You are on page 1of 208

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫وفيك إذا جنى الجاني أناة تظن كرامة وهي احتقار‬


‫فأنت لو ذهبت تنثر العقد الفريد‪ ،‬لجعلته كلما ً منثورا ل يحفظ‪ ،‬ول ينقل‪،‬‬
‫ً‬
‫وإنما سبيله الهمال والغفال‪ ،‬ولكن طالع إلي سبقه للمعني‪ ،‬وسبكه للفظ‪،‬‬
‫َ‬
‫م إ ِّل أذ ً‬
‫ى(‬ ‫ضّروك ُ ْ‬ ‫ورشاقته في العرض ‪ ،‬وعلي قوله تعالي عن العداء‪( :‬ل َ ْ‬
‫ن يَ ُ‬
‫)آل عمران‪ :‬الية ‪ (111‬يقول‪:‬‬
‫ويحتقر الحساد عن ذكره لهم كأنهم في الخلق ما خلقوا بعد‬
‫وهذا غاية المدح في عظيم يمتهن أعداءه‪ ،‬ويحتقر حساده ‪ ،‬إلي درجة أنه‬
‫يعاملهم معاملة المعدوم الذي لم يخلق بعد‪ ،‬وهل لهذه سابقة لهذا المتفرد‬
‫اللوذعي‪.‬‬
‫وفي الذكر الحسن وتصويره بالحلل الجميلة التي تستر الجسم في بهاء‪،‬‬
‫وتظهر الملبوس في سناء يقول‪:‬‬
‫ورفلت في حلل الثناء وإنما عدم الثناء نهاية العدام‬
‫فهو حائك يجيد نسج الكلم بعناية‪ ،‬ويختار الكلمات بقصد‪ ،‬ويعمد إلي أجل‬
‫المعاني بترصد وتعمد‪.‬‬
‫ً‬
‫وفي باب كل حلف مهين‪ ،‬يفاجئنا بنظرية تربوية ونفسية ل أعلم أحدا سبقه‬
‫إليها فقال‪:‬‬
‫وفي اليمين علي ما أنت واعده ما دل أنك في الميعاد متهم‬
‫ن( )القلم‪.(10:‬‬ ‫مِهي ٍ‬ ‫حّل ٍ‬
‫ف َ‬ ‫فكثرة الحلف مظنة الكذب (َول ت ُط ِعْ ك ُ ّ‬
‫ل َ‬
‫هل البلغة إل أصابت كبد العني بإيجاز من القول‪ ،‬مع سلمة من العياء‬
‫اللفظي‪ ،‬ونجاة من السفاف ‪ ،‬وترفع عن الرخيص من اللفظ‪.‬‬
‫وفي مسألة ‪ :‬وجزاء سيئة سيئة مثلها‪ ،‬تثور ذاكرته الهادرة بهذه الحكمة‪.‬‬
‫إذا أتت الساءة من وضيع ولم ألم المسيء فمن ألوم‬
‫وهذا البيت له قوته وسمو معناه‪ ،‬ما يكفل له الخلود والنتشار؛ لن الناس‬
‫يعيشون كل يوم هذه المأساة ‪ ،‬وهي جناية النذال ‪ ،‬وحماقات الشرار الذين‬
‫يستحقون التبكيت والقصاص المر‪.‬‬
‫ويحلق عاليا ً في المدح؛ ليصف ممدوحيه بالشجاعة‪ ،‬إلي درجة أنهم يرون‬
‫الموت أمنية‪ ،‬والفناء مطلبا ً ‪ ،‬والبارود مسكا ً زكيا ً في النوف‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫كأنهم يردون الموت من ظمأ وينشقون من البارود ريحانا‬
‫وكأني بالممدوحين وقد ذابت نفوسهم فرحة‪ ،‬وامتلت صدورهم بهجة وعمت‬
‫وجوههم نضرة النعيم‪.‬‬
‫ويغوص ـ حسبه الله ـ باقتدار وموهبة ذكية علي معني شرعي أدبي فيقول‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في ممدوحه‪:‬‬
‫عليك منك إذا أخليت مرتقب لم تأت في السر ما لم تأت إعلنا‬
‫فهو يصفه بحياة الضمير‪ ،‬وحضور المراقبة‪ ،‬والوضوح المشرق‪ ،‬والبعد عن‬
‫النفاق واللتواء‪ ،‬وهذا من دقيق فهمه‪ ،‬ومن ثراء مخزونه الثقافي الجياش‪:‬‬
‫لننا سئمنا المديح المكرر المجوج‪ ،‬الذي توارد عليه الشعراء ‪ ،‬من أن‬
‫ممدوحه يكرم الضيف‪ ،‬ويضرب بالسيف ‪ ،‬وينحر الناقة السمينة‪ ،‬ويقتل‬
‫البطل الصنديد‪.‬‬
‫وتعال إليه وهو ينوه بنفسه علي عادته في العجاب بها‪ ،‬والفتتان بجدارتها‪،‬‬
‫يقول‪:‬‬
‫وما كل من يهوى يعف إذا خل عفافي ويرضي الحب والخيل تلتقي‬
‫فهما تقوى في خلوة حيث ل رقيب إل الله‪ ،‬ول حارس إل الضمير‪.‬‬
‫وله فلسفة باهية‪ ،‬ونظرات جسورة‪ ،‬وتأمل دقيق‪ ،‬يقول في الحب‪:‬‬
‫وأحلي الهوى ما شك في الوصل ربه وفي الهجر فهو الدهر يرجو ويتقى‬
‫ومع جزالة المعنى حلوة في اللفظ‪ ،‬ونضارة في القالب‪ ،‬حتى كأنك تمضغ‬
‫حبات السكر‪ ،‬أو تعب ماء نميرًا‪ ،‬أو تذوق عسل ً مصفى‪.‬‬
‫وهو بارع في جل حكمه‪ ،‬وفي غالب مدائحه‪ ،‬وفي أكثر مذاهبه الشاعرية‪،‬‬
‫واستمع إليه ليحدثنا عن قضية عاشها الناس جميعا ً ولكنهم يغفلون عنها‪،‬‬
‫يقول ‪:‬‬
‫إذا ما لبست الدهر مستمعا ً به تخرقت والملبوس لم يتخرق‬
‫فقف بقلبك أما هذه اللوحة الهائمة الحسناء‪ ،‬وأقرأ جملة لبست الدهر وكلمة‬
‫تخرقت‪ ،‬ثم تأمل المعني وتدبر مفهوم الكلم؛ لترى عقل شاعر جبار‪ ،‬وأديب‬
‫خطير‪ ،‬ويتحفنا ـ ل فض فوه ـ بفائدة علمية جليلة‪ ،‬لكنه ل يهديها لنا سامجة‬
‫بل مزينة معطرة محلة‪ ،‬فيقول في خشوع القلب‪:‬‬
‫وإطراف طرف العين ليس بنافع إذا كان طرف القلب ليس بمطرق‬
‫فالقلب طرف كما للعين طرف‪ ،‬وله إطراق كما إطراق العين‪ ،‬لكن إطراقه‬
‫أسمي وأجل‪ ،‬فيا لها من صورة بديعة‪ ،‬ومن خيال خصب‪.‬‬
‫وله في عالم التمثيل بروز وسبق يناسب تقدمه في فنه‪ ،‬يقول في جودة‬
‫استماع ممدوحه إذا سئل العطاء‪:‬‬
‫كأن كل سؤال في مسامعه قميص يوسف في أجفان يعقوب‬
‫وكأني بك وقفت علي نصف البيت الول تنتظر المشبه به‪ ،‬وتتحرى صورة‬
‫بديعة من التمثيل تشبع الخيال‪ ،‬وتمل العطفة‪ ،‬فيسعفك بهذا الوصف‬
‫المشرق الوضيء السامق‪ ،‬المنتزع من القرآن الكريم‪ ،‬فيمتلئ الجو بهاًء‬
‫وسناًء وإبداعًا‪.‬‬
‫ويشيع ممدوحه بعدما ارتحل من هذه الحياة فيتوجه بقوله‪:‬‬
‫كفل الثناء له برد حياته لما انطوى فكأنه منشور‬
‫فما أبدع ما قال‪ ،‬وما أطرف ما نطق به‪ ،‬وانظر إلي قوله كفل الثناء له برد‬
‫حياته‪ ،‬فهو لم يمت أصل ً فله من الحضور والذكر الجميل والثناء الحسن ما‬
‫يجعله حيا ً بين محبيه‪ ،‬وانظر إلي قوله لما انطوي فكأنه منشور‪ ،‬فهو قماش‬
‫يطوى وينشر ـ يطويه الموت‪ ،‬وينشره الثناء الحسن‪.‬‬
‫ويصف ممدوحه بعلو الهمة والبتعاد عن الكسل والخمول فيقول‪:‬‬
‫كثير سهاد العين من غير علة يؤرقه فيما يشرفه الفكر‬

‫)‪(13 /‬‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فطالع المديح الدقيق‪ ،‬والحتزاز في قوله من غير عله‪ ،‬ليبعد عن ممدوحه‬


‫سوٍء ()طه‪ :‬الية‬ ‫ن غَي ْرِ ُ‬‫م ْ‬
‫ضاَء ِ‬
‫ج ب َي ْ َ‬
‫خُر ْ‬
‫سهاد المرض‪ ،‬كما قال عز وجل‪) :‬ت َ ْ‬
‫‪ .(22‬ثم اختياره لكلمة يؤرقه‪ ،‬فهي أجمل من ينبهه ويسهره في موضعها‪ ،‬ثم‬
‫إن سهر ممدوحه ليس علي معصية أو سلوة أو لهو‪ ،‬بل هو تفكر فيما يرفع‬
‫ذكره‪ ،‬ويبني مجده ‪ ،‬ويتلطف في بديع مدحه ويقول‪:‬‬
‫فل تبلغاه ما أقول فإنه شجاع متى يذكر له الطعن يشتق‬
‫فارع سمعك لهذه الشفافية المرهفة‪ ،‬والروح المتألقة؛ لتري مدي قوة‬
‫أسره‪ ،‬ومعرفته بأسرار التأثير‪.‬‬
‫ويعتذر لنفسه في الحب‪ ،‬ويلتمس من اللئمين العذر له فيرسل لنا هذه‬
‫الجوهرة‪:‬‬
‫وما كنت ممن يدخل الحب قلبه ولكن من يبصر جفونك يعشق‬
‫فهل سمعت أن شاعرا ً سبق هذا المبراطور إلي هذا الفتح المبين في عالم‬
‫الشعر‪ ،‬وفي اقتناص درر القريض‪ ،‬والغوص علي جواهره‪ ،‬فحيا الله فصاحة‬
‫بذكاء‪ ،‬وبيانا ً بفهم‪ ،‬وبلغة بعبقرية‪.‬‬
‫والمتنبئ سابق في نقل الصورة إلي المشاهد‪ ،‬ورسم المثال في الذهن‪ ،‬فهو‬
‫أبرع في الرسم من ريشة رسام حذق متمرس‪ ،‬اسمع له يقول‪:‬‬
‫ألذ من الصهباء بالماء ذكره وأحسن من يسر تلقاه معدم‬
‫فمذهب التجديد يحمل لواءه هذا الشاعر المصقع؛ لننا بقينا قبله نعيش علي‬
‫مديح مطرد تقليدي ل يغير ول يبدل‪ ،‬يوصف فيه الممدوح بالليث والغي وأن‬
‫كفه غمامة‪ ،‬وبيته منهل ماء‪ ،‬وناره من الكرم ل تنطفئ إلي آخر تلك القائمة‬
‫المحفوظة عن ظهر قلب‪.‬‬
‫وتعال إلي ورقة من دفتر اختراعه‪ ،‬وديوان إبداعه يقول فيها‪:‬‬
‫أحقهم بالسيف من ضرب الطلي وبالمن من هانت عليه الشدائد‬
‫ومعناه أن أولى الناس بأن يتقلد السسف والولية من ضرب رؤوس العداء‬
‫بسيفه أي شجاعا ً ‪ ،‬وأولم بأن يأمن جانب عدوه من هانت عليه شدائد الحياة‬
‫ومصاعب العلياء وغمرات الحروب‪ ،‬إن بإمكان أي خطيب أن يمطرنا بهذا‬
‫المعني في نثر بهيج‪ ،‬لكن أن يقدمه لنا في لوحة مائسة ووشي منمنم فهذا‬
‫من مهمة أبي الطيب شاعر الدنيا‪.‬‬
‫وهو يتحفك بتجربة رائدة عثر عليها في حياة المتاعب والعواصف يقول‬
‫وما الخوف إل ما تخوفه الفتى وما المن إل ما رآه الفتى أمنا‬
‫فليس الخوف هو ما أتت به الحوادث والنكبات‪ ،‬وإنما شعور المرء بالخوف‬
‫أعظم من نفس الحدث كما قال أحدهم‪:‬‬
‫لعمرك ما المكروه إل انتظاره وأعظم مما حل ما يتوقع‬
‫ودونك ـ رعاك الله ـ نفحه زكية من حديقة فكره المغدقة‪:‬‬
‫وللحساد عذر أن يشحوا علي نظري إليه وأن يذوبوا‬
‫فإني قد وصلت إلي مكان ليه تحسد الحدق القلوب‬
‫فالرجل ل يفارقه جمال العبارة‪ ،‬وخصوبة الخيال‪ ،‬وروعة التعبير‪ ،‬فبديهته‬
‫حاضرة ‪ ،‬وقلبه شهيد‪ ،‬وريشته تقطر إبداعا ً وفتنة‪ .‬وما سمعنا بشاعر اعتذر‬
‫لحساده وسامحهم إل هو‪ ،‬وليس كرما ً منه لهم‪ ،‬وإنما نكاية بهم‪ ،‬ورفعة‬
‫للمدوح بحيلة ذكية‪.‬‬
‫وقف قليل ً معه وهو يتحدث مع الزمان‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫أتي الزمان بنوه في شبيبته فسرهم وأتيناه علي الهرم‬
‫فهو يري أنه متأخر رتبة ‪ ،‬ولو أنه متقدم لفظًا؛ لن الزمان الذي عاش فيه‬
‫زمان ل يقدر العظماء‪ ،‬ول يحتفل بالنوابغ‪ ،‬ول يكرم الفذاذ‪ ،‬ويقول أيضًا‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أريد من زمني ذا أن يبلغني ما ليس يبلغه من نفسه الزمن‬


‫فل زمانه يساعده‪ ،‬ول أصدقاؤه يعضدونه ‪ ،‬ول حساد يتركونه‪ ،‬ول الملوك‬
‫يحتفلون به‪ ،‬ولكن عزاؤه هذا الشعر السائر الخالد‪ ،‬الذي يبقي عبقة في‬
‫أنوف الجهابذة‪ ،‬ودوي صوته في آذان الجيال‪ ،‬فهو أعظم شاهد علي جدارة‬
‫هذا النابغة‪ ،‬وسطوعه ولموعه‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫وتركك في الدنيا دويا ً كأنما تداول سمع المرء أنملة العشر‬
‫المتنبئ وجنون العظمة‬
‫المتنبئ شاعر هائج مائج‪ ،‬هدار موار‪ ،‬كالبرهان يرمى بالحمم ‪ ،‬مارد كالريح‬
‫القاصف العاصف‪ ،‬فهو ل يؤمن بالمهادنة والتروي والنتظار‪ ،‬فهو إما متوجع‬
‫متفجع‪ ،‬وإما شاك باك‪ ،‬وإما غاضب ناقم‪ ،‬وإما مظلوم مهضوم‪ ،‬وإما ساطع‬
‫لمع‪ ،‬غير أنه ليس ساكنا ً كامنًا‪ ،‬بل هو في الحقيقة مالئ الدنيا‪،‬وشاغل‬
‫الناس‪ ،‬وبسبب هذه المعاندة والباء والمشاكسة طار ذكره‪ ،‬وشع بيانه‪،‬‬
‫وساح في الناس أدبه‪.‬‬
‫إن الذين يريدون التأثير في الجيال ‪ ،‬ثم ل ينفضون من حولهم بنتاجهم‬
‫وعلمهم وأدبهم وخطبم‪ ،‬إنما هم أموات غير أحياء‪ ،‬وما يشعرون إيان يبعثون‪.‬‬
‫إن أهل الدعة والخمول نسخ مكررة‪ ،‬يراها الناس ملء الشوارع والسواق‪،‬‬
‫ولكن العباقرة أندر من الكبريت الحمر‪ ،‬فهم يشاركون الناس في الصورة‬
‫الظاهرة ‪ ،‬ويفوقونهم في المواهب والصفات‪ ،‬كما قال المتنبئ نفسه‪:‬‬
‫وإن تفق النام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال‬
‫طغى به بيانه وحدثته نفسه بأنه فريد العالم‪ ،‬ووحيد الدهر‪ ،‬ورجل الدنيا‪،‬‬
‫فترجم شعرًا‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫أي محل أرتقي أي عظيم أتقي‬
‫وكل ما قد خلق اللـ ــه وما لم يخلق‬
‫محتقر في همتي كشعرة في مفرقي‬
‫نستغفر الله ونتوب إليه من هذا الغلو الفاحش‪ ،‬والطغيان الجارف‪ ،‬وكما‬
‫سلف معنا فقد نظر العمى إلي أدبه وسمع الصم كلماته‪:‬‬
‫أنا الذي نظر العمى إلي أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم‬
‫وهاهو يصف نفسه بأعجوبة الزمان ونادرة الكون‪:‬‬
‫إلي لعمري قصد كل عجيبة كأني عجيب في عيون العجائب‬

‫)‪(14 /‬‬

‫بأي بلد لم أجر ذؤابتي وأي مكان لم تطأه ركائبي‬


‫وهو عند نفسه وحيد في بابه‪ ،‬لم ينسج علي منواله أحد ‪ ،‬ولن يتكرر وجوده‬
‫في الناس‪ ،‬وشعره حديث البشر وقضية القضايا‪:‬‬
‫أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم‬
‫فالناس مشغولون بشعره‪ ،‬منهمكون في عظمته‪ ،‬مستغرقون في دراسة‬
‫أدبه‪ ،‬هكذا يتصور ويفكر ويقدر‪ ،‬بل ينصحك أن ل تسمع إل له‪ ،‬ول تنظر في‬
‫شعر سواهن فإن غيره إذا تكلم فسد الكلم ومج الحديث ورخص القول‪:‬‬
‫ول تبال بشعر بعد شاعره قد أفسد القول حتى أحمد الصمم‬
‫ويري أن الشعراء قد عجزوا عن مجاراته‪ ،‬وأفلسوا في السباق معه‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫إذا شاء أن يلهو بلحية أحمق أراه غباري ثم قال له الحق‬
‫أي أن سيف الدولة إذا أراد أن يضحك لشاعر ويسخر منه‪ ،‬أراه غبار المتنبئ‬
‫السابق المتفرد‪ ،‬ثم قال لهذا الحمق‪ :‬أدرك ذاك الجواد المضمر وهيهات ‪ ،‬ثم‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقول‪:‬‬
‫وما كمد الحساد شيء قصدته ولكنه من يزحم البحر يغرق‬
‫ل‪ ،‬ولكنهم هم الذين‬ ‫فقد غرق الحساد في بحر عظمته‪ ،‬وهو لم يرد ذلك أص ً‬
‫تعرضوا له‪.‬‬
‫وله في مدح نفسه كلمات سائرة‪ ،‬مرة يثني علي نفسه الجليلة عنده‪،‬‬
‫العزيزة لديه‪ ،‬ومرة يبارك شعره ويتبجح به‪ ،‬وأخري يصب جام غضبه علي‬
‫أعدائه ويتعجب من جهلهم به وبمقداره ‪ ،‬وعدم اعترافهم بنبوغه وتفوقه‪.‬‬
‫واسمع له يترنح في غمرة عجبه‪ ،‬ويسكر بكأس تبجحح‪ ،‬ويسبح في خيال‬
‫وهمه الذي أوحي إليه من زخرف القول غرورا ً جامحا ً ‪ ،‬وتيها ً جارفا ً ‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫أطاعن خيل ً من فوارسها الدهر وحيدا ً وما قولي كذا ومعي الصبر‬
‫واشجع مني كل يوم سلمتي وما ثبتت إل وفي نفسها أمر‬
‫تمرست بالفات حتى تركتها تقول أمات الموت أم ذعر الذعر‬
‫وأقدمت إقدام التي كأن لي سوى مهجتي أو كان لي عندها وتر‬
‫وكلما أردنا أن نغضب منه لهذا الجموح الطاغي‪ ،‬والتعالي المرفوض‪ ،‬أرضانا‬
‫بهذا القول الخلب‪ ،‬والسحر الجذاب‪ ،‬والمنطق السالب للعقول‪ ،‬فسكتنا‬
‫عاتبين‪.‬‬
‫عن العباقرة يجدون تحديا ً سافرا ً من الغبياء‪ ،‬وظلما ظاهرا ً من البلداء فتثور‬
‫ثائرتهم ‪ ،‬وتغلي مراجلهم‪ ،‬وتضطرب جوانحهم‪ ،‬ومنهم هذا الشاعر الذي فتح‬
‫جبهات مع خصومه‪ ،‬ودخل معارك ضاربة مع حساده‪ ،‬وأصبحت حربه معهم‬
‫حرب بقاء أو إبادة‪ ،‬حياة أو موت‪ ،‬وجود أم عدم‪ .‬ليس عند المتنبئ تواضع‬
‫الصالحين ‪،‬ول إخبات الولياء‪ ،‬ول ورع العلماء؛ لنه طالب شهرة قانص مجد‪،‬‬
‫ريد ُ الد ّن َْيا‬
‫ن يُ ِ‬
‫م ْ‬‫م َ‬‫من ْك ُ ْ‬
‫باحث عن إمارة‪ ،‬ساع يلهث وراء الجاه والصدارة َ( ِ‬
‫ة()آل عمران‪ :‬الية ‪.(152‬‬ ‫ريد ُ اْل ِ‬
‫خَر َ‬ ‫ن يُ ِ‬
‫م ْ‬
‫م َ‬‫من ْك ُ ْ‬
‫وَ ِ‬
‫أل بلغ الله الحمى من يريده وبلغ أطراف الحمى من يريدها‬
‫المتنبئ والنجومية‬
‫خاص المتنبئ حرب النجوم في عالم البيان‪ ،‬ورفض الستسلم لخصومه‬
‫وأوصى محبيه أن ل يرضوا بغير النجومية‪:‬‬
‫إذا غامرت في شرف مروم فل تقنع بما دون النجوم‬
‫فهو حاذق في معرفة طرق الصدارة‪ ،‬متعب نفسه وغيره في مباراة التحدي‬
‫وإثبات الذات‪:‬‬
‫وإذا كانت النفوس كبارا ً تعبت في مرادها الجسام‬
‫ول يرضيه الرضي بالقل‪ ،‬والقناعه ببعض المجد ‪ ،‬بل لبد من المجد كله‪،‬‬
‫والكمال أجمعه‪:‬‬
‫ً‬
‫ولم أر في عيوب الناس شيئا كنقص القادرين علي التمام‬
‫وهو يفور غضبا ً ‪ ،‬ويثور بركانا ً علي من يريد تحطيمه‪ ،‬والتقليل من شأنهن‬
‫حتى غنه مر ببعض حساده في الطريق‪ ،‬فألقي عليهم هذه القذيفة‪:‬‬
‫لو استطعت ركبت الناس كلهم إلي سعيد بن عبد الله بعرانا‬
‫والويل كل الويل لمن أراد النتقاص من هذا العجوبة ‪ ،‬إنه سوف يبوء بإثمه‪،‬‬
‫ويحسو كأنه ندمه‪ ،‬ولو كان ملكا ً مطاعًا‪ ،‬فهو يجر كافور ملك مصر من علي‬
‫كرسيه بهذه القذيفة‪:‬‬
‫ل تشتر العبد إل والعصا معه إن العبيد لنجاس مناكيد‬
‫وفي سبيل تحقيق نجوميته فكل شاعر سواه‪ ،‬فإنما هو شويعر حقير صغير‪،‬‬
‫وهو وحده الخطير الشهير الكبير‪:‬‬
‫أفي كل يوم تحت ضبني شويعر ضعيف يقاومني قصير يطاول‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فالكريم الذي ل يحتفل بالمتنبئ ‪ ،‬ول يكرم مثواه ويحسن وفادته‪ ،‬لئيم‬
‫خسيس‪:‬‬
‫جود الرجال من اليدي وجودهم من اللسان فل كانوا ول الجود‬
‫والذي ل يستمع إليه غر بليد‪ ،‬يقول في أحد هؤلء الغبياء‪:‬‬
‫صغرت عن المديح فقلت أهجي كأنك ما صغرت عن الهجاء‬
‫وهو عند نفسه نادر المثال‪ ،‬ل يتكرر سبيه له‪ ،‬وهو غريب كما يرى في نبوغه‬
‫وفصاحته‪:‬‬
‫أنا في أمة تداركها اللت ــــه غريب كصالح في ثمود‬
‫وهو معدن آخر كما يري‪ ،‬له طينة أخري‪ ،‬فهو كما يعتقد م متفرد متميز‪:‬‬
‫وحيد من الخلن في كل بلدة إذا عظم المطلوب قل المساعد‬
‫وكأني به يرى سواه أقل منه رتبة‪ ،‬وأقصر قامة‪ ،‬واصغر قدرًا‪:‬‬
‫وربما اشهد الطعام معي من ل يساوي الخبز الذي أكله‬
‫ول ينسي أن يذكر أصحابه بأنه نجم‪:‬‬
‫وإني لنجم تهتدي صحبتي به إذا حال من دون النجوم سحاب‬
‫ويبشرك أن نفسه وثابة شابة‪ ،‬وبشاشة جياشة‪:‬‬
‫وفي الجسم نفس ل تشيب بشيبه ولو أن ما في الوجه منه حراب‬

‫)‪(15 /‬‬

‫فهو شاب الهمة‪ ،‬فتي العزيمة‪ ،‬متوقد القلب‪ ،‬ل يكل ول يمل‪ ،‬حتى يبلغ مناه‬
‫من النجومية‪ ،‬والتحليق عاليا ً في سماء النجاح‪ ،‬فلديه من الطموح غلي نيل‬
‫مطالبه‪ ،‬وإدراك مقاصده‪ ،‬ما اتعب جسمه ‪ ،‬وأنهك روحه‪ ،‬وعرضه للمخاطرة‬
‫وحمله علي ركوب المهالك‪ ،‬وصح فيه قوله من قصيدة له عامرة‪:‬‬
‫وأتعب خلق الله من زاد همه وقصر عما تشتهي النفس وجده‬
‫وفي الناس من يرضى بميسور عيشه ومركوبه رجله والثوب جلده‬
‫ولكن قلبا ً بين جنبي ما له مدى ينتهي بي في مراد أحده‬
‫يري جسمه يكسى شفوقا ً تربه فيختار أن يكسى دروعا ً تهده‬
‫رحلة ممتعة في زورق البداع‬
‫لبد لعشاق البيان‪ ،‬وهواه جمال الكلمة ونصاعة القول ‪ ،‬من ذائقة فنية‬
‫وحاسه سادسه للتمتع بطعم التأثير المشرق لسحر الكلم‪ ،‬وإل فل فائدة من‬
‫عرض تحف البيان علي عمي البصائر‪ ،‬وإبراز مخدرات الحسن علي كل أكمه‬
‫وأعشي‪ ،‬وما أعجبنا في المتنبئ غلوه في مدح نفسه‪ .‬ول ثناؤه علي إنجازاته‬
‫الخيالية‪ ،‬إنما أعجبنا هذا الوهج الفني‪ ،‬والبريق الذي كاد يذهب بالبصار ‪ ،‬ثم‬
‫سماء عبقريته‪ ،‬فهو بل شك صاحب قدح معلي في صياغة الكلمة‪ ،‬ونسج‬
‫الجملة‪ ،‬حتى يلتفت لها القلب ‪ ،‬ونحن معذورون في إعجابنا بشعره فقد‬
‫سبقنا أساطين البيان‪ ،‬ودهانقة الفصاحة‪ ،‬وأساتذة البديع‪،‬وكلهم معترفون‬
‫بفصاحة هذا الشاعر ‪ ،‬وتألقه وانفراده ‪ ،‬فيها أخي اركب معنا في زورق‬
‫البداع وربانه أبو الطيب المتنبئ الذي يقول‪:‬‬
‫أنا السابق الهادي إلي ما أقوله وعين قد أصابتها العيون‬
‫وسوف نسوق جمل ً ندية بسحرهن مخضلة بطلوته‪ ،‬عبقة بمسك فنه؛ لتكون‬
‫كالشاهد علي غيرها‪ ،‬والدليل علي سواها‪ ،‬وكفاك غرة الفرس‪ ،‬وثغرة‬
‫المحب‪ ،‬ونون العين‪:‬‬
‫له عين أصابت كل عين وعين قد أصابتها العيون‬
‫وسوف نقتصر علي نون العين من نتاج هذا الشاعر الثائر الطموح والباقعة‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المتألق‪:‬‬
‫قالوا خذ العين من كل فقلت لهم في العين فضل ولكن ناظر العين‬
‫والن هاك هذه الفرائد‬
‫وخير جليس في النام الكتاب‬
‫يقول أبو الطيب ‪:‬‬
‫أعز مكان في الدنى سرج سابح وخير جليس في النام كتاب‬
‫فأنظر كم اهتدى إلي معني ثمين رائد‪ ،‬ثم أخذه فغسله وكواه‪ ،‬ووضعه‬
‫وطبعه‪ ،‬وفصله بلفظ ساطع ‪ ،‬وتركيب متناسق خلب‪ ،‬فهل سبقه شاعر إلي‬
‫اختراع هذا المعني ؟! إنه يقول لك‪ :‬إن اشرف موضع يقعد فيه كل ماجد‬
‫نبيل هو ظهر الفرس‪ ،‬حتى يقاتل العدو‪ ،‬ويحمي الحوزة‪ ،‬ويذود عن العرض‪،‬‬
‫ويدافع عن الكرامة‪ ،‬ويبني المجد‪ ،‬وإن أفضل المجالس لحق الجليس‪،‬‬
‫وإمدادا ً للعقل‪ ،‬ولكن أعد النظر في رصفه للكلمات الحرة الراقية‪ ،‬وبنائه‬
‫للبيت بل نشاز ول التواء‪ ،‬إن من الشعراء من قد يجود بهذا المعني؛ لكنه‬
‫يضعه في قالب فج بكثرة حروف الجر والضمائر ‪ ،‬والتقدير‪ ،‬والتأخير ‪،‬‬
‫والسفاف ‪ ،‬والحشو‪.‬‬
‫ذو العقل يشقى في النعيم بعقله‬
‫يقول‪:‬‬
‫ذو العقل يشفى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم‬
‫لله دره‪ ،‬هكذا فلتكن الذاكرة الحية‪ ،‬والذهن الخصب الممرع‪ ،‬والتجربة‬
‫الراشدة‪ ،‬إن العاقل الريب ل يقر قراره لعطشه‪ ،‬ومعرفته بتغير اليام‪،‬‬
‫ودوران الليالي‪ ،‬ومفأجاة الحوادث‪ ،‬وهجوم المزعجات‪ ،‬أما الغبي الحافي ‪،‬‬
‫فهو كالبهيمة ل يري إل موطن قدميه‪ ،‬فهو في شقاوته يتنعم لجهله بالعواقب‬
‫النبي صلي الله عليه وسلم وقلة خبرته بالنوائب‪ ،‬وانطماس بصيرته عن‬
‫م‬ ‫َ‬
‫مشاهدة سنة الحياة؛ من العسر لليسر‪ ،‬والغني والفقر‪ ،‬والسرور والحزن (أ ْ‬
‫ل هُ َ‬ ‫كاْل َن َْعام ِ ب َ ْ‬
‫م إ ِّل َ‬ ‫تحسب أ َن أ َك ْث َرهُم يسمعو َ‬
‫سِبي ً‬
‫ل(‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬
‫مأ َ‬ ‫ْ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫قُلو َ‬
‫ن إِ ْ‬ ‫ن أوْ ي َعْ ِ‬
‫َ ْ َ ْ َ ُ َ‬ ‫َ ْ َ ُ ّ‬
‫)الفرقان‪. (44:‬‬
‫يقول شكسبير‪ )) :‬الذكي يعيش من جنته في جحيم‪ ،‬والغبي يعيش من‬
‫جحيمه في جنة(( ولكن تبقي الريادة للمتنبئ والسبق‪.‬‬
‫مصائب قوم عند قوم فوائد‬
‫يقول‪:‬‬
‫بذا قضت اليام ما بين أهلها مصائب قوم عند قوم فوائد‬
‫فتطير هذه الحكمة في الفاق‪ ،‬وتجري علي اللسنة‪ ،‬وتكون حاضرة علي‬
‫شفاه الخطباء والحكماء‪ ،‬وتشاهد علي البيت توقيع المتنبئ الخاص الذي‬
‫يميزه عن غيره‪ ،‬وانظر إلي جملة بذا قضت اليام ما بين أهلها‪ ،‬فإذا هي‬
‫عبارة مستقيمة صحيحة ل عوج فيها ول أمتا ً ‪ ،‬ثم أنظر إليه وهو يستفز ذهنك‬
‫لتترقب الحكمة القادمة فيبادرك بها‪ :‬مصائب قوم عند قوم فوائد‪ ،‬فتكون‬
‫هذه الحكمة ناطقة بعمق الرجل‪ ،‬وذكائه وسعة تجربته‪ ،‬وهو الستفادة من‬
‫نكبات الغير‪ ،‬وأخذ العبرة من ذلك ‪ ،‬وهو منطق القرآن ( َفاعْت َب ُِروا َيا ُأوِلي‬
‫َ‬
‫صاِر()الحشر‪ :‬الية ‪.(2‬‬ ‫اْلب ْ َ‬
‫والمتنبئ قدير في جلب الحكمة الصادقة‪ ،‬وفي سبك اللفظ الجميل‪ ،‬فليس‬
‫شعره من شعراء العراب الساذج الباهت‪ ،‬وليس من شعر حفظة المتون‬
‫العلمية المقننة المتكلف ‪ ،‬بل هو سائغ للشاربين‪ ،‬يسر الناظرين‪.‬‬
‫ول التذكير فخر للهلل‬
‫يوم رثي والده سيف الدولة قال‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولو كان النساء كمن فقدنا لفضلت النساء علي الرجال‬


‫فما التأنيث لسم الشمس عيب ول التذكير فخر للهلل‬

‫)‪(16 /‬‬

‫فأنت تشاهد انسيابا ً لذيذا ً ل يعكره حشو في اللفظ‪ ،‬ول يكدره غرابة في‬
‫اللغة‪ ،‬ول يشوهه تبذل سوقي‪ ،‬بل تشاهد الفخامة‪ ،‬فهو يمهد لك بالبيت الول‬
‫حتى إذا تهيأت لسماع النظرية‪ ،‬واستقبال الدليل باشرك بالبيت الثاني في‬
‫رقة وعذوبة‪ ،‬فكأنك تمضغ سكرا ً ‪ ،‬أو تمص عنبًا‪ ،‬خلف ما تشاهده في كثير‬
‫من الشعر النشادي النشائي أو التقريري الخباري‪ ،‬أو الغريب الوحشي‪،‬‬
‫ولهذا بز المتنبئ للشعراء في هذا الباب‪.‬‬
‫ذكر الفتى عمره الثاني‬
‫يقول‪:‬‬
‫ذكر الفتى عمره الثاني وحاجته ما قاته وفضول العيش أشغال‬
‫فهذا ثلثة مقاطع من الحكمة النادرة‪ ،‬والوعى الراشد‪ ،‬والتجارب المماثلة‬
‫وما هذا الرجل إل فيلسوف متأمل ‪ ،‬يستولي علي مكان العجاب فيك‪،‬‬
‫وانظر إلي إيجازه وفصاحته في قوله‪ :‬ذكر الفتي عمره الثاني‪ ،‬انتهي المقطع‬
‫ليكون قطعة ماس‪ ،‬أو حبة لؤلؤ مائسة ‪ ،‬تقلبها في يدك فتزداد شرفا ً وبريقًا‪،‬‬
‫ولك أن تحدث العقلء في مسألة الذكر الحسن فتقول‪ :‬ذكر الفتي عمره‬
‫الثاني‪ ،‬فتقنع الجميع بجللة هذا المر والترغيب فيه‪ ،‬ثم تقول ‪ :‬وحاجته ما‬
‫قاته‪ ،‬فتطبع درسا ً في القلوب‪ ،‬درسا ً ل ينسى في علم القناعة‪ ،‬بأقل لفظ‪،‬‬
‫وأخف قولن واصدق عبارة‪ ،‬ثم تقول‪ :‬وفضول العيش أشغال‪ ،‬فتزهد الناس‬
‫في التكاثر ‪ ،‬والنهماك في الجمع والتكالب علي الدنيا‪ ،‬فإذا عبارة وفضول‬
‫العيش أشغال كتاج مرصع علي هامة كريمة‪ ،‬أو خاتم علي رسالة‪ ،‬أو عنوان‬
‫علي كتاب‪ ،‬وانظر إلي قدرته في طي مسافات المعنى في اقتصاد من‬
‫القول‪ ،‬وأبهة من البلغة‪.‬‬
‫إن الثناء علي التنبال تنبال‬
‫يقول‪:‬‬
‫وقد أطال ثنائي طول لبسه إن الثناء علي التنبال تنبال‬
‫ومعنى كلمه أنني قد أطلت الثناء علي هذا الممدوح لكثرة مناقبة‪ ،‬وجللة‬
‫قدره‪ ،‬وغزارة خصاله؛ فلذلك وجدت مجال ً للكلم‪ ،‬بخلف التنبال الذي هو‬
‫القصير القزم التافة‪ ،‬فإنالثناء عليه قصير وشحيح؛ لنه ل مجال للسهاب في‬
‫وصفه ومدحه‪ ،‬وقد أراد في هذا البيت أن يعتذر من الطالة ‪ ،‬فأتي بأحسن‬
‫المدح في ممدوحه ‪ ،‬ثم ختم البيت بقضية عادلة‪ ،‬وكلمة سائرة‪ ،‬وهي أنه‬
‫بحسب الممدوح كرما ً ولؤمًا‪ ،‬يكون المدح طول ً وقصرًا‪ ،‬كما أن الثياب تفصل‬
‫علي طول الناس وقصرهم‪ ،‬فكذلك الثناء ‪ ،‬وهذا من دقيق نظره‪ ،‬وجدارته‬
‫من اقتناص المعاني‪.‬‬
‫إذا أنت أكرمت الكريم ملكته‬
‫يقولك‬
‫إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا‬
‫معناه‪ :‬أن الكريم تملك وده ووفاءه بالحسان إليه؛ فيكون لك مواليا ً مصافيا ً‬
‫حافظا ً لجميلك‪ ،‬ذاكرا ً لحسانك ‪ ،‬بخلف اللئيم‪ ،‬فل يزيده الحسان إل تمردا ً‬
‫وتنكرًا؛ لخبث طبيعته‪ ،‬وسوء سيرته‪ ،‬ولؤم خلقه‪ ،‬وغالب الناس يعرفون هذا‬
‫المعني ‪ ،‬لكن تقديمه لهم في عبارة شاردة‪ ،‬وحكمة فائقة‪ ،‬مطلب يهش له‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العقلء‪ ،‬ويتوق له الدباء‪ ،‬وقد قلنا لك‪ :‬إن المتنبئ ل يعاضل بين الكلم‪ ،‬ول‬
‫يثقل البيت بالضمائر ‪ ،‬وحروف الجر‪ ،‬والتقديم والتأخير ‪ ،‬كما يفعله صفاف‬
‫الشعراء ‪ ،‬الذين يثقلون السامع بحشو الكلم‪ ،‬وزائد القول‪ .‬وكم سمعنا من‬
‫عامة الناس من يردد هذا البيت فضل ً عن طلبة العلم‪ ،‬وما ذاك غل لستيلء‬
‫هذا الشاعر علي عرش الشهرة‪ ،‬وامتلكه ساحة الدب‪ ،‬وامتيازه بالسر‬
‫والتأثير ‪.‬‬
‫غرقت فيه خواطره‬
‫يقول في ممدوحه‪:‬‬
‫إذا تغلغل فكر المرء في طرف من مجده غرقت فيه خواطره‬
‫فهو هنا يترقى بك عن مدح العراب المكشوف إلي مدح دقيق‪ ،‬ومعنى‬
‫عميق‪ ،‬يدل علي علو كعبه في سعة الطلع‪ ،‬ورحابة المعرفة مع جودة‬
‫الخاطر يقول هنا‪ :‬إن هذا الممدوح إذا غاص فكر النسان في جزء واحد من‬
‫مجده الواسع‪ ،‬مواهبه الجمة؛ استغرقت هذه الصفات كل خواطر هذا‬
‫النسان واستولت علي ذهنه وحيرته‪ ،‬فكيف بباقي صفاته وسائر خصاله‪ ،‬وهو‬
‫ثناء نادر وقوعه في المدائح لدقته وغرابته‪ ،‬ولكنه لذيذ تعشقه النفوس لنه‬
‫فريد متوهج‪.‬‬
‫الرجل يتقطع أسفا ً ويعلن التمرد علي حياته‬
‫تمن يلذ المستهام بذكره وإن كان ل يغني فتيل ً ول يجدي‬
‫وغيظ علي اليام كالنار في الحشا ولكنه غيظ السير علي القد‬
‫هكذا يغلي غصبا ً ‪ ،‬ويصرخ نادما ً ‪ ،‬لكنه ل حيله له‪ ،‬بل هو مثل السير في‬
‫قيده‪ ،‬ل ينفعه غصبه من هذا القيد‪ ،‬وهو مشحون بالسخط من بني زمانه؛‬
‫لنهم أنانيون وطماعون ليس معهم حل إل السيف‪ ،‬حتى يحكم الله بينه‬
‫وبينهم وهو خير الحاكمين‪:‬‬
‫من الحلم أن تستعمل الجهل دونه إذا اتسعت في الحلم طرق المظالم‬
‫وأن ترد الماء الذي شطره دم فتسقي إذا لم يسق من لم يزاحم‬
‫ومن عرف اليام معرفتي بها وبالناس روى رمحه غير راحم‬
‫فليس بمرحوم إذا ظفروا به ول في الردى الجاري عليهم بآثم‬

‫)‪(17 /‬‬

‫هذا رأيه الصريح في بني جنسه وفي زمانه‪ ،‬إن الرجل ملتاع ملدوغ من‬
‫حساده‪ ،‬منكوب من العداء‪ ،‬مضطهد من الملوك‪ ،‬ولكن كان لهذه النوائب‬
‫نفعا ً من إذكاء قلبه‪ ،‬واشتعال ضميره بهذا العطاء الجزل من البيان الجليل‪،‬‬
‫والدب النبيل‪ ،‬ولو أن المتنبئ سلم من هذه النكبات‪ ،‬لكان شعره مثلجا ً‬
‫كشعر المئات من الشعراء الباردين الثقلء‪ ،‬الذين أغلوا علينا الوراق والحبر‪،‬‬
‫وخدعوا القارئ البسيط بحسن طباعه دواوينهم ليجد فيها غثاء من رخيص‬
‫القول‪ ،‬وزبدا ً من تافه الحديث‪.‬‬
‫لكن أبا الطيب أنضجته المعاناة‪ ،‬فصارت تسيل علي شفته قواف سائرة‪،‬‬
‫تدعوك إلي العيش في ظللها‪ ،‬وتأمل جمالها والتمتع بخمائلها‪ ،‬ونحن نعلم أن‬
‫سبب هذا الهيجان العاطفين والثوران النفسي‪ ،‬إنما هو لعدم نيله مطالبه‬
‫الدنيوية الرخيصة‪ ،‬من منصب وصدارة وإمارة‪ ،‬فهو مغرم بهذه المقاصد‪،‬‬
‫متيم بهذه الهوايات‪ ،‬ويحسبها أجل ما يناله المرء؛ لن الرجل شاعر‪ ،‬وليس‬
‫لديه من علم الوحي‪ ،‬وفقه الديانة‪ ،‬ونرو الملة‪ ،‬ما يعصمه عن هذا المذهب‪،‬‬
‫ما‬
‫فد ُ و َ َ‬ ‫عن ْد َك ُ ْ‬
‫م ي َن ْ َ‬ ‫ما ِ‬
‫ويدله علي ما هو أنفع وأرفع‪ ،‬وهو رضوان الله عز وجل ( َ‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ق ()النحل‪ :‬الية ‪.(96‬‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ َبا ٍ‬


‫ِ‬
‫حلوة وطلوة علت قوافيه الماتعة‬
‫إن كان ملك القلوب فإنه ملك الزمان بأرضه وسمائه‬
‫الشمس من حساده والنصر من قرنائه والسيف من أسمائه‬
‫أين الثلثة من ثلث خلله ومن حسنه وإبائه ومضائه‬
‫مضت الدهور وما أتين بمثله ولقد أتي فعجزت عن نظرائه‬
‫يا لطيف! ما هذا الكلم الشريف‪ ،‬ارجع البصر كرتين إلي هذه البهة اللفظية‬
‫كقوله‪ :‬ملك القلوب ‪ ،‬وما فيها من قوة واسر ونفث سحر‪ ،‬وهذا ليس معروفا ً‬
‫عند شعراء الصحراء‪ ،‬وضعاف الدباء‪ ،‬فإن ملوك القلب أعظم من ملك‬
‫البدان‪ ،‬ثم جعل هذا الملك مسلما ً للمدوح ‪ ،‬وإنما أثبت له ملك الزمان‬
‫بأرضه وسمائه‪ ،‬ثم طالع تشبيهه للمدوح بالشمس في الحسن‪،‬والنصر في‬
‫الباء‪ ،‬والسيف في المضاء‪ ،‬ولكن في تقسيم شاعري رائع‪ ،‬يناديك من‬
‫أطراف قلبك إلي التيقظ‪ ،‬والتمتع بمسارح الجمال‪ ،‬ومرابع الخيال‪ ،‬في قالب‬
‫فني كله رواء وطلء‪ ،‬يذوب رقة‪ ،‬ويندى رشاقة‪ ،‬ويسكب لطفًا‪ ،‬وهذا سر‬
‫أهمله كثير من الشعراء؛ لنهم يأتون إلي معني مكشوف بلفظ سادج‪ ،‬ليس‬
‫عليه حلة من البداع ‪ ،‬كقوله جرير في ممدوحه‪:‬‬
‫تعود صالح الخلق إني رأيت المرء يلزم ما استعادا‬
‫والحمد لله علي السلمة‪ ،‬فما زادنا جرير علي أن وزن لنا كلما ً لو تركه بل‬
‫وزن كان أسهل ‪ ،‬أو كقوله‪:‬‬
‫أقلي اللوم عاذل والعتابا وقولي إن أصبت لقد أصابا‬
‫فانظر إلي هذا التقرير البارد والشعر الخباري الثقيل‪.‬‬
‫وهذا ابن دريد يقول لنا في مطلع مقصورته‪:‬‬
‫يا ظبية أشبه شيء بالمها ترعى الخزامى بين أشجار النقا‬
‫فقد أفادنا أن الظبية مثل المها ـ ما شاء الله ! ـ وأنها ـ والحمد لله ـ ترعي‬
‫الخزامى بين أشجار النقا‪ ،‬هذا كل ما في البيت‪ ،‬فل تتعب نفسك في الغوص‬
‫علي معانيه‪ ،‬وإخراج جواهره‪ ،‬فليس فيه إل ما ذكرت‪.‬‬
‫وهذا الرازي يقول‪:‬‬
‫نهاية إقدام العقول عقال وغاية سعي العالمين ضلل‬
‫فأنت أما كلم منطقي قانوني مدون‪ ،‬ليس له حلوة‪ ،‬ول طلوة‪ ،‬ومعناه‬
‫يفهمه الحاضر والباد‪.‬‬
‫وأين هذا من قول المتنبئ ‪:‬‬
‫وأنا الذي اجتلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل؟!‬
‫فما أبدع ما قال! وما أمتع ما نطق به! فهنا يحق للذهن أن يتأمل النبي صلي‬
‫الله عليه وسلم وللروح أن تنتشي‪ ،‬فهو يقول لك‪:‬‬
‫أنا المتسبب بنظري إلي الجمال حيث جنى طرفي علي‪ ،‬وأوردني حياض‬
‫ل‪ ،‬فأنا القاتل في الحقيقة؛‬ ‫الموت‪ ،‬فلن أطالب أحدا ً بديتي‪ ،‬ولو كنت قتي ً‬
‫لنني نظرت بطرفي فقتلت‪.‬‬
‫وأين أقوالهم من قوله‪:‬‬
‫قد كنت أشفق من دمعى علي بصري فاليوم كل عزيز بعدكم هانا‬
‫فشكرا ً لهذا البداع والتألق الفني‪ ،‬واللهيب والجذب‪ ،‬وكأنها أمثال في الذيوع‬
‫والنتشار‪ ،‬وضع يدك علي قلبك واقرأ معي قول أبي الطيب‪:‬‬
‫وما شرفي بالماء إل تذكرا ً لماء به أهل الحبيب نزول‬
‫يقول‪ :‬أنني إذا غصصت بالماء وأنا اشربه علي المائدة‪ ،‬فسبب تذكري ماء‬
‫نزل به أهل الحبيب ‪ ،‬فلما ذكرت ذلك شرقت بهذا الماء‪ ،‬واختفت من شدة‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السى واللوعة‪ .‬وقد أكرر هذا البيت كثيرا ً فأغالب دمعي‪ ،‬واعصر غصصا ً‬
‫كامنة في نفسي‪.‬‬
‫شاعر يرسم بريشته الحداث‬
‫يقول في سيف الدولة بعدما عوفي من مرضه‪:‬‬
‫المجد عوفي إذا عوفيت والكرم وزال عنك إلي أعدائك اللم‬
‫إلي أن يقول‪:‬‬
‫وما أخضك في برء بتهنئة إذا سلمت فكل الناس قد سلموا‬
‫وكأني بهذا المريض المعافي يترنح طربًا‪ ،‬ويطير شوقا ً من هذه التهنئة‬
‫الحافلة ‪ ،‬والنشودة الراقية‪ ،‬التي انهمرت علي الممدوح كغمامة هلت ماءها‬
‫في صيف متوقد‪.‬‬
‫فهو يخبره أن المجد مرض بمرضه‪ ،‬وعوفي بعافيته‪ ،‬وكذلك الكرم‪ ،‬ثم يدعو‬
‫الله أن ينقل ألم الممدوح إلي أعدائه‪ ،‬ثم يهنئ الناس كلهم بعافية هذا‬
‫الماجد الشهم النبيل‪.‬وأرعه سمعك وهو يقول لسيف الدولة‪:‬‬
‫هو البحر غص فيه إذا كان ساكنا ً علي الدر وأحذره إذا كان مزبدا‬
‫فإني رأيت البحر يعثر بالفتي وهذا الذي يأتي الفتي متعمدا‬

‫)‪(18 /‬‬

‫تظل ملوك الرض خاشعة له تفارقه هلكي وتلقاه سجدا‬


‫ل‪ ،‬ولن اشرحه‬‫هذا مدح تنصت له أذن الدهر‪ ،‬وتهش له الجبال حفاوة واحتفا ً‬
‫هنا لنه قريب منك؛ لكن في إباء سهل‪ ،‬لكن في امتناع مفهوم‪ ،‬لكن في‬
‫عمق‪.‬‬
‫تحليق في سماء البداع‬
‫من الشعراء من يمشي علي بطنه‪ ،‬ومنهم من يمشى علي رجلين‪،‬ومنهم من‬
‫يمشى علي أربع ‪ ،‬ومنهم من يطير كالمتنبئ‪ ،‬لكن بارتفاع سبعة وثلثين قدما ً‬
‫عن سطح البحر‪ ،‬فهو دائما ً محلق‪ ،‬وإن اقترب أحيانا ً من الرض‪ ،‬كما يقول‬
‫هو عن العلو‪:‬‬
‫ذي المعالي فليعلون من تعالي فكذا هكذا وإل فل ل‬
‫شرف ينطح النجوم بروقيـ ـه وعز يقلقل الجيال‬
‫فالرجل صاعد بموهبته‪ ،‬ول يريد أن تقارنه بغيره من الشعراء‪:‬‬
‫أجزني إذا أنشدت شعرا ً فإنما بشعري أتاك المادحون مرددا‬
‫ودع كل صوت غير صوتي فإنني أنا الطائر المحكي والخر الصدى‬
‫فهو يطلب منك أن تفرده بالستماع والعجاب وحده؛ لنه محلق وسواه‬
‫ماش‪.‬‬
‫والن يريد أن يخبرك بصعوبة المجد‪ ،‬وثمن التضحية‪ ،‬ومهر المعالي‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫تريدين لقيان المعالي رخيصة ولبد دون الشهد من إبر النحل‬
‫فتصف البيت مقدمة خطابيه‪ ،‬والنصف الخر دليل وبرهان‪ ،‬ولكن يسمو في‬
‫أمثاله‪ ،‬فهو يستعمل التشبيه المعروف‪ ،‬ولكنه الراقي الذائغ‪ ،‬وأراد أبو فراس‬
‫الحمداني نفس المعاني فقال‪:‬‬
‫تهون علينا في المعالي نفوسنا ومن طلب الحسناء لم يغله المهر‬
‫وأنا أري أن بيت المتنبئ أجمل وأكمل ‪ ،‬وأما بين أبي فراس فهو علي شهرته‬
‫به جدري في وجهه؛ لنه قال لم يغله المهر أي أراد لم يغل عليه المهر‪ ،‬فل‬
‫يرقى إلي سمو شاعرية المتنبئ وتدفق ذاكرته الخلبة الخصبة ‪.‬‬
‫ويقول في باب آخر‪:‬‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وما صبابة مشتاق علي أمل من اللقاء كمشتاق بل أمل‬


‫فهو يخترع معني بديعا ً في الحب‪ ،‬ويوجد فارقا ً معقول ً بين الشوق مع أمل‬
‫اللقاء والشوق بغير أمل‪ ،‬فبيته أسمى وأرقى من قول الشاعر‪:‬‬
‫أحدث نفسي باللقاء وقربه وأوهمها لكنها تتوهم‬
‫فإن البيت الخير علي جمال فيه سادج مكشوف‪ ،‬وأحسن منه قول الشاعر‪:‬‬
‫أحدث النفس بالمال أرقبها ما أضيق العيش لول فسحة المل‬
‫وأحسن من هذا وأجمل قول الشاعر‪:‬‬
‫منى إن تكن حقا ً تكن أحسن المنى وإل فقد عشنا بها زمنا رغدا‬
‫ً‬
‫ولكن جرس المتنبئ وموسيقاه لها طعم آخر‪ ،‬ومذاق يختلف عن كل مذاق‪.‬‬
‫حتى إنك إذا سمعت قوله‪:‬‬
‫وأنا الذي اجتلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل؟!‬
‫فإنه يطريك ويعجبك لنه يغوص علي المعني‪ ،‬ثم يوشيه لفظا ً أجمل من زهر‬
‫الرياض‪ ،‬ثم يختار المفرد فيأسر قلبك‪ ،‬وأنت إذا أمعنت النظر في بيته‬
‫المتقدم‪ ،‬ل تدرك المعنى من أول وهلة‪ ،‬حتى تتأمل وتمعن النظر‪ ،‬وتعيد‬
‫البصر كرتين‪ ،‬لن المعنى المتبذل المكشوف رخيص‪ ،‬كالبضاعة المعروضة‬
‫بعرض الطريق‪ ،‬من خشب وحجارة‪ ،‬بخلف الذهب والماس‪ ،‬فإنه يوضع خلف‬
‫البواب عليه القفال لرتفاع ثمنه‪.‬‬
‫وقد طرق الرجاني معني المتنبئ ‪:‬‬
‫أعيني كفا عن فؤادي فإنه من البغي سعي اثنين في قتل واحد‬
‫وبيت المتنبئ أرق وأمتع ؛ لن بيت الرجاني فيه محاكمة قضائية وخصومة ‪.‬‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫عوقب وجنى ناظري وربما عوقب من ل جنى‬
‫وهذا بيت رث غث ليس له إشراق وروعة كبيت أبي الطيب‪ .‬وفي الغالب ل‬
‫تقارن أبا الطيب بشاعر آخر إل وجدت له تفوقا ً وارتفاعًا‪ ،‬اسمعه يقول في‬
‫وصف شجاعة ممدوحه‪:‬‬
‫تعود أن ل تقضم الحب خيله إذا الهمام لم ترفع جنوب العلئق‬
‫ول ترد الغدران إل وماؤها من الدم كالريحان فوق الشقائق‬
‫فما أجمل الوصف‪ ،‬وما أجمل المدح‪ ،‬وقارنه بقول ابن عنينك‬
‫وتعاف خيلهم الورد بمنهل ما لم يكن بدم الوقائع أحمرا‬
‫فإنك تجد المتنبئ أرقى صورة‪ ،‬وأشد تاثيرا ً ‪ ،‬واسمع إليه في هذه الثلثة‬
‫الهائمة الساحرة‪:‬‬
‫إن كوتبوا أو لقوا أو حوربوا وجدوا في الخط واللفظ والهيجاء فرسانا‬
‫كأن ألسنهم في النطق قد جعلت على رماحهم في الطعن خرصانا‬
‫كأنهم يردون الموت من ظمأ أو ينشقون من الخطي ريحانا‬
‫واسمه غيره يقول‪:‬‬
‫كأن الهام في الهيجا عيون وقد طبقت سيوفك من رقاد‬
‫وقد صغت السنة من هموم فما يخطرن إل في فؤاد‬
‫وقال حساده إنه سرق المعاني من منصور النميري إذ يقول‪:‬‬
‫وإن موقعه بجمجمة الفتي حذر المنية أو نعاس الهاجع‬
‫وقول المهلهل‪:‬‬
‫ً‬
‫الطاعن الطعنة النجلء تحسبها نوما أناخ بجفن العين يغفيها‬
‫وقول ابن المعتز‪:‬‬
‫ً‬
‫أين الرماح التي غذيتها مهجا مذ مت ما وردت قلبا ول كبدا‬
‫وقول أبي تمام‪:‬‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كأنه كان ترب الحب مذ زمن فليس يعجزه قلب ول كبد‬


‫وليس عليهما جميعا ً ما يقال له طيب‪ ،‬غير أبي الطيب‪ ،‬وأين فضل الطل من‬
‫الوابل الصيب‪ ،‬فشاعرنا متفرد متوحد متميز‪.‬‬
‫مداخلت مع المتنبئ‬
‫في شارع رئيس من شوارع الرياض‪ ،‬مكتوب في لوحة إعلنية بارزة)) وخير‬
‫جليس في سهرة رمضان الم بي سي!!(( ‪ ،‬وقصدهم إلغاء بيت المتنبئ‬
‫الشهير ‪ )) :‬وخير جليس في النام كتاب(( وما اخذوا هذه العبارة إل‬
‫لشهرتها‪ ،‬ومعرفة الناس بها‪ ،‬وجاذبيتها‪ ،‬ويكفي المتنبئ شيوعا ً أن أبياته‬
‫صارت تحرف لمصالح دعائية وتجارية‪ ،‬وهذا هو الشرود الدبي ‪ ،‬والشيوع‬
‫الثقافي الذي فرض حضوره علي الناس‪.‬‬

‫)‪(19 /‬‬

‫بإمكانك أن تجعل من أشعاره جوابا ً لحوارتك مع محدثك؛ إن كنت فظنا ً ذا‬


‫بديهة حية وذاكرة حاضرة‪.‬‬
‫فإن لمك علي حب فقل ‪ )) :‬ل تعذل المشتاق((‪ ،‬وإن سأل عن حالك فقل‪:‬‬
‫))واحر قلباه(( وإن شكى إليك تعب المعالي فقل ‪ )) :‬لول المشقة((‪ ،‬وإذا‬
‫شكى إليك الدنيا فقل ‪ )) :‬لحى الله ذي الدنيا((‪ ،‬وإن مدح لك رجل ً موصوفا ً‬
‫بالفضل فقل‪)) :‬وإن تفق النام((‪ ،‬وإن ذكر لك لؤم أحد النذال فقل‪ )) :‬وإن‬
‫أنت أكرمت اللئيم تمردا((‪ .‬وإن أخبرك بمجاملته لعدائه فأنشده ‪ )) :‬ومن‬
‫نكد الدنيا علي الحر((‪ ،‬وإن قال لك لقد تعبت في سفرك إلينا فقل له ‪:‬‬
‫)) جزى الله المسير إليك خيرًا((‪ ،‬وإن شكى إليك الحساد فقل‪ )) :‬إني وإن‬
‫لمت حاسدي فما أنكر أني عقوبة لهم وأن أخبرك ببعض المشكلت التي‬
‫تواجهه فأنشده ‪ )) :‬إذا اعتاد الفتى خوض المنايا فأهون ما يمر به الوحول((‪،‬‬
‫وإن مدح لك امرأة بالدين والعقل والعلم فقل‪ )) :‬ولو كان النساء كمن فقدنا‬
‫لفضلت النساء علي الرجال((‪.‬‬
‫لغة البكاء عند المتنبئ‬
‫لهذا الشاعر العجوبة رحلة طويلة مع البكاء‪ ،‬فهو مصاب في والديه؛ إذ عاش‬
‫يتيمًا‪ ،‬مصاب في وطنه؛ فهو مشرد منفي‪ ،‬ومصاب في مقاصده؛ فلم يتم له‬
‫ما يطمح إليه من إمارة باذخة ومنصب عال‪ .‬ثم إن فراق الحبة مزق قلبه‬
‫حتى قال‪:‬‬
‫لول مفارقة الحباب ما وجدت لها المنايا إلي أرواحنا سبل‬
‫ويصبح باكيا ً من وحشة فراق أحبابه‪:‬‬
‫سهرت بعد رحيلي وحشة لكم ثم استمر مريري وارعوي الوسن‬
‫والرجل ملذوع بهذا النوى والشتات الذي أبعده عن أحبابه‪ ،‬وأقصاه عن‬
‫أصحابه‪:‬‬
‫فراق ومن فارقت غير مذمم وأم ومن يممت خير ميمم‬
‫لكن المتنبئ علي رغم ظهور نفسه الجسورة‪ ،‬وروحه الطموحة في شعره‪،‬‬
‫يمتلك نفسا ً رقيقة‪ ،‬عنده دموع غزيرة حارة‪ ،‬يدخرها للنكبات ليسفكها علي‬
‫فراق من يحب يقول‪:‬‬
‫قد كنت أشفق من دمعى علي بصري فاليوم كل غزيز بعدكم هانا‬
‫ويقول‪:‬‬
‫عشية يعدونا عن النظر البكا وعن لذة التوديع خوف التفرق‬
‫ويخاطب نفسه فيقول‪:‬‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫باد هواك صبرت أم لم تصبرا وبكاك إن لم يجر دعك أو جرى‬


‫والحقيقة أن شعراء العربية بدعوا في فن البكاء ‪ ،‬وتفننوا في هذا الغرض‪،‬‬
‫فأجود فن لديهم الرثاء؛ لنه الصادق الذي ل رياء فيه‪ ،‬ول مداجاة‪ .‬فهذا الصمة‬
‫القشيري يتفجع بقوله‪:‬‬
‫بكت عيني اليمنى فلما زجرتها عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا ً‬
‫وهو معني لطيف ظريف‪ ،‬وقد وافقه العور السلمي في بيتين مؤثرين إذ‬
‫يقول‪:‬‬
‫بكيت بعين ليس فيها غضاضة وعين بها ريب من الحدثان‬
‫عذيرك يا عيني الصحيحة والبكا فما لك يا عوراء والهملن‬
‫وتلطف الشاعر السعي الشرازي‪ ،‬فأبدع وأحسن ما شاء أن يحسن فقال‪:‬‬
‫بكت عيني غداة البين دمعا ً وأخري بالبكاء بخلت علينا‬
‫فعاقبت التي بالدمع ضنت بأن أغمضتها يوم التقينا‬
‫ولول الستطراد لوردت أمثلة كثيرة علي روعة هذا الفن عند الشعراء‬
‫وإجادتهم له‪.‬‬
‫والشاهد أن المتنبئ يبكي في مواطن‪ ،‬شأنه شأن الشاعر ذي العاطفة‬
‫الجياشة‪ ،‬والقلب الرقيق‪ ،‬والروح المرهفة‪ ،‬كيف ل وهو الذي يقول‪:‬‬
‫خلقت ألوفا لو رجعت إلي الصبا لفارقت شيبي موجع القلب باكيا ً‬
‫فهو يبن لك أن نفسه المتوثبة إلي المجد‪ ،‬الثائرة علي العداء ‪ ،‬لها عالم آخر‬
‫من الحنين والعطف واللوعة ز فالرجل إذا بكى‪ ،‬بكى بنفس مكلومة‪،‬‬
‫مفجوعة منهكة‪ ،‬مصابة بسهام الحوادث كما قال‪:‬‬
‫رماني الدهر بالزراء حتى فؤادي في غشاء من نبال‬
‫فصرت إذا أصابتني سهام تكسرت النصال علي النصال‬
‫ل‪ ،‬بل بكاء رجل ملذوع‪ ،‬ملسوع ملدوغ‪ ،‬فل تتهمه‬ ‫إن بكاء المتنبئ ليس مفتع ً‬
‫في اصطناع البكاء‪ ،‬وتكلف الدموع‪ ،‬بل هي براهين علي ذوبان نفسهن‬
‫واحتراق جوانحه‪.‬‬
‫رحلة مع المتنبئ والشعراء ‪ :‬مقارنة ومفاضلة ومشابهة‬
‫أبو الطيب له أصدقاء وأعداء‪ ،‬شأن العباقرة اللمعين‪ ،‬والجهابذة الساطعين‪،‬‬
‫فهو عند أصدقائه فرد في بابه‪ ،‬نجم في سمائه‪ ،‬أسطورة من أساطير‬
‫الشعر‪ ،‬وهو ملك القافية عندهم‪ ،‬ورسول البداع‪ ،‬ولكنه عن أعدائه سارق‬
‫من كيس غيره‪ ،‬عالة علي سواه‪ ،‬يعدو علي نتاج الشعراء‪ ،‬ويختلس معانيهم‪،‬‬
‫ويزور أبياته‪ ،‬ويزخرف كلماته‪ ،‬وليس له جهد إل نظم ما سبق النبي صلي‬
‫الله عليه وسلم وهكذا وقع الخلف علي هذا الشاعر‪ ،‬وهكذا فلتكن العظمة‪.‬‬
‫وأريد أن أذهب بك أيها القارئ في رحلة طويلة مع المتنبئ والشعراء‪ ،‬نستمع‬
‫إليه وإليهم‪ ،‬ونقارن بين ما قالوه؛ لنرى من هو السابق منهم واللحق‪.‬‬
‫يقول أبو الطيب كما ذكر ذلك الكندي وليس في ديوانه‪:‬‬
‫أبعين مفتقر إليك نظرتني وأهنتني وقذفتني من حالق‬
‫لست الملوم‪ ،‬أنا الملوم لنني أنزلت آمالي بغير الخالق‬
‫وهذا المعني لهج به الشعراء وأكثروا منه‪ ،‬لكن صياغة المتنبئ للمعني فائقة‬
‫وشائقة‪ ،‬وهذا غالب شعره‪ ،‬فإن المعني قد يسبقه إليه شاعر؛ لكنه يكسو‬
‫ل‪ ،‬فكأنك ما سمعته من قبل‪ ،‬وعلي ذلك البيتين السابقين‬ ‫المعنى مطرفا ً جمي ً‬
‫فقد قال الشاعر‪:‬‬
‫ً‬
‫وكنت كالمتمني أن يرى فلقا من الصباح فما أن رآه عمي‬
‫وقال غيره‪:‬‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لما بدا العارض في خده بشرت قلبي بالنعيم المقيم‬


‫وقلت هذا عارض ممطر فجاءني منه العذاب الليم‬

‫)‪(20 /‬‬

‫فانظر غلي عذوبة ألفاظ المتنبئ وتميزها علي ما ذكرته من أبيات ‪ ،‬وهذا‬
‫يدلك علي قوة تخيله‪ ،‬وبراعة ذهنه‪ ،‬وجودة اختيار ‪ ،‬ولله في خلقه شؤون!!‬
‫ولكن هذه العبقرية الشاعرية لها كبوات وعثرات‪ ،‬شأن العمل البشري‪،‬‬
‫فإنهم شبهوا إنتاج العباقرة بالبيت ‪ ،‬فيه مجلس للضيوف‪ ،‬وغرفة للهل‪ ،‬ودار‬
‫للطبخ‪ ،‬وهكذا ‪ ،‬فتجد في عمل هؤلء النابغين البداع الراقي الذي يخلب‬
‫اللباب‪ ،‬ثم تجد السفول والبتذال‪ ،‬والمعني الرخيص‪ ،‬واللفظ المزدري‪.‬‬
‫ومن سقطات العبقرية قول المتنبئ‪:‬‬
‫كفي بجسمي نحول ً أنني رجل لول مخاطبتي إياك لم ترني‬
‫فكيف يخاطب ممدوحه وقد محي خلقه‪ ،‬وذاب شخصه‪ ،‬واندرس هيكله‪،‬‬
‫وهذه مبالغة ممجوجة‪ ،‬استخف بها النقاد وحق لهم ذلك‪.‬‬
‫ويقول أبو الطيب‪:‬‬
‫فقلقلت بالهم الذي قلقل الحشا قلقل عيس كلهن قلقل‬
‫وقال بعض الدباء لما قرأ البيت‪ :‬كأن الرجل فقد عقله لما قال هذا البيت‬
‫وقال آخر ‪ :‬ليته أراحنا من هذا البيت فقد أتعبنا وأضنانا‪.‬‬
‫ومثل هذا اللغو الخطابي‪ ،‬والغرابة الموحشة قول العشي‪:‬‬
‫وقد غدوت إلي الحانوت يتعبني شاو مشل شلول شلشل شول‬
‫وهذا كلم سامج سادج‪ ،‬سخيف ثقيل علي السمع؛ لن الشراق والفصاحة‬
‫مطلب بياني ومقصد شاعري‪.‬‬
‫ويذكرني هذا بيت أبي تمام الذي سهر ليلة كاملة‪ ،‬ثم فتح عليه فقال مع‬
‫الفجر وليته ما قال‪:‬‬
‫سلمى سلمت من العاهات ما سلمت سلم سلمى وما قد أورق السلم‬
‫فانظر كيف سبكه ولبكه وحبكه وهاسه وداسه‪ ،‬وهذا ليس بشعر أو كما قال‬
‫صفي الدين الحلي‪:‬‬
‫يا بلي البال قد بلبلت بالبال بالي لنوى زلزلتني قد زال عقلي زوالي‬
‫وأعاذنا الله من هذه اللوثة والغثيان والسقط في القول‪ .‬والمقصود أن‬
‫المتنبئ كغيره من الشعراء‪ ،‬له عثرات في شعره مضحكة‪ ،‬حتى انه لما قال‬
‫في وصف الجبان‪:‬‬
‫إذا رأي غير شيء ظنه رجل‬
‫قال النقاد غير شيء ليس موجدا ً فكيف يراه؟! وهذا يخالف العقل‪ ،‬وقال في‬
‫بيت آخر‪:‬‬
‫وعففت عما في سراويلتها‬
‫فقلنا ‪ :‬ما هذه العفة الدنيئة والغط والسقط والشطط؟! وليته سكت عن هذا‬
‫الهذيان‪ ،‬وقال في قصيدة لعضد الدولة‪:‬‬
‫فما يسمي كفنا خسر مسم ول يكنى كفنا خسر كاني‬
‫وكأن الرجل يتكلم بالردو أو بالبشتو‪ ،‬ولعل العجيب في هذا البيت سوء‬
‫التعقيد والوحشة‪.‬‬
‫ويقول في موطن آخر في ممدوحه‪:‬‬
‫العارض الهتن ابن العارض الهتن ابـ ـن العارض الهتن ابن العارض الهتن‬
‫فانظر كيف تقيا هذا الكلم ولو بقي فيه لقتله‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال عن سيف الدولة يصف أجداده‪:‬‬


‫فحمدان حمدان وحمدون حارث وحارث لقمان ولقمان راشد‬
‫وهذا هو التكلف والنزق والطيش والسفه‪ ،‬والحمد لله علي السلمة‪.‬‬
‫وهذا ل يعني أن هذا الشاعر عاجز فاتر‪ ،‬بل هو أبو الشعر ‪ ،‬وأستاذه بل‬
‫منازع‪ :‬لكن أردت أن أخبرك بعثرة العظماء‪ ،‬وسقطة العباقرة‪ ،‬ونقص العمل‬
‫البشري‪ .‬وإل لذهبنا نمعن النظر في لوحات أبي الطيب الجميلة‪ ،‬ورسومه‬
‫الشاعرية الساحرة‪ ،‬لخذنا العجب وأسرنا البداع‪ .‬وله باع طويل في الفنون‬
‫الشعرية‪ ،‬فهو إذا ذهب إلي الغزل أشجى‪ ،‬وإذا ذكر الديار أبكى‪ ،‬وإذا مدح‬
‫كفى‪ ،‬وإذا وصف شفي‪ ،‬وإذا هجا كوى‪ ،‬وكل هذا دليل علي تمكنه‪ ،‬وقوة‬
‫ذاكرته‪ ،‬وخصوبة خياله‪ ،‬وجودة خاطره‪ ،‬وسيولة ذهنه‪ ،‬وصفاء قريحته‪.‬‬
‫وتعال إلي شيء من رثائه وعويله وصراخه في الدنيا‪ ،‬وتفجعه من الفراق ‪،‬‬
‫وذكره للموت‪ ،‬واسمع ماذا يقول هذا العجوبة ‪:‬‬
‫يقول في رثائه لشجاع‪:‬‬
‫الحزن يقلق والتجمل يردع والدمع بينهما عصى طيع‬
‫فيا له من مطلع عجيب ‪ ،‬ومن بداية مؤثرة ساطعة‪ ،‬تحرك الشجون‪،‬‬
‫وتستمطر العيون‪.‬‬
‫ويقول باكيا ً شاكيا ً من الدنيا‪:‬‬
‫لحا الله ذي الدنيا مناخا ً لراكب فكل بعيد الهم فيها معذب‬
‫فانظر إلي هذا اليقاع المؤثر ‪ ،‬والنشيد الصادق ‪ ،‬والحكمة الثاقبة ‪ ،‬مع‬
‫سهولة الجمل‪ ،‬وحلوة اللفظ‪.‬‬
‫وله قصيدة زهدية رثائية حزينة من أبياتها‪:‬‬
‫أبني أبينا نحن أهل منازل أبدا ً غراب البين فيها ينعق‬
‫نبكي علي الدنيا وما من معشر جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا‬
‫أين الكاسرة الجبابرة الولى كنزوا الكنوز فما بقين ول بقوا‬
‫من كل من ضاق الفضاء بجيشه حتى ثوى فحواه لحد ضيق‬
‫فهو هنا متمكن مما يقول ‪ ،‬مؤثر بشاعريته‪ ،‬متفاعل بعواطفه‪ ،‬وقد يوجد من‬
‫يتفوق عليه في بعض القصائد‪ ،‬أو في فن فنون الشعر‪ ،‬لكن في جملة‬
‫شعره‪ ،‬وفي مجموع قصائده هو الول‪ ،‬فمثل ً أبو الحسن النباري في‬
‫قصيدته‪:‬‬
‫علو في الحياة وفي الممات بحق أنت إحدى المعجزات‬
‫أقوى وأعلى من المتنبئ في مراثيه‪.‬‬
‫وابن عبدون الندلسي في مرثيته الشهيرة التي فيها‪:‬‬
‫وليتها إذ فدت عمرا ً بخارجة فدت عليا ً بمن شاءت من البشر‬
‫هذه المرثية عندي أجمل من مراثي المتنبئ‪.‬‬
‫وكذلك قصيدة عدي بن زيد‪:‬‬
‫أيها الشامت المعير بالدهر أأنت المبرأ الموفور‬
‫لكن هؤلء الشعراء لهم في البداع القصيدة والقصيدتان‪ ،‬لكن أبا الطيب له‬
‫مائة قصيدة أو اكثر بديعة جميلة رائعة‪.‬‬

‫)‪(21 /‬‬

‫فهو عندي كطالب عبقري يدرس عشرين مادة‪ ،‬يحصل في كل مادة علي‬
‫خمس وتسعين درجة في المائة‪ ،‬وكل زميل من زملئه لم ينجح إل في مادة‬
‫واحدة‪ ،‬حصل علي الدرجة نفسها أو مائة في المائة‪ ،‬ورسب في المواد‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخرى جميعًا‪.‬‬
‫فالمتنبئ مجيد في المدح‪ ،‬آية في الثناء علي ممدوحه‪ ،‬حتى تشعر بأريحية‬
‫‪,‬أنت تطالع مديحهن وتتمنى أنك كنت الممدوح لجودة ما أمطر به هذا‬
‫الشاعر العجوبة‪.‬‬
‫يقول لسيف الدولة‪:‬‬
‫وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائم‬
‫تمر بك البطال كلمى هزيمة ووجهك وضاح وثغرك باسم‬
‫فلله دره أي مديح؟! وأي ثناء هذا؟! وأي شعر هذا؟!‪.‬‬
‫ويقول في كافور‪:‬‬
‫عدوك مذموم بكل لسان ولو كان من أعدائك القمران‬
‫ولله سر في علك وإنما كلم العدى ضرب من الهذيان‬
‫إلي أن يقول ‪:‬‬
‫قضى الله يا كافور أنك أول وليس بقاض أن يرى لك ثان‬
‫فانظر إلي هذا المديح الذي يسلب العقول‪ ،‬ويخلب القلوب ‪ ،‬وليس تفوق‬
‫المتنبئ في المدح حتى يفضل علي غيره‪ ،‬بل في مجموع فنونه وكل قصائده‬
‫مجتمعة كما أسفلت‪ ،‬وإل فقد حفظ التاريخ مدائح قد تفوق في مفردها مديح‬
‫المتنبئ ‪ ،‬فمثل قول زهير في هرم‪:‬‬
‫تراه إذا ما جئته متهلل ً كأنك تعطيه الذي أنت سائله‬
‫غاية في المديح‪.‬‬
‫وقول علي بن جبلة العكوك في أبى دلف‪:‬‬
‫إنما الدنيا أبو دلف بين بادية ومحتضرة‬
‫فإذا ولى أبو دلف ولت الدنيا علي أثره‬
‫قمة في البداع والثناء الجميل‪:‬‬
‫وقول أبي تمام في عبد الله بن طاهر‪:‬‬
‫يقول في قومس صحبي وقد أخذت منا السرى وخطا المهرية القود‬
‫أمطلع الشمس تنوى أن تؤم بنا فقلت كل ولكن مطلع الجود‬
‫وقد أخذ ذلك خلسة من مسلم بن الوليد إذ يقول‪:‬‬
‫يقول صحبي وقد جدوا علي عجل والخيل تستن بالركبان في اللجم‬
‫أمطلع الشمس تبغي أن تؤم بنا فقلت كل ولكن مطلع الكرم‬
‫فمسلم بن الوليد البادي‪ ،‬وأبو تمام هو العادين ولكن هذا من اجمل المدح‬
‫وأرقه وأجزله‪ ،‬والشاهد‪ ،‬أنه قد يتفوق شاعر من الشعراء في جزئية علي‬
‫أبي الطيب ‪ ،‬ولكن كلية الشعر الجميل تبقي لبي الطيب‪ ،‬وله دولة القافية‪،‬‬
‫وهو ملكها المتربع علي عرشها‪.‬‬
‫نفيسة أبي الطيب في شعره‬
‫أصدق ما يعبر عن المرء لسانه‪ ،‬والشاهد علي النسان كلمه‪ ،‬وأعظم بينه‬
‫عليه اعترافه‪ ،‬وأبو الطيب يقدم لنا أسرار نفسه‪ ،‬وخبايا جوانحه في شعره‪،‬‬
‫ويمكنك أخذ صورة كاملة لبي الطيب من شعره‪ ،‬وسوف اضرب أمثلة من‬
‫قريضه لنفهم هذا الشاعر أكثر ‪ .‬يقول‪:‬‬
‫فثب واثقا ً بالله وثبة ماجد يري الموت في الهيجا جنى النحل في الفم‬
‫فالرجل طموح سبوق ‪ ،‬مغرم بالمعالي‪ ،‬عاشق للمجد‪ ،‬مخاطر في سبيل‬
‫مراده‪ ،‬وليس بليدا ً قاعدا ً مهزومًا‪ ،‬كبعض الشعراء الذين ألقوا بأيديهم إلي‬
‫التهلكة‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫لول مفارقة الحباب ما وجدت لها المنايا إلي أرواحنا سبل‬
‫فهو رهيف الحساس ‪ ،‬حي العاطفة جياش الفؤاد‪ ،‬وليس ثخين الطبع‪ ،‬بارد‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المشاعر‪ ،‬ميت الروح‪.‬‬


‫يقول‪:‬‬
‫ً‬
‫عش عزيزا أو مت وأنت كريم بين طعن القنا وخفق البنود‬
‫فرؤوس الرماح أذهب للغيـ ـظ وأشفى لغل صدر الحقود‬
‫ل كما قد حييت غير حميد وإذا مت مت غير فقيد‬
‫فاطلب العز في لظى ودع الذ ل ولو كان في جنان الخلود‬
‫فهذه فلسفته في الحياة‪ ،‬وهي الكفاح من أجل العزة‪ ،‬ورفض الذل‪ ،‬وهجر‬
‫الحنوع والستخذاء‪ ،‬ولو لقي النسان في سبيل ذلك اللقي‪ ،‬ولو نهشته‬
‫الرماح‪ ،‬وعضته شفرات السيوف‪ ،‬فهو يري أن الحياة هي الجهاد والبذل‬
‫والتضحية‪ ،‬والمشقة هي جنة الدنيا‪،‬وبستان العمر الوارف‪ ،‬وأن حياة الذل‬
‫والقهر والكبت جهنم العيش‪ ،‬ولظى الدنيا‪ ،‬فلماذا ل يغامر النسان ويركب‬
‫المصاعب؟! ويستهين بالحوادث؟! حتى يصل إلي مراده ومبتغاه ‪.‬ويقول‪:‬‬
‫من كل أبيض وضاح عمامته كأنما اشتملت نورا ً علي قبس‬
‫دان بعيد محب مبغض بهج أغر حلو ممر لين شرس‬
‫ند أبي غر وأف أخي ثقة جعد سري نه ندب رضا ً ندس‬
‫وقبل أن أوضح الحديث عن نفسيته من خلل هذه المقطوعات‪ ،‬أذكرك بقوة‬
‫لغته‪ ،‬وتمكنه من المفردات‪ ،‬واقتداره علي الصياغة‪ ،‬وسهولة اللفظ في‬
‫لسانهن وإنسياب الجمل معه‪ ،‬وهذا هو الشاعر الذي تطاوعه اللغة ‪ ،‬ويسعفه‬
‫الكلم‪ ،‬وتمطره الحروف بوابل من التراكيب والصور‪ ،‬وتراه في المقطوعة‬
‫السابقة يدعو إلي صفات متضادة‪ ،‬لكنها كمال في موطنها‪ ،‬وجمال في‬
‫مجموعها‪ ،‬فهو يريد إنسانا ً دانيا ً من أحبابه‪ ،‬مبغضا ً لعدائهن حسن الطلعة‬
‫لصدقائه‪ ،‬جميل المحيا لمعرفه‪ ،‬حسن السجايا لمن يحبه‪ ،‬ولكنه مر الطعم‬
‫لمن يعاديه‪ ،‬وشرس الطباع لمن يخالفه‪ ،‬كريم سخى‪ ،‬صاحب وفاء ‪ ،‬شريف‬
‫نفس‪ ،‬عاقل يفهم عنك‪ ،‬ويحيط بمن حوله‪ ،‬ويدرك مراد من يحدثه‪ ،‬وهذه‬
‫صورة الرجل المثالي المقبول عند أبي الطيب فهو مغرم بخصال الحمد‪،‬‬
‫محب لمعاني النبل في الرجال‪ ،‬أما عدوه فهو البخيل الجافين ساقط الهمة‬
‫الجبان البليد‪ ،‬ولكن هذا الشاعر المصقع النبي صلي الله عليه وسلم اختزل‬
‫اللفظ‪ ،‬وأوجز في الكلم‪ ،‬وعصر الفضفضة الوصفية في اختصار لطيف‬
‫شريف‪.‬‬
‫يقول‪:‬‬
‫أرق علي أرق ومثلي يأرق وجوى يزيد وعبرة تترقرق‬

‫)‪(22 /‬‬

‫فانظر إلي هذه القلقة المطرية المعجبة التي يتراقص معها البدوي مع تمكن‬
‫اللفظ من موضعه‪ ،‬فليس قلقا ً في مكانهن ثم انظر لجودة المعني؛ فإنها ذكر‬
‫حال المحب في أرقة الدائم‪ ،‬واحتراق حشاياه بنار الوجد‪ ،‬وغزارة دمعته مع‬
‫جمال المطلع واختيار المفردة‪ ،‬فهي تناسب الحب والوجد والغرام‪ ،‬ويختم‬
‫إحدى قصائده ببيت ذائغ في المدح فيقول‪:‬‬
‫أل كل سمح غيرك اليوم باطل وكل مديح في سواك مضيع‬
‫فانظر إلي حسن الختام‪ ،‬وإغلق دائرة القصيدة‪ ،‬مع روح الحكمة وجزالة‬
‫اللفظ فكأن المعاني معروضة أمامه يختار منها ما يشاء‪ ،‬ويترك ما يشاء‪ ،‬ثم‬
‫انظر إلي حسن التقسيم في البيت‪ ،‬فكل نصف تام كامل ‪ ،‬ل يحتاج إلي‬
‫النصف الخر‪ ،‬ثم إن كلمة سمح‪ ،‬وباطل‪ ،‬ومديح‪ ،‬ومضيع ‪ ،‬منتقاة فصيحة‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وليست ركيكة متبذلة‪.‬‬


‫ويقول‪:‬‬
‫ومن يبغ ما أبغي من المجد والعلى تساوي المحايي عنده والمقاتل‬
‫فهذه حكمة شاردة‪ ،‬وبيت فريد‪ ،‬فنصفه الول توطئه‪ ،‬والنصف الثاني نص‬
‫مقصود‪ ،‬أو مقدمة ونتيجة‪ ،‬ثم إن البيت فيه علو الهمة‪ ،‬وجللة المقصود‪،‬‬
‫وارتفاع القدر ما يدل علي الطوح‪ ،‬وشرف النفس‪ ،‬وهذا ظاهر في شعره‪،‬‬
‫وفي البيت استقرار الكلمة وكأنها حلقت لهذا الموضع فلو قلت للناس‪:‬‬
‫) تساوي المحايي عنده( ثم سكت لكملوا وقالوا‪ ) :‬المقاتل(‪.‬‬
‫ويقول‪:‬‬
‫ليس التعلل بالمال من أربي ول القناعة بالقلل من شيمي‬
‫فإنه قابل وزاج وضاد‪ ،‬فقابل بين التهلل والقناعة‪ ،‬ويجمع بينهما معني‬
‫الكتفاء‪ ،‬وقابل بين المال والقلل‪ ،‬وبين قوله‪ ):‬أربي وشيمي( فأتي البيت‬
‫تماما ً علي الذي أحسن‪ ،‬وأبو الطيب يفعل هذا وأكثر‪ ،‬وهو صاحب البيت‬
‫البهيج الذائغ الشايع‪،‬إذ يقول‪:‬‬
‫أزورهم وسواد الليل يشفع لي وأنثني وبياض الصبح يغري بي‬
‫فقابل بين أربعة بأربعة‪ :‬أزورهم مع وأنثني‪ ،‬وسواد الليل مع بياض الضبح‪،‬‬
‫ويشفع مع يغري‪ ،‬ولي مع بي‪ ،‬وهذه هي الموهبة الجياشة للقلب الحي‬
‫والعقل الذكي‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫ردي حياض الردي يا نفس واتركي حياض خوف الردى للشاء والنعم‬
‫فهي همته المتوثبة‪ ،‬ونفسه التواقة‪ ،‬يشرحها لنا في قوالب من السحر‪،‬‬
‫ويقدمها لنا في باقات من الشعر‪.‬‬
‫ومن خصائص هذا الشاعر أنه فريد في تركيب معانيه‪ ،‬وقد يسبقه الشعراء‬
‫إلي المعنى‪ ،‬لكنه يفوقهم في حسن العرض‪ ،‬وجمال التركيب وبراعة‬
‫الخراج‪ ،‬حتى تجزم انه لم يسبقه أحد لهذا المعني‪،‬وهذا الذي حير النقاد في‬
‫شعره‪ ،‬وأوقفهم مذهولين أما قصائده‪.‬‬
‫يقول في ممدوحه وقد دخل مدينة حمص‪:‬‬
‫دخلتها وشعاع الشمس متقد ونزر وجهك بين الخلق باهره‬
‫في فليق من حديد لو قذفت به صرف الزمان لما دارت دوائره‬
‫فهو مهما صعبت القافية مرن في جذبها‪ ،‬متمرس في التعامل معها‪ ،‬حاذق‬
‫في مطارحتها‪ ،‬بعيد عن معاضلة الكلم‪ ،‬وزيادة الضمائر وحروف الجر‬
‫المقحمة إقحاما ً كما يفعله ضعاف الشعراء‪ ،‬فل حشو في شعره‪ ،‬وأعد النظر‬
‫في البيتين السابقين‪ ،‬فقوله‪ ) : ،‬دخلتها وشعاع الشمس متقد( تجد أن كلمة‬
‫اختلت مكانها الطبيعي دون إعادة ضمير‪ ،‬أو زيادة حرف‪ ،‬أو افتعال حشو ل‬
‫داعي له‪ ،‬وانظر كيف أنهي نصف البيت‪ ،‬ليصبح كامل ً تامًا‪ ،‬غير محتاج إلي‬
‫كلم آخر‪ ،‬وهذه هي البلغة بعينها‪.‬‬
‫ويقول في قصيدة أخري‪:‬‬
‫جرى حبها مجري دمي في مفاصلي فأصبح لي عن كل شغل بها شغل‬
‫كأن رقيبا ً منك سد مسامعي عن العذل حتى ليس يدخلها العذل‬
‫فأنت تشاهد قصيدة للمعاني في أي مذهب سلك‪ ،‬فإن قصد الغزل أتحف‬
‫وشنف ‪ ،‬وشدك بصور من عالم الحب‪ ،‬ودنيا الهجر والوصال‪ ،‬وديوان الغرام‬
‫والعشق‪ ،‬وإن مدح خلع علي ممدوحه مطارف من أبهي الشعر قبله ولكنه‬
‫مبتكر‪ ،‬سيال القريحة‪ ،‬متجدد العطاء‪ ،‬ولو أمعنت النظر في البيتين السابقين‬
‫لوجدت المعني جديدًا‪ ،‬ولو إن بعض أجزائه سبق إليه‪ ،‬لكن التركيبة الكاملة‪،‬‬
‫والكلية الواحدة للمعني مبتكرة من هذا الشاعر المتمكن‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شهداء علي تفرد هذا الشاعر‬


‫أدلي أرباب البيان وأساطين اللغة وجهابذة الشعر بشهادتهم عن هذا الشاعر‬
‫الفذ‪ ،‬معترفين بسموه وعبقريته وتفرده‪ ،‬يقول الواحدي إمام اللغة والتفسير‪،‬‬
‫وأحسن من شرح ديوان المتنبئ‪ ) :‬عن الناس منذ عصر قديم ولوا جميع‬
‫الشعار صفحة العراض‪ ،‬مقتصرين منها علي شعر أبي الطيب‪ ،‬ناسين عما‬
‫يروى لسواه(‪.‬‬
‫وحسبك بهذه الشهادة من أستاذ باقعة في معرفة الشعر‪ ،‬آية في تذوق‬
‫البيان‪ ،‬ولو ذهبت تفكر في مدلول شهادته لوجدتها صادقة‪ ،‬فإن شعر هذا‬
‫الرجل صار سمر الدباء‪ ،‬ونشيد المسافرين‪ ،‬وسلوة الناس في مجالسهم‬
‫ومذاكرتهم‪ ،‬وما رأيت عالما ً جهبذًا‪ ،‬ول أديبا ً بعد المتنبئ‪ ،‬إل وقد استشهد‬
‫بشعره وردد أبياته‪.‬‬
‫وقال العكبري‪ ):‬ولم يسمع بديوان في الجاهلية ول في السلم شرح مثل‬
‫هذه الشروح الكثيرة‪ ،‬ول تدوول في ألسنة الدب من نظم ونثر أكثر من‬
‫شعر المتنبئ(‪ .‬وهذا كلم يشهد له الواقع‪ ،‬فقد غرقت أقلم الباحثين في‬
‫دراسة شعره‪ ،‬واستخراج درر بيانه‪ ،‬والغوص في أعماق نتاجه‪ ،‬وهذا هو‬
‫الشيوع والذيوع‪.‬‬
‫ويقول أبو بكر الخوارزمي‪ ) :‬إن المتنبئ أمير شعر العصر‪ ،‬ولو لم يكن له إل‬
‫قوله‪:‬‬
‫أري كلنا يبغي الحياة لنفسه حريصا ً عليها مستهاما ً بها صبا‬

‫)‪(23 /‬‬

‫فحب الجبان النفس أورده التقي وحب الشجاع النفس أورده الحربا‬
‫لكفاه(‪.‬‬
‫وقد وصفه المستشرق )) غوث(( بشاعر العرب الكبير النبي صلي الله عليه‬
‫وسلم ويقول كاتب العربية مصطفي صادق الرافعي في مجلة المقتطف‪:‬‬
‫) إن هذا المتنبئ ل يفرغ ول ينتهي‪ ،‬لن العجاب بشعره ل ينتهي ول يفرغ‪،‬‬
‫وقد كان نفسا ً عظيمة خلقها الله كما أراد‪ ،‬وخلق لها مادتها العظيمة‪ ،‬علي‬
‫غير ما أرادت‪ ،‬فكأنما جعلها بذلك زمنا ً يمتد في الزمن‪ ،‬وكان الرجل مطويا ً‬
‫علي سر القى الغموض فيه من أو تاريخه‪ ،‬وهو سر نفسه‪ ،‬وسر شعره‪ ،‬وسر‬
‫قوته(‪.‬‬
‫وقال الربعي‪ ) :‬كان يقرأ ديوان المتنبئ علي النحاة والدباء حرفا ً حرفا‬
‫ً‪،‬ويروونه عن بعضهم‪ ،‬وقد ضبط الديوان علي المتنبئ ‪ ،‬وصحح عليه ‪ ،‬وما‬
‫ذاك إل لعظم هذا الشعر وتفرده(‪.‬‬
‫وقال ابن العديم في بغية الطلب‪ ) :‬وكان أبو الطيب شاعرا ً مشهورا ً مذكورا ً‬
‫محظوظا ً من الملوك والكبراء الذين عاصرهم‪ ،‬والجيد من شعره ل يجارى‬
‫فيه ول يلحق(‪.‬‬
‫وترجم له ابن عساكر المؤرخ المشهور‪ ،‬ومجد شعره‪ ،‬واثني علي حكمه‪،‬‬
‫وشرح ديوانه ابن جني بكتاب سماه )) الفسر(( وكتاب )) اللمع العزيزي((‪،‬‬
‫و )) معجز أجمد(( لبي العلء المعري‪ ،‬غاص فيه علي درر المتنبئ‪ ،‬وشرح‬
‫ديوانه الواحدي بشرح مجيد فريد في بابه‪ ،‬هو أمتع وأنفع الشروح‪.‬‬
‫وشرح ديوانه التبريزي في كتاب )) الموضح(( ودرس شعره أستاذ البلغة‬
‫عبد القاهر الجرجانين وتكلم عن شعره أبو منصور السمعاني‪ ،‬والعالم‬
‫الفليلي‪ ،‬والديب أبو الحجاج العلم‪ ،‬وعلق علي شعره عبد الرحمن النباري‪،‬‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكتب الحسن بن محمد بن وكيع كتاب)) المنصف(( تناول ما للمتنبئ وما‬


‫عليه‪ ،‬ومثله وأحسن منه كتاب )) الوساطة(( للقاضي علي الجرجاني‪ ،‬وشرح‬
‫ديوانه أبو البقاء العكبري وكتب عنه أبواليمن زيد بن الحسن الكندي النحوي‬
‫المشهورن وكذلك عبد الواحد بن محمد بن علي بن زكريا‪ ،‬ومحمد بن علي‬
‫الهراسي الكافي‪،‬وأبو الحسن محم بن عبد الله الدلفي‪ ،‬وكمال الدين‬
‫الواسطي‪ ،‬وغيرهم كثير‪ ،‬وعقب علي شعره أساطين البيان ورواد اللغة‪،‬‬
‫كأبي بكر الخوارزمي‪ ،‬وعبد الرحمن بن دوست النيسابوري‪ ،‬وأبي الفضل‬
‫العروضى‪ ،‬وابن فورجة في كتاب)) لبتجني علي ابن جنى((‪ ،‬وكتاب )) الفتح‬
‫علي أبى الفتح(( ومعاني أبياته لبن جنى‪ ،‬والتنبيه للربعي‪ ،‬وكتاب ))قصائد‬
‫المتنبئ(( للعلم الشنتمري‪ ،‬وكتاب )) نزهة الديب في سرقات المتنبي من‬
‫حبيب(( لحسنون المصرى‪ ،‬وكتاب )) النتصار المبني عن شعر المتنبئ ((‬
‫لبي الحسن المغربي‪ ،‬و )) التنبه المنبي علي رذائل المتنبئ(( لحمد‬
‫المغربي‪ ،‬وبقية )) النتصار المكثر من الختصار(( للمغربي أيضا ً ‪،‬‬
‫و)) الرسالة الحاتمية(( لبي الحسن الحاتمي‪ ،‬وكتاب )) جبهة الدب((‬
‫للحاتمي أيضا ً ‪ ،‬وكتاب )) المآخذ الكندية من المعاني الطائية((‪،‬‬
‫و)) الستدراك علي ابن الدهان(( لبن الثير الجزري‪ ،‬وكتاب ))البانة((‬
‫للصاحب العميدي‪.‬‬
‫وقال ياقوت الحموي ‪ ) :‬ولم نسمع بديوان شعري في الجاهلية ول في‬
‫السلم شرح هكذا بهذه الشروح الكثيرة سوى هذا الديوان‪ ،‬ول بتدوال شعر‬
‫في أمثال أو طرف أو غرائب علي ألسنة الدباء في نظم أو نثر اكثر من‬
‫شعر المتنبئ(‪.‬‬
‫وترجم له المقريزي في كتابه )) المقفي(( ترجمة طويلة‪ ،‬وأورد من روائعه‬
‫شيئا ً كثيرًا‪ ،‬وترجم له الذهبي مؤرخ السلم‪ ،‬وأشاد بشعره‪ ،‬وذكر سيرته ابن‬
‫كثير ونوه بنبوغهن وأما المفسرون بعد المتنبئ فنشروا شعره في تفاسيرهم‬
‫‪ ،‬وبدعوا في الستشهاد بأدبه‪ ،‬واكثر أهل اللغة والدب من دراسة شعره ما‬
‫بين مادح وقادح‪ ،‬وكتب عنه في كل مجلة أدبية ‪ ،‬وتحدث عنه في كل‬
‫مهرجان شعري‪ ،‬بل خصص له مهرجان كامل باسمه‪ ،‬وعقدت له ندوات‬
‫خاصة‪ ،‬وأقيمت أمسيات لبي الطيب وحده‪ ،‬واعدت دراسات عنه وعن‬
‫شعرهن وقدمت رسائل في الماجستير والدكتوراه عن هذا الشاعر العظيم‪،‬‬
‫وضمن الشعراء بعده شعره في قصائدهم‪ ،‬واكتسبوا منه‪ ،‬ومدحوه بقصائد‬
‫كاملة‪ ،‬واستشهد الخطباء بأبياته علي المنابر‪ ،‬وفي المحافل‪ ،‬وقرئ ديوانه‬
‫في مجالس العلماء‪ ،‬ومنتديات الدباء ‪ ،‬وذيل الحكماء رسائلهم بشعره‪،‬‬
‫وصدر الوزراء والمراء والكتاب خطاباتهن بأبياته‪ ،‬وترجم شعره إلي اللغات‬
‫الحية‪ ،‬وأقيمت مسرحيات باسم المتنبئ‪ ،‬واختصر ديوانه ‪ ،‬ومنهم من جمع‬
‫حكمه ‪ ،‬ومنهم من شرح شواهده‪ ،‬ومنهم من أفرد روائعه‪ ،‬ومنهم من درس‬
‫جانبا ً من جوانب شاعريته‪ ،‬ومنهم من رد عليه وعارضه‪ ،‬ومنهم من طارحه‬
‫وجاراه‪ ،‬ومنهم من ألف في معاناته‪ ،‬ومنهم من فضله علي كل شاعر ‪،‬‬
‫ومنهم من فضل كل شاعر علي‍ه!!‬

‫)‪(24 /‬‬

‫وشرح وشكل شعره ابن سيده علي بن إسماعيل وجمع معظم شروح شعره‬
‫عبد الرحمن البرقوقي‪ ،‬وما له وما عليه‪ ،‬وشرج ديوانه بالفارسية المحببي‬
‫محمد أمين بن فضل الله بعنوان)) محبي شرح ديوان متنبي(( وطبع بالهند‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وشرحه مولنا عبد الله العبيدي بعنوان ))تصويب البيان في شرح الديوان((‬
‫وهو شرح بالوردية‪ ،‬وهجم علي شعره الصاحب بن عباد بعداوة مكشوفة في‬
‫كتابه)) الكشف عن مساوئ المتنبئ(( وأغار علي شعره ابن وكيع بمؤلف‬
‫سماه)) المنصف في نقد الشعر وبيان سرقات المتنبئ ومشكل شعره(( وهو‬
‫أبعد ما يكون عن النصاف‪ ،‬وكتب الصاحب بن عباد رسالة ثانية‬
‫بعنوان)) المثال السائرة من شعر أبي الطيب المتنبئ(( فيها اعتدال‬
‫وإنصاف ‪ .‬وترجم للمتنبئ الديب البارع أبو منصور الثعالبي في يتمية الدهر‬
‫ترجمة وافية كافية شافية ضافية‪ ،‬وألف أبو القاسم الصهباني‬
‫كتاب)) الواضح في مشكلت شعر المتنبئ (( ونقل عنه عبد القادر البغدادي‬
‫في )) خزانة الدب(( وفيه عداوة وتحايل علي المتنبئ‪.‬‬
‫وقد جمع ما تفرق من أخبار المتنبئ عبد الله الجبوري في كتاب )) أبو‬
‫الطيب المتنبئ في آثار الدارسين (( وألف عنه محمود محمد شاكر كتابا ً‬
‫ذائغا ً شائقا ً عجبا ً بعنوان )) المتنبئ رسالة في الطريق إلي ثقافتنا(( وهو من‬
‫أجمل وأكمل وأجل الكتب في بابه‪ .‬وكتب عنه عبد الوهاب عزام كتاب‬
‫))ذكري أبي الطيب بعد ألف عام(( وشرح ديوانه في ألمانيا المحدث الكبير‬
‫تقي الدين الهللي‪.‬‬
‫وكتب عنه طه حسين كتاب)) مع المتنبي(( وبحث في شعره جمع من الدباء‬
‫والمؤلفين‪ ،‬كجاسم محسن عبود ومارون عبود وشوقي ضيف ومحمد عبد‬
‫الرحمن شعيب ومصطفي الشكعة وعصام السيوفي واليازجي وغيرهم ‪.‬‬
‫وغالب الشعراء المعاصرين مدحوه بقصائد أو أبيات ودبجوا قصائدهم ببعض‬
‫جمله وأبياته وحكمه‪.‬‬
‫وكتب عنه فريق من المستشرقين وأدباء الغرب‪.‬‬
‫وقال كوركيس عواد‪ ) :‬كتب عن المتنبئ دراسات فرنسية وإنجليزية وإسبانية‬
‫وألمانية وإيطالية ولتينية وروسية وبولندية(‪.‬‬
‫وقد درس ديوان المتنبئ المستشرق بلشير في أطروحته )) أبو الطيب‬
‫المتنبئ دراسة في التأريخ الدبي (( ترجم إبراهيم الكيلني جزءا ً منها وترجم‬
‫الجزء الخر أحمد أجمد بدوي‪.‬‬
‫ودرس المتنبئ عمدة المستشرقين سلفستر دو ساسي وأولي شعره عناية‬
‫فائقة وأهم مؤلفاته عن هذا الموضوع )) المنتقيات العربية(( وجمع دراساته‬
‫في كتاب سماه )) النيس المفيد للطالب المستفيد وجامع الشذور من‬
‫منظوم ومنثور((‪.‬‬
‫وكتب عنه المستشرق دول كرانج كتابا ً بعنوان )) نخب الزهار في منتخبات‬
‫الشعار((‬
‫وتحدث عن أبي الطيب المستشرق شلومبرجر وأبرز القيمة التاريخية لشعر‬
‫المتنبئ ‪ .‬أما ماسيتيون فقد عرض في كتابه)) عناصر إسماعيلية في شعر‬
‫المتنبئ(( وقال بأن المتنبئ باطني إسماعيلي (( وقد جانب في ذلك الصواب‬
‫‪ ،‬وركب الصعاب‪ ،‬وأخطأ في الجواب‪ ،‬ومن أكثر المستشرقين عناية بالمتنبئ‬
‫بلشير لنه درس حياته وشعره ونذر شطرا ً من عمره لبحث أدب هذا‬
‫الشاعر‪.‬‬
‫وكان أندريه ميكال في كتابه )) المتنبئ شاعر عربي‪ :‬بعض التأملت من‬
‫أكثرهم دقة وتحريرا ً وضبطًا‪ ،‬ولم يقلد غيره في التعصب والتحامل وكتب عن‬
‫أبي الطيب الكاتب اللماني رايسكه بحثا ً بعنوان)) مختارات من الشعر‬
‫العربي غزليات ومراث من ديوان المتنبئ((‪.‬‬
‫وكتب هامر النمساوي كتاب )) المتنبئ شاعر العربية الكبر(( وقد ترجم‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ديوانه كامل ً إلي اللمانية‪.‬‬


‫ومن أجمل من درس أراء المستشرقين ودراساتهم عن المتنبئ الدكتور‬
‫حسن المراني في كتابه)) المتنبئ في دراسات المستشرقين الفرنسيين((‪.‬‬
‫وما زالت الدراسات والبحوث‪ ،‬والندوات‪ ،‬والمحاضرات‪ ،‬تكتب وتقام وتعقد‬
‫في شعر هذا الرجل وأدبه‪ ،‬ولم أجد شاعرا ً عند العرب قديما ً وحديثا ً وجد‬
‫حظوه عند الناس كما وجد هذا الشاعر‪ ،‬وهو عند العرب في الشعر‬
‫كشكسبير عند النجليز ‪ ،‬ويمكن جمع مكتبة كاملة فيما قيل فيه من شعر‬
‫ونثر وشرح ومقالت وبحوث وكأنه يقصد نفسه بقوله‪:‬‬
‫إذا تغلغل فكر المرء في طرف من مجده غرقت فيه خواطره‬
‫أو كأنه المقصود بقوله‪:‬‬
‫هو الجد حتى تفضل العين أختها وحتى يصير اليوم لليوم سيدا‬
‫غرره ودرره‬
‫ذا من يغبط الذليل بعيش رب عيش اخف منه الحمام‬
‫المعني‪ :‬من راقته حياة الذليل‪ ،‬وأعجبه ما هو عليه من سوء الحال فتمنى أن‬
‫يكون نظيره فليس بعاقل؛ لنه رضي لنفسه منزلة الهوان‪ .‬فالذليل ل يغبط‬
‫علي عيشه وإنما يغبط العزيز‪ ،‬والموت أيسر علي النفس الكريمة من الحياة‬
‫في الذل‪.‬‬
‫كل حلم أتي بغير أقتدار حجة لجئ إليها اللئام‬
‫المعني‪ :‬الحلم يكون عن قدرة‪ ،‬فإذا رايت العاجز قد اعتصم بالحلم‪ ،‬فذلك‬
‫برهان لؤمه‪ ،‬فهو إنما ينفي عحزه عن النتقام بحجة أنه حليم وليس بالحلم‪،‬‬
‫حتى إذا سنحت فرصة نقض الحلم ووثب علي الخصم وانتقم لنفسه‪.‬‬
‫من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلم‬

‫)‪(25 /‬‬

‫المعني‪ :‬النسان إذا كان هينا ً في نفسه بأن لم يعرف لها حقها من العزة‪،‬‬
‫سهل عليه احتمال الهوان فل يتألم منه‪ ،‬كالميت ل يتوجع من الجرح الذي‬
‫كان يتوجع منه وهو حي لفقدان الحساس‪.‬‬
‫وفي اختيار المتنبئ التشبيه بالميت إشارة إلي أن المهين حياته موت‪،‬‬
‫ووجوده عدم‪ ،‬فما أطيب الحياة مع الكرامة‪ ،‬وما أخبثها مع الهوان‪.‬‬
‫أفاضل الناس أعراض لذا الزمن يخلو من الهم أخلهم من الفطن‬
‫المعني‪ :‬الفضلء من الناس هدف للزمان‪ ،‬يرميهم بنازلته وصروفهن‬
‫ويقصدهم بحدثانه ومحنه‪ ،‬فل يزالون في أحزان تترى‪ ،‬وأوصاب تتكرر من‬
‫جراء تفكيرهم في عواقب المور‪ ،‬واستفاد وسعهم في مهام العمال‪ ،‬وإنما‬
‫يخلو من الهم من كان خلوا ً من العقل‪ ،‬غفل ً من الذكاء‪.‬‬
‫ومن ينفق الساعات في جمع ماله مخافة فقر فالذي فعل الفقر‬
‫المعني‪ :‬من أنفد ساعات العمر في جمع المال خشية إملق‪ ،‬كان ذلك الفعل‬
‫هو الملق بعينه‪ ،‬فإنك إذا لقيت دهرك في جمع المال ولم تنفقه وتتمتع به‪،‬‬
‫فقد مضي عمرك في الفقر‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن نكد الدنيا علي الحر أن يري عدوا له ما من صداقته بد‬
‫المعني‪ :‬من عسر الحياة علي كريم النفس‪ ،‬أن يحتاج فيها إلي مصانعة عدوه‬
‫ومداراته؛ ليأمن شره‪ ،‬حيث ل يجد من إظهار المصادقة والمداراة دفعا ً‬
‫لغائلته‪.‬‬
‫واكبر نفسي عن جزاء بغيبة وكل اغتياب جهد من ما له جهد‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المعني‪ :‬أري نفسي أكبر وأرفع من أن أكافي العدو علي إساءته بالغتياب‪.‬‬
‫فإن الغتياب طاقة من ل طاقة له بمحاربة عدوه‪ ،‬فإنما يغتاب الناس العاجز‬
‫الذي ل يستطيع أن يثار بنفسه‪ ،‬ول يقدر أن يداوي بالشر من الشر‪.‬‬
‫من الحلم أن تستعمل الجهل دونه إذا أتسعت في الحلم طرق المظالم‬
‫المعني‪ :‬إذا أفضي حلمك إلى طمع الناس فيك وظلمهم إياك ورأيت أنه قد‬
‫اتسعت عليك أبواب المطامع‪ ،‬وتشعبت طرق المظالم‪ ،‬فمن الحلم أن تلجا‬
‫إلى الشدة حتى تكبح جماح الطامعين‪ ،‬وتفل )تكسر( شباة )حدة( الظالمين‪.‬‬
‫إذا لم تكن نفس النسيب كأصله فماذا الذي تْغني كرام المناصب‬
‫المعني‪ :‬إذا كان المرء شريف الصل دنئ النفس‪ ،‬فل يفيده شرف أصله مع‬
‫دناءه نفسه‪ ،‬فالمرء بفضيلته ل بفصيلته‪ ،‬ومن هذا يؤخذ أنه ل ينبغي أن يعتمد‬
‫النسان في فخره وشرفه علي سوى نفسه‪.‬‬
‫والهمم يخترم الجسيم نحافة ويشيب ناصية الصبي ويهرم‬
‫المعني‪ :‬الحزن يفتك بالنفوس فتكا ً ذريعا ً ‪ ،‬ويحطم البدان تحطيما‪ ،‬ويذهب‬
‫ً‬
‫بجسامة العظيم الجسم ويوقعه في الهزال‪ ،‬وإذا تمكن من الصبي اشابه ‪،‬‬
‫قبل إبان المشيب‪ ،‬وبدل صباه هرمًا‪ ،‬وقوته ضعفًا‪ ،‬وصحته سقمًا‪ ،‬وكل ذلك‬
‫ناشي عن شدة الضطراب من الحادثات‪ ،‬والتأثر بالمرجفات‪.‬‬
‫ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم‬
‫المعني‪ :‬العالم البصير بعواقب المور شقي في الحياة وإن طاب عيشه‪،‬‬
‫وتدفقت نعمته؛ لنه دائم التفكير كثير الشتغال بمهام العمال‪.‬‬
‫أما الجاهل ‪ ،‬فهو ناعم البال‪ ،‬مطمئن القلب لغفلته وجهله بتحول الحوال‬
‫وتقلب الحوادث‪ ،‬وإن كان سيئ الحال رديء العيش‪.‬‬
‫ل يسلم الشرف الرفيع من الذى حتى يراق علي جوانبه الدم‬
‫المعني‪ :‬العلي المنزلة في قومه محسود ل يزال يرمى بالمكارة‪ ،‬فل يبرأ‬
‫شرفه من الذى حتى يسيل الدم علي جوانبه‪،‬إذ قد يبعث الحتفاظ بالشرف‬
‫علي سفك الدماء‪ ،‬وإزهاق الرواح‪.‬‬
‫والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة ل يظلم‬
‫المعني ‪ :‬الظلم من طبائع النفوس؛ لنها مكتنفة بالمطامع‪ ،‬محفوفة‬
‫بالشهواتن فكانت مجبولة علي الظلم لسد مطامعها‪ ،‬وقضاء شهواتها‪،‬‬
‫فالنسان ظالم بالطبع‪ ،‬فإذا وجدت إنسانا ً ل يظلم فذلك لعله دينية أو‬
‫سياسية‪ ،‬كخوف من ربه أو من حكومته‪.‬‬
‫ومن البلية عذل من ل يرعوي عن جهله وخطاب من ل يفهم‬
‫المعني‪ :‬من البلية علي الحر أن يلوم من أسرف في شهواته‪ ،‬وأفرط في‬
‫لذاته‪ ،‬واستولي علي حواسه شيطان الغفلة‪ ،‬فل يجد إلي النتصاح سبي ً‬
‫ل‪،‬‬
‫ومن البلية كذلك علي الحر أن يخاطب من ل عقل له فل يفهم ما يقول‪ ،‬فهو‬
‫والجماد سيان‪.‬‬
‫والذل يظهر في الذليل مودة وأود منه لمن يود الرقم‬
‫المعني‪ :‬الحاجة ذل تكلف النسان ما ليس من طبعه‪ ،‬فقد يظهر النسان‬
‫لمن يبغضه المودة لذلله منه وخوفه‪ ،‬فل تغرنك ذلة الذليل‪ ،‬يظهر لك المودة‪،‬‬
‫ويبطن لك البغض ‪،‬فهو شر من الحية الخبيثة‪ ،‬التي تظهر لمن لمسها عدم‬
‫الذى بلين الملمس و) عند التقلب في أنيابها العطب(‪.‬‬
‫ومن العداوة ما ينالك نفعه ومن الصداقة ما يضر ويؤلم‬
‫المعني‪ :‬يقول‪ :‬رب عداوة جلبت إليك نفعا ً ‪ ،‬اقله التحفظ من وقوع المهالك‪،‬‬
‫ورب صداقة اعقبت لك ضرا ً وألمًان أورثهما عدم التوقي ممن تصادقه‪،‬‬
‫ويدخل في هذا المعني المثل السائر ) عدو عاقل خير من صديق جاهل(‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يرى الجبناء أن العجز عقل وتلك خديعة الطبع اللئيم‬


‫المعني‪ :‬أن الرجل الجبان الذي يهاب ركوب الغمار في سبل درك المعالي‬
‫وبلوغ الماني؛ يري أن عجزه عن ذلك من العقل والحكمة‪ ،‬وليست الحقيقة‬
‫كما ظن‪ ،‬وإنما هي خدعة يخدع بها نفسه كل رجل خامل الذكر‪ ،‬ساقط‬
‫القدر‪ ،‬ليطري عجزه ‪ ،‬ويزين خموله‪.‬‬

‫)‪(26 /‬‬

‫وكل شجاعة في المرء تغني ول مثل الشجاعة في الحكيم‬


‫المعني‪ :‬القدام يغني‪ ،‬والجراءة تجدي في كل حال‪ ،‬فكل شجاعة نافعة‬
‫للمرء‪ ،‬إل أن نفعها في الحكيم أتم وأكمل‪ ،‬وذلك أن الشجاعة ربما كانت‬
‫طريقا ً لحتفه وأودت بروحه فيذهب شهيد التهور ‪ ،‬وقتيل ثأر شجاعته‬
‫الخرقاء‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وكم من عائب قول صحيحا وآفته من الفهم السقيم‬
‫المعني‪ :‬إذا مرض فهم المرء ضل في الرأي ‪ ،‬وأخطأ في الحكم ‪ ،‬فيري‬
‫بفهمه السقيم الكذب صدقًا‪ ،‬والخطأ صوابا ً ‪ ،‬ويعيب ما ل يعاب‪.‬‬
‫والسى قبل فرقة الروح عجز والسى ل يكون بعد الفراق‬
‫المعني‪ :‬ل يحسن بك أن تحزن للموت قبل وقوعه‪ ،‬لن ذلك ينغص عليك‬
‫العيش؛ ولنك عاجز فل تستطيع أن تدرأ عن نفسك الموت بحزنك‪ ،‬وإذا وقع‬
‫الموت فل عليك‪ ،‬إذ ل علم لك بوقوعه حتى تحزن‪ ،‬وفي هذا البيت حث علي‬
‫الشجاعة ‪ ،‬وتحذير من الجبن ‪ ،‬وتهوين للموت؛ لئل يخافه النسان فيتحاشى‬
‫القدام‪ ،‬وينثني عن اقتحام صعاب المور‪ ،‬وفي هذا المعني يقول المتنبئ‪:‬‬
‫وإذا لم يكن من الموت بد فمن العجز أن تكون جبانا‬
‫*****‬
‫والغني في يد اللئيم قبيح قدر العجز أن تكون جبانا‬
‫المعني‪ :‬قبيح باليام أن نري فيها اللئيم غنيا ً والكريم فقيرا‪ ،‬وذلك لن الغني‬
‫ً‬
‫في يد اللئيم سلح يحارب به الكرام‪ ،‬ويساعده علي تنفيذ لؤمه‪ ،‬والكريم إذا‬
‫أملق كان مثله كمثل المنهل العذب إذا نضب ماؤه‪ ،‬أو البدر في الليلة‬
‫الظلماء إذا احتجب ضياؤه‪.‬‬
‫وإذا كانت النفوس كبارا ً تعبت في مرادها الجسام‬
‫المعني‪ :‬إذا قويت الهمة‪ ،‬وكبرت النفس تعب الجسم‪ ،‬في غاياتها الكثيرة‪،‬‬
‫ومطامعها المختلفة‪ ،‬والبيت من قصيدة يمدح بها سيف الدولة‪ ،‬وقد عزم‬
‫علي الرحيل عن أنطاكية‪.‬‬
‫ولو كان النساء كمن فقدنا لفضلت النساء علي الرجال‬
‫المعني‪ :‬لو أن نساء العالم بلغن من الكمال والعفاف ما بلغت هذه‬
‫المفقودة؛ لتفوقن علي الرجال في الفضل‪ ،‬إذ هي اليتمية العصماء في عقد‬
‫الفضيلة‪ ،‬والبيت من قصيدة يرثي بها والدة سيف الدولة‪.‬‬
‫وما التأنيث لسم الشمس عيب ول التذكير فخر للهلل‬
‫المعني‪ :‬ل يكون تأنيث المفقودة مدعاة إلي الحط من قيمتها‪ ،‬أو ذريعة علي‬
‫التقليل من كرامتها‪ ،‬فالشمس مؤنثة‪ ،‬وقد فضلت القمر في الضياء‪ ،‬فنوره‬
‫مستمد من نورها‪ ،‬وشأوه في الفضل دون شأوها‪ ،‬تلك وسيلة محسوسة‬
‫تذرع بها المتنبئ إلي تفضيل المرأة علي الرجل وهذا من أحسن الساليب‬
‫وأبدع الخيال‪.‬‬
‫فإن تفق النام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المعني‪ :‬يقول ـ وقد انتقل في القصيدة من الرثاء إلي مدح سيف الدولة ـ‪:‬‬
‫أيها الملك العظيم إن فضلت الناس وأنت من جملتهم‪ ،‬وتعيش بينهم‪،‬‬
‫ومشارك لهم في الجنسية‪ ،‬فل غرابة‪ ،‬فقد يفضل بعض الشيء كله‪ ،‬فالمسك‬
‫وهو بعض دم الغزال‪ ،‬قد فاق اصله جملة‪ ،‬فرب واحد قد فاق أمة‪ ،‬وبعض قد‬
‫فاق جملة‪.‬‬
‫من كان فوق محل الشمس موضعه فليس يرفعه شيء ول يضع‬
‫المعني‪ :‬يقول مخاطبا ً سيف الدولة‪ :‬من بلغ من الفضائل غايتها‪ ،‬وحل من‬
‫المنازل اسماها‪ ،‬وحاز من الشجاعة أقصاها‪ ،‬فل يرتفع بنصرة أحد‪ ،‬ول يتضع‬
‫بخذلنه‪ ،‬وإنك أيها الملك العظيم لكذلك ‪ ،‬فشجاعتك فوق كل شجاعة‪،‬‬
‫وقدرك فوق كل قدر‪ ،‬تواضعت الشمس عن موضعك الذي يشتاقه كل سيد‪،‬‬
‫ويقصر عن إدراكه كل عظيم‪.‬‬
‫فقد يظن شجاعا ً من به خرق وقد يظن جبانا من به زمع‬
‫المعني‪ :‬قد يخطئ ظن النسان فيطوح به عن الحقيقة‪ ،‬فيتوهم من به‬
‫حماقة وخفة شجاعًا‪ ،‬ويظن من تعتريه رعدة من الغضب جبانًا‪،‬فالعبرة‬
‫بالتجربة‪ ،‬فهي التي تصيب بها كبد الحقيقة‪ ،‬وكأنه يقول لسيف الدولة‪ :‬إني‬
‫قد سبرت حالك‪ ،‬فإذا مدحتك بعد التجربة فل اخطئ في مدحه إياك‪.‬‬
‫إن السلح جميع الناس تحمله وليس كل ذوات المخلب السبع‬
‫المعني‪ :‬ليس كل رجل يحمل السلح شجاعا ً يقوي علي المبارزة ‪ ،‬كما انه‬
‫ليس كل ذي مخلب سبعا ً يفترس بمخلبه‪ ،‬فقد يتقلد السلح الجبان‪ ،‬وقد‬
‫يوجد من ذوات المخالب ما دون السبع‪ ،‬فما كل اصفر دينارا ً لصفرته‪ ،‬ول كل‬
‫حلو سكرا ً لحلوته‪.‬‬
‫وما الخوف إل ما تخوفه الفتي ول المن إل ما رآه الفتى أمنا‬
‫المعني‪ :‬الخوف والمن ناشئان عن اعتقاد النسان في الشيء ‪ ،‬رسولن‬
‫يبعث بهما الوهم‪ ،‬وعرضان يحدثهما الوجدان‪ ،‬فإذا اطمأن قلب المرء إلي‬
‫شيء صار أمنا عنده ‪ ،‬وإن غير مأمون ‪ ،‬وإذا فرغت نفسه منه صار خوفًا‪،‬‬
‫وإن كان غير مخوف‪ ،‬والبيت من قصيدة يمدح بها سيف الدولة‪ ،‬وكان قد‬
‫توقف عن الغزو لما سمع بكثرة جيش الروم‪.‬‬
‫وحيد من الخلن في كل بلدة إذا عظم المطلوب قل المساعد‬
‫المعني‪ :‬يقول‪ :‬أنا منفرد عن الصدقاء الذين يعتمد عليهم في الخطوب‬
‫المتفاقمة‪ ،‬والنازلت الشديدة‪ ،‬فما لي من مساعد علي تحقيق ما أطلب؛‬
‫وذلك لعظم مطلبي‪ ،‬وإذا عظم مطلوب المرء قل من يساعده عليه‪ ،‬والبيت‬
‫من قصيدة يمدح بها سيف الدولة‪.‬‬
‫بذا قضت اليام ما بين أهلها مصائب قوم عند قوم فوائد‬

‫)‪(27 /‬‬

‫إن طبع اليام سرور قوم بإساءة آخرين ‪،‬وما رأينا حادثا ً من حوادث اليام إل‬
‫سرت به طائفة‪ ،‬وسيئت به أخري‪ ،‬فالدهر يومان‪ ،‬يوم لك‪ ،‬ويوم عليك (‬
‫وت ِل ْ َ َ‬
‫س ‪)(..‬آل عمران‪ :‬الية ‪.(140‬‬ ‫داوِل َُها ب َي ْ َ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫ك اْلّيا ُ‬
‫م نُ َ‬ ‫َ‬
‫وفي تعب من يحسد الشمس نورها ويجهد أن يأتي لها بضريب‬
‫المعني‪ :‬يقول‪ :‬إن من يحاول أن يأتي لسيف الدولة بنظير‪ ،‬كمن يحاول أن‬
‫يأتي للشمس بمثل‪ ،‬فهو بين الناس كالشمس بين الكواكب‪ ،‬فكما أن‬
‫الشمس ل يعدلها في ضوئها واحد من الكواكب ‪ ،‬كذلك سيف الدولة‪ ،‬ل‬
‫يعدله في فضائله أحد من الناس‪ ،‬ومن تكلف فهو كمن يرقم علي صفحات‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الماء‪.‬‬
‫ويقول في قصيدة يمدح فيها سيف الدولة‪.‬‬
‫ومن صحب الدنيا طويل ً تقلبت علي عينيه حتى يري صدقها كذبا ً‬
‫المعني‪ :‬من أحب الدنيا لزيادة ترفن وبسطة رزق‪ ،‬ورفيه منصب‪ ،‬ل يلبث أن‬
‫يراها قد تقلبت علي عينه‪ ،‬فتريه عكس ما رأي‪ ،‬فيستحيل نعيمه بؤسًا‪،‬‬
‫وسعته إملقا ً ‪ ،‬ويتبين له أن الدنيا غاشة لمن استرشدها ‪ ،‬ومغوية لمن‬
‫أطاعها كما قال أبو نواس‪:‬‬
‫إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت له عن عدو في ثياب صديق‬
‫ومن تكن السد الضواري جدوده يكن ليلة صبحا ً ومطعمه غصبا‬
‫المعني‪ :‬من اشتد أزره في قومه‪ ،‬وقوي ركنه بينهم‪ ،‬ل تتعرض له في طريق‬
‫مراده عقبة‪ ،‬ول تستعصي عليه أمنية‪ ،‬ينال ما يريد من أعدائه قهرًا‪ ،‬ويعود له‬
‫العسير يسرًا‪.‬‬
‫أعيذها نظرات منك صادقة أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم‬
‫المعني‪ :‬اعصم نظراتك من أن ل تكون نظرات يقين‪ ،‬فأنت إذا نظرت إلي‬
‫الشيء بحسب ظاهره تصب منه كبد الحقيقة‪ ،‬فل تغلط فتكون كمن ظن‬
‫الورم شحمًا‪ ،‬والسراب ماء‪ ،‬وقد أراد المتنبئ بهذا البيت أن يعاتب سيف‬
‫الدولة‪ ،‬حيث توهم كل من يدعي الشعر شاعرًا‪ ،‬وشبه حاله في ذلك بحال‬
‫من ظن الورم شحمًا‪ ،‬والبيت من قصيدة يعاتب بها سيف الدولة في محفل‬
‫من العرب‪.‬‬
‫وما انتفاع أخي الدنيا بناظره إذا استوت عنده النوار والظلم‬
‫المعني‪ :‬ماذا يستفيد النسان من البصر إذا تساوت عنده الشياء واضدادها‪،‬‬
‫فلم يفرق بين الغث والسمين‪ ،‬وبين النور والظلمة‪ ،‬وكأن المتنبئ يقول‬
‫لسيف الدولة‪ :‬يجب أن تميز بيني وبين أولئك الساقطين الذين قربتهم من‬
‫مجلسك‪ ،‬بدعوى أنهم شعراء‪ ،‬كما تميز بين النوار والظلم‪.‬‬
‫إذا رأيت نيوب الليث بارزة فل تظنن أن الليث يبتسم‬
‫ً‬
‫المعني‪ :‬إذا رأيت السد كشر عن أنيابه فل تحسب ذلك منه تبسما‪ ،‬لن‬
‫السد ل يبتسم ؛ وغنما هو بذلك يتحفز للوثوب‪ ،‬وكأن المتنبئ في هذا البيت‬
‫قاس نفسه بالسد ‪ ،‬في أنه إذا ضحك أمام الجاهل‪ ،‬كان ذلك منذرا ً بقرب‬
‫النتقام‪ ،‬ومؤذنا ً بحلول الفتراس‪.‬‬
‫وبيننا لو رعيتم ذاك معرفة إن المعارف في أهل النهي ذمم‬
‫المعني‪ :‬قد جمعتني وإياكم رابطة الصحبة‪ ،‬وهي عند ذي العقول الراجحة‬
‫عهد يجب الوفاء به‪.‬‬
‫شر البلد مكان ل صديق به وشر ما يكسب النسان ما يصم‬
‫المعني‪ :‬أسوأ البلد حال ً بلد ل تجد فيه صديقا ً تأنس بوده‪ ،‬وتسكن نفسك إلي‬
‫كريم فعله‪ ،‬يشاطرك السراء والضراء‪ ،‬وأخبث الربح ما ألصق بك العار‪،‬‬
‫وألحق بك البوار‪.‬‬
‫وشر ما قنصته راحتى قنص شهب البزاة سواء فيه والرخم‬
‫المعني‪ :‬أخبث ربح ربحته في حياتي ما شاركني فيه الرفيع والوضيع‪ ،‬كما أن‬
‫أخبث صيد ظفر به الصياد ما شاركه فيه البزاة الشهب مع رفعتها واختيارها‬
‫أطيب الفريسة‪ ،‬والرخم مع دناءتها ووقوعها علي ما أرادأ ما يصاد ‪.‬يريد‬
‫المتنبئ أن ما منحه سيف الدولة من العطايا شاركه فيه أهل الغباوة‬
‫والجهالة ‪ ،‬فليست من المنح الخاصة بنظرائه‪ ،‬والتحف الئقة بمثله‪ .‬فشبه‬
‫نفسه بشهب البزاة في الرفعة وعدم الرضى بالدون‪ ،‬وشبه غيره من‬
‫الشعراء الساقطين بالرخم في الضعة‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لعل عتبك محمود عواقبه وربما صحت الجسام بالعلل‬


‫المعني‪ :‬لعل ما أحدثه الوشاة من لومك إياي محمود العاقبة‪ ،‬مشكور المغبة‪،‬‬
‫فقد يفسد العضو الواحد بالكي‪ ،‬فتصلح به بقية العضاء النبي صلي الله عليه‬
‫وسلم فالعود ل يظهر أريجه إل بعد أن يحترق‪ ،‬والصديق ل تزيد محبته إل بعد‬
‫أن يفترق ‪ ،‬فرب لوم أفضي إلي احتفاء ‪ ،‬ورب علة بعثت علي تعجيل‬
‫الشفاء‪ ،‬والبيت من قصيدة يعتذر بها إلي سيف الدولة‪.‬‬
‫لن حلمك حلم ل تكلفه ليس التكحل في العينين كالكحل‬
‫المعني‪ :‬يقول مخاطبا ً سيف الدولة‪ :‬إن حلمك أيها الملك العظيم حلم طبعت‬
‫عليه‪ ،‬فل يتكلفه غيرك من الناس‪ ،‬وحلم الطبع غير حلم التكلف‪ ،‬كما أن‬
‫خس‪ ،‬الكحل الذي يكون خلقه في العين غير حسن الكتحال‪.‬‬
‫وليس يصح في الفهام شيء إذا احتاج النهار إلي دليل‬
‫المعني‪ :‬إذا احتاج أحد إلي إقامة البرهان علي وجود النهار‪ ،‬وقد عم نوره‬
‫الفاق‪ ،‬فاحكم عليه أن ليس في ذهنه شيء صحيح من البديهات والنظريات‪،‬‬
‫وقد شبه المتنبئ شعره بالمهارن فمن أنكر فضله فكأنما أنكر وجود النهار‪،‬‬
‫وهذا من أجود التشبهات وأبدع الخيال‪ ،‬والبيت من قصيدة قالها في مجلس‬
‫سيف الدولة وكان يمتحن الفرسان‪.‬‬
‫وما كمد الحساد شيئا ً قصدته ولكنه من يرحم البحر يغرق‬

‫)‪(28 /‬‬

‫المعني‪ :‬يقول‪ :‬عن أولئك الحسدة الذين ينازعونني في فضائلي ‪ ،‬رجعوا من‬
‫ذلك بالغل اذلي أفعم صدورهم‪ ،‬وقطع امعاءهم‪ ،‬علي أنني لم أتعمد الضرر‪،‬‬
‫فكأن مثلهم في ذلك‪ ،‬مثل الذي يتعرض مريج غمار البحر فيغرق‪ ،‬وما كان‬
‫قصد البحر أن يغرقه‪ ،‬والبيت من قصيدة يمدح فيها سيف الدولة ويذكر‬
‫الفداء الذي طلبه ملك الروم‪.‬‬
‫وإطراق طرف العين ليس بنافع إذا كان طرف القلب ليس بمطرق‬
‫المعني‪ :‬العبرة بما يلحظه القلب‪ ،‬ل بما تلحظه العين‪ ،‬فالقلب ملك الحواس‪،‬‬
‫وهي مسخرات بأمره ‪ ،‬فل يكون إل ما يطلبه ‪ ،‬فإذا اغضت العين عن شيء ‪،‬‬
‫وقد اتجه إليه القلبن فل يحدي إغضاؤها‪.‬‬
‫أيدري ما أرابك من يريب وهل ترقي إلي الفلك الخطوب‬
‫المعني‪ :‬أتردي تلك اللم التي ساورتك‪ ،‬وهذه النازلت التي احدقت بك‪ ،‬بمن‬
‫تحل؟! وممن تنال؟!وكيف تصل إليك الخطوب‪ ،‬وقد ساكنت النجوم جوارًا‪،‬‬
‫فكنت في المنزلة نظير فلك السماء‪ ،‬وهل ترقي إلي الفلك الخطوب؟!‬
‫والبيت مطلع قصيدة قالها عند اشتكاء سيف الدولة من دمل‪.‬‬
‫وما قتل الحرار كالعفو عنهم ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا‬
‫المعني‪ :‬الحر إذا أنت عفوت عنه زلته‪ ،‬وصفحت عن سقطته‪ ،‬أثر ذلك في‬
‫نفسه تاثيرا ً يفوق وحزات السنان‪ ،‬فكأنما قتلته بعفوك وطعنته بعطفك‪،‬وقلما‬
‫تجمعك اليام بحر يراعي الجميل‪ ،‬ويستبقي المعروف‪ ،‬والبيت من قصيدة‬
‫يهنئ فيها سيف الدولة بعيد الضحى‪.‬‬
‫إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا‬
‫المعني‪ :‬الكريم إن أنت أوليته منك إحسانا ً فقد اسرت نفسه ‪ ،‬وملكت قلبه‪،‬‬
‫ل‪ ،‬فإن إكرامك إياه يطعمه‬ ‫وأما اللئيم‪ ،‬فإن عطفت عليه‪ ،‬زدته تعديا ً وتطاو ً‬
‫فيك‪ ،‬فينهال عتوا ً وتحم ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ووضع الندي في موضع السيف بالعل مضر كوضع السيف في موضع الندي‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المعني‪ :‬الحكيم من يفترس في الناس‪ ،‬فيعامل كل ً بما يلئم حاله من لين‬


‫وشدةن يخاشن في مواضع المخاشنة‪،‬ويلين في مواضع الملينة‪ ،‬فإذا هو‬
‫عكس الية‪ ،‬واستعمل الحسان في موطن الساءة‪ ،‬والساءة محل الحسان‪،‬‬
‫اضر ذلك بعله‪ ،‬وأبعده من بلوغ مناه‪ ،‬وطوح به مهواة ل يسعه النجاة منها‪.‬‬
‫وأتعب من ناداك من ل تجيبه وأغيظ من عاداك من ل تشاكل‬
‫المعني‪ :‬يقول‪ :‬اتعب حاسديك بمخاطبتهم إياك من ترفعت عن‬
‫مجاوبته‪،‬وتنزهت عن مشافهته‪ ،‬واشد أعدائك عليك حنقا ً من ل يماثلك في‬
‫منزلك ‪ ،‬ول يضارعك في درجتك‪ ،‬والبيت من قصيدة يمدح بها سيف الدولة‬
‫عند دخول رسول ملك الروم عليه‪.‬‬
‫علي قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي علي قدر الكرام المكارم‬
‫المعني‪ :‬تكون مطالب المرء التي يعزم عليها‪ ،‬والغايات التي يوطن النفس‬
‫علي بلوغها‪ ،‬بمقدار ما بلغه من عالي الهمة وقوة الرادة‪ ،‬فإن كان كبير‬
‫النفس قوي العزم‪ ،‬كان المر الذي يعزم عليه عظيمًا‪،‬وكذلك تكون علي قدر‬
‫ذويها‪،‬فمن كان من الناس كان ما يأتيه من المكارم أعظم‪ ،‬والبيت مطلع‬
‫قصيدة يمدح بها سيف الدولة‪.‬‬
‫ً‬
‫وما الحسن في وجه الفتي شرفا له إذا لم يكن في فعله والخلئق‬
‫المعني‪ :‬يبلغ المرء الشرف والرفعة من كماله ل من جماله‪ ،‬ومن حسن‬
‫مخبره ل من بهاء منظره‪ ،‬فل يغنيه جميل الخلقة‪ ،‬مع قبيح الفعل والخليقة‪،‬‬
‫والبيت من قصيدة يذكر فيها إيقاع سيف الدولة بقبائل العرب‪.‬‬
‫وما بلد النسان غير الموافق ول أهله الدنون غير الصادق‬
‫المعني‪ :‬كل بلد زكا خيره‪ ،‬وطاب هواؤه‪ ،‬ووافقك مناخه‪ ،‬وتوفرت لك فيه‬
‫أسباب النعيمن فهو بلدك الحقيقي‪ ،‬وكل ناس أخلصوا لك النصيحة ‪ ،‬ومحضوا‬
‫لك الود‪ ،‬فهم أهلك الدنون ‪ ،‬وعشيرتك القربون‪ ،‬وفي هذا البيت حث علي‬
‫التغرب عن الوطن‪،‬إذا ضاق به العيش‪ ،‬وساءت الحال‪.‬‬
‫وإذا لم تجد من الناس كفوا ً ذات خدر أرادت الموت بعل‬
‫المعني‪ :‬يقول‪ :‬إذا لم تجد ربة العفاف‪ ،‬وذات الخدر والصينة من الزواج من‬
‫هو كفو لها في شرفها‪،‬ويماثلها في حبسها ونسبها‪ ،‬اختارت الموت لها زوجًا‪،‬‬
‫فهو يتكفل بصيانتها‪ ،‬ويحتفظ بأثيل مجدها‪ ،‬وكريم حسبها‪ ،‬والبيت من قصيدة‬
‫يعزى فيها سيف الدولة بأخته‪.‬‬
‫وإذا الشيخ قال‪ :‬أف فما مـ ـل حياة وإنما الضعف مل‬
‫المعني‪ :‬إذا رأيت كبير السن يتضجر‪ ،‬فل تظن أنه سئم الحياة‪ ،‬ومل العيش‪،‬‬
‫وإنما هو مل الضعف والهرم‪ ،‬واستكبره الكبر واللم ‪ ،‬تلك العوامل التي‬
‫تحجب عنه لذة الحياة‪ ،‬وحلوة العيش‪ ،‬فالحياة تستحب في الشبيبة والكبر‪،‬‬
‫حب الحياة طبيعة النسان‪.‬‬
‫آلة العيش صحة وشباب فإذا وليا عن المرء ولى‬
‫المعني‪ :‬إذا انفرد الجبان بأرضه‪ ،‬وبعد عن القران بنفسه‪ ،‬طلب المنازلة‬
‫والمجالدة‪ ،‬وأظهر الرغبة في القتال والمبارزة‪ ،‬حتى إذا جاءه شجاع يبارزه‬
‫فر عن قرنه‪ ،‬ورجع إلي عادته من جبنه‪ ،‬والبيت من قصيدة يمدح سيف‬
‫الدولة ويذكر نهوضه إلي الثغر‪.‬‬
‫من أطاق التماس شيء غلبا ً واغتصابا لم يلتمسه سؤال‬
‫ً‬
‫المعني‪ :‬طبع النسان علي حب الغلبة والستظهار‪ ،‬فإذا هو استطاع أن ينال‬
‫الشيء بالغتصاب والعنف‪ ،‬أبي أن يلتمسه بالسؤال والرفق‪ ،‬ليبين للناس أنه‬
‫من ذوي الحول والطول وقد أكد هذا المعني بالبيت بعده ‪.‬‬
‫كل غاد لحاجة يتمني أن يكون الغضنفر الرئبال‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(29 /‬‬

‫المعني‪ :‬كل ساع وراء حاجة يستفيد فيها منتهي الوسع‪ ،‬ويزاولها بغاية الجهد‪،‬‬
‫يود لو يبلغ قوة الغضنفر الرئبال ـ وهما اسمان للسد ـ حتى ل يكون في‬
‫مقدمة الساعين‪ ،‬ومنقطع النظير بين الناجحين‪.‬‬
‫الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحل الثاني‬
‫المعني‪ :‬الرأي له المكانة الولي من فضائل النسان‪ ،‬وللشجاعة المكانة‬
‫الثانية‪ ،‬فالشجاعة من غير رأي ل تجدي‪ ،‬وربما أودت بحياة صاحبها‪ ،‬لنها‬
‫تكون تهورا ً صرفًا‪ ،‬والبيت من قصيدة يمدح بها سيف الدولة عند قدومه من‬
‫بلد الروم‪.‬‬
‫ولربما طعن الفتي أقرانه بالرأي قبل تطاعن القران‬
‫المعني‪ :‬قد ينال النسان بعقله ما ل يستطيع ان يناله بشجاعته‪ ،‬وذلك انه‬
‫ربما طعن الفتي نظراءه برجاحة عقله‪ ،‬واصالة رأيه‪ ،‬قبل الطعن بشفرة‬
‫السيف‪ ،‬وحد النصال‪ ،‬فينصب لهم الحبائل بتدبيره ‪ ،‬ويحتال لليقاع بهم‬
‫والستظهار عليهم بعقله‪.‬‬
‫لول العقول لكان أدني ضيغم أدني إلي شرف من النسان‬
‫المعني‪ :‬العقل قوة فوق القوى‪ ،‬ومزية دونها المزايا‪ ،‬لوله لكان أقل حيوان‬
‫مفترس أقرب من النسان إلي الشرف‪ ،‬واوسع منه في النفوذ والسلطان‪.‬‬
‫وكل يري طرق الشجاعة والندى ولكن طبع النفس للنفس قائد‬
‫المعني‪ :‬الشجاعة والندى فضيلتان‪ ،‬ل يجهل أحد طريق الوصول إليهما‪ ،‬ولكن‬
‫طبيعة النفس تثني عزم المرء عن الشجاعة خشية العطب‪ ،‬ويصده عن‬
‫الجود مخافة الملق ‪ ،‬والبيت من قصيدة يمدح بها سيف الدولة‪.‬‬
‫وعاد في طلب المتروك تاركه إنا لنغفل واليام في الطلب‬
‫المعني‪ :‬من المتعين علي الحكيم أن يعد لحوادث اليام عدتها‪ ،‬ويتأهب لدرء‬
‫نازلتها‪ ،‬فإذا هو غفل عن ذلك‪ ،‬فاليام له بالرصد‪ ،‬تطالبه بما ترك‪ ،‬وتحاسبه‬
‫علي ما فرط‪ ،‬هذا تفسير البيت علي انه من الحكم‪ ،‬أما باعتبار سياق قصيدة‬
‫الرثاء بموت أخت سيف الدولة الكبرى‪ ،‬فمعناه أن الموت تركها‪ ،‬ثم عاد‬
‫فأخذها‪.‬‬
‫وما قضي أحد منها لبانته ول انتهي أرب إل إلي أرب‬
‫المعني‪ :‬نشأ النسان وقلبه مفعم بالشهوات‪ ،‬مزدحم بالغايات‪ ،‬فل تتقضي له‬
‫من اليام حاجات‪ ،‬فإذا ما تمت مأربه سنحت له أخري‪.‬‬
‫ومن تفكر في الدنيا ومهجته أقامة الفكر بين العجز والتعب‬
‫المعني‪ :‬شغف النسان بالدنيا ورونقها علي الكد في طلبها‪ ،‬وحرصه علي‬
‫سلمة نفسه يثني عزمه عنها‪ ،‬فل يزال بين عاملين يتناوبانه وهما ‪ :‬حب‬
‫الحياة وحب السلمة‪ ،‬فالول يحبب إليه التعب والعمل‪ ،‬والثاني يزين له‬
‫العجز والكسل‪.‬‬
‫إذا كنت ترضي أن تعيش بذلة فل تستعدان الحسام اليمانيا‬
‫المعني‪ :‬إنما تحمل السيف لتدرأ به عن شرفك ومنعتك‪ ،‬ولتكون رفيع المقام‬
‫عزيز الجانب‪ ،‬فإذا كنت ترضي أن تعيش ذليل ً ممتهنًا‪ ،‬فماذا تصنع بالسف أيها‬
‫؟ والبيت من قصيدة بها كافورًا‪.‬‬ ‫الوضيع ‍‬
‫فما ينفع السد الحياء من الطوى ول تتقي حتى تكون ضواريا‬
‫المعني‪ :‬للسد من بين الحيوانات صولة‪ ،‬يمتاز عنها بأنه يستحيي أن يتعرض‬
‫لفريسة غيره‪ ،‬فياكل منها ولو بات علي الطوى‪ ،‬لكنه ل يغنيه حياؤه من‬
‫الجوع شيئًا‪ ،‬إل إذا نشط وحرج من عرينه ساعيا ً متصيدا ً حتى يسد عوزه‪،‬‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كذلك ل يخشي جانبه‪ ،‬ول يغضي من مهابته‪ ،‬إل إذا كان مفترسا ً ضاريًا‪ ،‬وفي‬
‫البيت حث علي السعي وعلو الهمة‪.‬‬
‫إذا الجود لم يرزق خلصا ً من الذى فل الحمد مكسوبا ً ول المال باقيا ً‬
‫المعني‪ :‬الجود والمال ذريعة إلي الحمد‪ ،‬والمتنان به أذى يستوجب الذم ‪،‬‬
‫فإذا لم يكن الجود من المن خالصًا‪ ،‬ضاع المال من غير أن يكتسب المرء‬
‫حمدًا‪ ،‬ولم يتخذ علي الجود أجرًا‪.‬‬
‫وللنفس أخلق تدل علي الفتى أكان سخاء ما أتي أم تساخيا‬
‫المعني‪ :‬قد يتكلف النسان من الفعال ما ليس من طبعه‪ ،‬فيجود وطبعه‬
‫البخل‪ ،‬ويتشجع وعادته الجبن‪ ،‬ولكن الخصال إذا تكررت فتباينت‪ ،‬والسجايا‬
‫إذا تتابعت فتغايرت‪ ،‬انكشف النقاب عن حقيقة ما يأتيه؛ عن كان طبعا ً أو‬
‫تطبعًا‪ ،‬فسرعان ما تتغير الفعال المتكلفة النبي صلي الله عليه وسلم فهي‬
‫اشد انقلبا ً من الريح الهبوب‪.‬‬
‫فما الحداثة من حلم بمانعة قد يوجد الحلم في الشبان والشيب‬
‫المعني‪ :‬صغر السن ل يمنع من أن يكون النسان حليما ً ‪ ،‬فقد نجد الشاب‬
‫يستعمل الناة والحلم‪ ،‬كما يفعل الشيخ‪ ،‬نعم ‪ ،‬وإن كان للشاب نزق وخفة‪،‬‬
‫فليس ذلك أمرا ً مطردًا‪ ،‬فلكل قاعدة شذوذ والبيت من قصيدة يمدح بها‬
‫سيف الدولة‪.‬‬
‫وما الصارم الهندي إل كغيره إذا لم يفارقه النجاد وغمده‬
‫المعني‪ :‬الشيء ل يظهر فضله علي غيره إل بالتجربة‪ ،‬وكذلك السيف القاطع‬
‫ما دام في غمدة فل يفضل السيف المسلول‪ ،‬وإنما يعرف مضاؤه إذا استل‬
‫من جفنه‪ ،‬وحصل به الطعن ‪ ،‬وقد شبه المتنبئ نفسه بالصارم‪ ،‬حيث جهل‬
‫الناس فضله‪ ،‬فلم يدركوا الفرق بينه وبين غيره‪ ،‬والبيت من قصيدة يمدح بها‬
‫كافورًا‪.‬‬
‫إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم‬

‫)‪(30 /‬‬

‫المعني‪ :‬المرء إذا لؤم طبعه‪ ،‬وساءت فعاله‪ ،‬ساءت لذلك ظنونه بالناس‪،‬‬
‫فيتوهم السوء في كل شيء يراه أو يسمعه ‪ ،‬فكل حركة تقع أمامه من أحد‬
‫يتوههمها شرا ً له‪ ،‬وإيقاعا ً به‪ ،‬لنه كثير المساوئ‪ ،‬فهو دائما ً يوجس في نفسه‬
‫خيفة‪ ،‬ويرقب شرًا‪ ،‬والبيت من قصيدة يمدح بها كافورًا‪.‬‬
‫وأحلم عن خلي وأعلم أنه متى أجزه حلما ً علي الجهل يندم‬
‫المعني‪ :‬إذا فعل الصديق ما ل يليق ‪ ،‬صفحت عنه حلمًا‪،‬لعتقادي أن مجازاته‬
‫بالحلم خير؛ لنه يبعث في نفسه الندم علي ما فرط منه‪ ،‬فيرعوي عن غيه‪،‬‬
‫ويثوب إلي رشده‪ ،‬ويبادر إلي معتذرا ً سمعيا ً مطيعًا‪ ،‬ويعلم أنني نعم الصديق‪.‬‬
‫لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها سرور محب أو إساءة مجرم‬
‫المعني‪ :‬إنما يسعى النسان وراء متاع الحياة من جمع المال‪ ،‬واعتلء‬
‫المناصب‪ ،‬ابتغاء سرور المحب ومعونته‪ ،‬أو إساءة العدو ونكايته‪.‬‬
‫إنما تنجح المقالة في المر ء إذا صادقت هوى في الفؤاد‬
‫المعني‪ :‬إنما يبلغ القول النجاح ويفضي غلي المقصود منه إذا وافق هوى في‬
‫القلب‪ ،‬وميل ً في النفس وإل فهو صرخة في واد‪ ،‬ونفخة في رماد‪ ،‬والبيت من‬
‫قصيدة ينفي بها عن ابن الخشيد الميل إلي ما يقوله الوشاة‪.‬‬
‫وكل امرئ يولي الجميل محبب وكل مكان ينبت العز طيب‬
‫المعني‪ :‬كل امرئ تعود فعل الجميل وإسداء الخير‪ ،‬وبسط الكف محبب غلي‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الناس‪ ،‬يستميل نفوسهم بإحسانه‪ ،‬ويستعطف قلوبهم بكرمه ‪ ،‬وكذلك كل‬


‫مكان يجد فيه المرء الترف والعز‪ ،‬فهو المكان الطيب‪ ،‬والبيت من قصيدة‬
‫يمدح بها كافورًا‪.‬‬
‫ولو جاز أن يحووا علك وهبتها ولكن من الشياء ما ليس يوهب‬
‫المعني‪ :‬يقول‪ :‬إنك قد بلغت من المعالي غاية ل تدرك‪ ،‬ومن الجود شأوا ً ل‬
‫يلحق ‪ ،‬ولو كانت علك مما يوهب لوهبتها‪ ،‬ولكن من الشياء مال يسوغ هبته‬
‫كالمجد والعل‪.‬‬
‫ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما ل تشتهي السفن‬
‫المعني‪ :‬أماني المرء شتى‪ ،‬وما كل ما يتمناه يدركه‪ ،‬فقد يتهيأ المرء للشيء‬
‫ويعد له عدته‪ ،‬فتعترض له عقبات تصده عن إدراكه‪ ،‬وذلك كربان السفية‬
‫يتوجه بها طريقا ً في اليم‪ ،‬فتطوح بها الرياح إلي غير ما قصد‪ ،‬والبيت من‬
‫قصيدة قالها عندما بلغه أن قوما ً نعوه في مجلس سيف الدولة بخلب وهو‬
‫بمصر‪.‬‬
‫غير أن لفتي يلقي المنايا كالحات ول يلقي الهوانا‬
‫المعني‪ :‬سهل علي نفس الحر أن يتجرع كاس الحمام‪ ،‬ول يذوق كعم الهوان‪،‬‬
‫فالموت ألم الساعة‪ ،‬والهوان آلم تتري‪ ،‬من قصيدة يمدح بها كافورًا‪.‬‬
‫وإذا لم يكن من الموت بد فمن العجز أن تكون جبانا ً‬
‫ت(‪ ،‬فالجبان ل ينفعه الفرار‪ ،‬والشجاع ل يضره القدام‬ ‫ة ال ْ َ‬
‫مو ْ ِ‬ ‫س َذائ ِ َ‬
‫ق ُ‬ ‫ف ٍ‬ ‫)ك ُ ّ‬
‫ل نَ ْ‬
‫النبي صلي الله عليه وسلم والعاجز من إذا ساورته مهمة الخطر وقدم‬
‫الحذر‪.‬‬
‫ومن هاب أسباب المنية يلقها ولورام أسباب السماء بسلم‬
‫كل ما لم يكن من الصعب في النـ ـفس سهل فيها إذا هو كانا‬
‫المعني‪ :‬يقول‪ :‬المر الشديد إنما يصعب علي النفس قبل وقوعه‪ ،‬فإذا وقع‬
‫سهل‪.‬‬
‫لول المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والقدام قتال‬
‫المعني‪ :‬في الجود والقدام سيادة النسان‪،‬ولول ما يجده من مشقة علي‬
‫النفس من جرائهما لرأيت الناس كلهم سادة‪ ،‬فالجود يشق علي النفس‬
‫مخافة الفقر‪ ،‬والقدام يعز عليها فرارا ً من القتل‪ ،‬وإن للسيادة قوما ً خاطروا‬
‫من أجلها بالنفوس‪ ،‬وبذلوا أنفس الذخائر ‪ ،‬وقليل ما هم ‪ ،‬والبيت من قصيدة‬
‫يمدح بها أبا شجاع فاتكًا‪.‬‬
‫ولم أر في عيوب الناس شيئا ً كنقص القادرين علي التمام‬
‫المعني‪ :‬ل عيب في الناس أبلغ من عيب من استطاع أن يكون كامل ً في‬
‫الفضل‪ ،‬والنبل لم يفعل‪ ،‬إذا ل عذر له في ترك أسباب الكمال وفي وسعة‬
‫تحصيلها‪ ،‬وأنه الولي بالعيب من الناقص الذي ل يقدر علي الكمال‪.‬‬
‫وللسر منى موضع ل يناله نديم ول يفضي إليه شراب‬
‫المعني‪ :‬مكان السر من نفسي بحيث ل يبلغ حقيقته الصديق‪ ،‬ول يدب إليه‬
‫دبيب الشراب مع تغلغله في البدن‪ ،‬فللسر عندي مكان حزيز‪ ،‬وموضع‬
‫حصين‪ ،‬واليت من قصيدة يمدح به كافورًا‪.‬‬
‫أعز مكان في الدنى سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب‬
‫المعني‪ :‬أفضل مكان يري فيه النسان عزة وسؤدده ظهر السابح‪ ،‬وخير‬
‫جليس ل يشقي به المرء الكتاب‪ ،‬وذلك أن الفرس مطية الشجاع ورفيق‬
‫النشيط‪ ،‬وتبلغ عليه ما تريد من نحو التجول في الرجاء ‪ ،‬ومبارزة العداء ‪،‬‬
‫أما الكتاب ‪ ،‬فيقص عليك من أنباء ما قد سبق‪ ،‬ويتحفك بما فيه الكفاية‪،‬‬
‫وينتهج بك سبيل الهداية‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن جهلت نفسه قدره رأي غيره منه ما ل يري‬


‫المعني‪ :‬من لم يعرف لنفسه حقها فأتبعها هواها استرسلت مع الشهوات‪،‬‬
‫وغررت به فيما ل تحمد عقباه‪ ،‬وزينت له السوء‪ ،‬فيستحسن من خصاله ما‬
‫يستقبحه الناس من أمثاله‪ ،‬والبيت من قصيدة يذكر فيها خروجه من مصر‪.‬‬
‫أين الذي الهرمان من بنيانه ما قومه ما يومه ما المصرع‬

‫)‪(31 /‬‬

‫المعني‪ :‬يقول‪ :‬أين ذلك الملك المعظم الذي شاد الهرمين الكبيرين والبناءين‬
‫الشامخين‪ ،‬أقامهما شاهدين بأثيل مجده‪ ،‬ونادر قدرتهن شاب الزمان وهما‬
‫شابان‪ ،‬ودرست معالم بانيهما‪ ،‬وهما قائمان‪ ،‬وغيبته بطن الرض‪ ،‬وهما‬
‫ظاهران‪ ،‬أين قومه علي كثرة عددهم وعددهم‪ ،‬عفت آثارهم‪ ،‬وذهبت‬
‫رسومهم‪ ،‬وفي هذا البيت تنبيه علي أن كل حي هالك ل محالة‪ ،‬ول سبيل إلي‬
‫البقاء ‪ ،‬من قصيدة يرثي بها أبا شجاع‪.‬‬
‫تتخلف الثار عن أصحابها حينا ً ويدركها الفناء فتتبع‬
‫المعني‪ :‬يقول‪ :‬تبقي آثار المرء بعده حينا ً من الدهر لتدل علي بديع صنعه‪،‬‬
‫وواسع علمه‪ ،‬وفرط ذكائه‪ ،‬وغزير فضله‪ ،‬ثم يصيبها بعد ذلك ما أصابه من‬
‫الفناء‪ ،‬فتذهب تلك الثار كأن لم تغن بالمس ‪ ،‬تلك طبيعة الحياة وتصاريفها‪.‬‬
‫ولم تزل قلة النصاف قاطعة بين الرجال ولو كانوا ذوي رحم‬
‫المعني‪ :‬ترك النصاف داعية القطيعة‪ ،‬ومجلبة الشقاق بين الناس‪ ،‬وإن كان‬
‫بينهم صلة رحم‪ ،‬وجامعة قرابة‪.‬‬
‫إذا أتت لم تنصف أخاك وجدته علي طرف الهجران إن كان يعقل‬
‫والبيت من قصيدة يرثي بها فاتكًا‪.‬‬
‫ذريتي أنل ما ل ينال من العلى فصعب العلي في الصعب والسهل في‬
‫السهل‬
‫المعني‪ :‬يخاطب نفسه التي تلومه علي ركوب الهوال‪ ،‬يقول‪ :‬اتركيني أيتها‬
‫النفس أنل من المعالي ما لم ينله غيري مما تكل دونه الهمم‪ ،‬فما كان منها‬
‫سهل ً قريب التناول فل يتطلب تعبًا‪ ،‬وما كان منها صعبا ً بعيد المنال فل يكون‬
‫إل بمزوالة صعاب العمال‪ ،‬وركوب غمارها‪ ،‬والبيت من قصيدة يمدح بها أبا‬
‫الفوارس‪.‬‬
‫تريدين لقيان المعالي رخيصة ولبد دون الشهد من إبر النحل‬
‫المعني‪ :‬يقول‪ :‬أتريدين أيتها النفس نيل العلي عفوا ً بل تعب‪ ،‬وهي كالشهد‬
‫الذي ل يجنيه مشتاره إل بعد أن يلقي وخزات إبر النحل‪ ،‬فكأنك تنزعين غلي‬
‫طلب المستحيل وإدراك ما ل يكون‪.‬‬
‫عرض وتحليل‬
‫إذا قيل رفقا ً قال للحلم موضع وحلم الفتى في غير موضعه جهل‬
‫أي أنه إذا أمر بالرفق بالقران ‪ ،‬وقيل له أرفق رفقًا‪ ،‬قال‪ :‬موضع الحلم غير‬
‫الحرب‪ ،‬يعني‪ :‬أن الرفق والحلم يستعملن في السلم‪ ،‬وأما الحرب فل رفق‬
‫فيها بالقران‪ ،‬والحليم فيها جاهل كواضع الشيء في غير موضعه‪ ،‬وقد أكثر‬
‫الناس في هذا المعني ومن اشهر ما فيه قول الفند الزماني‪:‬‬
‫وبعض الحلم عند الجهل للذلة إذعان‬
‫وقول سالم بن وابصة‪:‬‬
‫إن من الحلم ذل أنت عارفه والحلم عن قدرة فضل من الكرم‬
‫وقال الخزيمي‪:‬‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أرى الحلم في بعض المواضع ذلة وفي بعضها عزا ً يسود صاحبه‬
‫وقال العور الشني‪:‬‬
‫خذ العفو واغفر أيها المرء إنني أري الحلم ما لم تخش منقصة غنما‬
‫وقد ذكره أبو الطيب وقال‪ :‬من الحلم أن تستعمل الجهل دونهن وقال‪ :‬كل‬
‫حلم أتي بغير اقتدار ‪ ،‬البيت قال‪ :‬إني اصاحب حلمي وهو بي كرم‪ ،‬البيت‪.‬‬
‫أهون بطول الثواء والتلف والسجن والقيد يا ابا دلف‬
‫غير اختيار قبلت برك بي والجوع يرضي السود بالجيف‬
‫يقول ‪ :‬قبلته ل اختيارًا‪ ،‬كالسد يرضى بأكل الجيف إذا لم يجد غيرها لحما‪ً،‬‬
‫وهذا من وقل المهبلي‪:‬‬
‫ما كنت إل كلحم ميت دعا إلي أكله اضطرار‬
‫ومثله لدعبل الحزاعي‪:‬‬
‫لعمر أبيك ما نسب المعلي إلي كرم وفي الدنيا كريم‬
‫ولكن البلد إذا أقشعرت وصوح نبتها رعي الهشيم‬
‫ومثله قول الخر‪:‬‬
‫فل تحمدوني في الزيارة إنني أزوركم إذ ل أري متعلل‬
‫وأبو دلف هذا كان صديق المتنبئ ‪ ،‬بره وهو في سجن الوالي الذي كتب إليه‪:‬‬
‫أيا خدد الله ورد الخدود وقد قدود الحسان القدود‬
‫يقول المتنبئ‪:‬‬
‫وحفيف أجنحة الملئك حوله وعيون أهل الذقية صور‬
‫يقال في جمع الملك الملئكة والملئك جمع علي غير قياس قال حسان‪:‬‬
‫بأيدي رجال هاجروا نحو ربهم وأنصاره حقا ً وأيدي الملئك‬
‫وصور جمع اصور‪ ،‬وهو المائل يقال‪ :‬صاره يصوره إذا أماله وصور يصور إذا‬
‫ل‪ ،‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬ ‫صار مائ ً‬
‫الله يعلم أنا في تلفتنا يوم الوداع إلي أحبابنا صور‬
‫يقول‪ :‬أحاطت بنعشه ملئكة السماء‪ ،‬حتى سمع لجنحتهم حفيف‪ ،‬وعيون‬
‫أهل بلده مائلة إليه إما لنهم يحبونه‪ ،‬فل يصرفون عيونهم عنه‪ ،‬شوقا ً غليه‬
‫وحزنا ً عليه ‪ ،‬وإما لنهم يسمعون حس الملئكة‪ ،‬فيليمون نحو الحس الذي‬
‫يسمعون‪.‬‬
‫كفل الثناء له برد حياته لما انطوى فكأنه منشور‬
‫شاَء أ َ‬
‫ه( )عبس‪،(22:‬‬ ‫ر‬‫ش‬‫َ‬
‫ْ َ ُ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ذا‬ ‫يقال‪ :‬انشر الله الميت ومنه قوله تعالي‪) :‬ث ُ ّ‬
‫م إِ َ‬
‫ويقال أيضا ً نشره‪ ، ،‬يقول ‪ :‬ثناء الناس عليه وذكرهم إياه بعده كفيل برد‬
‫حياته؛ لن من بقي ذكره فكأنه لم يمت وهذا من قول الحاردة‪:‬‬
‫فاثنوا علينا ل أبا ً لبيكم بإحساننا إن الثناء هو الخلد‬
‫وقال التميمي أيضًا‪:‬‬
‫ردت صنائعه إليه حياته فكأنه من نشرها منشور‬
‫وقال ـ أيضا ً ـ الطائي‪:‬‬
‫سلفوا يرون الذكر عيشا ً ثانيا ً ومضوا يعدون الثناء خلودا ً‬
‫***‬
‫سيحيي بك السمار ما لح كوكب ويحدو بك السفار ما ذر شارق‬

‫)‪(32 /‬‬

‫أي يخيون الليل بذكرك وحديثك ‪ ،‬والمسافرون يغنون بمدائحك فيحدون البل‬
‫بها ‪ ،‬وقوله‪ :‬ما لح كوكب وما ذر شارق من ألفاظ التأبيد‪ ،‬والمعني أبدا ً ‪ ،‬أي‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أنت أبدا ً تذكر في السفار‪ ،‬ويحدى بمدائحك في السفار ‪ ،‬هذا هو الظاهر‪،‬‬


‫وقوم يقولون‪ :‬ما لح كوكب أي ما بقي من الليل شيء‪ ،‬وما ذر شارق ما‬
‫بقي من النهار شيء تري فيه الشمس‪ ،‬وبهذا قال ابن جني أي يسيرون إليك‬
‫نهارا ً فينشدون مديحك‪ ،‬وإذا جاء الليل سمروا بذكرك‪ ،‬والقول هو الول؛ لن‬
‫الحداء ل يختص بالنهار بل يكون بالليل في أكثر المر وغالب العادة‪.‬‬
‫إذا بدا حجيت عينيك هيبته وليس يحجبه ستر إذا احتجبا‬
‫يريد أنه شديد الهيبة إذا ظهر للرائين حجبت عيونهم عن النظر إليه كما قال‬
‫الفرزدق‪:‬‬
‫يغضي حياء ويغضى من مهابته فما يكلم إل حين يبتسم‬
‫وقال أيضًا‪:‬‬
‫وإذا الرجال رأوا يزيد رايتهم خضع الرقاب نواكس البصار‬
‫وقال أبو نواس‪:‬‬
‫إن العيون حجبن عنك بهيبة فإذا بدوت لهن نكس ناظر‬
‫وقوله‪:‬‬
‫ليس يحجبه ستر‬
‫يريد أن نور وجهه يغلب الستور فيلوح من ورائها كما قال‪:‬‬
‫أصبحت تأمر بالحجاب لخلوة هيهات لست علي الحجاب بقادر‬
‫وذكر ابن جني تأويلين آخرين‪ ،‬أحدهما‪ ،‬أن حجابه قريب لما فيه من التواضع‬
‫فليس يقصر أحد أراده دونه وإن كان محتجبا ً ‪ ،‬والخر انه وإن أحتجب فليس‬
‫بمحتجب لشدة تيقظه ومراعاته للمور‪.‬‬
‫ونذيمهم وبهم عرفنا فضله وبضدها تتبين الشياء‬
‫يقول نعيب اللئام‪ ،‬وفضله غنما يعرف بهم؛ لن الشياء إنما تتبين بأضداها ‪،‬‬
‫فلو كان الناس كلهم كراما ً مثله لم نعرف فضله‪ ،‬وقال ابن جني‪ :‬وهذا كقول‬
‫المنبجي‪:‬‬
‫فالوجه مثل الصبح مبيض والشعر مثل الليل مسود‬
‫ضدان لما استجمعا حسنا والضد يظهر حسنه الضد‬
‫وقال هذا البيت مدخول معيوب‪ :‬لنه ليس كل ضدين إذا اجتمعا حسنا‪ ،‬أل‬
‫ترى أن الحسن إذا قرن بالقبيح بان حسن الحسن وقبح القبيح‪ ،‬وبيت المتنبئ‬
‫سليم؛ لن الشياء باضدادها يصح أمرها‪ .‬انتهي كلمه وقد أكثر الشعراء في‬
‫هذا المعني قال أبو تمام‪:‬‬
‫وليس يعرف طيب الوصل صاحبه حتى يصاب بنأي أو بهجران‬
‫وقال أيضًا‪:‬‬
‫والحادثات وإن أصابك بؤسها فهو الذي أنباك كيف نعيمها‬
‫وقال أيضًا‪:‬‬
‫سمجت ونبهنا علي استسماجها ما حولها من نضرة وجمال‬
‫وكذاك لم تفرط كآبة عاطل حتى يجاورها الزمان بحالي‬
‫وقال البحتري أيضا‪:‬‬
‫قد زادها إفراط حسن جوارها خلئق أصفار من المجد خيب‬
‫وحسن دراري الكواكب أن ترى طوالع في داج من الليل غيهب‬
‫وقد ملح بشار في قوله‪:‬‬
‫ً‬
‫وكان جوارحي الحي إذ كنت فيهم قباحا فلما غبت صرن ملحا‬
‫وأبو الطيب صرح بالمعني‪ ،‬وبين أن مجاورة المضادة هي التي تثبت حسن‬
‫الشيء وقبحه ثم أخفاه في موضع آخر فقال‪:‬‬
‫ولول أيادي الدهر في الجمع بيننا غفلنا نشعر له بذنوب‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫******‬
‫متفرق الطمعين مجتمع القوى فكأنه السراء والضراء‬
‫يقول‪ :‬فيه حلوة لوليائه ومرارة لعدائه‪ ،‬وهو مع ذلك إنسان واحد‪ ،‬قواه‬
‫مجتمعة غير متباينة‪ ،‬وأول هذا المعني للبيد‪:‬‬
‫ممقر مر علي أعدائه وعلي الدنين حلو كالعسل‬
‫ثم تبعه الخرون فقال المسيب بن علس‪:‬‬
‫هم الربيع علي من ضاف أرحلهم وفي العدو مناكيد مشائيم‬
‫وقال علقة بن عركي‪:‬‬
‫وكنتم قديما ً في الحروب وغيرها ميامين في الدنى لعدائكم نكد‬
‫وقال كعب بن الجذم‪:‬‬
‫بنو رافع قوم مشائيم للعدى ميامن للمولى وللمتجرم‬
‫وقال النابغة الجعدي‪:‬‬
‫فتي تم فيه ما يسر صديقه علي أن فيه ما يسوء العاديا‬
‫قال ابن فورجة‪ :‬مجتمع القوى يعني قوي العزائم والراء‪ ،‬وأنكر القول الول‬
‫وهو قول ابن جني ‪.‬أ‪.‬هـ ‪.‬‬
‫أعدي الزمان سخاؤه فسخا به ولقد يكون به الزمان بخيل‬
‫قال ابن جني‪ :‬أي تعلم الزمان من سخائه فسخا به‪ ،‬وأخرجه من العدم إلي‬
‫الوجود‪ ،‬ولو لسخاؤه الذي أفاد منه‪ ،‬لبخل به علي أهل الدنيا‪ ،‬واستبقاه‬
‫لنفسهن قال ابن فورجة‪:‬هذا تأويل فاسد‪ ،‬وغرض بعيد والسخاء بغير الموجود‬
‫ل يوصف بالعدوى‪ ،‬وإنما يعني سخا به علي وكان بخيل ً به‪ ،‬فلما أعداه سخاؤه‬
‫اسعدني الزمان بضمي إليه وهدايتي نحوه‪ ،‬هذا كلمه‪ ،‬والمصراع الول مقول‬
‫من قول ابن الخياط‪:‬‬
‫لمست بكفي أبتغي الغني ولم أدر أن الجود من كفه يعدي‬
‫فل أنا منه ما أفاد ذوو الغني أفدت وأعدائي فأتلفت ما عندي‬
‫وقال الطائي أيضًا‪:‬‬
‫علمني جودك السماح فما أبقيت شيئا ً لدي من صلتك‬
‫وقال أيضًا‪:‬‬
‫لست يحيي مصافحا ً بسلم أنني إن فعلت أتلفت مالي‬
‫وأبو الطيب نقل المعني إلي الزمان ‪ ،‬والمصراع من قول أبي تمام‪:‬‬
‫هيهات أن يأتي الزمان بمثله إن الزمان بمثله لبخيل‬
‫الحب ما منع الكلم اللسنا وألذ شكوى عشق ما أعلنا‬
‫روي اللسنا بفتح السين ويكون علي هذه الرواية بمعني الذي يقول ‪ :‬غاية‬
‫الحب ما منع لسان صاحبه من الكلم‪ ،‬فلم يقدر علي وصف ما في قلبه منه‬
‫كما قال المجنون‪:‬‬
‫ولما شكوت الحب قالت كذبتني فمالي أري العضاء منك كواسيا‬
‫فما الحب حتى يلصق الجلد بالحشا وتخرس حتى ل تجيب المناديا‬
‫وكما قال قيس بن ذريح‪:‬‬
‫وما هو إل أن أراها فجاءة فأبهت حتى ما أكاد أجيب‬

‫)‪(33 /‬‬

‫ويجوز أيضا ً أن يكون ما بمعني الذي علي رواية من روي اللسنا بضم‬
‫السين ‪ ،‬والظاهر أن ما نافية؛ لن المصراع الثاني حث علي إعلن العشق‬
‫وإنما يعلن من قدر علي الكلم وكما يقول الموصلي‪:‬‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فبح باسم من تهوي ودعني من الكني فل خير في اللذات من دونها ستر‬


‫ويقول السري الرفاء‪:‬‬
‫ظهر الهوى وتهتكت أستاره والحب خير سبيله إظهاره‬
‫أعصي العواذل في هواه جهارة فألذ عيش المستهام جهاره‬
‫*****‬
‫وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل‬
‫يقول ‪ :‬إذا ذمني ناقص كان ذمه دليل كمالي وفضلي؛ لن لناقص ل يحب‬
‫الكامل الفاضل لما بينهما من التفاضل ‪ ،‬وهذا من قول أبي تمام‪:‬‬
‫لقد أسف العداء فضل ابن يوسف وذو النقص في الدنيا بذي الفضل مولع‬
‫واخذه هو من قول مروان بن أبي حفصة‪:‬‬
‫ما ضرني حسد اللئام ولم يزل ذو الفضل يحسده ذوو التقصير‬
‫وأصل هذا من وقل الول‪:‬‬
‫لقد زادني حبا ً لنفسي أنني بغيض إلي كل امرئ غير طائل‬
‫وأني شقي باللئام ول أري شقيا ً بهم إل كريم الشمائل‬
‫****‬
‫ً‬
‫أبدو فيسجد من بالسوء يذكرني ول أعاتبه صفحا وإهوانا‬
‫يقول ‪ :‬من يذكرني بالسوء في غيبتي إذا ظهرت له عظمني‪ ،‬وخضع لي‪ ،‬وأنا‬
‫أعرض عن عتابه إهانة له‪ ،‬وإنما قال إهوانا لنه أخرجه علي الصل ضرورة‬
‫كما قال الخر‪:‬‬
‫صددت فأطولت الصدود وقلما وصال علي طول الصدود يوم‬
‫يريد فأطلت فجاء به علي الصل‪.‬‬
‫وهكذا كنت في أهلي وفي وطني إن النفيس غريب حيثما كانا‬
‫يقول ‪ :‬كنت وأنا في وطني وفيما بين أهلي غريب ‪ ،‬قليل الموافق‬
‫والمساعد‪ ،‬ثم قال‪ :‬وكذلك الرجل النفيس العزيز‪ ،‬غريب حيث كان‪ ،‬كما قال‬
‫أبو تمام‪:‬‬
‫غربته العلى علي كثرة الهـ ـل فاضحي في القربين جنيبا ً‬
‫فليطل عمره فلو مات في مر ومقيما بهما لمات غريبا ً‬
‫محسد الفضل مكذوب علي أثري ألقي الكمي ويلقاني إذا حانا‬
‫قوله مكذوب عي أثري من قول البرح التغلبي‪:‬‬
‫يغتاب عرضي خاليا وإذا تلقينا اقشعرا‬
‫ومن قول سويد بن أبي كاهل‪:‬‬
‫ويحييني إذا لقيته وإذا يخلو له لحمي رتع‬
‫وتقدير الكلم مكذوب علي أثري‪ ،‬أي يكذب علي إذا قمت وخرجت من‬
‫مشهد ومجمع‪ ،‬والشجاع إذا حان حينه لقيني في المعركة‪.‬‬
‫*****‬
‫وأحسب أني لو هويت فراقكم لفارقته والدهر أخبث صاحب‬
‫يريد أن الدهر يخالفه في كل ما أراد‪ ،‬حتى لو أحب فراقهم لواصلوه ‪ ،‬وكان‬
‫من حقه أن يقول لفارقتني؛ لن قوله لفارقته فعل نفسه وهو يشكو الدهر‪،‬‬
‫ول يشكو فعل نفسه‪ ،‬ولكنه قلبه لن من فارقك قد فارقته فهذا من باب‬
‫القلب وإنما قال أخبث صاحب‪ ،‬وكان من حقه أن يقول أخبث الصحاب؛ لنه‬
‫أراد اخبث من يصحب ‪ ،‬وما كان اسم فاعل في مثل هذا يجوز فيه الفراد‬
‫كافِرٍ ب ِهِ ()البقرة‪ :‬الية ‪ .(41‬يعني ل‬‫ل َ‬‫كوُنوا أ َوّ َ‬
‫والجمع‪ ،‬قال الله تعالي‪َ ) :‬ول ت َ ُ‬
‫تكونوا أو من يكف به وأنشد الفراء‪:‬‬
‫وإذا هم طعموا فألم طاعم وإذا هم جاعوا فنش جياع‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فأتي بالمرين جميعًا‪ ،‬وأشار أبو الطيب إلي أن من أهواه ينأى عني‪ ،‬ومن‬
‫أبغضه يقرب منى لسوء صحبة الدهر إياي‪ ،‬كما قال لطف الله بن المعافي‪:‬‬
‫أري ما أشتهيه يفر مني وما ل أشتهيه إلي يأتي‬
‫ومن أهواه يبغضني عنادا ً ومن أشناه يشب في لهاتي‬
‫كأن الدهر يطلبني بثأر فليس يسره إل وفاتي‬
‫****‬
‫ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم‬
‫ذو العقل يشقي في النعيم وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم‬
‫يريد أن العاقل يشقى وإن كان في نعمة لتفكره في عاقبة أمره‪ ،‬وعلمه‬
‫بتحول الحوال‪ ،‬والجاهل ينعم وهو في الشقاوة لغفلته‪ ،‬وقلة تفكره في‬
‫العواقب وقد قال البحتري‪:‬‬
‫أري الحلم بؤسا في المعيشة للفتي ول عيش إل ما حباك به الجهل‬
‫وقال أبو نصر بن نباته‪:‬‬
‫من لي بعيش الغبياء فإنه ل عيش إل عيش من لم يعلم‬
‫وسابق هذه الحلبة بن المعتز في قوله‪:‬‬
‫وحلوة الدنيا لجاهلها ومرارة الدنيا لمن عقل‬
‫وأحسن ابن ميكال في قوله‪:‬‬
‫العقل عن درك المطالب عقلة عجبا ً لمر العاقل المعقول‬
‫وأخو الدراية والنباهة متعب والعيش عيش الجاهل المجهول‬
‫وقد قال القدماء‪ :‬ثمرة الدنيا السرور‪ ،‬وما سر عاقل قط؛ يراد بتفكره في‬
‫العواقب وتخوفه إياها‪.‬‬
‫المتنبئ في المحكمة الشرعية‬
‫ما عليه‪:‬‬
‫‪ -1‬فمن ذلك أنه شبه حلوة رشفات محبوباته لفمه بحلوة التوحيد بقوله‪:‬‬
‫يترشفن من فمي رشفات هن فيه أحلي من التوحيد‬
‫وهذا البيت يدل علي رقة دين المتنبئ ‪ ،‬الذي تساوى عنده التوحيد الذي هو‬
‫أساس العمال ‪ ،‬برشفات محبوباته‪ ،‬فهو قول ) كفري( ل يقيم وزنا ً لدين الله‬
‫‪ ،‬بل يسخر منه‪ ،‬وينزله إي أسفل المنازل عندما يشبهه بهذه المعصية التي‬
‫وقع فيها‪.‬‬
‫وقد حاول بعض المتعصبين لبي الطيب توجيه هذا البيت الذي يشهد بقلة‬
‫دينه توجيها ً آخر ‪ ،‬فقالوا‪ :‬بأن التوحيد هو نوع من التمور التي توجد في‬
‫العراق!!‬
‫وبعضهم اعترف بأن المراد من وقله )) التوحيد (( هو توحيد الله!‪ ،‬ولكنه‬
‫تمحل في تخريج هذا القول بادعاء أن الدين ل يحكم علي الشعر!‪ ،‬وأنه يجوز‬
‫للشاعر مل يجوز لغيره من أنواع التجاوزات!‬

‫)‪(34 /‬‬

‫يقول القاضي الجرجاني متنبيا ً هذا الرأي الشاذ )‪ (1‬في كتابه )) الوساطة‬
‫بين المتنبي وخصومه ((‪:‬‬
‫) والعجب ممن ينقص أبا الطيب‪ ،‬ويغض من شعره لبيات وجدها تدل علي‬
‫ضعف العقيدة‪ ،‬وفساد في الديانة ‪.‬كقوله‪:‬‬
‫يترشفن من فمي رشفات هن فيه أحلي من التوحيد‬
‫وقوله)‪:(3‬‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وابهر آيات التهامي أنه أبوك وأجدى ما لكم من مناقب‬


‫وهو يحتمل لبي نواس قوله‪:‬‬
‫قلت والكأس علي كـ ــفي تهوي ل التثامي‬
‫أنا ل أعرف ذاك الـ ــيوم في ذاك الزحام‬
‫وقوله )‪:(4‬‬
‫يا عاذلي في الدهر ذا هجر ل قدر صح ول جبر‬
‫ما صح عندي من جميع الذي يذكر إل الموت والقبر‬
‫فاشرب علي الدهر وأيامه فإنما يهلكنا الدهر‬
‫وقوله )‪:(1‬‬
‫عاذلتني بالسفاة والزجر استمعي ما أبث من أمري‬
‫باح لسانس بمضمر السر وذاك أني أقول بالدهر‬
‫بين رياض السرور لي شيع كافرة بالحساب والحشر‬
‫موقنة بالممات جاحدة لما رووه من ضغطة القبر‬
‫وليس بعد الممات منقلب وإنما الموت بيضة العقر‬
‫وقوله‪:‬‬
‫ً‬
‫أأترك لذة الصهباء نقدا لما وعدوه من لبن وخمر‬
‫حياة ثم موت ثم بعث حديث خرافة يا أم عمرو‬
‫وقد روي أنهما لديك الجن‪.‬‬
‫وقوله)‪:(3‬‬
‫فدع الملم فقد أطعت غوايتي ونبذت موعظتي وراء جداري‬
‫ورأيت إيثار اللذاذة والهوي وتمتعا ً من طيب هذي الدار‬
‫أحري وأحزم من تنظر آجل ظني به رجم من الخبار‬
‫إني بعاجل ما ترين موكل وسواه إرجاف من الثار‬
‫ما جاءنا أحد يخبر أنه في الجنة مذ مات أو في النار‬
‫فلو كانت الديانة عارا ً علي الشعر‪ ،‬وكان سوء العتقاد سببا لتأخر الشاعر‪،‬‬
‫لوجب أن يمحي اسم أبي نواس من الدواوين ‪ ،‬ويحذف ذكره إذا عدت‬
‫الطبقات‪ ،‬ولكان أولهم بذلك أهل الجاهلية‪ ،‬ومن تشهد المة عليه بالكفر‪،‬‬
‫ولوجب أن يكون كعب بن زهير وابن الزبعرى وأضرابهما ممن تناول الرسول‬
‫صلي الله عليه وسلم وعاب من أصحابه بكما ً وخرسا ً وبكاء )‪ (1‬مفحمين؛‬
‫ولكن المرين متباينان‪ ،‬والدين بمعزل عن الشعر( )‪.(2‬‬
‫قلت ‪ :‬كيف يكون الدين بمعزل عن الشعر ‪ ،‬والله عز وجل قد سمي إحدى‬
‫سور القرآن بسورة ) الشعراء(‪ ،‬فهل هذا إل لجل بيان شمول السلم‬
‫ل إ ِّل ل َد َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫ن قَوْ ٍ‬
‫م ْ‬ ‫ف ُ‬
‫ظ ِ‬ ‫ما ي َل ْ ِ‬
‫وأحكامه للشعراء وأقوالهم؟ وقد قال سبحانه‪َ ( :‬‬
‫ق‪ (18:‬وقال صلي الله عليه وسلم ‪ )) :‬إن الله قد عفا لمتي‬ ‫د( ) ّ‬
‫ب عَِتي ٌ‬‫َرِقي ٌ‬
‫الخطأ والنسيان وكلم غائب العقل((‪.‬‬
‫ومسألة ) علقة الدين بالشعر( هي مسألة طال فيها الكلم وتشعب‪ ،‬ما بين‬
‫مؤيد ومعارض‪ ،‬منذ أن بد الشعراء يمارسون تجاوزاتهم الشرعية في أبياتهم‬
‫الشعرية خائضين في ألوان من الردة والمعصية‪.‬‬
‫عندما هب أهل السلم معنفين لهم‪ ،‬وزاجرين عن ركوب هذا الشطط‪،‬‬
‫ومفارقة اليمان وأهله‪ ،‬وقابلهم أناس لم يقدروا الله حق قدره‪ ،‬ولم يعطوا‬
‫شرعه‪ ،‬نصبوا أنفسهم للدفاع عن تكلم التجاوزات وتبريرها‪ ،‬ثم مفترين‬
‫مقولة‪ :‬إن الدين ل علقة له بالشعر )‪.(1‬‬
‫قال الدكتور ناصر الخنين ملخصا ً لقول الصواب في هذه القضية )‪:(2‬‬
‫) وهذا الكلم مجمل ينبغي توضيحه وتخصيصه ؛ فهناك فرق كبير بين أن‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقول شاعر مسلم شعرا ً حسنا ً ل يحمل معني الكفر‪ ،‬ول يقود إلي اللحاد‪،‬‬
‫بل قد يكون فيه خير‪ ،‬أو دعوة إليه‪ ،‬فهذا الخير ل ضير فيه‪ ،‬ول خوف في‬
‫قبول حسنه واستحسانه‪ ،‬وسماعه واستنشاده ‪ ،‬ولنا في رسول الله صلي‬
‫الله عليه وسلم أسوة حسنه‪ ،‬وذلك حينما استنشد أشعار أمية ب أبي الصلت‬
‫وسمعها‪.‬‬
‫أما الصنف الول‪ :‬وهو الشعار الصادرة عن الملم‪ ،‬فإن إسلم الشاعر ل‬
‫يشفع لشعاره جميعا ً بأن تكون مسلمة‪ ،‬ل شيه فيها‪ ،‬أو مستحقة للستماع ‪،‬‬
‫إنما الذي يستحق ذلك ويفوز به أعاره الحسنة المستطابة‪ ،‬التي انطلقت من‬
‫السلم واستنارت به‪ ،‬ولم تصادمه أو تناقضة‪ ،‬فهي بل ريب مقدمة علي‬
‫أمثالها من أشعار الكفار‪ ،‬وذلك لمزية إسلم قائلها‪ ،‬ولصدق معانية ‪ ،‬ووضوح‬
‫تصوره في غالب أحواله؛ لنه قد استمد هذا الوضوح وذلك الصدق من‬
‫السلم ذاته‪ ،‬ل من خواطره وأهوائه ‪ ،‬ولذلك فإن أثرها علي المسلمين حينما‬
‫يسمعونها أو يقرؤونها أعظم وأبلغ‪.‬‬
‫وبذلك يتبين‪ :‬أن الشعار الصادرة عن المسلم وفيها كفر‪ ،‬أو سخرية بشيء‬
‫من شعائر الدين‪ ،‬ل تستحق الستماع من المسلمين ‪ ،‬بل إن نفوسهم تتغلق‬
‫دونها‪ ،‬وقلوبهم تنقبض منها‪ ،‬فينقص قدرها‪ ،‬ول يكون لها نصيب من العناية‪،‬‬
‫وإن تكن في الذروة الفنية من حيث الصياغة الشعرية‪.‬‬
‫ولهذا فقد اختلف العلماء في إقامة الحد علي الشاعر المسلم فيما لو جاء‬
‫في شعره بما يوجب الحد الشرعي‪.‬‬
‫ول مرية في أن الشعار التي تحمل الخبث والفسق يبوء صاحبها بها‪ ،‬وتحور‬
‫عليه‪ ،‬ولكن ل ينبغي تمكينه هو أو غيره من إشاعة أشعار الفسق والمجون‬
‫في أوساط المسلمين‪ ،‬وحتى ل ييشككهم في دينهم‪ ،‬أو يفسد عليهم أبناءهم‬
‫أو ينال منهم(‪.‬‬
‫وقال ‪ - :‬حفظه الله‪:(1) -‬‬

‫)‪(35 /‬‬

‫) ولو كان الشعر ضربا ً من الخيال أو نوعا ً من العبث اللفظي الذي ل يلقي له‬
‫بال‪ ،‬ول يحمل معني ول يؤدي إليه‪ ،‬ول يؤاخذ صاحبه عليه لما أعر الرسول‬
‫عليه أفضل الصلة والتسليم‪ ،‬اهتمامه إلي شعراء قريش‪ ،‬ولما ألقي‬
‫ل‪ ،‬حينما هجوه وعابوا عليه دعوته‪ ،‬ولكن المر في ذلك مختلف؛‬ ‫لشعارهم با ً‬
‫فقد أهدر دم الذين هجوه ‪ ،‬وأمر شعراءه بالرد عليهم والنيل منهم جزاًء‬
‫وفاقا‪.‬‬
‫وهل الدين‪ :‬إل أوامر وزاوجر؟ فكيف يقال بعد ذلك كله‪ ) :‬إن الدين بمعزل‬
‫عن الشعر؟(‪ .‬اللهم إل إذا كان لدى قائل ذلك‪ ،‬أو من يسلم بمذهبه‪ ،‬تأويل‬
‫سائغ لكل ما تقدم‪ ،‬ويعضده الدليل ويشفع له التعليل‪ ،‬فإذا لم يكن ثم شيء‬
‫من ذلك فقد بطلت تلك النتيجة وسقط ذلك الزعم ‪ ،‬بفساد مقدماته وانعدام‬
‫بيناته(‪.‬‬
‫وأقول بعد هذا ‪ :‬إن بيت المتنبئ ‪:‬‬
‫يترشفن من فمي رشفات هن فيه أحلى من التوحيد‬
‫هو من البيات التي عابه العلماء والنقاد الذين يعلمون خطورة الدفاع عن‬
‫من يحاد الله في شعره‪ ،‬متذكرين قوله تعالي‪َ َ ( :‬‬
‫م‬
‫م عَن ْهُ ْ‬‫جاد َل ْت ُ ْ‬‫ؤلِء َ‬ ‫م هَ ُ‬
‫ها أن ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫كي ً‬
‫ل(‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬ ‫كو ُ‬‫ن يَ ُ‬‫م ْ‬
‫م َ‬ ‫مةِ أ ْ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫م ي َوْ َ‬
‫ه عَن ْهُ ْ‬‫ل الل ّ َ‬
‫جادِ ُ‬
‫ن يُ َ‬
‫م ْ‬ ‫ِفي ال ْ َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا فَ َ‬
‫)النساء‪(109:‬‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال التوحيدي في شرحه لهذا البيت‪:‬‬


‫) يقول‪ :‬كن يمصصن ريقي لحبهن إياي‪ ،‬كانت تلك الرشفات أحلي في فمي‬
‫من كلمة التوحيد؛ وهي ل إله إل الله ‪ ،‬وهذا إفراط وتجاوز حد(‪.‬‬
‫وقال ابن رشيق في )) العمدة((‪.‬‬
‫) فإذا صرت إلي أبي الطيب صرت إلي أكثر الناس غلوًا‪ ،‬وأبعدهم فيه همة‪،‬‬
‫حتى لو قدر ما أخلي منه بيتا ً واحدًا‪ ،‬وحتى تبلغ به الحال إلي ما هو عنه غني‪،‬‬
‫وله في غيره منوحة ‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫يترشفن من فمي رشفات هن فيه أحلي من التوحيد‬
‫وقال ابن القيم – رحمه الله‪:-‬‬
‫) فتأمل حال أكثر عشاق الصور تجدها مطابقة لذلك‪ ،‬ثم ضع حالهم في كفه‪،‬‬
‫وتوحيدهم وإيمانهم في كفة‪ ،‬ثم زن وزنا ً يرضي الله به ورسوله‪ ،‬ويطابق‬
‫العدل‪ ،‬وربما صرح العاشق منهم بأن وصل معشوقه أحب إليه من وحيد ربه‬
‫كما قال الفاسق الخبيث‪:‬‬
‫يترشفن من فمي رشفات هن فيه أحلي من التوحيد‬
‫‪ -2‬ومن ذلك قوله )‪:(2‬‬
‫كل شيء من الدماء حرام شربه ما خل دم العنقود‬
‫فاسقينها فدى لعينيك نفسي من غزال وطارفي وتليدي‬
‫فهو هنا يحلل شرب الخمر التي يسميها ) دم العنقود( وهذا من التقول علي‬
‫الله بل علم‪ ،‬بل هو تحليل لما حرم الله ‪ ،‬واعتراض علي حكمه تعالي‪.‬‬
‫وتحريم الخمر ليس مما يجهل‪ ،‬فهي محرمة بنص الكتاب ‪ ،‬وذلك في قوله‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫س ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ب َواْلْزل ُ‬
‫م رِ ْ‬ ‫صا ُ‬ ‫سُر َواْلن ْ َ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫مُر َوال ْ َ‬ ‫خ ْ‬‫ما ال ْ َ‬ ‫مُنوا إ ِن ّ َ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫تعالي‪َ( :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫طا َ‬
‫ن ُيوقِعَ ب َي ْن َك ُ ُ‬
‫م‬ ‫نأ ْ‬ ‫شي ْ َ ُ‬ ‫ريد ُ ال ّ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫حون إ ِن ّ َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫م تُ ْ‬ ‫جت َن ُِبوه ُ ل َعَل ّك ُ ْ‬‫ن َفا ْ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫عَ َ‬
‫صلةِ فَهَ ْ‬
‫ل‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫ن ذِكرِ اللهِ وَعَ ِ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫صد ّك ْ‬ ‫سرِ وَي َ ُ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫مرِ َوال َ‬ ‫خ ْ‬‫ضاَء ِفي ال َ‬ ‫داوَة َ َوالب َغْ َ‬
‫َ‬
‫ن( )المائدة‪. (91:‬‬ ‫من ْت َُهو َ‬
‫م ُ‬ ‫أن ْت ُ ْ‬
‫وتحليل الذي علم تحريمه بالضرورة من الدين ‪ ،‬هو من العمال ) الكفرية(‬
‫التي هوى صاحبها في حفرة سحيقة‪ ،‬قادته إليها نفسه المتعالية المتكبرة‬
‫علي شرع الله وأوامره‪.‬‬
‫‪ -3‬ومن ذلك قوله )‪:(2‬‬
‫أبدا ً أقطع البلد ونجمي في نحوس وهمتي في سعود‬
‫فهو هنا يؤمن بالنجوم‪ ،‬وأن لها تأثيرا ً في أقدار الشر‪ ،‬وهذا من الضلل‬
‫المبين ‪ ،‬وقد قال صلي الله عليه وسلم ‪ )):‬من اقتبس علما ً من النجوم‬
‫اقتبس شعبة من السحر‪ ،‬زاد ما زاد(( )‪.(3‬‬
‫والعجب أن المتنبئ ق ناقض قوله هذا في شعر آخر له يقول فيه )‪:(4‬‬
‫فتبا ً لدين عبيد النجوم ومن يدعي أنها تعقل‬
‫ولكنها أخلق الشعراء الذين يهيمون في كل واد من القول‪ ،‬دون ضوابط أو‬
‫تذكار لما سلف منهم‪ ،‬فقول أمس منقوض بقول اليوم‪.‬‬
‫‪ -4‬ومنها قوله‪:‬‬
‫فاطلب العز في لظي وذر الذ ل ولو كان في جنان الخلود‬
‫وهذا امتهان لجنة الخلد التي وعد الرحمن عباده بالغيب‪ ،‬وهو يعلم أن من‬
‫دخل الجنة فإنه ل يصيبه فيها ذل ول خزي‪ ،‬بل هو عزيز في الدنيا‪ ،‬وعزيز في‬
‫ن ()المنافقون‪ :‬الية ‪.(8‬‬ ‫مؤْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫سول ِهِ وَل ِل ْ ُ‬ ‫الخرة‪ ،‬قال تعالي‪)َ :‬ل ِل ّهِ ال ْعِّزةُ وَل َِر ُ‬
‫م‬
‫وأما من دخل النار فإنه في ذل وهوان‪ ،‬وقال تعالي عن أصحاب النار‪)َ :‬ت ََراهُ ْ‬
‫في()الشورى‪ :‬الية‬ ‫خ ِ‬‫ف َ‬ ‫ن ط َْر ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ل ي َن ْظ ُُرو َ‬ ‫ن الذ ّ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫شِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن عَل َي َْها َ‬ ‫ضو َ‬ ‫ي ُعَْر ُ‬
‫‪.(45‬‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن كان منهم عزيزا ً في الدنيا فإن عزه الموهوم ينقلب ذل ً وخزيا ً يوم‬
‫القيامة‪ ،‬وفي ذلك قول الله عن ) كبار( أهل النار‪( :‬ذ ُقْ إن َ َ‬
‫ت ال ْعَ ِ‬
‫زيُز‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫ِّ‬
‫م( )الدخان‪ . (49:‬أي في الدنيا ‪ ،‬وهذا من باب السخرية به‪ ،‬وزيادة‬ ‫ال ْك َ ِ‬
‫ري ُ‬
‫حسرته عندما يتذكر عزة السابق ‪ .‬قال ابن كثير‪ ) :‬أي قولوا له ذلك علي‬
‫وجه التهكم والتوبيخ(‪.‬‬
‫‪ -5‬ومن ذلك قوله )‪:(1‬‬
‫أنا في أمة تداركها اللـ ــه غريب كصالح في ثمود‬
‫وهذا القول منه في باب التعاظم الذي عرف به الشاعر‪ ،‬وإل فكيف يشبه‬
‫هذا الشاعر المسرف نفسه بنبي الله صالح – عليه السلم ‪ -‬؟!‬
‫‪ -6‬ومن ذلك قوله )‪:(1‬‬

‫)‪(36 /‬‬

‫لم يخلق الرحمن مثل محمد أحدا ً وظني أنه ل يخلق‬


‫ولقد صدق الشاعر في هذا القول لو كان يقصد بمحمد الممدوح رسول الله‬
‫صلي الله عليه وسلم فإنه أفضل الخلق بل شك كما قال صلي الله عليه‬
‫وسلم ‪ )) :‬أنا سيد ولد آدم ول فخر((‪.‬‬
‫ولكن الشاعر يقصد بمحمد هذا ممدوحه‪ .‬وهذا القول‪ :‬كذب عظيم وغلو‬
‫فاحش ‪ ،‬ل يتفوه به مسلم‪ ،‬وهو من الفتراءات علي الله عز وجل‪.‬‬
‫ولكن‪ ،‬قد قلت سابقا ً بأن المتنبئ يرتكب العظائم في سبيل تحقيق طموحاته‬
‫الدنيوية الدنيئة‪.‬‬
‫‪ -7‬ومن ذلك قوله )‪:(3‬‬
‫أل كل سمح غيرك اليوم باطل وكل مديح في سواك مضيع‬
‫وقد كذب الشاعر‪ ،‬إن مدح الله عز وجل‪ ،‬ومدح رسوله عليه الصلة والسلم‬
‫ليس بمضيع‪ ،‬بل هو مما يدخره النسان لنفسه في الخرة ‪ ،‬وقد قال صلي‬
‫الله عليه وسلم ‪ :‬لحد الشعراء لما قال ‪ ) :‬إني قد حمدت ربي عز وجل‬
‫بمحامدة ومدح( قال صلي الله عليه وسلم ‪ )) :‬أما إن ربك عز وجل يحب‬
‫المدح((‪ .‬أي يحب من عبده أن يمدحه ويحمده‪ ،‬فيثبته علي ذلك ول يضيعه‪.‬‬
‫‪ -8‬ومن ذلك قوله)‪:(2‬‬
‫يا من ألوذ به فيما أؤمله ومن أعوذ به مما أحاذره‬
‫ل يجبر الناس عظما ً أنت كاسره ول يهيضون عظما أنت جابره‬
‫ً‬
‫وهذا القول ل يصلح إل في حق الله تعالي‪ ،‬فهو الملذ والمستعاذ ‪ ،‬وهو الذي‬
‫ل يجير الناس من كسر‪ ،‬ول يهيضون من جبر ‪ ،‬قال شيخ السلم في هذين‬
‫البيتين‪ ) :‬إنما يصلح هذا لجناب الله سبحانه وتعالي( )‪.(3‬‬
‫‪ -9‬ومن ذلك قوله )‪:(4‬‬
‫أني يكون أبا البرية آدم وأبوك والثقلن أنت محمد‬
‫يفني الكلم ول يحيط بفضلكم أيحيط ما يفني بما ل ينفد‬
‫وهذا من الغلو الفاحش في المدح‪ ،‬والذي ل ينفد فضله هو الله سبحانه‬
‫ق ()النحل‪ :‬الية ‪.(96‬‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ َبا ٍ‬
‫ما ِ‬‫فد ُ و َ َ‬‫م ي َن ْ َ‬‫عن ْد َك ُ ْ‬ ‫ما ِ‬
‫وتعالي‪ ،‬قال عز وجل‪َ ) :‬‬
‫‪ -10‬ومن ذلك قوله )‪:(1‬‬
‫دعوتك عند انقطاع الرجا ء والموت مني كحبل الوريد‬
‫دعوتك لما براني البلء وأوهن رجلي ثقل الحديد‬
‫والمسلم الحق يلتجئ إلي الله عز وجل عند الكرب‪ ،‬ويدعوه عند انقطاع‬
‫ضط َّر إ َِذا د َ َ‬ ‫َ‬
‫سوَء(‬
‫ف ال ّ‬ ‫عاه ُ وَي َك ْ ِ‬
‫ش ُ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫جي ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫رجائه بالناس‪ ،‬قال تعالي‪( :‬أ ّ‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)النمل‪ :‬الية ‪.(2) (62‬‬


‫‪ -11‬ومن ذلك قوله)‪:(3‬‬
‫ً‬
‫يا من نلوذ من الزمان بظله أبدا ونطرد باسمه إبليسا‬
‫ن‬ ‫رآ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ت‬ ‫والذي يطرد إبليس هو المولى عز وجل‪ ،‬قال تعالي‪( :‬فَإَذا قَرأ ْ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬
‫م( ‪ .‬وقال صلي الله عليه وسلم ‪ )) :‬إذا‬ ‫شي ْ َ‬‫ن ال ّ‬ ‫ست َعِذ ْ ِبالل ّهِ ِ‬‫َفا ْ‬
‫جي ِ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫طا ِ‬ ‫م َ‬
‫نودي بالصلة أدبر الشيطان وله ضراط حتى ل يسمع التأذين(( )‪(5‬‬
‫فالشيطان يطرد بذكر الله ـ تعالي ـ‪.‬‬
‫وهذا البيت من حقه أن يقال في الله عز وجل وذكره‪ ،‬ل في بشر قد يكون‬
‫ممن قد تلعب به الشيطان يمنة ويسرة‪.‬‬
‫‪ -12‬ومن ذلك قوله )‪:(6‬‬
‫أو كان صادف رأس عازر سيفه في يوم معركة لعيا عيسى‬
‫أو كان لج البحر مثل يمينه ما انشق حتى جاز فيه موسى‬
‫أو كان للنيران ضوء جبينه عبدت فصار العالمون مجوسا‬
‫وهذه البيات من السخرية بمعجزات النبياء ‪ ،‬وعدم حفظ مكانتهم عليهم‬
‫السلم‪.‬‬
‫فالمتنبئ يزعم – وهو كاذب‪ -‬أن سيف الممدوح لو ضرب به عازر )‪ (1‬لما‬
‫استطاع عيسى عليه السلم أن يحييه!! ونسي الشاعر أن إحياءه عليه‬
‫السلم كان بإذن الله ل بإذنه‪ .‬قال تعالي عن عيسي ـ عليه السلم ـ أنه‬
‫ن الل ّهِ ()آل عمران‪ :‬الية ‪.(49‬‬ ‫ُ‬
‫موَْتى ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫حِيي ال ْ َ‬ ‫قال ‪ ( :‬وَأ ْ‬
‫وهكذا انشقاق البحر لموسى ـ عليه السلم ـ هو بإذن الله‪.‬‬
‫‪ 13‬ـ ومن ذلك قوله )‪:(3‬‬
‫وكأنما عيسى بن مريم ذكره وكأن عازر شخصه المقبور‬
‫وهذا من احتقار النبياء ـ عليهم السلم ـ عندما يشبه ممدوحه بهم‪.‬‬
‫‪ 14‬ـ من ذلك قوله )‪:(4‬‬
‫فأعيذ إخواته برب محمد أن يحزنوا ومحمد مسرور‬
‫أو يرغبوا بقصورهم عن حفرة حياه فيها منكر ونكير‬
‫وقد القول من الفتراء وادعاء علم الغيب‪ ،‬حيث يزعم أن هذا الميت سيحييه‬
‫منكر ونكير في قبره! وهو بهذا القول يزعم أنه يعري ويواسي أهله‪ ..‬وكان‬
‫الحري به أن يعزيهم بما ثبت في السنة الصحيحة‪ ،‬من الدعوة إلي الصبر‬
‫والرضي بالقدر‪.‬‬
‫‪ -15‬ومن ذلك قوله )‪:(1‬‬
‫ملك تصور كيف شاء كأنما يجري بفضل قضائه المقدور‬
‫وهذا ادعاء سخيف‪ ،‬حيث يزعم أن القدر يوافق ممدوحه في كل ما يريد‪.‬‬
‫وهذه لم تكن للنبياء وهم أشرف الخلق وأفضلهم‪ ،‬فكيف بغيرهم ممن قد‬
‫يكون من السلفة!؟‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫خي ْ ِ‬‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ست َكث َْر ُ‬ ‫بل ْ‬ ‫م الغَي ْ َ‬‫ت أعْل ُ‬ ‫وقد قال تعالي لشرف خلقه‪ ( :‬وَلوْ كن ْ ُ‬
‫سوُء(‪.‬‬ ‫ي ال ّ‬ ‫سن ِ َ‬‫م ّ‬ ‫ما َ‬ ‫وَ َ‬
‫‪ -16‬ومن ذلك قوله)‪:(3‬‬
‫فما ترزق القدار من أنت حارم ول تحرم القدار من أنت رازق‬
‫وهذا القول ل يصلح إل لله عز وجل‪ ،‬فهو الذي إذا أراد رزق عبد من عباده‬
‫فلن يحرمه أحد هذا الرزق‪ ،‬وإذا أراد حرمانه منه فلن يرزقه سوي الله‪.‬‬
‫َ‬
‫خي ْرٍ فل‬ ‫ك بِ َ‬ ‫ن ي ُرِد ْ َ‬ ‫ه إ ِّل هُوَ وَإ ِ ْ‬‫ف لَ ُ‬
‫ش َ‬ ‫كا ِ‬‫ضّر َفل َ‬ ‫ه بِ ُ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫س َ‬ ‫س ْ‬‫م َ‬‫ن يَ ْ‬ ‫قال تعالي‪( :‬وَإ ِ ْ‬
‫ضل ِهِ (‪.‬‬‫ف ْ‬ ‫َراد ّ ل ِ َ‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -17‬ومن ذلك قوله )‪:(2‬‬


‫إن المنية لو لقتهم وقفت خرقاء تتهم القدار والهربا‬

‫)‪(37 /‬‬

‫وهذا غلو قد تجاوز الحد‪ ،‬حيث يزعم أبو الطيب أن الموت يفرق ويخاف من‬
‫ممدوحه ‪ ،‬والله قد أخبرنا بأن الناس هم الذين يفرون من الموت الذي هو‬
‫كم(‪.‬‬ ‫ملِقي ُ‬ ‫ه ُ‬‫ه فَإ ِن ّ ُ‬
‫من ْ ُ‬
‫ن ِ‬‫فّرو َ‬ ‫ذي ت َ ِ‬ ‫ت ال ّ ِ‬ ‫موْ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ل إِ ّ‬‫ملقيهم ل محالة‪( :‬قُ ْ‬
‫‪ -18‬ومن ذلك قوله )‪:(4‬‬
‫ولو يممتهم في الحشر تجدو لعطوك الذي صلوا وصاموا‬
‫وهذا كذب من القول ل يجيده غير الشعراء! فهو يخبر عن كرم ممدوحيه بأنه‬
‫قد تجاوز الحد‪ ،‬وأنك لو استمنحتهم شيئا ً يوم الحشر النبي صلي الله عليه‬
‫م!! والله يقول عن‬ ‫وسلم فإنه من شدة كرمهم سيعطونك صلتهم وصيامه َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ن أَ ِ‬
‫ه‬
‫حب َت ِ ِ‬
‫صا ِ‬
‫مهِ وَأِبيهِ )‪ (35‬وَ َ‬ ‫خيهِ )‪ (34‬وَأ ّ‬ ‫م ْْ‬ ‫مْرُء ِ‬ ‫فّر ال ْ َ‬ ‫م يَ ِ‬‫ذلك اليوم العظيم‪) :‬ي َوْ َ‬
‫ه( ‪.‬‬‫ن ي ُغِْني ِ‬ ‫شأ ٌ‬ ‫مئ ِذ ٍ َ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ئ ِ‬‫مرِ ٍ‬ ‫لا ْ‬‫وَب َِنيهِ )‪ (36‬ل ِك ُ ّ‬
‫‪ -19‬ومن ذلك قوله)‪:(1‬‬
‫وأعطيت الذي لم يعط خلق عليك صلة ربك والسلم‬
‫وهذا القول ل يصلح إل لنبينا محمد صلي الله عليه وسلم فهو الذي أعطي ما‬
‫لم يعط خلق غيره‪ ،‬فقد قال صلي الله عليه وسلم ‪ )) :‬أعطيت خمسا ً لم‬
‫يعطهن نبي قبلي((‪ 2‬وهو الذي يصلي عليه ويسلم‪ ،‬هو وإخوانه الرسل عليهم‬
‫الصلة والسلم‪ ،‬وأما غيرهم فل يخص بصلة أو سلم‪.‬‬
‫قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ بعد ذكره الخلف في هذه المسألة ـ ‪ ) :‬وفصل‬
‫الخطاب في المسألة‪ :‬أن الصلة عي غير النبي صلي الله عليه وسلم ؛ إما‬
‫أن تكون علي آله وأزواجه وذريته أو غيرهم‪ ،‬فإن كان الول؛ فالصلة عليهم‬
‫مشروعة مع الصلة علي النبي صلي الله عليه وسلم ‪ ،‬وجائزة مفردة‪.‬‬
‫وأما الثاني‪ :‬فإن كان الملئكة وأهل الطاعة عموما ً الذين يدخل فيهم النبياء‬
‫وغيرهم؛ جاز ذلك أيضا ً ‪ ،‬فيقال ‪ )) :‬اللهم صل علي ملئكتك المقربين وأهل‬
‫طاعتك أجمعين((‪ ،‬وإن كان شخصا ً معينًا‪ ،‬أو طائفة معينة‪ ،‬كره أن يتخذ‬
‫الصلة عليه شعارا ً ل يخل به‪.‬‬
‫ولو قيل بتحريمه لكان له وجه‪ .‬ول سيما إذ جعله شعارا ً له‪ ،‬ومنع منه نظيره‪،‬‬
‫أو من هو خير منه‪ ،‬وهكذا كما تفعل الرافضة بعلي ـ رضي الله عنه ـ‬
‫حيث ذكروه قالوا‪ :‬عليه الصلة والسلم‪ ،‬ول يقولون ذلك فيمن هو خير منه‪،‬‬
‫فهاذ ممنوع ل سيما إذا اتخذ شعارا ً ل يخل به‪ ،‬فتركه حينئذ متعين‪،‬وأما إن‬
‫صلى عليه أحيانا ً بحيث ل يجعل ذلك شعارا ً ‪ ،‬كما يصلى علي دافع الزكاة‬
‫وكما قال ابن عمر للميت ‪ )) :‬صلى الله عليه((‪ ،‬وكما صلى النبي صلي الله‬
‫عليه وسلم على المرأة وزجها‪ ،‬وكما روي عن على من صلته على عمر‪،‬‬
‫فهذا ل بأس به‪ ،‬وبهذا التفصيل تتفق الدلة‪ ،‬وينكشف وجه الصواب ‪ ،‬والله‬
‫الموفق( )‪.(1‬‬
‫‪ -20‬ومن ذلك قوله )‪:(2‬‬
‫فلقد دهشت لما فعلت ودونه ما يدهش الملك الحفيظ الكاتبا‬
‫وهذا افتراء على ملئكة الله الكرام ‪ ،‬حيث زعم أنها تدهش من أفعال‬
‫ممدوح المتنبئ ! والكتبة الحافظون ل يدهشون‪ ،‬وإنما يحصون أعمال بني‬
‫ن )‪(11‬‬ ‫ن )‪ (10:‬ك َِراما ً َ‬
‫كات ِِبي َ‬ ‫ظي َ‬ ‫حافِ ِ‬ ‫م لَ َ‬ ‫ن عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫آدم عليهم‪ .‬قال تعالي‪) :‬وَإ ِ ّ‬
‫ن( ‪.‬‬‫فعَُلو َ‬‫ما ت َ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -21‬ومن ذلك قوله )‪:(5‬‬


‫ً‬
‫نفذ القضاء بما أردت كأنه لك كلما أزمعت أمرا أزمعا‬
‫والقضاء لم يجر بما يشتهي أنبياء الله ـ عليهم الصلة والسلم ـ فكيف بمن‬
‫سواهم ممن يزعم المتنبئ أن القضاء ينفذ حسب ما يريدون!؟‬
‫‪ -22‬ومن ذلك قوله )‪:(1‬‬
‫من يزره يزر سليمان في المـ ـلك جلل ً ويوسفا ً في الجمال‬
‫وقد سبق مثل هذا ‪ ،‬حيث شبه المتنبئ ممدوحيه بالنبياء ـ عليهم الصلة‬
‫والسلم ـ وهو من الغلو‪.‬‬
‫‪ -23‬ومن ذلك قوله )‪:(2‬‬
‫رجل طينه من العنبر الور د وطين العباد من صلصال‬
‫فبقيات طينه لقت الما ء فصارت عذوبة في الزلل‬
‫وهذا من غلوه المعتاد في ممدوحه في تصويره بصورة غير البشر الخرين؛‬
‫قاصدا ً هباته وعطاياه ‍!‬
‫‪ -24‬ومن ذلك قوله )‪:(3‬‬
‫طلبنا رضاه بترك الذي رضينا له فتركنا السجودا‬
‫فقد رضي المتنبئ أن يسجد لممدوحه ـ والعياذ بالله ـ والسجود كما هو‬
‫معلوم ل يجوز لغير الله‪ ،‬وعندما عاد معاذ ـ رضي الله عنه ـ من اليمن وكان‬
‫قد شاهدهم لعظمائهم ‪ ،‬أراد أن يسجد لرسول الله صلي الله عليه وسلم‬
‫فنهاه النبي صلي الله عليه وسلم عن ذلك)‪.(1‬‬
‫‪ -25‬ومن ذلك قوله )‪:(2‬‬
‫ً‬
‫لو كان علمك بالله مقسما في الناس ما بعث الله رسول ً‬
‫لو كان لفظك فيهم ما أنزل القـ ـرآن والتوراة والنجيل‬
‫وهذا غلو فاحش وقول ) كفري( يقشعر جلد المؤمن من سماعه‪ ،‬حيث زعم‬
‫الشاعر لممدوحه أن علمه كعلم النبياء ‪ ،‬وان لفظه كالقرآن والنجيل‬
‫والتوراة!! نعوذ بالله من الكفر والضلل‪.‬‬
‫‪ -26‬ومن ذلك قوله )‪:(3‬‬
‫متي أحصيت فضلك في كلم فقد أحصيت حبات الرمال‬
‫وإن بها وإن به لنقصا ً وأنت لها النهاية في الكمال‬
‫وهذا من الغلو في المدح‪ ،‬وإل فإن النهاية في الكمال ليس إل لله عز وجل‬
‫فهو سبحانه )) السيد الذي كمل في سؤدده‪ ،‬العليم الذي قد كمل في علمه‬
‫والحكيم الذي قد كمل في حكمته‪ ،‬وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف‬
‫والسؤدد(( )‪.(4‬‬
‫‪ -27‬ومن ذلك قوله )‪:(1‬‬
‫يا بدر إنك والحديث شجون من لم يكن لمثاله تكوين‬

‫)‪(38 /‬‬

‫ة ما كان مؤتمنا ً بها جيرين‬‫لعظمت حتى لو تكون أمان ً‬


‫وهذا القول فيه تنقص من جناب جبريل ـ عليه السلم ـ الذي أخبر الله عنه‬
‫طاع ث َ َ‬
‫ن( ‪.‬‬
‫مي ٍ‬
‫مأ ِ‬‫م َ ٍ ّ‬ ‫ن( )‪ُ (20‬‬ ‫كي ٍ‬
‫م ِ‬
‫ش َ‬ ‫ْ‬ ‫بأنه ‪ِ) :‬ذي قُوّةٍ ِ‬
‫عن ْد َ ِذي العَْر ِ‬
‫فالله عز وجل قد أخبرنا بأمانة جبريل ـ عليه السلم ـ وأنه غير متهم‬
‫والمتنبئ يزعم أنه قد يخون أنه قد يخون المانة!! وهذا القول من القوال‬
‫) الكفرية( ‪ ،‬ول يشك في هذا مسلم‪.‬‬
‫‪ -28‬ومن ذلك قوله )‪:(3‬‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما يرتجي أحد لمكرمة إل الله وأنت يا بدر‬


‫لقد أخطأ المتنبئ عندما ساوى بين ممدوحه وبين الله عز وجل بحرف‬
‫) الواو( الذي يقتضي المشاركة والمساواة ‪ ،‬وكان الصواب أن يعطف بحرف‬
‫) ثم( الذي ينزل المخلوق عن رتبة الخالق عز وجل‪ ،‬وعندما قال رجل للنبي‬
‫صلي الله عليه وسلم ‪ :‬ما شاء الله وشئت ‪ ،‬قال له صلي الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫)) أجعلتني لله ندًا(( )‪.(4‬‬
‫‪ – 29‬ومن ذلك قوله )‪:(1‬‬
‫حسبك الله ما تضل عن الحـ ـق ول يهتدي إليك أثام‬
‫فهو يدعي العصمة لمدوحه ‪ ،‬فهو دائما ً علي الحق ‪ ،‬وهو دائما ل يرتكب‬
‫ً‬
‫الثام!‬
‫‪ -30‬ومن ذلك قوله )‪:(2‬‬
‫فأصبحت أستسقي الغمام لقبرها وقد كنت استسقي الوغي والقنا الصما‬
‫فأحوال القبور وساكنوها ل يؤثر فيهم المطار ول السيول‪ ،‬وإنما هي رحمة‬
‫الله عز وجل ثم العمل الصالح‪ ،‬فمن عمل خيرا فسح له في قبره‪ ،‬وأتاه من‬
‫الجنة ما يسره ولو كان مدفونا ً وسط صحراء محرقة‪ ،‬ومن عمل شرا ضيق‬
‫عليه قبره‪ ،‬وأتاه الله من سموم النار ما يسوءه‪ ،‬ولو كان مدفونا ً وسط‬
‫حدائق ذات بهجة‪.‬‬
‫وقد أخبر صلي الله عليه وسلم عن المؤمن بعد موته بأنه )) يفسح له في‬
‫قبره مد بصره(( وأما الكافر والمنافق )‪ 0‬يضيق عليه قبره حتى تختلف فيه‬
‫أضلعه(( )‪ (3‬نسأل الله العفو والعافية‪.‬‬
‫‪ -31‬ومن ذلك قوله )‪:(4‬‬
‫أما وحقك وهو غاية مقسم للحق أنت وما سواك الباطل‬
‫وهذا قسم بغير الله‪ ،‬وهو شرك أصغر‪ ،‬حذرنا منه رسول الله صلي الله عليه‬
‫وسلم بقوله‪ )) :‬من حلف بغير الله فقد أشرك(( وقال صلي الله عليه‬
‫وسلم ‪ )) :‬من كان حالفا ً فليحلف بالله أو ليصمت(( وقال ابن مسعود ـ‬
‫رضي الله عنه ـ ‪ )) :‬لن أحلف بالله كاذبا ً خير من أحلف بغير الله صادقا ً ((‬
‫وهذا من كمال فهمه ـ رضي الله عنه ـ لن الحلف بالله كاذبا ً معصية‪،‬‬
‫والحلف بغيره ولو كان المرء صادقا ً فيه شرك‪ ،‬وفرق فيما بينهما‪.‬‬
‫والقسم بغير الله هو مما تساهل فيه الشعراء قديما ً وحديثا ً ‪ ،‬فهم يقسمون‬
‫بالمحبوب ‪ ،‬وبصفاته الخلقية والخلقية قاصدين تعظيمه بزعمهم‪.‬‬
‫‪ -32‬ومن ذلك قوله )‪:(1‬‬
‫وتري المروة والفتوة والبو ة في كل مليحة ضراتها‬
‫هن الثلث المانعاتي لذتي في خلوتي ل الخوف من تبعاتها‬
‫فقد صرح المتنبئ هنا أن الذي يمنعه من اللذات ليس الخوف من الله عز‬
‫وجل‪ ،‬وإنما هو المروءة والبوة ‪ .‬وكان الجدر به أن يمتنع عن اللذات خوفا ً‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫م َرب ّ ِ‬ ‫قا َ‬
‫م َ‬
‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬
‫ما َ‬
‫من الله! ليكتب له أجر هذا المتناع‪ .‬قال تعالي‪) :‬وَأ ّ‬
‫مأ َْوى( ‪.‬‬‫ي ال ْ َ‬
‫ة هِ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫جن ّ َ‬ ‫وى( )‪(40‬فَإ ِ ّ‬‫ن ال ْهَ َ‬
‫س عَ ِ‬
‫ف َ‬
‫وَن ََهى الن ّ ْ‬
‫‪ -33‬ومن ذلك قوله )‪:(3‬‬
‫فآجرك الله على عليل بعثت إلي المسيح به طبيبا‬
‫وهذا يلحق بسابقه‪ ،‬ففيه لنبياء الله ـ عليهم السلم ـ عندما يشبههم بغيرهم‪،‬‬
‫أو يبتذل ذكرهم‪.‬‬
‫‪ -34‬ومن ذلك قوله )‪:(1‬‬
‫يبني به ربنا المعالي كم بكم يغفر الذنوبا‬
‫فُر‬ ‫غ‬‫ي‬ ‫ن‬
‫َ َ ْ َْ ِ‬‫م‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫تعالي‪:‬‬ ‫قال‬ ‫برحمته‪،‬‬ ‫والذنوب ل تغفر بأحد‪ ،‬إنما يغفرها الله‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ه ()آل عمران‪ :‬الية ‪.(135‬‬ ‫ب إ ِّل الل ّ ُ‬


‫الذ ُّنو َ‬
‫ً‬
‫‪ -35‬ومن ذلك أنه يعتقد أن عليا ـ رضي الله عنه ـ هو الوصي بعد سول الله‬
‫صلي الله عليه وسلم ‪ ،‬وهذه عقيدة الشيعة المامية والزيدية‪ ،‬ويقول المتنبي‬
‫في مدح طاهر ابن الحسين)‪.(3‬‬
‫هو ابن رسول الله وابن وصيه وشبههما شبهت بعد التجارب‬
‫‪ -36‬وهو يذم أحد الموات الذين يبغضهم بقوله )‪:(4‬‬
‫قالوا لنا‪ :‬مات إسحاق ! فقلت لهم‪ :‬هذا الدواء الذي يشفي من الحمق‬
‫إن مات مات بل فقد ول أسف أو عاش بل خلق ول خلق‬
‫منه تعلم عبد شق هامته خون الصديق ودس الغدر في الملق‬
‫وحلف ألف يمين غير صادقة مطرودة ككعوب الرمح في تسق‬
‫ما زلت أعرفه قردا ً بل ذنب صفرا ً من الباس مملوءا ً من النزق‬
‫كريشة في مهب الريح ساقطة ل تستقر علي حال من القلق‬
‫تستغرق الكف فودية ومنكبه فتكتسي منه ريح الجورب العرق‬
‫فسائلوا قاتليه كيف مات لهم موتا ً من الضرب أو موتا ً من الفرق‬
‫وهذا القول دليل علي وقاحة المتنبئ‪ ،‬حيث تعرض للموات في قبورهم بهذا‬
‫الهجاء المر‪ ،‬والرسول صلي الله عليه وسلم يقول‪ )) :‬إذا مات صاحبكم‬
‫فدعوه‪ ،‬ل تقعوا فيه(( )‪.(1‬‬
‫‪ -37‬ومن ذلك قوله )‪:(2‬‬
‫ما رآها مكذب الرسل إل صدق القول في صفات البراق‬
‫فهو يشبه فرسه بالبراق الذي ركبه رسول الله صلي الله عليه وسلم السراء‬
‫والمعراج‪ ،‬وقال صلي الله عليه وسلم عنه لنه‪ )) :‬فوق الحمار ودون البغل‪،‬‬
‫يقع خطوه عند انقضاء طرفه‪.(3) ((..‬‬
‫فالبراق خلق من خلق الله ل يشبهها شيء من حيوانات الدنيا‪ ،‬مهما ادعى‬
‫المتنبئ خلف ذلك‪.‬‬
‫‪ -38‬ومن ذلك قوله )‪:(4‬‬

‫)‪(39 /‬‬

‫يا راحل ً كل من يودعه مودع دينه ودنياه‬


‫والراحل أو المسافر ل يأخذ معه إل دينه هو‪ ،‬أما دين المودعين فهو باق‬
‫معهم؛ لنه مجموعة من القوال والعمال الملزمة للنسان‪.‬‬
‫وقد أمر صلي الله عليه وسلم أن يقال للمسافر عند سفره‪ ،‬ل أن يحفظ هو‬
‫دين الخرين‪ ،‬كما يزعم المتنبئ‪.‬‬
‫‪ -39‬ومن ذلك قوله )‪:(2‬‬
‫لحب ابن عبد الله أولى فإنه به يبدأ الذكر الجميل ويختم‬
‫والذي يبدأ به الذكر الجميل ويختم‪ :‬الله ـ عز وجل ـ فقد علمنا رسوله صلي‬
‫الله عليه وسلم أن نبدأ أعمالنا باسمه تعالي‪ ،‬وعلمنا أن نختم بذكره تعالي‪،‬‬
‫سواء بالحمد أو الستغفار‪.‬‬
‫‪ -40‬ومن ذلك قوله )‪:(3‬‬
‫فل موت إل من سنانك يتقي ول رزق إل من يمينك يقسم‬
‫وأسباب الموت كثيرة كما قيل‪ :‬تعددت السباب والموت واحد‪.‬‬
‫ل كما يزعم المتنبئ بأنه ل موت إل من سنان ممدوحه‪.‬‬
‫ق‬ ‫ّ‬
‫عن ْد َ اللهِ الّرْز َ‬
‫وأما الرزق فهو من عند الله عز وجل ‪ ،‬قال سبحانه‪)َ :‬اب ْت َُغوا ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫و‬
‫ه إ ِل هُ َ‬
‫ض ل إ ِل َ‬
‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬
‫ن ال ّ‬
‫م َ‬ ‫ق غَي ُْر الل ّهِ ي َْرُزقُك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫خال ِ ٍ‬
‫دوه ُ ()اْ( وقال) َ‬
‫َواعْب ُ ُ‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت الل ّهِ ث ُ ّ‬
‫م‬ ‫م َ‬ ‫ن( وصدق على المتنبئ قوله تعالي‪) :‬ي َعْرُِفو َ‬
‫ن ن ِعْ َ‬ ‫كو َ‬ ‫فَأ َّنى ت ُؤْفَ ُ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن( ‪ .‬فهو يعلم أنه ل رزاق إل الله ‪ ،‬ثم ينسب ذلك‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ي ُن ْك ُِرون ََها وَأك ْث َُرهُ ُ‬
‫إلي غيره‪.‬‬
‫‪ -41‬ومن ذلك قوله عن خيمة سيف الدولة )‪:(4‬‬
‫فما اعتمد الله تقويضها ولكن أشار بما تفعل‬
‫وهذا من الفتراء علي الله أنه أراد تقويضها قاصدا ً توجيه سيف الدولة إلي‬
‫ملقاة أعدائه!‬
‫‪ -42‬ومن ذلك قوله)‪:(5‬‬
‫ً‬
‫ولست أبالي بعد إدراكي العل أكان تراثا ما تناولت أم كسبا‬
‫فهو يهدف إلي العل ‪،‬سواء ورثه من آبائه‪ ،‬أو كان كسبا ً له قد اجتهد في‬
‫تحصيله‪ ،‬وهذا العل الذي يعنيه المتنبئ هو علو الصيت بين الناس‪ ،‬وتولي‬
‫الضيع والمارات ‪ ،‬فهو الذي أجهد فيه نفسه‪ ،‬وضيع عمره ـ كما سبق‪.‬‬
‫‪ -43‬ومن ذلك قوله في ممدوحه )‪:(1‬‬
‫الذي ليس عنه مغن ول منـ ـه بديل ول لما رام حام‬
‫وهذا القول ل يصلح إل لله عز وجل ‪ ،‬فهو الذي ليس عنه مغن ‪ ،‬ول منه‬
‫بديل‪ .‬كما قال صلي الله عليه وسلم ‪ )) :‬الحمد لله كثيرا ً طيبا ً مباركا ً فيع غير‬
‫مكفي ول مودع ول مستغني عن ربنا(( )‪.(2‬‬
‫‪ -44‬ومن ذلك قوله‪-:‬‬
‫فومن أحب لعصينك في الهوى قسما ً به وبحسنه وبهائه‬
‫‪ -45‬ومن ذلك قوله )‪:(4‬‬
‫وكيف تعلك الدنيا بشيء وأنت لعلة الدنيا طبيب‬
‫ً‬
‫وهذا من الغلو في المدح‪ ،‬حيث جعل ممدوحه طبيبا لجميع علل الدنيا‪ ،‬وهذا‬
‫ل يكون إل لله عز وجل‪ ،‬فهو )) الطبيب(()‪ (5‬سبحانه ‪ ،‬هو الذي يشفي‬
‫ت فَهُ َ‬
‫و‬ ‫ض ُ‬ ‫مرِ ْ‬ ‫عباده‪ ،‬ويصلح أحوالهم ‪ ،‬كما قال إبراهيم ـ عليه السلم ـ ‪( :‬وَإ َِذا َ‬
‫ن(‪.‬‬‫في ِ‬ ‫ش ِ‬‫يَ ْ‬
‫‪ -46‬ومن ذلك قوله )‪:(1‬‬
‫تظل ملوك الرض خاشعة له تفارقه هلكي وتلقاه سجدا‬
‫والسجود لغير الله ل يجوز ـ كما سبق ـ‪.‬‬
‫‪ -47‬ومن ذلك قوله )‪:(2‬‬
‫تخر له القبائل ساجدات وتحمد السنة والشفار‬
‫‪ -48‬ومن ذلك قوله )‪:(3‬‬
‫وما لقني بلد بعدكم ول أعتضت من رب نعماي رب‬
‫ما‬‫ونقول لبي الطيب‪ :‬حتى الله لم تعتض به عن ممدوحك؟! قال تعالي‪( :‬وَ َ‬
‫ن الل ّهِ ( فهو سبحانه رب النعم الذي يستحق التمجيد‬ ‫م َ‬‫مةٍ فَ ِ‬ ‫ن ن ِعْ َ‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫ب ِك ُ ْ‬
‫والتفرد بهذا المدح‪.‬‬
‫‪ -49‬ومن ذلك قوله )‪:(5‬‬
‫أيا سيف ربك ل خلقه وسا ذا المكارم ل ذا الشطب‬
‫كيف يزعم المتنبئ أن سيف الدولة الحمداني هو سيف الله؟!‬
‫وهل كان سيف الدولة يقاتل العداء دفاعا ً عن دين الله عز وجل‪ ،‬أم كان‬
‫دفاعا ً عن أرضه ودياره؟! والحق أنه ل يطلق هذا اللقب )سيف الله( إل على‬
‫من أطلقه رسول الله صلي الله عليه وسلم عليه‪ ،‬كخالد بن الوليد ـ رضي‬
‫الله عنه )‪ (1‬ـ أما غيره فل ندري أكان سيفا ً لله أم سيفا ً لمصالحة ودولته؟!‬
‫‪ -50‬ومن ذلك قوله )‪:(2‬‬
‫أغاية الدين أن تحفوا شواربكم يا أمة ضحكت من جهلها المم‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ونحن نعلم كالمتنبئ أن الدين ليس غايته إحفاء الشوارب‪ ،‬وإنما هي سنة‬
‫وردت عن رسول صلي الله عليه وسلم بقوله‪ )) :‬أحفوا الشوارب(( )‪(3‬‬
‫فمن عمل بها فقد فاز بالجر والمغنم‪ ،‬ومن خالفها فقد خالف سنة النبي‬
‫صلي الله عليه وسلم ومع ذلك ل يجوز لبي الطيب أن يسخر من هذه السنة‬
‫النبوية بهذا القول الذي يوحي باحتقارها‪.‬‬
‫‪ -51‬ومن ذلك قوله )‪:(4‬‬
‫فتمليك دلير وتعظيم قدره شهيد بوحدانية الله والعدل‬
‫وهذا أيضا ً من الفتراء علي الله بأنه عادل إذ ملك ممدوح المتنبئ )دلير(‬
‫وعظم قدره!‪.‬‬
‫‪ -52‬ومن ذلك قوله )‪:(1‬‬
‫جاء نيروزنا وأنت مراده وورت بالذي أراد زناده‬
‫‪ -53‬ومثله قوله )‪:(2‬‬
‫عربي لسانه فلسفي راية فارسية أعياده‬
‫وهذا من الفرح بأعياد الفرس المشركين الذين يبتهجون بالنيروز )‬
‫‪(3‬ويشاركهم في ذلك مدعو السلم )) الرافضة(( من أبناء الفرس‪ ،‬الذين‬
‫يحنون إلي تراث آبائهم‪.‬‬
‫ومعلوم أن الفرح بأعياد الكفار وتهنئتهم بها حرام شرعًا‪ ،‬قال الشيخ ابن‬
‫عثيمين رحمه الله‪:‬‬

‫)‪(40 /‬‬

‫)) مخالطة غير المسلمين في أعيادهم محرمة؛ لما في ذلك من العانة على‬
‫وى َول ت ََعاوَُنوا‬ ‫الثم والعدوان وقد قال الله تعالي‪ ( :‬وَت ََعاوَُنوا عََلى ال ْب ِّر َوالت ّ ْ‬
‫ق َ‬
‫ن(‬ ‫عََلى اْل ِث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ‬
‫ولن هذه العياد إن كانت لمناسبات دينية؛ فإن مشاركتهم فيها تقتضي‬
‫إقرارهم علي هذه الديانة ‪ ،‬والرضى بما هم عليه من الكفر‪ ،‬وإذا كانت‬
‫العياد لمناسبات غير دينية؛ فإنه لو كانت هذه العياد في المسلمين ما‬
‫أقيمت ‪ ،‬فكيف وهي في الكفار؟ لذلك قال أهل العلم‪ :‬إنه ل يجوز للمسلمين‬
‫أن يشاركوا غير المسلمين في أعيادهم‪ ،‬لن ذلك إقرار ورضى بما هم عليه‬
‫من الدين الباطل ثم إنه معاونة على الثم والعدوان(( )‪.(1‬‬
‫‪ -54‬ومن ذلك قوله )‪:(2‬‬
‫لنا مذهب العباد في ترك غيره وإتيانه نبغي الرغائب بالزهد‬
‫رجونا الذي يرجون في كل جنة بأرجان حتى ما يسئنا من الخلد‬
‫وفي هذين البيتين أفصح المتنبئ بكل وضوح عن هدفه من مدح الممدوح؛ إذ‬
‫هو يبحث عن ) الرغائب( ل غير‪ ،‬وهو يشبه فعله هذا بفعل العباد الذين‬
‫يخلصون العباد لله عز وجل طالبين جنته‪ ،‬هاربين من ناره‪ ،‬فالمتنبئ قد حقق‬
‫) الخلص( في قصد الممدوح وحده دون غيره مبتغيا ً ) رغائبه(!‪.‬‬
‫‪ -55‬ومن ذلك قوله )‪:(3‬‬
‫فإن يكن المهدي من بان هديه فهذا وإل فالهدى ذا فما المهدي؟‬
‫يعللنا هذا الزمان بذا الوعد ويخدع عما في يديه من النقد‬
‫وهذا القول فيه سخرية ثابتة عند أهل السنة والجناعة ‪ ،‬وهي عقيدة خروج‬
‫المهدي ‪ ،‬وقال صلي الله عليه وسلم ‪ )) :‬ل يكون في أمتي المهدي(( )‪.(1‬‬
‫أما المتنبئ فمهديه غير مهدي المسلمين‪, ،‬وإنما هو ممدوحه الذي قد بان‬
‫هديه‪ ،‬كما يزعم شاعر المديح!‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -56‬ومن ذلك قوله )‪:(3‬‬


‫الناس كالعابدين آلهة وعبده كالموحد الله‬
‫وهذا من الغلو في المدح الذي برع فيه المتنبئ ‪ ،‬ولو كان علي حساب دينه‬
‫وعقيدته‪ ،‬فهو هنا يشبه حاله مع ممدوحه كحال المخلصين مع الله عز وجل‪.‬‬
‫‪ -57‬ومن ذلك قوله )‪:(3‬‬
‫ملعب جنة لو سار فيها سليمان لسار بترجمان‬
‫وهذا تبذل لسم نبي الله سليمان ـ عليه السلم ـ وكذب عليه‪ ،‬حيث ادعي‬
‫أنه سيحتاج إلي ترجمان عندما يسير ي هذا الشعب‪ ،‬والله قد أخبرنا بأنه قد‬
‫ل َيا أ َي َّها‬
‫علمه منطق الحيوانات‪ .‬وقال سبحانه عنه ـ عليه السلم ـ ‪ ( :‬وََقا َ‬
‫ُ‬
‫يء(‬ ‫ل َ‬
‫ش ْ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫من ْط ِقَ الط ّي ْرِ وَأوِتيَنا ِ‬
‫م ْ‬ ‫س عُل ّ ْ‬
‫مَنا َ‬ ‫الّنا ُ‬
‫‪ -58‬ومن ذلك قوله )‪:(1‬‬
‫أبوكم آدم سن المعاصي وعلمكم مفارقة الجنان‬
‫وهذا تهور من المتنبئ ‪ ،‬حيث زعم أن آدم ـ عليه السلم ـ قد سن لنا‬
‫المعاصي وارتضاها ‪ ،‬وهو ـ عليه السلم ـ إنما أذنب ذنبا تاب منه‪ ،‬ثم قدر الله‬
‫عليه مفارقة الجنة‪ ،‬ثم ابتله بهذه الدار النكدة؛ ليعود بشوق عظيم إلي الجنة‬
‫مرة ثانية‪.‬‬
‫‪ -59‬ون ذلك قوله )‪:(2‬‬
‫فإن الناس والدنيا طريق إلى من ما له في الناس ثان‬
‫وهذا كذب من الشاعر ـ فالذي ماله في الناس ثان هو رسول الله صلي الله‬
‫عليه وسلم ل ممدوح المتنبئ‪.‬‬
‫‪ -60‬ومن ذلك قوله )‪:(3‬‬
‫ولول كونكم في الناس كانوا هراء كالكلم بل معان‬
‫وهذا يلحق بما مضى من الغلو في المدح‬
‫‪ – 61‬ومنه أيضا ً قوله ‪-:‬‬
‫ولم أقل مثلك أعني به سواك يا فردا ً بل مشبه‬
‫هذا ما تيسر لي من ملحظات على ديوان المتنبي من أخطاء‪ ،‬تجاوز فيها‬
‫حدود الشرع‪ ،‬أحببت أن ل يتسامح فيها قراؤه ومحبوه‪ ،‬أو يغضوا الطرف‬
‫عنها‪.‬‬
‫سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلم علي المرسلين والحمد لله رب‬
‫العالمين‬

‫)‪(41 /‬‬

‫إمرأة تؤم أشباه رجال‬


‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬ولي الصالحين‪ ،‬ول عدوان إل على الظالمين‪.‬‬
‫خرين‪ ،‬وأشهد أن‬ ‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له إله الولين وال ِ‬
‫محمدا ً عبده ورسوله إمام المجاهدين‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه وعلى آله‬
‫وأصحابه ناشري لواء الدين‪ ،‬وعلى من تبعهم من سلف هذه المة وخَلفها‬
‫ممن جاهد وبذل ورافق ونافح في كل وقت وحين‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫امرأة شميطاء عجوز حيزبون في فرجينيا في بلد الكفر‪ ،‬أمريكا‪ ،‬تخطب‬
‫الجمعة وتؤم المصلين في إحدى الكاتدرائيات‪ .‬اختلط النساء والرجال‪ ،‬وما‬
‫هم برجال بل هم أشباه الرجال‪ .‬إنها تتقرب إلى بوش زعيم الكفر وإمام‬
‫الضللة‪ ،‬وتتشبه في الصد عن سبيل الله بأم جميل بنت حرب بن أمية حمالة‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحطب‪ ،‬أو بأم قرفة المحاربة لله ولرسوله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أو‬
‫بسجاح مدعية النبوة المتواطئة مع مسيلمة الكذاب‪ .‬وتبعها نساء ضالت‬
‫مضلت فاسقات‬
‫هل تستوي من كانت الزهراء أسوتها ممن تقفت خطى حمالة الحطب‬
‫ولن يكون مصيرها إل مزبلة التاريخ‪ ،‬ينساها الناس‪ ،‬وتبوء بالخسران في‬
‫الدنيا والخرة‪.‬‬
‫إن امرأة أبي لهب‪ ،‬أم جميل بنت حرب بن أمية حمالة الحطب‪ ،‬إنما سماها‬
‫الله تعالى حمالة الحطب؛ لنها كانت تحمل الشوك فتطرحه في طريق‬
‫رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬حيث يمر‪ ،‬فأنزل الله تعالى فيهما‪ } :‬تّبت‬
‫يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب‬
‫وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد{‬
‫عن قتادة قال‪ :‬تزوج أم كلثوم بنت رسول الّله صلى الله عليه وسلم عتيبة‬
‫بن أبي لهب وكانت رقية عند أخيه عتبة بن أبي لهب ‪ ،‬فلم يبن بها حتى بعث‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ .‬فلما نزل قوله تعالى ‪ } :‬تّبت يدا أبي لهب {‬
‫قالت أمهما بنت حرب بن أمية حمالة الحطب ‪ :‬طّلقاهما يا بني ‪ ،‬فإنهما‬
‫صبأتا‪ ،‬وقال أبو لهب‪ :‬رأسي في رؤوسكما حرام‪ ،‬إن لم تطّلقا ابنتي محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فطلقاهما‪ .‬ولما طلق عتيبة أم كلثوم جاء إلى النبي‪،‬‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬حين فارقها فقال ‪ :‬كفرت بدينك ‪ ،‬وفارقت ابنتك ‪ ،‬ل‬
‫تجيئني ول أجيئك ‪ ،‬ثم سطا عليه فشق قميص النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وهو خارج نحو الشام تاجرا ً ‪ .‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪) :‬أما إني‬
‫أسأل الّله أن يسلط عليك كلبا من كلبه( ‪ .‬فخرج في تجار من قريش حتى‬
‫نزلوا بمكان يقال له الزرقاء ليل ً فأطاف بهم السد تلك الليلة فجعل عتيبة‬
‫يقول ‪ :‬ويل أمي هذا والّله آكلي كما قال محمد ‪ ،‬قاتلي ابن أبي كبشة وهو‬
‫بمكة وأنا بالشام ‪ ،‬فناموا ‪ ،‬وجعلوا عتيبة وسطهم ‪ .‬فأقبل السبع يتخطاهم‬
‫حتى أخذ برأس عتيبة فضغمه ضغمة فقتله ‪ ،‬وخلف عثمان بن عفان بعد‬
‫رقية على أم كلثوم رضي الّله عنهم ‪.‬‬
‫وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما قالت‪ :‬لما نزلت سورة‬
‫"تبت يدا أبي لهب" أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة وفي يدها‬
‫ِفهر‪ ،‬أي حجر‪ ،‬وهي تقول‪:‬‬
‫مذمما عصينا وأمره أبينا ودينه قلينا‬
‫والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد في المسجد ومعه أبو بكر رضي الله عنه؛‬
‫فلما رآها أبو بكر قال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬لقد أقبلت وأنا أخاف أن تراك! قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬إنها لن تراني( وقرأ قرآنا فاعتصم به كما‬
‫قال‪ .‬وقرأ "وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين ل يؤمنون بالخرة حجابا‬
‫مستورا"‪ .‬فوقفت على أبي بكر رضي الله عنه ولم تر رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فقالت‪ :‬يا أبا بكر‪ُ ،‬أخبرت أن صاحبك هجاني! فقال‪ :‬والله ما‬
‫ينطق بالشعر ول يقوله‪ .‬فقالت‪ :‬وإنك لمصدق؛ فاندفعت راجعة‪ .‬فقال أبو‬
‫بكر رضي الله عنه‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أما رأتك؟ قال‪) :‬ل ما زال ملك ببني وبينها‬
‫يسترني حتى ذهبت(‪.‬‬
‫أين هي الن‪ ،‬في مزبلة التاريخ‪ ،‬وتذوق العذاب الليم مع زوجها أبي لهب‪.‬‬
‫ب؟!‬
‫ة؟! أو لمستم رقة من عقر ِ‬ ‫هل لمحتم طيبة من حي ٍ‬
‫وكذلك يكون مصير من يسير على دربهما‪:‬‬
‫عن المرء ل تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي‬
‫** وهذه سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان‪ ،‬التميمية‪ ،‬من بني يربوع‪،‬‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ه=‪ - ...‬نحو ‪ 675‬م ( كانت شاعرة أديبة عارفة بالخبار‪،‬‬ ‫أم صادر) ‪ -‬نحو ‪‍ 55‬‬
‫رفيعة الشأن في قومها‪ ،‬نبغت في عهد الردة )أيام أبي بكر(‪ ،‬وادعت النبوة‬
‫بعد وفاة النبي صلى الله عليه‪ .‬تبعها في دعوتها جمع من عشيرتها‪ ،‬وقد‬
‫عزموا على غزو )أبي بكر الصديق(‪ .‬فلما مرت ببلد بني تميم دعتهم إلى‬
‫أمرها فاستجاب لها عامتهم‪ .‬وكان ممن استجاب لها مالك بن نويرة التميمي‬
‫وعطارد بن حاجب والزبرقان بن بدر‪.‬‬
‫قال عطارد بن حاجب‪:‬‬
‫أمست نبيتنا أنثى نطيف بها وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا‬
‫إل أن مالك بن نويرة لما وادعها ثناها عن عودها وحرضها على بني يربوع ثم‬
‫اتفق الجميع على قتال الناس وقالوا بمن نبدأ فقالت لهم‪:‬‬
‫أعدوا الركاب واستعدوا للنهاب ثم أغيروا على الرباب فليس دونهم حجاب‬
‫ثم إنهم تعاهدوا على نصرها‪ .‬فقال قائل منهم‪:‬‬
‫أتتنا أخت تغلب في رجال ‪ ..‬جلئب من سراة بني أبينا‪..‬‬
‫وأرست دعوة فينا سفاها‪ ..‬وكانت من عمائر آخرينا‪..‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فما كنا لنرزيهم زبال‪ ..‬وما كانت لتسلم إذ أتينا‪..‬‬


‫ثم إن ) سجاح( قصدت بجنودها اليمامة لتأخذها من )مسيلمة بن حبيب‬
‫الكذاب( فهابه قومها وقالوا إنه قد استفحل أمره وعظم فقالت لهم فيما‬
‫تقوله‪:‬‬
‫عليكم باليمامة دفوا دفيف الحمامة فإنها غزوة صرامة ل تلحقكم بعدها‬
‫ملمة‬
‫فعمدوا لحرب مسيلمة‪ .‬فلما سمع بمسيرها إليه خافها على بلده وذلك أنه‬
‫مشغول بمقاتلة ثمامة بن أثال وقد ساعده عكرمة بن أبي جهل بجنود‬
‫المسلمين وهم نازلون ببعض بلده ينتظرون قدوم خالد‪ .‬فبعث إليها يستأمنها‬
‫ويضمن لها أن يعطيها نصف الرض الذي كان لقريش‪ .‬ثم راسلها ليجتمع بها‬
‫في طائفة من قومه فركب إليها في أربعين من قومه وجاء إليها فاجتمعا في‬
‫خيمة‪ .‬فلما خل بها وعرض عليها ما عرض من نصف الرض وقبلت ذلك‪ ،‬قال‬
‫مسيلمة ‪:‬‬
‫سمع الله لمن سمع وأطمعه بالخير إذا طمع ول يزال أمره في كل ما يسر‬
‫مجتمع رآكم ربكم فحياكم ومن وحشته أخلكم ويوم دينه أنجاكم فأحياكم‬
‫علينا من صلوات معشر أبرار ل أشقياء ول فجار يقومون الليل ويصومون‬
‫النهار لربكم الكبار رب الغيوم والمطار‪ ...‬لما رأيت وجوههم حسنت‬
‫وأبشارهم صفت وأيديهم طفلت قلت لهم ل النساء تأتون ول الخمر تشربون‬
‫ولكنكم معشر أبرار تصومون‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬أنت ما أوحى إليك قال‪:‬‬
‫) ألم تر إلى ربك كيف فعل بالحبلى أخرج منها نسمة تسعى من بين صفاق‬
‫وحشى(‬
‫قالت‪ :‬وماذا أيضا قال‪ ) :‬أوحى إلى أن الله خلق النساء أفراجا وجعل الرجال‬
‫لهن أزواجا فنولج فيهن إيلجا ثم نخرجها إذا نشاء إخراجا فينتجن لنا سخال‬
‫إنتاجا(‬
‫قالت‪ :‬أشهد أنك نبي!‬
‫قال هل لك أن أتزوجك فآكل بقومي وقومك العرب؟ قالت‪ :‬نعم‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .‬أقامت عنده ثلث ايام‪ ،‬ثم انصرفت إلى قومها‪ .‬فقالوا ما عندك؟ قالت كان‬
‫على الحق فاتبعته فتزوجته‪ .‬قالوا فهل أصدقك شيئا؟ قالت ل‪ .‬قالوا ارجعي‬
‫إليه فقبيح بمثلك أن ترجع بغير صداق‪ .‬فرجعت فلما رآها مسيلمة أغلق‬
‫الحصن‪ .‬ثم قال لها‪ ،‬مالك؟ قالت أصدقني صداقا‪ .‬قال من مؤذنك؟ قالت‬
‫شبث بن ربعي الرياحي‪ .‬قال علي به‪ .‬فجاء‪ .‬فقال ناد في أصحابك أن‬
‫مسيلمة ابن حبيب رسول الله قد وضع عنكم صلتين مما أتاكم به محمد‪،‬‬
‫صلة العشاء الخرة وصلة الفجر‪ .‬مع اليام بدأت )سجاح( تسترد وعيها‬
‫وتدرك فداحة الوهم الذي كان يسيطر عليها‪ .‬اقتنعت بصعوبة القدام على‬
‫قتال المسلمين‪ ،‬فانصرفت راجعة إلى أخوالها في الموصل‪ .‬بعد بفترة وجيزة‬
‫بلغها مقتل مسيلمة‪ .‬لهذا فأنها أسلمت‪ ،‬ثم قررت أن تهجر الموصل ورحلت‬
‫إلى البصرة حيث استقرت باقي عمرها حتى توفيت فيها‪ .‬وصلى عليها‬
‫)سمرة بن جندب( والي البصرة التابع لمعاوية‪.‬‬
‫إن الحيزبون التي أمت سفهاء الجمعة الماضية أشبه الناس بسجاح قبل‬
‫توبتها‪ ،‬بل أشبه الناس بأم قرفة‪ ،‬وما أدراك ما أم قرفة! "أم قرفة" فاطمة‬
‫فزارية‪ ،‬حاربت الله ورسوله‪ ،‬وأمعنت في تأليبها عليه‪ .‬وكان‬ ‫بنت ربيعة ال َ‬
‫َ‬
‫العرب يضربون المثل لعزتها فيقولون‪ :‬أعز من أم قرفة‪ .‬وقال الصمعي‪:‬‬
‫من أمثالهم في العزة والمنعة‪ :‬أمنع من أم َقرفة‪ .‬وفيها يضرب المثل في‬
‫العزة والمنعة والشرف لكثرة أولدها الثلثة عشر‪ ،‬وعزة قبيلتها وبيتها‪،‬‬
‫فيقال‪ :‬أعز من أم قرفة‪ ،‬وكانت إذا تشاجرت غطفان بعثت خمارها على رمح‬
‫ت أم‬‫فينصب بينهم فيصطلحون!‪ ..‬وكان النبي يقول لهل مكة‪ :‬أرأيتم لن قتل ُ‬
‫قرفة؟ فيقولون‪ :‬أيكون ذلك؟‬
‫في السنة السادسة للهجرة خرج زيد بن حارثة في سرية فأسرها‪ ،‬فأمر‬
‫النبي زيد بن حارثة أن يقتل أم قرفة‪ ،‬فقتلها قتل ً عنيفًا‪ ،‬ربط برجليها حبلين‬
‫ثم ربطهما إلى بعيرين حتى شقاها‪ ..‬فما نفعتها عزتها الجاهلية!‬
‫إن الحيزبون التي أمت سفهاء الجمعة الماضية أشبه الناس بالمسخ المشوه‬
‫الحية الرقطاء كوندوليزا رايس‪ .‬وهي وإن زعمت أنها مسلمة‪ ،‬أشبه بهدى‬
‫شعراوي التي نزعت نقابها في ميناء السكندرية وألقت به في البحر سنة‬
‫‪ ،1920‬و منوبّية الورتانين التي نزعت الحجاب أثناء إلقاء محاضرة في تونس‬
‫سنة ‪ 1924‬و غيراهما‪.‬‬
‫ك أعورا ً والقلب أعمى فكل الخلق في عينيه عوُر‬ ‫ومن ي ُ‬
‫واعلموا‪ ،‬رحمكم الله‪ ،‬أن العلماء قالوا‪ :‬ل تصح إمامة المرأة عندنا وليعد‬
‫صلته من صلى وراءها وإن خرج الوقت"‪.‬‬
‫وقال الشافعي في الم ‪" :1/191‬وإذا صلت المرأة برجال ونساء وصبيان‬
‫ذكور فصلة النساء مجزئة‪ ،‬وصلة الرجال والصبيان الذكور غير مجزئة; لن‬
‫الله عز وجل جعل الرجال قوامين على النساء وقصرهن عن أن يكن أولياء‪،‬‬
‫ول يجوز أن تكون امرأة إمام رجل في صلة بحال أبدا"‪.‬‬
‫وقال ابن حزم في المحلى ‪" :2/167‬ول يجوز أن تؤم المرأة الرجل ول‬
‫الرجال‪ ,‬وهذا ما ل خلف فيه ‪ ,‬وأيضا فإن النص قد جاء بأن المرأة تقطع‬
‫صلة الرجل إذا فاتت أمامه‪ ،‬مع حكمه عليه السلم بأن تكون وراء الرجل‬
‫في الصلة ول بد‪ ,‬وأن المام يقف أمام المأمومين ول بد"‪.‬‬
‫ولم ينقل عن أحد من أهل العلم جواز إمامتها في صلة الجمعة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وز إمامتها في الفريضة ‪ -‬غير الجمعة‪ -‬حديث أم ورقة أن النبي‬ ‫وحجة من ج ّ‬


‫صلى الله عليه وسلم أمرها أن تؤم أهل دارها‪ .‬رواه أبو داود )‪.(592‬‬
‫وأجيب عن هذا الدليل بجوابين‪:‬‬
‫الول‪ :‬ضعف الحديث‪ ،‬فقد قال عنه الباجي في المنتقى شرح الموطأ‪" :‬هذا‬
‫الحديث مما ل ينبغي أن يعول عليه"‪ .‬وقال ابن حجر في التلخيص الحبير‬
‫‪" :2/56‬في إسناده عبد الرحمن بن خلد‪ ،‬وفيه جهالة"‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن المقصود بأهل دارها النساء منهم دون الرجال‪ ،‬قال ابن قدامة في‬
‫المغني ‪" :2/16‬وحديث أم ورقة إنما أذن لها أن تؤم )نساء( أهل دارها ‪,‬‬
‫كذلك رواه الدارقطني‪ .‬وهذه زيادة يجب قبولها ‪ ,‬ولو لم يذكر ذلك لتعين‬
‫حمل الخبر عليه ; لنه أذن لها أن تؤم في الفرائض ‪ ,‬بدليل أنه جعل لها‬
‫مؤذنا ‪ ,‬والذان إنما يشرع في الفرائض‪ ،‬ولو قدر ثبوت ذلك لم ورقة ‪ ,‬لكان‬
‫خاصا بها ‪ ,‬بدليل أنه ل يشرع لغيرها من النساء أذان ول إقامة ‪ ,‬فتختص‬
‫بالمامة لختصاصها بالذان والقامة"‪.‬‬
‫إن أعداء الله ومبادئهم كذوات السموم؛ نحن معها على افتراق وبراء وعداء‬
‫حتى يدخلوا في ديننا‪.‬‬
‫أيها الجيل‪ :‬الفرد في هذا الزمان أشد حاجة لليقظة والنتباه مما كان عليه‬
‫أسلفه المسلمون في العصور الماضية‪ ،‬لقد كان أسلفه يعيشون في وسط‬
‫إسلمي تسوده الفضائل‪ ،‬ويعمه التواصي بالحق‪ ..‬الرذائل فيه تتوارى عن‬
‫أعين العلماء وسيوف المراء‪ ،‬أما اليوم فإن المدنية السفيهة الحديثة قد‬
‫صرةً‬‫مب ْ َ‬
‫ة ُ‬
‫جعلت كفر جميع مذاهب الكفار‪ ،‬وشهواتهم وشبهاتهم‪ ،‬مسموع ً‬
‫ة عن طريق الذاعات والشبكات‪ ،‬والصحف والقنوات‪ ،‬تتسلق وتتسلل‬ ‫مزخرف ً‬
‫ي! فعندي الفقه‬ ‫ي إل ّ‬‫إلى أعماق القلوب الجوفاء والبيوتات‪ ،‬وترفع عقيرتها‪ :‬إل ّ‬
‫الطيب‪ ،‬تعني‪ :‬فقه الرجاء والتسيب‪ ،‬وينعق فيها الرويبضات التافهون في‬
‫أمر العامة صارخين‪:‬‬
‫م‬
‫م وليس ما يبثه السل ُ‬ ‫العلم ما ينقله العل ُ‬
‫ق‬
‫والحق ما تطلقه البواقُ وليس ما تثبته الخل ُ‬
‫صغاِر‬ ‫صغارِ باللحن والعُْري وبال ّ‬ ‫قد طوروا الخطاب لل ّ‬
‫ل‬
‫صبة الفساق والنذا ِ‬ ‫ل وعُ ْ‬ ‫خابوا فهم حثالة النسا ِ‬
‫ل‬
‫عي ماذق تنبا ِ‬ ‫من كل ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫محا ِ‬ ‫رهط الخنا والغي وال ِ‬
‫ل‬
‫ِ‬ ‫الوحا‬ ‫من‬ ‫صيغوا‬ ‫كأنما‬ ‫محارب لله ل يبالي‬
‫ل‬
‫أو من رجيع الحمر والبغا ِ‬
‫اللهم من أرادنا أو أراد السلم بسوء فاجعل كيده في نحره‪ ،‬واجعل تدبيره‬
‫تدميره‪ ،‬يا قوي يا عزيز‪ ..‬يا قوي يا عزيز‪ ..‬يا من ل يعجزه شيء في الرض‬
‫ول في السماء‪.‬‬
‫اللهم كن للمسلمين المستضعفين المظلومين المقهورين في العالمين‪..‬‬
‫اللهم كن للمسلمين المستضعفين المقهورين المظلومين في العالمين‪.‬‬
‫اللهم كن لهم في فلسطين و أفغانستان و كشمير و الشيشان ‪ ،‬وجميع‬
‫العالمين‪.‬‬
‫اللهم أزل عنهم العنا‪ ،‬اللهم أزل عنهم العنا‪.‬‬
‫اللهم اكشف عنهم الضر والبلء‪.‬‬
‫اللهم أنزل عليهم من الصبر أضعاف ما نزل بهم من البلء‪ ،‬يا سميع الدعاء‪.‬‬
‫قوْم ِ ال ْ َ‬‫صْرَنا عََلى ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ]البقرة‪:‬‬ ‫ري َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫مَنا َوان ْ ُ‬ ‫ت أقْ َ‬
‫دا َ‬ ‫صْبرا ً وَث َب ّ ْ‬
‫َرب َّنا أفْرِغ ْ عَل َي َْنا َ‬
‫‪. ^[250‬‬
‫اللهم أنت حسبنا ومن كنت حسبه فقد كفيته‪ ،‬حسبنا الله ونعم الوكيل‪..‬‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حسبنا الله ونعم الوكيل‪ ..‬حسبنا الله ونعم الوكيل‪.‬‬


‫سبحان ربك رب العزة عما يصفون‪ ،‬وسلم على المرسلين‪ ،‬والحمد لله رب‬
‫العالمين‪.‬‬
‫وسبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬أشهد أن ل إله إل أنت‪ ،‬أستغفرك وأتوب إليك‬
‫والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد‬

‫)‪(3 /‬‬

‫إمكانات متزايدة‬
‫د‪ .‬عبدالكريم بكار ‪18/11/1425‬‬
‫‪30/12/2004‬‬
‫إن الله –جل وعل‪ -‬خلق الدنيا داًرا للبتلء‪ ،‬فوّفر فيها كل شروط البتلء‪ ،‬وإن‬
‫كن الله عباده من الوصول إلى ما يطمحون إليه ما دام‬ ‫من تمام البتلء أن يم ّ‬
‫في إطار سننه في الخلق‪ ،‬وقد عبر القرآن الكريم عن هذا المعنى بوضوح‬
‫تام؛ حيث قال –تباركت أسماؤه‪) :-‬من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما‬
‫ما مدحوًرا‪ ،‬ومن أراد الخرة‬ ‫نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلها مذمو ً‬
‫ً‬
‫وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوًرا كل نمد هؤلء‬
‫وهؤلء من عطاء بك وما كان عطاء ربك محظوًرا( ]السراء‪[20-18:‬‬
‫إن إرادة الله –تعالى‪ -‬طليقة‪ ،‬فهو يوجه عطاءه إلى من يسعى إليه –إن شاء‪-‬‬
‫ويطلبه‪ ،‬ويأخذ بأسبابه بقطع النظر عن كون المطلوب أمًرا دنيوًيا أو أخروًيا‪.‬‬
‫وهذا ما نشاهده اليوم على أوسع نطاق ممكن؛ حيث إن التقدم التقني‬
‫والعلمي واتساع المدن ووفرة الموال – بين يدي شريحة واسعة على القل‪-‬‬
‫وتلون فنون العيش –قد أّدت إلى بسط غير مسبوق في إمكانات الناس‬
‫وقدراتهم‪ .‬إن المجال المتاح ِلرجل يعيش مع إبله في البادية أو مع شجره‬
‫دا‪ .‬إن الوسائل المتاحة له كي ينفع وكي يضر‬ ‫وزرعه في القرية محدود ج ً‬
‫وكي يدفع بالمسيرة إلى المام أو يكون حجر عثرة في طريقها – محدودة‬
‫للغاية؛ وذلك بسبب ضعف التمدن وتخلف العمران في كل من البادية‬
‫والقرية‪ .‬وإذا قارنت ما يمكن لعشرين راعًيا للغنم أن يتركوه في الناس من‬
‫صا يعملون في‬ ‫آثار في سلوكهم مع ما يمكن أن يفعله اليوم عشرون شخ ً‬
‫قناة فضائية‪ ،‬لدركت حجم الضافة التي حدثت في الخمسين سنة الماضية‪.‬‬
‫ما الذي حدث فعل ً خلل هذه المدة على صعيد توسع المكانات‪ ،‬وما مدى‬
‫تأثيره في الوعي والخُلق والسلوك؟‬
‫بمقاربة أولية يمكن أن نقول التي‪:‬‬
‫‪ -1‬كلما زادت المكانات التقنية والمادية بين أيدي الناس اتسعت مساحات‬
‫الحركة أمامهم‪ ،‬وزادت الخيارات والبدائل مما يزيد الناس قوة إلى قوتهم‪.‬‬
‫ويزيد مع كل هذا ابتلء الله –تعالى‪ -‬لهم‪.‬‬
‫ضا‬
‫‪ -2‬يكثر أهل الخير ويعظم تأثيرهم‪ ،‬ويكثر أهل الشر والباطل‪ ،‬ويعظم أي ً‬
‫تأثيرهم‪ ،‬وذلك بسبب كثرة الوسائل التي يمكن أن يستخدمها هؤلء وهؤلء‪.‬‬
‫وبعض الناس ل يدرك هذا؛ فيتحدث عن الشر المستطير الذي يقلقه‪ ،‬ول‬
‫يتحدث عن الخير الذي يحيط به‪ .‬وبعض الناس يفعل العكس‪.‬‬
‫‪ -3‬تنحسر الجتهادات والرؤى السابقة وتقصر عن توفير التغطية الثقافية‬
‫سة إلى التوصل إلى‬ ‫والتوجيهية‪ ،‬ويجد أهل العلم والفكر أنفسهم في حاجة ما ّ‬
‫فتاوى واجتهادات ونظريات جديدة‪ .‬وهذا يعني بداهة أن تكثر المسائل‬
‫المثيرة للجدل‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -4‬تضعف الرقابة الجتماعية‪ ،‬وتتسع مساحات الخصوصيات‪ ،‬ويذوق الناس‬


‫طعم الرفاهية‪ ،‬ويصبح لجم النفوس عن مشتهياتها أشق‪ .‬وكل هذا من تصاعد‬
‫مكنة‪.‬‬‫البتلء مع تصاعد القدرة وال ُ‬
‫‪ -5‬تصبح إمكانات الحركة أكبر من إمكانات ضبطها‪ ،‬وتقييدها‪ ،‬كما تكبر‬
‫الفجوة بين إمكانات الغش والتزوير وإمكانات كشفه وحصره‪.‬‬
‫‪ -6‬يظهر على نحو مفاجئ كل ما كان ملغًيا أو متجاهل ً أو مكبوًتا‪ ،‬ويأخذ‬
‫ظهوره شكل النفجار‪ ،‬وأحياًنا شكل تعويض ما فات‪ ،‬أو شكل النتقام ممن‬
‫تسبب في التهميش واللغاء‪.‬‬
‫‪ -7‬حين يأخذ التقدم المادي هيئة الطفرة فإن الناس يعيدون ترتيب أولوياتهم‬
‫من غير وعي منهم‪ .‬ويكون ذلك ‪-‬في الغالب‪ -‬تعبيًرا عن النحياز إلى‬
‫المصلحة على حساب المبدأ‪.‬‬
‫‪ -8‬يحدث صراع مكشوف بين الثقافة بوصفها رمًزا لعالم المعنى وبين‬
‫الحضارة بوصفها مطلًبا لراحة البدن‪ .‬وكثيًرا ما تغلب الحضارة الثقافة‪ ،‬كما‬
‫دد المتداد ُ التجاه‪ ،‬والمكان الزمان‪.‬‬ ‫يب ّ‬
‫حا‪ ،‬فما الذي يجب عمله؟‬ ‫إذن كان هذا التشخيص صحي ً‬
‫دا الستسلم لليأس والنسحاب من الساحة بسبب ما نرى من‬ ‫‪ -9‬ل ينبغي أب ً‬
‫كثرة الشر والفساد‪ ،‬وعلينا أن نتأمل بعمق لنرى كثرة الخير بالمقارنة مع ما‬
‫ضا المكانات الكبرى لتكثيره ونشره‪ .‬لقد كان أهل العلم‬ ‫ل‪ ،‬ولنرى أي ً‬‫كان قب ُ‬
‫ما يغبطون العالم إذا اجتمع في حلقته مائة طالب يكتبون ما يقوله‪.‬‬ ‫قدي ً‬
‫واليوم صار في المكان أن يستمع للعالم الواحد مئات المليين في وقت‬
‫واحد‪ ،‬كما صار في المكان الطلع على كثير من الجهود الخّيرة التي ُتبذل‬
‫في سائر أنحاء العالم‪.‬‬
‫‪ -10‬السلم مجموعة من المبادئ والمثل والقيم‪ ،‬وهذه مجتمعة تتأّبى على‬
‫سدها في‬ ‫الفرض واللزام‪ .‬إن القيم ل ُتفرض‪ ،‬لكنها تجذب من خلل تج ّ‬
‫سلوكات الفذاذ والخيار‪ .‬وإن وعي الناس قد تقدم إلى درجة جعلهم ل‬
‫مق عن الفضائل والمحامد‪ .‬وصار اليحاء الذي تشعه‬ ‫يكترثون بالكلم المن ّ‬
‫الوضاع الجيدة والسلوكات المستقيمة والراقية أعظم تأثيًرا في نفوس‬
‫ملنا مسؤولية تمّثل القيم السلمية في حياتنا‬ ‫الشباب وعقولهم‪ ،‬وهذا يح ّ‬
‫جا‬
‫الشخصية والعامة‪ ،‬وإن كل واحد منا يستطيع –لو أراد‪ -‬أن يقدم نموذ ً‬
‫يقتدي به الناس في جانب من جوانب الحياة الفاضلة‪ ،‬أو مسلك من مسالك‬
‫الطريق القويم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -11‬إذا لم يكن لك روح عصر كانت لك كل شروره‪ .‬أن تكون فقيًرا بين‬
‫جَهلة أو فوضوًيا بين فوضويين‪ ...‬فذاك أمر يظل محدود‬ ‫فقراء أو جاهل ً بين َ‬
‫الضرار‪ .‬لكن أن يكون المرء جاهل ً بين علماء أو فقيًرا بين أغنياء أو فوضوًيا‬
‫ل على حسابه‪ .‬وهكذا‬ ‫بين منظمين‪ ....‬فهذا يعني أن كل مشاكل أولئك سُتح ّ‬
‫فإن الضريبة التي سندفعها نتيجة عدم فهم روح العصر‪ ،‬ونتيجة عدم‬
‫دياته ستكون مضاعفة أضعاًفا كثيرة!‬ ‫الستجابة لتح ّ‬
‫‪ -12‬لنقّلل من الشكوى قدر الستطاعة‪ ،‬ففي زمان العولمة تقل فائدة‬
‫ما على‬ ‫الشكوى‪ ،‬ويقل وجود الذين يمكن أن نشكو إليهم‪ ،‬ولنعمل دائ ً‬
‫محاصرة الشر بالخير‪ ،‬والباطل بالحق‪ ،‬والهزيمة بالنصر‪ .‬ولنكن ملء السمع‬
‫والبصر‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -13‬التقدم الحضاري يتيح الكثير من الفرص‪ ،‬فلنحاول اقتناصها والستفادة‬


‫منها‪ .‬وأولو العزم من المؤمنين يتجاوزون ذلك إلى صناعة الفرص حيث‬
‫تكشف الرادة الصلبة والعزيمة الماضية عن المكان الحضاري المستتر تارة‪،‬‬
‫وتصنعه تارة أخرى‪.‬‬
‫ولله المر من قبل ومن بعد‬
‫إمكانات متزايدة‬
‫د‪ .‬عبد الكريم بكار ‪2/12/1425‬‬
‫‪13/01/2005‬‬
‫ذكرت في المقال السابق بعض المعاني والمفاهيم التي تشير إلى التغيرات‬
‫ب في اتجاه‬ ‫التي يحدثها التقدم العمراني‪ ،‬وأشرت إلى أن تلك التغيرات تص ّ‬
‫توسيع مجالت الدراك والفهم ومجالت العمل والحركة‪ ،‬واليوم أذكر –بإذن‬
‫الله‪ -‬المزيد من تلك المفاهيم‪ ،‬لعلي أستطيع تغيير قناعات بعض أولئك‬
‫اليائسين من الصلح والمحبطين من رؤية الضغوط والتعقيدات المتزايدة‪:‬‬
‫‪ -6‬في حالت التخلف يزداد الشبه بين الناس والشياء والوضاع لن العمل‬
‫والحركة وقبل ذلك الفكر النشيط هي التي تنتج ما يزيل التشابه الفطري‬
‫الموروث فيما ذكرناه‪ .‬حين تنظر إلى عشرة آلف نائم فإنك تدرك ما أعنيه‪.‬‬
‫وفي المقابل فإننا حين سنسير في شارع مزدحم‪ ،‬ونحاول فهم دوافع الناس‬
‫وأهدافهم في حركتهم الدائبة ندرك مدى التنوع والتفاوت الناجم من السعي‬
‫في الرض واستخدام الوسائل المختلفة‪ .‬على مدار التاريخ كان )التفاوت(‬
‫مصدر تعليم وتطوير‪ .‬إننا من خلل اختلف سوياتنا ورغباتنا ومصالحنا نجد‬
‫سبل ً للتعاون وسبل ً للنزاع أيضًا‪ .‬من خلل اختلف فكر الفرد وذوقه مع‬
‫الذائقة الثقافية السائدة في المجتمع ومن خلل اختلف مصلحته مع مصالح‬
‫الناس من حوله –تقوم أعظم عمليات التغيير والتطوير للفرد والمجتمع معا‪ً.‬‬
‫وهذا كله يأتي من وراء النقد العمراني والزدهار الحضري‪ .‬التفاوت الناتج من‬
‫التقدم يدعم حاسة المقارنة لدى الناس‪ ،‬ومن خلل المقارنة يكتشف الناس‬
‫جزءا ً من أنفسهم وجزءا ً من دافعهم أيضًا؛ ومن هنا فإننا نجد أن القرآن‬
‫الكريم كثيرا ً ما يجعل الحديث عن الجنة مقرونا ً بالحديث عن النار‪ ،‬كما يجعل‬
‫الحديث عن الذين آمنوا مقرونا ً بالحديث عن الذين كفروا‪ ...‬التفاوت الذي‬
‫يولده التقدم العمراني‪ ،‬يتيح المزيد من النمو من خلل فتح شهية الناس نحو‬
‫التقليد‪ .‬ول يخفى أن كثيرا ً من الدول الناهضة اليوم بدأت بتقليد منتجات‬
‫غيرها‪ ،‬ثم أخذت في إبداع منتجات عليها بصمتها الخاصة‪ .‬وسيكون في‬
‫إمكان كل واحد أن يفعل ذلك؛ حيث إن من الممكن أن نتعرف على أسباب‬
‫ل‪ -‬من خلل الدخول إلى عالمة الشخصي من أجل‬ ‫تفوق عالم من العلماء ‪-‬مث ً‬
‫فهم ما جعله متفوًقا من سمات وخصائص وبرامج ووسائل ‪ ...‬ثم محاولة‬
‫تقليده في ذلك أو بعضه‪ .‬وسيكون في إمكان المؤسسات والشركات‬
‫والهيئات العادية أن ترتقي بذواتها ومنتجاتها من خلل تقليد نظيراتها‬
‫دها عوامل أساسية في‬ ‫المتفوقة باتباع النظم والمعايير والساليب التي تع ّ‬
‫نجاحها وهكذا‪ ...‬في حالت التقهقر والجمود الحضاري يكون الجميع في‬
‫حاجة إلى التعّلم‪ ،‬لكن يكون المعّلم غير موجود أو يكون نصف جاهل‪ ،‬أو‬
‫يكون الناس غير مدركين لما يمكن أن يفعله العلم في حياتهم‪ ،‬وهذا ما تعاني‬
‫منه اليوم شعوب إسلمية كثيرة!‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ – 7‬يتيح التقدم الحضاري المزيد من فرص العمل‪ ،‬ومع أن ذلك ليس من‬
‫غير ضريبة يجب دفعها إل أن من المسّلم به أنه ما كان للرض أن تتحمل هذا‬
‫العدد الهائل من البشر لو ل ما فتح الله به على الناس من علوم ومخترعات‬
‫ولو ل الجهود المنظمة والعظيمة التي بذلها مليين الجنود المجهولين في‬
‫التعليم والتدريب والتطوير‪ ..‬لننظر إلى فرص العمل التي أتاحها اختراع‬
‫الحاسوب والجوال‪ .‬ولننظر إلى ما أتاحه من ذلك صنع السيارة والطائرة‬
‫والمخترعات الكهربائية واللكترونية من قبل‪ .‬وسنعرف فضل كل هذا لو‬
‫ل‪ -‬أن الناس سيعودون في معيشتهم وأعمالهم إلى المستوى الذي‬ ‫درنا –جد ً‬
‫ق ّ‬
‫كان عليه آباؤهم قبل قرنين من الزمان؛ ل شك أن أكثر من نصف القوى‬
‫العاملة ستجد نفسها في بطالة قاتلة بسبب الستغناء عن المنتجات التي‬
‫تقوم على تحضيرها‪ .‬وعلى المستوى الثقافي والدعوي فقد زادت إمكانات‬
‫التواصل بين الناس ونشر الفكار بما لم يكن وارًدا حتى في الخيال‪ .‬إن هناك‬
‫أعداًدا كبيرة من العلماء الذين أّلفوا كتًبا نفيسة لكن لم تغادر أدراج مكاتبهم‬
‫لعدم وجود المال المطلوب لطباعتها ونشرها‪ .‬وهناك مئات اللوف من طلب‬
‫دثوا أنفسهم بتأليف بعض الكتب لكن أحجموا لنهم غير واثقين‬ ‫العلم الذين ح ّ‬
‫من التمكن من طباعتها أو نشرها‪ ،‬فقد كان تداول الكتاب وانتقاله من دولة‬
‫إلى أخرى في المرحلة الماضية صعًبا للغاية‪ ،‬وكان تداول بعض الكتب يشبه‬
‫في مشقته تداول المواد المخدرة‪ ،‬وكان كثير من الدعاة يشكون عدم القدرة‬
‫على الوصول إلى المدعوين في بلدانهم وفي البلدان الخرى بسبب القيود‬
‫المنية أو بسبب عدم توفر المال المطلوب للنتقال‪ ...‬إن كل هذا قد انتهى‬
‫اليوم بفضل وجود )النترنت( و)البث الفضائي(‪ .‬قد صار في إمكان أي مثقف‬
‫أن يبني لنفسه موقًعا على )النترنت( ويقوم ببث ما لديه من معارف‬
‫وخبرات وإرشادات على ذلك الموقع وبتكلفة ل تكاد تذكر‪ .‬وصار في إمكان‬
‫كل داعية أن يوصل كلمته إلى مئات المليين من الناس في شتى أنحاء‬
‫المعمورة دون أن يغادر بيته‪ .‬بل إن شيًئا مذهل ً قد حدث على هذا الصعيد‪،‬‬
‫هو أنه في الماضي لم يكن في المكان لشخصين يجلسان في غرفتين‬
‫طلعا على كتاب واحد في آن واحد بسبب الشروط الصارمة‬ ‫متجاورتين أن ي ّ‬
‫للرؤية؛ أما اليوم فإننا إذا ً وضعنا كتاًبا أو مقال ً على )النترنت( فإن في إمكان‬
‫قا‪.‬‬
‫مليين البشر الطلع عليه ونسخه ونشره في آن واحد! وهذا أمر مثير ح ً‬
‫إذا كان المر على هذه الصورة؛ فلماذا نجد إًذا عشرات المليين من الشباب‬
‫المسلم المثقف واللمع‪ ،‬ل يقدم لدينه ودعوته أي شيء ذي قيمة‪ ،‬ويعتقد أنه‬
‫ف بل يعده مفخرة له؟!‬‫كا للثقافة فهذا كا ٍ‬ ‫إذا صار مستهل ً‬
‫إنه القصور التربوي والثقافي الذي نعاني منه والذي طالما تحدثنا عن‬
‫ور لنا الخرون الوسائل التي تساعدنا على النتشار السريع‬ ‫مخاطره‪ .‬قد ط ّ‬
‫والفعال‪ ،‬لكننا لم نستفد من ذلك كثيًرا لننا لم نقم بتطوير أنفسنا وصقل‬
‫استعداداتنا‪ ،‬ولم نقم بتحطيم الوهام والقيود التي تشل حركتنا‪ ،‬وهذا ما ل‬
‫يستطيع أحد أن يقوم به بالنيابة عنا وحتى نعرف كيف استفاد غيرنا من‬
‫الوسائل الحديثة فيكفي أن نعلم أن الوربيين أنشؤوا شبكة معلومات أنزلوا‬
‫عليها نفائس المكتبات الوربية‪ ،‬وقد بلغت الكتب التي تم وضعها على تلك‬
‫وا من )مليارين ومئة مليون كتاب( وقد نهض بهذه المهمة قرابة‬ ‫الشبكة نح ً‬
‫ربع مليون شخص‪ .‬فماذا علمنا نحن؟!‬
‫إمكانات متزايدة )‪(3‬‬
‫د‪.‬عبد الكريم بكار ‪16/12/1425‬‬
‫‪27/01/2005‬‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عرضت في المقال َْين السابقْين بعض المكانات الجديدة التي وّفرها التقدم‬
‫ضا المزيد منها على أمل تكوين صورة متكاملة‬ ‫الحضاري‪ ،‬واليوم أستعرض أي ً‬
‫عن هذه المسألة‪.‬‬
‫‪ – 8‬حين يتحرك النسان‪ ،‬ويسعى إلى تحقيق مآربه وقضاء حاجاته الكثيرة‬
‫يجد نفسه مكب ّل ً بقصوره الذاتي وطاقاته المحدودة‪ ،‬إن عينه ل ترى إل إلى‬
‫حد ّ معين وضمن شروط معينة‪ ،‬كما أن قدرة يده على التعامل مع الشياء‬
‫مه ورجله وأذنه‪ ...‬التقدم‬
‫ضا محدودة‪ ،‬وقل مثل هذا في لسانه وحاسة ش ّ‬ ‫أي ً‬
‫العلمي والتقني والحضاري عامة يزيد في سلطان الحواس‪ ،‬وإمكانات الجسد‬
‫إلى درجات كان مجرد تخيلنا أمًرا عسيًرا‪ .‬إن وسائط النقل من الدراجة إلى‬
‫الطائرة زادت في سلطان الّرجل‪ .‬وإن كل أنواع العتاد التي يستخدمها أهل‬
‫الحرف وموظفو الصيانة زادت في سلطان اليد‪ .‬وزاد الهاتف في سلطان‬
‫دا عّنا‪ ،‬ونوصل‬‫من يتحدث في مكان بعيد ج ً‬ ‫الّلسان والذن؛ حيث صرنا نسمع َ‬
‫وال( فقد جعل إمكانات‬ ‫ضا بعيدون‪ .‬أما الهاتف )الج ّ‬
‫كلمنا إلى من هم أي ً‬
‫التواصل العالمي شبه مطلقة‪ ،‬وسيكون لذلك آثاره الثقافية الخطيرة في‬
‫المستقبل وهكذا‪...‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وقد أّدى كل ذلك إلى اختصار الوقت وتحسين النتاجية وتخفيف العبء عن‬
‫ضر؛ فالنسان‬ ‫البدن‪ .‬ومع تقدم والوسائل واللت‪ ،‬تولد معايير جديدة للتح ّ‬
‫المتخلف اليوم كثيًرا ما يكون كذلك بسبب عدم رغبته أو عدم قدرته على‬
‫استخدام الدوات التي يستخدمها معاصروه‪ .‬وهذا يعني أن المم التي تقود‬
‫حركة النتاج العالمي هي التي تصنع مواصفات التقدم والتخلف‪ ،‬وهذا مع كل‬
‫الممّيزات التي حققها‪ ،‬يزيد في أعباء المم الفقيرة التي ل تستطيع إنتاج‬
‫اللت‪ ،‬ول تجد المال الكافي لستيرادها‪ ،‬وهذه الوضعية تغذي حالة الفقر‬
‫وترسخها‪ .‬إننا سوف ندهش إذا تأملنا في الوقت الذي توّفر لربة المنزل‬
‫بسبب وجود اللت الحديثة‪ ،‬لكن معظم النساء صار وقت الفراغ وبال ً عليهن‬
‫ن‪ ،‬وذلك بسبب مواكبة التقدم النساني للتقدم‬ ‫ومصدًرا كبيرا ً للزعاج له ّ‬
‫التقني والصناعي‪.‬‬
‫صور الذهنّية التي‬ ‫ّ‬
‫‪ – 9‬في الماضي كانت أوصال العالم مقطعة‪ ،‬وكانت ال ّ‬
‫وشة‪ ،‬بل إن أذهان الشعوب مملوءة‬ ‫وهة ومش ّ‬
‫ونها الشعوب عن بعضها مش ّ‬ ‫تك ّ‬
‫بالخرافات والتّرهات حول الوضاع والعادات السائدة في المجتمعات‬
‫المغايرة والبعيدة‪ ،‬وبسبب نقص المعلومات فإن كل وجهات النظر التي‬
‫كانت يسمها شعب عن شعب آخر كانت ُتتلقى على أنها حقائق قاطعة ل‬
‫تحتمل الجدل‪ .‬وقد تغير كل ذلك بسبب سهولة النتقال وسهولة التصال‪،‬‬
‫والبث الفضائي اليوم يضع بين أيدينا كل ما نريد معرفته عن شعوب الرض‬
‫على نحو لم يسبق له مثيل‪ .‬هذا كله يعني أن الوعي الذاتي آخذ في‬
‫سن مستوى‬ ‫التحسن؛ إذ إن رؤية الخرين على ما هم عليه في واقع الحال تح ّ‬
‫رؤيتنا لنفسنا‪ ،‬وهذا يشكل مكسًبا عظيمًا‪ ،‬لكن الذي يحول دون الستفادة‬
‫الكاملة من معرفة الخر هو ما نعانيه من ضعف وقصور في محاكاتنا العقلية‪،‬‬
‫وفي قوى الستبصار ونظم الدراك والتفسير‪ ،‬ولكن هذا لن يدوم‪ ،‬وسنشهد‬
‫مع اليام الكثير من التقدم في كل هذا‪.‬‬
‫ور المذهل في وسائل التصال آخذ في تخفيف الحاجة إلى السفر‬ ‫‪ -10‬التط ّ‬
‫والنتقال‪ ،‬فهناك اليوم إمكانية ممتازة لعقد اجتماعات بالصوت والصورة بين‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أشخاص يعيشون في قارات مختلفة‪ .‬كما أن من الممكن للمرء أن يتلقى‬


‫تدريبا ً جيدًا‪ ،‬ويحصل على شهادة في علم من العلوم دون أن يغادر بيته وذلك‬
‫عن طريق )النترنت(‪ ،‬كما أن في إمكان المرء أن يبيع ويشتري في أسواق‬
‫تبعد عنه آلف الميال‪ .‬والتقدم في برامج الترجمة اللية‪ ،‬يخفف من‬
‫مشكلت التباين اللغوي‪ ،‬ويجعل التصال المعرفي أسهل‪.‬‬
‫‪ -11‬مع التقدم الحضاري المتسارع يعود شيء من العتبار للقدرات الذاتية‬
‫والمهارات الشخصية‪ ،‬وصار في إمكان أعداد متزايدة من الناس أن يصبحوا‬
‫أصحاب ثروات عريضة دون أن يكونوا من أبناء السر الغنية أو ممن ورثوا‬
‫عن آبائهم المجد والمال‪.‬‬
‫إذا امتلك الشاب فكرة لمشروع ناجح‪ ،‬فإن في إمكانه أن يبيعها‪ ،‬ويصبح من‬
‫مى الشاب ملكاته وإمكاناته الدارية‬ ‫وراء ثمنها في عداد الموسرين‪ ،‬وإذا ن ّ‬
‫ل من وراء إدارة جيدة لمشروع جيد‪.‬‬ ‫فإن في إمكانه أن يحصل على دخل عا ٍ‬
‫ل‪ ،‬وصارت الفكرة الذكية والقدرة‬ ‫إن التمويل لي مشروع صار اليوم سه ً‬
‫على الشراف والمتابعة محورا ً مهما ً للنجاح‪ .‬وفي إمكان كثير من الشباب‬
‫التأهل لذلك والبداع فيه من غير الحاجة إلى المال‪.‬‬
‫ل أريد أن أفيض أكثر فأكثر في المكانات المتزايدة‪ ،‬لكن أريد أن أوضح‬
‫الشروط الجوهرية للستفادة من كل ذلك‪ ،‬وهي ليست كثيرة‪.‬‬
‫ولعل من أهمها التي‪:‬‬
‫‪ -1‬التخلص من الفكار القديمة والسائدة حول الممكن و)المستحيل العادي(‬
‫والقريب والبعيد والسهل والصعب‪ ،‬والحتفاظ بقدر جيد من النفتاح على‬
‫المعطيات الجديدة‪ .‬والنظر بعين التهام إلى معلوماتنا الحالية تجاه ما يمكن‬
‫لنا الستفادة منه‪.‬‬
‫‪ -2‬العتقاد بأن ما لدينا من نظم وترتيبات وأساليب‪ ..‬يشوبه النقص –كما هو‬
‫ل قابل ً للتطوير والتحسين‪ .‬ومع أن هذه‬ ‫شأن كل ما ينظمه البشر‪ -‬ويظ ّ‬
‫النظرة مكلفة جدا ً إل أنها شرط أساسي في مقاومة التكلس‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -3‬ترتيب أوضاعنا الخاصة والعامة على أساس أن لدى الخرين شيئا ً يمكن‬
‫ديًا‪ ،‬كما‬
‫أن نتعلمه منهم‪ .‬والنظر إلى الخر المناوئ والمخاصم بأنه يشكل تح ّ‬
‫ل لما نعاني منه‪.‬‬‫أن لديه في الوقت نفسه شيئا ً من الح ّ‬
‫‪ -4‬إدخال عنصر الوقت في حل أي مشكلة تواجهنا‪ ،‬وفي تخفيف أي إنجاز‬
‫نريد تحقيقه‪ ،‬وعدم النظر إلى المور من زاوية معطياتها الحالية‪ ،‬وإنما من‬
‫أفق تطورها واتجاهات سيرورتها‪.‬‬
‫‪ -5‬تنظيم الذات والتحفز المستمر نحو استيعاب الجديد والبحث عنه والتغيير‬
‫في الرؤية وفق معطياته‪.‬‬
‫صلبة والقدرة‬
‫‪ -6‬إن شرط كل الشروط وأساس كل السس هو الرادة ال ّ‬
‫على الستمرار والمثابرة في الداء والعطاء‪ .‬وشيء بدهي أن يستعين‬
‫المسلم في كل ذلك بالله –جل وعل‪ -‬ويخلص له في أمره كله‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وت‪..‬‬
‫ما الم ٍ‬
‫دل وإ ّ‬
‫ما الع ٍ‬
‫إ ّ‬
‫بقلم‪ :‬الدكتور جابر قميحة‬
‫‪komeha@menanet.net‬‬
‫أبو جعفر المنصور )‪ 158 -95‬هـ( هو الخليفة الثاني في دولة بني العباس‪.‬‬
‫حكم لمدة واحد وعشرين عاما )‪ 158 - 137‬هـ( كان شجاعا حازما‪ ,‬ولكنه‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كان جبارا ظالما‪ ,‬فقتل خلقا كثيرا ظلما وعدوانا‪ ,‬ومن ضحاياه المام أبو‬
‫حنيفة الذي سجنه‪ ,‬وقتله بالسم لنه أفتي بالخروج عليه‪ .‬ومن عجب أنه‬
‫استهل حكمه بقتل أبي مسلم الخراساني الذي لول سيفه ما قامت الدولة‬
‫العباسية‪ .‬ومن ظلمه واستهانته بالرعية أنه ألزم الناس بلبس القلنس‬
‫الطوال علي رءوسهم‪ ,‬والقلنس أغطية للرأس كالطواقي أو الطرابيش‬
‫المدببة من أعلي‪ .‬كما ُيحسب عليه أنه أوقع بين العباسيين والعلويين‪ ,‬وكانوا‬
‫قبله قوة واحدة تعيش في تلق وصفاء‪.‬‬
‫ومن غدره أنه خلع عمه عيسي بن موسي من ولية العهد‪ ,‬وكان السفاح ‪-‬‬
‫مؤسس الدولة العباسية ‪ -‬عهد إليه من بعد المنصور‪ ,‬فخلعه‪ ,‬وعهد إلي ولده‬
‫المهدي‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫ولظلمه خرج عليه كثيرون بالسيف‪,‬ومنهم من عمل على إثارة الناس‬
‫حال«‪,‬‬ ‫وتحريضهم علي الخروج عليه‪ ,‬ويشد النظر من هؤلء جميعا »بشير الر ّ‬
‫عرفوا بالعبادة والزهد‪,‬‬‫وكان واحدا من كبار وجوه البصرة المعتزلة الذين ُ‬
‫حال لنه كان له سنة رحلة إلي الحج‪ ,‬وسنة رحلة إلي الجهاد‬ ‫وإنما ُلقب بالر ّ‬
‫في سبيل الله‪ .‬ولما رأي من ظلم المنصور في الناس ما رأي أعطي لله‬
‫دا أل يختلف في أمر المنصور سيفان إل كان مع الذي عليه منهما‪.‬‬ ‫عه ً‬
‫وعاش آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر‪ ,‬شديدا في جنب الله‪ ,‬ل يخشي في‬
‫الحق لومة لئم‪ ,‬وكان يوجه كلمات كالسهام إلي المهادنين للظالم‪ ,‬النائمين‬
‫الراضين المستسلمين لسطوته‪ ,‬وخصوصا أعيان الناس و كبارهم‪ .‬ويروي أنه‬
‫ت لله‬‫في المسجد أشار إلي هؤلء وقال‪ ....» :‬والله لول هؤلء ما نفذ ٍ‬
‫ت‪ ,‬لجهدن في ذلك جهدي‪ ,‬أو يريحني من هذه‬ ‫معصية‪ ..‬وأقسم بالله لئن بقي ُ‬
‫الوجوه المشوهة المستنكرة في السلم«‪.‬‬
‫ووقف يعّرض بأبي جعفر المنصور‪ ,‬ويخطب في الناس بصوت قارع »‪ ...‬أيها‬
‫القائل بالمس‪ :‬إن ُولينا عدٍلنا‪ ,‬وفعلنا‪ ,‬وصنعنا‪ ,‬فقد ُوليت‪ ,‬فأي عدل‬
‫أظهرت? وأي جور أزلت? وأي مظلوم أنصفت? آه‪ ,‬ما أشبه الليلة بالبارحة‪.‬‬
‫إن في صدري نارا ل يطفيها إل برد عدل‪ ,‬أو حر سنان«‪.‬‬
‫ورأي ذات يوم بعض رجال السلطة يتجسسون علي الناس‪ ,‬وقد تقنعوا‪,‬‬
‫ولكن »بشير الرحال« كشفهم‪ ,‬وقال ‪ ..» :‬ويتقنعون‪ ,‬وينظرون من بعيد‪ ,‬أفل‬
‫يتقنعون لله عز وجل في الحديد? ‪ -‬أي ياليتهم لبسوا عدة الحرب‪ ,‬ومنها‬
‫أقنعة الحديد‪ ,‬للجهاد في سبيل الله‪.‬‬
‫وكان الناس يخافون القتراب منه اتقاء لعسكر المنصور‪ .‬وُقبض عليه‪ ,‬ووقف‬
‫أمام المنصور‪ ,‬فقال لبشير‪ :‬أأنت القائل‪ :‬إن في صدري نارا ل يطفيها إل برد‬
‫عدل‪ ,‬أو حّر سنان? قال‪ :‬أنا ذاك‪ .‬فقال المنصور‪ :‬والله لذيقنك حد سنان‬
‫يشيب رأسك‪ .‬قال بشير‪ :‬ولكني ل أعينك علي معاصي الله‪ .«...‬قال الراوي‪:‬‬
‫طب‪ ,‬ول عبس‪ ,‬ول‬ ‫قطعت‪ ,‬فما ق ّ‬ ‫قطعت‪ ,‬ثم مدوا الخري ف ُ‬ ‫دوا يده ف ُ‬‫فم ّ‬
‫تململ‪.‬‬
‫وفي الموقف نفسه كان »مطر الوراق«‪ ,‬وهو صنو بشير الرحال في الخروج‬
‫علي المنصور‪ .‬خاطبه المنصور قائل‪ :‬يا مطر‪ ,‬نسيت الحرمة‪ ,‬وطول‬
‫الصحبة? قال‪ :‬نسيناها بنسيانك كتاب الله‪ ,‬وسنة رسول الله صلي الله عليه‬
‫ي مع من لم‬ ‫وسلم‪ ,‬وتضييعك أمور المسلمين‪ .‬قال المنصور‪ :‬فتخرج عل ّ‬
‫دا? فهذا خلف مذهبك‪ .‬قال‪ :‬لو خرج‪ -‬اىتمرد‪ -‬عليك الذّر ‪ -‬وهم‬ ‫تأنس منه رش ً‬
‫ي فيك‪.‬‬‫ت معهم‪ ,‬حتي أؤدي ما افترض الله عل ّ‬ ‫أضعف الخلق ‪ -‬لخرج ُ‬
‫قال المنصور‪ :‬يا ابن حسنة الزانية‪ ,‬قال مطر‪ :‬إنك تعلم أنها خير من سلمة‪-‬‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سفه لعلمتك ما تكره‪ ,‬ول‬ ‫وهى ام المنصور ‪ -‬ولول أنه قبيح بذي الشيب ال ّ‬
‫تطيق رده‪ ,‬قال المنصور‪ :‬خذوه‪ .‬قال مطر‪ :‬إن بعد موقفك هذا موقفا‪ ,‬وإن‬
‫بعد أخذتك هذه أخذة‪ .‬فانظر لمن تكون العاقبة«‪ ..‬قال الراوي‪ :‬فجزع‬
‫المنصور من قوله جزعا شديدا ظهر فيه‪ .‬ثم قتله‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫ومات المنصور‪ ,‬وعلي يديه استشهد بشير الرحال‪ ,‬ومطر الوراق‪ ,‬وجاءت‬
‫بعد العصر العباسي عصور‪ ,‬وُدفن الحاكم المتجبر الظالم تحت ركام من‬
‫لعنات التاريخ‪ .‬وبقيت كلمات الشهيدين منارة للجيال علي هديها يمضي‬
‫الطهار الحرار‪ ,‬والدعاة الشامخون العزة الباة‪:‬‬
‫‪ -‬إن في الصدر نارا ل يطفيها إل برد عدل أو حّر سنان‪.‬‬
‫‪ -‬ل ولء لحاكم أغفل الكتاب والسنة‪ ,‬وضيع أمور المسلمين‪.‬‬
‫‪ -‬أيها الظالم إن بعد موقفك هذا موقفا بين يدي الله‪.‬‬
‫كر أن العاقبة ليست لك‪ ,‬ولكنها للمتقين‪.‬‬ ‫‪ -‬أيها الظالم تذ ّ‬
‫وكلها كلمات من دستور أهم آلياته الخالدة ‪ :‬المر بالمعروف‪ ,‬والنهي عن‬
‫المنكر‪ ,‬وهما ‪ -‬كما قال حجة السلم الغزالي »القطب العظم في الدين‪,‬‬
‫طوي بساطه‪ ,‬وأهمل‬ ‫م الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين‪ .‬ولو ُ‬ ‫وهو المه ّ‬
‫مت الفترة )الضعف(‪,‬‬ ‫ّ‬ ‫وع‬ ‫الديانة‪,‬‬ ‫واضمحلت‬ ‫النبوة‪,‬‬ ‫لتعطلت‬ ‫وعمله‬ ‫علمه‬
‫وفشت الضللة‪ ,‬وشاعت الجهالة‪ ,‬واستشري الفساد‪ ,‬واتسع الخرق‪ ,‬وخربت‬
‫البلد‪ ,‬وهلك العباد‪ ,‬ولم يشعروا بالهلك إل يوم التناد«‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ويقول شهيد السلم عبدالقادر عودة »ومن المتفق عليه بين الفقهاء أن‬
‫المر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس حقا للفراد يأتونه إن شاءوا‪,‬‬
‫ويتركونه إن شاءوا وليس مندوبا إليه يحسن بالفراد إتيانه‪ ,‬وعدم تركه‪ ,‬وإنما‬
‫هو واجب علي الفراد‪ ,‬ليس لهم أن يتخلوا عن أدائه‪ ,‬وفرض ل محيص لهم‬
‫من القيام بأعبائه‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إن أريد إل الصلح‬


‫سامي بن عبد العزيز الماجد ‪24/3/1423‬‬
‫‪05/06/2002‬‬
‫إن الناس لم يخلقوا فاسدين‪ ،‬وما كان الفساد أصل ً في الحياة‪ ،‬ول مجبورا ً‬
‫عليه أحد من العباد‪ ،‬وإنما ينشأ بالتخلق والكتساب‪.‬‬
‫وفيما علمناه بالضرورة والبداهة من غير أن نتلقفه بتلقين أو بحث‪ :‬أن المرء‬
‫يولد مسلوب الرادة في اختيار نسبه‪ ،‬وجنسه‪ ،‬وخلقه‪.‬‬
‫ولقد علمنا كذلك علما ً أغنانا عن التحقيق والمدارسة وكد ّ الذهان والمراجعة‬
‫أن أحدا ً ل يولد مطبوعا ً على الفساد‪ ،‬أو مفطورا ً على الفجور في أصل‬
‫نشأته‪ ،‬فضل ً أن يكون مجبورا ً عليه‪ ،‬مسلوب الرادة فيه ‪.‬‬
‫بل علمنا ما هو أبعد من ذلك في نظر الجاهلين الحيارى‪ ،‬بأن الناس كلهم‬
‫سهم على السلم والهدى‪،‬‬ ‫يولدون حنفاَء على الفطرة‪ ،‬قد ُفطر ْ‬
‫ت نفو ُ‬
‫علمناه من قوله ‪ " :‬كل مولود يولد على الفطرة‪ ،‬فأبواه يهودانه‪ ،‬أو ينصرانه‪،‬‬
‫جسانه"‪.‬‬
‫أو يم ّ‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فما أكذب الشاعر الضال حين قال ‪:‬‬


‫مذ فطروا ‪... ...‬‬ ‫وهكذا كان شأن الناس ُ‬
‫ل أنهم فسدوا‬ ‫فل يظن جهو ٌ‬
‫ل في الحياة لم يتغير‬ ‫وهذا نظُر المتشائمين‪ :‬يرون أن الفساد والعيوب أص ٌ‬
‫من قبل‪ ،‬ول ينتظر أن يتغير من بعد‪.‬‬
‫هذا التشاؤم أقوى سبب نافذ إلى اليأس والنهزام والستسلم‪ ،‬وليس وراءه‬
‫من عمل إل التسخط ليستر سوءة العجز والكسل‪.‬‬
‫ً‬
‫وما يجدي التسخط وليد ُ التشاؤم إل كما تجدي النياحة‪ ،‬ل ترد ّ فاتنا‪ ،‬ول تحيي‬
‫موتى‪ ،‬ول تذهب حزنًا‪ ،‬بل هو كحصاة الخذف ل تقتل الصيد ول تنكأ العدو‪،‬‬
‫ولكنها تفقأ العين وتكسر السن‪.‬‬
‫ولذا فإن لواء الصلح ل يحمله أولئك المتشائمون الذين يرون الفساد أصل ً‬
‫في العباد وطبعا ً ‪.‬‬
‫ول تكاد تنتهي معاناتنا من هؤلء المتشائمين إل وتظهر لنا صوٌر أخرى من‬
‫خلون في معنى التشاؤم وصوره ما ليس منه في‬ ‫المعاناة مع قوم ٍ آخرين ُيد ِ‬
‫موا به كل من غلب خطابه لغة النذار والتحذير واللتفات إلى‬ ‫شيء؛ ليص ُ‬
‫ة ل تسع‬ ‫مظاهر الفساد‪ ،‬فهذا في نظرهم متشائم‪ ،‬ينظر للحياة نظرة ضيق ٌ‬
‫لغير الخطايا‪ ،‬ول تقع إل عليها‪.‬‬
‫مّتهم‪ ،‬بل وما‬ ‫هكذا هو في نظرهم‪ ،‬ولكنه في نظر الشرع غير خاطئ ول ُ‬
‫جاوز منهاج الرسل والمصلحين؛ لن طريق الصلح أّوله هذا الخطاب الذي‬
‫ف نفوس الناس إلى الصلح إل بكلمات‬ ‫يغلبه النذار والتحذير‪ ،‬وإل فكيف تخ ّ‬
‫التحذير والنذار والتخويف من مغبة الفساد واستطالة الشر‪.‬‬
‫أما إن حركة الصلح ل يصلح لها إل هذا الخطاب‪ ،‬ول يناسبها إل هذا النظر‬
‫الذي يقع على العيوب والخطاء ومظاهر الشر والفساد؛ لن المقصود تسديد ُ‬
‫الخلل وإقامة العوج وقطعُ دابر الشر والفساد ‪.‬‬
‫حركة الصلح ل يصح أن تغلب فيها لغة الثناء وتزجية المدح وتعداد الفضائل؛‬
‫لن الصل هو غلبُتها في المجتمع‪ ،‬فل معنى لحصرها‪ ،‬ول حاجة إلى تذاكرها‪،‬‬
‫أو الثناء على المجتمع بها إل بقدر ما يعيد الثقة إلى النفس‪ ،‬ويدفع عنها‬
‫اليأس‪ ،‬وما زاد على ذلك فإغراقٌ ُيفضي إلى الغرور واستثقال النضج والخلد‬
‫إلى الدعة والراحة ‪.‬‬
‫وأخطُر من ذلك كله حين ُيفضي الغراق في الثناء وذكر الفضائل إلى‬
‫التعامي عن مظاهر الفساد والستهانة بخطرها والتهاون في إصلحها ‪.‬‬
‫لقد سئمنا وضجرنا من هذا الثناء الممجوج الذي ُيقحم في غير سياقه‪ ،‬وُيذكر‬
‫من غير حاجة‪ ،‬ول تقتضيه مناسبة‪ ،‬ذلك حين يكون سياق الحديث عن بعض‬
‫المظاهر المزعجة التي تهدد المجتمع في أمنه وقيمه وأخلقه واقتصاده‪...‬‬
‫يتذاكرها الناس ل على سبيل الشماتة ‪ -‬فما يفعل ذلك العقلء‪ -‬وإنما على‬
‫سبيل النكار والتحاذر وإيقاظ الهمم للسعي إلى الصلح‪ ،‬فإذا بك تجد من‬
‫بينهم من لم تزعجه تلك المظاهر المخيفة كما يزعجه الحديث عنها؛ لنه لم‬
‫يعتد سماع ذلك الكلم‪ ،‬أو لنه ل يملك من الشجاعة ما ُيجابه به الواقع ويقف‬
‫ة على النفس‪.‬‬ ‫مّرةً ثقيل ً‬
‫به على الحقائق ولو كانت ُ‬
‫َ‬
‫ولذا فهو يهرب من الحقيقة والواقع بكلم ٍ غث ساذٍج ممجوج ل يذهب‬
‫بالنفس إل إلى الغرور والقعود عن إصلح حالها‪ ،‬فما إن يسمع حديثا ً عن‬
‫بعض مظاهر الفساد والخلل في المجتمع وضرورة إصلحه‪ ،‬إذا به يقول‪ :‬نحن‬
‫فها انفلتا ً وفسادًا‪ ،‬ثم‬ ‫ل نزال في خير‪ ،‬ومجتمعنا من خير المجتمعات‪ ،‬وأخ ّ‬
‫ون من شأن ما فيه‬ ‫ّ‬ ‫يه‬ ‫ويبدأ‬ ‫ينطلق لسانه في ذكر فضائل المجتمع ومحاسنه‪،‬‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من مظاهر الفساد بهذه المقارنة العجلى بين مجتمعنا والمجتمعات الخرى‪،‬‬
‫ل تكاد تنتهي صورها عند حد ‪.‬‬
‫وهذا الرجل ل ُيخشى عليه من شيء كما ُيخشى عليه من عقله الذي يذهب‬
‫به مذاهب باطلة حمقاء في التعامل مع صور الفساد ومعالجة الخطاء ‪.‬‬
‫ح الن مع تغير الظروف‬ ‫ومقالته تلك إن صحت قبل ثلثين سنة‪ ،‬فإنها ل تص ُ‬
‫والحوال‪ ،‬فما كل ما صح سابقا ً يصح لحقا ً ‪.‬‬
‫ثم هب أن مقالته صحيحة على إطلقها‪ ،‬فما مناسبتها؟!!! والحديث إنما‬
‫جرى بذكر مظاهر الفساد والخلل؛ للتداعي لضرورة الصلح والتخويف من‬
‫مغبة التفريط‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وإذا كان هذا هو فحوى الحديث‪ ،‬فليس هو من السخط على المجتمع في‬
‫شيء حتى يحتاج صاحبه إلى هذه المقالة لترد عنه سخطه على مجتمعه؛‬
‫ذلك أن الساخط يائس‪ ،‬واليائس ل تجد في لغة خطابه وفحوى كلمه الدعوة‬
‫إلى ضرورة الصلح والتصحيح‪.‬‬
‫ثم ما جدوى هذه المقالة؟ فهل كان المجتمع في مقام المحاكمة حتى يحتاج‬
‫التنبيه والتذكير بفضائله‪ ،!!.‬وهل كان محكوما ً عليه بأنه ل يصلح للحياة!!‪.‬‬
‫أما إننا وجدنا تلك المقالة السخيفة عديمة الجدوى والفائدة‪ ،‬بل لقد وجدناها‬
‫في مصاف السباب المفضية إلى زيادة الشر واستفحال الفساد‪ ،‬لنها تبدد‬
‫عزائم الصلح في نفوس سامعيها‪ ،‬وتدعو إلى الرضا بالحال وإن كان سيئا ً‬
‫يستوجب التغيير‪ ،‬كما أن ترديدها ُيغري الناس إلى الطمئنان الزائف بواقع‬
‫المجتمع وإن تفاقمت فيه الجرائم والخطار‪ .‬فل يزال الناس على ذلك‬
‫الطمئنان مخدوعين حتى تفوت فرصة الصلح والستدراك ‪.‬‬
‫وغ ذنبه وجرمه بمنطق هذه المقالة‬ ‫وأما المذنب‪ ،‬فإنه يصر على ذنبه‪ ،‬ويس ّ‬
‫ً‬
‫الخطيرة‪ :‬أنا خير من غيري‪ ،‬وأهون منه ذنبا‪ .‬أو اللسان الجمعي‪ :‬مجتمعنا‬
‫أحسن من غيره‪ ،‬والفساد فيه أقل ‪.‬‬
‫لو صح هذا المنطق لنا‪ ،‬لصح – كذلك‪ -‬لغيرنا‪ ،‬فما من مذنب أو مجرم إل‬
‫ويجد من المذنبين من هو أشد ُ منه جرمًا‪ ،‬وأقبح منه ذنبًا‪ .‬ولن يعجز أن ُيهون‬
‫من شأن جرمه ومعصيته بمثل هذه المقارنات المغلوطة ‪.‬‬
‫وهكذا تتسلسل هذه المقارنات لستصغار الذنب وتسويفه‪ ،‬فل تنتهي – من‬
‫خلل هذا المنطق الفاسد‪ -‬إل عند إبليس لعنه الله‪ ،‬إذ ليس أحد أظلم منه ول‬
‫أعظم منه ذنبًا‪.‬‬
‫ولذا‪ ،‬فإن من الواجب المتحتم علينا‪ -‬إن كنا صادقين جادين في قضية‬
‫الصلح‪ -‬أن نهجر مقالة " نحن ل نزال بخير‪ ،‬ومجتمعنا خير من غيره" إلى‬
‫غير رجعة ‪.‬‬
‫صنفان يجب أل يكون لهم وجود في دعوة الصلح والتغيير ‪.‬‬
‫الصنف الول‪ :‬أولئك المتشائمين الذين يرون أن الفساد أصل في الحياة‬
‫طر عليه البشر ‪.‬‬ ‫وطبع فُ ِ‬
‫الصنف الخر‪ :‬هؤلء المفرطون في التزكية والثناء‪ ،‬الذين يضيقون ذرعا ً‬
‫بخطاب النذار والتحذير من مغبة ظهور الفساد واستطالة الشر وانتشار‬
‫الجرائم‪.‬‬
‫والعجيب أن هذين الصنفين على ما بينهما من هذا التباين والتضاد إل أنهما‬
‫يعملن في أثر واحد‪ ،‬وهو إجهاض مشروع الصلح‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خُله لذلك من باب اليأس من الصلح بسبب التشاؤم ‪.‬‬ ‫مد ْ َ‬‫فالصنف الول‪َ :‬‬
‫خله لذلك من باب بث الطمئنان الزائف الذي يفتر الهمم عن‬ ‫ُ‬ ‫مد ْ َ‬
‫وأما الخر‪ :‬ف َ‬
‫النهوض للصلح‪ ،‬فإن النتهاء بالحديث من هذين الصنفين ل يعني انتهاء‬
‫الحديث عن قضية الصلح؛ فإن الحديث عنها لم يبتدئ بعد‪ ،‬فكل ما سبق‬
‫إنما هو عن تصفية بعض المعوقات ‪.‬‬
‫ومات الصلح وسبله بإذن الله‬ ‫ول يزال للحديث بقية نستكملها عن بعض مق ّ‬
‫تعا‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إن الحسنات يذهبن السيئات‬


‫الحمد لله رب العالمين والصلة والسلم على أشرف النبياء والمرسلين‪،‬‬
‫وبعد‪ :‬فهذا عرض لبعض العمال اليسيرة والتي يترتب عليها بإذن الله الجور‬
‫الكثيرة بفضل من الله‪ ،‬وتلك العمال يغفل عنها كثير من الناس ويتهاونون‬
‫بها‪ ،‬مع ما فيها من الثواب العظيم والجر الجزيل‪ ،‬ومن تلك العمال‪:‬‬
‫‪ - 1‬الكثار من الصلة في الحرمين الشريفين‪:‬‬
‫روى جابر بن عبدالله أن رسول قال‪ } :‬صلة في مسجدي هذا أفضل من‬
‫ألف صلة فيما سواه إل المسجد الحرام‪ ،‬وصلة في المسجد الحرام أفضل‬
‫من مائة ألف صلة فيما سواه { ]رواه أحمد وابن ماجه وصححه اللباني[‪،‬‬
‫وصلة المرأة في بيتها أفضل من الصلة في المسجد الحرام والمسجد‬
‫النبوي‪.‬‬
‫‪ - 2‬الصلة في مسجد قباء‪:‬‬
‫قال رسول الله ‪ } :‬من خرج حتى يأتي هذا المسجد مسجد قباء فصلى فيه‬
‫كان له عدل عمرة { ]رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه‬
‫اللباني[‪.‬‬
‫‪ - 3‬المواظبة على صلة الضحى‪:‬‬
‫وأفضل وقت لدائها عند إشتداد الحر وإرتفاع الضحى‪ ،‬فقد قال عليه الصلة‬
‫والسلم‪ } :‬صلة الوابين حين ترمض الفصال { ]رواه المام مسلم[‪.‬‬
‫‪ - 4‬الستغفار المضاعف‪:‬‬
‫وهو مثل قولك‪ ) :‬اللهم إغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات‬
‫الحياء منهم والموات (‪ .‬قال الرسول ‪ } :‬من استغفر للمؤمنين والمؤمنات‬
‫كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة { ]رواه الطبراني[‪.‬‬
‫‪ - 5‬قيام ليلة القدر‪:‬‬
‫هل تعلم أن ثواب قيامها أفضل من ثواب العبادة لمدة ثلث وثمانين سنة‬
‫قدرِ )‪(2‬‬‫ة ال َ‬ ‫ما َليل َ ُ‬
‫ك َ‬ ‫ما َأدَرا َ‬
‫قدرِ )‪ (1‬وَ َ‬ ‫وثلثة أشهر تقريبا ً إ ِّنا َأنَزلَناه ُ ِفي َليل َةِ ال َ‬
‫من‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫شهرٍ )‪ (3‬ت َن َّز ُ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬ ‫َليل َ ُ‬
‫ن َرب ِّهم ّ‬ ‫ح ِفيَها ب ِِإذ ِ‬
‫ة َوالّرو ُ‬ ‫ل ال َ‬ ‫من أل ِ‬ ‫خيٌر ّ‬
‫قدرِ َ‬‫ة ال َ‬
‫فجرِ ]القدر‪.[5 -1:‬‬ ‫مطل َِع ال َ‬ ‫كُ ّ َ‬
‫حّتى َ‬ ‫ى َ‬ ‫سلم هِ َ‬ ‫ل أمرِ )‪َ (4‬‬
‫‪ - 6‬التسبيح المضاعف‪:‬‬
‫وهو مثل قولك‪ ) :‬سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه‬
‫ومداد كلماته (‪.‬‬
‫‪ - 7‬قول دعاء دخول السوق عند دخول السوق‪:‬‬
‫قال الرسول ‪ } :‬من دخل السوق فقال‪" :‬ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬له‬
‫الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي ل يموت بيده الخير وهو على كل‬
‫شيء قدير" كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ألف الف درجة { وفي رواية‪ } :‬وبنى له بيتا ً في الجنة { ]رواه المام أحمد‬
‫والترمذي وابن ماجه والحاكم عن ابن عمر[‪.‬‬
‫‪ - 8‬العتمار في رمضان‪:‬‬
‫فالعمرة في رمضان تعدل حجة كما قال لم سنان } فإذا جاء رمضان‬
‫فأعتمري‪ ،‬فإن عمرة فيه تعدل حجة { أو قال‪ } :‬حجة معي { ]متفق عليه[‪.‬‬
‫‪ - 9‬التحلي ببعض آداب الجمعة‪:‬‬
‫سل يوم الجمعة واغتسل‪ ،‬ثم بكر وابتكر‪ ،‬ومشى‬ ‫فقد قال الرسول ‪ } :‬من غ ّ‬
‫ولم يركب‪ ،‬ودنا من المام‪ ،‬فاستمع ولم يلغ‪ ،‬كان له بكل خطوة عمل سنة‬
‫أجر صيامها وقيامها { ]رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة‬
‫وابن ماجه وصححه اللباني[‪.‬‬
‫‪ - 10‬الصيام‪:‬‬
‫حث النبي على الكثار من صوم النفل طوال أيام السنة فرغب في صيام‬
‫أيام الثنين والخميس‪ ،‬وأيام البيض‪ ،‬وشهر شعبان‪ ،‬وصيام ست من شوال‪،‬‬
‫وشهر الله المحرم‪ ،‬وعشر ذي الحجة‪ ،‬وصيام يوم عرفة لغير الحاج‪ ،‬ويوم‬
‫عاشوراء قال عليه الصلة والسلم‪ } :‬من صام يوما ً في سبيل الله باعد الله‬
‫وجهه عن النار سبعين خريفا ً { ]رواه البخاري ومسلم[‪.‬‬
‫‪ - 11‬تفطير الصائمين‪:‬‬
‫فقد قال عليه الصلة والسلم‪ } :‬من فطر صائما ً كان له مثل أجره غيرأنه ل‬
‫ينقص من أجر الصائم شيئا ً { ]رواه المام أحمد والترمذي وابن ماجه وابن‬
‫خزيمة وابن حبان وصححه اللباني[‪.‬‬
‫‪ - 12‬الكثار من قول‪:‬‬
‫) ل حول ول قوة إل بالله ( فإنها كنز من كنوز الجنة‪ ،‬كما ورد في الحديث‬
‫المتفق عليه عن الرسول ‪.‬‬
‫‪ - 13‬قضاء حوائج الناس‪:‬‬
‫فقد قال عليه الصلة والسلم ) في حديث طويل (‪ } :‬ولن أمشي مع أخي‬
‫ي من أن أعتكف في المسجد شهرا ً { ]رواه‬ ‫المسلم في حاجة أحب إل ّ‬
‫الطبراني وحسنه اللباني[‪.‬‬
‫‪ - 14‬صلة ركعتين بعد الشروق‪:‬‬
‫عن أنس بن مالك قال‪ :‬قال رسول الله ‪ } :‬من صلى الغداة في جماعة ثم‬
‫قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة‬
‫وعمرة { قال‪ :‬قال رسول الله ‪ } :‬تامة تامة تامة { ]رواه الترمذي وحسنة‬
‫اللباني[‪.‬‬
‫‪ - 15‬كفالة اليتام‪:‬‬
‫عن سهل بن سعد عن النبي قال‪ } :‬أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا {‪،‬‬
‫وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى ]رواه البخاري[‪ ،‬وباستطاعتك فعل ذلك‬
‫عن طريق المؤسسات والمبرات الخيرية‪.‬‬
‫‪ - 16‬الحرص على صلة الجنازة‪:‬‬
‫عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول الله ‪ } :‬من شهد الجنازة حتى ُيصلي عليها‬
‫فله قيراط‪ ،‬ومن شهدها حتى ُتدفن فله قيراطان‪ ،‬قيل وما القيراطان؟ قال‪:‬‬
‫مثل الجبلين العظيمين { ]متفق عليه[‪.‬‬
‫‪ - 17‬الكثار من الصلة على النبي ‪:‬‬
‫فمن صّلى عليه صلة ً واحدة صلى الله عليه بها عشرا‪ ،‬ويكون أولى الناس به‬
‫ً‬
‫يوم القيامة‪ ،‬وقد وكل الله سبحانه وتعالى ملئكة سياحين يحملون صلة‬
‫المة إلى نبيهم ‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ - 18‬صلة العشاء والفجر في جماعة‪:‬‬


‫فقد قال الرسول ‪ } :‬من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل‬
‫ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله { ]رواه مسلم[‪.‬‬
‫‪ - 19‬التسبيح والتحميد والتكبير دبر كل صلة ثلثا ً وثلثين‪:‬‬
‫ثم قول‪ ) :‬ل إله إل الله وحده لشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل‬
‫شيء قدير (‪ ،‬فذلك فضله عظيم كما ورد في حديث فقراء المهاجرين الذي‬
‫رواه أبو هريرة ) حديث طويل متفق عليه ( يرجع له في باب الذكار الواردة‬
‫عقب الصلوات المفروضة‪.‬‬
‫‪ - 20‬الدعوة إلى الله والنصح للخرين‪:‬‬
‫قال الرسول ‪ }:‬من دعا إلى هدى كان له من الجر مثل أجور من تبعه ل‬
‫ينقص ذلك من أجورهم شيئًا‪ ،‬ومن دعا إلى ضللة كان عليه من الثم مثل‬
‫آثام من تبعه ل ينقص ذلك من آثامهم شيئا ً { ]رواه مسلم[‪ ،‬فالنصح للخرين‬
‫في التجاه إلى الله تجري عليك بأجرها مادام ينتفع بها إلى يوم القيامة ومن‬
‫ذلك نشر الخير كنشر هذه الرسالة التي بين يديك فلك أجر من عمل بها إلى‬
‫يوم القيامة بإذن الله‪.‬‬
‫‪ - 21‬صلة أربع ركعات قبل العصر‪:‬‬
‫قال الرسول ‪ } :‬رحم الله إمرءا ً صلى قبل العصر أربعا { ]رواه أبو داود‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫والترمذي[ وتكون الربع ركعات بتسليمتين بعد أذان العصر وقبل القامة‪.‬‬
‫‪ - 22‬عيادة المريض‪:‬‬
‫خرفة الجنة {‪ ،‬قيل يارسول‬ ‫ً‬
‫قال الرسول ‪ } :‬من عاد مريضا لم يزل في ُ‬
‫الله وما خرفة الجنة؟ قال‪ } :‬جناها { ]رواه مسلم[‪ .‬ويستغفر لك سبعون‬
‫ألف ملك ) كما في حديث طويل رواه الترمذي (‪.‬‬
‫‪ - 23‬الصيام وإتباع الجنازة وعيادة المريض وإطعام المسكين‪:‬‬
‫إذا اجتمعت في مسلم في يوم دخل الجنة بفضل الله ) كما حصل لبي بكر (‬
‫حيث قال رسول الله في حديث أبي هريرة ) حديث طويل (‪ } :‬ما اجتمعن‬
‫في امريء إل دخل الجنة { ]رواه مسلم[‪.‬‬
‫‪ - 24‬الصلح بين الناس‪:‬‬
‫خير في ك َِثير من نجواهُم إل ّ من أ َمر بصدقَة أ َو معروف أوَ‬
‫ٍ ّ ّ ْ َ ْ ِ َ ْ َ َ ِ َ َ ٍ ْ َ ْ ُ ٍ ْ‬ ‫قال الله تعالى‪ :‬ل ّ َ ْ َ ِ‬
‫س ]النساء‪ [114:‬وقد ورد في ذلك فضل عظيم في أحاديث‬ ‫صل ٍَح ب َي ْ َ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫إِ ْ‬
‫عن الرسول ل يتسع المجال لذكرها‪.‬‬
‫‪ - 25‬الكثار من قول‪:‬‬
‫) سبحان الله والحمد لله ول إله إل الله والله أكبر (‪ :‬فهي أفضل مما طلعت‬
‫عليه الشمس‪ ،‬كما ورد في ) حديث أخرجه مسلم ( عن النبي ‪ .‬وهي أحب‬
‫الكلم إلى الله كما في الحديث الصحيح‪.‬‬
‫‪ - 26‬تكرار قراءة سورة الخلص‪:‬‬
‫فإنها تعدل ثلث القرآن في الجر والمعنى لما تحويه من توحيد الله وتعظيمه‬
‫وتقديسه فقد قال الرسول عليه الصلة والسلم‪ } :‬قل هو الله أحد تعدل‬
‫ثلث القرآن‪ ،‬وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن { ]رواه الطبراني‬
‫وصححه السيوطي واللباني[ ) وليس معنى كونها تعدل في الفضل أنها‬
‫تجزىء عنه‪ ...‬فتنبه (‪.‬‬
‫‪ - 27‬الصدقة الجارية‪:‬‬
‫كالمساعدة في بناء مسجد أو بئر أو مدرسة أو ملجأ أو تربية الطفال على‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدين الصحيح والداب السلمية وتربية الولد على الصلح‪ ،‬فإنه إذا مات ابن‬
‫آدم انقطع عمله إل من ثلث ومنها ولد صالح يدعو له‪ ،‬وكذلك نشر وطباعة‬
‫الكتب ونسخ الشرطة المفيدة وتوزيعها ودعم ذلك ماديا ً عن طريق مكاتب‬
‫الدعوة والرشاد وتوعية الجاليات والمؤسسات الخيرية وغيرها‪.‬‬
‫‪ - 28‬صلة أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها‪:‬‬
‫عن أم حبيبة رضي الله عنها قالت‪ :‬قال رسول الله ‪ } :‬من حافظ على أربع‬
‫ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حّرمه الله على النار { ]رواه أبو داود‬
‫والترمذي[‪ .‬وتكون الربع القبلية بتسليمتين بعد أذان الظهر وقبل القامة‪،‬‬
‫وتكون الربع البعدية بتسليمتين‪.‬‬
‫‪ - 29‬قيام الليل وإفشاء السلم وإطعام الطعام‪:‬‬
‫عن عبدالله بن سلم أن النبي قال‪ } :‬أيها الناس أفشوا السلم‪ ،‬وأطِعموا‬
‫س نيام‪ ،‬تدخلوا الجنة بسلم { ]رواه الترمذي[‪.‬‬ ‫الطعام‪ ،‬وصلوا بالليل والنا ُ‬
‫‪ - 30‬الترديد خلف المؤذن‪:‬‬
‫قال عليه الصلة والسلم‪ :‬من قال حين يسمع النداء‪ } :‬اللهم رب هذه‬
‫الدعوة التامة والصلة القائمة آت محمدا ً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما ً‬
‫محمودا ً الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة { ]رواه البخاري[‪.‬‬
‫‪ - 31‬الكثار من تلوة وحفظ القرآن الكريم‪:‬‬
‫َ‬
‫صَلة َ وَأن َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫م ّ‬
‫قوا ِ‬‫ف ُ‬ ‫ب الل ّهِ وَأَقا ُ‬
‫موا ال ّ‬ ‫ن ك َِتا َ‬‫ن ي َت ُْلو َ‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫قال الله تعالى‪ :‬إ ِ ّ‬
‫جاَرة ً ّلن ت َُبوَر ]فاطر‪ ،[29:‬وعن ابن مسعود‬ ‫ن تِ َ‬
‫جو َ‬ ‫ة ي َْر ُ‬ ‫سّرا ً وَعََلن ِي َ ً‬ ‫َرَزقَْناهُ ْ‬
‫م ِ‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله ‪ } :‬من قرأ حرفا ً من كتاب الله فله حسنة والحسن ُ‬
‫ة‬
‫بعشر أمثالها ل أقول‪ :‬ألم حرف ولكن ألف حرف‪ ،‬ولم حرف‪ ،‬وميم حرف {‬
‫]رواه الترمذي وقال‪ :‬حديث حسن صحيح[‪.‬‬
‫‪ - 32‬الكثار من ذكر الله تعالى‪:‬‬
‫قال الرسول ‪ } :‬أل أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في‬
‫درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة وخير لكم من أن تلقوا عدوكم‬
‫فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ { قالوا‪ :‬بلى قال‪ } :‬ذكر الله تعالى {‬
‫]رواه الترمذي[‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إن الحكم إل لله‬


‫ن‬‫َ‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ج‬ ‫ع‬‫ت‬
‫َ َ ْ َْ ِ‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫دي‬ ‫عن‬ ‫ما‬
‫َ ُْ ْ ِ ِ َ ِ ِ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ب‬‫ّ‬ ‫ذ‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫بي‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ََّ ٍ ِ ْ َ ّ‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ني‬ ‫يقول تعالى‪} :‬قُ ِ ّ‬
‫إ‬ ‫ل‬‫ْ‬
‫ن{ ]النعام‪.[57 :‬‬ ‫صِلي َ‬ ‫فا ِ‬ ‫خي ُْر ال ْ َ‬ ‫حقّ وَهُوَ َ‬ ‫ص ال ْ َ‬ ‫ق ّ‬ ‫م إ ِل ّ ل ِل ّهِ ي َ ُ‬ ‫حك ْ ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫ب ِهِ إ ِ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬ ‫ولقد قالها يوسف عليه السلم وهو في سجنه فكان حرًا‪َ } :‬‬
‫م‬‫حك ْ ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫طا ٍ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫ه ب َِها ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما َأنَز َ‬ ‫م َ‬ ‫م َوآَباؤُك ُ ْ‬
‫دون ِه إل ّ أ َسماًء سميتمو َ َ‬
‫ها أن ْت ُ ْ‬ ‫َ ّ ُْ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ ِ‬
‫ن{‬ ‫مو‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ث‬‫ْ‬ ‫ك‬‫قيم ول َكن أ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫دي‬ ‫ال‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ه‬ ‫يا‬ ‫إ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫دوا‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إل ّ ل ِل ّه ِ أ َمر أ َ‬
‫َْ ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ّ ُ َ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ْ ُ ُ ِ ِّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫]يوسف‪ .[40 :‬وها نحن مستعبدون ولو كّنا خارج أسوار السجون‪ ،‬أرهبتنا‬
‫عصا الطاغوت وأغرتنا مقاعد البرلمان!!!‬
‫أيها المسلمون‪:‬‬
‫دعوتكم دعوة انقلب عالمي شامل‪ ،‬ل غموض فيها ول إبهام؛ فليس لحد من‬
‫شرِعُ من دون الله يأمرهم‬ ‫بني آدم فردا كان أو جماعة أن ينصب نفسه إلها ً ي ُ َ‬
‫بما يشاء وينهاهم عما يريد‪ .‬والذين يرضون أمثال هؤلء الطواغيت لهم ملوكا ً‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫موا إ َِلى ال ّ‬ ‫وأمراء إنما يشركون بالله‪} ،‬يريدو َ‬
‫ن‬
‫مُروا أ ْ‬ ‫ت وَقَد ْ أ ِ‬ ‫غو ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫حاك َ ُ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ُ ِ ُ َ‬
‫طا َ‬
‫دا{ ]النساء‪ ،[60 :‬وذلك مبعث‬ ‫ضلل ب َِعي ً‬ ‫ً‬ ‫م َ‬ ‫ضل ّهُ ْ‬
‫ن يُ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫شي ْ َ ُ‬ ‫ريد ُ ال ّ‬ ‫فُروا ب ِهِ وَي ُ ِ‬ ‫ي َك ْ ُ‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفساد في الرض‪ ،‬ومنه تنفجر ينابيع الشر والطغيان‪.‬‬


‫***‬
‫ن مع الله آلهة أخرى؟!!‬‫هل دخول البرلمان شهادةٌ أ ّ‬
‫هذا سؤال أجاب عنه الشهيد سيد قطب رحمه الله‪ ،‬وإليك أخي المسلم تلك‬
‫الجابة الشافية‪:‬‬
‫يقول تعالى‪} :‬أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى؟ قل‪ :‬ل أشهد‪ ،‬قل‪ :‬إنما‬
‫هو إله واحد‪ ،‬وإنني بريء مما تشركون{‪.‬‬
‫)إن هذه القضية التي عرضها السياق القرآني في هذه اليات‪ ..‬قضية الولء‬
‫والتوحيد والمفاصلة‪ ..‬هي قضية هذه العقيدة؛ وهي الحقيقية الكبرى فيها‪.‬‬
‫ن العصبة المؤمنة اليوم لخليقة بأن تقف أمام هذا الدرس الرباني فيها‬ ‫وإ ّ‬
‫وقفة طويلة‪...‬‬
‫إن هذه العصبة تواجه اليوم من الجاهلية الشاملة في الرض‪ ،‬نفس ما كانت‬
‫تواجهه العصبة التي تنزلت عليها هذه اليات‪ ،‬لتحدد على ضوئها موقفها‪،‬‬
‫ولتسير على هذا الضوء في طريقها؛ وتحتاج ‪ -‬من ثم ‪ -‬أن تقف وقفة طويلة‬
‫أمام هذه اليات‪ ،‬لترسم طريقها على هداها‪.‬‬
‫لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية؛ وعادت البشرية‬
‫إلى مثل الموقف الذي كانت فيه يوم تنزل هذا القرآن على رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ويوم جاءها السلم مبينا على قاعدته الكبرى‪" :‬شهادة أن ل‬
‫إله إل الله"‪ ..‬شهادة أن ل إله إل الله بمعناها الذي عبر عنه ربعي بن عامر‬
‫رسول قائد المسلمين إلى رستم قائد الفرس‪ ،‬وهو يسأله‪" :‬ما الذي جاء‬
‫بكم؟"‪ ،‬فيقول‪" :‬الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله‬
‫وحده‪ ،‬ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والخرة ومن جور الديان إلى عدل‬
‫السلم"‪.‬‬
‫وهو يعلم أن رستم وقومه ل يعبدون كسرى بوصفه إلها خالقا للكون؛ ول‬
‫يقدمون له شعائر العبادة المعروفة؛ ولكنهم إنما يتلقون منه الشرائع‪،‬‬
‫فيعبدونه بهذا المعنى الذي يناقض السلم وينفيه؛ فأخبره أن الله ابتعثهم‬
‫ليخرجوا الناس من النظمة والوضاع التي يعبد العباد فيها العباد‪ ،‬ويقرون‬
‫لهم بخصائص اللوهية ‪ -‬وهي الحاكمية والتشريع والخضوع لهذه الحاكمية‬
‫والطاعة لهذا التشريع ‪ -‬وهي الديان‪ ..‬إلى عبادة الله وحده وإلى عدل‬
‫السلم‪.‬‬
‫لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية بل إله إل الله‪ .‬فقد‬
‫ارتدت البشرية إلى عبادة العباد‪ ،‬وإلى جور الديان؛ ونكصت عن ل إله إل‬
‫الله‪ ،‬وإن ظل فريق منها يردد على المآذن‪" :‬ل إله إل الله"؛ دون أن يدرك‬
‫مدلولها‪ ،‬ودون أن يعني هذا المدلول وهو يرددها‪ ،‬ودون أن يرفض شرعية‬
‫"الحاكمية " التي يدعيها العباد لنفسهم ‪ -‬وهي مرادف اللوهية ‪ -‬سواء‬
‫ادعوها كأفراد‪ ،‬أو كتشكيلت تشريعية ‪ -‬أي البرلمانات ‪ -‬أو كشعوب؛‬
‫فالفراد‪ ،‬كالتشكيلت‪ ،‬كالشعوب‪ ،‬ليست آلهة‪ ،‬فليس لها إذن حق الحاكمية‪..‬‬
‫إل أن البشرية عادت إلى الجاهلية‪ ،‬وارتدت عن ل إله إل الله؛ فأعطت لهؤلء‬
‫العباد خصائص اللوهية‪ .‬ولم تعد توحد الله‪ ،‬وتخلص له الولء‪...‬‬
‫البشرية بجملتها‪ ،‬بما فيها أولئك الذين يرددون على المآذن في مشارق‬
‫الرض ومغاربها كلمات‪" :‬ل إله إل الله" بل مدلول ول واقع‪ ..‬وهؤلء أثقل إثما‬
‫وأشد عذابا يوم القيامة‪ ،‬لنهم ارتدوا إلى عبادة العباد ‪ -‬من بعدما تبين لهم‬
‫الهدى ‪ -‬ومن بعد أن كانوا في دين الله!‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فما أحوج العصبة المسلمة اليوم أن تقف طويل أمام هذه اليات البينات! ما‬
‫أحوجها أن تقف أمام آية الولء‪} :‬قل‪ :‬أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات‬
‫والرض‪ ،‬وهو يطعم ول يطعم؟ قل‪ :‬إني أمرت أن أكون أول من أسلم‪ ،‬ول‬
‫تكونن من المشركين{؛ ذلك لتعلم أن اتخاذ غير الله وليا ‪ -‬بكل معاني‬
‫"الولي"‪ ..‬وهي الخضوع والطاعة‪ ،‬والستنصار والستعانة‪ ..‬يتعارض مع‬
‫السلم‪ ،‬لنه هو الشرك الذي جاء السلم ليخرج منه الناس‪ ..‬ولتعلم أن أول‬
‫ما يتمثل فيه الولء لغير الله هو تقبل حاكمية غير الله في الضمير أو في‬
‫الحياة ]‪ ..[1‬المر الذي تزاوله البشرية كلها بدون استثناء‪ .‬ولتعمل أنها‬
‫تستهدف اليوم إخراج الناس جميعا من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده( ]‬
‫‪.[2‬‬
‫ن الدخول في هذه التشكيلت التشريعية وسيلة‬ ‫وقد ُيخيل لبعض المسلمين أ ّ‬
‫للخلص من الطاغوت؛ فبماذا يرد الشهيد عليهم؟‬
‫يقول رحمه الله‪) :‬إن التجمع الجاهلي ‪ -‬بطبيعة تركيبه العضوي ‪ -‬ل يسمح‬
‫لعنصر مسلم أن يعمل من داخله‪ ،‬إل أن يكون عمل المسلم وجهده وطاقته‬
‫لحساب التجمع الجاهلي‪ ،‬ولتوطيد جاهليته! والذين يخيل إليهم أنهم قادرون‬
‫على العمل لدينهم من خلل التسرب في المجتمع الجاهلي‪ ،‬والتميع في‬
‫تشكيلته وأجهزته هم ناس ل يدركون الطبيعة العضوية للمجتمع‪ .‬هذه‬
‫الطبيعة التي ترغم كل فرد داخل المجتمع أن يعمل لحساب هذا المجتمع‪،‬‬
‫ولحساب منهجه وتصوره( ]‪.[3‬‬
‫النحراف بدأ طفيفا ً حتى وصل إلى مشروعية الزنا‪ ،‬والمشاركة في حكومة‬
‫لوي!!!‬ ‫ع ّ‬
‫م ينتهي إلى النحراف الكامل في‬ ‫النحراف يبدأ طفيفا ً في أول الطريق ث ّ‬
‫نهاية الطريق‪ ،‬وصاحب الدعوة الذي يقبل التسليم في جزء منها ولو يسير‪،‬‬
‫وفي إغفال طرف منها ولو ضئيل‪ ،‬ل يملك أن يقف عند ما سلم به أول مرة‪،‬‬
‫لن استعداده للتسليم يتزايد كلما رجع خطوة إلى الوراء! وهذا ما حصل مع‬
‫حّتى‬‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ك ل َ ي ُؤْ ِ‬
‫أكبر الحزاب السلمية حين ألغت عقوبة الزنا‪} .‬فَل َ وََرب ّ َ‬
‫م{ ]النساء‪.[65 :‬‬ ‫جَر ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ما َ‬
‫ش َ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫مو َ‬‫حك ّ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫***‬
‫البرلمان خدمة للطاغوت‪:‬‬
‫إن تميز المسلم بعقيدته في المجتمع الجاهلي‪ ،‬ل بد أن يتبعه حتما تميزه‬
‫بتجمعه السلمي وقيادته وولئه‪ ..‬وليس في ذلك اختيار‪ ..‬إنما هي حتمية من‬
‫حتميات التركيب العضوي للمجتمعات‪ ..‬هذا التركيب الذي يجعل التجمع‬
‫الجاهلي حساسا بالنسبة لدعوة السلم القائمة على قاعدة عبودية الناس‬
‫لله وحده؛ وتنحية الرباب الزائفة عن مراكز القيادة والسلطان‪ .‬كما يجعل‬
‫كل عضو مسلم يتميع في المجتمع الجاهلي خادما للتجمع الجاهلي ل خادما‬
‫ك ِفي‬ ‫شرِ ُ‬ ‫لسلمه كما يظن بعض الغرار! أفل يتدبرون قوله تعالى‪ } :‬وَل َ ي ُ ْ‬
‫َ‬
‫دا{ ]الكهف‪.[26 :‬‬ ‫ح ً‬‫مهِ أ َ‬‫حك ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫أيها المسلمون‪:‬‬
‫ما أ ََرا َ‬
‫ك‬ ‫س بِ َ‬‫ن الّنا ِ‬ ‫حك ُ َ‬
‫م ب َي ْ َ‬ ‫حقّ ل ِت َ ْ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫يقول الله تعالى‪} :‬إ ِّنا َأنَزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫ه{ ]النساء‪ ،[105 :‬ل أن نحكم بما تراه الغلبية! فأي تمييع أكبر من هذا‬ ‫الل ّ ُ‬
‫د{ ]المائدة‪ ،[1 :‬وليس لنا إل‬ ‫ري ُ‬ ‫ما ي ُ ِ‬‫م َ‬ ‫حك ُ ُ‬‫ه يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫لكلمة ل إله إل الله‪ } .‬إ ِ ّ‬
‫ه{ ]الرعد‪[41 :‬؛ فكل من لم‬ ‫م ِ‬
‫حك ِ‬‫ْ‬ ‫ب لِ ُ‬ ‫ق َ‬‫معَ ّ‬ ‫مل ُ‬ ‫حك ُ‬‫ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫السمع والطاعة‪َ} ،‬والل ّ ُ‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ك‬‫ه فَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما َأنَز َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫م يَ ْ‬‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫يحكم بما أنزل الله كافر فاسق ظالم‪ } ،‬وَ َ‬
‫ن{ ]المائدة‪.[44 :‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫هُ ْ‬
‫ه{ ]المائدة‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما أنَزل الل ُ‬ ‫م بِ َ‬‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫حك ْ‬ ‫والحكم بما أنزل الله فرض واجب‪} ،‬فا ْ‬
‫ل الل ّه ول َ تتبع أ َهْواَءهُم واحذ َرهُم أ َ‬ ‫ما َأنَز َ‬ ‫َ‬
‫فت ُِنو َ‬
‫ك‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ْ َ ْ ْ ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َِّ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬‫حك ُ ْ‬
‫نا ْ‬ ‫‪} ،[48‬وَأ ْ‬
‫ك{ ]المائدة‪[49 :‬؛ فهل يجوز لك يا مسلم أن ت ُوَك ّ َ‬
‫ل‬ ‫ه إ ِل َي ْ َ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما َأنَز َ‬ ‫ض َ‬ ‫ن ب َ ًعْ ِ‬ ‫عَ ْ‬
‫رئيسا ً أو مجلس تشريع يحكم بغير ما أنزل الله؟ فهذا حرام سُتحاسب عنه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫سِبي َ‬ ‫حا ِ‬ ‫سَرعُ ال ْ َ‬ ‫م وَهُوَ أ ْ‬ ‫حك ْ ُ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫أمام الله يوم القيامة‪ ،‬يقول تعالى‪} :‬أل ل َ ُ‬
‫]النعام‪ ،[62 :‬فكيف نستبدل حكم خير الحاكمين وأحكمهم بحكم العبيد!‬
‫ر{ ]غافر‪.[12 :‬‬ ‫ي ال ْك َِبي ِ‬ ‫م ل ِل ّهِ ال ْعَل ِ ّ‬ ‫حك ْ ُ‬‫}َفال ْ ُ‬
‫ه{ ]الشورى‪ ،[10 :‬وليس‬ ‫ه إ َِلى الل ّ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫حك ْ ُ‬‫يٍء فَ ُ‬‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِفيهِ ِ‬ ‫فت ُ ْ‬‫خت َل َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫}وَ َ‬
‫للكثرية البرلمانية!‬
‫ن هناك دراسة صدرت عن الجماعة‬ ‫أيها المسلمون‪ :‬نلفت انتباهكم أ ّ‬
‫ما قريب بعون الله‪.‬‬ ‫السلمية بعنوان )البدعة الكبرى(‪ ،‬سيتم نشرها ع ّ‬
‫صرِ الله‪...‬‬ ‫ن ب ِن َ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫الواث ِ ُ‬
‫نشرة دعوية‪ُ ،‬تصدرها الجماعة السلمية‬
‫__________‬
‫ن بعض المسلمين قد قبل التعدد السياسي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫علم‬ ‫لو‬ ‫الشهيد‬ ‫يقول‬ ‫]‪ [1‬فماذا‬
‫معترفا ً به من‬ ‫مه أن يكون حزبا ً سياسيا ُ‬ ‫وقبل التداول على السلطة! وأصبح ه ّ‬
‫قبل الجاهلية‪ ،‬بل ودخل بعضهم في الحكومة العراقية المؤقتة‪ ،‬أي حكومة‬
‫لوي!!‬ ‫ع ّ‬
‫]‪1057-1058 [2‬الظلل‪.‬‬
‫]‪2092 [3‬الظلل‬

‫)‪(2 /‬‬

‫) إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ‪( ..‬‬


‫عبد العظيم محجوب فضل الله‬
‫وقفات مع قوله ‪ -‬تعالى ‪)-‬إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم‬
‫الملئكة أل تخافوا ول تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون‪ ،‬نحن‬
‫أوليائكم في الحياة الدنيا وفى الخرة ولكم فيها ما تشتهى أنفسكم ولكم‬
‫فيها ما تدعون‪ ،‬نخن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفى الخرة ولكم فيها ما‬
‫دعون( سورة فصلت )‪.(30‬‬ ‫تشتهى أنفسكم ولكم فيها ما ت ّ‬
‫يقول ‪ -‬تعالى‪) -‬إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا( أي أخلصوا العمل لله‬
‫وعملوا بطاعة الله ‪ -‬تعالى ‪-‬على ما شرع لهم من الشرائع‪.‬‬
‫فقال أبوبكر الصديق رضي الله عنه ‪ :‬هم الذين لم يشركوا بالله شيئا‪).‬ثم‬
‫استقاموا( فلم يلتفتوا إلى إله غيره ول إلى رب سواه‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ -‬رضي الله عنهما ‪) :-‬إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا(‬
‫على شهادة أن ل إله إل الله‪.‬‬
‫وتل عمر ‪ -‬رضي الله عنه‪ -‬هذه الية على المنبر‪ ،‬ثم قال‪ :‬استقاموا والله‬
‫بطاعته ولم يروغوا روغان الثعالب‪.‬‬
‫)قالوا ربنا الله ثم استقاموا( على أداء فرائضه وتعظيم شعائره من غير‬
‫تهاون ول تكاسل لن هذه من صفات المنافقين الذين يخادعون الله وهو‬
‫خادعهم‪.‬‬
‫ولننظر إلى بيوت الله لقد أضاع كثير من الناس الصلة فيها إما جحودا أو‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫استكبارا وهذا كفر بالله ‪ -‬تعالى ‪ .-‬وهنالك من توانى في أدائها يدخل الوقت‬
‫في الوقت‪ ،‬ومنهم من يصلى في بيته‪ ،‬ويوم أن جاء الرجل العمى إلى النبي‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وقال له‪" :‬بيتي بعيد من المسجد وبيني وبين‬
‫المسجد وادي فيه هوام فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي فقال له النبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ :-‬أتسمع النداء؟ فقال له نعم‪ ،‬فقال النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬أجب فإني ل أجد لك رخصة"‪.‬‬
‫ولقد هم رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أن يحرق منازل الذين ل يأتون‬
‫إلى صلة الجماعة‪.‬‬
‫قال ابن مسعود ‪ -‬رضي الله عنه ‪" : -‬ولو صليتم في بيوتكم كما يصلى هذا‬
‫المنافق لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم"‪.‬‬
‫وكان الحسن يقول‪) :‬اللهم أنت ربنا فارزقنا الستقامة(‪.‬‬
‫)قالوا ربنا الله( قال أبو العالية‪ :‬اخلصوا له الدين والعمل‪ .‬وجاء رجل إلى‬
‫النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم – فقال‪" :‬مرني بأمر في السلم ل أسأل عنه‬
‫أحدا بعدك‪ ،‬فقال النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪) -‬قل آمنت بالله ثم استقم(‬
‫قلت فما أتقى؟ أومأ إلى لسانه( أخرجه النسائي‪.‬‬
‫أحبتي في الله ما هو المطلوب في حق الفرد المسلم أو ما هو الواجب على‬
‫الفرد المسلم؟ إن الفرد مطالب أو ملزم بالستقامة في نفسه والعمل‬
‫بكتاب ربه وسنة نبيه محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لنك ما خلقت إل لله‪،‬‬
‫وأنت الفقير إلى الله فل تنفعه طاعتك ول تضره معصيتك فالكل لك وعليك‬
‫أيها النسان‪ ،‬فأن عملت خيرا فزت ونجوت من قبضة الله وان عملت شرا‬
‫خسرت الدنيا والخرة وذلك هو الخسران المبين‪ .‬فالفرد مطالب أن يقيم‬
‫الدين في نفسه بعيدا عن العصبية الهوجاء والتشدق والتنطع بدين الله‪،‬‬
‫والمجاملة بشرع الله‪ .‬وهذا مفهوم شامل للستقامة التي أمر بها الله ‪-‬‬
‫تعالى ‪.-‬‬
‫ولكن وجود الفرد المسلم مع أهل الخير والصلح‪ ،‬وأهل الطاعة والفلح‪،‬‬
‫وأهل المسجد والقرآن فهذا أمر عظيم وعون كريم للنسان فإذا نسى‬
‫ذكروه‪ ،‬وإذا جهل شيئا علموه‪ ،‬قال ‪ -‬تعالى ‪) :-‬تتنزل عليهم الملئكة( عند‬
‫الموت قائلين لهم )أل تخافوا( أي مما تقدمون عليه من أمر الخرة )ول‬
‫تحزنوا( مما خلفتموه من أمر الدنيا من أهل ومال أو دين فان نخلفكم فيه‬
‫)وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون( فيبشرونهم بذهاب الشر وحصول الخير‬
‫وهذه لحظات عظيمة لحظات حاسمة‪ ،‬لحظات قاضية‪ ،‬لحظات فاصلة‬
‫عاشها أصحاب النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وهذا هو عمرو ابن العاص ‪-‬‬
‫رضي الله عنه ‪ -‬يصفها يوم أن حلت به سكرة الموت فقال"فكأن على كتفي‬
‫جبل ربوة وكأن في جوفي شوكة عوتج‪ ،‬وكأن روحي تخرج من ثقب إبرة‪،‬‬
‫وكأن السماء أطبقت على الرض وأنل بينها"‪.‬‬
‫فل خلص للنسان ول منجى له إل بالستقامة على دين الله‪ ،‬فنسأل الله ‪-‬‬
‫تعالى ‪ -‬أن يجعلنا من المستقيمين على شرعه وصلى الله على نبي الهدى‬
‫والرحمة محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪.-‬‬
‫‪ http://marsd.net‬المصدر ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إن العزة لله*‬


‫أ‪.‬د ناصر العمر‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحمد لله وبعد‪ ..‬فإن العزة التي أتحدث عنها من عَّز‪ :‬بفتح العين المهملة‪،‬‬
‫من القوة و الرفعة والمتناع‪ ،‬وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال‬
‫ً‬
‫لعائشة‪ :‬هل تدرين لم كان قومك رفعوا باب الكعبة‪ ،‬قالت‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬تعززا أن‬
‫ل يدخلها إل من أرادوا‪.‬‬
‫والعزة التي ل ذل معها لله _عز وجل_ )جميعًا( فمن طلب العزة من الله‬
‫وصدقه في طلبها في افتقار وتذلل وسكون وخضوع وجدها عنده _عز‬
‫وجل_‪ ،‬غير ممنوعة ول محجوبة عنه‪.‬‬
‫ومن طلبها من غير الله وكله الله إلى من طلبها عنده‪ ،‬فقال _عز وجل_‪:‬‬
‫كافرين أ َول ِياء من دون ال ْمؤْمِني َ‬
‫م ال ْعِّزةَ فَإ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫عند َهُ ُ‬‫ن ِ‬ ‫ن أي َب ْت َُغو َ‬‫ُ ِ َ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن ال ْ َ ِ ِ َ ْ َ‬ ‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫"ال ّ ِ‬
‫ميًعا"‪.‬‬ ‫ج ِ‬ ‫العِّزة َ ل ِل ّهِ َ‬
‫فمن أراد العزة فعليه أن يطلبها ممن له العزة جميعًا‪ ،‬وقبل ذلك عليه معرفة‬
‫صاحبها ومعطيها وواهبها وما هي شروط إعطائها‪ ،‬وقد جاءت اليات تبين‬
‫هذا‪:‬‬
‫ميًعا"‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ج ِ‬ ‫ن العِّزةَ ل ِلهِ َ‬ ‫م العِّزة َ فإ ِ ّ‬ ‫عند َهُ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫" أي َب ْت َُغو َ‬
‫م"‪.‬‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ميًعا هُوَ ال ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن ال ْعِّزة َ ل ِل ّهِ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ك قَوْل ُهُ ْ‬ ‫حُزن َ‬ ‫"وَل َ ي َ ْ‬
‫ميًعا"‪.‬‬ ‫ج ِ‬ ‫ريد ُ ال ْعِّزة َ فَل ِل ّهِ ال ْعِّزةُ َ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫من َ‬ ‫" َ‬
‫‪-‬فالمسلم يستمد العزة من قوة ربه ودينه والحق الذي يحمله‪ .‬وكل صاحب‬
‫دين يعبد إلهه ليستمد منه العزة كما قال الله‪" :‬واتخذوا من دون الله آلهة‬
‫ليكونوا لهم عزا" أي ليكونوا لهم أعوانا أو ليكونوا لهم شفعاء في الخرة‪،‬‬
‫وهؤلء أخبر الله أن عزتهم زائفة ثم يوم القيامة يكفر بعضهم ببعض ويلعن‬
‫بعضهم بعضا ً "كل سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدًا"‪ ،‬وقال‪" :‬إنما‬
‫اتخذتم من دون الله أوثانا ً مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر‬
‫بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ً ومأواكم النار ومالكم من ناصرين"‪ ،‬وقال‬
‫َ‬
‫من‬ ‫ن* ِ‬ ‫دو َ‬‫كاُنوا ي َعْب ُ ُ‬‫ما َ‬‫م وَ َ‬ ‫جهُ ْ‬ ‫موا وَأْزَوا َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫شُروا ال ّ ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫عن بعض الظالمين‪" :‬ا ْ‬
‫م لَ‬ ‫ما ل َك ُْ‬‫ن* َ‬ ‫ُ‬
‫سُئولو َ‬ ‫م ْ‬ ‫م إ ِن ُّهم ّ‬ ‫فوهُ ْ‬ ‫حيم ِ * وَقِ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ط ال َ‬ ‫ْ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫م إ َِلى ِ‬ ‫دوهُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ َفاهْ ُ‬ ‫ُدو ِ‬
‫مون"‪ .‬مستسلمون مع أنهم كانوا بالمس‬ ‫سل ِ ُ‬
‫ست َ ْ‬
‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ْ‬
‫م الي َوْ َ‬ ‫ل هُ ُ‬ ‫ن* ب َ ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫ت ََنا َ‬
‫يعتزون بآلهتم سواًء أكانت أصناما تعبد‪ ،‬أو آراء وأهواء تؤله سموها حريات‬ ‫ً‬
‫وقوانين ونحو ذلك‪.‬‬
‫وأخبر عن شأن آخر أثيم فقال‪ " :‬ذق إنك أنت العزيز الكريم"‪.‬‬
‫‪-‬أما المسلم فإنه يدين لله ومعه الله الذي "يعز من يشاء ويذل من يشاء‬
‫بيده الخير وهو على كل شيء قدير"‪ ،‬وكتابه القرآن الذي قال الله فيه‪" :‬وإنه‬
‫لذكر لك ولقومك وسوف تسألون" قال أهل التفسير ذكر لك‪ :‬شرف لك‪،‬‬
‫وأما نبيه فمحمد _عليه الصلة والسلم_ سيد ولد آدم وخير من تنشق عنه‬
‫الرض‪:‬‬
‫ً‬
‫ومما زادني شرفا وتيها‬
‫دخولي تحت قولك يا عبادي ‪ ... ...‬وكدت بأخمصي أطأ ‪ii‬الثريا‬
‫وأن صيرت أحمد لي ‪ii‬نبيا‬
‫‪-‬ولعلو المسلم بدينه عن غيره ناسب أن يكون عزيزا ً على الكافر خافضا ً‬
‫جناحه ومتواضعا ً لمن كان مثله ولهذا قال الله_تعالى_‪" :‬ياأيها الذين آمنوا‬
‫من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه أعزة على‬
‫الكافرين أذلة للمؤمنين يجاهدون في سبيل الله ول يخافون لومة لئم"‪.‬‬
‫‪-‬قد يغيب على الكافر هذا المفهوم فينظر إلى بعض السباب المادية ولكن ل‬
‫ينبغي لهل اليمان أن يغيب عنهم مفهوم العزة الحقيقي بل عليهم أن يبينوا‬
‫للناس معنى العزة الحقيقي وأين يجدونها‪ ،‬ولهذا لما تقرر مفهوم خاطئ عند‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قوم شعيب وهو أن العزة إنما تكون بما لدى الشخص أو قومه من قوة‬
‫وأسباب دنيوية فقط‪ ،‬صحح لهم نبيهم –عليه السلم‪-‬هذا المفهوم وأرشدهم‬
‫إلى مصدر العزة الحقيقي‪ ،‬قال المل كما أخبر الله _عز وجل_ عنهم‪َ" :‬قاُلوا ْ‬
‫ك‬‫فا وَل َوْل َ َرهْط ُ َ‬ ‫ضِعي ً‬ ‫ك ِفيَنا َ‬ ‫ل وَإ ِّنا ل َن ََرا َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ما ت َ ُ‬ ‫ه ك َِثيًرا ّ‬
‫م ّ‬ ‫ق ُ‬
‫ف َ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫شعَي ْ ُ‬ ‫َيا ُ‬
‫َ‬
‫ز"‪ ،‬فهم يرون أنه في نفسه غير عزيز‪ ،‬ويرون أن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫زي ٍ‬‫ت عَل َي َْنا ب ِعَ ِ‬ ‫ما أن َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫مَنا َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ل ََر َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫كم ّ‬ ‫طي أعَّز عَل َي ْ ُ‬ ‫الذي يعززه ويمنعه هم قومه‪ ،‬فقال لهم‪َ " :‬يا قَوْم ِ أَرهْ ِ‬
‫مُلوا ْ‬ ‫حيط * وََيا قَوْم ِ اعْ َ‬ ‫ٌ‬ ‫م ِ‬‫ن ُ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬‫ن َرّبي ب ِ َ‬ ‫م ظ ِهْرِّيا إ ِ ّ‬ ‫موه ُ وََراءك ُ ْ‬ ‫خذ ْت ُ ُ‬‫الل ّهِ َوات ّ َ‬
‫ب‬‫كاذِ ٌ‬ ‫ن هُوَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫زيهِ وَ َ‬‫خ ِ‬
‫ب يُ ْ‬‫ذا ٌ‬ ‫من ي َأ ِْتيهِ عَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ف ت َعْل َ ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫م ٌ‬ ‫عا ِ‬ ‫م إ ِّني َ‬ ‫كان َت ِك ُ ْ‬ ‫عََلى َ‬
‫م َ‬
‫ب"‪.‬‬ ‫م َرِقي ٌ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫قُبوا ْ إ ِّني َ‬ ‫َواْرت َ ِ‬
‫‪-‬ولهذا لما قال كبير المنافقين‪ " :‬لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن العز منها‬
‫الذل" قال الله معقبًا‪" :‬ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين ل‬
‫يعلمون" فالعزة لله وبالله "سبحان ربك رب العزة عما يصفون"‪ .‬فمن أراد‬
‫العزة فليلتمسها من ربها‪ ،‬قال _تعالى_‪" :‬من كان يريد العزة فلله العزة‬
‫جميعًا"‪ ،‬وقد ذم الله من داهن أهل الكفر ومالهم أو والهم من أجل تحصيل‬
‫العزة‪ ،‬فقال‪" :‬الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون‬
‫عندهم العزة فإن العزة لله جميعًا"‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إن الله ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم‬


‫يقول الله تعالى ‪ .. " :‬إن الله ليغير مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم وإذا أراد‬
‫ل"‬
‫الله بقوم ٍ سوًء فل مرد له ومالهم من دونه من وا ٍ‬
‫إن لله تعالى سننا ً لتتغير وقوانين لتتبدل ‪ :‬سنة الله التي قد خلت من قبل‬
‫ولن تجد لسنة الله تبديل ً ‪ .‬وهذه سنة وقاعدة اجتماعية سنها الله تعالى‬
‫ليسير عليها الكون وتنتظم عليها أسس البنيان‪ :‬إن الله ليغير مابقوم حتى‬
‫يغيروا مابأنفسهم ‪ :‬أي أن الله تبارك وتعالى إذا أنعم على قوم بالمن والعزة‬
‫والرزق والتمكين في الرض فإنه سبحانه وتعالى ليزيل نعمه عنهم‬
‫وليسلبهم إياها إل إذا بدلوا أحوالهم وكفروا بأنعم الله ونقضوا عهده وارتكبوا‬
‫ماحرم عليهم‪ .‬هذا عهد الله ومن أوفى بعهده من الله ؟ فإذا فعلوا ذلك لم‬
‫يكن لهم عند الله عهد ول ميثاق فجرت عليهم سنة الله التي لتتغير ولتتبدل‬
‫ة‬
‫فإذا بالمن يتحول إلى خوف والغنى يتبدل إلى فقر والعزة تؤل إلى ذل ٍ‬
‫والتمكين إلى هوان‪.‬‬
‫أيها الخ الكريم إن المتأمل اليوم في حال أمة السلم وماأصابها من الضعف‬
‫والهوان وماسلط عليها من الذل والصغار على أيدي أعدائها بعد أن كانت‬
‫بالمس أمة مهيبة الجناح مصونة الذمار ليرى بعين الحقيقة السبب في ذلك‬
‫ة أسرفت على نفسها كثيرا ً‬ ‫كله رؤيا العين للشمس في رابعة النهار ‪ .‬يرى أم ً‬
‫وتمادت في طغيانها أمدا ً بعيدا ً واغترت بحلم الله وعفوه وحسبت أن ذلك‬
‫من رضى الله عنها ونسيت أن الله يمهل وليهمل ‪ ،‬وما المة إل مجموعة‬
‫أفراد من ضمنهم أنا وأنت ‪ .‬تجول أخي الحبيب في ديار السلم )إل من رحم‬
‫الله( واخبرني ماذا بقي من المحرمات لم يرتكب وماذا بقي من الفواحش‬
‫لم يذاع ويعلن ‪ ،‬الربا صروحه في كل مكان قد شيدت وحصنت حربا ً على‬
‫الله ورسوله‪ ،‬والزنا بيوته قد أعلنت وتزينت في كل شارع وناصية‪ ،‬والسفور‬
‫قد حل محل الستر والخنا قد حل محل الطهر والعفاف‪ .‬والخمر ) أم‬
‫الخبائث( صارت لها مصانع ومتاجر‪ .‬المعروف أصبح منكرا ً والمنكر غدا‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫معروفًا‪ .‬أرتفع الغناء )صوت الشيطان( ووضع القرآن )كلم الرحمن(‪ .‬حك ٌ‬
‫م‬
‫بغير ماأنزل الله وقوانين ماأنزل الله بها من سلطان‪ .‬وقبل ذلك كله تخلينا‬
‫عن الجهاد وركنا إلى الدنيا وتبايعنا بالعينة وتتبعنا أذناب البقر ‪ ،‬أفبعد هذا‬
‫نرجوا نصر الله وعزته وتمكينه ؟ أبعد هذا نتساءل لماذا حل بنا هذا الهوان ؟‬
‫أفبعد هذا نستغرب ماأصابنا من الذل على أيدي أعدائنا من شرار الخلق من‬
‫اليهود والنصارى والهندوس والبوذيين وغيرهم ؟ نعم والله إن الله ليغير‬
‫مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم ‪ ..‬إننا لن نخرج ممانحن فيه من الذل والصغار‬
‫ولن ننال العزة والكرامة إل إذا عدنا إلى ديننا وتمسكنا بإسلمنا فكما قال‬
‫عمر بن الخطاب رضي الله عنه ‪ :‬نحن قوم أعزنا الله بالسلم فإن ابتغينا‬
‫العزة بغيره أذلنا الله‪.‬‬
‫أخي الكريم ‪ :‬إن المة لن تتغير إل إذا تغير أفرادها ‘ إل إذا غيرت أنا وأنت‬
‫وهو وهي ‪ ،‬إذا غيرنا أسلوب حياتنا بما يوافق شرع الله وقلنا لربنا سمعا ً‬
‫وطاعة واتبعنا هدي نبينا عليه الصلة والسلم ‪ :‬وماآتاكم الرسول فخذوه‬
‫ومانهاكم عنه فانتهوا‪ .‬عندها نصبح أفرادا ً وأمة أهل ً لموعود الله بإن يغير الله‬
‫ذلنا إلى عزة وضعفنا إلى قوة وهواننا إلى تمكين‪ .‬نسأل الله العظيم رب‬
‫العرش العظيم أن يردنا جميعا ً إلى دينه مردا ً حسنا ً وأن يلهمنا رشدنا ويفقهنا‬
‫في ديننا ويرينا الحق حقا ً ويرزقنا اتباعه والباطل باطل ً ويرزقنا اجتنابه وأن‬
‫يمكن لمة السلم ويعيد لها عزتها ومكانتها وأن ينصرها على أعدائها إنه‬
‫سميع مجيب‪ .‬وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫وإلى اللقاء في وقفة قادمة مع آية اخرى من كتاب الله‬
‫والسلم عليكم ورحمة الله وبركات‬
‫================‬
‫إن الله ل يغير ما بقوم حتى ‪..‬‬
‫أبو أنس‬
‫يقول الله تعالى‪ ..? :‬إن الله ليغير مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم وإذا أراد‬
‫ل ?] الرعد‪[11:‬‬ ‫الله بقوم ٍ سوًء فل مرد له ومالهم من دونه من وا ٍ‬
‫إن لله تعالى سننا ً لتتغير وقوانين ل تتبدل‪ :‬سنة الله التي قد خلت من قبل‬
‫ل‪ .‬وهذه سنة وقاعدة اجتماعية سنها الله تعالى‬ ‫ولن تجد لسنة الله تبدي ً‬
‫ليسيرعليها الكون وتنتظم عليها أسس البنيان‪ :‬إن الله ليغير مابقوم حتى‬
‫يغيروا ما بأنفسهم‪ :‬أي أن الله تبارك وتعالى إذا أنعم على قوم بالمن والعزة‬
‫والرزق والتمكين في الرض فإنه سبحانه وتعالى ليزيل نعمه عنهم‬
‫وليسلبهم إياها إل إذا بدلوا أحوالهم وكفروا بأنعم الله ونقضوا عهده وارتكبوا‬
‫ماحرم عليهم‪ .‬هذا عهد الله ومن أوفى بعهده من الله ؟ فإذا فعلوا ذلك لم‬
‫يكن لهم عند الله عهد ول ميثاق فجرت عليهم سنة الله التي لتتغير ول تتبدل‬
‫ة‬
‫فإذا بالمن يتحول إلى خوف والغنى يتبدل إلى فقر والعزة تؤل إلى ذل ٍ‬
‫والتمكين إلى هوان‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أيها الخ الكريم إن المتأمل اليوم في حال أمة السلم وماأصابها من الضعف‬
‫والهوان وماسلط عليها من الذل والصغار على أيدي أعدائها‪ ،‬بعد أن كانت‬
‫بالمس أمة مهيبة الجناح مصونة الذمار ليرى بعين الحقيقة السبب في ذلك‬
‫ة أسرفت على نفسها كثيرا ً‬ ‫كله رؤيا العين للشمس في رابعة النهار‪ ،‬يرى أم ً‬
‫وتمادت في طغيانها أمدا ً بعيدا ً واغترت بحلم الله وعفوه وحسبت أن ذلك‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من رضى الله عنها ونسيت أن الله يمهل وليهمل‪ ،‬وما المة إل مجموعة‬
‫أفراد من ضمنهم أنا وأنت‪ .‬تجول أخي الحبيب في ديار السلم )إل من رحم‬
‫الله( وأخبرني ماذا بقي من المحرمات لم يرتكب وماذا بقي من الفواحش‬
‫لم يذاع ويعلن‪ ،‬الربا صروحه في كل مكان قد شيدت وحصنت حربا ً على الله‬
‫ورسوله‪ ،‬والزنا بيوته قد أعلنت وتزينت في كل شارع وناصية‪ ،‬والسفور قد‬
‫حل محل الستر والخنا قد حل محل الطهر والعفاف‪ .‬والخمر ) أم الخبائث(‬
‫صارت لها مصانع ومتاجر‪ .‬المعروف أصبح منكرا ً والمنكر غدا معروفًا‪ .‬ارتفع‬
‫م بغير ما أنزل‬ ‫الغناء )صوت الشيطان( ووضع القرآن )كلم الرحمن(‪ .‬حك ٌ‬
‫الله وقوانين ما أنزل الله بها من سلطان‪ .‬وقبل ذلك كله تخلينا عن الجهاد‬
‫وركنا إلى الدنيا وتبايعنا بالعينة وتتبعنا أذناب البقر‪ ،‬أفبعد هذا نرجوا نصر الله‬
‫وعزته وتمكينه ؟ أبعد هذا نتساءل لماذا حل بنا هذا الهوان ؟ أفبعد هذا‬
‫نستغرب ماأصابنا من الذل على أيدي أعدائنا من شرار الخلق من اليهود‬
‫والنصارى والهندوس والبوذيين وغيرهم؟ نعم والله إن الله ل يغير ما بقوم‬
‫حتى يغيروا ما بأنفسهم ‪ ..‬إننا لن نخرج ممانحن فيه من الذل والصغار‪ ،‬ولن‬
‫ننال العزة والكرامة إل إذا عدنا إلى ديننا وتمسكنا بإسلمنا فكما قال عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله عنه‪ :‬نحن قوم أعزنا الله بالسلم فإن ابتغينا العزة بغيره‬
‫أذلنا الله‪.‬‬
‫أخي الكريم ‪ :‬إن المة لن تتغير إل إذا تغير أفرادها‪ ،‬إل إذا غيرت أنا وأنت‬
‫وهو وهي ‪ ،‬إذا غيرنا أسلوب حياتنا بما يوافق شرع الله وقلنا لربنا سمعا ً‬
‫وطاعة واتبعنا هدي نبينا عليه الصلة والسلم‪ :‬وما آتاكم الرسول فخذوه‬
‫ومانهاكم عنه فانتهوا‪ .‬عندها نصبح أفرادا ً وأمة أهل ً لموعود الله بإن يغير الله‬
‫ذلنا إلى عزة وضعفنا إلى قوة وهواننا إلى تمكين‪ .‬نسأل الله العظيم رب‬
‫العرش العظيم أن يردنا جميعا ً إلى دينه مردا ً حسنا ً وأن يلهمنا رشدنا ويفقهنا‬
‫في ديننا ويرينا الحق حقا ً ويرزقنا اتباعه والباطل باطل ً ويرزقنا اجتنابه وأن‬
‫يمكن لمة السلم ويعيد لها عزتها ومكانتها وأن ينصرها على أعدائها إنه‬
‫سميع مجيب‪ .‬وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫===========‬
‫إن الله ل يغّير ما بقوم حتى يغّيروا ما بأنفسهم‬
‫كما أن السنن الكونية ل تتغير ول تتبدل إل عندما يأذن الله بخراب الدنيا في‬
‫آخر المطاف‪ ،‬فتختل السنن الكونية‪ ،‬وتتغير الموازين الكلية‪ ،‬وتتبدل‬
‫النواميس الرضية‪ ،‬فيكون اليوم من أيام المسيح الدجال الربعين‪ ،‬يوم‬
‫كسنة‪ ،‬ويوم كشهر‪ ،‬ويوم كجمعة‪ ،‬أي أسبوع‪ ،‬وباقي أيامه كسائر أيامنا‪ ،‬ثم‬
‫تخرج الشمس من غير مخرجها المعتاد‪ ،‬تخرج من المغرب‪.‬‬
‫فكذلك المر بالنسبة للسنن الشرعية‪ ،‬والثوابت القطعية‪ ،‬والمسائل الكلية‪،‬‬
‫فإنها ل ينبغي لها أن تتغير أوتتبدل عما كانت عليه في عهد السلم الول‪ ،‬وإل‬
‫حل الخراب والدمار‪ ،‬وفسد الحال‪ ،‬ول مجال للصلح إل بالرجوع إلى المر‬
‫الول‪" :‬إن الله ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"‪.‬‬
‫حيث ل يمكن أن يصلح آخر هذه المة إل بما صلح به أولها‪ ،‬وقد صلح أول‬
‫هذه المة بالعتصام بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما‬
‫أجمع عليه السلف الصالح‪ ،‬وبعدم التنازل عن الثوابت‪.‬‬
‫ً‬
‫لذلك فإن الساعة ل تقوم إل على شرار الخلق‪ ،‬الذين ل يعرفون معروفا ول‬
‫ينكرون منكرًا‪ ،‬ول يميزون بين سنة وبدعة‪ ،‬وحلل وحرام‪.‬‬
‫فمهما قل تمسك الناس بالدين‪ ،‬والتزامهم بسنة سيد المرسلين‪ ،‬إل وأثر ذلك‬
‫على حياتهم ومعاشهم‪" :‬ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الناس"‪" ،‬ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء‬
‫مْرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها‬
‫والرض"‪" ،‬وإذا أردنا أن نهلك قرية أ َ‬
‫القول فدمرناها تدميرًا"‪ ،‬فكما تدين المة تدان‪ ،‬فتخلي الناس عن الدين‪،‬‬
‫وتهاونهم بسنة نبيهم الكريم‪ ،‬نذير شؤم وعلمة خطر عليهم‪ ،‬وكذلك قيام‬
‫طائفةمن هذه المة بالمر والنهي‪ ،‬والجهاد للدفاع عن الدين‪ ،‬ولصد‬
‫المعتدين‪ ،‬من أوجب الواجبات‪ ،‬حيث يرفع الثم عن المة‪ ،‬ويحد من غضب‬
‫رب العالمين‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أقول ذلك بمناسبة الفرق الشاسع والبون الواسع بيننا وبين سلفنا في كل‬
‫شيء‪ ،‬إذ ل مجال للمقارنة‪ ،‬علما ً بأن الجميع مكلفون‪ ،‬والكل سواسية في‬
‫نظر الشرع‪ ،‬ولنضرب لذلك مثل ً واحدا ً لبعض المستضعفين الغرباء‪ ،‬وهم‬
‫مهاجرة الحبشة بقيادة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم‪ ،‬في ثباتهم على‬
‫دينهم‪ ،‬وعدم تنازلهم عنه‪ ،‬ولو أدى ذلك إلى هلكهم‪ ،‬وبين استكانة المسلمين‬
‫اليوم حكامًا‪ ،‬وعلماء‪ ،‬ودعاة‪ ،‬وعامة‪ ،‬وتنازلهم عن أصول دينهم وثوابتهم‪ ،‬بما‬
‫أدهش الكافرين أنفسهم‪ ،‬وزاد من جرأتهم على غزو ديار السلم‪ ،‬وإهانة‬
‫أبنائه‪ ،‬وشيوخه‪ ،‬ونسائه‪ ،‬وما حدث ويحدث في فلسطين‪ ،‬والعراق‪،‬‬
‫وأفغانستان ليس ببعيد عنا‪ ،‬ول أنسى أن أذكر بثالثة الثافي‪ ،‬وهو ما حدث‬
‫ويحدث في سجن أبي غريب بالعراق‪ ،‬حيث أهينت وخدشت العفة‪ ،‬وانتهكت‬
‫العراض‪ ،‬ومارس فيها المريكان والبريطان ما يستحي منه بعض الحيوان‪.‬‬
‫أخرج أحمد ‪ 1‬وغيره بسند قوي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال‪" :‬بعثنا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي‪ ،‬ثمانين رج ً‬
‫ل‪ :‬أنا‪ ،‬وجعفر‪،‬‬
‫وأبوموسى‪ ،‬وعبد الله بن عُْرفطة‪ ،‬وعثمان بن مظعون؛ وبعثت قريش عمرو‬
‫عمارة بن الوليد بهدية‪ ،‬فقدما على النجاشي‪ ،‬فلما دخل سجدا له‬ ‫بن العاص و ُ‬
‫ً‬
‫وابتدراه‪ ،‬فقعد واحد عن يمينه‪ ،‬والخر عن شماله‪ ،‬فقال‪ :‬إن نفرا من قومنا‬
‫نزلوا بأرضك‪ ،‬فرغبوا عن ملتنا؛ قال‪ :‬وأين هم؟ قالوا‪ :‬بأرضك؛ فأرسل في‬
‫طلبهم‪ ،‬فقال جعفر‪ :‬أنا خطيبكم؛ فاتبعوه‪ ،‬فدخل فسلم‪ ،‬فقالوا‪ :‬مالك ل‬
‫م ذلك؟ قال‪ :‬إن الله أرسل‬ ‫تسجد للملك؟ قال‪ :‬إنا ل نسجد إل لله؛ قالوا‪ :‬ول ِ َ‬
‫ل‪ ،‬وأمرنا أن ل نسجد إل لله‪ ،‬وأمرنا بالصلة والزكاة؛ فقال عمرو‪:‬‬ ‫فينا رسو ً‬
‫إنهم يخالفونك في ابن مريم وأمه؛ قال‪ :‬ما تقولون في ابن مريم وأمه؟ قال‬
‫جعفر‪ :‬نقول كما قال الله‪ :‬روح الله وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول التي لم‬
‫يمسها بشر؛ فرفع النجاشي عودا ً من الرض‪ ،‬وقال‪ :‬يا معشر الحبشة‬
‫والقسيسين والرهبان! ما تريدون‪ ،‬ما يسوءني هذا! أشهد أنه رسول الله‪،‬‬
‫وأنه الذي بشر به عيسى في النجيل‪ ،‬والله لول ما أنا فيه من الملك لتيته‪،‬‬
‫فأكون أنا الذي أحمل نعليه وأوضئه‪.‬‬
‫وقال‪ :‬انزلوا حيث شئتم؛ وأمر بهدية الخر فُرّدت عليهم"‪.‬‬
‫والله يحتار النسان أيعجب من موقف جعفر وأصحابه وثباتهم على الحق‬
‫وعلى عدم التنازل‪ ،‬أم من صدق النجاشي وشجاعته؟!‬
‫وبضدها تتميز الشياء‪ ،‬وتستبين المواقف والراء‪ ،‬ويتضح الحق بجلء‪ ،‬مقابل‬
‫هذا الثبات‪ ،‬وتلك التضحيات من السلف الكرام‪ ،‬نجد الستكانة‪ ،‬والتنازلت‪،‬‬
‫والمسارعة بخطب ود من نهانا الله عن موالتهم والتشبه بهم‪ ،‬واتخاذهم‬
‫حلفاء وأصدقاء‪.‬‬
‫يتمثل ذلك في أقبح صوره في التي‪:‬‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .1‬الدعوة إلى توحيد الديان أوالتقارب بينها‪.‬‬


‫‪ .2‬الدعوة إلى التعايش السلمي مع الكفار من اليهود والنصارى‪.‬‬
‫‪ .3‬محاولة البعض نفي الكفر عن اليهود والنصارى‪.‬‬
‫‪ .4‬التجسس لصالح الكفار‪.‬‬
‫‪ .5‬العمل في المنظمات الدولية التي يهيمن عليها الكفار‪.‬‬
‫‪ .6‬الحكم نيابة عنهم في البلد التي استعمروها‪ ،‬كما هو الحال في العراق‬
‫وأفغانستان‪.‬‬
‫‪ .7‬تطبيع العلقات مع الكفار المحاربين‪ ،‬لسيما الدولة الصهيونية‪.‬‬
‫‪ .8‬القتال تحت رايتهم‪.‬‬
‫‪ .9‬الستعانة بهم في القتال‪.‬‬
‫ه أسأل أن يؤلف بين قلوب المسلمين‪ ،‬ويهديهم سبل السلم‪ ،‬وأن يردهم‬ ‫والل َ‬
‫إليه ردا جميل‪ ،‬وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه ومن والهم‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بإحسان‬
‫==============‬
‫في آية التغيير‪ :‬تغيير الله وتغيير القوم‬
‫من كتاب ))حتى يغيروا ما بأنفسهم((‬
‫تغييران‬
‫وينبغي أن ل تفوتنا هذه الملحظة‪ .‬لن نص الية‪ ،‬على حسب قواعد‬
‫العراب‪ ،‬أن فاعل التغيير الول‪ ،‬المذكور في الية‪ ،‬هو الله سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫وفاعل التغيير الثاني‪ ،‬هم القوم‪ ،‬أو المجتمع‪ ،‬وإن كانت القدرة التغييرية‬
‫الثانية‪ ،‬هي هبة من الله تعالى للقوم وإقدار منه تعالى للمجتمع على ذلك‪.‬‬
‫وعلينا أن ل ننسى هذا التوزيع في العملية التغييرية‪ ،‬لنه كثيرا ً ما يغيب عّنا ما‬
‫يخص النسان من التغيير‪ ،‬ويختلط علينا المر‪ ،‬وهذا الغموض‪ ،‬يفقد النسان‬
‫ميزته وإيجابيته في عملية التغيير‪.‬‬
‫وإن أي ظن‪ ،‬أو طمع‪ ،‬في أن يحدث الله هذا التغيير الذي جعله من‬
‫خصوصياته – إل وهو الجانب الذي يتعلق بما بالقوم وليس بما بالنفس –قبل‬
‫أن يكون القوم هم بأنفسهم قاموا بتغيير ما بأنفسهم‪.‬‬
‫إن هذا الظن‪ ،‬والغفال لهذه السنة الدقيقة المحكمة‪ ،‬يبطل النتائج المترتبة‬
‫على سنة هذه الية‪.‬‬
‫في الية ترتيب بين حدوث التغييرين‬
‫ل‪ ،‬هو التغيير الذي جعله الله مهمة القوم‬ ‫والتغيير الذي ينبغي أن يحدث أو ً‬
‫وواجبهم‪ ،‬بأقدار الله تعالى لهم على ذلك‪ .‬وإن حدوث أي تهاون في الخلط‬
‫بين التغييرين‪ ،‬وإدخال التغيير الذي يحدثه الله بالتغيير الذي يقوم به القوم‪،‬‬
‫أو العكس‪ ،‬يفقد الية فعاليتها‪ ،‬وتضيع فائدة السنة الموجودة فيها‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫والرجاء‪ ،‬بأن يحدث الله التغيير الذي يخصه‪ ،‬قبل أن يقوم القوم )المجتمع(‬
‫صهم الله به‪ ،‬يكون – هذا النظر – مخالفا ً لنص الية‪ ،‬وبالتالي‬‫بالتغيير الذي خ ّ‬
‫إبطال ً لمكانة النسان‪ ،‬وأمانته‪ ،‬ومسؤوليته‪ ،‬ولما منحه الله من مقام الخلفة‬
‫على أرضه‪ .‬لن هذا التحديد في مجالت التغيير‪ ،‬وهذا الترتيب فيما ينبغي أن‬
‫ل‪ ،‬وما يحدث تاليًا‪ ،‬هو الذي يضع البشر أمام مسؤولية حوادث‬ ‫يحصل أو ً‬
‫التاريخ‪ .‬ومن هذه النافذة‪ ،‬يمكن إبصار أثر البشر‪ ،‬في أحداث التاريخ‬
‫ومسؤوليتهم إزاءها‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ش بين‬ ‫وعلينا أن نؤكد هذه القواعد دون كلل أو ملل‪ ،‬لن عدم النتباه إليها فا ٍ‬
‫الناس‪ ،‬والذين ينتبهون إليها‪،‬ل يعطونها قدرها‪ ،‬فلبد من تذكرها دائما ً‬
‫وإعطائها قدرها‪ ،‬حتى يرتفع هذا الدراك ويبلغ المستوى الذي ل يسمح بمرور‬
‫الفكار والكلمات‪ ،‬التي تعودنا أن نسمعها أو نتحدث بها‪ ،‬إزاء تفسير أحداث‬
‫التاريخ‪ ،‬برؤية الجانب الذي يحدثه الله‪ ،‬دون إدراك علقته بالجانب الذي‬
‫يخص القوم وأوليته أيضا ً كما سنبينه فيما بعد‪.‬‬
‫وعلينا أن نوقف هذا التيار – الذي يعم مختلف طبقات المجتمع‪ ،‬في التفسير‬
‫طل معه مسؤولية البشر‪ ،‬أو يجعلها‬ ‫المتناقض لحداث التاريخ – التيار الذي ت ّب ْ ُ‬
‫غير بارزة‪ ،‬أو يجعلها مستورة‪ ،‬بينما يبرز الجانب الذي يخص الله‪:‬‬
‫» وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون «‪ .‬النحل – ‪.33‬‬
‫والله يقول الحق وهو يهدي السبيل‪.‬‬
‫مجال كل من التغييرين تغيير الله وتغيير القوم‬
‫إن مجال التغيير الذي يحدثه الله‪ ،‬هو ما بالقوم‪ ،‬والتغيير الذي أسنده الله‬
‫إلى القوم‪،‬مجاله ما بأنفس القوم‪.‬‬
‫» ما بقوم « يشمل الكثير‪ ،‬ويشمل أول ما يشمل ما يمكن أن يلحظ ويرى‬
‫من أوصاف المجتمع ؛ من الغنى والفقر‪ ،‬والعزة والذلة‪ ،‬والصحة والسقم‪.‬‬
‫وينبغي أن نتذكر هنا‪ ،‬أن القصد ليس الفرد‪ ،‬كل فرد بذاته‪ ،‬وإنما المجتمع‬
‫العام‪ .‬وأن التغيير الذي يحدثه الله من الصحة والسقم‪ ،‬والغنى والفقر‪،‬‬
‫والعزة والذلة‪ ،‬إنما يعود إلى القوم بمجموعهم ل إلى فرد محدد‪ .‬إذ يحدث أن‬
‫يغني القوم‪ ،‬ولكن ليس معنى هذا أن ل يبقى فيهم فقير‪ .‬كما يحدث أن يفقر‬
‫المجتمع‪ ،‬وليس معناه أيضا ً أن ل يبقى فيهم شخص غني‪ .‬وكذلك المر‬
‫بالنسبة للصحة والسقم‪ ،‬قد يصيب القوم السقم‪ ،‬ولكن ل يشترط أن يصاب‬
‫كل منهم بسقم‪ ،‬كما قد يصيب القوم الصحة ولكن ل يشترط أن ل يبقى‬
‫فيهم سقيم‪ .‬ونؤكد مرة أخرى ما سبق أن بيناه‪ ،‬من أن السّنة التي في الية‬
‫ليست فردية‪ ،‬وإنما اجتماعية‪ ،‬وهذا يقتضي مّنا‪ :‬أن تكون لدينا القدرة على‬
‫النظر إلى المجتمع )القوم( ككائن واحد بمجموعه وهذه نظرة قرآنية بكل‬
‫معنى الكلمة حيث يقول الله تعالى‪:‬‬
‫مة أجل « العراف – ‪ ،- 34‬وقال‪ » :‬ما تسبق من أمة أجلها وما‬ ‫» لكل أ ّ‬
‫يستأخرون « ‪ – 43 -‬المؤمنون‪.‬‬
‫فهذا الجل هنا ليس أجل الفرد وإنما هو أجل المة‪ ،‬لن للمة وللمجتمع كيانا ً‬
‫يكون حيا ً به وعلى أساسه يأتيه الجل‪ ،‬ول يشترط أن يكون أفراده ماتوا‪،‬‬
‫ولكن الكيان الذي كان للمة مات وذهب‪ ،‬كمجتمع الفراعنة‪ ،‬ذهب ولم تبق‬
‫له باقية‪ ،‬ل بهلك أفراده وإنما بذهاب كيانه‪ .‬وهذا ما جعل محمد إقبال يقول‬
‫في أن أجل المة السلمية إلى قيام الساعة‪:‬‬
‫جل أصُلها الميثاق في قالوا بلى‬ ‫مة السلم تأبى ال َ‬‫أ ّ‬
‫إشارة إلى قوله تعالى‪ » :‬ألست بربكم قالوا بلى « العراف – ‪.172‬‬
‫فالنظر إلى المجتمع كفرد‪ ،‬سهل لنا فهم التغيير الذي يحدث فيه‪.‬‬
‫ل‪ :‬يمكن النظر إلى المجتمع على أساس الصحة والسقم‪ ،‬باعتبار عدد‬ ‫مث ً‬
‫الصحاء في المجتمع‪ ،‬فإذا كان نسبة الذين يتمتعون بصحة كاملة هي ‪%50‬‬
‫من المجتمع‪ ،‬فإن هذا المجتمع أقل نعمة من المجتمع الذي نسبة الصحاء‬
‫فيه تبلغ ‪ %90‬من أفراده‪ .‬كما أنه ل شك أن مصلحة الفرد أن يعيش في‬
‫مجتمع ‪ %90‬من أهله أصحاء بدل ً من أن يعيش في مجتمع ‪ %50‬منه فقط‬
‫الذين يتمتعون بصحة جيدة وكاملة‪.‬‬
‫علينا أن ل ننسى هذا سّنة دنيوية‪ ،‬ل سّنة أخروية‪ .‬وكذلك المر بالنسبة للغنى‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والفقر‪.‬‬
‫هذا ويمكن أن يفصل في هذا الموضوع بأدق وأكثر مما ذكر الن‪.‬‬
‫وعلينا أن نعود إلى مجال هذا التغيير‪ ،‬الذي يحدثه الله بما بالقوم‪ .‬كما أن مما‬
‫يدل على صحة هذا التفسير الذي سقناه لمعنى » ما بقوم « في قوله‬
‫تعالى‪:‬‬
‫» إن الله ل يغير ما بقوم‪« ..‬‬
‫إنه يشمل الغنى والفقر‪ ،‬والصحة والسقم‪ ،‬والعزة والذلة – ما ورد في سورة‬
‫مة « حيث‬ ‫النفال من استبدال كلمة » ما « في سورة الرعد بكلمة » ن ِعْ َ‬
‫قال‪:‬‬
‫مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم «‬‫ً‬ ‫» ذلك بأن الله لم يك ُ‬
‫النفال – ‪.- 53‬‬
‫إذ أن كلمة نعمة أخص من كلمة » ما « لن كلمة » ما « تشمل النعمة‬
‫والنقمة‪ ،‬كما أن كلمة النعمة عامة أيضا ً في جميع أنواع النعم ولسيما وأنها‬
‫جاءت نكرة‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫فكلمة » نعمة « تشمل الصحة‪ ،‬وهي من أكبر النعم ويقول صلى الله عليه‬
‫وسلم في ذلك‪) :‬نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس‪ :‬الصحة والفراغ(‪،‬‬
‫والرزق نعمة وكذلك الغنى‪ ،‬وسلمة العضاء‪ ،‬ونجابة الولد‪ ،‬ونظافة‬
‫المساكن‪ ،‬والمودة والحب والخاء‪.‬‬
‫» فأصبحتم بنعمته إخوانا ً « آل عمران – ‪.103‬‬
‫والتراحم واليثار‪ ،‬واللين والشدة‪ ،‬كل في مكانها‪ » ،‬فبما رحمة من الله لنت‬
‫لهم « آل عمران ‪ » ،159‬وإن تعدوا نعمة الله ل تحصوها « إبراهيم ‪.34‬‬
‫كل هذه النعم ما ذكر منها وما لم يذكر‪ ،‬وما يقابلها من النقم‪ :‬متضمنة في‬
‫قوله تعالى‪:‬‬
‫» إن الله ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم « الرعد – ‪.- 11‬‬
‫هذه هي التغييرات التي يحدثها الله تعالى بالقوام‪.‬‬
‫ّ‬
‫وأما التغييرات التي يحدثها القوام‪ ،‬فإن الله تعالى علقها بما بالنفس‪ .‬فما‬
‫هذا الذي بالنفس وهل للبشر ُقدرةٌ على تغييره بما مكنهم الله فيه؟‬
‫إن المراد بما بالنفس‪ :‬الفكار‪ ،‬والمفاهيم‪ ،‬والظنون‪ ،‬في مجالي الشعور‬
‫كن النسان من استخدام‬ ‫واللشعور‪ .‬وملحظة الرتباط بين التغييرين‪ ،‬وتم ّ‬
‫سنن التغيير‪ ،‬يعطي للنسان سيطرة على سّنة التاريخ‪ ،‬وسيطرة على صنعه‬
‫وتوجيهه‪.‬‬
‫فاذة‪ ،‬وأدرك أنه لمح‬ ‫وفي الواقع إن ابن خلدون لمح هذا الجانب ببصيرة ن ّ‬
‫سبق إليه في ذكر العنوان‪.‬‬ ‫شيئا ً خطيرا ً لم ُيسبق إليه في إقامة لبرهان‪ ،‬وإن ُ‬
‫وابن خلدون هو فلتة من فلتات الزمان‪ ،‬كما يقال عادة‪ ،‬حين تخفى عوامل‬
‫السنن في الحداث‪ ،‬إذ ألقى ضوءا ً كبيرا ً في هذا المجال‪ .‬ولكن المشكلة أنه‬
‫كما لم يسبقه أحد‪ ،‬كذلك لم يتبعه أحد من بعده أيضا ً في العالم السلمي‪ ،‬إذ‬
‫ن هذا المنهج قد بدأ به ابن خلدون‪ ،‬ثم توقف من بعده‪.‬‬ ‫أ ّ‬
‫ومما يلحظ على ابن خلدون أنه كشف السّنة كشيء حتمي ل كسّنة يمكن‬
‫السيطرة عليها‪ .‬ومع ذلك فإن الجانب الذي اعتنى به ابن خلدون ؛ هو الذي‬
‫يمكن النسان من لجام الزمان آخر المر‪.‬‬
‫ولخطورة ما اهتدى إليه ابن خلدون‪ ،‬استحق أن يقول عنه أشهر مؤرخي‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العصر‪ ،‬والذي يمسك بزمام فلسفة التاريخ الن‪ ،‬وهو توينبي قال عن‬
‫المقدمة‪ » :‬إنه أعظم عمل من نوعه أمكن أن يبتكره عقل من العقول‪ ،‬في‬
‫جا ً من أرجاء الرض «)‪.(1‬‬ ‫أي عصر من العصور‪ ،‬في أي َر َ‬
‫ويعتبر محمد إقبال‪ » :‬تصور الوجود حركة مستمرة في الزمان «‪ [ .‬هذه‬
‫الفكرة هي أبرز ما نجده في نظر ابن خلدون إلى التاريخ‪ ،‬مما يسوغ ما‬
‫أضفاه عليه )فلنت( من مدح وثناء إذ يقول‪ » :‬إن أفلطون وأرسطو‬
‫وأوجستين ليسوا نظراء لبن خلدون‪ ،‬وكل من عداهم غير جديرين بأن‬
‫يذكروا إلى جانبه « ])‪.(2‬‬
‫ونحن سنذكر شيئا ً مما قاله ابن خلدون عن تفسير ما بالقوم وتحديده‪ ،‬ثم‬
‫بعد ذلك نشير إلى ضرورة الطلع على ما وراء تلك التغييرات‪ ،‬التي تلحق‬
‫القوام مما سميناه نحن التغيير الخاص بالله تعالى‪.‬‬
‫يقول ابن خلدون‪ …) :‬ولم أترك شيئا ً في أولّية الجيال والدول‪ ،‬وأسباب‬
‫حّلة‪،‬‬
‫ول‪ ،‬وما يعرض في العمران من دولة ومّلة‪ ،‬ومدينةٍ و َ‬ ‫ح ْ‬‫التصرف وال َ‬
‫حضر‪ ،‬وواقع ومنتظر‪ ،‬إل‬ ‫عّزةٍ وذِّلة‪ ،‬وكثرة وقِلة‪ ،‬وعلم وصناعة‪ ،‬وب َ ْ‬
‫دو و َ‬ ‫ّ‬ ‫و ِ‬
‫ه‬
‫من ْت ُ ُ‬
‫ض ّ‬ ‫ً‬
‫ه‪ ،‬فجاء هذا الكتاب فذا بما َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫علل ُ‬ ‫ه‪ ،‬وأوضحت براهينه و ِ‬ ‫َ‬
‫مل ُ‬ ‫ج َ‬‫واستوعبت ُ‬
‫صور‬ ‫ق ُ‬ ‫ن بال ُ‬
‫موق ٌ‬‫جوْب َةِ القريبة‪ ،‬وأنا من بعدها ُ‬ ‫ح ُ‬‫من العلوم الغربية‪ ،‬والحكم الم ْ‬
‫بين أهل العصور معترف بالعجز‪ ،‬راغب من أهل اليد البيضاء … النظر بعين‬
‫حسنى من الخوان‬ ‫مْنجاة وال ُ‬
‫ف من اللوم ً‬ ‫النتقاد ل بعين الرتضاء‪ ،‬والعترا ُ‬
‫مرتجاة()‪.(1‬‬
‫وابن خلدون له من التطلع إلى ما وراء الحداث من أسباب‪ ،‬سواء كانت هذه‬
‫ل‪ ،‬وعّزة وذلة‪ ،‬وكثرة وقلة‪ .‬فإن ما يذكره ابن خلدون هو‬ ‫الحداث دول ً ومل ً‬
‫هذه الشياء الظاهرة مما بالقوم‪ ،‬من غنى وفقر‪ ،‬وصحة وسقم‪ ،‬وعزة وذلة‪.‬‬
‫فهذه الشياء هي التغيير الذي يحدثه الله في نص الية‪ .‬وابن خلدون صار له‬
‫من التطلع إلى مبررات ومسببات هذه النعم والنقم‪ ،‬لما بالقوام والدول‬
‫والملل‪ ،‬ما دعاه إلى أن ُيعمل فكره فوصل إلى ما وصل إليه وهو يقول في‬
‫ذلك‪:‬‬
‫» فإن التاريخ في ظاهره‪ ،‬ل يزيد على أخبار من اليام والدول … وفي باطنه‬
‫نظر وتحقيق‪ ،‬وتعليل للكائنات ومباديها دقيق … وعلم بكيفيات الوقائع‬
‫وأسبابها عميق‪ ،‬فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق‪ ،‬وجدير بأن يعد في‬
‫علومها وخليق «‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫فهذا الذي يسميه ابن خلدون باطن التاريخ ؛ هو الذي سميناه القسم الخاص‬
‫بالقوام‪ ،‬في تغيير ما بالنفس مما أقدرهم الله عليه‪ ،‬وعلى أساسه حملهم‬
‫أمانته‪ .‬وابن خلدون يربط التغيير الول بالتغيير الثاني‪ ،‬ولكن بعد هذا لم يلح‬
‫على كيفية قيام البشر بهذا الواجب‪ .‬ول حرج عليه فهو يدرك أهمية ما كشف‬
‫ويشعر بإمكان زيادته‪ .‬وفي الواقع إن القارئ العادي قد ل يعطي لبن خلدون‬
‫قيمته الحقيقية‪ ،‬لن الذي يعرف الفضل من الناس ذووه‪ ،‬فإن من عرف‬
‫وتمرس على معرفة )كيف بدأ الخلق(‪ ،‬هو الذي يقدر ما فعل ابن خلدون‪ .‬أما‬
‫من ل يعرف كيف وجدت العلوم‪ ،‬ول كيف تقدمت‪ ،‬ويظن أن المر وجد هكذا‪،‬‬
‫فهذا ل يمكنه أن يقدر عمل ابن خلدون‪ ،‬وقد كان ابن خلدون يعرف طبيعة‬
‫عمله حين قال عن كتابه‪ :‬لنه ضمنه علوما ً غريبة‪ ،‬وحكما ً محجوبة قريبة‪،‬‬
‫فهذه المحجوبة القريبة هي التي تخفى على الناس‪ ،‬ولهذا قال ابن خلدون‪،‬‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في عبقرية نفاذة‪ ،‬عن المؤرخين واستيعابهم للخبار وجمعهم لها‪… » :‬‬
‫دوها إلينا كما سمعوها‪ ،‬ولم يلحظوا أسباب الوقائع والحوال ولم يراعوها‬ ‫وأ ّ‬
‫فالتحقيق قليل‪ ،‬والتقليد في الدميين عريق وسليل‪ ،‬والتطفل على الفنون‬
‫عريض وطويل … فللُعمران طبائع في أحواله‪ ،‬ترجع إليها الخبار‪ ،‬وتحمل‬
‫سقوا أخبارها مسبقا ً …‬ ‫عليها الروايات والثار … ثم إذا تعرضوا لذكر الدولة ن ّ‬
‫ل يعترضون لبدايتها‪ ،‬ول يذكرون السبب الذي رفع من رايتها وأظهر من آيتها‪،‬‬
‫ول عّلة الوقوف عند غايتها‪ ،‬فيبقى الناظر متطلعا ً بعد إلى اقتفاء أحوال‬
‫مبادئ الدول ومراتبها‪ ،‬مفتشا ً عن المقنع في تباينها أو تناسبها « ص ‪.11‬‬
‫إن عدم إدراك مشكلة العالم السلمي بهذا المستوى‪ ،‬هو الذي يجعل شباب‬
‫العالم السلمي متطلعا ً إلى افتقاد أحوال مبادئ المشكلة‪.‬‬
‫إن ابن خلدون جعل محور بحثه عن الدول‪ ،‬ولكن إدراك الموضوع على‬
‫أساس الحضارة‪ ،‬ينطبق عليه نفس النظر‪ .‬وهذا ما يحتاج إليه العالم‬
‫السلمي لبحثه كثقافة حضارة ل كدولة‪ ،‬إذ الدولة جزء من الحضارة ونتاج‬
‫لها‪.‬‬
‫وما أحوج العالم السلمي والعالم كله‪ ،‬إلى بذل ما يستحقه البحث في‬
‫أصول الحضارة في هذا العصر‪ ،‬كما فعل ابن خلدون‪ ،‬مع اختلف المستوى‪،‬‬
‫ولكن الروح التي بدأ بها ابن خلدون بحثه‪ ،‬هي التي تجعل كل من ينظر إليه‬
‫ل يتمالك من العجاب مع قصور كثير من أمثلته ومباحثه قال‪:‬‬
‫ن القريحة‬ ‫ت عَي ْ َ‬‫)ولما طالعت كتب القوم‪ ،‬وسبرت غَوَْر المس واليوم‪ ،‬نّبه ُ‬
‫ت في التاريخ كتابًا‪ ،‬ورفعت به عن أحوال‬ ‫فلةِ والنوم‪ ..‬فأنشأ ُ‬ ‫من سنة الغَ ْ‬
‫ت فيه‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ه في الخبار والعتبار بابا بابا‪ ،‬وأبدي ُ‬ ‫صلت ُ ُ‬ ‫ً‬
‫جابا‪ ،‬وفَ ّ‬
‫ح َ‬
‫الناشئة من الجيال ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لولية الدول والعمران علل ً وأسبابا‪ ،‬فذهبت مناحيه تهذيبا‪ ،‬وقربته لفهام‬
‫العلماء والخاصة تقريبًا‪ ،‬واخترعته من بين المناحي مذهبا ً عجيبًا‪ ،‬وطريقة‬
‫ة وأسلوبًا‪ ،‬وشرحت فيه من أحوال الُعمران والتمدن‪ ،‬وما يعرض في‬ ‫مب ْت َد َعَ ً‬
‫ُ‬
‫الجتماع النساني عن العوارض الذاتية ما ُيمتعك بعلل الكوائن وأسبابها‪،‬‬
‫وُيعرفك كيف دخل أهل الدول من أبوابها‪ ،‬حتى تنزع من التقليد يدك‪ ،‬وتقف‬
‫ك من اليام والجيال وما بعدك(‪ .‬ص ‪.11‬‬ ‫على أحوال من َقبل َ‬
‫=================‬
‫فائدة إن الله ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم‬
‫من الفات الخفية العامة أن يكون العبد في نعمة أنعم الله بهاعليه واختارها‬
‫له‪ .‬فيملها العبد ويطلب النتقال منها إلى ما يزعم لجهله أنه خير له منها‪،‬‬
‫وربه برحمته ل يخرجه من تلك النعمة‪ ،‬وبعذره بجهله وسوء اختياره لنفسه‪،‬‬
‫حتى إذا ضاق ذرعا بتلك النعمة وسخطها وتبرم بها واستحكم ملله لها سلبه‬
‫الله إياها‪ .‬فإذا انتقل إلى ما طلبه ورأى التفاوت بين ما كان فيه وما صار‬
‫إليه‪ ،‬اشتد قلقه وندمه وطلب العودة إلى ما كان فيه‪ ،‬فإذا أراد الله بعبده‬
‫خيرا ورشدا أشهده أن ما هو فيه نعمة من نعمه عليه ورضاه به وأوزعه‬
‫شكره عليه‪ ،‬فإذا حدثته نفسه بالنتقال عنه استخار ربه استخارة جاهل‬
‫بمصلحته عاجز عنها‪ ،‬مفوض إلى الله طالب منه حسن اختياره له‪.‬‬
‫وليس على العبد أضر من ملله لنعم الله‪ .‬فإنه ل يراها نعمة ول يشكره عليها‬
‫ول يفرح بها‪ ،‬بل يسخطها ويشكوها ويعدها مصيبة‪ .‬هذا وهي من أعظم نعم‬
‫الله عليه‪ ،‬فأكثر الناس أعداء نعم الله عليهم ول يشعرون بفتح الله عليهم‬
‫نعمه‪ ،‬وهم مجتهدون في دفعها وردها جهل وظلمًا‪ .‬فكم سعت إلى أحدهم‬
‫من نعمة وهو ساع في ردها بجهده‪ ،‬وكم وصلت إليه وهو ساع في دفعها‬
‫وزوالها بظلمه وجهله‪ ،‬قال تعالى ‪} :‬ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم{ ]‪ [1‬وقال تعالى ‪} :‬إن الله ل يغير ما‬
‫بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم{ ]‪ ،[2‬فليس للنعم أعدى من نفس العبد‪ ،‬فهو‬
‫مع عدوه ظهير على نفسه‪ .‬فعدوه يطرح النار في نعمه وهو ينفخ فيها‪ ،‬فهو‬
‫الذي مكنه من طرح النار ثم أعانه بالنفخ‪ ،‬فإذا اشتد ضرامها استغاث من‬
‫الحريق وكان غايته معاتبة القدار ‪:‬‬
‫حتى إذا فات أمر عاتب القدرا‪ ... .‬وعاجز الرأي مضياع لفرصته‬
‫___________________‬

‫)‪(6 /‬‬

‫]‪[1‬سورة النفال‪ ،‬الية ‪.53‬‬


‫]‪[2‬الرعد‪.11 :‬‬
‫==================‬

‫)‪(7 /‬‬

‫إن تنصروا الله ينصركم‬


‫لقد تداعت المم علينا كما تتداعى الكلة إلى قصعتها‪ ،‬ولم يكن ذلك لقلة‬
‫عدد أو عتاد‪ ،‬فنحن مليار ومائتا مليون نسمة‪ ،‬وأموالنا بالمليارات في البنوك‬
‫ينتفع بها أعداء السلم والمسلمين‪ ،‬صرنا غثاء كغثاء السيل‪ ،‬ودب إلينا‬
‫الوهن‪ ،‬حب الدنيا وكراهية الموت‪ ،‬مما تسبب في نزع المهابة من قلوب‬
‫أعدائنا وأورثنا الوهن‪ ،‬بل من المفارقات العجيبة أن نصير حربا ً على السلم‬
‫وأهله‪ ،‬تركنا ديننا وراءنا ظهريًا‪ ،‬وحدثت الموالة مع أعداء السلم‬
‫والمسلمين وطمسنا الشرائع والشعائر وتقدم الملحدة والزنادقة الصفوف‪.‬‬
‫ومهدنا الطريق لكل انحطاط وفجور‪ ،‬واعتبرنا ذلك هو الطريق للتطور‬
‫والتحضر والتنوير واللحاق بركاب العصر؛ فكان نصيبنا الذلة والمهانة‪ ،‬وهان‬
‫أمرنا على عدو الله وعدونا‪ ،‬حتى صرنا إلى حال تبلد فيه الحس والشعور‪،‬‬
‫وغابت فيه معاني اليمان وصارت الخيانة لدين الله ولعباد الله وسام‬
‫استحقاق وسلم الوصول لقيادة البلد والعباد‪.‬‬
‫ضاعت معالم النصر والعزة والتمكين التي ورثناها عن خير سلف‪ ،‬وكنا يوما ً‬
‫خير أمة أخرجت للناس بإيماننا بالله وأمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر‬
‫وبتمسكنا بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فصرنا في ذيل‬
‫المم‪.‬‬
‫ولم يكن هذا إل لعيوب فينا‪ ،‬هي كالتالي‪:‬‬
‫* عيوب على مستوى الفرد‪ :‬تقصير مع الله‪ ،‬واستسلم للواقع‪ ،‬وعدم السعي‬
‫للتغيير‪ ،‬وتقصير في المواظبة على حلقات العلم والحفظ‪.‬‬
‫* وعلى مستوى السر والبيوت‪ :‬تقصير في تربية أولدنا على لزوم الطاعات‬
‫والصلوات‪ ،‬ودخل بيوتنا المنكرات‪ ،‬وصارت القوامة للنساء في معظمها‪.‬‬
‫* وفي المؤسسات والمصالح‪ :‬إهمال المصالح وتسيب ورشوة وخراب ذمم‪.‬‬
‫** والحل لهذا كله يكمن في ثلث وصايا‪:‬‬
‫‪ .1‬إصلح النفس‪:‬‬
‫وهو يعتمد على لزوم طاعة الله سبحانه وتعالي وطاعة نبيه محمد صلي الله‬
‫وسلم ‪ ,‬ومحاسبة النسان لنفسه ‪ ,‬وتنقيتها من كل ذنب وخطيئة‪ .‬قال الله‬
‫َ‬
‫م إ ِلى‬ ‫ض ّ‬
‫ل إ َِذا اهْت َد َي ْت ُ ْ‬ ‫من َ‬ ‫ضّر ُ‬
‫كم ّ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م ل َ يَ ُ‬ ‫م َأن ُ‬
‫ف َ‬ ‫مُنوا ْ عَل َي ْك ُ ْ‬
‫نآ َ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫تعالى‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن { "المائدة‪ . "105:‬بل إن من‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫كم ب ِ َ‬ ‫ميعا ً فَي ُن َب ّئ ُ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫جعُك ُ ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫الل ّهِ َ‬
‫محاسن شريعتنا أن أوصت النسان بأن يقي نفسه من نار جهنم قبل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫مُنوا قوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫الخرين‪ ،‬ولو كانوا أهله أو أولده؛ قال الله تعالى‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ة ِغَل ٌ‬ ‫َ‬ ‫َأن ُ‬
‫داد ٌ ل‬ ‫ش َ‬ ‫ظ ِ‬ ‫ملئ ِك َ ٌ‬ ‫جاَرةُ عَل َي َْها َ‬ ‫ح َ‬ ‫س َوال ْ ِ‬ ‫ها الّنا ُ‬ ‫م َنارا ً وَُقود ُ َ‬ ‫م وَأهِْليك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬‫ف َ‬
‫َ‬
‫ن { "التحريم‪ ."6:‬حتى في دعاء‬ ‫مُرو َ‬ ‫ما ي ُؤْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫مَرهُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صو َ‬ ‫ي َعْ ُ‬
‫ل‪ .‬وهذه من سنن النبياء عليهم‬ ‫المسلم لربه فحريّ أن يدعوا لنفسه أو َ‬
‫فْر ِلي‬ ‫ب اغ ْ ِ‬ ‫الصلة والسلم؛ قال تعالي علي لسان نبيه نوح عليه السلم‪َ}" :‬ر ّ‬
‫ن ِإل‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ت َول ت َزِدِ ال ّ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫منا ً وَل ِل ْ ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ي ُ‬ ‫ل ب َي ْت ِ َ‬ ‫خ َ‬
‫من د َ َ‬ ‫وال ِد َيّ وَل ِ َ‬ ‫وَل ِ َ‬
‫ت ََبارا { نوح ‪ .28‬ثم إن العبد المسلم إذا أراد إصلح من حوله فل بد أن يكون‬ ‫ً‬
‫قدوة صالحة لمن حوله كالب لبنائه‪ ,‬أو الرئيس لمرؤوسيه‪ ,‬أو المدرس‬
‫لتلميذه؛ إذ يستحيل أن يطاع بشيء هو ل يعمل به أصل‪ ,‬بل إن ذلك من‬
‫س ِبال ْب ِّر‬ ‫َ ْ‬
‫ن الّنا َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫المور المنهي عنها في الشرع أصل‪ ،‬قال تعالى‪} :‬أت َأ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن َأن ُ‬
‫ن{ البقرة‪ ," 44:‬ثم إن ذلك‬ ‫قُلو َ‬ ‫ب أفَل َ ت َعْ ِ‬ ‫ن ال ْك َِتا َ‬ ‫م ت َت ُْلو َ‬ ‫م وَأنت ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫سو ْ َ‬‫وََتن َ‬
‫ما‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫قولو َ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫مُنوا ل ِ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫من أكبر المقت وأعظم الجرم قال تعالي }َيا أي َّها ال ِ‬
‫ن{ الصف ‪"3,2‬‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫ما ل ت َ ْ‬ ‫قوُلوا َ‬ ‫عند َ الل ّهِ َأن ت َ ُ‬ ‫قتا ً ِ‬ ‫ن )‪ (2‬ك َب َُر َ‬
‫م ْ‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫ل تَ ْ‬
‫وقال أحدهم‪.:‬‬
‫ل تنه عن خلق وتأتي بمثله عار عليك إذا فعلت عظيم‬
‫والجميع مطالب بأن يسجل كل واحد منا اعترافاته‪ ,‬ويدون تقصيره‪ ,‬ويعلم‬
‫تماما بأنه جزء من هذه المة يتحمل الكثير من المسئوليات‪ ,‬وأنه ليس‬
‫بهامشي أو صفر على الشمال أو ل يستفاد منه‪ ,‬بل لدى كل واحد منا الكثير‬
‫من الخير‪ ,‬ويختزن من المور النافعة ما يفيد المة بإذن الله‪ ,‬تعمد كما قال‬
‫عمر رضي الله عنه‪" :‬حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا‪ ,‬وزنوا أعمالكم قبل‬
‫أن توزنوا" وكما قال أيضا‪.:‬‬
‫عليك نفسك فتش عن معايبها وخل عن عثرات الناس للناس‬
‫‪ .2‬الدعوة إلى الله‪ ،‬والدعاء الخالص‬
‫إن الدعوة إلي الله وظيفة النبياء والرسل عليهم أفضل الصلة والسلم‬
‫وهي صمام المان لمسيرة هذا الدين العظيم‪ ,‬والدعوة إلى الله تأتي‬
‫مباشرة بعد تنقية النفس من شوائبها ‪ ,‬وتطهيرها من الكدار ‪ ,‬فمتى ما قوم‬
‫المسلم معوج نفسه ‪ ,‬وعدل مائلها ‪ ,‬فعليه بطريق الدعوة إلي الخير آمرا‬
‫بالمعروف ناهيا ً عن المنكر‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ولتعلم أن خيرية هذه المة مرتبط ارتباطا وثيقا ً بالمر بالمعروف والنهي عن‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫ف وَت َن ْهَوْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫س ت َأ ُ‬‫ت ِللّنا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫خرِ َ‬ ‫مةٍ أ ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫خي َْر أ ّ‬‫م َ‬ ‫المنكر؛ قال تعالى‪ُ } :‬‬
‫كنت ُ ْ‬
‫كر‪....‬الية{آل عمران ‪ .110‬واعلم أن الله تعالى قرن المر‬ ‫من َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫عَ ِ‬
‫ة‬ ‫ُ‬ ‫بالمعروف والنهي عن المنكر باليمان بالله‪ ،‬قال تعالي‪ُ } :‬‬
‫م ٍ‬‫خي َْر أ ّ‬
‫م َ‬ ‫كنت ُ ْ‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن ِباللهِ وَلوْ آ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫منك َرِ وَت ُؤْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫ن عَ َِ‬ ‫ف وَت َن ْهَوْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬
‫س ت َأ ُ‬‫ت ِللّنا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫خرِ َ‬‫أُ ْ‬
‫ن {آل عمران‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن وَأك ْث َُرهُ ُ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫خْيرا ً ل ُّهم ّ‬
‫من ْهُ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ب لَ َ‬
‫كا َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫أ َهْ ُ‬
‫‪.110‬‬
‫ول تأبه بما ستواجه من عوائق وعقبات في طريق الدعوة وتذكر أن آدم تعب‬
‫من أجلها ‪ ,‬وناح لجلها نوح ‪ ,‬وقذف في النار إبراهيم ‪ ,‬وأدخل السجن يوسف‬
‫‪ ,‬وشكى الضر أيوب ‪ ,‬ونشر بالمناشير زكريا ‪ ,‬والتقم الحوت يونس ‪ ,‬وسافر‬
‫من بلده موسي ‪ ,‬وعاصر أنواع الذى وأشكال العذاب نبينا محمد صلي الله‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫علية وسلم‪.‬‬
‫ادع إلى الله على بصيرة في كل مكان وتحت أي ظرف؛ فلقد دعا حبيبك‬
‫محمد صلي الله علية وسلم في السر والعلن‪ ,‬وفي السفر والحضر‪ ,‬وفي‬
‫السلم والحرب‪ ,‬وعلى الصفا‪ ,‬وفي الشعب‪ ,‬ودعا في البيت والسوق وعلي‬
‫البغلة والفرس‪ ,‬حتى وهو يكابد سكرات الموت كان يدعو بأبي هو وأمي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ادع إلى الله على بصيرة‪ ،‬ول تهتم بأباطيل المرجفين‪ ,‬واستهزاء المثبطين‪,‬‬
‫وسخرية المقصرين‪ .‬ول تستعجل النتائج ‪ ,‬ول تيأس إذا لم يصغ لك أحد؛ فإن‬
‫من النبياء من لم يتبعه إل شخصين‪ ،‬ومنهم من لم يتبعه إل شخص واحد‪ ،‬بل‬
‫جاء في الحديث "يأتي النبي يوم القيامة وليس معه أحد"‪ ،‬كما قال صلي الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫واعلم أنك منارة في الرض ‪ ,‬وقدوة صالحة ‪ ,‬ونجم يهتدي به ‪ ,‬وأن الشجر‬
‫والحجر والطير والحوت يستغفرون لك‪.‬‬
‫ادع إلى الله على بصيرة‪ ،‬وليس شرطا ً أن تعتلي المنابر أو تقف أمام‬
‫الجموع فإن الدعوة طرقها شتى ‪ ,‬ومجالتها متعددة ‪ ,‬وأساليبها متنوعة‬
‫فالنصيحة دعوة ‪ ,‬والهدية دعوة ‪ ,‬والمعاملة الحسنة دعوة ‪ ,‬والبتسامة‬
‫دعوة ‪ ,‬وإصلح ذات البين دعوة ‪ ,‬وزيارة القارب والحبة في الله دعوة‪,‬‬
‫والصدقة دعوة ‪ ,‬وبناء المساجد ودور الرعاية دعوة‪.......‬الخ‪ .‬وإذا لم تستطع‬
‫أن تقوم بشيء مما تقدم‪ ،‬فيكفي أن تكفي المسلمين من شر لسانك ويدك‪.‬‬
‫قد هيئوك لمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل‬
‫ثم اعلم أن الدعاء من أهم السلحة التي يمتلكها المسلم‪ .‬فهو سهام الليل‬
‫يستطيعه كل شخص ‪ ,‬ولكن مع السف معظم أهل القبلة يهملون هذا‬
‫السلح المهم ‪ ,‬بل وصل حال بعضهم إلى العتقاد بعدم جدواه ومنفعته‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م إِ ّ‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬
‫ج ْ‬ ‫ست َ ِ‬
‫عوِني أ ْ‬ ‫م اد ْ ُ‬ ‫ل َرب ّك ُ ُ‬ ‫والعياذ بالله ‪ ,‬متناسين قوله تعالى‪} :‬وََقا َ‬
‫ن {غافر ‪ , 60‬وقال‬ ‫ري َ‬ ‫خُ ِ‬
‫م َدا ِ‬ ‫جهَن ّ َ‬‫ن َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫سي َد ْ ُ‬
‫عَباد َِتي َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫سأل َ َ‬
‫ن‬ ‫داِع إ َِذا د َ َ‬
‫عا ِ‬ ‫ب د َعْوَةَ ال ّ‬ ‫جي ُ‬ ‫بأ ِ‬ ‫ري ٌ‬ ‫عَباِدي عَّني فَإ ِّني قَ ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫تعالى أيضا ً }وَإ َِذا َ‬
‫ن {البقرة ‪186‬وهو نهج النبياء‬ ‫دو َ‬ ‫ش ُ‬ ‫م ي َْر ُ‬ ‫مُنوا ْ ِبي ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫جيُبوا ْ ِلي وَل ْي ُؤْ ِ‬ ‫ست َ ِ‬‫فَل ْي َ ْ‬
‫والمرسلين عليهم الصلة والسلم ‪ ,‬وسنة الولياء والصالحين رحمهم الله ‪,‬‬
‫والدعاء مرضاة للرب ‪ ,‬واطمئنان للقلب ‪ ,‬وراحة للنفس ‪ ,‬وسهام على‬
‫العداء ‪ ,‬ومفتاح للخير ‪ ,‬وجالب للولد والرزق والمطر‪.‬‬
‫والمقصود الدعاء للسلم وأهله بالنصر والتمكين‪ ,‬والدعاء على الكفر وأهله‬
‫بالذل والخسران والمهانة‪ ,‬خاصة في ظل ما يواجهه هذا الدين الشريف من‬
‫نكبات ومصائب تتوالى عليه‪.‬‬
‫‪ .3‬نصرة دين الله‬
‫اعلموا أنكم إن قعدتم عن نصرة دينكم‪ ،‬وخذلتم سنة نبيكم‪ ،‬ولم تهتموا بأمر‬
‫المسلمين فلن تضروا إل أنفسكم‪ ،‬ولقد تخلفت قبلكم أمم وأفراد‪ ،‬فلم‬
‫يضروا إل أنفسهم‪ ،‬ولم يضروا الله شيئًا‪ ،‬تخلفت قوم نوح وعاد وثمود وقرونا ً‬
‫بين ذلك كثيرًا‪ ،‬فهل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزًا‪ ،‬فالعز يزول‬
‫والمجد يضيع بسبب خذلن الدين وأهله‪ ،‬ومن بطأ به عمله لم يسرع به‬
‫نسبه‪ ،‬ول يجعل الله عبدا ًَ أسرع إليه كعبد أبطأ عنه‪ ،‬بل ل يزال العبد يتأخر‬
‫حتى يؤخره الله‪.‬‬
‫لقد كانت الريادة والرفادة والسقاية والحجابة والسدانة في أهل مكة‪ ،‬فلما‬
‫دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله وحده بارزوه العداء‪ ،‬وسعوا في‬
‫ك َأو‬ ‫فُروا ْ ل ِي ُث ْب ُِتو َ‬‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫مك ُُر ب ِ َ‬ ‫التخلص منه ومن أتباعه وأصحابه؛ )وَإ ِذ ْ ي َ ْ‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن( " سورة‬‫ري َ‬ ‫خي ُْر ال ْ َ‬


‫ماك ِ ِ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫مك ُُر الل ّ ُ‬ ‫مك ُُرو َ‬
‫ن وَي َ ْ‬ ‫جو َ‬
‫ك وَي َ ْ‬ ‫ك َأو ي ُ ْ‬
‫خرِ ُ‬ ‫قت ُُلو َ‬
‫يَ ْ‬
‫النفال‪ ،" 30 :‬فتحول عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجر هو‬
‫وأصحابه إلى المدينة‪ ،‬فشرف أهلها بنصرتهم لدين الله وصار لهم ذكر وخير‪،‬‬
‫فهم الذين آووا ونصروا‪ ،‬حبهم إيمان وبغضهم نفاق‪ ،‬بهم قام السلم وبه‬
‫قاموا‪ ،‬والناس شعار والنصار دثار‪ ،‬اللهم ارحم النصار وأبناء النصار وأبناء‬
‫أبناء النصار‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أواخرهم كأوائلهم‪ ،‬فإن الدجال عندما يخرج في آخر الزمان وينتهي إلى‬
‫المدينة وهو محرم عليه أن يدخلها‪ ،‬فينتهي إلى بعض أسباخ المدينة‪ ،‬وترجف‬
‫المدينة بأهلها ثلث رجفات يخرج إلى الدجال منها كل كافر ومنافق‪ ،‬ويخرج‬
‫إليه شاب هو خير الناس أومن خير الناس يقول له‪ :‬أنت الدجال الذي أخبرنا‬
‫عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فيلتفت الدجال إلى أتباعه ويقول لهم‬
‫أرأيتم لو قتلته ثم أحييته أكنتم تؤمنون بي‪ ،‬فيقولون له‪ :‬نعم‪ ،‬فيشقه نصفين‪،‬‬
‫ثم يقول له قم‪ ،‬فيقوم الشاب متهلل الوجه فرحان‪ ،‬يقول للدجال‪" :‬والله ما‬
‫ازددت فيك بصيرة‪ ،‬أنت الدجال الذي أخبرنا عنك رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم"‪ ،‬فيريد الدجال أن يقتله فل يسلط عليه‪ ،‬رواه البخاري وغيره‪ .‬فهذا‬
‫الشاب يثبت في مواجهة الدجال‪ ،‬ثم جريان الخوارق على يدي الدجال‪ ،‬وما‬
‫بين خلق أدم حتى قيام الساعة فتنة أعظم أو أشد من الدجال‪ ،‬وما تقدم من‬
‫تقدم إل بنصرته لدين الله وقيامه بشريعة الرحمن وما تأخر من تأخر إل‬
‫بخذلنه للسلم وأهله‪.‬‬
‫إن إتباع السنة النبوية نصرة لدين الله‪ ،‬أي نصرة‪ .‬لقد كان الفاضل فيما‬
‫مضى يعدون مخالفة السنة هلكة‪ .‬اختلف ابن عباس مع البعض فقال لهم‪:‬‬
‫أقول‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون‪ :‬قال أبو بكر وعمر‬
‫يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء‪ ،‬فكيف إذا سمع ابن عباس من‬
‫يقول‪ :‬ليس لنا علقة بعصور الظلم‪ ) ،‬يقصدون أيام النبوة والخلفة(‪ .‬أو من‬
‫يقول‪ :‬لم يعد السلم يصلح للتعامل مع الحضارة الحديثة‪ .‬أومن يصادم السنة‬
‫ويوقر الملحدة أعظم من توقيره لهدى نبيه صلى الله عليه وسلم؟!‬
‫أشار أبولبابة بن عبد المنذر‪ ،‬يوم بنى قريظة‪ ،‬لهم إشارة مفهمة أنكم لو‬
‫نزلتم على حكم سعد بن معاذ‪ ،‬فهو الذبح‪ .‬يقول أبولبابة‪ :‬فما قلتها حتى‬
‫خوُنوا ْ‬ ‫مُنوا ْ ل َ ت َ ُ‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫علمت أنى خنت الله ورسوله ونزل قوله تعالى‪َ" :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن " سورة النفال‪ ." 27 :‬فماذا‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬
‫م وَأنت ُ ْ‬ ‫خوُنوا ْ أ َ‬
‫ماَنات ِك ُ ْ‬ ‫سو َ‬
‫ل وَت َ ُ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ه َوالّر ُ‬
‫يكون الشأن والحال لو استبدل دينه بغيره ونادى بالحرية الباحية‬
‫والديمقراطية اللواطية ؟!‬
‫ولما كان يوم بدر سمع ابن مسعود رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫ل ينقلب أحد من المشركين إل بفداء أو ضرب عنق‪ ،‬فقال ابن مسعود –‬
‫رضي الله عنه – يا رسول الله إل ابني بيضاء وكان قد علم منهما ميل ً‬
‫للدخول في السلم‪ .‬يقول ابن مسعود‪ :‬فما قلتها حتى خشيت أن يتنزل على‬
‫حجارة من السماء‪ .‬وكانت أم المؤمنين عائشة – رضى الله عنها – ل تذكر‬
‫خروجها يوم الجمل إل وتبكى حتى تبل خمارها وتكثر عتق الرقاب لجل‬
‫ذلك‪ .....‬والحكايات في هذا المعنى كثيرة‪ ،‬والسبب معلوم‪ ،‬والسنن ل تعرف‬
‫مل‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ما غَي َْرك ُ ْ‬‫ل قَوْ ً‬ ‫ست َب ْدِ ْ‬ ‫المحاباة ول المجاملت‪ ،‬قال تعالى‪) :‬وَِإن ت َت َوَل ّ ْ‬
‫وا ي َ ْ‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫هو(‬ ‫جُنود َ َرب ّ َ‬
‫ك ِإل ُ‬ ‫ما ي َعْل َ ُ‬
‫م ُ‬ ‫مَثال َك ُ ْ‬
‫م( " سورة محمد‪ " 38 :‬وقال‪ ) :‬وَ َ‬ ‫يَ ُ‬
‫كوُنوا أ ْ‬
‫سورة المدثر‪.31 :‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫أخبرنا سبحانه أنه من تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته فإن الله‬
‫سيستبدل به من هو خير لها منه وأشد منه وأقوم سبيل ً كما قال تعالى‪ِ :‬إن‬
‫شأ ْ‬ ‫ن " سورة النساء‪ " 133 :‬وقال‪ِ" :‬إن ي َ َ‬ ‫ْ‬ ‫شأ ْ يذ ْهبك ُ َ‬
‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ت ِبآ َ‬ ‫س وَي َأ ِ‬ ‫م أي َّها الّنا ُ‬ ‫يَ َ ُ ِ ْ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫زيز " سورة فاطر‪" 17 – 16 :‬‬ ‫ك عَلى اللهِ ب ِعَ ِ‬ ‫ما ذ َل ِ َ‬ ‫ديد وَ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ٍ‬ ‫خل‬
‫ت بِ َ‬ ‫م وَي َأ ِ‬ ‫ي ُذ ْهِب ْك ُ ْ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫عن ِدين ِهِ "‬ ‫م َ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫من ي َْرت َد ّ ِ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫أي بممتنع ول صعب‪ .‬وقال‪َ :‬يا أي َّها ال ِ‬
‫سورة المائدة‪) " 54 :‬أي يرجع عن الحق إلى الباطل وقيل نزلت في الولة‬
‫ْ‬
‫م‬
‫حب ّهُ ْ‬‫قوْم ٍ ي ُ ِ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ف ي َأِتي الل ّ ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫من قريش أوفي أهل الردة أيام أبى بكر( فَ َ‬
‫ةّ‬ ‫َ‬
‫ه ) كأبي بكر وأصحابه وأهل القادسية وأهل اليمن وأهل المدينة ( أذِل ٍ‬ ‫حّبون َ ُ‬ ‫وَي ُ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن"‪ .‬ل يردهم عما هم فيه من طاعة الله‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬
‫عّزةٍ عَلى الكافِ ِ‬ ‫نأ ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫عََلى ال ُ‬
‫ْ‬
‫وإقامة الحد وقتال أعدائه والمر بالمعروف والنهى عن المنكر ل يردهم عن‬
‫ك‬‫ذلك راد ول يصدهم عنه صاد ول يحيك فيهم لوم لئم ول عذل عاذل ( ذ َل ِ َ‬
‫شاء ) " سورة المائدة‪ " 54 :‬أي من اتصف بهذه‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ل الل ّهِ ي ُؤِْتيهِ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫فَ ْ‬
‫م‪ .‬إلى أن‬ ‫سعٌ عَِلي ٌ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫الصفات فإنما هو من فضل الله عليه وتوفيقه له( َوالل ّ ُ‬
‫ن"‬ ‫م ال َْغال ُِبو َ‬ ‫ب الل ّهِ هُ ُ‬ ‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مُنوا ْ فَإ ِ ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه َوال ّ ِ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ل الل ّ َ‬ ‫من ي َت َوَ ّ‬ ‫قال‪ :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫سِلي إ ِ ّ‬ ‫ن أَنا وَُر ُ‬ ‫ه لغْل ِب َ ّ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫سورة المائدة‪ ." 56 :‬كما قال تعالى‪) :‬ك َت َ َ‬
‫حاد ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫واّدو َ‬ ‫خرِ ي ُ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ما ي ُؤْ ِ‬ ‫جد ُ قَوْ ً‬ ‫زيٌز(‪ .‬وقال‪ :‬ل ت َ ِ‬ ‫قَوِيّ عَ ِ‬
‫ُ‬
‫م أوْل َئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه وََلو َ‬
‫ب‬ ‫ك ك َت َ َ‬ ‫شيَرت َهُ ْ‬ ‫م أو عَ ِ‬ ‫وان َهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م أو إ ِ ْ‬ ‫م أو أب َْناءهُ ْ‬ ‫كاُنوا آَباءهُ ْ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫الل ّ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫حت َِها الن َْهاُر‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خلهُ ْ‬ ‫ه وَي ُد ْ ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫هم ب ُِروٍح ّ‬ ‫ن وَأي ّد َ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫لي َ‬‫ما ِ‬ ‫ِفي قُلوب ِهِ ُ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه أوْلئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ب الل ِ‬ ‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ب اللهِ أل إ ِ ّ‬ ‫حْز ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫ضوا عَن ْ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه عَن ْهُ ْ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن ِفيَها َر ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ن " سورة المجادلة‪ ." 22 -21 :‬فكل من رضى بولية الله‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫م ال ُ‬ ‫هُ ُ‬
‫ورسوله والمؤمنين فهو مفلح في الدنيا والخرة ومنصور في الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫إن المنصور من نصره الله؛ لنه سعى في نصرة دين الله بالنفس والنفيس‬
‫والغالي والرخيص‪ ،‬وكان شأنه في ذلك كشأن الوس والخزرج الذين بايعوا‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم على أن ل يشركوا بالله شيئا ً ول يسرقوا ول‬
‫يزنوا ول يقتلوا أولدهم ول يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم‪ ،‬ول‬
‫يعصونه في معروف‪ ،‬فإن وفوا فلهم الجنة‪ ،‬وإن غشوا من ذلك شيئا ً فأمرهم‬
‫إلى الله عز وجل‪ ،‬إن شاء غفر وإن شاء عذب‪ .‬وهذه هي بيعة العقبة الولى‪،‬‬
‫بايع عليها اثنا عشر رجل ً منهم عشرة من الخزرج‪ ،‬واثنان من الوس‪ ،‬ثم‬
‫كانت بيعة العقبة الثانية وقت الحج في العام الذي يلي البيعة الولى وهي‬
‫التي حضرها العباس؛ ليستوثق لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فلما‬
‫اجتمعوا عرفهم العباس بان ابن أخيه لم يزل في منعة من قومه حيث لم‬
‫يمكنوا منه أحدا ً ممن أظهر له العداوة والبغضاء وتحملوا من ذلك أعظم‬
‫الشدة‪ ،‬ثم قال لهم‪ :‬إن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ومانعوه‬
‫ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك‪ ،‬وإل فدعوه بين عشيرته فإنه لبمكان‬
‫عظيم‪ .‬فعند ذلك قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬خذ لنفسك ولربك‬
‫ما أحببت‪ ،‬فقال‪ :‬أشترط لربى أن تعبدوه وحده ول تشركوا به شيئًا‪ ،‬ولنفسي‬
‫أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم متى قدمت عليكم‪ ،‬فقال له‬
‫أبوالهيثم بن التيهان‪ :‬يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال ) اليهود ( عهودا ً وإّنا‬
‫قاطعوها‪ ،‬فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتدعنا ؟ فتبسم عليه الصلة والسلم وقال‪ :‬بل الدم الدم والهدم الهدم أي‬
‫إن طالبتم بدم طالبت به وإن أهدرتموه أهدرته‪ .‬وقد بايع هذه البيعة ثلثة‬
‫وسبعون رجل ً منهم اثنان وستون من الخزرج وأحد عشر من الوس ومعهم‬
‫امرأتان‪ .‬ثم تخير النبي صلى الله عليه وسلم اثني عشر نقيبا ً لكل عشيرة‬
‫منهم واحد وقال لهم‪ :‬أنتم كفلء على قومكم ككفالة الحواريين لعيسى بن‬
‫مريم‪ ،‬وأنا كفيل على قومي‪.‬‬
‫ولما رجع النصار إلى المدينة ظهر بينهم السلم‪ ،‬وازداد أذى المشركين‬
‫للمسلمين بمكة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة‬
‫وتتابع المهاجرون فرارا ً بدينهم ليتمكنوا من عبادة الله الذي امتزج حبه‬
‫بلحمهم ودمهم حتى صاروا ل يعبأون بمفارقة أوطانهم والبتعاد عن آبائهم‬
‫وأبنائهم ما دام في ذلك رضا الله ورسوله‪ ،‬ولحقهم رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم هو وأبو بكر بعد أن اضطره المشركون لترك أحب بلد الله إلى‬
‫الله وأحب بلد الله لنفسه الشريفة‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وفي المدينة قامت أعظم نصرة لدين الله وأعظم أخوة عرفتها الدنيا‪ ،‬أخوة‬
‫بين المهاجرين والنصار وبين الوس والخزرج وقام نظام التآخي بين كل‬
‫اثنين‪ ،‬هذه الخوة أساسها المنهج اليماني والتعظيم لشرع الله‪ ،‬وقد كانت‬
‫هو ال ّذِيَ أ َي ّد َ َ‬
‫ك‬ ‫من أعظم أسباب تحقيق النصر على المشركين‪ .‬قال الله‪ُ ) :‬‬
‫َ‬
‫ما أل ّ َ‬ ‫َ‬ ‫م َلو َأن َ‬ ‫ن وَأ َل ّ َ‬
‫ت‬ ‫ف ْ‬ ‫ميعا ً ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ق َ‬‫ف ْ‬ ‫ن قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ف ب َي ْ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫صرِهِ وَِبال ْ ُ‬ ‫ب ِن َ ْ‬
‫ه أل ّ َ‬ ‫َ‬
‫م( " سورة النفال‪ " 63 – 62 :‬ووفي النصار‬ ‫ف ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م وَل َك ِ ّ‬ ‫ن قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫هّ‬
‫دوا الل َ‬ ‫عاهَ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫صد َُقوا َ‬ ‫ل َ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ن رِ َ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل‪ ،‬قال تعالى‪ِ ) :‬‬ ‫ببيعتهم وكانوا رجا ً‬
‫ديل ( " سورة‬ ‫ُ‬
‫ما ب َد ّلوا ت َب ْ ِ‬ ‫من َينت َظ ُِر وَ َ‬ ‫من ُْهم ّ‬ ‫ه وَ ِ‬ ‫حب َ ُ‬ ‫ضى ن َ ْ‬ ‫من قَ َ‬ ‫من ُْهم ّ‬ ‫عَل َي ْهِ فَ ِ‬
‫الحزاب‪ " 23 :‬وتحقق الوعد الصادق بنصرة الله لعباده المؤمنين‪.‬‬
‫ستعود الخلفة على منهاج النبوة وفي الحديث‪" :‬ل تزال طائفة من أمتي‬
‫قائمة بأمر الله‪ ،‬ل يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم‬
‫ظاهرون على الناس" رواه مسلم‪ .‬وفي لفظ " من يرد الله به خيرا ً يفقهه‬
‫في الدين ول تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق ظاهرين على‬
‫من ناوأهم إلى يوم القيامة " رواه مسلم‪.‬‬
‫فل تضر نفسك ول تؤخرها والحق بالركب فقد انطلق‪ ،‬وقد سمعت عتاب من‬
‫َ‬
‫ما ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫مُنوا ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫تخلف عن قتال الروم في غزوة تبوك‪ ،‬قال تعالى‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا‬ ‫ضيُتم ِبال ْ َ‬ ‫ض أَر ِ‬ ‫م إ ِلى الْر ِ‬
‫ل الل ّهِ اّثاقَل ْت ُ ْ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫فُروا ْ ِفي َ‬ ‫م ان ِ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫إ َِذا ِقي َ‬
‫ذاًبا‬‫م عَ َ‬ ‫فُروا ْ ي ُعَذ ّب ْك ُ ْ‬ ‫ل إ ِل ّ َتن ِ‬ ‫خَرةِ إ ِل ّ قَِلي ٌ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا ِفي ال ِ‬ ‫مَتاعُ ال ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫خَرةِ فَ َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ديٌر ( "‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬ ‫ي‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫ئا‬‫ً‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫ه‬ ‫رو‬ ‫ض‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫غ‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫َْ ْ َ َ ُ ّ ُ‬ ‫ْ ً‬ ‫أ ً ََ ْ َْ ِ‬
‫د‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ما‬ ‫لي‬
‫ِ‬
‫سورة التوبة‪ ." 39 – 38 :‬وكان ذلك في عام شديد الحر بعد أن طاب الثمر‪،‬‬
‫فنزلت القوارع القرآنية تزهدهم في الدنيا وترغبهم في الخرة وتحثهم على‬
‫الجهاد في سبيل الله‪ ،‬وتوضح لهم أنهم إن لم ينصروا رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فإن الله ناصره ومؤيده وكافيه وحافظه كما تولى نصره عام‬
‫الهجرة‪ ،‬لما هم المشركون بقتله أو حبسه أو نفيه فخرج منهم صحبة صديقه‬
‫ه إ ِذ ْ‬ ‫صَرهُ الل ّ ُ‬ ‫قد ْ ن َ َ‬ ‫صُروه ُ فَ َ‬ ‫وصاحبه أبى بكر‪ ،‬وفي ذلك يقول تعالى‪) :‬إ ِل ّ َتن ُ‬
‫ن‬
‫ن إِ ّ‬ ‫حَز ْ‬ ‫حب ِهِ ل َ ت َ ْ‬ ‫صا ِ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ما ِفي ال َْغارِ إ ِذ ْ ي َ ُ‬ ‫ن إ ِذ ْ هُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ي اث ْن َي ْ‬ ‫فُروا ْ َثان ِ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ج ُ‬‫خَر َ‬ ‫أَ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ة ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ك َل ِ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫م ت ََروْ َ‬ ‫جُنود ٍ ل ّ ْ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَأي ّد َه ُ ب ِ ُ‬ ‫كين َت َ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫معََنا فَأنَز َ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ َ‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م ) " سورة التوبة‪" 40 :‬‬


‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬
‫زيٌز َ‬ ‫ي ال ْعُل َْيا َوالل ّ ُ‬
‫ه عَ ِ‬ ‫ة الل ّهِ هِ َ‬ ‫فَلى وَك َل ِ َ‬
‫م ُ‬ ‫فُروا ْ ال ّ‬
‫س ْ‬ ‫كَ َ‬
‫‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫إن خير الشعوب خطيئة‬


‫د‪.‬أميمة بنت أحمد الجلهمة ‪24/5/1425‬‬
‫‪12/07/2004‬‬
‫لني أعتقد أنه من الحكمة معرفة خصائص أعدائنا العقائدية والنفسية‪،‬‬
‫كا بعقيدة ما أو‬‫فكليهما المحرك الساسي لصاحبه‪ ،‬فلو كان أحدهم متمس ً‬
‫فكر ما؛ فسيظهر أثر ما ينادي به هذا الفكر وتلك العقيدة على علقاته بغيره‬
‫ل‪ ،‬وبالتالي فالنظر إلى سطح هؤلء دون الجوهر فيه من مضيعة‬ ‫عاجل ً أم آج ً‬
‫دا أو عدة جوانب ممن ل‬ ‫الوقت الكم الكثير؛ فالسطح قد يظهر جانًبا واح ً‬
‫ضير من إظهاره‪ ،‬فكيف بحال من يدعو فكره لمعاداة الخر‪ ،‬مهما كان هذا‬
‫ي السريرة‪ ،‬متفانًيا في عطائه؟! فهذا الخر وعمله‬ ‫حا نق ّ‬‫الخر خي ًّرا متسام ً‬
‫مهما كان ل قيمة له‪ ،‬وكيف لو كانوا يعتقدون أن عدّوهم ولو حاول تبني‬
‫فكرهم فسيبقى في خندق المخالفين‪ ،‬مؤكدين أنه بطبيعته مختلف من حيث‬
‫الخصائص الجينّية؟!‬
‫)إن خير الشعوب خطيئة( هذا ما أشار إليه سفر المثال ‪ ،14/34‬النص الذي‬
‫تكفل التلمود بشرحه‪ ،‬وذلك بقوله‪" :‬إن كل ما تعمله شعوب الرض – غير‬
‫اليهود – من خير وإحسان إنما هو من أجل تمجيد الذات فقط"‪ ،‬وعليه‬
‫فالعمل مهما كانت أهدافه خّيرة متسامية‪ ،‬فل قيمة نوعيه له!!‬
‫هذا ما يؤمن به ) اللوبافتش( إحدى مجموعات الحسيدية الصولية اليهودية‪،‬‬
‫الذين يعدون كل خير صدر من غيرهم في حكم الخطيئة؛ فطبيعة النفس‬
‫القدسية الخّيرة لليهود ‪-‬بحسب إيمانهم ‪ -‬مغايرة للنفس الحيوانية لغيرهم‬
‫من البشر‪ ،‬وعليه كان من الطبيعي أن يقرروا أن خير هذه النفس الحيواني‬
‫هو في حد ذاته خطيئة‪..‬‬
‫عرفت )اللوبافتش( بنشاطها الدعوي داخل الكيان الصهيوني وخارجه‪ ،‬نشاط‬
‫ما هائل ً من التناقضات‪ ،‬إضافة إلى إيمانها بفوقية النسان اليهودي‪..‬‬ ‫يحمل ك ّ‬
‫هذا النشاط الدعوى أطلقت عليه اسم )وفرصت( بمعنى )وتنتشر(؛ والنتشار‬
‫المقصود هنا هو المستنبط من نص سفر التكوين ‪ ،14 /28‬والذي جاء فيه‪" :‬‬
‫أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحاق‪ ،‬إن الرض التي أنت نائم عليها لك‬
‫أعطيك ولنسلك‪ ،‬ويكون نسلك كتراب الرض‪ ،‬وتنتشر )وفرصت( غرًبا وشرًقا‬
‫وشمال ً وجنوًبا‪ ،‬ويتبارك بك وبنسلك قبائل الرض"‪ .‬كما أصدروا مجلة اختاروا‬
‫لها اسم "وفرصت"‪ ،‬أي تنتشر‪..‬‬
‫أرسلت هذه المجموعة دعاة لماكن كثيرة من العالم ليبادرون من خللها‬
‫بدعوة اليهود للتمسك بالتعاليم اليهودية الرثوذكس‪ ،‬مؤمنين يقيًنا أن الطبيعة‬
‫الهيكلية للنسان اليهودي ‪-‬بمجملها‪ -‬تمكنه من الرجوع‪ ،‬ومهما اقترف من‬
‫ضا لتلك التعاليم‪ ،‬أما‬
‫تجاوزات للتعاليم الصولية اليهودية‪ ،‬ومهما كان راف ً‬
‫السبب فل يعدو كونه يهودّيا بطبيعته الجينية‪ ،‬فل علقة بقبول رجوعه عن‬
‫عمله ذاك بالتوبة من عدمها! ألم يصرح أحد علمائهم بأن "اليهودي طيب‬
‫بطبعه وخلقته‪ ،‬وهو مدفوع للعمل الطيب‪ ،‬وأنه لسباب يقوم أحياًنا باقتراف‬
‫ذنب‪ ،‬أو يقوم بعمل شرير يكون غير مسؤول عنه أصل ً أو مسؤول عنه جزئّيا‪،‬‬
‫ومع هذا فهو يظل طيًبا"؟! فليسفك الدماء‪ ،‬ويروع العباد‪ ،‬وليسرق مقدرات‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المم؛ فل بأس بذلك فهو بطبيعته طيب ل حرج عليه!! بل إن خروجه عن‬
‫ما بالنسبة لهؤلء؛ فهو الطيب الذي يرتكب‬ ‫تعاليم شريعته التعبدية ل يعد جر ً‬
‫الشرور دون وعي منه‪ .‬أعتقد ُ أنه مرفوع عنه القلم بالمفهوم السلمي لهذا‬
‫الرفع!‬
‫لقد أسست هذه المجموعة سلسة من المدارس في الوليات المتحدة‬
‫المريكية وبريطانيا وكندا‪ ،‬واهتمت بإيصال دعاتها بشكل خاص إلى الوليات‬
‫المتحدة؛ حيث تكثر مراكزهم الثقافية فيها‪.‬‬
‫هذه المجموعة من ناحية أخرى تشجع على هجرة الحسيديم إلى فلسطين‪،‬‬
‫بل تسعى لجمع الموال لمساعدة ودعم الجماعات التي هاجرت لهذه‬
‫الغاية‪..‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أما موقفهم من دولة اليهود فيبدو أنه استند على تفسيرهم للطبيعة الخّيرة‬
‫للنسان اليهودي؛ فهو خّير في كل أحواله‪ ،‬سواء كان حليف الشيطان أم‬
‫حليف النعام؛ فقد قال زعيم لهم‪" :‬إن اليهود ما زالوا في شتات ونفي‪ ،‬وإن‬
‫ل‪" :‬إن هذه‬ ‫إسرائيل ليست ممثلة لبداية الخلص اللهي لليهود"‪ .‬وأضاف قائ ً‬
‫الدولة )الكيان الصهيوني( هي دولة في حالة نفي‪ ،‬وليست دولة شرعية‬
‫أصلية‪ ،‬ولذلك فإن الهجرة لها تكون هجرة إلى دولة النفي‪ ،‬وهي كأي هجرة‬
‫إلى مكان آخر يعيش فيه اليهود في الشتات"‪ .‬ومن المضحك فيما ذهب إليه‬
‫هذا الزعيم وفي هذا الشأن بالذات‪ ،‬هو الكم العظيم من التناقضات التي‬
‫تحمله مضامين تصريحاته؛ فهو مع رفضه العتراف بهذا الكيان من جهة يؤكد‬
‫أن إنشاء دولة ‪-‬الكيان الصهيوني‪ -‬إنما كان مبادرة من الله والتفاته منه نحو‬
‫هيئت‬ ‫اليهود من أجل خلصهم‪ ،‬وهو يرى أن اليهود قد ضيعوا الفرصة التي ُ‬
‫لهم وفّرطوا فيها‪ !!..‬وهم مع كل ذلك الرفض يتعاملون مع حكومة هذا‬
‫الكيان؛ بل إنهم يتدخلون بسياساتها الخارجية والمتعلقة )بحق العودة( الخاص‬
‫بيهود المم‪ ،‬فقد ساهموا عام ‪1990‬م بخمسة مليين دولر في حملة‬
‫النتخابات السرائيلية من أجل فوز حكومة تعد بتغيير قانون العودة الخاص‬
‫بيهود العالم‪ ،‬ليكون مقتصًرا على اليهود الرثوذكس دون غيرهم‪ ،‬هذا ما‬
‫ذكرته جريدة الجويش كرونكل‪ ،‬بتاريخ ‪1991 /1/11‬م‪.‬‬
‫بل إن أحد زعمائهم قال بعد حرب عام ‪1967‬م‪" :‬إن من اشترك من اليهود‬
‫في الحرب له أجر وثواب أكثر من أولئك الذين يدرسون التوارة"!! بل إنهم‬
‫مع اعتقادهم أنها دولة نفي‪ُ ،‬يحّرموا على الكيان الصهيوني إرجاع ولو شبر‬
‫واحد من الرض التي احتلتها إلى أصحابها العرب‪ !!..‬فذلك وبحسب عقيدتهم‬
‫يعد مخالفة صريحة للشريعة اليهودية‪..‬‬
‫نعم إن عقيدتهم التي ترفض العتراف بهذا الكيان كاعتراف غيرهم من‬
‫دا في فلسطين‬ ‫اليهود‪ ،‬ترعى نشا ً‬
‫طا إسكانّيا وتجارّيا وصناعّيا وتعليمّيا متزاي ً‬
‫المحتلة‪ ..‬نشاط ل يكل ول يشبع في استقطاب أتباعهم‪ ..‬كل ذلك النشاط‬
‫المنقطع النظير يحدث داخل الكيان الصهيوني الذي اعترف أن الرض التي‬
‫يحتلها ليست أرض خلصهم‪ ،‬وبالتالي اعترفوا ضمًنا أنه كيان غاصب‬
‫ومحتل‪!!..‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن ربك لبالمرصاد رؤية في مصاب أمريكا ‪30/7/1426‬‬


‫فضيلة الشيخ ناصرالعمر‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬معز المؤمنين وقاهر الظلمة والمتجبرين‬
‫ما‬ ‫َ‬
‫مود َ َ‬
‫ف‬ ‫ُ‬
‫عادا ً اْلوَلى* وَث َ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫والمتكبرين‪_ ،‬سبحانه_ فّعال لما يريد "أ َهْل َ َ‬
‫َ‬ ‫كانوا هُ َ‬ ‫أ َب ْ َ‬
‫فك َ َ‬
‫ة‬ ‫مؤْت َ ِ‬‫م وَأط َْغى*َوال ْ ُ‬ ‫م أظ ْل َ َ‬ ‫ْ‬ ‫م َ ُ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬
‫ل إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫م ُنوٍح ِ‬ ‫قى*وَقَوْ َ‬
‫ماَرى" ] النجم‪[54-50 :‬‬ ‫ك ت َت َ َ‬ ‫شى فَب ِأ َيّ آلِء َرب ّ َ‬ ‫ما غَ ّ‬ ‫ها َ‬‫شا َ‬ ‫وى*فَغَ ّ‬ ‫أهْ َ‬
‫َ‬
‫والصلة والسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،،،‬أما بعد‪:‬‬
‫فقد اتصل بي أحد الخوة في ساعة فتوى‪ ،‬وسألني قائ ً‬
‫ل‪:‬‬
‫هل يجوز أن نفرح بما أصاب أمريكا من هذه العصارات وما تبعها من هلك‬
‫ودمار في بعض ولياتها ؟‬
‫قلت له‪ :‬ولم السؤال ؟‬
‫قال‪ :‬هناك من يقول‪ :‬إنه ل يجوز لنا أن نفرح‪ ،‬بل علينا أن نحزن ونأسى لما‬
‫أصابهم‪ ،‬مشاركة في هذا الوجدان والشعور النساني‪ ،‬امتثال ً لقوله _تعالى_‪:‬‬
‫م" ]السراء‪.[70:‬‬ ‫مَنا ب َِني آد َ َ‬ ‫قد ْ ك َّر ْ‬‫"وَل َ َ‬
‫قلت له‪ :‬يا أخي الكريم‪ ،‬إن هذا الستدلل غير صحيح‪ ،‬وهذا وضع لليات في‬
‫غير موضعها ‪.‬‬
‫فما علقة تكريم النسان بترك الفرح والسرور على مصاب الكافرين‬
‫الظالمين المعتدين؟‬
‫بل إننا والله نفرح ونسر بما أصاب هؤلء الظلمة المتجبرين المتكبرين‪.‬‬
‫إن أمريكا هي قائدة الظلم والطغيان والجبروت في هذا العصر‪ ،‬استخدمت‬
‫ل وعل_ منها في ظلم البشرية في مشارق الرض‬ ‫أموالها التي مكنها الله _ج ّ‬
‫ومغاربها‪ ،‬وتاريخ أمريكا تاريخ أسود على كل المستويات ‪ ،‬وفي شتى أنحاء‬
‫العالم‪ ،‬وخصوصا ً فيما يتعلق بالمة السلمية‪ ،‬فأمريكا أمة كافرة باغية محادة‬
‫لله ولرسوله – صلى الله عليه وسلم – ومحاربة للمسلمين‪ ،‬دّنست كتاب‬
‫الله وأهانته‪ ،‬قريبة من كل شّر بعيدة عن كل خير‪ ،‬حامية الرهاب في العالم‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫من الذي يدعم إسرائيل ؟‬
‫من الذي يحمي اليهود بل حدود ؟‬
‫من الذي أباد أفغانستان ؟‬
‫من الذي دمر العراق ؟‬
‫من الذي يأخذ خيرات المسلمين في مشارق الرض ومغاربها ليعيدها لهم‬
‫صورايخ وقنابل ورؤوسا ً نووية ؟‬
‫أعظم السجون وأشدها ظلما ً وفتكا ً هي التي تشرف عليها أمريكا وعملئها‪،‬‬
‫سجون جوانتانامو وأمثالها‪ ، ،‬وسجل جرائمها العالمية يصعب حصره ل‬
‫ينافسها في ذلك أحد‪ ،‬حالها حال من قال الله _تعالى_ فيه‪ " :‬وَإ َِذا ت َوَّلى‬
‫ب ال ْ َ‬ ‫َْ‬
‫ساَد"‬ ‫ف َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ل َوالل ّ ُ‬ ‫س َ‬‫ث َوالن ّ ْ‬ ‫حْر َ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫سد َ ِفيَها وَي ُهْل ِ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ض ل ِي ُ ْ‬ ‫سَعى ِفي الْر ِ‬ ‫َ‬
‫]البقرة‪.. [205:‬‬
‫أمريكا بسبب قوتها المادية تمد ذراعها كما يحلو لها‪ ،‬ل تأبه بأحد "ك َّل إ ِ ّ‬
‫ن‬
‫ن إ َِلى َرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫جَعى" ]العلق‪ [8 – 5:‬وهي‬ ‫ك الّر ْ‬ ‫ست َغَْنى*إ ِ ّ‬ ‫ن َرآهُ ا ْ‬ ‫ن ل َي َط َْغى*أ ْ‬ ‫سا َ‬ ‫اْلن ْ َ‬
‫بسبب هذا وغيره أصبحت فتنة لكثير من المسلمين‪.‬‬
‫ً‬
‫استمعت إلى حوار في قناة فضائية قبل أيام لرجل كان عميدا لكلية الشريعة‬
‫في إحدى البلد العربية‪ ،‬فإذا هو يمجد أمريكا‪ ،‬ويمنحها شرعية التدخل في‬
‫كل مكان من العالم بحجة إنقاذ المستضعفين؛ لنها – حسب قوله – أكبر قوة‬
‫في الرض ‪ ،‬وذكر كلما ً يسوء كل مسلم أن يسمعه من أي إنسان فضل ً عن‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رجل متخصص في الشريعة ‪ ،‬بل عميدا ً لكليتها !‬


‫إن قوة أمريكا فتنة وإضلل وضلل وطغيان وجبروت‪ ..‬فلماذا ل نفرح إذا‬
‫أصيبت؟‬
‫سى َرب َّنا‬ ‫ُ َ‬‫مو‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫"‬ ‫السلم_‪:‬‬ ‫_عليه‬ ‫موسى‬ ‫عن‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫مخبر‬ ‫_سبحانه_‬ ‫الله‬ ‫لقد قال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫سِبيل ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ضّلوا عَ ْ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا َرب َّنا ل ِي ُ ِ‬ ‫وال ً ِفي ال ْ َ‬ ‫م َ‬‫ة وَأ ْ‬ ‫مَله ُ ِزين َ ً‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ت فِْرعَوْ َ‬ ‫ك آت َي ْ َ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫حّتى ي ََرُوا ال ْعَ َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ذا َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫م َفل ي ُؤْ ِ‬ ‫شد ُد ْ عََلى قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫وال ِهِ ْ‬‫م َ‬ ‫س عََلى أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫َرب َّنا اط ْ ِ‬
‫َ‬
‫ل وعل_‪" :‬قد أجيبت دعوتكما"؛ لن موسى‬ ‫م" ]يونس‪ ,[88:‬فقال الله _ج ّ‬ ‫اْلِلي َ‬
‫كان يدعو وهارون كان يؤمن‪ ،‬فأجاب الله دعوتهما‪ ،‬ولو لم تكن دعوة شرعية‬
‫عادلة لما أجاب الله دعاءهما‪ ،‬حاشاهما أن يدعوا بغير أمر مشروع ‪..‬وإذا كان‬
‫مشروعا ً فلم ل نفرح به؟ ألم يشرع لنا صيام ذلك اليوم الذي استجيبت فيه‬
‫الدعوة شكرا ً لله؟‬
‫ولماذا ل نفرح وقد دعا محمد _صلى الله عليه وسلم_ على مضر‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫"اللهم اشدد وطأتك على مضر‪ ،‬اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف"‬
‫رواه البخاري وغيره ؟‬
‫أل يحق لنا أن نفرح باستجابة الله لدعاء المستضعفين المظلومين في‬
‫المشارق والمغارب؟!‬
‫فُروا‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ِ َ‬‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫زا‬‫َ ََ‬ ‫ي‬ ‫ول‬ ‫"‬ ‫جرمهم‬ ‫على‬ ‫الله‬ ‫من‬ ‫عقاب‬ ‫أصابهم‬ ‫لماذا ل نفرح وما‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ي وَعْد ُ الل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫حّتى ي َأت ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن َدارِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ريبا ً ِ‬ ‫ل قَ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ة أوْ ت َ ُ‬ ‫صن َُعوا َقارِعَ ٌ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫صيب ُهُ ْ‬ ‫تُ ِ‬
‫ميَعاَد"]الرعد‪ :‬من الية ‪ [31‬؟‬ ‫ف ال ْ ِ‬ ‫خل ِ ُ‬ ‫ل يُ ْ‬
‫ب ل ت َذ َْر عََلى‬ ‫ح َر ّ‬ ‫ل ُنو ٌ‬ ‫لماذا ل نفرح ونوح _عليه السلم_ يقول لربه‪" :‬وََقا َ‬
‫جرا ً‬ ‫ّ‬ ‫عَباد َ َ‬ ‫ضّلوا ِ‬ ‫ن د َّيارا ً * إ ِن ّ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫َْ‬
‫دوا إ ِل َفا ِ‬ ‫ك َول ي َل ِ ُ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ن ت َذ َْرهُ ْ‬‫ك إِ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ض ِ‬ ‫الْر ِ‬
‫قوْم ِ‬ ‫ل ب ُْعدا ً ل ِل ْ َ‬‫فارًا" ]نوح‪ [27-26:‬فاستجاب الله دعاءه "وَِقي َ‬ ‫كَ ّ‬
‫ن"]هود‪ :‬من الية ‪ [44‬؟‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫الظال ِ ِ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ل_؛ لطغيانها‬ ‫ل وع ّ‬ ‫إن ما أصاب أمريكا هو قدر كوني وعقوبة من الله _ج ّ‬


‫ل وعّز_‪..‬‬ ‫وعصيانها وجبروتها وظلمها وبعدها عن الله _ج ّ‬
‫والعجيب أن بعض اليهود وبعض النجيليين الجدد يقولون‪ :‬إن ما حدث لمريكا‬
‫ل وعل_ فهم يعدونها نذارة لمريكا‪ ،‬بينما نجد في‬ ‫عقوبة من الله _ج ّ‬
‫المسلمين من يقول‪ :‬إن علينا أن نحزن لما أصابها !‬
‫إن هذا القول ضلل مبين وجهل بالنصوص الشرعية وبعد عن شرع رب‬
‫العالمين‪ ،‬فالله ل يظلم "ول يظ ْل ِم رب َ َ‬
‫سي َعْل َ ُ‬
‫م‬ ‫حدًا"‪ ،‬والمجرم ل يترك "وَ َ‬ ‫كأ َ‬ ‫ُ َ ّ‬ ‫َ َ‬
‫َ‬
‫ن"‪.‬‬ ‫قل ِ ُ َ‬
‫بو‬ ‫ب ي َن ْ َ‬ ‫قل َ ٍ‬ ‫من ْ َ‬‫موا أيّ ُ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫لماذا ل نفرح والله يقول لرسوله _صلى الله عليه وسلم_ وصحابته‪َ" :‬يا أي َّها‬
‫م ِريحا ً‬ ‫َ‬
‫سل َْنا عَل َي ْهِ ْ‬‫جُنود ٌ فَأْر َ‬ ‫م ُ‬‫جاَءت ْك ُ ْ‬ ‫م إ ِذ ْ َ‬‫ة الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫مُنوا اذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫صيرًا" ]الحزاب‪ [9:‬؟‬ ‫ن بَ ِ‬‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫م ت ََروْ َ‬ ‫جُنودا ً ل َ ْ‬ ‫وَ ُ‬
‫ل وعل_ على عباده ‪ ،‬ومدعاة لفرحهم‬ ‫لقد كانت منة عظيمة من الله _ج ّ‬
‫وسرورهم‪ ،‬وذلك حين جاءت الريح العظيمة وشتت الحزاب في غزوة‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫مُنوا اذ ْكُروا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫الخندق ‪ ،‬ولذا يذكر الله بها عباده المؤمنين فيقول‪َ" :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫م"]الحزاب‪ :‬من الية ‪. [9‬‬ ‫ة الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م َ‬
‫ن ِعْ َ‬
‫إننا عندما نرى هذه الرياح العاصفة تدمر أمريكا أو بعض ولياتها نعلم أنها‬
‫ح‬‫فَر ُ‬ ‫مئ ِذ ٍ ي َ ْ‬‫ل وعل_ تستوجب الحمد والشكر والفرح "وَي َوْ َ‬ ‫نعمة من الله _ج ّ‬
‫م" ]الروم‪، [4،5:‬‬ ‫حي ُ‬
‫زيُز الّر ِ‬ ‫ْ‬
‫شاُء وَهُوَ العَ ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫صُر َ‬ ‫ّ‬
‫صرِ اللهِ ي َن ْ ُ‬ ‫ن*ب ِن َ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فالحزاب قد تحزبوا اليوم على المسلمين بقيادة أمريكا كما تحزب‬


‫المشركون بقيادة قريش‪ ،‬فأرسل الله عليهم هذه الريح والجنود تذكر‬
‫ل وعل_ نفرح‬ ‫الغافلين بقدرته _سبحانه_ إنها نعمة عظيمة وقدر من الله _ج ّ‬
‫به ونسر‪ ،‬وتلك سنة الله في أمثالها‪ ،‬بل وفيمن كان دونها في البغي والظلم‪.‬‬
‫ه‬
‫فَنا ب ِ ِ‬ ‫س ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ل وعل_‪" :‬فَ َ‬ ‫ولنتأمل أيضا ً قصة قارون وما حدث له‪ ،‬يقول الله _ج ّ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن الل ّهِ وَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ن ُدو‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ه ِ‬ ‫صُرون َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ن فِئ َةٍ ي َن ْ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ه ِ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ض فَ َ‬ ‫َ‬ ‫دارِهِ اْل َْر‬ ‫وَب ِ َ‬
‫سطُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه ي َب ْ ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ن وَي ْك َأ ّ‬ ‫قولو َ‬ ‫س يَ ُ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ه ِبال ْ‬ ‫كان َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫وا َ‬ ‫ْ‬ ‫من ّ‬ ‫ن تَ َ‬
‫َ‬ ‫ذي‬
‫ح ال ِ‬ ‫صب َ َ‬ ‫ْ‬ ‫رين * وَأ‬ ‫ِ‬ ‫ص‬
‫من ْت َ ِ‬‫ال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫هل‬ ‫ف ب َِنا وَي ْك َأن ّ ُ‬ ‫س َ‬ ‫خ َ‬ ‫ه عَل َي َْنا ل َ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ول أ ْ‬ ‫قدُِر ل َ ْ‬ ‫عَبادِهِ وَي َ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء ِ‬ ‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬ ‫الّرْزقَ ل ِ َ‬
‫ض َول‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن * ت ِل َ‬ ‫ح ال ْ َ‬
‫ن عُلوّا ِفي الْر ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ن ل يُ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫جعَلَها ل ِل ِ‬ ‫خَرة ُ ن َ ْ‬ ‫داُر ال ِ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫خسف به‬ ‫ن" ]القصص‪ ،[83-81:‬فإذا كان قارون ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ْ‬
‫ة ل ِل ُ‬ ‫ْ‬
‫سادا َوالَعاقِب َ ُ‬ ‫ً‬ ‫فَ َ‬
‫م"‬ ‫َ‬
‫سى فَب ََغى عَلي ْهِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ن قَوْم ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن كا َ‬ ‫َ‬ ‫ن َقاُرو َ‬ ‫وبداره الرض بسبب بغيه "إ ِ ّ‬
‫فخسف الله به‪ ،‬مع أنه لم يبلغ من البغي والفساد ما بلغته أمريكا بطغيانها‬
‫وجبروتها وخبثها وفسادها‪.‬‬
‫وقد يقول قائل‪ :‬أليس فيهم بعض المسلمين‪ ،‬أل نحزن لمصابهم؟‬
‫فأقول له‪ :‬يا أخي الكريم‪ ،‬ثبت في الحديث الصحيح من حديث زينب _رضي‬
‫الله تعالى عنها_ عندما قالت للنبي _صلى الله عليه وسلم_ "أنهلك وفينا‬
‫الصالحون ؟" إنه قال‪" :‬نعم‪ ،‬إذا كثر الخبث"‪ .‬و معنى ذلك أن الصالحين قد‬
‫يهلكون في بلد المسلمين إذا كثر الخبث‪ ،‬فكيف ببلد الكافرين؟‬
‫أما المسلمون فمن كان منهم صادقا ً فإنه يبعث على نيته كما ورد في‬
‫الحديث الصحيح فيمن يخسف بهم فإنهم يبعثون على نياتهم‪ ،‬فل تعارض أبدا ً‬
‫بين تدمير الكفار‪ ،‬ونزول العقوبات‪ ،‬وإصابة بعض المسلمين ‪.‬‬
‫أليس في بعض بلد المسلمين يقع الطاعون‪ ،‬وهو وباء مهلك‪ ،‬ومع ذلك فهو‬
‫شهادة ورفعة لمن أصيب بذلك كما ثبت في الحديث الصحيح ؟‬
‫وقد يجتمع في النازلة الواحدة أمران؛ فرح وحزن‪ ،‬فنفرح لهلك الكافرين‪،‬‬
‫ونحزن لمصاب المسلمين إن أصيب منهم أحد ‪،‬‬
‫ونعلم أن المسلمين ومن يقع عليهم مثل هذا البلء بغير جرم فهو لهم من‬
‫البتلء والتمحيص والتكفير‪ ،‬ورفعة الدرجات‪ ،‬وقد يكون شهادة للبعض‪ ،‬كمن‬
‫مات غريقا ً أو في حريق فله أجر الشهداء كما ورد في الحاديث الصحيحة‪.‬‬
‫َ‬
‫يٌء‬
‫ش ْ‬ ‫مرِ َ‬ ‫ن اْل ْ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫س لَ َ‬ ‫وقد يقول قائل آخر‪ :‬ماذا نقول في قوله _تعالى_‪" :‬ل َي ْ َ‬
‫م َ‬ ‫أ َو يتوب عَل َيه َ‬
‫ن" ]آل عمران‪[128:‬؟ والعلماء قد‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫م فَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫م أوْ ي ُعَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ِْ ْ‬ ‫ْ َُ َ‬
‫ذكروا أجوبة كثيرة يرجع إليها في مظانها من كتب التفسير‪ ،‬ومن أقواها في‬
‫ذلك أنه دعا على أناس معينين قد علم الله أنهم سيسلمون وقد أسلموا بعد‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وقد يقول قائل‪ :‬إن أبا الدرداء – رضي الله عنه – بكى لما فتحت قبرص‬
‫وفرق بين أهلها وأخذوا أسرى؟‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فالجواب عن ذلك مذكور في أصل الخبر والرواية‪ :‬حيث ذكر بعض أهل العلم‬
‫كأبي نعيم في الحلية بسند صحيح عن جبير بن نفير‪ ،‬قال‪ :‬لما فتحت قبرص‬
‫فرق بين أهلها بكى بعضهم إلى بعض‪ ،‬ورأيت أباالدرداء جالسا ً وحده يبكي‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه السلم وأهله؟ قال‪:‬‬
‫ويحك يا جبير ما أهون الخلق على الله‪ ،‬إذا هم تركوا أمره‪ ،‬بينا هي أمة‬
‫قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فبكاء أبي الدرداء – رضي الله عنه – ليس حزنا ً عليهم ول أسفًا‪ ،‬ولكنه من‬
‫قوة إيمانه وتدبره وتعظيمه لله _سبحانه_ وخوفه من عقابه؛ لن كثيرا ً من‬
‫ه"]النعام‪ :‬من‬ ‫حقّ قَد ْرِ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ما قَد َُروا الل ّ َ‬ ‫الناس ينطبق عليهم قوله _تعالى_‪" :‬وَ َ‬
‫الية ‪[91‬‬
‫وخلصة القول‪:‬‬
‫يحق لنا أن نفرح بما أصاب أمريكا‪ ،‬وأن نسّر بذلك؛ لن هذا منطق القرآن‬
‫ومنهج النبياء‪ ،‬والمطرد مع الفطرة والعقول الصحيحة‪ ،‬إن ما حدث مطرد‬
‫جَزاًء وَِفاقًا" ]النبأ‪َ" ،[26:‬ول ي َظ ْل ِ ُ‬
‫م‬ ‫مع السنن اللهية‪ ،‬والنواميس الكونية‪َ " .‬‬
‫َ‬ ‫رب َ َ‬
‫م َذا ِ‬
‫ت‬ ‫ك ب َِعاٍد* إ َِر َ‬ ‫ل َرب ّ َ‬ ‫ف فَعَ َ‬ ‫م ت ََر ك َي ْ َ‬ ‫حدًا"]الكهف‪ :‬من الية ‪" [49‬أل َ ْ‬ ‫كأ َ‬ ‫َ ّ‬
‫خَر‬‫ص ْ‬ ‫جاُبوا ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫مود َ ال ِ‬ ‫ْ‬
‫مث ْلَها ِفي الِبلِد*وَث َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫خل ق ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ماِد*الِتي ل ْ‬ ‫ال ْعِ َ‬
‫َ‬
‫ب‬
‫ص ّ‬‫ساد َ فَ َ‬ ‫ف َ‬ ‫وا ِفي ال ِْبلِد* فَأك ْث َُروا ِفيَها ال ْ َ‬ ‫ن ط َغَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ِذي اْل َوَْتاِد*ال ّ ِ‬ ‫واِد*وَفِْرعَوْ َ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫صاِد" ]الفجر‪[14 -6:‬‬ ‫مْر َ‬ ‫ك ل َِبال ْ ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ط عَ َ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫م َرب ّ َ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫فل نامت أعين الجبناء والمهزومين ومرضى القلوب‪ ،‬الذين يفسدون في‬
‫الرض ول يصلحون‪.‬‬
‫هّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫"ق ُ ْ‬
‫م الل ُ‬ ‫صيب َك ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ص ب ِك ْ‬ ‫ن ن َت ََرب ّ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن وَن َ ْ‬ ‫سن َي َي ْ ِ‬‫ح ْ‬ ‫دى ال ُ‬ ‫ح َ‬‫ن ب َِنا إ ِل إ ِ ْ‬ ‫صو َ‬ ‫ل ت ََرب ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن" ]التوبة‪[52:‬‬ ‫صو َ‬ ‫مت ََرب ّ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫صوا إ ِّنا َ‬ ‫ديَنا فَت ََرب ّ ُ‬ ‫عن ْدِهِ أوْ ب ِأي ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ب ِعَ َ‬
‫َ‬
‫ن"]الشعراء‪ :‬من الية ‪[227‬‬ ‫قل ُِبو َ‬ ‫ب ي َن ْ َ‬ ‫قل َ ٍ‬ ‫من ْ َ‬‫موا أيّ ُ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫سي َعْل َ ُ‬‫"وَ َ‬
‫وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫إن غاب نجمي ـ شعر ‪... ... ...‬‬


‫زاهية بنت البحر‬
‫ب المسلم ِ‬ ‫ن بجرِح قل ِ‬ ‫ض تئ ّ‬ ‫مها=أر ٌ‬ ‫س ليس يه ّ‬ ‫ب الخر ِ‬ ‫ما للقلو ِ‬
‫ن تفّتح فيه زهُر البرعم ِ‬ ‫صدى عبَر المدى=غص ٌ‬ ‫يهتّز من وقِع ال ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫ت به اللم فانسالت على= نارِ الشفاه تأوها بتألم ِ‬ ‫مزج ْ‬
‫ل الّرضاب بشهدِ ثغرِ تبسم ِ‬ ‫ت أوراقه قطر الّندى= مث َ‬ ‫فتعّلق ْ‬
‫ّ‬
‫ه بتجب ّرٍ =بل هم أشد ّ بظالم ٍ وتظلم ِ‬ ‫كسر العادي غصن َ ُ‬
‫َ‬
‫مطعَم ِ‬ ‫ض من لذيذِ ال َ‬ ‫ب وبع ٌ‬ ‫ه=لعِ ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫ل بريٍء ه ّ‬ ‫ص من طف ٍ‬ ‫يقت ّ‬
‫ض قبل الموسم ِ‬ ‫َ‬ ‫ت ربيعَ الر ِ‬ ‫يجري وراَء صغيرةٍ ضحكاُتها=رد ّ ْ‬
‫ل الظمي‬ ‫ت الخيرِ في الحق ِ‬ ‫ب زهية بربيِعها=وإذ افرا ُ‬ ‫فإذا القنا ُ‬
‫ظ العمي‬ ‫ف بعينها=وبدندنات البشرِ قد غي َ‬ ‫ِ‬ ‫الطيو‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫ابتساما‬ ‫ومن‬
‫ضيغم ِ‬ ‫ل من ذا ال ّ‬ ‫ك الشب ُ‬ ‫م ذا َ‬ ‫ل=مادا َ‬ ‫ه يخشى بهم مستقب ً‬ ‫لكأن ّ ُ‬
‫صقورِ الحوّم ِ‬ ‫ث زهرا ً بال ّ‬ ‫ب الربى=يجت ّ‬ ‫فأتى بعسكرِ حقدهِ صو َ‬
‫ل المنعم ِ‬ ‫كها=ما أمعنوا فكرا ً بقو ِ‬ ‫ن الّزهورِ وشو ِ‬ ‫مافّرقوا بي َ‬
‫ً‬
‫ب الكرم ِ‬ ‫دوا جسورا من جسوم ِ صغاِرنا=وشبابنا فوقَ الترا ِ‬ ‫م ّ‬
‫ل عبر نهرٍ من دم ِ‬ ‫ل والمذا=ب ِِح والمهاذ ِ‬ ‫ومشوا عليها بالقناب ِ‬
‫ً‬
‫ما تناثَر قلُبها=آها يفوُر بحزِنها المتضرم ِ‬ ‫لم يرحموا أ ّ‬
‫ً‬
‫خها المتفحم ِ‬ ‫ب بودقهِ متوشحا=سود َ الغمام ِ بز ّ‬ ‫فترى السحا َ‬
‫ت بالشعرِ يقذُفها فمي‬ ‫ً‬
‫ت أني ذقُتها=نارا غد ْ‬ ‫حسبي من الها ِ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫ف تألم ِ‬ ‫ن حر ِ‬ ‫ت في شعري فل=أجتاُز شطرا دو َ‬ ‫م الكلما ُ‬ ‫تتلعث ُ‬
‫ُ‬
‫ة=بكاءةٌ في مأتم ٍ فمآتم ِ‬ ‫ف حزين ٌ‬ ‫حّتى النقاط على الحرو ِ‬
‫حمي‬ ‫ة=فأعود ُ ثكلى من رجاِء تر ّ‬ ‫ب رحم ً‬ ‫س أطل ُ‬ ‫ن النا ِ‬ ‫ب بي َ‬ ‫وألو ُ‬
‫ن النجم ِ‬ ‫ث تشاُء بي َ‬ ‫قل =يابدُر حي ُ‬ ‫ً‬ ‫هذا قيادي فاسرِ بي متن ّ‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سم ِ‬
‫ض تب ّ‬ ‫ن في َ‬ ‫ب عبَر الكو ِ‬‫ك أرى الضياَء من العل=ينسا ُ‬ ‫خذني هنا َ‬
‫ة ال=أستارِ بالنوارِ فوقَ الن ّوَم ِ‬ ‫دعني أرفرف كي أمّزقَ حلك َ‬
‫س بمغنم ِ‬ ‫ن الحقّ لي َ‬ ‫َ‬
‫ن القتل دو َ‬ ‫ل بأ= ّ‬
‫ل ذي عق ٍ‬ ‫دعني أقول لك ّ‬
‫ي بشرعتي وتفّهمي‬ ‫شر بالسلم واحتذي =حذوَ النب ّ ّ‬ ‫دعني أب ّ‬
‫ب نجمي فلتكن متكّلمي ‪... ... ... ... ...‬‬ ‫ن غا َ‬
‫يابدُر هذي دعوتي برسالتي =إ ْ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا !!‬


‫محمد حسن يوسف‬
‫>‪TD/‬‬
‫سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن أخلق النبي صلى الله عيه وسلم‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬كان خلقه القرآن‪ ] .‬صحيح ‪ /‬صحيح الجامع الصغير وزيادته لللباني‪،‬‬
‫‪ .[ 4811‬قال المناوي في فيض القدير‪ :‬أي ما دل عليه القرآن من أوامره‬
‫ونواهيه ووعده ووعيده إلى غير ذلك‪ .‬وقال القاضي‪ :‬أي خلقه كان جميع ما‬
‫حصل في القرآن‪ .‬فإن كل ما استحسنه وأثنى عليه ودعا إليه فقد تحلى به‪،‬‬
‫وكل ما استهجنه ونهى ع! نه تجنبه وتخلى عنه‪ .‬فكان القرآن بيان خلقه‪.‬‬
‫انتهى‪ .‬وقال في الديباج‪ :‬معناه العمل به والوقوف عند حدوده والتأدب بآدابه‬
‫والعتبار بأمثاله وقصصه وتدبره وحسن تلوته‪.‬‬
‫وروى مسلم في صحيحه أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعسفان‪ ،‬وكان‬
‫عمر يستعمله على مكة‪ .‬فقال‪ :‬من استعملت على أهل الوادي؟ فقال‪ :‬ابن‬
‫أبزي‪ .‬قال‪ :‬ومن ابن أبزي؟ قال‪ :‬مولى من موالينا‪ .‬قال‪ :‬فاستخلفت عليهم‬
‫مولى؟ قال‪ :‬إنه قارئ لكتاب الله عز وجل‪ ،‬وإنه عالم بالفرائض‪ .‬قال عمر‪:‬‬
‫أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال‪ :‬إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما‬
‫ويضع به آخرين‪ [ .‬صحيح مسلم‪ .] (269)817 ،‬قال السندي في شرحه على‬
‫سنن ابن ماجه‪ ) :‬قال عمر (‪ :‬تقريرا لستحقاقه الستخلف‪ .‬وقوله ) بهذا‬
‫الكتاب (‪ :‬أي بقراءته‪ ،‬أي بالعمل به‪ .‬وقوله ) أقواما (‪ :‬أي‪ :‬منهم مولك‪.‬‬
‫) ويضع به (‪ :‬أي بالعراض عنه وترك العمل بمقتضاه‪.‬‬
‫وهكذا كان توقير الرعيل الول لكتاب ربهم في صدورهم‪ .‬وكان السلف‬
‫ينشئون أطفالهم على حفظ القرآن‪ ،‬ثم يحفظونهم الكتب الستة ) أي صحيح‬
‫البخاري‪ ،‬وصحيح مسلم‪ ،‬وسنن الترمذي‪ ،‬وسنن أبي داود‪ ،‬وسنن النسائي‪،‬‬
‫وسنن ابن ماجه (‪ .‬وبعد أن يتمون ذلك يقومون بتحفيظهم مغازي الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬وبذلك يشب الطفل المسلم على وعي بكتاب ربه‬
‫وسنة نبيه صلوات ربي وسلمه عليه‪ .‬وهكذا حقق السلم تقدمه وتفرده‪،‬‬
‫وازدهرت حضارة السلم على جميع الحضارات التي كانت سائدة في ذلك‬
‫الوقت‪ ،‬وتفوقت عليها؛ وذلك بحفظ كتابها والعمل بمقتضاه‪.‬‬
‫ثم خلف من بعد ذلك خلف أضاعوا هذه القيم‪ ،‬ولم يهتموا بكتاب ربهم‪ .‬هان‬
‫الله في نفوسهم‪ ،‬فأهانهم الله بما اقترفوه من ذنوب‪ .‬وقد ضرب لنا القرآن‬
‫المثل على المة التي تضيع العمل بكتابها‪ ،‬فقال تعالى مخبرا عن بني‬
‫ف وَرُِثوا‬ ‫خل ْ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬‫ف ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫إسرائيل‪ ،‬والخطاب للتذكرة والتحذير‪ ? :‬فَ َ‬
‫هُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ذا ا ْل َد َْنى وَي َ ُ‬ ‫ْ‬
‫مث ْل ُ‬
‫ض ِ‬ ‫م عََر ٌ‬ ‫ن ي َأت ِ َهِ ْ‬‫فُر لَنا وَإ ِ ْ‬ ‫سي ُغْ َ‬‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ض هَ َ‬‫ن عََر َ‬ ‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ب ي َأ ُ‬‫ال ْك َِتا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫سوا‬ ‫حقّ وَد ََر ُ‬ ‫قوُلوا عََلى الل ّهِ ّإل ال ْ َ‬ ‫ن ل يَ ُ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ميَثاقُ ال ْك َِتا ِ‬ ‫م ِ‬ ‫خذ ْ عَل َي ْهِ ْ‬
‫م ي ُؤْ َ‬‫ذوه ُ أل َ ْ‬
‫خ ُ‬ ‫ي َأ ُ‬
‫قو َ‬
‫ن ? [ العراف‪ .] 169 :‬قال‬ ‫ن أَفل ت َعْقُِلو َ‬ ‫ن ي َت ّ ُ َ‬‫ذي َ‬ ‫خي ٌْر ل ِل ّ ِ‬
‫خَرةُ َ‬ ‫داُر ْال ِ‬ ‫ما ِفيهِ َوال ّ‬ ‫َ‬
‫الشيخ أبو بكر الجزائري في تفسيره لهذه الية‪ :‬يحكي الله تعالى عن اليهود‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أنه قد خلفهم خلف سوء‪ ،‬ورثوا التوراة عن أسلفهم‪ ،‬ولم يلتزموا بما ُأخذ‬
‫عليهم فيها من عهود‪ ،‬على الرغم من قراءتهم لها‪ .‬فقد آثروا الدنيا على‬
‫دعون أنهم سيغفر لهم‪.‬‬ ‫الخرة‪ ،‬فاستباحوا الربا والرشا وسائر المحرمات‪ ،‬وي ّ‬
‫وكلما أتاهم مال حرام أخذوه‪ ،‬ومنوا أنفسهم بالمغفرة كذبا على الله تعالى‪.‬‬
‫وقد قرأوا في كتابهم أل يقولوا على الله إل الحق وفهموه‪ ،‬ومع ! هذا‬
‫يجترئون على الله ويكذبون عليه بأنه سيغفر لهم‪.‬‬
‫وقال القرطبي في تفسيره‪ :‬وهذا الوصف الذي ذم الله تعالى به هؤلء‬
‫موجود فينا‪ .‬فقد روى الدارمي في سننه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه‬
‫قال‪ :‬سيبلى القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثوب‪ ،‬فيتهافت‪ ,‬يقرءونه ل‬
‫يجدون له شهوة ول لذة‪ ,‬يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب‪ ,‬أعمالهم‬
‫طمع ل يخالطه خوف‪ ,‬إن قصروا قالوا سنبلغ‪ ,‬وإن أساءوا قالوا سيغفر لنا‪,‬‬
‫إنا ل نشرك بالله شيئا‪.‬‬
‫واستمر خط البتعاد عن كتاب الله يمضي قدما‪ ،‬بطيئا وبشكل يخفى عن‬
‫العامة في أول المر‪ ،‬ثم بخطى متسارعة وبصورة سافرة بعد ذلك‪ .‬فبعد أن‬
‫كانت المة مجمعة الكلمة على العمل بكتاب ربها‪ ،‬وتستمد تشريعاتها من‬
‫أحكامه‪ ،‬بدأت في التخلي عنه شيئا فشيئا‪ ،‬فعاقبها الله بأن سلبه من يدها‪،‬‬
‫إلى أن أصبحت ل تعمل به‪ .‬وبالطبع كان هناك دورا رئيسيا لعداء المة في‬
‫الوصول إلى هذه الحالة التي أصبحنا عليها‪.‬‬
‫فقد جاء الحتلل الفرنسي فتعامل بقسوة مع المة‪ ،‬وحاول إجبار المة على‬
‫التخلي عن تعاليم الدين بالحديد والنار‪ .‬وبسبب إتباع هذا المنهج السافر‪ ،‬فلم‬
‫تزدد المة إل تمسكا بدينها وبتعاليم كتاب ربها‪ .‬ورغم أنه لم يكن قد بقي من‬
‫السلم إل طلسم وذكريات إل أن المة وقفت صفا واحدا في وجه من‬
‫حاولوا تشويه صورة دستورها‪ .‬ولذلك تعامل النجليز الذين أعقبوا الفرنسيين‬
‫بصورة أكثر دهاء ومكرا ولكن بنفس المنطق والحزم في زحزحة المة عن‬
‫دينها‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فيقف جلدستون رئيس وزراء بريطانيا السبق في مجلس العموم البريطاني‬


‫يحث قومه على زعزعة المة عن دينها فيقول‪ " :‬مادام هذا القرآن موجودا ً‬
‫في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة علي الشرق ول أن تكون‬
‫هي نفسها في أمان "‪ .‬ويقول الحاكم الفرنسي في الجزائر في ذكرى مرور‬
‫مائة سنة على استعمار الجزائر‪ " :‬إننا لن ننتصر على الجزائريين ما داموا‬
‫يقرأون القرآن ويتكلمون العربية‪ ،‬فيجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم‬
‫ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم "‪.‬‬
‫ويسير المنصرون الذين رافقوا هذه الحملت على نفس الخط‪ .‬فيقول‬
‫المنصر وليم جيفورد بالكراف‪ ،‬في كتاب جذور البلء‪ " :‬متى توارى القرآن‬
‫ومدينة مكة عن بلد العرب‪ ،‬يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في طريق‬
‫الحضارة الغربية بعيدا ُ عن محمد ) صلى الله عليه وسلم ( وكتابه "‪ .‬ويقول‬
‫المنصر تاكلي‪ ،‬في كتاب التبشير والستعمار‪ " :‬يجب أن نستخدم القرآن‪،‬‬
‫وهو أمضى سلح في السلم‪ ،‬ضد السلم نفسه‪ ،‬حتى نقضي عليه تمامًا‪.‬‬
‫يجب أن نبين للمسلمين أن الصحيح في القرآن ليس جديدُا‪ ،‬وأن الجديد فيه‬
‫ليس صحيحا ً "‪ .‬ويقول المنصر ذاته " تاكلي "‪ ،‬في كتاب الغارة على العالم‬
‫السلمي‪ " :‬يجب أن نشجع إنشاء المدارس على النمط الغربي العلماني‪،‬‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لن كثيرا ً من المسلمين قد تزعزع اعتقادهم بالسلم والقرآن حينما درسوا‬


‫الكتب المدرسية الغربية وتعلموا اللغات الجنبية "‪.‬‬
‫واستدعى ذلك المر العمل على عدة محاور وفي نفس الوقت‪ .‬فتم إلغاء‬
‫الكتاتيب والحد من تأثيرها وإضعاف مكانتها في النفوس‪ .‬وبالطبع ل يختلف‬
‫أحد في أن الكتاتيب كان قد أصابها شيء من القصور‪ ،‬ولكن كان يجب‬
‫العمل على علج تلك الخطاء الناجمة والتي تراكمت عبر الزمن وليس‬
‫إلغائها تماما‪ .‬وتزامن هذا مع البقاء على الزهر ‪ -‬كمؤسسة دينية ‪ -‬قائما مع‬
‫إضعاف مكانته وزعزعة ثقة الناس فيه بإنشاء المدارس الجنبية اللدينية إلى‬
‫جانبه‪ ،‬والمسارعة إلى تعيين خريجي هذه المدارس في مختلف الوظائف‬
‫المرموقة وبأجور مرتفعة للغاية‪ ،‬مع عدم توفير فرص عمل لخريجي الزهر )‬
‫وبالخص حملة القرآن منهم (‪ ،‬وإن وجدت فهي ضعيفة الجر‪.‬‬
‫وهكذا بدأت النظرة إلى القرآن واللغة العربية تتغير في نفوس الناس! ومع‬
‫رثاثة حال حملة القرآن وخريجي المدارس الدينية‪ ،‬ووجاهة خريجي المدارس‬
‫اللدينية‪ ،‬بدأت هذه النظرة الجديدة تتغلغل في النفوس‪ ،‬ليتجه المجتمع‬
‫بأكمله نحو هجران القرآن!! ولم يعد فخرا للسر أن ترتبط بمن يحمل مؤهل‬
‫ديني‪ ،‬لضعف منزلته الجتماعية في المجتمع‪ .‬مع ما تركه هذا من آثار عميقة‬
‫في نفوس هؤلء الفراد‪ ،‬الذين شعروا أنهم ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه إل‬
‫بسبب اتجاههم للدين‪ ،‬فكان أن مقتوه في داخل نفوسهم‪ ،‬وسعوا بكل‬
‫الطرق إلى عدم تكرار تجاربهم‪ .‬وصار طموح أي فرد في المجتمع أن يصبح‬
‫طبيبا أو مهندسا أو ضابطا‪ .‬ولم تعد تجد من يحلم أو تحلم له أسرته بأن‬
‫يكون " عالم دين " أو " دارس فقه " أو حامل للقرآن "‪ .‬وتواكب مع هذا‬
‫صناعة نجوم في المجتمع يشار إليها بالبنان تبتعد تماما عن السلم وقيمه‪.‬‬
‫غيبت عن عمد نماذج رجال الدين أو رموزنا الدينية من صفحات ! الجرائد‬ ‫و ُ‬
‫أو المجلت أو وسائل العلم الخرى حتى يستقر هذا التجاه في النفوس‪.‬‬
‫وبدأ المخطط بتحويل كتاب الله من قوة حاكمة دافعة للمجتمع إلى مجرد‬
‫كتاب يحمل ذكريات‪ُ .‬تغير عليه قوى الشر ول يتحرك المسلمون للدفاع عنه‪.‬‬
‫وتنتشر من حوله الخرافات‪ .‬وهكذا يصبح القرآن الذي هو حياة المة‪ ،‬رمزا‬
‫للموت فيها‪ ،‬فل يقرأ إل في سرادقات العزاء‪ ،‬ول تكاد تسمع القرآن في‬
‫مكان حتى تسأل عمن توفى!!! وجعلوا من فاتحة الكتاب ‪ -‬التي هي دستور‬
‫حياة المسلمين‪ ،‬والتي كان حرص الشارع على قراءتها سبع عشرة مرة على‬
‫القل يوميا في كل ركعة من الصلوات المفروضة ‪ -‬وسيلة لجلب الرحمة‬
‫على الموات‪ ،‬فل تذكر ميتا حتى يقال " اقرءوا له الفاتحة "!!!‬
‫ذوا هَ َ‬
‫ذا‬ ‫خ ُ‬ ‫ن قَوْ ِ‬
‫مي ات ّ َ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫سو ُ‬
‫ل َيا َر ّ‬ ‫وصدق فيهم قول ربي عز وجل‪ ? :‬وََقا َ‬
‫ل الّر ُ‬
‫جوًرا ? [ الفرقان‪ .] 30 :‬قال ابن القيم في كتابه القيم " الفوائد‬ ‫مهْ ُ‬
‫ن َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫قْرآ َ‬
‫"‪ :‬وهجر القرآن أنواع‪ :‬أحدها‪ :‬هجر سماعه واليمان به والصغاء إليه‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬هجر العمل به والوقوف عند حلله وحرامه‪ ،‬وإن قرأه وآمن به‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه‪ ،‬واعتقاد أنه ل‬
‫يفيد اليقين‪ ،‬وأن أدلته لفظية ل تحصل العلم‪ .‬والرابع‪ :‬هجر تدبره وتفهمه‪،‬‬
‫ومعرفة ما أراد المتكلم به منه‪ .‬والخامس‪ :‬هجر الستشفاء والتداوي به في‬
‫جميع أمراض القلوب وأدوائها‪ ،‬فيطلب شفاء دائه من غيره‪ ،‬ويهجر التداوي‬
‫به ‪ ...‬وإن كان بعض الهجر أهون من بعض‪.‬‬
‫وجميع هذه النواع من هجر القرآن واقعة بيننا ومتفشية فينا الن‪ .‬ومن صور‬
‫هذا الهجران ما يلي‪:‬‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -‬عدم قراءته‪ .‬فمن منا يقرأ القرآن يوميا؟! إن القرآن مقسم إلى ثلثين‬
‫جزء‪ ،‬ومتوسط كل جزء عشرون صفحة‪ .‬فهل من الصعب قراءة عشرين‬
‫صفحة يوميا؟ إنه أمر ل يستغرق منك سوى نصف ساعة‪ .‬إن قراءة الصحف‬
‫اليومية تستغرق من المرء أكثر من ساعة يوميا‪ ،‬فهل قراءة تلك الصحف‬
‫أهم من قراءة القرآن؟!!‬
‫‪ -‬وسماع القرآن ‪ ...‬لقد استبدلناه بسماع الغاني ومشاهدة الفلم‬
‫والتمثيليات ومتابعة المباريات‪.‬‬
‫‪ -‬وأخلقنا الن في وادٍ وما ينادي به القرآن من التحلي بقويم الخلق في وادٍ‬
‫آخر‪.‬‬
‫‪ -‬ونعرف حلله وحرامه ول نقف عندهما‪ ،‬بل نتفاخر بالتملص منهما‪ ،‬ونصم‬
‫من يلتزم بهما بالسذاجة وقلة الخبرة‪.‬‬
‫‪ -‬وتعلمنا كيف نجادل ل لثبات تعاليم ربنا ولكن لكي نتفلت منها‪ ،‬ونعمل‬
‫بغيرها‪ .‬ظننا أن التقدم الخادع الذي أحدثته المم من حولنا إنما مرجعه‬
‫للتخلي عن الدين‪ ،‬فلما تخلينا عن ديننا انحرفنا وزغنا عن طريق التمكين‪.‬‬
‫‪ -‬التخلي عن التحاكم إليه في حياتنا وفي معاملتنا‪.‬‬
‫‪ -‬تركنا فهم معانيه ومن ثم تدبر آياته‪ ،‬وأصبح معظم ما نعرفه عنه عكس‬
‫المراد به‪.‬‬
‫‪ -‬تركنا تعلم لغته ولجأنا إلى لغات المستعمر‪ ،‬وأصبح تجنب الحديث باللغة‬
‫العربية والرطانة بهذه اللغات مصدر فخر وإعزاز بيننا‪.‬‬
‫‪ -‬تركنا التداوي به ولجأنا إلى العتماد على السباب المادية فقط‪.‬‬
‫إني لعجب من أمة تهجر كتاب ربها وُتعرض عن سنة نبيها‪ ،‬ثم بعد ذلك تتوقع‬
‫أن ينصرها ربها؟ إن هذا مخالف لسنن الله في الرض‪ .‬إن التمكين الذي وعد‬
‫به الله‪ ،‬والذي تحقق من قبل لهذه المة‪ ،‬كان بفضل التمسك بكتاب الله عز‬
‫وجل‪ ،‬الدستور الرباني الذي فيه النجاة مما أصابنا الن‪ .‬إن الذين يحلمون‬
‫بنزول النصر من الله لمجرد أننا مسلمون لواهمين‪ .‬ذلك أن تحقق النصر له‬
‫ت‬‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ه ال ّ ِ‬ ‫شروط‪ .‬قال تعالى‪ ? :‬وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫م‬‫م ِدين َهُ ْ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫مك ّن َ ّ‬ ‫م وَل َي ُ َ‬‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ال ّ ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫ِ‬ ‫فن ُّهم ِفي ا ْل َْر‬ ‫خل ِ َ‬ ‫ل َي َ ْ‬
‫ست َ ْ‬
‫خوفه َ‬
‫ن ِبي‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ب! ُدون َِني ل ي ُ ْ‬ ‫مًنا ي َعْ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ ْ ِ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م وَل َي ُب َد ّل َن ّهُ ْ‬ ‫ضى ل َهُ ْ‬ ‫ذي اْرت َ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ك فَأوْل َئ ِ َ‬ ‫فَر ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫ن كَ َ‬
‫ن ? [ النور‪ .] 55 :‬كما أن ما بعد‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫ك هُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫شي ًْئا وَ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫موا‬ ‫ض أَقا ُ‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫مكّناهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫النصر له شروط‪ .‬قال الله تعالى‪ ? :‬ال ِ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ال َّ‬
‫ة‬
‫عاقِب َ ُ‬ ‫من ْكرِ وَل ِلهِ َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫وا عَ ْ‬ ‫ف وَن َهَ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مُروا ِبال ْ َ‬ ‫كاةَ وَأ َ‬ ‫صلة َ َوآَتو! ا الّز َ‬
‫ُ‬
‫مورِ ? [ الحج‪ .] 41 :‬فعودوا إلى كتاب ربكم تنالوا نصره في الدنيا وتدخلوا‬ ‫ا ْل ُ‬
‫جنته في الخرة‪.‬‬
‫‪ 27‬من صفر عام ‪ ) 1425‬الموافق في تقويم النصارى ‪ 17‬ابريل عام ‪2004‬‬
‫(‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا !! ‪...‬‬


‫سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن أخلق النبي صلى الله عيه وسلم‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬كان خلقه القرآن‪ ] .‬صحيح ‪ /‬صحيح الجامع الصغير وزيادته لللباني‪،‬‬
‫‪ .[ 4811‬قال المناوي في فيض القدير‪ :‬أي ما دل عليه القرآن من أوامره‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ونواهيه ووعده ووعيده إلى غير ذلك‪ .‬وقال القاضي‪ :‬أي خلقه كان جميع ما‬
‫حصل في القرآن‪ .‬فإن كل ما استحسنه وأثنى عليه ودعا إليه فقد تحلى به‪،‬‬
‫وكل ما استهجنه ونهى ع! نه تجنبه وتخلى عنه‪ .‬فكان القرآن بيان خلقه‪.‬‬
‫انتهى‪ .‬وقال في الديباج‪ :‬معناه العمل به والوقوف عند حدوده والتأدب بآدابه‬
‫والعتبار بأمثاله وقصصه وتدبره وحسن تلوته‪.‬‬
‫وروى مسلم في صحيحه أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعسفان‪ ،‬وكان‬
‫عمر يستعمله على مكة‪ .‬فقال‪ :‬من استعملت على أهل الوادي؟ فقال‪ :‬ابن‬
‫أبزي‪ .‬قال‪ :‬ومن ابن أبزي؟ قال‪ :‬مولى من موالينا‪ .‬قال‪ :‬فاستخلفت عليهم‬
‫مولى؟ قال‪ :‬إنه قارئ لكتاب الله عز وجل‪ ،‬وإنه عالم بالفرائض‪ .‬قال عمر‪:‬‬
‫أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال‪ :‬إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما‬
‫ويضع به آخرين‪ [ .‬صحيح مسلم‪ .] (269)817 ،‬قال السندي في شرحه على‬
‫سنن ابن ماجه‪ ) :‬قال عمر (‪ :‬تقريرا لستحقاقه الستخلف‪ .‬وقوله ) بهذا‬
‫الكتاب (‪ :‬أي بقراءته‪ ،‬أي بالعمل به‪ .‬وقوله ) أقواما (‪ :‬أي‪ :‬منهم مولك‪.‬‬
‫) ويضع به (‪ :‬أي بالعراض عنه وترك العمل بمقتضاه‪.‬‬
‫وهكذا كان توقير الرعيل الول لكتاب ربهم في صدورهم‪ .‬وكان السلف‬
‫ينشئون أطفالهم على حفظ القرآن‪ ،‬ثم يحفظونهم الكتب الستة ) أي صحيح‬
‫البخاري‪ ،‬وصحيح مسلم‪ ،‬وسنن الترمذي‪ ،‬وسنن أبي داود‪ ،‬وسنن النسائي‪،‬‬
‫وسنن ابن ماجه (‪ .‬وبعد أن يتمون ذلك يقومون بتحفيظهم مغازي الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬وبذلك يشب الطفل المسلم على وعي بكتاب ربه‬
‫وسنة نبيه صلوات ربي وسلمه عليه‪ .‬وهكذا حقق السلم تقدمه وتفرده‪،‬‬
‫وازدهرت حضارة السلم على جميع الحضارات التي كانت سائدة في ذلك‬
‫الوقت‪ ،‬وتفوقت عليها؛ وذلك بحفظ كتابها والعمل بمقتضاه‪.‬‬
‫ثم خلف من بعد ذلك خلف أضاعوا هذه القيم‪ ،‬ولم يهتموا بكتاب ربهم‪ .‬هان‬
‫الله في نفوسهم‪ ،‬فأهانهم الله بما اقترفوه من ذنوب‪ .‬وقد ضرب لنا القرآن‬
‫المثل على المة التي تضيع العمل بكتابها‪ ،‬فقال تعالى مخبرا عن بني‬
‫ف وَرُِثوا‬ ‫خل ْ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫إسرائيل‪ ،‬والخطاب للتذكرة والتحذير‪ ? :‬فَ َ‬
‫هُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ذا ا ْل َد َْنى وَي َ ُ‬ ‫ْ‬
‫مث ْل ُ‬
‫ض ِ‬ ‫م عََر ٌ‬ ‫ن ي َأت ِ َهِ ْ‬‫فُر لَنا وَإ ِ ْ‬ ‫سي ُغْ َ‬‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ض هَ َ‬ ‫ن عََر َ‬ ‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ب ي َأ ُ‬‫ال ْك َِتا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫سوا‬ ‫حقّ وَد ََر ُ‬ ‫قوُلوا عََلى الل ّهِ ّإل ال ْ َ‬ ‫ن ل يَ ُ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ميَثاقُ ال ْك َِتا ِ‬ ‫م ِ‬ ‫خذ ْ عَل َي ْهِ ْ‬
‫م ي ُؤْ َ‬‫ذوه ُ أل َ ْ‬
‫خ ُ‬ ‫ي َأ ُ‬
‫قو َ‬
‫ن ? [ العراف‪ .] 169 :‬قال‬ ‫قُلو َ‬ ‫ن أَفل ت َعْ ِ‬ ‫ن ي َت ّ ُ َ‬‫ذي َ‬ ‫خي ٌْر ل ِل ّ ِ‬‫خَرةُ َ‬ ‫داُر ْال ِ‬ ‫ما ِفيهِ َوال ّ‬ ‫َ‬
‫الشيخ أبو بكر الجزائري في تفسيره لهذه الية‪ :‬يحكي الله تعالى عن اليهود‬
‫أنه قد خلفهم خلف سوء‪ ،‬ورثوا التوراة عن أسلفهم‪ ،‬ولم يلتزموا بما ُأخذ‬
‫عليهم فيها من عهود‪ ،‬على الرغم من قراءتهم لها‪ .‬فقد آثروا الدنيا على‬
‫دعون أنهم سيغفر لهم‪.‬‬ ‫الخرة‪ ،‬فاستباحوا الربا والرشا وسائر المحرمات‪ ،‬وي ّ‬
‫وكلما أتاهم مال حرام أخذوه‪ ،‬ومنوا أنفسهم بالمغفرة كذبا على الله تعالى‪.‬‬
‫وقد قرأوا في كتابهم أل يقولوا على الله إل الحق وفهموه‪ ،‬ومع ! هذا‬
‫يجترئون على الله ويكذبون عليه بأنه سيغفر لهم‪.‬‬
‫وقال القرطبي في تفسيره‪ :‬وهذا الوصف الذي ذم الله تعالى به هؤلء‬
‫موجود فينا‪ .‬فقد روى الدارمي في سننه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه‬
‫قال‪ :‬سيبلى القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثوب‪ ،‬فيتهافت‪ ,‬يقرءونه ل‬
‫يجدون له شهوة ول لذة‪ ,‬يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب‪ ,‬أعمالهم‬
‫طمع ل يخالطه خوف‪ ,‬إن قصروا قالوا سنبلغ‪ ,‬وإن أساءوا قالوا سيغفر لنا‪,‬‬
‫إنا ل نشرك بالله شيئا‪.‬‬
‫واستمر خط البتعاد عن كتاب الله يمضي قدما‪ ،‬بطيئا وبشكل يخفى عن‬
‫العامة في أول المر‪ ،‬ثم بخطى متسارعة وبصورة سافرة بعد ذلك‪ .‬فبعد أن‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كانت المة مجمعة الكلمة على العمل بكتاب ربها‪ ،‬وتستمد تشريعاتها من‬
‫أحكامه‪ ،‬بدأت في التخلي عنه شيئا فشيئا‪ ،‬فعاقبها الله بأن سلبه من يدها‪،‬‬
‫إلى أن أصبحت ل تعمل به‪ .‬وبالطبع كان هناك دورا رئيسيا لعداء المة في‬
‫الوصول إلى هذه الحالة التي أصبحنا عليها‪.‬‬
‫فقد جاء الحتلل الفرنسي فتعامل بقسوة مع المة‪ ،‬وحاول إجبار المة على‬
‫التخلي عن تعاليم الدين بالحديد والنار‪ .‬وبسبب إتباع هذا المنهج السافر‪ ،‬فلم‬
‫تزدد المة إل تمسكا بدينها وبتعاليم كتاب ربها‪ .‬ورغم أنه لم يكن قد بقي من‬
‫السلم إل طلسم وذكريات إل أن المة وقفت صفا واحدا في وجه من‬
‫حاولوا تشويه صورة دستورها‪ .‬ولذلك تعامل النجليز الذين أعقبوا الفرنسيين‬
‫بصورة أكثر دهاء ومكرا ولكن بنفس المنطق والحزم في زحزحة المة عن‬
‫دينها‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فيقف جلدستون رئيس وزراء بريطانيا السبق في مجلس العموم البريطاني‬


‫يحث قومه على زعزعة المة عن دينها فيقول‪ " :‬مادام هذا القرآن موجودا ً‬
‫في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة علي الشرق ول أن تكون‬
‫هي نفسها في أمان "‪ .‬ويقول الحاكم الفرنسي في الجزائر في ذكرى مرور‬
‫مائة سنة على استعمار الجزائر‪ " :‬إننا لن ننتصر على الجزائريين ما داموا‬
‫يقرأون القرآن ويتكلمون العربية‪ ،‬فيجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم‬
‫ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم "‪.‬‬
‫ويسير المنصرون الذين رافقوا هذه الحملت على نفس الخط‪ .‬فيقول‬
‫المنصر وليم جيفورد بالكراف‪ ،‬في كتاب جذور البلء‪ " :‬متى توارى القرآن‬
‫ومدينة مكة عن بلد العرب‪ ،‬يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في طريق‬
‫الحضارة الغربية بعيدا ُ عن محمد ) صلى الله عليه وسلم ( وكتابه "‪ .‬ويقول‬
‫المنصر تاكلي‪ ،‬في كتاب التبشير والستعمار‪ " :‬يجب أن نستخدم القرآن‪،‬‬
‫وهو أمضى سلح في السلم‪ ،‬ضد السلم نفسه‪ ،‬حتى نقضي عليه تمامًا‪.‬‬
‫يجب أن نبين للمسلمين أن الصحيح في القرآن ليس جديدُا‪ ،‬وأن الجديد فيه‬
‫ليس صحيحا ً "‪ .‬ويقول المنصر ذاته " تاكلي "‪ ،‬في كتاب الغارة على العالم‬
‫السلمي‪ " :‬يجب أن نشجع إنشاء المدارس على النمط الغربي العلماني‪،‬‬
‫لن كثيرا ً من المسلمين قد تزعزع اعتقادهم بالسلم والقرآن حينما درسوا‬
‫الكتب المدرسية الغربية وتعلموا اللغات الجنبية "‪.‬‬
‫واستدعى ذلك المر العمل على عدة محاور وفي نفس الوقت‪ .‬فتم إلغاء‬
‫الكتاتيب والحد من تأثيرها وإضعاف مكانتها في النفوس‪ .‬وبالطبع ل يختلف‬
‫أحد في أن الكتاتيب كان قد أصابها شيء من القصور‪ ،‬ولكن كان يجب‬
‫العمل على علج تلك الخطاء الناجمة والتي تراكمت عبر الزمن وليس‬
‫إلغائها تماما‪ .‬وتزامن هذا مع البقاء على الزهر ‪ -‬كمؤسسة دينية ‪ -‬قائما مع‬
‫إضعاف مكانته وزعزعة ثقة الناس فيه بإنشاء المدارس الجنبية اللدينية إلى‬
‫جانبه‪ ،‬والمسارعة إلى تعيين خريجي هذه المدارس في مختلف الوظائف‬
‫المرموقة وبأجور مرتفعة للغاية‪ ،‬مع عدم توفير فرص عمل لخريجي الزهر )‬
‫وبالخص حملة القرآن منهم (‪ ،‬وإن وجدت فهي ضعيفة الجر‪.‬‬
‫وهكذا بدأت النظرة إلى القرآن واللغة العربية تتغير في نفوس الناس! ومع‬
‫رثاثة حال حملة القرآن وخريجي المدارس الدينية‪ ،‬ووجاهة خريجي المدارس‬
‫اللدينية‪ ،‬بدأت هذه النظرة الجديدة تتغلغل في النفوس‪ ،‬ليتجه المجتمع‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بأكمله نحو هجران القرآن!! ولم يعد فخرا للسر أن ترتبط بمن يحمل مؤهل‬
‫ديني‪ ،‬لضعف منزلته الجتماعية في المجتمع‪ .‬مع ما تركه هذا من آثار عميقة‬
‫في نفوس هؤلء الفراد‪ ،‬الذين شعروا أنهم ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه إل‬
‫بسبب اتجاههم للدين‪ ،‬فكان أن مقتوه في داخل نفوسهم‪ ،‬وسعوا بكل‬
‫الطرق إلى عدم تكرار تجاربهم‪ .‬وصار طموح أي فرد في المجتمع أن يصبح‬
‫طبيبا أو مهندسا أو ضابطا‪ .‬ولم تعد تجد من يحلم أو تحلم له أسرته بأن‬
‫يكون " عالم دين " أو " دارس فقه " أو حامل للقرآن "‪ .‬وتواكب مع هذا‬
‫صناعة نجوم في المجتمع يشار إليها بالبنان تبتعد تماما عن السلم وقيمه‪.‬‬
‫غيبت عن عمد نماذج رجال الدين أو رموزنا الدينية من صفحات ! الجرائد‬ ‫و ُ‬
‫أو المجلت أو وسائل العلم الخرى حتى يستقر هذا التجاه في النفوس‪.‬‬
‫وبدأ المخطط بتحويل كتاب الله من قوة حاكمة دافعة للمجتمع إلى مجرد‬
‫كتاب يحمل ذكريات‪ُ .‬تغير عليه قوى الشر ول يتحرك المسلمون للدفاع عنه‪.‬‬
‫وتنتشر من حوله الخرافات‪ .‬وهكذا يصبح القرآن الذي هو حياة المة‪ ،‬رمزا‬
‫للموت فيها‪ ،‬فل يقرأ إل في سرادقات العزاء‪ ،‬ول تكاد تسمع القرآن في‬
‫مكان حتى تسأل عمن توفى!!! وجعلوا من فاتحة الكتاب ‪ -‬التي هي دستور‬
‫حياة المسلمين‪ ،‬والتي كان حرص الشارع على قراءتها سبع عشرة مرة على‬
‫القل يوميا في كل ركعة من الصلوات المفروضة ‪ -‬وسيلة لجلب الرحمة‬
‫على الموات‪ ،‬فل تذكر ميتا حتى يقال " اقرءوا له الفاتحة "!!!‬
‫ذوا هَ َ‬
‫ذا‬ ‫خ ُ‬ ‫ن قَوْ ِ‬
‫مي ات ّ َ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫سو ُ‬
‫ل َيا َر ّ‬ ‫وصدق فيهم قول ربي عز وجل‪ ? :‬وََقا َ‬
‫ل الّر ُ‬
‫جوًرا ? [ الفرقان‪ .] 30 :‬قال ابن القيم في كتابه القيم " الفوائد‬ ‫مهْ ُ‬
‫ن َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫قْرآ َ‬
‫"‪ :‬وهجر القرآن أنواع‪ :‬أحدها‪ :‬هجر سماعه واليمان به والصغاء إليه‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬هجر العمل به والوقوف عند حلله وحرامه‪ ،‬وإن قرأه وآمن به‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه‪ ،‬واعتقاد أنه ل‬
‫يفيد اليقين‪ ،‬وأن أدلته لفظية ل تحصل العلم‪ .‬والرابع‪ :‬هجر تدبره وتفهمه‪،‬‬
‫ومعرفة ما أراد المتكلم به منه‪ .‬والخامس‪ :‬هجر الستشفاء والتداوي به في‬
‫جميع أمراض القلوب وأدوائها‪ ،‬فيطلب شفاء دائه من غيره‪ ،‬ويهجر التداوي‬
‫به ‪ ...‬وإن كان بعض الهجر أهون من بعض‪.‬‬
‫وجميع هذه النواع من هجر القرآن واقعة بيننا ومتفشية فينا الن‪ .‬ومن صور‬
‫هذا الهجران ما يلي‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -‬عدم قراءته‪ .‬فمن منا يقرأ القرآن يوميا؟! إن القرآن مقسم إلى ثلثين‬
‫جزء‪ ،‬ومتوسط كل جزء عشرون صفحة‪ .‬فهل من الصعب قراءة عشرين‬
‫صفحة يوميا؟ إنه أمر ل يستغرق منك سوى نصف ساعة‪ .‬إن قراءة الصحف‬
‫اليومية تستغرق من المرء أكثر من ساعة يوميا‪ ،‬فهل قراءة تلك الصحف‬
‫أهم من قراءة القرآن؟!!‬
‫‪ -‬وسماع القرآن ‪ ...‬لقد استبدلناه بسماع الغاني ومشاهدة الفلم‬
‫والتمثيليات ومتابعة المباريات‪.‬‬
‫‪ -‬وأخلقنا الن في وادٍ وما ينادي به القرآن من التحلي بقويم الخلق في وادٍ‬
‫آخر‪.‬‬
‫‪ -‬ونعرف حلله وحرامه ول نقف عندهما‪ ،‬بل نتفاخر بالتملص منهما‪ ،‬ونصم‬
‫من يلتزم بهما بالسذاجة وقلة الخبرة‪.‬‬
‫‪ -‬وتعلمنا كيف نجادل ل لثبات تعاليم ربنا ولكن لكي نتفلت منها‪ ،‬ونعمل‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بغيرها‪ .‬ظننا أن التقدم الخادع الذي أحدثته المم من حولنا إنما مرجعه‬
‫للتخلي عن الدين‪ ،‬فلما تخلينا عن ديننا انحرفنا وزغنا عن طريق التمكين‪.‬‬
‫‪ -‬التخلي عن التحاكم إليه في حياتنا وفي معاملتنا‪.‬‬
‫‪ -‬تركنا فهم معانيه ومن ثم تدبر آياته‪ ،‬وأصبح معظم ما نعرفه عنه عكس‬
‫المراد به‪.‬‬
‫‪ -‬تركنا تعلم لغته ولجأنا إلى لغات المستعمر‪ ،‬وأصبح تجنب الحديث باللغة‬
‫العربية والرطانة بهذه اللغات مصدر فخر وإعزاز بيننا‪.‬‬
‫‪ -‬تركنا التداوي به ولجأنا إلى العتماد على السباب المادية فقط‪.‬‬
‫إني لعجب من أمة تهجر كتاب ربها وُتعرض عن سنة نبيها‪ ،‬ثم بعد ذلك تتوقع‬
‫أن ينصرها ربها؟ إن هذا مخالف لسنن الله في الرض‪ .‬إن التمكين الذي وعد‬
‫به الله‪ ،‬والذي تحقق من قبل لهذه المة‪ ،‬كان بفضل التمسك بكتاب الله عز‬
‫وجل‪ ،‬الدستور الرباني الذي فيه النجاة مما أصابنا الن‪ .‬إن الذين يحلمون‬
‫بنزول النصر من الله لمجرد أننا مسلمون لواهمين‪ .‬ذلك أن تحقق النصر له‬
‫ت‬‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ه ال ّ ِ‬ ‫شروط‪ .‬قال تعالى‪ ? :‬وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫م‬‫م ِدين َهُ ْ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫مك ّن َ ّ‬‫م وَل َي ُ َ‬‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ال ّ ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫ِ‬ ‫فن ُّهم ِفي ا ْل َْر‬ ‫خل ِ َ‬ ‫ل َي َ ْ‬
‫ست َ ْ‬
‫َ‬
‫ن ِبي‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ب! ُدون َِني ل ي ُ ْ‬ ‫مًنا ي َعْ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫خوْفِهِ ْ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م وَل َي ُب َد ّل َن ّهُ ْ‬ ‫ضى ل َهُ ْ‬ ‫ذي اْرت َ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ك فَأوْل َئ ِ َ‬ ‫فَر ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫ن كَ َ‬
‫ن ? [ النور‪ .] 55 :‬كما أن ما بعد‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫ك هُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫شي ًْئا وَ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫موا‬ ‫ض أَقا ُ‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫مك ّّناهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫النصر له شروط‪ .‬قال الله تعالى‪ ? :‬ال ّ ِ‬
‫من ْك َرِ وَل ِل ّهِ َ‬ ‫َ‬ ‫ال َّ‬
‫ة‬
‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫وا عَ ْ‬ ‫ف وَن َهَ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مُروا ِبال ْ َ‬ ‫كاةَ وَأ َ‬ ‫صلة َ َوآَتو! ا الّز َ‬
‫ُ‬
‫مورِ ? [ الحج‪ .] 41 :‬فعودوا إلى كتاب ربكم تنالوا نصره في الدنيا وتدخلوا‬ ‫ا ْل ُ‬
‫جنته في الخرة‪.‬‬
‫محمد حسن يوسف‬

‫)‪(3 /‬‬

‫إن كانت أمريكا دنسته‬


‫إن كانت أمريكا دنسته ‪ ..‬فنحن اشترينا به ثمنا قليل‬
‫اتقوا الله واعلموا أن المحن محك ل يخطأ‪ ،‬وميزان ل يظلم‪ ،‬يكشف عن ما‬
‫في القلوب‪ ،‬ويظهر مكنونات الصدور‪ ،‬ينتفي معه الزيف والرياء‪ ،‬وتنكشف‬
‫معه حقيقة الصدق بجلء‪.‬‬
‫إن المحن تطهير ليس معه زيف ول دخل‪ ،‬وتصريح ل يبقى معه غبش ول‬
‫خلل‪ ،‬إنها لتفتح في القلب منافذ ما كان ليعلمها المؤمن عن نفسه لول‬
‫المحن‪.‬‬
‫هل تعجبون من فعل المريكان بكتاب رب العالمين؟ فأولئك النصارى الذين‬
‫دنسوا القران في "غوانتانامو" صليبيون حاقدون على الدين‪ ،‬ول غرو فقد‬
‫كان الواحد من أسلفهم ينظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويعرفه كما‬
‫يعرف ابنه فيعاند ويكابر حسدا من عند أنفسهم }يعرفونه كما يعرفون‬
‫أبناءهم {‪ ،‬ولذا فإن الله قد فتح أمام المؤمن حجب الغيب‪ ،‬وأبان له أن‬
‫اليهود والنصارى لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم }ولن ترضى عنك اليهود ول‬
‫النصارى حتى تتبع ملتهم{‬
‫صفعات متوالية تلك التي تنهال على أمة السلم في وقت رعى الذئاب‬
‫الغنم‪ ,‬ولم يعد لها راع سوى تلك الذئاب‪.‬‬
‫هانت المة حتى وصل الحال بأعدائها إلى المساس بكتاب الله الذي ل يأتيه‬
‫الباطل من بين يديه ول من خلفه‪ ,‬إهانة لمة هجرت كتاب ربها وليس إهانة‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للكتاب‪ ,‬فحاشى إخوان الخنازير وأعوانهم أن يصلوا لكتاب الله‪ ,‬ولكنهم‬


‫استطاعوا الوصول لهانة المة تحقيقا ً لسنن الله في كونه‪ ,‬من إدالة‬
‫ن‬‫مي َ‬ ‫ض ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ك ن ُوَّلي ب َعْ َ‬ ‫الظالمين على الظالمين بما كسبت أيديهم‪ } ,‬وَ َ‬
‫كذل ِ َ‬
‫ن {‪..‬‬ ‫كاُنوا ْ ي َك ْ ِ‬
‫سُبو َ‬ ‫ب َْعضا ً ب ِ َ‬
‫ما َ‬
‫أمة الفضائيات الهابطة‪ ,‬والكاديميات الداعرة‪ ,‬والعري الفاضح‪ ,‬والقوانين‬
‫الكافرة‪ ,‬والضرحة المنتشرة في ديار المسلمين تتخذ من دون الله آلهة‪..‬‬
‫أمة أصبح المسلمون فيها غرباء مطرودون والكفار أولياء مقّربون‪ ,‬فأصبحت‬
‫الرابطة رابطة علمانية‪ ,‬وأصبح الولء ديموقراطيًا‪ ,‬وأصبح العمل لهوتيًا؛ فل‬
‫تكاد تفرق بين بيوت كثير من المسلمين وبيوت النصارى‪ ,‬فالزوجة في كل‬
‫البيتين عارية‪ ،‬وصوت الفضائيات والغاني ينبعث من البيتين كليهما‪ ,‬وترك‬
‫الصلة هنا وهناك‪ ,‬فبماذا يكون التمييز إذًا؟؟‬
‫ول شك أننا عندما نرى شباب الصحوة كالنور يتلل في دياجير هذه الظلمات‬
‫ينتعش القلب فرحًا‪ ,‬كما يحزن القلب من التفرق المشين بين أبناء الصحوة‪,‬‬
‫وبين البعد الكبير عن التطبيق الصحيح لمنهج السلم‪ ،‬الذي لو ات ِّبع على‬
‫حقيقته لما وجدنا هذا التفّرق‪.‬‬
‫فعلى المة أن تعود إلى منهج ربها وتنتهي من هذا الفصام النكد بينها وبين‬
‫كام المة أن يطبقوا شريعة ربهم‪,‬‬ ‫التطبيق الصحيح لشريعة ربها‪ .‬وعلى ح ّ‬
‫سح في كل أصل بديل‪,‬‬ ‫فما هانوا وهانت معهم أمتهم إل بتركهم لصلهم والتم ّ‬
‫والرتماء على أرجل وأعتاب كل ذليل‪.‬‬
‫وليعلم الجميع أن هذه الثلة الصالحة المباركة‪ ،‬التي يدّنس شرفها وتهان‬
‫كرامتها في سجون الدعار‪ ,‬سواء في كوبا أو العراق أو إسرائيل‪ ،‬أو حتى في‬
‫سجون الطواغيت المتسلطين من أبناء الجلدة‪..‬‬
‫نقول للجميع بان هؤلء هم العلون رغم ما هم فيه من سجن‪ ,‬وأن أعداءهم‬
‫هم الذلء‪ ,‬ولنتذكر قول عمر في رده على أبي سفيان بن حرب بعد غزوة‬
‫أحد " قتلنا في الجنة وقتلكم في النار"‪.‬‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫داوِلَها ب َي ْ َ‬ ‫م نُ َ‬
‫ولنعلم أن دولة السلم ستقوم بعز عزيز وذل ذليل } وَت ِلك الّيا ُ‬
‫الّناس {‪.‬‬
‫دت فوق الكتاف‪ ,‬فماذا عسانا أن‬ ‫ولكنها ‪-‬مسؤولية النهوض بالمة‪ -‬قد اشت ّ‬
‫ننتظر بعد أن تعرض كتاب ربنا للهانة في سجون الدعار‪ ,‬أبناء ثقافة العهر‪,‬‬
‫وديانة المادة‪ ,‬على كل مسلم أن يتحرك لدينه بتغيير ما حوله‪ ,‬بالعلم الصحيح‬
‫وخاصة المعتقد الصافي‪ ,‬والدعوة الصادقة‪ ,‬وتغيير المنكر بما ليس منكر‪,‬‬
‫والسعي لنشر دين الله في الرض وتطبيق شريعته‪.‬‬
‫وعلى حكام المة أن يتذكروا أن التاريخ لن ينسى لهم بحال أن أعداء الله‬
‫استهانوا بهم لدرجة تدنيس أقدس المقدسات‪ ,‬بل هيبة لهم ول خوف منهم‪.‬‬
‫رحم الله صاحب هذه الكلمات‪" ..‬من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب‬
‫الروم‪ ,‬لك ما ترى دون ما تسمع"‪.‬‬
‫لك الله يا أمة المسلمين يوم غاب قادتك العظام‪ ,‬فأين عمر يستلم مفاتيح‬
‫القدس؟ وأين خالد يغزو الروم؟‬
‫وأين صلح الدين يطّهر بيت المقدس؟‬
‫وأين عمر بن عبد العزيز يحكم بشريعة السلم فل يجد من يستحق الزكاة؟!‬
‫إلى الله المشتكى‪ ..‬اللهم ارزقنا الجنة وما قّرب إليها من قول وعمل‪ ,‬اللهم‬
‫قيد للمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويذل أهل المعصية‪ ،‬ويؤمر‬
‫كم شرعك في الرض‪.‬‬ ‫بالمعروف وُينهى عن المنكر‪ ,‬اللهم ح ّ‬
‫يجب على المسلم أن يغضب‪ ،‬ويتمعر وجهه لهذا الحادث الليم‪ ،‬فكتاب الله‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حياة المسلم‪ ،‬يفديه بماله ونفسه وولده‪ ،‬وجزء من مهمته في الحياة الدفاع‬
‫عنه والجهاد من أجله وبه‪ ،‬ولن نتوقع من " النصارى" إل هذا فهم أمة ضلل‪،‬‬
‫عا لشهواتهم‪ ..‬وتقديما لهوائهم‪..‬‬
‫يأتيهم الحق الصراح الواضح فيردونه اتبا ً‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أل قطع الله يد ولسان وأركان ودولة من عبث بكتاب الله وأهانه‪ ..‬وأرانا فيه‬
‫عجائب قدرته‪ ..‬وشتت عليه ضيعته وانتقم لنا منه عاجل غير آجل‪...‬‬
‫إن العواطف ستلتهب‪ ،‬والدموع ستنسكب‪ ،‬ولكننا في زمن تعودنا على مثل‬
‫هذا‪ ،‬فما هي إل أيام‪ ،‬وسيزول الحدث‪ ،‬وسينسى الناس‪ ،‬فكم من مقدس‬
‫أهين‪ ،‬وكم من حرمة انتهكت‪ ..‬فثارت الناس وبرد حماسها‪ ،‬وانطفأت جذوة‬
‫عاطفتها بعدما ينشغل كل واحد منا بنفسه‪ ،‬ويأتي حدث ينسينا ما قبله‪ ،‬فنحن‬
‫ضا‪.‬‬‫في زمن " فتن " يرقق بعضها بع ً‬
‫تدنس القدس منذ ستين سنة‪ ،‬ويهان المسجد القصى على أيدي عصابة آثمة‬
‫من الصهاينة النذال‪ ،‬وتهراق دماء البرياء في أجزاء من العالم السلمي‬
‫وهي عند الله غالية‪ ،‬فقطرة دمائهم وسفكها اشد عند الله من هدم الكعبة‬
‫المشرفة‪ ،‬ومع ذلك فقد ألفنا أوضاعنا‪ ،‬واستسغنا العناء في زمن العناء‪ ،‬لننا‬
‫أمة ظاهرة صوتية نجيد فنون الخطابة والكلم‪ ..‬دون فعل يفلق الصم ويقطع‬
‫الغلل‪..‬‬
‫إن كانت أمريكا دنست كتاب ربنا وأهانته‪ ،‬فنحن اتخذناه وراءنا ظهريا في‬
‫كثير من أصقاع العالم السلمي حين حيدناه عن " الحكم " في شؤوننا‪،‬‬
‫واستجلبنا زبالة عقول البشر بديل عن الكتاب العظيم الذي ل يأتيه الباطل‬
‫من بين يديه ول من خلفه‪ ،‬وطبق " حكم الجاهلية " في دماء المسلمين‬
‫ن اللهِّ‬ ‫وأموالهم ودمائهم وأعراضهم"‪ } ،‬أ َفَحك ْم ال ْجاهل ِية يبُغون وم َ‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ َ َ ْ‬ ‫َ ِ ّ ِ َْ‬ ‫ُ َ‬
‫م ثُ ّ‬
‫م‬ ‫جَر ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ما َ‬
‫ش َ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫مو َ‬ ‫ّ‬
‫حك ُ‬ ‫حّتى ي ُ َ‬‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ك ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ن{‪َ} ،‬فل وََرب ّ َ‬ ‫قوْم ٍ ُيوقُِنو َ‬ ‫كما ً ل ِ َ‬‫ح ْ‬ ‫ُ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ما {‬ ‫سِلي ً‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ُ‬ ‫ت وَي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫حَرجا ِ‬ ‫م َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫دوا ِفي أن ْ ُ‬ ‫ج ُ‬‫ل يَ ِ‬
‫أليس إقصاء كتاب الله عن الحكم في صغائر المور وكبائرها " تدنيسا " له‬
‫وإهمال وهو الكتاب الذي نزل ليعمل به‪ ،‬فاتخذنا قراءته عمل‪ ،‬واكتفينا أن‬
‫نطرز به مقدمات حفلتنا‪ ،‬ونواحنا على موتانا‪ ،‬فإذا جاء وقت العمل به شك‬
‫َ‬
‫ض فَ َ‬
‫ما‬ ‫ن ب ِب َعْ ٍ‬‫فُرو َ‬ ‫ب وَت َك ْ ُ‬ ‫ض ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن ب ِب َعْ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫البعض فيه وفي صلحيته؟ }أفَت ُؤْ ِ‬
‫ن إ َِلى‬‫مةِ ي َُرّدو َ‬ ‫قَيا َ‬‫م ال ْ ِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬ ‫خْزيٌ ِفي ال ْ َ‬ ‫م ِإل ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ك ِ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫فعَ ُ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جَزاُء َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫ف‬ ‫غا‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ َِ ِ ٍ َ ّ َْ َ‬ ‫ِ َ َ‬ ‫أ ّ َ‬
‫ع‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫د‬ ‫ش‬
‫ما على استحياء في بعض الحوال‬ ‫دنسناه حين لم يبق منه إل أحكا ً‬
‫الشخصية‪ ،‬ثم أقصيناه عن كثير من الشؤون الحياتية في العالم السلمي‪..‬‬
‫أليس الحكم بغير القران موبقة خطيرة؟ وأليس كفرا؟ سماه الله كذلك‪،‬‬
‫سواء كان أصغر أو أكبر‪ ،‬وأنه أعظم من كبائر الذنوب وموبقاتها؛ إذ الذنب‬
‫الذي يسميه الله كفًرا هو أكبر وأقبح‪.‬‬
‫إن كانت أمريكا دنست كتاب الله‪ ،‬فنحن دنسناه حين رضينا بفعل حثالة من‬
‫بني قومنا‪ ،‬ومن الذين يتكلمون بألسنتنا‪ ،‬أولئك المنافقين الذين جعلوا كتاب‬
‫الله هزوا‪ ،‬وشككوا في ربانيته‪ ،‬واعتدوا عليه معنويا‪ ،‬فاستخفوا بتعاليمه‪،‬‬
‫ودعوا إلى إقصائه عن الحياة‪ ،‬وفصله عن شؤونها‪ ،‬أو ليس فعل هؤلء أشد‬
‫تدنيسا للكتاب وأكثر صراحة وكفرا من قوم الصل فيهم بغض الكتاب‬
‫وتدنيسه وحربه إلى قيام الساعة؟‬
‫أليس الذين يشتري بآيات الله ثمنا قليل‪ ،‬فيأخذ منه ما يحقق به مصلحته أشد‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأعظم من فعل الذي الصل فيه الكفر؟ وليس بعد الكفر ذنب؛ إذ المصيبة‬
‫تكمن في المسلم الذي يتخذ كتاب الله هزوا‪ ،‬ويجعله سلما لتحقيق مطامعه‬
‫الخاصة‪ ،‬ورؤيته الخاصة‪ ،‬فيكون القران عرضا كأي عرض يباع ويشترى‬
‫إن صيانة القران هو في إعادة العتبار للقرآن الذي يشكل حاديا للمة في‬
‫ك‬‫مَباَر ٌ‬ ‫ك ُ‬ ‫ب أ َن َْزل َْناه ُ إ ِل َي ْ َ‬‫سا وهدى ونور } ك َِتا ٌ‬ ‫كل جوانب حياتها‪ ،‬وجعله نبرا ً‬
‫دي ل ِل ِّتي‬ ‫ذا ال ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ن ي َهْ ِ‬‫قْرآ َ‬ ‫ن هَ َ‬‫ص‪ } [29:‬إ ِ ّ‬ ‫ب{] ّ‬ ‫ل ِي َد ّب ُّروا آَيات ِهِ وَل ِي َت َذ َك َّر أوُلو الل َْبا ِ‬
‫جرا ً ك َِبيرًا{‬ ‫شر ال ْمؤْمِنين ال ّذين يعمُلون الصال ِحات أ َن ل َه َ‬ ‫َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ّ َ ِ ّ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ َْ َ‬ ‫ُ ِ َ‬ ‫م وَي ُب َ ّ ُ‬ ‫ي أقْوَ ُ‬
‫هِ َ‬
‫الله أكبر إن دين محمد وكتابه أقوى وأقوم قيل‬
‫ل تذكر الكتب السوابق قبله طلع الصباح فأطفئ القنديل‬
‫ما فعله المريكان في سجن غوانتنامو نابع من كره عقائدي تأصلوا عليه‬
‫وليس عمل فردُيا شاذا كما ينعق به أذنابهم الذين أهانوا أنفسهم بالبتعاد عن‬
‫دينهم ما جعل أحدهم –على سبيل المثال‪ -‬يصف القرآن الكريم بالكتاب‬
‫الوعظي فقط ل التشريعي والخر يستهزئ بالعجاز العلمي للقرآن مما حدا‬
‫بأحد أنجس المواقع الساّبة للسلم بالستشهاد بمقالته‪،‬‬
‫قد يعلم هؤلء الذين تمّنعوا من ذكر مساوئ عمتهم أن أول من بدأ‬
‫المظاهرات هم الفغان‪ ،،‬لكن هل يعلم هؤلء لماذا بدأها الفغان في شتى‬
‫ولياتهم؟؟ لقد بدأها الفغان لنهم عاصروا التحرير المريكي لفغانستان عن‬
‫قرب‪ ،‬ولنهم ذاقوا جرعة الديمقراطية المريكية عن تجربة‪ ،‬ولنهم شاهدوا‬
‫تعمير أفغانستان عن قرب‪.‬‬
‫كذلك المر بالنسبة للشعب العراقي لكن العلم المريكي وكعادته‪ ،‬أقصد‬
‫العلم العربي وكعادته أغفل العراق من فقرة الخبار الصادقة‪...‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أقدم عليه بعض الجنود المريكان في سجن )جوانتنامو( من إهانة للمصحف‬


‫الشريف ودوسه بالقدام وتمزيقه أمام بعض السجناء من المسلمين!! وهذا‬
‫من أبشع وأقبح وأفظع العمال التي يكاد يتمزق لها القلب‪ ،‬ويشتعل الرأس‬
‫منها شيبًا‪ ،‬وتتفطر لهولها السماء‪ ،‬وتنشق الرض وتخّر الجبال ه ّ‬
‫دا‬
‫سّية وما‬ ‫مَتع الح ّ‬ ‫أّيها المسلمون‪ ،‬في غمرةِ الحياةِ المادّية والّلهاث وراَء ال ُ‬
‫ق والكتئاب والوصاب والمَلل‬ ‫َ‬
‫فَرت عنه من شُيوع أحوال القل ِ‬ ‫أس َ‬
‫ث ومتغّيرات شَغلت‬ ‫مة من أحدا ٍ‬ ‫مِنيت به ال ّ‬ ‫م ما ُ‬
‫ض ّ‬
‫خ َ‬‫والضطراب‪ ،‬وفي ِ‬
‫ت والتحليلت‪ ،‬انب ََثق عن ذلك كّله التغّرب عن الحياةِ الهانئة‬ ‫الناس بالمتابعا ِ‬
‫المطمئّنة‪ ،‬علوةً على ما قذفت به الحضارةُ المزعومة والمدنّية الزائفة من‬
‫عا بعد ذلك أن‬ ‫ت تحِلق الدين‪ ،‬وهل كان ِبد ً‬ ‫سموم ٍ أضَرم ناَرها قنوات وشبكا ٌ‬
‫دبت بعد النداوة والبراق‪ ،‬فانطمس نورها‪،‬‬ ‫ب بعد الشراق وأج َ‬ ‫وحت القلو ُ‬ ‫ص ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م‬
‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬‫م أن ُ‬
‫ساهُ ْ‬ ‫ه فَأن َ‬
‫سوا الل َ‬ ‫جها؟! ن َ ُ‬‫شعّ لهَ ُ‬
‫هجها‪ ،‬وانقطع عن الذكر الم ِ‬ ‫وبَهت و َ‬
‫]الحشر‪.[19:‬‬
‫ي‪ ،‬داء الغفلةِ والنسيان‬ ‫سى مقِعد هذا الداء الدو ّ‬ ‫لأ ً‬ ‫ف لك ّ‬
‫غروَ أن ُيضا َ‬ ‫ول َ‬
‫صافية‪ ،‬وخلخل أطناَبها الراسية‪ ،‬إلى ُركام مآسيَنا‬ ‫سن ينابيعَ الروح ال ّ‬ ‫الذي أ ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫سنة إلى ما يرطبها والفئدةُ إلى ما يطمِئنها‪،‬‬ ‫الضارية‪ ،‬مما تحتاج معه الل ِ‬
‫صد‬‫ف َفهمكم ما إليه ق َ‬ ‫ولعّله ـ يا رعاكم الله ـ سَرى إلى لطيف علمكم وشري ِ‬
‫حّبكم‪.‬‬‫مم م ِ‬ ‫وي ّ‬
‫قد يظن النسان في نفسه قبل المحن التجرد والنزاهة‪ ،‬فإذا وقعت الواقعة‬
‫تبين من بكى ممن تباكى‪ ،‬تبين الغبش من الصفاء والهلع من الصبر‪ ،‬والصدق‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من الكذب‪ ،‬والثقة من القنوط‪.‬‬


‫عندها يدرك المرء أنه بحاجة إلى تمحيص ومراجعة‪ ،‬فمن الخير له أن‬
‫يستدرك نفسه قبل أن يكون عبرة ويقع ضحية‪.‬‬
‫ت‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫لي‬‫ع‬ ‫ه‬‫ّ‬
‫ِ ْ َ ُ َِ ٌ ِ ِ‬‫ل‬ ‫وال‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫في‬ ‫ما ِ‬
‫ص َ‬
‫ح َ‬
‫م ّ‬
‫م وَل ِي ُ َ‬‫دورِك ُ ْ‬
‫ص ُ‬
‫ما ِفي ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫<) وَل ِي َب ْت َل ِ َ‬
‫دوِر( )آل عمران الية ‪.(154‬‬ ‫ص ُ‬
‫ال ّ‬
‫بالمحن تستيقظ الضمائر وترق القلوب وتتوجه إلى بارئها تضرع إليه وتطلب‬
‫رحمته وعفوه‪ ،‬معلنة تمام العبودية والتسليم الكامل له ل حول ول قوة إل‬
‫به‪.‬‬
‫ل مهرب منه إل إليه‪ ،‬ما شاء كان وما لم يشاء لم يكن‪ ،‬ل معقب لحكمه ل‬
‫إله إل هو‪.‬‬
‫باق فل يفنى ول يبيد ‪ ........‬ول يكون غير ما يريد‬
‫منفرد بالخلق والرادة ‪ ......‬وحاكم جل بما أراده‬
‫سبحانه وبحمده‬

‫)‪(3 /‬‬

‫إن لبثتم إل عشرا‬


‫جاء في سورة السراء‪ ):‬يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إل‬
‫قليل ً ( وجاء في سورة المؤمنون‪ ):‬قال كم لبثتم في الرض عدد سنين‪ ،‬قالوا‬
‫لبثنا يوما ً أو بعض يوم( وجاء في سورة يونس‪ ) :‬ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا‬
‫إل ساعة من النهار يتعارفون بينهم ( هذه اليات وغيرها تكشف عن حقيقة‬
‫الشعور النساني بسرعة انقضاء الحياة الدنيا‪ ،‬وسرعة مضي عالم البرزخ‪،‬‬
‫فالذاكرة البشرية عندها مشغولة بما هو أهم وبما هو أخطر‪ ،‬ثم إن الدنيا‬
‫وعالم البرزخ في قانون الخرة ل تزيد عن وحدة صغيرة من الزمن‪ .‬كيف ل‬
‫والنهائي ل يذكر في جانب اللنهائي !!‬
‫ثلث آيات من سورة طه تطرح نسبية الزمن في الدراك البشري‪ ،‬ليس في‬
‫الدنيا‪ ،‬ول في عالم البرزخ‪ ،‬بل في يوم الحشر‪ ،‬ول ندري كم يستمر هذا‬
‫اليوم‪ ،‬وإن كانت الحاديث الشريفة لتنص على طول الموقف‪ ،‬ولكنه في‬
‫النهاية ينقضي ليكون الخلود الذي ل يتناهى‪ ،‬وعلى وجه الخصوص في عالم‬
‫السعادة‪.‬‬
‫يقول تعالى ‪ ) :‬يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا‪ ،‬يتخافتون‬
‫ة إن‬‫بينهم إن لبثتم إل عشرا‪ ،‬نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريق ً‬
‫لبثتم إل يوما( اليات الكريمة تتحدث عن حشر المجرمين وما فيه من ضيق‬
‫ومعاناة إلى درجة أن تزرق الجلود‪ ،‬وهذا في حدود علمنا ينتج عن نقص‬
‫الكسجين والذي يزيد في معاناة المحشورين‪ ،‬وهو أيضا ً عند بعض أهل‬
‫الختصاص ينتج عن الخوف الشديد الذي ل أمل عنده في النجاة‪ ،‬مما يجعل‬
‫الدم يندفع باتجاه الجهاز الهضمي بدل أن يندفع إلى الجلد والعضلت ‪ .‬وهذا‬
‫الواقع المضني يجعل النسان حساسا ً تجاه الصوات والكلم ومن هنا ‪:‬‬
‫) يتخافتون بينهم ( فكل واحد منهم يطلب من الخر أن يغض من صوته‪،‬‬
‫وعلى الرغم من ذلك فإن هناك قضية في غاية الهمية تجعلهم يتساءلون‬
‫دته تجعلهم يتساءلون عن‬ ‫بينهم بأصوات خافتة‪ ،‬فطول الموقف ورهبته وش ّ‬
‫طول موقفهم‪ ،‬وكم مضى من الوقت‪ ،‬وهنا يتضح أن أقوالهم تتضارب‬
‫وتتفاوت تفاوتا ً كبيرًا‪ ،‬وهنا يتدخل البعض ليحد من المبالغات فيقولون‪ ) :‬إن‬
‫لبثتم إل عشرا ً (نعم لم تزد عن هذا الحد‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن الله تعالى أعلم بأقوالهم هذه ومدى مطابقتها للواقع ‪ ) :‬نحن أعلم بما‬ ‫إ ّ‬
‫ً‬
‫يقولون(فهذه القوال كلها مجافية للواقع‪ ،‬ولكن أقلهم إجراما وبالتالي أمثلهم‬
‫ة وسلوكا ً في عالم الحياة الدنيا يذهب إلى أ ّ‬
‫ن لبثهم لم يتجاوز اليوم ‪) :‬‬ ‫طريق ً‬
‫إن لبثتم إل يوما ً ( وهنا ينكشف سر اختلفهم الختلف الكبير‪ ،‬فقد ظهر أن‬
‫إحساس الّناس بالوقت يتفاوت يوم الحشر بتفاوت أعمالهم‪ ،‬ومدى صلحهم‬
‫ن هناك‬‫ن هول الموقف يتعلق بمدى الصلح‪ ،‬أي أ ّ‬ ‫أو فسادهم‪ ،‬وهذا يعني أ ّ‬
‫تناسبا ً عكسيا ً بين الصلح والشعور بهول الموقف ومداه‪ ،‬وعلى ضوء هذا‬
‫يمكن فهم الحاديث الشريفة التي تحدثت عن أهوال الموقف يوم القيامة ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إن مع العسر يسرين ‪25/06/1425‬هـ‬


‫أ‪.‬د ‪ .‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫الحمد لله وكفى‪ ،‬والصلة والسلم على عباده الذين اصطفى‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فإن من دروس سورة يوسف التي أقف معها في هذه المقالة‪ ،‬درس من‬
‫أعظم الدروس‪ ،‬إنه يتعلق بأعمال القلوب‪ .‬يتعلق باليمان بالله _جل وعل_‬
‫وبالثقة فيه‪ ،‬يتعلق بقوله _تعالى_‪" :‬أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف‬
‫السوء"‪ ،‬يتعلق بقوله _تعالى_‪":‬ومن يتوكل على الله فهو حسبه"‪ .‬ذلك‬
‫الدرس هو قوة التلزم بين الشدة والفرج‪ ،‬وهو تلزم ظاهر في سورة‬
‫يوسف‪.‬‬
‫إن التلزم بين الشدة والفرج في سورة يوسف مطرد اطرادا ً عجيبا‪ ،‬وهذا‬
‫المعنى‪ ،‬وهذه الدروس‪ ،‬وهذه المثلة التي سنتناولها‪ ،‬تعطي المؤمن ثقة بالله‬
‫_جل وعل_ وصدق توكل عليه‪ ،‬ولها آثارها العاجلة والجلة في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫إن من أخطر ما قد يمر بالمسلم أن يسيء الظن بربه _جل وعل_ إذا نزلت‬
‫به محنة‪ ،‬ويغفل عن التلزم بين الشدة والفرج‪،‬الذي أشار الله إليه في قوله‬
‫_تعالى_‪" :‬فإن مع العسر يسرا إن مع لعسر يسرا"‪ ،‬ولن يغلب عسر يسرين‪،‬‬
‫وهذا التلزم الواضح‪ ،‬الظاهر‪ ،‬البين‪ ،‬الجلي‪ ،‬بين الفرج والشدة من أجل أن‬
‫يزداد المؤمن إيمانا ً بربه وثقة بوعده ‪.‬‬
‫فكل واحد منا تمر به شدة‪ ،‬سواء صغرت أو كبرت‪ ،‬بل تمر بالمسلم شدائد‬
‫عدة‪ ،‬فإذا فقد النسان المل هلك‪ ،‬ولكنه إذا أحسن الظن بربه‪ ،‬وقوي إيمانه‬
‫به‪ ،‬فإنه سرعان ما يجد الفرج بين يديه‪ .‬هذه هي الحقائق كما تعرضها سورة‬
‫يوسف _عليه السلم_ نبدأ بها مثل مثل‪ ،‬من أجل أن يزداد إيماننا إيمانًا‪.‬‬
‫فمن التلزم بين الشدة والفرج‪ ،‬أنه عندما اجتمع إخوة يوسف من أجل أن‬
‫ل ل َك ُم وج َ‬ ‫حوهُ أ َْرضا ً ي َ ْ‬ ‫يتآمروا على قتله "اقْتُلوا يوس َ َ‬
‫م‬‫ه أِبيك ُ ْ‬
‫ْ َ ْ ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫ف أوِ اط َْر ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫ن" )يوسف‪ ،(9:‬وهم يتآمرون كان أغلبهم يرون‬ ‫َ‬ ‫حي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫صا‬ ‫ً‬
‫وم َ‬‫ا‬ ‫ن ب َعْدِهِ قَ ْ‬
‫م ْ‬ ‫وَت َ ُ‬
‫كوُنوا ِ‬
‫ً‬
‫هذا القرار "اقتلوا يوسف"‪ ،‬جميعهم يرى هذا القرار إل واحدا يأتي عن‬
‫طريقه الفرج‪ ،‬وقبل أن يصدر القرار بالقضاء على يوسف "قال قائل منهم ل‬
‫تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين"‬
‫فيأتي النقاذ ويأتي الفرج فبعد أن كاد أن يصدر القرار‪ ،‬يأتي أعقل إخوانه‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬ل تقتلوا يوسف‪ ،‬وهذا فرج بعد الشدة‪.‬‬
‫مثل آخر‪ :‬عندما ألقوه في الجب‪ ،‬واللقاء في البئر في وسط المدينة وفي‬
‫وسط الحضر شدة عظيمة جدًا‪ ،‬فكيف إذا اجتمع في هذا الجب العوامل‬
‫التالية‪:‬‬
‫في وسط البرية‪..‬‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بعيد عن أهله‪..‬‬
‫بعيد عن السكان‪..‬‬
‫والملقي في سن الصغر _عليه السلم_ دلت على ذلك أمور‪ ،‬منها‪ :‬أنه ل‬
‫يستطيع أن يسابق معهم‪ ،‬ول يستطيع أن يدافع عن نفسه "أخاف أن يأكله‬
‫الذئب وأنتم عنه غافلون" إذن فهو صغير‪..‬‬
‫وقد فارق والديه‪..‬‬
‫والذين يلقونه من هم ؟ هم إخوانه‪..‬‬
‫تجمعت كل عوامل الشدة في هذا الصنيع‪ ،‬فأين الفرج‬
‫لقد جاء الفرج وهو يلقى في البئر "وأوحينا إليه لتنبأنهم بأمرهم هذا وهم ل‬
‫يشعرون"‪ ،‬أي فرج هذا؟ أوحى الله إليه وحي إلهام ‪ ..‬ل تخف من الهلك‪ ،‬ل‬
‫تخف ستعيش‪ ،‬وستصل إلى مكانة ومنزلة تنبئهم بأمرهم‪ ،‬بكيدهم وهم ل‬
‫يشعرون‪.‬‬
‫وكلمة "وهم ل يشعرون" تدل دللة خاصة‪ ،‬فنقله نقلة عظيمة من الجو‬
‫المحيط به في داخل البئر إلى معنى آخر يقول له فيه‪ :‬إنك ستعيش وسيكون‬
‫لك شأن‪ ،‬وأنت الذي ستخبرهم بما فعلوا "قالوا أإنك لنت يوسف قال أن‬
‫يوسف وهذا أخي قد من الله علينا"‪ ..‬هذا فرج والله عظيم‪.‬‬
‫ونواصل أيضا ً مع هذا الفرج الذي يتوالى كل ما نزلت شدة‪ ،‬وضعوه في البئر‪،‬‬
‫تركوه‪ ،‬ذهبوا‪ ،‬هذه أيضا ً شدة ولشك‪ ،‬وإن كان أوحي إليه لينبأنهم بأمرهم‬
‫هذا وهم ل يشعرون‪ ،‬لكنه ل يعلم متى سيخرج من هذه البئر‪ ،‬وما هي إل‬
‫مدة زمنية قصيرة يدل عليها سياق اليات وسياق القصة "وجاءت سيارة‬
‫فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلم" هذا فرج آخر‪ ،‬حيث لم‬
‫ل‪ ،‬فما هو إل أن جاء من يبحث عن الماء فتعلق بالدلو‬ ‫يمكث في البئر طوي ً‬
‫فخرج من البئر‪ ،‬إذن هي مدة قصيرة‪ ،‬وهذا فرج آخر غير الفرج الول‪.‬‬
‫ثم يدخل في شدة أخرى عندما باعوه رقيقًا‪ ،‬وهو الكريم ابن الكريم ابن‬
‫الكريم ابن الكريم‪ ،‬يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم _عليهم وعلى‬
‫نبينا أفضل الصلة والسلم_ مع غربته ومع أسره يباع وبثمن بخس رقيقًا‪،‬‬
‫وهذا من أعظم الشدائد التي مرت بيوسف؛ لنها شدة معنوية ل تقارن بكثير‬
‫من الشدائد الحسية‪ ،‬فيأتي الفرج‪ ،‬أين الفرج؟‬
‫من الذي اشتراه؟ هل اشتراه من يسومه سوء العذاب؟ هل اشتراه من‬
‫يهينه؟ كثير من الناس يهينون من يستأجرون وليسوا أرقاء مع أنهم مثلهم‬
‫أحرار‪ ،‬ولكنهم لنهم استأجروهم أهانوهم‪ ،‬وكم يعاني عدد من الجراء ممن‬
‫أجره من الهانات والعبارات واللفاظ والسخرية والتسخير‪ ،‬فما بالكم‬
‫بالرقيق المملوك‪ ،‬لكن الله _جل وعل_ ينقذه بهذا السنة التلزم المطرد بين‬
‫الشدة والفرج !‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فالذي اشتراه عزيز مصر‪ ،‬لم يشتره من يهينه أو يسومه سوء العذاب‪ ،‬لكن‬
‫اشتراه عزيز مصر‪ ،‬ثم لما اشتراه عزيز مصر‪ ،‬وعندما دخل به إلى بيته يقول‬
‫لزوجته‪" :‬أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا"‪ .‬تأملوا هذا الفرج‬
‫وهذه الرحمات التي تتوالى على يوسف _عليه السلم_ تلزم ل انفصال بين‬
‫الشدة والفرج‪ .‬رحمات‪ ،‬فيعيش في قصر العزيز مكرما ً معززا ً كأنه ابن‬
‫مدلل‪ ،‬فينقذه الله من العبودية ومن السر إلى الشرف الذي يوصي به‬
‫زوجته‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولما راودته المرأة وغلقت البواب وحسبك بتلك شدة‪ ،‬امرأة متسلطة‬
‫وغلقت البواب‪ ،‬فاجتمعت على يوسف _عليه السلم_ الشدة الحسية‬
‫والمعنوية‪ ،‬ثم يأت الفرج‪ ،‬كيف؟‬
‫أول ً عندما أراه برهان ربه "ولقد همت به وهم بها لول أن رأى برهان ربه"‪،‬‬
‫فرؤية البرهان هنا من الله _جل وعل_ فرج عظيم جدًا‪ .‬إنقاذ الله له وحمايته‬
‫من أن يقع في المعصية فرج عظيم "احفظ الله يحفظك‪ ،‬احفظ الله تجده‬
‫تجاهك"‪.‬‬
‫ثم يتوالى الفرج بهروبه من هذه الفتنة العمياء‪.‬‬
‫ثم لما لحقته وقدت قميصه من دبر وكادت أن تمسك به‪ ،‬في تلك اللحظة‬
‫التي وصل فيها عند الباب "وألفيا سيدها لدى الباب"‪ ،‬وهذا فرج آخر‪.‬‬
‫ب‬‫ذا ٌ‬ ‫ن أ َوْ عَ َ‬
‫ج َ‬
‫س َ‬
‫ن يُ ْ‬
‫َ‬
‫سوءا ً إ ِّل أ ْ‬‫ك ُ‬‫ن أ ََراد َ ب ِأ َهْل ِ َ‬
‫م ْ‬
‫جَزاُء َ‬
‫ما َ‬
‫ت َ‬‫ثم لما بهتته "َقال َ ْ‬
‫م")يوسف‪ :‬من الية ‪ ،(25‬وهذه شدة جديدة وبلء جديد؛ لن المرأة هي‬ ‫َ‬
‫أِلي ٌ‬
‫المصدقة‪ .‬مع سرعة بهتانها وسرعة اتهامها‪ ،‬والمرأة تصدق هنا أكثر مما‬
‫يصدق الرجل‪ .‬فيأتيه فرج جديد "وشهد شاهد من أهلها" هذا فرج عظيم أنقذ‬
‫يوسف من هذه الدعوى التي بهتته بها‪ ،‬زوجة العزيز‪ ،‬ولذلك اعترف زوجها‬
‫بذلك‪ ،‬وقال لها‪:‬‬
‫"استغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين"‪ ،‬وبرأ يوسف "يوسف أعرض عن‬
‫هذا"‪ ،‬بينما عرف أن زوجته هي الخاطئة‪.‬‬
‫ومرة أخرى تستمر الضغوط في قصة النسوة اللتي قطعن أيديهن حتى‬
‫قالت في آخر القصة‪" :‬لئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا ً من‬
‫الصاغرين"‪ .‬بعد أن انتهى من الشدة الولى‪ ،‬فإذا هي تعود مرة أخرى‪ ،‬وبدل‬
‫أن كان المر فرديًا‪ ،‬فإذا هو أمر جماعي‪ .‬النسوة مع امرأة العزيز‪ ،‬كلهن‬
‫أجمعن على ذلك كما في خطابه ودعائه "قال رب السجن أحب إلي مما‬
‫يدعونني إليه"‪ ،‬ما قال‪ :‬مما تدعوني إليه امرأة العزيز‪ .‬شدة جديدة‪ ،‬فيلجأ‬
‫إلى الله _جل وعل_ ويتضرع بين يديه "رب السجن أحب إلي مما يدعونني‬
‫إليه وإل تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين"‪.‬‬
‫فيأتي الفرج "فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم"‪.‬‬
‫قد يقول قائل‪ :‬وهل السجن فرج؟ أقول‪ :‬نعم‪ ،‬السجن فرج في مقابل البلء‬
‫الذي أشار إليه "أصب إليهن وأكن من الجاهلين"‪.‬‬
‫وفي داخل السجن ‪-‬والسجن بلء والشدة‪ -‬يتوالى عليه الفرج‪ ،‬ليصبح في‬
‫داخل السجن ل كسائر السجناء‪ ،‬بل يصبح آمرا ً ناهيا ً عزيزا ً كريما ً سيدا ً‬
‫مطاعًا‪ ،‬وهذا يخفف من معاناة السجن‪ ،‬وهو فرج واضح في سياق القصة‪.‬‬
‫وعندما جاءت رؤيا الملك بعد أن طالت مدته في السجن‪ ،‬واشتد عليه‬
‫السجن‪ ،‬ولبث في السجن بضع سنين‪ ،‬رأى الملك هذه الرؤيا العظيمة‪ ،‬فإذا‬
‫هي سبب فرج الله به عنه‪ ،‬فمن الذي جعل الملك يرى الرؤيا؟ هو الله‪ ،‬ومن‬
‫كر هذا الرجل وقد نسي‬ ‫الذي قدر أل يعبرها إل يوسف؟ هو الله‪ ،‬ومن الذي ذ ّ‬
‫يوسف؟ هو الله‪ .‬فرج عظيم‪.‬‬
‫ثم في آخر القصة يأتي فرج آخر يزيل كل ريبة وتهمة في حق يوسف من‬
‫هؤلء النسوة‪ ،‬فتقر امرأة العزيز أنها هي التي راودته‪ .‬الن حصحص الحق‪،‬‬
‫الن تبينت المسألة‪ ،‬أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين‪ .‬ما أعظمه من‬
‫فرج والله‪ .‬تعترف هذه المرأة‪ ،‬ثم يبرأ من قبل النسوة‪ ،‬ما علمنا عليه من‬
‫سوء‪ ،‬وهذا فرج عظيم‪ ،‬واعتراف من المرأة‪ ،‬يبين أن صفحة يوسف _عليه‬
‫السلم_ بيضاء نقية‪.‬‬
‫وفي نهاية القصة عندما بلغ اليأس مبلغه‪ ،‬وعندما أصبح يعقوب – كما وصفه‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫موله "وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم"‪ ،‬ويزداد شدة المر عندما قال‬
‫له أبناؤه‪" :‬تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا ً أو تكون من الهالكين"‪.‬‬
‫قال‪" :‬إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما ل تعلمون"‪" ،‬يا بني‬
‫اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ول تيأسوا من روح الله إنه ل ييأس من‬
‫روح الله إل القوم الكافرون"‪ ،‬وهنا بلغ المر مبلغه‪ ،‬وبلغت الشدة مبلغها‪،‬‬
‫فيأتي الفرج "فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا‬
‫ببضاعة مزجاة‪ ،‬فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين قال‬
‫هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون" ويتوالى الفرج‪ ،‬ويرسل‬
‫قميصه إلى أبيه فيأتيه الفرج ويرجع إليه بصره "قالوا تالله إنك لفي ضللك‬
‫القديم فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم‬
‫إني أعلم من الله ما ل تعلمون"‬
‫وهكذا يتوالى الفرج في القصة‪..‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فيا أيها المؤمن‪ ،‬ل تقنط‪ ،‬ل تيأس "إنه ل ييأس من روح الله إل القوم‬
‫الكافرون" مهما توالت عليك الشدائد فل تيأس من روح الله‪ ،‬كم توالت‬
‫الشدائد على يوسف وعلى يعقوب _عليهما السلم_ شدة بعد شدة‪ ،‬ومحنة‬
‫بعد محنة‪ ،‬فيحدث ما يحدث ويأتي الفرج متواليًا‪ ،‬فإن مع العسر يسرًا‪ ،‬إن مع‬
‫العسر يسرًا‪ ،‬وقد روي أنه "لن يغلب عسر يسرين"‪ .‬فثقوا بالله وبوعده‪،‬‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫وازدادوا إيمانا ً بصدق وعده _جل وعل_ والتجئوا إليه تجدوا الفرج "إ ِ ّ‬
‫درًا")الطلق‪ :‬من الية ‪.(3‬‬ ‫َ‬
‫يٍء قَ ْ‬ ‫ل َ‬
‫ش ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه ل ِك ُ ّ‬ ‫مرِهِ قَد ْ َ‬
‫جعَ َ‬ ‫َبال ِغُ أ ْ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫إن مع العسر يسًرا‬


‫وعد من الله )تبارك وتعالى( وهو ل يخلف الميعاد {فإن مع العسر يسرا‪ .‬إن‬
‫من العسر يسرا} )الشرح‪. (6-5:‬‬
‫وإذا جاز تخلف وعود البشر و تبدل قوانينهم‪ ,‬فوعد الله ل يتخلف‪ ,‬وسنة الله‬
‫ل تتبدل‪ ,‬إنه وعد من الله )سبحانه( يتجاوز حدود الزمان والمكان‪ ,‬ول يقف‬
‫عند حد ّ من وما نزلت فيه اليات‪.‬‬
‫وقد فهم منها السلف هذا المعنى الواسع‪ ,‬فقالوا ‪ :‬لن يغلب عسر يسرين ‪,‬‬
‫وقالوا ‪ :‬لو كان العسر في جحر ضب لدخل عليه اليسر فأخرجه‪.‬‬
‫ب‬
‫إذا اشتملت على اليأس القلوب وضاق لما به الصدر الرحي ُ‬
‫ب‬
‫وأوطأت المكاره واطمأنت وأرست في أماكنها الخطو ُ‬
‫ب‬‫ولم تر لنكشاف الضر وجًها ول أغنى بحيلته الري ُ‬
‫ب‬
‫ث يمن به اللطيف المستجي ُ‬ ‫أتاك على قنوط منك غو ٌ‬
‫ب‬‫وكل الحادثات إذا تناهت فموصول بها الفرج القري ُ‬
‫بل يربط الله ذلك بالتقوى‪{ :‬ومن يتق الله يجعل له من أمره‬
‫يسرا} )الطلق‪. (4 :‬‬
‫وسنة الله )تبارك وتعالى(‪ :‬أنه حين تشتد الزمات وتتفاقم‪ :‬يأتي اليسر‬
‫والفرج ‪ ,‬أرأيت كيف فرج الله للمة بعد الهجرة وقد عاشت قبلها أحلك‬
‫الظروف وأصعبها? وفي الحزاب حيث بلغت القلوب الحناجر وظن الناس‬
‫بعدها الظنون‪ ,‬بعد ذلك كانت مقولة النبي صلى الله عليه و سلم‪ ,‬وهي‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مقولة صدق‪« :‬الن نغزوهم ول يغزوننا»)]‪ ,([1‬وحين مات النبي صلى الله‬
‫عليه و سلم وضاقت البلد بأصحاب النبي صلى الله عليه و سلم‪ ,‬وارتد‬
‫العرب‪ ,‬وأحدق الخطر‪ :‬ما هي إل أيام وزال المر‪ ,‬وتحول المسلمون إلى‬
‫فاتحين لبلد فارس والروم‪ ,‬وصار المرتدون بإذن الله بعد ذلك جنوًدا في‬
‫صفوف المؤمنين ‪ ..‬والعبر في التاريخ ل تنتهي ‪.‬‬
‫فهل يعي المسلمون اليوم هذه الحقيقة وهم يعيشون أزمة البعد عن دين‬
‫الله‪ ,‬والعراض عن شرعه‪ ,‬وانتشار ألوان الفساد‪ ،‬وفي المقابل‪ :‬التآمر في‬
‫كثير من الدول على الصلح والمصلحين وانسداد البواب في وجوههم? مما‬
‫أدى إلى سيطرة اليأس على كثير من المسلمين ‪ ,‬وأصبحت لغة التشاؤم هي‬
‫السائدة في مجالس بعض الصالحين‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك‪ :‬أن المسلم يشعر أن المور بقدر الله ‪ ,‬وأنه )تبارك وتعالى(‬
‫قد كتب مقادير الخلئق قبل أن يخلق السماوات والرض‪ ,‬وأن قدره وقدرته‬
‫فوق كل ما يريد ويكيد البشر‪.‬‬
‫وثالثة‪ :‬أن المر قد يكون في ظاهره شّرا‪ ,‬ثم تكون العاقبة خيًرا بإذن الله‪,‬‬
‫أرأيت حادثة الفك وفيها من الشناعة والبشاعة ما فيها‪ ,‬ومع ذلك هي بنص‬
‫القرآن‪{ :‬ل تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم} )النور‪ ,(11 :‬وها هو سراقة‬
‫بن مالك )رضي الله عنه( يلحق النبي صلى الله عليه و سلم «فكان أول‬
‫دا على نبي الله صلى الله عليه و سلم ‪ ,‬وكان آخر النهار مسلحة‬ ‫النهار جاه ً‬
‫له»)]‪.([2‬‬
‫عا والسعي لدرئه‪ ,‬إل أنه أحد‬ ‫ورابعة‪ :‬أن الفساد وإن كان الواجب رفضه شر ً‬
‫روافد الصلح‪ ,‬وواقع المة اليوم قد بلغ من الترهل والخمول ما يجعل يقظة‬
‫المة أجمع ل تتحقق إل حين تبلغ الغاية في الذل والنهيار والمهانة‪ ,‬فالمسلم‬
‫عا وديًنا ويسعى لدفعه‪ ,‬لكنه قد ًَرا يعلم أن عاقبته إلى خير‬ ‫يرفض ذلك شر ً‬
‫بإذن الله‪ ,‬وفي التاريخ عبرة‪ :‬ألم يكن اجتياح التتار والمغول لبلد السلم‪,‬‬
‫ما من روافد يقظة المة ونهوضها‪ ,‬بعد أن وصلت‬ ‫دا مه ّ‬
‫والغزو الصليبي‪ ..‬راف ً‬
‫إلى مرحلة شبيهة بما نحن فيه اليوم?‪.‬‬
‫فما أجدر بالصالحين اليوم أن ينظروا بعين التفاؤل‪ ,‬وأن ينصرفوا للعمل‬
‫عوا عنهم اليأس والتخذيل; فكيد أهل الفساد في بوار‪ ,‬ودين الله‬ ‫والجد‪ ,‬وي َد َ ُ‬
‫ظاهر {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} )المنافقون‪. (8 :‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫)]‪([1‬رواه البخاري )‪.(4110‬‬
‫)]‪([2‬رواه البخاري )‪(3911‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة‬


‫د‪ .‬وليد الرشودي ‪29/10/1424‬‬
‫‪23/12/2003‬‬
‫ل يشك عاقل في مدى حاجة المة المسلمة اليوم إلى الصلح الشامل في‬
‫جميع جوانبه السياسية والقتصادية والسلوكية ‪-‬وقبلها الشرعية‪-‬؛ بإرجاعها‬
‫إلى معينها ومنبعها الصافي الول الذي ل كدر فيه ول شائبة‪ :‬الكتاب والسنة‪،‬‬
‫عمل ً بقوله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا‬
‫بعدي أبدا ً ‪..‬كتاب الله وسنتي"‪ ،‬وعمل ً بوصفه عليه الصلة والسلم للطائفة‬
‫المنصورة والفرقة الناجية "من كانت على مثل ما أنا عليه وأصحابي"؛‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فالمراجعات وطرق سبل البحث عن الخيرية هو منهج السلم في عدم‬


‫الوقوف على رأي يراه العبد دون التمحيص أو التدقيق أو البحث عن فهم‬
‫صحيح للخبر المعصوم؛ بل إن الوقوف ‪-‬بل الجمود‪ -‬عليه هو ما ذمه أهل‬
‫العلم والمسمى بالتعصب للقول وعدم قبول الرجوع عنه لما هو أقوى منه‬
‫حجة أو أظهر بّينة أو فهمًا‪.‬‬
‫طر هذه السطر توضيحا ً للحق الذي رأيته في هذه الحقبة‬ ‫فمن هنا أس ّ‬
‫المريرة من زمن المة الشريفة‪ ،‬لقد تعالت أصوات المصلحين لتدارك الوضع‬
‫قبل أن ينفلت زمامه على كافة الصعدة‪ ،‬فعلت أصوات النذارة ونظروا في‬
‫ذر من‬ ‫ح ّ‬
‫النصوص فصاحوا بنصوص البشارة إذا تداركت المة أحوالها‪ ،‬ف ُ‬
‫الكافر وموالته أو المظاهرة له ونصحوا للمة في أخلقها واقتصادها وسائر‬
‫شؤونها عمل ً بالمنهج الشرعي المتكامل في شموله )ال ْيو َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫م ِدين َك ْ‬‫ت ل َك ُ ْ‬
‫مل ْ ُ‬
‫م أك ْ َ‬
‫َ ْ َ‬
‫م ِدينًا(‪ ،‬وقوله‪) :‬ما فرطنا في‬ ‫َ‬
‫سل َ َ‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬
‫م ال ِ ْ‬ ‫ضي ُ‬
‫مِتي وََر ِ‬ ‫ت عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م ن ِعْ َ‬ ‫م ُ‬
‫م ْ‬
‫وَأت ْ َ‬
‫الكتاب من شيء(‪ ،‬فصدقوا ونصحوا وبروا وأخلصوا للمة؛ فأعلى الله شأنهم‬
‫وكتب قبولهم في الرض تحقيقا ً لدعوتهم ربهم )واجعلنا للمتقين إمامًا(‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬اجعلنا مؤتمين بالمتقين مقتدين بهم‪.‬‬
‫قال ابن القيم ‪ :‬وهذا من تمام فهم مجاهد رحمه الله‪ ،‬فإنه ل يكون الرجل‬
‫إماما ً للمتقين حتى يأتم بالمتقين فنبه مجاهد على هذا الوجه الذي ينالون به‬
‫هذا المطلوب وهو اقتداؤهم بالسلف المتقين من قبلهم؛ فيجعلهم الله أئمة‬
‫للمتقين من بعدهم‪ ،‬وهذا من أحسن الفهم في القرآن وألطفه‪ ،‬ليس من‬
‫باب القلب في شيء‪ ،‬فمن ائتم بأهل السنة قبله ائتم به من بعده ومن معه‪،‬‬
‫إلى أن قال رحمه الله‪" :‬إن المتقين كلهم على طريق واحد‪ ،‬ومعبودهم‬
‫واحد‪ ،‬وأتباع كتاب واحد‪ ،‬ونبي واحد‪ ،‬وعبيد رب واحد‪..‬؛ فدينهم واحد‪ ،‬ونبيهم‬
‫واحد‪ ،‬وكتابهم واحد‪ ،‬ومعبودهم واحد؛ فكأنهم كلهم إمام واحد لمن بعدهم‪،‬‬
‫ليسوا كالئمة المختلفين الذين قد اختلفت طرائقهم ومذاهبهم وعقائدهم‪،‬‬
‫فالئتمام إنما هو بما هم عليه وهو شيء واحد وهو المام في الحقيقة"‪.‬‬
‫ولم تكن لهم المامة بالدين هكذا تخرصا ً أو دعوى بل هو بتوفر شروطه‬
‫ومقوماته كما في النهج الرباني )يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا‬
‫يوقنون( فهدايتهم للخلق على وفق منهج الخالق وشرعته وصبروا على ذلك‬
‫وأيقنوا بما هم عليه من الحق مع استصحابهم لمرين ‪ :‬الصبر الذي يحرق‬
‫فتن الشهوات‪ ،‬واليقين الذي يحرق فتن الشبهات‪ .‬فكانت لهم المامة في‬
‫الدين‪ ،‬فهم نهج واحد وبوتقة واحدة منذ بدايتهم بإرسال سيدهم محمد ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬وأتباعه من العشرة المبشرين والصحابة الكرام والتابعين‬
‫لهم بإحسان مثل‪ :‬عمر بن عبد العزيز‪ ،‬وسعيد‪ ،‬ومجاهد‪ ،‬وابن سيرين‪ ،‬وأبي‬
‫حنيفة‪ ،‬ومالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد‪ ،‬والثوري‪ ،‬والبخاري‪ ،‬والنووي‪ ،‬وابن تيمية‪،‬‬
‫وابن القيم‪ ،‬وابن رجب‪ ،‬وابن مفلح‪ ،‬وابن حجر‪ ،‬وابن عبد الوهاب‪،‬‬
‫والصنعاني‪ ،‬والشوكاني‪ ،‬وصديق حسن خان‪ ،‬وابن إبراهيم‪ ،‬وابن حميد‪ ،‬وابن‬
‫باز‪ ،‬واللباني‪ ،‬والعثيمين‪ ،‬ومن سار على نهجهم وسلك منهجهم‪ ،‬فنصحوا‬
‫للمة وعرفوا حق راعيها والرعية دون تفريط أو إجحاف‪ ،‬فكانوا كالشامة‬
‫البيضاء وهم جبين المة الناصع الساطع ومع هذا وقف لهم من وقف في‬
‫طريقهم واتهم نياتهم وشكك في سبيلهم وهذه سنة مطردة هي سنة البتلء‬
‫سواء الحسي أو المعنوي‪ ..‬اتهام بالباطل ورمي بما هم منه براء‪ ،‬وهي سنة‬
‫فرعونية يتصورها كل من يعادي سبيل النبياء‪ ،‬فتأمل سورة العراف لترى‬
‫كيف اتهم فرعون إيمان السحرة بموسى وتأييدهم له بأنهم ما أرادوا بذلك‬
‫وجه الله وإنما أرادوا الحكم أو المصلحة الذاتية أو النفوذ الشخصي؛ فاسمع‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ل فرعَون آمنتم به قَب َ َ‬
‫ذا ل َ َ‬
‫مك ٌْر‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫م إِ ّ‬ ‫ل أن آذ َ َ‬ ‫لقوله حينما يقول ‪َ) :‬قا َ ِ ْ ْ ُ َ ُ ِ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن( وقال عن الرسول‬ ‫مو َ‬ ‫ف ت َعْل َ ُ‬‫سو ْ َ‬‫من َْها أهْل ََها فَ َ‬
‫جوا ْ ِ‬
‫خرِ ُ‬
‫دين َةِ ل ِت ُ ْ‬ ‫موه ُ ِفي ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫مك َْرت ُ ُ‬ ‫ّ‬
‫ْ‬
‫م أوْ أن ي ُظهَِر ِفي‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف أن ي ُب َد ّل ِدين َك ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫الكليم عليه الصلة والسلم ‪) :‬إ ِّني أ َ‬
‫ساَد(‪.‬‬ ‫ض ال ْ َ‬ ‫َْ‬
‫ف َ‬ ‫الْر ِ‬
‫إنها التهمة الدائمة لكل مصلح إلى قيام الساعة مع يقين من رمى بها أن‬
‫المصلح براء منها كل البراءة بل أشد من براءة الذئب من دم يوسف؛ لن‬
‫هدفهم هو إصلح العباد وتعبيدهم لرب العباد‪ ،‬فلماذا كل هذا على المصلحين‬
‫وأتباعهم؟!‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إنها أمور حب التسلط والذات والحسد والبغي حتى حالوا بين الناس وبين أن‬
‫يسمعوا كلمة المصلح سواء عن طريق القوة أو التشويه للسمعة أو الرمي‬
‫بالباطل‪ ،‬لقد أدرك أعداء الصلح على حسب أنواعهم أن الكلمة قوة‬
‫يدركون معناها أكثر من المستضعفين ويدركون أن الجماهير المية تكون‬
‫سهلة النقياد فكانت عمليات التغييب والمحو للثقافة أصل ً أصيل ً يستخدمه‬
‫أعداء الملة وأنت ترى اليوم إسلما ً على النهج المريكي يتوافق مع سياسة‬
‫حكومتها وآخر فرنسي وآخر وآخر وهكذا‪ ..‬حتى ترى من يرى أن الحق مع‬
‫غيره ول يمكن أن يشتركا في الحق فيتجرأ عبر العلم الفضائي ليرى‬
‫البريء بتهمة تكفير الحاكم أو أن في منهجه الدعوي خلل‪ ،‬ويسوق بهتانا ً‬
‫وكذبا ً وزورا ً وتدليسا ً أقوال أناس قد قضوا حتفهم‪ ،‬ولنهم ل يمكن‬
‫استنطاقهم مع أن الواقع أنهم قد ذموه هو وحذروا منه بكلم ل يستطيع أن‬
‫يمسحه الدعي إل بالتوبة النصوح‪.‬‬
‫وهكذا يا من سلكت سبيل المصلحين الصبر الصبر واليقين اليقين وتذكر‬
‫ن)‬ ‫صوُرو َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫من ُ‬ ‫م ل َهُ ُ‬
‫ن )‪ (171‬إ ِن ّهُ ْ‬
‫سِلي َ‬ ‫مت َُنا ل ِعَِبادَِنا ال ْ ُ‬
‫مْر َ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬ ‫ق ْ‬‫سب َ َ‬
‫قد ْ َ‬‫دوما ً )وَل َ َ‬
‫ن )‪]((173‬سورة الصافات[‪.‬‬ ‫م ال َْغال ُِبو َ‬ ‫جند ََنا ل َهُ ُ‬
‫ن ُ‬‫‪ (172‬وَإ ِ ّ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إنا كفيناك المستهزئين‬


‫أ‪.‬د‪ /‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫الحمد لله وكفى‪ ،‬ثم الصلة والسلم على عباده الذين اصطفى‪ ،‬ورسله‬
‫الذين اجتبى‪ ،‬وبعد‪..‬‬
‫فإن من سنة الله فيمن يؤذي رسوله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أنه إن لم يجاز‬
‫في الدنيا بيد المسلمين‪ ،‬فإن الله سبحانه ينتقم منه ويكفيه إياه‪ ،‬والحوادث‬
‫التي تشير إلى هذا في السيرة النبوية وبعد عهد النبوة كثيرة‪ ،‬وقد قال الله‬
‫تعالى‪) :‬فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين(‬
‫]الحجر‪.[95:‬‬
‫والقصة في سبب نزول الية وإهلك الله لهؤلء المستهزئين واحدا واحدا‬
‫معروفة قد ذكرها أهل السير والتفسير وهم على ما قيل نفر من رؤس‬
‫قريش‪ :‬منهم الوليد بن المغيرة‪ ،‬والعاص بن وائل‪ ،‬والسودان ابن المطلب‬
‫وابن عبد يغوث‪ ،‬والحارث بن قيس‪.‬‬
‫وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر‪ ،‬وكلهما لم يسلم‪،‬‬
‫لكن قيصر أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأكرم رسوله‪ ،‬فثبت‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ملكه‪.‬‬
‫قال ابن تيمية في الصارم‪" :‬فيقال‪ :‬إن الملك باق في ذريته إلى اليوم"‪ ،‬ول‬
‫يزال الملك يتوارث في بعض بلدهم‪.‬‬
‫وأما كسرى فمزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬واستهزأ برسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقتله الله بعد قليل ومزق ملكه كل ممزق‪ ،‬فلم‬
‫يبق للكاسرة ملك‪ ،‬وهذا والله أعلم تحقيق لقوله تعالى‪) :‬إن شانئك هو‬
‫البتر( ]الكوثر‪ ،[3 :‬فكل من شنأه وأبغضه وعاداه‪ ،‬فإن الله يقطع دابره‬
‫ويمحق عينه وأثره‪ ،‬وقد قيل‪ :‬إنها نزلت في العاص بن وائل‪ ،‬أو في عقبة بن‬
‫أبي معيط‪ ،‬أو في كعب بن الشرف‪ ،‬وجميعهم أخذوا أخذ عزيز مقتدر‪.‬‬
‫ومن الكلم السائر‪ ،‬الذي صدقه التاريخ والواقع‪" :‬لحوم العلماء مسمومة"‪،‬‬
‫فكيف بلحوم النبياء عليهم السلم؟‬
‫وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪" :‬يقول الله تعالى من‬
‫عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة" فكيف بمن عادى النبياء؟‬
‫يا ناطح الجبل العالي ليثلمه أشفق على الرأس ل تشفق على الجبل‬
‫إن من عقيدة أهل السنة أن من آذى الصحابة ولسيما من تواتر فضله‬
‫فإسلمه على شفا جرف هار‪ ،‬يجب ردعه وتأديبه‪ ،‬فكيف بمن آذى نبيا ً من‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن ي ُؤُْذو َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫النبياء‪ ،‬فكيف بمن آذى محمدا ً صلى الله عليه وسلم؟ )إ ِ ّ‬
‫مِهينًا( ]الحزاب‪.[57:‬‬ ‫َ‬
‫ذابا ً ُ‬ ‫م عَ َ‬ ‫خَرةِ وَأعَد ّ ل َهُ ْ‬ ‫ه ِفي الد ّن َْيا َواْل ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ه ل َعَن َهُ ُ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫وإذا استقصيت قصص النبياء المذكورة في القرآن تجد أممهم إنما أهلكوا‬
‫حين آذوا النبياء‪ ،‬وقابلوهم بقبيح القول أو العمل‪ ،‬وهكذا بنو إسرائيل إنما‬
‫ضربت عليهم الذلة وباءوا بغضب من الله ولم يكن لهم نصير لقتلهم النبياء‬
‫بغير حق‪ ،‬مضموما ً إلى كفرهم كما ذكر الله ذلك في كتابه‪ ،‬فقال عز شأنه‪:‬‬
‫)ضربت عَل َيهم الذ ّل ّ ُ َ‬
‫س وََباُءوا‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫حب ْ ٍ‬‫ن الل ّهِ وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫حب ْ ٍ‬ ‫فوا إ ِّل ب ِ َ‬ ‫ما ث ُقِ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ة أي ْ َ‬ ‫ِْ ُ‬ ‫ُ َِ ْ‬
‫هّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ت الل ِ‬ ‫ن ِبآَيا ِ‬ ‫فُرو َ‬ ‫م كاُنوا ي َك ُ‬ ‫ة ذ َل ِك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫س كن َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال َ‬ ‫ت عَلي ْهِ ُ‬ ‫ضرِب َ ْ‬ ‫ن اللهِ وَ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ب ِغَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن( ]آل عمران‪.[112:‬‬ ‫دو َ‬ ‫وا وَكاُنوا ي َعْت َ ُ‬ ‫ص ْ‬‫ما عَ َ‬ ‫حقّ ذ َل ِك ب ِ َ‬ ‫ن الن ْب َِياَء ب ِغَي ْرِ َ‬ ‫قت ُلو َ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫فحري بمثل هذا المستهزء المستهتر أن ُيتمثل له قول العشى‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ت ال ِب ِ ُ‬ ‫ت ضائ َِرها ما أط ّ ِ‬ ‫ت أثل َِتنا وَ َلس َ‬ ‫عن َنح ِ‬ ‫منت َِهيا ً َ‬ ‫ت ُ‬ ‫أَلس َ‬
‫َ‬
‫ع ُ‬
‫ل‬ ‫ه الوَ ِ‬ ‫ضرها وَأوهى َقرن َ ُ‬ ‫قها فََلم ي َ ِ‬ ‫صخَرة ً َيوما ً ل َِيفل ِ َ‬ ‫كناط ٍِح َ‬ ‫َ‬
‫ولعل وقيعة بعض الغربيين في النبي الكريم مشعر بتهالك حضارتهم وقرب‬
‫زوالها‪ ،‬فإنهم ما تجرأوا ول عدلوا إلى النتقاص وأنواع الشتم إل ّ بعد أن فقدوا‬
‫المنطق‪ ،‬وأعوزتهم الحجة‬
‫ل‬ ‫شّرها َيوما ً وََتبت َهِ ُ‬ ‫من َ‬ ‫طبا ً ت َُعوذ ُ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫كلَتها َ‬ ‫ن وََقد أ َ ّ‬ ‫ل َتقعُد َ ّ‬
‫إن مجرد إخراج النبي رفع للمان وإيذان بحلول العذاب‪ ،‬ولهذا قال الله‬
‫من َْها وَِإذا ً ل ي َل ْب َُثو َ‬ ‫َْ‬
‫ك‬‫خلفَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫جو َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ض ل ِي ُ ْ‬‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫فّزون َ َ‬‫ست َ ِ‬ ‫كاُدوا ل َي َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫تعالى‪) :‬وَإ ِ ْ‬
‫ل( ]السراء‪ ،[76:‬فإذا كان هذا جزاء الخراج فكيف بالذى والسخرية‬ ‫إ ِّل قَِلي ً‬
‫والستهزاء؟ لعلك ل تجد أحدا آذى نبيا من النبياء ثم لم يتب إل ولبد أن‬
‫تصيبه قارعة‪ ،‬وقد قال شيخ السلم بعد أن ذكر حديث أنس بن مالك رضي‬
‫الله عنه‪ ،‬قال‪ :‬كان رجل نصراني فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران وكان يكتب‬
‫للنبي صلى الله عليه وسلم فعاد نصرانيا وكان يقول ل يدري محمد إل ما‬
‫كتبت له فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الرض فقالوا هذا فعل محمد‬
‫وأصحابه لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه‪ ،‬فحفروا له فأعمقوا له‬
‫في الرض ما استطاعوا فأصبحوا وقد لفظته الرض فعلموا أنه ليس من‬
‫الناس فألقوه‪ ،‬وهذا حديث صحيح ثابت عند البخاري وغيره‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ثم قال المام ابن تيمية معلقًا‪" :‬وهذا أمر خارج عن العادة يدل كل أحد على‬
‫أن هذه عقوبة لما قاله‪ ،‬وأنه كان كاذبًا‪ ،‬إذ كان عامة الموتى ل يصيبهم مثل‬
‫هذا‪ ،‬وأن هذا الجرم أعظم من مجرد الرتداد إذا كان عامة المرتدين ل‬
‫يصيبهم مثل هذا‪ ،‬وأن الله منتقم لرسوله ممن طعن عليه وسبه‪ ،‬ومظهر‬
‫ب الكاذب إذا لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد‪ .‬ونظير هذا ما‬ ‫لدينه وك َذِ ِ‬
‫حدثناه أعداد من المسلمين العدول أهل الفقه والخبرة عما جربوه مرات‬
‫متعددة في حصر الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية‪ ،‬لما حصر‬
‫المسلمون فيها بني الصفر في زماننا قالوا كنا نحن نحصر الحصن أو المدينة‬
‫الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنع علينا حتى نكاد نيأس منه‪ ،‬حتى إذا‬
‫تعرض أهله لسب رسول الله والوقيعة في عرضه تعجلنا فتحة وتيسر ولم‬
‫يكد يتأخر إل ّ يوما ً أو يومين أو نحو ذلك ثم ُيفتح المكان عنوة‪ ،‬ويكون فيهم‬
‫ملحمة عظيمة‪ .‬قالوا حتى إن كنا لنتباشر بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون‬
‫فيه‪ ،‬مع امتلء القلوب غيظا ً عليهم بما قالوا فيه‪ .‬وهكذا حدثني بعض أصحابنا‬
‫الثقات؛ أن المسلمين من أهل المغرب حالهم مع النصارى كذلك‪ ،‬ومن سنة‬
‫الله أن يعذب أعداءه تارة بعذاب من عنده وتارة بأيدي عباده المؤمنين"‪.‬‬
‫وقال في موضع آخر‪ :‬وبلغنا مثل ذلك في وقائع متعددة‪.‬‬
‫مّنا‬ ‫ُ‬
‫وقد قال أصدق القائلين سبحانه مبينا تكفله بكفاية شر هؤلء‪ُ) :‬قولوا آ َ‬
‫ب‬
‫قو َ‬ ‫حاقَ وَي َعْ ُ‬ ‫س َ‬‫ل وَإ ِ ْ‬ ‫عي َ‬‫ما ِ‬ ‫س َ‬‫م وَإ ِ ْ‬ ‫ل إ َِلى إ ِب َْرا ِ‬
‫هي َ‬ ‫ما أ ُن ْزِ َ‬ ‫ل إ ِل َي َْنا وَ َ‬ ‫ما أ ُن ْزِ َ‬ ‫ِبالل ّهِ وَ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫فّرقُ ب َي ْ َ‬ ‫م ل نُ َ‬ ‫ن َرب ّهِ ْ‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ي الن ّب ِّيو َ‬ ‫ما أوت ِ َ‬ ‫سى وَ َ‬ ‫عي َ‬ ‫سى وَ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ي ُ‬‫ما أوت ِ َ‬ ‫ط وَ َ‬ ‫سَبا ِ‬ ‫َواْل ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫قدِ اهْت َد َْوا وَإ ِ ْ‬ ‫م ب ِهِ فَ َ‬‫من ْت ُ ْ‬
‫ما آ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ِ‬
‫مُنوا ب ِ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ن * فَإ ِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫ه ُ‬‫ن لَ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م وَن َ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫حد ٍ ِ‬ ‫أ َ‬
‫م( ]البقرة‪:‬‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ه وَهُوَ ال ّ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫فيك َهُ ُ‬ ‫سي َك ْ ِ‬
‫ق فَ َ‬ ‫قا ٍ‬ ‫ش َ‬ ‫م ِفي ِ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫وا فَإ ِن ّ َ‬‫ت َوَل ّ ْ‬
‫‪.[137-136‬‬
‫فما أوسع البون بين أهل السلم التقياء النقياء الذين يؤمنون بجميع الرسل‬
‫ويعظمونهم ويوقرونهم‪ ،‬وبين غيرهم الذين ناصبوا رسلهم العداء قديما ً‬
‫وحديثًا‪ ،‬وورثوه كابرا ً عن كابر‪.‬‬
‫ولشك أن ساسة الدول الذين يغضون الطرف عن سفهائهم الواقعين في‬
‫أعراض النبياء ليسوا عن الذم بمعزل‪ ،‬فإن الله سبحانه تأذن بإهلك المدن‬
‫والقرى الظالمة‪ ،‬ولعل من أظلم الظلم العتداء على النبياء وتنقصهم‪ ،‬فإن‬
‫ذلك يخالف التشريعات السماوية‪ ،‬كما أنه مخالف للنظم والقوانيين الوضعية‬
‫الكافرة الرضية‪ .‬والدول الغربية إذا لم تقم العدل لم تبق من مقومات بقائها‬
‫كثير أعمدة‪.‬‬
‫ولعل وقيعة بعض الغربيين في النبي الكريم مشعر بتهالك حضارتهم وقرب‬
‫زوالها‪ ،‬فإنهم ما تجرأوا ول عدلوا إلى النتقاص وأنواع الشتم إل ّ بعد أن فقدوا‬
‫المنطق‪ ،‬وأعوزتهم الحجة‪ ،‬بل ظهرت عليهم حجة أهل السلم البالغة‪،‬‬
‫وبراهين دينه الساطعة‪ ،‬فلم يجدوا ما يجاروها به غير الخروج إلى حد السب‬
‫والشتم‪ ،‬تعبيرا ً عن حنقهم وما قام في نفوسهم تجاه المسلمين من المقت‪،‬‬
‫وغفلوا أن هذا يعبر أيضا ً عما قام في نفوسهم من عجز عن إظهار الحجة‬
‫والبرهان‪ ،‬والرد بمنطق وعلم وإنصاف‪ .‬فلما انهارت حضارتهم المعنوية أمام‬
‫حضارة السلم عدلوا إلى السخرية والتنقص والشتم‪.‬‬
‫وإنك لتعجب من دول يعتذر حكماؤها لسفهائها بحجة إتاحة الحريات‪ ،‬مع أن‬
‫شأنهم مع من عادى السامية أو تنقصها يختلف! وحسبك أن تقرير الحريات‬
‫المريكي الخير أشاد بحادثة تحقيق وإدانة في الدنمارك لمعادات السامية‪،‬‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وببعض جهود الدولة في ذلك‪ ،‬ولمها في بعض التقصير –وفق رؤيتهم‪ -‬وفي‬
‫معرض ذلك عرض بالمسلمين‪ ،‬فضل ً عن تغافله عن حوادث السخرية‬
‫بالسلم ونبيه صلى الله عليه وسلم المتكررة هناك‪.‬‬
‫ومن هنا يتبين أن مسألة الديمقراطية وقضية الحريات وقوانين المم‬
‫المتحدة التي تزعم احترامها وحمايتها وبالخص الدينية منها‪ ،‬أمور ذات معاير‬
‫مختلفة عند القوم‪ ،‬والمعتبر عندهم فيها ما وافق اعتقادهم ودينهم وثقافتهم‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وإذا تقرر هذا فليعلم أن من واجب المسلمين أن يذبوا عن عرض رسول الله‬
‫ل‪ ،‬وأن يسعوا في محاسبة الظالم وفي إنزال العقوبة‬ ‫بما أطاقوا قول ً وعم ً‬
‫سول ِهِ وَت ُعَّزُروهُ‬ ‫ّ‬ ‫التي يستحقها به‪ ،‬كما قال الله تعالى‪) :‬ل ِت ُؤْ ِ‬
‫مُنوا ِباللهِ وََر ُ‬
‫َ‬
‫صَرهُ‬ ‫صُروه ُ فَ َ‬
‫قد ْ ن َ َ‬ ‫ّ‬
‫ل( ]الفتح‪ ،[9:‬وقال‪) :‬إ ِل ت َن ْ ُ‬ ‫حوه ُ ب ُك َْرةً وَأ ِ‬
‫صي ً‬ ‫وَت ُوَقُّروهُ وَت ُ َ‬
‫سب ّ ُ‬
‫ه(]التوبة‪ ،[40:‬ومن المفارقات الظاهرة التي وقع فيها بعض المسلمين‪،‬‬ ‫الل ّ ُ‬
‫تقصيرهم في الذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬مع أنك ترى‬
‫الموالد الحاشدة المكتظة بدعوى المحبة‪ ،‬فهل ياترى عبرت تلك الحشود‬
‫التي ربما رمت غيرها بعدم محبته صلى الله عليه وسلم عن حبها بذبها عن‬
‫رسولها صلى الله عليه وسلم؟ وهل أنصف النبي الكرم صلى الله عليه‬
‫وسلم أولئك الذين يحاولون تصوير مسألة تنقصه –مجاملة للغرب‪ -‬على أنها‬
‫مسألة لتنبغي لنها من قبيل الحديث في الموات؟ هل هذا علج صحيح‬
‫للقضية؟ وهل هذا هو حجمها عند المسلمين؟ أرأيتم لو استهزأ بحاكم أو ملك‬
‫أو رئيس‪ ،‬أوَ تبقي بعدها تلك الدولة المستهزؤ بحاكمها علقة مع الدولة التي‬
‫ُيستهزؤ فيها تحت سمع وبصر الساسة باسم الحريات؟ أويقبل مسلم أن‬
‫تقطع دولة إسلمية علقتها مع دولة غربية لسباب يسيرة وقضايا هامشية ثم‬
‫ل تحرك ساكنا تجاه السخرية بنبي المة صلى الله عليه وسلم؟‬
‫لقد كان الذب عنه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ومجازاة المعتدي وردعه من هدي‬
‫الصحابة والسلف الكرام‪ ،‬بالعمل والقول وربما بهما جميعًا‪ ،‬وكم جاد إنسان‬
‫منهم بنفسه في سبيل ذلك‪ ،‬إل ّ أنه ليتوجب على المسلم أن ي ُعَّرض نفسه‬
‫للهلكة في سبيل ذلك‪ ،‬بل له في السكوت رخصة إذا لم تكن له بالنكار‬
‫طاقة‪ ،‬وفي خبر عمار –رضي الله عنه‪ -‬في الكراه ونزول قول الله تعالى‪:‬‬
‫)إل ّ من أكره( الية ما يشهد لهذا‪ ،‬وكذلك حديث جابر في قتل محمد ُ بن‬
‫ب بن الشرف‪ ،‬فهو يشهد لهذا المعنى‪ ،‬وغيره مما هو معروف‬ ‫مسلمة كع َ‬
‫عند أهل العلم‪.‬‬
‫ومن كان هذا شأنه فل يقتله السى وليعلم أن الله منتقم لنبيه‪ ،‬وأن المجرم‬
‫إذا تداركته فلتة من فلتات الدهر في الدنيا فلم تمض فيه سنة الله في‬
‫أمثاله‪ ،‬فإن وراءه‪:‬‬
‫يوم عبوس قمطرير شره في الخلق منتشر عظيم الشان‬
‫وحسبه من خزي الدنيا أن يهلك وألسنة المليار ومن ينسلون تلعنه إلى يوم‬
‫الدين‪ ،‬فإن المسلمين قد ينسون أمورا ً كثيرة ويتجاهلون مثلها‪ ،‬ولكنهم‬
‫لينسون ول يغفرون لمن أساء إلى نبيهم صلى الله عليه وسلم وإن تعلق‬
‫بأستار الكعبة‪ ،‬وخاصة بعد موته صلى الله عليه وسلم وتاريخهم على هذا‬
‫شاهد‪.‬‬
‫هذا والله أسأل أن يعجل بالنتصار لنبيه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأن يعز‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلم وأهله إنه على ذلك قدير وبالجابة جدير‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا‬
‫محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫إنا كفيناك المستهزئين‬


‫دفاعآ عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وسرد بعضآ من سيرته‬
‫قصيدة أعجبتني أحببت نقلها إليكم للفائدة وهي لشاعر سوري ليحب ذكر‬
‫إسمه لتبقى هذه القصيدة خا لصة لوجه الله تعالى‬
‫ن رسول‬ ‫ب الزما ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ت في ِ‬ ‫خل َد َ َ‬ ‫م بكرةً وأصيل و َ‬ ‫ت يداه ْ‬ ‫ت َب ّ ْ‬
‫مرت ّل ً ترتيل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وبقى على اليام ِ ذِك ُْر َ‬
‫ودا ‪ ...‬و ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫م َ‬ ‫ك طّيبا و ُ‬
‫ن حقول‬ ‫ن بفيهِ كا َ‬ ‫دنا بالمصطفى فالياسمي ُ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫تك ّ‬ ‫طر ْ‬ ‫وتع ّ‬
‫ل حبيِبنا إكليل‬ ‫ت نعا ُ‬ ‫ل محمدٍ فََغد ْ‬ ‫شرفاُء نع َ‬ ‫ج ال ّ‬ ‫وت َت َوّ َ‬
‫**************‬
‫ه طويل‬ ‫ث النبلُء عن ُ‬ ‫م هيبةِ أحمدٍ وتحد ّ َ‬ ‫ل أما َ‬ ‫ف الرجا ُ‬ ‫وق َ‬
‫ن مبادئا وخيول‬ ‫ً‬ ‫ي خيوله المجد ُ كا َ‬ ‫َ‬ ‫والمجد ُ أطرقَ للّنب ّ‬
‫ي دليل‬ ‫ج فخٌر بالنب ّ‬ ‫ن َدللةٍ ما احتا َ‬ ‫خ دو َ‬ ‫خَر الّتاري ُ‬ ‫وتفا َ‬
‫ه تقبيل‬ ‫م ُ‬ ‫وتسابقّ العظماُء في أعتابهِ وتناوبوا أقدا َ‬
‫ل مفضول‬ ‫ف فاض ٌ‬ ‫ك يعر ُ‬ ‫مهم وكذا َ‬ ‫ن إما َ‬ ‫عرفوا فضائَله وكا َ‬
‫*****************‬
‫ل مثيل‬ ‫ك في الخل ِ‬ ‫ت بعد َ‬ ‫ت مثاَلها لم يأ ِ‬ ‫ق كن َ‬ ‫يا سي ّد َ الخل ِ‬
‫حك المسلول‬ ‫ن سل َ‬ ‫ة والعفوُ ‪ ،‬كا َ‬ ‫ل ‪ ،‬ورأف ٌ‬ ‫صبُر الجمي ُ‬ ‫م ‪ ،‬وال ّ‬ ‫حل ُ‬ ‫ال ِ‬
‫ه ‪ ...‬تكبيل‬ ‫ن جميل ُ‬ ‫ُ‬ ‫م يكو ُ‬ ‫ً‬
‫ن العفوُ سْيفا باِترا ولك ْ‬ ‫ً‬ ‫م يكو ُ‬ ‫ولك ْ‬
‫****************‬
‫قول‬ ‫فسا وَع ُ ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫حَها وُتشي ّد ُ منها أن ْ ُ‬ ‫ق تبني صْر َ‬ ‫يا سي ّد َ الخل ِ‬
‫ُ‬
‫ت ِقنديل‬ ‫وأ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫ة وَب َعَث ًْتها ‪ ...‬فَت َ َ‬ ‫م ً‬ ‫جهالةِ أ ّ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ت من مو ِ‬ ‫قذ ْ َ‬ ‫أن ْ َ‬
‫مْنقول‬ ‫ح إ ِْرَثها ال َ‬ ‫م ُ‬ ‫سا ُ‬ ‫ن الت ّ َ‬ ‫عد ّة ً كا َ‬ ‫ً‬
‫دنيا ُقرونا ِ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫وأنار ِ‬
‫ت كفيل‬ ‫ً‬
‫ش اليهود ُ مع الّنصارى بيننا وَلدا وأحفادا وكن َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫عا َ‬
‫ْ‬
‫هذي حضارة ُ أحمد ٍ فَتحد ِّثي ) يا إيلياُء ( وَأطن ِِبي تفصيل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه تهليل‬ ‫سكوت ً ً‬ ‫ن ً‬ ‫مك َّبرا ً ولقد يكو ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ص ّ‬ ‫قد ْ ينط ِقُ الحجُر ال َ‬
‫َ‬
‫معَ ) نيل (‬ ‫س َ‬‫دا فأ ْ‬‫َ‬ ‫ش َ‬ ‫ت( َ‬ ‫ل محمدٍ وكذا ) الفرا ُ‬ ‫ت ) نواعيٌر ( بعد ْ ِ‬ ‫غَن ّ ْ‬
‫**************‬
‫ش ( شاهدا ً ودليل‬ ‫س شْرِقنا عند ) الّتعاي ُ ِ‬ ‫ت كنائ ُ‬ ‫ول َُرّبما كان ْ‬
‫ً‬
‫جد َ اليهود ُ بديننا لما ) استغاثوا ( ملجأ مأمول‬ ‫ول َُرّبما وَ َ‬
‫ه تنزيل‬ ‫ت آيات ُ ُ‬ ‫م فت َن َّزل ّ ْ‬ ‫شّرعُ للجميِع حقوَقه ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ض ِ‬ ‫َ‬
‫ة أحمدٍ تمثيل‬ ‫م َ‬ ‫أ‬
‫َ َ ّ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ورحم‬ ‫‪،‬‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫العظي‬ ‫دل‬ ‫َ ْ‬ ‫ع‬ ‫وال‬ ‫‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫الح‬
‫***************‬
‫ْ‬
‫ص ( تلقَ ُذهول‬ ‫خذ ُ ث َأَره ُ من ) عمروِ بن العا ِ‬ ‫ي ( يأ ُ‬ ‫قب ْط ِ ّ‬ ‫ن ) ال ِ‬ ‫لع ِ‬ ‫فاسأ ْ‬
‫مكّرما ونبيل "‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫مرُء يولد ُ ُ‬ ‫ة " ال َ‬ ‫قول ً‬ ‫م ُ‬ ‫ق َ‬ ‫خ للحقو ِ‬ ‫مٌر ( ي ُؤَّر ُ‬ ‫) عُ َ‬
‫جَنيفا ( في العهودِ ضِئيل‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫جن ْد َه ً لترى ) ُ‬ ‫صي ُ‬ ‫واقرأ ) أبا بكرٍ ( ي ُوَ ّ‬
‫ل الّتأويل‬ ‫قب َ ُ‬ ‫ل ما ل ي َ ْ‬ ‫ت بالعَد ْ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ة وَ ّ‬ ‫دقيق َ‬ ‫وترى المواثيقَ ال ّ‬
‫ق سبيل‬ ‫ل الّتساويَ في الحقو ِ‬ ‫ق فأحمد ٌ جع َ‬ ‫ن الحقو ِ‬ ‫ك قواني َ‬ ‫سل ُ ْ‬ ‫وا ْ‬
‫فضيل‬ ‫ل والت ّ ْ‬ ‫ن الفض َ‬ ‫ل الحقّ كا َ‬ ‫ض ٌ‬ ‫ف ّ‬ ‫م َ‬ ‫عْرقٌ هناك ُ‬ ‫ساوى فل ِ‬
‫ؤها الت ّْنكيل‬ ‫ن جزا ُ‬ ‫ت لكا َ‬ ‫سَرق ْ‬ ‫َ‬ ‫ة ( وحاشا طهَْرها َ‬ ‫ُ‬ ‫ن ) فاطم ً‬ ‫لو أ ّ‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن ‪ ...‬ب َُتول‬ ‫ن تكو َ‬ ‫فعُ ‪ ...‬أ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ت ما كا َ‬ ‫ل تجاوََز ْ‬ ‫ة البتو َِ‬ ‫ن فاطم َ‬ ‫أو أ ّ‬
‫ق أصول‬ ‫العدالةِ في الحقو ِ‬ ‫ب الصيل فهل ترى ب َعْد َ‬ ‫ُ‬ ‫س ُ‬ ‫شْرع ُ هو الن ّ َ‬
‫ْ‬
‫ت ‪ ...‬ت َشكيل‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ة ألغِي َ ْ‬ ‫صرِي ّ ُ‬ ‫ض ‪ ،‬ل أسود ٌ ‪ ،‬ل أصفٌر فالعُن ْ ُ‬ ‫ل أبي ٌ‬
‫خر القبائ ِل بالمحارم أ ُسقط َت أ َ‬
‫صاَر ‪ ...‬قبيل‬ ‫ّ َ‬ ‫ق‬ ‫والح‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬
‫ْ ْ ُ ُ‬ ‫ن‬ ‫ركا‬ ‫ِ ِ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫فَ ْ ُ‬
‫***********‬
‫ميل‬‫خ ِ‬‫ة ‪ ...‬وَ َ‬ ‫ح ً‬ ‫ت الن ّب ُوّةِ ‪ ...‬د َوْ َ‬ ‫مت ِهِ ارتقى بي َ‬ ‫ج َ‬ ‫ي ( ب َِرغْم ِ عُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫) ال َعْ َ‬
‫ذول‬‫خ ُ‬‫م ْ‬ ‫كبارِهِ ‪َ ...‬‬ ‫سب َت ِهِ انتفى وغدا على است ِ ْ‬ ‫ي ( ب َِرغْم ِ ن ِ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ش ِ‬ ‫) والها ِ‬
‫فها ‪ ،‬وك ُُهول‬ ‫س شباَبها ‪ ،‬في عُن ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫هذا هو العد ُ‬
‫ل الذي مل الّنفو َ‬
‫عدول‬ ‫ن ُ‬ ‫خلد َ في القرو ِ‬ ‫ّ‬ ‫جدا و َ‬ ‫ً‬ ‫م فكم ب ََنى م ْ‬ ‫ل العظي ُ‬ ‫ك العد ْ ُ‬ ‫قد ْ ُبورِ َ‬
‫**************‬
‫فول‬ ‫ْ‬
‫ن الحواُر ضماَنها المك ُ‬ ‫ه كا َ‬ ‫م ُ‬ ‫ة أحمدٍ ونظا ُ‬ ‫م ُ‬ ‫كو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫شورى ُ‬
‫ت لديهِ قَُبول‬ ‫ق ْ‬ ‫َ‬
‫ل أحمدا في زوجها إحدى الّنسا ‪ ،‬فَل َ‬ ‫ً‬ ‫ت ‪ ،‬تجاد ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫وَقَ َ‬
‫ضحا تعليل‬ ‫ً‬ ‫م ‪ ...‬وا ِ‬ ‫قد ّ َ‬ ‫م خليفةٍ حتى ي ُ َ‬ ‫ت أخرى أما َ‬ ‫ف ْ‬ ‫َ‬
‫واستنك َ‬
‫ن قيل‬ ‫حّر عندنا إ ْ‬ ‫ه والّرأيُ ُ‬ ‫َ‬
‫ن كّنا أصل ُ‬ ‫ن ‪ ،‬ونح ُ‬ ‫الب َْرلما ُ‬
‫ش طويل‬ ‫ه كل المنابرِ للّنقا ِ‬ ‫ّ‬ ‫تل ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫فكيُر بل فت ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫صودَِر الت ّ ْ‬ ‫ما ُ‬
‫قول‬ ‫ه فترى جميعَ ِبنائ ِهِ ‪ ...‬مع ُ‬ ‫َ‬
‫س ُ‬‫سليم ِ أسا ُ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ق ِ‬ ‫ن على العَ ْ‬ ‫دي ٌ‬
‫شد ّد ُ ( من َْهجا ً مْزدول‬ ‫ل ) الت ّ َ‬ ‫م قُُت ِ َ‬ ‫حك ٌَ‬ ‫ُ ْ‬ ‫م‬ ‫ل‬‫ٌ‬ ‫اعتدا‬ ‫فيها‬ ‫(‬ ‫ة‬
‫) وَ َ ِ ّ ٌ‬
‫ي‬ ‫ط‬ ‫س‬
‫ل جيل ً ‪ ...‬جيل‬ ‫ل الجيا َ‬ ‫ط فِك َْرةً تتناقّ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫م على الت ّوَ ّ‬ ‫م تدو ُ‬ ‫ولك ْ‬
‫شد ّد ُ ‪ ...‬قاتل ً ‪ ...‬مقُتول‬ ‫ه وُل ِد َ الت ّ َ‬ ‫شد ّدِ أهل ُ ُ‬ ‫ت مع الت ّ َ‬ ‫م يمو ُ‬ ‫ولك ْ‬
‫***************‬
‫م إنجيل‬ ‫َ‬ ‫ن ‪ ،‬قا َ‬
‫نأ ْ‬ ‫ل محمد ٌ توراة َ موسى كا َ‬ ‫ة الديا ِ‬ ‫حّري َ ُ‬ ‫ُ‬
‫ن إكراه ٌ هنا ‪ ...‬مقبول‬ ‫خي ٌّر ما كا َ‬ ‫ل ي ُك َْرهُ النسان فهو م َ‬
‫ن عهدا في الّرقاب ثقيل‬ ‫ً‬ ‫ى" قد كا َ‬ ‫ب فل أذ ً‬ ‫ل الكتا ِ‬ ‫متي أه ُ‬ ‫"في ذ ّ‬
‫متي تبجيل‬ ‫جلْتها أ ّ‬ ‫َ‬ ‫ة قَد ْ ب َ ّ‬ ‫دسي ّ ٌ‬ ‫ي أمانة ق ْ‬ ‫م الّنب ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ذِ َ‬
‫لكّنني ماذا أقول ول أرى إل ضلل ذاعَ أو تضليل‬ ‫ً‬
‫َ‬
‫ل أعلنوا الّتدويل‬ ‫ل وتحالفوا ب َ ْ‬ ‫ي محاف ٌ‬ ‫ضد ّ الّنب ّ‬ ‫وَت َأّلبت ِ‬
‫خنا تهويل‬ ‫ل َزّودوا تاري َ‬ ‫ة بَ ْ‬ ‫جي ّ ٌ‬ ‫م ِ‬‫ة هَ َ‬ ‫م ٌ‬ ‫عموا بأّنا أ ّ‬ ‫ّز ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ه تبديل‬ ‫دلوا ‪ ...‬أقوال َ ُ‬ ‫ل بَ ّ‬ ‫ي ودين ِهِ ب َ ْ‬ ‫ضد ّ الّنب ّ‬‫ولوا ِ‬ ‫ق ّ‬ ‫وت َ َ‬


‫ن الغروُر وبيل‬ ‫َ‬ ‫كا‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫وك‬ ‫‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫بر‬‫ِْ‬ ‫ك‬ ‫ـ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫يدرو‬ ‫الذي‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫رغ‬ ‫ـ‬ ‫وتطاولوا‬
‫**************‬
‫جبرائيل (‬ ‫حب ّهِ لو شاَء َرد ّا ً ‪ ...‬كان ) ِ‬ ‫ل بِ ُ‬ ‫الله يسمعُ ما ُيقا ُ‬
‫فّتتا ً مأكول‬ ‫م َ‬‫مدٍ إل ّ ‪ ...‬وصاَر ُ‬ ‫ستهزِئٌ بمح ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ه الّرد ّ ‪ ...‬ما ُ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ف َ‬ ‫كَ َ‬
‫ل وكيل‬ ‫هج ّ‬ ‫ن الل َ‬‫صد ُ ‪ ...‬كا َ‬ ‫ً‬
‫ن قصد ُ الهاِزئين محمدا الق ْ‬ ‫ما كا َ‬
‫حيل‬‫ك سّيدي ما حيلتي ؟ ضاقَ الخناقُ على الجميِع ‪ ،‬وَ ِ‬ ‫هذا حبيب ُ َ‬
‫ة وعقول‬ ‫م ً‬ ‫ْ‬
‫حك َ‬ ‫صَر يقضي ِ‬ ‫ه ! الع ْ‬ ‫ص ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ب ( قي َ‬ ‫س ّ‬ ‫ضد ّ ) َ‬ ‫فإذا اعترضنا ِ‬
‫م تدجيل‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫سك ّ‬ ‫ت عقو ُ ّ‬ ‫فَ َ‬
‫ساِح أ ْ‬ ‫جل ترى في ال ّ‬ ‫ل صواِبها د ّ ّ‬ ‫ل النا ِ‬ ‫قد َ ْ‬
‫ب ) إسرائيل ( !‬ ‫س ّ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ‪َ ..‬‬ ‫ميت ُ ُ‬ ‫ة ! ون ُ ِ‬ ‫ْ‬
‫ة ( فِكرِي ّ ٌ‬ ‫ي ) حصان ٌ‬ ‫ب الّنب ّ‬ ‫س ّ‬ ‫َ‬
‫ض حاشا أحمدا حّتى ولو صاد َ الّنجيعُ سيول‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫كل طغاةَ الر ِ‬
‫ب النبياِء مقول‬ ‫س ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ن كا َ‬ ‫ة إِ ْ‬ ‫سب ّ ٌ‬ ‫ة الت ّْعبيرِ ( هذه ُ‬ ‫حّري ّ ُ‬ ‫) ُ‬
‫ل ‪ ...‬صهيل‬ ‫ن يسمعُ للخيو ِ‬ ‫ضد ّ أحمد َ حاقد ٌ لو كا َ‬ ‫جُرؤُ ِ‬ ‫ما كان ي َ ْ‬
‫*****************‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ج است َْيقظي وتمايلي وتراقصي تطبيل‬ ‫ل فيا علو ُ‬ ‫م الّرجا ُ‬ ‫نا َ‬


‫ن هزيل‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫م المسلمي َ‬ ‫س ُ‬ ‫ج ْ‬‫م ت َعْب َأ بنا أم صاَر ِ‬ ‫دنمارك ( ل ْ‬ ‫ما بالها ) ال ّ‬
‫ه تقبيل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ن ‪ ،‬ن َظن ّ ُ‬ ‫معَ الهوا ِ‬ ‫ب يوجعُ مّيتا أ َ‬ ‫ضْر ُ‬‫هُّنا وصاَر ال ّ‬
‫مل ً تجميل‬ ‫ج‬
‫َ ُ َ ّ‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫صا‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫وال‬ ‫ة‬ ‫ن‬
‫ُ ِ َ ٌ‬‫خي‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫ح‬ ‫والجرا‬ ‫‪...‬‬ ‫ب أشكو‬ ‫يا ر ّ‬
‫ن ‪ ...‬عليل‬‫ن الماجدي َ‬ ‫م وغدا زما ُ‬ ‫ن وخيل ُهُ ْ‬ ‫ف المسلمي َ‬ ‫سُيو ُ‬ ‫ت ُ‬ ‫ض ْ‬ ‫مرِ َ‬‫َ‬
‫س ‪ ........‬مذلول‬ ‫د‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫رها‬ ‫أم‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫أ‬ ‫‪...‬‬ ‫ق‬ ‫الح‬ ‫ف‬
‫ُ‬ ‫سيو‬ ‫وإذا‬
‫ُ ّ ٍ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إنا كفيناك المستهزئين‬


‫المصدر‪/‬المؤلف‪ :‬ناصر بن سليمان العمر ‪ ...‬أرسلها لصديق‬
‫عرض للطباعة‬
‫عدد القّراء‪3930 :‬‬
‫الحمد لله وكفى‪ ،‬ثم الصلة والسلم على عباده الذين اصطفى‪ ،‬ورسله‬
‫الذين اجتبى‪ ،‬وبعد‪..‬‬
‫فإن من سنة الله فيمن يؤذي رسوله‪ ، ،‬أنه إن لم يجاز في الدنيا بيد‬
‫المسلمين‪ ،‬فإن الله سبحانه ينتقم منه ويكفيه إياه‪ ،‬والحوادث التي تشير إلى‬
‫صد َعْ‬ ‫هذا في السيرة النبوية وبعد عهد النبوة كثيرة‪ ،‬وقد قال الله تعالى‪َ :‬فا ْ‬
‫َ‬
‫ن ]الحجر‪.[95:‬‬ ‫ست َهْزِِئي َ‬
‫م ْ‬‫ك ال ْ ُ‬
‫في َْنا َ‬‫ن‪ .‬إ ِّنا ك َ َ‬
‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ض عَ ِ‬ ‫مُر وَأعْرِ ْ‬ ‫ما ت ُؤْ َ‬‫بِ َ‬
‫والقصة في سبب نزول الية وإهلك الله لهؤلء المستهزئين واحدا ً واحدا ً‬
‫معروفة قد ذكرها أهل السير والتفسير وهم على ما قيل نفر من رؤس‬
‫قريش‪ :‬منهم الوليد بن المغيرة‪ ،‬والعاص بن وائل‪ ،‬والسودان ابن المطلب‬
‫وابن عبد يغوث‪ ،‬والحارث بن قيس‪.‬‬
‫وقد كتب النبي إلى كسرى وقيصر‪ ،‬وكلهما لم يسلم‪ ،‬لكن قيصر أكرم كتاب‬
‫النبي ‪ ،‬وأكرم رسوله‪ ،‬فثبت ملكه‪.‬‬
‫قال ابن تيمية في الصارم‪ ) :‬فيقال‪ :‬إن الملك باق في ذريته إلى اليوم (‪ ،‬ول‬
‫يزال الملك يتوارث في بعض بلدهم‪.‬‬
‫وأما كسرى فمزق كتاب رسول الله ‪ ،‬واستهزأ برسول الله ‪ ،‬فقتله الله بعد‬
‫قليل ومزق ملكه كل ممزق‪ ،‬فلم يبق للكاسرة ملك‪ ،‬وهذا والله أعلم تحقيق‬
‫لقوله تعالى‪ :‬إن شانئك هو البتر ]الكوثر‪ ،[3:‬فكل من شنأه وأبغضه وعاداه‪،‬‬
‫فإن الله يقطع دابره ويمحق عينه وأثره‪ ،‬وقد قيل‪ :‬إنها نزلت في العاص بن‬
‫وائل‪ ،‬أو في عقبة بن أبي معيط‪ ،‬أو في كعب بن الشرف‪ ،‬وجميعهم أخذوا‬
‫أخذ عزيز مقتدر‪.‬‬
‫ومن الكلم السائر‪ ،‬الذي صدقه التاريخ والواقع‪" :‬لحوم العلماء مسمومة"‪،‬‬
‫فكيف بلحوم النبياء عليهم السلم؟‬
‫وفي الصحيح عن النبي أنه قال‪ } :‬يقول الله تعالى من عادى لي وليا فقد‬
‫بارزني بالمحاربة { فكيف بمن عادى النبياء؟‬
‫يا ناطح الجبل العالي ليثلمه *** أشفق على الرأس ل تشفق على الجبل‬
‫إن من عقيدة أهل السنة أن من آذى الصحابة ولسيما من تواتر فضله‬
‫فإسلمه على شفا جرف هار‪ ،‬يجب ردعه وتأديبه‪ ،‬فكيف بمن آذى نبيا ً من‬
‫ه ِفي‬‫م الل ّ ُ‬ ‫ه ل َعَن َهُ ُ‬
‫سول َ ُ‬
‫ه وََر ُ‬‫ن الل ّ َ‬
‫ن ي ُؤُْذو َ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫النبياء‪ ،‬فكيف بمن آذى محمدا ً ؟ إ ِ ّ‬
‫مِهينا ً ]الحزاب‪.[57:‬‬ ‫َ‬
‫ذابا ً ُ‬
‫م عَ َ‬ ‫خَرةِ وَأعَد ّ ل َهُ ْ‬‫الد ّن َْيا َوال ِ‬
‫وإذا استقصيت قصص النبياء المذكورة في القرآن تجد أممهم إنما أهلكوا‬
‫حين آذوا النبياء‪ ،‬وقابلوهم بقبيح القول أو العمل‪ ،‬وهكذا بنو إسرائيل إنما‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ضربت عليهم الذلة وباءوا بغضب من الله ولم يكن لهم نصير لقتلهم النبياء‬
‫بغير حق‪ ،‬مضموما ً إلى كفرهم كما ذكر الله ذلك في كتابه‪ ،‬فقال عز شأنه‪:‬‬
‫ضربت عَل َيهم الذ ّل ّ ُ َ‬
‫س وََباُءوا‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫حب ْ ٍ‬ ‫ن الل ّهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫حب ْ‬ ‫فوا ِإل ب ِ َ‬ ‫ما ث ُقِ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫ة أي ْ‬ ‫ِْ ُ‬ ‫ُ َِ ْ‬
‫ت الل ِّ‬
‫ه‬ ‫يا‬ ‫بآ‬ ‫ن‬ ‫رو‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫نوا‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫ك بأ َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ة‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫ر‬‫ض‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ُ َ ُ َ ِ َ ِ‬ ‫َ ْ َ ُ ِ ِ ُّ ْ‬ ‫ِ َ ُ َِ ْ َ ِْ ُ‬ ‫ض ٍ ِ َ‬
‫م‬ ‫ب‬ ‫ب ِغَ َ‬
‫ن ]آل عمران‪.[112:‬‬ ‫دو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْت َ ُ‬ ‫وا وَ َ‬ ‫حقّ ذ َل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫قت ُُلو َ‬
‫ص ْ‬ ‫ما عَ َ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫ن الن ْب َِياَء ب ِغَي ْرِ َ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫فحري بمثل هذا المستهزء المستهتر أن ُيتمثل له قول العشى‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت ال ِب ِ ُ‬
‫ل‬ ‫ت ضائ َِرها ما أط ّ ِ‬ ‫ت أثل َِتنا *** وَ َلس َ‬ ‫عن َنح ِ‬ ‫منت َِهيا ً َ‬ ‫ت ُ‬ ‫أَلس َ‬
‫َ‬
‫ع ُ‬
‫ل‬ ‫ه الوَ ِ‬ ‫ضرها وَأوهى َقرن َ ُ‬ ‫قها *** فََلم ي َ ِ‬ ‫صخَرة ً َيوما ً ل َِيفل ِ َ‬ ‫كناط ٍِح َ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫شّرها َيوما وََتبت َهِ ُ‬ ‫من َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن وََقد أ ّ‬
‫ل‬ ‫حطبا *** ت َُعوذ ُ ِ‬ ‫كلَتها َ‬ ‫ل َتقعُد َ ّ‬
‫إن مجرد إخراج النبي رفع للمان وإيذان بحلول العذاب‪ ،‬ولهذا قال الله‬
‫من َْها وَِإذا ً ل ي َل ْب َُثو َ‬ ‫َ‬
‫خلفَكَ‬ ‫ن ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫جو َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ض ل ِي ُ ْ‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫فّزون َ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫كاُدوا ل َي َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫تعالى‪ :‬وَإ ِ ْ‬
‫ِإل قَِليل ً ]السراء‪ ،[76:‬فإذا كان هذا جزاء الخراج فكيف بالذى والسخرية‬
‫والستهزاء؟ لعلك ل تجد أحدا آذى نبيا من النبياء ثم لم يتب إل ولبد أن‬
‫تصيبه قارعة‪ ،‬وقد قال شيخ السلم بعد أن ذكر حديث أنس بن مالك رضي‬
‫الله عنه‪ ،‬قال‪ :‬كان رجل نصراني فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران وكان يكتب‬
‫للنبي فعاد نصرانيا وكان يقول ل يدري محمد إل ما كتبت له فأماته الله‬
‫فدفنوه فأصبح وقد لفظته الرض فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب‬
‫منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه‪ ،‬فحفروا له فأعمقوا له في الرض ما‬
‫استطاعوا فأصبحوا وقد لفظته الرض فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه‪،‬‬
‫وهذا حديث صحيح ثابت عند البخاري وغيره‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ثم قال المام ابن تيمية معلقًا‪ ) :‬وهذا أمر خارج عن العادة يدل كل أحد على‬
‫أن هذه عقوبة لما قاله‪ ،‬وأنه كان كاذبًا‪ ،‬إذ كان عامة الموتى ل يصيبهم مثل‬
‫هذا‪ ،‬وأن هذا الجرم أعظم من مجرد الرتداد إذا كان عامة المرتدين ل‬
‫يصيبهم مثل هذا‪ ،‬وأن الله منتقم لرسوله ممن طعن عليه وسبه‪ ،‬ومظهر‬
‫ب الكاذب إذا لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد‪ .‬ونظير هذا ما‬ ‫لدينه وك َذِ ِ‬
‫حدثناه أعداد من المسلمين العدول أهل الفقه والخبرة عما جربوه مرات‬
‫متعددة في حصر الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية‪ ،‬لما حصر‬
‫المسلمون فيها بني الصفر في زماننا قالوا كنا نحن نحصر الحصن أو المدينة‬
‫الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنع علينا حتى نكاد نيأس منه‪ ،‬حتى إذا‬
‫تعرض أهله لسب رسول الله والوقيعة في عرضه تعجلنا فتحة وتيسر ولم‬
‫يكد يتأخر إل ّ يوما ً أو يومين أو نحو ذلك ثم ُيفتح المكان عنوة‪ ،‬ويكون فيهم‬
‫ملحمة عظيمة‪ .‬قالوا حتى إن كنا لنتباشر بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون‬
‫فيه‪ ،‬مع امتلء القلوب غيظا ً عليهم بما قالوا فيه‪ .‬وهكذا حدثني بعض أصحابنا‬
‫الثقات؛ أن المسلمين من أهل المغرب حالهم مع النصارى كذلك‪ ،‬ومن سنة‬
‫الله أن يعذب أعداءه تارة بعذاب من عنده وتارة بأيدي عباده المؤمنين (‪.‬‬
‫وقال في موضع آخر‪ ) :‬وبلغنا مثل ذلك في وقائع متعددة (‪.‬‬
‫مّنا ِباللهِّ‬ ‫ُ‬
‫وقد قال أصدق القائلين سبحانه مبينا تكفله بكفاية شر هؤلء‪ُ :‬قولوا آ َ‬
‫ط‬‫سَبا ِ‬ ‫َ‬
‫ب َوال ْ‬ ‫قو َ‬ ‫حاقَ وَي َعْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ل وَإ ِ ْ‬‫عي َ‬‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬
‫هي َ‬ ‫ل إ َِلى إ ِب َْرا ِ‬ ‫ما أ ُن ْزِ َ‬ ‫ل إ ِل َي َْنا وَ َ‬‫ما أ ُن ْزِ َ‬‫وَ َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫حد ٍ ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫فّرقُ ب َي ْ َ‬ ‫م ل نُ َ‬ ‫ن َرب ّهِ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ي الن ّب ِّيو َ‬ ‫ما أوت ِ َ‬ ‫سى وَ َ‬ ‫عي َ‬ ‫سى وَ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ي ُ‬ ‫ما أوت ِ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ما‬ ‫َ‬
‫وا فإ ِن ّ َ‬ ‫ّ‬
‫ن ت َوَل ْ‬ ‫قدِ اهْت َد َْوا وَإ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫م ب ِهِ ف َ‬ ‫من ْت ُ ْ‬‫ما آ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ِ‬‫مُنوا ب ِ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬
‫ن‪ .‬فإ ِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫َ‬
‫نل ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫وَن َ ْ‬
‫م ]البقرة‪ .[137-136 :‬فما‬ ‫ْ‬
‫ميعُ العَِلي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ه وَهُوَ ال ّ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫َ‬
‫فيكهُ ُ‬ ‫ْ‬
‫سي َك ِ‬ ‫قف َ‬‫َ‬ ‫قا ٍ‬ ‫ش َ‬ ‫م ِفي ِ‬ ‫هُ ْ‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أوسع البون بين أهل السلم التقياء النقياء الذين يؤمنون بجميع الرسل‬
‫ويعظمونهم ويوقرونهم‪ ،‬وبين غيرهم الذين ناصبوا رسلهم العداء قديما ً‬
‫وحديثًا‪ ،‬وورثوه كابرا ً عن كابر‪.‬‬
‫ولشك أن ساسة الدول الذين يغضون الطرف عن سفهائهم الواقعين في‬
‫أعراض النبياء ليسوا عن الذم بمعزل‪ ،‬فإن الله سبحانه تأذن بإهلك المدن‬
‫والقرى الظالمة‪ ،‬ولعل من أظلم الظلم العتداء على النبياء وتنقصهم‪ ،‬فإن‬
‫ذلك يخالف التشريعات السماوية‪ ،‬كما أنه مخالف للنظم والقوانيين الوضعية‬
‫الكافرة الرضية‪ .‬والدول الغربية إذا لم تقم العدل لم تبق من مقومات بقائها‬
‫كثير أعمدة‪.‬‬
‫ولعل وقيعة بعض الغربيين في النبي الكريم مشعر بتهالك حضارتهم وقرب‬
‫زوالها‪ ،‬فإنهم ما تجرأوا ول عدلوا إلى النتقاص وأنواع الشتم إل ّ بعد أن فقدوا‬
‫المنطق‪ ،‬وأعوزتهم الحجة‪ ،‬بل ظهرت عليهم حجة أهل السلم البالغة‪،‬‬
‫وبراهين دينه الساطعة‪ ،‬فلم يجدوا ما يجاروها به غير الخروج إلى حد السب‬
‫والشتم‪ ،‬تعبيرا ً عن حنقهم وما قام في نفوسهم تجاه المسلمين من المقت‪،‬‬
‫وغفلوا أن هذا يعبر أيضا ً عما قام في نفوسهم من عجز عن إظهار الحجة‬
‫والبرهان‪ ،‬والرد بمنطق وعلم وإنصاف‪ .‬فلما انهارت حضارتهم المعنوية أمام‬
‫حضارة السلم عدلوا إلى السخرية والتنقص والشتم‪.‬‬
‫وإنك لتعجب من دول يعتذر حكماؤها لسفهائها بحجة إتاحة الحريات‪ ،‬مع أن‬
‫شأنهم مع من عادى السامية أو تنقصها يختلف! وحسبك أن تقرير الحريات‬
‫المريكي الخير أشاد بحادثة تحقيق وإدانة في الدنمارك لمعادات السامية‪،‬‬
‫وببعض جهود الدولة في ذلك‪ ،‬ولمها في بعض التقصير ‪-‬وفق رؤيتهم‪ -‬وفي‬
‫معرض ذلك عرض بالمسلمين‪ ،‬فضل ً عن تغافله عن حوادث السخرية‬
‫بالسلم ونبيه المتكررة هناك‪.‬‬
‫ومن هنا يتبين أن مسألة الديمقراطية وقضية الحريات وقوانين المم‬
‫المتحدة التي تزعم احترامها وحمايتها وبالخص الدينية منها‪ ،‬أمور ذات معاير‬
‫مختلفة عند القوم‪ ،‬والمعتبر عندهم فيها ما وافق اعتقادهم ودينهم وثقافتهم‪.‬‬
‫وإذا تقرر هذا فليعلم أن من واجب المسلمين أن يذبوا عن عرض رسول الله‬
‫ل‪ ،‬وأن يسعوا في محاسبة الظالم وفي إنزال العقوبة‬ ‫بما أطاقوا قول ً وعم ً‬
‫سول ِهِ وَت ُعَّزُروهُ‬‫مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ‬
‫التي يستحقها به‪ ،‬كما قال الله تعالى‪ :‬ل ِت ُؤْ ِ‬
‫صَرهُ الل ُّ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ن‬
‫ْ َ َ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫رو‬‫ص‬ ‫ن‬
‫ِ َْ ُ ُ ُ‬‫ت‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫وقال‪:‬‬ ‫صيل ً ]الفتح‪،[9:‬‬ ‫حوه ُ ب ُك َْرةً وَأ ِ‬ ‫وَت ُوَقُّروهُ وَت ُ َ‬
‫سب ّ ُ‬
‫]التوبة‪ ،[40:‬ومن المفارقات الظاهرة التي وقع فيها بعض المسلمين‪،‬‬
‫تقصيرهم في الذب عن رسول الله ‪ ،‬مع أنك ترى الموالد الحاشدة المكتظة‬
‫بدعوى المحبة‪ ،‬فهل ياترى عبرت تلك الحشود التي ربما رمت غيرها بعدم‬
‫محبته عن حبها بذبها عن رسولها ؟‬
‫وهل أنصف النبي الكرم أولئك الذين يحاولون تصوير مسألة تنقصه ‪-‬مجاملة‬
‫للغرب‪ -‬على أنها مسألة لتنبغي لنها من قبيل الحديث في الموات؟ هل هذا‬
‫علج صحيح للقضية؟ وهل هذا هو حجمها عند المسلمين؟‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أرأيتم لو استهزأ بحاكم أو ملك أو رئيس‪ ،‬أوَ تبقي بعدها تلك الدولة المستهزؤ‬
‫بحاكمها علقة مع الدولة التي ُيستهزؤ فيها تحت سمع وبصر الساسة باسم‬
‫الحريات؟ أويقبل مسلم أن تقطع دولة إسلمية علقتها مع دولة غربية‬
‫لسباب يسيرة وقضايا هامشية ثم ل تحرك ساكنا ً تجاه السخرية بنبي المة ؟‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لقد كان الذب عنه ‪ ،‬ومجازاة المعتدي وردعه من هدي الصحابة والسلف‬
‫الكرام‪ ،‬بالعمل والقول وربما بهما جميعًا‪ ،‬وكم جاد إنسان منهم بنفسه في‬
‫سبيل ذلك‪ ،‬إل ّ أنه ليتوجب على المسلم أن ي ُعَّرض نفسه للهلكة في سبيل‬
‫ذلك‪ ،‬بل له في السكوت رخصة إذا لم تكن له بالنكار طاقة‪ ،‬وفي خبر عمار‬
‫ن أ ُك ْرِهَ الية ما‬ ‫–رضي الله عنه‪ -‬في الكراه ونزول قول الله تعالى‪ :‬إل ّ َ‬
‫م ْ‬
‫ب بن الشرف‪،‬‬ ‫يشهد لهذا‪ ،‬وكذلك حديث جابر في قتل محمد ُ بن مسلمة كع َ‬
‫فهو يشهد لهذا المعنى‪ ،‬وغيره مما هو معروف عند أهل العلم‪.‬‬
‫ومن كان هذا شأنه فل يقتله السى وليعلم أن الله منتقم لنبيه‪ ،‬وأن المجرم‬
‫إذا تداركته فلتة من فلتات الدهر في الدنيا فلم تمض فيه سنة الله في‬
‫أمثاله‪ ،‬فإن وراءه‪:‬‬
‫يوم عبوس قمطرير شره *** في الخلق منتشر عظيم الشان‬
‫وحسبه من خزي الدنيا أن يهلك وألسنة المليار ومن ينسلون تلعنه إلى يوم‬
‫الدين‪ ،‬فإن المسلمين قد ينسون أمورا ً كثيرة ويتجاهلون مثلها‪ ،‬ولكنهم‬
‫لينسون ول يغفرون لمن أساء إلى نبيهم وإن تعلق بأستار الكعبة‪ ،‬وخاصة‬
‫بعد موته وتاريخهم على هذا شاهد‪.‬‬
‫هذا والله أسأل أن يعجل بالنتصار لنبيه ‪ ،‬وأن يعز السلم وأهله إنه على‬
‫ذلك قدير وبالجابة جدير‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫إنا كل شيء خلقناه بقدر‬


‫في ظل التحديات التي تواجه الدعوة السلمية اليوم‪ ،‬وهي تحديات عدة‪:‬‬
‫· تحديات تتمثل في ضخامة حجم النحراف في المة والبعد عن منهج الله‬
‫تبارك وتعالى‪.‬‬
‫· وتحديات تتمثل في الفساد الهائل في المة في الميادين الدارية‬
‫والسلوكية‪.‬‬
‫· وتحديات تتمثل في المراض الجتماعية المتغلغلة في المة‪ ،‬وفشو الفقر‬
‫والمية والتخلف‪.‬‬
‫· وتحديات تتمثل في التخلف الحضاري والتقني الذي تعاني منه المة‪،‬‬
‫وتأخرها عن ركب المم الخرى‪.‬‬
‫· وتحديات تتمثل في مشكلت تعاني منها الدعوة السلمية كالفرقة والتناحر‬
‫والصراع بين فصائل العمل السلمي‪ ،‬والخلط في مناهج التغيير وبرامج‬
‫الصلح‪.‬‬
‫· وتحديات وتحديات…‪.‬‬
‫إن الحديث عن هذه التحديات والعقبات يطول‪ ،‬ويصعب على امريء‬
‫استقصاؤه وحصره‪ ،‬وهو حديث كثيرا ً مانطرقه ونثيره ونحن نتجاذب أطراف‬
‫الحديث حول قضية الصلح والتغيير‪.‬‬
‫ومع اليمان بأهمية إدراك حجم التحديات وضخامتها‪ ،‬وضرورة وضع المور‬
‫في نصابها الصحيح دون تهوين‪ ،‬إل أن المبالغة‪ ،‬أو التركيز في الحديث على‬
‫جانب معين من المشكلة يؤدي إلى نتائج في التجاه المعاكس‪.‬‬
‫فالمنتظر من الحديث حول العقبات والتحديات أن يؤدي إلى شحذ الهمم‬
‫ورفع العزيمة‪ ،‬والبذل والتضحية بما يتناسب معها‪ ،‬إل أن الفراط في ذلك‬
‫ربما أدى إلى اليأس‪ ،‬فهل الطاقات المتاحة اليوم‪ ،‬وهل برامج العمل‪ ،‬وهل‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصحوة بمؤسساتها الضعيفة‪ ،‬وقدراتها المبددة‪ ،‬وهي مع ذلك غير قادرة‬


‫على استيعاب خلفاتها وحل مشكلتها فضل ً عن التغيير في الواقع‪ ،‬هل ذلك‬
‫كله يمكن أن يوصل إلى التغيير الذي نتطلع إليه في واقع المسلمين اليوم؟‬
‫إنه التفكير السريع الذي ليأخذ في حسبانه إل العوامل المادية البشرية‪ ،‬لكنه‬
‫حين يتجاوز ذلك‪ ،‬فيضع في العتبار القواعد والمنطلقات الشرعية تختلف‬
‫النتائج‪ ،‬أينسى أن قدرة الله تبارك وتعالى مطلقة ومشيئته نافذة‪ ،‬وأن ماشاء‬
‫كان وما شاء لم يكن؟ وأن قدرته تبارك وتعالى تتجاوز حسابات الناس‬
‫القريبة واعتباراتهم المنحصرة في العالم المادي المحسوس؟ قال تبارك‬
‫وتعالى )إنا كل شيء خلقناه بقدر‪ .‬وما أمرنا إل واحدة كلمح بالبصر( وقال‬
‫عز وجل )إنما أمره إذا أراد شيئا ً أن يقول له كن فيكون(‪.‬‬
‫وأخبر صلى الله عليه و سلم أن الدين سيعلو وينتصر لمحالة‪ ،‬فعن تميم‬
‫الداري –رضي الله عنه‪ -‬قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم‬
‫يقول‪«:‬ليبلغن هذا المر ما بلغ الليل والنهار ول يترك الله بيت مدر ول وبر إل‬
‫أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل‪ ،‬عزا يعز الله به السلم وذل يذل‬
‫الله به الكفر»)]‪.([1‬‬
‫وعن أبي بن كعب –رضي الله عنه‪ -‬عن النبي صلى الله عليه و سلم قال‪«:‬‬
‫بشر هذه المة بالسناء والنصر والتمكين فمن عمل منهم عمل الخرة للدنيا‬
‫لم يكن له في الخرة نصيب»)]‪.([2‬‬
‫وعن أبي هريرة –رضي الله عنه‪ -‬عن رسول الله صلى الله عليه و سلم‬
‫قال‪ «:‬إن الله يبعث لهذه المة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها‬
‫دينها»)]‪.([3‬‬
‫إنها أخبار صادقة‪ ،‬ووعود لبد من أن تتحقق‪ ،‬فلنتوازن في تفكيرنا‪ ،‬ولتسيطر‬
‫علينا الحسابات المادية‪ ،‬ولنعلم أن قدرة الله تبارك وتعالى فوق كل حسابات‬
‫البشر )ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين(‪.‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫)]‪ ([1‬رواه أحمد )‪ (4/103‬والحاكم بمعناه )‪(4/430‬‬
‫)]‪ ([2‬رواه أحمد )‪ (5/134‬والحاكم )‪ (4/522‬وابن حبان )‪(2501‬‬
‫)]‪ ([3‬رواه أبو داود )‪(4291‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إنتاج وبيع الطيور المهجنة‬


‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪ ...‬الفهرسة‪ /‬المعاملت‪ /‬البيوع‪/‬البيوع المنهي عنها‬
‫التاريخ ‪29/08/1426 ...‬هـ‬
‫السؤال‬
‫أنا أمارس تجارة الصقور منذ زمن‪ ،‬وقد ظهرت في السنوات القليلة الماضية‬
‫صقور جديدة‪ ،‬تأتينا من الخارج منتجة في السر عن طريق )التهجين(‪ ،‬حيث‬
‫يعمد أصحاب مراكز إنتاج تلك الطيور إلى خلط فصائل مختلفة من أنواع‬
‫الصقور من بعضها‪ ،‬يصل عددها في بعض الحيان إلى خلط أربع فصائل‬
‫مختلفة مع بعض؛ حتى يتم إنتاج فصيلة جديدة تختلف ‪-‬في الشكل واللون‬
‫والطبائع‪ -‬عن الفصائل الرئيسة الطبيعية التي عرفناها نحن وأسلفنا من‬
‫قبل‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقد لحظت في هذه الطيور المهجنة أمورا ً أريد معرفة الحكم فيها‪ ،‬أختصرها‬
‫فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬تكون في هذه الطيور حالت من الشراسة غير الطبيعية التي تجعلها تقتل‬
‫لمجرد القتل وليس للغذاء فقط‪ ،‬وقد شهد إخوان لنا أنها تهاجم بني جلدتها‬
‫من الصقور وتحاول قتلها‪ ،‬كما شهد لنا آخرون بأنهم فقدوا أحد هذه الطيور‬
‫في الخلء‪ ،‬ثم وجدوه بعد فترة وهو قد قتل كثيرا ً من الفرائس‪ ،‬يأكل منها‬
‫الرأس فقط‪ ،‬ويترك باقي الجسد‪ ،‬ولما تتبعوا تلك الحالة غير الطبيعية وجدوا‬
‫طيرهم الذي سبق أن أضاعوه هو المتسبب في ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬توجد أنواع من هذه الطيور تنتج‪ ،‬وقد أصابها العقم بسبب خلط النواع‬
‫المختلفة‪.‬‬
‫‪ -3‬خلل النتاج يخرج عدد من تلك الطيور وقد أصيبت بتشوهات أو خلل‬
‫عقلي يعيبها‪ ،‬فيعمد أصحاب تلك المراكز التي تنتجها إلى )إتلفها(؛ حيث ل‬
‫تكون ذات جدوى اقتصادية‪.‬‬
‫‪ -4‬متوسط أعمار تلك الطيور يعادل نصف متوسط عمر الصقور الطبيعية‪.‬‬
‫الجهاز المناعي في تلك الطيور يكون ضعيفا ً على الغلب‪ ،‬مما يتسبب في‬
‫سرعة إصابتها بالمراض‪ ،‬كما قد عزا بعض العلماء أن بعض المراض التي‬
‫ظهرت حديثا ً هي بسبب عمليات الخلط بين الفصائل المختلفة‪.‬‬
‫‪ -5‬يكاد يكون هناك إجماع بين جميع الدول المنتجة لتلك الطيور على أنه‬
‫يمنعا ً منع باتا ً إطلق سراح هذه الطيور في الخلء‪ ،‬أو تركها تخالط الحياة‬
‫الطبيعية؛ نظرا ً لما قد تسببه من تلوث بيئي‪.‬‬
‫سؤالي على ثلثة أقسام كما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬ما حكم القيام بإنتاج مثل هذه الطيور‪ ،‬أو المساهمة المالية في مراكز‬
‫إنتاجها؟‬
‫ً‬
‫‪ -2‬ما حكم التجار في هذه النواع بعد أن تصل لدولنا بيعا أو شراء؟‬
‫‪ -3‬ما حكم استخدام هذه الطيور خصوصا ً إذا علم أن هواية الصقارة لم تعد‬
‫سوى هواية للترفيه‪ ،‬وليست لسد الرمق كما كان في الماضي؟‬
‫الجواب‬
‫الحمد لله وحده‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫أخي السائل الكريم ‪-‬حفظه الله‪ -‬لقد اطلعت على سؤالك واستفسارك عن‬
‫حكم المتاجرة‪ ،‬واستخدام الطيور )الصقور( المهجنة التي تتغير أشكالها‬
‫وطباعها نتيجة التدخل في تغيير )الجينات( عن الصقور العادية‪ ،‬فأقول‪:‬‬
‫ل‪ :‬ل يجوز إنشاء أو المساهمة في المراكز المالية لتهجين وتغيير جينات‬ ‫أو ً‬
‫الطيور ‪-‬كالصقور‪ -‬ما دام ذلك التهجين يغير من طباعها إلى الحال السوأ‬
‫كشراسة الصقر ونحوه‪ ،‬وأكله لصيده وقتله لمثله‪ ،‬أو إلحاقه الضرر بالتشويه‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫والدليل على عدم جواز الدخول في هذه المراكز المالية عامة النصوص‬
‫الشرعية‪ ،‬كحصول الضرر العضوي للطير‪ ،‬مع تقصد ضرر النسان للخر‪،‬‬
‫ولما في ذلك من الغش والتزوير والكذب على العامة الذين ل يدرون عن‬
‫حقيقة هذا الطير المباع )الهجين(‪.‬‬
‫ومن الدلة الشرعية قوله تعالى‪" :‬ول تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها‬
‫إلى الحكام لتأكلوا فريقا ً من أموال الناس بالثم وأنتم تعلمون" ]البقرة‪:‬‬
‫‪ ،[188‬وحديث الرسول –صلى الله عليه وسلم‪" :-‬ل ضرر ول ضرار" أخرجه‬
‫أحمد )‪ ،(2865‬وابن ماجة )‪ .(2341‬وقوله صلى الله عليه وسلم في‬
‫الحديث الخر‪" :‬من غشنا فليس منا" أخرجه مسلم )‪ ،(101‬وقوله –صلى‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله عليه وسلم‪" :-‬كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به" أخرجه الترمذي‬
‫)‪ (614‬وغيره‪ ،‬إلى غير ذلك من النصوص الشرعية‪ ،‬ولما في ذلك من تغيير‬
‫لخلق الله‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬البيع والشراء في هذا النوع من الطيور الصل فيه الحل والجواز؛ لنه‬
‫كالسلعة المقلدة أو الرديئة مع الجيدة‪ ،‬فيتعين بيعهما على حقيقتهما‪ ،‬وإذا‬
‫استفصل الزبون من البائع وجب عليه شرعا ً أن يبين العيب‪ ،‬وإذا سكت‬
‫المشتري أو كان عارفا ً بالعيب فل شيء حينئذ على البائع‪ .‬ومعلوم أن الناس‬
‫يتفاوتون في رغبتهم لنوع وشكل السلعة‪ ،‬كما تختلف قدرتهم على القيمة‬
‫في شراء السلعة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫والشرع ل يلزم الناس كلهم بأن يشتروا السلعة الجيدة أو المتوسطة أو‬
‫الرديئة‪ ،‬بل لكل سلعة ثمنها‪ ،‬وإنما جعل الشرع الخيار بأنواعه )كخيار العيب‬
‫والغبن‪ ،‬إذا تبين للمشتري أن السلعة فيها عيب أو زيادة فاحشة في الثمن‬
‫وجب الرد‪ ،‬ومع هذا فإني أنصح لخواني المسلمين عدم تعاطي هذا النوع‬
‫من السلع المباعة؛ ليبتعدوا عن الشبهة‪ ،‬وليأخذوا بالحوط؛ لقوله –صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ..." :-‬فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع‬
‫في الشبهات ‪-‬أي عن علم ومعرفة‪ -‬وقع في الحرام كالراعي يرعى حول‬
‫الحمى يوشك أن يرتع فيه"‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬استخدام الصقارين هذا النوع من الطيور المعدلة جيناتها للمتعة الصل‬
‫فيه الحل والجواز‪ ،‬ما لم تصرف هذه الهواية صاحبها عن الطاعة‪ ،‬كالصلة‬
‫بأن يؤخرها أو يقدمها عن وقتها‪ ،‬أو تصنييع أمور البيت والولد بمتابعة الصيد‪،‬‬
‫فحينئذ يكون من اللهو المحرم شرعًا‪ .‬وجاء في حديث ابن عباس –رضي الله‬
‫عنهما‪ -‬مرفوعًا‪" :‬من سكن البادية جفا‪ ،‬ومن اتبع الصيد غفل"‪ .‬أخرجه أبو‬
‫داود )‪ (2859‬والترمذي )‪ (2256‬والنسائي )‪ .(4309‬والله أعلم‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إنجازات الحكومة النبوية‬


‫َ‬
‫ربما ل يعرف الكثيرون البرنامج السياسي الذي طَرحه النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ومشاريعه والنجازات التي استطاع تحقيقها في حكومته‪ .‬وقد‬
‫يستغرب البعض حتى من أبناء المسلمين الذين سّلموا‪ ،‬دون مناقشة أو‬
‫دعيه‬
‫دليل‪ ،‬بـ "العلمانية" وأن الدين مفصول عن الحياة‪ ،‬قد يستغربون ما سن ّ‬
‫ويظّنونه ادعاًء بل رصيد! لكننا سنكشف رصيده بالتوثيق والرقام على سبيل‬
‫عجالة‪:‬‬‫التمثيل ل الحصر في ُ‬
‫‪ .1‬المن الجتماعي ‪ :‬ففي أّول ‪ 400‬سنة من الحكم السلمي على امتداد‬
‫مِلك عبد‬
‫ة للسرقة!! أما في فترة حكم ال َ‬ ‫دولته ُقطعت فقط ‪ 6‬أيدٍ عقوب ً‬
‫ً‬
‫فذت العقوبة على ‪ 16‬سارقا فقط خلل ‪ 24‬سنة‪ .‬بينما تقع في‬ ‫العزيز فن ّ‬
‫ن )سنة ‪1979‬م(‪ ،‬واغتصاب ‪ 1900‬امرأة كل يوم‬ ‫أمريكا سرقة ك ّ‬
‫ل ‪ 3‬ثوا ٍ‬
‫)عام ‪1992‬م(‪ .‬ونسبة الجرائم إلى عدد السكان في أستراليا ‪ 75‬باللف أما‬
‫في مالي )نسبة المسلمين فيها ‪ (%94‬فالجرائم ‪ 0.33‬باللف!!‬
‫شر به النبي صلى‬ ‫‪ .2‬الرخاء القتصادي ‪ :‬وقد بلغ ذلك الرخاء قمته ـ كما ب ّ‬
‫الله عليه وسلم ـ في خلفة عمر بن عبد العزيز سنة ‪100‬هـ؛ حيث لم تكن‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدولة ول الفراد يجدون من يقبل الدنانير الذهبية أو الدراهم الفضية من‬


‫الصدقات؛ أوّل ً لنهم مكتفون‪ ،‬وثانيا ً لنهم أصحاب قناعة ترّبوا على الع ّ‬
‫فة‪.‬‬
‫فهل رأيت أو سمعت بمجتمع مثل هذا في غير الحكومة السلمية؟!‬
‫‪ .3‬الدولة الرائدة بين الدول ‪ :‬فقد انطلقت الدولة النبوية في المدينة المنورة‬
‫ك ذلك‬ ‫دها محمد صلى الله عليه وسلم سنة ‪6‬هـ ملو َ‬ ‫يوم الهجرة لُيراسل قائ ُ‬
‫ة‪ ،‬ولم يمّر على قيام‬ ‫قه شريع ً‬ ‫العصر يدعوهم لعتناق السلم عقيدةً وتطبي ِ‬
‫تلك الحكومة النبوية إل ربع قرن حتى خضعت دولتا الروم وفارس للنظام‬
‫السلمي فانتهى بذلك عهد الظلم والستبداد والفساد‪ ،‬ولزالت العزة والقوة‬
‫حليفة من يحمل تعاليم الحكومة النبوية كما نشاهد نماذج في فلسطين وفي‬
‫العراق وغيرهما‪.‬‬
‫ل‬‫م َتعطي َ‬
‫‪ .4‬تحرير النسان ‪ :‬وهذه أهم تلك النجازات حيث اعتبر السل ُ‬
‫العقل والتباع َ المطلق لي إنسان )رجل دين‪ ،‬كان أو زعيم حزب‪ ،‬أو مصمم‬
‫ن المسلم‬ ‫أزياء‪ ،‬أو نائبا ً ُيشّرع برأيه( هو إهانة للنسانية وكفٌر بالله الخالق ل ّ‬
‫ل يستسلم ول ينقاد إل ّ لربه‪.‬‬
‫وختاما ً فالنجازات التي ذكرناها هي الوعود التي أطلقها النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ل ِعَدِيّ بن حاتم الطائي سنة ‪ 7‬هـ‪ ،‬ويمكن لهذه النجازات أن تتكرر إذا‬
‫ملنا الدين الذي أنتجها سابقًا‪ ،‬وأنت صاحب القرار‪.‬‬ ‫ح َ‬
‫َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إنذار للجميع باتخاذ الحذر‬


‫الحمدلله تعالى المتفرد بالكبرياء ‪ ..‬المنزه عن النقائص والشركاء والصلة‬
‫والسلم على سيد الصفياء وقدوة الولياء وعلى آله وأصحابه سادة التقياء‬
‫أخي الكريم ‪ ..‬أختي الفاضله إن المر خطير جد خطير ‪ ..‬وانتبه وأرعني‬
‫سمعك وأفتح قلبك ‪ ..‬وتمعن وتمهل وتأنى في قراءتك لهذه الكلمات ول‬
‫تخرج من هذه الصفحة كما دخلت فيهاإنه داء عظيم أصاب الكثير من‬
‫البشر ‪ ...‬وهم في غفلة عن هذا الخطر الذي استفحل وانتشر‬
‫هاهي السنين تمّر والعمار تنقضي ! ومصائب الزمان ل تنقضي أحبتي ‪ ..‬ما‬
‫من يوم يمّر إل وهو يحمل بين ثناياه دروسا ً وعبرا ً عظاما ً ولكن يا ُترى إلى‬
‫من يحملها ؟ ! ويا ُترى من يفهمها عنه ؟ !‬
‫أحبتي في الله ‪ ..‬كم هو مسكين هذا النسان ! يفتح عينيه في كل صباح على‬
‫آمال عراض وينسى أنه مهما سعى لتحصيلها فلن يدرك منها إل ما كتب له‬
‫أحلم ذهبية ‪ ..‬وآمال وردية ‪ ..‬وأخيلة شهية ‪ ..‬ثم ل يكون إل ّ القدر ول ينزل إل‬
‫ب البشر‬ ‫قضاء ر ّ‬
‫أحبتي في الله أتدرون ماهو الداء العضال ؟ الذي حار الحكماء في دوائه !‬
‫وأطال العلماء في وصفات شفائه !‬
‫أتدري ما هو هذا الداء ؟! اتدرين ماهو هذا الداء ؟ !‬
‫إنه داء ) الغفلة و طول المل!! ( وهاك وصفه أخي ‪:‬قالوا ‪ :‬هو ) الحرص‬
‫على الدنيا والنكباب عليها ! والحب لها ‪ ،‬والعراض عن الخرة (‬
‫وقالوا ‪ ) :‬المل رجاء ما تحبه النفس من طول عمر وزيادة غنى وهو قريب‬
‫المعنى من الّتمّني (‬
‫أحبتي في الله ذاك هو طول المل ‪ ) :‬داء عضال ومرض مزمن ! ومتى‬
‫تمكن من القلب فسد مزاجه ‪ ..‬واشتد علجه ‪ ..‬ولم يفارقه داء ول نجع فيه‬
‫دواء ‪ ..‬بل أعيا الطباء ويئس من ُبرئه الحكماء والعلماء ( المام القرطبي‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أحبتي في الله ‪ ..‬لقد ذم الله تعالى أعدائه بطول المل ! إذ أن ذلك كان‬
‫سببا ً في إعراضهم عن الهدى‬
‫فقال تعالى مخاطبا ً نبيه صلى الله عليه وسلم ‪ }:‬ذرهم يأكلوا ويتمتعوا‬
‫ويلههم المل فسوف يعلمون {‬
‫سورة الحجر‬
‫وقال تعالى ‪ }:‬ولتجدّنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود‬
‫مزحزحه من العذاب أن ُيعمر والله بصير‬ ‫أحدهم لو ُيعمر ألف سنة وما هو ب ُ‬
‫بما يعملون {سورة البقرة‬
‫ً‬
‫قال رسول صلى الله عليه وسلم ‪ )):‬ل يزال قلب الكبير شابا ! في اثنتين ‪:‬‬
‫في حب الدنيا ! وطول المل ((رواه البخاري ومسلم‬
‫اخي الكريم ‪ ..‬ال تعلم أن طول المل كان سببا ً في هلك كثير من المم ؟‬
‫وهل تعلم أخي أن قصر المل والزهد في الماني كان سببا ً في صلح ذلك‬
‫الجيل الطاهر من أول هذه المة ) رضي الله عنهم (‬
‫وإن شئت أخي الكريم وأختي الفاضله أخبرتكما عن ذلك بحق وصدق ل مرية‬
‫فيه‬
‫قال صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬صلح أول هذه المه بالّزهد واليقين ! ويهلك‬
‫آخرها بالبخل والمل (‬
‫رواه احمد في الزهد والطبراني في الوسط صحيح الجامع‬
‫أخي وأختي حفظكما الله إن طول المل حبالة من حبالت إبليس اللعين‬
‫يقذفها في طريق ابن آدم فيأسره بها ليتحكم بعدها في أمره كما يشاء !‬
‫قال بعض الحكماء ) المل سلطان الشيطان على قلوب الغافلين ! (‬
‫أخي ‪ ..‬كم هم مساكين أولئك الذين يظنون أن نسج حبال ألمال من‬
‫السعادة ! وهم قد تركوا السعادة حيث يكرهون !‬
‫قال الفضيل بن عياض ) رحمه الله ( ‪ :‬إن من الشقاء طول المل ‪ ..‬وقسوة‬
‫القلب وجمود العين ‪ ..‬والبخل‬
‫أخي الفاضل أختي الكريمه‬
‫كم مّنينا هذه النفس ؟‬
‫وكم عّللناها بالمال العراض ؟‬
‫ولكن أخي هل حاسبناها ؟‬
‫هل سألناها ؟‬
‫ماذا تريدين من هذه المال ؟‬
‫أتريدين بها وجه الله والدار الخرة ؟! أم تريدين بها الّركون إلى دار الغرور ؟‬
‫بل هل سألناها ‪ :‬أما تدرين يانفس أن الجل بالمرصاد ؟ فقد يأخذك قبل‬
‫تحقيق آمالك وما أكثر هذا يانفس هل غفلت ؟‬
‫أخي في الله وأختي حفظك الله‬
‫ّ‬
‫قفا معي قليل ً ‪ :‬إن سألتك أخي ‪ :‬ماالذي جناه أهل المال الطوال ؟‬
‫هل أدركوا أمانّيهم ؟‬
‫صلوا أحلمهم ؟‬ ‫هل ح ّ‬
‫والتي لطالما داعبت خيالهم‬
‫اخي ‪ ..‬وقف معي مّرة أخرى !! أرأيت أن أدرك أهل المال آمالهم ! هل‬
‫أدركوها صافية خالية من الكدار ؟‬
‫ً‬
‫وإن كان ذلك ‪ ..‬هل دام ما أدركوه ؟ إن دام طويل هل وقفت أنفسهم‬
‫دثوا أنفسهم بآمال أخرى ؟‬ ‫عنده ؟ فقنعوا ولم يح ّ‬
‫اخي ‪ ..‬أخّيه‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هي نفسك وأنت أعلم الناس بها سلها وظّني بك أنها لن تصدقك ! ولكنك‬
‫دواء سهل‬‫أخي إن حاسبت نفسك عرفت أدواءها وإن عرفت الداء فإن ال ّ‬
‫أخي أخّيه‬
‫أل ترى ما في القلوب من قسوة وغفله ؟ ل الوعيد يخوفها ول الوعد يصلحها‬
‫كسولة إذا ُدعيت إلى الطاعات نشيطه خفيفة إذا دعيت إلى الشهوات‬
‫إن داء طول ألمل رأس الدواء ‪ ..‬وداعية الهواء فأعجب أخي ثم اعجب‬
‫معي ) كّلنا قد أيقن بالموت وما نرى له مستعدا ً وكّلنا قد أيقن بالجنة وما‬
‫نرى لها عامل ً وكّلنا قد أيقن بالنار وما نرى لها خائفا ً فعلم ُتعّرجون ؟ وما‬
‫عسيتم تنتظرون ؟ الموت !! ؟‬
‫فهو أول وارد عليكم من الله بخير أو بشر قال تعالى } يوم تجد كل نفس ما‬
‫عملت من خير محضرا{‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تجد والله كل نفس ما قدمت في اليام من الطاعات والجرام ذلك يوم‬


‫المصائب ويوم النوائب‬
‫ويوم العجائب يوم هتك الستار يوم ُتسعر فيه النار يوم يفوز في البرار ‪..‬‬
‫ويندم فيه الفجار وتعرف العباد على الواحد القهار‬
‫فالعجب كل العجب ممن قطع عمره في الغفال ‪ ،‬وضّيع أيامه في‬
‫المحال ‪،‬وأفنى شبابه في الضلل ‪ ،‬ولم يعمل في كتاب ذي المجد والجلل‬
‫قال تعالى } يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا {‬
‫يقول الله تعالى يا ابن آدم تطلب موعظة ساعة وتقيم على الذنب سنة‬
‫ياأخي ويا أخّيه‬
‫أفيقوا من هذا السبات ‪ ..‬ولتكونوا من أهل الغفلت وتذكروا أي وربي تذكروا‬
‫إذا وقفوا في أرض القيامة فيقف كل عبد وأمة إذ نادى المنادي بإسمك يا‬
‫مغرور على رؤوس ألولين والخرين أين فلن بن فلن أو أين فلنة بنت فلن‬
‫‪ ،‬هلم إلى الحساب بين يدي رب العالمين فاستقر في سمعك يامسكين إنك‬
‫أنت المنادي من جميع الخلق فقمت على قدميك قد تغير من الفزع لونك‬
‫وانخلع من الجزع قلبك واضطربت من الهلع مفاصلك وقد سمع من كان‬
‫حولك حسيس قلبك بالخفقان وأوصالك قد اشتدت في الطيران فكادت‬
‫نفسك ان تزهق من خوف الرحمان‬
‫وكل بسوقك وقد تغير لونك وتحير لبك ‪ ،‬علم أنك أنت‬ ‫فإذا نظر الملك الم ّ‬
‫لق نظر على‬ ‫المنادى بإسمه فإذا كنت من أهل النفاق ‪ ،‬والعصيان للملك الخ ّ‬
‫وجهك ظلمة الذنوب فعلم أنك عدو لعلم الغيوب‬
‫فجمع بين ناصيتك وقدميك ‪ ،‬غضبا ً لغضب الله عليك معشر المذنبين اجعلوا‬
‫أعماركم ثلثة أيام ‪ ،‬يوم مضى ويوم أنتم فيه ويوم تنتظرونه ل تدرون بما‬
‫يأتيكم من صلح أو فساد ولعلكم ل تبلغونه‬
‫فأصلحوا اليوم الذي مضى بالندم على ما فاتكم فيه من الطاعة والحسان‬
‫وما اقترفتم فيه من الذنوب والعصيان واليوم الذي مضى إنما تصلحونه في‬
‫اليوم الذي أنتم فيه بالبكاء والندامة وذم النفس مع الملمة حتى متى نحن‬
‫واليام نحسبها وإنما نحن فيها بين يومين يوم تولى ويوم أنت تأمله‬
‫لعله أجلب اليام للحين آنس ا لله روعتي وروعتكم يوم النشور وآنس‬
‫وحشتي ووحشتكم في القبور إنه على ذلك قدير وهو عليه يسير وأماتنا‬
‫وإياكم على هذه الكلمة شهادة أن ل إله إل الله محمد رسول الله غير‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مبدلين ول مغيرين ول مبتدعين آمين يارب العالمين‬


‫كتيب لزهري محمود وكتاب بستان الواعظين لبن الجوزي‬
‫منقول من موقع شبكة سحب )جزاهم الله خير(‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إنسانّية محمد‬
‫حامد بن عبد العزيز الحامد ‪30/12/1426‬‬
‫‪30/01/2006‬‬
‫محمد ٌ صفوةُ الباري ورحمُته ‪... ...‬‬
‫ق ومن نسم ِ‬ ‫ة اللهِ من خل ٍ‬ ‫وبغي ُ‬
‫جاء النبيون باليات فانصرمت ‪... ...‬‬
‫وجئتنا بحكيم ٍ غيرِ منصرم ِ‬
‫ل بها ‪... ...‬‬ ‫ت العقو َ‬ ‫جْر َ‬ ‫ة لك ف ّ‬ ‫شريع ٌ‬
‫ف العلم ِ ملتطم ِ‬ ‫عن زاخرٍ بصنو ِ‬
‫هكذا قال أحمد شوقي عن خير البرية صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ومهما أكثرت من الثناء على هذا النسان فإنما تكثر من الثناء على النسانية‬
‫مّثلها كما تمثلها محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫التي لم تعرف مخلوقا ت َ َ‬
‫وكفاه دليل ً على إنسانيته معجزته الخالدة‪ ،‬وهي القرآن‪ ،‬الذي )ل ي َأ ِْتيهِ ال َْباط ِ ُ‬
‫ل‬
‫ه‬
‫ن ي َد َي ْ ِ‬ ‫ن ب َي ْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫د( )فصلت‪.(42:‬‬ ‫مي‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫كي‬
‫ِ ْ َ ِ ٍ َ ِ ٍ‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ٌ‬
‫ل‬ ‫زي‬ ‫ن‬‫ت‬
‫ِ ِ َْ ِ‬ ‫ه‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ن‬‫َ ِ ْ‬‫م‬ ‫ول‬
‫ت أن تتحدث عن النسانية فسيرة النبي صلى الله عليه‬ ‫َ‬ ‫أرد‬ ‫جانب‬ ‫أي‬ ‫ومن‬
‫ّ‬
‫ح المعلى‪.‬‬ ‫قد ْ ُ‬ ‫وسلم هي ال ِ‬
‫إن النسانية ليست فلسفة وضعية يصطلح عليها مجموعة أناس يخالفهم فيها‬
‫غيرهم‪ ،‬ولكنها فطرة الله التي فطر الناس عليها‪ ،‬وهي مجموعة قيم أخلقية‬
‫قد اتفق بنو آدم على استحسانها‪.‬‬
‫وأي مصلح يتكلم عن الصلح فإنما يتحدث عن هذه القيم النسانية‪.‬‬
‫ومهما بلغ هذا المصلح أو ذاك من العظمة فإنه إن استطاع تثبيت بعض القيم‬
‫النسانية فإنه سيغفل عن جوانب أخرى تعجز نفسه عن إدراكها‪ ،‬بل حتى في‬
‫خر حياته من أجلها قد ل يعطيها حقها‬ ‫الجوانب النسانية التي يريد تثبيتها‪ ،‬ويس ّ‬
‫اللئق بها‪ ،‬ول يزنها بميزان عدل‪ ،‬وإنما قد يتطرف بها ذات اليمين أو ذات‬
‫الشمال‪.‬‬
‫وأما المصلح العظيم صلى الله عليه وسلم فهو أجل وأعظم من أن يبخس‬
‫النسانية جانبا ً من جوانبها‪ ،‬وأعظم من ذلك فإنه قد أعطى كل جانب إنساني‬
‫قدره من غير وكس ول شطط‪.‬‬
‫ولكن هذا القسطاس المستقيم للقيم النسانية لن يرضي الظالمين؛ لنه‬
‫سيحد ّ من جشعهم وشهواتهم؛ فتنطلق ألسنتهم وأيديهم لتعلن تمردها على‬
‫مبدأ العدالة‪ ،‬ولكن يأبى الله إل أن يتم نوره ولو كره الكافرون‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن كلهِ وَلوْ كرِهَ‬ ‫ُ‬ ‫حقّ ل ِي ُظ ْهَِرهُ عََلى ال ّ‬
‫دي ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫دى وَِدي ِ‬ ‫ه ِبال ْهُ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫س َ‬ ‫ذي أْر َ‬ ‫)هُوَ ال ّ ِ‬
‫ن( )التوبة‪.(33:‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫مله؛ لن‬ ‫ولو كان هذا التمرد الخلقي على عظيم من عظماء البشر لمكن تح ّ‬
‫أي عظيم‬
‫دعي المثالية‪ ،‬بل ل بد أن يعترف بالتقصير في جانب من‬ ‫ل يستطيع أن ي ّ‬
‫جوانبه النسانية‪ ،‬ولكنه يعتذر عن هذا بما عنده من حسنات تستر هذا النقص‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذي هو فيه‪.‬‬
‫وأما رسولنا صلى الله عليه وسلم فهو كامل في مثاليته؛ لنه ل ينطق عن‬
‫الهوى‪ ،‬إن هو إل وحي يوحى‪ ،‬قد أّدبه ربه فأحسن تأديبه‪ ،‬فاستحق الثناء من‬
‫م( )القلم‪.(4:‬‬ ‫ك ل َعََلى ُ ُ‬
‫رب العالمين‪) :‬وَإ ِن ّ َ‬
‫ظي ٍ‬‫ق عَ ِ‬ ‫خل ٍ‬
‫والعجب أن يكون هذا التمرد على النسانية باسم النسانية؛ تبديل ً للحقائق‪،‬‬
‫وتشكيكا ً في المسلمات‪ ،‬ونتيجة لهذا التمرد تتحول القيم النسانية إلى‬
‫نزغات بهيمّية تقوم على مبدأ الظلم والبغي والطغيان‪.‬‬
‫إن الحديث عن الجوانب النسانية كلها قد ل يتيسر‪ ،‬ولكن المتيسر هو أن‬
‫نعرض بعض جوانبها على ضوء الشريعة المحمدية‪ ،‬حتى تستضيء البشرية‬
‫بهذه الشراقة النسانية‪.‬‬
‫ولعلنا نستغني عن كثير من المقدمات المنطقية حينما نعلم أن الذنب الذي‬
‫جناه محمد صلى الله عليه وسلم ‪-‬في نظر أعدائه‪ -‬هو اعترافه بالمبادئ‬
‫النسانية‪.‬‬
‫ً‬
‫فاستخدام القوة ‪-‬مثل‪ -‬أمام القوى المقاتلة ليس مبدأ محمديا ابتداء‪ ،‬وإنما‬ ‫ً‬
‫هو مبدأ إنساني‪ ،‬وحيث إن النسانية ممثلة بمحمد صلى الله عليه وسلم‬
‫أصبح استخدام القوة مبدأ محمديًا‪.‬‬
‫والسلم ‪-‬الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لم يقابل بقواته أمما ً‬
‫تقابله بالورود والرياحين‪ ،‬وإنما يقابل جيوشا ً مدججة بالسلح‪ ،‬فما معنى‬
‫امتلك تلك المم للسلح؟!‬
‫بل إن السلم منع من استخدام القوة أمام من ل يملك القوة‪ ،‬كالطفال‪،‬‬
‫والنساء‪ ،‬والرهبان‪ ،‬ونحوهم‪ ،‬وهذا لن الصل في السلم هو السلم‪ ،‬وأما‬
‫استخدام القوة فعارض ينتهي بانتهاء سببه‪.‬‬
‫ثم إن استخدام القوة في السلم ل يكون إل أمام الجيوش المحاربة‪ ،‬وأما‬
‫الفراد فليس من دين السلم مقابلتهم بالسلح‪ ،‬وإنما ُيقاَبلون بالهدى‬
‫والصلح‪.‬‬
‫ولعلك تعجب حينما ترى أن السلم قد وهب للفراد حرية الختيار ‪-‬على‬
‫عكس معتقدات المم الخرى‪ -‬ومع ذلك ترى الشعوب على اختلفها تتسابق‬
‫إلى الدخول في دين الله أفواجًا‪ ،‬على عكس معتقدات المم الخرى التي‬
‫عجزت عن إدخال شعوبها في معتقداتها بالحديد والنار‪.‬‬
‫وأعظم من هذا حينما تجد الشعوب المختلفة تتسابق في تقديم أبنائها العلم‬
‫لخدمة السلم‪ ،‬وهذا ليمانها بأنها تعيش في ظل السلم على قاعدة‪) :‬ل‬
‫فضل لعربي على أعجمي ول لحمر على أسود إل بالتقوى(‪ ،‬وترّدد صباح‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬‫جعَل َْناك ُ ْ‬
‫ن ذ َك َرٍ وَأن َْثى وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫قَناك ُ ْ‬‫خل َ ْ‬ ‫س إ ِّنا َ‬ ‫مساء قول ربها سبحانه‪َ) :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫خِبيٌر(‬
‫م َ‬
‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬‫قاك ُ ْ‬‫عن ْد َ الل ّهِ أ َت ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬
‫ل ل ِتعارُفوا إ َ‬
‫ن أك َْر َ‬‫ِ ّ‬ ‫شُعوبا ً وَقََبائ ِ َ َ َ َ‬
‫ُ‬
‫)الحجرات‪.(13:‬‬
‫ولغتها‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫س أو تميم ِ‬
‫ب لي سواه ُ ‪ ... ...‬إذا افتخروا بقي ٍ‬
‫ملأ َ‬
‫أبي السل ُ‬
‫وإذا كانت هذه سياسة السلم أمام القوى الخارجية فإن الشريعة السلمية‬
‫لم تهمل شؤونها الداخلية‪ ،‬ولن المظاهر الجرامية جزء من المجتمعات‬
‫النسانية فقد وقف لها السلم بالمرصاد؛ ليدرأ شرها عن البلد والعباد‪،‬‬
‫فأعطى كل جريمة ما يناسبها من العقوبات التي ربما قد تصل إلى القتل‪،‬‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهذه العقوبات تقّر بها جميع المم‪ ،‬ولكنها تختلف في تحديد أنواع الجرائم‬
‫التي تستحق تلك العقوبات‪.‬‬
‫وإذا كنا نريد برهانا ً على صحة العقوبات السلمية وملءمتها للحياة النسانية‪،‬‬
‫فلسنا بحاجة إلى مقدمات منطقية‪ ،‬ول نظريات فلسفية‪ ،‬وإنما يكفينا أن‬
‫نلتفت إلى مجتمعات العالم أجمع؛ لنسألها‪:‬‬
‫أي المجتمعات نجحت في الحد من انتشار الجريمة؟!‬
‫ولنترك الجواب للرقام‪.‬‬
‫ومن إنسانية السلم مراعاته لختلف القدرات العقلية لبني النسان‪ ،‬فيهب‬
‫للعقول مساحة واسعة لتلعب دورها في بناء الحضارة السلمية‪ ،‬بل حتى في‬
‫المسائل الشرعية يسمح بوجهات نظر مختلفة؛ اعترافا ً بالطبيعة النسانية‪،‬‬
‫وتيسيرا للمة السلمية‪) ،‬ولن يشاد ّ الدين أحد ٌ‬
‫إل غلبه(‪.‬‬
‫ولكنه مع هذا لم يتجاهل التفريق بين المصالح العامة والمصالح الفردية؛‬
‫ل إليهم النظر في مصالح الولية‪.‬‬ ‫دراية؛ وي َك ِ ُ‬ ‫فيختار للرعاية نخبة من أولي ال ّ‬
‫وأما المصالح الفردية فقد شرع لكل فرد أن ينظر في أموره الخاصة على‬
‫حسب ما تقتضيه مصلحته‪.‬‬
‫ود‬ ‫تس‬
‫ُ ّ‬ ‫وفلسفات‬ ‫سفسطات‬ ‫وليست‬ ‫السلم‪،‬‬ ‫عنها‬ ‫تلك هي الحرية التي يتكلم‬
‫بها الصفحات‪ ،‬وتمتلئ بها المجلت‪ ،‬وليست شعارات ولفتات تتشدق بها‬
‫المرئيات والذاعات‪ ،‬حتى إذا ما أتيت‬
‫إلى الواقع لم تجدها شيئًا‪ ،‬وإنما تجد واقعا ً ل يحرر النسان من الطغيان‬
‫والعصيان‪ ،‬وإنما يحرره من مبادئه الحسان‪.‬‬
‫وهو إن طالب بالحرية فإنما يطالب بحريته الشخصية‪ ،‬وتسخير النسان‬
‫لمصالحه الذاتية‪ ،‬بل وشهواته البهيمية‪.‬‬
‫ولعلك ل تجد أحدا ً من بني النسان يطالب بحرية مطلقة‪ ،‬وإنما يقيدها كل‬
‫أناس على حسب ما تشتهيه أهواؤهم‪ ،‬وتمليه عليهم خيالتهم‪ ،‬وأفضل حرية‬
‫عرفها السلم هي تلك التي قامت على مبدأ العدل بين الناس أجمعين‪ ،‬على‬
‫َ‬
‫ن( ]النبياء‪ .[107:‬هذه بعض الجوانب‬ ‫مي َ‬‫ة ل ِل َْعال َ ِ‬
‫م ً‬
‫ح َ‬‫ك إ ِّل َر ْ‬
‫سل َْنا َ‬
‫ما أْر َ‬‫قاعدة‪) :‬وَ َ‬
‫النسانية التي يتمثلها السلم على قائده أفضل الصلة والسلم‪.‬‬
‫وهي جوانب تشهد على صحة هذا الدين السماوي‪ ،‬وأن محمدا ً رسول من‬
‫رب العالمين‪.‬‬
‫ومن الحيف والظلم أن يصدق شخص بالدلئل النسانية على صحة الرسالة‬
‫المحمدية‪ ،‬ثم يتهجم على أمر جاء به محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬مما قد‬
‫يكون متوقفا ً على الوحي الذي يأتي من‬
‫رب العالمين‪ ،‬الذي خلق النسان‪ ،‬وعّلمه البيان‪ ،‬وهو أعلم بمصلحته‪.‬‬
‫ل‪ -‬ل يستطيع العقل تحديد الصلح فيه‪ ،‬فيقف عندئذ أمام‬ ‫فتعدد الزوجات ‪-‬مث ً‬
‫ً‬
‫الوحي السماوي موقف جاهل مسترشدا يريد الوصول إلى ما ينفعه‪.‬‬
‫وكون النبي صلى الله عليه وسلم يختص ببعض الخصائص‪- ،‬كتزوجه بأكثر‬
‫من أربع نسوة‪ -‬ل يزعزع ثقتنا به صلى الله عليه وسلم ؛ لنه قد جاءنا‬
‫ّ‬
‫ببراهين ودلئل على صدقه ونصحه تجعلنا نقطع بأنه ما من خير إل وقد دلنا‬
‫ذرنا منه‪ ،‬وأنه ل يأتي منه صلى الله عليه وسلم‬ ‫عليه‪ ،‬وما من شر إل وقد ح ّ‬
‫إل ما فيه خير وصلح‪.‬‬
‫والمريض الذي يتناول الدواء بناء على وصفة طبية إنما يتناوله بناء على ثقته‬
‫بالطبيب‪ ،‬وأما هو فقد يكون جاهل ً بفاعلية هذا الدواء لدائه‪.‬‬
‫وسيرته صلى الله عليه وسلم كلها يشهد بعضها لبعض على أنه مصلح عظيم‪،‬‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وإمام قد أرسله الله رحمة للعالمين‪ ،‬عليه من الله أزكى الصلة وأتم‬
‫التسليم‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إنما أعظكم بواحدة‬


‫عبد العزيز بن ناصر السعد‬
‫ما‬ ‫ن )‪ (43‬وَ َ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫حٌر ّ‬ ‫س ْ‬ ‫ذا إ ِل ّ ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫جاءهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫حق ّ ل َ ّ‬ ‫فُروا ل ِل ْ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫)‪...‬وََقا َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫ذيرٍ )‪ (44‬وَك َذ ّ َ‬ ‫من ن ّ ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫م قَب ْل َ‬ ‫سلَنا إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫سون ََها وَ َ‬ ‫ب ي َد ُْر ُ‬ ‫من ك ُت ُ ٍ‬ ‫هم ِ‬ ‫آت َي َْنا ُ‬
‫كيرِ )‪(45‬‬ ‫ن نَ ِ‬‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫سِلي فَك َي ْ َ‬ ‫م فَك َذ ُّبوا ُر ُ‬ ‫ما آت َي َْناهُ ْ‬ ‫شاَر َ‬ ‫معْ َ‬ ‫ما ب َلُغوا ِ‬ ‫َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫من قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫ِ‬
‫حب ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫كم‬ ‫صا ِ‬ ‫ما ب ِ َ‬ ‫فك ُّروا َ‬ ‫م ت َت َ َ‬ ‫مث َْنى وَفَُراَدى ث ُ ّ‬ ‫موا لله َ‬ ‫قو ُ‬ ‫حد َةٍ أن ت َ ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫كم ب ِ َ‬ ‫عظ ُ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬‫قُ ْ‬
‫د( ]سبأ‪ [4346 :‬من هذه‬ ‫دي ٍ‬ ‫ش ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ن ي َد َيْ عَ َ‬ ‫ُ‬
‫ذيٌر لكم ب َي ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫ن هُوَ إ ِل ّ ن َ ِ‬ ‫جن ّةٍ إ ِ ْ‬ ‫من ِ‬ ‫ّ‬
‫اليات البينات يتضح أن الموعظة الموجهة إلى مشركي قريش كانت بسبب‬
‫اتهامهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالكذب تارة وبالسحر تارة أخرى‬
‫دون تفكير أو تدبر‪ ،‬شأنهم في ذلك شأن الذين يتبعون أهواءهم وآثار آبائهم‬
‫ومتبوعيهم دون دليل‪.‬‬
‫وقد أقام الله عز وجل هذه الموعظة العظيمة التي من أخذها بجميع‬
‫مقوماتها فل بد أن يصل إلى الحق وهو في الية كون النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم رسول ً من عند الله عز وجل‪ ،‬ونذيرا ً لهم بين يدي عذاب شديد‪ ،‬وليس‬
‫ما‬
‫كما يزعمون ويرددون دون وعي ول نظر بأنه ساحر أو كاذب أو مجنون‪َ ) ،‬‬
‫د( ولكي يحصل‬ ‫دي ٍ‬ ‫ش ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ن ي َد َيْ عَ َ‬ ‫كم ب َي ْ َ‬ ‫ذيٌر ل ّ ُ‬ ‫ن هُوَ إ ِل ّ ن َ ِ‬ ‫جن ّةٍ إ ِ ْ‬ ‫من ِ‬ ‫كم ِ‬ ‫حب ِ ُ‬ ‫صا ِ‬ ‫بِ َ‬
‫النتفاع بهذه الموعظة العظيمة فلبد من الخذ بجميع المقومات التي قامت‬
‫موا لله( والتجرد في‬ ‫قو ُ‬ ‫عليها هذه الموعظة وهي‪ :‬القيام لله تعالى‪َ) :‬أن ت َ ُ‬
‫طلب الحق‪.‬‬
‫مث َْنى وَفَُراَدى(‪.‬‬ ‫ن) َ‬ ‫مراجعة النفس والخلوة بها أو مع شخص ثا ٍ‬
‫فكُروا(‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫م ت َت َ َ‬ ‫التفكر والجتهاد فيما يقوله المخالف )ث ُ ّ‬
‫وتظهر أهمية هذه المقومات في كلم علماء التفسير رحمهم الله تعالى‪.‬‬
‫ة(‪ :‬أي‬ ‫حد َ ٍ‬ ‫وا ِ‬
‫كم ب ِ َ‬ ‫عظ ُ ُ‬ ‫ما أ َ ِ‬ ‫يقول الشوكاني في )فتح القدير( حول قوله تعالى )إ ِن ّ َ‬
‫أحذركم بواحدة وأنذركم سوء عاقبة ما أنتم فيه وأوصيكم بخصلة واحدة وهي‬
‫مث َْنى وَفَُراَدى(‪.‬‬ ‫موا لله َ‬ ‫قو ُ‬ ‫)َأن ت َ ُ‬
‫وهذا تفسير للخصلة الواحدة أو بدل منها أي هي‪ :‬قيامكم وتشميركم في‬
‫طلب الحق بالفكرة الصادقة متفرقين اثنين اثنين وواحدا ً واحدا ً لن الجتماع‬
‫يشوش الفكر‪ ،‬وليس المراد القيام على الرجلين بل المراد القيام لطلب‬
‫فك ُّروا( في أمر النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫م ت َت َ َ‬ ‫الحق وإصداق الفكر فيه )ث ُ ّ‬
‫ة(‬ ‫جن ّ ٍ‬ ‫من ِ‬ ‫كم ّ‬ ‫حب ِ ُ‬ ‫صا ِ‬ ‫ما ب ِ َ‬ ‫وما جاء به من الكتاب‪ ،‬فإنكم عند ذلك تعلمون أن ) َ‬
‫وذلك لنهم كانوا يقولون أن محمدا ً مجنون‪ ،‬فقال لهم‪ :‬اعتبروا أمري بواحدة‬
‫وهي أن تقوموا لله وفي ذاته مجتمعين ومتفرقين‪ ،‬فيقول الرجل لصاحبه‬
‫هلم فلنصدق هل رأينا بهذا الرجل من جنة أي جنون أو جربنا عليه كذبا ً ثم‬
‫ينفرد كل واحد عن صاحبه وليتفكر ولينظر‪.‬‬
‫فإن في ذلك ما يدل على أن محمدا ً صلى الله عليه وسلم صادق وأنه رسول‬
‫من عند الله عز وجل وأنه ليس بكاذب ول ساحر ول مجنون اهـ‪.‬‬
‫ة(‪ :‬أي بخصلة واحدة وقد‬ ‫حد َ ٍ‬ ‫وا ِ‬ ‫كم ب ِ َ‬ ‫عظ ُ ُ‬ ‫ما أ َ ِ‬ ‫ويقول النسفي في تفسيره )قُ ْ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬
‫موا لله( الية‪.‬‬ ‫قو ُ‬ ‫فسرها بقوله )َأن ت َ ُ‬
‫على أن عطف بيان لها‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقيل في محل الرفع والمعنى‪ :‬إنما أعظكم بواحدة إن فعلتموها أصبتم الحق‬
‫موا لله( أي لوجه الله خالصة ل لحمية ول لعصبية بل‬ ‫وتخلصتم وهي )َأن ت َ ُ‬
‫قو ُ‬
‫لطلب الحق‪.‬‬
‫فك ُّروا( في أمر محمد وما جاء‬ ‫مث َْنى( اثنين اثنين‪ ،‬و )فَُرادى( فردا ً فردا ً )ث ُّ‬
‫م ت َت َ َ‬ ‫) َ‬
‫به‪ ،‬أما الثنان فيتفكران يعرض كل واحد منهما محصول فكره على صاحبه‬
‫وينظران نظرة الصدق والنصاف حتى يؤدي النظر الصحيح إلى الحق‪.‬‬
‫وكذلك الفرد يتفكر مع نفسه بعدل وإنصاف وبعرض فكره على عقله‪.‬‬
‫ومعنى تفرقهم مثنى وفرادى أن الجتماع مما يشوش الخواطر‪ ،‬ويعمي‬
‫البصائر ويمنع الروية ويقلل النصاف فيه ويكثر العتساف‪ ،‬ويثور عجاج‬
‫التعصب ول يسمع إل نصرة المذهب‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫ويقول الشيخ السعدي )في تفسير الكريم المنان( في تفسيره لهذه الية‪ :‬أي‬
‫أعظكم بخصلة واحدة أشير عليكم بها وأنصح لكم في سلوكها وهي طريق‬
‫نصف لست أدعوكم إلى اتباع قولي ول إلى ترك قولكم من دون موجب‬
‫مث َْنى وَفَُراَدى( أي تنهضوا بهمة ونشاط وقصد‬ ‫موا لله َ‬ ‫لذلك وهي )َأن ت َ ُ‬
‫قو ُ‬
‫لتباع الصواب وإخلص لله عز وجل مجتمعين ومتباحثين في ذلك ومتناظرين‬
‫وفرادى كل واحد يخاطب نفسه بذلك فإذا قمتم لله مثنى وفرادى‬
‫واستعملتم فكركم وأجلتموه وتدبرتم أحوال رسولكم هل هو مجنون فيه‬
‫صفات المجانين من كلمه‪ ،‬وهيئته ووصفه‪ ،‬أم هو نبي صادق منذر لكم؟ فلو‬
‫قبلوا هذه الموعظة واستعملوها لتبين لهم أكثر من غيرهم أن رسول الله‬
‫ليس بمجنون‪ ،‬لن هيئته ليست كهيئة المجانين وخنقهم واختلجها‪..‬‬
‫فكل من رأى أحواله وقصده استعلم هل هو رسول الله أم ل سواء تفكر‬
‫وحده أو مع غيره؛ جزم بأنه رسول الله حقا ً وتبين صدقه‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ويقول سيد قطب رحمه الله تعالى حول ظلل هذه الية‪ :‬وهنا يدعوهم دعوة‬
‫ة( الية‪ ،‬إنها دعوة‬ ‫حد َ ٍ‬
‫وا ِ‬‫كم ب ِ َ‬ ‫عظ ُ ُ‬‫ما أ َ ِ‬ ‫خالصة إلى منهج البحث عن الحق )قُ ْ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬
‫إلى القيام لله عز وجل بعيدا ً عن الهوى‪ ...‬بعيدا عن المصلحة‪ ،‬بعيدا عن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ملبسات الرض‪ ..‬بعيدا ً عن التأثر بالتيارات في البيئة والمؤثرات الشائعة في‬
‫الجماعة‪ ،‬بعيدا ً عن الهواتف والدوافع التي تستشجر في القلب فتبعد به عن‬
‫الله تعالى‪.‬‬
‫دعوة إلى التعامل مع الواقع البسيط ل مع القضايا والدعاوى الرائجة ول مع‬
‫العبارات المطاطة التي يبتعد القلب والعقل عن مواجهة الحقيقة في‬
‫بساطتها‪ ،‬دعوة إلى منطق الفطرة الهادي الصافي بعيدا ً عن الضجيج والخلط‬
‫واللبس والرؤية المضطربة والغبش الذي يحجب صفاء الحقيقة‪ ،‬وهي في‬
‫الوقت ذاته منهج في البحث عن الحقيقة‪ ،‬منهج بسيط يعتمد على التجرد من‬
‫ة( إن‬ ‫حد َ ٍ‬‫الرواسب والمؤثرات‪ ،‬وعلى مراقبة الله عز رجل وتقواه وهي )َوا ِ‬
‫تحققت صح المنهج واستقام الطريق‪ :‬القيام لله ل لغرض ول لهوى ول‬
‫لمصلحة ول لنتيجة‪ ..‬التجرد‪ ..‬الخلوص‪ ..‬ثم التفكر والتدبر بل مؤثر خارج عن‬
‫مث َْنى وَفَُراَدى(‬‫موا لله َ‬ ‫قو ُ‬ ‫الواقع الذي يواجهه القائمون لله المتجردون‪َ) ..‬أن ت َ ُ‬
‫مثنى ليراجع أحدهما الخر ويأخذ معه ويعطي في غير تأثر بعقلية الجماهير‬
‫التي تتبع النفعال الطارئ‪ ،‬ول تتلبث لتتبع الحجة في هدوء‪ ،‬وفرادى مع‬
‫النفس وجها ً لوجه في تمحيص هادئ عميق‪.‬‬
‫فك ُّروا( فما عرفتم عنه إل العقل والتدبر‪.‬‬ ‫)ث ُ ّ‬
‫م ت َت َ َ‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وما يقول شيئا ً يدعو إلى التظنن بعقله ورشده‪.‬‬


‫إن هو إل القول المحكم القوي المبين اهـ‪.‬‬
‫وبعد هذه النقول من بعض كتب التفسير حول هذه الية نستطيع الن توضيح‬
‫مقومات هذه الموعظة العظيمة وشروط النتفاع بها بما يلي‪:‬‬
‫موا لله(‪ :‬إن هذا الشرط هو الساس لكل عمل‪،‬‬ ‫قو ُ‬ ‫الشرط الول‪َ) :‬أن ت َ ُ‬
‫وبدونه يفسد العمل‪ ،‬ول يوفق فيه صاحبه ول يبارك له فيه‪ ،‬فالقيام لله عز‬
‫وجل هو المنطلق لصحة العمل إذا اقترن ذلك مع المتابعة فيه للرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فالخلص في البحث عن الحق والصدق في طلبه شرط أساسي للوصول‬
‫إلى ذلك الحق‪ ،‬وعندما يغيب الخلص ينعدم النقياد إلى الحق حتى ولو كان‬
‫مثل فلق الصبح‪ ،‬لن من تعلق قصده بغير وجه ربه عز وجل ثقل عليه‬
‫النقياد للحق وقصرت همته عن بلوغه والعمل به‪.‬‬
‫فوجب على من أراد معرفة وجه الحق في أي أمر أن يخلص قصده ونيته لله‬
‫عز وجل وأن يتجرد لتباع الحق عند ظهوره‪ ،‬ولو على لسان مخالفه‪ ،‬وأن‬
‫يعلم أن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل‪.‬‬
‫ولكن قد يكتنف القائم لله عز وجل بعض الملبسات والظروف التي قد‬
‫تغطي على الحق أو تلبسه بالباطل‪ ،‬فيقبل الباطل ظانا ً أنه الحق وذلك‬
‫بسبب بعض الظروف المحيطة به لذلك فإنه لمناص من توفر باقي الشروط‬
‫للنتفاع بموعظة الله عز وجل ومنهجه السوي في الوصول إلى الحق‬
‫المنشود وذلك من‪.‬‬
‫مث َْنى وَفَُراَدى(‪ :‬واللتزام بهذا الشرط يقضي على عامل‬ ‫الشرط الثاني‪َ ) :‬‬
‫مهم من العوامل التي تغطي الحق أو تشوه وجهه‪ ،‬وذلك في مثل الجواء‬
‫الجماعية والجماهير الجاهلة والتي غالبا ً ما تتصف بالغوغائية والتقليد العمى‬
‫واتباع كل ناعق من رؤوس الضلل‪ ،‬مما قد يؤدي بطالب الحق المخلص إلى‬
‫اتباع الكثرية من الناس متهما ً نفسه وظانا ً أن الحق مع الكثرية‪ ،‬دون أن‬
‫يدري أن هذه الحركة الغوغائية قد غطت الحق‪ ،‬وضيعت معالمه‪ ،‬فاشتبه مع‬
‫غيره‪ ،‬خاصة عند من قلت بصيرته وقل نصيبه من هدى الله عز وجل وهدي‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهذا ما حدث من اتهام قريش للرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم بشكل جماهيري غوغائي‪ ،‬وقولهم ساحر وكاهن ومجنون‪..‬‬
‫الخ‪ ،‬فوعظهم الله عز وجل أن يقوموا لله ويخلصوا وجوههم له ويبتعدوا عن‬
‫هذه الجواء ويرجعوا إلى أنفسهم‪ ،‬حيث يقف النسان مع نفسه أو معه‬
‫صاحبه ويصحب ذلك التفكير العميق والتدبر لحال الرسول صلى الله عليه‬
‫ما‬
‫وسلم‪ ،‬فلبد أن يصلوا إلى الحق والهدى وهو ما جاء في ختام الية ) َ‬
‫د(‪.‬‬
‫دي ٍ‬
‫ش ِ‬‫ب َ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ن ي َد َيْ عَ َ‬ ‫ذيٌر ل ّ ُ‬
‫كم ب َي ْ َ‬ ‫ن هُوَ إ ِل ّ ن َ ِ‬ ‫جن ّةٍ إ ِ ْ‬
‫من ِ‬
‫كم ّ‬‫حب ِ ُ‬
‫صا ِ‬
‫بِ َ‬
‫ونخرج من هذه الية بفائدة سيأتي تفصيلها في ثنايا البحث إن شاء الله‪،‬‬
‫وهي أن القاصد للحق أو الباحث في مسألة خلفية كبيرة أو صغيرة عليه أن‬
‫يتجنب المناظرة في جو جماعي‪ ،‬لن المناظر يكون أقرب إلى ترك رأيه إذا‬
‫تبين أن الحق في خلفه إذا كان التفكير مع شخص واحد‪ ،‬بخلف حال‬
‫الجماعة فقد يعز عليه العتراف بالخطأ أمام مؤيديه أو مخالفيه المجتمعين‬
‫حوله‪ ،‬والله تعالى عليم بمسارب نفوس خلقه‪ ،‬خبير بطبائعهم فلذلك وعظهم‬
‫موعظة من يعلم حالهم ويعلم ما يصلحهم ويهديهم إلى صراطه المستقيم‬
‫َ‬
‫خِبيُر(‪.‬‬
‫ف ال َ‬ ‫طي ُ‬ ‫خل َقَ وَهُوَ الل ّ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ومنهجه القويم )أل َ ي َعْل َ ُ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فك ُّروا(‪ :‬وهذا الشرط هو الوسيلة الساسية للوصول‬ ‫الشرط الثالث‪) :‬ث ُ ّ‬
‫م ت َت َ َ‬
‫إلى الحق بعد اللتزام بالشرطين السابقين‪ ،‬فالتفكير والعلم وإعمال الرأي‬
‫هو المتمم لهذا المنهج اللهي للوصول إلى الحق وتبين الهدى من الضلل‪،‬‬
‫وهذا الشرط يقودنا إلى قضية هامة أل وهي قضية العلم الشرعي‪ ،‬ومعرفة‬
‫دين الله عز وجل‪ ،‬وإقامة الدليل والبرهان على ما يعتقد أنه الحق‪ ،‬وإذا كان‬
‫الكفار الذين خوطبوا مباشرة بهذه الية ووجهت إليهم هذه الموعظة‬
‫العظيمة ما كان عندهم علم شرعي وليس عندهم الدليل فيما يعتقدونه‬
‫فلذلك كان المطلوب منهم التفكير بحال الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫وإقامة الدليل على ما يتهمونه به‪ ،‬إذا كان المر بالتفكير مع الكفار بهذه‬
‫الصورة فإن المر بالنسبة لطالب الحق في المسائل الشرعية والعقائدية‬
‫والفكرية فل بد أن يكون مؤهل ً من الناحية العلمية لبحث هذه المسألة‪،‬‬
‫ودراسة أوجه الخلف حولها‪ ،‬وإل لم يكن للتفكير فائدة كمن يحارب بغير‬
‫سلح ول عدة‪ ،‬وقد كان عند كفار مكة من العلم بأحوال الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم وصفاته وصدقه وأمانته ما يكفي‪ ،‬ولو أنهم فكروا في ذلك‬
‫لقادهم ذلك إلى الذعان والنقياد للحق الذي جاءهم به الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫وكذلك الحال لكل مختلفين أو متناظرين إذا لم يكن لديهم علم بما يختلفون‬
‫فيه فإنه ل فائدة من التفكير‪ ،‬لن أداة التفكير الساسية هي العلم بحال‬
‫القضية المختلف فيها فالمقصود إذن بالتفكير هنا هو البحث عن الدلة‬
‫الشرعية والتحقق من ثبوتها ودللتها على المراد‪ ،‬كما يدخل في العلم أيضا ً‬
‫العلم بحال القضية المختلف حولها وملبساتها‪..‬‬
‫الخ‪.‬‬
‫فالجاهل بذلك كله ل يستطيع الوصول إلى الحق لفقده الدوات الموصلة‬
‫إليه‪ ،‬فلذلك نجد مثال هؤلء يوجههم التقليد العمى دون فكر أو نظر‪.‬‬
‫وإذا كان الله عز وجل قد بين لنا في كتابه الكريم منهجا ً للوصول إلى الحق‬
‫فيما اختلف فيه‪ ،‬فإن هذا المنهج وذلك الطريق السوي يمر أحيانا ً عبر أنواع‬
‫من الحوار والمناظرة لبد منها‪ ،‬فالمتتبع لمنهج النبياء عليهم الصلة والسلم‬
‫في الدعوة إلى الله وحده يجد أن أكثرهم قد وقف مع قومه موقف‬
‫المناظرة وإقامة الحجة والنصح‪ ،‬وتبين الحق من الباطل‪ ،‬والصبر على ذلك‪،‬‬
‫مع شدة رفضهم للحق وعنادهم وتعنتهم‪ ،‬ولكن مهمة البلغ والدعوة إلى الله‬
‫عز وجل تستلزم شيئا ً من ضبط النفس والتحمل حتى يتم البلغ على أكمل‬
‫وجه‪.‬‬
‫ولكثرة الخلف الواقع بين طوائف المسلمين اليوم‪ ،‬وخاصة بين الطوائف‬
‫إلى أهل السنة؛ فإنا نقدم هذه الكلمات التي نحسب أن فيها إشارة إلى‬
‫الطريقة المثلى في الحوار والمناظرة المؤدية بإذن الله عز وجل إلى‬
‫الجتماع والئتلف في حدود منهج السلف وأصول الشريعة‪ ،‬وقد اتضح من‬
‫الية السابقة التي هي موضع البحث أصول للحوار نطرحها بهذه المناسبة‬
‫ونضيف عليها ما وقع عليه الفكر والنظر من آداب الخلف‪ ،‬وقبل ذكر هذه‬
‫الصول يحسن التقدمة لها بأهمية هذا الموضوع‪ ،‬وبعض التعريفات والوقفات‬
‫السريعة‪.‬‬
‫أهمية هذا الموضوع‪ :‬إن اللمام بآداب الحوار والختلف أمر مهم ينفع صاحبه‬
‫في حياته كلها‪ ،‬وبخاصة الداعية إلى الله عز وجل‪ ،‬وهذه الجوانب المفيدة‬
‫كثيرة نقتصر منها على ما يلي‪ 1 :‬من المعلوم أن مهمة الداعية إلى الله عز‬
‫وجل هي بذل السباب في هداية الناس ودللتهم إلى الخير‪ ،‬ولبد أن يواجهه‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في ذلك التواءات النفوس وخلفهم معه في الرأي‪ ،‬فإذا لم يكن لديه من‬
‫اللمام بآداب الحوار والختلف الشيء الكافي لكي يصبر ويستمر في دعوته‬
‫فقد ينفر الناس منه وهو يسعى لجمعهم وهدايتهم إلى الصراط المستقيم‪.‬‬
‫‪ 2‬إن أهمية اللمام بآداب الحوار والختلف ترجع للظروف الملحة في هذا‬
‫العصر الذي يعد عصر تعدد الجماعات السلمية والفرقة الموجودة بينهم‪،‬‬
‫وذلك لن اللمام بذلك يساعد في تقارب القلوب وتفهم الفكار مما يكون له‬
‫الثر في تضييق هوة الخلف والتماس العذر للعاملين في الدعوة السلمية‪،‬‬
‫وهذا يؤدي إلى الوحدة المنشودة‪.‬‬
‫‪ 3‬كما يفيد تفهم هذه الداب أيضا ً في معالجة وجهات النظر المختلفة التي‬
‫تكون بين أفراد المجموعة الواحدة‪ ،‬بل أفراد العائلة الواحدة لن فقد هذه‬
‫الداب يضخم المشاكل ويجعل من الحبة قبة كما يقولون‪.‬‬
‫الفرد بين الجدال والحوار‪ :‬الجدال‪ :‬مصدر جادل وهو المناقشة على سبيل‬
‫المخاصمة‪ ،‬ومقابلة الحجة بالحجة‪.‬‬
‫والحوار‪ :‬الجواب‪.‬‬
‫ً‬
‫حاوره محاورة وحوارا جاوبه وراجعه‪.‬‬
‫فهو مراجعة في الكلم بين طرفين أو اكثر دون ما يدل بالضرورة على وجود‬
‫خصومة بينهما‪ ،‬وقد يكون الجدل والحوار بمعنى واحد إذا خل الجدل من‬
‫ع‬
‫م َ‬‫س ِ‬ ‫العناد والتعنت للرأي كما ذكر تعالى في سورة المجادلة حيث قال‪) :‬قَد ْ َ‬
‫ن‬
‫ما إ ِ ّ‬‫حاوَُرك ُ َ‬
‫مع ُ ت َ َ‬
‫س َ‬ ‫كي إ َِلى الل ّهِ َوالل ّ ُ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫جَها وَت َ ْ‬
‫شت َ ِ‬ ‫ك ِفي َزوْ ِ‬ ‫جادِل ُ َ‬
‫ل ال َِتي ت ُ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه قَوْ َ‬
‫صيٌر( فسمى الله سبحانه وتعالى مجادلة المرأة للرسول صلى‬ ‫ميعٌ ب َ ِ‬
‫س ِ‬
‫ه َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫الله عليه وسلم ومجاوبته لها محاورة‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وعلى أية حال فالحوار كلمة غالبا ً ما تستعمل في المناظرة الهادئة التي‬
‫يسود عليها اللفة والبحث عن الحق‪.‬‬
‫والجدال غالبا ً ما يكون جوه صاخبا ً وقد ينشأ عنه خصومة وعناد‪.‬‬
‫ما هي نتيجة الحوار؟ ليس شرطا ً للحوار الناجح أن ينتهي أحد الطرفين إلى‬
‫قول الطرف الخر ويتفقان على موقف واحد فهذا نجاح لشك فيه‪.‬‬
‫وإنما يعتبر الحوار ناجحا ً أيضا ً إذا توصل الطرفان إلى أن كل قول يقوله‬
‫أحدهما هو صحيح‪.‬‬
‫أو في الطار الذي يسعه الخلف‪ ،‬أما فشل الحوار فيكون عندما يتشبث كل‬
‫طىء الطرف الخر‪.‬‬ ‫خ ّ‬ ‫طرف برأيه وي ُ َ‬
‫بعض اليات والحاديث الواردة في آداب الحوار وحسن المناظرة‪ :‬قال‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ن إِ ّ‬
‫س ُ‬ ‫ح َ‬‫يأ ْ‬ ‫قوُلوا ال َِتي هِ َ‬ ‫سنًا( )وَُقل ل ّعَِباِدي ي َ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫س ُ‬ ‫تعالى‪) :‬وَُقولوا ِللّنا ِ‬
‫ُ‬
‫م(‪.‬‬ ‫ن َينَزغُ ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫طا َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫ن اللغْوِ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬
‫)َوال ِ‬
‫ه(‪.‬‬ ‫ضوا عَن ْ ُ‬ ‫مُعوا اللغْوَ أعَْر ُ‬ ‫ّ‬ ‫س ِ‬ ‫)وَإ َِذا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫سي ّئ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن(‪.‬‬‫فو َ‬ ‫ص ُ‬‫ما ي َ ِ‬ ‫م بِ َ‬‫ن أعْل ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ة نَ ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫)اد ْفَعْ ِبالِتي هِ َ‬
‫َ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫جادِل ُْهم ِبال ِّتي هِ َ‬ ‫)وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫)ل َ َ‬
‫ن‬
‫صلٍح ب َي ْ َ‬ ‫ف أوْ إ ِ ْ‬ ‫معُْرو ٍ‬‫صد َقَةٍ أوْ َ‬ ‫مَر ب ِ َ‬‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م إ ِل َ‬ ‫واهُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫من ن ّ ْ‬ ‫خي َْر ِفي كِثيرٍ ّ‬
‫س(‪.‬‬‫الّنا ِ‬
‫شى(‪.‬‬ ‫خ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ه ي َت َذ َكُر أوْ ي َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫)ف َ ُ‬
‫ه قوْل لّينا لعَل ُ‬ ‫قول ل ُ‬
‫واليات في ذلك كثيرة‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أما الحاديث النبوية فمنها‪ « :‬من كان يؤمن بالله واليوم الخر فليقل خيرا ً أو‬
‫ليصمت »‪.‬‬
‫« الكلمة الطيبة صدقة »‪.‬‬
‫« تبسمك في وجه أخيك صدقة »‪.‬‬
‫« وهل يكب الناس في النار على وجوههم إل حصائد ألسنتهم؟ »‪.‬‬
‫« الكبر بطر الحق وغمط الناس »‪.‬‬
‫« الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها »‪.‬‬
‫« يسروا ول تعسروا وبشروا ول تنفروا »‪.‬‬
‫« ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب »‪.‬‬
‫« إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق مال يعطيه على العنف‪،‬‬
‫ومال يعطي على سواه »‪.‬‬
‫والحاديث في ذلك كثيرة‪.‬‬
‫والن وبعد هذه التعريفات واليات والحاديث التي تشير إلى الداب السلمية‬
‫في المعاملة مع الناس ومحاورتهم نأتي لتفصيل أصول الحوار في ضوء الية‬
‫كم‬‫عظ ُ ُ‬ ‫ما أ َ ِ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫الكريمة التي كانت منطلق هذا البحث وهي قوله تعالى‪) :‬قُ ْ‬
‫و‬
‫ن هُ َ‬‫جن ّةٍ إ ِ ْ‬‫من ِ‬ ‫كم ّ‬ ‫حب ِ ُ‬
‫صا ِ‬ ‫فك ُّروا َ‬
‫ما ب ِ َ‬ ‫مث َْنى وَفَُراَدى ث ُ ّ‬
‫م ت َت َ َ‬ ‫موا لله َ‬ ‫قو ُ‬ ‫حد َةٍ َأن ت َ ُ‬‫وا ِ‬ ‫بِ َ‬
‫د(‪.‬‬ ‫دي‬
‫ِ ٍ‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ب‬‫ٍ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ي‬
‫َْ َ َ َ ْ َ‬ ‫ن‬ ‫ي‬‫ب‬ ‫كم‬‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ّ‬
‫إِ َ ِ ٌ‬
‫ذي‬ ‫ن‬ ‫ل‬
‫وكما تمت الشارة في تفسير هذه الية وما يتعلق بها أنها تعتبر منهجا ً قويما ً‬
‫لمن أراد الوصول إلى الحق‪ ،‬ولن الحوار المقصود منه الوصول إلى الحق‬
‫فإن هذه الية الكريمة ترسم لنا بمقوماتها الثلثة أصول الحوار الصادق‪،‬‬
‫وذلك فيما يلي‪ :‬الصل الول‪ :‬الخلص لله عز رجل والتجرد الكامل قبل‬
‫موا لله(‪.‬‬ ‫قو ُ‬‫الحوار وأثناءه وبعده )َأن ت َ ُ‬
‫الصل الثاني‪ :‬العلم بحقيقة واقع القضية المطروحة من الناحية الشرعية‬
‫فك ُّروا(‪.‬‬ ‫والواقعية )ث ُ ّ‬
‫م ت َت َ َ‬
‫مث َْنى وَفَُراَدى(‪.‬‬ ‫الصل الثالث‪ :‬اعتبار مراعاة ظروف الحوار والمحاورة ) َ‬
‫موا لله(‪ :‬ويدخل‬ ‫قو ُ‬ ‫الصل الول‪ :‬الخلص لله عز وجل والقيام له وحده )َأن ت َ ُ‬
‫تحت هذا الصل عدة متعلقات نذكر منها ما يلي‪ :‬أ تصحيح النية قبل الدخول‬
‫في الحوار‪ :‬وذلك بمساءلة النفس عن الغرض من الحوار هل هو إرادة الحق‬
‫فحسب‪ ،‬أو أن هناك أغراضا ً أخرى كحب الظهور وإفحام الخصم أو أن يرى‬
‫الناس مكانه‪ ،‬فإذا كانت هذه الغراض موجودة فليحجم المحاور عن الحوار‬
‫حتى تتجرد نيته تماما ً لله عز وجل وأنه يريد الحق ولو ظهر على لسان‬
‫الطرف الخر‪.‬‬
‫ب حسن الستماع والهتمام بكلم الطرف الخر‪ :‬فالمتحدث البارع مستمع‬
‫بارع فلبد من حسن الستماع والنتباه لما يقوله الطرف المقابل وعدم‬
‫مقاطعته وتركه حتى ينتهي ويدون أي فكرة تطرأ أثناء كلمه حتى يفرغ تماما ً‬
‫وهذا من التواضع وإعطاء الهمية لكلم الخرين حتى ل يحصل العجب‬
‫بالنفس وأنه الذي ينبغي أن يستمع له وأن غيره ليس عنده ما يستحق ذلك‪،‬‬
‫كذلك على المحاور المخلص أن يراعي الوقت أثناء حديثه فل يستأثر بالكلم‬
‫كله بل يعطي الفرصة المكافئة للطرف الخر حتى ل يحصل العجب بالنفس‬
‫المنافي للخلص أو الحتقار للطرف الخر‪ ،‬وكذلك لن المستمع ل يستطيع‬
‫أن يركز في سماع من يحاوره دون مقاطعة له أو انشغال عنه أكثر من ربع‬
‫ساعة وبعد ذلك يكل الذهن ويقل التركيز وكما يقال‪) :‬إذا أردت أن ينفض‬
‫الناس من حولك ويسخرون منك فتكلم بغير انقطاع ول تعطي لحد الفرصة‬
‫في الحديث(‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ج مراقبة النفس أثناء الحوار‪ :‬جرت العادة عند أكثر المتحاورين أن يركزوا‬
‫انتباههم على الطرف الخر يحصرون الملحظات على فكرته وطريقته في‬
‫الحوار‪ ،‬دون أن يراقبوا أنفسهم بنفس المقياس‪ ،‬فينسى النسان نفسه‬
‫ونوازعها ونبرات صوته وطريقته في الرد مما يكون له أثر سيء على الحوار‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ولشك أن الخلص في الحوار يجعل النسان ينتبه لنفسه وعيوبه أكثر من‬
‫غيره‪ ،‬وضعف الخلص يحدث في النفس عجبا ً وشعورا ً بأنها فوق‬
‫الملحظات‪.‬‬
‫د التسليم بالخطأ‪ :‬النسان بشر يخطىء ويصيب‪ ،‬فمن الطبيعي أن يخطىء‬
‫المحاور في مناقشاته وحواره مع غيره‪ ،‬والخلص لله عز وجل يفرض عليه‬
‫التسليم بالخطأ عندما يتبين له وجه الصواب‪ ،‬بل يشكر لصاحبه فضله في‬
‫تبصيره له بالخطأ‪.‬‬
‫هـ الحذر من الكذب والغموض واللف والدوران‪ :‬قد يلجأ المحاور إلى‬
‫الساليب الغامضة بل الكذب أحيانا ً إذا أحس بضعف حجته‪ ،‬أو أنه يريد أن‬
‫يلبس على الطرف الخر ويوهمه بما ليس له حقيقة‪ ،‬وهذه صفة ذميمة‬
‫يرفضها الخلص لله تعالى والخلق الكريم‪ ،‬بل إن الحوار المبارك هو الحوار‬
‫الصادق الذي يطمئن كل طرف فيه إلى الخر‪ ،‬وإذا طرح سؤال ل يريد أحد‬
‫الطرفين الجابة عليه فيعتذر عن الجابة‪ ،‬ول يلجأ إلى الغموض واللف‬
‫والدوران لنه إذا فقدت الثقة بين الطرفين فقد فشل الحوار‪.‬‬
‫و المانة‪ :‬لبد من المانة في العرض والنقل واحترام الحقيقة وأن ل تقطع‬
‫عبارة عن سابقتها أو لحقتها عند القتباس لتخضعها لخدمة فكرتك فهذا‬
‫نقص في الدين والخلص لنه أخو الكذب فضل ً عن أنه ُيعّرض من هذه صفته‬
‫للسخرية وعدم الثقة به لتلعبه بالنصوص‪.‬‬
‫ز النصاف‪ :‬من النصاف أن يبدي المحاور إعجابه وثناءه على الفكار‬
‫الصحيحة والدلة الجيدة وحسن الستدلل والمعلومات الجديدة التي يوردها‬
‫الطرف الخر ويسلم بها وأن يذكر الطرف الخر اليجابيات والحسنات التي‬
‫تتمثل فيه أو في فكرته وإن ظهر معها جوانب سلبية‪ ،‬كما أن من النصاف‬
‫وضع النفس موضع الطرف الخر والظروف المحيطة به والتي أدت به إلى‬
‫الرأي المخالف‪.‬‬
‫ح وضع الخطأ في حجمه الطبيعي وتجنب الشماتة‪ :‬عند وضوح خطأ الطرف‬
‫الخر يجب أن يشعر بأن الخطأ ميسور التصحيح حتى ل يداخله الشيطان‬
‫وتفقده الدعوة من جراء خطئه كما أن تواضع الطرف المصيب أمر مهم‬
‫حتى ل يداخله الشيطان فيشعر بالتعالي على الطرف الخر أو يشمت به‬
‫وبفكرته الخاطئة‪ ،‬فالمسلم المخلص يقصد من الحوار إظهار الحق ولو على‬
‫لسان مخالفه‪.‬‬
‫ط على كل طرف في الحوار تجنب الهزء والسخرية وكل ما يشعر باحتقار‬
‫أحدهما للخر أو ازدرائه لفكرته أو وسمه بالجهل أو قلة الفهم أو التبسمات‬
‫والضحكات التي تدل على السخرية‪.‬‬
‫ي تجنب ضمائر المتكلم أثناء الحديث‪ :‬حتى ل يدخل الشيطان إلى النفس‬
‫فيقع فيها العجب والغرور‪ ،‬ينبغي تجنب إدخال ضمائر المتكلم أو ضمير‬
‫الجماعة في الحديث كتكرار )نحن‪ ،‬أنا‪ ،‬عندنا … الخ( مع ما فيها من‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المضايقة للطرف الخر‪.‬‬


‫‪ http://www.albayanmagazine.com‬المصدر‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫إنما نحن فتنة فل تكفر‪..‬‬


‫المصدر‪/‬المؤلف‪ :‬فيصل عبدالله العمري ‪ ...‬أرسلها لصديق‬
‫عرض للطباعة‬
‫عدد القّراء‪3132 :‬‬
‫ة للعالمين وعلى‬ ‫الحمد لله رب العلمين والصلة والسلم على المبعوث رحم ً‬
‫آله الطيبين وصحبه أجمعين وبعد‪:‬‬
‫فمن المخاطر العظيمة التي أفسدت المجتمعات وفرقت السر وأدخلت‬
‫ً‬
‫البلء والمراض على الناس )السحر( وما يتبعه من شرور‪ ،‬لذا كان لزاما أن‬
‫يفهم الناس حقيقته ويعرفوا خطره ويتقوا شره‪ ،‬حتى ل يقع في فعله من‬
‫يجهل حكمه‪ ،‬أو يتورط به من يأمن مكره‪ ،‬فإليك أخي الكريم هذه النقاط‬
‫المختصرة التي توضح لك إن شاء الله بعض معالمه وتدلك على بعض‬
‫مخاطره‪:‬‬
‫‪ -1‬تعريف )السحر( وبيان حقيقته‪:‬‬
‫السحر‪ :‬في اللغة يطلق على ما خفي ولطف سببه‪ ،‬لذلك تقول العرب في‬
‫الشديد الخفاء‪ :‬أخفي من السحر‪ .‬وهو في الصطلح الشرعي كما يقول ابن‬
‫قدامة في المغني‪ ) :‬عقد ورقى يتكلم به و يكتبه‪ ،‬أو يعمل شيئا ً يؤثر في بدن‬
‫المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له ( ]المغني‪.[8/150:‬‬
‫ـ والسحر له حقيقة وتأثير‪ ،‬وقد يموت المسحور أو يتغير طبعه وعاداته‪ ،‬وله‬
‫تثير في إيلم الجسم و إتلفه‪ ،‬وهذا هو الذي عليه عامة العلماء ويدل عليه‬
‫الكتب والسنة الصحيحة ]أنظر المجموع للنووي‪19/240:‬و الفروق للقرفي‪:‬‬
‫‪،4/149‬وغيرها[‪.‬‬
‫ـ والسحر منه ما يكون بهمة الساحر مع استعانته بالشيطان الذي يعينه على‬
‫الفساد والفساد فتتحد نفس الساحر مع نفس الشيطان فيحدث عند ذلك‬
‫الفساد والفساد‪ ،‬وهو مبني على أقوال وأعمال مخصوصة تصدر من الساحر‬
‫تؤثر في الخرين بقدرة الله‪ ،‬وهو النوع الول من السحر‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬وهو سحر الطلسمات‪ :‬وهو عمل يقوم به الساحر بمساعدة‬
‫الشيطان أو بناء على أمره على الورق أو القماش أو المعادن ونحوها‪ ،‬بشكل‬
‫مخصوص وفي وقت مخصوص وبحجم وصورة معينة لضرر نفر أو أكثر في‬
‫شخصه أو ما يملكه‪ .‬وهذه من أهم أنواع السحر‪.‬‬
‫‪ -2‬حكم السحر وبيان خطره‪:‬‬
‫اعلم أن السحر ل يتم إل بالستعانة بالشياطين والعبودية لها بالقول والفعل‬
‫وتناول المحرمات والخبائث ونحو ذلك‪ ،‬وهذا كله كفر وشرك ل يجوز لمسلم‬
‫يؤمن بالله واليوم الخر أن يأتيه‪ .‬والدلة على كفر الساحر كثيرة منها‪:‬‬
‫حَر‬
‫س ْ‬ ‫س ال ّ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫مو َ‬ ‫فُروا ْ ي ُعَل ّ ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫طي َ‬ ‫شْيا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن وَل َك ِ ّ‬ ‫ما ُ‬ ‫سل َي ْ َ‬
‫فَر ُ‬‫ما ك َ َ‬ ‫أ ـ قال تعالى‪ :‬وَ َ‬
‫]البقرة‪ [102:‬ووجه الستدلل بالية أنها رتبت الحكم وهو الكفر على‬
‫مبين بأن العلة في الكفر هو السحر‪.‬‬ ‫الوصف المناسب وهو السحر‪ ،‬وهذا ُ‬
‫فْر‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ة فَل ت َك ُ‬ ‫ن فِت ْن َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ب ـ قال تعالى‪ :‬وما يعل ّمان م َ‬
‫ح ُ‬‫ما ن َ ْ‬ ‫قول إ ِن ّ َ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬‫حد ٍ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ َ َُ َ ِ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫حد ٍ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬‫ن ب ِهِ ِ‬ ‫ضآّري َ‬ ‫هم ب ِ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫جهِ وَ َ‬ ‫مْرِء وََزوْ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ن ب ِهِ ب َي ْ َ‬ ‫فّرُقو َ‬ ‫ما ي ُ َ‬‫ما َ‬ ‫من ْهُ َ‬
‫ن ِ‬ ‫مو َ‬‫فَي َت َعَل ّ ُ‬
‫ما ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫شت ََراه ُ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫موا ْ ل َ َ‬ ‫قد ْ عَل ِ ُ‬ ‫م وَل َ َ‬ ‫م وَل َ َين َ‬
‫فعُهُ ْ‬ ‫ضّرهُ ْ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫ن َ‬
‫مو َ‬ ‫ن الل ّهِ وَي َت َعَل ّ ُ‬
‫إ ِل ّ ب ِإ ِذ ْ ِ‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن ]البقرة‪:‬‬ ‫مو َ‬‫كاُنوا ْ ي َعْل َ ُ‬


‫م ل َوْ َ‬ ‫سهُ ْ‬‫ف َ‬‫شَروْا ْ ب ِهِ َأن ُ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫ق وَل َب ِئ ْ َ‬ ‫خل َ ٍ‬‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫خَرةِ ِ‬
‫ِفي ال ِ‬
‫‪ [102‬ودللة الية على المطلوب من وجوه‪:‬‬
‫فْر يقول صديق حسن خان‪ ) :‬الية‬ ‫‪ (1‬التصريح بأن تعلمه كفر بقوله‪ :‬فَل َ ت َك ْ ُ‬
‫دليل على أن تعلم السحر كفر‪ ،‬وظاهره عدم التفريق بين المعتقد وغير‬
‫المعتقد وبين من تعلمه ليكون ساحرا ً ومن تعلمه ليقدر على دفعه ( ]نيل‬
‫المرام‪.[21:‬‬
‫‪ (2‬أن السحر ل نفع فيه وما كان ل نفع فيه فإن الله ل يبيحه لعباده‪.‬‬
‫‪ (3‬التنصيص على أن من أشتره ماله في الخرة من خلق‪ ،‬والخلق النصيب‪،‬‬
‫والذي ليس له في الخرة نصيب هو الكافر‪.‬‬
‫ث أ ََتى ]طه‪ [69:‬ونفي الفلح هنا يعم‬ ‫حي ْ ُ‬
‫حُر َ‬‫سا ِ‬ ‫ح ال ّ‬ ‫فل ِ ُ‬
‫ج ـ قال تعالى‪َ :‬ول ي ُ ْ‬
‫جميع الفلح في الدنيا والخرة وهذا دليل على كفره لن الفلح ل ينفى‬
‫بالكلية إل عن الكافر الذي ل خير فيه‪.‬‬
‫وقد أجمع العلماء على حرمة تعلم السحر وتعليمه‪ ،‬قال ابن قدامه رحمه‬
‫الله‪ ) :‬تعلم السحر وتعليمه حرام ل نعلم فيه خلفا ً بين أهل العلم (‪ ،‬وقال‬
‫الذهبي رحمه الله في كتابه الكبائر‪ ) :‬الكبيرة الثالثة في السحر‪ ،‬لن الساحر‬
‫حَر‬‫س ْ‬
‫س ال ّ‬‫ن الّنا َ‬ ‫مو َ‬‫فُروا ْ ي ُعَل ّ ُ‬‫ن كَ َ‬‫طي َ‬ ‫شْيا ِ‬ ‫ن ال ّ‬‫لبد وأن يكفر قال تعالى‪ :‬وَل َك ِ ّ‬
‫]البقرة‪ ...[102:‬إلى أن قال‪ :‬فترى خلقا ً كثيرا ً من الضلل يدخلون في‬
‫السحر ويضنونه حراما ً فقط‪ ،‬ول يشعرون أنه الكفر‪ ،‬ويدخلون في تعليم‬
‫السيمياء ـ نوع من السحر ـ وهي محض السحر‪ ،‬وفي عقد الرجل عن زوجته‬
‫وهو سحر‪ ،‬وفي محبة الرجل للمرأة وبغضها له‪ ،‬بكلمات مجهولة أكثرها‬
‫شرك وضلل ( ]الكبائر‪ .[14:‬وقال الشيخ حافظ حكمي‪ ) :‬وقد علم أن‬
‫السحر ل يعمل إل مع كفر بالله ( ]معارج القبول‪.[1/512:‬‬
‫‪ -3‬طرق الوقاية من السحر‪:‬‬
‫خير علج للسحر أن يتقيه المرء قبل وقوعه إذ الوقاية خير من العلج‪،‬‬
‫والساحر إنسان ضال يحب الشر والفساد‪ ،‬وهو يستعين على أغراضه‬
‫الفاسدة بالشيطان‪ ،‬وقد بين القرآن كيف يحصن المسلم نفسه من‬
‫الشيطان وأعوانه وأتباعه ومن ذلك‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ (1‬تجريد التوحيد لله والترحل بالفكر في السباب إلى المسبب وأن كل ما‬
‫هم‬ ‫ما ُ‬ ‫حوله بيد الله وأن لن يضره شيء ول ينفه إل بإذن الله قال تعالى‪ :‬وَ َ‬
‫ن الل ّهِ ]البقرة‪.[102:‬‬ ‫بضآرين به م َ‬
‫حد ٍ إ ِل ّ ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫ِ َ ّ َ ِ ِ ِ ْ‬
‫ت‬ ‫زا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫عو‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫قل‬ ‫ُ‬ ‫و‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫قال‬ ‫الشيطان‬ ‫من‬ ‫بالله‬ ‫‪ (2‬الستعاذة‬
‫ِ ْ َ َ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ ّ‬ ‫َ‬
‫ن ]المؤمنون‪.[98،97:‬‬ ‫َ‬ ‫عوذ ُ ب ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ال ّ‬
‫ضُرو ِ‬‫ح ُ‬
‫ب أن ي َ ْ‬ ‫ك َر ّ‬ ‫ن*وَأ ُ‬ ‫طي ِ‬‫شَيا ِ‬
‫هّ‬
‫جَعل ل ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫ق الل َ‬ ‫من ي َت ّ ِ‬ ‫‪ (3‬تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه قال تعالى‪ :‬وَ َ‬
‫شي ًْئا‬ ‫م َ‬ ‫م ك َي ْد ُهُ ْ‬ ‫ضّرك ُ ْ‬ ‫قوا ْ ل َ ي َ ُ‬ ‫صب ُِروا ْ وَت َت ّ ُ‬
‫خَرجا ً ]الطلق‪ [2 :‬وقال تعالى‪ :‬وَِإن ت َ ْ‬ ‫م ْ‬‫َ‬
‫حيط ]آل عمران‪.[120:‬‬ ‫ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫ب‬
‫َ ِ َ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫إِ‬
‫‪ (4‬التوكل على الله والعتماد عليه وهو من أقوى السباب في دفع كل‬
‫من‬ ‫الشرور عن العبد فمن يتوكل على الله فهو حسبه وكافيه قال تعالى‪ :‬وَ َ‬
‫ه ]الطلق‪.[3:‬‬ ‫سب ُ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل عََلى الل ّهِ فَهُوَ َ‬ ‫ي َت َوَك ّ ْ‬
‫‪ (5‬المحافظة على الذكار اليومية من أذكار الصباح والمساء والنوم ونحوها‪،‬‬
‫والتهليل مئة مرة في اليوم‪ ،‬وقراءة آخر آيتين من سورة البقرة‪ ،‬وأية‬
‫الكرسي وغيرها من التحصينات الواردة في الكتاب والسنة‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -4‬طرق علج السحر‪:‬‬


‫ما أنزل الله من داء إل وله دواء وقد جعل الله للسحر كغيره من الدواء‬
‫أسبابا ً لزالته ورفعه ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ (1‬وهو من أعظم السباب وأقواها على الطلق وهو سؤال الله تعالى أن‬
‫يرفع عنه ما به من داء ويلجأ إلى الله بصدق وإخلص ويتحرى أسباب الجابة‬
‫ضط َّر إ َِذا د َ َ‬ ‫َ‬
‫سوَء ]النمل‪:‬‬‫ف ال ّ‬ ‫عاه ُ وَي َك ْ ِ‬
‫ش ُ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫جي ُ‬
‫من ي ُ ِ‬
‫ومواطنها قال تعالى‪ :‬أ ّ‬
‫‪.[62‬‬
‫‪ (2‬الرقى والتعاويذ الشرعية بكلم الله وكلم رسوله ‪ ،‬وكل كلم شرعي‬
‫ليس فيه شرك ول كفر من الستعانة بغير الله أو نحو ذلك‪ ،‬وأن تكون بكلم‬
‫عربي مفهوم‪ ،‬وأن ل يعتقد فيها التأثير بنفسها وإنما هي سبب من السباب‪.‬‬
‫‪ (3‬استخراج السحر وإبطاله وهو من أبلغها وهو بمنزلة إزالة المادة الخبيثة‬
‫وقلعها‪.‬‬
‫‪ (4‬استعمال الدوية المباحة التي يعرفها الطباء وأهل العلم مثل تناول سبع‬
‫تمرات من عجوة صبيحة كل يوم وهي تقي من السحر قبل وقوعه‪ ،‬و تنفع‬
‫في حله بعد وقوعه كما في صحيح البخاري عن النبي ‪ } :‬من اصطبح بسبع‬
‫تمرات من عجوة ـ وفي رواية من تمر المدينة ـ لم يضره سحر ول سم ذلك‬
‫اليوم إلى الليل {‪ .‬كذلك ما ذكره العلماء من أخذ سبع ورقات من سدر‬
‫أخضر ودقها بين حجرين‪ ،‬ثم يضربه بالماء ويقرءا آية الكرسي والقواقل‪ ،‬ثم‬
‫يحسوا منه ثلث حسيات ثم يغتسل به‪ ،‬فإنه يذهب عنه كل ما به‪ .‬وذكر‬
‫العلماء غيرها من أنواع النشرة التي يفك بها السحر ]أنظر كلم ابن حجر في‬
‫فتح الباري‪.[10/233:‬‬
‫‪ (5‬الحجامة في المكان الذي يصل إليه أذي السحر‪ ،‬فإذا ظهر أثره في عضو‬
‫وأمكن استفراغ المادة الرديئة من ذلك العضو نفع جدًا‪.‬‬
‫فهذا أخي الكريم بعض الشارات حول هذا الموضوع الكبير الذي عم خطره‬
‫وتعدى ضرره‪ ،‬فأسأل الله العظيم أن يقيني وإياك شر الشرار وكيد الفجار‬
‫وأن يرفع الضر عن المتضررين بالسحر وغيره وصلى الله وسلم على نبينا‬
‫محمد‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إنه الموت الذي ُيحيي الموتى‬


‫أ‪.‬د‪/‬‬
‫جابر قميحة‬
‫‪komeha@menanet.net‬‬
‫الشاعر الفلسطيني أبو الطيب عبد الرحيم محمود )‪1947 - 1913‬م( الذي‬
‫استشهد وهو يقاتل الصهاينة في موقعة الشجرة‪ ,‬هذا الشاعر البطل الشهيد‬
‫عرفته شعًرا قبل أن أعرفه شاعًرا‪ ,‬عرفته كلمات قبل أن أعرفه رجل ً‬
‫وإنساًنا‪ ,‬ففي أواخر الربعينيات ‪ -‬ونحن تلميذ صغار في المرحلة البتدائية ‪-‬‬
‫كنا نتغني بكلماته القوية الرنانة السرة‪:‬‬
‫سأحمل روحي علي راحتي وُألقي بها في مهاوي الرَدي‬
‫فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدي‬
‫ت فلن يغني ذلك‬ ‫كنا نردد هذه الكلمات ‪ -‬دون أن تنسب لقائلها‪ ,‬ولو نسب ٍ‬
‫شيًئا« فما كان منا أحد ‪ -‬في هذه السن الباكرة ‪ -‬يعرف من هو عبد الرحيم‬
‫محمود‪ ,‬وما كان أساتذتنا يقفون قصيًرا أو طويل ً إل أمام السماء المتوهجة‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المشهورة‪ ,‬من أمثال أحمد شوقي‪ ,‬وحافظ إبراهيم‪ ,‬وخليل مطران‪ ,‬وإيليا‬
‫أبي ماضي‪ ,‬وأحمد محرم‪.‬‬
‫كانت مأساة فلسطين في تلك اليام في بداية نضجها المنكود‪ :‬ولدت‬
‫إسرائيل بعد مخاض اشترك فيه الحتلل النجليزي‪ ,‬والصهيونية‪ ,‬والصليبية‬
‫ي‬
‫العالمية‪ ,‬والتقاعس العربي‪ ,‬وظلت أبيات عبد الرحيم محمود رنيًنا في أذن ّ‬
‫ذا عبق خاص‪ ,‬ونكهة غريبة‪ ,‬تختلف عما أجده في شعر الحماسة والوطنية‬
‫الذي كنا نحفظه في هذه المرحلة‪ .‬وكان تأثير البيت الول أقوي في نفسي‬
‫من تأثير البيت الثاني‪ ,‬لني لم أكن مقتنًعا بمضمون شطره الثاني‪ ,‬وكنت‬
‫دي كيف?‬ ‫أتحدث إلي نفسي‪ :‬حياة تسر الصديق‪ ..‬نعم‪ ,‬ولكن ممات يغيظ الع َ‬
‫كيف‪ ..‬والعداء يسرهم أن يموت كل مواطن مناضل‪ ,‬وكل مكافح شريف‪ .‬؟‬
‫ثم تمر اليام‪ ,‬واكتشف المعني الكبير الخالد في مثل هذا الممات الذي يغيظ‬
‫العداء‪ ,‬ويثيرهم‪ ,‬ويحزنهم‪ ,‬بل يزلزل أركانهم‪ ,‬ويقوض بنياتهم‪ ,‬إنه الموت‬
‫شيد المٍعلي‪ ,‬الموت الباعث الناشر‪ ,‬هو الموت‬ ‫»الخالق البّناء«‪ ..‬الموت الم ّ‬
‫الذي كشف أحمد شوقي عن مفهومه الجليل العظيم في قوله‪:‬‬
‫ق‬
‫ول يبني الممالك كالضحايا ول يدني الحقوق ول يح ُ‬
‫ق‬
‫ففي القتلي لجيال حياة وفي السري فديً لهمو وعت ُ‬
‫إنه مفهوم علوي يسبح في أفق قوله تعالي‪} :‬يخرج الحي من الميت{‬
‫]النعام‪ ,[95 :‬نعم‪ ..‬ل بد من موت بالقوة‪ ,‬والحق‪ ,‬والثبات‪ ,‬ولو »مات« مثل‬
‫هذا الموت‪ ,‬لماتت مثل هذه الحياة‪.‬‬
‫وبذلك استطعت أن أسبح في هذا الفق بوجداني‪ ,‬قبل أن أعيشه بعقلي‪ .‬ثم‬
‫أهتدي للتفسير الذي كفاني وشفاني‪ ,‬تفسير ذلك »الموت الذي يغيظ‬
‫العدى«‪ ,‬وعرفت كيف تنتصر الحياة بمثل هذا الموت‪ ,‬وعرفت أن الحقيقة‬
‫التاريخية التي ل تطمس تتلخص في أن النتصارات الكبري تعتمد علي هؤلء‬
‫الذين تقدموا الصفوف‪ ,‬وقادوا الرجال‪ ,‬وجادوا بالنفوس‪ ,‬ومضوا في التاريخ‬
‫دوات تتفجر منها حيوات خالدات‪ ,‬تبني‪ ,‬وتعلي‪ ,‬ول تموت‪.‬‬ ‫شعلت‪ ,‬وق ٍ‬
‫إنها كلمات ل تحتمل الكذب أو التكذيب‪ ,‬كلمات تعكسها‪ ,‬وتجسدها ‪ -‬في قوة‬
‫وأمانة ‪ -‬النتفاضة الفلسطينية المباركة‪ ,‬ففي كل يوم تسيل دماء‪ ,‬ويسقط‬
‫شهداء من الرجال والنساء والطفال‪ ,‬وتنسف بيوت‪ ,‬وتحرق مزارع‪ .‬وكل‬
‫هذه التضحيات في مواجهات غير متكافئة‪ ,‬ومع ذلك زرعت الرعب في قلوب‬
‫الصهاينة‪ ,‬وأطارت النوم من عيونهم‪ ,‬وجعلت أبناء الشعب الفلسطيني‬
‫يدركون‪ ,‬ويؤمنون أنه ل حل لقضيتهم إل بالحجر والرشاش‪ ,‬ومزيد من الدماء‬
‫والشهداء‪.‬‬
‫فليخرس المطبعون من أذناب الثور المريكي‪ ,‬وليخرس طلب الدنيا‬
‫والرصدة المتضخمة من رجال السلطة الفلسطينية وأشياعهم الذين يدعون‬
‫الشعب الفلسطيني المناضل إلي السكينة والهدوء‪ ,‬وإلقاء السلح‪ ,‬و»نبذ‬
‫صا علي السلم والسلمة‪ ,‬وحقنا للدماء‪ ,‬ليخرس هؤلء جميًعا‪,‬‬ ‫العنف«‪ ,‬حر ً‬
‫فل مكان لهم في مسيرة النضال‪ ..‬مسيرة الموت الشريف‪ ,‬من أجل ميلد‬
‫جديد لحياة الكرامة‪ ,‬وكرامة الحياة‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إنه من يتق ويصبر*‬


‫أ‪ .‬د ‪.‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫ً‬
‫إن العفيف –وإن بلغ الغاية في تمام العفة‪ -‬قد يرمى بالسوء ظلما‪ ،‬ولكن كما‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال الله _تعالى_ خبرا ً عن نبيه يوسف‪" :‬إنه من يتق ويصبر فإن الله ل يضيع‬
‫أجر المحسنين"‪ ،‬فلتثق بالله كل عفيفة حصان رزان ولغ في عرضها والغ‬
‫ج عابد ُ بني إسرائيل فأنطق الله الغلم‬ ‫ولتعلم أن العاقبة لها‪ ،‬قذف جري ٌ‬
‫شاهدا ً على براءته‪ ،‬وقذفت المعاذة المصطفاة المبرأة مريم _عليها السلم_‬
‫فقام عيسى _عليه السلم_ خطيبا ً رضيعا ً مقررا ً طهرها‪ ،‬وقذفت الصديقة‬
‫بنت الصديق _رضي الله عنهما_‪ ،‬فتكلم الله _تعالى_ وأنزل من السماء‬
‫براءتها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ولما رمي يوسف _عليه السلم_ بالسوء ظلما أنطق الله بالحق شاهدا من‬
‫ن َ‬ ‫شاهد م َ‬
‫ه قُد ّ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن قَ ِ‬
‫مي ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن أهْل َِها إ ِ ْ‬‫شهِد َ َ ِ ٌ ِ ْ‬ ‫أهل قاذفته ببراءته وإدانتها‪ ..." ،‬وَ َ‬
‫ن" ]يوسف‪ ،[26:‬بل لو ما قد القميص‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ت وَهُوَ ِ‬ ‫صد َقَ ْ‬ ‫ل فَ َ‬‫ن قُب ُ ٍ‬
‫م ْ‬
‫ِ‬
‫لكانت قرائن الحوال تشهد لبراءته‪ ،‬فرجل عند الباب يلهث‪ ،‬وامرأة مهيئة‪،‬‬
‫وقميص حسن المظهر ل يبدو عليه أثر شيء فعلى ماذا يدل هذا؟‬
‫ن بأني أردُتها ‪... ...‬‬ ‫لقد زعمت يم ٌ‬
‫على نفسها‪ ،‬تبا ً لذلك من فع ٍ‬
‫ل‬
‫ف ‪... ...‬‬ ‫سلوا عن قميصي مثل شاهد يوس ٍ‬
‫ل‬‫فإن قميصي لم يكن ُقد من قب ٍ‬
‫وقد عبر هنا بلفظ الشهادة مع أن الشاهد لم ير ما دار بينهما‪ ،‬وفي هذا دليل‬
‫على أن الثر يستدل به على المؤثر‪ ،‬ويشهد به إذا قويت دلئله‪ ،‬ولهذا شهد‬
‫الله أنه ل إله إل ّ هو والملئكة وألوا العلم قائما ً بالقسط أنه ل إله إل ّ هو‪،‬‬
‫وأهل العلم ما رأوه‪ ،‬وإذا رأيت بقعة من الضوء في رقعة مظلمة‪ ،‬كان لك أن‬
‫تشهد بأن في الجانب الخر شيء يبعثها‪ ،‬والشهادة في اللغة من )شهد( أصل‬
‫يدل على حضور وعلم وإعلم‪ .‬ثم إن المشهود عليه في الية قد جاء مفسرا ً‬
‫فشاهدته‪ :‬إن كان قيمصه قد من قبل فصدقت‪ ،‬وإن كان العكس فكذبت‪،‬‬
‫ولم يقل‪ :‬شهد أنه رآها ترواده‪ ،‬غير أن التعبير بلفظ الشهادة ليبعد أن يفهم‬
‫منه الشارة إلى وجود هذا الشاهد في بعض محال القصر فكأنه كان حاضرا ً‬
‫وإن لم يكن في مكان يهيئ له أن يرى شيئا ً ولهذا استخدم الدليل العقلي‪،‬‬
‫وربما سمع الجلبة فاستشرف المر فصادف العزيز والمرأة ويوسف فاقتضى‬
‫ذلك استشهاد العزيز له‪ .‬وقد اختلف المفسرون في الشاهد‪ ،‬هل كان رضيعا ً‬
‫شهد الموقف فأنطقه الله ‪-‬تعالى‪ -‬أم كان راشدا ً استشاره العزيز فأشار‬
‫عليه؟ والقول الول ل دليل عليه‪ ،‬بل قال النبي –صلى الله عليه وسلم‪) :-‬لم‬
‫يتكلم في المهد إل ثلثة()‪ (1‬ولم يذكره منهم‪.‬كما أن الشاهد ساق دليل ً عقليا ً‬
‫من المخطئ‪ ،‬ومثل هذا الكلم ل يصدر إل من راشد صاحب رأي‪.‬‬ ‫تبين به َ‬
‫وعودا ً على المراد فإن هذه اليات تبين أن العفيف قد يرمى بالسوء جورًا‪،‬‬
‫فإن كان ذلك فالله حسبه‪ ،‬وعليه أجره‪ ،‬ومن كان الله معه فأي كيد –مهما‬
‫عظم‪ -‬يضره؟‬
‫وإذا كان القوم قد بهتوا ذئبا‪ ،‬حيوان عرف جنسه بالغدر وضرب به المثل فيه‪،‬‬ ‫ً‬
‫فلما كان البهتان برأه الله‪ ،‬فكذب الناس دم القميص وأبدوا أنه ل ذنب للذيب‬
‫في تلك الكاذيب‪ ،‬أفل يليق بعد ذلك بعبد الله الصالح المفترى عليه بالزور‬
‫جورا ً أن يثق بتدبير الله الخير له؟ بلى والله‪ ،‬وإن عظم الكيد‪ ،‬وإن تتابع‬
‫ن"‪] .‬لنفال‪.[30:‬‬ ‫ري َ‬
‫ماك ِ ِ‬ ‫خي ُْر ال ْ َ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫مك ُُر الل ّ ُ‬ ‫مك ُُرو َ‬
‫ن وَي َ ْ‬ ‫المكر‪ ..." :‬وَي َ ْ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قا ‪ ..‬أفل نتدبر؟!‬ ‫إنها آيات الله ح ً‬


‫د‪ .‬أسماء الحسين ‪14/12/1425‬‬
‫‪25/01/2005‬‬
‫ماُء( ]فاطر‪ :‬من الية‬ ‫عَبادِهِ ال ْعُل ََ‬ ‫ن‬
‫َ ِ ْ ِ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫شى‬ ‫َ‬ ‫خ‬ ‫ي‬
‫ِّ َ َ ْ‬ ‫ما‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫)‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫الله‬ ‫عندما قال‬
‫‪[28‬؛ فلنهم أقرب العالمين إلى التدبر والخشوع الحقيقي‪ ،‬والدعوة إلى الله‬
‫على بصيرة‪ ،‬والجهاد في إيصال تلك الحقائق المتعلقة بالعبادة للناس‪ ،‬وهذا‬
‫نهج الرسول ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬ومن سار من بعده إلى يوم يبعثون‪.‬‬
‫ولن القرآن هو الدستور الخالد الذي نستقي منه العلم والعبادات إلى يوم‬
‫القيامة‪ ،‬وهو كلم الله الذي أوحى به إلى عبده ونبيه محمد ‪-‬عليه الصلة‬
‫والسلم‪ -‬والذي يتعدى واجبنا تجاهه الحناجر إلى المشاعر والسلوكيات‪.‬‬
‫فالمتأمل بل المتدبر في كثير من آياته يستشعر هيبة الله تعالى وكلمه‬
‫الحق‪ ،‬ولسيما عندما يربطه بما يحدث في الكون‪ ،‬وكله في أصله بتدبير الله‬
‫م ال ْب َْر َ‬
‫ق‬ ‫ريك ُ ُ‬ ‫ذي ي ُ ِ‬ ‫تعالى وحكمته؛ لنتأمل هذه الية على سبيل المثال‪) :‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫مدِهِ َوال ْ َ‬ ‫ح ْ‬‫ح الّرعْد ُ ب ِ َ‬ ‫سب ّ ُ‬
‫ل * وَي ُ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ب الث ّ َ‬ ‫حا َ‬ ‫س َ‬ ‫ئ ال ّ‬ ‫ش ُ‬ ‫معا ً وَي ُن ْ ِ‬ ‫وفا ً وَط َ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫َ‬
‫و‬ ‫ّ‬
‫ن ِفي اللهِ وَهُ َ‬ ‫ُ‬
‫جادِلو َ‬ ‫م يُ َ‬‫شاُء وَهُ ْ‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬ ‫ب ب َِها َ‬ ‫صي ُ‬ ‫َ‬
‫ع ق َ في ُ ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫ص َ‬‫سل ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫فت ِهِ وَي ُْر ِ‬ ‫خي َ‬ ‫ِ‬
‫ق وَِفي‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م آَيات َِنا ِفي الفا ِ‬ ‫ريهِ ْ‬‫سن ُ ِ‬ ‫ل( ]الرعد‪ ،[13:‬ويقول سبحانه‪َ ) :‬‬ ‫حا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫ديد ُ ال ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫ق( ]فصلت‪ :‬من الية ‪ ،[53‬وللسف ل يزال‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫فسهم حتى يتبين ل َهم أ َ‬ ‫َ‬
‫َ ّ‬ ‫أن ْ ُ ِ ِ ْ َ ّ َ َ َ ّ َ ُ ْ ّ ُ‬
‫ن‬
‫طى حدود التفاؤل إلى الغفلة يتجاهل عملية الربط هذه استناًدا‬ ‫بيننا –ممن تخ ّ‬
‫إلى نفسيته المنغمسة في الصفاء المادي أو نصف علمه‪ ،‬والله تعالى يقول‪:‬‬
‫ل( ]السراء‪ :‬من الية ‪ [85‬إذا كان هذا المر‬ ‫ن ال ْعِل ْم ِ إ ِّل قَِلي ً‬ ‫ُ‬
‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ما أوِتيت ُ ْ‬ ‫)وَ َ‬
‫ً‬
‫يشمل العلماء‪ ،‬فما حال أنصاف العلماء‪ ،‬بل ومن ل علم شرعيا لديه؟!‬
‫ول أعلم‪ :‬هل ينتظر مثل أولئك أو البعض مّنا أن تقوم الساعة وهم ينظرون‪،‬‬
‫در الله‪ -‬حتى يعلموا أنه الحق‪،‬‬ ‫وقد جاء أشراطها‪ ،‬أم يحل المر بأرضهم –ل ق ّ‬
‫ويسلموا تسليمًا‪ ،‬ولنا في فرعون عدو الله‪ ،‬وقوم عاد وثمود عبرة وأيما عبرة‬
‫شى( ]النازعات‪, ،[26:‬هذا الكلم أعني به ليس‬ ‫خ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬‫ك ل َعِب َْرةً ل ِ َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫)إ ِ ّ‬
‫ً‬
‫غير المسلمين وحسب‪ ،‬بل أعني به أيضا عددا كبيرا من المسلمين ذوي‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الثقافة الدينية المحدودة‪ ،‬أو من ذوي التعايش السلمي –إن جاز لي التعبير‪-‬‬
‫مع النصوص الشرعية‪ ،‬والعلم الشرعي‪ ،‬والغافلين من باب أولى ‪ ..‬والذين‬
‫دا أنصبتهم من الدنيا على حساب الخرة‪ ،‬ول يعني هذا أن‬ ‫يتذكرون جي ً‬
‫المؤمن نفسه ل يخاف‪ .‬بل لطالما خاف رسول الهدى والسماحة القرب إلى‬
‫الله من أن يقع عذاب الله؛ فمن يأمنه؟!‬
‫وفي حديث صحيح قالت عائشة –رضي الله عنها‪" :-‬يا رسول الله إن الناس‬
‫إذا رأوا الغيم فرحوا‪ ،‬رجاء أن يكون فيه المطر‪ ،‬وأراك إذا رأيته عرف في‬
‫ذب‬ ‫وجهك الكراهية؟ فقال‪" :‬يا عائشة‪ ،‬ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب؟ عُ ّ‬
‫قوم بالريح‪ ،‬وقد رأى قوم العذاب‪ ،‬فقالوا‪ :‬هذا عارض ممطرنا" )رواه‬
‫البخاري ومسلم(‪.‬‬
‫وكان النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬إذا عصفت الريح قال‪" :‬اللهم إني أسألك‬
‫خيرها‪ ،‬وخير ما فيها‪ ،‬وخير ما ُأرسلت به‪ ،‬وأعوذ بك من شرها‪ ،‬وشر ما فيها‪،‬‬
‫وشر ما ُأرسلت به" )رواه مسلم(‪.‬‬
‫ساد ُ ِفي ال ْب َّر‬ ‫ف َ‬ ‫ولنتأمل هذه الية الكريمة‪ ،‬حيث يقول الله –عز وجل‪) :-‬ظ َهََر ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ن(‬‫جُعو َ‬ ‫م ي َْر ِ‬ ‫مُلوا ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ذي عَ ِ‬ ‫ض ال ّ ِ‬ ‫م ب َعْ َ‬ ‫قهُ ْ‬ ‫ذي َ‬
‫س ل ِي ُ ِ‬ ‫دي الّنا ِ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫حرِ ب ِ َ‬‫َوال ْب َ ْ‬
‫]الروم‪ [41:‬إن المتأمل في هذه الية الكريمة ليدرك أن ما يحدث من‬
‫كوارث وحروب وابتلءات مرتبطة بعد إرادة الله في الغالب بمعاصي الخلق‬
‫والصرار على الذنوب‪ ،‬وظهور البدع‪ ،‬وغياب الدور المر الناهي في سبيل‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي‬‫ما هِ َ‬ ‫الخير والصلح ليس في بلد بعينها‪ ،‬وإنما في بلد العالمين قاطبة )وَ َ‬
‫ل وعل‪َ) :‬ول ي ََزالُ‬ ‫د( ]هود‪ :‬من الية ‪ ،[83‬ويقول الحق ج ّ‬ ‫ن ب ِب َِعي ٍ‬
‫مي َ‬‫ظال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ي وَعْد ُ‬ ‫حّتى ي َأت ِ َ‬
‫م َ‬
‫ن َدارِهِ ْ‬
‫م ْ‬
‫ريبا ِ‬ ‫حل ق ِ‬ ‫ة أوْ ت َ ُ‬
‫صن َُعوا قارِعَ ٌ‬
‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬‫صيب ُهُ ْ‬‫فُروا ت ُ ِ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ِ‬
‫ميَعاَد(]الرعد‪ :‬من الية ‪ [31‬وفي أهون التوقعات تأتي‬ ‫ف ال ِْ‬ ‫ل‬
‫ُ ْ ِ ُ‬‫خ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫الل ّ ِ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫إ‬ ‫ه‬
‫لنعاش القلوب الخاملة‪.‬‬
‫وأما من يقول‪ :‬وما ذنب المستضعفين أو الصالحين أن يعمهم مثل تلك‬
‫الكوارث والبتلءات التي نسمعها ونشاهدها اليوم؟‬
‫ما‬
‫فيرد عليهم هذا الحديث‪ :‬حيث خرج رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬يو ً‬
‫عا محمًرا وجهه‪ ،‬يقول‪" :‬ل إله إل الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح‬ ‫فز ً‬
‫اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بإصبعه البهام‪ ،‬والتي تليها‪،‬‬
‫قالت زينب بنت جحش –رضي الله عنها‪ -‬فقلت‪ :‬يا رسول الله‪ :‬أنهلك وفينا‬
‫الصالحون؟ قال‪ :‬نعم إذا كثر الخبث" )رواه مسلم(‪.‬‬
‫العلماء يدركون ذلك‪ ،‬أما غير العلماء فمنهم من ينكر ومنهم من يتجاهل‪،‬‬
‫سا على عقب‪.‬‬ ‫ومنهم من يريد قلب الحقائق رأ ً‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وحسبنا التأمل والتدبر فيما يحدث‪ .‬حيث يخاف المسلم على دينه في وقت‬
‫يكثر فيه ظهور الفتن‪ ،‬فيصبح المؤمن كافًرا ويمسي الكافر مؤمًنا‪ ،‬ويصبح‬
‫بالفعل القابض على دينه كالقابض على الجمر في زمن يأتي أو يقترب كما‬
‫قال عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫ولنتأمل في حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪" :-‬ل تقوم الساعة‬
‫حتى يقبض العلم‪ ،‬وتكثر الزلزل‪ ،‬ويتقارب الزمان‪ ،‬وتظهر الفتن‪ ،‬ويكثر‬
‫الهرج‪ ،‬وهو القتل القتل‪ ،‬حتى يكثر فيكم المال فيغيض" )رواه البخاري(‪.‬‬
‫وفي حديث رواه الوادعي وصححه اللباني‪" :‬رفع وهو يوحى إلي أني مكفوت‬
‫ل‪ ،‬بل تلبثون حتى تقولوا متى‬ ‫غير لبث فيكم ولستم لبثين بعدي إل قلي ً‬
‫ضا‪ ،‬وبين يدي الساعة موتان شديد وبعده‬ ‫وستأتون أفناًدا يفني بعضكم بع ً‬
‫سنوات الزلزل" )رواه الوادعي وصححه اللباني(‪.‬‬
‫إن هذا المر ل يعني صفوة العلماء‪ ،‬والمستقيمين‪ ،‬وحسب‪ ،‬بل هي فرصة‬
‫للمقصرين –ومن منا لم يقصر‪ -‬والخطائين وكل ابن آدم خطاء للرجوع إلى‬
‫الله –تعالى‪ -‬وتفقد جوانب القصور‪ ،‬وعدم الصرار على المعصية‪ ،‬أو كل ما‬
‫ينأى بنا عن النهج المستقيم‪.‬‬
‫ويحذر الله تعالى ممن يستمع القول فيستهزئ به‪ ،‬أو يلمز القائلين الحق‬
‫والداعين إليه‪ ،‬وليست القوانين أو البروتوكولت الدولية هي ما يعلي من‬
‫شأن العلماء بل إنه الخالق –جل وعل‪ -‬من يأمر بطاعتهم واحترامهم‬
‫واتباعهم‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫حوا‬ ‫س ُ‬ ‫س َفافْ َ‬ ‫جال ِ ِ‬
‫م َ‬‫حوا ِفي ال َ‬ ‫س ُ‬‫ف ّ‬ ‫م تَ َ‬‫ل لك ُ ْ‬ ‫مُنوا إ َِذا ِقي َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال تعالى‪َ) :‬يا أي َّها ال ِ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫م َوال ِ‬ ‫ُ‬
‫من ْك ْ‬ ‫مُنوا ِ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ّ‬
‫شُزوا ي َْرفَِع الل ُ‬ ‫شُزوا َفان ْ ُ‬ ‫ل ان ْ ُ‬ ‫م وَإ َِذا ِقي َ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬‫سِح الل ّ ُ‬
‫ف َ‬
‫يَ ْ‬
‫خِبيٌر( ]المجادلة‪.[11:‬‬ ‫ن َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ملو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ت َوالل ُ‬ ‫جا ٍ‬ ‫م د ََر َ‬ ‫أوُتوا العِل َ‬
‫وقد قال بعض المنافقين ما رأينا أرغب بطوًنا ول أجبن عند اللقاء من قرائنا‬
‫َ‬
‫ب قُ ْ‬
‫ل‬ ‫ض وَن َل ْعَ ُ‬
‫خو ُ‬ ‫ما ك ُّنا ن َ ُ‬
‫ن إ ِن ّ َ‬‫قول ُ ّ‬ ‫م ل َي َ ُ‬ ‫سأل ْت َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫هؤلء‪ ..‬فنزل قوله تعالى‪) :‬وَل َئ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن( ]التوبة‪ ،[65:‬إنني لحترم رجل ً يقول‪ :‬ل‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫سول ِهِ ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫أِبالل ّهِ َوآَيات ِهِ وََر ُ‬
‫دعي أنه على حق وغيره على باطل‪،‬‬ ‫أعلم‪ ،‬أو يعترف بتقصيره‪ ،‬على رجل ي ّ‬
‫أو يخوض ويفتي بغير علم أو ينفي بشدة أن ما يحدث بسبب أعمال الناس‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بعد إرادة الله‪ .‬ومع العلم أن الله تعالى يعفو عن كثير!‬


‫إن مقياس الصحة والتقدم الذي نحكم به على المم والشعوب يجب أن‬
‫م(]التوبة‪:‬‬ ‫ن ال ْقَي ّ ُ‬‫دي ُ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫طر في إطار شرع الله –تعالى‪ -‬ونهجه القويم )ذ َل ِ َ‬ ‫يؤ ّ‬
‫من الية ‪ ،[36‬وهذا المقياس من صنع الحق تبارك وتعالى‪ ،‬وليس من عند‬
‫أنفسنا‪ ،‬حيث قال سبحانه‪) :‬أ َفَم َ‬
‫ن‬
‫وا ٍ‬ ‫ض َ‬‫ن الل ّهِ وَرِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وى ِ‬ ‫ق َ‬‫ه عََلى ت َ ْ‬ ‫س ب ُن َْيان َ ُ‬‫س َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫َ ْ‬
‫هل‬ ‫م َوالل ُّ‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫ر‬‫نا‬ ‫في‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬‫ها‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫ر‬ ‫ها‬ ‫ف‬ ‫ه عََلى َ‬ ‫خير أ َم م َ‬
‫َ ِ َ َ ّ َ‬ ‫ٍ َْ َ ِ ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ش َ ُ ُ ٍ‬
‫ر‬ ‫ج‬ ‫فا‬ ‫س ب ُن َْيان َ ُ‬‫س َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫َ ٌْ ْ َ ْ‬
‫ن(]التوبة‪ ،[109:‬وقوله سبحانه في أساس التعامل بين‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫م الظال ِ ِ‬ ‫قو ْ َ‬‫دي ال ْ َ‬
‫ي َهْ ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م( ]الحجرات‪ :‬من الية ‪.[13‬‬ ‫قاك ُ ْ‬ ‫عن ْد َ اللهِ أت ْ َ‬‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫ن أك َْر َ‬ ‫الناس‪) :‬إ ِ ّ‬
‫نعم التقوى والتي منها نرفع التقي بل والعالم كما رفعه الله تعالى‪ ،‬ونحبه‬
‫دون أن نتقايض معه أي مصلحة مادية‪ ،‬ودون أن ننظر إلى أي القبائل ينتمي‪،‬‬
‫ومن أي الجنسيات هو‪ ،‬ونتبعه ونناصره‪ ،‬بل ونحمد الله تعالى على وجوده‬
‫بين ظهرانينا درًءا ‪-‬بعون الله‪ -‬للمفاسد والنحرافات والضللت والكوارث‪.‬‬
‫وحذار من الستهزاء بالعلماء ورثة النبياء وخلفائهم ممن تضع الملئكة‬
‫أجنحتها رضا لهم‪ ،‬ومن يستغفر لهم من في السماوات ومن في الرض‪،‬‬
‫والحيتان في جوف الماء‪ ،‬الذين فضلهم عظيم‪ ،‬وشأنهم جليل‪ ،‬كما قال عليه‬
‫الصلة والسلم في حديث رواه أبو داود وابن ماجة‪ ،‬وجاء في حديث آخر‬
‫صححه اللباني‪" :‬إن الله عز وجل وملئكته‪ ،‬وأهل السماوات والرض‪ ،‬حتى‬
‫النملة في جحرها‪ ،‬وحتى الحوت‪ ،‬ليصلون على معلم الناس الخير" )اللباني‬
‫وصححه(‪.‬‬
‫نعم‪ .‬والحذر من اتباع الهواء‪ ،‬أو الحكم بغير علم‪ ،‬ودون الرجوع إلى‬
‫ل‬‫س ٍ‬ ‫ست ُهْزِئَ ب ُِر ُ‬ ‫قد ِ ا ْ‬ ‫النصوص الشرعية‪ .‬وذوي العلم الشرعي‪ ،‬قال تعالى‪) :‬وَل َ َ‬
‫من قَبل َ َ‬
‫ب( ]الرعد‪.[32:‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬‫ف َ‬‫م فَك َي ْ َ‬ ‫خذ ْت ُهُ ْ‬‫م أَ َ‬ ‫فُروا ث ُ ّ‬ ‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬ ‫ت ل ِل ّ ِ‬ ‫مل َي ْ ُ‬ ‫ك فَأ ْ‬ ‫ِ ْ ِْ‬
‫والرسول عليه البلغ وعلى الله الحساب‪ ،‬نسأل الله ولينا ومولنا أن يجنبنا‬
‫وبلدنا وبلد المسلمين الفتن والشرور والمحن‪ ،‬ويهدينا سبحانه إلى صراطه‬
‫المستقيم‪ ،‬إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫قا ‪ ..‬أفل نتدبر؟!‬ ‫إنها آيات الله ح ً‬


‫د‪ .‬أسماء الحسين ‪14/12/1425‬‬
‫‪25/01/2005‬‬
‫ماُء( ]فاطر‪ :‬من الية‬ ‫عَبادِهِ ال ْعُل ََ‬ ‫ن‬
‫َ ِ ْ ِ‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫شى‬ ‫َ‬ ‫خ‬ ‫ي‬ ‫ما‬
‫ِّ َ َ ْ‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫)‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫الله‬ ‫عندما قال‬
‫‪[28‬؛ فلنهم أقرب العالمين إلى التدبر والخشوع الحقيقي‪ ،‬والدعوة إلى الله‬
‫على بصيرة‪ ،‬والجهاد في إيصال تلك الحقائق المتعلقة بالعبادة للناس‪ ،‬وهذا‬
‫نهج الرسول ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬ومن سار من بعده إلى يوم يبعثون‪.‬‬
‫ولن القرآن هو الدستور الخالد الذي نستقي منه العلم والعبادات إلى يوم‬
‫القيامة‪ ،‬وهو كلم الله الذي أوحى به إلى عبده ونبيه محمد ‪-‬عليه الصلة‬
‫والسلم‪ -‬والذي يتعدى واجبنا تجاهه الحناجر إلى المشاعر والسلوكيات‪.‬‬
‫فالمتأمل بل المتدبر في كثير من آياته يستشعر هيبة الله تعالى وكلمه‬
‫الحق‪ ،‬ولسيما عندما يربطه بما يحدث في الكون‪ ،‬وكله في أصله بتدبير الله‬
‫م ال ْب َْر َ‬
‫ق‬ ‫ريك ُ ُ‬ ‫ذي ي ُ ِ‬ ‫تعالى وحكمته؛ لنتأمل هذه الية على سبيل المثال‪) :‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫ة ِ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫مدِهِ َوال ْ َ‬ ‫ح ْ‬‫ح الّرعْد ُ ب ِ َ‬ ‫سب ّ ُ‬
‫ل * وَي ُ َ‬ ‫قا َ‬‫ب الث ّ َ‬ ‫حا َ‬ ‫س َ‬ ‫ئ ال ّ‬‫ش ُ‬ ‫معا ً وَي ُن ْ ِ‬ ‫وفا ً وَط َ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫َ‬
‫و‬ ‫ّ‬
‫ن ِفي اللهِ وَهُ َ‬ ‫ُ‬
‫جادِلو َ‬ ‫م يُ َ‬‫شاُء وَهُ ْ‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬ ‫ب ب َِها َ‬ ‫صي ُ‬ ‫َ‬
‫ع ق َ في ُ ِ‬ ‫وا ِ‬
‫ص َ‬
‫ل ال ّ‬ ‫س ُ‬ ‫فت ِهِ وَي ُْر ِ‬
‫خي َ‬ ‫ِ‬
‫ق وَِفي‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م آَيات َِنا ِفي الفا ِ‬ ‫ريهِ ْ‬‫سن ُ ِ‬
‫ل( ]الرعد‪ ،[13:‬ويقول سبحانه‪َ ) :‬‬ ‫حا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫ديد ُ ال ِ‬ ‫ش ِ‬‫َ‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫فسهم حتى يتبين ل َه َ‬ ‫َ‬
‫ق( ]فصلت‪ :‬من الية ‪ ،[53‬وللسف ل يزال‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫م أن ّ ُ‬‫أن ْ ُ ِ ِ ْ َ ّ َ َ َ ّ َ ُ ْ‬
‫طى حدود التفاؤل إلى الغفلة يتجاهل عملية الربط هذه استناًدا‬ ‫بيننا –ممن تخ ّ‬
‫إلى نفسيته المنغمسة في الصفاء المادي أو نصف علمه‪ ،‬والله تعالى يقول‪:‬‬
‫ل( ]السراء‪ :‬من الية ‪ [85‬إذا كان هذا المر‬ ‫ن ال ْعِل ْم ِ إ ِّل قَِلي ً‬ ‫ُ‬
‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ما أوِتيت ُ ْ‬ ‫)وَ َ‬
‫يشمل العلماء‪ ،‬فما حال أنصاف العلماء‪ ،‬بل ومن ل علم شرعيا ً لديه؟!‬
‫ول أعلم‪ :‬هل ينتظر مثل أولئك أو البعض مّنا أن تقوم الساعة وهم ينظرون‪،‬‬
‫در الله‪ -‬حتى يعلموا أنه الحق‪،‬‬ ‫وقد جاء أشراطها‪ ،‬أم يحل المر بأرضهم –ل ق ّ‬
‫ويسلموا تسليمًا‪ ،‬ولنا في فرعون عدو الله‪ ،‬وقوم عاد وثمود عبرة وأيما عبرة‬
‫شى( ]النازعات‪, ،[26:‬هذا الكلم أعني به ليس‬ ‫خ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ل َعِب َْرةً ل ِ َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫)إ ِ ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫غير المسلمين وحسب‪ ،‬بل أعني به أيضا عددا كبيرا من المسلمين ذوي‬ ‫ً‬
‫الثقافة الدينية المحدودة‪ ،‬أو من ذوي التعايش السلمي –إن جاز لي التعبير‪-‬‬
‫مع النصوص الشرعية‪ ،‬والعلم الشرعي‪ ،‬والغافلين من باب أولى ‪ ..‬والذين‬
‫دا أنصبتهم من الدنيا على حساب الخرة‪ ،‬ول يعني هذا أن‬ ‫يتذكرون جي ً‬
‫المؤمن نفسه ل يخاف‪ .‬بل لطالما خاف رسول الهدى والسماحة القرب إلى‬
‫الله من أن يقع عذاب الله؛ فمن يأمنه؟!‬
‫وفي حديث صحيح قالت عائشة –رضي الله عنها‪" :-‬يا رسول الله إن الناس‬
‫إذا رأوا الغيم فرحوا‪ ،‬رجاء أن يكون فيه المطر‪ ،‬وأراك إذا رأيته عرف في‬
‫ذب‬ ‫وجهك الكراهية؟ فقال‪" :‬يا عائشة‪ ،‬ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب؟ عُ ّ‬
‫قوم بالريح‪ ،‬وقد رأى قوم العذاب‪ ،‬فقالوا‪ :‬هذا عارض ممطرنا" )رواه‬
‫البخاري ومسلم(‪.‬‬
‫وكان النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬إذا عصفت الريح قال‪" :‬اللهم إني أسألك‬
‫خيرها‪ ،‬وخير ما فيها‪ ،‬وخير ما ُأرسلت به‪ ،‬وأعوذ بك من شرها‪ ،‬وشر ما فيها‪،‬‬
‫وشر ما ُأرسلت به" )رواه مسلم(‪.‬‬
‫ساد ُ ِفي ال ْب َّر‬ ‫ف َ‬ ‫ولنتأمل هذه الية الكريمة‪ ،‬حيث يقول الله –عز وجل‪) :-‬ظ َهََر ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ن(‬
‫جُعو َ‬ ‫م ي َْر ِ‬ ‫مُلوا ل َعَل ّهُ ْ‬
‫ذي عَ ِ‬ ‫ض ال ّ ِ‬ ‫م ب َعْ َ‬ ‫قهُ ْ‬‫ذي َ‬‫س ل ِي ُ ِ‬‫دي الّنا ِ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫حرِ ب ِ َ‬ ‫َوال ْب َ ْ‬
‫]الروم‪ [41:‬إن المتأمل في هذه الية الكريمة ليدرك أن ما يحدث من‬
‫كوارث وحروب وابتلءات مرتبطة بعد إرادة الله في الغالب بمعاصي الخلق‬
‫والصرار على الذنوب‪ ،‬وظهور البدع‪ ،‬وغياب الدور المر الناهي في سبيل‬
‫ي‬‫ما هِ َ‬ ‫الخير والصلح ليس في بلد بعينها‪ ،‬وإنما في بلد العالمين قاطبة )وَ َ‬
‫ل وعل‪َ) :‬ول ي ََزا ُ‬
‫ل‬ ‫د( ]هود‪ :‬من الية ‪ ،[83‬ويقول الحق ج ّ‬ ‫ن ب ِب َِعي ٍ‬‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫د‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫أ‬‫ي‬ ‫تى‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫دا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫ريب‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫و‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ة‬ ‫ع‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫عوا‬ ‫ن‬‫ص‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫صي‬ ‫ت‬ ‫روا‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ّ‬
‫ْ‬
‫ِ ْ َ ِ ِ ْ َ ّ َ ِ َ َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٌ ْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ِ ُُ ْ ِ َ َ َُ‬ ‫ُ‬ ‫ا ِ َ‬ ‫ذي‬ ‫ل‬
‫ميَعاَد(]الرعد‪ :‬من الية ‪ [31‬وفي أهون التوقعات تأتي‬ ‫ف ال ْ ِ‬ ‫خل ِ ُ‬ ‫ه ل يُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫الل ّهِ إ ِ ّ‬
‫لنعاش القلوب الخاملة‪.‬‬
‫وأما من يقول‪ :‬وما ذنب المستضعفين أو الصالحين أن يعمهم مثل تلك‬
‫الكوارث والبتلءات التي نسمعها ونشاهدها اليوم؟‬
‫ما‬‫فيرد عليهم هذا الحديث‪ :‬حيث خرج رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬يو ً‬
‫عا محمًرا وجهه‪ ،‬يقول‪" :‬ل إله إل الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح‬ ‫فز ً‬
‫اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بإصبعه البهام‪ ،‬والتي تليها‪،‬‬
‫قالت زينب بنت جحش –رضي الله عنها‪ -‬فقلت‪ :‬يا رسول الله‪ :‬أنهلك وفينا‬
‫الصالحون؟ قال‪ :‬نعم إذا كثر الخبث" )رواه مسلم(‪.‬‬
‫العلماء يدركون ذلك‪ ،‬أما غير العلماء فمنهم من ينكر ومنهم من يتجاهل‪،‬‬
‫سا على عقب‪.‬‬ ‫ومنهم من يريد قلب الحقائق رأ ً‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وحسبنا التأمل والتدبر فيما يحدث‪ .‬حيث يخاف المسلم على دينه في وقت‬
‫يكثر فيه ظهور الفتن‪ ،‬فيصبح المؤمن كافًرا ويمسي الكافر مؤمًنا‪ ،‬ويصبح‬
‫بالفعل القابض على دينه كالقابض على الجمر في زمن يأتي أو يقترب كما‬
‫قال عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫ولنتأمل في حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪" :-‬ل تقوم الساعة‬
‫حتى يقبض العلم‪ ،‬وتكثر الزلزل‪ ،‬ويتقارب الزمان‪ ،‬وتظهر الفتن‪ ،‬ويكثر‬
‫الهرج‪ ،‬وهو القتل القتل‪ ،‬حتى يكثر فيكم المال فيغيض" )رواه البخاري(‪.‬‬
‫وفي حديث رواه الوادعي وصححه اللباني‪" :‬رفع وهو يوحى إلي أني مكفوت‬
‫ل‪ ،‬بل تلبثون حتى تقولوا متى‬ ‫غير لبث فيكم ولستم لبثين بعدي إل قلي ً‬
‫ضا‪ ،‬وبين يدي الساعة موتان شديد وبعده‬ ‫وستأتون أفناًدا يفني بعضكم بع ً‬
‫سنوات الزلزل" )رواه الوادعي وصححه اللباني(‪.‬‬
‫إن هذا المر ل يعني صفوة العلماء‪ ،‬والمستقيمين‪ ،‬وحسب‪ ،‬بل هي فرصة‬
‫للمقصرين –ومن منا لم يقصر‪ -‬والخطائين وكل ابن آدم خطاء للرجوع إلى‬
‫الله –تعالى‪ -‬وتفقد جوانب القصور‪ ،‬وعدم الصرار على المعصية‪ ،‬أو كل ما‬
‫ينأى بنا عن النهج المستقيم‪.‬‬
‫ويحذر الله تعالى ممن يستمع القول فيستهزئ به‪ ،‬أو يلمز القائلين الحق‬
‫والداعين إليه‪ ،‬وليست القوانين أو البروتوكولت الدولية هي ما يعلي من‬
‫شأن العلماء بل إنه الخالق –جل وعل‪ -‬من يأمر بطاعتهم واحترامهم‬
‫واتباعهم‪.‬‬
‫َ‬
‫حوا‬ ‫س ُ‬ ‫س َفافْ َ‬ ‫جال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫حوا ِفي ال ْ َ‬ ‫س ُ‬‫ف ّ‬ ‫م تَ َ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫مُنوا إ َِذا ِقي َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال تعالى‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫م َوال ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ّ‬
‫شُزوا ي َْرفَِع الل ُ‬ ‫شُزوا َفان ْ ُ‬ ‫ل ان ْ ُ‬ ‫م وَإ َِذا ِقي َ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫سِح الل ّ ُ‬ ‫ف َ‬‫يَ ْ‬
‫خِبيٌر( ]المجادلة‪.[11:‬‬ ‫ن َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ملو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ت َوالل ُ‬ ‫جا ٍ‬ ‫م د ََر َ‬ ‫أوُتوا العِل َ‬
‫وقد قال بعض المنافقين ما رأينا أرغب بطوًنا ول أجبن عند اللقاء من قرائنا‬
‫َ‬
‫ب قُ ْ‬
‫ل‬ ‫ض وَن َل ْعَ ُ‬ ‫خو ُ‬ ‫ما ك ُّنا ن َ ُ‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬‫قول ُ ّ‬ ‫م ل َي َ ُ‬ ‫سأل ْت َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫هؤلء‪ ..‬فنزل قوله تعالى‪) :‬وَل َئ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن( ]التوبة‪ ،[65:‬إنني لحترم رجل ً يقول‪ :‬ل‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫سول ِهِ ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫أِبالل ّهِ َوآَيات ِهِ وََر ُ‬
‫دعي أنه على حق وغيره على باطل‪،‬‬ ‫أعلم‪ ،‬أو يعترف بتقصيره‪ ،‬على رجل ي ّ‬
‫أو يخوض ويفتي بغير علم أو ينفي بشدة أن ما يحدث بسبب أعمال الناس‬
‫بعد إرادة الله‪ .‬ومع العلم أن الله تعالى يعفو عن كثير!‬
‫إن مقياس الصحة والتقدم الذي نحكم به على المم والشعوب يجب أن‬
‫م(]التوبة‪:‬‬ ‫قي ّ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫دي ُ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫طر في إطار شرع الله –تعالى‪ -‬ونهجه القويم )ذ َل ِ َ‬ ‫يؤ ّ‬
‫من الية ‪ ،[36‬وهذا المقياس من صنع الحق تبارك وتعالى‪ ،‬وليس من عند‬
‫أنفسنا‪ ،‬حيث قال سبحانه‪) :‬أ َفَم َ‬
‫ن‬
‫وا ٍ‬ ‫ض َ‬ ‫ن الل ّهِ وَرِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وى ِ‬ ‫ق َ‬‫ه عََلى ت َ ْ‬ ‫س ب ُن َْيان َ ُ‬
‫س َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫َ ْ‬
‫هل‬ ‫م َوالل ُّ‬ ‫ن‬ ‫ه‬‫ج‬ ‫ر‬ ‫نا‬ ‫في‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ها‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫ر‬ ‫ها‬ ‫ف‬ ‫ه عََلى َ‬ ‫خير أ َم م َ‬
‫َ ِ َ َ ّ َ‬ ‫ٍ َْ َ ِ ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ش َ ُ ُ ٍ‬
‫ر‬ ‫ج‬ ‫فا‬ ‫س ب ُن َْيان َ ُ‬‫س َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫َ ٌْ ْ َ ْ‬
‫ن(]التوبة‪ ،[109:‬وقوله سبحانه في أساس التعامل بين‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫م الظال ِ ِ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫دي ال ْ َ‬‫ي َهْ ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م( ]الحجرات‪ :‬من الية ‪.[13‬‬ ‫قاك ُ ْ‬ ‫عن ْد َ اللهِ أت ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫ن أك َْر َ‬ ‫الناس‪) :‬إ ِ ّ‬
‫نعم التقوى والتي منها نرفع التقي بل والعالم كما رفعه الله تعالى‪ ،‬ونحبه‬
‫دون أن نتقايض معه أي مصلحة مادية‪ ،‬ودون أن ننظر إلى أي القبائل ينتمي‪،‬‬
‫ومن أي الجنسيات هو‪ ،‬ونتبعه ونناصره‪ ،‬بل ونحمد الله تعالى على وجوده‬
‫بين ظهرانينا درًءا ‪-‬بعون الله‪ -‬للمفاسد والنحرافات والضللت والكوارث‪.‬‬
‫وحذار من الستهزاء بالعلماء ورثة النبياء وخلفائهم ممن تضع الملئكة‬
‫أجنحتها رضا لهم‪ ،‬ومن يستغفر لهم من في السماوات ومن في الرض‪،‬‬
‫والحيتان في جوف الماء‪ ،‬الذين فضلهم عظيم‪ ،‬وشأنهم جليل‪ ،‬كما قال عليه‬
‫الصلة والسلم في حديث رواه أبو داود وابن ماجة‪ ،‬وجاء في حديث آخر‬
‫صححه اللباني‪" :‬إن الله عز وجل وملئكته‪ ،‬وأهل السماوات والرض‪ ،‬حتى‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النملة في جحرها‪ ،‬وحتى الحوت‪ ،‬ليصلون على معلم الناس الخير" )اللباني‬
‫وصححه(‪.‬‬
‫نعم‪ .‬والحذر من اتباع الهواء‪ ،‬أو الحكم بغير علم‪ ،‬ودون الرجوع إلى‬
‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ست ُهْزِ ِ ُ ُ ٍ‬
‫ئ‬ ‫قد ِ ا ْ‬‫النصوص الشرعية‪ .‬وذوي العلم الشرعي‪ ،‬قال تعالى‪) :‬وَل َ َ‬
‫من قَبل َ َ‬
‫ب( ]الرعد‪.[32:‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ع َ‬
‫ن ِ‬ ‫ف َ‬
‫كا َ‬ ‫م فَك َي ْ َ‬ ‫م أَ َ‬
‫خذ ْت ُهُ ْ‬ ‫ن كَ َ‬
‫فُروا ث ُ ّ‬ ‫ت ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مل َي ْ ُ‬
‫ك فَأ ْ‬ ‫ِ ْ ِْ‬
‫والرسول عليه البلغ وعلى الله الحساب‪ ،‬نسأل الله ولينا ومولنا أن يجنبنا‬
‫وبلدنا وبلد المسلمين الفتن والشرور والمحن‪ ،‬ويهدينا سبحانه إلى صراطه‬
‫المستقيم‪ ،‬إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إنها لذة اليمان‬


‫روى المام البخاري وغيره عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه‪:‬‬
‫"كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى ترم – أو تنتفخ – قدماه‪ ،‬فقيل‬
‫له ‪ :‬يارسول الله أتصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال‪:‬‬
‫ضا عن ابن مسعود رضي الله عنه‬ ‫دا شكوًرا؟"‪ .‬وفي البخاري أي ً‬
‫أفل أكون عب ً‬
‫ما حتى هممت‬ ‫قال‪" :‬صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة‪ ،‬فلم يزل قائ ً‬
‫بأمر سوء‪ .‬قلنا‪ :‬وما هممت؟ قال‪ :‬هممت أن أقعد وأذر النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم"‪.‬‬
‫وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه‪" :‬صليت مع النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة‪ ،‬ثم مضى فقلت يصلي‬
‫بها في ركعة فمضى‪ ،‬فقلت يركع بها‪ ،‬ثم افتتح النساء فقرأها‪ ،‬ثم افتتح آل‬
‫عمران فقرأها‪ ،‬يقرأ مترسل‪ ،‬إذا مر بآية فيها تسبيح سبح‪ ،‬وإذا مر بسؤال‬
‫سأل‪ ،‬وإذا مر بتعوذ تعوذ‪ ،‬ثم ركع فجعل يقول‪ :‬سبحان ربي العظيم‪ ،‬فكان‬
‫ركوعه نحوا من قيامه‪ ،‬ثم قال‪ :‬سمع الله لمن حمده‪ ،‬ثم قام طويل قريبا‬
‫مما ركع‪ ،‬ثم سجد فقال‪ :‬سبحان ربي العلى‪ ،‬فكان سجوده قريبا من‬
‫قيامه"]رواه مسلم[‪.‬‬
‫هذا كان حال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وصدق ابن رواحة حين قال‪:‬‬
‫وفينا رسول الله يتلو كتابه ‪ . ..‬إذا انشق معروف من الفجر ساطع‬
‫أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا ‪ .. .. ..‬به موقنات أن ما قال واقع‬
‫يبيت يجافي جنبه عن فراشه ‪ .. .. ..‬إذا استثقلت بالمشركين المضاجع‬
‫وجاء في كتاب صفة الصفوة لبن الجوزي‪ :‬عن سفيان بن عيينة قال‪ :‬كان‬
‫قيس بن مسلم يصلى حتى السحر ثم يجلس فيهيج البكاء فيبكي ساعة بعد‬
‫خلقنا‪ ،‬لمر ما خلقنا‪ ،‬وإن لم نأت الخرة بخير لنهلكن‪.‬‬ ‫ساعة ويقول‪ :‬لمر ما ُ‬
‫وزار يوما محمد بن جحادة فأتاه في المسجد فوجده يصلي فقام قيس في‬
‫الجانب الخر يصلي دون أن يشعر به ابن جحادة ‪ ..‬فما زال يصليان حتى طلع‬
‫الفجر‪.‬‬
‫وفي سير أعلم النبلء للذهبي‪ :‬كان عبد العزيز بن أبي رواد يوضع له‬
‫الفراش لينام‪ ،‬فيضع عليه يده ويقول ما ألينك‪ ،‬ولكان فراش الجنة ألين منك‪.‬‬
‫ثم يقوم فيصلي‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬كان عبد الرحمن بن مهدي يختم كل ليلتين‪ ..‬يقرأ في كل ليلة نصف‬
‫القرآن‪.‬‬
‫وعن معاذة العدوية زوجة صلة بن أشيم قالت‪ :‬كان صلة بن أشيم يقوم‬
‫الليل حتى يفتر فما يجيء إلى فراشه إل حبوا‪ .‬وقال ثابت البناني‪ :‬ان رجال‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من بني عدي قد أدركت بعضهم إن كان أحدهم ليصلي حتى ما أتى فراشه‬
‫إل حبوا "‪ ..‬وذكروا مثل هذا عن علي بن الفضيل وجماعة ‪.‬‬
‫إنها لذة الطاعة‬
‫‪... ... ...‬‬
‫إن كل هذا الذي سقناه من كثرة الصلة وطول القيام فيها‪ ،‬وصبر النفس‬
‫على تحمل مشاق البدن ليدل على أن هناك شيًئا يحمل المتعبدين على‬
‫القبال على عبادتهم من غير ملل‪ ،‬والوقوف فيها من غير نظر إلى تعب أو‬
‫قا يشغله‬ ‫كلل‪ ..‬وهذا الشيء ل شك ينسي النفس همومها‪ ،‬ويورث القلب تعل ً‬
‫به عن الحساس بالتعب‪ ،‬أو حتى اللتفات إلى تورم القدم ثم تفطرها‬
‫وتشققها من طول الوقوف‪.‬‬
‫إنها لذة الطاعة‪ ،‬وحلوة المناجاة‪ ،‬وأنس الخلوة بالله‪ ،‬وسعادة العيش في‬
‫مرضاة الله؛ حيث يجد العبد في نفسه سكينة‪ ،‬وفي قلبه طمأنينة‪ ،‬وفي روحه‬
‫خفة وسعادة‪ ،‬مما يورثه لذة ل يساويها شيء من لذائذ الحياة ومتعها‪ ،‬فتفيض‬
‫حا بها‪ ،‬وطرًبا لها‪ ،‬ل تزال تزداد حتى‬ ‫على النفوس والقلوب محبة للعبادة وفر ً‬
‫تمل شغاف القلب فل يرى العبد قرة عينه وراحة نفسه وقلبه إل فيها‪ ،‬كما‬
‫ي من دنياكم الطيب‬ ‫قال سيد المتعبدين صلى الله عليه وسلم‪" :‬حبب إل ّ‬
‫والنساء‪ ..‬وجعلت قرة عيني في الصلة"‪.‬‬
‫أي منتهى سعادته صلى الله عليه وسلم وغاية لذته في تلك العبادة التي يجد‬
‫فيها راحة النفس واطمئنان القلب‪ ،‬فيفزع إليها إذا حزبه أمر أو أصابه ضيق‬
‫أو أرهقه عمل‪ ،‬وينادي على بلل‪" :‬أرحنا بها‪ ..‬أرحنا بها"‪.‬‬
‫وهذا النوع من لذائذ القلوب والنفوس ذاقه السالكون درب نبيهم والسائرون‬
‫على هديه وسننه‪ ،‬فجاهدوا أنفسهم وثابروا معها وصابروها في ميدان الطاعة‬
‫حتى ذاقوا حلوتها‪ ،‬فلما ذاقوها طلبوا منها المزيد بزيادة الطاعة‪ ،‬فكلما‬
‫ازدادت عبادتهم زادت لذتهم فاجتهدوا في العبادة ليزدادوا لذة إلى لذتهم‪..‬‬
‫فمن سلك سبيلهم ذاق‪ ،‬ومن ذاق عرف‪.‬‬
‫قال بعض السلف‪ :‬إني لفرح بالليل حين يقبل لما يلتذ به عيشي‪ ،‬وتقر به‬
‫عيني من مناجاة من أحب‪ ،‬وخلوتي بخدمته‪ ،‬والتذلل بين يديه‪ ،‬وأغتم للفجر‬
‫إذا طلع لما اشتغل به‪.‬‬
‫دا الصلة في قبره‬ ‫وكان ثابت البناني يقول‪" :‬اللهم إن كنت أعطيت أح ً‬
‫فأعطني الصلة في قبري"‪.‬‬
‫وقال سفيان الثوري‪ :‬إني لفرح بالليل إذا جاء‪ ،‬وإذا جاء النهار حزنت‪.‬‬
‫ولقد بلغت لذة العبادة وحلوتها ببعض ذائقيها أن قال من شدة سروره‪ :‬لو‬
‫يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه – يعني من النعيم – لجالدونا عليه‬
‫بالسيوف‪.‬‬
‫وقال آخر مبدًيا حزنه وتأسفه على الذين لم يشهدوا هذا المشهد‪ :‬مساكين‬
‫أهل الدنيا‪ ،‬خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها‪ ..‬قيل‪ :‬وما أطيب ما فيها؟‬
‫قال‪ :‬محبة الله ومعرفته وذكره‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وكان شيخ السلم ابن تيمية – رحمه الله تعالى – يقول‪ :‬إن في الدنيا جنة‬
‫من لم يدخلها لم يدخل جنة الخرة‪..‬‬
‫إنها الجنة التي لما دخلها الداراني قال‪ :‬إن أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل‬
‫اللهو في لهوهم‪ ...‬وإنه لتأتي على القلب أوقات يرقص فيها طربا من ذكر‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله فأقول‪ :‬لو أن أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب"‪.‬‬
‫إنها الجنة التي تنسي صاحبها هموم الحياة ومشاقها‪ ،‬بل تنسيه تعب العبادة‬
‫ونصبها‪ ،‬وكلل البدان ومللها‪ ،‬بل وتنسيه الجوع والظمأ‪ ،‬فتغنيه عن الطعام‬
‫وتعوضه عن الشراب‪ ،‬فهو بها شبعان رّيان‪ ،‬كما في حديث نهي النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم عن الوصال‪ ،‬فقيل له‪ :‬إنك تواصل‪ .‬قال‪" :‬إني أبيت يطعمني‬
‫ربي ويسقيني"]رواه البخاري ومسلم[‪.‬‬
‫يطعمه اللذة والنس والبهجة‪ ،‬كما قال ابن القيم‪ " :‬المراد ما يغذيه الله به‬
‫من معارفه‪ ،‬وما يفيض على قلبه من لذة مناجاته وقرة عينه بقربه‪ ،‬وتنعمه‬
‫بحبه والشوق إليه‪ ،‬وتوابع ذلك من الحوال التي هي غذاء القلوب ونعيم‬
‫الرواح وقرة العين وبهجة النفوس والروح والقلب بما هو أعظم غذاء‬
‫وأجوده وأنفعه‪ ،‬وقد يقوى هذا الغذاء حتى يغني عن غذاء الجسام مدة من‬
‫الزمان كما قيل‪:‬‬
‫لها أحاديث من ذكراك تشغلها ‪ .. ..‬عن الشراب وتلهيها عن الزاد‬
‫لها بوجهك نور تستضيء به ‪ .‬ومن حديثك في أعقابها حادي‬
‫إذا شكت من كلل السير أوعدها ‪. ..‬روح القدوم فتحيا عند ميعاد‬
‫فقوت الروح أرواح المعاني ‪ .. .. ..‬وليس بأن طعمت وأن شربت‬
‫‪... ... ...‬‬
‫أسباب تحصيل اللذة‪:‬‬
‫وبلوغ ما بلغه السلف في هذا الباب يحتاج إلى بذل أسباب بذلوها وسلوك‬
‫سبيل سلكوها‪:‬‬
‫أولها‪ :‬مجاهدة النفس‬
‫وتعويدها العبادة والتدرج فيها‪ ،‬ولبد من الصبر في البدايات على تعب‬
‫العبادات وحمل النفس عليها تارة وتشويقها إليها أخرى حتى تذوق حلوتها؛‬
‫فالتعب إنما يكون في البداية ثم تأتي اللذة بعد ُ كما قال ابن القيم‪" :‬السالك‬
‫في أول المر يجد تعب التكاليف ومشقة العمل لعدم أنس قلبه بمعبوده‪،‬‬
‫فإذا حصل للقلب روح النس زالت عنه تلك التكاليف والمشاق فصارت قرة‬
‫عين له وقوة ولذة"‬
‫وقال ثابت البناني‪ :‬كابدت الصلة عشرين سنة وتنعمت بها عشرين سنة‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬سقت نفسي إلى الله وهي تبكي‪ ،‬فمازلت أسوقها حتى‬
‫انساقت إليه وهي تضحك‪.‬‬
‫ه َلم َ‬
‫ع‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫سب ُل ََنا وَإ ِ ّ‬ ‫دوا ِفيَنا ل َن َهْدِي َن ّهُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫جاهَ ُ‬‫ن َ‬ ‫والمر كما قال ربنا تعالى‪َ} :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن{]العنكبوت‪.[96:‬‬ ‫سِني َ‬
‫مح ِ‬‫ال ْ ُ‬
‫ثانيها‪ :‬الكثار من النوافل‬
‫بكل أنواعها ‪ ،‬وعلى اختلف صفاتها وأحوالها ‪ ،‬والتنويع فيها حتى ل تمل‬
‫النفس ‪ ،‬وحتى تقبل ول تدبر‪ ،‬فتارة نوافل الصلة‪ ،‬وتارة نافل الصوم‪،‬‬
‫والصدقة ‪ ،‬والبر والصلة فإن كثرة النوافل تورث محبة الملك سبحانه كما‬
‫في الحديث القدسي‪ ":‬وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ‪ ،‬فإذا‬
‫أحببته ‪ :‬كنت سمعه الذي يسمع به ‪ ،‬وبصره الذي يبصر به ‪ ،‬ويده التي‬
‫يبطش بها ‪ ،‬ورجله التي يمشي بها ‪ ،‬وإن سألني لعطينه ‪ ،‬ولئن استعاذني‬
‫لعيذنه"‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬صحبة المجتهدين وترك البطالين‬
‫فمن بركة صحبة أهل الصلح‪ :‬القتداء بهم‪ ،‬والتأسي بحالهم‪ ،‬والنتفاع‬
‫بكلمهم‪ ،‬والنظر إليهم‪ .‬قال جعفر بن سليمان‪" :‬كنت إذا وجدت من قلبي‬
‫قسوة غدوت فنظرت إلى وجه محمد بن واسع كأنه وجه ثكلى"‪) .‬وهي التي‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فقدت ولدها(‪.‬‬
‫وكان ابن المبارك يقول‪" :‬كنت إذا نظرت إلى وجه الفضيل بن عياض‬
‫احتقرت نفسي"‪ .‬وقد قالوا قديما من لم ينفعك لحظه لم ينفعك لفظه‪.‬‬
‫رابعها‪ :‬تدبر القرآن‬
‫صا ما يتلى في الصلوات‪ ،‬فإن في القرآن شفاًء للقلوب من أمراضها‪،‬‬ ‫خصو ً‬
‫وجلًء لها من صدئها‪ ،‬وترقيقا لما أصابها من قسوة‪ ،‬وتذكيًرا لما اعتراها من‬
‫غفلة‪ ،‬مع ما فيه من وعد ووعيد‪ ،‬وتخويف وتهديد‪ ،‬وبيان أحوال الخلق‬
‫بطريقيهم أهل الجنة وأهل السعير‪ ،‬ولو تخيل العبد أن الكلم بينه وبين ربه‬
‫كأنه منه إليه لنخلع قلبه من عظمة الموقف‪ ،‬ثم يورثه أنس قلبه بمناجاة‬
‫ربه‪ ،‬ولوجد من النعيم ما ل يصفه لسان أو يوضحه بيان‪.‬‬
‫وفي الحديث القدسي عند مسلم‪" :‬قسمت الصلة بين وبين عبدي نصفين‪.‬‬
‫ولعبدي ما سأل‪ .‬فإذا قال العبد‪ :‬الحمد لله رب العالمين‪ ،‬قال الله تعالى‪:‬‬
‫حمدني عبدي وإذا قال؛ الرحمن الرحيم‪ .‬قال الله تعالى؛ أثنى علي عبدي‪.‬‬
‫وإذا قال مالك يوم الدين‪ .‬قال‪ :‬مجدني عبدي )وقال مرة‪ :‬فوض إلي عبدي(‬
‫فإذا قال‪ :‬إياك نعبد وإياك نستعين‪ .‬قال‪ :‬هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما‬
‫سأل‪ .‬فإذا قال‪ :‬اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير‬
‫المغضوب عليهم ول الضالين‪ .‬قال‪ :‬هذا لعبدي ولعبدي ما سأل‪ ...‬فهذا مثال‬
‫وعلى مثلها فجاهد‪.‬‬
‫خامسها‪ :‬الكثار من الخلوة بالله تعالى‬
‫فيتخير العبد أوقاًتا تناسبه في ليله أو نهاره‪ ،‬يخلو فيها بربه‪ ،‬ويبتعد فيها عن‬
‫ضجيج الحياة وصخبها‪ ،‬يناجي فيها ربه‪ ،‬يبث له شكواه‪ ،‬وينقل إليه نجواه‪،‬‬
‫ويتوسل فيها إلى سيده وموله‪ .‬فلله كم لهذه الخلوات من آثار على‬
‫النفوس‪ ،‬وتجليات على القلوب؟!‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وقد قيل لبعض الصالحين لما أكثر الخلوة‪ :‬أل تستوحش؟ قال‪ :‬وهل‬
‫يستوحش مع الله أحد؟!!‬
‫وقال آخر‪ :‬كيف أستوحش وهو يقول‪ :‬وأنا معه إذا ذكرني؟!‬
‫فليتك تحلو والحياة مريرة ‪ .. .. ..‬وليتك ترضى والنام غضاب‬
‫وليت الذي بيني وبينك عامر ‪ .. .. ..‬وبيني وبين العالمين خراب‬
‫إذا صح منك الود فالكل هين ‪ .. .. ..‬وكل الذي فوق التراب تراب‬
‫سادسها‪ :‬ترك المعاصي والذنوب‬
‫فكم من شهوة ساعة أورثت ذل طويل‪ ،‬وكم من ذنب حرم قيام الليل سنين‪،‬‬
‫وكم من نظرة حرمت صاحبها نور البصيرة‪ ،‬ويكفي هنا قول وهيب ابن الورد‬
‫حين سئل‪ :‬ايجد لذة الطاعة من يعصي؟ قال‪ :‬ل‪ ..‬ول من هم‪.‬‬
‫فأعظم عقوبات المعاصي حرمان لذة الطاعات وإن غفل عنها المرء لقلة‬
‫بصيرته وضعف إيمانه أو لفساد قلبه‪ ..‬قال ابن الجوزي ‪" :‬قال بعض أحبار‬
‫بني إسرائيل ‪ :‬يا رب كم أعصيك ول تعاقبني ؟ فقيل له ‪ :‬كم أعاقبك وأنت ل‬
‫تدري‪ ،‬أليس قد حرمتك حلوة مناجاتي؟‬
‫وأخيرا‪ :‬الدعاء‬
‫فهو سبيل الراغبين‪ ،‬ووسيلة الطالبين‪ ،‬الشفيع الذي ل يرد‪ ،‬والسهم الذي ل‬
‫يطيش‪ ..‬فمتى فتح لك منه باب فقد أراد الله بك خيرا كثيرا‪ ..‬فارفع يديك‬
‫لمولك واضرع إلى ربك بقلب خاشع وطرف دامع وجبهة ساجدة‪ ،‬مع قصد‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتوجه وتحرق وتشوق وتعلق بالذي ل يخيب مؤمله ول يرد سائله أن يمن‬
‫عليك بلذة العبادات ويمل بها قلبك ونفسك وروحك فهو الذي يجيب المضطر‬
‫إذا دعاه‪ ..‬وفي المسند‪ :‬كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬اللهم‬
‫حبب إلينا اليمان وزينه في قلوبنا‪ ،‬وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان‪،‬‬
‫واجعلنا من الراشدين"‪.‬‬
‫اللهم امين يا رب العالمين‬
‫صلى الله عليه وسلم خير النام محمد وعلى آله وصحبه اجمعي‬

‫)‪(3 /‬‬

‫إنهم فتية آمنوا بربهم‬


‫المحتويات‬
‫مقدمة‬
‫الوقفة الولى ‪:‬عظم شأن الشباب‬
‫الوقفة الثانية ‪ :‬اليمان يعلي شأن صاحبه‬
‫الوقفة الثالثة‪ :‬النعي على مشركي قريش‬
‫الوقفة الرابعة‪ :‬للهداية أسباب‬
‫الوقفة الخامسة‪ :‬عظم شأن التوحيد‬
‫الوقفة السادسة‪ :‬عظم شأن الدعاء‬
‫الوقفة السابعة‪ :‬حول الدليل والبرهان‬
‫الوقفة الثامنة‪ :‬الصلة بالله عز وجل‬
‫الوقفة التاسعة‪ :‬بذل السباب يعين على الثبات‬
‫الوقفة العاشرة‪ :‬حفظ الله لهم‬
‫الوقفة الحادية عشرة‪ :‬سنة الله في السباب والنتائج‬
‫الوقفة الثانية عشرة‪ :‬مع اليائسين من النصر‬
‫الوقفة الثالثة عشرة‪ :‬الصحبة الصالحة‬
‫الوقفة الرابعة عشرة‪ :‬النشغال بما يفيد وما يعني‬
‫الوقفة الخامسة عشرة‪ :‬لقد كانوا أثرياء‬
‫الوقفة السادسة عشرة‪ :‬الحذر فيما يستوجب ذلك‬
‫الوقفة السابعة عشرة‪ :‬الشح بالدين والحرص عليه‬
‫الوقفة الثامنة عشرة‪ :‬العواقب ل يعلمها إل الله‬
‫الوقفة التاسعة عشرة‪ :‬عبرة في زوال الدنيا‬
‫مقدمة‬
‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور‬
‫أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فل مضل له ومن يضلل فل هادي له‬
‫‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له وأشده أن محمدا ً صلى الله عليه‬
‫وسلم عبده ورسوله‪ ،‬أما بعد‪..‬‬
‫فعنوان هذه المحاضرة "إنهم فتية آمنوا بربهم" وهي بعض آية من سورة‬
‫الكهف‪.‬‬
‫هذه السورة العظيمة يرددها المسلم ويقرأها كل أسبوع‪ ،‬وهذا يعني أن فيها‬
‫من المعاني التي يحتاج الناس إلى تكرارها وإلى إعادتها‪ .‬إننا دون أن نخوض‬
‫في جدل وتساءل عن الحكمة وراء تكرار هذه السورة وقراءتها كل جمعة‪،‬‬
‫فإننا نؤمن أنه لم يؤمر بتكرار هذه اليات وقراءتها إل أن فيها معان يحتاج‬
‫الناس إلى أن يتذكروها‪ ،‬وأن ل تغيب عنهم‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذه السورة العظيمة سميت بهذا السم "سورة الكهف" لن فيها قصة هؤلء‬
‫دلهم تبارك وتعالى‪ .‬وهذه‬ ‫الفتية الذين شهد الله لهم باليمان وأثنى عليهم وع ّ‬
‫الكلمات ليست تفسيرا ً لهذه اليات؛ فلست مختصا ً بهذا العلم الذي له رجاله‬
‫وفرسانه‪.‬‬
‫إنما هي وقفات وإشارات وعبر لبعض الدروس التي ينبغي أن نستفيدها من‬
‫هذه القصة وبين يدي الحديث عن هذا الموضوع أرى أننا بحاجة إلى أن نؤكد‬
‫ل – ونرى أن‬ ‫أن هذا المعنى التربوي الذي يرد كثيرا ً في كتاب الله عز وج ّ‬
‫اهتمامنا به وعنايتنا به ل يتناسب مع المكانة التي أولها القرآن الكريم إياه‪،‬‬
‫إنها القصة؛ فالقرآن الكريم مليء بالقصص والله تبارك وتعالى أخبر أنه يقص‬
‫علينا أحسن القصص في هذا الكتاب وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم فقال ‪:‬‬
‫)فاقصص القصص لعلهم يتفكرون( ‪ ،‬وأخبر تبارك وتعالى أن في قصص‬
‫النبياء عبرة لولي اللباب وأنه حديث صدق وحق )لقد كان في قصصهم‬
‫عبرة لولي اللباب ما كان حديثا ً يفترى(‪.‬‬
‫نعم لن القصص تدخل فيها الساطير والخرافات والقاويل أما كلم الله عز‬
‫وجل فيتنزه عن ذلك‪ ،‬إن هذا القرآن الذي هو كلم الله تبارك وتعالى وأنزله‬
‫الله عز وجل على عباده من فوق سبع سماوات حين يكون مليئا ً بالقصص‬
‫والشارة إليها والتعقيب فهذا يعطي المربين درسا ً مهما ً في شأن القصة‬
‫وأهميتها في التربية‪ ،‬وحين ندرك هذا المعنى نرى أننا نهمل شأن القصة أو ل‬
‫نعتني بها كما ينبغي‪.‬‬
‫وأولى القصص التي ينبغي أن نعتني بها ما جاء في كتاب الله عز وجل وما‬
‫قصه الله عز وجل في كتابه فهو دليل على أهمية هذا الموضوع وعلو شأنه ‪.‬‬
‫إن كل واحد منكم يستطيع أن يطرح تساؤل ً حول موضوع ُيختار للحديث عنه‪،‬‬
‫وقد يرى أن هذا الموضوع ليس ذا بال وأهمية ومن حقه أن يرى هذا الرأي‪،‬‬
‫لكن أن يقول امرؤ إن قصة جاءت في كتاب الله أو قصها النبي محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم ليست ذا بال فهذا ل يمكن أن يجرؤ عليه مسلم ول يقوله‪،‬‬
‫وهي قضية ل مجال فيها للنقاش والجدل‪ ،‬قصة جاءت في كتاب الله فهذا‬
‫يعني أننا في حاجة إلى أن نتدبرها وأن نقف عند معانيها وأن نقيس حالنا‬
‫بحال الذين قص الله علينا شأنهم‪ ،‬وقصة قصها علينا النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يعني أن لها شأنا ً ولها قيمة‪ ،‬إنها قضايا تتجاوز مجرد الحديث التاريخي‬
‫البحت الذي يعني بتسطير الخبار والروايات والحداث‪.‬‬
‫وحين نقرأ في كتاب الله ونحلل أساليب عرض القصة نرى أن القصة ل تأتي‬
‫قصة مجردة تحكي أحداثا ً مترابطة‪ ،‬إنما تأتي القصة وفي ثناياها الشارة إلى‬
‫العبر والعظات والدروس المهمة التي ينبغي على الناس أن يعوها‪.‬‬
‫ولهذا فحديثي سيكون عبارة عن جملة من الوقفات ل يجمعها جامع إل أنها‬
‫وقفات حول هذه القصة العظيمة التي جاءت في كتاب الله عز وجل‪.‬‬
‫الوقفة الولى‪ :‬عظم شأن الشباب‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أهل الكهف كما أخبر الله عز وجل فتية )إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى(‬
‫وقال في الية الخرى )إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك‬
‫رحمة وهيىء لنا من أمرنا رشدًا( ‪،‬ول شك أن هذا الوصف وهذه الكلمات لم‬
‫تأت اعتباطًا‪ ،‬لم تأت لقضية تاريخية بحتة‪ ،‬والقصة أجملت أول ً في ثلث آيات‬
‫ثم فصلت‪ ،‬ووصفهم بالفتوة جاء في الموضعين كليهما‪ :‬موضع الجمال‪،‬‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وموضع التفصيل ‪.‬‬


‫فماذا يعني وصف هؤلء بأنهم فتية؟‬
‫يعني دللت ‪ ،‬أولها سنة الله عز وجل في هذه الدعوة –وهي دعوة واحدة‬
‫وأمة واحدة – )إن هذه أمتكم أمة واحدة( فالمؤمنون بالله أمة واحدة بدءا ً‬
‫بنوح عليه السلم‪ ،‬وإلى أن تختم بالطائفة المنصورة إذ ينزل عيسى مجددا ً‬
‫وحاكما بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم‪ .‬أن يكون أتباع هذه الدعوات‬
‫هم من الشباب‪ ،‬وهذا النموذج أمامنا‪ :‬مجتمع يعج بالكفر والشرك بالله عز‬
‫وجل يستفيق فيه هؤلء الفتية وهؤلء الشباب‪ ،‬وقبل ذلك قال قوم نوح ‪):‬ما‬
‫نراك اتبعك إل الذين هم أراذلنا بادي الرأي( هم سذج الناس البسطاء الرأي‬
‫الذين يتبعون كل ناعق‪.‬‬
‫وقال الله عز وجل عن أتباع موسى‪) :‬فما آمن لموسى إل ذرية من قومه‬
‫على خوف من فرعون وملهم أن يفتنهم( فأقران موسى عليه السلم ليسوا‬
‫هم الذين آمنوا به واتبعوه‪ ،‬بل الذين آمنوا به هم الذرية قال ابن كثير رحمه‬
‫الله حول هذه الية‪":‬يخبر تعالى أنه لم يؤمن بموسى عليه السلم مع ما جاء‬
‫به من اليات البينات والحجج القاطعات والبراهين الساطعات إل قليل من‬
‫قوم فرعون من الذرية وهم الشباب على وجل وخوف منه ومن ملئه أن‬
‫يردوهم إلى ما كانوا عليه من الكفر‪ ،‬لن فرعون لعنه الله كان جبارا ً عنيدا ً‬
‫مسرفا ً في التمرد والعتو‪ ،‬وكانت له سطوة ومهابة تخاف رعيته منه خوفا ً‬
‫شديدًا"‪.‬‬
‫وفي قصة أصحاب الخدود أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الحدث‬
‫وتلك القضية كانت على يد هذا الشاب الذي لم يبلغ العشرين من عمره‪.‬‬
‫وحين جاء النبي صل الله عليه وسلم أصبحت سيرته خير شاهد على ذلك؛‬
‫فالعشرة المبشرون بالجنة – وهم من أوائل الذين دخلوا في السلم ولهم‬
‫قدم صادقة في دين الله عز وجل – كان خمسة منهم دون العشرين من‬
‫أعمارهم‪ ،‬ويعجب القارىء لهذه السيرة كيف يصل هؤلء إلى هذه المنزلة‬
‫وكانوا ل يزالون في ريعان شبابهم ربما كان بعضهم ليس في وجهه شعرة‬
‫واحدة‪.‬‬
‫وكثير من أوائل السابقين الذين اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم وثبتوا على‬
‫السلم في مكة كانوا من الشباب‪ ،‬ومن هؤلء‪ :‬سعد بن أبي وقاص والزبير‬
‫بن العوام وسعيد بن زيد وخباب والرقم ابن الرقم وعبدالله بن مسعود –‬
‫رضي الله عنهم‪ -‬وغيرهم كثير كانوا من هؤلء‪.‬‬
‫وكذلك كان المر في المدينة فأول من أسلم منهم كان غلما ً صغيرا ً اسمه‬
‫إياس بن معاذ‪ ،‬كما روى ذلك محمود بن لبيد ‪ -‬رضي الله عنه – قال‪ :‬لما‬
‫قدم أبو الحيسر أنس بن رافع مكة ومعه فتية من بني عبد الشهل‪ ،‬فيهم‬
‫إياس بن معاذ‪ ،‬يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج‪ ،‬سمع‬
‫بهم رسول الله ‪ r‬فأتاهم فجلس إليهم‪ ،‬فقال لهم‪" :‬هل لكم إلى خير مما‬
‫جئتم له؟" قالوا‪ :‬وما ذاك؟ قال‪" :‬أنا رسول الله‪ ،‬بعثني إلى العباد أدعوهم‬
‫إلى أن يعبدوه ول يشركوا به شيئًا" ثم ذكر لهم السلم وتل عليهم القرآن‪،‬‬
‫فقال‪ :‬إياس بن معاذ‪ :‬يا قوم‪ ،‬هذا والله خير مما جئتم له‪ .‬فأخذ أبو الحيسر‬
‫حفنة من البطحاء‪ ،‬فضرب وجهه بها‪ ،‬وقال‪ :‬دعنا منك‪ ،‬فلعمري لقد جئنا لغير‬
‫هذا‪ ،‬فسكت وقام وانصرفوا‪ ،‬فكانت وقعة بعاث بين الوس والخزرج‪ ،‬ثم لم‬
‫يلبث إياس بن معاذ أن هلك‪.‬‬
‫قال محمود بن لبيد‪ :‬فأخبرني من حضره من قومه أنهم لم يزالوا يسمعونه‬
‫يهلل الله ويكبره ويحمده ويسبحه‪ ،‬فكانوا ل يشكون أنه مات مسلمًا‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وحين جاء أولئك الذين اتبعوا مصعب رضي الله عنه إلى بيعة العقبة وهم‬
‫صفوة النصار اجتمعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وجاء العباس وهو‬
‫على دين قومه ليطمئن على صدق هؤلء الذين سينتقل إليهم ابن أخيه صلى‬
‫الله عليه وسلم تفرس العباس في وجوه القوم فقال ‪":‬هؤلء ل نعرفهم‪،‬‬
‫هؤلء أحداث"‪.‬‬
‫إذا فأهل الكهف الذين ذكر الله خبرهم وأعلى شأنهم كانوا شبابا ً وفتية‪ ،‬قال‬
‫الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الية ‪":‬فذكر تعالى أنهم فتية‬
‫وهم الشباب‪ ,‬وهم أقبل للحق وأهدى للسبيل من الشيوخ الذين قد عتوا‬
‫وانغمسوا في دين الباطل‪ ,‬ولهذا كان أكثر المستجيبين لله تعالى ولرسوله ‪r‬‬
‫شبابًا‪ ,‬وأما المشايخ من قريش‪ ,‬فعامتهم بقوا على دينهم ولم يسلم منهم إل‬
‫القليل‪ .‬وهكذا أخبر تعالى عن أصحاب الكهف أنهم كانوا فتية شبابًا"‪.‬‬
‫إن هذا يعني أن الصحوة التي تعم أرجاء العالم السلمي في عرضه وطوله‬
‫حين قامت على الشباب ليست ظاهرة شاذة كما يحلو للبعض أن يصوروا‬
‫ذلك‪ ،‬ويروا أنها إنما قامت على هؤلء السذج بادي الرأي‪ ،‬فأصحاب هذه‬
‫المقالة التي يرددونها اليوم متفقون مع قوم نوح الذين قالوا )ما نراك اتبعك‬
‫إل الذين هم أراذلنا بادي الرأي(‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ثانيًا‪ :‬إن كون أهل الكهف شبابا ً وفتية يعطي درسا ً مهما ً وتساؤل نطرحه‬
‫ونحن نعيش أزمة في عالم الشباب الذين يتعلقون بالمجاد والبطولت‪،‬‬
‫فلماذا يتعلق أبناء المسلمين اليوم بالمجاد الزائفة والبطولت الزائفة التي‬
‫يصنعها العداء؟ أو تكون نتائج إغراق المة في لهو وعبث فارغ ل يعدو أن‬
‫يفرغ قضية المة الكبرى والساس من مضمونها ليخرج جيل تتعلق البطولة‬
‫والمجاد لديه بتوافه المور‪ ،‬أليس اليوم الشباب في العالم السلمي وهم‬
‫يعيشون هذه الزمة بحاجة إلى أن يبرز أمامهم هذا النموذج وهذا البديل؟‬
‫ويتساءل المعلم اليوم بمرارة وأسى‪ :‬أيعرف شباب المسلمين عن شأن أهل‬
‫الكهف وعن شأن أصحاب الخدود وعن شأن الشباب أصحاب النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم كما يعرفون عن أهل الفن واللهو والعبث الباطل الزائل؟ إن‬
‫الجابة عن هذا التساؤل إجابة مرة‪ ،‬وهي تطرح مطلبا ً وتساءل ً ملحا ً لكل من‬
‫وله الله مسؤولية في تربيةٍ وتوجيه‪ ،‬إن المة أجمع‪..‬إن المة اليوم والشباب‬
‫بوجه أخص يعانون من أزمة القدوة وهاهو البديل إن كنا جادين وصادقين‪،‬‬
‫فلماذا ل تبرز هذه النماذج للشباب على أنهم المثل العلى ؟ إذا كان الشباب‬
‫يبحثون عن البطولت والنجاز والمجاد فها هو إنجاز وها هو مجد أولئك‬
‫الشباب الذين يستعلون على شهواتهم وعلى رغبات الدنيا ويستعلون على‬
‫الفتن التي تأتيهم من هنا ومن هناك؛ فيعلنون إيمانهم بالله عز وجل‪ ،‬أيقارن‬
‫هذا المجد بأمجاد هذه الدنيا الزائفة التي يتطلع إليها الشباب اليوم ‍‬
‫؟‬
‫إنك حين تسأل شباب المة اليوم عن قدوتهم وعن مثلهم العلى وعن‬
‫الشخصية التي يتمنون أن يصلوا إليها وعن أمنيتهم في الحياة تدرك المرارة‬
‫والسى والحاجة الملحة إلى مثل هذا النموذج الذي ل يتطرق إليه الشك ول‬
‫الكذب إنه نموذج يعرضه أمامنا كتاب الله عز وجل‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬إن ارتباط هذه القضية بالشباب تعطي الشاب المسلم المعاصر ثقة‬
‫بنفسه وثقة بطريقه ويشعر ‪-‬وهو يسير على طريق يخالفه الناس من هنا‬
‫وهناك‪ -‬أن له امتدادا بعيدا ً يتجاوز هذه الحقبة الزمنية التي يعيشها‪ ،‬ليدخل‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ضمن هذه الدائرة الشباب الصادقون من سلف المة‪ ،‬والشباب الصادقون‬


‫من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم بل يتجاوز تاريخ المة المحمدية ليشمل‬
‫تاريخ تلك المم ‪ ،‬أمة التوحيد منذ أن أهبط الله عز وجل آدم إلى أن تقوم‬
‫الساعة فيشعر الشاب حين إذن بالعتزاز وهو ينتمي إلى هذا المنهج‪ ،‬يشعر‬
‫بالعتزاز وهو يرى أنه ل يعيش غربة وأنه ل يعيش حالة شاذة وإن بدا من‬
‫خلل النظرة القريبة التي يعيشها وينظر إليها‪.‬‬
‫إنه حين يقرأ كتاب الله عز وجل ويرى هذا النموذج البعيد على تلك القرون‬
‫المتطاولة على مدى التاريخ يدرك أن له إخوة ساروا على الطريق نفسه‪،‬‬
‫وهذا يدعوه إلى الثبات والثقة بالطريق الذي هو عليه ولسان حال تفكيره‬
‫وهو يقرأ هذه النماذج "لست وحدك في الميدان ولست وحدك على الطريق‬
‫وإن أصابك ما أصابك وإن رأيت ما رأيت"‪.‬‬
‫إنه طريق طويل يتجاوز مدى الزمان‪ .،‬ويتساءل أين الشباب العابثون اللهون‬
‫الساهون الذين متعوا أنفسهم بالشهوات؟ وأين أولئك الشباب الذين لم‬
‫يستطيعوا أن يتجاوزوا أسر عصرهم وزمانهم أين هم على مدى التاريخ؟ ماذا‬
‫حفظ التاريخ عنهم؟ وماذا سطر من أخبارهم وأحوالهم؟ أما هؤلء –أهل‬
‫الكهف‪ -‬فهاهم على مدى التاريخ‪ ،‬يتحدث الناس ويتساءلون عنهم‪ ،‬عن‬
‫أسمائهم‪ ،‬عن اسم ذلك الكلب الذي صحبهم‪ ،‬أين الكهف الذي عاشوا فيه؟‬
‫إلى آخر تلك التساؤلت ‪-‬وإن كانت طائفة من هذه التساؤلت مما لينبغي‬
‫الشتغال به‪ -‬إل أن هذا يعني أن أولئك حفظ شأنهم وبقي وبقيت قيمتهم وما‬
‫عند الله عز وجل لهؤلء وغيرهم من المؤمنين الصادقين أعلى وأتم من هذا‬
‫الذكر الذي بقي في الدنيا ‪.‬‬
‫الوقفة الثانية‪ :‬اليمان يعلي شأن صاحبه‪:‬‬
‫إن اليمان والدين يرفع المرء مراتب ويتجاوز العتبارات التي يضعها الناس‬
‫لدنياهم‪ ،‬ماذا يعني فتية من الشباب‪ ،‬فتية خالفوا قومهم ‪ -‬وشذوا بمنطق‬
‫قومهم – عما هم عليه فذهبوا إلى غار فاختبؤوا فيه مدة طويلة ثم بعد ذلك‬
‫ماتوا؟ لقد أعلى الله شأنهم‪ ،‬وأثنى عليهم‪ ،‬وشهد لهم باليمان وزيادة الهدى‬
‫فهكذا اليمان والصلة بالله عز وجل‪ ،‬إنها تتجاوز كل العتبارات التي ُيعليها‬
‫الناس اليوم من الجاه والنسب والمال وسائر المطامع‪،‬يتجاوز هذا كله لتبقى‬
‫هي الرصيد الذي ل يزول ول يفنى‪.‬‬
‫الوقفة الثالثة‪ :‬النعي على مشركي قريش‪:‬‬
‫لقد بدأ الله تبارك تعالى الحديث عنهم بوصفهم باليمان )آمنوا بربهم‬
‫وزدناهم هدى(‪ ،‬وهذا فيه إشارة وإيماء للمشركين الذين لم يؤمنوا وجاءوا‬
‫يتساءلون عن أهل الكهف ما شأنهم؟ حدثنا عن فتية كانوا في غابر الزمان ؟‬
‫إنهم مؤمنون ومهتدون وأنتم ما شأنكم ؟ أنتم كفرتم بربكم وأعرضتم‬
‫واستكبرتم عن اتباع أمره‪.‬‬
‫الوقفة الرابعة‪ :‬للهداية أسباب‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫قال عز وجل ‪):‬إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى( إنها قضية مهمة كثيرا ما‬
‫يشير إليها القرآن وقد نغفل عنها أل وهي‪ :‬أن اليمان والعمل الصالح سبب‬
‫للهداية والتوفيق‪ ،‬كما قال تبارك وتعالى في آية أخرى )ولو أنهم فعلوا ما‬
‫يوعظون به لكان خير لهم وأشد تثبيتا ً وإذا لتينهم من لدنا أجر عظيما‬
‫ولهديناهم صراطا مستقيما( ‪ ،‬وقال‪) :‬والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا(‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪،‬وقال )والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم(‪ ،‬وقال‪) :‬والذين قتلوا في‬
‫سبيل الله ‪-‬وفي قراءة أخرى قاتلوا في سبيل الله‪ -‬فلن يضل أعمالهم‬
‫سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم(‪ ،‬فالهداية والتوفيق من الله‬
‫عز وجل لها أسباب‪ ،‬ومن أعظم أسباب الهداية والتوفيق اجتهاد المرء في‬
‫العمل الصالح واليمان وتقوى الله عز وجل‪.‬‬
‫وكما أن للهداية أسبابًا‪ ،‬فللثبات عليه –وذلك من تمام الهتداء أسباب‪ -‬وهو‬
‫معنى نحن أحوج ما نكون إليه في هذا العصر الذي أصبحنا نرى الناس‬
‫يتهاوون صرعا ً على جنبات الطريق ذات اليمين وذات الشمال ويتيهون‬
‫ويضلون‪ ،‬والحديث اليوم الذي يسيطر على كثير من الشباب الصالحين‬
‫الخيار هو السؤال عن الثبات والهداية‪ ،‬وتأتي الجابة هاهنا )إنهم فتية آمنوا‬
‫بربهم فزدناهم هدى‪ .‬وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات‬
‫والرض‪ .‬لن ندعو من دونه إلها ً لقد قلنا إذا شططًا( فقلوب العباد بين‬
‫إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء‪ ،‬والمر أول وآخرا ً بيد الله تبارك‬
‫وتعالى مقلب القلوب‪ ،‬فالثبات بإذن الله‪ ،‬والتوفيق والربط على القلوب إنما‬
‫هو بيده عز وجل‪ ،‬وقد جعل الله لذلك أسبابًا‪ ،‬فحين يشعر الشاب اليوم أن‬
‫الفتن بدأت تتناوشه ذات اليمين وذات الشمال‪ ،‬ويشعر بالخوف والخطر‬
‫على إيمانه ‪ -‬وينبغي أن يشعر بهذا الشعور‪ -‬فعليه أن يدرك أن الله عز وجل‬
‫هو الذي يربط على قلوب المؤمنين الصادقين‪ ،‬ومتى؟ حين يفعلون السبب‪.‬‬
‫الوقفة الخامسة‪ :‬عظم شأن التوحيد‪:‬‬
‫لقد قال أهل الكهف)ربنا رب السموات والرض( فهذا توحيد الربوبية‪ ،‬وذكروا‬
‫توحيد اللوهية بقولهم )لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا( إنها دعوة‬
‫واحدة‪ :‬دعوة التوحيد‪ ،‬وهي دعوة النبياء )ولقد بعثنا في كل أمة رسول أن‬
‫اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت(‪ ،‬وما أرسل الله عز وجل من رسول إل أوحى‬
‫إليه تبارك وتعالى هذه الكلمة‪ ،‬أوحى إليه‪) :‬ل إله إل أنا فاعبدون(‪ ،‬وكما قال‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ":‬نحن معاشر النبياء وأولد علت أو إخوة لعلت"‪،‬‬
‫فقضية التوحيد هي قضية النبياء منذ آدم ونوح وهود وصالح كل هؤلء ومن‬
‫تلهم ومن لم يقص الله علينا شأنهم كانت مقولتهم لقومهم )اعبدوا لله‬
‫مالكم من إله غيره( وهي أيضا مقولة أهل الكهف الفتية الذين آمنوا بالله‬
‫وزدناهم هدى‪.‬‬
‫والتوحيد هاهنا الذي يأخذ هذا القدر والمنزلة بمفهومه الواسع‪ ،‬وليس‬
‫بالمفهوم الضيق الذي يحصره طائفة من الناس في دائرة ضيقة في قضايا‬
‫معرفية بحتة‪ .‬إن كثيرا ً من المسلمين اليوم يشعرون أن من الخلل بالتوحيد‬
‫أن يقول أحدهم ماشاء الله وشئت‪ ،‬أو يقول لول الله وفلن وهذه أمور ينبغي‬
‫ذر منها الناس‪ ،‬لكن بعض من يحذر من قول ما شاء الله وشئت قد‬ ‫أن ُيح ّ‬
‫يقول في الثناء على مخلوق ‪ -‬بلسان الحال ل بلسان المقال‪ :-‬ماشئت‬
‫ً‬
‫ماشاءت القدار فاحكم فأنت الواحد القهار‪ ،‬إن أهل التوحيد ل يليق أبدا أن‬
‫يكون في قلوبهم تعظيم لغير الله عز وجل‪ ،‬ول أن تمتليء قلوبهم إل بالتوجه‬
‫إلى الله تبارك وتعالى‪ ،‬وأولئك الذين تعلقوا بالدنيا وتعلقوا بالشهوات وصارت‬
‫هي الحاكم لكل ما يريدون أولئك الذين تمثل قضية الدنيا كل شيء لديهم‬
‫ينبغي أن يراجعوا توحيدهم‪.‬‬
‫إنهم لو عظموا الله ووحدوا الله عز وجل‪ ،‬ولو امتلت قلوبهم بتوحيد الله‬
‫تبارك وتعالى وتعظيمه لما تجرأوا على ذلك‪ ،‬وأولئك الذين يتجرأون على‬
‫شرع الله عز وجل فيحرم الله أمرا ً تحريما ً صريحا ً واضحا ً ثم يتجرؤون على‬
‫إباحته على رؤوس الشهاد‪ ،‬أولئك ما قدروا الله حق قدره‪ ،‬وما وحدوا الله‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عز وجل حق توحيده‪.‬‬


‫ً‬
‫لقد جاء المر بالحكم بشرع الله قرينا للمر بعبادته )إن الحكم إل لله أمر أل‬
‫تبعدوا إل إياه( فكما أن المسلم ل يصلي ول يسجد إل لله عز وجل‪ ،‬فهو‬
‫كم إل شرع الله تبارك وتعالى‪ ،‬والفصل بينهما خلل في التوحيد‪،‬‬ ‫كذلك ل يح ّ‬
‫إذا فقد كانت قضية التوحيد هي قضية أهل الكهف‪ ،‬كما كانت قضية النبياء‬
‫من قبلهم‪.‬‬
‫الوقفة السادسة‪ :‬عظم شأن الدعاء‪:‬‬
‫فقد سمى الله عز وجل الدعاء عبادة‪ ،‬كما قال إبراهيم عليه السلم‬
‫)وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وادعوا ربي عسى أن ل أكون بدعاء ربي‬
‫شقيا‪ .‬فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله( فسماه الله عز وجل عبادة‪،‬‬
‫وفي آية أخرى )وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن‬
‫عبادته سيدخلون جهنم داخرين( وقال صلى الله عليه وسلم "الدعاء هو‬
‫العبادة"‪.‬‬
‫لماذا كان الدعاء هو العبادة؟ ولماذا صار الدعاء قرين التوحيد؟‬

‫)‪(4 /‬‬

‫حين يدعو المرء غير الله فهذا يعني أنه يرجو غير الله‪ ،‬ويعني أنه يعظم غير‬
‫الله عز وجل‪ ،‬ويعني أنه يشعر أن قضيته بيد فلن أو فلن‪ ،‬أما أولئك الذين‬
‫دعاؤهم لله عز وجل خالصا ً لوجهه فهم ل يرون لمخلوق عليهم فض ً‬
‫ل‪ ،‬ول‬
‫ل‪ ،‬ول يخافون من أحد غير‬ ‫يرون لبشر عليهم مّنة‪ ،‬ول يرجون من مخلوق نوا ً‬
‫الله‪ ،‬وقد قال صلى الله عليه وسلم‪":‬إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت‬
‫فاستعن بالله‪ ،‬واعلم أن المة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك‬
‫إل بشيء قد كتبه الله لك‪ ،‬ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك‬
‫إل بشيء قد كتبه الله عيك"‪.‬‬
‫الوقفة السابعة‪ :‬حول الدليل والبرهان‪:‬‬
‫لقد طالب أهل الكهف قومهم بسلطان وحجة )هؤلء قومنا اتخذوا من دونه‬
‫آلهة لول يأتون عليهم بسلطان مبين( ذلك أن الدليل والحجة والبرهان منطق‬
‫مهم ينبغي دائما أن يحكم ما نقول في كل قضية؛ فالحق أبلج والباطل لجلج‪،‬‬
‫إن أولئك الذين يستخدمون أسلوب الثارة والتهويل وإصدار الحكام الجاهزة‬
‫يفرون من منطق الحجة والبرهان ول يخشى الدليل والبرهان والحجة ول يفر‬
‫من الحوار إل أولئك الذين ل يملكون ما يقدمون ول يستطيعون أن يقنعوا‬
‫الناس بقضيتهم‪.‬‬
‫إن الله عز وجل دعا أولئك الذين تجرؤوا على الشرك فقال )ائتوني بكتاب‬
‫من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين( ‪ ،‬ودعا أولئك الذين نسبوا‬
‫الولد إلى الله عز وجل أن يأتوا ببرهان أو حجة‪ ،‬ونعى تبارك وتعالى على‬
‫أولئك الذين يسيرون ويتبعون كل ناعق‪ ،‬وما جاء التقليد في موضع القرآن إل‬
‫موضع الذم والنعي‪ ،‬بل جاء التشبيه لولئك الذين يسيرون خلف كل ناعق‬
‫بالدواب )ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما ل يسمع إل دعاء ونداء صم‬
‫بكم عمي( إنهم الراعي حينما يسير بغنمه فهو ينعق بها ويصيح بها فالغنم‬
‫تسمع صوت الراعي ولكن ل تفقه ما يقول‪ ،‬تسمعه يدعوها فتسير وراءه‪.‬‬
‫إن هذا المنهج ينبغي أن يسود في دعوتنا وأن تتربى عليه المة‪ ،‬وليس من‬
‫مصلحة المة أن يغيب عنها الوعي أو أن تكون أمة مغفلة كالقطيع‪.‬‬
‫الوقفة الثامنة‪ :‬الصلة بالله عز وجل‪:‬‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لقد اعتزل أهل الكهف أقوامهم‪ ،‬ولجؤوا إلى الله وحده‪ ،‬وهم بذلك يرسمون‬
‫لمن بعدهم منهجا ً وطريقا ً لغنى لهم عنه‪ ،‬إنه الصلة بالله تبارك وتعالى‪.‬‬
‫وهاهو هذا الدرس نتلقاه من قصة موسى عليه السلم في سورة القصص‬
‫)وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن المل يأتمرون بك‬
‫ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين فخرج منها خائفا ً يترقب قال رب نجني‬
‫من القوم الظالمين‪ .‬ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهدني إلى‬
‫سواء السبيل( ثم لما أوى إلى الظل قال )رب إن لما أنزلت إلى من خير‬
‫فقير(‪.‬‬
‫وحين ذكر الله تبارك وتعالى طائفة من أخبار النبياء في سورة النبياء قال‬
‫عنهم‪) :‬إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا‬
‫خاشعين( فحري بالدعاة أن ل تغيب عنهم هذه القضية في كل موقف وفي‬
‫كل حين‪.‬‬
‫والمؤمن الموصول بالله يجد الطمأنينة والسكينة في كل ما يواجهه‪ ،‬فحينما‬
‫أمر الله موسى عليه السلم أن يذهب إلى فرعون قال )ربنا إننا نخاف أن‬
‫يفرط علينا أو أن يطغي‪ .‬قال ل تخافا إنني معكما أسمع وأرى(‬
‫الوقفة التاسعة‪ :‬بذل السباب يعين على الثبات‪:‬‬
‫لقد أكرم الله تبارك وتعالى هؤلء الفتية ووفقهم للثبات على دينه‪ ،‬بعد أن‬
‫صدقوا مع الله وبذلوا السباب‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ .1‬أنهم آمنوا بالله عز وجل إيمانا ً صادقًا‪ .2 .‬لما رأوا أن بقاءهم مع قومهم‬
‫قد يكون سببا ً لفتنتهم تركوا قومهم وأووا إلى الكهف فرارا ً بدينهم‪ .3 .‬حين‬
‫بعثوا أحدهم ليأتي بالطعام‪ ،‬أمروه بالحذر حتى ليشعر بهم قومهم فيردوهم‬
‫)إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدًا(‪.‬‬
‫إذن فالمسلم حتى يثبته الله يحتاج أن يبذل السباب‪ ،‬وأن يجتهد فيبتعد عن‬
‫مواقع الفتن ويحذر منها‪ ،‬ثم يكل أمره إلى الله‪ ،‬أما الذي يرمي نفسه في‬
‫اليم ويسأل الله الثبات فهذا لم يعمل السبب الذي يستحق من أجله أن‬
‫يوّفق ويعان‪.‬‬
‫الوقفة العاشرة‪ :‬حفظ الله لهم‪:‬‬
‫حين ذهب الفتية وغادروا قومهم رأوا كهفا فأووا إليه‪ ،‬ووصف الله حالهم فيه‬
‫بقوله )وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت‬
‫تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو‬
‫المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم وليا مرشدًا‪ .‬وتحسبهم أيقاظا ً وهم رقود‬
‫ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت‬
‫عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبًا( لقد حفظهم الله عز وجل‬
‫وحماهم بأمور عدة‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ألول‪ :‬أن جاءوا إلى هذا الكهف فالشمس إذا طلعت تزاور عنهم ذات اليمين‬
‫وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال فاختير لهم هذا الموطن وهذا الكهف‪ ،‬وقد‬
‫قال الحافظ ابن كثير عنه "فهذا فيه دليل على أن باب هذا الكهف كان من‬
‫نحو الشمال‪ ,‬لنه تعالى أخبر أن الشمس إذا دخلته عند طلوعها تزاور عنه‬
‫)ذات اليمين( أي يتقلص الفيء يمنة‪ ,‬كما قال ابن عباس وسعيد بن جبير‬
‫وقتادة )تزاور( أي تميل‪ ,‬وذلك أنها كلما ارتفعت في الفق تقلص شعاعها‬
‫بارتفاعها حتى ل يبقى منه شيء عند الزوال في مثل ذلك المكان‪ ,‬ولهذا‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال‪) :‬وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال( أي تدخل إلى غارهم من شمال‬
‫بابه‪ ,‬وهو من ناحية المشرق‪ ,‬فدل على صحة ما قلناه‪ ,‬وهذا بين لمن تأمله‬
‫وكان له علم بمعرفة الهيئة وسير الشمس والقمر والكواكب‪ ,‬وبيانه أنه لو‬
‫كان باب الغار من ناحية الشرق لما دخل إليه منها شيء عند الغروب‪ ,‬ولو‬
‫كان من ناحية القبلة لما دخله منها شيء عند الطلوع ول عند الغروب‪ ,‬ول‬
‫ل‪ ,‬ولو كان من جهة الغرب لما دخلته وقت الطلوع‬ ‫تزاور الفيء يمينا ً ول شما ً‬
‫بل بعد الزوال‪ ,‬ولم تزل فيه إلى الغروب‪ ,‬فتعين ما ذكرناه‪ ,‬ولله الحمد"‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنهم أصبحوا يقلبون ذات اليمين وذات الشمال حتى ل تبلى‬
‫أجسادهم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنهم ألقي عليهم الرعب بحيث لو رآهم أحد لفر منهم ورعب‪.‬‬
‫إنه حفظ الله تبارك وتعالى لوليائه‪ ،‬فقد حفظهم من حيث ل يحتسبون ومن‬
‫حيث ل يشعرون‪ ،‬فَأمر الله فوق ما يفكر فيه البشر‪ ،‬لقد كان من المحتمل‬
‫أن يناموا تحت شجرة‪ ،‬أو في كهف في جهة المشرق‪ ،‬أو في جهة المغرب‪،‬‬
‫وما كان يدور في بال أحدهم أبدا ً أنهم سينامون هذه القرون والسنين‬
‫الطويلة؛ فاختار الله لهم أمرا ً لم يدر في بالهم‪.‬‬
‫الوقفة الحادية عشرة‪ :‬سنة الله في السباب والنتائج‪:‬‬
‫تتجلى في هذا الحدث عظمة قدرة الله تبارك وتعالى –ومع ذلك فهؤلء‬
‫ليسوا بأعجب آيات الله‪ -‬فقد بقى هؤلء نائمين ثلثمائة سنة‪ ،‬واختار لهم‬
‫تبارك وتعالى هذا الكهف الذي مضت صفته‪ ،‬إن الله تبارك وتعالى قادر على‬
‫أن يحفظهم ولو ناموا في مكان غيره‪.‬‬
‫لكن سنته تبارك وتعالى أن قدره يسير وفق أسباب طبيعية‪ ،‬ثم قد تأتي‬
‫الخوارق بعد ذلك‪ ،‬وهذا فيه تربية للمة؛ ذلك أنه حين يتعلق الجيل بالخوارق‬
‫يبقى جيل ً غير عامل‪ ،‬وجيل ً ل يحمل المسؤولية‪.‬‬
‫وحينما نقول للجيل‪ :‬إن الله سينصر دينه وسيتم كلمته يجب أن نقول إن‬
‫النصر والتمكين ل يكون إل على أعتاب التضحيات والبذل والجهد‪ ،‬فها هي‬
‫مريم حين جاءها المخاض إلى جذع النخلة أوحى الله إليها )وهزي إليك بجذع‬
‫النخلة تساقط عليك رطبا ً جنيا(‪ ،‬هل يستطيع أحد أن يهز جذع النخلة فيسقط‬
‫عليه الرطب فضل ً عن امرأة تعيش في حالة الوضع؟‬
‫وفي قصة أصحاب الخدود حين جاء الغلم ورأى الناس قد وقفوا‪ ،‬والدابة قد‬
‫سدت الطريق‪ ،‬فدعا الله عز وجل قائل ً "اللهم إن كان دين الراهب أحب‬
‫إليك من دين الساحر فاقتل هذه الدابة على يدي" وأخذ حجرا ً فرماها به‬
‫فقتلها الحجر‪ ،‬إن الناس ليسوا عاجزين عن رمي الدابة بالحجر حتى يأتي هذا‬
‫الغلم ويرميها‪ ،‬وحين دعا ربه فعل السبب‪ ،‬والمر بيد الله عز وجل أول ً‬
‫وآخرًا‪.‬‬
‫إذن فسنة الله عز وجل أن يحفظ أولياءه‪ ،‬وأن يحفظهم من حيث ل‬
‫يحتسبون‪ ،‬وأن يجري ذلك وفق السنن الطبيعية‪ ،‬ثم قد تأتي الخوارق بعد‬
‫ذلك‪.‬‬
‫الوقفة الثانية عشرة‪ :‬مع اليائسين من النصر‪:‬‬
‫إن شأن أهل الكهف كما ذكر تبارك وتعالى ليس بأعجب آيات الله )أم‬
‫حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا( ‪ ،‬أين الناس اليوم‬
‫الذين سيطر عليهم اليأس وتخيلوا أن مستقبل الدعوة والصحوة بيد العداء‬
‫يفعلون ما يشاءون ويريدون‪.‬‬
‫ثمة فئات من الخيرين والصالحين الغيورين يشعرون أن مستقبل الدعوة‬
‫والصحوة بيد أعدائها‪ ،‬ويتمنون أن يتكرم هؤلء العداء ويتلطفون بأن يفّرجوا‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذه الزمة‪ ،‬وماذا ينتظر من أعداء المّلة غير هذا؟ولماذا نتصور أن قضية‬
‫الصحوة بيد أعدائها؟‪.‬‬
‫الوقفة الثالثة عشرة‪ :‬الصحبة الصالحة‪:‬‬
‫في هذه القصة درس مهم في أثر الصحبة الصالحة ودور ذلك في العانة‬
‫على الثبات‪ ،‬وتزداد الحاجة إليها خاصة في أوقات الفتن والمحن‪ ،‬أو في‬
‫الوقات التي يزيد فيها الفساد‪ ،‬كما كان الشأن لدى أهل الكهف‪.‬‬
‫بل قد ذكر المفسرون أن هذا الكلب الذي صحبهم استفاد الذكر الحسن‪،‬‬
‫فقد صار المفسرون يتحدثون عن شأنه واسمه ولونه –بغض النظر عن‬
‫الحاجة للخوض في ذلك‪.-‬‬
‫وأقوى من شأن الكلب وخبره دللة على أثر الصحبة الصالحة قول النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم لما ذكر الملئكة الذين يتتبعون مجالس الذكر قال‪:‬‬
‫فيصعدون إلى ربهم فيقول لهم كيف تركتم عبادي؟ فيقول‪ :‬تركناهم‬
‫يسبحونك ويحمدونك ويكبرونك‪ ،‬قال فماذا يسألونني ومم يستجيرون…‪.‬إلى‬
‫آخر الحديث ‪ ،‬وفيه فلما قال الله عز وجل ‪ :‬أبشركم أني قد غفرت لهم‬
‫قالوا‪ :‬فيه فلن بن فلن عبد خطاء‪ ،‬ليس منهم إنما جاء لحاجة فجلس‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫إن لم يأت ليجالسهم ويصاحبهم‪ ،‬فقد جاء يريد حاجة‪ ،‬فما شأن من جاء رغبة‬
‫منه وحبا ً للصالحين وإن كان خطاء مقصرًا‪.‬‬
‫الوقفة الرابعة عشرة‪ :‬النشغال بما يفيد وما يعني‪:‬‬
‫حين استيقظ الفتية تساءلوا‪) ،‬كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا‬
‫ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة( إنه سؤال من‬
‫الطبيعي أن يصدر منهم في هذا الوقت‪ ،‬فتساءلوا عنه‪ ،‬ثم أدركوا أن النقاش‬
‫في هذا المر ل يفيد‪ ،‬فهم أمام قضية يجب أن ينشغلوا بها ويعتنوا بشأنها‪،‬‬
‫فهم يحتاجون إلى الطعام فليذهب أحدهم إلى المدينة ويختار الطعام‬
‫المناسب ويأتي به‪.‬‬
‫وفي التعقيب على هذه القصة يقول تعالى ‪):‬سيقولون ثلثة رابعهم كلبهم‬
‫ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم‬
‫قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إل قليل فل تمار فيهم إل مراء ظاهرا ول‬
‫تستفت فيهم منهم أحدًا(‪.‬‬
‫ومع أن هذه اليات –بل السورة ‪ -‬تؤكد على النشغال بالقضايا الجادة‪ ،‬وترك‬
‫الجدل فيما ل يفيد إل أنك تجد من يستطرد في كلم أسمائهم ولون كلبهم‪،‬‬
‫واسم غارهم‪ ،‬مما لم يتعبدنا الله عز وجل به‪ ،‬إنما علينا أن نعتبر ونتعظ‪،‬‬
‫فالمر سيان والعبرة واحدة‪ ،‬سواء أكان الكهف هنا أم هناك‪.‬‬
‫والنشغال بهذه الجوانب التي استأثر الله بعلمها يصرف المرء عن الجانب‬
‫المهم أل وهو القتداء والتعاظ والعتبار‪.‬‬
‫الوقفة الخامسة عشرة‪ :‬لقد كانوا أثرياء‪:‬‬
‫حين استيقظ أهل الكهف أرسلوا أحدهم بالورق –وهو النقد من الفضة‪ -‬وهذا‬
‫استنبط منه بعض المفسرين أنهم أبناء طبقة ثرية‪ ،‬ويشهد لذلك أنهم اختاروا‬
‫الطعام الطيب‪ ،‬وهو في الغالب ل يختاره إل فئة اعتادت عليه وألفته‪ ،‬وليسوا‬
‫من الطبقة الفقيرة أو المعدمة‪ ،‬وهذا ل يعني هؤلء على أولئك‪.‬‬
‫لكن في القصة عجب‪ ،‬أل وهو أن هؤلء الذين يختارون الطعام الطيب‬
‫؟ لقد شعروا أن الرض ضاقت بهم فأووا إلى كهف خشن‬ ‫الزكي‪ ،‬أين أووا ‍‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ضيق قائلين )ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيىء لكم من أمركم مرفقًا( كأن‬
‫هذا الكهف أصبح واسعا ً رحبًا‪.‬‬
‫إنه دليل على عظم التضحية والبذل لدى هؤلء الفتية‪ ،‬وانظر إلى نموذج آخر‬
‫يتمثل في مصعب ابن عمير رضي الله عنه كان من أعطر فتيان مكة‪ ،‬وكان‬
‫صاحب ثراء ونعمة‪ ،‬وحين مات لم يجدوا شيئا ً يكفنونه به إل بردة‪ ،‬هي كل ما‬
‫يملك‪ ،‬ومع ذلك فهذه البردة لم تكن كافية لتغطي جسده كله‪ ،‬يصفها‬
‫عبدالرحمن بن عوف ‪ -‬رضي الله عنه – بقوله‪ :‬إن غطينا رأسه بدت قدماه‪،‬‬
‫وإن غطينا قدميه بدا رأسه‪.‬‬
‫إن الدين واليمان يدفع صاحبه للتضحية‪ ،‬والمر ليعني بالضرورة أن يذهب‬
‫النسان ليبحث عن حياة الشقاء والنكد‪ ،‬لكن حين يتطلب المر ذلك فليكن‬
‫على استعداد لهه‬
‫الوقفة السادسة عشرة‪ :‬الحذر فيما يستوجب ذلك‪:‬‬
‫حين أرسل الفتية صاحبهم إلى القرية أمروه بالحذر والتوقي قائلين له‬
‫)وليتلطف ول يشعرن بكم أحدًا( معللين ذلك بقولهم )إنهم إن يظهروا عليكم‬
‫يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدًا(‪.‬‬
‫وأشار الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله إلى هذا المعنى فقال‪" :‬ومنها‬
‫‪-‬فوائد القصة‪-‬الحث على التحرز والستخفاء والبعد عن مواطن الفتن في‬
‫الدين واستعمال الكتمان في ذلك على النسان وعلى إخوانه في الدين"‪.‬‬
‫وفي ذلك دروس أولها‪ :‬أن المسلم ينبغي له أن يفر من الفتن ويبتعد‬
‫عنها‪،‬فإذا جاءت صبر وثبت‪ ،‬ول يجوز له يبحث عن الفتنة ويسعى إليها؛ فذلك‬
‫دليل على ثقة النسان بنفسه واتكاله عليها‪ ،‬وهذا قد يكون سببا لن يوكل‬
‫النسان إلى نفسه‪ ،‬وإذا وكل إلى نفسه ضاع‪.‬‬
‫وفي قصة أصحاب الخدود قال الراهب للغلم‪ :‬إنك ستبتلى فإن ابتليت فل‬
‫تدل علي‪ ،‬لكن لما عذب الغلم لم يستطع الكتمان فدل على الراهب‪ ،‬حينها‬
‫ثبت الراهب‪ ،‬والغلم حين عذب ولم يستطع دل على الراهب‪ ،‬لكنه عذب‬
‫على دينه فما تركه وما تخلى عنه‪.‬‬
‫والفتنة قد لتكون تعذيبا وإيذاء ‪ ،‬بل سائر فتن الشهوات والشبهات يشرع‬
‫للمسلم أن يفر منها فحين تقع فليثبت وليصبر‪.‬‬
‫لكن الفرار من الفتن ل يجوز أن يدعو المرء إلى أن يرتكب ما حرم الله‪ ،‬أو‬
‫يدع ما أوجبه والنظرة المتكاملة لهذه القضية تمنع النسان من الشطط هنا‬
‫أو هناك‪ ،‬من الغلو في النظرة إلى الجانب الخر وثقته وإفراطه بنفسه أو‬
‫من الغلو من مسألة الفرار من الفتن فيرتكب من الحرام مال يسوغ له‬
‫بحجة الفرار من الفتن‪.‬‬
‫الوقفة السابعة عشرة‪ :‬الشح بالدين والحرص عليه‪:‬‬
‫لقد كان الفتية حريصين على دينهم وشحيحين به‪ ،‬لذا فروا من قومهم‬
‫واختفوا في هذا الكهف‪ ،‬وأرسلوا واحدا ً فقط من أصحابهم ليكون أبلغ في‬
‫التخفي‪ ،‬وأوصوه بالتلطف والحذر‪ .‬والحرص على الدين والشح به مما عده‬
‫الحافظ البيهقي من شعب اليمان‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫فينبغي للمسلم أن يشح بدينه‪ ،‬وأن يكون حريصا عليه‪ ،‬والمر ليقف عند‬
‫هذه الصورة القريبة فقط‪ ،‬فالشاب الذي يشعر أن التطلع إلى صورة عارية‪،‬‬
‫أو إلى مجال فيه سفور وتبرج‪ ،‬أوصحبة لفلن من الناس‪ ،‬الذي يشعر أن هذا‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قد يسبب له فتنة في دينه فشحه بدينه وحرصه عليه ينبغي أن يدفعه ترك‬
‫هذه المؤثرات والبعد عنها‬
‫الوقفة الثامنة عشرة‪ :‬العواقب ل يعلمها إل الله‪:‬‬
‫لقد كان هؤلء الفتية يحذرون من عثور قومهم عليهم‪ ،‬ويعتقدون أن هذا المر‬
‫ليس خيرا ً لهم‪ ،‬لكن حين عثر عليهم قومهم صار المر غير ذلك؛ فالعواقب ل‬
‫يعلمها إل الله‪.‬‬
‫إن الواجب على المسلم أن يأخذ السباب ويتعامل مع المور الظاهرة‬
‫الواضحة‪ ،‬ثم يكل المر إلى الله ويسلمه إليه‪ ،‬فكثيرا ً ما يحرص المرء على‬
‫أمر عاقبته ليست خيرا ً له‪ ،‬أو يقلق على ما تكون عاقبته حميدة من حيث ل‬
‫يشعر‪ ،‬كما قال عز وجل ‪):‬وعسى أن تكرهوا شيئا ً وهو خير لكم وعسى أن‬
‫تحبوا شيئا ً وهو شر لكم( وقال‪) :‬فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ً‬
‫ويجعل الله فيه خيرا ً كثيرًا(‪.‬‬
‫وهاهو سراقة بن مالك لما لحق النبي ‪ r‬وصاحبه وهما مهاجرين‪ ،‬خشي أبو‬
‫بكر ‪ -‬رضي الله عنه – من لحوقه بهم‪ ،‬وكان يتمنى أل يدركهم‪ ،‬لكن حين‬
‫أدركهم أصبح يصد الناس عنهم؛ فمن لقيه في طريقه قال له‪ :‬لقد كفيتم ما‬
‫هاهنا‪ ،‬فكان أول النهار طالبا لهم عين لهم وآخر النهار صادًا؛ فصار لحوقه‬
‫بهم خيرا ً لهم في حين كانوا يظنون خلفه‪.‬‬
‫والنموذج الخر في صلح الحديبية‪ ،‬فقد اعترض المسلمون على شروط‬
‫الصلح‪ ،‬وأشد ما اعترضوا عليه منه‪ :‬اشتراط إعادة من فر من المسلمين‬
‫إلى المشركين‪ ،‬وثبت فيما بعد أن هذا الصلح كان خيرا ً للمسلمين‪ ،‬وكان هذا‬
‫الشرط بالخص خيرا ً للمستضعفين من المسلمين وسببا ً في نجاتهم‪ ،‬وجاء‬
‫المشركون يطلبون من النبي ‪r‬ملحين عليه أن يتنازل عن هذا الشرط‪.‬‬
‫والنموذج الثالث في قصة عائشة رضي الله عنها حينما قذفت بالفرية‬
‫العظيمة‪ ،‬ولم يدر في خلدها رضي الله عنها أن المر خير لها‪ ،‬بل لم يكن‬
‫أحد يظن أن قذف عائشة رضي الله عنها ستكون عاقبته خيرا لها‪.‬‬
‫ثم نزلت براءتها في آيات تتلى إلى يوم القيامة‪ ،‬وفيها قوله تعالى ‪:‬‬
‫)لتحسبوه شرا ً لكم بل هو خير لكم( وأجمع أهل العلم بعد ذلك أن من قذف‬
‫ذب الله عز وجل‪.‬‬ ‫عائشة رضي الله عنها‪ ،‬فقد كفر وك ّ‬
‫الوقفة التاسعة عشرة‪ :‬عبرة في زوال الدنيا‪:‬‬
‫ً‬
‫حين استيقظ الفتية تساءلوا عن لبثهم‪ ،‬فقالوا يوما ثم استدركوا قائلين‪:‬‬
‫بعض يوم‪ ،‬وهذه حقيقة الدنيا فهي كلها بما فيها ستتحول يوم القيامة إلى‬
‫ساعة من نهار‪ ،‬وسيكون منطق أهلها حين يبعثون كمنطق الفتية حين‬
‫استيقظوا )ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إل ساعة من النهار يتعارفون بينهم(‪.‬‬
‫هذه بعض الوقفات وهي ‪-‬كما قلت ‪ -‬ليست تفسيرا ً لهذه السورة ول لهذه‬
‫اليات‪ ،‬إنما هي إشارات وعبر‪ ،‬وكلما قرأنا هذه اليات ووقفنا عندها سوف‬
‫نستنبط منها دروسا ً وعبرا ً أعجب وأعظم مما يبدو لنا‪ ،‬وهذا من عجائب‬
‫القرآن الذي ل تنقضي عجائبه‪ ،‬ول يمل منه النسان‪ ،‬وكل يوم يتدبر فيه‬
‫ويتلوه يستنبط فوائد جديدة لم يكن يستنبطها من ذي قبل‪ ،‬وهذا كلم الله‬
‫عز وجل ل يمكن أبدا ً أن يقاس بكلم خلقه‪.‬‬
‫أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم جميعا ً وأن يهدينا وإياكم إلى صراط‬
‫مستقيم إنه سميع مجيب هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد‬

‫)‪(8 /‬‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إنهم يخططون لحراق المنطقة كلها‬


‫الكاتب‪ :‬الشيخ أ‪.‬د‪.‬عبد الله قادري الهدل‬
‫استنجد الحاقدون في العراق بالطاغية المريكي‪ ،‬فأنجدهم بجيشه الذي مل‬
‫به البر والبحر والجو‪ ،‬وبعد أسبوعين أدخلهم الطاغية بغداد‪ ،‬وأسكنهم في‬
‫ب أَبى على مدار‬ ‫قصور رئيس النظام السابق‪ ،‬ونصبهم حكاما على شع ٍ‬
‫التاريخ أن يقبل في جسمه عضوا أجنبيا أو ينحني بالتحية لجنبي‪ ،‬فتعاون‬
‫جنود الطاغية مع قادة الحرس الثوري ومريديهم الذي تدربوا على أيديهم‬
‫استعدادا لخراج العراق عن هويته العربية‪ ،‬وعقيدته السلمية الصافية التي ل‬
‫تشوبها قومية أجنبية تتقمص قميص يوسف المصبوغ بدم كذب!‬
‫وكانوا قد أغروا المعتدي المحتل بأنه سيستقبله العراقيون بالزغاريد وينشروا‬
‫على دباباته أنواع الورود‪ ،‬وحققوا له ذلك ليلة أسقط تمثال الرئيس السابق‪،‬‬
‫فتظاهر عدد قليل من الصبيان السفهاء‪ ،‬مرحبين بدبابات العدو المحتل‪،‬‬
‫فظنوا السراب أنهارا من الماء الزلل‪.‬‬
‫ً‬
‫ددا وعُد ّة ً ل يستسلم بل‬ ‫ولكنهم وجدوا العراق كعادته‪ ،‬مهما تفوق عدوه عَ َ‬
‫يرفض ويلقن المحتلين وأولياءهم دروسا قاسية‪ ،‬فزلزل رجال الجهاد‬
‫والمقاومة الرض تحت أقدام العدو وأوليائه ول زالوا‪ ،‬فاشتد حقدهم جميع‪،‬‬
‫فزاد حقدهم وأخذوا يحرقون مدن العراق وقراه الخضر منه واليابس‪،‬‬
‫وتعنتروا ]كلمة منحوتة من عنترة بن شداد المشهور بالشجاعة[بقوتهم‬
‫المادية الصليبية ول زالوا يتعنترون‪ ،‬ولكن العراق ل زال على أصالته وإبائه‬
‫أن يبيت على ضيم‪.‬‬
‫وهاهو العدو وأولياؤه بعد ثلث سنين يستنجدون بدولة مجاورة‪ ،‬ليضربوا بها‬
‫المجاهدين المقاومين العراقيين نصرا للطائفة الموالية لتلك الدولة‪ ،‬وتخفيفا‬
‫على قوات العدو المحتل‪ ،‬وليبقي قواعده المسيطرة على آبار البترول‬
‫والحامية للعدو اليهودي‪ ،‬بعيدة عن ميادين الحرب‪.‬‬
‫وهدف العدو الجنبي أبعد من إيجاد وكيل عنه في العراق‪ ،‬فهو يريد إحداث‬
‫اضطرابات في كل البلدان المجاورة للعرق‪ ،‬لن التدخل الطائفي من الدولة‬
‫المجاورة المنجدة سيثير إخوان الطائفة المعتدى عليها في العراق‪ ،‬وسيكون‬
‫الشعب العراقي والدول المجاورة لها ساحات للضطرابات والمعارك بصورة‬
‫أشد مما هي عليه الن‪.‬‬
‫وستختلط حدود العراق مع حدود الدول المجاورة عندما تصبح الحرب أهلية‬
‫وستصعب السيطرة عليها‪ ،‬لن حدودها كلها طويلة كما هو معلوم‪.‬‬
‫وإذا حقق العدو هذا الهدف فقد نجح ‪ -‬برغم خسائره الفادحة – لنه بذلك‬
‫يتمكن من إشعال المنطقة بالحروب والضطرابات‪ ،‬وهو ما يريده طغاة‬
‫اليهود الذين ترتعد فرائصهم من وحدة الشعوب السلمية وبخاصة العربية‬
‫منها‪.‬‬
‫وعلى الدول العربية المجاورة أن تعي الخطر وتصحو من سباتها وتتخذ‬
‫الوسائل الواقية منه قبل وقوعه‪:‬‬
‫ْ‬
‫حى الغَدِ‬
‫ض َ‬ ‫ّ‬
‫ح إ ِل ُ‬
‫ص َ‬‫ست َِبيُنوا الن ّ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫َ‬ ‫من َْعرِج الل ّ َ‬
‫وا‪ ،،،،،‬فَل ْ‬ ‫حي ب ِ ُ‬
‫ص ِ‬
‫م نُ ْ‬
‫ضت ُهُ ُ‬
‫ح ْ‬‫م َ‬
‫َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إنى اتجهت إلى السلم في بلدٍ *** تجده كالطير مقصوصا ً جناحاه‬
‫ما‪ ،‬ووسع كل‬
‫الحمد لله السميع البصير‪ ،‬اللطيف الخبير‪ ،‬أحاط بكل شيء عل ً‬
‫ما‪ ،‬هو الحليم الشكور‪ ،‬العزيز الغفور‪ ،‬قائم على كل نفس‬
‫شيء رحمة وحل ً‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بما كسبت‪ ،‬يحصي على العباد أعمالهم‪ ،‬ثم يجزيهم بما كسبت أيديهم‪ ،‬ول‬
‫دا‪ ،‬هو العلي القدير‪ ،‬العليم بذات الصدور‪ .‬أحمد ربي وأشكره‪،‬‬ ‫يظلم ربك أح ً‬
‫وأتوب إليه وأستغفره‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن‬
‫ب النهج‬‫دا عبده ورسوله‪ ،‬البشير النذير والسراج المنير‪ ،‬صاح ُ‬ ‫نبينا محم ً‬
‫ل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد‪،‬‬ ‫الرشِيد والقول السديد‪ ،‬اللهم ص ّ‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫ه وَي َّتقه فأولئك‬ ‫ّ‬
‫خش الل َ‬ ‫شوه‪ ،‬ومن ي َ ْ‬ ‫ما بعد‪ ،‬فيا إخوة السلم‪ :‬اّتقوا الله واخ َ‬ ‫أ ّ‬
‫ْ‬
‫م الفاِئزون‪.‬‬
‫ه ُ‬
‫إن المتأمل لواقع المسلمين اليوم وما آل إليه من الضعف والذل والهوان‬
‫ليدرك صدق رسول الله – صلى الله عليه وسلم ‪' : -‬يوشك أن تداعى عليكم‬
‫المم كما تتداعى الكلة إلى قصعتها‪ ،‬قالوا‪ :‬أو من قلة نحن يومئذ يا رسول‬
‫الله؟ قال‪ :‬كل بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل‪ ،‬ولينزعن الله‬
‫المهابة من قلوب عدوكم ‪ ،‬وليقذفن في قلوبكم الوهن‪ ،‬قالوا‪ :‬وما الوهن يا‬
‫رسول الله؟ قال‪ :‬حب الدنيا وكراهية الموت'‪.‬‬
‫ما من أعلم النبوة‪ ،‬وصف لنا النبي صلى الله عليه‬ ‫بهذا الحديث والذي يعد عل ً‬
‫وسلم وبدقة متناهية واقعنا المرير الذي تحياه أمة السلم في هذا الزمان‪،‬‬
‫فعلى الصعيد الخارجي ها هي أمم الكفر من اليهود والصليبيين قد تداعت‬
‫علينا‪ ،‬كل يريد أكل نصيبه من قصعة السلم‪ ،‬والتي أصبحت حل ً مستبا ً‬
‫حا‬
‫لكل من هب ودب من أعداء الله‪ ،‬ففي الوقت الذي ما زال فيه لقد التهم‬
‫الكلة أكثر ما في القصعة ‪ ،‬حتى لم يبق فيها شيء لليتام ‪.‬‬
‫بالمس البعيد أكلوا الندلس والهند‪ ،‬وبالمس القريب أكلوا فلسطين‬
‫وكشمير وإثيوبيا واريتريا والفلبين والشيشان وجمهوريات القوقاز وبورما‬
‫وغيرها ‪ ،‬واليوم يأكلون أفغانستان والعراق‪ ،‬أما غدا فل نعلم ما يخبئه لنا‬
‫المجرمون من اليهود والصليبيين‪ ،‬ووكلؤهم وعملؤهم‪.‬‬
‫وصدق الرسول – صلى الله عليه وسلم – أيضا عندما قال‪ " :‬افترقت اليهود‬
‫على إحدى وسبعين فرقة ‪ ،‬وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة ‪،‬‬
‫وستفترق أمتي على ثلث وسبعين فرقة"‪.‬‬
‫نعم قد افترقت‪ ،‬والله‪ ،‬وقد رأينا الشيعة والخوارج والمرجئة والنصيرية‬
‫والسماعيلية والبهائية والقادينية‪ ،‬وغيرهم وغيرهم ‪.‬‬
‫ويبرز من هذا الركام فرقة واحدة هي ما عليه النبي – صلى الله عليه وسلم‬
‫– وأصحابه وهى " أهل السنة والجماعة"‪ ،‬وأعداء السلم عندما يصوبون‬
‫سهامهم للمة ل يقصدون إل هذه الفرقة ‪ ،‬أضحوا كل مباحا لكل آكل ‪ ،‬وطمع‬
‫فيهم حتى أرذل الخلق ‪ ،‬وهم هدف حتى للفرق الخرى التي تنتمي للمة ول‬
‫حول ول قوة ال بالله ‪ ،‬مابين أنياب الكلة من الخارج والكلة من الداخل وقع‬
‫أهل السنة ‪ ،‬وقعوا بين اليهود والنصارى والهندوس والسيخ والبوذيين ومال‬
‫دين لهم من ناحية ‪ ،‬ومن ناحية أخرى وقعوا بين الشيعة والنصيرية والدروز‬
‫والسماعيلية والباضية والعلمانيين اللدينيين ‪ .‬فالكل اجتمع عليهم هم ل‬
‫غيرهم ‪ ،‬وعلى الصعيد الداخلي‪ :‬فالمأساة أقوى وأشد‪ ،‬فقد انحرفت جماهير‬
‫المة عن شرع الله تعالى‪ ،‬انتشر الفساد وخربت الخلق‪ ،‬وعرفت الشعوب‬
‫في حب الشهوات والملذات‪ ،‬وعطلت أحكام الله تعالى‪ ،‬دب الوهن في‬
‫قلوب المسلمين‪ ،‬وتخلفوا عن ركب الحضارة والتقدم‪ ،‬انتشر الجهل والتخلف‬
‫أصبحنا في ذيل المم‪ ،‬نتقوت على فتات الحضارة الغربية‪ ،‬بعد أن كنا أساتذة‬
‫النهضة والمدنية‪ ،‬ساد فينا نموذج العاجز الكسلن بعد أن كنا فرسان النجاز‬
‫والفاعلية‪ ،‬ضاع منا زمام القيادة بعد أن كنا قد‪:‬‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ملكنا هذه الدنيا قرونا وأخضعها جدود خالدونا‬


‫وسطرنا صحائف من ضيا فما نسي الزمان ول نسينا‬
‫ولكن‬
‫وما فتئ الزمان يدور حتى مضى بالمجد قوم آخرونا‬
‫وأصبح ل يرى في الركب قومي وقد عاشوا أئمته سنينا‬
‫وآلمني وآلم كل حر سؤال الدهر ‪ ..‬أين المسلمونا؟‬
‫ويقف المؤمن الحر أمام هذا الواقع متفكًرا أين المخرج؟‬
‫ما السبيل إلى عودة هذه المة لتسلم لواء السيادة الذي أوجب الله عليها‬
‫َ‬ ‫سطا ً ل ِت َ ُ‬ ‫ك جعل ْناك ُ ُ‬
‫س{ ]البقرة‪:‬‬ ‫داَء عَلى الّنا ِ‬ ‫شهَ َ‬‫كوُنوا ُ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫م ً‬‫مأ ّ‬ ‫حمله }وَك َذ َل ِ َ َ َ َ ْ‬
‫‪.[143‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫من ْكرِ وَت ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ن عَ ِ‬‫ف وَت َن ْهَوْ َ‬‫معُْرو ِ‬‫ن ِبال َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫س ت َأ ُ‬‫ت ِللّنا ِ‬ ‫ج ْ‬‫خرِ َ‬
‫مةٍ أ ْ‬ ‫خي َْر أ ّ‬‫م َ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ه{ ]آل عمران‪.[110:‬‬ ‫ِبالل ّ ِ‬
‫ما الطريق إلى تبوأ أمتنا لهذه المكانة العلية؟ واعتلئها لذري المجد والسؤدد‬
‫والحضارة والتقدم‪ ،‬والعزة والتمكين‪ ،‬والجواب أن هذا الطريق الشاق يبدأ‬
‫ما‬
‫ه ل ي ُغَي ُّر َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫منك أنت أخي المؤمن‪ ،‬بهذا أخبرنا الله تعالى في كتابه‪} :‬إ ِ ّ‬
‫م{ ]الرعد‪.[11:‬‬ ‫سهِ ْ‬‫ف ِ‬ ‫ما ب ِأ َن ْ ُ‬‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬ ‫قوْم ٍ َ‬ ‫بِ َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إن الطريق إلى بناء المة يبدأ من بناء الفرد المؤمن‪ ،‬ولكنه البناء الكامل‬
‫الشامل وحده الذي يمكن أن يحدث النهضة‪ ،‬إننا نريد نموذج المؤمن الفعال‬
‫ل المؤمن العاجز السلبي ذلك أن مهمة النهوض بهذه المة من كبوتها الحالية‬
‫مهمة شاقة عسيرة ل يكفي للقيام بها عاجز ضعيف الشخصية‪ ،‬ناقص‬
‫القدرات والمهارات حتى لو كان على قدر كبير من الصلح والتقوى‪ ،‬إننا‬
‫نخطئ كثيًرا حينما ل نفصل بين منزلة النسان عند ربه والتي معيارها التقوى‬
‫والطاعة‪ ،‬وبين صلحية هذا النسان لتولي زمام القيادة‪ ،‬ومهمة التغيير‪ ،‬وهذا‬
‫نبينا صلى الله عليه وسلم يقول في أبي ذر رضي الله عنه‪' :‬ما أقلت الغبراء‬
‫أصدق لهجة من أبي ذر'‪.‬‬
‫ومع ذلك يمنعه صلى الله عليه وسلم من تولي القيادة فقال له‪' :‬يا أبا ذر‬
‫فا فل تولين إمرة اثنين'‪ .‬وما ضر ذلك أبا ذر ـ رضي الله عنه ـ‬ ‫إني أراك ضعي ً‬
‫ً‬
‫ول نقص من قدره شيئا بعد أن انتصب أستاًذا في الزهد‪ ،‬وتربية المسلمين‬
‫بالقدوة واللسان الدعوى الناطق‪ ،‬ولكن لكل مهمة مقوماتها‪ ،‬ولكل دور‬
‫رجاله‪ ،‬وكل ميسر لما خلق له‪.‬‬
‫ومجتمعاتنا اليوم تنوء بأثقال السلبية والتخلف تترك آثارها ول شك على كل‬
‫مؤمن‪ ،‬ولذلك ل بد أن نعلم أن المؤمن التقي الصالح الذي يفتقد الشخصية‬
‫القوية المؤثرة‪ ،‬ذات المهارات والقدرات قد ل يستطيع أن ينهض بحمل‬
‫المانة‪ ،‬والقيام بالمسئولية‪ ،‬من أجل ذلك فيجب أن نعمل في هذه اليام‬
‫على بناء المؤمن القوي الفعال الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪' :‬المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف'‪.‬‬
‫وفي طريق البناء المنشود نحتاج إلى منهج واضح لبناء هذا النموذج الفذ ول‬
‫بد أن يقوم هذا المنهج على ركيزتين أساسيتين‪:‬‬
‫ـ بناء اليمان‪.‬‬
‫‪2‬ـ بناء القوة في الشخصية عبر إتقان فنون التأثير والفاعلية‪.‬‬
‫)أقول( أيها الخوة‪ :‬يجب أن نحتكم إلى ديننا وأصالتنا‪ ،‬وإلى ذاتنا الخاضعة‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لمنهج الله تبارك وتعالى‪ ،‬علينا أن نقابل الخطة بالخطة‪ ،‬والمنهج بالمنهج‪،‬‬
‫والعمل بالعمل‪.‬‬
‫تصنيف دقيق فهمه أعدائنا ول نريد أن نفهمه نحن ‪ ،‬فمازال منا من يدعوا‬
‫إلى التقريب بين المذاهب ‪ -‬بين السنة والشيعة – ولم يعتبروا إلى ما حدث‬
‫في العراق حين جاء الحلف " الصهيوانجلوامريكى" النجلو ساكسونى بقضه‬
‫وقضيضه وحده وحديده جاءوا يرمون أهل السنة عن قوس واحدة ‪ ،‬جاءوا‬
‫يدكون عراقنا بأقذر ماأنتجت حضارتهم وعرفته البشرية من قنابل ذكية وغبية‬
‫وممنوعة ‪ ،‬أتوا بأم القنابل وأبناءها وأحفادها ليبسطوا سجادتهم الذكية على‬
‫أرض العراق حتى يبيدوا الخضر واليابس والنس والجن ‪ ،‬ولحظوا معى أن‬
‫كل ما عندهم أشياء ذكية خططهم وقنابلهم ورجالهم حتى حصارهم وكأن‬
‫الذكاء نصيبهم هم فقط حتى فى أسلحتهم !!! اللهم نصرك المؤزر‪.‬‬
‫فلما أراد أخواننا فى العراق أن يأووا إلى ركن شديد تحول هذا الركن إلى‬
‫فسيفساء خالية ل لون ول طعم ول رائحة ‪ ،‬بل ل شكل ول أثر ‪ ،‬اختفى‬
‫البعث الحاقد المرتد ‪ ،‬وهكذا القوميون العرب ل تراهم وقت المحن‬
‫والزمات ‪ ،‬أما في غيرها فتراهم يملون الدنيا ضجيجا بإنجازاتهم وانتصاراتهم‬
‫وحكمتهم التي ليس لها وجود ‪ ،‬وهم سبب ما حل ويحل بالمة من مصائب ‪.‬‬
‫فدورهم هو تحطيم مقدراتها وقوتها منذ ثورة كبيرهم الخائن حسين‪ ،‬وعمله‬
‫بمساندة أسيادة البريطانيين على إسقاط الخلفة العثمانية‪ ،‬مرورا بعبد‬
‫الناصر الذي ألقى شعبه في البحر وترك اليهود يمرحون ويفرحون بتوسيع‬
‫الرض التي احتلوها ‪ ،‬إنتهاءا بصدام البعثي القومي الذي سلم هو ورجاله‬
‫العراق للتتار الجدد ‪.‬‬
‫فلم يفق إخواننا المجاهدون من العراقيين والعرب إل والمريكان من أمامهم‬
‫يدكونهم ‪ ،‬والشيعة من خلفهم يجهزون علي من بقى منهم ـ هكذا هم دائما‬
‫يستغلون الفرص ول يضيعونها منذ ابن السوداء "ابن سبأ " ‪ ،‬مرورا بابن‬
‫العلقمي ونصير الدين الطوسي إنتهاءا بشيعة العراق اليوم ‪ ،‬الجلبي وعبد‬
‫المجيد الخوئي ومحمد باقر الحكيم وغيرهم ‪،‬‬
‫فماذا ننتظر منهم غير هذا ‪.‬‬
‫هذا الواقع المرير ل لنقف أمام الطلل نبكى على اللبن المسكوب ‪ ،‬ونظل‬
‫نولول كما النساء ‪ ،‬وإل ظللنا نبكى إلى قيام الساعة ‪ ،‬لن مسلسل المآسي‬
‫بدأ ولن ينتهي حتى يردونا عن ديننا إن استطاعوا ‪ ،‬مصداقا لتحذيره تعالى لنا‬
‫في كتابه ‪ ) :‬ولن ترضى عنك اليهود ول النصارى حتى تتبع ملتهم ‪ (....‬البقرة‬
‫‪. 120 /‬‬
‫نحن فى أمس الحاجة لن يقوم العلماء بدورهم فى قيادة المة فى هذه‬
‫اليام بالذات التى يعانى فيها المسلمون فراغا عظيما فى القيادة والتوجيه ‪،‬‬
‫وأعتقد أن المة لن تتوانى عن اللتفاف حول هذه القيادة إذا أحست فيها‬
‫الخلص والمسئولية ‪.‬‬
‫الناس فوضى ل سراة لهم ول سراة إذا جهالهم سادوا‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فيا علماء المة هذا هو طريق النبياء وأتباعهم هذا هو طريق محمد ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬وصحبه ‪ -‬رضوان الله عليهم ‪ -‬قادوا أممهم وقت الشدائد‬
‫والملحم ‪ ،‬وهذا هو طريق التابعين طريق ابن المبارك وابن جبير وابن‬
‫المسيب وأحمد بن نصر الخزاعى ‪ ،‬وطريق المام مالك وأحمد بن حنبل وابن‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تيميه والعز بن عبد السلم ‪ ،‬كما أنه طريق محمد بن عبد الوهاب رحم الله‬
‫الجميع ‪.‬‬
‫يا علماءنا إن لم تنهضوا الن فمتى تنهضون ؟ وإن لم تهبوا أنتم فمن‬
‫غيركم ؟‬
‫وتكون المهمة الساسية‪:‬‬
‫‪1‬ـ تصحيح عقيدة ومفاهيم المسلمين ‪ ،‬وتجميع المة على عقيدة أهل السنة‬
‫والجماعة ‪ ،‬ورفع اللتباسات التي وقعت فيها المة ‪ ،‬وإنقاذها من جراثيم‬
‫الرجاء والعلمانية ‪ ،‬وإحياء الربانية وتعظيم شعائر الله في نفوس أبنائها ‪،‬‬
‫وإصلح أخلقهم وسلوكياتهم وعبادتهم ‪.‬‬
‫‪ -2‬تحذير المة من الشركيات والكفر والبدع والخرافات والخزعبلت التى‬
‫ملت حياة الناس وأصبحت ديدنهم‪ ،‬وصرفتهم عن المحاجة البيضاء ‪.‬‬
‫‪3‬ـ تعليم المسلمين أمور دينهم وتفقيههم وهذا ديدن العلماء والمصلحين فى‬
‫كل عصر يتصدروا لتعليم الناس ما ينفعهم فى حياتهم وبعد مماتهم ‪ ،‬كما‬
‫يعملون على توحيد مصدر الفتاوى الشرعية والرجوع إليهم عند الملمات‬
‫والنوازل ‪.‬‬
‫‪ -4‬توحيد كلمة أهل السنة ولم شملهم وتجميع شتاتهم ‪ ،‬وإحياء العزة‬
‫والشجاعة فى نفوسهم وقيادتهم لتحرير أراضيهم ومقدساتهم من أيدى‬
‫الطغاة ‪ ،‬ووضع حد لمآسيهم فى كل مكان ‪.‬‬
‫‪ -5‬قيادة المة وتوجيهها للعمل على إعادة الخلفة الراشدة على منهاج النبوة‬
‫‪ ،‬وإقامة شرع الله فى الرض ‪ ،‬فقد تعددت مناهج التغيير ول بديل عن توجيه‬
‫العلماء وقيادتهم ‪.‬‬
‫‪ -6‬إحياء روح الجهاد والمر بالمعروف والنهى عن المنكر في المة ‪،‬‬
‫وإيقاظها من ثباتها ورقدتها ‪ ،‬لتعمل عل تغيير واقعها والنهوض به واستشراف‬
‫مستقبلها ‪،‬‬
‫‪ -7‬فضح مخططات أعداء السلم والمنافقين المتعاونين معهم ‪ ،‬ودورهم فى‬
‫تدمير دولة الخلفة وتحطيم مقدرات المة‪.‬‬
‫‪ -8‬العمل على رد الشبهات التي تلقى في وجه السلم ‪ ،‬وتصحيح الصورة‬
‫المغلوطة عن السلم أمام غير المسلمين ‪ ،‬ومواجهة الهجمة الشرسة التي‬
‫تطعن في السلم ‪ ,‬وفى الرسول – صلى الله عليه وسلم – وفى صحابته‬
‫رضوان الله عليهم ‪.‬‬
‫هل ننتظر حتى يسحق العلوج دولة أخرى من دول المسلمين ‪ ،‬حتى‬
‫يستبيحوا حرماتنا ومقدساتنا ‪ ،‬حتى يدنسوا أعراضنا ‪.‬‬
‫هل ننتظر حتى يهدم القصى ‪.‬‬
‫ماذا ننتظر وقد لفوا الحبل حول أعناقنا جميعا ولم يبق غير شد أحد طرفيه ‪.‬‬
‫أيها الحبة المر ليس صعبا ول مستحيل لكن يحتاج إلى مجهود شاق ‪ ،‬فالمة‬
‫التي أنجبت مثل أبى بكر وعمر وعثمان وعلى وابن المبارك وابن حنبل وابن‬
‫تيميه وابن القيم والعز بن عبد السلم وصلح الدين وقطز ‪ ،‬وأنجبت مثل‬
‫محمد بن عبد الوهاب والصنعاني والشوكاني وعبد الله عزام وسفر الحوالى‬
‫وخطاب ‪ ،‬لن تعجز عن انجاب غيرهم من الفاضل الذين يأخذون بأيديها إلى‬
‫بر المان‬
‫لم يبق إل أن نعزم العزمة ونمضى وعلى الله التوفيق والسداد ‪.‬‬
‫وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إني لشمت بالجبار‬


‫للشاعر الكبير‪ :‬بدوي الجبل‬
‫حديد ُ وما َرقوا لَبلوانا‬ ‫ّ‬ ‫شكوانا َرقّ ال َ‬ ‫ك َ‬ ‫ل َتعني َ‬ ‫ي هَ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫مَر ال َ‬ ‫سا ِ‬ ‫يا َ‬
‫م أشلًء ونيرانا‬ ‫َ‬ ‫قو‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫ِ ِ‬ ‫ت‬ ‫وعا‬ ‫بها‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫غنا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫دموع‬ ‫ل ِ َ ُ‬ ‫ب‬ ‫عتا‬ ‫ال‬ ‫خ ّ‬ ‫َ‬
‫حنانا‬ ‫َ ْ‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫إشفاق‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫الل‬ ‫د‬
‫َْ َ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫وأ‬ ‫منا‬ ‫ِ‬ ‫عزائ‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫ِ ْ‬ ‫م‬ ‫كي‬ ‫ِ ِ ُ ِ‬‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫حق‬ ‫بال‬ ‫ت‬ ‫ُ‬ ‫آمن‬
‫مَر أحقادا ً وأضغانا‬ ‫ُ ْ‬ ‫ح‬ ‫ال‬ ‫تها‬ ‫ِ‬ ‫ثارا‬ ‫مها‬ ‫َ ِ‬ ‫د‬ ‫من‬ ‫ق‬‫ْ َ ْ ِ‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫التي‬ ‫ب‬‫ِ‬ ‫شعو‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫وي َ‬
‫ل‬
‫سكرانا‬ ‫مسفوِح َ‬ ‫مها ال َ‬ ‫ن من د َ ِ‬ ‫ذبها َرّيا َ‬ ‫معَ ّ‬ ‫سوط في ُيمنى ُ‬ ‫ُ‬ ‫ح ال َ‬ ‫ت ََرن ّ َ‬
‫ل حتى صاَر غفرانا‬ ‫غفرانا لظاِلمها تأن ّقَ الذ ُ ّ‬ ‫ً‬ ‫ل ُ‬ ‫ضي على الذ ُ ّ‬ ‫ُتغ ِ‬
‫ي ِنسيانا‬ ‫ح ّ‬ ‫سقاةُ ال َ‬ ‫دها َتجاوزتها ُ‬ ‫مراقِ ِ‬ ‫ب ظمأى في َ‬ ‫َ‬ ‫ت ي َعُْر َ‬ ‫ثارا ُ‬
‫حمّيانا‬ ‫فت ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫ل َ‬ ‫فُر الثأَر ب ْ‬ ‫سلفَِتها أستغ ِ‬ ‫م ي ََتنّزى في ُ‬ ‫أل د َ ٌ‬
‫شْيبانا‬ ‫ت َ‬ ‫مثّنى على رايا ِ‬ ‫م منتصرا ول ال ُ‬ ‫ً‬ ‫فتِح َيغزو الُرو َ‬ ‫ل خالد ُ ال َ‬
‫ن الَُنعمى وََريحانا‬ ‫بم َ‬ ‫ب بها َروحا أح ّ‬ ‫ً‬ ‫خطو ُ‬ ‫ق ال ُ‬ ‫م ت ُب ْ ِ‬ ‫م فل ْ‬ ‫ما الشآ ُ‬ ‫أ ّ‬
‫حَيانا‬ ‫شام ِ حّيانا فأ ْ‬ ‫ن ال َ‬ ‫فم َ‬ ‫ه طي ٌ‬ ‫َ‬ ‫خى َذوائ ِب َ ُ‬ ‫ل قد أر َ‬ ‫م واللي ُ‬ ‫أل ّ‬
‫س بالذكرى وعاطانا‬ ‫ظماًء في مناهِِلنا فأترع َ الكأ َ‬ ‫حنا علينا ِ‬ ‫َ‬
‫صهباَء َنجوانا‬ ‫ب الِعطَر وال َ‬ ‫ُ‬
‫ن أدمُعنا وَتسك ُ‬ ‫ضُر الورد َ والَريحا َ‬ ‫ُتن ّ‬
‫مارا وُندمانا‬ ‫ً‬ ‫س ّ‬ ‫َ‬
‫ن بهِ فمّزقَ الشمل ُ‬ ‫َ‬ ‫مُر الحلوُ قد ْ مّر الزما ُ‬ ‫السا ِ‬
‫هانا‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫بغدا‬ ‫في‬ ‫ة‬
‫ّ ِ‬ ‫ب‬ ‫الح‬ ‫هوى‬ ‫َ ُ ُ َ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫أح‬ ‫ت‬ ‫ُ‬ ‫كن‬ ‫ما‬ ‫دها‬ ‫ِ‬ ‫عه‬ ‫من‬ ‫ن‬‫قد ْ ها َ‬
‫مروانا‬ ‫ت َ‬ ‫م بن َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل َير َ‬ ‫س ِ‬ ‫سل ِ‬ ‫ت ت ََعبا ً من ال َ‬ ‫ن انحن ْ‬ ‫ت مروا َ‬ ‫ن رأى بن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬
‫ب بهِ الدنيا وإيمانا‬ ‫عطرا ً َتطي ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫مي وأمس ُ‬ ‫حها الدا ِ‬ ‫جر ِ‬ ‫أحنو على ُ‬
‫جرحانا‬ ‫ن د َم ِ قتلنا و َ‬ ‫لم ْ‬ ‫ة ما سا َ‬ ‫ب َريحانا ً وغالي ً‬ ‫طي ِ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫أزكى م َ‬
‫عوال ً وإرنانا‬ ‫س والدة ٌ ل تشتكي الُثكل إ ْ‬ ‫قد ِ‬ ‫ل في ال ُ‬ ‫ل في الشآم ِ وه ْ‬ ‫ه ْ‬
‫عينايَ أحبابا وإخوانا‬ ‫ً‬ ‫م َتعد ُ َ‬ ‫م بها ل ْ‬ ‫قبوُر فَلو أّني أل ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫ك ال ُ‬ ‫تل َ‬
‫قوم ِ إحسانا‬ ‫عيني كإحسان ِهِ في ال َ‬ ‫ت َ‬ ‫شهد َ ْ‬ ‫شهيد ُ فل واللهِ ما َ‬ ‫ُيعطي ال َ‬
‫ه ظمآنا‬ ‫وغاية الجود أن يسقي الثرى دمه عند َ الكفاِح وَيلقى الل َ‬
‫عريانا‬ ‫ب ُ‬ ‫خط َ‬ ‫قى ال َ‬ ‫هما يتل ّ‬ ‫ب كل ُ‬ ‫س ٍ‬ ‫طبٍع ومن ن َ َ‬ ‫ف من َ‬ ‫والحقّ والسي ُ‬
‫***‬
‫ً‬
‫س أحرارا وعُْبدانا‬ ‫ُ‬ ‫قُ ْ‬
‫م النا َ‬ ‫س َ‬ ‫نق ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫دنيا لسيفه ُ‬ ‫ل لللى استعُبدوا ال ُ‬
‫طغيانا‬ ‫ظلما ً و ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ق ُ‬ ‫ه طاٍغ وُيره ُ‬ ‫ت بالجّبارِ َيصرعُ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫إّني لش َ‬
‫ش في ُبرد َي ْهِ إنسانا‬ ‫ح الوح ُ‬ ‫ه فُيصب ُ‬ ‫ن رحمت َ ُ‬ ‫ث الحزا ُ‬ ‫لعّله تبع ُ‬
‫س إل عاد َ َرّيانا‬ ‫ن النف ِ‬ ‫س نبعٌ ل يمّر بهِ صادٍ م َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن في الن ّ ْ‬ ‫حز ُ‬ ‫وال ُ‬
‫حّرى وأحزانا‬ ‫ه أدمعا ً َ‬ ‫ت جوهرهُ رأيت َ ُ‬ ‫ن لو عَّري َ‬ ‫والخيُر في الكو ِ‬
‫س شكوانا‬ ‫ت يا باري ُ‬ ‫كو َزهوَ فاِتحها هل ً تذكر ِ‬ ‫س تش ُ‬ ‫ت باري َ‬ ‫سمع ُ‬
‫ن أشياخا ً وفتيانا‬ ‫ة على المصّلي َ‬ ‫ن جائل ٌ‬ ‫ل في المسجدِ المحزو ِ‬ ‫والخي ُ‬
‫ً‬
‫ى َتهوي بها الناُر ُبنيانا فُبنيانا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أفاقوا والقصوُر لظ ً‬ ‫والمني َ‬
‫ن َتهدارا وَتهتانا‬ ‫ً‬ ‫جو ِ‬ ‫ض ال َ‬ ‫ة كالعار ِ‬ ‫مجلجل ً‬ ‫م الطاغي ُ‬ ‫َرمى بها الظال ُ‬
‫عجلنا‬ ‫ن الكرى قَد ٌَر يشتد ّ َ‬ ‫عها م َ‬ ‫درة َ الحسناَء َروّ َ‬ ‫أفدي المخ ّ‬
‫ب أذيال وأردانا‬ ‫ً‬ ‫ب الطي َ‬ ‫ة وَتسح ُ‬ ‫ي باكي ٌ‬ ‫عجلى وه َ‬ ‫َتدوُر في القصرِ َ‬
‫م وسنانا‬ ‫محاجرها طرفا ُتهدهد ُهُ الحل ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ل في َ‬ ‫م ظِ ّ‬ ‫ل والنو ُ‬ ‫ُتجي ُ‬
‫ن فنا وتاريخا وأزمانا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫هوي َ‬ ‫مبعثرةٍ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫فل َترى غيَر أنقا ٍ‬
‫سيفانا‬ ‫م الَروِع َ‬ ‫هل تكافأ يو َ‬ ‫فرا َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ح قد سميتها ظ َ‬ ‫ك الفضائ ِ ُ‬ ‫تل َ‬
‫سجايانا‬ ‫ح لنا إل َ‬ ‫شرا ً ول سل َ‬ ‫ظبى أ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م سكرا َ‬ ‫ظل َ‬ ‫ه ال ُ‬ ‫ُنجاب ُ‬
‫عدوانا‬ ‫سمِتنا َبغيا و ُ‬ ‫ً‬ ‫ة لطالما ُ‬ ‫ن باكي ً‬ ‫ن الُعدوا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫إذا انفجر ِ‬
‫صرفها النا‬ ‫َ‬ ‫ي ِ‬ ‫مل ْ‬ ‫ّ‬ ‫ة من الذى فت َ َ‬ ‫مترع ً‬ ‫س ُ‬ ‫ن عاما شربنا الكأ َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫عشري َ‬ ‫ِ‬
‫داما ً وأعوانا‬ ‫ِ ُ ّ‬ ‫خ‬ ‫ك‬ ‫الرائ‬ ‫على‬ ‫سخوا‬ ‫َ ْ ُ ِ‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫ق‬ ‫س‬ ‫باري‬ ‫في‬ ‫للطواغيت‬ ‫ما‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سلطانا‬ ‫ك َتدبيرا ً و ُ‬ ‫ه للهِ ل ل ِ‬ ‫معُ ُ‬ ‫ن أج َ‬ ‫ه أكبُر هذا الكو ُ‬ ‫الل ُ‬


‫م عنها وأغنانا‬ ‫حنا ما كان أغناك ُ‬ ‫جوان ِ ِ‬ ‫ة تتنّزى في َ‬ ‫ضِغين ٌ‬ ‫َ‬
‫***‬
‫ن إذ ْ حّيا بشعبانا‬ ‫َ‬ ‫شعبا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫هل‬ ‫قها‬ ‫ِ‬ ‫مشار‬ ‫من‬ ‫ح‬‫ُ َ ٍ‬‫ضا‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫شمو‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫َتفدي‬
‫ة أنجادا ً و ُ‬
‫كثبانا‬ ‫ل مك َ‬ ‫ت رما ُ‬ ‫ة الزهراُء فانتفض ْ‬ ‫ت بهِ الصرخ ُ‬ ‫دوّ ْ‬
‫ميدانا‬ ‫ُ‬ ‫ة على ال َ‬ ‫ل أبط َ ُ‬ ‫وسا َ‬
‫شكيم ِ ُتريد ُ الفقَ َ‬ ‫ل آبي ً‬ ‫حها بالخي ِ‬
‫مّرانا‬ ‫ً‬
‫هندي ّا و ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ك الشم َ‬ ‫ة ُتضاح ُ‬ ‫مقّنع ً‬ ‫ب من فهرٍ ُ‬ ‫وبالكتائ ِ‬
‫ت وْوحدانا‬ ‫ف ُزرافا ٍ‬ ‫فوا إلى السيو ِ‬ ‫ن الصيد ُ وازدل ُ‬ ‫ل الفاتحو َ‬ ‫م َ‬ ‫َتمل ْ َ‬
‫ه الصحراُء ألحانا‬ ‫شكاِئمها تكاد ُ َتشرب ُ ُ‬ ‫ل في َ‬ ‫وللجياد ِ صهي ٌ‬
‫حمَر ُفرسانا‬ ‫َ‬
‫منايا ال ُ‬ ‫ت ال َ‬ ‫عنّتها والحامل ُ‬ ‫خوا أ ِ‬ ‫ت وما أر َ‬ ‫ألساِبقا ُ‬
‫جْهرا وإمعانا‬‫ً‬ ‫ه ول َيضيقُ بهِ َ‬ ‫ح الدهُر يكت ُب ُ ُ‬ ‫سفٌر من المجدِ را َ‬ ‫ِ‬
‫عنوانا‬ ‫ن طغراًء و ُ‬ ‫ُ‬ ‫ة والهاشميي َ‬ ‫ت فيه الملوك الصيد َ حاشي ً‬ ‫َ‬ ‫قرأ ُ‬
‫ن ُبنيانا‬‫ه للطغيا ِ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫مقتحما فزلز َ‬ ‫ً‬ ‫ن ُ‬ ‫ن على الطغيا ِ‬ ‫حسي ُ‬ ‫شد ّ ال ُ‬ ‫َ‬
‫ن فرقانا‬ ‫ُ‬ ‫ه الجفا ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ن غّرت ِهِ تكاد ُ َترش ُ‬ ‫ُ‬ ‫ميمو ِ‬ ‫نوُر النبوّةِ في َ‬
‫م في السلم ِ تيجانا‬ ‫ت أرى إل العمائ َ‬ ‫جلى ولس ُ‬ ‫ّ‬ ‫ة لل ُ‬ ‫ث الِعمام َ‬ ‫ل َ‬
‫خذلنا‬
‫سلم ِ ِ‬ ‫ك عند َ ال ِ‬ ‫ياصاحب النصرِ في الهيجاِء كيف غدا نصُر المعار ِ‬
‫ك أشكال ً وألوانا‬ ‫ف َ‬ ‫ة لونا ً واحدا ً وَيرى لها حلي ُ‬ ‫ترى السياس َ‬
‫عهدا ً وأيمانا‬ ‫م َ‬ ‫عيينا به ُ‬ ‫ة فقد ْ َ‬ ‫مزّوق ً‬ ‫م أيمانا ً ُ‬ ‫قو َ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ل تسأ ِ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫جهرا ً وتبيانا‬ ‫ه َ‬‫ت أوسعت ُ ُ‬


‫ت بهِ لو شئ ُ‬ ‫م ُ‬
‫م ْ‬‫ب هَ َ‬
‫عت ٍ‬‫ت عن َ‬ ‫أكرم ُ‬
‫***‬
‫م ُتهّيئ لها القداُر ُرّبانا‬ ‫مراسيها أل ْ‬ ‫ما للسفينةِ لم َترفعْ َ‬
‫مرسانا‬‫مجرانا و ُ‬ ‫ة باسم ِ الجزيرةِ َ‬ ‫ظلماَء جاري ً‬ ‫ف وال َ‬‫ص َ‬ ‫قي الَعوا ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫ف الغيم ِ طوفانا‬ ‫ح خل َ‬ ‫ضرٍ إني للم ُ‬ ‫ب من َبدو ومن ح َ‬ ‫مي العاري َ‬ ‫ض ّ‬‫ُ‬
‫سرايانا‬ ‫ل علينا في كتائبهِ نظارِ تطلعْ على الدنيا َ‬ ‫يا من ي ُدِ ّ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ن الحسنات يذهبن السيئات‬ ‫إ ّ‬


‫الحمد لله رب العالمين والصلة والسلم على أشرف النبياء والمرسلين‪،‬‬
‫وبعد ‪..‬‬
‫فهذا عرض لبعض العمال اليسيرة والتي يترتب عليها بإذن الله الجور‬
‫الكثيرة بفضل من الله‪ ،‬وتلك العمال يغفل عنها كثير من الناس ويتهاونون‬
‫بها‪ ،‬مع ما فيها من الثواب العظيم والجر الجزيل‪ ،‬ومن تلك العمال‪:‬‬
‫‪ - 1‬الكثار من الصلة في الحرمين الشريفين ‪:‬‬
‫روى جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ » :‬صلة في‬
‫مسجدي هذا أفضل من ألف صلة فيما سواه إل المسجد الحرام‪ ،‬وصلة في‬
‫المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلة فيما سواه « ]رواه أحمد وابن‬
‫ماجه وصححه اللباني[‪ ،‬وصلة المرأة في بيتها أفضل من الصلة في‬
‫المسجد الحرام والمسجد النبوي‪.‬‬
‫‪ - 2‬الصلة في مسجد قباء ‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬من خرج حتى يأتي هذا المسجد ـ‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مسجد قباء ـ فصلى فيه كان له عدل عمرة « ]رواه أحمد والترمذي‬
‫والنسائي وابن ماجه وصححه اللباني[‪.‬‬
‫‪ - 3‬المواظبة على صلة الضحى ‪:‬‬
‫وأفضل وقت لدائها عند اشتداد الحر وارتفاع الضحى‪ ،‬فقد قال صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ » :‬صلة الوابين حين ترمض الفصال « ]رواه المام مسلم[‪.‬‬
‫‪ - 4‬الستغفار المضاعف ‪:‬‬
‫وهو مثل قولك‪ ) :‬اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات‬
‫الحياء منهم والموات (‪ .‬قال الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬من استغفر‬
‫للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة « ]رواه‬
‫الطبراني[‪.‬‬
‫‪ - 5‬قيام ليلة القدر ‪:‬‬
‫هل تعلم أن ثواب قيامها أفضل من ثواب العبادة لمدة ثلث وثمانين سنة‬
‫وثلثة أشهر تقريبا ‪ } ..‬إنا أنزلناه في ليلة القدر ‪ ،‬وما أدراك ما ليلة القدر ‪،‬‬
‫ليلة القدر خير من ألف شهر ‪ ،‬تنزل الملئكة والروح فيها بإذن ربهم من كل‬
‫أمر ‪ ،‬سلم هى حتى مطلع الفجر { ]القدر‪.[5 -1:‬‬
‫‪ - 6‬التسبيح المضاعف ‪:‬‬
‫وهو مثل قولك ‪ ) :‬سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه‬
‫ومداد كلماته (‪.‬‬
‫‪ - 7‬قول دعاء دخول السوق عند دخول السوق ‪:‬‬
‫قال الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬من دخل السوق فقال‪" :‬ل إله إل الله‬
‫وحده ل شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي ل يموت بيده‬
‫الخير وهو على كل شيء قدير" كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف‬
‫ألف سيئة ورفع له ألف الف درجة « وفي رواية‪ » :‬وبنى له بيتا في الجنة «‬
‫] رواه المام أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم عن ابن عمر[‪.‬‬
‫‪ - 8‬العتمار في رمضان ‪:‬‬
‫فالعمرة في رمضان تعدل حجة كما قال صلى الله عليه وسلم لم سنان »‬
‫فإذا جاء رمضان فاعتمري‪ ،‬فإن عمرة فيه تعدل حجة « أو قال‪ » :‬حجة معي‬
‫« ]متفق عليه[‪.‬‬
‫‪ - 9‬التحلي ببعض آداب الجمعة ‪:‬‬
‫فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬من غسل يوم الجمعة واغتسل‪،‬‬
‫ثم بكر وابتكر‪ ،‬ومشى ولم يركب‪ ،‬ودنا من المام‪ ،‬فاستمع ولم يلغ‪ ،‬كان له‬
‫بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها « ]رواه أحمد وأبو داود والترمذي‬
‫والنسائي وابن خزيمة وابن ماجه وصححه اللباني[‪.‬‬
‫‪ - 10‬الصيام ‪:‬‬
‫حث النبي صلى الله عليه وسلم على الكثار من صوم النفل طوال أيام‬
‫السنة ‪ ،‬فرغب في صيام أيام الثنين والخميس‪ ،‬وأيام البيض‪ ،‬وشهر شعبان‪،‬‬
‫وصيام ست من شوال‪ ،‬وشهر الله المحرم‪ ،‬وعشر ذي الحجة‪ ،‬وصيام يوم‬
‫عرفة لغير الحاج‪ ،‬ويوم عاشوراء‬
‫قال صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه‬
‫عن النار سبعين خريفا « ]رواه البخاري ومسلم[‪.‬‬
‫‪ - 11‬تفطير الصائمين ‪:‬‬
‫ّ‬
‫فقد قال صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬من فطر صائما كان له مثل أجره غيرأنه‬
‫ل ينقص من أجر الصائم شيئا « ]رواه المام أحمد والترمذي وابن ماجه وابن‬
‫خزيمة وابن حبان وصححه اللباني[‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ - 12‬الكثار من قول ) ل حول ول قوة إل بالله ( ‪:‬‬


‫فإنها » كنز من كنوز الجنة « ‪ ،‬كما ورد في الحديث المتفق عليه عن‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ - 13‬قضاء حوائج الناس ‪:‬‬
‫فقد قال صلى الله عليه وسلم ) في حديث طويل ( ‪ » :‬ولن أمشي مع أخي‬
‫المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرا « ]رواه‬
‫الطبراني وحسنه اللباني[‪.‬‬
‫‪ - 14‬صلة ركعتين بعد الشروق ‪:‬‬
‫عن أنس بن مالك قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬من صلى‬
‫الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين‬
‫كانت له كأجر حجة وعمرة «‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬تامة تامة تامة « ]رواه‬
‫الترمذي وحسنة اللباني[‪.‬‬
‫‪ - 15‬كفالة اليتام ‪:‬‬
‫عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ » :‬أنا وكافل اليتيم‬
‫في الجنة هكذا ‪ ،‬وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى « ]رواه البخاري[‪،‬‬
‫وباستطاعتك فعل ذلك عن طريق المؤسسات والمبرات الخيرية‪.‬‬
‫‪ - 16‬الحرص على صلة الجنازة ‪:‬‬
‫عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬من شهد‬
‫الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط‪ ،‬ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان‪،‬‬
‫قيل وما القيراطان؟ قال‪ :‬مثل الجبلين العظيمين « ]متفق عليه[‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ - 17‬الكثار من الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬


‫فمن صلى عليه صلة واحدة صلى الله عليه بها عشرا‪ ،‬ويكون أولى الناس به‬
‫يوم القيامة‪ ،‬وقد وكل الله سبحانه وتعالى ملئكة سياحين يحملون صلة‬
‫المة إلى نبيهم ‪.‬‬
‫‪ - 18‬صلة العشاء والفجر في جماعة ‪:‬‬
‫فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬من صلى العشاء في جماعة‬
‫فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله‬
‫« ]رواه مسلم[‪.‬‬
‫‪ - 19‬التسبيح والتحميد والتكبير دبر كل صلة ثلثا وثلثين ‪:‬‬
‫ثم قول‪ » :‬ل إله إل الله وحده لشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل‬
‫شيء قدير « ‪ ،‬فذلك فضله عظيم كما ورد في حديث فقراء المهاجرين الذي‬
‫رواه أبو هريرة ) حديث طويل متفق عليه ( يرجع له في باب الذكار الواردة‬
‫عقب الصلوات المفروضة‪.‬‬
‫‪ - 20‬الدعوة إلى الله والنصح للخرين ‪:‬‬
‫قال الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬من دعا إلى هدى كان له من الجر‬
‫مثل أجور من تبعه ل ينقص ذلك من أجورهم شيئا‪ ،‬ومن دعا إلى ضللة كان‬
‫عليه من الثم مثل آثام من تبعه ل ينقص ذلك من آثامهم شيئا « ]رواه‬
‫مسلم[‬
‫فالنصح للخرين في التجاه إلى الله يجري عليك بأجره مادام ينتفع به إلى‬
‫يوم القيامة ومن ذلك نشر الخير كنشر هذه الرسالة التي بين يديك فلك أجر‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من عمل بها إلى يوم القيامة بإذن الله‪.‬‬


‫‪ - 21‬صلة أربع ركعات قبل العصر ‪:‬‬
‫قال الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا‬
‫« ]رواه أبو داود والترمذي[ وتكون الربع ركعات بتسليمتين بعد أذان العصر‬
‫وقبل القامة‪.‬‬
‫‪ - 22‬عيادة المريض ‪:‬‬
‫قال الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬من عاد مريضا لم يزل في خرفة‬
‫الجنة ‪ ،‬قيل يارسول الله وما خرفة الجنة؟ قال صلى الله عليه وسلم ‪ :‬جناها‬
‫« ]رواه مسلم[‪.‬‬
‫» ويستغفر لك سبعون ألف ملك « ) كما في حديث طويل رواه الترمذي (‪.‬‬
‫‪ - 23‬الصيام واتباع الجنازة وعيادة المريض وإطعام المسكين ‪:‬‬
‫إذا اجتمعت في مسلم في يوم دخل الجنة بفضل الله ) كما حصل لبي بكر (‬
‫حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة ) حديث‬
‫طويل ( ‪ » :‬ما اجتمعن في امريء إل دخل الجنة « ]رواه مسلم[‪.‬‬
‫‪ - 24‬الصلح بين الناس ‪:‬‬
‫قال الله تعالى‪ } :‬ل خير في كثير من نجواهم إل من أمر بصدقة أو معروف‬
‫أو إصلح بين الناس { ]النساء‪[114:‬‬
‫وقد ورد في ذلك فضل عظيم في أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫ل يتسع المجال لذكرها‪.‬‬
‫‪ - 25‬الكثار من قول ‪:‬‬
‫» سبحان الله والحمد لله ول إله إل الله والله أكبر ‪ ..‬فهي أفضل مما طلعت‬
‫عليه الشمس « ‪ ،‬كما ورد في ) حديث أخرجه مسلم ( عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪..‬‬
‫وهي » أحب الكلم إلى الله « كما في الحديث الصحيح‪.‬‬
‫‪ - 26‬تكرار قراءة سورة الخلص ‪:‬‬
‫فإنها تعدل ثلث القرآن في الجر والمعنى لما تحويه من توحيد الله وتعظيمه‬
‫وتقديسه فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬قل هو الله أحد تعدل‬
‫ثلث القرآن‪ ،‬وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن « ]رواه الطبراني‬
‫وصححه السيوطي واللباني[‬
‫) وليس معنى كونها تعدل في الفضل أنها تجزىء عنه‪ ...‬فتنبه (‪.‬‬
‫‪ - 27‬الصدقة الجارية ‪:‬‬
‫كالمساعدة في بناء مسجد أو بئر أو مدرسة أو ملجأ أو تربية الطفال على‬
‫الدين الصحيح والداب السلمية وتربية الولد على الصلح‪ ،‬فإنه إذا مات ابن‬
‫آدم انقطع عمله إل من ثلث ومنها ولد صالح يدعو له‪ ،‬وكذلك نشر وطباعة‬
‫الكتب ونسخ الشرطة المفيدة وتوزيعها ودعم ذلك ماديا عن طريق مكاتب‬
‫الدعوة والرشاد وتوعية الجاليات والمؤسسات الخيرية وغيرها‪.‬‬
‫‪ - 28‬صلة أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها ‪:‬‬
‫عن أم حبيبة رضي الله عنها قالت‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫» من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار «‬
‫]رواه أبو داود والترمذي[‪ .‬وتكون الربع القبلية بتسليمتين بعد أذان الظهر‬
‫وقبل القامة‪ ،‬وتكون الربع البعدية بتسليمتين‪.‬‬
‫‪ - 29‬قيام الليل وإفشاء السلم وإطعام الطعام ‪:‬‬
‫عن عبدالله بن سلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ » :‬أيها الناس‬
‫أفشوا السلم‪ ،‬وأطعموا الطعام‪ ،‬وصلوا بالليل والناس نيام‪ ،‬تدخلوا الجنة‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بسلم « ]رواه الترمذي[‪.‬‬


‫‪ - 30‬الترديد خلف المؤذن ‪:‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم ‪ :‬من قال حين يسمع النداء‪ » :‬اللهم رب هذه‬
‫الدعوة التامة والصلة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما‬
‫محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة « ]رواه البخاري[‪.‬‬
‫‪ - 31‬الكثار من تلوة وحفظ القرآن الكريم ‪:‬‬
‫ن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلة وأنفقوا مما‬‫قال الله تعالى‪ }:‬إ ّ‬
‫رزقناهم سرا وعلنية يرجون تجارة لن تبور { ]فاطر‪[29:‬‬
‫وعن ابن مسعود قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬من قرأ‬
‫حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها ل أقول‪ :‬ألم حرف‬
‫ولكن ألف حرف‪ ،‬ولم حرف‪ ،‬وميم حرف « ]رواه الترمذي وقال‪ :‬حديث‬
‫حسن صحيح[‪.‬‬
‫‪ - 32‬الكثار من ذكر الله تعالى ‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫قال الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬أل أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند‬
‫مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة وخير لكم‬
‫من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا ‪ :‬بلى قال ‪:‬‬
‫ذكر الله تعالى « ]رواه الترمذي[‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ك هُوَ ال َب ْت َُر{‬‫شان ِئ َ َ‬ ‫ن َ‬‫}إ ّ‬


‫دارت بنا الدنيا‪ ،‬تفطرت نفوسنا‪ ،‬وتزلزلت الرض من تحت أقدامنا‪ .‬الغضب‬ ‫ّ‬
‫يمل قلوب المسلمين في المشرق والمغرب‪ ،‬كبارهم وصغارهم‪ ،‬رجالهم‬
‫ونساءهم‪ ،‬صالحيهم وفساقهم‪ ..‬أوَ يتجرؤون على مقام النبوة؟!‬
‫أوَ يستهزئون بسيد ولد آدم‪..‬؟!‬
‫يا لله‪ ..‬أتدرون بمن تسخرون‪..‬؟!‬
‫ويحكم أتدرون من هو محمد ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪..-‬؟!‬
‫دع أركانها‪ ،‬وجعلها تنتفض‪ ،‬تستنفر خفافا ً وثقال‪ً،‬‬ ‫م شديد هّز كيان المة وص ّ‬ ‫أل َ ٌ‬
‫تغضب‪ ..‬ترفع صوتها بكل حمّية‪) :‬إل محمد رسول الله ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪!..(-‬‬
‫والذي زاد من هول الواقعة ذلك الصلف والتعالي والمكابرة‪ ،‬أخذتهم العزة‬
‫م ِفي ال ْغَ ّ‬
‫ي‬ ‫دون َهُ ْ‬
‫م ّ‬
‫م يَ ُ‬
‫وان ُهُ ْ‬
‫خ َ‬
‫وا أن يتراجعوا‪ ،‬بل تسارعوا للتناصر‪َ} ..‬وإ ْ‬ ‫بالثم‪ ،‬فأب ْ‬
‫ن{ ]العراف‪.[202 :‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ل يُ ْ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ماعين لهم‪ ،‬فراح بعض الصحفيين في‬ ‫من بني جلدتنا س ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫وزادها فجيع ً‬
‫بعض البلد العربية والسلمية يعيد نشر تلك الصور الثمة لحجج تافهة باردة‪،‬‬
‫ونظر بعض أهل الهواء ومن يسمون أنفسهم بالليبراليين نظرة ل مبالة‬
‫للحدث واّثاقلوا عن نصرة نبيهم‪ ،‬بل اجتهدوا في التهوين منه‪ ،‬وتفيهقوا علينا‬
‫بالدعوة السمجة إلى الصفح والتسامح‪!!..‬‬
‫لكن الرد على هؤلء جميعا ً من أرض الحرمين‪ ،‬من مصر والسودان‪ ،‬من‬
‫الجزائر والمغرب‪ ،‬من أندونيسيا والباكستان‪ ،‬من نيجيريا والسنغال‪ ..‬من كل‬
‫أرض يناَدى فيها بنداء التوحيد‪ ..‬جاء الرد بعفوية مذهلة وبفطرة صادقة بعيدة‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن الشعارات السياسية أو المزايدات العلمية‪ ،‬قال الناس بصوت واحد‪:‬‬


‫ك هُوَ ال َب ْت َُر{ ]الكوثر‪.[3 :‬‬
‫شان ِئ َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫}إ ّ‬
‫هذه المشاعر تدل على فطرة صالحة‪ ،‬وأرض خصبة تستحث الدعاة لتأسيس‬
‫محبة صادقة‪ ،‬واّتباع مخلص لسّيد الولين والخرين‪ ،‬إنها فرصة لنتجاوز‬
‫خطابات الدانة والشجب لندعو إلى التعظيم والّتباع والستسلم لمره‬
‫ونهيه‪.‬‬
‫إنها فرصة تاريخية لنقول للمسلمين‪ :‬هذا هو نبيكم محمد ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬عليكم بتعزيره وتوقيره والهتداء بهديه والذب عن دينه‪.‬‬
‫إنها فرصة تاريخية لنقول فيها للعالم أجمع بعد أن بدأ الناس يتساءلون من‬
‫هو محمد‪ :‬إن رسالة محمد ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬لكم جميعًا‪ ،‬جاءت‬
‫لتخلصكم من رهق الضللت والهواء البشرية‪ ..‬جاءت تدعوكم بدعاية‬
‫م ل يَ ُ‬
‫كوُنوا‬ ‫ما غَي َْرك ُ ْ‬
‫م ثُ ّ‬ ‫ل قَوْ ً‬
‫ست َب ْدِ ْ‬ ‫السلم أسلموا تسلموا‪َ} :‬وإن ت َت َوَل ّ ْ‬
‫وا ي َ ْ‬
‫َ‬
‫م{ ]محمد‪.[38 :‬‬ ‫مَثال َك ُ ْ‬
‫أ ْ‬
‫حدث آخر له دللته وأبعاده في المنطقة‪ :‬إنه الفوز الكاسح لحركة المقاومة‬
‫السلمية حماس في النتخابات الفلسطينية‪ .‬انتصار مذهل قلب المعادلة‬
‫السياسية‪ ،‬وأربك صناع القرار في الدولة العبرية وحلفائها‪.‬‬
‫وها نحن في ^ نقدم عددا ً خاصا ً يحتوي على ملفين فقط‪ ،‬ونعتذر لقرائنا‬
‫الكرام عن تأجيل بقية المواد والزوايا التي ينتظرونها على أمل أن نعود إليها‬
‫ـ بإذن الله ـ في العدد القادم‪ ... .‬مقالت الملف‬
‫يا أدعياء التسامح والديمقراطية من يكره من التحرير‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن شجاعا ً‪..‬فل تكن جبانًا‪..‬‬


‫م تك ْ‬‫نل ْ‬
‫إ ْ‬
‫هناء الحمراني ‪8/8/1426‬‬
‫‪12/09/2005‬‬
‫تخّيل نفسك مع زميل لك في العمل‪..‬أنت الن في حالة من الغضب الشديد‬
‫إثر خلف وقع بينك وبين المدير‪..‬‬
‫يداك تتحّركان في الهواء‪..‬ثم ل تلبث أن تقع بقبضتك على المكتب بعصبّية‪..‬‬
‫ل لدرجة كافية تعّبر فيها عن‬ ‫حاجباك معقودان‪..‬ونظراتك حادة‪..‬وصوتك عا ٍ‬
‫غضبك واحتجاجك‪ ..‬وحينما تشعر بخطوات أقدام ينخفض صوتك تلقائيا ً‬
‫لكي)ل يسمع صوتك شخص آخر(‪..‬‬
‫صت التي يمارسها‬ ‫بعيدا ً عن الفكار الجاسوسية‪..‬وعمليات التن ّ‬
‫البعض‪..‬ولنستبعد إمكانية أن يكون زميلك الذي تتحدث إليه‬
‫ت فيه المدير بأسوأ‬‫مامًا‪..‬تخّيل‪..‬أقول‪ :‬تخّيل أنك في تنفيسك الذي نع ّ‬ ‫ن ّ‬
‫ن المدير يدخل عليك في تلك‬ ‫اللفاظ التي تسمح به أخلقك‪..‬تخّيل أ ّ‬
‫الثناء‪..‬بصراحة‪..‬رجاء‪..‬كن صريحًا‪..‬‬
‫ما هي ردة فعلك آنذاك؟‬
‫صاص دماء‪..‬ثم يصبح‬ ‫ً‬
‫كرد فعل طبيعي‪..‬قد تنتفض مرعوبا‪ ،‬وكأنك ترى م ّ‬
‫وجهك أصفر اللون بعد أن كان محمّرا من شدة الغضب‪..‬هممم‪..‬وماذا أيضا؟ً‬
‫ستحشر رأسك بين أوراقك‪..‬والله وحده يعلم ما هي ردة فعل زميلك الذي‬
‫ربما يكون أجبن منك؛ فيحشر رأسه في سلة المهملت‪ ،‬وكأنه يبحث عن‬
‫ل؛ فينظر إليك بسخرية )لقد وقعت في‬ ‫ورقة سقطت سهوًا‪..‬وربما يكون نذ ً‬
‫الفخ(‪...‬‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هل نجحت في وصف المشهد؟‬


‫ربما أجد من بينكم من يعترض على هذه الصورة‪..‬وتأبى نفسه إل أن يصف‬
‫ردود فعل أخرى‪ ..‬كأن تحملق بعينيك وتركزهما في عيني مديرك‪ ،‬وكأنك‬
‫تتحداه‪ ..‬فالمسألة)خربانة‪..‬خربانة( وما دام أن المر وصل إلى هذا الحد‪..‬فل‬
‫يضر الشاة السلخ بعد الذبح‪ .‬ومع هذا أيضًا‪..‬فل أزال أصر أن فقرة)الرعب‬
‫والقشعريرة( هي أول عرض يصيبك عند دخول المدير‪..‬ولو لجزء من الثانية‪..‬‬
‫***‬
‫لقف عن التحدث بأسلوب المخاطب‪..‬ولنستبدل )أنت( بـ)هو(‪..‬لن السيد‬
‫)هو( سيحتمل الكلم الذي سُيقال الن‪..‬ولكن السيد والسيدة)أنت( لن ُيكمل‬
‫المقالة مع بدء توجيه التهام الذي سأوجهه الن‪..‬‬
‫***‬
‫سيداتي وسادتي‪ :‬إن السيد)هو(‪ -‬وكثير منا ربما يكون الـ)هو( هذا‪ -‬حينما‬
‫يمارس مثل هذا التصرف‪..‬أعني فرد العضلت والتهديد‪..‬والشتم‪..‬وإلقاء التهم‬
‫على الطرف الخر‪ ،‬والذي يكون غائبا ً عن هذه )المصارحة(‪..‬ليس إل جبانًا‪..‬‬
‫تخّيل أنك أنت زميل السيد )هو( وأنك تمارس النصات بكل إخلص‪ ..‬كيف‬
‫ستكون نظرتك إليه حينما يتقوقع ويصمت خوفا ً عند مقابلة خصمه‪..‬؟ ربما‬
‫أكون مجحفة نوعا ً ما حينما أقوم بالجابة عنكم‪ ،‬وأصدر حكما بأنكم‬
‫ستشعرون بالحتقار إزاءه‪..‬‬
‫أو على القل الشعور بالرثاء من أجله؛ لنكما تشتركان في ذات المعاناة‪..‬‬
‫***‬
‫لماذا يتجه )هو( إلى هذا النوع من التنفيس؟ قد يبدو السؤال ذا إجابة‬
‫تلقائية‪ ..‬فنحن أحيانا ً ل نمتلك القدرة على أن نكون صرحاء‪..‬بمعنى أوضح ل‬
‫نمتلك الشجاعة لنفصح عن رأينا‪..‬ونفضل أن نلعن الظلم بدل ً من أن نوقد‬
‫الشمعة‪..‬‬
‫وأحيانا ً أخرى قد تودي بنا الصراحة إلى مدارك سيئة إذا كنا ضعفاء‪..‬ولذلك‬
‫أيضًا‪-‬وللسف‪ -‬نهرب إلى الخفاء لنصرخ‪..‬ونشجب‪..‬ونستنكر‪..‬‬
‫ولكننا أيضًا‪..‬ل يمكننا أن نعتبر هذا السلوك حميدًا‪..‬بل إنه مزٍر‪..‬ودنيء‪..‬وهو ل‬
‫يغّير في الوضع شيئًا‪..‬هذا إذا لم يزدد المر سوءًا‪..‬‬
‫لست ممن يطالب بالصمت‪..‬والتقوقع‪..‬ولكن‪..‬هذا السلوك قد تكون نتيجته‬
‫الكتئاب‪..‬استهلك كمية كبيرة من الجهد الذي يمكن أن يصنع شيئا ً‬
‫مفيدًا‪..‬وضياع الحسنات ‪..‬‬
‫***‬
‫السيدة )هي(‪..‬امرأة اضطرها توتر العلقة بينها وبين جارتها الكبيرة في‬
‫السن إلى أن تمارس التنفيس في الخفاء‪..‬ففي اجتماعها مع‬
‫ّ‬
‫أسرتها‪..‬تشتمها‪..‬وتمسح بخيالها أرضية المجلس‪..‬وتحاول الحط من قدرها‬
‫أمام الخرين‪..‬‬
‫لم تكن لتستطيع مواجهتها وتوجيه الصفعات إليها؛ لنها ل تريد أن تكون تلك‬
‫المرأة الوقحة التي تتعدى على امرأة كبيرة في السن‪..‬‬
‫ولم تكن أيضا ً قادرة على الصمت‪..‬فهي ل تزال تجرحها‪..‬وتبحث عما يغيظها‬
‫في كل مرة تتقابلن فيها‪..‬‬
‫إل أن هذا كله كان يهدر في صدرها حتى شعرت بأنها يجب أن تتكلم‪..‬وعندما‬
‫بدأت بممارسة الحديث في الظلم‪..‬وبشكل أقرب إلى الدمان‪ُ..‬أصيبت‬
‫بالكتئاب‪..‬‬
‫)ل يمكنني احتمال هذا كله‪..‬لست جرذًا‪..‬يجب أن تنتهي مأساتي‪..‬ول بد أن‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هناك طريقة ما لنهائها‪..‬نهاية جيدة(‪..‬‬


‫كان أول شيء اقترحته عليها عندما عزمت على حل المشكلة‪..‬هو مواجهتها‬
‫أو النقطاع عن الغيبة والطعن في ظهرها‪..‬حتى تجد حل ً لصلح علقتها‬
‫معها‪..‬‬
‫أما الخيار الول فكان مرفوضا ً من جانبها‪..‬واعتبرت الخيار الثاني واجبا ً دينيا ً‬
‫يحافظ على حسناتها المتطايرة‪..‬قبل أن تعتبره حل ً مبدئيا ً للمشكلة‪..‬‬
‫بداية الصمت‪..‬البحث عن موضوع آخر للنهماك فيه‪..‬كان ذلك صعبًا‪..‬ولكن‬
‫كانت النهاية رائعة‪..‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫بعد أن وجدت صعوبة في الصمت‪..‬ومحاولة الترفع عن ذلك السلوك‬


‫المشين‪..‬وجدت نفسي أدور في مجلسي حائرة‪..‬ما البديل؟‪..‬ربي‪..‬ما‬
‫البديل؟‪..‬كيف أستريح؟‪..‬وعندها‪..‬وجدت نفسي أرّدد ذلك الدعاء الموروث‬
‫عن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬في قضاء الدين )اللهم اكفني بحللك عن‬
‫من سواك( وماذا بعد ذلك؟ وبعيدا ً عن‬ ‫حرامك‪ ،‬وأغنني بفضلك ع ّ‬
‫العواطف‪..‬وجدت نفسي تهدأ‪..‬وتتقبل ما قد مضى‪..‬بل إن علقتي بدأت‬
‫تتحسن مع جارتي تلك‪..‬ووجدت شجاعة قوية في أن أمنعها من مضايقتي‬
‫فيما بعد‪..‬وقّررت أل ّ أكون جبانة إن لم أكن شجاعة‪...‬‬
‫***‬
‫هل يضايقك زميلك بالتدخين في مكتبك؟ هل تزعجك زميلتك عندما تأخذ‬
‫قلما من درجك دون استئذان؟ هل يصّر جارك على أن يلقي بالمهملت أمام‬
‫بابك؟‬
‫ً‬
‫ل تتذمر‪..‬كن شجاعا‪..‬وصارحه بما يزعجك‪..‬فليس له الحق في أن‬
‫يضايقك‪..‬وإن لم تكن شجاعًا‪....‬‬
‫أكّرر مرة أخرى‪..‬‬
‫فل تكن جبانًا‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إهانة السلم في نمو مطّرد!‬


‫محمد عبد الله السمان ‪27/1/1427‬‬
‫‪26/02/2006‬‬
‫حين دخل اللورد البريطاني الّلنبي بيت المقدس في الحرب العالمية الولى‪،‬‬
‫قال‪" :‬الن انتهت الحروب الصليبية"‪ ،‬ربما كان يعني "العسكرية" لتظل‬
‫الحرب النفسية والسياسية تعمل على الدوام؛ فهو واثق من أن العالم‬
‫السلمي سيظل مهيض الجناح‪.‬‬
‫والجنرال الفرنسي )غورو( الذي ذهب بعد انتهاء موقعة عيساوي بسوريا إلى‬
‫قبر صلح الدين اليوبي وركله بقدمه‪ ،‬وقال‪ :‬قم يا صلح الدين‪ ،‬ها نحن قد‬
‫وصلنا"‪ .‬إل أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام ‪ 2001‬م كشفت أن‬
‫الحرب الصليبية لم تنته‪ ،‬بعد أن هدد أبرهة العصر الحديث بوش بأنه سيعلنها‬
‫حربا ً صليبية جديدة‪ ،‬وقد وفى بما هدد‪ ،‬فاحتل أفغانستان المسلمة ودمرها‪،‬‬
‫وغات صدق كذبها‪ ،‬وما زال الحتلل‬ ‫ثم احتل العراق المسلم ودمره بمس ّ‬
‫ينفق مليارات من الدولرات شهريًا‪ ،‬وعلى الرغم من معارضة كثرة من‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشعب المريكي‪ ،‬وبخاصة أسر القتلى الذين تصل توابيتهم في الظلم‪.‬‬


‫وما هو جدير بالذكر‪ :‬أن الستشراق والتنصير لون من ألوان الحرب الصليبية‬
‫يتمتعان بأوفر قسط من رواسب الحرب الصليبية‪ ،‬وبعض دول الغرب‬
‫الصليبي يعتمد جزءا ً من الميزانية العامة للنفاق على مهمة التنصير في‬
‫العالم السلمي‪ ،‬وفي حماية أمريكا بمالها من نفوذ وأوروبا‪ ،‬بل إن مراكز‬
‫التنصير من خلل مؤسساته‪ :‬الجامعات والمعاهد والمدارس‪ ،‬تتمتع بحصانة‬
‫وامتيازات ل حصر لها‪ .‬بينما ل تتمتع به المؤسسات الوطنية التي أصبحت‬
‫ة‍‪.‬‬
‫تحت هيمنة أجهزة المن السري ‍‬
‫ً‬
‫كان الهجوم على السلم فيما مضى يكاد يكون قاصرا على النشر‪ ،‬لكن بعد‬
‫سعار في الهجوم على السلم‬ ‫هذا التطور العلمي ووسائل التصال ازداد ال ّ‬
‫جي من الوقاحة‪ ،‬نقابله نحن باستحياء‪ ،‬ولكن مما يدعو‬ ‫ونبي السلم‪ ،‬بحر ل ّ‬
‫ً‬
‫إلى السى المرير‪ ،‬هو أن هذا الهجوم ليس قاصرا على الفراد‪ ،‬بل تجاوزه‬
‫إلى هيئة لها مكانتها تتبع هيئة المم المتحدة‪ ،‬هيئة اليونسكو؛ ففي أحد‬
‫مجلدات الحضارة الصادرة عنها‪ ،‬ست عشرة صفحة عن السلم‪ ،‬وفي‬
‫البداية‪":‬السلم دين ملفق من اليهودية والنصرانية والوثنية" أول القصيدة‬
‫كفر‪ .‬وقد لفت النظار إلى هذه الجريمة الدكتور عبد العزيز كامل وزير‬
‫الوقاف المصري السبق ـ رحمه الله‪.‬‬
‫كنت مع الخ حسين عاشور ـ صاحب "دار المختار السلمي" في لقاء مع‬
‫الشيخ خلف أمين عام مجمع البحوث السلمية يومئذ‪ ،‬قال لي‪ :‬جئت في‬
‫ي قصة ما جاء في مجلدات الحضارة‪ .‬قال‪ :‬ولقد‬ ‫الوقت المناسب‪ :‬وقص عل ّ‬
‫عرضت الموضوع على كلية الشريعة منذ فترة‪ .‬ولم ترّد‪ ،‬ويبدو أنها لن ترّد‪.‬‬
‫وأنت لها لترد عليها في كتاب ما رأيك؟ قلت‪ :‬على الرحب والسعة‪ ،‬قال أخي‬
‫الستاذ حسين‪ :‬وأنا مستعد لنشر الكتاب للرد على اليونسكو‪ ،‬قال‪ :‬على‬
‫بركة الله‪.‬‬
‫ومما يؤسف له‪ :‬أنني أهديت الكتاب إلى العديد من الصحف‪ ،‬ولم تشر إليه‪،‬‬
‫حتى مجلة الزهر‪ ،‬وكتب صديقي الكاتب السلمي الستاذ عبد الرحمن علي‬
‫البنقلح في جريدة )أخبار الخليج( في الصفحة الدينية التي يشرف عليها‬
‫مقال ً ثم قامت هيئة اليونسكو بالرد عليه‪ ..‬اعتذرت‪ :‬أنها أحالت ما ُنشر عن‬
‫السلم على بعض المتخصصين‪ ،‬واتضح فيما بعد أن الذين كتبوا البحث‪ ،‬لم‬
‫ُيوّفقوا‪ ،‬وأننا سوف نصحح هذا الخطأ في الطبعة القادمة‪ ..‬وكفى‪ ،‬وفي‬
‫الطبعة الثانية من كتابي سجلت ما تم‪ ،‬وبعد صدور الكتاب بأيام معدودة‬
‫أخبرني جاري في المسكن الدكتور محمد يحيى الستاذ بكلية آداب القاهرة‬
‫ع‬
‫أن إذاعة إسرائيل أذاعت عن الكتاب وهاجمتني؛ قلت‪ :‬هذا شرف لم أس َ‬
‫إليه!‬
‫فمن المؤكد أن جريمة صحف الدنمرك لن تكون الخيرة‪..‬أجل لن تكون هذه‬
‫الجريمة البشعة الخيرة‪ ،‬وستظل تحديات القوى المعادية للسلم في عرض‬
‫مستمر‪ ،‬دون أن تبالي بردود الفعل من العالم السلمي الباهتة‪ ،‬ول ترقى‬
‫هذه الردود إلى المستوى الرسمي )الحكومات( تكاد تكون قاصرة على بعض‬
‫القلم واللسنة ـ وعلى استحياء‪ .‬وفي دول عربية وإسلمية عديدة‪ ،‬ل تسمح‬
‫بالرد على الهجوم حرصا ً على مصالحها‪ ..‬ومصالحها تتصل بالباطرة‪ ..‬وهي‬
‫مصالح مادية وسياسية‪ ،‬ولو على حساب كرامة الدين والوطن والشعب‪.‬‬
‫إن أي مساس بالصهيونية ولو طفيفا ً يقيم دنيا الغرب ول يقعدها‪ ،‬وقد نجحت‬
‫الصهيونية في نفوذها على العالم وبخاصة أمريكا والغرب‪ .‬وأصبح التحرش‬
‫بهذه الصهيونية معاداة للسامية يجرمه القانون الدولي‪ .‬إن هناك مهازل‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مثيرة للسخرية‪ ،‬حسبي أن أذكر مهزلتين‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ تقدمت إلى الرقابة بكتاب لي "محمد الرسول البشر" عام ‪،1958‬‬
‫درته على الغلف بحديث نبوي صحيح في مسلم وغيره‪":‬ل تطروني كما‬ ‫ص ّ‬
‫أطرت النصارى ابن مريم‪ ،‬إنما أنا عبد‪ ،‬فقولوا‪ :‬عبد الله ورسوله؟ وأصر‬
‫الرقيب على رفع الحديث‪ ،‬وذكرت ذلك في لقاء مع العالم الجليل الدكتور‬
‫ي أن أكتب‪" :‬ل تطروني ‪ ...‬إنما‬‫محمد عبد الله دراز ـ رحمه الله ـ فأشار عل ّ‬
‫أنا عبد ‪ ...‬فقولوا‪ :‬عبد الله ورسوله" وبعد إلحاح وافق الرقيب‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ 2‬ـ في برنامج إذاعي كان المذيع يجري حوارا ً مع طلبة الجامعة عن طريق‬
‫أسئلة للجابة عنها‪ ،‬سأل طالبة بكلية الداب اسمها )فاطمة(‪ :‬ماذا تعرفين‬
‫صلب فيها السيد‬ ‫عن ساعة نحس يوم الجمعة؟ فأجابت‪ :‬إنها الساعة التي ُ‬
‫ً‬
‫جه السؤال جاهل ً جهل مطبقا‪ ،‬فإن‬
‫ً‬ ‫المسيح‪ .‬قال المذيع‪ :‬برافوا‪ :‬وإذا كان مو ّ‬
‫ً‬
‫الطالبة المسلمة التي أجابت قد نطقت كفرا‪ ..‬وللمأساة ذيل‪.‬‬
‫كتبت كلمة موجزة تعقيبا‪ ،‬قلت‪ :‬ليس في يوم الجمعة ساعة نحس ـ كما فهم‬
‫ل‪ ،‬بل ساعة من رضا الله كما جاء في الصحيحين عن أبي‬ ‫ل وأض ّ‬
‫المذيع‪ ،‬فض ّ‬
‫هريرةـ رضي الله عنه ـ قال‪ :‬ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يوم‬
‫الجمعة‪ ،‬فقال‪ :‬فيها ساعة ل يوافقها عبد وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا ً إل‬
‫أعطاه إياه"‪.‬‬
‫أعطيت التعقيب للستاذ صلح عزام المحرر بالجمهورية ـ رحمه الله ـ ولما‬
‫لم ينشر ذهبت إليه أعتب عليه ـ فابتسم وأخرج من درج مكتبه الورقة عليها‬
‫توقيع الرقيب بعدم النشر‪ ،‬ولما سألته قال‪ :‬إحنا مش ناقصين إثارة فتنة‪.‬‬
‫ك‪.‬‬
‫وضحكت وشر البلء ما يضح ‍‬
‫ونعود من حيث بدأنا‪:‬‬
‫إن ظاهرة الساءة إلى السلم ـ مرّدها ـ رواسب الحروب الصليبية‪ ،‬هذه‬
‫الرواسب جعلت الساءة ممتزجة بالحقد السود‪ ،‬فانتشار ظاهرة الساءة‬
‫للسلم في المجتمعات الغربية وأمريكا‪ ،‬هي رد فعل لفلول التعصب الباقية‬
‫في هذه الدول التي أدهشها انتشار المد السلمي في دول الغرب وأمريكا‬
‫قبل أحداث ‪ 11‬سبتمبر‪ ،‬حيث كان السلم ينتشر بقوة وعمق‪ ،‬ليصبح في‬
‫معظم دول أوروبا الديانة الثانية للدولة‪ ،‬وبدأت أغلبية من المثقفين في كوادر‬
‫علمية كبيرة يقبلون على السلم‪ ،‬فأصبحت جحافل التعصب التي تمنع‬
‫انتشار السلم فلول ً وبقايا ـ ظلت موجودة في مراكز السياسة وصنع القرار‬
‫هناك لتجد من أحداث ‪ 11‬سبتمبر ذريعة لمحاربة السلم‪ ،‬ثم إن هناك‬
‫جامعات إسلمية في هذه الدول‪ ،‬تهتم بتدريس الديان بموضوعية‪ ،‬وبخاصة‬
‫في الدول السكندينافية؛ لنها تنبهت لما يشكله الدين من قوة إيجابية‪،‬‬
‫ولذلك تحاول قوى التعصب فيها محاربة السلم بشراسة وجرأة ‪..‬‬
‫ومما هو جدير بالذكر أن الجريمة لم تقف عند حد نشر الكاريكاتير الوقح في‬
‫صحيفة )بولندز بوستن( الدنمركية‪ ،‬بل إن هناك صحفا ً أخرى أوروبية نشرت‬
‫الكاريكاتير تضامنا ً مع الصحيفة الدانمركية الوقحة‪ ،‬ومنها صحف ألمانية‬
‫وفرنسية على سبيل المثال ـ والكفر ملة واحدة ‪ ..‬والعجيب‪ :‬أن الغرب‬
‫الصليبي يمارس أبشع صور التعصب العفن‪ ،‬ويتهم السلم بالتعصب‪ ،‬ليعد ّ‬
‫الهجوم على السلم سماحة والدفاع عن العدوان تعصبًا‪ ،‬وينطبق على‬
‫الغرب مقولة‪":‬رمتني بدائها وانسلت"!‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إياكم و محدثات المور‬


‫الحمد لله الغني الحميد ‪ ،‬اللطيف الخبير ‪ .‬تفرد بالعز والبقاء ‪ ،‬وتفرد بالملك‬
‫والتدبير ‪ .‬أحمده سبحانه ‪ ،‬حمد عبد كبلته ذنوبه ‪ ،‬وأحاطته من كل عيوبه ‪،‬‬
‫فاعترف بالعجز والتقصير ‪ .‬وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬ليس‬
‫كمثله شيء وهو السميع البصير ‪ ،‬بيده الملك وهو على كل شيء قدير ‪.‬‬
‫والذين يدعون من دونه ما يملكون من قطمير ‪ .‬وأشهد أن محمدا عبده‬
‫ورسوله ‪ ،‬من استغنى بغير كتابه أو سنته فهو الفقير ‪ ،‬ومن اقتفى أثره ‪،‬‬
‫وترسم هديه فاز بالجنة تجري من تحتها النهار ‪ ،‬ذلك الفوز الكبير ‪ .‬صلى‬
‫الله عليه وعلى آله وصحبه ‪ ،‬حققوا اتباعه ‪ ،‬ونقلوا منهجه ‪ ،‬وعملوا بسنته ‪،‬‬
‫فكان الله مولهم ‪ ،‬نعم المولى ونعم النصير ‪ .‬وسلم تسليما ‪ .‬أما بعد ‪،‬‬
‫فاتقوا الله عباد الله ‪ ،‬وتمسكوا بسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وعضوا‬
‫عليها بالنواجذ ‪ ،‬وإياكم ومحدثات المور ‪ ،‬فإن كل محدثة بدعة ‪ ،‬وكل بدعة‬
‫ضللة ‪ ،‬وكل ضللة في النار ‪ .‬أيها المسلمون ‪ :‬إن من عجب الحداث في‬
‫زمننا الحاضر أن يبتدع السلفي ‪ ،‬ويشرع المتبع ‪ ،‬ويحدث في دين الله من‬
‫اقتفى الثر ‪ .‬وإن مما يجب أن يحذر منه المسلم السلفي ‪ ،‬متبع أثر النبي ‪،‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬يجب عليه أن يحذر أشد الحذر أن يبتدع في دين الله‬
‫من حيث ل يشعر ‪ ،‬بل أن يظن أنه بفعله ذلك يتقرب إلى الله تعالى ‪.‬‬
‫ومعلوم عند كل مسلم متبع أن العبادة أمر توقيفي ‪ ،‬ل بد لكل جزء منها من‬
‫دليل ثابت صحيح ‪ .‬وإن مما يعجب منه من ترسم هدي السلف ‪ ،‬واتبع‬
‫منهجهم ‪ ،‬ما استحدثه بعض الناس في زمننا هذا ‪ ،‬بجهل محض ‪ ،‬أو بجهل‬
‫مشوب بنية صالحة ‪ ،‬وكل ذلك ل يغني عنهم من الله شيئا ‪ .‬قال ابن الجوزي‬
‫رحمه الله تعالى ‪ :‬ونهض إبليس يلبس ويزخرف ‪ ،‬ويفرق ويؤلف ‪ ،‬وإنما يصح‬
‫له التلصص في ليل الجهل ‪ ،‬فلو قد طلع عليه صبح العلم افتضح ‪ .‬ا هـ وقد‬
‫ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪ :‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس‬
‫منه فهو رد ‪ .‬متفق عليه ‪ .‬وفي رواية لمسلم ‪ :‬من عمل عمل ليس عليه‬
‫أمرنا فهو رد ‪ .‬فكل عمل يتقرب به العبد إلى الله تعالى يجب أن يكون صوابا‬
‫‪ ،‬على سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومنهجه ‪ .‬أيها المسلمون ‪ :‬إن مما‬
‫استحدث ‪ -‬حتى من قبل من يظن بهم خيرا ‪ -‬لما اختلطت عليهم المور ‪،‬‬
‫والتبس الحق بالباطل عندهم ‪ ،‬ولو دققوا النظر لما ترددوا في نبذها ‪،‬‬
‫والتحذير منها ‪ ،‬من تلكم المحدثات التهنئة بالعام الجديد ‪ ،‬فيتبادلون التهاني‬
‫والتبريكات ‪ ،‬وربما جاوز المر أكثر من مجرد التهنئة إلى الحتفال بذلك ‪،‬‬
‫وهذا خطر عظيم ‪ ،‬وشر جسيم ‪ ،‬لم يرد فيه عن المعصوم صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬ول عن أصحابه أو أتباعه رضي الله عنهم فيه أثر أو يصح في النقل‬
‫عنهم فيه خبر ‪ .‬ويلبس الشيطان على السلفي من حيث ل يشعر ‪ ،‬فيوهمه‬
‫أن نهاية العام وقت مشروع لمحاسبة النفس ‪ ،‬ومناقشة حال العمر فيما‬
‫مضى ‪ .‬والنظر في صفحات العمر ‪ ،‬ومحاولة فتح صفحة جديدة مع الله فيما‬
‫زعم ‪ .‬ول ريب أن محاسبة النفس مشروعة ‪ ،‬مطلوبة ولكن أن يجعل آخر‬
‫العام لها سببا فذلك من المحدثات ‪ .‬فليس لخر العام ‪ ،‬ول لبدايته مزية عن‬
‫أي يوم آخر من أيام السنة كلها ‪ .‬وجعل ذلك عيدا ‪ ،‬أو سببا لعبادة ما ‪ ،‬يحتاج‬
‫المرء فيه إلى دليل من كتاب الله تعالى ‪ ،‬أو سنة نبيه صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ .‬ودون ذلك خرط القتاد ‪ .‬ولقد انتشر في الهاتف الجوال رسائل تفيد‬
‫طلب العفو والمسامحة من الخوان ‪ ،‬والعفو عن الزلل ‪ ،‬وفتح صفحة جديدة‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مع الصدقاء ‪ ،‬أو مع الله تعالى ‪ ،‬بل قد تعدى المر أكبر من ذلك أيضا‬
‫فزعموا أن الله تعالى يطوي صفحة العام ‪ ،‬ول يعيد نشرها إلى يوم القيامة ‪،‬‬
‫فسألهم ‪ :‬من أين لكم هذا ‪ ،‬ومن أنبأكم بهذا ؟ أتقولون على الله ما ل‬
‫تعلمون ؟ معاشر المسلمين ‪ :‬إن المعلوم عند أهل العلم أن ليلة القدر هي‬
‫التي تقدر فيها المقادير للعام ‪ ،‬كما قال قتادة رحمه الله ‪ :‬تقضى فيها المور‬
‫‪ ،‬وتقدر الجال والرزاق ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ :‬فيها يفرق كل أمر حكيم ‪ .‬قال‬
‫ذلك عند تفسير قوله جل وعل ‪ :‬تنزل الملئكة والروح فيها بإذن ربهم من كل‬
‫أمر ‪ .‬وأما آخر العام أو أوله‪ ،‬أو أوسطه فليس فيه نص من كتاب أو سنة ‪،‬‬
‫وليس عليه دليل من فعل من سلف من صالح هذه المة ‪ ،‬أو قرونها الثلثة‬
‫المفضلة ‪ .‬وقد ذكر أهل العلم قيودا لكي يحكم على الشيء بالبدعية ‪،‬‬
‫وهي ‪ :‬أن يكون هذا المر محدثا ‪ ،‬لقوله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬من أحدث ‪.‬‬
‫وأن يضاف هذا المحدث إلى الدين ‪ ،‬لقوله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬في أمرنا‬
‫هذا ‪ .‬وأن ل يستند هذا الحداث إلى أصل شرعي خاص أو عام ‪ ،‬لقوله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ :‬ما ليس منه ‪ .‬وكل هذه القيود مندرجة في التهنئة ببداية‬
‫العام الجديد ‪ .‬أل وإن الشيطان المريد ‪ ،‬قد يوهم بعض الناصحين أو الغيورين‬
‫أن لهذه البدعة فوائد جمة ‪ ،‬وأن فيها من المصالح ما يوجب العمل بها ‪ ،‬وهذا‬
‫من تلبيسه ‪ ،‬ومكايده ‪ ،‬وإل فإن البدعة ل يشترط أن تكون شرا محضا بل قد‬
‫يكون فيها منافع ومصالح‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وفوائد ‪ .‬وليست القضية في ذكر الفوائد والمنافع ‪ ،‬ولكن القضية التي يجب‬
‫أن يوقف عندها هي ‪ :‬ما هو دليلها ؟ وإياك ثم إياك أن يغررك تعليلها ‪ .‬ففرق‬
‫بين الدليل والتعليل ‪ .‬ولن تجد بدعة إل ولها تعليل ‪ ،‬ولكنها خالية أو بعيدة كل‬
‫البعد عن الدليل ‪ .‬وقد تستند البدعة إلى شبهة دليل ‪ ،‬أو دليل موهوم ‪ ،‬كما‬
‫يفعل أصحاب الموالد ‪ ،‬فيستدلون بقوله تعالى ‪ :‬أل إن أولياء الله ل خوف‬
‫عليهم ول هم يحزنون ‪ .‬فيجعلون ولية الله للمؤمنين ‪ ،‬سببا لدعائهم والنذر‬
‫لهم واتخاذهم أربابا من دون الله ‪ .‬كما أن البدعة ل يشترط فيها أن تفعل‬
‫على سبيل المداومة عليها ‪ ،‬وبعضها ل يشترط فيه قصد البتداع أو‬
‫المخالفة ‪ ،‬كالتشبه بالكافرين ‪ .‬وكثير من البدع يختلط فيه حب الخير ‪،‬‬
‫وحسن القصد ‪ .‬وهذا ل يخرجها من البدعة ‪ .‬وكم من مريد للخير لم يصبه ‪.‬‬
‫وقد تكون البدعة مستندة إلى دليل عام ‪ ،‬وإنما تخصيصها بسبب أو زمان أو‬
‫مكان أو عدد أو هيئة أو كيفية هو الذي يجعلها بدعة ‪ ،‬ل أصل الفعل ‪ .‬وهذا‬
‫مستفاد من اللفظ الخر للحديث ‪ ،‬وهو قوله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬من‬
‫عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد ‪ .‬فقد يكون أصل العمل مشروعا ‪ ،‬وإنما‬
‫ورد البتداع في سببه أو زمانه أو مكانه أو صفته أو هيئته ‪ ،‬كما لو استدل‬
‫أحدهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو صاحب الشفاعة العظمى يوم‬
‫القيامة ‪ .‬فهذا مما نعتقده ‪ ،‬وندين الله به ‪ ،‬ولكن المبتدع يتخذ هذا سببا‬
‫فيسأل النبي نفسه أن يشفع له ‪ ،‬وهذا بدعة شركية ‪ ،‬والحق أن يسأل الله‬
‫تعالى أن يدخله في الشفاعة ‪ ،‬أو أن يشفع فيه نبيه وأولياءه ‪ .‬والفرق بين‬
‫المرين واضح فتنبه ‪ .‬ولهذا قال الشاطبي رحمه الله تعالى ‪ :‬كل خارج عن‬
‫السنة ممن يدعي الدخول فيها والكون من أهلها ل بد له من تكلف في‬
‫الستدلل بأدلتها ‪ ،‬على خصوصيات مسائلهم وإل كذب اطراحها دعواهم ‪.‬‬
‫عباد الله ‪ :‬كل عبادة ل تستند إلى كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسلم فهي بدعة ضللة ‪ ،‬وإن استدل صاحبها واستمسك بأدلة يظنها أدلة ‪،‬‬
‫وهي عند الراسخين في العلم ‪ :‬بيت العنكبوت ‪ .‬قال الطرطوشي ‪ :‬شيوعة‬
‫الفعل وانتشاره ل يدل على جوازه ‪ ،‬كما أن كتمه ل يدل على منعه ‪ .‬وذكر‬
‫حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه البخاري ومسلم قال ‪ :‬إن‬
‫الله ل يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ‪ ،‬ولكن يقبضه بقبض العلماء ‪،‬‬
‫حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهال ‪ ،‬فسئلوا فأفتوا بغير علم‬
‫فضلوا وأضلوا ‪ .‬قال رحمه الله ‪ :‬فتدبر هذا الحديث ‪ ،‬فإنه يدل على أنه ل‬
‫يؤتى الناس قط من قبل علمائهم ‪ ،‬وإنما يؤتون من قبل أنه إذا مات‬
‫علماؤهم أفتى من ليس بعالم ‪ ،‬فيؤتى الناس من قبله ‪ .‬وقد صرف عمر هذا‬
‫المعنى تصريفا فقال ‪ :‬ما خان أمين قط ‪ ،‬ولكنه أؤتمن غير أمين فخان ‪.‬‬
‫ونحن نقول ‪ :‬ما ابتدع عالم قط ‪ ،‬ولكنه استفتي من ليس بعالم فضل‬
‫وأضل ‪ .‬إخوة الدين والعقيدة ‪ :‬إن من القواعد التي تعرف بها البدع أن ل‬
‫يفعل ذلك الفعل أحد من السلف ‪ ،‬من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم ‪ ،‬ولم‬
‫ينقلوها ‪ ،‬ولم يدونوها في كتبهم ‪ ،‬و لم يتعرضوا لها في مجالسهم ‪ ،‬فل ريب‬
‫في كون ذلك المر بدعة ‪ .‬ووالله لو كان خيرا لسبقونا إليه ‪ .‬فكل فعل لم‬
‫يؤثر عن سلفنا الصالح فليس بدين ‪ ،‬وإن اجتهد المعللون بتعليليه ‪ ،‬وتنافس‬
‫الضلل بتحليله ‪ ،‬فما لم يكن في القرون المفضلة دينا ‪ ،‬ل يكون في من‬
‫بعدهم دينا أبدا ‪ .‬اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم‬
‫السلم دينا ‪ .‬معاشر المسلمين ‪ :‬ومما انتشر في زمننا هذا وهو بدعة‬
‫ضللة ‪ ،‬أو شكت أن تنزل بالمسلمين نازلتها ‪ ،‬وأن تصيبهم قارعتها ‪ ،‬أل وهي‬
‫ما يسمى عند الكافرين بعيد الحب ‪ ،‬وانقاد المسلمون خلف سنن أعدائهم‬
‫حد القذة بالقذة ‪ ،‬فتهادوا الورود الحمراء ‪ ،‬ولبسوا الفنائل الحمراء ‪ ،‬أو‬
‫القبعات الحمراء ‪ ،‬وتبادلوا التهاني ‪ ،‬برسائل الهاتف ‪ ،‬أو ببطاقات التهنئة ‪ ،‬أو‬
‫بالمشافهة ‪ .‬وبعده بقليل يأتي ما يسمونه بعيد شم النسيم ‪ ،‬أو الربيع ‪ ،‬كما‬
‫احتفوا بعيد الميلد وعيد رأس السنة الميلدية ‪ .‬ومن البدع أيضا ما يحدثه‬
‫بعض المنتسبين إلى السلم في عاشوراء من لطم وضرب وصياح ونياح ‪،‬‬
‫وغير ذلك ‪ ،‬وليس المشروع فيه عن الحبيب صلى الله عليه وسلم ومن‬
‫سلف من صالحي أمته إل الصيام ‪ .‬فل تفضل ليلته بقيام ‪ ،‬ول نهاره بشيء‬
‫من العبادة غير الصيام كالغتسال أو التوسعة على الهل والعيال ‪ .‬فاتقوا‬
‫الله عباد الله ‪ ،‬وعليكم بوصية الحبيب صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقد أوصاكم‬
‫بتقوى الله ‪ ،‬وقال ‪ :‬عليكم بسنتي ‪ ،‬تمسكوا بها ‪ ،‬وعضوا عليها بالنواجذ ‪،‬‬
‫وإياكم ومحدثات المور ‪ ،‬فإن كل محدثة بدعة ‪ ،‬وكل بدعة ضللة ‪ ،‬وكل‬
‫ضللة في النار ‪ .‬أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ‪ :‬أم لهم شركاء شرعوا‬
‫لهم من الدين ما لم يأذن به الله ‪ ،‬ولول كلمة الفصل لقضي بينهم وإن‬
‫الظالمين لهم عذاب أليم ‪ .‬بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ‪ ...‬الخطبة‬
‫الثانية ‪ :‬الحمد لله على إحسانه ‪ ،،،‬أما بعد ‪،‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فاتقوا الله عباد الله ‪ ،‬وقفوا حيث وقف السلف ‪ ،‬فهم عن علم وقفوا ‪،‬‬
‫وخذوا من حيث أخذوا ‪ ،‬فهم عن علم أخذوا ‪ ،‬واتركوا ما تركوا ‪ ،‬فهم عن‬
‫علم تركوا ‪ .‬ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل‬
‫المؤمنين ‪ ،‬نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ‪ .‬عباد الله ‪ :‬إن مما‬
‫يدمي القلب أن أكثر المسلمين في عالمنا اليوم ل يعلمون عن هجرة نبيهم‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شيئا ‪ ،‬وهم يحتفلون بها ‪ ،‬ويتغنون بأنشودتها ‪ ،‬ثم ل يعرفون صاحب الهجرة ‪،‬‬
‫ول يدرسون سنته ‪ ،‬ول يتبعون منهجه ‪ ،‬وهم أبعد ما يكونون عن سبب هجرته‬
‫‪ ،‬وجهاده ودعوته ‪ ،‬فلم هاجر ‪ ،‬صلى الله عليه وسلم ؟ ولم جاهد ؟ وإلى ماذا‬
‫كان يدعو ؟ وما جعلت الهجرة تقويما للمسلمين إل لما فيها من دروس وعبر‬
‫‪ ،‬غفل عنها المحتفون بها ‪ ،‬وتناساها المغيرون لمنهجها ‪ ،‬المبتعدون عن هديها‬
‫‪ ،‬المستبدلون تأريخهم بتأريخ أعدائهم ‪ ،‬بئس للظالمين بدل ‪ .‬وإن تعجب‬
‫فعجب أمرهم ‪ ،‬يحتفلون بالهجرة ‪ ،‬وهم يصرحون بأن ليس في عالمنا اليوم‬
‫ما يسمى بدار السلم ودار الكفر ‪ .‬فالعالم أصبح قرية واحدة ‪ .‬بل هم‬
‫يحاربون الولء والبراء بحجة فهم سقيم ‪ .‬يحتفلون بالهجرة ‪ ،‬ويؤرخون‬
‫لحداثهم بميلد المسيح عليه السلم ‪ .‬يحتفلون بالهجرة وقد هجروا القرآن ‪،‬‬
‫وحاربوا السنة ‪ ،‬وشغلتهم مهرجانات الغاني وأمسيات الشعر فهم غافلون ‪.‬‬
‫يحتفلون بالهجرة وهم ل يتبعون سنة صاحبها ‪ ،‬ولم يقفوا موقف صاحبه منه ‪،‬‬
‫فيسلمون له ‪ ،‬ولم يضحوا مثل ابنته ‪ ،‬ذات النطاقين ‪ ،‬لحماية دينه ‪ ،‬ونصرة‬
‫شريعته ‪ ،‬بل لم يقفوا حتى موقف ذلك المشرك فكان للهادي دليل في‬
‫دنياه ‪ ،‬ولم يفعلوا فعل سراقة إذ تبين له الحق ‪ ،‬فعمى المشركين عن‬
‫طريق الحبيب صلى الله عليه وسلم ‪ .‬فعجب أمر قوم يحتفلون بما بأحوالهم‬
‫هم له ينكرون ‪ .‬وبأفعالهم هم عنه معرضون ‪ ،‬وبأقوالهم هم فيه يترددون ‪،‬‬
‫ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إل فريقا من المؤمنين ‪ .‬وصدق وهو‬
‫كذوب حين قال ‪ :‬وما كان لي عليكم من سلطان إل أن دعوتكم فاستجبتم‬
‫لي فل تلوموني ولوموا أنفسكم ‪ .‬أيها المسلمون ‪ :‬في الهجرة درس غفل‬
‫عنه حتى بعض طلبة العلم ‪ ،‬في عصرنا هذا ‪ ،‬حين رأوا تكالب العدو يمنة‬
‫ويسرة ‪ ،‬يحيطون بالمسلمين من كل جانب ‪ ،‬من فوقهم ومن أسفل منهم ‪،‬‬
‫وعظمت في أعينهم قوتهم ‪ ،‬وأعشت أبصارهم بارجاتهم وصواريخهم‬
‫وعددهم وعدتهم ‪ ،‬فقالوا إنا لمدركون ‪ ،‬وعزب عن علمهم ‪ :‬ل تحزن إن الله‬
‫معنا ‪ .‬معنا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى ‪ .‬تدبر هذا المعنى وأنت‬
‫تسمع كلمات الصديق يقولها خوفا على الدين وحامل الدين ‪ ،‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬يا نبي الله لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا فيقول له بكل ثقة‬
‫وإيمان ‪ ،‬ما ظنك باثنين الله ثالثهما ‪ .‬نعم ‪ ،‬لن يستطيع الكافر أن يحرك عينه‬
‫‪ ،‬أو أن يرخي طرفه إل بإذن الله ‪ ،‬ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين‬
‫سبيل ‪ ،‬وهذا وعد ممن إذا وعد وفى ‪ ،‬وقد وعدنا فقال ‪ :‬هو الذي أرسل‬
‫رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ‪ ،‬ولو كره المشركون ‪.‬‬
‫ومن أصدق من الله قيل ؟ وعد الله ل يخلف الله الميعاد ‪ .‬فأنا أقول ‪ ،‬وكلي‬
‫ثقة وإيمان ‪ ،‬والله ليتمن الله هذا المر ‪ ،‬حتى ما يبقى بيت وبر ول مدر إل‬
‫دخله ‪ ،‬بعز عزيز ‪ ،‬وذل ذليل ‪ ،‬عزا يعز الله به السلم وأهله ‪ ،‬وذل يذل الله‬
‫به الكفر وأهله ‪ .‬فعليكم بسنته فانصروها ‪ ،‬وبدعوته فانشروها ‪ ،‬وبطاعته‬
‫فالزموها ‪ ،‬وبشريعته فحكموها ‪ ،‬إل تفعلوا تكن فتنة في الرض وفساد كبير ‪.‬‬
‫إل تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار‬
‫إذ يقول لصاحبه ل تحزن ‪ ،‬إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود‬
‫لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى ‪ ،‬وكلمة الله هي العليا والله عزيز‬
‫حكيم ‪ .‬أيها الحبة ‪ :‬إن الله وملئكته‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إيرادت الوقاف السلمية ووظيفتها في إشباع الحاجات العامة]‪[1‬‬


‫د‪ .‬أحمد مجذوب أحمد*‬
‫مقدمة‬
‫أـ استهلل‪:‬‬
‫الحمد لله رب العالمين معين من استعان به وناصر من استنصر به‪ ،‬المعبود‬
‫في كل مكان والمذكور على كل لسان‪ ،‬المر بالنفاق مما استخلف فيه‬
‫العباد‪ ،‬وأفاء عليهم به من خزائن رحمته‪ .‬شرع الصدقات وجعلها من أبواب‬
‫القربات حتى تتحرر بها النفوس من الركون إلى الدنيا وتتعلق بالمعاني‬
‫السامية‪.‬‬
‫والصلة والسلم على محمد بن عبد الله خاتم النبياء والمرسلين وسيد‬
‫البشر أجمعين‪ ،‬الهادي إلى الحق والمرشد إلى الطريق المستقيم‪ ،‬الدال‬
‫على البر والمر بفعل الخير‪ .‬زهد في الدنيا ولم يتعلق بها فمات ودرعه‬
‫مرهون عند يهودي‪ .‬تأسى به صحابته فسلكوا طريقه والتزموا هديه وخرجوا‬
‫عن بعض أموالهم تقربا ً إلى الله تعالى‪ ،‬وإسهاما ً في حل مشاكل مجتمعهم‪،‬‬
‫فما من صحابي إل ّ وكان له وقف تجري عليه حسناته إلى أن يرث الله‬
‫الرض ومن عليها‪ ،‬ملتزمين في كل ذلك سنة المصطفى صلى الله عليه‬
‫وسلم حيث كان هو أول من وقف الموال وحبسها في شأن المسلمين‬
‫ومصالحهم العامة‪.‬‬
‫أصلي عليه وعلى أصحابه صلة دائمة تامة‪ ،‬وأدعو الله أن يكتب لنا السداد‬
‫والهداية والرشاد فعليه التوكل وإليه النابة‪.‬‬
‫ب ـــ مدخل‪:‬‬
‫في هذه الصفحات تجد أيها القارئ الكريم بعض القضايا والفكار‪ ،‬طرحتها‬
‫في هذه الندوة‪ ،‬علها تجد من العلماء الجلء والباحثين الكرام وأهل الخبرة‬
‫وطلبة العلم نقاشا ً واسعا ً مستفيضا ً يرتقي بما جاء بها من أفكار ويعالج ما‬
‫حوته من موضوعات حتى يتضح مجملها ويبين مشكلها وتتكامل رؤاها وينظم‬
‫عقدها‪.‬‬
‫وتجييء هذه المعالجة لهذه الفكار والقضايا في وقت أصبح فيه التجاه العام‬
‫هو البحث عن وظيفة المجتمع في قيامه بحاجاته معتمدا ً على المبادرات‬
‫الفردية‪ ،‬والمساهمات الطوعية‪ ،‬حتى اتضح هذا المر في السودان‪ ،‬خاصة‬
‫بعد أن التزمت الدولة المنهج السلمي في توجهها‪ ،‬وحرصت على أن تبني‬
‫مؤسساتها على شرع الله والهدي النبوي الشريف‪ ،‬فتحيي ما اندثر منها‬
‫وترعى ما شب وتمكن ما رشد‪.‬‬
‫ولما كانت الوقاف السلمية من المؤسسات ذات الشأن الكبير في تاريخ‬
‫المسلمين‪ ،‬حيث كانت تمثل مصدرا ً تمويليا ً لعدد من النشطة التي تقوم بها‬
‫الدولة في عصرنا الراهن‪ ،‬رأيت أن أطرح هذه الموضوعات على مائدة‬
‫البحث لتكون بداية لمزيد من البحث والتدقيق‪.‬‬
‫وعليه فقد استهللت هذه الورقة بشرح لمفهوم الحاجات العامة في الفكر‬
‫الرأسمالي‪ ،‬وضوابط هذا المفهوم في الفكر السلمي‪ ،‬ومن ثم وضحت‬
‫مفهوم الوقاف السلمية من حيث قيامه على الموال المدرة للدخل‪،‬‬
‫وتعلقة بصور متنوعة لنفقات‪ ،‬عامة كانت أو خاصة‪ ،‬وبعد ذلك انتقلت للحديث‬
‫بشيء من التفصيل عن طبيعة الموال الموقوفة‪ ،‬حتى تبين معالمها في‬
‫عالم اقتصاديات المالية العامة‪ .‬وتمت هذه الورقة بذكر أبواب بعض النفقات‬
‫التي كانت تمول من إيرادات الموال الموقوفة‪ ،‬باعتبارها المؤشر الساسي‬
‫الذي يؤكد أن مؤسسة الوقف لو وجدت الهتمام الكافي لقامت بكفاية‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المجتمع من بعض حاجاته إن لم نقل معظمها‪ .‬والله من وراء القصد وهو‬


‫الهادي إلى سواء السبيل‪.‬‬
‫‪ 2‬ـــ تعريف الحاجات العامة‪:‬‬
‫يعرف مصطلح الحاجات العامة )‪ ( PUBLIC NEEDS‬بأنها الحاجات الجماعية‬
‫التي يتولى النشاط العام إشباعها‪ .‬ويراد بالنشاط العام هنا نشاط الدولة أو‬
‫القطاع العام‪ .‬والملحظ في هذا التعريف أنه قيد الحاجات العامة بالحاجات‬
‫التي تهم مجموع أفراد المجتمع‪ .‬وقد عرفها أحد الباحثين بأنها‪ ":‬تلك‬
‫الخدمات التي تقوم السلطات العامة بتأدتيها بناًء على قرار سياسي من‬
‫جانب أفراد المجتمع لحاجتهم إليها‪ ،‬نتيجة للتضامن الجتماعي‪ ،‬ورغبتهم في‬
‫التمتع بمظاهر المدنية وتحقيق أعلى مستوى ممكن من الرفاهية القتصادية‬
‫"]‪ . [3‬واستخدم كذلك بعض الباحثين مصطلح ) الحاجات الجتماعية ( للتعبير‬
‫عن ذات المعنى]‪. [4‬‬
‫ً‬
‫وقد وضع القتصاديون الذين عالجوا هذا الموضوع وفقا للتعريف الول‬
‫للحاجات العامة عنصرين لتوضيح ذلك المفهوم هما‪:‬‬
‫• أن تكون عامة أي ليست خاصة ‪.‬‬
‫• أن تتولى الدولة أوإحدى مؤسساتها إشباع هذه الحاجة‪.‬‬
‫وقد عبر بعض القتصاديين بصورة أدق عن الحاجة العامة بكونها التي يتوفر‬
‫فيها شرطان‪:‬‬
‫الشرط الول‪ :‬أل ّ يكون عليها تنافس سوقي‪ ،‬أي أن تكون من السلع التي ل‬
‫يقدمها القطاع الخاص لعدم وجود تنافس عليها بسبب أن إضافة أي مستهلك‬
‫جديد لستهلك السلعة ل تزيد تكاليف التناج ول تقلل من استهلك الخرين‬
‫لها‪ ،‬فالمنطق القتصادي يقضي بأن يكون سعر استهلك السلعة للمستهلك‬
‫الجديد مساويا ً للنفقة الحدية الناتجة من استهلكه‪ ،‬ويلحظ أن النفقة الحدية‬
‫بالنسبة لهذا المستهلك تساوي صفرًا‪ ،‬وعليه ينبغي ‪ ،‬أن يكون سعر استهلكها‬
‫مساويا ً لنفقتها‪ ،‬أي ينبغي أن تقدم مجانا ً لهذه المستهلك‪ .‬ول توجد جهة‬
‫يمكن أن تقدم هذه الخدمات بالمجان وعلى سبيل اللتزام سوى الدولة‬
‫بحكم مسئوليتها عن رعايتها وقوامتها على شئون المجتمع ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الشرط الثاني‪ :‬عدم القدرة على استبعاد الخرين عند استهلك السلعة‪.‬‬
‫ويقصد بذلك أن السلعة التي يستطيع المستهلك الحصول عليها بعد دفع‬
‫ثمنها يكون قد حرم المستهلكين الخرين من استهلكها‪ ،‬حيث يكون أثر‬
‫حصوله على هذه السلعة هو استبعاد الخرين عن النتفاع بها‪ ،‬وعملية‬
‫الستبعاد هذه تدفع القطاع الخاص لنتاج هذه السلع حيث يؤدي الستبعاد‬
‫إلى إحداث تنافس سوقي على النتفاع‪ ،‬وبموجب ذلك يتحدد حجم الطلب‬
‫ويتأثر السعر‪.‬‬
‫أما السلع التي ل يستطيع الفرد استبعاد الخرين عند استهلكها بحيث ل يؤثر‬
‫انتفاعه بها على انتفاع الخرين‪ ،‬فإن السوق ل يستطيع أن ينتجها‪ ،‬لعدم وجود‬
‫تنافس عليها يحدد حجم الطلب‪ ،‬ويعكس كلفته النتاج‪ ،‬ويحدد السعر]‪.[5‬‬
‫وقد أضاف بعض القتصاديين الرأسماليين الذين عالجوا هذا الموضوع شرطا ً‬
‫آخر غير هذين الشرطين في تحديد معنى الحاجات العامة التي ينبغي على‬
‫الدولة تقديمها‪ ،‬وهو أن تقرير الدولة القيام بهذه الخدمة‪ ،‬ل لعدم التنافس‬
‫السوقي عليها‪ ،‬ول لعدم تطبيق مبدأ الستبعاد عليها‪ ،‬ولكن لن المصلحة‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العامة اقتضت أن تقوم بتقديمها الدولة استجابة لرغبة الفراد في ذلك عن‬
‫طريق التصويت السياسي]‪.[6‬‬
‫هذه الضافة عبر عنها التعريف الثاني الذي قدمناه في مستهل هذه الورقة‬
‫حيث ذكرنا أن الحاجات العامة هي تلك الحاجات التي تقوم الدولة بتقديمها‬
‫اعتمادا ً على قرار يصدر من المؤسسات التي تمثل المجتمع من مجالس‬
‫شورى وغيرها ‪ .‬ويرتكزالمجتمع في إصداره هذه القرار على مبادئ التضامن‬
‫الجتماعي‪ ،‬والمسئوليات العامة‪ ،‬وتحقيق الرفاهية القتصادية لفراده]‪. [7‬‬
‫وعليه فإن الحاجات العامة التي تقوم الدولة بإشباعها‪ ،‬وتدخل تحت‬
‫التعريفات السابقة تشمل المجالت التالية‪:‬‬
‫• حاجات المن والدفاع ) القوات المسلحة‪ ،‬قوات المن( ‪.‬‬
‫• حفظ النظام العام ) القضاء‪ ،‬الشرطة‪ ،‬الحسبة‪....،‬الخ ( ‪.‬‬
‫• العلقات الخارجية ‪.‬‬
‫• الصحة والتعليم‬
‫• المرافق العامة) الجسور‪ ،‬الطرق‪ ،‬القنوات‪ ،‬صحةالبيئة ‪...‬الخ(‪.‬‬
‫وبعد‪ ،‬فإذا كان هذا هو مفهوم الحاجات العامة في القتصاد الرأسمالي‪ ،‬فما‬
‫هو مفهوم الحاجات العامة في القتصاد السلمي؟‬
‫تختلف الحاجات العامة في القتصاد السلمي عنها في القتصاد الرأسمالي‬
‫لختلف أهداف الدولة السلمية عن الدولة الرأسمالية‪.‬فالدولة السلمية‬
‫دولة تقوم على الربط بين الحياة الدنيا والخرة ]‪ [8‬بينما الدولة الرأسمالية‬
‫دولة علمانية ل تعرف للدين ول للخرة مكانا ً فيها‪ ،‬ومفهوم الحاجات العامة‬
‫التي سنبحث عن وظيفة الوقاف السلمية في إشباعها هو المفهوم‬
‫السلمي المرتبط بوظائف وأهداف الدولة السلمية في المجتمع‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ مفهوم الحاجات العامة في القتصاد السلمي‪:‬‬
‫يرتبط مفهوم الحاجات العامة في الدولة بالوظائف المطلوب من الدولة‬
‫تحقيقها في المجتمع " حيث أن المطلوب الشرائع من الخلئق على تفنن‬
‫الملل والطرائق‪ ،‬والستمساك بالدين والتقوى والعتصام بما يقربهم إلى الله‬
‫زلفى‪ ،‬والتتثمير ل بتغاء ما يرضي الله تقديس وتعالى‪ ،‬والكتفاء ببلغ من‬
‫هذه الدنيا‪ ،‬والندب إلى النكفاف عن دواعي الهوى والنحجاز عن مسالك‬
‫المنى"]‪.[9‬‬
‫وبتعبير آخر" إن الغرض استيفاء قواعد السلم طوعا ً أو كرهًا‪.‬والمقصد‬
‫والمقصد الدين ولكنه لما استمد استمراره من الدنيا كانت هذه القضية‬
‫لأن المطلوب من الولة في الدولة السلمية هو حراسة الدين‬ ‫مرعية"]‪.[10‬إ ّ‬
‫وسياسة الدنيا‪.‬‬
‫إذن الحاجات العامة بالمفهوم الشرعي تتعلق بتمويل نفقات تكليفين هما‪:‬‬
‫• التكليف المتعلق بنشر السلم‪.‬‬
‫• الجراءات الدنيوية المرتبطة بتنفيذ التكليف الول‪.‬‬
‫وإذا أردنا أن نعود إلى الحاجات العا مة التي كانت الدولة السلمية تقوم بها‬
‫في عهدها الول ) عصر المثال( فنجدها تشمل التي‪:‬‬
‫• تأسيس الدولة بإقامة الولة وأعوانهم في المجالت الدارية والمالية‬
‫والقضائية والمنية وغيرها من المجالت المتعلقة بتحقيق أهداف الدولة‬
‫السلمية‪.‬‬
‫• نشر الدعوة السلمية ببسط العلوم الشرعية والعربية والعلوم التي‬
‫يتوقف عليها قيام الدولة السلمية‪.‬‬
‫• إعدادالمجاهدين‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫• تحقيق التكافل الجتماعي‪.‬‬


‫• إقامة المرافق التي تتحقق بها مصالح المسلمين كإقامة الجسور وإصلح‬
‫الطرق وحفر القنوات وبناء المساجد‪...‬الخ(‬
‫• إقامة فروض الكفاية]‪.[11‬‬
‫وفي ضوء هذه المؤشرات التي تحدد أنواع الحاجات العامة التي كانت تقوم‬
‫بها الدولة السلمية يمكن أن نخرج ببعض العناصر كضوابط لتعريف الحاجات‬
‫العامة التي تقوم بها الدولة السلمية وتلك العناصر هي‪:‬‬
‫• الحاجات العامة التي دلت الحكام الشرعية على قيام الدولة بها‪ ،‬مثل نشر‬
‫الدعوة السلمية‪ ,‬والجهاد في سبيل الله‪ ،‬وتحقيق المن‪ ،‬وتعليم العلم‬
‫الضروري‪ ،‬وإشباع الحاجات الساسية للفقراء والمساكين في المجتمع‪.‬‬
‫• الحاجات التي تحقق بها مصالح المسلمين كالمرافق العامة من طرق‬
‫وجسور وقنوات‪...‬الخ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫• الحاجات التي يعجز جهاز السوق عن تقديمها لواحد من السباب التالية‪:‬‬


‫• الحاجات التي يؤدي تقديم السوق لها إلى إلحاق الضرر بالمسلمين‪،‬‬
‫كالصناعات الستراتيجية‪.‬‬
‫• الحاجات التي ليس عليها تنافس سوقي ولتدخل ضمن الحاجات السابقة‬
‫وليمكن تطبيق مبدأ الستبعاد فيها لتعذره أو لعدم الرغبة في تطبيقة‪.‬‬
‫• الحاجات التي يرى أهل الشورى في الدولة السلمية قيام الدولة بها‪.‬‬
‫• الحاجات التي تختلف منافعها وتكاليفها الفردية عن المنافع والتكاليف‬
‫الجماعية‪ ،‬منظورا ً إليها من وجهة نظر المصلحة العامة الشرعية بضوابطها‬
‫ودرجاتها المعروفة‪.‬‬
‫• الحاجات العامة التي تندرج تحت مسمى الفروض الكفائية‪ ،‬كالصناعات‬
‫المختلفة‪ ،‬والتي لم يقم القطاع الخاص بها وتحتاج إلى دعم وتنسيق الدولة]‬
‫‪. [12‬‬
‫هذا هو الطار الذي يحدد نوع الحاجات العامة التي يتعين على الدولة‬
‫السلمية إيجاد مصادر التمويل لها والقيام بإشباعها لنها من الواجبات‬
‫الساسية حيث ترتبط بوظيفة الدولة التي ل يتسنى لها القيام بها ما لم تقم‬
‫بإشباع هذه الحاجات‪ .‬وعليه تدخل هذه الحاجات تحت قاعدة) مال يتم‬
‫الواجب إل ّ به فهو واجب(‪.‬‬
‫‪4‬ــ مفهوم الوقاف السلمية‪:‬‬
‫اقتضت طبيعة المال أن يكون قابل ً للتبادل بين الناس تحقيقا ً لمعاني النتفاع‬
‫الكامل‪ ،‬فاقتضى مفهوم التملك حرية التصرف في المال بمختلف الوجوه‬
‫الناقلة للملكية‪،‬سواء تمت هذه التصرفات عن طريق عقود المعاوضات‪ ،‬أو‬
‫عقود التبرعات‪ ،‬أو غيرها من العقود الناقلة للملكية]‪ .[13‬والملك هو‬
‫اختصاص الشخص بشيء يخوله شرعا ً النتفاع والتصرف فيه وحده ابتداًء‪ ،‬إل ّ‬
‫لمانع]‪.[14‬‬
‫والوقف هو‪ " :‬حالة من الحالت الستثنائية التي ترد على المال كمحل‬
‫للملك‪ ،‬وتخرجه من قابليته للتداول‪ ،‬حيث يظل ممنوعا ً من التداول والنتقال‬
‫من يد ليد‪ ،‬محبوسا ً على جهة معينة تستفيد من ريعه بصورة تفيد‬
‫الستمراروالدوام‪ ،‬دون أن تملك هذه الجهة حق التصرف في أصل المال"]‬
‫‪ .[15‬والوقف هو ‪ ":‬منع التصرف في رقبة العين التي يمكن النتفاع بها مع‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بقاء عينها وجعل المنفعة لجهة من جهات الخير ابتداء وانتهاء"]‪.[16‬‬


‫والوقاف بهذا المعنى تتعلق بالمال‪ ،‬والمال عند جمهور الفقهاء هو‪ " :‬كل ما‬
‫له قيمة مادية بين الناس وجاز النتفاع به شرعا ً في حالة السعة والختيار" ]‬
‫‪.[17‬‬
‫وقد تم شرح هذا التعريف على النحو التالي‪:‬‬
‫• ما يشمل جميع الشياء العيان والمنافع‪ ،‬المادية والمعنوية‪.‬‬
‫• ما له قيمة مادية بين الناس ــ وهذا الجملة وردت كقيد أخرجت به العيان‬
‫والمنافع التي ل قيمة لها بين الناس ـــ‬
‫• ما جاز النتفاع به شرعًا‪ ،‬وهذا قيد آخر أخرجت بها العيان والمنافع التي‬
‫لها قيمة بين الناس ولكن الشريعة لم تعتبر له هذه القيمة حيث منعت‬
‫النتفاع بها كالخمر ولحم الخنزير ولحم الميتة‪ ،‬وغيرها من الشياء المحرمة‪.‬‬
‫• في حالة السعة والختيار‪ ،‬وهذا قيد أخرج جواز النتفاع المشروع في حالة‬
‫الضرورة التي تبيح المحرم شرعًا‪ ،‬وكون جواز النتفاع بها لضرورة ل يجعلها‬
‫ل]‪.[18‬وعليه فإن‬ ‫أموال ً معتبرة شرعا ً لن هذا النتفاع عارضا ً وليس اصي ً‬
‫الموال التي يصح وقفها تشمل جميع العيان والمنافع التي لها قيمة مادية‬
‫بين الناس‪ ،‬وجاز النتفاع بها شرعا ً في غيرضرورة ولحاجة‪.‬‬
‫ومن ثم يجوز وقف جميع العيان كالعقارات والشجار والزروع‪ ،‬كما يجوز‬
‫وقف المنافع كحقوق طبع الكتب والنشر‪ ،‬وسكنى الدار طالما قام بناؤها‪،‬‬
‫حيث تعود في ملك صاحبها بعد خرابها‪ ،‬ويجوز وقف النقود]‪ ،[19‬وعلى‬
‫الجملة فقد أجازبعض الفقهاء وقف أي مملوك كالمالكية ]‪ . [20‬وإن كان‬
‫هناك من الفقهاء من يرى أنه ل يجوز وقف المنقول إل ّ ما ورد له استثناء‬
‫كالمتصل بالعقار اتصال قرار ‪ ،‬وماهو ثابت مثل المباني والشجار‪ ،‬أو الشياء‬
‫التي خصصت لخدمة العقار‪ ،‬كالمحاريث والبقار ‪ ،‬والغلمان الذين يخدمون‬
‫فيها]‪.[21‬‬
‫والوقف يمثل أحد أبواب النفاق الطوعي وقد نادت به الشريعة السلمية‬
‫وحثت عليه حيث يقول تعالى} يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما‬
‫كسبتم ومما أخرجنا لكم من الرض{ البقرة )‪ .(267‬ويقول تعالى ) وأنفقو‬
‫مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لول أخرتني إلى أجل‬
‫قريب فأصدق وأكن من الصاحين( المناقون ) ‪ . (10‬ويقول تعالى أيضا ً‬
‫) آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم‬
‫وأنفقوا لهم أجر كبير ( الحديد ) ‪. (7‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫والوقف وإن كان يدخل في باب النفاق العام والصدقات الطوعية التي حث‬
‫عليها السلم إل أنه يتميز بأنه يتصف بالدوام‪ ،‬لن الوقف يشترط فيه كما‬
‫ذكرت في التعريف بقاء أصل عين المال والتصديق بالمنفعة‪ ،‬فهو لهذا يدخل‬
‫في مصطلح الصدقة الجارية التي ل ينقطع ثوابها عن صاحبها حيث يقول‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ) إذا مات ابن آدم انقطع عمله إل من ثلث‬
‫‪ :‬صدقة جارية‪ ،‬أو علم ينتفع به‪ ،‬أو ولد صالح يدعو له(]‪ . [22‬والصدقة‬
‫الجارية هي التي تتجدد منافعها للمستفيدين منها‪ ،‬كسكن الدار أو شراب ماء‬
‫البئر أو ركوب الدابة‪ ،‬وغيرها من المنافع المستمرة‪ .‬فالوقف بهذا المعنى‬
‫يمثل تدفقا ً مباشرا ً كري الرض او أجره الدار أو ثمار المزرعة‪ ،‬يذهب‬
‫للموقوف عليهم‪ ،‬أو تدفقا ً نقديا ً غير مباشر كالنتفاع بسكنى الدار ‪ ،‬أو ركوب‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدابة‪ ،‬أو شرب ماء البئر‪ ،‬أو أكل ثمار المزرعة الموقوفة‪ ،‬وهي منافع يمكن‬
‫تقويتها بالنقود بحيث يمثل هذا النتفاع غير المباشر تخفيضا ً للمصروفات‬
‫النقدية التي كان من المفترض أن يدفعها الموقوف عليه‪.‬‬
‫• مفهوم الموال الموقوفة ‪:‬‬
‫أ‪ .‬مال الوقف مال نام أوقبل للنماء‪:‬‬
‫يجيئ هذا من اشترط بعض الفقهاء أن الوقف ل يصح إل ّ في الموال التي‬
‫ل‪ ،‬أو الموال التي يجوز النتفاع بها مع‬‫تمثل أصل ً رأسماليا ً يبقى بقاء متص ً‬
‫بقاء عينها ]‪ .[23‬أي أن المال الموقوف هو مال يتصف بالستمرار‪ ،‬لن‬
‫القصد الوقف هو إيجاد مصدر له ريع أو عائد متجدد يمكن المستفيد منه‬
‫) الموقوف عليه( من استمرار النتفاع به على وجه يشبع حاجاته‪ ،‬وفي‬
‫الغراض التي حددها صاحب الوقف أو المنشئ له‪ .‬ولهذا فإن وقف السلع‬
‫التي تنفي باستهلكها كالطعمة والمشروبات ل يصح‪ ،‬لنها تنتهي عند أول‬
‫انتفاع بها فهي إذن تدخل في باب الصدقة بمفهومها العام وليس في باب‬
‫الوقف ‪.‬‬
‫ومن هنا يتضح أن المال الموقوف هو مال نام أو قابل للنماء‪ ،‬لن الشياء‬
‫التي ل تنمو أو ل تكون قابلة للتنمية ل يتحقق منها عائد ينتفع به من وقف‬
‫عليه المال‪ .‬قال الشيخ يوسف اسحق حمدالنيل ‪ ":‬الموقوف هو العين التي‬
‫حبست‪ ،‬من أرض زراعية وعقار كالمنازل والحوانيت والمساجد والبار‬
‫والطرق والقناطر والمنقولت من أوان وغيرها ‪ ،‬وليس منه الطعام لنه‬
‫مستهلك ( ]‪. [24‬‬
‫والنمو أو القابلية للنمو التي نتحدث عنها تتوقف على أمرين هما‪:‬‬
‫• استمرارية الصل الموقوف أيا ً كانت الستمرارية‪ ،‬مطلقة كالرض‪ ،‬أو‬
‫مؤقتة كاللت الحربية‪ ،‬أو معدات المصانع‪.‬‬
‫• وجود منافع للموقوف متعددة ‪ ،‬أيا ً كانت هذه المنافع ‪ ،‬كربح المال‬
‫المستثمر ‪ ،‬أو أجره الدار أو ثمار الشجار ‪ ،‬أو خراج الرض المزروعة ‪،‬وما‬
‫في حكم هذه الشياء‪.‬‬
‫مصرف أموال الوقاف هو جهات البر المختلفة ‪:‬‬
‫عرفنا عند تعريفنا للمال الموقوف أنه ما وقف على جهة من جهات البر‬
‫ابتداء وانتهاًء‪ ،‬وبهذه فإن مصارف أموال الوقف تشمل جهات البر والخير‬
‫المختلفة‪ ،‬ويظهر هذا المعنى من فهم الصحابة رضوان الله عليهم للقرآن‬
‫الكريم‪ ،‬وتأكيد المصطفى صلى الله عليه وسلم لذلك الفهم‪ .‬فعندما نزل‬
‫قوله تعالى ) لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ( ‪ ،‬بادر أبو طلحة إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال)" إن الله يقول ) لن تنالوا البر حتى‬
‫تنفقوا مما تحبون ( ‪ ،‬وإن أحب أموالي إلى بيرحاء‪ ،‬إنها صدقة لله تعالى ‪.‬‬
‫وبيرحاء حائط كان يستقبل المسجدوكان رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يدخله ويشرب من ماء فيه طيب‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم) أجعلها في قرابتك ‪ ،‬في حسان بن ثابت وابي بن كعب(]‪.[25‬‬
‫وتشمل أبواب البر المشار إليها في الية النفاق على القربين كما هو ظاهر‬
‫من حديث أبي طلحة ‪ ،‬ويشمل الفقراء وابن السبيل وفي الرقاب والضعيف‬
‫كما في قصة عمر بن خطاب رضي الله عنه ‪ :‬فعن ابن عمر رضي الله عنه‬
‫عنها " أن أصاب أرضا ً من أرض خيبر فقال ‪ :‬يا رسول الله أصبت مال ً بخيبر‬
‫لم أصب قط مال خيرا ً منه ‪ ،‬فما تأمرني؟ فقال‪ ) :‬إن شئت حبست أصلها‬
‫وتصدقت بها ‪ ،‬غير أنه ل يباع أصلها ول يبتاع ول يوهب ول يورث( قال ابن‬
‫عمر‪ :‬فتصدق بها عمر على أل تباع ول توهب ول تورث ‪ ،‬في الفقراء وذوي‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القربى وفي الرقاب والضعيف وابن السبيل ‪ ،‬ل جناح على من وليها أن يأكل‬
‫منها بالمعروف ويطعم غير متمول"]‪. [26‬‬
‫وقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم أن البر هو النفاق في سبيل الخير من‬
‫صدقة أو غيرها من الطاعات ]‪ . [27‬ولذلك يشترط المام أحمد بن حنبل أن‬
‫يكون الوقف على بر أو معروف ‪ ،‬فقد نقل أبو زهرة من الشرح الكبير عن‬
‫المقنع في فقه الحنابلة ‪ ) ،‬أن الوقف ل يجوز إل في بر أو معروف ‪ ،‬كولده‬
‫وأقاربه والمساجد والقناطر وكتب الفقه والعلم والقرآن والسقيات والمقابر‬
‫وفي سبيل الله وإصلح الطرق ونحو ذلك من القرب(]‪. [28‬‬
‫ج ‪ .‬الموال الموقوفة تتمتع بحماية قانونية تضمن لها الستمرار والدوام ‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫أن أموال الوقف تستمد حمايتها من السم الذي سميت به في السلم ‪،‬‬
‫فهي وقف ليخرج عن حاله و حكمه‪ .‬وعندما أجاز الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وقف أرضه التي نالها بخيبر في‬
‫الحديث الذي أشرت إليه فيما تقدم‪ ،‬وضع له شروطا ً معينة حيث قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪):‬ل يباع أصلها ـــ أي أصل الرض ــ ول يبتاع ول‬
‫يوهب ول يورث(‪ .‬فالرسول صلى الله عليه وسلم عطل جميع التصرفات‬
‫المرتبطة بملك النسان لماله في المال الموقوف لنه يخرج عن ملك‬
‫صاحبه‪ ،‬وفي ذلك حماية للموقوف عليهم وضمان لستمرار النفع العائد من‬
‫الوقف عليهم ول تؤثر في هذه الحماية آراء الفقهاء الذين قالوا بجواز تأقيت‬
‫الوقف‪ ،‬حيث من المعلوم أن الفقهاء في هذه المسألة على فريقين‪:‬‬
‫• جمهورالفقهاء قال بأن الوقف ل يجوز إل ّ على سبيل التأبيد‪ ،‬حيث ذهب‬
‫إلى ذلك الشافعية والحنابلة والحنفية‪.‬‬
‫• أما المام مالك فقال بجواز أن يؤقت الوقف‪[29].‬‬
‫وكل الفريقين يقول بأن المال طالما كان موقوفا ً سواء وقفا ً مؤبدا ً أو مؤقتا ً‬
‫فل يجوز إخراجه عن حالة الوقف‪ ،‬طالما كان يتمتع بهاعلى صفة التأبيد أو‬
‫لمدة التأقيت‪.‬‬
‫ددوها‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ولهذا فقد منع الفقهاء بيع الوقف واستبداله إل وفق شروط دقيقة ح ّ‬
‫د‪ .‬منفعة الموال الموقوفة هي ملك عليهم‪:‬‬
‫يمثل الوقف ملكا ً للمنفعة دون العين‪ ،‬فمنافع الوقف مملوكة للموقوف‬
‫عليهم دون خلف بين جميع الئمة في ذلك‪ ،‬وقد علمنا فيما تقدم أن الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم وجه أبا طلحة إلى أن يحعل صدقته في قرابته‪ ،‬حسان‬
‫بن ثابت وأبي بن كعب‪ ،‬بعد أن أراد أبو طلحة أن يجعلها صدقة عامة لله‬
‫تعالى‪ ،‬يوزع الحاكم منافعها في الوجوه التي يراها‪ .‬وكذلك علمنا أن عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله تعالى عنه ملك منافع أرضه التي وقفها بخيبر‪ ،‬للفقراء‬
‫وذوي القربى وفي الرقاب والضيف ابن السبيل‪ ،‬فكل من دخل تحت جنس‬
‫من هذه الجناس استحق النتفاع مما يخرج من هذه الرض‪.‬‬
‫وفي الجملة فإن الجهات التي يحددها الواقف هي الجهات التي تملك منافع‬
‫الوقف‪ .‬فإن وقف على الطلب ل يصح إخراج المنافع عنهم‪ ،‬وإن وقف‬
‫المسجد ل يصح صرف منافع وقفه في غيره‪ ،‬إن وقف شخص ماله على‬
‫ذريته ل يصح إعطاء من ل يستحق منهم‪ ،‬وهكذا الحال في كل وقف حدد‬
‫صاحبه أبواب صرف ريعه‪.‬‬
‫ول نريد أن نتحدث عن اختلف الفقهاء في كل من ملك المنفعة وملك‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النتفاع]‪ ،[30‬لننا بحديثناهذا نعالج موضوعا ً معينا ً وهو أن مالكا ً وقف جزءا ً‬
‫من ماله‪ ،‬عقارا ً كان أو غيره‪ ،‬على جهة من الجهات البر‪ ،‬فهذه الجهة تملك‬
‫المنفعة والنتفاع بما يخرج من هذا المال سواًء كان رابحا ً أو أجرةً أو سكنا ً أو‬
‫غير ذلك‪ ،‬تمشيا ً مع رأي الفقهاء من أن المنفعة تملك بواسطة عقد مملك‪،‬‬
‫ومن بين العقود المملكة الجارة والعارة والوصية بالمنفعة والوقف كما‬
‫وضحنا في مطلع هذا الموضوع‪ ،‬حيث ذكرنا أن الوقف هو ملك منفعة‪.‬‬
‫هـ ‪ .‬المال الموقوف ليس مال ً خاصا ً ولعاما ً بالمعنى المطلق‪:‬‬
‫يتبادر إلى ذهن كل باحث ومطّلع السؤال التالي‪:‬‬
‫هل المال الوقوف هو مال خاص أم مال عام أم هو غير ذلك؟‬
‫للجابة على هذا السؤال ل بد من الشارة إلى أصل المال الموقوف‪ ،‬فأصل‬
‫المال الموقوف هو مال مملوك ملكية خاصة‪ ،‬حيث اتفق الفقهاء على أن‬
‫الوقف ل يصح إل ّ في عين مملوكة لصاحبها ملكا ً تامًا‪ ،‬وأن تكون معرفة‬
‫تعريفا ً كامل ً ولو على سبيل الشهرة]‪ ،[31‬ذلك أن المال صدقة من الصدقات‬
‫التي حثت عليها الشريعة السلمية‪ ,‬والصدقة ل تكون إل من طيب المال‬
‫المملوك وغير المملوك ل تصح فيه التصرفات لن غير المالك ل يقدر على‬
‫التصرف في غير مال غيره‪ .‬ولو تصرف فضولي في مال غيره فإن تصرفه‬
‫يتوقف على موافقة المالك‪ ،‬إن أمضاه بقي وإن ألغاه انتهى‪.‬‬
‫فالوقف حالة استثنائية ترد على المال المملوك فتخرج منفعته عن ملك‬
‫صاحبها حيث هو أصله مال مملوك ملكية خاصة خرج بالوقف عنها‪ ،‬كما يرى‬
‫أهل العلم‪ ،‬إلى واحدة من الحالت التالية‪:‬‬
‫• يبقى المال الموقوف في ملك صاحبه ولكنه ملك مقيد ل يملك فيه صاحبه‬
‫كل التصرفات‪ ،‬قال بذلك مالك وأيده الكمال بن الهمام من الحنفية‪.‬‬
‫• المال الموقوف يخرج من ملك الواقف إلى ملك الموقوف عليهم‪ ،‬قال‬
‫بذلك بن حنبل في أرجح الروايات‪.‬‬
‫• المال الموقوف يخرج من ملك الواقف ويكون الملك فيه على حكم ملك‬
‫الله تعالى]‪.[32‬‬
‫والفقهاء لم ينتبهوا في خلفهم هذا إلى البحث عن طبيعة هذا المال بعد أن‬
‫طرأ عليه هذا الحكم وهو الوقف‪.‬‬
‫ً‬
‫فالحديث عن أن المال مازال باقيا في ملك صاحبه حديث غير مقبول لن‬
‫من شروط الملك حرية التصرف وهي غير متحققة هنا‪ .‬ومن شروط الصدقة‬
‫خروج المال المتصدق به ابتغاء القربة لله تعالى‪ ،‬إلى المتصدق عليه وهو غير‬
‫متحقق هنالن التي تخرج عن صاحبها هي الصدقة المستهلكة التي ل تبقى‬
‫بعد النتفاع بها‪ ،‬وعليه فإنه لمجال للحديث عن ملك الموقوف لن الصل‬
‫في الوقف هو التصدق بمنفعته وبالتالي فإن ملك الموقوف عليهم يتعلق‬
‫بالمنافع‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫والقول الذي يمكن أن يكون مقبول ً من هذه القوال هو أن المال الموقوف‬


‫يخرج من ملك الواقف إلى ملك الله تعالى‪ .‬والفقهاء لم ينتبهوا إلى أمر هام‬
‫وهو ضرورة وجود جهة لها ذمة يضاف إليها الملك وتقوم بتحمل اللتزامات و‬
‫التبعات الناتجة عن هذا الملك‪ ،‬وتعالى الله عن ذلك علوا ً كبيرًا‪ .‬وكان الجدر‬
‫لهؤلء أن ينسبوا المال الموقوف إلى ملكية الدولة التي ترعى شئون العباد‬
‫وتقوم بحراسة الدين وسياسة الدنيا‪ ،‬وهي المكلفة بتنفيذ الحكام الشرعية‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكان يمكنهم أن يقيسوا مال الوقف على مال الزكاة الذي يخرج عن ملك‬
‫صاحبه ويصبح مال ً عاما ً قبل أن يوزع على مستحقيه فيملكونه ملكية خاصة‪.‬‬
‫فالقول بأن المال الموقوف مال عام على وجه الطلق ل يصح لن الدولة‬
‫هي القائمة على المال العام وليست لها مطلق التصرف فيه لنها مقيدة‬
‫بشرط الواقف‪ .‬فأنسب تعبير يمكن أن نصف بها مال الوقاف هو أنه مال‬
‫عام مخصص لمصرف‪.‬وهوبهذا المعنى مال خاص ولكنه يختلف عن المال‬
‫الخاص بمعناه المطلق‪ ،‬فل تجري عليه أحكام المال الخاص ول العام على‬
‫إطلقهما‪.‬‬
‫وبعض الباحثين) أبو زهرة( يفرق‪ ،‬إذ يتناول بالبحث عن طبيعة ملكية أموال‬
‫الوقاف‪ ،‬بين أنواع الوقف المختلفة‪ ،‬حيث يرى أن الراضي الموقوفة على‬
‫جماعة المسلمين) على جميع أفراد المجتمع دون تحديد لنوع منهم( كأراضي‬
‫بني النضير وفدك ونصف أرض خيبر التي رصدها رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم لجماعة من المسلمين‪ ،‬أنها أموال عامة وتعتبر جزءا ً من الملكية‬
‫العامة‪ ،‬بينما تعتبر الوقاف الخيرية الخرى الموقوفة على جماعة من المة‬
‫السلمية غير معروفة بأشخاصها صورة من صور الملكية العامة‪.‬‬
‫ويرد على هذا الرأي بأن الملكية العامة تعطي حرية التصرف للدولة كجهة‬
‫مسئولية عن حفظ المصالح العامة‪ ،‬وهي وإن كانت حرة التصرف في النوع‬
‫الول من الوقاف العامة لجماعة المسلمين التي أشار إليها الباحث‪ ،‬فهي‬
‫ليست كذلك في النوع الثاني‪ ،‬والسبب في ذلك أن هذا النوع ل ينطبق عليه‬
‫تعريف الوقف على إطلقه‪ ،‬وإنما يعتبر مال ً عاما ً أصدر إمام المسلمين قرارا ً‬
‫في شأنه وطريقة التصرف فيه مرتكزا ً على وليته العامة والتصرف المنوط‬
‫بالمصلحة‪.‬‬
‫ويدعم هذا الرأي أن هنالك من الفقهاء من قال إن معنى الوقف هنا عدم‬
‫قسمة الرض بين الجنود الفاتحين‪ ،‬وإقرارها على حالها‪ ،‬وضرب الخراج في‬
‫رقبتها‪ ،‬وليس معناه الوقف المانع من نقل الملك]‪. [33‬‬
‫‪6‬ــ الحاجات العامة التي يمكن تمويلها من إيرادات الوقاف كما ورد في‬
‫النصوص‪:‬‬
‫وضحنا في مطلع هذه الورقة مفهوم الحاجات العامة في القتصاد السلمي‪،‬‬
‫والضوابط الحاكمة لنوع الخدمات العامة التي تتولى الدولة السلمية‬
‫إشباعها وكذلك الضوابط الحاكمة لحجم تلك الخدمات ومستواها‪ .‬وحتى‬
‫يتضح لنا بجلء ما يمكن أن تقوم به إيرادات الوقاف‪ ،‬من إسهام في تحمل‬
‫هذه الخدمات‪.‬‬
‫وفي هذا الجزء من البحث نتعرف على دور الوقاف في إشباع الحاجات‬
‫العامة من خلل استعراض بعض مجلت صرف إيرادات الوقاف التي وردت‬
‫في النصوص‪.‬‬
‫أ ــ المجالت العامة‪:‬‬
‫يدل الحديث الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ) :‬إذا مات ابن آدم‬
‫انقطع عمله إل ّ من ثالث صدقة جارية‪ ،‬أو علم ينتفع به‪ ،‬أو ولد صالح يدعو‬
‫له(]‪ [34‬على أن الوقف يصح أن يكون عامًا‪ ،‬فالصدقة الجارية التي هي‬
‫الوقف يمكن أن ل تقيد بصرف بعينه‪ ،‬بل يمكن أن تشمل جميع القربات‪،‬‬
‫وتشبع بها جميع حاجات النسان‪.‬‬
‫ب ـــ مجالت الدفاع والمن‪:‬‬
‫روى المام أحمد والبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه‪ ،‬أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪ ) :‬من احتبس فرسا ً في سبيل الله إيمانا ً‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واحتسابًا‪ ،‬فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة(]‪ .[35‬ففي‬
‫هذا الحديث يحث الرسول صلى لله عليه وسلم أصحابه‪ ،‬ومن بعدهم عامة‬
‫المسلمين على وقف أموالهم في سبيل الله‪ ،‬حماية للرض‪ ،‬ودفاعا ً عن‬
‫العرض‪ ،‬وإقامة لمر الدين‪.‬‬
‫وقدقال صلى الله عليه وسلم عن خالد بن الوليد رضي الله عنه‪ ):‬أما خالد‬
‫فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله(]‪ ،[36‬وقد قال ذلك على سبيل‬
‫المدح عندما تحدث الناس عن منع خالد للصدقة‪ .‬وهو بهذا الحديث يفتح‬
‫للناس باب النفاق على معدات الجهاد على مصراعيه ليلج منه كل إنسان بما‬
‫يستطيع وما يناسب زمانه ومكانه‪.‬‬
‫ج ــ مجالت الفقراء والمساكين وأبناء السبيل )أصحاب الحاجات(‪:‬‬
‫هذا من أوسع المجلت التي وقفت عليها الموال في السلم‪ .‬فقد ورد عن‬
‫ابن عمرضي الله عنهما حديث رسول الله صلى الذي سبقت الشارة إليه‬
‫في هذا البحث حول وقف الرض التي أصابها عمر بن الخطاب رضي الله‬
‫عنه بخيبر‪ ،‬كيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره بأن يقف منفعتها‬
‫على الفقراء‪ ،‬وذوي القربى‪ ،‬وفي الرقاب ‪ ،‬والضيف ‪ ،‬وابن السبيل ]‪. [37‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫وبهذه النص نقف على أن عمرا ً قد أمر بأن يجعل ريع أرضه الموقوفة‬
‫لصحاب الحاجات من المسلمين أيا ً كان نوعهم ‪ ،‬في ذوي قرباه‪ ،‬أو عتق‬
‫العبيد أو فك السرى ‪ ،‬أو إكرام الضيف ‪ ،‬أو سد حاجة ابن السبيل‪.‬‬
‫وكذلك نستدل على جواز الوقف على ذوي القربى في حديث أبي طلحة‬
‫المتقدم ذكره إذ يخبر أبو طلحة رسول الله عليه وسلم بأن أحب أمواله إليه‬
‫بيرحاء ‪ ،‬وأنه يريد أن يجعلها صدقة يرجو برها وذخرها عند الله تعالى‪ ،‬فيجيبه‬
‫الرسول الكريم عليه أفضل الصله والتسليم ‪ ) :‬بخ! ذلك مال رابح ‪ ،‬قد‬
‫سمعت ما قلت فيها وإني أرى أن تجعلها في القربين( ‪ .‬فيقسمها أبو طلحة‬
‫في أقاربه وبني عمه]‪. [38‬‬
‫والملحظ هنا أن الخيار كان للصحابي في أن يخصص ريع هذا الوقف لي‬
‫جهة أراد ولكنه استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابه بأنه يرى أن‬
‫يجعلها في القربين ‪ ،‬فدل هذا على أن القربين من بين أبواب الخير التي‬
‫يخصص لها ريع الوقف‪.‬‬
‫د‪ .‬مجالت توفير مياه الشرب‪:‬‬
‫يأتي هذا الباب من أبواب الموال الموقوفة في مطلع الحاجات التي اهتمت‬
‫بها الشريعة السلمية وحثت الناس عليها ‪ .‬فقد روى البغوي أن هنالك لرجل‬
‫من بني غفار عين يقال لها رومة ‪ .‬وكان يبيع منها القربة]‪ [39‬بمد ‪ ،‬فقال له‬
‫صلى الله عليه وسلم ) أتبيعينها بعين في الجنة ؟ فقال يا رسول الله ليس‬
‫لي ول لعيالي غيرها ‪ ،‬فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه ‪ ،‬فاشترها بخمسة‬
‫وثلثين ألف درهم ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬أجعل لي مما‬
‫جعلت له؟ قال )نعم( ‪ ،‬قال ) أي قال عثمان( ‪ :‬قد جعلتها للمسلمين ‪.‬‬
‫وفي رواية للبخاري عن عثمان بن عفان‪ ،‬أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال ‪ ) :‬من حفر بير رومة فله الجنة( قال فحفرتها]‪[40‬‬
‫ومن هاتين الروايتين يتضح لنا حث الرسول صلى الله عليه وسلم على وقف‬
‫موارد المياه وهو باب ل تخفي الحاجة إليه في كل زمان ومكان‪.‬‬
‫ونكتفي بهذه الشارة لبيان بعض المجالت صرف إيرادات الوقاف لشباع‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حاجات المسلمين‪ ،‬حيث تأكد من خلل استعراض هذه النصوص أن النسان‬


‫مخير في تخصيص إيراد وقفه لية جهة من جهات البر تتحقق بها مصالح‬
‫المسلمين‪ ،‬وما ورد إنما هو على سبيل المثال ل الحصر‪.‬‬
‫‪7‬ــ الحاجات العامة التي كانت تمول من ريع الوقاف عبر التاريخ السلمي‪:‬‬
‫نستعرض هنا بعض النماذج للحاجات العامة التي كانت تمول من إيرادات‬
‫الوقاف‪ ،‬ونؤكد أيضا ً أن ذلك ليس على سبيل الحصر والحاطة وإنما على‬
‫سبيل التمثيل‪:‬‬
‫أـ مجال نشر الدعوة السلمية ‪:‬‬
‫تعتبر المساجد هي القلع التي تنطلق منها دعوة السلم‪ ،‬ولهذا نجد أن‬
‫معظم الوقاف قد ارتبطت بها واتصلت بنشاطها عمارة لها وقياما ً بنفقة‬
‫العاملين فيها‪ ،‬وقد حفظ لنا التاريخ نماذج لهذه المساجد نذكر منها‪:‬‬
‫• أوقاف الحرمين الشريفين بمكة المكرمة والمدينة المنورة حيث يوجد‬
‫الكثير من الوقاف التي خصص ريعها لصيانة وتعمير هذه المساجد‪ ،‬ودفع‬
‫نفقات الئمة والعلماء والمؤذنين العاملين فيها‪.‬‬
‫• أوقاف الجامع الزهر‪ ،‬وهو يعد من القلع الحصينة التي انطلق منها‬
‫السلم‪ ،‬وآوى إليها الدعاة من كل حدب وصوب‪ .‬قامت أوقافه بكفاية الئمة‬
‫والعلماء والدعاة وطلب العلم وأصحاب الحاجات‪ ،‬ولزال بعضها شامخا ً حتى‬
‫الن‪.‬‬
‫• أوقاف المسجد القصى التي تقوم عليها إدارة منفصلة ترعاها وتنظم‬
‫شئونها‪.‬‬
‫• أوقاف مساجد دمشق والقيروان وبغداد وغيرها من المساجد‪.‬‬
‫ويجئ الهتمام بالمساجد لنها قبلة المسلمين‪ ،‬والمكان الذي يتعبدون فيه‪،‬‬
‫ويتلقون فيه العلوم الشريعة‪ ،‬ويناقشون فيه أمور حياتهم وهموم دعوتهم ‪،‬‬
‫وهم يتأسون في ذلك بمنهج المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث كان أول‬
‫ما فعله في المدينة أن بنى المسجد‪ ،‬فالتف أصحابه حوله فيه‪ ،‬وانطلقوا‬
‫يدعون منه‪.‬‬
‫ب ــ مجال التعليم‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ظل الوقف على المساجد مرتبطا ارتباطا كامل بالتعليم‪ ،‬لن المؤسسة‬
‫الولى التي انطلق منها العلم هي المسجد‪ ،‬وبعداتساع نشاط العلماء‪،‬‬
‫وازدياد عدد الطلب وتنوع المعارف السلمية‪ ،‬بدأ الناس في تخصيص مواقع‬
‫معينة لتلقي العلوم‪ ،‬وسكن العلماء والطلب‪.‬‬
‫ن هذا الباب من أبواب النفاق قد لقي عناية الواقفين‪ ،‬نقتطف‬ ‫وللتأكيد أ ّ‬
‫بعض النصوص الواردة في كتاب‪ }:‬رحلة ابن جبيرة{‪ ،‬وهو يصف المدن‬
‫الرائعة المشاهد التي رآها‪.‬‬
‫يقول ابن جبيرة معبرا ً عن إعجابه بحجم الوقاف المخصصة للتعليم التي‬
‫رآها في دمشق‪ ":‬فمن شاء الفلح من نشأة مغربناـ أي من أبناء المغرب ـــ‬
‫فليرحل إلى هذه البلد ويتغرب في طلب العلم‪ ،‬فيجد المور المعينات كثيرة‬
‫فأولها فراغ البال من أمر المعيشة‪ .‬والمخاطب كل ذي همة يحول طلب‬
‫المعيش بينه وبين مقصده في وطنه من الطلب العلمي]‪."[41‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ويصف جامع دمشق فيقول عنه‪ ":‬فيه حلقات للتدريس‪ ،‬للطلبة وللمدرس‬
‫فيها إجراء واسع‪ ..‬ومرافق هذا الجامع المكرم للغرباء وأهل الطلب كثيرة‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واسعة وأغرب ما يحدث به أن سارية من سواريه‪ ..‬لها وقف معلوم يأخذه‬


‫المستند إليها للمذاكرة والتدريس‪ ...‬وللصبيان أيضا ً على قرائنهم جراية‬
‫معلومة ‪ ..‬ولليتام من الصبيان محضرة كبيرة بالبلد لها وقف كبير يأخذ منه‬
‫المعلم لهم ما يقوم به‪ ،‬وينفق منه على الصبيان ما يقوم به وبكسوتهم"]‬
‫‪.[42‬‬
‫وقال ابن جبير أيضا ً عن السكندرية وهو يعدد مناقبها ومفاخرها العائدة على‬
‫سلطانها‪ ":‬المدارس والمحارس الموضوعة فيه لهل الطلب والتعبد يفدون‬
‫من القطار النائية فليقى كل واحد منهم مسكنا ً يأوى إليه الناس يعلمه الفن‬
‫الذي يريد تعلمه‪ ،‬وإجراء يقوم به في جميع أحوال‪ .‬ولهذا كله أوقاف من قبله‬
‫ــ أي من قبل السلطان ـــ"]‪. [43‬‬
‫أما عن بغداد فقد قال ابن جبيروهو يصفها‪ ":‬المدارس بها نحو الثلثين وما‬
‫منها مدرسة إل ّ وهي يقصر البديع عنها وأعظمها وأشرفها النظامية )أي‬
‫المدارس النظامية(‪ ...‬ولهذا المدارس أوقاف عظيمة وعقارات محبسة تتغير‬
‫إلى الفقهاء المدرسين بها ويجرون بها على طلبة وما يقوم بهم"]‪. [44‬‬
‫ويتضح من الستعراض لما ذكره ابن جبير عن أوقاف التعليم أنها تشمل‬
‫المصروفات التالية‪:‬‬
‫• كلفة تشييد المدارس والمعاهد‪.‬‬
‫• الرواتب‪.‬‬
‫• إعاشة طلب العلم‪.‬‬
‫• إنشاء المساكن للطلب‪.‬‬
‫• المكتبات التي تحتاج إليها المعلم والمتعلم‪.‬‬
‫وعليه فإن هذا الباب من أبواب النفاق إذا نظرنا إليه في عصرنا الراهن نجد‬
‫أنه يمثل قدرا ً ل يستهان به من مصروفات الدولة السنوية‪.‬‬
‫ج ــ مجال الرعاية الصحية‪:‬‬
‫يعد مجال الرعاية الصحية من المجالت التي خصصت لها إيرادات الوقاف‬
‫حيث نجد أن أول مستشفى في السلم كان وقفا ً أسس في عهد الوليدبن‬
‫عبد الملك وخصص هذا المستشفى لعلج المجذوبين‪ ،‬وبه أطباء متخصصون‪،‬‬
‫وتجرى على المرضى فيه الرزاق ورواتب العاملين]‪.[45‬‬
‫ووقفت المستشفيات للمدارس أيضا ً خدمة طلبة العلم والعلماء وأهل‬
‫المدينة أو القرية التي فيها المدرسة يقول ابن جبير بعد حديثه عن المدارس‬
‫و والتسهيلت التي ألحقت بها في مدينة السكندرية للغرباء والدارسين‪":‬‬
‫واتسع اعتناء السلطان بهؤلء الغرباء الطارئين ‪ ...‬ونصب لهم مارستانا ً لعلج‬
‫المرضى منهم ووكل لهم أطباء يتفقدون أحوالهم" ]‪.[46‬‬
‫وتوسعت أوقاف المجال الصحي حتى أصبح في مدينة قرطبة وحدها‬
‫خمسون مستشفى بل وأنشئت المستشفيات المتخصصة وألحقت بها‬
‫الصيدليات‪ ،‬كما عمل ابن طولون في مسجده الشهير بمصر‪ ،‬حيث ألحق به‬
‫أجزخانة شراب‪ ،‬فيها كل أنواع الشربة والدوية‪ ،‬وفيها طبيب يحضر كل يوم‬
‫جمعة لمعالجة المرضى‪.‬‬
‫وتنوعت التخصصات فصار كل مستشفى يعني بفئة من المرضى‪ ،‬فقامت‬
‫المستشفيات لمراض العقل والجراحة والكسور والعيون والمراض الباطنية‬
‫كل الحميات والسهلت ‪.‬‬
‫ومن أشهر المستشفيات التي ورد ذكرها في التاريخ المستشفى المنصوري‬
‫وله إلى مستشفى عام ‪683‬هـ ‪،‬وجعل‬ ‫الكبير ‪ ،‬حيث كان دارا ً لحد المراء وح ّ‬
‫له أوقافا ً يصرف منها لمن خرج معافى كسوة ‪ ،‬وعلى كفن وتجهيز من‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مات ‪ .‬وعّين في هذا المستشفى الطباء المتخصصين والعمال الذين‬


‫يخدمون المرضى وينظفون ملبسهم وقد كان من شروط الوقف لهذا‬
‫المستشفى ومرضاه أن يقدم الغذاء لكل مريض في إناء خاص به ل يستخدم‬
‫غيره‪ ،‬تحريا ً للصحة ومنعا ً لنتقال المراض]‪. [47‬وكذلك من المستشفيات‬
‫الشهيرة المستشفى النوري الكبير وقد اسسه السلطان العادل الشهير نور‬
‫الدين في عام ‪549‬هـ ‪ ،‬ووقفه على الفقراء والمساكين ]‪ . [48‬وسمح‬
‫للغنياء باستخدام الدواء فيه عند حال الضرار‪.‬‬
‫وهكذا يجد المتأمل لتاريخ السلم وحضارته الزاهرة أنشطة واسعة كانت‬
‫تمول من ريع الموال الموقوفة ‪ ،‬ونكتفي بهذه القدر لننا نريد أن نؤكد‬
‫الوظيفة التي يمكن أن تؤديها الوقاف في إشباع الحاجات في المجال‬
‫الصحي ‪.‬‬
‫‪ .8‬استخدام إيرادات الوقاف لشباع الحاجات العامة في السودان‪:‬‬
‫السودان كبلد إسلمي عرف الوقاف منذ أن دخله السلم ‪ ،‬وقد وافقت‬
‫أهداف الوقف طبيعة أهله من سماحة وكرم ٍ وسخاٍء وجود فهم الذين عرفوا‬
‫شتى صور التكافل والتعاون على البر في) النفير ( ‪ ،‬و) الفزعة( ‪،‬‬
‫و) المروة( ‪ ،‬و) التكية( ‪ ،‬و) المسيد( و) الخلوة( ‪ ،‬و) السبيل ( ‪،‬‬
‫و) الحفير ( ‪ ،‬و) الديوان(]‪. [49‬‬
‫وعليه فقد عرف السودانيون الوقاف وخصصوا إيراداتها للعديد من‬
‫النشطة ‪ ،‬وفيما يلي نذكر بعضا ً منها على سبيل المثال ل الحصر‪.‬‬
‫أ‪ .‬أوقاف الدعوة السلمية‪:‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫عرفت الوقاف المخصصة للدعوة السلمية بصورة متكاملة في عهد مملكة‬


‫سّنار السلمية التي اهتم حكامها بالعلماء والدعاة‪ ،‬وخصصوا لهم الوقاف‬
‫وأجروا عليهم الرواتب ‪ ،‬ومنحوهم العطيات ‪ ،‬وتفرغ هؤلء لتبليغ الدعوة‬
‫ونشر العلم وتربية الناس على منهج الذكر والشكر]‪ .[50‬وارتبطت هذه‬
‫الوقاف بالبيوت الدينية والمساجد الكبرى التي اهتم أهلها بتحفيظ القرآن‬
‫وإرشاد الناس إلى الخلق القويم ‪ ،‬وهي من الوضوح بما ل يحتاج إلى‬
‫تفصيل ‪ .‬وسوف نتعرض لها بشيء من التفصيل عند الحديث عن أوقاف‬
‫التعليم‬
‫ب‪ .‬أوقاف التعليم والنشر‪:‬‬
‫ارتبط التعليم في السودان في بدايته بالمساجد ‪ ،‬وكان تعليما ً دينيا ً يتمثل في‬
‫تحفيظ القرآن الكريم وتدريس علومه‪ ،‬وبعض العلوم الخرى كالحديث‬
‫والفقه والسيرة ‪ .‬ولهذا ارتبطت الوقاف الخاصة بالتعليم بالمساجد والخلوي‬
‫المشهورة ونذكر منها على سبيل المثال‪:‬‬
‫• أوقاف خلوي الغبش ببربر بالمسجد الذي تلقى فيه المام محمد أحمد‬
‫المهدي ]‪ [51‬قدرا ً من العلوم الشرعية ‪ ،‬وللمسجد مزارع خصص ريعها‬
‫لمصروفاتها ومصروفات الخلوى الملحقة به‪.‬‬
‫• أوقاف مسجد وخلوي ومعاهد العلم بكدباس وهي قريه بشمال السودان ‪،‬‬
‫يتبع أهلها الطريقة القادرية ‪ ،‬وقد أسسوا عددا ً من الخلوي ‪ ،‬لتحفيظ القرآن‬
‫الكريم ‪ ،‬ومعاهد متوسطة وثانوية للعلوم الشرعية ‪ ،‬ولهم أوقاف زراعية‬
‫واسعة وبعض العقارات في مدينة عطبرة ‪ ،‬يصرف من ريعها وما يجود به‬
‫المحسنون من محبى الطريقة وشيخها على طلب العلم‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫• أوقاف مسجد وخلوي أم ضوًابان شرق الخرطوم ‪ ،‬وهذا المسجد وخلويه‬


‫من أعرق المؤسسات التعليمية بالسودان ‪ ،‬وله مشروعات زراعية خصص‬
‫ريعها للصرف على طلب العلم ‪ .‬بالخلوي والدعاة والعاملين بالمسجد‪.‬‬
‫• أوقاف معهد أم درمان العلمي العالي ‪ ،‬وهو الساس الذي قامت عليه‬
‫جامعة أم درمان السلمية ‪ ،‬والمنارة التعليمية التي كانت تماثل الزهر في‬
‫السودان ‪ ،‬وفيه درس معظم قادة الدولة السابقين من سياسيين وإدارايين‬
‫ومثقفيين ‪ .‬ولهذا المعهد أوقاف عديدة تشمل العقارات التجارية والمنازل‬
‫السكنية ‪ ،‬يصرف ريعها حتى الن على طلب أم درمان السلمية ‪.‬‬
‫ولزال هنالك معهد متوسط ملحق بمسجد أم درمان الكبير‪،‬ومعهد ثانوي يعد‬
‫للدخول للجامعة أيضا ً ‪ ،‬ولهذا الموافق التعليمية أوقاف خاصة بها وأ وقاف‬
‫مشتركة مع جامعة أم درمان السلمية]‪. [52‬‬
‫• أوقاف البغدادي‪ ،‬وهي مجموعة عقارات تجارية ومنازل سكنية وقفها‬
‫الشيخ الفاضل البغدادي لطلب الطب بجامعة الخرطوم]‪.[53‬‬
‫ً‬
‫• أوقاف عبد المنعم‪ ،‬وهو من رواد الوقف بالسودان‪ ،‬أسس مسجدا وله عدد‬
‫من المعاهد‪ ،‬والوقاف العقارية التي خصص جزء من ريعها للصرف على هذه‬
‫المعاهد‪.‬‬
‫• أوقاف شروني‪ ،‬وتشمل مسجدا ً ومعهدا ً لتعليم علوم القرآن الكريم‬
‫وعقارات تجارية وسكنية خصص جزء من دخلها للصرف على المعهد وطلب‬
‫العلم بالخلوي‪.‬‬
‫• الوقاف السنارية بالمدينة المنورة‪ ،‬وهي مجموعة عقارات وقفها حكام‬
‫مملكة سنار السلمية في القرن العاشر الهجري‪ ،‬لصالح المنقطعين للعلم‬
‫والعبادة في مدينة المصطفى صلىالله عليه وسلم من أفراد مملكتهم‪ ،‬ولمن‬
‫يخدمون المسجد النبوي الشريف‪.‬‬
‫وفي التاريخ المعاصر قامت هيئة الوقاف السلمية السودانية بدعم عدد من‬
‫النشطة التعليمية‪ ،‬ومن ذلك دعم جامعة إفريقيا العالمية‪ ،‬وهي مؤسسة‬
‫تعليمية تعني بتعليم أبناء إفريقيا المسلمين‪ .‬كما أن خطط الهيئة تعني ببعض‬
‫المشروعات المتصلة بالعلم مثل‪:‬‬
‫• مشروع وقف طالب العلم‪ ،‬وهو مشروع مخطط للقيام به بالتنسيق مع‬
‫الصندوق القومي لدعم الطلب بالسودان‪ .‬وبالفعل بدأ إنشاء عدد من‬
‫المساكن في ساحات بعض المساجد‪ ،‬ول زال الطريق طويل ً أمام هذا‬
‫المشروع‪.‬‬
‫• مشروع جائزة الوقاف السنوية‪ ،‬وهو مشروع استهدف تنشيط‬
‫الحركةالعلمية في مختلف مجالت المعارف السلمية وغيرها ولم يبدأ بعد‬
‫في تنفيذ هذا المشروع ‪.‬‬
‫• مشروع دار الوقاف للطباعة والنشر والتوزيع ‪ ،‬وهو من المشروعات التي‬
‫تعني بطباعة القرآن الكريم‪ ،‬وبالكتاب السلمي‪ ،‬وبنشر وسائل العلم‬
‫المختلفة من مجلة وصحيفة وشريط وغيرها‪ ،‬وهو مشروع ما زال تحت‬
‫الدراسة‪.‬‬
‫ج‪ .‬أوقاف الرعاية الصحية‪:‬‬
‫عرف المجتمع السوداني الوقاف المخصصة للرعاية الصحية في وقت‬
‫متأخر‪ ،‬وكان بداية ذلك المراكز الصحية التي أنشأها المرحوم عبد المنعم‬
‫محمد في أماكن متعددة بالخرطوم وأم درمان‪ ،‬يضاف إليها المستشفى‬
‫الذي بناه المحسن البلك‪ ،‬ومستوصف أبي زيد الملحقة بأوقاف مسجده‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بمدني‪ ،‬ويضاف إليها عددا ً من المراكز الصحية والعيادات الملحقة بالمساجد‪،‬‬


‫والتي تقدم خدماتها إما مجانا ً للفقراء أو بأسعار رمزية احتسابا ً لله تعالى ‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫ومن المحاولت الجادة في هذا المجال مشروع الصيدليات الشعبية الذي‬


‫تبنته هيئة الوقاف السلمية السودانية في كل من بور تسودان والخرطوم‬
‫بالتنسيق مع عدد من المنظمات المشابهة ويجري الن التشاور مع وزارة‬
‫الصحة بولية الخرطوم لنشاء أوقاف خاصة بالرعاية الطبية ول زال‬
‫المشروع قيد الدراسة‪.‬‬
‫هذا بالضافة إلى المساهمات التي تقدمها هيئة الوقاف السلمية لتحسين‬
‫خدمات المستشفيات ومساعدة المرضى والمحتاجين للعلج‪.‬‬
‫د‪ .‬الوقاف العامة ‪:‬‬
‫توافقا ًَ مع سياسة الدولة الرامية إلى توسيع دائرة العمل التطوعي‪ ،‬بدأت‬
‫هيئة الوقاف السلمية بالتنسيق مع بعض المحافظات والمجالس في‬
‫السودان في إنشاء أوقاف عامة يخصص جزء من دخلها للمرافق العامة التي‬
‫يحتاج إليها المسلمون ‪ ،‬ولتمويل نفقات التكافل والخدمات الخرى التي ل‬
‫تجد تمويل ً من إيرادات الدولة ولقد أنشئت لهذا الغرض الوقاف التالية‪:‬‬
‫• السوق التجاري للوقاف بمدينة عطبرة الذي خصص نصف ريعه للنشطة‬
‫العامة‪.‬‬
‫• السوق التجاري للوقاف بمدينةالدويم والذي لم يخصص دخله لجهة بعينها‬
‫وإنما أعطى القائمون عليه مرونة كاملة في تحديد أوجه صرف إيراداته‬
‫حسب الولويات في كل موازنة سنوية‪.‬‬
‫• سوق عبد الله بن مسعود بمدني وهو مجمع تجاري كبير خصص جزء كبير‬
‫ريعه لمقابلة النشطة العامة أيضا ً ‪.‬‬
‫هذه بعض الشارات أوردناها لنبين أنه وفقا ً للنصوص الشرعية ومن واقع‬
‫التاريخ السلمي وفي التطبيق السوداني‪ ،‬قامت إيرادات الوقاف بإشباع‬
‫عدد من الحاجات العامة‪ ،‬فوفرت لها اليراد المتدفق الذي ضمن‬
‫للمستفيدين منها كفايتهم وسد حاجتهم ‪ .‬ومهما كان فإن ما يحدث ليس هو‬
‫كل الطموح وغاية المنتهى وإنما في ذلك عبرة للمعتبرين ‪ ،‬للتعرف على‬
‫المكانات الكامنة في مؤسسة الوقف التي تمثل ركيزة من ركائز النهضة‬
‫الحضارية التي يتحرر فيها النسان من حب المادة والرتهان لها‪.‬‬
‫‪ .9‬خاتمة‪:‬‬
‫وبعد‪ ،‬فقد وجد القارىء في هذه الورقة بعض الشارات التي قصد منها‬
‫إضاءة الطريق للباحثين في وظيفة الوقاف ودورها في إشباع الحاجات‬
‫العامة‪ ،‬فقد تطرقنا إلى ماهية الحاجات العامة وضوابطها في القتصاد‬
‫السلمي‪ ،‬وتعرفنا على خصائص الموال الموقوفة‪ ،‬ووقفنا على المجالت‬
‫التي يصرف عليها من إيرادات الوقاف وفقا ً للنصوص الشرعية الحاثة على‬
‫الوقف‪ ،‬وذلك من خلل استعراض التاريخ السلمي الواسع الذي سجل‬
‫وظيفة الوقاف في تحقيق النهضة الحضارية‪ ،‬وذكرنا بعض المثلة من واقع‬
‫التجربة السودانية‪ .‬والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل ‪.‬‬
‫} ربنا ل تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ول تحمل علينا إصرا ً كما حملته على‬
‫الذين من قبلنا ربنا ول تحملنا ما ل طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا‬
‫انت مولنا فانصرنا على القوم الكافرين{ البقرة) ‪. (286‬‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪----------‬‬
‫]‪ [1‬ــ هذا البحث قدم إلى ندوة " دور الوقاف السلمية في المجتمع‬
‫السلمي المعاصر التي انعقدت في الخرطوم في العام ‪1415‬هـ ‪1994‬م‬
‫]‪ [3‬ــ رفعت المحجوب ‪ :‬الماليه العامة‪ ،‬مكتبة النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫)لبنان( ‪1982‬م‪،‬ص ‪.7‬‬
‫]‪ [4‬ـــ أحمد حافظ الجعويني‪ :‬اقتصاديات المالية العامة‪ ،‬ط ‪ ،1974 ،2‬ص‬
‫‪.56‬‬
‫‪ 5‬ــ راجع رسالة الباحث للدكتوراه عن السياسة المالية في القتصاد‬
‫السلمي‪ ،‬قسم القتصاد السلمي‪ ،‬جامعة أم القرى بمكة المكرمة ‪ ،‬ص‬
‫‪53‬ــ ‪.56‬‬
‫]‪ [6‬ــ المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫]‪ [7‬ــ راجع رسالة الباحث للدكتوراه‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫]‪[8‬ــ راجع إمام الحرمين الجوني في كتابه الغياثي‪،‬ط ‪1401 ،2‬هـ ص ‪22‬‬
‫من التحقيق‬
‫]‪ [9‬ــالمرجع السابق‪ ،‬ص ‪180‬من التحقيق‪.‬‬
‫]‪[10‬ــ المرجع السابق ص ‪.183‬‬
‫]‪ [11‬ــ راجع رسالة الباحث للدكتواه‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.59‬‬
‫]‪ [12‬ــ رسالة الباحث للدكتوراه‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪59‬ــ ‪.60‬‬
‫]‪ [13‬ــ حسن عبد الله المين‪ :‬الوقف في الفقه السلمي‪ ،‬بحث‬
‫منشورضمن وقائع ندوة]إدارة وتثميرممتلكات الاوقاف [‪ ،‬البنك السلمي‬
‫للتنمية ــ جدة‪ ،‬ص ‪.93‬‬
‫]‪ [14‬ــ عبد السلم داودالعبادي‪ :‬الملكية في الشريعة السلمية‪ ،‬مكتبة‬
‫القصى ــ عمان ) الردن(‪ ،‬الجزء الول ص ‪.150‬‬
‫]‪ [15‬ـــ حسن عبد الله المين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.93‬‬
‫]‪ [16‬ـــ محمد أبو زهرة‪ ،‬محاضرات في الوقف‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫]‪ [17‬ــ عبد السلم داودالعبادي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الجزء الول‪ ،‬ص ‪.179‬‬
‫]‪ [18‬ـــ المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.179‬‬
‫]‪ [19‬ــ ملخص آراء الفقهاء حول وقف النقود كما يلي‪:‬‬
‫ل‪:‬الحنفية يجيزون وقفها‪ ،‬انظربرهان الدين‪ ،‬السعاف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬ ‫أو ً‬
‫‪.26‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬المالكية ‪ :‬يجيزون وقفها للسلف كما هو في مذهب المدونة ويمنعونها‬
‫إن كانت لغير السلف بل لبقاء ينها‪ ،‬انظر الزرقاني‪ ،‬شرح مختصر خليل‪ ،‬ج‬
‫‪ ،7‬ص ‪.57‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الشافعية‪ :‬على خلف حولها فمن أجاز إجارتها أجاز وقفها ومن لم يجز‬
‫الجارة لم يجز الوقف‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫رابعا ً ‪ :‬الحنابلة‪ :‬ذهب صاحب المغني إلى أن ل ينتفع به إل ّ بالتلف مثل‬


‫الذهب والورق المأكول فوقفه غير جائزوأوضح بأن المراد بالذهب والفضةهو‬
‫الدراهم والدنانير وما ليس بحلي‪ .‬انظر ابن قدامة‪ ،‬المغني مع الشرح الكبير‪،‬‬
‫ج ‪ ،6‬ص ‪ 35‬ـــ ) المحرر(‪.‬‬
‫]‪ [20‬ــ حسن عبد الله المين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.115‬‬
‫]‪ [21‬ــ المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.116‬‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [22‬ــ رواه مسلم وأبو داود وغيرهما‪ :‬انظر صحيح مسلم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‬
‫‪ ،2‬كتاب الوصية‪.‬سنن أبي داود‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪)300‬المحرر (‪.‬‬
‫]‪ [23‬ــ حسن عبد الله المين‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.115‬‬
‫]‪ [24‬ــ يوسف إسحق حمد النيل‪ ،‬مفتاح الدرايا لحكام الوقف والعطايا‪،‬‬
‫إدارة الوقاف لدولة المارات العربية المتحدة‪ ،‬ص ‪ 18‬ـــ ‪19‬‬
‫]‪[25‬ـــ انظر البخاري ‪ ،‬صحيح اليخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬كتاب الزكاء‪ ،‬باب‬
‫الزكاء على القارب‪ ،‬ص ‪. 530‬‬
‫]‪[26‬ــ انظر ‪ :‬البخاري ‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪).70‬المحرر(‪.‬‬
‫]‪ [27‬ــ يوسف إسحق حمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫]‪[28‬ــ محمد أبو زهرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.79‬‬
‫]‪ [29‬ــ محمد أبو زهرة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪62‬ــ ‪.63‬‬
‫]‪ [30‬ــ امتلك النتفاع‪ :‬يعني أن الشخص يمتلك الحق في النتفاع بالشيء‬
‫بنفسه فقط‪ ،‬أما امتلك المنفعة فهو أعم ويعني أن الشخص يملك الحق في‬
‫النتفاع بنفسه مباشرة أو تمكين غيره من النتفاع بعويض كالجارة أو بغير‬
‫عويض كالعارية‪.‬‬
‫انظر القرافي‪ ،‬الفروق‪ ،‬دار المعرفة )بيروت(‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ) 187‬الفرق‬
‫الثلثون(‪) .‬المحرر(‪.‬‬
‫]‪ [31‬ـــ عبد السلم داود العبادي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪236‬ــ ‪.237‬‬
‫]‪ [32‬ـــ للوقوف على آراء الفقهاءحول هذه المسألة راجع ‪ :‬شهاب الدين‬
‫القرافي ‪ ،‬الذخيرة) تحقيق سعيد عراب(‪ .‬دار الغرب العربي ) بيروت(‪ ،‬ج ‪،6‬‬
‫ص ‪327‬ــ ‪ ) .328‬المحرر(‪.‬‬
‫]‪ [33‬ـــ محمد أبو زهرة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪89‬ــ ‪.92‬‬
‫]‪ [34‬ـــ انظر الحاشية في ص ‪.210‬‬
‫]‪ [35‬ــ البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ج ‪ ،3‬كتاب الجهاد‪ ،‬باب من‬
‫احتبس فرسًا‪ ،‬ص ‪) 216‬المحرر(‪.‬‬
‫]‪ [36‬ـــ انظر الحاشية رقم )‪ (1‬ص ‪9‬‬
‫]‪ [37‬ـ أنظر الحاشية رقم) (‬
‫]‪ [38‬ـ أنظر الحاشية رقم ) (‬
‫]‪ [39‬القربة هي جلد الشاة يدبغ ويخاط ليحمل فيه الماء‬
‫]‪ [40‬ــ حديث بئر رومه أورده الزيلعي برواية الباحث الولى انظر ‪ :‬نصب‬
‫الراية الحاديث الهداية‪ ،‬الزيلعي‪ ،‬دار المأمون‪ ،‬ط ‪،1‬ج ‪ 3‬ص ‪ .477‬أما عن‬
‫الرواية الثانية فقد ورد في البخاري" عن أبي عبد الرحمن أن عثمان رضي‬
‫الله عنه حيث حوصر أشرف وقال‪ :‬أنشدكم ول أنشد إل ّ أصحاب النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫)من حفر رومة فله الجنة( ‪ ،‬فحفرتها‪.‬‬
‫ً‬
‫انظر صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ج ‪ ،3‬كتاب الوصايا‪ ،‬باب إذا وقف أرضا أو‬
‫بئرًا‪ ،‬ص ‪ ).198‬المحرر(‪.‬‬
‫]‪ [41‬ــ رحلة ابن جبيرة‪ ،‬ص ‪.200‬‬
‫]‪ [42‬ـــ المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.191‬‬
‫]‪ [43‬ـــ المرجع السابق‪،‬ص ‪.46‬‬
‫]‪ [44‬ـــ المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.164‬‬
‫]‪ [45‬ــ معتصم الفداني‪ :‬البعاد الجتماعية للوقاف ودورها في التنمية ص ‪.9‬‬
‫]‪ [46‬رحلة ابن جبير ‪ ،‬ص ‪.46‬‬
‫]‪ [47‬معتصم الفادني ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪9‬ـ ‪.10‬‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [48‬معتصم الفادني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.12‬‬


‫]‪ [49‬في العامية السودانية‪ :‬النفير‪ :‬كلمة يشار إلى حال الناس عندما يتنفروا‬
‫لعمل ما‪ .‬والفزعة‪ :‬هي معاونة الخرين في أعمالهم ‪ .‬والمروة‪ :‬يراد بها‬
‫المورءة ‪ .‬والتكية‪ :‬هي مكان الذي بأتي إليه الفقراء من طلبة العلم في‬
‫المساجد ويقدم الطعام فيه مجانا ً للعلماء وطلب العلم والفقراء والضيوف ‪.‬‬
‫والمسيد‪ :‬يطلق على المسجد الذي تلحق به معاهد تحفيظ القرآن ومساكن‬
‫الطلب ويؤدي فيه أهل التصوف الذكر‪ .‬والخلوة وجمعها خلوة ‪ :‬تطلق عل‬
‫المكان المخصص للضيوف على مكان تحفيظ القرآن‪ :‬والسبيل ك هوالمكان‬
‫الذي يوضع فيه الماء لشرب النسان ‪ .‬الحفير‪ :.‬مكان يحفر في الرض‬
‫لتتجمع فيه المياه لشرب النسان والحيوان ‪ .‬والديوان ‪ :‬مكان استقبال‬
‫الضيوف‪ .‬وكما يلحظ القاريء الكريم فإن معظم هذهاللفاظ لصيغتها‬
‫الفصحى‪.‬‬
‫]‪ [50‬حسن مكي محمد ‪ :‬مضامين الثقافة السنارية ‪ ،‬مجلة دراسات إفريقية‪،‬‬
‫جانعة إفريقيا العالمية‪ ،‬العدد ‪ ،8‬ديسمبر ‪1991‬م ‪.‬‬
‫]‪ [51‬قائد حركة الصلح الديني بالسودان إبان العهد التركي والتي عرفت‬
‫بالثروى المهدية وقد توفي في عام ‪1885‬م بعد أن أسس الدولةالمهدية‬
‫بالسودان والتي استمرت حتى بداية العهدالنجليزي المصري في عام‬
‫‪18898‬م‪ ) .‬المحرر( ‪.‬‬
‫]‪ [52‬راجح صكوك هذه الوقاف بقسم الملكية العقارية بهيئة الوقاف‬
‫السلمية السودانية‪ ،‬وبإدارة جامعة أم درمان السلمية‪.‬‬
‫]‪ [53‬ــ راجع المعلومات المتعلقة بهذه الوقاف وما يليها في هذا الجزء ن‬
‫البحث‪ ،‬في الصكوك المحفوظةب قسم الملكية العقارية بهيئة الوقاف‬
‫السلمية السودانية‪.‬‬
‫* عضو مجمع الفقه السلمي ‪ -‬الخرطوم‬

‫)‪(11 /‬‬

‫إياك و سوف‬
‫" أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك "‬
‫قال كعب بن مالك ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله‬
‫‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬في غزوة تبوك ‪000‬‬
‫لم أتخلف عن رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬في غزاة غزاها قط إل‬
‫غزاة تبوك‪ ،‬غير أني كنت تخلفت في غزاة بدر‪ ،‬ولم يعاتب أحد تخلف عنها‪،‬‬
‫وإنما خرج رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يريد عير قريش‪ ،‬حتى جمع‬
‫الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد‪ ،‬ولقد شهدت مع الرسول ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬ليلة العقبة حين تواثقنا على إل سلم‪ ،‬وما أحب أن لي بها مشهد‬
‫بدر‪ ،‬وان كانت بدر أذكر في الناس منها وأشهر ‪000‬‬
‫وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬في‬
‫غزوة تبوك‪ ،‬أني لم أكن قط أقوى ول أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك‬
‫الغزاة والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتها في تلك الغزاة ‪000‬‬
‫وكان رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬قلما يريد غزوة يغزوها إل ورى‬
‫بغيرها‪ ،‬حتى كانت تلك الغزوة‪ ،‬فغزاها الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬في‬
‫حر شديد‪ ،‬واستقبل سفرا بعيدا ومفاوز‪ ،‬واستقبل عددا كثيرا‪ ،‬فجلى‬

‫‪203‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوهم‪ ،‬فأخبرهم وجهه الذي يريد‪،‬‬


‫والمسلمون مع الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬كثير‪ ،‬ل يجمعهم كتاب حافظ‬
‫)الديوان( ‪ 0‬قال كعب‪ :‬فقل رجل يريد أن يتغيب إل ظن أن ذلك سيخفى‬
‫عليه‪ ،‬ما لم ينزل فيه وحي من الله عز وجل ‪0‬وغزا رسول الله ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬تلك الغزاة حين طابت الثمار والظلل‪ ،‬وأنا والله أصعر )أميل‬
‫للبقاء(‪ ،‬فتجهز اليها رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬والمؤمنون معه‪،‬‬
‫فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع ولم أقض من جهازي شيئا‪ ،‬فأقول‬
‫لنفسي‪ :‬أنا قادر على ذلك ان أردت !‪00‬فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى‬
‫استمر بالناس بالجد‪ ،‬فأصبح رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬غاديا‬
‫والمسلمون معه‪ ،‬ولم أقض من جهازي شيئا‪ ،‬وقلت‪ :‬أتجهز بعد يوم أو يومين‬
‫ثم ألحقه !‪00‬فغدوت بعدما فصلوا )خرجوا( لتجهز فرجعت ولم أقض من‬
‫جهازي شيئا‪ ،‬ثم غدوت فرجعت ولم أقض من جهازي شيئا‪ ،‬فلم يزل ذلك‬
‫يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو )فات وقته(‪ ،‬فهممت أن ارتحل‬
‫فألحقهم‪ ،‬وليت اني فعلت‪ ،‬ثم لم يقدر ذلك لي فطفقت إذا خرجت في‬
‫الناس بعد رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يحزنني أني ل أرى إل رجل‬
‫مغموصا )متهما( في النفاق‪ ،‬أو رجل ممن عذره الله عز وجل ‪ ،‬ولم يذكرني‬
‫رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬حتى بلغ تبوك‪ ،‬فقال وهو جالس في‬
‫القوم بتبوك‪ ):‬ما فعل كعب بن مالك ؟!(‪000‬فقال رجل من بني سلمة‪:‬‬
‫) حبسه يا رسول الله براده والنظر في عطفيه (‪000‬فقال معاذ بن جبل‪:‬‬
‫) بئسما قلت‪ ،‬والله يا رسول الله ما علمنا عليه إل خيرا ( فسكت الرسول‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قال كعب بن مالك‪ :‬فلما بلغني أن رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬قد‬
‫توجه قافل من تبوك حضرني بثي‪ ،‬وطفقت أتذكر الكذب وأقول‪ ):‬بماذا أخرج‬
‫من سخطه غدا؟!( وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي‪ ،‬فلما قيل إن‬
‫رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬قد أظل قادما زاح عني الباطل‪ ،‬عرفت‬
‫أني لم أنج منه بشيء أبدا‪ ،‬فأجمعت صدقه‪ .‬فأصبح الرسول ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى ركعتين‪ ،‬ثم جلس للناس‪،‬‬
‫فلما فعل ذلك جاءه المتخلفون‪ ،‬فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له‪ ،‬وكانوا‬
‫بضعة وثمانين رجل‪ ،‬فيقبل منهم رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫علنيتهم‪ ،‬ويستغفر لهم‪ ،‬ويكل سرائرهم إلى الله تعالى‪ ،‬حتى جئت ‪ 0‬فلما‬
‫سلمت عليه تبسم تبسم المغضب‪ ،‬ثم قال لي‪) :‬تعال !(‪0‬فجئت أمشي حتى‬
‫جلست بين يديه‪،‬فقال لي‪) :‬ما خلفك ! ألم تكن قد اشتريت ظهرا ؟!(‬
‫‪0‬فقلت‪ ) :‬يا رسول الله‪ ،‬إني لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن‬
‫أخرج من سخطه بعذر‪ ،‬لقد أعطيت جدل‪ ،‬ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك‬
‫اليوم بحديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي‪ ،‬ولئن‬
‫حدثتك اليوم بحديث تجد علي فيه إني لرجو عقبى ذلك من الله عز وجل ‪0‬‬
‫ما كان لي عذر‪ ،‬والله ما كنت قط أفرغ ول أيسر مني حين تخلفت عنك (‬
‫‪0‬قال‪ :‬فقال الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ):-‬أما هذا فقد صدق‪ ،‬فقم حتى‬
‫يقضي الله فيك( فقمت وقام إلي رجال من بني سلمة وأتبعوني فقالوا لي‪:‬‬
‫)والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا‪ ،‬ولقد عجزت إل تكون اعتذرت‬
‫إلى رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بما اعتذر به المتخلفون‪ ،‬فقد كان‬

‫‪204‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كافيك من ذنبك استغفار رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬لك (‪000‬قال‪:‬‬
‫فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي‪ ،‬قال‪ :‬ثم قلت‬
‫لهم‪ ):‬هل لقي هذا معي أحد ؟(‪000‬قالوا‪ ):‬نعم‪ ،‬لقيه معك رجلن‪ ،‬قإل مثل‬
‫ما قلت‪ ،‬وقيل لهما مثل ما قيل لك (‪0‬فقلت‪ ):‬فمن هما ؟(‪000‬قالوا‪ ):‬مرارة‬
‫بن الربيع العامري‪ ،‬وهلل بن أمية الواقفي (‪ 0‬فذكروا لي رجلين صالحين قد‬
‫شهدا بدرا‪ ،‬لي فيهما أسوة قال‪ :‬فمضيت حين ذكروهما لي ‪000‬ونهى رسول‬
‫الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬المسلمين عن كلمنا أيها الثلثة من بين من‬
‫تخلف عنه‪ ،‬فاجتنبنا الناس‪ ،‬وتغيروا لنا‪ ،‬حتى تنكرت لي في نفسي إل رض‪،‬‬
‫فما هي بإلرض التي كنت أعرف‪ ،‬فلبثنا على ذلك خمسين ليلة‪ ،‬فأما صاحباي‬
‫فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان‪ ،‬وأما أنا فكنت أشد القوم وأجلدهم‪ :‬فكنت‬
‫أشهد الصلة مع المسلمين‪ ،‬وأطوف بإلسواق فل يكلمني أحد ‪00‬وآتي‬
‫رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وهو في مجلسه بعد الصلة فأسلم‪،‬‬
‫وأقول في نفسي أحرك شفتيه برد السلم علي أم ل ؟!‪ 00‬ثم أصلي قريبا‬
‫منه وأسارقه النظر‪ ،‬فإذا أقبلت على صلتي نظر إلي فإذا التفت نحوه‬
‫أعرض عني ‪0‬حتى إذا طال علي ذلك من هجر المسلمين‪ ،‬مشيت حتى‬
‫تسورت حائط أبي قتادة‪ ،‬وهو ابن عمي وأحب الناس إلي‪ ،‬فسلمت عليه‪،‬‬
‫فوالله ما رد علي السلم فقلت له‪ ):‬يا أبا قتادة‪ ،‬أنشدك الله‪ ،‬هل تعلم أني‬
‫أحب الله ورسوله ؟(‪000‬قال‪ :‬فسكت ‪000‬قال‪ :‬فعدت له فنشدته‬
‫‪00‬فسكت ‪00‬فعدت له فنشدته فسكت ‪ 0‬فقال‪ ):‬الله ورسوله أعلم( قال‪:‬‬
‫ففاضت عيناي‪ ،‬وتوليت حتى تسورت الجدار‪ ،‬فبينما أنا أمشي بسوق المدينة‬
‫إذا أنا بنبطي من أنباط الشام ممن قدم بطعام يبيعه بالمدينة يقول‪ ):‬من‬
‫يدل على كعب بن مالك؟(‪ 0‬قال‪:‬فطفق الناس يشيرون له إلي‪ ،‬حتى جاء‬
‫فدفع إلي كتابا من ملك غسان فإذا فيه‪ ):‬أما بعد‪ ،‬فقد بلغنا أن صاحبك قد‬
‫جفاك‪ ،‬وأن الله لم يجعلك في دار هوان ول مضيعة‪ ،‬فالحق بنا نواسك (‬
‫‪0‬قال‪ :‬فقلت حين قرأته وهذا أيضا من البلء ‪0‬قال‪ :‬فيممت به التنور‬
‫فسجرته به حتى إذا ما مضت أربعون ليلة من الخمسين‪ ،‬إذا برسول رسول‬
‫الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يأتيني يقول‪) :‬يأمرك رسول الله ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬أن تعتزل امرأتك(‪ 0‬قال‪ :‬فقلت‪) :‬أطلقها أم ماذا أفعل ؟(‪0‬فقال‪ ):‬بل‬
‫اعتزلها ول تقرنها ( ‪0‬قال‪ :‬وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك قال‪ :‬فلبثنا عشر‬
‫ليال‪ ،‬فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهى عن كلمنا‬

‫)‪(2 /‬‬

‫قال‪ :‬ثم صليت صلة الصبح صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا‪،‬‬
‫فبينما أنا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى منا‪:‬قد ضاقت علي نفسي‪،‬‬
‫وضاقت علي إلرض بما رحبت‪ ،‬سمعت صارخا أوفى على جبل سلع يقول‬
‫بأعلى صوته‪ ):‬أبشر يا كعب بن مالك (‪ 000‬قال‪ :‬فخررت ساجدا‪ ،‬وعرفت‬
‫أن قد جاء الفرج من الله عز وجل بالتوبة علينا ‪000‬فأذن رسول الله ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬بتوبة الله علينا حين صلى الفجر‪ ،‬فذهب الناس يبشروننا‪،‬‬
‫وذهب قبل صاحبي مبشرون‪ ،‬وركض إلي رجل فرسا‪ ،‬وسعى ساع من‬
‫"أسلم" وأوفى على الجبل‪ ،‬فكان الصوت أسرع من الفرس‪ ،‬فلما جاءني‬
‫الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوتهما إياه ببشارته‪ ،‬والله ما‬
‫أملك يومئذ غيرهما ‪0‬واستعرت ثوبين فلبستهما‪ ،‬وانطلقت أؤم رسول الله‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئونني بتوبة الله‪،‬‬

‫‪205‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقولون‪ ):‬ليهنك توبة الله عليك(‪ 0‬حتى إذا دخلت المسجد‪ ،‬فإذا رسول الله‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬جالس في المسجد والناس حوله‪ ،‬فقام إلي طلحة‬
‫بن عبد الله يهرول حتى صافحني وهنأني‪ ،‬فلما سلمت على رسول الله‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال )وهو يبرق وجهه من السرور(‪ ):‬أبشر بخير يوم‬
‫مر عليك منذ ولدتك أمك (‪0‬قال‪ :‬قلت‪ ):‬أمن عندك يا رسول الله‪ ،‬أم من‬
‫عند الله ؟(‪0‬قال‪ ):‬ل‪ ،‬من عند الله( قال‪ :‬وكان رسول الله ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر‪ ،‬حتى يعرف ذلك منه‪ ،‬فلما‬
‫جلست بين يديه قلت‪ ):‬يا رسول الله‪ ،‬إن من توبتي أن أنخلع من مالي‬
‫صدقة إلى الله والى رسوله(‪0‬قال‪) :‬أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك (‬
‫‪0‬قال‪ :‬فقلت‪ ):‬فاني أمسك سهمي الذي بخيبر ( ‪ 0‬وقلت‪ ):‬يا رسول الله‬
‫إنما نجاني الله بالصدق‪ ،‬وان من توبتي إل أحدث إل صدقا ما بقيت (‪ 00‬قال‪:‬‬
‫فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبله الله من الصدق في الحديث منذ‬
‫ذكرت ذلك لرسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أحسن مما أبلني الله تعالى‪،‬‬
‫ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إلى‬
‫يومي هذا‪ ،‬واني لرجو أن يحفظني الله عز وجل فيما بقى (‪0‬وأنزل الله‬
‫تعالى‪ ):‬لقد تاب الله على النبي والمهاجرين وإلنصار الذين اتبعوه في ساعة‬
‫العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم انه بهم رءوف‬
‫رحيم‪ ،‬وعلى الثلثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الرض بما رحبت‬
‫وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن ل ملجأ من الله إل إليه ثم تاب عليهم‬
‫ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم‪،‬سورة التوبة )‪000(119-117‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫إيقاظ وتنبيه من الشيخ الهدار‬


‫الشيخ محمد الهدار‬
‫الحمد لله ذي الطول والنعام والصلة والسلم على خير النام أما بعد ‪:‬‬
‫لقد أطلعتنا وسائل العلم في اليام السابقة على ما قامت به صحيفة‬
‫دنماركية من إساءة لشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا ليس‬
‫غريبا من أعداء السلم حيث أن الله قال عنهم " ولن ترضى عنك اليهود ول‬
‫النصارى حتى تتبع ملتهم " بل وقال سبحانه " وما تخفي صدورهم أكبر "‪.‬‬
‫لكن الغريب هو عدم تنادي مؤسسات العالم السلمي والعربي إلى‬
‫اجتماعات طارئة لتوحيد مواقفهم تجاه هذا العدوان السافر ‪ ،‬لم نسمع‬
‫بالدعوة لجتماع طارئ لرابطة دول العالم السلمي ‪ ،‬لم نسمع بالدعوة‬
‫لجتماع طارئ لجامعة الدول العربية ‪ ،‬وهذا يعد نوعا من أنواع التخاذل ن‬
‫نوعا من أنواع الهوان‪ ،‬نوعا من أنواع الضعف ‪ ،‬يعد نوعا من أنواع الستكانة ‪.‬‬
‫فإذا كانت مثل هذه الساءات لم تؤدي على توحيد الصف وجمع الكلمة‬
‫واتخاذ المواقف الرادعة فمتى تتوحد المة ؟‪..‬‬
‫والله وبالله وتالله لو كنا متمسكين بديننا حق التمسك على المستوى‬
‫الرسمي والشعبي كما كان حال السلف لعلنت حالة النفير و جيشت‬
‫الجيوش لمثل هذه الساءات لشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬إنما‬
‫حصل من الصحيفة الملعونة يجب أن يوحد صف المة ويجمع كلمتها ‪ ،‬يجب‬
‫أن يجعلنا أكثر حرصا على ديننا ‪ ،‬يجب أن يجعلنا أكثر تمسكا بسنة نبينا صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬يجب أن يوقظ شبابنا الذين بهرتهم حضارة الغرب‬
‫المزيفة ‪ ،‬ويسارعوا على نبذ تقاليدهم فيما ابتدعوه لهم من لباس وموضات‬

‫‪206‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وثقافة مادية تهتم بإشاعة الفاحشة ونبد الفضيلة وتؤدي إلى إماتة الضمير‬
‫وقتل الحياء ‪.‬‬
‫إنما حصل من إساءة لشخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من قبل‬
‫الصحافة الكافرة ليس غريبا كما قلت لكم لكن الغريب أن يساء لدين‬
‫السلم من قبل أبناء المسلمين والسلم ‪ ،‬فكم من شاب من شباب‬
‫المسلمين يسب الدين ويسب الجللة والعياذ بالله في ملعب الكرة وفي‬
‫السواق وفي الجامعات والمدارس كذلك للسف دون رادع من أخلق دون‬
‫رادع من ضمير وخوف من الله دون رادع من المسؤولين عن تنفيذ القانون ‪،‬‬
‫وهذا يحتم على الباء والمدرسين والوعاظ والخطباء ومسؤولي الداب‬
‫ووسائل العلم يحتم على الجميع أن تتكاتف الجهود لبيان خطورة ذلك وأخذ‬
‫التدابير اللزمة للحد من انتشار هذه الظواهر الهدامة والقضاء عليها ‪.‬‬
‫أيها الفاضل ‪ :‬لقد طالب البعض بمقاطعة البضائع الدنماركية ‪ ،‬وهذا أقل‬
‫شيء تواجه به الساءة التي صدرت من هذه الدولة ‪ ،‬لكن ينبغي أن نعلم أن‬
‫البضائع الموجودة عند التجار قبل صدور الساءة ل تدخل في حيز المقاطعة‬
‫لن وجودها عند التجار يعني أنهم مالكون لها وبالتالي المقاطعة لها في هذه‬
‫الحالة تعتبر خسارتها راجعة على هؤلء التجار ‪ ،‬وليس على الدولة الدنماركية‬
‫‪ ،‬وهذا ظلم لهؤلء التجار ول خسارة فيه لتلك الدولة وعليه يجب التفريق بين‬
‫البضاعة الموجودة عند التجار قبل صدور الساءة ‪ ،‬ول تقاطع إل البضائع التي‬
‫تم استيرادها بعد الساءة في حال وجودها ؛ إذ أنه ل ضرر ول ضرار في‬
‫السلم ‪...‬‬
‫ول يفوتني في هذا المقام أن أثمن عاليا موقف الجماهيرية المشرف وذلك‬
‫حين قامت بقفل مكتب العلقة مع دولة الدنمارك بعد صدور الساءة‬
‫المشؤومة كما أنها قامت برد باخرة ملئ بالبضائع من تلك الدولة فهذا‬
‫موقف شجاع ومسؤول يدل على الغيرة والنخوة‪...‬‬
‫الخوة العزاء ‪ ،‬ل خوف على السلم ورسول السلم صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬لن الله حافظ دينه وحافظ وناصر رسوله صلى الله عليه وسلم قال‬
‫تعالى " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " وقال سبحانه " إل تنصروه‬
‫فقد نصره الله " إنما الخوف علينا نحن التباع عن تخلينا عن ديننا ولم ندافع‬
‫عنه بكل ما نملك ‪ ،‬إنا الخوف علينا نحن التباع إن ابتعدنا عن سنة رسولنا‬
‫صلى الله عليه وسلم وأبدلناها ببدع ما أنزل الله بها من سلطان إنما الخوف‬
‫علينا نحن التباع إن لم نسعى لتوحيد صفوفنا وجمع كلمتنا إنما الخوف علينا‬
‫إن لم ننتبه لمخططات العداء وكشفها والعداد للقضاء عليها ‪ ،‬إنما الخوف‬
‫علينا نحن التباع إن لم نترك النانية والتعصب للشخاص ‪ ،‬التعصب الذي‬
‫يؤدي للنقسامات ‪ ،‬ويؤدي إلى الحقد والغل إنما الخوف علينا نحن التباع إن‬
‫لم نستبدل الغل والحقد بالمحبة والخوة الصادقة ‪ ،‬إن لم نستبدل التعصب‬
‫للشخاص في المسائل الجتهادية بالسعة والمرونة والعذر ‪ ،‬إن لم نستبدل‬
‫النانية باليثار والبذل والعطاء ‪،،‬‬
‫أسأل الله أن يوحد صفنا‬
‫وأن يجمع كلمتنا‬
‫ويلم شعثنا‬
‫ويجبر كسرنا‬
‫ويعلي كلمة الحق والدين‬
‫والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته‬

‫‪207‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إيقاع طلق الجاهل بآثاره‬


‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪ ...‬الفهرسة‪ /‬فقه السرة‪ /‬الطلق ‪/‬مسائل متفرقة‬
‫التاريخ ‪08/04/1426 ...‬هـ‬
‫السؤال‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬
‫أصحاب الفضيلة‪ :‬نرجو منكم إفادتنا في واقعة تقع كثيرًا‪ ،‬وهي‪ :‬أن كثيرا ً‬
‫ممن أسلم حديثا ً ‪-‬أو من التزم في إسلمه‪ -‬تقع منهم تصرفات )كالطلق‬
‫ل(‪ ،‬ول ندري كيف نتصّرف تجاه شكواهم‪ .‬فهل من قاعدة عامة تندرج‬ ‫جه ً‬
‫تحتها فروع شتى من مسائل )متى يعذر الجاهل(‪ .‬فمثل ً طلق أحد الشبان‬
‫زوجته‪ ،‬وأطلق عبارات تفيد ذلك‪ ،‬والن جاء يشتكي بأنه لم يعرف آثار تلك‬
‫الكلمات‪ ،‬وإن كان لديه بعض المعلومات المشوهة حول هذه القضية؟‪.‬‬
‫وآخر أفطر في نهار رمضان عن جهل‪ ،‬حيث كان يعتقد أن صيام هذا الشهر‬
‫ليس فرضا ً قاطعًا‪ ،‬بل يستطيع النسان أن يأخذ راحته أحيانًا‪ ،‬بحيث يصوم‬
‫يوما ويفطر يومًا‪ ،‬والن بعدما بلغه الخبر اليقين فهو في حيرة‪ :‬هل عليه‬
‫كفارة أم يكفي التوبة؟ وهكذا‪.‬وجزاكم الله خيرًا‪.‬‬
‫الجواب‬
‫الحمد لله‪ ،‬والصلة والسلم على رسول الله‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫وعليكم السلم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬
‫يجب على المسلمين والهيئات والمراكز السلمية في كل بلد في العالم‬
‫يوجد فيه مسلمون جدد‪ ،‬أو حديثو عهد بالسلم‪ ،‬يتعين على هؤلء كلهم بذل‬
‫كل ما يستطيعون في تعليم حدثاء العهد بالسلم أحكام السلم الضرورية‪،‬‬
‫كأداء الصلوات الخمس‪ ،‬وصوم رمضان بالمساك عن الطعام والشراب‪،‬‬
‫والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس‪ ،‬وتعليمه الحكام الضرورية‪،‬‬
‫والمور التي عليه اجتنابها‪ ،‬كالزنا‪ ،‬وشرب الخمر‪ ،‬والربا‪ ،‬والظلم‪ ،‬وأكل‬
‫الحرام‪ ،‬وأل يجمع الرجل في عصمته أكثر من أربع زوجات‪ ،‬ونحو ذلك من‬
‫الحكام الضرورية والظاهرة‪ ،‬وما يتعّلق بالعقيدة من مظاهر الشرك التي‬
‫تخرج صاحبها من دائرة السلم ونحو ذلك من الحكام‪ ،‬أما غير ذلك من‬
‫الحكام الجزئية‪ ،‬والمعاملت المالية‪ ،‬وبعض الحوال الشخصية‪ ،‬فتعالج كل‬
‫قضية أو مسألة بعينها في حينها‪ ،‬فمن أفطر في رمضان – كما في السؤال‪-‬‬
‫أمر بالتوبة والستغفار وبقضاء ما أفطره من أيام‪ ،‬وعدم العود لمثله‪.‬‬
‫أما من طلق جاهل ً – كما في السؤال‪ -‬فيعذر بالجهل؛ فل ينفذ طلقه مراعاة‬
‫لجهله وحداثة دخوله في السلم؛ حفاظا ً على الرابطة السرية ومراعاة‬
‫لحاله‪ ،‬ويلزم تعليمه حكم الطلق وآثاره ولوازمه؛ حتى ل يعود إليه مرة‬
‫أخرى‪ .‬والله أعلم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪208‬‬

You might also like