‫والمهم في هذه الوسائل أن ل يقع صاحبها في بدعة أو أمرٍ محّرم‪ .‬ونحن‬
‫نرى علماءنا في هذا الزمان يستعملون الوسائل المتاحة لتبليغ دين الله ‪-‬‬
‫تعالى ‪-‬للناس‪ ،‬فهم يدعمون الجمعيات التي ترعى اليتام وتوزع الكتيبات‬
‫وتدعو إلى الله‪ ،‬ونراهم يفّرغون الدعاة‪ ،‬ولكثرهم مواقع في النترنت‪ ،‬هذا‬
‫عدا عن تأليف الكتب وتوزيع الشرطة سواء كانت منهم مباشرة أو بإقرارهم‬
‫وكل هذه الوسائل لم تكن موجودة ً في عهد النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫ول يمكن أن تكون بدعة‪ .‬وفي ظني أنه إذا أراد الذي يقول بأنها توقيفية أنه‬
‫ينبغي أن تكون شرعية ول يكون فيها بدعة أو حرام‪ ،‬ومن يقول إنها اجتهادية‬
‫أراد أنه يجوز أن َيسلك طرقا ً لم تكن موجودة في زمان النبي صلى الله‬
‫عليه لكنها ل توقع صاحبها في الحرام‪ :‬لكان هذا قاطعا ً للخلف الذي نسمعه‬
‫ونراه‪.‬‬
‫وهذه نخبة من فتاوى الشيخ ابن عثيمين ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬في هذه المسألة‪:‬‬
‫السؤال‪:‬‬
‫هل تعتبر وسائل الدعوة إلى الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬وسائل توقيفية؟ بمعنى أنه ل‬
‫يجوز الستفادة من الوسائل الحديثة في الدعوة‪ ،‬كوسائل العلم وغيرها‪،‬‬
‫وإنما ينبغي القتصار على الوسائل التي استخدمت في عهد الرسول‪ - ،‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪-‬؟‬
‫الجواب‪:‬‬
‫يجب أن نعرف قاعدة وهي أن الوسائل بحسب المقاصد كما هو مقرر عند‬
‫أهل العلم أن الوسيلة لها أحكام المقصد ما لم تكن هذه الوسيلة محرمة‪،‬‬
‫صل إلى ثمرة‬ ‫فإن كانت محرمة فل خير فيها‪ .‬وأما إذا كانت مباحة وكانت تو ِ‬
‫مقصودة شرعا‪ ،‬فإنه ل بأس بها‪ ،‬ولكن ل يعني ذلك أن نعدل عن كتاب الله‬
‫وسنة رسوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ،-‬وما فيهما من مواعظ‪ ،‬إلى ما نرى‬
‫أنه وسيلة في الدعوة إلى الله‪ ،‬وقد نرى أن هذا وسيلة‪ ،‬ويرى غيرنا أنه ليس‬
‫بوسيلة‪ ،‬ولهذا ينبغي للنسان في الدعوة إلى الله أن يستعمل الوسيلة التي‬
‫يتفق الناس عليها حتى ل تخدش دعوته إلى الله بما فيه الخلف بين الناس‪.‬‬
‫ولكن يجب أن نعلم الفرق بين التأليف وبين الدعوة‪ ..‬فقد يكون من‬
‫المصلحة أن نؤلف الشباب الذين ينضمون إلى الدعوة بعد دعوتهم إلى‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الكتاب والسنة بأشياء من المور المباحة التي ل تضرنا في الدين ول تضر‬


‫الدعوة تأليفا لهم ولئل ينفروا لو رأوا المر كله جد ًّا‪ " .‬فتاوى إسلمّية " )‪/ 4‬‬
‫‪.(296 ،295‬‬
‫السؤال‪:‬‬
‫إن مما وقع فيه الخلف بين الدعاة إلى الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬أمر وسائل الدعوة‪،‬‬
‫فمنهم من يجعلها عبادة توقيفية‪ ،‬وبالتالي ينكر على من يقيمون النشطة‬
‫المتنوعة الثقافّية أو الرياضّية أو المسرحّية كوسائل لجذب الشباب‬
‫ودعوتهم‪ ،..‬ومنهم من يرى أن الوسائل تتجدد بتجدد الزمان‪ ،‬وللدعاة أن‬
‫يستخدموا كل وسيلة مباحة في الدعوة إلى الله ‪ -‬عز وجل ‪ ،-‬نرجو من‬
‫فضيلتكم بيان الصواب في ذلك؟‪.‬‬
‫الجواب‪:‬‬

‫) ‪(235/6‬‬

‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬ل شك أن الدعوة إلى الله ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬عبادة‪،‬‬
‫كما أمر الله بها في قوله }ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة‬
‫وجادلهم بالتي هي أحسن{ ]النحل ‪ ،[125 /‬والنسان الداعي إلى الله َيشعر‬
‫وهو ويدعو إلى الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬أنه ممتثل لمر الله متقرب إليه به‪ .‬ول شك‬
‫أيضا ً أن أحسن ما يدعى به كتاب الله وسنة رسوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ ،-‬فإن كتاب الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬هو أعظم واعظ للبشرية‪} ،‬يا أيها الناس قد‬
‫جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين{‬
‫]يونس ‪ .[57 /‬والنبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كذلك يقول أبلغ القوال‬
‫موعظة‪ ،‬فقد كان يعظ أصحابه أحيانا موعظة يصفونها بأنها وجلت منها‬
‫القلوب وذرفت منها العيون‪ .‬فإذا تمكن النسان من أن تكون موعظته بهذه‬
‫الوسيلة‪ :‬فل شك أن هذا خير وسيلة‪ ،‬وإذا رأى أن يضيف إلى ذلك أحيانا ً ‪-‬‬
‫وسائل مما أباحه الله‪ :‬فل بأس بهذا‪ ،‬ولكن بشرط أن ل تشتمل هذه الوسائل‬
‫على شيء محرم كالكذب أو تمثيل دور الكافر مثل ً ‪ -‬في التمثيليات‪ ،‬أو تمثيل‬
‫الصحابة ‪ -‬رضي الله عنهم ‪ -‬أو الئمة‪ ..‬أئمة المسلمين من بعد الصحابة‪ ،‬أو‬
‫ما أشبه ذلك مما يخشى منه أن يزدري أحد ٌ من الناس هؤلء الئمة الفضلء‪.‬‬
‫ومنها أيضًا‪ :‬أل تشتمل التمثيلية على تشبه رجل بامرأة أو العكس؛ لن هذا‬
‫مما ثبت فيه اللعن عن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ،-‬فإنه لعن‬
‫المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء‪ .‬المهم أنه‬
‫إذا أخذ بشيٍء من هذه الوسائل أحيانا ً من أجل التأليف‪ ،‬ولم يشتمل هذا على‬
‫شيٍء محرم‪ :‬فل أرى به بأسا‪ ،‬أما الكثار منها وجعلها هي الوسيلة للدعوة‬
‫إلى الله‪ ،‬والعراض عن الدعوة بكتاب الله وسنة رسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،-‬بحيث ل يتأثر المدعو إل بهذه الوسائل‪ :‬فل أرى ذلك‪ ،‬بل أرى‬
‫أنه محرم؛ لن توجيه الناس إلى غير الكتاب والسنة فيما يتعلق بالدعوة إلى‬
‫الله أمر منكر‪ ،‬لكن فعل ذلك أحيانا ً ل أرى فيه بأسا ً إذا لم يشتمل على شيٍء‬
‫محّرم‪ " .‬فتاوى إسلمّية " )‪.(293 ،292 / 4‬‬
‫وقال الشيخ ابن عثيمين‪ :‬والوسائل ليس لها حد شرعي‪ ،‬فكل ما أدى إلى‬
‫المقصود فهو مقصود‪ ،‬ما لم بكن منهيا عنه بعينه‪ ،‬فإن كان منهيا عنه بعينه‬
‫فل نقربه‪ ،‬فلو قال‪ :‬أنا أريد أن أدعو شخصا بالغناء والموسيقى لنه يطرب‬
‫لها ويستأنس بها وربما يكون هذا جذبا له فأدعوه بالموسيقى والغناء هل نبيح‬
‫له ذلك؟ ل‪ ،‬ل يجوز أبدا‪ ،‬لكن إذا كانت وسيلة لم ينه عنها ولها أثر فهذه ل‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بأس بها‪ ،‬فالوسائل غير المقاصد وليس من اللزم أن ينص الشرع على كل‬
‫وسيلة بعينها يقول هذه جائزة وهذه غير جائزة‪ ،‬لن الوسائل ل حصر لها‪ ،‬ول‬
‫حد ّ لها‪ ،‬فكل ما كان وسيلة لخير فهو خير‪ " .‬لقاء الباب المفتوح " )رقم ‪15‬‬
‫ص ‪.(49‬‬
‫ب‪ .‬أما حديث " من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي "‪ :‬فالمراد به ابتداًء‬
‫اعتقادهم؛ وذلك لنها جملة بيان تعصم صاحبها والعامل بها من الوقوع في‬
‫التفرق العقيدي الذي يحصل لهذه المة وهو الذي جاء ذكره صريحا ً في أول‬
‫الحديث وفيه بيان افتراق هذه المة إلى )‪ (73‬فرقة كلها في النار إل واحدة‪.‬‬
‫لكن ل يمكن أن يكون المسلم على اعتقاد الصحابة إل بأن يسلك سبيلهم‬
‫في الستدلل وتعظيم السنة وعدم تقديم شيء عليها‪ .‬ومن معاني هذه‬
‫الكلمة ‪ -‬أيضا ً ‪ :-‬الجتماع على الكتاب والسنة ولذا جاء الجملة في رواية‬
‫أخرى بلفظ " هي الجماعة "‪.‬‬
‫ً‬
‫ما‪ ،‬وشارحا له ‪ :-‬الحديث صحيح‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية ذاكرا الحديث تا ّ‬
‫مشهور في السنن والمساند؛ كسنن أبي داود والترمذي والنسائي وغيرهم‬
‫ولفظه " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة‪ ،‬كلها في النار إل واحدة‪،‬‬
‫وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إل واحدة‪،‬‬
‫وستفترق هذه المة على ثلث وسبعين فرقة‪ ،‬كلها في النار إل واحدة " وفي‬
‫لفظ " على ثلث وسبعين مّلة "‪ ،‬وفي رواية " قالوا‪ :‬يا رسول الله من‬
‫الفرقة الناجية؟ قال‪ :‬من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي " وفي‬
‫رواية قال " هي الجماعة‪ ،‬يد الله على الجماعة "‪ ،‬ولهذا وصف الفرقة‬
‫الناجية بأّنها أهل السّنة والجماعة‪ ،‬وهم الجمهور الكبر والسواد العظم‪ ،‬وأما‬
‫فرقة من‬ ‫الفرق الباقية فإّنهم أهل الشذوذ والتفرق والبدع والهواء‪ ،‬ول تبلغ ال ِ‬
‫فرقة الناجية فضل عن أن تكون بقدرها‪ ،‬بل قد تكون‬ ‫هؤلء قريبا من مبلغ ال ِ‬
‫الفرقة منها في غاية القلة‪ ،‬وشعار هذه الفرق مفارقة الكتاب والسّنة‬
‫والجماع‪ ،‬فمن قال بالكتاب والسنة والجماع كان من أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫" مجموع الفتاوى " )‪.(347 ،346 / 3‬‬
‫ومن نظر إلى الفرق الضالة والمنحرفة فإنه ل يجرؤ أن يقول إن الصحابة‬
‫كان واحد منهم على قوله‪ ،‬ولك أن تنظر في اعتقاد الخوارج والمرجئة‬
‫فرق الخارجة عن السلم كالجهمّية‬ ‫والقدرّية والشعرّية فضل ً عن ال ِ‬
‫والرافضة!‬

‫) ‪(235/7‬‬

‫فرقة الناجية‬‫قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن‪ … :‬فتبّين بهذه الحاديث أن ال ِ‬


‫من الثلث والسبعين هي التي تمسكت بكتاب الله‪ ،‬وأخلصوا العبادة‪ ،‬واتبعوا‬
‫رسوله‪ ،‬فإن أصل دين السلم أن ل يعبدوا إل الله‪ ،‬وأن ل ُيعبد إل بما شرع‪.‬‬
‫" مجموعة الرسائل والمسائل " )‪ (74 / 2‬بواسطة كتاب " حديث افتراق‬
‫المة " للصنعاني‪.‬‬
‫وإن كان الصل والكمل أن يكون المسلم على ما كان عليه أصحاب النبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬حتى في عبادتهم وعلقتهم مع ربهم ‪ -‬تعالى ‪-‬وكذا‬
‫أخلقهم‪ ،‬ولهذا ل نعجب أن يذكر مثل شيخ السلم ابن تيمية ‪ -‬رحمه الله ‪-‬‬
‫في آخر " العقيدة الواسطية " أخلق أهل السنة والجماعة!‬
‫ت‪ .‬وأما المراد بـ " سّنة الخلفاء الراشدين " فهو‪ :‬ما وافق كتاب الله وسّنة‬
‫رسوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬من أقوالهم وأفعالهم‪ ،‬دون ما كان من‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل الشرع على خطئه‪.‬‬ ‫اجتهادات بعضهم وخالفه فيه غيره‪ ،‬ودون ما د ّ‬


‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪ :‬وقول الصحابي‪ ،‬وفعله إذا خالفه نظيره‪ :‬ليس‬
‫بحجة‪ ،‬فكيف إذا انفرد به عن جماهير الصحابة؟‪ " .‬اقتضاء الصراط المستقيم‬
‫" )ص ‪.(390‬‬
‫ومما يدل على ذلك أي‪ :‬أّنها سّنة واحدة هو قوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫في الحديث " عضوا عليها بالنواجذ " ولم يقل " عليهما " وهذا يدل على أنها‬
‫" سّنة واحدة "‪ ،‬وكذا قوله " الخلفاء الراشدين " وهو يوحي باتفاقهم‪ ،‬وهو‬
‫ل من‬ ‫الذي يسمى " إجماعا ً " سواء أكان على فهم آية أو حديث أو على فع ٍ‬
‫أحدهم ووافقه عليه جميعهم كقتال المرتدين ومانعي الزكاة‪ ،‬وجمع المصحف‬
‫وما أشبههما‪.‬‬
‫والله أعلم ‪.‬‬
‫‪ http://saaid.net‬المصدر ‪:‬‬

‫) ‪(235/8‬‬

‫________________________________________‬
‫أساليب العلمانيين في تغريب المرأة المسلمة‬
‫رئيسي ‪:‬أحوال العالم السلمي ‪:‬الخميس ‪ 21‬ربيع الخر ‪1425‬هـ ‪10 -‬يونيو‬
‫‪ 2004‬م‬
‫الحمد لله‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وأصحابه‪ ،‬أما بعد‪،،،‬‬
‫فقد أرشد الله إلى تتبع المجرمين‪ ،‬والنظر في طرقهم في هدم هذا الدين‪،‬‬
‫ن]‪{[55‬‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫سِبي ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ست َِبي َ‬ ‫ت وَل ِت َ ْ‬ ‫ل اْلَيا ِ‬ ‫ص ُ‬‫ف ّ‬ ‫ك نُ َ‬ ‫فقال سبحانه‪ }:‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫ي‬ ‫َ‬
‫]سورة النعام[‪ .‬وأمر الله نبيه أن يجاهد المنافقين‪ ،‬فقال‪َ }:‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫م‪]{[73]...‬سورة التوبة[‪ .‬وقد فضح الله‬ ‫ظ عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ن َواغْل ُ ْ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫فاَر َوال ْ ُ‬ ‫جاهِدِ ال ْك ُ ّ‬‫َ‬
‫المنافقين في سور كثيرة‪ :‬في سورة البقرة‪ ،‬وسورة النساء‪ ،‬وفي سورة‬
‫التوبة التي سميت بالفاضحة‪ ،‬حتى قال بعض الصحابة‪':‬ما زالت سورة التوبة‬
‫م‪]{...‬سورة التوبة‪:‬اليات‪ [49،58،61،75:‬حتى ظننا أنها ل‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫تنزل‪} :‬وَ ِ‬
‫تبقي أحدًا' ‪.‬‬
‫مى الله سورة في‬ ‫وفي سورة الحزاب بيان عن مواقفهم وقت الشدائد‪ ،‬وس ّ‬
‫كتابه الكريم عن هذه الفئة‪ ،‬وهذه الفئة مهما تخفت فإن الله يظهر ما تضغنه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ن لَ ْ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫صدورهم‪ ،‬وما تبطنه قلوبهم‪} :‬أ ْ‬
‫َ‬ ‫خرج الل ّ َ‬
‫م وَل َت َعْرِفَن ّهُ ْ‬
‫م‬ ‫ماهُ ْ‬ ‫سي َ‬ ‫م بِ ِ‬‫م فَل َعََرفْت َهُ ْ‬ ‫شاُء َلَري َْناك َهُ ْ‬ ‫م]‪[29‬وَل َوْ ن َ َ‬ ‫ضَغان َهُ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫يُ ْ ِ َ‬
‫م]‪]{[30‬سورة محمد[‪ .‬فهي فئة مفضوحة‪،‬‬ ‫مال َك ُْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫ْ ِ َ ُ َْ ُ ْ َ‬ ‫ِفي ل ْ ِ‬
‫ح‬
‫يفضحها الله‪ ،‬ويظهر خباياها ليعرفها الناس‪ ،‬ول ينخدعوا بها‪ ،‬وكل إناء بما فيه‬
‫ينضح ‪.‬‬
‫والتعرف على هذه الفئة‪ ،‬وعلى أساليبها وطرقها في محاربة المة‪،‬‬
‫ومحاولتها تقويض دعائم السلم يعد من الهمية بمكان‪ ،‬يقول عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله عنه‪ ':‬إنما تنقض عرى السلم عروة عروة إذا نشأ في‬
‫السلم من لم يعرف الجاهلية' ‪ .‬فيظهر أهل الجاهلية من أجل تقويض عرى‬
‫السلم‪ ،‬فل يقبل منهم أهل السلم ذلك؛ لمعرفتهم بهم وبجاهليتهم ‪.‬‬
‫من الدين كشف الستر عن كل كاذب وعن كل بدعي أتى بالعجائب‬
‫ولو رجال مؤمنون لهدمت صوامع دين الله من كل جانب‬
‫ولهذا كان لبد من دراسة أساليب الفئة العلمانية في تغريب المة كلها‪،‬‬
‫والمرأة بوجه خاص؛ لنبتعد عن هذا الشر الذي ينذر كارثة عظيمة على المة‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المحمدية‪ ،‬ولبد أيضا ً أن يعلم كل مسلم أن الفئة العلمانية هي الخطر الكبر‬


‫المحدق بهذه المة‪ ،‬وهو يعمل على تغريب هذه المة‪ ،‬وإبعادها عن دينها ‪.‬‬
‫لماذا التركيز على المرأة من قبل الغرب‪ ،‬وأتباعه المستغربين‪ ،‬العلمانيين؟‬
‫ذلك لنهم فطنوا لمكانة المرأة ودورها في صنع المة‪ ،‬وتأثيرها على‬
‫المجتمع؛ ولذلك أيقنوا أنهم متى ما أفسدوا المرأة‪ ،‬ونجحوا في تغريبها‬
‫وتضليلها‪ ،‬فحينئذ تهون عليهم حصون السلم‪ ،‬بل يدخلونها مستسلمة بدون‬
‫أدنى مقاومة‪ .‬يقول شياطين اليهود في 'بروتوكولتهم'‪':‬علينا أن نكسب‬
‫المرأة‪ ،‬ففي أي يوم مدت إلينا يدها ربحنا القضية'‪.‬‬
‫وقال آخر من ألد أعداء السلم‪ ':‬كأس وغانية تفعلن في تحطيم المة‬
‫المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع‪ ،‬فأغرقوها في حب المادة والشهوات'‬
‫‪.‬وهذا صحيح؛ فإن الرجل الواحد إذا نزل في خندق وأخذ يقاوم بسلحه‬
‫يصعب اقتحام الخندق عليه حتى يموت‪ ،‬فما بالك بأمة تدافع عن نفسها‪ ،‬فإذا‬
‫هي غرقت في الشهوات‪ ،‬ومالت عن دينها‪ ،‬وعن طريق عزها؛ استسلمت‬
‫للعدو بدون أي مقاومة بل بترحيب وتصفيق حار ‪.‬‬
‫ويقول صاحب كتاب تربية المرأة والحجاب‪ ':‬إنه لم يبق حائل يحول دون هدم‬
‫المجتمع السلمي في المشرق – ل في مصر وحدها – إل أن يطرأ على‬
‫المرأة المسلمة التحويل‪ ،‬بل الفساد الذي عم الرجال في المشرق'‪.‬‬
‫ما هي العلمانية؟ وما حكم هذه العلمانية ؟‬
‫العلمانية في الصل يراد بها‪ :‬فصل الدين عن التدخل في تنظيم شئون‬
‫الحياة‪ ،‬فل تتدخل الشرائع السماوية في تنظيم المعاملت‪ ،‬ول في مسائل‬
‫القتصاد‪ ،‬والسياسة‪ ،‬ومسائل الحرب والسلم‪ ،‬ومسائل التربية والتعليم‪،‬‬
‫وهكذا‪ ،‬هذا هو أصل كلمة علمانية عند الغرب‪ ،‬فهي اللدينية‪ ،‬والعتراف‬
‫والتعامل مع الشيء المشاهد‪ ،‬ونفى الظواهر الغيبية وتدخلها في صياغة‬
‫الحياة‪ ،‬ولذا يسمحون بتدين النسان الشخصي‪ ،‬أما أن يكون للدين تأثير في‬
‫تدبير شئون المة فل‪ ،‬ثم انتقل هذا الوباء إلى المة المحمدية ‪.‬‬
‫والعلمانية بالمفهوم السلمي أعم من ذلك المفهوم الغربي‪ ،‬فلو وجد شخص‬
‫ينادي بتطبيق شريعة السلم كلها إل مسألة واحدة يرفضها مما أجمع عليه‬
‫المسلمون‪ ،‬وعلم من الدين بالضرورة‪ ،‬فإنه يكون كافرا ً مرتدًا‪ ،‬فعلى سبيل‬
‫المثال‪ :‬لو وجد شخص ينادي بتطبيق الشريعة في كل شيء إل أنه يقول‪:‬‬
‫يجب في الميراث أن نساوى بين الرجل والمرأة‪ ،‬فإنه بهذا يكون علمانيا ً في‬
‫ما من دين السلم بالضرورة ‪.‬‬ ‫ما معلو ً‬
‫الحكم الشرعي‪ ،‬لنه رد حك ً‬
‫إذا ً هذه هي العلمانية في اصطلحنا حين نتحدث‪.‬‬

‫) ‪(236/1‬‬

‫وحكمها بهذا الصطلح‪ :‬كفر أكبر مخرج من السلم؛ لنها تكذيب لله‬
‫ً‬
‫ولرسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهي إشراك بالله ما لم ينزل به سلطانا‪ ،‬إذ‬
‫أنها تجعل الحكم في بعض المسائل لغير الله‪ ،‬وفي بعضها لله ‪.‬‬
‫التغريب‬
‫أما التغريب‪ :‬فقد نشأت عند ساسة الغرب بعد فشل بعض الحملت‬
‫العسكرية فكرة شيطانية‪ ،‬وهي أنه ينبغي أن تكون الجيوش بعيدة عن‬
‫المواجهات؛ لنها تثير ردود فعل عنيفة‪ ،‬وأنه ينبغي عليهم أن يبذلوا السباب‬
‫لتستسلم المم المسلمة للثقافة والحضارة الغربية بنفسها طواعية‪ ،‬وبذلك‬
‫نشأت فكرة التغريب‪ ،‬وأساسها تذويب الشخصية المسلمة في الشخصية‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الغربية بحيث ل ترى إل بالمنظور الغربي‪ ،‬ول تعجب إل بما يعجب به الغرب‪،‬‬
‫وتبتعد عن قيمها وعقائدها وأخلقها المستمدة من شريعة السلم‪ ،‬وتعتنق‬
‫هذه الديانة الجديدة التغريبية‪ ،‬وتدخل في عجلة الستهلك القتصادي التي‬
‫يروج لها الغرب‪.‬‬
‫فبرامج التغريب تحاول أن تخدم هدفا ً مزدوجًا‪ ،‬فهي تحرس مصالح الستعمار‬
‫بتقريب الهوة التي تفصل بينه وبين المسلمين نتيجة لختلف القيم‪ ،‬ونتيجة‬
‫للمرارة التي يحسها المسلم إزاء المحتلين لبلده ممن يفرض عليه دينه‬
‫جهادهم‪ ،‬وهي في الوقت نفسه تضعف الرابطة الدينية التي تجمع المسلمين‬
‫وتفرق جماعتهم التي كانت تلتقي على وحدة القيم الفكرية والثقافية‪ ،‬أو‬
‫بتعبير أشمل وحدة القيم الحضارية‪.‬‬
‫فهذا هو التغريب‪ :‬أي تذويب المة المحمدية بحيث تصبح أمة ممسوخة‪:‬‬
‫نسخة أخرى مكررة من المة الغربية الكافرة‪ ،‬غير أن هناك فرق فالمة‬
‫الغربية هي المة القائدة الحاكمة المتصرفة‪ ،‬والمم الخرى هي المم التابعة‬
‫الذليلة المنقادة لما يملى عليها‪ ،‬فهذا هو التغريب ‪ .‬وتغريب المرأة المسلمة‬
‫جزء من مخطط شامل لتغريب المة في كل أمورها ‪.‬‬
‫يقول الدكتور محمد محمد حسين رحمه الله‪ ':‬وكانت برامج التغريب تقوم‬
‫على قاعدتين أساسيتين – يعني عند المستعمرين الولين‪:‬‬
‫الولى‪ :‬اتخاذ الولياء والصدقاء من المسلمين‪ ،‬وتمكينهم من السلطة‪،‬‬
‫واستبعاد الخصوم الذين يعارضون مشاريعهم‪ ،‬ووضع العراقيل في طريقهم‪،‬‬
‫وصد الناس عنهم بمختلف السبل ‪.‬‬
‫القاعدة الثانية‪ :‬التسلط على برامج التعليم‪ ،‬وأجهزة العلم والثقافة عن‬
‫طريق من نصبوه من الولياء‪ ،‬وتوجيه هذه البرامج بما يخدم أهدافهم‪ ،‬ويدعم‬
‫صداقتهم' ‪.‬‬
‫مظاهر تغريب المرأة المسلمة‪:‬‬
‫وهي كثيرة يصعب استقصاؤها‪ ،‬ولكن نذكر من أهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬الختلط في الدراسة وفي العمل‪ :‬ففي معظم البلدان الدراسة فيها‬
‫دراسة مختلطة‪ ،‬والعمال أعمال مختلطة‪ ،‬ول يكاد يسلم من ذلك إل من‬
‫رحم الله‪ ،‬وهذا هو الذي يريده التغريبيون‪ ،‬فإنه كلما تلقى الرجل والمرأة‬
‫كلما ثارت الغرائز‪ ،‬وكلما انبعثت الشهوات الكامنة في خفايا النفوس‪ ،‬وكلما‬
‫وقعت الفواحش‪ ،‬لسيما مع التبرج‪ ،‬وكثرة المثيرات‪ ،‬وصعوبة الزواج‪،‬‬
‫وضعف الدين‪ ،‬وحين يحصل ما يريده الغرب من تحلل المرأة‪ ،‬تفسد السرة‬
‫وتتحلل‪ ،‬ومن ثم يقضى على المجتمع ويخرب من الداخل‪ ،‬فيكون لقمة‬
‫سائغة ‪.‬‬
‫وإذا بدأ الختلط فلن ينتهي إل بارتياد المرأة لماكن الفسق والفجور مع تبرج‬
‫وعدم حياء‪ ،‬وهذا حصل ول يزال فأين هذا من قوله صلى الله عليه وسلم‬
‫صّلى‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫ق فَ َ‬ ‫ري ِ‬‫في الط ّ ِ‬ ‫ساِء ِ‬‫معَ الن ّ َ‬ ‫ل َ‬ ‫جا ُ‬ ‫ط الّر َ‬ ‫خت َل َ َ‬
‫جد ِ َفا ْ‬‫س ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫حين خرج ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫ريقَ عَلي ْك ّ‬ ‫ن الط ِ‬ ‫ق َ‬‫ق ْ‬‫ح ُ‬ ‫ن تَ ْ‬‫نأ ْ‬ ‫ُ‬
‫س لك ّ‬ ‫ه لي ْ َ‬ ‫ن فَإ ِن ّ ُ‬ ‫خْر َ‬ ‫ست َأ ِ‬
‫ساِء‪] :‬ا ْ‬ ‫م ِللن ّ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬‫الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫داِر‬ ‫ج َ‬ ‫ن ث َوْب ََها ل َي َت َعَل ّقُ ِبال ْ ِ‬‫حّتى إ ِ ّ‬ ‫دارِ َ‬ ‫صقُ ِبال ْ ِ‬
‫ج َ‬ ‫مْرأة ُ ت َل ْت َ ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬
‫كان َ ْ‬‫ق[ فَ َ‬ ‫ري ِ‬ ‫ت الط ّ ِ‬ ‫حاّفا ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ه]‪ .‬رواه أبو داود‪ ،‬وحسنه اللباني في الصحيحة ‪. 854‬‬ ‫صوقَِها ب ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫نل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫‪ -2‬التبرج والسفور‪:‬‬
‫والتبرج‪ :‬أن تظهر المرأة زينتها لمن ل يحل لها أن تظهرها له‪ .‬والسفور‪ :‬أن‬
‫تكشف عن أجزاء من جسمها مما يحرم عليها كشفه لغير محارمها ‪ .‬وهذا‬
‫التبرج والسفور ل يكاد يخلو منهما بلد من البلدان السلمية إل ما قل وندر‪،‬‬
‫وهذا مظهر خطير جدا ً على المة المسلمة‪ ،‬فبالمس القريب كانت النساء‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫محتشمات يصدق عليهن لقب‪ :‬ذوات الخدود‪ .‬ولم يكن هذا تقليدا ً اجتماعيًا‪،‬‬
‫بل نبع من عبودية الله وطاعته‪ ،‬ول يخفى أن الحجاب الشرعي هو شعار‬
‫ساَء‬‫ه نِ َ‬‫م الل ّ ُ‬‫ح ُ‬‫ه عَن َْها‪':‬ي َْر َ‬‫ي الل ّ ُ‬‫ض َ‬‫ة َر ِ‬ ‫ش ُ‬‫عائ ِ َ‬‫أصيل للسلم‪ ،‬ولهذا تقول َ‬
‫ن‪{[31]...‬‬ ‫ه‬ ‫ب‬
‫ُ ُ ِِ ّ‬‫يو‬ ‫ج‬ ‫لى‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫خ‬ ‫ب‬ ‫ن‬
‫َ َ ْ ِْ َ ِ ُ ُ ِ ِ ّ َ‬ ‫ب‬ ‫ر‬‫ض‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫}‪...‬‬ ‫ه‬ ‫ّ‬
‫ل ال ُ‬
‫ل‬ ‫ما أ َن َْز َ‬
‫ل لَ ّ‬‫ت اْل ُوَ َ‬
‫جَرا ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مَها ِ‬
‫ن ب َِها'رواه البخاري‪ .‬ولهذا كان انتشار‬ ‫مْر َ‬
‫خت َ َ‬‫ن َفا ْ‬‫مُروط َهُ ّ‬‫ن ُ‬ ‫ق َ‬‫ق ْ‬ ‫]سورة النور[‪َ .‬‬
‫ش ّ‬
‫الحجاب أو انحساره مقياسا ً للصحوة السلمية في المجتمع ودينونة الناس‬
‫لله‪ ،‬وكان انتشاره مغيظا ً لولئك المنافقين المبطلين ‪.‬‬

‫) ‪(236/2‬‬

‫‪ -3‬متابعة صرعات الغرب المسماة بالموضة والزياء‪ :‬فتجد أن النساء‬


‫المسلمات قد أصبحن يقلدن النساء الغربيات وبكل تقبل وتفاخر‪ ،‬ولم يسلم‬
‫لباس البنات الصغيرات‪ ،‬إذ تجد أن البنت قد تصل إلى سن الخامسة عشر‬
‫وهي ل تزال تلبس لباسا ً قصيرًا‪ ،‬وهذه مرحلة أولى من مراحل تغريب‬
‫د‪ ،‬واللباس مظهر‬ ‫ملبسها‪ ،‬فإذا نزع الحياء من البنت سهل استجابتها لما يج ّ‬
‫مهم من مظاهر تميز المرأة المسلمة‪ ،‬ولهذا حرم التشبه بالكفار لما فيه من‬
‫قبول لحالهم‪ ،‬وإزالة للحواجز‪ ،‬وتنمية للمودة‪ ،‬وليس مجهول أن تشابه‬
‫اللباس يقلل تمييز الخبيث من الطيب‪ ،‬والكفر من السلم‪ ،‬فيسهل انتشار‬
‫الباطل وخفاء أهله ‪.‬‬
‫والموضة مرفوضة من عدة نواحي منها‪:‬‬
‫قوْم ٍ‬‫ه بِ َ‬ ‫شب ّ َ‬‫ن تَ َ‬‫م ْ‬ ‫أ‪ -‬التشبه بالكافرات‪ :‬والنبي صلى الله عليه وسلم يقول‪َ ] :‬‬
‫م[رواه أبو داود وأحمد وهو صحيح‪ .‬قال ابن تيمية رحمه الله‪':‬‬ ‫فَهُوَ ِ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫والصراط المستقيم‪ :‬هو أمور باطنة في القلب من اعتقادات وإرادات وغير‬
‫ذلك‪ ،‬وأمور ظاهرة من أقوال وأفعال‪ ،‬قد تكون عبادات‪ ،‬وقد تكون عادات‬
‫في الطعام واللباس والنكاح‪ ...‬وهذه المور الباطنة والظاهرة بينهما ولبد‬
‫ارتباط ومناسبة‪ ،‬فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أمورا ً‬
‫ظاهرة‪ ،‬وما يقوم بالظاهر من سائر العمال يوجب للقلب شعورا ً وأحوا ً‬
‫ل' اهـ‬
‫فعلم من هذا خطورة هذا التشبه وتحريمه ‪.‬‬
‫ب – الضرر القتصادي للتعلق بالموضة‪ :‬ومعلوم كم تكلف هذه الموضة من‬
‫أموال تنقل إلى بلد الغرب الكافرة ‪.‬‬
‫ج – كثرة التحاسد بين النساء‪ :‬لنهن يجذبهن الشكل الجميل‪ ،‬فيتفاخرن‬
‫ويتحاسدن‪ ،‬ويكذبن‪ ،‬ومن ثم قد تكلف زوجة الرجل قليل المال زوجها ما ل‬
‫يطيق حتى تساوي مجنونات الموضة‪.‬‬
‫د‪ -‬خلوة المرأة بالرجل الجنبي الذي ليس لها بمحرم‪ :‬وقد تساهل الناس‬
‫فيها حتى عدها بعضهم أمرا ً طبيعيًا‪ ،‬فالخلوة المحرمة مظهر من مظاهر‬
‫التغريب التي وقعت فيها المة المسلمة حيث هي من أفعال الكافرين الذين‬
‫ليس لهم دين يحرم عليهم ذلك‪ ،‬وأما احترام حدود الله فهو من مميزات‬
‫المة المسلمة ‪ .‬والجرأة على الخلوة تجاوز لحد من حدود الله‪ ،‬وخطر‬
‫ج ٌ‬
‫ل‬ ‫ن َر ُ‬ ‫خل ُوَ ّ‬‫عظيم‪ ،‬وقد حرمه الشارع بقوله صلى الله عليه وسلم‪] :‬ل ي َ ْ‬
‫م[ رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬ ‫با َ‬
‫حَر ٍ‬
‫م ْ‬
‫معَ ِذي َ‬
‫مَرأةٍ ِإل َ‬ ‫ِ ْ‬
‫قاعدة مهمة‪ :‬كل مبطل لبد أن ُيلبس باطله بثوب الصلح وزخرف القول؛‬
‫حتى يروج بين الناس‪:‬‬
‫لن الباطل قبيح ومكروه‪ ،‬فحينما يظهر الباطل على حقيقته‪ ،‬ويعرى على‬
‫صورته‪ ،‬ل تقبله النفوس‪ ،‬ول ترضى به الفطر السليمة؛ ولذلك يلجأ‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العلمانيون التغريبيون إلى إلباس طرقهم وأهدافهم وأفكارهم لبوس الصلح‬


‫والحرص على المصلحة وغير ذلك‪ ،‬فالتوظيف المختلط‪ ،‬والتعليم المختلط‪،‬‬
‫كل ذلك بدعوى مصلحة المة‪ ،‬وبدعوى تشغيل نصف المجتمع‪ ،‬ولن فيها‬
‫مردودا ً اقتصاديًا‪ ،‬وهذه هي زخارف القول التي يوحيها شياطين النس‬
‫س‬ ‫طي َ ْ‬ ‫ي عَد ُّوا َ‬ ‫جعَل َْنا ل ِك ُ ّ‬ ‫والجن‪ ،‬ويقول الله تعالى‪}:‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫ن ال ِن ْ ِ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫ل ن َب ِ ّ‬ ‫ك َ‬
‫ما فَعَُلوهُ‬ ‫ك َ‬ ‫شاَء َرب ّ َ‬‫ل غُُروًرا وَل َوْ َ‬ ‫ف ال ْ َ‬
‫قو ْ ِ‬ ‫خُر َ‬ ‫ض ُز ْ‬ ‫ضهُ ْ َ‬
‫م إ ِلى ب َعْ ٍ‬ ‫حي ب َعْ ُ‬ ‫ن ُيو ِ‬ ‫َوال ْ ِ‬
‫ج ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫خَر ِ‬‫ن ِبال ِ‬ ‫مُنو َ‬‫ن ل ي ُؤْ ِ‬
‫ذي َ‬‫صَغى إ ِلي ْهِ أفْئ ِد َةُ ال ِ‬ ‫ن]‪[112‬وَل ِت َ ْ‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م وَ َ‬‫فَذ َْرهُ ْ‬
‫ن]‪]{[113‬سورة النعام[‪ .‬فيخدع به ضعفاء‬ ‫قت َرُِفو َ‬ ‫م ْ‬
‫م ُ‬ ‫قت َرُِفوا َ‬
‫ما هُ ْ‬ ‫ضوْه ُ وَل ِي َ ْ‬‫وَل ِي َْر َ‬
‫اليمان‪ ،‬وناقصوا العقول ‪.‬‬
‫ثم إن العلمانيين قد وجدوا عادات في مجتمعات المسلمين ليست من‬
‫السلم‪ ،‬فاستغلوها ووظفوها لينفثوا من خللها سمومهم‪ ،‬وينفذوا‬
‫مخططاتهم‪ ،‬ثم أسقطوها على السلم‪ ،‬بمعنى أنهم قالوا‪ :‬إنها من السلم‬
‫فهاجموا السلم من خللها‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬قد تجد بعض المجتمعات المسلمة‬
‫تظلم المرأة في الميراث‪ ،‬قد تعطي المرأة ميراثها من المنقول من الموال‬
‫والمواشي لكنها ل تعطيها حقها من العقار كفعل الجاهلية‪ ،‬قد تجد زوجا ً ل‬
‫يعدل بين زوجاته مخالفا ً بذلك أمر الله‪ ،‬فهذه الثغرات يتعلق بها العلمانيون‬
‫مع أنها ليست من السلم في شيء‪ ،‬ولم ينزل الله بها سلطاًنا‪ ،‬بل هي في‬
‫نظر السلم‪ :‬ظلم محرم‪.‬‬
‫أساليب العلمانيين في تغريب المرأة المسلمة‪:‬‬
‫أساليبهم كثيرة‪ ،‬والمقصود التذكير بأخطرها‪ ،‬ليحذرها المسلمون‪ ،‬وينكروها‪،‬‬
‫ويعلموا على إفشالها‪ ،‬ولتكون منبهة على غيرها‪ ،‬فمن هذه الساليب‪:‬‬

‫) ‪(236/3‬‬

‫‪ -1‬وسائل العلم بمختلف أنواعها‪ :‬من صحافة‪ ،‬وإذاعة‪ ،‬وتلفاز‪ ،‬وفيلم‪،‬‬


‫ومجلت متخصصة في الزياء والموضة‪ ،‬ومن مجلت نسائية‪ ،‬وملحقات‬
‫نسائية‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬فالعلم يصنع الراء‪ ،‬ويكيف العقول‪ ،‬ويوجه الرأي العام‪،‬‬
‫خاصة إذا كانت هذه العقول فارغة لم تحصن بما أنزل الله ‪ .‬أما الصحافة‬
‫والمجلت‪ ،‬فتجد فيها أموًرا فظيعة منكرة منها فتاة الغلف‪ ،‬فتاة جميلة عليها‬
‫أنواع الزينة والصباغ ثم تسأل في المقابلة معها أسئلة تافهة‪ :‬هل حدث وأن‬
‫أحببتي يوما ً من اليام؟ ما هواياتك المفضلة؟ وهل صادقتي شابًا؟ وغير هذا‬
‫من الكلم الساقط الذي يراد منه إفساد المحصنات العفيفات اللتي قررن‬
‫في البيوت‪ ،‬ويملكهن الحياء الذي ربين عليه‪ ،‬فتزيل هذه المجلت الحواجز‪،‬‬
‫والضوابط شيئا ً فشيئا ً ‪ .‬كما تجد في هذه المجلت الصور الماجنة الخليعة إما‬
‫بحجة الجمال والرشاقة‪ ،‬أو بحجة تخفيف الوزن والرجيم‪ ،‬أو بحجة ملكات‬
‫الجمال‪ ،‬أو بحجة أخري مما يمليه الشياطين ‪ .‬ثم تجد فيها من مواضيع الحب‬
‫والغرام الشيء المهول‪ ،‬وهذا يهدف إلى تهوين أمر الفواحش‪ ،‬وقلب‬
‫المفاهيم الراسخة‪ ،‬وإحلل مفاهيم جديدة مستغربة بعيدة عما تعرفه هذه‬
‫المة المحمدية‪ ،‬فمن هذه العبارات‪:‬‬
‫في مجلة سيدتي في عدد ‪ :510‬قالت من عيوب الزوج العربي‬
‫] الغيرة [ !!! ‪.‬‬
‫في مجلة كل الناس عدد ‪ :58‬قالت إحدى الكاتبات‪ :‬ماذا لو قالت امرأة‪:‬‬
‫] هذا الرجل صديقي [ !!!‪.‬‬
‫في مجلة الحسناء عدد ‪ :81‬الفضيلة والكرامة تعترضان مسيرة النجاح ‪ .‬أ‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هـ ‪ .‬فعلى هذا مسيرة النجاح لبد فيها من الفحش والدعارة حسب مفهومهم‬
‫المريض ‪.‬‬
‫مجلة سلوى عدد ‪ ] 1532‬لقاء مع راقصة شابة [‪ ،‬تقول هذه الراقصة‪ :‬في‬
‫حياتنا اهتمامات ل داعي لها‪ ،‬ويمكن أن يستغنى عنها‪ ،‬ثم تقول‪ -‬هذه العبقرية‬
‫التي جاءت بما عجز عنه الوائل والواخر‪ :-‬كمعامل البحاث الذرية لننا لم‬
‫نستفد منها شيئًا‪ ،‬يعنى حتى يبقى العداء يهددون المسلمين بالسلحة الذرية‬
‫‪ .‬اليهود والهندوس والنصارى والبوذيون – كما تقول ‪ ! -‬سوف نستفيد كثيرا ً‬
‫لو أنشأنا مدرسة للرقص الشرقي تتخرج منها راقصة مثقفة لجلب السياح‬
‫‪.‬أهـ ‪ .‬وهكذا تستمر المسيرة لنحارب أعداءنا بالرقص‪ ،‬كما حاربهم جمال عبد‬
‫الناصر بأغاني أم كلثوم ‪.‬‬
‫في مجلة فرح عدد ‪ ،43‬تقول‪ :‬الزواج المبكر إرهاق للمرأة‪ ،‬وصداع للرجل ‪.‬‬
‫ول ننسى مجلة روز اليوسف وهي من أخبث المجلت‪ ،‬ومن أوائل مصادر‬
‫التغريب النسائي في العالم العربي‪ ،‬في هذه المجلة تجد الخبث والخبائث‪،‬‬
‫وبمجرد أن تأخذ أحد العداد سوف تجد العجب ‪ .‬وكذلك مجلت‪ ] :‬اليقظة‪،‬‬
‫والنهضة‪ ،‬صباح الخير‪ ،‬هي‪ ،‬الرجل‪ ،‬فرح ‪ .....‬الخ تلك القائمة الطويلة‪ ،‬كما‬
‫تجد أيضا ً داخل هذه المجلت مقالت طبية ونفسية واجتماعية‪ :‬كأنها تحل‬
‫مشاكل الفتيات‪ ،‬فتراسلها الفتيات من أنحاء العالم العربي‪ ،‬ثم بعد ذلك يدلها‬
‫ذلك المتخصص – لكنه ليس متخصصا ً في حل المشاكل حقيقة إنما متخصص‬
‫في التغريب – يدلها على الطرق التي تجعلها تسلك مسالك المستغربات‬
‫السابقات‪ ،‬كما تجد مقابلت مع الفنانات والممثلت‪ ،‬ومع الغربيات‪ ،‬ومع‬
‫الداعيات لتحلل المرأة واللتي يسمين بالداعيات لتحرير المرأة‪ ،‬وتجد فيها‬
‫الغثاء الذي ل ينتهي‪ ،‬ترهق به المسلمة‪ ،‬ويصدع به المسلم ‪ .‬ثم تجد في هذه‬
‫المجلت بريد المجلة‪ ،‬أو ركن التعارف من أجل التقريب بين الجنسين‪ ،‬وتلك‬
‫خطوة لفساد المجتمعات السلمية‪ ،‬وهكذا دواليك ‪.‬‬
‫يقول العلمة محمد بن عثيمين في خطبة قيمة له عن هذه المجلت‪ ':‬فاقتناء‬
‫مثل هذه المجلت حرام‪ ،‬وشراؤها حرام‪ ،‬وبيعها حرام‪ ،‬ومكسبها حرام‪،‬‬
‫واهداؤها حرام‪ ،‬وقبولها هدية حرام‪ ،‬وكل ما يعين على نشرها بين المسلمين‬
‫حرام؛ لنه من التعاون على الثم والعدوان'أهـ ‪.‬‬

‫) ‪(236/4‬‬

‫‪ -2‬ومن وسائل العلمانيين الخطيرة التي يسعون من خللها إلى تغريب‬


‫المرأة المسلمة التغلغل في الجانب التعليمي ومحاولة إفساد التعليم‪ :‬إما‬
‫بفتح تخصصات ل تناسب المرأة وبالتالي إيجاد سيل هائل من الخريجات ل‬
‫يكون لهن مجال للعمل‪ ،‬فيحتاج إلى فتح مجالت تتناسب مع هذه‬
‫التخصصات الجديدة التي هي مملوءة بالرجال‪ ،‬أو بإقرار مناهج بعيدة كل‬
‫ما ينبغي أن يكون عليه تدريس المرأة المسلمة ‪ .‬وفي البلد العربية‬ ‫البعد ع ّ‬
‫من المناهج ما تقشعر له البدان‪ ،‬وقد نجد في التعليم المناداة بالمساواة‬
‫بينها‪ ،‬وبين الرجل في كل شيء‪ ،‬ودفع المرأة إلى المناداة بقضايا تحرير‬
‫المرأة‪ -‬كما يسمونها‪ ،-‬وفيها‪:‬الختلط فمعظم البلد العربية التعليم فيها‬
‫مختلط إل ما قل فالشاب بجانبه فتاة‪ ،‬هذا التعليم المختلط سبب كبير من‬
‫أسباب تحلل المرأة‪ ،‬ومن ثم من أسباب تغريب المرأة ‪ .‬ولذا فإن أحسن‬
‫الحلول أن تقوم البلد السلمية بإنشاء جامعات متخصصة للنساء‪ ،‬وقد نادي‬
‫بذلك بعض الباحثين الباكستانيين في دراسة جميلة جيدة بين فيها أن ذلك‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أفضل سواء في نسب النجاح‪ ،‬أو في التفوق في التخصص‪ ،‬أو في إتقان‬


‫العمل سواء للشباب‪ ،‬أو للشابات في جميع أنواع الدراسة‪ ،‬وقد ل نوافقه في‬
‫بعض التخصصات التي نرى أن المرأة ل تحتاجها ‪.‬‬
‫‪ -3‬ومن أساليبهم‪ :‬التأليف في موضوع المرأة‪ ،‬وإجراء البحاث والدراسات‬
‫مل ُ بالتوصيات والمقترحات والحلول في زعمهم لقضايا المرأة‬ ‫التي ت ُ ْ‬
‫ومشاكلها‪ :‬إحداهن في رسالتها للدكتوراه والتي عنوانها‪':‬التنمية القتصادية‬
‫وأثرها في وضع المرأة في السعودية' تقول‪ -‬وهي تعد المبادئ السلمية‬
‫التي هي ضد مصلحة المرأة كما تزعم‪ :-‬إن شهادة المرأة نصف شهادة‬
‫الرجل‪ ،‬وقوامة الرجل على المرأة‪ ،‬ثم تعد الحجاب من المشاكل التي هي‬
‫ضد مصلحة المرأة‪ ،‬ثم تشن هجوما ً على هيئات المر بالمعروف والنهى عن‬
‫المنكر‪ ،‬ثم بعد ذلك تنتهي في دراستها أو في رسالتها للدكتوراه إلى‬
‫التوصيات‪ ،‬ومن توصياتها‪:‬‬
‫القلع من عمليات الفصل بين الجنسين – يعنى التعليم المختلط الذي‬
‫ذكرناه سابقا ً ‪. -‬‬
‫إنشاء أقسام للنساء في كل مؤسسة حكومية‪ ،‬وإنشاء مصانع للصناعات‬
‫الخفيفة‪ ،‬وهذه نادي بها آخرون‪ ،‬ونادوا بفتح مجالت دراسة مهنية للمرأة ‪.‬‬
‫ونشرت اليونسكو سبع دراسات مما قدم بعنوان‪':‬الدراسات الجتماعية عن‬
‫المرأة في العالم العربي' والذي يقرأ هذا الكتاب يدرك خطورة المر‪،‬‬
‫وضخامة كيد العداء للمرأة المسلمة ‪.‬‬
‫‪ -4‬ومن أساليبهم‪ :‬عقد المؤتمرات النسائية‪ ،‬أو المؤتمرات التي تعالج‬
‫موضوع المرأة‪ ،‬أو إقامة لقاءات تعالج موضوعا ً من المواضيع التي تهم‬
‫المرأة سواء كان موضوعا ً تعليميًا‪ ،‬أو تربويًا‪ ،‬أو غير ذلك‪ :‬وفي هذه‬
‫المؤتمرات واللقاءات تطرح دراسات وأفكارا ً ومقترحات تغريبية‪.‬‬
‫وقد عقد المؤتمر القليمي الرابع للمرأة في الخليج‪ ،‬والجزيرة العربية في‬
‫‪ 15/2/1976‬م‪ ،‬في إحدى دول الخليج وكان التركيز على ما يسمى بقضية‬
‫تحرير المرأة وأصدر قرارات منها‪:‬‬
‫التأكيد على أهمية وضرورة النظر في الكتب والمناهج التربوية عند تناولها‬
‫لقضية المرأة بما يضمن تغيير النظرة المتخلفة لدورها في السرة والعمل‪،‬‬
‫ثم تتابع هذه الدراسة‪ ،‬فتقول‪ :‬إن القوانين والنظمة التي كانت تخضع لها‬
‫السرة قبل ألف عام ما تزال تطبق على العلقات السرية في عصرنا‬
‫الحاضر دون النظر إلى مدى ملئمتها لنا‪.‬‬
‫ما هي القوانين التي من ألف عام؟ إنها شريعة السلم ‪ ..‬فهؤلء النسوة من‬
‫نساء الخليج يردن تغيير الشريعة السلمية التي تطبق على المرأة من ألف‬
‫عام ‪.‬‬
‫‪ -5‬ومن وسائلهم في تغريب المرأة المسلمة‪ :‬إبتعاثها للخارج‪ :‬وهذا حصل‬
‫كثيرا ً في كثير من بلدان المسلمين‪ ،‬وحينما تذهب امرأة مسلمة إما لم‬
‫تدرس شيئا ً عن الدين كما في بعض البلدان العربية والسلمية‪ ،‬أو ليس معها‬
‫محرم‪ ،‬ثم ترمى في ذلك المجتمع المتحلل‪ ،‬فإذا رجعت هذه الفتاة المبتعثة‬
‫كانت رسول شر للعالم الغربي من أجل تغريب المسلمات‪ ،‬ونقلهن من‬
‫التمسك بالشرع والخلق السلمي إلى التمسك بالمناهج والفكار والراء‬
‫الغربية‪ ،‬كما فعل أسلفها في مصر والكويت‪.‬‬
‫‪-6‬ومن أساليب العلمانيين‪ :‬التعسف في استخدام المنصب‪ :‬فقد تجد أحدهم‬
‫في منصب ما‪ ،‬ثم بعد ذلك يبدأ يصدر قرارات يمنع فيها الحجاب كما حصل‬
‫في مصر‪ ،‬وفي الكويت‪ ،‬أو يفرض فيها الختلط‪ ،‬أو يمنع عقد ندوات‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ونشاطات إسلمية‪ ،‬أو يفرض فيها اختل ً‬


‫طا في مجالت معينة‪ ،‬وبالتالي‬
‫يحصل احتكاك الفتاة بالشاب‪ ،‬ومن ثم يسهل هذا المر‪ ،‬وكلما كثر المساس‬
‫ل الحساس‪ ،‬ثم بعد ذلك تتجاوز الحواجز الشرعية‪ ،‬وتبتعد عن حياتها تذوب‬ ‫ق ّ‬
‫كما ذاب غيرها ‪.‬‬
‫‪ -7‬ومن أساليبهم أيضًا‪ :‬العمل والتوظيف غير المنضبط‪ :‬إما باختلط بتوظيف‬
‫الرجال والنساء سواسية‪ ،‬أو بتوظيف المرأة في غير مجالها‪ ،‬ويكون هذا على‬
‫طريقة التدرج‪ :‬بطيء ولكنه أكيد المفعول ‪ .‬وعلى طريقة فرض المر الواقع‪.‬‬

‫) ‪(236/5‬‬

‫‪ -8‬المشاركة والختلط في الندية التي تكون في المستشفيات أندية ترفيه‪،‬‬


‫أو أندية اجتماعية‪ ،‬أو غير ذلك‪ :‬بل لقد وصل الفساد ببعضهن إلى المجاهرة‬
‫بالتدخين أمام الخرين من الزملء‪ ،‬وليس ذلك في غرف القهوة والمطاعم‬
‫فحسب‪ ،‬بل على المكاتب الرسمية ‪.‬‬
‫‪ -9‬الدعوة إلى إتباع الموضة والزياء‪ ،‬وإغراق بلد المسلمين باللبسة‬
‫الفاضحة‪ :‬ومن خططهم إغراق بلد المسلمين باللبسة الفاضحة والقصيرة‪،‬‬
‫ضا إل بشق‬ ‫سا ساتًرا فضفا ً‬‫فأحدنا ل يستطيع أن يجد لبنته الصغيرة لبا ً‬
‫النفس‪ ،‬فعلى التجار المسلمين أن يفرضوا ويشترطوا اللباس المقبول عند‬
‫المسلمين الذي ل يحمل صورًا‪ ،‬ول كتابات‪ ،‬وليس بلباس فاضح‪ ،‬ول بضيق‪،‬‬
‫ول بكاشف‪ ،‬والشركات الصانعة إنما تريد المال‪ ،‬ولجله تصنع لك أي شيء‬
‫تريد‪ ،‬فإذا ترك لها الحبل على الغارب صنعت ما يضر بأخلق المسلمين ‪.‬‬
‫‪ -10‬ومن أساليبهم القديمة والتي وجدت في مصر وفي غيرها‪:‬إنشاء‬
‫التنظيمات والجمعيات والتحادات النسائية‪ :‬فقد أنشأ التحاد النسائي في‬
‫مصر قديما ً جدا ً على يد هدى شعراوي وذلك بدعم غربي سافر‪ ،‬ثم تبعتها‬
‫البلد العربية الخرى‪ ،‬هذه التحادات النسائية والتنظيمات والجمعيات‬
‫ظاهرها نشر الوعي الثقافي والصلح‪ ،‬وتعليم المرأة المهن كالتطريز‬
‫ما زعاًفا فتعلم المرأة الفكار‬ ‫والخياطة‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬ولكن قد يكون باطنها س ً‬
‫والقيم الغربية الخبيثة التي تنقلها من الفكر السلمي النير إلى الفكر‬
‫المظلم من الغرب الكافر‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -11‬ومن أخبث أساليبهم وهي التي يثيرونها دائما على صفحات الجرائد‬
‫والمجلت وغيرها‪ :‬التظاهر بالدفاع عن حقوق المرأة‪ ،‬وإثارة قضايا تحرر‬
‫المرأة خاصة في الوقات الحساسة التي تواجهها المة‪ ،‬وإلقاء الشبهات‪:‬‬
‫فمرة يلقون قضية تحرير المرأة ومساواتها بالرجل‪ ،‬ومرة يبحثون في‬
‫موضوع التعليم المختلط وتوسيع مجال المشاركة في العمل المختلط وغير‬
‫ذلك‪ ،‬قد يتم ذلك باسم الدين‪ ،‬وقد يتم ذلك باسم المصلحة‪ ،‬وقد يتم ذلك‬
‫بعبارات غامضة‪ ،‬وطريقة المنافقين التخفي خلف العبارات الغامضة الموهمة‬
‫في كثير من الحيان ‪.‬‬
‫‪ -12‬ومن أخبث طرقهم ووسائلهم‪ :‬شن هجوم عنيف على الحجاب‬
‫والمتحجبات وتمجيد الرذيلة في وسائل العلم بأنواعها وفي غيرها أيضا‪ً،‬‬
‫سواء كان في المنتديات والندية الثقافية والدبية‪ ،‬أو كان في الجلسات‬
‫الخاصة وفي غيرها‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -13‬ومن أساليبهم‪ :‬أيضا تمجيد الفاجرات من الممثلت‪ ،‬والراقصات‪،‬‬
‫والمغنيات‪ ،‬وغيرهن‪ :‬فتذكر بأنها النجمة الفلنية‪ ،‬وأنها الشهيرة فلنة‪ ،‬وأنها‬
‫الرائدة في مجال كذا‪ ،‬وأنها التي ينبغي أن تحتذي‪ ،‬وأنها القدوة في مجال‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كذا‪ ،‬وأنها حطمت الرقم القياسي في اللعاب الفلنية‪ ،‬أو الطريقة الفلنية‪،‬‬
‫وهذه الصحف‪ ،‬وهذه الكتابات العلمانية توهم المرأة المسلمة بأن هذا هو‬
‫الطريق الذي ينبغي أن تسلكه‪ ،‬فتتمنى أن تكون مثلها‪ ،‬وتحاول أن تتشبه بها‪،‬‬
‫ولهذا ضاق صدر أولئك بتلك الفنانات التائبات؛ لنهن سيمثلن قدوة مضادة‬
‫لما يريدون ‪.‬‬
‫‪-14‬ومن أساليبهم‪ :‬الترويج للفن والمسرح والسينما‪.‬‬
‫‪ -15‬ومن أخبث أساليبهم المنتشرة‪ :‬استدراج الفتيات المسلمات – خاصة‬
‫النابغات – للكتابة‪ ،‬أو للتمثيل‪ ،‬أو الذاعة‪ -‬لسيما إذا كن متطلعات للشهرة‪،‬‬
‫أو للمجد‪ :‬فتدعى هذه الفتاة للكتابة في الصحيفة وتمجد كتاباتها‪ ،‬فتندفع‬
‫بعض الفتيات المغرورات للكتابة والتصال بهؤلء من أجل أن ينشروا لهن ما‬
‫يكتبن‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -16‬ومن أساليبهم أيضا‪ :‬تربية البنات الصغيرات على الرقص والموسيقى‬
‫والغناء من خلل المدارس‪ ،‬والمراكز وغيرها‪ ،‬ثم إخراجهن في وسائل‬
‫العلم‪ :‬فتجد فتيات في عمر الزهور يخرجن للرقص والغناء‪ ،‬وهن يتمايلن‬
‫وقد لبسن أجمل حلل الزينة‪ ،‬فكيف يا ترى سيكون حال هذه الفتاة إذا كبرت‬
‫! إلى أين ستتجه إن لم تتداركها عناية الله ورحمته ؟والتالي يكون ذلك سببا ً‬
‫من أسباب اجتذاب عدد آخر من الفتيات اللتي يتمنين أن يفعلن مثل هذه‬
‫التي ظهرت على أنها نجمة‪ ،‬ثم قد تكون في المستقبل مغنية‪ ،‬أو ممثلة‬
‫شهيرة‪.‬‬
‫‪ -17‬ومن وسائلهم إشاعة روح جديدة لدى المرأة المسلمة تمسخ شخصيتها‬
‫من خلل إنشاء مراكز يسمونها مراكز العلج الطبيعي للسيدات‪ :‬وقد قامت‬
‫مجلة الدعوة بكتابة تقرير عن هذه المراكز في عدد ‪ 1328‬الصادر في‬
‫ضا من هذه المراكز‪ ،‬وكتبت تقول‪:‬‬ ‫‪ 3/8/1412‬هـ‪ ،‬إذ زارت إحدى الكاتبات بع ً‬
‫في ظل التغيرات والمستجدات التي تظهر بين وقت وآخر ظهر تغير سلبي‬
‫وهو افتتاح مراكز تسمى مراكز العلج الطبيعي للسيدات‪ ،‬والحقيقة أن هذا‬
‫المركز يخفي ورائه كثيًرا من السلبيات‪ ،‬ثم تمضي الخت‪ ،‬فتقول‪ :‬ولمعرفة‬
‫واقع تلك المراكز وما يدور فيها وما تقدمه لمرتادها قمت بزيارة بعضها‪،‬‬
‫والتصال بالبعض الخر منها كأي امرأة أخرى تسأل عنها قبل اللتحاق بها‬
‫وذلك في محاولة للوصول للحقائق الكاملة‪ ،‬ومعرفة ما يدور فيها‪ ،‬وخلصة‬
‫التقرير‪:‬‬
‫‪ -‬انتشار اللباس غير الساتر في هذه المراكز‪ ،‬بل واشتراطه ‪.‬‬
‫‪ -‬قيام بعض المراكز بتعيين أطباء من الرجال لبد من مرور المتدربات عليهم‬
‫‪.‬‬

‫) ‪(236/6‬‬

‫‪ -‬انتشار الموسيقى في هذه المراكز‪ ،‬ومن شروط بعض المراكز عدم‬


‫اعتراض المتدربة على ذلك ‪.‬‬
‫‪ -‬وضع حمامات جماعية للسونا تلبس فيها النساء ملبس داخلية فقط‪ ،‬ويكن‬
‫مجتمعات داخله ‪.‬‬
‫‪ -‬انتشار هذه المراكز حتى في الفنادق‪ ،‬والكوافيرات‪ ،‬والمشاغل‪ ،‬وتقديمها‬
‫كخدمة مشتركة ‪.‬‬
‫وكل هذا نمط جديد لم نعرفه من قبل ولو قامت النساء بعملهن في بيوتهن‬
‫لما احتجن لهذا‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -18‬أختم هذه الساليب بهذا السلوب الخطير‪ ،‬وهو إشاعة الحدائق‬


‫والمطاعم المختلطة للعائلت‪ ،‬والتي انتشرت مؤخرًا‪:‬‬
‫ضا من المطاعم‪ ،‬والحدائق العائلية‪ ،‬والتي فيها‬ ‫فقد زار بعض الخوة بع ً‬
‫محاذير كثيرة‪ ،‬ومن هؤلء فضيلة الشيخ محمد الفراج‪ ،‬ثم كتبوا تقريرا ً بينوا‬
‫فيه ما تخفيه هذه المطاعم المختلطة‪ ،‬وذكروا أن هذه المطاعم يكون فيها‬
‫اختلط الشاب بالفتاة‪ ،‬وأنه قد تدخلها المرأة بدون محرم‪ ،‬وجواز المرور‬
‫بالنسبة للرجل أن يكون معه امرأة سواء كانت خادمة‪ ،‬أو كانت طفلة‪ ،‬أو‬
‫غير ذلك‪ ،‬وبذلك أصبحت مكانا ً صالحا ً للمواعيد الخبيثة‪ ،‬ولغير ذلك‪ ،‬ثم بعد‬
‫ذلك كتب الشيخ عبد الله بن جبرين تأييدا ً لكلم هؤلء الخوة‪ ،‬يقول فيه‪':‬‬
‫الحمد لله وحده وبعد‪ ،‬رأيت أمثلة مما ذكر في هذا التقرير مما يسترعى‬
‫النتباه والمبادرة بالمنع والتحذير' ا‪.‬هـ ‪ .‬وقد تكون هذه الحدائق والمطاعم‬
‫أوجدت بحسن نية‪ ،‬لكنها سبب مهم من أسباب تغريب المرأة؛ إذ أنها تشيع‬
‫مظاهر التغريب‪ :‬من اختلط‪ ،‬أو خلوة بالرجل الجنبي عن المرأة‪ ،‬ومن فتحها‬
‫لباب الفواحش والدخول على النساء الشريفات‪ ،‬فيفتن في دينهن وعفتهن‬
‫مع غلبة الداعي للفحش بسبب كثرة المثيرات والله المستعان ‪.‬‬
‫من رسالة‪ ':‬أساليب العلمانيين في تغريب المرأة المسلمة' للشيخ ‪/‬بشر بن‬
‫فهد البشر‬

‫) ‪(236/7‬‬

‫أساليب المشركين في محاربة السلم‬


‫يتناول الدرس الساليب التي اتبعتها قريش في محاربة رسالة السلم‬
‫واضطهاد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬التهامات الباطلة‬
‫لصد الناس عنه‪،‬و السخرية والستهزاء والضحك والغمز واللمز والتعالي على‬
‫المؤمنين‪،‬و المساومات ‪...‬إلخ ‪.‬‬
‫إن الحمد لله ‪ ،‬نحمده‪ ،‬ونستعينه ‪ ،‬ونستغفره ‪ ،‬ونتوب إليه ‪ ،‬ونعوذ بالله من‬
‫شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله؛ فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل؛ فل‬
‫هادي له‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده‬
‫ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين‬
‫وسلم تسليما ً كثيرا ً ‪ ...‬أما بعد ‪.‬‬
‫اتخذت قريش أساليبا ً عدة لمحاربة النبي ‪ ، r‬ومن هذه الساليب ‪:‬‬
‫السلوب الول‪ :‬محاولة منع عمه أبي طالب من نصرته ‪.‬‬
‫فه عن الدعوة ‪ ،‬أو يجرده من جواره‪ -‬أي حمايته‪ ، -‬فقد ذهبت‬ ‫وذلك حتى يك ّ‬
‫مجموعة من أشرافهم إلى عمه أبي طالب ‪ ،‬وقالوا له‪ :‬إن ابن أخيك قد سب‬
‫آلهتنا‪ ،‬وعاب ديننا ‪ ،‬وسفه أحلمنا ‪ ،‬وضلل آباءنا ‪ ،‬فإما أن تكفه عنا‪ ،‬وإما أن‬
‫تخلي بيننا وبينه‪ ،‬فإنك على مثل ما نحن عليه من خلفه ‪ ،‬فقال لهم أبوطالب‬
‫قول ً رفيقًا‪ ،‬وردهم ردا ّ جمي ً‬
‫ل‪ ،‬فانصرفوا عنه‪.‬‬
‫السلوب الثاني‪ :‬التهديد بمقاتلة الرسول وعمه أبي طالب‪.‬‬
‫مضى رسول الله يظهر دين الله ‪ ،‬ويدعو إليه‪ ،‬فغضبت منه قريش ‪ ،‬وحض‬
‫بعضهم بعضا ً ‪ ،‬ومشوا إلى عمه مرة أخرى‪ ،‬فقالوا له‪ :‬يا أباطالب‪ ،‬إن لك‬
‫سنا ً وشرفا ً ومنزلة فينا ‪ ،‬وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا ‪،‬‬
‫وأقسموا بأنهم لن يصبروا على أفعاله حتى يكفه عنهم أو ينازلوه وإياه في‬
‫ظم على أبي طالب فراق قومه‬ ‫ذلك ‪ ،‬حتى يهلك أحد الفريقين ‪ ،‬عند هذا ع ُ‬
‫وعداوتهم ‪ ،‬ولم ترض نفسه بتسليم رسول الله ‪ r‬لطالبيه ول خذلنه ‪ ،‬ولذا‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أبلغ الرسول بالذي قالوه ‪ ،‬وطلب منه أن ل يحمله من المر مال يطيق ‪،‬‬
‫وبعد أن ظن الرسول أن عمه قد ضعف عن نصرته قال له‪] :‬ياعم‪ ،‬والله لو‬
‫وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا المر حتى‬
‫يظهره الله أو أهلك فيه ماتركته [ ثم بكى رسول الله ‪ r‬وقام من عند عمه‬
‫فلما ولى ناداه عمه فقال ‪ ' :‬أقبل يا ابن أخي ' فلما أقبل قال له ‪ :‬اذهب يا‬
‫ابن أخي فقل ما أحببت فوالله لأسلمك لشيء أبدًا‪ ،‬وظل أبو طالب طوال‬
‫حياته ينهى الناس عن إيذاء الرسول ‪ ،‬ويحميه ويمتنع عن الدخول في‬
‫السلم‪.‬‬
‫السلوب الثالث‪ :‬التهامات الباطلة لصد الناس عنه‪.‬‬
‫حيت اتهموا رسول الله ‪ r‬باتهامات باطلة منها ‪:‬‬
‫ل عَل َي ْهِ الذ ّكُرْ‬ ‫َ‬
‫ذي ن ُّز َ‬ ‫‪-1‬الجنون ‪ :‬وفي ذلك نزل قوله تعالى ‪ [ :‬وََقاُلوا َياأي َّها ال ِ‬
‫ّ‬
‫ن]‪ ][6‬سورة الحجر ‪.‬‬ ‫جُنو ٌ‬
‫م ْ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫ب]‪ ][4‬سورة‬ ‫ذا ٌ‬ ‫حٌر ك َ ّ‬ ‫سا ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫‪-2‬السحر ‪ :‬قال الله تعالى [ وََقا َ‬
‫ص ‪ .‬وقد تحير الوليد بن المغيرة فيما يصف به القرآن ‪ ،‬فعندما أوشك دخول‬
‫موسم الحج جمع فريقه من عتاة المجرمين فقال لهم ‪ ' :‬يامعشر قريش ‪،‬‬
‫إنه قد حضر هذا الموسم ‪ ،‬وإن وفود العرب ستقدم عليكم ‪ ،‬وقد سمعوا‬
‫بأمر صاحبكم هذا ‪ ،‬فاجمعوا فيه رأيا ً واحدا ً ‪ ،‬ولتختلفوا فيكذب بعضكم بعضا ً‬
‫' ‪ ،‬واتفقوا على أن يصفوه بالسحر لنه يفرق بين القارب ‪ ،‬ولكن شاء الله‬
‫أن تصدر العرب من مكة على أمر رسول الله ‪ r‬فانتشر ذكره في بلد العرب‬
‫كلها ‪.‬‬
‫ب]‪ ][4‬سورة‬ ‫ذا ٌ‬ ‫حٌر ك َ ّ‬ ‫سا ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫‪-3‬الكذب ‪ :‬قال الله تعالى ‪ [ :‬وََقا َ‬
‫ص‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن اك ْت َت َب ََها فَهِ َ‬
‫ي‬ ‫طيُر الوِّلي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫‪-4‬التيان بالساطير ‪ :‬قال الله تعالى ‪ [ :‬وََقالوا أ َ‬
‫صيًل]‪ ] [5‬سورة الفرقان ‪.‬‬ ‫َ‬
‫مَلى عَل َي ْهِ ب ُك َْرة ً وَأ ِ‬ ‫تُ ْ‬
‫‪-5‬قالوا إن القرآن ليس من عند الله ‪ ،‬وإنما هو من عند البشر ‪ :‬قال الله‬
‫قد نعل َ َ‬
‫ن إ ِل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫دو َ‬ ‫ذي ي ُل ْ ِ‬
‫ح ُ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫سا ُ‬ ‫شٌر ل ِ َ‬ ‫ه بَ َ‬ ‫ما ي ُعَل ّ ُ‬
‫م ُ‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫م أن ّهُ ْ‬‫تعالى ‪ [ :‬وَل َ َ ْ َ ْ ُ‬
‫ن]‪ ] [103‬سورة النحل ‪.‬‬ ‫ي وَهَ َ‬ ‫َ‬
‫مِبي ٌ‬ ‫ي ُ‬ ‫ن عََرب ِ ّ‬ ‫سا ٌ‬ ‫ذا ل ِ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ج ِ‬‫أعْ َ‬
‫ن هَؤَُلِء‬ ‫َ‬
‫م َقاُلوا إ ِ ّ‬ ‫‪ -6‬اتهموا المؤمنين بالضللة ‪ :‬قال الله تعالى ‪ [ :‬وَإ َِذا َرأوْهُ ْ‬
‫ن]‪ ] [32‬سورة المطففين ‪.‬‬ ‫ضاّلو َ‬ ‫لَ َ‬
‫السلوب الرابع‪ :‬السخرية والستهزاء والضحك والغمز واللمز والتعالي على‬
‫المؤمنين‪.‬‬
‫قالت امرأة مشركة للرسول ‪ r‬ساخرة مستهزئة‪' :‬إني لرجو أن يكون‬
‫شيطانك قد تركك‪ ،‬لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلثا ً ' ؛ فأنزل الله تعالى‪[ :‬‬
‫ما قََلى]‪ ] [3‬سورة الضحى ‪.‬‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ك َرب ّ َ‬ ‫ما وَد ّعَ َ‬ ‫جى]‪َ [2‬‬ ‫س َ‬ ‫ل إ َِذا َ‬ ‫حى]‪َ[1‬والل ّي ْ ِ‬ ‫ض َ‬‫َوال ّ‬
‫السلوب الخامس‪ :‬التشويش ‪.‬‬
‫كان المشركون يتواصون بينهم بافتعال ضجة عالية وصياح منكر عندما يقرأ ‪r‬‬
‫القرآن ؛ حتى ل ُيسمع فيفهم فيترك أثرا ً في عقل نقي وقلب طيب حسب‬
‫مُعوا‬ ‫س َ‬ ‫فُروا َل ت َ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫زعمهم ‪ ،‬وفي ذلك قال المولى تبارك وتعالى ‪ [:‬وََقا َ‬
‫ن]‪ ] [26‬سورة فصلت ‪.‬‬ ‫م ت َغْل ُِبو َ‬ ‫وا ِفيهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ن َوال ْغَ ْ‬ ‫قْرَءا ِ‬‫ذا ال ْ ُ‬ ‫ل ِهَ َ‬
‫السلوب السادس‪ :‬طلبهم أن تكون للرسول ‪ r‬معجزات أو مزايا ليست عند‬
‫البشر العاديين ‪.‬‬

‫) ‪(237/1‬‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫عا]‪[90‬أوْ‬ ‫ض ي َن ُْبو ً‬ ‫ن الْر َِ‬ ‫م َ‬ ‫جَر ل ََنا ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫حّتى ت َ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ن ُؤْ ِ‬ ‫ومن ذلك قولهم [ وََقاُلوا ل َ ْ‬
‫ق َ‬
‫ط‬ ‫س ِ‬ ‫خَلل ََها ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫جَر اْلن َْهاَر ِ‬ ‫ب فَت ُ َ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫تَ ُ‬
‫جيًرا]‪[91‬أوْ ت ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫عن َ ٍ‬ ‫ل وَ ِ‬ ‫خي ٍ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬‫جن ّ ٌ‬
‫ك َ‬ ‫كو َ‬
‫ن لَ َ‬ ‫َ‬
‫مَلئ ِك َةِ قَِبيًل]‪[92‬أوْ ي َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫كو َ‬ ‫ي ِبالل ّهِ َوال ْ َ‬ ‫فا أوْ ت َأت ِ َ‬ ‫س ً‬ ‫ت عَل َي َْنا ك ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ما َزعَ ْ‬ ‫ماَء ك َ َ‬‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ل عَل َي َْنا ك َِتاًبا‬ ‫حّتى ت ُن َّز َ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫ما‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫قى‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ ْ ُ ِ َ ُِ ِ ّ‬ ‫ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ب َي ْ ٌ ِ ْ ُ ْ ُ ٍ ْ َ ْ‬
‫ت‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫ز‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ت‬
‫قَرؤُه ُ ‪ ] [93].....‬سورة السراء ‪ ،‬ولذا قال لهم الرسول ‪ r‬كما جاء في الية‬ ‫نَ ْ‬
‫سوًل]‪.] [93‬‬ ‫شًرا َر ُ‬ ‫ت إ ِّل ب َ َ‬ ‫ل ك ُن ْ ُ‬ ‫ن َرّبي هَ ْ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ل ُ‬ ‫نفسها [ قُ ْ‬
‫السلوب السابع‪ :‬المساومات ‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن ذلك قولهم ‪ :‬أعبد آلهتنا يوما ونعبد إلهك يوما‪ ،‬فأنزل الله تعالى سورة‬ ‫ً‬
‫الكافرون‪.‬‬
‫السلوب الثامن‪ :‬سب القرآن ومنزله ومن جاء به‪.‬‬
‫كان رسول الله ‪ r‬مختف بمكة‪ ،‬وكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن ‪،‬‬
‫فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به‪ ،‬فقال الله تعالى‬
‫ك ] أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا‬ ‫صَلت ِ َ‬ ‫جهَْر ب ِ َ‬ ‫لنبيه محمد ‪ [ : r‬وََل ت َ ْ‬
‫سِبيًل]‬ ‫ك َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫ت ب َِها ] عن أصحابك فل تسمعهم ‪َ[ ،‬واب ْت َِغ ب َي ْ َ‬ ‫خافِ ْ‬ ‫القرآن‪ [ ،‬وََل ت ُ َ‬
‫‪ ] [110‬سورة السراء ‪.‬‬
‫السلوب التاسع‪ :‬التصال باليهود للتيان منهم بأسئلة تعجيزية للرسول ‪.‬‬
‫أوفدت قريش نفرا ً منهم إلى المدينة‪ ،‬وعلى رأسهم‪ :‬النضر بن الحارث‬
‫وعقبة بن أبي معيط ليأتوا من اليهود بأسئلة تعجيزية ‪ ،‬فيطرحونها على‬
‫الرسول ‪ ، r‬فقالت لهم يهود‪ :‬سلوه عن أهل الكهف وعن ذي القرنين والروح‬
‫‪ ،‬ولكن الله أبطل كيدهم عندما أنزل الله قرآنا ً في شأن الجابة عن أسئلتهم‪.‬‬
‫السلوب العاشر‪ :‬الترغيب ‪.‬‬
‫أرادت قريش أن تجرب أسلوب الترغيب‪ ،‬فأرسلت عتبة بن ربيعة‪ ،‬فقال‬
‫للرسول ‪' : r‬يا ابن أخي ‪ ،‬إنك منا حيث قد علمت من المكان في النسب ‪،‬‬
‫وقد أتيت قومك بأمر عظيم ‪ ،‬فرقت به جماعتهم‪ ،‬فاسمع مني ‪ ،‬أعرض‬
‫عليك أمورا ً لعلك تقبل بعضها‪ :‬إن كنت إنما تريد بهذا المر مال ً جمعنا لك من‬
‫أموالنا ؛ حتى تكون أكثرنا مال ً ‪ ،‬وإن كنت تريد شرفا ً سودناك علينا فل نقطع‬
‫أمرا ً دونك ‪ ،‬وإن كنت تريد ملكا ً ملكناك علينا‪ ،‬وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا‬
‫تراه ل تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب‪ ،‬وبذلنا فيه أموالنا حتى‬
‫تبرأ' ‪ ،‬فلما فرغ من قوله تل رسول ‪ r‬صدر سورة 'فصلت ' إلى قوله تعالى [‬
‫ق ْ َ‬ ‫فَإ َ‬
‫موَد]‪ ، ] [13‬وعندها‬ ‫عادٍ وَث َ ُ‬ ‫قةِ َ‬ ‫ع َ‬ ‫صا ِ‬‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ق ً‬‫ع َ‬ ‫صا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل أن ْذ َْرت ُك ُ ْ‬ ‫ضوا فَ ُ‬ ‫ن أعَْر ُ‬ ‫ِ ْ‬
‫وضع عتبة يده على جنبه ‪ ،‬وقام كأن الصواعق ستلحقه‪ ،‬وعاد إلى قريش‬
‫مخبرا ً إياهم بأن ما سمع ليس بشعر ول سحر ول كهانة ‪ ،‬وقال ‪ :‬والله إن‬
‫قوله الذي يقول حلوة‪ ،‬وإن عليه لطلوة‪ ،‬وإنه لمثمر أعله‪ ،‬مغدق أسفله‪،‬‬ ‫لِ َ‬
‫طم ما تحته ‪ ،‬واقترح على قريش أن تدع‬ ‫ح ِ‬ ‫وإنه ليعلو وما يعلى عليه‪ ،‬وإنه لي ْ‬
‫محمدا ً وشأنه ‪.‬‬
‫السلوب الحادي عشر‪ :‬الترهيب ‪.‬‬
‫كان أبو جهل إذا سمع عن رجل قد أسلم وله شرف ومنعة قال له ‪ :‬لنسفهن‬
‫حلمك ‪ ،‬ولنضعفن رأيك ‪ ،‬ولنضعن شرفك ‪ ،‬وإن كان تاجرا ً قال له‪ :‬لنكسدن‬
‫تجارتك‪ ،‬ولنهلكن مالك ‪ ،‬وإن كان ضعيفا ً ضربه وأغرى به ‪.‬‬
‫السلوب الثاني عشر‪ :‬العتداء الجسدي ‪.‬‬
‫لم تثمر كل الساليب السابقة في صد الرسول ‪ r‬وأصحابه عن دينهم ‪،‬‬
‫فلجأت قريش إلى أسلوب العتداء الجسدي والتصفية الجسدية وخاصة‬
‫بعدما أصبح رسول الله ‪ r‬يظهر شعائر دينه مثل الصلة عند الكعبة‪ ،‬وقد‬
‫حصلت من ذلك صور عديدة منها ‪:‬‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فر محمد وجهه بين أظهركم ؟‬ ‫‪ -1‬عن أبي هريرة ‪، t‬قال ‪ :‬قال أبوجهل‪ :‬هل ي ُعَ ّ‬
‫فقيل‪:‬نعم ‪ ،‬فقال‪ :‬واللت والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لطأن على رقبته‪ ،‬أو‬
‫لعفرن وجهه في التراب ‪ ،‬فأتى رسول الله ‪ r‬وهو يصلي ليطأ على رقبته ‪،‬‬
‫قال‪ :‬ورجع ينكص على عقبيه ويتقي بيديه‪ ،‬قال‪ :‬فقيل له‪ :‬مالك؟ فقال‪ :‬إن‬
‫بيني وبينه لخندقا ً من نار وهول ً وأجنحة‪ ،‬فقال رسول الله ‪] : r‬لو دنا مني‬
‫لختطفته الملئكة عضوا ً عضوا ً [‪.‬‬
‫‪ -2‬عن أنس‪ ،‬قال ‪ :‬لقد ضربوا رسول الله ‪ r‬مرة حتى غشي عليه ‪ ،‬فقام‬
‫أبوبكر ‪ ،‬فجعل ينادي‪ :‬ويلكم ‪ ،‬أتقتلون رجل ً أن يقول ربي الله؟ فتركوه‬
‫وأقبلوا على أبي بكر يضربونه‪.‬‬
‫‪ -3‬ذات يوم قام أبوبكر خطيبا ً في المسجد الحرام‪ ،‬فضربه المشركون ضربا ً‬
‫شديدًا‪ ،‬وممن ضربه عتبة بن ربيعة ‪ ،‬حيث جعل يضربه على وجهه بنعلين‬
‫جَلت‬ ‫َ‬
‫مخصوفتين ؛ حتى ما يعرف وجهه من أنفه ‪ ،‬وجاء بنو تيم يتعادون ‪ ،‬فأ ْ‬
‫قريش عن أبي بكر‪ ،‬وحمله الناس في ثوب إلى منزله‪ ،‬ول يشكون في موته‪.‬‬

‫) ‪(237/2‬‬

‫‪ -4‬ممن أوذي عثمان بن مظعون‪ ،‬فقد جاء أنه عندما رجع من الهجرة الولى‬
‫إلى الحبشة دخل في جوار الوليد بن المغيرة ‪ ،‬فلما رأى المشركين يؤذون‬
‫المسلمين وهو آمن ‪ ،‬رد جوار الوليد ‪ ،‬وعندما قدم لبيد بن ربيعة إلى مكة ‪،‬‬
‫وكان في مجلس لقريش ينشدهم شعره‪ ،‬قال لبيد ‪ :‬أل كل شيء ماخل الله‬
‫باطل ‪ ،‬فقال عثمان بن مظعون ‪ :‬صدقت ‪ ،‬وعندما قال‪ :‬وكل نعيم ل محالة‬
‫زائل ‪ ،‬قال له عثمان‪ :‬كذبت ‪ ،‬نعيم الجنة ل يزول ‪ ،‬قال لبيد‪ :‬يامعشر قريش‪،‬‬
‫دث هذا فيكم؟ فقال رجل من القوم‪:‬‬ ‫ح َ‬
‫ذى جليسكم‪ ،‬فمتى َ‬‫والله ما كان ُيؤ َ‬
‫ن في نفسك من قوله‪،‬‬ ‫إن هذا أيضا ً في سفهاء معه‪ ،‬قد فارقوا ديننا‪ ،‬فل تجد ّ‬
‫فرد عليه عثمان حتى تفاقم أمرهما‪ ،‬فقام إليه ذلك الرجل‪ ،‬فلطم عينه‬
‫ضرها‪ ،‬والوليدبن المغيرة قريب يرى ما بلغ من عثمان‪ ،‬فقال‪ :‬أما والله يا‬ ‫فخ ّ‬
‫ابن أخي إن كانت عينك عما أصابت لغنية‪ ،‬لقد كنت في ذمة منيعة‪ ،‬قال‬
‫عثمان‪ :‬بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله‪،‬‬
‫وإني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس ‪ ،‬فقال له الوليد‪:‬‬
‫هلم يا ابن أخي‪ ،‬إن شئت فعد إلى جوارك ‪ ،‬فقال‪ :‬ل ‪.‬‬
‫‪-5‬كان أمية بن خلف سيد بلل يخرجه إذا حميت الظهيرة ‪ ،‬فيطرحه على‬
‫ظهره في بطحاء مكة ‪ ،‬ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ‪ ،‬ثم‬
‫يقول له ‪ :‬ل تزال هكذا حتى تموت ‪ ،‬أو تكفر بمحمد‪ ،‬وتعبد اللت والعزى ‪،‬‬
‫فيقول وهو تحت ذلك البلء‪ :‬أحد أحد ‪ ،‬وعن عمرو بن العاص‪ ،‬قال‪ :‬مررت‬
‫ضعة لحم ُوضعت عليه لنضجت ‪ ،‬وهو‬ ‫ببلل وهو يعذب في الرمضاء ‪ ،‬ولو أن ب ِ ْ‬
‫يقول‪ :‬أنا كافر باللت والعزى‪ ،‬وأمية مغتاظ عليه فيزيده عذابا ً ‪ ،‬فيقبل عليه‪،‬‬
‫فيخنقه فيغشى عليه ثم يفيق ‪ ،‬وجعلوا في عنق بلل حبل ً ‪ ،‬وأمروا صبيانهم‬
‫أن يشتدوا به بين جبلي مكة‪ ،‬ففعلوا ذلك وهو يقول ‪ :‬أحد أحد‪.‬‬
‫‪ -6‬أظهر خباب بن الرت إسلمه فلقى صنوفا ً شتى من العذاب ‪ ،‬فكانوا‬
‫يأخذون بشعر رأسه فيجذبونه جذبا ً ‪ ،‬ويلوون عنقه بعنف ‪ ،‬واضجعوه مرات‬
‫عديدة على صخور ملتهبة ‪ ،‬ثم وضعوا عليه حجرا ً حتى ل يستطيع أن يقوم‬
‫وأوقدوا له نارا ً ووضعوه عليها‪ ،‬فما أطفأها إل ودك ظهره ‪.‬‬
‫السلوب الثالث عشر‪ :‬ملحقة المسلمين خارج مكة والتحريض عليهم‪.‬‬
‫عندما هاجر بعض المسلمين إلى النجاشي أرسل قريشا ً خلفهم من حاول‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اللحاق بهم قبل العبور إلى الحبشة‪ ،‬وعندما استقروا بالحبشة وكثر عددهم‪،‬‬
‫أرسلوا في طلبهم‪ ،‬واستخدموا في ذلك الرشوة والحيلة للوقيعة بين‬
‫المسلمين والنجاشي‪ ،‬ولكنهم فشلوا في ذلك‪.‬‬
‫السلوب الرابع عشر‪ :‬المقاطعة العامة ‪.‬‬
‫قررت قريش قتل رسول الله ‪ ، r‬فبلغ ذلك أبا طالب‪ ،‬فجمع بني هاشم وبتي‬
‫المطلب‪ ،‬فأدخلوا رسول الله ‪ r‬معهم في شعبهم ‪ ،‬ومنعوه ممن أراد قتله‪،‬‬
‫فوافق على ذلك حتى كفارهم ‪ ،‬فعلوا ذلك حمية على عادة الجاهلية ‪.‬‬
‫ولما رأت قريش ذلك اجتمعوا وائتمروا بينهم أن يكتبوا كتابا ً يتعاقدون فيه‬
‫على بتي هاشم وبني المطلب‪ ،‬على أن ل يعاملوهم ول يناكحوهم ؛ حتى‬
‫يسّلموا إليهم رسول الله ‪ ، r‬ففعلوا ذلك ‪ ،‬وعلقوا الصحيفة في جوف الكعبة‪،‬‬
‫وكان كاتبها منصور بن عكرمة‪ ،‬الذي دعا عليه الرسول ‪ r‬فشلت بعض‬
‫أصابعه‪ ،‬فانحازت بنو هاشم وبنو المطلب إلى أبي طالب‪ ،‬فكانوا معه كلهم‬
‫إل أبا لهب‪ ،‬فكان مع قريش ‪ ،‬فأقاموا على ذلك ثلث سنين‪ ،‬حتى جهدوا‪ ،‬ولم‬
‫فَية‪ ،‬حتى كانت قريش تؤذي من اطلعت‬ ‫خ ْ‬
‫يكن يأتيهم شيء من القوات إل ُ‬
‫ً‬
‫على أنه أرسل إلى بعض أقاربه من المحصورين شيئا من العطيات‪ ،‬وبلغ‬
‫الجوع بالمسلمين مبلغ حتى كانوا يأكلون الخبط وورق السمر‪ ،‬بل إن أحدهم‬
‫ليضع كما تضع الشاة‪ ،‬وقال سعد بن أبي وقاص‪ :‬لقد رأيتني مع رسول الله ‪r‬‬
‫بمكة فخرجت من الليل أبول‪ ،‬فإذا أنا أسمع قعقعة شيء تحت بولي فنظرت‬
‫فإذا قطعة جلد بعير‪ ،‬فأخذتها فغسلتها‪ ،‬ثم أحرقتها‪ ،‬فرضضتها بين حجرين‪،‬‬
‫ثم استففتها‪ ،‬فشربت عليها الماء‪ ،‬فقويت عليها ثلثا ً ‪ ،‬إلى أن قام في نقض‬
‫الصحيفة نفر من أشدهم في ذلك ضيقًا‪ ،‬وهم‪ :‬هشام بن عمرو بن الحارث‬
‫وزهير بن أبي أمية والمطعم بن عدي وزمعة بن السود وأبو البختري بن‬
‫هشام بن الحارث ‪ ،‬وكانت تربطهم ببني هاشم والمطلب صلت الرحام ‪،‬‬
‫وعلى الرغم من هذه المقاطعة وما جرى للمسلمين وراءها من معاناة إل أن‬
‫الرسول ‪ r‬لم يتوقف عن الدعوة‪ ،‬فقد كان يخرج في المواسم‪ ،‬ويلتقي‬
‫القادمين على مكة‪ ،‬ويعرض عليهم السلم ‪ ،‬ولما أفسد الله الصحيفة‪ ،‬خرج‬
‫رسول الله ‪ r‬وصحابته وخالطوا الناس ‪.‬‬
‫كتاب السيرة النبوية في ضوء المصادر الصلية ‪ :‬مهدي رزق الله أحم‬

‫) ‪(237/3‬‬

‫أساليب عملية في حل الخلفات الزوجية‬


‫ينبغي أن ينظر الزوجان نظرة واقعية إلى الخلفات الزوجية إذا إنها من‬
‫الممكن أن تكون عامل ً من عوامل الحوار والتفاهم إذا أحسن التعامل معها ‪.‬‬
‫والسلوب الذي يتبعه الزوجان في مواجهة الخلف إما أن يقضي عليه وإما‬
‫أن يضخمه ويوسع نطاقه ‪..‬‬
‫ضوابط لبد منها‬
‫لشك أن الكلمات الحادة ‪ ,‬والعبارات العنيفة ‪ ,‬لها صدى يتردد باستمرار حتى‬
‫بعد انتهاء الخلف ‪ ,‬علوة على الصدمات والجروح العاطفية التي تتراكم على‬
‫النفوس ‪.‬‬
‫لزوم الصمت والسكوت على الخلف حل سلبي مؤقت للخلف ‪ ,‬إذ سرعان‬
‫ما يثور البركان عند دواعيه ‪ ,‬وعند أدنى اصطدام ‪ ،‬فكبت المشكلة في‬
‫الصدور بداية العقد النفسية وضيق الصدر المتأزم بالمشكلة ‪ ،‬فإما أن‬
‫تتناسى وتترك ‪ ,‬وإما تطرح للحل ول بد أن تكون التسوية شاملة لجميع ما‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يختلج في النفس ‪ ،‬وأن تكون عن رضا وطيب خاطر ‪.‬‬


‫البعد عن الساليب التي قد تكسب الجولة فيها وينتصر أحد الطرفين على‬
‫الخر لكنها تعمق الخلف و تجذره ‪ :‬مثل أساليب التهكم والسخرية ‪ ,‬أو‬
‫النكار والرفض ‪ ،‬أو التشبث بالكسب ‪ .‬روى البخاري عن عبد الله بن عمرو‬
‫رضي الله عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا ً ول‬
‫متفحشا ً ‪ ,‬وكان يقول إن من خياركم أحسنكم أخلقا ً " ‪.‬‬
‫و روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن يهود أتوا النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فقالوا ‪ :‬السام عليكم ‪ ،‬فقالت عائشة ‪ :‬عليكم ولعنكم الله وغضب‬
‫الله عليكم ‪ ،‬قال ‪ " :‬مهل ً يا عائشة عليك بالرفق ‪ ,‬وإياك والعنف والفحش "‬
‫قالت ‪ :‬أولم تسمع ما قالوا ؟ قال ‪ :‬أو لم تسمعي ما قلت ؟ رددت عليهم‬
‫فيستجاب لي فيهم ول يستجاب لهم في ‪.‬‬
‫و روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ " :‬إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس‬
‫اتقاء شره " ‪.‬‬
‫و روى الترمذي حدثنا محمد بن غيلن حدثنا ابن داود قال أنبأنا شعبة عن أبي‬
‫إسحاق ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت أبا عبد الله الجدلي يقول ‪ :‬سألت عائشة عن خلق‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت ‪ ":‬لم يكن فاحشا ً ‪ ,‬ول متفحشا ً ‪,‬‬
‫ول صخبا ً في السواق ‪ ,‬ول يجزي بالسيئة السيئة ‪ ,‬ولكن يعفو ويصفح " ‪.‬‬
‫وقول أنس خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين ‪ ،‬فما قال‬
‫لي يوما ً لشيء فعلته لم فعلته ؟ ول لشيء تركته لم تركته " ‪.‬الوعي بأثر‬
‫الخلف وشدة وطأته على الطرفين ‪ :‬فل شك أن اختلف المرأة مع شخص‬
‫تحبه وتقدره وتدلي عليه ‪ ,‬يسبب لها كثيرا ً من الرباك والقلق والنزعاج ‪،‬‬
‫وبخاصة إذا كانت ذات طبيعة حساسة ‪.‬‬
‫البعد عن التعالي بالنسب أو المال أو الجمال أو الثقافة ‪ ,‬فإن هذا من أكبر‬
‫أسباب فصم العلقات بين الزوجين الكبر بطرد الحق و غمط الناس ‪.‬‬
‫عدم اتخاذ القرار إل بعد دراسته ‪ ,‬فل يصلح أن يقول الزوج في أمر من‬
‫المور " ل " أو " نعم " ثم بعد اللحاح يغير القرار‪ ،‬أو يعرف خطأ قراره‬
‫فيلجأ إلى اللجاج والمخاصمة ‪.‬‬
‫خطوات لبد منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬تفهم المر هل هو خلف أم أنه سوء فهم فقط ‪ ,‬فالتعبير عن حقيقة‬
‫مقصد كل واحد منهما وعما يضايقه بشكل واضح ومباشر يساعد على إزالة‬
‫سوء الفهم ‪ ,‬فلربما أنه لم يكن هناك خلف حقيقي وإنما سوء في الفهم ‪.‬‬
‫‪ -2‬الرجوع إلى النفس ومحاسبتها ومعرفة تقصيرها مع ربها الذي هو أعظم‬
‫وأجل‪ ..‬وفي هذا تحتقر الخطأ الذي وقع عليك من صاحبك ‪.‬‬
‫‪ -3‬معرفة أنه لم ينزل بلء إل بذنب وأن من البلء الخلف مع من تحب ‪ .‬وقد‬
‫قال محمد بن سيرين إني لعرف معصيتي في خلق زوجتي ودابتي ‪.‬‬
‫‪ -4‬تطوير الخلف وحصره من أن ينتشر بين الناس أو يخرج عن حدود‬
‫أصحاب الشأن ‪.‬‬
‫‪ -5‬تحديد موضع النزاع والتركيز عليه ‪ ,‬وعدم الخروج عنه بذكر أخطاء أو‬
‫تجاوزات سابقة ‪ ,‬أو فتح ملفات قديمة ففي هذا توسيع لنطاق الخلف ‪.‬‬
‫‪ -6‬أن يتحدث كل واحد منهما عن المشكلة حسب فهمه لها ‪ ,‬ول يجعل فهمه‬
‫صوابا ً غير قابل للخطأ أو أنه حقيقة مسلمة ل تقبل الحوار ول النقاش ‪ ,‬فإن‬
‫هذا قاتل للحل في مهده ‪.‬‬
‫‪ -7‬في بدء الحوار يحسن ذكر نقاط التفاق فطرح الحسنات واليجابيات‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والفضائل عند النقاش مما يرقق القلب ويبعد الشيطان ويقرب وجهات‬
‫النظر وييسر التنازل عن كثير مما في النفوس ‪ ,‬قال تعالى ول) تنسوا‬
‫الفضل بينكم ( ‪ ,‬فإذا قال أحدهما للخر أنا ل أنسى فضلك في كذا وكذا ‪,‬‬
‫ولم يغب عن بالى تلك اليجابيات عندك ‪ ,‬ولن أتنكر لنقاط التفاق فيما بيننا‬
‫فإن هذا حري بالتنازل عن كثير مما يدور في نفس المتحاور ‪.‬‬
‫‪ -8‬ل تجعل الحقوق ماثلة دائما ً أمام العين ‪ ,‬وأخطر من ذلك تضخيم تلك‬
‫الحقوق أو جعلك حقوقا ً ليست واجبة تتأصل في النفس ويتم المطالبة بها ‪.‬‬

‫) ‪(238/1‬‬

‫‪ -9‬العتراف بالخطأ عند استبانته وعدم اللجاجة فيه ‪ ,‬وأن يكون عند الجانبين‬
‫من الشجاعة والثقة بالنفس ما يحمله على ذلك ‪ ,‬وينبغي للطرف الخر شكر‬
‫ذلك وثناؤه عليه لعترافه بالخطأ فالعتراف) بالخطأ خير من التمادي في‬
‫الباطل ( ‪ ،‬والعتراف بالخطأ طريق الصواب ‪ ,‬فل يستعمل هذا العتراف‬
‫أداة ضغط بل يعتبره من الجوانب المشرقة المضيئة في العلقات الزوجية‬
‫يوضع في سجل الحسنات والفضائل التي يجب ذكرها والتنويه بها ‪.‬‬
‫‪ -10‬الصبر على الطبائع المتأصلة في المرأة مثل الغيرة كما قال صلى الله‬
‫عليه وسلم غارت) أمكم ( وليكن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫أسوة حسنة في تقدير الظروف والحوال ومعرفة طبائع النفوس وما ل‬
‫يمكن التغلب عليه ‪ .‬روى النسائي وأبو داود و الترمذي عن عائشة قالت ‪ :‬ما‬
‫رأيت صانعة طعام مثل صفية أهدت النبي صلى الله عليه وسلم إناء فيه‬
‫طعام فما ملكت نفسي أن كسرته ‪ ،‬فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن‬
‫كفارته فقال ‪ " :‬إناء كإناء وطعام كطعام " ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -11‬الرضا بما قسم الله تعلى فإن رأت الزوجة خيرا حمدت ‪ ,‬وإن رأت غير‬
‫ذلك قالت كل الرجال هكذا ‪ ,‬وأن يعلم الرجل أنه ليس الوحيد في مثل هذه‬
‫المشكلت واختلف وجهات النظر ‪.‬‬
‫‪ -12‬ل يبادر في حل الخلف وقت الغضب ‪ ,‬وإنما يتريث فيه حتى تهدأ‬
‫النفوس ‪ ،‬وتبرد العصاب ‪ ,‬فإن الحل في مثل هذه الحال كثيرا ً ما يكون‬
‫متشنجا ً بعيدا ً عن الصواب ‪.‬‬
‫‪ -13‬التنازل عن بعض الحقوق فإنه من الصعب جدا ً حل الخلف إذا تشبث‬
‫كل من الطرفين بجميع حقوقه ‪.‬‬
‫‪ -14‬التكيف مع جميع الظروف والحوال ‪ ,‬فيجب أن يكون كل واحد من‬
‫الزوجين هادئا ً غير متهور ول متعجل ‪ ,‬ول متأفف ول متضجر ‪ ,‬فالهدوء وعدم‬
‫التعجل والتهور‬
‫‪.‬من أفضل مناخات الرؤية الصحيحة والنظرة الصائبة للمشكلة ‪.‬‬
‫‪ -15‬يجب أن يعلم ويستقين الزوجان بأن المال ليس سببا ً للسعادة ‪ ،‬وليس‬
‫النجاح في الدور والقصور والسير أمام الخدم والحشم ‪ ,‬وإنما النجاح في‬
‫الحياة الهادئة السليمة من القلق البعيدة من الطمع ‪.‬‬
‫‪ -16‬غض الطرف عن الهفوة والزلة والخطأ الغير مقصود ‪:‬‬
‫من الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط‬
‫المصدر مجلة السرة العدد ‪80‬‬

‫) ‪(238/2‬‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أساليب ومضامين الخطاب السلمي ‪ 1/3‬د‪ .‬أحمد حسن محمد*‬


‫ن مصطلح الفكر من المصطلحات التي سادت في الدراسات في الونة‬ ‫إ ّ‬
‫الخيرة‪ ،‬يظل يعمل في كثير من مجالت النشاط النساني باعتباره الموجه‬
‫والمسير للعديد من هذه المجالت‪.‬‬
‫ن مصطلح الفكر إنما يأتي من خلل التصورات الذاتية التي يتوصل‬ ‫والواقع أ ّ‬
‫إليها الباحث أو الدارس من حصيلة ما يقوم به من قراءات وبحوث ودراسات‬
‫وتجارب بحثية توصله في النهاية إلى فكر معين تحقق له القناعة‪ ،‬بقطع‬
‫النظر عن صحتها أو خطئها أو بطلنها طالما أنها من وجهة نظره مقنعة‬
‫وصحيحة‪ ،‬فإذا جاز هذا التجاه والمنحى بالنسبة لفروع المعرفة بصفة عامة‬
‫ن كثيرا ً‬ ‫فإن المر يختلف عند تناول قضايا السلم وشريعته وأحكامه‪ .‬وذلك ل ّ‬
‫ممن يتصدرون للحديث عن السلم إعجابا ً وانبهارا ً قد يعتمدون في ذلك على‬
‫حصيلة أفكار وصلوا إليها بجهد ذاتي واطلع ساقهم إلى تصور لمبادئ‬
‫ن كثيرا ممن‬ ‫ً‬ ‫السلم وأحكامه في حدود ثقافاتهم الذاتية وفي المقابل أيضا ً فإ ّ‬
‫يشككون فيه أو في أحكامه ينطلقون كذلك من أحكام تجمعت لديهم من هنا‬
‫أو هناك فشكلت تصوراتهم وحددت قناعاتهم‪ .‬وفي كل الحالتين ـ العجاب أو‬
‫الرفض ـ لم يكن المر ملتزما ً بحقائق وضوابط علمية مما قد يسوق بعض‬
‫المتحمسين للسلم إلى خطر أشد ّ ممن يقاومونه أو يعارضونه‪.‬‬
‫ومن هنا نشأ الصراع بين الفكار المؤيدة للسلم والفكار المعارضة أو‬
‫ن كل العضوين ينطلق من حصيلة فكر ذاتي ومقدرات شخصية‬ ‫الناقدة له ل ّ‬
‫وليس من الواقع العملي الثابت المستمد من المصادر الصولية للسلم‬
‫والذي يظل متمثل ً في مصادر العلوم السلمية المعتمدة وما يتضمنه هذا‬
‫الدين يقينا ً ثابتا ً من العقائد والحكام القائمة من نصوص دالة عليه وفق‬
‫قواعد علم الفقه)]‪.([1‬‬
‫! اليمان ضابط الفكر‪:‬‬
‫ن الفكر السلمي ينضبط بضابط اليمان بحسبانه حجر الزاوية في مسار‬ ‫إ ّ‬
‫النشاط العقلي والسلوكي وعليه ـ أي على اليمان ـ يقوم أي تفسير أو تبيين‬
‫أي مصطلح حتى يتم إدراك الحقائق والمبادئ والسس التي قام عليها هذا‬
‫الدين‪ ،‬ويشمل ذلك اليمان‪:‬‬
‫]‪ [1‬اليمان بالله تعالى‪ ،‬وما أنزل من كتب وما بعث بها من رسل‪.‬‬
‫]‪ [2‬الثقة المستمدة من التجربة العلمية والممارسة الحية لشرائع الدين‬
‫دم ملموس‪.‬‬ ‫السلمي بما حقق من تغيير إيجابي وتق ّ‬
‫ن العلم عمل مكلف به النسان المخلوق وليس مجرد اجتهاد بشري‬ ‫]‪ [3‬أ ّ‬
‫تطوعي‪.‬‬
‫]‪ [4‬قدرة الشريعة السلمية على تحقيق الربط الصحيح والمنطقي وتأكيد‬
‫المعادلة الصحيحة بين طبيعة الحياة الدنيا وحقيقة العودة إلى الله أي فناء‬
‫الدنيا وبقاء الخرة‪.‬‬
‫ويظل الفكر السلمي المنطلق من هذه المسلمات خطابا ً دائما ً مستمرا ً‬
‫للمجتمع البشري يسع الزمان والمكان‪ ،‬يخاطب الملل والنحل والمذاهب‬
‫ويتعامل بإيجابية أمام التجاهات العاملة في حقل الحضارة المعاصرة كما‬
‫تعامل معها في الماضي‪.‬‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫قَناك ْ‬ ‫خل ْ‬‫س إ ِّنا َ‬ ‫ومن هنا جاء الخطاب السلمي موجها للناس‪َ } :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫عن ْد َ ك ُ ّ‬ ‫ُ‬
‫د…{ )]‬ ‫ج ٍ‬‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ذوا ِزين َت َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫خ ُ‬‫م ُ‬‫ن ذ َك َرٍ وَأن َْثى…{)]‪َ} ،([2‬يا ب َِني آد َ َ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫م ٍ‬ ‫وا إ ِلى كل ِ َ‬ ‫ب ت ََعال ْ‬ ‫‪([3‬كما خاطب أهل الكتب السماوية‪} :‬قل َيا أهْل الك َِتا ِ‬
‫ن{)]‪،([5‬‬ ‫بي‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ك اْل َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َ ِ َ‬ ‫شيَرت َ‬‫واٍء…{)]‪ ([4‬وخاطب الهل والعشيرة‪} :‬وَأن ْذِْر عَ ِ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت…{)]‬ ‫ذا ال ْب َي ْ ِ‬
‫ب هَ َ‬
‫دوا َر ّ‬‫ف فَل ْي َعْب ُ ُ‬
‫صي ْ ِ‬‫شَتاِء َوال ّ‬ ‫حل َ َ‬
‫ة ال ّ‬ ‫ش ِإيَلفِهِ ْ‬
‫م رِ ْ‬ ‫ف قَُري ْ ٍ‬‫ليَل ِ‬‫}ِِ‬
‫‪.([6‬‬
‫! مراحل الخطاب الدعوي في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم‬
‫‪:‬‬
‫وجاء الخطاب النبوي الشريف ليؤكد هذا المنحى فقد خاطب صلى الله عليه‬
‫وسلم قومه وأهله في مكة بالسلوب الذي يتناسب مع الوضع القائم في أول‬
‫سرية بما يصون مسيرة‬ ‫نزول الوحي فكان الخطاب عن طريق الدعوة ال ّ‬
‫صب ِْر{)]‪ ([7‬فقد جاء في خبر‬ ‫ك َفا ْ‬ ‫الداعية‪ ،‬ولذلك أمره تعالى بالصبر‪} :‬وَل َِرب ّ َ‬
‫إسلم عمر ابن عبسة رضي الله عنه حيث قال‪" :‬أتيت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم في أول ما بعث وهو بمكة وهو حيث مستخف")‪.(2‬‬
‫وكان تحركه وخطابه وسط الذين تربطهم به صلت مثل زوجته وموله وربيبه‬
‫وصديقه وكل من يطمئن إلى أنهم يكتمون سره‪.‬‬
‫ن طابع السرية كان أمرا ً لزما ً حيث ساد الطغيان وسيطر أهل‬ ‫ول شك أ ّ‬
‫الشرك واستحالت الحجة بالحجة وقوبل الرأي بالتعذيب والرهاب‪.‬‬
‫! مرحلة الجهر بالدعوة‪:‬‬
‫شيَرت َكَ‬ ‫َ‬
‫وكان الخطاب أول ً للقربين امتثال لمر الله سبحانه‪} :‬وَأن ْذِْر عَ ِ‬
‫ً‬
‫َ‬
‫ن…{ )]‪ ،([8‬فأخذ الخطاب جانب عاطفة القربى ووشيجة الصلة ـ‬ ‫اْلقَْرِبي َ‬
‫صلة الرحم ـ فقال لهم‪ :‬من يضمن عن ديني ومواعيدي ويكون معي في‬
‫الجنة ويكون خليفتي في أهلي؟ وعرض ذلك على أهل بيته… وكان يخاطبهم‬
‫)يا بني عبد المطلب(‪.‬‬

‫) ‪(239/1‬‬

‫وفي مرحلة تالية كان الخطاب جامعا ً لهله وعشيرته ومواطنيه من أهل مكة‬
‫حيث صعد الصفا وسألهم‪" :‬أرأيتم إن أخبرتكم أن خيل ً تخرج من سطح هذا‬
‫الجبل أكنتم مصدقي؟"‪ ..‬قالوا‪ :‬ما جربنا عليك كذبًا‪ ([9])..‬وبهذا التمهيد الذي‬
‫استفاد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من انطباع أهل مكة ومعرفتهم‬
‫بأخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفته المميزة وهي التصديق كان‬
‫الخطاب النبوي‪ ..‬بل إنه صلى الله عليه وسلم كان يختص كل قبيلة من‬
‫قبائل مكة بالنداء الخطابي المباشر‪" :‬يا بني كعب بن لؤي …"‪" ،‬يا بني‬
‫هاشم …"‪ ،‬يا بني عبد المطلب …"‪" ،‬يا فاطمة …"‪.‬‬
‫ويأمرهم‪) :‬أنقذوا أنفسكم من النار فإني ل أملك لكم من الله شيئا ً غير أني‬
‫لكم رحيمًا()]‪ ،([10‬وذأبت عقبة القرابة التي يقوم عليها العرب في حرارة‬
‫هذا النداء النبوي‪.‬‬
‫وهكذا جاء الخطاب الدعوي على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وفق مقتضيات المرحلة التي تعيشها الدعوة من جانب‪ ،‬ووفق طبيعة‬
‫الجمهور المستهدف من جانب آخر‪.‬‬
‫فخطاب القربين من الهل والصدقاء تميز بالسرية والدعوة لحمل أمانة‬
‫المسئولية بينما الخطاب الجماهيري للمجتمع المحلي جاء مقرونا ً بإثارة‬
‫العاطفة نحو الخذ بالدليل والبرهان الثابت استفادة من مفاهيم مسبقة‬
‫مبّلغ الرسالة نف ِ‬
‫سه‪.‬‬ ‫قِبل للرسالة عن ُ‬
‫يحملها المست َ ْ‬
‫ً‬
‫وجاء الخطاب النبوي لغير العرب خارج الجزيرة العربية متسقا مع طبيعة‬
‫المخاطبين ‪ ،‬ففي أواخر السنة السادسة حين رجع رسول الله صلى الله‬
‫ن‬‫عليه وسلم من الحديبية بدأ في مكاتبة الملوك يدعوهم للسلم ‪ ،‬ويوم أ ْ‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن أمثال هؤلء الملوك ل يقبلون خطابا ً ليس‬ ‫علم ـ عليه الصلة والسلم ـ بأ ّ‬
‫ضة نقشت عليه محمد‬ ‫ً‬
‫عليه خاتم‪ ،‬اتخذ ـ عليه الصلة والسلم ـ خاتما من ف ّ‬
‫رسول الله‪ ،‬واختار من أصحابه رسل ً لهم معرفة وخبرة وأرسلهم إلى هؤلء‬
‫الملوك وكان ذلك في السنة السابعة من الهجرة قبل خروجه صلى الله عليه‬
‫وسلم إلى خيبر كتب إلى النجاشي ملك الحبشة وإلى المقوقس ملك مصر‪،‬‬
‫وإلى كسرى ملك فارس‪ ،‬وإلى قيصر ملك الروم‪.‬‬
‫وكانت معظم هذه الرسائل تبدأ بالتعريف بالرسالة وحاملها ومبلغها ثم تدعو‬
‫المرسل إليه إلى إتباع هذا الدين بما يعود عليه بالسلمة في الدنيا والنجاة‬
‫في الخرة‪.‬‬
‫وقد فّرق الخطاب النبوي بين من هم أقرب للدين‪ ،‬وبين من هم على بعد‬
‫ومعاداة للعبودية الصحيحة فتميز خطابه إلى النجاشي وحاشيته وقد كانوا‬
‫واٍء‪ {..‬كذلك كان‬ ‫س َ‬‫مةٍ َ‬ ‫وا إ َِلى ك َل ِ َ‬ ‫ب ت ََعال َ ْ‬
‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ل َيا أ َهْ َ‬ ‫نصارى فخاطبهم‪} :‬قُ ْ‬
‫خطابه للمقوقس فإنه يحمل نفس المضمون لنهم أهل كتاب موضحا ً‬
‫اعتراف السلم بعيسى عليه السلم نبيا ً ورسول ً ليحدد نقطة اللتقاء بين‬
‫م أ َّل ن َعْب ُد َ إ ِّل‬‫واٍء ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫س َ‬‫مةٍ َ‬ ‫وا إ َِلى ك َل ِ َ‬ ‫ب ت ََعال َ ْ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ل َيا أ َهْ َ‬
‫الفكرتين‪} :‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫وا‬ ‫ن ت َوَل ّ ْ‬
‫ن الل ّهِ فَإ ِ ْ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ضا أْرَباًبا ِ‬ ‫خذ َ ب َعْ ُ‬
‫ضَنا ب َعْ ً‬ ‫شي ًْئا وََل ي َت ّ ِ‬‫ك ب ِهِ َ‬
‫َ‬
‫شرِ َ‬ ‫ه وََل ن ُ ْ‬
‫الل ّ َ‬
‫ن{)]‪.([11‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫دوا ب ِأّنا ُ‬‫شهَ ُ‬‫قوُلوا ا ْ‬ ‫فَ ُ‬
‫ما بالنسبة لكل من كسرى ملك فارس وقيصر ملك الروم‪ ،‬فإنهم كانوا على‬ ‫أ ّ‬
‫طرف بعيد من العقيدة والعبودية الصحيحة لذا كان الخطاب يتضمن بجانب‬
‫الدعوة للسلم التحذير والتهديد فقال لكسرى‪) :‬فإن أبيت فإن عليك إثم‪،(..‬‬
‫وقال لقيصر ملك الروم‪) :‬فإن أبيت فإن عليك إثم …()]‪.([12‬‬
‫ولعلنا من خلل هذه المؤشرات السريعة نلمس حرص الهادي المين على‬
‫اتخاذ السلوب المثل الذي يحقق أمرا ً أساسيا ً من العملية التصالية لغيره‬
‫ممن يهمه دعوتهم وتعريفهم بالرسالة الجديدة ويسعى إلى ضمهم حينئذٍ في‬
‫سبيل الله أو على القل تحقيق علقة سوية عادلة تسوق إلى موازنة لصالح‬
‫مسيرة الدعوة الجديدة وتفسح مجال ً أرحب لنمو الدولة الوليدة‪.‬‬
‫! من الهدي النبوي إلى الواقع المعاصر‪:‬‬
‫وبعد هذه المراحل الطويلة والتعقيدات الهائلة التي طرأت على المجتمعات‬
‫النسانية نجد أن الواقع المعاصر ما زال في حاجة إلى مضمون الخطاب‬
‫ن الرسالة السلمية‪،‬‬ ‫النبوي على الُرغم من تباين النظمة والتشريعات فإ ّ‬
‫إنما تتعامل مع فطرة النسان التي فطر الله الناس عليها مما يؤكد صلحية‬
‫الخطاب السلمي للمجتمع المعاصر وفق مقاييس جديدة وأساليب‬
‫مستحدثة لكنها ل تخرج عن ثوابت العقيدة وحقائق الشريعة القطعية‬
‫المعروفة‪.‬‬
‫وتظهر أهمية هذا المضمون السلمي للخطاب العلمي عندما تدرك خطورة‬
‫المواجهة بين الغرب العلماني والمجتمعات السلمية والتي أصبحت تحمل‬
‫كل أساليب الدعاية والتهام لكل ما هو منتسب للدين عامة والسلم بصفة‬
‫خاصة وساعد على ذلك عدة أسباب نذكر منها‪:‬‬
‫]‪ [1‬عداء الحضارة الغربية للكنيسة في وقت ما مما أصل عناصرها‬
‫ومظاهرها بعيدا ً عن قيم العنصرية ذاتها وانسحب ذلك أيضا ً على الدين‬
‫السلمي من وجهة نظر الغرب‪.‬‬

‫) ‪(239/2‬‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دم النموذج المطلوب لحضارة تقوم‬ ‫ن يق ّ‬


‫]‪ [2‬لم يستطع العالم السلمي أ ْ‬
‫ً‬
‫على أسس الدين والشريعة بما يقنع الغرب واقعيا بصلحية السلم ليكون‬
‫مكون نهضة وحضارة معاصرة‪ ،‬وكان ذلك لعجز المسلمين وليس مطلقا ً‬
‫لعجز السلم أو الدين‪.‬‬
‫ن‬‫]‪ [3‬القصور العلمي في كثير من الدول السلمية أتاح للمشروع الغربي أ ْ‬
‫يدعم تصوراته وأفكاره على حساب الخطاب السلمي الصحيح والذي كان‬
‫في شبه غيبوبة عن الساحة العلمية الدولية‪.‬‬
‫]‪ [4‬اختلف الرؤى الفكرية والعلمية في كثير من بلد المسلمين ودوله‬
‫وخصوصا ً حيال الحداث العالمية والقليمية بل والمحلية في وسائل إعلم‬
‫هذه الدول‪ .‬وافتقد الخطاب السلمي وجهته ووحدته المطلوبة وظهر وكأنه‬
‫تضارب وتعارض أمام المتلقي الغربي والجنبي… ولعل ما حدث في أزمة‬
‫الخليج ـ حرب العراق ـ وأزمة أفغانستان ما يصلح دليل ً على هذا التناقض‬
‫ويأتي اليوم ليكون شاهدا ً من خلل أزمة فلسطين… وهذه المواقف لعلها‬
‫أفقدت العالم السلمي وحدة الطرح العلمي للحداث مما كان له تأثيره‬
‫السلبي على الرسالة العلمية الصادرة‪.‬‬
‫لهذه الظواهر وأسبابها كان المر يستدعي عودة إلى الصول والهتداء‬
‫بالخطاب النبوي الذي كان يصدر عن قواعد وثوابت العقيدة وسلمة التصور‬
‫ووحدة الفكر‪.‬‬
‫ن عالمنا السلمي لم يعدم مطلقا ً هذه الثوابت بل هي ظاهرة ومتحركة في‬ ‫إ ّ‬
‫عقول وقلوب أبنائه ولكنه في حاجة ماسة إلى مشروع يرتكز على قاعدتين‬
‫أساسيتين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬قاعدة قوية أبناؤها مؤمنون‪ ،‬يحملون أمانة الدين وأمانة الدعوة‬
‫تتنامى روح السلم والغيرة عليه في قلوبهم وأرواحهم يتربون على معاني‬
‫الفضيلة والصدق واللتزام بقواعد السلم وشرائعه وأصوله اهتداًء بما قام به‬
‫دوا‬‫عاهَ ُ‬‫ما َ‬‫صد َُقوا َ‬
‫سّيد المرسلين في إعداد مثل هذا الصنف من الرجال‪َ } :‬‬
‫ه{)]‪ .([13‬فكانوا بحق إسلما ً حيا ً وقرآنا ً يتحرك… فإذا ما توفر هذا‬ ‫ه عَل َي ْ ِ‬‫الل ّ َ‬
‫العنصر الساس فإن عليهم دراسة المجتمع القائم وطبيعة الفكر المعاصر‬
‫وأساليبه والطلع والتحليل لثقافة الغرب‪ .‬ومعرفة أصولها ودواعيها بما‬
‫يمكنهم من قدرة الحديث بلغة يفهمها أهل الغرب ومن خلل الخطاب‬
‫دم السلم السلوك والعمل حتى‬ ‫العلمي لمثل هذه العقول والثقافات ُيق ّ‬
‫يقتنع الرأي العام بالرسالة الموجهة ويلمس أثرها‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬النص العلمي المحمول على وسائل وأنظمة تقنية حديثة بالخذ بكل‬
‫المكانات المتاحة التي تعين على توصيل الخطاب العلمي المسلم إلى‬
‫الجمهور المستهدف‪ ..‬وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفضل‬
‫الخلق إحسانا ً للكلمة وتصويرا ً لها‪ .‬كذلك جاء الصحابة مع أخذهم بكل‬
‫الوسائل المتاحة آنذاك في البلغ والشرح وضرب المثلة وإيصال كلمة الله‬
‫للناس‪ ..‬والعلمي المسلم اليوم مطالب بالخذ بكل أسلحة العصر في مجال‬
‫العلم‪ ،‬وإتقان صناعة الرسالة العلمية والمعلومة المفيدة والسبق بها في‬
‫ميادين المعرفة بما يعطي للرسالة السلمية لغة العصر وسلطة العصر)]‬
‫‪.([14‬‬
‫! مضامين الخطاب السلمي‪:‬‬
‫لبد من تمايز المضمون الذي يحمله الخطاب السلمي بحيث تتميز عن‬
‫المضمون الذي تحمله الرسائل الغربية وهذا أمر طبيعي لختلف منابع‬
‫الثقافتين حيث أن السلم ينطلق من منابع اليمان بالله رب العالمين‪ ،‬وبذلك‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن الغرب قد فقد في‬ ‫فإن قضية اليمان تعتبر إطارا أصيل ً لمضمون رسالي ل ّ‬
‫معظمه هذا الشعور‪ ..‬شعور الحساس بوجود الله ونور السماء‪ ..‬ففقد بذلك‬
‫الجابة الصحيحة عن حقيقة وجوده في الحياة ومعاشه في هذه الرض‬
‫فسخر وجوده لملذاته وشهواته ووضع قوته لذلل الخرين‪.‬‬
‫ن مخاطبة الرأي‬ ‫ولم يفكر يوما ً بأنه سيموت وُيبعث ويحاسب‪ .‬ويعني ذلك أ ّ‬
‫ن يحمل‬ ‫العام الغربي ل تكون مطلقا ً بفكر مكتسب ونظام مقتبس بل ل بد وأ ْ‬
‫الخطاب السلمي بما فيه من أصالة وجذور وتعاليم ومفاهيم تجبر المتلقي‬
‫الغربي على اللتفات إليها على اعتبار أنها شيء جديد لم يألفه من قبل‪.‬‬
‫فالغرب ليس إل الفكر القومي والتكتلت القتصادية والحلف العسكرية‬
‫سعيا ً وراء حضارة تسود وتعلو وتستمر وهنا دور المفكر ليقدم مفهوما ً جديدا ً‬
‫م…{)]‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ أ َت ْ َ‬
‫قاك ُ ْ‬ ‫مك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫للوحدة النسانية من خلل قوله تعالى‪} :‬إ َ‬
‫ن أك َْر َ‬
‫ِ ّ‬
‫‪ .([15‬وهذا المفهوم يحقق نظاما ً اجتماعيا ً له نسق متميز ل يقوم على‬
‫الجنس أو اللون أو التراب بل يستمد مقوماته من قيم عقيدة ومثل عليا‪.‬‬
‫ن المتلقي عندما يدرك هذه الحقيقة من خلل رسالة ناضجة متميزة يؤمن‬ ‫إ ّ‬
‫ن سماوية فل يحقد على أحد‬ ‫بأنه فرد في مجموعة تتسم بصفة أخلقية‪ ،‬ومعا ٍ‬
‫ول يعادي أحدا ً بل الجميع أمام الّرب العلى سبحانه سواء‪ ،‬وتقوم الوحدة‬
‫في ظل الخوة وليس في ظل الصراع أو الغلبة للقوى… وهذا أمر يفضح‬
‫الفكر اليهودي الذي يجعل من اليهود بشرا ً ومن الخرين غير بشر‪ ،‬ويرفض‬
‫الفكر النازي‪) ..‬ألمانيا فوق الجميع( ‪ ..‬ويبغض مفهوم العنصرية التي قطعت‬
‫العالم والشعوب‪.‬‬

‫) ‪(239/3‬‬

‫ن مفهوم الوحدة النسانية تحت مظلة العبودية لله واليمان به تنفي ثغرات‬ ‫إ ّ‬
‫الفرعونية والزنجية والتفرقة العنصرية وهذا ما تعانيه الحضارة المعاصرة‬
‫اليوم‪.‬‬
‫! مفهوم آخر وهو مفهوم حقوق النسان‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وهو ما تقوم به وسائل العلم في الغرب وتعتبره إنجازا حضاريا غير‬
‫ن الخطاب العلمي السلمي ل يستمد مادة هذه القضية من‬ ‫مسبوق‪ .‬فإ ّ‬
‫أصولها الغربية والتي نبعت أصل من مشاعر سالبة نتيجة للفوارق الجتماعية‬ ‫ً‬
‫والجنسية‪ ،‬فأصبحت تحمل مفاهيم تجرد النسان من دوره الجتماعي في‬
‫الحفاظ على القيم والمبادئ ومصالح الخرين‪.‬‬
‫ولعل من مظلة هذا المفهوم الغربي استباحة العراض وتبرج المرأة وإشاعة‬
‫الفواحش وحرية التصرف للصغير والكبير فدفعت المجتمع الوربي في هذه‬
‫الدوامة من المشكلت السلوكية والتمرد العائلي والتشرد والوقوع في‬
‫مصيدة المخدرات حتى تبنت هذه الحضارة نفسها أي الحضارة الغربية بعضا ً‬
‫أو كثيرا ً من هذه الفواحش والسلوكيات لتكون حقوقا ً تمنح للشعوب تحت‬
‫مظلة ومعاهدات دولية كمؤتمرات المرأة… الخ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والعرض السلمي للخطاب العلمي يحمل مفهوما متمايزا لهذه القضية‬
‫حيث أن حقوق النسان إنما هي سبيل للحق والحياة الكريمة من خلل هدي‬
‫القرآن في تكريم النسان وتفضيله على كثير من خلقه‪} :‬وَل َ َ‬
‫قد ْ ك َّر ْ‬
‫مَنا ب َِني‬
‫م عََلى ك َِثي ٍ‬
‫ر‬ ‫ضل َْناهُ ْ‬ ‫ن الط ّي َّبا ِ‬
‫ت وَفَ ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬
‫حرِ وََرَزقَْناهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫مل َْناهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫م وَ َ‬‫آد َ َ‬
‫ضيل{)]‪ .([16‬ومن ثم كانت الحقوق بالقدر الذي يصون‬ ‫ً‬ ‫ف ِ‬‫قَنا ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫خل ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ّ‬‫ِ‬
‫ً‬
‫للمجتمع أمنه وسلمته ورخاءه‪ .‬فأعطى السلم حقوقا ل تعرفها الحضارة‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الغربية اليوم كحق الوالدين على أولدهما وحق الزوجة على زوجها‪ ،‬وحق‬
‫اليتيم على المجتمع‪ ،‬وحق السائل والمحروم‪ ،‬وحق المحكوم على الحاكم‪.‬‬
‫ن تكون رسائل إعلمية‬ ‫إنها مفاهيم جديدة لم يألفها مجتمع الغرب‪ ،‬تصلح أ ْ‬
‫تحملها وسائل العلم ضمن برامج متعددة‪ :‬تشمل المسرحية والكلمة‬
‫المباشرة والمقالة المكتوبة واللوحة المرسومة والكتاب المطبوع‪.‬‬
‫وإذا كانت هاتان القضيتان‪ :‬قضية الوحدة النسانية وقضية حقوق النسان من‬
‫قضايا العلم المعاصر‪ ،‬فإن الكثير من قضايا العالم يحتاج إلى طرح إسلمي‬
‫ن‬
‫يلفت نظر الغرب إلى هذا الدين كقضية المرأة ومكانتها في السلم بعد أ ْ‬
‫أصبحت سلعة يتاجر بها في الغرب وفقدت أنوثتها وأصبحت لهثة وراء لقمة‬
‫عيشها‪ .‬وقضية الحرب والسلم والصراع العالمي بالسلح وما يصرف عليه‬
‫ن السلم جعل السلم أساس الحياة والحرب‬ ‫من أموال وميزانيات وكيف أ ّ‬
‫والقتال إنما الصل فيهما إقرار السلم والحياة الهانئة‪.‬‬
‫وكذا قضية المال والقتصاد والصراع الربوي والذي أمكن للسلم بفضل الله‬
‫ن يعيد النظرة إلى المال باعتباره مال الله فحرم الربا ودعا إلى التكامل‬ ‫أ ْ‬
‫ن يتبناها الخطاب العلمي السلمي وفق‬ ‫وغير ذلك من القضايا التي يجب أ ْ‬
‫الشرطين الساسيين السابق الشارة إليهما وهما‪:‬‬
‫]‪ [1‬تقديم النموذج العلمي‪.‬‬
‫]‪ [2‬استخدام الوسائل المتاحة المقدمة‪.‬‬
‫! متطلبات الخطاب السلمي‪:‬‬
‫ن المفكر المسلم الصادق ل يفتقر إلى الجانب السلمي في قوة‬ ‫ل شك أ ّ‬
‫الطرح لفكره حيث إنه يعتمد على قوى يستمدها من السماء‪ ،‬ويتميز بسمات‬
‫واضحة‪:‬‬
‫]‪ [1‬فكر صادر وفق هدي عن خالق عالم بالنفس النسانية وطبيعتها قادر‬
‫على كشف ما خفي وما ظهر من علم بالغيب في الحاضر والمستقبل‪.‬‬
‫]‪ [2‬فكر يتلءم ويتماشى مع الحياة العصرية ومستحدثاتها المتقدمة وفق‬
‫ضوابط أصولية تحرص على اليجابيات وتبتعد عن السلبيات وتخضع لمقاييس‬
‫ثابتة وأصول واضحة في الوقت الذي يرفض فيه التخلف والنحطاط‬
‫والرذائل‪.‬‬
‫]‪ [3‬فكر يربط تعمير الرض ونمو المجتمع وازدهار الحياة الجتماعية‬
‫والقتصادية بتعمير القلوب وطهارة النفوس ونقاء الوسائل بل ويعتبر‬
‫التقصير فيما تتطلبه الحياة البشرية والمجتمعات النسانية من نماء وعمارة‬
‫يعتبر تخلفا ً وإثما ً يستحق عقاب الله‪ ،‬فالعمل عبادة وتقّرب إلى الخالق‬
‫سبحانه‪.‬‬
‫بمثل هذه العناصر الساسية ينطلق حامل الرسالة العلمية ليخاطب‬
‫ن الدين‬‫المجتمع الوربي في حالته التي يشعر فيها أنه قد تحضر وتمدن وأ ّ‬
‫ن السلم هو دين يعرض بقوة فكرة تعمير الرض‬ ‫تخلف ورجعية ليعلن أ ّ‬
‫ن يتجاهل‬ ‫والنتقال من مرحلة التخلف ول يرفض أقصى مراحل التقدم دون أ ْ‬
‫الرابط القوي بين السماء والرض وبين الخالق والمخلوق‪.‬‬
‫ن يخرج للعالم بوضوح وقوة‬ ‫بهذه المنطلقات يمكن للخطاب السلمي أ ْ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تحقق التفاف الجمهور المستهدف وتوجد رأيا عاما جديدا تقنعه الفكرة‬
‫ويعجبه السلوك العملي‪.‬‬
‫ن العالم اليوم‬ ‫ن يدرك أ ّ‬
‫ن على العلمي المسلم صاحب الرسالة السلمية أ ْ‬ ‫إ ّ‬
‫ل يعيش أزمة مال ول رجال‪ ،‬ولكنه يعيش أزمة قيم ومفاهيم رسالية هادفة‬
‫تحملها أفكار سليمة من عقائد لها قدرة نقل النسان إلى شاطئ المان بعد‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن دمرت الحضارة الحديثة معاني المن والمان في نفوس الفراد والمم‪.‬‬


‫أ ْ‬
‫المراجع‬

‫) ‪(239/4‬‬

‫]‪ [1‬إشكاليات العمل العلمي بين الثوابت والمعطيات }كتاب المة{‪ ،‬د‪.‬‬
‫محي الدين عبد الحليم ‪.‬‬
‫]‪ [2‬العلم في ديار السلم‪ ،‬بداية ورسالة‪ ،‬د ‪ .‬يوسف محي الدين أبو هللة‪.‬‬
‫]‪ [3‬الجهاد في السلم‪ ،‬كيف نفهمه وكيف نمارسه؟ د‪ .‬محمد سعيد البوطي‪.‬‬
‫]‪ [4‬دعوة الجماهير‪ ،‬مكونات الخطاب ووسائل التسديد }كتاب المة{‪،‬‬
‫د‪.‬عبدالله الزبير عبد الرحمن‪.‬‬
‫]‪ [5‬السيرة النبوية في ضوء المصادر الصلية‪ ،‬د‪ .‬مهدي رزق الله‪.‬‬
‫]‪ [6‬قضايا العلم في المجتمع‪ ،‬د‪ .‬عبد الله سعود البطريق‪.‬‬
‫]‪ [7‬المسئولية العلمية في السلم‪ ،‬د‪ .‬محمد سيد أحمد‪.‬‬
‫]‪ [8‬من قضايا الفكر في وسائل العلم‪ ،‬حمد بكر عليان‪.‬‬
‫]‪ [9‬المنهج الحركي للسيرة النبوية‪ ،‬د‪ .‬منير محمد الغضبان‪.‬‬
‫‪------------------------------------------------------------‬‬
‫)]‪ ([1‬انظر‪ :‬د‪ .‬محمد سعيد البوطي‪ ،‬كتاب الجهاد في السلم‪ ،‬المقدمة‪ ،‬ص‬
‫‪.12‬‬
‫)]‪ ([2‬سورة الحجرات‪ ،‬الية )‪.(13‬‬
‫)]‪ ([3‬سورة العراف‪ ،‬الية )‪.(31‬‬
‫)]‪ ([4‬سورة آل عمران‪ ،‬الية )‪.(64‬‬
‫)]‪ ([5‬سورة الشعراء‪ ،‬الية )‪.(214‬‬
‫)]‪ ([6‬سورة قريش‪ ،‬اليات )‪ 1‬ـ ‪.(3‬‬
‫)]‪ ([7‬سورة المدثر‪ ،‬الية )‪.(7‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم برقم ‪.1/569 ،836‬‬
‫)]‪ ([8‬سورة الشعراء‪ ،‬الية )‪.(214‬‬
‫)]‪ ([9‬فتح الباري‪ ،‬باب تفسير سورة الشعراء‪ ،‬الحديث رقم ‪.4771‬‬
‫)]‪ ([10‬السيرة النبوية في ضوء المصادر الصلية‪ :‬د‪ .‬مهدي رزق الله أحمد‪،‬‬
‫مركز الملك فيصل للبحوث‪ ،‬الطبعة الولى‪1993 ،‬م‪ ،‬ص ‪.16560‬‬
‫)]‪ ([11‬سورة آل عمران‪ ،‬الية )‪.(64‬‬
‫)]‪ ([12‬انظر‪ :‬المنهج الحركي للسيرة النبوية‪ ،‬د‪ .‬منير محمد الغضبان‪.2/48 ،‬‬
‫)]‪ ([13‬سورة الحزاب‪ ،‬الية )‪.(23‬‬
‫)]‪ ([14‬حمد بكر العليان‪ :‬من قضايا الفكر في وسائل العلم‪ ،‬رمضان ‪1406‬‬
‫هـ‪.‬‬
‫)]‪ ([15‬سورة الحجرات‪ ،‬الية )‪.(13‬‬
‫)]‪ ([16‬سورة السراء ‪ ،‬الية )‪. (70‬‬
‫أساليب ومضامين الخطاب السلمي)‪ (2/3‬د‪ .‬أحمد حسن محمد*‬
‫مراحل الخطاب الدعوي في سيرة المصطفى‬
‫وجاء الخطاب النبوي الشريف ليؤكد هذا المنحى فقد خاطب صلى الله عليه‬
‫وسلم قومه وأهله في مكة بالسلوب الذي يتناسب مع الوضع القائم في أول‬
‫سرية بما يصون مسيرة‬ ‫نزول الوحي فكان الخطاب عن طريق الدعوة ال ّ‬
‫صب ِْر()]‪ ([1‬فقد جاء في خبر‬ ‫الداعية‪ ،‬ولذلك أمره تعالى بالصبر‪) :‬وَل َِرب ّ َ‬
‫ك َفا ْ‬
‫إسلم عمر ابن عبسة رضي الله عنه حيث قال‪" :‬أتيت رسول الله صلى الله‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليه وسلم في أول ما بعث وهو بمكة وهو حيث مستخف")‪.(2‬‬


‫وكان تحركه وخطابه وسط الذين تربطهم به صلت مثل زوجته وموله وربيبه‬
‫وصديقه وكل من يطمئن إلى أنهم يكتمون سره‪.‬‬
‫ن طابع السرية كان أمرا ً لزما ً حيث ساد الطغيان وسيطر أهل‬ ‫ول شك أ ّ‬
‫الشرك واستحالت الحجة بالحجة وقوبل الرأي بالتعذيب والرهاب‪.‬‬
‫! مرحلة الجهر بالدعوة‪:‬‬
‫شيَرت َ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫وكان الخطاب أول ً للقربين امتثال ً لمر الله سبحانه‪) :‬وَأن ْذِْر عَ ِ‬
‫َ‬
‫ن…( )]‪ ،([2‬فأخذ الخطاب جانب عاطفة القربى ووشيجة الصلة ـ‬ ‫اْلقَْرِبي َ‬
‫صلة الرحم ـ فقال لهم‪ :‬من يضمن عن ديني ومواعيدي ويكون معي في‬
‫الجنة ويكون خليفتي في أهلي؟ وعرض ذلك على أهل بيته… وكان يخاطبهم‬
‫)يا بني عبد المطلب(‪.‬‬
‫ً‬
‫وفي مرحلة تالية كان الخطاب جامعا لهله وعشيرته ومواطنيه من أهل مكة‬
‫حيث صعد الصفا وسألهم‪" :‬أرأيتم إن أخبرتكم أن خيل ً تخرج من سطح هذا‬
‫الجبل أكنتم مصدقي؟"‪ ..‬قالوا‪ :‬ما جربنا عليك كذبًا‪ ([3])..‬وبهذا التمهيد الذي‬
‫استفاد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من انطباع أهل مكة ومعرفتهم‬
‫بأخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفته المميزة وهي التصديق كان‬
‫الخطاب النبوي‪ ..‬بل إنه صلى الله عليه وسلم كان يختص كل قبيلة من‬
‫قبائل مكة بالنداء الخطابي المباشر‪" :‬يا بني كعب بن لؤي …"‪" ،‬يا بني‬
‫هاشم …"‪ ،‬يا بني عبد المطلب …"‪" ،‬يا فاطمة …"‪.‬‬
‫ويأمرهم‪) :‬أنقذوا أنفسكم من النار فإني ل أملك لكم من الله شيئا ً غير أني‬
‫لكم رحيمًا()]‪ ،([4‬وذأبت عقبة القرابة التي يقوم عليها العرب في حرارة هذا‬
‫النداء النبوي‪.‬‬
‫وهكذا جاء الخطاب الدعوي على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وفق مقتضيات المرحلة التي تعيشها الدعوة من جانب‪ ،‬ووفق طبيعة‬
‫الجمهور المستهدف من جانب آخر‪.‬‬
‫فخطاب القربين من الهل والصدقاء تميز بالسرية والدعوة لحمل أمانة‬
‫المسئولية بينما الخطاب الجماهيري للمجتمع المحلي جاء مقرونا ً بإثارة‬
‫العاطفة نحو الخذ بالدليل والبرهان الثابت استفادة من مفاهيم مسبقة‬
‫سه‪.‬‬‫مبّلغ الرسالة نف ِ‬
‫قِبل للرسالة عن ُ‬ ‫يحملها المست َ ْ‬

‫) ‪(239/5‬‬

‫وجاء الخطاب النبوي لغير العرب خارج الجزيرة العربية متسقا ً مع طبيعة‬
‫المخاطبين ‪ ،‬ففي أواخر السنة السادسة حين رجع رسول الله صلى الله‬
‫ن‬
‫عليه وسلم من الحديبية بدأ في مكاتبة الملوك يدعوهم للسلم ‪ ،‬ويوم أ ْ‬
‫ن أمثال هؤلء الملوك ل يقبلون خطابا ً ليس‬‫علم ـ عليه الصلة والسلم ـ بأ ّ‬
‫ضة نقشت عليه محمد‬ ‫ً‬
‫عليه خاتم‪ ،‬اتخذ ـ عليه الصلة والسلم ـ خاتما من ف ّ‬
‫رسول الله‪ ،‬واختار من أصحابه رسل ً لهم معرفة وخبرة وأرسلهم إلى هؤلء‬
‫الملوك وكان ذلك في السنة السابعة من الهجرة قبل خروجه صلى الله عليه‬
‫وسلم إلى خيبر كتب إلى النجاشي ملك الحبشة وإلى المقوقس ملك مصر‪،‬‬
‫وإلى كسرى ملك فارس‪ ،‬وإلى قيصر ملك الروم‪.‬‬
‫وكانت معظم هذه الرسائل تبدأ بالتعريف بالرسالة وحاملها ومبلغها ثم تدعو‬
‫المرسل إليه إلى إتباع هذا الدين بما يعود عليه بالسلمة في الدنيا والنجاة‬
‫في الخرة‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقد فّرق الخطاب النبوي بين من هم أقرب للدين‪ ،‬وبين من هم على بعد‬
‫ومعاداة للعبودية الصحيحة فتميز خطابه إلى النجاشي وحاشيته وقد كانوا‬
‫واٍء‪ (..‬كذلك كان‬ ‫س َ‬ ‫مةٍ َ‬ ‫وا إ َِلى ك َل ِ َ‬ ‫ب ت ََعال َ ْ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬‫ل َيا أ َهْ َ‬ ‫نصارى فخاطبهم‪) :‬قُ ْ‬
‫خطابه للمقوقس فإنه يحمل نفس المضمون لنهم أهل كتاب موضحا ً‬
‫اعتراف السلم بعيسى صلى الله عليه وسلم نبيا ً ورسول ً ليحدد نقطة‬
‫واٍء ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫س َ‬‫مةٍ َ‬ ‫وا إ َِلى ك َل ِ َ‬ ‫ب ت ََعال َ ْ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ل َيا أ َهْ َ‬ ‫اللتقاء بين الفكرتين‪) :‬قُ ْ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه وََل ن ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن الل ِ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬‫ضا أْرَباًبا ِ‬ ‫ضَنا ب َعْ ً‬‫خذ َ ب َعْ ُ‬ ‫شي ًْئا وَل ي َت ّ ِ‬ ‫ك ب ِهِ َ‬ ‫شرِ َ‬ ‫أّل ن َعْب ُد َ إ ِّل الل ّ َ‬
‫َ‬ ‫قوُلوا ا ْ‬
‫ن()]‪.([5‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫دوا ب ِأّنا ُ‬ ‫شهَ ُ‬ ‫وا فَ ُ‬‫ن ت َوَل ّ ْ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫ما بالنسبة لكل من كسرى ملك فارس وقيصر ملك الروم‪ ،‬فإنهم كانوا على‬ ‫أ ّ‬
‫طرف بعيد من العقيدة والعبودية الصحيحة لذا كان الخطاب يتضمن بجانب‬
‫الدعوة للسلم التحذير والتهديد فقال لكسرى‪) :‬فإن أبيت فإن عليك إثم‪،(..‬‬
‫وقال لقيصر ملك الروم‪) :‬فإن أبيت فإن عليك إثم …()]‪.([6‬‬
‫ولعلنا من خلل هذه المؤشرات السريعة نلمس حرص الهادي المين على‬
‫اتخاذ السلوب المثل الذي يحقق أمرا ً أساسيا ً من العملية التصالية لغيره‬
‫ممن يهمه دعوتهم وتعريفهم بالرسالة الجديدة ويسعى إلى ضمهم حينئذٍ في‬
‫سبيل الله أو على القل تحقيق علقة سوية عادلة تسوق إلى موازنة لصالح‬
‫مسيرة الدعوة الجديدة وتفسح مجال ً أرحب لنمو الدولة الوليدة‪.‬‬
‫! من الهدي النبوي إلى الواقع المعاصر‪:‬‬
‫وبعد هذه المراحل الطويلة والتعقيدات الهائلة التي طرأت على المجتمعات‬
‫النسانية نجد أن الواقع المعاصر ما زال في حاجة إلى مضمون الخطاب‬
‫ن الرسالة السلمية‪،‬‬ ‫النبوي على الُرغم من تباين النظمة والتشريعات فإ ّ‬
‫إنما تتعامل مع فطرة النسان التي فطر الله الناس عليها مما يؤكد صلحية‬
‫الخطاب السلمي للمجتمع المعاصر وفق مقاييس جديدة وأساليب‬
‫مستحدثة لكنها ل تخرج عن ثوابت العقيدة وحقائق الشريعة القطعية‬
‫المعروفة‪.‬‬
‫وتظهر أهمية هذا المضمون السلمي للخطاب العلمي عندما تدرك خطورة‬
‫المواجهة بين الغرب العلماني والمجتمعات السلمية والتي أصبحت تحمل‬
‫كل أساليب الدعاية والتهام لكل ما هو منتسب للدين عامة والسلم بصفة‬
‫خاصة وساعد على ذلك عدة أسباب نذكر منها‪:‬‬
‫]‪ [1‬عداء الحضارة الغربية للكنيسة في وقت ما مما أصل عناصرها‬
‫ومظاهرها بعيدا ً عن قيم العنصرية ذاتها وانسحب ذلك أيضا ً على الدين‬
‫السلمي من وجهة نظر الغرب‪.‬‬
‫دم النموذج المطلوب لحضارة تقوم‬ ‫ن يق ّ‬ ‫]‪ [2‬لم يستطع العالم السلمي أ ْ‬
‫ً‬
‫على أسس الدين والشريعة بما يقنع الغرب واقعيا بصلحية السلم ليكون‬
‫مكون نهضة وحضارة معاصرة‪ ،‬وكان ذلك لعجز المسلمين وليس مطلقا ً‬
‫لعجز السلم أو الدين‪.‬‬
‫ن‬
‫]‪ [3‬القصور العلمي في كثير من الدول السلمية أتاح للمشروع الغربي أ ْ‬
‫يدعم تصوراته وأفكاره على حساب الخطاب السلمي الصحيح والذي كان‬
‫في شبه غيبوبة عن الساحة العلمية الدولية‪.‬‬
‫]‪ [4‬اختلف الرؤى الفكرية والعلمية في كثير من بلد المسلمين ودوله‬
‫وخصوصا ً حيال الحداث العالمية والقليمية بل والمحلية في وسائل إعلم‬
‫هذه الدول‪ .‬وافتقد الخطاب السلمي وجهته ووحدته المطلوبة وظهر وكأنه‬
‫تضارب وتعارض أمام المتلقي الغربي والجنبي… ولعل ما حدث في أزمة‬
‫الخليج ـ حرب العراق ـ وأزمة أفغانستان ما يصلح دليل ً على هذا التناقض‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويأتي اليوم ليكون شاهدا ً من خلل أزمة فلسطين… وهذه المواقف لعلها‬
‫أفقدت العالم السلمي وحدة الطرح العلمي للحداث مما كان له تأثيره‬
‫السلبي على الرسالة العلمية الصادرة‪.‬‬
‫لهذه الظواهر وأسبابها كان المر يستدعي عودة إلى الصول والهتداء‬
‫بالخطاب النبوي الذي كان يصدر عن قواعد وثوابت العقيدة وسلمة التصور‬
‫ووحدة الفكر‪.‬‬
‫ً‬
‫ن عالمنا السلمي لم يعدم مطلقا هذه الثوابت بل هي ظاهرة ومتحركة في‬ ‫إ ّ‬
‫عقول وقلوب أبنائه ولكنه في حاجة ماسة إلى مشروع يرتكز على قاعدتين‬
‫أساسيتين‪:‬‬

‫) ‪(239/6‬‬

‫أولهما‪ :‬قاعدة قوية أبناؤها مؤمنون‪ ،‬يحملون أمانة الدين وأمانة الدعوة‬
‫تتنامى روح السلم والغيرة عليه في قلوبهم وأرواحهم يتربون على معاني‬
‫الفضيلة والصدق واللتزام بقواعد السلم وشرائعه وأصوله اهتداًء بما قام به‬
‫دوا‬‫عاهَ ُ‬
‫ما َ‬‫صد َُقوا َ‬
‫سّيد المرسلين في إعداد مثل هذا الصنف من الرجال‪َ ) :‬‬
‫ه()]‪ .([7‬فكانوا بحق إسلما ً حيا ً وقرآنا ً يتحرك… فإذا ما توفر هذا‬ ‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫الل ّ َ‬
‫العنصر الساس فإن عليهم دراسة المجتمع القائم وطبيعة الفكر المعاصر‬
‫وأساليبه والطلع والتحليل لثقافة الغرب‪ .‬ومعرفة أصولها ودواعيها بما‬
‫يمكنهم من قدرة الحديث بلغة يفهمها أهل الغرب ومن خلل الخطاب‬
‫دم السلم السلوك والعمل حتى‬ ‫العلمي لمثل هذه العقول والثقافات ُيق ّ‬
‫يقتنع الرأي العام بالرسالة الموجهة ويلمس أثرها‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬النص العلمي المحمول على وسائل وأنظمة تقنية حديثة بالخذ بكل‬
‫المكانات المتاحة التي تعين على توصيل الخطاب العلمي المسلم إلى‬
‫الجمهور المستهدف‪ ..‬وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفضل‬
‫الخلق إحسانا ً للكلمة وتصويرا ً لها‪ .‬كذلك جاء الصحابة مع أخذهم بكل‬
‫الوسائل المتاحة آنذاك في البلغ والشرح وضرب المثلة وإيصال كلمة الله‬
‫للناس‪ ..‬والعلمي المسلم اليوم مطالب بالخذ بكل أسلحة العصر في مجال‬
‫العلم‪ ،‬وإتقان صناعة الرسالة العلمية والمعلومة المفيدة والسبق بها في‬
‫ميادين المعرفة بما يعطي للرسالة السلمية لغة العصر وسلطة العصر)]‬
‫‪.([8‬‬
‫)]‪ ([1‬سورة المدثر‪ ،‬الية )‪.(7‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم برقم ‪.1/569 ،836‬‬
‫)]‪ ([2‬سورة الشعراء‪ ،‬الية )‪.(214‬‬
‫)]‪ ([3‬فتح الباري‪ ،‬باب تفسير سورة الشعراء‪ ،‬الحديث رقم ‪.4771‬‬
‫)]‪ ([4‬السيرة النبوية في ضوء المصادر الصلية‪ :‬د‪ .‬مهدي رزق الله أحمد‪،‬‬
‫مركز الملك فيصل للبحوث‪ ،‬الطبعة الولى‪1993 ،‬م‪ ،‬ص ‪.16560‬‬
‫)]‪ ([5‬سورة آل عمران‪ ،‬الية )‪.(64‬‬
‫)]‪ ([6‬انظر‪ :‬المنهج الحركي للسيرة النبوية‪ ،‬د‪ .‬منير محمد الغضبان‪.2/48 ،‬‬
‫)]‪ ([7‬سورة الحزاب‪ ،‬الية )‪.(23‬‬
‫)]‪ ([8‬حمد بكر العليان‪ :‬من قضايا الفكر في وسائل العلم‪ ،‬رمضان ‪1406‬‬
‫هـ‪.‬‬
‫أساليب ومضامين الخطاب السلمي)‪ (3/3‬د‪ .‬أحمد حسن محمد*‬
‫مضامين الخطاب السلمي‪:‬‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لبد من تمايز المضمون الذي يحمله الخطاب السلمي بحيث تتميز عن‬
‫المضمون الذي تحمله الرسائل الغربية وهذا أمر طبيعي لختلف منابع‬
‫الثقافتين حيث أن السلم ينطلق من منابع اليمان بالله رب العالمين‪ ،‬وبذلك‬
‫ن الغرب قد فقد في‬ ‫فإن قضية اليمان تعتبر إطارا أصيل ً لمضمون رسالي ل ّ‬
‫معظمه هذا الشعور‪ ..‬شعور الحساس بوجود الله ونور السماء‪ ..‬ففقد بذلك‬
‫الجابة الصحيحة عن حقيقة وجوده في الحياة ومعاشه في هذه الرض‬
‫فسخر وجوده لملذاته وشهواته ووضع قوته لذلل الخرين‪.‬‬
‫ن مخاطبة الرأي‬ ‫ولم يفكر يوما ً بأنه سيموت وُيبعث ويحاسب‪ .‬ويعني ذلك أ ّ‬
‫ن يحمل‬ ‫العام الغربي ل تكون مطلقا ً بفكر مكتسب ونظام مقتبس بل ل بد وأ ْ‬
‫الخطاب السلمي بما فيه من أصالة وجذور وتعاليم ومفاهيم تجبر المتلقي‬
‫الغربي على اللتفات إليها على اعتبار أنها شيء جديد لم يألفه من قبل‪.‬‬
‫فالغرب ليس إل الفكر القومي والتكتلت القتصادية والحلف العسكرية‬
‫سعيا ً وراء حضارة تسود وتعلو وتستمر وهنا دور المفكر ليقدم مفهوما ً جديدا ً‬
‫م…{)]‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ أ َت ْ َ‬
‫قاك ُ ْ‬ ‫مك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫للوحدة النسانية من خلل قوله تعالى‪} :‬إ َ‬
‫ن أك َْر َ‬
‫ِ ّ‬
‫‪ .([1‬وهذا المفهوم يحقق نظاما ً اجتماعيا ً له نسق متميز ل يقوم على الجنس‬
‫أو اللون أو التراب بل يستمد مقوماته من قيم عقيدة ومثل عليا‪.‬‬
‫ن المتلقي عندما يدرك هذه الحقيقة من خلل رسالة ناضجة متميزة يؤمن‬ ‫إ ّ‬
‫ن سماوية فل يحقد على أحد‬ ‫بأنه فرد في مجموعة تتسم بصفة أخلقية‪ ،‬ومعا ٍ‬
‫ول يعادي أحدا ً بل الجميع أمام الّرب العلى سبحانه سواء‪ ،‬وتقوم الوحدة‬
‫في ظل الخوة وليس في ظل الصراع أو الغلبة للقوى… وهذا أمر يفضح‬
‫الفكر اليهودي الذي يجعل من اليهود بشرا ً ومن الخرين غير بشر‪ ،‬ويرفض‬
‫الفكر النازي‪) ..‬ألمانيا فوق الجميع( ‪ ..‬ويبغض مفهوم العنصرية التي قطعت‬
‫العالم والشعوب‪.‬‬
‫ن مفهوم الوحدة النسانية تحت مظلة العبودية لله واليمان به تنفي ثغرات‬ ‫إ ّ‬
‫الفرعونية والزنجية والتفرقة العنصرية وهذا ما تعانيه الحضارة المعاصرة‬
‫اليوم‪.‬‬
‫مفهوم آخر وهو مفهوم حقوق النسان‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وهو ما تقوم به وسائل العلم في الغرب وتعتبره إنجازا حضاريا غير‬
‫ن الخطاب العلمي السلمي ل يستمد مادة هذه القضية من‬ ‫مسبوق‪ .‬فإ ّ‬
‫أصولها الغربية والتي نبعت أصل ً من مشاعر سالبة نتيجة للفوارق الجتماعية‬
‫والجنسية‪ ،‬فأصبحت تحمل مفاهيم تجرد النسان من دوره الجتماعي في‬
‫الحفاظ على القيم والمبادئ ومصالح الخرين‪.‬‬

‫) ‪(239/7‬‬

‫ولعل من مظلة هذا المفهوم الغربي استباحة العراض وتبرج المرأة وإشاعة‬
‫الفواحش وحرية التصرف للصغير والكبير فدفعت المجتمع الوربي في هذه‬
‫الدوامة من المشكلت السلوكية والتمرد العائلي والتشرد والوقوع في‬
‫مصيدة المخدرات حتى تبنت هذه الحضارة نفسها أي الحضارة الغربية بعضا ً‬
‫أو كثيرا ً من هذه الفواحش والسلوكيات لتكون حقوقا ً تمنح للشعوب تحت‬
‫مظلة ومعاهدات دولية كمؤتمرات المرأة… الخ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والعرض السلمي للخطاب العلمي يحمل مفهوما متمايزا لهذه القضية‬
‫حيث أن حقوق النسان إنما هي سبيل للحق والحياة الكريمة من خلل هدي‬
‫القرآن في تكريم النسان وتفضيله على كثير من خلقه‪} :‬وَل َ َ‬
‫قد ْ ك َّر ْ‬
‫مَنا ب َِني‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م عََلى ك َِثيرٍ‬‫ضل َْناهُ ْ‬ ‫ن الط ّي َّبا ِ‬


‫ت وَفَ ّ‬ ‫م َ‬
‫م ِ‬ ‫م ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬
‫حرِ وََرَزقَْناهُ ْ‬ ‫مل َْناهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫م وَ َ‬‫آد َ َ‬
‫ضيل{)]‪ .([2‬ومن ثم كانت الحقوق بالقدر الذي يصون للمجتمع‬ ‫ً‬ ‫ف ِ‬‫قَنا ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫خل ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ّ‬‫ِ‬
‫ً‬
‫أمنه وسلمته ورخاءه‪ .‬فأعطى السلم حقوقا ل تعرفها الحضارة الغربية‬
‫اليوم كحق الوالدين على أولدهما وحق الزوجة على زوجها‪ ،‬وحق اليتيم على‬
‫المجتمع‪ ،‬وحق السائل والمحروم‪ ،‬وحق المحكوم على الحاكم‪ .‬إنها مفاهيم‬
‫ن تكون رسائل إعلمية تحملها وسائل‬ ‫جديدة لم يألفها مجتمع الغرب‪ ،‬تصلح أ ْ‬
‫العلم ضمن برامج متعددة‪ :‬تشمل المسرحية والكلمة المباشرة والمقالة‬
‫المكتوبة واللوحة المرسومة والكتاب المطبوع‪.‬‬
‫وإذا كانت هاتان القضيتان‪ :‬قضية الوحدة النسانية وقضية حقوق النسان من‬
‫قضايا العلم المعاصر‪ ،‬فإن الكثير من قضايا العالم يحتاج إلى طرح إسلمي‬
‫ن‬‫يلفت نظر الغرب إلى هذا الدين كقضية المرأة ومكانتها في السلم بعد أ ْ‬
‫أصبحت سلعة يتاجر بها في الغرب وفقدت أنوثتها وأصبحت لهثة وراء لقمة‬
‫عيشها‪ .‬وقضية الحرب والسلم والصراع العالمي بالسلح وما يصرف عليه‬
‫ن السلم جعل السلم أساس الحياة والحرب‬ ‫من أموال وميزانيات وكيف أ ّ‬
‫والقتال إنما الصل فيهما إقرار السلم والحياة الهانئة‪.‬‬
‫وكذا قضية المال والقتصاد والصراع الربوي والذي أمكن للسلم بفضل الله‬
‫ن يعيد النظرة إلى المال باعتباره مال الله فحرم الربا ودعا إلى التكامل‬ ‫أ ْ‬
‫ن يتبناها الخطاب العلمي السلمي وفق‬ ‫وغير ذلك من القضايا التي يجب أ ْ‬
‫الشرطين الساسيين السابق الشارة إليهما وهما‪:‬‬
‫]‪ [1‬تقديم النموذج العلمي‪.‬‬
‫]‪ [2‬استخدام الوسائل المتاحة المقدمة‪.‬‬
‫! متطلبات الخطاب السلمي‪:‬‬
‫ن المفكر المسلم الصادق ل يفتقر إلى الجانب السلمي في قوة‬ ‫ل شك أ ّ‬
‫الطرح لفكره حيث إنه يعتمد على قوى يستمدها من السماء‪ ،‬ويتميز بسمات‬
‫واضحة‪:‬‬
‫]‪ [1‬فكر صادر وفق هدي عن خالق عالم بالنفس النسانية وطبيعتها قادر‬
‫على كشف ما خفي وما ظهر من علم بالغيب في الحاضر والمستقبل‪.‬‬
‫]‪ [2‬فكر يتلءم ويتماشى مع الحياة العصرية ومستحدثاتها المتقدمة وفق‬
‫ضوابط أصولية تحرص على اليجابيات وتبتعد عن السلبيات وتخضع لمقاييس‬
‫ثابتة وأصول واضحة في الوقت الذي يرفض فيه التخلف والنحطاط‬
‫والرذائل‪.‬‬
‫]‪ [3‬فكر يربط تعمير الرض ونمو المجتمع وازدهار الحياة الجتماعية‬
‫والقتصادية بتعمير القلوب وطهارة النفوس ونقاء الوسائل بل ويعتبر‬
‫التقصير فيما تتطلبه الحياة البشرية والمجتمعات النسانية من نماء وعمارة‬
‫يعتبر تخلفا ً وإثما ً يستحق عقاب الله‪ ،‬فالعمل عبادة وتقّرب إلى الخالق‬
‫سبحانه‪.‬‬
‫بمثل هذه العناصر الساسية ينطلق حامل الرسالة العلمية ليخاطب‬
‫ن الدين‬ ‫المجتمع الوربي في حالته التي يشعر فيها أنه قد تحضر وتمدن وأ ّ‬
‫ن السلم هو دين يعرض بقوة فكرة تعمير الرض‬ ‫تخلف ورجعية ليعلن أ ّ‬
‫ن يتجاهل‬ ‫والنتقال من مرحلة التخلف ول يرفض أقصى مراحل التقدم دون أ ْ‬
‫الرابط القوي بين السماء والرض وبين الخالق والمخلوق‪.‬‬
‫ن يخرج للعالم بوضوح وقوة‬ ‫بهذه المنطلقات يمكن للخطاب السلمي أ ْ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تحقق التفاف الجمهور المستهدف وتوجد رأيا عاما جديدا تقنعه الفكرة‬
‫ويعجبه السلوك العملي‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن العالم اليوم‬
‫ن يدرك أ ّ‬
‫ن على العلمي المسلم صاحب الرسالة السلمية أ ْ‬ ‫إ ّ‬
‫ل يعيش أزمة مال ول رجال‪ ،‬ولكنه يعيش أزمة قيم ومفاهيم رسالية هادفة‬
‫تحملها أفكار سليمة من عقائد لها قدرة نقل النسان إلى شاطئ المان بعد‬
‫ن دمرت الحضارة الحديثة معاني المن والمان في نفوس الفراد والمم‪.‬‬ ‫أ ْ‬
‫‪----------------------‬‬
‫)]‪ ([1‬سورة الحجرات‪ ،‬الية )‪.(13‬‬
‫)]‪ ([2‬سورة السراء ‪ ،‬الية )‪. (70‬‬

‫) ‪(239/8‬‬

‫أساليبهم في حرب السلم‬


‫يتناول الدرس قواعد مهمة في الصراع بين الحق والباطل‪،‬وبيان أن كشف‬
‫أساليب العداء؛ سنة قرآنية‪ ،‬وطريقة نبوية‪ ،‬وأوضح فوائد معرفة أساليب‬
‫العدو بالنسبة للفرد والجماعة وذكر أن أساليبهم قديمة جديدة‪ ،‬ثم أوضح‬
‫جملة من أساليب الحرب المعاصرة ضد السلم والدعاة إليه ‪.‬‬
‫الحمد لله‪ ،‬والصلة والسلم على نبينا محمد‪ ،‬وعلى وآله‪ ،‬وأصحابه‪ ،‬وأزواجه‪،‬‬
‫وذريته‪ ،‬وأتباعه إلى يوم الدين‪ ،‬وسّلم تسليما ً كثيرا ً أما بعد‪،،،‬‬
‫ل‪ :‬قواعد أربع لبد منها‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫القاعدة الولى‪ :‬أن العداوة والصراع في هذه الحياة سنة قائمة إلى أن يرث‬
‫الله الرض ومن عليها‪ :‬وليست هذه العداوة بالضرورة مبنية على خطأ ممن‬
‫ُنصبت له العداوة‪ ،‬ول على ظلم‪ ،‬ول على اعتداء‪ ،‬بل إن الله تعالى المتفضل‬
‫على عباده بكل خير‪ ،‬ومع ذلك كان له من خلقه أعداء‪ ،‬كما قال الله عز‬
‫ه عَد ُّو‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ل فَإ ِ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫مي َ‬ ‫ل وَ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫جب ْ ِ‬ ‫سل ِهِ وَ ِ‬ ‫مَلئ ِك َت ِهِ وَُر ُ‬ ‫ن عَد ُّوا ل ِل ّهِ وَ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وجل‪َ { :‬‬
‫ن]‪]}[98‬سورة البقرة[ وهكذا الملئكة عليهم الصلة والسلم‪ ،‬قال‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ل ِل ْ َ‬
‫صد ًّقا‬ ‫م َ‬ ‫ن الل ّهِ ُ‬ ‫ك ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫ه عََلى قَل ْب ِ َ‬ ‫ه ن َّزل َ ُ‬ ‫ل فَإ ِن ّ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫جب ْ ِ‬ ‫ن عَد ُّوا ل ِ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫الله تعالى{‪ :‬قُ ْ‬
‫ه]‪]} [97‬سورة البقرة[‪ .‬والرسل عليهم الصلة والسلم لهم‬ ‫ن ي َد َي ْ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫لِ َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ي عَد ُّوا ِ‬ ‫ل ن َب ِ ّ‬ ‫ُ‬
‫جعَلَنا ل ِك ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أعداء وأيٌَ أعداء ! ولهذا قال الله عز وجل‪{:‬وَكذ َل ِك َ‬
‫صيًرا]‪] }[31‬سورة الفرقان[‪.‬فانظر كلمة‪{:‬‬ ‫هادًِيا وَن َ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫فى ب َِرب ّ َ‬ ‫ن وَك َ َ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ل }فما من نبي إل وله أعداء‪ ،‬مع أن النبي قد ل يكون له أتباع‪ ،‬كما َقا َ‬
‫ل‬ ‫ل ِك ُ ّ‬
‫ُ‬
‫ه‬‫معَ ُ‬‫ي َ‬ ‫مّر الن ّب ِ ّ‬ ‫ل يَ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ي اْل َ‬ ‫ت عَل َ ّ‬ ‫ض ْ‬ ‫م‪ ] :‬عُرِ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫د‪ [...‬رواه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ح ٌ‬ ‫هأ َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ي لي ْ َ‬ ‫ه الّرهْط َوالن ّب ِ ّ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن َوالن ّب ِ ّ‬ ‫جل ِ‬ ‫ه الّر ُ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫جل َوالن ّب ِ ّ‬ ‫الّر ُ‬
‫البخاري ومسلم ‪ .‬فهناك من النبياء من لم يكن لهم تابع ولكن كان لهؤلء‬
‫ن‬‫طي َ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫ي عَد ُّوا َ‬ ‫ل ن َب ِ ّ‬ ‫جعَل َْنا ل ِك ُ ّ‬ ‫ك َ‬ ‫أعداء يحاربونهم‪ ،‬قال الله تعالى‪ { :‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫ما‬ ‫ك َ‬ ‫شاَء َرب ّ َ‬ ‫ل غُُروًرا وَل َوْ َ‬ ‫قو ْ ِ‬‫ف ال ْ َ‬ ‫خُر َ‬ ‫ض ُز ْ‬ ‫م إ ِلى ب َعْ ٍ‬
‫ضهُ ْ َ‬ ‫حي ب َعْ ُ‬ ‫ن ُيو ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫س َوال ْ ِ‬ ‫ال ِن ْ ِ‬
‫ْ‬
‫ن]‪] }[112‬سورة النعام[‪ .‬وهذا ُيبين سبب خلق‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫فَعَُلوه ُ فَذ َْرهُ ْ‬
‫النار‪ ،‬وما فيها من السعير والعذاب؛ لن النار أعدت لهؤلء الذين فسدت‬
‫قد ْ ذ ََرأ َْنا‬ ‫فطرهم‪ ،‬وخربت عقولهم‪ ،‬وتحجرت قلوبهم ‪ ،‬قال الله تعالى‪ {:‬وَل َ َ‬
‫قهون بها ول َه َ‬
‫ن‬
‫صُرو َ‬ ‫ن َل ي ُب ْ ِ‬ ‫م أعْي ُ ٌ‬ ‫ف َ ُ َ َِ َ ُ ْ‬ ‫ب َل ي َ ْ‬ ‫م قُُلو ٌ‬ ‫س ل َهُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ن َواْل ِن ْ‬ ‫ج ّ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ك َِثيًرا ِ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫لِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ب َِها أولئ ِك كالن َْعام ِ ب َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ل أولئ ِك هُ ُ‬ ‫مأ َ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬‫ن ل يَ ْ‬ ‫م َءاَذا ٌ‬ ‫ب َِها وَلهُ ْ‬
‫ن]‪] }[179‬سورة العراف[‪.‬فهذه قاعدة لبد من فهمها وبيانها‪ ،‬فمهما‬ ‫ال َْغافُِلو َ‬
‫حاولت‪ ،‬وجادلت‪ ،‬وتحريت‪ ،‬وتلطفت‪ ،‬واستخدمت من الساليب والطرق؛‬
‫فلن تعدم عدوًا‪ ،‬ولن يعدم المؤمن أحدا ً يؤذيه حتى ولو كان على قمة جبل‪:‬‬
‫س على جبل وعر‬ ‫ئ ولو كنت في رأ ٍ‬ ‫ت بناٍج من مقالة شان ٍ‬ ‫ولس ُ‬
‫القاعدة الثانية‪:‬أن العداء مهما وجد بينهم من التباغض‪ ،‬والتناقض‪ ،‬والتباعد؛‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة إذا قويت‬ ‫فإنهم إذا واجهوا السلم؛ وحدوا صفوفهم في مواجهته ‪ :‬خاص ً‬
‫ْ‬ ‫مُنوا َل ت َت ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ذوا الي َُهود َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫شوكة الدين‪ ،‬وعّز جانبهم‪ ،‬قال تعالى‪َ{:‬ياأي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ض]‪] }[51‬سورة المائدة[‪ .‬إذا واجهوا دين‬ ‫والنصارى أ َول ِياَء بعضه َ‬
‫م أوْل َِياُء ب َعْ ٍ‬
‫ْ َ َْ ُ ُ ْ‬ ‫َ ّ َ َ‬
‫الحق والسلم‪ ،‬فينسون العداوات فيما بينهم؛ لمواجهة هذا العدو المشترك‬
‫كما هو المشاهد اليوم‪ ،‬فإننا نجد تحالف القوى ضد السلم‪ ،‬اليهودية‪،‬‬
‫والنصرانية‪ ،‬والعلمانية‪ ،‬وبقايا الشيوعية‪ ،‬كلها أصبحت جبهة واحدة ضد‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ضاُء ِ‬ ‫ت ال ْب َغْ َ‬ ‫السلم‪ ،‬إنهم جميعا ً يظهرون العداوة لهذا الدين‪{:‬قَد ْ ب َد َ ِ‬
‫م أ َك ْب َُر ]‪] }[118‬سورة آل عمران[‪.‬‬ ‫دوُرهُ ْ‬ ‫ص ُ‬
‫في ُ‬ ‫خ ِ‬
‫ما ت ُ ْ‬
‫م وَ َ‬
‫واهِهِ ْ‬‫أفْ َ‬
‫َ‬
‫القاعدة الثالثة‪:‬أن هذا الكيد الموجه ضد السلم وضد المسلمين لم يكن‬
‫ليبلغ مبلغه‪ ،‬ويحقق أثره لول أنه وجد آذانا ً مصغية من المسلمين‪ ،‬ووجد تربة‬
‫س‬ ‫طي َ ْ‬ ‫خصبة لزرعه في بلد السلم ‪ :‬ولهذا قال الله تعالى‪َ {:‬‬
‫ن ال ِن ْ ِ‬ ‫شَيا ِ‬
‫ل غُُروًرا ]‪] }[112‬سورة النعام[‪.‬‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ف ال ْ َ‬
‫خُر َ‬‫ض ُز ْ‬ ‫ضهُ ْ َ‬
‫م إ ِلى ب َعْ ٍ‬ ‫حي ب َعْ ُ‬ ‫ن ُيو ِ‬ ‫َوال ْ ِ‬
‫ج ّ‬
‫ن ِباْل ِ‬ ‫َ‬
‫خَرةِ ]‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن َل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫صَغى إ ِل َي ْهِ أفْئ ِد َةُ ال ّ ِ‬ ‫ثم قال في الية التي بعدها‪{:‬وَل ِت َ ْ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫م كي ْد ُهُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ضّرك ْ‬ ‫قوا ل ي َ ُ‬‫َ‬ ‫صب ُِروا وَت َت ّ ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫‪] }[113‬سورة النعام[‪ ،‬وقال سبحانه‪{:‬وَإ ِ ْ‬
‫شي ًْئا]‪] }[120‬سورة آل عمران[‪.‬‬ ‫َ‬

‫) ‪(240/1‬‬

‫إن من السهل أن نلقي الملم على عدونا‪ ،‬ولكن هذا الكلم ليس دقيقًا‪،‬‬
‫فالعدو إنما نفذ من خللنا‪ ،‬وبحبل مّنا؛ بلغ ما يريد حتى الشيطان نفسه ‪ -‬وهو‬
‫أعظم العداء ‪ -‬يقول يوم القيامة في خطبته الشهيرة التي ذكرها الله تعالى‬
‫م وَعْد َ ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ه وَعَد َك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مُر إ ِ ّ‬ ‫ي اْل ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ما قُ ِ‬ ‫ن لَ ّ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫في كتابه‪{:‬وََقا َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫م‬‫جب ْت ُ ْ‬
‫ست َ َ‬‫م َفا ْ‬ ‫ن د َعَوْت ُك ُ ْ‬ ‫ن إ ِل أ ْ‬ ‫سلطا ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ن ِلي عَلي ْك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫فت ُك ُ ْ‬ ‫م فَأ ْ‬ ‫وَوَعَد ْت ُك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫كم]‪]}[22‬سورة إبراهيم[ ‪ .‬وإذا نظرنا اليوم إلى‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫موا أن ْ ُ‬ ‫موِني وَلو ُ‬ ‫ِلي فََل ت َلو ُ‬
‫ُ‬
‫عدونا‪ ،‬وقد نفذ إلى مجتمعاتنا‪ ،‬وإلى بلد السلم كلها؛ فعلينا أن نلوم أنفسنا‪،‬‬
‫وأن نعود إلى ذواتنا‪ ،‬وأن ندرك أنه ما كان هناك شيء ليحدث لول أننا تجاوبنا‬
‫مع هذا الكيد‪.‬‬
‫القاعدة الرابعة‪:‬إن كيد العدو ضعيف‪ ،‬ومكره إلى تبار ‪ :‬قال الله تعالى‪{:‬‬
‫ن]‪]}[30‬سورة النفال[ ويقول الله‬ ‫ري َ‬ ‫ماك ِ ِ‬ ‫خي ُْر ال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫مك ُُر الل ّ ُ‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫مك ُُرو َ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫فا]‪]}[76‬سورة‬ ‫ضِعي ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن كي ْد َ ال ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قات ِلوا أوْل َِياَء ال ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫ن كا َ‬ ‫شي ْطا ِ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫شي ْطا ِ‬ ‫تعالى‪ {:‬ف َ‬
‫ل]‪]}[25‬سورة غافر[ أي‪ :‬في‬ ‫ضل ٍ‬ ‫َ‬ ‫ن إ ِل ِفي َ‬ ‫ّ‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ما كي ْد ُ الكافِ ِ‬ ‫َ‬ ‫النساء[ويقول‪{:‬وَ َ‬
‫ذهاب وضياع‪ ،‬ول قيمة له ول بقاء له‪ ،‬فهذه اليات تدل على ضعف كيد‬
‫الشيطان‪ ،‬وأتباع الشيطان من الكافرين‪ ،‬وزواله‪ ،‬وذهابه‪ ،‬وضلله‪ ،‬وأنه ل يبلغ‬
‫أثره‪.‬‬
‫وفي المقابل هناك آيات أخرى تتحدث عن عظيم كيدهم ومكرهم‪ ،‬قال الله‬
‫ه‬
‫من ْ ُ‬‫ل ِ‬‫م ل ِت َُزو َ‬ ‫مك ُْرهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫مك ُْرهُ ْ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ َ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫مك َْرهُ ْ‬ ‫مك َُروا َ‬ ‫تعالى‪{:‬وَقَد ْ َ‬
‫ل]‪]}[46‬سورة إبراهيم[ فسبحان الله‪ ،‬انظر إلى واقع الحياة المشهود‬ ‫جَبا ُ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫ل‬ ‫ْ‬
‫اليوم؛ لترى مصداق ما أخبر به الله في كتابه الحكيم‪ ،‬الذي‪َ {:‬ل ي َأِتيهِ ال َْباط ِ ُ‬
‫د]‪] }[42‬سورة فصلت[ فأنت‬ ‫مي ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫كيم ٍ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫زي ٌ‬ ‫فهِ ت َن ْ ِ‬ ‫خل ْ ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ وََل ِ‬ ‫ن ب َي ْ ِ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫اليوم حين تقرأ عن خطط أعداء السلم‪ ،‬ودراساتهم‪ ،‬واحتياطاتهم؛ تحس‬
‫بعمق الكيد‪ ،‬وخبثه‪ ،‬ودهائه‪ ،‬وأنهم يحسبون لكل شيء حسابًا‪ ،‬ويدبرون أدق‬
‫التدبير‪ ،‬وأعظمه‪ ،‬فلهم حيل وأساليب خفية ليدركها أكثر الناس‪ ،‬فهنا نتذكر‬
‫ل]‪]}[46‬سورة إبراهيم[ ‪،‬‬ ‫جَبا ُ‬ ‫ه ال ْ ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ل ِت َُزو َ‬ ‫مك ُْرهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫قول الله تعالى‪{:‬وَإ ِ ْ‬
‫يعني‪ :‬هو مكر دقيق‪ ،‬لو بلغ أثره‪ ،‬وتحقق مقصده؛ لزالت الجبال لسببه‪ ،‬لكننا‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نجد أن الجبال باقية في مكانها‪ ،‬إذا ً مكرهم دقيق‪ ،‬وبعيد‪ ،‬ولكن آثاره أقل مما‬
‫يدبرون‪ ،‬ويمكرون‪ ،‬ويتصورون‪.‬‬
‫ن‬‫فإذا نظرت في المقابل إلى اليات الخرى التي تتكلم عن ضعف كيدهم‪{:‬إ ِ ّ‬
‫فا]‪]}[76‬سورة النساء[ وجدت مصداق ذلك اليوم في‬ ‫ضِعي ً‬
‫ن َ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ِ‬ ‫ك َي ْد َ ال ّ‬
‫أعمال كثيرة‪ ،‬ظنوا أنها بأيديهم‪ ،‬فإذا بالمر يكون خلف ما يتوقعون‪،‬‬
‫وتكتشف ضعف الكيد ووهنه‪ ،‬وكثرة ثغراته في أمور كثيرة منها مث ً‬
‫ل‪:‬‬
‫من الوضاع والحوال والحزاب‪ :‬لقد كان العالم الغربي يتعامل مع الشيوعية‬
‫على أنها قوة باقية لعشرات السنين وصرحوا بذلك‪ ،‬نعم كان للعالم الغربي‬
‫ة ضعيفة‪ ،‬وأما الذي أسقط‬ ‫يد في سقوطها‪ ،‬لكن اليد الغربية كانت يدا ً واهي ً‬
‫الشيوعية‪ ،‬فهي السنن اللهية العظيمة‪.‬‬
‫مثال آخر‪ :‬ظنوا أنهم قد قضوا على جميع التحديات التي كانت من بقايا‬
‫الشيوعية‪ ،‬فإذا بتحديات جديدة تبرز أمامهم في بلد العالم السلمي‪ ،‬وفي‬
‫ن]‬‫ري َ‬ ‫خي ُْر ال ْ َ‬
‫ماك ِ ِ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫مك ُُر الل ّ ُ‬ ‫مك ُُرو َ‬
‫ن وَي َ ْ‬ ‫البلقان‪ ،‬وفي الصين‪ ،‬وفي غيرها { وَي َ ْ‬
‫‪]}[30‬سورة النفال[ ‪.‬‬

‫) ‪(240/2‬‬

‫إن علينا أن نؤمن بالله عز وجل‪ ،‬وأن الله تعالى هو حده المتصرف بالكوان؛‬
‫ما‬
‫فهو الرب الذي ل ُيقضى شئ إل بإذنه‪،‬ول يقع في الكون إل ما يريد‪{،‬إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫مُره ُ إ َِذا أ ََراد َ َ‬ ‫َ‬
‫ن]‪]}[82‬سورة يس[ ‪ ..‬إن النموذج‬ ‫كو ُ‬ ‫ن فَي َ ُ‬ ‫ه كُ ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫شي ًْئا أ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫الفرعوني ظاهر اليوم عيانًا‪ ،‬فهذا فرعون كان يقول عن موسى عليه الصلة‬
‫ن]‪]}[54‬سورة الشعراء[ قلة‪،‬‬ ‫ة قَِليُلو َ‬ ‫م ٌ‬ ‫شْرذِ َ‬ ‫ن هَؤَُلِء ل َ ِ‬ ‫والسلم‪ ،‬و أتباعه‪{:‬إ ِ ّ‬
‫ن]‪] }[56‬سورة الشعراء[‪،‬‬ ‫حاذُِرو َ‬ ‫ميعٌ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫ن]‪ [55‬وَإ ِّنا ل َ‬ ‫م ل ََنا ل ََغائ ِظو َ‬
‫ُ‬ ‫حفنة {وَإ ِن ّهُ ْ‬
‫فهم يقولون‪ :‬إنهم أقلية‪ ،‬يحاولون أن يعرقلوا خطة الحضارة‪ ،‬وسير المور‪،‬‬
‫ونظام الدارة‪ ،‬ونحن حذرون‪ ،‬يقظون‪ ،‬وسوف نقاومهم بكل الوسائل‪ ،‬حتى‬
‫ل دينك ُم أوَ‬ ‫خا ُ َ‬ ‫قال فرعون عن موسى عليه الصلة والسلم‪{ :‬إ ِّني أ َ َ‬
‫ن ي ُب َد ّ َ ِ َ ْ ْ‬ ‫فأ ْ‬
‫ساَد]‪] }[26‬سورة غافر[ هذا يقوله فرعون‪ ..‬في‬ ‫ض ال ْ َ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ف َ‬ ‫ن ي ُظهَِر ِفي الْر ِ‬ ‫أ ْ‬
‫مواجهة من؟! في مواجهة موسى عليه صلوات الله وسلمه‪ ،‬وعلى رغم‬
‫حّتى‬ ‫القوة والطغيان؛ فالنتيجة هي‪ :‬فرعون!! جثة ملقاة على جانب البحر‪َ { :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل]‪[90‬‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ت ب ِهِ ب َُنو إ ِ ْ‬ ‫من َ ْ‬‫ذي َءا َ‬ ‫ه إ ِّل ال ّ ِ‬ ‫ه َل إ ِل َ َ‬ ‫ت أن ّ ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ل َءا َ‬ ‫ه ال ْغََرقُ َقا َ‬ ‫إ َِذا أد َْرك َ ُ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ل وَك ُن ْ َ‬ ‫ت قَب ْ ُ‬ ‫صي ْ َ‬ ‫ن وَقَد ْ عَ َ‬ ‫}]سورة يونس[ فقال الله تعالى‪{:‬آْل َ‬
‫ك‪]} [92]...‬سورة يونس[ فقذف البحر‬ ‫جيك ب ِب َد َن ِ َ‬ ‫م ن ُن َ ّ‬ ‫ن]‪َ[91‬فال ْي َوْ َ‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫ة]‪]}[92‬سورة يونس[‪ .‬وفي‬ ‫ك َءاي َ ً‬ ‫ف َ‬ ‫خل ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫كو َ‬ ‫جثته إلى الخارج‪ {:‬ل ِت َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما أغَْرقَ الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ل‪ ”:‬ل َ ّ‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫الحديث الصحيح‪ :‬أ ّ‬
‫َ‬
‫ل ]‪]}[90‬سورة‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ت ب ِهِ ب َُنو إ ِ ْ‬ ‫من َ ْ‬ ‫ذي آ َ‬ ‫ه إ ِّل ال ّ ِ‬ ‫ه َل إ ِل َ َ‬ ‫ت أن ّ ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ل‪ {:‬آ َ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫فِْرعَوْ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ِفي‬ ‫س ُ‬ ‫حرِ فَأد ُ ّ‬ ‫ل الب َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫خذ ُ ِ‬ ‫مد ُ فَلوْ َرأي ْت َِني وَأَنا آ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل َيا ُ‬ ‫ري ُ‬ ‫جب ْ ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫قا َ‬ ‫يونس[ فَ َ‬
‫َ‬
‫ة[ رواه الترمذي وأحمد‪.‬‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ه الّر ْ‬ ‫ن ت ُد ْرِك َ ُ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫خافَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ِفيهِ َ‬
‫ثانيًا‪ :‬فائدة طرح الموضوع‪:‬‬
‫إن كشف أساليب العداء؛ سنة قرآنية‪ ،‬وطريقة نبوية‪:‬‬
‫ن كاُدوا‬‫َ‬ ‫فقد ذكر الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم خطط المشركين‪ {:‬وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫فّزون َكَ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫كاُدوا ل َي َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ك]‪]}[73‬سورة السراء[{ وَإ ِ ْ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫ذي أوْ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ك عَ ِ‬ ‫فت ُِنون َ َ‬ ‫ل َي َ ْ‬
‫من َْها]‪“ }[76‬سورة السراء” إلى غير ذلك‪.‬‬ ‫ك ِ‬ ‫جو َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ض ل ِي ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫م َ ْ‬
‫ْ‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫ِ‬
‫م ي َأُتوكَ‬ ‫َ‬
‫نل ْ‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫قوْم ٍ َءا َ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫س ّ‬ ‫ب َ‬ ‫ن ل ِلكذِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫س ّ‬ ‫وذكر خطط اليهود‪َ { :‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م ت ُؤْت َوْهُ‬ ‫نل ْ‬ ‫ذوه ُ وَإ ِ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫َ‬
‫ذا ف ُ‬ ‫م هَ َ‬ ‫ن أوِتيت ُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫قولو َ‬ ‫ضعِهِ ي َ ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ال ْك َل ِ َ‬ ‫حّرُفو َ‬ ‫يُ َ‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حذ َُروا]‪]}[41‬سورة المائدة[ ‪.‬‬ ‫َفا ْ‬


‫طارٍ ي ُؤَد ّهِ إ ِل َي ْ َ‬ ‫قن ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ه بِ ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ن ت َأ َ‬‫ن إِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وذكر خطط النصارى‪{:‬وَ ِ‬
‫ْ‬
‫ما]‪] }[75‬سورة‬ ‫َ‬
‫ت عَلي ْهِ قائ ِ ً‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ما د ُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ديَنارٍ ل ي ُؤد ّهِ إ ِلي ْك إ ِل َ‬ ‫َ‬ ‫ه بِ ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ن ت َأ َ‬
‫ن إِ ْ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫آل عمران[‪.‬‬
‫ن]‪[4‬‬ ‫كو َ‬ ‫ه أ َّنى ي ُؤْفَ ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫م َقات َل َهُ ُ‬ ‫حذ َْرهُ ْ‬ ‫م ال ْعَد ُوّ َفا ْ‬ ‫وذكر خطط المنافقين‪{ :‬هُ ُ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو ِ‬ ‫عن ْد َ َر ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫قوا عََلى َ‬ ‫ن َل ت ُن ْفِ ُ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ن يَ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫} ]سورة المنافقون[{ هُ ُ‬
‫ضوا]‪] }[7‬سورة المنافقون[ ‪.‬‬ ‫ف ّ‬ ‫حّتى ي َن ْ َ‬ ‫َ‬
‫من فوائد كشف أساليب العداء‪:‬إذا فذكر خطط العداء‪ ،‬وكشفها منهج‬ ‫ً‬
‫قرآني‪ ،‬وسنة نبوية‪ ،‬ولها فوائد عظيمة منها‪:‬‬
‫الفائدة الولى‪:‬تطعيم المؤمن ضد هذه الساليب‪ :‬بحيث تؤدي أساليب العداء‬
‫إلى مردود عكسي‪ ،‬فتزيد اليمان‪ ،‬وتوثقه‪ ،‬ول يرتاب المؤمنون بسببها ول‬
‫يشكون‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مُعوا لك ْ‬ ‫ج َ‬ ‫س قَد ْ َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫س إِ ّ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫ل لهُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال الله تعالى‪{ :‬ال ّ ِ‬
‫ل]‪[173‬‬ ‫كي ُ‬ ‫م ال ْوَ ِ‬ ‫ه وَن ِعْ َ‬ ‫سب َُنا الل ّ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ماًنا وََقاُلوا َ‬ ‫م ِإي َ‬ ‫م‪ }...‬والنتيجة‪{ :‬فََزاد َهُ ْ‬ ‫شوْهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫َفا ْ‬
‫} ]سورة آل عمران[ فأثمرت هذه الخطة نتيجة عكسية‪ ،‬وجعل الله النعمة‬
‫في طي النقمة‪ ................. :‬وربما صحت البدان بالعلل‪.‬‬
‫َ‬
‫ما وَعَد ََنا الل ُّ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ب َقاُلوا َ‬
‫ه‬ ‫حَزا َ‬ ‫ن اْل َ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما َرأى ال ْ ُ‬ ‫مثل آخر‪ :‬قال تعالى‪{ :‬وَل َ ّ‬
‫ما]‪]}[22‬سورة‬ ‫سِلي ً‬ ‫ماًنا وَت َ ْ‬ ‫م إ ِّل ِإي َ‬ ‫ما َزاد َهُ ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫صد َقَ الل ّ ُ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫الحزاب[‪.‬‬
‫الفائدة الثانية‪ :‬مواجهة هذه الساليب بالطرق المناسبة‪ :‬فإن الحكم على‬
‫الشيء ؛فرع عن تصوره‪ ،‬ولشك أن الغفلة عن ألوان الخداع التي يمارسها‬
‫اليوم عدو للسلم‪ ،‬يملك العلم‪ ،‬والقتصاد‪ ،‬ويملك التصنيع والدارة‪ ،‬لشك‬
‫أن الغفلة عن خططه تؤدي إلى الوقوع في شراكه وحبائله‪ ،‬ولن يمكن للمة‬
‫أن تواجه هذه الحرب الضروس إل إذا وصلت إلى درجة من الوعي واليمان‬
‫والتوكل على الله تعالى والدراك الواضح لساليب الخصوم‪.‬‬
‫الفائدة الثالثة‪ :‬تقوية اليمان عند المؤمنين‪ :‬فإن الحرب ل تزيدهم إل قوة ‪.‬‬

‫) ‪(240/3‬‬

‫الفائدة الرابعة‪ :‬رص الصفوف وجمع الكلمة‪ :‬فإن الشعور الحقيقي بالخطر‪،‬‬
‫وقوة العدو‪ ،‬وشدته‪ ،‬وشراستة؛ يؤدي إلى الوحدة والتقارب‪ ،‬وما أحوج‬
‫المسلمين اليوم إلى توحيد صفوفهم‪ ،‬وإزالة العداوة‪ ،‬والشحناء بينهم‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أساليب قديمة جديدة‪:‬‬
‫ما قَد ْ ِقي َ‬
‫ل‬ ‫ك إ ِّل َ‬ ‫ل لَ َ‬
‫قا ُ‬
‫ما ي ُ َ‬ ‫قال الله تعالى لرسوله عليه الصلة والسلم‪َ {:‬‬
‫م]‪“}[43‬سورة فصلت”‬ ‫َ‬ ‫فَرةٍ وَُذو ِ‬ ‫ك لَ ُ‬‫ن َرب ّ َ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬
‫ب أِلي ٍ‬ ‫قا ٍ‬‫ع َ‬ ‫مغْ ِ‬
‫ذو َ‬ ‫ك إِ ّ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ِللّر ُ‬
‫قال جمهور المفسرين‪ :‬قد قيل لمن أرسل من الرسل من قبلك‪ :‬ساحر‪،‬‬
‫ب‪ ،‬والعيب‪،‬‬ ‫وكاهن‪ ،‬ومجنون‪ ،‬وكذبوا كما كذبت‪ ،‬فلم يقل لك الناس من الس ّ‬
‫ْ‬
‫سلَنا‬ ‫َ‬ ‫والذى إل ما قالوه للرسل من قبلك‪ ..‬وقال الله تعالى‪{ :‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫ما أْر َ‬ ‫ك َ‬
‫ُ‬
‫مةٍ وَإ ِّنا‬ ‫جد َْنا َءاَباَءَنا عََلى أ ّ‬ ‫مت َْرُفو َ‬
‫ها إ ِّنا وَ َ‬ ‫ل ُ‬‫ذيرٍ إ ِّل َقا َ‬
‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬‫ك ِفي قَْري َةٍ ِ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬
‫م ْ‬‫ِ‬
‫ن]‪“}[23‬سورة الزخرف”‪.‬‬ ‫دو َ‬‫قت َ ُ‬‫م ْ‬
‫م ُ‬ ‫عَلى َءاَثارِهِ ْ‬ ‫َ‬
‫إن تنوعت وسائلهم فأصولهم ثابتة !!‬
‫إن طرائق الكفر في محاربة اليمان هي هي‪ ،‬وإن تغيرت الدوات‪ ،‬وتنوعت‬
‫الوسائل إل أن الصول ثابتة‪ ،‬وإليك بعض المثلة‪:‬‬
‫تشويه نية الداعي‪ ،‬ومقصده‪ ،‬والحكم على ضميره‪ ،‬وعلى ما في داخله‪{ :‬‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذا ل َ َ‬ ‫وانط َل َق ال ْمَل ُ منه َ‬


‫يٌء ي َُراُد]‪[6‬‬ ‫ش ْ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫صب ُِروا عََلى َءال ِهَت ِك ُ ْ‬
‫م إِ ّ‬ ‫شوا َوا ْ‬ ‫م ُ‬‫نا ْ‬ ‫مأ ِ‬ ‫َ َ ِ ُْ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ض ]‪“}[78‬سورة يونس”‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما الك ِب ْرَِياُء ِفي الْر ِ‬ ‫ن لك َ‬ ‫}“سورة ص” {وَت َكو َ‬
‫ن]‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مِبي ٍ‬
‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫اتهام النسان في عقله‪ :‬فقالوا لمن أرسله الله‪{ :‬إ ِّنا لن ََراك ِفي َ‬
‫‪“}[60‬سورة العراف” ‪.‬‬
‫دعوة الجماهير إلى التمسك بموروثاتها‪ ،‬والوفاء لبائها وأجدادها‪ ،‬وعاداتها‬
‫وتقاليدها‪ :‬وأن الرسل والنبياء يريدون أن يغيروا هذه الشياء‪ ،‬ويحكمون على‬
‫المم السابقة بالضلل والنحراف؛ ولهذا ذكر الله تعالى ما قاله قوم نوح‪{ :‬‬
‫سًرا]‪[23‬‬ ‫ث وَي َُعوقَ وَن َ ْ‬ ‫عا وََل ي َُغو َ‬ ‫وا ً‬ ‫س َ‬‫ن وَّدا وََل ُ‬ ‫م وََل ت َذ َُر ّ‬ ‫وََقاُلوا َل ت َذ َُر ّ‬
‫ن َءال ِهَت َك ُ ْ‬
‫ضّلوا ك َِثيًرا‪“}[ً24] ...‬سورة نوح”‪ .‬فحرضوا الجماهير على التمسك‬ ‫َ‬
‫وَقَد ْ أ َ‬
‫بهذه الموروثات‪ ،‬والعادات‪ ،‬والتقاليد‪ ،‬والشخصيات‪ ،‬والباء والجداد‪ ،‬وأن‬
‫الرسل يريدون صرفكم عن ذلك كله‪.‬‬
‫قوا‬ ‫َ‬
‫أسلوب التضييق على المؤمنين والحصار‪ :‬كما قال المنافقون‪ { :‬ل ت ُن ْفِ ُ‬
‫ضوا]‪“ }[7‬سورة المنافقون” فالمنافقون‬ ‫ف ّ‬ ‫حّتى ي َن ْ َ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫عن ْد َ َر ُ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫عََلى َ‬
‫يظنون أن الرزق بأيديهم ‪ ،‬فإذا حجبوا ما بأيديهم؛ ظنوا أن النسان يموت‬
‫جوعا ً وعطشا ً وفقرًا‪ ،‬أو يذهب ليسأل الناس ما يأكل أو ما يشرب‪ ،‬وما‬
‫شاُء‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ي َْرُزقُ َ‬ ‫علموا أن الله تعالى بيده خزائن السموات والرض{َوالل ّ ُ‬
‫ب]‪“}[212‬سورة البقرة”‪.‬‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ب ِغَي ْرِ ِ‬

‫) ‪(240/4‬‬

‫ن‬‫م إِ ْ‬ ‫وسيلة خاصة‪ ،‬وهي القتل والقمع‪ :‬ويسمونها التصفية الجسدية{إ ِن ّهُ ْ‬
‫م‪“ }[20]...‬سورة الكهف” وكذلك قال فرعون‪ ،‬ومن‬ ‫موك ُ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ي َْر ُ‬ ‫ي َظ ْهَُروا عَل َي ْك ُ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ه‬
‫معَ ُ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫عن ْدَِنا َقالوا اقْت ُلوا أب َْناَء ال ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫م ِبال َ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫معه‪ {:‬فَل َ ّ‬
‫م‪“ }[25]...‬سورة غافر” يعني اقتلوهم واقتلوا أبناءهم‪.‬‬ ‫ساَءهُ ْ‬ ‫حُيوا ن ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫َوا ْ‬
‫ويجوز أيضا‪ :‬أن يكون المعنى التهديد بقتل الولد؛ إرغاما للمؤمنين‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫واضطرارا ً لهم إلى التراجع عن دينهم‪ ،‬بحيث يقتل ولد الواحد منهم والب‬
‫صّلى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫يرى‪ ،‬ومما يصدق ذلك قصة ماشطة بنت فرعون‪َ :‬قا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ة‬
‫ة طي ّب َ ٌ‬ ‫ح ٌ‬ ‫ي َرائ ِ َ‬ ‫ت عَل ّ‬ ‫سرِيَ ِبي ِفيَها أت َ ْ‬ ‫ة ال ِّتي أ ْ‬ ‫ت الل ّي ْل َ ُ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م‪ ”:‬ل َ ّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫ن‬ ‫شط َةِ اب ْن َةِ فِْرعَوْ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ة َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ل هَذِهِ َرائ ِ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫ة الط ّي ّب َ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما هَذِهِ الّرائ ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ري ُ‬ ‫جب ْ ِ‬ ‫ت َيا ِ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫فَ ُ‬
‫ْ‬
‫ت ي َوْم ٍ إ ِذ ْ‬ ‫ن َذا َ‬ ‫ة فِْرعَوْ َ‬ ‫ط اب ْن َ َ‬ ‫ش ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ي تُ َ‬ ‫ل ب َي َْنا هِ َ‬ ‫شأن َُها َقا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ل قُل ْ ُ‬ ‫ها َقا َ‬ ‫وَأ َوَْلدِ َ‬
‫ة فرعَو َ‬
‫ت‬‫ن أِبي َقال َ ْ‬ ‫ت ل ََها اب ْن َ ُ ِ ْ ْ َ‬ ‫قال َ ْ‬ ‫سم ِ الل ّهِ فَ َ‬ ‫ت بِ ْ‬ ‫قال َ ْ‬ ‫ن ي َد َي َْها فَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مد َْرى ِ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫قط َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ها‬ ‫عا‬
‫ْ ََ ْ ُ َ َ َ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫خ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬
‫ْ ََ ْ‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬
‫ْ ْ ُِ ُ ِ ِ‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫خ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ك‬ ‫ََ ّ ِ ِ‬ ‫بي‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫بي‬ ‫َل َ ِ ْ َ ّ‬
‫ر‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫قَرةٍ ِ‬ ‫مَر ب ِب َ َ‬ ‫ه فَأ َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫م َرّبي وََرب ّ َ‬ ‫ت ن َعَ ْ‬ ‫ري َقال َ ْ‬ ‫ك َرّبا غَي َْ ِ‬ ‫ن لَ ِ‬ ‫ة وَإ ِ ّ‬ ‫ل َيا فَُلن َ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫ن ِلي إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫ها ِفيَها َقال َ ْ‬ ‫ي وَأوَْلد ُ َ‬ ‫قى هِ َ‬ ‫ن ت ُل ْ َ‬ ‫مَر ب َِها أ ْ‬ ‫مأ َ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫مي َ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫س فَأ ْ‬ ‫حا ٍ‬ ‫نُ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب‬ ‫دي ِفي ث َوْ ٍ‬ ‫م وَل َ ِ‬ ‫ظا َ‬ ‫ع َ‬ ‫مي وَ ِ‬ ‫ظا ِ‬ ‫ع َ‬ ‫مع َ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫تأ ِ‬ ‫ك َقال َ ْ‬ ‫جت ُ ِ‬ ‫حا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫ة َقا َ‬ ‫ج ً‬ ‫حا َ‬ ‫َ‬
‫ن ي َد َي َْها‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ها‬ ‫د‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫نا‬ ‫ن‬ ‫ف‬ ‫د‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫وا‬
‫َْ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ‬‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫قاعَست م َ‬ ‫لى صبي ل َها مرض َع وك ْ َأ َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حدا إَلى أ َ‬
‫َ‬
‫جل ِهِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫َ ِ ّ َ ُ ْ ٍ َ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ذ‬ ‫هى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫دا‬‫ً‬ ‫ح‬ ‫ِ‬ ‫وا‬ ‫َ‬
‫ت” رواه‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫خ‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫الدنيا أ َ‬ ‫ب‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫مي‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫م‬‫ل يا أ ُ‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ ْ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫أحمد‪ .‬إذا‪:‬التصفية والقتل واردة عندهم‪ ،‬وقد يقتلون أولد الواحد؛ إرغاما له‪،‬‬ ‫ً‬
‫ومضايقة‪ ،‬وتهديدا ً ‪.‬‬
‫الحصار وفرض القامة الجبرية‪ :‬كما فعلوا بالنسبة للرسول صلى الله عليه‬
‫ك‪“ }[30]...‬سورة النفال” يعني‪:‬‬ ‫فُروا ل ِي ُث ْب ُِتو َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫مك ُُر ب ِ َ‬ ‫وسلم‪ {:‬وَإ ِذ ْ ي َ ْ‬
‫يمنعوك من الخروج‪ ،‬ومغادرة البلد‪.‬‬
‫جوك }“سورة النفال” وكذلك في‬ ‫َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫النفي من الوطان والخراج‪...{ :‬أ َوْ ي ُ ْ‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م‬
‫م‪ }...‬ما هو ذنبهم؟ ما عيبهم؟ {‪...‬إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن قَْري َت ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جوهُ ْ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫الية الخرى‪ {:‬أ َ ْ‬
‫ُ‬
‫ن]‪“ }[82‬سورة العراف” وهذا باب يطول‪ ،‬وما ذكرته ليعدو‬ ‫س ي َت َط َهُّرو َ‬
‫أَنا ٌ‬
‫أن يكون بعض المثلة التي تؤكد أن الساليب القديمة هي ذاتها الساليب‬
‫الجديدة‪ ،‬التي يستخدمها طغاة العصر في مقاومة السلم ‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬الحرب المعاصرة‪:‬‬
‫إننا بحاجة إلى أن نلقي شيئا ً من الضوء على الحرب التي تواجه السلم‬
‫اليوم؛ لننا نصطلي بنارها‪ ،‬ونواجهها‪ ،‬ونعايشها لحظة لحظة‪ ،‬وساعة ساعة‪،‬‬
‫وهذه الحرب تتحدد فيما ظهر لي في هدف واحد كبير وهو‪ :‬الفصل بين‬
‫المسلمين وبين حقيقة دينهم ؛ بالفصل بينهم وبين القرآن‪ ،‬والفصل بينهم‬
‫وبين المسجد‪ ،‬والفصل بينهم وبين العلماء والدعاة‪ ،‬فيسهل حينئد خداع‬
‫العامة‪ ،‬وترويج القاويل الباطلة عليهم بعيدا ً عن أولي المر‪ ،‬وأولي الرأي‪،‬‬
‫الذين يدركون‪ ،‬ويستنبطون‪ ،‬ويسهل صرف الناس عن دينهم والتلبيس‬
‫عليهم‪ ،‬وطالما ً وقفت المة في مرات كثيرة مع جلديها ضد مثقفيها؛ بسب‬
‫عدم تبين المور‪ ،‬أوغيبة الوعي‪ ،‬وضياع الهدف؛ فسهل القضاء على علماء‬
‫المة‪ ،‬وعلى دعاتها بشتى الوسائل‪ ،‬والمة تتفرج‪ ،‬وتشعر أن المر ل يعنيها‪..‬‬
‫إن الوئام والنسجام بين الدعاة وبين المة هو خير وقاية للطرفين‪ ،‬وقد قال‬
‫فا وَل َوَْل‬‫ضِعي ً‬
‫ك ِفيَنا َ‬‫ل وَإ ِّنا ل َن ََرا َ‬
‫قو ُ‬
‫ما ت َ ُ‬ ‫ه ك َِثيًرا ِ‬
‫م ّ‬ ‫ق ُ‬
‫ف َ‬ ‫ما ن َ ْ‬
‫ب َ‬ ‫شعَي ْ ُ‬ ‫قوم شعيب‪َ {:‬يا ُ‬
‫َ‬
‫ز]‪“ }[91‬سورة هود” لقد تعللوا برهطه‬ ‫زي ٍ‬ ‫ت عَل َي َْنا ب ِعَ ِ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫مَنا َ‬ ‫ك ل ََر َ‬
‫ج ْ‬ ‫َرهْط ُ َ‬
‫وعشيرته‪ ،‬وامتنعوا عن رجمه وقتله؛ بمراقبة ورعاية رهطه‪ ،‬وعشيرته‪،‬‬
‫وقبيلته‪ ،‬ومن حوله‪.‬‬
‫إذًا‪ :‬التقاء المة بعلمائها‪ ،‬واجتماعها معهم‪ ،‬والوئام والنسجام بين هؤلء و‬
‫أولئك؛ هو وقاية للعلماء‪ ،‬والدعاة‪ ،‬والمخلصين‪ ،‬والمجددين‪ ،‬والمصلحين من‬
‫أن تمتد إليهم يد الذى‪ ،‬أو يد التشويه‪.‬‬

‫) ‪(240/5‬‬

‫وهو أيضًا‪ :‬وقاية للمة ذاتها من النحراف في عقيدتها‪ ،‬أو سلوكها‪ ،‬أوعبادتها؛‬
‫وذلك لوجود الهداة الدعاة‪ ،‬الذين يبصرونها بدين الله تعالى‪ ،‬ويدعون إليه‪،‬‬
‫ويحذرونها من سبل الضلل‪ ،‬ولن تجد المة قط أنصح لها من أهل الدعوة‬
‫والعلم ل في دينها ول فى دنياها؛ فإن العلماء والدعاة المخلصين هم‬
‫المدافعون عن حقوق المة‪ ،‬وهم المحامون عن مصالحها دينية كانت أو‬
‫دنيوية‪ ،‬وهكذا كانوا عبر التاريخ‪ ،‬ولزالوا إلى يوم الناس هذا‪.‬‬
‫لقد جرب العدو‪ ،‬وأدرك أن الشعوب قابلة لن تتحرك‪ ،‬وتثور إذا مست‬
‫ل‪ -‬أو هدم المساجد‪ ،‬أو شتم‬ ‫عقيدتها مسا ً مباشرًا‪ ،‬إن إحراق المصحف‪ -‬مث ً‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أو سب الله تعالى؛ يثير المشاعر‪ ،‬ويحرك‬
‫حتى أكثر الناس بعدا ً عن الدين‪..‬حتى المشاعر الخاملة تتحرك‪..‬ولهذا فل‬
‫بأس من قدر من العناية بالمصحف‪ ،‬وقراءته في الذاعة‪ ،‬حتى في إذاعة‬
‫إسرائيل‪ ،‬ولندن‪ ،‬وصوت أمريكا يفتتحون بالقرآن الكريم‪ ،‬ول بأس أيضا ً من‬
‫تحلية المصحف بالذهب‪ ،‬ول بأس عند الضرورة من إنشاء معاهد تخصص‬
‫للقرآن الكريم‪ ،‬شريطة أن تقتصر على مجرد اللفظ‪ ،‬وإتقان القراءة‪،‬‬
‫والتجويد‪ .‬وأما تفسير القرآن‪ ..‬والدعوة إليه‪ ،‬فضل عن المناداة بتحكيمه‪،‬‬
‫والعمل بشرائعه‪ ،‬فهي جريمة عندهم وربما يصل عقابها إلى القتل‪ ،‬أو ما‬
‫يسمونه‪ :‬العدام؛ لن الذي ينادي بذلك خارج عن القانون‪ ،‬ويريد تحطيم‬
‫مكتسبات الوطن‪ ،‬ويريد العودة إلى عصور الحريم‪ ،‬وإلى عصور التخلف‪،‬‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والرجعية‪ ،‬وهو مرتبط بالقوى الجنبية العميلة‪ ..‬إلى غير ذلك‪.‬‬


‫ول بأس أيضا ً من تشييد المساجد‪ ،‬وتفخيمها‪ ،‬وصرف الموال لذلك‪ ،‬لكن ل‬
‫مانع أن يبنى بجوار المسجد كنيسة صغيرة‪ ،‬أو حتى مرقص للترفيه‬
‫والتسلية‪ ..‬وكم هدمت مساجد‪ ،‬وعطلت عن العبادة الحقيقية دون أن ينكر‬
‫الناس ذلك؛ إذًا‪ :‬الناس يغضبون إذا هدم المسجد علنية‪ ،‬أو أحرق المصحف‪،‬‬
‫لكن إذا عطل في غرضه‪ ،‬وهدفه‪ ،‬وسبب وجوده؛ فإن الناس ربما يغفلون ول‬
‫ة إذا أحكم الكيد ونظم المكر‪.‬‬ ‫يتحركون‪ ،‬خاص ً‬
‫وخلصة ذلك‪ :‬إن هناك طريقة واضحة اليوم‪ ،‬وهي تهدئة المشاعر بالمحافظة‬
‫الظاهرية على أماكن العبادة‪ ،‬والحماية الظاهرية لشخاص الملة‪ :‬أنبياء كانوا‪،‬‬
‫أوعلماء‪ ،‬أو دعاة‪ ،‬وفي المقابل يكون العمل الجاد للحيلولة بين المة‪ ،‬وبين‬
‫قرآنها‪ ،‬وبينها وبين مسجدها‪ ،‬وبينها وبين علمائها بشتى الوسائل‪.‬‬
‫وسائلهم في ذلك‪:‬‬
‫ل‪ :‬الوسائل المتعلقة بالمة‪ :‬تربية الطلب على أن الولء الوطني الجوف‪-‬‬ ‫أو ً‬
‫للزعيم‪ ،‬أو الحزب‪ ،‬أو الطائفة‪ ،‬أو القبيلة‪ -‬هو الولء الحقيقي؛ ولذلك كان‬
‫السعي إلى تجفيف منابع التدين‪ ،‬وتطبيع العلقات بين الديان ‪-‬كما يسمونها‪-‬‬
‫السلم مع اليهودية مع النصرانية‪ ،‬وبالتالي تغيير المناهج الدراسية‪ ،‬خاصة‬
‫مناهج الدين‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬ولم يسلم من هذا التغيير أي بلد‪.‬‬
‫ثانيًا‪:‬سن القوانين الجتماعية العلمانية‪ :‬التي تبيح العلقات المحرمة بين‬
‫الجنسين‪ ،‬بل وتشجع ذلك باسم الحرية‪ ،‬وباسم ممارسة الحياة الجتاعية‬
‫قد‪ ،‬وفي معظم بلد العالم السلمي تسن القوانين التي‬ ‫السليمة من العُ َ‬
‫تحمي المجرمين باسم الحرية‪ ،‬وهذه القوانين التي تتيح للنسان إقامة‬
‫علقات مع امرأة أجنبية‪ ،‬هذه القوانين نفسها ل تسمح للنسان أن يتزوج‬
‫امرأة أخرى على كتاب الله تعالى‪ ،‬وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬إغراق المجتمعات بالمؤسسات والمدارس والنوادي‪ :‬سواًء النوادي‬
‫الرياضية‪ ،‬أو الترفيهية‪ ،‬أو الجتماعية؛ شريطة أن يكون هدف هذه النوادي‬
‫تربية المجتمع العلماني‪ ،‬البعيد عن الدين‪ .‬إن مثل هذه الساليب السابقة‪،‬‬
‫وغيرها تولد مجتمعا ً ل مكان للدين فيه‪ ،‬حتى إنه في بعض هذه الدول تكون‬
‫نسبة المسلمين تسعين بالمائة‪ ،‬ومع ذلك تكون العطلة يوم الحد‪ ،‬ول أحد‬
‫يعترض على ذلك؛ لنه أصبح قانونا ً ملزمًا‪ ،‬والجميع تربوا على النظرة‬
‫العلمانية اللدينية‪ .‬ولكن مهما خطط العدو لجعل المجتمعات السلمية‬
‫مجتمعات علمانية؛ حتى يرفضها الدعاة‪ ،‬ويبتعدوا عنها‪ ،‬إل أنه من الممكن أن‬
‫يتغلب الدعاة‪ ،‬وأن تتغلب المة على هذه الحواجز؛ ولذلك يسعى العدو إلى‬
‫لون آخر من الحواجز‪ ،‬وهو الحواجز التي يقيمها في المة ضد الدعاة‪ ،‬وها هنا‬
‫يأتي الدور الكبير للحيلولة بين المة‪ ،‬وبين أهل الدعوة‪ ،‬والصلح بكافة‬
‫الوسائل‪ ،‬ومن هذه الوسائل ما يلي‪:‬‬

‫) ‪(240/6‬‬

‫اتهام الدعاة بأنهم يريدون مقاصد دنيوية‪ :‬مثل السعي لقلب نظام الحكم‪،‬‬
‫وهي شبهة قديمة‪ ،‬ومع ذلك ما ملوا منها ‪ .‬نعم نحن وسائر دعاة السلم‪ ،‬بل‬
‫وكل مسلم‪ ،‬ولو كان داعية معروفا ً واجب عليه أن يسعى إلى العمل بشريعة‬
‫الله تعالى‪ ،‬وتحكيمها في عباده سواء في دماء الناس‪ ،‬أو أعراضهم‪ ،‬أو‬
‫ن]‬ ‫م ال ْ َ‬
‫كافُِرو َ‬ ‫ه فَُأول َئ ِ َ‬
‫ك هُ ُ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬
‫ل الل ّ ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م ْ‬‫أفكارهم‪ ،‬أو أموالهم‪ {:‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫نل ْ‬ ‫م ْ‬
‫ن]‪{ }[45‬وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫م الظال ِ ُ‬ ‫َ‬
‫ه فأولئ ِك هُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما أن َْزل الل ُ‬ ‫حك ُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫م ْ‬
‫‪{ }[44‬وَ َ‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن]‪“ } [47‬سورة المائدة” فهذا دين‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬


‫فا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه فَُأول َئ ِ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬‫م بِ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫الله وقوله‪ ..‬شاء من شاء‪ ،‬وأبى من أبى‪ ،‬لكن اتهام الناس بغير بينة‪ ،‬أمر غير‬
‫مقبول‪ ،‬ويجب أن يرفضه الجميع‪ ،‬ويرفضوا كل ما نتج عنه‪.‬‬
‫ومن المقاصد الدنيوية التي يتهمون بها أيضًا‪ :‬اتهامهم بأخذ الموال‪،‬‬
‫واختلسها‪ ،‬والتشهير بذلك‪،‬‬
‫وترويجه في أجهزة العلم‪ ،‬مع عدم إعطائهم الفرصة حتى للدفاع عن‬
‫أنفسهم‪ ،‬ولو في نطاق محدود‪.‬‬
‫ً‬
‫اتهام الدعاة بالرتباط بدولة أجنبية‪ :‬وهذا يعتبر طعنا في الولء والوطنية‪،‬‬
‫والعجيب أن تلك الدول أو الجهات التي تتهمهم بالولء لدول أجنبية هي‬
‫نفسها ذات ارتباطات صريحة بدول معادية‪ ،‬فهي على صلة بإسرائيل وتعاون‬
‫وطيد معها‪ ،‬و لها علقات خفية‪ ،‬و معلنة مع أمريكا‪ ،‬ومع مخابراتها‪ ،‬وتصل‬
‫إلى حد الولء والتبعية المطلقة لها‪ ،‬فالمر كما يقول المثل‪':‬رمتني بدائها‬
‫وانسلت'‪.‬ويجب أن ندرك أن مثل هذه الدعايات‪ ،‬والقوال المغرضة لتعتمد‬
‫ن]‪[111‬‬ ‫صادِِقي َ‬‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م إِ ْ‬‫هان َك ُ ْ‬‫هاُتوا ب ُْر َ‬ ‫ل َ‬ ‫على حق‪ ،‬ول على صدق { قُ ْ‬
‫}“سورة البقرة” ‪ .‬فعلى المسلمين أن يكونوا على مستوى من الوعي بحيث‬
‫يحبطون مثل هذه التهم‪ .‬وبالله عليك ما هو الشيء الذي تريده من الداعية‬
‫حتى يثبت براءته؟! هل تريد منه أن يقول لك‪ :‬هذا كذب؟ فإنه يقول لك‬
‫بملء فمه‪ :‬أن هذا كله كذب في كذب‪ .‬والذي ُيطالب بالدليل هو ذلك الذي‬
‫يلقي بهذه التهم على دعاة السلم !!‬
‫اتهام الدعاة بالتطرف والرهاب والسعي إلى تحطيم المكتسبات الوطنية‬
‫والسياسة والقتصادية‪ :‬وضرب اقتصاد البلد‪ ،‬وضرب السياحة‪ ،‬وضرب‬
‫المكاسب السياسية‪ ،‬وتصوير دعاة السلم‪ ،‬وشباب الجماعات السلمية‪ ،‬بل‬
‫وشباب الدعوة‪ -‬ولو لم يكونوا من الجماعات‪ -‬على أنهم متوحشون‪ ،‬وليست‬
‫لديهم قدرة على الحوار‪ ،‬ومتعصبون‪ ،‬وأصحاب انفعالت‪ ،‬وهياج عاطفي‬
‫وعصبي‪ ،‬وأنهم يؤمنون بأن آرائهم حق ل يقبل الجدل‪ ،‬وأن آراء غيرهم باطل‬
‫ل يستحق النظر أو المناقشة‪ ،‬وأن خصومهم كفار‪ ،‬أو فساق‪ ،‬وأنهم يكفرون‬
‫الناس‪ ،‬وأنهم يمارسون أساليب العنف‪ ..‬إلى غير ذلك‪.‬‬
‫إن مثل هذه الساليب ل تعبر حقيقة عن دعاة السلم؛ فإن دعاة السلم‬
‫ل‬ ‫يؤمنون بالحوار‪ ،‬وكيف ل يؤمنون بالحوار‪ ،‬والله تعالى يقول‪ {:‬اد ْع ُ إ َِلى َ‬
‫سِبي ِ‬
‫َ‬
‫ن‪[125]...‬‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬
‫يأ ْ‬ ‫م ِبال ِّتي هِ َ‬ ‫جادِل ْهُ ْ‬ ‫سن َةِ وَ َ‬ ‫ح َ‬‫عظ َةِ ال ْ َ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫مةِ َوال ْ َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ك ِبال ْ ِ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫جادُِلوا‬
‫}“سورة النحل” وكيف ل يؤمنون بالحوار‪ ،‬والله تعالى يقول‪ {:‬وََل ت ُ َ‬
‫َ‬ ‫أ َهْ َ‬
‫م‪“} [46]...‬سورة‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫موا ِ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ن إ ِّل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬‫يأ ْ‬ ‫ب إ ِّل ِبال ِّتي هِ َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫العنكبوت” ‪..‬فهل حاوروا هم شباب السلم‪ ،‬ورجال الدعوة؟!‬
‫ل‪ -‬بأنهم ل يسعون‬ ‫اتهام الدعاة بخدمة أهداف خاصة‪ :‬كأن يتهم الدعاة‪ -‬مث ً‬
‫إلى مصلحة المة‪ ،‬وليهمهم أمر الدين‪ ،‬وإنما هم يسعون إلى تحقيق أهداف‬
‫جماعة بعينها‪ ..‬وما ذلك إل للحيلولة بينهم وبين بقية المسلمين‪ .‬إنني أقول‪:‬‬
‫إن مجرد النتماء والنتساب للجماعات التي تكون على الكتاب والسنة‪،‬‬
‫وعلى طريقة السلف الصالح ليس حراما ً لذاته‪ ،‬وفتوى سماحة الوالد عبد‬
‫العزيز بن باز بحروفها في هذا الجانب معروفة‪ .‬والمسألة ل تعدو أن تكون‬
‫تعاونا ً على البر والتقوى‪ ،‬متى كان مجرد انتساب ل يشوبه تعصب‪ ،‬ول بدعة‪،‬‬
‫ول هوى‪ .‬ولكننا مع ذلك معاشر دعاة السلم نرى أن الفق الرحب‪ ،‬أفق‬
‫المة؛ أوسع‪ ،‬وأنظف‪ ،‬وأحسن‪ .‬وبناًء عليه فإن دعاة السلم ليسوا دعاة‬
‫جماعة بعينها‪ ،‬ول يدعون الناس إلى طائفة بذاتها‪ ،‬وإنما هم دعاة إلى دين‬
‫جموا بها شخصياتهم‪ ،‬أو‬ ‫السلم‪ ،‬ول يقبلون هذه الحزبية الضيقة أن يح ّ‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عقولهم‪ ،‬أو آرائهم‪ ،‬أو نفوسهم‪ ،‬وإن كانوا ل يحاربون هذه الجماعات‪ ،‬ول‬
‫يناصبونها العداء بل هم يصادقونها‪ ،‬ويوالونها على البر والتقوى‪ ،‬ويتعاونون‬
‫معها بالمعروف‪ ،‬ويناصحونها إذا رأوا منها ما يوجب النصيحة‪ ،‬وهذا هو الذي‬
‫أعلمه من هؤلء الدعاة‪.‬‬

‫) ‪(240/7‬‬

‫العمل على تفريق الجماعات السلمية‪ ،‬والطوائف‪ ،‬وضرب بعضها ببعض‪:‬‬


‫حتى يسلم العدو‪ ،‬ويقف متفرجا ً على حين يتشابك هؤلء كما يتشابك الصبيان‬
‫فيما بينهم‪ .‬إن الغريب قد ليستطيع ما يستطيعه القريب‪ ،‬فالقريب أبلغ في‬
‫المحاربة‪ .‬ولذلك يجب على دعاة السلم‪ ،‬ورجاله‪ ،‬وأهله‪ ،‬وحملته أن يكونوا‬
‫فوق مستوى المسائل الشخصية‪ ،‬والمعارك القريبة‪ ،‬وأل يقبلوا أن تثار‬
‫معركة إل مع عدو السلم‪ ،‬أما المعركة مع إخوانهم‪ ،‬فيجب أل يستجيبوا لها‪،‬‬
‫وأن يكونوا فوق مستوى هذه المعارك التي هي للعدو وليست للصديق‪.‬‬
‫الحصار العلمي‪ :‬ففي الوقت الذي ُيجند العلم فيه لضرب الدعاة‪ ،‬والنيل‬
‫منهم‪ ،‬وسبهم‪ ،‬والتشهير بهم؛ فإن دعاة السلم ل يمكنون من الدفاع عن‬
‫أنفسهم‪..‬وكذلك حرب الشريط السلمي‪ ،‬والحيلولة بينه وبين الناس أن‬
‫يستمعوه‪ ،‬أو يشتروه‪ ،‬أو يتبادلوه‪ ،‬على رغم أننا نجد ترويجا ً للشرطة الغنائية‬
‫حتى في الصحف‪ ،‬وإعلنا ً عنها‪ ،‬وجوائز لمن يشتريها‪ ،‬ونجد هناك إغراًء‬
‫للمغنيين والمغنيات بالنتشار‪ ،‬وترويجا ً للمسلسلت‪ ،‬وإظهارا ً للفتيات على‬
‫شاشة التلفاز‪ ..‬إلى غير ذلك من الوسائل‪ ،‬التي تنصب في الحصار العلمي‬
‫على صوت الحق‪ ،‬وصوت الوضوح‪ ،‬وصوت الصراحة‪ ،‬ومحاولة الترويج‪،‬‬
‫والتشهير للصوات الخرى المغرضة‪.‬‬
‫من محاضرة‪ :‬أساليبهم في حرب السلم للشيخ‪/‬سلمان العودة‬

‫) ‪(240/8‬‬

‫أسباب أدت لتشويه صورة السلم في الغرب )‪(1/2‬‬


‫أ‪.‬د‪ .‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫الحمد لله‪ ،‬والصلة والسلم على رسول الله وبعد‪:‬‬
‫ع‬
‫حّتى ت َت ّب ِ َ‬ ‫صاَرى َ‬ ‫ك ال ْي َُهود ُ َول الن ّ َ‬ ‫ضى عَن ْ َ‬ ‫ن ت َْر َ‬‫ل شك أن قول الله _تعالى_‪" :‬وَل َ ْ‬
‫م ‪] "...‬البقرة‪ .[120:‬حق ل مرية فيه‪ ،‬ولعل تلك العداوة الدينية التي‬ ‫مل ّت َهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫يكنها اليهود والنصارى للمسلمين من أهم العوامل التي تدفع لتشويه صورة‬
‫السلم في الغرب‪ ،‬وإل ّ لو كان هناك عدل وإنصاف لم يؤاخذ السلم‬
‫والمسلمين بأخطاء فردية وتجاوزات توجد في كل الديان والشعوب مثلها بل‬
‫أضعافها على مر التاريخ‪.‬‬
‫وأخطأ من ظن أن الشكال مع الغرب جاء من جهة عدم تصورهم جميعا ً‬
‫للسلم أو لنبيه _صلى الله عليه وسلم_‪ ،‬وقد شاعت في الحدث الخير‬
‫)الرسوم المتنقصة لنبينا _صلى الله عليه وسلم_( عبارة غير دقيقة اتخذت‬
‫م‬‫ب لِ َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫كشعار ونصها‪) :‬لو عرفوه لحبوه(‪ ،‬والله _تعالى_ يقول‪َ" :‬يا أ َهْ َ‬
‫َ‬
‫ن" ]آل عمران‪.[71:‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬
‫حقّ وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫مو َ‬ ‫ل وَت َك ْت ُ ُ‬ ‫حقّ ِبال َْباط ِ ِ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َل ْب ِ ُ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ن أب َْناَءهُ ُ‬ ‫ه كَ َ‬
‫ما ي َعْرُِفو َ‬ ‫ب ي َعْرُِفون َ ُ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫ن آت َي َْناهُ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ويقول _عز وجل_‪" :‬ال ّ ِ‬
‫ن" ]النعام‪ ،[20:‬فكثير منهم يعرفون الكتاب‬ ‫مُنو َ‬ ‫م ل ي ُؤْ ِ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫سهُ ْ‬
‫ف َ‬ ‫سُروا أ َن ْ ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫َ‬
‫ويكتمونه حسدا ً وبغيًا‪ ،‬وكثير منهم يعلمون أن محمدا ً هو رسول الله حقا‪ً،‬‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومع ذلك أبوا إل ّ أن يناصبوه العداء في الحاضر‪ ،‬كما ناصبه أسلفهم العداء‬
‫في الماضي‪ ،‬وهم يعلمون‪ ،‬ولهذا أثنى الله على من خالف هواه منهم‪،‬‬
‫ي‬‫ل الن ّب ِ ّ‬‫سو َ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وانصاع للحق الذي عرف‪ ،‬فقال _سبحانه_‪" :‬ال ّ ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ف‬
‫معُْرو ِ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫مُرهُ ْ‬ ‫ل ي َأ ُ‬ ‫جي ِ‬‫م ِفي الت ّوَْراةِ َواْل ِن ْ ِ‬ ‫عن ْد َهُ ْ‬‫مك ُْتوبا ً ِ‬ ‫ه َ‬ ‫دون َ ُ‬‫ج ُ‬ ‫ذي ي َ ِ‬ ‫ي ال ّ ِ‬ ‫م ّ‬‫اْل ّ‬
‫م‬
‫ضعُ عَن ْهُ ْ‬ ‫ث وَي َ َ‬ ‫خَبائ ِ َ‬ ‫م ال ْ َ‬‫م عَل َي ْهِ ُ‬ ‫حّر ُ‬‫ت وَي ُ َ‬‫م الط ّي َّبا ِ‬ ‫ل ل َهُ ُ‬‫ح ّ‬ ‫من ْك َرِ وَي ُ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫وَي َن َْهاهُ ْ‬
‫م َفال ّ ِ‬ ‫َ‬
‫صُروه ُ َوات ّب َُعوا‬ ‫مُنوا ب ِهِ وَعَّزُروهُ وَن َ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ل ال ِّتي َ‬ ‫غل َ‬ ‫م َواْل ْ‬ ‫صَرهُ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫ن" ]العراف‪.[157:‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه أولئ ِ َ‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ذي أن ْزِ َ‬ ‫ّ‬
‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫م ْ‬
‫م ال ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫معَ ُ‬‫ل َ‬ ‫الّنوَر ال ِ‬
‫وفي قصة إسلم عبدالله بن سلم الحبر البحر _رضي الله عنه_ في صحيح‬
‫البخاري وغيره أن عبد الله بن سلم جاء رسول الله _صلى الله عليه وسلم_‬
‫فقال‪ :‬أشهد أنك رسول الله‪ ،‬وأنك جئت بحق‪ ،‬وقد علمت يهود أني سيدهم‪،‬‬
‫وابن سيدهم‪ ،‬وأعلمهم‪ ،‬وابن أعلمهم‪ ،‬فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا‬
‫أني قد أسلمت‪ ،‬فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا في ما ليس في‪.‬‬
‫فأرسل إليهم نبي الله _صلى الله عليه وسلم_‪ ،‬فأقبلوا فدخلوا عليه‪ ،‬فقال‬
‫لهم رسول الله _صلى الله عليه وسلم_‪" :‬يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله!‬
‫فوالله الذي ل إله إل هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا‪ ،‬وأني جئتكم بحق‬
‫فأسلموا"‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ما نعلمه‪.‬‬
‫قال النبي _صلى الله عليه وسلم_ ‪" :‬فأي رجل فيكم عبد الله بن سلم"؟‬
‫قالوا‪ :‬ذاك سيدنا وابن سيدنا‪ ،‬وأعلمنا وابن أعلمنا‪.‬‬
‫قال‪" :‬أفرأيتم إن أسلم"؟‬
‫قالوا‪ :‬حاشا لله ما كان ليسلم‪.‬‬
‫قال‪" :‬أفرأيتم إن أسلم"؟‬
‫قالوا‪ :‬حاشا لله ما كان ليسلم‪.‬‬
‫قال‪" :‬أفرأيتم إن أسلم"؟‬
‫قالوا‪ :‬حاشا لله ما كان ليسلم‪.‬‬
‫قال‪" :‬يا ابن سلم! اخرج عليهم"‪.‬‬
‫فخرج‪ ،‬فقال‪ :‬يا معشر اليهود اتقوا الله فوالله الذي ل إله إل هو إنكم‬
‫لتعلمون أنه رسول الله وأنه جاء بحق فقالوا‪ :‬كذبت فأخرجهم رسول الله‬
‫_صلى الله عليه وسلم_‪.‬‬
‫وهكذا النصارى ليسوا بمنأى عن نهج هؤلء‪.‬‬
‫وقد ثبت عند البخاري وغيره أيضا ً حديث أبي سفيان في كتاب النبي _صلى‬
‫الله عليه وسلم_ لعظيم النصارى‪ ،‬هرقل الروم‪ ،‬وخبر أبي سفيان معه‪ ،‬وفيه‬
‫قول‪" :‬فقال ]يعني هرقل[ للترجمان قل له‪ :‬سألتك عن نسبه فذكرت أنه‬
‫فيكم ذو نسب‪ ،‬فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها‪.‬‬
‫وسألتك‪ :‬هل قال أحد منكم هذا القول؟ فذكرت أن ل‪ ،‬فقلت‪ :‬لو كان أحد‬
‫قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله‪.‬‬
‫وسألتك‪ :‬هل كان من آبائه من ملك؟ فذكرت أن ل‪ ،‬قلت‪ :‬فلو كان من آبائه‬
‫من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه‪.‬‬
‫وسألتك‪ :‬هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أن ل‪ ،‬فقد‬
‫أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله‪.‬‬
‫وسألتك‪ :‬أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه‪.‬‬
‫وهم أتباع الرسل ‪.‬‬
‫وسألتك‪ :‬أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنهم يزيدون‪ ،‬وكذلك أمر اليمان حتى‬
‫يتم‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسألتك‪ :‬أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن ل‪ ،‬وكذلك‬
‫اليمان حين تخالط بشاشته القلوب‪.‬‬
‫وسألتك‪ :‬هل يغدر؟ فذكرت أن ل‪ ،‬وكذلك الرسل ل تغدر‪.‬‬

‫) ‪(241/1‬‬

‫وسألتك‪ :‬بما يأمركم فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ول تشركوا به شيئا‪،‬‬
‫وينهاكم عن عبادة الوثان‪ ،‬ويأمركم بالصلة والصدق والعفاف‪ ،‬فإن كان ما‬
‫تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين‪ ،‬وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن‬
‫أظن أنه منكم‪ ،‬فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده‬
‫لغسلت عن قدمه‪.‬‬
‫ثم دعا بكتاب رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ الذي بعث به دحية إلى‬
‫عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل فقرأه فإذا فيه‪) :‬بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم‪ ،‬سلم على من اتبع‬
‫الهدى‪ ،‬أما بعد‪ :‬فإني أدعوك بدعاية السلم‪ ،‬أسلم تسلم‪ ،‬يؤتك الله أجرك‬
‫ة‬
‫م ٍ‬‫وا إ َِلى ك َل ِ َ‬
‫ب ت ََعال َ ْ‬
‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن عليك إثم الريسيين‪ ،‬و"َيا أ َهْ َ‬ ‫مرتين‪ ،‬فإن توليت فإ ّ‬
‫ضَنا ب َْعضا ً أ َْرَبابا ً‬‫خذ َ ب َعْ ُ‬ ‫ً‬
‫شْيئا َول ي َت ّ ِ‬ ‫َ‬
‫شرِك ب ِهِ َ‬ ‫ه َول ن ُ ْ‬ ‫سواٍء بيننا وبينك ُ َ‬
‫م أّل ن َعْب ُد َ إ ِل الل َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ َََْ َََْ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ن"(‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬‫دوا ب ِأّنا ُ‬ ‫ْ‬
‫قولوا اشهَ ُ‬ ‫َ‬
‫وا ف ُ‬ ‫ن ت َوَل ْ‬‫ن الل ّهِ فَإ ِ ْ‬
‫ن ُدو ِ‬
‫م ْ‬
‫ِ‬
‫قال أبو سفيان‪ :‬فلما قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب‪،‬‬
‫وارتفعت الصوات وأخرجنا‪ ،‬فقلت لصحابي حين أخرجنا‪ :‬لقد أمر أمر ابن‬
‫أبي كبشة إنه يخافه ملك بني الصفر‪ .‬فما زلت موقنا ً أنه سيظهر حتى أدخل‬
‫الله علي السلم‪.‬‬
‫وكان ابن الناظور صاحب إيلياء وهرقل سقفا على نصارى الشام يحدث أن‬
‫هرقل حين قدم إيلياء أصبح يوما خبيث النفس فقال بعض بطارقته‪ :‬قد‬
‫استنكرنا هيئتك قال ابن الناظور وكان هرقل حزاء ينظر في النجوم‪ ،‬فقال‬
‫لهم حين سألوه‪ :‬إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد‬
‫ظهر فمن يختتن من هذه المة قالوا ليس يختتن إل اليهود فل يهمنك شأنهم‬
‫واكتب إلى مداين ملكك فيقتلوا من فيهم من اليهود فبينما هم على أمرهم‬
‫أتي هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله _صلى الله‬
‫عليه وسلم_ فلما استخبره هرقل قال اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم ل‬
‫فنظروا إليه فحدثوه أنه مختتن وسأله عن العرب فقال هم يختتنون فقال‬
‫هرقل‪ :‬هذا ملك هذه المة قد ظهر ثم كتب هرقل إلى صاحب له برومية‬
‫وكان نظيره في العلم وسار هرقل إلى حمص فلم يرم حمص حتى أتاه كتاب‬
‫من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي _صلى الله عليه وسلم_ وأنه‬
‫نبي فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص ثم أمر بأبوابها فغلقت‬
‫ثم اطلع فقال يا معشر الروم هل لكم في الفلح والرشد وأن يثبت ملككم‬
‫فتبايعوا هذا النبي فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى البواب فوجدوها قد‬
‫غلقت فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس من اليمان‪ ،‬قال‪ :‬ردوهم علي وقال‪:‬‬
‫إني قلت مقالتي آنفا ً أختبر بها شدتكم على دينكم فقد رأيت فسجدوا له‬
‫ورضوا عنه فكان ذلك آخر شأن هرقل‪.‬‬
‫والشاهد مما سبق بيان أنه قد أخطأ من ظن أن سبب العداوة من جميع‬
‫اليهود والنصارى لنبينا _صلى الله عليه وسلم_ عدم علمهم به أو بصدق‬
‫رسالته‪.‬‬
‫وكما أن هذا السبب ل ينبغي أن يغفل ويهمل‪ ،‬فإن من الواجب كذلك أن ل‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يغالى فيه ويزايد‪ ،‬فإن هذا من دواعي تفاقم الشكال ل حله‪ ،‬وهذا مقتضى‬
‫واًء‬‫س َ‬‫سوا َ‬ ‫النصاف الذي علمناه إياه ديننا‪ ،‬كما في قول الحق _سبحانه_‪" :‬ل َي ْ ُ‬
‫ُ‬ ‫م َ‬
‫ن" ]آل‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫س ُ‬ ‫م يَ ْ‬‫ل وَهُ ْ‬ ‫ت الل ّهِ آَناَء الل ّي ْ ِ‬ ‫ة ي َت ُْلو َ‬
‫ن آَيا ِ‬ ‫م ٌ‬‫ة َقائ ِ َ‬ ‫م ٌ‬
‫بأ ّ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫ن أهْ ِ‬‫ِ ْ‬
‫عمران‪.[113:‬‬
‫ولعل في هؤلء ومن قرب منهم الجاهل الذي لم يسمع عن السلم إل ّ‬
‫الصورة المشوهة فمثل هذا ل يستوي مع المشوهين‪ ،‬ولعل للكلم على بقية‬
‫أقسام أهل الكتاب وتتمة الكلم في السباب الخرى له مقام آخر‪ ،‬والحمد‬
‫لله أول ً وآخرًا‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد‬
‫أسباب أدت لتشويه صورة السلم في الغرب )‪(2/2‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫الحمد لله وكفى‪ ،‬وصلى الله وسلم على رسوله المجتبى‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫مر معنا أن من أسباب تشويه صورة السلم الرئيسة في الغرب هو العداوة‬
‫ك ال ْي َُهود ُ َول‬ ‫ضى عَن ْ َ‬ ‫ن ت َْر َ‬ ‫الدينية التي أخبر الله عنها في قوله _تعالى_‪" :‬وَل َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ب َعْد َ‬ ‫واَءهُ ْ‬
‫ت أهْ َ‬ ‫ن ات ّب َعْ َ‬
‫دى وَلئ ِ ِ‬ ‫دى الل ّهِ هُوَ ال ْهُ َ‬ ‫ن هُ َ‬ ‫م قُ ْ‬
‫ل إِ ّ‬ ‫مل ّت َهُ ْ‬
‫حّتى ت َت ّب ِعَ ِ‬ ‫صاَرى َ‬ ‫الن ّ َ‬
‫ر" ]البقرة‪ ،[120:‬وذكر‬ ‫صي ٍ‬
‫ي َول ن َ ِ‬ ‫ن وَل ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ما لك ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن العِلم ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫جاَءك ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫أن هذا السبب كما ل ينبغي أن يغفل ويهمل‪ ،‬فإن من الواجب كذلك أل يغالى‬
‫فيه ويزايد‪ ،‬فإن هذا من دواعي تفاقم الشكال ل حله‪ ،‬وهذا مقتضى النصاف‬
‫الذي علمناه إياه ديننا‪.‬‬
‫وعدم المغالة فيه تكون بمراعاة أمرين‪:‬‬

‫) ‪(241/2‬‬

‫أحدهما‪ :‬استحضار أن هناك خمسة طوائف من الغربيين‪ ،‬فكما أن هناك‬


‫طائفة أولى من المستكبرين باطري الحق وغامطي السلم‪ ،‬فإن هناك‬
‫طائفة ثانية من الجهلة المغرر بهم‪ ،‬أما الطائفة الثانية فل يعرف أهلها عن‬
‫السلم إل ّ ما صورته الطائفة الولى‪ ،‬فهؤلء المساكين المشرفين على الهوة‬
‫السحيقة بعيدة قرار يحب أن يستنقذوا من بني السلم‪ ،‬فيعرفوا بنبي‬
‫الثقلين وبدين الحق فتعرض لهم صورته المشرقة في سكينة وهدوء‪ ،‬وتقصير‬
‫المسلمين في حقهم من أفحش الظلم لهم‪.‬‬
‫أما الطائفة الثالثة فهي بين هؤلء وهؤلء وهم المعرضون الذين ل يريدون‬
‫معرفة الحق وتمييزه من الباطل‪ ،‬يصمون آذانهم ويستغشون ثيابهم‪ ،‬إما‬
‫لهوى أو ظلم أو جهل‪ ،‬وهؤلء ينبغي أن يرغبوا في السلم وينبهوا إلى أهمية‬
‫النظر فيه‪ ،‬قبل أن ُيلحقوا بالفريق الول‪.‬‬
‫وأما الطائفة الرابعة فهم المنصفون من الغربيين الذين عرفوا شيئا ً من‬
‫السلم فبانت لهم تعاليمه السمحة‪ ،‬وتشريعاته الحكيمة‪ ،‬وعرفوا شيئا ً عن‬
‫نبينا_صلى الله عليه وسلم_ فعظموه‪ ،‬فوقفوا موقف أبي طالب من‬
‫محمد_صلى الله عليه وسلم_ ‪ ،‬وقاموا مقام غيره ممن حمى بعض أهل‬
‫السلم وذب عنهم‪.‬‬
‫ومن هؤلء على سبيل المثال‪ :‬جوسلين سيزاري )الباحثة الفرنسية(‪ ،‬روبرت‬
‫فيسك )الصحافي البريطاني(‪ ،‬ماركوس بورج )أستاذ علوم الدين في جامعة‬
‫أوريغون المريكية(‪ ،‬فرانسوا بورجا )الباحث الفرنسي المرموق(‪ ،‬وكذلك‬
‫كارين أرمسترونج )الكاتبة البريطانية‪ ،‬والراهبة الكاثوليكية سابقًا(‪ ،‬وصاحبة‬
‫العديد من المؤلفات عن السلم والمسيحية واليهودية‪.‬‬
‫بل المير النجليزي تشارلز‪ ،‬وشهادته النادرة التي أسقط فيها صفة التطرف‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التي يحاول العلم الغربي أن يربطها بالسلم إلى جانب دفاع تشارلز عن‬
‫فضل الحضارة السلمية على القارة الوروبية‪ ،‬وعلى الحضارة الغربية بصفة‬
‫عامة‪.‬‬
‫وأمثال هؤلء ينبغي أن يعرف لهم فضلهم‪ ،‬وأن يكافؤوا عليه‪ ،‬وأن يحرص‬
‫على دعوتهم وهدايتهم‪ ،‬وحري بمثلهم أن يسلموا إذا تعرفوا على السلم‬
‫أكثر‪.‬‬
‫وأما الطائفة الخامسة والخيرة فهم مسلمو الغرب‪ ،‬فهؤلء ينبغي أن نكون‬
‫ردءا ً لمحسنهم‪ ،‬حادبين على مسيئهم‪ ،‬حريصين على هدايته وتوجيه التوجيه‬
‫المثل‪.‬‬
‫أما المر الثاني الذي تنبغي مراعاته‪:‬‬
‫فهو معرفة السباب الخرى التي ساعدت على تشويه صورة السلم‬
‫والمسلمين‪ ،‬على الرغم من توافر عوامل التعريف بالسلم وأهله في عصر‬
‫الفضائيات وثورة التصالت‪.‬‬
‫ولعل أهما ينحصر في اثنين‪:‬‬
‫الول‪ :‬تقصير بني السلم في عرض صورة السلم الواضحة النقية‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬عرض صورة لمسخ مشوه والتصريح بأنها صورة السلم‪ ،‬أو اليهام‬
‫بذلك‪ ،‬عمدا ً أو خطأ‪.‬‬
‫ولشك أن هذين السبيين يتداخلن مع ما سبق ذكره‪ ،‬ولسيما الثاني فإن أثر‬
‫الغرب في هذا ظاهر‪ ،‬بيد أن الغرب ليس هو كل شيء فيه‪ ،‬كما أن حقد‬
‫الغربيين له من يدعمه من الطراف العميلة المؤثرة وليست كل شيء فيه‪.‬‬
‫أما تقصير بني السلم في عرض صورة السلم الواضحة النقية فيشمل‬
‫أمورا ً منها‪:‬‬
‫‪ -‬تقصيرهم في عرضه ابتداء‪.‬‬
‫‪ -‬وتقصيرهم في تنقية الصورة المشوهة بالشبه الغربية أو المستغربة‬
‫الناطقة بالعربية‪.‬‬
‫‪ -‬تقصيرهم في بيان الخطاء ومعالجتها‪ ،‬على المستوى الداخلي والخارجي‪،‬‬
‫فعندما تزور ممارسات باسم السلم خطأ‪ ،‬ثم ل يوضح بجلء أن السلم منها‬
‫براء داخل الصف المسلم أو خارجه‪ ،‬فإما أن تبقى الصورة مشوهة عند‬
‫إغفال العتراف بالخطأ وتصحيحه في الذهن الغربي‪ ،‬وإما أن تتكرر الخطاء‬
‫عند إغفال توعية الصف المسلم وحواره وتعريفه بالخطأ الذي وقع فيه‪.‬‬
‫وأما عرض صورة لمسخ مشوه والتصريح بأنها صورة السلم‪ ،‬أو اليهام‬
‫بذلك‪ ،‬عمدا ً أو خطأ‪ ،‬فذلك يشمل أمورا ً أيضًا‪:‬‬
‫‪ -‬منها الممارسات التي يعتقد بعض الجهلة أو المتحمسين أو المنهزمين أنها‬
‫من السلم والسلم منها براء‪.‬‬
‫‪ -‬ومنها ما يزوره العلمانيون وأضرابهم وأذنابهم من دعاة التنوير بإحراق‬
‫الفضائل‪ ،‬الذين يزعمون جهل ً أو كذبا ً أن السلم ل يعارض ما يعرضون وأن‬
‫معارضته تشدد أو تزمت‪.‬‬
‫‪ -‬ومنهم ما ُيعرض في وسائل العلم المسلمة‪ ،‬أو يعرض في واقعهم من‬
‫تعاملت مشينة‪ ،‬أو ممارسات تخالف هدي السلم‪ ،‬بغير نكير في أحيان‪،‬‬
‫وبنكير ل يلتفت إليه في أحايين أخرى‪ ،‬فكل هذا مما يوهم الغربيين بأن تلك‬
‫الصورة المشوهة هي السلم‪.‬‬
‫فلعل ما سبق من أسباب داخلية وخارجية‪ ،‬هي أعظم السباب التي قادت‬
‫إلى تشوه صورة السلم لدى الغرب‪.‬‬
‫ويحسن التنبيه إلى أن العلج الذي نملكه يتعلق أول ً بعلج المظاهر والسباب‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل‪ ،‬وإنكار المناكر التي ليست من‬ ‫التي للمسلمين فيها يد‪ ،‬كتصحيح واقعهم مث ً‬
‫السلم في شيء‪.‬‬
‫ثم ثانيا ً بمدافعة الباطل وأهله الناقمين على السلم ومجاهدتهم جهادا كبيرا‬
‫ً‬
‫من أجل إيصال صورة السلم للناس بيضاء نقية كما جاءنا به محمد_صلى‬
‫الله عليه وسلم_ ‪.‬‬
‫وهذا يتطلب خطابا ً إعلميا ً عصريا ً نقديا ً وموضوعيا ً يغزو السواق الغربية‬
‫ويبتعد عن رتابة الخطاب العلمي الغربي والسلمي الموجود اليوم‪.‬‬

‫) ‪(241/3‬‬

‫كما أن الحاجة إلى اللتجاء إلى الله ماسة‪ ،‬والعتماد عليه كبيرة‪ ،‬والدعاء‬
‫لهل الضلل من الكفار بمعرفة الحق وأتباعه‪ ،‬وفي صحيح البخاري ابن‬
‫مسعود قال‪ :‬كأني أنظر إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ يحكي نبيا ً من‬
‫النبياء ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه‪ ،‬ويقول‪ :‬اللهم اغفر‬
‫لقومي فإنهم ل يعلمون‪.‬‬
‫فكما أننا بحاجة إلى دعاء الله بأن يهلك الظالمين المستكبرين المعرضين من‬
‫الكافرين المستهزئين‪ ،‬نحن أيضا ً بحاجة إلى أن نسأله _سبحانه_ أن يهدي‬
‫ضالهم ويدل حائرهم‪ ،‬ولسيما أولئك النفر الذين ل يزالون ينافحون عن‬
‫السلم ونبيه _عليه الصلة والسلم_‪.‬‬
‫أسأل الله أن يبرم للسلم وأهله إبرام رشد يعز فيه وليه‪ ،‬ويذل فيه عدوه‪،‬‬
‫ويهدى به من أراد الحق‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪.‬‬

‫) ‪(241/4‬‬

‫أسباب اختلف القراء في القراءات القرآنية‬


‫فا‪ ،‬وليس ثمة‬ ‫ً‬
‫تعدد القراءات القرآنية أمر واقع أجمعت عليه المة سلفا وخل ً‬
‫دليل لمن ينكر ذلك أو يستنكره؛ وإذ كان هذا واقعا ً ل يمكن نكرانه أو تجاهله‬
‫فإن السؤال الوارد هنا‪ :‬ما السبب الذي أوجب أن يختلف القراء في قراءة‬
‫القرآن على قراءات عدة ومتعددة‪ ،‬وصل المتواتر منها إلى أكثر من سبع‬
‫قراءات‪.‬‬
‫ومن المفيد والمهم هنا التذكير بداية‪ ،‬أن الختلف في القراءات القرآنية إنما‬
‫كان فيما يحتمله خط المصحف ورسمه‪ ،‬سواء أكان الختلف في اللفظ دون‬
‫جذوة{ بضم الجيم وكسرها وفتحها‪ ،‬أم‬ ‫المعنى‪ ،‬كقراءة قوله ‪ -‬تعالى ‪َُِ } :-‬‬
‫كان الختلف في اللفظ والمعنى‪ ،‬كقراءة قوله ‪ -‬تعالى ‪} :-‬ننشرها{ و‬
‫}ننشزها{ وقوله ‪ -‬تعالى ‪} :-‬يسيركم{ و }ينشركم{ وعلى هذا ينبغي أن‬
‫ُيحمل الختلف في القراءات القرآنية ليس إ ّ‬
‫ل‪.‬‬
‫بعد هذا التوضيح الذي نرى أنه مهم‪ ،‬نقول‪ :‬إن الصحابة ‪ -‬رضي الله عنهم ‪-‬‬
‫كان قد تعارف بينهم منذ عهد النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ترك النكار‬
‫على من خالفت قراءته قراءة الخر‪ ،‬بل إن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫ما وإنه لم‬ ‫َ‬
‫قد أقرهم على ذلك‪ ،‬ولو كان في المر شيء لبّين لهم ذلك‪ ،‬أ َ‬
‫ل ذلك على أن الختلف في القراءة أمر جائز ومشروع‪ ،‬وله ما‬ ‫يفعل فقد د ّ‬
‫يسوغه‪.‬‬
‫وقد صح في الحديث عنه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أنه قال‪) :‬إن القرآن نزل‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ف( رواه النسائي‪ ،‬وفي "الصحيحين" عنه ‪-‬‬ ‫ف كا ٍ‬ ‫على سبعة أحرف كلها شا ٍٍ‬
‫ُ‬
‫ضا‪ ،‬قوله‪) :‬أنزل القرآن على سبعة أحرف‪ ،‬فاقرؤوا‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أي ً‬
‫ما تيسر( رواه البخاري و مسلم‪.‬‬
‫وقد ذكرنا في مقال سابق لنا‪ ،‬أن القول المعتمد عند أهل العلم في معنى‬
‫هذا الحديث‪ ،‬أن القرآن نزل على سبع لغات من لغات العرب‪ ،‬وذلك توسيًعا‬
‫عليهم‪ ،‬ورحمة بهم‪ ،‬فكانوا يقرؤون مما تعلموا‪ ،‬دون أن ُينكر أحد على أحد؛‬
‫بل عندما حدث إنكار لهذا‪ ،‬كما كان من أمر عمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬مع هشام‬
‫بن حكيم بّين له ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أن ليس في ذلك ما ُيستنكر‪ ،‬وأقر‬
‫كل واحدٍ منهما على قراءته‪ ،‬والحديث في "صحيح البخاري "‪.‬‬
‫ثم إن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬والخلفاء من بعده ‪ -‬رضي الله عنهم ‪-‬‬
‫جهوا الصحابة إلى البلدان ليعّلموا الناس القرآن وأحكام دينهم‪ ،‬فعّلم كل‬ ‫و ّ‬
‫ُ‬
‫واحد ٍ منهم أهل البلد التي أرسل إليها ما كان يقرأ به على عهد النبي ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،-‬فاختلفت قراءة أهل تلك البلد باختلف قراءات الصحابة ‪-‬‬
‫رضي الله عنهم ‪.-‬‬
‫معَ عثمان ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬للقرآن إنما كان‬ ‫ج ْ‬ ‫ن َ‬‫والذي دلت عليه الثار أ ّ‬
‫خا له على حرف واحد‪ ،‬هو حرف قريش )لغة قريش(‪ ،‬ووافقه على ذلك‬ ‫نس ً‬
‫عا‪ .‬وإنما لم يحتج الصحابة في أيام‬ ‫ً‬ ‫إجما‬ ‫فكان‬ ‫‪،-‬‬ ‫عنهم‬ ‫الله‬ ‫رضي‬ ‫‪-‬‬ ‫الصحابة‬
‫أبي بكر و عمر ‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬إلى جمع القرآن على الوجه الذي جمعه‬
‫عليه عثمان؛ لنه لم يحدث في أيامهما ما حدث في أيامه‪ ،‬وإنما فعل عثمان‬
‫دا لهم على كتاب الله‪.‬‬‫ما للختلف بين المسلمين‪ ،‬وتوحي ً‬ ‫ما فعل حس ً‬
‫والمر الذي ينبغي النتباه إليه في فعل عثمان ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن هذا‬
‫مع عليه القرآن ‪ -‬وهو حرف من الحرف السبعة التي نص‬ ‫ج ِ‬
‫الحرف الذي ُ‬
‫عليها الحديث ‪ -‬إنما كان على لغة قريش ‪ -‬كما ذكرنا ‪ -‬وأن هذا النسخ‬
‫طا بالشكل‪ ،‬فاحتمل‬ ‫طا بالنقاط‪ ،‬ول مضبو ً‬ ‫العثماني للقرآن لم يكن منقو ً‬
‫المر قراءة ذلك الحرف على أكثر من وجه‪ ،‬وفق ما يحتمله اللفظ‪ ،‬كقراءة‬
‫د‪ ،‬وكانوا‬
‫قوله ‪ -‬تعالى ‪} :-‬فتبينوا{ و }فتثبتوا{ ونحو ذلك‪ ،‬ثم جاء القراء بع ُ‬
‫قد تلقوا القرآن ممن سبقهم ‪ -‬فقرؤوا ما يحتمله اللفظ من قراءات‪ ،‬واختار‬
‫كل واحد منهم قراءة حسب ما تلقاه ووصل إليه؛ وهكذا اختار بعضهم‬
‫القراءة بالمالة‪ ،‬واختار بعضهم إثبات الياءات‪ ،‬ورأى البعض الخر حذفها‪،‬‬
‫واختار البعض القراءة بتحقيق الهمزة‪ ،‬واختار الخر القراءة بتسهيلها‪ ،‬وهذا‬
‫يدل على أن كل ً اختار قراءته ‪ -‬ضمن ما يحتمله خط المصحف العثماني ‪-‬‬
‫َوفق ما وصله‪ ،‬دون أن ينكر أحد القراء على أحد‪ ،‬لن تلك القراءات كلها‬
‫ثبتت بطرق متواترة‪ ،‬ودون أن يعني ذلك أن عدم قراءة أحد من القراء على‬
‫وفق قراءة غيره‪ ،‬أن قراءة الخير غير صحيحة‪ ،‬بل جميع تلك القراءات التي‬
‫قرأ بها القراء السبعة قراءات توقيفية‪ ،‬ثبتت عن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،-‬وأجمع المسلمون على صحتها والقراءة بها‪ .‬والمسألة في هذا أشبه‬
‫ما يكون في نقل الحديث عن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ،-‬فقد‬
‫روى البخاري و مسلم في "صحيحهما" ما صح عندهما من حديث رسول‬
‫ضا‬
‫الله‪ ،‬وقد انفرد كل منهما برواية بعض الحاديث التي لم يروها الخر‪ ،‬وأي ً‬
‫فقد صح من الحاديث ما لم يروه البخاري و مسلم‪ ،‬وعلى هذا المحمل‬
‫ينبغي أن ُيفهم وجه اختلف القراء في القراءات‪.‬‬
‫نسأل الله أن ينفعنا بالقرآن العظيم‪ ،‬ويجعله نوًرا في قلوبنا‪ ،‬وجلًء لهمومنا‬
‫وغمومنا‪ ،‬ونسأله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬أن يجعلنا من المتمسكين بما فيه‪ ،‬والحمد لله‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رب العالمين‪.‬‬
‫‪19/01/2004‬‬

‫) ‪(242/1‬‬

‫‪ http://www.islamweb.net‬المصدر ‪:‬‬

‫) ‪(242/2‬‬

‫أسباب التفاق والختلف في العمل السلمي بين الخلف والسلف‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬عمر يوسف حمزة*‬
‫ملخص البحث‬
‫الحمد لله والصلة السلم على رسول الله‪ ،‬وبعد‪..‬‬
‫فإن هذا البحث قد اشتمل على مقدمة بّينت فيها أهمية الوحدة بين‬
‫من روح التعاون‪ ،‬وحارب العزلة وكل ما يدعو إلى‬ ‫المسلمين‪ ،‬وإن السلم ث ّ‬
‫الفرقة والتمزق‪ ،‬وإن العتصام بحبل الله تعالى من الجميع هو أساس‬
‫الوحدة والتجمع‪ ،‬كما بّين البحث أن التحاد فريضة دينية وهو كذلك عصمة‬
‫من الهلكة‪.‬‬
‫اشتمل البحث على بيان أسباب الختلف عند السلف من الصحابة والتابعين‬
‫في الفروع‪ ،‬وهي أربعة أسباب بينتها بالتفصيل في مواضعها من البحث‪ ،‬وبّين‬
‫البحث أسباب الفرقة بين المسلمين في القرون الماضية‪ ،‬وأسباب الفرقة‬
‫بين المسلمين في العصر الحاضر‪ ،‬وأهم مقومات الوحدة السلمية وهي‪:‬‬
‫)‪ (1‬التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫)‪ (2‬التعارف النساني وقوة التآخي وقوة الشعور بأن المسلمين جسم واحد‪.‬‬
‫)‪ (3‬التعاون في دفع الضر وجلب الخير‪.‬‬
‫منت أهم نتائج البحث‪.‬‬ ‫كما اشتمل البحث على خاتمة تض ّ‬
‫وأسأل الله تعالى أن يوفقنا لخدمة السلم والمسلمين‪ ،‬وآخر دعوانا أن‬
‫الحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫مقدمة‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة السلم على أشرف المرسلين‪ ،‬سيدنا محمد‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫أما بعد‪..‬‬
‫فإنه استجابة للدعوة الكريمة التي تلقيتها من قسم الثقافة السلمية بجامعة‬
‫الخرطوم لحضور المؤتمر العلمي بعنوان‪) :‬العمل السلمي بين التفاق‬
‫والفتراق(‪ ،‬وإسهاما ً مني في هذا العمل المبارك كتبت هذه الورقة؛ والتي‬
‫سوف أتناول فيها ــ بإذن الله ــ أسباب التفاق والختلف في العمل‬
‫السلمي بين السلف والخلف رضي الله عنهم‪.‬‬
‫إن من نعمة الله سبحانه وتعالى علينا أن جعلنا من أمة هذا الرسول الكريم‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهدانا إلى أن نكون في زمرة أهل السنة والجماعة‪،‬‬
‫ورحمنا بالسلمة من أهل البدع والضللة‪ ،‬ورزقنا محبته ومحبة رسوله صلى‬
‫الله عليه وسلم وآل بيته وصحابته الكرام‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان وسار على‬
‫نهجهم‪ ،‬ومما يجب علينا نحن المسلمين أن نتعرف على القواعد التي قام‬
‫عليها المجتمع السلمي في العصور الفاضلة للسلم‪ ،‬حيث كان مجتمعا ً‬
‫يسوده التعاون والتضامن والترابط‪ ،‬ويشيع الستقرار في جوانبه‪ ،‬وقد سعد‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أفراده بظلل المن الوارفة‪ ،‬وبروح المحبة الصادقة‪ ،‬فكان كل فرد فيه يشعر‬
‫بمحبة أخيه المسلم له‪ ،‬مما جعلهم مثال ً طيبًا‪ ،‬وقدوة حسنة لمن أتى بعدهم‪،‬‬
‫ونحن الن إن أردنا العزة التي فقدناها والقوة التي ننشدها‪ ،‬فعلينا أن نعيد‬
‫صياغة مجتمعاتنا السلمية على هذه العناصر وتلك القواعد التي أقام عليها‬
‫السلم مجتمعه الول‪.‬‬
‫نحن ــ كأفراد ــ مدينون في حياتنا للجماعة التي تعيش بين أظهرنا‪ ،‬فلول‬
‫رعاية البوين للطفل الوليد‪ ،‬ولول عناية الستاذ بالفتى التلميذ‪ ،‬ولول وجود‬
‫هذه المهن التي تقوم بكل ما يحتاج إليه النسان من شؤون معيشته‪ ،‬لول‬
‫هذا كله ما استطاع النسان أن يعيش آمنا ً على نفسه‪ ،‬مستفيدا ً من ثروته‬
‫وجهوده‪ ،‬وبذلك كان كل فرد في المجتمع‪ ،‬مهما عل شأنه‪ ،‬مدينا ً للخرين‬
‫بجهودهم وصنعتهم وأعمالهم)]‪.([1‬‬
‫ولذا كان من أبرز مظاهر الوعي والرقي في الفراد شعورهم بحق الجماعة‬
‫عليهم‪ ،‬وتصرفهم في حدود التعاون الجتماعي؛ حتى يكون المجتمع متراصا ً‬
‫ل‪ ،‬وبهذا الميزان يقاس رقي المم وخلود الحضارات‬ ‫ل تجد فيه ثغرة ول خل ً‬
‫وعظمة الديانات‪.‬‬
‫فالدين الحق هو الذي ينمي في الفرد روح الجماعة والشعور بحقها في‬
‫الحياة الكريمة‪ ،‬والحضارة الخالدة هي التي تحمل أبناءها على أن يشعروا‬
‫بالجماعة‪ ،‬والمم الراقية هي التي ُتغّلب الروح الجماعية على كل نزعة‬
‫فردية وانعزالية في أبنائها‪.‬‬
‫ومن الحق أن السلم يحتل مكان الصدارة بين الديانات التي تدعو إلى‬
‫التعاون‪ ،‬وتحارب العزلة وأسباب الختلف بين المسلمين‪ ،‬ومن المور الهامة‬
‫التي ينبغي أن نركز عليها هو أن الترابط الجتماعي في السلم يقوم على‬
‫عناصر لها صلة قوية بأركان هذا الدين وقواعده‪ ،‬وهذا هو السر في بقاء‬
‫السلم قويا ً بذاته‪ ،‬وإن تخلى عنه كثير من أبنائه‪ ،‬فقد مضى عليه أكثر من‬
‫أربعة عشر قرنا ً ول يزال جديدا ً يحمل للناس كل ما يحتاجون إليه في‬
‫معاشهم ومعادهم‪ ،‬ومّرت به أزمات لو نزلت بالجبال لفتتها‪ ،‬وواجه عقبات لو‬
‫صادفها الفولذ لذابته‪ ،‬ونزلت به ضربات لو نزلت بغير السلم لصبح ذكرى‬
‫يتحدث عنها التاريخ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ولكن هيهات‪ ..‬فقد خرج من كل ذلك قويا بذاته‪ ،‬ول يزال صامدا في الميدان‪،‬‬
‫وأننا لنلحظ أنه كلما ابتعد المسلمون عن دينهم سخر الله من يحمل رايته‪،‬‬
‫ويدفع عنه المعتدين‪ ،‬ويحبط كيد الكائدين تحقيقا ً لقول الله تعالى‪) :‬إنا نحن‬
‫نزلنا الذكر وإنا له لحافظون( ]سورة الحجر‪.[9 :‬‬
‫القرآن الكريم يدعو إلى الوحدة ونبذ الفرقة‬

‫) ‪(243/1‬‬

‫يقول الله تعالى‪) :‬يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا ً من الذين أوتوا الكتاب‬
‫يردوكم بعد إيمانكم كافرين * وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله‬
‫وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم * يا أيها الذين‬
‫آمنوا اتقوا الله حق تقاته ول تموتن إل وأنتم مسلمون * واعتصموا بحبل الله‬
‫جميعا ً ول تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداًء فألف بين قلوبكم‬
‫فأصبحتم بنعمته إخوانا ً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك‬
‫يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون * ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير‬
‫ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون * ول تكونوا‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم *‬
‫ما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد‬ ‫يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأ ّ‬
‫إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون * وأما الذين ابيضت وجوههم ففي‬
‫رحمة الله هم فيها خالدون( ]سورة آل عمران‪100 :‬ــ ‪ ،[107‬هذه اليات‬
‫الكريمة دعوة قوية إلى توحيد الكلمة واجتماع الصف المسلم على السلم‪،‬‬
‫وقد تضمنت التي‪:‬‬
‫)‪ (1‬التحذير من دسائس غير المسلمين‪ ،‬ومن طاعتهم فيما يوسوسون به‬
‫فليس وراءها إل الرتداد على العقاب والكفر بعد اليمان‪.‬‬
‫ن معنى )يردوكم بعد‬ ‫)‪ (2‬التعبير عن التحاد باليمان‪ ،‬وعن التفرق بالكفر‪ ،‬فإ ّ‬
‫إيمانكم كافرين( أي بعد وحدتكم وأخوتكم متفرقين متعادين كما يدل على‬
‫ذلك سبب النزول)]‪.([2‬‬
‫)‪ (3‬أن العتصام بحبل الله من الجميع هو أساس الوحدة والتجمع بين‬
‫المسلمين‪ ،‬وحبل الله هو السلم‪ ،‬والقرآن الكريم‪.‬‬
‫)‪ (4‬التذكير بنعمة الخوة اليمانية بعد عداوات الجاهلية وإحنها وحروبها‪ ،‬وهي‬
‫أعظم النعم بعد اليمان‪ ،‬قال تعالى‪) :‬وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في‬
‫الرض جميعا ً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم(‬
‫]سورة النفال‪.[63 :‬‬
‫)‪ (5‬ل يجمع المة أمر مثل أن يكون لها هدف كبير تعيش له‪ ،‬ورسالة عليا‬
‫تعمل من أجلها‪ ،‬وليس هناك هدف أو رسالة للمة السلمية أكبر ول أرفع‬
‫ل شأنه في هذا‬ ‫من الدعوة إلى الخير الذي جاء به السلم‪ ،‬وهذا سر قوله ج ّ‬
‫السياق‪) :‬ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن‬
‫المنكر وأولئك هم المفلحون()]‪.([3‬‬
‫)‪ (6‬التاريخ سجل العبر‪ ،‬والواعظ الصامت للبشر‪ ،‬وقد سجل التاريخ أن من‬
‫قبلنا تفرقوا واختلفوا في الدين فهلكوا‪ ،‬ولم يكن لهم عذر لنهم اختلفوا بعد‬
‫ما جاءهم العلم‪ ،‬وجاءتهم البينات من ربهم‪ ،‬ومن هنا كان التحذير اللهي‪) :‬ول‬
‫تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب‬
‫عظيم(‪ ،‬فالله تعالى يقول للمؤمنين‪ :‬ل تكونوا كاليهود والنصارى الذين‬
‫تفرقوا في الدين واختلفوا فيه بسبب اتباع الهوى من بعد ما جاءتهم اليات‬
‫الواضحات‪) :‬وأولئك لهم عذاب عظيم( )]‪ ([4‬أي‪ :‬لهم بسبب الختلف عذاب‬
‫شديد يوم القيامة‪.‬‬
‫هذا وقد أكد القرآن الكريم أن المسلمين ــ وإن اختلفت أجناسهم وألوانهم‬
‫وأوطانهم ولغاتهم وطبقاتهم ــ أمة واحدة‪ ،‬وهم المة الوسط الذين جعلهم‬
‫الله شهداء على الّناس‪ ،‬قال تعالى‪) :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً لتكونوا‬
‫شهداء على الّناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا( ]سورة البقرة‪،[143 :‬‬
‫وأعلن القرآن أن الخوة الواشجة هي الرباط المقدس بين جماعة‬
‫المسلمين‪ ،‬وهي العنوان المعبر عن حقيقة اليمان‪) :‬إنما المؤمنون إخوة‬
‫فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون( ]سورة الحجرات‪،[10 :‬‬
‫ذر القرآن من التفرق أيما تحذير‪ ،‬ومن ذلك قوله تعالى‪) :‬قل هو القادر‬ ‫وح ّ‬
‫على أن يبعث عليكم عذابا ً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ً‬
‫ويذيق بعضكم بأس بعض( ]سورة النعام‪ ،[65 :‬فجعل تفريق المة شيعا ً ــ‬
‫يذيق بعضها بأس بعض ــ من أنواع العقوبات القدرية التي ينزلها الله بالناس‬
‫إذا انحرفوا عن طريقه‪ ،‬ولم يعتبروا بآياته‪ ،‬وقرنها القرآن بالرجم ينزل من‬
‫فوقهم "كالذي نزل بقوم لوط أو بالخسف يقع من تحت أرجلهم كالذي وقع‬
‫لقارون")]‪.([5‬‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال تعالى‪) :‬إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ً لست منهم في شيء إنما‬
‫أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون( ]سورة النعام‪ .[159 :‬جاء عن‬
‫ابن عباس رضي الله عنهما أن هذه الية نزلت في اليهود والنصارى الذين‬
‫تفرقوا واختلفوا في دينهم‪ ،‬وجاء عن غيره أّنها نزلت في أهل البدع‪ ،‬وأهل‬
‫الشبهات‪ ،‬وأهل الضللة من هذه المة‪.‬‬

‫) ‪(243/2‬‬
‫قال ابن كثير‪ :‬والظاهر أن الية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفا ً‬
‫ن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق‪ ،‬ليظهره على الدين كله‪،‬‬ ‫له‪ ،‬فإ ّ‬
‫ً‬
‫وشرعه واحد‪ ،‬ل اختلف فيه ول افتراق‪ ،‬فمن اختلف فيه )وكانوا شيعا( أي‬
‫فرقا ً كأهل الملل والنحل والهواء)]‪ ([6‬والضللت‪ ،‬فإن الله تعالى قد بّرأ‬
‫رسول الله صلى الله علي وسلم مما هم فيه‪ ،‬وهذه الية كقوله تعالى‪:‬‬
‫)شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك * وما وصينا به‬
‫إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ول تتفرقوا فيه( ]سورة الشورى‪:‬‬
‫‪.[13‬‬
‫التحاد والترابط فريضة دينية‬
‫يجب أن يكون هدف الداعين إلى السلم والعاملين له التحاد واللفة‪،‬‬
‫واجتماع القلوب‪ ،‬والتئام الصفوف‪ ،‬والبعد عن الختلف والفرقة‪ ،‬وكل ما‬
‫يمزق الجماعة‪ ،‬أو يفرق الكلمة‪ :‬من العداوة الظاهرة‪ ،‬أو البغضاء الباطنة‪،‬‬
‫ويؤدي إلى فساد ذات البين‪ ،‬مما يوهن دين المة ودنياها جميعًا‪.‬‬
‫فل يوجد دين دعا إلى الخوة التي تتجسد في التحاد والتضامن والتساند‬
‫والتعاون‪ ،‬مثل السلم في قرآنه وسنته‪ ،‬عن أبي هريرة رضي الله عنه عن‬
‫ن الظن أكذب‬ ‫ن فإ ّ‬‫النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪)) :‬إياكم والظ ّ‬
‫الحديث‪ ،‬ول تجسسوا ول تحسسوا‪ ،‬و ل تناجشوا ول تحاسدوا‪ ،‬ول تباغضوا ول‬
‫تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا(()]‪ .([7‬هذا الحديث الشريف اشتمل على‬
‫جملة من الداب عظيمة فيها ما فيها من التخلي عن كثير من الرذائل‪،‬‬
‫ل الفضائل وهي دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم‬ ‫والتحلي بفضيلة من أج ّ‬
‫ً‬
‫في نهاية هذا الحديث العظيم بأن نكون ))إخوانا(()]‪ ([8‬بكل ما تحمل هذه‬
‫الكلمة من معنى‪ ،‬ومتعاونين على الحق متكاتفين ضد الباطل حتى نؤدي ما‬
‫علينا لله عز وجل‪ ،‬وما علينا لهذا المجتمع الذي تعيش فيه‪ ،‬حتى يسير الكل‬
‫على الجادة والصراط المستقيم‪ ،‬قوله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬وكونوا عباد‬
‫الله إخوانًا(( في صحيح مسلم‪ :‬زاد في آخر الحديث من رواية صالح عن أبي‬
‫هريرة رضي الله عنه بعد هذه الجملة‪)) :‬كما أمركم(( فتكون الجملة بأجمعها‬
‫في صحيح مسلم من هذه الرواية‪)) :‬وكونوا عباد الله إخوانا ً كما أمركم الله((‬
‫ن‬
‫دم ذكُرها‪ ،‬فإنها جامعة لمعاني الخوة‪ ،‬ونسبتها إلى الله ل ّ‬ ‫أي بهذه المق ّ‬
‫ل شأنه‪) :‬من يطع الرسول فقد أطاع الله(‬ ‫الرسول مبلغ عن الله‪ ،‬قال ج ّ‬
‫ن المراد بالعبودية هنا هي‬ ‫]سورة النساء‪ ،[80 :‬وهذه الجملة تؤيد القول بأ ّ‬
‫عبودية المؤمنين بالله وحده‪ ،‬والذين رضوا به ربًا‪ ،‬ويحتمل أن يكون المراد‬
‫بقوله‪) :‬كما أمركم الله( يعني بقوله تعالى‪) :‬إنما المؤمنون إخوة( ]سورة‬
‫الحجرات‪ ، [10 :‬فإنه خبر بمعنى المر كأنه قال‪ :‬تعاملوا معاملة الخوة أيها‬
‫المؤمنون‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪" :‬وهذه الجملة تشبه التعليل لما تقدم ــ يقصد ابن حجر جملة‪:‬‬
‫))وكونوا عباد الله إخوانًا(( ــ كأنه قال‪ :‬إذا تركتم هذه المنهيات كنتم إخوانًا‪:‬‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أي اكتسبوا ما تصيرون به إخوانا ً مما سبق ذكره‪ ،‬وغير ذلك من المور‬
‫المقتضية لذلك إثباتا ً ونفيًا‪ ،‬وقوله‪)) :‬عباد الله(( أي يا عباد الله بحذف حرف‬
‫النداء‪ ،‬وفي ذلك إشارة إلى الرابطة التي تربط بينهم بأواصر الود والخوة‬
‫وهي العبودية لله‪ ،‬وقد قبلوها مختارين راضين بتبعاتها‪ ،‬ومتطلباتها‪ ،‬وفما‬
‫أحقهم بأن يتآخون بها‪ ،‬ويتعاونوا على البر والتقوى تحت لوائها"‪.‬‬
‫وقال القرطبي في معنى هذه الجملة‪" :‬كونوا كإخوان النسب في الشفقة‬
‫والرحمة‪ ،‬والمحبة‪ ،‬والمساواة‪ ،‬والمعاونة‪،‬و النصيحة")]‪.([9‬‬
‫صلت ما جاء به القرآن الكريم من الدعوة إلى‬ ‫وقد أكدت السنة النبوية وف ّ‬
‫التحاد والئتلف‪ ،‬والتحذير من التفرق والختلف‪ ،‬فقد دعت السنة إلى‬
‫فرت من الشذوذ والفرقة‪ ،‬ودعت إلى الخوة والمحبة‪،‬‬ ‫الجماعة والوحدة‪ ،‬ون ّ‬
‫وزجرت عن العداوة والبغضاء‪ .‬روى الترمذي عن ابن عمر قال خطبنا عمر‬
‫بالجابية )اسم موضع( فقال‪ :‬يا أيها الناس‪ ،‬إني قمت مقام رسول الله صلى‬
‫الله عليه سلم فينا‪ ،‬فقال‪)) :‬أوصيكم بأصحابي‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ ،‬ثم الذين‬
‫يلونهم‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ ،‬عليكم بالجماعة‪ ،‬وإياكم والفرقة‪ ،‬فإن الشيطان مع‬
‫الواحد‪ ،‬وهو من الثنين أبعد‪ ،‬ومن أراد بحبوحة الجنة‪ ،‬فليلزم الجماعة(()]‬
‫‪ .([10‬وروي عن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬يد‬
‫ن‪)) :‬من فارق الجماعة شبرا ً‬ ‫الله مع الجماعة(()]‪ .([11‬وفي الصحيحين‪ :‬أ ّ‬
‫فمات‪ ،‬فميتته جاهلية(()]‪.([12‬‬

‫) ‪(243/3‬‬

‫ومن كراهية السلم للفرقة والختلف نجد الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫يأمر بالنصراف عن قراءة القرآن إذا خشي من ورائها أن تؤدي إلى‬
‫الختلف‪ ،‬فقد روى البخاري ومسلم عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪)) :‬اقرأوا القرآن ما ائتلفت عليه‬
‫قلوبكم‪ ،‬فإذا اختلفتم فقوموا عنه(()]‪ ،([13‬أي تفّرقوا وانصرفوا لئل يتمادى‬
‫بكم الختلف إلى الشر‪ .‬فرغم ما هو معلوم لكل مسلم من فضل قراءة‬
‫القرآن‪ ،‬وأن لقارئه بكل حرف عشر حسنات‪ ،‬لم يأذن بقراءته إذا أدت إلى‬
‫التنازع والختلف‪ ،‬سواء كان الختلف في القراءة أو كيفية الداء‪ ،‬فأمروا أن‬
‫يتفرقوا عند الختلف ويستمر كل منهم على قراءته‪ ،‬كما ثبت فيما وقع بين‬
‫عمر وهشام‪ ،‬وبين ابن مسعود وبعض الصحابة وقال‪ :‬كلكما محسن‪.‬‬
‫إن كان الختلف في فهم معانيه‪ ،‬فالمعنى‪ :‬اقرؤا القرآن والزموا الئتلف‬
‫ل عليه‪ ،‬وقاد إليه‪ ،‬فإذا وقع الختلف‪ ،‬أو عرض عارض شبهة‬ ‫على ما د ّ‬
‫يقتضي المنازعة الداعية إلى الفتراق‪ ،‬فاتركوا القراءة وتمسكوا بالمحكم‬
‫الموجب لللفة‪ ،‬وأعرضوا عن المتشابه المؤدي إلى الفرقة‪ ،‬وهو كقوله في‬
‫الحديث الخر‪)) :‬فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فاحذروهم(()]‪،([14‬‬
‫وفي هذه الحاديث ــ كما قال الحافظ ابن حجر ــ الحض على الجماعة‬
‫واللفة والتحذير من الفرقة والختلف‪ ،‬والنهي عن المراء في القرآن بغير‬
‫حق)]‪.([15‬‬
‫لماذا حرص السلم على الوحدة والترابط؟‬
‫حرص السلم على الوحدة والترابط لن في التحاد منافع كثيرة في حياة‬
‫المة ل تخفى على عاقل‪:‬‬
‫)أ( فالتحاد يقوي الضعفاء ويزيد القوياء قوة على قوتهم فاللبنة وحدها‬
‫ضعيفة مهما تكن متانتها‪ ،‬وآلف اللبنات المتفرقة والمتناثرة ضعيفة بتناثرها‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وإن بلغت المليين‪ ،‬ولكنها في الجدار قوة ل يسهل تحطيمها لنها؛ باتحادها‬
‫مع اللبنات الخرى في تماسك ونظام‪ ،‬أصبحت قوة أي قوة‪ ،‬وهذا ما أشار‬
‫إليه الحديث الشريف بقوله‪] :‬المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا[‬
‫وشّبك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه‪.‬‬
‫)ب( والتحاد كذلك عصمة من الهلكة‪ ،‬فالفرد وحده يمكن أن يضيع‪ ،‬ويمكن‬
‫ي بها؛‬‫أن يسقط يفترسه شياطين النس والجن‪ ،‬ولكنه في الجماعة محم ّ‬
‫كالشاة في وسط القطيع ل يجترئ الذئب على أن يهجم عليها؛ فهي محمية‬
‫بالقطيع كله‪.‬‬
‫أسباب الختلف عند السلف من الصحابة والتابعين في الفروع‬
‫ً‬
‫لم يكن الفقه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم مدّونا‪ ،‬ولم يكن‬
‫البحث في الحكام يومئذ مثل بحث هؤلء الفقهاء حيث يبّينون بأقصى جهدهم‬
‫الركان والشروط والداب‪.‬‬
‫فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فيرى أصحابه وضوءه؛‬
‫فيأخذون به من غير أن يبّين أن هذا ركن وذلك أدب‪ .‬وكان يصلي فيرون‬
‫صلته فيصلون كما رأوه يصلي‪ ،‬وحج فرمق الّناس حجه)]‪([16‬؛ ففعلوا كما‬
‫فعل‪ ،‬وهذا كان غالب حاله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولم يبّين لهم أن فروض‬
‫الوضوء سبعة أو أربعة‪ ،‬ولم يفرض أن يحتمل أن يتوضأ إنسان بغير موالة‬
‫حتى يحكم عليه بالصحة أو الفساد‪ ،‬و إل ما شاء الله‪ ،‬و قلما كانوا يسألونه‬
‫عن هذه الشياء‪.‬‬
‫وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال‪" :‬ما رأيت قوما ً كانوا خيرا ً من أصحاب‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ما سألوه إل عن ثلث عشرة مسألة حتى‬
‫ُقبض كلهن في القرآن‪ ،‬منهن )يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه( ]سورة‬
‫البقرة‪) ،[217 :‬يسألونك عن المحيض( ]سورة البقرة‪ ،[222 :‬قال‪ :‬ما كانوا‬
‫يسألون إل عما ينفعهم")]‪.([17‬‬
‫قال ابن عمر رضي الله عنهما‪" :‬ل تسأل عما لم يكن؛ فإني سمعت عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله عنه يلعن من سأل عما لم يكن"‪.‬‬
‫قال أبو القاسم‪" :‬إنكم تسألون عن أشياء ما كّنا نسأل عنها‪ ،‬وتنقرون عن‬
‫أشياء ما كنا ننقر عنها‪ ،‬وتسألون عن أشياء ما أدري ما هي‪ ،‬لو علمناها ما‬
‫ل لنا أن نكتمها"‪ .‬وعن عمرو بن إسحاق قال‪" :‬لقد أدركت من أصحاب‬ ‫ح ّ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ممن سبقني منهم‪ ،‬فما رأيت قوما ً‬
‫أيسر سيرة ول أقل تشديدا ً منهم")]‪ .([18‬وعن عبادة بن نسي الكندي سئل‬
‫عن امرأة ماتت مع قوم ليس لها ولي‪ ،‬فقال‪" :‬أدركت أقواما ً ما كانوا‬
‫يشددون تشديدكم و ل يسألون مسائلكم")]‪.([19‬‬
‫وكان صلى الله عليه وسلم يستفتيه الناس في الوقائع فيفتيهم‪ ،‬وترفع إليه‬
‫القضايا فيقضي فيها‪ ،‬ويري الناس يفعلون معروفا ً فيمدحه‪ ،‬أو منكرا ً فينكره‬
‫عليهم‪ ،‬وما كل ما أفتى به مستقيما ً عنه أو قضى به في قضية أو أنكره على‬
‫فاعله كان في الجتماعات‪.‬‬

‫) ‪(243/4‬‬

‫ولذلك كان الشيخان أبو بكر وعمر إذا لم يكن لهما علم في المسألة يسألن‬
‫الناس عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وقال أبو بكر رضي الله‬
‫عنه‪" :‬ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قال فيها شيئا ً ــ يعني‬
‫الجدة ــ"‪ ،‬وسأل الناس‪ ،‬فلما صلى الظهر قال‪" :‬أيكم سمع رسول الله صلى‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله عليه وسلم قال في الجدة شيئًا؟"‪ ،‬فقال المغيرة بن شعبة‪" :‬أنا"‪ ،‬قال‪:‬‬
‫"ماذا؟" قال‪" :‬أعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم سدسًا"‪ ،‬قال‪" :‬لم‬
‫يعلم ذلك أحد غيرك؟"‪ ،‬فقال محمد بن مسلمة‪" :‬صدق"‪ .‬فأعطاها أبو بكر‬
‫السدس)]‪.([20‬‬
‫وبالجملة فهذه كانت عادته الكريمة صلى الله عليه وسلم فرأى كل صحابي‬
‫ما يسره الله له‪ ،‬من عباداته وفتاواه وأقضيته فحفظها وعقلها وعرف لكل‬
‫شئ وجها ً من قبل حفوف القرائن به)]‪ .([21‬فحمل بعضها على الباحة‬
‫وبعضها على الستحباب‪ ،‬وبعضها على النسخ؛ لمارات وقرائن كانت كافية‬
‫عنده‪ ،‬ولم يكن العمدة عندهم إل ّ وجدان الطمئنان والثلج من غير التفات‬
‫إلى طرق الستدلل‪ ،‬كما ترى العرب بفهمون مقصود الكلم فيما بينهم‪،‬‬
‫وتثلج صدورهم بالتصريح والتلويح واليماء من حيث ل يشعرون‪.‬‬
‫فانقضى عصرهم الكريم وهم على ذلك‪ ،‬ثم إنهم تفرقوا في البلد‪ ،‬وصار كل‬
‫واحد منهم قدوة للّناس‪ ،‬في بلد من البلد فكثرت الوقائع‪ ،‬ودارت المسائل‬
‫فاستفتوا فيها‪ ،‬فأجاب كل واحد حسب ما حفظه أو استنبطه‪ ،‬وإن لم يجد‬
‫فيما حفظه واستنبطه ما يصلح للجواب اجتهد برأيه وعرف العلة التي أراد‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم في منصوصاته‪ ،‬فطرد)]‪ ([22‬الحكم‬
‫حيثما وجدها‪ ،‬ل يألو جهدا ً في موافقة غرضه عليه الصلة والسلم فعند ذلك‬
‫وقع الختلف بينهم على ضروب‪:‬‬
‫منها‪ :‬أن صحابيا ً سمع حكما ً في قضية أو فتوى ولم يسمعه الخر فاجتهد‬
‫برأيه في ذلك‪ ،‬وهذا على وجوه‪:‬‬
‫ن ابن‬ ‫أحدها‪ :‬أن يقع اجتهاده موافق الحديث‪ ،‬مثاله ما رواه النسائي وغيره أ ّ‬
‫مسعود رضي الله عنه سئل عن امرأة مات عنها زوجها ولم يفرض لها)]‬
‫‪ ،([23‬لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي في ذلك‪ ،‬فاختلفوا عليه‬
‫ن لها مهر نسائها)]‪ ([24‬ل وكس ول‬ ‫شهرا ً وألحوا‪ ،‬فاجتهد برأيه وقضى بأ ّ‬
‫شطط)]‪ .([25‬وعليها العدة‪ ،‬ولها الميراث‪ ،‬فقام معقل بن يسار فشهد بأنه‬
‫صلى الله عليه وسلم قضى بمثل ذلك في امرأة منهم‪ ،‬ففرح بذلك ابن‬
‫مسعود فرحة لم يفرح مثلها قط بعد السلم‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬أن يقع بينهما المناظرة ويظهر الحديث بالوجه الذي يقع به غالب‬
‫ن أبا‬‫الظن‪ ،‬فيرجع عن اجتهاده إلى المسموع‪ .‬مثاله‪ :‬ما رواه الئمة من أ ّ‬
‫هريرة رضي الله عنه كان من مذهبه أّنه من أصبح جنبا ً فل صوم له‪ ،‬حتى‬
‫أخبرته بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬بخلف مذهبه فرجع‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬أن يبلغه الحديث ولكن ل على الوجه الذي يقع به غالب الظن‪ ،‬فلم‬
‫يترك اجتهاده‪ ،‬بل طعن في الحديث‪ .‬مثاله‪ :‬ما رواه أصحاب الصول من أن‬
‫فاطمة بنت قيس شهدت عند عمر بن الخطاب بأنها كانت مطلقة الثلث فلم‬
‫يجعل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم نفقة ول سكنى‪ ،‬فرد عمر‬
‫شهادتها وقال‪" :‬ل نترك كتاب الله لقول امرأة ل ندري أصدقت أم كذبت‪ ،‬لها‬
‫النفقة والسكن")]‪ .([26‬يقول الشيخ عبد الفتاح أبو غدة عليه رحمة الله‬
‫معلقا ً على هذا الحديث‪ :‬قوله‪" :‬ل ندري أصدقت أم كذبت" ليس بهذا اللفظ‬
‫في الصول الخمسة‪ ،‬فالذي عند مسلم‪" :‬ل ندري حفظت أم نسيت"‪ ،‬ونحوه‬
‫عند أبي داود والترمذي‪ ،‬ولم تذكر هذه الجملة عند النسائي وابن ماجة‪،‬‬
‫وجاءت بلفظ مسلم في ]المصنف لبن أبي شيبة ‪ [147:5‬فعمر رضي الله‬
‫عنه‪ ،‬عندما اتهم فاطمة بنت قيس رضي الله عنها بالكذب والفتعال للخبر‪،‬‬
‫إّنما أراد أّنها قد تكون أخطأت‪ ،‬بلفظ "ل ندري"‪.‬‬
‫قال الخطابي‪" :‬والعرب تضع الكذب موضع الخطأ في كلمها‪ ،‬فتقول‪ :‬كذب‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سمعي‪ ،‬وكذب بصري‪ ،‬ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل‬
‫الذي وصف له العسل‪)) :‬صدق الله‪ ،‬وكذب بطن أخيك((" )]‪.([27‬‬
‫رابعها‪ :‬أن ل يصل إليه الحديث أص ً‬
‫ل‪ ،‬مثاله‪ :‬ما أخرجه مسلم أن ابن عمر‬
‫كان بأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن‪ ،‬فسمعت عائشة رضي الله‬
‫عنها بذلك فقالت‪" :‬يا عجبا ً لبن عمر هذا‪ ،‬يأمر النساء أن ينقضن رؤوسهن)]‬
‫‪ ([28‬أفل بأمرهن أن يحلقن رؤوسهن؟ لقد كنت اغتسل أنا وسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم من إناء واحد‪ ،‬وما أزيد علي أن أفرغ على رأسي ثلث‬
‫ن هندا ً لم تبلغها رخصة رسول‬
‫إفراغات"‪ .‬مثال آخر‪ :‬ما ذكره الزهري من أ ّ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم عليه في المستحاضة)]‪.([29‬‬

‫) ‪(243/5‬‬

‫وبالجملة اختلف مذاهب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأخذ عنهم‬
‫التابعون كل واحد ما تيسر له‪ ،‬فحفظ ما سمع من حديث رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ومذاهب الصحابة وعقلها وجمع المختلف على ما تيسر له‪،‬‬
‫ورجح بعض القوال على بعض‪ ،‬واضمحل في نظرهم بعض القوال وإن كان‬
‫مأثورا ً عن كبار الصحابة‪ ،‬كالمذهب المأثور عن عمر وابن مسعود في تيمم‬
‫الجنب‪ ،‬اضمحل عندهم لما استفاض من الحاديث عن عمار وعمران بن‬
‫ب على‬‫حصين وغيرهما‪ ،‬فعند ذلك صار لكل عالم من علماء التابعين مذه ُ‬
‫م مثل‪ :‬سعيد بن المسيب‪ ،‬وسالم بن عبد الله‬ ‫حياله‪ ،‬وانتصب في كل بلد إما ٌ‬
‫بن عمر في المدينة‪ .‬وبعدهما الزهري‪ ،‬والقاضي يحيى بن سعيد‪ ،‬وربيعة بن‬
‫عبد الرحمن‪ ،‬وعطاء بن رباح بمكة‪ .‬وإبراهيم النخعي‪ ،‬والشعبي بالكوفة‪.‬‬
‫والحسن البصري بالبصرة‪ .‬وطاوس بن كيسان باليمن‪ .‬ومكحول بالشام‪.‬‬
‫فأظمأ الله أكبادا ً إلى علومهم‪ ،‬فرغبوا فيها وأخذوا عنهم الحديث وفتاوى‬
‫الصحابة وأقاويلهم ومذاهب هؤلء العلماء وتحقيقاتهم من عند أنفسهم‬
‫واستغنى منهم المستفتون‪ ،‬ودارت المسائل بينهم‪ ،‬ورفعت إليهم القضية‪.‬‬
‫أسباب الفرقة بين المسلمين في القرون الماضية‬
‫أرسى رسول الله صلى الله عليه وسلم دعائم الوحدة بين المسلمين على‬
‫أسس متينة‪ ،‬واستمرت في عهد الخلفاء الراشدين‪ ،‬وفي عهد ملوك بني أمية‬
‫وملوك بني العباس‪ ،‬وكيف لم يؤثر فيها عصاة الملوك مادامت قلوب أهل‬
‫اليمان مطمئنة راضية بحكم الله‪ ،‬نافرة عن حكم الطاغوت‪.‬‬
‫السباب المعنوية‪:‬‬
‫ن الوحدة ائتلف فكل ما ينافي الئتلف‪ ،‬ويوجد النفور إنما هو سير في‬ ‫إ ّ‬
‫طريق الفرقة‪ ،‬والسباب المعنوية كبيرة متضافرة‪ ،‬تكافت حتى اعتكرت بها‬
‫النفس السلمية‪ ،‬فاستعدت للفتراق بعد الجتماع‪ ،‬والعمال التي قام بها‬
‫ن‬‫الحكام في الفرقة فإنما حرثت أرضها المور المعنوية‪ ،‬وقد ظن الكثيرون أ ّ‬
‫السبب الكبر هو قيام العصبية العربية من سباتها وانبعاثها من مرقدها‪ ،‬ول‬
‫ن ذلك جزأ من السباب‪ ،‬ولكنها جاءت في هذه المرة تنازعا ً بين‬ ‫شك أ ّ‬
‫مضرية وربيعية‪ ،‬وإن ظهر شيء من ذلك في الفرق السلمية‪.‬‬
‫ويمكن الشارة إلى أسباب الفرقة بإيجاز فيما يلي‪:‬‬
‫)‪ (1‬شدة التعصب للعرب وكان ذلك من بعض الحكام والمراء كما في‬
‫الدولة الموية‪.‬‬
‫)‪ (2‬حقد المسلمين من غير العرب‪ ،‬ذكر ابن حزم أن من أسباب الفرقة حقد‬
‫أهل فارس على السلم‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (3‬الفرق السلمية وانقسامها كانت من ذرائع الفرقة وف ّ‬


‫ك الوحدة‬
‫السلمية‪ ،‬وهي وغيرها من السباب المعنوية تصيب الجسم الجماعي‪ ،‬كما‬
‫ن حيويته تخفيها‪،‬‬ ‫تصيب المراض جسما ً تكمن فيه‪ ،‬وما دام الجسم قويًا‪ ،‬فإ ّ‬
‫فإذا كان الضعف‪ ،‬ووهن العظم فإنه حينئذ تظهر المراض‪ ،‬ويتضاعف الوهن‪،‬‬
‫ويمتد التخاذل‪ ،‬وتنقطع الوصال‪ ،‬وكذلك قد كان‪.‬‬
‫والفرق السياسية كانت تثير الفتن ابتداًء‪ ،‬ثم صارت من بعد ذلك جرحا ً في‬
‫ل‪ ،‬أو جزئيات من دول وأظهر‬ ‫جنب الدولة حتى تمزقت مزقا ً وتفرقت دو ً‬
‫الفرق السياسية التي ظهرت‪:‬‬
‫الشيعة والخوارج‪:‬‬
‫نبتت نابتة الفرقتين في وقت واحد وهو خلفة علي رضي الله عنه‪ ،‬في حربه‬
‫مع البغاة عقب واقعة صفين‪ ،‬وإن هاتين الفرقتين وغيرهما من الفرق التي‬
‫تجعل جزءا ً من عملها سياسيًا‪ ،‬فهي تدور حول محوره‪ ،‬فتبعد عن لب الدين‪،‬‬
‫أو تقترب‪ ،‬ولكنها في حالي القرب والبعد تجعل الدين هو الساس الذي تبني‬
‫عليه قولها في السياسة‪.‬‬
‫تعددت فرق الشيعة على نحل مختلفة‪ ،‬منهم الغلة‪ ،‬ومنهم أمة مقتصدة‪،‬‬
‫ومنهم من خرجوا بتشيعهم عن السلم‪ ،‬لنهم ألّهوا عليا ً رضي الله عنه‪،‬‬
‫واعتقدوا بحلول اللوهية فيه‪ ،‬وفي الوصياء من بعده‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬إن‬
‫النبوة كانت لعلي ثم أخطأ جبريل‪ ،‬ونزل على محمد‪ ،‬لنه بشبهه كما يشبه‬
‫الغراب الغراب؟!‬
‫)‪ (4‬ضعف اللغة العربية‪ ،‬لقد كانت اللغة العربية هي اللغة الجامعة بين‬
‫الشعوب السلمية تجمعهم دينًا‪ ،‬لنها وعاء السلم‪ ،‬إذ هي لغة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬وبها نزل القرآن‪ ،‬ومن المفروض أن يعرف المسلم من‬
‫حح به دينه‪ ،‬وهي لغة التفاهم بين المسلمين‪ ،‬وبها‬ ‫اللغة العربية قدرا ً يص ّ‬
‫يتعارفون‪ ،‬ويجتمعون‪.‬‬
‫)‪ (5‬الشعوبية وإحياء اللغات القديمة‪ :‬استيقظت الشعوبية قوية وهي التي‬
‫تفضيل العاجم على العرب‪ ،‬وقويت في العصر العباسي الثاني الذي صار‬
‫الحكم فيه لغير العرب‪ ،‬وإن كانت بذورها قد وجدت في العصر الموي‪.‬‬
‫أسباب الفرقة بين المسلمين في العصر الحالي‪:‬‬
‫ن ذلك داء‬
‫إننا الن مفترقون‪ ،‬بل بيننا تناحر وتنازع في بعض نواحينا‪ .‬وأ ّ‬
‫اعترانا بعد أن لم يكن‪ ،‬ورأينا مقدساتنا كيف تتهدم بأيدي أعداء الله وأعداء‬
‫الحق وأعداء السلم‪ ،‬ووجدنا من لحن أقوالهم ومراميهم أنهم يرمون البيت‬
‫الحرام وروضة النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وقال قائلهم بعد أن استولوا‬
‫على إيلياء والمسجد القصى‪ :‬لقد صار الطريق إلى مكة والمدينة مفتوحا ً‬
‫وهم متفقون على باطلهم ونحن متفرقون متنازعون على حقنا‪ ،‬وأهم أسباب‬
‫التفرق ما يلي‪:‬‬

‫) ‪(243/6‬‬

‫أولها‪ :‬وهو أعظمها أثرًا‪ ،‬فساد الحكم عند الحكام‪ ،‬وصيرورته ملكية تتغالب‬
‫مع غيرها‪ ،‬وتطبيق قانون الغابة على المسلمين بعضهم مع بعض‪ ،‬فلم يفّرق‬
‫الحكام بين حكم نبوي يستمد أصوله من السلم وحكم الغلب والقهر‪ .‬وأن‬
‫فساد الحكم نجم من ثلثة عناصر مخالفة كل المخالفة لحكام القرآن وسنة‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ن الله تعالى قال‪:‬‬
‫)أ( إهمال الشورى عند تعيين الحاكم‪ ،‬وفي حكمه‪ ،‬فإ ّ‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬
‫)وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون( ]سورة الشورى‪ ، [38 :‬وأ ّ‬
‫ذلك يقتضي أل ّ يختار الحاكم إل ّ بشورى المؤمنين‪ ،‬وأن تكون بعد الشورى‬
‫حرية المبايعة‪ ،‬وأن يوفى الحاكم بحق البيعة‪ ،‬ويوفى المحكوم بحقها‪ ،‬وحقها‬
‫من الحاكم العدل‪ ،‬وأل يهلك الحرث والنسل‪ ،‬وأن يعمل ما فيه خير‬
‫المسلمين‪ ،‬وأن يستشير حتما ً أهل الرأي والخبرة على حسب النظام الذي‬
‫يناسب الزمان‪ ،‬وحقها على المحكوم الطاعة في غير معصية الله تعالى)]‬
‫‪.([30‬‬
‫ً‬
‫)ب( من عناصر الفساد جعل الحكم وراثيا‪ ،‬يتلقاه الخلف عن السلف كأن‬
‫الشعوب مادة تورث‪ ،‬ومن فساد الحكم إهمال الحكام السلمية فتشيع‬
‫المحاباة وتباح الدماء ويهمل القصاص‪ ،‬وُتضّيع الحدود التي أمر الله تعالى‬
‫بإقامتها‪ ،‬فريضة محكمة ل مناص من اتباعها والقيام بحقها‪.‬‬
‫)ج( وشر مظهر من مظاهر الفساد في الحكم السلمي‪ ،‬أن يستعان بغير‬
‫المسلم على المسلم‪،‬كما استعان الفاطميون على اليوبيين بالصليبيين‪ ،‬وكما‬
‫استعان بعض حكام المسلمين في العصر الحديث بأمريكا على ضرب‬
‫أفغانستان والعراق حيث نشاهد ما يعانيه إخواننا في العراق وأفغانستان‬
‫وفلسطين‪ ،‬ومن هذا النوع سكوت الحاكم المسلم القوي عن معاونة من‬
‫شّردوا‪،‬‬‫يستغيث ول مغيث‪ ،‬وتركهم سليم الول وسليمان القانوني حتى ُ‬
‫ومزقوا كل ممزق‪ ،‬وذهبت دولة الندلس‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الطائفية‪ :‬وهي من السباب التي فرقت بين المسلمين‪ ،‬وكانت‬
‫ول‬‫معْ َ‬
‫الطائفية أول طريق اتجه بالمسلمين إلى الفرقة والنقسام‪ ،‬ولكن ال ِ‬
‫ن الجدار السلمي كان قويًا‪ ،‬يحطم من يحاول‬ ‫الول ُرد ّ على صاحبه‪ ،‬وذلك ل ّ‬
‫ً‬
‫أن يحطمه ولكن الثر امتد بعده‪ .‬فالطائفية ظهرت سببا في الفتن والثورات‬
‫المتوالية على بني أمية أول ً ثم بني العباس ثانيًا‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬انقسام الناس في هذا العصر الحديث إلى فرق وطوائف متناحرة‪ ،‬كل‬
‫فرقة تعتقد أنها هي الناجية وأن غيرها على خطر عظيم‪ ،‬وهذه الفرق‬
‫انقسمت في داخلها إلى طوائف‪ ،‬وكل فرقة من هذه الفرق ترى أنها الطائفة‬
‫شر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ذكر المام‬ ‫الناجية المنصورة التي ب ّ‬
‫ابن تيمية رحمه الله في كتاب )الفرقان بين الحق والباطل( أن المسلمين‬
‫كانوا في خلفة أبي بكر وعمر وصدرا ً من خلفة عثمان في السنة الولى من‬
‫وليته متفقين ل تنازع بينهم‪ ،‬ثم في أواخر خلفة عثمان حدثت أمور أوجبت‬
‫نوعا ً من التفرق‪ ،‬وقام قوم من أهل الفتنة والظلم‪ ،‬فقتلوا عثمان فتفرق‬
‫المسلمون بعد مقتل عثمان‪ ،‬ولما اقتتل المسلمون بصفين واتفقوا على‬
‫تحكيم حكمين خرجت الخوارج على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب‪،‬‬
‫وفارقوه وفارقوا جماعة المسلمين‪ ،‬وحدث في أيامه الشيعة أيضًا‪ ،‬لكن كانوا‬
‫مختفين بقولهم ل يظهرونه لعلي وشيعته‪ ،‬بل كانوا ثلث طوائف‪:‬‬
‫)‪ (1‬طائفة تقول أنه إله وهؤلء لما ظهر عليهم أحرقهم بالّنار‪.‬‬
‫)‪ (2‬والثانية الساّبة وكان قد بلغه عن ابن السوداء أنه كان يسب أبا بكر‬
‫وعمر‪ ،‬فطلبه فلم يجده‪.‬‬
‫)‪ (3‬والثالثة المفضلة الذين يفضلونه علي الشيخين‪ ،‬وقد تواتر عنه أّنه قال‪:‬‬
‫"خير هذه المة بعد نبيها أبو بكر وعمر"‪ ،‬وروى ذلك البخاري في صحيحه‪.‬‬
‫ثم في آخر عهد الصحابة حدثت القدرية‪ ،‬ثم حدثت المرجئة)]‪ ،([31‬ويقول‬
‫ابن تيمية في رسالته إلى جماعة الشيخ عدي بن مسافر ما نصه‪" :‬وهذا‬
‫التفريق الذي حصل من المة علمائها ومشايخها وأمرائها وكبرائها هو الذي‬
‫أوجب تسلط العداء عليها‪ ،‬وذلك لتركهم العمل بطاعة الله ورسوله‪ ،‬كما‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال تعالى‪) :‬ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا ً مما ذكروا‬
‫به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما‬
‫كانوا يصنعون( ]سورة المائدة‪ ،[14 :‬فمتى ترك الناس بعض ما أمرهم الله‬
‫به وقعت بينهم العداوة والبغضاء‪ ،‬وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا‪ ،‬وإذا‬
‫ن الجماعة ورحمة‪ ،‬والفرقة عذاب‪ ،‬وجماع ذلك‬ ‫اجتمعوا صلحوا وملكوا‪ ،‬فإ ّ‬
‫في المر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال تعالى‪) :‬يا أيها الذين آمنوا‬
‫اتقوا الله حق تقاته ول تموتن إل ّ وأنتم مسلمون * واعتصموا بحبل الله‬
‫جميعا ً ول تفرقوا( إلى قوله تعالى‪) :‬ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير‬
‫ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون(] سورة آل‬
‫عمران‪102 :‬ــ ‪ ،[104‬فمن المر بالمعروف المر بالئتلف والجتماع‪،‬‬
‫والنهي عن الختلف من شريعة الله تعالى‪.‬‬
‫مقومات الوحدة السلمية‬
‫الوحدة السلمية تحققت في الماضي‪ ،‬ويمكن أن تحقق في العصر الحاضر‬
‫إذا رجع الّناس إلى دينهم‪ ،‬ويمكن تلخيص هذه المقومات في التي‪:‬‬

‫) ‪(243/7‬‬

‫ل‪ :‬التمسك بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لن روح‬ ‫أو ً‬
‫العصر توجب على المسلمين أن يتجمعوا حول هذا الصل الذي ل يأتيه‬
‫الباطل من بين يديه ول من خلفه‪ ،‬والله تعالى يناديهم من وراء الخلود في‬
‫قوله تعالى‪) :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ول تموتن إل وأنتم‬
‫ن‬
‫مسلمون( تقدمت هذه اليات ‪ ،‬إنه ل بد أن تجتمع بعد طول الفتراق‪ ،‬ل ّ‬
‫المة السلمية تقوم فيها الروابط على وحدة الدين والعقيدة‪ ،‬ووحدة المبادئ‬
‫الخلقية الفاضلة‪ ،‬والنظم الجتماعية العادلة‪ ،‬والعبادات الجامعة‪.‬‬
‫ن المسلمين جسم‬ ‫ثانيًا‪ :‬التعارف النساني‪،‬وقوة التآخي‪ ،‬وقوة الشعور بأ ّ‬
‫واحد‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬التعاون في دفع الضر وجلب الخير والتعاون في الكسب والطيب‪ ،‬وأن‬
‫نجتمع على ما اتفقنا عليه وأن يعذر بعضنا بعضا ً فيما اختلفنا فيه‪.‬‬
‫خاتمة البحث‬
‫أحمد الله تعالى على توفيقه ورعايته وعنايته لكتابة هذا البحث الذي أرجو له‬
‫القبول من الله تعالى‪ ،‬وأن يجعله مساهمة ذات قيمة في هذا المؤتمر‬
‫العلمي الجامع‪ ،‬وأن يتقبل من القائمين عليه عملهم هذا وأن يجعله خالصا ً‬
‫لوجهه الكريم؛ إنه سميع مجيب الدعاء‪ ،‬وبعد‪..‬‬
‫ن البحث قد توصل إلى النتائج التالية‪:‬‬ ‫فإ ّ‬
‫)‪ (1‬الوحدة بين المسلمين واجبة وأنه ل ينبغي لحد أن يزعزع هذه الوحدة‪.‬‬
‫)‪ (2‬إن العمل على توحيد صف المسلمين وتنقية عقولهم مما علق بها ــ من‬
‫أسباب الفرقة والتمزق ــ واجب على كل مسلم يرجو النجاة في الدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬
‫)‪ (3‬مقومات الوحدة بين المسلمين قائمة وراسخة‪ ،‬والعيب ليس في السلم‬
‫وإنما العيب فينا‪.‬‬
‫ً‬
‫)‪ (4‬إن المة السلمية تواجه أخطارا عظيمة داخلية وخارجية منظمة‪ ،‬تقوم‬
‫على رعايتها دول عظمى سخرت كل مواردها من أجل حرب السلم‬
‫والمسلمين‪ ،‬ونحن في سبات عميق نتناطح ونتنابذ من أجل أهواء شخصية‬
‫وقضايا هامشية كانت سدا ً منيعا ً في وجه وحدة العمل السلمي‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذر الله تعالى من الفرقة والختلف لنها طريق الهلك والدمار‪.‬‬ ‫)‪ (5‬ح ّ‬
‫ً‬
‫)‪ (6‬جعل الله تعالى تفريق المة شيعا ــ يذيق بعضنهم بأس بعض ــ من‬
‫أنواع العقوبات القدرية التي ينزلها الله بالّناس إذا انحرفوا عن طريقه ولم‬
‫يعتبروا بآياته‪.‬‬
‫)‪ (7‬يجب أن يكون هدف الداعين إلى السلم والعاملين له‪ ،‬التحاد واللفة‬
‫واجتماع القلوب والتئام الصفوف والبعد عن الختلف والتفرق‪.‬‬
‫)‪ (8‬يمكن للعمل السلمي أن يوحد بين المسلمين إذا قام على كتاب الله‬
‫تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وعلى ما كان عليه المسلمون في‬
‫عصور السلم الولى‪ ،‬ولن يصلح آخر هذه المة إل بما صلح بها أولها‪.‬‬
‫)‪ (9‬الخلص في القول والعمل‪ ،‬والتجرد من الدنيا والهواء والمصالح الذاتية‪.‬‬
‫)ربنا ل تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب(‬
‫وصلى الله علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫أهم مصادر البحث‬
‫)‪ (1‬عناصر الترابط في المجتمع السلمي‪ ،‬أ‪.‬د‪ .‬عمر يوسف حمزة‪ ،‬الطبعة‬
‫الولى‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬قطر‪ ،‬الدوحة‪1410 ،‬هـ‪1989،‬م‪.‬‬
‫)‪ (2‬الدر المنثور في التفسير بالمأثور‪ ،‬للمام السيوطي‪ ،‬الطبعة الولى‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬عام ‪1412‬هـ‪.‬‬
‫)‪ (3‬إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم‪ ،‬لبي السعود العمادي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الكشاف‪ ،‬للزمخشري‪.‬‬
‫)‪ (5‬صفوة التفاسير‪ ،‬محمد علي الصابوني‪ ،‬الطبعة الولى‪ ،‬دار القرآن‬
‫الكريم‪1401 ،‬هـ ــ ‪1981‬م‪.‬‬
‫)‪ (6‬تفسير ابن كثير‪ ،‬طبعة الحلبي‪.‬‬
‫)‪ (7‬تفسير القاسمي المسمى )محاسن التأويل(‪ ،‬محمد جمال الدين‬
‫القاسمي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الفكر‪1398 ،‬هـ‪1987،‬م‪.‬‬
‫)‪ (8‬قبس من مكارم الخلق والداب‪ ،‬د‪ .‬عاطف أمان‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬عام‬
‫‪1409‬هـ‪.‬‬
‫)‪ (9‬لباب النقول في أسباب النزول للمام السيوطي‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬دار‬
‫المعرفة‪ ،‬بيروت‪1421 ،‬هـ ‪.‬‬
‫)‪ (10‬صحيح المام البخاري‪ ،‬طبعة دار ابن حزم‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫)‪ (11‬صحيح المام مسلم‪ ،‬تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫تونس‪ ،‬دار سحنون‪1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫)‪ (12‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ ،‬للمام الحافظ ابن حجر‪ ،‬الطبعة‬
‫الولى‪ ،‬دار ابن حزم‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫)‪ (13‬المسند‪ ،‬للمام أحمد بن محمد بن حنبل‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬تونس‪ ،‬دار‬
‫سحنون‪1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫)‪ (14‬سنن الترمذي‪.‬‬
‫)‪ (15‬مستدرك الحاكم على الشيخين‪.‬‬
‫)‪ (16‬اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان‪ ،‬لمحمد فؤاد عبد الباقي‪.‬‬
‫)‪ (17‬سنن الدارمي‪.‬‬
‫)‪ (18‬مجمع الزوائد للمام الهيثمي‪.‬‬
‫)‪ (19‬أعلم الموقعين للمام ابن القيم‪.‬‬
‫)‪ (20‬المعجم الكبير للمام الطبراني‪.‬‬
‫)‪ (21‬موطأ المام مالك‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (22‬سنن ابن ماجة‪.‬‬


‫)‪ (23‬النصاف في بيان أسباب الختلف‪ ،‬ولي الدهلوي‪.‬‬
‫)‪ (24‬عون المعبود شرح سنن أبي داود‪.‬‬
‫)‪ (25‬روضة الناظر لبن قدامة الحنبلي‪.‬‬
‫)‪ (26‬قواعد في علوم التحديث‪ ،‬للتهانوي‪.‬‬
‫)‪ (27‬الوحدة السلمية‪ ،‬الشيخ محمد نور أبو زهرة‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار الفكر‬
‫العربي‪1397 ،‬هـ ‪1977‬م‪.‬‬

‫) ‪(243/8‬‬

‫)]‪ ([1‬انظر‪ :‬عناصر الترابط في المجتمع السلمي‪ ،‬أ‪.‬د‪ .‬عمر يوسف حمزة‪،‬‬
‫ص ‪ ،7‬وما بعدها ط ‪1/1410‬هـ ‪1989‬م‪ ،‬دار الثقافة قطر الدوحة‪.‬‬
‫)]‪ ([2‬نقل السيوطي في الدر المنثور ج ‪ 2‬ص ‪ 58،57‬في سبب نزول هذه‬
‫اليات جملة آثار عن بعض الصحابة والتابعين رضي الله عنهم‪.‬‬
‫)]‪ ([3‬انظر‪ :‬إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم لبي السعود ج ‪1‬‬
‫ص ‪ 255‬والكشاف ج ‪ 1‬ص ‪ 2915‬وصفوة التفاسير ‪.1/221‬‬
‫)]‪ ([4‬انظر صفوة التفاسير ‪.1/221‬‬
‫)]‪ ([5‬انظر البحث القيم للدكتور يوسف القرضاوي )أمتنا السلمية بين‬
‫التفرق الممنوع والختلف المشروع( ص ‪ 16‬في مجلة مركز البحوث جامعة‬
‫قطر العدد الرابع ‪1409‬هـ‪1989 ،‬م‪.‬‬
‫)]‪ ([6‬انظر‪ :‬تفسير ابن كثير ج ‪ 2‬ص ‪ 196‬طبعة الحلبي‪.‬‬
‫)]‪ ([7‬أخرجه البخاري في كتاب الدب ج ‪ 8‬ص ‪.23‬‬
‫)]‪ ([8‬انظر قبس من مكارم الخلق والداب ص ‪ 77‬للخ الزميل الدكتور‬
‫أحمد أمان ط ‪ 2‬عام ‪1409‬هـ الموافق ‪1988‬م دار التوفيق النموذجية‬
‫بالقاهرة‪.‬‬
‫)]‪ ([9‬فتح الباري ج ‪ 10‬ص ‪ 483‬بتصرف‪.‬‬
‫)]‪ ([10‬رواه الترمذي في الفتن )‪ (2166‬وقال‪ :‬حسن غريب‪ ،‬ورواه الحاكم‬
‫وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي انظر المستدرك ‪.1/114‬‬
‫)]‪ ([11‬الترمذي )‪ ...(2167‬به‪ ،‬ورواه الحاكم ‪ ،1/115‬وذكره اللباني في‬
‫صحيح الجامع الصغير )‪ (8065‬وشهد له ما قبله‪.‬‬
‫)]‪ ([12‬متفق عليه عن ابن عباس رضي الله عنهما‪.‬‬
‫)]‪ ([13‬متفق عليه كما في اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان حديث‬
‫)‪.(1706‬‬
‫)]‪ ([14‬متفق عليه كما في المصدر السابق‪ ،‬حديث رقم )‪.(1705‬‬
‫)]‪ ([15‬متفق عليه من حديث أبي موسى الشعري‪.‬‬
‫)]‪ ([16‬أي نظروا إليه ليأخذوا عنه أفعال الحج وأحكامه‪.‬‬
‫)]‪ ([17‬رواه الدارمي في سننه ج ‪ 1‬ص ‪ ،48‬وذكره الحافظ الهيثمي في‬
‫)مجمع الزوائد ‪ (1/158‬عن الطبراني في الكبير‪ ،‬وهذا الحصر الذي جاء عن‬
‫ابن عباس رضي الله عنهما بأنهم ما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم إل‬
‫عن ثلث عشرة مسألة كلها في القرآن‪ ،‬حصر إضافي‪ ،‬وذلك بالنظر إلى ما‬
‫ذكر من سؤالهم له في القرآن أما سؤالهم الذي جاء في السنة فأكثر من أن‬
‫يحصى‪ ،‬وقد جمع الحافظ ابن القيم في آخر كتابه )أعلم الموقعين( جملة‬
‫كبيرة من أسئلتهم له صلى الله عليه وسلم وفتاواه فيها‪ ،‬انظر الجزء الرابع‬
‫ص ‪266‬ــ ‪.414‬‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)]‪ ([18‬يعني أنهم لم يكن عندهم تنطع وتشديد في عبادتهم وتدينهم ل أنهم‬
‫متساهلون في أمور الدين‪.‬‬
‫)]‪ ([19‬أخرج هذه الثار الدارمي في سننه ج ‪ 1‬ص ‪47‬ــ ‪.48‬‬
‫)]‪ ([20‬رواه مالك وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة والدارمي‪ ،‬وصححه‬
‫الترمذي‪.‬‬
‫)]‪ ([21‬أي إحاطة القرائن به‪.‬‬
‫)]‪ ([22‬طرد الحكم‪ :‬جعله عاما‪ً.‬‬
‫)]‪ ([23‬أي لم يسم لها مهرًا‪.‬‬
‫)]‪ ([24‬أي مثيلتها من النساء‪.‬‬
‫)]‪ ([25‬أي من غير زيادة أو نقصان‪.‬‬
‫)]‪ ([26‬انظر النصاف في بيان أسباب الختلف ص ‪ :24‬ولي الله الدهلوي‪.‬‬
‫)]‪ ([27‬عون المعبود ج ‪ 1‬ص ‪ 163‬وهدي الساري لبن حجر ‪ 2/150‬وجامع‬
‫بيان العلم وفضله ‪ 2/154‬وقواعد في علوم التحديث للتهانوي ص ‪170‬ــ‬
‫‪ 171‬وروضة الناظر لبن قدامة الحنبلي ص ‪.45‬‬
‫)]‪ ([28‬أي شعر رؤوسهن‪.‬‬
‫)]‪ ([29‬المستحاضة‪ :‬هي المرأة التي يستمر خروج الدم منها بعد أيام الحيض‬
‫المعتاد وقد رخص لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل مرة‬
‫واحدة إذا انقضت أيام الحيض المعتادة وتتوضأ لكل صلة‪.‬‬
‫)]‪ ([30‬الوحدة السلمية‪ ،‬المام محمد أبو زهرة ص ‪ 234‬طبعة دار الفكر‬
‫العربي‪ ،‬ط ‪1397 2‬هـ ‪1977 -‬م‪.‬‬
‫)]‪ ([31‬محاسن التأويل للقاسمي ج ‪ 4‬ص ‪.186‬‬

‫) ‪(243/9‬‬

‫أسباب النتصار باختصار ‪7/8/1425‬‬


‫أ‪.‬د‪ .‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫لقد اختصر يوسف _عليه السلم_ بيان أسباب التمكين في قوله لخوانه‬
‫خي‬‫ذا أ َ ِ‬
‫ف وَهَ َ‬‫س ُ‬ ‫َ‬
‫ف"؟ قال‪" :‬أَنا ُيو ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ت ُيو ُ‬
‫عندما دخلوا عليه‪ ،‬وقالوا‪" :‬أ َإن ّ َ َ‬
‫ك َلن ْ َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ن"‪.‬‬‫سِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫جَر ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ضيعُ أ ْ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صب ِْر فَإ ِ ّ‬ ‫ق وَي َ ْ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ه عَل َي َْنا إ ِن ّ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫قَد ْ َ‬
‫م ّ‬
‫وهذا إجمال تأتي آيات السورة ببيانه‪ ،‬فأما الول فهو بوابة النصر ومن أعم‬
‫مقوماته النتصار على النفس وأهوائها‪ ،‬وأما المقوم الثاني للنتصار فهو‬
‫الصبر الجميل‪ ،‬إنه من يتق ويصبر‪ ،‬وصبر يوسف _عليه السلم_ توضحه آيات‬
‫السورة‪.‬‬
‫ومن تأملها وجد أن الصبر صبران‪ ،‬صبر اضطرار وصبر اختيار‪ ،‬وكلهما صبره‬
‫يوسف _عليه السلم_ صبر الضطرار عندما وضع في البئر‪ ،‬وكذلك عندما‬
‫وضع في السجن لم يكن لديه خيار فصبر‪.‬‬
‫أما صبر الختيار فهو أعظم‪ ،‬وهو أكثر صبر يوسف‪ ،‬ومن ذلك عندما أراد منه‬
‫الملك أن يخرج من السجن‪ ،‬فرفض حتى تظهر براءته‪ ،‬وعندما أساء إليه‬
‫ل" )يوسف‪ :‬من الية ‪ ،(77‬لم‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫خ لَ ُ‬‫سَرقَ أ َ ٌ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫سرِقْ فَ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫إخوانه "إ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م" )يوسف‪ :‬من الية ‪،(77‬‬ ‫ها لهُ ْ‬ ‫م ي ُب ْدِ َ‬
‫سهِ وَل ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ف ِفي ن َ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ها ُيو ُ‬ ‫سّر َ‬ ‫يتكلم "فَأ َ‬
‫وعندما تولى الملك لم يبادر بإحضار أهله وأبيه‪ ،‬وصبر اختيارا ً عندما عفا عن‬
‫َ‬
‫ن" )يوسف‪ :‬من‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬ ‫جَر ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ضيعُ أ ْ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫صب ِْر فَإ ِ ّ‬ ‫ق وَي َ ْ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬‫إخوانه‪" ،‬إ ِن ّ ُ‬
‫الية ‪ .(90‬يوسف _عليه السلم_‪ ،‬ضرب أروع المثلة في صبر الضطرار‬
‫وصبر الختيار‪ ،‬فعلى الداعية إلى الله‪ ،‬والعالم إذا أراد أن يكتب الله به خيرا ً‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتظهر دعوته فعليه أن يلتزم الصبر‪.‬‬


‫ومن دلئل أن عاقبة الصبر الجميل هي الظفر ما حدث ليعقوب _عليه‬
‫ل"‪ ،‬وذلك في موضعين‪ .‬والصبر الجميل هو‬ ‫مي ٌ‬‫ج ِ‬
‫صب ٌْر َ‬ ‫السلم_‪ ،‬الذي قال‪" :‬فَ َ‬
‫ل"‪.‬‬‫مي ٌ‬ ‫ج ِ‬ ‫الصبر الكامل الذي ل تشكي معه ول تأسف‪" .‬فَ َ‬
‫صب ٌْر َ‬
‫ومن أعظم مقومات انتصار يوسف حسن التدبير وبعد النظر‪ ،‬وقد جاء هذا‬
‫في مواضع في هذه القصة المتكاملة‪ ،‬وهو نوع من التخطيط‪ ،‬عندما جاءه‬
‫رسول الملك يدعوه فرفض أن يخرج‪ .‬هذا يدل على خطة كان يرسمها‬
‫ك فا َ‬
‫سوَةِ الّلِتي قَطعْ َ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ما َبا ُ‬
‫ل الن ّ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫سأل ْ ُ‬‫ْ‬ ‫جعْ إ َِلى َرب ّ َ‬ ‫يوسف _عليه السلم_ "اْر ِ‬
‫ن" )يوسف‪ :‬من الية ‪ .(50‬فهو يرمي إلى أمر آخر قد يحتاج إلى‬ ‫َ‬
‫أي ْدِي َهُ ّ‬
‫تخطيط ويحتاج إلى بعد نظر‪ ،‬وقبل توليه الملك أثبت براءته وبين بعمله أنه‬
‫حفيظ عليم قبل أن ينطقها لسانه‪ ،‬فلما استدعاه الملك وجعله خالصا ً لنفسه‪،‬‬
‫م" )يوسف‪ :‬من الية ‪.(55‬‬ ‫في ٌ‬ ‫َْ‬ ‫جعَل ِْني عََلى َ‬
‫ظ عَِلي ٌ‬ ‫ح ِ‬‫ض إ ِّني َ‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫خَزائ ِ ِ‬ ‫قال‪" :‬ا ْ‬
‫وهذا أيضا بعد نظر من يوسف _عليه السلم_؛ لنه عرف أنه عن طريق‬
‫رئاسته مصر‪ ،‬وأن يكون عزيز مصر‪ ،‬أنه سيحقق لدينه ولمته مجدا ً عظيما‪ً،‬‬
‫وسيطبق شرع الله _جل وعل_‪ ،‬ومن تخطيطه وبعد نظره‪ .‬ترويه في إحضار‬
‫والديه‪ ،‬وقد كان بإمكانه أنه أّول ما تولى رئاسة مصر أن يصدر قرارا ً بإتيان‬
‫أهله‪ ،‬فهو يعرف مكانهم‪ ،‬ولكنه يخطط لمر بعيد‪ ،‬فجلس عدة سنوات‪.‬‬
‫فسياق اليات يدل على أنه لم يأت بأبيه وإخوانه إل بعد انتهاء سبع الرخاء ثم‬
‫مجيء السبع الشداد‪ ،‬ففيها جاءت قصته مع إخوانه وعندها وضع أمتعتهم في‬
‫م" )يوسف‪ :‬من الية ‪ ،(62‬ثم بعد ذلك‬ ‫حال ِهِ ْ‬‫م ِفي رِ َ‬ ‫جعَُلوا ب ِ َ‬
‫ضاعَت َهُ ْ‬ ‫رحالهم "ا ْ‬
‫جاءت المرحلة الثانية‪ ،‬عندما جاؤوا بأخيهم‪ ،‬ثم حدث ما حدث مع أخيه وكل‬
‫هذا كان بتخطيط دقيق وتنظيم بديع‪.‬‬
‫إن من أكثر ما تعانيه المة‪ ،‬الفوضى والرتجال‪ ،‬ثم يتساءل الدعاة‪ ،‬وتتساءل‬
‫المؤسسات السلمية‪ :‬لماذا لم ننتصر؟! أليس الحق معنا؟‬
‫نعم ولكن أين التخطيط؟ أين بعد النظر؟‬
‫ومن أسباب انتصار يوسف _عليه السلم_ إقدامه على المسؤولية بشجاعة‬
‫م"‬ ‫في ٌ‬ ‫َْ‬ ‫جعَل ِْني عََلى َ‬ ‫نادرة بعيدا ً عن السلبية‪" .‬ا ْ‬
‫ظ عَِلي ٌ‬ ‫ح ِ‬
‫ض إ ِّني َ‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫خَزائ ِ ِ‬
‫)يوسف‪ :‬من الية ‪ .(55‬لم يكن يوسف _عليه السلم_ يريد شيئا ً لنفسه‬
‫عندما قال للملك‪ :‬اجعلني على خزائن الرض‪ ،‬ولو كان يريد شيئا ً لنفسه‬
‫لطلب الموال وطلب القصور‪ ،‬لكنه يريد أن يقدم على مسؤولية هو يعلم أنها‬
‫شديدة وصعبة وشاقة‪ ،‬وأن زمان الرخاء فيها قد آذن برحيل وتحول نحو سبع‬
‫شداد تحتاج إلى تعب وعناء‪ ،‬ومع ذلك أقبل على المسؤولية بشجاعة نادرة‬
‫من أجل أمته‪ ،‬من أجل دينه‪ ،‬من أجل عقيدته‪ ،‬ل من أجل نفسه‪ ،‬وهذا مقوم‬
‫من مقومات النتصار‪.‬‬
‫إننا نرى السلبية عند بعض الناس فما أن يعرض عليه أمر فيه مشقة وتعب‬
‫وعنت إل ّ اعتذر وتخلى عنه‪ ،‬ثم يتوله من يحرص على مصلحته الشخصية ول‬
‫يضره في أي واد هلك غيره!‬

‫) ‪(244/1‬‬

‫ومن مقومات النتصار الظاهرة في سورة يوسف‪ :‬حسن السياسة للرعية‪،‬‬


‫فقد ساس _عليه السلم_ الرعية سياسة عجيبة تضح من خلل سياق اليات‪،‬‬
‫قد يقول قائل‪ :‬هذا حدث بعد أن تولى الملك‪ ،‬وأنت تقول مقومات النصر‪،‬‬
‫فأقول‪ :‬إن النصر له مفاهيم عدة‪ ،‬الوصول إلى الملك نصر‪ ،‬والستمرار في‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الملك والنجاح في الملك نصر‪ ،‬كثير من الناس وصل إلى الملك لكنه فشل‬
‫في سياسته لرعيته‪ ،‬فخلع قبل أن يتمكن‪...‬‬
‫وألذ من نيل الوزارة أن ترى‬
‫يوما ً يريك مصارع الوزراء‬
‫كم سجل التاريخ من أسماء طغاة وظلمة فشلوا في سياسات رعيتهم‪،‬‬
‫فمضوا وألسنة الجيال تدعو عليهم فأي انتصار حققوه؟!‬
‫ومن مقومات النصر والتمكين‪ ،‬الدعوة إلى تحكيم شريعة الله ونبذ ما سواها‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه" )يوسف‪ :‬من‬ ‫دوا إ ِّل إ ِّيا ُ‬ ‫مَر أّل ت َعْب ُ ُ‬‫م إ ِّل ل ِل ّهِ أ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫حك ْ ُ‬ ‫كما قال في السجن‪" :‬إ ِ ِ‬
‫الية ‪ .(40‬فهذه أيضا ً أن فلبد أن يكون الداعية صادقا في دعوته لتحكيم‬
‫ً‬
‫شريعة الله وفي تحقيق العبودية "وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون"‬
‫وربط الحكم والتحكيم بالعبادة‪.‬‬
‫ومن مقومات النصر‪ :‬التصاف بالحسان الشامل المتكامل كما اتصف‬
‫يوسف _عليه السلم_ بالحسان الشامل الكامل‪ ،‬وهذا أمر ظاهر وبارز‪،‬‬
‫إحسانه إلى نفسه‪ ،‬إحسانه إلى قومه‪ ،‬إحسانه إلى أهله‪ ،‬وقد جاء في خمسة‬
‫مواضع من السورة وصف يوسف _عليه السلم_ بالحسان‪.‬‬
‫وليس إحسانه إحسانا ً قاصرا ً على صور قاصرة‪ ،‬بل نرى في سورة يوسف‬
‫الحسان بمعناه الشامل المتكامل‪.‬‬
‫ومن مقومات انتصار يوسف _عليه السلم_ قوة إيمانه بالله‪ ،‬وتوحيده‪،‬‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن فَ ْ‬
‫ض ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫وحسن توكله على الله‪ ،‬وإعادته الفضل إلى صاحبه‪" ،‬ذ َل ِ َ‬
‫عَل َينا وعََلى الناس ول َك َ‬
‫ن" )يوسف‪ :‬من الية ‪.(38‬‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫س ل يَ ْ‬ ‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫ّ ِ َ ِ ّ‬ ‫َْ َ‬
‫ومنها أيضا التخلي عن الحول والقوة والفضل وإعادة المر إلى الله _جل‬ ‫ً‬
‫وعل_‪ ،‬فهو صاحب الفضل‪ ،‬فيا أخا السلم! إذا أنعم الله عليك بنعمة فاحمده‬
‫ه عََلى ِ ْ‬ ‫ُ‬
‫علم ٍ‬ ‫ما أوِتيت ُ ُ‬ ‫واشكره وأعد الفضل إليه‪ ،‬ول تقل كما قال قارون‪" :‬إ ِن ّ َ‬
‫دي" )القصص‪ :‬من الية ‪ ،(78‬أو كما قال إبليس" "أنا خير منه" من أين‬ ‫عن ْ ِ‬
‫ِ‬
‫لك؟ من الذي أعطاك إياه‪ ،‬فإعادة الفضل إلى الله لفظا ً واعتقادا ً علما ً وعمل ً‬
‫وسيرة في كل شؤون حياتك‪ ،‬كما فعل يوسف فهو من أسباب النتصار‪.‬‬
‫هذه باقة من أسباب النتصار اختصرتها اختصارًا‪ ،‬وأردفها بأخرى _إن شاء‬
‫الله_‪ ،‬هذا ونسأل الله أن يظهر دينه وكتابه وسنة نبيه _صلى الله عليه‬
‫وسلم_‪ ،‬وأن يرزق المسلمين الخذ بأسباب النصر إنه ولي ذلك والقادر عليه‪،‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‪.‬‬

‫) ‪(244/2‬‬

‫‪...‬‬
‫أسباب النهزامية‬
‫رئيسي ‪:‬تربية ‪:‬‬
‫يتناول الدرس مرضا نفسيا قد يعرض لبعض ضعفاء النفوس فيتراجعون عن‬
‫الحق وتبهت صورته أمامهم وينهزمون نفسيا‪ ،‬فبين أسباب هذه النهزامية مع‬
‫مناقشتها والتوجيه للتغلب عليها ‪.‬‬
‫‪ -1‬ضفع اليمان بالله تعالى ‪ :‬فهذا السبب سبب لكل بلية ‪ ,‬وله مظاهر كثيرة‬
‫دا؛ منها‪ :‬عدم الغيرة والغضب إذا انتهكت محارم الله؛ لن لهيب الغيرة في‬ ‫ج ً‬
‫قلبه قد انطفأ ‪ ,‬فتعطلت الجوارح عن النكار ‪ ,‬والرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم يصف هذا القلب المصاب بالضعف بقوله في الحديث الصحيح عن‬
‫َ‬
‫ب‬‫عوًدا فَأيّ قَل ْ ٍ‬
‫عوًدا ُ‬
‫صيرِ ُ‬ ‫كال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫قُلو ِ‬
‫ب َ‬ ‫ن عََلى ال ْ ُ‬ ‫ض ال ْ ِ‬
‫فت َ ُ‬ ‫حذيفة قال ‪] :‬ت ُعَْر ُ‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سوَْداُء ]أي نقط فيه نقطة[‬ ‫ة َ‬ ‫ت ِفيهِ ن ُك ْت َ ٌ‬ ‫ما[ ن ُك ِ َ‬ ‫شرِب ََها ]أي دخلت فيه دخول ً تا ً‬ ‫أُ ْ‬
‫َ‬ ‫ب أ َن ْك ََر َ‬ ‫َ‬
‫مث ْ ِ‬
‫ل‬ ‫ض ِ‬‫ن عََلى أب ْي َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫صيَر عَلى قَلب َي ْ َ ِ‬ ‫حّتى ت َ ِ‬ ‫ضاُء َ‬ ‫ت ِفيهِ ن ُك ْت َ ٌ‬
‫ة ب َي ْ َ‬ ‫ها ن ُك ِ َ‬ ‫وَأيّ قَل ْ ٍ‬
‫ض َواْل َ‬ ‫َ‬
‫مْرَباّدا ]بياض‬ ‫سوَد ُ ُ‬
‫خُر أ ْ‬ ‫ت َواْلْر ُ‬ ‫ماَوا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َدا َ‬ ‫ة َ‬ ‫ضّره ُ فِت ْن َ ٌ‬ ‫فا فََل ت َ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ال ّ‬
‫معُْروًفا وََل ي ُن ْك ُِر‬ ‫ف‬
‫َْ ِ ُ َ‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫سا[‬ ‫ً‬ ‫منكو‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫]مائ‬ ‫يا‬ ‫خ‬ ‫ج‬
‫ِ ُ َ ّ ً‬ ‫م‬ ‫ز‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫السواد[‬ ‫يخالطه‬ ‫يسير‬
‫ه[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة‬ ‫وا ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫شرِ َ‬ ‫ما أ ُ ْ‬ ‫من ْك ًَرا إ ِّل َ‬‫ُ‬
‫وأحمد ‪.‬‬
‫‪ -2‬ضعف جانب العبادة عند النسان‪ :‬فإذا كان النسان كذلك فإنه ل يكون‬
‫لديه الدافع للمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ بل إن الضعف في جانب‬
‫العبادة عن بعض الناس قد يتعدى المر فيه إلى ضعف في أداء بعض‬
‫الواجبات فضل ً عن السنن ‪ ,‬وفرض الكفايات‪.‬‬
‫‪-3‬عدم تصور أضرار المعاصي على الفرد والمجتمع ‪ :‬وبالتالي ل يتحرك قلب‬
‫من رأي حدود الله تنتهك ‪ ,‬فيقعده ذلك عن المر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر‪ ،‬وهو يظن أنه في مأمن من العقوبة إذا نزلت مع أن العذاب إذا نزل‬
‫عم الصالح ‪ ,‬ثم يبعث الناس على قدر نياتهم‪.‬‬
‫‪-4‬النعزال وعدم مخالطة الناس بحجة عدم تحمل رؤية المنكرات‪.‬‬
‫‪ -5‬الحياء المذموم‪ :‬فكثير من الناس يخلط بين الحياء المحمود والحياء‬
‫المذموم‪ ،‬فحينما يرى منكًرا‪,‬فيعرض عن النكار بحجة الحياء ‪ ,‬فيرى أن ذمته‬
‫قد برئت؛ بل ربما حمد نفس على ذلك‪.‬‬
‫‪ -6‬التردد على أماكن اللهو والعبث بدون قصد النكار عند رؤية المنكر‪ :‬وهذا‬
‫طا ‪:‬‬ ‫يجعله ينتقل بين ثلث مراحل هبو ً‬
‫المرحلة الولى ‪ :‬يورث عند النسان قلة الحساس‪.‬‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬تدب في النفس إلف المعصية‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة ‪ :‬يزول قبحها من القلب‪.‬‬
‫‪-7‬مجالسة أهل الفسق ‪ :‬إن النغماس في ملذات الدنيا وشهواتها يتطلب‬
‫مجالسة أهل الفسق؛ فيرى عدم النكار عليهم ؛ حتى ل يتعطل في أمور‬
‫تجارته كما يزعم‪ ،‬وربما تطلب المر سفًرا إلى بلد النحلل لغرض التجارة ؛‬
‫ثم ما يلبث إل أن يرى أصناًفا من الملهي والمنكرات فتطنطفئ نار الغيرة‬
‫في قلبه‪.‬‬
‫‪-8‬التحجج بمعرفة الناس للحق واليأس في صلحهم‪ :‬وكم كنا نسمع تلك‬
‫العبارة ]فلن ل يجهل هذا[‪] ،‬فلن ل أظنه يرجع للحق ؛ حتى ولو ولج الجمل‬
‫في سم الخياط[‪.‬‬
‫‪-9‬عدم تصور فضيلة المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ :‬إن وجود هذا‬
‫السبب راجع في المقام الول للجهل حيال فضل المر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر ‪ ،‬وما يترتب عليه من المصالح الدنيوية والخروية‪.‬‬
‫‪-10‬الخوف من الرياء‪ :‬والقعود عن المر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫جا بذلك ‪ ,‬إن من فعل هذا لم يسلم ‪ ,‬ولم تبرأ ذمته ؛ لنه وقع فيما فر‬ ‫احتجا ً‬
‫منه كما قال القاضي عياض رحمه الله تعالى‪] :‬ترك العمل من أجل الناس‬
‫رياء ‪ ,‬والعمل من أجل الناس شرك‪ ،‬والخلص أن يعافيك الله منهما[‪.‬‬
‫‪ -11‬المصائب التي تصيب النسان‪ :‬كالمرض والحاجة‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬وكذا‬
‫مشاغل الحياة و كم هم الذين يبدؤون مشوار الدعوة في شبابهم‪ ،‬ثم ل يلبث‬
‫الصف إل أن يتناقض شيًئا فشيًئا حتى يصبح الكثير منهم صرعى على جنبات‬
‫الطريق ؛ منهم من توسع في تجارته أو تزوج و انشغل بزوجه وغير ذلك‪.‬‬
‫‪ -12‬ترك الحتساب على فئة معينة من الناس‪ :‬لمنزلة دينية أو دنيوية أو‬
‫قرابة أو صداقة بينهما ‪ ,‬وهو في المقابل ينكر على من سواهم‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -13‬استعجال الثمرة‪ :‬فنجد كثيرا ً من المرين بالمعروف والناهين عن المنكر‬


‫يتعّلقون بتلك الحجة الواهية التي مفادها ]إني ل أرى أثًرا لدعوتي[‪ ،‬وهذه‬
‫العجلة لها صور في حياة الناس؛ منها‪:‬‬
‫د‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫م‬
‫َ ْ ِ ْ ِّ َ َ ُ ّ‬‫ه‬‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ج‬ ‫ع‬
‫َْ َ‬ ‫ت‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫[‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫قال‬ ‫أ‪ -‬استعجال نزول العذاب بالمخالفين؛‬
‫دا]‪][84‬سورة مريم ‪.‬‬ ‫م عَ ّ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫ل‬‫ب‪ -‬ترك الدعاء ؛ فعن أبي هريرة قال ‪:‬قال صلى الله عليه وسلم‪َ] :‬ل ي ََزا ُ‬
‫َ‬
‫سو َ‬
‫ل‬ ‫ل َيا َر ُ‬‫ل ِقي َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ست َعْ ِ‬‫م يَ ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫حم ٍ َ‬ ‫طيعَةِ َر ِ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م ي َد ْع ُ ب ِإ ِث ْم ٍ أوْ قَ ِ‬ ‫ب ل ِل ْعَب ْد ِ َ‬‫جا ُ‬ ‫ست َ َ‬
‫يُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب ِلي‬‫جي ُ‬ ‫ست َ ِ‬
‫م أَر ي َ ْ‬ ‫ت فَل ْ‬ ‫ت وَقَد ْ د َعَوْ ُ‬‫ل قَد ْ د َعَوْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫ل يَ ُ‬ ‫ل َقا َ‬ ‫جا ُ‬ ‫ست ِعْ َ‬‫ما اِل ْ‬ ‫الل ّهِ َ‬
‫عاَء[ رواه السبعة ماعدا النسائي‪.‬‬ ‫ك وَي َد َعُ الد ّ َ‬ ‫عن ْد َ ذ َل ِ َ‬
‫سُر ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫فَي َ ْ‬
‫ست َ ْ‬
‫ج‪ -‬استعجال النصر دون التمكن من أسبابه‪.‬‬

‫) ‪(245/1‬‬

‫‪-14‬ضغط الهل‪ :‬وإلحاحهم على الولد لترك مجال المر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر ‪ ,‬فييتذرع ذلك الشخص أن طاعة الوالدين واجبة ‪ ,‬وقيامه بهذا‬
‫المر مستحب ‪ ,‬والواجب مقدم على السنة ‪ ,‬فيتذرع بذلك فيترك المر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫‪-15‬عدم الشعور بالمسؤولية‪ :‬واعتقاد أن هذا المر مقصور على جهة معينة ‪,‬‬
‫فتبدأ مرحلة اللوم حال رؤية المنكر ‪ ,‬ويظن أن ذمته قد برئت بذلك‪ ،‬ولهذا‬
‫دا منها‪:‬‬ ‫السبب صور كثيرة ج ً‬
‫الصورة الولى‪ :‬إلقاء اللوم على رجال الهيئة ‪ ,‬وتحميلهم المسئولية عن‬
‫المنكرات التي قد توجد في السواق والطرقات‪.‬‬
‫الصورة الثانية‪ :‬تتجلى في تخلف بعض الناس عن صلة الجماعة‪ ،‬فيظن بعض‬
‫الناس أن هذه مسؤولية إمام المسجد فقط‪.‬‬
‫الصورة الثالثة‪ :‬المنكرات التي توجد في بيوتنا التي نسكنها ‪ ,‬فالبعض يعتقد‬
‫أن إزالتها تقع على قيم البيت فقط‪.‬‬
‫‪-16‬وقوع الشخص وإلمامه ببعض المعاصي‪ :‬حتى يشعر نفسه بعد ذلك ليس‬
‫بترك مجال المر بالمعروف والنهي عن المنكر فحسب؛ بل ربما رأى عدم‬
‫جواز المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫‪-17‬الفهم الخاطئ لبعض النصوص الشرعية ‪ :‬فهم بعض الناس فهما ً خاطئا ً‬
‫ض ّ‬
‫ل إ َِذا‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬
‫م َ‬ ‫م َل ي َ ُ‬
‫ضّرك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫م أ َن ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫مُنوا عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ن َءا َ‬‫ذي َ‬
‫َ‬
‫لقوله تعالى‪َ [ :‬ياأي َّها ال ّ ِ‬
‫ن]‪ ][105‬سورة‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ت َعْ َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ميًعا فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ‬‫ج ِ‬‫م َ‬‫جعُك ُ ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫م إ َِلى الل ّهِ َ‬
‫اهْت َد َي ْت ُ ْ‬
‫المائدة ‪ ،‬فكثير من الناس يتصور أنه ليس مسؤول ً عن المنكرات ما دام قد‬
‫ألزم نفسه بلزام الشرع ‪ ,‬وألجمها بلجام الحق‪.‬‬
‫‪ -18‬استطالة الطريق وعدم تصور سنن الله في خلقه وأن العاقبة الحميدة‬
‫للمتقين‪.‬‬
‫‪ -19‬الحسد‪ :‬إن من الشدائد في حياة الدعاة أن يكون الداعية دائًرا بين‬
‫مؤمن يحسده ‪ ,‬وبين منافق يبغضه ‪ ,‬وبين كافر يقتله ‪ ,‬وبين شيطان يضله ‪,‬‬
‫وبين نفسه تنازعه ‪ ,‬ولكن مما يؤلم أن يكون الحسد من شخص يسير معه‬
‫في نفس الطريق؛ طريق المر بالمعروف والنهي عن المنكر وعن هذا‬
‫الصنف أردت الحديث ‪ ,‬أليس من العجب أننا نرى في بعض الماكن أن‬
‫الدعاة قبل عشر سنوات هم دعاة اليوم ‪ ,‬وليس غيرهم ما السبب؟ قد يكون‬
‫سوء تدبير وتصرف من أولئك الدعاة ‪ ,‬ولكنا يجب أن ل نغفل جانب الحسد‬
‫خاصة وإذا علمنا أن من أسباب الحسد الخوف من انفراد أحد الدعاة‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بمقصوده في الدعوة ونجاحه في ذلك‪.‬‬


‫‪ -20‬عدم التربية على المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ :‬كثير من أولياء‬
‫المور ل يربون أولدهم على هذا الجانب؛ بل ربما ُربي الولد على ترك مثل‬
‫هذا‪.‬‬
‫‪-21‬تحقير الذات وقدراتها‪] :‬من أنا؟ هناك من هو أكفأ مني‪ ،‬هناك فلن‬
‫ما من بعض أهل خير؛ بل ربما كان من طلبة العلم‪،‬‬ ‫وفلن[ عبارة نسمعها دائ ً‬
‫فيتقادم به الزمن وهو يتذرع بمثل هذه ‪ ,‬وتعظم المصيبة إذا تبين من حاله‬
‫للناس إنه من أهل الخير ‪ ,‬فيفعل المنكر بحضرته ول ينكر ‪ ,‬فيعتقد أولئك‬
‫القوم جواز مثل هذا‪..‬‬
‫‪-22‬العتقاد بأن أهل المعاصي راضون بوضعهم ‪ :‬اعتقد كثير من أهل الخير‬
‫أن أهل المعاصي راضون بواقعهم‪ ،‬ولم يشعروا بأنهم يعيشون في ضنك من‬
‫العيش ‪ ,‬وودوا لو تخلصوا من ذلك‪.‬‬
‫‪-23‬الحدة في الطبع وعدم التحمل‪ :‬وهذا في الغالب يؤدي بالنسان إلى‬
‫اعتزال تلك الماكن؛ لنه ل يستطيع الصبر‪ ،‬نعم اعتزاله أماكن المنكرات أمر‬
‫عا إنكار المنكر‪ ،‬ولكن الخلل أن يستطيع لو‬‫مطلوب إذا كان ل يستطيع شر ً‬
‫حضر‪ ،‬لكن لحدة في طبعه ل يحضر ‪ ,‬ومرة بعد أخرى يتربى بعد ذلك على‬
‫عدم النكار‪.‬‬
‫‪ -24‬البتعاد عن الرفقة الصالحة‪ :‬ل شك أن المر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر طريق شاق يحتاج معه النسان إلى الجليس الصالح الذي يؤنس له‬
‫ومه إذا أخطأ‪ ،‬ويشجعه إذا أصاب‪ ،‬وإن‬ ‫وحشة الطريق؛ يصّبره إذا ابتلي‪ ،‬ويق ّ‬
‫لم يكن كذلك دب إليه داء النهزامية عند أول عارض يعرض له‪.‬‬
‫‪ -25‬القدوات النهزامية‪ :‬إن الناس ينظرون إلى القدوة‪ ..‬ينظرون إلى أعماله‬
‫وتصرفاته؛ بل وينظرون إلى أهل بيته‪ ،‬ويتأملون تصرفاتهم؛ فعلى القدوة أن‬
‫ينتبه إلى مثل ذلك‪ ،‬ولذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا صعد المنبر‬
‫‪ ,‬فنهى الناس عن شيء جمع أهله فقال‪] :‬إني نهيت الناس عن كذا وكذا‪،‬‬
‫دا‬
‫وإن الناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم‪ ،‬وأقسم بالله ل أجد أح ً‬
‫فيكم فعله إل أضعفت فيه العقوبة[‪.‬‬
‫‪-26‬القيام بأدنى درجات النكار مع القدرة على ما هو أعلى من ذلك‪:‬‬
‫فيستخدم النسان أدنى درجات النكار بالقلب مع استطاعته النكار باليد أو‬
‫باللسان‪ ،‬فكم من إنسان استخدم النكار بالقلب مع قدرته على غيره‪ ،‬وهكذا‬
‫كان دأبه ؛ حتى أصبح بعد برهة من الزمن يتمنى أدنى درجات النكار ‪ ,‬ولكن‬
‫هيهات هيهات‪.‬‬
‫ومما ينبغي التنبيه عليه أن الداعية قد يكون يستعمل هذه المراتب الثلث‬
‫حسب استطاعته وقدرته وحسب المصلحة‪ ،‬ولكن نتيجة لحسد حاسد أو أذية‬
‫مؤذي يقتصر بعد ذلك على النكار بالقلب ليبدأ من هذه النقطة مسلسل‬
‫الهزيمة‪.‬‬

‫) ‪(245/2‬‬

‫‪ -27‬السخرية والستهزاء‪ :‬كم من الناس من يحمل في جنباته الخير يتمعر‬


‫لرؤية المنكر‪ ،‬ولكن يقعده عن ذلك السخرية والستهزاء؛ يتذّوق طعمها مًرا‬
‫في أول المر‪ ،‬ثم ل يعود إلى ذلك مرة أخرى‪.‬‬
‫ون أكثر انفتاحية‪ :‬عهدنا به داعية إلى‬
‫‪ -28‬النتقال إلى بعض الماكن التي تك ّ‬
‫الله تعالى‪ ،‬يترك ما ل بأس به حذًرا مما بأس به‪ ،‬ثم ما يلبث إل أن ينتقل إلى‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مكان أكثر انفتاحية فيوغل حينها في المباح إكثاًرا منه ؛ ليستجيب بعد ذلك‬
‫للمكروه ليقع في المحرم بعد ذلك‪.‬‬
‫‪-29‬ترك الحتساب على البعض بحجة أنه ل يسمى عاصًيا بذلك‪ :‬كالصغير‬
‫ل‪ ،‬وأحياًنا أخرى ترك الحتساب على الخادمات‪ ،‬أما بالنسبة للشخص‬ ‫مث ً‬
‫الداعية فقد ينكر ذلك من غير هذين الصنفين؛ لكنه مع كثرته ورؤيته في‬
‫الواقع قد يصاب بتبّلد الحساس‪.‬‬
‫وأما بالنسبة لذلك الطفل فترك الحتساب عليه يورث عنده انهزامية في‬
‫ب‬
‫ود على مثل هذا الشيء ‪ ,‬فكيف ينكره على غيره إذا ش ّ‬ ‫نفسه؛ لنه تع ّ‬
‫وكبر‪.‬‬
‫ثم هناك فريق ثالث؛ وهم الكبار فهؤلء مع كثرة ما يرون من هذه المخالفات‬
‫في الصغار والخادمات وغيرهم يظنون مع ذلك لجهلهم ولسكوت الخيار عن‬
‫ذلك أن هذا ل بأس به‪.‬‬
‫اسم الكتاب ‪ 29 :‬سبًبا للنهزامية …‪ .‬إعداد‪ /‬خالد بن إبراهيم الصقعبي‬

‫) ‪(245/3‬‬

‫أسباب البركة في الرزق‬


‫ن ي َهْدِ الل ُّ‬ ‫َ‬
‫ه فَل َ‬ ‫م ْ‬ ‫سنا‪َ ،‬‬ ‫ف ِ‬ ‫ن شُرورِ أن ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫فُرهُ وَن َُعوذ ب ِهِ ِ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ه وَن َ ْ‬ ‫ست َِعين ُ ُ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ن َ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ال َ‬
‫مدا ً‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ْ‬
‫ش‬ ‫وأ‬ ‫ه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫إل‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ْ‬
‫ش‬ ‫وأ‬ ‫ه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ها‬ ‫فل‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ض‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ض‬
‫َ ُ ّ ُ َ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫ِ َ ُ‬ ‫ُ َ َ ْ ُ ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ق‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬‫َ‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫د‬
‫ٍ َ ِ َ ٍ َ‬ ‫ح‬ ‫وا‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ن‬
‫ْ ِ ْ َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫لذي‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫َ ّ ُ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫ا‬
‫ّ ُ ّ‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ها‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫?يا‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫سو‬
‫ْ ُ ُ ََ ُ ُ‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ع‬
‫ه‬ ‫ب‬
‫َ ِ ِ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫تسا‬ ‫َ‬ ‫الذي‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫ء‪،‬‬ ‫ً‬ ‫نسا‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ثير‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫جا‬ ‫ِ َ‬ ‫ر‬ ‫هما‬ ‫ِ ُْ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ث‬‫ّ‬ ‫جها‪ ،‬وَ َ‬
‫ب‬ ‫مْنها َزوْ َ‬ ‫ِ‬
‫قوا الل َّ‬
‫ه‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫لذي‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ها‬
‫َّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫?يا‬ ‫[‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫النساء‪:‬‬ ‫ا?]‬ ‫ً‬ ‫قيب‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ ْ َ‬‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫كا‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َ ّ‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫رحا‬ ‫ْ‬ ‫وال‬
‫مون? ]آل عمران‪ ? .[102:‬يا أي َّها اّلذين‬ ‫سل ُِ‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫حق تقات ِه ول تموتن إل ّ وأ َ‬
‫ْ ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ ّ‬
‫م‪،‬‬ ‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬ ‫فْر لك ُ ْ‬‫َ‬ ‫م‪ ،‬وي َغْ ِ‬ ‫عمالك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ح لك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫صل ِ ْ‬ ‫ديدا ي ُ ْ‬ ‫ً‬ ‫س ِ‬ ‫قوا الله وَُقولوا قَوْل ً َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫منوا ات ّ ُ‬ ‫آ َ‬
‫ظيما? ]الحزاب‪.[71:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫قد ْ َفاَز فَوَْزا عَ ِ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫َ‬
‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ّ‬
‫ن ي ُط ِِع الل َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫إن الخلق إل من رحم الله منهم يظنون أن حصول الرزق خاضع للذكاء‬
‫والحيلة وسلوك الطرق المنحرفة ‪ ،‬لقد نسي الكثير ربهم ونسوا أنه تعالى‬
‫الرزاق المفيض على عباده بالنعم التي ل تعد ول تحصى‪ ،‬فما من طرفة عين‬
‫إل والعبد ينعم فيها بنعم الله ‪ ،‬ل يعلم قدرها إل الله جل وعل‪ ،‬أرزاق ونعم‪،‬‬
‫ض إ ِل ّ عََلى الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫من َدآب ّةٍ ِفي الْر ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫نعم الخلئق كلها كما قال تعالى‪ ? :‬وَ َ‬
‫ن?]هود‪ .[6:‬خلق الله‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ب ّ‬ ‫ل ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫ست َوْد َعََها ك ُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ها وَ ُ‬ ‫قّر َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫رِْزقَُها وَي َعْل َ ُ‬
‫الخلق فأحصاهم عددا ً وقسم أرزاقهم وأقواتهم فلم ينس منهم أحدًا‪ ،‬فما‬
‫رفعت لقمة طعام إلى فمك إل والله قد كتب لك هذا الطعام قبل أن يخلق‬
‫السماوات والرض‪ ،‬فسبحان من رزق الطير في الهواء والسمك في الماء‬
‫والذر والدود في مجاهيل الرض وفي الصخور الصماء خلق ورزق‪ ،‬فهو وحده‬
‫المتكفل بالرزاق‪ ،‬كتب الجال والرزاق وحكم بها ول معقب لحكمه‪.‬‬
‫جاء في الحديث‪" :‬وإن الروح المين قد نفث في روعي أنه لن تموت نفس‬
‫حتى تستوفي رزقها فأجملوا في الطلب")(‬
‫ولقد جعل الله الروح والفرح في الرضى واليقين‪ ،‬وجعل الهم والحزن في‬
‫الشك والسخط‪ .‬وإذا أراد الله بالعبد خيرا ً بارك له في رزقه‪ ،‬وكتب له الخير‬
‫فيما أوله من النعم‪ ،‬البركة في الموال‪ ،‬والبركة في العيال والبركة في‬
‫الشؤون والحوال‪ ،‬الله وحده منه البركة ومنه الخير والرحمة‪ ،‬فما فتح الله‬
‫من أبوابها ل يغلقه أحد‪ ،‬وما أغلق ل يستطيع أحد أن يفتحه كما قال‬
‫سلَ‬ ‫مْر ِ‬ ‫َ‬
‫ك فَل ُ‬ ‫س ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ك ل ََها وَ َ‬ ‫س َ‬ ‫م ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مةٍ فََل ُ‬ ‫ح َ‬ ‫من ّر ْ‬ ‫س ِ‬ ‫فت َِح الل ّ ُ‬
‫ه ِللّنا ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫سبحانه‪َ ?:‬‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م ?]فاطر‪.[2:‬‬ ‫كي ُ‬
‫ح ِ‬‫زيُز ال ْ َ‬ ‫من ب َعْدِهِ وَهُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ه ِ‬‫لَ ُ‬
‫أيقنوا أيها الناس‪ :‬أن الله إذا أراد بالعبد خيرا ً بارك له في رزقه وقوِته ‪،‬‬
‫البركة التي يصير بها القليل كثيرًا‪ ،‬ويصير حال العبد إلى فضل ونعمة وزيادة‬
‫وخير‪ ،‬فالعبرة كل العبرة بالبركة‪ ،‬فكم من قليل كثره الله تعالى‪ ،‬وكم من‬
‫صغير كبره الله‪ ،‬وإذا أراد الله أن يبارك للعبد في ماله هيأ له السباب وفتح‬
‫في وجهه البواب‪.‬‬
‫ومن أعظم السباب التي يفتح الله بها أبواب الرحمات والبركات تقوى الله‬
‫ن أ َهْ َ‬
‫ل ال ْ ُ‬
‫قَرى‬ ‫َ‬
‫جل وعل تقوى الله سبب الرحمات والعطايا والخيرات‪ ? ،‬وَل َوْ أ ّ‬
‫ض ‪ ]?...‬العراف‪[96:‬‬ ‫َ‬ ‫حَنا عَل َي ِْهم ب ََر َ‬ ‫قوا ْ ل َ َ‬
‫مُنوا ْ َوات ّ َ‬
‫ماِء َوالْر ِ‬‫س َ‬
‫ن ال ّ‬
‫م َ‬
‫ت ّ‬
‫كا ٍ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫آ َ‬
‫الخير كل الخير ‪ ،‬وجماع الخير في تقوى الله جل وعل‪ ،‬ومن اتقى الله جعل‬
‫له من كل هم فرجا ً ومن كل ضيق مخرجًا‪ ،‬ورزقه من حيث ل يحتسب‪ ،‬فلن‬
‫تضيق أرض الله على عبد يتقي الله‪ ،‬ولن يضيق العيش والرزق على من‬
‫خاف الله واتقاه‪.‬‬
‫ومن أسباب البركات التي يفتح الله بها أبواب الخيرات على عباده الدعاء‬
‫واللتجاء إلى الله تبارك وتعالى‪ ،‬فهو الملذ وهو المعاذ‪ ،‬فإذا ضاق عليك‬
‫رزقك وعظم عليك همك وغمك وكثر عليك دينك فاقرع باب الله الذي ل‬
‫يخيب قارعه‪ ،‬واسأل الله جل جلله فهو الكريم الجواد‪ ،‬ما وقف أحد ببابه‬
‫فرده ونحاه‪ ،‬ول رجاه عبد فخيبه في دعائه ورجاه‪.‬‬

‫) ‪(246/1‬‬

‫دخل النبي صلى الله عليه وسلم يوما ً إلى المسجد فنظر إلى أحد أصحابه‬
‫جالسا ً في المسجد في غير وقت الصلة‪ ،‬فرأى عليه علمات الهم والغم‬
‫فدنى منه صلى الله عليه وسلم وكان لصحابه أبر وأكرم من الب لبنائه فهو‬
‫بالمؤمنين رؤوف رحيم صلوات الله وسلمه عليه فقال‪" :‬يا أبا أمامة ما الذي‬
‫أجلسك في المسجد في هذه الساعة؟" قال‪ :‬يا رسول الله هموم أصابتني‬
‫وديون غلبتني أصابني الهم وغلبني الدين الذي هو هم بالليل وذل في النهار‬
‫فقال صلى الله عليه وسلم "أل أعلمك كلمات إذا قلتهن أذهب الله همك‬
‫وقضى دينك" صلوات الله وسلمه عليه ما ترك باب خير إل ودلنا عليه‪ ،‬ول‬
‫سبيل هدى ورشاد إلى أرشدنا إليه ‪" ..‬أل أدلك على كلمات إذا قلتهن أذهب‬
‫الله همك وقضى دينك؟" قال‪ :‬بلى يا رسول الله ‪ ،‬قال‪" :‬قل إذا أصبحت وإذا‬
‫أمسيت‪ :‬اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل‬
‫وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال")( قال‬
‫رضي الله عنه‪ :‬فقلتهن فاذهب الله همي وقضى ديني"‬
‫الدعاء حبل متين وعصمة بالله رب العالمين وهو تحقيق لقوله تعالى‪ ? :‬إ ِّيا َ‬
‫ك‬
‫ن ?]الفاتحة‪ [5:‬فإذا أراد الله أن يرحم المهموم والمغموم‬ ‫ست َِعي ُ‬ ‫ن َعْب ُد ُ وإ ِّيا َ‬
‫ك نَ ْ‬
‫والمنكوب في ماله ودينه ألهمه الدعاء‪ ،‬وشرح صدره لسؤاله جل وعل الذي‬
‫بيده خزائن السماوات والرض‪ ،‬يده سخاء الليل والنهار ل تفيضها نفقة‪.‬‬
‫ومن أسباب البركات التي يوسع الله فيها أرزاق العباد صلة الرحام ‪ ،‬قال‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬من أحب منكم أن يبسط له في رزقه ‪ ،‬وأن ينسأ له‬
‫في أثره ‪ ،‬وأن يزاد له في عمره فليصل رحمه")(‬
‫صلوا الرحام فإن صلتها نعمة من الله ورحمة يرحم الله بها عباده ‪ ،‬أدخلوا‬
‫السرور على العمام والعمات‪ ،‬والخوال والخالت ‪ ،‬وسائر الرحام‬
‫والقرابات ‪ ،‬فمن وصلهم وصله الله وبارك له في رزقه ووسع له في عيشه‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن أسباب البركات التي توجب على العباد الخيرات والرحمات الكثار من‬
‫النفقات والصدقات ‪ ،‬فمن يسر على معسر يسر الله له في الدنيا والخرة‪،‬‬
‫ومن فرج كربة مكروب فرج الله كربته في الدنيا والخرة‪ .‬فارحموا عباد الله‬
‫من في الرض من الضعفاء والمساكين واليتام والرامل يرحمكم من في‬
‫السماء‪ .‬وما من يوم يصبح فيه الناس إل وملكان ينزلن يقول أحدهما ‪ :‬اللهم‬
‫أعط منفقا ً خلفا ً ‪ ،‬ويقول الخر ‪ :‬اللهم أعط ممسكا ً تلفًا‪ .‬يا ابن آدم أنفق‬
‫ينفق عليك وارحم الضعفاء يرحمك من في السماء‪ ،‬فّرجوا الكربات وأغدقوا‬
‫على الرامل والمحتاجين فإن الله يرحم برحمته عباده الراحمين‪ ،‬قال النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم لسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما‪" :‬يا أسماء‬
‫أنفقي ينفق الله عليك‪ ،‬ول توعي فيوعي الله عليك")(‬
‫امرأة يقول لها النبي صلى الله عليه وسلم أنفقي ينفق الله عليك‪ ،‬ول توعي‬
‫فيوعي الله عليك‪ ،‬فمن أنفق لوجه الله ضاعف الله له الجر فالحسنة بعشر‬
‫أمثالها إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة ل يعلمها إل الله‪ ،‬ولك الخلف‬
‫من الله‪ ،‬فما نقصت صدقة من مال‪ ،‬لقد كان الناس إلى عهد قريب يعيشون‬
‫فس غمومهم بفضله‬ ‫حياة صعبة شديدة ومع ذلك فرج الله همومهم‪ ،‬ون ّ‬
‫وكرمه ثم بما كانوا عليه من التواصل والتعاون والتراحم والتعاطف يواسي‬
‫الغني الفقير ويعين القوي الضعيف‪ ،‬فجعل الله القليل كثيرا ً والصغير كبيرًا‪،‬‬
‫ثم انظر إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واقرأ سيرتهم كيف كانوا‬
‫رحماء بينهم فرحمهم الله من عنده وجعلهم أمة يهدون بالحق وبه يعدلون‪.‬‬
‫الخطبة الثانية‪:‬‬
‫من السباب التي يبارك الله بها في الرزاق‪ ،‬ويبارك في العمار وأحوال‬
‫النسان العمل والكسب الطيب والخذ بأسباب الرزق‪ ،‬فإن السلم دين‬
‫العمل ‪ ،‬دين الكسب الحلل‪ ،‬الذي يعف النسان به نفسه عن القيل والقال‬
‫وسؤال الناس‪" ،‬فمن سأل الناس تكثرا ً جاء يوم القيامة وليس على وجهه‬
‫مزعة لحم")( والعياذ بالله ‪.‬‬
‫فعلى المسلم أن يأخذ بأسباب الرزق وأن يمشي في مناكب الرض تحقيقا ً‬
‫شوُر ?]الملك‪:‬‬ ‫من ّرْزقِهِ وَإ ِل َي ْهِ الن ّ ُ‬‫مَناك ِب َِها وَك ُُلوا ِ‬
‫شوا ِفي َ‬‫م ُ‬‫لقوله تعالى‪َ ...? :‬فا ْ‬
‫‪ [15‬فقد بسط الله الرض وأخرج منها الخيرات والبركات وجعل الخير في‬
‫العمل‪ ،‬والشر في البطالة‪ ،‬والكسل‪ ،‬السلم دين الجهاد والعلم والعمل‪،‬‬
‫فليست الرزاق بأن يجلس النسان في مسجده‪ ،‬فل رهبانية في السلم فإن‬
‫السماء ل تمطر ذهبا ً ول فضة‪ ،‬فعلينا أن نأخذ بالسباب وأن نطلب الرزق‬
‫الحلل من أبوابه‪ ،‬ليفتح الله لنا من رحمته وينشر علينا من بركاته وخيراته ‪،‬‬
‫الرجل المبارك هو الذي يسعى على نفسه وأهله وأولده ‪ ،‬فيكتب الله له أجر‬
‫السعي والعمل‪ ،‬وليس العمل بعيب ول عار‪ ،‬فقد عمل أنبياء الله صلوات الله‬
‫وسلمه عليهم‪:‬‬
‫كان نبي الله داؤود عليه السلم يعمل صنعة لبوس‪ ،‬فكان يعمل في الحدادة‬
‫وتلك مّنة من الله على عباده‪.‬‬

‫) ‪(246/2‬‬

‫‪204‬‬

You might also like