You are on page 1of 202

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫العلم النقي ‪ ،‬كما يسميه الداعون إليه ‪ ..‬ليس معنيا ً بالسلمة‪ ،‬بمفهومها‬
‫)المؤدلج(‪ ،‬وهو ما يدافع عنه المهتمون به‪ ،‬والداعون إليه‪ ..‬ضد دعوى من‬
‫ككون بنوايا الداعين للسلمة‪ ،‬بدعوى الحزبية‬ ‫يتصدى لسلمة العلم‪ ،‬ويش ّ‬
‫والدلجة‪ .‬ينطلق مفهوم العلم النقي من مبدأ أن الفضائيات العربية‪،‬‬
‫بوضعها الحالي تمارس تأثيرا ً سيئًا‪ ،‬واعتداًء منظمًا‪ ،‬على منظومة الخلق‬
‫العربية السلمية‪ ،‬وتسهم في تسطيح اهتمامات النسان العربي‪ ،‬وإعاقة‬
‫ة إلى تغييبه عن واقعه‪ .‬إن‬ ‫موه الثقافي‪ ،‬والجتماعي‪ ،‬والسياسي‪ ،‬إضاف ً‬ ‫ن ّ‬
‫الحتجاج على ما تبثه الفضائيات العربية‪ ،‬والتحذير من خطرها على الدين‬
‫والهوية ‪ ..‬كما يرى الداعون إلى إعلم عربي نقي‪ ،‬أمر مشروع‪ ،‬وله ما‬
‫وغه من واقع تلك الفضائيات‪.‬‬ ‫يس ّ‬
‫الفضائيات السلمية‪:‬‬
‫حرية الختيار ‪: Freedom of choice‬‬
‫بعيدا ً عن جدل المصطلح‪ ،‬وأسلمة العلم‪ ،‬ومفهوم العلم النقي‪ ،‬يجب‬
‫القرار ابتداًء‪ ،‬أن انطلق البث العلمي السلمي قد حقق قيمة عليا ‪ ..‬هي‬
‫مبدأ )حق الختيار( للنسان العربي‪.‬‬
‫من المتفق عليه أنه ل يمكن الحديث عن إعلم )حقيقي(‪ ،‬يعكس نبض‬
‫الشارع‪ ،‬وتوجهات الناس‪ ،‬إل في بيئة )ديمقراطية( حّرة‪ ،‬تكفل حق التعبير ‪..‬‬
‫وحق اختيار مصدر المعلومات‪ ،‬الذي يعّرض النسان نفسه له‪ .‬لقد صارت‬
‫حرية الختيار والتعبير‪ ،‬بعد البث الفضائي السلمي حقيقة قائمة‪ ،‬وحقا ً أصيل ً‬
‫للمشاهد العربي‪ ،‬المحافظ منه على وجه التحديد‪ .‬أصبح بوسع ذلك المشاهد‬
‫أن يختار نوع )الشاشة(‪ ،‬التي يجلس أمامها‪ ،‬والرسالة العلمية التي‬
‫يستقبلها‪.‬‬
‫الطار النظري ‪: Theoretical Framework‬‬
‫تقوم العملية التصالية ‪ ،Communication Process‬على عناصر أربعة‪ :‬المرسل‬
‫)‪ ،(SENDER‬والرسالة ‪ ، MESSAGE‬والقناة ‪ ، CHANNEL‬والمستقبل‬
‫‪.RECIEVER‬‬
‫ً‬
‫يمكن تفسير وفهم عمل العلم السلمي‪ ..‬الفضائي منه تحديدا‪ ،‬من خلل‬
‫إطار نظري يقوم على نظّريتين لهما علقة بعنصرين من عناصر العملية‬
‫التصالية‪ .‬الولى لها علقة بالمرسل ) ‪ ،( SENDER‬أو المؤسسة العلمية‪،‬‬
‫قِبل ‪ ..‬أو الجمهور )‪.( RECIEVER‬‬ ‫والثانية مرتبطة بالمست َ ْ‬
‫النظرية الولى‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نظرية المسؤولية الجتماعية ‪Social Responsibility Theory‬‬


‫إذا كانت نظرية الحرية قد ظهرت كرد فعل على تعسف النظم الشمولية‪،‬‬
‫عرف في الوسط العلمي ‪ ..‬بنظرية‬ ‫ومصادرتها لحق التعبير‪ ،‬من خلل ما ُ‬
‫السلطة ‪ ،Authority Theory‬فإن نظرية المسؤولية الجتماعية‪ ،‬ولدت بسبب‬
‫الستخدام الخاطئ لمفهوم الحرية‪ ،‬في وسائل العلم ‪ ..‬ذلك الذي مهدت له‬
‫لك تلك‬ ‫نظرية الحرية سوء الستخدام لمفهوم الحرية‪ ،‬سواء كان من قبل م ّ‬
‫الوسائل أو من قبل ) العلميين ( أنفسهم‪ .‬لقد أفرطت نظرية الحرية‬
‫‪ Freedom Theory‬في إعلء حرية الفرد على حساب مصلحة المجتمع‪ ،‬وبالغت‬
‫في منح الفرد الحق في التنصل والتحرر من أي مسؤولية اجتماعية‪ ،‬أو قيمة‬
‫أخلقية في ظل هذه النظرية‪ ،‬ومع تحول العلم إلى صناعة صار ُينظر إلى‬
‫كل شيء‪ ،‬على أنه )سلعة( ‪ ..‬حتى المبادئ والقيم‪ ،‬وأصبح جني المال هدفا ً‬
‫بحد ذاته‪ ،‬ولم يعد للجشع الفردي حدود‪.‬‬
‫ً‬
‫في مقابل ذلك‪ ،‬ترى نظرية المسؤولية الجتماعية‪ ،‬أن للفرد حقا‪ ،‬وللمجتمع‬
‫أيضا ً حقوقًا‪ ،‬بوصفه مجموعة أفراد لهم حقوقهم‪ ،‬وينخرطون في الوقت‬
‫نفسه‪ ،‬في )مؤسسات( اجتماعية‪ ،‬تسعى لخدمة الصالح العام ‪ ..‬وتحتاج‬
‫لذلك‪ ،‬إلى حماية من نزوات الفراد‪ ،‬وتسلط الرغبات الفردية‪ .‬على المستوى‬
‫العلمي سعت نظرية المسؤولية الجتماعية للحد من تحكم الرغبات‬
‫الشخصية‪ ،‬وتأثير الراء الفردية في نسق الحياة العامة للجماعة ‪ ..‬و لتحقيق‬
‫توازن بين حرية التعبير‪ ،‬ومصلحة المجتمع‪" :‬حريتك تنتهي‪ ،‬حيث تبدأ حقوق‬
‫الخرين"‪ .‬تبدو معادلة دقيقة ‪ ..‬لكن الشعور بالمسؤولية الجتماعية‪ ،‬هو الذي‬
‫يحققها‪ .‬إعلميًا‪ :‬المؤسسة العلمية‪ ،‬تضطلع بمهام و وظائف اجتماعية‬
‫جوهرية في حياة الناس‪ ..‬ولها دور تربوي وتثقيفي‪ ،‬وليست مجّرد منبر لفرد‪،‬‬
‫أو مجموعة أفراد‪ ،‬يمارسون من خلله رغباتهم‪ ،‬عبر سطوة رأس المال‪.‬‬
‫وجد القائمون على العلم السلمي‪ ،‬أن نظرية المسؤولية الجتماعية‪ ،‬هي‬
‫القرب لتمثيل الفكرة السلمية إعلميًا‪ ،‬والكثر تعبيرا ً عن مفهوم العلم‪،‬‬
‫الذي يحمل رسالة‪ ،‬وملتزم أخلقيًا‪ ..‬وهو ما يسعون لتطبيقه في عالم الواقع‬
‫لكبح جماح النفلت الخلقي‪ .‬وهي كذلك النظرية التي يمكن من خللها‬
‫تحقيق الصالح العام‪ ،‬ولجم طغيان الهواء الفردية‪.‬‬
‫النظرية الثانية‪:‬‬
‫نظرية الستخدامات والشباع ‪Uses and Gratification Theory‬‬
‫مع ازدهار صناعة العلم‪ ،‬اعتمد بعض العاملين في مجال العلم‪ ،‬على هذه‬
‫النظرية‪ ،‬لتسويغ السياسة العلمية التي ينتهجونها ‪ ..‬إنتاجا ً وممارسة‪ .‬تقوم‬
‫النظرية على تفسير سلوك الجمهور تجاه وسائل العلم‪ ،‬على أساس من‬
‫استخدام الفراد للوسائل‪ ،‬وما يحققه استخدامهم لها من إشباع نفسي‬
‫وفكري‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫جاءت هذه النظرية لتقلب المعادلة كما يقال‪ .‬كان الجزء الكبير من بحوث‬
‫العلم‪ ،‬والدراسات‪ ،‬يتناول تأثير وسائل العلم في الجمهور‪ ،‬عبر )الرسائل(‬
‫العلمية‪ ،‬ويركز على‪:‬‬
‫ماذا )يصنع العلم( بالناس؟‬
‫نظرية الستخدامات والشباع‪ ،‬طرحت السؤال بشكل معاكس‪:‬‬
‫ماذا )يصنع الناس( بوسائل العلم؟‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بناء على النظرية‪ ،‬فإن اهتمامات أفراد الجمهور‪ ،‬وعادات المشاهدة عندهم‪،‬‬
‫والغرض الذي يعرضون أنفسهم لوسائل العلم من أجله‪ ،‬هو الذي يحدد ما‬
‫ض في وسائل العلم‪ .‬الزعم كان‪ ،‬أن المؤسسات العلمية‪،‬‬ ‫ج ‪ ..‬أو ي ُعَْر ْ‬
‫ي ُن ْت َ ْ‬
‫ووسائل العلم‪ ،‬ل )تتعمد( إنتاج وبث مواد إعلمية بعينها‪ .‬إنها فقط ‪..‬‬
‫)تساير( رغبة المشاهد وميوله‪ ،‬الذي يطلب هذا النوع من البرامج‪ ،‬ويستخدم‬
‫وسائل العلم للحصول عليها‪ ..‬ليتحقق له الشباع‪.‬‬
‫مفهوم نظرية الستخدامات والشباع‪ ،‬هو الذي رّوج فيما يبدو لمقولة شعبية‬
‫سادت في الوساط العلمية العربية ‪ ..‬وهي ‪" :‬الجمهور عاوز كده" ! كانت‬
‫هذه العبارة ُتقال‪ ،‬في سياق )الدفاع( عن موجة من البرامج الهابطة‬
‫والمسفة‪ ،‬غمرت‪ ،‬وما زالت تغمر وسائل العلم العربية‪.‬‬
‫أثبتت تجربة العلم السلمي‪ ،‬وتنامي الشريحة المهتمة به‪ ،‬من خلل‬
‫توظيف نظرية الستخدامات والشباع أن المشاهد العربي ليس مجرد كائن‬
‫غرائزي ‪ ..‬يلهث خلف الترفيه الرخيص‪ ،‬والثارة العارية‪ .‬أثبتت كذلك‪ ،‬زيف‬
‫ما امتلك حق الختيار‪ ،‬استخدم الوسيلة‬ ‫مقولة إن "الجمهور عاوز كده"‪ .‬إنه ل ّ‬
‫ً‬
‫العلمية‪ ،‬في تحقيق إشباع نفسي وفكري‪ ،‬سام ٍ ومتحضر‪ ..‬بعيدا عن سطوة‬
‫الغريزة‪ ،‬وبرامج التسطيح الفكري‪ ،‬وعروض الترفيه الهابطة التافهة‪.‬‬
‫المعيار الخلقي‪:‬‬
‫يحكم العمل العلمي‪ ،‬من منظور إسلمي‪ ،‬معايير أخلقية صارمة‪ .‬القاعدة‬
‫العامة التي تحكم أي نشاط بشري‪ ،‬على أساس من هذا المنظور هي‪:‬‬
‫الممارسة ليست غاية بحد ذاتها‪ ،‬بل بما تحققه من )فضيلة( ‪ .Virtue‬كما أن‬
‫الممارسة نفسها‪ ..‬إذا كانت صحيحة‪ُ ،‬تعد ّ نوعا ً من العمل الصالح ‪Good‬‬
‫‪ ،Deed‬الذي ينال المسلم بسببه‪ ،‬الجر من الله‪.‬‬
‫ً‬
‫الفضيلة هنا‪ ،‬معنى عام ‪ ..‬لكل ما دعت إليه الشريعة‪ ،‬وما تراه حسنا‪ ،‬من‬
‫ة العمل العلمي‬ ‫دف و َ‬
‫غاي َ‬ ‫قول أو فعل‪ .‬وهي كذلك ‪ ..‬أي الفضيلة‪ ،‬هَ َ‬
‫قق بأي وسيلة‪ .‬هذه الرؤية للعمل العلمي‬ ‫السلمي‪ ،‬لكن هذه الغاية‪ ،‬ل ُتح ّ‬
‫خضعت لنقاشات طويلة‪ ،‬وتبلورت عن معيار أخلقي‪ ،‬يحدد طبيعة عمل‬
‫الوسيلة العلمية‪ ،‬وشكل الممارسة العلمية‪ .‬تمحور مفهوم المعيار‬
‫الخلقي ‪ ..‬بشكل رئيس حول مسألتين لهما علقة بالوسيلة العلمية‪ ..‬من‬
‫حيث هي )قناة( ‪ ،medium‬ومن حيث هي )رسالة( ‪ .message‬هاتان المسألتان‬
‫هما‪ :‬المرأة والفن‪.‬‬
‫المرأة‪:‬‬
‫تحتل قضية المرأة ‪ ..‬الصدارة في أي مسألة خلفية بين السلميين وغيرهم‪.‬‬
‫ل يمكن فهم أصل الخلف ‪ ..‬الذي يؤدي إلى سوء الفهم دون معرفة موقع‬
‫المرأة في الشريعة السلمية‪ ،‬ورؤيتها للدور الذي تضطلع به في السرة‬
‫والمجتمع المسلم ‪ ..‬ثم مفهوم الحلل والحرام‪ ،‬في العلقة بين الرجل‬
‫والمرأة‪.‬‬
‫ل ينظر السلم إلى المرأة ‪-‬بعكس ما يظنه كثيرون‪ -‬على أنها كائن أقل من‬
‫الرجل‪ ،‬وعضو منتقص الحقوق‪ .‬في واقع المر‪ ،‬تمنح الشريعة السلمية‬
‫المرأة كثيرا ً من الحقوق في الحياة العامة‪ .‬بل إنها في بعض الجوانب لها من‬
‫الحقوق أكثر مما للرجل‪.‬‬
‫تثير حماية السلم للمرأة‪ ،‬والضوابط التي يضعها للحيلولة دون استغللها‬
‫علمات استفهام كبيرة‪ .‬شرح العلقة بين الرجل والمرأة‪ ،‬والسئلة التي‬
‫تثيرها طبيعة دور كل منهما‪ ..‬كما قرره السلم ل يمكن الجابة عنها‪ ،‬من‬
‫خلل عزوها إلى نسبية ثقافية‪ ،‬تصوغ تلك العلقة‪ ،‬وتحدد ذلك الدور‪ .‬قاعدة‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحلل والحرام في السلم ل تخضع لمفهوم النسبية الثقافية‪ ،‬بل تأخذ‬


‫الحكام وفق هذه القاعدة أبعادا ً قطعية نهائية بحيث ل يمكن اللتفاف عليها‬
‫وغ‪.‬‬‫تحت أي مس ّ‬
‫العلقة بين الرجل والمرأة‪ ،‬واضحة الحدود والمعالم‪ ،‬مثلما أن دور المرأة‬
‫في المجتمع واضح ومحدد‪ .‬سوء الفهم ‪ ،‬حول موقف السلم من المرأة‪،‬‬
‫والدور الذي حدده لها ناشئ من عملية إسقاط مفردات نظام ثقافي مغاير‪،‬‬
‫على مجتمعات إسلمية تشكلت وفق ثقافة ل تقبل تمييع الحدود بين‬
‫الجنسين‪ ،‬ول تسمح بتداخل أدوارهما‪.‬‬
‫ً‬
‫واقع المرأة ‪-‬على الغلب‪ -‬في وسائل العلم حاليا‪ ،‬ينطلق من فلسفة‬
‫صناعة العلم القائمة في معظمها على استغلل المرأة فيما يشد الرجل‬
‫إليها‪ ..‬وهو تحديدا ً جسدها‪ .‬توظيف المحسوس لدى المرأة لجذب الرجل‪..‬‬
‫ولها إلى )شيء( ‪،Subject‬‬ ‫يرفضه السلم؛ لنه يلغي كينونة المرأة‪ ،‬ويح ّ‬
‫ويزدري قيمتها النسانية‪ .‬حدود الحلل‬

‫)‪(3 /‬‬

‫والحرام‪ ،‬كما يقررها السلم‪ ،‬تمنع إيجاد أوضاع تشجع على استغلل المرأة‪،‬‬
‫أو تدفعها لتجاوز الحدود‪ ،‬التي ُوضعت لحمايتها ‪ ..‬تحت أي ذريعة‪ .‬السلم‬
‫كذلك‪ ،‬قرر شكل وإطار العلقات بين الرجل والمرأة‪ ،‬ومستوى التصال‬
‫والتواصل بينهما ‪ ..‬وحدد بشكل قاطع دور كل واحد منهما‪ .‬على أساس من‬
‫ذلك ل يمكن )افتراض( علقة من أي نوع بينهما‪ ،‬غير ما هو محدد أساسًا‪ ،‬ول‬
‫اختلق أدوار‪ ،‬غير التي رسمت لكل منهما ‪ ..‬ابتداء‪ .‬لنه ل مكان لعلقة‬
‫)متخّيلة( ‪ ،‬ول لدوار )مفترضة( ‪ ..‬في مسائل الحلل والحرام‪.‬‬
‫برزت )مشكلة( المرأة في وسائل العلم العربية‪ ،‬حين نظر لطبيعة‬
‫مشاركتها‪ ،‬وفق منظور ثقافي دخيل‪ ،‬وعندما تم )ت َ ْ‬
‫شِييئَها( ‪ ..‬وفق ذلك‬
‫المنظور‪ ،‬فصار يمكن عرضها‪ ،‬ضمن سلوك استهلكي‪ .‬فهي يجب أن تظهر‬
‫بشكل وهيئة مقبولة ‪ ..‬للرجل‪ .‬وهي كذلك‪ ،‬يجب أن تكون ضمن )رسالة‬
‫إعلمية(‪ ،‬تشتمل على إغراء بمتابعتها‪ ،‬من قبل الرجال‪ .‬المرأة في العلم‬
‫السلمي‪ ،‬غير مقبول أن يتم تحويلها إلى شيء‪ ،‬أو )سلعة( ‪ ..‬يحكمها قانون‬
‫العرض والطلب‪ .‬ظهور المرأة في العلم السلمي‪ ،‬محكوم بالضوابط‬
‫العامة للشريعة‪ ،‬التي تحدد دورها في الحياة اليومية‪ .‬مثلما أنه ل يمكن وجود‬
‫ممارسة )مفترضة( للمرأة في الحياة العامة‪ ،‬غير ما قررته الشريعة لها‪ ،‬فإنه‬
‫كذلك‪ ،‬ل يمكن الحديث عن )ممارسة إعلمية( للمرأة‪ ،‬في ظل ظروف‬
‫وأوضاع‪ ..‬غير تلك التي تمارسها في حياتها اليومية‪ ،‬المنضبطة بأحكام‬
‫الشريعة‪ .‬هذا الواقع‪ ،‬وضع حدودا ً وضوابط ‪ ،‬على عمل المرأة‪ ،‬وظهورها في‬
‫وسائل العلم‪ .‬تتسع هذه الحدود وتضيق ‪ ،‬بقدر ما تقترب المرأة‪ ،‬أو تبتعد‪..‬‬
‫عن أحكام السلم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫العلم السلمي أيضا‪ ،‬بوصفه نشاطا بشريا لفراد مسلمين‪ ،‬محكوم بقاعدة‬
‫الحلل والحرام ‪ ..‬التي يؤمن بها أولئك الفراد‪ ..‬ول يستطيع أن يخرج عليها‪،‬‬
‫ليظل يحمل صفة العلم السلمي‪ ،‬ويبقى القائمون عليه‪ ،‬يوصفون بأنهم‬
‫مسلمون ملتزمون في ممارستهم العلمية‪ ،‬بما في ذلك رؤيتهم لدور المرأة‬
‫في العلم‪.‬‬
‫الفن‪:‬‬
‫الفن للفن‪ ..‬أو الفن للرسالة ‪..‬؟‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النقاش ما زال قائما ً ‪ ..‬وسيبقى ‪ ،‬حول مسألة أن للفن قيمة قائمة بذاتها‪،‬‬
‫خارج أي سياق ثقافي‪ .‬يجادل الذين يؤمنون بمبدأ "الفن للفن" ‪ ..‬أن الفن‬
‫ى )الحقيقة(‬ ‫يجب أل ّ يخضع لي قيد أخلقي‪ ،‬وأن يكون معبرا ً ع ّ‬
‫ما يسم ّ‬
‫النسانية‪ ،‬في شكلها الول‪ .‬بناء على رأي هؤلء‪ ،‬الديان‪ ،‬والقوانين الخلقية‬
‫التي يضعها النسان‪ ،‬أشياء محدثة وليست قديمة‪ ،‬تنطلق في تقييد الفن‬
‫بضوابط أخلقية ‪ ..‬بدافع من طبيعتها المؤدلجة‪ .‬الفن‪ ..‬على ضوء هذه‬
‫الرؤية‪ ،‬هو المعّبر عن روح البداع التي ل تعترف بحدود ول قيود من أي نوع‪.‬‬
‫أدلجة الفن بإخضاعه للمعايير الخلقية‪ -‬كما يقولون‪ -‬يؤدي إلى خنق البداع ‪.‬‬
‫النحات مثل ً ‪ ..‬برأيهم‪ ،‬الذي ينحت جسدا ً عاريًا‪ ،‬يعرض إبداعا ً و)فنًا( ‪،Art‬‬
‫وليس معنيا ً بمفهوم )الباحية( ‪ ،Pornography‬الذي ترفضه المعايير والضوابط‬
‫الخلقية‪ .‬إنه يقدم )رسالة( جمالية‪ ..‬ليس أكثر‪ .‬يضيف هؤلء كذلك‪ ،‬أن‬
‫المعيار الخلقي نسبي‪ ،‬يختلف من ثقافة لثقافة‪ ،‬ومن فرد لخر‪ ،‬داخل‬
‫الثقافة الواحدة‪.‬‬
‫مبدأ الفن لجل الفن‪ ،‬فتح الباب لممارسات‪ ،‬وسلوكيات كثيرة فيها تجاوز‬
‫لمسلمات أخلقية واجتماعية ‪ ..‬كلها صار يدرجها أصحابها تحت مفهوم الفن‪.‬‬
‫في العلم الظاهرة كانت أوضح؛ إذ انتهكت كثيرا ً من القطعيات الدينية‬
‫والعراف الجتماعية‪ ،‬وتم التعدي على محرمات دينية‪ ،‬أو التقليل من رموز‬
‫مقدسة‪ ..‬باسم الفن والبداع‪.‬‬
‫مقابل الفن لجل الفن ُوجدت دعوة‪ :‬الفن للرسالة‪ .‬يؤمن أصحاب هذه‬
‫الرؤية بالقيمة الجمالية للفن‪ ..‬وأن الجمال قيمة أخلقية بحد ذاته‪ .‬لكن أنصار‬
‫هذا التجاه يرون أن الفن إذا تجّرد من رسالته الخلقية‪ ،‬واتكأ على الذائقة‬
‫الفطرية فقط في تقديم الجمال‪ ..‬يهبط إلى مستوى العرض الغريزي‪ ،‬الذي‬
‫ت إليها الفلسفات‬ ‫لم تهذبه الخلق التي جاءت بها الرسالت السماوية‪ ،‬أو َدع ْ‬
‫الخلقية‪ .‬الفن بوصفه عمل ً إبداعيًا‪ ،‬ليس فعل ً مجردا ً من أي قيمة‪ .‬كل عمل‬
‫يحمل رسالة‪ ،‬وكل رسالة تنطوي على قيمة‪ .‬الترفيه مثل ً ‪ ..‬رسالة إعلمية‪،‬‬
‫مة )قيمة(‪.‬‬ ‫وممارسة تشتمل في جوهرها على إبداع‪ ،‬وفي ثناياها يوجد ث ّ‬
‫إذا ً ‪ ..‬ل يوجد ترفيه بريء‪ ،‬ول توجد )رسالة( ل تحمل قيمة‪ .‬كل رسالة‬
‫إعلمية تحتوي بالضرورة ‪ -‬ضمن أشياء أخرى‪ -‬على مجموعة قيم ‪Value-‬‬
‫‪.Loaded Messages‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫هذه الفلسفة هي ما يقوم عليه مبدأ‪ :‬الفن من أجل الرسالة‪ .‬القائمون على‬
‫العلم السلمي‪ ،‬يصفونه بأنه )إعلم رسالي( ‪ .‬ضمن هذا الوصف‪ ،‬كل‬
‫أنشطة العلم يجب أن تحمل في طياتها رسالة‪ .‬هذه الرسالة‪ ..‬هي في‬
‫جوهرها رسالة السلم‪ ..‬أو رسالة من )رسائل( السلم‪ .‬الفن ‪ ..‬بصفته أحد‬
‫أهم الممارسات العلمية‪ ،‬سواء كان دراما‪ ،‬أو ترفيه‪ ،‬ل يخرج‪ ..‬من وجهة‬
‫النظر السلمية‪ ،‬عن هذه القاعدة‪" :‬الفن من أجل الرسالة"‪ .‬الرسالة‬
‫العلمية السلمية كذلك‪ ،‬لبد أن ت ُؤَّدى من خلل الوسائل المشروعة‪ .‬قاعدة‬
‫الحلل والحرام ل تغيب‪ ،‬بل تحكم مضمون الرسالة ‪) ..‬القيمة التي تحملها(‪،‬‬
‫مثلما تحكم الوسيلة التي تنقل الرسالة‪ .‬الوسيلة هنا‪ ،‬ليست فقط الوسيط‬
‫‪ ،Medium‬الذي يحمل الرسالة‪ ،‬بل كذلك اللية التي يتم التعبير عن الرسالة‬
‫من خللها‪ ،‬سواء كان نصا ً ‪ ،Text‬أو صورة ‪ .Picture‬معالجة قضية تتناول دور‬
‫ل‪ ،‬ل تتم من منظور العلم السلمي من خلل‬ ‫المرأة في المجتمع مث ً‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سيناريو‪ ،‬يشتمل على )نص( و )صورة( ‪ ،‬لعلقة متخّيلة )دراميًا(‪ ،‬بين رجل‬
‫وامرأة ‪ ..‬ل يمت أحدهما للخر بصلة‪.‬‬
‫سؤال الهوية‪:‬‬
‫مسألة ) الهوية (‪ ،‬هي أبرز ما تثيره دعوات السلمة‪ ،‬وما لفتت النظر إليه‬
‫تجربة العلم السلمي‪ ،‬من خلل البث الفضائي‪ .‬هناك ملمحان في هذه‬
‫المسألة‪ .‬الملمح الول‪ ،‬له صلة بالدين والمنظومة الخلقية‪ ،‬والثاني له علقة‬
‫باللغة‪ .‬تتعرض المة لخطر استلب حضاري‪ ،‬يتهدد هويتها‪ .‬يحدث هذا‪ ،‬من‬
‫خلل ممارسة إعلمية‪ ،‬ساهمت في إضعاف صلة الجيال العربية بدينهم‪..‬‬
‫وتمردهم على نظامه الخلقي‪ ،‬عبر بث فضائي مكثف‪ ،‬فيه تجاوز كثير‬
‫وكبير‪ ،‬لكل ما هو ثابت وأخلقي‪ .‬صنعت تلك الفضائيات كذلك‪ ،‬قطيعة بين‬
‫تلك الجيال‪ ،‬ولغتها الم‪ ..‬من خلل طغيان العاميات المحلية الهجينة‪ ،‬واللغة‬
‫الجنبية على اللسان العربي‪ .‬أورث هذا الواقع وضعا ً قريبا ً من حال فقدان‬
‫الهوية ‪ ،Miss of identity‬بسبب آثاره السلبية على الدين واللغة‪.‬‬
‫الدين والمنظومة الخلقية‪:‬‬
‫انعزل السلم في الفضائيات العربية‪ ،‬في برنامج )ديني( أسبوعي أو يومي‪،‬‬
‫لشيخ يجلس أمام الكاميرا‪ ،‬يتحدث ساعة من الزمن‪ ،‬في شؤون ل علقة‬
‫للناس بها‪ .‬إلى جانب البرنامج الديني‪ ،‬تمتلئ ساعات البث الخرى‪ ،‬التي قد‬
‫تمتد إلى أكثر من )‪ (20‬ساعة‪ ،‬بكل ما هو غير ديني‪ ،‬وأحيانا ً )غير إسلمي(‪.‬‬
‫إبتداء من الفلم الجنبية المترجمة‪ ،‬أو المدبلجة‪ ،‬وانتهاء بأغاني )الفيديو‬
‫كليب(‪ .‬تمتلىء هذه الفلم بكثير مما يناقض السلم فكريا ً وأخلقيًا‪ ..‬وأحيانا ً‬
‫ة الفلم‬ ‫يسخر من بعض قيمه وتعاليمه‪ .‬بل إن بعض هذه الفلم ‪ ..‬خاص ً‬
‫دي‪ ،‬لمباديء السلم حين تروج‬ ‫المترجمة والمدبلجة تعبر عن موقف ض ّ‬
‫لسلوب حياة يصادم الخلق العربية السلمية في أساسها‪ ،‬مثل العرض‬
‫)المحايد( للمشاهد المخلة‪ ،‬والعلقات المحرمة‪ ،‬والخيانة الزوجية‪ ،‬ونكاح‬
‫المحارم‪ .‬أغاني الفيديو كليب التي أصبح لها قنوات عربية‪ ،‬مستقلة بذاتها‪،‬‬
‫ليست إل عرضا ً رخيصا ً ومباشرا ً لجساد النساء‪ ،‬ولمشاهد جنسية فاضحة ‪..‬‬
‫وتهييجا ً فجا ً وساقطًا‪ ،‬لغرائز الشباب‪.‬‬
‫إضعاف الوازع الديني‪ ،‬وانتهاك المحرمات‪ ،‬الذي أصبح سمة لزمة‪ ،‬لغالب‬
‫البث الفضائي العربي ‪ ..‬احيانا ً بذرائع سياسية‪ ،‬باسم تجفيف منابع التطرف‪-‬‬
‫أوجد حال ً من فقدان الهوية‪ ،‬وأفرز وضعا ً أخلقيا ً هشًا‪ ،‬تفشت في ظله‬
‫الجريمة الخلقية‪ .‬لقد تشكلت‪ ،‬بفعل هذه الفضائيات )ثقافة( موازية ‪ ..‬غير‬
‫جوهرية‪ ،‬على خصام مع جوهر الثقافة الصلية‪ .‬لم يعد معظم الشباب‬
‫العربي‪ ،‬على وجه الخصوص‪ ،‬يعبر في سلوكه‪ ..‬عن ثقافة عربية شرقية ‪..‬‬
‫محافظة‪ ،‬فضل ً عن أن تكون إسلمية‪ .‬كما أن )القيم( الغربية التي اكتسبها‪،‬‬
‫من تعرضه للفضائيات العربية‪ ،‬لم تجعله يتحلى بصفات الشخصية الغربية‬
‫)الجادة(‪ ،‬التي حققت إنجازات‪ ،‬على الصعيد الفكري والتقني‪ .‬التحلل‬
‫الخلقي للمجتمعات الغربية وآثاره على النظام السري‪ ،‬والنسق‬
‫الجتماعي‪ ..‬إضافة إلى تفشي المراض‪ ،‬الناتجة عن العلقات الجنسية‬
‫المحرمة‪ ،‬أصبح أكثر مظاهر الحضارة الغربية حضورًا‪ ،‬في المجتمعات‬
‫العربية‪.‬‬
‫المهتمون بالعلم السلمي‪ ،‬بعد مطالعات عميقة‪ ،‬لتأثير وسائل العلم على‬
‫الجمهور ‪ ..‬مما ورد في الدراسات الكثيرة والمكثفة‪ ،‬التي أجريت في‬
‫مر لوسائل العلم‪ ،‬بما تبثه‬ ‫المجتمعات الغربية نفسها ‪ ..‬أدركوا الدور المد ّ‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من رسائل إعلمية‪ ،‬على المتلقي العربي‪ ،‬خصوصا ً ثوابته وقيمه الدينية‪ .‬لم‬
‫يعد قول ً جزافًا‪ ،‬الحديث عن‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وجود غربة حقيقية عن تعاليم الدين في أوساط الشعوب العربية‪ ..‬ساهمت‬


‫الفضائيات العربية‪ ،‬بشكل كبير فيها‪ .‬بل إن هذا الواقع أفضى إلى نشوء‬
‫تيارات شبابية متطرفة نزعت إلى العنف للتصدي لما تعتقد أنه عملية تدمير‬
‫مقصودة لمنظومة المة الخلقية‪ ،‬وتهديد لوجودها‪ .‬هذه الحقيقة هي ما دفع‬
‫بعض الجهات والفراد‪ ،‬لتبني عمل إعلمي إسلمي مؤسساتي‪ ،‬يأخذ على‬
‫عاتقة المحافظة على هوية المة‪ ،‬ويصون أبرز مقومات وجودها ‪ ..‬وذلك‬
‫بحماية دينها ومنظومتها الخلقية‪ ،‬من هجمة )ثقافة( الفضائيات العربية‪.‬‬
‫اللغة‪:‬‬
‫م مظاهر الهوية‪ ،‬وهي كذلك‪ ،‬عنوان شخصية‬ ‫َ‬
‫حد أه ّ‬
‫اللغة وعاء الحضارة‪ ،‬وأ َ‬
‫المة ‪ ..‬ومن أهم أسباب وحدتها‪ .‬حوت اللغة العربية ميراث المة الحضاري‪،‬‬
‫وساهمت في حفظ وحدتها الفكرية والجغرافية لقرون طويلة‪ .‬تتراجع اللغة‬
‫العربية الن‪ ،‬بشكل كبير‪ ،‬على ألسنة أبنائها‪ ،‬أمام سيطرة اللهجات العامية‬
‫المحلية‪ ،‬ومنافسة لغة هجين‪ ..‬خليط من بعض كلمات عربية‪ ،‬وكثير من‬
‫مفردات إنجليزية‪ .‬تساهم الفضائيات العربية بشكل رئيس في تكريس هذا‬
‫الوضع الكارثي للغة العربية؛ إذ تكاد تكون كل البرامج الناطقة بـ )العربية(‪،‬‬
‫تتحدث بهذه العامّيات‪ ،‬أو باللغة الهجين‪ .‬يستوي في ذلك ‪ ..‬البرنامج‬
‫الجتماعي‪ ،‬أو السياسي‪ .‬أما الدراما )العربية( فكلها بل استثناء ناطقة‬
‫بالعامية‪.‬‬
‫ً‬
‫على الرغم من أن العالم العربي ينتظم سياسيا في جامعة الدول العربية‪،‬‬
‫ة العامّيات‪،‬‬ ‫التي تؤكد انتماء شعوبه إلى قومية واحدة ولسان واحد‪ ،‬إل أن غَل َب َ ْ‬
‫يجعل التواصل بين الشعوب العربية‪ ،‬أمرا ً صعبا ً ومتعذرا ً ‪ .‬كان متوقعا ً أن‬
‫تؤّدي الفضائيات العربية‪ ،‬بوصفها إعلما ً جماهيريا ً ‪،Communication Mass‬‬
‫دورا ً جوهريًا‪ ..‬في توحيد الشعوب العربية‪ ،‬وتعزيز تواصلها بتقليص العامية‪،‬‬
‫ونشر اللغة العربية؛ إذ معلوم ‪ ..‬أن وحدة اللغة‪ ،‬تساهم في عملية دمج‬
‫الشعوب الناطقة بها‪ ،‬وتعمل على صياغتها في وحدة قومية واحدة ‪National‬‬
‫‪ .Integration‬لكن الذي حدث خلف ذلك‪ :‬تكريس العامية‪ ،‬وتقليل فرص‬
‫التواصل والتفاهم‪.‬‬
‫يسعى العلم السلمي‪ ،‬باستخدامه اللغة العربية الفصحى‪ ،‬عبر البث‬
‫الفضائي‪ ،‬لعادة العتبار للغة العربية‪ ،‬من أجل حفظ هوية المة‪ ،‬والسعي‬
‫لوحدتها ‪ ..‬وتعزيز تواصل شعوبها‪.‬‬
‫جدل المهني والديني‪:‬‬
‫اصطدمت المحاولت لتأسيس إعلم إسلمي ‪ ..‬في البداية بآراء فقهية‪،‬‬
‫تحفظت كثيرًا‪ ،‬على استخدام بعض تقنيات الممارسة المهنية العلمية‪،‬‬
‫وعلى التوسع في استخدام تقنيات أخرى‪ .‬المدرسة الفقهية السلمية‬
‫بمذاهبها الربعة فوجئت بالعملية العلمية‪ ،‬وتطوراتها المتسارعة‪ ،‬وبالدور‬
‫ولت إلى صناعة‪،‬‬ ‫الجوهري والحيوي‪ ،‬الذي صارت وسائل العلم ‪ ..‬بعد أن تح ّ‬
‫تقوم به في المجتمعات‪ .‬وجد الفقهاء‪ ،‬ورجال الفكر السلمي أنفسهم أمام‬
‫ضل ً عن رفضها‪ .‬كما أن الموقف السلبي‪ ،‬الذي ل‬ ‫ظاهرة ل يمكن تجاهلها‪ ،‬ف ْ‬
‫يتفاعل مع حدث بمثل هذه الضخامة‪ ،‬ويعيد تكييفه‪ ،‬ضمن النسق الحضاري‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخاص به‪ ،‬ومقومات الثقافة المحلية‪ ،‬يؤدي إلى نتائج خطيرة‪ ،‬تنسحب آثارها‬
‫على الدور الحضاري للمة‪ ،‬وعلى تماسك النظام الجتماعي والخلقي‬
‫ن مهنّيتين‬ ‫قنيَتي ْ‬
‫للمجتمع‪ ،‬وتنعكس آثاره السلبية على سلوك الفراد‪ .‬أبرَز ت ْ‬
‫إعلمّيتين‪ ،‬ثار حولهما جدل فقهي هما‪ :‬الصورة والموسيقى‪.‬‬
‫الصورة‪:‬‬
‫طعّيات‬‫ق ْ‬‫لم ينل شيء من الوعيد والنكير‪ ،‬في أدبيات الفقه السلمي‪ ،‬بعد ال َ‬
‫المحرمة‪ ،‬تحريما ً أبديًا‪ ،‬مثل ذلك الذي ناله التصوير‪ .‬منذ البداية‪ ..‬اتخذ‬
‫م التوحيد‪ ،‬الذي يقوم عليه أصل‬ ‫السلم موقفا ً حادا ً ورافضا ً للتصوير‪ .‬فَهْ ُ‬
‫العتقاد في السلم‪ ،‬يساعد في معرفة الموقف الحدي‪ ،‬الذي اتخذه التشريع‬
‫السلمي‪ ،‬من الصورة والتصوير‪ .‬يقف التوحيد نقيضا ً للشرك‪ ،‬الذي هو‬
‫إشراك الله سبحانه في العبادة بصيغ شتى‪ ،‬لكنه في أظهر أشكاله‪ ،‬يتمثل‬
‫بالوثنية‪ ،‬التي تقوم على عبادة )الصور( والتماثيل‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫العلقة الظاهرة بين التماثيل وبين الصنام‪ ،‬والوثنية وطقوسها الشركية‪ ،‬خلق‬
‫ارتباطا ً ل شعوريًا‪ ،‬وعلقة غير ظاهرة‪ ،‬بين )الصورة( والصنام‪ ،‬بوصفها‬
‫ذريعة إلى )الشرك(‪ .‬اعتمدت الراء الفقهية التي قالت بتحريم التصوير على‬
‫أحاديث صريحة عن الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فيها تحريم للتصوير‪،‬‬
‫ووعيد للمصورين‪ .‬الموقف الفقهي الصارم‪ ،‬في تحريم التصوير على إطلقه‪،‬‬
‫منع طويل ً ‪ ..‬أي مشاركة فاعلة للسلميين في العملية العلمية‪ .‬هجمة‬
‫الفضائيات العربية التي ملت السماء العربية بقنوات ‪ ..‬تبث كل ما يهدد المة‬
‫في دينها‪ ،‬ولغتها‪ ،‬وهويتها‪ ،‬جعل القيادات الفكرية السلمية تطلق صيحات‬
‫التحذير حول خطورة )الغياب( عن مجال حيوي كهذا‪ .‬استشعار الخطر حيال‬
‫واقع الفضائيات العربية‪ ،‬دفع بعض الفقهاء‪ ،‬إلى القول بأن مناط التحريم في‬
‫التصوير‪ ،‬هو العلقة المباشرة‪ ،‬بين الشرك وعبادة التماثيل‪ ،‬التي هي شكل‬
‫من أشكال التصوير‪ .‬هذا الرأي حّرض الفقهاء‪ ،‬لعادة النظر في حكم‬
‫سم منه فقط‪ ،‬مثل النحت وصناعة‬ ‫صر تحريم التصوير‪ ،‬على المج ّ‬ ‫التصوير‪ ،‬وَقَ ْ‬
‫ً‬
‫مّثل هذا الجتهاد الفقهي‪ ،‬تطورا غير مسبوق‪ ،‬في النظر إلى قضية‬ ‫التماثيل‪َ .‬‬
‫التصوير‪ .‬بناًء على ذلك‪ ،‬اعتبر التصوير الفوتوغرافي‪ ،‬وكذلك التصوير‬
‫ي عنه‪.‬‬
‫التلفزيوني‪ ،‬غير داخلين في التصوير المحرم‪ ،‬والمنه ّ‬
‫م مسألة التصوير فقهيا ً فتح الباب لتجاوز أهم العقبات الفقهية والمهنية‬ ‫س ُ‬
‫ح ْ‬
‫َ‬
‫أمام قيام عمل إعلمي إسلمي حديث‪ .‬مع ثورة التصال ودخول العالم‬
‫العربي تجربة البث الفضائي ظهرت تجارب فضائية )إسلمية( أخذت مكانها‬
‫في الفضاء العربي‪ ،‬واقتطعت حصة ل بأس بها‪ ،‬من جمهور الفضائيات‬
‫العربية‪.‬‬
‫الموسيقا‪:‬‬
‫هناك أحاديث شريفة‪ ،‬عن الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬تنص صراحة على‬
‫تحريم الموسيقى‪ .‬جاء ذلك تحديدا ً ضمن أحاديث نبوية تحرم الغناء وآلت‬
‫الطرب التي وصفتها الحاديث بـ )المعازف(‪ .‬العلماء الذين خرجوا على‬
‫الجماع بتحريم الغناء‪ ،‬والموسيقى التي تصاحبه‪ ،‬اشترطوا للتحريم أن يكون‬
‫الغناء فاحشا ً ‪ ..‬كلم ً‬
‫ة وأداًء‪ .‬هذا الرأي لم يلق قبول ً لدى جمهور علماء‬
‫المسلمين؛ فظل الرفض للغناء قائمًا‪ ،‬وبقي الموقف من الموسيقا‪ ،‬موضع‬
‫جدل‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجدل حول الموسيقا زاد واتسع مع نمو وسائل العلم‪ ،‬وازدياد استخدام‬
‫الموسيقى في تلك الوسائل ‪ ..‬في غير الغناء ‪ .‬تطور الوضع بعد ذلك‪ ،‬حتى‬
‫صارت الموسيقى تستخدم في أمور أخرى غير وسائل العلم‪ .‬الجدل تطور‪،‬‬
‫واتخذ شكل الخلف على المصطلح‪ ،‬وصار السؤال‪ :‬هل هي موسيقا ‪،music‬‬
‫أم مؤثرات صوتية ‪.. Sound Effects‬؟‬
‫أصبحت المؤثرات الصوتية‪ ،‬جزءا ً أساسيا ً من تقنيات العمل العلمي‪ ،‬مثل‬
‫الضاءة‪ ،‬والصورة‪ ،‬و )الجرافيكس( ‪ .‬مع تطور تقنية الصوتيات الحديثة‪ ،‬التي‬
‫تستخدم الكمبيوتر في مزج الصوات‪ ،‬لم تعد اللت الموسيقية وحدها هي‬
‫وسيلة إنتاج المؤثرات الصوتية‪ .‬التقدم التقني في إنتاج المؤثرات الصوتية‪،‬‬
‫جعل الجدل الفقهي القديم حول الموسيقا‪ ،‬محل نقاش‪ ،‬وموضع نظر‪.‬‬
‫اعتبر المهتمون بالعلم السلمي‪ ،‬تقنية إنتاج المؤثر الصوتي‪ ،‬فتحا ً كبيرا في‬
‫ً‬
‫أسلمة العمل العلمي‪ ،‬وممارسته بطريقة مهنية حديثة‪ .‬صار هناك كلم عن‬
‫)بديل صوتي( للموسيقى‪ ،‬يتم مزجه الكترونيًا‪ ،‬من مجموع أصوات ُتستقى‬
‫من الطبيعة‪ ،‬ويقوم بدور المؤثر الصوتي الفقهاء اعتبروا ذلك حل ً )شرعيًا( ‪..‬‬
‫ومثل ذلك انطلقة مهنية للعمل العلمي الفضائي السلمي‪ ،‬وتجاوزا ً‬
‫لمشكلة أخرى‪ ،‬اقترنت بالتصوير‪ ..‬وظلت فترة طويلة عقبة تحول دون‬
‫مشاركة فاعلة للسلميين‪ ،‬في النشاط العلمي‪.‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫دة‬‫تمثل تجربة القنوات السلمية‪ ،‬عمل ً جديدا ً ومختلفًا‪ ،‬بكل المقاييس‪ .‬ج ّ‬
‫التجربة واختلفها ليس في مهنية العمل‪ ،‬أو في استخدام تقنية جديدة ‪..‬‬
‫خاصة بها‪ ،‬غير موجودة عند غيرها من القنوات‪ .‬التفرد كان في )الثورة(‬
‫النوعية‪ ،‬التي أحدثتها القنوات السلمية‪ ،‬في مجال البث الفضائي‪ .‬في وقت‬
‫لم تلتزم القنوات الفضائية الخرى‪ ،‬بأي ضابط يحكم طبيعة البث ونوعه‪ ،‬إل‬
‫ما كان له علقة بالتنظيمات )القانونية( في البلد الذي تعمل فيه ‪ ..‬وضعت‬
‫القنوات السلمية معايير صارمة ‪ ..‬أخلقيا ً ومهنيًا‪ ،‬تحكم سياستها في البث‪.‬‬
‫الحرية غير الملتزمة بقيود من أي نوع أعطى الفضائيات غير السلمية‬
‫هامشا ً كبيرا ً جدا ً للعمل‪ .‬في المقابل ‪ ..‬المعايير والضوابط الخلقية للقنوات‬
‫دت من استخدامها لكل ما هو‬ ‫السلمية ضيقت هامش العمل لديها‪ ،‬وح ّ‬
‫)متاح(‪ ،‬في مجال العمل التلفزيوني ‪ ..‬مما يمكن أن )يجذب( المشاهدين‪،‬‬
‫بمختلف شرائحهم‪ ،‬كما هو حال الفضائيات الخرى‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫مٌر آخر ُيحسب للقنوات الفضائية السلمية أنها نجحت في امتحان وإثبات‬ ‫أ ْ‬
‫مبدأ "التعرض الختياري" ‪ ،Selective Exposure‬كأحد أهم الفروض التي تفسر‬
‫م التفاعل معها‪.‬‬‫عملية اكتساب المعلومات ‪ ، Information Acquirement‬ومن ث ّ‬
‫وفق هذه الفرضية‪ ،‬فإن الفرد يختار أن يعّرض نفسه لمصدر معلومات‬
‫)معين(‪ ،‬ويتفاعل معه‪ ،‬ويتأثر بما فيه من معلومات ‪ ..‬ويكتسبها‪ ،‬على أساس‬
‫من احتياجه‪ .‬هذه النتيجة‪ ،‬تؤكد الحاجة لتوسيع هامش الختيار أمام المشاهد‬
‫العربي‪ ،‬بتشجيع قيام قنوات جادة‪ ،‬تسهم في الرتقاء بالوعي والثقافة‪ ،‬كما‬
‫أنها ‪-‬كذلك‪ -‬تدحض الزعم بربط تنامي السلوك المحافظ‪ ،‬والصحوة الدينية‪،‬‬
‫في أوساط المجتمعات العربية‪ ،‬بنفوذ أفراد ‪ ..‬أو مجموعات غامضة‪ ،‬تمارس‬
‫ضغوطا ً على الناس‪ ،‬لقناعهم بأفكارها‪ .‬التعرض الختياري‪ ،‬قرار شخصي‬
‫بحت‪ ،‬يتم بمعزل عن أي نفوذ لطرف خارجي‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إذا كانت أبرز الملمح النوعية لتجربة القنوات السلمية قدرُتها على تقديم‬
‫مضمون جاد‪ ،‬واستقطاب جمهور يهتم به ‪ ..‬في ظل أنماط متعددة لسلوك‬
‫إعلمي استهلكي‪ ،‬يعتمد على الثارة ‪ ..‬بمختلف أشكالها‪ ،‬فإنه يجب القرار‬
‫أن تجربة القنوات السلمية‪ ،‬ل تخلو من قصور مهني‪ ...‬حداثة التجربة‪،‬‬
‫ونقص الكوادر المدربة‪ ،‬من أهم السباب‪ ،‬وغياب الرؤية أحيانا ً ‪ ..‬سبب آخر‬
‫دعاء كذلك أن كل )الهداف( التي تقول القنوات الفضائية‬ ‫مهم‪ .‬ل يمكن ال ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫السلمية إنها وضعتها‪ ،‬جزءا من سياستها‪ ،‬بوصفها إعلما إسلميا ‪ ..‬قد‬
‫تحققت‪ .‬استخدام العامية في تلك القنوات‪ ،‬ما زال موجودًا‪ ،‬وإن كان بنسبة‬
‫أقل من غيرها من القنوات‪ .‬بعض القنوات السلمية كذلك لم تستطع أن‬
‫تتخلص من الطابع المحّلي للبلد الذي تبث منه‪ ،‬خصوصا ً الهتمام بالحداث‬
‫طرّية‪ ،‬على حساب قضايا المة والحداث العالمية‪ .‬كما تسود‬ ‫ق ْ‬
‫والفعاليات ال ُ‬
‫هيمنة الطابع الشخصي ‪ ..‬لمالكيها‪ ،‬أو القائمين عليها‪ ،‬فتؤثر على السمة‬
‫العامة لبرامجها‪ ،‬وعلى مستواها المهني‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫العلم السلمي وخطر العولمة‬


‫ماد ‪8/6/1424‬‬ ‫سهيلة زين العابدين ح ّ‬
‫‪06/08/2003‬‬
‫للعلم تأثير جد كبير وخطير على أنماط السلوك وطرائق التفكير‪ ،‬ول سيما‬
‫القنوات التلفازية الفضائية والنترنت‪ ،‬وهذا التأثير قد يكون سلبيا ً فيسهم في‬
‫ذوباننا في الخر‪ ،‬وفي إعدادنا تمام العداد لقبول العولمة والتسليم بها‬
‫كحقيقة مسلم بها‪ ،‬وهذا ما تعمل عليه للسف أغلب وسائل العلم في‬
‫عالمنا العربي والسلمي‪ ،‬من صحف ومجلت‪ ،‬وقنوات فضائية‪ ،‬ومواقع‬
‫للنترنت عربية وأجنبية‪ ،‬وأفلم سينمائية‪.‬‬
‫ومنها ما يكون إيجابيا ً في تصحيح كثير من المفاهيم‪ ،‬وأنماط السلوك‬
‫وطرائق التفكير‪ ،‬للحفاظ على هويتنا السلمية‪ ،‬ولتكوين رأي عام سليم تجاه‬
‫قضايا المة‪ ،‬والقنوات الفضائية ومواقع النترنت التي تسعى لتحقيق هذه‬
‫الهداف قليلة قد ل يتجاوز عددها عدد أصابع اليدين‪ ،‬في حين نجد الخرى قد‬
‫ما‬
‫يصل عددها إلى المئة‪ ،‬إضافة إلى القنوات الجنبية التي تبلغ المئات‪ ،‬وم ّ‬
‫يؤسف له حقا ً ما تقوم به بعض الشبكات التلفازية العربية المتخصصة من‬
‫شراء مواد سينمائية من بعض القنوات المريكية والوربية التي تبث أفلم‬
‫الرعب أو الفلم الباحية التي تؤثر سلبا ً على سلوك وأخلقيات أولدنا‪ ،‬وهذه‬
‫الفلم في الغالب يقوم على إنتاجها وتمويلها اليهود الصهاينة الذين يمتلكون‬
‫ن أكثر‬ ‫معظم شركات إنتاج الفلم المريكية؛ إذ تشير بعض الحصائيات إلى أ ّ‬
‫من ‪ %90‬من العاملين في الحقل السينمائي المريكي إنتاجا ً وإخراجا ً وتمثيل ً‬
‫وتصويرا ً ومونتاجا ً هم من اليهود‪ ،‬وقالت صحيفة " الخبار المسيحية الحرة "‬
‫ن‬
‫عام ‪1938‬م عن سيطرة الصهيونية على صناعة السينما المريكية ‪" :‬إ ّ‬
‫صناعة السينما في أمريكا يهودية بأكملها‪ ،‬يتحكم فيها اليهود دون أن ينازعهم‬
‫فيها أحد‪ ،‬ويطردون منها كل من ل ينتمي إليهم أو ل يصانعهم‪ ،‬وجميع‬
‫ما من اليهود أو من صنائعهم‪ ،‬ولقد أصبحت هوليود بسببهم‬ ‫العاملين فيها إ ّ‬
‫سدود العصر الحديث حيث تنحر الفضيلة‪ ،‬وتنشر الرذيلة‪ ،‬وتسترخص‬
‫العراض‪ ،‬وتنهب الموال دون رادع أو وازع‪ ،‬وهم يرغمون كل من يعمل‬
‫لديهم على تعميم ونشر مخططهم الجرامي تحت ستائر خادعة كاذبة‪ ،‬وبهذه‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الساليب القذرة أفسدوا الخلق في البلد‪ ،‬وقضوا على مشاعر الرجولة‬


‫مثل للجيال المريكية"‪ ،‬وختمت الصحيفة قولها‪" :‬أوقفوا‬ ‫والحساس‪ ،‬وعلى ال ُ‬
‫هذه الصناعة المجرمة لّنها أضحت أعظم سلح يملكه اليهود لنشر دعايتهم‬
‫المضللة الفاسدة"‪.‬‬
‫كما يمتلك اليهود الصهاينة كبرى شبكات التلفاز العالمية‪ ،‬فبشراء عروض‬
‫القنوات الجنبية‪ ،‬والتنافس فيما بينها على ذلك فيه ترويج للفكر الصهيوني‬
‫وتحقيق أهدافه‪ ،‬وفيه دعم مادي لها‪.‬‬
‫وهم يسيطرون أيضا ً على كثير من وكالت النباء العالمية‪ ،‬ومركز‬
‫المعلومات‪ ،‬ويمتلكون أدوات متقدمة في صناعة العلم وفنونه؛ إذ يمتلك‬
‫الصهاينة أربع وكالت أنباء عالمية من خمس‪ ،‬كوكالة رويتر البريطانية‪،‬‬
‫والسوشيتد برس واليونايتد برس المريكيتْين‪ ،‬ووكالة هافاس الفرنسية‪،‬‬
‫وهذا يعني أن الذي يتحكم في صياغة وصناعة الخبر هم اليهود الصهاينة‪،‬‬
‫وإعلمنا في عالمْينا العربي والسلمي للسف الشديد يتلقى هذه الخبار من‬
‫هذه الوكالت‪.‬‬
‫أسلوب المواجهة‬
‫والسؤال الذي يطرح نفسه هو‪ :‬كيف يتسنى للعلم في العالم السلمي أن‬
‫يتغلب على إعلم ٍ هذه قوته؟‬
‫للسف الشديد؛ فإننا نفتقر إلى إعلم إسلمي بما تحمله هذه الكلمة من‬
‫معنى‪ ،‬فنحن ل نستطيع أن نعتبر إعلمنا إسلميا ً من خلل بعض القنوات‬
‫الفضائية المحدودة‪ ،‬أو من خلل بعض المجلت السلمية‪ ،‬وبعض مواقع‬
‫النترنت السلمية‪ ،‬فهذه ل تشكل شيئا ً يذكر أمام مئات الصحف والمجلت‬
‫وعشرات القنوات ومواقع الشبكة العنكبوتية التي تسير في فلك الصهيونية‬
‫والغرب‪ ،‬وتسهم في تقديم كل ما من شأنه نشر الفساد والنحلل‪ ،‬والسير‬
‫على نمط السلوك الغربي‪ ،‬وطرز الحياة الغربية‪ ،‬والتي تسلط الضواء من‬
‫خلل برامجها على من يتبنون الفكر الغربي بكل ما فيه من إباحية وإلحاد‪،‬‬
‫وجعلت منهم رموزا ً أدبية وفكرية لهذه المة‪ ،‬ومنحتهم الجوائز والوسمة في‬
‫مشت حملة الفكر السلمي‪ ،‬وعّتمت عليهم‪ ،‬وأغلقت أبوابها‬ ‫حين نجدها ه ّ‬
‫ن هناك مفكرين إسلميين تسلط عليهم‬ ‫في وجوههم‪ .‬قد يقول البعض إ ّ‬
‫الضواء‪ ،‬وأقول هنا إّنهم قلة قلية ل تشكل حقيقة عدد مفكري المة‬
‫وعلمائها‪ ،‬وتسلط الضواء على هؤلء حتى ل يوجه إليها نقد بعدم تقديمها‬
‫لعلماء ومفكرين إسلميين‪ ،‬وللطلب الملح من القراء والمشاهدين‬
‫ما يواجههم من‬ ‫والمستمعين لمعرفة موقف الدين من قضايا العصر‪ ،‬وم ّ‬
‫ن أغلب القائمين على العلم في عالمنا العربي‬ ‫مشاكل‪ ،‬فللسف الشديد أ ّ‬
‫والسلمي بجميع وسائله من ذوي الفكر العلماني‪ ،‬لذا فهم يروجون لمن‬
‫يوافق أهواءاهم وتوجهاتهم الفكرية‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فنحن ل نستطيع التغلب على الحملت الصهيونية والغربية الموجهة الن‬


‫بضراوة ضد السلم والمسلمين‪ ،‬ومحاربة كل ما هو إسلمي في أي مكان‬
‫في العالم إل ّ إذا جعلنا القيادات العلمية في عالمنا العربي والسلمي من‬
‫ن لدينا إعلما ً‬
‫الوسطيين من حملة الفكر السلمي‪،‬عندئذ نستطيع القول إ ّ‬
‫إسلميًا‪.‬‬
‫مقترحات إعلمية للمواجهة‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عندما يكون لدينا إعلم إسلمي علينا أن ننشئ وكالة أنباء عالمية إسلمية‬
‫تصيغ الخبر صياغة صحيحة تتوافق مع طبيعة الحدث وملبساته وخلفياته‪ ،‬وأن‬
‫نقدم برامج تتفق مع قيم ومبادئ ديننا‪ ،‬ول تخالف أسس العقيدة السلمية‬
‫وأخلقيات هذا الدين‪ ،‬وتسهم في تكوين رأي عام عالمي سليم تجاه قضايانا‪،‬‬
‫ت وكتبا ً‬ ‫وتعمل على الحفاظ على الهوية السلمية‪ ،‬وأن تصدر صحفا ً ومجل ٍ‬
‫بمختلف اللغات الجنبية إلى جانب اللغة العربية‪ ،‬وأن تبث قنوات فضائية‪،‬‬
‫ومواقع للنترنت بمختلف اللغات تعرض قيم ومبادئ السلم وتاريخه وفكره‬
‫وقضاياه‪ ،‬والسؤال الذي يطرح نفسه هو‪:‬‬
‫كيف يستطيع العلم في العالم السلمي ‪،‬وقد دخل فضاء العولمة عبر‬
‫القمار الصناعية ومحطات البث التلفزيوني خارج الحدود أن ينهض بالمة‬
‫ويحافظ على هويتها واستقلليتها؟‬
‫ن العلم في العالم السلمي ل يستطيع‬ ‫وأقول هنا جوابا ً عن هذا السؤال‪ :‬إ ّ‬
‫النهوض بهذا الدور مالم يكن إعلما ً إسلميًا؛ إذ كيف يستطيع القيام بهذا‬
‫الدور‪ ،‬ومعظم القيادات العلمية فيه علمانية‪ ،‬ولن يكون العلم في عالمنا‬
‫العربي والسلمي إعلما ً إسلميا ً إل ّ إذا تولت قيادته قيادات إعلمية ذات‬
‫توجه إسلمي‪ ،‬والتزمت بميثاق "جاكرتا" للعلم السلمي الذي وّقعت عليه‬
‫ما يقرب من ‪ 450‬شخصية إعلمية إسلمية قبل حوالي ‪ 23‬عامًا‪ ،‬ومن أهم‬
‫بنود هذا الميثاق‪:‬‬
‫‪ -1‬ترسيخ اليمان بقيم السلم ومبادئه الخلقية‪.‬‬
‫‪ -2‬العمل على تكامل الشخصية السلمية‪.‬‬
‫‪ -3‬تقديم الحقيقة له خالصة في حدود الداب السلمية‪.‬‬
‫‪ -4‬توضيح واجباته تجاه الخرين وبحقوقه وحرياته الساسية‪.‬‬
‫‪ -5‬العمل على جمع كلمة المسلمين‪ ،‬ودعوتهم إلى التحلي بالعقل والخوة‬
‫السلمية والتسامح في حل مشكلتهم‪ ،‬مع اللتزام بمجاهدة الستعمار‬
‫واللحاد في كل أشكاله والعدوان في شتى صوره والحركات الفاشية‬
‫والعنصرية‪ ،‬وبمجاهدة الصهيونية واستعمارها الستيطاني المدعم بأشكال‬
‫القمع والقهر التي يمارسها العدو الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني‬
‫والشعوب العربية‪.‬‬
‫‪ -6‬التدقيق فيما يذاع وينشر ويعرض حماية للمة السلمية وبقيمها‬
‫ومقدساتها ودرء الخطار عنها‪.‬‬
‫‪ -7‬أداء رسالتهم في أسلوب عف كريم حرصا ً على شرف المهنة‪ ،‬وعلى‬
‫الداب السلمية‪ ،‬فل يستخدمون ألفاظا ً نابية‪ ،‬ول ينشرون صورا ً خليعة‪ ،‬ول‬
‫يتعاملون بالسخرية والطعن الشخصي والقذف والسب والشتم وإثارة الفتن‪،‬‬
‫ونشر الشائعات وسائر المهاترات‪.‬‬
‫‪ -8‬المتناع عن نشر كل ما يمس الداب العامة أو يوحي بالنحلل الخلقي‪ ،‬أو‬
‫يرغب في الجريمة والعنف والنتحار‪ ،‬أو يبعث الرعب‪ ،‬أو يثير الغرائز سواء‬
‫بطريق مباشر أو غير مباشر‪ ،‬واليقظة الكاملة لمواجهة الفكار والتيارات‬
‫المعادية للسلم‪.‬‬
‫‪ -9‬المتناع عن إذاعة ونشر العلن التجاري في حال تعارضه مع الخلق‬
‫العامة والقيم السلمية‪.‬‬
‫‪ -10‬اللتزام بنشر الدعوة السلمية والتعريف بالقضايا السلمية‪ ،‬والدفاع‬
‫عنها‪ ،‬وتعريف الشعوب السلمية بعضها ببعض‪ ،‬والهتمام بالتراث السلمي‪،‬‬
‫والتاريخ والحضارة السلمية‪ ،‬ومزيد العناية باللغة العربية‪ ،‬والحرص على‬
‫سلمتها ونشرها بين أبناء المة السلمية‪ ،‬وبالخصوص بين القليات‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلمية‪.‬‬
‫‪ -11‬إحلل الشريعة السلمية محل القوانين الوضعية لسترجاع السيادة‬
‫التشريعية للقرآن الكريم والسنة النبوية‪.‬‬
‫ن هذا من أهم الوسائل التي تم ّ‬
‫كن إعلمنا من النهوض بالمة‬ ‫اعتقد أ ّ‬
‫السلمية‪ ،‬والمحافظة على هويتها واستقللها‪ ،‬ولكن أين العلم العربي‬
‫والسلمي من‬

‫)‪(2 /‬‬

‫العلم السلمي ودوافع المسؤولية فيه‬


‫)‪(2/2‬‬
‫بقلم ‪ :‬الستاذ محمد خير رمضان يوسف‬
‫سا ‪ :‬خشية الّله في السر والعلن ‪:‬‬ ‫ساد ً‬
‫خشية الله تعالى والخوف من عقابه ووعيده إحدى الدوافع الرئيسة للجهر‬
‫كر‬‫بالحق وعدم اتباع الباطل ‪ .‬وقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم ُتذ ّ‬
‫ب عليه في الصغيرة والكبيرة ‪ ،‬وأن‬ ‫س ُ‬ ‫حا َ‬ ‫سي ُ َ‬‫المؤمن بما يؤول إليه أمره‪ ،‬وما َ‬
‫الفضل له أن يزن أعماله قبل أن توزن ‪ ،‬ويفاجأ بما لم يقدر مسؤوليته فيما‬
‫فعله‪ .‬وقد تنوع السلوب البلغي والبياني والنفسي في هذه اليات في‬
‫المجتمع ومركز كل فرد ونشاطه الجتماعي ‪.‬‬
‫)أ( نداء اليمان ‪:‬‬
‫جه من الله تعالى هو لمن‬ ‫والمقصود من ذكر هذه الفقرة أن النداء المو ّ‬
‫قنون أخباره الواردة في القرآن الكريم والحديث‬ ‫يؤمنون بالغيب ‪ ،‬ويتي ّ‬
‫جه‬ ‫الصحيح‪ ،‬ويتصورون اليوم الخر كما أخبر به‪ .‬أما من ليؤمن بالغيب فل ُيو ّ‬
‫إليه مثل هذا ‪ .‬إذ كيف يقال لمن ليؤمن بالله واليوم الخر إنك إذا لم تعدل‬
‫حَرم من‬ ‫ما وست ُ ْ‬ ‫ولم تتق الله في نفسك وأهلك ومجتمعك فستنال عذاًبا ألي ً‬
‫النعيم الخالد؟ ‪ ..‬ومن هنا نستنتج أن خشية الله محصورة في المؤمنين؛‬
‫ور منهم الخشية ‪،‬‬ ‫لنهم هم الذين يؤمنون بالغيب ‪ .‬أما غير المؤمنين فل ي َُتص ّ‬
‫ور في حقهم الدافعُ الحقيقي لعتبار المسؤولية كما هو بيت‬ ‫ص ّ‬
‫ومن ثم فل ي ُت َ َ‬
‫ً‬
‫القصيد في حديثنا هذا! أي أنه لي ُعَْتمد عليهم رجال مخلصين في أعمالهم‬
‫لبناء الوطن ‪ ،‬والمجتمع المسلم ‪ ،‬وتربية أجياله ‪.‬‬
‫ولنسرد بعض اليات الكريمة التي تبين أن خشية الله الحي فيمن يؤمنون‬
‫بالغيب‪:‬‬
‫ب? )يس‪. (11:‬‬ ‫ن ِبال ْغَي ْ ِ‬ ‫حما َ‬ ‫ي الّر ْ‬ ‫ش َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن ات ّب َعَ الذ ّك َْر وَ َ‬ ‫م ِ‬‫?إ ِّنما ت ُن ْذُِر َ‬
‫ن? )النبياء‪.(49 :‬‬ ‫قو ْ َ‬ ‫شفِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ساعَةِ ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ب وَهُ ْ‬ ‫م ِبال ْغَي ْ ِ‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن يَ ْ‬‫?ا َل ّذِي ْ َ‬
‫م? )النعام ‪. (51 :‬‬ ‫ي عَ َ‬ ‫َ‬ ‫?ق ْ‬
‫ب ي َوْم ٍ عَظ ِي ْ ٍ‬ ‫ذا َ‬ ‫ت َرب ّ ْ‬ ‫صي ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن عَ َ‬ ‫ف إِ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫ل إ ِّني أ َ‬
‫َ‬
‫م? )النعام ‪. (51 :‬‬ ‫شُرْوا ِإلى َرب ّهِ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫خافُوْ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ّ‬
‫?وَأن ْذِْر ِبه الذِي ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سوَْء‬‫ن ُ‬ ‫خافُوْ َ‬ ‫م وَي َ َ‬‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬‫ل وَي َ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ن ي ّوْ َ‬ ‫مَر الله ِبه أ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ن َ‬ ‫صل ُوْ َ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫?َوال ّذِي ْ َ‬
‫ب? )الرعد‪.(21:‬‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ال ِ‬
‫)ب( الترغيب والترهيب ‪:‬‬
‫الخشية من الله تعالى ُتوِلد في نفس المرء الرغبة في رضائه وطلب ثوابه ‪،‬‬
‫وهو اعتراف منه بضعفه أمام خالقه وتسليم بأمره وتنفيذ لوامره‪ .‬كما ت َب َْعث‬
‫ل بما عمل وقدم ‪ .‬فل‬ ‫في نفسه الرهبة من اليوم الكبر ‪ .‬حيث سيجازى ك ٌ‬
‫ن?‬‫شعِي ْ َ‬‫خا ِ‬ ‫َ‬
‫وا لَنا َ‬ ‫َ‬
‫ينفع إل العمل الصالح ‪ .‬قال تعالى ‪? :‬وَي َد ْعُوْن ََنا َرغًَبا وََرهًَبا وَكان ُ ْ‬
‫)النبياء‪(90:‬‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫?يبتغُون إلى ربهم الوسيَلة أ َيه َ‬
‫ذاَبه?‬ ‫ن عَ َ‬ ‫خافُوْ َ‬ ‫مَته وَي َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫جو ْ َ‬ ‫ب وَي َْر ُ‬ ‫م أقَْر ُ‬ ‫ُّ ْ‬ ‫َ ِّ ْ َ ِ ْ‬ ‫ََْ ْ َ ِ‬
‫)السراء‪.(57 :‬‬
‫َ‬
‫عْيد?‬ ‫ف وَ ِ‬ ‫خا َ‬ ‫ي وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫قا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫م ذال ِك ل ِ َ‬ ‫مْنم ب َعْدِهِ ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫م الْر َ‬ ‫سك ِن َن ّك ُ ْ‬ ‫?وَل َن ُ ْ‬
‫)إبراهيم‪.(14:‬‬
‫)ج( التخويف بالعقوبة الدنيوية ‪:‬‬
‫وهو نوع من أنواع الوعيد ‪ .‬وفيه تلميح إلى أن النفس النسانية تختلف من‬
‫شخص إلى آخر‪ ،‬ومن جيل إلى جيل‪ ،‬ومن بيئة إلى أخرى‪ .‬ولكل فئة أو طبقة‬
‫أساليب خاصة للردع ‪ .‬فهذا يرتدع بالتخويف من النار‪ ،‬وآخر بعقوبة عاجلة ‪،‬‬
‫أما بمرض أو فقر أو ابتلء بالمل أو الجاه ‪.‬‬
‫والمهم في القول هنا أن الذي يأخذ بهذه العَِبر ويستفيد من هذه الدروس‬
‫ويتعظ بهذه الخبار‪ ،‬هو المؤمن الحقيقي ‪ .‬الذي عندما يسمع مثل هذا الخبر‬
‫يرى وكأن الذنب مثل جبل يريد أن يقع عليه ‪ .‬فيخشى الله ويرتدع ‪.‬‬
‫ب‪.‬‬ ‫حَزا ِ‬ ‫ل ي َوْم ِ ال ْ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ف عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫ن َياقَوْم ِ إ ِّني أ َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ال ّذِيْ آ َ‬ ‫قال عز وجل ‪? :‬وََقا َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ب قَوْم ِ ن ُوٍْح وّ َ‬ ‫مث ْ َ ْ‬
‫ما ل ِلعَِباِد?‬ ‫ه ي ُرِي ْد ُ ظل ً‬ ‫ما الل ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مود َ َوالذِي ْ َ‬ ‫عاد ٍ وّ ث َ ُ‬ ‫ل د َأ ِ‬ ‫ِ‬
‫)غافر‪.(31-30:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م?‬ ‫ب أل ِي ْ ٌ‬ ‫َ‬
‫م عَذا ٌ‬ ‫صي ْب َهُ ْ‬ ‫ة أوْ ي ُ ِ‬ ‫م فِت ْن َ ٌ‬ ‫صي ْب َهُ ْ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫ره أ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫فو ْ َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫حذ َرِ ال ّذِي ْ َ‬ ‫?فَل ْي َ ْ‬
‫)النور‪.(63:‬‬
‫َ‬
‫ن لَ ْ‬
‫م‬ ‫ن ‪ .‬فَإ ِ ْ‬ ‫من ِي ْ َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن الّرَبا إ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ماب َ ِ‬ ‫ه وَذ َُرْوا َ‬ ‫وا الل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫وا ات ّ ُ‬ ‫من ُ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫?َيآ أي َّها ا ْل ّذِي ْ َ‬
‫سوِله ‪) ?...‬البقرة‪.(279-278 :‬‬ ‫ن اللهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب ّ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫وا ب ِ َ‬ ‫وا فَأذ َن ُ ْ‬ ‫فعَل ُ ْ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قت َل ُ ْ‬
‫وا‬ ‫ن يّ ْ‬ ‫ساًدا أ ْ‬ ‫ض فَ َ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫سَعو َ‬ ‫سوَله وَي َ ْ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫حارُِبو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫جَزآُء ال ّذِي ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫?إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫ض ذال ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ك لهُ ْ‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ف أوْ ي ُن ْ َ‬ ‫خل َ ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جلهُ ْ‬ ‫م وَأْر ُ‬ ‫قطعَ أي ْدِي ْهِ ْ‬ ‫وا أوْ ت ُ َ‬ ‫صلب ُ ْ‬ ‫أوْ ي ُ َ‬
‫م? )المائدة‪.(33:‬‬ ‫ب عَظ ِي ْ ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫خَرةِ عَ َ‬ ‫م ِفي ال ِ‬ ‫خْزيٌ ِفي الد ّن َْيا وَل َهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫)د( عدم اتباع الهوى ‪:‬‬
‫وهناك معارضة بين خشية الله وبين اتباع الهوى‪ .‬فالذي يتبع هواه ليخشى‬
‫الله حق خشيته‪ ،‬والذي يخشى الله ليتبع هواه ‪ .‬بل يتبع المنهج الذي أمر الله‬
‫تعالى به ‪:‬‬
‫مأواى?‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي ال َ‬ ‫ة هِ َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ن الَهواى فإ ِ ّ‬ ‫س عَ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫م َرب ّهِ وَن ََهى الن ّ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬ ‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫?وَأ ّ‬
‫)النازعات‪.(40:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ه‬
‫ف الل َ‬ ‫خا ُ‬‫ي أَ َ‬ ‫ك ل َقْت ُل َ َ‬
‫ك ِإن ْ‬ ‫ط ي ّدِيَ إ ِل َي ْ َ‬ ‫س ٍ‬
‫َ‬
‫ما أَنا ب َِبا ِ‬
‫ي َ‬ ‫قت ُل َن ِ ْ‬
‫ك ل ِت َ ْ‬ ‫ى ي َد َ َ‬ ‫سط ْ ّ َ‬
‫ت إ ِل ّ‬ ‫ن بَ َ‬ ‫?ل َئ ِ ْ‬
‫ن? )المائدة‪.(28:‬‬ ‫مي ْ َ‬‫ب الَعال َ ِ‬ ‫َر ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‪) ?..‬النفال‪.(48:‬‬ ‫ف الل َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ن إ ِّني أ َ‬ ‫مال َت ََروْ َ‬
‫م إ ِّني أراى َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ريٌء ّ‬ ‫ي بَ ِ‬ ‫?إ ِن ّ ْ‬
‫ه? )ء‪.(26:‬‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سب ِي ْ ِ‬
‫ن َ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫ضل ّ َ‬
‫حقّ وَل َت َت ّب ِِع الَهواى فَي ُ ِ‬ ‫س ِبال ْ َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م ب َي ْ َ‬‫حك ُ ْ‬ ‫?َفا ْ‬
‫)هـ( خشية الله وحده ‪:‬‬
‫ب‬‫وهنا تأتي العزيمة والقوة ‪ ،‬ويتبين فيها المؤمن الحقيقي من الذي لم تشرئ ّ‬
‫سه باليمان‪ .‬فالحياة الجادة ‪ ،‬والمسؤولية المناطة بالمسلم تتطلب منه أن‬ ‫نف ُ‬
‫يبين عزيمته ويظهر رأيه كما يطلب منه السلم‪ .‬وليخشى في الله لومة لئم‬
‫‪ .‬وليخاف بشًرا ناصيته بيد الله ‪ .‬هو مخلوق ليملك إل قوة إنسانية محدودة‬
‫هبّنه صوته وسلحه وجنده ‪ .‬فإن‬ ‫ليمده الله بعون ولقوة من عنده ‪ .‬ولُير ِ‬
‫ماعند الله أكبر وأجزى ‪ .‬وأمامه أحدى الحسنيين ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شي َةِ الله أوْ أ َ‬
‫شد ّ‬ ‫خ ْ‬‫سك َ‬‫َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ل إ َِذا فَرِي ْقٌ ّ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫قَتا ُ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ب عَل َي ْهِ ُ‬ ‫ما ك ُت ِ َ‬ ‫?فَل َ ّ‬
‫ة? )النساء‪.(77:‬‬ ‫شي َ ً‬ ‫خ ْ‬ ‫َ‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل? )المائدة‪. (44:‬‬ ‫مًنا قَل ِي ْ ً‬ ‫ي ثَ َ‬ ‫شت َُرْوا ِبآياات ِ ْ‬ ‫ن وَل َت َ ْ‬ ‫شو ْ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫س َوا ْ‬ ‫وا الّنا َ‬ ‫ش ُ‬ ‫خ َ‬ ‫?فَل َ ت َ ْ‬
‫م? )المائدة‪.(54:‬‬ ‫ة ل َئ ِ ٍ‬ ‫م َ‬‫ن ل َوْ َ‬ ‫خافُوْ َ‬ ‫ل اللهِ وَل َي َ َ‬ ‫سب ِي ْ ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫جاهِد ُوْ َ‬ ‫?ي ُ َ‬
‫ن?‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫من ِي ْ َ‬
‫مؤ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫خافوْ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫خافوْهُ ْ‬ ‫ف أوْل َِياَءه فل ت َ َ‬ ‫خو ّ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م الشي ْطا ُ‬ ‫ما ذال ِك ُ‬ ‫?إ ِن ّ َ‬
‫)آل عمران‪.(175 :‬‬
‫)و( الهداية والعلم سببان للخشية ‪:‬‬
‫قَهه الله في دينه ‪ ،‬وهداه إلى صراطه‪ ،‬وجّنبه زيغ الشيطان ‪،‬وكله‬ ‫فمن ف ّ‬
‫بحفظه ورعايته‪ .‬ليضل به الطريق وليتيه ولو كان في مجتمع جاهلي‪ .‬والعلم‬
‫يبعث في النفس البهار والكبار لبديع صنع الله تعالى‪ ،‬ولذاته وأسمائه‬
‫وصفاته عز وجل ‪ .‬فترى المؤمن الخاشع يبتعد عن الرذائل والمعاصي‬
‫والمنكرات ‪ .‬ويقبل على تهذيب نفسه وتربية أسرته وإصلح مجتمعه ‪.‬‬
‫خشى? )النازعات‪(19:‬‬ ‫ك فَت َ ْ‬ ‫ك ِإلى َرب ّ َ‬ ‫?وَأ َهْدِي َ َ‬
‫سب ُل ََنا? )إبراهيم‪.(12:‬‬ ‫داَنا ُ‬ ‫على اللهِ وَقَد ْ هَ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مال ََنا أ َل ّ ن َت َوَك ّ َ‬ ‫?وَ َ‬
‫ما? )طه‪.(112:‬‬ ‫ض ً‬ ‫َ‬
‫ما وَلهَ ْ‬ ‫ْ‬
‫ف ظل ً‬ ‫ُ‬ ‫خا ُ‬ ‫َ‬
‫ن فَل ي َ َ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت وَهُوَ ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ي ّعْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫?وَ َ‬
‫فوٌْر? )فاطر‪. (28:‬‬ ‫َ‬
‫ه عَزِي ٌْز غ ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫َ‬
‫عَباِده العُلمآُء إ ِ ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫خشاى الله ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫?إ ِن ّ َ‬
‫)ز( رضى الله ‪ ..‬وتأييده لمن يخشاه ‪:‬‬
‫كم شرعه في أقواله وأفعاله‪ ،‬فيطيع ما أمر به‪،‬‬ ‫إن الذي يخشى الله وُيح ّ‬
‫وينتهي عما نهى عنه‪ ،‬إنما يجلب بذلك رضى الله وتوفيقه وعونه له‪ .‬ورضاء‬
‫الله أقصى مايتمناه المؤمن‪ .‬بل هو أعلى الدرجات التي يمنحها الله لعباده‬
‫المؤمنين يوم القيامة عندما يسكنهم الجنة‪.‬‬
‫ي َرّبه? )البينة‪. (8:‬‬ ‫ش َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك لِ َ‬ ‫وا عَْنه ذال ِ َ‬ ‫ض ْ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه عَن ْهُ ْ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫?َر ِ‬
‫ن? )البقرة‪. (38:‬‬ ‫حَزن ُوْ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وَل َهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ف عَلي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫دايَ فَل َ َ‬ ‫ن ت َب ِعَ هُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫?ف َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ل ل َت َ َ‬
‫معُ وَأراى? )طه‪. (46:‬‬ ‫س َ‬ ‫كما أ ْ‬ ‫ي َ‬ ‫خاَفا إ ِن ّن ِ ْ‬ ‫?َقا َ‬
‫سابًعا ‪ :‬حب المبدأ والحماس للتبليغ ‪:‬‬
‫إذا كنا قد بينا في الفقرة السابقة أن خشية الله تعالى دافع أساسي للشعور‬
‫بالمسؤولية ‪ ،‬فل يعني هذا أن العلقة بين المسلم والعلم بدينه قائمة على‬
‫الخوف والرهبة فقط ‪ .‬لن أساس عقيدة المسلم هو اليمان‪ ،‬والتسليم بما‬
‫جاء به السلم عقيدة وشريعة‪ .‬واليمان بالمبدأ يعني حّبه والتفاني في‬
‫الدعوة إليه والذب عنه ‪ ،‬لنه يمثل الحياة الفكرية والروحية التي ليرى عنها‬
‫المرء بديل ً ‪ ،‬ولو أدى ذلك إلى التأثير في نفسه وأهله وماله كما يحدث‬
‫للدعاة المخلصين والمجاهدين في سبيل الله ‪.‬‬
‫ومن ثم نرى أن اليمان العميق والحماس للتبليغ يمثلن أهم أركان‬
‫المسؤولية العلمية في السلم ‪ ..‬فاليمان الكامل يصنع البطال ‪ ،‬وينفخ‬
‫فيهم روح الحركة والتحفز‪ ،‬ولهيب الجهاد والمعركة‪ ،‬ويفتح أمامهم نور‬
‫ل الرشد والصلح‪ .‬ولتخبو هذه الحركة في قلبه‬ ‫سب َ َ‬ ‫الدعوة والهداية‪ ،‬و ُ‬
‫مادامت روحه في جسده ‪ ،‬ولينطفئ حماسها مادام قلبه ينبض بالحياة‪ .‬وإذا‬
‫كان اليمان مستمًرا على هذا النحو‪ ،‬فإن الدعوة المنبثقة منه تبقى مستمرة‬
‫نافذة في كيانه وجوارحه‪ ،‬ودافًعا للمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬والعمل‬
‫الصالح ‪.‬‬
‫وعلى الداعية أن يكون ثابًتا في إيمانه‪ ،‬لتهزه قوة الكفر‪ ،‬وليزعزعه بلء‬
‫ومحنة ‪ .‬أما اليمان الضعيف‪ ،‬فإنه أدعى إلى التهالك والسقوط وعدم‬
‫الثبات ‪ .‬فليكاد يصمد أمام اختبار يسير ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫صاب َْته‬ ‫نأ َ‬ ‫ن ِبه وَإ ِ ْ‬ ‫مأ ّ‬ ‫خي ٌْر ناط َ‬ ‫صاَبه َ‬ ‫نأ َ‬ ‫ف فَإ ِ ْ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫على َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ي َعْب ُد ُ الل َ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫?وَ ِ‬
‫مب ِْين?)‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫سَرا ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫هو ال ُ‬ ‫َ‬
‫خَرةَ ذال ِك ُ‬ ‫سَر الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫جِهه َ‬ ‫على وَ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫قل َ‬ ‫َ‬ ‫ة نان ْ َ‬ ‫فِت ْن َ ٌ‬
‫‪. (15‬‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وإن لنا العبرة في حياة نوح عليه السلم مع قومه‪ ،‬فقد لبث معهم ألف سنة‬
‫ما‪ ،‬وهو ليكل من الدعوة وليمل من التبليغ‪ .‬ولم يؤثر هذا‬ ‫إل خمسين عا ً‬
‫الوقت الطويل وهذا العراض المستمر على إيمانه أو دعوته من يأس أو‬
‫قنوط؛ بل بقي كذلك‪ ،‬مطيًعا لربه‪ ،‬مبلًغا لعقيدته‪ ،‬حتى أتاهم أمر الله ‪ .‬وهكذا‬
‫قا‪ ،‬بحرارة وحماس‪ ،‬يأخذ‬ ‫ينبغي أن يكون اليمان في قلب الداعية‪ ،‬ثابًتا وعمي ً‬
‫عليه كل حسه وكيانه‪ ،‬فل يشعر إل أنه وجد لداء وظيفة في هذه الحياة‪،‬‬
‫يطّبقها في سائر وظائفه‪(16).‬‬
‫ثامًنا ‪ :‬أمثلة توضيحية عن الخشية من الله وقول الحق‬
‫‪ -1‬نماذج تطبيقية عن الشعور بالمسؤولية‪:‬‬
‫ونقتصر في هذه الفقرة على بعض ماورد في سيرة الفاروق عمر رضي الله‬
‫عنه‪:‬‬
‫دا على ولة القاليم‪ ،‬يبتدع الوسائل‬ ‫كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب شدي ً‬
‫التي تضمن له استمرار الطلع على مايجرونه في مناطقهم من العمال‪،‬‬
‫ويبالغ في التصال بالرعايا ومعرفة مايشكونه من الظلم والحيف‪ .‬وقد سن‬
‫دستوًرا لتصرفات الولة اشتمل على المبادئ الساسية التية ‪:‬‬
‫)أ( أنه كان ُيحصي مكاسب الوالي عقاًرا ومنقول ً ومال ً قبل الولية ليحاسبه‬
‫بها على مازاده بعد الولية مما ليدخل في عداد الزيادة المعقولة‪ .‬ومن تعلل‬
‫بالتجارة لم يقبل منه دعواه لنه كان يقول للولة‪ :‬إنما بعثناكم ولة ولم‬
‫نبعثكم تجاًرا‪.‬‬
‫)ب( أنه كان يرصد لهم الرقباء والعيون من حولهم ليبلغوه ماظهر وماخفي‬
‫من أمرهم‪ .‬حتى كان الوالي من كبار الولة وصغارهم يخشى من أقرب‬
‫الناس إليه أن يرفع نبأه إلى الخليفة ‪.‬‬
‫)ج( أنه بعث وكلء مختصين يجمعون شكايات الشاكين والمتظلمين ويتولى‬
‫التحقيق والمراجعة فيها ليستوفي البحث فيما يرفعه إليه الوكلء والرقباء ‪.‬‬
‫)د( أمره للولة والعمال أن يدخلوا إلى أوطانهم نهاًرا إذا رجعوا إليها من‬
‫مراكز حكمهم ليظهر معهم ماحملوه في عودتهم ويتصل خبره بالحراس‬
‫والرصاد الذين يقيمهم على ملقي الطريق‪.‬‬
‫)هـ( استقدامه للولة في كل موسم من مواسم الحج ليحاسبهم ويسمع‬
‫ل فيهم‪ ،‬وعليهم شهود ممن يشاء أن يحضر الموسم من‬ ‫مايقولون وماُيقا ُ‬
‫أهل البلد)‪ .(17‬فكان العمال يخافون الفتضاح على رؤوس الشهاد‪،‬‬
‫فيتجنبون ظلم الرعية‪ ،‬ويسيرون بين الناس بالعدل والنصاف‪(18).‬‬
‫ذكر المام الطبري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال‪ :‬لئن عشت إن‬
‫ل‪ ،‬فإني أعلم أن للناس حوائج تقطع دوني‪.‬‬ ‫شاء الله لسيرن في الرعية حو ً‬
‫أما عمالهم فل يرفعونها إلى‪ ،‬وأما هم فل يصلون إلى؛ فأسير إلى الشام‬
‫فأقيم بها شهرين‪ ،‬ثم أسير إلى الجزيرة فأقيم بها شهرين‪ ،‬ثم أسير إلى‬
‫مصر فأقيم بها شهرين‪ ،‬ثم أسير إلى البحرين فأقيم بها شهرين‪ ،‬ثم أسير‬
‫إلى الكوفة فأقيم بها شهرين‪ ،‬ثم أسير إلى البصرة فأقيم بها شهرين‪ ،‬والله‬
‫لنعم الحول هذا!)‪(19‬‬
‫لما جاء عام الجوع وأصاب المنطقة قحط شديد‪ ،‬أقسم عمر أل يذوق‬
‫السمن ويأكل طيًبا حتى يفتح الله على المسلمين‪ .‬وبقى عامه على هذا‬
‫الحرمان والمسلمون يرون حاله فيشفقون عليه من الجهد الذي يبذله‪ ،‬حتى‬
‫بسر وجهه من أكل الزيت مع قلة الطعام الذي يتناوله ورداءته‪ ،‬حتى لقد ذكر‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أحد الصحابة بالحرف‪" :‬كنا نقول‪ :‬لو لم يدفع الله عام الرمادة لظننا أن عمر‬
‫ما بأمر المسلمين" ‪ .‬ويرجوه أصحابه أن يرأف بنفسه ويشفقون‬ ‫سيموت ه ً‬
‫عليه من الجهد الذي يبذله‪ ،‬ويبيحون له – عن طيب خاطر منهم – أن يأخذ‬
‫من بيت المال مايصلح به شأنه؛ ولكنه يرفض ذلك ويصّر على رفضه الحاسم‬
‫ل‪ :‬وكيف يعنيني أمر الرعية إذا لم يمسنى مايمسهم؟ إنه هنا يقدم لنا‬ ‫قائ ً‬
‫شعاًرا اجتماعًيا‪ ،‬هو جوهر العدل الجتماعي وروحه الصيلة‪ .‬شعاًرا لتفسره‬
‫الكلمات‪ ،‬إنما موقف عمر نفسه وهو يعاني مع أمته من أجل أن يعمق‬
‫اهتمامه بمآسيها ومتاعبها وأحزانها)‪.(20‬‬
‫‪ -2‬نماذج تطبيقية من الجهر بالحق ‪:‬‬
‫ة الناس أن يقول بحق إذا‬ ‫ن رجل ً هيب ُ‬‫يقول عليه الصلة والسلم‪" :‬أل ليمنع ّ‬
‫علمه")‪.(21‬‬
‫ل له‪ :‬فمن السفلة؟ قال‪:‬‬ ‫س؟ فقال‪ :‬العلماء‪ .‬قِي ْ َ‬‫ن النا ُ‬
‫م ِ‬
‫ل ابن المبارك‪َ :‬‬ ‫سئ ِ َ‬
‫ُ‬
‫الذي يأكل بدينه‪.‬‬
‫حبس معاوية عن الناس أعطياتهم ذات مرة‪ ،‬وجاء يخطب على المنبر‪ ،‬فقام‬
‫إليه أبومسلم الخولني معاتًبا ومحاسًبا على حبس العطاء عن الناس‪ ،‬وقال‬
‫دك ول كد ّ أبيك ولكد ّ أمك‪.‬‬ ‫له يامعاوية‪ ،‬إنه ليس من ك ّ‬
‫فغضب معاوية وغادر المنبر قائل ً للناس‪ :‬مكانكم‪ .‬وغاب عنهم ساعة ثم رجع‬
‫إليهم فقال‪ :‬إن أبا مسلم كلمني بكلم أغضبني وإني سمعت رسول الله‬
‫خل ِقَ من نار‪،‬‬
‫صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬الغضب من الشيطان‪ ،‬والشيطان ُ‬
‫فأ ُ النار بالماء‪ ،‬فإذا غضب أحدكم فليغتسل" وإني ذهبت فاغتسلت‪.‬‬ ‫وإنما ت ُط ْ َ‬
‫دي ول كد ّ أبي‪ .‬فهلموا إلى أعطياتكم!‬ ‫وصدق أبو مسلم‪ .‬إنه ليس من ك ّ‬
‫لقد عرف أبومسلم مسؤولية العالم‪ ،‬فأدى واجبه في النصيحة للمام ‪.‬‬
‫وعرف معاوية مسؤولية الحاكم‪ ،‬فاستجاب لمن حاسبه في الحق‪ ،‬ولم تأخذه‬
‫العزة بالثم‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫لما وقعت الحرب بين مصر والحبشة‪ ،‬وتوالت الهزائم على مصر بسبب‬
‫وقوع الختلف بين قواد جيشها ‪ .‬ضاق صدر الخديوي إسماعيل لذلك فجمع‬
‫عدًدا من علماء الزهر ليجتمعوا أمام القبلة القديمة في الجامع الزهر‬
‫للبتهال والدعاء بطلب النصر‪ .‬ولكن مع ذلك ظلت أخبار هزائم الجيش‬
‫المصري تتوالى‪ .‬فذهب الخديوي إلى هؤلء العلماء‪ ،‬وأعلمهم باستغرابه لعدم‬
‫استجابة دعائهم وقال‪ :‬إنكم لستم العلماء الذين تعهدهم من رجال السلف‬
‫الصالح‪ ،‬فإن الله لم يدفع بكم ولبدعائكم شيًئا!‬
‫دا قائ ً‬
‫ل‪:‬‬ ‫خا واح ً‬
‫فوجم العلماء لكلم الخديوي إل شي ً‬
‫)هذا منك يا إسماعيل! فقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪:‬‬
‫"لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر‪ ،‬أو ليسلطن الله عليكم شراركم‬
‫ب لهم"(‪.‬‬‫جا ُ‬
‫ست َ َ‬
‫فيدعو خياركم فل ي ُ ْ‬
‫فسأل الخديوي الشيخ الزهري الذي جابهه بكلمة الحق وصيحة الصدق ‪:‬‬
‫‪ -‬وماذا صنعنا حتى ينزل بنا هذا البلء ؟‬
‫فأجابه ‪:‬‬
‫‪ -‬أليست المحاكم المختلطة قد فتحت بقانون يبيح الربا؟ أليس الزنا برخصة؟‬
‫حا؟‬ ‫أليس الخمر مبا ً‬
‫دد الشيخ للخديوي المنكرات التي تشيع في مصر بل إنكار‪ .‬ثم قال‪:‬‬ ‫وع ّ‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فكيف تنتظر النصر من السماء؟!‬


‫وأطرق الخديوي ملًيا ثم قال له‪:‬‬
‫‪ -‬صدقت صدقت)‪.(22‬‬
‫تاسًعا ‪ :‬الولء القلبي )‪.(23‬‬
‫حسم العلم السلمي قضية من أهم القضايا التي تشغل بال العلميين‪،‬‬
‫وتؤثر على مايتعرضون له من قضايا وموضوعات‪ ،‬وهي قضية الولء أو‬
‫النتماء‪ .‬فقد أثبتت البحاث والتجارب العلمية أن النسان أًيا كانت ثقافته‬
‫وجنسيته في حاجة إلى الشعور بالنتماء إلى شيء‪ ،‬والعمل من أجله‪.‬‬
‫والولء في جوهره نوع من الرقابة الذاتية للفرد على سلوكه وتصرفاته‬
‫وأقواله‪ ،‬بحيث تعكس الخضوع والنقياد للجهة التي يشعر الفرد بالنتماء إليها‬
‫بصورة ليمكن أن تحققها حتى أقسى القوانين وأصرمها‪ ،‬لنه يختص بمنطقة‬
‫القلب‪ ،‬حيث الحب والكره‪ ،‬وليستطيع سوى صاحبه أن يمنحه عن طيب‬
‫خاطر وطواعية ‪ .‬أما القهر فل يؤدي إل إلى تظاهر فقط من الشخص بالحب‬
‫والولء‪.‬‬
‫والعلم السلمي – وقد استهدف إعداد الدعاة المخلصين للدعوة – كان لبد‬
‫له أن يتعرض لقضية الولء ‪ .‬فالولَء فيها محسوم من البداية لله سبحانه‬
‫َ‬
‫ص?)‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ن ال َ‬ ‫وتعالى‪ .‬فهو أغنى الغنياء عن الشرك ‪ .‬قال تعالى‪? :‬أل َ للهِ الد ّي ْ ُ‬
‫ن?)‪ .(25‬فالله تعالى يريد عباًدا يشعرون نحوه‬ ‫ست َعِي ْ ُ‬
‫ك نَ ْ‬ ‫ك ن َْعبد ُ وَإ ِّيا َ‬ ‫‪? (24‬إ ِّيا َ‬
‫بالحب ويتنازلون باختيارهم عن كل مايغضب الله‪ .‬ولذلك ?ل َ إ ِك َْراه َ ِفي‬
‫ن?)‪ .(26‬وإذا كان الله تعالى يريد أن يخضع أعناًقا بالقهر فما أسهل أن‬ ‫الد ّي ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م لَها‬ ‫ت أعَْناقُهُ ْ‬ ‫ة فَظل ْ‬ ‫ماِء آي َ ً‬‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬
‫م ّ‬‫ل عَلي ْهِ ْ‬‫شأ ت ُن َّز ْ‬ ‫ن نّ َ‬ ‫يفعله ‪ .‬قال تعالى ‪? :‬إ ِ ْ‬
‫ن?)‪ .(27‬إنما يريد سبحانه عباًدا يدينون بالحب ويشعرون بالولء‪،‬‬ ‫ضعِي ْ َ‬ ‫خا ِ‬ ‫َ‬
‫ويتقلبون في كل روحاتهم وسكناتهم في رضوان الله‪ ،‬كما قال تعالى‪? :‬قُ ْ‬
‫ل‬
‫ن?)‪.(28‬‬ ‫ب الَعال َ ِ‬
‫مي ْ َ‬ ‫ي للهِ َر ّ‬ ‫مات ِ ْ‬
‫م َ‬ ‫حَيايَ وَ َ‬ ‫م ْ‬‫ي وَ َ‬ ‫سك ِ ْ‬ ‫ي وَن ُ ُ‬ ‫صل َت ِ ْ‬‫ن َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ويعني الولء لله الولء لكتابه الكريم‪ ،‬ولرسوله صلى الله عليه وسلم فيما‬
‫صح عنه من قول أو عمل‪ .‬وبذلك يكون ولء القيم والمبادئ الخالدة وليس‬
‫َ‬
‫ل‬‫سو َ‬ ‫ه َوالّر ُ‬ ‫وا الل َ‬ ‫ولء مرتبطا ً بأشخاص أو هيئات أو جهات قال تعالى ?وَأط ِي ْعُ ْ‬
‫ن?)‪.(29‬‬ ‫مو ْ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ت ُْر َ‬‫ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫ومن خلل الولء لله يتحقق هدف العلم السلمي في إيجاد رجال إعلم‬
‫يقولون الحق‪ ،‬وليخشون في الله لومة لئم‪ .‬وفي كل موقف أو قضية‬
‫يبرزون جوانب الخير والحق والصدق والمانة‪ ،‬وليرضون الغش والتدليس ‪.‬‬
‫وهدف العلم السلمي من إقرار مبدأ الولء القلبي لله هو تحويل الكثرة‬
‫المؤمنة إلى كل واحد ٍ متماسك ‪.‬‬
‫***‬
‫الهوامش ‪:‬‬
‫)‪ (15‬سورة الحج ‪ ،‬الية ‪.11‬‬
‫)‪ (16‬انظر صفات مقدمي البرامج السلمية للمؤلف ‪ ،‬ص ‪) 22-20‬باختصار(‬
‫‪.‬‬
‫)‪ (17‬مثل عليا من قضاء السلم ‪ .‬محمود الباجي‪ .‬تونس‪ :‬المكتبة الشرقية ‪،‬‬
‫‪1376‬هـ ‪ ،‬ص ‪.45‬‬
‫)‪ (18‬القضاء في السلم ‪ .‬عطية مشرقة ‪ .‬ط ‪ .2‬د‪ .‬م‪ :‬شركة الشرق‬
‫الوسط ‪1966 ،‬م ‪ ،‬ص ‪.101‬‬
‫)‪ (19‬تأريخ المم والملوك ‪ .‬جعفر بن جرير الطبري ‪ .‬د‪ .‬م‪ :‬دار القاموس‬
‫الحديث ؛ بيروت‪ :‬مكتبة البيان )نسخة مصورة(‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪. 18‬‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (20‬العدل الجتماعي‪ .‬عماد الدين خليل‪ – .‬بيروت ‪ :‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬


‫د‪.‬ت‪ ،‬ص ‪.100‬‬
‫)‪ (21‬هو من حديث أبي سعيد الخدري‪ ،‬من خطبة خطبها رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم رواها أحمد في المسند بطولها ‪ ،3:19‬في السنن‪" ،‬كتاب‬
‫الفتن"‪ ،‬باب ما جاء ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بما هو كائن إلى‬
‫يوم القيامة" ‪ ،‬ورواه ‪ ،‬مختصًرا كما أثبته أحمد في المسند ‪ ،71 ،3:5‬وابن‬
‫ماجه في السنن‪" ،‬كتاب الفتن"‪ ،‬باب المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫انظر تخريج الحديث في كتاب "المتنبي" لمحود شاكر‪.‬‬
‫)‪ (22‬انظر مسؤولية العلماء في السلم‪ .‬أحمد محمد جمال‪ – .‬مكة‬
‫المكرمة‪ :‬دارالثقافة ‪1386) ،‬هـ‪ ،‬ص ‪.28-27 ،22-20‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫)‪ (23‬انظر – باختصار‪ -‬مبادئ العلم السلمي‪ .‬محمد منير حجاب ‪– .‬‬
‫)السكندرية( ‪ :‬د‪ .‬ن‪1402 ،‬هـ ‪1982 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 74-73‬وقد تم استبدال‬
‫)نظرية العلم السلمي( التي تكررت في الفقرة بـ )العلم السلمي(‬
‫بتصريح وتوجيه من المؤلف نفسه ‪.‬‬
‫)‪ (24‬سورة الزمر ‪ ،‬الية ‪.3‬‬
‫)‪ (25‬سورة الفاتحة ‪ ،‬الية ‪.5‬‬
‫)‪ (26‬سورة البقرة ‪ ،‬الية ‪.256‬‬
‫)‪ (27‬سورة الشعراء ‪ ،‬الية ‪.4‬‬
‫)‪ (28‬سورة النعام ‪ ،‬الية ‪.162‬‬
‫)‪ (29‬سورة آل عمران ‪ ،‬الية ‪.132‬‬
‫***‬

‫)‪(5 /‬‬

‫العلم السلمي ودوافع المسؤولية فيه‬


‫)‪(1/2‬‬
‫بقلم ‪ :‬الستاذ محمد خير رمضان يوسف‬
‫إن أهم ما يتميز به رجل العلم السلمي هو مسؤوليته عما يقدمه ‪ ،‬ليس‬
‫أمام السلطات في الدنيا فقط ‪ ،‬فلربما افتعل أفانين للتخلص منها ‪ ،‬أو التجأ‬
‫إلى من يحميه خارج دائرة الحكومة ؛ لكن الخاصية الساسية فيه هي شعوره‬
‫بأنه مسؤول أمام الله تعالى يوم القيامة فيما يقدمه من معلومات ونقد‬
‫وتحليلت‪ ،‬ويعلم أن الله مطلع على ضميره وخلجات نفسه‪ ،‬وسيحاسبه على‬
‫إفساده وخيانته أشد الحساب ‪.‬‬
‫إن الذي يريد منه السلم هو الوازع الديني ‪ ،‬وخشية خالقه ‪ ،‬والخوف منه‬
‫ضًرا‬
‫ح َ‬
‫م ْ‬
‫خي ْرٍ ُ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫مل َ ْ‬
‫ت ِ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫س ّ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫جد ُ ك ُ ّ‬ ‫م تَ ِ‬‫عز وجل‪ .‬قال تعالى‪? :‬ي َوْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫دا?)‪.(1‬‬‫دا ب َعِي ْ ً‬
‫م ً‬‫ن ب َي ْن ََها وَب َي َْنه أ َ‬‫سوٍء ت َوَد ّ ل َوْ أ ّ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬ ‫مل َ ْ‬
‫ت ِ‬ ‫ماعَ ِ‬
‫وَ َ‬
‫ويتمثل الهدف من دراسة هذا الفصل في بيان مصدر الشعور بالمسؤولية ‪،‬‬
‫أو الدافع الغيبي الذي يدفع رجل العلم لتتبع المنهج السلمي ‪ ،‬وليس‬
‫الهدف تعداد المسؤوليات المنوطة به !‪.‬‬
‫فماهي الساسيات التي تحدد منهج هذه المسؤولية العلمية؟ وماهي المور‬
‫التي يجب على العلمي أن يلتزم بها في داخله وعلى الساحة العلمية‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ليؤدي رسالته من واقع مسؤوليته الدينية؟‬


‫سيتوضح لنا كل هذا بإذن الله من خلل مايلي‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬اليمان بالغيب ‪:‬‬
‫ن‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬
‫من ُوْ َ‬ ‫وصف الله تعالى المتقين في أول سورة البقرة بقوله‪? :‬ا َل ّذِي ْ َ‬
‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ما أن ْزِ َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫من ُوْ َ‬‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫ن‪َ .‬وال ّذِي ْ َ‬ ‫قو ْ َ‬
‫م ي ُن ْفِ ُ‬‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬ ‫صل َة َ وَ ِ‬
‫م ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مو ْ َ‬‫قي ْ ُ‬‫ب وي ُ ِ‬ ‫ِبال ْغَي ْ ِ‬
‫ن?)‪.(2‬‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫م ي ُوْقِن ُوْ َ‬
‫خَرةِ هُ ْ‬‫ل وَِبال ِ‬ ‫م ْ‬ ‫زل ِ‬ ‫ما أن ْ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫يقول سيد قطب رحمه الله ‪ :‬اليمان بالغيب هو العتبة التي يجتازها النسان‪،‬‬
‫فيتجاوز مرتبة الحيوان الذي ليدرك إل ما تدركه حواسه‪ ،‬إلى مرتبة النسان‬
‫الذي يدرك أن الوجود أكبر وأشمل من ذلك الحّيز الصغير المحدد الذي‬
‫تدركه الحواس‪ .‬أو الجهزة التي هي امتداد للحواس وهي نقلة بعيدة الثر‬
‫في تصور النسان لحقيقة الوجود كله ولحقيقة وجوده الذاتي ‪ ،‬ولحقيقة‬
‫القوى المنطلقة في كيان هذا الوجود ‪ ،‬وفي إحساسه بالكون وماوراء الكون‬
‫من قدرة وتدبير ‪ .‬كما أنها بعيدة الثر في حياته على الرض ‪ ،‬فليس من‬
‫يعيش في الحيز الصغير الذي تدركه حواسه كمن يعيش في الكون الكبير‬
‫الذي تدركه بديهته وتبصيرته ؛ ويتلقى أصداءه وإيحاءاته في أطوائه‬
‫وأعماقه ‪ ،‬ويشعر أن مداه أوسع في الزمان والمكان من كل مايدركه وعيه‬
‫في عمره القصير المحدود‪ ،‬وأن وراء الكون ظاهره وخافيه‪ ،‬حقيقة أكبر من‬
‫الكون‪ ،‬هي التي صدر عنها‪ ،‬واستمد من وجودها وجوده ‪ ..‬حقيقة الذات‬
‫للهية التي لتدركها البصار ولتحيط بها العقول ‪.‬‬ ‫ا ِ‬
‫وعندئذ تصان الطاقة الفكرية المحدودة المجال عن التبدد والتمزق‬
‫خَلق له ‪ ،‬وما لم توهب القدرة للحاطة به ‪ ،‬وماليجدي‬ ‫والنشغال بما لم ي ُ ْ‬
‫شيًئا أن تنفق فيه ‪ .‬إن الطاقة الفكرية التي وهبها النسان ‪ ،‬وهبها ليقوم‬
‫بالخلفة في هذه الرض ‪ ،‬فهي موكلة بهذه الحياة الواقعة القريبة ‪ ،‬تنظر‬
‫فيها ‪ ،‬وتتعمقها وتتقصاها ‪ ،‬وتعمل وتنتج ‪ ،‬وتنمي هذه الحياة وتجملها ‪ ،‬على‬
‫أن يكون لها سند من تلك الطاقة الروحية التي تتصل مباشرة بالوجود كله‬
‫وخالق الوجود ‪ ،‬وعلى أن تدع للمجهول حصته في الغيب الذي لتحيط به‬
‫العقول ‪...‬‬
‫ثم يقول ‪:‬‬
‫لقد كان اليمان بالغيب هو مفرق الطريق في ارتقاء النسان عن عالم‬
‫البهيمة ‪ .‬ولكن جماعة الماديين في هذا الزمان ‪ ،‬كجماعة الماديين في كل‬
‫زمان ‪ ،‬يريدون أن يعودوا بالنسان القهقري ‪ ..‬إلى عالم البهيمة الذي لوجود‬
‫فيه لغير المحسوس ! ويسمون هذا "تقدمية" وهو النكسة التي وقى الله‬
‫ب"‬‫ن ِبال ْغَي ْ ِ‬ ‫من ُوْ َ‬ ‫المؤمنين إياها ‪ ،‬فجعل صفتهم المميزة صفة ‪" :‬ا َل ّذِي ْ َ‬
‫ن ي ُؤْ ِ‬
‫والحمد لله على نعمائه ‪ ،‬والنكسة للمنتكسين والمرتكسين)‪.(3‬‬
‫والغيب يتناول كل ما قاله الله تعالى وصح عن رسوله صلى الله عليه وسلم‬
‫مما ليدركه الحس ‪ .‬وأركان اليمان الساسية كما بينها الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم هي اليمان بالله وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر والقضاء‬
‫والقدر‪..‬‬
‫ثانًيا‪ :‬الجزاء في السلم ‪:‬‬
‫نطاق الجزاء في السلم واسع وشامل شمول السلم لجميع شؤون الحياة ‪،‬‬
‫ومن ثم فأجزية السلم تتعلق بأمور العقيدة والخلق والعبادات‬
‫والمعاملت ‪ .‬فكل مخالفة لهذه المور لها جزاؤها في الخرة ‪ ،‬وقد يكون لها‬
‫ضا ‪.‬‬ ‫جزاء في الدنيا أي ً‬
‫والجزاء في الدنيا ليمنع الجزاء في الخرة عن المخالف العاصي إل إذا‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اقترنت معصيته بالتوبة النصوح ‪ .‬والتوبة النصوح تقوم على الندم على ما‬
‫اقترفه النسان ‪ ،‬وعلى العزم الكيد على عدم العودة إلى هذه المخالفة ‪،‬‬
‫وعلى التحلل من حقوق الغير إذا كانت معصية تتعلق بهذه الحقوق ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫عا‬
‫وقد ترتب على هذا الجزاء الخروي خضوع المسلم لحكام الشريعة خضو ً‬
‫اختيارًيا في السر والعلن خوًفا من عقاب الله ‪ ،‬وحتى لو استطاعت الفلت‬
‫من عقاب الدنيا ‪ ،‬لن العقاب الخروي ينتظره ول يستطيع الفلت منه ؛‬
‫ولهذا إذا ارتكب المسلم جريمة أو معصية في غفلة من إيمانه طلب إقامة‬
‫العقوبة عليه بمحض اختياره ‪ .‬فهذا ماعٌز اعترف أمام الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم بجريمة الزنى وطلب إقامة الحد ّ "العقوبة" عليه ‪ .‬وهكذا تنزجر‬
‫النفوس عن مخالفة القانون السلمي ‪ ،‬إما بدافع الحترام له والحياء من‬
‫الله تعالى ‪ ،‬وإما بدافع الخوف من العقاب الجل الذي ينتظر المخالفين ‪.‬‬
‫وفي هذا وذاك أعظم ضمان لزجر النفوس عن المخالفة والعصيان)‪.(4‬‬
‫ثالًثا ‪ :‬اليمان باليوم الخر)‪:(5‬‬
‫ليست حياة النسان هذه إل مقدمة لحياته الخرة ‪ ،‬فهي حياة طارئة مؤقتة‬
‫وتلك حياة خالدة سرمدية ‪ .‬وهذه ناقصة وتلك كاملة‪ .‬وفي ذلك اليوم سيوزن‬
‫الخير والشر ‪ ،‬والبر والثم ‪ ،‬والفضيلة والرذيلة ‪ ،‬واليمان والكفر‪ ،‬والخلق‬
‫لرادات والعواطف والهواجس‬ ‫والملكات ‪ .‬وستقاس فيه النيات وا ِ‬
‫والحاسيس وسائر أفعال القلوب ‪ .‬ليحاسب فيه النسان على وزن الخبز‬
‫دا من الفقراء والمساكين‪ ،‬ولعلى عدد الدراهم التي أعطاها‬ ‫الذي أطعمه أح ً‬
‫دا من السائلين والمحرومين ‪ ،‬وإنما يحاسب فيه على النية التي حملته‬ ‫أح ً‬
‫على هذا الكرم والسخاء ‪ ،‬لن القانون فيه ليكون مادًيا ‪ ،‬وإنما يكون معنوًيا ‪.‬‬
‫وفي ذلك يقول جل شأنه ‪:‬‬
‫قا َ‬
‫ل‬ ‫مث ْ َ‬
‫ن ِ‬ ‫َ‬
‫ن كا َ‬ ‫شي ًْئا وّإ ِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مةِ فَل ت ُظل ُ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ْ‬
‫ط ل ِي َوْم ِ ال ِ‬ ‫س َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫وازِي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ضعُ ال ْ َ‬ ‫?وَن َ َ‬
‫ن?)‪.(6‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سب ِي ْ َ‬
‫حا ِ‬ ‫ل أت َي َْنا ب َِها وَكفى ب َِنا َ‬ ‫خْرد َ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫حب ّةٍ ِ‬ ‫َ‬
‫وفي ذلك اليوم ستحدث للفعال نتائجها الحقيقية المتفقة مع العقل والعدل ‪،‬‬
‫ولتجري فيه القوانين المادية ول السباب المادية كما هي تجري اليوم في‬
‫ل‪ :‬المال والجاه والحسب والنسب والكياسة والفطانة‬ ‫نظامنا الحاضر‪ .‬فمث ً‬
‫وسلطة اللسان وكثرة الوسائل المادية وقوة الحلفاء والصدقاء والقرباء‬
‫وسعيهم وشفاعتهم ‪ :‬كل هذه من السباب التي تنقذ النسان في نظامنا‬
‫الحاضر من نتائج كثير من أقواله وأفعاله ؛ ولكنها ستفقد تأثراتها في نظام‬
‫الحياة الخرة ‪ ،‬فل يترتب فيه على كل فعل من أفعال النسان ولعلى كل‬
‫قول من أقواله إل النتيجة التي يجب أن تترتب عليه على مقتضي من العقل‬
‫والعدل والحق والصواب‪:‬‬
‫من َْها‬‫خذ ُ ِ‬ ‫ة وّل َي ُؤْ َ‬ ‫فاعَ ٌ‬ ‫ش َ‬ ‫من َْها َ‬ ‫ل ِ‬ ‫قب َ ُ‬ ‫شي ًْئا وّل َي ُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫س عَ ْ‬ ‫ف ٌ‬ ‫جزِيْ ن َ ْ‬ ‫ما ل ّت َ ْ‬ ‫وا ي َوْ ً‬ ‫ق ْ‬ ‫?َوات ّ ُ‬
‫ن?)‪.(7‬‬ ‫صُروْ َ‬ ‫م ي ُن ْ َ‬ ‫ل وّل َهُ ْ‬ ‫عَد ْ ٌ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫?وَل َ َ‬
‫م وََرآَء‬ ‫خوّلَناك ْ‬ ‫ما َ‬‫م ّ‬ ‫مّرةٍ وّت ََركت ُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫م أوّ َ‬ ‫قَناك ْ‬ ‫خل ْ‬ ‫ما َ‬ ‫موَْنا فَُراداى ك َ‬ ‫جئ ْت ِ ُ‬‫قد ْ ِ‬
‫َ‬
‫قط ّ َ‬
‫ع‬ ‫قد ْ ت َ َ‬ ‫كآَء ل َ َ‬‫شَر َ‬ ‫م ُ‬ ‫م فِي ْك ُ ْ‬‫م أن ّهُ ْ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫ن َزعَ ْ‬ ‫م ال ّذِي ْ َ‬ ‫فَعآَءك ُ ُ‬ ‫ش َ‬‫م ُ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫ماَنراى َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ظ ُهُوْرِك ُ ْ‬
‫ن?)‪.(8‬‬ ‫مو ْ َ‬ ‫م ت َْزعُ ُ‬ ‫ماك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل عَن ْك ُ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫رابًعا ‪ :‬حاجة النسان إلى عقيدة اليوم الخر‪:‬‬
‫معنى إيمان المرء بهذه العقيدة أن ليرى نفسه في هذه الدنيا كائًنا حًرا‬
‫قا ؛ ولكن كائًنا ذا تبعة ومسؤولية ‪ ،‬وليؤدي جملة أعماله وتصرفاته إل‬ ‫طلي ً‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على شعور تام من أن عليه تبعة كل حركة من حركاته ‪ ،‬وأنه مسؤول عنها‬
‫في حياته المقبلة ‪ ،‬وأن سعادته أو شقاءه في مستقبله ليتوقف إل على‬
‫أعماله الصالحة أو السيئة في حاضره ‪ .‬ومعنى عدم إيمانه بها أن يرى نفسه‬
‫قا لتبعه عليه ولمسؤولية ‪ ،‬وليؤدي جملة أعماله وليرتب جملة‬ ‫كائًنا حًرا طلي ً‬
‫تصرفاته في هذه الحياة إل على الظن بأنه ليس مسؤول ً عنها ‪ ،‬وأنه لتترتب‬
‫عليها نتيجة حسنة أو سيئة في حياة أخرى بعد هذه الحياة ‪.‬‬
‫ومن التأثير اللزم لخلو ذهن النسان من عقيدة اليوم الخر أو عدم إيمانه بها‬
‫أنه ليطمح ببصره إل إلى النتائج المترتبة على أعماله في هذه الدنيا وليحكم‬
‫على شيء بالمنفعة أو المضرة إل باعتبار هذه النتائج فحسب ‪ .‬إنه يحترز عن‬
‫أكل السم وليضع يده في النار لماذا ؟ لنه يعلم أنه لبد أن يذوق وبال هذين‬
‫الفعلين ونتائجهما السيئة في حياته هذه ‪ .‬وأما الظلم والكذب والخيانة والغدر‬
‫والغيبة والزنا وما إليها من الفعال التي لتظهر نتائجها السيئة في هذه الحياة‬
‫كاملة فإنما يحترز عنها على قدر مايخاف من ظهور نتائجها السيئة في حياته‬
‫هذه ‪ ،‬وليتردد في اقترافها حينما ليرى نتيجة سيئة تترتب عليها أو يرجو أن‬
‫ينال بها منفعة مادية في هذه الدنيا نفسها ‪..‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أما الذي يقول بعقيدة اليوم الخر‪ ،‬فل يطمح ببصره إلى النتائج العاجلة‬
‫المترتبة على أعماله في هذه الحياة وحسب ؛ وإنما يطمح ببصره إلى نتائجها‬
‫الحقيقية المتربة عليها في حياة أخرى بعد هذه الحياة الدنيا ‪ ،‬وليحكم على‬
‫فعل بالمنفعة أو المضّرة إل على اعتبار تلك النتائج ‪ ،‬فهو كما يكون على‬
‫يقين من أن السم مهلك والنار مؤلمة ‪ ،‬كذلك يكون على يقين من أن الظلم‬
‫والكذب والغدر والخيانة والزنا كلها أفعال مهلكة مؤلمة ‪ ،‬وهو كما يعتقد أن‬
‫الخبز والماء نافعان ‪ ،‬كذلك يعتقد أن العدل والمانة نافعان ‪ ،‬ويقول بنتيجة‬
‫ل‪(9)...‬‬ ‫معينة يقينية لكل فعل من أفعاله ولو لم تظهر في هذه الحياة أص ً‬
‫سا ‪ :‬آثار اليمان باليوم الخر إعلمًيا وخلقًيا)‪(10‬‬ ‫خام ً‬
‫وهذا البعد الغيبي في الطرح العلمي مما يميز العلم السلمي عن غيره‬
‫من نظم العلم المطبقة في واقع الحياة اليوم ‪ .‬فبه تتحقق الموازنة بين‬
‫ماهو مادي وماهو معنوي‪ .‬وبه تتحقق أعلى درجات الثارة النفسية لما يبعث‬
‫في النفس من طموح ومايثير فيها من خوف ‪ ،‬ومايقدمه من سعة في‬
‫مدلول معنى الحياة ‪.‬‬
‫والخبار عن الغيب في المستقبل هنا ضرب من العلم التحذيري والتبشيري‬
‫مًعا ‪ ،‬ويتيح للناس فرصة العداد لمواجهة احتمالت المستقبل بما يكفل لهم‬
‫سلمة المواقف ويحقق لهم الطمأنينة ويحفزهم على العمل المثمر‪ ،‬وبذلك‬
‫ترقي الخلق وتزكو الحياة ‪ ،‬ويحقق الخبار غاياته في بناء الحياة النسانية‬
‫الكريمة في رشد ونماء ‪...‬‬
‫واليمان باليوم الخر على الوجه الصحيح مفض إلى سلمة النفس ورشد‬
‫التصور واستقامة السلوك ورقي الحياة ‪ ،‬وهو ضمانه ليقظة القلب وعلو‬
‫الهمة واستعلء النفس وترفعها في مراقبة تورث الحسان وتحقق إنسانية‬
‫قا إلى التمايز‬ ‫النسان ‪ ،‬ولتصبح أهداف الحياة أعلى من ضروراتها ‪ ،‬تطل ً‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫وا‬
‫من ُ ْ‬‫نآ َ‬ ‫ما الذِي ْ َ‬‫ن ‪ .‬فَأ ّ‬ ‫فّرقُوْ َ‬‫مئ ِذ ٍ ي ّت َ َ‬
‫ة ي َوْ َ‬
‫ساعَ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫قو ْ ُ‬
‫م تَ ُ‬‫الحق بين الناس ‪? :‬وَي َوْ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫وا ِبآَيات َِنا‬ ‫َ‬
‫فُرْوا وَكذ ّب ُ ْ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬‫ما الذِي ْ َ‬‫ن ‪ .‬وَأ ّ‬ ‫حب َُروْ َ‬‫ضةٍ ي ّ ْ‬
‫ي َروْ َ‬ ‫م فِ ْ‬‫ت فَهُ ْ‬‫حا ِ‬
‫ُ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مل ُ ْ‬
‫وا ال ّ‬ ‫وَعَ ِ‬
‫ن?)‪ .(11‬وقال عز من قائل‪? :‬قُلْ‬ ‫ضُروْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬‫ب ُ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫خَرةِ فأْولئ ِك ِفي العَ َ‬‫َ‬ ‫قآِء ال ِ‬ ‫وَل ِ َ‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قد ْ‬ ‫مئ ِذ ٍ فَ َ‬ ‫ه ي َوْ َ‬ ‫ف عَن ْ ُ‬‫صَر ْ‬ ‫ن يّ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ي َوْم ٍ عَظ ِي ْم ٍ ‪َ .‬‬ ‫ذا َ‬ ‫ي عَ َ‬ ‫ت َرب ّ ْ‬ ‫صي ْ ُ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ف إِ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫ي أَ َ‬ ‫إ ِن ّ ْ‬
‫ن?)‪.(12‬‬ ‫مب ِي ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫فوُْز ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مه َوذال ِك ال َ‬ ‫ح َ‬ ‫َر ِ‬
‫الخبار في هذا النص مسوق لتأكيد تحقق وقوع يوم الجزاء ‪ ،‬وهو في الوقت‬
‫نفسه للنذار والتحذير من الستمرار في الكفر‪ ،‬بل هو غاية التحذير ‪ ،‬لن‬
‫خوف الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الصورة يحمل غيره على الفزع ‪.‬‬
‫وهو كذلك دعوة غير مباشرة إلى القتداء به صلى الله عليه وسلم مما يعني‬
‫علو شأن العلم الذي يتوسل إلى غاياته في أساليب ذكية تشعر المتلقي‬
‫بقدرته على الفهم وعلو ثقة المرسل به ‪...‬‬
‫والخوف الذي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعلنه للناس في هذا‬
‫دا لوقوع يوم الجزاء ‪ ،‬يشفع ببيان تأكيدي‬ ‫النص بهذا الجلء والوضوح تأكي ً‬
‫َ‬
‫م ُرد ّْوا إ ِلى‬ ‫تهديدي آخر في سياق الخبار عن يوم القيامة هو قوله تعالى ‪? :‬ث ُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن?)‪.(13‬‬ ‫سب ِي ْ َ‬‫حا ِ‬ ‫سَرعُ ال ْ َ‬ ‫م وَهُوَ أ ْ‬ ‫حك ْ ُ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫حقّ أل َ ل َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫موْل َهُ ُ‬ ‫اللهِ َ‬
‫وهو نص ظاهر الدللة على أن المراد العلم بوقوع يوم القيامة تحذيًرا‬
‫للناس وتنبيًها لهم من مغبة الوقوع فيما يؤدي بهم إلى الهلك يومئذ ‪ .‬والذين‬
‫يعرضون عن هذا البلغ على الرغم من وضوحه وجلئه وعلى الرغم من‬
‫ضخامة الحقائق المعروضة من خلله يستحقون الهمال والعراض ‪? :‬وَذِرَ‬
‫َ‬
‫س‬
‫ف ٌ‬ ‫ل نَ ْ‬‫س َ‬ ‫ن ت ُب ْ َ‬ ‫حَياةُ الد ّن َْيا وَذ َك ّْر ِبه أ ْ‬ ‫م ال ْ َ‬‫وا وّغَّرت ْهُ ْ‬ ‫م ل َعًِبا وّل َهْ ً‬ ‫خذ ُْوا دِي ْن َهُ ْ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ال ّذِي ْ َ‬
‫خذ ُ‬ ‫ل ل ّي ُؤْ َ‬ ‫ل عَد ْ ٍ‬ ‫ل كُ ّ‬ ‫ن ت َعْدِ ْ‬‫في ْعٌ وَ إ ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫ي وّل َ َ‬ ‫ن اللهِ وَل ِ ّ‬ ‫ن د ُوْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫س ل ََها ِ‬ ‫ت ل َي ْ َ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫بِ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ما‬ ‫م بّ َ‬ ‫ب أل ِي ْ ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫مي ْم ٍ وّعَ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫شَرا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫وا ل َهُ ْ‬‫سب ُ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫وا ب ِ َ‬ ‫سل ُ ْ‬
‫ن أب ْ ِ‬ ‫ك ال ّذِي ْ َ‬ ‫من َْها أولئ ِ َ‬ ‫ِ‬
‫ن?)‪.(14‬‬ ‫و‬ ‫ر‬
‫ْ َ ُ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ف‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫وا‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬
‫ففي النص الكريم أمر بالعراض عن المكذبين مع التذكير بالقرآن والتحذير‬
‫من نقمة الله وعذابه يوم القيامة ‪ ،‬والمر بتركهم إما للتقليل من شأنهم‬
‫وتهديدهم أو ترك معاشرتهم وملطفتهم ‪...‬‬
‫***‬
‫الهوامش ‪:‬‬
‫)‪ (1‬سورة آل عمران ‪ ،‬الية ‪.30‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة ‪ ،‬اليتان ‪. 4-3‬‬
‫)‪ (3‬في ظلل القرآن ‪ ،‬سيد قطب ‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪. 40-39‬‬
‫)‪ (4‬أصول الدعوة ‪ .‬عبد الكريم زيدان ‪ ،‬ص ‪) 70-69‬باختصار( ‪.‬‬
‫)‪ (5‬انظر هذه الفقرة – بتفصيل أكثر – في كتاب ‪ :‬اليمان بالله وملئكته‬
‫وكتبه ورسله واليوم الخر ‪ .‬أبو العلى المودودي‪ .‬د‪ .‬م‪ :‬دار الخلفة ؛‬
‫السكندرية ‪ :‬توزيع دار الدعوة ‪ ،‬د‪ .‬ت )الحضارة السلمية ‪ ..‬أسسها‬
‫ومبادئها( ص ‪. 262 – 260 ، 237‬‬
‫)‪ (6‬سورة النبياء ‪ ،‬الية ‪. 47‬‬
‫)‪ (7‬سورة البقرة ‪ ،‬الية ‪. 48‬‬
‫)‪ (8‬سورة النعام ‪ ،‬الية ‪. 94‬‬
‫)‪ (9‬المصدر السابق )باختصار( ص ‪. 269-267‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫)‪(10‬انظر ماورد تحت هذا العنوان باختصار في كتاب ‪ :‬أصول العلم‬


‫السلمي وأسسه‪ :‬دراسة تحليلية لنصوص الخبار في سورة النعام ‪ .‬سيد‬
‫محمد ساداتي الشنقيطي ‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪ 125 ، 22 ، 81-80‬وانظر بعض‬
‫المصادر التي اعتمد عليها هناك ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الروم ‪ ،‬اليات ‪. 16-14‬‬ ‫)‪(11‬سورة‬


‫النعام ‪ ،‬اليتان ‪. 16-15‬‬ ‫)‪(12‬سورة‬
‫النعام ‪ ،‬الية ‪. 62‬‬ ‫)‪(13‬سورة‬
‫النعام ‪ ،‬الية ‪. 70‬‬ ‫)‪(14‬سورة‬
‫***‬

‫)‪(4 /‬‬

‫العلم السلمي ‪..‬ضرورة عصرية د‪ .‬أحمد حسن محمد*‬


‫يعتبر التصال النساني فطرة فطر الله عليها البشرية منذ نشأتها الولى‪,‬‬
‫فقد كان التكليف الول الذي أمر الله به آدم عليه السلم بعد خلقه هو مهمة‬
‫البلغ و التوضيح و الفهام‪ ,‬وذلك في أول إتصال بملئكة العرش‪ ..‬حيث يقول‬
‫الحق سبحانه )يا آدم انبئهم بأسمائهم‪ (...‬البقرة ‪ 33‬ومضت سيرة الحياة‬
‫النسانية ضمن سلسلة علقات متعددة تقوم على اتصال النسان بالنسان‬
‫أفرادا ً وجماعات وأمما ً حتى أمكن تنظير هذه الفطرة ضمن سلسلة من‬
‫العلوم و المعارف كان منها العلم‪ .‬والعلم بدأ ينقل المعلومة من شخص‬
‫أو أشخاص إلى آخرين ‪ ,‬وذلك عن طريق الكلمة المنطوقة لتصل مباشرة‬
‫من الفم إلى الذن من دون وسيط أو وسيلة‪ ,‬بجانب نقل هذه الكلمة أيضا ً‬
‫عن طريق البصر مباشرة كما هو الحال في الصورة أو الرسم‪ ,‬وظلت حاستا‬
‫السمع و البصر )الذن و العين( هما المدخلين الساسيين لدراك الكلمة التي‬
‫تمثل رسالة مقصودة من جانب مرسلها إلى آخر مستهدف بها‪ ,‬أي أداة‬
‫للتفاهم وزيادة المعرفة‪ .‬حتى كان التطور السريع الذى صاحب العمليات‬
‫التصالية عامة والعلم بصفة خاصة‪ .‬حيث أصبحت هذه الكلمة أو المعلومة‬
‫التي اصطلح عليها باسم الرسالة العلمية تنقل من شخص أو أشخاص إلى‬
‫عالم متسع من المتلقين عن طريق الذن‪ ,‬ولكن بوسيلة جديدة وجهاز جديد‬
‫عرف بالراديو‪ ..‬وتنتقل ايضا ً على أنظار وعيون المليين عن طريق التلفاز أو‬
‫السينما أو غيرهما‪ ,‬من الوسائل المرئية الحديثة مما جعل العملية العلمية‬
‫تتحول شكل ومضمونا وهدفا حيث لم تعد مجرد خبر ينقل أو تسلية فى وقت‬
‫فراغ ‪ ,‬بل اصبحت تمثل نشاطا هادفا يسعى الى العديد من الهداف التي‬
‫تتركز في معظمها على التأثير و القناع بهدف أحداث التغيير والتحويل نحو‬
‫أهداف ومبادئ وقيم يسعى اليها صاحب الرسالة ومرسلها سواء كان ذلك‬
‫فى عالم القيم والمثل أو التجاهات و المبادئ و المذاهب‪ .‬وبهدف إستمالة‬
‫المتلقي )السامع أو الرائي( واعتناقه لقيم ومبادئ صاحب الرسالة‪.‬‬
‫العلم و الصراع العالمي‬
‫ومع تطور الحياة السياسية والجتماعية تعددت الدول وقامت معظمها على‬
‫مبادئ وأفكار وقيم مختلفة وكل دولة تسعي لسيادة مبادئها وانتشار أفكارها‬
‫وإخضاع الخرون لما يرونه من مبادئ وإتجاهات‪ ,‬فكان هذا الصراع العالمي‬
‫الذى اتخذ شكل الحروب و القتال و الغزو العسكري‪ .‬وظهر العلم كسلح‬
‫خطير فى هذا الصراع الدولي سيما بعد أن توفرت له وسائل متطورة لها‬
‫قدرة الوصول إلى أي مجتمع وجماعاته وبسهولة وبساطة ‪ ,‬فحظي العلم‬
‫بذلك باهتمام كبير من جانب الدول والمجتمعات والهيئات في عالمنا‬
‫المعاصر‪ ,‬وأصبحت الرسالة العلمية تحمل فكر مرسلها لتعمل في مجالت‬
‫النشاط النساني كافة سياسيا ً واقتصاديا ً واجتماعيا ً وفنيا ً ‪ ,‬فكان العلم بذلك‬
‫قوة فاعلة تربط المجتمع النساني بمضامين واتجاهات متعددة بغرض‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التحويل و القناع ومن ثم التباع والولء‪ .‬وما نشاهده اليوم من هذا الفيض‬
‫الهائل من البرامج المسموعة والمقروءة و المرئية التي تحملها اجهزة‬
‫متطورة يوما ً بعد يوم لدليل واضح على خطورة وأهمية العلم بالنسبة لي‬
‫جماعة أو دولة تتطلع للسيادة والنتشار‪ .‬وعلى الرغم من إيجابيات هذه‬
‫الثورة العلمية والوسائل المتطورة في مجال التثقيف والخبار وربط‬
‫المجتمع البشري بما يحدث في أنحاء العالم لحظة بلحظة وما تحقق من‬
‫وعي ويقظة فكرية بين الجيال الجديدة في هذا العالم فإنها لم تخل من‬
‫سلبيات خطيرة ومظاهر سالبة إنجرفت إليها الكثير من محطات الرسال‬
‫والبث ودور النشر و الطباعة سواء كان ذلك بغرض الهدم المقصود لما‬
‫تعارف عليه الناس من قيم ومثل أو الكسب المادي والنتشار وكلها ول شك‬
‫قادت نحو آثار سالبة ظهرت فى العديد من الدول وخصوصا فى مجال الفكر‬
‫و الثقافة والداب العامة‪ ,‬مما أوجد صراعا رهيبا فى عقول الناشئة‬
‫ومعارضات)سالبة( من جانب المفكرين و المربين‪ ,‬فوقع العالم في حيرة‬
‫نتيجة هذا الصراع بين ثقافات متعارضة ودول مختلفة ليضع الجيال الحالية‬
‫في حيرة بل واحيانا في ضياع وتيه‪..‬ولعل من مساوئ هذه الهجمات و‬
‫الفكار ما كان منها بغرض الستهداف والعتداء والفتراء على نظم بعينها او‬
‫مبادئ سائدة بغرض تحقيق انصراف الناس عن هذه المبادئ أو الثورة على‬
‫هذه النظم بما يحقق سيطرة افكار ونظم الجهات التي تقف خلف هذه‬
‫الرسائل والبرامج العلمية الغازية‪.‬‬
‫العالم السلمي والثورة العلمية‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لما كان العالم السلمي جزءا ً ل يتجزأ عن غيره من الدول والمجتمعات التى‬
‫تتعرض لما يبث من برامج إعلمية مختلفة‪ ,‬فقد كان طبيعيا ً أن تتأثر كثير من‬
‫هذه المجتمعات المسلمة بمضامين وأهداف الرسائل العلمية الصادرة من‬
‫أجهزة العلم المختلفة سيما بعد سيطرة الشبكات الذاعية والقمار‬
‫الصناعية‪..‬ولما كانت المصادر العلمية في معظمها بعيدة عن هدى السلم‬
‫ومبادئه أو على القل غير حريصة على تقديم مفاهيم السلم وتوجيهاته‬
‫ضمن مضامين برامجها‪ ,‬فقد أتاح ذلك سيطرة ملموسة على ما يصل العقل‬
‫المسلم من برامج منحرفة عن هدى الله حتى أصبحت مثل هذه البرامج‬
‫قضايا مسلما ً بها لدى بعض الناشئة حيث ل بديل عنها تقدمه الدول‬
‫والجماعات السلمية التى كانت‪-‬بل ومازالت‪ -‬ل تملك تقنيات التصال‬
‫الحديثة أو التنظير والتأصيل السلمي للرسالة العلمية‪ .‬ولعل من أهم‬
‫السباب التي حالت دون تقدم المجتمعات السلمية فى مجال العلم‬
‫الحديث ووسائله ما يلي‪-:‬‬
‫أول‪ :‬تركيز علماء المسلمين وطلب العلم وجامعاتهم على العناية بالعلوم‬
‫الشرعية والصول السلمية ودراسة اللغة العربية‪..‬وهذا أمر طبيعى‬
‫ومطلوب دائما ً ولشك ‪ ,‬ولكن المر كان يتطلب بذل الجهد والعناية بالعلوم‬
‫الحديثة والفنون النسانية الجديدة ومنها العلم دراسة وتأصيل ونقدا ً‬
‫وتحليل ً ‪ ,‬بما يوفر طاقات علمية قادرة على السهام بالجديد الملتزم بهدى‬
‫الله سواء في مجال البرامج أو التقنيات أو القوى البشرية المدربة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬لما كان العلم الموجه لدول المسلمين صادرا عن مصادر أقل ما يقال‬
‫عنها أنها بعيدة عن السلم وغير متحمسة لنشر مبادئه إن لم تكن معادية‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تماما فإن هذه الرسائل جاءت متأثرة بعادات وتقاليد أصحابها التي كانت فى‬
‫معظمها مخالفة لشرع الله سواء في المضمون أو الشكل أو الخراج‪ ,‬مما‬
‫أوجد معارضة من المسلمين عامة‪ ,‬وعلمائهم خاصة‪ ,‬حتى اعتبر البعض أن‬
‫ماتقدمه وسائل العلم فى حكم المحرم شرعا ً بل وصل المر عند بعض‬
‫المتشددين بتحريم الجهزة التى تحمل مثل هذه البرامج وظل ذلك المر‬
‫لفترة طويلة أتاحت سيادة البرامج الغربية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬عندما أدرك المسلمون خطورة العلم واستحالة صد ما تبثه الوسائل‬
‫المختلفة ومنع تأثيرها على الناشئة خاصة والمجتمع عامة لم يكن أمام‬
‫المتحمسين والحريصين سوى النموذج الغربي في البرامج تصويرا ً وإخراجا‪ً.‬‬
‫رابعا‪ :‬إن محاولة تأهيل جيل إعلمي متخصص في فنون العلم وتقنياته كان‬
‫عن طريق توجيه هذا الجيل نحو المؤسسات العلمية في بلد الغرب فعادوا‬
‫يحملون تقنية الغرب‪ ,‬بل وفكر الغرب‪ ,‬فنشأ جيل إعلمي يحمل أسم‬
‫السلم ويفكر بعقل الغرب الذي ينكر السلم مبادئه‪.‬‬
‫من أجل هذه السباب وغيرها أصبح العالم السلمي في معظمه عالة على‬
‫العالم الغربي مستوردا ً لبرامجه وفنونه بل وأفكاره ونظرياته‪ ,‬مما يجعلنا‬
‫نطرح السؤال التي‪ :‬ما هي ضرورة العلم السلمي؟ إن الواقع الذي‬
‫تعيشه معظم المجتمعات السلمية في صراعها مع التيارات الوافدة والفكار‬
‫المادية التي تحملها أجهزة إعلم لها قدرة التأثير والتجديد والقناع‪ ,‬لشك أنه‬
‫ليتفق تماما مع ما يجب أن تكون عليه هذه المة المسلمة من مكانة‬
‫وريادة ‪ ,‬والتي أشار اليها كتاب الله عز وجل )وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً‬
‫لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا(‪ .‬البقرة ‪ 143‬وليس‬
‫هذا أمر خيار أن تكون كذلك أو ل تكون‪ ,‬بل هو فرض على أمة السلم أن‬
‫تتولى الدعوة والبلغ بأحكام الله الداعية للفضيلة والصلح بل ومحاربة‬
‫المنكرات وكل ما يفسد عقائد الناس أو ينحرف بسلوكهم‪ ,‬يقول الحق‬
‫سبحانه‪ ) :‬ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن‬
‫المنكر وأولئك هم المفلحون(‪ .‬آل عمران ‪ 1.4‬ويؤكد على ذلك رسول الله‬
‫صلي الله عليه وسلم فى قوله‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ن بالمعروف و لتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم عذابا فيدعوا‬ ‫) لتأمر ّ‬


‫خياركم فل يستجاب لهم( ويستحيل على المة أن تكون كذلك بغير وسائل‬
‫وق على وسائل غير المسلمين مما‬ ‫فاعلة قادرة على التحدى والصمود والتف ّ‬
‫يتطلب ضرورة الهتمام بالعلم ووسائله وتجّند له الطاقات والخذ بأفضل‬
‫الساليب والوسائل وأفضلها سواء فى مجال البرمجة والتقنية‪ ,‬ومن نعمة‬
‫الخالق على هذه المة أن شرع لها دينا ً هاديا ً وأرسل إليها رسول مرشدا‪..‬دين‬
‫يتعامل مع مظاهر الحياة كافة ومواقف النسانية على إختلفها‪ ,‬فإذا ضعفت‬
‫الشخصية السلمية أمام هذا الفيض والكم الهائل من التيارات المعادية‬
‫والمبادئ المستحدثة فليس ذلك مطلقا ً لعجز في القدرة على الستجابة‬
‫لمحدثات ولمستجدات العصر‪ ,‬ولكن لن الكثير من المسلمين فقدوا روح‬
‫المبادرة على التغيير‪ ,‬وبالتالي فقدوا حركة الجتهاد و التطوير الباني‪ ,‬فعاشوا‬
‫عالة على غيرهم في كثير من مجالت المعرفة والتقنية وكان العلم من‬
‫أبرزها‪..‬ومع مستحدثات القرن التاسع عشر‪ ,‬وما بعده إمتد الغزو الغربي‬
‫على نطاقه الواسع فاستيقظ العقل المسلم ليجد هذه التحدي الصارخ‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لحضارته وأفكاره ومبادئه مما جعل المواجهة أمرا حتميا ً ‪ .‬إن هذه المواجهة‬
‫أصبحت ضرورة ل خيارا ً ‪ ,‬فالسلم يرفض مواقف السلبية بين السلم‬
‫ومجتمعه‪ ,‬كما يرفض الضغط و الجبار لصالح مبادئ وأفكار واتجاهات‬
‫تتعارض مع هدى الله وذلك بعد أن حرر السلم النسان من قيود القهر‬
‫وكلفه أعباء المسؤلية عن إرادة الختيار‪ .‬ومن هنا تبرز ضرورة العلم‬
‫السلمي الذي يحمل هدى الله ليس لمجرد المواجهة ورد الفعل فقط‪ ,‬بل‬
‫لعزاز كلمة الله من خلل أجهزة ووسائل يقوم عليها متخصصون مدربون‬
‫مؤمنون برسالة السلم ) فلول نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى‬
‫الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون( التوبة ‪ 22‬ويسعى‬
‫العلم المهتدي بهدى الله إلى تحقيق أمور مهمة نذكر منها‪ -:‬أول‪ :‬مواجهة‬
‫حالة الضياع التى يعيشها المجتمع المعاصر عامة ومجتمع المسلمين خاصة‬
‫بما يعيد التوازن السليم بين فطرة النسان ومستحدثات العصر الفكرية منها‬
‫والمادية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تحقيق مواجهة إيجابية فاعلة أمام حملت غير المسلمين ممن يعادون‬
‫السلم إما جهل ً به أو حقدا عليه‪ ,‬وذلك من خلل أجهزة ووسائل متطورة‬
‫تواكب مطلوبات العصر‪ ,‬بما يحقق إعلما قادرا ومتميزا ً يقوم على المنهج‬
‫العلمى الصحيح‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬تقديم السلم ومبادئه وفق أصوله التى جاءت في كتاب الله وسنة‬
‫رسوله عليه الصلة و السلم‪ ,‬ونقد ما لصق به من شبهات وافتراءات من‬
‫خلل برامج تجمع بين قوة الحجة وفن القناع والتأثير بجانب الجاذبية وحسن‬
‫العرض‪.‬‬
‫أن علمنا المعاصر في أشد الحاجة إلي هذا النوع من العلم الذي بدأ بفضل‬
‫من الله يظهر من خلل جهود بدت متواضعة ولكنها تنمو يوما ً بعد يوم بما‬
‫يبشر بنجاحها وخصوصا ً بعدما ظهر واضحا ً إقبال الكثيرين من أهل الصلح‬
‫على التعامل معها والستجابة لمضامينها‪ .‬ومن هنا ولهذه السباب وغيرها‬
‫تظهر أهمية العلم القائم على هدى الله وفق منهج إسلمي يقوم على‬
‫ذاب‪.‬‬‫التأهيل العلمي المعاصر وبين المضمون الهادف والعرض الج ّ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫العلم الرشيد وحماية الدماغ من الغسيل‬


‫بقلم‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬فاتن مرسي‬
‫البحث العلمي المتقصي الدقيق واستقراء الواقع يقودان إلى التأكيد على‬
‫وجود ما يسمى ب )غسيل الدماغ الجماهيري )‪ Washing Mass Brain‬ونحن‬
‫ندرك ونعرف منذ البداية أن هذا الصطلح غير مطروق في أي دراسة‬
‫تعرضت لغسيل الدماغ‪ ،‬ولكن المقابلة العلمية والعملية لما يجري‪ ،‬وقياسه‬
‫على تقنيات‪ ،‬وآليات عمل غسيل الدماغ سيقودنا إلى العتراف بأن غسيل‬
‫الدماغ يتم ويمارس على الجماهير‪ ،‬متتبعين ومستخدمين الساليب نفسها‬
‫التي تستخدم على المستوى الفردي‪ ،‬ذلك لن العالم يشهد الن كثيرا ً من‬
‫الجهات التي تخطط إعلميا ً للتأثير على الشعوب وعلى أنماط تفكيرها أو‬
‫انتمائها لفكر معين‪ ،‬مما يمكن تسميته بعمليات غسيل الدماغ الجماعي‪ .‬إل‬
‫أن العلم الوطني الصادق يترك أثر السحر في حماية الدماغ من أي غزو‪ ،‬أو‬
‫غسيل خارجي مستهدف‪ ،‬فالعلم الصادق له تأثيره العميق سواء على‬
‫الجماهير بل حتى على الكفاءة القتالية لدى الجيوش‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ففي المدرسة العسكرية السلمية لنا الكثير من المثلة على دور العلم‬
‫الصادق وأثره الكبير والحيوي في الكفاءة القتالية لدى الجند‪ ،‬نذكر منها أنه‬
‫عندما علم رسولنا الكريم‪ ،‬القائد } من عيونه وأرصاده‪ ،‬أن قافلة لقريش‬
‫في طريق عودتها من الشام إلى مكة‪ ،‬أمر أصحابه بالخروج لعتراضها‪،‬‬
‫وقال‪" :‬هذه عير قريش فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها" لكن أبا سفيان‬
‫عرف بأمر خروج المسلمين‪ ،‬فبعث إلى مكة يستنفر قريشا ًَ لنجدته‪ ،‬إذ كانت‬
‫ل‪ ،‬وعلم الرسول الكريم والقائد العظيم‬ ‫قوة القافلة ثلثين أو أربعين رج ً‬
‫} بأمر خروج قريش لقتاله‪ ،‬وذلك في غزوة بدر الكبرى‪ ..‬فتبدل الموقف‪،‬‬
‫ولم يعد المر "اعتراض قافلة" بل أصبح "مواجهة مباشرة" بين المسلمين‬
‫وقوة المشركين من قريش‪ ،‬المر الذي تطلب قرارا ً جديدا ً أمام ذلك التحدي‬
‫الخطير الذي يواجهونه لول مرة منذ هجرتهم إلى المدينة‪ ،‬وهو مجابهة‬
‫حربية حاسمة‪ ،‬تعد في حقيقتها أول "اختبار عملي" حاسم للسلم‪ ،‬وكان‬
‫للنتيجة التي سوف تسفر عنها المعركة آثار بعيدة المدى على الدعوة وعلى‬
‫مستقبلها وعلى هيبة المسلمين‪ ،‬وقد عبر الرسول } عن ذلك وهو يهتف‬
‫بربه‪" :‬اللهم هذه قريش قد أتت بخيلئها تحاول أن تكذب رسولك"‪ ،‬اللهم‬
‫نصرك الذي وعدتني‪ .‬اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل السلم‪ ،‬ل تعبد‬
‫في الرض"‪.‬‬
‫في ذلك الموقف العظيم يعلمنا الرسول الكريم } درسا ً عظيما ً في مجال‬
‫العلم‪ ،‬يتعلق بموقف القيادة إذا ما علمت أن الجيش سوف يواجه عدوا ً‬
‫متفوقا ً في العدد والعدة‪ :‬فهل تخفى تلك المعلومات عنه خوفا ً على الروح‬
‫المعنوية أم تعلنها؟‪ .‬لقد قرر رسول الله } أن القيادة الرشيدة هي التي تعلن‬
‫حقائق الموقف وتبصر الجيش بحجم التحدي الذي يواجهه‪ ،‬وضراوة المعركة‬
‫التي سوف يدخلها ثم تتخذ في الوقت نفسه من التدابير ما يمكنها من‬
‫مواجهة التحدي بثبات واقتدار‪ ،‬ومن التغلب على تفوق العدو أو تجريده من‬
‫فاعليته وهذا هو ما فعله الرسول }‪.‬‬
‫فقد أعلن } كل ما حصل عليه من معلومات بصدق وصراحة ووضوح‪ ،‬فحين‬
‫علم بخروج قريش عن بكرة أبيها للقتال قال‪" :‬هذه مكة قد ألقت إليكم أفلذ‬
‫أكبادها"‪ ..‬وحين استنبط القوة العددية لقريش من استجوابه لسيرين‬
‫أحضرهما إليه رجال الستطلع قبل المعركة‪ ،‬أعلن ذلك على الفور فقال‪:‬‬
‫"القوم بين التسعمائة واللف"‪ ،‬وذلك رغم أنه يعلم أن قوة المسلمين ثلث‬
‫ذلك العدد!‪ ..‬وحين عرف أن العدو أصبح قريبا ً جدا ً من بدر أعلن فورا ً عن‬
‫موقعه‪ :‬وراء الكثيب بالعدوة القصوى )والعدوة القصوى أي حافة الوادي‬
‫البعيدة من المدينة(‪..‬‬
‫لقد كان من نتائج العلم الصادق بحقائق الموقف‪ ،‬إجماع المسلمين على‬
‫قبول التحدي والتصميم على دخول المعركة ضد كفار قريش‪ ،‬وقد عبر عن‬
‫ذلك قول المهاجرين‪" :‬اذهب أنت وربك فقاتل إنا معكما مقاتلون‪ ،‬فوالذي‬
‫بعثك بالحق‪ ،‬لو سرت بنا إلى برك الغماد )موضع في اليمن( لجالدنا معك‬
‫من دونه حتى تبلغه" وقول النصار‪" :‬فامض لما أردت فنحن معك‪ ،‬فوالذي‬
‫بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا‬
‫رجل واحد‪ "..‬وقد أظهر المسلمون في بدر ما ل يحصى من صور الشجاعة‬
‫وقوة العقيدة وإرادة القتال وحب الشهادة في سبيل الله‪ ،‬وفرح المؤمنون‬
‫بنصر الله‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بذلك يتأكد المبدأ الحكيم الذي أرساه رسول الله } وهو ضرورة العلم‬
‫الصادق بحقائق الموقف‪ ،‬وعدم إخفاء المعلومات الحقيقية‪ ،‬حتى ل نترك‬
‫الجماهير أو أفراد الجيوش للوقوع كفريسة لغسيل الدماغ‪ ،‬وإذا كان معظم‬
‫الباحثين المعاصرين يميل لموضوع غسيل الدماغ إلى اعتباره "تكتيكًا"‬
‫يستخدم على المستوى الفردي‪ ،‬أي عند ممارسته على الفراد‪ ،‬وأنه ل‬
‫يستخدم عادة وإن حدث واستخدم ل يكون ناجحا ً على مستوى الجماهير‪ ،‬إل‬
‫أن استقراء الواقع الذي نعايشه اليوم والمتمثل خاصة في أسلوب إسرائيل‬
‫والغرب وأمريكا في غسيل أدمغة العالم العربي والسلمي بالكاذيب‬
‫والضاليل‪ ،‬يؤكد وجود ما يمكن تسميته عن يقين بعمليات غسيل الدماغ‬
‫الجماعي‪ ..‬لكن ما هو أصل ً غسيل الدماغ؟‪.‬‬
‫بين مرحلة التخلي ومرحلة التحلي‬
‫تتزاحم التعاريف التي تسعى إلى تفسير غسيل الدماغ كما تتزاحم‬
‫المسميات‪ ،‬فمقابل هذا المصطلح سنجد مجموعة من الوصاف التي تحاول‬
‫وصف هذا السلوب النفسي الذي يسعى إلى تحرير الفكر أو السلوك‬
‫البشري ضد رغبة النسان وعقيدته أو إرادته أو سابق ثقافته وتعليمه‪ ،‬ومن‬
‫هذه المسميات الوصفية لهذه الوسيلة التقنية المخططة نجد ما يلي‪:‬‬
‫إعادة تقويم‪ -‬بناء الفكار‪.‬‬
‫التحويل‪ -‬التحرير المذهبي‪ -‬الفكري‪.‬‬
‫القناع الخفي‪.‬‬
‫التلقين المذهبي‪.‬‬
‫ولكننا من جماع الدراسات المستفيضة لتقنيات عمل غسيل الدماغ كأسلوب‬
‫نفسي يسعى لتغيير التجاهات‪ ،‬عملنا على وضع هذا التعريف الذي جعلناه‬
‫وصفا ً دقيقا ً لهذه العملية وهو‪) :‬القناع القسري المقنن( أي القناع الذي‬
‫يمارس ضد رغبة الفرد وإرادته مستخدما ً طرائق تقنية وأساليب إجرائية ذات‬
‫مواصفات قياسية معيارية‪.‬‬
‫ولمزيد من فهم هذا التعريف ل بد من التعرض بشئ من التفصيل لهذه‬
‫العملية‪ ،‬ثم نطرح السلوب المستخدم اليوم على المستوى الواسع جماهيريا ً‬
‫لنقف على أبعاد ما أسميناه ب )غسيل الدماغ الجماهيري )‪Washing Mass‬‬
‫‪ .Brain‬ولفهم ميكانيكية عملية غسيل الدماغ يمكننا وضع هذه المعادلة ثم‬
‫نفصل القوة على مستوى العمل الفردي‪:‬‬
‫غسيل الدماغ‪ :‬ضغوط )إجهاد عقلي ‪ +‬قابلية لليحاء( ‪ +‬تعليم قسري )ثواب‬
‫وعقاب( = الستجابة الشرطية‪.‬‬
‫وفي عمليات غسيل الدماغ التي تتم وتمارس على الفراد يمكننا أن نحدد‬
‫مرحلتين أساسيتين هما مرحلة التخلي ومرحلة التجلي‪ ..‬وهكذا نجد أن‬
‫الحملة الغربية لتشويه الصورة العربية والسلمية تسعى بإصرار وعناد‬
‫لتقديم العرب والمسلمين باعتبارهم متخلفين برابرة وأنهم عدوانيون‬
‫وإرهابيون بسبب انتمائهم العقائدي والحضاري والثقافي‪.‬‬
‫وبالرجوع إلى الشكل والمعادلت التي ذكرناها آنفا ً ومحاولة عقد مقارنة بينها‬
‫وبين ما يجري ضد أمتنا من حملت سنجد أن ثمة تطابقا ً كبيرًا‪ ،‬حيث لجأت‬
‫الدول التي تمارس الهجوم عبر الحملت العلمية الدعائية النفسية المعادية‬
‫والغزو الثقافي وغسيل الدماغ الجماهيري والتخريب الفكري والتشويه‬
‫الحضاري‪ ..‬لجأت هذه الجهات إلى استخدام تقنيات وآليات عمل غسيل‬
‫الدماغ‪ ،‬ولكن بتطبيقها هذه المرة على مستوى الشعوب‪ ..‬فقد عمدت إلى‬
‫أساليب العزل والحصار والحرمان ثم أساليب التخويف والتهديد‪ ،‬ل بل كانت‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تضطر أحيانا ً إلى شن الحروب مباشرة التي تشبه أساليب العقاب والتعذيب‬
‫على المستوى الفردي‪ ،‬وذلك من خلل قوتها الذاتية أو جهات أخرى خارجية‬
‫أو داخلية‪.‬‬
‫كل ذلك كان ينعكس مباشرة على الشعوب وهي تقع تحت وطأة عمليات‬
‫العزل والحرمان‪ ،‬والتهديد و العقاب بأن يزج بها في دوامة من فقدان الثقة‬
‫والجهاد والوهن والشعور بالضعف والعجز وعدم القدرة على المجابهة‬
‫ومشاعر العجز عن التعبير وإبداء الرأي‪ ،‬فيتملكها الحساس بالقهر حيث‬
‫تترافق هنا الحملة مع عمليات التركيز على تحطيم القوى المعنوية الصلبة‬
‫التي تتحصن بها المة‪ ،‬كالمعنويات والرادة واليمان بالمعتقدات والقيم‬
‫والمصير والهداف المستقبلية والقدرة على المقاومة والثبات‪ ،‬ويترافق كل‬
‫ذلك أيضا ً بعمليات نفسية أخرى هي الستهجان والستحسان حيث يتم إشعار‬
‫هذه الشعوب الجمهور المستهدف بأن الناس جميعا ً تستهجن هذه الفكار‬
‫والمفاهيم والمسلكيات التي لم تعد مقبولة‪ ،‬كما يتم إشعار الجماهير بأن‬
‫الناس جميعا ً والدنيا كلها تستحسن هذه الفكار والمفاهيم الجديدة‬
‫والمطروحة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وفي هذه الحالة ونتيجة لكل هذه الخطوات المعمقة تنهار الدفاعات النفسية‬
‫للمة ويتفشى الشعور بالخوف والذعر بسبب اضطراب العمليات العقلية‬
‫وازدياد التوتر والتنبيه العصبي والوقوع في براثن الشك والحيرة والقلق‬
‫وعدم الثقة بأي شئ‪ ،‬ومع تكرار هذه العملية وإشعار الجمهور المستهدف‬
‫بإصرار القائمين عليها على الستمرار وعدم التراجع حتى يتم تبني الفكار‬
‫الجديدة‪ ..‬تبدأ وسائل العلم المواجهة بالتخفيف من عوامل الضغط ثم‬
‫رفعها كعمليات الحصار أو العمليات الحربية‪ ،‬والتهديد الدائم بها مع تقبل‬
‫الفكار والمفاهيم الجديدة والذعان لنتهاج السلوكيات المطلوبة حيث يبدأ‬
‫الربط الشرطي‪ ،‬وتظهر الستجابات الشرطية حيث يرتبط رفض ونبذ الفكار‬
‫والمفاهيم الجديدة مع الحصار والتهديد‪ ،‬بينما يرتبط تقبل وتبني الفكار‬
‫والمفاهيم مع الرخاء والزدهار والوعود البراقة بالرفاهية المنتظرة‪ ..‬وهكذا‬
‫يتم التخلي عن الفكار والقيم والهداف القديمة وتحل محلها الفكار‬
‫المطلوب تبنيها من قبل الشعوب‪ ،‬وهذه هي بالضبط عملية غسيل الدماغ‬
‫واقعيا ً على مستوى الشعوب‪.‬‬
‫وغني عن البيان القول بأن هذا السلوب يعتمد على مدى نضج الشعوب‬
‫ودرجة التعلم والثقافة ومدى اليمان والتمسك بالقيم والهداف الستراتيجية‬
‫والعقائدية فهناك ثمة دلئل متزايدة على هجمة ثقافية بهدف فرض ثقافة‬
‫حضارية غربية منتصرة‪ ،‬ومحاصرة الثقافات الوطنية وتهميش دورها داخل‬
‫مجتمعاتها‪.‬‬
‫العلم الصادق يحمي المة من النهيار‬
‫إذن فالعلم الصادق هو الذي يحمي الفراد والشعوب من الوقوع في فخ‬
‫غسيل الدماغ‪ ،‬كما أن إخفاء المعلومات عن تفوق العدو من الخطاء التي ل‬
‫يجب أن يقع فيها القائد المسلم‪ ،‬لن الحالة المعنوية التي قد يتصور البعض‬
‫أن الخفاء يحافظ عليها‪ ،‬سوف تنهار بمجرد بدء القتال الذي سوف ُيظهر‬
‫حتما ً جوانب تفوق العدو‪ ،‬وسوف يشكل ذلك مفاجأة تصدم الفراد المقاتلين‪،‬‬
‫صدمة أكبر من موضوع التفوق ذاته‪ ،‬وتؤدي إلى فقدهم الثقة في قيادتهم‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التي أخفت عنهم حقائق الموقف‪ ،‬المر الذي سيؤدي حتما ً إلى تعرضهم‬
‫المباشر لغسيل الدماغ من قبل العدو وأجهزته وعملئه‪.‬‬
‫ونذكر في هذا المجال مثال ً يوضح بجلء أهمية العلم الصادق وأثره اليجابي‬
‫في حماية الفراد من غسيل الدماغ وأيضا ً أثره اليجابي في الكفاية القتالية‪،‬‬
‫ففي غزوة تبوك عام )‪ (9‬هجرية أعلن الرسول } عن وجهته صراحة لرجاله‬
‫حتى يقدروا ما تنطوي عليه الغزوة من مشاق السفر الطويل )أكثر من ‪700‬‬
‫كم( وشدة الحر‪ ،‬وقوة الروم وأتباعهم من نصارى العرب‪ ،‬ولكي يستعدوا لها‬
‫الستعداد النفسي والمادي الكافيين على حد سواء‪ ..‬وقد وصف أبن هشام‬
‫ذلك الموقف فقال‪" :‬إن رسول الله } أمر أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم وذلك‬
‫في زمان من عسرة الناس وشدة من الحر وجدب من البلد‪ ..‬وحين طابت‬
‫الثمار والناس يحبون المقام في ثمارهم وظللهم‪ ،‬ويكرهون الشخوص على‬
‫الحال من الزمان الذي هم عليه وكان رسول الله } قلما يخرج في غزوة إل‬
‫كنى عنها وأخبر أنه يريد غير الوجه الذي يصمد )يقصد( له إل ما كان من‬
‫غزوة تبوك‪ ،‬فإنه بينها للناس لبعد الشقة )المسير( وشدة الزمان وكثرة‬
‫العدو الذي يصمد له ليتأهب الناس لذلك أهبته‪ ،‬فأمر الناس بالجهاز‪ ،‬وأخبرهم‬
‫أنه يريد الروم‪."..‬‬
‫كان من نتائج هذا العلم الصادق الذي كسر به رسول الله } القاعدة التي‬
‫درج عليها في إخفاء اتجاه عملياته‪ ،‬أن خرج المسلمون إلى تبوك وتحملوا‬
‫مشقات شديدة وتحملوا الجوع والعطش مدة طويلة حتى قال عمر بن‬
‫الخطاب { كما جاء في كتاب‪" :‬سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد ج‬
‫‪ 5‬ص ‪" "646‬خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد‪ ،‬فنزلنا منزل ً أصابنا فيه عطش‬
‫حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع‪ ،‬حتى أن الرجل لينحر بعيره‪ ،‬فيعصر فرثه‬
‫فيشربه‪ ،‬ثم يجعل ما بقي من الماء على كبده"‪.‬‬
‫وكان من هذا التاريخ أيضا ً أن المسلمين تدافعوا نحو تجهيز جيش العسرة بما‬
‫يحتاجه من أموال وسلح ومؤن‪ ،‬فقد بلغ عدده ثلثون ألف رجل‪ ،‬فقد قدم أبو‬
‫بكر { ماله كله‪ ،‬وقدم عمر بن الخطاب { نصف ماله‪ ،‬وجهز عثمان بن عفان‬
‫{ ثلث الجيش )‪ 000.10‬رجل( وحتى الضعفاء من المسلمين تقدموا بالقليل‬
‫الذي يقدرون عليه‪ ..‬وطلبت جماعة من المسلمين أن يعطيهم الرسول } ما‬
‫يركبونه فلم يجد‪ ،‬فتولوا وهم يبكون لنهم ل يجدون ما ينفقون‪ ،‬ولذلك سموا‬
‫البكائين وقد ورد ذكرهم في القرآن الكريم‪ ،‬فقال تعالى‪ :‬ليس على الضعفاء‬
‫ول على المرضى ول على الذين ل يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله‬
‫ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم‪ ،‬ول على الذين إذا ما‬
‫أتوك لتحملهم قلت ل أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع‬
‫حزنا أل يجدوا ما ينفقون )سورة التوبة ‪.(92-91‬‬

‫)‪(3 /‬‬
‫هكذا نرى مدى أثر العلم الصادق في نفوس الناس والمقاتلين‪ ،‬أفرادا ً‬
‫وشعوبًا‪ ،‬وهكذا نجد أيضا ً كما ذكرنا أن هدف هذه الحملت المعادية هو تفريغ‬
‫العقول العربية السلمية من قيم ورموز ومتعلقات حضارتهم وإعادة تعبئتها‬
‫بقيم ومتعلقات ورموز الثقافة والحضارة الغربية‪ ،‬وذلك في الجانب الفكري‬
‫فقط بعيدا ً عن التكنولوجيا المتطورة والعلوم الحديثة المتقدمة ومن ثم‬
‫وبالترافق مع الساليب الخرى تتم عملية القتناع والتقبل للفكار الجديدة‬
‫على المستوى الفكري للمة‪ ،‬ثم تبدأ مشاعر الحب والعتزاز بهذه الفكار‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على المستوى العاطفي الوجداني للمة مما يجعل السلوكيات تنسجم مع‬
‫كل ما يسمى بالتجاه‬ ‫تلك القناعات والمشاعر‪ ،‬أي يتكامل عندها تكون أو تش ُ‬
‫الجماعي للمة وبلورة الرأي العام‪.‬‬
‫وفي الوقت نفسه تتم عمليات تشويه الصورة الخارجية وإعادة إنتاجها‬
‫لتنسجم مع أهداف الحملة التي تسعى بالتشويه والغزو الفكري إلى إبعاد‬
‫المة عن اقتناعها بتميزها واقتدارها أن تأخد دورها الفاعل على مسرح‬
‫الحضارة الحديثة‪ ،‬ومما يهيئها لمثل ذلك الدور بقدراتها المادية العظيمة‬
‫وإمكاناتها المعنوية ورسالتها الحضارية المتميزة والمتسمة بالعدالة‬
‫والنسانية والخلقية‪ ..‬فالهدف الول دائما ً وراء غسيل الدماغ هو أن تظل‬
‫المة متخلفة تابعة مستغلة من قبل القوى الطامعة المستفيدة‪.‬‬
‫ثبت المراجع‪:‬‬
‫‪ .1‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ .2‬د‪ .‬فخري الدباغ‪ :‬غسيل الدماغ‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت ‪1982‬م‪.‬‬
‫‪ .3‬صلح نصر‪ ،‬الحرب النفسية‪ ،‬معركة الكلمة والمعتقد‪ ،‬ج ‪ ،1‬ج ‪ ،2‬ط ‪،2‬‬
‫‪1967‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬د‪ .‬نبيل سليم‪ ،‬إعادة إنتاج العقل السلمي‪ ،‬دار الفكر الحديث‪ ،‬ط ‪،2‬‬
‫‪199‬م‪.‬‬
‫‪ .5‬مصطفى الدباغ‪ ،‬مقال في مجلة "الحرس الوطني‪ ،‬يناير ‪1999‬م‪.‬‬
‫‪ .6‬د‪ .‬عبدالرحمن عدس‪ ،‬و د‪ .‬محي الدين توق‪ ،‬علم النفس العام‪ ،‬مكتبة‬
‫القصى‪ ،‬عمان‪1981 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .7‬العقيد شارل شانديسي‪ ،‬علم النفس في القوات المسلحة‪ ،‬ترجمة د‪.‬‬
‫محمد ياسر اليوبي‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬ط ‪ 1‬بيروت‬
‫‪1983‬م‪.‬‬
‫‪ .8‬د‪ .‬حامد عبدالسلم زهران‪ ،‬علم النفس الجتماعي‪ ،‬ط ‪ ،4‬عالم الكتب‪،‬‬
‫القاهرة ‪1977‬م‪.‬‬
‫‪ .9‬لواء‪ -‬محمد جمال الدين محفوظ‪ ،‬مقال في مجلة المجاهد‪ ،‬صفر ‪1418‬ه‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫العلم العربي بين الواقع والمل!‬


‫د‪ .‬عبدالقادر طاش ‪15/2/1425‬‬
‫‪05/04/2004‬‬
‫قد أصبح من مكرور القول أن نقرر بأن عصرنا الحاضر هو عصر العلم‪.‬‬
‫وليس في هذا الوصف أدنى مبالغة‪ ،‬فقد تعددت وسائل التصال والعلم‪،‬‬
‫وتنوعت أساليبه‪ ،‬وتشعبت مجالت تأثيره‪ ،‬واستولت هذه الوسائل على‬
‫أوقات الناس‪ ،‬واستقطبت اهتماماتهم‪ ،‬وغدت ظاهرة عالمية ل تقتصر‬
‫معالمها على مجتمع دون آخر‪ ،‬ول يصد آثارها الحواجز التقليدية‪ ،‬التي تعارف‬
‫عليها الناس من حدود جغرافية أو اختلفات لغوية أو تباين ثقافي أو سياسي‬
‫أو اقتصادي‪.‬‬
‫ول بد لنا ونحن بصدد الحديث عن العلم العربي المعاصر وتشخيص‬
‫مشكلته وقضاياه أن نمهد لذلك بإلقاء الضوء على واقع العلم في عالم‬
‫جه‬
‫اليوم من حيث حجمه وسماته والقوى التي تهمين على حركته وتو ّ‬
‫مسيرته‪.‬‬
‫واقع العلم الدولي المعاصر‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن أبرز ما يميز واقع العلم في عالم اليوم أنه يتسم بما يسميه علماء‬
‫التصال والباحثون العلميون بـ)الختلف العلمي( بين دول العالم وشعوبه‪.‬‬
‫ويتمثل هذا الختلف في عدد من المظاهر البارزة من أهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬احتكار الغرب لصناعة تقنية المعلومات‪ ،‬والتصال والعلم‪ ،‬وهي ما‬
‫تسمى بأوعية التصال وأدواته‪.‬‬
‫‪ -2‬سيطرة وكالت النباء الخمس الكبرى على الساحة العلمية من حيث‬
‫استقاء النباء وتوزيعها على النطاق الدولي‪ ،‬حيث يحصل العالم على أكثر من‬
‫‪ %80‬من أخباره من لندن‪ ،‬وباريس‪ ،‬ونيويورك‪ ،‬وموسكو‪ .‬وهذه الوكالت‬
‫هي‪ :‬رويتر البريطانية‪ ،‬ووكالة الصحافة الفرنسية ووكالتا السيوشيتد برس‬
‫واليونايتد برس انترناشونال المريكيتان‪ ،‬ووكالة تاس السوفيتية‪ .‬ويتمثل‬
‫الختلل هنا في الخبار المتبادلة بين العالم الصناعي‪ ،‬والعالم النامي‪ ،‬إذ‬
‫تخصص هذه الوكالت الخمس ما بين ‪ %30- %10‬فقط من أخبارها للعالم‬
‫النامي كله!!‬
‫‪ -3‬تميز التبادل الخباري‪ -‬أو التدفق ‪ -‬بين الدول الصناعية والدول النامية‬
‫باختلل نوعي‪ -‬إضافة إلى الختلل الكمي‪ -‬إذ أن نوعية الخبار التي تبثها‬
‫الوكالت الخمس الكبرى عن العالم الثالث تركز على الجوانب السلبية‪،‬‬
‫كالكوارث‪ ،‬والضطرابات‪ ،‬والقلقل ونحوها‪ ،‬تبعا ً للمفهوم الغربي للخير‪.‬‬
‫وهو ما عبر عنه أحدهم بقوله‪) :‬إذ عض كلب رجل ً فليس ذلك بخبر‪ ،‬ولكن إذا‬
‫عض رجل كلبا ً فذلك هو الخبر(‪.‬‬
‫‪ -4‬هيمنة المادة العلمية الغربية‪ ،‬والمضمون البرامجي المنتج في بيئات‬
‫غربية على النطاق الدولي‪ .‬وتتضح هذه الهيمنة في المجال التليفزيوني من‬
‫خلل سيطرة أربع شركات غربية رئيسة‪ ،‬هي وكالة الخبار المصورة‬
‫البريطانية‪ ،‬واليونايتد برس‪ ،‬والنيوز فيلم المريكيتان‪ ،‬والوكالة اللمانية‪ -‬على‬
‫مجال الخبار التليفزيونية المصورة‪ .‬كما تتضح من خلل حجم الفلم‬
‫والبرامج والمسلسلت والمواد العلمية التي تبيعها الدول الغربية‪ -‬والوليات‬
‫المتحدة بشكل خاص ‪ -‬لدول العالم‪ ..‬فشركة )سي بي إس ‪(CBS -‬‬
‫ل‪ ،‬توزع برامها وأفلمها في ‪ 100‬دولة في العالم‪ .‬بينما تصل‬ ‫المريكية مث ً‬
‫شركة )إيه بي سي ‪ (ABC-‬إلى ‪ %60‬من تليفزيونات العالم‪ .‬وقد حدت هذه‬
‫الظاهرة الباحث البريطاني )جيرمي تنستال‪ (J.Tunstall -‬إلى تأليف كتاب هام‬
‫أسماه )أمركة العلم( يحلل فيه ظاهرة )أمركة العالم تليفزيونيا (‪ ،‬كما ألف‬
‫الباحث المريكي )هربرت شيلر‪ (H. Schiller-‬كتابه الشهير والمثير )التصال‬
‫الجماهيري والمبراطورية المريكية(‪.‬‬
‫‪ -5‬توظيف العديد من القوى الدولية لوسائل العلم لخدمة أغراضها وأهدافها‬
‫اليديولوجية والسياسية والثقافية‪ .‬ففي مجال الذاعة المسموعة فإن الدول‬
‫الصناعية الكبرى تتحكم في ‪ %90‬من الموجات الذاعية في العالم‪ .‬وتقوم‬
‫وكالة الستعلمات المريكية بنشاط إعلمي واسع النطاق على المستوى‬
‫الدولي من خلل إنشاء المراكز العلمية )‪ 178‬مركزا ً في ‪ 111‬دولة( وإنتاج‬
‫الفلم السينمائية وتوزيعها )‪ 200‬فيلم سنويًا(‪ ،‬وتوزيع أفلم الفيديو )‪200‬‬
‫فيلم سنويًا(‪ ،‬ونشر المكتبات التابعة لها‪ ،‬وبث ما بين ‪ 6‬و ‪ 10‬آلف كلمة‬
‫إخبارية إلى العديد من صحف العالم ومجلته‪ .‬هذا بالضافة إلى استخدام‬
‫إذاعة )صوت أمريكا( الموجهة التي تذيع أكثر من ألف ساعة في السبوع بـ‬
‫‪ 42‬لغة في العالم‪ ،‬وتهدف إلى بث الخبار التي تعبر عن الوجهة المريكية‪،‬‬
‫وتوضيح السياسة المريكية‪ ،‬والترويج لنمط الحياة المريكية ورموزها‬
‫وتقاليدها‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالمقابل يوظف التحاد السوفييتي وسائل العلم لخدمة أهدافه اليديولوجية‬


‫والسياسية من خلل العديد من النشاطات‪ .‬وكان )لينين( من أوائل من‬
‫أدركوا خطورة الراديو وقدرته على تجاوز الحدود وبث الفكار‪ ،‬وكان يسميه‬
‫)صحيفة بل ورق ول تعرف شيئا ً اسمه الحدود( ويذيع )راديو موسكو( ‪ -‬الذي‬
‫يحتل المرتبة الولى بين الذاعات الموجهة في العالم في عدد ساعات البث‬
‫‪ -‬حوالي ‪ 2200‬ساعة في السبوع بـ ‪ 81‬لغة ولهجة في العالم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -6‬استغلل وسائل العلم من قبل العديد من أصحاب الديان والعقائد‬


‫الفاسدة والتجاهات الفكرية‪ ،‬وتسخيرها لخدمة أغراضهم‪ .‬فمؤسسات‬
‫التنصير وجمعياته‪ ،‬تمتلك العدد من المحطات الذاعية والتليفزيونية والصحف‬
‫والمجلت‪ ،‬ومراكز النتاج والتوزيع العلمي‪ .‬وتبث )إذاعة الفاتيكان(‪ -‬التي‬
‫أهداها )ماركوني( للبابا سنة ‪ 1931‬م ‪ -‬برامجها عبر ست موجات قصيرة‪،‬‬
‫وتصل إلى كثير من أنحاء العالم بـ ‪ 30‬لغة‪ .‬وتفيد الحصاءات أن هناك أكثر‬
‫من ‪ 40‬محطة نصرانية في العالم تبث أكثر من ألف ساعة أسبوعيا ً لنشر‬
‫أفكار النصرانية ومبادئها‪ ،‬وتسخر الصهيونية العديد من الوسائل العلمية‬
‫للترويج لمبادئها وأفكارها‪ ،‬إذ تمتلك أكثر من ‪ 954‬صحيفة ومجلة‪ ،‬تصدر في‬
‫‪ 77‬دولة‪ ،‬ومنها ‪ 244‬في الوليات المتحدة‪ 348 ،‬في أوروبا‪ 118 ،‬في أمريكا‬
‫اللتينية‪ ،‬و ‪ 42‬في أفريقيا‪ ،‬و ‪ 30‬في كندا‪ ،‬وخمس صحف في تركيا‪ ،‬وثلث‬
‫صحف في الهند‪ ،‬بالضافة إلى مجموعة كبيرة من دور النشر والتوزيع‪،‬‬
‫ومحطات الذاعة والتليفزيون والمؤسسات المسرحية وشركات النتاج‬
‫السينمائي‪ .‬هذا فضل ً عن سيطرة اليهود على العديد من المحطات‬
‫والشركات والصحف والمجلت في العديد من دول العالم‪ .‬أما )إذاعة صوت‬
‫إسرائيل( فتضم خمس محطات‪ ،‬وتذيع على خمس عشرة موجة عبر ست‬
‫عشرة لغة عالمية ومحلية‪ ،‬وتقدر مدد البث بـ ‪ 276‬ساعة في السبوع‪.‬‬
‫مظاهر التبعية العلمية في العالم العربي‬
‫ل شك أن هذا الواقع العلمي على المستوى الدولي بما يمثله من هيمنة‬
‫وسيطرة غربية محكمة‪ ،‬قد ترك آثارا ً سيئة على وسائل العلم ونظمه في‬
‫العديد من دول العالم النامي‪ .‬وكانت دول العالم العربي والسلمي ضمن‬
‫هذه الدول التي تأثرت بهذا الواقع العلمي‪ ،‬واكتوت بناره وعانت‪ -‬وما تزال‬
‫تعاني من سلبياته ومشكلته‪.‬‬
‫ولن نجانب الصواب حين نقول‪ :‬بأن واقع العلم في عالمنا العربي‬
‫والسلمي يشكو من مرض بالغ الخطورة‪ ،‬يتمثل فيما يمكن أن نسميه بـ‬
‫) التقليد والتبعية( مع استدراكنا بأن هذه الظاهرة المرضية تبدو بدرجات‬
‫متفاوته في دول العالم العربي والسلمي‪ ،‬التي ما تزال تبحث عن ذاتيتها‬
‫وشخصيتها المستقلة‪ ،‬وترنو إلى الوصول إلى تميز حضاري‪ ،‬يتوافق مع ما‬
‫تؤمن به من رسالة خالدة‪ ،‬وما تضطلع به من مسؤولية عظيمة‪ ،‬ل تقتصر‬
‫حدودها على مجتمعاتها المحلية فحسب‪ ،‬بل تمتد إلى آفاق العالم الرحبة‪،‬‬
‫وقيادة النسانية إلى النور والخير‪ ،‬ومصداقا ً لقوله تعالى‪ ) :‬كنتم خير أمة‬
‫أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتهون عن المنكر وتؤمنون بالله ( ) آل‬
‫عمران‪.(110 :‬‬
‫ويمكن إيجاز العراض التي تدل على الظاهرة المرضية التي أسمينها بـ‬
‫)التقليد والتبعية ( في واقع العلم في العالم العربي فيما يلي‪:‬‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -1‬العتماد على التقنية الجنبية‪ ،‬والخربة الجنبية‪ ،‬في بناء وتسيير البنى‬
‫الساسية للعلم‪ ،‬وفي العديد من الدول العربية والسلمية‪.‬‬
‫‪ -2‬استعارة المفاهيم والنظم والنظريات العلمية الغربية التي أصبحت‬
‫تمارس في واقع العمل العلمي‪ ،‬وتدرس في المعاهد والجامعات في العالم‬
‫العربي والسلمي‪.‬‬
‫‪ -3‬استيراد المواد والبرامج العلمية من الدول الغربية‪ .‬وهي ل تنبع من قيم‬
‫ومبادئ وتقاليد المجتمعات السلمية‪ ،‬ول تلبي حاجاتها ول تعالج مشكلتها‬
‫وقضاياها‪ ،‬فضل ً عن أنها تروج لفكار الغرب وحضارته وتقاليده وقيمه‪.‬‬
‫‪ -4‬تسييس العلم وتسخيره لخدمة الغراض السياسية والحزبية في كثير‬
‫من دول العالم العربي والسلمي‪ ،‬مما أفقده القدرة على الحركة والحرية‬
‫والبداع‪ .‬وخل الميدان ‪ -‬بذلك ‪ -‬من المخلصين والمبدعين‪ ،‬وأصبح مليئا ً‬
‫بالمقلدين والمهرجين والمرتزقة!!‬
‫‪ -5‬تضخم الوظيفة الترفيهية لوسائل العلم‪ ،‬حتى طغت هذه الوظيفة على‬
‫الوظائف الخرى‪ ،‬مع اشتداد حاجة المجتمعات العربية‪ -‬وهي تخوض معركة‬
‫التنمية والبناء والتغيير‪ -‬إلى توظيف وسائل العلم لخدمة أغراض هذه‬
‫المعركة الحضارية والجتماعية الحاسمة‪ ،‬ول شك أن وسائل العلم ‪ -‬متى ما‬
‫أحسن توجيهها ‪ -‬ستسهم بنصيب وافر ومؤثر في هذه المعركة‪.‬‬
‫‪ -6‬ضعف الهتمام بالجوانب الفكرية والعلمية للعلم‪ ،‬مما كان له أثر في‬
‫عدم توفير المناخ الملئم لتطوير الفكر العلمي العربي المسلم‪ ،‬الذي يتميز‬
‫عن غيره ويختلف عما سواه في أصوله ومنطلقاته وأهدافه وغاياته‪ ،‬وطرق‬
‫ممارسته‪ ،‬بما يتفق مع توجهات المجتمع وحاجاته‪ ،‬وبما ينسجم مع السياق‬
‫الفكري والجتماعي والقتصادي والسياسي للمجتمعات العربية في مرحلتها‬
‫التاريخية التي تعيش فيها‪.‬‬
‫التحرير من التبعية ضرورة ومطلب‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إن تحرر العلم العربي وتخليصه من التقليد‪ ،‬ضرورة لزمة‪ ،‬ومطلب حضاري‬
‫ل غنى عنه‪ .‬وليس هذا التحرر ببدع على إعلمنا العربي‪ ،‬فهو مطلب مشروع‬
‫للدول النامية بشكل عام‪ .‬وقد أقرت هذا المطلب اللجنة الدولية لدراسة‬
‫مشكلت العلم المنبثقة عن هيئة اليونسكو في وثيقتها رقم )‪ (32‬حيث‬
‫تقول‪ ):‬إن تحرير وسائل العلم الوطنية‪ ،‬لهو جزء ل يتجزأ من الكفاح‬
‫الشامل من أجل الستقلل السياسي والقتصادي والجتماعي‪ ،‬الذي تخوضه‬
‫الغالبية العظمى من شعوب العالم‪ ،‬التي ل ينبغي أن ُتحرم من حقها في بث‬
‫العلم‪ ،‬وتلقيه بطرق موضوعية سليمة‪ .‬ويتساوى الستقلل إزاء مصادر‬
‫المعلومات‪ ،‬في أهميته مع الستقلل التقني‪ ،‬لن التبعية في مجال العلم‬
‫تؤدي بدورها إلى تعطيل النمو السياسي والقتصادي (‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وبالضافة إلى كون هذا التحرر للعلم العربي من التبعية مطلبا مشروعا في‬
‫ضوء مقررات ومبادئ الهيئات الدولية‪ ،‬فإنه‪ -‬قبل ذلك وبعده ‪ -‬ضرورة لزمة‪،‬‬
‫لن المة التي يعبر عنها العلم العربي ويخدمها هي أمة متميز‪ ،‬لها وضعها‬
‫الخاص‪ ،‬ولها رسالتها الفريدة‪ ،‬فقد اختيرت لتكون أمة تحمل أمانة السلم‪،‬‬
‫فتلتزم به عقيدة وشريعة‪ ،‬وتبلغ عنه دعوة وتبشيرًا‪ .‬ومن طبيعة الرسالة‬
‫السلمية أنها رسالة عالمية لكل البشر‪ ،‬وما أشد حاجة النسانية اليوم إلى‬
‫السلم‪ ،‬لتؤوي إليه تثوب إلى كنفه فيعطيها المن والسعادة ويحقق لها ما‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تصبو إليه من آمال‪ ،‬وما تتطلع إليه من طموحات‪.‬‬


‫إن تحرر العلم العربي من التبعية ليس حاجة وطنية وقومية فحسب‪ ،‬بل هو‬
‫‪ -‬بالضافة إلى ذلك ‪ -‬حاجة إنسانية دولية‪ .‬وهاهو العالم اليوم يصارع من أجل‬
‫إيجاد نظام إعلمي عالمي جديد‪ ،‬يكسر احتكار القوى المتسلطة‪ ،‬ويوفر‬
‫الفرصة لتحقيق توازن إعلمي رشيد‪ .‬فهو إذن‪ -‬يدرك تهافت النظام العلمي‬
‫الحالي‪ ،‬ويعترف بقصوره‪ ،‬ويسعى إلى إسقاطه‪ ،‬ويبحث عن بديل له‪ .‬وفي‬
‫تصوري‪ ،‬أننا‪ -‬نحن العرب والمسلمين ‪ -‬نملك القدرة على السهام اليجابي‬
‫الفعال في إيجاد ذلك البديل‪ ،‬الذي تبحث عنه النسانية في عالم اليوم‪ .‬ول‬
‫نقول هذا الكلم من قبيل المبالغة والغرور الذاتي‪ ،‬بل هي الحقيقة التي‬
‫يقررها الواقع‪ .‬فقد جرب العالم كثيرا ً من الحلول‪ ،‬وطرق كثيرا ً من المنافذ‪،‬‬
‫بحثا ً عن الخلص‪ ،‬ولكنه عاد خائبا ً محمل ً بمزيد من المشكلت والمتاعب‪.‬‬
‫وفي يقيننا أن السلم ‪ -‬بمنهجه الرباني الثابت‪ ،‬وقدرته على التجدد والمرونة‬
‫في آن واحد ‪ -‬قادر على أن يقدم الصلح لعلج المشكلت الدولية في مجال‬
‫التصال والعلم‪.‬‬
‫العلم العربي والمل المنشود‬
‫إن تحرر العلم العربي من التبعية والتقليد‪ ،‬هو المل المنشود الذي يتطلع‬
‫إليه كل مخلص غيور‪ .‬ولن يتحقق هذا التحرر إل عندما تتوسع دائرة العتماد‬
‫على الذات في جميع ميادين العلم‪ :‬صناعة‪ ،‬وفكرًا‪ ،‬ونظامًا‪ ،‬وممارسة‪ .‬ول‬
‫بد ‪ -‬بادئ ذي بدء‪ -‬من اليمان العميق بأن نقطة النطلق في حركة تحرر‬
‫العلم العربي من التبعية‪ ،‬تمكن في القرار العملي بأن النشاط العلمي‪-‬‬
‫بمختلف صوره وأشكاله وأنماطه‪ -‬إنما ينبع من التصورات العقدية‬
‫واليديولوجية للمجتمع الذي يعمل فيه‪ ،‬وينطبع بالقيم والتقاليد‪ ،‬ويتأثر‬
‫بالظروف القتصادية والجتماعية والسياسية لذلك المجتمع‪ .‬ولذلك فإنه من‬
‫الضرورة أن نعمل على صياغة نظام إعلمي عربي إسلمي مميز في روحه‬
‫وجوهره‪ ،‬ومنطلقاته‪ ،‬وأهدافه‪ ،‬ونظمه‪ ،‬وقوانينه‪ ،‬وطرقه وأساليبه‪.‬‬
‫ولشك أن السلم ‪ -‬بفكره وقيمه ومبادئه وحضارته‪ -‬هو الصل الذي ينبغي‬
‫أن يصدر عنه ذلك النظام العلمي المنشود‪ ،‬وهو الساس الذي ينبغي أن‬
‫يستند إليه صياغته للنشاط العلمي‪ ،‬وتحديد أبعاده ووظائفه ومسؤولياته في‬
‫المجتمع العربي‪ .‬كما أن هذا النظام المنشود ل بد من أن يتفاعل مع الواقع‬
‫الذي تعيشه المجتمعات العربية‪ ،‬وتتبلور أسسه وتنظيماته وممارساته بما‬
‫يخدم مصالح هذه المجتمعات وحاجاتها‪ ،‬وبما ل يتعارض مع قيمها الصيلة‪،‬‬
‫وعاداتها وتقاليدها الصالحة‪ ،‬التي تعطيها التميز والختلف عن غيرها من‬
‫المجتمعات التي تؤمن بالفلسفات والفكار المادية الوضعية‪.‬‬
‫إن تحرير العلم العربي من ربقة التبعية والتقليد‪ ،‬والرتقاء به إلى مستوى‬
‫البداع والستقلل والذاتية‪ ،‬عمل شاق وكبير‪ .‬ولذلك ل بد من أن تسهم في‬
‫تحقيقه مختلف الفئات والجهات والمؤسسات ذات العلقة بالنشاط العلمي‪،‬‬
‫سواء على المستوى السياسي‪ ،‬أو المستوى العلمي الكاديمي‪ ،‬أو المستوى‬
‫العملي المهني‪ ،‬أو المستوى الجتماعي والقتصادي‪ .‬حسبنا في هذه العجالة‬
‫أن نشير إلى بعض النقاط الهامة التي نعتقد أن عملية التحرير تنطلق فيها‬
‫عبر المستويات المختلفة‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)أ( فعلى المستوى السياسي‪ ،‬ل بد من أن تؤمن الحكومات والنظمة‬


‫السياسية العربية بأهمية أن يكون نظام إعلمي عربي له شخصية الذاتية‪،‬‬
‫وأن يركز هذا النظام على مبادئ السلم وقيمه‪ ،‬ويلي الحتياجات الحقيقية‬
‫للمجتمع‪ ،‬ويقوم على أكتاف مواطني ذلك المجتمع‪ .‬ول بد من أن ترسم لهذا‬
‫النظام استراتيجية عامة واضحة المعالم‪ ،‬وسياسات عملية تقوم على أسس‬
‫عملية واقعية‪ ،‬وأن يتمتع النظام بشيء من الحرية والمرونة التي تحقق‬
‫المصلحة العامة‪ ،‬وأل ّ يكبل النظام بالبيروقراطية والروتين‪.‬‬
‫)ب( وعلى المستوى الجتماعي والقتصادي‪ ،‬ل بد من العمل على تغيير‬
‫النظرة التقليدية الدونية للنشاط العلمي التي تسود المجتمعات العربية‪ .‬ول‬
‫بد من إقناع القطاع الحكومي والقطاع الهلي بأهمية الستثمار القتصادي‬
‫في ميدان العلم‪ ،‬إذ أن النشاط العلمي اليوم‪ -‬في كافة صوره ومستوياته‬
‫‪ -‬نشاط مكلف اقتصاديًا‪ ،‬مما يتطلب معه أن ينفق عليه بسخاء‪ ،‬وأن يحظى‬
‫بالعناية القصوى والهتمام الكافي‪.‬‬
‫)ج( وعلى المستوى الكاديمي‪ ،‬ل بد من العناية بافتتاح وتدعيم كليات‬
‫وأقسام‪ ،‬ومعاهد التدريس الكاديمي للعلم في كل قطر عربي‪ ،‬ول بد من‬
‫أن تتوافر لهذه الكليات والقسام والمعاهد المكانات البشرية والمادية‬
‫الملئمة‪ ،‬التي تجعلها تستطيع القيام بمهمتها في إعداد وتهيئة الكفايات‬
‫) الكوادر ( العلمية المتخصصة‪ ،‬التي تسهم في دفع عجلة النمو العلمي‪،‬‬
‫وتعمل على تحقيق سياسة العتماد على الذات‪ .‬كما أن هذا الهتمام‬
‫بالكليات والقسام والمعاهد العلمية الوطنية‪ ،‬سيقلل من كثرة البتعاث إلى‬
‫الخارج والذي يعد ‪ -‬بصورته الحالية‪ -‬تكريسا ً لحالة التبعية والتقليد‪ ،‬التي‬
‫يعيش فيها العلم العربي المعاصر‪ .‬ول ينبغي أن تقتصر مهمة هذه الجهات‬
‫الكاديمية على العداد الكاديمي والمهني الصرف‪ ،‬بل ل بد لها من أن تعنى‬
‫خرجها‪..‬‬‫بالعداد الفكري والخلقي المتميز للكوادر التي ت ّ‬
‫)د( وعلى المستوى المهني الواقعي‪ ،‬ل بد من أن يستشعر العاملون في‬
‫الميادين العلمية المختلفة ‪ -‬سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الهلي ‪-‬‬
‫مسؤوليتهم العظيمة التي يضطلعون بها‪ .‬ول بد من العناية بحسن اختيار‬
‫المسؤولين والعاملين في المؤسسات العلمية التوجيهية‪ ،‬وتنقية الساحة‬
‫العلمية من الدخلء عليها‪ ،‬كما أن توفير فرص التأهيل والتدريب للعاملين‬
‫في القطاع العلمي يعد مطلبا ً أساسيا ً في سبيل تكوين وتهيئة كوادر‬
‫إعلمية ذات قدرة وكفاءة وتميز‪.‬‬
‫التعاون العربي لتحقيق أهداف التحرر العلمي‬
‫عربي‪ .‬بل ل بد من أن يتكامل هذا الجانب المحلي مع الجانب العربي على‬
‫المستوى القومي‪ ،‬فنحن أمة واحدة ذات رسالة متطابقة وهموم مشتركة‬
‫وآمال متوافقة‪ .‬ول شك أن التعاون العلمي فيما بين دولنا العربية يعد جزءا ً‬
‫من سعينا الحثيث نحو الوحدة والتكامل في شتى المجالت والميادين‪ .‬بل إن‬
‫الوحدة العربية والتكامل العربي خطوة ممهدة للوحدة السلمية والتكامل‬
‫بين دول العالم السلمي وشعوبه‪ ،‬حتى يصدق فيها قول الله تعالى في كتابه‬
‫َ‬ ‫العزيز‪ ):‬وإن هذه أ ُمتك ُ ُ‬
‫م َفاتقون( )المؤمنون‪.(52:‬‬ ‫حد َة ً وَأَنا َرب ّك ُ ْ‬‫ة َوا ِ‬
‫م ً‬
‫مأ ّ‬‫ّ ِ ِ ّ ُ ْ‬
‫وليس التعاون العلمي العربي الذي ندعو إليه ببدع في واقع العالم‬
‫المعاصر‪ .‬إن كثيرا ً من المم والدول اليوم تسعى إلى أيجاد صيغ قومية‬
‫وإقليمية للتعاون فيما بينها في مجالت متعددة‪ .‬ولو اقتصرنا على المجال‬
‫العلمي لما أعوزتنا المثلة والشواهد الحية التي تؤكد لنا هذه الحقيقة‪،‬‬
‫فدول الكتلة الغربية تتعاون فيما بينها عبر العديد من المؤسسات العلمية‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المشتركة‪ ،‬ودول الكتلة الشرقية تتعاون فيما بينها أيضا ً عبر بعض الهيئات‬
‫المشتركة‪.‬‬
‫ولسنا هنا في مقام إنكار وجود عدد من المؤسسات والهيئات العربية‬
‫المشتركة التي تسهم في توفير مجالت متنوعة للتعاون والعلمي بين‬
‫الدول العربية‪ ،‬ولكننا نحس أن ما تحقق من خلل هذه المؤسسات ما يزال‬
‫ل‪ ،‬ول يرتقي إلى مستوى طموحات المخلصين من أبناء هذه المة في‬ ‫ضئي ً‬
‫مختلف أقطار العالم العربي‪.‬‬
‫ول شك أن هذه المؤسسات العربية مثل اتحاد إذاعات الدول العربية‪ ،‬واتحاد‬
‫وكالت النباء العربية‪ ،‬وأجهزة التعاون والعلمي الخليجي المتعددة‪ ،‬تستطيع‬
‫أن تقدم الكثير مما يحتاج غليه العلم العربي لتطويره وتنميته والرتقاء‬
‫بمستواه‪ .‬كما أن المؤسسات العملية والجامعات العربية التي تحتضن‬
‫أقساما ً للعلم ينتظر منها الكثير مما لم تستطيع تحقيقه حتى الن‪.‬‬
‫وسوف نؤكد باستمرار على أهمية أن تخطى قضية تحرير العلم العربي‬
‫المعاصر من ربقة التبعية والتقليد بمختلف صورها باهتمام المسؤولين‬
‫والعاملين في الميادين العلمية المتنوعة والعلميين‪ ،‬وأن تلقى من العناية‬
‫ما تستحقه في ضوء تزايد خطورة وسائل العلم في المجتمعات العربية‪،‬‬
‫وتعاظم قدرتها على التأثير على الفراد والجماعات‪ ،‬سلبا ً كان هذا التأثير أو‬
‫إيجابًا‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫كما أن التحديات التي تواجه المة العربية المسلمة في الوقت الراهن سواء‬
‫على المستوى السياسي‪ ،‬أو المستوى الفكري‪ ،‬أو المستوى القتصادي‬
‫تفرض علينا أن نعمل على تسخير كافة إمكاناتنا ووسائلنا لمواجهة هذه‬
‫التحديات الخطيرة‪ ،‬وخصوصا ً ونحن ندرك أن أعداءنا قد استغلوا وسائلهم‬
‫وإمكاناتهم العلمية لخدمة أغراضهم‪ ،‬وركبوا مطية العلم ليكون سلحا ً‬
‫فعال ً من أسلحتهم لحربنا في عقيدتنا‪ ،‬وفكرنا‪ ،‬وانتمائنا‪ ،‬وفي وجودنا‪،‬‬
‫ومعركتنا في البناء والتنمية‪ .‬إن العلم اليوم أمضى السلحة في الصراع‬
‫الحضاري الذي تدور رحاه في دنيا اليوم‪ ،‬وأن المة التي ل تمتلك إعلما ً قويا ً‬
‫فعال ً ينبع من شخصيتها الحضارية ويلبي احتياجاتها ويسهم في معركتها‪ ،‬هي‬
‫أمة خاسرة في عالم ل مكان فيه إل للقوي‬

‫)‪(5 /‬‬

‫العلم الغربي باللغة العربّية أهداف لم تعد خفّية‬


‫د‪ .‬محمد بن سعود البشر ‪28/2/1427‬‬
‫‪28/03/2006‬‬
‫فا أو‬
‫المتابع لمسيرة العلم الغربي الناطق باللغة العربية سواء كان صح ً‬
‫مجلت أو قنوات تلفازية أو إذاعات‪ ،‬يلحظ تبايًنا في تعاطي الجمهور العربي‬
‫مع هذه الوسائل‪ ،‬وما تقدمه من مواد إعلمية؛ ففي البدء كان الجمهور‬
‫العربي‪ -‬ول سيما النخب الثقافية منه‪ -‬منبهًرا بالتقدم التقني لوسائل العلم‬
‫الغربية‪ ،‬والذي جعل جماهير معظم الدول العربية تستقبل إذاعات مثل‬
‫حا من كثير من الذاعات‬ ‫)مونت كارلو( والـ )بي بي سي( بدرجة أكثر وضو ً‬
‫العربية في الدول المجاورة‪ ،‬فضل ً عن حالة العجاب بالمهنية العالية لدى‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العاملين في كثير من هذه الوسائل العلمية الغربية الناطقة بالعربية‪،‬‬


‫وبخاصة إذا علمنا أن كثيًرا من الصحف والذاعات نجحت في استقطاب‬
‫أعداد كبيرة من الكفايات العلمية والثقافية العربية‪ ،‬ممن لم تسمح لهم‬
‫النظمة السياسية العربية بالتعبير عن آرائها وأفكارها في وسائل العلم‬
‫العربية التي كانت إلى وقت قريب مملوكة للدول والنظمة العربية توجهها‬
‫كيف تشاء‪.‬‬
‫دللة هذا النجاح للعلم الغربي قدرته على اجتذاب كثير من رموز الدب‬
‫والفكر والثقافة العربية للعمل فيه‪ ،‬فضل ً عن الجرأة التي اتسم بها في طرح‬
‫كثير من القضايا العربية‪ ،‬والتي ما كانت لُتطرح في أي من وسائل إعلمنا‬
‫العربي الرسمي آنذاك‪.‬‬
‫ومن غير المنطقي تجاهل الظروف السياسية التي مرت بها المنطقة العربية‬
‫عبر أكثر من نصف قرن مضت شهدت خللها التحرر من براثن الستعمار‬
‫الغربي‪ ،‬وسقطت بعدها بين "الرأسمالية الغربية" أو "الشتراكية الشرقية"‬
‫والحرب الباردة بينهما‪ ،‬فهذه الظروف ساهمت في زيادة تعاطي الجمهور‬
‫العربي مع العلم الغربي بالعربية في فترات بعينها‪ ،‬فمثل هذا الوضع جعل‬
‫قطاعات من الجمهور العربي متعطشة لمعرفة ماذا يحدث خارج حدود‬
‫الوطن العربي‪ ..‬وتأثير ذلك على مستقبل المنطقة العربية‪ُ .‬يضاف إلى ذلك‬
‫أن قطاعات واسعة من الجمهور العربي كانت تعاني من المية في ذلك‬
‫الوقت فكان من السهل التأثير عليها واستمالتها ببرامج الترفيه والمنوعات‬
‫التي تفّننت فيها وسائل إعلمية مثل إذاعة )مونت كارلو( ومجلة )فوربس(‬
‫وإذاعة )سوا( وغيرها‪.‬‬
‫أما النخب العربية فقد وجدت في هذه الوسائل مساحة الحرية التي تفتقدها‬
‫في وسائل العلم العربية‪.‬‬
‫ومع بدء عصر العلم الفضائي والسماوات المفتوحة ُيلحظ ثمة انحسار في‬
‫تعاطي الجمهور العربي مع هذه الوسائل العلمية الغربية‪ ،‬فلم تعد تلبي‬
‫احتياجاته السابقة بنفس القدر‪ ،‬لسيما وأن كثيًرا من وسائل العلم العربية‬
‫أصبحت تحاكي هذه القنوات الغربية في نوعية برامجها‪ ،‬بما في ذلك برامج‬
‫الترفيه‪ ،‬والتي كانت تستقطب فئات واسعة من شباب المجتمعات العربية‪.‬‬
‫وإذا كان هناك من يتحدث عن إسهام العلم الغربي الناطق باللغة العربية‬
‫في الرتقاء بالصناعة العلمية العربية فإنه يجب أن يعلم أن هذا الرتقاء لم‬
‫يكن هدًفا للقائمين على هذه الوسائل الغربية‪ ،‬بل إن النخب العربية وبعض‬
‫دوائر صناعة القرار العربي تنبهت لمخاطر إقبال الجمهور العربي على مثل‬
‫هذه الوسائل‪ ،‬فعملت على تقديم البديل العلمي العربي المشابه قدر‬
‫المكان‪ ،‬ووفق ما سمحت به الظروف السياسية والمكانات المادية والتقنية‬
‫قدر المكان‪ ،‬فكانت إذاعتا )صوت العرب( و )الشرق الوسط( بديل ً مطرو ً‬
‫حا‬
‫لذاعة )مونت كارلو( والـ )بي بي سي( رغم فارق المكانات والخبرات‪،‬‬
‫شا أكبر من الحرية‬‫وولدت كذلك صحف عربية دولية في الخارج تتيح هام ً‬
‫والتنوع مثل‪) :‬العرب الدولية( ومجلة )الحوادث( و )الشرق الوسط(‬
‫و)الحياة( وغيرها‪.‬‬
‫ولشك أن في هذا إفادة للصناعة العلمية العربية‪ ،‬وشاهد هذا أن كثيًرا من‬
‫الكفاءات العلمية التي تعمل حالًيا في قنوات وصحف وإذاعات عربية سبق‬
‫لها العمل في وسائل العلم الغربية باللغة العربية‪ ،‬وفي المقابل فإن هذه‬
‫الوسائل أفرزت كثيًرا من المنبهرين بالثقافة الغربية المحتقرين لثقافتهم‬
‫العربية الم‪ ،‬وبعض هؤلء –للسف‪ -‬أصبحوا مسؤولين في وسائل إعلمنا‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خا مشوهة لما يقدمه العلم الغربي‪،‬‬ ‫العربي‪ ،‬فبدت كثير من برامجنا نس ً‬
‫ومن أمثلة ذلك برامج )تليفزيون الواقع( "ستار أكاديمي" وخلفه‪.‬‬
‫ومن المستغرب أن يتساءل البعض الن عما إذا كانت هناك أجندة خفية‬
‫للعلم الغربي الذي يبث مضامينه باللغة العربية‪..‬؟!‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فمن البديهي أن لهذا العلم أهداًفا وجدت وسائله من صحف وإذاعات‬


‫در‬
‫وقنوات تلفازّية لتحقيقها‪ ،‬وإل لماذا ُتنفق هذه الموال الطائلة والتي ُتق ّ‬
‫بمئات المليين من الدولرات لنشاء القنوات التلفازية والذاعات‪ ،‬وإصدار‬
‫الصحف والمجلت الناطقة باللغة العربية؟ وقناة الحرة –على سبيل المثال‪-‬‬
‫ول من ميزانية ملحقة بميزانية‬ ‫ُولدت من رحم الحتلل المريكي للعراق‪ ،‬وُتم ّ‬
‫وزارة الدفاع المريكية باعتراف وزير الدفاع المريكي‪ ،‬ومباركة أعضاء‬
‫الكونجرس‪ ،‬وهذا دليل على أن هذه القنوات والوسائل العلمية مهمتها‬
‫الساس تهيئة العقل العربي لتقّبل النموذج الغربي أو الترويج للثقافة الغربية‬
‫المريكية أو الوروبية‪ ،‬لسيما أن منطقة الشرق الوسط‪ ،‬والتي تضم الدول‬
‫العربية هي مناطق مصالح حيوية للقوى الغربية في أوروبا‪ ،‬وفي مقدمتها‬
‫بريطانيا وفرنسا وألمانيا‪ ،‬وهي دول الستعمار القديم‪ ،‬أو الوليات المتحدة‬
‫الساعية لفرض هيمنتها على العالم‪ ،‬ويؤكد ذلك أن كثيًرا من هذه الوسائل‬
‫العلمية الغربية طالما أفسحت برامجها وصفحاتها للقوى المعارضة أو‬
‫المنتقدة للنظمة العربية‪ ،‬والمحلل الواعي لمضامين ما ُينشر وُيذاع في‬
‫وسائل العلم الغربية باللغة العربية يستطيع أن يدرك ملمح هذه الجندة‪،‬‬
‫والتي لم تعد خافية‪ ،‬فالممارسات السياسية للنظمة الغربية تفضحها‬
‫ما بعد يوم‬
‫وتكشف عوارها يو ً‬

‫)‪(2 /‬‬

‫العلم بكفر من ابتغى غير السلم‬


‫لمة‬‫تقديم الشيخ الع ّ‬
‫عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين‬
‫الحمد لله الذي خلقنا للعبادة‪ ،‬ونفذ فينا تصرفه ومراده‪ ،‬ووفق من شاء من‬
‫خلقه لتوحيده وإفراده‪ ،‬وخذل آخرين ورماهم بطرده وإبعاده‪ ،‬أحمده سبحانه‬
‫وأشكره‪ ،‬وقد وعد الشاكرين بالزيادة‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك‬
‫له وهي أفضل شهادة‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم‬
‫وعلى آله وأصحابه وأحفاده‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫ن ()الذاريات‪ .(56:‬ومعنى‬ ‫دو ِ‬
‫ن ال َِنس ِإل ل ِي َعْب ُ ُ‬
‫ج ّ‬
‫ت ال ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ق ُ‬ ‫ما َ‬
‫فقد قال تعالى‪) :‬وَ َ‬
‫لنس والجن‪ ،‬وكلفهم‬ ‫)يعبدون( يوحدون‪ ،‬أي أنه تعالى أوجد هذا النوع من ا ِ‬
‫وأمرهم ونهاهم‪ ،‬وقد أقام عليهم الحجة‪ ،‬حيث آتاهم العقول التي يحصل بها‬
‫التفكر والدراك‪ ،‬ونصب لهم اليات البينات‪ ،‬التي يحصل بالنظر فيها التذكر‬
‫والعتبار‪ ،‬فسخر لهم الليل والنهار‪ ،‬والشمس والقمر والنجوم مسخرات‬
‫بأمره‪ ،‬ليل داج‪ ،‬ونهار ساج‪ ،‬وسماء ذات أبراج‪ ،‬وأرض ذات فجاج‪ ،‬وبحار ذات‬
‫أمواج‪ ،‬ومطر ونبات‪ ،‬وأرزاق وأقوات‪ ،‬وجموع وأشتات‪ ،‬وإخوان وأخوات‪،‬‬
‫وآباء وأمهات‪ ،‬وأبناء وبنات‪ ،‬وآيات بعد آيات‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقد لفت أنظارهم إلى هذه المخلوقات‪ ،‬فقال تعالى‪) :‬ألم نجعل الرض مهادا ً‬
‫* والجبال أوتادا ً * وخلقناكم أزواجا ً * وجعلنا نومكم سباتا * وجعلنا الليل‬
‫لباسا()النبأ‪ (10-6:‬اليات‪ .‬وقال تعالى‪) :‬أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم‬
‫كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج * والرض مددناها وألقينا فيها رواسي‬
‫وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج()ق‪ (7-6:‬اليات‪ ،‬وقال تعالى‪) :‬وعد الله ل‬
‫يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس ل يعلمون()الروم‪ (6:‬الية‪ ،‬ونحو خطبة‬
‫قس بن ساعدة اليادي الجاهلي ‪ ،‬والذي ذكر فيها‪ :‬أن لله دينا ً هو أحب من‬
‫الدين الذي هم عليه‪ ،‬ونبيا ً قد حان أجل خروجه‪ ،‬وهكذا ذكروا قصة زيد بن‬
‫عمرو بن نفيل الذي ترك عبادة الصنام‪ ،‬وحرم أكل ما أهل به لغير الله‪ ،‬وهو‬
‫جاهلي‪ ،‬وغيره كثير وفي ذلك يقول ابن المعتز‪:‬‬
‫م ك َي ْ َ‬ ‫ف يعصي الل َ َ‬
‫حد ُ‬‫ف ْيجحد ُهُ الجا ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫جبا ك َي ْ َ ْ‬ ‫فيا عَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ة ت َد ُ ّ‬ ‫ُ‬
‫وفي ك ّ‬
‫حد ُ‬ ‫ه َوا ِ‬‫ل عَلى أن ّ ُ‬ ‫ه آي َ ٌ‬ ‫ل شيٍء ل ُ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫شاهِد ُ‬ ‫كين َةٍ أَبدا َ‬ ‫س ِ‬ ‫ريكةٍ وَت َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل َتح ِ‬ ‫ُ‬
‫ه في ك ّ‬ ‫وَل َ ُ‬
‫ويقول آخر‪:‬‬
‫صن َعَ المِليكُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما َ‬ ‫ض ِإلى آثارِ َ‬ ‫ت الر ِ‬ ‫مل في َنبا ِ‬ ‫ت َأ ّ‬
‫ك‬ ‫سِبي ُ‬‫ب ال ّ‬ ‫ذه ُ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫ق هِ َ‬ ‫دا ٍ‬ ‫ت بأح َ‬ ‫صا ٌ‬ ‫خ َ‬ ‫شا ِ‬ ‫ن ُلجين َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عُُيو ٌ‬
‫ك‬‫ري ُ‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫الله‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬‫ب‬ ‫ت‬ ‫دا‬ ‫ه‬ ‫شا‬‫َ‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ز‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫ض‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫على‬
‫ِ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫ِ َ ٌ ِ ّ‬ ‫ّ َْ َ ِ‬ ‫ُ ِ‬
‫ل‪ ،‬بل أرسل الرسل‪،‬‬ ‫ومع هذه اليات والبينات‪ ،‬فإن ربنا سبحانه لم يتركنا هم ً‬
‫ن للناس ما نّزل إليهم‪ ،‬لئل يكون للناس على الله حجة بعد‬ ‫وأنزل الكتب‪ ،‬وب َي ّ َ‬
‫كل أمة رسول ً أن أعبدوا الله‬ ‫الرسل‪ ،‬قال الله تعالى‪) :‬ولقد بعثنا في ُ‬
‫واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضللة‬
‫فسيروا في الرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين()النحل‪.(36:‬‬
‫ذب‬‫وورد في الحديث عن زيد بن ثابت‪ ،‬وُأبي بن كعب مرفوعًا‪" :‬لو أن الله ع ّ‬
‫أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم‪ ،‬ولو رحمهم لكانت‬
‫رحمته أوسع من أعمالهم" رواه أحمد وغيره‪.‬‬
‫ً‬
‫وحيث إن جميع نوع البشر خلقوا للعبادة‪ ،‬فإن فرضا عليهم أن يدينوا لله‬
‫تعالى بالتوحيد‪ ،‬ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالطاعة‪ ،‬فمن أطاعه وشهد له‬
‫بالرسالة وتقّبل شريعته فهو من أهل الجنة‪ ،‬ومن عصاه ودان بغير السلم‬
‫فهو من أهل النار‪.‬‬
‫وقد ختم الله الرسالة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وجعل دينه‬
‫وشريعته آخر الشرائع‪ ،‬وأرسله إلى جميع الناس بل إلى الثقلين‪ ،‬وقد ثبت‬
‫عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‪" :‬كل أمتي يدخلون الجنة إل من أبى"‪.‬‬
‫قيل‪ :‬ومن يأبى يا رسول الله؟ قال‪" :‬من أطاعني دخل الجنة‪ ،‬ومن عصاني‬
‫فقد أبى" رواه البخاري‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫وبه نستعين‬
‫قال فضيلة الشيخ المام العلمة أبو محمد عبدالله بن عبدالرحمن بن عبدالله‬ ‫ّ‬
‫بن إبراهيم الجبرين‪:‬‬
‫الحمد لله وحده وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فقد اطلعت على ما نشر في جريدة "الشرق الوسط" العدد )‪ (5824‬يوم‬ ‫ّ‬
‫مى نفسه‪) :‬عبدالفتاح الحايك(‬ ‫الثلثاء الموافق ‪4/6/1415‬هـ بقلم من س ّ‬
‫ّ‬
‫الذي اعترف بأنه ليس من أهل الفتاء‪ ،‬ومع ذلك تجشم الفتوى بغير علم‪،‬‬
‫وحكم لليهود المعاصرين والنصارى والهندوس والبوذيين والقاديانيين‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والمشركين والمنافقين بأنهم من أهل الجنة‪ ،‬واستغرب أن هذه الجموع‬


‫لمم مآلهم إلى النار‪ ،‬وما علم َأن الله تعالى خلقَ الجنة‬‫والمليارات من ا ُ‬
‫وخلق لها أهلها وهم في أصلب آبائهم‪ ،‬وخلقَ للنار أهل ً وهم في أصلب‬
‫ت رحمتي‬‫ك من أشاء‪ ،‬وللجنة‪ :‬أن ِ‬ ‫آبائهم‪ ،‬وأنه قال للنار‪ :‬أنت عذابي ُأع ّ‬
‫ذب ب ِ‬
‫ي ملؤها‪.‬‬‫ك من أشاء‪ ،‬ولكل منكما عل ّ‬ ‫أرحم ب ِ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وأخبر تعالى بأن أكثر الناس هم الضالون في قوله تعالى‪) :‬يعملون له ما‬
‫يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود‬
‫دق عليهم إبليس‬ ‫ل من عبادي الشكور()سبأ‪ ،(13:‬وقوله‪) :‬ولقد ص ّ‬ ‫شكرا ً وقلي ٌ‬
‫ه فاتبعوه إل فريقا ً من المؤمنين()سبأ‪ ،(20:‬وقوله‪) :‬وما أكثر الناس ولو‬ ‫ظن ّ ُ‬
‫حرصت بمؤمنين()يوسف‪.(103:‬‬
‫وقد أخبر الله عن إبليس أنه قال‪) :‬قال فبعّزتك لغوينهم أجمعين * إل عبادك‬
‫منهم المخلصين()ص‪ ،(83-82:‬وقال‪) :‬ثم لتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم‬
‫وعن أيمانهم وعن شمائلهم ول تجد أكثرهم شاكرين()العراف‪ ،(17:‬ونحو‬
‫ذلك من الدلة‪ ،‬وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن بعث النار من كل ألف‬
‫ة وتسعة وتسعون‪ .‬وواحد ٌ في الجنة‪.‬‬ ‫تسعمائ ٌ‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء‬
‫وشريعته خاتمة الشرائع‬
‫وقد أرسل الله محمدا ً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين‪ ،‬وشريعته خاتمة‬
‫الشرائع‪ ،‬ونسخ برسالته جميع الديان‪ ،‬وكّلف جميع الناس أن يتبعوه بقوله‪:‬‬
‫ي المي الذي يجدونه مكتوبا ً عندهم في التوراة‬ ‫)الذين يتبعون الرسول النب ّ‬
‫والنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم‬
‫عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والغلل التي كانت عليهم فالذين آمنوا به‬
‫وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون * قل يا‬
‫أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ً الذي له ملك السموات والرض ل إله‬
‫ي المي الذي يؤمن بالله وكلماته‬ ‫إل هو يحيى ويميت فآمنوا بالله ورسوله النب ّ‬
‫وأتبعوه لعلكم تهتدون()العراف‪ ،(158-157:‬وقوله‪) :‬وما أرسلناك إل كافة‬
‫للناس بشيرا ً ونذيرا ً ولكن أكثر الناس ل يعلمون()سبأ‪.(28:‬‬
‫وقال النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬وكان النبي ُيبعث إلى قومه خاصة وُبعثت‬
‫إلى الناس عامة" وقال‪ٌ" :‬بعثت إلى السود والحمر"‪.‬‬
‫وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‪ُ" :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى‬
‫ُ‬
‫يشهدوا َأن ل إله إل الله وأّني رسول الله‪ ،‬ويقيموا الصلة‪ ،‬ويؤتوا الزكاة‪ ،‬فإذا‬
‫فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم"‪ .‬وفي رواية‪" :‬حتى يقولوا ل إله إل‬
‫الله ويؤمنوا بي وبما جئت به"‪.‬‬
‫وأخبر صلى الله عليه وسلم بأركان السلم بقوله‪ُ" :‬بني السلم على خمس‪:‬‬
‫شهادة أن ل إله إل الله وأن محمدا ً رسول الله‪ ،‬وإقام الصلة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪،‬‬
‫وصوم رمضان‪ ،‬وحج البيت"‪.‬‬
‫ول شك أن من امتنع عن الشهادة لله بالوحدانية ولمحمد بالرسالة ولم ُيقم‬
‫الصلة ول الزكاة والحج فليس بمسلم ول مؤمن؛ وقد قال عليه الصلة‬
‫والسلم‪" :‬والذي نفسي بيده ل يسمع بي أحد من هذه المة يهودي ول‬
‫نصراني ثم يموت ولم يؤمن بي إل ّ دخل النار"‪ ،‬أو كما قال‪.‬‬
‫وقد أنكر الله على اليهود قولهم‪ :‬لن تمسنا النار إل أياما ً معدودة بقوله‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تعالى‪) :‬وقالوا لن تمسنا النار إل أياما ً معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا ً فلن‬
‫يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما ل تعلمون()البقرة‪ ،(80:‬فدل على‬
‫أنهم من أهل النار وأن هذه المقالة صدرت بغير علم‪ ،‬كما أنكر عليهم قولهم‪:‬‬
‫)وقالوا لن يدخل الجنة إل من كان هودا ً أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا‬
‫برهانكم إن كنتم صادقين()البقرة‪ ،(111:‬وكذا قولهم‪) :‬وقالوا كونوا هودا ً أو‬
‫نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا ً وما كان من المشركين()البقرة‪:‬‬
‫‪ (135‬وهي الدين الذي ُبعث به محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقال‪) :‬وجاهدوا‬
‫في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم‬
‫إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا ً عليكم‬
‫وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو‬
‫مولكم فنعم المولى ونعم النصير()الحج‪.(135:‬‬
‫وقد أخبر الله تعالى بأن هذا هو الدين الذي اختاره ورضيه للمة فقال تعالى‪:‬‬
‫حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة‬ ‫) ُ‬
‫والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إل ما ذكيتم وما ُذبح على‬
‫الّنصب وأن تستقسموا بالزلم ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من‬
‫دينكم فل تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي‬
‫ورضيت لكم السلم دينا ً فمن اضطر في مخمصةٍ غير متجانف لثم فإن الله‬
‫غفور رحيم()المائدة‪ ،(3:‬وقال‪) :‬ومن يبتغ غير السلم دينا ً فلن ُيقبل منه وهو‬
‫في الخرة من الخاسرين()آل عمران‪.(85 :‬‬
‫والسلم هو ما بني على الركان الخمسة كما فسره النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم في حديث جبريل المشهور‪ ،‬فمن لم يدخل في هذا السلم ويحافظ‬
‫على أركانه فهو من الخاسرين‪ ،‬والنار أولى به‪.‬‬
‫أدلة تكفير اليهود والنصارى‬
‫وقد ذم الله اليهود والنصارى حتى في سورة الفاتحة في قوله‪) :‬صراط‬
‫الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ول الضالين()الفتحة‪ .(7:‬فاليهود‬
‫مغضو ب عليهم‪ ،‬والنصارى ضالون كما في الحديث الصحيح‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وقد حكى الله عنهم مقالت كفرية كقوله‪) :‬لقد كفر الذين قالوا إن الله هو‬
‫المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا ً إن أراد أن يهلك المسيح ابن‬
‫مريم وأمه ومن في الرض جميعا ً ولله ملك السموات والرض وما بينهما‬
‫يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير()المائدة‪.(17:‬‬
‫ه واحد ٌ وإن‬‫وكذلك‪) :‬لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلثة وما من إله إل إل ٌ‬
‫ن الذين كفروا منهم عذاب أليم()المائدة‪.(73:‬‬ ‫لم ينتهوا عما يقولون ليمس ّ‬
‫)لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني‬
‫إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة‬
‫ومأواه النار وما للظالمين من أنصار()المائدة‪.(72:‬‬
‫وقال عنهم‪) :‬وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله‬
‫ذلك قولهم بأفواههم ُيضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى‬
‫يؤفكون()التوبة‪.(30:‬‬
‫اليات في تكفير اليهود والنصارى‬
‫وبيان نوع كفرهم وشركهم وتحريفهم للكلم عن مواضعه كثيرة جدا‪ً.‬‬
‫وقد دعاهم الله إلى الدخول في السلم بقوله تعالى‪) :‬يا أيها الذين أوتوا‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا ً لما معكم من قبل أن نطمس وجوها ً فنردها‬
‫على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعو ً‬
‫ل(‬
‫)النساء‪.(47:‬‬
‫وكل ذلك دليل كفرهم وخروجهم من الدين الصحيح وأنهم كذبوا بالحق لما‬
‫جاءهم مع أنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم‪ ،‬فلذلك حلت عليهم اللعنة‬
‫والغضب واستحقوا العذاب في الخرة‪ ،‬قال تعالى‪ُ) :‬لعن الذين كفروا من‬
‫بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك ِبما عصوا وكانوا‬
‫يعتدون()المائدة(‪ ،‬ول شك أن تكذيبهم لمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاء‬
‫ن‬‫م َ‬‫به هو أعظم الكفر‪ .‬وهم المرادون بقوله تعالى‪) :‬قل هل أنب ُّئكم بشر ِ‬
‫منهم القردة والخنازير‬ ‫ضب عليه وجعل ِ‬ ‫عند الله من لعنه الله وغ ِ‬ ‫ذلك مُثوب ً‬
‫ة ِ‬
‫ً‬
‫وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل()المائدة‪.(60:‬‬
‫فتأمل هذه اليات وما بعدها وما يشبهها في سورة النساء تجد أن جميع من‬
‫ذب محمدا ً صلى الله عليه وسلم أو خرج عن شرعه أو أنكر رسالته أو‬ ‫ك ّ‬
‫ادعى أنه رسول العرب أو نصب العداوة للمسلمين أتباع هذه الشريعة‬
‫المحمدية‪ ،‬أنه كافٌر مستحقٌ لغضب الله ولعنته وعذابه‪ ،‬ول ينفعه انتماؤه إلى‬
‫الديان السابقة والمنسوخة المحّرفة‪.‬‬
‫السلم هو الدين الصحيح وغيره محرف ومنسوخ‬
‫وقد أقام الله البراهين والدلة على صحة هذه الرسالة والشريعة وأمر‬
‫بإبلغها للخاص والعام‪ ،‬فمن بلغته فعاند وعصى وركب هواه واتبع الديان‬
‫الباطلة وتمادى في غيه‪ ،‬فإن مصيره إلى النار وبئس القرار‪.‬‬
‫ن‬
‫ول شك أن الديان السماوية كانت سبيل النجاة قبل تحريفها ونسخها‪ ،‬لك ْ‬
‫ف للكلم عن مواضعه‪ ،‬وتغييُر شرع الله‪ ،‬ثم عصيان هذا‬ ‫وقع من أهلها التحري ُ‬
‫النبي الكريم‪ ،‬فبطل التمسك بها؛ مع أن الديان الباقية الن كلها باطلة حيث‬
‫دخلها الشرك بالله وعبادة النبياء كالمسيح وأمه والعَُزْير والصالحين‪ ،‬وتغيير‬
‫دين الله عما هو عليه‪ ،‬والتعبد بما لم يأذن به الله؛ فُيحكم عليهم بأنهم كفار‬
‫فل يدخلون في قوله تعالى‪) :‬إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى‬
‫والصابئين من آمن بالله واليوم الخر وعمل صالحا ً فلهم أجرهم عند ربهم ول‬
‫خوف عليهم ول هم يحزنون()البقرة‪.(62:‬‬
‫فاليمان بالله يستلزم تصديق رسله وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫ويستلزم تقبل كلمه القرآن الكريم فل يدخل في ذلك من كذب محمدا ً أو‬
‫طعن في القرآن ولو عمل ما عمل من الصدقات والصلوات الباطلة‪.‬‬
‫أعمال الكفار الصالحة وعبادتهم تكون هباًء منثورا ً‬
‫وقد أخبر الله أن أعمال الكفار تكون هباًء منثورًا‪ ،‬منها‪ :‬أعمال أهل الكتاب‬
‫الذين لم يؤمنوا بالله وبرسله وكتبه‪.‬‬
‫فقوله تعالى‪) :‬قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة‬
‫والنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا ً منهم ما أنزل إليك من ربك‬
‫ل على أنهم‬ ‫طغيانا ً وكفرا ً فل تأس على القوم الكافرين()المائدة‪ .(86:‬دلي ٌ‬
‫ليسوا على دين‪ ،‬وأن عبادتهم باطلة حيث لم يؤمنوا بما ُأنزل إليهم من ربهم‬
‫ولم يقيموا التوراة والنجيل فإن إقامتها تستلزم اتباع النبي المي الذي‬
‫يجدونه مكتوبا ً عندهم في التوراة والنجيل‪ ،‬فمن لم يتبعه لم يكن على‬
‫شيء‪.‬‬
‫وهكذا اشترط الله للمن اليمان بالله واليوم الخر في قوله تعالى )إن الذين‬
‫آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الخر وعمل‬
‫صالحا ً فلهم أجرهم عند ربهم ول خوف عليهم ول هم يحزنون()البقرة‪.(62:‬‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فلبد من اليمان بالله الذي يستلزم تصديق رسله وخاتمهم محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فلم يقبل منهم اليمان إل بشرط وهو التصديق بما جاءت به‬
‫الرسل‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ول شك أن العمل الصالح الذي اشترطه الله للمؤمنين ل يحصل إل بما وافق‬
‫شرع الله المنّزل على نبيه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وقد فسر النبي صلى الله‬
‫ليمان بالرسل والكتب وهو يستلزم‬ ‫ليمان بأركانه الستة‪ ،‬ومنها ا ِ‬ ‫عليه وسلم ا ِ‬
‫التباع للرسل وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والعمل بالكتب وخاتمها‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬فمن لم يتبعه فليس بمؤمن ول ينفعه عمله‪ ،‬ولو عمل أي‬
‫عمل‪.‬‬
‫ومعلوم أن السلم في وقت كل نبي هو اتباع ما جاء به؛ فاتباع موسى في‬
‫حّرفت تلك‬ ‫سمي إسلمًا‪ ،‬لكن زال بعد أن ُ‬ ‫زمنه‪ ،‬واتباع عيسى في وقته ُ‬
‫الشرائع وُنسخ ما بقي منها‪.‬‬
‫سر بكل‬ ‫ُ‬
‫ثم إن حجة الله قائمة‪ ،‬فكتاب الله تعالى محفوظ‪ ،‬وقد ُترجم وف ّ‬
‫لسلم وبلغ َأقصى الرض وَأدناها ولم يبق لحد عذر‪ ،‬حيث‬ ‫اللغات‪ ،‬وانتشر ا ِ‬
‫ّ‬
‫إن دين السلم مشهور معروف ول يحتاج إلى زيادة ت َعَلم‪ ،‬كل من دخل فيه‬
‫َأمكنه َأن يعرف ما أوجب الله عليه في بضعة أيام‪ ،‬ويعمل بما يقدر عليه‪ ،‬ول‬
‫يلزمه معرفة التفاصيل دفعة واحدة‪ ،‬فالزكاة ل تلزم الفقير‪ ،‬والصوم ل يكون‬
‫إل في السنة مرة‪ ،‬وأحكامه سهلة‪ ،‬والحج في العمر مرة واحدة على‬
‫المستطيع‪ ،‬والمحرمات يمكن معرفتها في مجلس واحد‪ ،‬فكيف ُيقال إن‬
‫اعتناق السلم يستدعي بضع سنوات في دراسته وعرضه على الديان‬
‫ا ُ‬
‫لخرى‪.‬‬
‫وقد شوهِد َ َأنه دين الفطرة التي فطَر الله الناس عليها‪ ،‬فمن لم يتبعه مع‬
‫سماعه به فهو من أهل النار‪ ،‬ومن لم يبلغه ولم يسمع به فهو كأهل الفترات‬
‫يحكم الله فيهم بما يشاء‪.‬‬
‫والله المستعان‪ ،‬وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫شبهة‬
‫بين مسلم ونصراني‬
‫السؤال‪-:‬‬
‫يوجد معي في العمل نصراني‪ ،‬فأردت أن أناقشه في الدين لعل وعسى أن‬
‫يسلم‪ ،‬وخلل المناقشة قال لي‪ :‬كيف عرفت أني سأدخل النار؟! يمكن أن‬
‫تكون أنت من أصحاب النار؟ فوسوس الشيطان في نفسي‪ ،‬فهل من كلمة‬
‫توضحها لي أستطيع بها مناقشته‪ ،‬وأقنعه بالكلم أن الدين عند الله السلم‪،‬‬
‫وأننا لعلى الصراط المستقيم‪ ،‬وهم في الضلل المبين؟‬
‫الجواب‪-:‬‬
‫دعون أن الصواب في جانبهم وأن غيرهم من أهل النار‪،‬‬ ‫كل الفرق ي ّ‬
‫فالنصارى يقولون‪ :‬إنهم أهل الصواب‪ ،‬واليهود يقولون‪ :‬إنهم أهل الصواب؛‬
‫سنا‬
‫حتى حكى الله عن اليهود أنهم قالوا كما جاء في كتابه الكريم‪) :‬لن تم ّ‬
‫النار إل أياما ً معدودة قل أتخذتم عند الله عهدًا()البقرة‪.(80 :‬‬
‫خل الجّنة إل من كان هودا ً أو‬ ‫وكذلك حكى الله عنهم أنهم قالوا‪) :‬لن يد ُ‬
‫دعون أن الجنة لهم‪ ،‬اليهود يقولون‪ :‬إن الجنة‬ ‫نصارى()البقرة‪ ،(111:‬فهم ي ّ‬
‫لليهود‪ ،‬والنصارى يقولون‪ :‬إن الجنة للنصارى‪ ،‬وأنتم الذين هم أتباع محمد من‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دعون أيضا ً أنهم هم المسلمون‪) :‬وقالوا كونوا‬ ‫أهل النار هذا في زعمهم‪ ،‬وي ّ‬
‫هودا ً أو نصارى تهتدوا()البقرة‪ (135:‬ونحن نجادلهم‪:‬‬
‫ل‪ :‬نقول لهم‪ :‬عليكم أن تنظروا في سيرة نبينا وفي معجزاته فهي دليل‬ ‫أو ً‬
‫على صدقه وعلى نبوته‪ ،‬وأن تنظروا بما أيده الله به من القوة ومن التمكين‪،‬‬
‫ومن النصر المبين؛ فهو دليل على أنه على حق وما أيد به أتباعه أيضًا‪ ،‬من‬
‫النصر ومن القوة ومن نشر الدين‪ ،‬فهو دليل على أنهم على حق‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬عليكم أن تنظروا في شريعته التي جاء بها‪ ،‬فمن تأملها عرف أنها من‬
‫عند الله‪ ،‬هذا القرآن الذي ألقاه الله‪ ،‬وهذه السنة التي نرى ونلحظها‪ ،‬وهذه‬
‫النواهي وهذه العبادات‪ ،‬ل شك أن من تأملها عرف أنها من عند الله ونقول‬
‫لكم‪ :‬أنتم ما عباداتكم؟ وما شريعتكم؟‬
‫نحن نعترف أن عندكم التوراة والنجيل‪ ،‬ولكن قد دخلها التحريف والتبديل‬
‫والتغيير الكثير فقد أضيف إليها ما ليس منها وتعددت‪ ،‬ولو لم يكن إل أن‬
‫عندكم أربعة تسمى أناجيل‪ :‬إنجيل يوحنا‪ ،‬وإنجيل متى‪ ،‬وإنجيل كذا‪ ..‬هل كلها‬
‫من َّزل؟ فإن كان المنزل منها واحدًا‪ ،‬فما المنزل منها؟‬ ‫من َّزلة أو واحد ُ‬
‫ُ‬
‫ً‬
‫من َّزل لم يتعدد‪ ،‬إذا فكيف مع‬
‫نحن عندنا كتاب الله واحدا‪ ،‬وهو هذا القرآن ال ُ‬
‫ذلك ل تصدقون بهذه الشريعة وهي كاملة وافية‪ ،‬ليس فيها ما يغيرها؟‬
‫مغَّيرة‪ ،‬وأوامرها وشرعياتها وعباداتها كلها‬ ‫وشرائعكم قد غُّيرت‪ ،‬وأحكامها ُ‬
‫مَغيّرة‪ ،‬ما عندكم إل شيء قد دخله التغيير حتى الشركيات عندكم‪ ،‬واقتراف‬ ‫ُ‬
‫المحرمات وما أشبهها‪ ،‬فهذا دليل على أن هذه الشريعة هي الباقية التي‬
‫يجب على كل من في الرض أن يدين بها‪.‬‬
‫الفترة‬
‫معناها وأحكامها‬
‫قال فضيلة الشيخ عبدالله بن جبرين حفظه الله في آخر رده السابق صـ )‬
‫‪) :(27‬ومن لم يبلغه ولم يسمع به فهو كأهل الفترات يحكم الله فيهم بما‬
‫يشاء(‪.‬‬
‫ولمزيد من الفائدة فقد أوردنا بعض السئلة المتعلقة )بالفترة( على فضيلته‬
‫حفظه الله‪:‬‬
‫معنى الفترة ومقدارها‬
‫السؤال‪-:‬‬
‫ما معنى الفترة وما مقدارها؟‬
‫الجواب‪-:‬‬
‫قال الله تعالى‪) :‬يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من‬
‫الرسل()المائدة‪ (19:‬الية‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫قال ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الية‪" :‬أي بعد مدة متطاولة ما بين‬
‫إرساله وعيسى بن مريم‪ ،‬وقد اختلفوا في مقدار هذه الفترة‪ ،‬فقال أبو‬
‫عثمان النهدي‪ ،‬وقتادة‪ :‬كانت ستمائة سنة‪ .‬ورواه البخاري عن سلمان‬
‫الفارسي‪ ،‬وعن قتادة أيضًا‪ :‬خمسمائة وستون سنة‪ ،‬وقال معمر عن بعض‬
‫أصحابه‪ :‬خمسمائة وأربعون سنة والمشهور هو القول الول‪ ،‬وهو أنها ستمائة‬
‫سنة‪ .‬إلخ‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫ومعنى الفترة ‪ :‬أي الزمن الذي لم يبعث فيه أحد من الرسل‪ ،‬ومع ذلك فهذه‬
‫الفترة لم ينقطع فيها أثر النبوة‪ ،‬فإن العرب لم يزل عندهم بقية من دين‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إبراهيم وإسماعيل‪ ،‬حيث إنهم يفتخرون بالنتساب إلى إبراهيم‪ ،‬ولهذا ذكرهم‬
‫الله بذلك بقوله‪) :‬مل ّ َ َ‬
‫ل()الحج‪:‬‬ ‫من َقب ٌ‬ ‫م المسلمين ِ‬‫ماك ُ‬
‫م إ ِْبراهيم هو س َ‬‫ة أِبيك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫‪ .(87‬فهم يعترفون بتوحيد الربوبية‪ ،‬ويخلصون لله العبادة في الشدة كلجة‬
‫البحر‪ ،‬ويحجون البيت الحرام ويعتمرون‪ ،‬ويحترمون الشهر الحرم‪ ،‬ويهدون‬
‫الهدي‪ ،‬ويقلدونه القلئد التي أمر الله بعدم إحللها‪ ،‬وعندهم خصال الفطرة‪:‬‬
‫كالختان‪ ،‬ونحوه‪.‬‬
‫أما أهل الكتاب فعندهم التوراة والنجيل والزبور‪ ،‬وفيهم دين أنبيائهم الذي‬
‫توارثوه عن آبائهم‪ ،‬بما في ذلك معرفة النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬حيث‪:‬‬
‫عندهم في التوراة والنجيل()العراف‪ .(157:‬ولكن لطول‬ ‫)يجدونه مكتوبا ً ِ‬
‫هذه الفترة‪ ،‬ولكون النبياء الولين تختص رسالتهم بأقوامهم؛ سمى الله هذا‬
‫الزمن الذي بين محمد صلى الله عليه وسلم وعيسى‪ ،‬وبينه وبين إبراهيم‬
‫فترة‪ ،‬وذكر أهل الكتاب بذلك حيث إنهم أولى بقبول رسالته لمعرفتهم‬
‫بالرسل ورسالتهم ومعجزاتهم‪ ،‬فتكذيبهم له إنكار للحق مع وضوحه‪ ،‬وقد‬
‫قال تعالى عن الجميع‪) :‬فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لو ل أوتي مثل ما‬
‫من قبل قالوا ساحران تظاهرا‬ ‫أوتي موسى أولم يكفروا بما أوتي موسى ِ‬
‫وقالوا إنا بكل كافرون()القصص‪ ،(48:‬يعني موسى وهارون‪ ،‬أي‪ :‬تعاونا‬
‫وتناصرا‪ ،‬وقرئ )سحران(‪ ،‬أي‪ :‬التوراة والقرآن‪.‬‬
‫أهل الفترة‬
‫السؤال‪-:‬‬
‫من هم الذين يحكم بأنهم من أهل الفترة؟‬
‫الجواب‪-:‬‬
‫يدخل فيهم الذين لم تبلغهم الرسالة ولم يعلموا بها‪ ،‬ولم يسمعوا بالشريعة‪،‬‬
‫كالذين في أطراف الرض وفي أقاصي البلد‪ ،‬ممن نشأ في جهل عميق‪ ،‬ولم‬
‫دين والتوحيد وعبادة الله تعالى‪ ،‬وحقه على العباد‪،‬‬ ‫يكن حولهم من يعرفهم بال ّ‬
‫كما يدخل فيهم أهل الفترة الذين انقطعت عنهم الرسالة‪ ،‬ولم يبق عندهم‬
‫شيء من ميراث النبياء من الكتب والرسالت كما حصل لبني إسرائيل لما‬
‫قتلهم بختنصر‪ ،‬وأحرق ما عندهم من الكتب المنزلة‪ ،‬ولم يبق إل القليل‬
‫الخافي أو ما في الصدور‪ ،‬ويدخل فيهم أيضا ً من فقد السمع ولم يكن معه‬
‫معرفة بالشارة ونحوها‪ ،‬وكذا من فقد العقل كلي ّا ً ولم يعرف ما يحدث في‬
‫الناس‪ ،‬وهكذا من مات صغيرا ً ولم يدرك ما أدركه الكابر من العقل والفطنة‬
‫ونحو هؤلء‪.‬‬
‫من مات بعد مجيء السلم‬
‫السؤال‪-:‬‬
‫من مات بعد مجيء السلم‪ ،‬ولكن لم تصله الرسالة أو وصلته ولكن ناقصة‬
‫أو محّرفة ‪-‬أي لم يصله الدين الصحيح‪ -‬فهل يعتبر من أهل الفترة؟‬
‫الجواب‪-:‬‬
‫ل شك أن نوع النسان مكلف ومأمور ومنهي‪ ،‬وعليه واجبات لربه‪ ،‬وقد خص‬
‫ضله بالعقل والتمييز‪ ،‬فمتى تم عقله وجبت‬ ‫الله نوع البشر بتكاليف حيث ف ّ‬
‫عليه العبادات والفرائض الدينية‪ ،‬ووجب عليه ترك المحرمات‪ ،‬فإذا جهلها‬
‫خل ِقَ له‪ ،‬فمتى فرط مع قدرته اعْت ُب َِر ملومًا‪.‬‬ ‫لزمه البحث والسؤال عما ُ‬
‫ول شك أنه يوجد في الفترات من يجهل السلم‪ ،‬ولم يصل إليه عنه خبر‪،‬‬
‫وكذا من يصل إليه خبر السلم مشوها ً محرفًا‪ ،‬أو ناقصًا‪ ،‬ول يستطيع‬
‫حق‬ ‫ذر وي ُل ْ َ‬ ‫الوصول إلى من يعّرفه السلم والتوحيد الصحيح‪ ،‬فمثل هذا قد ي ُعْ َ‬
‫بأهل الفترات‪ ،‬ولكن الغالب أنه يقلد من قبله‪ ،‬ويتبع من يصده عن الهدى‪،‬‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيكون معه في العذاب‪ ،‬كما قال تعالى‪) :‬قالت أخراهم لولهم ربنا هؤلء‬
‫ف ولكن ل تعلمون * وقالت‬ ‫أضلونا فآتهم عذابا ً ضعفا ً من النار قال لكل ضع ٌ‬
‫أولهم لخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم‬
‫تكسبون()العراف‪ (39-38:‬الية‪ ،‬فأخراهم التباع‪ ،‬والتباع‪ ،‬الذين أضلهم من‬
‫قبلهم‪.‬‬
‫وقال تعالى‪) :‬إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم‬
‫السباب * وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا(‬
‫)البقرة‪ (167-166:‬فالذين اتبعوا هم البناء والمتأخرون الذين أضلهم من‬
‫قبلهم‪ ،‬أخبر بأنهم رأوا العذاب‪ ،‬وتقطعت بهم السباب‪.‬‬
‫ً‬
‫وقال تعالى‪) :‬فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون‬
‫عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم()إبراهيم‪(21:‬‬
‫فالضعفاء هم الولد والحفاد الذين قلدوا من قبلهم فل ينجون من العذاب‪.‬‬
‫وقال تعالى‪) :‬وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل()الحزاب‪:‬‬
‫‪ ،(67‬عذبهم باتباعهم أكابرهم على الضلل‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وقال تعالى‪) :‬يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لول أنتم لكنا مؤمنين(‬
‫إلى قوله عنهم‪) :‬بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له‬
‫أندادًا()سبأ اليات‪.(32-31:‬‬
‫وقال تعالى عنهم وهم في النار‪) :‬قالوا بل أنتم ل مرحبا بكم أنتم قدمتموه‬
‫لنا فبئس القرار * قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ً ضعفا ً في النار()ص‪:‬‬
‫‪ .(61-60‬وقال تعالى‪) :‬ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين‬
‫يضلونهم بغير علم()النحل‪ (25:‬وفي الحديث‪" :‬من دعا إلى ضللة كان عليه‬
‫وزرها ووزر من عمل بها ل ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا"‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫وكل هذه الدلة ونحوها كثير واضحة في أن التباع يعذبون مع أكابرهم ومن‬
‫قبلهم ممن دعاهم إلى الضلل وأوقعهم في الكفر والشرك‪ ،‬وتدل على أن‬
‫في إمكانهم اّتباع الحق الذي كان موجودا ً بعد النبياء والرسل‪ ،‬لكن غّيره من‬
‫أغواهم الشيطان‪.‬‬
‫وقد ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬رأيت عمرو بن‬
‫لحي يجر قصبه في النار‪ ،‬وهو أول من غّير دين إبراهيم"‪ ،‬وفي حديث ابن‬
‫مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن أول من سيب السوائب وعبد‬
‫الصنام أبو خزاعة عمرو بن عامر"‪.‬‬
‫قال ابن كثير عند قوله تعالى‪) :‬ما جعل الله من بحيرة()المائدة‪ (103:‬بعد أن‬
‫ساق أحاديث في معناها‪" ،‬فعمرو هذا هو ابن لحي بن قمعة‪ ،‬أحد رؤساء‬
‫خزاعة الذين ولوا البيت بعد جرهم‪ ،‬وكان أول من غير دين إبراهيم الخليل‪،‬‬
‫فأدخل الصنام إلى الحجاز‪ ،‬ودعا الرعاع من الناس إلى عبادتها‪ ،‬والتقرب‬
‫بها‪ ،‬وشرع لهم هذه الشرائع الجاهلية في النعام وغيرها‪ ،‬إلى آخر كلمه‬
‫رحمه الله"‪.‬‬
‫وقد دل الحديث على أن العرب كانوا على ملة إبراهيم وإسماعيل‪ ،‬ثم حدث‬
‫بعد ذلك التغيير وعبادة الصنام بسبب عمرو بن لحي وغيره‪.‬‬
‫ول شك أن العرب يدركون أن دينهم باطل‪ ،‬كما انتبه لذلك بعضهم كقس بن‬
‫ساعدة‪ ،‬وزيد بن عمرو بن نفيل‪ ،‬وورقة بن نوفل‪ ،‬ففي تراجمهم وأخبارهم ما‬
‫يدل على أنهم أنكروا ما عليه قومهم‪ ،‬وأهل بلدهم من الشرك وعبادة‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قة‬‫الصنام‪ ،‬فمنهم من ترك عبادة غير الله كزيد بن عمرو الذي قال في ح ّ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬إنه يبعث يوم القيامة أمة وحده"‪ .‬وقال‪" :‬رأيته‬
‫ل"‪ ،‬وكذا ما ذكر في خطبة قس بن ساعدة التي نبه‬ ‫في الجنة يسحب ذيو ً‬
‫فيها على الدين الصحيح‪ ،‬واستدل باليات والمخلوقات على وحدانية الله‬
‫تعالى‪ ،‬إلى غير ذلك‪.‬‬
‫فأما غيرهم فقد ورد في حديث عياض بن حمار‪" :‬أن الله نظر إلى أهل‬
‫الرض فمقتهم عربهم وعجمهم إل بقايا من أهل الكتاب" رواه مسلم‪ .‬وهو‬
‫دليل على أن هناك بقايا قد تمسكوا بالدين الموروث عن أهل الكتاب‪.‬‬
‫وكما تدل عليه قصة سلمان الفارسي حيث تنقل من عالم إلى عالم‪ ،‬يأخذ‬
‫عنه التوحيد والعبادة‪ ،‬إلى أن هاجر إلى المدينة‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫مصير أطفال المسلمين وأطفال المشركين‬
‫السؤال‪-:‬‬
‫نرجو بيان القول الفصل والراجح في مصير أطفال المسلمين وأطفال‬
‫المشركين بالتفصيل مع ذكر الدلة من الكتاب والسنة؟‬
‫الجواب‪-:‬‬
‫ُيراد بالطفال كل من مات قبل البلوغ ولم يدرك التكليف‪.‬‬
‫‪ #‬فأما أولد المسلمين ‪ ،‬فالصحيح‪ :‬أنهم في الجنة مع آبائهم‪ ،‬وينتظرونهم‬
‫عند أبواب الجنة‪ ،‬ويقال في الدعاء له عند موته في الصلة عليه‪" :‬اللهم‬
‫أجعله ذخرا ً لوالديه وفرطا ً وأجرا ً وشفيعا ً مجابًا‪ ،‬الله ثقل به موازينهما إلخ‪."..‬‬
‫وقد ذكر ابن كثير عند تفسير قوله تعالى‪) :‬وما كنا معذبين حتى نبعث رسو ً‬
‫ل(‬
‫)السراء‪ : (15:‬أن القاضي أبا يعلى حكى عن المام أحمد أنه قال‪" :‬ل‬
‫يختلف فيهم أنهم من أهل الجنة"‪ .‬وقد يستدل على ذلك بقوله تعالى‪:‬‬
‫)والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتنهم من عملهم‬
‫من شيء كل امرئ بما كسب رهين()الطور‪.(21:‬‬
‫فار‪ ،‬ففيهم خلف‬ ‫‪ #‬فأما أولد المشركين الذين ماتوا قبل البلوغ وآباؤهم ك ّ‬
‫طويل‪ ،‬وقد تكلم عليهم ابن القيم في طريق الهجرتين في الطبقة الرابعة‬
‫عشرة من طبقات المكلفين‪ ،‬فذكر فيهم ثمانية أقوال‪:‬‬
‫الول‪ :‬الوقف فيهم وترك الشهادة بأنهم في الجنة أو في النار‪ ،‬ودليله ما في‬
‫الصحيحين عن أبي هريرة وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫سئل عمن يموت وهو صغير من أولد المشركين فقال‪" :‬الله أعلم بما كانوا‬
‫عاملين"‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنهم في النار‪ :‬لما روى أبو عقيل عن بهية عن عائشة أنها سألت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولد المشركين قال‪" :‬في النار" وأبو‬
‫عقيل ضعيف‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنهم في الجنة لما في حديث سمرة الطويل في المنام عند البخاري‬
‫لما ذكر أن الولدان مع إبراهيم الخليل قيل له‪" :‬وأولد المشركين؟" قال‪:‬‬
‫"وأولد المشركين"‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬أنهم في منزلة بين المنزلتين بين الجنة والنار‪ ،‬كأصحاب العراف‪ ،‬ثم‬
‫أنكر هذا القول ورده‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬أنهم تحت المشيئة‪ ،‬وهذا قول المرجئة‪.‬‬
‫السادس‪ :‬أنهم خدم أهل الجنة‪ ،‬يعني الولدان الذين ذكرهم الله بقوله‪:‬‬
‫)يطوف عليهم ولدان مخلدون()الواقعة‪.(17:‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وذكر عن الدار قطني حديثا ً عن أنس مرفوعًا‪" :‬سألت ربي للهين من البشر‬
‫أن ل يعذبهم‪ ،‬فأعطانيهم فهم خدام أهل الجنة"‪ ،‬وهو حديث ضعيف‪.‬‬
‫السابع‪ :‬أن حكمهم حكم آبائهم في الدنيا والخرة‪ ،‬فكما هم منهم في الدنيا‬
‫فهم منهم في الخرة‪ ،‬أي لو أسلم الباء بعد موت الطفال كان أولدهم‬
‫معهم في الحكم‪.‬‬
‫الثامن‪ :‬أنهم يمتحنون في عرصات القيامة ويرسل إليهم هناك رسول‪ ،‬وإلى‬
‫كل من لم تبلغه الدعوة‪ ،‬فمن أطاع الرسول دخل الجنة‪ ،‬ومن عصاه دخل‬
‫النار‪ ،‬وعلى هذا فيكون بعضهم في الجنة وبعضهم في النار‪ ،‬ويكون قوله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬الله أعلم بما كانوا عاملين"‪ ،‬أي‪ :‬عند امتحانهم‬
‫واختبارهم يظهر معلوم الله فيهم‪ ،‬ويتبين من يعلم الله فيه الخير أو الشر‪،‬‬
‫ويجازون حسب ما يعلم الله فيهم من الهلية واستحقاق الثواب أو العقاب‪.‬‬
‫وقد وردت بذلك أخبار كثيرة‪ ،‬ذكر بعضها ابن كثير عند تفسير قوله تعالى‪:‬‬
‫ل()السراء‪ (15:‬وابن القيم في الطبقة‬ ‫)وما كنا معذبين حتى نبعث رسو ً‬
‫الرابعة عشرة في القول الثامن فيهم في آخر طريق الهجرتين‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫كيف حكم عليهم بأنهم من أهل النار؟‬
‫السؤال‪-:‬‬
‫م على‬ ‫حك ََ‬
‫َ‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫صلى‬ ‫النبي‬ ‫أن‬ ‫وورد‬ ‫يختبرون‪،‬‬ ‫الفترة‬ ‫أهل‬ ‫ورد بأن‬
‫بعض من مات قبل الرسالة بالنار فعندما سأله رجل عن أبيه فقال‪" :‬أبوك‬
‫في النار"‪ .‬ثم قال له‪" :‬إن أبي وأباك في النار"‪ .‬فكيف حكم عليهم بأنهم من‬
‫أهل النار مع أنهم ماتوا قبل مجيء الرسالة؟ أليسوا من أهل الفترة ؟‬
‫الجواب‪-:‬‬
‫وردت أحاديث كثيرة في امتحانهم في الدار الخرة ذكرها ابن كثير في‬
‫ل()السراء‪ (15:‬وابن‬ ‫تفسير قوله تعالى‪) :‬وما كنا معذبين حتى نبعث رسو ً‬
‫القيم في كتابه‪" :‬طريق الهجرتين" في الطبقة الرابعة عشرة من طبقات‬
‫المكلفين‪.‬‬
‫وأشهرها حديث السود بن سريع الذي رواه المام أحمد بسند صحيح عنه أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬أربعة يحتجون يوم القيامة‪ ،‬رجل أصم ل‬
‫يسمع‪ ،‬ورجل هرم‪ ،‬ورجل أحمق‪ ،‬ورجل مات في الفترة" وفيه‪" :‬فيأخذ‬
‫مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم رسول أن ادخلوا النار‪ ،‬فوالذي نفسي بيده‬
‫لو دخلوها لكانت عليهم بردا ً وسلمًا"‪ ،‬ثم رواه عن أبي هريرة وقال في‬
‫آخره‪" :‬فمن دخلها كانت عليه بردا ً وسلمًا‪ ،‬ومن لم يدخلها رد إليها"‪.‬‬
‫ومنها حديث أبي سعيد الخدري رواه محمد بن يحيى الذهلي والبزار عن‬
‫عطية العوفي عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬الهالك في‬
‫الفترة‪ ،‬والمعتوه والمولود يقول الهالك في الفترة لم يأتني كتاب‪ ،‬ويقول‬
‫المعتوه‪ :‬رب لم تجعل لي عقل ً أعقل به خيرا ً ول شرًا‪ ،‬ويقول المولود‪ :‬رب‬
‫لم أدرك العقل‪ ،‬فترفع لهم نار فيقال لهم‪ :‬ردوها‪ .‬قال‪ :‬فيردها من كان في‬
‫علم الله سعيدا ً لو أدرك العمل‪ ،‬ويمسك عنها من كان في علم الله شقيا ً لو‬
‫أدرك العمل‪ ،‬فيقول‪ :‬إياي عصيتم فكيف لو أن رسلي أتتكم"‪ .‬وفي رواية‬
‫البزار‪" :‬فكيف برسلي بالغيب" قال بزار‪ :‬ل يعرف إل من طريق عطية عنه‪.‬‬
‫ومنها حديث معاذ بن جبل ذكره عن محمد بن المبارك الصوري‪ ،‬بإسناده عنه‬
‫ل‪ ،‬وبالهالك في الفترة وبالهالك‬ ‫مرفوعًا‪" :‬يؤتى يوم القيامة بالممسوخ عق ً‬
‫صغيرًا‪ ،‬فيقول الممسوخ‪ :‬يا رب لو آتيتني عقل ً ما كان من آتيته عقل ً بأسعد‬
‫مني‪ ،‬وذكر في الهالك في الفترة والصغير نحو ذلك‪ ،‬فيقول الرب عز وجل‪:‬‬
‫إني آمركم بأمر فتطيعوني فيقولون‪ :‬نعم‪ ،‬فيقول‪ :‬اذهبوا فادخلوا النار‪ .‬قال‪:‬‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولو دخلوها ما ضرتهم‪ ،‬فتخرج عليهم قوابض فيظنون أنها قد أهلكت ما خلق‬
‫الله من شيء‪ ،‬فيرجعون سراعا ً ثم يأمرهم الثانية فيرجعون كذلك‪ ،‬فيقول‬
‫الرب عز وجل‪ :‬قبل أن أخلقكم علمت ما أنتم عاملون وعلى علمي خلقتكم‬
‫وإلى علمي تصيرون‪ ،‬ضميهم‪ ،‬فتأخذهم النار"‪ ،‬وفي إسناده ضعف‪ .‬لكن‬
‫وى بالشواهد والطرق الخرى والحاديث التي ذكرها ابن كثير وغيره‪.‬‬ ‫يتق ّ‬
‫فهذه الحاديث بمجموعها تثبت جنس المتحان في يوم القيامة‪ ،‬حتى ل يعذب‬
‫الله تعالى من ل يستحق العذاب‪.‬‬
‫وقد نقل ابن القيم وابن كثير عن ابن عبدالبر أنه قال‪" :‬أهل العلم ينكرون‬
‫أحاديث هذا الباب‪ ،‬لن الخرة ليست دار عمل ول ابتلء‪ ،‬وكيف يكلفون‬
‫دخول النار وليس ذلك في وسع المخلوقين‪ ،‬والله تعالى ل يكلف نفسا ً إل‬
‫وسعها" اهـ‪.‬‬
‫وأجاب ابن القيم بوجوه‪:‬‬
‫منها ‪ :‬أن أهل العلم لم يتفقوا على إنكارها‪ ،‬بل صححوا بعضها‪ ،‬فحديث‬
‫السود رواه أحمد وإسحاق وابن المديني‪ ،‬فهو أجود من كثير من أحاديث‬
‫الحكام‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن أبا الحسن الشعري حكى هذا المذهب عن أهل السنة‪ ،‬فدل على‬
‫أنهم عملوا بالحاديث‪ ،‬وذكر البيهقي في العتقاد له‪ :‬أن بعض الئمة نصوا‬
‫على المتحان‪ ،‬وقالوا‪ :‬ل ينقطع إل بدخول دار القرار‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬ما في الصحيح‪ :‬في الرجل الذي هو آخر أهل الجنة دخول ً الجنة‪ ،‬وأنه‬
‫يعطي ربه عهودا ً ومواثيق أن ل يسأل غير ما سأل‪ ،‬ثم يسأل‪ ،‬فيقول الله له‪:‬‬
‫ويحك يا ابن آدم ما أغدرك‪ ،‬فالغدر مخالفة للعهد الذي عاهد عليه ربه‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ومنها ‪ :‬قوله تعالى‪) :‬ويدعون إلى السجود فل يستطيعون()القلم‪ ،(42:‬فهو‬


‫صريح في أن الله يدعوهم إلى السجود في القيامة‪ ،‬وأن الكفار ل‬
‫يستطيعونه إلى آخر كلمه رحمه الله تعالى‪.‬‬
‫فأما الذين جزم لهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم من أهل النار‪ ،‬فلعله‬
‫قد اطلع على ذلك كما تقدم أنه رأى عمرو بن لحي يجر قصبه في النار‪ ،‬أي‬
‫أمعاءه؛ لنه أول من غّير دين إبراهيم‪ ،‬وهكذا قوله في حديث ابن مسعود‬
‫عند أبي داود‪" :‬الوائدة والموؤودة في النار"‪ ،‬وفي رواية‪" :‬إل أن تدرك‬
‫الوائدة السلم فتسلم"‪ ،‬ذكره ابن كثير‪ ،‬وقال‪ :‬إسناده حسن‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫‪ ...‬القامة بين غير المسلمين لحديثي العهد بالسلم‬


‫الشيخ‪/‬د‪ .‬سعود الفنيسان )عضو هيئة التدريس بجامعة المام سابقًا(‬
‫‪24/3/1424‬‬
‫‪25/05/2003‬‬
‫ازدادت في العقود الخيرة ‪-‬وبشكل بارز‪ -‬ظاهرة السفر والتنقل إلى البلد‬
‫الغربية ؛ بهدف العمل أو الدراسة ‪ .‬ومع تنامي هذه الرحلت؛ لعله من‬
‫المناسب التذكير بأهم شروط سفر المسلم إلى تلك البلد‪ ,‬وهي ثلثة‪:‬‬
‫الول‪ :‬وجود دين يمنعه من الوقوع في الشهوات المحرمة‪.‬‬
‫والثاني‪:‬أن يكون لدى المسلم المسافر علم يدفع به الشبهات التي تصادفه‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والثالث‪ :‬أن يكون محتاجا ً إلى السفر‪ ،‬كأن يكون مريضا ً يطلب العلج‪ ،‬أو‬
‫مرافقا ً لمريض‪ ،‬أو لتجارة مباحة‪ ،‬أو لطلب علم ل يجده عند المسلمين‪ ،‬أو‬
‫لغرض الدعوة ونشر الدين‪...‬إلخ‪.‬‬
‫وعليه أن يظهر شعائر دينه أثناء سفره هذا‪ ،‬وأن يكره ما عليه أهل الكفر من‬
‫باطل وهوى‪.‬‬
‫وهذه الشروط تنطبق على من أسلم حديثا ً وهو في ديار الكفار‪ ،‬غير أن‬
‫الهجرة إلى بلد مسلم ‪-‬إن تمكن من ذلك‪ -‬فتنبغي له المبادرة إليها‪ ،‬أما إذا‬
‫لم يتمكن فلم يجد من يستقبله من ديار المسلمين؛ فل شيء عليه حينئذ‪.‬‬
‫فقد ثبت أن عددا ً من أهل مكة وغيرها بقوا في ديارهم حتى أتتهم الفرصة‬
‫فقدموا على النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬في المدينة‪ ،‬أو وافوه في الطريق‬
‫في بعض الغزوات فجاهدوا معه‪ ،‬ولم يأمرهم الرسول ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪) -‬والحالة هذه( بالهجرة إليه‪ ،‬ولم يستفصل منهم هل هم عاجزون عن‬
‫الهجرة‪ ،‬أم ل؟ ومن هؤلء عمه العباس بن عبد المطلب ‪-‬رضي الله عنه‪.-‬‬
‫ونعيم النحام لما أراد أن يهاجر جاء إليه قومه المشركون من بني عدي‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬أقم عندنا وأنت على دينك‪ ،‬وكان يقوم بيتامى بني عدي وأراملهم‬
‫فبقي عندهم‪ ،‬ولما جاء فتح مكة قال له النبي –صلى الله عليه‬
‫وسلم‪":-‬قومك كانوا خيرا ً من قومي لي‪ ،‬قومي أخرجوني وأرادوا قتلي‪،‬‬
‫وقومك حفظوك ومنعوك" ومعلوم أن عددا ً ليس بالقليل من المؤمنين غير‬
‫المستضعفين تأخرت هجرتهم‪ ،‬ولو كانت الهجرة واجبة على الفور لمرهم‬
‫الرسول –صلى الله عليه وسلم‪ -‬بذلك وأنكر على من تخلف منهم‪.‬‬
‫ويجب أن يعلم أن الهجرة في مفهوم القرآن الكريم والسنة النبوية ليست‬
‫عملية انهزام وهروب؛ ولكنها عمل حركي للنتقال من دار الباطل إلى دار‬
‫الحق‪ ،‬وليست عملية انسحابية؛ ولكنها تحيز إلى فئة هي جماعة من‬
‫المسلمين في أي بقعة من الرض‪ ،‬ليقيم المسلم معهم شعائر دينه دون‬
‫معاناة أو تضييق‪ ،‬والكل يعلم أن أكثر المسلمين الذين يفتنون في دينهم من‬
‫القليات ‪-‬في ديار الكفر‪ -‬غير قادرين على الهجرة‪ ،‬فهم معذورون شرعًا‪ ،‬ل‬
‫سيما أنه ل يكاد يوجد من دول السلم من تقبل مثل هؤلء بأن يدخل هؤلء‬
‫باسم الهجرة الشرعية ويعاملوا على أساسها‪ ،‬وكل جماعة مسلمة ‪-‬وإن قل‬
‫عددها في بلد الكفر‪ -‬تقدر على النعزال والتفرد عن الكفار شعوريا ً على‬
‫القل وهو الهم‪ ،‬كما أنها تستطيع أن تندمج عمليا ً في ذلك المجتمع دون‬
‫ذوبان أو تبعية؛ بل يستطيع المسلم الجديد إذا أقام في بلده الكافر أن يظهر‬
‫شعائر دينه‪ ،‬وينشر السلم والدعوة إليه ربما أكثر من غيره لمعرفته بأوضاع‬
‫البلد وقوانينها وعادات أهلها‪ ،‬ويستخدم من وسائل الدعوة وطرقها ما قد‬
‫يجهله غيره‪.‬‬
‫كما أن الهجرة الواجبة في القرآن والسنة‪ ،‬والتي كان يبايع عليها النبي الناس‬
‫هي‪ :‬الهجرة إلى الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أما البيعة فأمر زائد على‬
‫الهجرة‪ ،‬وهذا كان قبل الفتح‪ ،‬أما بعد فتح مكة )فل هجرة‪ ،‬ولكن جهاد ونية(‬
‫وجاء في الحديث الصحيح "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويديه‬
‫والمهاجر من هجر ما نهاه الله عنه" فتعدد معاني الجهاد والهجرة في السلم‬
‫فيه سعة ويسر على المسلمين؛ ليؤخذ لكل زمن منه ما يناسبه‪ ،‬أما طلب‬
‫العلم الشرعي وأحكامه للمسلم الجديد فيمكنه أن يأخذ ذلك عمن هو أعلم‬
‫منه مباشرة إن تيسر له ذلك‪ ،‬أو يأخذه من كتاب شرعي معتمد‪ ،‬أو يتلقى‬
‫المعرفة الضرورية عن طريق وسائل التصال الحديثة التي قربت البعيد‪،‬‬
‫وجمعت المتفرق من‪ :‬إذاعة مسموعة‪ ،‬أو مرئية‪ ،‬وعبر قنوات فضائية‪ ،‬أو‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إنترنت‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫وفق الله الجميع إلى كل خير‪ ،‬وثبتنا على الحق حيثما كنا‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫المام أبو حنيفة‬


‫يحكى أنه في القرن الول الهجري كان هناك شابا ً تقيا ً يطلب العلم ومتفرغ‬
‫له ولكنه كان فقيرا جدا وفي يوم من اليام خرج من بيته من شدة الجوع‬
‫ولنه لم يجد ما يأكله فانتهى به الطريق إلى أحد البساتين والتي كانت مملؤة‬
‫بأشجار التفاح وكان أحد أغصان شجرة منها متدليا ً في الطريق‪..‬فحدثته‬
‫نفسه أن يأكل هذه التفاحة ويسد بها رمقه ول أحد يرى ولن ينقص هذا‬
‫البستان بسبب تفاحة واحدة‪ ..‬فقطف تفاحة واحدة وجلس يأكلها حتى ذهب‬
‫جوعه ولما رجع إلى بيته بدأت نفسه تلومه ‪..‬وهذا هو حال المؤمن دائما ً‬
‫جلس يفكر ويقول كيف أكلت هذه التفاحة وهي مال لمسلم ولم أستأذن منه‬
‫ولم أس تسمحه‪..‬‬
‫فذهب يبحث عن صاحب البستان حتى وجده فقال له الشاب يا سيدي ‪:‬‬
‫بالمس بلغ بي الجوع مبلغا ً عظيما ً وأكلت تفاحة من بستانك من دون علمك‬
‫وها أنا ذا اليوم أستأذنك فيها‪...‬‬
‫فقال له صاحب البستان ‪ ..‬والله ل أسامحك بل أنا خصمك يوم القيامة عند‬
‫الله‪...‬‬
‫بدأ الشاب المؤمن يبكي ويتوسل إليه أن يسامحه‬
‫وقال له أنا مستعد أن أعمل أي شي بشرط أن تسامحني وتحللني‬
‫وبدأ يتوسل إلى صاحب البستان وصاحب البستان ل يزداد إل إصرارا وذهب‬
‫وتركه‬
‫والشاب يلحقه ويتوسل إليه حتى دخل بيته وبقي الشاب عند البيت ينتظر‬
‫خروجه إلى صلة العصر‪..‬‬
‫فلما خرج صاحب البستان وجد الشاب لزال واقفا ً‬
‫ودموعه التي تحدرت على لحيته فزادت وجهه نورا ً غير نور الطاعة والعلم‪..‬‬
‫فقال الشاب لصاحب البستان يا سيدي إنني مستعد للعمل فلحا ً في هذا‬
‫البستان‬
‫من دون أجر باقي عمري أو أي أمر تريد‬
‫ولكن بشرط أن تسامحني عندها‪..‬‬
‫أطرق صاحب البستان يفكر ثم قال بابني إنني مستعد أن أسامحك الن‪...‬‬
‫لكن بشرط‪..‬‬
‫فرح الشاب وتهلل وجهه بالفرح وقال اشترط ما بدا لك يا سيدي‬
‫فقال صاحب البستان شرطي هو أن تتزوج ابنتي‪..‬‬
‫صدم الشاب من هذا الجواب ذهل ولم يستوعب بعد هذا الشرط‬
‫ثم أكمل صاحب البستان قوله‪ ...‬ولكن يا ابني أعلم‬
‫أن ابنتي عمياء‬
‫وصماء‬
‫وبكماء‬
‫وأيضا مقعدة ل تمشي‬
‫ومنذ زمن استأمنه عليها‬
‫ويقبل بها بجميع مواصفاتها التي ذكرتها فإن وافقت عليها سامحتك‪..‬‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صدم الشاب مرة أخرى بهذه المصيبة الثانية‪..‬‬


‫وبدأ يفكر كيف يعيش مع هذه العلة خصوصا ً أنه لزال في مقتبل العمر‪..‬‬
‫وكيف تقوم بشوءنه وترعي بيته وتهتم به وهي بهذه العاهات؟؟‬
‫بدأ يحسبها ويقول أصبر عليها في الدنيا ولكن أنجو من ورطة التفاحة‪..‬‬
‫ثم توجه إلى صاحب البستان وقال له يا سيدي قد قبلت بابنتك‬
‫وأسأل الله أن يجازيني على نيتي وأن يعوضني خيرا ً مما أصابني‪..‬‬
‫فقال صاحب البستان‪ ...‬حسنا ً ‪..‬‬
‫موعدك الخميس القادم عندي في البيت لوليمة زواجك وأنا أتكفل لك‬
‫بمهرها‪..‬‬
‫فلما كان يوم الخميس جاء هذا الشاب متثاقل الخطى‪..‬‬
‫حزين الفؤاد‪ ..‬منكسر الخاطر‪ ..‬ليس كأي زوج ذاهب إلى يوم عرسه‬
‫فلما طرق الباب فتح له أبوها وأدخله البيت وبعد أن تجاذبا أطراف الحديث‬
‫قال له يا ابني ‪..‬‬
‫تفضل بالدخول على زوجتك وبارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما على خير‬
‫وأخذه بيده وذهب به إلى الغرفة التي تجلس فيها ابنته‪..‬‬
‫فلما فتح الباب ورآها‪.....‬فإذا فتاة بيضاء أجمل من القمر‬
‫قد إن سدل شعر كالحرير على كتفيها فقامت‬
‫ومشت إليه فإذا هي ممشوقة القوام‬
‫وسلمت عليه وقالت السلم عليك يا زوجي‪.....‬‬
‫أما صاحبنا فهو قد وقف في مكانه يتأملها وكأنه أمام حورية من حوريات‬
‫الجنة‬
‫نزلت إلى الرض وهو ل يصدق ما يرى ول يعلم الذي حدث‬
‫ولماذا قال أبوها ذلك الكلم!!‪..‬‬
‫ففهمت ما يدور في باله ‪,‬‬
‫فذهبت إليه وصافحته وقبلت يده وقالت‪:‬‬
‫‪ ....‬إنني عمياء من النظر إلى الحرام‬
‫‪ ...‬وصماء من الستماع إلى الحرام‬
‫‪ ....‬وبكماء من الكلم في الحرام‬
‫‪ .....‬ول تخطو رجلي خطوة إلى الحرام‬
‫وإنني وحيدة أبي ومنذ عدة سنوات‬
‫وأبي يبحث لي عن زوج صالح فلما أتيته تستأذنه في تفاحة‬
‫وتبكي من أجلها قال أبي أن من يخاف من أكل تفاحة ل تحل له‪..‬‬
‫حري به أن يخاف الله في ابنتي فهنيئا ً لي بك زوجا ً وهنيئا لبي بنسبك‪..‬‬
‫وبعد عام أنجبت هذه الفتاة من هذا الشاب غلما ً‬
‫كان من القلئل الذين مروا على هذه المة‪..‬‬
‫أتدرون من ذلك الغلم؟؟‬
‫إنه المام أبو حنيفة صاحب المذهب الفقهي المشهور!!!‬
‫نسأل الله أن يرزقنا وإياكم مثل تلك التفاحة‪..‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫المام ابن الجوزي‬


‫أ‪.‬د‪/‬محمد أديب الصالح‬
‫رئيس تحرير مجلة حضارة السلم‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نقدم لقرائنا في هذه الزاوية اليوم ما كتبه المام عبد الرحمن بن الجوزي‬
‫مذكرا ً بحكمة الله في خلقه‪ ،‬وعظيم قدرته في كمال عدالته وحسن تدبيره‪،‬‬
‫المر الذي يعلم الجاهل ويوقظ الغافل‪ ،‬ويزيد في إيمان المؤمن وتسليمه‪،‬‬
‫ويكشف زيف أولئك الجفاة الذين يعترضون –بصغر عقولهم‪ -‬على كل مال‬
‫تدركه عقولهم‪.‬‬
‫فكان –فيما كتب‪ -‬نعم المذكر ونعم المعلم‪.‬‬
‫قال رحمه الله‪:‬‬
‫)رأيت كثيرا ً من المغفلين يظهر عليهم السخط بالقدار‪.‬‬
‫وفيهم من قل إيمانه فأخذ يعترض‪.‬‬
‫وفيهم من خرج إلى الكفر‪ ،‬ورأى أن ما يجري كالعبث‪ ،‬وقال‪ :‬ما فائدة‬
‫العدام بعد اليجاد‪ ،‬والبتلء ممن هو غني عن أذانا!!‬
‫فقلت لبعض ما كان يرمز إلى هذا‪ :‬إن حضر عقلك وقلبك حدثتك‪ ،‬وإن كنت‬
‫تتكلم بمجرد واقعك من غير نظر وإنصاف‪ ،‬فالحديث معك ضائع‪ .‬ويحك‬
‫أحضر عقلك واسمع ما أقول‪:‬‬
‫أليس قد ثبت أن الحق سبحانه مالك‪ ،‬وللمالك الحق أن يتصرف كيف يشاء؟‬
‫أليس قد ثبت أنه حكيم والحكيم ل يعبث؟‬
‫وأنا أعلم أن في نفسك من هذه الكلمة شيئًا؛ فإنه قد سمعنا من جالينوس‬
‫أنه قال‪ :‬ما أدري‪ ،‬أحكيم هو أم ل؟‬
‫والسبب في قوله هذا‪ ،‬أنه رأى نقضا ً بعد إحكام‪ ،‬فقاس الحال على أحوال‬
‫الخلق؛ وهو أن من بنى ثم نقض ل لمعنى فليس بحكيم‪.‬‬
‫وجوابه لو كان حاضرا ً أن يقال‪ :‬بماذا بان لك أن النقض ليس بحكمة؟ أليس‬
‫بعقلك الذي وهبه الصانع لك؟‬
‫وكيف يهب لك الذهن الكامل ويفوته هو الكمال؟‬
‫وهذه هي المحنة التي جرت لبليس؛ فإنه أخذ يعيب الحكمة بعقله‪ ،‬فلو تفكر‬
‫علم أن واهب العقل أعلى من العقل‪ ،‬وأن حكمته أوفى من كل حكيم‪ ،‬لنه‬
‫بحكمته التامة أنشأ العقول‪.‬‬
‫فهذا إذا تأمله المنصف زال عنه الشك‪.‬‬
‫وقد أشار سبحانه إلى نحو هذا في قوله تعالى‪" :‬أله البنات ولكم البنون" أي‬
‫أجعل لنفسه الناقصات وأعطاكم الكاملين‪.‬‬
‫فلم يبق إل أن نضيف العجز عن فهم ما يجري إلى نفسنا‪ ،‬ونقول‪ :‬هذا فعل‬
‫عالم حكيم‪ ،‬ولكن ما يبين لنا معناه‪.‬‬
‫وليس هذا بعجب‪ :‬فإن موسى عليه السلم خفي عليه الحكمة في نقض‬
‫السفينة الصحيحة‪ ،‬وقتل الغلم الجميل‪ ،‬فلما بين له الخضر وجه الحكمة‬
‫أذعن‪ ,‬فليكن المرء مع الخالق‪ ،‬كموسى مع الخضر‪.‬‬
‫أولسنا نرى المائدة المستحسنة بما عليها من فنون الطعام الظريف يقطع‬
‫ويمضغ‪ ،‬ويصير إلى ما نعلم‪ .‬ولسنا نملك ترك تلك الفعال ول ننكر الفساد‬
‫له‪ ،‬لعلمنا بالمصلحة الباطنة فيه‪.‬‬
‫ومن أجهل الجهال‪ :‬العبد المملوك إذا طلب أن يطلع على سر موله‪ ،‬فإن‬
‫فرضه للتسليم ل العتراض‪.‬‬
‫ولو لم يكن في البتلء بما تنكره الطباع إل أن يقصد إذعان العقل وتسليمه‬
‫لكفى‪.‬‬
‫ولقد تأملت حالة عجيبة‪ ،‬يجوز أن يكون المقصود بالموت هي‪ ،‬وذلك أن‬
‫الخالق سبحانه غيب في غيب ل يدركه الحساس؛ فلو أنه لم ينقض تلك‬
‫البنية لتخايل للنسان أنه صنع بل صانع‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإذا وقع الموت عرفت النفس نفسها التي كانت ل تعرفها لكونها في الجسد‪،‬‬
‫وتدرك عجائب المور بعد رحيلها‪.‬‬
‫فإذا ردت إلى البدن عرفت ضرورة أنها مخلوقة لمن أعادها‪ ،‬وتذكرت حالها‬
‫في الدنيا –فإن الذكريات تعاد كما تعاد البدان‪ -‬فيقول قائلهم‪" :‬إنا كنا قبل‬
‫في أهلنا مشفقين"‪.‬‬
‫ومتى رأت ما قد وعدت به من أمور الخرة‪ ،‬أيقنت يقينا ً ل شك معه‪ .‬ول‬
‫يحصل هذا بإعادة ميت سواها‪ .‬وإنما يحصل برؤية المر فيها‪.‬‬
‫فتبنى بنية تقبل البقاء‪ ،‬وتسكن جنة ل ينقضي دوامها‪.‬‬
‫فيصلح بذلك اليقين أن تجاور الحق‪ :‬لنها آمنت بما وعدت‪ ،‬وصبرت بما‬
‫ابتلى‪ ،‬سلمت لقداره‪ ،‬فلم تعترض‪ .‬ورأت في غيرها العبر‪ ،‬ثم في نفسها‪.‬‬
‫ة مرضية فادخلي في عبادي‬ ‫فهذه هي التي يقال لها‪" :‬ارجعي إلى ربك راضي ً‬
‫وادخلي جنتي"‪.‬‬
‫فأما الشاك والكافر‪ :‬فيحق لهما الدخول إلى النار واللبث فيها‪ ،‬لنهما رأيا‬
‫الدلة ولم يستفيدا‪ ،‬ونازعا الحكيم‪ ،‬واعترضا عليه‪ ،‬فعاد شؤم كفرهما يطمس‬
‫قلوبهما‪ ،‬فبقيت نفوسهما على ما كانت عليه‪.‬‬
‫فلما لم تنتفع بالدليل في الدنيا‪ ،‬لم تنتفع بالموت والعادة‪ ،‬ودليل بقاء الخبث‬
‫في القلوب قوله تعالى‪" :‬لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه"‪.‬‬
‫فنسأل الله عز وجل عقل ً مسلما ً يقف على حدة‪ ،‬ول يعترض على خالقه‬
‫وموجده فما يستفيد إل الخزي‪ ،‬نعوذ بالله ممن خذل(‪.‬‬
‫الوقوف على باب الله والتضرع إليه‬
‫من خصال اليمان أن يكون المسلم على مراقبة دائمة لله عز وجل‪،‬‬
‫والوقوف ببابه والتضرع إليه‪ ،‬فإليه المفزع عند المصيبة‪ ،‬وببابه ينزل أهل‬
‫الحاجات حاجاتهم وهو –سبحانه‪ -‬الذي يجيب المضطر إذا دعاه؛ وصدق اللجأ‬
‫إليه‪- ،‬مع العمل‪ -‬سلح أي سلح‪.‬‬
‫قال المام ابن الجوزي رحمه الله‪:‬‬
‫ينبغي للعبد أن يلزم باب موله على كل حال‪ .‬وأن يتعلق بذيل فضله إن‬
‫عصى وإن أطاع‪.‬‬
‫وليكن له أنس في خلوته به‪ ،‬فإن وقعت وحشة فليجتهد في رفع الموحش‬
‫كما قال الشاعر‪:‬‬
‫أمستوحش أنت مما جنيـ ت فأحسن إذا شئت واستأنس‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فإن رأى نفسه مائل ً إلى الدنيا طلبها منه‪ ،‬أو إلى الخرة سأله التوفيق فإن‬
‫خاف ضرر ما يرومه من الدنيا سأل الله إصلح قلبه‪ ،‬وطب مرضه‪ ،‬فإنه إذا‬
‫صلح لم يطلب ما يؤذيه‪.‬‬
‫من كان هكذا في العيش الرغد‪ ،‬غير أن من ضرورة هذه الحال ملزمة‬
‫التقوى فإنه ل يصلح النس إل بها‪.‬‬
‫وقد كان أرباب التقوى يتشاغلون عن كل شيء إل عن اللجأ والسؤال‪.‬‬
‫ف الترك هاله أمرهم فقال‪ :‬أين‬
‫ما صا ّ‬‫وفي الحديث‪ :‬أن قتيبة بن مسلم ل ّ‬
‫محمد بن واسع؟‬
‫فقيل‪ :‬هو في أقصى الميمنة جانح على سبة قوسه يومي بإصبعه نحو‬
‫السماء‪ ،‬فقال قتيبة‪:‬‬
‫ي من مائة ألف شهيد‪ ،‬وسنان طرير‪.‬‬ ‫ب إل ّ‬
‫تلك الصابع الفاردة أح ّ‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فلما فتح عليهم قال له ما كنت تصنع؟‬


‫قال‪ :‬آخذ لك بمجامع الطرق‪.‬‬
‫* مجلة حضارة السلم –السنة ‪– 13‬العدد ‪– 2-1‬ربيع )‪1392 (2-1‬هـ ‪ /‬أيار –‬
‫حزيران ‪1972‬م‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫المام ابن باز‪ ....‬الفاجعة‬


‫العلماء ورثة النبياء‪ ،‬رفعهم الله درجات‪ ،‬وأخبر أنهم أهل خشيته‪ ،‬وأمر الناس‬
‫بسؤالهم وطاعتهم واتباعهم‪ .‬والشيخ ابن باز كان واحدا ً من أولئك العلماء‬
‫العلم‪ ،‬وقد تركت وفاته حيزا ً ل يسده فرد بعينه؛ لن الرجل كان أمة‪،‬‬
‫ولمزيد من فهم وإدراك هذه الحقيقة تأتي هذه المادة حاملة في طياتها نبذة‬
‫موجزة عن حياة الشيخ من ولدته حتى وفاته رحمه الله‪.‬‬
‫مكانة العلماء في المة السلمية ‪ ... ... ...‬لما مرض الشيخ وكان يشتد عليه‬
‫اللم إذا أفاق ‪-‬هذا في آخر أيامه‪ -‬قال لمن حوله من الكتاب والمساعدين‪:‬‬
‫هاتوا ما عندكم‪ ،‬اقرءوا علي‪ .‬فيقرءون الرسائل والخطابات وقضايا الطلق‪،‬‬
‫والشكاوى من المنكرات‪ ،‬وخطابات الشفاعات‪ ..‬وغير ذلك مما ينفع به العباد‬
‫والبلد‪ .‬كان ل يشتكي‪ ،‬جلست بجانبه وهو يتأمل فقلت‪ :‬خيرًا‪ .‬فقال‪ :‬أشكو‬
‫بعض الشيء‪ ،‬وكان إذا اشتد به اللم وقد أصابه سرطان المريء والبلعوم‬
‫في آخر عمره‪ ،‬إذا اشتد عليه اللم تغير لون وجهه‪ ،‬وسكت ووضع يده على‬
‫موضع اللم‪ ،‬ولم يتأوه‪ ،‬ولم يصيح‪ .‬والمام أحمد ‪-‬رحمه الله‪ -‬لما مرض قد‬
‫ن أحمد حتى‬‫سمع أن طاوسا ً كان يقول عن النين‪ :‬إنه شكوى؛ فما أ ّ‬
‫مات‪... .......‬‬
‫أصناف الفرحين بموت الشيخ‬
‫سيشمت بموت الشيخ ويفرح أصناف من أعداء الله‪ ،‬وهذه حقيقة نعرفها‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬المنافقون الذين يريدون عزل السلم عن حياة الناس‪ ،‬وثانيهما‪:‬‬
‫المبتدعة أهل الزيغ والهواء‪ ..‬هؤلء الذين سيفرحون بموت الشيخ عبد‬
‫العزيز ‪ ،‬أصحاب الشهوات الذين كانوا يقولون‪ :‬إن المرأة ستسوق إذا مات‬
‫ابن باز ‪ ،‬وارتحنا من فتاويه المتشددة‪ ،‬ولكن أخزاهم الله تعالى في الفترة‬
‫الماضية‪ ،‬ومات الشيخ وهم في ذل وخيبة ولم يتحقق مقصودهم‪ ،‬ل رفع الله‬
‫لهم رأسًا‪ ،‬ول مكنهم مما يريدون‪ .‬دعاة تحرير المرأة والختلط يريدون موت‬
‫الشيخ بأي طريقة‪ ،‬لن فتاويه عقبة في طريقهم‪ ..‬وهكذا أصحاب الشهوات‬
‫والمنكرات يريدون وفاته والتخلص منه‪ ،‬ولكن الله لهم بالمرصاد‪ ،‬وسيقيض‬
‫من هذه المة من يقوم ويتصدى‪ ،‬والحمد لله أن الدين ل يقوم على شخص‬
‫واحد‪ ،‬وأن في هذه المة أفذاذا ً وأخيارًا‪ ،‬وعلماء ودعاة وطلبة علم يقفون‬
‫بالمرصاد أمام دعاوى هؤلء أرباب الشهوات‪ ،‬وهؤلء المنافقين الذين يريدون‬
‫عزل الدين عن حياة المسلمين‪.‬سيشمت بموت الشيخ ويفرح أصناف من‬
‫أعداء الله‪ ،‬وهذه حقيقة نعرفها‪ :‬أولهما‪ :‬المنافقون الذين يريدون عزل‬
‫السلم عن حياة الناس‪ ،‬وثانيهما‪ :‬المبتدعة أهل الزيغ والهواء‪ ..‬هؤلء الذين‬
‫سيفرحون بموت الشيخ عبد العزيز ‪ ،‬أصحاب الشهوات الذين كانوا يقولون‪:‬‬
‫إن المرأة ستسوق إذا مات ابن باز ‪ ،‬وارتحنا من فتاويه المتشددة‪ ،‬ولكن‬
‫أخزاهم الله تعالى في الفترة الماضية‪ ،‬ومات الشيخ وهم في ذل وخيبة ولم‬
‫يتحقق مقصودهم‪ ،‬ل رفع الله لهم رأسًا‪ ،‬ول مكنهم مما يريدون‪ .‬دعاة تحرير‬
‫المرأة والختلط يريدون موت الشيخ بأي طريقة‪ ،‬لن فتاويه عقبة في‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫طريقهم‪ ..‬وهكذا أصحاب الشهوات والمنكرات يريدون وفاته والتخلص منه‪،‬‬


‫ولكن الله لهم بالمرصاد‪ ،‬وسيقيض من هذه المة من يقوم ويتصدى‪ ،‬والحمد‬
‫لله أن الدين ل يقوم على شخص واحد‪ ،‬وأن في هذه المة أفذاذا ً وأخيارًا‪،‬‬
‫وعلماء ودعاة وطلبة علم يقفون بالمرصاد أمام دعاوى هؤلء أرباب‬
‫الشهوات‪ ،‬وهؤلء المنافقين الذين يريدون عزل الدين عن حياة‬
‫المسلمين‪... ... ... .‬‬
‫عزاء المة في وفاة الشيخ ابن باز ‪... ...‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وأما عزاؤنا في وفاة الشيخ فإن على رأس العزاء موت محمد بن عبد الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬الذي قالت عائشة فيه‪) :‬فتح رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم بابا ً بينه وبين الناس في آخر عمره‪ ،‬فإذا الناس يصلون وراء أبي‬
‫بكر ‪ ،‬فحمد الله على ما رأى من حسن حالهم‪ ،‬رجاء أن يخلفه الله فيهم‬
‫بالذي رآهم‪ ،‬فقال‪ :‬يا أيها الناس‪ ..‬أيما أحد من المؤمنين أصيب بمصيبة‬
‫فليتعز بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري‪ ،‬فإن أحدا ً من أمتي لن‬
‫يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي( رواه ابن ماجة وهو حديث‬
‫ل‪ :‬نتعزى بالمصاب الذي لقيناه ولقيته‬ ‫صحيح‪ .‬فعزاؤنا في موت الشيخ‪ ،‬أو ً‬
‫المة بوفاة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فكل مصيبة دونه تهون‪،‬‬
‫وعزاؤنا في الطلب الذين تركهم‪ ،‬والعلماء الذين خرجهم هذا الشيخ الفاضل‪،‬‬
‫ق‬
‫وهذه الكتب والرسائل التي سطرت علمه‪ ،‬فهو وإن رحل فإن علمه با ٍ‬
‫وموجود فينا‪ ،‬ونحن مسئولون عن نشره وتبليغه‪ ،‬ومن حق الشيخ علينا أن‬
‫نقوم بعد وفاته بنشر علمه وفضله ومناقبه‪ ،‬وأن نترحم عليه‪ ،‬وندعو له‪،‬‬
‫ونتذكر بأسى وحزن أن أرقام الهاتف ]‪ [4354444‬و ]‪ [4351421‬في‬
‫الرياض‪ ،‬و ]‪ [5562874‬في مكة ‪ [7460223] ،‬في الطائف ‪ ،‬لن يرفع‬
‫الشيخ سماعته اليوم ليجيب‪ .‬كانت أسئلة الناس يفزع بها إلى الشيخ ليجيب‪،‬‬
‫كانت الملمات تعرض على هذا المجتهد‪ ،‬كنا إذا داهمنا الناس بالسئلة فزعنا‬
‫إلى الشيخ نتصل به وننقل إجابته‪ ،‬فلن يرد علينا الشيخ بعد اليوم في‬
‫المستجدات‪ ،‬ولكن العزاء فيما تركه من الفتاوى‪ ،‬وفي العلماء الذين تركهم‬
‫خلفه‪ ،‬فما من عالم مشهور في البلد إل وللشيخ عليه فضل ومنة‪ .‬ونتذكر‬
‫برؤية جنازته تلك المشاهد العظيمة لجنائز علماء السلم‪ ،‬الذين قال السلف‬
‫فيها‪ :‬آية ما بيننا وما بين أهل البدع يوم الجنائز‪ .‬وسيصلي على الشيخ من‬
‫الجموع الغفيرة من ل يحصى ول يعد‪.‬وأما عزاؤنا في وفاة الشيخ فإن على‬
‫رأس العزاء موت محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬الذي قالت‬
‫عائشة فيه‪) :‬فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم بابا ً بينه وبين الناس في‬
‫آخر عمره‪ ،‬فإذا الناس يصلون وراء أبي بكر ‪ ،‬فحمد الله على ما رأى من‬
‫حسن حالهم‪ ،‬رجاء أن يخلفه الله فيهم بالذي رآهم‪ ،‬فقال‪ :‬يا أيها الناس‪..‬‬
‫أيما أحد من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبته بي عن المصيبة التي‬
‫تصيبه بغيري‪ ،‬فإن أحدا ً من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من‬
‫مصيبتي( رواه ابن ماجة وهو حديث صحيح‪ .‬فعزاؤنا في موت الشيخ‪ ،‬أو ً‬
‫ل‪:‬‬
‫نتعزى بالمصاب الذي لقيناه ولقيته المة بوفاة محمد بن عبد الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فكل مصيبة دونه تهون‪ ،‬وعزاؤنا في الطلب الذين تركهم‪،‬‬
‫والعلماء الذين خرجهم هذا الشيخ الفاضل‪ ،‬وهذه الكتب والرسائل التي‬
‫ق وموجود فينا‪ ،‬ونحن مسئولون‬ ‫سطرت علمه‪ ،‬فهو وإن رحل فإن علمه با ٍ‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن نشره وتبليغه‪ ،‬ومن حق الشيخ علينا أن نقوم بعد وفاته بنشر علمه‬
‫وفضله ومناقبه‪ ،‬وأن نترحم عليه‪ ،‬وندعو له‪ ،‬ونتذكر بأسى وحزن أن أرقام‬
‫الهاتف ]‪ [4354444‬و ]‪ [4351421‬في الرياض‪ ،‬و ]‪ [5562874‬في مكة ‪،‬‬
‫]‪ [7460223‬في الطائف ‪ ،‬لن يرفع الشيخ سماعته اليوم ليجيب‪ .‬كانت‬
‫أسئلة الناس يفزع بها إلى الشيخ ليجيب‪ ،‬كانت الملمات تعرض على هذا‬
‫المجتهد‪ ،‬كنا إذا داهمنا الناس بالسئلة فزعنا إلى الشيخ نتصل به وننقل‬
‫إجابته‪ ،‬فلن يرد علينا الشيخ بعد اليوم في المستجدات‪ ،‬ولكن العزاء فيما‬
‫تركه من الفتاوى‪ ،‬وفي العلماء الذين تركهم خلفه‪ ،‬فما من عالم مشهور في‬
‫البلد إل وللشيخ عليه فضل ومنة‪ .‬ونتذكر برؤية جنازته تلك المشاهد العظيمة‬
‫لجنائز علماء السلم‪ ،‬الذين قال السلف فيها‪ :‬آية ما بيننا وما بين أهل البدع‬
‫يوم الجنائز‪ .‬وسيصلي على الشيخ من الجموع الغفيرة من ل يحصى ول‬
‫يعد‪... .‬‬
‫وصف الحديث بلغة الشعر ‪ ... ... ... ...‬مهج تذوب وأنفس تتحسر ولظى‬
‫على كل القلوب تسعر‬
‫الحزن أضرم في الجوانح والسى يصلى المشاعر باللهيب ويصهر‬
‫ب فادح أكبادنا من هوله تتفطر‬ ‫كيف التحدث عن مصا ٍ‬
‫كل امرئ فينا يدوم تعاسة والبؤس في دمه يغور ويزخر‬
‫لم ل وقد فقدوا أبا ً ومهذبا ً ورعا ً بأنواع المفاخر يذكر‬
‫لما بدا للحاضرين كيانه والنعش يزهو بالفقيد ويفخر‬
‫هلعت لمنظره النفوس كآبة وبدا على كل الوجوه تحسر‬
‫نظروا إليه فصعدت زفراتهم والدمع غمر في المحاجر يحمر‬
‫كل يحاول أن يغطي دمعه لكنه يلقي النقاب فيسفر‬
‫يتزاحمون ليحملوه كأنهم سيل يموج وأبحر ل تجزر‬
‫يا راحل ً ريع الثقات بفقده وبكى تغيبه الحمى والمنبر‬
‫لو كنت تفدى بالنفوس عن الردى لفدتك أنفسنا وما نتأخر‬
‫لكن تلك طريقة مسلوكة وسجية مكتوبة ل تقهر‬
‫كل امرئ في الكون غايته الردى والموت حتم للنام مقدر‬
‫كتب الفناء على النام جميعهم سيان فيهم فاجر ومطهر‬
‫لكن من اتخذ الصلح شعاره تفنى الخليقة وهو حي يذكر‬
‫ما مات من نشر الفضيلة والتقى وأقام صرحا ً أسه ل يكسر‬
‫ما مات من غمر النام بعلمه الكتب تشهد والصحائف تخبر‬
‫يا ناصر السلم ضد خصومه لك في الجهاد مواقف ل تحصر‬

‫)‪(2 /‬‬

‫قد كنت للدين الحنيف معضدا ً وبشرعة الهادي القويم تعبر‬


‫كم من فؤاد عام في لجج الهوى أنقذته أيام كنت تذكر‬
‫بصرته بهدى المشرع فارعوى عن غيه فلك الجزاء الوفر‬
‫طورا ً تحذره العذاب وتارة برضا الله وما أعد تبشر‬
‫ولكم خطبت على النام مذكرا ً أن الحنيف على العباد ميسر‬
‫يا زاهدا ً عرف الحياة فما هوى في المغريات ول سباه المظهر‬
‫نم في جنان الخلد يا علم التقى وانعم بظل وارف ل يحسر‬
‫إن شاء الله‪ .‬اللهم تغمد شيخنا عندك برحمتك يا أرحم الراحمين‪ ،‬وارفع‬
‫منزلته في أعلى عليين‪ ،‬واخلف في عقبه في الغابرين‪ ،‬واخلف على السلم‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأهله بخير يا رب العالمين! اللهم اجبر مصابنا‪ ،‬اللهم اجبر كسرنا‪ ،‬وصبرنا‬
‫على مصابنا‪ ،‬اللهم اجعلنا عاملين بكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫واجعلنا رجاعين لهل العلم‪ ،‬واجعلنا من أهل العلم‪ ،‬واجعلنا أوفياء لهل‬
‫العلم‪ ،‬واجعلنا من الذين ينشرون العلم يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك أن‬
‫تعلي للشيخ درجته في الجنة‪ ،‬وأن تلحقه بمنازل البرار والشهداء والنبياء‪،‬‬
‫وأن تجعله ممن يلتقي بهم يا رب العالمين‪ .‬اللهم إننا شهدنا بأنه صاحب‬
‫فضل وعلم وخير‪ ،‬وإن نبيك محمد صلى الله عليه وسلم قد أخبر أننا‬
‫شهداؤك في الرض‪ ،‬وقد شهدنا له بما له من الخير‪ ،‬وأنت تعلم السر‬
‫وأخفى‪ ،‬وأنت بصير بالعباد‪ ،‬ل نزكي عليك أحدًا‪ ،‬أنت حسيبه وحسيبنا‬
‫وحسيب كل أحد‪ .‬اللهم فإنا نسألك له المغفرة ورفعة الدرجات‪ ،‬انشر‬
‫رحمتك عليه وعلى العباد‪ ،‬اللهم ارزقنا الجنة وأعتقنا من النار نحن ووالدينا‬
‫وأموات المسلمين يا غفار! واعلموا ‪-‬أيها الخوة‪ -‬أن صلة الغائب قد ذكر‬
‫ل‪ ،‬فمنهم من قال‪ :‬ل يصلى عليه إذا صلي عليه كما اختار‬ ‫فيها العلماء أقوا ً‬
‫ذلك ابن القيم وغيره من المحققين‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬يصلى على أئمة الهدى‬
‫صلة الغائب‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬لكل أحد‪ ،‬وقد صدر التوجيه بصلة الغائب‬
‫عليه‪ ،‬نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن رحمهم ورفع درجاتهم‬
‫ومنزلتهم في الجنة إنه سميع مجيب قريب‪ .‬سبحان ربك رب العزة عما‬
‫يصفون‪ ،‬وسلم على المرسلين‪ ،‬والحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫مهج تذوب وأنفس تتحسر ولظى على كل القلوب تسعر‬
‫الحزن أضرم في الجوانح والسى يصلى المشاعر باللهيب ويصهر‬
‫ب فادح أكبادنا من هوله تتفطر‬ ‫كيف التحدث عن مصا ٍ‬
‫كل امرئ فينا يدوم تعاسة والبؤس في دمه يغور ويزخر‬
‫لم ل وقد فقدوا أبا ً ومهذبا ً ورعا ً بأنواع المفاخر يذكر‬
‫لما بدا للحاضرين كيانه والنعش يزهو بالفقيد ويفخر‬
‫هلعت لمنظره النفوس كآبة وبدا على كل الوجوه تحسر‬
‫نظروا إليه فصعدت زفراتهم والدمع غمر في المحاجر يحمر‬
‫كل يحاول أن يغطي دمعه لكنه يلقي النقاب فيسفر‬
‫يتزاحمون ليحملوه كأنهم سيل يموج وأبحر ل تجزر‬
‫يا راحل ً ريع الثقات بفقده وبكى تغيبه الحمى والمنبر‬
‫لو كنت تفدى بالنفوس عن الردى لفدتك أنفسنا وما نتأخر‬
‫لكن تلك طريقة مسلوكة وسجية مكتوبة ل تقهر‬
‫كل امرئ في الكون غايته الردى والموت حتم للنام مقدر‬
‫كتب الفناء على النام جميعهم سيان فيهم فاجر ومطهر‬
‫لكن من اتخذ الصلح شعاره تفنى الخليقة وهو حي يذكر‬
‫ما مات من نشر الفضيلة والتقى وأقام صرحا ً أسه ل يكسر‬
‫ما مات من غمر النام بعلمه الكتب تشهد والصحائف تخبر‬
‫يا ناصر السلم ضد خصومه لك في الجهاد مواقف ل تحصر‬
‫قد كنت للدين الحنيف معضدا ً وبشرعة الهادي القويم تعبر‬
‫كم من فؤاد عام في لجج الهوى أنقذته أيام كنت تذكر‬
‫بصرته بهدى المشرع فارعوى عن غيه فلك الجزاء الوفر‬
‫طورا ً تحذره العذاب وتارة برضا الله وما أعد تبشر‬
‫ولكم خطبت على النام مذكرا ً أن الحنيف على العباد ميسر‬
‫يا زاهدا ً عرف الحياة فما هوى في المغريات ول سباه المظهر‬
‫نم في جنان الخلد يا علم التقى وانعم بظل وارف ل يحسر‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫إن شاء الله‪ .‬اللهم تغمد شيخنا عندك برحمتك يا أرحم الراحمين‪ ،‬وارفع‬
‫منزلته في أعلى عليين‪ ،‬واخلف في عقبه في الغابرين‪ ،‬واخلف على السلم‬
‫وأهله بخير يا رب العالمين! اللهم اجبر مصابنا‪ ،‬اللهم اجبر كسرنا‪ ،‬وصبرنا‬
‫على مصابنا‪ ،‬اللهم اجعلنا عاملين بكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫واجعلنا رجاعين لهل العلم‪ ،‬واجعلنا من أهل العلم‪ ،‬واجعلنا أوفياء لهل‬
‫العلم‪ ،‬واجعلنا من الذين ينشرون العلم يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك أن‬
‫تعلي للشيخ درجته في الجنة‪ ،‬وأن تلحقه بمنازل البرار والشهداء والنبياء‪،‬‬
‫وأن تجعله ممن يلتقي بهم يا رب العالمين‪ .‬اللهم إننا شهدنا بأنه صاحب‬
‫فضل وعلم وخير‪ ،‬وإن نبيك محمد صلى الله عليه وسلم قد أخبر أننا‬
‫شهداؤك في الرض‪ ،‬وقد شهدنا له بما له من الخير‪ ،‬وأنت تعلم السر‬
‫وأخفى‪ ،‬وأنت بصير بالعباد‪ ،‬ل نزكي عليك أحدًا‪ ،‬أنت حسيبه وحسيبنا‬
‫وحسيب كل أحد‪ .‬اللهم فإنا نسألك له المغفرة ورفعة الدرجات‪ ،‬انشر‬
‫رحمتك عليه وعلى العباد‪ ،‬اللهم ارزقنا الجنة وأعتقنا من النار نحن ووالدينا‬
‫وأموات المسلمين يا غفار! واعلموا ‪-‬أيها الخوة‪ -‬أن صلة الغائب قد ذكر‬
‫ل‪ ،‬فمنهم من قال‪ :‬ل يصلى عليه إذا صلي عليه كما اختار‬ ‫فيها العلماء أقوا ً‬
‫ذلك ابن القيم وغيره من المحققين‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬يصلى على أئمة الهدى‬
‫صلة الغائب‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬لكل أحد‪ ،‬وقد صدر التوجيه بصلة الغائب‬
‫عليه‪ ،‬نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن رحمهم ورفع درجاتهم‬
‫ومنزلتهم في الجنة إنه سميع مجيب قريب‪ .‬سبحان ربك رب العزة عما‬
‫يصفون‪ ،‬وسلم على المرسلين‪ ،‬والحمد لله رب العالمين‪... ... ... ... ... .‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫المام اللوسي‬
‫طريق القرآن‬
‫هو محمود بن عبد الله الحسيني اللوسي شهاب الدين‪ ،‬أبو الثناء أديب من‬
‫المجددين‪ ،‬من أهل بغداد‪ ،‬ولد اللوسي في الك َْرخ – موضع بالعراق – سنة‬
‫‪1217‬هـ الموافق ‪1802‬م‪.‬‬
‫كان اللوسي رحمه الله شيخ العلماء في العراق‪ ،‬سلفى العتقاد‪ ،‬مجتهدا‪ً،‬‬
‫نادرة من نوادر اليام‪ ،‬جمع كثيرا ً من العلوم حتى أصبح علمة في المنقول‬
‫والمعقول‪ ،‬فهامة في الفروع والصول‪ ،‬محدثا ً ل ُيجاري‪ ،‬ومفسرا ً لكتاب الله‬
‫ل يبارى‪.‬‬
‫أخذ اللوسي العلم عن فحول العلماء‪ ،‬منهم‪ :‬والده العلمة‪ ،‬والشيخ خالد‬
‫النقشبندى‪ ،‬والشيخ على السويدي‪ ،‬وكان رحمه الله غاية في الحرص على‬
‫تزايد علمه‪ ،‬وتوفير نصيبه منه‪.‬‬
‫اشتغل اللوسي بالتدريس والتأليف وهو ابن ثلث عشرة سنة‪ ،‬ودرس في‬
‫عدة مدارس وقلد إفتاء الحنفية سنة ‪1248‬هـ‪ ،‬فشرع يدرس سائر العلوم‬
‫في داره الملصقة لجامع الشيخ عبد الله العاقولى في الرصافة‪ ،‬وقد تتلمذ‬
‫له وأخذ عنه خلق كثير من قاصي البلد ودانيها‪ ،‬وتخرج عليه جماعات من‬
‫الفضلء من بلد مختلفة كثيرة‪ .‬وكان رحمه الله يواسي طلبته في ملبسه‬
‫ومأكله‪ ،‬ويسكنهم البيوت الرفيعة من منزله‪ ،‬حتى صار في العراق العلم‬
‫المفرد‪ ،‬وأنتهت إليه الرياسة لمزيد فضله الذي ل يحمد‪ ،‬وكان نسيجا ً وحده‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في النثر وقوة التحرير‪ ،‬وغزارة الملء‪ ،‬وجزالة التعبير‪ ،‬وقد أملى كثيرا ً من‬
‫الخطب والرسائل‪ ،‬والفتاوى والمسائل‪ ،‬ولكن أكثر ذلك فقد وعفت آثاره‪،‬‬
‫ولم تظفر اليدى إل بقليل منه‪.‬‬
‫وكان ذا حافظة عجيبة‪ ،‬وفكرة غريبة‪ ،‬وكثيرا ً ما كان يقول‪" :‬ما أستودعت‬
‫ذهنى شيء فخانني‪ ،‬ول دعوت فكرى لمعضلة إل وأجابني"‪ .‬قلد اللوسي‬
‫إفتاء الحنفية سنة ‪1248‬هـ‪ ،‬وولى أوقاف المدرسة المرجانية‪ ،‬إذ كانت‬
‫مشروطة لعلم أهل البلد‪ ،‬وتحقق لدى الوزير الخطير على رضا باشا أنه‬
‫ليس فيها من يدانيه من أحد‪.‬‬
‫كان رحمه الله عالما ً باختلف المذاهب‪ ،‬مطلعا على الملل والنحل‪ ،‬شافعى‬
‫المذهب‪ ،‬إل أنه في كثير من المسائل يقلد المام أبا حنيفة رضى الله عنه‪،‬‬
‫وكان أخر أمره يميل إلى الجتهاد‪ ،‬توفى رحمه الله تعالى يوم الجمعة ‪25‬‬
‫من ذي القعدة سنة ‪1270‬هـ الموافق ‪1845‬م‪ ،‬ودفن مع أهله في مقبرة‬
‫الشيخ المعروف الكرخي في الكرخ‪.‬‬
‫كتبه ومؤلفاته‪:‬‬
‫خلف المام اللوسي رضى الله تعالى عنه ثروة علمية كبيرة ونافعة بيد أنه‬
‫يأتي على رأس هذه المؤلفات كتابه‪ :‬روح المعاني في تفسير القرآن العظيم‬
‫والسبع المثاني الذي نحن بصدده‪.‬‬
‫التعريف بتفسير روح المعاني ونهج مؤلفه فيه‪:‬‬
‫ذكر المام اللوسي في مقدمته أنه منذ عهد الصغر‪ ،‬لم يزل متطلبا‬
‫لستكشاف سر كتاب الله المكتوم‪ ،‬مترقبا ً لرتشاف رحيقه المختوم‪ ،‬وأنه‬
‫ل في‬ ‫طالما فرق نومه لجمع شوارده‪ ،‬وفارق قومه لوصال فرائده‪ ،‬ل ي َْرفَ َ‬
‫مطارف اللهو كما يرفل أقرانه‪ ،‬ول يهب نفائس الوقات لخسائس الشهوات‬
‫كما يفعل لخوانه‪ ،‬وبذلك وفقه الله للوقوف على كثير من حقائقه‪ ،‬وحل‬
‫وفير من دقائقه‪ ،‬وذكر أنه قبل أن يكمل سنه العشرين‪ ،‬شرع يدفع كثير من‬
‫الشكالت التي ترد على ظاهر النظم الكريم‪ ،‬ويتجاهر بما لم ُيظفر به في‬
‫كتاب من دقائق التفسير …‬
‫ثم ذكر أنه كثيرا ً ما خطر له أن ُيحرر كتابا يجمع فيه ما عنده من ذلك‪ ،‬وأنه‬
‫ً‬
‫كان يتردد في ذلك‪ ،‬إلى أن رأى في بعض ليالي الجمعة من شهر رجب سنة‬
‫‪ 1252‬هجريا ً أن الله جل شأنه أمره بطي السماوات والرض‪ ،‬ورتق فتقها‬
‫على الطول والعرض‪ ،‬فرفع يدا ً إلى السماء وخفض الخرى إلى مستقر الماء‬
‫ثم أنتبه من نومه وهو مستعظم لرؤيته‪ ،‬فجعل يفتش لها عن تعبير‪ ،‬فرأى في‬
‫بعض الكتب أنها إشارة إلى تأليف تفسير‪ ،‬فشرع فيه في الليلة السادسة‬
‫عشرة من شهر شعبان من السنة المذكورة‪ ،‬وكان عمره إذ ذاك أربعة‬
‫وثلثين سنة‪ ،‬وذلك في عهد محمود خان بن السلطان عبد الحميد خان‪ .‬وذكر‬
‫في خاتمته أنه انتهى منه ليلة الثلثاء لربع خلون من شهر ربيع الخر سنة‬
‫‪ 1267‬هجريًا‪.‬‬
‫ولما انتهى منه جعل يفكر ما اسمه؟ وبماذا يدعوه؟ فلم يظهر له اسم تهتش‬
‫له الضمائر‪ ،‬وتبتش فسماه‪ " :‬روح المعاني في تفسير القرآن العظيم‬
‫والسبع المثاني"‪.‬‬
‫مكانة روح المعاني من التفاسير التي تقدمته‪ :‬الحق يقال إن تفسير روح‬
‫ي قد أفرغ فيه المام اللوسي وسعه ‪ ,‬وبذل مجهوده حتى أخرجه‬ ‫المعان ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫للناس كتابا جامعا لراء السلف رواية ودراية‪ ،‬مشتمل على أقوال الخلف بكل‬ ‫ً‬
‫أمانة وعناية ‪ ،‬فهو جامع لخلصة ما سبقه من التفاسير‪ ،‬فتراه ينقل لك عن‬
‫تفسير ابن عطية ‪ ،‬وتفسير أبي حيان ‪ ،‬وتفسير الكشاف ‪ ،‬وتفسير أبي‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السعود ‪ ،‬وتفسير البيضاوي ‪ ،‬وتفسير الفخر الرازي وغيرها من كتب‬


‫التفاسير المعتبرة ‪.‬‬
‫ً‬
‫وهو إذا نقل عن تفسير أبي السعود يقول غالبا ‪ :‬قال شيخ السلم‬
‫وإذا نقل عن تفسير البيضاوي يقول ‪ :‬قال القاضي‬
‫وإذا نقل عن تفسير الفخر الرازي يقول ‪ :‬قال المام‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وهو إذ ينقل عن هذه التفاسير ينصب نفسه حكما ً عدل ً بينها ‪ ،‬ويجعل من‬
‫نفسه نقادا ً مدققا ً ‪ ،‬ثم يبدي رأيه حرا ً فيما ينقل فهو ليس مجرد ناقل ‪ ،‬بل له‬
‫شخصيته العلمية البارزة ‪ ،‬وأفكاره المميزة ‪ ،‬فتراه كثيرا ً يعترض على ما‬
‫ينقله عن أبي السعود ‪ ،‬أو عن البيضاوي ‪ ،‬أو عن أبي الحيان أو عن غيرهم ‪،‬‬
‫وليس في تفسيره ما يؤاخذ عليه‪.‬‬
‫كما تراه يتعقب الفخر الرازي في كثير من المسائل ‪ ،‬ويرد عليه على‬
‫الخصوص في بعض المسائل الفقهية ‪ ،‬انتصارا ً منه لمذهب أبي حنيفة ‪ ،‬ثم‬
‫إنه إذا استصوب أمرا ً لبعض من ينقل عنهم انتصر لهم ورجحه على ما عداه‪.‬‬
‫موقف المام اللوسي من المخالفين لهل السنة ‪:‬‬
‫والمام اللوسي – كما أسلفت – سلفي المذهب ‪ ،‬سني العقيدة ‪ ،‬ولهذا تراه‬
‫كثيرا ً ما يفند آراء المعتزلة وغيرهم من أصحاب المذاهب المخالفة لمذهبه‪.‬‬
‫م ِفي ط ُغَْيان ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫مد ّهُ ْ‬‫م وَي َ ُ‬ ‫ست َهْزِئُ ب ِهِ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫فمثل ً عند تفسيره لقوله تعالى‪ ?:‬الل ّ ُ‬
‫ن ? … ]البقرة‪ [15:‬يقول اللوسي بعد كلم طويل ما نصه ‪… " :‬‬ ‫مُهو َ‬
‫ي َعْ َ‬
‫وإضافته – أي الطغيان – إليهم ‪ ،‬لنه فعلهم الصادر منهم ‪ ،‬بقدرهم المؤثرة‬
‫بإذن الله تعالى‪ ،‬فالختصاص المشعرة به الضافة ‪ ،‬إنما هو بهذا العتبار ل‬
‫باعتبار المحلية والتصاف ‪ ،‬فإنه معلوم ل حاجة فيه إلى الضافة ‪ ،‬ول باعتبار‬
‫اليجاد استقلل ً من غير التوقف على إذن الفعال لما يريد‪ ،‬فإنه اعتبار عليه‬
‫غبار ‪ ،‬بل غبار ليس اعتبار‪ ،‬فل تهولنك جعجعة الزمخشري وقعقعته"‪.‬‬
‫ضوا إ ِل َي َْها‬‫ف ّ‬ ‫جاَرة ً أ َوْ ل َْهوا ً ان ْ َ‬ ‫َ‬
‫فمثل ً عند تفسيره لقوله تعالى ‪ ? :‬وَإ َِذا َرأْوا ت ِ َ‬
‫خي ُْر‬
‫ه َ‬‫جاَرةِ َوالل ّ ُ‬ ‫ن الت ّ َ‬‫م َ‬ ‫ن الل ّهْوِ وَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ َ‬
‫خي ٌْر ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ك َقاِئما ً قُ ْ‬
‫ل َ‬ ‫كو َ‬‫وَت ََر ُ‬
‫ن ? … ]الجمعة‪ [11:‬يقول ما نصه ‪ :‬وطعن الشيعة لهذه الية‬ ‫الّرازِِقي َ‬
‫بالصحابة رضي الله تعالى عنهم‪ ،‬بأنهم آثروا دنياهم على أخرتهم‪ ،‬حيث‬
‫انفضوا إلى اللهو والتجارة‪ ،‬ورغبوا عن الصلة التي هي عماد الدين‪ ،‬وأفضل‬
‫من كثير من العبادات‪ ،‬ل سيما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وروي‬
‫أن ذلك قد وقع مرارا ً منهم ‪ ،‬وفيه أن كبار الصحابة كأبي بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وسائر‬
‫العشرة المبشرة لم ينفضوا‪ .‬والقصة كانت في أوائل زمن الهجرة ‪ ،‬ولم يكن‬
‫أكثر القوم تام التحلي بحلية آداب الشريعة بعد‪ ،‬وكان قد أصاب أهل المدينة‬
‫جوع وغلء سعر ‪ ،‬وخاف أولئك المنفضون اشتداد المر عليهم بشراء غيرهم‬
‫ما يقتات به لو لم ينفضوا‪ ،‬لذا لم يتوعدهم الله على ذلك بالنار أو نحوها‪ ،‬بل‬
‫قصارى ما فعل سبحانه أنه عاتبهم ووعظهم ونصحهم‪.‬‬
‫المام اللوسي والمسائل الكونية ‪ :‬ومما نلحظه على المام اللوسي في‬
‫تفسيره ‪ ،‬أنه يستطرد إلى الكلم في المور الكونية ‪ ،‬ويذكر كلم أهل الهيئة‬
‫وأهل الحكمة ‪ ،‬ويقر منه ما يرتضيه‪ ،‬ويفند ما ل يرتضيه‪ .‬استطراده للمسائل‬
‫النحوية‪:‬‬
‫كذلك يستطرد اللوسي إلى الكلم في الصناعة النحوية‪ ،‬ويتوسع في ذلك‬
‫مفسرا ً ول ُأحيلك على نقطة‬ ‫أحيانا ً إلى حدٍ يكاد يخرج به عن وصف كونه ُ‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بعينها‪ ،‬فإنه ل يكاد يخلو موضع من الكتاب من ذلك‪ .‬موقف اللوسي من‬
‫المسائل الفقهية‪ :‬كذلك نجده إذا تكلم عن آيات الحكام فإنه ل يمر عليها إل‬
‫إذا استوفى مذاهب الفقهاء وأدلتهم‪ ،‬مع عدم تعصب منه لمذهب بعينه‪.‬‬
‫سِع قَد َُره ُ وَعََلى‬ ‫ن عََلى ال ْ ُ‬
‫مو ِ‬ ‫مت ُّعوهُ ّ‬
‫فمثل‪ :‬عند تفسيره لقوله تعالى‪ ? :‬وَ َ‬
‫ن ? … ]البقرة‪ ،[236:‬يقول‬ ‫سِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫قا ً عََلى ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ح ّ‬
‫ف َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مَتاعا ً ِبال ْ َ‬‫قت ِرِ قَد َُره ُ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫ما نصه‪ " :‬قال المام مالك‪ :‬المحسنون المتطوعون‪ ،‬وبذلك استدل على‬
‫استحباب المتعة وجعله قرينة صارفة للمر إلى الندب‪ ،‬وعندنا‪ ) :‬الحناف (‬
‫هي واجبة للمطلقات في الية‪ ،‬مستحبة لسائر المطلقات‪.‬‬
‫وعند الشافعي رضي الله عنه في أحد قوليه‪ :‬هي واجبة لكل زوجة مطلقة‬
‫إذا كان الفراق من قبل الزوج إل التي سمى لها وطلقت قبل الدخول‪ ،‬ولما‬
‫ت‬‫قا ِ‬‫مط َل ّ َ‬
‫لم يساعده مفهوم الية ولم يعتبر بالعموم في قوله تعالى‪ ? :‬وَل ِل ْ ُ‬
‫ن ? … ]البقرة‪ ،[241:‬لنه يحمل المطلق‬ ‫قي َ‬‫مت ّ ِ‬‫قا ً عََلى ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ف َ‬‫معُْرو ِ‬ ‫مَتاع ٌ ِبال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫على المقيد‪ ،‬قال بالقياس وجعله مقوما على المفهوم؛ لنه من الحجج‬
‫القطعية دونه‪ ،‬وأجيب عما قاله مالك ‪ ،‬بمنع قصر المحسن على المتطوع‪ ،‬بل‬
‫هو أعم منه ومن القائم بالواجبات‪ ،‬فل ينافي الوجوب‪ ،‬فل يكون صارفا ً للمر‬
‫عنه مع ما انضم إليه من لفظ حقًا"‪ .‬موقف المام اللوسي من السرائيليات‪:‬‬
‫ومما نلحظه على المام اللوسي أنه شديد النقد للسرائيليات والخبار‬
‫المكذوبة التي حشا بها كثير من المفسرين تفاسيرهم وظنوها صحيحة‪ ،‬مع‬
‫سخرية منه أحيانًا‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ل وَب َعَث َْنا‬‫سرائي َ‬ ‫ميَثاقَ ب َِني إ ِ ْ‬ ‫ه ِ‬‫خذ َ الل ّ ُ‬‫قد ْ أ َ َ‬


‫ل‪ :‬عند تفسيره لقوله تعالى‪ ? :‬وَل َ َ‬ ‫فمث ً‬
‫قيبا ? … ]المائدة‪ ،[12:‬نجده يقص قصة عجيبة عن )عوج‬ ‫ً‬ ‫شَر ن َ ِ‬ ‫م اث ْن َ ْ‬
‫ي عَ َ‬ ‫من ْهُ ُ‬
‫ِ‬
‫بن عنق(‪ ،‬ويرويها عن البغوي‪ ،‬ولكنه بعد الفراغ منها يقول ما نصه‪ " :‬وأقول‪:‬‬
‫قد شاع أمر عوج عند العامة‪ ،‬ونقلوا فيه حكايات شنيعة‪ ،‬وفي فتاوى ابن‬
‫حجر‪ ،‬قال الحافظ العماد ابن كثير‪ :‬قصة عوج وجميع ما يحكون عنه‪ ،‬هذيان‬
‫ل أصل له‪ ،‬وهو مختلقات أهل الكتاب‪ ،‬ولم يكن قط على عهد نوح عليه‬
‫السلم‪ ،‬ولم يسلم من الكفار أحد‪،‬‬
‫ُ‬
‫وقال ابن القيم‪ :‬من المور التي يعرف بها كون الحديث موضوعا أن يكون‬
‫مما تقوم الشواهد الصحيحة على بطلنه‪ ،‬كحديث عوج بن عنق‪.‬‬
‫وليس العجب من جرأة من وضع هذا الحديث وكذب على الله تعالى؟ إنما‬
‫العجب ممن يدخل هذا الحديث في كتب العلم من التفسير وغيره‪ ،‬ول يبين‬
‫أمره"‪.‬‬
‫مَل ِ‬‫ٌ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫مّر عَل َي ْهِ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك وَك ُل ّ َ‬ ‫فل ْ َ‬
‫صن َعُ ال ْ ُ‬
‫ل‪ :‬عند تفسيره لقول الله تعالى‪ ? :‬وَي َ ْ‬ ‫ومث ً‬
‫ن?…‬ ‫خُرو َ‬ ‫س َ‬ ‫م كَ َ‬
‫ما ت َ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫خُر ِ‬ ‫مّنا فَإ ِّنا ن َ ْ‬
‫س َ‬ ‫خُروا ِ‬
‫س َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ه َقا َ‬
‫ل إِ ْ‬ ‫من ْ ُ‬
‫خُروا ِ‬‫س ِ‬‫مهِ َ‬ ‫قَوْ ِ‬
‫]هود‪ ،[38:‬نجده يروي أخبارا كثيرة من نوع الخشب الذي صنعت منه‬ ‫ً‬
‫السفينة‪ ،‬وفي مقدار طولها وعرضها وارتفاعها‪ ،‬وفي المكان الذي صنعت‬
‫فيه… ثم يعقب على كل ذلك بقوله‪ " :‬وسفينة الخبار في تحقيق الحال فيما‬
‫أرى ل تصلح للركوب فيها‪ ،‬إذ هي غير سليمة من عيب‪ ،‬فحري بحال من ل‬
‫يميل إلى الفضول‪ ،‬أن يؤمن أنه عليه السلم صنع الفلك حسبما قص الله في‬
‫كتابه‪ ،‬ول يخوض في مقدار طولها وعرضها وارتفاعها ومن أي خشب صنعها‬
‫وبكم مدة أتم عملها … إلى غير ذلك مما لم يشرحه الكتاب ولم تبينه السنة‬
‫الصحيحة "‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبصورة عامة فقد أفاض في رد السرائيليات التي وقع فيها بعض المفسرين‬
‫السابقين له كما فعل في قصة إسماعيل وإسحاق وأيهما الذبيح؟ وبيان كونه‬
‫إسحاق قول باطل تدسس إلى الرواية السلمية وفي قصة يوسف وداود‬
‫وسليمان وأيوب ونحوها وقصة الغرانيق وهو إنما ذكرها لينبه إلى اختلفها‬
‫وبطلنها وتحذير المسلمين ول سيما طلبة العلم وأهله من التصديق بها‪.‬‬
‫تعّرض اللوسي للقراءات والمناسبات وأسباب النزول‪ :‬م إن المام اللوسي‬
‫رضي الله عنه يعرض لذكر القراءات‪ ،‬ولكنه ل يتقيد بالمتواتر منها‪ ،‬كما أنه‬
‫يعنى بإظهار وجه المناسبات بين السور كما يعنى بذكر المناسبات بين‬
‫اليات‪ ،‬ويذكر أسباب النزول لليات التي أنزلت على سبب‪ ،‬وهو كثير ال‬
‫ستشهاد بأشعار العرب على ما يذهب إليه من المعاني اللغوية‪ .‬فرحمه الله‬
‫رحمة واسعة على ما خدم به السلم والمسلمين ونفعنا بعلمه في الدارين‬
‫آمين ‪،،‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫المام الحازمي‬
‫اسمه ونسبه وكنيته‪:‬‬
‫هو المام الحافظ ‪ ،‬الحجة الناقد‪ ،‬النسابة البارع محمد بن موسى بن عثمان‬
‫بن موسى بن عثمان بن حازم الحازمي أبو بكر الهمذاني‪.‬‬
‫ولدته‪:‬‬
‫ولد المام الحازمي في سنة ثمان وأربعين وخمس مائة للهجرة النبوية في‬
‫مدينة بغداد واستوطنها‪.‬‬
‫طلبه للعلم ورحلته العلمية‪:‬‬
‫طلب العلم بالعراق‪ ,‬وتنقل بين مدنه‪ ,‬ورحل إلى المشايخ فيها وفي أصبهان‬
‫والجزيرة والشام والحجاز‪ ,‬وكان من الفقهاء المبرزين والمحدثين الحفاظ‬
‫تفقه بفقه المام الشافعي وتعمق فيه وسجل أدلته‪ ,‬قال أبو عبد الله‬
‫الدبيثي‪ :‬تفقه ببغداد في مذهب الشافعي ‪ ،‬وجالس العلماء ‪ ،‬وتميز ‪ ،‬وفهم ‪،‬‬
‫وصار من أحفظ الناس للحديث ولسانيده ورجاله‪ ,‬لما برز أيضا في علم‬
‫النسب وعلم المؤتلف والمختلف فيه ‪ ,‬وأخذ الفقه أيضا عن إمام الحنابلة في‬
‫وقته عبدالله بن أحمد الخرقي‪ ،‬وفي الفقه المالكي أخذ عن محمد بن طلحة‬
‫البصري المالكي بها‬
‫أبرز مشايخه في المصار‪:‬‬
‫سمع من أبي الوقت السجزي حضورا وله أربع سنين ‪ ،‬وسمع من شهر دار‬
‫بن شيرويه الديلمي‪ ،‬وأبي زرعة بن طاهر المقدسي الحافظ‪ ،‬وأبي العلء‬
‫العطار‪ ،‬ومعمر بن الفاخر‪ ،‬وأبي الحسين عبد الحق اليوسفي‪ ،‬وعبد الله بن‬
‫الصمد العطار‪ ،‬وشهدة الكاتبة‪ ،‬وأبي الفضل عبد الله بن أحمد خطيب‬
‫الموصل‪ ،‬وأبي طالب محمد بن علي الكتاني الواسطي‪ ، ،‬وأبي العباس أحمد‬
‫بن ينال الترك‪ ،‬وأبي الفتح عبد الله بن أحمد الخرقي‪ ،‬وأبي موسى محمد بن‬
‫أبي عيسى المديني‪ ،‬وأقرانهم بالعراق وأصبهان والشام والحجاز‪.‬‬
‫علمه وورعه وإنجازاته العلمية وثناء العلماء عليه‪:‬‬
‫بلغ في الفقه والحديث مبلغا رفيعا وجمع‪ ،‬وصنف‪ ،‬وبرع في فن الحديث‬
‫خصوصا في النسب‪ .‬واستوطن بغداد‪ ،.‬مع زهد‪ ،‬وتعبد‪ ،‬ورياضة‪ ،‬وذكر‪ .‬صنف‬
‫في الحديث عدة مصنفات‪ ،‬وأملى عدة مجالس‪ ،‬وكان كثير المحفوظ حلو‬
‫المذاكرة‪ ،‬يغلب عليه معرفة أحاديث الحكام‪ .‬أملى طرق الحاديث التي في‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫"المهذب" للشيخ أبي إسحاق‪ ،‬وأسندها‪ ،‬ولم يتمه‪.‬‬


‫وقال أبو عبد الله بن النجار في "تاريخه" كان الحازمي من الئمة الحفاظ‬
‫العالمين بفقه الحديث ومعانيه ورجاله‪ .‬ألف كتاب "الناسخ والمنسوخ"‪،‬‬
‫وكتاب "عجالة المبتدئ في النسب"‪ ،‬وكتاب "المؤتلف والمختلف في أسماء‬
‫البلدان"‪ .‬وأسند أحاديث "المهذب"‪ ،‬وكان ثقة‪ ،‬حجة‪ ،‬نبيل‪ ،‬زاهدا‪ ،‬عابدا‪،‬‬
‫ورعا‪ ،‬ملزما للخلوة والتصنيف وبث العلم أدركه الجل شابا‪ ،‬وسمعت محمد‬
‫بن محمد بن محمد بن غانم الحافظ يقول‪ :‬كان شيخنا الحافظ أبو موسى‬
‫المديني يفضل أبا بكر الحازمي على عبد الغني المقدسي‪ ،‬ويقول‪ :‬ما رأينا‬
‫شابا أحفظ من الحازمي‪ ،‬له كتاب "في الناسخ والمنسوخ" دال على إمامته‬
‫في الفقه والحديث ليس لحد مثله‪.‬‬
‫قال ابن النجار‪ :‬وسمعت بعض الئمة يذكر أن الحازمي كان يحفظ كتاب‬
‫"الكمال" في المؤتلف والمختلف ومشتبه النسبة‪ ،‬كان يكرر عليه‪ ،‬ووجدت‬
‫بخط المام أبي الخير القزويني وهو يسأل الحازمي‪ :‬ماذا يقول سيدنا المام‬
‫الحافظ في كذا وكذا ؟ وقد أجاب أبو بكر الحازمي بأحسن جواب ‪.‬‬
‫ثم قال ابن النجار‪ :‬سمعت أبا القاسم المقرئ جارنا يقول‪ ،‬وكان صالحا‪ :‬كان‬
‫الحازمي ‪-‬رحمه الله‪ -‬في رباط البديع‪ ،‬فكان يدخل بيتة في كل ليلة‪ ،‬ويطالع‪،‬‬
‫سراج‬ ‫ويكتب إلى طلوع الفجر‪ ،‬فقال البديع للخادم‪ :‬ل تدفع إليه الليلة بزًرا لل ّ‬
‫لعله يستريح الليلة‪ .‬قال‪ :‬فلما جن الليل‪ ،‬اعتذر إليه الخادم لجل انقطاع‬
‫البزر‪ ،‬فدخل بيته‪ ،‬وصف قدميه يصلي‪ ،‬ويتلو‪ ،‬إلى أن طلع الفجر‪ ،‬وكان‬
‫الشيخ قد خرج ليعرف خبره‪ ،‬فوجده في الصلة ‪.‬‬
‫قومن غريب مارواه من حديث قوله‪ :‬أخبرنا محمد بن ذاكر بقراءتي‪ ،‬أخبركم‬
‫حسن بن أحمد القارئ‪ ،‬أخبرنا محمد بن أحمد الكاتب‪ ،‬أخبرنا علي بن عمر‪،‬‬
‫حدثنا يعقوب بن إبراهيم البزاز‪ ،‬حدثنا العباس بن يزيد‪ ،‬حدثنا غسان بن‬
‫مضر ‪ ،‬حدثنا أبو مسلمة‪ ،‬قال‪ :‬سألت أنس بن مالك ‪ :‬أكان رسول الله ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬يستفتح بالحمد لله رب العالمين ؟ فقال‪ :‬إنك لتسألني عن‬
‫شيء ما أحفظه ‪ ،‬وما سألني عنه أحد قبلك ‪ ،‬قلت ‪ :‬أكان رسول الله ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬يصلي في النعلين ؟ قال ‪ :‬نعم ‪.‬قال الذهبي‪:‬‬
‫هذا حديث حسن غريب ‪ ،‬وهو ظاهر في أن أبا مسلمة سعيد بن يزيد سأل‬
‫أنسا عن الصلوات الخمس ‪ ،‬أكان النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يستفتح‬
‫‪-‬يعني أول ما يحرم بالصلة‪ -‬بدعاء الستفتاح أم بالستعاذة ‪ ،‬أم بالحمد لله‬
‫رب العالمين ؟ فأجابه أنه ل يحفظ في ذلك شيئا ‪.‬‬
‫فأما الجهر وعدمه بالبسملة فقد صح عنه من حديث قتادة وغيره عن أنس‬
‫أن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وأبا بكر وعمر كانوا ل يجهرون ببسم الله‬
‫الرحمن الرحيم ‪.‬‬
‫من أشهر تلميذه‪:‬‬
‫روى عن الحازمي المقرئ تقي الدين ابن باسويه الواسطي‪ ،‬والفقيه عبد‬
‫الخالق النشتبري وجلل الدين عبد الله بن الحسن الدمياطي الخطيب‪،‬‬
‫وآخرون‪.‬‬
‫وفاته‪:‬‬
‫توفي الحازمي وهو شاب فقد مات أبو بكر الحازمي في شهر جمادى الولى‬
‫سنة أربع وثمانين وخمس مائة وله ست وثلثون سنة ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المام الحسين في قلوبنا‬


‫د‪ .‬عبد الوهاب بن ناصر الطريري ‪10/1/1427‬‬
‫‪09/02/2006‬‬
‫السؤال‪ :‬أنا من الشيعة أريد أن أسألكم ماذا تعرفون عن المام الحسين‬
‫ويوم عاشوراء؟‬
‫أجاب عن السؤال الشيخ‪:‬د‪ .‬عبد الوهاب بن ناصر الطريري )المشرف‬
‫العلمي على موقع السلم اليوم(‬
‫الجواب‪:‬‬
‫نعرف عن سيدنا الحسين بن علي –رضي الله عنه وأرضاه‪ -‬أنه سبط رسول‬
‫الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬وريحانته من الدنيا‪ ،‬وأشبه الناس به‪ ،‬وكان فمه‬
‫الطيب مهوى شفتي رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬وأنه وأخوه سيدا‬
‫شباب أهل الجنة‪ ،‬وأنه ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي يحب الله‬
‫ورسوله ويحبه الله ورسوله‪ ،‬والذي حبه إيمان وبغضه نفاق‪ ،‬وأنه ابن البتول‬
‫المطهرة سيدة نساء العالمين‪ ،‬والبضعة النبوية فاطمة الزهراء‪ ،‬وأنه من خير‬
‫آل بيت نبينا الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ً وقال فيهم نبينا‬
‫يوم غدير خم‪":‬أذكركم الله في أهل بيتي"‪.‬‬
‫فهو سيدنا وابن نبينا‪ ،‬نحبه ونتوله‪ ،‬ونعتقد أن حبه –رضي الله عنه وعن أبيه‪-‬‬
‫من أوثق عرى اليمان‪ ،‬وأعظم ما يتقرب به إلى الرحمن‪ ،‬مصداقا ً لقول جده‬
‫–صلى الله عليه وسلم‪":-‬المرء مع من أحب"‪ .‬وأنه من أحبه فقد أحب النبي‬
‫–صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬ومن أبغضه فقد أبغض النبي –صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،-‬ونقول عنه وعن أبيه وجده ما قاله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب‬
‫له‪":‬وهل أنبت الشعر على رؤوسنا إل الله ثم أنتم"‪.‬‬
‫ونعتقد أنه قتل مظلوما ً مبغيا ً عليه‪ ،‬فنبرأ إلى الله من كل فاجر شقي قاتله‬
‫أو أعان على قتله أو رضى به‪ ،‬ونعتقد أن ما أصابه فمن كرامة الله له‪ ،‬وأنه‬
‫رفعة لقدره‪ ،‬وإعلء لمنزلته –رضي الله عنه وأرضاه‪ ،-‬مصداقا ً لقول جده –‬
‫عليه الصلة والسلم‪":-‬أشد الناس بلء النبياء ثم المثل فالمثل"‪ .‬فبلغه الله‬
‫بهذا البلء منازل الشهداء‪ ،‬وألحقه بالسابقين من أهل بيته الذين ابتلوا‬
‫بأصناف البلء في أول الدعوة النبوية فصبروا‪ ،‬وهكذا المام الحسين ابتلى‬
‫بعد وصبر‪ ،‬فأتم الله عليه نعمته بالشهادة‪ ،‬لن عند الله في دار كرامته من‬
‫المنازل العلية ما ل ينالها إل أهل البلء والصبر فكان المام الحسين منهم‪.‬‬
‫ونعلم أن المسلمين لم يصابوا منذ استشهاد الحسين إلى اليوم بمصيبة‬
‫أعظم منها‪ ،‬ونقول كلما ذكرنا مصيبتنا في المام أبي عبد الله ما أخبرت به‬
‫السيدة الطاهرة فاطمة بنت الحسين –وكانت شهدت مصرع أبيها‪ -‬عن أبيها‬
‫الحسين عن جده –صلى الله عليه وسلم‪ -‬أنه قال‪":‬ما من رجل يصاب‬
‫بمصيبة فيذكر مصيبته وإن قدمت فيحدث لها استرجاعا ً إل أعطاه الله من‬
‫الجر مثل أجره يوم أصيب" فنقول‪":‬إنا لله وإنا إليه راجعون" رجاء أن نكون‬
‫َ‬
‫ة َقاُلوا إ ِّنا ل ِل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن إ َِذا أ َ‬
‫صاب َت ْهُ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ن*ال ّ ِ‬‫ري َ‬‫صاب ِ ِ‬
‫شرِ ال ّ‬ ‫ممن قال الله فيهم "وَب َ ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن*ُأول َئ ِ َ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ة وَأولئ ِك هُ ُ‬ ‫م ٌ‬
‫ح َ‬ ‫م وََر ْ‬‫ن َرب ّهِ ْ‬‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫وا ٌ‬‫صل َ‬ ‫م َ‬ ‫ك عَلي ْهِ ْ‬ ‫وَإ ِّنا إ ِل َي ْهِ َرا ِ‬
‫جُعو َ‬
‫ن"‪.‬‬‫دو َ‬ ‫مهْت َ ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ومع ذلك فل نتجاوز في حبنا له حدود ما حده لنا جده –صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫الذي قال‪":‬ل تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أنا عبد‬
‫فقولوا عبد الله ورسوله"‪.‬‬
‫فل نعظمه بأنواع التعظيم التي ل تصرف إل لله كالدعاء والستغاثة‪ ،‬ول‬
‫نشرك بنبينا وآله كما أشركت النصارى بعيسى ابن مريم وأمه حيث جعلوهما‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في مرتبة اللوهية‪ .‬ول نجعل له ول لغيره من آل البيت الطيبين ما هو من‬


‫خصائص المرسلين كالعصمة والتشريع‪ ،‬بل هم رضوان الله عليهم أصدق‬
‫المبلغين عن رسول الله وأعظم المتبعين لهداه‪ ،‬ونعلم أنهم بشر من البشر‪،‬‬
‫ولكنهم أفضلهم مكانة وأعلهم قدرًا‪ ،‬ومع ذلك فلم يتكلوا على قرابتهم من‬
‫رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬ولكن كانوا أعظم اتباعا ً لدينه وقياما ً‬
‫بشريعته‪ ،‬كما قال المام زين العابدين وقرة عين السلم علي بن الحسين –‬
‫رضي الله عنه وعن آبائه‪":-‬إني لرجو أن يعطي الله للمحسن منا أجرين‪،‬‬
‫وأخاف أن يجعل على المسيء منا وزرين"‪.‬‬
‫كما أننا ل نعصي جده –صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬الذي نهانا عن النياحة وعن‬
‫ضرب الخدود وشق الجيوب‪ ،‬وأخبرنا أن هذا من عمل أهل الجاهلية‪ ،‬وقد‬
‫صب النبي –صلى الله عليه وسلم‪-‬‬ ‫مّثل بجثمانه ولم ي ُ َ‬ ‫استشهد عمه حمزة و ُ‬
‫ً‬
‫بعده بمثل مصيبته فيه‪ ،‬ومع ذلك لم يجعل يوم استشهاده مناحة وحزنا‪ ،‬ولم‬
‫يفعل ذلك علي –رضي الله عنه‪ -‬في يوم وفاة النبي –صلى الله عليه وسلم‪،-‬‬
‫ولم يفعل ذلك الحسن والحسين في يوم استشهاد أبيهما –رضي الله عنهم‪،-‬‬
‫وكذلك نحن ل نجعل يوم استشهاد الحسين يوم نياحة ولطم اقتداء بهذا‬
‫الهدي النبوي الذي تتابع عليه عمل المام علي وابنيه الحسن والحسين –‬
‫ه"‪.‬‬‫م اقْت َدِ ْ‬ ‫ه فَب ِهُ َ‬
‫داهُ ُ‬ ‫دى الل ّ ُ‬
‫ن هَ َ‬
‫ذي َ‬ ‫رضي الله عنهم‪ُ " -‬أول َئ ِ َ‬
‫ك ال ّ ِ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وأما يوم عاشوراء فهو يوم أنجى الله فيه موسى وقومه فصامه نبينا محمد –‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬شكرا ً لله فنحن نصومه اقتداء بنبينا في ذلك‪ ،‬وهو يوم‬
‫استشهد فيه ابن نبينا الحسين بن علي –رضي الله عنه‪ ،-‬فنحن نصبر‬
‫ونحتسب عند الله مصابنا فيه‪ ،‬فاجتمع لنا أهل السلم في هذا اليوم مقام‬
‫الشكر لنه اليوم الذي أنجى الله فيه موسى‪ ،‬ومقام الصبر لنه اليوم الذي‬
‫أصبنا فيه باستشهاد ابن نبينا‪ ،‬كما اجتمع في يوم السابع عشر من رمضان‬
‫يوم الفرقان ببدر‪ ،‬واستشهاد أمير المؤمنين علي –رضي الله عنه‪ ،-‬وفي يوم‬
‫الثنين من ربيع الول مولد النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬ويوم وفاته‪ ،‬فيكون‬
‫المقام مقام شكر ومقام صبر فنصوم شكرا ً لله بنجاة نبي الله موسى اقتداء‬
‫برسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬ونحتسب عند الله ابن نبينا ونسترجع لما‬
‫أصابنا فيه ونقول كما قال أولوا البشرى من الصابرين "إنا لله وإنا إليه‬
‫راجعون"‪.‬‬
‫وفي الختام فإني أرى في سؤالك بحثا ً عن الحق وتتبعا ً له فاعتبر ‪-‬وفقك‬
‫الله‪ -‬بالمام العبقري علي بن أبي طالب –رضي الله عنه‪ -‬الذي كان في سن‬
‫الفتوة واليفاع ومع ذلك تخلى عما كان عليه أهل الجاهلية‪ ،‬واتبع هدى الله‬
‫ونوره المنزل على محمد –صلى الله عليه وسلم‪ -‬مع قلة التباع‪ ،‬وضعف‬
‫أهل الحق‪ ،‬وقلة الناصر والمعين‪ ،‬وكانت فتوته وشبابه بل حياته كلها مع‬
‫رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬وبعده آية في الثبات على الحق والدفاع‬
‫عنه‪.‬‬
‫واعلم –وفقك الله‪ -‬أن العمر أقصر من أن يضيع في الحيرة والتردد‪ ،‬فليبحث‬
‫كل منا عن الحق جهده‪ ،‬ويستغيث بالله ويدعوه ويلح عليه أن يهديه لما‬
‫اختلف فيه من الحق بإذنه‪ ،‬وأن يدله على طريق مرضاته‪ ،‬وأن يسلك به‬
‫صراطه المستقيم‪ ،‬صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين‬
‫والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولنعلم جميعا ً أنه ما لم تدركنا رحمة من الله يهدي بها قلوبنا فإنا سنظل في‬
‫عَباِده"‪.‬‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن يَ َ‬
‫شاُء ِ‬ ‫م ْ‬
‫دي ب ِهِ َ‬‫دى الل ّهِ ي َهْ ِ‬ ‫حيرة وضلل "ذ َل ِ َ‬
‫ك هُ َ‬
‫اللهم إنا نسألك بحبنا لنبيك –صلى الله عليه وسلم‪ -‬وآله وذريته أن تسلك بنا‬
‫طريقهم وأن تحشرنا في زمرتهم وأن تجعلنا ممن اتبعهم بإحسان‪.‬‬
‫والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته‬

‫)‪(2 /‬‬

‫المام القرطبى رحمه الله ‪...‬‬


‫طريق القرآن ‪...‬‬
‫هو أبو عبدالله محمد بن أبي بكر بن فَْرح النصارى الخزرجى الندلسى‬
‫سرولد بقرطبة من بلد الندلس وتعلم فيها العربية والشعر‬ ‫القرطبى المف ّ‬
‫إلى جانب تعلمه القرآن الكريم وتلقى بها ثقافته الواسعة في الفقه والنحو‬
‫والقراءات كما درس البلغة وعلوم القرآن وغيرها ثم قدم إلى مصر واستقر‬
‫بها وكانت وفاته بصعيدها ليلة الثنين التاسع من شهر شوال سنة ‪ 671‬هـ‬
‫وقبره بالمنيا بشرق النيل‪.‬‬
‫وكان رحمه الله من عباد الصالحين والعلماء العارفين‪ ،‬زاهد في الدنيا‬
‫مشغول ً بما يعنيه من امور الخرة وقد قضى عمره مشغول ً بين العباده‬
‫والتأليف‪.‬‬
‫قال عنه الذهبي‪ " :‬إمام متفنن متبحر في العلم‪ ،‬له تصانيف مفيدة تدل على‬
‫كثرة إطلعه ووفود عقله وفضله"‪.‬الحركة العلمية في عصر‬
‫القرطبى‪:‬نشطت الحياة العلمية بالمغرب والندلس في عصر الموحدين )‬
‫‪ 668 - 514‬هـ( وهو العصر الذى عاش فيه القرطبى فترة من حياته أيام إن‬
‫كان بالندلس وقبل أن ينتقل إلى مصر ومما زاد الحركة العلمية ازدهارا ً في‬
‫هذا العصر‪ :‬أن محمد بن تومرت مؤسس الدولة الموحدية كان من أقطاب‬
‫علماء عصره وقد أفسح في دعوته للعلم وحض على تحصيله‪.‬‬
‫كثرة الكتب والمؤلفات التي كانت بالندلس‪ ،‬وكانت قرطبة أكثر بلد الندلس‬
‫كتبًا‪ ،‬وأشد الناس اعتناء بخزائن الكتب‪ ،‬وهذه النزعات العلمية التي اتسم بها‬
‫خلفاء الموحدين وتلك المؤلفات التي غمرت بلد الندلس وشجعت العلماء‬
‫وروجت سوق العلم فتعددت الهيئات العلمية في ربوع الندلس وبين جوانبها‬
‫ونهضت العلوم الشرعية كالفقه والحديث والتفسير والقراءات وكذلك علوم‬
‫اللغة والتاريخ والدب والشعر‪ ،‬وكان لهذا كله أثر كبير في التكوين العلمى‬
‫للمام القرطبى ‪ -‬رحمه الله ‪.-‬شيوخه‪ :‬من شيوخ القرطبى‪:‬‬
‫‪ (1‬ابن رواج وهو المام المحدث أبو محمد عبد الوهاب بن رواج واسمه‬
‫ظافر بن على بن فتوح الزدى السكندرانى المالكى المتوفى سنة ‪648‬هـ‪.‬‬
‫‪ (2‬ابن الجميزى‪ :‬وهو العلمة بهاء الدين أبو الحسن على بن هبة الله بن‬
‫سلمة المصرى الشافعى المتوفى سنة ‪ 649‬هـ وكان من أعلم الحديث‬
‫والفقه والقراءات‪.‬‬
‫‪ (3‬أبو عباس احمد بن عمر بن إبراهيم المالكى القرطبى المتوفى سنة‬
‫‪656‬هـ )صاحب المفهم في شرح صحيح مسلم(‬
‫‪ (4‬الحسن البكرى ‪:‬هو الحسن بن محمد بن عمرو التيمى النيسابورى ثم‬
‫الدمشقى ابو على صدر الدين البكرى المتوفى سنة ‪ 656‬هـ مؤلفاته‪:‬ذكر‬
‫المؤرخون للقرطبى رحمه الله عدة مؤلفات غير كتاب "الجامع لحكام‬
‫القرآن" وهو ذلكم التفسير العظيم الذى ل يستغنى عنه طالب علم ‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن هذه المؤلفات‪:‬‬


‫‪ (1‬التذكرة في أحوال الموتى وأمور الخرة )وهو مطبوع متداول(‬
‫‪ (2‬التذكار في أفضل الذكار )وهو أيضا ً مطبوع متداول(‬
‫‪ (3‬السنى في شرح أسماء الله الحسنى‬
‫‪ (4‬العلم بما في دين النصارى من المفاسد والوهام وإجتهار محاسن دين‬
‫السلم‪.‬‬
‫‪ (5‬قمع الحرض بالزهد والقناعة‪.‬‬
‫وقد أشار القرطبى في تفسيره إلى مؤلفات له منها‪:‬‬
‫*( المقتبس في شرح موطأ مالك بن أنس‪.‬‬
‫*( اللمع اللؤلؤية في شرح العشرينات النبوية " تأثر القرطبى ‪ -‬رحمه الله ‪-‬‬
‫بمن قبله وتأثيره فيمن بعده "‬
‫ل‪ :‬تأثره بمن قبله‪:‬‬‫أو ً‬
‫الذى يطالع تفسير المام القرطبى يجده قد تأثر كثيرا ً بمن سبقوه من‬
‫العلماء ومنهم‪:‬‬
‫‪ (1‬الطبرى‪ :‬وهو أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى صاحب "جامع البيان في‬
‫تفسير القرآن" والمتوفى سنة ‪310‬هـ أفاد منه القرطبي وتأثر به خاصة في‬
‫التفسير بالمأثور‪.‬‬
‫‪ (2‬الماوردى‪ :‬وهو أبو الحسن على بن محمد المارودى النتوفى سنة ‪450‬هـ‬
‫وقد نقل عنه القرطبى وتأثر به‪.‬‬
‫‪ (3‬أبو جعفر النحاس‪ :‬صاحب كتابي‪ ":‬إعراب القرآن‪ ،‬ومعانى القرآن" توفى‬
‫سنة ‪338‬هـ وقد نقل عنه القرطبى كثيرًا‪.‬‬
‫‪ (4‬ابن عطية‪ :‬وهو القاضي أبو محمد عبد الحق بن عطية صاحب "المحرر‬
‫الوجيز في التفسير"‪ ،‬وقد أفاد القرطبى منه كثيرا ً في التفسير بالمأثور وفي‬
‫القراءات واللغة والنحو والبلغة والفقه والحكام توفي ابن عطية رحمة الله‬
‫سنة ‪541‬هـ‪.‬‬
‫‪ (5‬أبو بكر العربي صاحب كتاب "أحكام القرآن" والمتوفى سنة ‪543‬هـ‪ ،‬أفاد‬
‫منه القرطبى وناقشة ورد هجومه على الفقهاء والعلماء‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬تأثيره فيمن بعده‪:‬‬
‫تأثر كثير من المفسرين الذين جاءوا بعد القرطبى وإنتفعوا بتفسيره وأفادوا‬
‫منه كثيرأ ومن هؤلء ‪:‬‬
‫‪ (1‬الحافظ ابن كثير‪:‬عماد الدين إسماعيل بن عمروبن كثير المتوفى سنة‬
‫‪774‬هـ‪.‬‬
‫‪ (2‬أبو حيان الندلسى الغرناطى المتوفى سنة ‪754‬هـ وذلك في تفسيره‬
‫البحر المحيط‪.‬‬
‫‪ (3‬الشوكانى‪ :‬القاضى العلمة محمد بن على الشوكاني المتوفى سنة‬
‫‪1255‬هـ‪ ،‬وقد أفاد من القرطبى كثيرا ً في تفسيره )فتح القدير(‬
‫مزايا الكتاب‪:‬‬
‫ً‬
‫يعتبر تفسير القرطبى موسوعة عظيمة حوت كثيرا من العلوم وأهم ما‬
‫يميزه‪:‬‬
‫‪ (1‬تضمنها أحكام القرآن بتوسع‪.‬‬
‫‪ (2‬تخريجه الحاديث وعزوها إلى من رووها غالبا‪ً.‬‬
‫‪ (3‬صان القرطبى كتابه عن الكثار من ذكر السرائيليات والحاديث‬
‫الموضوعة إل من بعض مواطن كان يمر عليها دون تعقيب‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ (4‬كما أنه كان إذا ذكر بعض السرائيليات والموضوعات التي تخل بعصمة‬
‫الملئكة والنبياء أو يخل بالعتقاد فإنه يكر عليها بالبطال أو يبين أنها ضعيفة‬
‫كما فعل في قصة هاروت وماروت‪ ،‬وقصة داود وسليمان وقصة الغرانيق‬
‫وكذلك ينبه أيضا ً على بعض الموضوعات في أسباب النزول‪.‬‬
‫ما يؤخذ على كتابه في التفسير)الجامع لحكام القرآن( نقول‪ :‬مع أن تفسير‬
‫القرطبى رحمه الله من أعظم التفاسير نفعا ً إل أنه لم يخل من بعض هَي َْنات‬
‫‪ -‬والكمال لله وحده ‪ -‬كان يمر عليها من دون تعليق أو تعقيب‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫ماذكره من السرائيليات عند تفسيره لبعض اليات ومنها ماذكره عند تفسير‬
‫م ?]غافر‪:‬‬ ‫مد ِ َرب ّهِ ْ‬
‫ح ْ‬
‫ن بِ َ‬
‫حو َ‬
‫سب ّ ُ‬ ‫حوْل َ ُ‬
‫ه يُ َ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫ن ال ْعَْر َ‬
‫ش وَ َ‬ ‫مُلو َ‬
‫ح ِ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫قوله تعالى‪ ?:‬ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪[7‬‬
‫فقد ذكر أن حملة العرش أرجلهم في الرض السفلى ورؤوسهم قد خرقت‬
‫العرش إلى غير ذلك من الخبار الخرافية‪.‬‬
‫كما لم يخل كتابه من الحاديث الضعيفة بل والموضوعة التي تحتاج إلى‬
‫إنتباه أثناء مطالعة الكتاب‪.‬‬
‫كما كان رحمه الله ينقل عن بعض المصادر دون أن يشير أو يصرح بذلك‬

‫)‪(2 /‬‬

‫المام المجاهد عثمان بن فودي ‪ ..‬أعظم أمراء إفريقيا‬


‫كتبه ‪/‬شريف عبد العزيز‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫مفكرة السلم‪ :‬يعتبر تاريخ الدول السلمية والممالك التي قامت في قارة‬
‫إفريقيا إذا ما استثنينا الشمال الفريقي‪ ،‬من المور المجهولة تماما ً بالنسبة‬
‫للمسلمين‪ ،‬فهم ل يعرفون عن مسلمي إفريقيا شيئا ً مع العلم أن نسبة‬
‫المسلمين في قارة إفريقيا هي العلى في قارات العالم‪ ،‬بما في ذلك قارة‬
‫آسيا‪ ،‬أكثر قارات العالم ازدحاما بالسكان‪ ،‬هذا على الرغم من أن القارئ‬
‫لحداث وتاريخ هذه الممالك والدول‪ ،‬سيقف معجبا ً ولربما منبهرا ً بالبطولت‬
‫العظيمة التي قام بها أبطال إفريقيا العظام‪ ،‬خاصة هؤلء الذين كانوا في‬
‫الغرب الفريقي‪ ،‬والذين تصدوا لعنف وأشرس الحملت الوحشية والتي‬
‫قادها صليبو إسبانيا والبرتغال وفرنسا وأمريكا‪ ،‬ونحن وللسف الشديد قد‬
‫انخدعنا بما يروجه الحتلل الوروبي‪ ،‬والعلم الغربي الذي يصور لنا إخواننا‬
‫الفارقة في صورة الهمج الوحشيين‪ ،‬أكلة لحوم البشر‪ ،‬وأن التمدن والرقي‬
‫الذي حصل لهؤلء الفارقة يرجع بفضل الستعمار الوروبي لبلدهم‪ ،‬والحق‬
‫غير ذلك تمامًا‪ ،‬فلقد قامت بإفريقيا السوداء الكثير من الممالك السلمية‬
‫العظيمة‪ ،‬على شريعة السلم من الكتاب والسنة‪ ،‬بل وعلى منهج السلف‬
‫فهما ً وتطبيقًا‪ ،‬وصاحبنا واحد من أعظم الرجال الفارقة الذين أدخلوا الدعوة‬
‫السلفية إلى إفريقيا‪ ،‬وأقاموا دولة عظيمة وكبيرة على منهج السلف الصالح‬
‫والعجيب أنه ل يعرفه أحد من عامة المسلمين‪ ،‬بل ومن المتخصصين في‬
‫قراءة التاريخ أيضا ً ‪.‬‬
‫السلم يغزو إفريقيا‬
‫تعتبر إفريقيا أول منطقة في العالم وصلها السلم بعد مكة مهبط الوحي‪،‬‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وذلك في العام الخامس من النبوة‪ ،‬عندما هاجر الصحابة الولون فارين‬


‫بدينهم إلى الحبشة‪ ،‬ثم دخلوا الشمال الفريقي كله‪ ،‬من مصر إلى المغرب‬
‫القصى في القرن الهجري الول‪ ،‬وقد وصل فاتح المغرب العظم ]عقبة بن‬
‫نافع[ إلى أطراف الصحراء الكبرى‪ ،‬وقد عمل ولة بلد المغرب من تونس‬
‫إلى المحيط على نشر السلم في القبائل البربرية الموغلة في الصحراء‪،‬‬
‫حتى وصل السلم إلى مدينة 'أودغشت' عاصمة قبيلة 'لمتونة' وهذه المدينة‬
‫غير موجودة الن ولكنها في قلب 'موريتانيا' ‪.‬‬
‫ويرجع الفضل لنشر السلم في قلب وغرب إفريقيا لدولة المرابطين‬
‫العظيمة‪ ،‬وخاصة المير الشهيد 'أبى بكر بن عمر' الذي كان أمير المرابطين‬
‫الول ثم ترك المارة 'ليوسف بن تاشفين'‪ ،‬وتخلى عن الزعامة وتفرغ لنشر‬
‫السلم بين الفارقة‪ ،‬وظل يحارب القبائل الوثنية وينشر السلم بينهم حتى‬
‫استشهد سنة ‪ 480‬هجرية‪ ،‬وقد وصل بالسلم إلى خط الستواء‪ ،‬أي على‬
‫أبواب إفريقيا الستوائية‪ ،‬عند منطقة الغابات الكثيفة‪ ،‬وهو بذلك قد قام‬
‫بخدمة عظيمة للسلم‪ ،‬ول تقل عما فعله 'يوسف بن تاشفين' في المغرب‬
‫والندلس ‪.‬‬
‫مأساة الممالك السلمية‬
‫أخذ السلم في النتشار في قلب القارة الفريقية شيئا ً فشيئًا‪ ،‬بالتجارة تارة‪،‬‬
‫وبالجهاد تارة‪ ،‬والدعاة المرابطين تارة‪ ،‬وبالتدريج تحولت القبائل الوثنية إلى‬
‫السلم‪ ،‬وقامت ممالك إسلمية في غاية القوة والتساع مثل مملكة 'غانا'‪،‬‬
‫ومملكة 'مالي' الضخمة وكانت تشمل 'تشاد ومالي والنيجر والسنغال'‪،‬‬
‫وكانت هذه المملكة من أقوى وأعرق الممالك السلمية في إفريقيا ومملكة‬
‫'الصنغاي'‪ ،‬وغيرها من الممالك القوية التي دفعت بالسلم إلى الداخل‬
‫الفريقي‪.‬‬
‫ولكن وللسف الشديد أصاب المسلمون هناك‪ ،‬ما أصاب إخوانهم في‬
‫الشمال‪ ،‬وفى كل مكان‪ ،‬إذ دب بينهم التفرق والخلف‪ ،‬واقتتلوا فيما بينهم‪،‬‬
‫وصارت الممالك تتقاتل فيما بينها‪ ،‬بدوافع قبلية ودنيوية محضة‪ ،‬فاقتتلت‬
‫مملكة 'الصنغاي' مع مملكة 'مالي'حتى دمرتها‪ ،‬ثم قامت مملكة المغرب‬
‫أيام حكم 'المنصور السعدي'بتدمير مملكة 'الصنغاي'‪ ،‬وانهارت مملكة 'غانا'‬
‫بالقتتال الداخلي وهكذا أكلت هذه الممالك السلمية بعضها بعضًا‪ ،‬في نفس‬
‫الوقت الذي كان فيه أهل الكفر من الغرب والشرق يجمعون صفوفهم‬
‫ويوحدون راياتهم استعدادا ً للنقضاض على العالم السلمي ‪.‬‬
‫قبائل الفولني ونهضة السلم‬
‫وعلى الرغم من انهيار الممالك السلمية الكبيرة‪ ،‬إل إن القبائل المسلمة‬
‫قامت بدورها في نشر السلم‪ ،‬واستكمال الدور الدعوى الذي كانت تقوم به‬
‫الممالك وربما بصورة أفضل‪ ،‬ومن أشهر القبائل المسلمة ‪:‬‬
‫‪ .1‬قبائل الماندينج وتنتشر في مالي والسنغال وجامبيا وغينيا وسيراليون‬
‫وساحل العاج ‪.‬‬
‫‪ .2‬قبائل الولوف والتوكلور في السنغال ومالي ‪.‬‬
‫‪ .3‬قبائل الهاوسا في النيجر وشمالي نيجيريا وبنين والتوجو وبوركينافاسو ‪.‬‬
‫‪ .4‬الكانورى في شمال شرق نيجيريا والكاميرون ‪.‬‬
‫ولكن أعظم وأشهر القبائل الفريقية وأشدها تحمسا ً لنشر السلم وتمسكا ً‬
‫به هي قبائل ]الفولني[ وهي التي تحملت مسئولية إعادة نهضة السلم‬
‫وإقامة الممالك السلمية من جديد ‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫دخل الفولنيون السلم على أيدي المرابطين في القرن الخامس الهجري‪،‬‬


‫فتحمسوا له واستعلوا به‪ ،‬وكانوا في الصل من الرعاة الذين يتحركون‬
‫باستمرار سعيا ً وراء الماء والكل‪ ،‬وكان موطنهم الصلي حوض السنغال‪،‬‬
‫ولكنهم انتشروا في قلب إفريقيا من السنغال إلى تشاد إلى قلب وغرب‬
‫إفريقيا في ‪ 4‬هجرات شهيرة‪ ،‬تفرعت خللها هذه القبيلة الضخمة إلى عدة‬
‫فروع‪ ،‬ولكن أهم هذه الفروع وأكثرها أثرا ً في نشر الدعوة السلمية وعودة‬
‫النهضة السلمية للقلب الفريقي‪ ،‬وهى هجرة الفولنيين إلى نيجيريا‪ ،‬وفى‬
‫هذا الفرع ظهر صاحبنا‪ ،‬الذي أعاد المجد والعزة للسلم بقلب إفريقيا وهو‬
‫المير الفولني ]عثمان دان فوديو[ ‪.‬‬
‫النشأة والتكوين‬
‫ولد بطلنا الهمام ]عثمان دان فوديو[ في بلدة 'طفل' على أطراف إقليم‬
‫'جوبير' ]شمال نيجيريا الني سنة ‪ 1168‬هجرية ـ ‪ 1754‬ميلدية‪ ،‬وكلمة‬
‫فودي تعنى الفقيه واسمه الصلي ]محمد[‪ ،‬فلقد كان والده معلم القرآن‬
‫والحديث في قريته‪ ،‬وينتسب 'عثمان' إلى قبيلة الفولني العريقة في‬
‫السلم‪ ،‬وفي هذه البلدة الصغيرة‪ ،‬وفي هذا الجو الديني الطاهر‪ ،‬نشأ‬
‫'عثمان' فدرس اللغة العربية وقرأ القرآن وحفظ متون الحاديث‪ ،‬وقد‬
‫ساعده والده على تنمية ملكة التعمق في العلوم الدينية لما رأى فيه من حبه‬
‫للدين وخدمته‪.‬‬
‫كان لهذه التربية والجو اليماني الذي نشأ فيه ]عثمان[ أثر بالغ في تكوين‬
‫شخصيته وتوجهاته‪ ،‬فشب ورعا ً تقيًا‪ ،‬أمارا ً بالمعروف‪ ،‬ناهيا ً عن المنكر‪،‬‬
‫مجتنبا ً لما اعتاد عليه قومه من أساليب في الحياة‪ ،‬شديد الكره والعداء‬
‫للقبائل الوثنية في إقليم 'جوبير' الذي ولد فيه‪ ،‬لذلك قرر ]عثمان[ مرافقة‬
‫أبيه في رحلته الطويلة إلى الحج‪ ،‬وذلك وهو في سن الشباب ‪.‬‬
‫نقطة التحول الكبرى‬
‫لقد كان ذهاب ]عثمان بن فودي[ لداء مناسك الحج مع أبيه‪ ،‬نقطة تحول‬
‫كبرى في حياة البطل الهمام‪ ،‬ذلك أنه قدم مكة المكرمة‪ ،‬والدعوة السلفية‬
‫للشيخ ]محمد بن عبد الوهاب[ في أوج قوتها وانتشارها‪ ،‬حيث كان الشيخ‬
‫]محمد بن عبد الوهاب[‪ ،‬مازال حيًا‪ ،‬يعلم الناس التوحيد الخالص ويحارب‬
‫البدع ويرد على المبتدعة وأصحاب الهواء‪ ،‬فلما وصل ]عثمان بن فودي[‬
‫هناك التقى مع المشايخ والدعاة السلفيين وسمع منهم الدعوة السلفية‬
‫وأسلوب الحركة وكيف قامت؟ وكيف انطلقت من منطقة 'الدرعية' لتشمل‬
‫الجزيرة كلها‪ ،‬وحضر مجالس العلم للشيخ ]محمد بن عبد الوهاب[ ‪.‬‬
‫قرر ]عثمان بن فودي[ البقاء لفترة بمكة للستزادة من الدعوة السلفية‬
‫وعلومها ومناهجها وتأثر بها بشدة‪ ،‬ذلك لن بلده كانت مليئة بالبدع‬
‫والخرافات‪ ،‬امتزج فيها السلم بالعادات الوثنية‪ ،‬وكانت العادات القبلية تحكم‬
‫حياة المسلمين‪ ،‬بل هو نفسه كان يتدين بكثير من البدع والوراد غير‬
‫الصحيحة والسبب في ذلك أن السلم انتشر في هذه المناطق بنشاط دعاة‬
‫الطرق الصوفية‪ ،‬وأصبح معنى التدين مرادفا ً لمعنى التصوف‪ ،‬لذلك قرر‬
‫]عثمان[ المكوث لتصحيح مسار حياته وعباداته ‪.‬‬
‫نستطيع أن نقول أن ذهاب ]عثمان بن فودي[ إلى الحج والتقاءه مع دعاة‬
‫وعلماء الحركة السلفية‪ ،‬وتلقيه لمبادئ وأسلوب هذه الحركة نقطة تحول‬
‫كبرى في حياة هذا الرجل ولعل هذا من رحمة الله عز وجل بالمة المسلمة‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بإفريقيا‪ ،‬ونصرة عظيمة للسلم والمسلمين لما سيقوم به هذا الرجل من‬
‫جهود كبيرة لخدمة الدين والمة ‪.‬‬
‫جهاد الدعوة‬
‫عاد ]عثمان بن فودي[ إلى بلده في إقليم 'جوبير' في شمال نيجيريا‪ ،‬وفى‬
‫نيته نشر الدعوة السلفية في بلده‪ ،‬ومحاربة البدع المتفشية هنالك‪ ،‬والتمهيد‬
‫لنقل التجربة السلفية والتي سبق وأن نجحت في جزيرة العرب‪ ،‬إلى بلده‬
‫في إفريقيا‪ ،‬فأخذ في دعوة أهله وإخوانه إلى التوحيد الخالص ونبذ البدع‬
‫والشركيات ومحاربة الطرق الصوفية‪ ،‬فاستجاب لدعوته كثير من أبناء قريته‬
‫'طفل'‪ ،‬فأسس ]عثمان بن فودي[ حركة دعوية على منهج السلف وأطلق‬
‫عليها اسم ]الجماعة[ ‪.‬‬
‫أخذت الدعوة السلفية وحركتها المسماة بالجماعة تنتشر بين القبائل‬
‫الفريقية‪ ،‬ودخل فيها أفراد من عدة إمارات‪ ،‬ومن شعوب عدة منها الهاوسا‪،‬‬
‫والطوارق‪ ،‬الزنوج‪ ،‬إضافة إلى قبيلته الصلية 'الفولني' التي كانت أكثر‬
‫القبائل انضماما ً لدعوته وحركته‪ ،‬ثم حققت دعوة ]عثمان بن فودي[ نجاحا ً‬
‫كبيرا ً في نشر السلم بين القبائل الوثنية المنتشرة في شمال وجنوب‬
‫نيجيريا‪ ،‬ويوما بعد يوم ازدادت جماعته قوة ونجاحا ً واتساعا ً وأصبح الصدام‬
‫وشيك ومع قوى الشر والضلل ‪.‬‬
‫الصراع البدي‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إن من سنن الله عز وجل الماضية في خلقه‪ ،‬هي سنة التدافع بين الحق‬
‫والباطل‪ ،‬فكلهما في صراع أبدي منذ بدء الخليقة إلى قيام الساعة‪ ،‬أتباع‬
‫الحق يصارعون أتباع الباطل‪ ،‬هذا يدفع هذا‪ ،‬وهذا يتصدى لهذا‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى ]الذين أمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل‬
‫الطاغوت …‪ [.‬النساء ‪ ،76‬وعمل ً بهذه السنة الماضية‪ ،‬فلقد ضاق من ملوك‬
‫إقليم 'جوبير' وكانوا من الوثنيين من نشاط جماعة ]عثمان بن فودي[‪،‬‬
‫وكذلك ضاق أصحاب الطرق الصوفية المنتشرة في إفريقيا منها وخاصة بعد‬
‫انصراف الكثير من مريديها إلى الجماعة السلفية‪ ،‬واتفق الفريقان من غير‬
‫موعد على عداوة الحركة الجديدة‪ ،‬ولكن اختلفت المواجهة‪ ،‬ففي حين اتبعت‬
‫الطرق الصوفية طريقة التشنيع والكذب والتضليل‪ ،‬قرر أمراء 'جوبير'‬
‫الوثنيون إتباع أسلوب المواجهة المسلحة ‪.‬‬
‫أرسل هؤلء المراء يتهددون الجماعة السلفية‪ ،‬ويتوعدون زعيمها ]عثمان بن‬
‫فودي[ بأشد أنواع الوعيد والتهديد‪ ،‬فعندها اجتمع المجاهد العظيم مع رفاقه‪،‬‬
‫واستشارهم في كيفية مواجهة هذه التهديدات‪ ،‬فأشار الجميع وهو أولهم‬
‫بوجوب إعلن الجهاد على الكفار وأعداء الدين وذلك سنة ‪ 1804‬ميلدية ـ‬
‫‪ 1218‬هجرية ‪.‬‬
‫بمجرد أن أعلن ]عثمان بن فودي[ الجهاد على الوثنيين حتى أتاه المسلمون‬
‫من كل مكان في شمال نيجيريا يبغون نصرة إخوانهم ضد الكفار‪ ،‬فلقد كان‬
‫لعلن الجهاد مفعول السحر في نفوس المسلمين‪ ،‬إذ عادت لهم الحمية‬
‫والحماسة لدينهم‪ ،‬وفى نفس الوقت جاءت مساعدات كبيرة لمراء 'جوبير'‬
‫من باقي إمارات الهاوسا ] غرب نيجيريا[‪ ،‬واستعدت المنطقة بأسرها لفصل‬
‫جديد من فصول الصراع البدي بين السلم والكفر‪ ،‬انتهى بفضل الله عز‬
‫وجل لصالح الجماعة المؤمنة‪ ،‬وانتصرت الدعوة السلفية على الجماعات‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الوثنية وأصبح ]عثمان بن فودي[ أميرا ً على المنطقة الواقعة في شمال‬


‫غرب نيجيريا‪ ،‬وبايعه المسلمون هناك أميرا ً عليهم‪ ،‬وتلقب من يومها بالشيخ‬
‫إقتداًء وتأسيا ً بالشيخ ]محمد بن عبد الوهاب[‪ ،‬واتخذ من مدينة 'سوكوتو' في‬
‫أقصى الطرف الشمالي الغربي لنيجيريا مركزا لدعوته وذلك سنة ‪1809‬‬
‫ميلدية ـ ‪ 1223‬هجرية ‪.‬‬
‫بناء الدولة السلمية‬
‫لم يكن ]عثمان بن فودي[ من الرجال الذين يبحثون عن زعامة أو إمارة‪،‬‬
‫وبمجرد حصوله عليها يكف عن سعيه وجهاده ويجلس للتنعم بما حازه وناله‪،‬‬
‫بل كان يبغي نصرة السلم ونشره بين القبائل الوثنية‪ ،‬يبغي الدعوة لهذا‬
‫الدين في شتى أرجاء القارة السوداء ‪.‬‬
‫لذلك قرر ]عثمان بن فودي[ العمل على إعادة بناء الدولة السلمية من‬
‫جديد‪ ،‬وتوسيع رقعة السلم بالجهاد ضد القبائل الوثنية التي اجتمعت على‬
‫حرب السلم ودعوته الجديدة ‪.‬‬
‫قرر ]عثمان بن فودي[ إتباع إستراتيجية الجهاد على عدة محاور‪ ،‬وضم‬
‫الشعوب السلمية تحت رايته‪ ،‬فضم إليه عدة شعوب وقبائل مسلمة كانت‬
‫متناثرة ومختلفة فيما بينها‪ ،‬وبدأ بالتوسع في ناحيتي الغرب والجنوب الغربي‪،‬‬
‫حيث قبائل 'اليورومبا' الكبيرة‪ ،‬والتي هي أصل الشعوب الساكنة في النيجر‬
‫ونيجيريا‪ ،‬فدانت له هذه القبائل ودخلت في دعوته‪ ،‬وأخذت الدولة السلمية‬
‫في التساع شيئا ً فشيئًا‪ ،‬حتى أصبحت أقوى مملكة إسلمية في إفريقيا وقتها‬
‫‪.‬‬
‫عثمان بن فودي وسياسة بناء الكوادر‬
‫لقد كان ]عثمان بن فودي[ رجل دولة من الطراز الول‪ ،‬وداعية مجاهدا ً‬
‫مخلصا ً لدينه وأمته‪ ،‬ولقد أدرك أن بقاء الدعوة السلفية والدولة السلمية‬
‫التي بناها في غرب إفريقيا لن يصمد طوي ً‬
‫ل‪ ،‬إذا لم تتحرك هذه الدعوة‬
‫وتنتشر مبادئ السلفية بين الناس‪ ،‬وأيضا ً إذا لم تتسع وتتمدد دولته السلمية‬
‫التي بناها بجهاده سنين طويلة ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ومن أجل تحقيق هذا الهدف السامي اتبع ]عثمان بن فودي[ سياسة حكيمة‬
‫تقوم على بناء الكوادر التي تواصل حمل الراية ونشر الدعوة‪ ،‬وكان لعثمان‬
‫بن فودي عين فاحصة تستطيع انتقاء النجباء والبطال وحملة الدعوة‪ ،‬خاصة‬
‫وأن فتوحاته التي قام بها في غرب 'نيجيريا' قد حركت الحماسة والحمية‬
‫للسلم في قلوب الكثيرين‪ ،‬ومن هؤلء الكثيرين انتقى ]عثمان بن فودي[‬
‫ثلثة نفر كان لهم أعظم الثر والدور الكبير في خدمة السلم والمسلمين‪،‬‬
‫أولهم الشيخ ]أدم[ وهو شيخ من أهل العلم من أهل الكاميرون‪ ،‬قد حركت‬
‫فتوحات ]عثمان بن فودي[ حب الجهاد في قلبه‪ ،‬وبدأ يدعو الناس إليه وإلى‬
‫نشر السلم في القبائل الوثنية‪ ،‬فلما وصلت أخباره للمير ]عثمان بن فودي[‬
‫أرسل يستدعيه من الكاميرون سنة ‪ 1811‬ميلدية ـ ‪ 1226‬هجرية‪ ،‬فلما‬
‫حضر جلس معه وكلمه عن مبادىء الحركة وعقيدة السلف‪ ،‬وأقنعه بوجوب‬
‫الجهاد فى سبيل الله لنشر السلم فى قلب القارة الفريقية‪ ،‬فلما انشرح‬
‫صدر الشيخ ]أدم[ للفكرة‪ ،‬أعطاه ]عثمان[ رايته البيضاء وهى رايته فى‬
‫الجهاد‪ ،‬وكلفه بمواصلة الجهاد حتى ينشر السلم فيما يلى نهر البنوى جنوبا ً‬
‫وهو فرع كبير من فروع نهر النيجر العظيم‪ ،‬فقام الشيخ ]أدم[ بالمهمة على‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أكمل وجه‪ ،‬حتى أدخل بلد الكاميرون كلها فى السلم‪ ،‬وكافأه المير ]عثمان‬
‫بن فودى[ بأن جعله أميرا ً على الكاميرون‪ ،‬وظلت المارة فيهم حتى احتلل‬
‫النجليز للكاميرون سنة ‪ 1901‬ميلدية ـ ‪ 1319‬هجرية ‪.‬‬
‫&أما الرجل الثانى ‪ à-‬فكان أحد جنود ]عثمان بن فودى[ واسمه ]حمادو‬
‫بارى[ وقد اشترك فى معركة الجهاد الول ضد أمراء 'جوبير' الوثنيين‪،‬‬
‫وبتواصل الجهاد‪ ،‬بانت نجابته وظهرت شجاعته وإخلصه لنشر الدين‪ ،‬فكلفه‬
‫]عثمان[ بفتح بلد الماسنيا 'واقعة فى مالى الن' ونجح ]حمادو[ فى مهمته‬
‫خير نجاح‪ ،‬فكافأه ]عثمان[ بأن أعطاه لقب ]الشيخ[ وجعله أميرا ً على‬
‫منطقة الماسنيا‪ ،‬وأمره بمواصلة الجهاد لنشر السلم‪ ،‬ولقد أثبت المير‬
‫]حمادو الشيخ[ أنه من أنجب وأفضل تلميذ المام ]عثمان بن فودى[‪ ،‬فلقد‬
‫نظم دولته على نسق دولة الخلفة الراشدة‪ ،‬حيث قسمها إلى عدة وليات‪،‬‬
‫وأقام على كل ولية واليا ً وقاضيا ً ومجلسا ً للحكم‪ ،‬كهيئة استشارية للحكم‬
‫السلمى على الكتاب والسنة‪ ،‬وعمر البلد فازدهرت دولته بقوة ووصلت إلى‬
‫'بوركينافاسو' و'سيراليون' و'غينيا بيساو' ‪.‬‬
‫&أما الرجل الثالث ‪ <---‬فكان الحاج ]عمر[ وأصله من قبائل الفولنى‬
‫عشيرة ]عثمان بن فودى[‪ ،‬ولد سنة ‪ 1797‬هجرية‪ ،‬أى أنه كان فى أوائل‬
‫شبابه‪ ،‬والمام ]عثمان بن فودى[ فى أواخر حياته‪ ،‬ولكن هذا الشاب‪ ،‬قدر له‬
‫أن يجتمع مع المام‪ ،‬وذلك أن ]الحاج عمر[ كان محبا ً للدعوة والجهاد‪ ،‬فلما‬
‫اشتد عوده قرر الرحيل إلى بلد المام ]عثمان[ ليراه ويسمع منه وبالفعل‬
‫ذهب إليه ورأه المام ]عثمان[ فتفرس فيه النجابة والفطنة والشجاعة‪،‬‬
‫فنصحه بأن يذهب إلى ]حمادو الشيخ[ ويلتحق بخدمته‪ ،‬لعله أن يكون خليفته‬
‫]حمادو الشيخ[ بعد رحيله فى قيادة المملكة السلمية هناك‪ ،‬وبالفعل نجح‬
‫]الحاج عمر[ أن يلتحق بخدمة ]حمادو الشيخ[ ويخلفه بعد رحيله‪ ،‬وقاد‬
‫القبائل السلمية قيادة عظيمة وكان جيشه يقدر بأربعين ألف مقاتل‪ ،‬وحارب‬
‫الوثنيين والفرنسيين على حد السواء‪ ،‬وتولى أولده من بعده قيادة المسلمين‬
‫فى هذه المنطقة التى ابتليت بأشرس هجمة صليبية فى تاريخ البشرية ‪.‬‬
‫** وبالجملة نجح المام المجاهد ]عثمان بن فودى[‪ ،‬وأعظم أمراء إفريقيا‬
‫فى بناء قاعدة عريضة من المجاهدين والقادة والمراء الذين قادوا المة‬
‫المسلمة فى قلب إفريقيا‪ ،‬وأقاموا أعظم الممالك السلمية فى هذه البقعة‬
‫الغامضة عن ذهن أبناء المسلمين الن ‪.‬‬
‫ولقد توفى المام المجاهد المير ]عثمان بن فودى[ سنة ‪ 1818‬ميلدية ـ‬
‫‪ 1233‬هجرية‪ ،‬بعد أن أعاد للسلم مجده‪ ،‬وأدخل الدعوة السلفية المباركة‬
‫إلى القلب الفريقى‪ ،‬وابقى للسلم دولة قوية ظاهرة صامدة أمامهجمات‬
‫العداء‪ ،‬حتى بعد وقوعها فريسة للحتلل الصليبى‪ ،‬بقيت القلوب حية‪،‬‬
‫مجاهدة‪ ،‬تقاوم العدء‪ ،‬تحافظ على دينها وعزتها‪ ،‬فجزا الله عز وجل هذا‬
‫المام على ما قدمه للسلم فى إفريقيا‪ ،‬ورفع درجاته فى عليين مع‬
‫المهديين ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المراجع والمصادر ‪:‬‬
‫التاريخ السلمى ‪ /‬أطلس تاريخ السلم ‪ /‬تاريخ السودان الغربى 'عبد‬
‫الرحمن السعدى' ‪ /‬تاريخ انتشار السلم فى غرب إفريقيا 'عبد الرحمن‬
‫زكى' ‪ /‬تاريخ السلم فى غرب إفريقيا 'إبراهيم طرخان'‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المساك عما شجر بين الصحابة‬


‫محمد الوهيبي‬
‫قال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ « :-‬إذا ذكر أصحابي فأمسكوا‪ ،‬وإذا ذكر النجوم‬
‫فأمسكوا‪ ،‬وإذا ذكر القدر فأمسكوا » ]‪.[1‬‬
‫وهكذا كان من منهج أهل السنة المساك عن ذكر هفوات الصحابة وتتبع‬
‫زلتهم وعدم الخوض فيما شجر بينهم‪.‬‬
‫قال أبو نعيم ‪ -‬رحمه الله ‪ :-‬فالمساك عن ذكر‪ ،‬أصحاب رسول الله ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬وذكر زللهم‪ ،‬ونشر محاسنهم ومناقبهم‪ ،‬وصرف أمورهم‬
‫إلى أجمل الوجوه‪ ،‬من أمارات المؤمنين المتبعين لهم بإحسان الذين مدحهم‬
‫فْر ل ََنا‬ ‫قوُلو َ‬
‫ن َرب َّنا اغْ ِ‬ ‫م يَ ُ‬
‫ن ب َعْدِهِ ْ‬
‫م ْ‬
‫جاُءوا ِ‬
‫ن َ‬‫ذي َ‬ ‫الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬بقوله‪) :‬وال ّ ِ‬
‫ن(‪.‬‬‫ما ِ‬ ‫قوَنا ِبالي َ‬
‫سب َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫وان َِنا ال َ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫خ َ‬
‫ول ْ‬
‫ويقول أيضا في تعليقه على الحديث المشار إليه‪) :‬لم يأمرهم بالمساك عن‬ ‫ً‬
‫ذكر محاسنهم وفضائلهم‪ ،‬إنما أمروا بالمساك عن ذكر أفعالهم وما يفرط‬
‫منهم في ثورة الغضب وعارض الموجدة( ]‪.[2‬‬
‫إذا ً المساك المشار إليه في الحديث الشريف إمساك بخصوص يقصد به‬
‫)عدم الخوض فيما وقع بينهم من الحروب والخلفات على سبيل التوسع‬
‫وتتبع التفصيلت ونشر ذلك بين العامة‪ ،‬أو التعرض لهم بالتنقص لفئة‪،‬‬
‫والنتصار لخرى( ]‪.[3‬‬
‫وذلك مما لم نؤمر به‪ ،‬إنما أمرنا بالستغفار لهم ومحبتهم ونشر محاسنهم‬
‫وفضائلهم‪.‬‬
‫)لكن إذا ظهر مبتدع‪ ،‬يقدح فيهم بالباطل فل بد من الذب عنهم وذكر ما‬
‫يبطل حجته بعلم وعدل( ]‪.[4‬‬
‫وهذا مما نحتاجه في زماننا‪ ،‬حيث ابتليت المة المسلمة بجامعاتها ومدارسها‬
‫بمناهج ‪ -‬يزعم أصحابها الموضوعية والعلمية ‪ -‬يخوضون فيما شجر بين‬
‫الصحابة بالباطل دون التأدب بالداب التي علمنا إياها ‪ -‬عز وجل ‪ -‬ورسوله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كذلك ابتليت بالفرق الضالة التي نشرت ذلك في‬
‫بعض البلد‪ ،‬بل إن العدوى‪-‬وللسف‪ -‬وصلت بعض السلميين حتى إن بعضهم‬
‫يجمع الغث والسمين من الروايات حول الفتنة التي بين الصحابة ثم يبني‬
‫أحكامه دون السترشاد بأقوال الئمة العلم وتحقيقاتهم‪ ،‬من أجل ذلك أردت‬
‫أن أشير إلى بعض السس والتوجيهات التي ينبغي أن يعرفها الباحث إذا‬
‫اقتضت الحاجة أن يبحث وينظر إلى الروايات فيما شجر بينهم‪.‬‬
‫‪- 1‬إن الكلم عما شجر بين الصحابة ليس هو الصل‪ ،‬بل الصل العقدي عند‬
‫أهل السنة هو الكف والمساك عما شجر بين الصحابة‪ ،‬وهذا مبسوط في‬
‫عامة كتب أهل السنة في العقيدة كالسنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل‪،‬‬
‫والسنة لبن أبي عاصم‪ ،‬وعقيدة أصحاب الحديث للصابوني‪ ،‬والبانة لبن‬
‫بطة‪ ،‬والطحاوية وغيرها‪.‬‬
‫ويتأكد هذا المساك عند من يخشى عليه اللتباس والتشويش والفتنة وذلك‬
‫بتعارض ذلك بما في ذهنه عن الصحابة وفضلهم ومنزلتهم وعدالتهم وعدم‬
‫إدراك مثله )لصغر سنه أو حداثة عهده بالدين‪..‬‬
‫لحقيقة ما حصل بين الصحابة واختلف اجتهادهم في ذلك فيقع في الفتنة‬
‫)بانتقاصه الصحابة( من حيث ل يعلم‪..‬‬
‫وذلك مبني على قاعدة تربوية تعليمية مقررة عند السلف وهي أل يعرض‬
‫على الناس من مسائل العلم إل ما تبلغه عقولهم‪ ،‬قال المام البخاري ‪-‬‬
‫رحمه الله ‪ :-‬باب من خص بالعلم قوما ً دون قوم كراهية أل يفهموا‪ ،‬وقال‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫علي ‪ -‬رضي الله عنه ‪ :-‬حدثوا الناس بما يعرفون‪ ،‬أتحبون أن يكذب الله‬
‫ورسوله؟‪.‬‬
‫ً‬
‫قال الحافظ في الفتح تعليقا على ذلك‪ :‬وفيه دليل على أن المتشابه ل ينبني‬
‫أن يذكر عند العامة ومثله قول ابن مسعود‪) :‬ما أنت محدثا ً قوما ً حديثا ً ل‬
‫تبلغه عقولهم إل كان لبعضهم فتنة( رواه مسلم‪.‬‬
‫وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الحاديث التي ظاهرها‬
‫الخروج على السلطان‪ ،‬ومالك في أحاديث الصفات‪ ،‬وأبو يوسف في‬
‫الغرائب‪..‬‬
‫إلى أن قال‪) :‬وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة وظاهره في‬
‫الصل غير مراد‪ ،‬فالمساك عنه عند من يخشى عليه الخذ بظاهره مطلوب‪،‬‬
‫والله أعلم( ]‪.[5‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ - 2‬وإذا دعت الحاجة إلى ذكر ما شجر بينهم فل بد من التحقق والتثبت في‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫الروايات المذكورة حول الفتن بين الصحابة‪ ،‬قال ‪ -‬عز وجل ‪َ) :-‬يا أي َّها ال َ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫ما‬‫حوا عََلى َ‬ ‫جَهال َةٍ فَت ُ ْ‬
‫صب ِ ُ‬ ‫وما ً ب ِ َ‬
‫صيُبوا قَ ْ‬
‫سقٌ ب ِن َب َأ ٍ فَت َب َي ُّنوا أن ت ُ ِ‬ ‫جاءك ُ ْ‬
‫م َفا ِ‬ ‫مُنوا إن َ‬ ‫آ َ‬
‫ن( هذه الية تأمر المؤمنين بالتثبت في الخبار المنقولة إليهم عن‬ ‫مي َ‬‫م َنادِ ِ‬ ‫ْ‬
‫فَعَلت ُ ْ‬
‫طريق الفساق لكي ل يحكموا بموجبها على الناس فيندموا‪ ،‬فوجوب التثبت‬
‫والتحقق فيما ينقل عن الصحابة وهم سادة المؤمنين أولى وأحرى‪ ،‬خصوصا ً‬
‫ونحن نعلم أن مثل هذه الروايات دخلها الكذب والتحريف‪ ،‬إما من جهة أصل‬
‫الرواية‪ ،‬أو تحريف بالزيادة والنقص يخرج الرواية مخرج الذم والطعن‪ ،‬وأكثر‬
‫المنقول من المطاعن الصريحة هو من هذا الباب‪ ،‬يرويها الكذابون‬
‫المعروفون بالكذب مثل أبي مخنف لوط بن يحيى‪ ،‬ومثل هشام بن محمد بن‬
‫السائب الكلبي‪ ،‬وأمثالهما ]‪ ،[6‬من أجل ذلك ل يجوز أن يدفع النقل المتواتر‬
‫في محاسن الصحابة وفضائلهم بنقول بعضها منقطع وبعضها محرف وبعضها‬
‫ل يقدح فيما علم‪ ،‬فإن اليقين ل يزول بالشك‪ ،‬ونحن قد تيقنا ما ثبت في‬
‫فضلهم‪ ،‬فل يقدح في هذا أمور مشكوك فيها فكيف إذا علم بطلنها ]‪.[7‬‬
‫‪- 3‬أما إذا صحت الرواية في ميزان الجرح والتعديل وكان ظاهرها القدح‬
‫فيلتمس لهم أحسن المخارج والمعاذير‪ ،‬قال ابن أبي زيد‪ ..) :‬والمساك عما‬
‫شجر بينهم وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج ويظن بهم‬
‫أحسن المذاهب(]‪.[8‬‬
‫وقال ابن دقيق العيد‪) :‬وما نقل عنهم فيما شجر بينهم واختلفوا فيه‪ ،‬فمنه ما‬
‫هو باطل وكذب‪ ،‬فل يلتفت إليه‪ ،‬وما كان صحيحا ً أولناه تأويل ً حسنا ً لن الثناء‬
‫عليهم من الله سابق‪ ،‬وما ذكر من الكلم اللحق محتمل للتأويل‪ ،‬والمشكوك‬
‫والموهوم ل يبطل المحقق والمعلوم( ]‪ ،[9‬هذا بالنسبة لعموم ما روي في‬
‫قدحهم‪.‬‬
‫‪ - 4‬أما ما روي على الخصوص فيما شجر بينهم‪ ،‬وثبت في ميزان النقد‬
‫العلمي فهم فيه مجتهدون‪ ،‬وذلك أن القضايا كانت مشتبهة‪ ،‬فلشدة اشتباهها‬
‫اختلف اجتهادهم وصاروا ثلثة أقسام‪ :‬أ‪ -‬قسم ظهر لهم بالجتهاد أن الحق‬
‫في هذا الطرف وأن مخالفه باغ فوجب عليهم نصرته‪ ،‬وقتال الباغي عليه‬
‫فيما اعتقدوه ففعلوا ذلك‪ ،‬ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخر عن مساعدة‬
‫إمام العدل في قتال البغاة في اعتقاده‪.‬‬
‫ب ‪-‬وقسم عكس هؤلء ظهر لهم بالجتهاد أن الحق مع الطرف الخر‪ ،‬فوجب‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليهم مساعدته وقتال الباغي عليه‪.‬‬


‫ج ‪ -‬وقسم ثالث اشتبهت عليهم القضايا وتحيروا فيها ولم يظهر لهم ترجيح‬
‫أحد الطرفين فاعتزلوا الفريقين‪ ،‬وكان هذا العتزال هو الواجب في حقهم‬
‫لنه ل يحل القدام على قتال مسلم حتى يظهر أنه مستحق لذلك ]‪.[10‬‬
‫إذا ً هذا القتال هم متأولون فيه‪ ،‬لكل طائفة شبهة اعتقدت تصويب نفسها‬
‫بسببها وذلك ل يخرجهم من العدالة بل هم في حكم المجتهدين في مسائل‬
‫الفقه فل يلزم نقص أحد منهم إنما هو بين أجر وأجرين‪.‬‬
‫ومن المهم أن نعلم أن القتال الذي حصل بين الصحابة رضوان الله عليهم لم‬
‫يكن على المامة‪ ،‬فإن أهل الجمل وصفين لم يقاتلوا على نصب إمام غير‬
‫علي ول كان معاوية يقول إنه المام دون علي ول قال ذلك طلحة والزبير‪...‬‬
‫وإنما كان القتال فتنة عند كثير من العلماء‪ -‬بسبب اجتهادهم في كيفية‬
‫القصاص من قاتلي عثمان ‪ -‬رضي الله عنهم ‪ ،-‬وهو من باب قتال أهل العدل‬
‫والبغي وهو القتال بتأويل سائغ لطاعة غير المام ل على قاعدة دينية ‪ -‬أي‬
‫ليس بسبب خلل في أصول الدين ‪.[11] -‬‬
‫ويقول عمر بن شبه‪) :‬إن أحد ًالم ينقل أن عائشة ومن معها نازعوا عليا في‬
‫ً‬
‫الخلفة ول دعوا لحد ليولوه الخلفة‪ ،‬وإنما أنكروا على علي منعه من قتال‬
‫قتلة عثمان وترك القتصاص منهم( ]‪.[12‬‬
‫ومما يؤكد ذلك هذه الرواية التي ذكرها ابن كثير‪) :‬جاء أبو مسلم الخولني‬
‫وأناس إلى معاوية‪ ،‬وقالوا‪ :‬أنت تنازع عليا ً أم أنت مثله؟ فقال‪ :‬ل والله‪ ،‬إني‬
‫لعلم أنه أفضل مني وأحق بالمر مني ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل‬
‫ي قتلة‬ ‫مظلومًا‪ ،‬وأنا ابن عمته‪ ،‬والطالب بدمه‪ ،‬فائتوه فقولوا له‪ ،‬فليدفع إل ّ‬
‫عثمان‪ ،‬وأسلم له‪ ،‬فائتوا عليًا‪ ،‬فكلموه‪.‬‬
‫فلم يدفعهم إليه ]‪ ([13‬وفي رواية‪) :‬فعند ذلك صمم أهل الشام على القتال‬
‫مع معاوية( ]‪.[14‬‬
‫وأيضا ً جمهور الصحابة‪ ،‬وجمهور أفاضلهم ما دخلوا في فتنة‪ ،‬قال عبد الله ابن‬
‫المام أحمد‪ :‬حدثنا أبي حدثنا إسماعيل بن علية حدثنا أيوب السختياني عن‬
‫محمد بن سيرين قال‪ :‬هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬عشرة آلف فما حضرها منهم مائة‪ ،‬بل لم يبلغوا ثلثين‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪) :‬وهذا السناد أصح إسناد على وجه الرض‪ ،‬ومحمد بن سيرين‬
‫من أورع الناس في منطقه‪ ،‬ومراسيله من أصح المراسيل( ]‪.[15‬‬
‫فأين الباحثون المنصفون ليدرسوا مثل هذه النصوص الصحيحة؟ وتكون‬
‫منطلقا ً لهم‪ ،‬ل أن يلطخوا أذهانهم بتشويشات الخباريين ثم يؤولون النصوص‬
‫الصحيحة حسب ما عندهم من البضاعة المزجاة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -5‬ومما ينبغي أن يعلمه المسلم حول الفتن التي وقعت بين الصحابة ‪ -‬مع‬
‫اجتهادهم فيها وتأولهم ‪ -‬حزنهم الشديد وندمهم لما جرى‪ ،‬بل لم يخطر ببالهم‬
‫أن المر سيصل إلى ما وصل إليه‪ ،‬وتأثر بعضهم التأثر البالغ حين يبلغه مقتل‬
‫أخيه‪ ،‬بل إن البعض أيضا ً لم يتصور أن المر سيصل إلى القتال‪ ،‬وإليك بعضا ً‬
‫من هذه النصوص المؤثرة‪ :‬أ‪-‬فهذه أم المؤمنين عائشة تقول ‪-‬كما يروي عنها‬
‫الزهري ‪) :-‬إنما أريد أن يحجز بين الناس مكاني‪ ،‬ولم أحسب أن يكون بين‬
‫الناس قتال‪ ،‬ولو علمت ذلك لم أقف ذلك الموقف أبدا ً ]‪ ،[16‬وكانت إذا‬
‫ن( تبكي حتى يبتل خمارها( ]‪.[17‬‬ ‫ن ِفي ب ُُيوت ِك ُ ّ‬
‫قرأت‪) :‬وقَْر َ‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب ‪-‬أما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فيقول الشعبي‪) :‬لما قتل طلحة‬
‫ل‪ ،‬جعل يمسح التراب عن وجهه ويقول‪ :‬عزيز علي أبا محمد‬ ‫ورآه علي مقتو ً‬
‫أن أراك مجدل ً تحت نجوم السماء‪ ،‬ثم قال‪ :‬إلى الله أشكو عجري وبجري‬
‫)همومي وأحزاني( وبكى عليه هو وأصحابه‪ ،‬وقال‪ :‬يا ليتني مت قبل هذا‬
‫اليوم بعشرين سنة( ]‪ ،[18‬ويقول ‪ -‬رضي الله عنه ‪) :-‬يا حسن يا حسن‪ ،‬ما‬
‫ظن أبوك أن المر يبلغ إلى هذا‪ ،‬ود أبوك لو مات قبل هذا بعشرين سنة( ]‬
‫‪.[19‬‬
‫وكان يقول ليالي صفين‪) :‬لله در مقام عبد الله بن عمر وسعد بن مالك‬
‫دا إن أجره لعظيم‪ ،‬وإن كان إثما ً إن‬‫)وهم ممن اعتزل الفتنة( إن كان ب ً‬
‫خطره ليسير( ]‪.[20‬‬
‫ً‬
‫فهذا قول أمير المؤمنين رغم قول أهل السنة إن عليا ومن معه أقرب إلى‬
‫الحق ]‪.[21‬‬
‫ج ‪-‬ويقول الزبير بن العوام ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬وهو ممن شارك في القتال‬
‫بجانب أم المؤمنين عائشة ‪ -‬رضي الله عنها ‪) :-‬إن هذه لهي الفتنة التي كنا‬
‫صر ول‬ ‫نحدث عنها‪ ،‬فقال موله‪ :‬أتسميها فتنة وتقاتل فيها؟ قال‪ :‬ويحك! إنا نب ّ‬
‫صر‪ ،‬ما كان أمر قط إل علمت موضع قدمي فيه‪ ،‬غير هذا المر‪ ،‬فإني ل‬ ‫نب ِ‬
‫أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر؟ ( ]‪.[22‬‬
‫وهذا معاوية ‪ -‬رضي الله عنه ‪ ،-‬لما جاءه نعي علي بن أبي طالب‪ ،‬جلس وهو‬
‫يقول‪ :‬إنا لله وإنا إليه راجعون‪ ،‬وجعل يبكي‪ ،‬فقالت امرأته‪ ،‬أنت بالمس‬
‫تقاتله‪ ،‬واليوم تبكيه؟ فقال‪ :‬ويحك‪ ،‬إنما أبكي لما فقد الناس من حلمه وعلمه‬
‫وفضله وسوابقه وخيره‪ ،‬وفي رواية )ويحك إنك ل تدرين ما فقد الناس من‬
‫الفضل والفقه والعلم( ]‪.[23‬‬
‫وبعد كل هذه النقولت كيف يلمون بأمور كانت مشتبهة عليهم؟ فاجتهدوا‬
‫فأصاب بعضهم‪ ،‬وأخطأ الخرون وجميعهم بين أجر وأجرين‪ ،‬ثم بعد ذلك‬
‫ندموا على ما حصل وجرى‪ ،‬وتابوا من ذلك‪ ،‬وما حصل بينهم من جنس‬
‫المصائب التي يكفر الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬بها ذنوبهم‪ ،‬ويرفع بها درجاتهم ومنازلهم‬
‫قال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ « :-‬ل يزال البلء بالمؤمن حتى يسير في‬
‫الرض ليس عليه خطيئة » ]‪ ،[24‬وعلى أقل الحوال لو كان ما حصل من‬
‫بعضهم في ذلك ذنبا ً محققًا‪ ،‬فإن الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬يكفره بأسباب كثيرة من‬
‫أعظمها الحسنات الماحية‪-‬من سوابقهم ومناقبهم وجهادهم ‪ ،-‬والمصائب‬
‫المكفرة‪ ،‬والستغفار‪ ،‬والتوبة التي بها يبدل الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬السيئات‬
‫حسنات‪ ،‬ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم‪.‬‬
‫‪ - 6‬وأخيرا ً نقول إن أهل السنة والجماعة ل يعتقدون أن كل واحد من‬
‫الصحابة معصوم عن كبائر الثم وصغائره‪ ،‬بل تجوز عليهم الذنوب في‬
‫الجملة‪ ،‬ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن‬
‫صدر‪ ،‬ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب‪ ،‬فيكون إما قد تاب منه‪ ،‬أو أتى‬
‫بحسنات تمحوه‪ ،‬أو غفر له بسابقته‪ ،‬أو بشفاعة محمد ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬الذي هم أحق الناس بشفاعته‪ ،‬أو ابتلي ببلء في الدنيا كفر به عنه‪،‬‬
‫فإذا كان هذا في الذنوب المحققة‪ ،‬فكيف المور التي هم فيها مجتهدون إن‬
‫أصابوا فلهم أجران‪ ،‬وإن أخطئوا فلهم أجر واحد‪ ،‬والخطأ مغفور‪.‬‬
‫ثم إن القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر‪ ،‬مغفور في جنب فضائل‬
‫القوم‪ ،‬ومحاسنهم من إيمان وجهاد وهجرة ونصرة وعلم نافع وعمل صالح ]‬
‫‪.[25‬‬
‫يقول الذهبي ‪ -‬رحمه الله ‪...) :-‬فالقوم لهم سوابق‪ ،‬وأعمال مكفرة لما وقع‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حاء وعبادة ممحصة‪ ،‬ولسنا ممن يغلو في أحد منهم‪ ،‬ول ندعي‬ ‫بينهم وجهاد م ّ‬
‫فيهم العصمة( ]‪.[26‬‬
‫إذا ً اعتقادنا بعدالة الصحابة ل يستلزم العصمة‪ ،‬فالعدالة استقامة السيرة‬
‫والدين‪ ،‬ويرجع حاصلها إلى هيئة راسخة في النفس تحمل على ملزمة‬
‫التقوى والمروءة جميعًا‪ ،‬حتى تحصل ثقة النفوس بصدقه‪) ..‬ثم ل خلف في‬
‫أنه ل يشترط العصمة من جميع المعاصي‪.[27] ( ...‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ومع ذلك يجب الكف عن ذكر معايبهم ومساويهم مطلقا ‪ -‬كما مر سابقا ‪،-‬‬
‫وإن دعت الضرورة إلى ذكر زلة أو خطأ لصحابي‪ ،‬فل بد أن يقترن بذلك ذكر‬
‫منزلة هذا الصحابي وتوبته وجهاده وسابقته‪..‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪ ،‬إن وجد شيء من ذلك‪ ،‬فمثل ً من الظلم أن نذكر زلة حاطب بن أبي بلتعة ‪-‬‬
‫رضي الله عنه ‪ ،-‬دون أن نذكر توبته وسابقته وأنه من أهل بدر‪ ،‬ومن الظلم‬
‫أيضا ً أن نذكر ماعزا ً وزلته ول نذكر توبته التي لو تابها صاحب مكس لقبل‬
‫منه‪ [28] ،‬وهكذا فالمرء ل يعاب بزلة يسيرة حصلت منه في فترة من‬
‫فترات حياته‪ ،‬وتاب منها‪ ،‬فالعبرة بكمال النهاية ل بنقص البداية إن كانت له‬
‫حسنات ومناقب‪ ،‬ولو لم يزكه أحد‪ ،‬فكيف إذا كثرت فيه التزكيات‪ ،‬وكيف إذا‬
‫زكاه خالقه‪ ،‬الخبير بما في نفسه؟‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (1‬أخرجه الطبراني في الكبير ‪.2/78/2‬‬
‫)‪ (2‬المامة‪.347/‬‬
‫)‪ (3‬منهج كتابة التاريخ‪ ،‬محمد بن صامل السلمي‪ ،‬ص ‪.228 ،227‬‬
‫)‪ (4‬منهاج السنة ‪.192 / 3‬‬
‫)‪ (5‬فتح الباري ‪.225 / 1‬‬
‫)‪ (6‬انظر منهاج السنة ‪.19 ،17 / 3‬‬
‫)‪ (7‬المصدر السابق ‪ 209 / 3‬بتصرف‪.‬‬
‫)‪ (8‬مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫)‪ (9‬أصحاب رسول الله ومذاهب الناس فيهم ‪ 360 /‬عبد العزيز العجلن‪.‬‬
‫)‪ (10‬مسلم بشرح النووي ‪.49 / 15‬‬
‫)‪ (11‬فتح الباري ‪.56 /13‬‬
‫)‪ (12‬سير أعلم النبلء‪ ،‬الذهبي ‪ 140 / 3‬بسند رجاله‪.‬‬
‫)‪ (13‬البداية والنهاية ‪.129 / 8‬‬
‫)‪ (14‬منهاج السنة ‪ ،186 / 3‬وراجع في نفس الموضوع نصوص أخرى تدل‬
‫على قلة من حضر الفتنة من الصحابة‪.‬‬
‫)‪ (15‬مغازي الزهري‪.154 ،‬‬
‫)‪ (16‬سير أعلم النبلء ‪.177/ 2‬‬
‫)‪ (17‬أسد الغابة‪ ،‬ابن الثير ‪.89 ،88 / 3‬‬
‫)‪ (18‬منهاج السنة ‪) 209 / 6‬محقق(‪.‬‬
‫)‪ (19‬المصدر نفسه ‪) 209 / 6‬محقق(‪.‬‬
‫)‪ (20‬فتح الباري ‪.67 / 12‬‬
‫)‪ (21‬تاريخ الطبري ‪.476/ 4‬‬
‫)‪ (22‬تاريخ الطبري ‪.4/476‬‬
‫)‪ (23‬البداية والنهاية ‪.130 ،8/14‬‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (24‬الترمذي‪ ،‬رقم ‪ ،2401‬قال‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬


‫)‪ (25‬انظر الواسطية بشرح هراس ‪.167 - 164 /‬‬
‫)‪ (26‬سير أعلم النبلء‪.93 / 10 :‬‬
‫)‪ (27‬منهج المحدثين للعظمي ‪.29 - 23 /‬‬
‫)‪ (28‬المامة لبي نعيم ‪ ،341 ،340 /‬منهاج السنة ‪ ،2/207‬محقق‪.‬‬
‫‪ http://www.albayan-magazine.com‬المصدر‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫النترنت بين الخير والشر‬


‫الحمد لله وحده ‪ ،‬والصلة والسلم على من ل نبي بعده ‪ ،‬وبعد ‪:‬‬
‫ل‬‫ج ّ‬‫فلقد فتن الشباب اليوم بالنترنت ‪ ،‬وولعوا به ولعا ً شديدا ً ‪ ،‬فأصبح ُ‬
‫حديثهم عنه وعن ارتياد مواقعه ‪ ،‬والبحار في جنباته ‪ ،‬والجلوس في صحبته‬
‫ل ‪ ،‬وهذا يدعونا للتأمل في محاسنه‬ ‫ل أو مل ٍ‬‫الساعات الطوال دون كل ٍ‬
‫ومفاسده حتى نكون على بصيرة من أمرنا ‪.‬‬
‫أول ًً ‪ :‬أضرار النترنت‬
‫‪ -1‬إضاعة الوقات ‪.‬‬
‫‪ -2‬التعرف على صحبة السوء ‪.‬‬
‫‪ -3‬زعزعة العقائد والتشكيك فيها ‪.‬‬
‫‪ -4‬نشر الكفر واللحاد‪.‬‬
‫‪ -5‬الوقوع في شراك التنصير ‪.‬‬
‫‪ -6‬تدمير الخلق ونشر الرذائل ‪.‬‬
‫‪ -7‬التقليد العمى للنصارى والفتتان ببلدهم ‪.‬‬
‫‪ -8‬إهمال الصلة وضعف الهتمام بها ‪.‬‬
‫‪ -9‬التعرف على أساليب الرهاب والتخريب ‪.‬‬
‫‪ -10‬الغرق في أوحال الدعارة والفساد ‪.‬‬
‫‪ -11‬إشاعة الخمول والكسل ‪.‬‬
‫‪ -12‬الصابة بالمراض النفسية ‪.‬‬
‫‪ -13‬إضاعة مستوى التعليم ‪.‬‬
‫‪ -14‬التجسس على السرار الشخصية ‪.‬‬
‫‪ -15‬انهيار الحياة الزوجية ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬فوائد النترنت‬
‫من النصاف أن نبين ولو بذكر بعض الصور ما قام به أهل الهمم العالية من‬
‫استغلل للنترنت في أمور نافعة ‪ ،‬بل جعلوا هذه الشبكة خادمة للسلم ‪،‬‬
‫وداحضة للباطل وأهله ‪ ،‬وهذه جملة من فوائد النترنت التي هي في الحقيقة‬
‫كثيرة ل تحصى ‪:‬‬
‫‪ -1‬الدعوة إلى السلم وبيان محاسنه ‪.‬‬
‫‪ -2‬الرد على الشبهات التي تثار حول السلم ودحضها ‪.‬‬
‫‪ -3‬محاربة البدع والتصدي لدعاتها ‪.‬‬
‫‪ -4‬نشر العلم النافع والخلق الحسنة ‪.‬‬
‫‪ -5‬معرفة العلوم الكونية والخذ بأسباب التقدم والرقي ‪.‬‬
‫‪ -6‬الستفادة منه في البحاث العلمية ‪.‬‬
‫‪ -7‬التعرف على أحدث التقارير والدراسات والحصاءات في مختلف‬
‫المجالت ‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -8‬سهولة التصال بالعلماء لخذ الفتوى عنهم والستنارة بآرائهم ‪.‬‬


‫‪ -9‬العلن عن محاضرات العلماء ومتابعتها عبر النترنت ‪.‬‬
‫‪ -10‬التعرف على أحوال المسلمين في العالم ومتابعة أخبارهم ‪.‬‬
‫أخي الحبيب‬
‫أيليق بك أن تستخدم نعم الله في معصيته ومحاربته ؟‬
‫أيليق بك أن تكتفي من هذه التقنية بكل ماهو سيئ ‪ ،‬بينما غيرك من غير‬
‫المسلمين يستغل تلك الشبكة في كل ما يوصلهم إلى مراكز الصداقة‬
‫والريادة لهذا العالم ؟‬
‫أل فاتق الله – أخي الحبيب –وأسأل نفسك ‪:‬‬
‫ماذا ‪ :‬أعددت لقدومك على ربك ؟‬
‫ماهو ‪ :‬زادك الذي تزودته في سفرك إلى الله والدار الخرة ؟‬
‫أيقدم ‪ :‬الناس على ربهم بالحسنات والعمال الصالحة ‪ ،‬وتقدم أنت بالغاني‬
‫والفلم ومطالعة الصور العارية عبر هذه الشبكة ؟‬
‫هل ‪ :‬هذا هو نصيبك من الدنيا ؟ هل هذه هي بضاعتك للخرة ؟‬
‫أين ‪ :‬أنت من قول الله تعالى ‪ ) :‬يا أيها الذين أمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ً‬
‫وقودها الناس والحجارة ‪ ( ...‬؟‬
‫أسأل الله لي ولكم الثبات على دينه ‪ ،‬والتوفيق والعانة على سلوك سبيله ‪،‬‬
‫وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫تنفيذ الخ ‪ /‬غازي ‪-‬أبو الزبير ] ل تنسونا من صالح دعائكم [‬
‫جمعت من كرت ‪ /‬النترنت بين الخير والشر إعداد ‪ /‬عبد العزيز بن محمد‬ ‫ُ‬
‫الطريف‬

‫)‪(1 /‬‬

‫النسان ‪ ..‬معجزة خلقه كما ورد في القرآن‬


‫بقلم ‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬ع‪ .‬م‪ .‬غنيمة‬
‫قا للمعرفة‬ ‫قا شي ّ ً‬
‫إذا أراد المسلم أن يجعل من مبدأ الحياة وقصة الخلق طري ً‬
‫الفكرية أوسع وأعمق مما صوره العلم‪ ،‬فأمامنا طريق الفلسفة وتأملتهم‪.‬‬
‫وإذا أراد المسلم أن يجعل منه موضعَ إيمان ومشاعر إنسانية وروحية‪،‬‬
‫فأمامه الدين السلمي‪ ،‬وهنا وعند هذه المرحلة‪ ،‬حيث يبدو تعدد الطرق‪ ،‬نجد‬
‫أن العلم والفلسفة والدين يتفقون على أن مبدأ الحياة ونظرية الخلق من‬
‫مظاهر اللوهية‪ ،‬وأن اللوهية هي الصل‪ ،‬وهي الغاية من كل هذا الكون؛‬
‫فكل شيء فيه إنما يصبو إليها‪ ،‬ونحن ل نستطيع عن طريق المعرفة‬
‫ة الوجود‪ ،‬وخالقه ومصوره‪،‬‬ ‫ب أو عل ُ‬
‫الفلسفية أن نقول ‪ :‬إن الله تعالى هو سب ُ‬
‫ضا‪ :‬إنه هو الذي يشهد على الشياء كّلها‪،‬‬ ‫وواضع أسسه ونظمه‪ ،‬وإنما نقول أي ً‬
‫وليست الشياء هي الدليل عليه ‪.‬‬
‫إن القرآن الكريم لم يأت لي ُعَّلمنا أسراَر الوجود والخلق؛ ولكنه أشار إليها‬
‫جلها ليظهر العجاز اللهي للنسان في كل عصر‪ ،‬ومع كل تقدم للعلم‬ ‫وس ّ‬
‫والمعرفة البشرية‪ ،‬على أن ربط القرآن الكريم بالنظريات العلمية‪ ،‬شيء‬
‫ليجب أن يحدث أو يقال‪ ،‬فالقرآن لتربط صحته باتفاقه مع نظرية علمية أًيا‬
‫كانت؛ ولكن العلم هو الذي يستمد صحته وبيانه إذا اتفق مع آيات القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬فكل علم مخالف لحقائق القرآن هو علم خاطيء وزائف‪ ،‬لن قائل‬
‫القرآن هو الله سبحانه وتعالى ‪ ،‬وخالق الكون هو الله سبحانه وتعالى‪ ،‬ول‬
‫يمكن لمخلوق عالم أو متفلسف أن يصل في أسرار الكون إلى علم الخالق‪،‬‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تلك حقيقة مهمة وبديهية‪ ،‬لولئك الذين يربطون معجزة الخلق بنظريات من‬
‫فكر البشر‪ ،‬والحياة والموت‪ ،‬هما مما اختص به الله سبحانه وتعالى نفسه‪.‬‬
‫حتى أنه إذا أعطى رسول ً من رسله هذه المعجزة ‪ ،‬كما أعطاها عيسى ‪-‬‬
‫ن‬‫وتاى ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حِيي ال ْ َ‬ ‫عليه السلم ‪ -‬فإنه يقول‪ :‬فإذن الله ‪ ..‬فعيسى يقول ‪" :‬وَا ُ ْ‬
‫ن ط َي ًْرا‬ ‫خ فِي ْهِ فَي َك ُوْ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ن ك َهَي ْئ َةِ الط ّي ْرِ فَأ َن ْ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الطي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫خل ُقُ ل َك ُ ْ‬ ‫ه" ويقول‪" :‬أ َّني أ َ ْ‬ ‫الل ِ‬
‫ه"‪ ،‬وفي نفس الية من آل عمران رقم )‪ ،(49‬يقول جل شأنه‬
‫ْ‬
‫ن الل ِ‬ ‫ب ِإ ِذ ْ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م"‪،‬‬ ‫ي ب ُي ُوْت ِك ُ ْ‬ ‫ن فِ ْ‬ ‫خُروْ َ‬ ‫ما ت َد ّ ِ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ما ت َأك ُلوْ َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ص" ‪" ،‬وَأن َب ّئ ُك ُ ْ‬ ‫ه َوالب َْر َ‬ ‫م َ‬ ‫"وَأب ْرِئُ ال َك ْ َ‬
‫وهنا يجب أن نلحظ أن معجزة الحياة والموت لم ترد إل ومعها كلمة بإذن‬
‫الله‪ ،‬بينما وردت المعجزات الخرى كإبراء الكمه والبرص وغير ذلك‪،‬‬
‫كمعجزات لتأييد عيسى من الله سبحانه وتعالى‪ ،‬دليل ً على صدق رسالته‬
‫وتبليغه عن الله؛ ولكن معجزة الخلق هي لله وحده ‪.‬‬
‫والله سبحانه وتعالى حين أوجد الحياة أبلغنا بطريقة الخلق ومعجزته فقال‬
‫ل‬‫جعَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن * ثُ ّ‬ ‫ن ط ِي ْ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫خل ْقَ ال ِن ْ َ‬ ‫في سورة السجدة آيات ‪? :,9,8,7‬وَب َد َأ َ َ‬
‫ل ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫جعَ َ‬ ‫حه وَ َ‬ ‫ن ّروْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫خ فِي ْهِ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫واه ُ وَن َ َ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن * ثُ ّ‬ ‫مهِي ْ ٍ‬ ‫مآٍء ّ‬ ‫ن ّ‬ ‫م ْ‬ ‫سل َل َةٍ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سَله ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫ن?‪ ،‬وقال في سورة الحجر آية ‪، 28‬‬ ‫شكُروْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صاَر َوالفئ ِد َة َ قل ِي ْل ّ‬ ‫معَ َوالب ْ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ال ّ‬
‫ن*‬ ‫سن ُوْ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫مإ ٍ ّ‬ ‫ح َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫صا ٍ‬ ‫صل َ‬ ‫ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫خال ِقٌ ب َشًرا ِ‬‫َ‬ ‫ي َ‬ ‫َ‬
‫ملئ ِكةِ إ ِن ّ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪? :29‬وَإ ِذ قال َرب ّك ل ِل َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن?‪ ،‬وقال عن مريم في‬ ‫ي‬
‫َ ِ ِْ َ‬‫د‬ ‫ج‬ ‫سا‬ ‫له‬‫َ‬ ‫وا‬
‫ُ ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫حي‬ ‫ت فِي ْ ِ ِ ْ ّ ْ ِ‬
‫و‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫خ ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫ه وَن َ َ‬ ‫سوّي ْت ُ ُ‬ ‫فَإ َِذا َ‬
‫جعَل َْنا َ‬ ‫َ‬
‫ها‬ ‫حَنا وَ َ‬ ‫ن ّروْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫خَنا فِي َْها ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫جَها فَن َ َ‬ ‫ت فَْر َ‬ ‫صن َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫سورة النبياء‪ :‬آية ‪َ? :91‬وال ّت ِ ْ‬
‫ن‬‫مَرا َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫م اب ْن َ َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن?‪ ،‬وقال في سورة التحريم آية ‪? :12‬وَ َ‬ ‫مي ْ َ‬‫ة ل ّل َْعال َ ِ‬ ‫َواب ْن ََها آي َ ً‬
‫َ‬
‫ت‬‫كان َ ْ‬ ‫ت َرب َّها وَك ُت ُِبه وَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ت ب ِك َل ِ َ‬ ‫صد ّقَ ْ‬ ‫حَنا وَ َ‬ ‫ن ّروْ ِ‬ ‫م ْ‬‫خَنا فِي ْهِ ِ‬ ‫ف ْ‬‫جَها فَن َ َ‬ ‫ت فَْر َ‬ ‫صن َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ال ِّتي أ ْ‬
‫ت من كل شيء زوجين اثنين‪ ،‬أي أن كل‬ ‫ن?‪ .‬وقال إنني خلق ُ‬ ‫قان ِت ِي ْ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫مخلوقات هذه الدنيا بدأت بخلق الله سبحانه وتعالى ذكًرا وأنثى ثم بدأ‬
‫التكاثر بعد ذلك‪ ،‬وهذه هي بداية الخلق‪ ،‬وحقائق الكون كما ذكرها الله في‬
‫القرآن الكريم هي حقائق أزلية ليمكن أن تتصادم‪.‬‬
‫نأتي الن إلى خلق آدم ‪ ،‬أخبرنا الله سبحانه وتعالى ‪ ..‬أنه خلقَ النسان من‬
‫ل‬‫صا ٍ‬ ‫صل ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا َ‬ ‫خل َقَ ال ِن ْ َ‬ ‫طين يقول تعالى في سورة الرحمن آية ‪َ ? :14‬‬
‫خاِر?‪ ،‬أي من عناصر الرض والتربة التي نعيش عليها والبحث العلمي‬ ‫ف ّ‬ ‫كال ْ َ‬ ‫َ‬
‫المعملي أثبت أن الرض تتكون من ‪ 20‬عنصًرا كلها موجودة في جسد‬
‫النسان هي "الكربون" و"اليدروجين" و"الكسجين" و"النتروجين"‬
‫و"الفسفور" و"الكبريت" و"الصوديوم" و"البوتاسيوم" و"الكالسيوم"‬
‫و"الماغنسيوم" و"الحديد" و"النحاس" و"الكلور" وتكون هذه العناصر ‪-60‬‬
‫‪ ?80‬من رماد الجسم‪ .‬أما "الكوبالت" و"المنجنيز" و"الزنك" و"اليود"‬
‫دا في‬ ‫و"الخارصين" و"اللومنيوم" و"البورون" فهي توجد بكميات صغيرة ج ً‬
‫جسم النسان‪ ،‬ثم نفخ الله سبحانه وتعالى فيه من روحه‪ ،‬والروح من أمر‬
‫الله‪ ،‬لم يصل إليها العلم ولن يصل‪ ،‬فتم خلقُ آدم وخلق حواء من آدم ‪.‬‬
‫بداية خلق النسان من النطفة وحدها‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ما منذ القدم أن الم ل دخل لها في خلق أبنائها؛ ولكن "ماء"‬ ‫لقد كان مفهو ً‬
‫دا‪ ،‬مثله في‬
‫الرجل ما أن يصل إلى رحم المرأة حتى ينمو ليكون جنيًنا ثم ولي ً‬
‫ذلك مثل "البذرة" حيث تصادف التربة الطيبة فإنها تنمو وتزدهر‪ ،‬ولم‬
‫تكتشف طبيعة الحيوان المنوي كذات مستقلة في السائل المنوي "ماء‬
‫الرجل" )ماء الخليقة( إل في القرن السابع عشر‪ ،‬في عهد "ليفنهوك"‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ Leeuwen hoak‬وبالتحديد عام ‪1677‬م اعتبر الحيوان المنوي حينئذ كائًنا حًيا‬
‫له ذاته وصفاته المستقلة‪ ،‬التي بها يمكنه أن ينمو فيكون الجنين في رحم‬
‫النثى‪ ،‬وبعد الولدة يصبح فرًدا إنساًنا وقد تصور العلماء آنذاك أن الحيوان‬
‫دا يجلس القرفصاء ‪.‬‬ ‫المنوي ماهو إل إنسان صغير الحجم ج ً‬
‫وكان "ليفنهوك" قد توصل إلى صنع عدسة دقيقة سمكها أقل من ‪1/10‬‬
‫بوصة متقنة الصقل بحيث كانت تريه الشياء في ضخامة واضحة‪ ،‬أخذ في‬
‫توجيه عدساته إلى كل شيء يستطيع الحصول عليه‪ ،‬ففحص رأس ذبابة‬
‫وألصق مخها بالبرة الدقيقة‪ ،‬وكم أثارت إعجابه التفاصيل الواضحة عندما‬
‫كان يفحص البذور الصغيرة والبراغيث والقمل لكي يرى التفاصيل التي تعجز‬
‫ن عن رؤيتها‪ ،‬وفحص بعدسته قطرة صغيرة من ماء المطر فرأى كائنات‬ ‫العي ُ‬
‫دقيقة تسبح في هذا الماء ‪ ..‬وكانت الكائنات الدقيقة الجديدة عجيبة وصغيرة‬
‫وأعدادها كبيرة ومتعددة الطرز‪ ،‬تتحرك وتتمايل وتنقلب ذات الشمال وذات‬
‫اليمين‪ ،‬فكتب إلى عظماء العلماء في لندن ووصف لهم ما اعتراه من‬
‫دهشة‪ ،‬وأخبرهم عن رؤية مئات من الكائنات الدقيقة‪ ..‬فهزت كتاباته العلماء‬
‫وسرت بينهم الدهشة ولسيما رؤيته لول مرة أوعية الدم الشعرية التي‬
‫ينتقل الدم خللها من الشرايين للوردة في ذيل السمكة‪ ،‬واكتشف الحيوانات‬
‫المنوية للنسان وأماط اللثام عن تلك الكائنات الحية غير المرئية والتي‬
‫يعيش بعضها على التهام البعض الخر‪ ،‬وكان يقول حياة تعيش على حياة‪،‬‬
‫ولذا يعتبر "ليفنهوك" في تاريخ العلم أول من اكتشف "الميكروبات" وترك‬
‫لمن بعده من العلماء أمثال باستير "‪ "Pasteur‬بداية تصنيف تلك‬
‫"الميكروبات" ‪.‬‬
‫وقد استعان "باستير" بعدسات "ليفنهوك" لكشف "الميكروبات" التي تعيش‬
‫على اللبن وعلى الخمر‪ ،‬وتوصل إلى أنه إذا سخن اللبن أو الخمر – ولو‬
‫تسخيًنا هيًنا – قبيل درجة الغليان‪ ،‬فإن هذا التسخين يقتل "الميكروبات"‬
‫الدخيلة ‪ ..‬وهذه الحيلة اليسيرة هي المعروفة باسم البسترة في صناعة‬
‫اللبان‪ ..‬وعلى مقتضاها تعالج منذ ذلك اليوم فتتعقم وتنجو من التلف‬
‫والتخثر‪ ،‬ومن أعظم ما خطر على فكر "باستير" أن "المكيروب" على ضآلته‬
‫قد يدخل جسم الرجل أو جسم الثور أو الفيل وينهى حياته‪ ،‬ولم يكن يجد في‬
‫هذا الخاطر استحالة أو غرابة ‪.‬‬
‫والن نعاود الكتابة عما جاء بأم الكتاب‪ ،‬حين نزل القرآن الكريم على‬
‫الرسول المين صلى الله عليه وسلم منذ قرابة أربعة عشر قرًنا من الزمان‪،‬‬
‫لم يكن أمر الحيوان المنوي‪ .‬ووظيفته وطبيعته – معروًفا كما أن موقفه من‬
‫ما ‪.‬‬‫تخليق النسان وغيره من الحيوانات لم يكن مفهو ً‬
‫وفي كتب الشريعة والتفسير حتى نهاية القرن السابع عشر الميلدي‪ ،‬يعبر‬
‫ضا‬
‫عن السائل المنوي بعبارة "ماء الرجل"‪ ،‬والقرآن الكريم يعبر عنه أي ً‬
‫ن‬ ‫سَله ِ‬
‫م ْ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫جعَ َ‬ ‫م َ‬ ‫"بالماء المهين"‪ ،‬وأحياًنا "بالماء" فقط‪ ،‬يقول سبحانه‪" :‬ث ُ ّ‬
‫خل ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن" المرسلت‪:‬‬ ‫مهِي ْ ٍ‬‫مآٍء ّ‬ ‫ن ّ‬‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫ن" السجدة‪ :‬آية ‪" 8‬أل َ ْ‬
‫م نَ ْ‬ ‫مهِي ْ ٍ‬ ‫مآٍء ّ‬ ‫ن ّ‬‫م ْ‬‫سل َل َةٍ ّ‬‫ُ‬
‫ن َرب ّ َ‬
‫ك‬ ‫صهًْرا َوكا َ َ‬ ‫سًبا وَ ِ‬‫جعََله ن َ َ‬ ‫شًرا فَ َ‬ ‫ن ال َْ‬
‫مآِء ب َ َ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫و‬‫ُ‬
‫َ َ‬ ‫ه‬ ‫و‬‫"‬ ‫‪:‬‬ ‫‪20‬‬ ‫آية‬
‫قَدِي ًْرا" الفرقان‪ :‬آية ‪. 54‬‬
‫لكن علماء البيولوجيا المعاصرين‪ ،‬يعرفون عن يقين‪ ،‬أن النسان وأغلب‬
‫الحيوانات تبدأ حياتها بخلية واحدة‪ ،‬ومن هذه الخليا أو اللبنات الدقيقة الحية‪،‬‬
‫تبني أجسام النبات والحيوان والنسان والخلية الولى لتكوين النسان‪ ،‬هي‬
‫حصيلة اندماج حيوان منوي )نطفة( من الذكر مع بيضة من النثى‪ ،‬والخلية‬
‫الناتجة تعرف علمًيا بالبيضة المخصبة أو الزيجوت ‪ Zygote‬وليمكن للحيوان‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المنوي )النطفة( وحده أن ينتج كائًنا حًيا دون مشاركة من البيضة‪ ،‬أي أن‬
‫الرجل ليمكن أن يكون له ولد )أى ابن( دون مشاركة من أنثى‪ ،‬ومن هنا‬
‫يرجع أمر خلق النسان بداية من النطفة للسباب التية ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن بيضة النثى ل يمكنها أن تنقسم وبالتالي ل يمكنها أن تكون جنيًنا في‬
‫رحم الم إل بعد أن يخصبها الحيوان المنوي‪ ،‬ومالم يأتها الحيوان المنوي‬
‫فإنها تبقى بحيويتها على حالتها لفترة زمنية في انتظار إخصابها بحيوان منوي‬
‫يصلها في الوقت المناسب‪ ،‬فإن أخفقت في أن يصل إليها الحيوان المنوي‪،‬‬
‫فإنها ل تلبث أن تفقد حيويتها فتتلشى وتمتص ويضيع أثرها ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -2‬النطفة هي السبب الصيل في تكوين الجنين‪ ،‬وهي التي تبعث النشاط‬


‫النقسامي في البيضة بعد تخصيبها‪ ،‬ول يمكن للنطفة أن تكون الجنين إل‬
‫بمشاركة البيضة‪ ،‬والتفسير السابق ينطبق على النسان عامة‪ ،‬فلم يحدث أن‬
‫استطاعت امرأة بمفردها‪ ،‬أي دون الذكر‪ ،‬أن تنجب‪ ،‬وولدة سيدنا عيسى ‪-‬‬
‫عليه السلم ‪ -‬من السيدة مريم‪ ،‬هي معجزة إلهية‪ ،‬والمعجزات أمور خارقة‬
‫لنواميس الكون وليقاس عليها‪.‬‬
‫وصحيح أن هناك حيوانات أخرى من غير البشر‪ ،‬يمكن لبيضة النثى وحدها‪،‬‬
‫ودون احتياج لحيوان منوي‪ ،‬أن تنقسم وأن تنتج الذراري وهذا شائع طبيعًيا‬
‫في أنواع من الحشرات مثل حشرة المن‪ ،‬كما أن ملكة النحل يمكنها أن تنتج‬
‫الشغالت في طائفة النحل عن طريق وضع بيض ل تخصبه بحيوانات منوية‪،‬‬
‫وانقسام البيضة على هذا النحو وتكوين الجنة فيها دونما حاجة إلى الحيوان‬
‫المنوي هي ظاهرة ت ُعَْرف علمًيا باسم "التولد البكري أو العذري" ول وجود‬
‫لمثل هذا التكاثر في النسان ‪.‬‬
‫‪ -3‬إضافة إلى ما سبق‪ ،‬نجد أن الحيوان المنوي هو الشق الوحيد من شقي‬
‫التناسل‪ ،‬الشق الخر هو البيضة‪ ،‬ويترتب على هذا التنوع تكوين الذكر‬
‫والنثى‪ ،‬بمعنى أن مني الذكر يكون الحيوان المنوي فيه على صورتين‬
‫مختلفتين‪ ،‬إحداهما إذا قدر لها أن تخصب البيضة تنتج عن ذلك جنيًنا ذكًرا‪،‬‬
‫والخرى إذا قدر لها ذلك نتج عنها جنين أنثى‪ ،‬ولو لم يتنوع الحيوان المنوي‬
‫على الصورتين السابقتين لنتج عن الخصاب جنس واحد فقط‪ ،‬وهل يمكن‬
‫للحياة أن تستمر بجنس واحد فقط دون الجنس الخر؟‬
‫ن*‬ ‫ي‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ر‬‫را‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ط‬ ‫جعَل َْناه ُ ن ُ‬ ‫ن * ث ُم ِ َ‬ ‫سل َل َةٍ ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫?وَل َ َ‬
‫ً ِ ْ َ ٍ ّ ِْ ٍ‬ ‫ن ط ِي ْ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫سا َ‬ ‫قَنا ال ِن ْ َ‬ ‫قد ْ َ‬
‫سوَْنا‬‫ما فَك َ َ‬ ‫ظا ً‬‫ع َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ضغَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫قَنا ال ْ ُ‬ ‫خل َ ْ‬‫ة فَ َ‬ ‫ضغَ ً‬‫م ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫ق َ‬‫قَنا العَل َ َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ة فَ َ‬ ‫ق ً‬ ‫ة عَل َ َ‬ ‫ف َ‬ ‫قَنا الن ّط ْ َ‬ ‫خل َ ْ‬‫ث ُم ِ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن? المؤمنون‪:‬‬ ‫قي ْ َ‬‫خال ِ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ك الل ُ‬ ‫خَر فَت َب َا َْر َ‬ ‫قا آ َ‬ ‫خل ْ ً‬‫شأَناهُ َ‬ ‫م أن ْ َ‬ ‫ما ث ُ ّ‬‫ح ً‬ ‫م لَ ْ‬‫ظا َ‬ ‫ال ْعِ َ‬
‫اليات من ‪.14-12‬‬
‫منى? النجم‪:‬‬ ‫فةٍ إ َِذا ت ُ ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ن ّط َ‬ ‫م ْ‬
‫ُ‬
‫ن الذ ّك ََر َوالْنثى * ِ‬ ‫جي ْ ِ‬
‫خلقَ الّزوْ َ‬ ‫َ‬ ‫يقول تعالى‪? :‬وَأ َّنه َ‬
‫آية ‪.46,45‬‬
‫ويتضح مما سبق وبجلء ودون ارتياب‪ ،‬أن إنجاب الناث والذكور مًعا‬
‫مسؤولية الذكر )الزوج( دون النثى )الزوجة(‪ ،‬وعليه فليس من الكياسة في‬
‫ج زوجَته مسؤولية إنجاب‬ ‫شيء ول من العدالة في قليل ول كثير أن يحمل زو ٌ‬
‫البنات‪ ،‬كما يشيع في بعض أوساط الجهل والبسطاء من الناس‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النسان الحكيم‬
‫عبد الكريم بكار ‪23/2/1427‬‬
‫‪23/03/2006‬‬
‫قالوا كثيًرا في الحكمة‪ ،‬واختلفوا في شأنها اختلًفا واسًعا؛ وذلك بسبب‬
‫اتصال الحكمة بعدد من العلوم والقوى الخلقية والعقلية‪ .‬وحين يقف النسان‬
‫الموقف الذي عليه أن يقفه‪ ،‬فإنه يكون قد أنجز إنجاًزا ليس بالقليل‪ .‬في‬
‫بعض الحيان يكون هناك نوع من الغموض واللتباس أو نوع من التقاطع بين‬
‫المعطيات المعرفية‪ ،‬أو نوع من ضعف الدراك للمنافع والمضار‪ ،‬وحينئذ فإن‬
‫قّلة قليلة من الناس هي التي تتمكن من فهم المحيط واتخاذ القرار الصحيح‪.‬‬
‫قبل أن أتحدث عن بعض سلوكات الرجل الحكيم ومواقفه أود أن أوضح‬
‫مكونات الحكمة‪ ،‬وما يحتاجه الموقف الحكيم‪ .‬لعل أصح تعريف للحكمة هو‬
‫ذلك التعريف الذي يقول‪ :‬إن الحكمة هي وضع الشيء في موضعه‪ .‬وحتى‬
‫نضع الشيء في موضعه‪ ،‬فإننا نحتاج إلى أمرين أساسيين‪:‬‬
‫الول‪ :‬هو معرفة ما يجب علينا قوله أو فعله‪ ،‬وما يجب علينا تركه أو رفضه‬
‫أو تجاهله‪ ...‬وهذا يعني أننا نحتاج إلى معرفة جيدة وخبرة ممتازة بما نحن‬
‫مقدمون على التعامل معه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬هو الرادة والعزيمة التي نحتاجها كي نقاوم رغباتنا وشهواتنا‪ ،‬وما لدينا‬
‫من طموحات غير مشروعة وأمور غير لئقة‪ ،‬وكي نتجاوز ما لدينا من قصور‬
‫ذاتي‪ .‬وقد نحتاج حتى نكون حكماء فعل ً إلى شيء ثالث هو الرضا والقناعة‬
‫بما قسمه الله –تعالى‪ ،-‬والنظر إلى كل ما لم نستطع الوصول إليه بعد بذل‬
‫الجهد على أنه شيء ليس لنا‪ ،‬وبالتالي فإننا ل نتحسر عليه‪ ،‬ول نحسد من‬
‫ظفر به‪ ،‬ونشعر أن ما جرى لنا شيء طبيعي وجيد‪.‬‬
‫ما أقل مما هو‬ ‫ما أن ما لدينا من معرفة‪ ،‬يظل دائ ً‬ ‫من المهم أن نتذكر دائ ً‬
‫مطلوب‪ ،‬أي أن مواقفنا ستظل تفتقد في بعض الحيان إلى المعرفة‪ ،‬التي ل‬
‫نعرف كيف سنحصل عليها‪ .‬ومن وجه آخر فإن سيطرتنا على رغباتنا‬
‫ومشتهياتنا‪ ،‬تظل هي الخرى غير كاملة‪ ،‬أي أننا نرى الصواب في موقف ما‪،‬‬
‫لكننا ل نفعل ما نراه بسبب عدم امتلكنا للطاقة الروحية المطلوبة لذلك‪.‬‬
‫ما هو حكيم في كل المواقف وكل‬ ‫والخلصة لكل هذا‪ ،‬هي‪ :‬أنك ل تجد حكي ً‬
‫التصرفات‪ ،‬فالنقص ملزم لبني البشر مهما كان شأن الواحد منهم‪.‬‬
‫مواقف وسلوكات حكيمة‪:‬‬
‫‪ -1‬المسلم الحكيم هو المسلم التقي الملتزم الذي يتحّرج أشد التحّرج من‬
‫التقصير في واجب أو الوقوع في محّرم‪ .‬إنه يعرف واجبه تجاه خالقه –جل‬
‫وعل‪ ،-‬ويملك الرادة والعزيمة على المتثال لذلك الواجب‪ .‬إن المسلم الذي‬
‫ما مهما كانت‬ ‫يعيش أزمة مفارقة بين معتقده وسلوكه ل يمكن اعتباره حكي ً‬
‫براعته المعرفية‪ ،‬ومهما كانت مقدرته الدارية ومهارته في القيادة‬
‫والتصال‪ ...‬لنه بعدم التزامه خسر أكبر ميدان يمكن للحكمة أن تتجسد فيه‪.‬‬
‫كلما ازداد المسلم شفافية‪ ،‬وكانت معاييره في التعامل مع الشياء والحداث‪.‬‬
‫ما إذا لم يعرف الحدود الفاصلة بين ما يعلمه‪ ،‬وبين‬ ‫‪ -2‬ل يكون النسان حكي ً‬
‫دا لتجلي الحكمة في حياتنا‪ .‬إننا من‬ ‫ما يجهله‪ .‬إن هذه المعرفة ضرورية ج ً‬
‫خلل تلك المعرفة نستطيع التوقف عن الكلم والجدال والعلن بأننا ل نعرف‬
‫دا؛ لنه صار عبارة عن مراء‪،‬‬ ‫أكثر مما قلنا‪ ،‬أو العلن بأن الكلم لم يعد مفي ً‬
‫ُيظهر أمراض النفوس أكثر مما ُيظهر إشراقات العقول‪.‬‬
‫‪ -3‬من علمات حكمة المرء معرفته بقدر نفسه‪ ،‬فل يرفعها فوق ما هي عليه‬
‫حقيقة‪ ،‬ول ينزل بها عن ذلك‪ .‬حين يرفع المرء نفسه فوق قدرها فإنه يقع في‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ف بها‪،‬‬
‫الكبر والغرور والوهم‪ ،‬وتأتيه الصدمات من كل مكان‪ ،‬وحين يستخ ّ‬
‫وينظر إليها نظرة احتقار فإنه يذّلها‪ ،‬ويحرمها الكثير من الخير‪ .‬ل يكفي كي‬
‫ما أن يعرف ما هو ناجز في حياته وفي شخصيته‪ ،‬وإنما عليه‬ ‫يكون المرء حكي ً‬
‫ضا الطاقات الكامنة لديه‪ ،‬أي الصورة العقلية والثقافية‬‫أن يعرف أي ً‬
‫والجتماعية والمهنية التي يمكن أن يكون عليها إذا بذل جهده في الهتمام‬
‫ي على الجديد‪،‬‬ ‫بنفسه‪ .‬وتلك المعرفة‪ ،‬ل تكون كافية إذا لم يصاحبها تفّتح عقل ّ‬
‫حا –وهو صحيح إن‬ ‫وعمل متواصل على الرتقاء‪ .‬وإذا كان هذا المعيار صحي ً‬
‫شاء الله‪ -‬فإن معظم الناس ليسوا حكماء؛ لنهم راضون بأوضاعهم‪ ،‬وكثيًرا‬
‫ما يكونون خائفين من التغيير‪ ،‬متهّيبين لتكاليف الصلح‪.‬‬
‫‪ -4‬من الحكمة أن نتعرف على اتجاهات الناس‪ ،‬وأن نأخذ بعين العتبار‬
‫ظروفهم وأشكال معاناتهم‪ .‬إن أعقل الناس أعذرهم للناس –كما كان يقول‬
‫عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪ -‬وإن المعرفة الكاملة صفح كامل‪ .‬إن من‬
‫المهم أن ندرك أن كثيًرا من عباد الله يعانون من مشكلت لم يصنعوها‬
‫بأيديهم‪ ،‬ويعيشون في بيئات وفي ظروف لم يختاروها لنفسهم؛ ومن ثم فإن‬
‫إعذارهم والشفاق عليهم ومؤازرتهم إن كل ذلك يدل على حساسية أخلقية‬
‫عالية‪ ،‬ويدل على رؤية واسعة وحكيمة‪.‬‬
‫شيء من الحكمة هو فيض يجود به الله –تباركت أسماؤه‪ -‬على عباده‪،‬‬
‫وشيء آخر نصل إليه عن طريق المعرفة المدققة والمجاهدة الحسنة‬
‫لنفوسنا‪ ،‬وبداية كل خير كثيًرا ما تكون في العتراف بالقصور والتقصير‬
‫والسعي في مدارج الكمال على قدر المستطاع‬

‫)‪(1 /‬‬

‫النسان بين التسيير والتخيير‬


‫الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك‬
‫الحمد لله‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫الملئكة والشياطين والنس والجن‪ ،‬وجميع ما في هذا الوجود‪ ،‬كله خلق الله‪،‬‬
‫وكله واقع بتقدير الله وقضائه ومشيئته وبقدرته‪ ،‬فالشياطين وأعمالهم‪،‬‬
‫والكفرة وأعمالهم‪ ،‬ل خروج لحد منهم عن مشيئته ‪ -‬سبحانه ‪ ،-‬فما شاء الله‬
‫كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬والله ‪ -‬تعالى ‪-‬خَلق الخير والشر‪ ،‬وخلق هذه‬
‫الضداد لحكم بالغة‪ ،‬منها ما يظهر للعباد‪ ،‬ومنها ما يخفى عليهم‪ ،‬وهو الكثر‪،‬‬
‫حكم البالغة في شرعه وقدره‪ ،‬وقد‬ ‫فإن عقول العباد ل تحيط بما لله من ال ِ‬
‫جعل الله الملئكة والشياطين ضدين‪ ،‬فالملئكة عباد مكرمون مطيعون‬
‫عابدون لربهم‪ ،‬يحبون ما يحبه الله‪ ،‬ويبغضون ما يبغضه‪ ،‬ويدعون إلى‬
‫مراضيه‪ ،‬يحبون المؤمنين ويستغفرون لهم‪ ،‬والشياطين أشرار يحبون ما‬
‫يبغضه الله‪ ،‬ويدعون إلى معاصيه والكفر به‪ ،‬ويحبون الكافرين ويؤذون‬
‫المؤمنين‪ ،‬ولهذا فكل إنسان قد ابتلي بقرين من الجن يوسوس له ويزين له‬
‫القبيح‪ ،‬وبقرين من الملئكة يزين له الخير ويدعوه إليه‪ ،‬ولهذا ُيروى في‬
‫شي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن فَِإيَعاد ٌ‬ ‫طا ِ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ما ل َ ّ‬ ‫ة فَأ ّ‬ ‫م ً‬ ‫ك لَ ّ‬ ‫مل َ ِ‬‫م وَل ِل ْ َ‬ ‫ن آد َ َ‬ ‫ة ِباب ْ ِ‬ ‫م ً‬ ‫ن لَ ّ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ِ‬ ‫ن ِلل ّ‬ ‫الحديث‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫جد َ‬‫ن وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫حق ّ ف َ َ‬ ‫ديقٌ ِبال َ‬ ‫ص ِ‬ ‫خي ْرِ وَت َ ْ‬ ‫ك فَِإيَعاد ٌ ِبال َ‬ ‫مل ِ‬ ‫ة ال َ‬ ‫م ُ‬‫ما ل ّ‬ ‫حقّ وَأ ّ‬ ‫ب ِبال َ‬ ‫ذي ٌ‬ ‫شّر وَت َك ْ ِ‬ ‫ِبال ّ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫خَرى فَلي َت َعَوّذ ْ ِباللهِ ِ‬ ‫جد َ ال ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫مد ْ الل َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن اللهِ فَلي َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫م أن ّ ُ‬ ‫ك فَلي َعْل ْ‬
‫م ِبال ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫شي ْ َ‬
‫شاِء((‬ ‫ح َ‬ ‫ف ْ‬ ‫مُرك ُ ْ‬ ‫قَر وَي َأ ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫ن ي َعِد ُك ُ ُ‬ ‫طا ُ‬ ‫م قََرأ((‪ :‬ال ّ‬ ‫جيم ِ ث ُ ّ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫طا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫)البقرة‪ :‬من الية ‪ .(268‬أخرجه الترمذي )‪ (2988‬من حديث ابن مسعود‬
‫رضي الله عنه‪ -‬وُروي موقوفا عليه‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأما هل النسان مخير أم مسير؟ فهذا اللفظ لم يرد في الكتاب ول في‬


‫السنة‪ ،‬بل الذي دل ّ عليه أن النسان له مشيئة ويتصرف بها‪ ،‬وله قدرة على‬
‫ن َ‬
‫شاَء‬ ‫م ْ‬
‫أفعاله‪ ،‬ولكن مشيئته محكومة بمشيئة الله كما قال ‪ -‬تعالى ‪)) :-‬ل ِ َ‬
‫َ‬ ‫من ك ُ َ‬
‫ن(( )التكوير‪،28 :‬‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬
‫ه َر ّ‬ ‫ن إ ِّل أ ْ‬
‫ن يَ َ‬ ‫ما ت َ َ‬
‫شاُءو َ‬ ‫قيم‪ ،‬وَ َ‬‫ست َ ِ‬
‫ن يَ ْ‬
‫مأ ْ‬‫ِ ْ ْ‬
‫‪.(29‬‬
‫فليست مشيئته مستقلة عن مشيئة الله‪ ،‬ولفظ‪ :‬مخير ومسير‪ .‬ل يصح‬
‫إطلقهما‪ ،‬فل يقال‪ :‬النسان مسير‪ .‬ول يقال‪ :‬إنه مخير‪ .‬بل لبد من التفصيل‪،‬‬
‫فإن أريد أنه مسير بمعنى أنه مجبور ول مشيئة له‪ ،‬ول اختيار‪ ،‬فهذا باطل‪،‬‬
‫وإن أريد أنه مسير بمعنى أنه ميسر لما خلق له‪ ،‬وأنه يفعل ما يفعل بمشيئة‬
‫الله وتقديره‪ ،‬فهذا حق‪ ،‬وكذلك إذا قيل إنه مخير وأريد أنه يتصرف بمحض‬
‫مشيئته دون مشيئة الله‪ ،‬فهذا باطل‪ ،‬وإن أريد أنه مخير بمعنى أن له مشيئة‬
‫واختياًرا وليس بمجبر‪ ،‬فهذا حق‪ ،‬وأوسع كتاب تضمن الكلم عن القدر‬
‫ومراتبه وعن أفعال العباد كتاب )القضاء والقدر والحكمة والتعليل( للمام‬
‫ابن القيم‪ -‬رحمه الله ‪ .-‬والله أعلم‪.‬‬
‫‪ 1/12/1425‬هـ‬
‫‪ http://www.islamlight.net‬المصدر‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫النسان بين العبودية والطغيان ‪...‬‬


‫الشيخ‪ /‬سعود بن إبراهيم الشريم ‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا‬
‫ما بعد‪:‬‬ ‫محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬أ ّ‬
‫ن‬
‫فاتقوا الله أيها المسلمون‪ ،‬وراقبوه في السر والنجوى والخلوة والجلوة‪ ،‬فإ ّ‬
‫ماِء ?ٌ‪ ?5‬هُوَ ال ّ ِ‬ ‫َْ‬ ‫فى عَل َي ْهِ َ‬
‫ذي‬ ‫س َ‬‫ض َول ِفي ال ّ‬ ‫يٌء ِفي الْر ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫خ َ‬‫ه ل يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫الله ?إ ِ ّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م? ]آل عمران‪-5:‬‬ ‫ٌ‬ ‫كي ُ‬
‫ح ِ‬‫زيُز ال َ‬ ‫ه إ ِل هُوَ العَ ِ‬
‫شاُء ل إ ِل َ‬ ‫ف يَ َ‬‫حام ِ كي ْ َ‬ ‫م ِفي الْر َ‬ ‫صوُّرك ُ ْ‬‫يُ َ‬
‫‪ [6‬أما بعد‪:‬‬
‫علوّيه‬‫ن الباريَ سبحانه وتعالى بحكمته وعلمه خلق هذا الكون ُ‬ ‫فياعباد الله‪ ،‬إ ّ‬
‫س والجن‪،‬‬ ‫وسفلّيه ظاهره وباطنه‪ ،‬وأودعه من الموجودات الملئكة والن َ‬
‫ن والنبات والجمادات‪ ،‬وغيرها من الموجودات التي ل يعلمها إل هو‪.‬‬ ‫والحيوا َ‬
‫ل ذلك لجل أمرٍ واحد ل ثاني له‪ ،‬ولجل حقيقةٍ كبرى ل حقيقة وراَءها‪ ،‬إنه‬ ‫ك ّ‬
‫لجل أن تكون العبودية له وحده دون سواه‪ ،‬ولجل أن تعترف هذه‬
‫قق ألوهيَته‪ ،‬وُتقّر بفقرها واحتياجها وخضوعها له جل‬ ‫الموجودات بربوبيته وتح ّ‬
‫م فإن تحقيق العبودية ل يمكن أن يبلغ مكاَنه الصحيح إل بتحقيق‬ ‫شأنه‪ .‬ومن ث ّ‬
‫الطاعة والستقامة ولزوم الصراط المستقيم‪ ،‬ليكون الدين لله والحكم لله‬
‫ل ذلك يقوم به من جعلهم الله مستخَلفين في الرض‬ ‫والدعوة إلى الله‪ .‬ك ّ‬
‫ملين فيها‪ ،‬ومثل هذا ل يتم لبني النسان من بين سائر المخلوقات إل‬ ‫مستع َ‬
‫من خلل قول اللسان والقلب وعمل القلب والجوارح على حد ّ سواء‪ .‬كما أنه‬
‫ل يمكن إتمام العبودية على أكمل وجه إل بتكميل مقام غاية الذل والنقياد‬
‫ل الخلق عبودية لله هو أكملهم له‬ ‫مع غاية المحبة لله سبحانه وتعالى‪ .‬فأكم ُ‬
‫ذل ً وانقياًدا وطاع ً‬
‫ة‪.‬‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫وجماع العبودية ‪-‬عباد الله‪ -‬أنها هي الدين‪ ،‬فالدين عند الله السلم‪? ،‬وَ َ‬
‫ن? ]آل‬ ‫ري ٌَ‬
‫س ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫خا ِ‬ ‫م َ‬ ‫خَرةِ ِ‬‫ه وَهُوَ ِفي اْل ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ل ِ‬‫قب َ َ‬
‫ن يُ ْ‬ ‫سلم ِ ِدينا ً فَل َ ْ‬ ‫ي َب ْت َِغ غَي َْر اْل ِ ْ‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة إيجاده لهم على هذه‬ ‫عمران‪ ،[85:‬وهذا هو سّر خلق الله للخلق‪ ،‬وغاي ُ‬
‫َ‬
‫م‬
‫سب ْت ُ ْ‬
‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ن? ]الذريات‪? ،[56:‬أف َ‬ ‫دو ِ ٌ‬ ‫س إ ِّل ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫ن َواْل ِن ْ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫البسيطة‪ ? ،‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن? ]المؤمنون‪? ،[115:‬أي َ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫جُعو َ‬ ‫م إ ِلي َْنا ل ت ُْر َ‬ ‫م عََبثا وَأن ّك ْ‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫أن ّ َ‬
‫ى? ]القيامة‪.[36:‬‬ ‫سد ًٌ‬ ‫ن ي ُت َْر َ‬ ‫اْلنسا َ‬
‫ك ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِْ َ ُ‬
‫ت‬ ‫وا‬ ‫ما‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ُ‬
‫كو‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫في‬ ‫روا‬ ‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫أيها المسلمون‪ ،‬يقول الله تعالى‪? :‬أ َ‬
‫ّ َ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ َْ ُ‬
‫َْ‬
‫يٌٍء? ]العراف‪ ،[185:‬ويقول عائًبا فئة من‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫خل َقَ الل ّ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫َوالْر ِ‬
‫ة ساهية لم تأخذ العبرة والعظة مما تشاهده ليل ً ونهاًرا في أنحاء‬ ‫البشر غافل ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ن عَلي َْها وَهُ ْ‬ ‫مّرو َ‬ ‫ض يَ ُ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن آي َةٍ ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫هذا الكون المعمور‪? :‬وَك َأي ّ ْ‬
‫شرِ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن? ]يوسف‪:‬‬ ‫كو ٌَ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م ِباللهِ إ ِل وَهُ ْ‬ ‫ن أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ما ي ُؤْ ِ‬ ‫ن ?ٌ‪ ?105‬وَ َ‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫عَن َْها ُ‬
‫‪.[106 ،105‬‬
‫فيا سبحان الله‪ ،‬أفل يرون الكواكب الزاهرات والفلك الدائرات والجميع‬
‫بأمره مسخرات؟! وكم في الرض من قطع متجاورات وحدائق وجنات‬
‫وجبال راسيات وبحارٍ زاخرات وأمواج متلطمات وقفارٍ شاسعات‪ ،‬ثم هم‬
‫يجعلون لله البنات‪ ،‬ويعبدون من دونه من هو كالعزى واللت‪ ،‬فسبحان‬
‫مل يجعل‬ ‫ب المتأ ّ‬ ‫م أمٌر لذي الل ّ‬ ‫الواحد الحد خالق جميع المخلوقات‪ .‬وث ّ‬
‫ل مأخذ حينما يرى أمَر هذا الكائن البشري وهو‬ ‫العجب يأخذ من نفسه ك ّ‬
‫دبر‪ ،‬منصرًفا عن عبودية خالقه وموله‪ ،‬منشغل ً‬ ‫ينكص على عقبيه ويوّلي ال ّ‬
‫بالولى عن الخرى والفاني عن الباقي‪ ،‬يتقّلب بين الملذات والشهوات‪،‬‬
‫فا بأكنافها بعد أن أكرمه الله وكّرمه‬ ‫ملتح ً‬
‫ل‪ ،‬وبعد أن أسبغ‬ ‫وحمله في البر والبحر وفضله على كثير ممن خلق تفضي ً‬
‫وره وشقّ سمعه وبصره‪? ،‬‬ ‫وباطنة‪ ،‬وبعد أن خلقه وص ّ‬ ‫عليه نعمه ظاهرةً‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن كُ ّ‬
‫ن‬
‫سا َ‬ ‫ن ال ِن ْ َ‬ ‫ها إ ِ ّ‬ ‫صو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ت اللهِ ل ت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ن ِعْ َ‬ ‫ن ت َعُ ّ‬‫موه ُ وَإ ِ ْ‬ ‫سألت ُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫َوآَتاك ُ ْ‬
‫فا ٌٌر? ]إبراهيم‪ ،[34:‬ومع ذلك يستكبر النسان‪ ،‬ويكفر النسان‪،‬‬ ‫مك ّ‬ ‫َ‬ ‫ل َظ َُلو ٌ‬
‫ن‬
‫ويجهل النسان‪ ،‬ويقتر النسان‪ ،‬ويجادل النسان‪ ،‬فيقول الله عنه‪ ? :‬إ ِ ّ‬
‫ل? ]الحزاب‪،[72:‬‬ ‫جُهو ٌ‬ ‫ن ظ َُلوما ً َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫فا ٌٌر? ]إبراهيم‪? ،[34:‬إ ِن ّ ُ‬ ‫م كَ ّ‬ ‫ن ل َظ َُلو ٌ‬ ‫سا َ‬ ‫اْل ِن ْ َ‬
‫َ‬
‫ن قَُتوٌر? ]السراء‪،[100:‬‬ ‫سا ُ‬ ‫ن اْل ِن ْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه? ]عبس‪? ،[17:‬وَ َ‬ ‫فَر ٌُ‬ ‫ما أك ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سا ُ‬ ‫ل اْل ِن ْ َ‬ ‫?قُت ِ َ‬
‫ن لي َطَغى?ٌ‪?6‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫جد َ ٌ‬ ‫ن أكث ََر َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫?وَ َ‬
‫سا َ‬ ‫ن ال ِن ْ َ‬ ‫ل? ]الكهف‪? ،[54:‬كل إ ِ ّ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫سا ُ‬ ‫ن ال ِن ْ َ‬ ‫كا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه? ]القيامة‪،[5:‬‬ ‫م ٌُ‬ ‫ما َ‬ ‫جَر أ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ن ل ِي َ ْ‬ ‫سا ُ‬ ‫ريد ُ اْل ِن ْ َ‬ ‫ل يُ ِ‬ ‫ى? ]العلق‪? ،[7 ،6:‬ب َ ْ‬ ‫ست َغْن َ ٌ‬ ‫ن َرآهُ ا ْ‬ ‫أ ْ‬
‫ر? ]العصر‪.[2:‬‬ ‫س ٌٍ‬ ‫خ ْ‬ ‫في ُ‬ ‫ن لَ ِ‬ ‫سا َ‬ ‫ن اْل ِن ْ َ‬ ‫?إ ِ ّ‬
‫دا ل غاف ً‬
‫ل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عاب‬ ‫يكون‬ ‫أن‬ ‫عمه‬ ‫ّ‬ ‫ون‬ ‫الله‬ ‫رمه‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫وقد‬ ‫النسان‬ ‫بهذا‬ ‫الجدر‬ ‫كان‬ ‫وقد‬
‫ما‪.‬‬
‫ً‬ ‫ظال‬ ‫ل‬ ‫محسنا‬ ‫را‪،‬‬ ‫ً‬ ‫كفو‬ ‫ل‬ ‫را‬ ‫ً‬ ‫شكو‬ ‫را‪،‬‬ ‫طائًعا ل عاصًيا‪ ،‬مقبل ً إلى ربه ل مدب ً‬
‫)‪(1 /‬‬

‫مل في كثير من المخلوقات في هذا العالم المشهود ليرى أنها لم‬ ‫إن المتأ ّ‬
‫ُ‬
‫ط من العناية والرعاية والعمارة والستخلف كما أعطي النسان‪ ،‬ول‬ ‫ُتع َ‬
‫خل َقَ ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ُّلفت كتكليف ابن آدم‪ ،‬بل جعلها الله خادمة مسخرةً له‪? ،‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫ع? ]البقرة‪ ،[29:‬بل حتى الملئكة سخرها الله لبن آدم‪،‬‬ ‫مي ٌ‬ ‫ج ِ‬‫ض َ‬ ‫َْ‬
‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫َ‬
‫قبات من بين أيديهم ومن‬ ‫ة عليهم والدافعين عنهم من مع ّ‬ ‫فجعل منهم الكتب َ‬
‫خرين لرسال الريح‬ ‫خلفهم يحفظونهم من أمر الله‪ ،‬وجعل منهم المس ّ‬
‫ةَ‬
‫ملئ ِك ُ‬ ‫ْ‬
‫والمطر‪ ،‬كما جعل الله من أكبر وظائفهم الستغفار لبني آدم‪َ? ،‬وال َ‬
‫َ‬
‫ض? ]الشورى‪.[5:‬‬ ‫ن ِفي اْلْر ٌِ‬
‫م ْ‬
‫ن لِ َ‬
‫فُرو َ‬
‫ست َغْ ِ‬
‫م وَي َ ْ‬
‫مد ِ َرب ّهِ ْ‬‫ح ْ‬
‫ن بِ َ‬ ‫حو َ‬
‫سب ّ ُ‬
‫يُ َ‬
‫ملت في عبوديتها‬ ‫ومع ذلك ‪-‬عباد الله‪ -‬فإن هذه المخلوقات عدا ابن آدم قد ك ُ‬
‫لله جل شأنه‪ ،‬وخضوعها له‪ ،‬وذّلها لقهره وربوبيته وألوهيته‪ ،‬إل بعض‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المخلوقات العاصية كالشياطين وعصاة الجن وبعض الدواب كالوزغ والذي‬


‫قال عنه النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) :-‬اقتلوا الوزغ‪ ،‬فإنه كان ينفخ النار‬
‫على أبينا إبراهيم( ]رواه أحمد[)‪.(1‬‬
‫ن أولئك مع عصيانهم إل أنهم ل يبلغون مبلغَ عصيان بعض بني آدم‪ ،‬وما‬ ‫غير أ ّ‬
‫ذاك إل لنه قد ُوجد في بني آدم من يقول‪ :‬أنا ربكم العلى‪ ،‬وُوجد فيهم من‬
‫يقول‪ :‬إن الله هو المسيح ابن مريم‪ ،‬وإن الله ثالث ثلثة‪ ،‬وُوجد فيهم من‬
‫يقول‪ :‬أنا أحيي وأميت‪ ،‬وُوجد من يقول‪ :‬اجعل لنا إلًها كما لهم آلهة‪ ،‬وُوجد‬
‫ن هذا إل‬ ‫ن هذا إل قول البشر‪ ،‬ومن يقول‪ :‬إ ْ‬ ‫فيهم من يقول عن القرآن‪ :‬إ ْ‬
‫أساطير الولين‪ ،‬ناهيكم ‪-‬عباد الله‪ -‬عمن يقول‪ :‬يد الله مغلولة‪ ،‬ومن يجعل‬
‫الملئكة الذين هم عباد الرحمن إناًثا‪ ،‬فكيف إًذا بمن يقول‪ :‬إن الله فقير‬
‫ونحن أغنياء‪.‬‬
‫وهكذا ‪-‬عباد الله‪ -‬تمتد ّ حبال الطغيان والجبروت في بني النسان إلى أن‬
‫يخرج من يقول‪ :‬إن الشريعة السلمية غيُر صالحة لكل زمان ومكان‪ ،‬أو من‬
‫يقول بفصل الدين عن الدولة‪ ،‬فل سياسة في الدين ول دين في السياسة‪ ،‬أو‬
‫من يقول‪ :‬الدين لله والوطن للجميع‪ ،‬أو من يقول‪ :‬دع ما لله لله‪ ،‬وما لقيصر‬
‫لقيصر‪ ،‬أو من يصف الدين بالرجعية‪ ،‬والحدود والتعزيرات بالهمجية والغلظة‪،‬‬
‫جر على هوّيتها‪ ،‬أو من يرى‬ ‫أو أن يصفه بالمقّيد للمرأة والظالم لها والمح ّ‬
‫حريَتها وفكاكها من أسرها إنما يتمّثل في خروجها من حدود ربها‪ ،‬وإعلن‬
‫عصيانها لشريعة خالقها ومولها‪ ،‬وجعِلها نهًبا لكل سارق وإناًء لكل والغ‬
‫ب شيوع الفاحشة في الذين‬ ‫ح ّ‬ ‫دا للغراء والمتاجرة‪ ،‬و ُ‬ ‫طا لكل لقط‪ ،‬جس ً‬ ‫ولقي ً‬
‫آمنوا‪.‬‬
‫هذه هي بعض مقولت بني النسان‪ ،‬فهل من الِتفاتةٍ ناضجةٍ إلى مواقف‬
‫إبليس اللعين في كتاب ربنا لتروا‪ :‬هل تجدونه قال شيًئا من ذلك غير أنه وعد‬
‫ضل جنسه على جنس آدم‪ ،‬فاستكبر عن‬ ‫بالغواية؟! بل إن غاية أمره أنه ف ّ‬
‫خلق طيًنا‪ ،‬بل إنه قد قال لبعض البشر‪ :‬إني أرى ما ل ترون إني‬ ‫السجود لمن ُ‬
‫أخاف الله والله شديد العقاب‪.‬‬
‫ق‬
‫حي ُ‬ ‫م عصيان ابن آدم‪ ،‬وما أشد استكباَره ومكره السيئ‪َ? ،‬ول ي َ ِ‬ ‫فلله ما أعظ َ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ت الل ِ‬ ‫سن ّ ِ‬ ‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫ن فل ْ‬ ‫َ‬ ‫ت الوِّلي َ‬ ‫سن ّ َ‬ ‫ن إ ِل ُ‬ ‫ْ‬
‫ئ إ ِل ب ِأهْل ِهِ فهَل ي َن ْظُرو َ‬ ‫َ‬ ‫سي ّ ُ‬ ‫مك ُْر ال ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ل? ]فاطر‪.[43:‬‬ ‫وي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ت الل ّهِ ت َ ْ‬ ‫سن ّ ِ‬ ‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫ديل ً وَل َ ْ‬ ‫ت َب ْ ِ‬
‫ة عصيان بعض بني آدم من بين سائر‬ ‫َ‬ ‫حقيق‬ ‫شأنه‬ ‫جل‬ ‫الباري‬ ‫ويؤكد‬
‫المخلوقات واستنكاَفهم أن يكونوا عبيدا لله الذي خلقهم وفطرهم فقال‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫جد ُ ل َ ُ‬ ‫س ُ‬‫ه يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م ت ََر أ ّ‬ ‫سبحانه‪? :‬أل َ ْ‬
‫س وَك َِثيٌر‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬‫ب وَك َِثيٌر ِ‬ ‫جُر َوالد ُّوا ّ‬ ‫ش َ‬ ‫ل َوال ّ‬ ‫جَبا ُ‬ ‫م َوال ْ ِ‬ ‫جو ُ‬ ‫مُر َوالن ّ ُ‬ ‫ق َ‬ ‫س َوال ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫َوال ّ‬
‫ٌ‬
‫شاُء?‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫فعَ ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫مك ْرِم ٍ إ ِ ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫َ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫حقّ عَلي ْهِ العَ َ‬‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫ما ل ُ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫ن ي ُهِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫ن ت ُط ِ ْ‬ ‫ن أكثر بني آدم عصاة ٌ مستكبرون ضالون‪? ،‬وَإ ِ ْ‬ ‫]الحج‪ ،[18:‬فدل على أ ّ‬
‫ن ِفي اْل َْر‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ه? ]النعام‪? ،[116:‬وَقَِلي ٌ‬ ‫ل الل ّ ٌِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫ضّلو َ‬ ‫ض يُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫م ْ‬ ‫أك ْث ََر َ‬
‫َ‬
‫ن? ]يوسف‪:‬‬ ‫مِني ٌَ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ت بِ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫حَر ْ‬ ‫س وَل َوْ َ‬ ‫ما أك ْث َُر الّنا ِ‬ ‫كو ٌُر? ]سبأ‪? ،[13:‬وَ َ‬ ‫ش ُ‬ ‫عَبادِيَ ال ّ‬ ‫ِ‬
‫‪.[103‬‬
‫أيها المسلمون‪ ،‬من أجل أن نصل وإياكم إلى غايةٍ واحدة‪ ،‬وهي استشعار‬
‫عبوديتنا لله سبحانه وتعالى‪ ،‬وأن منا مفّرطين ومستنكفين‪ ،‬وأن من أطاع‬
‫ل مأخذ‪ ،‬وأقنع نفسه ومجتمَعه‬ ‫الله بشيء من العمل أخذه العجاب بنفسه ك ّ‬
‫بأنه يعيش أجواَء المن والمان والستقامة والهداية وأنه أدى ما عليه‪ ،‬فليس‬
‫وة‪ ،‬إنه لجل‬ ‫ة للتصحيح والرتقاء بالنفس إلى الُبلغة المرج ّ‬ ‫هناك دواٍع معقول ٌ‬
‫حا في مقابل أعمال‬ ‫ً‬ ‫صال‬ ‫كان‬ ‫مهما‬ ‫َ‬
‫لنا‬ ‫عم‬ ‫نزدري‬ ‫أن‬ ‫ولجل‬ ‫أن نعلم ذلك‪،‬‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المخلوقات الخرى من جمادٍ ونباتات وحيوان‪ ،‬فإن من المستحسن هنا أن‬


‫نسلط الحديث على بعض أمثلة متنوعة لمخلوقات الله سبحانه‪ ،‬لنبرهن من‬
‫خللها على الهُوّةِ السحيقة بيننا وبينهم في كمال العبودية لله والطاعة‬
‫المطلقة له‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فمن ذلك ‪-‬عباد الله‪ -‬ما أودعه الباري سبحانه بعض الجمادات من الغيرة‬
‫على دينه والتأذي من انتهاك ابن آدم لحرمات الله سبحانه‪ ،‬ففي الحديث أن‬
‫ح منه«‪،‬‬ ‫ح ومسَترا ٌ‬ ‫مّر عليه بجنازة فقال‪) :‬مستري ٌ‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم ُ‬
‫فقالوا‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬ما المستريح؟ وما المستراح منه؟ قال‪» :‬إن العبد‬
‫المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله تعالى‪ ،‬والعبد الفاجر‬
‫يستريح منه العباد والبلد والشجر والدواب(‪] .‬رواه البخاري[)‪.(2‬‬
‫انظروا ‪-‬يا رعاكم الله‪ -‬كيف يتأذى الشجر والدواب من الرجل الفاجر وما‬
‫ن لمعصية الله تعالى‪ ،‬والتي ل‬ ‫يحدثه في الرض من فساد وتخريب‪ ،‬وإعل ٍ‬
‫مها على ابن آدم فحسب‪.‬وفي مقابل ذلك فإن بعض الدواب تفرح‬ ‫يقتصر شؤ ُ‬
‫بالتدّين‪ ،‬وتشعر بأثره في ابن آدم‪ ،‬وببركته على وجه الرض‪ ،‬ولذلك فهي‬
‫تدعو له‪ ،‬وتصلي عليه‪ ،‬وتستغفر له‪ ،‬فقد روى الترمذي في جامعه أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪) :‬إن الله وملئكته وأهل السموات والرض‪ ،‬حتى‬
‫النملة في جحرها‪ ،‬وحتى الحوت‪ ،‬ليصّلون على معِّلم الناس الخير()‪.(3‬‬
‫فق من يوم القيامة وتفَرق من قيام الساعة خوًفا‬ ‫ن الدواب جميًعا لتش ِ‬ ‫بل إ ّ‬
‫من هولها وعرصاتها‪ ،‬فقد قال النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) :-‬ما من دابة إل‬
‫ة أن تقوم الساعة( ]رواه أحمد)‪ (4‬والمصيخة‬ ‫وهي مصيخة يوم الجمعة خشي َ‬
‫هي المنصتة[‬
‫ضا ما يدل على عبودية الديك لله ودعوِته للخير والفلح‪ ،‬فقد قال‬ ‫ولقد ورد أي ً‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪) :‬ل تسبوا الديك‪ ،‬فإنه يدعو إلى الصلة( ]رواه‬
‫أحمد وأبو داود[)‪.(5‬‬
‫وقد روى المام أحمد عن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أّنه قال‪) :‬إنه ليس‬
‫ي إل يؤَذن له مع كل فجر يدعو بدعوةٍ يقول‪ :‬اللهم إنك‬ ‫س عرب ّ‬ ‫من فر ٍ‬
‫ولتني من ابن آدم‪ ،‬فاجعلني من أحب أهله وماله إليه(‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫ولتني من خ ّ‬ ‫خ ّ‬
‫ن هذا الفرس قد استجيب له دعوته( ]رواه أحمد[)‪.(6‬‬ ‫)إ ّ‬
‫ة من المم المسبحة لله سبحانه‪ ،‬مع‬ ‫ٌ‬ ‫أم‬ ‫فتلك‬ ‫الله‪-‬‬ ‫رعاكم‬ ‫‪-‬يا‬ ‫النمل‬ ‫ما‬‫وأ ّ‬
‫حّتى‬ ‫صغر خلقِتها وهوان حالها وازدراء البشر لها‪ ،‬وهي التي قال الله عنها‪َ ? :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫من ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫حط ِ َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫ساك ِن َك ُ ْ‬ ‫خُلوا َ‬
‫م َ‬ ‫م ُ‬
‫ل اد ْ ُ‬ ‫مل َ ٌ‬
‫ة َيا أي َّها الن ّ ْ‬ ‫ت نَ ْ‬ ‫ل َقال َ ْ‬
‫م ِ‬‫وا عََلى َوادِ الن ّ ْ‬ ‫إ َِذا أت َ ْ‬
‫ن? ]النمل‪.[18:‬‬ ‫شعُُرو ٌَ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫جُنود ُه ُ وَهُ ْ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫ما ُ‬ ‫سل َي ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ة نبًيا من‬ ‫هذه النملة يقول النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬عنها‪) :‬قرصت نمل ٌ‬
‫ن قرصتك نملة‬ ‫ُ‬
‫النبياء‪ ،‬فأمر بقريةِ النمل فأحرقت‪ ،‬فأوحى الله إليه‪ :‬أفي أ ْ‬
‫ة من المم تسّبح لله؟!( ]رواه البخاري[)‪.(7‬‬ ‫ت أم ً‬ ‫أحرق َ‬
‫جُر‬ ‫ش َ‬ ‫م َوال ّ‬ ‫ج ُ‬
‫ما الشجر وهو من النبات عباد الله‪ ،‬فقد قال الله عنه‪َ? :‬والن ّ ْ‬ ‫وأ ّ‬
‫ن? ]الرحمن‪ ،[6:‬وروى ابن ماجه عن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬ ‫دا ِ ٌ‬‫ج َ‬ ‫س ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ب يلبي إل لبى ما عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو‬ ‫أنه قال‪) :‬ما من مل ّ‬
‫مدر‪ ،‬حتى تنقطع الرض من ها هنا وها هن()‪.(8‬‬
‫وأما ولُء الحجر والشجر للمؤمنين ونصرُته لدين الله حينما يستنطقه خالقه‬
‫فُينبئ عن عمق عبوديته لربه وغيرته على دينه‪ ،‬فإن رسول الله قد قال عنه‪:‬‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)ل تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود‪ ،‬فيقتلهم المسلمون‪ ،‬حتى‬
‫يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر‪ :‬يا مسلم‪ ،‬يا‬
‫عبد الله‪ ،‬هذا يهودي خلفي تعال فاقتله( ]رواه البخاري)‪.[(9‬‬
‫ة إلى الجبال‬ ‫فانظروا ‪-‬يا رعاكم الله‪ -‬إلى هذه المخلوقات النفة‪ ،‬إضاف ً‬
‫الراسيات والوتاد الشامخات‪ ،‬كيف تسبح بحمد الله‪ ،‬وتخشع له‪ ،‬وتشفق‬
‫ض عليها‬‫وتهبط من خشية الله‪ ،‬وهي التي خافت من ربها وخالقها إذ عر َ‬
‫كدك الجبل لما تجلى ربنا لموسى‬ ‫ة فأشفقت من حملها‪ ،‬وكيف أنه تد ْ‬ ‫المان َ‬
‫عليه السلم‪ ،‬فهذه هي حال الجبال‪ ،‬وهي الحجارة الصلبة‪ ،‬وهذه رقُتها‬
‫كها من جلل ربها وعظمته‪ ،‬وقد أخبر الله أنه لو أنزل عليها‬ ‫وخشيتها وتدكد ُ ُ‬
‫القرآن لتصدعت من خشية الله‪.‬‬
‫فيا عجبا من مضغةِ لحم أقسى من صخر صلب‪ ،‬تسمعُ آيات الله تتلى عليها‬
‫ثم تصّر مستكبرة كأن لم تسمعها‪ ،‬كأن في أذنيها وقًرا‪ ،‬فهي ل تلين ول‬
‫دع‪ ،‬ولو وعظها لقمان أو تليت عليها آيات القرآن‪،‬‬ ‫تخشع‪ ،‬ول تهبط ول تص ّ‬
‫كون ل َهم قُُلوب يعقُلون بها أوَ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ َِ ْ‬ ‫ٌ َْ ِ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ض فت َ‬ ‫في الْر ِ‬ ‫سيُروا ِ‬ ‫م يَ ِ‬‫ولكن صدق الله‪? :‬أفَل َ ْ‬
‫ب ال ِّتي ِفي‬‫قُلو ُ‬
‫مى ال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن ت َعْ َ‬ ‫صاُر وَل َك ِ ْ‬ ‫مى اْلب ْ َ‬ ‫ن ب َِها فَإ ِن َّها ل ت َعْ َ‬
‫مُعو َ‬
‫س َ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫آَذا ٌ‬
‫دوٌِر? ]الحج‪.[46:‬‬ ‫ص ُ‬‫ال ّ‬
‫بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم‪ ،‬ونفعني وإياكم بما فيه من اليات‬
‫والذكر الحكيم‪ ،‬أقول ما تسمعون‪ ،‬وأستغفر الله إنه كان غفاًرا‪.‬‬
‫ن حياة النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪،-‬‬ ‫ما عجيًبا إبا َ‬ ‫ب كل ً‬ ‫أيها الناس‪ ،‬تكّلم ذئ ٌ‬
‫كلما يفيد بأن الذئب يؤمن بأن الرزق من عند الله‪ ،‬بل قد أمر هذا الذئب‬
‫ة إلى علم هذا الذئب بنبوة محمد‬ ‫ي الغنم بتقوى الله سبحانه‪ ،‬إضاف ً‬ ‫راع َ‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ورسالته‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫فلقد أخرج أحمد في مسنده من حديث أبي سعيد الخدري ‪-‬رضي الله عنه‪-‬‬
‫ب على شاة فأخذها‪ ،‬فطلبه الراعي فانتزعها منه‪ ،‬فأقعى الذئب‬ ‫قال‪) :‬عدا ذئ ٌ‬
‫على ذنبه قال‪ :‬أل تتقي الله تنزع مني رزقا ساقه الله إلي؟! فقال‪ :‬يا عجبي‪،‬‬
‫ب من‬ ‫م الناس‪ ،‬فقال الذئب‪ :‬أل أخبرك بأعج َ‬ ‫ب مقٍع على ذنبه يكلمني كل َ‬ ‫ذئ ٌ‬
‫ذلك؟! محمد ٌ بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق‪ ...‬الحديث()‪ (01‬وفي‬
‫رواية للبخاري‪ :‬فقال الناس‪ :‬سبحان الله‪ ،‬ذئب يتكلم! فقال‪) :‬فإني أؤمن‬
‫بذلك أنا وأبو بكر وعمر()‪.(11‬‬
‫فاتقوا الله أيها المسلمون‪ ،‬واقدروه حقّ قدره‪ ،‬واستشعروا أثَر عبودية‬
‫ما‪.‬‬‫الجماد والنبات والحيوان‪ ،‬وكمالها لله تعالى‪ ،‬وهي أقل منكم فضل ً وتكري ً‬
‫صرون مهما بلغتم‪ ،‬وظالمون لنفسكم مهما ادعيتم القصد َ‬ ‫واعلموا أنكم مق ّ‬
‫ف يقينهم بالمر‬‫أو الكمال‪ ،‬فإن ُبعد البشر عن المعرفة الحقيقية‪ ،‬وضع َ‬
‫م من جهاد‬ ‫ة شهواتهم مع الغفلة‪ ،‬تلك كلها تحتاج إلى جهاد أعظ َ‬ ‫الناهي‪ ،‬وغلب َ‬
‫غيرهم من المخلوقات الطائعة المسّبحة لله تعالى‪.‬‬
‫ب الشرع يقول له‪ :‬استقم في عبادتك‪ ،‬واحذر من‬ ‫يصبح أحدنا وخطا ُ‬
‫ل للخليل عليه السلم‪ :‬اذبح ولدك‬ ‫معصيتك‪ ،‬وتنّبه في كسبك‪ ،‬وقد قيل قب ُ‬
‫فك‪ ،‬ثم قم إلى المنجنيق لُترمى في النار‪،‬‬ ‫بيدك‪ ،‬واقطع ثمرة َ فؤادك بك ّ‬
‫ويقال للغضبان‪ :‬اكظم‪ ،‬وللبصير‪ :‬اغضض‪ ،‬ولذي القول‪ :‬اصمت‪ ،‬ولمستل ِذ ّ‬
‫جد‪ ،‬ولمن مات حبيبه‪ :‬اصبر‪ ،‬وللواقف في الجهاد بين الغمرات‪ :‬ل‬ ‫النوم‪ :‬ته ّ‬
‫ُ‬
‫شك لغير الله‪.‬‬‫ل لك أن تفّر‪ ،‬وإذا وقع بك مرض فل ت ْ‬ ‫يح ّ‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صونوا هذا‬ ‫ف أقدار بني آدم بهذا الستخلف‪ ،‬و ُ‬ ‫فاعرفوا ‪-‬أيها المسلمون‪ -‬شر َ‬
‫الجوهر بالعبودية الحقة عن تدنيسها بشؤم الذنوب ولؤم التفريط في‬
‫طكم الذنوب إلى حضيض أوهد‪ ،‬فتخطفكم الطير أو‬ ‫الطاعة‪ ،‬واحذروا أن تح ّ‬
‫تهوي بكم الريح في مكان سحيق‪.‬‬
‫ب? ]الحج‪.[32:‬‬ ‫قُلو ٌِ‬ ‫وى ال ْ ُ‬ ‫ق َ‬‫ن تَ ْ‬
‫م ْ‬‫شَعائ َِر الل ّهِ فَإ ِن َّها ِ‬ ‫م َ‬‫ن ي ُعَظ ّ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫?ذ َل ِ َ‬
‫ك وَ َ‬
‫ت ذ ُّلل لها الطريق فل تعرف إل الله‪،‬‬ ‫والعجب ‪-‬يا عباد الله‪ -‬ليس من مخلوقا ٍ‬
‫ق‬
‫عد يش ّ‬ ‫در ُيسرع‪ ،‬ولكن العجب من متصا ِ‬ ‫ول من الماء إذا جرى‪ ،‬أو من منح ِ‬
‫ل‪ ،‬ول عجب فيمن‬ ‫فأ الريح إقبا ً‬ ‫الطريق شقا‪ ،‬ويغالب العقبات معالجة‪ ،‬ويتك ّ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ها إ ِل ال ِ‬‫قا َ‬ ‫َ‬
‫ما ي ُل ّ‬ ‫هلك‪ :‬كيف هلك؟ ولكن العجب فيمن نجا‪ :‬كيف نجا؟ ?وَ َ‬
‫م? ]فصلت‪.[35:‬‬ ‫ح ّ‬ ‫ها إ ِّل ُذو َ‬ ‫ما ي ُل َ ّ‬
‫ظي ٌ ٍ‬
‫ظ عَ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫صب َُروا وَ َ‬ ‫َ‬
‫ب له‪ ،‬وأعّز‬ ‫عا له كان أقر َ‬ ‫والعبد كلما ذل لله وعظم افتقاًرا إليه وخضو ً‬
‫وأعظم لقدره‪ ،‬فأسعد الخلق أعظمهم عبودية لله‪ ،‬يقول النبي ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪) :-‬قال الله سبحانه وتعالى‪ :‬يا ابن آدم‪ ،‬تفّرغ لعبادتي أمل صدرك‬
‫سد ّ فقرك‪ ،‬وإن لم تفعل ملت صدرك شغل ً ولم أسد ّ فقرك( ]رواه‬ ‫غنى وأ ُ‬
‫ابن ماجه)‪.[(21‬‬
‫هذا‪ ،‬وصلوا ‪-‬رحمكم الله‪ -‬على خير البرية وأزكى البشرية‪ ،‬محمد بن عبد الله‬
‫بن عبد المطلب‪ ،‬صاحب الحوض والشفاعة‪ ،‬فقد أمركم الله بأمر بدأ فيه‬
‫بنفسه‪ ،‬وثنى بملئكته المسبحة بقدسه‪ ،‬وأّيه بكم أيها المؤمنون‪ ،‬فقال عز‬
‫َ‬
‫م? ]الحزاب‪:‬‬ ‫سِلي ٌ‬ ‫سل ّ ُ‬
‫موا ت َ ْ‬ ‫صّلوا عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫من قائل عليم‪َ? :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫‪.[56‬‬
‫اللهم صل على محمد وعلى آل محمد‪ ،‬كما صليت على إبراهيم وعلى آل‬
‫إبراهيم إنك حميد مجيد‪...‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫النسان بين القرود والخنازير‬


‫بقلم الكاتب الصحفي‪ :‬وحيد حمدي ‪21/4/1425‬‬
‫‪09/06/2004‬‬
‫كنت أتناقش مع إبني عن حقيقة نظرية النشوء والرتقاء والتي يدرسها وهى‬
‫نظرية التطور للعالم اليهودي تشارلز دارون والواردة بكتابيه المنشوران عام‬
‫‪ 1857‬الول تحت أسم )أصل الخلئق( والثاني كتاب )خلق النسان( وهما‬
‫يقومان على محورين أساسيين‪،‬الول محور بدء الحياة على الرض وتطورها‬
‫وتشعبها‪ ،‬والثاني محور الجنس البشرى كجزء من هذه الحياة وما جاء فى‬
‫هذين الكتابين هو ما اصطلح عليه العلماء في العالم أجمع على تسميته‬
‫بنظرية )دارون( والتي تقوم على أساس أن الوجود نشئ دون خالق وتطور‬
‫من كونه خليه أميبية واحدة وانقسمت إلى مخلوقات ذات خليتين ثم إلى‬
‫متعددة الخليا وهكذا حتى ظهرت الحشرات والحيوانات والطيور والزواحف‬
‫والثدييات ومن ضمنها النسان‪ ،‬كما أن جزءا آخر من الخلية انقسام وتطور‬
‫إلى أنواع من الخمائر والطحالب‪ ،‬والعشاب‪ ،‬والنباتات الزهرية واللزهرية‬
‫وأن النسان تطور من كونه قردا من الثدييات إلى النسان الول ثم إلى‬
‫شكله الحالي وأن هذا التطور قسم البشر الذين هم جميعا من أصل القرد‬
‫إلى ‪ 16‬مرتبة أو درجة على ما يشبه السلم أدناها الدرجة الولى والتي‬
‫يحتلها الزنوج وهى تتصف بأنها أقرب في الطباع إلى السلوك الحيواني‬
‫البهيمي ويعتمدون في تصرفاتهم على القوى الجسدية أما المرتبة العليا‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيحتلها البيض من الوربيين وبين الطبقة الدنيا والعليا يتنوع البشر فيها‬
‫فيحتل الهنود الدرجة العلى من سلم التطور البشرى بعد الزنوج مباشرة‬
‫ويليهم شعوب الماو ماو ثم العرب والذين يحتلون الدرجة الرابعة فى هذه‬
‫النظرية بينما يحتل اليهود مرتبة خاصة ومنفردة ومتميزة وتعلو فوق هذا‬
‫السلم البشرى وهى مرتبة تتصف بالحكمة والذكاء المفرط ويتصف شعوبها‬
‫بالتحضر واستخدام العقل والمنطق وبالتالي فهي أكثر إبداعا وتخطيطا‬
‫وتنظيما ومدنية من الجناس السفلي ويطلق عليهم صفة )الشعوب الخارقة(‬
‫ويشتغل أهلها بالسياسية والتجارة والقتصاد وهم القادة والفلسفة وهم‬
‫أصحاب الفن الرفيع وأهم ما يميز هذه النظرية أن الحياة تنتهي بالموت ول‬
‫يوجد بعث ول حساب ول جنة ول نار ‪.‬‬
‫هذه النظرية لقت ترحيبا شديدا في أوربا وأمريكا لنها تتمشى مع مصالحهم‬
‫الستعمارية في هذا التوقيت وكونها تميزهم بل وتعطيهم إحساسا براحة‬
‫الضمير إزاء سيطرتهم على الشعوب واستعباد الزنوج في أمريكا وتحقق‬
‫مقولة اليهود بأنهم شعب الله المختار ولكنها تتعارض تماما مع عقيدتنا‬
‫السلمية بل ومع كل الديان السماوية التي كرمت النسان ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫في فجر اليوم التالي للمناقشة التي دارت بيني وبين أبني حول هذا‬
‫الموضوع كنت أقرأ سورة المائدة فى المصحف الشريف وتوقفت عند الي‬
‫ل هَ ْ ُ‬
‫من‬ ‫عند َ الل ّهِ َ‬‫ة ِ‬‫مُثوب َ ً‬
‫ك َ‬‫من ذال ِ َ‬ ‫شّر ّ‬ ‫م بِ َ‬‫ل أن َب ّئ ُك ُ ْ‬ ‫رقم ‪ 60‬والتي جاء فيها " قُ ْ‬
‫ُ‬
‫ت أوَْلئ ِ َ‬ ‫خَناِزيَر وَعَب َد َ ال ّ‬
‫قَرد َة َ َوال ْ َ‬
‫ك‬ ‫غو َ‬ ‫طا ُ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫من ْهُ ُ‬‫ل ِ‬ ‫ب عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫جعَ َ‬ ‫ض َ‬ ‫ه وَغَ ِ‬‫ه الل ّ ُ‬
‫ل ّعَن َ ُ‬
‫ل" وتوقفت ثانيا عند قول الله تعالى "‬ ‫ض ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫سِبي ِ‬ ‫وآِء ال ّ‬ ‫س َ‬
‫عن َ‬ ‫ل َ‬ ‫كانا وَأ َ‬ ‫شّر ّ‬
‫وجعل منهم القردة والخنازير " واستلفت نظري دخول حرفي )الـ( على‬
‫كلمة "قردة وخنازير " وهى أداة تعريف تفيد المعرفة والتخصيص وبدأت‬
‫أفكر في معناها وقد هداني الله تعالى إليه وهو أن الله قد غضب على بعض‬
‫العصاة من اليهود وجعل منهم القردة والخنازير أي أنهم كانوا في الصل من‬
‫بنى البشر ‪ ،‬إذن فلماذا ل يكون أصل القرد إنسان وليس العكس كما إدعى‬
‫دارون؟ وبدأت أبحث فى جدية هذ ‪ 1‬الحتمال ولجأت إلى كتاب الله أبحث‬
‫فيه وأنا أعلم جيدا وكلى إيمان بأن الحقيقة موجودة في كتاب الله وسنة‬
‫رسوله وعلى العلم الحديث أن يثبت صحته هو ووفق لما جاء في القرآن‬
‫وليس العكس ومن هذا المنطلق ومن خلل جهاز الكمبيوتر بحثت عن اليات‬
‫التي تتحدث عن خلق القردة وكانت ثلث آيات‪ ،‬الولى من سورة البقرة الية‬
‫رقم ‪ " 65‬ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة‬
‫خاسئين " أما الية الثانية فهي من سورة العراف الية رقم ‪ " 166‬فلما‬
‫عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين " ومعنى هاتين اليتين كما‬
‫ورد فى تفسير القرطبي ) الجامع لحكام القرآن من ص ‪ 476‬إلى ‪(479‬‬
‫والتفاسير الخرى منها تفسير حديث وهو تفسير الشيخ سيد قطب )تفسير‬
‫في ظلل القرآن( جاء فيه أن اليهود طلبوا أن يكون لهم يوم راحة مقدس‪،‬‬
‫فجعل الله لهم يوم السبت راحة مقدسا ً ل يعملون فيه للمعاش‪ .‬ثم ابتلى‬
‫أهل قرية تدعى )آيله( بفلسطين في أيام النبي داود بالحيتان )السمك( تكثر‬
‫يوم السبت‪ ،‬وتختفي في غيره! وكان ابتلء لم تصمد له اليهود ! وكيف تصمد‬
‫وتدع هذا الصيد القريب يضيع؟ أتتركه وفاء بعهد واستمساكا ً بميثاق؟ إن هذا‬
‫ليس من طبع اليهود! ومن ثم اعتدوا في السبت على طريقتهم الملتوية‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫راحوا يحوطون على الحيتان في يوم السبت‪ ،‬ويقطعونها عن البحر بحاجز‪،‬ول‬


‫يصيدونها! حتى إذا انقضى اليوم تقدموا وانتشلوا السمك المحجوز!‬
‫متخيلين أنهم بذلك لم يعصوا الله فكان أمر الله بأن يكونوا قردة مبعدين من‬
‫رحمة الله أما السورة الثالثة وهى سورة المائدة والسابق الشارة إليها فهى‬
‫نزلت كما جاء في تفسير القرطبي أيضا )من ص ‪ 2326‬إلى ‪ (2330‬بأن‬
‫بعض اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله علية وسلم فسألوه عمن يؤمن‬
‫به من الرسل – عليهم السلم – فقال ‪ " :‬نؤمن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل‬
‫إلى إبراهيم وإسماعيل إلى قوله ‪ " :‬ونحن له مسلمون " فلما ذكر عيسى –‬
‫علية السلم – جحدوا نبوته وقالوا ‪ :‬والله ما نعلم أهل دين أقل حظا في‬
‫الدنيا والخرة منكم ول دينا أشر من دينكم فنزلت هذه الية التي تعنى أن‬
‫اليهود الذين نقموا عليكم وعلى دينكم أشر مكانا في الخرة من الذين عصوا‬
‫الله وغضب عليهم وجعل منهم القردة والخنازير وقيل أن الله جعل شبابهم‬
‫قردة وعجائزهم خنازير وأن مكانهم النار خالدين فيها‪ ،‬ولما نزلت هذه الية‬
‫قال المسلمون لهم يا أخوة القردة والخنازير فنكسوا رؤوسهم افتضاحا‬
‫لمرهم وفيهم يقول الشاعر كما جاء في تفسير القرطبي السابق الشارة‬
‫إليه ص )‪.(2329‬‬
‫فلعنة الله على اليهود*** إن اليهود إخوة القرود‬
‫ولم تختلف التفاسير الخرى من أمهات الكتب مثل تفسير الجامع واللوسي‬
‫وابن كثير والطبري والسيوطي عن المعنى السابق ذكره والكل أجمع أن‬
‫هناك خلف بين العلماء على أن القرود من نسل اليهود الممسوخين من‬
‫عدمه فجمهور المفسرين يجتمعون على ذلك ولكن منهم من يقول إنهم بعد‬
‫أن مسخوا لم يأكلوا ولم يشربوا ولم يتناسلوا ولم يعيشوا أكثر من ثلثة أيام‪،‬‬
‫وزعم آخرين أنهم عاشوا سبعة أيام وماتوا في اليوم الثامن‪ ،‬واختار أبو بكر‬
‫بن العربي أنهم عاشوا ـ وأن القردة الموجودين اليوم من نسلهم وعلى‬
‫النقيض ما رواه مسلم عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال لمن سأله عن القردة والخنازير أهي مما مسخ؟‬
‫إن الله تعالى لم يهلك قوما ً أو يعذب قوما ً فيجعل لهم نسل ً وأن القردة‬
‫والخنازير كانوا قبل ذلك " وآخرين من العلماء قالوا أنه ما مسخت صورهم‬
‫ولكن مسخت قلوبهم فيكون المقصود من الية تشبيههم بالقردة ‪.‬‬
‫العصاه من أمة المسلمين‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ولكن جاء في البخاري حديث شريف هام جدا لن المر لم يقتصر على‬
‫اليهود فقط ولكن أيضا بعض العصاه من أمة المسلمين ‪ ،‬فقد جاء في‬
‫ن‬
‫ن بْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫حد ّث ََنا عَب ْد ُ الّر ْ‬ ‫خال ِدٍ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ة بْ ُ‬ ‫صد َقَ ُ‬ ‫حد ّث ََنا َ‬ ‫مارٍ َ‬ ‫ن عَ ّ‬ ‫م بْ ُ‬ ‫شا ُ‬‫ل هِ َ‬ ‫الحديث " َقا َ‬
‫س الك ِل َِبي َ‬ ‫ْ‬
‫ن غَن ْم ٍ‬ ‫ن بْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫حد ّث ََنا عَب ْد ُ الّر ْ‬
‫ح َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن قَي ْ َ ٍ‬ ‫ة بْ ُ‬ ‫حد ّث ََنا عَط ِي ّ ُ‬
‫َ‬
‫جاب ِرٍ َ‬ ‫ن َ‬ ‫زيد َ ب ْ ِ‬‫َ‬
‫يَ ِ‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫س ِ‬ ‫ما كذ َب َِنى َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ري َواللهِ َ‬ ‫شعَ ِ‬ ‫ك ‪ -‬ال ْ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫مرٍ ‪ -‬أوْ أُبو َ‬ ‫عا ِ‬ ‫حد ّث َِنى أُبو َ‬ ‫ل َ‬ ‫شعَرِىّ َقا َ‬ ‫ال ْ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫حَر‬ ‫ن ال ِ‬ ‫حلو َ‬ ‫ست َ ِ‬‫م يَ ْ‬ ‫وا ٌ‬ ‫متي أقْ َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ل "لي َكون َ ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫ى ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ي َ ُ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫حةٍ‬ ‫سارِ َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ح عَلي ْهِ ْ‬ ‫ب عَلم ٍ ي َُرو ُ‬ ‫جن ْ ِ‬ ‫م إ ِلى َ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ن أقْ َ‬ ‫ف وَلي َن ْزِل ّ‬ ‫مَعازِ َ‬ ‫مَر َوال َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ريَر َوال َ‬ ‫ح ِ‬‫َوال ْ َ‬
‫ْ‬
‫ع‬
‫ض ُ‬ ‫ه وَي َ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫دا‪ .‬فَي ُب َي ّت ُهُ ُ‬ ‫جعْ إ ِل َي َْنا غَ ً‬ ‫قوُلوا اْر ِ‬ ‫جةٍ فَي َ ُ‬ ‫حا َ‬ ‫قيَر ‪ -‬ل ِ َ‬ ‫م ‪ -‬ي َعِْنى ال ْ َ‬
‫ف ِ‬ ‫م ي َأِتيهِ ْ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫مة"‪.‬‬ ‫قَيا َ‬ ‫خَناِزيَر إ َِلى ي َوْم ِ ال ْ ِ‬ ‫ن قَِرد َة ً وَ َ‬ ‫ري َ‬‫خ ِ‬
‫خآ َ‬ ‫س ُ‬ ‫م َ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫ال ْعَل َ َ‬
‫يؤكد هذا الحديث على أن مستحلي الزنا وشرب الخمر والمعازف من أمة‬
‫سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في عصر يأتي فيه الفقير يسال الحسان‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيقال له "فوت علينا بكرة" يعاقبهم الله ويجعل منهم القردة والخنازير الى‬
‫يوم القيامة وهذا يعنى استمرار عملية العقاب في كل حين وفى كل عصر‬
‫خب ََرَنا أ َُبو‬ ‫ويؤكد نفس المعنى حديث أخر جاء أيضا في البخاري جاء فيه " أ َ ْ‬
‫حاقَ وَأ َُبو‬ ‫س َ‬ ‫ن أِبى إ ِ ْ‬
‫ظ وأ َبو عَبد الرحمن السل َمي وأ َبو زك َريا ب َ‬
‫َ ُ َ ِّ ْ ُ‬ ‫ّ ِ‬ ‫ْ ِ َّ ْ َ ِ‬ ‫حافِ ُ َ ُ‬ ‫عَب ْدِ الل ّهِ ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫مد ُ ب ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫خب ََرَنا ُ‬ ‫بأ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫ن ي َعْ ُ‬ ‫مد ُ ب ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫س‪ُ :‬‬ ‫حد ّ َث ََنا أُبو العَّبا ِ‬ ‫ن َقاُلوا َ‬ ‫س ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ب َك ْرِ ب ْ ُ‬
‫َ‬
‫مِ‬ ‫حات ِ‬‫ن َ‬ ‫صال ٍِح عَ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ة بْ ِ‬ ‫مَعاوِي َ ُ‬ ‫خب ََرني ُ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ن وَهْ ٍ‬ ‫خب ََرَنا اب ْ ُ‬ ‫حك َم ِ أ ْ‬ ‫ن عَب ْدِ ال ْ َ‬ ‫ّ‬
‫عَب ْدِ اللهِ ب ْ ِ‬
‫ن أِبى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن غَن ْم ٍ ال ْ‬ ‫َ‬
‫ري عَ ْ‬ ‫شعَ ِ‬ ‫ن بْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن عَب ْدِ الّر ْ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن أِبى َ‬ ‫ك بْ ِ‬ ‫مال ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ث عَ ْ‬ ‫حَري ْ ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫بْ ِ‬
‫ن‬ ‫ل ‪ »:‬لي َ ْ‬‫َ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ك ال ْ‬
‫شَرب َ ّ‬ ‫ل اللهِ ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أن ّ ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ري عَ ْ‬ ‫ش ُعَ ِ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫َ‬
‫ف‬‫مَعازِ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫ءو‬‫ُ‬ ‫ر‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ض‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ب‬ ‫ها‬ ‫ن‬ ‫مو‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫تي‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫أُ‬
‫َ‬ ‫ِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫َ ّ َ ِ ِ ْ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫خَناِزيَر" ‪.‬‬ ‫م قَِرد َة ً وَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫ض وَي َ ْ‬ ‫م الْر َ‬ ‫ه ب ِهِ ُ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫كن فيكون‬
‫ونحن هنا لنا وقفة ونتساءل ‪ ،‬هل يعجز الله تعالى عن مسخ هؤلء العاصين‬
‫إلى قرود أو نوع منهم ؟ بالطبع ل ‪ ،‬لقد استخدم الله تعالى في أية البقرة‬
‫وأية العراف أمر " كن " وهو مفتاح مفاتيح قدرته أن صح التعبير حينما ذكر‬
‫قوله تعالى " كونوا قردة خاسئين " وقد استخدم الله أمر " كن " كما جاء‬
‫فى كتابة الكريم في كل ما يخرق الطبيعة فجاء في خلق سيدنا عيسى عليه‬
‫ب أ َّنى‬ ‫ت َر ّ‬ ‫السلم والذي خلق بدون أب في سورة ال عمران الية ‪َ " 47‬قال َ ْ‬
‫مرا ً‬ ‫َ‬
‫ضى أ ْ‬ ‫شآُء إ َِذا قَ َ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫خل ُقُ َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫ل ك َذ َل ِ َ‬ ‫شٌر َقا َ‬ ‫سِني ب َ َ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن ِلي وَل َد ٌ وَل َ ْ‬ ‫كو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫ن " وفى نفس السورة الية ‪ 59‬وفى خلق آدم عليه‬ ‫كو ُ‬ ‫ن فَي َ ُ‬ ‫ه كُ ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫فَإ ِن ّ َ‬
‫م‬
‫ل آد َ َ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫عند َ الل ّهِ ك َ َ‬ ‫سى ِ‬ ‫عي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫مث َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫السلم بدون أم ول أب فقال تعالى " إ ِ ّ‬
‫ن"‪.‬‬ ‫كو ُ‬ ‫كن فَي َ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ب ثُ ّ‬ ‫من ت َُرا ٍ‬ ‫ه ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ما قَوْلَنا‬ ‫لقد حسم الله القضية حينما قال في سورة النحل الية ‪ " 40‬إ ِن ّ َ‬
‫ن " وقوله في سورة مريم الية ‪" 35‬‬ ‫كو ُ‬ ‫ن فَي َ ُ‬ ‫ه كُ ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قو َ‬ ‫يٍء إ َِذآ أ ََرد َْناه ُ َأن ن ّ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫لِ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه كن فَي َكو ُ‬
‫ن‬ ‫لل ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫مرا فَإ ِن ّ َ‬ ‫ضى أ ْ‬ ‫ه إ َِذا قَ َ‬ ‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫من وَلد ٍ ُ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫ن للهِ أن ي َت ّ ِ‬ ‫ما كا َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن"‬ ‫ه كن فَي َكو ُ‬ ‫لل ُ‬ ‫قو َ‬ ‫شْيئا أن ي َ ُ‬ ‫مُرهُ إ َِذآ أَراد َ َ‬ ‫مآ أ ْ‬ ‫وفى سورة يسن الية ‪" 82‬إ ِن ّ َ‬
‫َ‬
‫قو ُ‬
‫ل‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫مرا ً فَإ ِن ّ َ‬ ‫ضى أ ْ‬ ‫ت فَإ َِذا قَ َ‬ ‫مي ُ‬ ‫حِيي وَي ُ ِ‬ ‫ذي ي ُ ْ‬ ‫وفى سورة غافر الية ‪" 68‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫ن"‪.‬‬ ‫كو ُ‬ ‫كن في َ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫لَ ُ‬
‫أليس كل ما جاء في هذه اليات يدل على أن الله تعالى مسخهم بالفعل الى‬
‫قردة حقيقيين وليس تشبيها لنه استخدم أمر" كن " لتنفيذ إرادته وقضائه‬
‫وقدره ؟‬

‫)‪(3 /‬‬

‫أما ما جاء في حديث رسول الله صلى الله علية وسلم والذي رواه مسلم‬
‫عن أبن مسعود والسابق الشارة إليه – جاء في تفسير القرطبي ) ص ‪(477‬‬
‫حديث أخر يتناقض مع الحديث السابق ورواه مسلم أيضا عن أبى سعيد‬
‫وجابر ‪ ،‬قال جابر ‪ :‬أتى النبي صلى عليه وسلم بضب فأبى أن يأكل منه‪،‬‬
‫وقال " ل أدرى لعله من القرون التي مسخت " وهذا يعنى أن من مسخوا‬
‫من خلق الله قد تناسلوا بالفعل وأيضا هناك حديث آخر رواه أبو هريرة‬
‫وأخرجه مسلم وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم " فقدت أمة من‬
‫بنى إسرائيل ل يدرى ما فعلت ول أراها إل الفأر أل ترونها‪ ،‬إذا وضع لها ألبان‬
‫البل لم تشربه وإذا وضع لها ألبان الشاه شربته"‪ ،‬سؤال جديد أتسآءله ‪،‬‬
‫أليس الفئران هم الذين يجرى عليهم العلماء التجارب لختبار دواء معين‬
‫يستخدمه النسان فيما بعد لوجود صفات مشتركة بينهم وكونهم من‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الثدييات؟‬
‫وهذا دليل آخر من السنة على تناسل الممسوخين فقد أكد الله تعالى على‬
‫مسخه للعاصين من اليهود وجعلهم قردة وأكد رسوله على صحة تناسلهم‪.‬‬
‫العلقة بين النسان والقرود والخنازير‬
‫جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا أن القردة والخنازير‬
‫كانوا موجودين قبل نزول أمر الله بمسخ اليهود وأنا أعتقد صحة ذلك وأن‬
‫القرود من أصل النسان هم نوع معين من أنواع القرود وكذلك نوع من‬
‫الخنازير والعلم الحديث يؤكد على أن الشمبانزي هو أقرب الى صفات‬
‫النسان فقد نشر على موقع محطة ‪ C.N.N‬باللغة العربية فى عددها رقم‬
‫‪ 1726‬بتاريخ ‪ 25/9/2002‬أن العالم البيولوجي روي بريتن من معهد‬
‫كاليفورنيا للتكنولوجيا كشف في دراسة نشرت مؤخرا ً أن الطرق الجديدة‬
‫لمقارنة الجينات بين البشر والشمبانزي أثبتت أن التطابق وصل إلى حد‬
‫‪ %95‬وعلى نفس الموقع نشر فى العدد رقم ‪ 1846‬بتاريخ ‪22/10/2002‬‬
‫وتحت عنوان " جينات بشرية في قلوب الخنازير " جاء فيها أن الباحثين‬
‫الطاليين قد توصلوا إلى تحميل جينات بشرية في قلوب وأكباد وكلى‬
‫الخنازير في تطور يمكن أن يقود إلى تخليق قطعان من الخنازير يمكنها‬
‫تقديم أعضاء يمكن زرعها في جسم النسان " كما ذكر فى نفس الموضوع‬
‫أن وبحسب التقرير الذي نشرته وكالة السوشيتد برس فقد أظهرت‬
‫الختبارات أن الجينات البشرية توجد في أعضاء الحيوانات المركزية‪ ،‬مما‬
‫جعل بعض العلماء يقولون إن هذه الجينات سوف تكون مصنع لجيال من‬
‫الخنازير" ‪.‬وجاء أيضا فى سياق الموضوع أن دراسة نشرت للكاديمية‬
‫الوطنية للعلوم )المريكية( توصل باحثون من جامعة ميلن إلى أنهم حينما‬
‫خلطوا السائل المنوي للخنازير بالحامض النووي البشري لنقل جين يسمى‬
‫‪ ،DAF‬فإن السائل المنوي المرشح ساهم في تخصيب بويضات الخنزير لنتاج‬
‫أجنة منها تحمل جينات بشرية تستخدم كقطع غيار بديلة للعضاء البشرية " ‪.‬‬
‫كما أعلن العلماء المريكيون كما جاء على موقع )إسلم أون لين ( على‬
‫شبكة النترنيت بتاريخ ‪ 12/1/2001‬أنهم أدخلوا تعديلت وراثية على قرد في‬
‫أول محاولة لتعديل أقرب النواع إلى البشر جينيا‪ ،‬في خطوة قد تسرع‬
‫بابتكار عقاقير لعلج أمراض مثل "الزهيمر" )خرف الشيخوخة( والسرطان‪.‬‬
‫وقال "جيرالد شاتن" بمركز أوريجون لبحاث الرئيسيات ‪ -‬وهي رتبة الثدييات‬
‫التي تشمل النسان والقرد – إن الفكرة هي تعديل قردة بحيث يمكنها أن‬
‫تحمل جينات من المعروف أنها تسبب أمراضا للنسان‪ .‬مشيرا إلى أنه ربما‬
‫يمكن استنساخ هذه القردة بحيث تستخدم نسخها المطابقة فى دراسة‬
‫العقاقير وأنواع مختلفة من العلج دون الحاجة إلى التشتت الناجم عن‬
‫الختلفات الجينية‪.‬‬
‫وأضاف "شاتن" الذي نشر إنجازه في مجلة "ساينس" العلمية في عددها‬
‫الصادر الجمعة ‪ 12/1/2001‬أن العالم ربما يكون مستعدا لستقبال بعض‬
‫القردة المعدلة بطريقة خاصة لسد الهوة بين الفئران والنسان‪ ،‬فالقردة‬
‫أقرب إلى النسان من الفئران والتى ل تمر بالدورة الشهرية كما ل تعاني‬
‫من سرطان الثدى مثلما تعاني النساء؛ ولهذا فإن عددا محدودا من القردة‬
‫المخلقة بطريقة خاصة يمكن أن يساعدنا على اقتلع جذور السرطان‪.‬‬
‫هكذا جاء العلم الحديث متوافقا مع ما جاء فى القرآن الكريم والسنة ورغم‬
‫أن اكتشاف خريطة الجينات البشرية منذ سنوات قليلة وبالتحديد فى يوم‬
‫‪26/6/2000‬م حينما أعلن الرئيس المريكي "بل كلينتون" ورئيس الوزراء‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البريطاني "توني بلير" بأن بحوث العلماء ‪ -‬التي كانت قد بدأت منذ عام‬
‫‪1990‬م ‪ -‬نجحت في اكتشاف ‪ %90‬من الجينوم البشري )الخريطة( المؤلف‬
‫من ثلثة مليارات حرف كيميائي من "خريطة الجينات البشرية" وتثبيت‬
‫مواقعها ومن المؤكد أن السنوات القليلة القادمة سيتم اكتشاف المزيد مما‬
‫جاء فى القرآن الكريم ‪.‬‬
‫خلق النسان‬

‫)‪(4 /‬‬

‫إن عملية خلق النسان جاءت فى القرآن بمنتهى الوضوح وعكس ما جاء فى‬
‫نظرية دارون تماما فقد نص القرآن الكريم فى سورة غافر الية رقم ‪" 67‬‬
‫م‬‫فل ً ث ُ ّ‬ ‫م طِ ْ‬ ‫جك ُ ْ‬‫خرِ ُ‬ ‫قةٍ ث ُ ّ‬
‫م يُ ْ‬ ‫ن عَل َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫فةٍ ث ُ ّ‬ ‫من ن ّط ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ب ثُ ّ‬ ‫من ت َُرا ٍ‬ ‫م ّ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫خل َ َ‬‫ذي َ‬ ‫هُوَ ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جل ً‬‫ل وَل ِت َب ْل ُُغو?ا ْ أ َ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫من ي ُت َوَّفى ِ‬ ‫م ّ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫شُيوخا ً وَ ِ‬ ‫كوُنوا ْ ُ‬ ‫م ل ِت َ ُ‬‫م ثُ ّ‬ ‫شد ّك ُ ْ‬ ‫ل ِت َب ْل ُُغو?ا ْ أ ُ‬
‫ن " أعتقد أنه ل يوجد اوضح من ذلك منذ أن خلق الله‬ ‫قُلو َ‬ ‫م ت َعْ ِ‬ ‫مى وَل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫آدم من تراب ثم أخذ الله من ظهور بنى آدم ذريتهم كما جاء فى سورة‬
‫م " وجاء‬ ‫م ذ ُّري ّت َهُ ْ‬ ‫من ظ ُُهورِهِ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من ب َِني? آد َ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫خذ َ َرب ّ َ‬ ‫العراف الية ‪ " 172‬وَإ ِذ ْ أ َ َ‬
‫خل َ ْ‬
‫قَنا‬ ‫م َ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫كي ٍ‬‫م ِ‬ ‫ة ِفي قََرارٍ ّ‬ ‫ف ً‬ ‫جعَل َْناه ُ ن ُط ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫فى سورة المؤمنون من الية ‪ " 13‬ث ُ ّ‬
‫م‬‫ظا َ‬ ‫سوَْنا ال ْعِ َ‬ ‫ظاما ً فَك َ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ضغَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫قَنا ال ْ ُ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫ضغَ ً‬
‫م ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫ق َ‬‫قَنا ال ْعَل َ َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫ق ً‬‫ة عَل َ َ‬ ‫ف َ‬‫الن ّط ْ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن "النسان ابن هذه‬ ‫قي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫خَر فَت ََباَر َ‬ ‫خْلقا ً آ َ‬ ‫شأَناه ُ َ‬ ‫م أن َ‬ ‫حما ً ث ُ ّ‬ ‫لَ ْ‬
‫ل عنصر في جسمه له‬ ‫ذى‪ ،‬وك ّ‬ ‫الرض‪ ،‬من ترابها نشأ‪ ،‬وفوقه عاش ومنه تغ ّ‬
‫ض نباتًا{ )‪ 71‬نوح آية‬ ‫َ‬
‫مه )الرض( }والله أن ْب ََتكم من الر ِ‬ ‫نظيره في عناصر أ ّ‬
‫‪ ،(17‬اللهم إل ذلك السّر اللطيف اّلذي أودعه الله ونفخه فيه وهو الروح‪،‬‬
‫حي‪ 15) {...‬الحجر آية ‪ ..(30‬وقد أثبت‬ ‫ن ُروْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِفيهِ ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫قال تعالى‪..} :‬وَن َ َ‬
‫العلم الحديث أن جسم النسان يحتوي ما تحتويه الرض من عناصر؛ فهو‬
‫ون من الكربون‪ ،‬والوكسجين‪ ،‬والهيدروجين‪ ،‬والفوسفور‪ ،‬والكبريت‪،‬‬ ‫يتك ّ‬
‫والزوت‪ ،‬والكالسيوم‪ ،‬والبوتاسيوم‪ ،‬والصوديوم‪ ،‬والكلور‪ ،‬والمغنيسيوم‪،‬‬
‫والحديد‪ ،‬والمنجنيز ‪ ،‬والنحاس‪ ،‬واليود‪ ،‬والفلورين‪ ،‬والكوبالت‪ ،‬والزنك‪،‬‬
‫ونة‬ ‫ل هذه العناصر هي العناصر نفسها المك ّ‬ ‫والسليكون‪ ،‬واللمنيوم‪ ،‬وك ّ‬
‫للتراب أيضًا‪ ،‬وإن اختلفت نسبها بين النسان والّتراب‪ ،‬ومن إنسان لخر‪.‬‬
‫كذلك فإن نسبة الماء من جسم النسان‪ ،‬تعادل نسبة البحار إلى اليابسة في‬
‫الكرة الرضية‪ ،‬وهذا ما يؤكد خلق آدم من تراب الرض‪ .‬وهكذا فإن الّتراب‬
‫ور الخير‪ ،‬وهذه الحقيقة نعرفها من القرآن‪،‬‬ ‫ور الّول والنسان هو الط ّ ْ‬ ‫هو الط ّ ْ‬
‫وقد جاء في تفسير الشيخ سيد قطب في كتابه )في ظلل القرآن( وقد‬
‫اخترناه فقط لنه تفسير حديث وليس فيه خلف مع التفاسير الخرى في هذا‬
‫الشأن وجاء فيه " ذلك اصل نشأة الجنس النساني‪ ..‬من سللة من طين‪..‬‬
‫فأما نشأة الفرد النساني بعد ذلك‪ ،‬فتمضي في طريق آخر معروف }ثم‬
‫جعلناه نطفة في قرار مكين{‪ ..‬لقد نشأ الجنس النساني من سللة من‬
‫طين‪ .‬فأما تكرار أفراده بعد ذلك وتكاثرهم فقد جرت سنة الله أن يكون عن‬
‫طريق نقطة مائية تخرج من صلب رجل‪ ،‬فتستقر في رحم امرأة‪ .‬نقطة‬
‫مائية واحدة‪ .‬ل بل خلية واحدة من عشرات اللوف من الخليا الكامنة في‬
‫تلك النقطة‪ .‬تستقر‪} :‬في قرار مكين{‪ ..‬ثابتة في الرحم الغائرة بين عظام‬
‫الحوض‪ ،‬المحمية بها من التأثر باهتزازات الجسم‪ ،‬ومن كثير مما يصيب‬
‫الظهر والبطن من لكمات وكدمات‪ ،‬ورجات وتأثرات! والتعبير القرآني يجعل‬
‫طورا ً من أطوار النشأة النسانية‪ ،‬تاليا ً في وجوده لوجود النسان‪ ..‬وهي‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حقيقة‪ .‬ولكنها حقيقة عجيبة تدعو إلى التأمل‪،‬فهذا النسان الضخم يختصر‬
‫ويلخص بكل عناصره وبكل خصائصه في تلك النطفة‪ ،‬كما يعاد من جديد في‬
‫الجنين وكي يتجدد وجوده عن طريق ذلك التلخيص العجيب‪.‬‬
‫ومن النطفة إلى العلقة‪ .‬حينما تمتزج خلية الذكر ببويضة النثى‪ ،‬وتعلق هذه‬
‫بجدار الرحم نقطة صغيرة في أول المر‪ ،‬تتغذى بدم الم‪..‬ومن العلقة إلى‬
‫المضغة‪ ،‬حينما تكبر تلك النقطة العالقة‪ ،‬وتتحول إلى قطعة من دم غليظ‬
‫مختلط‪ ..‬وتمضي هذه الخليقة في ذلك الخط الثابت الذي ل ينحرف ول‬
‫يتحول‪ ،‬ول تتوانى حركته المنظمة الرتيبة‪ .‬وبتلك القوة الكامنة في الخلية‬
‫المستمدة من الناموس الماضي في طريقه بين التدبير والتقدير‪ ..‬حتى‬
‫تجيء مرحلة العظام‪} ..‬فخلقنا المضغة عظامًا{ فمرحلة كسوة العظام‬
‫باللحم‪} :‬فكسونا العظام لحمًا{‪ ..‬وهنا يقف النسان مدهوشا ً أمام ما كشف‬
‫عنه القرآن من حقيقة في تكوين الجنين لم تعرف على وجه الدقة إل أخيرا ً‬
‫بعد تقدم علم الجنة التشريحي وذلك أن خليا العظام غير خليا اللحم‪ .‬وقد‬
‫ثبت أن خليا العظام هي التي تتكون أول ً في الجنين‪ .‬ول تشاهد خلية واحدة‬
‫من خليا اللحم إل بعد ظهور العظام‪ ،‬وتمام الهيكل العظمي للجنين‪ .‬وهي‬
‫الحقيقة التي يسجلها النص القرآني‪} :‬فخلقنا المضغة عظامًا‪ ،‬فكسونا‬
‫العظام لحمًا{‪..‬فسبحان العليم الخبير!‬
‫}ثم أنشأناه خلقا ً آخر{‪ ..‬هذا هو النسان ذو الخصائص المتميزة‪ .‬فجنين‬
‫النسان يشبه جنين الحيوان في أطواره الجسدية‪ .‬ولكن جنين النسان ينشأ‬
‫خلقا ً آخر‪ ،‬ويتحول إلى تلك الخليقة المتميزة‪ ،‬المستعدة للرتقاء‪ .‬ويبقى جنين‬
‫الحيوان في مرتبة الحيوان‪،‬مجردا ً من خصائص الرتقاء والكمال‪ ،‬التي يمتاز‬
‫بها جنين النسان‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫إن الجنين النساني مزود بخصائص معينة هي التي تسلك به طريقه النساني‬
‫فيما بعد‪ .‬وهو ينشأ }خلقا ً آخر{ في آخر أطواره الجنينية ؛ بينما يقف الجنين‬
‫الحيواني عند التطور الحيواني لنه غير مزود بتلك الخصائص‪ .‬ومن ثم فإنه ل‬
‫يمكن أن يتجاوز الحيوان مرتبته الحيوانية‪ ،‬فيتطور إلى مرتبة النسان تطورا ً‬
‫آليًاـ كما تقول النظريات المادية ـ فهما نوعان مختلفان‪ .‬اختلفا بتلك النفخة‬
‫اللهية التي بها صارت سللة الطين إنسانًا‪ .‬واختلفا بعد ذلك بتلك الخصائص‬
‫المعينة الناشئة من تلك النفخة والتي ينشأ بها الجنين النساني }خلقا ً آخر{‪.‬‬
‫إنما النسان والحيوان يتشابهان في التكوين الحيواني ‪ ،‬ثم يبقى الحيوان‬
‫حيوانا ً في مكانه ل يتعداه ويتحول النسان خلقا ً آخر قابل ً لما هو مهيأ له من‬
‫الكمال بواسطة خصائص مميزة‪ ،‬وهبها له الله عن تدبير مقصود ل عن‬
‫طريق تطور آلي من نوع الحيوان إلى نوع النسان‪.‬‬
‫}فتبارك الله أحسن الخالقين{‪ ..‬وليس هناك من يخلق سوى الله‪ .‬فأحسن‬
‫هنا ليست للتفضيل‪ ،‬إنما هي للحسن المطلق فيخلق الله‪.‬‬
‫}فتبارك الله أحسن الخالقين{‪ ..‬الذي أودع فطرة النسان تلك القدرة على‬
‫السير في هذه الطوار‪ ،‬وفق السنة التي ل تتبدل ول تنحرف ول تتخلف‪ ،‬حتى‬
‫تبلغ بالنسان ما هو مقدر له من مراتب الكمال النساني‪ ،‬على أدق ما يكون‬
‫النظام ‪ .‬هكذا انتهى شرح الشيخ سيد قطب وجاء متوافقا مع علم التشريح‬
‫الحديث فسبحان الله‪ ،‬هذا هو التطور الذي حدث للجنين حتى أصبح طفل‬
‫وخرج إلى الحياة في أحسن تقويم والذي كان خلقة أسهل وأقل من خلق‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت‬
‫ماَوا ِ‬ ‫خل ْقُ ال ّ‬
‫س َ‬ ‫السماوات والرض كما جاء فى سورة غافر آية ‪ " 57‬ل َ َ‬
‫خل ْق الناس وَلك َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن"‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫س ل َ ي َعْل َ ُ‬
‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫ن َ ِ ّ ِ َ ِ ّ‬ ‫م ْ‬‫ض أك ْب َُر ِ‬
‫َوالْر ِ‬
‫هذا هو الخلق الواضح للنسان بمراحله وحلقاته وصفها بكل دقة ويتقبلها‬
‫العقل والمنطق ول تحتوى على حلقة مفقودة فى خلقة كما جاء فى نظرية‬
‫دارون التى تقول أن حلقة أو مرحلة غير معلومة ما بين تطور القرد الى‬
‫إنسان ولسنا هنا فى صدد الرد على مفردات نظرية دارون والتى تثير جدل‬
‫حاليا حتى فى أمريكا بولية كانسس على أهمية تدريسها فى المدارس ويرى‬
‫الكثيرين من أولياء المور تدريس نظرية الخلق كما جاءت فى التوراة ‪.‬‬
‫ملخص افتراضنا‬
‫لقد بحثت قى أكثر من ‪ 250‬موقعا منتشرة على شبكة النترنت تتحدث عن‬ ‫ً‬
‫نظرية دارون باللغة العربية منها من يشرحها ويتعاطف معها ومنها من‬
‫يهاجمها بشدة ومواقع أخرى باللغة النجليزية تتحدث على الشبه الواضح بين‬
‫النسان وبين الشمبانزي ومنها موقع يقارن بين الرئيس بوش والشمبانزي‬
‫للشبة الذي بينهما وليؤكدوا على صحة نظرية دارون ولكنني لم أجد في أي‬
‫من هذه المواقع ما يتماشى مع الفكرة أو الفتراض الذي نطرحه ونلخصه‬
‫في التي " أن كل ما جاء في القرآن الكريم هو حق وأن ما أثبته العلم‬
‫الحديث بما يملك من تقنيات عالية بشأن خطوات نشأة الجنين فى بطن أمه‬
‫جاءت متوافقة مع ما جاء في القرآن وأيضا أثبت العلم أن مكونات جسم‬
‫النسان من معادن هى نفسها الموجودة فى التراب والذى خلق منه آدم‬
‫عليه السلم وهو أصل النسان ‪ ،‬وأن بعض النواع من القرود والخنازير من‬
‫أصل إنسان وليس العكس وهذا نتيجة مسخ بعض العصاه من أهل قرية أيلة‬
‫بفلسطين إلى قرود وخنازير ولذا أثبت علم الجينات بأن ‪ % 90‬من جينات‬
‫الشمبانزي وهو من المرتبة العليا من القرود تتطابق مع جينات النسان " ‪.‬‬
‫وليس كما قال دارون اليهودى إن النسان أصله قرد ربما لنه عرف الحقيقة‬
‫وعرف أنهم أصل القرود فروج لنظريته حتى ينفيها عنهم وأتمنى بأل أتهم‬
‫بمعاداة السامية ‪.‬‬
‫أنا ل أدعى بأنني رجل دين أو عالم ولكننى مجتهد أقدم هذه الفتراضية‬
‫الجديدة ل أجزم بصحتها ‪ -‬وإن كنت أميل لذلك – ولكنى أطرحها للمناقشة‬
‫العامة بين المتخصصين من العلماء ورجال الدين ولكل صاحب فكر يريد أن‬
‫بدلي بدلوه ‪.‬‬
‫لقد اجتهدت فإن أخطأت فلي أجر‪ ..‬وأن أصبت فلي أجران‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫النسان و العلم و القلم‬


‫)‪(1/2‬‬
‫أمين حسن أحمد يس*‬
‫العلم ذلك العملق الذي وسع بعظمته الكون‪ ..‬قلما يجد له أهل ً يحسنون‬
‫معاملته‪ ،‬وينشئون معه علقة حميمة إلى درجة تجعله لهم غاية‪ ،‬وتجعل منهم‬
‫له هوية‪ .‬وإن أهل العلم على الحقيقة هم أولئك الذين قويت فطرتهم‬
‫العلمية‪ ،‬وملت قلوبهم وعقولهم؛ فصاروا بها محض علم يتحرك‪.‬‬
‫في عام ‪1989‬م عندما كنت في المرحلة الثانوية من سنين الدراسة‪ ،‬وكانت‬
‫امتحانات الشهادة الثانوية على البواب كانت تضمني مع بعض الزملء دار‬
‫فسيحة نستذكر فيها الدروس‪ ،‬وبينما نحن منكبون على الكتب منهمكون في‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدراسة ذهبت بفكري بعيدًا‪ ..‬فقلت للزملء‪ :‬هل نحن نبذل هذا الجهد في‬
‫التحصيل لندخل الجامعة حتى تؤهلنا للعمل بعد التخرج؟ واستطردت قائ ً‬
‫ل‪:‬‬
‫إن هذه الغاية ل تقنع شيئا ً هنا في داخل رأسي‪ ،‬ول ترضي له طموحًا!‪..‬‬
‫ولكن قوبل رأي بالستنكار‪ ،‬ثم قاموا قائلين‪ :‬هل تريد أن تضيع مستقبلنا؟!‪..‬‬
‫لما كان المر كذلك‪ ..‬وكانت المعاهد العلمية ل تعدو كونها معتقلت يمارس‬
‫فيها الزبانية والجلدون عمليات الضطهاد النساني كان ذلك هو السبب الذي‬
‫لم يجعلها يوما ً )مدينة نور مسحورة؛ تحوي النسان السطورة(‪ ..‬وحيث إن‬
‫الروح ل ترضى بغير مقامها السنى فقد رفضت الواقع المشين‪ ..‬كان هذا‬
‫أدعى أن أدخل بها في سبحات روحية أتأمل فيها الحقيقة؛ فأخذت أوغل إلى‬
‫أن رأيت بعين البصيرة نور الفكرة يمتد على مدى الرؤية حين انبثاقها من‬
‫عين الوجود )وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات و الرض وليكون من‬
‫الموقنين(؛ فعلمت أنه لكي أكون إنسانا ً فيجب أن أطلب العلم لذاته؛ ل‬
‫لغيره‪ ..‬وأدركت أن مفتاح الذات الذي به يدخل المرء عالم نفسه ل يوجد إل‬
‫في العلم‪ ..‬وحتى الرادة والختيار ل يكونان إل بالعلم‪ ،‬وإنك ل تستطيع أن‬
‫تخترق حجب المادة ليكون لك وجود وراء الطبيعة – متافيزيقيا ‪ -‬إل بالعلم‪،‬‬
‫ورأيت أن الكون قد أسس تأسيسا ً علميا؛ فل بد لمن يستخلف فيه أن يكون‬
‫مخلوقا ً علميًا‪) ..‬وإذ قال ربك للملئكة إني جاعل في الرض خليفة(‪ ..‬يقول‬
‫صاحب الظلل‪) :‬إذن فهي المشيئة العليا تريد أن تسلم هذا الكائن الجديد‬
‫في الوجود زمام هذه الرض‪ ،‬وتطلق يده‪ ،‬وتكل إليه إبراز مشيئة الخالق في‬
‫البداع والتكوين وكشف مافي هذه الرض من قوى‪ ،‬وطاقات‪ ،‬وكنوز‪،‬‬
‫وخامات‪ ،‬وتسخير‪ ..‬هذا كله له في المهمة الضخمة التي وكلها الله إليه؛ إذن‬
‫فقد وهب هذا الكائن الجديد من الطاقات الكامنة والستعدادات المذخورة‬
‫كل ما في هذه الرض من قوى‪ ،‬وطاقات‪ ،‬وكنوز‪ ،‬وخامات‪ ،‬ووهب له من‬
‫القوى الخفية ما يحقق المشيئة اللهية‪.‬‬
‫ً‬
‫لم تكن الخصيصة التي كرم بها آدم وفضل على الملئكة شيئا سوى‬
‫)العلم(‪ ..‬ولم يكن الذي تلقاه آدم علما تلقنيا؛ إذ لو كان المر مجرد التلقين‬
‫لما كانت هناك مزية لدم على الملئكة‪ ،‬لقد كان آدم عليه السلم وهو ينبأ‬
‫بأسماء كل شيء يباشر طبيعته البشرية‪ ،‬ويعمل بمقتضى وجوده النساني‪..‬‬
‫يقول صاحب الظلل‪ :‬ها نحن أولء نشهد طرفا من ذلك السر اللهي العظيم‬
‫الذي أودعه الله ذلك الكائن البشري وهو يسلمه مقاليد الخلفة‪ ..‬سّر القدرة‬
‫للرمز بالسماء للمسميات‪ ،‬سّر القدرة على تسمية الشخاص والشياء‬
‫بأسماء يجعلها وهي ‪ -‬ألفاظ منطوقة ‪ -‬رموزا ً لتلك الشخاص والشياء‬
‫المحسوسة‪ .‬أهـ‪ ..‬والمعنى أنه إذا قيل لزيد من الناس )جبل( انقدح في ذهنه‬
‫صورة الجبل‪ ،‬وإذا رآه عرف أن اسمه جبل دون الحوجة للسؤال عنه‪ ،‬يدخل‬
‫في ذلك المعاني والمحسوسات‪ ..‬يقول سبحانه وتعالى مخبرا عن خلق‬
‫واه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والبصار والفئدة‬ ‫النسان‪) :‬ثم س ّ‬
‫قليل ً ما تشكرون( السجدة )‪ ..(9‬نلحظ أن ذكر السمع‪ ،‬والبصر‪ ،‬والفؤاد جاء‬
‫بعد ذكر النفخ نفي الروح؛ وليس عند تسوية البدن؛ للدللة على أن الذي‬
‫جعل إثر نفخ الروح هو من الروح كشيء من لوازمه‪ ..‬ما الروح؟‪ ،‬هل الروح‬ ‫ُ‬
‫إل هذا النسان؟‪ ..‬ثم يمضي السياق القرآني ليبين في آية أخرى جدوى وجود‬
‫السمع والبصر والفؤاد في التكوين الذاتي للنسان )والله أخرجكم من بطون‬
‫أمهاتكم ل تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والبصار والفئدة لعلكم‬
‫تشكرون(‪ ..‬يقول السيد اللوسي في أرواح المعاني‪) :‬المعنى جعل لكم هذه‬
‫الشياء آلت تحصلون بها على العلم والمعرفة بأن تحسوا بمشاعركم‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جزئيات الشياء وتدركوها بأفئدتكم(‪ ..‬هل يبقى لنا حيال هذا إل أن نسلم بأن‬
‫النسان ُأعد في فطرته إعدادا ً خاصا ً ليكون بموجبه مخلوقا ً علميًا‪ ..‬وإننا‬
‫لنلمس العلمية واضحة جلية في الطفال الذين يريدون أن يتعرفوا على كل‬
‫شيء‪ ،‬ويحاولون اكتشاف الحياة من حولهم‪.‬‬
‫النسان و العلم و القلم )‪ (2/2‬أمين حسن أحمد يس*‬
‫إن الله سبحانه ‪ -‬الذي أعطى بني آدم هذه النسانية العلمية الراقية ‪ -‬يأبى‬
‫إلغاؤها أو تعطيل أيّ جزء منها؛ لن إلغاءها هو إلغاء لحريتها‪ ،‬وتعطيل شيء‬
‫منها يعني محو جزء من علمها وكرامتها‪ ..‬فمن للنسانية حين تستعبدها‬
‫الرادة المستبدة ؟!‪..‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يقول عبد الرحمن الكواكبي‪) :‬فكل إرادة مستبدة تسعى جهدها لطفاء نور‬
‫العلم‪ ،‬وحصر الرعية في حالك الجهل‪ ،‬وأخوف ما يخافه المستبدون هو العلم‬
‫بأن يعرف الناس حقيقة أن الحرية أفضل من الحياة‪ ..‬يدخل في أصحاب هذه‬
‫الرادة الحكام الذين يريدون أن تموت النسانية لتحيى أهواؤهم‪ ..‬والزعماء‬
‫الذين يريدون أن تموت روح النسانية؛ فيستنسخوا منها نمطية تقدسهم؛‬
‫لتعبد بها ذواتهم‪ ..‬والعلماء الذين يريدونها أن تنغمس فيهم ليحيى وجودهم‪..‬‬
‫يا هؤلء! كفكفوا دمعها‪ ،‬أو كفوا عنها )‪.‬‬
‫إن الذين يعملون على إنقاذ النسانية‪ ،‬ووجودها العلمي‪ ،‬ويحاولون بذلك‬
‫كفكفة بعض من دموعها في المؤسسات التعليمية يعملون فقط على إحياء‬
‫وها )ذكّيا في جانب‪،‬‬ ‫رجوا لنا بذلك كائنا علميا مش ّ‬ ‫الذهنية العلمية الباردة؛ لُيخ ِ‬
‫دا في الجوانب الخرى‪.(..‬‬ ‫ومتبل ّ ً‬
‫كنت أتكلم في قضية تمس جوهر النسان مع أحد الناس؛ فلم ي ُب ْدِ أيّ تجاوب؛‬
‫واكتفى بمقالة‪ :‬إنه )مهندس(!!‪..‬‬
‫إن الذي يفيد من حقيقة العلم هو ذلك الذي يحافظ على الجين العلمي‬
‫بسلمة الفطرة؛ فيقبل على العلم بالروح النساني؛ وليس بالوجود الغريزي‪..‬‬
‫الشخصية العلمية هي التي تتوجه نحو العلم باستحضار إنسانيتها؛ بما فيها من‬
‫إستعدادات علمية لتتلقى الحقائق العلمية‪ ،‬ثم تترجم ذلك إلى قناعات تختار‬
‫بها مواقفها في الحياة‪ ..‬وهي في ذلك تتبع العلم الذي وصل إليها‪ ،‬وتشكل‬
‫عليه وجودها‪..‬‬
‫عندها يتحقق الوجود النساني‪ ،‬ويتمثل المرء في مواقف الحياة؛ شاخصا‬
‫بطابعه الخاص‪ ،‬ونكهته المميزة‪..‬‬
‫ودون ذلك يتحول النسان إلى حيوان بهيم؛ يتبع بغير علم‪ ،‬ويمشي مع‬
‫القطيع وإن كان يساق إلى الذبح‪ ..‬فيا َلضيعة النسانية حين تسام الهوان‪،‬‬
‫وتساِوم بالبدان!!‪..‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫س لَ َ‬
‫ه‬
‫ن عَن ْ ُ‬‫كا َ‬ ‫ك َ‬ ‫ل أولئ ِ َ‬ ‫ؤاد َ ك ُ ّ‬‫ف َ‬‫صَر َوال ُ‬ ‫معَ َوالب َ َ‬‫س ْ‬‫ن ال ّ‬‫م إِ ّ‬‫عل ٌ‬ ‫ك ب ِهِ ِ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬‫ف َ‬‫ق ُ‬ ‫)وَل َ ت َ ْ‬
‫ؤول( السراء ‪..36‬‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫من العجيب الذي يلفت النظر أن أول ما نزل من القرآن ذكر فيه النسان‬
‫ْ‬
‫خل َ َ‬
‫ق‬ ‫خل َقَ )‪َ (1‬‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬‫سم ِ َرب ّ َ‬‫ثلث مرات مقترنا مع ذكر العلم والقلم )اقَْرأ ِبا ْ‬
‫من عَل َق )‪ (2‬اقْرأ ْ ورب ّ َ َ‬
‫م‬‫م)‪ (4‬عَل ّ َ‬ ‫قل ِ‬
‫م ِبال ْ َ َ‬
‫ذي عَل ّ َ‬ ‫م )‪ (3‬ال ّ ِ‬ ‫ك الك َْر ُ‬ ‫َ ََ‬ ‫ٍ‬ ‫ن ِ ْ‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬‫ا ِ‬
‫ن لي َطَغى )‪ ..( (6‬يقول العلمة ابن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬
‫نا ِ‬ ‫َ‬
‫م )‪ (5‬كل إ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫م ي َعْل ْ‬ ‫َ‬
‫ما ل ْ‬ ‫ن َ‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬‫ا ِ‬
‫مه تعالى أن‬ ‫َ‬
‫كثير‪) :‬فيه تنبيه على ابتداء خلق النسان من علقه‪ ،‬وأن من كَر ِ‬
‫عّلم النسان ما لم يعلم؛ فشّرفه وكّرمه بالعلم؛ وهو القدر الذي امتاز به أبو‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البرية آدم عليه السلم على الملئكة( اهـ‪.‬‬


‫إن النسان في اليات السابقة ذكر في معرض الخلق‪ ،‬وفي معرض التعليم‬
‫بالقلم كتتمة للخلق‪ ،‬ثم في معرض الطغيان؛ مما يشير إلى أن النسان حين‬
‫ول إلى طاغية يتمّرد على كل‬‫طى إكرام الله له في التعليم بالقلم يتح ّ‬‫يتخ ّ‬
‫شيء‪ ،‬ويصير وحشا يفتك بالنسانية‪.‬‬
‫يقول صاحب الظلل رحمه الله‪) :‬وإلى جانب هذه الحقيقة تبرز حقيقة‬
‫التعليم‪ ..‬تعليم الرب للنسان بالقلم؛ لن القلم كان وما زال أوسع‪ ،‬وأعمق‬
‫أدوات التعليم أثرا في حياة النسان(‪.‬‬
‫إن المرء ل يستطيع أن يحافظ على كرامته‪ ،‬وطبيعته البشرية إل بأن يصحب‬
‫العلم والقلم إلى أن يواريه الثرى؛ بذلك بزغ فجر النسانية‪ ،‬وأشرقت بضيائه‬
‫الرض‪ ،‬وانطلقت أشعته تمل الحياة بالدفء‪ ،‬حينما قامت الحضارة النسانية‬
‫تسطع بأنوار الخلفة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫النفاق من الدخل المحّرم لداء الحج أو العمرة‬


‫السؤال ‪:‬‬
‫دخان ‪ ،‬فهل كسبه حرام ؟ و هل يجوز أن‬ ‫يعمل والدي في شركة تصن ّعُ ال ُ‬
‫أذهب للعمرة على هذه النفقات ؟ مع العلم أّنه ليس لدي مصدر آخر‬
‫للكسب ‪.‬‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫أقول مستعينا ً بالله تعالى ‪:‬‬
‫ل شك عندنا في تحريم التدخين ) تعاطي الدخان ( ‪ ،‬لما يترتب عليه من‬
‫حة ‪ ،‬و إضاعة المال ‪ ،‬و إيذاء الجلساء و المجاورين ‪ ،‬و وجود‬ ‫الضرار بالص ّ‬
‫ً‬
‫ف لتحريمه ‪ ،‬فكيف بها جميعا ؟!‬ ‫أحد هذه المور في الفعل كا ٍ‬
‫ً‬
‫ن الله تعالى إذا حّرم شيئا حّرم ثمنه ‪ ،‬و من‬ ‫و من المقرر عند أهل العلم أ ّ‬
‫ي ‪ ،‬و حلوان الكاهن ‪ ،‬الثابت في سنن‬ ‫ذلك تحريم ثمن الكلب ‪ ،‬و مهر البغ ّ‬
‫أبي داود و النسائي و مسند أحمد بإسنادٍ صحيح ‪.‬‬
‫ن عشرةٍ بسبب الخمرة ‪ ،‬فقد روى الترمذي و ابن ماجة و‬ ‫و مثل ذلك لع ُ‬
‫سول اللهِ صلى الله عليه وسلم‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أحمد عن عَ َ‬
‫ن َر ُ‬ ‫ك قال ‪ » :‬لعَ َ‬ ‫مال ِ ٍ‬
‫ن َ‬ ‫س بْ ِ‬ ‫ن أن َ ِ‬ ‫ْ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ة إ ِلي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫مول َ‬ ‫ح ُ‬‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ملَها َوال َ‬ ‫َ‬ ‫حا ِ‬ ‫شارِب ََها وَ َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫صَر َ‬ ‫معْت َ ِ‬ ‫ها وَ ُ‬ ‫صَر َ‬‫عا ِ‬ ‫شَرةً ‪َ :‬‬ ‫مرِ عَ َ‬‫خ ْ‬‫ِفي ال ْ َ‬
‫ه«‪.‬‬ ‫شت ََراةَ ل َ ُ‬ ‫م ْ‬‫شت َرِىَ ل ََها َوال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫من َِها َوال ْ ُ‬ ‫ل ثَ َ‬ ‫ساقِي ََها وََبائ ِعََها َوآك ِ َ‬ ‫وَ َ‬
‫جاِبر بن عبد الله رضي الله عنه ‪َ ،‬قال ‪:‬‬ ‫ن َ‬ ‫و روى مسلم و الترمذي و أحمد عَ ْ‬
‫ه‬
‫شاهِد َي ْ ِ‬ ‫ه وَ َ‬
‫كات ِب َ ُ‬‫ه وَ َ‬ ‫موك ِل َ ُ‬ ‫ل الّرَبا وَ ُ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم آك ِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ل َعَ َ‬
‫واٌء ( ‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ‪ ) :‬هُ ْ‬ ‫وََقا َ‬
‫ن من أعان على حرام ٍ فعليه مثل ِوزر‬ ‫و ُيستفاد من مجموع هذه الخبار أ ّ‬
‫ن من أعان على خيرٍ فله مثل أجر فاعله ‪.‬‬ ‫فاعله ‪ ،‬كما أ ّ‬
‫م أيضا ‪ ،‬و كذلك العمل في تصنيعه ‪ ،‬أو‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فما دام التدخين حراما فإن ثمنه حرا ٌ‬
‫تعليبه ‪ ،‬أو نقله ‪ ،‬أو تسويقه ‪ ،‬أو تقديمه على سبيل الضيافة أو الهداء ‪ ،‬و ك ّ‬
‫ل‬
‫ما ترّتب على هذه العمال من عائد ٍ مادي ) ثمنا ً أو إجارةً أو نحو ذلك ( فهو‬
‫حرام ‪.‬‬
‫و على من ابُتلي بشيٍء من ذلك أن يتوب إلى الله تعالى ‪ ،‬و ُيقِلع عنه على‬
‫خر ‪ ،‬فأبواب الخير‬ ‫بآ َ‬ ‫الفور إل أن يكون مضطرا ً ‪ ،‬و يلتمس رزقه في با ٍ‬
‫وضه الله خيرا ً منه ‪.‬‬ ‫كثيرة ٌ ‪ ،‬و من ترك شيئا ً لله ع ّ‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بل‬‫ن الله طي ّ ٌ‬
‫و إذا أراد الحج أو العمرة فليتخّير لنفقته فيهما أطَيب ماله ‪ ،‬ل ّ‬
‫ل إل طّيبا ً ‪ ،‬فإن لم يجد من المال الحلل ما يكفيه مؤونة الزاد و الراحلة‬ ‫َيقب ُ‬
‫سع الله عليه ‪ ،‬و ما ذلك على الله بعزيز ‪.‬‬
‫فليصبر حتى يو ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫اليمان ينبوع السعادة‬


‫الدكتور حسان شمسي باشا‬
‫ليست السعادة في وفرة المال ‪ ..‬ول سطوة الجاه ‪ ..‬ول كثرة الولد ‪ ..‬ول‬
‫نيل المنفعة ‪ ..‬ول في العلم المادي ‪.‬‬
‫السعادة شيء يشعر به النسان بين جوانحه ‪ :‬صفاء نفس ‪ ..‬وطمأنينة‬
‫قلب ‪ ..‬وانشراح صدر ‪ ..‬وراحة ضمير ‪.‬‬
‫السعادة – كما يقول الدكتور يوسف القرضاوي ‪ " : -‬شيء ينبع من داخل‬
‫النسان ‪ ..‬ول يستورد من خارجه ‪ .‬وإذا كانت السعادة شجرة منبتها النفس‬
‫البشرية ‪ ..‬والقلب النساني ‪ ..‬فإن اليمان بالله وبالدار الخرة هو ماؤها ‪..‬‬
‫وغذاؤها ‪ ..‬وهواؤها "‬
‫ويقول أديب مصر ) مصطفى لطفي المنفلوطي ( رحمه الله ‪ " :‬حسبك من‬
‫السعادة في الدنيا ‪ :‬ضمير نقي ‪ ..‬ونفس هادئة ‪ ..‬وقلب شريف " ‪.‬‬
‫يروى أن زوجا غاضب زوجته ‪ ،‬فقال لها متوعدا ‪ :‬لشقينك ‪ .‬قالت الزوجة‬
‫في هدوء ‪ :‬ل تستطيع أن تشقيني ‪ ،‬كما ل تملك أن تسعدني ‪ .‬فقال الزوج ‪:‬‬
‫وكيف ل أستطيع ؟ فقالت الزوجة ‪ :‬لو كانت السعادة في راتب لقطعته‬
‫عني ‪ ،‬أو زينة من الحلي والحلل لحرمتني منها ‪ ،‬ولكنها في شيء ل تملكه‬
‫أنت ول الناس أجمعون !‪ ..‬فقال الزوج في دهشة وما هو ؟ قالت الزوجة في‬
‫يقين ‪ :‬إني أجد سعادتي في إيماني ‪ ،‬وإيماني في قلبي ‪ ،‬وقلبي ل سلطان‬
‫لحد عليه غير ربي !‪..‬‬
‫وتجاربنا في الحياة – كما يقول الدكتور أحمد أمين – تدلنا على أن اليمان‬
‫بالله مورد من أعذب موارد السعادة ومناهلها ‪ .‬وإن أكبر سبب لشقاء السر‬
‫وجود أبناء وبنات فيها ل يرعون الله في تصرفاتهم ‪ ،‬وإنما يرعون أهواءهم‬
‫وملذاتهم ‪ .‬وإذا فشا الدين في أسرة ‪ ،‬فشت فيها السعادة ‪ .‬ويقول الدكتور‬
‫كامل يعقوب ‪ " :‬والحقيقة التي لمستها في حياتي – كطبيب – أن أوفر‬
‫الناس حظا من هدوء النفس هم أكثر نصيبا من قوة اليمان ‪ ..‬وأشدهم تعلقا‬
‫بأهداب الدين " ‪.‬‬
‫وقد حدث ذات مرة أن كان أحد الطباء الناشئين يمر مع أستاذه على بعض‬
‫المرضى في أحد المستشفيات الجامعية ‪ .‬وكان الستاذ رجل أيرلنديا واسع‬
‫العلم متقدما في السن ‪ .‬وجعل الطبيب الشاب – كلما صادف مريضا قد‬
‫زالت عنه أعراض المرض – يكتب في تذكرة سريره هذه العبارة ‪ " :‬شفي‬
‫ويمكنه مغادرة المستشفى " ‪ .‬ولحظ الستاذ علئم الزهو على وجه‬
‫تلميذه ‪ ..‬وقال له وهو يرنو إليه ‪ :‬اشطب كلمة " شفي " يا ولدي ‪ ..‬واكتب‬
‫بدل منها كلمة " تحسن " ‪ ..‬فنحن ل نملك شفاء المرضى ‪ ..‬ويكفينا فخرا أن‬
‫يتحسنوا على أيدينا ‪ ..‬أما الشفاء فهو من عند الله وحده " ‪.‬‬
‫ويعلق على ذلك الدكتور كامل يعقوب قائل ‪ " :‬ولست أشك في أن مثل هذا‬
‫اليمان العميق – إلى جانب العلم الغزير هو من دواعي الغبطة الروحية ‪..‬‬
‫والسعادة الحقة " ‪.‬‬
‫السعادة ‪ ..‬في سكينة النفس ‪:‬‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسكينة النفس – بل ريب – هي الينبوع الول للسعادة ‪ " .‬هذه السكينة – كما‬
‫يقول الدكتور القرضاوي في كتابه القيم ) اليمان والحياة ( – روح من الله ‪،‬‬
‫ونور يسكن إليه الخائف ‪ ،‬ويطمئن عنده القلق ‪ ،‬ويتسلى به الحزين " ‪.‬‬
‫وغير المؤمن في الدينا تتوزعه هموم كثيرة ‪ ،‬وتتنازعه غايات شتى ‪ ،‬وهو‬
‫حائر بين إرضاء غرائزه وبين إرضاء المجتمع الذي يحيا فيه ‪ .‬وقد استراح‬
‫المؤمن من هذا كله ‪ ،‬وحصر الغايات كلها في غاية واحدة عليها يحرص ‪،‬‬
‫وإليها يسعى ‪ ،‬وهي رضوان من الله تعالى ‪ .‬قال تعالى ‪ " :‬فمن اتبع هداي‬
‫فل يضل ول يشقى * ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا " طه ‪122‬‬
‫– ‪. 123‬‬
‫وأي طمأنينة ألقيت في قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يوم عاد من‬
‫الطائف ‪ ،‬دامي القدمين ‪ ،‬مجروح الفؤاد من سوء ما لقي من القوم ‪ ،‬فما‬
‫كان منه إل أن رفع يديه إلى السماء ‪ ،‬يقرع أبوابها بهذه الكلمات الحية‬
‫النابضة ‪ ،‬فكانت على قلبه بردا وسلما ‪ " :‬اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ‪..‬‬
‫وقلة حيلتي ‪ ..‬وهواني على الناس يا أرحم الراحمين ‪ .‬أنت رب المستضعفين‬
‫‪ ،‬وأنت ربي ‪ ..‬إلى من تلكني ؟ إلى بعيد يتجهمني ؟ أم إلى عدو ملكته أمري‬
‫؟ إن لم يكن بك علي غضب فل أبالي ‪ ،‬ولكن عافيتك أوسع لي ‪ ..‬أعوذ بنور‬
‫وجهك الذي أشرقت له الظلمات ‪ ،‬وصلح عليه أمر الدنيا والخرة من أن‬
‫تنزل بي غضبك ‪ ،‬أو يحل علي سخطك ‪ ..‬لك العقبى حتى ترضى ‪ ،‬ول حول‬
‫ول قوة إل بالله "‪.‬‬
‫ومن أهم عوامل القلق تحسر النسان على الماضي ‪ ،‬وسخطه على‬
‫الحاضر ‪ ،‬وخوفه من المستقبل ‪ ،‬ولهذا ينصح الطباء النفسيون ورجال‬
‫التربية أن ينسى النسان آلم أمسه ‪ ،‬ويعيش في واقع يومه ‪ ،‬فإن الماضي‬
‫بعد أن ولى ل يعود ‪ .‬وقد صور هذا أحد المحاضرين بإحدى الجامعات‬
‫المريكية تصويرا بديعا حين سألهم ‪ :‬كم منكم مارس نشر الخشب ؟ فرفع‬
‫كثير من الطلبة أصابعهم ‪ .‬فعاد يسألهم ‪ :‬كم منكم مارس نشر نشارة‬
‫الخشب ؟ فلم يرفع أحد منهم إصبعه ‪ .‬وعندئذ قال المحاضر ‪ :‬بالطبع ‪ ،‬ل‬
‫يمكن لحد أن ينشر نشارة الخشب فهي منشورة فعل ‪ ..‬وكذلك الحال مع‬
‫الماضي ‪ ،‬فعندما ينتابكم القلق لمور حدثت في الماضي ‪ ،‬فاعلموا أنكم‬
‫تمارسون نشر النشارة !!‪..‬‬
‫السعادة ‪ ..‬في الرضا ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫والرضا درجة أعلى من درجة الصبر ‪ ،‬ل يبلغها إل من أتاه الله إيمانا كامل‬
‫وصبرا جميل ‪ ،‬فترى الراضي مسرورا راضيا فيما حل به ‪ ،‬سواء أكان ذلك‬
‫علة أم فقرا أم مصيبة ‪ ،‬لنها حدثت بمشيئة الله تعالى ‪ ،‬حتى قد يجد ما حل‬
‫به نعمة أنعم الله بها عليه ‪ .‬ولهذا كان من أدعية رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ " :‬وأسألك الرضا بالقضاء ‪ . " ..‬وقد حدثنا رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم عن الراضين فقال ‪ " :‬لحدهم أشد فرحا بالبلء من أحدكم بالعطاء"‬
‫رواه أبو يعلى ‪.‬‬
‫ويحدثنا التاريخ أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كف بصره ‪ ،‬وكان‬
‫مجاب الدعوة ‪ ،‬يأتي الناس إليه ليدعو لهم فيستجاب له ‪ ،‬فقال له أحدهم ‪:‬‬
‫يا عم ‪ ،‬إنك تدعو للناس فلو دعوت لنفسك فرد الله عليك بصرك ! فقال‬
‫رضي الله عنه ‪ :‬يا بني ‪ ،‬قضاء الله عندي أحسن من بصري ‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والساخطون والشاكون ل يذوقون للسرور طعما ‪ ،‬فحياتهم كلها ظلم وسواد‬


‫‪ .‬أما المؤمن الحق فهو راض عن نفسه ‪ ،‬راض عن ربه ‪ ،‬وهو موقن أن تدبير‬
‫الله له أفضل من تدبيره لنفسه ‪ ،‬يناجي ربه يقول " بيدك الخير إنك على كل‬
‫شيء قدير " آل عمران ‪26‬‬
‫السعادة ‪ ..‬في القناعة والورع‬
‫طبع النسان على حب الدنيا وما فيها ‪ ،‬وليس السعيد هو الذي ينال كل ما‬
‫يرغب فيه ‪ ..‬إن السعد منه هو الذي يقنع بما عنده ‪ .‬قال سعد بن أبي وقاص‬
‫لبنه ‪ " :‬يا بني ‪ ،‬إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة ‪ ..‬فإن لم تكن قناعة ‪..‬‬
‫فليس يغنيك مال ‪. " ..‬‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫وما أجمل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه ‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫حيَز ْ‬ ‫ما ِ‬‫مهِ فَك َأن ّ َ‬ ‫عن ْد َه ُ ُقو ُ‬
‫ت ي َوْ ِ‬ ‫سدِهِ ِ‬
‫ج َ‬ ‫مَعاًفى ِفي َ‬ ‫سْرب ِهِ ُ‬ ‫مًنا ِفي ِ‬ ‫مآ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ح ِ‬‫صب َ َ‬
‫أ ْ‬
‫ه الد ّن َْيا ‪ .‬رواه الترمذي ‪.‬‬ ‫لَ ُ‬
‫قال حاتم الصم لولده ‪ :‬إني أريد الحج ‪ .‬فبكوا وقالوا ‪ :‬إلى من تكلنا ؟‬
‫فقالت ابنته لهم ‪ :‬دعوه فليس هو برازق ‪ .‬فسافر فباتوا جياعا وجعلوا‬
‫يوبخون البنت فقالت ‪ :‬اللهم ل تخجلني بينهم ‪ .‬فمر بهم أمير البلد وطلب‬
‫ماء ‪ ،‬فناوله أهل حاتم كوزا جديدا وماء باردا ‪ ،‬فشرب وقال ‪ :‬دار من هذه ؟‬
‫فقالوا ‪ :‬دار حاتم الصم ‪ ،‬فرمى فيها قلدة من ذهب ‪ ،‬وقال لصحابه ‪ :‬من‬
‫أحبني فعل مثلي ‪ ،‬فرمى من حوله كلهم مثله ‪ .‬فخرجت البنت تبكي ‪ ،‬فقال‬
‫أمها ‪ :‬ما يبكيك ؟ قالت ‪ :‬قد وسع الله علينا ‪ ،‬فقالت ‪ :‬مخلوق نظر إلينا‬
‫فاستغنينا ‪ ،‬فكيف لو نظر الخالق إلينا ؟‬
‫وروى الطبري في تاريخه أن عمر بن عبد العزيز أمر ‪ -‬وهو في خلفته –‬
‫رجل أن يشتري له كساء بثمان دراهم ‪ ،‬فاشتراه له ‪ ،‬وأتاه به فوضع عمر يده‬
‫عليه ‪ ،‬وقال ‪ :‬ما ألينه وأحسنه ! فتبسم الرجل الذي أحضره ‪ ،‬فسأله عمر ‪:‬‬
‫لماذا تبسمت ؟ فقال ‪ :‬لنك يا أمير المؤمنين أمرتني قبل أن تصل إليك‬
‫الخلفة أن أشتري لك ثوبا من الخز ‪ ،‬فاشتريته لك بألف درهم ‪ ،‬فوضعت‬
‫يدك عليه فقلت ‪ :‬ما أخشنه ! وأنت اليوم تستلين كساء بثمانية دراهم؟ فقال‬
‫عمر ‪ :‬يا هذا ‪ ..‬إن لي نفسا تواقة إلى المعالي ‪ ،‬فكلما حصلت على مكانة‬
‫طلبت أعلى منها ‪ ،‬حصلت على المارة فتقت إلى الخلفة ‪ ،‬وحصلت على‬
‫الخلفة فتاقت نفسي إلى ما هو أكبر من ذلك وهي الجنة ‪.‬‬
‫السعادة ‪ ..‬في اجتناب المحرمات ‪:‬‬
‫أي سعادة ينالها المؤمن وهو يتجنب ما حرم الله ‪ .‬وأي لذة يجدها في قلبه‬
‫عندما يحيد عن طريق الزلل والفجور ‪ .‬يقول رسول الله صلى الله عليه‬
‫صَره ُ إ ِّل‬ ‫ض بَ َ‬ ‫م ي َغُ ّ‬ ‫مّرةٍ ث ُ ّ‬ ‫مَرأ َةٍ أ َوّ َ‬
‫ل َ‬ ‫نا ْ‬‫س ِ‬
‫حا ِ‬ ‫سل ِم ٍ ي َن ْظ ُُر إ َِلى َ‬
‫م َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬
‫ما ِ‬ ‫وسلم ‪َ " :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حلوَت ََها ‪ .‬رواه أحمد‬ ‫جد ُ َ‬ ‫عَباد َة ً ي َ ِ‬
‫ه ِ‬ ‫هل ُ‬ ‫ث الل ّ ُ‬
‫حد َ َ‬ ‫أ ْ‬
‫ويقول الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله ‪ " :‬إذا همت نفسك بالمعصية‬
‫فذكرها بالله ‪ ،‬فإذا لم ترجع فذكرها بأخلق الرجال ‪ ،‬فإذا لم ترتدع فذكرها‬
‫بالفضيحة إذا علم بها الناس ‪ ،‬فإذا لم ترجع فاعلم أنك في تلك الساعة‬
‫انقلبت إلى حيوان " ‪.‬‬
‫وفي هذا المعنى يقول نابغة بن شيبان ‪:‬‬
‫إن من يركب الفواحش سرا حين يخلو بسره غير خالي‬
‫كيف يخلو وعنده كاتباه شاهداه وربه ذو الجلل‬
‫والمعاصي تذهب الخيرات وتزيل النعم ‪ .‬قال علي بن أبي طالب رضي الله‬
‫عنه ‪ " :‬ما نزل بلء إل بذنب ول رفع إل بتوبة "‬
‫ومن كبح هواه ‪ ،‬ولم يسمح لشهواته أن تتسلط عليه سمي عاقل مالكا لهواه‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ،‬وسعد في دنياه وآخرته ‪ .‬فقد ذكر عن أحد الملوك ‪ :‬أنه زار عالما زاهدا ‪،‬‬
‫فسلم عليه ‪ ،‬فرد الزاهد السلم بفتور ولم يحفل له ‪ .‬فغضب الملك وقال‬
‫له ‪ :‬أل تحفل بي وأنا ملكك ؟ فابتسم الزاهد وقال له ‪ :‬كيف تكون ملكي‬
‫وعبيدي كلهم ملوكك ‪ .‬فقال الملك ‪ :‬ومن هم ؟ فقال ‪ :‬هم الشهوات ‪ ..‬هي‬
‫ملوكك وهم عبيدي !!‬
‫السعادة ‪ ..‬في شكر النعم ‪:‬‬
‫وكثير من الناس يظن أن أكبر نعم الله تعالى علينا وأهمها هي نعمة المال ‪،‬‬
‫وينسى نعمة الصحة والعافية ‪ ،‬ونعمة البصر والعقل والهل والبناء وغيرها‬
‫كثير ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫والسعادة أن تقنع بأن الله تعالى سيتولى أبناءك الصالحين ‪ ،‬فتسعى‬


‫لنشائهم النشأة الصالحة‪ .‬فقد ترك عمر بن عبد العزيز ثمانية أولد ‪ ،‬فسأله‬
‫الناس وهو على فراش الموت ‪ :‬ماذا تركت لبنائك يا عمر ؟ قال ‪ :‬تركت‬
‫لهم تقوى الله ‪ ،‬فإن كانوا صالحين فالله تعالى يتولى الصالحين ‪ ،‬وإن كانوا‬
‫غير ذلك فلن أترك لهم ما يعينهم على معصية الله تعالى ‪ .‬وقد خلف عمر‬
‫لكل واحد من أبنائه اثني عشر درهما فقط ‪ ،‬أما هشام بن عبد الملك الخليفة‬
‫فقد خلف لكل ابن من أبنائه مئة ألف دينار ‪ .‬وبعد عشرين سنة ‪ ،‬أصبح أبناء‬
‫عمر بن عبد العزيز يسرجون الخيول في سبيل الله ‪ ،‬منفقين متصدقين من‬
‫كثرة أموالهم ‪ ،‬أما أبناء هشام بن عبد الملك فقد كانوا يقفون في مسجد دار‬
‫السلم ‪ ،‬في عهد أبي جعفر المنصور ‪ ،‬يسألون عباد الله من مال الله‬
‫تعالى ‪.‬‬
‫وأخيرا تذكر نعم الله عليك تسعد بما لديك ‪ ..‬فأنت تعيش وسط جو مليء‬
‫بنعم الله ‪ ،‬ول بد للنسان من أن يدرك تلك النعم ‪ ،‬فكم من الناس ل يدرك‬
‫فضل الله علينا إل حينما يحرم إحدى تلك النعم ؟‬
‫يقول الدكتور مصطفى السباعي ‪ " :‬زر المحكمة مرة في العام لتعرف فضل‬
‫الله عليك في حسن الخلق ‪ ..‬وزر المستشفى مرة في الشهر لتعرف فضل‬
‫الله عليك في الصحة والمرض ‪ ..‬وزر الحديقة مرة في السبوع لتعرف فضل‬
‫الله عليك في جمال الطبيعة ‪..‬وزر المكتبة مرة في اليوم لتعرف فضل الله‬
‫عليك في العقل‪ .‬وزر ربك كل آن لتعرف فضل الله عليك في نعم الحياة "‬
‫ويقول أحدهم ‪ :‬لتكن لك يا بني ساعة في يومك وليلك ‪ ..‬ترجع فيها إلى ربك‬
‫ومبدعك مفكرا في مبدئك ومصيرك ‪ ..‬محاسبا لنفسك على ما أسلفت من‬
‫أيام عمرك ‪ ..‬فإن وجدت خيرا فاشكر ‪ ..‬وإن وجدت نقصا فجاهد واصطبر "‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫اليمان بأنبياء الله ورسله‬


‫أول‪ :‬تعريفات‪:‬‬
‫‪ -1‬النبي‪.‬‬
‫‪ -2‬الرسول‪.‬‬
‫‪ -3‬الفرق بين الرسول والنبي‪.‬‬
‫‪ -4‬الية والمعجزة‪.‬‬
‫‪ -5‬الكرامة‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثانيا‪ :‬قواعد في هذا الباب‪:‬‬


‫‪ -1‬النبوة ل تثبت إل بدليل صحيح‪.‬‬
‫‪ -2‬ما من نبي إل ورعى الغنم‪.‬‬
‫‪ -3‬كل النبياء بّلغوا ما أرسلوا به‪.‬‬
‫‪ -4‬الكفر بنبي واحد كفر بجميع النبياء‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬اليمان بالنبياء والرسل‪:‬‬
‫‪ -1‬النبياء والرسل المذكورون في القرآن‪.‬‬
‫‪ -2‬النبياء والرسل المذكورون في السنة‪.‬‬
‫‪ -3‬المختلف في نبوتهم‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬خصائص النبياء والرسل‪:‬‬
‫‪ -1‬الوحي‪.‬‬
‫‪ -2‬العصمة‪.‬‬
‫‪ -3‬البشرية‪.‬‬
‫‪ -4‬خيرية النسب‪.‬‬
‫‪ -5‬أحرار بعيدون عن الرق‪.‬‬
‫‪ -6‬ل يكونون إل رجا ً‬
‫ل‪.‬‬
‫‪ -7‬تنام أعينهم ول تنام قلوبهم‪.‬‬
‫‪ -8‬تخيير الله لهم عند الموت‪.‬‬
‫‪ -9‬ل تأكل الرض أجسادهم‪.‬‬
‫‪ -10‬يكونون أحياء في قبورهم‪.‬‬
‫‪ -11‬يقبرون حيث يموتون‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬دلئل النبوة‪:‬‬
‫‪ -1‬اليات والمعجزات‪.‬‬
‫‪ -2‬بشارة النبياء السابقين باللحقين‪.‬‬
‫‪ -3‬النظر في أحوال النبياء‪.‬‬
‫‪ -4‬النظر في دعوة النبياء‪.‬‬
‫‪ -5‬نصر الله وتأييده لهم‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬وظائف النبياء والرسل‪:‬‬
‫‪ -1‬البلغ المبين‪.‬‬
‫‪ -2‬الدعوة إلى توحيد الله تعالى‪.‬‬
‫‪ -3‬التبشير والنذار‪.‬‬
‫‪ -4‬إصلح النفوس وتزكيتها‪.‬‬
‫‪ -5‬تقويم الفكر المنحرف والعقائد الزائفة‪.‬‬
‫جة‪.‬‬‫‪ -6‬إقامة الح ّ‬
‫مة‪.‬‬‫‪ -7‬سياسة ال ّ‬
‫سابعا‪ :‬فوائد متنوعة‪:‬‬
‫‪ -1‬أنواع الوحي‪.‬‬
‫‪ -2‬عدد النبياء والرسل‪.‬‬
‫‪ -3‬أولو العزم من الرسل‪.‬‬
‫‪ -4‬النبياء العرب‪.‬‬
‫‪ -5‬حاجة العباد إلى بعث الرسل وإرسالهم‪.‬‬
‫‪ -6‬مقتضى بشرية النبياء والرسل‪.‬‬
‫‪ -7‬الخطأ في إصابة الحقّ منهم ل ينقض عصمتهم‪.‬‬
‫‪ -8‬اليهود والنصاري ينسبون القبائح إلى النبياء‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -9‬كرامات الولياء‪.‬‬
‫ثامنا‪ :‬مسائل‪:‬‬
‫‪ -1‬تفضيل النبياء والرسل بعضهم على بعض‪.‬‬
‫‪ -2‬نبوة النساء‪.‬‬
‫تعريفات‪:‬‬
‫‪ -1‬النبي‪:‬‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ي مأخوذ ٌ من النبأ‪ ،‬أي‪ :‬الخبر‪ ،‬ومنه‪ :‬قوله تعالى‪} :‬عَ ّ‬
‫ن )‪ (1‬عَ ِ‬ ‫ساءلو َ‬ ‫م ي َت َ َ‬ ‫النب ّ‬
‫ي‪" :‬يعني‪ :‬عن الخبر‬ ‫م{ ]النبأ‪ ،[2 ،1:‬قال ابن جرير الطبر ّ‬ ‫ْ‬
‫ظي ِ‬ ‫الن ّب َإ ِ العَ ِ‬
‫العظيم")]‪.([1‬‬
‫خب ٌِر‪:‬‬
‫م ْ‬‫خب ٌَر و ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ُ‬ ‫والنب ّ‬
‫هاَذا َقا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ن أنب َأك َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت َ‬ ‫فهو مخب ٌَر أوحى الله تعالى إليه بالخبر‪ ،‬قال تعالى‪َ} :‬قال ْ‬
‫َ‬
‫من أخبرك بأّني أفشيت‬ ‫ي‪" :‬أي‪َ :‬‬ ‫خِبيُر{ ]التحريم‪ ،[3:‬قال البغو ّ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ى ال ْعَِلي ُ‬ ‫ن َب ّأن ِ َ‬
‫السر؟")]‪.([2‬‬
‫عبادى أ َنى أناَ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫وهو مخب ٌِر عن الله تعالى فيما يبلغه للّناس‪ ،‬قال تعالى‪} :‬ن َّبىء ِ َ ِ‬
‫م{ ]الحجر‪ ،[49:‬قال ابن كثير‪" :‬أي‪ :‬أخبر ـ يا محمد ـ عبادي‬ ‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫ال ْغَ ُ‬
‫أّني ذو رحمة وعذاب أليم")]‪.([3‬‬
‫رك‬ ‫ُ ِ‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫الهمز‪،‬‬ ‫"أصله‬ ‫يون‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫النحو‬ ‫قال‬ ‫الهمز‪،‬‬ ‫ي‬‫فعليه يكون الصل في النب ّ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن ات ّب َعَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫سب ُ َ‬
‫ح ْ‬ ‫همزه")]‪ ،([4‬ومنه قراءة نافع‪َ} :‬ياأي َّها الن ِّبيُء َ‬
‫ي‪:‬‬‫ن{ ]النفال‪ ،[64:‬قال الشاطب ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ل غيَر نافٍع ابدل‬ ‫وجمًعا وفرًدا في النِبيِء وفي النبو َءةَ الهمَز ك ّ‬
‫ل القراء غير نافع أبدل الهمز في لفظ‬ ‫قال أبو شامة‪" :‬وتقدير البيت‪ :‬ك ّ‬
‫عا ومفرًدا‪ ،‬فالمجموع نحو‪} :‬النبياء{‪} ،‬النبيين{‪} ،‬النبّيون{‪،‬‬ ‫النبيء مجمو ً‬
‫ضا‪ ،‬يريد قوله‬ ‫ي{ و}نبّيا{‪ ،‬وفي لفظ النبوءة أي ً‬ ‫ي{ و}نب ّ‬ ‫والمفرد نحو‪} :‬النب ّ‬
‫ة{ ]الجاثية‪،[16:‬‬ ‫م َوالن ّب ُوّ َ‬ ‫ْ‬
‫حك َ‬ ‫ْ‬
‫ب َوال ُ‬ ‫ل الك َِتا َ‬ ‫ْ‬ ‫سراءي َ‬ ‫قد ْ ءات َي َْنا ب َِنى إ ِ ْ‬ ‫تعالى‪} :‬وَل َ َ‬
‫ت منصوبة على الحكاية")]‪.([5‬‬ ‫فلهذا كانت في البي ِ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم أّنه قال لمن قال له‪ :‬يا‬ ‫ما الحديث المروي عن النب ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫ح)]‪.([6‬‬ ‫ي الله((؛ فل يص ّ‬ ‫ت بنِبيء الله‪ ،‬ولكني نب ّ‬ ‫نِبيء الله‪)) :‬لس ُ‬
‫رفعة محله عن سائر الّناس‪ ،‬قال‬ ‫ّ‬ ‫ي نبّيا ل ِ‬‫م َ‬ ‫س ّ‬‫رفعة‪ُ ،‬‬ ‫ي مأخوذ ٌ من ال ِ‬ ‫وقيل‪ :‬النب ّ‬
‫ما جاء في تفسير هذه الية قول‬ ‫مكانا عَل ِي ّا{ ]مريم‪ ،[57:‬م ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫تعالى‪} :‬وََرفعَْناه ُ َ‬
‫أِبي السعود‪" :‬هو شرف النبوة والزلفى عند الله عز وجل")]‪.([7‬‬
‫‪ -2‬الرسول‪:‬‬
‫ور منه‬ ‫قال الراغب الصفهاِني‪" :‬أصل الّرسل‪ :‬النبعاث على التؤدة‪ ...‬وتص ّ‬
‫تارة الرفق‪ ،‬فقيل‪ :‬على رسلك‪ ،‬إذا أمرته بالّرفق‪ ،‬وتارة النبعاث فاشتق منه‬
‫الرسول")]‪.([8‬‬
‫ن بعثه الله إلى الخلق لتبليغ الحكام‪.‬‬ ‫قال الجرجاِني‪" :‬الرسول‪ :‬إنسا ٌ‬
‫والرسول في الفقه‪ :‬وهو الذي أمره المرسل بأداء الرسالة بالتسليم أو‬
‫القبض")]‪.([9‬‬
‫قال ابن منظور الفريقي‪" :‬الرسال‪ :‬التوجيه‪ ،‬وقد أرسل إليه‪ .‬والسم‪:‬‬
‫الّرسالة‪ ،‬والّرسالة‪ ،‬والرسول‪ ،‬والرسيل")]‪.([10‬‬
‫ةَ‬
‫سل ٌ‬ ‫مْر ِ‬ ‫صا في مهمة فهو رسولك‪ ،‬ومنه‪ :‬قول ملكة سبأ‪ُ } :‬‬ ‫فإذا بعثت شخ ً‬
‫ن{ ]النمل‪ ،[35:‬قال قتادة‪" :‬قالت‪:‬‬ ‫سلو َ‬‫ُ‬ ‫مْر َ‬ ‫ْ‬
‫جعُ ال ُ‬ ‫م ي َْر ِ‬ ‫م ب ِهَدِي ّةٍ فََناظ َِرة ٌ ب ِ َ‬ ‫إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫إّني باعثة إليهم ِبهدية‪.([11])"...‬‬
‫مبَعثون من ِقبل‬ ‫جهون و ُ‬ ‫مي من بّلغوا عن الله رسل الله؛ لّنهم مو ّ‬
‫َ‬ ‫س ّ‬ ‫وعليه ُ‬
‫م ب َعَث َْنا‬ ‫الله تعالى‪ ،‬مكّلفون بحمل الرسالة وتبليغها ومتابعتها‪ ،‬قال تعالى‪} :‬ث ُّ‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي‪:‬‬ ‫م ِبال ْب َي َّنا ِ‬


‫ت{ ]يونس‪ ،[74 :‬قال البيضاو ّ‬ ‫م فَ َ‬
‫جاءوهُ ْ‬ ‫سل ً إ َِلى قَوْ ِ‬
‫مهِ ْ‬ ‫من ب َعْدِهِ ُر ُ‬
‫ِ‬
‫م ب َعَثَنا{‪ :‬أرسلنا")]‪.([12‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫"}ث ّ‬
‫‪ -3‬الفرق بين الرسول والنبي‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬
‫َ‬
‫مّنى‬‫ى إ ِل ّ إ َِذا ت َ َ‬ ‫ل وَل َ ن َب ِ ّ‬ ‫سو ٍ‬ ‫من ّر ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫من قَب ْل ِ َ‬ ‫سل َْنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫دّلت الية الكريمة‪} :‬وَ َ‬
‫ُ‬ ‫أ َل ْ َ‬
‫ه‬
‫ه ءاَيات ِ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حك ِ ُ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫طا ُ‬‫شي ْ َ‬ ‫قى ال ّ‬ ‫ما ي ُل ْ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫خ الل ّ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫من ِي ّت ِهِ فََين َ‬ ‫ن ِفى أ ْ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫قى ال ّ‬
‫ن الله عّز‬ ‫م{ ]الحج‪ [52:‬على الفرق بين الرسول والنبي؛ ل ّ‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫ل عطف بينهما بالواو وذلك تقتضي المغايرة‪.‬‬ ‫وج ّ‬
‫ما ما روي عن أِبي ذّر قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬كم وَفى عدة النبياء؟‬ ‫وأ ّ‬
‫فا‪ ،‬الرسل من ذلك ثلثمائة وخمسة‬ ‫قال‪)) :‬مائة ألف وأربعة وعشرون أل ً‬
‫ما غفيًرا(()]‪([13‬؛ ففي ثبوته نزاع ٌ بين أهل العلم‪.‬‬ ‫عشر ج ّ‬
‫ي جمهور أهل العلم من‬ ‫وأخذ بدللة الية في التفريق بين الرسول والنب ّ‬
‫المفسرين وغيرهم‪.‬‬
‫ددة يدعو الناس إليها‪،‬‬ ‫ي‪" :‬الرسول من بعثه الله بشريعة مج ّ‬ ‫قال البيضاو ّ‬
‫ق‪ ،‬كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا‬ ‫من بعثه لتقرير شرٍع ساب ٍ‬ ‫مه و َ‬ ‫ي يع ّ‬ ‫والنب ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫بين موسى وعيسى عليهم السلم‪ .‬ولذلك شّبه النب ّ‬
‫م من الرسول‪ ...‬وقيل‪ :‬الرسول من جمع إلى‬ ‫ي أع ّ‬ ‫علماَء أمته ِبهم‪ ،‬فالنب ّ‬
‫من ل كتاب له‪ .‬وقيل‪ :‬الرسول‬ ‫ي غير الرسول َ‬ ‫المعجزة كتابا من َّزل عليه‪ ،‬والنب ّ‬
‫من يوحى إليه في المنام")]‪.([14‬‬ ‫ي يقال له ول ِ َ‬ ‫من يأتيه الملك بالوحي‪ ،‬والنب ّ‬
‫ص من‬ ‫ن الرسول أخ ّ‬ ‫ي اسمان لمعنيين؛ فإ ّ‬ ‫ي‪" :‬الرسول والنب ّ‬ ‫وقال القرطب ّ‬
‫دم‪،‬‬ ‫ما بمعنى الرسالة‪ ،‬وإل ّ فمعنى النبوة هو المتق ّ‬ ‫دم الرسول اهتما ً‬ ‫ي‪ ،‬وق ّ‬ ‫النب ّ‬
‫ولذلك رد ّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على البراء حين قال‪) :‬وبرسولك‬
‫الذي أرسلت( فقال له‪)) :‬قل‪ :‬آمنت بنبّيك الذي أرسلت((خّرجه في‬
‫ن في قوله‪) :‬برسولك الذي أرسلت( تكرير‬ ‫ضا فإ ّ‬ ‫الصحيح)]‪ .([15‬وأي ً‬
‫الرسالة‪ ،‬وهو معنى واحد‪ ،‬فيكون كالحشو الذي ل فائدة فيه‪ ،‬بخلف قوله‪:‬‬
‫ي‪،‬‬
‫ل نب ّ‬ ‫ل رسو ٍ‬ ‫))ونبّيك الذي أرسلت(( فإّنهما ل تكرار فيهما‪ ،‬وعلى هذا فك ّ‬
‫ي قد اشتركا في أمر عام هو النبأ‪،‬‬ ‫ن الرسول والنب ّ‬ ‫ل؛ ل ّ‬ ‫ي رسو ً‬ ‫ل نب ّ‬ ‫وليس ك ّ‬
‫ٌ‬
‫ص وهي الرسالة‪ ،‬فإذا قلت‪ :‬محمد ٌ رسول من عند الله؛‬ ‫وافترقا في أمرٍ خا ٍ‬
‫ي ورسول الله‪ ،‬وكذلك غيره من النبياء صلوات الله‬ ‫تضمن ذلك أّنه نب ّ‬
‫وسلمه عليهم")]‪.([16‬‬
‫ن الرسول من جمع إلى المعجزة الكتاب‬ ‫ي‪" :‬والفرق بينهما أ ّ‬ ‫وقال النسف ّ‬
‫مر أن يدعو إلى شريعة‬ ‫ُ‬
‫ب‪ ،‬وإّنما أ ِ‬ ‫ى من لم يْنزل عليه كتا ٌ‬ ‫المن َّزل عليه‪ ،‬والنب ّ‬
‫ظ شرع غيره")]‪.([17‬‬ ‫ي حاف ُ‬ ‫من قبله‪ .‬وقيل‪ :‬الرسول واضع شرع‪ ،‬والنب ّ‬ ‫َ‬
‫وقال الشوكاِني‪" :‬قيل‪ :‬الرسول الذي أرسل إلى الخلق بإرسال جبريل إليه‬
‫ما‪ .‬وقيل‪ :‬الرسول من‬ ‫ما أو منا ً‬ ‫ي الذي يكون إلها ً‬ ‫ها‪ ،‬والنب ّ‬ ‫عياًنا ومحاورته شفا ً‬
‫من قبله ولم‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫مر أن يدعو إلى شريعة َ‬ ‫ي من أ ِ‬ ‫مر بتبليغه‪ ،‬والنب ّ‬ ‫بعث بشرع وأ ِ‬
‫يْنزل عليه كتاب‪ ،‬ول بد ّ لهما جميًعا من المعجزة الظاهرة")]‪.([18‬‬
‫ي‪ ،‬فالرسول هو من أوحي إليه‬ ‫ص من النب ّ‬ ‫ن الرسول أخ ّ‬ ‫فهذا هو المشهور؛ أ ّ‬
‫ي من أوحي إليه ولم يؤمر بتبليغه‪ ،‬وعلى ذلك فك ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫مر بتبليغه‪ ،‬والنب ّ‬ ‫بشرٍع وأ ِ‬
‫ل)]‪.([19‬‬ ‫ي رسو ً‬ ‫ي‪ ،‬وليس كل نب ّ‬ ‫رسول نب ّ‬
‫دة أمور‪:‬‬ ‫ولكن هذا التفريق مدفوعٌ بع ّ‬
‫ما‬
‫ص على أّنه أرسل النبياء كما أرسل الرسل في قوله‪} :‬وَ َ‬ ‫ن الله ن ّ‬ ‫‪ -1‬أ ّ‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫ى{ ]الحج‪ ،[52:‬فإذا كان الفارق بينهما هو‬ ‫ل وَل َ ن َب ِ ّ‬
‫سو ٍ‬
‫من ّر ُ‬‫ك ِ‬‫من قَب ْل ِ َ‬‫سل َْنا ِ‬
‫أْر َ‬
‫ي البلغ‪.‬‬‫البلغ فالرسال يقتضي من النب ّ‬
‫َ‬
‫زل وحَيه ليكَتم ويدفن‬ ‫‪ -2‬أن ترك البلغ كتمان لوحي الله تعالى‪ ،‬والله ل ي ُن ْ ِ‬
‫في صدر واحد من الناس‪ ،‬ثم يموت هذا العلم بموته‪.‬‬
‫ي‬
‫ت النب ّ‬‫ي المم فرأي ُ‬ ‫عرضت عل ّ‬ ‫‪ -3‬قول الرسول صلى الله عليه وسلم‪ُ )) :‬‬
‫ي وليس معه أحد‪])((...‬‬ ‫ي ومعه الرجل والرجلن‪ ،‬والنب ّ‬ ‫ومعه الرهط‪ ،‬والنب ّ‬
‫ن النبياء مأمورون بالبلغ‪ ،‬وأّنهم يتفاوتون في مدى‬ ‫ل هذا على أ ّ‬ ‫‪([20‬؛ فد ّ‬
‫الستجابة لهم‪.‬‬
‫ي هو المبعوث‬ ‫د‪ ،‬والنب ّ‬‫ن الرسول من أوحي إليه بشرٍع جدي ٍ‬ ‫واختار البعض أ ّ‬
‫من قبله)]‪.([21‬‬ ‫لتقرير شرع َ‬
‫ي‪ ،‬كما ثبت‬ ‫ي قام نب ّ‬ ‫وقد كانت بنو إسرائيل تسوسهم النبياء كلما مات نب ّ‬
‫ن بني إسرائيل كانت‬ ‫الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪)) :‬إ ّ‬
‫ي(()]‪.([22‬‬‫ي‪ ،‬وإّنه ليس بعدي نب ّ‬ ‫ي قام نب ّ‬ ‫تسوسهم النبياء‪ ،‬كّلما مات نب ّ‬
‫)‪(2 /‬‬

‫وأنبياء بني إسرائيل كلهم كانوا مبعوثين بشريعة موسى التوارة‪ ،‬وكانوا‬
‫َ‬
‫من ب َِنى‬ ‫مل ِ ِ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ْ َ‬ ‫ي الله إليهم‪ ،‬قال تعالى‪} :‬أل َ ْ‬ ‫مأمورين بإبلغ قومهم وح َ‬
‫ل الل ِّ‬
‫ه‬ ‫بي‬
‫َ ِ ِ‬ ‫س‬ ‫فى‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ت‬ ‫قا‬ ‫َ‬
‫َِِ ّ ُ ُ َْ ْ َ َ ِ ّ ِ ِ‬ ‫ن‬ ‫ً‬
‫كا‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ث‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ى‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫سى إ ِذ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫من ب َعْد ِ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫سرءي َ‬ ‫إِ ْ‬
‫َ‬
‫ما ل ََنا أل ّ ن ُ َ‬ ‫َ‬
‫ل ِفى‬ ‫قات ِ َ‬ ‫قات ُِلوا ْ َقاُلوا ْ وَ َ‬ ‫ل أل ّ ت ُ َ‬ ‫قَتا ُ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ب عَل َي ْك ُ ُ‬ ‫م ِإن ك ُت ِ َ‬ ‫سي ْت ُ ْ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ل ت َوَل ّوْا ْ إ ِل ّ قَِليل ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫قَتا ُ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ب عَل َي ْهِ ُ‬ ‫ما ك ُت ِ َ‬‫من دَِيارَِنا وَأب َْنائ َِنا فَل َ ّ‬ ‫جَنا ِ‬ ‫خرِ ْ‬ ‫ل الل ّهِ وَقَد ْ أ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫ي يوحى إليه‬ ‫ّ‬ ‫النب‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫تفيد‬ ‫فالية‬ ‫[‪،‬‬ ‫‪246‬‬ ‫]البقرة‪:‬‬ ‫ن{‬ ‫َ‬ ‫مي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬
‫ظا‬ ‫بال‬ ‫ٌ ِ‬ ‫م‬ ‫لي‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬
‫م ُ ْ َ ُ‬
‫ل‬ ‫وال‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ّ‬
‫ويوجب على قومه أموًرا‪ ،‬وهذا ل يكون إل ّ مع وجوب التبليغ‪.‬‬
‫من قَب ْ ُ‬
‫ل‬ ‫ف ِ‬ ‫س ُ‬ ‫م ُيو ُ‬ ‫جاءك ُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ن هذا التفريق كذلك مدفوع ٌ بقوله تعالى‪} :‬وَل َ َ‬ ‫ولك ّ‬
‫هّ‬
‫ث الل ُ‬ ‫م لن ي َب ْعَ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ك قُلت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫حّتى إ َِذا هَل َ‬ ‫م ب ِهِ َ‬ ‫ُ‬
‫جاءك ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م ّ‬ ‫ك ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫م ِفى َ‬ ‫ْ‬
‫ما زِلت ُ ْ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫ِبال ْب َي َّنا ِ‬
‫ب{ ]غافر‪،[34:‬‬ ‫مْرَتا ٌ‬ ‫ف ّ‬ ‫سرِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ن هُوَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫ك يُ ِ‬ ‫سول ً ك َذ َل ِ َ‬ ‫من ب َعْدِهِ َر ُ‬ ‫ِ‬
‫ت بشرٍع جديد‪ ،‬ومع‬ ‫ي من أنبياء بني إسرائيل‪ ،‬لم يأ ِ‬ ‫فيوسف عليه السلم نب ّ‬
‫ص هذه الية‪.‬‬ ‫ل بن ّ‬ ‫ذلك فهو رسو ٌ‬
‫ن التفريق المختار أن الرسول‪ :‬هو من ب ُِعث إلى قوم ٍ مخالفين‬ ‫وعليه فإ ّ‬
‫ي‪:‬‬
‫من قبله‪ ،‬والنب ّ‬ ‫فدعاهم إلى دين الله‪ ،‬سواٌء دعاهم بشرٍع جديدٍ أو بشرع َ‬
‫هو من ب ُِعث إلى قوم ٍ موافقين فأقام فيهم دين الله‪.‬‬
‫ي‪ :‬هو الذي ينبئه الله‪ ،‬وهو ينبئ بما أنبأ الله‬ ‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬النب ّ‬
‫به‪ ،‬فإن ُأرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبّلغه رسالة من الله إليه فهو‬
‫ما إذا كان إّنما يعمل بالشريعة قبله‪ ،‬ولم يرسل هو إلى أحد يبلغه‬ ‫رسول‪ .‬وأ ّ‬
‫َ‬
‫ك‬‫من قَب ْل ِ َ‬ ‫سل َْنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ي وليس برسول‪ ،‬قال تعالى‪} :‬وَ َ‬ ‫عن الله رسالته؛ فهو نب ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه{ ]الحج‪...[52:‬‬ ‫من ِي ّت ِ ِ‬ ‫ن ِفى أ ْ‬ ‫شي ْطا ُ‬ ‫قى ال ّ‬ ‫مّنى أل َ‬ ‫ى إ ِل ّ إ َِذا ت َ َ‬ ‫ل وَل َ ن َب ِ ّ‬ ‫سو ٍ‬ ‫من ّر ُ‬ ‫ِ‬
‫ن هذا هو الرسول‬ ‫دهما بأّنه رسول‪ ،‬فإ ّ‬ ‫ص أح َ‬ ‫م النوعين‪ ،‬وقد خ ّ‬ ‫فذكر إرسال ً يع ّ‬
‫المطلق الذي أمره بتبليغ رسالته إلى من خالف الله كنوح‪ ،‬وقد ثبت في‬
‫ث إلى أهل الرض‪ ،‬وقد كان قبله أنبياء كشيث‬ ‫الصحيح أّنه أول رسول ب ُعِ َ‬
‫ما")]‪.([23‬‬ ‫ّ‬
‫وإدريس‪ ،‬وقبلهما آدم كان نبًيا مكل ً‬
‫من‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ن الله بشريعةِ َ‬ ‫سل إلى أقوام ٍ مخالفين مشركين‪ ،‬فبلغهم دي َ‬ ‫فيوسف أر ِ‬
‫قبله‪.‬‬
‫‪ -4‬الية والمعجزة‪:‬‬
‫ة‬
‫جَعل لى ءاي َ ً‬ ‫ّ‬ ‫با ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الية‪ :‬هي العلمة‪ ،‬قال نبي الله زكريا عليه السلم‪} :‬قال َر ّ‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ك أ َل ّ تك َل ّم الناس ث ََلث َ َ َ‬
‫مًزا{ ]آل عمران‪ ،[41:‬قال‬ ‫ة أّيام ٍ إ ِل ّ َر ْ‬ ‫ُ َ ّ َ‬ ‫ل ءاي َت ُ َ‬
‫َقا َ‬
‫ة هذا المر")]‪.([24‬‬ ‫ة ُيعرف ِبها صح ُ‬ ‫ي‪" :‬طلب آية أي‪ :‬علم ً‬ ‫القرطب ّ‬
‫المعجزة‪ :‬اسم فاعل مأخوذ من العجز الذي هو زوال القدرة عن التيان‬
‫بالشيء من عمل أو رأي أو تدبير)]‪.([25‬‬
‫‪ -5‬الكرامة‪:‬‬
‫قال سليمان بن عبد الله آل الشيخ‪" :‬الكرامة‪ :‬أمٌر يجريه الله على يد عبده‬
‫ما بدعاء أو أعمال صالحة‪ ،‬ل صنع للولي فيها‪ ،‬ول قدرة له‬ ‫المؤمن التقي‪ ،‬إ ّ‬
‫عليها")]‪.([26‬‬
‫وقال عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ‪" :‬وكل من يذكر تعريف الكرامة‬
‫دها يقول‪ :‬هي خرق الله العادةَ لوليه‪ ،‬لحكمة أو مصلحة تعود عليه أو على‬ ‫وح ّ‬
‫غيره")]‪.([27‬‬
‫وفي فتاوى اللجنة الدائمة‪" :‬الكرامة‪ :‬أمٌر خارق للعادة يظهره الله تعالى‬
‫ما له‪ ،‬فيدفع عنه ضًرا‪ ،‬أو‬‫على يد عبد من عباده الصالحين حّيا أو ميًتا؛ إكرا ً‬
‫قا")]‪.([28‬‬ ‫يحقق له نفًعا‪ ،‬أو ينصر به ح ّ‬
‫)]‪ ([1‬تفسير الطبري )‪.(30/1‬‬
‫)]‪ ([2‬تفسير البغوي )‪.(4/364‬‬
‫)]‪ ([3‬تفسير ابن كثير )‪.(2/554‬‬
‫)]‪ ([4‬انظر‪ :‬مفردات الراغب مادة )نبى(‪.‬‬
‫)]‪ ([5‬إبراز المعاِني من حرز الماِني )‪.(2/295‬‬
‫)]‪ ([6‬أخرجه الحاكم في مستدركه )‪ (2/231‬من حديث أِبي ذّر‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ح‪ ،‬قال‬ ‫ي‪" :‬بل منكر‪ ،‬لم يص ّ‬‫ح على شرط الشيخين"‪ ،‬قال الذهب ُ‬ ‫"حديث صحي ٌ‬
‫النسائي‪ :‬حمران بن أعَين ليس بثقة‪ .‬وقال أبو داود‪ :‬رافضي‪ ،‬روى عن‬
‫ضا عنه عن نافع عن ابن عمر قال‪ :‬ما‬ ‫ه‪ .‬ولم يثبت أي ً‬ ‫موسى بن عبيدة‪ ،‬وهو وا ٍ‬
‫همز رسول الله صلى الله عليه وسلم ول أبو بكر ول عمر ول الخلفاء‪ ،‬وإّنما‬
‫ي في‬ ‫الهمز بدعة ابتدعوها من بعدهم" التلخيص )‪ .(2/231‬وأخرجه العقيل ّ‬
‫الضعفاء )‪ ،(3/81‬والصيداوي في معجم الشيوخ )ص ‪ (266‬من حديث ابن‬
‫عّباس به‪ ،‬وفي سنده مجهو ٌ‬
‫ل‪.‬‬
‫)]‪ ([7‬تفسير أبو السعود )‪.(5/271‬‬
‫)]‪ ([8‬المفردات مادة )رسل(‪.‬‬
‫)]‪ ([9‬التعريفات )ص‪.(115 :‬‬
‫)]‪ ([10‬لسان العرب مادة )رسل(‪.‬‬
‫)]‪ ([11‬أخرجه عنه عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم‪ ،‬انظر‪ :‬الدّر‬
‫المنثور )‪.(6/357‬‬
‫)]‪ ([12‬تفسير البيضاوي )‪.(3/209‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫)]‪ ([13‬هو جزٌء من حديث طويل‪ ،‬أخرجه أحمد في مسند أِبي أمامة عنه به )‬
‫‪ ،(5/265‬والطبراِني في الكبير )‪ ،(7871‬وفيه علي بن يزيد اللهاِني‪ ،‬قال‬
‫ي في المجمع )‪" :(1/159‬ومداره على علي بن يزيد‪ ،‬وهو ضعيف"‪،‬‬ ‫الهيثم ّ‬
‫قال البخاريّ في التاريخ الكبير )‪" :(6/301‬علي بن يزيد أبو عبد الملك‬
‫اللهاني الدمشقي منكر الحديث"‪ .‬وأخرجه ابن حّبان في صحيحه من غير‬
‫طريق علي بن يزيد )‪ ،(2/77‬وفيه إبراهيم بن هشام الغساِني‪ ،‬قال أبو حاتم‬
‫ي في الميزان )‪:(1/73‬‬ ‫في الجرح والتعديل )‪" :(2/142‬كذاب"‪ ،‬وقال الذهب ّ‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذبه أبو زرعة"‪ .‬وقد أطال اللباِني في تخريجه في الصحيحة‪،‬‬ ‫"متروك‪ ،‬وك ّ‬
‫وانتهى إلى صحته لغيره )‪ ،(2668‬والله أعلم‪.‬‬
‫)]‪ ([14‬تفسير البيضاوي )‪.(4/133‬‬
‫)]‪ ([15‬أخرجه مسلم في الذكر والدعاء‪ ،‬باب ما يقول عند النوم وأخذ‬
‫المضجع )‪ (2710‬من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه‪.‬‬
‫ي )‪.(7/298‬‬ ‫)]‪ ([16‬تفسير القرطب ّ‬
‫)]‪ ([17‬تفسير النسفي )‪.(3/108‬‬
‫)]‪ ([18‬فتح القدير )‪.(3/461‬‬
‫)]‪ ([19‬انظر‪ :‬شرح الطحاوية )ص‪ ،(167 :‬ولوامع النوار البهّية )‪.(1/49‬‬
‫)]‪ ([20‬أخرجه مسلم في اليمان‪ ،‬باب الدليل على دخول طوائف الجنة بغير‬
‫حساب ول عذاب )‪.(220‬‬
‫)]‪ ([21‬انظر‪ :‬تفسير اللوسي )‪ ،(17/157‬اختاره د‪ /‬عمر الشقر في كتابه‬
‫الرسل والرسالت )ص‪.(15 :‬‬
‫)]‪ ([22‬أخرجه ابن حبان )الحسان ‪.(10/418‬‬
‫)]‪ ([23‬النبوات )ص‪.(281 :‬‬
‫)]‪ ([24‬تفسير القرطبي )‪.(4/80‬‬
‫)]‪ ([25‬انظر‪ :‬لوامع النوار البهية )‪.(290-2/289‬‬
‫)]‪ ([26‬تيسير العزيز الحميد )‪.(413‬‬
‫)]‪ ([27‬الدرر السنية )‪.(11/211‬‬
‫)]‪ ([28‬فتاوى اللجنة الدائمة ‪.(1/388‬‬
‫ثانيا‪ :‬قواعد في هذا الباب‪:‬‬
‫‪ -1‬النبوة ل تثبت إل بدليل صحيح‪:‬‬
‫سَير أسماَء كثيرٍ من النبياء نقل ً عن بني إسرائيل‪ ،‬أو‬ ‫يذكر علماء التفسير وال ّ‬
‫ن أخبار بني‬ ‫ل لم تثبت صحتها‪ ،‬فهذا كله ل ُيثبت ول ينفى؛ ل ّ‬ ‫اعتماًدا على أقوا ٍ‬
‫إسرائيل تحتمل الصدق والكذب‪.‬‬
‫ما ثبت عند المسلمين من كتاب الله وسنة‬ ‫ما إذا خالفت هذه القوال شيًئا م ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ن‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم فهذه ترفض جملة وتفصيل‪ ،‬كقول من قال‪ :‬إ ّ‬
‫جرجيس وخالد بن سنان)]‪ ([1‬كانا نبيين بعد عيسى)]‪.([2‬‬
‫فقد ثبت في الحديث الصحيح أّنه ليس بين عيسى بن مريم وبين رسولنا‬
‫ي‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬أنا‬ ‫صلوات الله وسلمه عليهما نب ّ‬
‫ي(()]‪ .([3‬قال‬ ‫لت‪ ،‬ليس بيني وبينه نب ّ‬ ‫أولى الّناس بابن مريم‪ ،‬والنبياء أولد ع ّ‬
‫ي يقال له‪ :‬خالد بن‬ ‫ابن كثير‪" :‬فيه رد ّ على من زعم أّنه بعث بعد عيسى نب ّ‬
‫سنان")]‪.([4‬‬
‫‪ -2‬ما من نبي إل ورعى الغنم‪:‬‬
‫ن هذا المر أشبه بالقاعدة‪ ،‬فعن أبي هريرة‬ ‫وردت الحاديث الصحيحة في أ ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم قال‪)) :‬ما بعث الله نبّيا إل ّ‬ ‫رضي الله عنه عن النب ّ‬
‫رعى الغنم((‪ ،‬فقال أصحابه‪ :‬وأنت؟ فقال‪)) :‬نعم‪ ،‬كنت أرعاها على قراريط‬
‫لهل مكة(()]‪.([5‬‬
‫ي الغنم قبل النبوة‬ ‫قال ابن حجر‪" :‬قال العلماء‪ :‬الحكمة في إلهام النبياء رع َ‬
‫أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما يكّلفونه من القيام بأمر أمتهم‪ ،‬ول ّ‬
‫ن‬
‫م والشفقة؛ لّنهم إذا صبروا على رعيها‬ ‫صل لهم الحل َ‬ ‫في مخالطتها ما يح ّ‬
‫وجمعها بعد تفرقها في المرعى ونقلها من مسرح إلى مسرح ودفع عدوها‬
‫من سبع وغيره كالسارق وعلموا اختلف طباعها وشدة تفرقها مع ضعفها‬
‫ف‬
‫فوا من ذلك الصبَر على المة‪ ،‬وعرفوا اختل َ‬ ‫واحتياجها إلى المعاهدة أ َل ِ ُ‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت عقولها‪ ،‬فجبروا كسَرها‪ ،‬ورفقوا بضعيفها‪ ،‬وأحسنوا التعاهد َ‬ ‫طباعها‪ ،‬وتفاو َ‬


‫قة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام بذلك من أول‬ ‫ملهم لمش ّ‬ ‫لها‪ ،‬فيكون تح ّ‬
‫صت الغنم بذلك‬ ‫خ ّ‬
‫وهلة‪ ،‬لما يحصل لهم من التدريج على ذلك برعي الغنم‪ ،‬و ُ‬
‫ن تفّرقها أكثر من تفّرق البل والبقر؛ لمكان‬ ‫لكوِنها أضعف من غيرها‪ ،‬ول ّ‬
‫ضبط البل والبقر بالربط دوَنها في العادة المألوفة‪ ،‬ومع أكثرية تفرقها فهي‬
‫أسرع انقياًدا من غيرها‪ .‬وفي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لذلك بعد أن‬
‫علم كونه أكرم الخلق على الله ما كان عليه من عظيم التواضع لربه‪،‬‬
‫والتصريح بمنته عليه وعلى إخوانه من النبياء صلوات الله وسلمه عليه‬
‫وعلى سائر النبياء")]‪.([6‬‬
‫‪ -3‬كل النبياء بّلغوا ما أرسلوا به‪:‬‬
‫هذه قاعدة في جميع النبياء‪ ،‬أّنهم بّلغوا رسالة رّبهم‪ ،‬قال تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫كذال ِ َ‬
‫ك‬
‫جعل ْناك ُ ُ‬
‫ل عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫سو ُ‬‫ن الّر ُ‬ ‫س وَي َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫َ‬
‫داء عَلى الّنا ِ‬‫شهَ َ‬‫كوُنوا ْ ُ‬
‫طا ل ّت َ ُ‬
‫س ً‬
‫ة وَ َ‬
‫م ً‬
‫مأ ّ‬‫َ َ َ ْ‬
‫دا{ ]البقرة‪.[143:‬‬ ‫شِهي ً‬‫َ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‪)) :‬يدعى نوح يوم‬ ‫جاء في تفسير الية قول النب ّ‬
‫ب‪ ،‬فيقول‪ :‬هل بلغت؟ فيقول‪ :‬نعم‪ ،‬فيقال‬ ‫القيامة‪ ،‬فيقول‪ :‬لبيك وسعديك يا ر ّ‬
‫لمته‪ :‬هل بلغكم؟ فيقولون‪ :‬ما أتانا من نذير؟ فيقول‪ :‬من يشهد لك؟ فيقول‪:‬‬
‫محمد وأمته‪ ،‬فتشهدون أّنه قد بّلغ(()]‪.([7‬‬
‫قال محمد خليل هّراس‪" :‬ويجب اليمان بأّنهم بّلغوا ما أرسلوا به على ما‬
‫من ُأرسلوا إليه جهله")]‪.([8‬‬ ‫دا م ّ‬
‫ل‪ ،‬وبّينوه بياًنا ل يسع أح ً‬ ‫أمرهم الله عّز وج ّ‬
‫‪ -4‬الكفر بنبي واحد كفر بجميع النبياء‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫م ُنوٍح‬ ‫ت قَوْ ُ‬ ‫الكفر برسول واحد ٍ كفٌر بجميع الرسل‪ ،‬قال الله تعالى‪} :‬ك َذ ّب َ ْ‬
‫ن{‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫عاد ٌ ال ْ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫ن{ ]الشعراء‪ ،[105:‬وقال تعالى‪} :‬ك َذ ّب َ ْ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن{ ]الشعراء‪،[141:‬‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫مود ُ ال ْ ُ‬ ‫ت ثَ ُ‬ ‫]الشعراء‪ ،[123:‬وقال تعالى‪} :‬ك َذ ّب َ ْ‬
‫ن{ ]الشعراء‪ ،[160:‬ومن المعروف‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ط ال ْ ُ‬ ‫م ُلو ٍ‬ ‫ت قَوْ ُ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬ك َذ ّب َ ْ‬
‫ذبت رسولها‪ ،‬إل ّ أن التكذيب برسول واحدٍ يعد ّ تكذيًبا بالرسل‬ ‫مة ك ّ‬ ‫لأ ّ‬ ‫نك ّ‬ ‫أ ّ‬
‫د‪ ،‬ومرسلهم واحد‪،‬‬ ‫ن الرسل حملة رسالة واحدة‪ ،‬ودعاة دين واح ٍ‬ ‫كلهم‪ ،‬ذلك أ ّ‬
‫دق المتأخر المتقدم)]‪.([9‬‬ ‫فهم ِوحدة يبشر المتقدم منهم بالمتأخر‪ ،‬ويص ّ‬
‫ن{‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ْ‬
‫م ُنوٍح ال ُ‬ ‫ت قوْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت قوله‪} :‬كذ ّب َ ْ‬ ‫قيل للحسن البصري‪ :‬يا أبا سعيد‪ ،‬أرأي َ‬
‫موُد‬ ‫ت ث َُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ك‬‫و}‬ ‫[‪،‬‬ ‫‪123‬‬ ‫]الشعراء‪:‬‬ ‫ن{‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫عاد ٌ ال ْ ُ‬‫ت َ‬ ‫]الشعراء‪ ،[105:‬و}ك َذ ّب َ ْ‬
‫خر‬ ‫ن ال ِ‬ ‫د؟! قال‪ :‬إ ّ‬ ‫ل واح ٌ‬ ‫ن{ ]الشعراء‪ ،[141:‬وإّنما أرسل إليهم رسو ٌ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ذبوا الرسل أجمعين)]‪.([10‬‬ ‫دا فقد ك ّ‬ ‫ذبوا واح ً‬ ‫جاء ِبما جاء به الول‪ ،‬فإذا ك ّ‬
‫ي‪" :‬إن تكذيب نبي واحد يستلزم تكذيب جميع النبياء؛ لّنهم كلهم‬ ‫قال الثعالب ّ‬
‫يدعون الخلق إلى اليمان بالله تعالى واليوم الخر")]‪.([11‬‬
‫ه‬
‫سل ِ ِ‬ ‫ن ِباللهِ وَُر ُ‬ ‫ّ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ن ي َك ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقد وسم الله من هذا حاله بالكفر‪ ،‬قال تعالى‪} :‬ال ّ ِ‬
‫ض‬‫فُر ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ض وَن َك ْ ُ‬ ‫ن ب ِب َعْ ٍ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ن ُؤْ ِ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫سل ِهِ َوي ُ‬ ‫ن الل ّهِ وَُر ُ‬ ‫فّرُقوا ْ ب َي ْ َ‬ ‫ن َأن ي ُ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫وَي ُ ِ‬
‫قا{ ]النساء‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫م الكافُِرو َ‬ ‫سِبيل )‪ (150‬أوْلئ ِك هُ ُ‬ ‫ن ذال ِك َ‬ ‫ذوا ب َي ْ َ‬ ‫ن أن ي َت ّ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫وَي ُ ِ‬
‫‪.[151 ،150‬‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ومدح سبحانه وتعالى الذين يؤمنون بجميع الرسل‪ ،‬قال تعالى‪} :‬ءا َ‬
‫مل َئ ِك َت ِهِ وَكت ُب ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ن ِبالل ّهِ وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ءا َ‬ ‫ن كُ ّ‬‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫من ّرب ّهِ َوال ْ ُ‬ ‫ل إ ِل َي ْهِ ِ‬ ‫ما ُأنزِ َ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫الّر ُ‬
‫ك َرب َّنا وَإ ِل َي ْكَ‬ ‫فَران َ َ‬ ‫معَْنا وَأ َط َعَْنا غ ُْ‬ ‫س ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫سل ِهِ وَقالوا َ‬ ‫َ‬ ‫من ّر ُ‬ ‫حد ٍ ّ‬
‫َ‬
‫نأ َ‬ ‫فّرقُ ب َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫سل ِهِ ل ن ُ َ‬ ‫وَُر ُ‬
‫صيُر{ ]البقرة‪.[285:‬‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْ َ‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال الفراء‪" :‬أي‪ :‬ل نؤمن ببعضهم ونكفر ببعضهم‪ ،‬كما فعلت اليهود‬
‫والنصارى")]‪.([12‬‬
‫ن الله واحد أحد فرد صمد‪ ،‬ل إله غيره‪،‬‬ ‫وقال ابن كثير‪" :‬المؤمنون يؤمنون بأ ّ‬
‫ب سواه‪ ،‬ويصدقون بجميع النبياء والرسل والكتب المَنزلة من السماء‬ ‫ول ر ّ‬
‫على عباد الله المرسلين والنبياء‪ ،‬ل يفرقون بين أحد منهم‪ ،‬فيؤمنون ببعض‬
‫ويكفرون ببعض‪ ،‬بل الجميع عندهم صادقون باّرون راشدون مهديون هادون‬
‫إلى سبيل الخير‪ .‬وإن كان بعضهم ينسخ شريعة بعض بإذن الله؛ حتى نسخ‬
‫الجميع بشرع محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء والمرسلين‪ ،‬الذي‬
‫تقوم الساعة على شريعته‪ ،‬ول تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين")]‬
‫‪.([13‬‬
‫ضا من أخباره في المستدرك )‪ ،(2/655‬ورد ّ نبوته‬ ‫)]‪ ([1‬أخرج الحاكم بع ً‬
‫لمعارضته لحديث البخاري الصحيح‪.‬‬
‫)]‪ ([2‬انظر‪ :‬فتح الباري )‪.(6/489‬‬
‫م إ ِذِ‬
‫مْري َ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫)]‪ ([3‬البخاري في النبياء‪ ،‬باب قول الله تعالى ?َواذ ْكْر ِفي الك َِتا ِ‬
‫ن أ َهْل َِها? )‪.(3442‬‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ان ْت َب َذ َ ْ‬
‫)]‪ ([4‬تفسير ابن كثير )‪.(2/36‬‬
‫)]‪ ([5‬البخاري في الجارة‪ ،‬باب رعي الغنم على قراريط )‪.(2262‬‬
‫)]‪ ([6‬فتح الباري )‪.(4/441‬‬
‫ُ‬
‫ة‬
‫م ً‬ ‫مأ ّ‬ ‫جعَل َْناك ُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫)]‪ ([7‬البخاري في التفسير‪ ،‬باب قول الله تعالى‪? :‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫دا? )‪(4487‬‬ ‫شِهي ً‬ ‫م َ‬ ‫ل عَل َي ْك ُ ْ‬
‫سو ُ‬ ‫ن الّر ُ‬‫كو َ‬‫س وَي َ ُ‬ ‫َ‬
‫داَء عَلى الّنا ِ‬ ‫شهَ َ‬‫كوُنوا ُ‬ ‫طا ل ِت َ ُ‬ ‫س ً‬ ‫وَ َ‬
‫من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬
‫)]‪ ([8‬شرح العقيدة الواسطية )ص‪.(64 :‬‬
‫)]‪ ([9‬انظر‪ :‬الرسل والرسالت‪ ،‬د‪ /‬عمر الشقر )ص‪.(25-24 :‬‬
‫)]‪ ([10‬انظر‪ :‬تفسير البغوي )‪.(3/392‬‬
‫)]‪ ([11‬تفسير الثعالبي )‪.(3/151‬‬
‫)]‪ ([12‬انظر‪ :‬تفسير القرطبي )‪.(2/141‬‬
‫)]‪ ([13‬تفسير ابن كثير )‪.(1/343‬‬
‫ثالثا‪ :‬اليمان بالنبياء والرسل‪:‬‬
‫ن أحدٍ إل باليمان‬ ‫ّ‬ ‫م إيما ُ‬ ‫ل من أصول الدين‪ ،‬ول يت ّ‬ ‫اليمان بالرسل والنبياء أص ٌ‬
‫بجميعهم على سبيل الجمال‪ ،‬وبمن عرفنا اسمه منهم على وجه التفصيل‪.‬‬
‫مى الله في كتابه‬ ‫مد خليل هّراس‪" :‬وعلينا أن نؤمن تفصيل ً بمن س ّ‬ ‫قال مح ّ‬
‫منهم‪ ،‬وهم خمسة وعشرون‪ ،‬ذكرهم الشاعر في قوله‪:‬‬
‫م‬
‫جت َُنا{ منهم ثمانية من بعد عشرٍ ويبقى سبعة وه ُ‬ ‫ح ّ‬‫ك ُ‬ ‫ِفي }وَت ِل ْ َ‬
‫موا‬ ‫خت ِ ُ‬‫م بالمختارِ قد ُ‬ ‫ل آد ُ‬‫ح وكذا ذو الكف ِ‬ ‫ب صال ٌ‬ ‫س هود ُ شعي ٌ‬ ‫إدري ُ‬
‫ما ما عدا هؤلء من الرسل والنبياء فنؤمن ِبهم إجمال ً على معنى العتقاد‬ ‫وأ ّ‬
‫ن‬‫ث عن عد ِّتهم وأسمائهم‪ ،‬فإ ّ‬ ‫ّ‬
‫بنبوِتهم ورسالتهم‪ ،‬دون أن نكلف أنفسنا البح َ‬
‫من قَب ْ ُ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫م عَلي ْك ِ‬ ‫َ‬ ‫صَناهُ ْ‬ ‫ص ْ‬ ‫سل قَد ْ قَ َ‬‫ً‬ ‫ص الله بعلمه؛ قال تعالى‪} :‬وَُر ُ‬ ‫ما اخت ّ‬ ‫ذلك م ّ‬
‫م عَلي ْك{ ]النساء‪.([1])"[164:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫صهُ ْ‬‫ص ْ‬ ‫ق ُ‬‫م نَ ْ‬ ‫ّ‬
‫سل ً ل ْ‬ ‫وَُر ُ‬
‫‪ -1‬النبياء والرسل المذكورون في القرآن‪:‬‬
‫ة وعشرين نبّيا بأسمائهم‪ ،‬وهم‪ :‬آدم ونوح‬ ‫ن الله ذكر في كتابه خمس ً‬ ‫دم أ ّ‬ ‫تق ّ‬
‫وهود وصالح وشعيب وإبراهيم ولوط وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وإدريس‬
‫وذو الكفل وداود وسليمان وأيوب ويوسف ويونس وموسى وهارون وإلياس‬
‫مد عليهم جميًعا أفضل الصلة والسلم‪.‬‬ ‫واليسع وزكريا ويحيى وعيسى ومح ّ‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪ -2‬النبياء والرسل المذكورون في السنة‪:‬‬


‫‪ -1‬شيث‪:‬‬
‫ص الحديث الذي رواه ابن حّبان في صحيحه عن‬ ‫قال ابن كثير‪" :‬وكان نبّيا بن ّ‬
‫عا أّنه أنزل عليه خمسون صحيفة")]‪.([2‬‬ ‫أِبي ذّر مرفو ً‬
‫‪ -2‬يوشع بن نون‪:‬‬
‫ي من‬ ‫عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬غزا نب ّ‬
‫ل قد ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني ِبها‬ ‫النبياء‪ ،‬فقال لقومه‪ :‬ل يتبعني رج ٌ‬
‫ما أو‬ ‫ن‪ ،‬ول آخر قد بنى بنياًنا ولم يرفع سقفها‪ ،‬ول آخر قد اشترى غن ً‬ ‫ما يب ْ ِ‬ ‫ول َ ّ‬
‫ت‪ ،‬وهو ينتظر أولدها‪ ،‬فغزا فدنا من القرية حين صلى العصر أو قريًبا‬ ‫خِلفا ٍ‬
‫ي شيًئا((‬ ‫ت مأمورة وأنا مأمور‪ ،‬اللهم احبسها عل ّ‬ ‫من ذلك‪ ،‬فقال للشمس‪ :‬أن ِ‬
‫)]‪.([3‬‬
‫ن‬
‫ن هذا يوشع بن نون قوله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬إ ّ‬ ‫والدليل على أ ّ‬
‫الشمس لم تحبس إل ّ ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس(()]‪.([4‬‬
‫‪ -3‬المختلف في نبوتهم‪:‬‬
‫‪ -1‬ذو القرنين‪:‬‬
‫ما أخبر الله به أّنه خاطبه‬ ‫ورد ذكر ذي القرنين في آخر سورة الكهف‪ ،‬وم ّ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فقال تعالى‪} :‬قُل َْنا ياَذا ال ْ َ‬
‫سنا{‬ ‫ح ْ‬ ‫م ُ‬ ‫خذ َ ِفيهِ ْ‬ ‫ما أن ت َت ّ ِ‬ ‫ب وَإ ِ ّ‬ ‫ما أن ت ُعَذ ّ َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫قْرن َي ْ ِ‬
‫ي؟ أو كان هو نبّيا؟‬ ‫]الكهف‪ ،[86 :‬فكيف كان هذا الخطاب‪ :‬هل كان معه نب ّ‬
‫اختلف أهل العلم في ذلك‪:‬‬
‫فجزم بنبوته الفخر الرازي‪ ،‬قال ابن حجر‪" :‬وهو مرويّ عن عبد الله بن‬
‫عمرو‪ ،‬وعليه ظاهر القرآن")]‪.([5‬‬
‫ي بن أِبي طالب رضي‬ ‫ي عل ّ‬ ‫ح وليس بنب ّ‬ ‫ك صال ٌ‬ ‫ن ذا القرنين مل ِ ٌ‬ ‫وذهب إلى أ ّ‬
‫الله عنه)]‪.([6‬‬
‫ح عن الرسول صلى الله‬ ‫والراجح فيه أن يتوّقف في القول بنبوِته؛ لّنه ص ّ‬
‫عليه وسلم أّنه قال‪)) :‬ما أدري ذا القرنين نبّيا أم ل؟‪ ((...‬الحديث)]‪.([7‬‬
‫‪ -2‬ت ُّبع‪:‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ُب ٍّع َوال ِ‬ ‫م قَوْ ُ‬ ‫خي ٌْر أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ورد ذكر تّبع في القرآن الكريم‪ ،‬قال تعالى‪} :‬أهُ ْ‬
‫قَبل ِه َ‬
‫ت‬‫ن{ ]الدخان‪ ،[37:‬وقال تعالى‪} :‬ك َذ ّب َ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫كاُنوا ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م أهْل َك َْناهُ ْ‬
‫م إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ْ ِ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ط)‬ ‫ن لو ٍ‬ ‫خوا ُ‬ ‫ن وَإ ِ ْ‬‫عاد ٌ وَفِْرعَوْ ُ‬ ‫مود ُ )‪ (12‬وَ َ‬ ‫س وَث َ ُ‬ ‫ب الّر ّ‬ ‫حا ُ‬‫ص َ‬‫م ُنوٍح وَأ ْ‬ ‫م قَوْ ُ‬ ‫قَب ْل َهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‪،[14-12:‬‬ ‫د{ ] ّ‬ ‫عي ِ‬ ‫حق ّ و َ ِ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ب الّر ُ‬ ‫ل ك َذ ّ َ‬ ‫م ت ّب ٍّع ك ُ ّ‬ ‫ب الي ْك َةِ وَقَوْ ُ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫‪ (13‬وَأ ْ‬
‫فقوم نوح وإخوان لوط نسبة أقوام ٍ إلى أنبيائهم‪ ،‬فهل قوم تّبع من نفس‬
‫ن‬
‫الباب‪ ،‬فيكون تّبع نبّيا من النبياء بعث إلى قوم ٍ فكذبوه فأهلكهم الله أم أ ّ‬
‫م‬‫جاءهُ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫م فِْرعَوْ َ‬ ‫م قَوْ َ‬ ‫قد ْ فَت َّنا قَب ْل َهُ ْ‬
‫الضافة فيه كالضافة في قوله‪} :‬وَل َ َ‬
‫م{ ]الدخان‪[17:‬؟‬ ‫ري ٌ‬ ‫ل كَ ِ‬ ‫سو ٌ‬ ‫َر ُ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ّ‬
‫والراجح أّنه لم يكن نبّيا‪ ،‬وقد حصل الشك فيه من النب ّ‬
‫مه أم ل؟ قال صلى الله عليه وسلم‪)) :‬ما أدري‬ ‫وسلم‪ :‬هل ل ُِعن كما ل ُِعن قو ُ‬
‫أتبعٌّ ل َِعينا كان أم ل؟(( الحديث)]‪.([8‬‬
‫‪ -3‬الخضر‪:‬‬
‫ما كما حكى‬ ‫الخضر هو العبد الصالح الذي رحل إليه موسى ليطلب منه عل ً‬
‫ن الخضر‬ ‫الله ذلك في سورة الكهف)]‪ ،([9‬ذهب عدد ٌ من أهل العلم إلى أ ّ‬
‫ل على نبوته من وجوه‪:‬‬ ‫ن سياق القصة يد ّ‬ ‫ي من النبياء‪ ،‬وقالوا بأ ّ‬ ‫نب ّ‬
‫عندَِنا{ ]الكهف‪:‬‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ّ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫عَبادَِنا ءات َي َْناه ُ َر ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫دا ّ‬ ‫دا عَب ْ ً‬ ‫ج َ‬ ‫الول‪ :‬قوله تعالى‪} :‬فَوَ َ‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ،[65‬والرحمة هي النبوة‪ ،‬قال ابن عّباس‪) :‬أعطيناه الهدى والنبوة()]‪،([10‬‬


‫عندَِنا{ هي الوحي والنبوة")]‪ ،([11‬وقال‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ّ‬ ‫م ً‬‫ح َ‬ ‫ي‪}" :‬ءات َي َْناه ُ َر ْ‬ ‫قال البيضاو ّ‬
‫ي‪" :‬الرحمة في هذه الية‪ :‬النبوة‪ .‬وقيل‪ :‬النعمة")]‪.([12‬‬ ‫القرطب ّ‬
‫ت‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ما‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫أن‬ ‫َ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫سى‬ ‫مو‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫}‬ ‫له‪:‬‬ ‫موسى‬ ‫قول‬ ‫الثاِني‪:‬‬
‫َُ َ ِ ِ ّ ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ َ‬
‫ما ل َ ْ‬
‫م‬ ‫صب ُِر عََلى َ‬ ‫ف تَ ْ‬ ‫صْبرا ً )‪ (67‬وَك َي ْ َ‬ ‫ى َ‬ ‫معِ َ‬ ‫طيعَ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ك َلن ت َ ْ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫شدا ً )‪َ (66‬قا َ‬ ‫ُر ْ‬
‫مرا ً )‪(69‬‬ ‫صى ل َ َ‬ ‫َ‬
‫كأ ْ‬ ‫صاب ًِرا وَل َ أعْ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫شاء الل ّ ُ‬ ‫جد ُِنى ِإن َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫خْبرا ً )‪َ (68‬قا َ‬ ‫ط ب ِهِ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫تُ ِ‬
‫ً‬ ‫ه ذِ ْ‬ ‫ثل َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫كرا{ ]الكهف‪:‬‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫حد ِ َ‬ ‫حّتى أ ْ‬ ‫شىء َ‬ ‫عن َ‬ ‫سألنى َ‬ ‫ن ات ّب َعْت َِنى فَل َ ت َ ْ‬ ‫ل فَإ ِ ِ‬ ‫َقا َ‬
‫‪ ،[70-66‬فهذا موسى ـ من عصمه الله بالنبوة ـ ل يرضى أن يتبع الخضر‬
‫ي من‬ ‫ي معصوم‪ ،‬ل يفعل إل ّ بوح ٍ‬ ‫ن الخضر نب ّ‬ ‫قا إل ّ إذا كان يعلم أ ّ‬ ‫عا مطل ً‬ ‫اتبا ً‬
‫الله‪.‬‬
‫جة لقتل‬ ‫فراسة ليست ح ّ‬ ‫الثالث‪ :‬قتل الخضر للغلم‪ ،‬ففيه إزهاق نفس‪ ،‬وال ِ‬
‫ي من الله تعالى‪.‬‬ ‫ن ذلك كان بوح ٍ‬ ‫النفس‪ ،‬فل بد ّ أ ّ‬
‫ما‬
‫ي من الله تعالى‪} :‬وَ َ‬ ‫ن أفعاله كانت بوح ٍ‬ ‫الرابع‪ :‬تفسير الخضر لموسى بأ ّ‬
‫ي‪" :‬يقول‪ :‬وما فعلت ـ يا موسى ـ‬ ‫فَعل ْته عَ َ‬
‫رى{ ]الكهف‪ ،[82:‬قال الطبر ّ‬ ‫م ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫جميع الذي رأيتني فعلته عن رأيي ومن تلقاء نفسي‪ ،‬وإّنما فعلته عن أمر الله‬
‫إياي به")]‪.([13‬‬
‫‪ -4‬السباط‪:‬‬
‫ط وهم أبناء يعقوب‪ ،‬وهم اثنا عشر رجل‪ ،‬ولم يخبر‬ ‫كر الله تعالى السبا َ‬ ‫ذ َ‬
‫ما غير يوسف عليه السلم‪ ،‬قال‬ ‫بأسمائهم‪ ،‬ول ُيعرف منهم أحد ٌ باسمه جز ً‬
‫ُ‬ ‫ما ُأنزِ َ‬
‫عي َ‬
‫ل‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫هي َ‬ ‫ل إ َِلى إ ِْبرا ِ‬ ‫ما أنزِ َ‬ ‫ل إ ِل َي َْنا وَ َ‬ ‫مّنا ِبالل ّهِ وَ َ‬ ‫تعالى‪ُ} :‬قوُلوا ْ ءا َ‬
‫من‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن ِ‬ ‫ي الن ّب ِّيو َ‬ ‫ما أوت ِ َ‬ ‫سى وَ َ‬ ‫عي َ‬ ‫سى وَ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ى ُ‬ ‫ما أوت ِ َ‬ ‫ط وَ َ‬ ‫سَبا ِ‬ ‫ب َوال ْ‬ ‫قو َ‬ ‫حاقَ وَي َعْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫ن{ ]البقرة‪.[136:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ل َ نُ َ‬
‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫نل ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م وَن َ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫حد ٍ ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫فّرقُ ب َي ْ َ‬ ‫ّرب ّهِ ْ‬

‫)‪(6 /‬‬

‫قال الحافظ ابن حجر‪" :‬إخوة يوسف‪ُ :‬روِبيل وهو أكبرهم‪ ,‬وشمعون‪ ،‬ولوي‪,‬‬
‫ويهوذا‪ ,‬وداني‪ ,‬ونفتالي‪ ،‬وكاد‪ ,‬وأشير‪ ،‬وأيساجر‪ ,‬ورايلون‪ ,‬وبنيامين‪ ،‬وهم‬
‫ي وإّنما‬‫السباط‪ .‬وقد اختلف فيهم فقيل‪ :‬كانوا أنبياء‪ ,‬ويقال‪ :‬لم يكن فيهم نب ّ‬
‫المراد بالسباط قبائل من بني إسرائيل‪ ,‬فقد كان فيهم من النبياء عدد‬
‫كثير")]‪.([14‬‬
‫)]‪ ([1‬شرح العقيدة الواسطية )ص‪.(64-63 :‬‬
‫)]‪ ([2‬البداية والنهاية )‪.(1/99‬‬
‫)]‪ ([3‬البخاري في فرض الخمس‪ ،‬باب قول »أحلت لي الغنائم‪،(2892) «...‬‬
‫ومسلم في الجهاد والسير‪ ،‬باب تحليل الغنائم لهذه المة خاصة )‪.(3287‬‬
‫من‬ ‫ح على شرط البخاري؛ ف ِ‬ ‫)]‪ ([4‬أحمد في المسند )‪ ،(2/325‬وإسناده صحي ٌ‬
‫رواته أبو بكر بن عّياش من رجال البخاري دون مسلم‪ ،‬وباقي رجاله رجال‬
‫الشيخين‪ .‬قال ابن كثير في البداية )‪" :(1/323‬انفرد به أحمد من هذا الوجه‪،‬‬
‫وهو على شرط البخاري"‪.‬‬
‫)]‪ ([5‬فتح الباري )‪.(6/382‬‬
‫)]‪ ([6‬انظر‪ :‬فتح الباري )‪.(6/382‬‬
‫ح على شرط‬ ‫)]‪ ([7‬أخرجه الحاكم في المستدرك )‪ ،(1/92‬وقال‪" :‬صحي ٌ‬
‫الشيخين‪ ،‬ول أعلم له عّلة‪ ،‬ولم يخرجاه"‪.‬‬
‫)]‪ ([8‬أبو داود في السنة‪ ،‬باب التخيير بين النبياء عليهم الصلة والسلم )‬
‫‪ ،(4054‬والحاكم في المستدرك )‪ ،(2/17‬ومن طريقه البيهقي في الكبرى )‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ (8/329‬من حديث أِبي هريرة رضي الله عنه‪ .‬وصححه اللباِني في صحيح‬
‫سنن أِبي داود )‪ .(3908‬وقع في بعض روايات الحاكم )‪» ،(1/92‬ما أدري‬
‫أتبع نبّيا كان أم ل؟«‪ ،‬ولعله تصحيف‪ ،‬فهو معارض للرواية الخرى‪ ،‬والتي‬
‫أخرجها البيهقي من طريقه على الصواب كرواية أِبي داود‪» :‬ما أدري تبع‬
‫أَلعيًنا كان أم ل؟«‪ .‬انظر‪ :‬السلسلة الصحيحة )‪.(5/253‬‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫)]‪ ([9‬أخرج أحمد )‪ (5/122‬من حديث ابن عباس عن النب ّ‬
‫وسلم‪» :‬بينما موسى جالس في مل من بني إسرائيل‪ ،‬فقال له رجل‪ :‬هل‬
‫أحد أعلم بالله تبارك وتعالى منك؟ قال‪ :‬ما أرى‪ .‬فأوحى الله إليه‪ :‬بلى عبدي‬
‫الخضر‪ .‬فسأل السبيل إليه‪ «...‬الحديث‪.‬‬
‫)]‪ ([10‬أخرجه عنه ابن أِبي حاتم في تفسيره )‪ ،(7/2377‬وانظر‪ :‬الدر‬
‫المنثور )‪.(5/425‬‬
‫)]‪ ([11‬تفسير البيضاوي )‪.(3/510‬‬
‫)]‪ ([12‬تفسير القرطبي )‪.(11/16‬‬
‫)]‪ ([13‬تفسير الطبري )‪.(16/7‬‬
‫)]‪ ([14‬فتح الباري )‪.(6/419‬‬
‫رابعا‪ :‬خصائص النبياء والرسل‪:‬‬
‫‪ -1‬الوحي‪:‬‬
‫شٌر‬ ‫َ‬
‫ما أن َا ْ ب َ َ‬ ‫ص الله النبياء دون سائر البشر بوحيه إليهم‪ ،‬قال تعالى‪} :‬قُ ْ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫خ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫د{ ]الكهف‪.[110:‬‬ ‫ح ٌ‬‫م اله َوا ِ‬ ‫ما الهك ُ ْ‬ ‫ى أن ّ َ‬ ‫حى إ ِل ّ‬ ‫م ُيو َ‬ ‫مث ْل ُك ُ ْ‬
‫ّ‬
‫‪ -2‬العصمة‪:‬‬
‫النبياء معصومون في تبليغ ما أمرهم الله عز وجل بتبليغه‪ ،‬وهم معصومون‬
‫أيضا من الدنّيات المخّلة بالمروءة‪ ،‬ومعصومون كذلك من كبائر الذنوب‬
‫وقبائحها‪ ،‬ويقع منهم عليهم أفضل الصلة وأتم التسليم صغار الذنوب‪ ،‬كأكل‬
‫َ‬
‫ما‬‫وءات ُهُ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ت ل َهُ َ‬‫من َْها فَب َد َ ْ‬ ‫آدم من الشجر التي ُنهي عنها قال تعالى‪} :‬فَأك َل َ ِ‬
‫وى{ ]طه‪،[121:‬‬ ‫ه فَغَ َ‬ ‫م َرب ّ ُ‬ ‫صى ءاد َ ُ‬ ‫جن ّةِ وَعَ َ‬ ‫ق ال ْ َ‬ ‫من وََر ِ‬ ‫ن عَل َي ْهِ َ‬
‫ما ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫خ ِ‬ ‫قا ي َ ْ‬ ‫وَط َفِ َ‬
‫وتسّرع داود في الحكم قبل سماع قول الخصم الثاِني‪ ،‬فأسرع إلى التوبة‪،‬‬
‫َ‬
‫ب )‪(24‬‬ ‫كعا ً وَأَنا َ‬ ‫خّر َرا ِ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫فَر َرب ّ ُ‬ ‫ست َغْ َ‬‫فغفر الله له ذنبه قال تعالى عنه‪َ} :‬فا ْ‬
‫ك{ ]ص‪ ،[25 ،24 :‬وقد عاتب الله نبّينا صلى الله عليه وسلم‬ ‫ه ذال ِ َ‬ ‫فْرَنا ل َ ُ‬ ‫فَغَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ما أ َ‬ ‫م َ‬ ‫حّر ُ‬‫م تُ َ‬ ‫ى لِ َ‬ ‫نفسه ما أباحه الله له‪} :‬ياأي َّها الن ّب ِ ّ‬ ‫على تحريمه على‬
‫م{ ]التحريم‪.[1:‬‬ ‫حي‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫وال‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫لَ َ‬
‫ٌ ّ ِ ٌ‬ ‫َ ُ‬ ‫ضا َ ْ ِ‬
‫زوا‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫مْر َ‬ ‫ك ت َب ْت َِغى َ‬
‫ي في كوِنهم أسوةً وقدوة‪ ،‬لّنه يسارع إلى‬ ‫ول يتنافى وقوع الصغيرة من النب ّ‬
‫التوبة‪ ،‬فيكون قدوة وأسوة للعاصين بأن يسارعوا إلى التوبة والستغفار‪،‬‬
‫خرون التوبة‪ ،‬وهم بعد َ التوبة أكم ُ‬
‫ل‬ ‫قّرون على المعصية‪ ،‬ول يؤ ّ‬ ‫فالنبياء ل ي ُ َ‬
‫منهم قبلها‪.‬‬
‫ل الدلئل على بشريتهم‪ ،‬وهي صغائر نادرة معدودة‪ ،‬ل‬ ‫وهذه الصغائر من أد ّ‬
‫تقدح في عصمتهم‪ ،‬ول سبيل فيها إلى النيل منهم والطعن فيهم‪.‬‬
‫‪ -3‬البشرية‪:‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫مل الرسالة ل‬ ‫الذين يستعظمون ويستبعدون اختيار الله بعض البشر لتح ّ‬
‫مل المانة العظمى قال تعالى‪:‬‬ ‫هل لتح ّ‬‫يقدرون النسان قدره‪ ،‬فالنسان مؤ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ملن ََها‬‫ح ِ‬
‫ن أن ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ل فأب َي ْ َ‬ ‫جَبا ِ‬
‫ض َوال ِ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماوا ِ‬ ‫ة عََلى ال ّ‬
‫س َ‬ ‫مان َ َ‬‫ضَنا ال َ‬‫}إ ِّنا عََر ْ‬
‫جُهول{ ]الحزاب‪ .[72:‬وهم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ن ظلوما َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه كا َ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬
‫سا ُ‬ ‫َ‬
‫ملَها ال ِن ْ َ‬‫ح َ‬ ‫من َْها وَ َ‬
‫ن ِ‬‫ق َ‬
‫ف ْ‬ ‫وَأ َ ْ‬
‫ش َ‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دا فقط يأكل‬ ‫ن الرسول ليس جس ً‬ ‫عندما استعظموا ذلك لم ينظروا إلى أ ّ‬
‫ل ي َأ ْك ُلُ‬‫سو ِ‬‫ما ل َِهاَذا الّر ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ويشرب وينام ويمشي في السواق لحاجته‪} ،‬وَقالوا َ‬
‫ق{ ]الفرقان‪ ،[7:‬بل له جوهٌر متمثل في نفخة‬ ‫وا ِ‬‫س َ‬ ‫شى ِفى ال ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫الط َّعا َ‬
‫ن‬‫حى{ ]الحجر‪ ،[29 :‬ثم إ ّ‬ ‫من ّرو ِ‬ ‫ت ِفيهِ ِ‬ ‫خ ُ‬‫ف ْ‬‫ه وَن َ َ‬ ‫الله له من روحه‪} ،‬فَإ َِذا َ‬
‫سوّي ْت ُ ُ‬
‫الرسول ُيعد ّ للرسالة إعداًدا‪ ،‬قال الله تعالى مخاطبا موسى عليه السلم‪:‬‬
‫دا صلى الله عليه وسلم‬ ‫م ً‬ ‫سى{ ]طه‪ ،[41:‬وأحاط نبّيه مح ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫صط َن َعْت ُ َ‬
‫ك ل ِن َ ْ‬ ‫}َوا ْ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دى‬ ‫ضال ّ فَهَ َ‬ ‫ك َ‬ ‫جد َ َ‬ ‫ك ي َِتيما َفآَوى )‪ (6‬وَوَ َ‬ ‫جد ْ َ‬
‫م يَ ِ‬‫برعايته من صغره قال تعالى‪} :‬أل ْ‬
‫َ‬
‫ن رسول الله‬ ‫عائ ِل ً فَأغَْنى{ ]الضحى‪ ،[8-6:‬وعن أنس ابن مالك أ ّ‬ ‫ك َ‬ ‫جد َ َ‬ ‫)‪ (7‬وَوَ َ‬
‫صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهو يلعب مع‬
‫الغلمان‪ ،‬فأخذه فصرعه‪ ،‬فشق عن قلبه‪ ،‬فاستخرج القلب‪ ،‬فاستخرج منه‬
‫علقة‪ ،‬فقال‪ :‬هذا حظ الشيطان منك‪ .‬ثم غسله في طست من ذهب بماء‬
‫مه ـ يعني‬ ‫زمزم‪ ،‬ثم لمه‪ ،‬ثم أعاده في مكانه‪ .‬وجاء الغلمان يسعون إلى أ ّ‬
‫دا قد قتل‪ ،‬فاستقبلوه‪ ،‬وهو منتقع اللون‪ .‬قال أنس‪:‬‬ ‫ن محم ً‬ ‫ظئره ـ فقالوا‪ :‬إ ّ‬
‫وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره)]‪.([1‬‬
‫والبشر أقدر على القيادة والتوجيه‪ ،‬وهم الذين يصلحون أن يكونوا قدوة‬
‫وأسوة‪ ،‬وإّنها لحكمة تبدو في رسالة واحد ٍ من البشر إلى البشر‪ ،‬واحد من‬
‫س بإحساسهم‪ ،‬ويتذّوق مواجدهم‪ ،‬ويعاِني تجارَبهم‪ ،‬ويدرك آلمهم‬ ‫البشر يح ّ‬
‫وآمالهم‪ ،‬ويعرف نوازعهم وأشواقهم‪ ،‬ويعلم ضروراِتهم وأثقالهم‪ ،‬ومن ثم‬
‫يعطف على ضعفهم ونقصهم‪ ،‬ويرجو قوَتهم واستعلءهم‪ ،‬ويسير ِبهم خطوة‬
‫در بواعثهم وتأثراِتهم واستجاباِتهم‪ ،‬لّنه في النهاية واحد ٌ‬ ‫خطوة‪ ،‬وهو يفهم ويق ّ‬
‫منهم‪ ،‬يرتاد ِبهم الطريق إلى الله‪ ،‬بوحي من الله وعون منه على وعثاء‬
‫الطريق‪ .‬وهم من جانبهم يجدون فيه القدوة‪ ،‬لّنه بشر مثلهم‪ ،‬يتسامى ِبهم‬
‫ن الله‬ ‫دا‪ ،‬ويعيش فيهم بالخلق والعمال والتكاليف التي يبلغهم أ ّ‬ ‫دا روي ً‬ ‫روي ً‬
‫قد فرضها عليهم‪ ،‬وأرادها منهم‪ ،‬فيكون بشخصه ترجمة حّية للعقيدة التي‬
‫يحملها إليهم‪ ،‬وتكون حياته وحركاته وأعماله صفحة معروضة لهم‪ ،‬ينقلوَنها‬
‫سطرا سطًرا‪ ،‬ويحققوَنها معنى معنى‪ ،‬وهم يروَنها بينهم‪ ،‬فتهفو نفوسهم إلى‬
‫تقليدها‪ ،‬لّنها ممثلة في إنسان)]‪.([2‬‬
‫‪ -4‬خيرية النسب‪:‬‬
‫الرسل ذوو أنساب كريمة‪ ،‬فجميع الرسل بعد نوٍح من ذريته‪ ،‬وجميع الرسل‬
‫جعَل َْنا‬ ‫بعد إبراهيم من ذرية إبراهيم‪ ،‬قال تعالى‪} :‬ول َ َ َ‬
‫م وَ َ‬ ‫سل َْنا ُنوحا ً وَإ ِْبرا ِ‬
‫هي َ‬ ‫قد ْ أْر َ‬ ‫َ‬
‫ن الله يصطفي لرسالته‬ ‫ّ‬ ‫فإ‬ ‫ولذلك‬ ‫ب{ ]الحديد‪،[26:‬‬ ‫ما الن ّب ُوّة َ َوال ْك َِتا َ‬ ‫ِفى ذ ُّري ّت ِهِ َ‬
‫من كان من خيار قومه نسًبا‪ ،‬عن واثلة بن السقع قال‪ :‬سمعت رسول الله‬
‫ن الله اصطفى كنانة من ولد إسمعيل‪،‬‬ ‫صلى الله عليه وسلم يقول‪)) :‬إ ّ‬
‫شا من كنانة‪ ،‬واصطفى من قريش بني هاشم‪ ،‬واصطفاني من‬ ‫واصطفى قري ً‬
‫بني هاشم(()]‪.([3‬‬
‫وهذا أمر مشتهر معروف قال هرقل ملك الروم‪" :‬فكذلك الرسل تبعث في‬
‫نسب قومها")]‪.([4‬‬
‫‪ -5‬أحرار بعيدون عن الرق‪:‬‬
‫دا‪ ،‬فالرقّ نقص بشري‪ ،‬رفع الله أنبياءه عنه‪،‬‬ ‫ل يكون النبياء والرسل أرقاء أب ً‬
‫ج عن الصل‪ ،‬فالصل حريته‪،‬‬ ‫وما حدث ليوسف عليه السلم إّنما هو رقّ خار ٌ‬
‫عا من أنواع البلء من الله عليه‪،‬‬ ‫ما وعدواًنا‪ ،‬وكان نو ً‬ ‫والرق طارئ عليه ظل ً‬
‫ي‬
‫ص ل يليق بمقام النبوة‪ ،‬والنب ّ‬ ‫ولم يستمر‪ ،‬قال السفاريني‪" :‬الرقّ وصف نق ٍ‬
‫ضا‬ ‫يكون داعًيا للّناس آناء الليل وأطراف النهار‪ ،‬والرقيق ل يتيسر له ذلك‪ ،‬وأي ً‬
‫ص يأنف منه الّناس‪ ،‬ويستنكفون من اتباع من اتصف ِبها‪،‬‬ ‫الرِقّّية وصف نق ٍ‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما لهم وقدوة‪ ،‬وهي أثر الكفر‪ ،‬والنبياء من َّزهون عن ذلك")]‬ ‫وأن يكون إما ً‬
‫‪.([5‬‬
‫‪ -6‬ل يكونون إل رجال‪ً:‬‬
‫مآ‬ ‫ل‪ ،‬قال تعالى‪} :‬وَ َ‬ ‫ومن خصائص النبياء وسنة الله فيهم أن جعلهم رجا ً‬
‫ن{‬
‫مو َ‬ ‫سأ َُلوا ْ أ َهْ َ‬
‫ل الذ ّك ْرِ ِإن ك ُن ُْتم ل َ ت َعْل َ ُ‬ ‫حى إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫م َفا ْ‬ ‫جال ً ّنو ِ‬
‫ك إ ِل ّ رِ َ‬
‫من قَب ْل ِ َ‬‫سل َْنا ِ‬
‫َ‬
‫أْر َ‬
‫]النبياء‪.[7:‬‬
‫‪ -7‬تنام أعينهم ول تنام قلوبهم‪:‬‬
‫ن عيني‬ ‫هذه خاصية ليست لغير النبياء‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم‪)) :‬إ ّ‬
‫تنامان‪ ،‬ول ينام قلبي(()]‪ ،([6‬وعن أنس بن مالك رضي الله عنه في قصة‬
‫السراء‪ :‬والنبي صلى الله عليه وسلم نائمة عيناه‪ ،‬ول ينام قلبه‪ .‬وكذلك‬
‫النبياء تنام أعينهم‪ ،‬ول تنام قلوُبهم)]‪.([7‬‬
‫‪ -8‬تخيير الله لهم عند الموت‪:‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫صهم الله ِبهذه الخاصية‪ ،‬فيخّيرون عند الموت‪ ،‬عن عائشة رضي الله عنها‬ ‫خ ّ‬
‫ي يمرض‬ ‫قالت‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪)) :‬ما من نب ّ‬
‫حة‬
‫خّير بين الدنيا والخرة((‪ ،‬وكان في شكواه الذي قبض فيه أخذْته ب ّ‬ ‫إل ّ ُ‬
‫شديدة‪ ،‬فسمعته يقول‪)) :‬مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين‬
‫خّير)]‪.([8‬‬ ‫والشهداء والصالحين((‪ ،‬فعلمت أّنه ُ‬
‫‪ -9‬ل تأكل الرض أجسادهم‪:‬‬
‫والرض ل تأكل أجساد النبياء كرامة لهم‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫ن الله عز وجل قد حّرم على الرض أن تأكل أجساد النبياء عليهم‬ ‫وسلم‪)) :‬إ ّ‬
‫السلم(()]‪.([9‬‬
‫فمهما طال الزمان وتقادم العهد تبقى أجسادهم محفوظة من البلى‪.‬‬
‫‪ -10‬يكونون أحياء في قبورهم‪:‬‬
‫ن الرسول صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬ ‫عن أنس بن مالك رضي الله عنه أ ّ‬
‫ت على موسى ليلة أسري ِبه عند الكثيب الحمر‪ ،‬وهو قائم يصلي في‬ ‫))مرر ُ‬
‫قبره(()]‪.([10‬‬
‫‪ -11‬يقبرون حيث يموتون‪:‬‬
‫ّ‬
‫ص به النبياء بعد موِتهم أّنهم ل يقبرون إل حيث يموتون‪ ،‬ولذلك‬ ‫خ ّ‬ ‫ما ُ‬
‫وهذا م ّ‬
‫ُقبر صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة رضي الله عنها‪ ،‬تحت فراشه الذي‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ن أصحاب النب ّ‬‫مات عليه‪ ،‬فعن ابن جريج قال‪ :‬أخبرِني أِبي أ ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم؛ حتى قال أبو بكر‬ ‫وسلم لم يدروا أين يقبرون النب ّ‬
‫رضي الله عنه‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪)) :‬لن يقبر‬
‫خُروا فراشه‪ ،‬وحفروا له تحت فراشه)]‪.([11‬‬ ‫ي إل ّ حيث يموت((‪ ،‬فأ ّ‬ ‫نب ّ‬
‫)]‪ ([1‬مسلم في اليمان‪ ،‬باب السراء برسول الله صلى الله عليه وسلم )‬
‫‪.(162‬‬
‫)]‪ ([2‬انظر‪ :‬في ظلل القرآن )‪.(19/2553‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم )‬ ‫)]‪ ([3‬مسلم في الفضائل‪ ،‬باب فضل نسب النب ّ‬
‫‪.(2276‬‬
‫)]‪ ([4‬البخاري في بدء الوحي‪ ،‬باب بدء الوحي )‪.(7‬‬
‫)]‪ ([5‬لوامع النوار البهية )‪.(2/265‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم بالليل )‬ ‫)]‪ ([6‬البخاري في الجمعة‪ ،‬باب قيام النب ّ‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ،(1147‬ومسلم في صلة المسافرين وقصرها‪ ،‬باب صلة الليل وعدد‬


‫ي صلى الله عليه وسلم )‪ (738‬من حديث عائشة رضي الله عنها‪.‬‬ ‫ركعات النب ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم تنام عينه‪،‬‬ ‫)]‪ ([7‬البخاري في المناقب‪ ،‬باب كان النب ّ‬
‫ول ينام قلبه )‪.(3570‬‬
‫ُ‬
‫ن‬‫ذي َ‬‫معَ ال ّ ِ‬‫ك َ‬‫ل فَأول َئ ِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن ي ُط ِِع الل ّ َ‬
‫ه َوالّر ُ‬ ‫م ْ‬‫)]‪ ([8‬البخاري في التفسير‪ ،‬باب }وَ َ‬
‫ُ‬
‫ن أول َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫س َ‬‫ح ُ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫حي َ‬‫صال ِ ِ‬
‫داِء َوال ّ‬ ‫ن َوال ّ‬
‫شهَ َ‬ ‫قي َ‬ ‫دي ِ‬
‫ص ّ‬
‫ن َوال ّ‬‫ن الن ّب ِّيي َ‬‫م َ‬
‫م ِ‬‫ه عَل َي ْهِ ْ‬‫م الل ّ ُ‬‫أن ْعَ َ‬
‫قا{ )‪.(4586‬‬ ‫َرِفي ً‬
‫ي صلى‬ ‫)]‪ ([9‬أحمد )‪ ،(4/8‬والنسائي في الجمعة‪ ،‬باب إكثار الصلة على النب ّ‬
‫الله عليه وسلم )‪ ،(1374‬وابن ماجه في إقامة الصلة‪ ،‬باب فضل الجمعة )‬
‫‪ ،(1085‬والحاكم )‪ (1/413‬من حديث أوس بن أوس رضي الله عنه‪ ،‬قال‬
‫الحاكم‪" :‬هذا حديث صحيح على شرط البخاري‪ ،‬ولم يخرجاه"‪ ،‬وصححه‬
‫اللباني في صحيح سنن النسائي )‪.(1301‬‬
‫)]‪ ([10‬مسلم في الفضائل‪ ،‬باب من فضائل موسى صلى الله عليه وسلم )‬
‫‪.(2375‬‬
‫)]‪ ([11‬أخرجه أحمد )‪ (1/7‬بسندٍ منقطع‪ .‬وأخرجه الترمذي )‪ (108‬من‬
‫طريق عبد الرحمن بن أبي بكر‪ ،‬عن ابن أبي مليكة عن عائشة عن أبي بكر‪،‬‬
‫وابن أبي بكر ضعيف‪ .‬وأخرجه الترمذي في الشمائل )‪ ،(378‬والطبراني في‬
‫ن الّناس قالوا‬ ‫الكبير )‪ (6366‬بإسناد صحيح عن سالم بن عبيد الشجعي أ ّ‬
‫لبي بكر‪ :‬أين ُيدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال‪ :‬في المكان‬
‫ن الله لم يقبض روحه إل ّ في مكان طّيب‪ .‬فعلموا‬ ‫الذي قبض فيه روحه‪ ،‬فإ ّ‬
‫أّنه صدق‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬دلئل النبوة‪:‬‬
‫ل‪ :‬إني رسول الله إليكم‪ ،‬ل بد ّ أن يؤّيده‬ ‫مه قائ ً‬ ‫دق من يأِتي قو َ‬ ‫لجل أن يص ّ‬
‫ل على صدقه‪ .‬وهذه الدلئل يمكن‬ ‫ل وحجج وبراهين مبّينة تد ّ‬ ‫الله بدلئ َ‬
‫تقسيمها إلى خمسة أقسام‪:‬‬
‫‪ -1‬اليات والمعجزات‪:‬‬
‫وهي متنوعة‪ ،‬فمنها ما يكون إخباًرا بالمغّيبات الماضية والتية‪ ،‬كإخبار عيسى‬
‫دخرون في بيوِتهم‪ ،‬وإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم‬ ‫قومه بما يأكلون وي ّ‬
‫ّ‬
‫بأخبار المم السابقة‪ .‬ومنها ما يكون من باب خرق العادة الدال على كمال‬
‫القدرة كتحويل عصا موسى عليه السلم إلى ثعبان‪ .‬ومنها ما يكون من باب‬
‫الستغناء بالله تعالى والتوكل عليه في حفظه لرسله من أعدائهم‪ ،‬مع‬
‫ديهم لهم‪ ،‬ومن أمثلة هذه اليات والمعجزات‪:‬‬ ‫تح ّ‬
‫ي الله صالح عليه السلم‪:‬‬ ‫أ‪ -‬آية نب ّ‬
‫)‪(9 /‬‬
‫دعا صالح قومه إلى عبادة الواحد الحد‪ ،‬قال تعالى‪} :‬ول َ َ َ‬
‫مود َ‬ ‫سل َْنا إ َِلى ث َ ُ‬
‫قد ْ أْر َ‬ ‫َ‬
‫ل على صدقه‪َ} ،‬قاُلوا ْ‬ ‫كذبوه وطلبوا منه آية تد ّ‬ ‫صاِلحًا{ ]النمل‪ ،[45:‬ف َ‬ ‫م َ‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫أَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ت ِ‬ ‫ت ب َِئاي َةٍ ِإن ُ‬
‫كن َ‬ ‫مث ْل َُنا فَأ ِ‬ ‫ت إ ِل ّ ب َ َ‬
‫شٌر ّ‬ ‫ما أن َ‬
‫ن )‪َ (153‬‬‫ري َ‬
‫ح ِ‬
‫س ّ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫م َ‬
‫ت ِ‬ ‫ما أن َ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫ت لنا من هذه‬ ‫ت أخرج َ‬ ‫ن{ ]الشعراء‪ ،[154-153:‬قالوا له‪ :‬إن أن َ‬ ‫صادِِقي َ‬‫ال ّ‬
‫الصخرة ـ وأشاروا إلى صخرة عندهم ـ ناقة عشراء‪ ،‬وتعّنتوا في وصفها‪،‬‬
‫فقال لهم صالح‪ :‬أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم على الوجه الذي طلبتم‬
‫ح ما‬ ‫أتؤمنون بما جئت به وتصدقوِني بما أرسلت به؟ قالوا‪ :‬نعم‪ .‬فسأل صال ٌ‬
‫طلبه قومه‪ ،‬فأمر الله تلك الصخرة أن تنفطر عن ناقة عظيمة عشراء على‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الوجه الذي طلبوا‪ ،‬فآمن كثير من قومه‪ ،‬واستمّر أكثرهم على كفرهم‪ .‬قال‬
‫ها‬
‫سو َ‬ ‫م ّ‬ ‫ض الل ّهِ وَل َ ت َ َ‬ ‫ل ِفى أْر ِ‬
‫َ‬ ‫ها ت َأ ْك ُ ْ‬ ‫ة فَذ َُرو َ‬ ‫م ءاي َ ً‬ ‫ة الل ّهِ ل َك ُ ْ‬ ‫هاذِهِ َناقَ ُ‬ ‫لهم صالح‪َ } :‬‬
‫سوء{ ]العراف‪ ،[73:‬ولكن أشقى الولين قام إلى هذه الناقة فعقرها‪ ،‬قال‬ ‫بِ ُ‬
‫ما ت َعِد َُنا ِإن‬ ‫ب‬ ‫نا‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ئ‬‫ا‬ ‫ح‬ ‫ل‬ ‫صا‬ ‫يا‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ا‬‫و‬ ‫ت‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫نا‬ ‫ال‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫رو‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫}‬ ‫تعالى‪:‬‬
‫َ َ ِ ُ َِ ِ َ‬ ‫ّ َ َ ََ ْ َ ْ ْ ِ َ ِّ ْ‬ ‫َ ُ‬
‫ْ‬ ‫فأتاهم َما يوعدون‪} ،‬فَأ َ‬
‫ن‬ ‫إ‬
‫ُ ِ ّ‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ع‬
‫ُ ُ َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫[‪،‬‬ ‫‪77‬‬ ‫]لعراف‪:‬‬ ‫ن{‬ ‫مْر َ ِ َ‬
‫لي‬ ‫س‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫كن َ‬ ‫ُ‬
‫ن أك ْث َُر ُ‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬ ‫ِفى ذ َل ِ َ‬
‫ن{ ]الشعراء‪.[158:‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫هم ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ك لي َ ً‬
‫ب‪ -‬الخبار بالمور الغيبية‪:‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقرأ ول يكتب‪ ،‬ومع ذلك أخبر عن المم‬ ‫النب ّ‬
‫َ‬
‫حيَها إ ِلي ْ َ‬
‫ك‬ ‫ب ُنو ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫الماضية إخبار من وقف عليها‪ ،‬قال تعالى‪} :‬ت ِل َ‬
‫ن أن َْباء الغَي ْ ِ‬ ‫م ْ‬‫ك ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن{ ]هود‪:‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ة ل ِل ُ‬ ‫ن الَعاقِب َ َ‬ ‫صب ِْر إ ِ ّ‬ ‫هاَذا َفا ْ‬ ‫ل َ‬ ‫من قَب ْ ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت وَل َ قَوْ ُ‬ ‫مَها أن َ‬ ‫ت ت َعْل َ ُ‬ ‫كن َ‬ ‫ما ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن أنَباء‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫}ذا‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫قال‬ ‫مريم‬ ‫كفالة‬ ‫في‬ ‫المل‬ ‫اختصام‬ ‫عن‬ ‫فأخبر‬ ‫[‪،‬‬ ‫‪49‬‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫قون أ َقَْلمه َ‬ ‫م إ ِذ ْ ي ُل ْ ُ‬
‫ما‬
‫م وَ َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ف ُ‬ ‫م ي َك ْ ُ‬ ‫م أي ّهُ ْ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫ت ل َد َي ْهِ ْ‬ ‫كن َ‬ ‫ما ُ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫حيهِ إ ِل َي ْ َ‬ ‫ب ُنو ِ‬ ‫ال ْغَي ْ ِ‬
‫ص قصة تكليم الله لموسى‬ ‫ن{ ]آل عمران‪ ،[44:‬وق ّ‬ ‫مو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫خت َ ِ‬ ‫م إ ِذ ْ ي َ ْ‬ ‫ت ل َد َي ْهِ ْ‬ ‫كن َ‬ ‫ُ‬
‫كن‬ ‫طورِ إ ِذ ْ َناد َي َْنا وََل ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫جان ِ ِ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫عليه السلم في الطور قال تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫ن{‬ ‫م ي َت َذ َكُرو َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫من قب ْل ِك لعَلهُ ْ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذيرٍ ّ‬ ‫من ن ّ ِ‬ ‫هم ّ‬ ‫ما أ ََتا ُ‬ ‫وما ً ّ‬ ‫ك ل ُِتنذَِر قَ ْ‬ ‫من ّرب ِ َ‬ ‫ة ّ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫ّر ْ‬
‫]القصص‪ ،[46:‬كل ذلك آيات ودلئل على صدق نبوة الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫ف الله العداء عن الرسول صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫ج‪ -‬ك ّ‬
‫ي صلى الله‬ ‫وظهر ذلك في الهجرة النبوية‪ ،‬فقد أدرك سراقة بن مالك النب ّ‬
‫عليه وسلم أثناء سيره‪ ،‬طامًعا في جائزة قريش‪ ،‬فلما دَنا منهم عثرت به‬
‫فرسه‪ ،‬فخّر عنها‪ ،‬فقام فركب فرسه‪ ،‬فلما دنا منهم خّرت به فرسه‪ُ ،‬يفعل‬
‫ن الرسول ظاهٌر بدينه‪ ،‬فسأله أن يكتب له‬ ‫به ذلك ثلًثا‪ ،‬فوقع في نفسه أ ّ‬
‫كتاًبا‪ ،‬فكتب له الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فكفاه سراقة الطلب‪ ،‬وصرف‬
‫عنه خيل قريش)]‪.([1‬‬
‫ن المسلمين اْنهزموا يوم حنين‪ ،‬وثبت رسول الله صلى الله عليه‬ ‫ومن ذلك‪ :‬أ ّ‬
‫ما حمي‬ ‫وسلم وقّلة من المؤمنين‪ ،‬أولئك الذين بايعوا تحت الشجرة‪ ،‬فل ّ‬
‫ن وجوه الكفار‪،‬‬ ‫الوطيس‪ ،‬أخذ صلوات الله وسلمه عليه حصيات‪ ،‬فرمى ِبه ّ‬
‫مد((‪ ،‬يقول العّباس راوي الحديث‪ :‬فوالله ما هو‬ ‫ب مح ّ‬ ‫م قال‪)) :‬اْنهزموا ور ّ‬ ‫ث ّ‬
‫دهم كليل‪ ،‬وأمرهم مدبًرا)]‪.([2‬‬ ‫ً‬ ‫إل أن رماهم بحصياته‪ ،‬فما زلت أرى ح ّ‬ ‫ّ‬
‫ن أبا جهل حلف باللت والعزى أّنه لو رأى الرسول صلى الله‬ ‫ومن ذلك‪ :‬أ ّ‬
‫عليه وسلم يصلي في المسجد حيث مجامع قريش أن يطأ على رقبته‪ ،‬أو‬
‫دا‬ ‫ن وجهه في التراب‪ ،‬فلما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ساج ً‬ ‫فر ّ‬ ‫ليع ّ‬
‫أراد أن يفعل ما أقسم عليه‪ ،‬فلما اقترب منه ما فجأهم منه إل ّ وهو ينكص‬
‫ن بيني وبينه لخندًقا من‬ ‫على عقبيه‪ ،‬ويّتقي بيديه‪ ،‬فقيل له‪ :‬ما لك؟ فقال‪ :‬إ ّ‬
‫نار وهول ً وأجنحة‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬لو دنا مني‬
‫وا(()]‪.([3‬‬ ‫وا عض ً‬ ‫لختطفته الملئكة عض ً‬
‫‪ -2‬بشارة النبياء السابقين باللحقين‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫كن ل ّهم ءاي ً َ‬ ‫َ‬
‫ل{ ]الشعراء‪:‬‬ ‫سراءي َ‬ ‫ماء ب َِنى إ ِ ْ‬ ‫ه عُل َ‬ ‫م ُ‬ ‫ة أن ي َعْل َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫قال تعالى‪} :‬أوَ ل َ ْ‬
‫ن من اليات البّينات الداّلة على صدق الرسول صلى الله‬ ‫‪ ،[197‬فالية تبّين أ ّ‬
‫م مسج ٌ‬
‫ل‬ ‫م علماء بني إسرائيل بذلك‪ ،‬وهو عل ٌ‬ ‫عليه وسلم وصدق ما جاء به عل ُ‬
‫ر‬
‫فى ُزب ُ ِ‬ ‫َ‬
‫هل ِ‬ ‫ب في كتبهم التي يتداولوَنها‪ ،‬كما قال تعالى‪} :‬وَإ ِن ّ ُ‬ ‫محفوظ مكتو ٌ‬
‫ن{ ]الشعراء‪.[196:‬‬ ‫َ‬
‫الوِّلي َ‬
‫)‪(10 /‬‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن هذه البشارات بشارة موسى عليه السلم بنبينا صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫صا على وجود هذه البشارة في التوراة التي أنزلت‬ ‫ل القرآن الكريم ن ّ‬ ‫وقد د ّ‬
‫ى‬
‫م ّ‬ ‫ى ال ّ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬‫ذي َ‬‫على موسى عليه السلم‪ ،‬قال تعالى‪} :‬ال ّ ِ‬
‫ل{ ]العراف‪ ،[157:‬وقد بقي‬ ‫جي ِ‬ ‫لن ِ‬
‫م ِفى الت ّوَْراةِ َوا ِ‬ ‫عند َهُ ْ‬ ‫مك ُْتوًبا ِ‬
‫ه َ‬ ‫دون َ ُ‬‫ج ُ‬ ‫ذى ي َ ِ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫من هذه البشارة بقية في التوراة‪ ،‬ففي سفر التثنية الصحاح )‪ ،(18‬فقرة )‬
‫‪ (19-18‬قال الله لموسى‪) :‬أقيم لهم ـ أي لبني إسرائيل ـ نبّيا من وسط‬
‫إخوِتهم مثلك‪ ،‬وأجعل كلمي في فمه‪ ،‬فيكلمهم بكل ما أوصيه به‪ ،‬ويكون أن‬
‫النسان الذي ل يسمع لكلمي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه(‪.‬‬
‫قال الدكتور عمر الشقر‪" :‬ودللة هذه البشارة على رسولنا صلى الله عليه‬
‫دهم هو‬ ‫وسلم بّينة‪ ،‬ذلك أّنه من بني إسماعيل‪ ،‬وهم إخوة بني إسرائيل‪ ،‬فج ّ‬
‫إسحاق‪ ،‬وإسماعيل وإسحاق أخوان‪ ،‬ثم هو أوسط العرب نسًبا‪ ،‬وقوله‬
‫)مثلك( أي‪ :‬صاحب شريعة مثل موسى‪ ،‬ومحمد صلى الله عليه وسلم هو‬
‫ن الله‬ ‫الذي جعل الله كلمه في فمه‪ ،‬حيث كان أمّيا ل يقرأ من الصحف‪ ،‬ولك ّ‬
‫يوحي إليه كلمه فيحفظه ويرتله‪ ،‬وهو الرسول المرسل إلى الّناس كافة‪،‬‬
‫ن‬‫وبنو إسرائيل مطالبون باتباعه وترك شريعتهم لشريعته‪ ،‬ومن لم يفعل فإ ّ‬
‫ن النسان الذي ل يسمع لكلمي الذي يتكلم به باسمي‬ ‫الله معذبه )ويكون أ ّ‬
‫أنا أطالبه(")]‪.([4‬‬
‫‪ -3‬النظر في أحوال النبياء‪:‬‬
‫ف عن باطنه‪ ،‬ولقد‬ ‫ن النظر في حال الرجل وسيرته يفصح عن صدقه‪ ،‬ويش ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ما‬‫ه َ‬ ‫شاء الل ّ ُ‬ ‫أرشد القرآن إلى هذا النوع من الستدلل قال تعالى‪ُ} :‬قل ل ّوْ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫قلو َ‬ ‫من قَب ْل ِهِ أفَل َ ت َعْ ِ‬ ‫مرا ً ّ‬ ‫م عُ ُ‬ ‫ت ِفيك ُ ْ‬ ‫قد ْ ل َب ِث ْ ُ‬
‫م ب ِهِ فَ َ‬ ‫م َول أد َْراك ُ ْ‬ ‫ه عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ت َل َوْت ُ ُ‬
‫]يونس‪ ،[16:‬يقول لهم‪ :‬لقد مكثت فيكم زمًنا ليس باليسير قبل أن أخبركم‬
‫ي‪ ،‬فكيف كانت سيرِتي فيكم؟ وكيف كان صدقي إّياكم؟ أفأترك‬ ‫بأنني نب ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{؟! أل تعملون‬ ‫قلو َ‬ ‫ب الّناس؟! }أفَل ت َعْ ِ‬ ‫الكذب على الّناس‪ ،‬وأكذب على ر ّ‬
‫ق؟‬‫عقولكم لتهديكم إلى الح ّ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬أي‪ :‬هذا إّنما جئتكم به عن إذن الله لي في ذلك ومشيئته‬
‫ت أتقوله من عندي ول افتريته أّنكم عاجزون‬ ‫وإرادته‪ ،‬والدليل على أّني لس ُ‬
‫ت بينكم إلى حين بعثني‬ ‫عن معارضته‪ ،‬وأّنكم تعلمون صدقي وأمانتي منذ نشأ ُ‬
‫ت‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قد ْ لب ِث ُ‬ ‫ي شيًئا تغمصوِني به‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬ف َ‬
‫َ‬ ‫ل‪ ،‬ل تنتقدون عل ّ‬ ‫الله عّز وج ّ‬
‫َ‬
‫ق‬
‫ن{ أي‪ :‬أفليس لكم عقول تعرفون ِبها الح ّ‬ ‫قُلو َ‬ ‫من قَب ْل ِهِ أفَل َ ت َعْ ِ‬‫مرا ً ّ‬ ‫م عُ ُ‬ ‫ِفيك ُ ْ‬
‫من معه فيما‬ ‫ما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان و َ‬ ‫من الباطل؟! ولهذا ل َ ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قال هرقل لِبي سفيان‪ :‬هل كنتم‬ ‫سأله من صفة النب ّ‬
‫تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال أبو سفيان‪ :‬فقلت‪ :‬ل‪ ،‬وكان أبو‬
‫سفيان إذ ذاك رأس الكفرة وزعيم المشركين ومع هذا اعترف بالحق‪،‬‬
‫والفضل ما شهدت به العداء‪ ،‬فقال له هرقل‪ :‬فقد أعرف أّنه لم يكن ليدع‬
‫الكذب على الناس‪ ،‬ثم يذهب فيكذب على الله)]‪ .([5‬وقال جعفر بن أبي‬
‫ل‪ ،‬نعرف صدقه ونسبه‬ ‫طالب للنجاشي ملك الحبشة‪ :‬بعث الله فينا رسو ً‬
‫وأمانته‪ ،‬وقد كانت مدة مقامه عليه السلم بين أظهرنا قبل النبوة أربعين‬
‫سنة")]‪.([6‬‬
‫ل بذلك على صدق الرسول‬ ‫وبعض الّناس لم يحتج إلى برهان ودليل ليستد ّ‬
‫ن شخصه وحياته وسيرته هي أعظم دليل‪ ،‬ومن‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ل ّ‬
‫ن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما دعاه لم‬ ‫هؤلء أبو بكر الصديق‪ ،‬فإ ّ‬
‫يتردد‪ ،‬ونظر عبد الله بن سلم في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم نظرة‬
‫ن هذا وجه صادق ليس بكاذب‪ ،‬قدم‬ ‫واحدة‪ ،‬ولكنها كانت كافية لتدّله على أ ّ‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة‪ ،‬وخرج عبد الله بن سلم عالم اليهود‬
‫ت‬ ‫مع الخارجين ينظر في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قال‪ :‬لما رأي ُ‬
‫ذاب)]‪.([7‬‬ ‫ن وجهه ليس بوجهٍ ك ّ‬ ‫تأ ّ‬ ‫وجهه علم ُ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم من‬ ‫ّ‬ ‫النب‬ ‫فزع‬ ‫عندما‬ ‫عنها‬ ‫الله‬ ‫رضي‬ ‫خديجة‬ ‫وقالت‬
‫دا‪ ،‬إّنك لتصل الرحم‪ ،‬وتحمل‬ ‫الوحي في الغار‪ :‬كل ـ والله ـ ل يخزيك الله أب ً‬
‫ق)]‪.([8‬‬ ‫ل‪ ،‬وتكسب المعدوم‪ ،‬وتقري الضيف‪ ،‬وتعين على نوائب الح ّ‬ ‫الك ّ‬
‫ن الرسل أزهد‬ ‫ما يدل على صدق الرسل من خلل التأمل في سيرِتهم‪ ،‬أ ّ‬ ‫وم ّ‬
‫الّناس في متاع الدنيا وعرضها الزائل وَبهرجها الكاذب‪ ،‬ل يطالبون الّناس‬
‫ل‪ ،‬فهم يبذلون لهم الخير ل ينتظرون منهم جزاًء‬ ‫الذين يدعوَنهم أجًرا ول ما ً‬
‫جرِىَ إ ِل ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نأ ْ‬‫مال ً إ ِ ْ‬ ‫م عَلي ْهِ َ‬‫سألك ْ‬ ‫ول شكوًرا‪ ،‬قال نوح عليه السلم‪َ} :‬وياقَوْم ِ ل أ ْ‬
‫ه{ ]هود‪ ،[29:‬وأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس‪:‬‬ ‫عََلى الل ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫}ما أ َ َ‬
‫ل{ ]الفرقان‪:‬‬ ‫سِبي ً‬ ‫خذ َ إ َِلى َرب ّهِ َ‬ ‫شاء أن ي َت ّ ِ‬‫من َ‬ ‫جرٍ إ ِل ّ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫م عَل َي ْهِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫سأل ُك ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫‪.[57‬‬
‫‪ -4‬النظر في دعوة النبياء‪:‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫ن التكامل في المنهج لصلح النسان ولصلح المجتمع النساِني‪ ،‬وديًنا كهذا‬ ‫إ ّ‬


‫ل من عند الله ل بد ّ أن يكون في غاية الكمال‪،‬‬ ‫يقول الذين جاؤوا به إّنه من َّز ٌ‬
‫خالًيا من النقائص والعيوب‪ ،‬ل يتعارض مع فطرة النسان وسنن الكون‪ ،‬وقد‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫وجهنا القرآن إلى هذا النوع من الستدلل حيث قال تعالى‪} :‬وَل َوْ َ‬
‫خت َِلفا ً ك َِثيرًا{ ]النساء‪ ،[82 :‬فكوُنه وحدة متكاملة‬ ‫دوا ْ ِفيهِ ا ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫عند ِ غَي ْرِ الل ّهِ ل َوَ َ‬ ‫ِ‬
‫ح على صدق الذي جاء‬ ‫ل واض ٌ‬ ‫ضا‪ ،‬ل تناقض فيه ول اختلف دلي ٌ‬ ‫يصدق بعضه بع ً‬
‫به‪.‬‬
‫دا رسول الله؟ فقال‪ :‬ما أمر بشيٍء فقال‬ ‫ن محم ً‬ ‫تأ ّ‬ ‫ي‪ :‬بم عرف َ‬ ‫سئل أعراب ِ ّ‬
‫العقل‪ :‬ليته َنهى عنه‪ ،‬ول َنهى عن شيٍء فقال العقل‪ :‬ليته أمر به)]‪.([9‬‬
‫وهذا الرسول المي الذي ل يقرأ ول يكتب صلى الله عليه وسلم يأِتي بما‬
‫ن‪ ،‬وقد حوى الخبار الماضية والتية‪ ،‬وما تحار منه‬ ‫يعجز عنه النس والج ّ‬
‫ك ِإذا ً‬ ‫مين ِ َ‬ ‫ه ب ِي َ ِ‬ ‫ّ‬
‫خط ُ‬ ‫َ‬
‫ب وَل ت َ ُ‬ ‫من ك َِتا ٍ‬ ‫َ‬
‫من قب ْل ِهِ ِ‬ ‫ُ‬
‫ت ت َت ْلو ِ‬ ‫ما كن َ‬‫ُ‬ ‫العقول قال تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫ن{ ]العنكبوت‪ .[48:‬فكل من أنكر رسالته فهو مكابٌر أعظم‬ ‫ّ‬ ‫مب ْط ُِلو َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ل َْرَتا َ‬
‫ش تجحد صدق الرسول‪ ،‬وهم موقنون بأمره قال‬ ‫المكابرة‪ ،‬كما كانت قري ٌ‬
‫ن{ ]النعام‪:‬‬ ‫دو‬ ‫ح‬
‫ِ َ ْ َ ُ َ‬ ‫ج‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫يا‬ ‫َ‬
‫ئا‬
‫ِ ِ َ ِ َ ِ‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫مي‬ ‫ل‬‫ظا‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ك َ ِ ّ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫و‬ ‫م ل َ ي ُك َذ ُّبون َ َ‬ ‫تعالى‪} :‬فَإ ِن ّهُ ْ‬
‫دا صلى الله عليه‬ ‫ن الذي يأِتي محم ً‬ ‫‪ ،[33‬ووصلت ِبهم السفاهة إلى الزعم بأ ّ‬
‫ن‬
‫دو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ذى ي ُل ْ ِ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫سا ُ‬ ‫وسلم ِبهذا العلم حداد ٌ رومي كان بمكة فقال تعالى‪} :‬ل ِ َ‬
‫َ‬
‫ن{ ]النحل‪.[103 :‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ى ّ‬ ‫ن عََرب ِ ّ‬ ‫سا ٌ‬ ‫هاَذا ل ِ َ‬ ‫ى وَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫إ ِل َي ْهِ أعْ َ‬
‫‪ -5‬نصر الله وتأييده لهم‪:‬‬
‫ل يحيل أيّ احتمال لكذِبهم‪،‬‬ ‫تأييد الله لرسله ونصرته لهم وحفظه إّياهم دلي ٌ‬
‫ور مدعًيا للنبوة كاذًبا في دعواه وهو مع ذلك‬ ‫ن العقول ل تقبل أن تتص ّ‬ ‫فإ ّ‬
‫ن هذا ل يتصور من‬ ‫يرسل الله ملئكته لنصرته‪ ،‬ويستجيب دعاءه إذا دعاه‪ ،‬إ ّ‬
‫مِلك من الملوك‪ ،‬فكيف بخالق الرض والسموات‪ ،‬وقد أشار القرآن الكريم‬
‫ن عََلى الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫إلى هذا النوع من الستدلل حيث قال تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ل‬‫قو ّ َ‬ ‫َ‬
‫ن{ ]يونس‪ [69:‬فحكم بعدم فلحه‪ ،‬وقال تعالى‪} :‬وَلوْ ت َ َ‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫ب ل َ يُ ْ‬ ‫ال ْك َذِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{ ]الحاقة‪:‬‬ ‫ه ال ْوَِتي َ‬ ‫من ْ ُ‬‫قط َعَْنا ِ‬ ‫م لَ َ‬ ‫ن ‪ s‬ثُ ّ‬ ‫مي ِ‬‫ه ِبال ْي َ ِ‬ ‫خذ َْنا ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ل‪r‬ل َ‬ ‫ض الَقاِوي ِ‬ ‫عَل َي َْنا ب َعْ َ‬
‫‪.[46-44‬‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهذا مسيلمة والسود العنسي قطع الله دابرهما‪ ،‬وانتقم منهما‪ ،‬وانظر إلى‬
‫ب بين‬ ‫ل أعور‪ ،‬مكتو ٌ‬ ‫المسيح الدجال‪ ،‬كيف كان النبياء يحذرون منه‪ ،‬فهو رج ٌ‬
‫عينه كافر‪.‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم وأصحابه‬ ‫ّ‬ ‫النب‬ ‫هجرة‬ ‫باب‬ ‫المناقب‪،‬‬ ‫في‬ ‫البخاري‬ ‫)]‪([1‬‬
‫)‪ (3906‬من حديث عائشة رضي الله عنها‪.‬‬
‫)]‪ ([2‬مسلم في الجهاد والسير‪ ،‬باب غزوة حنين )‪ (1775‬من حديث العباس‬
‫بن عبد المطلب رضي الله عنه‪.‬‬
‫ن النسان‬ ‫)]‪ ([3‬مسلم في صفة القيامة والجنة والنار‪ ،‬باب قوله تعالى‪? :‬إ ّ‬
‫ليطغى? )‪.(2797‬‬
‫)]‪ ([4‬الرسل والرسالت )ص‪.(166 :‬‬
‫)]‪ ([5‬البخاري في بدء الوحي‪ ،‬باب بدء الوحي )‪.(7‬‬
‫)]‪ ([6‬تفسير ابن كثير )‪.(2/411‬‬
‫)]‪ ([7‬الترمذيّ في صفة القيامة والرقائق والورع‪ ،‬باب منه )‪ ،(2485‬وابن‬
‫ماجه في إقامة الصلة والسنة فيها‪ ،‬باب ما جاء في قيام الليل )‪.(1334‬‬
‫)]‪ ([8‬البخاري في بدء الوحي‪ ،‬باب بدء الوحي )‪ ،(4‬ومسلم في اليمان‪ ،‬باب‬
‫بدء الوحي إلى رسول الله )‪.(160‬‬
‫)]‪ ([9‬انظر‪ :‬مفتاح دار السعادة )‪.(7-2/6‬‬
‫سادسا‪ :‬وظائف النبياء والرسل‪:‬‬
‫‪ -1‬البلغ المبين‪:‬‬
‫الرسل سفراء الله إلى عباده وحملة وحيه‪ ،‬ومهمتهم الولى هي إبلغ هذه‬
‫ت الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سال ِ‬ ‫ن رِ َ‬ ‫ن ي ُب َل ُّغو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ملوها إلى عباد الله قال تعالى‪} :‬ال ّ ِ‬ ‫المانة التي تح ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ه وَك َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫سيبا{ ]الحزاب‪.[39:‬‬ ‫ح ِ‬ ‫فى ِباللهِ َ‬ ‫حدا إ ِل ّ الل َ‬ ‫نأ َ‬ ‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ه وَل َ ي َ ْ‬ ‫شوْن َ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫ومن البلغ أن يوضح الرسول ما أنزله الله لعباده‪ ،‬لّنه أقدر من غيره على‬
‫التعرف على معانيه ومراميه‪ ،‬وأعرف من غيره بمراد الله من وحيه‪ ،‬وفي‬
‫ن‬‫ك الذ ّك َْر ل ِت ُب َي ّ َ‬ ‫ذلك يقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم‪} :‬وََأنَزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫ن{ ]النحل‪ ،[44:‬وكان الرسل يبّينون‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫م ي َت َ َ‬ ‫م وَل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ل إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫ما ن ُّز َ‬ ‫س َ‬ ‫ِللّنا ِ‬
‫ي الله تعالى بأقوالهم وأفعالهم‪ ،‬حتى تمثل ما جاؤوا به في أفعالهم‪ ،‬وقد‬ ‫وح َ‬
‫ت‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬بقولها‪ :‬ألس َ‬ ‫من سألها عن خلق النب ّ‬ ‫أجابت عائشة َ‬
‫ي الله صلى الله عليه وسلم كان‬ ‫ن خلق نب ّ‬ ‫تقرأ القرآن؟! قال‪ :‬بلى‪ ،‬قالت‪ :‬فإ ّ‬
‫القرآن)]‪.([1‬‬
‫وهم ل يملكون حمل الّناس على قبول دعوِتهم‪ ،‬وإّنما عليهم البلغ المبين‪،‬‬
‫َ‬ ‫ك ل َ تهدى م َ‬
‫م‬ ‫شاء وَهُوَ أعْل َ ُ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫دى َ‬ ‫ه ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ت وََلك ِ ّ‬ ‫حب َب ْ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َْ ِ‬ ‫قال تعالى‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سو َ‬
‫ل‬ ‫طيُعوا ْ الّر ُ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫طيُعوا ْ الل ّ َ‬ ‫ن{ ]القصص‪ ،[56:‬وقال تعالى‪} :‬وَأ ِ‬ ‫دي َ‬ ‫مهْت َ ِ‬‫ِبال ْ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ن{ ]المائدة‪.[92:‬‬ ‫مِبي ُ‬ ‫سول َِنا الب َلغُ ال ُ‬ ‫ما عَلى َر ُ‬ ‫موا أن ّ َ‬ ‫م َفاعْل ُ‬ ‫حذ َُروا فَِإن ت َوَلي ْت ُ ْ‬ ‫َوا ْ‬
‫‪ -2‬الدعوة إلى توحيد الله تعالى‪:‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫ل تقف مهمة الرسل عند بيان الحقّ وإبلغه‪ ،‬بل عليهم دعوة الّناس إلى‬
‫الخذ بدعوِتهم والستجابة لها‪ ،‬وتحقيقها في أنفسهم اعتقاًدا وقول ً وعمل)]‬
‫ً‬
‫‪([2‬؛ لّنه ل بد ّ من تعليم الّناس الطريقة الصحيحة لعبادة الله تعالى كما‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حى إ ِلي ْهِ‬‫ل إ ِل ّ ُنو ِ‬
‫سو ٍ‬
‫من ّر ُ‬
‫ك ِ‬ ‫سل َْنا ِ‬
‫من قَب ْل ِ َ‬ ‫ما أْر َ‬
‫شرعها سبحانه‪ ،‬قال تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{ ]النبياء‪ ،[25:‬وقد بذلت الرسل في سبيل دعوة‬ ‫ه ل اله إ ِل ّ أن َا ْ َفاعْب ُ ُ‬
‫دو ِ‬ ‫أن ّ ُ‬
‫ي الله نوح قضى تسعمائة وخمسين سنة‬ ‫دا‪ ،‬وهذا نب ّ‬
‫الّناس جهوًدا عظيمة ج ً‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يدعو قومه إلى عبادة الله‪ ،‬واستخدم في دعوته لهم كل الطرق وشّتى‬
‫م‬ ‫م ي َزِد ْهُ ْ‬ ‫مى ل َي ْل ً وَن ََهارا ً )‪ (5‬فَل َ ْ‬ ‫ت قَوْ ِ‬ ‫ب إ ِّنى د َعَوْ ُ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫الوسائل‪ ،‬قال تعالى‪َ} :‬قا َ‬
‫َ‬
‫م‬
‫م ِفى ءاذان ِهِ ْ‬ ‫صاب ِعَهُ ْ‬ ‫جعَُلوا ْ أ َ‬ ‫م َ‬ ‫فَر ل َهُ ْ‬ ‫م ل ِت َغْ ِ‬ ‫ما د َعَوْت ُهُ ْ‬ ‫عاِئى إ ِل ّ فَِرارا ً )‪ (6‬وَإ ِّنى ك ُل ّ َ‬ ‫دُ َ‬
‫جَهارا ً )‪(8‬‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫نى‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫(‬ ‫‪7‬‬ ‫)‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫بار‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫رو‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫وا‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫رو‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ َ ُُْ ْ ِ‬ ‫ّ ِّ‬ ‫ْ ِ َ‬ ‫َ ْ َ َُ‬ ‫َوا ْ َ ْ ْ ِ َ َ ُ ْ َ َ ّ‬
‫ص‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫يا‬ ‫ث‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ش‬ ‫غ‬ ‫ت‬ ‫س‬
‫سَرارًا{ ]نوح‪ ،[9-5:‬ومع ذلك أخبر الله أّنه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م إِ ْ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫سَرْر ُ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫م إ ِّنى أعْل َن ْ ُ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ل{ ]هود‪.[40:‬‬ ‫ه إ ِل ّ قَِلي ٌ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م َ‬ ‫ما ءا َ‬ ‫لم يؤمن معه إل ّ قليل‪} :‬وَ َ‬
‫‪ -3‬التبشير والنذار‪:‬‬
‫ن إ ِل ّ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ْ‬
‫ل ال ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ما ن ُْر ِ‬ ‫التبشير والنذار اقترنا بدعوة الرسل‪ ،‬قال تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫ن{ ]النعام‪.[48 :‬‬ ‫منذِِري َ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫مب َ ّ‬ ‫ُ‬
‫وتبشير الرسل وإنذارهم دنيوي وأخروي‪ ،‬فهم في الدنيا يبشرون الطائعين‬
‫َ ُ‬
‫ه حياةً‬ ‫حي ِي َن ّ ُ‬ ‫ن فَل َن ُ ْ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫من ذ َك َرٍ أوْ أن َْثى وَهُوَ ُ‬ ‫صاِلحا ً ّ‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫بالحياة الطيبة‪َ } ،‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ة ول َنجزينه َ‬
‫ن{ ]النحل‪ ،[97:‬ويعدوَنهم‬ ‫ملو َ‬ ‫ما كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫س ِ‬ ‫ح َ‬ ‫هم ب ِأ ْ‬ ‫جَر ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ط َي ّب َ ً َ َ ْ ِ َ ّ ُ ْ‬
‫ت‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ْ ال ّ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫مُنوا ْ ِ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫بالعّز والتمكين والمن }وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫م‬ ‫م ِدين َهُ ُ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫مك ّن َ ّ‬ ‫م وَل َي ُ َ‬ ‫من قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ال ّ ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫م ِفى الْر ِ‬ ‫فن ّهُ ْ‬ ‫خل ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ل َي َ ْ‬
‫َ‬
‫ن ِبى‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫دون َِنى ل َ ي ُ ْ‬ ‫منا ً ي َعْب ُ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫خوْفِهِ ْ‬ ‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫م ّ‬ ‫م وَل َي ُب َد ّل َن ّهُ ْ‬ ‫ضى ل َهُ ْ‬ ‫ذى اْرت َ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫شْيئًا{ ]النور‪.[55:‬‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫ش ً‬ ‫مِعي َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫رى فَإ ِ ّ‬ ‫عن ذِك ْ ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ن أعَْر َ‬ ‫م ْ‬ ‫وفون العصاة بالشقاء الدنيوي‪} ،‬وَ َ‬ ‫وُيخ ّ‬
‫وفون المجرمين والعصاة عذاب الله في الخرة‪:‬‬ ‫ضنكًا{ ]طه‪ ،[124:‬ويخ ّ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫في‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫لد‬ ‫خا‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫نار‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫دو‬ ‫ح‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ت‬‫ي‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ص‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫َ ََ ُ ُ ََََ ّ ُ ُ َ ُ ُ ْ ُ َ‬ ‫} َ َ َْ ِ‬‫ع‬ ‫ي‬ ‫من‬ ‫و‬
‫ن{ ]النساء‪.[14:‬‬ ‫مِهي ٌ‬ ‫ّ‬
‫‪ -4‬إصلح النفوس وتزكيتها‪:‬‬
‫قد ْ‬ ‫بعث الله الرسل ليخرجوا الّناس من الظلمات إلى النور‪ ،‬قال تعالى‪} :‬وَل َ َ‬
‫ت إ َِلى الّنوِر{ ]إبراهيم‪،[5 :‬‬ ‫ما ِ‬ ‫ن الظ ّل ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫م َ‬ ‫ج قَوْ َ‬ ‫خرِ ْ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫َ‬
‫سى ب َِئاَيات َِنا أ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫سل َْنا ُ‬ ‫أْر َ‬
‫َ‬
‫ول يتحقق ذلك إل ّ بتعليمهم تعاليم رّبهم وتزكية نفوسهم بتعريفهم برّبهم‬
‫وأسمائه وصفاته‪ ،‬وتعريفهم بملئكته وكتبه ورسله‪ ،‬وتعريفهم ما ينفعهم وما‬
‫يضّرهم‪ ،‬ودللتهم على السبيل التي توصلهم إلى محبته‪ ،‬وتعريفهم بعبادِته‪.‬‬
‫ُ‬
‫ه‬
‫م ءاَيات ِ ِ‬ ‫م ي َت ُْلو عَل َي ْهِ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫سول ً ّ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫مّيي َ‬ ‫ث ِفى ال ّ‬ ‫ذى ب َعَ َ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫ن{‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ل ّ‬ ‫ضل َ ٍ‬ ‫فى َ‬ ‫ل لَ ِ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫كاُنوا ْ ِ‬ ‫ة وَِإن َ‬ ‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫م وَي ُعَل ّ ُ‬ ‫كيهِ ْ‬ ‫وَي َُز ّ‬
‫]الجمعة‪.[2:‬‬
‫ي‪" :‬أي يجعلهم أزكياء القلوب باليمان")]‪.([3‬‬ ‫قال القرطب ّ‬
‫ي‪" :‬يطهرهم من دنس الطباع‪ ،‬وسوء العتقاد والعمال")]‪.([4‬‬ ‫وقال البيضاو ّ‬
‫‪ -5‬تقويم الفكر المنحرف والعقائد الزائفة‪:‬‬
‫الصل في فطرة النسان أّنه قابل للتوحيد‪ ،‬لو ُترك لم يختر سواه‪ ،‬ولكن‬
‫هّ‬ ‫حد َة ً فَب َعَ َ‬ ‫ُ‬ ‫الّناس انحرفوا لسباب شّتى‪ ،‬قال تعالى‪َ } :‬‬
‫ث الل ُ‬ ‫ة وا ِ‬ ‫م ً‬ ‫سأ ّ‬ ‫ن الّنا ُ‬ ‫كا َ‬
‫ن{ ]البقرة‪ ،[213:‬وفي الحديث‪)) :‬وإّني خلقت‬ ‫منذِِري َ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫مب َ ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫الن ّب ِّيي َ‬
‫عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين(()]‪.([5‬‬
‫قال ابن عّباس‪) :‬كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من‬
‫الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين()]‪.([6‬‬
‫جة‪:‬‬ ‫‪ -6‬إقامة الح ّ‬
‫جة على عباده‪ ،‬حتى ل‬ ‫من الغايات التي أرسل الله الرسل لجلها إقامة الح ّ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫ن ل ِئل ي َكو َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫منذِِري َ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫مب َ ّ‬ ‫سل ً ّ‬ ‫جة يوم القيامة قال تعالى‪ّ} :‬ر ُ‬ ‫يبقى للّناس ح ّ‬
‫ل{ ]النساء‪.[165:‬‬ ‫س ِ‬ ‫ة ب َعْد َ الّر ُ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ح ّ‬ ‫س عََلى الل ّهِ ُ‬ ‫ِللّنا ِ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬أي‪ :‬أّنه تعالى أنزل كتبه وأرسل رسله بالبشارة والنذارة‪،‬‬
‫وبّين ما يحبه ويرضاه مما يكرهه ويأباه لئل يبقى لمعتذر عذٌر‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ت إ ِل َي َْنا َر ُ‬
‫سول ً فَن َت ّب ِعَ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫قاُلوا ْ َرب َّنا ل َ ْ‬
‫ول أْر َ‬ ‫من قَب ْل ِهِ ل َ َ‬‫ب ّ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫}وَل َوْ أّنا أهْل َك َْناهُ ْ‬
‫م ب ِعَ َ‬
‫خَزى{ ]طه‪.([7])"[134:‬‬ ‫ل وَن َ ْ‬‫ل َأن ن ّذِ ّ‬ ‫من قَب ْ ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫ءاَيات ِ َ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم قال‪)) :‬وليس‬ ‫وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النب ّ‬
‫ب إليه العذر من الله‪ ،‬من أجل ذلك أنزل الكتاب‪ ،‬وأرسل الرسل(()]‬ ‫أحد أح ّ‬
‫‪.([8‬‬
‫مة‪:‬‬ ‫‪ -7‬سياسة ال ّ‬

‫)‪(13 /‬‬

‫مة تحتاج إلى من يسوسها ويقودها ويدّبر‬ ‫ونون أ ّ‬ ‫الذين يستجيبون للرسل يك ّ‬
‫أمورها‪ ،‬والرسل هم خير من يقومون ِبهذه المهمة في حال حياِتهم‪ ،‬قال‬
‫ه{ ]المائدة‪:‬‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما َأنَز َ‬ ‫كم ب َي ْن َُهم ب ِ َ‬‫ح ُ‬‫تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم‪َ} :‬فا ْ‬
‫‪ ،[48‬وقال النبي صلى الله عليه وسلم‪)) :‬كانت بنو إسرائيل تسوسهم‬
‫ي(()]‪.([9‬‬ ‫ي قام نب ّ‬ ‫النبياء‪ ،‬كّلما هلك نب ّ‬
‫ولذلك أوجب الله طاعة رسله والتحاكم إليهم‪ ،‬والرضا بقضائهم قال تعالى‪:‬‬
‫م‬
‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬‫دوا ْ ِفى َأن ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ل َ يَ ِ‬‫م ثُ ّ‬ ‫جَر ب َي ْن َهُ ْ‬
‫ش َ‬ ‫ما َ‬ ‫مو َ‬
‫ك ِفي َ‬ ‫حك ّ ُ‬ ‫حّتى ي ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ك ل َ ي ُؤْ ِ‬‫}فَل َ وََرب ّ َ‬
‫سِليمًا{ ]النساء‪.[65:‬‬ ‫موا ْ ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬‫ت وَي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬‫ما قَ َ‬ ‫م ّ‬‫حَرجا ً ّ‬ ‫َ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أّنه ل يؤمن أحد حتى‬
‫ق‬
‫ّ‬ ‫الح‬ ‫كم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع المور‪ .‬فما حكم به فهو‬ ‫ُيح ّ‬
‫حَرجا ً‬ ‫َ‬
‫دوا ْ ِفى أن ُ‬
‫م َ‬‫سهِ ْ‬‫ف ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫الذي يجب النقياد له باطًنا وظاهًرا‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬ل َ ي َ ِ‬
‫كموك يطيعونك في بواطنهم‪ ،‬فل‬ ‫سِليمًا{ أي‪ :‬إذا ح ّ‬ ‫موا ْ ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬ ‫ت وَي ُ َ‬‫ضي ْ َ‬‫ما قَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ّ‬
‫جا مما حكمت به‪ ،‬وينقادون له في الظاهر والباطن‪،‬‬ ‫ً‬ ‫حر‬ ‫أنفسهم‬ ‫في‬ ‫يجدون‬
‫ما كلّيا من غير ممانعة ول مدافعة ول منازعة")]‪.([10‬‬ ‫فيسّلمون لذلك تسلي ً‬
‫)]‪ ([1‬أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب صلة المسافرين وقصرها‪ ،‬باب‬
‫جامع صلة الليل ومن نام عنها أو مرض‪.‬‬
‫)]‪ ([2‬انظر‪ :‬الرسل والرسالت‪ .‬د‪ /‬عمر الشقر )ص‪.(45 :‬‬
‫)]‪ ([3‬تفسير القرطبي )‪.(92-18‬‬
‫)]‪ ([4‬تفسير البيضاوي )‪.(2/111‬‬
‫)]‪ ([5‬أخرجه ابن حّبان في صحيحه )الحسان ‪.(2/423‬‬
‫)]‪ ([6‬أخرجه ابن جرير في تفسيره )‪.(2/334‬‬
‫)]‪ ([7‬تفسير ابن كثير )‪.(1/589‬‬
‫)]‪ ([8‬جزء من حديث أخرجه مسلم في التوبة‪ ،‬باب غيرة الله تعالى وتحريم‬
‫الفواحش )‪ (2760‬من حديث ابن مسعود رضي الله عنه‪.‬‬
‫)]‪ ([9‬جزء من حديث أخرجه مسلم في المارة‪ ،‬باب وجوب الوفاء ببيعة‬
‫الخلفاء الول فالول )‪ (1842‬من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬
‫)]‪ ([10‬تفسير ابن كثير )‪.(1/251‬‬
‫سابعا‪ :‬فوائد متنوعة‪:‬‬
‫‪ -1‬أنواع الوحي‪:‬‬
‫الوحي يأتي على صور هي‪:‬‬
‫أ‪ -‬اللقاء في الروع‪:‬‬
‫ن الذي ألقي‬ ‫ي في أ ّ‬ ‫ي الموحى إليه ـ بحيث ل يمتري النب ّ‬ ‫اللقاء في روع النب ّ‬
‫في قلبه من الله تعالى ـ نوع ٌ من أنواع الوحي‪ ،‬كما جاء في صحيح ابن حّبان‬
‫ن روح القدس نفث في‬ ‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أّنه قال‪)) :‬إ ّ‬
‫سا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها‪ ،‬فاتقوا الله وأجملوا‬ ‫ن نف ً‬ ‫روعي‪ :‬إ ّ‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في الطلب(()]‪.([1‬‬
‫ب‪ -‬الرؤيا الصادقة‪:‬‬
‫رؤيا النبياء وحي‪ ،‬قال ابن عباس رضي الله عنهما‪) :‬رؤيا النبياء وحي()]‪،([2‬‬
‫مَنام ِ أ َّنى‬ ‫َ‬
‫وقال عبيد بن عمير‪" :‬رؤيا النبياء وحي‪ ،‬ثم قرأ‪} :‬إ ِّنى أَرى ِفى ال ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ك{ ]الصافات‪.([3])"[102:‬‬ ‫أذ ْب َ ُ‬
‫ظا ورقوًدا‪،‬‬ ‫ي‪" :‬كانت الرسل يأتيهم الوحي من الله تعالى أيقا ً‬ ‫وقال القرطب ّ‬
‫ن النبياء ل تنام قلوُبهم‪ ،‬وهذا ثابت في الخبر المرفوع‪ ،‬قال صلى الله عليه‬ ‫فإ ّ‬
‫وسلم‪)) :‬إّنا معاشر النبياء تنام أعيننا‪ ،‬ول تنام قلوبنا(()]‪ ،([4‬وقال ابن‬
‫ي‪ .‬واستدل ِبهذه الية")]‪.([5‬‬ ‫إسحاق‪ :‬رؤيا النبياء وح ّ‬
‫ي صلى الله عليه سلم في المنام من القرآن سورة‬ ‫ما أوحي إلى النب ّ‬ ‫وم ّ‬
‫الكوثر‪ ،‬عن أنس قال‪ :‬بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين‬
‫ما‪ ،‬فقلنا‪ :‬ما أضحكك يا رسول‬ ‫أظهرنا‪ ،‬إذ أغفى إغفاءة‪ ،‬ثم رفع رأسه متبس ً‬
‫حيم ِ }إ ِّنا‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫ما ِ‬
‫ح َ‬
‫سم ِ اللهِ الّر ْ‬ ‫ة((‪ ،‬فقرأ‪ :‬ب ِ ْ‬ ‫فا سور ٌ‬ ‫زلت علي آن ً‬ ‫َالله؟ قال‪)) :‬أن ِ‬
‫ك هُوَ ال َب ْت َُر{ ]سورة‬ ‫شان ِئ َ َ‬
‫ن َ‬ ‫حْر )‪ (2‬إ ِ ّ‬‫ك َوان ْ َ‬‫ل ل َِرب ّ َ‬
‫ص ّ‬‫ك ال ْك َوْث ََر )‪ (1‬فَ َ‬
‫أعْط َي َْنا َ‬
‫الكوثر[‪ ،‬ثم قال‪)) :‬أتدرون ما الكوثر؟((‪ .‬فقلنا‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬قال‪:‬‬
‫ل عليه خير كثير‪ ،‬هو حوض ترد عليه أمتي يوم‬ ‫))إّنه َنهر وعدنيه رّبي عّز وج ّ‬
‫ب إّنه من أمتي‪.‬‬ ‫القيامة‪ ،‬آنيته عدد النجوم‪ ،‬فيختلج العبد منهم‪ ،‬فأقول‪ :‬ر ّ‬
‫فيقول‪ :‬ما تدري ما أحدثت بعدك(()]‪.([6‬‬
‫ي‪" :‬قوله‪) :‬أغفى إغفاءة( أي‪ :‬نام")]‪.([7‬‬ ‫قال النوو ّ‬
‫ي‪" :‬الغفاء هو النوم الخفيف")]‪.([8‬‬ ‫وقال الثعالب ّ‬
‫ج‪ -‬تكليم الله لرسله من وراء حجاب‪:‬‬

‫)‪(14 /‬‬
‫َ‬ ‫كان ل ِب َ َ‬
‫من وََراء‬ ‫حيا ً أوْ ِ‬ ‫ه إ ِل ّ وَ ْ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫شرٍ أن ي ُك َل ّ َ‬
‫م ُ‬ ‫ما َ َ َ‬ ‫وهو الذي عناه الله بقوله‪} :‬وَ َ‬
‫ما‬
‫ب{ ]الشورى‪ ،[51 :‬وقد كلم الله آدم عليه السلم قال تعالى‪} :‬وََناَداهُ َ‬ ‫ّ‬ ‫جا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مِبي ٌ‬ ‫ما عَد ُوّ ّ‬ ‫ن لك َ‬ ‫شي ْطا َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ما إ ِ ّ‬ ‫جَرةِ وَأُقل لك َ‬ ‫ش َ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫عن ت ِلك َ‬ ‫ما َ‬ ‫م أن ْهَك َ‬ ‫ما أل ْ‬ ‫َرب ّهُ َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مَنا لن َكون َ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫فْر لَنا وَت َْر َ‬ ‫م ت َغْ ِ‬ ‫سَنا وَِإن ل ْ‬ ‫ف َ‬ ‫مَنا أن ُ‬ ‫‪َ V‬قال َرب َّنا ظل ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ى‬
‫ها ُنودِ َ‬ ‫ما أَتا َ‬ ‫]العراف‪ ،[23:‬وكلم موسى عليه السلم قال تعالى‪} :‬فَل ّ‬
‫قدس ط ُوى )‪ (12‬وأناَ‬ ‫سى )‪ (11‬إ ِّنى أ َن َا ْ َرب ّ َ‬
‫َ َ‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫م َ ّ‬ ‫وادِ ال ْ ُ‬ ‫ك ِبال ْ َ‬ ‫ك إ ِن ّ َ‬‫خل َعْ ن َعْل َي ْ َ‬ ‫ك َفا ْ‬ ‫مو َ‬ ‫يا ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ل اله ِإل أن َا فاعْب ُد ِْنى وَأقِم ِ‬ ‫حى )‪ (13‬إ ِن ِّنى أَنا الل ُ‬ ‫ما ُيو َ‬ ‫مع ْ ل ِ َ‬ ‫ست َ ِ‬‫خت َْرت ُك فا ْ‬ ‫ا ْ‬
‫ما‬ ‫َ‬
‫دا صلى الله عليه وسلم ل ّ‬ ‫م ً‬ ‫ّ‬
‫رى{ ]طه‪ ،[14-11:‬وكلم نبّينا مح ّ‬ ‫ْ‬
‫الصلة َ ل ِذِك ِ‬
‫رج به إلى السماء)]‪.([9‬‬ ‫عُ ِ‬
‫د‪ -‬الوحي عن طريق الملك‪:‬‬
‫ما ي َ َ‬ ‫سول ً فَُيو ِ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫شاء{‬ ‫ى ب ِإ ِذ ْن ِهِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫وهو ما عناه الله تعالى في قوله‪} :‬أوْ ي ُْر ِ‬
‫]الشورى‪ ،[51 :‬ولهذه الصورة ثلث أحوال‪:‬‬
‫الحال الولى‪ :‬أن يراه الرسول على هيئته التي خلقه الله عليها‪ ،‬قال جابر بن‬
‫عبد الله‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي‪:‬‬
‫))فبينا أنا أمشي سمعت صوًتا من السماء‪ ،‬فرفعت بصري قَِبل السماء‪ ،‬فإذا‬
‫الملك الذي جاءني بحراء‪ ،‬قاعد على كرسي بين السماء والرض‪ ،‬فجئثت منه‬
‫حتى هويت إلى الرض‪ ،‬فجئت أهلي‪ ،‬فقلت‪ :‬زملوني زملوني فزملوني‪.‬‬
‫ك فَك َب ّْر )‪ (3‬وَث َِياب َكَ‬ ‫م فََأنذِْر )‪ (2‬وََرب ّ َ‬ ‫مد ّث ُّر )‪ (1‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫فأنزل الله تعالى‪} :‬ياأي َّها ال ْ ُ‬
‫جْر{(()]‪.([10‬‬ ‫جَز َفاهْ ُ‬ ‫فَط َهّْر )‪َ (4‬والّر ْ‬
‫الحال الثانية‪ :‬أن يأتيه الوحي في مثل صلصلة الجرس‪ ،‬فيذهب عنه وقد‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ما قال‪ ،‬وهو أشد ما كان يلقاه النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم من الوحي‪ ،‬قال الحارث بن هشام رضي الله عنه‪ :‬يا‬
‫رسول الله‪ ،‬كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ده علي‪ ،‬فيفصم عني وقد وعيت‬ ‫))أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس‪ ،‬وهو أش ّ‬
‫ل‪ ،‬فيكلمني فأعي ما يقول((‪ ،‬قالت‬ ‫عنه ما قال‪ .‬وأحياًنا يتمثل لي الملك رج ً‬
‫عائشة رضي الله عنها‪ :‬ولقد رأيته يْنزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد‪،‬‬
‫ن جبينه ليتفصد عرًقا)]‪.([11‬‬ ‫فيفصم عنه‪ ،‬وإ ّ‬
‫ل‪ ،‬فيكلمه ويخاطبه‪ ،‬ويعي عنه ما قال‪،‬‬ ‫الحال الثالثة‪ :‬أن يتمثل له الملك رج ً‬
‫وهذه أخف الحوال على الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬كما جاء في حديث‬
‫عائشة في بدء الوحي)]‪ ،([12‬وكما في حديث جبريل المشهور في سؤاله‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم عن السلم واليمان والحسان‪.‬‬
‫‪ -2‬عدد النبياء والرسل‪:‬‬
‫ما‬‫لم يرد في الباب إل ّ حديث أِبي ذر المتقدم‪)) :‬ثلثمائة وبضعة عشر ج ّ‬
‫فا‪ ،‬الرسل من ذلك‪:‬‬ ‫غفيًرا((‪ ،‬وفي رواية‪)) :‬مائة ألف وأربعة وعشرون أل ً‬
‫ما غفيًرا((‪ ،‬وهو متنازع في صحته)]‪.([13‬‬ ‫خمسة عشر ج ّ‬
‫م غفيٌر ل يحصيهم إل الله فهو الحقّ الذي ل مرية فيه‪ ،‬قال‬ ‫ّ‬ ‫ما أّنهم ج ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫ذيٌر{‬ ‫ن‬ ‫ها‬ ‫في‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫إن‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ذير‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫شير‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫با‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫نا‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫نا‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫تعالى‪:‬‬
‫َِ ّ ْ ّ ٍ ِ َ ِ َ َ ِ‬ ‫ََ ِ‬ ‫ِ َ ّ َ ِ‬ ‫ِّ ْ َ َ‬
‫صَنا‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫من‬ ‫هم‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬
‫ِْ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫من‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫}‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫وقال‬ ‫]فاطر‪،[24:‬‬
‫َ ْ‬ ‫ِ ُْ ّ‬ ‫َ ْ ْ َ َ ُ ُ ّ‬
‫ك{ ]غافر‪.[78:‬‬ ‫ص عَل َي ْ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫من ل ّ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ك وَ ِ‬ ‫عَل َي ْ َ‬
‫‪ -3‬أولو العزم من الرسل‪:‬‬
‫مد وإبراهيم وموسى وعيسى‬ ‫قال محمد خليل هّراس‪" :‬المشهور أّنهم مح ّ‬
‫من ْ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ميَثاقَهُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن الن ّب ِي ّي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫خذ َْنا ِ‬ ‫كروا مًعا في قوله تعالى‪} :‬وَإ ِذ ْ أ َ‬ ‫ونوح؛ لّنهم ذ ُ ِ‬
‫شَرعَ‬ ‫م{ ]الحزاب‪ ،[7 :‬وقوله‪َ } :‬‬ ‫مْري َ َ‬‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ِ‬ ‫عي َ‬ ‫سى وَ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫هي َ‬ ‫من ّنوٍح وَإ ِْبرا ِ‬ ‫وَ ِ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫لَ ُ‬
‫هي َ‬ ‫صي َْنا ب ِهِ إ ِب َْرا ِ‬ ‫ما وَ ّ‬ ‫حي َْنا إ ِلي ْك وَ َ‬ ‫ذى أوْ َ‬ ‫صى ب ِهِ ُنوحا َوال ِ‬ ‫ما وَ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ن ال ِ ِ‬ ‫م َ‬‫كم ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه{ ]الشورى‪.([14])"[13:‬‬ ‫فّرُقوا ْ ِفي ِ‬ ‫ن وَل َ ت َت َ َ‬ ‫دي َ‬ ‫موا ْ ال ّ‬ ‫ن أِقي ُ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫عي َ‬ ‫سى وَ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫وَ ُ‬
‫‪ -4‬النبياء العرب‪:‬‬
‫جاء في حديث أِبي ذر الطويل‪)) :‬وأربعة من العرب‪ :‬هود وشعيب وصالح‬
‫ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم(()]‪.([15‬‬
‫ح‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬ ‫والحديث ل يص ّ‬
‫‪ -5‬حاجة العباد إلى بعث الرسل وإرسالهم‪:‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫الحاجة إلى إرسال الرسل وبعثهم عظيمة‪ ،‬قال ابن القّيم‪" :‬فإّنه ل سبيل إلى‬
‫السعادة والفلح ل في الدنيا ول في الخرة إل ّ على أيدي الرسل‪ .‬ول سبيل‬
‫إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إل ّ من جهتهم‪ .‬ول ينال رضا الله‬
‫ألبتة إل ّ على أيديهم‪ .‬فالطّيب من العمال والقوال والخلق ليس إل ّ هدُيهم‪،‬‬
‫وما جاءوا به‪ .‬فهم الميزان الراجح الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلقهم‬
‫توزن القوال والخلق والعمال‪ .‬وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل‬
‫الضلل‪ .‬فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه‪ ،‬والعين إلى‬
‫رضت فضرورة العبد وحاجته‬ ‫نورها‪ ،‬والروح إلى حياِتها‪ .‬فأيّ ضرورة وحاجة فُ ِ‬
‫إلى الرسل فوقها بكثير‪ ،‬وما ظّنك بمن إذا غاب عنك هديه وما جاء به طرفة‬
‫عين فسد قلبك‪ ،‬وصار كالحوت إذا فارق الماء ووضع في المقلة‪ .‬فحال العبد‬
‫س‬
‫عند مفارقه قلبه لما جاء به الرسل كهذه الحال‪ ،‬بل أعظم‪ .‬ولكن ل يح ّ‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ِبهذا إل ّ قلب حي‪ ،‬و ما لجرح بميت إيلم‪ ،‬وإذا كانت سعادة العبد في الدارين‬
‫ب نجاَتها وسعادَتها أن‬ ‫ي فيجب على كل من نصح نفسه‪ ،‬وأح ّ‬ ‫معلقة ِبهدي النب ّ‬
‫يعرف من هديه وسيرته وشأنه ما يخرج به عن الجاهلين به‪ ،‬ويدخل به في‬
‫عداد أتباعه وشيعته وحزبه‪ .‬والناس في هذا بين مستقل ومستكثر ومحروم‪،‬‬
‫والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء‪ ،‬والله ذو الفضل العظيم")]‪.([16‬‬
‫‪ -6‬مقتضى بشرية النبياء والرسل‪:‬‬
‫أنبياء الله ورسله بشر كسائر البشر‪ ،‬اصطفاهم الله تعالى وفضلهم وكرمهم‬
‫بالوحي إليهم‪ ،‬ومن مقتضى بشريتهم‪:‬‬
‫أ‪ -‬أنهم يتعرضون للبلء كسائر البشر‪:‬‬
‫ث ِفى‬ ‫َ‬
‫فيتعرضون للسجن كما سجن يوسف عليه السلم قال تعالى‪} :‬فَلب ِ َ‬
‫ن{ ]يوسف‪ ،[42:‬وُيقَتلون كما كانت بنو إسرائيل تفعل‬ ‫سِني َ‬ ‫ضع َ ِ‬ ‫ن بِ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫س ْ‬ ‫ال ّ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ست َكب َْرت ُ ْ‬ ‫سكم ا ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫وى أن ُ‬ ‫ما ل ت َهْ َ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫سو ٌ‬‫م َر ُ‬ ‫جاءك ْ‬ ‫ما َ‬ ‫بأنبيائها قال تعالى‪} :‬أفَكل َ‬
‫ن{ ]البقرة‪ ،[87 :‬وتصيبهم اللواء والدواء كما‬ ‫قت ُُلو َ‬ ‫قا ت َ ْ‬ ‫ري ً‬ ‫م وَفَ ِ‬ ‫قا ك َذ ّب ْت ُ ْ‬ ‫ري ً‬ ‫ف ِ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ضّر‬ ‫ي ال ّ‬ ‫سن ِ َ‬
‫م ّ‬ ‫ه أّني َ‬ ‫ب إ ِذ ْ َناَدى َرب ّ ُ‬ ‫ابتلى الله نبّيه أيوب عليه السلم‪} :‬وَأّيو َ‬
‫ن{ ]النبياء‪ ،[83:‬بل هم أشد ّ الّناس بلًء‪ ،‬فعن سعد بن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م الّرا ِ‬ ‫ح ُ‬‫ت أْر َ‬ ‫وَأن ْ َ‬
‫أِبي وقاص قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أيّ الناس أشد ّ بلًء؟ قال‪)) :‬النبياء‪ ،‬ثم‬
‫المثل فالمثل‪ ،‬يبتلى الرجل على حسب دينه‪ ،‬فإن كان دينه صلًبا اشتد بلؤه‪،‬‬
‫وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه‪ .‬فما يبرح البلء بالعبد حتى‬
‫يتركه يمشي على الرض ما عليه خطيئة(()]‪.([17‬‬
‫ب‪ -‬أنهم يشتغلون بأعمال البشر‪:‬‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫كانوا يمارسون العمال التي يمارسها البشر‪ ،‬فاشتغل النب ّ‬
‫وسلم بالتجارة قبل البعثة‪ ،‬واشتغل كذلك برعي الغنم‪ ،‬عن جابر بن عبد الله‬
‫رضي الله عنهما‪ ،‬قال‪ :‬كّنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نجني‬
‫ن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪)) :‬عليكم بالسود‬ ‫الك ََباث)]‪ ،([18‬وإ ّ‬
‫ي إل ّ وقد‬ ‫منه‪ ،‬فإّنه أطيبه((‪ .‬قالوا‪ :‬أكنت ترعى الغنم؟ قال‪)) :‬وهل من نب ّ‬
‫رعاها؟!(()]‪.([19‬‬
‫س‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ة لُبو ٍ‬ ‫صن ْعَ َ‬ ‫مَناه ُ َ‬ ‫وكان داود عليه السلم حداًدا يصنع الدروع قال تعالى‪} :‬وَعَل ْ‬
‫ل ّك ُم ل ِتحصنك ُم من بأ ْسك ُم فَه ْ َ‬
‫ن{ ]النبياء‪.[80:‬‬ ‫شاك ُِرو َ‬ ‫م َ‬ ‫ل أنت ُ ْ‬ ‫ْ ُ ْ ِ َ ْ ّ َ ِ ْ َ‬
‫ج‪ -‬ليس فيهم شيء من خصائص اللوهية والملئكية‪:‬‬
‫من مقتضيات كوِنهم بشًرا أّنهم ليسوا بآلهة‪ ،‬وليس فيهم من صفات اللوهية‬
‫ن الرسل يتبرؤون من الحول والطول ويعتصمون بالله‬ ‫شيٌء‪ ،‬ولذلك فإ ّ‬
‫دعون شيًئا من صفات الله تعالى قال الله تعالى‪} :‬وَإ ِذ ْ‬ ‫الواحد الحد‪ ،‬ول ي ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫من ُدو ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ى الهي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ذوِنى وَأ ّ‬ ‫خ ُ‬ ‫س ات ّ ِ‬
‫ت ِللّنا ِ‬ ‫ت ُقل َ‬ ‫م أءن َ‬ ‫مْري َ َ‬‫ن َ‬ ‫سى اب ْ َ‬ ‫عي َ‬ ‫ه يا ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ه فَ َ‬ ‫ْ‬ ‫حقّ ِإن ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫حان َ َ‬ ‫الل ّهِ َقا َ‬
‫قد ْ‬ ‫ت قُلت ُ ُ‬ ‫كن ُ‬ ‫س ِلى ب ِ َ‬ ‫ما لي ْ َ‬ ‫ل َ‬‫ن أُقو َ‬ ‫ن ِلى أ ْ‬ ‫كو ُ‬ ‫ك َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ل ُ‬
‫ك إن َ َ‬ ‫َ‬
‫ب{‬ ‫م ال ْغُُيو ِ‬ ‫ت عَّل ُ‬ ‫ك أن َ‬ ‫س َ ِّ‬ ‫ف ِ‬ ‫ما ِفى ن َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫سى وَل َ أعْل َ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ما ِفى ن َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ت َعْل َ ُ‬ ‫مت َ ُ‬ ‫عَل ِ ْ‬
‫]المائدة‪ ،[116:‬وقال الله تعالى لنبّيه محمد صلى الله عليه وسلم‪} :‬قُ ْ‬
‫ل‬
‫ل{ ]السراء‪.[93:‬‬ ‫سو ً‬ ‫شرا ً َر ُ‬ ‫ت إ ِل ّ ب َ َ‬ ‫ل ك ُن ْ ُ‬ ‫ن َرّبي هَ ْ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ُ‬
‫‪ -7‬الخطأ في إصابة الحقّ منهم ل ينقض عصمتهم‪:‬‬
‫النبياء والرسل يجتهدون في حكم ما يعرض عليهم في القضاء من وقائع‪،‬‬
‫ويحكمون وفق ما يبدو لهم‪ ،‬فهم ل يعلمون الغيب‪ ،‬وقد يخطئون في إصابة‬
‫ق‪ ،‬فمن ذلك عدم إصابة داود عليه السلم في الحكم‪ ،‬وتوفيق الله لبنه‬ ‫الح ّ‬
‫سليمان في تلك المسٍألة‪ ،‬عن أِبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يقول‪)) :‬كانت امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب‪،‬‬
‫فذهب بابن إحداهما‪ .‬فقالت صاحبتها‪ :‬إّنما ذهب بابنك‪ .‬وقالت الخرى‪ :‬إّنما‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذهب بابنك‪ .‬فتحاكمتا إلى داود‪ ،‬فقضى به للكبرى‪ ،‬فخرجتا على سليمان بن‬
‫قه بينهما‪ .‬فقالت الصغرى‪ :‬ل تفعل‬
‫داود فأخبرتاه‪ ،‬فقال‪ :‬ائتوني بالسكين أش ّ‬
‫ـ يرحمك الله ـ هو ابنها‪ .‬فقضى به للصغرى(()]‪.([20‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫ن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬ ‫وعن أم سلمة رضي الله عنها أ ّ‬
‫ي‪ ،‬ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من‬ ‫))إّنما أنا بشر وإنكم تختصمون إل ّ‬
‫بعض‪ ،‬فأقضي على نحو ما أسمع‪ ،‬فمن قضيت له من حقّ أخيه شيًئا فل‬
‫يأخذه‪ ،‬فإّنما أقطع له قطعة من النار(()]‪.([21‬‬
‫ل بعصمة النبياء من الخطأ في التبليغ عن لله تعالى‪،‬‬ ‫ول يناقض هذا القو َ‬
‫قّرون على ذلك‪.‬‬ ‫لنهم ل ي َ‬
‫‪ -8‬اليهود والنصاري ينسبون القبائح إلى النبياء)]‪:([22‬‬
‫ينسب اليهود إلى النبياء والمرسلين أعمال ً قبيحة‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫ل‪ ،‬وعبده مع بني إسرائيل‪) .‬إصحاح ‪ 32/1‬من‬ ‫ي الله هارون صنع عج ً‬ ‫ن نب ّ‬
‫ـأ ّ‬
‫سفر الخروج(‪.‬‬
‫ن هارون أنكر ذلك‬ ‫ي‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ن من صنع ذلك هو السامر ّ‬ ‫ص علينا أ ّ‬ ‫والقرآن يق ّ‬
‫م ب ِهِ‬ ‫ُ‬
‫ما فِتنت ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫من قب ْل ياقوْم ِ إ ِن ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ن ِ‬ ‫هاُرو ُ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قد ْ قال لهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أعظم النكار قال تعالى‪} :‬وَل َ‬
‫رى{ ]طه‪.[90:‬‬ ‫م‬ ‫وإن ربك ُم الرحمان َفاتبعوِنى وأ َطيعوا ْ أ َ‬
‫ْ ِ‬ ‫َ ِ ُ‬ ‫ُِّ‬ ‫َِ ّ َ ّ ُ ّ ْ َ ُ‬
‫دم امرأته سارة إلى فرعون حتى ينال الخير‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫الرحمن‬ ‫ن إبراهيم خليل‬ ‫ـأ ّ‬
‫بسببها‪) .‬إصحاح ‪ 12/14‬من سفر التكوين(‪.‬‬
‫ص الرسول صلى الله عليه وسلم هذه القصة عن إبراهيم عند دخوله‬ ‫وقد ق ّ‬
‫ن ملك مصر كان طاغية‪ ،‬وكان إذا وجد امرأة جميلة ذات زوٍج‬ ‫مصر‪ ،‬وفيها أ ّ‬
‫قتل زوجها‪ ،‬وحازها لنفسه‪ ،‬فلما سئل إبراهيم عنها قال‪ :‬هي أخته‪ ،‬يعني أخته‬
‫ن الله حفظ سارة عندما‬ ‫في السلم‪ ،‬وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أ ّ‬
‫ذهبت إلى الطاغية‪ ،‬فلم يمسها بأذى‪ ،‬وأخدمها جارية‪ ،‬هي هاجر أم العرب‬
‫المستعربة)]‪.([23‬‬
‫ن لوطا عليه السلم شرب خمًرا حتى سكر‪ ،‬ثم قام على ابنتيه‬ ‫ً‬ ‫ـ ومن ذلك أ ّ‬
‫فزنا ِبهما الواحدة بعد الخرى‪) .‬إصحاح ‪ 19/30‬من سفر التكوين(‪.‬‬
‫ي الكريم على الله أن يفعل ذلك‪ ،‬وهو قضى‬ ‫ومعاذ الله أن يكون هذا النب ّ‬
‫عمره يدعو إلى الفضيلة ويحارب الرذيلة‪.‬‬
‫ن عيسى من نسل سليمان بن داود وأن جدهم‬ ‫ـ وورد في إنجيل متى أ ّ‬
‫فارض الذي هو من نسل الزَنا من َيهوذا بن يعقوب‪) .‬إصحاح متى الول‪.(10/‬‬
‫مه في وسط جمٍع من‬ ‫ن يسوع أهان أ ّ‬ ‫ـ وفي إصحاح يوحنا الصحاح الثاِني‪ 4/‬أ ّ‬
‫قّيا{‬ ‫ش ِ‬‫جّبارا ً َ‬ ‫جعَل ِْنى َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫وال ِد َِتى وَل َ ْ‬
‫ما وصفه القرآن‪} :‬وَب َّرا ب ِ َ‬ ‫الناس‪ ،‬فأين هذا م ّ‬
‫]مريم‪.[32:‬‬
‫‪ -9‬كرامات الولياء‪:‬‬
‫من أصول أهل السنة والجماعة التصديق بكرامات الولياء‪ ،‬وما يجري الله‬
‫على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات‪ ،‬وأنواع القدرة‬
‫والتأثيرات)]‪.([24‬‬
‫وقد أنكر المام أحمد على الذين نفوا كرامات النبياء ولم يصدقوا ِبها‪،‬‬
‫وضّللهم)]‪.([25‬‬
‫ما لهم لصلحهم وقوة‬ ‫ومن حكمة إجراء الله هذه المور الخارقة للعادة إكرا ً‬
‫ة لكلمته‪ ،‬وإحقاقاً‬ ‫دا لحاجاِتهم‪ ،‬أو نصرة لدينه‪ ،‬ورفع ً‬ ‫إيماِنهم‪ ،‬وقد يكون س ً‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للحقّ وإبطال ً للباطل‪.‬‬


‫ضا من آيات النبياء‪ ،‬فإّنها‬ ‫ما كرامات الولياء؛ فهي أي ً‬ ‫قال شيخ السلم‪" :‬وأ ّ‬
‫إّنما تكون لمن تشهد لهم بالرسالة‪ ،‬فهي دليل على صدق الشاهد لهم‬
‫ن كرامات الولياء معتادة من الصالحين‪ ،‬ومعجزات النبياء‬ ‫ضا فإ ّ‬ ‫بالنبوة‪ .‬وأي ً‬
‫فوق ذلك‪ ،‬فانشقاق القمر والتيان بالقرآن وانقلب العصا حية وخروج الدابة‬
‫من صخرة لم يكن مثله للولياء‪ .‬وكذلك خلق الطير من الطين‪ ،‬ولكن آياِتهم‬
‫صغار وكبار‪ ،‬كما قال تعالى‪} :‬فأراه الية الكبرى{ ]النازعات‪ ،[20:‬فلله‬
‫مد‪} :‬لقد رأى من آيات ربه‬ ‫تعالى آية كبيرة وصغيرة‪ ،‬وقال عن نبّيه مح ّ‬
‫ما اليات الصغرى فقد‬ ‫الكبرى{ ]النجم‪ ،[18:‬فاليات الكبرى مختصة ِبهم‪ ،‬وأ ّ‬
‫تكون للصالحين‪ ،‬مثل تكثير الطعام‪ ،‬فهذا قد وجد لغير واحد من الصالحين‪،‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم أّنه أطعم الجيش من‬ ‫جد للنب ّ‬ ‫لكن لم يوجد كما وُ ِ‬
‫شيء يسير")]‪.([26‬‬
‫وقال‪" :‬ومن أصول أهل السنة والجماعة التصديق بكرامات الولياء‪ ،‬وما‬
‫ه على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات‪،‬‬ ‫ُيجري الل ُ‬
‫وأنواع القدرة والتأثيرات")]‪.([27‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬تسخير الله فاكهة الشتاء في الصيف‪ ،‬وفاكهة الصيف في الشتاء‬
‫ل‬‫ها رِْزًقا َقا َ‬ ‫عند َ َ‬ ‫جد َ ِ‬‫ب وَ َ‬‫حَرا َ‬‫م ْ‬ ‫ل عَل َي َْها َزك َرِّيا ال ْ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫لمريم عليها السلم‪} :‬ك ُل ّ َ‬
‫ما د َ َ‬
‫يامري َ‬
‫ر‬
‫شاء ب ِغَي ْ ِ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ه ي َْرُزقُ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫عندِ الل ّهِ إ ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ت هُوَ ِ‬ ‫هاَذا َقال َ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫م أّنى ل َ ِ‬‫َ ْ َ ُ‬
‫ب{ ]آل عمران‪.[37 :‬‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬‫ِ‬
‫ل من أسيد بن الحضير وعباد بن بشر‪،‬‬ ‫والنور الذي جعله الله في عصا ك ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم)]‪.([28‬‬ ‫تحدثا عند النب ّ‬
‫والمر الخارق للعادة ليس دليل ً على الكرامة‪ ،‬ول فضيلة من جرت على يديه‪،‬‬
‫ن نفسك‬ ‫قال أبو علي الجوزجاِني‪" :‬كن طالًبا للستقامة‪ ،‬ل طالًبا للكرامة‪ ،‬فإ ّ‬
‫منجبلة على طلب الكرامة‪ ،‬ورّبك يطلب منك الستقامة‪ ،‬قال بعض من فهم‬
‫م كبيٌر في الباب‪ ،‬وسّر غفل عن حقيقته كثير من أهل‬ ‫ل عظي ٌ‬ ‫قوله‪ :‬وهذا أص ٌ‬
‫السلوك والطلب")]‪.([29‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫وهذه الستقامة هي الفيصل بين الكرامة والحوال الشيطانية‪ ،‬وإل ّ فإن‬


‫جار‪ ،‬كما تظهر على أيدي السحرة‬ ‫ساق والف ّ‬
‫الخوارق قد تظهر علي يد الف ّ‬
‫والمشعوذين‪ ،‬وللمسيح الدجال في آخر الزمان نصيب كبير من ذلك ولذا قال‬
‫غيو واحد من السلف‪ :‬رأيتم الرجل يمشي على الماء‪ ،‬ويطير في الهواء فل‬
‫تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة)]‪.([30‬‬
‫)]‪ ([1‬أخرجه القضاعي في مسند الشهاب )‪ (2/185‬من حديث أِبي هريرة‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬والحاكم )‪ (2/4‬من حديث ابن مسعود مطو ً‬
‫ل‪.‬‬
‫)]‪ ([2‬الحاكم )‪ ،(2/468‬قال‪" :‬هذا حديث صحيح على شرط الشيخين‪ ،‬ولم‬
‫يخرجاه"‪.‬‬
‫)]‪ ([3‬البخاري في الوضوء‪ ،‬باب التخفيف في الوضوء )‪.(138‬‬
‫)]‪ ([4‬أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى )‪ (1/171‬عن عطاء مرسل‪ً،‬‬
‫وأخرج الحاكم )‪ (2/468‬عن أنس رضي الله عنه‪ ،‬قال‪ :‬كان النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم تنام عيناه‪ ،‬ول ينام قلبه‪ ،‬وقال‪" :‬هذا حديث صحيح على شرط‬
‫مسلم‪ ،‬ولم يخرجاه"‪.‬‬
‫ي )‪.(15/102‬‬ ‫)]‪ ([5‬تفسير القرطب ّ‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)]‪ ([6‬مسلم في الصلة‪ ،‬باب حجة من قال‪ :‬البسملة آية من أول كل سورة‬
‫)‪.(400‬‬
‫)]‪ ([7‬شرح مسلم )‪.(4/113‬‬
‫)]‪ ([8‬فقه اللغة )ص‪.(161 :‬‬
‫)]‪ ([9‬انظر‪ :‬حديث المعراج عند مسلم )‪.(1/148‬‬
‫)]‪ ([10‬البخاري في التفسير‪ ،‬باب قوله‪? :‬والرجز فاهجر? )‪.(4926‬‬
‫)]‪ ([11‬البخاري في بدء الوحي‪ ،‬باب بدء الوحي )‪ ،(2‬ومسلم في الفضائل‪،‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم في البرد )‪.(2333‬‬ ‫باب عرق النب ّ‬
‫)]‪ ([12‬البخاري في بدء الوحي‪ ،‬باب بدء الوحي )‪ ،(4‬ومسلم في اليمان‪،‬‬
‫باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم )‪ ،(160‬وانظر‪:‬‬
‫الحديث السابق‪.‬‬
‫)]‪ ([13‬تقدم تخريجه‪.‬‬
‫)]‪ ([14‬شرح العقيدة الواسطية )ص‪.(64 :‬‬
‫)]‪ ([15‬تقدم تخريجه‪.‬‬
‫)]‪ ([16‬زاد المعاد )‪.(70-1/69‬‬
‫)]‪ ([17‬الترمذي في الزهد‪ ،‬باب ما جاء في الصبر على البلء )‪ ،(4926‬قال‬
‫الترمذي‪" :‬هذا حديث حسن صحيح"‪ .‬وصححه اللباني في السلسلة الصحيحة‬
‫)‪(143‬‬
‫كباث نوع من أنواع ثمر الراك‪.‬‬ ‫)]‪ ([18‬ال َ‬
‫)]‪ ([19‬البخاري في أحاديث النبياء‪ ،‬باب يعكفون على أصنام لهم )‪.(3406‬‬
‫م‬
‫ن ن ِعْ َ‬ ‫سل َي ْ َ‬
‫ما َ‬ ‫داوُد َ ُ‬
‫)]‪ ([20‬البخاري في النبياء‪ ،‬باب قول الله تعالى‪? :‬وَوَهَب َْنا ل ِ َ‬
‫ب? )‪ ،(6769‬ومسلم في القضية‪ ،‬باب بيان اختلف المجتهدين )‬ ‫ال ْعبد إن َ‬
‫ه أّوا ٌ‬
‫َ ْ ُ ِّ ُ‬
‫‪.(1720‬‬
‫)]‪ ([21‬البخاري في الحكام‪ ،‬باب موعظة المام للخصوم )‪ ،(7169‬ومسلم‬
‫جة )‪.(1713‬‬ ‫في القضية‪ ،‬باب الحكم بالظاهر واللحن والح ّ‬
‫ي السلم )ص‪:‬‬ ‫)]‪ ([22‬نصوص هذه الفائدة مأخوذة من كتاب محمد نب ّ‬
‫‪ ،(145‬انظر‪ :‬الرسل والرسالت )ص‪.(106-104 :‬‬
‫)]‪ ([23‬انظر‪ :‬حديث أبي هريرة رضي الله عنه في البخاري في النكاح‪ ،‬باب‬
‫اتخاذ السراري ومن أعتق جارية ثم تزوجها )‪ ،(5084‬ومسلم في الفضائل‪،‬‬
‫باب من فضائل إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم )‪.(2371‬‬
‫)]‪ ([24‬انظر‪ :‬مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية )‪.(3/156‬‬
‫)]‪ ([25‬انظر‪ :‬النوار البهية )‪.(2/393‬‬
‫)]‪ ([26‬النبوات )‪.(211‬‬
‫)]‪ ([27‬مجموع الفتاوى )‪.(3/156‬‬
‫)]‪ ([28‬انظر‪ :‬تفسير ابن كثير )‪.(1/79‬‬
‫)]‪ ([29‬انظر‪ :‬مجموع فتاوى ابن تيمية )‪.(11/320‬‬
‫)]‪ ([30‬انظر‪ :‬تفسير ابن كثير )‪.(1/79‬‬
‫ثامنا‪ :‬مسائل‪:‬‬
‫‪ -1‬تفضيل النبياء والرسل بعضهم على بعض‪:‬‬
‫النبياء أفضل خلق الله تعالى‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبي‬
‫بكر وعمر‪)) :‬هذان سيدا كهول أهل الجنة من الولين والخرين‪ ،‬إل ّ النبيين‬
‫ي(()]‪.([1‬‬‫والمرسلين‪ .‬ل تخبرهما يا عل ّ‬
‫ن أفضل رجلين‬ ‫ن النبياء والمرسلين أفضل الخلق‪ ،‬وأ ّ‬ ‫فيؤخذ من الحديث أ ّ‬
‫بعدهم أبو بكرٍ وعمر رضي الله عنهما‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن خاتم الولياء أفضل من خاتم النبياء‪،‬‬ ‫ومن هنا ُيعرف ضلل قول من قال‪ :‬إ ّ‬
‫ط تغني حكايته عن مناقشته)]‪.([2‬‬ ‫ل ساق ٌ‬ ‫وهو قو ٌ‬
‫ك أفضل من النبياء‪ ،‬وهم بعد ذلك متفاضلون فيما بينهم قال‬ ‫والرسل بل ش ّ‬
‫ه وََرفَ َ‬
‫ع‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫من ك َل ّ َ‬ ‫م ّ‬‫من ْهُ ْ‬‫ض ّ‬ ‫م عَلى ب َعْ ٍ‬
‫ضهُ ْ َ‬ ‫ضل َْنا ب َعْ َ‬‫ل فَ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ك الّر ُ‬ ‫تعالى‪} :‬ت ِل ْ َ‬
‫ت وَأي ّد َْناه ُ ب ُِروِح ال ْ ُ‬‫َ‬
‫س{‬ ‫قد ُ ِ‬ ‫م ال ْب َي َّنا ِ‬‫مْري َ َ‬‫ن َ‬ ‫سى اب ْ َ‬ ‫عي َ‬ ‫ت َوءات َي َْنا ِ‬ ‫جا ٍ‬ ‫م د ََر َ‬ ‫ضهُ ْ‬‫ب َعْ َ‬
‫]البقرة‪ ،[253 :‬وأفضل الرسل هم أولو العزم الخمسة‪ :‬محمد ونوح وإبراهيم‬
‫صب ََر أ ُوُْلوا ْ‬ ‫ما َ‬ ‫صب ِْر ك َ َ‬ ‫وموسى وعيسى عليهم الصلة والسلم قال تعالى‪َ} :‬فا ْ‬
‫ل{ ]الحقاف‪ ،[35:‬وقد ذكرهم الله في أكثر من موضع‬ ‫س ِ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫م َ‬‫ال ْعَْزم ِ ِ‬
‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫صي َْنا ب ِ ِ‬
‫ما وَ ّ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ذى أوْ َ‬ ‫صى ب ِهِ ُنوحا ً َوال ّ ِ‬ ‫ما وَ ّ‬ ‫ن َ‬‫ِ‬ ‫دي‬
‫ن ال ِ ِ‬‫م َ‬ ‫كم ّ‬ ‫شَرع َ ل َ ُ‬ ‫فقال‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ن الن ّب ِي ّي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫خذ َْنا ِ‬ ‫سى{ ]الشورى‪ [13 :‬وقال‪} :‬وَإ ِذ ْ أ َ‬ ‫عي َ‬ ‫سى وَ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫هي َ‬‫إ ِب َْرا ِ‬
‫م{ ]الحزاب‪،[7:‬‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ِ‬ ‫عي َ‬ ‫سى وَ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫هي َ‬‫من ّنوٍح وَإ ِْبرا ِ‬ ‫َ‬
‫من ْك وَ ِ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ميَثاقَهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫وأفضل هؤلء كلهم محمد بن عبد الله الرسول المي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم‪)) :‬أنا سيد القوم يوم القيامة(( )]‪ ،([3‬وفي رواية‬
‫عند مسلم‪)) :‬أنا سيد ولد آدم يوم القيامة((‪.‬‬

‫)‪(18 /‬‬

‫وهو صاحب الشفاعة العظمى كما في حديث أِبي هريرة وفيه‪)) :‬فيقولون‪ :‬يا‬
‫محمد‪ ،‬أنت رسول الله وخاتم النبياء‪ ،‬وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما‬
‫تأخر‪ ،‬اشفع لنا إلى ربك‪ ،‬أل ترى إلى ما نحن فيه؟!(()]‪ ،([4‬فيشفع فيهم‪،‬‬
‫فيشفعه الله تعالى‪.‬‬
‫ص تنهى عن التفضيل بن النبياء ل تعارض‬ ‫وقد وردت في السنة نصو ٌ‬
‫ضل بعض النبياء على بعض وبعض‬ ‫ن الله ف ّ‬
‫ل على أ ّ‬ ‫النصوص القرآنية التي تد ّ‬
‫ن النهي في هذه الحاديث ينبغي أن يحمل على‬ ‫المرسلين على بعض؛ ل ّ‬
‫التفضيل الذي يكون على وجه الحمّية والعصبية والنتقاص‪ ،‬أو كان مؤدًيا إلى‬
‫ب‬
‫شيء من ذلك‪ ،‬برهان ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬است ّ‬
‫ل من اليهود‪ .‬قال المسلم‪ :‬والذي اصطفى‬ ‫ل من المسلمين ورج ٌ‬ ‫رجلن‪ :‬رج ٌ‬
‫دا على العالمين‪ .‬فقال اليهودي‪ :‬والذي اصطفى موسى على العالمين‪.‬‬ ‫محم ً‬
‫فرفع المسلم يده عند ذلك فلطم وجه اليهودي‪ ،‬فذهب اليهوديّ إلى النبي‬
‫ي‬
‫صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم‪ ،‬فدعا النب ّ‬
‫م‪ ،‬فسأله عن ذلك‪ ،‬فأخبره‪ .‬فقال النبي صلى‬ ‫صلى الله عليه وسلم المسل َ‬
‫ن الناس يصعقون يوم القيامة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فإ‬ ‫موسى‪،‬‬ ‫على‬ ‫ني‬‫الله عليه وسلم‪)) :‬ل تخيرو ِ‬
‫فأصعق معهم‪ ،‬فأكون أول من يفيق‪ ،‬فإذا موسى باطش جانب العرش‪ ،‬فل‬
‫أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي‪ ،‬أو كان ممن استثنى الله(()]‪.([5‬‬
‫قال ابن حجر‪" :‬قال العلماء في َنهيه صلى الله عليه وسلم عن التفضيل بين‬
‫من يقوله برأيه ل من يقوله بدليل‪ ،‬أو من يقوله‬ ‫النبياء‪ :‬إّنما َنهى عن ذلك َ‬
‫بحيث يؤدي إلى تنقيص المفضول‪ ،‬أو يؤدي إلى الخصومة والتنازع‪ .‬أو المراد‪:‬‬
‫ل تفضلوا بجميع أنواع الفضائل‪ ،‬بحيث ل يترك للمفضول فضيلة")]‪.([6‬‬
‫وقال الحليمي‪" :‬الخبار الواردة في النهي عن التخيير إّنما هي في مجادلة‬
‫ن المخايرة إذا‬‫أهل الكتاب‪ ،‬وتفضيل بعض النبياء على بعض بالمخايرة؛ ل ّ‬
‫وقعت بين أهل دينين ل يؤمن أن يخرج أحدهما إلى الزدراء بالخر فيفضي‬
‫دا إلى مقابلة الفضائل لتحصيل‬ ‫ما إذا كان التخيير مستن ً‬ ‫إلى الكفر‪ .‬فأ ّ‬
‫الرجحان فل يدخل في النهي")]‪.([7‬‬
‫‪ -2‬نبوة النساء‪:‬‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذهب أبو الحسن الشعري وابن حزم الظاهري وغيرهما إلى نبوة مريم عليها‬
‫ن في‬ ‫السلم‪ ،‬واختلفوا فيما بينهم في نبوة غيرها من النساء الوارد ذكره ّ‬
‫م موسى وآسية امرأة فرعون)]‪.([8‬‬ ‫القرآن كحواء وسارة وهاجر وأ ّ‬
‫م{‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫حى‬ ‫نو‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫جا‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫من‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ ِْ ْ‬ ‫ّ ِ‬ ‫ِْ ِ ِ َ‬ ‫ما أ ْ َ َ ِ‬
‫نا‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫وأجابوا عن قوله تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫ما النبوة فل‬ ‫]النبياء‪ [7 :‬بأّنهم ل يخالفون مفهومها‪ ،‬فالرسالة للرجال‪ ،‬أ ّ‬
‫ما من النبوة التبليغ‪ ،‬بل النبوة تكون قاصرة‬ ‫ص القرآِني‪ ،‬وليس لز ً‬ ‫يشملها الن ّ‬
‫على صاحبها يعمل ِبها‪ ،‬ول يحتاج إلى أن يبلغها إلى الخرين‪.‬‬
‫ل أصحاب هذا الرأي بأدلة‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫واستد ّ‬
‫حي َْنا‬ ‫َ‬
‫م موسى قال تعالى‪} :‬وَأوْ َ‬ ‫ن الله أوحى إلى بعض النساء‪ ،‬فأوحى إلى أ ّ‬ ‫‪-‬أ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫خاِفى وَل َ‬ ‫م وَل َ ت َ َ‬ ‫قيهِ ِفى الي َ ّ‬ ‫ت عَلي ْهِ فَأل ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫ضِعيهِ فَإ َِذا ِ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫م ُ‬ ‫إ َِلى أ ّ‬
‫ن{ ]القصص‪ ،[7:‬وأرسل جبريل‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫عُلوه ُ ِ‬ ‫جا ِ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫حَزِنى إ ِّنا َراّدوه ُ إ ِل َي ْ ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫جابا ً‬ ‫ح َ‬ ‫من ُدون ِِهم ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫خذ َ ْ‬ ‫إلى مريم فبلغها عن الله أمره قال تعالى‪َ} :‬فات ّ َ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫منكَ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ح َ‬ ‫عوذ ُ ِبالّر ْ‬ ‫ت إ ِّنى أ ُ‬ ‫سوِي ّا ً ‪َ Q‬قال َ ْ‬ ‫شرا ً َ‬ ‫ل ل ََها ب َ َ‬ ‫مث ّ َ‬‫حَنا فَت َ َ‬ ‫سل َْنا إ ِل َي َْها ُرو َ‬ ‫فَأْر َ‬
‫ك غَُلما ً َزك ِي ًّا{ ]مريم‪.[19-17:‬‬ ‫َ‬
‫ب لَ ِ‬ ‫ك لهَ َ‬ ‫ل َرب ّ ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ما أن َا ْ َر ُ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫قي ّا ً ‪َ R‬قا َ‬ ‫ت تَ ِ‬‫كن َ‬ ‫ِإن ُ‬
‫ن كل من جاءه الملك عن الله تعالى بحكم من أمر أو‬ ‫فأبو الحسن يرى أ ّ‬
‫م موسى ومريم شيٌء من هذا‪.‬‬ ‫ي‪ ،‬وقد تحقق في أ ّ‬ ‫َنهي أو بإعلم فهو نب ّ‬
‫م‬‫مْري َ ُ‬
‫ة يا َ‬ ‫َ‬
‫ملئ ِك ُ‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫ت ال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫‪ -‬واستدلوا باصطفاء الله تعالى لمريم قال تعالى‪} :‬وَإ ِذ قال ِ‬
‫ن { ]آل عمران‪.[42:‬‬ ‫مي َ‬ ‫ساء ال َْعال َ ِ‬ ‫ك عََلى ن ِ َ‬ ‫فا ِ‬ ‫صط َ َ‬ ‫ك َوا ْ‬ ‫ك وَط َهَّر ِ‬ ‫فا ِ‬‫صط َ َ‬ ‫ها ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ضا بحديث أِبي موسى رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله‬ ‫‪ -‬واستدلوا أي ً‬
‫صلى الله عليه وسلم‪)) :‬كمل من الرجال كثير‪ ،‬ولم يكمل من النساء إل ّ‬
‫ن فضل عائشة على النساء‬ ‫آسية امرأة فرعون‪ ،‬ومريم بنت عمران‪ .‬وإ ّ‬
‫كفضل الثريد على سائر الطعام(()]‪ .([9‬قالوا‪ :‬الذي يبلغ مرتبة الكمال هم‬
‫النبياء‪.‬‬
‫ن هذه الدلة ل تنهض لثبات نبوة النساء‪ ،‬وذلك من وجوه‪:‬‬ ‫وأجيبوا بأ ّ‬
‫ي غير مأمور بالتبليغ والتوجيه ومخالطة الّناس‪،‬‬ ‫ن النب ّ‬ ‫الول‪ :‬أننا ل نسلم أ ّ‬
‫ن الفرق واقعٌ في كون‬ ‫ي والرسول في هذا‪ ،‬وأ ّ‬ ‫والمحتار أن ل فرق بين النب ّ‬
‫ن أعباء التبليغ ل‬ ‫ي مرسل بتشريع رسول سابق‪ ،‬وإذا كان ذلك كذلك فإ ّ‬ ‫النب ّ‬
‫تقوى عليها النساء‪ ،‬فل تقوم بحقّ النبوة‪.‬‬
‫ما‪،‬‬ ‫الثاِني‪ :‬قد يكون وحي الله إلى هؤلء النساء أم موسى وآسية إّنما وقع منا ً‬
‫ما‪ ،‬وهذا يقع لغير النبياء‪.‬‬ ‫ن من الوحي ما يكون منا ً‬ ‫فقد علمنا أ ّ‬

‫)‪(19 /‬‬

‫ي‪ ،‬ففي حديث أبي‬ ‫ن كل من خاطبته الملئكة فهو نب ّ‬ ‫الثالث‪ :‬ل نسلم قولهم أ ّ‬
‫خا له في قرية أخرى‪،‬‬ ‫ن رجل ً زار أ ً‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم أ ّ‬ ‫هريرة عن النب ّ‬
‫كا‪ ،‬فلما أتى عليه قال‪ :‬أين تريد؟ قال‪ :‬أريد‬ ‫فأرصد الله له على مدرجته مل ً‬
‫خا لي في هذه القرية‪ .‬قال‪ :‬هل لك عليه من نعمة ترّبها؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬غير أّني‬ ‫أ ً‬
‫ن الله قد أحّبك كما‬ ‫ل‪ .‬قال‪ :‬فإّني رسول الله إليك بأ ّ‬ ‫أحببته في الله عّز وج ّ‬
‫أحببته فيه)]‪.([10‬‬
‫ن الرسول صلى الله عليه وسلم توقف في نبوة ذي القرنين مع‬ ‫الرابع‪ :‬أ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن الله أوحى إليه‪} :‬قُلَنا ياَذا ال َ‬
‫ما أن‬ ‫ما أن ت ُعَذ ّ َ‬
‫ب وَإ ِ ّ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫قْرن َي ْ ِ‬ ‫إخبار القرآن بأ ّ‬
‫سنًا{ ]الكهف‪.[86 :‬‬ ‫ح ْ‬ ‫خذ َ ِفيهِ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ت َت ّ ِ‬
‫جة لهم في النصوص الدالة على اصطفاء الله لمريم‪ ،‬فالله قد‬ ‫الخامس‪ :‬ل ح ّ‬
‫عَبادَِنا‬
‫ن ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م ْ‬ ‫في َْنا ِ‬
‫صط َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫م أوَْرثَنا الك َِتا َ‬ ‫صّرح بأّنه اصطفى غير النبياء‪} :‬ث ّ‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت{ ]فاطر‪،[32 :‬‬ ‫خْيرا ِ‬ ‫ساب ِقٌ ِبال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬


‫صد ٌ و َ ِ‬‫قت َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫سهِ وَ ِ‬
‫ف ِ‬‫م ل ّن َ ْ‬ ‫ظال ِ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫فَ ِ‬
‫واصطفى آل إبراهيم وآل عمران على العالمين‪ ،‬ومن آلهما من ليس بنبي‬
‫ن‬
‫مرا َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫م َوءا َ‬ ‫هي َ‬ ‫ل إ ِْبرا ِ‬ ‫حا َوءا َ‬ ‫م وَُنو ً‬ ‫فى آد َ َ‬ ‫صط َ َ‬ ‫ها ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ما فقال تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬ ‫جز ً‬
‫ن{ ]آل عمران‪.[33:‬‬ ‫مي‬
‫َ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫عا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫لى‬ ‫عَ َ‬
‫جوا به النبوة‪،‬‬ ‫السادس‪ :‬ل يلزم من لفظ الكمال الوارد في الحديث الذي احت ّ‬
‫لّنه يطلق لتمام الشيء‪ ،‬وتناهيه في بابه‪ ،‬فالمراد بلوغ النساء الكاملت‬
‫النهاية في جميع الفضائل التي للنساء‪ ،‬وعلى ذلك فالكمال هنا كمال غير‬
‫النبياء‪.‬‬
‫ن خديجة من الكاملت)]‪،([11‬‬ ‫ص على أ ّ‬ ‫السابع‪ :‬ورد في بعض الحاديث الن ّ‬
‫ن الكمال هنا ليس كمال النبوة‪.‬‬ ‫وهذا يبّين أ ّ‬
‫وهذا هو الراجح في المسألة أّنه لم يثبت نبوة أحدٍ من النساء‪ ،‬والدلة‬
‫دا‪ ،‬والتعريف‬ ‫ص في عدم إرسال الله لي امرأة أب ً‬ ‫الواردة غير كافية‪ ،‬والية ن ّ‬
‫ي ل يتحقق في المرأة‪ ،‬وقد قال الحسن البصري رحمه الله‪:‬‬ ‫المختار للنب ّ‬
‫ن")]‪.([12‬‬ ‫"ليس في النساء نبّية‪ ،‬ول في الج ّ‬
‫وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫)]‪ ([1‬أحمد )‪ ،(1/80‬والترمذي في المناقب‪ ،‬باب في مناقب أبي بكر‬
‫الصديق رضي الله عنه )‪ ،(3664‬وابن ماجه في المقدمة‪ ،‬باب فضل أبي بكر‬
‫الصديق رضي الله عنه )‪ ،(95‬قال أبو عيسى‪" :‬هذا حديث حسن غريب من‬
‫هذا الوجه"‪ ،‬وصححه ابن حّبان من حديث أبي جحيفة )‪.(6904‬‬
‫)]‪ ([2‬انظر‪ :‬مجموع فتاوى ابن تيمية )‪ ،(11/221) ،(2/222‬ولوامع النوار‬
‫البهية )‪.(2/300‬‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫سلَنا ُنوحا إ ِلى‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قد ْ أْر َ‬ ‫)]‪ ([3‬البخاري في النبياء‪ ،‬باب قول الله تعالى‪} :‬ل َ‬
‫ه{ )‪ ،(3340‬ومسلم في الفضائل‪ ،‬باب تفضيل نبّينا على النبياء )‬ ‫م ِ‬‫قَوْ ِ‬
‫‪.(2278‬‬
‫معَ ُنوٍح‬ ‫ملَنا َ‬ ‫ْ‬ ‫ح َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة َ‬ ‫)]‪ ([4‬البخاري في التفسير‪ ،‬باب قول الله تعالى‪} :‬ذ ُّري ّ َ‬
‫كوًرا{ )‪.(4712‬‬ ‫ش ُ‬ ‫ن عَْبدا ً َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫إ ِن ّ ُ‬
‫)]‪ ([5‬البخاري في الخصومات‪ ،‬باب ما جاء في الشخاص والخصومة بين‬
‫المسلم وغيره )‪.(2411‬‬
‫)]‪ ([6‬فتح الباري )‪.(6/446‬‬
‫)]‪ ([7‬انظر‪ :‬فتح الباري )‪.(6/446‬‬
‫)]‪ ([8‬انظر‪ :‬فتح الباري )‪ ،(6/473) ،(448-6/447‬ولوامع النوار البهية )‬
‫‪.(2/226‬‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫مث َل ً ل ِل ّ ِ‬ ‫ه َ‬‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫)]‪ ([9‬البخاري في النبياء‪ ،‬باب قول الله تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫ن{ )‪ ،(3411‬ومسلم في فضائل الصحابة‪ ،‬باب فضائل‬ ‫آمنوا ا َ‬
‫ت فِْرعَوْ َ‬ ‫مَرأ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬
‫م المؤمنين )‪.(2431‬‬ ‫خديجة أ ّ‬
‫ب في الله )‪.(2567‬‬ ‫)]‪ ([10‬مسلم في البر والصلة والداب‪ ،‬باب فضل الح ّ‬
‫هّ‬
‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫مْري َ ُ‬ ‫ة َيا َ‬ ‫َ‬
‫ملئ ِك ُ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫)]‪ ([11‬أخرج البخاري في النبياء‪ ،‬باب }وَإ ِذ ْ َقال َ ِ‬
‫ي رضي الله عنه قال‪ :‬سمعت النبي صلى الله‬ ‫ك{ )‪ (3432‬عن عل ّ‬ ‫فا ِ‬ ‫صط َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫عليه وسلم يقول‪» :‬خير نسائها مريم ابنة عمران‪ ،‬وخير نسائها خديجة«‪.‬‬
‫)]‪ ([12‬انظر‪ :‬فتح الباري )‪.(6/473,471‬‬

‫)‪(20 /‬‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اليمان بالدين كظاهرة غيبية‪ ..‬وهم أم يقين؟‬


‫* محمد مهدي الصفي‬
‫للدين في حياة النسان طرفان‪:‬‬
‫طرف منه يتصل بعقيدة النسان ويقينه‪ ،‬وطرف آخر منه يتصل بسلوكه‬
‫وحياته الجتماعية‪.‬‬
‫وليس من شك أن ظاهرة التدين واليمان بالغيب كان أقدم ما عرفه النسان‬
‫في حياته‪ ،‬ومن أكثر الظواهر ثباتا ً وشيوعا ً في حياة النسان‪.‬‬
‫ورغم اختلف مظاهر التدين في حياة النسان فقد كان النسان يؤمن في‬
‫هذه الحالت جميعا ً بوجود مبدع غيبي ما وراء الطبيعة‪ ،‬وما وراء المظاهر‬
‫المادية‪.‬‬
‫ورغم ان الحواس ل تباشر غير المادة والطاقة‪ ،‬فإن النسان يؤمن بحقيقة‬
‫ثالثة‪ ،‬ليس هو بمادة ول طاقة‪ ،‬وإنما هو مبدأ للمادة والطاقة معًا‪ ،‬وذلك هو‬
‫الغيب الذي يؤمن به النسان‪ ،‬دون أن يقع له عليه حس‪ ،‬ودون أن يباشره‬
‫بشيء من حواسه‪.‬‬
‫***‬
‫والسؤال الذي نود أن نطرحه هو أن اليمان بالدين كظاهرة غيبية هل هو‬
‫شيء أصيل في حياة النسان‪ ،‬نابع من أعماق شخصية النسان وفطرته‪ ،‬أم‬
‫هو شيء طارئ على حياة النسان‪ ،‬نتيجة بعض الظروف والوضاع‬
‫الجتماعية؟‬
‫وهل يؤمن النسان حقا ً بالدين‪ ،‬أم هو وهم‪ ،‬يبدو للنسان على شكل يقين؟‬
‫وهل اليمان بالغيب أمر ثابت في حياة النسان‪ ،‬ثبات الغرائز والنوازع‬
‫الصيلة‪ ،‬أم هو مرحلة في حياة النسان‪ ،‬كما يقول )أوجست كنت(‪ ،‬حيث‬
‫يرى أن النسانية مرت بثلث مراحل في حياتها‪ ،‬دور الفلسفة الدينية‪ ،‬ودور‬
‫الفلسفة التجريدية‪ ،‬ودور الفلسفة الواقعية؟‬
‫ومرد هذه التساؤلت جميعا ً إلى التساؤل عن أصالة التدين في شخصية‬
‫النسان‪.‬‬
‫ً‬
‫ول شك أن اكتشاف هذه النقطة الجوهرية ينفعنا كثيرا في فهم حقيقة الدين‬
‫وإثبات واقعية التدين واليمان بالغيب‪ ،‬وإثبات واقعية الدين في حد ذاته أيضًا‪.‬‬
‫***‬
‫وبذلك فإن أصالة النزوع الديني في الشخصية يكشف عن حقيقتين‬
‫جوهريتين في هذا المجال‪:‬‬
‫الحقيقة الولى أن التدين حقيقة ثابتة في شخصية النسان‪ ،‬وأن النزوع‬
‫الديني نزوع صادق‪ ،‬وليس وهما ً أو سرابا ً في النفس‪.‬‬
‫وصدق هذا النزوع وأصالته في الشخصية وإن كان ل يثبت الواقعية‬
‫الموضوعية للدين إل أنه يكشف بل شك عن واقعية التدين الذاتية في نفس‬
‫النسان‪.‬‬
‫كما يكشف عن أن التنكر للدين شيء طارئ على الشخصية‪ ،‬وعرض من‬
‫العراض النفسية والروحية التي تصيب النسان‪ ،‬وشذوذ في الشخصية‬
‫وليس حالة عامة في النسان‪.‬‬
‫والحقيقة الثانية ان هذا النزوع بهذا الشكل من القوة والصالة ل يمكن أن‬
‫يكون خاطئًا‪ .‬فل يمكن أن تنزع الفطرة عبثا ً وراء غيب ل حقيقة له‪.‬‬
‫فإننا لو أثبتنا أصالة هذا النزوع في الشخصية‪ ..‬فل يمكن أن ينفك عن واقعية‬
‫هذا الغيب الذي ينزع إليه النسان‪.‬‬
‫والواقعية هنا‪ ،‬بخلف الصورة الولى‪ ،‬واقعية موضوعية وإن كان الطريق إلى‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إثبات هذه الواقعية الموضوعية طريقا ً ذاتيا ً وجدانيًا‪.‬‬


‫ولذلك فإن النظريات الدينية تقع في اتجاه معاكس للتجاهات المادية في‬
‫تسير الدين دائمًا‪.‬‬
‫فإن النظريات الدينية تفسر هذه النزعة دائما ً بالفطرة‪ ،‬وتؤكد صلتها الوثيقة‬
‫بالكينونة النسانية وأصالتها في الشخصية‪ ،‬بينما تحاول النظريات المادية‬
‫توجيه هذا النزوع بعوامل خارجة عن شخصية النسان وطارئة عليه‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫اليمان بالقضاء والقدر‬


‫أو ً‬
‫ل‪ :‬التعريف‪:‬‬
‫ة وشرعا وبيان العلقة المعنيين‪.‬‬ ‫أ‪ -‬تعريف القضاء والقدر لغ ً‬
‫ب‪ -‬هل هناك فرق بين القضاء والقدر؟‬
‫ثانيًا‪ :‬إثبات القضاء والقدر‪:‬‬
‫أ‪ -‬الدلة على وجوب اليمان بالقضاء والقدر‪.‬‬
‫ب‪ -‬النصوص الدالة على تقدير الله تعالى لفعال العباد‪.‬‬
‫ج‪ -‬مراتب القدر‪.‬‬
‫د‪ -‬حدود نظر العقل في القدر‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أهمية اليمان بالقضاء والقدر‪:‬‬
‫أ‪ -‬منزلة اليمان بالقضاء والقدر بين بقية أركان اليمان‪.‬‬
‫ب‪ -‬اليمان بالقدر في الديان السماوية‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬القضاء والقدر واعتقاد الناس‪:‬‬
‫أ‪ -‬مذاهب الناس في القضاء والقدر‪.‬‬
‫ب‪ -‬منشأ ضلل القدرية والجبرية‪.‬‬
‫ج‪ -‬مناقشة الجبرية والقدرية إجما ً‬
‫ل‪.‬‬
‫د‪ -‬محاورة أهل السنة للقدرية‪.‬‬
‫هـ‪ -‬من أقوال السلف والئمة في اليمان بالقدر‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬مسائل متفرقة‪:‬‬
‫أ‪ -‬حكم الحتجاج بالقدر على فعل المعاصي‪.‬‬
‫ب‪ -‬شبهة من استدل بقوله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬فحج آدم موسى((‪.‬‬
‫ج‪ -‬هل نحن مأمورون بالرضا بقضاء الله وقدره؟‬
‫سادسًا‪ :‬مذهب أهل السنة في مسائل تتعلق بالقضاء والقدر‪:‬‬
‫أ‪ -‬التحسين والتقبيح‪.‬‬
‫ب‪ -‬وجوب فعل الصلح‪.‬‬
‫ج‪ -‬الستطاعة‪.‬‬
‫د‪ -‬الحكمة والتعليل‪.‬‬
‫هـ‪ -‬تكليف ما ل ُيطاق‪.‬‬
‫و‪ -‬معنى الظلم‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬ثمرات اليمان بقضاء الله وقدره‪.‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬التعريف‪:‬‬
‫أ‪ -‬تعريف القضاء والقدر لغة وشرعا وبيان العلقة بين المعنيين‪:‬‬
‫تعريف القضاء والقدر‪:‬‬
‫القضاء لغة‪ :‬الحكام والتقان وإتمام المر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫قال ابن فارس‪" :‬القاف والضاد والحرف المعتل أصل صحيح يدل على إحكام‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أمر وإتقانه وإنفاذه لجهته"‪.‬‬


‫وقال ابن الثير‪" :‬القضاء في اللغة على وجوه‪ ،‬مرجعها انقطاع الشيء‬
‫وتمامه"‪.‬‬
‫ويأتي أيضا ً بمعنى القدر‪.‬‬
‫وقد ورد لفظ القضاء في القرآن كثيرا ً فمن المعاني التي ورد بها‪:‬‬
‫‪ -1‬معنى المر‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪} :‬وقَضى رب َ َ‬
‫ه‪{...‬‬ ‫دوا ْ إ ِل ّ إ ِّيا ُ‬ ‫ك أل ّ ت َعْب ُ ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ َ‬
‫]السراء‪.[23:‬‬
‫قال قتادة‪" :‬أي‪ :‬أمر ربك أل ّ تعبدوا إل ّ إّياه‪ ،‬فهذا قضاء الله العاجل"‪.‬‬
‫مَر{ ]الحجر‪ [66:‬أي‪:‬‬ ‫ك ال ْ‬ ‫ضي َْنآ إ ِل َي ْهِ ذ َل ِ َ‬‫‪ -2‬معنى النهاء‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪} :‬وَقَ َ‬
‫تقدمنا وأنهينا‪ ،‬قال الجوهري‪" :‬أي‪ :‬أنهيناه وأبلغناه"‪.‬‬
‫ن{‬ ‫مي ْ ِ‬
‫ت ِفى ي َوْ َ‬ ‫ماوا ٍ‬ ‫س َ‬ ‫سب ْعَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ضاهُ ّ‬ ‫ق َ‬ ‫‪ -3‬معنى الفراغ‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪} :‬فَ َ‬
‫]فصلت‪.[12:‬‬
‫قال الطبري‪" :‬فرغ من خلقهن سبع سموات في يومين"‪.‬‬
‫‪ -6،5،4‬ويأتي أيضا ً بمعنى الداء‪ ،‬والعلم‪ ،‬والموت‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫القدر لغة‪ :‬يطلق على الحكم والقضاء والطاقة‪.‬‬
‫ل صحيح يدل على مبلغ الشيء‬ ‫ّ‬ ‫قال ابن فارس‪" :‬القاف والدال والراء‪ ،‬أص ٌ‬
‫كنَهه ونهايته"‪.‬‬
‫ويأتي على معان‪:‬‬
‫‪ -1‬معنى الطاقة‪.‬‬
‫ه{ ]الطلق‪ ،[7:‬قال‬ ‫من قُدَِر عَل َي ْهِ رِْزقُ ُ‬ ‫‪ -2‬التضييق‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫الراغب الصفهاني‪" :‬أي‪ :‬ضّيق عليه‪ ،‬وقدرت عليه الشيء ضيقته‪ ،‬كأنما‬
‫جعلته بقدٍر"‪.‬‬
‫ُ‬
‫ويأتي لمعاني أخر‪.‬‬
‫القضاء والقدر شرعا‪ً:‬‬
‫قال الشيخ محمد خليل الهّراس‪" :‬والمراد به في لسان الشرع‪ :‬أن الله عز‬
‫ل‪ ،‬ثم أوجدها بقدرته ومشيئته على وفق‬ ‫وجل علم مقادير الشياء وأزمانها أز ً‬
‫ما علمه منها‪ ،‬وأنه كتبها في اللوح قبل إحداثها"‪.‬‬
‫مه سبحانه أنها ستقع في‬ ‫وقيل‪" :‬هو تقدير الله تعالى الشياء في القدم‪ ،‬وعل ُ‬
‫أوقات معلومة عنده‪ ،‬وعلى صفات مخصوصة‪ ،‬وكتابُته سبحانه لذلك‪،‬‬
‫قه لها"‪.‬‬ ‫درها‪ ،‬وخل ُ‬ ‫ومشيئته له‪ ،‬ووقوعها على حسب ما ق ّ‬
‫العلقة بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي‪:‬‬
‫يتبين مما سبق أن بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي لكل من القضاء‬
‫طا قوّيا‪ ،‬فمعاني القضاء في اللغة ترجع إلى إحكام المر وإتقانه‬ ‫والقدر تراب ً‬
‫وإنفاذه‪ ،‬ومن معانيه‪ :‬المر والحكم والعلم‪ ،‬كما أن معاني القدر ترجع إلى‬
‫در مقادير الخلق‪ ،‬فعلمها وكتبها‬ ‫التقدير والقدرة‪ ،‬والله سبحانه وتعالى ق ّ‬
‫درة فتقع حسب أقدارها كما أمر الله تعالى‬ ‫وشاءها وخلقها‪ ،‬وهي مقضّية ومق ّ‬
‫أن تقع‪ ،‬وهذا كله ل يخرج عن المعاني اللغوية للكلمتين‪.‬‬
‫ب‪ -‬هل هناك فرق بين القضاء والقدر؟‬
‫انقسم العلماء في ذلك إلى فريقين‪:‬‬
‫الفريق الول‪ :‬قالوا‪ :‬إنه ل فرق بين القضاء والقدر‪ ،‬فكل واحد منهما في‬
‫معنى الخر‪ ،‬فإذا أطلق التعريف على أحدهما شمل الخر‪ ،‬ولذلك إذا أطلق‬
‫سر بالقدر‪ ،‬وكذلك القدر‪ ،‬فل فرق بينهما في اللغة‪ ،‬كما أنه ل‬ ‫القضاء وحده ف ّ‬
‫دليل على التفريق بينهما في الشرع‪.‬‬
‫الفريق الثاني‪ :‬قالوا بالفرق بينهما‪ ،‬لكنهم اختلفوا في التمييز بينهما على‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أقوال‪:‬‬
‫القول الول‪ :‬قول أبي حامد الغزالي أن هناك بالنسبة لتدبير الله وخلقه ثلثة‬
‫أمور‪:‬‬
‫‪ -1‬الحكم‪ :‬وهو التدبير الول الكّلي والمر الزلي‪.‬‬
‫‪ -2‬القضاء‪ :‬وهو الوضع الكلي للسباب الكلية الدائمة‪.‬‬
‫‪ -3‬القدر‪ :‬وهو توجيه السباب الكلية بحركاتها المقدرة المحسوبة إلى‬
‫مسبباتها المعدودة المحدودة بقدر معلوم ل يزيد ول ينقص"‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬ما نقله الحافظ ابن حجر عن بعض العلماء أنهم قالوا‪ :‬القضاء‬
‫هو الحكم الكّلي الجمالي في الزل‪ ،‬والقدر‪ :‬جزئيات ذلك الحكم وتفاصيله‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ب الصفهاني‪ :‬أن القدر بمنزلة المعِد ّ للكيل‪،‬‬ ‫القول الثالث‪ :‬ما نقله الراغ ُ‬
‫والقضاء بمنزلة الكيل‪ ،‬وهذا كما قال أبو عبيدة لعمر رضي الله عنه لما أراد‬
‫الفرار من الطاعون بالشام‪ :‬أتفّر من القضاء؟ قال‪ :‬أفّر من قضاء الله إلى‬
‫قدر الله‪ ،‬تنبيها ً على أن القدر ما لم يكن قضاًء فمرجوٌ أن يدفعه الله‪ ،‬فإذا‬
‫قضي فل مدفع له‪.‬‬
‫القول الرابع‪ :‬قول الشعرية‪ :‬إن القضاء إرادة الله الزلية المتعلقة بالشياء‬
‫على وفق ما توجد عليه وجودها الحادث‪ ،‬كإرادته تعالى الزلية بخلق النسان‬
‫ددة بالقضاء في‬ ‫في الرض‪ .‬والقدر هو إيجاد الله الشياء على مقاديرها المح ّ‬
‫ذواتها وصفاتها وأفعالها وأطوالها وأزمنتها وأمكنتها وأسبابها‪ ،‬كإيجاد الله‬
‫النسان فعل ً على وجه الرض طبق ما سبق في قضائه سبحانه‪.‬‬
‫دية‪ :‬إن القضاء راجع إلى التكوين كخلق الله‬ ‫القول الخامس‪ :‬قول الماتري ّ‬
‫النسان على ما هو عليه طبق الرادة الزلية‪ .‬والقدر هو التقدير‪ ،‬وهو جعل‬
‫الشيء بالرادة على مقدار محدد قبل وجوده‪ ،‬ثم يكون وجوده في الواقع‬
‫بالقضاء على وفق التقدير‪ ،‬كإرادته تعالى في الزل إيجاد النسان على وجه‬
‫مخصوص وصورة مخصوصة محددة المقادير‪.‬‬
‫خلصة القوال‪:‬‬
‫ل واضح من الكتاب والسنة‪ ،‬يفصل في‬ ‫‪ -1‬الذين فّرقوا بينهما ليس لهم دلي ٌ‬
‫القضية‪.‬‬
‫‪ -2‬عند إطلق أحدهما يشمل الخر‪ ،‬وهذا يوحي بأنه ل فرق بينهما في‬
‫الشرع؛ ولذا فالراجح أنه ل فرق بينهما‪.‬‬
‫‪ -3‬ول فائدة من هذا الخلف؛ لنه قد وقع التفاق على أن أحدهما يطلق على‬
‫الخر‪ ،‬وعند ذكرهما معًا‪ ،‬فل مشاحة من تعريف أحدهما بما يدل عليه الخر‪.‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫مقاييس اللغة )‪.(5/99‬‬
‫النهاية في غريب الحديث )‪.(4/78‬‬
‫انظر‪ :‬لسان العرب )‪ (15/186‬مادة‪ :‬قضى‪.‬‬
‫تفسير الطبري )‪.(17/413‬‬
‫انظر‪ :‬الصحاح للجوهري )‪ ،(6/2463‬ولسان العرب )‪ (15/187‬مادة‪ :‬قضى‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تفسير ابن كثير )‪.(2/575‬‬
‫الصحاح )‪.(6/2464‬‬
‫المصدر السابق )‪.(6/2464‬‬
‫تفسير الطبري )‪.(21/440‬‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫انظر‪ :‬الصحاح )‪.(6/2464‬‬


‫لسان العرب )‪.(15/187‬‬
‫الصحاح )‪ ،(6/2463‬ولسان العرب )‪.(15/187‬‬
‫مقاييس اللغة )‪.(5/62‬‬
‫التكملة والذيل والصلة للصغاني )‪.(160-3/159‬‬
‫مفردات القرآن )ص ‪.(659‬‬
‫شرح العقيدة الواسطية )ص ‪.(65‬‬
‫القضاء والقدر للدكتور عبد الرحمن بن صالح المحمود )ص ‪.(40-39‬‬
‫انظر‪ :‬القضاء والقدر للدكتور المحمود )ص ‪.(39‬‬
‫القضاء والقدر للدكتور عبد الرحمن المحمود )ص ‪.(41-40‬‬
‫الربعين في أصول الدين للغزالي )ص ‪ ،(24‬وانظر‪ :‬الدين الخالص لصديق‬
‫حسن خان )‪.(3/154‬‬
‫فتح الباري )‪.(11/486‬‬
‫مفردات القرآن )ص ‪ .(676-675‬وانظر‪ :‬إرشاد الساري للقسطلني )‬
‫‪.(9/343‬‬
‫العقيدة السلمية وأسسها لعبد الرحمن حبنكة )ص ‪ (626‬باختصار‪.‬‬
‫ة وتقويما ً لحمد الحربي )ص ‪-435‬‬ ‫المصدر السابق‪ .‬وانظر‪ :‬الماتريدية دراس ً‬
‫‪.(437‬‬
‫القضاء والقدر للمحمود )ص ‪.(44‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إثبات القضاء والقدر‪:‬‬
‫أ‪ -‬الدلة على وجوب اليمان بالقضاء والقدر‪:‬‬
‫قد ٍَر{ ]القمر‪.[49:‬‬ ‫خل َ ْ‬
‫قَناهُ ب ِ َ‬ ‫ىء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قال تعالى‪} :‬إ ِّنا ك ُ ّ‬
‫ً‬
‫قال الشوكاني‪" :‬إن كل شيء من الشياء خلقه الله سبحانه متلبسا بقدٍر‬
‫دره‪ ،‬وقضاٍء قضاه سبق في علمه‪ ،‬مكتوب في اللوح المحفوظ قبل‬ ‫ق ّ‬
‫وقوعه"‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫دورا{‬ ‫ق ُ‬
‫م ْ‬‫درا ّ‬ ‫مُر اللهِ قَ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ل وَكا َ‬‫من قَب ْ ُ‬ ‫خلوْا ِ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬
‫ة اللهِ ِفى ال ِ‬ ‫سن ّ َ‬
‫وقال تعالى‪ُ } :‬‬
‫]الحزاب‪.[38:‬‬
‫ً‬
‫دره كائنا ل محالة‪ ،‬وواقعا ل‬ ‫ً‬ ‫قال الحافظ ابن كثير‪" :‬أي‪ :‬وكان أمره الذي يق ّ‬
‫محيد عنه‪ ،‬ول معدل‪ ،‬فما شاء كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن"‪.‬‬
‫وقال صديق حسن خان‪" :‬أي‪ :‬قضاء مقضيًا‪ ،‬وحكما ً مبتوتًا‪ ،‬وهو كظل ظليل‪،‬‬
‫ل أليل‪ ،‬وروض أريض في قصد التأكيد"‪.‬‬ ‫ولي ٍ‬
‫ومن السنة حديث جبريل المشهور وفيه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫عن اليمان فقال‪)) :‬أن تؤمن بالله ملئكته وكتبه ورسله‪ ،‬وتؤمن بالقدر خيره‬
‫وشره((‪.‬‬
‫وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪)) :‬ل يؤمن عبد ٌ حتى يؤمن بالقدر خيره وشّره من الله‪ ،‬وحتى يعلم أن‬
‫ما أصابه لم يكن ليخطئه‪ ،‬وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه((‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر‪" :‬اليمان بالقدر من أركان اليمان‪ ،‬ومذهب السلف‬
‫ىء إ ِل ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫قاطبة أن المور كلها بتقدير الله تعالى كما قال تعالى‪} :‬وَِإن ّ‬
‫م{ ]الحجر‪."[21:‬‬ ‫قد َرٍ ّ ُ‬ ‫ه إ ِل ّ ب ِ َ‬ ‫ما ن ُن َّزل ُ ُ‬
‫معْلو ٍ‬ ‫ه وَ َ‬
‫خَزائ ِن ُ ُ‬
‫عند ََنا َ‬‫ِ‬
‫ب‪ -‬النصوص الدالة على تقدير الله أفعال العباد‪:‬‬
‫‪ -1‬أعمال العباد جفت بها القلم وجرت بها المقادير‪:‬‬
‫عن سراقة بن مالك بن جعشم قال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬بّين لنا ديننا‪ ،‬كأنا خلقنا‬
‫فت به القلم‪ ،‬وجرت به المقادير‪ ،‬أم فيما‬ ‫الن‪ ،‬فيما العمل اليوم؛ أفيما ج ّ‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يستقبل؟ قال‪)) :‬ل‪ ،‬بل فيما جفت به القلم وجرت به المقادير((‪ ،‬قال‪ :‬ففيم‬
‫ل ميسٌر لما خلق‬‫سٌر((‪ ،‬وفي رواية‪)) :‬فك ٌ‬ ‫العمل؟ فقال‪)) :‬اعملوا فك ٌ‬
‫ل مي ّ‬
‫له((‪.‬‬
‫‪ -2‬علم الله بأهل الجنة وأهل النار‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫عن علي رضي الله عنه قال‪ :‬كنا في جنازة في بقيع الغرقد‪ ،‬فأتانا النبي‬
‫كس‪ ،‬فجعل ينكت‬ ‫صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله‪ ،‬ومعه مخصره فن ّ‬
‫كتب مكانها‬ ‫س منفوسةٍ إل ّ ُ‬ ‫د‪ ،‬ما من نف ٍ‬ ‫بمخضرته‪ ،‬ثم قال‪)) :‬ما منكم من أح ٍ‬
‫ل‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أفل‬ ‫كتب شقّية أو سعيدة((‪ ،‬فقال رج ٌ‬ ‫من الجنة والنار‪ ،‬وإل ّ ُ‬
‫نتكل على كتابنا وندع العمل؟ فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى‬
‫عمل أهل السعادة‪ ،‬وأما من كان منا من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل‬
‫ما أهل‬ ‫سرون لعمل السعادة‪ ،‬وأ ّ‬ ‫أهل الشقاوة‪ ،‬قال‪)) :‬أما أهل السعادة فُيي ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قى ‪E‬‬ ‫ن أعْطى َوات ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫سرون لعمل أهل الشقاوة((‪ ،‬ثم قرأ‪} :‬فَأ ّ‬ ‫الشقاوة فيي ّ‬
‫سَنى{‪.‬‬ ‫ح ْ‬‫صد ّقَ ِبال ْ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫‪ -3‬استخراج ذرّية آدم من ظهره بعد خلقه‪ ،‬وقسمهم إلى فريقين‪ :‬أهل‬
‫الجنة‪ ،‬وأهل النار‪:‬‬
‫عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪:‬‬
‫))أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان ـ يعني‪ :‬عرفة ـ فأخرج من صلبه كل‬
‫م َقاُلوا ْ‬ ‫َ‬
‫ت ب َِرب ّك ُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ذر‪ ،‬ثم كلمهم ِقبل قال‪} :‬أل َ ْ‬ ‫ذرّية ذرأها‪ ،‬فنثرهم بين يديه كال ّ‬
‫َ‬ ‫شهِد َْنا َأن ت َ ُ‬
‫ما‬‫قوُلوا ْ إ ِن ّ َ‬ ‫ن * أوْ ت َ ُ‬ ‫غافِِلي َ‬ ‫هاَذا َ‬ ‫ن َ‬ ‫مةِ إ ِّنا ك ُّنا عَ ْ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫قوُلوا ْ ي َوْ َ‬ ‫ب ََلى َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ ْ‬
‫ن{‬ ‫مب ْط ِلو َ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫ما فَعَ َ‬ ‫م أفَت ُهْل ِك َُنا ب ِ َ‬ ‫من ب َعْدِهِ ْ‬ ‫ة ّ‬ ‫ل وَك ُّنا ذ ُّري ّ ً‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ك ءاَباؤَُنا ِ‬ ‫شَر َ‬
‫]العراف‪.(([173-172:‬‬
‫وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪)) :‬خلق الله آدم حين‬
‫ذر‪ ،‬وضرب كتفه‬ ‫خلقه‪ ،‬فضرب كتفه اليمنى فأخرج ذريته بيضاء كأنهم ال ّ‬
‫اليسرى فأخرج ذرّية سوداء كأنهم الحمم‪ ،‬فقال للذي في يمينه‪ :‬إلى الجنة‬
‫ول أبالي‪ ،‬وقال للذي في كتفه اليسرى‪ :‬إلى النار ول أبالي((‪.‬‬
‫مه‪:‬‬ ‫‪ -4‬كتابة أجل النسان وعمله ورزقه وشقي أو سعيد وهو جنين في رحم أ ّ‬
‫عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‪ :‬حدثنا رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال‪)) :‬إن أحدكم يجمع خلقه في بطن‬
‫ة مثل ذلك‪ ،‬ثم‬ ‫أمه أربعين يومًا‪ ،‬ثم يكون علقة مثل ذلك‪ ،‬ثم يكون مضغ ً‬
‫يبعث الله ملكا ً فيؤمر بأربع كلمات‪ ،‬وُيقال له‪ :‬اكتب عمله ورزقه وأجله‬
‫ي أو سعيد‪ ،‬ثم ينفخ فيه الروح‪ ،‬فإن الرجل منكم ليعمل بعمل أهل النار‬ ‫وشق ٌ‬
‫حتى ما يكون بينه وبينها إل ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة‬
‫فيدخل الجنة‪ ،‬وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إل‬
‫ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل عمل أهل النار فيدخل النار((‪.‬‬
‫ج‪ -‬ومراتب القدر‪:‬‬
‫اليمان بالقدر على درجتين‪ ،‬كل درجة تتضمن شيئين‪:‬‬
‫فالدرجة الولى‪ :‬اليمان بأن الله تعالى علم ما الخلق عاملون بعلمه القديم‪،‬‬
‫ل‪ ،‬وعلم جميعَ أحوالهم من الطاعات والمعاصي‬ ‫الذي هو موصوف به أز ً‬
‫والرزاق والجال‪ ،‬ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق‪)) ،‬فأول ما‬
‫خلق الله القلم‪ ،‬قال له‪ :‬اكتب‪ ،‬قال‪ :‬ما أكتب؟ قال‪ :‬اكتب ما هو كائن إلى‬
‫ن لم يكن ليخطئه‪ ،‬وما أخطأه لم يكن‬ ‫يوم القيامة((‪ ،‬فما أصاب النسا َ‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫م ت َعْل َ ْ‬
‫م‬ ‫ليصيبه‪ ،‬جفت القلم‪ ،‬وطويت الصحف‪ ،‬كما قال سبحانه وتعالى‪} :‬أل َ ْ‬
‫َ‬
‫ك عََلى الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن ذال ِ َ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫ك ِفى ك َِتا ٍ‬ ‫ن ذال ِ َ‬ ‫ض إِ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ماء َوالْر‬ ‫س َ‬‫ما ِفى ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫أ ّ‬
‫سك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ف ِ‬ ‫ض وَل َ ِفى َأن ُ‬ ‫َ‬
‫صيب َةٍ ِفى الْر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫من ّ‬ ‫ب ِ‬ ‫صا َ‬
‫َ‬
‫ما أ َ‬ ‫سيٌر{ ]الحج‪ [70:‬وقال‪َ } :‬‬ ‫يَ ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سيٌر{ ]الحديد‪.[22:‬‬ ‫ِ َ ِ‬‫ي‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ك‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ن‬
‫َّْ َ ِ ّ ِ‬‫إ‬ ‫ها‬ ‫أ‬ ‫ر‬‫ب‬ ‫ن‬ ‫أن‬ ‫ل‬‫ْ ِ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫من‬ ‫ب‬
‫َِ ٍ ّ‬ ‫تا‬ ‫ك‬ ‫فى‬ ‫إ ِل ّ ِ‬
‫ل‪ ،‬فقد كتب‬ ‫ة وتفصي ً‬ ‫وهذا التقدير التابع لعلمه سبحانه يكون في مواضع جمل ً‬
‫في اللوح المحفوظ ما شاء‪ ،‬وإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه بعث‬
‫إليه ملكًا‪ ،‬فيؤمر بأربع كلمات‪ ،‬فيقال له‪ :‬اكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو‬
‫سعيد‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فهذا القدر قد كان ينكره غلة القدرّية قديمًا‪ ،‬ومنكره اليوم‬
‫قليل‪.‬‬
‫وأما الدرجة الثانية‪ :‬فهو مشيئة الله النافذة‪ ،‬وقدرته الشاملة‪ ،‬وهو اليمان‬
‫بأن ما شاء الله كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬وأنه ما في السموات والرض من‬
‫حركة ول سكون إل ّ بمشيئة الله سبحانه‪ ،‬ل يكون في ملكه إل ّ ما يريد‪ ،‬وأنه‬
‫سبحانه وتعالى على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات‪.‬‬
‫فما من مخلوق في الرض ول في السماء إل ّ الله خالقه سبحانه‪ ،‬ل خالق‬
‫غيره ول رب سواه‪ .‬ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله‪ ،‬ونهاهم‬
‫عن معصيته‪ ،‬والعباد فاعلون حقيقة‪ ،‬والله خالق أفعالهم‪ ،‬والعبد هو المؤمن‬
‫والكافر‪ ،‬والبّر والفاجر‪ ،‬والمصلي والصائم‪ ،‬وللعباد قدرة على أعمالهم‪ ،‬ولهم‬
‫شاء‬ ‫من َ‬ ‫إرادة؛ والله خالقهم‪ ،‬وخالق قدرتهم وإرادتهم‪ ،‬كما قال تعالى‪} :‬ل ِ َ‬
‫ن{ ]التكوير‪-28:‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬‫ه َر ّ‬‫شاء الل ّ ُ‬ ‫ن إ ِل ّ َأن ي َ َ‬ ‫شاءو َ‬ ‫ما ت َ َ‬‫م ‪ b‬وَ َ‬ ‫قي َ‬‫ست َ ِ‬
‫م أن ي َ ْ‬
‫منك ُ َ‬
‫ِ ْ‬
‫‪.[29‬‬
‫ب وهي إجما ً‬
‫ل‪:‬‬ ‫فهي إذا أربع مرات ٌ‬ ‫ً‬
‫الولى‪ :‬العلم‪ ،‬أي‪ :‬أن الله علم ما الخلق عاملون بعمله القديم‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬الكتابة‪ ،‬فالله كتب مقادير الخلئق في اللوح المحفوظ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الثالثة‪ :‬المشيئة‪ ،‬أي‪ :‬أن ما شاء الله كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬وأنه ليس في‬
‫السماوات والرض من حركة ول سكون إل بمشيئته سبحانه‪ ،‬ول يكون في‬
‫ملكه إل ما يريد‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬الخلق والتكوين‪ ،‬فالله خالق كل شيء‪ ،‬ومن ذلك أفعال العباد كما‬
‫دلت على ذلك النصوص‪.‬‬
‫الدلة على هذه المراتب‪:‬‬
‫ل‪ :‬العلم‪:‬‬‫أو ً‬
‫ة{ ]الحشر‪.[22:‬‬ ‫شَهاد َ ِ‬‫ب َوال ّ‬ ‫م ال ْغَي ْ ِ‬ ‫عال ِ ُ‬‫ذى ل َ اله إ ِل ّ هُوَ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫قال تعالى‪} :‬هُوَ الل ّ ُ‬
‫قال النسفي‪" :‬أي‪ :‬السّر والعلنية في الدنيا والخرة‪ ،‬أو المعدوم والموجود"‪.‬‬
‫سئل عن أولد المشركين قال‪:‬‬ ‫ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم لما ُ‬
‫))الله أعلم بما كانوا عاملين((‪.‬‬
‫ف القلم على علم الله"‪.‬‬ ‫وب البخاري في كتاب القدر‪" :‬باب ج ّ‬ ‫وب ّ‬
‫قال الحافظ‪ :‬ابن حجر معلقا‪" :‬أي‪ :‬على حكمه لن معلومه ل بد ّ أن يقع‪،‬‬ ‫ً‬
‫فعلمه بمعلوم يستلزم الحكم بوقوعه"‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الكتابة‪:‬‬
‫َ‬
‫م{‬‫ظي ٌ‬
‫ب عَ ِ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫خذ ْت ُ ْ‬
‫ما أ َ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫سب َقَ ل َ َ‬
‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م َ‬
‫ب ّ‬ ‫قال تعالى‪} :‬ل ّوْل َ ك َِتا ٌ‬
‫]النفال‪.[68:‬‬
‫ق{ به القضاء والقدر‪ ،‬أنه‬ ‫سب َ َ‬‫ن اللهِ َ‬‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫ب ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫قال العلمة ابن سعدي‪}" :‬لوْل ك َِتا ٌ‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ل لكم الغنائم‪ ،‬وأن الله رفع عنكم ـ أيتها المة ـ العذاب‪} ،‬ل َ َ‬ ‫أح ّ‬
‫م{"‪.‬‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫خذ ْت ُ ْ‬ ‫أَ َ‬
‫والدليل من السنة على هذه المرتبة حديث عبد الله بن عمرو بن العاص‬
‫رضي الله عنهما قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫))كتب الله مقادير الخلئق قبل أن يخلق السماوات والرض بخمسين ألف‬
‫سنة((‪ ،‬قال‪)) :‬وكان عرشه على الماء((‪.‬‬
‫قال النووي‪" :‬قال العلماء‪ :‬المراد تحديد وقت الكتابة في اللوح المحفوظ أو‬
‫غيره ل أصل التقدير فإن ذلك أزلي ل أول له‪ ،‬وقوله ))وعرشه على الماء((‬
‫أي‪ :‬قبل خلقه السماوات والرض"‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬المشيئة‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫شاءو َ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫م ‪ b‬وَ َ‬ ‫قي َ‬ ‫ست َ ِ‬‫م أن ي َ ْ‬ ‫منك ُ ْ‬
‫شاء ِ‬ ‫من َ‬ ‫ودليلها من القرآن قوله تعالى‪} :‬ل ِ َ‬
‫ن{ ]التكوير‪.[29 ،28:‬‬ ‫مي َ‬‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫شاء الل ّ ُ‬ ‫إ ِل ّ َأن ي َ َ‬
‫قال القرطبي‪" :‬فبين بهذا أنه ل يعمل العبد خيرا إل بتوفيق الله‪ ،‬ول شرا إل‬
‫بخذلنه‪ ،‬وقال الحسن‪ :‬والله‪ ،‬ما شاءت العرب السلم حتى شاءه الله لها‪،‬‬
‫وقال وهب بن منبه‪ :‬قرأت في سبعة وثمانين كتابا مما أنزل الله على‬
‫وَ‬
‫النبياء‪ :‬من جعل إلى نفسه شيئا من المشيئة فقد كفر‪ .‬وفي التنزيل‪} :‬وَل ْ‬
‫كاُنوا ْ‬ ‫َ‬
‫ما َ‬ ‫ىء قُب ُل ً ّ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬‫ل َ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫شْرَنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫موَْتى وَ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ة وَك َل ّ َ‬
‫مهُ ُ‬ ‫مل َئ ِك َ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫أن َّنا ن َّزل َْنا إ ِل َي ْهِ ُ‬
‫س َأن‬ ‫فَ ٍ‬ ‫ن ل ِن َ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ه{ ]النعام‪ ،[111:‬وقال تعالى‪} :‬وَ َ‬ ‫شاء الل ّ ُ‬ ‫مُنوا ْ إ ِل ّ َأن ي َ َ‬ ‫ل ِي ُؤْ ِ‬
‫ت‬
‫حب َب ْ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫دى َ‬ ‫ك ل َ ت َهْ ِ‬ ‫ه{ ]يونس‪ ،[100:‬وقال تعالى‪} :‬إ ِن ّ َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫ن إ ِل ّ ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ُؤْ ِ‬
‫شاء{ ]القصص‪ ،[56:‬والي في هذا كثيرة‪ ،‬وكذلك‬ ‫من ي َ َ‬ ‫دى َ‬ ‫ه ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وََلك ِ ّ‬
‫الخبار وأن الله سبحانه هدى بالسلم وأضل بالكفر كما تقدم في غير‬
‫موضع"‪.‬‬
‫ة إليكم فمن شاء اهتدى ومن شاء‬ ‫قال ابن كثير‪" :‬أي‪ :‬ليست المشيئة موكول ً‬
‫ضل‪ ،‬بل ذلك كله تابع لمشيئة الله تعالى رب العالمين‪ ،‬قال سفيان الثوري‬
‫من‬ ‫عن سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى‪ :‬لما نزلت هذه الية‪} :‬ل ِ َ‬
‫م{ قال أبو جهل‪ :‬المر إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا‬ ‫شاء منك ُ َ‬ ‫َ‬
‫قي َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م أن ي َ ْ‬ ‫ِ ْ‬
‫ن{"‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن إ ِل أن ي َ َ‬ ‫ما ت َ َ‬
‫مي َ‬ ‫ب الَعال ِ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫شاء الل ُ‬ ‫شاءو َ‬ ‫لم نستقم‪ ،‬فأنزل الله تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫ومن السنة ما رواه أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪)) :‬إذا دعوتم الله فاعزموا في الدعاء‪ ،‬ول يقولن أحدكم‪ :‬إن شئت‬
‫فأعطني‪ ،‬فإن الله ل مستكره له((‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر‪" :‬قوله‪)) :‬ل مستكره له(( أي‪ :‬لن التعليق يوهم إمكان‬
‫إعطائه على غير المشيئة‪ ،‬وليس بعد المشيئة إل الكراه‪ ،‬والله ل مكره له"‪.‬‬
‫وب المام البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد "باب‪ :‬في‬ ‫هذا وقد ب ّ‬
‫المشيئة والرادة"‪ ،‬قال ابن بطال‪" :‬معنى هذا الباب‪ :‬إثبات المشيئة والرادة‬
‫لله تعالى"‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬الخلق‪:‬‬
‫قال تعالى على لسان إبراهيم عليه السلم‪َ} :‬قا َ َ‬
‫ه‬‫ن * َوالل ّ ُ‬ ‫حُتو َ‬ ‫ما ت َن ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ل أت َعْب ُ ُ‬
‫ن{ ]الصافات‪.[96-95:‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫قال الحافظ ابن كثير‪" :‬يحتمل أن تكون )ما( مصدرية‪ ،‬فيكون تقدير الكلم‪:‬‬
‫خلقكم وعمَلكم‪ ،‬ويحتمل أن تكون بمعنى )الذي( تقديره‪ :‬والله خلقكم والذي‬
‫تعلمونه‪ ،‬وكل القولين متلزم‪ ،‬والول أظهر"‪.‬‬
‫ومن السنة حديث أبي موسى الشعري رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪)) :‬يا عبد الله بن قيس‪ ،‬أل أدّلك على كنز من كنوز‬
‫الجنة؟(( فقلت‪ :‬بلى يا رسول الله‪ ،‬قال‪)) :‬قل‪ :‬ل حول ول وقوة إل بالله((‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال النووي في بيان سبب كون هذه الكلمة كنزا من كنوز الجنة‪" :‬قال‬
‫العلماء‪ :‬سبب ذلك أنها كلمة استسلم وتفويض إلى الله تعالى‪ ،‬واعتراف‬
‫بالذعان له‪ ،‬وأنه ل صانع غيره‪ ،‬ول راد ّ لمره‪ ،‬وإن العبد ل يملك شيئا ً من‬
‫المر"‪.‬‬
‫د‪ -‬حدود نظر العقل في القدر‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ل ضلل مبينا‪.‬‬ ‫ينبغي للعقل أن يستنير في هذا الباب بالوحي وإل ض ّ‬


‫فر السمعاني‪" :‬سبيل المعرفة في هذا الباب التوقيف من‬ ‫قال أبو المظ ّ‬
‫ل‬‫الكتاب والسنة دون محض القياس والعقل‪ ،‬فمن عدل عن التوقيف فيه ض ّ‬
‫وتاه في بحار الحيرة‪ ،‬ولم يبلغ شفاء العين ول ما يطمئن به القلب‪ ،‬لن القدر‬
‫ص العليم الخبير به‪ ،‬وضرب دونه الستار‪،‬‬ ‫سٌر من أسرار الله تعالى اخت ّ‬
‫وحجبه عن عقول الخلق ومعارفهم لما علمه من الحكمة‪ ،‬فلم يعلمه نبي‬
‫مرسل ول ملك مقّرب"‪.‬‬
‫وقال الطحاوي‪" :‬وأصل القدر سّر الله تعالى في خلقه‪ ،‬لم يطلع على ذلك‬
‫سّلم الحرمان‬ ‫مق في ذلك ذريعة الخذلن و ُ‬ ‫ملك مقرب ول نبي مرسل‪ ،‬والتع ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ودرجة الطغيان‪ ،‬فالحذر الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة‪ ،‬فإن الله‬
‫ما‬ ‫ع‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫طوى علم القدر عن أنامه‪ ،‬ونهاهم عن مرامه كما قال تعالى‪} :‬ل َ يسأ َ‬
‫َ ّ‬ ‫ُ ْ‬
‫ن{ ]النبياء‪."[23:‬‬ ‫سئ َُلو َ‬‫م يُ ْ‬ ‫فعَ ُ‬
‫ل وَهُ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫ويقول المام أحمد‪" :‬من السنة اللزمة التي من ترك منها خصلة لم يقبلها‬
‫ويؤمن بها لم يكن من أهلها‪ :‬اليمان بالقدر خيره وشره‪ ،‬والتصديق بالحاديث‬
‫فيه‪ ،‬واليمان بها‪ .‬ل يقال‪ :‬لم؟ ول كيف؟ إنما هو التصديق واليمان بها‪ .‬ومن‬
‫كفي ذلك وأحكم له‪ .‬فعليه‬ ‫لم يعرف تفسير الحديث ويبلغه عقله فقد ُ‬
‫باليمان به والتسليم له‪ ،‬مثل حديث الصادق المصدوق‪ ،‬وما كان مثله في‬
‫القدر"‪.‬‬
‫وهذا الذي قّرره أهل العلم في القدر يضع لنا عدة قواعد في غاية الهمية‪:‬‬
‫الولى‪ :‬وجوب اليمان بالقدر‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬العتماد في معرفة القدر وحدوده وأبعاده على الكتاب والسنة‪ ،‬وترك‬
‫العتماد في ذلك على نظر العقول ومحض القياس؛ فالعقل النساني ل‬
‫يستطيع بنفسه أن يضع المعالم والركائز التي تنقذه في هذا الباب من‬
‫النحراف والضلل‪ ،‬والذين خاضوا في هذه المسألة بعقولهم ضلوا وتاهوا‪،‬‬
‫ذب بالقدر‪ ،‬ومنهم من ظن أن اليمان بالقدر يستلزم القول‬ ‫فمنهم من ك ّ‬
‫بالجبر‪ ،‬ومنهم من ناقض الشرع بالقدر‪ ،‬وكل انحراف من هذه النحرافات‬
‫سّبب مشكلت في واقع البشر وحياتهم ومجتمعاتهم‪ ،‬فالنحراف العقائدي‬
‫يسبب انحرافا ً في السلوك وواقع الحياة‪.‬‬
‫مق في البحث في القدر‪ ،‬فبعض جوانبه ل يمكن للعقل‬ ‫الثالثة‪ :‬ترك التع ّ‬
‫النساني مهما كان نبوغه أن يستوعبها‪ ،‬وبعضها الخر ل يستوعبها إل ّ بصعوبة‬
‫كبيرة‪.‬‬
‫قد ُيقال‪ :‬أليس هذا النهج حجًرا على العقل النساني؟‬
‫والجواب‪ :‬إن هذا ليس بحجر على الفكر النساني‪ ،‬بل هو صيانة لهذا العقل‬
‫دد قواه في غير المجال الذي يحسن التفكير فيه‪.‬‬ ‫من أن تتب ّ‬
‫إن السؤال عن الكيفية هو الذي أتعب الباحثين في القدر‪ ،‬وجعل البحث فيه‬
‫من أعقد المور وأصعبها‪ ،‬وهو سبب الحيرة التي وقع فيها كثير من الباحثين‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ص جمعٌ من أهل العلم على المساحة المحذورة التي ل يجوز‬ ‫ولذا فقد ن ّ‬
‫دخولها في باب القدر كما تقدم النقل عن المام أحمد‪.‬‬
‫فتح القدير )‪.(5/129‬‬
‫تفسير ابن كثير )‪.(3/783‬‬
‫فتح البيان في مقاصد القرآن )‪.(7/375‬‬
‫رواه مسلم في اليمان )‪ (8‬من حديث عمر رضي الله عنه‪.‬‬
‫رواه الترمذي في القدر‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء في اليمان بالقدر خيره وشّره )‬
‫‪ (2144‬وقال‪" :‬هذا حديث غريب ل تعرفه إل ّ من حديث عبد الله بن ميمون‪،‬‬
‫وعبد الله بن ميمون منكر الحديث"‪ ،‬ولكن الحديث له شواهد تؤيده‪ ،‬وصححه‬
‫اللباني كما في صحيح الترمذي )‪ (1143‬والسلسلة الصحيحة )‪.(2439‬‬
‫فتح الباري )‪.(11/478‬‬
‫رواه مسلم في القدر‪ ،‬باب‪ :‬كيفية خلق الدمي )‪.(2649‬‬
‫رواه البخاري في الجنائز‪ ،‬باب‪ :‬موعظة المحدث عند القبر )‪ ،(1362‬ومسلم‬
‫في القدر‪ ،‬باب‪ :‬كيفية خلق الدمي )‪.(2647‬‬
‫رواه أحمد )‪ ،(3451‬وصححه اللباني في مشكاة المصابيح )‪.(1/43‬‬
‫رواه أحمد )‪ ،(26942‬وصححه اللباني في مشكاة المصابيح )‪.(43-1/42‬‬
‫رواه البخاري في أحاديث النبياء‪ ،‬باب‪ :‬خلق آدم صلوات الله عليه وذريته )‬
‫‪ ،(3332‬ومسلم في القدر‪ ،‬باب‪ :‬كيفية خلق الدمي في بطن أمه )‪.(2643‬‬
‫رواه أبو داود في باب في القدر )‪ ،(4700‬والترمذي في تفسير القرآن‪ ،‬باب‪:‬‬
‫سورة نوح والقلم )‪ ،(3319‬وصححه اللباني في صحيح الترمذي )‪(3/123‬‬
‫والصحيحة )‪.(133‬‬
‫مجموع الفتاوى )‪ (150-3/148‬باختصار‪.‬‬
‫القضاء والقدر للمحمود )ص ‪ ،(40‬وانظر‪ :‬شفاء العليل لبن القيم )‪،(1/91‬‬
‫ومعارج القبول للحكمي )‪.(940-3/920‬‬
‫تفسير النسفي )‪.(4/244‬‬
‫رواه البخاري في القدر‪ ،‬باب‪ :‬الله أعلم بما كانوا عاملين )‪ ،(6597‬ومسلم‬
‫في القدر‪ ،‬باب‪ :‬معنى كل مولود يولد على الفطرة )‪.(2660‬‬
‫فتح الباري )‪.(11/500‬‬
‫تيسير الكريم الرحمن )ص ‪ .(326‬تحقيق عبد الرحمن اللويحق‪.‬‬
‫رواه مسلم في القدر‪ ،‬باب‪ :‬حجاج آدم موسى )‪.(2653‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪.(16/203‬‬
‫الجامع لحكام القرآن )‪.(19/243‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(4/481‬‬
‫رواه البخاري في التوحيد‪ ،‬باب‪ :‬في المشيئة والرادة )‪.(7464‬‬
‫فتح الباري )‪.(13/459‬‬
‫شرح صحيح البخاري لبن بطال )‪.(10/477‬‬
‫تفسير ابن كثير )‪.(4/15‬‬
‫رواه البخاري في القدر‪ ،‬باب‪ :‬ل حول ول قوة إل بالله )‪ ،(6610‬ومسلم في‬
‫الذكر والدعاء‪ ،‬باب‪ :‬استحباب خفض الصوت بالذكر )‪.(2704‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫شرح صحيح مسلم )‪.(17/26‬‬


‫انظر‪ :‬فتح الباري )‪.(11/486‬‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شرح العقيدة الطحاوية لبن أبي العز )ص ‪.(276‬‬


‫انظر‪ :‬طبقات الحنابلة لبن أبي يعلى )‪.(242-1/241‬‬
‫القضاء والقدر للدكتور عمر الشقر )ص ‪ (49-48‬باختصار‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أهمية اليمان بالقضاء والقدر‪:‬‬
‫أ‪ -‬منزلة اليمان بالقضاء والقدر بين بقية أركان اليمان‪:‬‬
‫ترجع أهمية هذا الركن ومنزلته بين بقية أركان اليمان إلى عدة أمور‪:‬‬
‫الول‪ :‬ارتباطه مباشرة باليمان بالله تعالى‪ ،‬وكونه مبنيا ً على المعرفة‬
‫الصحيحة بذاته تعالى وأسمائه الحسنى وصفاته الكاملة الواجبة له تعالى‪.‬‬
‫م أن‬ ‫وقد جاء في صفاته سبحانه صفة العلم والرادة والقدرة والخلق‪ ،‬ومعلو ٌ‬
‫القدر إنما يقوم على هذه السس‪.‬‬
‫ول شك أن القرار بتوحيد الله وربوبيته ل يتم إل باليمان بصفاته تعالى‪ ،‬فمن‬
‫زعم أن هناك خالقا ً غير الله تعالى فقد أشرك‪ ،‬والله تعالى خالق كل شيء‪،‬‬
‫ومن ذلك أفعال العباد‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬حين ننظر إلى هذا الكون ونشأته وخلق الكائنات فيه ومنها هذا‬
‫النسان نجد أن كل ذلك مرتبط باليمان بالقدر فأول ما خلق الله القلم‪ ،‬قال‬
‫ب‪ ،‬وماذا أكتب؟ قال‪ :‬اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة‪،‬‬ ‫له‪ :‬اكتب‪ ،‬قال‪ :‬ر ّ‬
‫والنسان يوجد على هذه الرض‪ ،‬وينشأ تلك النشأة الخاصة‪ ،‬ويعيش ما شاء‬
‫الله في حياة متغّيرةٍ فيها الصحة والسقم‪ ،‬والغنى والفقر‪ ،‬والقوة والضعف‪...‬‬
‫وينظر النسان من حوله فيرى تفّرق هذه الصفات على الناس؛ فل يجد إل‬
‫العقيدة الصحيحة‪ ،‬وعلى رأسها اليمان بالقدر‪.‬‬
‫ي لمدى اليمان بالله تعالى على‬ ‫ك الحقيق ّ‬ ‫الثالث‪ :‬اليمان بالقدر هو المح ّ‬
‫الوجه الصحيح‪ ،‬وهو الختبار القويّ لمدى معرفة النسان برّبه تعالى‪ ،‬وما‬
‫يترتب على هذه المعرفة من يقين صادق بالله‪ ،‬وبما يجب له من صفات‬
‫الجلل والكمال‪.‬‬
‫وقد كثر الختلف حول القدر‪ ،‬وتوسع الناس في الجدل والتأويل ليات‬
‫القرآن الواردة بذكره‪ ،‬بل وأصبح أعداء السلم في كل زمان يثيرون البلبلة‬
‫س الشبهات حوله‪ ،‬ومن ثم أصبح ل يثبت على‬ ‫في عقيدة المسلمين‪ ،‬ود ّ‬
‫اليمان الصحيح واليقين القاطع إل من عرف الله بأسمائه الحسنى وصفاته‬ ‫ّ‬
‫ن النفس‪ ،‬واثقا ً بربه تعالى‪ ،‬فل تجد الشكوك‬ ‫العليا‪ ،‬مسّلما ً المر لله‪ ،‬مطمئ ّ‬
‫ل‪ ،‬وهذا ول شك أكبر دليل على أهمية اليمان به‬ ‫والشبهات إلى نفسه سبي ً‬
‫بين بقّية الركان‪.‬‬
‫ب‪ -‬اليمان بالقدر في الديان السماوية‪:‬‬
‫ص المسلمون أتباع محمد صلى الله عليه وسلم باليمان بالقدر‪ ،‬بل‬ ‫لم يخت ّ‬
‫كان اليمان به قديما في الديان السماوية‪ ،‬وهذه بعض صوره كما ورد في‬ ‫ً‬
‫القرآن الكريم‪.‬‬
‫ح قَد ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫‪ -1‬في قصة نوح عليه الصلة والسلم يقول الله تعالى‪َ} :‬قالوا ياُنو ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ما ي َأِتيك ْ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ن * َقا َ‬ ‫صادِِقي َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫ت ِ‬ ‫كن َ‬‫ما ت َعِد َُنا ِإن ُ‬ ‫دال ََنا فَأت َِنا ب ِ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ت ِ‬ ‫جاد َل ْت ََنا فَأك ْث َْر َ‬ ‫َ‬
‫ح‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه ِإن َ‬ ‫ّ‬
‫ص َ‬ ‫ن أن َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ن أَرد ْ ّ‬ ‫حى إ ِ ْ‬ ‫ص ِ‬‫م نُ ْ‬ ‫فعُك ْ‬ ‫ن * وَل َين َ‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬‫معْ ِ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ما أنت ُ ْ‬ ‫شاء وَ َ‬ ‫ب ِهِ الل ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن{ ]هود‪.[34-32:‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫م وَإ ِلي ْهِ ت ُْر َ‬ ‫ُ‬
‫م هُوَ َرب ّك ْ‬ ‫ُ‬
‫ريد ُ أن ي ُغْوِي َك ْ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫َ‬
‫م ِإن كا َ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫ْ‬
‫شاء{ أي‪ :‬إن اقتضت مشيئته وحكمته أن‬ ‫ه ِإن َ‬ ‫م ب ِهِ الل ّ ُ‬ ‫ما ي َأِتيك ُ ْ‬ ‫فقوله‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫هّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫َ‬
‫ينزله بكم فعل ذلك‪ ،‬وأنا ليس بيدي من المر شيء‪ .‬وقوله‪ِ} :‬إن كا َ‬
‫َ‬
‫م{‪ :‬أي‪ :‬إرادة الله غالبة‪ ،‬فإنه إذا أراد أن يغويكم لردكم الحق‪،‬‬ ‫ريد ُ أن ي ُغْوِي َك ُ ْ‬ ‫يُ ِ‬
‫م النصح‪ ،‬وهو قد فعل عليه‬ ‫ت غاية مجهودي‪ ،‬ونصحت لكم أت ّ‬ ‫فلو حرص ُ‬
‫م{ يفعل بكم ما يشاء‪ ،‬ويحكم‬ ‫السلم‪ ،‬فليس ذلك بنافع لكم شيئًا‪} ،‬هُوَ َرب ّك ُْ‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيكم بما يريد‪.‬‬


‫‪ -2‬وفي قصة إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما الصلة والسلم لما أراد ذبحه‬
‫َ‬
‫مَنام ِ‬ ‫ى إ ِّنى أَرى ِفى ال ْ َ‬ ‫ل ياب ُن َ ّ‬ ‫ى َقا َ‬ ‫سعْ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫معَ ُ‬‫ما ب َل َغَ َ‬ ‫بأمر بالله‪ ،‬يقول تعالى‪} :‬فَل َ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شاء الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫جد ُِنى ِإن َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫مُر َ‬ ‫ما ُتؤ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ت افْعَ ْ‬ ‫ل ياأب َ ِ‬ ‫ماَذا ت ََرى َقا َ‬ ‫ك َفانظ ُْر َ‬ ‫ح َ‬ ‫أّنى أذ ْب َ ُ‬
‫ى{‪ :‬أي العمل‬ ‫سعْ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫معَ ُ‬‫ما ب َل َغَ َ‬ ‫ن{ ]الصافات‪ ،[102:‬فقوله‪} :‬فَل َ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫كما قال ابن عباس‪ ،‬أو المشي‪ .‬والمعنى‪ :‬مشى مع أبيه كما قاله قتادة‪.‬‬
‫ن{ قال ابن سعدي‪" :‬أخبر أباه أنه‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬
‫ه ِ‬ ‫شاء الل ّ ُ‬ ‫جد ُِنى ِإن َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫وقوله‪َ } :‬‬
‫طن نفسه على الصبر‪ ،‬وقرن ذلك بمشيئة الله تعالى؛ لنه ل يكون شيء‬ ‫مو ّ‬
‫بدون مشيئة الله تعالى"‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ -3‬وفي قصة يوسف عليه الصلة والسلم يقول الله تعالى‪} :‬وََرفَعَ أب َوَي ْ ِ‬
‫ه‬
‫َ‬
‫جعَلَها‬ ‫ل قَد ْ َ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ل ُرؤَْياى ِ‬ ‫هاَذا ت َأ ِْوي ُ‬ ‫ت َ‬
‫عَلى ال ْعرش وخروا ْ ل َه سجدا وَقا َ َ‬
‫ل يأب َ ِ‬ ‫ُ ُ ّ َ َ‬ ‫َ ْ ِ َ َ ّ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من ب َعْدِ‬ ‫ن الب َد ْوِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ّ‬‫جاء ب ِك ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫جِنى ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫ن َبى إ ِذ ْ أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫قا وَقَد ْ أ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫َرّبى َ‬
‫م‬ ‫ْ‬
‫ه هُوَ العَِلي ُ‬ ‫شاء إ ِن ّ ُ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ّ‬
‫فل َ‬ ‫طي ٌ‬ ‫َ‬
‫ن َرّبى ل ِ‬ ‫خوَِتى إ ِ ّ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ن ب َي ِْنى وَب َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫شي ْطا ُ‬ ‫َأن ّنزغ ال ّ‬
‫َ‬
‫م{ ]يوسف‪.[100:‬‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬‫ال ْ َ‬

‫)‪(6 /‬‬
‫شاء{‪ ،‬أي‪ :‬إذا أراد أمرا ً قّيض له أسبابا ً‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ف لّ َ‬ ‫طي ٌ‬ ‫ن َرّبى ل َ ِ‬ ‫قال ابن كثير‪}" :‬إ ِ ّ‬
‫م{ في أفعاله وأقواله‬ ‫َ ِ ُ‬ ‫كي‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫}ا‬ ‫عباده‪،‬‬ ‫بمصالح‬ ‫م{‬ ‫ْ‬
‫دره‪} ،‬إ ِن ّ ُ ُ َ َ ِ ُ‬
‫لي‬ ‫ع‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ويسره وق ّ‬
‫وقضائه وقدره‪ ،‬وما يختاره ويريده"‪.‬‬
‫فيوسف عليه السلم كان مؤمنا ً بالقدر‪ ،‬موقنا ً أن ما جرى ويجري له ولغيره‬
‫إنما هو بقضاء الله وقدره‪.‬‬
‫‪ -4‬وموسى عليه الصلة والسلم‪ ،‬ذكر الله عنه إيمانه بأن الهداية والضلل‬
‫سى‬ ‫مو َ‬ ‫خَتاَر ُ‬ ‫بيد الله وهما تحت مشيئته فقال تعالى في معرض قصته‪َ} :‬وا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما أ َ َ‬
‫من‬ ‫ْ‬
‫ت أهْلكت َُهم ّ‬ ‫شئ ْ َ‬ ‫ب ل َوْ ِ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ة َقا َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ج َ‬ ‫م الّر ْ‬ ‫خذ َت ْهُ ُ‬ ‫قات َِنا فَل َ ّ‬ ‫مي َ‬ ‫جل ً ل ّ ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫سب ِْعي َ‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬‫قَوْ َ‬
‫شاء‬ ‫من ت َ َ‬ ‫ض ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ما فَعَ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫قَب ْ ُ‬
‫ل ب َِها َ‬ ‫ى إ ِل فِت ْن َت ُك ت ُ ِ‬ ‫ن هِ َ‬ ‫مّنا إ ِ ْ‬ ‫فَهاء ِ‬ ‫س َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ل وَإ ِّياىَ أت ُهْل ِكَنا ب ِ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{ ]العراف‪:‬‬ ‫ري َ‬ ‫خي ُْر الَغافِ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫مَنا وَأن َ‬ ‫ح ْ‬ ‫فْر لَنا َواْر َ‬ ‫ت وَل ِي َّنا َفاغْ ِ‬ ‫شاء أن َ‬ ‫من ت َ َ‬ ‫دى َ‬ ‫وَت َهْ ِ‬
‫‪.[155‬‬
‫جزي احتمالين في‬ ‫من قب ْ ُ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ُ‬ ‫ى{ ذكر اب ُ‬ ‫ل وَإ ِّيا َ‬ ‫ت أهْلكت َُهم ّ‬ ‫شئ َ‬ ‫فقوله‪} :‬لوْ ِ‬
‫تفسيره‪ ،‬الحتمال الثاني‪ :‬أن يكون قال ذلك على وجه التضرع والستسلم‬
‫لمر الله‪ ،‬كأنه قال‪ :‬لو شئت أن تهلكنا قبل ذلك لفعلت‪ ،‬فإنا عبيدك وتحت‬
‫قهرك‪ ،‬وأنت تفعل ما تشاء‪.‬‬
‫ن وَأنب َت ََها ن ََباًتا‬‫َ‬ ‫قب ّل ََها َرب َّها ب ِ َ‬ ‫‪ -5‬ويقول تعالى عن زكريا ومريم‪} :‬فَت َ َ‬
‫س ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ل َ‬ ‫قُبو ٍ‬
‫ل‬ ‫ها رِْزًقا َقا َ‬ ‫عند َ َ‬ ‫جد َ ِ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫حَرا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل عَل َي َْها َزك َرِّيا ال ْ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫ما د َ َ‬ ‫فل ََها َزك َرِّيا ك ُل ّ َ‬ ‫سًنا وَك َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ر‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ب‬ ‫شاء‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫من‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ز‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫د‬ ‫عن‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫ها‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫نى‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫يا‬
‫ِ ْ ِ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ َ ُ ّ‬
‫ب{ ]آل عمران‪.[37:‬‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ِ‬
‫ب{ الراجح أنه من كلم مريم‪.‬‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫شاء ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ه ي َْرُزقُ َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫فقوله‪} :‬إ ّ‬
‫وهو يفيد التقرير بأن الله قد يرزق بعض عباده بغير حساب‪ ،‬وأن ذلك مرتبط‬
‫بمشيئته سبحانه‪.‬‬
‫ما‬
‫ت َ‬ ‫ْ‬
‫جن ّت َك قُل َ‬ ‫َ‬ ‫ت َ‬ ‫خل َ‬ ‫ْ‬ ‫ول إ ِذ ْ د َ َ‬ ‫َ‬
‫‪ -6‬قصة الرجل صاحب الجنتين‪ ،‬قال تعالى‪} :‬وَل ْ‬
‫ه‪] {...‬الكهف‪.[39:‬‬ ‫ه ل َ قُوّة َ إ ِل ّ ِبالل ّ ِ‬ ‫شاء الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫قال الزجاح والفراء‪" :‬المر ما شاء الله‪ ،‬أو هو ما شاء الله‪ ،‬أي‪ :‬المر مشيئة‬
‫الله تعالى"‪.‬‬
‫س‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫ه ِبال ْ‬ ‫مكان َ ُ‬ ‫من ّوْا َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ح ال ِ‬ ‫صب َ َ‬ ‫‪ -7‬قصة خسف قارون‪ ،‬قال تعالى‪} :‬وَأ ْ‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫م ّ‬
‫ول أن ّ‬ ‫قدُِر ل َ ْ‬
‫عَبادِهِ وَي َ ْ‬
‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫شاء ِ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ط الّرْزقَ ل ِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ه ي َب ْ ُ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫قوُلو َ‬
‫ن وَي ْك َأ ّ‬ ‫يَ ُ‬
‫ن{ ]القصص‪.[82:‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ح الكافُِرو َ‬ ‫فل ِ ُ‬
‫ه ل يُ ْ‬ ‫ف ب َِنا وَي ْكأن ّ ُ‬ ‫س َ‬ ‫خ َ‬
‫عَلي َْنا ل َ‬
‫قدُِر{ إقرار منهم بأن الله‬ ‫عَبادِهِ وَي َ ْ‬ ‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫َ‬
‫من ي َشاء ِ‬ ‫سط الّرْزقَ ل ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫فقوله‪} :‬ي َب ْ ُ‬
‫تعالى هو الذي يبسط الرزق لبعض عباده ويضّيقه على بعضهم‪ ،‬فله المر‪،‬‬
‫يفعل ما يشاء سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫دة أمور‪:‬‬ ‫فهذه النصوص تدل على ع ّ‬
‫ور الديان‪.‬‬ ‫ً‬
‫أحدها‪ :‬أن الصل في البشرية التوحيد خلفا لنظرّية تط ّ‬
‫الثاني‪ :‬أن القرار بالقدر جزء من هذا التوحيد الذي هو دين أبينا آدم‪ ،‬ودين‬
‫الرسل من بعده‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬وحدة دين الرسل من جهة العقيدة وإن اختلفت شرائعهم‪ ،‬واليمان‬
‫بالقدر جزء من هذه العقيدة‪.‬‬
‫القضاء والقدر للمحمود )ص ‪ (85-83‬باختصار‪ ،‬وانظر‪ :‬شرح العقيدة‬
‫الطحاوية )ص ‪.(304‬‬
‫تيسير الكريم الرحمن للسعدي )ص ‪.(381‬‬
‫زاد المسير )‪.(6/303‬‬
‫تفسير ابن سعدي )ص ‪.(706‬‬
‫تفسير ابن كثير )‪.(2/509‬‬
‫القضاء والقدر للمحمود )ص ‪.(127‬‬
‫تفسير الواحدي )التسهيل لعلوم التنزيل( )‪.(2/46‬‬
‫انظر‪ :‬روح المعاني لللوسي )‪.(3/144‬‬
‫القضاء والقدر للمحمود )ص ‪.(131-130‬‬
‫انظر‪ :‬تفسير القرطبي )‪.(10/407‬‬
‫القضاء والقدر للمحمود )ص ‪ ،(130‬وانظر‪ :‬تفسير السعدي )ص ‪.(624‬‬
‫القضاء والقدر للمحمود )ص ‪.(132-131‬‬
‫رابعًا‪ :‬القضاء والقدر واعتقاد الناس‪:‬‬
‫أ‪ -‬مذاهب الناس في القضاء والقدر‪:‬‬
‫أشهر المذاهب في باب القضاء والقدر ثلثة‪:‬‬
‫المذهب الول‪ :‬مذهب الجهمية الجبرّية‪.‬‬
‫وخلصة قولهم أن العباد مجبورون على أعمالهم‪ ،‬ل قدرةَ لهم ول إرادة ول‬
‫اختيار‪ ،‬والله وحده هو خالق أفعال العباد‪ ،‬وأعمالهم إنما تنسب إليهم مجازًا‪.‬‬
‫يقول البغدادي عن الجهم‪" :‬وقال‪ :‬ل فعل ول عمل لحد غير الله تعالى‪ ،‬وإنما‬
‫تنسب العمال إلى المخلوقين على المجاز‪ ،‬كما يقال‪ :‬زالت الشمس ودارت‬
‫الرحى‪ ،‬من غير أن يكونا فاعلين أو مستطيعين لما وصفتا به"‪.‬‬
‫فالنسان عند الجهم يختلف عن الجمادات‪ ،‬لن الله خلق للنسان قوة كان‬
‫بها الفعل‪ ،‬كما خلق له إرادة للفعل‪ ،‬واختيارا ً منفردا ً له‪ ،‬لكن هذه الرادة‬
‫كاللون والطول ونحوهما مما ل إرادة للنسان فيه ول قدرة‪.‬‬
‫المذهب الثاني‪ :‬مذهب المعتزلة القدرية‪.‬‬
‫وخلصة قولهم أن أفعال العباد ليست مخلوقة لله‪ ،‬وإنما العباد هم الخالقون‬
‫لها‪.‬‬
‫فهم ينكرون الدرجة الثانية من درجات القدر‪ ،‬والتي تشمل مرتبتي الرادة‬
‫والخلق‪ ،‬فينفونها عن الله تعالى‪ ،‬ويثبتونها للنسان‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقول عبد الجبار الهمذاني‪" :‬اتفق كل أهل العدل على أن أفعال العباد من‬
‫تصرفهم وقيامهم وقعودهم حادثة من جهتهم‪ ،‬وأن الله جل وعّز أقدرهم على‬
‫ذلك‪ ،‬ول فاعل لها ول محدث سواهم‪ ،‬وأن من قال‪ :‬إن الله سبحانه خالقها‬
‫ومحدثها فقد عظم خطؤه"‪.‬‬
‫ويقول القاسم بن إبراهيم الرسي رادا ً على من قال‪ :‬إن الله هو الخالق‬
‫لفعال العباد‪" :‬ولو كان هو الفاعل لعمالهم الخالق لها لم يخاطبهم ولم‬
‫يعظهم‪ ،‬ولم يلمهم على ما كان منهم من تقصير‪ ،‬ولم يمدحهم على ما كان‬
‫منهم من جميل وحسن"‪.‬‬
‫المذهب الثالث‪ :‬مذهب السلف‪.‬‬
‫خصه شيخ السلم ابن تيمية فيقول‪" :‬مذهب أهل السنة والجماعة في هذا‬ ‫يل ّ‬
‫الباب ما دل عليه الكتاب والسنة‪ ،‬وكان عليه السابقون الولون من‬
‫المهاجرين والنصار‪ ،‬والذين اتبعوهم بإحسان‪ ،‬وهو أن الله خالق كل شيء‬
‫ومليكه‪ ،‬وقد دخل في ذلك جميع العيان القائمة بأنفسها وصفاتها القائمة بها‬
‫من أفعال العباد وغير أفعال العباد‪.‬‬
‫وأنه سبحان ما شاء كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬فل يكون في الوجود شيء إل‬
‫بمشيئته وقدرته‪ ،‬ل يمتنع عليه شيء شاءه‪ ،‬بل هو القادر على كل شيء‪ ،‬ول‬
‫يشاء شيئا ً إل وهو قادٌر عليه‪.‬‬
‫وأنه سبحانه يعلم ما كان وما يكون‪ ،‬وما لم يكن لو كان كيف يكون‪ ،‬وقد‬
‫دخل في ذلك أفعال العباد وغيرها‪ ،‬وقد قدر الله مقادير الخلئق قبل أن‬
‫در آجالهم وأرزاقهم وأعمالهم وكتب ذلك‪ ،‬وكتب ما يصيرون إليه‬ ‫يخلقهم؛ ق ّ‬
‫من سعادة وشقاوة‪.‬‬
‫فهم يؤمنون بخلقه لكل شيء‪ ،‬وقدرته على كل شيء‪ ،‬ومشيئته لكل ما كان‪،‬‬
‫وعلمه بالشياء قبل أن تكون‪ ،‬وتقديره لها‪ ،‬وكتابته إياها قبل أن تكون"‪.‬‬
‫ب‪ -‬منشأ ضلل القدرية والجبرّية‪:‬‬
‫قال ابن أبي العّز الحنفي‪" :‬ومنشأ الضلل من التسوية بين المشيئة والرادة‬
‫وى بينهما الجبرّية والقدرّية‪ ،‬ثم اختلفوا‪ ،‬فقالت‬ ‫وبين المحّبة والرضا‪ ،‬فس ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الجبرّية‪ :‬الكون كله بقضائه وقدره‪ ،‬فيكون محبوبا مرضيا‪ ،‬وقالت القدرية‬
‫درة ول‬‫النفاة‪ :‬ليست المعاصي محبوبة لله‪ ،‬ول مرضّية له‪ ،‬فليست مق ّ‬
‫ضية‪ ،‬فهي خارجة عن مشيئته وخلقه‪.‬‬ ‫مق ّ‬
‫ل على الفرق بين المشيئة والمحبة الكتاب والسّنة والفطرة‬ ‫وقد د ّ‬
‫الصحيحة"‪.‬‬
‫ج‪ -‬مناقشة الجبرّية والقدرّية إجما ً‬
‫ل‪:‬‬
‫يقول ابن أبي العّز الحنفي في معرض رّده على هؤلء وهؤلء‪" :‬وهدى الله‬
‫المؤمنين أهل السنة لما اخلفوا فيه من الحقّ بإذنه‪ ،‬والله يهدي من يشاء‬
‫إلى صراط مستقيم‪.‬‬
‫ل دليل صحيح يقيمه الجبريّ فإنما يدل على أن الله خالق كل شيء‪ ،‬وأنه‬ ‫فك ّ‬
‫على كل شيء قدير‪ ،‬وأن أفعال العباد من جملة مخلوقاته‪ ،‬وأنه ما شاء كان‪،‬‬
‫ل في الحقيقة‪ ،‬ول مريد‬ ‫ل على أن العبد ليس بفاع ٍ‬ ‫وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬ول يد ّ‬
‫ول مختار‪ ،‬وأن حركاته الختيارّية بمنزلة حركة المرتعش وهبوب الرياح‬
‫وحركات الشجار‪.‬‬
‫ة‪،‬‬
‫ل على أن العبد فاعل لفعله حقيق ً‬ ‫وكل دليل صحيح يقيمه القدري فإنما يد ّ‬
‫وأنه مريد ٌ له مختار له حقيقة‪ ،‬وأن إضافته ونسبته إليه إضافة حق‪ ،‬ول يدلّ‬
‫على أنه غير مقدورٍ لله تعالى‪ ،‬وأنه واقعٌ بغير مشيئته وقدرته‪.‬‬
‫ل‬‫فإذا ضممت ما مع كل طائفةٍ منهما من الحق إلى حقّ الخرى فإنما يد ّ‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل عليه القرآن وسائر كتب الله المنزلة من عموم قدرة الله‬ ‫ذلك على ما د ّ‬
‫ومشيئته لجميع ما في الكون من العيان والفعال‪ ،‬وأن العباد فاعلون‬
‫م‪.‬‬
‫ة‪ ،‬وأنه يستوجبون عليها المدح والذ ّ‬ ‫لفعالهم حقيق ً‬
‫دق‬
‫ّ‬ ‫يص‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫والح‬ ‫تتعارض‪،‬‬ ‫ل‬ ‫الحق‬ ‫ّ‬
‫لة‬ ‫أد‬ ‫فإن‬ ‫المر‪،‬‬ ‫نفس‬ ‫في‬ ‫وهذا هو الواقع‬
‫بعضه بعضًا‪ .‬ويضيق هذا المختصر عن ذكر أّدلة الفريقين‪ ،‬ولكنها تتكافأ‬
‫ق بطلن قول الخرين"‪.‬‬ ‫وتتساقط‪ ،‬وُيستفاد من دليل كل فري ٍ‬
‫د‪ -‬محاورة أهل السنة للقدرّية‪:‬‬
‫‪ -1‬وقف أعرابي على حلقة فيها عمرو بن عبيد‪ ،‬فقال‪ :‬يا هؤلء‪ ،‬إن ناقتي‬
‫ي‪ ،‬فقال عمرو بن عبيد‪ :‬اللهم إنك لم ُترد أن‬ ‫سرقت فادعوا الله أن يرّدها عل ّ‬ ‫ُ‬
‫سرقت فارددها عليه‪ ،‬فقال العرابي‪ :‬ل حاجة لي في دعائك‪،‬‬ ‫ُتسرق ناقته ف ُ‬
‫سرقت‪ ،‬أن يريد رّدها فل ُترد‪.‬‬ ‫قال‪ :‬ولم؟ قال‪ :‬أخاف كما أراد أن ل ُتسرق ف ُ‬
‫‪ -2‬وقال رجل لبي عصام القسطلني‪ :‬أرأيت إن منعني الهدى وأوردني‬
‫ذبني‪ ،‬أيكون منصفًا؟! فقال له أبو عصام‪ :‬إن يكن الهدى شيئا ً‬ ‫الضلل‪ ،‬ثم ع ّ‬
‫هو له‪ ،‬فله أن يعطيه من يشاء ويمنعه من يشاء‪.‬‬
‫‪ -3‬ودخل القاضي عبد الجبار الهمذاني ـ أحد شيوخ المعتزلة ـ على الصاحب‬
‫ابن عباد‪ ،‬وعنده أبو إسحاق السفراييني ـ أحد أئمة السنة ـ‪ ،‬فلما رأى‬
‫الستاذ قال‪ :‬سبحان من تنزه عن الفحشاء‪ ،‬فقال الستاذ فورًا‪ :‬سبحان من‬
‫ل يقع في ملكه إل ما يشاء‪ ،‬فقال القاضي‪ :‬أيشاء ربنا أن ُيعصى؟! قال‬
‫الستاذ‪ :‬أُيعصى ربنا قهرًا؟! فقال القاضي‪ :‬أرأيت إن منعني الهدى وقضى‬
‫ي أم أساء؟! فقال الستاذ‪ :‬إن منعك ما هو لك فقد‬ ‫ي بالردى أحسن إل ّ‬ ‫عل ّ‬
‫أساء‪ ،‬وإن منعك ما هو له فهو يختص برحمته من يشاء‪ .‬فُبهت القاضي عبد‬
‫الجبار‪.‬‬
‫‪ -4‬وقال غيلن لميمون مهران بحضرة هشام بن عبد الملك الذي أتى به‬
‫ليناقشه‪ :‬أشاء ربنا أن ُيعصى؟! فقال له ميمون‪ :‬أفُعصي كارهًا؟!‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫‪ -5‬وقد وضع المام الشافعي مسلكا ً قويا ً في مناظرة القدرّية‪ ،‬فقال‪:‬‬


‫خصموا‪ ،‬وإن أنكروا كفروا"‪.‬‬ ‫"ناظروا القدرية بالعلم‪ ،‬فإن أقّروا به ُ‬
‫وكان السلف رضوان الله عليهم يناظرون القدرية بهذا المسلك كثيرا‪ً.‬‬
‫‪ -6‬عن عمرو بن مهاجر قال‪ :‬أقبل غيلن ـ وهو مولى لل عثمان ـ وصالح بن‬
‫سويد إلى عمر بن عبد العزيز‪ ،‬فبلغه أنهما ينطقان في القدر‪ ،‬فدعاهما‪،‬‬
‫م الله نافذ ٌ في عباده أم منتقض؟ قال‪ :‬بل نافذ يا أمير المؤمنين‪،‬‬ ‫عل ُ‬
‫فقال‪ :‬أ ِ‬
‫قال‪ :‬ففيم الكلم؟! فخرجنا‪ ،‬فلما كان عند مرضه بلغه أنهما قد أشرفا‪،‬‬
‫فأرسل إليهما وهو مغضب فقال‪ :‬ألم يك في سابق علمه حين أمر إبليس‬
‫ت إليهما برأسي‪ :‬قول‪ :‬نعم‪ .‬فقال‪:‬‬ ‫بالسجود أنه ل يسجد؟! فقال عمرو‪ :‬فأومأ ُ‬
‫نعم‪ .‬فأمر بإخراجهما‪.‬‬
‫‪ -7‬وعن أبي جعفر الخطمي قال‪ :‬شهدت عمر بن عبد العزيز وقد دعا غيلن‬
‫لشيء بلغه عنه في القدر فقال له‪ :‬ويحك يا غيلن‪ ،‬ما هذا الذي بلغني عنك؟‬
‫ي يا أمير المؤمنين وُيقال علي ما ل أقول‪ ،‬قال‪ :‬ما تقول في‬ ‫قال‪ُ :‬يكذب عل ّ‬
‫العلم؟ قال‪ :‬نفذ العلم‪ ،‬قال‪ :‬أنت مخصوم‪ ،‬اذهب الن فقل‪ :‬ما شئت‪ .‬يا‬
‫ت‪ ،‬وإنك أن تقّر به‬ ‫صمت‪ ،‬وإن جحدته كفر َ‬ ‫خ ِ‬
‫غيلن‪ :‬إنك إن أقررت بالعلم ُ‬
‫فتخصم خيٌر لك من أن تجحد فتكفر‪.‬‬
‫‪ -8‬بلغ هشام بن عبد الملك أن رجل ً قد ظهر يقول بالقدر‪ ،‬وقد أغوى خلقا ً‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كثيرًا‪ ،‬فبعث إليه هشام فأحضره‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا الذي بلغني عنك؟ قال‪ :‬وما‬
‫ضر‬ ‫هو؟ قال‪ :‬تقول‪ :‬إن الله لم يقدر على خلق الشّر؟ قال‪ :‬بذلك أقول‪ ،‬فأح ِ‬
‫ت أني على الحق‪ ،‬وإن‬ ‫من شئت يحاجني فيه‪ ،‬فإن غلبته بالحجة والبيان علم ُ‬
‫غلبني بالحجة فاضرب عنقي‪ .‬قال‪ :‬فبعث هشام إلى الوزاعي فأحضره‬
‫ت عن‬ ‫ت سألتك عن واحدة‪ ،‬وإن شئ َ‬ ‫لمناظرته‪ ،‬فقال له الوزاعي‪ :‬إن شئ َ‬
‫ت عن أربع؟ فقال‪ :‬سل عما بدا لك‪ ،‬قال الوزاعي‪ :‬أخبرني‬ ‫ثلث‪ ،‬وإن شئ َ‬
‫عن الله عز وجل هل تعلم أنه قضى على ما نهى؟ قال‪ :‬ليس عندي في هذا‬
‫شيء‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬هذه واحدة‪ .‬ثم قلت له‪ :‬أخبرني هل تعلم أن‬
‫الله حال دون ما أمر؟ قال‪ :‬هذه أشد ّ من الولى‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أمير المؤمنين‪،‬‬
‫هذه اثنتان‪ .‬ثم قلت له‪ :‬هل تعلم أن الله أعان على ما حّرم؟ قال‪ :‬هذه أشد ّ‬
‫ل بها ضرب‬ ‫من الولى والثانية‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬هذه ثلث قد ح ّ‬
‫سر لنا‬ ‫عنقه‪ .‬فأمر به هشام فضربت عنقه‪ .‬ثم قال للوزاعي‪ :‬يا أبا عمرو‪ ،‬ف ّ‬
‫هذه المسائل‪ ،‬قال‪ :‬نعم يا أمير المؤمنين‪ .‬سألته‪ :‬هل يعلم أن الله قضى‬
‫على ما نهى؟ نهى آدم عن أكل الشجرة ثم قضى عليه بأكلها‪ .‬وسألته‪ :‬هل‬
‫يعلم أن الله حال دون ما أمر؟ أمر إبليس بالسجود لدم‪ ،‬ثم حال بينه وبين‬
‫السجود‪ .‬وسألته‪ :‬هل يعلم أن الله أعان على ما حّرم؟ حّرم الميتة والدم‪ ،‬ثم‬
‫أعاننا على أكله في وقت الضطرار إليه‪ .‬قال هشام‪ :‬والرابعة ما هي يا أبا‬
‫عمرو؟ قال‪ :‬كنت أقول‪ :‬مشيئتك مع الله أم دون الله؟ فإن قال‪ :‬مع الله فقد‬
‫اتخذ مع الله شريكًا‪ ،‬أو قال‪ :‬دون الله‪ ،‬فقد انفرد بالربوبية‪ ،‬فأيهما أجابني‬
‫ل ضرب عنقه بها‪ ،‬قال هشام‪ :‬حياة الخلق وقوام الدين بالعلماء‪.‬‬ ‫فقد ح ّ‬
‫هـ‪ -‬من أقوال السلف والئمة في اليمان بالقدر‪:‬‬
‫دك‬ ‫عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال‪) :‬كل شيء بقدر حتى وضعك ي َ‬
‫دك(‪.‬‬ ‫على خ ّ‬
‫وقال يحيى بن سعيد‪ :‬ما زلت أسمع من أصحابنا يقولون‪" :‬إن أفعال العباد‬
‫مخلوقة"‪ ،‬قال أبو عبد الله‪ :‬حركاتهم وأصواتهم واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة‪.‬‬
‫وقال المام أبو حنيفة‪" :‬وكان الله تعالى عالما ً في الزل بالشياء قبل كونها‪،‬‬
‫در الشياء وقضاها‪ ،‬ول يكون في الدنيا ول في الخرة شيء إل ّ‬ ‫وهو الذي ق ّ‬
‫بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره وكتابته في اللوح المحفوظ"‪.‬‬
‫وقال المام مالك لرجل‪ :‬سألتني أمس عن القدر؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪" :‬إن الله‬
‫ن‬
‫مل ّ‬ ‫مْنى ل ْ‬
‫ل ِ‬ ‫حقّ ال ْ َ‬
‫قو ْ ُ‬ ‫ها وََلك ِ ْ‬
‫ن َ‬ ‫دا َ‬
‫س هُ َ‬‫ف ٍ‬‫ل نَ ْ‬ ‫تعالى يقول‪} :‬وَل َوْ ِ‬
‫شئ َْنا لت َي َْنا ك ُ ّ‬
‫َ‬
‫ن{ ]السجدة‪ ،[13:‬فل بد ّ أن يكون ما قال الله‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬ ‫سأ ْ‬‫جن ّةِ َوالّنا ِ‬‫ن ال ْ ِ‬‫م َ‬‫م ِ‬
‫جهَن ّ َ‬
‫َ‬
‫تعالى"‪.‬‬
‫وقال المام الشافعي‪" :‬إن مشيئة العباد هي إلى الله تعالى‪ ،‬ول يشاؤون إل ّ‬
‫أن يشاء الله رب العالمين‪ ،‬فإن الناس لم يخلقوا أعمالهم‪ ،‬وهي خلقٌ من‬
‫خلق الله تعالى‪ ...‬وإن القدر خيره وشره من الله عز وجل"‪.‬‬
‫وقال المام أحمد‪" :‬والقدر خيره وشره‪ ،‬وقليله وكثيره‪ ،‬وظاهره وباطنه‪،‬‬
‫وحلوه ومّره‪ ،‬ومحبوبه ومكروهه‪ ،‬وحسنه وسّيئه‪ ،‬وأوله وآخره من الله قضاًء‬
‫دره عليهم ل يعدو واحد منهم مشيئة الله عز وجل‪ ،‬ول يجاوز‬ ‫وقدرًا‪ ،‬ق ّ‬
‫قضاءه‪ ،‬بل هم كلهم صائرون إلى ما خلقهم له‪ ،‬واقعون فيما قدر عليهم ل‬
‫ل"‪.‬‬‫محالة‪ ،‬وهو عدل منه عّز ربنا وج ّ‬
‫ً‬
‫وقال المام أحمد أيضا‪" :‬أجمع سبعون رجل من التابعين وأئمة المسلمين‬
‫وأئمة السلف وفقهاء المصار على أن السنة التي توفي عليها رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬أولها الرضا بقضاء الله‪ ،‬والتسليم لمر الله‪ ،‬والصبر‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تحت حكمه‪ ،‬والخذ بما أمر الله‪ ،‬والنهي عما نهى عنه‪ ،‬وإخلص العمل لله‪،‬‬
‫واليمان بالقدر خيره وشره‪ ،‬وترك المراء والجدال والخصومات في الدين"‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫وقال أبو بكر الحميدي‪" :‬السنة عندنا أن يؤمن الرجل بالقدر خيره وشّره‪،‬‬
‫ه لم يكن ليخطئه‪ ،‬وأن ما أخطأه لم يكن‬ ‫حلوه ومّره‪ ،‬وأن يعلم أن ما أصاب ُ‬
‫ليصيبه‪ ،‬وأن ذلك كله قضاٌء من الله عز وجل"‪.‬‬
‫وقال أبو عثمان الصابوني‪" :‬ويشهد أهل السنة ويعتقدون أن الخير والشّر‬
‫والنفع والضّر والحلو والمّر بقضاء الله تعالى وقدره‪ ،‬ول مرد ّ لهما ول محيص‬
‫ول محيد عنهما‪ ،‬ول يصيب المرء إل ّ ما كتب له رّبه‪ ،‬ولو جهد الخلق أن ينفعوا‬
‫المرء بما لم يكتبه الله له لم يقدروا عليه‪ ،‬ولو جهدوا أن يضّروه بما لم يقضه‬
‫الله عليه لم يقدروا"‪.‬‬
‫ض لزم‪ ،‬وهو أن يعتقد أن الله تعالى خالق‬ ‫وقال البغوي‪" :‬اليمان بالقدر فر ٌ‬
‫أعمال العباد‪ ،‬خيرها وشرها‪ ،‬كتبها عليهم في اللوح المحفوظ قبل أن‬
‫ن{ ]الصافات‪:‬‬ ‫مُلو َ‬
‫ما ت َعْ َ‬ ‫قك ُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫خل َ َ‬‫ه َ‬‫يخلقهم‪ ،‬قال الله سبحانه وتعالى‪َ} :‬والل ّ ُ‬
‫ىء{ ]الرعد‪ ،[16:‬وقال عز‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫خال ِقُ ك ُ ّ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫‪ ،[96‬وقال عز وجل‪} :‬قُ ِ‬
‫قد ٍَر{ ]القمر‪ ،[49:‬فاليمان والكفر والطاعة‬ ‫خل َ ْ‬
‫قَناه ُ ب ِ َ‬ ‫ىء َ‬‫ش ْ‬‫ل َ‬‫وجل‪} :‬إ ِّنا ك ُ ّ‬
‫والمعصية كلها بقضاء الله وقدره‪ ،‬وإرادته ومشيئته‪ ،‬غير أنه يرضى اليمان‬
‫والطاعة‪ ،‬ووعد عليهما الثواب‪ ،‬ول يرضى الكفر والمعصية‪ ،‬وأوعد عليهما‬
‫العقاب‪."...‬‬
‫وقال ابن قدامة المقدسي‪" :‬من صفات الله تعالى أنه الفّعال لما يريد‪ ،‬ل‬
‫يكون شيء إل ّ بإرادته‪ ،‬ول يخرج شيء عن مشيئته‪ ،‬وليس في العالم شيء‬
‫يخرج عن تقديره‪ ،‬ول يصدر إل ّ عن تدبيره‪ ،‬ول محيد لحد عن القدر المقدور‪،‬‬
‫ط في اللوح المحفوظ"‪.‬‬ ‫ول يتجاوز ما خ ّ‬
‫انظر‪ :‬القضاء والقدر للمحمود )ص ‪ (302‬وما بعدها‪.‬‬
‫الفرق بين الفرق للبغدادي )ص ‪ .(211‬وانظر‪ :‬الملل والنحل للشهرستاني )‬
‫‪.(1/87‬‬
‫انظر‪ :‬مقالت السلميين للشعري )‪ ،(1/338‬والقضاء والقدر للمحمود )ص‬
‫‪.(304‬‬
‫انظر‪ :‬مجموع الفتاوى )‪.(150-3/148‬‬
‫انظر‪ :‬القضاء والقدر للمحمود )ص ‪.(305‬‬
‫المغني في أبواب التوحيد والعدل‪ ،‬وانظر‪ :‬القضاء والقدر للمحمود )ص‬
‫‪.(305‬‬
‫كتاب العدل والتوحيد ونفي التشبيه عن الله الواحد الحميد للرسي )‪،(1/118‬‬
‫وانظر‪ :‬القضاء والقدر للمحمود )ص ‪.(307‬‬
‫مجموع الفتاوى )‪ ،(8/449‬وانظر‪ (8/452،459) :‬منه‪.‬‬
‫شرح العقيدة الطحاوية )ص ‪ (324‬ط الرسالة‪ ،‬وانظر‪ :‬مدارج السالكين لبن‬
‫القيم )‪.(1/165‬‬
‫انظر مناقشة الدلة تفصيل في شفاء العليل لبن القيم )‪،(255-2/127‬‬ ‫ً‬
‫والقضاء والقدر للمحمود )ص ‪.(367-346‬‬
‫شرح العقيدة الطحاوية )ص ‪ (641-640‬ط الرسالة‪ .‬وانظر‪ :‬شفاء العليل )‬
‫‪.(1/150‬‬
‫شرح العقيدة الطحاوية لبن أبي العز )ص ‪.(251-250‬‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المصدر السابق )ص ‪.(251‬‬


‫انظر التعليق على المصدر السابق )ص ‪ (251‬وفتح الباري‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تاريخ الطبري )‪.(8/125‬‬
‫أي‪ :‬بصفة العلم التي اتصف الله تعالى بها‪.‬‬
‫شرح الطحاوية )ص ‪ (354‬ط الرسالة‪.‬‬
‫الشريعة للجري )ص ‪.(232‬‬
‫شرح أصول اعتقاد أهل السنة لللكائي )‪.(4/789‬‬
‫شرح أصول اعتقاد أهل السنة )‪.(4/795‬‬
‫خلق أفعال العباد للبخاري )ص ‪.(34‬‬
‫المصدر السابق‪.‬‬
‫ّ‬
‫الفقه الكبر المنسوب إلى أبي حنيفة‪ ،‬وشرحه لمل علي قاري )ص ‪.(64-63‬‬
‫حلية الولياء لبي نعيم )‪.(6/326‬‬
‫مناقب الشافعي للبيهقي )‪.(1/415‬‬
‫طبقات الحنابلة )‪.(1/25‬‬
‫مناقب المام أحمد لبن الجوزي )ص ‪.(228‬‬
‫مسند الحميدي )‪.(2/546‬‬
‫عقيدة السلف وأصحاب الحديث )ص ‪.(79-78‬‬
‫شرح السنة )‪.(144-1/142‬‬
‫لمعة العتقاد )ص ‪.(20-19‬‬
‫‪ -5‬مسائل متفرقة‪:‬‬
‫أ‪ -‬حكم الحتجاج بالقدر على فعل المعاصي‪:‬‬
‫جون بالقدر ويقولون‪ :‬إنه قد‬ ‫سئل شيخ السلم ابن تيمية عن أقوام يحت ّ‬ ‫ُ‬
‫ي‪ ،‬والسعيد سعيد‪ ،‬محتجين بقول الله سبحانه‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫شق‬ ‫والشقي‬ ‫المر‪،‬‬ ‫مضى‬
‫َ‬ ‫قت ل َهم منا ال ْحسنى أ ُ‬
‫ن{ ]النبياء‪[101:‬‬ ‫دو َ‬ ‫مب ْعَ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ها‬‫ْ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫سب َ َ ْ ُ ْ ّ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫}إ ِ ّ‬
‫در الخير والشّر‪ ،‬والزنا مكتوب علينا‪ ،‬وما لنا في الفعال‬ ‫قائلين بأن الله ق ّ‬
‫قدرة وإنما القدرة لله‪...‬‬
‫فأجاب‪" :‬الحمد لله رب العالمين‪ ،‬هؤلء القوم إذا أصّروا على هذا العتقاد‬
‫كانوا أكفر من اليهود والنصارى؛ فإن اليهود والنصارى يؤمنون بالمر والنهي‪،‬‬
‫دلوا‪ ،‬وآمنوا ببعض وكفروا‬ ‫والوعد والوعيد‪ ،‬والثواب والعقاب‪ ،‬لكن حّرفوا وب ّ‬
‫ن َأن‬ ‫ن ِبال ِ َ ُ ُ ِ ِ َ ُ ِ ُ َ‬
‫دو‬ ‫ري‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫فُرو َ‬ ‫ن ي َك ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫ببعض‪ ،‬كما قال الله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ن أن‬ ‫دو َ‬‫ري ُ‬‫ض وَي ُ ِ‬ ‫فُر َ ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ض وَن َك ْ ُ‬ ‫ن ب ِب َعْ ٍ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ن ُؤْ ِ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ن الل ّهِ وَُر ُ‬
‫سل ِهِ َوي ُ‬ ‫فّرُقوا ْ ب َي ْ َ‬ ‫يُ َ‬
‫ذابا ً‬ ‫قا ً وَأعْت َد َْنا ل ِل ْ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ُ‬
‫سِبيل ً * أوْل َئ ِ َ‬
‫ن عَ َ‬ ‫ري َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ن ذال ِ َ‬‫ذوا ْ ب َي ْ َ‬‫خ ُ‬‫ي َت ّ ِ‬
‫مِهينًا{ ]النساء‪ [151 ،150:‬فكيف بمن كفر بالجميع‪ ،‬ولم يقر بأمر الله ونهيه‬ ‫ّ‬
‫ووعده ووعيده؟! بل ترك ذلك محتجا ً بالقدر‪ ،‬فهو أكفر ممن آمن ببعض وكفر‬
‫ببعض"‪.‬‬
‫ج آدم موسى((‪:‬‬ ‫ب‪ -‬شبهة من استدل بقوله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬فح ّ‬

‫)‪(10 /‬‬

‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ج آدم موسى؛ قال موسى‪:‬‬ ‫ج آدم وموسى عليهما السلم عند ربهما‪ ،‬فح ّ‬
‫))احت ّ‬
‫أنت آدم الذي خلقك الله بيده‪ ،‬ونفخ فيك من روحه‪ ،‬وأسجد لك ملئكته‪،‬‬
‫ت الناس بخطيئتك إلى الرض؟ فقال آدم‪ :‬أنت‬ ‫وأسكنك في جنته‪ ،‬ثم أهبط ّ‬
‫موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلمه‪ ،‬وأعطاك اللواح فيها تبيان كل‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شيء‪ ،‬وقّربك نجيًا‪ ،‬فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن ُأخلق؟ قال‬
‫موسى‪ :‬بأربعين عامًا‪ ،‬قال آدم‪ :‬فهل وجدت فيها‪ :‬وعصى آدم رّبه فغوى؟‬
‫ي أن أعمله قبل‬ ‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬أفتلومني على أن عملت عمل ً كتبه الله عل ّ‬
‫ج‬
‫أن يخلقني بأربعين سنة؟!(( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬فح ّ‬
‫آدم موسى((‪.‬‬
‫وبه يحتج الجبرية الذين عطلوا المر والنهي‪ ،‬والجواب الصحيح فيه كما قال‬
‫ج بالقضاء والقدر على الذنب‪ ،‬وهو كان أعلم‬ ‫ابن أبي العّز‪" :‬إن آدم لم يحت ّ‬
‫ج بالقدر‪ ،‬فإنه باطل‪ ،‬وموسى‬ ‫بربه وذنبه‪ ،‬بل آحاد بنيه من المؤمنين ل يحت ّ‬
‫ب قد تاب‬ ‫عليه السلم أعلم بأبيه وبذنبه من أن يلوم آدم عليه السلم على ذن ٍ‬
‫منه‪ ،‬وتاب الله عليه‪ ،‬واجتباه وهداه‪ ،‬وإنما وقع اللوم على المصيبة التي‬
‫أخرجت أولده من الجنة‪ ،‬فاحتج آدم عليه السلم بالقدر على المصيبة‪ ،‬ل‬
‫ج به عند المصائب‪ ،‬ل عند المعايب‪.‬‬ ‫على الخطيئة‪ ،‬فإن القدر ُيحت ّ‬
‫در من المصائب يجب‬ ‫وهذا المعنى أحسن ما قيل في الحديث‪ ،‬فما قُ ّ‬
‫ما الذنوب فليس للعبد أن‬ ‫الستسلم له‪ ،‬فإنه من تمام الرضا بالله ربًا‪ ،‬وأ ّ‬
‫يذنب‪ ،‬وإذا أذنب فعليه أن يستغفر ويتوب‪ ،‬فيتوب عند المعايب‪ ،‬ويصبر على‬
‫المصائب"‪.‬‬
‫ج‪ -‬هل نحن مأمورين بالرضا بقضاء الله وقدره؟‬
‫قال ابن أبي العّز‪" :‬الجواب أن يقال‪:‬‬
‫دره‪ ،‬ولم يرد بذلك‬ ‫ل‪ :‬نحن غير مأمورين بالرضا بكل ما يقضيه الله ويق ّ‬ ‫أو ً‬
‫خط ويمقت‪ ،‬كما ل‬ ‫كتاب ول سنة‪ ،‬بل من المقضي ما ُيرضى به‪ ،‬وفيه ما يس َ‬
‫يرضى به القاضي سبحانه‪ ،‬بل من القضاء ما ُيسخط‪ ،‬كما أن من العيان‬
‫المقضّية ما يغضب عليه‪ ،‬وُيمقت وُيلعن وُيذم‪.‬‬
‫ي‬
‫م بذات الله تعالى‪ ،‬ومقض ّ‬ ‫ل قائ ٌ‬ ‫ويقال ثانيًا‪ :‬هنا أمران‪ :‬قضاء الله‪ ،‬وهو فع ٌ‬
‫وهو المفعول المنفصل عنه‪ ،‬فالقضاء كله خير وعدل وحكمة‪ ،‬فُيرضى به كّله‪،‬‬
‫ي قسمان‪ :‬منه ما ُيرضى به‪ ،‬ومنه ما ل ُيرضى به‪.‬‬ ‫والمقض ّ‬
‫ً‬
‫ويقال ثالثا‪ :‬القضاء له وجهان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬تعّلقه بالرب تعالى ونسبته إليه‪ ،‬فمن هذا الوجه ُيرضى به‪.‬‬
‫والوجه الثاني‪ :‬تعّلقه بالعبد ونسبته إليه‪ ،‬فمن هذا الوجه ينقسم إلى ما‬
‫ُيرضى به‪ ،‬وإلى ما ل ُيرضى به‪.‬‬
‫دره الله وقضاه وكتبه‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫حيث‬ ‫فمن‬ ‫اعتباران‪:‬‬ ‫مثال ذلك‪ :‬قتل النفس‪ ،‬له‬
‫وشاءه‪ ،‬وجعله أجل ً للمقتول‪ ،‬ونهاية لعمره‪ ،‬نرضى به‪ ،‬ومن حيث صدر من‬
‫القاتل وباشره وكسبه‪ ،‬وأقدم عليه باختياره‪ ،‬وعصى الله بفعله‪ ،‬نسخطه ول‬
‫نرضى به"‪.‬‬
‫مجموع الفتاوى )‪.(263-8/262‬‬
‫ج آدم وموسى عند الله )‪ ،(6614‬ومسلم‬ ‫رواه البخاري في القدر‪ ،‬باب‪ :‬تحا ّ‬
‫في القدر‪ ،‬باب‪ :‬حاج آدم موسى عليهما السلم )‪ (2652‬واللفظ له‪.‬‬
‫شرح العقيدة الطحاوية )ص ‪ ،(136-135‬وانظر‪ :‬مجموع الفتاوى )‪،8/108‬‬
‫‪ (178‬ومنهاج السنة )‪.(2/10‬‬
‫شرح العقيدة الطحاوية )ص ‪ (336‬ط الرسالة‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬مذهب أهل السنة في مسائل تتعلق بالقضاء والقدر‪:‬‬
‫أ‪ -‬التحسين والتقبيح‪:‬‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬وقد ثبت بالخطاب والحكمة الحاصلة من‬
‫الشرائع ثلثة أنواع‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن يكون الفعل مشتمل ً على مصلحة أو مفسدةٍ ولو لم يرد الشرع‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بذلك‪ ،‬كما يعلم أن العدل مشتمل على مصلحة العالم‪ ،‬والظلم يشتمل على‬
‫فسادهم‪ ،‬فهذا النوع هو حسن وقبيح‪ ،‬وقد يعلم بالعقل والشرع قبح ذلك‪ ،‬ل‬
‫ة لم تكن‪ ،‬لكن ل يلزم من حصول هذا القبح أن يكون‬ ‫أنه أثبت للفعل صف ً‬
‫فاعله معاقبا ً في الخرة إذا لم يرد الشرع بذلك‪ ،‬وهذا مما غلط فيه غلة‬
‫القائلين بالتحسين والتقبيح‪ ،‬فإنهم قالوا‪ :‬إن العباد يعاقبون على أفعالهم‬
‫ما‬
‫ل‪ ،‬وهذا خلف النص قال تعالى‪} :‬وَ َ‬ ‫القبيحة ولو لم يبعث الله إليهم رسو ً‬
‫ل{ ]السراء‪.[15:‬‬ ‫سو ً‬‫ث َر ُ‬
‫حّتى ن َب ْعَ َ‬
‫ن َ‬ ‫ك ُّنا ُ‬
‫معَذ ِّبي َ‬
‫ً‬
‫النوع الثاني‪ :‬أن الشارع إذا أمر بشيٍء صار حسنا‪ ،‬وإذا نهى عن شيء صار‬
‫قبيحًا‪ ،‬واكتسب صفة الحسن والقبح بخطاب الشارع‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫والنوع الثالث‪ :‬أن يأمر الشارع بشيء ليمتحن به العبد‪ ،‬هل يطيعه أم يعصيه‪،‬‬
‫َ‬
‫ما‬‫سل َ َ‬ ‫ول يكون المراد فعل المأمور به‪ ،‬كما أمر إبراهيم بذبح ابنه‪} :‬فَل َ ّ‬
‫ما أ ْ‬
‫ن{ ]الصافات‪ [103:‬حصل المقصود‪ ،‬ففداه بالذبح‪ ،‬وكذلك حديث‬ ‫ه ل ِل ْ َ‬
‫جِبي ِ‬ ‫وَت َل ّ ُ‬
‫أبرص وأقرع وأعمى‪ ،‬لما بعث الله إليهم من سألهم الصدقة‪ ،‬فلما أجاب‬
‫العمى قال الملك‪ :‬أمسك عليك مالك فإنما ابتليتم‪ ،‬فرضي عنك وسخط‬
‫على صاحبيك‪ ،‬فالحكمة منشؤها من نفس المر ل من نفس المأمور به‪،‬‬
‫وهذا النوع والذي قبله لم يفهمه المعتزلة‪ ،‬وزعمت أن الحسن والقبح ل‬
‫يكون إل ّ لما هو مّتصف بذلك‪ ،‬بدون أمر الشارع‪ ،‬والشعرّية اّدعوا أن جميع‬
‫الشريعة من قسم المتحان‪ ،‬وأن الفعال ليست لها صفة ل قبل الشرع ول‬
‫بالشرع‪ ،‬وأما الحكماء والجمهور فأثبتوا القسام الثلثة وهو الصواب"‪.‬‬
‫ب‪ -‬وجوب فعل الصلح‪:‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬ذهب جمهور العلماء إلى أنه إنما أمر العباد بما‬
‫فيه صلحهم‪ ،‬ونهاهم عما فيه فسادهم‪ ،‬وأن فعل المأمور به مصلحة عامة‬
‫لمن فعله‪ ،‬وأن إرسال الرسل مصلحة عامة‪ ،‬وإن كان فيه ضرر على بعض‬
‫الناس لمعصيته‪ ،‬فـ))إن الله كتب في كتاب فهو عنده موضوع فوق العرش‪:‬‬
‫ي عنه‬ ‫إن رحمتي سبقت غضبي((‪ ،‬فهم يقولون‪ :‬فعل المأمور به وترك المنه ّ‬
‫مصلحة لكل فاعل وتارك‪ ،‬وأما نفس المر وإرسال الرسل فمصلحة عامة‬
‫دره الله تغلب فيه‬ ‫من شرا ً لبعضهم‪ ،‬وهكذا سائر ما يق ّ‬ ‫للعباد‪ ،‬وإن تض ّ‬
‫المصلحة والرحمة والمنفعة‪ ،‬وإن كان في ضمن ذلك ضرر لبعض الناس‪،‬‬
‫فلله في ذلك حكمة أخرى‪ .‬ويقولون‪ :‬وإن كان في بعض ما يخلقه ما فيه‬
‫ضرر لبعض الناس‪ ،‬أو هو سبب ضرر كالذنوب‪ ،‬فل بد ّ في كل ذلك من حكمة‬
‫ومصلحة لجلها خلقها الله‪ ،‬وقد غلبت رحمته غضبه"‪.‬‬
‫ج‪ -‬الستطاعة‪:‬‬
‫وقول أهل السنة فيها التفصيل‪:‬‬
‫كن وسلمة اللت‪،‬‬ ‫‪ -1‬هناك استطاعة للعبد بمعنى الصحة والوسع‪ ،‬والتم ّ‬
‫وهي التي تكون مناط المر والنهي‪ ،‬وهي المصلحة للفعل‪ ،‬فهذه ل يجب أن‬
‫تقارن الفعل‪ ،‬بل قد تكون قبله متقدمة عليه‪ ،‬وهذه الستطاعة المتقدمة‬
‫ج‬
‫ح ّ‬‫س ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صالحة للضدين‪ ،‬ومثال هذه الستطاعة قوله تعالى‪َ} :‬وللهِ عَلى الّنا ِ‬
‫ل{ ]آل عمران‪ ،[97:‬فهذه الستطاعة قبل‬ ‫طاع َ إ ِل َي ْهِ َ‬
‫سِبي ً‬ ‫ست َ َ‬
‫نا ْ‬ ‫م ِ‬‫ت َ‬ ‫ال ْب َي ْ ِ‬
‫ج‪ ،‬ول عصى‬ ‫الفعل‪ ،‬ولو لم تكن إل ّ مع الفعل لما وجب الحج إل ّ على من ح ّ‬
‫أحد ٌ بترك الحج‪ ،‬ول كان الحج واجبا ً على أحد قبل الحرام‪ ،‬بل قبل فراغه‪،‬‬
‫م{ ]التغابن‪ .[16:‬فأمر‬ ‫ست َط َعْت ُ ْ‬
‫ما ا ْ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫ومن أمثلتها قوله تعالى‪َ} :‬فات ّ ُ‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالتقوى بمقدار الستطاعة‪ ،‬ولو أراد الستطاعة المقارنة لما وجب على أحدٍ‬
‫من التقوى إل ّ ما فعل فقط؛ إذ هو الذي قارنته تلك الستطاعة‪.‬‬
‫وهذه الستطاعة هي مناط المر والنهي‪ ،‬والثواب والعقاب‪ ،‬وعليها يتكلم‬
‫عرف الناس‪.‬‬ ‫الفقهاء‪ ،‬وهي الغالبة في ُ‬
‫‪ -2‬وهناك الستطاعة التي يجب معها وجود الفعل‪ ،‬وهذه هي الستطاعة‬
‫ن‬
‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫كاُنوا ْ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬‫المقارنة للفعل الموجبة له‪ ،‬ومن أمثلتها قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫مئ ِذٍ‬‫م ي َوْ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬
‫ضَنا َ‬ ‫ن{ ]هود‪ ،[20:‬وقوله‪} :‬وَعََر ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي ُب ْ ِ‬
‫ما َ‬ ‫مع َ و َ َ‬‫س ْ‬‫ال ّ‬
‫ْ‬ ‫رى وَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ل ّل ْ َ‬
‫كاُنوا ل َ‬ ‫عن ذِك ْ ِ‬ ‫م ِفى ِغطاء َ‬‫ت أعْي ُن ُهُ ْ‬ ‫ن َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫ذي َ‬
‫ن عَْرضا ‪ v‬ال ِ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬
‫معًا{]الكهف‪ ،[101-100:‬فالمراد بعدم الستطاعة مشقة ذلك‬ ‫س ْ‬
‫ن َ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬‫يَ ْ‬
‫عليهم‪ ،‬وصعوبته على نفوسهم ل تستطيع إرادته‪ ،‬وإن كانوا قادرين على فعله‬
‫ده هواه أو رأيه الفاسد عن استماع كتب الله‬ ‫لو أرادوه‪ ،‬وهذه حال من ص ّ‬
‫المنزلة واتباعها‪ ،‬وقد أخبر أنه ل يستطيع ذلك‪ ،‬وهذه الستطاعة هي المقارنة‬
‫الموجبة له‪.‬‬
‫وهذه الستطاعة هي الستطاعة الكونية‪ ،‬التي هي مناط القضاء والقدر‪ ،‬وبها‬
‫يتحقق وجود الفعل‪.‬‬
‫د‪-‬الحكمة والتعليل‪:‬‬
‫ى‬ ‫معن‬ ‫لغير‬ ‫ول‬ ‫يقول ابن القيم‪" :‬إنه سبحانه حكيم ل يفعل شيئا ً عبث ً‬
‫ا‪،‬‬
‫ً‬
‫ٌ‬ ‫ة‬ ‫صادر‬ ‫ومصلحة‪ ،‬وحكمته هي الغاية المقصودة بالفعل‪ ،‬بل أفعاله سبحانه‬
‫عن حكمة بالغة لجلها فعل‪ ،‬كما هي ناشئة عن أسباب بها فعل‪ ،‬وقد د ّ‬
‫ل‬
‫كلمه وكلم رسوله على هذا وهذا في مواضع ل تكاد تحصى"‪.‬‬
‫فأهل السنة أثبتوا لله حكمة في كل ما خلق‪ ،‬والحكمة تتضمن شيئين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬حكمة تعود إليه سبحانه‪ ،‬يحبها ويرضاها‪ ،‬وهي التي أنكرها المعتزلة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬حكمة تعود إلى عباده‪ ،‬وهي نعمة يفرحون بها‪ ،‬ويلتذون بها‪ ،‬وهذه‬
‫تكون في المخلوقات والمأمورات‪.‬‬
‫هـ‪ -‬تكليف ما ل يطاق‪:‬‬
‫تكليف ما ل يطاق على وجهين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬ما ل يقدر على فعله لستحالته‪ ،‬وهو نوعان‪:‬‬
‫‪ -1‬ما هو ممتنع عادة كالمشي على الوجه والطيران‪ ،‬وكالمقعد الذي ل يقدر‬
‫على القيام‪ ،‬والخرس الذي ل يقدر على الكلم‪.‬‬
‫‪ -2‬ما هو ممتنع في نفسه كالجمع بين الضدين‪ ،‬وجعل المحدث قديما‪ً،‬‬
‫والقديم محدثًا‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فهذا اتفق حملة الشريعة على أن مثل هذا ليس‬
‫بواقع في الشريعة‪ ،‬وأنه ل يجوز تكليفه‪ ،‬وذلك لن عدم الطاقة فيه ملحقة‬
‫بالممتنع والمستحيل‪ ،‬وذلك يوجب خروجه عن المقدور فامتنع تكليف مثله‪.‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫والثاني‪ :‬ما ل يقدر عليه‪ ،‬ل لستحالته‪ ،‬ول للعجز عنه‪ ،‬لكن لتركه والشتغال‬
‫بضده‪ ،‬مثل تكليف الكافر باليمان في حال كفره‪ ،‬فهذا جائز خلفا ً للمعتزلة‪،‬‬
‫لنه من التكليف الذي اتفق المسلمون على وقوعه في الشريعة‪ ،‬لكن‪ :‬هل‬
‫يطلق على هذا بأنه تكليف ما ل يطاق؟‬
‫جمهور أهل العلم منعه وهو الراجح‪ ،‬وإن كان بعض المنتسبين إلى أهل‬
‫السنة قد أطلقه في رّدهم على القدرّية‪.‬‬
‫و‪ -‬معنى الظلم‪:‬‬
‫م عدل يضع الشياء مواضعها‪ ،‬فل يضع‬ ‫َ‬
‫قال أهل السنة‪ :‬إن الله تعالى حك ٌ‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شيئا ً إل ّ في موضعه الذي يناسبه‪ ،‬ول يفّرق بين متماثلين‪ ،‬ول يسوي بين‬
‫مختلفين‪.‬‬
‫ً‬
‫وعلى هذا فالظلم الذي حّرمه الله على نفسه وتنّزه عنه فعل وإرادة هو ما‬
‫مل المرء سيئات غيره‪ ،‬ول يعذبه بما‬ ‫سره به سلف المة وأئمتها أنه ل يح ّ‬ ‫ف ّ‬
‫لم تكسب يداه‪ ،‬وأنه ل ينقص من حسناته فل يجازى بها أو ببعضها‪ ،‬وهذا هو‬
‫و‬
‫ت وَهُ َ‬ ‫حا ِ‬
‫صال ِ َ‬
‫ن ال ّ‬‫م َ‬‫ل ِ‬ ‫م ْ‬
‫من ي َعْ َ‬
‫الظلم الذي نفى الله خوفه عن العبد بقوله‪} :‬وَ َ‬
‫سرون‪ :‬ل يخاف أن‬ ‫ضمًا{ ]طه‪ ،[112:‬قال المف ّ‬ ‫ف ظ ُْلما ً وَل َ هَ ْ‬
‫خا ُ‬‫ن فَل َ ي َ َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ٌ‬ ‫ُ‬
‫مل عليه سيئات غيره ول ينقص من حسناته‪ ،‬وقيل‪ :‬يظلم بأن يؤاخذ بما‬ ‫ّ‬ ‫يح‬
‫لم يعمل‪ ،‬وقيل‪ :‬ل يخاف أل ّ يجزى بعمله‪.‬‬
‫والله سبحانه وتعالى قادٌر على الظلم‪ ،‬وإنما استحقّ سبحانه الحمد والثناء‬
‫لنه ترك الظلم وهو قادٌر عليه‪ ،‬والمدح إنما يكون بترك المقدور عليه ل بترك‬
‫الممتنع‪ ،‬وعلى هذا فعقوبة النسان بذنب غيره ظلم ينّزه الله عنه‪ ،‬وأما إثابة‬
‫ل منه وإحسان‪ ،‬وإن كان حقا ً واجبا ً بحكم وعده باتفاق‬ ‫المطيع ففض ٌ‬
‫المسلمين‪ ،‬وبما كتبه على نفسه من الرحمة‪ ،‬وبموجب أسمائه وصفاته‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وهم المعتزلة ومن وافقهم‪.‬‬
‫رواه البخاري في كتاب أحاديث النبياء‪ ،‬باب‪ :‬حديث أبرص وأعمى وأقرع )‬
‫‪ ،(3464‬ومسلم في الزهد والرقائق )‪.(2964‬‬
‫مجموع الفتاوى )‪ (436-8/434‬باختصار‪.‬‬
‫الحديث رواه البخاري في التوحيد‪ ،‬باب‪ :‬وكان عرشه على الماء )‪.(7422‬‬
‫منهاج السنة لبن تيمية )‪ (463-1/462‬باختصار‪.‬‬
‫انظر‪ :‬مجموع الفتاوى )‪.(8/372‬‬
‫انظر‪ :‬مجموع الفتاوى )‪.(373 ،290 ،8/129‬‬
‫ً‬
‫انظر‪ :‬القضاء والقدر للمحمود )ص ‪ ،(270-268‬وانظر أيضا‪ :‬شرح الطحاوية‬
‫لبن أبي العّز )ص ‪ ،(639-637‬ودرء التعارض )‪.(1/61‬‬
‫شفاء العليل )‪.(2/87‬‬
‫تقريب وترتيب شرح العقيدة الطحاوية للشيخ خالد بن فوزي )‪،(2/1069‬‬
‫وانظر أيضًا‪ :‬مجموع الفتاوى )‪.(36-8/35‬‬
‫القضاء والقدر للمحمود )ص ‪.(278-277‬‬
‫انظر‪ :‬زاد المسير لبن الجوزي )‪.(5/224‬‬
‫القضاء والقدر للمحمود )ص ‪ ،(286-285‬وانظر‪ :‬منهاج السنة )‪(2/236‬‬
‫ومفتاح دار السعادة )‪ ،(2/107‬وشرح العقيدة الطحاوية )ص ‪.(660-659‬‬
‫سابعًا‪ :‬ثمرات اليمان بقضاء الله وقدره‪:‬‬
‫لليمان بقضاء الله وقدره فوائد عظيمة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ً‬
‫ن قدَر نفسه‪ ،‬فل يتكّبر ول يبطر‪ ،‬ول يتعالى أبدا؛ لنه‬ ‫‪ -1‬أنه يعّرف النسا َ‬
‫م يقّر النسان‬ ‫عاجز عن معرفة المقدور‪ ،‬ومستقبل ما هو حادث‪ ،‬ومن ث ّ‬
‫بعجزه وحاجته إلى ربه تعالى دائمًا‪ ،‬وهذا من أسرار خفاء المقدور‪.‬‬
‫‪ -2‬يقول الشوكاني‪" :‬ومن فوائد رسوخ اليمان بهذه الخصلة أنه يعلم أنه ما‬
‫وصل إليه من الخير على أيّ صفة كان وبيد من اتفق فهو منه عز وجل‪،‬‬
‫فيحصل له بذلك من الحبور والسرور ما ل يقدر قدره‪ ،‬لما له سبحانه من‬
‫ورها‪ ،‬وتقصر عقولهم عن إدراك‬ ‫العصمة التي تضيق أذهان العباد عن تص ّ‬
‫ن‬‫أدنى منازلها‪ ...‬وما أحسن ما قاله الحربي‪ :‬من لم يؤمن بالقدر لم يته ّ‬
‫بعيشه"‪.‬‬
‫‪ -3‬اليمان بالقدر يقضي على كثير من المراض التي تعصف بالمجتمعات‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتزرع الحقاد بين المؤمنين‪ ،‬فالمؤمن يسعى لعمل الخير‪ ،‬ويحب للناس ما‬
‫ب لنفسه‪ ،‬فإن وصل إلى ما يصبو إليه حمد الله وشكره على نعمه‪ ،‬وإن‬ ‫يح ّ‬
‫لم يصل إلى شيء من ذلك صبر ولم يجزع‪ ،‬ولم يحقد على غيره ممن نال‬
‫من الفضل ما لم ينله؛ لن الله هو الذي يقسم الرزاق فيعطي ويمنع‪ ،‬وكل‬
‫ذلك ابتلء وامتحان منه سبحانه وتعالى لخلقه‪.‬‬
‫وي‬ ‫‪ -4‬اليمان بالقدر يبعث في القلوب الشجاعة على مواجهة الشدائد‪ ،‬ويق ّ‬
‫فيها العزائم‪ ،‬فيثبت صاحبه في ساحات الجهاد ول يخاف الموت؛ لنه موقن‬
‫ة واحدة‪.‬‬‫ددة ل تتقدم ول تتأخر لحظ ً‬ ‫أن الجال مح ّ‬
‫ً‬
‫‪ -5‬اليمان بالقدر من أكبر العوامل التي تكون سببا في استقامة المسلم‪،‬‬
‫قه أحد ٌ أو يسيء إليه أو يرد ّ‬ ‫صر في ح ّ‬ ‫وخاصة في معاملته للخرين‪ ،‬فحين يق ّ‬
‫إحسانه بالساءة أو ينال من عرضه بغير حق تجده يعفو ويصفح لنه يعلم أن‬
‫ما في حقّ الله فل يجوز‬ ‫در‪ ،‬وهذا إنما يحسن إذا كان في حقّ نسفه‪ ،‬أ ّ‬ ‫ذلك مق ّ‬
‫العفو ول التعلل بالقدر‪ ،‬لن القدر إنما يحتج به في المصائب ل في المعايب‪.‬‬
‫ددة‪ ،‬فهو دائم‬ ‫‪ -6‬اليمان بالقدر يغرس في نفس المؤمن حقائق اليمان المتع ّ‬
‫الستعانة بالله‪ ،‬يعتمد على الله ويتوكل عليه مع فعل السباب‪ ،‬وهو يغرس‬
‫أيضا ً في نفس المؤمن النكسار والعتراف لله تعالى حين يقع منه الذنب‪،‬‬
‫ومن ثم يطلب من الله العفو والمغفرة‪.‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫‪ -7‬ومن آثار اليمان بالقدر أن الداعي إلى الله يصدع بدعوته‪ ،‬ويجهر بها أمام‬
‫الكافرين والظالمين‪ ،‬ل يخاف في الله لومة لئم‪ ،‬يبّين للناس حقيقة اليمان‪،‬‬
‫ويوضح لهم مقتضياته‪ ،‬ويكشف الباطل وزيفه وُدعاته وحماته‪ ،‬ويقول كلمة‬
‫الحقّ أمام الظالمين‪ ،‬ويفضح ما هم فيه من كفر وظلم‪ ،‬وإذا كان المر هكذا‬
‫فكيف يبقى في نفس المؤمن الداعية ذّرة من خوف وهو يؤمن بقضاء الله‬
‫در سيكون‪ ،‬وما لم يقدر لن يكون‪ ،‬وهذا كله مرجعه إلى الله‪،‬‬ ‫وقدره؟! فما ق ّ‬
‫والعباد ل يملكون من ذلك شيئا‪ً.‬‬
‫‪ -8‬اليمان بالقدر طريق الخلص من الشرك‪ ،‬وهو مفرق طريق بين التوحيد‬
‫والشرك‪ ،‬فالمؤمن بالقدر ُيقّر بأن هذا الكون وما فيه صادر عن إله واحد‪،‬‬
‫ومعبود واحد‪ ،‬ومن لم يؤمن هذا اليمان فإنه يجعل من دون الله آلهة وأربابا‪ً.‬‬
‫سراء والضّراء‪ ،‬ل تبطره‬ ‫‪ -9‬وهو يفضي إلى الستقامة على منهٍج سواٍء في ال ّ‬
‫النعمة‪ ،‬ول تيئسه المصيبة‪ ،‬فهو يعلم أن كل ما أصابه من نعم وحسنات فمن‬
‫الله ل بذكائه وحسن تدبيره‪ ،‬وإذا أصابه الضراء والبلء علم أن هذا بتقدير‬
‫الله ابتلًء منه‪ ،‬فل يجزع ول ييأس‪ ،‬بل يحتسب ويصبر‪ ،‬فيسكب هذا اليمان‬
‫في قلب المؤمن الرضا والطمأنينة‪.‬‬
‫‪ -10‬المؤمن بالقدر دائما ً على حذر من أن يأتيه ما يضله‪ ،‬كما يخشى أن‬
‫يختم له بخاتمة سيئة‪ ،‬وهذا ل يدفعه إلى التكاسل والخمول‪ ،‬بل يدفعه إلى‬
‫المجاهدة الدائبة للستقامة‪ ،‬والكثار من الصالحات‪ ،‬ومجانبة المعاصي‬
‫والموبقات‪ ،‬كما يبقى قلب العبد معلقا ً بخالقه‪ ،‬يدعوه ويرجوه ويستعينه‪،‬‬
‫ويسأله الثبات على الحقّ كما يسأله الرشد والسداد‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -11‬إذا آمن المؤمن بالقدر فإنه يقبل على أمر الله وإن قلت الرفقة‪ ،‬ويقبل‬
‫على الجهاد وإن كان وحده‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪،،‬‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫انظر‪ :‬لمحات في وسائل التربية السلمية وغاياتها للدكتور محمد أمين‬


‫المصري )ص ‪.(186‬‬
‫انظر‪ :‬قطر الولي على حديث الولي للشوكاني )ص ‪ ،(396‬ضمن ولية الله‬
‫والطريق إليها‪ .‬دراسة وتحقيق الدكتور‪ :‬إبراهيم هلل‪.‬‬
‫انظر‪ :‬لمحات في وسائل التربية )ص ‪ ،(178‬واليمان باليوم الخر وبالقضاء‬
‫والقدر للشيخ أحمد البيانوني )ص ‪ ،(145-144‬والقضاء والقدر للمحمود )ص‬
‫‪.(453‬‬
‫انظر‪ :‬القضاء والقدر للمحمود )ص ‪.(454‬‬
‫انظر‪ :‬مجموعة بحوث فقهّية‪ ،‬بحث اليمان بالقضاء والقدر للدكتور عبد‬
‫الكريم زيدان )ص ‪ ،(236‬والقضاء والقدر للمحمود )ص ‪.(456‬‬
‫انظر‪ :‬مجموعة بحوث فقهية بحث اليمان بالقضاء والقدر )ص ‪(244-240‬‬
‫والقضاء والقدر للمحمود )ص ‪.(457‬‬
‫انظر‪ :‬القضاء والقدر للمحمود )ص ‪.(458-457‬‬
‫انظر‪ :‬القضاء والقدر للشقر )ص ‪.(110-109‬‬
‫المصدر السابق )ص ‪ ،(111-110‬وانظر‪ :‬العقيدة السلمية لعبد الرحمن‬
‫حبنكة )ص ‪.(686‬‬
‫المصدر السابق )ص ‪.(111‬‬
‫انظر‪ :‬ترتيب وتقريب شرح العقيدة الطحاوية للشيخ خالد بن فوزي عبد‬
‫الحميد )‪.(2/1021‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫اليمان بالله‪:‬‬
‫اليمان بالله سبحانه و تعالى هو الفطرة التي فطر الله عليها عباده‪ ,‬و‬
‫اللحاد غاشية طارئة على النسان‪ ,‬خرج بها أصحابها عن أصل الخلقة و‬
‫مقتضى الفطرة‪ .‬و يدل على هذا قوله تعالى‪" :‬وإذ أخذ ربك من بني آدم من‬
‫ظهورهم ذريتهم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن‬
‫تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين‪ ,‬أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل‬
‫و كنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون" ]العراف‪ .[173-172 :‬و‬
‫إن علم اليمان هو أشرف العلوم لتعلقه بمعرفة الله سبحانه و تعالى و‬
‫إفراده بالعبادة‪ ,‬و أيضا لما يترتب عليه من تحقق الحياة الطيبة في الحياة‬
‫الدنيا و الفوز بنعيم الخلد و جنة البد في الخرة‪.‬‬
‫و أما الملحدة و اللدينيين الذين ل يؤمنون بالله سبحانه و تعالى‪ ,‬و يبررون‬
‫ذلك بأنه ل تدركه الحواس‪ ,‬فقد اتبعوا بهذه القوال سنن أعداء اليمان الذين‬
‫كانوا من قبلهم عندما جعلوا رؤية الله شرطا لليمان‪ .‬و هذه المكابرة هي‬
‫منطق الكافرين قديما و حديثا‪ ,‬و لكنها في الحقيقة شبهة باطلة لن هؤلء‬
‫يؤمنون بوجود العقول المفكرة و لم يروها‪ ,‬و يؤمنون بالجاذبية الرضية و لم‬
‫يروها و هناك الكثير من المثلة على أمور مثل هذه يؤمنون بها دون أن يروها‬
‫أو أن تدركها حواسهم‪ .‬و لكنهم آمنوا بكل هذه الشياء التي ل يرونها لما‬
‫يرون من آثارها‪ ,‬كأثر الجاذبية في جذب الشياء إلى الرض‪ .‬و لذلك فإن‬
‫الطريق إلى اليمان بالله عز و جل هو التدبر في آياته‪ ,‬و هي تقود كل‬
‫منصف إلى اليمان بالله‪ ,‬و إلى اليمان بربوبيته و ألوهيته سبحانه و تعالى‪.‬‬
‫و إن من ثمرات اليمان بالله الحياة الطيبة في الدنيا و الهداية و العزة و‬
‫التمكين و النصر على العداء و الفوز برضوان الله و الجنة في الخرة‪ ,‬و‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هناك الكثير من اليات في القرآن الكريم تؤكد هذا المعنى‪ .‬و من المعروف‬
‫أن سبب عدم تحقق الكثير من هذه الوعود في واقع المسلمين حاليا هو‬
‫ضعف إيمانهم‪ ,‬و ل سبيل إلى تحقيق هذه الوعود إل بالعودة إلى اليمان‬
‫علما و عمل‪ ,‬تصديقا و انقيادا‪ .‬و من اليات التي تؤكد هذا ما يلي‪:‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬من عمل صالحا من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فلنحيينه حياة‬
‫طيبة و لنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" ]النحل ‪.[97‬‬
‫و قوله تعالى‪" :‬فأما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فل يضل و ل يشقى و‬
‫من أعرض عن ذكري فأن له معيشة ضنكا و نحشره يوم القيامة أعمى قال‬
‫ربي لم حشرتني أعمى و قد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها و‬
‫كذلك اليوم تنسى" ]طه ‪.[123‬‬
‫و قوله تعالى‪" :‬و لله العزة و لرسوله و للمؤمنين" ]المنافقون ‪.[8‬‬
‫و قوله تعالى‪" :‬وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم‬
‫في الرض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى‬
‫لهم و ليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يؤمنون بي ل يشركون بي شيئا و من‬
‫كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون" ]النور ‪.[55‬‬
‫و قوله تعالى‪" :‬إن الله يدافع عن الذين آمنوا" ]الحج ‪.[38‬‬
‫و قوله تعالى‪" :‬و كان حقا علينا نصر المؤمنين" ]الروم ‪.[47‬‬
‫و قوله تعالى‪" :‬ثم ننجي رسلنا و الذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين"‬
‫]يونس ‪.[103‬‬
‫فباليمان يكون النصر و العزة و التمكين و النجاة و الهداية و الحياة الطيبة‬
‫في الدنيا و الخرة‪ ,‬و أما من أعرض عن اليمان فله معيشة ضنكا‪ ,‬و يحشر‬
‫يوم القيامة أعمى‪ ,‬و يعيش ذليل مهزوما‪.‬‬
‫وجود الله عز و جل‪:‬‬
‫إن هناك نوعان من الوجود‪:‬‬
‫وجود ذاتي‪ ,‬لم يسبقه عدم و ل يلحقه عدم‪ ,‬و هو ما كان وجوده ثابتا له في‬
‫نفسه و ليس مكسوبا له من غيره‪ ,‬و هذا هو وجود الله عز و جل كما قال‬
‫تعالى‪" :‬هو الول و الخر و الظاهر و الباطن و هو بكل شيء عليم" ]الحديد‪:‬‬
‫‪.[2‬‬
‫وجود حادث‪ ,‬و هو ما كان حادثا بعد عدم‪ ,‬فهذا الذي ل بد له من موجد يوجده‬
‫و خالق يحدثه‪ ,‬و ذلك الخالق هو الله عز و جل‪ ,‬كما قال تعالى‪" :‬الله خالق‬
‫كل شيء و هو على كل شيء وكيل" ]الزمر‪.[62 :‬‬
‫و لذلك فإن الوجود صفة لله جل و عل بإجماع المسلمين و جميع العقلء‬
‫حتى المشركين‪.‬‬
‫بعض الدلة على ربوبية الله تعالى‪:‬‬
‫دللة الفطرة‪ :‬و هي ذلك الشعور الغامر الذي يمل على النسان أقطار‬
‫نفسه‪ ,‬إقرارا بخالقه و تألها له و التجاء إليه‪ .‬و الفطرة هي الميثاق الذي‬
‫أخذه الله بربوبيته على بني آدم‪.‬‬
‫دللة اليات الكونية‪ :‬فإن الدلة على وجود و ربوبية الله عز و جل بعدد‬
‫مخلوقات الله‪ .‬و إذا تأمل النسان في هذا الكون و في جميع المخلوقات‬
‫الموجودة فيه‪ ,‬سيجد أربعة أدلة رئيسية تهديه إلى اليمان بالله سبحانه و‬
‫تعالى‪ ,‬و هي مذكورة في قوله تعالى‪" :‬سبح اسم ربك العلى‪ ,‬الذي خلق‬
‫فسوى‪ ,‬و الذي قدر فهدى" ]العلى‪ .[3-1 :‬إذا فهذه الدلة هي‪ :‬الخلق و‬
‫التسوية و التقدير و الهداية‪ ,‬و شرح هذه الدلة باختصار كما يلي‪:‬‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أ‪ -‬دليل الخلق‪ :‬و هو خلق الله لجميع المخلوقات‪ ,‬و العجاز في هذا الخلق‪.‬‬
‫فالنسان عاجز عن خلق أي شيء من عدم‪ ,‬و لكن الله سبحانه و تعالى خلق‬
‫الكون بأكمله من عدم‪ .‬و كما قال تعالى‪" :‬أم خلقوا من غير شيء أم هم‬
‫الخالقون أم خلقوا السماوات و الرض بل ل يوقنون" ]الطور ‪.[36-35‬‬
‫فخلق الله النسان و السماوات و الرض دليل على وجود الله و على‬
‫ربوبيته‪ .‬و المتأمل في خلق الله سبحانه و تعالى‪ ,‬من النجوم و الكواكب‪ ,‬و‬
‫الرض و ما فيها من مخلوقات‪ ,‬و حتى في الخليا التي يتكون منها النسان‪,‬‬
‫يقر بوجود آيات بينات على وجود الله عز و جل‪.‬‬
‫ب – دليل التسوية‪ :‬معنى تسوية الشيء هو إتقانه و إحسان خلقه و إكمال‬
‫صنعته بحيث يكون مهيئا لداء وظيفته‪ ,‬و يكون مستويا معتدل متناسب‬
‫الجزاء ليس بينها تفاوت يخل بالمقصود‪ .‬و هذه التسوية في الخلق تدل على‬
‫وجود الله عز و جل‪ ,‬وعلى بديع علمه و إرادته و قدرته و حكمته‪.‬‬
‫ج – دليل التقدير‪ :‬التقدير هو خلق كل شيء بمقدار و ميزان و ترتيب و‬
‫حساب بحيث يتلءم مع مكانه و زمانه‪ ,‬و بحيث يتناسق مع غيره من‬
‫الموجودات القريبة منه و البعيدة عنه‪ .‬و تقدير الله سبحانه و تعالى في جميع‬
‫مخلوقاته دليل آخر على وجوده عز و جل‪.‬‬
‫د ‪ -‬دليل الهداية‪ :‬المقصود من الهداية هنا هو اللهام الفطري أو الغريزي‬
‫الذي تتوجه به المخلوقات قاطبة إلى أداء دورها و تحقيق وظيفتها في هذه‬
‫الحياة‪ .‬و هذه الهداية تشمل جميع المخلوقات‪ ,‬الحية و غيرها‪.‬‬
‫دللة الحس‪ :‬لدللة الحس على وجود الله وجهان‪ :‬الوجه الول هو ما نشهده‬
‫و نسمعه من إجابة الداعين و غوث المكروبين‪ .‬و أما الوجه الثاني‪ ,‬فهو ما‬
‫أيد الله به رسله من المعجزات التي تدل على وجود الله عز و جل لنه هو‬
‫الذي صنع المعجزات‪ ,‬و لن الرسل أنفسهم دعوا الناس إلى اليمان بوجود و‬
‫ربوبية الله سبحانه و تعالى‪.‬‬
‫دللة إجماع المم‪ :‬فإن جميع المم و الديانات المعروفة أجمعت على ربوبية‬
‫الله عز و جل‪ ,‬و لو أن بعضهم جعلوا لله شركاء يعبدونهم من دون الله‪ .‬و‬
‫أما ظاهرة اللحاد و إنكار و جود الله عز و جل لم تكن فيما مضى إل شذوذا‬
‫تخلف به أصحابه عن مواكب العقلء‪.‬‬
‫دللة العقل‪ :‬و هي تقوم على ثلثة أسس‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن العدم ل يخلق شيئا‬
‫الثاني‪ :‬أن الفعل مرآة لقدرة فاعله و بعض صفاته‬
‫الثالث‪ :‬أن فاقد الشيء ل يعطيه‪ ,‬فالمخلوقات جميعا ل يعقل أن ينسب إليها‬
‫الخلق‪.‬‬
‫توحيد الربوبية‪:‬‬
‫معنى توحيد الربوبية‪ :‬توحيد الله بأفعاله‪ ,‬و اعتقاد تفرده بالخلق و الملك و‬
‫الرزق و التدبير‪ .‬كما قال تعالى‪" :‬أل له الخلق و المر تبارك الله رب‬
‫العالمين" ]العراف‪.[54 :‬‬
‫و ل يكفي القرار بالربوبية للبراءة من الشرك‪ ,‬فإن معظم الطوائف تقر‬
‫بالربوبية لله سبحانه و تعالى‪ ,‬و لم يعرف عن أحد من الطوائف القول بأن‬
‫للعالم صانعين متماثلين في الصفات و الفعال‪ .‬و لكن هذه الطوائف وقع‬
‫منها الشرك في بعض الربوبية كاعتقادهم الخلق و النفع و الضر في آلهتهم‬
‫المزعومة من دون الله‪ .‬و إقرارهم بالربوبية هذا لم يخرجهم من أن يوصفوا‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالشرك‪ ,‬لن هذه الطوائف و المم كانت تقر بالربوبية و تكفر باللوهية‪.‬‬
‫و لكن توحيد الربوبية الخالص من الشرك هو المدخل إلى توحيد اللوهية‪,‬‬
‫فإن من يرسخ في يقينه بتفرد الله بالخلق و الملك و الرزق و التدبير ل بد‬
‫أن يتوجه بدعائه و عبادته إليه و حده‪.‬‬
‫توحيد اللوهية‪:‬‬
‫توحيد اللوهية‪ :‬هو إفراد الله بالعبادة قول و فعل و قصدا‪ ,‬و البراءة من كل‬
‫معبود من دونه‪ ,‬فالله هو المألوه المعبود الذي يستحق العبادة وحده دون‬
‫سواه‪.‬‬
‫تعريف العبادة‪ :‬التأله و التذلل لله وحده‪ ,‬و النقياد له سبحانه بفعل ما أمر به‬
‫و ترك ما نهى عنه‪ .‬و عرفها العلماء أيضا بأنها‪ :‬اسم جامع لكل ما يحبه الله و‬
‫يرضاه من القوال و الفعال الظاهرة و الباطنة‪.‬‬
‫و بهذا فإن كل أصول الدين و فروعه يندرج في معنى العبادة‪ ,‬و توحيد‬
‫اللوهية يقتضي إفراد الله بكل هذه العبادات‪ ,‬و التوجه بها إليه وحده‪.‬‬
‫خطأ اختزال مفهوم العبادة في باب الشعائر التعبدية‪:‬‬
‫و من المور المهمة التي يجب الشارة إليها هنا هو أن اختزال مفهوم العبادة‬
‫في باب الشعائر التعبدية فحسب من المفاهيم المغلوطة الشائعة بين‬
‫الناس‪ ,‬و لعلها أثر من آثار العلمانية و ما تروج له من الفصل بين الدين و‬
‫الحياة‪ .‬و الصواب هو أن العبادة هي كل قول أو فعل يحبه الله و يرضاه‪ ,‬و‬
‫أن العاديات تتحول مع النية الصالحة إلى عبادات‪ .‬فمثل‪ ,‬كفالة أمور‬
‫المسلمين و القيام بحاجاتهم العامة من الزراعات و الصناعات و نحوه يلتحق‬
‫مع النية الصالحة بأبواب العبادات‪.‬‬
‫أنواع العبودية‪:‬‬
‫‪ (1‬عبودية كونية عامة لجميع الخلق في كل زمان و مكان و هي عبودية‬
‫تسخير و تسيير‪ ,‬و هذه لله وحده كما قال تعالى‪" :‬و له أسلم من في‬
‫السماوات و الرض طوعا و كرها" ]آل عمران‪.[83 :‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ (2‬عبودية خاصة يصطفي الله لها من يشاء من عباده الصالحين و هي‬


‫عبودية تشريف و تكريم‪ ,‬كما قال تعالى‪" :‬و عباد الرحمن الذين يمشون على‬
‫الرض هونا و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلما" ]الفرقان‪.[63 :‬‬
‫‪ (3‬عبودية خاصة محدودة و مؤقتة‪ ,‬و هي التي تكون بين مخلوق و مخلوق‬
‫)الرق( و قد تكون مشروعة )أسر للكفار( أو غير مشروعة )سرقة للحرار(‪.‬‬
‫أهمية توحيد اللوهية و منزلته من الدين‪:‬‬
‫هذا التوحيد هو أعظم أنواع التوحيد و أهمها على الطلق‪ ,‬و هو الذي يتبادر‬
‫إلى الذهن عند إطلق كلمة توحيد‪ ,‬و تأتي أهميته من السباب التالية‪:‬‬
‫‪ (1‬أنه دعوة الرسل جميعا‪ ,‬و أول ما يخاطب به الناس من أمور الدين‪ ,‬و هو‬
‫معقد النجاة في الدنيا و الخرة‪.‬‬
‫‪ (2‬أنه شعار السلم الذي يميزه عما سواه من الديانات‪.‬‬
‫‪ (3‬أن القرآن الكريم كله في التوحيد و حقوقه و جزائه‪ ,‬و في شأن الشرك‬
‫و أهله و جزائه‪.‬‬
‫و الطريق الفطري إلى إثبات توحيد اللوهية هو توحيد الربوبية‪ ,‬كما قال‬
‫تعالى‪" :‬يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم و الذين من قبلكم لعلكم‬
‫تتقون‪ ,‬الذي جعل لكم الرض فراشا و السماء بناء و أنزل من السماء ماء‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فل تجعلوا لله أندادا و أنتم تعلمون"‬


‫]البقرة‪ .[22-21 :‬ففي هذه الية الكريمة جعل الله من مظاهر تفرده‬
‫بالربوبية في خلق الحاضرين و الغابرين و تمهيد الرض و رفع السماء و‬
‫إنزال الماء منها و إخراج الرزق من الثمرات بابا إلى توحيد اللوهية و آية بينة‬
‫على استحقاقه وحده للعبادة‪.‬‬
‫و أركان توحيد اللوهية هي‪:‬‬
‫‪ (1‬إفراد الله بالمحبة و التعظيم و التأله‪.‬‬
‫‪ (2‬إفراد الله بالطاعة و النقياد و التسليم‪.‬‬
‫توحيد القصد و التأله‪:‬‬
‫معنى توحيد القصد و التأله‪ :‬إفراد العبادة لله بالتأله و التنسك و التوجه إليه‬
‫وحده بسائر أنواع العبادات القولية و العملية‪ ,‬كالحب و التعظيم‪ ,‬و الرغبة و‬
‫الرهبة‪ ,‬و النابة و الرجاء و التوكل و الدعاء‪ ,‬و الستغاثة‪ ,‬و الذبح و النذر‪ ,‬و‬
‫الركوع و السجود‪ ,‬و غيرها‪.‬‬
‫و الغلو في الصالحين كان أساس الشرك في بني آدم‪ ,‬و لهذا نهى النبي‬
‫صلى الله عليه و سلم عن الغلو فقال عليه الصلة و السلم‪" :‬ل تطروني‬
‫كما أطرت النصارى ابن مريم‪ ,‬إنما أنا عبد‪ ,‬فقولوا‪ :‬عبد الله و رسوله"‬
‫]متفق عليه[‪ .‬و الطراء‪ :‬مجاوزة الحد في المدح و الكذب فيه‪.‬‬
‫ضلل القبوريون و غلوهم في الصالحين‪:‬‬
‫و قد ضل الكثير من الفرق و العوام بسبب الجهل في هذا الباب‪ ,‬فاتخذوا‬
‫من الولياء و الصالحين أندادا يحبونهم كحب الله‪ ,‬و توجهوا إليهم بكثير من‬
‫العبادات كالدعاء و الستغاثة و الذبح و النذر‪ .‬و فيما يلي توضيح لهذه‬
‫العبادات التي يكون توجيهها لغير الله شركا به‪:‬‬
‫الدعاء و الستغاثة و الستعاذة‪:‬‬
‫الدعاء‪ :‬الدعاء نوعان‪:‬‬
‫‪ (1‬دعاء المسألة‪ :‬طلب ما ينفع الداعي من جلب نفع أو كشف ضر‪ ,‬و هو‬
‫متضمن لدعاء العبادة‪ ,‬لن السائل أخلص سؤاله لله‪ ,‬و رغب إليه بخضوع و‬
‫تذلل‪ ,‬و ذلك من أفضل العبادات‪.‬‬
‫‪ (2‬دعاء العبادة‪ :‬هو سائر القربات من ذكر و تلوة و صلة و نسك‪ ,‬و هو‬
‫يستلزم دعاء المسألة‪.‬‬
‫الستغاثة‪ :‬هي طلب الغوث‪ ,‬و هو إزالة الشدة‪ ,‬و ل تكون إل من المكروب‪,‬‬
‫بخلف الدعاء فإنه أعم من ذلك‪ ,‬فكل استغاثة دعاء و ليس كل دعاء‬
‫استغاثة‪ .‬و الستغاثة ل تطلب من المخلوق إل فيما يقدر عليه‪ ,‬أما ما ل يقدر‬
‫عليه إل الله فل يطلب إل من الله‪.‬‬
‫الدعية البدعية‪ :‬و هي ثلثة مراتب‪:‬‬
‫الولى‪ :‬دعاء غير الله من الموتى أو الغائبين‪ ,‬و هذا هو الشرك بالله‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬طلب الدعاء من الميت أو الغائب من النبياء و الصالحين و هذا من‬
‫البدع‪ ,‬و قد ألحقه بعض العلماء بالشرك‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬دعاء الله تعالى متوسل بذات أحد من الصالحين أو بجاهه‪ ,‬و هو من‬
‫البدع المحدثة عند الجمهور‪.‬‬
‫التوسل المشروع‪ :‬و هو ثلثة أقسام‪:‬‬
‫‪ (1‬التوسل إلى الله سبحانه و تعالى بأسمائه الحسنى و صفاته العلى‪.‬‬
‫‪ (2‬التوسل إلى الله سبحانه و تعالى بالعمال الصالحات‪.‬‬
‫‪ (3‬التوسل إلى الله سبحانه و تعالى بطلب الدعاء من الحياء الصالحين‪.‬‬
‫الستعاذة‪ :‬هي اللتجاء و العتصام‪ .‬فالعائذ بالله قد التجأ إلى الله و اعتصم‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫به من كل شر‪ ,‬و العياذ يكون لدفع الشر‪ .‬والستعاذة من العبادات التي أمر‬
‫الله بها عباده كقوله سبحانه و تعالى‪" :‬و إما ينزغنك من الشيطان نزغ‬
‫فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم" ]فصلت‪ .[36 :‬لهذا فمن صرف شيئا من‬
‫الستعاذة لغير الله فقد جعله شريكا لله في عبادته‪.‬‬
‫الخوف والمحبة‪:‬‬
‫الخوف‪ :‬الخوف من الله من أفضل مقامات الدين و أجلها‪ ,‬و هو من أجمع‬
‫أنواع العبادة التي أمر الله جل و عل إخلصها له‪ ,‬كقوله تعالى‪" :‬إنما ذالكم‬
‫الشيطان يخوف أولياءه فل تخافوهم و خافون إن كنتم مؤمنين" ]آل عمران‪:‬‬
‫‪ .[175‬و ينقسم الخوف إلى ثلثة أقسام‪:‬‬
‫‪ (1‬خوف السر أو الخشية بالغيب‪ ,‬و يجب إخلصه لله تعالى‪ ,‬فإذا صرف‬
‫لغيره فذلك هو الشرك‪.‬‬
‫‪ (2‬ترك بعض الواجبات خوفا من الناس و هذا مجمع على حرمته‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪ (3‬الخوف الطبيعي و هو كالخوف من سبع أو عدو و هذا ل يذم‪.‬‬


‫المحبة‪ :‬محبة الله عز و جل بتأله و ذلة هو أصل دين السلم‪ ,‬لن العبادة هي‬
‫كمال المحبة و كمال الخضوع‪ ,‬فمن أحب من دونه شيئا كما يحب الله تعالى‬
‫فهو ممن اتخذ من دون الله أندادا‪ .‬و المحبة في الله ليس فيها شيء من‬
‫شوائب الشرك بل هي واجبة‪ ,‬إذ أنها تابعة لمحبة الله و لزمة لها‪ .‬أما المحبة‬
‫الشركية‪ ,‬فهي المحبة مع الله لما فيها من التأله لغير الله‪.‬‬
‫النذر و الذبح‪:‬‬
‫النذر و الذبح‪ :‬بما أن الوفاء بالنذر عبادة من العبادات‪ ,‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫"يوفون بالنذر و يخافون يوما كان شره مستطيرا" ]النسان‪ ,[7 :‬فإن النذر‬
‫لغير الله شرك في العبادة لما يتضمنه من تعظيم المنذور له و التقرب إليه‬
‫بذلك‪ .‬و أما بالنسبة للذبح‪ ,‬فهو أيضا عبادة من العبادات كما قال تعالى‪:‬‬
‫"فصل لربك و انحر" ]الكوثر‪ ,[3 :‬و لذلك فإن الذبح لغير الله شرك أكبر‬
‫يستحق فاعله لعنة الله و غضبه‪.‬‬
‫التنجيم‪:‬‬
‫هو الستدلل بالحوال الفلكية على الحوادث الرضية‪ ,‬و منه ما هو محرم و‬
‫منه ما هو جائز‪:‬‬
‫الجائز منه‪ :‬ما كان من جنس الحساب و يدرك بطريق المشاهدة الخبر و‬
‫ليس من علم الغيب في شيء‪.‬‬
‫و المحرم منه‪ :‬الستدلل بحركات النجوم و الكواكب على الحوادث‬
‫المستقبلية‪ ,‬أو القول بتأثير الكواكب في المور‪ .‬و ل يدخل في هذا ما جاء‬
‫عن طريق البحاث العلمية‪ ,‬و إنما المقصود الخرافات المنتشرة بين الجهلة‬
‫مثل ما يسمى بالبراج و غيرها‪.‬‬
‫التمائم‪:‬‬
‫التمائم جمع تميمة‪ ,‬و هي ما يعلق بأعناق الصبيان من خرزات و عظام و‬
‫نحوه لدفع العين‪ ,‬و هي من أبواب الشرك‪.‬‬
‫الحلف بغير الله‪:‬‬
‫الحلف بغير الله من الشرك الصغر‪ ,‬و قد يكون من الشرك الكبر بحسب‬
‫حال قائله و مقصده‪ .‬و قد اختلف الناس في جواز الحلف بالنبي صلى الله‬
‫عليه و سلم‪ ,‬و الصواب منعه‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫توحيد الطاعة و النقياد‪:‬‬


‫توحيد الطاعة و النقياد‪ :‬هو إفراد الله تعالى بالطاعة و النقياد‪ ,‬و ذلك‬
‫بتحكيم شرعه و القبول التام لكل ما جاء به نبيه صلى الله عليه و سلم‪ ,‬و‬
‫الكفر بما يتنافى مع ذلك من الهواء البشرية و المذاهب الوضعية‪.‬‬
‫أما في الزمن الذي نعيش فيه‪ ,‬و مع الستعمار للبلد السلمية‪ ,‬حصل تبديل‬
‫للشريعة السلمية بالقوانين الجنبية التي جاء بها المستعمر‪ .‬فترك الناس‬
‫شرع الله و وجهوا الطاعة و النقياد إلى قوانين أجنبية وضعها أعداءهم‪ .‬و‬
‫من أعداء السلم من قال أن الشريعة السلمية لم تكن مطبقة في جميع‬
‫الحوال و الوقات حتى في ظل الخلفة السلمية قبل مجيء المستعمر‪ ,‬و‬
‫احتجوا بهذا على جواز عدم تطبيق الشريعة و اتخاذ العلمانية )فصل الدين‬
‫عن التشريع( منهجا!‬
‫و لكن الفرق بين العلمانية و ما كان يحصل من انحرافات جزئية في تطبيق‬
‫الشريعة في ظل الخلفة أن العلمانية ترفض مرجعية الشريعة تماما‪ .‬أما‬
‫الخلفة فقد كانت معترفة و مؤمنة بمرجعية الشريعة‪ ,‬و إن حصل فيها بعض‬
‫التجاوزات‪ ,‬فالله سيحاسب كل من ظلم أو أساء‪ .‬فالمطلوب لتحقيق توحيد‬
‫الطاعة و النقياد هو تحكيم الشرع و القبول بكل ما جاء فيه و الكفر بكل ما‬
‫يتنافى معه‪.‬‬
‫فالعلمانية تعني فصل الدين عن الدولة و عن الحياة عموما‪ ,‬و قصر الدين‬
‫على جانب الشعائر التعبدية البحتة بين المرء و خالقه‪ ,‬و هي تنزع قدسية‬
‫الدين و تعتبره ميراثا بشريا بحتا‪ .‬و لذلك فإن العلمانية ناقضة لصل الدين‪:‬‬
‫‪ (1‬فهي شرك في الربوبية‪ ,‬ليس في جانب الخلق و المر الكوني و أنما في‬
‫جانب الهداية و المر الشرعي‪.‬‬
‫‪ (2‬و هي شرك في اللوهية‪ :‬فتبديل شرع الله بشرع آخر شرك بالله تعالى‪.‬‬
‫‪ (3‬و هي ثورة على النبوة‪ :‬فاليمان بالنبوة يتطلب تصديق خبر الرسول‬
‫صلى الله عليه و سلم و التزام أمره جملة و تفصيل‪.‬‬
‫‪ (4‬و هي نقد اليمان‪ :‬فإن أصل اليمان تصديق الخبر و النقياد للمر‪.‬‬
‫‪ (5‬و هي استحلل للحكم بغير ما أنزل الله‪.‬‬
‫توحيد السماء و الصفات‪:‬‬
‫هلك في قضية السماء و الصفات فريقان‪:‬‬
‫‪ (1‬المشبهة أو الممثلة‪ ,‬و هم الذين غلو في إثبات صفات الله حتى جعلوها‬
‫على نحو يماثل صفات المخلوقين‪ .‬و مذهبهم باطل و منكر‪ ,‬فقد قال الله‬
‫تعالى‪" :‬ليس كمثله شيء و هو السميع البصير" ]الشورى ‪ .[11‬و قال‪" :‬و لم‬
‫يكن له كفوا أحد" ]الخلص[‪ .‬و قد نهى الله عن أن تضرب له المثال في‬
‫قوله تعالى‪" :‬فل تضربوا لله المثال" ]النحل ‪.[74‬‬
‫‪ (2‬المعطلة‪ ,‬و قد غلو في جانب النفي فأنكروا أسماء الله و صفاته إنكارا‬
‫كليا أو جزئيا‪ ,‬و حرفوا من أجل ذلك نصوص الكتاب و السنة‪ ,‬و منهم‪:‬‬
‫الشاعرة و المعتزلة و الجهمية و القرامطة و الفلسفة‪ ,‬على تفاوت بينهم‬
‫في التعطيل و التحريف‪ .‬و أظهر هذه الطوائف اليوم هم الشاعرة‪ ,‬و قد‬
‫أثبتوا بعض الصفات و نفوا بعضها الخر و ردوا لذلك من النصوص ما أمكنهم‬
‫رده و أولوا ما أعجزهم رده‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫و قد زعم الشاعرة و الفلسفة‪ ,‬لقلة فهمهم‪ ,‬أنه يجب تأويل أو تعطيل أو‬
‫نفي الكثير من السماء و الصفات‪ ,‬و ذلك لسباب فلسفية لنهم رأوا تعارض‬
‫ثبوت هذه السماء و الصفات مع العقل‪ .‬و لكن ما فاتهم أن هذه المور من‬
‫أمور الغيب‪ ,‬فل يجوز و ل يعقل الرجوع فيها إلى العقل‪ ,‬فإن العقل ل يمكنه‬
‫أن يدرك بالتفصيل ما يجب و ل يجب و ما يجوز و ما يستحيل في حق الله‬
‫عز و جل‪.‬‬
‫و أما الصواب في هذا الباب فهو موقف أهل السنة و الجماعة‪ ,‬و هو الثبات‬
‫بل تثميل و التنزيه بل تعطيل‪ .‬و كما قال المام أحمد في هذا الباب‪ :‬نصف‬
‫الله بما وصف نفسه‪ ,‬و ل نتعدى القرآن و الحديث‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫اليمان بالملئكة‬
‫الله خلق الملئكة‪:‬‬
‫عا كثيرة من المخلوقات والكائنات‪ ،‬منها ما نراه ومنها ما‬ ‫خلق الله تعالى أنوا ً‬
‫ل نراه‪ .‬فنحن نستطيع أن نرى الشمس والقمر والجبال والنهار والشجار‬
‫والحيوانات والطيور والسماك‪ ،‬حّتى الكائنات الد ِّقيقةِ التي ل نستطيع رؤيتها‬
‫بأعيننا مثل‪ :‬الجراثيم والبكتريا والميكروبات‪ ،‬أو الذ ّّرات الدقيقة للمادة يمكننا‬
‫مشاهدتها والتعرف عليها عن طريق أجهزة خاصة‪ ،‬تقوم بتكبيرها مئات‬
‫المرات‪ .‬لكن هناك كائنات أخرى خلقها الله‪ ،‬ل نستطيع رؤيتها أو إدراكها‬
‫ن والملئكة‪.‬‬ ‫ج ّ‬‫بحواسنا‪ ،‬ومن هذه الكائنات‪ :‬ال ِ‬
‫‪.‬‬
‫واليمان بالملئكة من أركان اليمان الستة‪ ،‬وهو أحد أسس العقيدة‬
‫السلمية‪.‬‬
‫ض ّ‬
‫ل‬ ‫خرِ فَ َ‬
‫قد ْ َ‬ ‫ْ‬
‫سل ِهِ َوالي َوْم ِ ال ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ملئ ِكت ِهِ وَكت ُب ِهِ وَُر ُ‬ ‫ّ‬
‫فْر ِباللهِ وَ َ‬ ‫ْ‬
‫ن ي َك ُ‬ ‫م ْ‬ ‫قال تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫دا{‪.‬سورة "النساء"‪ :‬الية ]‪.[136‬‬ ‫ضلل ب َِعي ً‬
‫َ‬
‫وجاء في الحديث حين سئل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن اليمان‪" :‬أن‬
‫تؤمن بالله وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر وتؤمن بالقدر خيره وشره"‪.‬‬
‫؟‪..‬‬
‫· لماذا ل نرى الملئكة ‍‬
‫نحن ل نستطيع أن نرى الملئكة أو نسمعهم‪ ،‬فهم مخلوقون من نوٍر‪ ،‬كما‬
‫صهم‬ ‫إنهم مخلوقون بكيفية خاصة‪ ،‬لكننا نؤمن بوجودهم‪ ،‬وأن الله خلقهم واخت ّ‬
‫ت خاصة‪ ،‬فهم ل يأكلون‪ ،‬ول يشربون‪ ،‬ول ينامون‪ ،‬وليسوا ذكًرا وأنثى‬ ‫بصفا ٍ‬
‫ما عن عالم البشر‪.‬‬ ‫ف تما ً‬ ‫م آخر مختل ٌ‬ ‫مثل البشر‪ ،‬وإّنما هم عال ٌ‬
‫· الملئكة ل يعصون الله تعالى‪:‬‬
‫والملئكة ـ عليهم السلم ـ عصمهم الله من المعصية وحفظهم من الذنوب‪.‬‬
‫َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مُرو َ‬ ‫ما ي ُؤْ َ‬ ‫فعَُلو َ‬
‫ن َ‬ ‫م وَي َ ْ‬‫مَرهُ ْ‬‫ما أ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫صو َ‬ ‫قال تعالى‪} :‬ل ي َعْ ُ‬
‫سورة"التحريم"‪:‬منلية]‪.[6‬‬
‫فهم يسبحون الله ليل ً ونهاًرا‪ ،‬ول يتعبون ول يملون من عبادة ربهم‪ ،‬ول‬
‫يفعلون شيًئا إل بعد أن يأذن الله تعالى لهم في ذلك أو يأمرهم به‪.‬‬
‫· وصف هيئة الملئكة‪:‬‬
‫خلق الله الملئكة في أبهى صورة‪ ،‬وجعلهم غاية في الجمال والبهاء والقوة‪،‬‬
‫وجعل لهم أجنحة‪ ،‬فمنهم من له جناحان‪ ،‬ومنهم من له ثلثة أجنحة‪ ،‬ومنهم‬
‫ل حسب وظيفته التي‬ ‫من له أربعة أجنحة‪ ،‬ومنهم من له أكثر من ذلك‪ ،‬ك ُ ّ‬
‫خلقه الله من أجلها‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهذه الجنحة ل نستطيع أن نتصور شكلها على وجه الحقيقة‪ ،‬فهي ليست‬
‫كأجنحة الطيور التي نراها‪ ،‬ول يجوز تشبيهها بها‪ ،‬فهذا التشابه في السماء ل‬
‫في الحقيقة‪.‬‬
‫قال تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مث َْنى‬ ‫حةٍ َ‬ ‫جن ِ َ‬‫سل أوِلي أ ْ‬ ‫ملئ ِك َةِ ُر ُ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫جا ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ َفاط ِرِ ال ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫}ال ْ َ‬
‫ديٌر{‪ .‬سورة‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫شاُء إ ِ ّ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ق َ‬ ‫خل ِ‬
‫زيد ُ ِفي ال ْ َ ْ‬ ‫ث وَُرَباع َ ي َ ِ‬ ‫وَُثل َ‬
‫"فاطر"‪ :‬الية ]‪.[1‬‬
‫· الملئكة تتشكل في صورة بشر‪:‬‬
‫ظهر بعض الملئكة في صورة بشرية لنبي الله "إبراهيم" ـ عليه السلم ـ‬
‫ما‪ ،‬وكانت‬ ‫غل ً‬ ‫شروا امرأته أنها ستلد ُ‬ ‫وزوجه "سارة"‪ ،‬ونزلوا ضيوًفا عليه‪ ،‬وب ّ‬
‫عجوًزا عاقًِرا ل تلد‪.‬‬
‫قال تعالى‪:‬‬
‫ما َقا َ‬
‫ل‬ ‫سل ً‬ ‫قالوا َ‬ ‫ُ‬ ‫خلوا عَلي ْهِ فَ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ن* إ ِذ ْ د َ َ‬ ‫مي َ‬ ‫مكَر ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫م ال ُ‬ ‫هي َ‬ ‫ف إ ِب َْرا ِ‬ ‫ضي ْ ِ‬ ‫ث َ‬ ‫دي ُ‬ ‫ح ِ‬‫ك َ‬ ‫ل أ ََتا َ‬ ‫}هَ ْ‬
‫ل ألَ‬‫م قا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫قّرب َ ُ‬ ‫ن*ف َ‬ ‫مي ٍ‬ ‫س ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ج ٍ‬ ‫جاَء ب ِعِ ْ‬ ‫ن* فَراغ إ ِلى أهْل ِهِ ف َ‬ ‫منكُرو َ‬ ‫م ُ‬ ‫م قو ْ ٌ‬ ‫سل ٌ‬ ‫َ‬
‫م{‪ .‬سورة‬ ‫ف وَب َ ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫شُروهُ ب ُِغلم ٍ عَِلي ٍ‬ ‫خ ْ‬ ‫ة قالوا ل ت َ َ‬ ‫ف ً‬ ‫خي َ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ن * فأوْ َ‬ ‫ت َأكلو َ‬
‫"الذاريات"‪ :‬اليات ]‪ 24‬ـ ‪.[28‬‬
‫كما ظهر "جبريل" ـ عليه السلم ـ في صورة بشرية للسيدة "مريم"‪،‬‬
‫ب ليكون معجزة للعالمين‪.‬‬ ‫شرها أنها ستلد "المسيح" من غير أ ٍ‬ ‫وب ّ‬
‫َ‬
‫شْرقِّيا *‬ ‫كاًنا َ‬ ‫م َ‬ ‫ن أهْل َِها َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫م إ ِذ ْ انت َب َذ َ ْ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ب َ‬ ‫قال تعالى‪َ} :‬واذ ْك ُْر ِفي ال ْك ِ َ َتا ِ‬
‫سوِّيا * َقال َ ْ‬
‫ت‬ ‫شًرا َ‬ ‫ل ل ََها ب َ َ‬ ‫مث ّ َ‬ ‫حَنا فَت َ َ‬ ‫سل َْنا إ ِل َي َْها ُرو َ‬ ‫جاًبا فَأْر َ‬ ‫ح َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُدون ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خذ َ ْ‬ ‫َفات ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫سو ُ‬ ‫َ‬ ‫قّيا * َقا َ‬ ‫ن ُ‬ ‫من ْ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫بل ِ‬ ‫ك لهَ َ‬ ‫ل َرب ّ ِ‬ ‫ما أَنا َر ُ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ت تَ ِ‬ ‫كن َ‬ ‫ك إِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ح َ‬ ‫عوذ ُ ِبالّر ْ‬ ‫إ ِّني أ ُ‬
‫ما َزك ِّيا{‪ .‬سورة "مريم"‪ :‬اليات ]‪ 16‬ـ ‪.[19‬‬ ‫غَُل ً‬
‫وكان "جبريل" ـ عليه السلم ـ يأتي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في‬
‫صورة رجل أعرابي حسن المنظر غير معلوم لدى الناس‪ ،‬كما كان يأتيه في‬
‫صورة الصحابي "دحية الكلبي" وكان جميل الصورة وحسن الهيئة‪.‬‬
‫· أعداد الملئكة عليهم السلم‪:‬‬
‫ل‪ ،‬فهم ل يحصون‬ ‫خلق الله عدًدا كبيًرا من الملئكة ل يعلمه إل الله عّز وج ّ‬
‫لكثرتهم‪.‬‬
‫و{‪ .‬سورة "المدثر"‪ :‬الية ]‪.[31‬‬ ‫جُنود َ َرب ّك ِإل هُ َ‬‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫ما ي َعْل ُ‬ ‫قال تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫حقّ لها أن تئط‪ ،‬ما‬ ‫ُ‬ ‫و‬ ‫السماء‪،‬‬ ‫"أطت‬ ‫وسلم‪:‬‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫صلى‬ ‫الله‬ ‫وقال رسول‬
‫فيها موضع قدم إل وفيه ملك ساجد أو راكع"‪.‬‬
‫· من أسماء الملئكة‪:‬‬
‫ـ "جبريل" ) ملك الوحي (‪ :‬وهو أفضل الملئكة‪ ،‬وكان ينزل بالوحي من الله‬
‫تعالى على النبياء‪ ،‬وهو الذي بشر السيدة "مريم" بميلد "المسيح" ـ عليه‬
‫ب‪.‬‬ ‫السلم ـ من غير أ ٍ‬
‫وقد نزل بالقرآن الكريم على النبي "محمد" ـ صلى الله عليه وسلم ـ لول‬
‫مرة في غار "حراء"‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ـ "ميكائيل" ) ملك المطر (‪ :‬وهو الملك الموكل بالسحب لتسييرها إلى حيث‬
‫أمر الله‪ ،‬ومعه ملئكة يقومون بهذا المر معه‪.‬‬
‫ـ "إسرافيل" ) مللك النفخ في الصور (‪ :‬وهو الذي يقوم بالنفخ في الصور‬
‫"يوم القيامة" بأمر الله‪ ،‬فيصعق جميع من في السماوات والرض‪ ،‬ثم ينفخ‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النفخة الثانية في ُب ْعَُثو َ‬


‫ن بإذن الله‪.‬‬
‫ـ "مالك" ) خازن النار (‪ :‬وهو الملك المكلف بأمر النار "يوم القيامة"‪ ،‬يحشر‬
‫إليها الكافرون والعصاة والمجرمون‪.‬‬
‫· وظائف الملئكة‪:‬‬
‫الملئكة أصناف كثيرة‪ ،‬ولهم وظائف عديدة كّلفهم الله بها‪ ،‬وهم يطيعون الله‬
‫فيما أمرهم به‪ ،‬ول يقصرون فيما كلفهم به‪ ،‬ومن هؤلء الملئكة‪:‬‬
‫* الملئكة حملة العرش‪ :‬هم الذين يحملون عرش الله تعالى‪ ،‬وهم في حمدٍ‬
‫وتسبيٍح دائم ٍ لله‪ ،‬ويستغفرون للمؤمنين الطائعين‪.‬‬
‫* ملئكة الوحي‪ :‬وهم الذين ينزلون بالوحي من الله تعالى على رسله‬
‫وأنبيائه‪ ،‬الذين اختارهم الله من البشر‪ ،‬واختصهم بالرسالة والنبوة‪.‬‬
‫* ملئكة الجنة‪ :‬وهم الذين يستقبلون المؤمنين من أصحاب الجنة‪ ،‬ويمتعونهم‬
‫ة‪.‬‬
‫ت كثير ٍ‬‫بما هيأه الله لهم من نعيم وخيرا ٍ‬
‫* خزنة النار‪ :‬وهم ملئكة شداد غلظ جعلهم الله لنزال العقاب على‬
‫المجرمين الذين أشاعوا الفساد والفتنة في الرض‪.‬‬
‫ّ‬
‫* الملئكة الكاتبون‪ :‬ولكل إنسان ملكان موكلن به‪ ،‬يكتبان كل ما يقوم به‬
‫من خيرٍ أو شّر‪ ) ،‬وإن عليكم لحافظين * كراما كاتبين (‬
‫* ملئكة قبض الرواح‪ :‬وهم الذين جعلهم الله لقبض الرواح‪ ،‬فإذا كان العبد‬
‫مؤمًنا جاءته ملئكة بيض الوجوه معهم كفن من الجنة‪ ،‬أما إذا كان كافًرا‬
‫فتأتيه ملئكة سود الوجوه‪ ،‬معهم كفن من النار‪ ،‬فتقبض روحه‪.‬‬
‫* ملئكة سؤال القبر‪ :‬ويتولى السؤال في القبر ملكان هما‪" :‬منكر" و"نكير"‪،‬‬
‫ضعَ النسان في قبره‪ ،‬وانصرف الناس عنه‪ ،‬جاءه الملكان؛‬ ‫فإذا ما وُ ِ‬
‫م يسألنه عن رّبه ودينه ونبّيه‪.‬‬ ‫فيقعدانه‪ ،‬ث ُ ّ‬
‫* ملئكة الجبال‪ :‬وهم الموكلون بأمر تدبير الجبال‪.‬‬
‫* ملئكة السحب‪ :‬وهم الملئكة الموكلون بالسحب‪ ،‬يسوقونها إلى حيث‬
‫أمرهم الله تعالى‪ ،‬تحمل إلى الناس الخير والرحمة؛ فتسقط المطر‪ ،‬وتروي‬
‫ل شيء في‬ ‫الرض‪ ،‬أو تحمل إليهم العقاب والدمار‪ ،‬فتنهمر سيول ً تدمر ك ُ ّ‬
‫طريقها‪.‬‬
‫* الملئكة الموكلون بتصوير النطفة وتطويرها ونفخ الرواح في الجنة‬
‫*الملئكة الموكلون بحفظ النسان‪ :‬وكل الله تعالى بابن آدم ملئكة يتعاقبون‬
‫ل أحواله‪ ،‬يحفظونه بأمر الله‬ ‫عليه بالليل والنهار يرافقونه ول يفارقونه في ك ّ‬
‫تعالى من المضار والمهلكات‪.‬‬
‫· بيوت تدخلها الملئكة‪:‬‬
‫* بيت الله ) المسجد (‪ :‬الملئكة تحب المساجد‪ ،‬وتشهد صلة المسلمين‬
‫فيها‪ ،‬وتدعو الله وتستغفره للمصلين‪.‬‬
‫* بيت يقرأ فيه القرآن‪ :‬الملئكة تشهد مجالس الذكر وتلوة القرآن الكريم‪،‬‬
‫ل تدعو للمؤمن وتستغفر له وهو يقرأ القرآن‪.‬‬ ‫وتظ ّ‬
‫* مجالس العلم‪ :‬الملئكة تحب مجالس العلم‪ ،‬سواء كانت في المساجد أو‬
‫المدارس أو المعاهد أو البيوت‪ ،‬وتحف طلب العلم ‪ ،‬وتحيطهم بالحب‬
‫والرعاية‪.‬‬
‫· الملئكة تشهد أعمال البشر‪:‬‬
‫* تشهد صلة الجمعة‪ :‬تستقبل الملئكة المصلين في يوم الجمعة‪ ،‬وتكتب‬
‫لهم من الحسنات والدرجات حسب تبكيرهم إلى الصلة‪ ،‬حتى إذا صعد‬
‫الخطيب المنبر‪ ،‬جلست تستمع إليه‪.‬‬
‫* تشهد أهل المساجد‪ :‬الملئكة تحب المترددين على المساجد‪ ،‬وتتفقدهم‪،‬‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة‪.‬‬‫ل خطوةٍ إلى المسجد حسنة وتمحو بها سيئ ٍ‬ ‫وتكتب لهم بك ُ ّ‬
‫* تشهد مجالس الذكر وتلوة القرآن‪ :‬فما من مجلس ُيقرأ فيه القرآن‪ ،‬أو‬
‫ُيذكر فيه اسم الله‪ ،‬إل تحضره الملئكة‪ ،‬وتستغفر لهل الذكر وتلوة القرآن‪.‬‬
‫ب الملئكة مجالس العلم وتحضرها‪ ،‬وتضع أجنحتها‬ ‫* تشهد مجالس العلم‪ :‬تح ّ‬
‫ما وتقديًرا لطلب العلم‪.‬‬ ‫احترا ً‬
‫* تشهد المستغفرين والتائبين‪ :‬خلق الله ملئكة يجوبون الرض‪ ،‬يبحثون عن‬
‫ب وخشوٍع‪.‬‬ ‫التائبين والمستغفرين‪ ،‬والذين يدعون الله تعالى في ح ّ‬
‫* تشهد الجنائز‪ :‬تحضر الملئكة وفاة المسلم‪ ،‬وتستغفر له‪ ،‬وتؤمن على دعاء‬
‫الحاضرين‪ ،‬كما تشهد جنازته‪ ،‬ويعطي الله من يشيع الجنازة من الثواب مثل‬
‫"جبل أحد"‪.‬‬
‫· الجن والملئكة‪:‬‬
‫الجن نوع من مخلوقات الله التي ل نراها‪ ،‬وهم مختلفون عن الملئكة‪،‬‬
‫فالملئكة مخلوقون من نوٍر‪ ،‬أما الجن فقد خلقهم الله من نار‪.‬‬
‫ر‬
‫وللجن بعض الصفات التي تتفق مع صفات البشر‪ ،‬فهم ينقسمون إلى ذك ٍ‬
‫ضا يتناسلون ويتكاثرون‪ ،‬ويولدون ويموتون‪،‬‬ ‫وأنثى ـ مثل البشر ـ وهم أي ً‬
‫ويأكلون ويشربون‪ ،‬ويعيش "الجن" في الخرائب‪ ،‬والماكن المهجورة‪،‬‬
‫ويأكلون الروث والعظام‪.‬‬
‫ن‬‫والجن ـ كالبشر ـ منهم المؤمن ومنهم الكافر‪ ،‬ويطلق على الكفرة من الج ّ‬
‫مَرَدة"‪ ،‬وأشهرهم "إبليس"‬ ‫"الشياطين"‪ ،‬وأكثرهم كفًرا وطغياًنا هم "ال َ‬
‫اللعين‪ ،‬الذي رفض السجود لدم ـ عليه السلم ـ حينما أمر الله الملئكة‬
‫بالسجود له‪ ،‬فكان جزاؤه أن طرده الله من الجنة‪.‬‬
‫ما إلى فتنتهم‬ ‫وقد توعد "إبليس" البشر بالغواية والضلل‪ ،‬وهو يسعى دائ ً‬
‫وإبعادهم عن طاعة الله‪ ،‬لكن الله حذرنا من غواية "إبليس" وأعوانه‪ ،‬وأمرنا‬
‫بمخالفته‪ ،‬وعدم الخضوع له‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫اليمان باليوم الخر)‪(2‬‬


‫اسم الكاتبة‪ :‬حلوتهم العرباوي‬
‫أدرج بتاريخ‪ 1427-4-14:‬هـ ‪...‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫اليمان باليوم الخر )‪(2‬‬
‫جامع المصطفي ‪5/5/2006 :‬م‬
‫الحمد لله رب العالمين مسبب السباب ‪ .‬الرحمن الرحيم راحم المؤمنين‬
‫ومنزل الكتاب مالك يوم الدين ملكه ل يفني وهو سريع الحساب ‪ .‬إياك نعبد‬
‫عبادة عبد أخلص في عبادته لموله وإياك نستعين نطلب منك العون على‬
‫العبادة يا لله ‪ .‬إهدنا الصراط المستقيم طريقا ل عوج فيه ول ضلل ‪ .‬صراط‬
‫الذين أنعمت عليهم بنعم الدنيا والخرة ‪ .‬غير المغضوب عليهم ول الضالين‬
‫الذين ضلوا عن طريقك طريق الحق والهداية يا الله آمين ‪ .‬أحمد الله‬
‫وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وأستعين به وأستنصره وأتوكل في جميع‬
‫المور عليه ‪ .‬وأشهد أن ل اله إل الله وحده ل شريك له واشهد أن محمدا‬
‫عبده ورسوله شرفه وفضله وزينه وجمله فكان أقرب المقربين إليه اللهم‬
‫صل وسلم وبارك على رسول الله محمد خير عبادك وعلى آله وصحبه وكل‬
‫مسلم آمن بآيات ربه ففاز بقربه وتمتع بحبه وسار على دربه إلي يوم الدين‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فأوصيكم وإياي عباد الله بتقوى الله وأحذركم ونفسي من عصيان الله ثم‬
‫أستفتح بالذي هو خير ‪ .‬يقول الله تبارك وتعالى وهو أصدق القائلين يذكرنا‬
‫م‬
‫باليوم الخر وما فيه من أهوال وأحوال‪ .‬بسم الله الرحمن الرحيم ) ي َوْ َ‬
‫شٌر عَل َي َْنا ي َ ِ‬ ‫سَراعا ً ذ َل ِ َ‬ ‫َ‬
‫سيٌر ( ]قـ ‪. [44 :‬‬ ‫ح ْ‬ ‫ك َ‬ ‫م ِ‬ ‫ض عَن ْهُ ْ‬ ‫ققُ اْلْر ُ‬ ‫ش ّ‬ ‫تَ َ‬
‫عباد الله أيها المسلمون ‪:‬‬
‫هذه آية من كتاب الله رب العالمين تشير بوحي منها إلي أنه بعدما يقوم‬
‫الناس لرب العالمين وتدنو الشمس من رؤوس الخلئق ويشفع رسول الله‬
‫صلي الله عليه وسلم في تقريب موعد الحساب يساق الناس إلي أرض‬
‫المحشر‪ :‬وهي أرض صحراء جرداء عفراء ل زرع فيها ول ماء وليس فيها‬
‫معلم لحد ول تري فيها عوجا ول أمتا ‪ .‬يتم فيها توقيف العباد على أعمالهم‬
‫م ال ْي َوْ َ‬
‫م‬ ‫ل هُ ُ‬ ‫نب ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫م َل ت ََنا َ‬ ‫ن ما ل َك ُ ْ‬ ‫سُئوُلو َ‬ ‫م ْ‬ ‫م إ ِن ُّهم ّ‬ ‫فوهُ ْ‬ ‫خيرا أو شرا " وقِ ُ‬
‫ن"فيسأل النسان عن كل شيء عن الصغير والكبير عن النقير‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫سطَ‬ ‫ق ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ِ‬ ‫واِزي َ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫ضعُ ال َ‬ ‫والقطمير والثمين والحقير‪ .‬وصدق رب العالمين َ"ون َ َ‬
‫َ‬ ‫شْيئا ً وَِإن َ‬
‫ل أت َي َْنا ب َِها‬ ‫خْرد َ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫حب ّةٍ ّ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫م نَ ْ‬‫مةِ فََل ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ل ِي َوْم ِ ال ْ ِ‬
‫ن ]النبياء ‪ . [47 :‬وصدق من قال ‪:‬‬ ‫سِبي َ‬ ‫حا ِ‬ ‫فى ب َِنا َ‬ ‫وَك َ َ‬
‫ولوأنا إذا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حي‬
‫ولكنا إذا متنا بعثنا ونسأل من بعد ذا عن كل شيء‬
‫فأما المؤمن فيوقفه الله على ذنوبه ويقرره عليها فيقر ‪ .‬فيقول له لكنني‬
‫مين ِهِ فسوف‬ ‫غفرتها لك ‪ .‬وهذا هو الحساب اليسير "فَأ َما م ُ‬
‫ه ب ِي َ ِ‬ ‫ي ك َِتاب َ ُ‬ ‫ن أوت ِ َ‬ ‫ّ َ ْ‬
‫يحاسب حسابا يسيرا]النشقاق ‪.[7 :‬وعن هذه الية سألت أم المؤمنين‬
‫عائشة رضي الله عنها رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال لها هذا هو‬
‫العرض ‪ :‬فما من أحد نوقش الحساب إل عذب ويصح في ذلك ماروي المام‬
‫مسلم رحمه عن أم المؤمنين عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يقول في بعض صلته اللهم حاسبني حسابا يسيرا فلما انصرف‬
‫قلت يا رسول الله ما الحساب اليسير قال أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه‬
‫إنه من نوقش الحساب يا عائشة يومئذ هلك "‪ .‬وأما الكافر فليس له اليوم‬
‫منُثورًا"‬ ‫جعَل َْناه ُ هََباء ّ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫م ٍ‬‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مُلوا ِ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫مَنا إ َِلى َ‬ ‫هاهنا عمل صالح" وَقَدِ ْ‬
‫]الفرقان ‪ . [23 :‬فل يبق إل السيئات فيوقفون عليها ويجازون عليها َ"فل َن ُن َب ّئ َ ّ‬
‫ن‬
‫ظ ]فصلت ‪ . [50 :‬وأما‬ ‫ب غَِلي ٍ‬ ‫ذا ٍ‬‫ن عَ َ‬‫م ْ‬ ‫قن ُّهم ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫مُلوا وَل َن ُ ِ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫فُروا ب ِ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫الفرقة الثالثة فيدخلون الجنة بغير حساب فقد جاء في الحديث قال ابن‬
‫إسحاق أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال" عرضت على أمتي فإذا‬
‫هم قد ملئوا السهل والجبل فأعجبتني كثرتهم وهيئتهم فقيل لي يامحمد كل‬
‫هؤلء يدخلون الجنة بغير حساب فهل رضيت فقال نعم قيل ومع هؤلء‬
‫سبعون ألف يدخلون الجنة بغير حساب فقيل من هم يا رسول الله فقال هم‬
‫الذين يسترقون ول يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون فقام عكاشة بن محصن‬
‫وقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال أنت منهم فقام رجل من‬
‫النصار وقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال سبقك بها عكاشة‬
‫‪ .‬وكذلك ل يحاسب المعصومون وهم النبياء والملئكة ‪ .‬وليست الحكمة من‬
‫الحساب أن الله ل يعلم حال الناس ويريد أن يعلم ولكن الحكمة إظهار‬
‫تفاوت فضل المتقين ومساوئ العاصين فيثيب المتقين ويعذب العاصين ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثم يشتاق الناس إلي الماء فيقول الرسول أنا فرطكم على الحوض والحوض‬
‫‪ :‬لغة ‪ :‬مجمع الماء وهو موجود في عرصات القيامة فعن بن عمر رضي الله‬
‫عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " حوضي مسيرة شهر وماؤه‬
‫أحلي من العسل وأشهى من اللبن وأطيب من المسك وكيزانه عدد نجوم‬
‫السماء وزواياه سواء من شرب منه شربة ل يظمأ بعدها أبدا "ويتميز الحوض‬
‫بثلث أن مائه مستمد من نهر الكوثر ‪ .‬وانه أكبر الحواض ‪.‬وأكثر الناس‬
‫ورودا عليه المؤمنون ‪.‬‬
‫ويدخل الناس في شدة أخرى وهي مجاوزة الصراط ‪ :‬والصراط لغة ‪:‬‬
‫الطريق الواضح وشرعا ‪ :‬جسر يضرب به بين الجنة والنار وهو أدق من‬
‫الشعرة وأحد من السيف عليه كلليب وحسك تأخذ من وكلت بأخذه ‪ .‬وهو‬
‫نوعان ‪1 :‬ـ صراط معنوي ‪ :‬وهو السلم وهو المقصود في قوله تعالي "‬
‫إهدنا الصراط المستقيم "و ‪2‬ـ صراط حسي ‪ :‬وهو المقصود يوم القيامة‬
‫ومن ثبت على الصراط المعنوي في الدنيا وفق على الصراط الحسي في‬
‫ن‬
‫ح عَ ِ‬ ‫حزِ َ‬ ‫من ُز ْ‬ ‫الخرة ويمر الناس من فوقه فينجو من فوقه المؤمنون " فَ َ‬
‫مَتاعُ ال ْغُُرورِ ]آل عمران ‪:‬‬ ‫حَياةُ الد ّن َْيا إ ِل ّ َ‬ ‫قد ْ َفاَز َوما ال ْ َ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫جن ّ َ‬‫ل ال ْ َ‬ ‫خ َ‬‫الّنارِ وَأ ُد ْ ِ‬
‫ة‬
‫خَر ِ‬ ‫ن ِباْل ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن َل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫‪. [185‬ويهوي الكافرون من فوقه في النار " وَإ ِ ّ‬
‫ن ]المؤمنون ‪ . [74 :‬ويحتاج الناس لمرورهم من فوقه‬ ‫ط ل ََناك ُِبو َ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫عَ ِ‬
‫للنور فمن الناس من يضيء نوره لعدن أو المدينة ومنهم من يضيء نوره‬
‫من ّنوٍر‬ ‫ه ِ‬‫ما ل َ ُ‬ ‫ه ُنورا ً فَ َ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫جعَ ِ‬ ‫م يَ ْ‬‫من ل ّ ْ‬ ‫تحت قدميه ومنهم ل نور له " وَ َ‬
‫]النور ‪ .[40 :‬وينادي المنافقون والمنافقات على الذين آمنوا واسمع لربك"‬
‫ل‬‫م ِقي َ‬ ‫من ّنورِك ُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫قت َب ِ ْ‬ ‫مُنوا انظ ُُروَنا ن َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ل ِل ّ ِ‬ ‫قا ُ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬
‫مَنافِ َ‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫ة‬
‫م ُ‬‫ح َ‬ ‫ه ِفيهِ الّر ْ‬ ‫ب َباط ِن ُ ُ‬ ‫ه َبا ٌ‬ ‫ّ‬
‫سورٍ ل ُ‬ ‫ب ب َي ْن َُهم ب ِ ُ‬ ‫ضرِ َ‬ ‫ً‬
‫سوا ُنورا فَ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ْ‬
‫م َفالت َ ِ‬ ‫جُعوا وََراءك ُ ْ‬ ‫اْر ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م فََتنت ُ ْ‬
‫م‬ ‫م َقالوا ب َلى وَلك ِن ّك ْ‬ ‫معَك ْ‬ ‫م ن َكن ّ‬ ‫م أل ْ‬ ‫ب ‪ .‬يَناُدون َهُ ْ‬ ‫ذا ُ‬ ‫من قِب َل ِهِ العَ َ‬ ‫وَظاهُِرهُ ِ‬
‫هّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َأن ُ‬
‫مُر اللهِ وَغَّركم ِبالل ِ‬ ‫جاء أ ْ‬ ‫حّتى َ‬ ‫ي َ‬ ‫مان ِ ّ‬ ‫م ال َ‬ ‫م وَغَّرت ْك ُ‬ ‫م َواْرت َب ْت ُ ْ‬ ‫صت ُ ْ‬‫م وَت ََرب ّ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬
‫ال ْغَُروُر ]الحديد ‪ .[14،13‬ومن ثم يختلف الناس في مرورهم عليه فمنهم من‬
‫يمر كالبرق الخاطف ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر كجواد الخيل‬
‫ومنهم من يعدوا عدوا ومنهم من يمشي مشيا ومنهم من يزحف زحفا ومنهم‬
‫من تأخذه الكلليب فيقع في النار ولن تزول قدما عبد يوم القيامة عن‬
‫الصراط حتى يسأل عن أربع فعن معاذ بن جبل ‪.‬أن النبي قال‪)) :‬لن تزول‬
‫قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال‪ :‬عن عمره فيما أفناه‪ ،‬وعن‬
‫شبابه فيما أبله وعن علمه ماذا عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيما‬
‫أنفقه ‪ .((.‬أخرج المام الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه‬
‫قال ‪:‬قال رسول الله ‪ ) :‬لتزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند الله حتى‬
‫يسأل عن خمس ‪:‬عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيم أبله؟ وعن ماله‬
‫من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم؟ (‪ .‬وفي رواية للترمذي‬
‫أيضا ً عن أبي هريرة قال ‪:‬قال رسول الله ‪ ) :‬لتزول قدما عبد حتى يسأل‬
‫عن أربع‪ ،‬عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه ما فعل فيه؟ وعن ماله من أين‬
‫اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبله؟ ( ‪.‬‬
‫وصدق من قال ‪:‬‬
‫أما آن لك ياعاصي أن تستفيقا وتتناسى الحمى والعقيقا‬
‫وتتوب إلي الله وتعمل صالحا عساك تجوز الصراط الدقيقا‬
‫فتلك شدة يكاد من هولها ينسي الصديق الحميم الصديقا‬
‫ثم بعد ذلك القنطرة‪ :‬وهي لغة ‪:‬البنيان المرتفع ‪ .‬وشرعا‪ :‬طرف الصراط‬
‫مما يلي الجنة أو صراط آخر خاص بالمؤمنين وعندها يكون القصاص‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مُنوا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫بالحسنات والسيئات فيزول غل بعضهم لبعض واسمع لربك " َوال ّ ِ‬
‫فسا ً إل ّ وسعها أ ُول َئ ِ َ َ‬
‫م ِفيَها‬ ‫جن ّةِ هُ ْ‬ ‫ب ال ْ َ‬‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ِ ُ ْ َ َ ْ‬ ‫ف نَ ْ‬ ‫ت ل َ ن ُك َل ّ ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ْ ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫وَعَ ِ‬
‫مد ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ح ْ‬ ‫م الن َْهاُر وَقالوا ال َ‬ ‫حت ِهِ ُ‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬‫ن ِغل ت َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫دورِ ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ما ِفي ُ‬ ‫ن وَن ََزعَْنا َ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫َ‬
‫ل َرب َّنا‬ ‫س ُ‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫جاء‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫نا‬ ‫دا‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ول‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ت‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫نا‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫نا‬ ‫دا‬ ‫ه‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ْ ُ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ َ َ‬ ‫ّ ََِْ ِ َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ َِ‬ ‫لِ ِ ِ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن ]العراف ‪.[43 :‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ما ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ها ب ِ َ‬‫مو َ‬ ‫ة أورِث ْت ُ ُ‬ ‫جن ّ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬‫حقّ وَُنوُدوا ْ أن ت ِل ْك ُ ُ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫وأول من يدخل الجنة رسول الله صلي الله عليه وسلم وأول من يدخلها من‬
‫المم أمة محمد صلي الله عليه وسلم‪ .‬وروى المام مسلم رحمه الله عن‬
‫أنس بن مالك ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪:-‬‬
‫آتي يوم القيامة باب الجنة فأستفتح فيقول الخازن‪ :‬من أنت؟ فأقول محمد‪.‬‬
‫فيقول‪ :‬بك أمرت أل أفتح لحد قبلك‪.‬وصدق من قال ‪:‬‬
‫ل دار للمرء بعد الموت يسكنها ‪ .....‬إل التي كان قبل الموت يبنيها‬
‫فإن بناها بخير طاب مسكنه ‪ .....‬ومن بناها بشر خاب بانيها‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أين الملوك التي عن حظها غفلت ‪ ....‬حتى سقاها بكاس الموت ساقيها‬
‫أموالنا لذوي الميراث نجمعها ‪ .....‬ودارنا لخراب الدهر نبنيها‬
‫اعمل لدار البقاء رضوان خازنها ‪ .....‬الجار احمد والرحمن بانيها‬
‫قصورها ذهب والمسك طينتها ‪ .....‬والزعفران حشيش نابت فيها‬
‫ثم تأتي الشفاعة‪ :‬وهي لغة ‪ :‬الوسيلة و شرعا‪ :‬سؤال الخير للغير ويشترط‬
‫لها شرطان‪1 .‬ـ إذن الله للشافع " من ذا الذي يشفع عنده إل بإذنه " و ‪2‬ـ‬
‫رضا الله عن المشفوع له " ول يشفعون إل لمن ارتضي " ‪.‬‬
‫الثانية ‪:‬‬
‫الشفاعة نوعان ‪ :‬نوع خاص برسول الله ونوع يشترك فيه الرسول مع غيره‬
‫أما ‪1‬ـ الخاصة بالرسول فالشفاعة العظمي ‪ ،‬وشفاعته لهل الجنة يدخلونها‬
‫بعد الفراغ من الحساب ‪ ،‬شفاعته لعمه أبي طالب قال صلي الله عليه وسلم‬
‫" أخف أهل النار عذابا يوم القيامة أبو طالب له شراكان من النار يقف‬
‫عليهما فيغلي منهما دماغه "‪2 .‬ـ وأما الشفاعات التي يشترك فيها مع غيره‬
‫شفاعته لقوم استحقوا دخول النار فيشفع لهم فل يدخلوها ‪ .‬شفاعته لقوم‬
‫دخلوا النار فيشفع لهم فيخرجون منها شفاعته لهل العراف شفاعته لهل‬
‫الجنة فيرفع الله درجتهم لعلي ‪.‬وقال الله لرسوله " ولسوف يعطيك ربك‬
‫فترضى قال الرسول وأنا ل أرضي ورجل من أمتي في النار وقال رسول‬
‫الله صلي الله عليه وسلم لكل نبي دعوة دعي بها فاستجيب له ولي دعوة‬
‫ادخرتها لمتي يوم القيامة ‪ .‬ثم يأتي العفو العظيم يقول رب العالمين شفعت‬
‫الملئكة وشفع النبيون ولم يبق إل ارحم الراحمين فيقبض الله قبضة من‬
‫النار بيده فيخرج أقواما لم يعملوا في دنياهم خيرا قط فيدخلهم الله الجنة‬
‫شريطة أنهم لم يشركوا بالله شيئا " إن الله ليغفر أن يشرك به ويغفر ما‬
‫دون ذلك لمن يشاء " ثم يطلع الله على الجنة فيجد فيها متسعا لن عرضها‬
‫السماوات والرض فينشئ أقواما فيدخلهم الجنة برحمته ‪..‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫اليمان باليوم الخر‬


‫ّ‬ ‫ً‬
‫جعل سبحانه اليمان باليوم الخر ركنا من أركان عقيدة السلم‪ ،‬وعلق‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سبحانه صحة إيمان العبد على اليمان بذاك اليوم‪ .‬وقرن تعالى اليمان به‬
‫باليمان باليوم الخر في تسعة عشر موضعا ً في القرآن‪ ،‬منها قوله تعالى‪:‬‬
‫ر{ )البقرة‪ (177:‬وقوله في حق‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬
‫خ ِ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْب ِّر َ‬ ‫}وَل َك ِ ّ‬
‫المطلقات‪ } :‬إن كن يؤمن بالله واليوم الخر { )البقرة‪ (228:‬وقال أيضا ً‬
‫مخاطبا ً أولياء النساء‪ } :‬من كان منكم يؤمن بالله واليوم الخر { )البقرة‪:‬‬
‫‪.(232‬‬
‫ووصف سبحانه المؤمنين بأنهم الذين أمنوا بالله واليوم الخر‪ ،‬فقال عز من‬
‫قائل‪ } :‬إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله‬
‫واليوم الخر { )البقرة‪. (62:‬‬
‫وبالمقابل فقد رتب سبحانه على الكفر بذاك اليوم ما رتبه على الكفر به‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل عَلى‬ ‫ذي ن َّز َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫سول ِهِ َوال ْك َِتا ِ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫مُنوا آ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫فقال تعالى‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ه‬
‫سل ِ ِ‬ ‫ملئ ِك َت ِهِ وَك ُت ُب ِهِ وَُر ُ‬ ‫فْر ِبالل ّهِ وَ َ‬ ‫ن ي َك ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫ل وَ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ذي أ َن َْز َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫سول ِهِ َوال ْك َِتا ِ‬ ‫َر ُ‬
‫ضلل ب َِعيدا { )النساء‪.(136:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫خرِ فَ َ‬ ‫َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬
‫وأكد سبحانه أن هذا اليوم واقع ل محال‪ ،‬وأنه ل مفر منه مهما حاول النسان‬
‫ما‬
‫س َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬‫ت كُ ّ‬ ‫ب ِفيهِ وَوُفّي َ ْ‬ ‫م ل ِي َوْم ٍ ل َري ْ َ‬ ‫معَْناهُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ف إ َِذا َ‬ ‫ذلك‪ ،‬فقال تعالى‪ } :‬فَك َي ْ َ‬
‫و‬
‫ه ِإل هُ َ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫مون { )آل عمران‪ (25:‬وقال أيضًا‪ } :‬الل ّ ُ‬ ‫م ل ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫ت وَهُ ْ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫كَ َ‬
‫ديثا ً { )النساء‪:‬‬ ‫َ‬
‫ح ِ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫صد َقُ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِفيهِ وَ َ‬ ‫مةِ ل َري ْ َ‬ ‫م إ َِلى ي َوْم ِ ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫معَن ّك ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ل َي َ ْ‬
‫‪.(87‬‬
‫وكان من حكمة الله سبحانه أن جعل ذلك اليوم ليجمع الناس فيه على صعيد‬
‫واحد‪ ،‬فيحاسب المحسن على إحسانه‪ ،‬ويعاقب المسيء على إساءته‪،‬‬
‫ت‬‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫جَزى ك ُ ّ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫ويقتض للمظلوم من الظالم‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬ال ْي َوْ َ‬
‫ب{ )غافر‪ (17:‬وفي الحديث الصحيح‪:‬‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ريعُ ال ْ ِ‬ ‫س ِ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬ ‫ل ظ ُل ْ َ‬
‫) حتى ُيقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء ( رواه مسلم ‪ ،‬و "الجلحاء"‬
‫الشاة التي ل قرن لها‪ ،‬و "القرناء" الشاة ذات القرون‪.‬‬
‫وعلوة على ما ذكرنا من اليات الدالة على وجوب اليمان باليوم الخر‪ ،‬فقد‬
‫ثبت في السنة ما يدل على ذلك ويؤكده‪ ،‬من ذلك حديث جبريل عندما جاء‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم بصورة رجل‪ ،‬سائل ً عن معنى اليمان‬
‫والسلم وغير ذلك من عقائد السلم‪ ،‬فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫بقوله‪ ) :‬اليمان أن تؤمن بالله وملئكته وكتبه ورسله وباليوم الخر ( رواه‬
‫مسلم ‪.‬‬
‫ومقتضى اليمان بذاك اليوم يستلزم من المؤمن أن يعلم علم اليقين أن الله‬
‫سبحانه جامع الناس ليوم ل ريب فيه‪ ،‬وهذا القدر من اليمان هو الواجب‬
‫على كل مؤمن‪ ،‬وأما تفاصيل اليمان باليوم الخر‪ ،‬كمعرفة علمات هذا‬
‫اليوم‪ ،‬ومقدماته‪ ،‬وماذا يكون فيه‪ ،‬وغير ذلك من التفاصيل‪ ،‬فهذا من غير‬
‫الواجب على كل مؤمن معرفته‪ ،‬بل يكفي أن يعلمه البعض ول يضر الخرون‬
‫جهله‪ ،‬فهو من فروض الكفاية التي إذا قام بها من يكفي سقطت عن‬
‫الباقين‪.‬‬
‫ت ل مراء فيه ول جدال‪ ،‬كان‬ ‫فإذا علم المؤمن واعتقد بحق أن ذاك اليوم آ ٍ‬
‫مُر عن ساعد الجد ّ استعدادا له‪ ،‬فيعمل جهده لكل ما‬ ‫ً‬ ‫عليه أن ي َعُد ّ العدة‪ ،‬وُيش ّ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ً‬
‫فيه خير‪ ،‬ويبذل وسعه لتجنب كل ما فيه شر‪ ،‬عمل بقوله تعالى‪ } :‬فَ َ‬
‫شّرا ً ي ََرهُ { ) الزلزلة‪-7:‬‬ ‫ل ذ َّرةٍ َ‬ ‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫م ْ‬‫ه* وَ َ‬ ‫خْيرا ً ي ََر ُ‬ ‫ل ذ َّرةٍ َ‬ ‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬
‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫‪ (8‬والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل‪ ،‬والحمد لله رب العالمين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اليمان بخبر الحاد رد على حزب التحرير( ‪...‬‬


‫‪17-02-2005‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫فضيلة الشيخ‪ :‬يتناقل بعض الفراد ‪،‬بأن اليمان بخبر الحاد ل يجوز شرعا ً‬
‫‪،‬ومن ذلك اليمان بعذاب القبر ‪ ،‬وشفاعة الرسول للمؤمنين يوم القيامة ‪،‬‬
‫وورود الصراط ‪ ،‬ونزول عيسى عليه السلم ‪ ،‬وخروج الدجال ‪ ،‬وظهور‬
‫ً‬
‫المهدي ‪ ،‬وغير ذلك مما ثبت بخبر الحاد ‪ .‬وأن المخالف لذلك يعتبر آثما فما‬
‫صحة هذا القول ؟ وجزاك الله خيرا ً‬
‫الحمد لله رب العالمين ‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ‪ ،‬ومن سيئات‬
‫أعمالنا ‪ ،‬من يهده الله فل مضل له ‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له ‪ ،‬وأشهد أن ل‬
‫إله إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله ‪ ،‬وصل اللهم‬
‫وسلم على نبينا نبي الرحمة محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن واله‬
‫إلى يوم الدين أما بعد ‪:‬‬
‫فإن أصحاب هذا القول يعتمدون بقولهم هذا على التفسير الخاطئ للظن ‪،‬‬
‫إذ دليلهم مبني على حرمة إتباع الظن ‪،‬ويجعلون خبر الحاد مندرجا ً تحت هذا‬
‫القول لذا فهم يحرمون اليمان بكل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫من خلل خبر الواحد ‪،‬ومن ذلك ما ذكرت من عدم إيمانهم بعذاب القبر‬
‫‪،‬وشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم للمؤمنين يوم القيامة ‪ ،‬وورود‬
‫الصراط ‪ ،‬ونزول عيسى عليه السلم ‪ ،‬وخروج الدجال ‪ ،‬وظهور المهدي‬
‫‪،‬وغير ذلك ‪ ،‬وهذا القول باطل من عدة وجوه ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬إن كلمة الظن في اللغة تدل على عدة معان يحددها السياق ‪ ،‬فقد‬
‫يطلق لفظ الظن ويراد به اليقين كما في قوله تعالى ‪ ) :‬ك َّل إ َِذا ب َل َغَ ْ‬
‫ت‬
‫فَراقُ )‪َ (28‬وال ْت َ ّ‬ ‫ل من راق )‪ (27‬وظ َ َ‬
‫ق‬
‫سا ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫ه ال ْ ِ‬ ‫ن أن ّ ُ‬
‫َ ّ‬ ‫ي )‪ (26‬وَِقي َ َ ْ َ ٍ‬ ‫الت َّراقِ َ‬
‫ساق ( ِ‪(29) .‬القيامة والمعنى أي علم وتيقن قال الطبري رحمه الله‬ ‫ِبال ّ‬
‫تعالى في تفسير هذه الية الكريمة ‪ :‬يقول تعالى ذكره ‪ :‬وأيقن الذي قد نزل‬
‫به أنه فراق الدنيا والهل والمال والولد ‪ ،‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل‬
‫التأويل ‪ .‬قال قتادة ‪ ) :‬وظن أنه الفراق ( أي استيقن أنه الفراق أ هـ تفسير‬
‫الطبري ‪ .‬قال القرطبي في تفسير هذه الية الكريمة ‪ :‬أي أيقن النسان أنه‬
‫الفراق ‪ ،‬أي فراق الهل والمال والولد ‪ ،‬وذلك حين عاين الملئكة ‪ .‬أ هـ‬
‫القرطبي ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ( ‪(46) .‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫م إ ِل َي ْهِ َرا ِ‬‫م وَأن ّهُ ْ‬ ‫مل َُقوا َرب ّهِ ْ‬ ‫ن أن ُّهم ّ‬ ‫ن ي َظ ُّنو َ‬ ‫ذي َ‬‫وقال سبحانه ‪) :‬ال ّ ِ‬
‫البقرة قال القرطبي ‪ :‬الذين في موضع خفض على النعت للخاشعين ‪ ،‬ويجوز‬
‫الرفع على القطع ‪ ،‬والظن هنا في قول الجمهور بمعنى اليقين ومنه قوله‬
‫مَل‬ ‫َ‬
‫ساب َِيه ( ‪ .‬تفسير القرطبي ‪.‬‬ ‫ح َ‬
‫ق ِ‬ ‫ٍ‬ ‫تعالى ‪) :‬إ ِّني ظ َن َْنت أّني ُ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫ة وَل َِئن ّرِدد ّ‬ ‫م ً‬ ‫ة َقائ ِ َ‬ ‫ساعَ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ما أظ ُ ّ‬ ‫ويأتي الظن بمعنى الشك ‪،‬قال تعالى ‪) :‬وَ َ‬
‫قَلبا ( ‪ .‬الكهف )‪ (36‬قال الطبري ‪ :‬القول في‬ ‫َ‬
‫من َ‬ ‫من َْها ُ‬ ‫خْيرا ً ّ‬ ‫ن َ‬ ‫إ َِلى َرّبي َل ِ‬
‫جد َ ّ‬
‫ل ما أ َظ ُ َ‬ ‫جّنته وَهُوَ َ‬
‫ه‬
‫ن ت َِبيد هَذِ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ّ‬ ‫سهِ َقا َ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ظاِلم ل ِن َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫خ َ‬‫تأويل قوله تعالى ‪) :‬وَد َ َ‬
‫دا ( ‪ .‬يقول تعالى ذكره ‪ :‬هذا الذي جعلنا له جنتين من أعناب دخل جنته‬ ‫َ‬
‫أب َ ً‬
‫وهي بستانه وهو ظالم لنفسه ‪ ،‬وظلمه نفسه ‪ :‬كفره بالبعث وشكه في قيام‬
‫الساعة ‪ ،‬ونسيانه المعاد إلى الله تعالى ‪ .‬أ هـ تفسير الطبري ‪.‬‬
‫َ‬
‫من ِفي‬ ‫ويأتي الظن بمعنى الكذب كما في قوله تعالى ‪) :‬وَِإن ت ُط ِعْ أك ْث ََر َ‬
‫َ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫صو َ‬‫خُر ُ‬ ‫م إ ِل ّ ي َ ْ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫ن إ ِل ّ الظ ّ ّ‬ ‫ل الل ّهِ ِإن ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫عن َ‬ ‫ك َ‬ ‫ضّلو َ‬ ‫ض يُ ِ‬‫الْر ِ‬
‫النعام )‪ (116‬قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الية ‪ :‬يخبر‬
‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬
‫تعالى عن حال أكثر أهل الرض من بني آدم أنه الضلل كما قال تعالى‪ْ َ ):‬‬
‫د‬ ‫ل‬‫و‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل قَبله َ‬
‫صت‬ ‫حَر ْ‬‫ما أك َْثر الّناس وَل َوْ َ‬ ‫ن ( ‪ .‬وقال تعالى ‪) :‬وَ َ‬ ‫م أك َْثر اْلوِّلي َ‬ ‫ض ّ ْ ْ‬ ‫َ‬
‫مِنين ( ‪ .‬وهم في ضللهم ليسوا على يقين من أمرهم وإنما هم في‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫بِ ُ‬
‫ظنون كاذبة وحسبان باطل ‪ .‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬
‫وقد جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال ‪ :‬قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ) :‬إياكم والظن فإنه أكذب الحديث ( ‪.‬البخاري‬
‫ومسلم‪.‬‬
‫قَها فَل َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫وكذلك يأتي الظن ويراد به غلبة الظن كما في قوله تعالى ‪ ) :‬فَِإن طل َ‬
‫َ‬
‫جَعا‬
‫ما أن ي َت ََرا َ‬‫ح عَل َي ْهِ َ‬ ‫جَنا َ‬ ‫قَها فَل َ ُ‬ ‫ح َزْوجا ً غَي َْره ُ فَِإن ط َل ّ َ‬ ‫ى َتنك ِ َ‬
‫حت ّ َ‬‫من ب َعْد ُ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫تَ ِ‬
‫ن( ‪ .‬البقرة )‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫دود َ اللهِ وَت ِل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َعْل ُ‬‫دود ُ اللهِ ي ُب َي ّن َُها ل ِ َ‬ ‫ح ُ‬
‫ك ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ُ‬ ‫قي َ‬‫ِإن ظّنا أن ي ُ ِ‬
‫‪(230‬‬
‫دود الله ( فإن معناه ‪ :‬إن رجوا‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ح ُ‬ ‫ما ُ‬ ‫قي َ‬‫ن يُ ِ‬
‫ن ظّنا أ ْ‬ ‫قال الطبري ‪ :‬وأما قوله ‪) :‬إ ْ‬
‫مطمعا ً أن يقيما حدود الله – إلى أن قال ‪ -‬وقد وجه بعض أهل التأويل قوله ‪:‬‬
‫ن ظ َّنا ( إلى أنه بمعنى أيقنا ‪ .‬وذلك ل وجه له ‪ ،‬لن أحدا ً ل يعلم ما هو كائن‬ ‫)إ ْ‬
‫إل الله تعالى ذكره‪ .‬تفسير الطبري بتصريف ‪.‬‬
‫فهذه الية واضحة الدللة بأن المراد بالظن ل اليقين ول الشك ‪ ،‬فعلم أن‬
‫المقصود به غلبة الظن ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ومن خلل ما ذكرنا يتضح خطأ صاحب كتاب الستدلل بالظني في العقيدة‬
‫ص ‪ 19‬وهذا نصه ‪) :‬وإذا تتبعنا الكثير من النصوص التي وردت فيها كلمة‬
‫الظن سواء كانت في القرآن ‪ ،‬أم في الحاديث الشريفة ‪ ،‬أم في شعر‬
‫العرب من الطبقة التي يستشهد بشعرها ‪ ،‬لوجدنا أن كلمة الظن ل تفيد إل‬
‫معنى واحدا ً ‪ ،‬وهو مدلولها اللغوي الوضعي حسبما أوردته المعاجم‬
‫والقواميس اللغوية ‪ ،‬فهي ترجيح أحد الحتمالين على الخر ‪ ،‬وذلك لتميزها‬
‫عن كلمة الشك التي تفيد تساوي الحتمالين من غير ترجيح ‪ .‬كما أنها ليست‬
‫من اللفاظ المتعاضدة مثل كلمة القرء بمعنى الطهر والحيض ‪ ،‬وكذلك‬
‫ليست من اللفاظ المشتركة مثل العين المبصرة ‪ ،‬والذهب والجاسوس ‪،‬‬
‫ويخطئ من يقول بأن كلمة الظن من الضداد أي إنها تفيد الظن ‪ ،‬وتفيد‬
‫العلم سواء كان القائل من علماء اللغة أو غيرها ‪ .‬أهـ‬
‫ويظهر التناقض في هذا القول إذ يقول صاحبه ‪ :‬ويخطئ من يقول بأن كلمة‬
‫الظن تفيد اليقين وإن كان القائل من علماء اللغة ‪ .‬ومفهوم هذا القول ‪ ،‬إن‬
‫هنالك من العلماء من يقول بأن كلمة الظن تفيد اليقين كما أوردنا ذلك عن‬
‫بعض أهل العلم آنفا ‪ ،‬فأصبح ما قاله اجتهادا ً ل يقينا فانظر إلى هذا‬
‫التناقض !‬
‫قال أبو العباس أحد علماء اللغة في مثل هذا المر ‪ ) :‬إنما جاز أن يقع الظن‬
‫واليقين لنه قول القلب فإذا صحت دلئل الحق وقامت أماراته كان يقينا ً ‪،‬‬
‫وإذا قامت دلئل الشك وبطلت دلئل اليقين كان كذبا ً ‪ ،‬وإذا اعتدلت دلئل‬
‫اليقين والشك كان على بابه شكا ً ل يقينا ً ول كذبا ً ‪ .‬الضداد لمحمد بن‬
‫القاسم النباري ‪.‬‬
‫ومما يؤكد خطأ القول بأن الظن ل يفيد إل الترجيح بين قولين أحدهما راجح ‪،‬‬
‫والخر مرجوحا ً ‪:‬‬
‫‪ : 1‬ما جاءت به اليات القرآنية إذ دل سياقها على التفريق بين معنى الظن‬
‫في عدة مواضع كما أشرنا إلى ذلك ‪ ،‬فعلى سبيل المثال قوله تعالى ‪:‬‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫)ال ّذين يظ ُنو َ‬
‫ن ( ‪ (46) .‬البقرة فالظن‬ ‫جُعو َ‬ ‫م إ ِل َي ْهِ َرا ِ‬ ‫م وَأن ّهُ ْ‬ ‫مل َُقوا َرب ّهِ ْ‬ ‫ن أن ُّهم ّ‬ ‫ِ َ َ ّ َ‬
‫هنا بمعنى اليقين ‪ ،‬إذ ل يجوز في هذا الموطن أن يكون الظن بمعنى الترجيح‬
‫بين الحتمالين ‪ ،‬وذلك أن المر متعلق باليمان باليوم الخر ‪ ،‬وهذا ل يقوم إل‬
‫على يقين ‪ ،‬فلو كان المعنى ما ذهبوا إليه لكان جائزا ً أن يدخل شيء من‬
‫الريب فيما يتعلق بالمعتقد ‪ ،‬وهذا باطل بل شك ‪.‬‬
‫‪ : 2‬إن الظن الذي ورد في الية المباركة جاء في سياق المدح ‪ ،‬والظن الذي‬
‫نهى الله سبحانه عن اتباعه جاء في سياق الذم ‪ ،‬وبين المدح والذم بون‬
‫عظيم ‪.‬‬
‫‪ : 3‬إن الظن الوارد في الية متعلق باليمان باليوم الخر ‪،‬وهو مسألة في‬
‫صميم العقيدة ‪ ،‬وهو مما طلب اليمان به ‪ ،‬ومن المعلوم ضرورة أن العتقاد‬
‫ل ينبني إل على اليقين ‪.‬‬
‫قد ْ آت َي َْنا‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وإليك آية تبين الفرق بين معنى الظن بيانا واضحا ‪ :‬قال تعالى ‪) :‬وَل َ‬
‫ن إ ِّني‬ ‫عو ُ‬ ‫ه فِْر َ‬‫ل لَ ُ‬ ‫م فَ َ‬
‫قا َ‬ ‫جاءهُ ْ‬ ‫ل إ ِذ ْ َ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ل ب َِني إ ِ ْ‬ ‫سأ َ ْ‬
‫ت َفا ْ‬ ‫ت ب َي َّنا ٍ‬‫سعَ آَيا ٍ‬ ‫سى ت ِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ّ‬
‫ؤلء إ ِل َر ّ‬ ‫ل هَ ُ‬‫ما أنَز َ‬ ‫ت َ‬ ‫م َ‬ ‫قد ْ عَل ِ ْ‬ ‫لل َ‬ ‫َ‬
‫حورا )‪ (101‬قا َ‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سى َ‬ ‫مو َ‬ ‫َلظن ّك َيا ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫مث ُْبورا ً ( ‪ .‬السراء )‪(102‬‬ ‫َ‬
‫صآئ َِر وَإ ِّني َلظ ُن ّ َ‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫عو ُ‬ ‫ك َيا فِْر َ‬ ‫ض بَ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ول ريب أن ظن موسى عليه السلم مبني على اليقين والثقة بالله سبحانه إذ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م قَوْ ُ‬
‫م‬ ‫خي ٌْر أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وعد الله سبحانه الظالمين بالهلك إذ قال وقوله الحق ‪ ) :‬أهُ ْ‬
‫تبع وال ّذين من قَبل ِه َ‬
‫ن ( ‪ .‬الدخان )‪ (37‬وأما ظن‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫كاُنوا ُ‬ ‫م َ‬ ‫م إ ِن ّهُ ْ‬‫م أهْل َك َْناهُ ْ‬ ‫ْ ِ ْ‬ ‫ٍُّ َ ِ َ ِ‬
‫قن َت َْها‬‫ست َي ْ َ‬ ‫وا‬ ‫ها‬
‫َ َ َ ُ َِ َ ْ‬‫ب‬ ‫دوا‬ ‫ح‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫)‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫قال‬ ‫والتكذيب‬ ‫الجهد‬ ‫على‬ ‫قائم‬ ‫فرعون فهو‬
‫ن ( ‪ .‬النمل )‪(14‬‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬‫ة ال ْ ُ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫م ظ ُْلما ً وَعُل ُوّا ً َفانظ ُْر ك َي ْ َ‬ ‫سهُ ْ‬‫ف ُ‬ ‫َأن ُ‬
‫والفرق بين الظنين واضح ‪.‬‬
‫ولكن الذي حمل أصحاب هذا الرأي على القول بأن الظن ل يفيد إل الترجيح‬
‫بين الحتمالين ‪ ،‬فرارهم من بناء أصلهم هذا على الظن الذي حذروا الناس‬
‫من إتباعه ‪ ،‬فلو سلموا بأن الظن يحتمل عدة وجوه كما أسلفنا لقروا بخطأ‬
‫منهجهم وبعده عن الصراط القويم ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬أ ‪ :‬إن من مستلزمات القول باشتراط تحقق التواتر لحصول اليقين‬
‫فيما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬اختلف الصحابة رضي الله‬
‫تعالى عنهم في عقيدتهم ‪ ،‬وذلك لو أن صحابيا ً سمع حديثا ً من الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم لكان واجبا ً عليه اليمان به ‪ ،‬على خلف من سمع حديث‬
‫الرسول من الصحابي نفسه ل من الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬إذ يحرم‬
‫عليه اليمان بالحديث الذي نقله إليه ذلك الصحابي لعدم تحقق العدد‬
‫المطلوب ‪ ،‬ومثل هذا المر لم يعرف في الصحابة رضي الله تعالى عنهم‬
‫رغم كثرة وقوع هذه الصورة فيهم ‪ ،‬فقد كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم‬
‫ينقل بعضهم عن بعض أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم دون اختلف‬
‫بينهم في العقيدة أو المنهاج ‪ ،‬وما يجب أن يؤمن به المسلمون ‪ ،‬هو ما آمن‬
‫ه‬
‫منُتم ب ِ ِ‬‫ما آ َ‬‫ل َ‬ ‫مُنوا ْ ب ِ ِ‬
‫مث ْ ِ‬ ‫نآ َ‬‫به الصحابة رضي الله تعالى عنهم ‪،‬قال تعالى ‪ ) :‬فَإ ِ ْ‬
‫ع‬
‫مي ُ‬‫س ِ‬
‫ه وَهُوَ ال ّ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬‫فيك َهُ ُ‬‫سي َك ْ ِ‬
‫ق فَ َ‬
‫قا ٍ‬
‫ش َ‬
‫م ِفي ِ‬ ‫دوا ْ وِّإن ت َوَل ّوْا ْ فَإ ِن ّ َ‬
‫ما هُ ْ‬ ‫قدِ اهْت َ َ‬ ‫فَ َ‬
‫م ( ‪ .‬البقرة )‪(137‬‬ ‫ال ْعَِلي ُ‬
‫ب ‪ :‬ومن ناحية ثانية ‪ ،‬فإن اختلف الصحابة رضي الله عنهم في إثبات‬
‫أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرق في الدين ‪ ،‬إذ يؤمن البعض‬
‫في أحاديث ل يجوز للبعض الخر أن يؤمن بها ‪ ،‬وهذه الصورة من أعظم‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬‫م َ‬ ‫كم ّ‬ ‫شَرع َ ل َ ُ‬ ‫الصور التي حذر منها القرآن وتوعد من خالفها قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫سى‬ ‫مو َ‬ ‫م وَ ُ‬‫هي َ‬‫صي َْنا ب ِهِ إ ِب َْرا ِ‬
‫ما وَ ّ‬‫ك وَ َ‬ ‫ذي أوْ َ‬ ‫صى ب ِهِ ُنوحا ً َوال ّ ِ‬ ‫ما وَ ّ‬‫ن َ‬‫دي ِ‬
‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م إ ِلي ْهِ‬
‫عوهُ ْ‬ ‫ما ت َد ْ ُ‬
‫ن َ‬ ‫كي َ‬‫مشرِ ِ‬ ‫فّرقوا ِفيهِ كب َُر عَلى ال ُ‬ ‫ن وَل ت َت َ َ‬ ‫دي َ‬‫موا ال ّ‬
‫ن أِقي ُ‬ ‫سى أ ْ‬‫عي َ‬ ‫وَ ِ‬
‫ب ( ‪ .‬الشورى )‪(13‬‬ ‫ني‬ ‫ي‬ ‫من‬
‫ََْ ِ ِ ْ ِ َ ُِ ُ‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫دي‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫َ‬
‫شا‬ ‫الل ّ ُ َ ْ َ ِ ِ ْ ِ َ َ‬
‫ي‬ ‫من‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫بي‬ ‫ت‬‫ج‬ ‫ي‬ ‫ه‬
‫ثالثا ً ‪ :‬إن اليات الكريمة نهت عن إتباع الظن ‪ ،‬ل اليمان به فحسب ‪ ،‬والتباع‬
‫أعم من التصديق ‪ ،‬فهو يستلزم عدم العمل من باب أولى ‪ ،‬إذ التباع ل يكون‬
‫إل مع العمل ‪ ،‬والقول بتحريم إتباع الظن يشمل القول والعمل على حد‬
‫سواء ‪ ،‬وتخصيص النهي عن إتباع الظن في مسائل العقيدة دون الحكام‬
‫الشرعية قول ل دليل عليه ‪ ،‬إذ ل يكون تخصيص العام إل بدليل شرعي ‪،‬‬
‫وبما أن المسألة مسألة عقدية أي تتعلق بالصول دون الفروع ‪ ،‬فيجب أن‬
‫يكون دليلها دليل ً قطعيا ‪ ،‬فأين دليلهم القطعي الذي يستندون إليه بتخصيص‬
‫النهي عن إتباع الظن في اليمان دون العمل ؟‬
‫رابعا ً ‪ :‬اعلم يرحمك الله ‪ :‬أن الذين يروجون إلى هذا القول ‪ ،‬يعتبرون أدنى‬
‫حد التواتر عددا ً خمسة رواة في كل طبقة من طبقات السناد ‪ ،‬فإن قل‬
‫العدد عن ذلك في أي طبقة من طبقات السناد ل يعتبر الحديث قطعيا ً وعليه‬
‫ل يجوز اليمان به ‪،‬وإليك قول تقي الدين النبهاني في هذه المسألة ‪ ) :‬فكل‬
‫ما يصدق عليه من العدد من الجمع يعتبر متواترا ً ‪ .‬ولكن ل يجوز أن يكون‬
‫أقل من خمسة ‪ ،‬فل يكفي أربعة ‪ ،‬لن الربعة يحتاجون إلى تزكية في حالة‬
‫جهل حالهم إذا شهدوا بالزنا ( ‪ .‬كتاب الشخصية السلمية ص ‪ 266‬الجزء‬
‫الول الطبعة الثانية تحت عنوان أقسام الحديث‪.‬‬
‫ويقول في موضع آخر من الكتاب نفسه ص ‪ 144‬الجزء نفسه تحت عنوان‬
‫الستدلل بالسنة ‪) :‬ذلك أنه ثبت بنص القرآن الكريم أنه يقضى بشهادة‬
‫شاهدين رجلين أو رجل وامرأتين في الموال ‪ ،‬وبشهادة أربعة من الرجال‬
‫في الزنا ‪ ،‬وبشهادة رجلين في الحدود والقصاص ‪ ،‬وقضى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم بشهادة شاهد واحد ويمين صاحب الحق ‪ ،‬وقبل شهادة امرأة‬
‫واحدة في الرضاع ‪ ،‬وهذا كله آحاد ( ‪ .‬وعليه فقد جعل تقي الدين النبهاني‬
‫شهادة الثنين والثلثة والربعة من خبر الواحد الذي ل يجوز اليمان به ‪ ،‬وهذا‬
‫قول ل دليل عليه ل من الكتاب ول من السنة ‪ ،‬بل هو إتباع محض لبنيات‬
‫الفكار ‪ ،‬فعلى سبيل المثال ‪ :‬لو جاء حديث توفر في كل طبقة من طبقاته‬
‫خمسة رواة كلهم ثقات إل في الطبقة الولى طبقة الصحابة رضي الله عنهم‬
‫‪ ،‬لم يرو الحديث إل عن الخلفاء الراشدين الربعة ‪ ،‬فهل يفيد الحديث العلم‬
‫ويقطع بصحته أم ل ؟ فإن قالوا ‪ :‬نعم يقطع بصحته ‪ .‬قلنا ‪ :‬فتحديدكم للعدد‬
‫غير صحيح ‪ .‬وإن قالوا ‪ :‬ل ‪ .‬قلنا ‪:‬الحمد لله فقد كفى الله المؤمنين القتال ‪.‬‬
‫فائدة ل يعرفونها ‪ :‬إن من مستلزمات القول بأن أدنى حد التواتر خمسة رواة‬
‫‪ ،‬يقضي بحرمة اليمان بالقرآن الكريم ‪ ،‬إذ ثبت بالدليل القاطع أن القرآن‬
‫جمع بأقل من ذلك كما يقرون بذلك هم أنفسهم ‪،‬فقد جاء بمجلتهم المعتمدة‬
‫) الوعي العدد ‪ 22‬ص ‪ (13‬تحت عنوان موقف الصحابة من خبر الحاد في‬
‫العقائد ما نصه ‪ ) :‬وهذا ما دل عليه فعل صحابة رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم بإجماعهم يوم جمع أحد أركان العقيدة السلمية القرآن الكريم في‬
‫المصحف المام زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ‪ ،‬فقد اشترطوا‬
‫شروطا ً وسلكوا طرقا ً في جمعهم المصحف تبين بيانا ً واضحا ً وقاطعا ً بأن خبر‬
‫الواحد والظن ل يمكن أن تقوم به عقيدة ‪ ،‬وهذه الشروط ‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أول ً ‪ :‬اشترطوا عددا ً معينا ً يحصل القطع بنقلهم وهو ثلثة ‪ ،‬زيد بن ثابت ‪،‬‬
‫ورجلن آخران يشهدان ‪ ،‬وربما كان عمر مكان زيد أحيانا ً كما جاء في‬
‫الروايات عنهم ‪ .‬أ هـ‬
‫ثم ساق روايات تدل على أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم اكتفوا بشهادة‬
‫رجلين اثنين في تثبيت اليات الكريمة في المصحف الشريف ‪ ،‬منها ما نقله‬
‫سك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ف ِ‬‫ن َأن ُ‬
‫م ْ‬ ‫سو ٌ‬
‫ل ّ‬ ‫م َر ُ‬‫جاءك ُ ْ‬ ‫عن خزيمة بن ثابت قال ‪ :‬جئت بهذه الية‪):‬ل َ َ‬
‫قد ْ َ‬
‫م ( ‪ .‬التوبة )‪(128‬‬ ‫حي ٌ‬
‫ف ّر ِ‬ ‫ؤو ٌ‬‫ن َر ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫كم ِبال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ص عَل َي ْ ُ‬
‫ري ٌ‬
‫ح ِ‬‫م َ‬ ‫زيٌز عَل َي ْهِ َ‬
‫ما عَن ِت ّ ْ‬ ‫عَ ِ‬
‫إلى عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهما‪ ،‬فقال زيد من‬
‫يشهد معك ‪ .‬قلت ‪ :‬ل والله ل أدري فقال عمر ‪ :‬أنا أشهد معك على ذلك ‪.‬‬
‫ويظهر التناقض في عقيدتهم مما يلي‪:‬‬
‫قوله بأن الصحابة اشترطوا عددا ً معينا يحصل القطع بنقلهم وهو ثلثة ‪ ،‬وهذا‬
‫النقل يخالف ما يتبناه هو لمخالفة شيخه له ‪ ،‬فشيخه يجعل أدنى حد التواتر‬
‫خمسة أشخاص ‪ ،‬وهذا ينقل إجماع الصحابة على أن القرآن جمع بأقل من‬
‫ذلك ‪ ،‬أي بأن القرآن جمع بخبر الواحد فهو على قولهم ظني الثبوت ل يجوز‬
‫اليمان به ‪ ،‬إذ يعتبر تقي الدين النبهاني رواية الربعة من خبر الحاد كما جاء‬
‫ذلك في قوله ‪):‬ذلك أنه ثبت بنص القرآن الكريم أنه يقضى بشهادة شاهدين‬
‫رجلين أو رجل وامرأتين في الموال ‪ ،‬وبشهادة أربعة من الرجال في الزنا ‪،‬‬
‫وبشهادة رجلين في الحدود والقصاص ‪ ،‬وقضى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم بشهادة شاهد واحد ويمين صاحب الحق ‪ ،‬وقبل شهادة امرأة واحدة‬
‫في الرضاع ‪ ،‬وهذا كله آحاد ( ‪.‬المرجع نفسه‬
‫شبهة والرد عليها ‪:‬‬
‫بعد أن بينت هذه القضية في كتابي ) اليمان بخبر الحاد سبيل الرشاد (‬
‫وقعوا في حيص بيص ‪ ،‬واخذوا يذودون عن هذا المعتقد الفاسد بشبهات ل‬
‫تزيدهم إل ضلل ً وإعراضا ً عن الحق ومن هذه الشبهات ‪:‬‬
‫أ‪ :‬أن القرآن كان مكتوبا ً في صحائف كانت محفوظة عند الصحابة ‪ ،‬وما قام‬
‫به أبو بكر هو جمع الصحائف التي قام اليقين على أنها من القرآن ‪.‬‬
‫رد ‪ : 1 :‬هذا تعليل عليل ‪ ،‬وقول سقيم ‪،‬فإن المحفوظ عند الصحابة في‬
‫الصحف ‪ ،‬بمثابة المحفوظ بالصدور ‪ ،‬فالصحابي الذي كتب ما سمع من‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم في صحيفة ثم احتفظ بها عنده ‪ ،‬تعتبر كتابة‬
‫رجل واحد ‪ ،‬أي تقوم مقام شهادة واحدة ل شهادتين ‪،‬وعليه فهي بحاجة إلى‬
‫أربعة شهداء آخرون من أجل أن تبلغ حد التواتر ‪ ،‬وتثبيت اليات بشهادة‬
‫رجلين لدليل واضح على عدم اشتراط الصحابة رضي الله تعالى عنهم العدد‬
‫المزعوم ‪.‬‬
‫‪ : 2‬لو كان المر ما ذهبوا إليه ‪ ،‬أي إن القرآن مكتوب عند الصحابة كلهم ‪،‬‬
‫لكتفى أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه بجمعه دون أن يعين أي شاهد ‪،‬‬
‫فتعين أبو بكر رضي الله عنه شهودا ً من أجل تدوين القرآن لدليل واضح على‬
‫أنه اكتفى بشهادة رجلين ‪ ،‬فإن الثار الواردة تدل على أن الصحابة كانوا‬
‫يأتون الشهود فرادى ‪ ،‬وكان الشهود يدونون القرآن إذا شهدوا عليه وهم‬
‫اثنان ‪ ،‬فيصبحون مع الذي جاء بالية ثلثة ‪ ،‬والثلثة ل شك ل يبلغون حد‬
‫التواتر على مذهبهم ‪.‬‬
‫ب ‪ :‬قولهم ‪ :‬إن الثار دلت على أن القرآن جمع بشهادة الخمسة ‪ ،‬ويعللون‬
‫ذلك بما يلي ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إن أبا بكر رضي الله تعالى عنه عين كاتبا وشاهدين ‪ ،‬فيكون الكاتب واحدا ‪،‬‬
‫فإذا أضفنا إليه الشاهدين يصبحون ثلثة ‪ ،‬كذلك الرجل الذي جاء بالية إذا‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أضيف إلى الثلثة يصبحون أربعة ‪ ،‬والصحيفة التي جيء بها تقوم مقام‬
‫الشاهد ‪ ،‬وعليه يكون القرآن جمع بشهادة خمسة شهود ‪.‬‬
‫رد ‪ :‬أقول ‪ :‬سبحان الله ما أعظم ما يصنعه الهوى بأصحابه ‪ ،‬فهم يقومون‬
‫على مثل ) عنزة ولو طارت ( ‪ .‬فصاحب المقال يقول بوضوح أول ً ‪:‬‬
‫)اشترطوا عددا ً معينا ً يحصل القطع بنقلهم وهو ثلثة ( ‪ .‬المصدر نفسه ‪ .‬فلما‬
‫وجهوا بحقيقة معتقدهم أخذوا يذودون عنها دفاعا ً عن معتقدهم ل نصرة‬
‫للحق ورجوعا ً إليه ‪،‬ومع ذلك نبين خطأهم بما يلي ‪:‬‬
‫‪ : 1‬من المعلوم أن الكاتب ل يعتبر شاهدا ً على أصل المسألة ‪ ،‬بل يشهد‬
‫على أن الشاهد شهد عليها من خلل تدوينه لها ‪ ،‬فشتان بين أن يشهد على‬
‫المسألة ‪ ،‬أو أن يشهد على أن الشاهد شهد عليها ‪.‬‬
‫‪ : 2‬إن تدوين الية وكتابتها بنسخة ل تخرج عن كونها مكتوبة لكاتبها ‪ ،‬فهي ل‬
‫تعتبر دليل ً بذاتها ‪ ،‬بل تعتبر بالنسبة لحال صاحبها ‪ ،‬فإن كان صاحبها ثقة ‪،‬‬
‫قبلت منه ‪ ،‬وإن كان غير ذلك ردت عليه ‪ ،‬فأما أن تعتبر شاهدا ً بذاتها دون‬
‫النظر إلى حال صاحبها ‪ ،‬فهذا قول ل يقول به إل من عميت بصيرته عن‬
‫الحق المبين ‪.‬‬
‫‪ : 3‬إن الثر عن خزيمة بن ثابت رضي الله تعالى عنه يدل بوضوح على أنه‬
‫اكتفي بشهادته وشهادة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما على تثبيت‬
‫الية ‪،‬وعليه فإنه لم يدل دليل صحيح على أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم‬
‫اشترطوا في جمع القرآن شهادة خمسة أو أربعة ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ملحظة ‪ :‬المدقق في قول صاحب كتاب الشخصية يجد أنه ذهب إلى أن‬
‫شهادة الربعة ل يثبت بها عقيدة لحتياجهم إلى تزكية إذ جاء في قوله ‪:) :‬‬
‫) فكل ما يصدق عليه من العدد من الجمع يعتبر متواترا ً ‪ .‬ولكن ل يجوز أن‬
‫يكون أقل من خمسة ‪ ،‬فل يكفي أربعة ‪ ،‬لن الربعة يحتاجون إلى تزكية في‬
‫حالة جهل حالهم إذا شهدوا بالزنا ( ‪ .‬المصدر نفسه‬
‫فانظر إلى هذا التعليل العليل ‪ ،‬وما يفهم من معناه ‪ :‬أن الربعة يحتاجون إلى‬
‫تزكية في حالة جهل حالتهم ‪ ،‬ولذا ل يفيد نقلهم العلم ‪ ،‬فهل الخمسة ل‬
‫يحتاجون إلى تزكية في حالة جهل حالهم ؟ سبحانك ربي سبحانك ‪ ،‬فإنه من‬
‫المعلوم ضرورة أنه من جهلت حالتهم ل يقبل خبرهم سواء كانوا أربعة أو‬
‫أكثر أو أقل ‪ ،‬فالقضية ليست منوطة بعدد معين ‪ ،‬بل في النظر بحال‬
‫الناقل ‪ ،‬فإن كان الناقل ثقة قبل خبره ‪ ،‬وإن كان الناقل غير ثقة ردت روايته‬
‫‪ ،‬ول عبرة في العدد ‪ ،‬ومن قال بخلف ذلك فليأتنا بسلطان مبين ‪ .‬وأما‬
‫القول بأن العدد إذا زاد عن أربعة أمن تواطؤهم على الكذب ‪ ،‬فأقول ‪ :‬هذا‬
‫محض جهل فقد اجتمع الكافرون على تكذيب الرسل وهذه قضية ل ينتطح‬
‫بها كبشان وعليه فالعبرة بحالة الناقلين ل بعددهم ‪.‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬إن الدلة الشرعية جاءت على خلف زعمهم ‪ ،‬فقد دلت النصوص‬
‫ما‬
‫على قبول شهادة الواحد إن كان ثقة في العقيدة والحكام قال تعالى ‪ ) :‬وَ َ‬
‫قُهوا ْ ِفي‬ ‫ة ل ّي َت َ َ‬
‫ف ّ‬ ‫ف ٌ‬ ‫م َ‬
‫طآئ ِ َ‬ ‫ل فِْرقَةٍ ّ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫من ك ُ ّ‬ ‫فَر ِ‬ ‫ة فَل َوْل َ ن َ َ‬ ‫فُروا ْ َ‬
‫كآفّ ً‬ ‫ن ل َِين ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫كا َ‬
‫ن ( ‪ .‬التوبة )‪(122‬‬ ‫حذ َُرو َ‬
‫م يَ ْ‬‫م ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫جُعوا ْ إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫م إ َِذا َر َ‬ ‫ن وَل ُِينذُِروا ْ قَوْ َ‬
‫مهُ ْ‬ ‫دي ِ‬
‫ال ّ‬
‫ولفظ طائفة يقع على الواحد والجماعة ‪ ،‬والنذار يشمل ما أنزل الله على‬
‫نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عقيدة وأحكاما ً والتفريق بينهما يحتاج إلى‬
‫َ‬
‫سقٌ ب ِن َب َأ ٍ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫جاءك ُ ْ‬ ‫مُنوا ِإن َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫دليل نصي ‪ ،‬وكذلك قوله تعالى ‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫ن ( ‪ .‬الحجرات )‬ ‫مي َ‬ ‫ما فَعَل ْت ُ ْ‬
‫م َنادِ ِ‬ ‫حوا عََلى َ‬ ‫جَهال َةٍ فَت ُ ْ‬
‫صب ِ ُ‬ ‫وما ً ب ِ َ‬
‫صيُبوا قَ ْ‬
‫فَت َب َي ُّنوا أن ت ُ ِ‬
‫‪(6‬‬
‫دليل واضح على أن الناقل إن كان ثقة ل يتثبت من روايته ‪ .‬ومن باب آخر ‪،‬‬
‫فقد تواتر النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يبعث الحاد إلى‬
‫البلدان من أجل تبليغهم الدين ودعوتهم إليه ‪ ،‬ومن المعلوم أنهم كانوا‬
‫يدعونهم إلى اعتناق السلم التي تقوم العقيدة عليه ‪ ،‬ولو كانت العقيدة ل‬
‫تثبت بهذا النقل ‪ ،‬لما اكتفى صلى الله عليه وسلم بإرسال الحاد ‪ ،‬ولكان‬
‫يرسل الجماعات التي ل يقل عددها عن خمسة كي تتحقق المصلحة وتقوم‬
‫الحجة ‪ ،‬وعدم ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬لدليل واضح على‬
‫عدم إرادته ‪ ،‬وخطأ القائلين به ‪.‬‬
‫وأما تعليل تقي الدين النبهاني في عدم قبول خبر الواحد في العقيدة دون‬
‫الحكام ‪ ،‬كما جاء ذلك عنه في كتاب الشخصية ص ‪ 148‬ج ‪ 3‬الطبعة الثانية ‪:‬‬
‫) ل يقال إن قبول تبليغ خبر الحاد قبول عقيدة لن تبليغ السلم قبول خبر‬
‫وليس قبول ً لعقيدة ‪ ،‬بدليل أن على المبلغ أن يعمل عقله فيما بلغه ‪ ،‬فإذا‬
‫قام الدليل اليقيني عليه اعتقده وحوسب على الكفر به ‪،‬فرفض خبر عن‬
‫السلم ل يعتبر كفرا ً ولكن رفض السلم الذي قام الدليل اليقيني عليه هو‬
‫الذي يعتبر كفرا ً ( ‪ .‬أ هـ‬
‫فهو تعليل يقوم على أمور تدل على حقيقة معتقدهم وأنه يقوم على العقل ل‬
‫النقل وإليك التفصيل ‪:‬‬
‫‪ : 1‬تقوم عقيدة حزب التحرير على العقل ل النقل ‪ ،‬ويتضح ذلك من قول‬
‫شيخهم ‪) :‬بدليل أن على المبلغ أن يعمل عقله فيما بلغه ( ‪ .‬فالعبرة إذن‬
‫ليست بالعدد أو غيره بل بحكم العقل على صحته ‪ ،‬فإن حكم العقل بصحة‬
‫النقل قبل النقل وإن لم يبلغ حد التواتر ‪،‬وهذا المعتقد ليس هو ما يعتقده‬
‫أهل السنة والجماعة ‪ ،‬بل هو مذهب المعتزلة ومن نحى نحوهم من أهل‬
‫الكلم الذين يقدمون العقل على النقل ‪.‬‬
‫‪ : 2‬تعريفهم للسلم ‪ ،‬فهم يعرفون السلم بأنه ‪:‬مبدأ ‪،‬ويعرفون المبدأ ‪:‬بأنه‬
‫عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام ‪ ،‬ويعرفون العقيدة بأنها ‪ :‬تصديق جازم مطابق‬
‫للواقع عن دليل ‪،‬ومرادهم من القول موافق للواقع أي موافق للعقل لن‬
‫أصل عقيدتهم مبني على العقل وقد سبقت الشارة إلى تعليل شيخهم بعدم‬
‫قبول خبر الواحد لعدم قيام الدليل العقلي عليه ‪.‬‬
‫‪ : 3‬قوله بأن رفض خبر عن السلم ل يعتبر كفرا ‪ ،‬ولكن رفض السلم الذي‬
‫قام الدليل اليقيني عليه هو الذي يعتبر كفرا ً ‪ ،‬وهذا القول منطلق من‬
‫التفريق بين السلم ككل ‪ ،‬وبين المسائل الداخلة في السلم ‪ ،‬وذلك أن‬
‫السلم كدين قام الدليل اليقيني على صحته ‪ ،‬أي حكم العقل على أنه دين‬
‫صحيح ‪ ،‬ولكن العقل لم يحكم على كل مسألة من مسائل السلم ‪ ،‬فكانت‬
‫المسألة التي لم يقم عليها الدليل العقلي مسألة فرعية ل يكفر النسان‬
‫بردها ‪ ،‬على خلف رد السلم ككل ‪،‬فتدبر ذلك جيدا ً تعرف أحوال القوم ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫فائدة ‪ :‬إن حقيقة الخلف القائم بين أهل السنة والجماعة ‪ ،‬والمتكلمين ‪ ،‬هو‬
‫مسألة تقديم العقل على النقل ‪ ،‬فأهل السنة والجماعة يقدمون النقل على‬
‫العقل ‪ ،‬ويخضعون العقل للنقل ‪ ،‬على خلف المتكلمين ‪ ،‬فهم يخضعون‬
‫النقل للعقل ‪ ،‬فأي مسألة حكم العقل بصحتها آمنوا بها وإن كانت ظنية‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الثبوت ‪ ،‬وأي مسألة لم يحكم العقل على صحتها ردوها إما تأويل ُ ‪ ،‬وإما‬
‫تعطيل ً ‪ ،‬والمتأمل في ذلك يعلم أن حزب التحرير ل يعتقد معتقد أهل السنة‬
‫والجماعة ‪ ،‬بل معتقد الفرق التي خرجت عن أهل السنة والجماعة ‪ ،‬وعليه‬
‫فما يدعو إليه من كون خبر الواحد ل يفيد العلم ‪ ،‬هو معتقد المتكلمين وليس‬
‫معتقد أهل السنة والجماعة ‪.‬‬
‫سادسا ً ‪ :‬إن من المضحك المبكي ‪ ،‬أن هؤلء القوم حرموا على الناس‬
‫اليمان بخبر الواحد لنه قائم على الظن ‪ ،‬وما درى هؤلء أن الظن الذي‬
‫حذروا المة منه ‪ ،‬هو عين ما وقعوا فيه ‪ ،‬فإن اشتراطهم عددا معينا ً لفادة‬
‫اليقين ‪ ،‬اشتراط غير مبني على دليل ‪ ،‬بل قد قام الدليل على خلفه ‪ ،‬ومن‬
‫المعلوم أن إثبات مسألة من مسائل العقيدة تحتاج إلى دليل قطعي ‪ ،‬فأين‬
‫دليلهم الظني على ذلك ؟ ناهيك عن إتيانهم بالدليل القطعي ‪ ،‬فالمسألة التي‬
‫أصلوا عليها مسألة مفتقرة إلى الدليل أي ل يستطيعون أن يأتوا بحديث أو‬
‫آية أو إجماع على أن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ل يجوز اليمان‬
‫بها إل إذا تحقق فيها أدنى حد التواتر وهو خمسة رواة في كل طبقة من‬
‫طبقات الحديث ‪،‬ومن المعلوم أن ما كان أصله ظنا ً فلن تكون نتائجه‬
‫قطعية ‪ ،‬وعليه فهم في قولهم هذا متبعون للظن الذي حذروا الناس منه ‪،‬‬
‫فهل علموا ذلك !!!‬
‫سابعا ً ‪ :‬إن مذهب القائلين بعدم اعتبار خبر الواحد في العقائد ‪ ،‬يؤدي إلى‬
‫تقسيم الدين من حيث الثبوت إلى قسمين عقيدة وأحكام‪ ،‬واشترطوا في‬
‫العقيدة ما لم يشترطوه في الحكام ‪ ،‬مما يؤدي ذلك إلى فصل العقيدة عن‬
‫العمل ‪ ،‬والعمل عن العقيدة ‪ ،‬أي ما كان متعلقه التصديق فل يدخل العمل به‬
‫‪ ،‬وما كان متعلقه العمل ل يدخله التصديق ‪ ،‬وهذا القول بناء على مذهبهم‬
‫الباطل الذي يفرقون به بين اليمان والعمل ‪ ،‬ويظهر ذلك جليا ً من خلل‬
‫تعريفهم للعقيدة إذ هي عندهم ‪ ) :‬تصديق جازم موافق للواقع عن دليل ( ‪.‬‬
‫فل يدخلون العمل في اليمان ‪ ،‬أو اليمان في العمل ‪ ،‬وعليه يوجبون العمل‬
‫بالحكام الشرعية وإن تجرد عن اليمان ‪ ،‬وهذا معنى قولهم ‪ ) :‬نصدق ول‬
‫نؤمن ( أي نصدق بأن خبر الواحد ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫ول نؤمن به ‪ ،‬ونوجب العمل به ‪ ،‬فهنا أصبح تفريق بين التصديق واليمان ‪،‬‬
‫وبين العمل والتصديق ‪ ،‬فعندهم العمل شيء ‪ ،‬والتصديق شيء آخر واليمان‬
‫شيء ثالث ‪ ،‬والشاهد الذي نريد أن نصل إليه هو ‪:‬‬
‫أنهم يفرقون بين التصديق واليمان ‪ ،‬فهم يصدقون بخبر الواحد إن صح‬
‫سنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ولكنهم ل يؤمنون به ‪ ،‬فهم‬
‫يقرون بأن هذا الحديث قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وأن العمل به‬
‫واجب إن كان متعلقا ً بالحكام الشرعية ‪ ،‬وأن الذي ل يعمل به يكون آثما ً ‪،‬‬
‫ولكنهم في الوقت ذاته يقولون ‪ :‬إن اليمان بأن الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم قاله ل يجوز ‪ ،‬فما هو التصديق وما هو اليمان عندهم ؟ أما اليمان‬
‫فهو التصديق الجازم ‪ ،‬إذن فالتصديق يكون غير جازم ‪ ،‬والجزم لفظ يدل‬
‫على صحة الثبوت ‪ ،‬وعدم الجزم شيء يدل على عدم الثبوت ‪ ،‬وعليه يكون‬
‫القوم إما مؤمنين بما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق‬
‫بالعقيدة ‪ ،‬وإما غير مؤمنين ‪ ،‬وبل ريب أنهم غير مؤمنين ‪ ،‬إذن فهم واقعون‬
‫في دائرة الشك ‪ ،‬إذ إن التصديق غير الجازم يكون فيه شيء من الشك‬
‫وعليه فالقوم يتخبطون في مسألة ل يعرفونها ‪ ،‬فلو سألت أحدهم ما الفرق‬
‫بين التصديق واليمان فيما يتعلق بالعقيدة ‪ ،‬فلن تجد عنده جوابا ً يعول عليه ‪.‬‬
‫ثامنا ً ‪ :‬إن الخذ بقولهم الباطل يؤدي إلى مخالفة أهل السنة والجماعة في‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫معتقدهم في كثير من القضايا التي قام الجماع عليها ‪،‬كمسائل عذاب القبر ‪،‬‬
‫والصراط ‪ ،‬ونزول عيسى عليه السلم ‪ ،‬وإثبات الشفاعة للرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وسؤال الملكين ‪ ،‬وغيرها من المسائل التي دلت عليها‬
‫الحاديث الصحيحة التي لم تصل أسانيدها حد التواتر بالضوابط التي‬
‫وضعوها‪ ،‬ول شك أن كل من خالف ما قام عليه الجماع يعتبر آثما ً لقوله‬
‫ل‬‫سِبي ِ‬ ‫ه ال ْهُ َ‬
‫دى وَي َت ّب ِعْ غَي َْر َ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ما ت َب َي ّ َ‬
‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫ل ِ‬‫سو َ‬ ‫ق الّر ُ‬ ‫شاقِ ِ‬ ‫من ي ُ َ‬ ‫تعالى ‪ ) :‬وَ َ‬
‫صيرا ( ‪ .‬النساء )‪(115‬‬ ‫ً‬ ‫م ِ‬‫ت َ‬ ‫ساء ْ‬‫م وَ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬‫صل ِهِ َ‬ ‫ّ‬
‫ما ت َوَلى وَن ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن ن ُوَلهِ َ‬
‫مِني َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫فاتباع سبيل المؤمنين شرط أساسي في صحة العمل واعتباره ‪ ،‬بل إن إتباع‬
‫سبيل المؤمنين ‪ ،‬هو الضابط الصلي للحكم على العمال من حيث الصحة‬
‫والبطلن ‪ ،‬وما جاء ثابتا ً عن علماء المة المعتبرين من أهل السنة‬
‫والجماعة ‪ ،‬هو إيمانهم بهذه المور وغيرها ‪ ،‬وعليه فإن مخالفتهم في ذلك هو‬
‫خروج عن اتباع سبيل المؤمنين الذي توعد الله سبحانه كل من خالفه ‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫وبناء على ما قدمنا ‪ ،‬فإن القول بعدم اليمان بخبر الواحد في العقيدة ‪ ،‬قول‬
‫ل دليل عليه ‪ ،‬بل الدلة على خلفه ‪ ،‬وإن العلة التي تعللوا بها على عدم‬
‫جواز اليمان بخبر الواحد هو وقوع في الظن الذي ذم الله سبحانه الكافرين‬
‫على اتباعه ‪ ،‬وجعلوا العامل في الظن واليقين العدد ‪ ،‬وقد حددوه بخمسة‬
‫رواة في كل طبقة من طبقات سند الحديث ‪ ،‬وقولهم هذا مبني على الجتهاد‬
‫المحض غير المبني على دليل من الكتاب والسنة ‪ ،‬بل لو كان المقصود‬
‫بالظن العدد ‪ ،‬لخرج الكافرون اتباع الظن عن المر ‪ ،‬إذ لم يقيموا معتقداتهم‬
‫على خبر الواحد ‪ ،‬بل قد أخذوا عقيدتهم الفاسدة عن تواتر نقل لهم عن‬
‫ع‬ ‫ه َقاُلوا ْ ب َ ْ‬
‫ل ن َت ّب ِ ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬‫ما َأنَز َ‬ ‫م ات ّب ُِعوا َ‬‫ل ل َهُ ُ‬‫تواتر قال تعالى حاكيا ً عنهم ‪ ) :‬وَإ َِذا ِقي َ‬
‫ن ( ‪.‬البقرة )‬ ‫دو َ‬‫شْيئا ً وَل َ ي َهْت َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫قُلو َ‬ ‫م ل َ ي َعْ ِ‬
‫ن آَباؤُهُ ْ‬ ‫في َْنا عَل َي ْهِ آَباءَنا أ َوَل َوْ َ‬
‫كا َ‬ ‫ما أ َل ْ َ‬
‫َ‬
‫‪(170‬‬
‫فالكافرون أخذوا عقيدتهم عن تواتر فهم على دين آبائهم ‪ ،‬ومع ذلك فهم‬
‫أتباع للظن ‪،‬وعليه تعلم أخي يقينا ً بأن اليقين والظن ل علقة له بالعدد ‪ ،‬إنما‬
‫بما يتحفه من القرائن ‪ ،‬فإن قامت القرائن على صدق من ينقل الخبار وجب‬
‫تصديقهم وإن لم يبلغوا العدد المشار إليه ‪،‬وإن قامت القرائن على كذب من‬
‫ينقل الخبار ‪ ،‬فل يصدقون وإن كانوا مئات كما هو واقع الكافرين ‪ ،‬ومن باب‬
‫آخر ل يخفى عليك أن الظن الذي اتبعه الكافرون قائم على الكذب والتخمين‬
‫‪،‬ل على خبر الواحد وغيره ‪ ،‬مما يجعلك توقن بخطأ ما ذهب إليه القوم ‪،‬وفقنا‬
‫الله جميعا ً للعمل بما يحبه ويرضاه‬
‫واصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين‬
‫وكتب ‪ :‬إبراهيم بن عبد العزيز بركات‬
‫‪ 1426 / 1 / 8‬هـ‬

‫)‪(7 /‬‬

‫اليمان قول واعتقاد وعمل‬


‫‪12/6/1424‬‬
‫أ‪ .‬د ‪.‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على أشرف النبياء والمرسلين‪،‬‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقائد الغر المبجلين‪ ،‬نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬ثم أما بعد‪ ،‬فقد‬
‫سئلت مرارا ً عن مسألتين عظيمتين كثر الخوض فيهما‪ ،‬أل وهما‪:‬‬
‫المسألة الولى‪ :‬هل العمل شرط كمال لليمان أم شرط وجوب‪ ،‬أم هو‬
‫شرط صحة وركن ل يقوم اليمان إل ّ به؟‬
‫والمسألة الثانية‪ :‬هل يكفر النسان بقول أو عمل؟‬
‫وللفائدة رأيت أن يكون هذا المقال جوابا ً على المسألتين باختصار‪ ،‬أما‬
‫المسألة الولى‪ :‬فإن الذي عليه أهل السنة والجماعة أن اليمان هو قول‬
‫باللسان وقول بالقلب‪ ،‬وعمل بالجوارح وعمل بالقلب‪ ،‬ولهذا كان من قول‬
‫أهل السنة أن اليمان قول وعمل‪ ،‬وقولهم‪ :‬اليمان قول وعمل ونية‪،‬‬
‫فاليمان اسم يشمل أربعة أمور لبد أن تكون فيه‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -‬اعتقاد القلب أو قوله‪ ،‬وهو تصديقه وإقراره‪.‬‬
‫‪ -‬عمل القلب‪ ،‬وهو النية والخلص‪ ،‬ويشمل هذا انقياده وإرادته‪ ،‬وما يتبع ذلك‬
‫من أعمال القلوب كالتوكل والرجاء والخوف والمحبة‪.‬‬
‫‪ -‬إقرار اللسان‪ ،‬وهو قوله والنطق به‪.‬‬
‫‪ -‬عمل الجوارح –واللسان من الجوارح‪ -‬والعمل يشمل الفعال والتروك‬
‫قولية وفعلية‪.‬‬
‫والدلة على أن أعمال الجوارح داخلة في اسم اليمان كثيرة‪ ،‬ومن ذلك ما‬
‫ن خصاله( حديث‬ ‫ثبت عند مسلم في) كتاب اليمان‪ ،‬باب‪ :‬اليمان ما هو؟ وبيا ُ‬
‫وفد عبد قيس‪ ،‬وقد جاء في بعض طرقه في الصحيح‪ ،‬أنه _صلى الله عليه‬
‫وسلم_ أمرهم باليمان بالله وحده‪ ،‬قال‪":‬أتدرون ما اليمان بالله وحده؟"‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬الله ورسوله أعلم‪.‬‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬شهادة أن ل إله إل الله وأن محمدا رسول الله‪ ،‬وإقام الصلة‪ ،‬وإيتاء‬
‫الزكاة‪ ،‬وصيام رمضان‪ ،‬وأن تعطوا من المغنم الخمس‪ ،‬ونهاهم عن أربع‪ :‬عن‬
‫الحنتم‪ ،‬والدباء‪ ،‬والنقير‪ ،‬والمزفت‪ ،‬وقال‪ :‬احفظوهن وأخبروا بهن من‬
‫وراءكم‪ ،‬وقد أورد المام البخاري هذا الحديث في ) كتاب اليمان‪ ،‬باب‪ :‬أداء‬
‫الخمس من اليمان(‪،‬‬
‫وأدلة الكتاب على هذا كثيرة‪ ،‬منها‪ :‬قول الله _تعالى_‪":‬إنما المؤمنون الذين‬
‫إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ً وعلى ربهم‬
‫يتوكلون * الذين يقيمون الصلة ومما رزقناهم ينفقون * أولئك هم المؤمنون‬
‫حقًا"‪ ،‬وفي الية الخرى "إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا‬
‫معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك‬
‫الذين يؤمنون بالله ورسوله"‪ ،‬وفي ثالثة‪":‬إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله‬
‫ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم‬
‫الصادقون"‪ ،‬وفي رابعة‪":‬والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله‬
‫والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقًا"‪ ،‬واليات في هذا كثيرة‪.‬‬
‫وقد بوب البخاري ومسلم في صحيحيهما أبوابا ً كثيرة تثبت أن العمال من‬
‫اليمان‪ ،‬ففي البخاري‪:‬‬
‫باب الحياء من اليمان‪.‬‬
‫باب من قال‪ :‬إن اليمان هو العمل‪.‬‬
‫باب الجهاد من اليمان‪.‬‬
‫باب تطوع قيام رمضان من اليمان‪.‬‬
‫باب صوم رمضان احتسابا ً من اليمان‪.‬‬
‫باب الصلة من اليمان‪.‬‬
‫باب اتباع الجنائز من اليمان‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خمس من اليمان‪.‬‬ ‫باب أداء ال ُ‬


‫وغيرها‪ ،‬وفي مختصر مسلم‪:‬‬
‫باب بيان اليمان بالله أفضل العمال‪.‬‬
‫باب الحياء من اليمان‪.‬‬
‫باب من اليمان حسن الجوار وإكرام الضيف‪.‬‬
‫باب من اليمان تغيير المنكر باليد واللسان والقلب‪.‬‬
‫وغيرها من العمال‪ ،‬قال شيخ السلم في )الواسطية(‪" :‬ومن أصول أهل‬
‫السنة والجماعة أن الدين واليمان قول وعمل‪ ،‬قول القلب واللسان‪ ،‬وعمل‬
‫القلب واللسان والجوارح"‪.‬‬
‫فظهر أن اسم اليمان يشمل كل ما أمر الله به ورسوله _صلى الله عليه‬
‫وسلم_‪ ،‬ويدخل في ذلك فعل الواجبات والمستحبات‪ ،‬وترك المحرمات‬
‫والمكروهات‪ ،‬وإحلل الحلل وتحريم الحرام‪ ،‬واسم العمل يشمل عمل‬
‫القلب وعمل الجوارح‪ ،‬ويشمل الفعل والترك‪ ،‬ويشمل الواجبات التي هي‬
‫أصول السلم الخمس فما دونها‪ ،‬ويشمل ترك الشرك والكفر وما دونهما‬
‫من الذنوب‪.‬‬
‫وعليه فحكم ترك العمل على أقسام‪:‬‬
‫‪ -‬ترك الشرك وأنواع الكفر فهو شرط صحة ل يتحقق اليمان إل ّ به‪.‬‬
‫‪ -‬وأما ترك سائر الذنوب مما دون الكفر فهو شرط لكمال اليمان الواجب‪.‬‬
‫‪ -‬وأما عمل القلب وانقياده‪ ،‬وهو إذعانه لمتابعة الرسول _صلى الله عليه‬
‫وسلم_ وما يتبعه كمحبة الله ورسوله‪ ،‬وخوف الله ورجائه فهو شرط صحة‪.‬‬
‫‪ -‬وكذلك إقرار اللسان بشهادة أن ل إله إل الله وأن محمدا ً رسول الله هو‬
‫شرط صحة‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬وأما أركان السلم بعد الشهادتين فلم يتفق أهل السنة على أن شيئا منها‬
‫شرط لصحة اليمان‪ ،‬بل وقع الخلف في تارك المباني الربعة بين أهل‬
‫السنة‪.‬‬
‫‪ -‬أما سائر الواجبات بعد أركان السلم الخمسة فل يختلف أهل السنة في أن‬
‫فعلها شرط لكمال إيمان العبد –أي‪ :‬إن تركها من غير جحود ل يؤدي إلى‬
‫الكفر‪-‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وينبغي التنبه إلى أن المراد بالشرط هنا الشرط بمعناه العام‪ ،‬وهو ما تتوقف‬
‫الحقيقة على وجوده‪ ،‬سواء كان ركنا ً فيها أو خارجا ً عنها‪ ،‬وليس المراد أن‬
‫العمال خارجة عن مسمى اليمان‪ ،‬بل هي من مسمى اليمان‪.‬‬
‫ومن هذا علم أن عمل الجوارح جزء من أجزاء اليمان الربعة‪ ،‬فل يقال‬
‫العمل شرط كمال لليمان أو أنه لزم له‪ ،‬فإن هذا من أقوال المرجئة‪.‬‬
‫دق بقلبه ول يقر‬ ‫فتارك العمل الظاهر ل يكون مؤمنا ً ‪ ،‬فالذي يزعم أنه مص ّ‬
‫بلسانه ول يعمل ل يتحقق إيمانه ؛ لن هذا إيمان كإيمان إبليس وكإيمان‬
‫ب‬ ‫دق بقلبه ‪ ،‬قال الله _تعالى_‪َ ":‬قا َ‬
‫ل َر ّ‬ ‫فرعون ؛ لن إبليس أيضا ً مص ّ‬
‫َ‬
‫ن" وفرعون وآل فرعون قال الله _تعالى_‬ ‫فَأن ْظ ِْرِني إ َِلى ي َوْم ِ ي ُب ْعَُثو َ‬
‫م ظ ُْلما ً وَعُل ُوًّا" فهذا اليمان والتصديق‬
‫سهُ ْ‬ ‫قن َت َْها أ َن ْ ُ‬
‫ف ُ‬ ‫ست َي ْ َ‬
‫دوا ب َِها َوا ْ‬ ‫ح ُ‬
‫ج َ‬ ‫عنهم ‪":‬وَ َ‬
‫الذي في القلب لبد له من عمل يتحقق به فل بد أن يتحقق بالنطق باللسان‪،‬‬
‫ولبد أن يتحقق بالعمل فلبد من تصديق وانقياد ‪ ،‬وإذا انقاد قلبه باليمان‬
‫دق بقلبه ول ينطق بلسانه ول‬ ‫فلبد أن تعمل الجوارح ‪ ،‬أما أن يزعم أنه مص ّ‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يعمل بجوارحه وهو قادر فأين اليمان ؟!! فلو كان التصديق تصديقا ً تاما ً‬
‫وعنده إخلص لتى بالعمل ‪ ،‬فلبد من عمل يتحقق به هذا التصديق وهذا‬
‫اليمان‪ ،‬والنصوص جاءت بهذا‪.‬‬
‫كما أن الذي يعمل بجوارحه ويصلي ويصوم ويحج لبد لعماله هذه من إيمان‬
‫في الباطن وتصديق يصححها وإل صارت كإسلم المنافقين ‪ ،‬فإن المنافقين‬
‫يعملون ؛ يصلون مع النبي _ صلى الله عليه وسلم‪ -‬ويجاهدون ومع ذلك لم‬
‫يكونوا مؤمنين ؛ لنه ليس عندهم إيمان وتصديق يصحح هذا العمل ‪ ،‬فلبد‬
‫من أمرين لصحة اليمان ‪:‬‬
‫‪ -‬تصديق في الباطن يتحقق بالعمل ‪.‬‬
‫‪ -‬وعمل في الظاهر يصح بالتصديق ‪.‬‬
‫أما تصديق في الباطن دون عمل فأين الدليل عليه؟ أين الذي يصححه؟ أين‬
‫النقياد؟‬
‫ل يمكن أن يكون هناك تصديق صحيح ل يصلي صاحبه ول ينطق بالشهادتين‬
‫وهو يعلم ما أعد الله لمن نطق بالشهادتين ولمن تكّلم بكلمة التوحيد من‬
‫الثواب ‪ ،‬ولما أعد ّ الله للمصلين من الثواب ولمن ترك الصلة من العقاب ‪،‬‬
‫فلو كان عنده تصديق صحيح وإيمان صحيح لبعثه على العمل ‪ ،‬فلو كان عنده‬
‫تصديق صحيح وإيمان صحيح لحرق الشبهات والشهوات ؛ فترك الصلة إنما‬
‫يكون عن شبهة والمعاصي إنما تكون عن شهوة واليمان الصادق يحرق هذه‬
‫الشهوات والشبهات ‪.‬‬
‫ل من اليمان الصحيح‪ ،‬وإنما هو لفظ باللسان‬ ‫وهذا يدل على أن قلبه خا ٍ‬
‫نطق به ولم يتجاوزه ‪ ،‬وإل لو كان عنده تصديق بقلبه أو إقرار بقلبه فقط‬
‫ولم يتلفظ ؛ فقول القلب لم يتجاوز إلى أعمال القلوب وإلى النقياد‪،‬‬
‫دق بقلبه ول يعمل بجوارحه هذا هو مذهب‬ ‫فالمقصود أن الذي يزعم أنه مص ّ‬
‫الجهمية‪.‬‬
‫ولهذا قال شيخ السلم ابن تيمية –رحمه الله‪ : -‬يعسر التفريق بين المعرفة‬
‫والتصديق المجرد‪ ،‬فيعسر التفريق بين المعرفة بالقلب والتصديق الذي ليس‬
‫معه شيء من أعمال الجوارح‪ ،‬ويقول‪ :‬هذا هو إيمان الجهمية – نسأل الله‬
‫العافية ‪ -‬فالذي يزعم أنه مؤمن ول ينطق بلسانه ول يعمل بجوارحه مع‬
‫قدرته هذا هو مذهب الجهمية ‪ ،‬فل بد من عمل يتحقق به هذا التصديق كما‬
‫أن الذي يعمل لبد له من تصديق في الباطن يصححه ‪.‬‬
‫وقد عد إسحق بن راهوية قول من قال بأن تارك عامة الفرائض من أهل‬
‫القبلة من قول غلة المرجئة‪ ،‬فقد نقل عنه ابن رجب في )الفتح( قوله‪" :‬‬
‫غلت المرجئة حتى صار من قولهم‪ :‬إن قوما ً يقولون‪ :‬من ترك الصلوات‬
‫المكتوبات‪ ،‬وصوم رمضان‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والحج‪ ،‬وعامة الفرائض من غير جحود‬
‫لها إنا ل نكفره‪ ،‬يرجأ أمره إلى الله بعد‪ ،‬إذ هو مقر‪ .‬فهؤلء الذين ل شك‬
‫فيهم‪ .‬يعني‪ :‬في أنهم مرجئة"‪.‬‬
‫وأخيرا ً أنبه على أمر ربما أشكل على البعض‪ ،‬وهو ما جاء في أحاديث‬
‫الشفاعة من إخراج أناس لم يعملوا خيرا ً قط‪ ،‬وهذا قال العلماء فيه‪ :‬أي‪ :‬لم‬
‫يعملوا خيرا ً قط زيادة على التوحيد واليمان ولبد من هذا‪ ،‬فإن قيل‪ :‬من أين‬
‫جئتم بهذا القيد؟ فالجواب من نصوص الكتاب والسنة الخرى الكثيرة التي‬
‫تفيد ذلك‪ ،‬والواجب ضم النصوص إلى بعضها‪ ،‬وقد دلت النصوص على أن‬
‫الجنة حرام على المشركين‪ ،‬وثبت في الصحيح أن النبي _صلى الله عليه‬
‫وسلم_ قال‪":‬ل يدخل الجنة إل ّ نفس مؤمنة"‪ ،‬وقد قال الله‪":‬إنه من يشرك‬
‫بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار" فهذه‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النصوص المحكمة يرد إليها ذلك الحديث‪ ،‬فالقاعدة عند أهل العلم‪ :‬أن‬
‫المتشابه يرد إلى المحكم‪ ،‬ول يتعلق بالنصوص المتشابهة إل ّ أهل الزيغ‬
‫والضلل‪" ،‬فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة‬
‫وابتغاء تأويله"‪ ،‬وثبت في حديث عائشة –رضي الله عنها‪ -‬أنها قالت‪" :‬إذا‬
‫رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم"‪.‬‬
‫هذا فيما يتعلق بالمسألة الولى‪ ،‬أما المسألة الثانية وهي‪ :‬هل يكفر النسان‬
‫بقول أو عمل؟‬
‫فالجواب عليها‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ل‪ :‬أنبه إلى أن الكلم على الفعال والقوال وليس عن المعين الذي قام‬ ‫أو ً‬
‫بالفعل أو بدر منه القول‪ ،‬فقد يصدر الفعل أو القول ويمنع من إنزال الحكم‬
‫على قائله أو فاعله مانع‪ ،‬فأهل السنة يفرقون بين القول والقائل والفعل‬
‫والفاعل‪ ،‬حتى تتم شروط وتنتفي موانع‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬استحلل أي عمل محرم مجمع على تحريمه أو كان قطعي الثبوت كفر‪،‬‬
‫وإن كان هذا الفعل من الصغائر‪ ،‬ل لكون الفعل الذي أقدم عليه كفرًا‪ ،‬ولكن‬
‫لستحلله ما حرم الله‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬قد يكفر المسلم لمجرد الفعل أو القول إذا دلت الدلة الصحيحة‬
‫الصريحة على كفر فاعله‪ ،‬كدعاء غير الله _تعالى_ أوسب الله أو سب‬
‫رسوله _صلى الله عليه وسلم_ أوقتل النبياء أو امتهان المصحف‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬القول بأنه ل كفر إل ّ باعتقاد من أقوال المرجئة‪ ،‬ومن أقوالهم التابعة‬
‫له‪" :‬أن العمال والقوال دليل على ما في القلب من اعتقاد"‪ ،‬وهذا باطل‬
‫فنفس القول الكفري كفر‪ ،‬ونفس العمل الكفري كفر‪ ،‬كما قال‬
‫_تعالى_‪":‬قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * ل تعتذروا قد كفرتم بعد‬
‫إيمانكم" فأثبت لهم الكفر بعد اليمان بهذه المقالة‪ ،‬ولم يقل‪ :‬إن كنتم‬
‫تعتقدون في قلوبكم شيئًا‪ ،‬فالله _تعالى_ أطلق الكفر عليهم بهذه المقالة‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬الذنوب التي لم يدل الدليل على أنها كفر ل يكفر فاعلها‪ ،‬بل هو‬
‫تحت المشيئة مهما عظمت في أعين الناظرين‪.‬‬
‫ومن أراد مزيد بيان فهناك عدة رسائل قيمة يمكن الرجوع إليها منها‪:‬‬
‫)جواب في اليمان ونواقضه( لفضيلة الشيخ عبدالرحمن البراك‪ ،‬و)أسئلة‬
‫وأجوبة في اليمان والكفر( لفضيلة الشيخ عبدالعزيز الراجحي‪ ،‬رسالة‬
‫السقاف التي بعنوان )التوسط والقتصاد( والتي قدم لها العلمة عبدالعزيز‬
‫بن باز –رحمه الله‪ ،-‬ورسالة )رفع اللئمة عن فتوى اللجنة الدائمة( لمحمد‬
‫بن سالم الدوسري‪ ،‬وقد قدم لها سبعة من كبار أهل العلم‪ ،‬ومن أراد التوسع‬
‫أكثر فليراجع أطروحة الشيخ عبدالعزيز العبداللطيف‪ ،‬والتي هي بعنوان‬
‫)نواقض اليمان القولية والعملية(‪ ،‬وكذلك ما سطره شيخ السلم في ذلك‬
‫وكتبه معروفة‪.‬‬
‫وأخيرا ً أنبه على أن تطبيق هذه الحكام من الخطورة بمكان‪ ،‬فمن قال‬
‫لخيه‪ :‬يا كافر فقد باء بها أحدهما‪ ،‬فحذار حذار من التسرع في‬
‫التكفيرأوالتبديع أو التفسيق‪ ،‬وليشتغل طالب العلم بما ينفعه مما سيسأل‬
‫عنه‪ ،‬وليذر هذا المر لهل العلم الراسخين‪ ،‬فكم من أقدام خاضت فيه‬
‫فزلت‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫اليمان والحياة ‪ /‬فضيلة الشيخ ‪ /‬علي عبد الخالق القرني‬


‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫إن الحمد لله‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور‬
‫ي‬
‫ل له‪ ،‬ومن يضلل فل هاد َ‬ ‫أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فل مض ّ‬
‫له‪ .‬أشهد أن ل إله إل الله‪ ،‬وحده ل شريك له‪ ،‬له الملك‪ ،‬وله الحمد‪ ،‬وهو‬
‫مِته‪ ،‬ومن ل غنى به‬ ‫على كل شيء قدير‪ ،‬شهادة عبده‪ ،‬وابن عبده‪ ،‬وابن أ َ‬
‫طرفة عين عن رحمته‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫دا عبد الله ورسوله‪ ،‬أرسله الله رحمة للعالمين‪ ،‬فشرح به‬ ‫ً‬ ‫محم‬ ‫أن‬ ‫أشهد‬
‫ما‪ ،‬وقلوًبا غُْلفا‪ .‬اللهم‬ ‫ّ‬ ‫ص‬ ‫نا‬‫ً‬ ‫وآذا‬ ‫يا‪،‬‬‫ً‬ ‫عم‬ ‫نا‬ ‫ً‬ ‫أعي‬ ‫به‬ ‫وفتح‬ ‫العقول‪،‬‬ ‫به‬ ‫الصدور‪ ،‬وأنار‬
‫ل على جميع الدرجات‬ ‫َ‬
‫مِته‪ ،‬اللهم وأعْ ِ‬ ‫اجزه عنا أفضل ما جزيت به نبيا عن أ ّ‬
‫درجته‪ ،‬واحشرنا تحت لوائه وزمرته‪ .‬اللهم أوردنا حوضه‪ ،‬واجعلنا من أتباع‬
‫سنته وشرعته‪ ،‬صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن اهتدى بسنته‬
‫واهتدى بسيرته‪ .‬اللهم حّبب إلينا اليمان‪ ،‬وزّينه في قلوبنا‪ ،‬وكّره إلينا الكفر‬
‫والفسوق والعصيان‪ ،‬واجعلنا من الراشدين‪.‬‬
‫قا‪ ،‬والباطل باطل‪ .‬اللهم وفقنا لتباع الحق‪ ،‬والعمل به‪،‬‬ ‫اللهم أرنا الحق ح ً‬
‫والدعوة إليه‪ ،‬والصبر على الذى في ابتغاء وجهك‪ ،‬وطلب مرضاتك‪َ) .‬رب َّنا إ ِن َّنا‬
‫فْر ل ََنا ذ ُُنوب ََنا وَك َ ّ‬ ‫سمعنا مناديا ينادي ل ِليما َ‬
‫فْر‬ ‫مّنا َرب َّنا َفاغْ ِ‬ ‫م َفآ َ‬ ‫مُنوا ب َِرب ّك ُ ْ‬ ‫نآ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫َ ِ ْ َ ُ َ ًِ َُ ِ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫دا‬
‫دي ً‬ ‫س ِ‬ ‫ه وَُقولوا قَوْل َ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫معَ الب َْراِر( )َيا أي َّها ال ِ‬ ‫عَّنا سي َّئات َِنا وَت َوَفَّنا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫* يصل ِح ل َك ُ َ‬
‫َ‬
‫قد ْ فاَز فوًْزا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هف َ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫من ي ُط ِِع الل َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ُ‬
‫م ذ ُُنوب َك ْ‬ ‫ُ‬
‫فْر لك ْ‬ ‫مال َك ْ‬
‫م وَي َغْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ ْ‬
‫ما(‬ ‫ظي ً‬
‫عَ ِ‬
‫سلم الله عليكم ورحمته وبركاته‪ ،‬وبعد ‪ ..‬أحبتي في الله؛ أشهد الله –الذي ل‬
‫إله إل هو‪ -‬على حّبكم فيه‪ ،‬وأسأله أن يجمعنا وإياكم على اليمان والذكر‬
‫والقرآن في هذه الحياة‪ ،‬وأن يجعل آخر كلمنا من الدنيا ل إله إل الله‪ ،‬ثم‬
‫أسأله أخرى أن يجمعنا في جنات ون ََهر‪ ،‬في مقعد صدق عند مليك مقتدر‪ ،‬هو‬
‫ولي ذلك والقادر عليه‪.‬‬
‫ما‪ ،‬فدعوني‬ ‫أحبتي في الله؛ وأنا أعلم بنفسي منكم ظن بي اخوتي ظًنا عظي ً‬
‫جزبتم‪،‬‬ ‫فلم أملك إل ّ أن أجيب‪ ،‬ثم دعوكم فظننتم نفس الظن وأجبتم‪ ،‬فخيًرا ُ‬
‫جر<‪ ،‬لكني أسأل‬ ‫وما أراني ‪-‬والله‪ -‬بينكم الليلة إل كبائع التمر على أهل >هَ َ‬
‫الله ‪-‬الذي بيده مقاليد كل شيء‪ -‬أن يجعلني خيًرا مما تظنون‪ ،‬وأن يغفر لي‬
‫ما ل تعلمون‪ ،‬وأل يؤاخذني بما تقولون‪ ،‬وحسبي أن ألقي عليكم هذه‬
‫الكلمات‪ ،‬التي أسأل الله أن يجعلها لي ولكم ذخًرا ليوم تتقلب منه القلوب‬
‫والبصار‪ ،‬وأن يجعلها من صالحات العمال‪ ،‬وخالصات الثار‪ ،‬والفضل أول‬
‫وأخًرا لله الواحد القهار‪.‬‬
‫ملت بالتوحيد نطق لساني‬ ‫يا رب أنت خلقتني وبرأتني *** ج ّ‬
‫ما **** ودفعتني للحمد والشكران‬ ‫وهديتني سبل السلم تكر ً‬
‫وغمرتني بالجود سيل زاخًرا *** وأنا أقابل ذاك بالكفران‬
‫فلك المحامد والثناء جميعه *** والشكر من قلبي ومن وجدان‬
‫ن الذي *** ل يستطيع لشكره الثقلن‬ ‫فلنت أهل الفضل والم ّ‬
‫أنت الكريم وباب جودك لم يزل *** للبخيل تعطي سائر الحيان‬
‫أنت الحليم بنا وحلمك واسع *** أنت الحليم على المسيء الجاني‬
‫أنت القوي وأنت قهار الورى *** ل تعجزّنك قوة السلطان‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أنت الذي آويتني وحبوتني *** وهديتني من حيرة الخذلن‬


‫ونشرت لي في العالمين محاسن *** وسترت عن أبصارهم عصياني‬
‫ي من يلقاني‬ ‫والله لو علموا قبيح سريرتي **** أبى السلم عل ّ‬
‫ولعرضوا عني ومّلوا صحبتي *** ولبؤت بعد كرامة بهوان‬
‫لكن سترت معايبي ومثالبي *** وحلمت عن سقطي وعن طغياني‬
‫لبيك يا رب بكل جوارحي *** لبيك من روحي وملء جناني‬
‫ل الجهد في التبيان‬ ‫ي في ثوابك رائدي *** واقبل مق ّ‬ ‫اجعل رجائ َ‬
‫ن‬‫ي سمعة *** تسري على البلدان والكوا ِ‬ ‫يا رب ل تجعل جزائ َ‬
‫أنت المضاعف للثواب فإن يكن *** مثقال خردلة على الميزان‬
‫فا *** من غير تحديد ول حسبان‬ ‫تعطي المزيد من الثواب مضاع ً‬
‫فلك المحامد والمدائح كلها *** بخواطري وجوانحي ولساني‬
‫أحبتي في الله؛‬
‫م كان اختيار هذا الموضوع؟‬ ‫اليمان والحياة‪ ،‬لسائل أن يقول‪ :‬ل ِ َ‬
‫فأقول‪ :‬وهل حياةٌ بل إيمان؟ إنه الحياة وكفى‪ ،‬لذا ل ينبغي أن يكون اليمان‬
‫أمًرا هامشًيا في هذه الحياة‪ ،‬بل هو قضية القضايا‪ ،‬ل يجوز أن نغفله أو‬
‫نستخف به أو ندعه في زوايا النسيان‪ .‬كيف ل وهو أمر يتعلق بوجود النسان‬
‫دا لصاحبه‪،‬‬
‫ومصيره‪ .‬إنه لسعادة البد‪ ،‬وإن عدمه لشقاوة البد‪ .‬إنه لجنة أب ً‬
‫ي وعلى كل مؤمن بالله‪ ،‬بل وعلى كل‬ ‫ما عل ّ‬ ‫دا لمن تنكبه‪ ،‬لذا كان ل َِزا ً‬‫والنار أب ً‬
‫ذي عقل أن يفكر في حقيقة اليمان‪ ،‬وأثره على الحياة؛ حتى يطمئن القلب‪،‬‬
‫صا ونحن في عصر أصبح الناس‬ ‫وينشرح الصدر‪ ،‬وتسكن النفس‪ ،‬خصو ً‬
‫يجرون وراء المنفعة لهثين‬

‫)‪(1 /‬‬

‫حتى إن كثيًرا منهم ليرون الحق فيما ينفعهم ويتفق مع أهوائهم‪ ،‬ل فيما‬
‫َ‬
‫م‬
‫واَءهُ ْ‬‫حقّ أهْ َ‬‫حته‪) .‬ول َوِ ات ّب َعَ ال ْ َ‬‫يطابق الواقع أو تقوم الدلئل والبراهين على ص ّ‬
‫ب الريح‪ ،‬ل تستقر‬ ‫ض( الفرد بل إيمان ريشة في مهَ ّ‬ ‫ت َوالْر ُ‬ ‫ماَوا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫سد َ ِ‬‫ف َ‬ ‫لَ َ‬
‫على حال‪ ،‬ول تسكن إلى قرار‪ ،‬أينما الريح تميل تمل‪ ،‬الفرد بل إيمان إنسان‬
‫ل قيمة له ول جذور‪ ،‬إنسان قلق‪ ،‬متبّرم‪ ،‬حائر‪ ،‬ل يعرف حقيقة نفسه‪ ،‬ول‬
‫سر وجوده‪ ،‬ل يدري من ألبسه ثوب الحياة؟ ولماذا ألبسه إياه؟‬
‫ره‪ ،‬وسبع‬ ‫ش ِ‬ ‫ولماذا ينزعه عنه بعد حين؟‪ .‬الفرد –باختصار‪ -‬بل إيمان حيوان َ‬
‫فاتك مفترس‪ ،‬بقلب ل يفقه‪ ،‬بأذن ل تسمع‪ ،‬بعين ل تبصر‪ ،‬بهيمة؛ بل أضل‪.‬‬
‫والمجتمع كذلك‪ ،‬المجتمع بل إيمان مجتمع غابة ‪،‬وإن لمعت فيه بوارق‬
‫الحضارة؛ لن الحياة فيه للقوى ل للفضل والفقه‪ ،‬المجتمع بل إيمان مجتمع‬
‫تعاسة وشقاء‪ ،‬وإن زخر بأدوات الرفاهية من الرخاء‪ ،‬المجتمع بل إيمان‬
‫مجتمع تافه مهين رخيص‪ ،‬غايات أهله ل تتجاوز شهوات بطونهم وفروجهم‬
‫وى ل ّهُ ْ‬
‫م(‬ ‫مث ْ ً‬
‫م َوالّناُر َ‬ ‫ل الن َْعا ُ‬‫ما ت َأ ْك ُ ُ‬‫ن كَ َ‬
‫ْ‬
‫ن وَي َأك ُُلو َ‬
‫مت ُّعو َ‬‫)ي َت َ َ‬
‫حة للحديث عن اليمان وأثره في الحياة‬ ‫سة المل ّ‬ ‫ومن هنا جاءت الحاجة الما ّ‬
‫بعمومها‪ ،‬حياة الفرد والمجتمع‪ ،‬حياة المة بأسرها‪ .‬وإني قبل أن أبدأ لهنئ‬
‫هذه الوجوه على إيمانها بالله‪ -‬الذي ل إله إل هو‪ -‬فهنيًئا لكم اليمان‪ ،‬وهنيًئا‬
‫لكم القرآن‪ ،‬وهنيًئا لكم التوحيد‪ ،‬وهنيًئا لكم السلم‪ ،‬هنيًئا لكم يوم يغدو‬
‫النصارى إياب إلى بيوت الصلبان‪ ،‬ويغدو اليهود إلى بيوت الشيطان‪ ،‬ويغدو‬
‫المجوس إلي بيوت النار‪ ،‬ويغدو المشركون إلى بيوت الصنام‪ ،‬ثم تغدون أنتم‬
‫إلي بيوت الرحمن‪) .‬في بيوت أ َذن الل َ‬
‫ه( فاللهم لك‬ ‫م ُ‬
‫س ُ‬‫ه أن ت ُْرفَعَ وَي ُذ ْك ََر ِفيَها ا ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُُ ٍ ِ َ‬ ‫ِ‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحمد على نعمة اليمان‪ ،‬أنت الموفق فلك المّنة والفضل على نعمة اليمان‪.‬‬
‫ك أ َن أ َسل َموا ُقل ل ّ تمنوا عَل َي إسل َمك ُم بل الله يمن عَل َيك ُ َ‬
‫ن‬
‫مأ ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ُ َ ُ ّ‬ ‫ّ ِ ْ َ ْ َ ِ‬ ‫َ ُ ّ‬ ‫ن عَل َي ْ َ ْ ْ ُ‬ ‫مّنو َ‬ ‫)ي َ ُ‬
‫ن(‬
‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬‫ما ِ‬
‫لي َ‬
‫م لِ ِ‬ ‫ُ‬
‫هداك ْ‬ ‫َ‬
‫فيا أهل اليمان؛ ما اليمان؟ اليمان‪ ،‬تلكم الكلمة المدوية المجلجلة التي تهّز‬
‫كيان المسلم‪ ،‬فيرنو إليها ببصيرته‪ ،‬ويتحرك نحوها فؤاده‪ ،‬ويشد إليها رحاله‪،‬‬
‫وتسمو إليها تطلعاته‪ .‬إنه الميدان الذي يتسابق فيه المتسابقون‪ ،‬ويتنافس‬
‫فيه المتنافسون‪ .‬إنه من كل مسلم يتحسس قبسه في قلبه‪ ،‬ويتلمس وهجه‬
‫في نفسه‪ ،‬ويسعى ويعمل لسلوك السبيل المحبب له‪ .‬اليمان لينير به‬
‫جوانب روحه‪ .‬اليمان ما اليمان‪ ،‬قول باللسان‪ ،‬واعتقاد بالجنان‪ ،‬وعمل‬
‫بالركان‪ ،‬يزيد بالطاعة‪ ،‬وينقص بالعصيان‪.‬‬
‫اليمان ما اليمان‪ ،‬نفحة ربانية يقذفها الله في قلوب من يختارهم من أهل‬
‫هدايته‪ ،‬ويهيئ لهم سبل العمل لمرضاته‪ ،‬ويجعل قلوبهم تتعلق بمحبته‪،‬‬
‫وتأ َْنس بقربه‪ .‬فالمؤمنون في رياض المحبة‪ ،‬وفي جنان الوصل يرتعون‬
‫ويمرحون‪ ،‬أحبهم الله فأحبوه‪ ،‬فاتبعوا نبيه ورضي عنهم فرضوا عنه‪ ،‬منه‬
‫بالصالحات والطاعات‪ ،‬فدنا منهم بالمغفرة والرحمات؛ كما في الحديث‬
‫ي بالنوافل حتى أحبه‪ ،‬فإذا أحببته كنت‬ ‫القدسي "ول يزال عبدي يتقرب إل ّ‬
‫سمعه الذي يسمع به‪ ،‬وبصره الذي يبصر به‪ ،‬ويده التي يبطش بها‪ ،‬ورجله‬
‫التي يمشي بها‪ ،‬ولئن سألني لعطينه‪ ،‬ولئن استعاذني لعيذنه " متي نكون‬
‫أهل لن نسأل الله فنعطى‪ ،‬ونستعيد بالله فنعاذ‪.‬‬
‫يا من ألوذ به فيما أؤمله *** وأستعيذ به مما أحاذره‪.‬‬
‫ما أنت جابره‬ ‫ما أنت كاسره *** ول يهيضون عظ ً‬ ‫ل يجبر الناس عظ ً‬
‫اليمان ما اليمان ‪ ،‬شعور يختلج في الصدر‪ ،‬ويلمع في القلب؛ فتضيء‬
‫جوانب النفس‪ ،‬ويبعث في القلب الثقة بالله‪ ،‬والنس بالله‪ ،‬والطمأنينة بذكر‬
‫َ‬
‫ب( اليمان ما اليمان‪ ،‬إنه الشعور بأنك ذرة‬ ‫قُلو ُ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫الله )أل َ ب ِذِك ْرِ اللهِ ت َط ْ َ‬
‫في كون عظيم هائل‪ ،‬متجه إلى الله‪ ،‬يسّبح لله‪ ،‬ويخضع لله‪ ،‬ويؤمن بالله‪.‬‬
‫ده( –تبارك عز وجل‪ -‬فسبحان من آمن له‬ ‫م ِ‬‫ح ْ‬‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫يٍء إ ِل ّ ي ُ َ‬ ‫ش ْ‬‫)وَِإن من َ‬
‫ت‬
‫ماَوا ُ‬ ‫س َ‬
‫ه ال ّ‬ ‫َ‬
‫حل ُ‬‫سب ّ ُ‬‫الكون أجمعه‪ ،‬وسبحان من سّبح له الكون أجمعه‪) .‬ت ُ َ‬
‫ده(‪ .‬موكب عظيم‬ ‫م ِ‬ ‫ح ْ‬
‫ح بِ َ‬ ‫يٍء إ ِل ّ ي ُ َ‬
‫سب ّ ُ‬ ‫ن وَِإن من َ‬
‫ش ْ‬ ‫من ِفيهِ ّ‬ ‫ض وَ َ‬‫سب ْعُ َوالْر ُ‬ ‫ال ّ‬
‫يسبح الله‪ ،‬ويؤمن به‪ ،‬يجعلك –أيها العبد‪ -‬تسأل أين أنت من هذا الموكب؟‬

‫)‪(2 /‬‬

‫دد موقعك في هذا الموكب‪ ،‬وهدفك على هذا الموكب وغايتك؛ فإن الشاذ‬ ‫ح ّ‬
‫عن هذا الموكب لهو الشقي الخاسر لنفسه‪ ،‬وماذا بعد خسارة النفس من‬
‫خسران؟ الله هو الغني‪ ،‬ونحن الفقراء‪ ،‬ل تنفعه طاعة‪ ،‬ول تضره معصية‪ ،‬بل‬
‫مخلوقاته غيرنا كثير وكثير؛ صنف منهم وهم الملئكة ل يحصيهم ول يعلم‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫فعَُلو َ‬
‫ن َ‬ ‫م وَي َ ْ‬
‫مَرهُ ْ‬
‫ما أ َ‬
‫ه َ‬
‫ن الل َ‬
‫صو َ‬‫عددهم إل الله ‪-‬الذي ل إله إل هو‪) -‬ل ي َعْ ُ‬
‫ن( في صحيح ]مسلم[ "إنه ليدخل‬ ‫فت ُُرو َ‬ ‫ن ال ْل ّي ْ َ‬
‫ل َوالن َّهاَر ل َ ي َ ْ‬ ‫حو َ‬
‫سب ّ ُ‬‫ن( )ي ُ َ‬ ‫ي ُؤْ َ‬
‫مُرو َ‬
‫البيت المعمور في السماء السابعة كل يوم سبعون ألف ملك‪ ،‬ل يعودون إليه‬
‫إلى قيام الساعة"‪ .‬كم من الملئكة يدخل البيت المعمور منذ أن خلق الله‬
‫من عليها‪ ،‬ما بالك بعدد‬ ‫السماوات والرض‪ ،‬وإلى أن يرث الله الرض و َ‬
‫ما‪ ،‬ما بالك بغيرهم من سائر المخلوقات‬ ‫الملئكة عمو ً‬
‫ألم تسمع في الصحيح إلى قول النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬كما في حديث‬
‫حقّ لها‬‫طت السماء و ُ‬ ‫]أبي ذر[ "إني أرى ما ل ترون‪ ،‬وأسمع ما ل تسمعون‪ ،‬أ ّ‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن تئط‪ ،‬ما فيها موضع أربع أصابع إل وملك ساجد أو راكع‪ ،‬والله لو تعلمون‬
‫رش‪،‬‬ ‫ف ِ‬‫ما أعلم لضحكتم قليل‪ ،‬ولبكيتم كثيًرا‪ ،‬ولما تلذذتم بالنساء على ال ُ‬
‫ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله ‪-‬وفي رواية‪ -‬ولحثوتم على رؤوسكم‬
‫حقّ لها أن تئط؛ ما فيها موقع أربع أصابع إل وملك‬ ‫طت السماء و ُ‬ ‫الّتراب"‪ .‬أ ّ‬
‫ساجد أو راكع‪ .‬أهل سماٍء يقولون‪ :‬سبحان ذي العزة والجبروت‪ ،‬وأخري‬
‫يقولون‪ :‬سبحان ذي الملك والملكوت‪ ،‬وأخرى يقولون‪ :‬سبحان الحي الذي ل‬
‫خْلق عظيم هائل ل يحصيهم إل خالقهم –‬ ‫يموت والنس والجن يموتون‪َ .‬‬
‫سبحانه وبحمده‪ -‬وظيفتهم التسبيح والتعظيم‪ ،‬فماذا يضر أن ينقلب إنسان‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ن الل َ‬‫م ت ََر أ ّ‬ ‫من هذا الموكب العظيم فيكفر بالله‪ ،‬ومن كفر فعليه كفره )أل َ ْ‬
‫م‬
‫جو ُ‬ ‫مُر َوالن ّ ُ‬ ‫س َوال ْ َ‬
‫ق َ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬‫ض َوال ّ‬ ‫من ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫من ِفي ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫يسبح ل َ ُ‬
‫ن‬
‫من ي ُهِ ِ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫حقّ عَل َي ْهِ ال ْعَ َ‬ ‫س وَك َِثيٌر َ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬‫ب وَك َِثيٌر ّ‬ ‫جُر َوالد َّوا ّ‬ ‫ل َوال ّ‬
‫ش َ‬ ‫جَبا ُ‬ ‫َوال ْ ِ‬
‫م( هل جندت نفسك أخي في الله لتكون من أهل هذا‬ ‫مك ْرِ ٍ‬ ‫من ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫ه فَ َ‬‫الل ُ‬
‫الموكب المسبح السائر إلى الله؟ –أعني موكب المؤمنين‪ .-‬إن كنت كذلك‬
‫فأبشْر بالجزاء من أكرم الكرمين‪ ،‬يوم الوقوف بين يديْ رب العالمين )فَل َ‬
‫َ‬ ‫ما أ ُ ْ‬
‫ن( يا من يحب‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬‫ما َ‬
‫جَزاًء ب ِ َ‬
‫ن َ‬‫من قُّرةِ أعْي ُ ٍ‬ ‫ي ل َُهم ّ‬ ‫ف َ‬‫خ ِ‬ ‫س ّ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ت َعْل َ ُ‬
‫م نَ ْ‬
‫الكنز‪ ،‬ويا من يحب الثروة؛ إن أعظم كنز يكتنزه العبد في هذه الحياة هو كنز‬
‫اليمان‪ ،‬وإن أعظم ثروة يكتنزها العبد في هذه الحياة هي ثروة اليمان‪ ،‬إنه‬
‫الثروة النفيسة‪ ،‬والكنز الثمين‪ ،‬يسعد به صاحبه حين يشقى الناس‪ ،‬ويفرح‬
‫حين يحزن الناس هل لهذا الكنز وهل لهذه الثروة من أثر على الحياة إن‬
‫أثرها عظيم جد عظيم لمن كان له فلب فمله باليمان إن من إيمان العبد‬
‫بالله وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر والقدر خيره وشره ليعكس على‬
‫الفرد ل بل على المة جميعا آثارا عظيما فهاك موجزها ول بأس بعده من‬
‫تفصيل ‪.‬اللهم ل سهل إل ما جعلته سهل وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهل‬
‫المؤمن بالله يشعر بأن الله يراقبه في أفعاله يراقبه على الصغيرة والكبيرة‬
‫)ما يكون من نجوى ثلثة إل هو رابعهم ول خمسة إل هو سادسهم ول أدنى‬
‫من ذلك ول أكثر إل هو معهم أينما كانوا( إذا استشعر العبد هذه المعية سابق‬
‫إلى الخيرات وخضع مستجيبا لرب الرض والسماوات فبادر إلى الفضائل‪.‬‬
‫إذا ما خلوت الدهر يوما فل تقل *** خلوت ولكن قل علي رقيب‬
‫ول تحسبن الله يغفل ساعة *** ول أن ما تخفيه عنه يغيب‬
‫واليمان بالملئكة يجعل المؤمن يستحي من معصية الله لعلمه أن الملئكة‬
‫معه )ما يلفظ من قول إل لديه رقيب عتيد( ترافقه وتراه ول يراها تحصي‬
‫عليه أعماله بسجلت محكمة ل تغادر صغيرة ول كبيرة واليمان بالكتب يجعل‬
‫المؤمن يعتز بكلم الله ويتقرب إليه بتلوة كلمه والعمل به ويشعره ذلك أن‬
‫الطريق الوحيد إلى الله هو اتباع ما جاء في كتبه والذي جاء القرآن مهيمنا‬
‫عليها ومطبقا بها واليمان بالرسل يجعل المؤمن يأنس بأخبارهم وسيرهم ل‬
‫سيما سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم فيتخذهم أسوة وقدوة )لقد‬
‫كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الخر( أسوة‬
‫حسنة ل في شرق ول في غرب بل رسول الله إلى الناس كافة شرقيهم‬
‫والغربي‪.‬‬
‫بالشرق أو بالغرب لست بمقتض *** أنا قدوتي ما عشت شرع محمد‬
‫حاشى يثنيني سراب الخادع *** ومعي كتاب الله يستطع في يدي‬
‫واليمان باليوم الخر ينمي في النفس حب الخير ليلقى ثوابه في جنات ونهر‬
‫ونعم المأوى ويكره في النفس الشر ودواعيه خوفا من نار تلظى ومن‬
‫وقوف بين يدي المولى واليمان بالقدر يجعل نفس المؤمن ل تخاف ما‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أصابها ول ترجو ما سوى ربها ل تقنع إل بالله ول تلجأ إل لله في الدنيا تزهد‬
‫بالموت ل تبالي ل تخضع للطغيان بل تخضع للرحمن ولسان حالها‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ماض وأعرف ما دربي وما هدفي *** والموت يرقص لي في كل منعطف‬


‫وما أبالي به حتى أحاذره *** فخشية الموت عندي أبرد الطرف‬
‫آثار اليمان على الحياة آثار مشرقة تنعكس على تصورات الفراد وسلوكهم‬
‫في الحياة حتى إنك لترى القرآن يمشي على الرض في أشخاص بعض‬
‫الفراد فإليكم أزف بعض هذه الثار مفصلة فاسمعوا أيها الحباب وافقهوا‬
‫وبلغوا فرب مبلغ أوعى من سامع ‪.‬‬
‫من آثار اليمان الثبات بكل صوره ومعانيه عند الشدائد والمحن والمصائب‪،‬‬
‫الثبات يوم تمتحن المة بأعدائها‪ ،‬الثبات للداعي في دعوته‪ ،‬الثبات للمصاب‬
‫عند مصيبته‪ ،‬الثبات للمريض عند مرضه حتى الممات‪ ،‬الثبات أمام الشهوات‪،‬‬
‫الثبات أمام الشبهات‪ ،‬الثبات على الطاعات‪ ،‬الثبات العام‪ ،‬وكفى بالثبات!‬

‫)‪(4 /‬‬

‫هاهو –صلى الله عليه وسلم‪ -‬يحمل اليمان في صف‪ ،‬والبشرية كلها في‬
‫صف مضاٍد‪ ،‬فانتصر باليمان‪ ،‬صدع بالحق ل يرده عنه راٌد‪ ،‬ول يصده صاٌد‪،‬‬
‫ووقعت قريش منه في أمر عظيم‪ ،‬فإذا بأحد صناديدها يقول‪ :‬يا معشر‬
‫حد ًَثا فيكم‪،‬‬ ‫ما َ‬‫قريش؛ لقد وقعتم من محمد في أمر عظيم‪ ،‬لقد كان غل ً‬
‫أرضاكم فيكم‪ ،‬وأصدقكم حديثا‪ ،‬وأعظمكم أمانة‪ ،‬حتى إذا رأيتم الشيب في‬
‫صدغيه‪ ،‬قلتم‪ :‬شاعر‪ ،‬ما هو –والله‪ -‬بشاعر‪ ،‬قلتم‪ :‬ساحر‪ ،‬ما هو –والله‪-‬‬
‫بساحر‪ ،‬قلتم‪ :‬كاهن‪ ،‬ما هو –والله‪ -‬بكاهن‪ ،‬يا معشر قريش؛ إنكم قد نزل‬
‫سد ََنة الوثنية‪،‬‬ ‫بكم أمٌر عظيم فاجتمعوا له‪ ،‬فاجتمع كبراؤها؛ صناديد الشرك و َ‬
‫جز النار ليقذفوه في النار‪ ،‬اجتمعوا يقود مؤتمرهم إبليس‪،‬‬ ‫ح َ‬ ‫الممسكون ب ُ‬
‫نعوذ بالله منه‪ ،‬قالوا في اجتماعهم‪ :‬انظروا رجل منكم هو أعلمكم بالسحر‬
‫والشعر والكهانة فليذهب إلى محمد‪ ،‬قالوا‪ :‬ما نرى مثل ]أبي الوليد عتبة بن‬
‫ربيعة[‪ ،‬فذهب عتبة إلي رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬وكان بليًغا‪ ،‬وكان‬
‫حا‪ ،‬جمع مقالتهم في مقالة واحدة‪ ،‬وقال‪ :‬يا محمد؛ أنت خير أم أبوك؟‬ ‫فصي ً‬
‫دك ]عبد المطلب[؟‬ ‫فسكت –صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال‪ :‬أنت خير أم ج ّ‬
‫فسكت النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬فقال‪ :‬إن كانوا خيًرا منك فقد عبدوا ما‬
‫عبدوا‪ ،‬وإن كنت خيًرا منهم فقل‪ ،‬ثم بدأ في الغراءات التي ل يثبت أمامها إل‬
‫كناك‪ ،‬وإن كان بك المال أعطيناك‬ ‫مْلك مل ّ ْ‬ ‫المؤمنون‪ .‬يا محمد إن كان بك ال ُ‬
‫من أموالنا ما تشاء‪ ،‬وإن كان بك الباءة وحب النساء زّوجناك ما تشاء من‬
‫م على قومه منك‪ ،‬والله ما ننتظر‬ ‫بناتنا‪ ،‬يا محمد؛ ما رأينا شخصا –قط‪ -‬أ ْ َ‬
‫شأ َ‬ ‫ً‬
‫إل مثل صيحة الحبلى‪ ،‬فيثور بعضنا على بعض فنقتتل‪ ،‬يا محمد أخبرنا ما‬
‫تريد؟ قال ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪" :-‬أفرغت يا ]أبا الوليد[؟" ويا للدب منه‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ !-‬يا للدب يوم تركه حتى انتهى من كلمه‪ ،‬ثم شرع‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يرّتل آيات الله البينات‪ ،‬تسقط كالقذائف على دماغ‬
‫ن‬
‫مَ ِ‬
‫ح َ‬‫ن الّر ْ‬ ‫لم َ‬ ‫زي ٌ‬‫م * َتن ِ‬ ‫صلت‪) :‬ح َ‬ ‫هذا الرجل‪ ،‬شرع يقرأ من أوائل سورة ف ّ‬
‫ض‬‫ذيًرا فَأعَْر َ‬ ‫شيًرا وَن َ ِ‬ ‫ن * بَ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫قوْم ٍ ي َعْل ُ‬ ‫ه قُْرآًنا عََرب ِّيا ل ّ َ‬ ‫صل َ ْ‬
‫ت آَيات ُ ُ‬ ‫ب فُ ّ‬ ‫حيم ِ * ك َِتا ٌ‬ ‫الّر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫عوَنا إ ِلي ْهِ وَِفي آذان َِنا‬ ‫ما ت َد ْ ُ‬ ‫ن * وََقالوا قُلوب َُنا ِفي أك ِن ّةٍ ِ‬
‫م ّ‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫م ل يَ ْ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫أك ْث َُرهُ ْ‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما ما هو بالسحر‪،‬‬ ‫ن( سمع كل ً‬ ‫مُلو َ‬ ‫عا ِ‬ ‫ل إ ِن َّنا َ‬ ‫ب َفاعْ َ‬


‫م ْ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ك ِ‬ ‫من ب َي ْن َِنا وَب َي ْن ِ َ‬ ‫وَقٌْر وَ ِ‬
‫عدة‬ ‫ول بالشعر‪ ،‬ول بالكهانة‪ ،‬ألقى هذا الكافر يديه خلف ظهره‪ ،‬وأخذته رِ ْ‬
‫ما يسمع‪ ،‬يسمع القرآن من فَم ِ من أنزل عليه القرآن‪ ،‬حتى‬ ‫ها مبهوًرا ب َ‬ ‫مشدو ً‬
‫ة‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ع‬ ‫صا‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫ة‬‫َ‬ ‫ق‬‫ع‬‫صا‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ك‬‫ت‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬
‫أن‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ضوا‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫إ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫)‬ ‫وعل‪:-‬‬ ‫‪-‬جل‬ ‫الله‬ ‫قول‬ ‫إذا بلغ‬
‫َ ِ ِ‬ ‫ْ ُ ْ َ ِ ً ِ‬ ‫ِ ْ ْ َ ُ‬
‫موَد( فخاف وارتعد وأخذته الرعشة وأخذ يديه الثنتين وجمعها ووضعها‬ ‫عاد ٍ وَث َ ُ‬‫َ‬
‫على فم المصطفى ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬وقال‪ :‬أنشدك الله والرحم إل‬
‫فا راجًعا إلى قومه‬ ‫صمت‪ ،‬أنشدك الله والرحم إل صمت‪ ،‬خرج مذعوًرا خائ ً‬
‫بغير الوجه الذي ذهب به من عندهم‪ ،‬لما رأوه قالوا‪ :‬ما وراءك يا أبا الوليد؟‬
‫قال‪ :‬لقد سمعت من محمد حديًثا ما هو بالسحر‪ ،‬ول بالشعر‪ ،‬ول بالكهانة‪،‬‬
‫ضوا‬ ‫ورب هذه البنية –يعني الكعبة‪ -‬ما عقلت من حديثه إل قوله‪) :‬فَإ َ‬
‫ن أعَْر ُ‬ ‫ِ ْ‬
‫ق ْ َ‬
‫موَد(‪ ،‬فوضعت يديّ على فمه خوًفا‬ ‫عادٍ وَث َ ُ‬ ‫قةِ َ‬ ‫ع َ‬ ‫صا ِ‬‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬‫ة ِ‬ ‫ق ً‬ ‫ع َ‬ ‫صا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل أنذ َْرت ُك ُ ْ‬ ‫فَ ُ‬
‫دا إذا حدث حديًثا لم يكذب‪.‬‬ ‫أن ينزل بكم العذاب‪ ،‬ولقد علمتم أن محم ً‬
‫وا( جحدوا بذلك‪ ،‬هل استقاموا‬ ‫ما وَعُل ُ ّ‬ ‫م ظ ُل ْ ً‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫قن َت َْها َأن ُ‬‫ست َي ْ َ‬
‫دوا ب َِها َوا ْ‬ ‫ح ُ‬‫ج َ‬
‫)وَ َ‬
‫لرسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬هل انتفعوا باليات؟ لم ينتفعوا بذلك‪،‬‬
‫فهل سلم منهم رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬بأبي وأمي هو‪ ،‬ل –والله‪-‬‬
‫بل ناصبوه العداء‪ ،‬كأشد ما يكون‪ ،‬وأروه الذى كأقذع ما يكون الذى‪ ،‬وضعوا‬
‫مِعيًنا بعد الله‬ ‫سلى الجذور على ظهره –صلى الله عليه وسلم‪ -‬ثم لم يجد له ُ‬
‫إل بنيته الصغيرة ]فاطمة[ –رضي الله عنها وأرضاها‪ -‬ثم ليس هذا فحسب‪،‬‬
‫بل أخرجوه من >مكة<‪ ،‬ودموعه على وجنتيه‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وهو‬
‫يقول‪" :‬والله إنك لحب البقاع إلى الله‪ ،‬ولول أن قومي أخرجوني ما‬
‫خرجت"‪ .‬ومع ذلك فقد ثبت –صلى الله عليه وسلم‪ -‬باليمان فنصره الله‪،‬‬
‫ونصر دينه‪ ،‬وأعلى كلمته‪ ،‬فما من مئذنة الن إل ّ وهي تقول في اليوم خمس‬
‫دا رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ويأتي صحابته –‬ ‫مرات‪ :‬أشهد أن محم ً‬
‫شم الراسية‪.‬‬ ‫من بعدهم ليثبتوا باليمان ثبات الجبال ال ّ‬ ‫رضوان الله عليهم‪ -‬و َ‬

‫)‪(5 /‬‬

‫هاهو ]خالد بن الوليد أبو سليمان[ ‪-‬رضوان الله عليه‪ -‬يقارع الروم في‬
‫أرضهم ‪-‬كما روى ]ابن كثير[‪ -‬حتى كانت الدائرة على الروم‪ ،‬فما كان منهم‬
‫إل ّ أن فّروا وتحصنوا في مدينة >قنسرين<؛ مدينة محصنة من مدنهم‬
‫بالجدران المنيعة والبواب الثقيلة التي ل يقتحمها مقتحم ‪ ،‬فماذا كان من‬
‫ما عسكرًيا‬ ‫]خالد[؟ حاول اقتحامها فما استطاع‪ ،‬حاول أن يحاصرها حصاًرا عا ً‬
‫واقتصادًيا واجتماعًيا فما أفلح‪ ،‬استعصت عليه‪ ،‬فما كان منه إل أن دّون‬
‫رسالة‪ ،‬قال في هذه الرسالة قالها بثبات المؤمن الذي يثق بنصر الله جل‬
‫وعل قال‪ :‬من خالد بن الوليد أبي سليمان إلي قائد الروم في بلدة‬
‫>قنسرين<‬
‫أما بعد فأين تذهبون منا؟ والذي نفس خالد بيده لو صعدتم إلي السحب‬
‫كم علينا كلمات الثقة بنصر الله ‪-‬عز وجل‪-‬‬ ‫م َ‬
‫طر ُ‬ ‫دنا الله إليكم‪ ،‬أو ل ْ‬
‫صعَ َ‬
‫ل ْ‬
‫كلمات الثبات الذي ل يكون إل للمؤمنين‪ ،‬تخرج كالصواعق على أعداء الله‪،‬‬
‫وكالبلسم على أولياء الله‪ .‬وصلت الرسالة إلى ذلك العلج‪ ،‬فقرأها وارتعدت‬
‫فرائسه‪ ،‬وسقطت من بين يديه‪ ،‬وما كان منه إل أن قال‪ :‬افتحوا أبواب‬
‫المدينة‪ ،‬واخرجوا مستسلمين‪ ،‬ل طاقة لنا بهؤلء‪ .‬ما الذي ثّبت خالدا إل‬
‫اليمان؟ ما الذي ثبت جند الله إل اليمان؟ يوم أخذوه‪ ،‬وأخذوه بحق وبجدية‪.‬‬
‫ليس هذا فحسب وليس صحابة رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فحسب؛‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فها هو ]ابن تيميه[ ‪-‬عليه رحمة الله‪ -‬ذلكم الداعية الذي قارع الطغيان ودمغ‬
‫البدعة والمبتدعين‪ ،‬فكثر العداء فما وهن‪ ،‬وما استكان‪ .‬لسان حاله ‪:‬‬
‫فكيف تخاف من زيد وعمرو *** وعند الله رزقك والقضاء‬
‫ليلقى في السجن فيثبت بإيمانه الراسخ‪ ،‬يقفل السجان الباب فيقول‪:‬‬
‫ب(‬‫ذا ُ‬ ‫من قِب َل ِهِ ال ْعَ َ‬‫ظاهُِرهُ ِ‬‫ة وَ َ‬‫م ُ‬
‫ح َ‬‫ه ِفيهِ الّر ْ‬
‫ب َباط ِن ُ ُ‬ ‫ه َبا ٌ‬‫سورٍ ل ّ ُ‬‫ب ب َي ْن َُهم ب ِ ُ‬ ‫)ف َ ُ‬
‫ضرِ َ‬
‫ينظر إلى السجناء ويقول‪ :‬ما يفعل أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في‬
‫صدري‪ ،‬أّنى رحت فهي معي ل تفارقني‪ ،‬أنا حبسي خلوة‪ ،‬وقتلي شهادة‪،‬‬
‫وإخراجي من بلدي سياحة‪ ،‬إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة‬
‫الخرة إنها جنة اليمان واليقين ‪.‬يمرض فيثبت ثبات المؤمن في أوقات‬
‫الشدائد‪ ،‬دخلوا عليه وهو مريض وما اشتكى‪ ،‬فيقولون له‪ :‬ماذا تشتكي يا‬
‫إمام؟ قال‪:‬‬
‫وادها ما بها‬ ‫تموت النفوس بأوصابها *** ولم يدرِ عُ ّ‬
‫وما أنصف مهجة تشتكي *** أذاها إلي غير أحبابها‬
‫ثم يختم المصحف في السجن بضع وثمانين مرة‪ ،‬حتى إذا بلغ قول الله ‪-‬جل‬
‫قت َدِِر(‪ .‬لقي‬ ‫م ْ‬
‫ك ّ‬ ‫مِلي ٍ‬ ‫عند َ َ‬
‫ق ِ‬
‫صد ْ ٍ‬‫قعَدِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ت وَن َهَرٍ * ِفي َ‬ ‫جّنا ٍ‬
‫ن ِفي َ‬ ‫قي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫وعل‪) :-‬إ ِ ّ‬
‫ّ‬
‫الله فرحمه الله‪ ،‬وجمعنا به وبالصالحين من أمة محمد بن عبد الله صلى‬
‫وسلم عليه الله‬
‫الثبات للمريض في مرضه‪ .‬يروي ]ابن حجر[ في الصابة أن ]عمران بن‬
‫حصين[‪ -‬رضى الله عنه‪ -‬أصابه مرض أقعده ثلثين سنة‪ ،‬وما اشتكى حتى‬
‫إلى أهله‪ ،‬فكانت الملئكة تصافحه وقت السحر‪.‬‬
‫] أبي بن كعب[ ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬سيد القراء يقول للنبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :-‬أإنا لنؤجر في المراض والحمى والمصائب؟ فيقول –صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬كما في الحديث المتفق عليه "والذي نفسي بيده ل يصيب المؤمن‬
‫فر الله بها‬ ‫صب ول بلء حتى الشوكة يشاكها إل ك ّ‬ ‫صب ول وَ َ‬ ‫م ول ن َ َ‬ ‫م ول غ ّ‬ ‫ه ّ‬
‫خطاياه" فقال‪ :‬اللهم إني أسألك حمى ل تبعدني عن صلة ول حج ول جهاد‪،‬‬
‫فمكثت به ثلثين سنة حتى ابيض شعر رأسه ولحيته‪ ،‬وكان ل يجلس بجانبه‬
‫أحد من شدة فيح الحمى‪ ،‬ليلقى الله ثابًتا باليمان‪ ،‬وهكذا يفعل اليمان‪.‬‬
‫الثبات للمصاب في مصيبته ل يكون ذلك إل للمؤمنين‪ .‬يقول الحافظ ]أبو‬
‫نعيم[‪ :‬لما توفي ]ذر بن عمر الهمداني[‪ ،‬جاءه أبوه أو جاء أبوه‪ ،‬فوجده قد‬
‫مات‪ ،‬فوجد أهل بيته يبكون‪ ،‬فقال‪ :‬ما بكم؟ قالوا‪ :‬مات ذر‪ ،‬فقال‪ :‬الحمد لله‪،‬‬
‫والله ما ظلمنا ول قهرنا ول ذهب لنا بحق‪ ،‬وما أريد غيرنا بما حصل لذر‪،‬‬
‫فنه‪ ،‬وذهب ليصلي مع المصلين‪ ،‬ثم‬ ‫سله وك ّ‬ ‫ومالنا على الله من مأثم‪ ،‬ثم غ ّ‬
‫ذهب به إلي المقبرة‪ ،‬ولما وضعه في القبر قال‪ :‬رحمك الله يا بني‪ ،‬قد كنت‬
‫ما‪ ،‬ومالي إليك من وحشة ول إلى أحد بعد الله فاقة‪،‬‬ ‫بي باًرا‪ ،‬وكنت لك راح ً‬
‫والله يا ذر ما ذهبت لنا بعز‪ ،‬وما أبقيت علينا من ذل‪ ،‬ولقد شغلني –والله‪-‬‬
‫الحزن لك عن الحزن عليك‪ ،‬يا ذر –والله‪ -‬لول هول يوم المحشر لتمنيت أني‬
‫صْرت إلى ما إليه صرت‪ .‬يا ليت شعري ماذا قيل لك وبماذا أجبت؟ ثم يرفع‬ ‫ِ‬
‫يديه أخري باكًيا‪ ،‬اللهم إنك قد وعدتني الثواب إن صبرت‪ ،‬اللهم ما وهبته لي‬
‫من أجر فاجعله لذر صلة مني‪ ،‬وتجاوز عنه‪ ،‬فأنت أرحم به مني‪ ،‬اللهم إني قد‬
‫وهبت ]لذر[ إساءته فهب له إساءته فأنت أجود مني وأكرم ثم انصرف‬
‫ودموعه تقطر على لحيته‬
‫وليس الذي يجري من العين ماؤها *** ولكنها روح تسيل فتقطر‬
‫انصرف وهو يقول‪ :‬يا ذر قد انصرفنا وتركناك‪ ،‬ولو أقمنا ما نفعناك‪ ،‬وربنا قد‬
‫استودعناك‪ ،‬والله يرحمنا وإياك‪ .‬ما الذي ثبت هذا الرجل إل اليمان؟ ‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫هذه آثار اليمان على حياة الناس تظهر عند الشدائد‪ ،‬فيثبت لها الرجال ثبات‬
‫شم الراسيات‪ ،‬علوا في الحياة وفي الممات‪ .‬ومن آثار اليمان على‬ ‫الجبال ال ّ‬
‫حياة الناس‪ :‬ديمومة اتهام النفس‪ ،‬والخوف من الرياء والنفاق‪ ،‬وعدم احتقار‬
‫الذنب‪ .‬يقول ]ابن أبي مليكة[ كما في ]البخاري[‪ :‬أدركت ثلثين من صحابة‬
‫رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬كلهم يخاف النفاق على نفسه‪ ،‬ما منهم‬
‫أحد يقول‪ :‬إنه على إيمان جبرائيل وميكائيل‪ .‬المؤمن يرى ذنوبه كجبل يقعد‬
‫تحت أصله‪ ،‬يخشى أن يسقط عليه‪ ،‬أما المنافق فيرى ذنوبه كذباب وقع على‬
‫َ‬
‫مَنه إل منافق‪ .‬يقول ]أنس[‬ ‫أنفه فأطاره بيده‪ ،‬ما خاف النفاق إل َ مؤمن‪ ،‬وما أ ِ‬
‫كما في صحيح ]البخاري[‪ :‬إنكم لتعملون أعمال هي أدق في أعينكم من‬
‫الشعر‪ ،‬إن كنا لنعدها على عهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬من‬
‫الموبقات يقول هذا لخير القرون‪ ،‬فماذا يقال فينا؟ نسأل الله أن يرحمنا‬
‫برحمته‪.‬‬
‫من آثار اليمان على الحياة زيادة المن في البلدان وعلي الموال والعراض‪،‬‬
‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫والطمأنينة والهدوء في النفس والقلوب‪ .‬يقول المولى سبحانه‪) :‬ال ّ ِ‬
‫ن( سّنة الله ل تتخلف‪،‬‬ ‫دو َ‬ ‫مهْت َ ُ‬ ‫هم ّ‬‫ن وَ ُ‬
‫م ُ‬‫م ال ْ‬ ‫ك ل َهُ ُ‬ ‫م ب ِظ ُل ْم ٍ ُأول َئ ِ َ‬ ‫مان َهُ ْ‬ ‫سوا ِإي َ‬ ‫م ي َل ْب ِ ُ‬ ‫َول ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن(‬‫مو َ‬ ‫س ل ي َعْل ُ‬ ‫ن أكث ََر الّنا ِ‬‫ه وَعْد َه ُ وَلك ِ ّ‬ ‫ف الل ُ‬ ‫خل ِ ُ‬ ‫ووعد الله )ل ي ُ ْ‬
‫من أثار اليمان نبذ كل ما يفرق المة من قوميات وعصبيات وعنصريات‬
‫ونعرات جاهلية؛ فالمقياس عند المؤمنين حقا التقوى )إ َ‬
‫ه‬
‫عند َ الل ِ‬ ‫م َ‬ ‫مك ُ ْ‬‫ن أك َْر َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ََ َ‬
‫ن اخوة( ل فضل لحد على أحد إل بالتقوى‪ ،‬جسد مؤمن‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ما ال ُ‬ ‫م( )إ ِن ّ َ‬ ‫ُ‬
‫قاك ْ‬ ‫أ َت ْ َ‬
‫واحد‪ ،‬بنيان واحد‪ ،‬أمة واحدة ‪ ،‬ل شرق ول غرب‪.‬‬
‫لو كبرت في جموع الصين مئذنة *** سمعت في المغرب تهليل المصلين‪.‬‬
‫أبا سليمان قلبي ل يطاوعني *** على تجاهل أحبابي وإخواني‬
‫إذا اشتكي مسلم في الهند أّرقني *** وإن بكى مسلم في الصين أبكاني‬
‫ومصر ريحانتي والشام نرجسي *** وفي الجزيرة تاريخي وعنواني‬
‫خَراسان‬ ‫خاَرى بلدي وهي نائية *** وأستريح إلى ذكرى ُ‬ ‫أرى ب ُ َ‬
‫صلب أوطاني‬ ‫ْ‬ ‫وأينما ذكر اسم الله في بلد ٍ *** عددت ذلك الحمى من ُ‬
‫ت لنا معالم إحسان وإيمان‬ ‫ت شملنا *** وَب َن َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫شريعة الله ل َ ّ‬
‫سن محققُ جامع‬ ‫ح ّ‬ ‫يقول ‪-‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬كما روى ]أبو داود[ و َ‬
‫سا ما هم بأنبياء ول شهداء‪ ،‬يغبطهم النبياء‬ ‫الصول‪" -‬إن من عباد الله أنا ً‬
‫والشهداء على قُْربهم ومكانتهم من الله‪ ،‬قال صحابة رسول الله‪ :‬تخبرنا من‬
‫هم يا رسول الله؟ قال‪ :‬هم أناس تحابوا بروح الله على غير أرحام فيما‬
‫بينهم‪ ،‬ول أموال يتعاطونها فيما بينهم‪ ،‬فوالله إن وجوههم لنور‪ ،‬وإنهم لعلى‬
‫ن أ َوْل َِياَء‬ ‫َ‬
‫نور‪ ،‬ل يفزعون إذا فزع الناس‪ ،‬ول يحزنون إذا حزن الناس"‪) .‬أل إ ِ ّ‬
‫ن(‬‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وَل َ هُ ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫اللهِ ل َ َ‬
‫يقع يوم من اليام بين ]أبي ذر[ ‪-‬رضي الله عنه‪] -‬وبلل[ ‪-‬رضي الله عنه‪-‬‬
‫خصومة‪ ،‬فيغضب ]أبو ذر[ وتفلت لسانه بكلمة يقول فيها لبلل‪ :‬يا ابن‬
‫السوداء فيتأثر بلل‪ ،‬يوم أكرمه الله بالسلم‪ ،‬ثم يعير بالعصبيات والعنصريات‬
‫واللوان‪ ،‬ويذهب إلى النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ويشكو أبا ذر‪ ،‬ويستدعي‬
‫النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أبا ذر‪ ،‬فيقول ‪-‬كما في الحديث المتفق علي‬
‫صحته‪ -‬يقول النبي صلى الله عليه وسلم‪ " :-‬أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك‬
‫سر ويندم‪ ،‬ويقول‪ :‬وددت –والله‪ -‬لو ضرب عنقي‬ ‫جاهلية"‪ ،‬فيتأثر أبو ذر ويتح ّ‬
‫بالسيف‪ ،‬وما سمعت ذلك من رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬ويأخذ بلل‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫–رضي الله عنه‪ -‬كما روي ويضع خده على التراب ويقول‪ :‬يا بلل؛ ضع قدمك‬
‫على خدي‪ ،‬ل أرفعه حتى تضعه‪ ،‬فتذرف عينا بلل ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬الدموع‪،‬‬
‫ويقول‪ :‬يغفر الله لك يا أبا ذر‪ ،‬يغفر الله لك يا أبا ذر‪ ،‬والله ما كنت لضع‬
‫قدمي على جبهة سجدت لله رب العالمين‪ ،‬ويعتنقان ويبكيان ذهب ما في‬
‫القلوب‪ ،‬وانتهى ما في القلوب‪ ،‬والشاهد‪ :‬إنك امرؤ فيك جاهلية‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ي الله عنه وأرضاه‪ -‬إلي‬ ‫ويأتي ]سهيل بن عمرو[‪ ،‬ويأتي ]أبو سفيان[ ‪-‬رض َ‬
‫ي الله عنه وأرضاه‪ -‬الذي ل يدخله‬ ‫أين يأتون؟ يأتون إلي مجلس ]عمر[ –رض َ‬
‫قا‪ ،‬فيستأذن أبو سفيان –وهو سيد من سادات قريش‪ ،‬بإشارة‬ ‫إل المؤمنون ح ً‬
‫تتحرك ألوف‪ ،‬وبإشارة منه أخرى ترعد ألوف‪ -‬يأتي إلى هذا المجلس فل‬
‫يؤذن له‪ ،‬وهو مسلم –رضى الله عنه وأرضاه‪ -‬بعد إسلمه‪ .‬ويأتي سهيل بن‬
‫عمرو–وهو سيد من سادات قريش‪ -‬ويستأذن في الدخول على عمر فل يؤذن‬
‫له‪ ،‬ويأتي ]بلل[ الحبشي الذي أكرمه الله بالسلم فيؤذن له‪ ،‬ويأتي‬
‫]صهيب[؛ صهيب الرومي فيؤذن له‪ ،‬ويأتي ]سلمان[ الفارسي فيؤذن له‬
‫كذلك‪ ،‬فماذا كانت النتيجة؟ كان من أبي سفيان ‪-‬رضى الله عنه‪ -‬أن تأثر‬
‫حبس على باب عمر‪ ،‬ويدخل هؤلء‬ ‫ُ‬
‫مر‪ ،‬وقال‪ :‬والله ما ظننت أن أ ْ‬ ‫مر وتن ّ‬ ‫وتذ ّ‬
‫الموالي قبلي‪ ،‬فقال سهيل ‪-‬وكان لبيًبا عاقل‪ -‬قال‪ :‬والله ما علينا أن نحبس‬
‫س على أبواب الجنة‪ ،‬ويدخل‬ ‫حب َ‬ ‫على باب عمر‪ ،‬ولكن ‪-‬والله‪ -‬أخشى أن ن ُ ْ‬
‫هؤلء‪ ،‬لقد دعوا إلي السلم فأسرعوا‪ ،‬ودعينا فأبطأنا وتأخرنا‪ ،‬فما علينا أن‬
‫نحبس على باب عمر‪ ،‬إنما علينا أن ل نحبس على أبواب الجنة‪ ،‬أو كما قال‪.‬‬
‫قاك ُ ْ‬
‫م(‬ ‫عند َ اللهِ أ َت ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫مك ُ ْ‬
‫)إ َ‬
‫ن أك َْر َ‬‫ِ ّ‬
‫ملء الورى *** وعقيدتي نور الحياة وسؤددي‬ ‫أنا مسلم وأقولها ِ‬
‫سا على جنس يفوق بمحددي‬ ‫سلمان فيها مثل عمرو ل ترى *** جن ً‬
‫وبلل باليمان يشمخ عزة *** ويدق تيجان العنيد الملحد‬
‫خمدِ‬
‫م ْ‬‫وخبيب أخمد في القنا أنفاسه *** لكن صوت الحق ليس ب ُ‬
‫ورمي صهيب بكل مال للعداء *** ولغير ربح عقيدة لم يقصد‬
‫إن العقيدة في قلوب رجالها *** من ذرة أقوى وألف مهند‬
‫من آثار اليمان على حياة الناس‪ :‬تنقية قلوبهم من الحسد‪ ،‬وتصفيتها من‬
‫الحقد والغل‪ ،‬واستلل الضغائن والسخائم منها؛ لتصبح المة كما قال رب‬
‫م( هاهو –صلى الله عليه وسلم‪ -‬كما‬ ‫داُء عََلى ال ْك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ماُء ب َي ْن َهُ ْ‬
‫ح َ‬
‫فارِ ُر َ‬ ‫العالمين‪) :‬أش ّ‬
‫في الصحيح من رواية ]أنس[‪ ،‬وكما في رواية ]ابن اسحق[ عن ]أبي سعيد‬
‫الخدري[‪ ،‬عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ "-‬أنه لما قسم غنائم حنين‬
‫ط النصار شيًئا‪،‬‬ ‫أعطى المهاجرين‪ ،‬وتألف قلوب بعض المشركين‪ ،‬ولم يع ِ‬
‫فوجدوا في أنفسهم‪ ،‬فقال قائلهم‪ :‬وجد رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫شا ويتركنا‪،‬‬‫قومه فنسينا‪ ،‬وقال الخر‪ :‬غفر الله لرسول الله‪ ،‬يعطي قري ً‬
‫وسيوفنا تقطر من دمائهم‪ ،‬فيذهب أحدهم‪ ،‬بل سيد من ساداتهم؛ ]سعد بن‬
‫عبادة[ إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬ويقول وينقل المقالة إلى‬
‫رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬كما روى‪ :‬ما أنت؟ يعني أين موقفك أنت‪،‬‬
‫دد موقفك‪ ،‬هل أنت منهم؟ فيقول‪ :‬يا رسول الله ما أنا إل ّ رجل من قومي‪،‬‬ ‫ح ّ‬
‫قد أقول ما يقولون ‪-‬ما يعرفون الخداع‪ ،‬وما يعرفون اللتواء‪ ،‬إنما صرحاء‬
‫أتقياء أنقياء‪ .-‬فقال ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ :-‬اجمعهم لي‪ ،‬فجمعهم‪ ،‬فحمد‬
‫الله وأثنى عليه‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا معشر النصار؛ ما حديث بلغني عنكم‪ ،‬ألم آتيكم‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ضلل فهداكم الله بي؟ وفقراء فأغناكم الله بي؟ وأعداء فألف الله بين‬ ‫ُ‬
‫ن‪ .‬قال‪ :‬أل تجيبوني‬ ‫ن‪ ،‬الله ورسوله أم ّ‬
‫قلوبكم بي؟ فيقولون‪ :‬الله ورسوله أم ّ‬
‫ّ‬
‫مكذًبا‬‫دقتم‪ :‬أتيتنا ُ‬‫ص ّ‬
‫يا معشر النصار‪ ،‬والله لو شئتم لقلتم فصدقتم و ُ‬
‫دا فآويناك‪ ،‬وعائل فواسيناك‪ ،‬أوجدتم يا‬ ‫فصدقناك‪ ،‬ومخذول فنصرناك‪ ،‬وطري ً‬
‫معشر النصار في أنفسكم على لعاعة من الدنيا تألفت بها قلوب أقوام‬
‫ليسلموا‪ ،‬ووكلتكم إلى إسلمكم؟ والذي نفسي بيده‪ ،‬لول الهجرة لكنت امرأ‬
‫شعًْبا وسلك النصار شعًبا لسلكت شعب‬ ‫من النصار‪ ،‬ولو سلك الناس ِ‬
‫النصار‪ ،‬اللهم ارحم النصار‪ ،‬وأبناء النصار‪ ،‬وأبناء أبناء النصار‪ ،‬أما ترضون‬
‫أن يعود الناس بالشاة والبعير‪ ،‬وتعودون أنتم برسول الله ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪-‬؟ فو الله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به‪ ،‬أل إنكم ستلقون بعدي‬
‫َ‬
‫هم‬ ‫أث ََرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض فبكى القوم حتى اخضّلت ل ِ َ‬
‫حا ُ‬
‫ظا‪ ،‬رضينا برسول الله‬ ‫ما وح ّ‬‫بالدموع وهم يقولون‪ :‬رضينا برسول الله قس ً‬
‫ظا‪ ".‬لسان حالهم‬‫ما وح ّ‬
‫قس ً‬
‫خذوا الشياة والجمال والبقر *** فقد أخذنا عنكم خير البشر‬

‫)‪(8 /‬‬

‫ل ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ما في‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬أرأيت كيف است ّ‬
‫ل ما في قلوبهم ‪-‬رضوان الله عليهم‬ ‫م است ّ‬ ‫قلوبهم‪ ،‬إنه لو لم يكن فيها إيمان ل َ َ‬
‫جميًعا‪ .-‬وهاهو رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬كما في الصحيح‪ -‬بين‬
‫أصحابه فيقول‪" :‬يطلع عليكم الن رجل من أهل الجنة‪ ،‬فطلع رجل تنفض‬
‫لحيته من آثار الوضوء‪ ،‬ثم قالها في اليوم الثاني‪ ،‬فطلع نفس الرجل‪ ،‬ثم قالها‬
‫في اليوم الثالث فكان هو الرجل‪ ،‬فلحق به بعض صحابة رسول الله‪ ،‬وجلسوا‬
‫ما فلم يَر في هذا الرجل كثير صلة ول صيام‪ ،‬فقال له بعد ثلث ليال‪:‬‬ ‫معه أيا ً‬
‫لقد سمعت رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يقول كذا وكذا‪ ،‬ولم أَرك‬
‫تعمل كثير عمل‪ ،‬قال‪ :‬والله هو ما رأيت‪ ،‬غير أني ل أنام ليلة من الليالي وأنا‬
‫دا على خير أعطاه‬ ‫ششا‪ ،‬ول أحسد أح ً‬ ‫أجد في نفسي لحد من المسلمين غ ّ‬
‫الله إياه‪ ،‬قال‪ :‬بذلك بلغت ما بلغت‪ ،‬وتلك التي ل ُتطاق ‪-‬أو كما قال‪ ،-‬إنه‬
‫اليمان‪] .‬المام الشافعي[ ‪-‬عليه رحمة الله‪ -‬عوتب من قَِبل بعض المغرضين‬
‫على زيارة ]المام أحمد[‪ ،‬وهو أكبر منه سًنا‪ ،‬فقال رًدا على هؤلء‪:‬‬
‫قالوا يزورك أحمد وتزوره *** قلت الفضائل ل تغادر منزله‬
‫إن زارني فلفضله أو زرته *** فلفضله فالفضل في الحالين له‬
‫دا من مات من غيره منهم له كفن إنه‬ ‫رد على المعرضين‪ ،‬وكأنه يقول ‪ :‬كم ً‬
‫اليمان وكفى‪ .‬ومن آثار اليمان على حياة الناس أنه عصمة وحجاب عن‬
‫المعاصي والشهوات والشبهات‪ .‬يقول رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫كما في الحديث الصحيح‪ ":-‬ل يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن‪ ،‬ول يسرق‬
‫حين يسرق وهو مؤمن‪ ،‬ول يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" إن‬
‫دم مراد الله على شهواته وعلى لذ ائذه‪ ،‬فييسر الله‬ ‫المؤمن يا أيها الحبة يق ّ‬
‫أمره‪ ،‬ويعصمه سبحانه وبحمده‪ .‬ففي الثر أن الله ‪-‬سبحانه عز وجل‪ -‬قال‪:‬‬
‫"وعزتي وجللي‪ ،‬ما من عبد آثر هواي على هواه ‪ -‬أي قدم مراد الله على‬
‫شهوات نفسه وهواها ‪ -‬إل أقللت همومه‪ ،‬وجمعت له ضيعته‪ ،‬ونزعت الفقر‬
‫من قلبه‪ ،‬وجعلت الغنى بين عينيه‪ ،‬واستجرت له من وراء كل فاجر" اليمان‬
‫عصمة من الوقوع في المعاصي‬
‫َ‬
‫خثْيم[‪،‬‬‫هاهو الشاب القوي الحّيي العالم‪ ،‬الذي يبلغ ثلثين سنة؛ إنه ]الربيع بن ُ‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ساق لفساده‪ ،‬فيأتون بغانية جميلة‪ ،‬ويدفعون لها مبلًغا من‬ ‫يتمالى عليه فُ ّ‬
‫المال قدره ألف دينار‪ ،‬فتقول‪ :‬علم؟ قالوا‪ :‬على قبلة واحدة من الربيع بن‬
‫خثيم‪ ،‬قالت‪ :‬ولكم فوق ذلك أن يزني؛ لنه نقص عندها منسوب اليمان‪ ،‬فما‬
‫كان منها إل أن تعرضت له في ساعة خلوة‪ ،‬وأبرزت مفاتنها له‪ ،‬فما كان منه‬
‫مة الله؛ كيف بك لو نزل ملك الموت‬ ‫َ‬
‫إل أن تقدم إليها يركض ويقول‪ :‬يا أ َ‬
‫فقطع منك حبل الوتين؟ أم كيف بك يوم يسألك منكر ونكير؟ أم كيف بك‬
‫مين في‬ ‫يوم تقفين بين يد َيْ الرب العظيم؟ أم كيف بك إن شقيتي يوم ت ُْر َ‬
‫قبت بعد‬ ‫الجحيم؟ فصرخت ووّلت هاربة تائبة إلى الله‪ ،‬عابدة زاهدة حتى ل ّ‬
‫ساق‪ :‬لقد أفسدها علينا الربيع‪ .‬ما‬ ‫ف ّ‬
‫دة الكوفة‪ ،‬وكان يقول هؤلء ال ُ‬ ‫ذلك بعاب ِ َ‬
‫الذي ثّبت الربيع أمام هذه الفتنة؟ هل قلة شهوة؟ إنها الشهوة العظيمة وفي‬
‫سن هو أوج الشهوة وعظمتها هو سن الثلثين‪ ،‬ومع ذلك ما الذي ثبته هنا‪،‬‬
‫وما الذي عصمه بإذن الله؟ إنه اليمان بالله –الذي ل إله إل هو‪. -‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫فاليمان –يا أيها الحبة‪ -‬كالجمرة متى ما نفخت بها أضاءت واشتعلت؛‬
‫فأصبحت إضاءتها عظيمة عظيمة‪ ،‬وحين ينقص منسوب اليمان يقع النسان‬
‫في الفواحش والثام‪ ،‬يغرق في الشهوات‪ ،‬ثم يقع بعد ذلك في الموبقات‪.‬‬
‫هاهو شاب من شباب هذه المة‪ ،‬كان له صديق سوء‪ ،‬وجاءه في ليلة من‬
‫الليالي في منتصف الليل وهو نائم ليطرق عليه الباب‪ ،‬طرق عليه الباب في‬
‫ما لم يسمعه‪ ،‬فقامت أمه وفتحت له الباب‪ ،‬وقال‪ :‬أريد‬ ‫تلك الساعة‪ ،‬وكان نائ ً‬
‫ح‬
‫فلًنا‪ ،‬قالت‪ :‬إنه نائم ل أريد أن أوقظه الن‪ ،‬قال‪ :‬أريده لغرض ضروري‪ ،‬أل ّ‬
‫عليها فاستجابت حياًء منه‪ ،‬وذهبت وأخرجت هذا الشاب من فراشه‪ ،‬فخرج‬
‫إلى هذا الرجل‪ ،‬فقال له قرين السوء‪ :‬نريد الليلة أن ننتهك حرمة البيت‬
‫الفلني نريد أن نصعد لذاك البيت‪ ،‬ولنا منه الليلة صيدة –كما يقول‪ ،-‬فما كان‬
‫من هذا –وقد نقص منسوب اليمان عنده إن لم يكن قد انعدم‪ -‬إل ّ أن دخل‬
‫ما‪ ،‬خرج مع قرين السوء‬ ‫وأخذ المسدس‪ ،‬وخرج من نصف الليل‪ ،‬وكان نائ ً‬
‫يغدوان إلى المعصية لنهما ما حمل اليمان كما ينبغي أن يحمل‪ ،‬برجليهما‬
‫يذهبان إلى الفاحشة‪ ،‬ذهبوا إلي بيت آمن وفي منتصف الليل ليأتي هذا الذي‬
‫جاء وأيقظه ليصعد الجدار‪ ،‬وينتهك حرمة البيت بسقوطه في وسط البيت‪،‬‬
‫سا بمسدسه خارج البيت‪ ،‬ويسمع صاحب البيت ويقوم‪ ،‬ويأخذ‬ ‫ويبقى ذلك حار ً‬
‫عصى غليظة‪ ،‬ويأتي وراء هذا الرجل يطارده‪ ،‬فيهرب منه ويأتي إلى هذا‬
‫ما في نومته‪ ،‬فيضربه بالعصا‬ ‫الحارس؛ صاحب المسدس؛ والذي كان نائ ً‬
‫ضربة آلمْته‪ ،‬فما كان منه إل ّ أن أخذ المسدس‪ ،‬ثم قتل هذا الرجل‪ ،‬يا لله ما‬
‫أعظمها من جريمة! في وسط الليل تنتهك حرمة بيت من بيوت المسلمين‪،‬‬
‫ضا‪ -‬صاحب البيت‪ ،‬ثم بعد ذلك ما النتيجة؟ يأتي رجال المن‬ ‫وتقتل ‪-‬أي ً‬
‫ويقبضون على هذا الرجل‪ ،‬ويقول‪ :‬إنني لست المجرم الحقيقي‪ ،‬إن المجرم‬
‫الحقيقي هو فلن‪ ،‬جاءني واستخرجني من دار أمي‪ ،‬وهو الذي أغراني بهذا‪،‬‬
‫فيأخذوه ويذهبون ليبحثون عن الثاني‪ ،‬وإذا بالثاني يذهب إلى جماعة نقص‬
‫منسوب اليمان عندها‪ ،‬فيأخذهم شهود زور‪ ،‬يشهدون أنه في تلك الليلة كان‬
‫ما معهم في القرية الفولنية‪ ،‬ويبقى هذا في السجن‪ ،‬كل ليلة جمعة ينتظر‬ ‫نائ ً‬
‫متي ينادي المنادي أن اخرج لتقتل‪ ،‬وأمه تتجرع الغصص‪ ،‬كل ذلك لنه ما‬
‫حمل اليمان كما ينبغي فوقع‪" .‬ل يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن‪ ،‬ول‬
‫يسرق حين يسرق وهو مؤمن‪ ،‬ول يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن"‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ليس هذا فحسب‪ ،‬إليكم هذا الحدث الذي ذكره الشيخ ]سلمان العودة[ في‬
‫كتابه جلسة على الرصيف وأنصح باقتناء هذا الكتيب ليبين لك أثر اليمان في‬
‫موت القلوب‪ ،‬أثر نقص اليمان في موت القلوب‪ ،‬ذكر أن فتاة تبلغ العشرين‬
‫ما جاءت إلى إحدى المستشفيات وهي حامل‪ ،‬فوضعت مولوًدا في أحسن‬ ‫عا ً‬
‫م حال‪ ،‬لكنها كانت في قلق دائم شديد‪ ،‬وارتباك ظاهر‪ ،‬مسودة‬ ‫صحة وأت ّ‬
‫م ما بها‪ ،‬طلبوا منها بعد‬ ‫م ما بها‪ ،‬وبها من الغ ّ‬
‫الوجه‪ ،‬كثيرة البكاء‪ ،‬بها من اله ّ‬
‫أيام من أيام الولدة أن تبعث لوليها ليخرجها من المستشفى‪ ،‬فارتبكت وبكت‬
‫بكاًء مًرا مستمًرا حتى كاد يغمى عليها من شدة البكاء‪ ،‬فانفردوا بها في‬
‫غرفة مستقّلة وسألوها عن المر‪ ،‬ما المر؟ وما الخطب؟ وما الحدث؟ وبعد‬
‫جهد جهيد قالت لهم بصوت متقطع وبقلب مليء بالحسرات والهموم‬
‫والغموم قالت‪ :‬إن والد هذا الطفل هو أبوها نفسه‪ ،‬ل إله إل الله‪ ،‬ل إله إل‬
‫الله‪ ،‬ما أفظع المر! وما أفجعه! والله لو قيل إن هذا وقع في المم السابقة‬
‫لستفظعناه ولستبشعناه‪ ،‬ولقلنا‪ :‬إنا لله وإنا إليه راجعون‪ ،‬والله لو كان في‬
‫ت أهله ربما نطقوا‬ ‫بلد الكفر والعهر لستعظمناه‪ ،‬فكيف إذا علمنا أنه في بي ٍ‬
‫بالشهادتين في كل يوم‪ ،‬وربما سمعوا آيات الله ثم انسلخت قلوبهم منها‪،‬‬
‫فلم يعرفوا معروًفا‪ ،‬ولم ينكروا منكًرا؟! ل تستبعد مثل هذا أخي المسلم؛‬
‫فلربما كانت البداية بنظرة خائنة هّيجت الشهوة في نفسه‪ ،‬فوقع على ابنته‪.‬‬
‫ولربما كان ذلك بأغنية ماجنة هّيجت الشهوة في نفسه‪ ،‬فوقع على ابنته‪.‬‬
‫ولربما كان ذلك بمشاهدة تمثيلية فاجرة هيجت الشهوة في نفسه‪ ،‬فوقع‬
‫على ابنته‪ .‬ولربما كان بشربة خمر أفقدته عقله فوقع على ابنته‪.‬‬
‫ضا‪ ،‬والسقوط شيًئا فشيًئا‬ ‫وهكذا فالمعاصي يجر بعضها بع ً‬
‫ورحلة النيل تبدأ بخطوة واحدة *** ومعظم النار من مستصغر الشرر‬

‫)‪(10 /‬‬

‫واليمان هو الزمام والفيصل‪ .‬ومن آثاره على الحياة سعادة البيوت والسر‪،‬‬
‫خرج إل السعداء بإذن رب الرض والسماء؛‬ ‫بيت يدخله اليمان بيت سعيد ل ي ُ ْ‬
‫استعاض أهله عن الغناء بترتيل القرآن آناء الليل وأطراف النهار‪ ،‬واستغنوا‬
‫سنة والكتب المفيدة‪،‬‬ ‫عن المجلت الماجنة بتقليب المصحف وكتب ال ّ‬
‫واستغنوا عن السجائر وما في حكمها من الخبائث بالسواك فطهروا أفواههم‬
‫وأرضوا ربهم‪ .‬سعادة وأي سعادة‪ ،‬نساء هذا البيت مسلمات مؤمنات قانتات‬
‫تائبات عابدات متحجبات ممتثلت لمر رب الرض والسماوات‪ ،‬يخرج الزوج‬
‫المؤمن من البيت المؤمن فتقول الزوجة‪ :‬اتق الله فينا ول تطعمنا إل حلل؛‬
‫فإنا نصبر على الجوع‪ ،‬ول نصبر على النار‪ .‬هذا بيت ]المام أحمد[ –عليه‬
‫رحمة الله‪ -‬يتربى على اليمان‪ ،‬فاسمع إليه يوم يقول بعد أن توفيت زوجته‬
‫ما‪ ،‬والله ما‬‫]أم صالح[ يقول‪ :‬رافقتني أم صالح – يعني زوجته‪ -‬ثلثين عا ً‬
‫اختلفت معها في كلمة واحدة‪ .‬إنه اليمان يا أيها الحبة‪ ،‬البيت المتربي على‬
‫اليمان ليس هذا فحسب‪ ،‬إن البيت المتربي على اليمان يدرك الطفال هذا‬
‫اليمان‪ ،‬فيدخل إلى قلوبهم السعادة ولو كانوا لم يحظوا من الدنيا بقليل ول‬
‫ما فيأتي أبناؤه‬
‫كثير‪ .‬إن ]المام أحمد[ كان دخله في الشهر سبعة عشر دره ً‬
‫ويقولون‪ :‬يا أبتاه ل تكفينا‪ ،‬قال‪ :‬أيام دون أيام‪ ،‬طعام دون طعام‪ ،‬وشراب‬
‫دون شراب‪ ،‬ولباس دون لباس حتى نلقى الله الواحد الحد‪ .‬حذاؤه تبقى في‬
‫ما –كما ذكر ابنه عبد اله[‪ -‬كلما انخزمت خطفها‪،‬‬ ‫رجله ثمانية عشر عا ً‬
‫وأعادها إلى رجله؛ لنه ركل زخارف الدنيا وهو يعلم أن مناديل ]سعد بن‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫معاذ[ في الجنة خير من هذا‪.‬‬


‫خرج أشبال اليمان‪ ،‬والسر التي تربت على اليمان تخرج‬ ‫البيوت المؤمنة ت ُ ْ‬
‫أشبال اليمان‪ ،‬وإليكم هذا المثل‪:‬‬
‫]عمر بن عبد العزيز[ ‪-‬عليه رحمة الله ورضوانه‪ -‬في يوم العيد‪ ،‬وهو خليفة‬
‫المسلمين يدخل رجال المسلمين ليهنئونه ويدعون له بقبول الصيام والقيام‪،‬‬
‫ثم يذهب الرجال ويدخل الطفال؛ أطفال الرعية فدخلوا في هيئة حسنة‬
‫مة‬ ‫قة وثيابه بالية‪ ،‬وميزانية ال ّ‬ ‫خل ِ َ‬
‫وجميلة‪ ،‬وبينهم طفل من أطفال عمر ثيابه َ‬
‫كلها تحت يديه‪ ،‬ومع ذلك ركل الدنيا تحت قدميه‪ ،‬ورّبى في أهله اليمان‪،‬‬
‫حلة؛ إنها حلة اليمان‪ ،‬يوم رأى ابنه في يوم العيد بين أطفال‬ ‫ففازوا بأعظم ُ‬
‫الرعية وهم في هيئة حسنة وهو في تلك الهيئة‪ ،‬طأطأ رأسه وبكى‪ ،‬فقال هذا‬
‫الطفل الصغير‪ ،‬والذي تربى على اليمان‪ :‬أبتاه ما الذي طأطأ بك رأسك‬
‫وأبكاك‪ ،‬قال‪ :‬يا بني ‪-‬والله‪ -‬ما من شيء إل أني خشيت أن ينكسر قلبك يوم‬
‫العيد بين أطفال الّرعية‪ ،‬وأنت بهذه الهيئة وهم بتلك الهيئة‪ ،‬فرد ّ رد ّ الرجال‬
‫المؤمنين‪ ،‬قال‪ :‬أبتاه إنما ينكسر قلب من عصى ربه وموله‪ ،‬وعقّ أمه وأباه‪،‬‬
‫أما أنا فل والله‪ .‬ما الذي عّلم هذا الطفل إل ّ الله الذي رزقه اليمان من‬
‫صغره فتربى على اليمان‪ ،‬فكان منه ما كان‬
‫ومن آثاره ‪-‬أعني اليمان‪ -‬على الفرد الولء الخالص للمؤمنين‪ ،‬والعداء لعداء‬
‫الدين ولو كانوا آباًء وأبناًء أو إخواًنا أو عشيرة‪ ،‬ناهيك عن أن يكونوا من‬
‫المغضوب عليهم والضالين والمجوس والذين أشركوا‪ ،‬وكلهم ضالون‪.‬‬
‫ه وَل َوْ َ‬
‫كاُنوا‬ ‫سول َ ُ‬
‫ه وََر ُ‬
‫حاد ّ الل َ‬‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ن َ‬ ‫واّدو َ‬
‫خرِ ي ُ َ‬‫ن ِباللهِ َوال ْي َوْم ِ ال َ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫جد ُ قَوْ ً‬
‫ما ي ُؤْ ِ‬ ‫)ل َ ت َ ِ‬
‫م(‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شيَرت َهُ ْ‬ ‫م أوْ عَ ِ‬ ‫وان َهُ ْ‬
‫خ َ‬
‫م أوْ إ ِ ْ‬ ‫م أوْ أب َْناَءهُ ْ‬ ‫آَباَءهُ ْ‬
‫هاهم صحابة رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬حققوا هذا الثر‪ ،‬فظهر في‬
‫تصرفاتهم‪ ،‬وظهر في كلماتهم ومقالتهم‪ .‬يقول ]ابن عمر[‪ :‬والله لو أنفقت‬
‫أموالي كلها في سبيل الله‪ ،‬وصمت النهار ل أفطر‪ ،‬وقمت الليل ل أنام‪ ،‬ثم‬
‫لم أصبح وأنا أحب أهل الطاعة‪ ،‬وأبغض أهل المعصية لخشيت أن يكبني الله‬
‫دم‬‫على وجهي في النار ول يبالي ]وخبيب[ ‪-‬رضي الله عنه وأرضاه‪ُ -‬يق ّ‬
‫دا مكانك الن‪ ،‬وأنك آمن‬ ‫تضرب عنقه في ذات الله‪ ،‬فيقال له‪ :‬أتحب أن محم ً‬
‫دا يشاك بشوكة‬ ‫في أهلك‪ ،‬فيقول ‪-‬وقد والى الله‪ :-‬والله ما أحب أن محم ً‬
‫وأني آمن في أهلي‪.‬‬
‫وهكذا يفعل اليمان‪ .‬وإذا نقص منسوب اليمان وإذا تدني منسوب اليمان‬
‫تدنى معه الشخص‪ ،‬تدنى إلى مرحلة البهيمية‪ ،‬فأصبح ولء النسان تافًها‬
‫حقيًرا مهيًنا‪ .‬يذكر ]ابن تيميه[‪ -‬عليه رحمة الله‪ -‬أن رجل تعلق امرأة سوداء‬
‫ما‪ ،‬فكان يقول يوم نقص منسوب اليمان عنده‪:‬‬ ‫فأحبها حًبا ج ّ‬
‫ب‬
‫سلم لهلها *** ومن قّربت كان أحب وأقر َ‬ ‫ْ‬ ‫عدو لمن عادت و ِ‬
‫ليس هذا فحسب‪ ،‬بل قال مرة أخرى‪:‬‬
‫أحب لحبها السودان حتى *** أحب لحبها سود الكلب‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫‪202‬‬

You might also like