You are on page 1of 199

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫ض‪،‬‬‫ن نصَره النصَر والتمكين‪ ،‬فقد توعّد َ من تولى وأعر َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه تعالى َ‬ ‫وكما وعد َ الل ُ‬
‫ه‬
‫وبدل وغي َّر‪ ،‬وألقى بنفسه إلى التهلكة بُبخِله بنفسه وماله عن ما فرضه الل ُ‬
‫عليه من الجهاد والقتال‪ .‬قال ابن جرير‪ ’ :‬حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬ثنا حكام‪،‬‬
‫عن الجراح‪ ،‬عن أبي إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬قلت للبراء بن عازب‪ :‬يا أبا عمارة الرجل‬
‫قوا‬ ‫يلقى ألفا من العدوّ فيحمل عليهم وإنما هو وحده‪ ،‬أيكون ممن قال‪َ :‬ول ت ُل ْ ُ‬
‫ه‬‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫كة؟ فقال‪ :‬ل‪ ،‬ليقاتل حتى يقتل‪ ،‬قال الله لنبيه َ‬ ‫م إلى الت ّهْل ُ َ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫بأي ْ ِ‬
‫ك ‪ ...‬حدثني يونس‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫س َ‬ ‫ف َ‬ ‫ف إل ّ ن َ ْ‬ ‫ّ‬
‫ل اللهِ ل ت ُك َل ُ‬ ‫ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ل ِفي َ‬ ‫م‪َ :‬فقات ِ ْ‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني حيوة‪ ،‬عن يزيد بن أبي حبيب‪ ،‬عن أسلم أبي‬
‫عمران‪ ،‬قال‪ :‬غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلى أهل مصر عقبة بن‬
‫عامر‪ ،‬وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد‪ .‬قال‪ :‬فصففنا صفين لم‬
‫أَر صفين قط أعرض ول أطول منهما‪ ،‬والروم ملصقون ظهورهم بحائط‬
‫ه ل إله إل الله‪،‬‬ ‫م ْ‬ ‫المدينة‪ ،‬قال‪ :‬فحمل رجل منا على العدّو‪ ،‬فقال الناس‪َ :‬‬
‫يلقي بيده إلى التهلكة‪ .‬قال أبو أيوب النصاري‪ :‬إنما تتأّولون هذه الية هكذا‬
‫أن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة أو ُيبلي من نفسه إنما نزلت هذه الية‬
‫فينا معشر النصار‪ .‬إنا لما نصر الله نبيه‪ ،‬وأظهر السلم‪ ،‬قلنا بيننا معشر‬
‫م‪ :‬إنا قد كنا تركنا أهلنا‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫النصار خفّيا من رسول الله َ‬
‫وأموالنا أن نقيم فيها ونصلحها حتى نصر الله نبيه‪ ،‬هلم نقيم في أموالنا‬
‫قوا‬ ‫ل الل ّهِ َول ت ُل ْ ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫قوا ِفي َ‬ ‫ونصلحها فأنزل الله الخبر من السماء‪ :‬وأن ْفِ ُ‬
‫كة الية‪ ،‬فاللقاء باليدي إلى التهلكة‪ :‬أن نقيم في أموالنا‬ ‫م إلى الت ّهْل ُ َ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫بأي ْ ِ‬
‫ونصلحها‪ ،‬وندع الجهاد‪ .‬قال أبو عمران‪ :‬فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل‬
‫الله حتى دفن بالقسطنطينية‪‘.‬‬
‫وحين سمع المسلمون يوم مؤته وهم ثلثة الف بعدة جيش الروم مئتي الف‬
‫مقاتل‪ ،‬قال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه‪ ’ :‬والله يا قوم إن الذي‬
‫تكرهون للذي خرجتم له تطلبون‪ ،‬الشهادة‪ .‬وما نقاتل العدو بعدة ول قوة ول‬
‫كثرة‪ ،‬ما نقاتلهم إل بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا فإنما هي إحدى‬
‫الحسنيين‪‘.‬‬
‫م أ َهْل َكَناْ‬ ‫ة وعذابا‪ ،‬قال تعالى ‪)) :‬وَك َْ‬ ‫ل نعمَته عليهم نقم ً‬ ‫توعد الله هؤلء أن يبد ّ‬
‫م إ ِل ّ قَِليل ً وَكّناُ‬ ‫من ب َعْدِهِ ْ‬ ‫سكن ّ‬ ‫َ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫مل ْ‬ ‫َ‬ ‫ساك ِن ُهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫شت ََها فت ِلك َ‬ ‫مِعي َ‬ ‫ت َ‬ ‫من قَْري َةٍ ب َط َِر ْ‬ ‫ِ‬
‫ن ((‪.‬‬ ‫وارِِثي َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫ح ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫واِر‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ر‬ ‫دا‬ ‫م‬ ‫ه‬‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫لو‬‫ّ‬ ‫ح‬ ‫فرا ً وأ َ‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ة‬ ‫م‬
‫ِْ َ َ‬‫ع‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫ر‬‫ت‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫أ‬‫))‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫وقال‬
‫ْ َ ُ ْ َ َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ َ ّ‬ ‫ْ ََ ِ‬
‫قَراُر(( ‪.‬‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫صل َوْن ََها وَب ِئ ْ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫* َ‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثم يختار الله ويصطفي من الناس‪ ،‬فيأتي بقوم غيَرهم‪ ،‬يؤمنون ويجاهدون ل‬
‫كوُنو?ا ْ‬ ‫م ل َ يَ ُ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫وما ً غَي َْرك ُ ْ‬‫ل قَ ْ‬ ‫ست َب ْدِ ْ‬‫يخافون لومة لئم‪ .‬قال تعالى‪)):‬وَِإن ت َت َوَل ّوْا ْ ي َ ْ‬
‫كم((‪.‬‬ ‫مَثال َ ُ‬ ‫َ‬
‫أ ْ‬
‫ن*‬ ‫غافُِلو َ‬ ‫قَرى ب ِظ ُل ْم ٍ وَأ َهْل َُها َ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫مهْل ِ َ‬‫ك ُ‬ ‫ن ّرب ّ َ‬ ‫م ي َك ُ ْ‬‫ك أن ل ّ ْ‬
‫وقال تعالى‪)) :‬ذال ِ َ َ‬
‫ي ُذو‬ ‫ك ال ْ َغَن ِ ّ‬
‫ن * وََرب ّ َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ل عَ ّ‬ ‫ك ب َِغافِ ٍ‬ ‫ما َرب ّ َ‬ ‫مُلوا ْ وَ َ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫تم ّ‬
‫ْ‬
‫جا ٌ‬ ‫ل د ََر َ‬ ‫وَل ِك ُ ّ‬
‫َ‬
‫من ذ ُّري ّ ِ‬
‫ة‬ ‫م ّ‬ ‫شأك ُ ْ‬ ‫مآ أن َ‬ ‫شآُء ك َ َ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫م ّ‬ ‫من ب َعْدِك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫خل ِ ْ‬ ‫ست َ ْ‬‫م وَي َ ْ‬‫شأ ي ُذ ْهِب ْك ُ ْ‬‫مةِ ِإن ي َ َ‬ ‫ح َ‬‫الّر ْ‬
‫ن((‪.‬‬ ‫ري َ‬‫خ ِ‬ ‫قَوْم ٍ آ َ‬
‫اللهم أنصر أهل الفلوجة والعراق والمجاهدين من المسلمين في كل مكان‪.‬‬
‫اللهم أنصرهم وثبتهم‪ ،‬وأنزل السكينة والنصر والمدد عليهم‪ ،‬اللهم واجمع‬
‫كلمتهم على التوحيد واليمان والتقوى‪ ،‬ووحد صفوفهم وسدد رأيهم وضربهم‬
‫ورميهم‪.‬‬
‫اللهم واشدد وطأتك على عدوك وعدوهم‪ ،‬وخذهم أخذ عزيز مقتدر‪ ،‬اللهم‬
‫واقتلهم وعذبهم بأيدي عبادك المؤمنين‪ .‬اللهم وأقم علم الجهاد واقمع أهل‬
‫الشرك والريب والفساد‪ ،‬وانشر رحمتك على العباد‪ ،‬وصلى الله على نبينا‬
‫محمد وآله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫)‪(38 /‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫ه‬
‫ي بعهدهِ لعباد ِ‬ ‫ده المجاهدين‪ ،‬الموف ِ‬ ‫جن ِ‬‫ي المؤمنين‪ ،‬الناصرِ ل ُ‬ ‫الحمد ُ لله ول ِ‬
‫ة‬
‫مدِدِ بالملئك ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة على عبادهِ المقاتلين‪ ،‬ال ُ‬ ‫ل السكين َ‬ ‫من ْزِ ِ‬ ‫الموقنين‪ ،‬ال ُ‬
‫ب لستغاثةِ المستغيثين‪ ،‬الهازم ِ للكفرةِ المتحزبين‪،‬‬ ‫ومين‪ ،‬المستجي ِ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ال ُ‬
‫ب الجبابرةِ المستكبرين‪ ،‬الفاضِح للمنافقين المرجفين‪ .‬ثم‬ ‫القاصم ِ لرقا ِ‬
‫الصلة والسلم على نبيه محمدٍ الهادي إلى النور المبين‪ ،‬والصراط‬
‫ة للعالمين‪ ،‬وبالكتاب الحكيم‪ ،‬ليخرج الناس به من‬ ‫ل رحم ً‬ ‫س ِ‬ ‫مر َ‬ ‫المستقيم‪ ،‬ال ُ‬
‫الظلمات إلى النور‪ ،‬ومن الشرك والشك إلى التوحيد واليقين‪ ،‬أيده الله‬
‫بنصره وبالمؤمنين‪ ،‬وألقى الرعب في قلب عدوه القريب والبعيد‪ .‬جعل أمته‬
‫خير أمة أخرجت للناس‪ ،‬تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر‪ ،‬وتدعوهم‬
‫إلى الخير والنعيم‪.‬‬
‫ه‪ ،‬وكذب‬ ‫ن حاد ّ وكفر بالل َ‬ ‫م ْ‬‫ضها وعداوُتها وقتالها في الله ولله‪ُ ،‬تجاهد ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ة ُبغ ُ‬ ‫أم ٌ‬
‫سبل الشيطان وأعرضوا عن سبيل‬ ‫َ‬ ‫من الذين سلكوا ُ‬ ‫وعصى رسوله‪ِ ،‬‬
‫ة أمَر رسولها‪ ،‬وتحقيقا ً‬ ‫ً‬ ‫مطيع‬ ‫ربها‪،‬‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫أم‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ممتثل‬ ‫لجله‬ ‫وتصابر‬ ‫الرحمن‪ .‬تصبر‬
‫للعبودية والستسلم الواجب عليها لله تعالى‪ ،‬وجلبا ً للمصالِح العظيمة‪ ،‬والثار‬
‫ة محبتها وولئها‪ ،‬وُبغضها‬ ‫الحميدة‪ ،‬ودرًء للمفاسد الكبيرة‪ ،‬والثار الوخيمة‪ .‬أم ٌ‬
‫وبرائتها‪ ،‬تبعا لمحبة الله تعالى وبغضه‪ .‬والله تعالى أخبر أنه يحب المؤمنين‬
‫ويتولهم‪ ،‬وأنه يبغض الكافرين ويبرأ منهم‪.‬‬
‫ب‬‫أفتستقيم وتصح المحبة لله تعالى والعبد يحب من عاداه ومن آذاه؟ قد كذ ّ َ‬
‫ر‬
‫خ ِ‬‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫وما ً ي ُؤْ ِ‬ ‫جد ُ ق َ ْ‬ ‫ه هذه الدعوى وردها‪ ،‬قال تعالى‪َ )) :‬ل ت َ ِ‬ ‫الل ُ‬
‫خوانهم أوَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م أوْ إ ِ ْ َ َ ُ ْ ْ‬ ‫م أوْ أب َْناءهُ ْ‬ ‫ه وَلوْ كاُنوا آَباءهُ ْ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫حاد ّ الل َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫واّدو َ‬ ‫يُ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ت‬
‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خلهُ ْ‬ ‫ه وَي ُد ْ ِ‬‫من ْ ُ‬
‫هم ب ُِروٍح ّ‬ ‫ن وَأي ّد َ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫لي َ‬
‫ما ِ‬ ‫ب ِفي قُلوب ِهِ ُ‬ ‫م أوْلئ ِك كت َ َ‬ ‫شيَرت َهُ ْ‬ ‫عَ ِ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫حْز ُ‬ ‫ه أوْلئ ِك ِ‬ ‫ضوا عَن ْ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه عَن ْهُ ْ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن ِفيَها َر ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫حت َِها الن َْهاُر َ‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن(( )المجادلة ‪. ( 22:‬‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ب اللهِ هُ ُ‬ ‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫اللهِ أل إ ِ ّ‬
‫هّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ي الله تعالى عنه قال‪ :‬قال النبي َ‬ ‫س رض َ‬ ‫ن أن ٍ‬ ‫وفي صحيح البخاري ع ْ‬
‫ه ورسولهُ‬ ‫ن الل ُّ‬ ‫َ‬
‫ن َيكو َ‬ ‫ليمان‪ :‬أ ْ‬ ‫حلوَةَ ا ِ‬ ‫جد َ َ‬ ‫ن فيهِ وَ َ‬ ‫نك ّ‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬‫ث َ‬ ‫م‪َ)) :‬ثل ٌ‬ ‫سل ّ َ‬‫عَل َي ْهِ وَ َ‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن َيعود َ في‬ ‫ن َيكَرهَ أ ْ‬ ‫ه إل ّ لله‪ ،‬وأ ْ‬ ‫حب ّ ُ‬


‫مْرَء ل ي ُ ِ‬ ‫ب ال َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫هما‪ ،‬وأ ْ‬ ‫سوا ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ب إليهِ ِ‬ ‫أح ّ‬
‫ف في الّنار((‪.‬‬ ‫ن ُيقذ َ َ‬ ‫كفرِ كما يكَرهُ أ ْ‬ ‫ال ُ‬
‫ن‬
‫ن أِبي زَِياد ٍ ع ْ‬ ‫زيد ُ ب ُ‬ ‫ن عَب ْدِ الله أخبرنا ي َ ِ‬ ‫خال ِد ُ ب ُ‬ ‫سد ّد ٌ أخبرنا َ‬ ‫م َ‬ ‫سنن حدثنا ُ‬ ‫وفي ال ُ‬
‫م‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫س‬ ‫و‬
‫ُ َ ْ ِ َ َ َ‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫الله‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫سو‬ ‫َ ُ‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫بي‬ ‫ْ ِ‬‫أ‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ل‬
‫جاهِدٍ ع ْ َ ُ ٍ‬
‫ج‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫م َ‬‫ُ‬
‫ض ِفي الله((‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫ب‬
‫َ ُ‬‫ْ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫الله‬ ‫في‬ ‫ُ ّ ِ‬‫ب‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ل‬‫َ ِ‬‫ما‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ض‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫))أ‬
‫م‪)):‬أ َوْث َقُ عَُرى‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬
‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬
‫َ‬ ‫الله‬ ‫رسول‬ ‫قال‬ ‫قال‪:‬‬ ‫البراء‬ ‫عن‬ ‫وروي‬
‫ه((‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ض ِفي الل ِ‬ ‫ب ِفي اللهِ َوالب ُغْ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫لم ال ُ‬ ‫س َ‬ ‫ال ِ ْ‬
‫وقيل شعرا‪:‬‬
‫ك عَن ْ َ‬ ‫س الَنو ُ‬ ‫ق َ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫ك ِبعازِ ِ‬ ‫ك لي َ‬ ‫دي ُ‬‫ص ِ‬ ‫م أنني َ‬ ‫م ت َْزعُ ُ‬ ‫ت َوَد ّ عدوي ث ُ ّ‬
‫فالحب في الله‪ ،‬والبغض في الله‪ ،‬هو من الدين الذي أمر الله به‪ ،‬وهو‬
‫ل لها ضوابطها وقواعدها‪،‬‬ ‫ة وتو ٍ‬ ‫التولي للمسلمين‪ ،‬والبراءة ُ من الكافرين‪ .‬محب ٌ‬
‫ض وبراءةٌ له أصول وشروط‪ ،‬تحقق العدل والخير وتمنع الظلم والشر‪.‬‬ ‫وبغ ٌ‬
‫ه تعالى على المسلمين فأصبحوا بنعمته إخوانا متحابين متعاونين‪،‬‬ ‫ن الل ُ‬ ‫م ّ‬
‫كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى‪،‬‬
‫وحذرنا الفتنة العظيمة في الرض والفساد الكبير متى ما اختلفنا وتفرقنا‬
‫شُلوا ْ‬ ‫عوا ْ فَت َ ْ‬ ‫َ‬
‫ف َ‬ ‫ه وَل َ ت ََناَز ُ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫طيُعوا ْ الل ّ َ‬ ‫وتحزبنا وتدابرنا‪ ،‬قال تعالى‪)) :‬وَأ ِ‬
‫ن(( )النفال ‪. (46 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صب ُِروا ْ إ ِ ّ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫ب ِري ُ‬ ‫وَت َذ ْهَ َ‬
‫فعَُلوه ُ ت َ ُ‬ ‫َ‬
‫ة ِفي‬ ‫كن فِت ْن َ ٌ‬ ‫ض إ ِل ّ ت َ ْ‬ ‫م أوْل َِياء ب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫فُروا ْ ب َعْ ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫وقال تعالى‪َ)) :‬واّلذي َ‬
‫ساد ٌ ك َِبيٌر (( )النفال ‪. (73 :‬‬ ‫َ‬
‫ض وَفَ َ‬ ‫الْر ِ‬
‫وأخبرنا الله تعالى ‪ -‬وقوله الحق ‪ -‬أن الكفار بعضهم أولياء بعض في عداوتهم‬
‫وحربهم للسلم وأهله‪ ،‬وأنهم يودون لو نكفر كما كفروا‪ ،‬وأنهم ل يزالون‬
‫يقاتلوننا حتى يردونا عن ديننا‪ ،‬وأنهم ل يرضون عنا حتى نكفَر بالله تعالى‬
‫ونتبعَ ملَتهم وباطلهم‪.‬‬
‫ق‪ ،‬ل يجوز للمسلم أن يشك فيها‪ ،‬أو يتردد في تصديقها واليمان‬ ‫هذه حقائ ٌ‬
‫ن والتصديق بها‪ ،‬ول‬ ‫بها‪ ،‬لن الله تعالى هو الذي أخبرنا بها‪ ،‬وأمرنا اليما َ‬
‫ضهم من التعاطف مع‬ ‫ينقض هذه الحقيقة الكلية العامة ما ُيظهُره بع ُ‬
‫المسلمين‪ ،‬فكثيٌر منه سببه عدم قناعتهم بأسلوب القتال والعتداء طريقا‬
‫لتغيير المسلمين لدينهم‪ .‬وبعضهم مداهنة لمن داهنهم من المسلمين قال‬
‫ن(( )القلم ‪.(9 :‬‬ ‫ن فَي ُد ْهُِنو َ‬ ‫تعالى‪)) :‬وَّدوا ل َوْ ت ُد ْهِ ُ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫م يتحقق وُيشاهد‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫واليوم ونحن نرى ما أخبرنا به رسوُلنا َ‬
‫من تداعي الكفار على المسلمين تماما كما تتداعى الكلة على قصعتها‪ .‬روى‬
‫م‪:‬‬‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الله َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن قال‪ :‬قال َر ُ‬ ‫أحمد وأبو داوود‪ ،‬عن ث َوَْبا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫داعى الك َل ُ‬ ‫ش ُ ُ‬
‫ل َقائ ِ ٌ‬
‫ل‪:‬‬ ‫صعَت َِها‪ ،‬فقا َ‬ ‫ة إلى قَ ْ‬ ‫ما ت َ َ‬‫كم ك َ َ‬ ‫علي ْ ُ‬ ‫داعى َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ك ال َ‬ ‫))ُيو ِ‬
‫ل‪،‬‬
‫سي ْ ِ‬ ‫كم غَُثاُء ك َغَُثاِء ال ّ‬ ‫َ‬
‫مئ ِذ ٍ ك َُثيٌر‪ ،‬وَلك ِن ّ ُ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫ل‪ :‬ب َ ْ‬ ‫ذ؟ قا َ‬ ‫مئ ِ ٍ‬‫ن ي َوْ َ‬‫ح ُ‬ ‫ّ‬
‫ن قِلةٍ ن َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن الله في قُلوب ِكم‬ ‫قذِفَ ّ‬ ‫َ‬
‫م‪ ،‬وَلي َ ْ‬ ‫ُ‬
‫من ْك ْ‬‫ة ِ‬ ‫مَهاب َ َ‬ ‫م ال َ‬ ‫ُ‬
‫دوك ْ‬ ‫دورِ عَ ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن الله ِ‬ ‫وَل َي َن ْزِعَ ّ‬
‫ب الد ّن َْيا وَك ََراهِي َ ُ‬
‫ة‬ ‫ح ّ‬ ‫ل‪ُ :‬‬ ‫ن؟ قا َ‬ ‫ما ال ْوَهْ ُ‬ ‫ل الله وَ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ل‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫ل َقائ ِ ٌ‬ ‫ن‪ ،‬فقا َ‬ ‫ال َوَهْ َ‬
‫ت((‪.‬‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ال َ‬
‫شها‪،‬‬ ‫ص عي ُ‬ ‫ب للدنيا أشغلنا وعلقنا بها‪ ،‬حتى ألهت وأنست ‪ -‬وهي المنغ ُ‬ ‫ح ٌ‬ ‫ُ‬
‫ما‬‫عها – عن آخرةٍ خالدين فيها أبدا‪ ،‬إ ّ‬ ‫ة حياُتها‪ ،‬الَغروُر متا ُ‬ ‫مها‪ ،‬الفاني ُ‬ ‫مكدُر نعي ُ‬ ‫ال ُ‬
‫ف‬‫مها ول تنقطع لذُتها‪ ،‬أو نارٍ ل ُيقضى على أهلها ول ُيخف ُ‬ ‫في جنةٍ ل يزول نعي ُ‬
‫ب أضعف النفوس والقلوب‪ ،‬فتركت الجهاد والقتال‪ ،‬واشتغلت‬ ‫ح ٌ‬ ‫من عذابها‪ُ .‬‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ض الخر‬ ‫ض البع َ‬ ‫م البع ُ‬ ‫بالزرع والمال‪ ،‬وتفرقت واختلفت وتحاسدت‪ ،‬حتى أسل َ‬
‫ً‬
‫مهِلها قليل لتلهو‬ ‫ُ‬ ‫للعدو الغاشم‪ ،‬عساه يرضى عنها فيكف بأسه وشره‪ ،‬وي ُ ْ‬
‫مزيدا ً وتلعب‪.‬‬
‫م كافر‪ ،‬تسلط بسبب ذنوبنا علينا‪ .‬فالمصيبة تصيبنا من الله بسبب‬ ‫عدوٌ ظال ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عن‬ ‫فو َ‬ ‫م وَي َعْ ُ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫سب َ ْ‬‫ما ك َ َ‬ ‫صيب َةٍ فَب ِ َ‬‫م ِ‬ ‫من ّ‬ ‫كم ّ‬ ‫صاب َ ُ‬ ‫ما أ َ‬ ‫كسبنا وتفريطنا‪ ،‬وَ َ‬
‫ك َِثيرٍ (( ) الشورى ‪. (30 :‬‬
‫ن يرضى عنا أفرادا ً ودول ً حتى نتبع ملته وفكره ومنهجه‪ ،‬أو ننسلخ من‬ ‫عدوٌ ل ْ‬
‫ن منها‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫ل أهو ُ‬ ‫ة‪ ،‬القت ُ‬ ‫ديننا ونترك شريعتنا وملتنا‪ .‬وهذه طام ٌ‬
‫ل(( )البقرة ‪. (191 :‬‬ ‫قت ْ ِ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫شد ّ ِ‬ ‫ة أَ َ‬ ‫))َوال ْ ِ‬
‫فت ْن َ ُ‬
‫الفتنة الكفر بالله‪ ،‬قال ابن جرير في تفسيره‪)) :‬وابتلء المؤمن في دينه حتى‬
‫يرجع عنه فيصير مشركا بالله من بعد إسلمه أشد ّ عليه وأضّر من أن يقتل‬
‫قا فيه((‪.‬‬ ‫مقيما على دينه متمسكا عليه مح ّ‬
‫استولت الجيوش الكافرة النجسة على كثير من بلد السلم‪ ،‬آخرها‬
‫ل‬‫أفعانستان والعراق‪ ،‬تحت دعاوى باطلة ودعايات مضللة‪ ،‬يخفون وراءها الغ َ‬
‫والحقد الذي مل قلوَبهم على هذا الدين العظيم‪ .‬فأسرع إليهم المنافقون‪،‬‬
‫ض‪ ،‬مصدقين ومروجين لكذبهم وإفكهم‪ .‬فصاروا صفا‬ ‫والذين في قلوبهم مر ٌ‬
‫ة للمسلمين‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مخلص‬ ‫الملحدين‬ ‫الكفرة‬ ‫جيوش‬ ‫من‬ ‫معهم وجندا لهم‪ ،‬وجعلوا‬
‫من ظلم الظالمين‪ ،‬وطغيان المتكبرين‪ .‬فصد َقَ فيهم قول الشاعر‪:‬‬
‫مستجيرِ من الرمضاِء بالناِر‬ ‫كربتهِ كال ُ‬ ‫مسَتجيُر بعمروٍ عند ُ‬ ‫وال ُ‬
‫ض المسلمين هذا الفك المبين والمكر العظيم‪ .‬فمكُرهم‬ ‫فراعني تصديقُ بع ِ‬
‫مك َْرهُ ْ‬
‫م‬ ‫ْ‬
‫مك َُروا َ‬ ‫ل الراسيات‪ .‬قال تعالى‪)) :‬وَقَد ْ َ‬ ‫مكٌر كبيٌر‪ ،‬تزول من هوله الجبا ُ‬
‫ل(( )إبراهيم ‪. (46 :‬‬ ‫جَبا ُ‬ ‫ْ‬
‫ه ال ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫ل ِ‬ ‫م ل ِت َُزو َ‬ ‫مك ُْرهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫م وَِإن َ‬ ‫مك ُْرهُ ْ‬‫عند َ الل ّهِ َ‬ ‫وَ ِ‬
‫مكرا كّبارا(( ) نوح ‪. (22 :‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫مكُروا َ‬ ‫َ‬ ‫وقال تعالى‪)) :‬وَ َ‬
‫ن للعقلء والمؤمنين‪ .‬لنها تخالف وتناقض‬ ‫ُبطلن هذه الدعوى الكاذبة ظاهٌر بي ٌ‬
‫ما تدل عليه اليات المحكمات‪ ،‬والسنن الصحيحات‪ ،‬من عداوة الكفار‬
‫ف للمؤمنين‪ .‬ثم لنها تتعارض مع الحقائق‬ ‫وبغضهم للمسلمين‪ ،‬وهذا كا ٍ‬
‫ة لهذه الحروب‪.‬‬ ‫س نتيج ً‬ ‫والوقائع والثار والنتائج التي سمعها وشاهدها النا ُ‬
‫س باختلف شعوبهم ودياناتهم‪ ،‬يمجدون‬ ‫فالمسلم بفطرته الصحيحة‪ ،‬والنا ُ‬
‫ب وقاتل‪ ،‬دون بلده وأهله وماله‪ ،‬ويخونون ويحقرون من‬ ‫ويفتخرون بمن ذ ّ‬
‫تعاون مع المحتلين والمعتدين‪.‬‬
‫ومع ظهور زيف هذه الدعوى‪ ،‬فقد انبرى فريقٌ يتظاهر بالعلم والدين‪،‬‬
‫ملحدين‪،‬‬ ‫مهم لظلم ِ وفتنةِ الكفرةِ ال ُ‬ ‫خذلن المسلمين‪ ،‬وتسلي ِ‬ ‫بالدعوة إلى ِ‬
‫ب عن حرمات المسلمين‪ ،‬فقالوا‬ ‫فنهوا عن مناصرة المجاهدين‪ ،‬وعن الذ ّ‬
‫لخوانهم المجاهدين لو أطاعونا ما قتلوا وما ماتوا‪ .‬وتجاوز آخرون‪ ،‬حتى تعدوا‬
‫الخذلن إلى مظاهرة الكفار على المسلمين‪ ،‬جهل منهم وغرورا‪ ،‬فثبطوا‬
‫ه الله تعالى من‬ ‫موا ما أوجب َ ُ‬ ‫المجاهدين‪ ،‬وأرجفوا بصفوف المقاتلين‪ ،‬فحّر ُ‬
‫ه الله تعالى من التسليم والنقياد للكفرة‬ ‫م ُ‬
‫جُبوا ما حّر َ‬ ‫جهاد الكفار‪ ،‬وأو َ‬
‫والمنافقين المرتدين‪.‬‬
‫جمعَ هؤلء المفتونون‪ ،‬لتبرير هذا الفعل القبيح‪ ،‬والجرم العظيم‪ ،‬ما ظنوه‬
‫دليل يستترون به من الفسق والظلم والكفر والنفاق‪ .‬فلبسوا به على الناس‬
‫بعد أن زخرفوه‪ ،‬وأعانهم على التضليل كثرة ُ الدعايةِ والترديد ِ والتزيين‪ .‬فوجد‬
‫من ما‬ ‫قبول وتصديقا عند بعض الناس لموافقته للهوى‪ ،‬وداعي السلمة ِ‬
‫يوجُبه الجهاد ُ من التضحية وبذل النفس والمال‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ي محبَتهم ونصرتهم‪ ،‬أن أكتب هذا‬ ‫ه تعالى عل ّ‬ ‫ب الل ُ‬ ‫فرأيت حقا ً لزمًا‪ ،‬لمن أوج َ‬
‫الكتاب‪ ،‬فمهدت ببيان ما أوجبه الله تعالى للمسلمين من الولية‪ ،‬وللكفار من‬
‫ت واهيات‪ ،‬هن شبهة الوفاء بالعهود‬ ‫تس ٍ‬ ‫ت بالرد ِ على شبها ٍ‬ ‫البراءة‪ .‬ثم شرع ُ‬
‫والمواثيق‪ ،‬وقصة الصحابي حاطب رضي الله عنه‪ ،‬والكراه‪ ،‬والديمقراطية‪،‬‬
‫والمصلحة والضرورة‪ ,‬واشتراط الراية‪.‬‬
‫وهي حجج كما وصفها الشاعر‪:‬‬
‫ج تهافت كالزجاِج تخالُها حقا وكل كاسٌر مكسوُر‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫حج ٌ‬
‫وسميته‪ ،‬النتصار لهل الفلوجة والجهاد‪ ،‬لن الفلوجة أصبحت علما ورمزا‬
‫ل لقول الشاعر‪:‬‬ ‫للعزة والجهاد‪ ،‬وأهلها أه ٌ‬
‫َ‬
‫جالبا‬ ‫ي قضاَء اللهِ ما كان َ‬ ‫ل عَّني العاَر بالسيف جالبا ً عل ّ‬ ‫س ُ‬ ‫سأغ ِ‬
‫جَبا‬
‫حا ِ‬ ‫مةِ َ‬ ‫مذ َ ّ‬ ‫ن باِقي ال َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ض َ‬ ‫مها ل ِعِْر ِ‬ ‫ل هَد ْ َ‬ ‫ن داِري وَأجعَ ُ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫وأذ ْهَ ُ‬
‫طال َِبا‬ ‫ت َ‬ ‫ك الذي ك ُن ْ ُ‬ ‫ميِني بإْدرا ِ‬ ‫تي َ‬ ‫صغُُر في عَْيني ِتلِدي ِإذا ان ْث َن َ ْ‬ ‫وي َ ْ‬
‫واقَِبا‬ ‫ريم ٍ ل ي َُباِلي العَ َ‬ ‫ث كَ ِ‬ ‫موا بالغَد ْرِ َداِري فإنها ُترا ُ‬ ‫ن َتهدِ ُ‬ ‫فإ ِ ْ‬
‫حبا‬ ‫صا ِ‬ ‫مرِ َ‬
‫َ‬
‫قطِع ال ْ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م بهِ ِ‬ ‫ريد ُ عَلى الذي ي َهِ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ت ل يُ ِ‬ ‫خي عََزما ٍ‬ ‫أَ ِ‬
‫وقول الراجز‪:‬‬
‫ل‬‫ت أحلى عندنا من العس ْ‬ ‫ل المو ُ‬ ‫ب الج ْ‬ ‫م على ُقر ِ‬ ‫ل جزعَ اليو َ‬
‫ة أعتذر بها‬ ‫والنصُر في العراق نصٌر على رأس الكفر وعاموده‪ .‬وأردته مساهم ً‬
‫جهدي وحيلتي‪ ،‬لخواني المجاهدين في‬ ‫يوم ألقى ربي‪ ،‬ومناصرة ً حسب َ‬
‫سبيل الله تعالى‪ ،‬في فلسطين‪ ،‬والعراق‪ ،‬وأفغانستان‪ ،‬والشيشان‪ ،‬وكشمير‪،‬‬
‫وغيرها من البلد‪ ،‬عسى الله تعالى أن يعفو ويصفح ويجزي ويرفع‪.‬‬
‫ن بذلك نلت سهما مع المجاهدين‪ ،‬الذين يجاهدون لتكون‬ ‫ل أن أكو َ‬ ‫ه أسأ ُ‬ ‫والل َ‬
‫سفلى‪ ،‬الذين رفعهم الله على‬ ‫ة الذين كفروا ال ُ‬ ‫ة اللهِ هي العليا‪ ،‬وكلم ُ‬ ‫كلم ُ‬
‫القاعدين درجات‪.‬‬
‫التولي والمحبة للمسلمين ‪:‬‬
‫ب لخيه ما يحُبه لنفسه‪،‬‬ ‫خ وولي للمؤمن‪ ،‬ل يكمل إيماُنه حتى يح َ‬ ‫المؤمن أ ٌ‬
‫ل العربية‪ :‬الصديق والنصير‪ ،‬وهو التابع المحب‪ .‬والولي‬ ‫والولي كما قال أه ُ‬
‫ولية الُنصرة‪ ،‬والموالة المناصرة ضد المعاداة‪.‬‬ ‫ضد العدو‪ ،‬وال َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫مُرو َ‬ ‫ض ي َأ ُ‬ ‫م أوْل َِياء ب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ت ب َعْ ُ‬ ‫مَنا ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن َوال ُ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫قال الله تعالى‪َ)) :‬وال ُ‬
‫هّ‬
‫ن الل َ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ن الّزكاة َ وَي ُ ِ‬ ‫َ‬ ‫صل َة َ وَي ُؤُْتو َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مو َ‬ ‫قي ُ‬ ‫منكرِ وَي ُ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ن عَ ِ‬ ‫ف وَي َن ْهَوْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬
‫ُ‬
‫م(( ) التوبة ‪. (71 :‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫سي َْر َ‬ ‫ك َ‬ ‫ه أوْل َئ ِ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫صلةََ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مو َ‬ ‫قي ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫مُنوا ال ِ‬ ‫ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه َوال ِ‬ ‫سول ُ‬‫ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫ُ‬
‫ما وَل ِي ّك ُ‬ ‫وقال تعالى‪)) :‬إ ِن ّ َ‬
‫ن(( ) المائدة ‪.(55 :‬‬ ‫م َراك ُِعو َ‬ ‫كاةَ وَهُ ْ‬ ‫ن الّز َ‬ ‫وَي ُؤُْتو َ‬
‫ب على أخيه المسلم‪ ،‬أن يتوله وينصره ويحبه‪ ،‬وأن ل‬ ‫فللمسلم ِ حقٌ واج ٌ‬
‫يخذله أو يظلمه أو يسلمه لعدوه‪ .‬حقٌ أوجبه الله تعالى وفرضه وأكده‪ ،‬دلت‬
‫ن الصحيحات‪ ،‬وأمثلته المهاجرون والنصار‪ ،‬حتى‬ ‫ت البينات‪ ،‬والسن ُ‬ ‫عليه اليا ُ‬
‫سهم ولو كان بهم خصاصة‪ .‬فكانوا جميعا متآلفين متحابين‬ ‫ِ‬ ‫أنف‬ ‫آثروا على‬
‫ة الله‪ ،‬حتى‬ ‫متعاونين متناصرين‪ ،‬فملكوا الدنيا‪ ،‬ونشروا الخير‪ ،‬ورفعوا كلم َ‬
‫ة الذين كفروا السفلى‪.‬‬ ‫صارت هي العليا‪ ،‬وكلم ُ‬
‫ت الكريمات المرة‪ ،‬والمقررة‪ ،‬والدالة‪ ،‬والموجهة‪ ،‬لهذا التآخي‬ ‫فمن اليا ِ‬
‫والتآلف والمحبة بين المسلمين‪:‬‬
‫هّ‬
‫ت الل ِ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫فّرُقوا َواذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ميعا وَل َ ت َ َ‬ ‫ً‬ ‫ج ِ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫حب ْ ِ‬ ‫موا ْ ب ِ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫قوُله تعالى‪َ)) :‬واعْت َ ِ‬
‫كنت ُ ْ َ‬ ‫وانا ً وَ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كنت َ‬
‫ى‬
‫م عَل َ‬ ‫خ َ‬ ‫مت ِهِ إ ِ ْ‬ ‫حُتم ب ِن ِعْ َ‬ ‫صب َ ْ‬ ‫م فَأ ْ‬ ‫ن قُُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ف ب َي ْ َ‬ ‫داء فَأل ّ َ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫م إ ِذ ْ ُ ُ ْ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن ((‬ ‫دو َ‬ ‫م ت َهْت َ ُ‬ ‫م آَيات ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ك ي ُب َي ّ ُ‬ ‫من َْها ك َذ َل ِ َ‬ ‫كم ّ‬ ‫قذ َ ُ‬ ‫ن الّنارِ فََأن َ‬ ‫م َ‬ ‫فَرةٍ ّ‬ ‫ح ْ‬‫فا ُ‬ ‫ش َ‬ ‫َ‬
‫) آل عمران ‪. (103 :‬‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وقوله تعالى‪ :‬وَأ َل ّ َ‬
‫ت ب َي ْ َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ما أل َ‬ ‫ميعا ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ق َ‬ ‫ف ْ‬ ‫م لوْ أن َ‬ ‫ن قلوب ِهِ ْ‬ ‫ف ب َي ْ َ‬
‫م (( ) النفال ‪. (63 :‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ِ‬ ‫ه عَ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ف ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ه أ َل ّ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م وَل َك ِ ّ‬ ‫قُُلوب ِهِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ه ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫م َوات ّ ُ‬ ‫خوَي ْك ُ ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫حوا ب َي ْ َ‬ ‫صل ِ ُ‬ ‫خوَة ٌ فَأ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫وقوله تعالى‪ :‬إ ِن ّ َ‬
‫ن(( )الحجرات ‪. (10 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬‫ت ُْر َ‬
‫م‬ ‫ْ‬
‫داء عَلى الك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬
‫ماء ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫فارِ ُر َ‬ ‫ش ّ‬ ‫هأ ِ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل اللهِ َوال ِ‬ ‫مد ٌ ّر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫وقوله تعالى‪ّ )) :‬‬
‫وانا(( ) الفتح ‪. (29 :‬‬ ‫ً‬ ‫ض َ‬‫ن اللهِ وَرِ ْ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫ضل ً ّ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫جدا ي َب ْت َُغو َ‬ ‫ً‬ ‫س ّ‬ ‫كعا ً ُ‬ ‫م ُر ّ‬ ‫ت ََراهُ ْ‬
‫هّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ف ي َأِتي الل ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫عن ِدين ِهِ فَ َ‬ ‫م َ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫من ي َْرت َد ّ ِ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله تعالى‪َ)) :‬يا أي َّها ال ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حبون َ‬
‫ن ِفي‬ ‫دو َ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬
‫عّزةٍ عَلى الكافِ ِ‬ ‫نأ ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه أذِل ّةٍ عَلى ال ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م وَي ُ ِ ّ َ ُ‬ ‫حب ّهُ ْ‬ ‫قوْم ٍ ي ُ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ع‬
‫س ٌ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫ّ‬
‫شاُء َوالل ُ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ل اللهِ ي ُؤِْتيهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ض ُ‬ ‫َ‬
‫ة لئ ِم ٍ ذ َل ِك فَ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن لو ْ َ‬ ‫َ‬ ‫خاُفو َ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ وَل ي َ َ‬ ‫ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫م(( ) المائدة ‪. (54 :‬‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫ن الهاديات‪ ،‬ما في الصحيحين‪:‬‬ ‫ث الصحيحات‪ ،‬والسن ِ‬ ‫ومن الحادي ِ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫سل ّ َ‬
‫م‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن النب ّ‬ ‫ه عنه ع ِ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫عن أبي ب ُْرد َة َ عن أبي موسى رض َ‬
‫ن أصابِعه((‪.‬‬ ‫َ‬
‫ه بعضا‪ ،‬وشب ّك بي َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ض ُ‬ ‫شد ّ بع ُ‬ ‫ني ُ‬ ‫ن كالُبنيا ِ‬ ‫ن للمؤم ِ‬ ‫قال‪)) :‬المؤم ُ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫وا‬ ‫ت‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫ني‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫))‬ ‫ه‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ن بْ ِ َ ِ ٍ‬
‫ر‬ ‫شي‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ما ِ‬ ‫ن الن ّعْ َ‬
‫َ َ ّ ِ ْ‬ ‫ُ ِ ِ َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ‬ ‫وع َ ِ‬
‫سائ ُِر‬ ‫ه َ‬ ‫عى ل َ ُ‬ ‫دا َ‬ ‫و‪ ،‬ت َ َ‬ ‫ض ٌ‬ ‫ه عُ ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫كى ِ‬ ‫شت َ َ‬ ‫د‪ .‬إ َِذا ا ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫م‪َ ،‬‬ ‫فهِ ْ‬ ‫م وَت ََعاط ُ ِ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫وَت ََرا ُ‬
‫مى((‪.‬‬ ‫ح ّ‬ ‫سهَرِ َوال ْ ُ‬ ‫سد ِ ِبال ّ‬ ‫ج َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م قال‪)) :‬ل‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن النب ّ‬ ‫هع ِ‬ ‫ه عن ُ‬ ‫س رضي الل ّ ُ‬ ‫قتادة َ عن أن َ ٍ‬ ‫وعن َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه((‪.‬‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ب ل ِن َ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫خيه ما ي ُ ِ‬ ‫بل ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫م حتى ي ُ ِ‬ ‫ن أحد ُك ُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن كُ ّ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫ث َ‬ ‫م قال‪َ)) :‬ثل ٌ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫س عن النب ّ‬ ‫ن أن ٍ‬ ‫ةع ْ‬ ‫ن أبي ِقلب َ َ‬ ‫وع ْ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫هما‪ ،‬وأ ْ‬ ‫سوا ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ب إليهِ ِ‬ ‫ه ورسوله أح ّ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫ن َيكو َ‬ ‫ليمان‪ :‬أ ْ‬ ‫حلوَةَ ا ِ‬ ‫جد َ َ‬ ‫فيهِ وَ َ‬
‫ن ُيقذ َ َ‬
‫ف‬ ‫ن َيعود َ في الكفرِ كما يكَرهُ أ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن َيكَرهَ أ ْ‬ ‫ه إل لله‪ ،‬وأ ْ‬ ‫ّ‬ ‫حب ّ ُ‬ ‫مْرَء ل ي ُ ِ‬ ‫ب ال َ‬ ‫ح ّ‬ ‫يُ ِ‬
‫في الّنار(( ‪.‬‬
‫ن عمَر‬ ‫ن عبد َ اللهِ ب َ‬ ‫ن ساِلما أخبَرهُ أ ّ‬ ‫ً‬ ‫بأ ّ‬ ‫شها ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن اب ِ‬ ‫وفي صحيح البخاري‪ :‬ع ِ‬
‫م‬
‫م قال‪)) :‬المسل ُ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل الله َ‬ ‫ن رسو َ‬ ‫ه عنهما أخبَرهُ أ ّ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫رض َ‬
‫من كان في حاجةِ أخيهِ كان الله في‬ ‫مه‪ ،‬و َ‬ ‫مه ول ُيسل ِ ُ‬ ‫أخو المسلم ِ ل َيظل ُ‬
‫ة‪،‬‬ ‫ت يوم ِ القيام ِ‬ ‫ة من كربا ِ‬ ‫ُ‬ ‫ه كرب ً‬ ‫ُ‬ ‫ج الله عن ُ‬ ‫ة فّر َ‬ ‫مسلم ٍ كرب َ ً‬ ‫ُ‬ ‫ج عن ُ‬ ‫من فَّر َ‬ ‫ه‪ ،‬و َ‬ ‫حاجت ِ‬
‫م القيامة((‪.‬‬ ‫َ‬ ‫يو‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫الل‬ ‫ه‬
‫َ َ ُ‬ ‫ر‬ ‫ست‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫لم‬ ‫من َ َ َ ُ ِ‬
‫مس‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫و َ‬
‫ه عنه قال‪ :‬قال‬ ‫ي الل ُ‬ ‫س رض َ‬ ‫ميد ٍ عن أن ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫مٌر عن ُ‬ ‫معت ِ‬ ‫مسد ّد ٌ حد َّثنا ُ‬ ‫وفيه حد َّثنا ُ‬
‫مظلومًا‪ ،‬قالوا‪ :‬يا‬ ‫ك ظاِلما ً أو َ‬ ‫صْر أخا َ‬ ‫م‪)) :‬ان ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الله َ‬ ‫رسو ُ‬
‫خذ ُ فو َ‬
‫ق‬ ‫صره ُ ظاِلمًا؟ قال‪ :‬تأ ُ‬ ‫ف نن ُ‬ ‫مظلومًا‪ ،‬فكي َ‬ ‫صرهُ َ‬ ‫ل الله‪ ،‬هذا نن ُ‬ ‫رسو َ‬
‫ه((‪.‬‬ ‫دي ِ‬ ‫ي َ‬
‫هّ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرةَ َقا َ‬ ‫َ‬
‫ن الل َ‬ ‫ه‪)) :‬إ ِ ّ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫وروى مسلم في صحيحه عَ ْ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ل َ ظِ ّ‬
‫ل‬ ‫م ِفي ظ ِلي‪ .‬ي َوْ َ‬ ‫م أظ ِلهُ ْ‬ ‫جل َِلي‪ .‬الي َوْ َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫حاّبو َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ة‪ :‬أي ْ َ‬ ‫م ِ‬‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ل ي َوْ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫إ ِل ظ ِلي((‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ة‬
‫جن ّ َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫خلو َ‬ ‫ُ‬ ‫ه! ل ت َد ْ ُ‬‫َ‬ ‫سي ب ِي َدِ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ذي ن َ ْ‬ ‫ّ‬
‫ه‪َ)) :‬وال ِ‬ ‫ل الل ِ‬‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫وعن أ َِبي هَُري َْرةَ َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫موهُ‬ ‫يٍء إ َِذا فَعَل ْت ُ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫م عََلى َ‬ ‫حاّبوا‪ .‬أوَل َ أد ُل ّك ُ ْ‬ ‫حّتى ت َ َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫مُنوا‪ .‬وَل َ ت ُؤْ ِ‬ ‫حّتى ت ُؤْ ِ‬ ‫َ‬
‫م((‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م؟ أفْ ُ‬ ‫َ‬
‫م َبين َك ْ‬ ‫سل َ‬ ‫شوا ال ّ‬ ‫حاب َب ْت ُ ْ‬ ‫تَ َ‬
‫َ‬
‫خب ََرَنا كِثيُر‬ ‫َ‬
‫مِنيٍع‪ ،‬أ ْ‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫مد ُ ب ُ‬ ‫ح َ‬ ‫دثنا أ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫وروى الترمذي ‪ -‬وقال حديث حسن صحيح ‪َ -‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫م‪ ،‬أ َ ْ‬
‫ن‬
‫ق عن عَطاِء ب ِ‬ ‫مْرُزو ٍ‬ ‫ن أبي َ‬ ‫بب ُ‬ ‫حِبي ُ‬ ‫خَبرَنا َ‬ ‫ن ب ُْرَقا َ‬ ‫فُر ب ُ‬ ‫جعْ َ‬ ‫خب ََرَنا َ‬ ‫شا ٍ‬ ‫ن هِ َ‬ ‫ب ُ‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سل ِم ٍ ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫سو َ‬
‫ل‬ ‫ت َر ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ل قال‪َ :‬‬ ‫جب َ ٍ‬
‫ن َ‬ ‫مَعاذ ُ ب ُ‬ ‫ي‪ ،‬حدثني ُ‬ ‫خوْل َن ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫أبي َرَباٍح‪ ،‬عن أبي ُ‬
‫ن ُنوٍر‬ ‫م ْ‬ ‫مَناب ُِر ِ‬ ‫م َ‬ ‫جل َِلي ل َهُ ْ‬ ‫ن في َ‬ ‫حاّبو َ‬ ‫مت َ َ‬‫ل‪ :‬ال ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫ل‪)) :‬قال الله عَّز وَ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫الله ي َ ُ‬
‫داُء((‪.‬‬ ‫ن َوالشهَ َ‬ ‫ّ‬ ‫م الن ّب ِّيو َ‬ ‫ي َغْب ِط ُهُ ُ‬
‫دثني أبي حدثنا أبو النضر حدثنا عبد‬ ‫دثنا عبد الله ح ّ‬ ‫وفي مسند المام أحمد ح ّ‬
‫الحميد بن بهرام الفزاري عن شهر بن حوشب حدثنا عبد الرحمن بن غنم أن‬
‫م‪ ،‬ثم‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫أبا مالك الشعري جمع قومه فعلمهم صلة النبي َ‬
‫قال ‪)) :‬احفظوا تكبيري وتعّلموا ركوعي وسجودي فإنها صلة رسول الله‬
‫م التي كان يصلي لنا كذا الساعة من النهار‪ ،‬ثم إن‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫م لما قضى صلته أقبل إلى الناس بوجهه‬ ‫َ َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬‫َ‬ ‫الله‬ ‫رسول‬
‫َ‬ ‫فقال‪) :‬يا أ َّيها‬
‫سوا‬ ‫عَبادا ً ل َي ْ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن لله عّز وج ّ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫قُلوا‪ ،‬واعْل َُ‬ ‫مُعوا واعْ ِ‬ ‫َ‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ال‬
‫ن الله (( ‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫م وقُْرب ِهِ ْ‬ ‫مَنازِل ِهِ ْ‬ ‫على َ‬ ‫داُء َ‬ ‫شهَ َ‬ ‫ن وال ّ‬ ‫م الن ّب ِّيو َ‬ ‫داء‪ ،‬ي َغْب ِط ُهُ ُ‬ ‫شهَ َ‬ ‫ان ْب َِياَء ول ُ‬
‫هّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫فجثا رجل من العراب من قاصية الناس وألوى بيده إلى النبي َ‬
‫م فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬ناس من الناس ليسوا بأنبياء ول شهداء‬ ‫سل ّ َ‬ ‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫سَر‬ ‫يغبطهم النبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله! انعتهم لنا‪ ،‬فَ ّ‬
‫م بسؤال العرابي‪.‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫جه النبي َ‬ ‫و ُ‬
‫وازِِع‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫س ون َ َ‬ ‫ن أفَناِء الّنا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬‫م َنا ٌ‬ ‫م‪)):‬هُ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫فقال رسول الله َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫الله‬ ‫ع‬
‫َ َ ُ‬ ‫ض‬ ‫ي‬ ‫فوا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫صا‬ ‫َ َ‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫الله‬ ‫في‬ ‫بوا‬ ‫ل ب َي ْن َ ُ ْ ْ َ ٌ ُ َ ِ َ ٌ َ َ ّ‬
‫حا‬ ‫ت‬ ‫ة‪،‬‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫حا‬ ‫ر‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ص ْ‬ ‫م تَ ِ‬ ‫ل لَ ْ‬ ‫قَبائ ِ ِ‬ ‫ال َ‬
‫م ُنورًا‪ ،‬وث َِياب َهُ ْ‬
‫م‬ ‫جوهَهُ ْ‬ ‫ل وُ ُ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫م عَل َي َْها‪ ،‬فَي َ ْ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫جل ِ ُ‬ ‫ن ُنورٍ فَي ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مَناب َِر ِ‬ ‫مةِ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫ف‬
‫خو ْ َ‬ ‫نل َ‬ ‫َ‬ ‫ُنورًا‪ ،‬ي َ ْ‬
‫م أوْل َِياُء الله الذي َ‬ ‫ن‪ ،‬وَهُ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫فَز ُ‬ ‫مةِ ول ي َ ْ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫س ي َوْ َ‬ ‫فَزعُ الّنا ُ‬
‫حَزُنون (( ‪.‬‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م ول هُ ْ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫جاء فضيل إلى أبي إسحاق السبيعي بعدما كف بصره‪ ،‬فقال تعرفني؟ قال‪:‬‬
‫فضيل؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬فضمه الى صدره وقال إني والله ُأحبك‪ ،‬ولول الحياء‬
‫ض‬ ‫َ‬
‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ق َ‬ ‫لقبلتك‪ ،‬ثم قال حدثني أبو الحوص عن عبد الله ‪)) :‬ل َوْ َأن َ‬
‫ف ْ‬
‫م(( )النفال ‪:‬‬ ‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ه أ َل ّ َ‬
‫ف ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م وَل َك ِ ّ‬
‫ن قُُلوب ِهِ ْ‬‫ت ب َي ْ َ‬‫ف ْ‬ ‫ما أ َل ّ َ‬‫ميعا ً ّ‬‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫‪ (63‬نزلت في المتحابين‪.‬‬
‫قال شيخ السلم رحمه الله تعالى‪ ’ :‬فإن المؤمنين أولياء الله‪ ،‬وبعضهم‬
‫أولياء بعض‪ ،‬والكفار أعداء الله‪ ،‬وأعداء المؤمنين‪ .‬وقد أوجب الموالة بين‬
‫المؤمنين‪ ،‬وبين أن ذلك من لوازم اليمان‪ ،‬ونهى عن موالة الكفارة‪ ،‬وبين أن‬
‫ذلك منتف في حق المؤمنين‪ ،‬وبين حال المنافقين في موالة الكافرين‪‘.‬‬
‫ة‪،‬‬
‫ل بلي ٍ‬ ‫قال ابن المقفع‪ ’ :‬إذا نابت أخاك إحدى النوائب من زوال نعمة‪ ،‬أو ُنزو ِ‬
‫فاعلم أنك قد ابتليت معه‪ ،‬إما بالمواساة فتشاركه في البلية‪ ،‬وإما بالخذلن‬
‫فتحتمل العار‪‘.‬‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫ك‬‫سه لينفعَ ْ‬ ‫ضّر نف َ‬ ‫ني ُ‬ ‫م ْ‬ ‫كو َ‬ ‫مع ْ‬ ‫سَعى َ‬ ‫ن يَ ْ‬‫م ْ‬‫صدق َ‬ ‫ك ال ِ‬ ‫ن أخا َ‬ ‫إ ّ‬
‫ك‬‫مع ْ‬ ‫ج َ‬‫سه لي ْ‬ ‫ل نف َ‬ ‫ت شم َ‬ ‫دعك شت َ‬ ‫ب الزمان ص ّ‬ ‫ن إذا ري ُ‬ ‫م ْ‬‫و َ‬
‫ن للمسلمين‬ ‫خذل ُ‬ ‫م وال ِ‬ ‫الظل ُ‬
‫ه تعالى عباَده المسلمين أشد َ النهي‪ ،‬وحذرهم‪ ،‬وأوعدهم من ظلم‬ ‫نهى الل ُ‬
‫الناس مطلقا‪ ،‬ومن الظلم ِ والخذلن لخوانهم المسلمين خاصة‪ .‬فالله تعالى‬
‫ة الله تعالى تقتضى‬ ‫أرادهم وأمرهم أن يكونوا إخوة ً متحابين متناصرين‪ .‬فمحب ُ‬
‫ه تعالى‪ ،‬والرضا عن كل ما يرضاه‪.‬‬ ‫ة لكل ما يحبه الل ُ‬ ‫من العبد المحب َ‬
‫والله يحب المؤمنين‪ ،‬ويرضى ويتولى المسلمين‪ ،‬فوجب على العبد المسلم‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن يحب ما أحبه الله ويتولى من توله‪ .‬وقد جاءت النصوص الصريحة من‬
‫الكتاب والسنة الصحيحة‪ ،‬محرضة وآمرة بذلك‪ ،‬وناهية ومحذرة من ضده‪.‬‬
‫م المسلم ِ للمسلم‪ ،‬منه ما يلتحق بصغائر الذنوب‪ ،‬ومنه ما يلتحق بكبائر‬ ‫ظل ُ‬
‫ملة‪ ،‬ويوقع في الكفر والنفاق‪ .‬وقد شدد الشارع‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫من‬ ‫ج‬
‫ُ‬ ‫يخر‬ ‫ُ‬ ‫ما‬ ‫ومنه‬ ‫الذنوب‪،‬‬
‫الحكيم في حقوق الناس عموما‪ ،‬وحقوق المسلمين خصوصا‪ ،‬فحقوقُ العباد ‪-‬‬
‫ة على‬ ‫حة‪ ،‬وحقوقُ الله تعالى مبني ٌ‬ ‫ة على المشا ّ‬ ‫ل العلم ‪ -‬مبني ٌ‬ ‫كما قال أه ُ‬
‫المسامحة‪.‬‬
‫س؟‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ال ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ل‪)) :‬أت َد ُْرو َ‬ ‫ل الل َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرةَ أ ّ‬ ‫ففي صحيح مسلم عَ ْ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مِتي‪،‬‬ ‫نأ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫فل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ل‪ :‬إ ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ع‪ .‬فَ َ‬ ‫مَتا َ‬ ‫ه وَل َ َ‬ ‫مل ُ‬ ‫ن ل َ دِْرهَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِفيَنا َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َقاُلوا‪ :‬ال ْ ُ‬
‫هاَذا‪ ،‬وَأ َك َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ف َ‬ ‫هاَذا‪ ،‬وَقَذ َ َ‬ ‫م َ‬ ‫شت َ َ‬ ‫ة‪ ،‬وَي َأِتي قَد ْ َ‬ ‫كا ٍ‬ ‫صَيام ٍ وََز َ‬ ‫صل َةٍ وَ ِ‬ ‫مةِ ب ِ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ي َأِتي ي َوْ َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫هاَذا ِ‬ ‫سَنات ِهِ وَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫هاَذا ِ‬ ‫طى َ‬ ‫هاَذا‪ .‬فَي ُعْ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ضَر َ‬ ‫هاَذا‪ ،‬وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ك دَ َ‬ ‫ف َ‬ ‫س َ‬ ‫هاَذا‪ ،‬وَ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‪ ،‬قَب ْ َ‬
‫م‬‫خطاَياهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫ه‪ .‬أ ِ‬ ‫ما عَلي ْ ِ‬ ‫ضى َ‬ ‫ق َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫لأ ْ‬ ‫سَنات ُ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ت َ‬ ‫ن فَن ِي َ ْ‬ ‫ه‪ .‬فَإ ِ ْ‬ ‫سَنات ِ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ح ِفي الّناِر(( ‪.‬‬ ‫م طرِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ه‪ .‬ث ُ ّ‬ ‫ت عَلي ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ح ْ‬ ‫فَطرِ َ‬ ‫ُ‬
‫ل الله‬ ‫ه عنه قال‪ :‬قال رسو ُ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫وفي صحيح البخاري عن أبي هريرةَ رض َ‬
‫ضه أو شيٍء‬ ‫عر ِ‬ ‫من ِ‬ ‫ة لخيهِ ِ‬ ‫مظلم ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫من كانت ل ُ‬ ‫م‪َ )) :‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫خذ َ‬ ‫ُ‬
‫حأ ِ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ه عمل صال ِ ٌ‬ ‫نل ُ‬ ‫م‪ ،‬إن كا َ‬ ‫ن ديناٌر ول ِدره ٌ‬ ‫م قبل أن ل يكو َ‬ ‫ه اليو َ‬ ‫ه من ُ‬ ‫فلَيتحلل ُ‬
‫ل‬‫م َ‬ ‫ح‬ ‫ف‬ ‫به‬ ‫صاح‬ ‫يئات‬ ‫س‬ ‫من‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬‫منه بقدر مظلمِته‪ ،‬وإن لم تكن له حسنات أ ُِ‬
‫ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫ْ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫عليه((‪.‬‬
‫مه للعباد‪ ،‬أشد َ من ظلمه لنفسه‪ ،‬في تقصيره‬ ‫سه بظل ِ‬ ‫م العبد ِ لنف ِ‬ ‫فكان ظل ُ‬
‫بحق الله تعالى ‪ -‬إل الشرك بالله والتضييعَ للركان ‪ -‬من جهة ما يترتب على‬
‫هذا الظلم من الحساب والعقاب‪ ،‬ل من جهة قبح هذا الظلم وعظمته في‬
‫من يفتُنه في دينه‪،‬‬ ‫ن عليه َ‬ ‫م‪ ،‬من أن ُيعي َ‬ ‫نفسه‪ .‬وأيُ ظلم ٍ للمسلم أعظ ُ‬
‫مه وماله وأرضه وعرضه‪.‬‬ ‫لد َ‬ ‫ويستح ُ‬
‫ت‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن َوال ُ‬‫ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫ن ي ُؤُْذو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ل جلله يقول في كتابه العزيز‪َ)) :‬وال ِ‬ ‫ُ‬ ‫هج ّ‬ ‫الل ُ‬
‫مِبينا (()الحزاب ‪. (58 :‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ملوا ب ُهَْتانا وَإ ِْثما ّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫حت َ َ‬ ‫قد ِ ا ْ‬ ‫سُبوا فَ َ‬ ‫ما اكت َ َ‬‫ْ‬ ‫ب ِغَي ْرِ َ‬
‫ن عمر رضي الله عنهما فقال‪):‬فكيف إذا أوذيّ بالمعروف‪،‬فذلك‬ ‫ُ‬
‫قرأها اب ُ‬
‫ف له العذاب (‪ .‬يريد كيف إذا أذيّ لفعله المعروف‪ ،‬وهل الجهاد إل من‬ ‫ُ‬ ‫ُيضاع ُ‬
‫مُلوا ب ُهَْتانا ً‬ ‫حت َ َ‬ ‫قد ِ ا ْ‬ ‫َ‬
‫أعظم المعروف‪ ،‬قال قتادةُ رحمه الله في قوله تعالى‪ ) :‬ف َ‬
‫مِبينًا(( إياكم وأذى المؤمن‪ ،‬فإن الله يحوطه‪ ،‬ويغضب له‪.‬‬ ‫وَإ ِْثما ً ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كوُنوا‬ ‫سى أن ي َ ُ‬ ‫من قَوْم ٍ عَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫خْر َقو ٌ‬ ‫س َ‬ ‫مُنوا َل ي َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقال تعالى‪َ )) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫مُزوا أن ُ‬ ‫ن وََل ت َل ْ ِ‬ ‫من ْهُ ّ‬ ‫خْيرا ً ّ‬ ‫ن َ‬ ‫سى أن ي َك ُ ّ‬ ‫ساء عَ َ‬ ‫من ن ّ َ‬ ‫ساء ّ‬ ‫م وََل ن ِ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫خْيرا ً ّ‬ ‫َ‬
‫ب فَأوْل َئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ك هُ ُ‬ ‫م ي َت ُ ْ‬ ‫من ل ّ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫لي َ‬ ‫سوقُ ب َعْد َ ا ْ ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫س ال ِ ْ‬ ‫ب ب ِئ ْ َ‬ ‫قا ِ‬ ‫وََل ت ََناب َُزوا ِباْلل ْ َ‬
‫ن (( )الحجرات ‪. (11 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل اللمَز أخاه‬ ‫م((‪ ،‬فجع َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫مُزوا أن ُ‬ ‫قال ابن جرير في تفسيره‪ :‬قال ‪)) :‬وَل ت َل ِ‬
‫ضهم لبعض من تحسين‬ ‫لمزا ً نفسه‪ ،‬لن المؤمنين كرجل واحد فيما يلزم بع ُ‬
‫أمره‪ ،‬وطلب صلحه‪ ،‬ومحبته الخير‪‘.‬‬

‫)‪(5 /‬‬
‫حبو َ‬
‫ب‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫مُنوا ل َهُ ْ‬
‫نآ َ‬ ‫ة ِفي ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ش ُ‬‫ح َ‬‫فا ِ‬‫شيعَ ال ْ َ‬ ‫ن أن ت َ ِ‬ ‫ن يُ ِ ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫وقال تعالى‪)) :‬إ ِ ّ‬
‫ن (( )النور ‪. (19 :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مو َ‬‫م ل ت َعْل ُ‬ ‫م وَأنت ُ ْ‬ ‫ه ي َعْل ُ‬‫خَرةِ َوالل ُ‬ ‫م ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬
‫أِلي ٌ‬
‫م منهم من أراد وأحب أن يظهر الكفار على المسلمين‪ ،‬فيفتنوهم عن‬ ‫وأعظ ُ‬
‫دينهم ويغلبوهم على ديارهم وأموالهم‪.‬‬
‫هّ‬
‫ب الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫خاِلدا ِفيَها وَغ ِ‬ ‫م َ‬ ‫جَزآؤُه ُ َ‬
‫جهَن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫مدا ف َ‬ ‫ً‬ ‫منا ً ّ‬
‫مت َعَ ّ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ل ُ‬‫قت ُ ْ‬
‫من ي َ ْ‬ ‫وقال تعالى‪ )) :‬وَ َ‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ظيما ً (( )النساء ‪. (93 :‬‬ ‫َ‬


‫ذابا ً عَ ِ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ه وَأعَد ّ ل َ ُ‬ ‫عَل َي ْهِ وَل َعَن َ ُ‬
‫قال ابن كثير‪’ :‬وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم‬
‫الذي هو مقرون بالشرك بالله في غير ما آية في كتاب الله‪ ،‬حيث يقول‬
‫ن‬‫قت ُ َ‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫خَر وََل ي َ ْ‬ ‫معَ الل ّهِ إ َِلها ً آ َ‬ ‫ن َ‬ ‫عو َ‬ ‫ن َل ي َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫سبحانه في سورة الفرقان ‪َ )):‬وال ّ ِ‬
‫ك ي َل ْقَ أَثاما ً ((‬ ‫َ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫فعَ ْ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫حقّ وََل ي َْزُنو َ‬ ‫ه إ ِّل ِبال ْ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫س ال ِّتي َ‬ ‫ف َ‬ ‫الن ّ ْ‬
‫)الفرقان ‪. (68 :‬‬
‫شْيئا ً‬ ‫ْ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫كوا ب ِهِ َ‬ ‫م أل ّ ت ُ ْ‬ ‫م عَلي ْك ُ ْ‬ ‫م َرب ّك ُ ْ‬ ‫حّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ت ََعالوْا أت ْ ُ‬ ‫وقال تعالى‪)) :‬قُ ْ‬
‫قَرُبوا ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫م وَل َ ت َ ْ‬ ‫م وَإ ِّياهُ ْ‬ ‫ن ن َْرُزقُك ُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ق نّ ْ‬ ‫مل َ ٍ‬ ‫نإ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫قت ُلوا أوْل َد َ ُ‬ ‫سانا وَل َ ت َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫وال ِد َي ْ ِ‬ ‫وَِبال ْ َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ه إ ِل ّ ِبال ْ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫س ال ِّتي َ‬ ‫ف َ‬ ‫قت ُُلوا ْ الن ّ ْ‬ ‫ن وَل َ ت َ ْ‬ ‫ما ب َط َ َ‬ ‫من َْها وَ َ‬ ‫ما ظ َهََر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ح َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن(( )النعام ‪.(151 :‬‬ ‫قُلو َ‬ ‫م ت َعْ ِ‬ ‫م ب ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫صاك ُ ْ‬ ‫م وَ ّ‬ ‫ذ َل ِك ُ ْ‬
‫والحاديث في تحريم القتل كثيرة جدًا‪ ،‬فمن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن‬
‫م‪)) :‬أول ما يقضى‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ابن مسعود‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله َ‬
‫بين الناس يوم القيامة في الدماء(( ‪.‬‬
‫وفي الحديث الخر الذي رواه أبو داود من رواية عمرو بن الوليد بن عبدة‬
‫م‪:‬‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫المصري عن عبادة بن الصامت قال‪ :‬قال رسول الله َ‬
‫معِنقا ً صالحا ً ما لم يصب دما ً حرامًا‪ ،‬فإذا أصاب دما ً حراما ً‬ ‫))ل يزال المؤمن ُ‬
‫بّلح(( ‪.‬‬
‫وفي حديث آخر ‪ )) :‬لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم(( ‪.‬‬
‫وفي الحديث الخر‪)) :‬من أعان على قتل المسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم‬
‫القيامة مكتوب بين عينيه‪ :‬آيس من رحمة الله(( ‪.‬‬
‫م حقَ المسلم على أخيه المسلم‪ ،‬وتنهى‬ ‫ومن الحاديث الصحيحات التي تعظ ّ ُ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫ن أ َِبي هَُري َْرة َ َقا َ‬ ‫عن ظلمه وخذلنه‪ ،‬ما في صحيح مسلم عَ ْ‬
‫م عَلى ب َي ِْع‬ ‫َ‬ ‫ضك ْ‬ ‫ُ‬ ‫داب َُروا‪ ،‬وَل َ ي َب ِعْ ب َعْ ُ‬ ‫ضوا‪ ،‬وَل َ ت َ َ‬ ‫شوا‪ ،‬وَل َ ت ََباغَ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫دوا‪ ،‬وَل َ ت ََنا َ‬ ‫س ُ‬ ‫حا َ‬ ‫‪)) :‬ل َ ت َ َ‬
‫ه‪ ،‬وَل َ‬ ‫خذ ُل ُُ‬ ‫ه‪ ،‬وَل ي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫م ُ‬ ‫م‪ .‬ل ي َظل ِ ُ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫خو ال ُ‬ ‫مأ ُ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وانا‪ .‬ال ُ‬ ‫خ َ‬ ‫عَباد َ اللهِ إ ِ ْ‬ ‫ض‪ .‬وَكوُنوا‪ِ ،‬‬ ‫ب َعْ ٍ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫رىٍء ِ‬ ‫م ِ‬ ‫با ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ت ‪ -‬بِ َ‬ ‫مّرا ٍ‬ ‫ث َ‬ ‫َ‬
‫صد ْرِهِ ث َل َ‬ ‫شيُر إ ِلى َ‬ ‫َ‬ ‫وى هاهَُنا ‪ -‬وَي ُ ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ه‪ .‬الت ّ ْ‬ ‫قُر ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫هُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫سِلم‪ .‬ك ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال ّ‬
‫مال ُ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م‪ .‬د َ ُ‬ ‫حَرا ٌ‬ ‫سل ِم ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سل ِم ِ عَلى ال ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫م ْ‬ ‫خاهُ ال ُ‬ ‫قَر أ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫شّر أ ْ‬
‫ه((‪.‬‬ ‫ض ُ‬ ‫عْر ُ‬ ‫وَ ِ‬
‫مّنا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س ِ‬ ‫ح فلي ْ َ‬ ‫سل َ‬ ‫مل عَلي َْنا ال ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫سول اللهِ قال‪َ )) :‬‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرة َ أ ّ‬ ‫وفيه عَ ْ‬
‫مّنا((‪.‬‬ ‫س ِ‬ ‫شَنا فلي ْ َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن غَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ه‬‫صّلى الل ُّ‬ ‫ّ َ‬ ‫ي‬ ‫النب‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫قال‬ ‫عنه‬ ‫الله‬ ‫رضي‬ ‫مسعود‬ ‫ابن‬ ‫عن‬ ‫الصحيحين‪:‬‬ ‫في‬ ‫وما‬
‫فر((‪.‬‬ ‫سلم ِ ُفسوقٌ وَِقتاُله ك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫سبا ُ‬ ‫م قال‪ِ )) :‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ه الوِّلي َ‬ ‫معَ الل ّ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ل الل ّهِ ‪)) :‬إَذا َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫مَر ‪َ ،‬قا َ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫وفيهما عن َنافِِع عَ ِ‬
‫ن‬
‫ن بْ ِ‬ ‫هاذِهِ غَد َْرة ُ فُل َ ِ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قي َ‬ ‫واٌء‪ ،‬فَ ِ‬ ‫غادِرٍ ل ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ة‪ ،‬ي ُْرفَعُ ل ِك ُ ّ‬ ‫م ِ‬‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ن ي َوْ َ‬ ‫ري َ‬ ‫َوالخ ِ‬
‫ن((‪.‬‬ ‫فُل َ ٍ‬
‫)‪(6 /‬‬

‫ن الزهري قال‪ :‬حدثني‬ ‫بع ِ‬


‫شعي ٌ‬‫ن أخبَرنا ُ‬ ‫دثنا أبو اليما ِ‬ ‫وفي صحيح البخاري‪ :‬ح ّ‬
‫ي‬
‫ة زوج النب ّ‬ ‫ف بن مالك ابن الطفيل هو ابن الحارث وهو ابن أخي عائش َ‬ ‫عو ُ‬
‫ّ‬
‫حدثت أن عبد َ الله بن الزبيرِ قال في‬ ‫ة ُ‬ ‫مها أن عائش َ‬ ‫مل ّ‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن عليها‪ ،‬فقالت‪:‬‬ ‫جَر ّ‬ ‫ة أو لح ُ‬‫ن عائش ُ‬ ‫لتنتهي‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫عائشة‪:‬‬ ‫ه‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ط‬ ‫أع‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬‫عطا‬ ‫أو‬ ‫ع‬
‫ُ‬
‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫بي ٍ‬
‫ن الزبيرِ أبدا‪ً.‬‬ ‫م اب َ‬ ‫ي ن َذ ٌْر أن ل أكل َ‬ ‫ّ‬
‫أهو قال هذا ؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قالت‪ :‬هو لله عل ّ‬
‫فعُ فيه‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ت الهجرة‪ ،‬فقالت‪ :‬ل واللهِ ل أش ّ‬ ‫ن الزبير إليها حين طال ِ‬ ‫فاسَتشفعَ اب ُ‬
‫سوََر بن‬‫م ْ‬‫م ال ِ‬ ‫ث إلى َنذري‪ .‬فلما طال ذلك على ابن الزبير كل َ‬ ‫أبدا ً ول أتحن ّ ُ‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ث ‪ -‬وهما من بني ُزهرة َ ‪ -‬وقال‬ ‫ن السودِ بن عبد ِ َيغو َ‬ ‫ة وعبدِ الرحمن ب َ‬ ‫مخرم َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫دكما بالله لما أدخلتماني على عائشة فإنها ل يحل لها أن َتنذَر‬ ‫ّ‬ ‫لهما‪ :‬أنش ُ‬
‫مشتملين بأردَِيتهما حتى استأذنا‬ ‫َ‬ ‫مسوُر وعبد ُ الرحمن ُ‬ ‫َقطيعتي‪ .‬فأقبل به ال ِ‬ ‫َ‬
‫ل ؟ قالت عائشة‪:‬‬ ‫خ ُ‬ ‫م عليك ورحمة الّله وبركاته‪ ،‬أند ُ‬ ‫ة فقال‪ :‬السل ُ‬ ‫على عائش َ‬
‫ن الزبير ‪-‬‬ ‫ن معهما اب َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫خلوا كّلكم ‪ -‬ول تعل ُ‬ ‫ادخلوا‪ .‬قالوا‪ :‬كلنا ؟ قالت‪ :‬نعم اد ُ‬
‫دها ويبكي‪،‬‬ ‫ش ُ‬ ‫فقَ ُينا ِ‬ ‫ة وط َ ِ‬ ‫ب فاعتنقَ عائش َ‬ ‫ل ابن الزبير الحجا َ‬ ‫فلما َدخلوا دخ َ‬
‫ن ُيناشدانها إل ما كلمته وقب ِلت منه‪ ،‬ويقولن‪ :‬إن‬ ‫ْ‬ ‫طفقَ المسوَُر وعبد ُ الرحم ُ‬ ‫و َ‬
‫ت من الهجرة‪ ،‬فإنه ل َيحل‬ ‫م نهى عما قد علم ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫النب ّ‬
‫ل‪ ،‬فلما أكثروا على عائشة من التذكرة‬ ‫ث ليا ٍ‬ ‫جَر أخاه فوقَ ثل ِ‬ ‫لمسلم أن َيه ُ‬
‫ت‪ ،‬والّنذُر شديد‪ .‬فلم َيزال‬ ‫فقت تذكُرهما وتبكي وتقول‪ :‬إني نذر ُ‬ ‫ّ‬ ‫والتحريج ط ِ‬
‫ة‪ .‬وكانت تذكُر‬ ‫ن رقب ً‬ ‫ت في َنذِرها ذلك أربعي َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن الزبير‪ .‬وأعت َ‬ ‫بها حتى كلمت اب َ‬
‫خماَرها‪.‬‬ ‫عها ِ‬ ‫ل دمو ُ‬ ‫َنذَرها بعد َ ذلك فتبكي حتى ت َب ُ ّ‬
‫ل‬ ‫ح ّ‬ ‫ل‪)) :‬ل ي َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ل اللهِ َقا َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وفي الصحيحين‪ :‬عَ َ‬
‫ن َر ُ‬ ‫صارِيّ ‪ ،‬أ ّ‬ ‫ب الن ْ َ‬ ‫ن أِبي أّيو َ‬ ‫ْ‬
‫ض هاَذا‪.‬‬ ‫ض هاَذا وَي ُعْرِ ُ‬ ‫ن فَي ُعْرِ ُ‬ ‫قَيا ِ‬ ‫ل‪ .‬ي َل ْت َ ِ‬ ‫ث ل ََيا ٍ‬ ‫خاه ُ فَوْقَ ث َل َ ِ‬ ‫جَر أ َ َ‬ ‫ن ي َهْ ُ‬
‫َ‬
‫سل ِم ٍ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫لِ ُ‬
‫م((‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫سل ِ‬ ‫ذي ي َب ْد َأ ِبال ّ‬ ‫ما ال ِ‬ ‫خي ُْرهُ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْ ِ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫سول الله َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وروى أحمد ُ وأبو داود عن أِبي هَُري َْرةَ قال‪ :‬قال َر ُ‬
‫ت‬‫َ َ‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ث‬‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫ق‬
‫ْ َ َ َ ْ َ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫فم‬ ‫َ‬ ‫ث‪،‬‬ ‫خاهُ فَوْقَ ث َل َ ٍ‬ ‫جَر أ َ َ‬ ‫ن ي َهْ ُ‬
‫َ‬
‫سل ِم ٍ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل لِ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م‪)) :‬ل َ ي َ ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ل الّناَر(( ‪.‬‬ ‫خ َ‬ ‫دَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‪:‬‬‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الله َ‬ ‫سو َ‬ ‫معَ َر ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ي‪ ،‬أن ّ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫سل َ ِ‬ ‫ش ال ّ‬ ‫خ ََرا ٍ‬ ‫وعن أِبي ِ‬
‫ه((‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫ك دَ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫س ْ‬ ‫ة فَهُوَ ك َ َ‬ ‫سن َ َ‬ ‫خاه ُ َ‬ ‫جَر أ َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫)) َ‬
‫ل اللهِ ‪)) :‬إ َِذا ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫ن عَب ْد ِ اللهِ بن مسعود َقا َ‬ ‫ّ‬ ‫وفي الصحيحين‪ :‬عَ ْ‬
‫ه((‪.‬‬ ‫حزِن َ ُ‬ ‫ن ذلك ي َ ْ‬ ‫س‪ .‬فإ ّ‬ ‫ُ‬ ‫جى اث َْنا ِ‬ ‫ة فَل َ ي َت ََنا َ‬ ‫ث َل َث َ ً‬
‫خت َل ِطوا ِبالّنا ِ‬ ‫حّتى ت َ ْ‬ ‫ر‪َ .‬‬ ‫خ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ن ُدو َ‬
‫ل‬ ‫ي الله عنهما ‪)) :‬أن رسو َ‬ ‫وفي صحيح البخاري‪ :‬عن عبد الله بن عمَر رض َ‬
‫ل قال لخيه يا كافر فقد باَء بها‬ ‫م قال‪ :‬أيما رج ٍ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫الله َ‬
‫دهما((‪.‬‬ ‫أح ُ‬
‫ل اللهِ ‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫قو ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل َر ُ‬ ‫مَر ي َ ُ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫معَ اب ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن دِي َْنارٍ أن ّ ُ‬ ‫دِ اللهِ ب ْ ِ‬ ‫ن عَب ْ‬ ‫وعند مسلم عَ ْ‬
‫ل‪ .‬وَإ ِل ّ‬ ‫ما قا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ىء َقا َ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ن كا َ‬ ‫ما‪ .‬إ ِ ْ‬ ‫حد ُهُ َ‬ ‫قد ْ َباَء ب َِها أ َ‬ ‫ه‪َ :‬يا كافُِر‪ .‬ف َ‬ ‫خي ِ‬ ‫لل ِ‬ ‫مر ٍ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫))أي ّ َ‬
‫ه((‪.‬‬ ‫ت عَل َي ْ ِ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫َر َ‬
‫َ‬
‫م إ ِلى‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حد ُك ْ‬ ‫شيُر أ َ‬ ‫سول اللهِ ‪)) :‬ل ي ُ ِ‬ ‫وفي الصحيحين‪ :‬عن أبي هَُري َْرةَ قال‪ :‬قال َر ُ‬
‫َ‬ ‫م ل َعَ ّ‬ ‫َ‬ ‫أَ ِ‬
‫قعُ ِفي‬ ‫ه‪ .‬فَي َ َ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫في‬ ‫َ َْ ِ ُ ِ‬ ‫ع‬ ‫ز‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫طا‬ ‫شي ْ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫حد ُك ُ ْ‬ ‫ه ل َ ي َد ِْري أ َ‬ ‫سل َِح‪ .‬فَإ ِن ّ ُ‬ ‫خيهِ ِبال ّ‬
‫ن الّناِر((‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫فَرةٍ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ُ‬
‫ل أُبو‬ ‫َ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ة‪ ،‬ي َ ُ‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ه‬
‫ِ ْ ِ ِ ِ َ َ ِ ْ ُ َ ُ َ َْ َ‬ ‫با‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫ري‬ ‫سي‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫مسلم‬ ‫عند‬ ‫رواية‬ ‫وفي‬
‫كان أ َ‬ ‫شاَر إ َِلى أ َ ِ‬ ‫ن أَ َ‬
‫ُ‬ ‫ه‬ ‫خا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫َِ ْ‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫تى‬ ‫ة ت َل ْعَن ُ ُ َ ّ‬
‫ح‬ ‫ه‪.‬‬ ‫مل َئ ِك َ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ة‪ ،‬فَإ ِ ّ‬ ‫ديد َ ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫خيهِ ب ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م‪َ )) :‬‬ ‫س ُِ‬ ‫قا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ه((‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫لِبيهِ وَأ ّ‬
‫وفي مسند المام أحمد‪ ،‬حدثنا عبد الله‪ ،‬ثنا أبي‪ ،‬ثنا حسن بن موسى قال‪ :‬ثنا‬
‫زهير‪ ،‬ثنا عمارة بن غّزية‪ ،‬عن يحيى بن راشد قال‪ :‬خرجنا حجاجا ً عشرة من‬
‫أهل الشام حتى أتيتنا مكة‪ ،‬فذكر الحديث قال‪ :‬فأتيناه فخرج إلينا ‪ -‬يعني ابن‬
‫ت‬ ‫حال َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م يقول‪َ )) :‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫عمر ‪ -‬فقال‪ :‬سمعت رسول الله َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫دودِ الل ّهِ فَ َ‬ ‫َ‬
‫ت وَعَلي ْهِ د َي ْ ٌ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه‪ ،‬وَ َ‬ ‫مرِ ِ‬ ‫ه ِفي أ ْ‬ ‫حاد ّ الل َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حد ّ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ه ُدو َ‬ ‫فاعَت ُ ُ‬ ‫ش َ‬
‫ل‬‫م ِفي َباط ِ ٍ‬ ‫ص َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت‪ ،‬وَ َ‬ ‫سيَئا ِ‬ ‫ت َوال ّ‬ ‫سَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ِبال َ‬ ‫ْ‬ ‫م‪َ ،‬ولك ِ ْ‬ ‫فَلي ْ َ‬ ‫َ‬
‫س ِبالديَنارِ َوالدْرهَ ِ‬
‫س‬‫ما لي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن قا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫م ي ََز ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ٍ‬ ‫ل ِفي ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ع‪ ،‬وَ َ‬ ‫حّتى ي َن ْزِ َ‬ ‫ط اللهِ َ‬ ‫خ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ل ِفي َ‬ ‫ه‪ ،‬ل ْ‬ ‫م ُ‬ ‫وَهُوَ ي َعْل ُ‬
‫خارٍِج((‪.‬‬ ‫س بِ َ‬ ‫ما قال‪ ،‬وَلي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر َ‬ ‫حّتى ي َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫خَبا ِ‬ ‫ة ال َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه َرد ْغ َ‬ ‫ّ‬
‫قاهُ الل ُ‬ ‫س َ‬ ‫ِفيهِ َ‬

‫)‪(7 /‬‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م الكافَر على‬ ‫ن المسل ُ‬ ‫ك المبين‪ ،‬أن ُيظاهَر ويعي َ‬ ‫ة‪ ،‬والهل َ‬ ‫ة العظيم َ‬ ‫وإن الطام َ‬
‫ر‪،‬‬ ‫ل العلم يحكمون بكفرِ المظاه ِ‬ ‫ُ‬ ‫إخوانه المسلمين قول أو فعل‪ .‬وجمهوُر أه ِ‬ ‫ً‬
‫ة قلبهِ للكفار‪،‬‬ ‫ن‪ ،‬للكفار على المسلمين‪ ،‬دون أن يشترطوا محب َ‬ ‫والمعي ِ‬
‫ن باز وغيُرهم من العلماء‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫واب‬ ‫حزم‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫اب‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫الجما‬ ‫وحكى‬ ‫ولدينهم‪.‬‬
‫من‬ ‫َ َ‬ ‫و‬ ‫))‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫الله‬ ‫قول‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫وصح‬ ‫المحلى‪:‬‬ ‫في‬ ‫‪-‬‬ ‫الله‬ ‫قال ابن حزم ‪ -‬رحمه‬
‫م (( )المائدة ‪.(51 :‬‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م فَإ ِن ّ ُ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ي َت َوَل ُّهم ّ‬
‫إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار فقط‪ ،‬وهذا حقٌ ل يختلف فيه‬
‫اثنان من المسلمين‘‪ .‬وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬في‬
‫ن من ظاهر الكفار على‬ ‫مجموع الفتاوى‪ ) :‬وقد أجمع علماء السلم على أ ّ‬
‫المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم‪( .‬‬
‫م محمد بن عبد الوهاب الجمهوَر‪ ،‬فعد ّ مظاهرةَ الكفار‪ ،‬ومعاونتهم‬ ‫ووافق الما ُ‬
‫ف ول مستهز ٌ‬
‫ئ‪،‬‬ ‫على المسلمين‪ ،‬من نواقض السلم‪ .‬والتي ل ُيعذر فيها خائ ٌ‬
‫مكره المطمئن قلُبه باليمان‪.‬‬ ‫إل ال ُ‬
‫ل وعمل ونية‪ .‬وكذلك الكفر‬ ‫ن قو ٌ‬ ‫وأهل السنة والجماعة متفقون أن اليما َ‬
‫ب‪ ،‬أو الجحود‪ ،‬أو‬ ‫يكون بالقول أو بالفعل أو بالعتقاد‪ .‬ويكون سببه التكذي ُ‬
‫ب للدنيا‬ ‫ُ‬
‫مها على الخرة‪ .‬وليس كل ح ٍ‬ ‫ب الدنيا وتقدي ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫كبُر‪ ،‬أو العراض‪ ،‬أو ُ‬ ‫ال ِ‬
‫ن‪،‬‬‫َ‬ ‫الدي‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫س‬ ‫كمن‬ ‫الكفر‪.‬‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫فع‬ ‫أو‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫لقو‬ ‫بصاحبه‬ ‫يصل‬ ‫الذي‬ ‫ب‬‫ُ‬ ‫الح‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫ولك‬ ‫كفرا‪،‬‬
‫م‪ ،‬ل اعتقادا ولكن لجل مال ُيعطاه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ل‬
‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫الرسو‬ ‫أو انتقص‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫ما ِ‬ ‫لي َ‬‫ن ِبا ِ‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫مط ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن أك ْرِه َ وَقَل ْب ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مان ِهِ إ ِل ّ َ‬ ‫من ب َعْدِ إي َ‬ ‫فَر ِبالل ّهِ ِ‬ ‫من ك َ َ‬ ‫قال تعالى‪َ )) :‬‬
‫ك‬‫م* ذ َل ِ َ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ن الل ّهِ وَل َهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ب ّ‬ ‫ض ٌ‬ ‫م غَ َ‬ ‫درا ً فَعَل َي ْهِ ْ‬ ‫ص ْ‬ ‫فرِ َ‬ ‫ح ِبال ْك ُ ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫من َ‬ ‫كن ّ‬ ‫وَل َ ِ‬
‫م ال َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن((‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫دي ال َ‬ ‫ه ل َ ي َهْ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫خَرةِ وَأ ّ‬ ‫حَياة َ الد ّن َْيا عَلى ال ِ‬ ‫حّبوا ال َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ب ِأن ّهُ ُ‬
‫)النحل ‪. (107-106 :‬‬
‫قال شيخ السلم‪) :‬ونحن والناس كلهم يرون خلقا من الكفار يعرفون في‬ ‫ً‬
‫الباطن أن دين السلم حق‪ ،‬ويذكرون ما يمنعهم من اليمان‪ ،‬إما معاداة‬
‫أهلهم وإما مال يحصل لهم من جهتهم يقطعونه عنهم‪ ،‬وإما خوفهم إذا آمنوا‬
‫أن ل يكون لهم حرمة عند المسلمين كحرمتهم في دينهم‪ ،‬وأمثال ذلك من‬
‫أغراضهم التي يبينون أنها المانعة لهم من اليمان‪ ،‬مع علمهم بأن دين‬
‫السلم حق‪ ،‬ودينهم باطل‪.‬‬
‫وهذا موجود في جميع المور التي هي حق‪ ،‬يوجد من يعرف بقلبه أنها حق‬
‫وهو في الظاهر يجحد ذلك‪ ،‬ويعادي أهله لظنه أن ذلك يجلب له منفعة ويدفع‬
‫صاَرى أ َوْل َِياء‬ ‫ذوا ْ ال ْي َُهود َ َوالن ّ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا ْ ل َ ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬
‫َ‬
‫عنه مضرة‪ .‬قال تعالى‪َ)) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫دي ال ْ َ‬ ‫بعضه َ‬
‫م‬
‫قو ْ َ‬ ‫ه ل َ ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م فَإ ِن ّ ُ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫من ي َت َوَل ُّهم ّ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ٍ‬ ‫م أوْل َِياء ب َعْ‬ ‫َْ ُ ُ ْ‬
‫شى َأن‬ ‫خ َ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫َ‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫م‬
‫َ ِ ِ ْ َ‬ ‫ه‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫عو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫سا‬ ‫ي‬
‫ْ ِ ِ ّ َ َ ٌ َُ َ ِ‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫هم‬ ‫ب‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫في‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫رى‬ ‫ََ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫*‬ ‫ن‬
‫ظال ِ ِ َ‬
‫مي‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ما‬‫حوا عَلى َ‬ ‫صب ِ ُ‬ ‫عندِهِ فَي ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مرٍ ّ‬ ‫فت ِْح أوْ أ ْ‬ ‫ي ِبال َ‬ ‫ه أن ي َأت ِ َ‬ ‫سى الل ُ‬ ‫صيب ََنا َدآئ َِرةٌ فَعَ َ‬ ‫تُ ِ‬
‫هّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫موا ِبالل ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ن أقْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ؤلء ال ِ‬ ‫مُنوا أهَ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن * وَي َ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫م َنادِ ِ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫سّروا ِفي أن ْ ُ‬ ‫أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن(( )المائدة ‪- 51:‬‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫حوا ْ َ‬ ‫صب َ ُ‬ ‫م فَأ ْ‬ ‫مال ُهُ ْ‬ ‫ت أعْ َ‬ ‫حب ِط َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫م لَ َ‬ ‫م إ ِن ّهُ ْ‬ ‫مان ِهِ ْ‬ ‫جهْد َ أي ْ َ‬ ‫َ‬
‫‪. (53‬‬
‫والمفسرون متفقون على أنها نزلت بسبب قوم ممن كان يظهر السلم‬
‫ل السلم‪ ،‬فيوالي الكفار من اليهود‬ ‫ب أه ُ‬ ‫وفي قلبه مرض‪ ،‬خاف أن ي ُغْل َ َ‬
‫والنصارى وغيرهم للخوف الذي في قلوبهم‪ ,‬ل لعتقادهم أن محمدا ً كاذب‪،‬‬
‫واليهود والنصارى صادقون‪ ،‬وأشهر النقول في ذلك أن عبادة بن الصامت‬
‫قال ‪ :‬يا رسول الله إن لي موالي من اليهود وإني أبرأ إلى الله من ولية‬
‫يهود‪ .‬فقال عبد الله بن أبي‪ :‬لكني رجل أخاف الدوائر ول أبرأ من ولية يهود‬
‫فنزلت هذه الية‪‘.‬‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫هم ّ‬‫دوا عََلى أد َْبارِ ِ‬ ‫ن اْرت َ ّ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫وقال المام ابن القيم‪ :‬وقال‪)):‬إ ِ ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫هوا َ‬ ‫ن كرِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫م قالوا ل ِل ِ‬ ‫َ‬
‫م * ذ َل ِك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ملى لهُ ْ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫سوّ َ‬‫ن َ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫دى ال ّ‬ ‫م ال ْهُ َ‬ ‫ل َهُ ُ‬
‫َ‬
‫م (( )محمد ‪(26 -25 :‬‬ ‫سَراَرهُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬‫مرِ َوالل ّ ُ‬ ‫ض اْل ْ‬ ‫م ِفي ب َعْ ِ‬ ‫طيعُك ُ ْ‬ ‫سن ُ ِ‬‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ن َّز َ‬
‫وتبين أن موالة الكفار كانت سبب ارتدادهم على أدبارهم؛ ولهذا ذكر في‬
‫سورة المائدة أئمة المرتدين عقب النهي عن موالة الكفار قوله‪)) :‬ي َأ َي َّها‬
‫ذوا ْ ال ْيهود والنصارى أ َول ِيآَء بعضه َ‬
‫من ي َت َوَل ّهُ ْ‬
‫م‬ ‫ض وَ َ‬‫م أوْل َِيآُء ب َعْ ٍ‬ ‫ْ َ َْ ُ ُ ْ‬ ‫َُ َ َ ّ َ َ‬ ‫خ ُ‬‫مُنوا ْ ل َ ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن(( ‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫م الظال ِ ِ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ْ‬
‫دى ال َ‬ ‫ه ل َ ي َهْ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه ِ‬‫م فَإ ِن ّ ُ‬‫منك ُ ْ‬ ‫ّ‬

‫)‪(8 /‬‬

‫وقطع الموالة بين اليهود والنصارى وبين المؤمنين‪ ،‬وأخبر أنه من تولهم‬
‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫فإنه منهم في حكمه المبين‪ ،‬فقال تعالى وهو أصدق القائلين‪َ)) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذوا ْ ال ْيهود والنصارى أ َول ِياء بعضه َ‬
‫منك ُ ْ‬
‫م‬ ‫من ي َت َوَل ُّهم ّ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫م أوْل َِياء ب َعْ ٍ‬ ‫ْ َ َْ ُ ُ ْ‬ ‫َُ َ َ ّ َ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا ْ ل َ ت َت ّ ِ‬ ‫آ َ‬
‫ن(( )المائدة ‪. (51 :‬‬ ‫مي َ‬ ‫م الظال ِ ِ‬ ‫ّ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ْ‬
‫دي ال َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫فَإ ِن ّ ُ‬
‫ى فساد العقل‬ ‫وأخبر عن حال متوليهم بما في قلبه من المرض المؤدي إل ِ‬
‫ن‬
‫قولو َ‬ ‫ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ن ِفيهِ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫ض يُ َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِِهم ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫والدين فقال ‪)) :‬فَت ََرى ال ّ ِ‬
‫حوا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي ِبال ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صب ِ ُ‬ ‫عندِهِ فَي ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مرٍ ّ‬ ‫فت ِْح أوْ أ ْ‬ ‫ه أن ي َأت ِ َ‬ ‫سى الل ّ ُ‬ ‫صيب ََنا َدائ َِرة ٌ فَعَ َ‬ ‫شى أن ت ُ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫نَ ْ‬
‫ن(( )المائدة ‪. (52 :‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مي َ‬ ‫م َنادِ ِ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫سّروا ِفي أن ْ ُ‬ ‫ما أ َ‬ ‫عَلى َ‬
‫ثم ِ أخبر عن حبوط أعمال متوليهم‪ ،‬ليكون المؤمن لذلك من الحذرين‪ ،‬فقال‬
‫َ‬ ‫ؤلء ال ّذي َ‬ ‫مُنوا ْ أ َهَ ُ‬
‫م‬‫م إ ِن ّهُ ْ‬ ‫مان ِهِ ْ‬ ‫جهْد َ أي ْ َ‬ ‫موا ْ ِبالل ّهِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن أقْ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫تعالى‪ )) :‬وَي َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن (( )المائدة ‪.(53 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫حوا ْ َ‬ ‫صب َ ُ‬ ‫م فَأ ْ‬ ‫مال ُهُ ْ‬ ‫ت أع ْ َ‬ ‫حب ِط َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫لَ َ‬
‫ونهى المؤمنين عن اتخاذ أعدائهم أولياء‪ ،‬وقد كفروا بالحق الذي جاءهم من‬
‫ربهم‪ ،‬وأنهم ل يمتنعون من سوء ينالونهم به بأيديهم وألسنتهم إذا قدروا‬
‫ن‬
‫قو َ‬ ‫م أ َوْل َِياء ت ُل ُ‬
‫ْ‬ ‫ذوا عَد ُّوي وَعَد ُوّك ُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا َل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬
‫َ‬
‫عليه‪ ،‬فقال تعالى‪)) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫م َأن‬ ‫ل وَإ ِّياك ُ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫جو َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫حق ّ ي ُ ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫كم ّ‬ ‫جاء ُ‬ ‫ما َ‬ ‫فُروا ب ِ َ‬ ‫موَد ّةِ وَقَد ْ ك َ َ‬ ‫إ ِل َي ِْهم ِبال ْ َ‬
‫ن‬
‫سّرو َ‬ ‫ضاِتي ت ُ ِ‬ ‫مْر َ‬ ‫سِبيِلي َواب ْت َِغاء َ‬ ‫جَهادا ً ِفي َ‬ ‫م ِ‬ ‫جت ُ ْ‬ ‫خَر ْ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫م ِإن ُ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ َرب ّك ُ ْ‬ ‫ت ُؤْ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض ّ‬
‫ل‬ ‫قد ْ َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫منك ْ‬‫ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫فعَل ُ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ما أعْلنت ُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫في ْت ُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫موَد ّةِ وَأَنا أعْل ُ‬ ‫إ ِل َي ِْهم ِبال َ‬
‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫م أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫طوا إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫داء وَي َب ْ ُ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫كوُنوا ل َك ُ ْ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫فوك ُ ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ل * ِإن ي َث ْ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫واء ال ّ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫ن(( )الممتحنة ‪. (2-1 :‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫فُرو َ‬ ‫سوِء وَوَّدوا لوْ ت َك ُ‬ ‫سن َت َُهم ِبال ّ‬ ‫وَأل ِ‬
‫وجعل سبحانه لعباده المسلمين أسوة حسنة في إمام الحنفاء ومن معه من‬
‫ى دينهم امتثال ً لمر الّله‪ ،‬وإيثارا ً لمرضاته‬ ‫المؤمنين‪ ،‬إذ تبرئوا ممن ليس عل ِ‬
‫ه‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫م‬ ‫هي‬ ‫را‬ ‫ب‬‫إ‬ ‫في‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫ة‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫وما عنده‪ ،‬فقال تعالى‪)) :‬قَد ْ َ‬
‫ِْ َ ِ َ َ ِ َ َ َ ُ‬ ‫ْ ْ َ ٌ َ َ َ ٌ ِ‬ ‫كان َ ْ‬
‫دا ب َي ْن ََنا‬ ‫م وَب َ َ‬ ‫فْرَنا ب ِك ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ ك َ َ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫م إ ِّنا ب َُراء ِ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫إ ِذ ْ َقاُلوا ل ِ َ‬
‫ضاء أَبدًا(( )الممتحنة ‪. (4 :‬‬ ‫َ‬
‫داوَة ُ َوال ْب َغْ َ‬ ‫م ال ْعَ َ‬ ‫وَب َي ْن َك ُ ُ‬
‫وتبرأ سبحانه ممن اتخذ الكفاَر أولياء من دون المؤمنين‪ ،‬وحذَرهُ نفسه أشد‬
‫كافري َ‬
‫من‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫من د ُوْ ِ‬ ‫ن أوْل َِياء ِ‬ ‫ن ال ْ َ ِ ِ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫خذِ ال ْ ُ‬ ‫التحذير‪ ،‬فقال‪ )):‬ل ّ ي َت ّ ِ‬
‫هّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫حذ ُّرك ُ ُ‬ ‫قاةً وَي ُ َ‬ ‫م تُ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫قوا ِ‬ ‫يٍء إ ِل ّ أن ت َت ّ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن اللهِ ِفي َ‬ ‫م َ‬ ‫س ِ‬ ‫ك فَل َي ْ َ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫فعَ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫صيُر(( ) آل عمران ‪. (28 :‬‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫ه وَإ ِلى اللهِ ال َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫نَ ْ‬
‫مهم‪ ،‬في‬ ‫مه حك ُ‬ ‫ن الكفاَر طمعا أو خوفا‪ ،‬فهو منهم‪ ،‬حك ُ‬ ‫ً‬ ‫ن أعا َ‬ ‫م ْ‬ ‫فالحاصل ‪ :‬أن َ‬
‫الدنيا والخرة‪ ،‬على القول الراجح الذي عليه الجمهور‪.‬‬
‫م بالجماع يتعذر القول به لن بعضا ً من أهل العلم اشترط لتكفير‬ ‫ن الجز ُ‬ ‫لك ْ‬
‫المظاهر أن يجتمع مع مظاهرته ومعاونته محبته للكفار ولدينهم‪.‬‬
‫وقد أنكر المام أحمد الجماع الذي هو عدم العلم بالمخالف‪ .‬وقال شيخ‬
‫السلم‪ :‬ومعرفة الجماع قد تتعذر كثيرا أو غالبا‪ ،‬فمن ذا الذي يحيط بأقوال‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المجتهدين‪(( .‬‬
‫ف في حد الكراه‪ ،‬وما‬ ‫ر‪ ،‬الختل ُ‬ ‫مظاه ِ‬ ‫م بكفرِ ال ُ‬ ‫وكذلك يمنعُ القطعَ والجز َ‬
‫قوا ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫مكره َ بالتفاق قال تعالى ‪ )) :‬إ ِل أن ت َت ّ ُ‬ ‫ُيبيحه الكراه‪ .‬فالله تعالى قد عذر ال ُ‬
‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ها‬ ‫ي‬‫ة((‪ .‬قال ابن جرير‪ ) :‬لما تقدم الخطاب في قوله ‪ :‬يا أ َ‬ ‫قا ً‬ ‫م تُ َ‬
‫ِ َ‬ ‫َ َّ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫منك ُْ‬
‫م‬ ‫هم‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫من‬ ‫و‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ياء‬ ‫ل‬‫و‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ياء‬ ‫ل‬‫و‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫رى‬ ‫صا‬ ‫ن‬ ‫وال‬ ‫د‬ ‫هو‬ ‫ي‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ُ‬
‫ذو‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ا‬‫نو‬
‫َِْ َْ ُ ُ ْ َِْ َْ ٍ َ َ ََ َ ُ ّ‬ ‫َُ َ َ ّ َ َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫آ َ ُ‬‫م‬
‫ن (( ) المائدة ‪. (51 :‬‬ ‫مي َ‬‫ظال ِ ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫دي ال ْ َ‬
‫قو ْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ل َ ي َهْ ِ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫فَإ ِن ّ ُ‬
‫كأنهم أخذوا بعمومه حتى أنكروا على من كان له عذر في ذلك فنزلت هذه‬
‫الية رخصة في ذلك‪ ،‬وهو كاليات الصريحة في الزجر عن الكفر بعد اليمان‪،‬‬
‫ث‬‫ثم رخص فيه لمن أكره على ذلك‪ ‘.‬وسيأتي ‪ -‬إن شاء الله تعالى ‪ -‬مزيد ُ بح ٍ‬
‫لهذه المسألة عند بحث شبهة الكراه‪.‬‬
‫وخلصة القول ‪:‬‬
‫ة‪،‬‬‫ة‪ ،‬والمعاون َ‬ ‫أن ظاهَر النصوص الكثيرة‪ ،‬والذي رجحه الجمهوُر‪ ،‬أن المظاهر َ‬
‫ة‪ ،‬عن الدين‪.‬‬ ‫ق‪ ،‬ورد ٌ‬ ‫ه‪ ،‬كفٌر‪ ،‬وِنفا ٌ‬ ‫ن إكرا ٍ‬ ‫ة للكفار على المسلمين‪ُ ،‬دو َ‬ ‫الصريح َ‬
‫ن هذا الفعل كبيرة وذنبا عظيما قبيحا‪ ،‬فأمٌر مجمعٌ عليه‪ .‬لو لم تدل‬ ‫أما كو ُ‬
‫عليه النصوص الكثيرة لدل عليه العقل والفطر السليمة‪.‬‬ ‫ّ‬

‫)‪(9 /‬‬

‫ة‪ ،‬لبست ووقعت‬ ‫ن أو جماع ٍ‬ ‫م المسارعة في تكفيرِ معي ٍ‬ ‫ب الحذر‪ ،‬وعد ُ‬ ‫والواج ُ‬
‫جرم‪ .‬وذلك لوجود شبهة الكراه وإن كانت ضعيفة‪ ،‬ولعدم تحقق‬ ‫في هذا ال ُ‬
‫الجماع الثابت بيقين‪.‬‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‪ :‬د َ َ ْ‬ ‫ة َقا َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫خلَنا عَلى عَُباد َة َ ب ْ ِ‬ ‫مي ّ َ‬ ‫ن أِبي أ َ‬ ‫جَناد َة َ َب ْ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫في الصحيحين‪ :‬عَ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫معْت َ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫ه بِ ِ‬ ‫ّ‬
‫فعُ الل ُ‬ ‫ث ي َن ْ َ‬‫دي ٍ‬ ‫ح ِ‬‫ه‪ ،‬ب ِ َ‬ ‫ّ‬
‫ك الل ُ‬ ‫ح َ‬ ‫صل َ‬ ‫َ‬ ‫حد ّث َْنا‪ ،‬أ ْ‬ ‫قل َْنا‪َ :‬‬ ‫ض‪ .‬فَ ُ‬ ‫ري ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫وَهُوَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‪ .‬فَ َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ن َباي َعََنا‬ ‫خذ َ عَلي َْنا‪ ،‬أ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫كا َ‬ ‫ل اللهِ فََباي َعَْنا ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫عاَنا َر ُ‬ ‫ل‪ :‬د َ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ل اللهِ فَ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫سرَِنا‪ ،‬وَأث ََرةٍ عَلي َْنا‪.‬‬ ‫سرَِنا وَي ُ ْ‬ ‫مكَرهَِنا‪ ،‬وَعُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫شط َِنا وَ َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ة‪ِ ،‬في َ‬ ‫مِع َوالطاعَ ِ‬ ‫س ْ‬ ‫عََلى ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّهِ ِفي ِ‬
‫ه‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫عن ْد َك ُ ْ‬ ‫واحا ً ِ‬ ‫فرا ً ب َ َ‬ ‫ن ت ََرْوا ك ُ ْ‬ ‫ل‪) :‬إل ّ أ ْ‬ ‫ه‪َ .‬قا َ‬ ‫مَر أهْل َ ُ‬ ‫ن ل َ ن َُنازِعَ ال ْ‬ ‫وَأ ْ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫ها ٌ‬‫ب ُْر َ‬
‫م(‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ن َنقو َ‬ ‫َ‬
‫ة لئ ِ ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ف في اللهِ لوْ َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ث ما كّنا ل ن َ َ‬ ‫ل بالحقّ حي ُ‬ ‫زاد المام أحمد‪) :‬وأ ْ‬
‫م الله غيُر‬ ‫ن كل ُ‬ ‫وكذلك فعل ‪ -‬رحمه الله تعالى‪ -‬فقال بالحق‪ :‬أن القرآ َ‬
‫ة للدين من‬ ‫ن‪ ،‬والذى‪ ،‬حماي ً‬ ‫ب‪ ،‬والسج َ‬ ‫مخلوق‪ .‬وتحمل لجل الحق الضر َ‬
‫التبديل والتحريف‪ .‬ونهى الناس عن الخروج على المام القائل بخلق القرآن‬
‫‪ -‬الذي دعا لهذا الكفر وفتن الناس حتى يقولوه ‪ -‬لوجود الشبهة‪ ،‬وللمفاسد‪،‬‬
‫والختلف‪ ،‬والقتتال بين المسلمين‪ ،‬الذي يقع بسبب الخروج عليه‪.‬‬
‫قال حنبل‪ :‬اجتمع فقهاء بغداد في ولية الواثق إلى أبي عبد الله وقالوا له‪ :‬إن‬
‫المر قد تفاقم وفشا‪ ،‬ول نرضى بإمارته ول سلطانه‪ .‬فناظرهم وقال‪ :‬عليكم‬
‫النكار في قلوبكم‪ ،‬ول تخلعوا يدا من طاعة‪ ،‬ول تشقوا عصا المسلمين‪ ،‬ول‬
‫تسفكوا دمائكم ودماء المسلمين معكم‪ ،‬وانظروا في عاقبة أمركم‪ ،‬واصبروا‬
‫ح من فاجر‪.‬‬ ‫ح بّر‪ ،‬وُيسترا َ‬ ‫حتى يستري َ‬
‫رهم‬ ‫ضهم لكف ِ‬‫ُ‬ ‫البراءة ُ من الكفارِ وبغ ُ‬
‫البراءة ُ هي التنزه ُ والتباعد والتخلص‪ ،‬تقول العرب نحن منك البراء والخلء‪.‬‬
‫ه‬
‫سول ِ ِ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫وتكون بمعنى العذار والنذار‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪ )) :‬ب ََراءةٌ ّ‬
‫ن (( ) التوبة ‪. (1 :‬‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫هدّتم ّ‬ ‫عا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫إ َِلى ال ّ ِ‬
‫ه تعالى‬ ‫ب على المسلم نحو الكافر‪ ،‬أمٌر أوجبه الل ُ‬ ‫ض الواج ُ‬ ‫وهذه البراءةُ والبغ ُ‬
‫م‪ .‬وله ضوابط وقواعد ٌ تمنعه أن‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫في كتابه وسنة رسوله َ‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م في‬ ‫ة للكافرين‪ .‬فبالجهاد دخلت أم ٌ‬ ‫يكون ظلما وبغيا‪ ،‬وتجعله لمن تأمله رحم ً‬
‫م من الظلم والطغيان‪،‬‬ ‫السلم فنجوا بذلك من النار‪ ،‬وبالجهادِ تخلصت أم ٌ‬
‫ة واضحة‪ ،‬فمن ضلّ‬ ‫ومن التضليل والصد عن الحق‪ ،‬فوصلت إليهم الدعوةُ بين ً‬
‫ل عن بينةٍ وعصبية وتقليد‪ ،‬ومن اهتدى منهم اهتدى باختياره‬ ‫د‪ ,‬ض ّ‬ ‫منهم من بع ُ‬
‫ورضاه دون إكراه وإلزام‪.‬‬
‫ة للمسلم‪،‬‬ ‫مهم وتقريبهم وتصديرهم‪ ،‬مصلح ٌ‬ ‫وفي المر ببغضهم‪ ،‬وعدم ِ إكرا ِ‬
‫ة الله تعالى ومحبة عدوه‪.‬‬ ‫بتحقيقه العبودية لله تعالى‪ ،‬فل يجتمعُ في قلبه محب ُ‬
‫صه‬ ‫ة للكافر‪ ،‬فيعرف ويعلم أن نق َ‬ ‫ه مقاصد الشارع مصلح ٌ‬ ‫ق َ‬ ‫من ف ِ‬ ‫وفيه أيضا ل َِ‬
‫وصغاره عند المسلمين سبُبه كفُره بالله العظيم‪ ،‬ل للونه ول لجنسه ول‬
‫لشيء آخر‪ .‬فيكون ذلك سببا ً يحركه للسؤال والعلم واليمان‪.‬‬
‫ض الديني للكافر أن يجتمعَ معه البُر والحسان والعطف‪ ،‬إذا‬ ‫ول يمنع هذا البغ ُ‬
‫ن للمسلمين‪ .‬فالكتابية العفيفة‬ ‫كان الكافُر قريبا‪ ،‬أو زوجة‪ ،‬أو ذا وُد ّ وإحسا ٍ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ة للمسلم‪ ،‬ويكون بينهما المودة والرحمة‪ ،‬قال تعالى‪ )) :‬وَ ِ‬ ‫ل زوج ً‬ ‫ح ُ‬ ‫حرة ت َ ِ‬ ‫ال ُ‬
‫موَد ّةً‬ ‫ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل ب َي ْن َكم ّ‬ ‫سكُنو?ا إ ِلي َْها وَ َ‬ ‫م أْزَواجا لت َ ْ‬ ‫سك ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن أن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫خلقَ لكم ّ‬ ‫ن َ‬ ‫آَيات ِهِ أ ْ‬
‫ن(( ) الروم ‪. (21 :‬‬ ‫فكُرو َ‬ ‫ّ‬ ‫قوْم ٍ ي َت َ َ‬ ‫ّ‬
‫تل َ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي ذ َل ِك لَيا ٍ‬ ‫ة إِ ّ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬‫وََر ْ‬
‫ض وكرهٌ للكفر والشرك‬ ‫ُ‬ ‫ة سببه الزواج‪ ،‬وبغ ٌ‬ ‫فلها في قلب زوجها مودةٌ ورحم ٌ‬
‫الذي فيها‪ .‬فإذا تعارض المران‪ُ ،‬قدم البغض الديني على المحبة الدنيوية‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ما أ ّ‬ ‫ه ت ََعاَلى عَن ْهُ َ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬‫س َر ِ‬ ‫ن عَّبا ٍ‬ ‫في بلوغ المرام‪ ) :‬عن اب ِ‬ ‫قال ابن حجر‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ها‪،‬‬‫ه‪ ،‬فَي َن َْها َ‬ ‫قعُ فِي ْ ِ‬ ‫م‪ ،‬وَت َ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫م الن ّب ِ‬ ‫شت ِ ُ‬ ‫د‪ ،‬ت َ ْ‬ ‫م وَل َ ٍ‬ ‫هأ ّ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫مى َ‬ ‫أعْ َ‬
‫ه ِفي ب َط ْن َِها‪َ ،‬وات ّك َأ َ عَل َي َْها‪،‬‬ ‫جعَل َ ُ‬ ‫ل‪ ،‬فَ َ‬ ‫معْوَ َ‬ ‫خذ َ ال ِ‬ ‫ت ل َي ْل َةٍ أ َ َ‬ ‫ن َذا َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ي‪ ،‬فَل َ ّ‬ ‫فَل َ ت َن ْت َهِ ْ‬
‫مَها‬ ‫َ‬ ‫ل‪) :‬أل َ ا ْ‬‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫م‪ ،‬فَ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قت َل ََها‪ ،‬فَب َلغَ ذل ِ َ‬
‫َ‬ ‫فَ َ‬
‫ن دَ َ‬ ‫دوا أ ّ‬ ‫شهَ ُ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ك الن ّب ِ ّ‬
‫هَد ٌَر()‪..(1‬‬
‫ت البينات‪ ،‬التي تأمر وتصف‬ ‫ل على وجوب هذه البراءة والعداوة‪ ،‬اليا ُ‬ ‫قد د ّ‬
‫المؤمنين بذلك‪ ،‬وتحذرهم ضده من الموالة لهم والمحبة والمظاهرة‪،‬‬
‫ة من دون‬ ‫وتنهاهم عن الطاعة والركون والمودة‪ ،‬وعن اتخاذهم بطان ً‬
‫م من فعله‬ ‫س ُ‬ ‫ة ذلك عليهم في الدنيا والخرة‪ ،‬وت َ ِ‬ ‫المؤمنين‪ ،‬وتخوُفهم مغب ّ َ‬
‫بالنفاق‪ ،‬وأنه معدود ٌ من الكفار‪ ،‬وأنه ليس من الله في شيء‪.‬‬
‫__________‬
‫ت‬ ‫َ‬
‫قا ٌ‬ ‫ه ثِ َ‬ ‫)‪َ - (1‬رَواه ُ أُبو َداوَُد‪ ،‬وَُرَوات ُ ْ‬

‫)‪(10 /‬‬

‫ن‬‫قو َ‬ ‫م أ َوْل َِياء ت ُل ْ ُ‬ ‫ذوا عَد ُّوي وَعَد ُوّك ُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا َل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬
‫َ‬
‫منها قوله تعالى ‪ )) :‬أي َّها ال ّ ِ‬
‫م َأن‬ ‫ل وَإ ِّياك ُ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫جو َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫حق ّ ي ُ ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫كم ّ‬ ‫جاء ُ‬ ‫ما َ‬ ‫فُروا ب ِ َ‬ ‫موَد ّةِ وَقَد ْ ك َ َ‬ ‫إ ِل َي ِْهم ِبال ْ َ‬
‫ن‬‫سّرو َ‬ ‫ضاِتي ت ُ ِ‬ ‫مْر َ‬ ‫سِبيِلي َواب ْت َِغاء َ‬ ‫جَهادا ً ِفي َ‬ ‫م ِ‬ ‫جت ُ ْ‬ ‫خَر ْ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫م ِإن ُ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ َرب ّك ُ ْ‬ ‫ت ُؤْ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض ّ‬
‫ل‬ ‫قد ْ َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫فعَل ُ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ما أعْلنت ُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫في ْت ُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫موَد ّةِ وَأَنا أعْل ُ‬ ‫إ ِل َي ِْهم ِبال َ‬
‫ْ‬
‫ل (( ) الممتحنة ‪. (1 :‬‬ ‫سِبي ِ‬‫واء ال ّ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫سوا‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫ي‬ ‫د‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫ض‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫وم‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫وا‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫نوا‬ ‫م‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ها‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫يا‬ ‫))‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫وقوله‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ب ال ْ ُ‬ ‫فار من أ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن اْل ِ‬
‫قُبورِ (( ) الممتحنة ‪. (13 :‬‬ ‫ِ‬ ‫حا‬ ‫َ‬ ‫ص‬
‫ْ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫س‬
‫ما ي َئ ِ َ‬ ‫خَرةِ ك َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫حّبوا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م أوْل َِياء إ ِ‬ ‫وان َك ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫ذوا آَباءك ْ‬ ‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله تعالى‪َ :‬يا أي َّها ال ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ن (( ) التوبة ‪:‬‬ ‫مو َ‬ ‫م الظال ِ ُ‬ ‫َ‬
‫م فَأوْلئ ِك هُ ُ‬ ‫منك ْ‬ ‫ُ‬ ‫من ي َت َوَلُهم ّ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫فَر عََلى ا ِ‬
‫لي َ‬ ‫ال ْك ُ ْ‬
‫‪. (23‬‬
‫م هُُزوا ً وَل َِعبا ً‬ ‫ذوا ْ ِدين َك ُْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ذي َ‬ ‫ذوا ال ِ‬ ‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله تعالى‪َ )) :‬يا أي َّها ال ِ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫من ال ّذي ُ‬
‫ُ‬
‫ه ِإن كنُتم‬ ‫قوا الل َ‬ ‫فاَر أوْل َِياء َوات ّ ُ‬ ‫ُ‬
‫م َوالك ّ‬ ‫ُ‬
‫من قب ْل ِك ْ‬ ‫َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن أوُتوا ْ ال ْك َِتا َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ّ َ‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن (( ) المائدة ‪. (57 :‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ّ‬


‫هّ‬
‫حاد ّ الل َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫واّدو َ‬ ‫خرِ ي ُ َ‬ ‫ْ‬
‫ن ِباللهِ َوالي َوْم ِ ال ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫مُنو َ‬ ‫وما ي ُؤْ ِ‬ ‫ً‬ ‫جد ُ ق ْ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫وقوله تعالى‪ )) :‬ل ت َ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه وَل َوْ َ‬
‫ب ِفي‬ ‫َ‬
‫م أوْلئ ِك كت َ َ‬ ‫َ‬ ‫شيَرت َهُ ْ‬ ‫م أوْ عَ ِ‬ ‫وان َهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م أوْ إ ِ ْ‬ ‫م أوْ أب َْناءهُ ْ‬ ‫كاُنوا آَباءهُ ْ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫َ‬
‫حت َِها اْلن َْهاُر‬ ‫َ‬
‫ِ َ ْ‬ ‫ت‬
‫َ‬
‫من‬ ‫ري‬ ‫قُُلوب ِ ِ ُ ِ َ َ َ ّ َ ُ ِ ُ ٍ ّ ْ ُ َ ُ ْ ِ ُ ْ ُ َ ّ ٍ َ ْ ِ‬
‫ج‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫نا‬ ‫ج‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫رو‬ ‫ب‬ ‫هم‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫لي‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ب الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ب الل ّهِ أَل إ ِ ّ‬ ‫حْز ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫ه أوْل َئ ِ َ‬ ‫ضوا عَن ْ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه عَن ْهُ ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن ِفيَها َر ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ن (( ) المجادلة ‪. (22 :‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫هُ ُ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫خَبال ً‬ ‫م َ‬ ‫م ل َ ي َألون َك ُ ْ‬ ‫ة من ُدون ِك ُ ْ‬ ‫ذوا ب ِطان َ ً‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا ل َ ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله تعالى‪ )) :‬ياأي َّها ال ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م أك ْب َُر قَد ْ ب َي ّّنا‬ ‫دوُرهُ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫في ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫واهِهِ ْ‬ ‫ن أفْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ضآُء ِ‬ ‫ت ال ْب َغْ َ‬ ‫م قَد ْ ب َد َ ِ‬ ‫ما عَن ِت ّ ْ‬ ‫وَّدوا ْ َ‬
‫ن‬‫مُنو َ‬ ‫م وَت ُؤْ ِ‬ ‫حّبون َك ُ ْ‬ ‫م وَل َ ي ُ ِ‬ ‫حّبون َهُ ْ‬ ‫م أ ُْول?ِء ت ُ ِ‬ ‫هآ أن ْت ُ ْ‬
‫ل َك ُم اليات إن ك ُنتم تعقُلون * َ َ‬
‫َ‬ ‫َ ِ ِ ْ ُْ ْ َ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ظ‬‫ن الغَي ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ا‬‫ضو‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ا‬ ‫ْ‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫إ‬
‫َ َِ‬ ‫و‬ ‫نا‬ ‫ّ‬ ‫م‬ ‫آ‬ ‫ا‬‫لو?‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫إ‬
‫َِ‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫كل‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫ِبال ْك ِ‬
‫تا‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫م‬‫سؤْهُ ْ‬ ‫ة تَ ُ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫دورِ * ِإن ت َ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫موُتوا ْ ب ِغَي ْظ ِك ُ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫قُ ْ‬
‫ن‬
‫شْيئا إ ِ ّ‬‫ً‬ ‫م َ‬ ‫م كي ْد ُهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ضّرك ْ‬‫ُ‬ ‫قوا ل ي َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫صب ُِروا وَت َت ّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫حوا ب َِها وَِإن ت َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫فَر ُ‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫سيئ َ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫صب ْك ْ‬ ‫وَِإن ت ُ ِ‬
‫حيط (( ) آل عمران ‪(120-118 :‬‬ ‫ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫م عََلى‬ ‫َ‬
‫فُروا ْ ي َُرّدوك ُ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫طيُعوا ْ ال ّ ِ‬ ‫مُنو?ا ْ ِإن ت ُ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله تعالى‪َ )) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن(( ) آل عمران ‪. (100 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫س‬
‫خا ِ‬ ‫قل ُِبوا ْ َ‬ ‫م فََتن َ‬ ‫قاب ِك ُ ْ‬ ‫أ َع ْ َ‬
‫كافري َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫ن أوْل َِيآَء ِ‬ ‫ذوا ْ ال ْ َ ِ ِ ً َ‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا ْ ل َ ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله تعالى‪َ )) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫مِبينًا(( ) النساء ‪. (144 :‬‬ ‫ال ْمؤْمِنين أ َتريدو َ‬
‫طانا ً ّ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫جعَُلوا ْ لل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ن أن ت َ ْ‬ ‫ُ ِ َ ُ ِ ُ َ‬
‫م المنافقين وتصفهم بتولي ومحبةِ الكافرين‪ ،‬ومظاهرتهم على‬ ‫س ُ‬ ‫ت تَ ِ‬ ‫وآيا ٌ‬
‫المسلمين‪ .‬بغضا للدين والسلم والمسلمين عند قوم‪ ،‬وهذا الكفر الصريح‪،‬‬
‫والدرك السفل من النار‪ .‬وخوفا ومحبة للدنيا عند آخرين‪ ،‬وحب الدنيا‬
‫فَر‬‫من ك َ َ‬ ‫وتقديمها على الخرة قد ُيوصل صاحَبه إلى الكفر‪ .‬قال تعالى‪َ )) :‬‬
‫بالل ّه من بعد إيمان ِه إل ّ م ُ‬
‫ح‬‫شَر َ‬ ‫من َ‬ ‫كن ّ‬ ‫ن وََل ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫لي َ‬ ‫ن ِبا ِ‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫مط ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن أك ْرِه َ وَقَل ْب ُ ُ‬ ‫ِ ِ ِ َْ ِ َ ِ ِ َ ْ‬
‫حّبوا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ُ‬ ‫م * ذال ِ َ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ن اللهِ وَلهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ب ّ‬ ‫ض ٌ‬ ‫م غَ َ‬ ‫درا ً فَعَل َي ْهِ ْ‬ ‫ص ْ‬ ‫فرِ َ‬ ‫ِبال ْك ُ ْ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫دي ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن(( ) النحل ‪-106 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ه ل َ ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫خَرةِ وَأ ّ‬ ‫حَياةَ ال ْد ّن َْيا عََلى ال ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫‪. (107‬‬
‫ن ومن شابههم‪ .‬وكفٌر‬ ‫س وفرعو َ‬ ‫كبُر والعلو‪ ،‬ككفر إبلي َ‬ ‫فالكفُر كفٌر سببه ال ِ‬
‫ش ومن شابههم‪.‬‬ ‫سببه الجحود والتقليد والتعظيم للسادة والباء‪ ،‬ككفر قري ٍ‬
‫ض والجهل‪ ،‬ككفر عبدةِ الضرحة والقبور يسمعون القرآن‬ ‫وكفٌر سببه العرا ُ‬
‫والسنة والنذير من العلماء والدعاة‪ ،‬فيعرضون عن التعلم والتفقه والسؤال‪.‬‬
‫م الدنيا على الخرة‪ ،‬فيعتقد أو يعمل أو يقول الكفر ليتزوج‬ ‫وكفٌر سببه تقدي ُ‬
‫كافرة ً أعجبته‪ ،‬أو ليكسب جاها ومال‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬
‫َ َ‬ ‫قد مل َ‬
‫خذ َ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ب الدنيا قلَبه‪ ،‬فكان إلهه هواه‪ .‬قال تعالى‪ )) :‬أفََرأي ْ َ‬ ‫ح ُ‬‫ك ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫صرِهِ‬ ‫ل عَلى ب َ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫معِهِ وَقَلب ِهِ وَ َ‬ ‫س ْ‬
‫م عَلى َ‬ ‫خت َ َ‬
‫علم ٍ وَ َ‬ ‫ه عَلى ِ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫ضل ُ‬ ‫واه ُ وَأ َ‬ ‫ه هَ َ‬‫اله ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن (( ) الجاثية ‪. (23 :‬‬ ‫من ب َعْدِ اللهِ أفَل َ ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫ديهِ ِ‬ ‫من ي َهْ ِ‬ ‫شاوَة ً فَ َ‬ ‫ِغ َ‬
‫ريد ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫َ‬
‫من كا َ‬ ‫حْرث ِهِ وَ َ‬ ‫ه ِفي َ‬ ‫َ‬
‫خَرةِ ن َزِد ْ ل ُ‬ ‫ث ال ِ‬ ‫حْر َ‬ ‫ريد ُ َ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫َ‬
‫من كا َ‬ ‫وقال تعالى‪َ )) :‬‬
‫ب(( ) الشورى ‪.(20 :‬‬ ‫صي ٍ‬ ‫من ن ّ ِ‬ ‫خَرةِ ِ‬ ‫ه ِفي ال ِ‬ ‫َ‬
‫ما ل ُ‬ ‫من َْها وَ َ‬ ‫ث الد ّن َْيا ن ُؤْت ِهِ ِ‬ ‫حْر َ‬ ‫َ‬
‫ب والغتراُر بدار الُغروِر‪ ،‬أنسى صاحَبه الخرة‪ ،‬والجنة والنار‪ ،‬ككفر‬ ‫هذا الح ُ‬
‫م‪ ،‬والبينات‪ ،‬فانسلخ منها واتبع الشيطان‪ .‬قال‬ ‫ت‪ ،‬والعل َ‬ ‫ه اليا ِ‬ ‫الذي آتاه الل ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫شي ْطا ُ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫من َْها فَأت ْب َعَ ُ‬‫خ ِ‬‫سل َ‬ ‫ذي? آت َي َْناهُ آَيات َِنا َفان ْ َ‬ ‫م ن َب َأ ال ِ‬ ‫ل عَلي ْهِ ْ‬ ‫تعالى‪َ )) :‬وات ْ ُ‬
‫ن (( ) العراف ‪. (175 :‬‬ ‫ن ال َْغاِوي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬
‫كا َ‬ ‫فَ َ‬
‫قال ابن جرير في تفسيره‪ ) :‬عن ابن عباس قال‪ :‬لما نزل موسى عليه‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلم يعني بالجبارين ومن معه‪ .‬أتاه ‪ -‬يعني بلعم ‪ -‬بنو عمه وقومه‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫إن موسى رجل حديد‪ ،‬ومعه جنود كثيرة‪ ،‬وإنه إن يظهر علينا يهلكنا‪ .‬فادع الله‬
‫ه أن يرد ّ موسى ومن‬ ‫أن يرد ّ عنا موسى ومن معه قال‪ :‬إني إن دعوت الل َ‬
‫ه مما‬ ‫ُ‬ ‫الل‬ ‫فسلخه‬ ‫عليهم‪،‬‬ ‫معه ذهبت دنياي وآخرتي‪ .‬فلم يزالوا به حتى دعا‬
‫َ‬
‫ن(( ‘‪.‬‬ ‫ن ال َْغاِوي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫من َْها فَأت ْب َعَ ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫سل َ َ‬ ‫كان عليه‪ ،‬فذلك قوله‪َ )) :‬فان ْ َ‬
‫وقال أيضا‪:‬‬
‫) اختلف أهل التأويل فيه فقيل رجل من بني إسرائيل اسمه بلعم أو بلعام‪،‬‬
‫وقيل هو أمية بن أبي الصلت (‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ذابا أِليما * ال ِ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫ن ب ِأ ّ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ومنها قوله تعالى‪َ )) :‬بشرِ ال ْ ُ‬
‫كافرين أ َول ِيآَء من دون ال ْمؤْمِني َ‬
‫ن العِّزة َ لل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م ال ْعِّزة َ فَإ ِ ّ‬ ‫عند َهُ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن أي َب ْت َُغو َ‬ ‫ُ ِ َ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ْ َ ِ ِ َ ْ َ‬
‫ميعًا(( )النساء ‪. (139- 138:‬‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ضهُ ْ‬ ‫صاَرى أوْل َِيآَء ب َعْ ُ‬ ‫ذوا الي َُهود َ َوالن ّ َ‬ ‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله تعالى‪َ )) :‬يـ?أي َّها ال ِ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن*‬ ‫مي َ‬ ‫م الظال ِ ِ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫دي ال َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م فَإ ِن ّ ُ‬ ‫ُ‬
‫م منك ْ‬ ‫من ي َت َوَل ّهُ ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ٍ‬ ‫أوْل َِيآُء ب َعْ‬
‫َ‬
‫صيب ََنا‬ ‫شى أن ت ُ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ن ِفيهِ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫ض يُ َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِِهم ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫فَت ََرى ال ّ ِ‬
‫سّروا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مآ أ َ‬ ‫حوا ْ عََلى َ‬ ‫صب ِ ُ‬ ‫عندِهِ فَي ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مرٍ م ْ‬ ‫فت ِْح أوْ أ ْ‬ ‫ي ِبال ْ َ‬ ‫ه أن ي َأت ِ َ‬ ‫سى الل ّ ُ‬ ‫َدآئ َِرةٌ فَعَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِفي? أ َن ْ ُ‬
‫جهْد َ‬ ‫موا ْ ِبالل ّهِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن أقْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ؤل?ِء ال ّ ِ‬ ‫هـ? ُ‬ ‫مُنوا ْ أ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن * وَي َ ُ‬ ‫َ‬ ‫مي‬ ‫م َنادِ ِ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن(( ) المائدة ‪(53-51 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫حوا ْ َ‬ ‫صب َ ُ‬ ‫م فَأ ْ‬ ‫مال ُهُ ْ‬ ‫ت أع ْ َ‬ ‫حب ِط َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫م لَ َ‬ ‫م إ ِن ّهُ ْ‬ ‫مان ِهِ ْ‬ ‫أي ْ َ‬
‫‪.‬‬
‫َ‬
‫دى‬ ‫م ال ْهُ َ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫م ّ‬ ‫دوا ْ عََلى أد ْب َرِهِ ْ‬ ‫ن اْرت َ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫وقوله تعالى‪ )) :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ما ن َّز َ‬ ‫هوا ْ َ‬ ‫ن ك َرِ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َقاُلوا ْ ل ِل ّ ِ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫م * ذ َل ِ َ‬ ‫م َْلى ل َهُ ْ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫سوّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫شي ْط َ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م (( )محمد ‪.(26-25 :‬‬ ‫سَراَرهُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ه ي َعْل ُ‬ ‫مرِ َوالل ُ‬ ‫ض ال ْ‬ ‫م ِفى ب َعْ ِ‬ ‫طيعُك ُ ْ‬ ‫سن ُ ِ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه‬
‫َ ْ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ما‬ ‫ِ َ َ‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ئ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫رو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫و‬
‫ُ ْ َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ثير‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫رى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫))‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫وقوله‬
‫ن * وَل َوْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫خ َ‬ ‫فسه َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مُنو َ‬ ‫كاُنوا ي ُؤْ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫و‬
‫ِ ْ َ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ط‬ ‫س ِ‬ ‫م أن َ‬ ‫أن ُ ُ ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن ((‪.‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫ن ك َِثيرا ً من ْهُ ْ‬ ‫م أوْل َِيآَء وََلك ِ ّ‬ ‫ذوهُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ما ات ّ َ‬ ‫ل إ ِل َي ْهِ َ‬ ‫ما أن ْزِ َ‬ ‫ِبالله والن ِّبي وَ َ‬
‫) المائدة ‪(81 -80‬‬
‫قال مجاهد‪ :‬يعني بذلك المنافقين‪ ،‬وقال غيره بني إسرائيل‪ ،‬والعبرة ُ ‪ -‬كما‬
‫ن أتصف بتولي‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قال أهل التفسير ‪ -‬بعموم اللفظ ل خصوص السبب‪ .‬فلك ِ‬
‫ب من هذا الذم والوعيد‪.‬‬ ‫الكافرين نصي ٌ‬
‫قال ابن كثير‪ ):‬وقوله‪ :‬لبئس ما قدمت لهم أنفسهم‪ ،‬يعني بذلك موالتهم‬
‫للكافرين‪ ،‬وتركهم موالة المؤمنين التي أعقبتهم نفاقا ً في قلوبهم‪،‬‬
‫خ َ‬ ‫َ‬
‫ط‬ ‫س ِ‬ ‫وأسخطت الله عليهم سخطا ً مستمرا ً إلى يوم معادهم‪ ،‬ولهذا قال‪ :‬أن َ‬
‫ن ((‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب هُ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م‪ ،‬فسر بذلك ما ذمهم به‪ ،‬ثم أخبر أنهم وَِفى ال ْعَ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫يعني يوم القيامة‪‘.‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫م والذين معه ‪ -‬قيل هم أتباعه‪ ،‬وقيل هم النبياء‪ ،‬وكلهما‬ ‫وفي قصة إبراهي َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سوَةٌ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ت لك ْ‬ ‫ح ‪ -‬عبرة ٌ وأسوة حسنة للمؤمنين‪ ،‬قال تعالى‪ )) :‬قَد ْ كان َ ْ‬ ‫صحي ٌ‬
‫ن‬
‫دو َ‬‫ما ت َعْب ُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫م إ ِّنا ب َُرءآؤا من ْك ْ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ه إ ِذ ْ َقالوا ل ِ َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫م َوال ِ‬ ‫هي َ‬ ‫ة ِفي? إ ِب َْرا ِ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫مُنوا ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫حّتى ت ُؤْ ِ‬ ‫ضآُء أَبدا َ‬ ‫داوَة ُ َوالب َغْ َ‬ ‫م العَ َ‬ ‫دا ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ‬ ‫م وَب َ َ‬ ‫فْرَنا ب ِك ْ‬ ‫ن اللهِ ك َ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫ِ‬
‫من‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫حد َه ُ إ ِل قَوْ َ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫مل ِك لك ِ‬ ‫مآ أ ْ‬ ‫ن لك و َ َ‬ ‫فَر ّ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م لِبيهِ ل ْ‬ ‫هي َ‬ ‫ل إ ِب َْرا ِ‬ ‫ِباللهِ وَ ْ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذي َ‬ ‫ة لل ِ‬ ‫جعَلَنا فِت ْن َ ً‬ ‫صيُر * َرب َّنا ل ت َ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫يٍء ّرب َّنا عَلي ْك ت َوَكلَنا وَإ ِلي ْك أن َب َْنا وَإ ِلي ْك ال َ‬ ‫ش ْ‬
‫سوَةٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫كَ َ‬
‫مأ ْ‬ ‫م ِفيهِ ْ‬ ‫ن لك ْ‬ ‫قد ْ كا َ‬ ‫م*ل َ‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيُز ال َ‬ ‫ت العَ ِ‬ ‫فْر لَنا َرب َّنآ إ ِن ّك أن َ‬ ‫فُروا َواغ ِ‬
‫ه هُوَ ال ْغَن ِ ّ‬
‫ي‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ل فَإ ِ ّ‬ ‫من ي َت َوَ ّ‬ ‫خَر وَ َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ه َوال ْي َوْ َ‬ ‫جو الل ّ َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫من َ‬ ‫ةل َ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ميد ُ (( ) الممتحنة ‪. (6-4 :‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ال ْ َ‬


‫قال ابن كثير في تفسيره لليات‪ :‬يقول تعالى لعباده المؤمنين الذين أمرهم‬
‫كانت ل َك ُ ُ‬
‫سوَةٌ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫بمصارمة الكافرين وعداوتهم ومجانبتهم والتبري منهم‪ :‬قَد ْ َ َ ْ‬
‫ه‪ ،‬أي وأتباعه الذين آمنوا معه )) إ ِذ ْ َقاُلوا ْ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َوال ّ ِ‬ ‫هي َ‬ ‫ة ِفى? إ ِب َْرا ِ‬ ‫سن َ ٌ‬‫ح َ‬ ‫َ‬
‫فْرَنا‬ ‫ن الل ّهِ ك َ َ‬ ‫ُ ِ‬‫دو‬ ‫من‬ ‫ن‬ ‫دو‬
‫َ ِ ّ َْ ُ ُ َ ِ‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫منكم‬ ‫تبرأنا‬ ‫أي‬ ‫م‪،‬‬ ‫ّ ْ‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫من‬ ‫راء‬ ‫لِ ْ ِ ِ ْ ِ ّ َ َ‬
‫ب‬ ‫نا‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬
‫ضآُء أَبدا ً (( ‪،‬‬ ‫َ‬
‫داوَة ُ َوال ْب َغْ َ‬ ‫م ال ْعَ َ‬ ‫دا ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ُ‬ ‫م (( ‪ ،‬أي بدينكم وطريقكم وَب َ َ‬ ‫ب ِك ُ ْ‬
‫يعني وقد شرعت العداوة والبغضاء من الن بيننا وبينكم‪ ،‬مادمتم على كفركم‬
‫ه‪ ،‬أي إلى أن توحدوا‬ ‫حد َ ُ‬ ‫مُنوا ْ ِبالل ّهِ وَ ْ‬ ‫حّتى ت ُؤْ ِ‬ ‫فنحن أبدا ً نتبرأ منكم ونبغضكم َ‬
‫الله فتعبدوه وحده ل شريك له وتخلعوا ما تعبدون معه من الوثان والنداد‪.‬‬
‫ك (( ‪.‬‬ ‫ن لَ َ‬ ‫فَر ّ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وقوله تعالى‪ )) :‬إ ِل ّ قَوْ َ‬
‫م لِبيهِ ل ْ‬ ‫هي َ‬ ‫ل إ ِب َْرا ِ‬
‫أي لكم في إبراهيم وقومه أسوة حسنة تتأسون بها إل في استغفار إبراهيم‬
‫لبيه‪ ،‬فإنه إنما كان عن موعدة وعدها إياه‪ ،‬فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه‪،‬‬
‫وذلك أن بعض المؤمنين كانوا يدعون لبائهم الذين ماتوا على الشرك‬
‫ويستغفرون لهم ويقولون إن إبراهيم كان يستغفر لبيه‪ ،‬فأنزل الله عز وجل‪:‬‬
‫كاُنو?ا ْ أ ُوِْلي‬ ‫ن وَل َوْ َ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فُروا ْ ل ِل ْ ُ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫مُنو?ا ْ أن ي َ ْ‬
‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ي َوال ّ ِ‬ ‫ن ِللن ّب ِ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫)) َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫هي َ‬ ‫فاُر إ ِب َْرا ِ‬ ‫ست ِغْ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ما كا َ‬ ‫حيم ِ * وَ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ب ال َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م أن ّهُ ْ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫قُْرَبى ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل َِبيهِ إ ِل ّ َ‬
‫م‬
‫هي َ‬ ‫ن إ ِب َْرا ِ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ه عَد ُوّ لل ّهِ ت َب َّرأ ِ‬ ‫ه أن ّ ُ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫هآ إ ِّياه ُ فَل َ ّ‬ ‫عد َةٍ وَعَد َ َ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫عن ّ‬
‫م (( ‪ ) .‬التوبة ‪(114-113 :‬‬ ‫حِلي ٌ‬ ‫ل َّواه ٌ َ‬
‫ة في أصحاب الكهف مع قومهم‪ ،‬وفي عبيدة بن‬ ‫ولنا أيضا عبرةٌ وأسوة ٌ حسن ٌ‬
‫ب الله‬ ‫الجراح مع أبيه‪ ،‬ومصعب بن عمير مع أخيه‪ ،‬وغيرهم كثير ممن نفى ح ُ‬
‫ب وموادةَ من عادى الله وكفر به‪.‬‬ ‫تعالى من قلوبهم ح َ‬
‫ومن المهم جدا في ختام هذا الفصل‪ ،‬التذكيُر والتأكيد ُ على أن هذه العداوةَ‬
‫ح ومحبة الهداية واليمان‬ ‫ل والنصاف‪ ،‬والُنص ُ‬ ‫والبغضاء للكفار‪ ،‬يصاحبها العد ُ‬
‫ب منهم ويظلم ويعتدي على‬ ‫للناس أجمعين‪ .‬والبُر والحسان لمن لم يحار ْ‬
‫السلم وأهله‪.‬‬
‫ه‬
‫ه عَلي ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ن رسول الله َ‬ ‫ففي الصحيح‪ :‬عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أ ّ‬
‫ب منها‪،‬‬ ‫شرِ َ‬ ‫ل ِبئرا ف َ‬ ‫ً‬ ‫ش‪ ،‬فن ََز َ‬ ‫ل َيمشي فاشتد ّ عليه العَط َ ُ‬ ‫م قال‪) :‬بينا رج ٌ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫مث ْلُ‬ ‫ش‪ ،‬فقال‪ :‬لقد ب َلغَ هذا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن العَط ِ‬ ‫م َ‬ ‫ث يأكل الثَرى ِ‬ ‫ب ي َلهَ ُ‬ ‫ج فإذا هو بكل ٍ‬
‫َ‬
‫م خَر َ‬ ‫ث ّ‬
‫ه‬‫شكَر الل ُ‬ ‫َ‬ ‫ب‪ ،‬ف َ‬ ‫ْ‬
‫قى الكل َ‬ ‫س َ‬ ‫يف َ‬ ‫م َرقِ َ‬ ‫ه بفيه‪ ،‬ث ّ‬ ‫سك ُ‬ ‫َ‬ ‫م أم َ‬ ‫هث ّ‬ ‫ف ُ‬ ‫خ ّ‬ ‫مل ُ‬ ‫الذي ب َلغَ بي‪ .‬ف َ‬ ‫َ‬
‫د‬
‫ِ ٍ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ك‬ ‫في‬ ‫قال‪:‬‬ ‫؟‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫جر‬ ‫أ‬
‫ِ ِ ْ‬ ‫م‬ ‫ئ‬ ‫البها‬ ‫في‬ ‫لنا‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫وإ‬ ‫الله‪،‬‬ ‫يارسول‬ ‫قالوا‪:‬‬ ‫فَر له‪.‬‬ ‫ه فغَ َ‬ ‫ل ُ‬
‫َرط ْب َةٍ أجر(‪.‬‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫والمؤمن ل يظلم ول يخون ول يغدر‪ ،‬قال تعالى‪ )) :‬ل ّ ي َن َْهاك ُ ُ‬
‫خرجوك ُم من ديارك ُ َ‬
‫م‬‫طو?ا ْ إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫م وَت ُ ْ‬ ‫م أن ت َب َّروهُ ْ‬ ‫َِ ِ ْ‬ ‫ْ ّ‬ ‫م يُ ْ ِ ُ‬ ‫ن وَل َ ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫م ِفي ال ّ‬ ‫قات ُِلوك ُ ْ‬ ‫م يُ َ‬ ‫لَ ْ‬
‫ن (( ) الممتحنة ‪. (8 :‬‬ ‫طي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫إِ ّ‬

‫)‪(13 /‬‬

‫ن (( من أهل‬ ‫دي ِ‬
‫م ِفي ال ّ‬ ‫م ُيقات ُِلوك ُ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫قال ابن جرير‪ :‬ل ي َْنهاك ُ ُ‬
‫م (( ‪ ،‬يقول‪ :‬وتعدلوا‬ ‫طوا إل َي ْهِ ْ‬‫س ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫م وَت ُ ْ‬‫ن َتبّروهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ن ِديارِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫رجوك ُ ْ‬
‫خ ِ‬
‫مكة َولم ي ُ ْ‬
‫فيهم بإحسانكم إليهم‪ ،‬وبّركم بهم‪ .‬واختلف أهل التأويل في الذين عُُنوا بهذه‬
‫عني بها‪ :‬الذين كانوا آمنوا بمكة ولم يهاجروا‪ ،‬فأذن الله‬ ‫الية‪ ،‬فقال بعضهم ُ‬
‫للمؤمنين ببّرهم والحسان إليهم ‪ ...‬وقال آخرون‪ :‬عُِني بها من غير أهل مكة‬
‫ن لم يهاجر ‪ ...‬وقال آخرون‪ :‬بل عُِني بها من مشركي مكة من لم يقاتل‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫المؤمنين‪ ،‬ولم يخرجوهم من ديارهم‪ ،‬قال‪ :‬ونسخ الله ذلك بعد ُ بالمر بقتالهم‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ...‬وأولى القوال في ذلك بالصواب قول من قال‪ :‬عُِني بذلك‪ :‬ل ينهاكم الله‬
‫عن الذين لم يقاتلوكم في الدين‪ ،‬من جميع أصناف الملل والديان أن تبّروهم‬
‫م ِفي‬ ‫م ُيقاتُلوك ُ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م بقوله ال ّ ِ‬ ‫لع ّ‬ ‫وتصلوهم‪ ،‬وتقسطوا إليهم‪ ،‬إن الله عّز وج ّ‬
‫ص به‬ ‫ص ْ‬ ‫م جميع من كان ذلك صفته‪ ،‬فلم يخ ُ‬ ‫ن ِديارِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جوك ْ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ن ول َ ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫ال ّ‬
‫بعضا دون بعض‪ ،‬ول معنى لقول من قال‪ :‬ذلك منسوخ‪ ،‬لن ب ِّر المؤمن من‬
‫أهل الحرب ممن بينه وبينه قرابة نسب‪ ،‬أو ممن ل قرابة بينه وبينه ول نسب‬
‫غير محّرم ول منهى عنه إذا لم يكن في ذلك دللة له‪ ،‬أو لهل الحرب على‬
‫كراع أو سلح‪ .‬قد بين صحة ما قلنا في‬ ‫عورة لهل السلم‪ ،‬أو تقوية لهم ب ُ‬
‫ذلك‪ ،‬الخبر الذي ذكرناه عن ابن الزبير في قصة أسماء وأمها‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫ب المنصفين الذين ينصفون‬ ‫ن يقول‪ :‬إن الله يح ّ‬ ‫طي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫)إ ّ‬
‫حسنون‬ ‫الناس‪ ،‬ويعطونهم الحقّ والعدل من أنفسهم‪ ،‬فيبّرون من بّرهم‪ ،‬وي ُ ْ‬
‫إلى من أحسن إليهم ( ‪.‬‬
‫وقال القرطبي في تفسيره‪ ’ :‬قال أكثر أهل التأويل‪ :‬هي محكمة‪ .‬واحتجوا‪:‬‬
‫مها‬ ‫لأ ّ‬ ‫م‪ :‬هل َتص ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫بأن أسماء بنت أبي بكر سألت النب ّ‬
‫دمت عليها مشركة؟ قال‪) :‬نعم( خّرجه البخاري ومسلم‪‘.‬‬ ‫حين ق ِ‬
‫فالشارع الحكيم الرحيم يريد للناس الخير والهداية‪ ،‬والنجاة من الكفر والنار‪.‬‬
‫ب‬ ‫م وَي َُتو َ‬ ‫من قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫سن َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م وَي َهْدِي َك ُ ْ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫ه ل ِي َُبي َ‬ ‫ريد ُ الل ّ ُ‬ ‫قال تعالى‪ )) :‬ي ُ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ريد ُ ال ّ ِ‬ ‫م وَي ُ ِ‬ ‫ب عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ريد ُ أن ي َُتو َ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫م * َوالل ّ ُ‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫سا ُ‬ ‫لن َ‬ ‫خل ِقَ ا ِ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫ف عَن ْك ُ ْ‬ ‫خف َ‬ ‫ه أن ي ُ َ‬ ‫ريد ُ الل ّ ُ‬ ‫ظيما ً * ي ُ ِ‬ ‫مي ْل ً عَ ِ‬ ‫ميُلوا ْ َ‬ ‫ت أن ت َ ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫شهَ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ضِعيفًا(( ) النساء ‪. (28 -26‬‬ ‫َ‬
‫يقول ابن كثير في تفسيره‪ ’ :‬يقول تعالى لعباده المؤمنين بعد أن أمرهم‬
‫بعداوة الكافرين ))عَسى الل ّ َ‬
‫من ُْهم‬ ‫عاد َي ُْتم ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫م وَب َي ْ َ‬ ‫ل ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ه أن ي َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫ة بعد الفرقة َوالل ُّ‬ ‫ة‪ ,‬ومودة بعد النفرة‪ ،‬وُألف ً‬ ‫ة بعد البغض ِ‬ ‫موَد ّة ً (( ‪ ،‬أي محب ً‬ ‫ّ‬
‫ديٌر‪ ،‬أي على ما يشاء من الجمع بين الشياء المتنافرة والمتباينة والمختلفة‬ ‫قَ ِ‬
‫فيؤلف بين القلوب بعد العداوة والقساوة فتصبح مجتمعة متفقة‪‘.‬‬
‫م‘‪ .‬وذكر فيه‬ ‫جر ٍ‬ ‫هدا ً بغير ُ‬ ‫معا ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫ن َقت َ‬ ‫م ْ‬‫ب ِإثم ِ َ‬ ‫وقال البخاري في صحيحه‪ ’ :‬با ُ‬
‫هّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫ن النب ّ‬ ‫ه عنهما ع ِ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ن عمرو رض َ‬ ‫حديث مجاهد ٍ عن عبدِ اللهِ ب ِ‬
‫جد ُ من‬ ‫حها تو َ‬ ‫ن ري َ‬ ‫ة الجنة‪ ،‬وإ ِ ّ‬ ‫ح رائح َ‬ ‫هدا لم ير ْ‬ ‫ً‬ ‫معا ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫من َقت َ‬ ‫م قال‪َ ) :‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫مسيرةِ أربعين عامًا(‪.‬‬ ‫َ‬
‫قال الفقيه شمس الدين ابن قدامة ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ -‬في كتابه الشرح‬
‫ُ‬
‫ض لهم‪،‬‬ ‫حُرم قت ُْلهم ومالهم والتعّر ُ‬ ‫ي لهل الحرب َ‬ ‫ن إذا أعط ّ‬ ‫الكبير‪ ’ :‬أن الما َ‬
‫ويصح من كل مسلم بالغ عاقل مختار ذكرا كان أو أنثى حرا كان أو عبدا ‪..‬‬
‫م أنه قال )ذمة المسلمين واحدة‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ولنا ما روي عن النبي َ‬
‫يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملئكة والناس أجمعين‬
‫ل يقبل منه صرف ول عدل( رواه البخاري ‪.‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫وروى فضيل بن يزيد الرقاشي قال جهز عمر بن الخطاب جيشا فكنت فيه‬
‫فحضرنا موضعا فرأينا أنا سنفتحها اليوم وجعلنا نقبل ونروح فبقي عبد منا‬
‫فراطنهم وراطنوه فكتب لهم المان في صحيفة وشدها على سهم ورمى بها‬
‫إليهم فأخذوها وخرجوا فكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب فقال العبد المسلم‬
‫رجل من المسلمين ذمته ذمتهم رواه سعيد ‪ ..‬قالت عائشة إن كانت المرأة‬
‫لتجير على المسلمين فيجوز وعن أم هانىء أنها قالت يا رسول الله إني‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أجرت أحمائي وأغلقت عليهم وإن ابن أمي أراد قتلهم فقال لها رسول الله‬
‫م قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ إنما يجير على‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫هّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫المسلمين أدناهم رواهما سعيد وأجارت زينب بنت رسول الله َ‬
‫م ‪...‬‬ ‫ّ‬
‫ه عَل ْ ِ َ َ َ‬
‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫م أبا العاص بن الربيع فأمضاه رسول الله َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫علجا ً فقال له قف أو ألق سلحك فقد أمنه ‪ ...‬فصل‪ :‬وإذا‬ ‫ي ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ن لَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قال‪ :‬و َ‬
‫دخل حربي دار السلم بغير أمان نظرت فإن كان معه متاعٌ يبيعه في دار‬
‫ض لهم وقال‬ ‫السلم وقد جرت العادة بدخولهم إلينا تجارا بغير أمان لم ُيعر ْ‬
‫أحمد إذا ركب القوم في البحر فاستقبلهم فيه تجاٌر مشركون من أرض العدو‬
‫يريدون بلد السلم لم يعرضوا لهم ولم يقاتلوهم وكل من دخل بلد‬
‫المسلمين من أهل الحرب بتجارة بويع ولم يسأل عن شيء ‪ ...‬ويصح أمان‬
‫المام للسير بعد الستيلء عليه لن عمر رضي الله عنه لما قدم عليه‬
‫بالهرمزان أسيرا قال ل بأس عليك ثم أراد قتله فقال له أنس قد أمنته فل‬
‫سبيل لك عليه وشهد الزبير بذلك فعدوه أمانا رواه سعيد ‪ ...‬ول يجوز عقد‬
‫الهدنة ول الذمة إل من المام أو نائبه لنه عقد مع جملة الكفار وليس ذلك‬
‫لغيره ولنه يتعلق بنظر المام وما يراه من المصلحة على ما قدمناه ولن‬
‫تجويزه لغير المام يتضمن تعطيل الجهاد بالكلية أو إلى تلك الناحية وفيه‬
‫افتيات على المام‪.‬‬
‫فإن هادنهم غيُر المام أو نائبه‪ ،‬لم يصح‪ ،‬وإن دخل بعضهم دار السلم بهذا‬
‫الصلح كان آمنا لنه دخل معتقدا للمان‪ ،‬وُيرد ُ إلى دار الحرب‪ ،‬ول يقر في‬
‫ن لم يصح‪‘.‬‬ ‫دار السلم‪ ،‬لن الما َ‬
‫فانظر ‪ -‬رحمك الله تعالى ‪ -‬إلى هذا الستدلل بالدلة الصحيحة‪ ،‬والفقه‬
‫والستنباط السليم منها‪ ،‬وإلى النظر الدقيق في المصالح والمقاصد‪ .‬لتعلم‬
‫ن‪ ،‬الذي وقع فيه من تعدى فظلم أو قتل الكافر‬ ‫َ‬
‫م‪ ،‬والخطأ البي َ‬ ‫م العظي َ‬ ‫الث َ‬
‫خلقه ومروءته بارتكابه‬ ‫المستأمن‪ .‬فأساء إلى نفسه بارتكاب الكبيرة‪ ,‬وإلى ُ‬
‫الغدر والخيانة‪ ،‬وإلى مصالح المسلمين جميعا برأيه وتقديره‪.‬‬
‫َ‬
‫ن في البراءة والعداوة‪ ،‬فكذلك ل إفراط وغلوَ فيها‪،‬‬ ‫ط وتهاو َ‬ ‫فكما ل تفري َ‬
‫يعارض ويصادم النصوص الصريحة الدالة على تحريم الغدر والخيانة وقتل‬
‫المعاهد‪ .‬ويسوق صاحَبه إلى معارضة المقاصد الشرعية والمصالح المعتبرة‬
‫المرعية فيوقعه في الثم والحرج‪.‬‬
‫شبهة الوفاء بالمواثيق مع الكفار‬
‫ت على التصحيح والرضا بميثاق باطل ظالم‪ .‬فإن زعموه‬ ‫هذه شبه ٌ ُ‬
‫سس ْ‬ ‫ةأ ِ‬
‫ملزما‪ ،‬قيل فقد نقضوه هم ونكثوه‪ ،‬وخالفوا ما ألزموا به‬ ‫عقدا ً صحيحا ً ُ‬
‫ظلما‪ .‬فإن غالط بالباطل أحد ٌ فقال ما نقضوه ول نكثوه‪ ،‬قيل فقد‬ ‫المسلمين ُ‬
‫ضه على المسلمين‪ ،‬بعد الذي فعلوه من احتلل البلد واستحلل‬ ‫وجب إذن نق ُ‬
‫الدماء‪.‬‬
‫م‬ ‫َ‬
‫شْيئا وَل ْ‬ ‫ً‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫صوك ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫م َين ُ‬ ‫َ‬
‫مل ْ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬‫م َ‬ ‫هدّتم ّ‬ ‫عا َ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫قال تعالى‪ )) :‬إ ِل ّ ال ِ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ظاهروا ْ عَل َيك ُ َ‬
‫ن((‬‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫مد ّت ِهِ ْ‬ ‫م إ ِلى ُ‬ ‫م عَهْد َهُ ْ‬ ‫مو?ا إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫حدا فَأت ِ ّ‬ ‫مأ َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫يُ َ ِ ُ‬
‫) التوبة ‪. (4:‬‬
‫ل وهم لم ُيبقوا شئيا إل‬ ‫فهل هؤلء الكفرة لم ينقصونا شيئا‪ ،‬هل يقوله عاق ٌ‬
‫وقد فعلوه‪ ،‬من غزو وقتل ونهب وظلم‪ .‬حتى حقّ عليهم قوله تعالى‪ )) :‬وَِإن‬
‫ة ال ْك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م لَ‬‫فرِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫قات ُِلو?ا ْ أئ ِ ّ‬ ‫م فَ َ‬ ‫م وَط َعَُنوا ْ ِفي ِدين ِك ُ ْ‬ ‫من ب َعْد ِ عَهْدِهِ ْ‬ ‫مان َُهم ّ‬ ‫ن ّك َُثو?ا ْ أي ْ َ‬
‫موا ْ ب ِإ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن * أ َل َ ت ُ َ‬ ‫َ‬
‫خَراِج‬ ‫م وَهَ ّ‬ ‫مان َهُ ْ‬ ‫وما ً ن ّك َُثو?ا ْ أي ْ َ‬ ‫ن قَ ْ‬ ‫قات ُِلو َ‬ ‫م َينت َُهو َ‬ ‫م ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫أي ْ َ‬
‫م‬‫كنت ُ ْ‬ ‫شوْه ُ ِإن ُ‬ ‫خ َ‬ ‫حقّ َأن ت َ ْ‬ ‫شونهم َفالل ّ َ‬
‫هأ َ‬ ‫ُ‬ ‫خ َ َُْ ْ‬ ‫مّرةٍ أ َت َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫م أ َوّ َ‬ ‫هم ب َد َُءوك ُ ْ‬ ‫ل وَ ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫الّر ُ‬
‫ن((‬ ‫م ِ َ‬
‫ني‬ ‫مؤ ُ ِ‬‫ّ‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫) التوبة ‪. (13-12 :‬‬


‫ن بيننا وبين الكفار عهود ومواثيق‪ ،‬فليس لنا أن نخلفها ونقطعها‪،‬‬ ‫فزعموا أ ْ‬
‫سؤول(( )السراء ‪. (34‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬‫ن َ‬‫ن العَهْد َ كا َ‬ ‫والله تعالى يقول‪ )) :‬وَأوْفوا ِبالعَهْدِ إ ِ ّ‬
‫حّتى‬‫ْ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬‫ي‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫من‬ ‫هم‬
‫َ َِِ ّ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫من‬ ‫م‬
‫ْ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫رو‬ ‫م ي َُها ِ ُ‬
‫ج‬ ‫مُنوا ْ وَل َ ْ‬‫نآ َ‬ ‫ويقول تعالى‪َ )) :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫م‬ ‫صُر إ ِل ّ عََلى قَوْم ٍ ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫م وَب َي ْن َهُ ْ‬ ‫م الن ّ ْ‬‫ن فَعَل َي ْك ُ ُ‬ ‫دي ِ‬‫م ِفي ال ّ‬ ‫صُروك ُ ْ‬ ‫سَتن َ‬ ‫نا ْ‬ ‫جُروا ْ وَإ ِ ِ‬
‫ي َُها ِ‬
‫صيٌر(( )النفال ‪.(72 :‬‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ميَثاقٌ َوالل ّ ُ‬
‫ه بِ َ‬ ‫ّ‬

‫)‪(15 /‬‬

‫م مناصرة‬ ‫ب عد َ‬ ‫فاستدلوا بهذه الية الكريمة على أن الوفاء بالعهد للكفار ُيوج ُ‬
‫المسلمين المعتدى عليهم في العراق وأفغانستان وغيرها من البلد‪ .‬بل ذهب‬
‫بعضهم يسوقها مستدل بها في العتذار لمن ظاهر الكفار وأعانهم على‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫هذه هي شبهتهم التي استدلوا بها‪ ،‬وفرحوا بها وقعدوا‪ ،‬عن ُنصرة المسلمين‬
‫المستضعفين‪ ،‬الذين غزاهم الكفار في بلدهم فاستلبوها منهم‪ ،‬وسفكوا‬
‫دماءهم‪ ،‬وهتكوا أعراضهم‪ ،‬واستلبوا أموالهم‪ .‬ويسعون جاهدين ليولوا عليهم‬
‫ن يفتنهم عن دينهم‪ ،‬ويحكم فيهم بالكفر والطاغوت‪ ،‬ويظهر ببلدهم الكفر‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫والشرك والفجور‪.‬‬
‫ل بالية الكريمة في مثل هذا الوضع والواقع والحال‪.‬‬ ‫فسبحان الله كيف ُيستد ُ‬
‫وهل يستدل به إل من كان في قلبه زيغٌ وهوىً وإيثاٌر للدنيا على الخرة‪ .‬أو‬
‫من كان مصدقا للكذب والتضليل الذي تلقيه شياطين النس من الكفرة‬
‫والمنافقين‪.‬‬
‫إن من التلبيس والتحريف الستدلل بهذه الية للتخذيل والنهي عن مناصرة‬
‫المسلمين‪ ،‬أو الرجاف والفتنة في صفوفهم بدعوتهم إلى ترك الجهاد‬
‫والتسليم للكفار‪ .‬أو التشكيك في صدقهم وقوتهم وصلح دينهم‪ ،‬فهذا فعل‬
‫ما قُت ُِلوا‬ ‫عوَنا َ‬ ‫طا ُ‬‫دوا ْ ل َوْ أ َ َ‬
‫م وَقَعَ ُ‬ ‫وان ِهِ ْ‬
‫خ َ‬ ‫ن َقاُلوا ْ ل ِ ْ‬ ‫ذي َ‬‫المنافقين‪ .‬قال تعالى‪ )) :‬ال ّ ِ‬
‫ن(( ) آل عمران ‪. (186 :‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِإن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫مو ْ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫سك ُ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬‫ل َفاد َْرُءوا عَ ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫م إ ِل َي َْنا وَل َ‬ ‫ُ‬
‫م هَل ّ‬ ‫وان ِهِ ْ‬
‫خ َ‬
‫ن لِ ْ‬ ‫قآئ ِِلي َ‬ ‫ْ‬
‫م َوال َ‬ ‫ُ‬
‫منك ْ‬ ‫ن ِ‬‫معَوِّقي َ‬ ‫ْ‬
‫ه ال ُ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫َ‬
‫وقال تعالى‪ :‬قَد ْ ي َعْل ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫س إ ِل ّ قَِليل (() الحزاب ‪. (148 :‬‬ ‫ً‬ ‫ن ال ْب َأ َ‬‫ي َأُتو َ‬
‫م ي َب ُْغون َك ُ ُ‬
‫م‬ ‫خل َل َك ُ ْ‬ ‫ضُعوا ْ ِ‬ ‫خَبال ً ول َوْ َ‬ ‫م إ ِل ّ َ‬ ‫ما َزاُدوك ُ ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫جوا ْ ِفي ُ‬ ‫خَر ُ‬ ‫وقال تعالى‪ )) :‬ل َوْ َ‬
‫ن(( ) التوبة ‪. (47 :‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫م ِبال ّ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬‫م َوالل ّ ُ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫س ّ‬
‫م َ‬ ‫ة وَِفيك ُ ْ‬‫فت ْن َ َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫قال ابن جرير‪)) :‬لم يزيدوكم بخروجهم فيكم إل فسادا وضّرا ولذلك ثبطتهم‬
‫عن الخروج معكم ‪ ...‬يطلبون لكم ما تفتنون به عن مخرجكم في مغزاكم‪،‬‬
‫بتثبيطهم إياكم عنه‪‘.‬‬
‫من استدل بالية للقعود عن مناصرة المسلمين معتذرا بعهده معهم‪.‬‬ ‫أما َ‬
‫ف لما اتفق عليه‬ ‫ل البعد ِ عن ما دلت الية عليه‪ ،‬مخال ٌ‬ ‫ل بعيد ٌ ك ُ ّ‬ ‫فاستدل ٌ‬
‫ب لصول الستدلل الصحيح‪ ،‬والفقه‬ ‫المفسرون في تفسيرهم لها‪ ،‬مجان ٌ‬
‫والفهم السليم‪ .‬فالذي يفهمه القارئ للية من ظاهرها‪ ،‬والذي اتفق‬
‫المفسرون عليه‪ ،‬أن الذين آمنوا وهاجروا ‪ -‬وهم المهاجرون ‪ -‬والذين آووا‬
‫ض أولياٌء في وجوب الُنصرة والمظاهرة‪.‬‬ ‫ضهم لبع ٍ‬ ‫ونصروا ‪ -‬وهم النصار ‪ -‬بع ُ‬
‫والذين آمنوا ولم يهاجروا‪ ،‬وهم العراب الذين بقوا بباديتهم وبدار الحرب‪،‬‬
‫فهؤلء العراب‪ ،‬ومن في حكمهم‪ ،‬ممن لم يهاجر من بلد الكفر إلى بلد‬
‫السلم‪ ،‬إن استنصروا المسلمين في قتال الكفار المعاهدين‪ ،‬فل تجب‬
‫نصرتهم‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن المعلوم أن الهجرة ل تكون إل من بلد الكفر إلى بلد السلم‪ .‬فهل‬
‫المجاهدون اليوم في العراق أو فلسطين أو أفغانستان أو الشيشان‪ ،‬بلدهم‬
‫ط حقهم في‬ ‫بلد كفر تجب الهجرة منها‪ ،‬فقصروا في ترك الهجرة حتى ُنسق َ‬
‫ب الُنصرة لهم من بقية المسلمين ؟‬ ‫وجو ِ‬
‫وهل يقبلهم بلد ٌ مسلم فينحازوا إليه ويقاتلوا منه ؟ أو ُيهاجروا إليه حتى‬
‫يسلموا من الفتنة في دينهم‪ ،‬ويحفظوا دمائهم وأعراضهم وأموالهم؟‬
‫وهذه أقوال أئمة التفسير أسوقها ليظهر شذوذ هذا القول وبعده عن الحق‬
‫مُنوا الذين‬
‫نآ َ‬ ‫والصواب‪ .‬قال ابن جرير‪ ) :‬يعني بقوله تعالى ذكره‪ :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫جُروا قومهم الكفار‪ ،‬ولم يفارقوا دار الكفر إلى‬ ‫م ُيها ِ‬ ‫صدقوا بالله ورسوله‪ ،‬ول َ ْ‬
‫م أيها المؤمنون بالله ورسوله المهاجرون قومهم‬ ‫دار السلم‪ .‬ما ل َك ُ ْ‬
‫م يعني‪ :‬من نصرتهم وميراثهم‪ ،‬وقد‬ ‫ن َولي َت ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬‫ض الحرب‪ِ ،‬‬ ‫المشركين وأر َ‬
‫ذكرت قول بعض من قال معنى الولية هاهنا الميراث‪ ،‬وسأذكر إن شاء الله‬
‫جُروا قومهم ودورهم من دار‬ ‫يٍء حتى ُيها ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫من حضرني ذكره بعد‪ِ .‬‬
‫ن (( يقول‪ :‬إن استنصركم‬ ‫دي ِ‬
‫م ِفي ال ّ‬ ‫ُ‬
‫صُروك ْ‬‫ست َن ْ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫الحرب إلى دار السلم‪َ .‬وإ ِ‬
‫هؤلء الذين آمنوا ولم يهاجروا في الدين‪ ،‬يعني بأنهم من أهل دينكم على‬
‫أعدائكم وأعدائهم من المشركين‪ ،‬فعليكم أيها المؤمنون من المهاجرين‬
‫والنصار النصر‪ ،‬إل أن يستنصروكم على قوم بينكم وبينهم ميثاق‪ ،‬يعني عهد‬
‫قد وثق به بعضكم على بعض أن ل يحاربه(‪.‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫ن‪ ،‬يريد إن دعوا‬ ‫دي ِ‬ ‫صُروك ُ ْ‬


‫م ِفي ال ّ‬ ‫سَتن َ‬
‫نا ْ‬ ‫وقال القرطبي في تفسيره‪ ) :‬وَإ ِ ِ‬
‫هؤلء المؤمنون الذين لم يهاجروا من أرض الحرب‪ ،‬عونكم بنفير أو مال‬
‫لستنقاذهم فأعينوهم‪ ،‬فذلك فرض عليكم فل تخذلوهم‪ .‬إل أن يستنصروكم‬
‫على قوم كفار بينكم وبينهم ميثاق فل تنصروهم عليهم‪ ،‬ول تنقضوا العهد‬
‫دته‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬إل أن يكونوا أسراء‪ ،‬مستضعفين‪ ،‬فإن‬ ‫حتى تتم م ّ‬
‫رف حتى‬ ‫الولية معهم قائمة والنصرة لهم واجبة‪ ،‬حتى ل تبقى منا عين تط ِ‬
‫تخرج إلى استنقاذهم إن كان عددنا يحتمل ذلك‪ ،‬أو نبذل جميع أموالنا في‬
‫استخراجهم حتى ل يبقى لحد درهم‪ .‬كذلك قال مالك وجميع العلماء‪ ،‬فإنا لله‬
‫ل بالخلق في تركهم إخواَنهم في أسر العدّو‬ ‫وإنا إليه راجعون‪ ،‬على ما ح ّ‬
‫جَلد ‪...‬‬ ‫وة وال َ‬
‫وبأيديهم خزائن الموال‪ ،‬وفضول الحوال والقدرة والعدد والق ّ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫َ ْ‬ ‫ك‬‫ت‬ ‫المؤمنين))‬ ‫ن الكافَر دون‬ ‫فعَُلوه ُ (( ‪ ،‬وهو أن يتوَّلى المؤم ُ‬ ‫ثم قال‪)) :‬إ ِل ّ ت َ ْ‬
‫ة((‪ ،‬أي محنة بالحرب‪ ،‬وما انجّر معها من الغارات والجلء والسر‪.‬‬ ‫فِت ْن َ ٌ‬
‫والفساد ُ الكبير ظهور الشرك‪‘.‬‬
‫جُروا ْ (( ‪ ،‬هذا هو الصنف الثالث من‬ ‫حّتى ي َُها ِ‬ ‫ىٍء َ‬ ‫من َ‬
‫ش ْ‬ ‫وقال ابن كثير‪ّ )) :‬‬
‫المؤمنين‪ ،‬وهم الذين آمنوا ولم يهاجروا‪ ،‬بل أقاموا في بواديهم‪ ،‬فهؤلء ليس‬
‫لهم في المغانم نصيب‪ ،‬ول في خمسها إل ما حضروا فيه القتال‪.‬‬
‫وكذلك قاله الشوكاني‪ ،‬والبغوي‪ ،‬والثعالبي‪ ،‬والشوكاني‪ ،‬والشنقيطي‪،‬‬
‫وغيرهم رحمهم الله تعالى‪.‬‬
‫هذا هو تفسير الية الكريمة الذي أتفق عليه أئمة التفسير‪ .‬فكيف ساغ لهؤلء‬
‫المتحذلقين أن ينزلوا أهل الجهاد في العراق وغيره منزلة من آمن ولم يهاجر‬
‫؟‬
‫ل أظنهم وهم يستدلون بالية لترك المناصرة‪ ،‬بل وللتخذيل عنهم‪،‬‬
‫ن‬ ‫ن هوىً وركو ٌ‬ ‫وللمظاهرةِ عليهم‪ ،‬يجهلون ما أتفق عليه أئمة التفسير‪ .‬ولك ْ‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ف على دنيا ً تزول‪ ،‬أذهل عن الحق وصرف عنه‪.‬‬ ‫إلى الرض‪ ،‬وخو ٌ‬
‫ة للمسلمين‪ ،‬متى لم تكن منهم كفاية‬ ‫ل العلم متفقون أن الُنصرةَ واجب ٌ‬ ‫وأه ُ‬
‫وقوة على رد الكفار عن بلدهم‪ .‬فالجهاد فرض عين على من نزل العدو‬
‫ن عليهم إذا لم‬ ‫ض عي ٍ‬ ‫ض كفايةٍ على الخرين‪ ،‬ينقلب ويصير فر َ‬ ‫ببلده‪ .‬وفر ُ‬
‫تحصل الكفاية والقوة والمنعة بأهل البلد حتى تتحقق الكفاية لهم‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية في الجهاد وأنه يكون تارة طلبا‪ ،‬وتارة دفعا‪:‬‬
‫)يجب ابتداء ودفعًا‪ .‬فإذا كان ابتداء‪ ،‬فهو فرض على الكفاية‪ ،‬إذا قام به‬
‫البعض سقط الفرض عن الباقين‪ ،‬وكان الفضل لمن قام به‪ ،‬كما قال الله‬
‫ُ‬
‫ن ِفي‬ ‫دو َ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ضَررِ َوال ْ ُ‬ ‫ن غَي ُْر أوِْلي ال ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫قا ِ‬ ‫وي ال ْ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫تعالى‪ )) :‬ل ّ ي َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م عَلى‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م وَأن ْ ُ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬‫ن ب ِأ ْ‬ ‫دي َ‬ ‫جاهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ال ُ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫م فَ ّ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م وَأن ْ ُ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ ب ِأ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫دي َ‬ ‫ع ِ‬ ‫قا ِ‬ ‫ْ‬
‫ن عَلى ال َ‬ ‫َ‬ ‫دي َ‬ ‫جاهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫ه ال ُ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫سَنى وَفَ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ْ‬
‫ه ال ُ‬ ‫ّ‬
‫ة وَكل وَعَد َ الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ج ً‬ ‫ن د ََر َ‬ ‫دي َ‬ ‫ع ِ‬ ‫قا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ظيمًا((‬ ‫َ‬
‫جرا ً عَ ِ‬ ‫أ ْ‬
‫) النساء ‪.(95 :‬‬
‫ً‬
‫فأما إذا أراد العدو الهجوم على المسلمين‪ ،‬فإنه يصير دفعه واجبا على‬
‫المقصودين كلهم‪ ،‬وعلى غير المقصودين‪ ،‬لعانتهم‪ ،‬كما قال الله تعالى‪:‬‬
‫م وََأن ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ل الل ّهِ َوال ِ‬
‫ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫م في َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫موَل ِهِ ْ‬ ‫دوا ْ ب ِأ ْ‬ ‫جهَ ُ‬ ‫جُروا ْ وَ َ‬ ‫ها َ‬ ‫مُنوا ْ وَ َ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫)) إ ِ ّ‬
‫كم‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫رو‬ ‫ج‬ ‫ها‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫نو‬ ‫م‬ ‫ءا‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫يآ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ئ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫رو‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ ْ َُ ِ ُ‬ ‫ْ ِ َْ ُ ُ ْ َِْ َْ ٍ َ ِ َ‬ ‫َءاَووا ّ َ َ ُ‬
‫ص‬ ‫ن‬ ‫و‬
‫صُر‬ ‫م الن ّ ْ‬ ‫ن فَعَل َي ْك ُ ُ‬ ‫دي ِ‬ ‫م في ال ّ‬ ‫صُروك ُ ْ‬ ‫سَتن َ‬ ‫نا ْ‬ ‫جُروا ْ وَإ ِ ِ‬ ‫حّتى ي َُها ِ‬ ‫ىٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫من َولي َت ِِهم ّ‬ ‫ّ‬
‫صيٌر(( ) النفال ‪. (72 :‬‬ ‫َ َ ِ‬‫ب‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫م‬ ‫ع‬
‫َ ُ ِ َ َْ َ‬‫ت‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫ٌ‬ ‫ق‬ ‫َ‬
‫ثا‬ ‫مي‬ ‫هم‬ ‫ن‬
‫ْ ٍ ََْ ْ َََُْ ّ‬‫ي‬ ‫ب‬‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ي‬‫ب‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إِ‬
‫م بنصر المسلم‪ ،‬وسواء كان الرجل من‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫وكما أمر النبي َ‬
‫المرتزقة للقتال أو لم يكن ‪ ،‬وهذا يجب بحسب المكان على كل أحد بنفسه‬
‫وماله‪ ،‬مع القلة والكثرة‪ ،‬والمشي والركوب‪ ،‬كما كان المسلمون لما قصدهم‬
‫العدو عام الخندق لم يأذن الله في تركه لحد‪ ،‬كما أذن في ترك الجهاد ابتداء‬
‫لطلب العدو‪ ،‬الذي قسمهم فيه إلى قاعد وخارج‪ .‬بل ذم الذين يستأذنون‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫م لك ْ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫ل ي َث ْرِ َ‬ ‫م يأ َهْ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ة ّ‬ ‫ف ٌ‬ ‫طآئ ِ َ‬ ‫م )) وَإ ِذ ْ َقاَلت ّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫النبي َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ى ب ِعَوَْرةٍ ِإن‬ ‫ما هِ َ‬ ‫ن ب ُُيوت ََنا عَوَْرة ٌ وَ َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫قولو َ‬ ‫ى يَ ُ‬ ‫م الن ّب ِ ّ‬ ‫من ْهُ ُ‬ ‫ريقٌ ّ‬ ‫ن فَ ِ‬ ‫ست َأذِ ُ‬ ‫جُعوا وَي َ ْ‬ ‫َفاْر ِ‬
‫ن إ ِل فَِرارا(( ) الحزاب ‪. (13 :‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫يُ ِ‬
‫فهذا دفع عن الدين والحرمة والنفس‪ ،‬وهو قتال اضطرار‪ ،‬وذلك قتال‬
‫اختيار ‪ :‬للزيادة في الدين وإعلئه‪ ،‬ولرهاب العدو‪ ،‬كغزاة تبوك ونحوها(‪.‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫وقال رحمه الله تعالى مبينا أن ترك المناصرة‪ ،‬والخوف من الكفار نوع من‬
‫الشرك‪ ) :‬وكلما قوي التوحيد في قلب العبد قوي إيمانه وطمأنينته‪ ،‬وتوكله‪،‬‬
‫ويقينه‪ .‬والخوف الذي يحصل في قلوب الناس هو الشرك الذي في قلوبهم‪،‬‬
‫كوا ْ ِبالل ّهِ َ‬
‫ما‬ ‫شَر ُ‬ ‫مآ أ َ ْ‬‫ب بِ َ‬ ‫فُروا ْ الّرعْ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫قى في قُُلو ِ‬ ‫سن ُل ْ ِ‬ ‫قال الله تعالى‪َ )) :‬‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ن(( ) آل عمران ‪:‬‬ ‫مي َ‬‫وى الظاال ِ ِ‬ ‫مث ْ َ‬
‫س َ‬ ‫م الّناُر وَب ِئ ْ َ‬ ‫مأَواهُ ُ‬ ‫طنا ً وَ َ‬
‫سل ْ َ‬ ‫م ي ُن َّز ْ‬
‫ل ب ِهِ ُ‬ ‫لَ ْ‬
‫‪.(151‬‬
‫ه َقا َ‬
‫ل‬ ‫م ُ‬‫ه قَوْ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫حآ ّ‬‫وكما قال الله جل جلله في قصة الخليل عليه السلم ‪ )) :‬وَ َ‬
‫شآَء َرّبي‬ ‫ن ب ِهِ إ ِل ّ َأن ي َ َ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫خا ُ‬ ‫داِني وَل َ أ َ َ‬ ‫جو?ّني ِفي الل ّهِ وَقَد ْ هَ َ‬ ‫حا ّ‬ ‫أت ُ َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ن(( ) النعام ‪.(80 :‬‬ ‫عْلما ً أفَل َ ت َت َذ َك ُّرو َ‬ ‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫سعَ َرّبي ك ُ ّ‬ ‫شْيئا ً وَ ِ‬ ‫َ‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫م‬‫ن وَهُ ْ‬ ‫م ُ‬‫م ال ْ‬ ‫م ب ِظلم ٍ أوْلئ ِك لهُ ُ‬ ‫من َهُ ْ‬ ‫سوا ِإي َ‬ ‫م ي َلب ِ ُ‬
‫مُنوا وَل ْ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬‫إلى قوله‪ )):‬ال ِ‬
‫ن (( ) النعام ‪.(82 :‬‬ ‫دو َ‬ ‫مهْت َ ُ‬ ‫ّ‬
‫وفي الحديث الصحيح‪ ) ،‬تعس عبد الدينار! تعس عبد الدرهم! تعس عبد‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخميصة! تعس عبد الخميلة! تعكس وانتكس! وإذا شيك فل انتقش(‪.‬‬


‫فمن كان في قلبه رياسة لمخلوق ففيه من عبوديته بحسب ذلك‪ .‬فلما خوفوا‬
‫خليله بما يعبدونه ويشركون به ‪ -‬الشرك الكبر كالعبادة ‪ -‬قال الخليل‪ :‬وَك َي ْ َ‬
‫ف‬
‫ل ب ِهِ عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م ي ُن َّز ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫شَرك ُْتم ِبالل ّهِ َ‬ ‫م أَ ْ‬ ‫ن أ ْن ّك ُ ْ‬
‫خاُفو َ‬
‫َ‬ ‫م وَل َ ت َ َ‬ ‫شَرك ْت ُ ْ‬ ‫مآ أ َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫خا ُ‬ ‫أَ َ‬
‫ن(( ) النعام ‪(81 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ن ِإن ُ‬ ‫م ِ‬
‫َ‬
‫حقّ ِبال ْ‬ ‫نأ َ‬
‫قي َ‬
‫ري َ ْ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫طانا ً فَأ َيّ ال ْ َ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ُ‬
‫يقول‪ :‬إن تطيعوا غير الله‪ ،‬وتعبدون غيره‪ ،‬وتكلمون في دينه ما لم ينزل به‬
‫سلطانًا‪ ،‬فأي الفريقين أحق بالمن إن كنتم تعلمون؟ أي تشركون بالله ول‬
‫تخافونه وتخوفوني أنا بغير الله فمن ذا الذي يستحق المن إلى قوله‪:‬‬
‫َْ‬ ‫م ب ِظ ُل ْم ٍ أ ُوَْلئ ِ َ‬
‫ن ((‬ ‫دو َ‬ ‫مهْت َ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ن وَهُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م ال ْ‬ ‫ك ل َهُ ُ‬ ‫مان َهُ ْ‬ ‫سوا ْ ِإي َ‬ ‫م ي َل ْب ِ ُ‬ ‫مُنوا ْ وَل َ ْ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫)) ال ّ ِ‬
‫) النعام ‪.(82 :‬‬
‫أي‪ :‬هؤلء الموحدون المخلصون‪ ،‬ولهذا قال المام أحمد لبعض الناس‪ :‬لو‬
‫صححت لم تخف أحدًا‪‘.‬‬
‫ة الواجبة لله تعالى‪ ،‬ويصرفه‬ ‫ف العبودي َ‬ ‫ب الدنيا والخوف عليها‪ُ ،‬يضع ُ‬ ‫فح ُ‬
‫عبودية للدنيا‪ .‬ومقدار ما ينصرف من عبودية الله إلى عبودية الدنيا يتناسب‬
‫مع مقدار هذه المحبة للدنيا ولُزخرفها في قلب العبد‪ ،‬حتى إذا غلبت جرت‬
‫من‬ ‫إلى الثم‪ ،‬فإذا زادت أوقعت في الكبيرة ثم الشرك والكفر‪ .‬قال تعالى‪ّ :‬‬
‫ها‬ ‫صل َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ه َ‬ ‫جعَل َْنا ل َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ريد ُ ث ُ ّ‬ ‫من ن ّ ِ‬ ‫شآُء ل ِ َ‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫ه ِفيَها َ‬ ‫جل َْنا ل َ ُ‬ ‫ة عَ ّ‬ ‫جل َ َ‬‫ريد ُ ال َْعا ِ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫حورا ً (( ) السراء ‪(18 :‬‬ ‫مد ْ ُ‬ ‫موما ً ّ‬ ‫مذ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫جل الله له فيها‬ ‫ّ‬ ‫ع‬ ‫ونيته‪،‬‬ ‫وطلبته‬ ‫مه‬ ‫َ َ َ‬‫د‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫مه‬ ‫ّ‬ ‫ه‬ ‫الدنيا‬ ‫كانت‬ ‫من‬ ‫)‬ ‫قتادة‪:‬‬ ‫قال‬ ‫‪.‬‬
‫طره إلى جهنم ( ‪.‬‬ ‫ما يشاء‪ ،‬ثم اض ّ‬
‫شبهة قصة الصحابي البدري حاطب بن أبي بلتعة‬
‫ب بن أبي بلتعة رضي الله تعالى‬ ‫ة المشهورة للصحابي البدري حاط ِ‬ ‫القص ُ‬
‫مُنوا ل َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫عنه‪ ،‬والتي نزل بسببها قو ُ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل الحق تبارك وتعالى‪ )) :‬ياأي َّها ال ِ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫م ّ‬ ‫ُ‬
‫جآَءك ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ْ‬
‫فُروا ب ِ َ‬ ‫َ‬
‫موَد ّةِ وَقَد ْ ك َ‬ ‫ْ‬
‫م ِبال َ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫م أ َوْل َِيآَء ت ُل ُ‬
‫ْ‬ ‫ذوا ْ عَد ُّوي وَعَد ُوّك ُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ت َت ّ ِ‬
‫جَهادا ً‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫جت ُ ْ‬ ‫خَر ْ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫م ِإن كنت ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫مُنوا ِباللهِ َرب ّك ْ‬ ‫م أن ت ُؤْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ل وَإ ِّياك ْ‬ ‫سو َ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫جو َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫حق ّ ي ُ ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مآ‬ ‫م وَ َ‬ ‫في ْت ُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫مآ أ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫موَد ّةِ وَأن َا ْ أعْل َ ُ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫ن إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫سّرو َ‬ ‫ضاِتي ت ُ ِ‬ ‫مْر َ‬ ‫سِبيِلي َواب ْت َِغآَء َ‬ ‫ِفي َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل(( ) الممتحنة ‪. (1 :‬‬ ‫سِبي ِ‬ ‫وآَء ال ّ‬ ‫س َ‬‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫َ‬
‫مف َ‬ ‫منك ْ‬‫ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫فعَل ُ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫أعَْلنت ُ ْ‬
‫ة من أهل الهواء ما ل تحتمله‪ ،‬ووضعت في غير موضعها‪ ،‬وقيس‬ ‫ملت القص ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ُ‬
‫عليها ما ل ُيشابهها ول ُيماثلها‪ .‬معرضين عن النصوص الصريحة الكثيرة التي‬ ‫ُ‬
‫تجعل المظاهَر للكفار منهم‪ ،‬وأنه ليس من الله في شيء‪ ،‬وأنه من أهل‬
‫ل بدرٍ من مغفرة‬ ‫ه به أه َ‬ ‫ص الل ُ‬ ‫النفاق ومرضى القلب‪ .‬ومتغافلين عن ما خ ّ‬
‫م له حين‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ب من تصديق النبي َ‬ ‫ص حاط ٌ‬ ‫خ ّ‬ ‫الذنوب‪ ،‬وما ُ‬
‫ل بها على عدم كفر‬ ‫ضهم فلم يكتفي بالستدل ِ‬ ‫اعتذر بعذره‪ .‬بل تعدى بع ُ‬
‫ن من قبيِح صنيِعه‪.‬‬ ‫المظاهر‪ ،‬بل للعتذار للمظاهرِ والتهوي ِ‬
‫ل بها في‬ ‫ن الستدل ِ‬ ‫ن ‪ -‬بعون الله تعالى ‪ -‬بطل َ‬ ‫هذه شبهُتهم أسوقها‪ ،‬ثم أبي ُ‬
‫العتذار لمن ظاهر الكفار بنفسه‪ ،‬أو ماله‪ ،‬أو قوله‪ ،‬مظاهرة ً يتقوى بها‬
‫ل السلم‪ .‬قالوا هذا الصحابي البدري حاطب بن‬ ‫ف بسببها أه ُ‬ ‫الكفاُر‪ ،‬ويضع ُ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْ ِ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل الله َ‬ ‫أبي بلتعة رضي الله تعالى عنه‪ ،‬أفشى سَر رسو ِ‬
‫م‪ ،‬فبعث إلى أهل مكة ُينذرهم بعزم المسلمين على غزوهم‪ .‬فكان بفعله‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫مظاهرا للكفار على المسلمين‪ ،‬معينا لهم عليهم‪ ،‬ومع هذا لم يكفره رسول‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫م‪ ،‬بل عذره وصفح عنه‪.‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫الله َ‬

‫)‪(18 /‬‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة‬
‫ب بأن ما فعله ليس رغب ً‬ ‫ن أعتذر حاط ٌ‬ ‫وقال لصحابه ل تقولوا له إل خيرا حي َ‬
‫ن أراد َ بذلك يدا عند الكفار يحمي به قرابَته‬ ‫ً‬ ‫عن السلم‪ ،‬ول رضا ً بالكفر‪ ،‬ولك ْ‬
‫ظ دنيوي‪ ،‬وقلُبه مطمئن‬ ‫هم لح ٍ‬ ‫وأهله‪ ،‬من بطشهم وانتقامهم‪ .‬فظاهَر ُ‬
‫ل به إلى الكفر والرتداد‪ .‬هذه‬ ‫ص ُ‬ ‫ة وذنبا ً ل ي ِ‬ ‫باليمان‪ .‬فكان فعُله معصي ً‬
‫ر‪ ,‬للكفار على‬ ‫شبهُتهم التي استدلوا بها على عدم كفر المظاهر‪ ,‬والمناص ِ‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫ة‬
‫ن هذه المظاهرة والمناصرة بالمحبةِ للكفار ولدينهم‪ ،‬والرغب ِ‬ ‫فشرطوا اقترا َ‬
‫ب مطمئنا باليمان‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ة‪ ،‬وكان القل ُ‬ ‫في ظهورهم وعلوهم‪ .‬فإن انتفت هذه المحب ُ‬
‫ة للمسلمين‪ ،‬والبغض للكافرين‪ ،‬انتفى الحكم بكفر المظاهر‪ .‬لن‬ ‫والمحب َ‬
‫المظاهرة َ لم تكن إل لحظ دنيوي‪ ،‬رغبة أو خوفا من الكفار‪.‬‬
‫ل الشروع في الرد على هذه الشبهة‪ ،‬التي لبسوا بها على البعض‪ .‬أبدأ ُ‬ ‫وقب َ‬
‫ِ‬
‫ضهم ‪ -‬قصدا أو خطأ ‪-‬‬ ‫ل بع ُ‬ ‫بالقول بوجوب التفريق بين أمورٍ ثلثة‪ ،‬يحاو ُ‬
‫ش والتلبيس‪.‬‬ ‫الجمعَ بينها فيحصل التشوي ُ‬
‫المر الول‪ :‬العتذاُر بهذه الشبهة لجواز المظاهرة‪.‬‬
‫ه أحد ٌ من المسلمين‪ .‬فمن المعلوم من الدين‬ ‫ل لم يقل ْ ُ‬ ‫وهذا أمٌر باط ٌ‬
‫ب عظيم‪ .‬وهو‬ ‫م وذن ٌ‬ ‫ة وأث ٌ‬ ‫بالضرورة أن مظاهرةَ الكفارِ على المسلمين معصي ٌ‬
‫ق من عامتهم‪ .‬ول يقول بجوازها إل من رّد‬ ‫ل إجماٍع من علمائهم‪ ،‬واتفا ٍ‬ ‫مح ُ‬
‫ن الكريم‪ ،‬والسنة الصحيحة‪ ،‬وإجماع َ المسلمين‪ ،‬وهذا كفٌر وردة ٌ عن‬ ‫القرآ َ‬
‫دين السلم بالتفاق‪.‬‬
‫ة لحد ٍ – كائنا من كان ‪ -‬في ملبسِتها‬ ‫فإذا كانت كذلك فل تجوز الطاع ُ‬
‫والوقوع فيها‪.‬‬
‫ة ل تكون إل في المعروف‪ ،‬وفي ما ليس بمعصيةٍ لرب العالمين‪ .‬روي‬ ‫فالطاع ُ‬
‫عبيد َة َ عن أبي عبد‬ ‫دثنا سعد ُ بن ُ‬ ‫شح ّ‬ ‫دثنا العم ُ‬ ‫حه‪ :‬ح ّ‬ ‫البخاريُ في صحي ِ‬
‫م‬
‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫ث النب ّ‬ ‫ه عنه قال‪) :‬ب َعَ َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي رض َ‬ ‫ن عن عل ّ‬ ‫الرحم ِ‬
‫ب عليهم وقال‪:‬‬ ‫مَر عليهم رجل من النصارِ وأمَرهم أن ُيطيعوه‪ ،‬فغض َ‬ ‫ً‬ ‫ة وأ ّ‬ ‫ري ً‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫م أن ُتطيعوني؟ قالوا‪ :‬بلى قال‪ :‬قد‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫أليس قد أمَر النب ّ‬
‫دتم نارا ً ثم دخلتم فيها‪ .‬فجمعوا حطبا ً‬ ‫َ‬
‫حطبا وأوق ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ت عليكم لما جمعتم َ‬ ‫عزم ُ‬
‫موا بالدخول فقاموا َينظُر بعضهم ِإلى بعض فقال‬ ‫فأوقدوا نارا‪ ،‬فلما ه ّ‬ ‫ً‬
‫خلها؟ فبينما‬ ‫ُ‬ ‫م ِفرارا من النار أفند ُ‬ ‫ً‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫بعضهم‪ :‬إنما تِبعنا النبي َ‬
‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬
‫ُ َ ْ ِ َ َ َ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬
‫َ‬ ‫للنبي‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ذك‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ب‬
‫َ ُ ُ‬ ‫ض‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫ت الناُر َ َ َ‬
‫ك‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫مد َ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫هم كذلك إذ َ‬
‫خرجوا منها أبدًا‪ ،‬إنما الطاعة في المعروف(‪.‬‬ ‫خلوها ما َ‬ ‫فقال‪ :‬لو د َ َ‬
‫ة المراء والعلماء في معصية الله‬ ‫ه تعالى في كتابهِ العزيز طاع َ‬ ‫م الل ُ‬ ‫وقد ذ ّ‬
‫ة من فاعلها لهؤلء المراء والعلماء‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫مى هذه الطاعة عبودي ً‬ ‫تعالى‪ .‬وس ّ‬
‫مُرو?ا ْ‬ ‫ذو?ا ْ أ َحبارهُم ورهْبانهم أ َربابا ً من دون الل ّه وال ْمسيح ابن مريم ومآ أ ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫ات ّ َ‬
‫ِ َ َ ِ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ ِ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ ْ َ‬
‫ن(( ) التوبة ‪.(31 :‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ه عَ ّ‬ ‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫حدا ل ّ اله إ ِل ّ هُوَ ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫دو?ا الها َوا ِ‬ ‫ْ‬ ‫إ ِل ّ ل ِي َعْب ُ ُ‬
‫ي َوفي‬ ‫َ‬
‫ت الّنب ّ‬ ‫حات ِم ٍ قال‪) :‬أت َي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫وفي مسند المام أحمد َ والترمذي‪ :‬عن عَدِيّ ب ِ‬
‫قرأ ُ‬ ‫ْ‬
‫ه يَ ْ َ‬ ‫معْت ُ ُ‬ ‫س ِ‬‫ن‪ ،‬وَ َ‬ ‫ذا الوَث َ َ‬ ‫ح عَن ْك هَ َ‬ ‫َ‬ ‫ب‪ ،‬فقال‪َ :‬يا عَدِيّ اط َْر ْ‬ ‫ن ذ َهَ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫صِلي ٌ‬ ‫قي َ‬ ‫عُن ُ ِ‬
‫م‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن الله‪ ،‬قال‪ :‬أ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م أْرَبابا ِ‬ ‫م وَُرهَْبان َهُ ْ‬ ‫حَباَرهُ ْ‬ ‫خذوا أ ْ‬ ‫ة‪ :‬ات ّ َ‬ ‫سوَرةِ ب ََراَء َ‬ ‫في ُ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫موا‬ ‫حّر ُ‬ ‫ه‪ ،‬وَإ َِذا َ‬ ‫حلو ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫شْيئا ا ْ‬ ‫م َ‬ ‫حلوا لهُ ْ‬ ‫م كاُنوا إ َِذا أ َ‬ ‫َ‬ ‫م‪ ،‬وَلك ِن ّهُ ْ‬ ‫دون َهُ ْ‬ ‫كوُنوا ي َعْب ُ ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫لَ ْ‬
‫ه(‪.‬‬‫مو ُ‬ ‫حّر ُ‬ ‫شْيئا ً َ‬ ‫م َ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫ة عبادة ً لهم من دون الله تعالى‪ .‬وجب على كل مسلم ٍ‬ ‫فإذا كانت هذه الطاع ُ‬
‫ل‬‫م الرضا والقبو ِ‬ ‫م طاعَته على طاعة المخلوق‪ ،‬عد ُ‬ ‫ه تعالى‪ ،‬وُيقد ُ‬ ‫يخشى الل َ‬
‫ن يحذَر أشد ّ الحذرِ من الوقوع في مظاهرة الكفار‬ ‫َ‬
‫ل لهذه المعصية‪ .‬وأ ْ‬ ‫والفع ِ‬
‫على المسلمين بقوله وكتابته وفعله وماله وقلبه‪ .‬فإن الطاعة إنما تكون في‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي الذين استكبروا الذين‬ ‫مت ََبعون‪ ،‬ولن يغن ّ‬ ‫المعروف‪ .‬والناٌر أهُلها أتباعٌ و ُ‬
‫ن ات ّب ُِعوا ْ‬ ‫َ‬
‫ذي َ‬ ‫اسُتضعفوا شيئا‪ ،‬بل يتبرئون منهم ويتنصلون‪ .‬قال تعالى‪ :‬إ ِذ ْ ت َب َّرأ ال ّ ِ‬
‫ب (( ) البقرة ‪. (116 :‬‬ ‫سَبا ُ‬ ‫َ‬
‫م ال ْ‬ ‫قط ّعَ ْ‬
‫ت ب ِهِ ُ‬ ‫ب وَت َ َ‬ ‫ذا َ‬‫ن ات ّب َُعوا ْ وََرأ َوُا ْ ال ْعَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬
‫م َ‬
‫ِ‬
‫ست َك ْب َُرو?ا ْ إ ِّنا ك ُّنا‬ ‫ا‬
‫ِ ِ َ ْ‬ ‫ن‬‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫فا‬
‫َ‬ ‫ع‬
‫ّ َ‬‫ض‬ ‫ال‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫قو‬‫ُ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ف‬
‫ّ ِ َ‬ ‫ر‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫جو‬
‫َِ ََ َ ّ َ ِ‬ ‫حآ‬ ‫ت‬‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬‫إ‬ ‫و‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫وقال‬
‫ست َك ْب َُرو?ا ْ إ ِّنا ك ُ ّ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫*‬ ‫ر‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫صيب‬ ‫ل َك ُم تبعا ً فَه ْ َ‬
‫ِ َ ْ‬ ‫َ ّ ِ‬ ‫ن عَ ّ َ ِ‬
‫ن‬ ‫نا‬ ‫مغُْنو َ‬ ‫ل أنُتم ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ ََ‬
‫ن ال ْعَِباد ِ (( ) غافر ‪. (48-47 :‬‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫م‬
‫َ ْ َ َ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ِفيَهآ إ ِ ّ‬

‫)‪(19 /‬‬

‫ن ي َد َي ْهِ وَل َ ْ‬
‫و‬ ‫ذي ب َي ْ َ‬ ‫ن وَل َ ِبال ّ ِ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ن ب َِهاَذا ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫فُروا ْ َلن ن ّؤْ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫وقال تعالى ‪ :‬وََقا َ‬
‫قو ُ‬
‫ل‬ ‫ل يَ ُ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ض ال َ‬ ‫َ‬ ‫موُْقوُفو َ‬ ‫ت ََرى إ ِذِ ال ّ‬
‫م إ ِلى ب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫جعُ ب َعْ ُ‬ ‫م ي َْر ِ‬
‫َ‬
‫عند َ َربهِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬
‫ست َك ْب َُروا ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ن * َقا َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ل َك ُّنا ُ‬ ‫ست َك ْب َُروا ْ ل َوْل َ أنت ُ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫فوا ْ ل ِل ّ ِ‬ ‫ضعِ ُ‬ ‫ست ُ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫م بَ ْ‬ ‫جآَءك ُ ْ‬ ‫دى ب َعْد َ إ ِذ ْ َ‬ ‫ن ال ْهُ َ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫ددَناك ُ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح ُ‬ ‫فو?ا ْ أن َ ْ‬ ‫ضعِ ُ‬ ‫ست ُ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬‫ل ِل ّ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫مُرون ََنآ أن‬ ‫ل َوالن َّهارِ إ ِذ ْ ت َأ ُ‬ ‫مك ُْر ال ْل ّي ْ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ست َك ْب َُروا ْ ب َ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫فوا ْ ل ِل ّ ِ‬ ‫ضعِ ُ‬ ‫ست ُ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫* وََقا َ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫جعَلَنا الغل َ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما َرأوُا العَ َ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ّ‬ ‫ن ّك ْ ُ‬
‫ب وَ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ةل ّ‬ ‫م َ‬ ‫دا َ‬ ‫سّروا الن ّ َ‬ ‫دادا وَأ َ‬ ‫ه أن َ‬ ‫لل ُ‬ ‫فَر ِباللهِ وَن َ ْ‬
‫َ‬
‫ن(( ‪ )0‬سبأ ‪. (33-31 :‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن إ ِل ّ َ‬ ‫جَزوْ َ‬ ‫ل يُ ْ‬ ‫فُروا ْ هَ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ق ال ّ ِ‬ ‫ِفي? أعَْنا ِ‬
‫المر الثاني ‪ :‬العتذاُر بهذه الشبهة لدفع العقوبة الواجبة للمظاهر للكفار‬
‫على المسلمين‪.‬‬
‫من المجاهدين‪ ،‬ويدفعُ عنهم‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬ ‫يحميهم‬ ‫أو‬ ‫صفوفهم‪،‬‬ ‫في‬ ‫معهم‬ ‫ل‬‫فالذي يقات ُ‬
‫ن لهم‬ ‫ل ما فيه عو ٌ‬ ‫الذي يعيُنهم ويمدهم بالسلح والمال والرأي والطعام وك ِ‬
‫صّبها الكافُر المحارب‬ ‫ل‪ .‬كحال تلك الحكومات وجيوشها‪ ،‬التي ن َ‬ ‫وإن ق ّ‬
‫المحتل‪ ،‬ودربها وسلحها‪ ،‬لتعينه في قتال أهل السلم‪ ،‬وتمكن له في أرض‬
‫المسلمين‪ .‬وحال هؤلء الذين باعوا ديَنهم‪ ،‬وديار‪ ،‬ودماء‪ ،‬وأعراض المسلمين‪،‬‬
‫ت‪ ،‬يأخذونه ليعملوا خدما وعونا وظهيرا للكفرة‬ ‫سح ٍ‬ ‫ل حرام ٍ ُ‬ ‫ل ما ٍ‬ ‫من أج ِ‬
‫المعتدين‪.‬‬
‫ل‪ ،‬فهم‬ ‫ل هؤلء بهذه الشبهة‪ .‬وهذا أمٌر منكٌر باط ٌ‬ ‫حرمة دماِء وأموا ِ‬ ‫يعتذرون ل ُ‬
‫م‬ ‫مهم حك ُ‬ ‫المعتدون الباغون‪ ،‬وهم الخائنون لله ولرسوله وللمؤمنين‪ .‬حك ُ‬
‫م الحاكمين‪.‬‬ ‫ه تعالى عليهم أنهم منهم‪ ،‬وهو أحك ُ‬ ‫م الل ُ‬ ‫الكفار المحاربين‪ ،‬حك َ َ‬
‫ل الدم والمال‪ .‬ذلك‬ ‫ن ظاهَرهم وأعاَنهم حل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫فباتفاق واجماِع المسلمين أن َ‬
‫ل دماَء المسلمين المجاهدين وأموالهم وديارهم‪،‬‬ ‫ح ّ‬ ‫م الذي است َ‬ ‫أنه هو الظال ُ‬
‫ي مختارا أن يكون في صف الكفار تابعا لهم ممتثل أمرهم ونهيهم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ورض ّ‬
‫ل الدم والمال‪ ،‬فهو كذلك‪ .‬وما‬ ‫ب حل ُ‬ ‫ُ‬ ‫والمحار‬ ‫المحارب‪،‬‬ ‫الكافر‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫حك‬ ‫مه‬ ‫فحك ُ‬
‫م الظالمون‪.‬‬ ‫ظلمهم المجاهدون‪ ،‬ولكن ُّهم هُ ُ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫م الظ ّل ِ ِ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫دى ال ْ َ‬ ‫ه ل َ ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م فَإ ِن ّ ُ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫من ي َت َوَل ّهُ ْ‬ ‫قال تعالى‪ :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫م‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م َقاُلوا ْ ِفي َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫مي? أن ْ ُ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ة َ‬ ‫مل?ئ ِك َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن ت َوَّفاهُ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫جُروا ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ة فَت َُها ِ‬ ‫سعَ ً‬ ‫ض اللهِ َوا ِ‬ ‫ن أْر ُ‬ ‫م ت َك ُ ْ‬ ‫ض َقالو?ا أل ْ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫في َ‬ ‫ضعَ ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫َقاُلوا ْ ك ُّنا ُ‬
‫صيرا ً ((‪ .‬نزلت في قوم من المسلمين‬ ‫ْ‬ ‫ِفيَها فَأ ُوَْلئ ِ َ‬
‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫سآَء ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مأَواهُ ْ‬ ‫ك َ‬
‫قتل منهم مع الكفار‪ ،‬فتأسف‬ ‫ُأكرهوا على الخروج مع الكفار يوم بدر‪ ،‬ف ُ‬
‫المسلمون لذلك وأرادوا الستغفاَر لهم‪ ،‬فنزلت اليات تبين مآلهم ومصيرهم‪.‬‬
‫س رضي الله عنهما‪ :‬أن ناسا ً من المسلمين‬ ‫ن عبا ٍ‬ ‫وروى أهل التفسير عن اب ِ‬
‫هّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫كانوا مع المشركين ي ُك َّثرون سواد المشركين على عهد رسول الله َ‬
‫دهم فيقتله أو ُيضرب فُيقتل‪،‬‬ ‫مى به فيصيب أح َ‬ ‫م يأتي السهم في ُْر َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫َ‬ ‫ة َ‬
‫م ((‪ .‬فهؤلء‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫مي? أن ْ ُ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫مل?ئ ِك َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن ت َوَّفاهُ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫فأنزل الله تعالى‪ :‬إ ِ ّ‬
‫اليوم‪ ،‬الذين دخلوا مع الكفار طوعا دون إكراه في قتال المسلمين‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل فيهم هذا‬ ‫م أثما ً وظلما‪ ،‬من أولئك المكرهين الذين نز َ‬ ‫المجاهدين‪ ،‬أعظ ُ‬
‫الوعيد ُ الشديد‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫ص الصريحة‪ ،‬والجماعُ المنعقد‪ ،‬كله دال على أن المظاهرة َ للكفار‬ ‫فالنصو ُ‬
‫ض‬
‫َ‬ ‫عر‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫وما‬ ‫م‬‫د‬ ‫ح‬ ‫يبي‬
‫ٌ ُ ُ َ‬ ‫ب‬ ‫ذن‬ ‫عظيم‪.‬‬ ‫م‬
‫ٌ‬ ‫وإث‬ ‫ٌ‬ ‫ة‬ ‫وكبير‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫معصي‬ ‫المسلمين‬ ‫على قتال‬
‫ه ورسوله والمؤمنين‪ ،‬وسعى وشارك في قتل‬ ‫ن الل َ‬ ‫حِبها‪ .‬ذلك أنه خا َ‬ ‫صا ِ‬
‫المسلمين‪ ،‬والتمكين للكفار المحاربين‪ ،‬بفعاله أو أمواله أو أقواله‪ .‬وأن ل‬
‫ة تكون في‬ ‫ة لحد ٍ في فعلها‪ ،‬إذ من المعلوم عند المسلمين‪ ،‬أن الطاع َ‬ ‫طاع َ‬
‫المعروف‪ ،‬وأن ل طاعة لحد ٍ في معصية رب العالمين‪.‬‬
‫المر الثالث‪ :‬العتذاُر بهذه الشبهة لدفِع الحكم بكفر المظاهر مادام قلُبه‬
‫مطمئنا ً باليمان‪.‬‬
‫ه‪،‬‬
‫ل عذر ِ‬ ‫ل كقوله‪ ،‬ويعتذَر بمث ِ‬ ‫وهذا أمٌر تحتمُله القصة‪ ،‬فلغير حاطب أن يقو َ‬
‫ص بحاطب ل‬ ‫لينتفي عنه الكفر‪ .‬والذي عليه جمهوُر أهل العلم أن العذَر خا ٌ‬
‫ب‪ ،‬من تصديق‬ ‫ققَ له ما تحقق لحاط ٍ‬ ‫يتعداه لغيره‪ .‬فالمظاهُر الذي تح َ‬
‫ح العتذاُر‬ ‫ل حضورِ بدرٍ الكبري‪ ،‬يص ُ‬ ‫م له‪ ،‬وفض ِ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬‫الرسول َ‬
‫ة‬
‫ت البينات من براء ِ‬ ‫له‪ .‬أما من لم يتحققْ له ذلك فحكمه ما حكمت به اليا ُ‬
‫مكرهَ‬ ‫ل سواَء السبيل‪ ،‬إل ال ُ‬ ‫الله تعالى منه‪ ،‬وأنه من جملةِ الكفار‪ ،‬وأنه ض ّ‬
‫ن باليمان‪.‬‬ ‫وقلُبه مطمئ ٌ‬
‫)‪(20 /‬‬

‫ص النص العام‪ ،‬وتقييد َ النص المطلق‪ ،‬ل ب ُد ّ فيه من‬ ‫ومن المعلوم أن تخصي َ‬
‫النص الصحيح من جهة الثبوت والدللة‪ ،‬ليصح بذلك تخصيصه للعموم‪،‬‬
‫وتقييده للطلق‪ ،‬والذي يظهُر أن التخصيص الخاص بحاطب من هذا العموم‬
‫ل به للمظاهرين اليوم للكفار على المسلمين لمرين‪:‬‬ ‫ح الستدل ُ‬ ‫ل يص ُ‬
‫ة حاطب وعدم مشابهتهم له‪ ،‬فما جاء هذا التخصيص لحاطب‬ ‫الول‪ :‬خصوصي ُ‬
‫م له‪ ،‬وتصديقه لقوله‪ ،‬ثم لكونه من أهل‬ ‫سل َ‬‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫إل لتزكية رسول َ‬
‫بدر‪ ،‬وهم لهم زيادة فضل على المسلمين لسابقتهم وجهادهم‪ ،‬فل يتعداهم‬
‫ص إلى غيرهم من المسلمين‪ ،‬فمن توّلى الكفار‪ ،‬فظاهَرهم وأعانهم‬ ‫التخصي ُ‬
‫م عليه بالردة والنفاق‪.‬‬ ‫ّ‬
‫حك َ‬ ‫على المسلمين طوعا دون إكراه‪ُ ،‬‬
‫وبالنظر والتأمل والجمع بين الروايات التي نقلت القصة نرى أن حاطب حين‬
‫ه‪ ،‬قد‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫فعل ما فعل‪ ،‬قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه‪ :‬يا رسو َ‬
‫رب عُن ُقَ هذا المنافق‪ ،‬فأعتذَر‬ ‫دعني فلض ِ‬ ‫ن الّله ورسوَله والمؤمنين‪ ،‬ف َ‬ ‫خا َ‬
‫ب بعذره‪ ،‬أنه لم يبدل دينه ول كفر بالله ورسوله‪ ،‬ولكن يريد له يدا عند‬ ‫حاط ٌ‬
‫م‬‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫الكفار يحمي به قرابته بمكة‪ ،‬فصدقه رسول الله َ‬
‫ن الّله ورسوَله‬ ‫فانتفى عنه الحكم بالنفاق والرتداد‪ .‬فعاد عمُر وقال‪ :‬قد خا َ‬
‫قه‪ ،‬فإن انتفى عنه النفاقُ والرتداد فقد وقع‬ ‫رب عُن ُ َ‬ ‫دعني فلض ِ‬ ‫والمؤمنين‪ ،‬ف َ‬
‫هّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ب قتله‪ ،‬فقال َ‬ ‫َ‬ ‫ل ُيوج ُ‬ ‫في الخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين‪ ،‬وهذا فع ٌ‬
‫ه اطلع على أهل بدر فقال‪ :‬اعملوا‬ ‫ل الل ّ َ‬‫س من أهل َبدر؟ فلع ّ‬ ‫م‪ :‬ألي َ‬ ‫سل ّ َ‬‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫عينا عمر‬ ‫ت لكم ‪ -‬فدمَعت َ‬ ‫فر ُ‬ ‫كم الجنة ‪ -‬أو فقد غَ َ‬ ‫تل ُ‬ ‫جب َ ْ‬
‫شئتم فقد وَ َ‬ ‫ما ِ‬
‫ه أعلم‪.‬‬ ‫ه ورسول ُ‬ ‫ّ‬
‫وقال‪ :‬الل ُ‬
‫ب‬‫ن حصل لحاط ٍ‬ ‫ففعُله كان سببا في حكم عمَر عليه بالكفر والنفاق‪ ،‬لك ْ‬ ‫ً‬
‫م له‪ .‬وحص َ‬
‫ل‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬‫صّلى الل ّ ُ‬‫ة من الكفر والنفاق بتصديق الرسول َ‬ ‫التبرئ ُ‬
‫ف عنه لفضل أهل بدر‪ ،‬وسابقتهم‪ ،‬وعظيم هذه الحسنة‬ ‫ن دمه والك ُ‬ ‫ق ُ‬ ‫ح ْ‬‫له َ‬
‫التي تغلب وترجح على كل ذنب ومعصية ‪ -‬إل الشرك وقد حفظهم الله منه ‪-‬‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫ة ‪ ،‬حدثنا الل ّي ْ ُ‬ ‫حد ّث ََنا قُت َي ْب َ ُ‬
‫ر‪ ،‬عن جاب ِرٍ‬ ‫ث‪ ،‬عن أبي الّزب َي ْ ِ‬ ‫روي الترمذي في سننه َ‬
‫َ‬
‫طبا‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬ ‫ً‬ ‫شكو حا ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ل اللهِ ي َ ْ‬ ‫جاَء إلى رسو ِ‬ ‫ب بن أبي بلتعة‪َ ،‬‬ ‫حاط ِ ٍ‬ ‫ن عَْبدا ً ل ِ َ‬ ‫أ ّ‬
‫خل َُها فَإ ِن ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ت‪ ،‬ل ي َد ْ ُ‬ ‫ب الّناَر‪ ،‬فقال رسول الله‪) :‬ك َذ َب ْ َ‬ ‫ن حاط ِ ٌ‬‫خل َ ّ‬ ‫ل الل ّهِ ل َي َد ْ ُ‬ ‫رسو َ‬
‫ح‪.‬‬‫ن صحي ٌ‬ ‫س ٌ‬‫ح َ‬ ‫ث َ‬ ‫دي ٌ‬
‫ح ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ة(‪ ،‬وقال هَ َ‬ ‫حد َي ْب ِي ّ َ‬ ‫درا ً َوال ْ ُ‬ ‫شهِد َ ب َ ْ‬ ‫َ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ن تحققَ له ما تحقق لحاطب من تبرئة الرسول َ‬ ‫م ْ‬ ‫فالحاصل أن َ‬
‫ص من عموم‬ ‫ح أن ُيخص َ‬ ‫م له من النفاق‪ ،‬وكان من أهل بدر‪ ،‬ص ّ‬ ‫سل ّ َ‬‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫اليات الدالة على كفر ونفاق المظاهر‪.‬‬
‫فإن تنزلنا مع الخصم المخالف في وجود شبهة تمنع من تكفير المظاهر‪،‬‬
‫وهي قول المظاهر بصحة إسلمه وبراءته من الكفر‪ ،‬كما قال حاطب‪ ،‬وأن‬
‫ل بعصمة‬ ‫ة أو الرهبة من الكفار‪ ،‬فل يصح أبدا ً القو ُ‬ ‫جره ُ للمظاهرة الرغب ُ‬ ‫الذي َ‬
‫دمه وامتناع قتله‪ ،‬لنه حتما ليس من أهل بدر‪.‬‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْ ِ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ن القيم رحمه الله تعالى في الفوائد‪ ) :‬وتأمل قوله َ‬ ‫يقول اب ُ‬
‫م لعمر وقد استأذنه في قتل حاطب فقال‪) :‬وما يدريك أن الله أطلع‬ ‫سل ّ َ‬‫وَ َ‬
‫على أهل بدر فقال‪ :‬اعملوا ماشئتم فقد غفرت لكم(‪ .‬كيف تجده متضمنا ً‬
‫لحكم القاعدة التي اختلف فيها أرباب الجدل والصوليون‪ ،‬وهي أن التعليل‬
‫سل ّ َ‬
‫م‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل النب ُ‬ ‫بالمانع هل يفتقر إلى قيام المقتضى‪ ،‬فعل ّ َ‬
‫ل على أن مقتضى قتله كان‬ ‫ة دمه‪ ،‬شهوده بدرا ً دون السلم العام‪ ،‬فد ّ‬ ‫عصم َ‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫جد َ وعارض سبب العصمة‪ ،‬وهو الجس على رسول الله َ‬ ‫قد وُ ِ‬
‫م‪ ،‬لكن عارض هذا المقتضى مانع منع من تأثيره وهو شهوده بدرًا‪ ،‬وقد‬ ‫سل ّ َ‬‫وَ َ‬
‫سبق من الله مغفرته لمن شهدها(‪.‬‬

‫)‪(21 /‬‬

‫وهذا نقل للحاديث التي قصت القصة‪ ,‬كما رواها أهل الحديث‪ ،‬روي البخاري‬
‫ه عنه قال‪:‬‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ي رض َ‬ ‫ي عن عل ّ‬ ‫سَلم ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫في صحيحه‪ :‬عن أبي عبد الرحم ِ‬
‫ّ‬
‫مْرث َدٍ الغََنويّ والزبيَر ‪ -‬وكلنا‬ ‫م وأبا َ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫)ب ََعثني رسو ُ‬
‫ن المشركين‬ ‫ة خاخ فإن بها امرأةً م َ‬ ‫س ‪ -‬قال‪ :‬انطِلقوا حتى تأتوا َروض َ‬ ‫فار ٌ‬
‫ة إلى المشركين‪ .‬فأدركناها َتسيُر على‬ ‫ْ‬
‫ب بن أبي ب ِلتع َ‬ ‫ب من حاط ِ ِ‬ ‫معها كتا ٌ‬
‫م‪ .‬فقلنا‪ :‬الكتاب‪ ،‬فقالت‪:‬‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ث قال رسو ُ‬ ‫َبعير لها حي ُ‬
‫هّ‬
‫ب رسول الل ِ‬ ‫ُ‬ ‫سنا فلم ن ََر كتابا‪ ،‬فقلنا‪ :‬ما كذ َ‬ ‫ً‬ ‫ما معنا كتاب‪ ،‬فأنخناها‪ ،‬فالتم ْ‬
‫وت‬ ‫جد ّ أهْ َ‬ ‫ت ال ِ‬ ‫ك‪ .‬فلما رأ ِ‬ ‫ب أو لنجّردن ّ ِ‬ ‫ن الكتا َ‬ ‫ج ّ‬‫م‪ ،‬لتخر ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ل الل ِّ‬
‫ه‬ ‫ِ‬ ‫رسو‬ ‫إلى‬ ‫بها‬ ‫لقنا‬ ‫َ‬ ‫فانط‬ ‫ه‪.‬‬ ‫َ ْ‬ ‫جت‬ ‫فأخر‬ ‫كساء‪.‬‬ ‫ِ ٌ ِ‬ ‫ب‬ ‫ة‬ ‫جز‬ ‫محت‬ ‫وهي‬ ‫زتها‪،‬‬ ‫ُ ْ َ‬‫ج‬ ‫ح‬ ‫إلى‬
‫ن الّله ورسوَله‬ ‫َ‬ ‫خا‬ ‫قد‬ ‫ه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫رسو‬ ‫يا‬ ‫عمر‪:‬‬ ‫فقال‬ ‫م‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ل‬
‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫م‪ .‬ما‬ ‫ّ‬
‫ْ ِ َ َ َ‬‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬
‫ّ َ‬ ‫ي‬ ‫النب‬ ‫فقال‬ ‫قه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫عن‬ ‫رب‬ ‫ِ‬ ‫فلض‬ ‫دعني‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫والمؤمنين‪،‬‬
‫ن مؤمنا ً بالّله‬ ‫َ‬ ‫أكو‬ ‫ل‬ ‫أن‬ ‫بي‬ ‫ما‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫لل‬‫ّ‬ ‫وا‬ ‫حاطب‪:‬‬ ‫قال‬ ‫ت؟‬ ‫َ‬ ‫صنع‬ ‫مَلك على ما‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ه بها‬‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ع‬
‫ٌ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫يد‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫القوم‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫عن‬ ‫لي‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫يكو‬ ‫أن‬ ‫ت‬‫ُ‬ ‫أرد‬ ‫م‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ل‬
‫ْ َ َ َ‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ورسول‬
‫من َيدفَ ُ‬
‫ع‬ ‫َ‬ ‫ته‬‫ِ‬ ‫عشير‬ ‫َ‬ ‫من‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫هنا‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫أصحا‬ ‫من‬ ‫ٌ‬ ‫د‬ ‫أح‬ ‫وليس‬ ‫ومالي‪،‬‬ ‫عن أهلي‬
‫ق‪ ،‬ول َتقولوا‬ ‫صد َ‬ ‫م‪َ :‬‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫ه بهِ عن أهلهِ وماله‪ .‬فقال النب ّ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫دعني‬ ‫ه ورسوَله والمؤمنين‪ ،‬ف َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه قد خا َ‬ ‫ه إل خيرا ً ‪ .‬فقال عمُر‪ :‬إن ُ‬ ‫ل ُ‬
‫ه اطلع على أهل‬ ‫ّ‬
‫ل الل َ‬ ‫س من أهل َبدر ؟ فقال‪ :‬لع ّ‬ ‫قه‪ .‬فقال‪ :‬ألي َ‬ ‫ب عُن ُ َ‬ ‫فلضرِ ْ‬
‫ت لكم ‪-‬‬ ‫فر ُ‬ ‫ت لكم الجنة ‪ -‬أو فقد غَ َ‬ ‫ُ‬ ‫جب َ ْ‬ ‫شئتم فقد وَ َ‬ ‫بدر فقال‪ :‬اعملوا ما ِ‬
‫ه أعلم(‪.‬‬ ‫ه ورسول ُ‬ ‫ّ‬
‫عينا عمر وقال‪ :‬الل ُ‬ ‫فدمَعت َ‬
‫ب ما حملك على‬ ‫َ‬ ‫م‪) :‬ياحاط ُ‬ ‫سل َ‬‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل الله َ‬ ‫وفي رواية فقال رسو ُ‬
‫ه‪،‬‬ ‫ن مؤمنا بالله ورسول ِ‬ ‫ً‬ ‫ت ؟ قال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬ما لي أن ل أكو َ‬ ‫َ‬ ‫ما صنع َ‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م ي َد ٌ ُيدفعُ بها عن أهلي ومالي‪ ،‬وليس من‬ ‫َ‬


‫ت أن يكون لي عند َ القو َ‬ ‫ولكني أرد ُ‬
‫ك من قومهِ من َيدفَعُ الله به عن أهله وماله‪ .‬قال‪:‬‬ ‫ك أحد ٌ إل له هنال َ‬ ‫َأصحاب َ‬
‫دق‪ ،‬ل تقولوا له إل خيرًا‪ .‬قال فعاد َ عمُر فقال‪ :‬يارسول الله‪ ،‬قد خان الله‬ ‫ص َ‬‫َ‬
‫ب عنقه قال‪َ :‬أوليس من أهل َبدر ؟ وما‬ ‫ْ‬ ‫فلضر‬ ‫دعني‬ ‫والمؤمنين‪،‬‬ ‫ورسوله‬
‫ل الله اطلعَ عليهم فقال‪ :‬اعملوا ما شئتم فقد أوجبت لكم الجنة‪،‬‬ ‫َيدريك لع ّ‬
‫فاغرورقت عيناه فقال‪ :‬الله ورسوله أعلم(‪.‬‬
‫ل بين فعل حاطب ومظاهرته‪ ،‬ومظاهرة‬ ‫م التشاب ُهِ والتماث ُ ِ‬ ‫والمر الثاني‪ :‬عد ُ‬
‫ب كان يريد يدا عند الكفار‬ ‫من أعان الكفار اليوم على المسلمين‪ ،‬فحاط ٌ‬
‫يحمي بها قرابته وأهله بمكة من بطش وانتقام الكفار منهم‪ ،‬وهو يعلم أن‬
‫الله ناصٌر رسوله والمؤمنين على الكفار‪ ،‬وأن فعله لن يقوي الكفار‪ ،‬ولن‬
‫ف المسلمين‪ ،‬بل في رسالته لهم التخويف من جيش المسلمين‪.‬‬ ‫ُيضع َ‬
‫س قال‪:‬‬ ‫ن ويون ُ‬ ‫جي ْ ُ‬
‫ح َ‬‫ففي مسند المام أحمد‪ ،‬حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا ُ‬
‫ثنا الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن حاطب بن أبي‬
‫م أراد‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫بلتعة كتب إلى أهل مكة يذكر أن رسول الله َ‬
‫م على المرأة التي معها الكتاب‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬‫غزوهم‪ ،‬فدل رسول الله َ‬
‫ت ؟( قال‪ :‬نعم أما‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب أفعَل َ‬ ‫فأرسل إليها‪ ،‬فأخذ كتابها من رأسها وقال‪) :‬يا حاط ِ ُ‬
‫إني لم أفعله غشا ً لرسول الله‪ .‬وقال يونس‪ :‬غشا ً يا رسول الله‪ ،‬ول نفاقًا‪،‬‬
‫م له أمَره‪ ،‬غير أني كنت عزيزا ً بين‬ ‫قد علمت أن الله مظهٌر رسوَله ومت ٌ‬
‫ظهريهم‪ ،‬وكانت والدتي منهم فأردت أن أتخذ هذا عندهم‪ ،‬فقال له عمر‪ :‬أل‬
‫ك ل َعَ ّ‬ ‫ل ب َد ٍْر‪ ،‬ما ي ُد ِْري َ‬ ‫ل رجل ً م َ‬ ‫أضرب رأس هذا ؟ قال‪) :‬أ َت َ ْ‬
‫ل الله عَّز‬ ‫قت ُ ُ َ ُ ِ ْ‬
‫ن أهْ ِ‬
‫َ‬
‫م(‪.‬‬‫شئ ْت ُ ْ‬ ‫مُلوا ما ِ‬ ‫ل ب َد ْرٍ فقال‪ :‬اعْ َ‬ ‫ل قَدِ اط ّل َعَ على أهْ ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫وَ َ‬
‫من‬ ‫م بلد َ المسلمين َ‬ ‫ن يحك ُ َ‬ ‫والمظاهرون اليوم يريدون ويسعون جاهدين‪ ،‬أ ْ‬
‫م بالطاغوت‪ .‬فل ُيحقق‬ ‫ي ُظ ْهُِر ويدعو إلى الشرك والكفر والفساد‪ ،‬ومن يحك ُ‬
‫ببلد المسلمين شهادة أن ل إله إل الله وأن محمدا رسول الله‪ .‬هذا مع‬
‫تسخيره لثروات المسلمين لمصالح الكفار‪ ،‬وامتثاله واتباعه لمرهم ونهيهم‪.‬‬

‫)‪(22 /‬‬

‫ب ليس بمظاهرة ومناصرة للكفار على المسلمين‪ ،‬وإنما هو‬ ‫فالذي فعله حاط ٌ‬
‫ً‬
‫موادةٌ لهم واتخاذ ُ يد ٍ عندهم‪ ،‬وإن كانت هذه الموادة نوعا من التولي‪ ،‬إل أنه‬
‫تولي موادة‪ ،‬وليس تولي مظاهرة ومناصرة‪ ،‬وفرق بين المظاهرة التي‬
‫ة الكفار وظهوُرهم على المسلمين وبين الموادة التي ل‬ ‫يحصل بها تقوي ُ‬
‫يحصل منها ذلك‪ .‬ويدل على ذلك أن اليات التي نزلت في حاطب هي قوله‬
‫م أ َوْل َِيآَء ت ُل ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫موَد ّ ِ‬ ‫م ِبال ْ َ‬
‫ن إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫ذوا ْ عَد ُّوى وَعَد ُوّك ُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا ْ ل َ ت َت ّ ِ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫تعالى ‪ :‬يأي َّها ال ّ ِ‬
‫ل وإيك ُ َ‬
‫مُنوا ْ ِبالل ّهِ َرب ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م أن ت ُؤْ ِ‬ ‫سو َ َ ِ ّ ْ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫جو َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫حق ّ ي ُ ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ّ‬ ‫جآَءك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫فُروا ْ ب ِ َ‬ ‫وَقَد ْ ك َ َ‬
‫موَد ّةِ وَأ َن َا ْ‬ ‫م ِبال َْ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫سّرو َ‬ ‫ضاِتى ت ُ ِ‬ ‫مْر َ‬ ‫سِبيِلى َواب ْت َِغآَء َ‬ ‫جَهادا ِفى َ‬ ‫ً‬ ‫م ِ‬ ‫جت ُ ْ‬ ‫خَر ْ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُ ْ‬‫ِإن ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل((‬ ‫سِبي ِ‬ ‫وآَء ال ّ‬ ‫س َ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫فعَل ُ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مآ أعْلنت ُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫في ْت ُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫مآ أ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫أعْل َ ُ‬
‫) الممتحنة ‪. (1 :‬‬
‫وقد جاء في بعض الروايات الصحيحة قول حاطب‪ ’ :‬وعلمت أن ذلك ل‬
‫ظ في الفتح‪’ :‬‬ ‫يضرك‘‪ ،‬لطمئنانه بنصر الله لرسوله والذين آمنوا‪ .‬قال الحاف ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‘‪ .‬وقال أيضا‪’ :‬‬ ‫ضَرر ِفي ِ‬ ‫نل َ‬ ‫مت َأوّل ً أ ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫صن َعَ ذ َل ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ما ذ َك ََره ُ ‪ ,‬فَإ ِن ّ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫حاط ِ ٍ‬ ‫عذُر َ‬ ‫وَ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫فظ الك َِتاب‪ :‬أ ّ‬ ‫نل ْ‬ ‫سلم‪ ،‬أ ّ‬ ‫حَيى ْبن َ‬ ‫سير ي َ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫مَغاِزي وَهُوَ ِفي ت َ ْ‬ ‫هل ال َ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫وَذ َكَر ب َعْ ُ‬
‫ش‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫معْ َ‬
‫جي ْ ٍ‬ ‫م بِ َ‬ ‫جاَءك ْ‬
‫َ‬
‫م َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫سول الله َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫شر قَرْيش فإ ِ ّ‬ ‫ب َْعد َيا َ‬
‫عده‪.‬‬ ‫ه وَ ْ‬ ‫َ‬
‫جَز ل ُ‬ ‫صَرهُ الله وَأن ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫حد َه ُ لن َ َ‬ ‫م وَ ْ‬ ‫ُ‬
‫جاَءك ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل ‪ ,‬فوَاللهِ لوْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سي ْ ِ‬ ‫سير كال ّ‬ ‫َ‬ ‫ل ‪ ,‬يَ ِ‬ ‫كالل ّي ْ ِ‬
‫َ‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي‪‘.‬‬ ‫سهَي ْل ِ ّ‬ ‫كاهُ ال ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ذا َ‬ ‫سلم‪ ،‬ك َ َ‬ ‫م َوال ّ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫َفان ْظ ُُروا ل َن ْ ُ‬
‫صل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنبا ً‬ ‫يقول شيخ السلم‪ ’ :‬وقد تح ّ‬
‫ينقص به إيماُنه‪ ،‬ول يكون به كافرا‪ ،‬كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة‪ ،‬لما‬ ‫ً‬
‫م‪‘.‬‬‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫كاتب المشركين ببعض أخبار النبي َ‬
‫مكَره‬ ‫شبهة جواز المظاهرة لل ُ‬
‫ن الكفاَر على‬ ‫ه‪ ،‬أن ُيظاهَر ويعي َ‬ ‫مكَر ِ‬ ‫ح للمسلم ال ُ‬ ‫عذٌر ُيبي ُ‬ ‫موا أن الكراه َ ُ‬ ‫زع ُ‬
‫المسلمين‪ ،‬إذا وقع عليه الكراه ُ من كافرٍ قادرٍ على إيقاع المكروه‪ .‬فالله‬
‫تعالى يقول‪) :‬إل ّ م ُ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫ما ِ‬ ‫لي َ‬ ‫ن ِبا ِ‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫مط ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن أك ْرِه َ وَقَل ْب ُ ُ‬ ‫ِ َ ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ز‬ ‫و‬ ‫جا‬ ‫ت‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫)‬ ‫قال‪:‬‬ ‫الله‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫رسو‬ ‫ن‬ ‫ابن حبان‪ :‬عن ابن عباس أ َ‬ ‫وفي صحيح‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه(‪.‬‬ ‫هوا علي ِ‬ ‫ْ‬
‫ن‪ ،‬وما است ُكرِ ُ‬ ‫خط َأ والّنسيا َ‬ ‫مِتي ال َ‬ ‫أ ّ‬
‫ة‬
‫ك من القوة والِعد ِ‬ ‫ل الكافرةُ المتحالفة ضد ّ المسلمين‪ ،‬تمل ُ‬ ‫وهذه الدو ُ‬
‫مكُنها من إيقاع الذى العظيم بالفرد‪ ،‬أو الدولة المسلمة‬ ‫والسلح‪ ،‬ما ي ُ َ‬
‫الممتنعة عن مظاهرتهم على المسلمين‪ .‬وفي ذلك ذهاب الدين والنفس‬
‫والديار والموال‪.‬‬
‫ة القوم التي استدلوا بها لتجويز مظاهرة الكفار على المسلمين‪،‬‬ ‫هذه شبه ُ‬
‫دى‬ ‫مْعت َ‬ ‫س والموال والديار لهؤلء المسلمين ال ُ‬ ‫ن والنف ُ‬ ‫وإن ذهب الدي ُ‬
‫ن البطلن‪ ،‬فليست دماُء وأموال‬ ‫ُ‬ ‫بي‬ ‫ل‬‫ٌ‬ ‫باط‬ ‫ل‬‫ٌ‬ ‫استدل‬ ‫وهذا‬ ‫عليهم‪.‬‬ ‫ظاهرِ‬ ‫م َ‬ ‫وال ُ‬
‫وبلد هذا المسلم المتولي المظاهر للكفار‪ ،‬بأولى بالحفظ والصيانة من دماء‬
‫مظاهَرِ المعتدى عليه‪.‬‬ ‫وأموال وديار المسلم ِ ال ُ‬
‫ل على أمرٍ يكرهه ول يرضاه‬ ‫م َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ل العلم‪ ،‬هو من ُ‬ ‫مكره كما عرفه أه ُ‬ ‫فال ُ‬
‫مكرهِ حالن ‪:‬‬ ‫مطلقا‪ .‬ويكون لل ُ‬
‫ل ول ُقوةَ له فيه‪ ،‬ول تتعلق به‬ ‫ئ على أمرٍ ل حو َ‬ ‫مكرهٌ ملج ٌ‬ ‫المسألة الولى ‪ُ :‬‬
‫ُقدرُته واختياُره‪ ،‬بلغ الكراه ُ حد ّ اللجاء‪ ،‬فل يصح ول يمكن منه الترك‪ .‬ومثاله‬
‫ة‬ ‫م ُ‬
‫ي من شاهق على إنسان فقتله‪ .‬فهذا ل خلف في عدم تكليفه وصح ِ‬ ‫ن ألق ّ‬ ‫َ ْ‬
‫عذره‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ه ول يرضاه‪ ،‬ولكن له‬ ‫ل على أمرٍ يكرهُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ح ِ‬ ‫من ُ‬ ‫ئ‪ ،‬وهو َ‬ ‫مكره ٌ غيُر ملج ٍ‬ ‫والثانية‪ُ :‬‬
‫ل البحث‪ ،‬وفيه تفصي ٌ‬
‫ل‬ ‫قدرة ٌ واختياٌر في الفعل أو الترك‪ .‬وهذا الكراه ُ هو مح ُ‬
‫ح‬ ‫م الصحي ُ‬ ‫حك ُ‬ ‫ق فيها حتى ُيبنى ال ُ‬ ‫مراعاِتها والتدقي ِ‬ ‫ل ل ب ُد ّ من ُ‬ ‫وتنوعٌ ومسائ ٌ‬
‫عليها‪.‬‬
‫مكَرهِ عليه‪ .‬ذكر أهل‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫المر‬ ‫لملبسة‬ ‫المبيح‬ ‫الكراه‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫نو‬ ‫الولى‪:‬‬ ‫المسألة‬
‫م هو الكراه ُ من قادر على تنفيذ‬ ‫ُ‬ ‫المسل‬ ‫فيه‬ ‫ر‬ ‫ُ ُ‬‫يعذ‬ ‫قد‬ ‫الذي‬ ‫العلم أن الكراه َ‬
‫ف‪ ،‬فالخوف‬ ‫وعيده بذهاب النفس أو تلف العضاء‪ .‬وليس من ذلك التخوي ُ‬
‫خاُفوهُ ْ‬
‫م‬ ‫ف أ َوْل َِياَءهُ فَل َ ت َ َ‬ ‫خو ّ ُ‬ ‫ن يُ َ‬‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ما ذال ِك ُ ُ‬ ‫ليس بعذر مبيح‪ .‬قال تعالى‪ :‬إ ِن ّ َ‬
‫ن (( ‪.‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ن ِإن ُ‬ ‫خاُفو ِ‬ ‫وَ َ‬
‫ن ِفي‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ة منهم فقال تعالى‪ :‬فَت ََرى ال ِ‬ ‫خشي ً‬ ‫م الله المسارعين لطاعة الكفار َ‬ ‫وذ ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه أن‬ ‫سى الل ُ‬ ‫صيب ََنا َدآئ َِرة ٌ فَعَ َ‬ ‫شى أن ت ُ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫قولو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ن ِفيهِ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫ض يُ َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫قُُلوب ِِهم ّ‬
‫سّروا ْ ِفي? أ َن ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫ن(( ‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫م َنادِ ِ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫مآ أ َ‬ ‫حوا ْ عََلى َ‬ ‫صب ِ ُ‬ ‫عندِهِ فَي ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مرٍ ّ‬ ‫فت ِْح أوْ أ ْ‬ ‫ي ِبال ْ َ‬‫ي َأت ِ َ‬
‫)‪(23 /‬‬

‫ض‬
‫قال ابن جرير‪ ’ :‬فتأويل الكلم إذن‪ :‬فترى يا محمد ُ الذين في قلوبهم مر ٌ‬
‫وتك‪ ،‬وتصديق ما جئتهم به من عند ربك ُيسارعون فيهم‪ ،‬يعني‬ ‫ن بنب ّ‬ ‫وش ّ‬
‫ك إيما ٍ‬
‫في اليهود والنصارى‪ .‬ويعني بمسارعتهم فيه‪ ،‬مسارعتهم في موالتهم‬
‫ومصانعتهم‪ .‬يقولون نخشى أن ُتصيبنا دائرة‪ ،‬يقول هؤلء المنافقون‪ ،‬إنما‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نسارع في موالة هؤلء اليهود والنصارى خوفا من دائرة تدور علينا من‬
‫عدّونا‪‘.‬‬
‫ب‬‫ف بذها ِ‬ ‫ف ليس بُعذر ول إكراه معتبر صحيح‪ ،‬ومثله الكراهُ أو التخوي ُ‬ ‫فالخو ُ‬
‫ظ الدنيوية‪ .‬من المال‪ ،‬أو المنصب والجاه‪ ،‬ونحوها‪ .‬فهذا كله ليس‬ ‫الحظو ِ‬
‫مك َْرهِ عليه‪.‬‬ ‫ل ال ُ‬ ‫كرهِ بفع ِ‬ ‫م ْ‬‫بعذر في طاعة ال ُ‬
‫المسألة الثانية‪ :‬هل الكراه ُ الحقيقي عذٌر صحيح للقول والفعل‪ ،‬أم للقول‬
‫فقط؟ أي هل الكراه عذٌر لقول الكفر ولفعل الكفر‪ ،‬أم للقول فقط دون‬
‫ره‬ ‫ُ‬ ‫الفعل‪ .‬اختلف أه ُ‬
‫فقط‪ ،‬فمن أك ِ‬ ‫ُ‬
‫ل العلم في ذلك‪ ،‬والكثر أنه عذر للقول‬
‫ُ‬
‫ح له بشرط طمأنينة القلب باليمان‪ .‬وإن أكرِه َ على فعل‬ ‫ُ‬ ‫على قول الكفر أبي َ‬
‫الكفر مثل السجود للصنم فل يجوز له ذلك‪ ،‬حتى وإن ذهبت نفسه‪ ،‬مستدلين‬
‫لذلك بسبب نزول الية الكريمة )إل ّ م ُ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫ما ِ‬‫لي َ‬ ‫ن ِبا ِ‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫مط ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن أك ْرِهَ وَقَل ْب ُ ُ‬ ‫ِ َ ْ‬
‫قال ابن كثير‪ ’ :‬هو استثناء ممن كفر بلسانه ووافق المشركين بلفظه‪،‬‬
‫مكرها ً لما ناله من ضرب وأذى‪ ،‬وقلبه يأبى ما يقول‪ ،‬وهو مطمئن باليمان‬
‫بالله ورسوله‪ .‬وقد روى العوفي عن ابن عباس أن هذه الية نزلت في عمار‬
‫م‪،‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫بن ياسر حين عذبه المشركون حتى يكفر بمحمد َ‬
‫م‪،‬‬‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫فوافقهم على ذلك مكرهًا‪ ،‬وجاء معتذرا ً إلى النبي َ‬
‫فأنزل الله هذه الية‪ .‬وهكذا قال الشعبي وقتادة وأبو مالك‪ ،‬وقال ابن جرير‪:‬‬
‫حدثنا ابن عبد العلى‪ ،‬حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن عبد الكريم الجزري‪،‬‬
‫عن أبي عبيدة محمد بن عمار بن ياسر قال‪ :‬أخذ المشركون عمار بن ياسر‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫فعذبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا فشكا ذلك إلى النبي َ‬
‫م‪) :‬كيف تجد قلبك ؟( قال‪ :‬مطمئنا ً‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫م‪ ،‬فقال النبي َ‬ ‫سل ّ َ‬
‫وَ َ‬
‫م‪) :‬إن عادوا فعد(‪ .‬ورواه البيهقي‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫باليمان‪ .‬قال النبي َ‬
‫م‪ ،‬وذكر آلهتهم‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫بأبسط من ذلك‪ ،‬وفيه أنه سب النبي َ‬
‫ت‬‫ل الله ما ُترك ُ‬ ‫م فقال‪ :‬يا رسو َ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫بخير‪ ،‬فشكا ذلك النب َ‬
‫حتى سببتك وذكرت آلهتهم بخير‪ ،‬قال‪) :‬كيف تجد قلبك ؟( قال‪ :‬مطمئنا ً‬
‫باليمان‪ ،‬فقال‪) :‬إن عادوا فعد(‪‘.‬‬
‫كرهَ معذوٌر في القول والفعل‪ ،‬ما كان الكراهُ‬ ‫م ْ‬ ‫وذهب آخرون إلى أن ال ُ‬
‫حقيقيا‪ ،‬والقلب مطمئنا باليمان‪ ،‬وهذا القول أرجح والله أعلم‪ .‬فالله تعالى‬
‫فر بالل ّه من بعد إيمان ِه إل ّ م ُ‬
‫كن‬ ‫ن وََل ِ‬ ‫ما ِ‬‫لي َ‬ ‫ن ِبا ِ‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫مط ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن أك ْرِهَ وَقَل ْب ُ ُ‬ ‫من ك َ َ َ ِ ِ ِ َ ْ ِ َ ِ ِ َ ْ‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫م ((‪.‬‬ ‫ٌ َ ِ ٌ‬‫ظي‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫ِ َ ُ ْ َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َ ٌ ّ َ‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫ض‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫َ ِْ ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫در‬ ‫ص‬
‫ِ َ ْ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ف‬‫ُ‬ ‫ك‬‫ْ‬ ‫ل‬‫با‬
‫ش َ َ ِ‬
‫ح‬ ‫ر‬ ‫من َ‬ ‫ّ‬
‫فاطلق الكفر‪ ،‬والكفر يحصل بالعتقاد وبالقول والفعل‪ ،‬والول ل ُيتصوُر فيه‬
‫مكَرهُ معذورا‬ ‫ن الكراهُ فيه‪ ،‬فيكون ال ُ‬ ‫وقوع الكراه‪ ،‬وأما القول والفعل فُيمك ُ‬
‫مادام قلبه مطمئنا باليمان‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله تعالى‪ ’ :‬وأما إذا أكره الرجل على‬
‫ذلك‪ ،‬بحيث لو لم يفعله لفضى إلى ضربه أو حبسه‪ ،‬أو أخذ ماله أو قطع‬
‫رزقه الذي يستحقه من بيت المال ونحو ذلك من الضرر‪ ،‬فإنه يجوز عند أكثر‬
‫العلماء‪ ،‬فإن الكراه عند أكثرهم يبيح الفعل المحرم كشرب الخمر ونحوه‪،‬‬
‫وهو المشهور عن أحمد وغيره‪ ,‬ولكن عليه مع ذلك أن يكرهه بقلبه‪ ،‬ويحرص‬
‫على المتناع منه بحسب المكان‪ ،‬ومن علم الله منه الصدق أعانه الله‬
‫تعالى‪ ،‬وقد يعافى ببركة صدقه من المر بذلك!‪ .‬وذهب طائفة إلى أنه ل يبيح‬
‫إل القوال دون الفعال‪ :‬ويروى ذلك عن ابن عباس ونحوه‪ ،‬قالوا إنما التقية‬
‫باللسان‪ ،‬وهو الرواية الخرى عن أحمد‪ .‬وأما فعل ذلك لجل فضول الرياسة‬
‫والمال فل‪ ،‬وإذا أكره على مثل ذلك ونوى بقلبه أن هذا الخضوع لله تعالى‪:‬‬
‫كان حسنًا‪ ،‬مثل أن يكره كلمة الكفر وينوي معنى جائزا ً والله أعلم‪‘.‬‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(24 /‬‬

‫وقال المام القرطبي في تفسيره‪ ’ :‬الخامسة‪ :‬ذهبت طائفة من العلماء إلى‬


‫أن الرخصة إنما جاءت في القول‪ ،‬وأما في الفعل فل رخصة فيه‪ ،‬مثل أن‬
‫يكرهوا على السجود لغير الله أو الصلة لغير القبلة‪ ،‬أو قتل مسلم أو ضربه‬
‫أو أكل ماله‪ ،‬أو الزنى وشرب الخمر وأكل الربا‪ ،‬يروى هذا عن الحسن‬
‫حنون من علمائنا‪ .‬وقال‬ ‫س ْ‬ ‫يو ُ‬ ‫ي‪ ،‬رضي الله عنه‪ .‬وهو قول الوزاع ّ‬ ‫البصر ّ‬
‫محمد بن الحسن‪ :‬إذا قيل للسير أسجد لهذا الصنم وإل قتلتك‪ .‬فقال‪ :‬إن‬ ‫ُ‬
‫كان الصنم مقابل القبلة فليسجد ويكون نيته لله تعالى‪ ،‬وإن كان لغير القبلة‬
‫فل يسجد وإن قتلوه‪ .‬والصحيح أنه يسجد وإن كان لغير القبلة‪ ،‬وما أحراه‬
‫صّلى الل ُّ‬
‫ه‬ ‫بالسجود حينئذ‪ .‬ففي الصحيح عن ابن عمر قال‪ :‬كان رسول الله َ‬
‫م يصّلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته حيث كان‬ ‫سل ّ َ‬ ‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫َ‬
‫ه(( ‪ .‬وفي رواية‪ :‬وُيوِتر عليها‪،‬‬ ‫ه الل ّ ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫م وَ ْ‬ ‫ما ت ُوَّلوا ْ فَث َ ّ‬ ‫وجهه‪ ،‬قال‪ :‬وفيه نزلت فَأي ْن َ َ‬
‫غير أنه ل يصّلى عليها المكتوبة‪ .‬فإذا كان هذا مباحا ً في السفر في حالة‬
‫المن لتعب النزول عن الدابة للتنفل فكيف بهذا‪ .‬واحتج من قصر الرخصة‬
‫على القول بقول ابن مسعود‪ :‬ما من كلم َيدرأ عّني سوطين من ذي سلطان‬
‫صر الرخصة على القول ولم يذكر الفعل‪ ،‬وهذا ل حجة‬ ‫إل كنت متكّلما ً به‪ .‬فق َ‬
‫فيه‪ ،‬لنه يحتمل أن يجعل الكلم مثال ً وهو يريد أن الفعل في حكمه‪ .‬وقالت‬
‫ن‪ ،‬روي ذلك عن عمر‬ ‫ة‪ :‬الكراه ُ في الفعل والقول سواٌء‪ ،‬إذا أسّر اليما َ‬ ‫طائف ٌ‬
‫بن الخطاب ومكحول‪ ،‬وهو قول مالك وطائفة من أهل العراق‪ .‬روى ابن‬
‫ن ُأكرِهَ على شرب الخمر وترك الصلة أو الفطار في‬ ‫م ْ‬ ‫القاسم عن مالك أن َ‬
‫رمضان‪ ،‬أن الثم عنه مرفوع‪‘.‬‬
‫مكَره أن يقتل نفسا‬ ‫ق وإجماِع أهل العلم‪ ،‬ل يجوُز لل ُ‬ ‫المسألة الثالثة ‪ :‬باتفا ِ‬
‫سه بأولى من نفس غيره‪ .‬فمن فعل أثم‬ ‫ة لستنقاذ نفسه‪ .‬فليست نف ُ‬ ‫معصوم ً‬
‫بفعله‪ ،‬واستحق العقوبة الشرعية الدنيوية المترتبة على فعله‪ ،‬واستحق‬
‫لخرويَ المتوعد به‪.‬‬ ‫الوعيد َ ا ُ‬
‫قال المام القرطبي في تفسيره‪ ’ :‬السادسة‪ :‬أجمع العلماء على أن من‬
‫م على قتله ول انتهاك حرمته بجلد‬ ‫أكره على قتل غيره أنه ل يجوز له القدا ُ‬
‫ره‪،‬‬ ‫سه بغي ِ‬ ‫فدِيّ نف َ‬ ‫ل له أن ي َ ْ‬ ‫أو غيره‪ ،‬ويصبر على البلء الذي نزل به‪ ،‬ول يح ّ‬
‫ة في الدنيا والخرة‪‘.‬‬ ‫ه العافي َ‬ ‫ل الل َ‬ ‫ويسأ َ‬
‫والصبُر على الذى ‪ُ -‬نصرة ً للدين‪ ،‬وغيضا للكفار والمنافقين‪ ،‬واحتسابا للجر‬
‫َ‬
‫من‬ ‫ل وأعظم درجة‪ ،‬في الغالب‪ .‬قال تعالى‪ :‬وَك َأّين ّ‬ ‫من رب العالمين ‪ -‬أفض ُ‬
‫فوا ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ضعُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ل اللهِ وَ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫صاب َهُ ْ‬ ‫مآ أ َ‬ ‫ما وَهَُنوا ل ِ َ‬ ‫ن ك َِثيٌر فَ َ‬ ‫ه رِب ّّيو َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ي َقات َ َ‬ ‫ن ّب ِ ّ‬
‫ن (( ‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ّ‬
‫ست َكاُنوا َوالل ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ه رِب ُّيون‪.‬‬ ‫معَ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ة‪ :‬قت ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫وفي قراء ٍ‬
‫شار‪،‬‬ ‫ن بَ ّ‬ ‫مب ُ‬ ‫دثنا إبراهي ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ب‪َ ،‬‬ ‫حَبا ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ُ‬
‫وفي صحيح ابن حبان‪ :‬أخبرنا الفضل ب ُ‬
‫ت‪،‬‬ ‫ب بن الَر ّ‬ ‫ن أبي حازم عن خّبا ِ‬ ‫سب ِ‬ ‫ن بشر‪ ،‬عن قي ِ‬ ‫نب ِ‬ ‫ن‪ ،‬عن بيا ِ‬ ‫دثنا سفيا ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫المشركي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫قينا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫قد‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ظ‬ ‫في‬ ‫ة‬ ‫د‬ ‫ر‬ ‫ب‬
‫َ ُ َ َ ّ ٌ ُْ َ ً‬ ‫د‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫وه‬ ‫ي‬ ‫النب‬ ‫ينا‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫قال‪:‬‬
‫َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َْ‬
‫ه‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ضب‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫لنا‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫عو‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫ت‬ ‫أل‬ ‫ل الل ّه‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫رسو‬ ‫يا‬ ‫ت‪:‬‬ ‫فقل‬ ‫ة‪،‬‬ ‫شد ّ ً‬
‫َ ُ َ ُ ْ َ ّ َ ْ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ضعُ عليه المنشاُر‪،‬‬ ‫يو‬ ‫ف‬ ‫يعطيها‪،‬‬ ‫فما‬ ‫ة‬ ‫الكلم‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أ‬‫س‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫قب‬ ‫َ‬ ‫كان‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫)إ‬ ‫ل‪:‬‬‫َ‬ ‫فقا‬
‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ ْ‬ ‫ّ َ ْ‬
‫ن‬ ‫دو‬ ‫ما‬ ‫ُ‬
‫ط‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫أحد‬ ‫ن‬ ‫كا‬ ‫ن‬ ‫وإ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫دي‬ ‫عن‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ذا‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫ن‪،‬‬ ‫فَي ُ َ‬
‫َ‬ ‫ْ ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ ِ ُ‬ ‫شقّ باثني ِ‬
‫ه‪ ،‬ولكن ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ك عن دين ِ ِ‬ ‫ه ذا َ‬ ‫صرِفُ ُ‬ ‫حديد‪ ،‬وما ي َ ْ‬ ‫ط ال َ‬ ‫ب بأمشا ِ‬ ‫حم ٍ أو عص ٍ‬ ‫َ‬
‫مهِ من ل ْ‬ ‫عظا ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‬‫مو ْ َ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ح ْ‬ ‫صن َْعاَء إلى َ‬ ‫ب من َ‬ ‫سيَر الراك ُ‬ ‫مَر حتى ي َ ِ‬ ‫ه هاذا ال ْ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ن‪ ،‬ولي ُت ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫جلو َ‬ ‫ُ‬ ‫ت َعْ َ‬
‫ه(‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫ب على غَن َ ِ‬ ‫ه والذئ َ‬ ‫ّ‬
‫ف إل الل َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ل يَ َ‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن ُأكرِهَ على كلمةِ الكفر‪،‬‬


‫م ْ‬
‫قال البغوي في تفسيره‪ ’ :‬وأجمع العلماُء على أن َ‬
‫ً‬
‫ل بلسانه‪ ،‬وإذا قال بلسانه غير معتقد ل يكون كفرا‪ ،‬وإن أبى‬ ‫يجوز له أن يقو َ‬
‫ل كان أفضل‪‘.‬‬‫أن يقوله حتى يقت َ‬

‫)‪(25 /‬‬

‫ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة الصحابي عبد الله بن حذافة السهمي‬
‫رضي الله عنه‪ :‬أنه أسرته الروم‪ ،‬فجاءوا به إلى ملكهم فقال له‪ :‬تنصر وأنا‬
‫أشركك في ملكي وأزوجك ابنتي‪ ،‬فقال له‪ :‬لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع‬
‫م طرفة‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ما تملكه العرب على أن أرجع عن دين محمد َ‬
‫عين ما فعلت‪ ،‬فقال‪ :‬إذا ً أقتلك‪ ،‬فقال‪ :‬أنت وذاك‪ ،‬قال‪ :‬فأمر به فصلب‪ ،‬وأمر‬
‫الرماةَ فرموه قريبا ً من يديه ورجليه‪ ،‬وهو يعرض عليه دين النصرانية فيأبى‪،‬‬
‫زل‪ ،‬ثم أمر بقدر‪ ،‬وفي رواية ببقرة من نحاس فأحميت‪ ،‬وجاء‬ ‫ُ‬
‫ثم أمر به فأن ِ‬
‫بأسير من المسلمين فألقاه وهو ينظر‪ ،‬فإذا هو عظام تلوح‪ ،‬وعرض عليه‬
‫فأبى‪ ،‬فأمر به أن يلقى فيها‪ ،‬فرفع في البكرة ليلقى فيها‪ ،‬فبكى فطمع فيه‬
‫ودعاه‪ ،‬فقال‪ :‬إنما بكيت لن نفسي إنما هي نفس واحدة ُتلقى في هذه القدر‬
‫س‬
‫الساعة في الله‪ ،‬فأحببت أن يكون لي بعدد كل شعرة في جسدي نف ٌ‬
‫ب في الله‪ .‬وفي بعض الروايات أنه سجنه ومنع منه الطعام‬ ‫ب هذا العذا َ‬ ‫ُتعذ ّ ُ‬
‫والشراب أيامًا‪ ،‬ثم أرسل إليه بخمر ولحم خنزير فلم يقربه‪ ،‬ثم استدعاه‬
‫ل لي‪ ،‬ولكن لم أكن لشمتك‬ ‫فقال‪ :‬ما منعك أن تأكل ؟ فقال‪ :‬أما إنه قد ح ّ‬
‫قك‪ ،‬فقال‪ :‬وتطلق معي جميع‬ ‫بي‪ ،‬فقال له الملك‪ :‬فقبل رأسي‪ ،‬وأنا ُأطل ُ‬
‫سه‪ ،‬فأطلقه وأطلق معه جميع‬ ‫أسارى المسلمين ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فقبل رأ َ‬
‫ق‬
‫أسارى المسلمين عنده‪ ،‬فلما رجع قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪ :‬ح ٌ‬
‫على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة‪ ،‬وأنا أبدأ‪ ،‬فقام فقبل رأسه‬
‫رضي الله عنهما‪.‬‬
‫ه‬
‫مكَر ِ‬‫ره‪ ،‬وللمر ال ُ‬ ‫مك ِ‬ ‫مكَرهِ لل ُ‬‫م بجواز استجابة ال ُ‬ ‫ة القول‪ :‬أن الحك َ‬ ‫وخلص ُ‬
‫مكرِهِ على إيقاِع‬ ‫عليه‪ ،‬ل ب ُد ّ فيه من مراعاة أمور ثلث‪ ،‬الولى‪ :‬قدرةُ ال ُ‬
‫ره‪ .‬الثالثة‪ :‬نوعُ المرِ الذي‬ ‫مك ِ‬
‫الكراه‪ .‬الثانية‪ :‬نوعُ الكراه الذي سيوقعه ال ُ‬
‫مكرِهُ فعَله‪.‬‬ ‫ب ال ُ‬
‫يطل ُ‬
‫فمن الكراه ما يجوز فعله ولو كان الكراه ُ بالسوط والسوطين‪ ،‬ومنه ما ل‬ ‫ُ‬
‫س والموال‪.‬‬ ‫يجوز ولو ذهبت النف ُ‬
‫شبهة الديمقراطية‬
‫ة لحربها وغزوها‬ ‫ة‪ ،‬الدعوى التي أطلقتها أمريكا‪ ،‬وجعلت منها ذريع ً‬ ‫الديمقراط ُ‬
‫فها مقاصدها‪ ،‬وأهدافها الحقيقية‪ ،‬من هذه‬ ‫لبلد المسلمين‪ .‬وأخفت خل َ‬
‫الحروب‪ .‬فجعلت من دعوى تصدير الديمقراطية ‪ -‬بعد أن روجت لها بنفوذها‬
‫ة لكسب التعاطف والتأييد لها من‬ ‫السياسي والعلمي والقتصادي ‪ -‬وسيل ً‬
‫ب تلك البلد السلمية‬ ‫ل شعو ِ‬ ‫ب العالم‪ ،‬بل ومن ِقب ِ‬ ‫ل شعِبها‪ ،‬وشعو ِ‬ ‫قب ِ‬
‫المنكوبة المحتلة‪.‬‬
‫ت‪ ،‬لتبرير تحالفها مع هذا العدوان‬ ‫ل وحكوما ٌ‬ ‫فاستعانت بهذه الكذبة‪ ،‬دو ٌ‬
‫ي عند أغلبها الحقد ُ والغل على السلم‬ ‫ه الحقيق ُ‬
‫والظلم أمام شعوبها‪ .‬ودافعُ ُ‬
‫ف من الضغوط‬ ‫ة في الغنيمة عند آخرين‪ .‬والخو ُ‬ ‫وأهله‪ .‬والطمعُ والمشارك ُ‬
‫فوا جميعا ً‬ ‫المريكية العسكرية والقتصادية والسياسية عند الباقين‪ .‬فاستخ َ‬
‫خلف هذه الكذبة الظاهرة‪ ،‬مظهرين الشفقة والنسانية‪ ،‬مبطنين العداوة‬
‫والهمجية‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن كان يستخفي بنفاقه ول يبديه‪،‬‬ ‫م ْ‬ ‫فْريةِ في ديار المسلمين‪َ ،‬‬ ‫ح بهذه ال ِ‬ ‫وفَرِ َ‬
‫ن العقائد َ الباطلة المخالفة لما يقتضيه السلم من الستسلم لمر‬ ‫ن يبط ُ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬
‫ن الذين يريدون لبلد السلم أن تحيى حياةَ الغرب‬ ‫م َ‬ ‫الله تعالى وأمر رسوله‪ِ .‬‬
‫ف‬‫ُ‬ ‫والضع‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫الوه‬ ‫بهم‬ ‫َ‬ ‫قلو‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫أصا‬ ‫ن‬
‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫أيضا‬ ‫بها‬ ‫وتعلق‬ ‫وأخلقه‪.‬‬ ‫في كفره ومجونه‬
‫ض لحبهم للدنيا وتعلقهم بها‪.‬‬ ‫والمر ُ‬
‫فروجوا جميعا ً لهذه الدعوى‪ ،‬ونافحوا عنها‪ ،‬وتعللوا بها‪ ،‬في اعانتهم وتعاونهم‬
‫مع الكفرة المعتدين‪ .‬فدعوا إلى التسليم والستسلم والكف عن القتال‬
‫م يقلبون الموَر‪ ،‬ويخلطون الباطل بالحق‪ ،‬ويزخرفون‬ ‫والجهاد‪ .‬وهؤلء قو ٌ‬
‫القول‪ ،‬ويستغلون ما يقعُ ببلد السلم من الظلم والتعدي والنحراف‬
‫المخالف للسلم‪ ،‬لترويج باطلهم ودعوتهم‪ .‬تماما كما أخبر الله تعالى عنهم‪:‬‬
‫ن ((‪.‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫سُهم وَ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ن إ ِل ّ أ َن ْ ُ‬ ‫عو َ‬ ‫خد َ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫مُنوا وَ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه َوال ّ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫عو َ‬ ‫خادِ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫حقّ وَظهََر‬ ‫جآَء ال َ‬ ‫حّتى َ‬ ‫موَر َ‬ ‫ل وَقَلُبوا لك ال ُ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ة ِ‬ ‫فت ْن َ َ‬‫قدِ اب ْت َغَوُا ال ِ‬ ‫وقال تعالى‪ :‬ل َ‬
‫َ‬
‫ن (( ‪.‬‬ ‫هو َ‬ ‫م كارِ ُ‬ ‫َ‬ ‫مُر الل ّهِ وَهُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫ش المرتدين‬ ‫ش تحريرٍ وحرية‪ .‬وجيو َ‬ ‫ش الكفرة النجسة جيو َ‬ ‫فسموا جيو َ‬
‫شَرطه‪ .‬وسموا المجاهدين الحرار الشرفاء إرهابيين‬ ‫َ‬ ‫ش الوطن و ُ‬ ‫والخونة جيو َ‬
‫ومجرمين‪ ،‬واستخفى واستحيا آخرون فسموهم مقاتلين ومسلحين‪.‬‬
‫قال البخاري في صحيحه‪ :‬عَ َ‬
‫ن‬
‫ل ِ ّ‬ ‫إ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن ال ْي َ َ‬ ‫ة بْ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫حذ َي ْ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫ن أِبي َوائ ِ ٍ‬ ‫ْ‬
‫ذ‬ ‫ئ‬ ‫م‬‫و‬ ‫ي‬
‫ُ َ ْ َ ِ ٍ‬ ‫نوا‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬
‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬ ‫ي‬
‫ْ ِ ِّ ّ َ‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫لى‬ ‫م عَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫شّر ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْي َوْ َ‬ ‫قي َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مَنافِ ِ‬
‫ن‪ .‬وأخرج البزار من طريق عاصم عن أبي وائل‪ ،‬قلت‬ ‫جهَُرو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن َوال ْي َوْ َ‬ ‫سّرو َ‬ ‫يُ ِ‬
‫سل ّ َ‬
‫م‪،‬‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫لحذيفة‪ :‬النفاق اليوم شر أم على عهد رسول الله َ‬
‫قال‪ :‬فضرب بيده على جبهته وقال‪ :‬أوه‪ ،‬هو اليوم ظاهر‪ ،‬إنهم كانوا‬
‫م‪.‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫يستخفون على عهد رسول الله َ‬

‫)‪(26 /‬‬

‫ن بالقرآن وصدق أخباَره‪ ،‬فالله‬ ‫ن آم َ‬ ‫م ْ‬ ‫فها‪ ،‬ل َ‬ ‫ن عواُرها وزي ُ‬ ‫وهذه الدعوى بي ٌ‬
‫ل‬‫م قُ ْ‬ ‫ملت َهُ ْ‬‫ّ‬ ‫حّتى ت َت ّب ِعَ ِ‬ ‫صاَرى َ‬ ‫َ‬
‫عنك الي َُهود ُ وَل الن ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ضى َ‬ ‫ن ت َْر َ‬ ‫َ‬
‫تعالى يقول فيه‪ )) :‬وَل ْ‬
‫ما ل َكَ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن العِلم ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫جآَءك ِ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ب َعْد َ ال ِ‬ ‫وآَءهُ ْ‬ ‫ت أهْ َ‬ ‫ن ات ّب َعْ َ‬ ‫دى وَلئ ِ ِ‬ ‫دى الل ّهِ هُوَ ال ْهُ َ‬ ‫ن هُ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫صيرٍ (( ‪.‬‬ ‫َ‬
‫ي وَل ن َ ِ‬ ‫من وَل ِ ّ‬ ‫ن اللهِ ِ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫صد ّ‬ ‫ل ِفيهِ قل قَِتال ِفيهِ كِبيٌر وَ َ‬ ‫حَرام ِ قَِتا ٍ‬ ‫شهْرِ ال َ‬ ‫سألون َك عَ ِ‬ ‫وقال تعالى‪ :‬ي َ ْ‬
‫هّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ل الل ّهِ وَك ْ‬
‫ُ‬
‫عند َ الل ِ‬ ‫ه أكب َُر ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ج أهْل ِهِ ِ‬ ‫خَرا ُ‬ ‫حَرام ِ وَإ ِ ْ‬ ‫جدِ ال َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فٌر ب ِهِ َوال َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫عن َ‬ ‫َ‬
‫م ِإن‬ ‫عن ِدين ِك ُْ‬ ‫ْ َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫دو‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫تى‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫زا‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬
‫َ ُ ِ َ ْ َ ّ َ ّ‬ ‫ْ ِ َ ََ‬ ‫َُ ِ َ‬ ‫َ ِ َْ ُ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ب‬ ‫ح‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ئ‬ ‫ول?ـا‬ ‫كا ُفر فَأ ُ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫دي‬ ‫عن‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫د‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫من‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫عو‬ ‫طا‬‫ست َ َ‬
‫ْ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ ٌ‬ ‫ِ ِ ِ َ ُ ْ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َْ َ ِ ْ ِ ْ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ا ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن(( ‪.‬‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫خَرةِ وَأْول?ـائ ِ َ‬ ‫م ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫مال ُهُ ْ‬ ‫أعْ َ‬
‫وآًء(( ‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫ن َ‬ ‫كوُنو َ‬ ‫فُروا ْ فَت َ ُ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫فُرو َ‬ ‫وقال تعالى‪ )) :‬وَّدوا ْ ل َوْ ت َك ْ ُ‬
‫ْ‬ ‫ة وَأوْلئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن ((‪ .‬قال‬ ‫دو َ‬ ‫معْت َ ُ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫م ً‬ ‫ن إ ِل ّ وَل َ ذِ ّ‬ ‫م ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ِفي ُ‬ ‫وقال تعالى‪ :‬ل َ ي َْرقُُبو َ‬
‫ابن جرير‪ ’ :‬يقول تعالى ذكره‪ :‬ل يتقي هؤلء المشركون الذين أمرتكم أيها‬
‫ة‪.‬‬‫م ً‬ ‫ن لو قدورا عليه إل ّ وَل َ ذِ ّ‬ ‫ل مؤم ٍ‬ ‫المؤمنون بقتلهم حيث وجدتموهم في قت ِ‬
‫يقول‪ :‬فل تبقوا عليهم أيها المؤمنون‪ ،‬كما ل يبقون عليكم لو ظهروا عليكم‪.‬‬
‫ن يقول‪ :‬المتجاوزون فيكم إلى ما ليس لهم بالظلم‬ ‫دو َ‬ ‫معْت َ ُ‬ ‫م ال ُ‬
‫ك هُ ُ‬ ‫وأوُل َئ ِ َ‬
‫والعتداء‪‘.‬‬
‫طيُعوا ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫مُنو?ا ِإن ت ُ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫والله تعالى ينهانا أن نطيَعهم ونرتضَيهم‪ )) :‬ياأي َّها ال ِ‬
‫فَريقا ً من ال ّذي ُ‬
‫ن(( ‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫مان ِك ُ ْ‬ ‫كم ب َعْد َ ِإي َ‬ ‫ب ي َُرّدو ُ‬ ‫ن أوُتوا ْ ال ْك َِتا َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ّ َ‬ ‫ِ‬
‫دقوا الله ورسوله وأقّروا بما‬ ‫قال ابن جرير‪ ’ :‬فتأويل الية‪ :‬يا أيها الذين ص ّ‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م من عند الله‪ ،‬إن تطيعوا جماعة ممن‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫جاءهم به نبُيهم َ‬
‫ينتحل الكتاب من أهل التوراة والنجيل‪ ،‬فتقبلوا منهم ما يأمرونكم به‪،‬‬
‫يضلوكم فيرّدوكم بعد تصديقكم رسول ربكم وبعد إقراركم بما جاء به من‬
‫دقتموه من الحقّ الذي‬ ‫عند ربكم كافرين‪ ،‬يقول‪ :‬جاحدين لما قد آمنتم به وص ّ‬
‫ل ثناؤه أن ينتصحوهم‪ ،‬ويقبلوا منهم رأيا أو‬ ‫جاءكم من عند ربكم‪ .‬فنهاهم ج ّ‬
‫ش وحسد‬ ‫ل وغ ّ‬ ‫مشورة‪ ،‬ويعلمهم تعالى ذكره أنهم لهم منطوون على غ ّ‬
‫وبغض‪‘.‬‬
‫خَبال ً وَّدوا ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫م ل َ ي َألون َك ُ ْ‬ ‫من ُدون ِك ُ ْ‬
‫ة ّ‬ ‫ذوا ب ِطان َ ً‬ ‫خ ُ‬‫مُنوا ل َ ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقال تعالى‪ :‬ياأي َّها ال ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م أك ْب َُر قَد ْ ب َي ّّنا لك ُ ُ‬
‫م‬ ‫دوُرهُ ْ‬ ‫ص ُ‬‫في ُ‬‫خ ِ‬ ‫ما ت ُ ْ‬‫م وَ َ‬ ‫واهِهِ ْ‬ ‫ن أفْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ضآُء ِ‬ ‫ت ال ْب َغْ َ‬ ‫م قَد ْ ب َد َ ِ‬ ‫ما عَن ِت ّ ْ‬ ‫َ‬
‫ن (( ‪.‬‬ ‫قلو َ‬ ‫ُ‬ ‫م ت َعْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْت ُْ‬ ‫ت إِ ْ‬ ‫الَيا ِ‬
‫قال القرطبي‪ ’ :‬قلت‪ :‬وقد انقلبت الحوال في هذه الزمان باتخاذ أهل‬
‫ولة والمراء‪‘.‬‬ ‫جَهلة الغِْبياء من ال ُ‬ ‫ة وأمناء وَتسوُّدوا بذلك عند ال َ‬ ‫الكتاب كتب ً‬
‫ع‬
‫ل به‪ ،‬أو بصٌر ُيبصُر به‪ ،‬أو سمعٌ يسم ُ‬ ‫ل يعق ُ‬ ‫ن ُبطلُنها لكل من كان له عق ٌ‬ ‫وبي ٌ‬
‫ل والتعذيب للطفال والنساء والشيوخ‬ ‫م كله القت َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫معَ العال ُ‬ ‫به‪ .‬بعد َ أن رأى وس ِ‬
‫والجرحى والسرى‪ .‬وشاهد كل هذا الهدم‪ ،‬والتدمير‪ ،‬والتخريب‪ ،‬للمدن‬ ‫َ‬
‫ل على‬ ‫والقرى والبيوت بأسلحة دمار ممنوعة‪ ،‬محرمةٍ على المسلمين‪ ،‬حل ٍ‬
‫ن ما نهبوه وسرقوه من الثروات والموال‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫الكفرة المعتدين‪ .‬وما اشتهر ِ‬
‫ي منه أعظم‬ ‫ل ظهر وبان من همجيتهم وظلمهم وعدوانهم وما خف ّ‬ ‫وهذا قلي ٌ‬
‫وأطم‪.‬‬
‫ويكذب دعاواهم ويفضح نواياهم حصارهم الظالم الذي منع الدواء والغذاء‬
‫عن الطفال حتى هلك منهم في العراق اللف‪ .‬وهذه القنابل والمدافع‬
‫والصواريخ والدبابات والطائرات التي تقتل وتهدم وتخرب وتحرق وتعيث في‬
‫ت اللف من‬ ‫بلد المسلمين ظلما وفسادا‪ .‬حتى جاوز عدد ُ القتلى مئا ِ‬
‫الطفال والنساء والمدنيين العزل المنين في بيوتهم وأسواقهم‪.‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ضهم‪ ،‬فهم يرضون ويعينون ويحالفون من الحكام ِ َ‬ ‫ويكذب دعواهم تناق ُ‬
‫ل شيء‪ ،‬وجمعَ لهم بين محاربة السلم والتخلي عن أسباب‬ ‫م لهم ك ّ‬ ‫سل ّ َ‬
‫ف فسيشنون عليه الغارة تلو الغارة‪ ،‬وسيثيرون‬ ‫القوة والمنعة‪ .‬فمن شذ ّ وخال َ‬
‫الفتن والضطرابات ببلده‪ ،‬معتذرين بصناعة الديمقراطية‪ .‬فالخوف من‬
‫السلم‪ ،‬دينا يعتقده المسلمون ويمتثلونه ويدعون إليه‪ .‬ومن قوة عسكرية‬
‫ة من ظالم أو كافر‪ ،‬تدفعهم لشن‬ ‫في بلد المسلمين‪ ،‬ولو كانت محكوم ً‬
‫الحروب واحتلل البلد‪ ،‬فهم ل يأمنون أن يتغيَر ويتوب‪ ،‬أو ُيغيّر وُيخلع‪.‬‬

‫)‪(27 /‬‬

‫ويكذب دعواهم خوُفهم الذي ظهر في فلتات ألسنةِ قادتهم‪ ،‬وصّر َ‬


‫ح به‬
‫رهباُنهم وذوو الشأن والمر فيهم‪ ،‬من عودة المسلمين لقرآنهم وسنة نبيهم‪.‬‬
‫فسعوا لمنعه بالتغريب والفساد‪ ،‬والتمكين للمنافقين والعلمانيين لشاعة‬
‫الشبه والشهوات‪ ،‬عسى أن يصدوا المسلمين عن مصدر قوتهم وعزتهم‪.‬‬
‫فمن خلل الدعاية والتمكين والفرض بالقوة لنمط الحياة الغربية‪ ،‬خصوصا‬
‫خلقي‪ ،‬والنهماك في الشهوات والملذات يحصل لهم ما‬ ‫جانب النحلل ال ُ‬
‫يريدونه ويسعون له في بلد المسلمين‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م ُنورِهِ وَلوْ كرِهَ‬
‫مت ِ ّ‬
‫ه ُ‬
‫م َوالل ُ‬
‫واهِهِ ْ‬‫فُئوا ْ ُنوَر اللهِ ب ِأفْ َ‬
‫ّ‬ ‫ن ل ِي ُط ْ ِ‬
‫دو َ‬
‫ري ُ‬
‫يقول الله تعالى‪ :‬ي ُ ِ‬
‫ن ((‪.‬‬ ‫ال ْ َ‬
‫كافُِرو َ‬
‫ه ومصلحته تدعوه إلى‬ ‫فلم يبقى مصدقٌ لهذه الكذبة إل من كانت عقيدت ُ ُ‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫احتلل بلد المسلمين‪ ،‬وإضعاف قوتها‪ ،‬ونهب ثرواتها‪ ،‬وإذلل أهلها‪ .‬أو كان‬
‫عنده هوىً وشهوةٌ في متابعة الغرب الكافر والتقليد له‪.‬‬
‫ل مصدقا ً لكاذيبهم‪ ،‬مؤمل ً ما مّنوه به‪ ،‬من رغد‬ ‫وليعلم المغروُر الذي ل يزا ُ‬
‫العيش‪ ،‬والمن‪ ،‬والتطور والزدهار‪ ،‬أن ما سيأتون به من المفاسد العظيمة‪،‬‬
‫س الدين والخلق‪ ،‬تربو وترجح بالمصالح الدنيوية الموعودة‬ ‫م ّ‬ ‫التي ت َ ُ‬
‫المزعومة‪ .‬وليعلم أنهم يأملون من خلل فرض منهج الحياة الغربية على‬
‫خهم عن دينهم واعتقادهم‪ ،‬وما يوجبه الله عليهم من الدعوة‬ ‫المسلمين سل َ‬
‫ة الشيطان‬ ‫ة الله العليا‪ ،‬وكلم ُ‬ ‫إلى الدين الصحيح والجهاد حتى تكون كلم ُ‬
‫سفلى‪.‬‬ ‫وأحزابه ال ُ‬
‫قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن – رحمه الله – في قوم زينوا حكم‬
‫الكفار لبلد المسلمين‪ )) :‬وأخبث هؤلء وأجهلهم من قال‪ :‬إنه حصل بهم‬
‫ض ّ‬
‫ل القوم‪،‬‬ ‫َ‬
‫م ظلم وتعد ٍ على الحضر‪ ،‬وهذا الصنف أ َ‬ ‫ة للناس‪ ،‬وعد ُ‬ ‫راح ٌ‬
‫دهم محادة لله ورسوله‪ ،‬ولهل اليمان والُتقى‪ .‬لنه‬ ‫هم عن الهدى‪ ،‬واش ُ‬ ‫وأعما ُ‬
‫ل يعرف الراحة التي حصلت بالرسل وبما جاءوا به في الدنيا والخرة‪ ،‬ولم‬
‫يؤمنوا بها اليمان النافع‪ .‬والمسلم يعرف أن الراحة كل الراحة‪ ،‬والعدل كل‬
‫العدل‪ ،‬واللذة كل اللذة‪ ،‬في اليمان بالله ورسوله‪ ،‬والقيام بما أنزل الله من‬
‫الكتاب والحكمة‪ ،‬وإخلص الدين له‪ ،‬وجهاد أعداء دينه وأعداء رسوله‪ ،‬وأنه‬
‫باب من أبواب الجنة‪ ،‬يحصل به النعيم والفرح واللذة‪ ،‬في الدور الثلث((‪.‬‬
‫هذه الديمقراطية التي زينوها وزخرفوها‪ ،‬ما حقيقُتها‪ ،‬وهل توافق الشرع‬
‫المطهر أم تعارضه وتناقضه ؟‬
‫ن ما يأتيه بالميزان الشرعي‪ ،‬فما وافق أو أباحه‬ ‫ص على دينه‪ ،‬ي َزِ ُ‬ ‫ن حري ٌ‬ ‫المؤم ُ‬
‫الشرعُ قب ِله‪ .‬وما خالف وحّرمه الشرع رفضه ورده‪ .‬لن ديَنه عزيٌز عليه‪،‬‬ ‫َ‬
‫ب‬‫م على كل شيء‪ .‬فالمسلم ل يرضى الكفر أبدا‪ ،‬وأن ُيلقى في النار أح ّ‬ ‫مقد ٌ‬
‫م والثم‪ ،‬حتى‬ ‫ل الحرا َ‬ ‫ن ول ُيحل ُ‬‫س ُ‬ ‫إليه من أن يرتد كافرا‪ .‬ول يرضى ول ُيح ّ‬
‫مه وذنَبه‪ ،‬ويرجو‬ ‫سه والشيطان فوقعَ في الحرام فهو يكره إث َ‬ ‫وإن غلبته نف ُ‬
‫ده بين الوقوع في الحرام وبين تحليل وتزيين‬ ‫ستَر وعفوَ رِبه‪ .‬فالفرقُ عن َ‬ ‫ِ‬
‫الحرام‪ ،‬هو الفرق بين المسلم المذنب الذي مآله إلى الجنة بعد العفو أو‬
‫التمحيص‪ ،‬والمسلم المرتد الذي مصيره الخلود في النار‪.‬‬
‫م الغالبية من الشعب‪.‬‬ ‫م الشعب‪ ،‬أو حك ُ‬ ‫الديمقراطية كما عرفها أهُلها‪ :‬حك ُ‬
‫وهذا الحكم من الشعب يعني حقه في اختيار الحاكم‪ ،‬والنظام السياسي‬
‫الحاكم للبلد‪ ،‬كما يشمل حقَ الشعب في اختيار القوانين والنظمة والحكام‬
‫التي يتحاكم إليها ويعيش بها‪.‬‬
‫وتباينوا واختلفوا في حدود الحرية الفردية للشخاص والقليات‪ ،‬خوفا من‬
‫ة الفردية للشخاص ما لم تصل إلى‬ ‫ن غل ّ َ‬
‫ب الحري َ‬ ‫م ْ‬ ‫استبداد الكثرية‪ .‬فمنهم َ‬
‫ن فهو حر في عبادته‪،‬‬ ‫حد الذى الحسي للخرين‪ ،‬فمن أراد أن يعب ُد ّ الشيطا َ‬
‫ط فهو حر في ممارسته‪ ،‬وليس للخرين أن يمنعوه من ما‬ ‫ن أراد َ اِللوا َ‬ ‫م ْ‬‫و َ‬
‫ب مصلحة الجماعة على المصلحة الفردية فربما‬ ‫ّ‬
‫ن غل َ‬ ‫م ْ‬
‫جعلوه حقا له‪ .‬ومنهم َ‬
‫منع بعض التصرفات الشخصية لمعارضتها لمصلحة الجماعة وضررها‬
‫للمجتمع‪.‬‬
‫ن جميعَ هذه التعاريف والمفاهيم للديمقراطية تتفق في حق الشعوب في‬ ‫لك ّ‬
‫م إليه‪ ،‬وتتفق أيضا‬ ‫مها وتتحاك ُ‬ ‫التصويت والختيار للحاكم والنظام الذي يحك ُ‬
‫ن النظمة والقوانين التي يختاُرها‬ ‫س ّ‬ ‫في حق الشعب من خلل التصويت في َ‬
‫ويرتضيها‪ .‬فإن اختارت الغلبية تجويز الزنا جاز‪ ،‬وإن اختارت تحريم ومنع‬
‫الحجاب صار حراما ممنوعا‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ح أبدا ً من مسلم يؤمن بالله ربا وبالسلم دينا وبمحمد‬ ‫وهذا العتقاد ل يص ُ‬
‫م نبيا ورسول‪ .‬ل يصح أبدا أن يعتقد جواز وصحة القبول‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬‫صّلى الل ّ ُ‬‫َ‬
‫والرضا لما تختاره الغلبية إن عارض الدين‪ ،‬كما ل يصح أن يمتنع عن النكار‬
‫بيده أو لسانه أو قلبه حسب وسعه وقدرته لمنكر اختارته الغلبية‪ ،‬وهذا أصل‬
‫من أصول الدين‪ ،‬وهو من معاني العبودية والتسليم لله تعالى‪ ،‬والرضا بحكمه‬
‫والتسليم لمره‪.‬‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ما َ‬
‫مرا أن‬
‫هأ ْ‬‫سول ُ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫من َةٍ إ َِذا قَ َ‬
‫ضى الل ُ‬ ‫ن وَل َ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ٍ‬‫مؤ ْ ِ‬
‫ن لِ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫قال تعالى‪ )) :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫م ((‪.‬‬
‫مرِهِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ََرة ُ ِ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫كو َ‬

‫)‪(28 /‬‬
‫فون عَن أ َمره َأن تصيبهم فتن ٌ َ‬
‫م‬‫صيب َهُ ْ‬
‫ة أوْ ي ُ ِ‬ ‫ُ ِ َُ ْ ِ َْ‬ ‫ْ ْ ِ ِ‬ ‫خال ُ َ‬ ‫ن يُ َ‬‫ذي َ‬ ‫حذ َرِ ال ّ ِ‬ ‫وقال تعالى‪ )) :‬فَل ْي َ ْ‬
‫م ((‪.‬‬ ‫َ‬ ‫عَ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬
‫ً‬
‫من خالف شريعة الرسول باطنا أو‬ ‫ش َ‬ ‫قال ابن كثير‪ ’ :‬أي فليحذْر وليخ َ‬
‫ظاهرًا‪ .‬أن ُتصيبهم فتنة أي في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة‪ ،‬أو يصيبهم‬
‫عذاب أليم أي في الدنيا بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك‪‘.‬‬
‫وقال ابن كثير ))وقوله فل وربك ل يؤمنون حتى ُيحكموك فيما شجر بينهم‪،‬‬
‫يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه ل يؤمن أحد حتى يحكم الرسول‬
‫م في جميع المور‪ ،‬فما حكم به فهو الحق الذي يجب‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫النقياد له باطنا ً وظاهرًا‪ ،‬ولهذا قال ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت‬
‫ويسلموا تسليما‪ ،‬أي إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فل يجدون في‬
‫أنفسهم حرجا ً مما حكمت به‪ ،‬وينقادون له في الظاهر والباطن‪ ،‬فيسلمون‬
‫لذلك تسليما ً كليا ً من غير ممانعة ول مدافعة ول منازعة‪ .‬وعن عبد الله بن‬
‫دكم حتى‬ ‫ن أح ُ‬ ‫ؤم ُ‬ ‫م‪) :‬ل ي ُ ْ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الله َ‬ ‫عمرو ‪ ،‬قال‪ :‬قال رسو ُ‬
‫ت به(‪ .‬قال النووي هذا حديث صحيح‪‘.‬‬ ‫ن هواهُ تَبعا ً ِلما جئ ُ‬ ‫يكو َ‬
‫ي أمر المسلمين‬ ‫م والطغيان الذي يمارسه الكثيُر ممن ول ّ‬ ‫وقد حمل الظل ُ‬
‫ً‬
‫ض الدعاة والعلماء إلى الدعوة للديمقراطية سبيل للخلص من حكم‬ ‫بع َ‬
‫الظلمة‪ .‬ذلك لظنهم واطمئنانهم أن الغالبية في الشعوب المسلمة لن تختاَر‬
‫ن ترتضي ديَنه وصلحه وتقواه‪ .‬وهذا ما حصل في الجزائر‪ ،‬حين‬ ‫م ْ‬‫لحكمها إل َ‬
‫فازت الحزاب السلمية في انتخاباتها‪ ،‬وسيحصل لغيرها من بلد المسلمين‬
‫عمل به‪ .‬ولكنهم غفلوا أو تغافلوا عن الخلل العظيم الذي يصيب عقيدة‬ ‫إن ُ‬
‫المسلم حين يقبل ويرضى بالديمقراطية‪.‬‬
‫دارت مناظرةٌ بين داعية مسلم ٍ يدعو إلى الديمقراطية‪ ,‬وعلماني يدعو إلى‬
‫الديمقراطية وفصل الدين عن الدولة‪ .‬فيقول العلماني له‪ :‬أتقبل لو نتج عن‬
‫م‪:‬‬
‫ن يعارض الدين ؟ فأجاب المسل ُ‬ ‫م كافر‪ ،‬أو قانو ٌ‬ ‫التصويت والنتخاب حاك ٌ‬
‫مه ما ل يلزم‬ ‫ة ومخالفة كبيرة‪ ،‬أوقعه فيها التزا ُ‬ ‫ة عظيم ٌ‬ ‫م‪ .‬وهذه سقط ٌ‬ ‫نع ْ‬
‫قديةٍ حين التزموا‬ ‫ل عَ َ‬ ‫ل في مسائ َ‬ ‫مه‪ .‬تماما كما أخطأ الشاعرة ُ من قب ُ‬ ‫إلتزا ُ‬
‫مع المعتزلة إلتزامات ل يصح إلتزامها‪.‬‬
‫فالمؤمن ل يرضى بحكم الكافر له‪ ،‬أو أن يتحاكم إلى الطاغوت‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫سِبيل ً ((‪.‬‬ ‫ن َ‬ ‫مِني َ‬ ‫ن عََلى ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ه ل ِل ْ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫)) وََلن ي َ ْ‬
‫ُ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مآ أنزِ َ‬
‫ل‬ ‫ك وَ َ‬ ‫مآ أن ْزِ َ‬ ‫مُنوا ْ ب ِ َ‬ ‫مآ َ‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ي َْزعُ ُ‬‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬ ‫وقال تعالى‪ )) :‬أل َ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ك يريدو َ‬
‫فُروا ْ ب ِهِ وَي ُ ِ‬
‫ريد ُ‬ ‫مُرو?ا ْ أن ي َك ْ ُ‬ ‫ت وَقَد ْ أ ِ‬ ‫غو ِ‬ ‫مو?ا ْ إ َِلى ال ّ‬
‫طا ُ‬ ‫حاك َ ُ‬ ‫ن أن ي َت َ َ‬ ‫من قَب ْل ِ َ ُ ِ ُ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫ضلل ب َِعيدا(( ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ضلهُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن أن ي ُ ِ‬ ‫َ‬
‫شي ْطا ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ب على المسلم التغييُر أو الِهجرةُ من بلد يحكمها كافر أو تغلب فيها‬ ‫فواج ٌ‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شعائر الكفر‪ ،‬إل من استثناه وعذره الله تعالى من المستضعفين الذين ل‬


‫يستطيعون حيلة ول يهتدون سبيل‪.‬‬
‫وإن في شريعة السلم التامة الكاملة غنى ومندوحة‪ ،‬عن بعض العدل الذي‬
‫تأتي به الديمقراطية ويستلزم أن يصاحَبه الكفر والباطل‪.‬‬
‫ض الدعاة‬ ‫وخروجا من هذه المخالفة الصريحة للعقيدة الصحيحة‪ ،‬حصَر بع ُ‬
‫ة في حق الشعب في اختيار الحاكم والنظمة والقوانين التي ل‬ ‫الديمقراطي َ‬
‫ض الدين والشريعة‪ ،‬وتسير وفق ضوابطها وأصولها‪ .‬فوقع في مصادمة‬ ‫تعار ُ‬
‫ن‬
‫أصول الديمقراطية‪ ،‬فتناقض معها‪ ,‬وجعل منها نظاما إسلميا حصر تعيي َ‬
‫الولة والمراء بطريق واحد وهو إختيار الغلبية من الشعب‪ .‬فهيأت هذه‬
‫المخالفة لصول الديمقراطية الغربية‪ ،‬للعلمانيين والليبرالين مدخل وحجة‬
‫يحتجون بها عليهم‪ ،‬فقالوا أنتم ل تستحقون الحكم من خلل الديمقراطية‬
‫لنكم تعارضون مبادئها وأصولها‪.‬‬
‫شبهة المصلحة والضرورة‬
‫ذلوا عنهم‪ ،‬والذين ظاهروا عليهم‪ ،‬عن‬ ‫ذلوا المسلمين‪ ،‬وخ ّ‬ ‫خ َ‬‫اعتذر الذين َ‬
‫م ذلك‪ ،‬والخلقُ والمرؤة‬ ‫ن ينهى ويحّر ُ‬ ‫خلقا‪ .‬فالدي ُ‬ ‫شين‪ ،‬دينا و ُ‬ ‫م ِ‬ ‫فعِلهم ال َ‬
‫والشهامة تأنف منه وتأباه‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫ن ذو لوثةٍ لنا‬ ‫ِ ْ‬‫إ‬ ‫ة‬ ‫الحفيظ‬ ‫ن عند َ‬ ‫خش ٌ‬ ‫ري معشٌر ُ‬ ‫ص ِ‬ ‫إذا ً لقام ب ِن َ ْ‬
‫حدانا‬‫ت ووُ ْ‬‫ذيه لهم طاروا إليه زرافا ٍ‬ ‫شُر أبدى ناج َ‬ ‫م إذا ال ّ‬ ‫قو ٌ‬
‫ت عََلى ما َقا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هاَنا‬
‫ل ُبر َ‬ ‫ن ي َن ْد ُُبهم في النائ َِبا ِ‬ ‫حي َ‬‫م ِ‬‫خاهُ ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫سأُلو َ‬ ‫ل يَ ْ‬
‫هاَنا‬
‫شرِ في شيٍء وإن َ‬ ‫ن ال ّ‬‫م َ‬‫سوا ِ‬ ‫ن كانوا ذ َِوي عَد َد ٍ ل َي ْ ُ‬ ‫مي وإ ِ ْ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫ل َك ِ ّ‬
‫ساَنا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ح َ‬ ‫سوِء إ ِ ْ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫فَرةً ومن ِإساَءةِ أه ِ‬ ‫مغْ ِ‬‫ل الظلم ِ َ‬ ‫من ظلم ِ أه ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫يجُزو َ‬
‫ل لنا به‪،‬‬‫فقالوا هذا عدو يملك من اللة العسكرية والعُد ّةِ والعِد ّةِ ما ل قِب َ َ‬
‫ويملك من القوة القتصادية والسياسية ما ل طاقة لنا عليه‪ .‬وفي مواجهته‬
‫ض البلد إلى المزيد من الدمار‬ ‫ض المسلمين للهلك‪ ،‬وتعري ُ‬ ‫وقتاله تعري ُ‬
‫والخراب‪.‬‬

‫)‪(29 /‬‬

‫م قتاله‪ ،‬أو حتى العتراض‬ ‫ة العامة للسلم والمسلمين‪ ,‬تقتضي عد َ‬ ‫فالمصلح ُ‬


‫عليه‪ ،‬إبقاًء للبقية الباقية من بلد المسلمين‪ ،‬بعيدة آمنة من سطوته‬
‫وجبروته‪ ،‬فل ُنصرة َ للمسلمين والحال كذلك‪ ،‬بل ربما الستجابة لتخويفه‬
‫ومعاونته عليهم‪ .‬فهذه مصلحة يجب مراعاتها وواقعة دعت الضرورة ُ إليها‪.‬‬
‫هذا ما اعتذروا به !‬
‫فهل يستقيم لهم هذا العذر في الميزان الشرعي ؟‬
‫وهل يتوافق مع أقوال أهل العلم‪ ،‬وما عرفوا به المصلحة المرعية والضرورة‬
‫الملجئة ؟‬
‫هذا ما أستعين الله تعالى لبيانه وتوضيحه‪ ،‬مبتدئا بتعريف المصلحة‬
‫والضرورة‪ ،‬ثم ما يجوز مراعاته منها وما ل يجوز‪ ،‬ووجه معارضة هذه‬
‫المصلحة والضرورة للشرع الحنيف‪ ،‬ثم النظر في حقيقة هذه المصلحة‪،‬‬
‫ل العلم والذكر الراسخون‪.‬‬ ‫مستشهدا بالنصوص البينات وما قاله أه ُ‬
‫ب منفعة للناس‪،‬‬ ‫ن في ترتيب الحكم عليه جل ُ‬ ‫ف الذي ي ُظ َ ّ‬
‫المصلحة هي‪ :‬الوص ُ‬
‫أو درُء مفسدة‪ .‬فإذا شهد الشارع لها واعتبرها صارت مصلحة حقيقية‬
‫شرعية‪ ،‬وإذا شهد الشارع بإلغائها وعدم اعتبارها صارت مصلحة متوهمة‪ ،‬هي‬
‫ح منها‪ .‬ومصلحة لم يتطرق‬ ‫دها أصل ُ‬
‫ض ُ‬‫مفسدة في الحقيقة‪ ،‬أو المر الذي هو ِ‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لها الشارع باعتبار ول إلغاء‪.‬‬


‫ة صلح المجتمع بأداء واجب‬ ‫فمن المصلحة التي شهد الشارع لعتبارها مصلح ُ‬
‫ة التآلف والمحبة بين المسلمين‬ ‫المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬ومصلح ُ‬
‫بأداء النصرة والنصيحة والتعاون وإفشاء السلم‪ ،‬فهذه مصالح أعتبرها‬
‫الشارع وأمر بها‪.‬‬
‫ة شهد الشارع للغائها‪ ،‬لنها في الحقيقة والنظر الصحيح مفسدةٌ ل‬ ‫ومصلح ٌ‬
‫مصلحة‪ .‬فالسلمة من القتل بترك الجهاد مصلحة مظنونة ملغاة بقوله تعالى‪:‬‬
‫خي ٌْر ل ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫شْيئا ً وَهُوَ َ‬ ‫هوا ْ َ‬ ‫سى َأن ت َك َْر ُ‬ ‫م وَعَ َ‬ ‫ل وَهُوَ ك ُْرهٌ ل ّك ُ ْ‬ ‫قَتا ُ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ب عَل َي ْك ُ ُ‬ ‫)) ك ُت ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ((‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل َ ت َعْل ُ‬ ‫م وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ه ي َعْل ُ‬ ‫م َوالل ُ‬ ‫شّر لك ُ ْ‬ ‫شْيئا وَهُوَ َ‬ ‫حّبوا َ‬ ‫سى أن ت ُ ِ‬ ‫وَعَ َ‬
‫وهي مفسدة في الحقيقة‪ ،‬قال القرطبي‪ ’ :‬قلت‪ :‬وهذا صحيح ل غبار عليه‪,‬‬
‫كما اتفق في بلد الندلس‪ ،‬تركوا الجهاد وجبنوا عن القتال وأكثروا من‬
‫ق‪،‬‬‫سر وقَتل وسَبى واستر ّ‬ ‫َ‬
‫الفرار‪ ,‬فاستولى العدوّ على البلد‪ ،‬وأيّ بلد ؟ وأ َ‬
‫ت أيدينا وكسبته‪‘.‬‬ ‫دم ْ‬ ‫فإنا لله وإنا إليه راجعون‪ ،‬ذلك بما ق ّ‬
‫حسن الخلق والتأليف والجتماع‪،‬‬ ‫وكذلك ترك النهي عن المنكر‪ ،‬لجل ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سَراِئيل عَلى‬ ‫من ب َِني? إ ِ ْ‬ ‫ْ‬
‫فُروا ِ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫ة ملغاة لقوله تعالى‪ :‬ل ُعِ َ‬ ‫ة مظنون ٌ‬ ‫مصلح ٌ‬
‫كاُنوا ْ ل َ‬ ‫ن* َ‬ ‫دو َ‬ ‫ْ‬
‫وا وّكاُنوا ي َعْت َ ُ‬‫َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ما عَ َ‬ ‫َ‬
‫م ذال ِك ب ِ َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ِ‬ ‫عي َ‬ ‫ن َداُوود َ وَ ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫لِ َ‬
‫ن(( ‪ .‬وللحاديث الصحيحة‬ ‫َ‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬
‫ُ َ َ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫نو‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫ما‬ ‫س‬
‫ّ ٍ َ ُ ِ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ئ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫من‬ ‫عن‬ ‫ي َت َ َ َ ْ َ َ‬
‫ن‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫نا‬
‫الكثيرة التي أمرت بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وحذرت أهماَله‬
‫وتضييعه‪ .‬فالحقيقة أنها مفسدة ٌ تؤول بالمجتمع إلى الفساد والضلل‪.‬‬
‫ومصلحة لم يشهد لها الشارع باعتبار ول إلغاء‪ ،‬وهي ما يسميه أهل العلم‬
‫والصول‪ ،‬المصالح المرسلة‪ ،‬والتي هي محل النظر والجتهاد‪ ،‬من قبل أهل‬
‫العلم الراسخ والنظر الصحيح‪ ،‬مثل كتابة المصحف وجمع الناس على حرف‬
‫واحد‪ ،‬ومهادنة الكفار بل ودفع المال لهم ليكفوا‪ ،‬حال ضعف المسلمين وقوة‬
‫ة ودليل صحيحا‪ ،‬والمالكية وكثيٌر‬ ‫الكفار‪ .‬هذه المصلحة الجمهور ل يعتبرها حج ً‬
‫من الحنابلة والمحققون يعتبرها حجة ودليل‪ ،‬إذا ُبنيت على الصول والقواعد‬
‫الشرعية المرعية‪ ،‬لن الله تعالى كما أخبر عن نفسه ودينه قد أكمل الدين‬
‫وارتضاه لنا‪ ،‬وأتم علينا النعمة بتمامه وصلحه‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ال ْيو َ‬
‫ت ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫مل ْ ُ‬‫م أك ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫م ِدينًا(( ‪.‬‬ ‫َ‬
‫سل َ َ‬ ‫م ال ِ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬ ‫ضي ُ‬ ‫مِتي وََر ِ‬ ‫م ن ِعْ َ‬ ‫ت عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬‫م وَأت ْ َ‬ ‫ِدين َك ُ ْ‬
‫فليس خيٌر إل وقد دلت الشريعة عليه‪ ،‬إما بالنص عليه عينًا‪ ،‬وإما استنباطا‬
‫من الصوال والقواعد التي دلت عليها النصوص‪ .‬ثم شددوا لعتبارها خوفا‬
‫من تسلط الهواء والشهوات‪ ،‬فاشترطوا لعتبار مثل هذه المصلحة أن تكون‬
‫متحققة ل مظنونة‪ ،‬كلية لجميع المسلمين ل جزئية‪ ،‬دينية ل دنيوية‪.‬‬
‫هذا التأصيل والتفصيل في المصالح يضع هذه المصلحة المظنونة المزعومة‬
‫ن المسلمين ‪ -‬وأعظم منه المظاهرة ُ عليهم ‪ -‬في‬ ‫خذل ُ‬ ‫التي يترتب عليها ِ‬
‫صف المصالح الملغاة‪ .‬ذلك بسبب معارضتها للنصوص الصحيحة الصريحة‪،‬‬
‫خذلنهم‪ ،‬أو‬ ‫ولجماع المسلمين‪ ،‬في وجوب نصرة المسلمين‪ ،‬وتحريم ِ‬
‫ن‬‫خذل ِ‬ ‫مظاهرة الكفار عليهم‪ ،‬بل رتبت النصوص الثم العظيم على ال ِ‬
‫ه تعالى منه‪.‬‬ ‫َ‬
‫والتسليم‪ ،‬وجعلت المظاهَر عليهم معدودا في الكفار قد تبرأ الل ُ‬
‫ل ‪ -‬والحال هذه ‪ -‬من أحدٍ العتذاُر بهذه المصلحة الملغاة‪ ،‬ومن فعله‬ ‫فل ُيقب ُ‬
‫فهو مخالف لجماع واتفاق أهل العلم‪ ،‬مقدم لرأيه وعقله على أمر الله تعالى‬
‫م‪.‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ورسوله َ‬
‫ى‬
‫م لشرع الله تعالى‪ .‬فلكل صاحب هو ً‬ ‫ُ‬
‫ح هذا الباب هو التعطيل العظي ُ‬ ‫ن َفت َ‬ ‫وإ ّ‬
‫ة فيما يظنه ويراه‪ ،‬فُيعطلَ‬ ‫م المصلح َ‬ ‫َ‬
‫ن يزع َ‬ ‫ي سقيم ٍ أ ْ‬ ‫ق ورأ ٍ‬ ‫وشهوةٍ ونفا ٍ‬
‫ع‪.‬‬‫َ‬ ‫الشر‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫م‪ ،‬وُيغي ّ َ ُ ّ‬
‫د‬ ‫يب‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫الحكا َ‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(30 /‬‬

‫قال ابن قدامة رحمه الله تعالى في روضة الناظر‪ ’ :‬الرابع من الصول‬
‫المختلف فيها‪ :‬الستصلح وهو اتباع المصلحة المرسلة‪ ،‬والمصلحة هي جلب‬
‫المنفعة أو دفع المضرة‪ ,‬وهي ثلثة أقسام‪ :‬قسم شهد الشرع باعتباره فهذا‬
‫هو القياس وهو اقتباس الحكم من معقول النص أو الجماع‪ ،‬القسم الثاني ما‬
‫مِلك‪ ،‬إذ العتق سهل‬ ‫شهد ببطلنه كإيجاب الصوم بالوقاع في رمضان على ال َ‬
‫عليه‪ ،‬فل ينزجر‪ ,‬والكفارة وضعت للزجر‪ ,‬فهذا ل خلف في بطلنه لمخالفته‬
‫النص‪ .‬وفتح هذا يؤدي إلى تغيير حدود الشرع‪ .‬الثالث‪ :‬ما لم يشهد له بإبطال‬
‫ول اعتبار معين‪‘.‬‬
‫وقال الرازي في المحصول‪ ’ :‬أعلم أن المصالح بالضافة إلى شهادة الشرع‬
‫ثلثة أقسام‪ :‬أحدها‪ ،‬ما شهد الشرع باعتباره ‪ ..‬وثانيها ما شهد الشرع‬
‫ببطلنه‪ ،‬مثاله قول بعض العلماء لبعض الملوك لما جامع في نهار رمضان‬
‫عليك صوم شهرين متتابعين فلما ُأنكر عليه حيث لم يأمره بإعتاق رقبة‪ ،‬قال‬
‫لو أمرته بذلك لسهل عليه ولستحقر إعتاق رقبة في قضاء شهوته‪ .‬واعلم أن‬
‫هذا باطل لنه حكم على خلف حكم الله تعالى لمصلحة تخيلها النسان‬
‫ف ذلك من جميع العلماء لم تحصل الثقة للملوك‬ ‫بحسب رأيه ثم إذا عُرِ َ‬
‫بفتواهم‪ ،‬وظنوا أن كل ما يفتون به فهو تحريف من جهتهم بالرأي‪‘.‬‬
‫ة ملغاة ٌ لمعارضتها النصوص‬ ‫ة مصلح ٌ‬ ‫ة المزعوم َ‬ ‫فتبين أن هذه المصلح َ‬
‫القطعية والجماع‪ .‬وهي أيضا مضنونة لغيرهم برأيه أن يعتبرها مفسدة ل‬
‫مصلحة‪ .‬فالتعاون مع الكفرة المعتدين يعينهم في تنفيذ وتحقيق أهدافهم‬
‫ل ما‬‫الخبيثة في بلد المسلمين‪ ،‬وسيجرئهم لغزو وحرب من ل يعطيهم ك ّ‬
‫ده بإذن‬ ‫يريدونه‪ .‬وحرُبه ومقاومُته وإلحاقُ القتل والضرر بجنده وعتاده سيص ُ‬
‫جه إن شاء الله تعالى‬ ‫دما ً في ظلمه وبغيه‪ ،‬وسُيخر ُ‬ ‫ي قُ ُ‬ ‫الله تعالى عن المض ّ‬
‫صاغرا مهزوما من بلد المسلمين‪.‬‬
‫أما الضرورة فهي الحالة التي تجيز للمسلم فعل المحظور عند خشيته هلك‬
‫نفسه أو تلف أعضائه أو لحوق العنت العظيم به‪ ،‬مثل أكل الميتة لدفع‬
‫مفسدة الموت بسبب عدم توفر الطعام الحلل‪ ،‬أو شرب الخمر لدفع الغصة‬
‫المهلكة‪ ،‬أو التلفظ بكلمة الكفر لدفع القتل والضرر العظيم على النفس‪.‬‬
‫فالذي يجيز فعل الحرام والمحظور الضروريات‪ ،‬وليست الحاجيات ول‬
‫التحسينيات‪.‬‬
‫فالضرورة تدفع وتزال‪ ،‬لكنها ل تزال بضرر مثله‪ ،‬أو أعظم منه‪ .‬فدفعها له‬
‫ضوابط وقواعد‪ ،‬فل يجوز ‪ -‬باتفاق أهل العلم ‪ -‬دفعُ الضرر عن النفس بإيقاع‬
‫س المعصومة‪ ،‬أو‬ ‫قت ُ َ‬ ‫مثله على النفس المعصومة ا ُ‬
‫ل النف َ‬ ‫لخرى‪ ،‬مثل أن ي َ ْ‬
‫ن على قتلها‪ ،‬لبقاِء نفسه‪ ،‬فليست نفسه أولى من نفس الخر‪ .‬كما ل‬ ‫ُيعي َ‬
‫يجوز دفع الضرر بضرر أعظم منه‪ ،‬وضرُر الفتنة في الدين وعلو الكفار‬
‫م من فتنة فوات النفس والموال بجهاد‬ ‫واستيلءهم على بلد المسلمين أعظ ُ‬
‫وجلد الكفار‪ .‬قال ابن جرير‪ ’ :‬والفتنة أكبر من القتل أي قد كانوا يفتنون‬
‫المسلم عن دينه حتى يرّدوه إلى الكفر بعد إيمانه وذلك أكبر عند الله من‬
‫القتل‪‘.‬‬
‫ب بن عبد الله رضي الله تعالى عنه‪ ’ :‬عليكم بالقرآن فإنه نوٌر في‬ ‫جند ُ‬
‫قال ُ‬
‫ض‬
‫عر َ‬ ‫الليل وهدىً في النهار‪ ،‬فاعملوا به على ما كان من فقرٍ وفاقة‪ ،‬فإن َ‬
‫ن ديِنك‪ ،‬فإن‬ ‫س َ‬
‫ك دو َ‬ ‫سك‪ ،‬فإن تجاوز البلُء‪ ،‬فقدم نف َ‬ ‫ن نف ِ‬ ‫ك دو َ‬ ‫بلٌء فقدم مال َ َ‬
‫ة بعد َ الجنة‪،‬‬
‫ه‪ ،‬وإنه ل فاق َ‬ ‫ب دين ُ ُ‬ ‫سل َ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬
‫ب َ‬‫ه‪ ،‬والمسلو َ‬ ‫ب دين ُ ُ‬ ‫حرِ َ‬
‫المحروب من ُ‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ك أسيُرها‪‘.‬‬ ‫ن الناَر ل يستغني فقيُرها‪ ،‬ول ُيف ُ‬ ‫ول ِغَنا بعد النار‪ ،‬إ ّ‬
‫ه‬
‫فالمجاهد يتربص أحدى الحسنين‪ ،‬والبلء بنقص النفس والموال أمٌر كتب َ ُ‬
‫ة قالوا إنا لله‬ ‫ن الموقنون‪ ،‬الذين إذا أصابتهم مصيب ٌ‬ ‫ن الصادقو َ‬ ‫ه تعالى ليتبي ّ َ‬ ‫الل ُ‬
‫ن‬ ‫ّ َ‬ ‫ي‬ ‫ويتب‬ ‫وتسليما‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫إيمان‬ ‫إل‬ ‫أصابهم‬ ‫ما‬ ‫دهم‬ ‫َ‬ ‫زا‬ ‫ما‬ ‫الذين‬ ‫راجعون‪،‬‬ ‫إليه‬ ‫وإنا‬
‫ه ورسوُله إل غرورا‪ ،‬الذين‬ ‫الكاذبون المرتابون‪ ،‬الذين يقولون ما وعد ََنا الل ُ‬
‫ح للمؤمنين قالوا ألم نكن معكم‪ ،‬وإن كانت‬ ‫يتربصون الفريقين‪ ،‬فإن كان فت ٌ‬
‫ل ونمنعْ المسلمين عنكم‪.‬‬ ‫الدائرةُ للكافرين قالوا ألم ُنخذ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫م‬
‫ك الّيا ُ‬ ‫ه وَت ِل َ‬ ‫مث ْل ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م قَْر ٌ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫س ال َ‬ ‫م ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ح فَ َ‬ ‫م قَْر ٌ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫قال الله تعالى‪ِ)) :‬إن ي َ ْ‬
‫ب‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫ّ‬
‫دآَء َوالل ُ‬ ‫شهَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫ْ‬
‫مُنوا وَي َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫س وَل ِي َعْل َ َ‬ ‫داوِل َُها ب َي ْ َ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫نُ َ‬
‫ن(( ‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫الظال ِ ِ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م وَل ْ‬ ‫منك ْ‬ ‫دوا ِ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ِ‬ ‫ما ي َعْلم ِ الل ُ‬ ‫م أن ت ُت َْركوا وَل ّ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫وقال تعالى‪ )) :‬أ ْ‬
‫ن(( ‪.‬‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ة َوالل ُ‬ ‫ج ً‬ ‫ن وَِلي َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سول ِهِ وَل ال ُ‬ ‫َ‬
‫ن اللهِ وَل َر ُ‬ ‫ّ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫ذوا ْ ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ي َت ّ ِ‬
‫من‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خلوْا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫ما ي َأت ِكم ّ‬ ‫ة وَل ّ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫خلوا ال َ‬ ‫م أن ت َد ْ ُ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫وقال تعالى‪)) :‬أ ْ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ه‬
‫معَ ُ‬‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل َوال ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫قو َ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫ضّرآُء وَُزلزِلوا َ‬ ‫سآُء َوال ّ‬ ‫م ال ْب َأ َ‬ ‫ست ْهُ ُ‬
‫م ّ‬ ‫كم ّ‬ ‫قَب ْل ِ ُ‬
‫َ‬
‫ب(( ‪.‬‬ ‫ري ٌ‬ ‫صَر الل ّهِ قَ ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫صُر الل ّهِ أل? إ ِ ّ‬ ‫مَتى ن َ ْ‬ ‫َ‬

‫)‪(31 /‬‬
‫ُ‬
‫ة‬
‫ل فِت ْن َ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫مّنا ِبالل ّهِ فَإ َِذآ أوذِيَ ِفي الل ّهِ َ‬ ‫لآ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫من ي ِ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫وقال تعالى‪)) :‬وَ ِ‬
‫َ‬
‫س الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫م أوَ ل َي ْ َ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫ن إ ِّنا ك ُّنا َ‬ ‫قول ُ ّ‬ ‫ك ل َي َ ُ‬ ‫من ّرب ّ َ‬ ‫صٌر ّ‬ ‫جآَء ن َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ب الل ّهِ وَل َئ ِ ْ‬ ‫س ك َعَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫ال َّنا ِ‬
‫ن(( ‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫دورِ ال َْعال َ ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ما ِفي ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ب ِأعْل َ َ‬
‫دنيا أكثُر من‬ ‫ب الصبرِ والجهادِ وتقديم ِ الخرةِ على ال ُ‬ ‫ة على وجو ِ‬ ‫ت الدال ُ‬ ‫فاليا ُ‬
‫م‬
‫ح تسلي َ‬ ‫ن مجاهدةِ الكفار وقتالهم ضرورةً ُتبي ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن جع َ‬ ‫م ْ‬ ‫حصى‪ .‬فما أبعد َ َ‬ ‫أن ت ُ ْ‬
‫ده عن‬ ‫ة بهم وبحكمهم وبكفرهم‪ .‬ما أبع َ‬ ‫البلد والعباد لهم‪ ،‬حتى تقعَ الفتن ُ‬
‫م ُيكذُبه‬ ‫ه على دماِء المسلمين وأموالهم‪َ .‬زعْ ٌ‬ ‫ص ُ‬‫حر َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن زع َ‬ ‫الفقه والدين‪ ،‬وإ ْ‬
‫ه مخالفُته للنصوص والجماع‪.‬‬ ‫ح ُ‬‫ض ُ‬ ‫ف َ‬ ‫الشُر والفساد ُ الذي سيوقُعهم فيه‪ ،‬وي َ ْ‬
‫ح‬‫ح ري ُ‬ ‫س أرنب‪ ،‬والري ُ‬ ‫سم ُ‬ ‫ب هذه الدعوى‪ ،‬هم كما قيل‪ :‬الم ُ‬ ‫وكثيٌر من أصحا ِ‬
‫ثعلب‪.‬‬
‫ن َقاُلوا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ل قد قالوا‪ ،‬كما أخبرنا الله تعالى عنهم‪ )) :‬ال ِ‬ ‫فالمنافقون من قب ُ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دوا ْ ل َوْ أطا ُ‬
‫م‬
‫ت ِإن كن ْت ُ ْ‬ ‫مو ْ َ‬ ‫م ال َ‬ ‫سك ُ‬ ‫ف ِ‬
‫ن أن ْ ُ‬‫ما قت ِلوا قل فاد َْرُءوا عَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫عوَنا َ‬ ‫م وَقَعَ ُ‬ ‫وان ِهِ ْ‬ ‫خ َ‬‫لِ ْ‬
‫ن(( ‪ .‬والكفار اليوم يألمون من هذا الجهاد وُيقتلون وُيكلمون‪ ،‬يرميهم‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫َ‬
‫ل الروافض‬ ‫الله تعالى ويقتلهم بأيدي من اصطفى من عباده‪ ،‬ولول قتا ُ‬
‫والمنافقين والخونة معهم لما قّر لهم بديار المسلمين قرار‪ ،‬وهم أيضا‬
‫ن‬
‫ة‪ ،‬ينفقونها ليصدوا عن سبيل الله‪ ،‬إ ِ ّ‬ ‫ن هذا القتال اموال ً عظيم ً‬ ‫يدفعون ثم َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫كو ُ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫قون ََها ث ُ ّ‬ ‫سُينفِ ُ‬‫ل الل ّهِ فَ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫عن َ‬ ‫دوا ْ َ‬ ‫ص ّ‬ ‫م ل ِي َ ُ‬ ‫وال َهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫فُروا ْ ُينفِ ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن(( ‪.‬‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬‫م يُ ْ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫َ‬
‫فُرو?ا إ ِلى َ‬ ‫ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن َوال ِ‬ ‫م ي ُغْلُبو َ‬‫َ‬ ‫سَرةً ث ُ ّ‬‫ح ْ‬ ‫م َ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫ع‬
‫س التي ذكرها الفقهاء‪ ،‬فإن الجهاد َ هو دف ُ‬ ‫ة الت َت َّر ِ‬ ‫قال شيخ السلم‪ )) :‬مسأل ُ‬
‫فتنةِ الكفر‪ ،‬فيحصل فيها من المضرة ما هو دونها‪ ،‬ولهذا اتفق الفقهاء على‬
‫ل أولئك‬ ‫أنه متى لم يكن دفع الضرر عن المسلمين إل بما ُيفضي إلى قت ِ‬
‫س بهم جاَز ذلك‘‪ .‬فانظر‪ -‬رحمك الله ‪ -‬كيف أجاز أهل العلم‪ ،‬الذين‬ ‫مت ََتر ِ‬ ‫ال ُ‬
‫س به‬ ‫ل المسلم إذا ت َت َّر َ‬ ‫يعرفون المصالح والمفاسد‪ ،‬للمجاهد أن ُيباشَر قت َ‬
‫ن الدعاية لهم‬ ‫ل ولله الحمد لك ْ‬ ‫الكفار‪ .‬واليوم يحرمون ويمنعون ‪ -‬وهم قلي ٌ‬
‫ل الكفاُر المسلمين‪ ،‬أو أن َيقت ُ َ‬
‫ل‬ ‫ولباطلهم كثرتهم ‪ -‬الجهاد َ خشية أن َيقت ُ َ‬
‫المجاهدون الكفار والمرتدين‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وما أحسن ما قاله الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن محرضا ً المسلمين‬
‫للجهاد‪ )) :‬فاحذروا غاية الحذر من سطوة الله تعالى‪ ،‬فحقيقة الدين هي‬
‫ل اليقين هي الطريقة الفاضلة‪ ،‬ومن حرم التوفيق فقد‬ ‫المعاملة‪ ،‬وسبي ُ‬
‫عظمت مصيبته‪ ،‬واشتدت هلكته‪ ،‬وأنتم تعلمون معاشر المسلمين أن الجل‬
‫محتوم‪ ،‬وأن الرزق مقسوم‪ ،‬وأن ما أخطأ ل ُيصيب‪ ،‬وأن سهم المنية لكل‬
‫أحد مصيب‪ ،‬وأن كل نفس ذائقة الموت‪ ،‬وأن الجنة تحت ظلل السيوف‪ ،‬وأن‬
‫الرأي العظم في شرب كؤوس الحتوف‪ ،‬وأن من اغبرت قدماه في سبيل‬
‫كتب بسبعمائة‪ ،‬وفي رواية‬ ‫الله حرمه الله على النار‪ ،‬ومن أنفق دينارا ُ‬
‫بسبعمائة ألف دينار‪ .‬وأن الشهداء حقا عند الله من الحياء‪ ،‬وأن أرواحهم في‬
‫ضرٍ تتبوأ من الجنة حيث تشاء‪ ،‬وأن الشهيد ُيغفر له جميع ذنوبه‬ ‫خ ْ‬ ‫جوف طير ُ‬
‫وخطاياه‪ ،‬وأنه يشفع في سبعين من أهل بيته ومن واله‪ ،‬وأنه آمن يوم‬
‫كرب الموت‪ ،‬ول هول المحشر‪ ،‬وأنه ل‬ ‫القيامة من الفزع الكبر‪ ،‬وأنه ل يجد ُ‬
‫يحس ألم القتل إل كمس القرصة‪ ،‬وكم للموت على الفراش من سكرة‬
‫ل من الصائم القائم في سواه‪،‬‬ ‫وغصة‪ .‬وأن الطاعم النائم في الجهاد أفض ُ‬
‫ومن حرس في سبيل الله ل ُتبصر النار عيناه‪ ،‬وأن المرابط يجري له أجر‬
‫عمله الصالح إلى يوم القيامة‪ ،‬وأن ألف يوم ل تساوي يوما من أيامه‪ ،‬وأن‬
‫رزقه يجري عليه كالشهيد أبدا ل ينقطع‪ ،‬وأن رباط يوم خير من الدنيا وما‬
‫فيها‪ ،‬إلى غير ذلك من فضائل الجهاد‪ ،‬التي ثبتت في نصوص السنة والكتاب‪.‬‬
‫فيتعين على كل عاقل التعرض لهذه الُرتب‪ ،‬ومساعدة القائم بها‪ ،‬والنضمام‬
‫والنتظام في سلكه‪ ،‬فتربحوا بذلك تجارة الخرة‪ ،‬وتسلموا على دينكم‪‘.‬‬
‫مه يصدقه ويفرح به المؤمن‪ ،‬لنه مأخوذ ّ من كلم رب‬ ‫فرحمه الله تعالى‪ ،‬فكل ُ‬
‫سه‬ ‫ب رأ َ‬ ‫العالمين‪ ،‬وقول نبيه الصادق المين‪ .‬وي َهُُز منه المنافقُ والمرتا ُ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫سقا ل ّ‬ ‫ن َفا ِ‬ ‫من َ‬
‫كا َ‬ ‫منا ً ك َ َ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ُ‬‫كا َ‬ ‫من َ‬ ‫ويقول غّر هؤلء ديُنهم‪ .‬قال تعالى‪)) :‬أفَ َ‬
‫كاُنوا ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما َ‬ ‫مأَوى ن ُُزل ً ب ِ َ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫جّنا ُ‬‫م َ‬ ‫ت فَل َهُ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫لوا ْ ال ّ‬‫م ُ‬ ‫مُنوا ْ وَعَ ِ‬
‫نآ َ‬‫َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬
‫ذي‬ ‫ن*أ ّ‬ ‫وو َ‬‫ست َ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫من َْهآ‬‫جوا ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫مآ أَراُدو?ا أن ي َ ْ‬ ‫م الّناُر كل َ‬ ‫مأَواهُ ُ‬ ‫قوا فَ َ‬ ‫س ُ‬‫ن فَ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ما ال ِ‬ ‫ن * وَأ ّ‬ ‫ملو َ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫ن(( ‪.‬‬ ‫َ‬
‫م ب ِهِ ت ُكذ ُّبو َ‬ ‫ُ‬
‫ذي كنت ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ب الّنارِ ال ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ْ‬
‫م ُذوُقوا عَ َ‬ ‫َ‬
‫ل لهُ ْ‬ ‫ْ‬
‫دوا ِفيَها وَِقي َ‬ ‫عي ُ‬‫أُ ِ‬

‫)‪(32 /‬‬

‫ل ِذي‬ ‫قو?ا ْ إ َِلى ظ ِ ّ‬ ‫ن * انط َل ِ ُ‬ ‫م ب ِهِ ت ُك َذ ُّبو َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫قو?ا ْ إ َِلى َ‬ ‫وقال تعالى‪ )) :‬انط َل ِ ُ‬
‫َ‬ ‫كال ْ َ‬
‫ه‬‫صرِ * ك َأن ّ ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫شَررٍ َ‬ ‫مي ب ِ َ‬ ‫ب * إ ِن َّها ت َْر ِ‬ ‫ن الل ّهَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل وَل َ ي ُغِْني ِ‬ ‫ب * ل ّ ظ َِلي ٍ‬ ‫شعَ ٍ‬ ‫ث ُ‬ ‫ث َل َ ِ‬
‫ن(( ‪.‬‬ ‫مك َذ ِّبي َ‬ ‫مئ ِذ ٍ ل ّل ْ ُ‬ ‫ل ي َوْ َ‬ ‫فٌر * وَي ْ ٌ‬ ‫ص ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫مال َ ٌ‬ ‫ج َ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ه‬
‫ّ ِّ ْ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫عن‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ِّ ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫*‬ ‫ن‬
‫ُ َ ِ ُ َ‬ ‫بو‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ا‬‫نو‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ما‬ ‫ِِ ْ ّ‬‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫َ َ َ‬ ‫را‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫))‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫وقال‬
‫ه‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫كن‬ ‫ُ‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫ها‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫*‬ ‫م‬ ‫حي‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫صا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫م إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن * ثُ ّ‬ ‫جوُبو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مئ ِذ ٍ ل ّ َ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫ُ ْ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ ُ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ن((‬ ‫ت ُك َذ ُّبو َ‬
‫مّروا ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫موا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن * وَإ َِذا َ‬ ‫كو َ‬ ‫ض َ‬ ‫مُنوا ي َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫كاُنوا ِ‬ ‫جَر ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫وقال تعالى‪ )) :‬إ ِ ّ‬
‫م َقاُلو?ا ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن * وَإ َِذا َرأوْهُ ْ‬ ‫قلُبوا فَك ِِهي َ‬ ‫م ان َ‬ ‫قلُبو?ا إ ِلى أهْل ِهِ ْ‬ ‫ن * وَإ َِذا ان َ‬ ‫مُزو َ‬ ‫م ي َت ََغا َ‬ ‫ب ِهِ ْ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ن * َفالي َوْ َ‬ ‫ظي َ‬ ‫حافِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫سلوا عَلي ْهِ ْ‬ ‫مآ أْر ِ‬ ‫ن * وَ َ‬ ‫ضالو َ‬ ‫ن هؤلء ل َ‬ ‫إِ ّ‬
‫كاُنوا ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل ث ُوّ َ‬ ‫ن * هَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ال ْك ّ‬
‫ُ‬
‫فاُر َ‬ ‫ب الك ّ‬ ‫ك َينظُرو َ‬ ‫ن * عَلى الَرآئ ِ ِ‬ ‫حكو َ‬ ‫ض َ‬ ‫فارِ ي َ ْ‬
‫ن(( ‪.‬‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫مَنا‬ ‫ح ْ‬ ‫فْر لَنا َواْر َ‬ ‫َ‬ ‫مّنا َفاغْ ِ‬ ‫ن َرب َّنآ َءا َ‬ ‫قولو َ‬ ‫ُ‬ ‫عَباِدى ي َ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ريقٌ ّ‬ ‫ن فَ ِ‬ ‫ه كا َ‬ ‫َ‬ ‫وقال تعالى‪ )) :‬إ ِن ّ ُ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ن * َفات ّ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫من ْهُ ْ‬‫م ّ‬ ‫رى وَكن ْت ُ ْ‬ ‫م ذِك ِ‬ ‫سوْك ْ‬ ‫حّتى أن َ‬ ‫خرِي ّا َ‬ ‫س ْ‬ ‫م ِ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫خذ ْت ُ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫خي ُْر الَرا ِ‬ ‫ت َ‬ ‫وَأن َ‬
‫ن(( ‪.‬‬ ‫كو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ض َ‬ ‫تَ ْ‬
‫شبهة وجوب الراية للجهاد‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ه على المسلمين‪ ،‬وهو كما أخبر تعالى عنه‬ ‫ض ُ‬‫ه تعالى الجهاَد‪ ،‬وفر َ‬ ‫شرعَ الل ُ‬
‫ُ‬
‫م بتقديم الله له على الكره الذي‬ ‫ن خيَره الكثير للناس مقد ٌ‬ ‫م‪ .‬لك ّ‬ ‫ك ُْرهٌ ل ّك ُ ْ‬
‫ع‬
‫ضي ّ َ‬‫م عن الباقين‪ ،‬وإذا ُ‬ ‫ط الث ُ‬ ‫ن يكفي سق َ‬ ‫م ْ‬ ‫يلحق بسببه‪ .‬فمتى قام به َ‬
‫م على جميع المتخلفين القادرين‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الث‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫وق‬ ‫يكفي‪،‬‬ ‫ك‪ ،‬أو قام به من ل‬ ‫وت ُرِ َ‬
‫َ‬
‫شْيئا ً وَهُ َ‬
‫و‬ ‫هوا ْ َ‬ ‫سى أن ت َك َْر ُ‬ ‫م وَعَ َ‬ ‫ل وَهُوَ ك ُْره ٌ ل ّك ُ ْ‬ ‫قَتا ُ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ب عَل َي ْك ُ ُ‬ ‫قال تعالى‪ )) :‬ك ُت ِ َ‬
‫َ‬ ‫سى َأن ت ُ ِ‬
‫ن(( ‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل َ ت َعْل َ ُ‬ ‫م وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫شّر ل ّك ُ ْ‬ ‫شْيئا ً وَهُوَ َ‬ ‫حّبوا ْ َ‬ ‫م وَعَ َ‬ ‫خي ٌْر ل ّك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫ل‬
‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م وَأن ْ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫دوا ب ِأ ْ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫قال ً وَ َ‬ ‫فافا وَث ِ َ‬ ‫خ َ‬
‫فُروا ِ‬ ‫وقال تعالى‪ )) :‬ان ْ ِ‬
‫ن(( ‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫م ت َعْل ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬‫م ِإن ُ‬ ‫خي ٌْر ل ّك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫الل ّهِ ذال ِك ُ ْ‬
‫قال ابن كثير‪ )) :‬وقال علي بن زيد عن أنس عن أبي طلحة‪ :‬كهول ً وشبابا ً ما‬
‫ه عذر أحدا‪ ،‬ثم خرج إلى الشام فقاتل حتى قتل‪ .‬وفي رواية قرأ أبو‬ ‫أسمعُ الل َ‬
‫دوا ْ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫قال وَ َ‬‫ً‬ ‫فاًفا وَث ِ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ْ‬
‫فُروا ِ‬ ‫طلحة سورة براءة فأتى على هذه الية )) ان ْ ِ‬
‫م وََأن ُ‬ ‫َ‬
‫ه(( ‪.‬‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫م ِفى َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬
‫ب ِأ ْ‬
‫فقال أرى ربنا يستنفزنا شيوخا ً وشبانا ً جهزوني يا بني‪ ،‬فقال بنوه يرحمك الله‬
‫م حتى مات ومع أبي بكر حتى‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫قد غزوت مع رسول الله َ‬
‫مات ومع عمر حتى مات فنحن نغزو عنك‪ ،‬فأبى فركب البحر فمات‪ .‬فلم‬
‫يجدوا له جزيرة يدفنوه فيها إل بعد تسعة أيام فلم يتغير فدفنوه فيها‪ .‬وهكذا‬
‫ُرويّ عن ابن عباس وعكرمة وأبي صالح والحسن البصري وشمر بن عطية‬
‫ومقاتل بن حيان والشعبي وزيد بن أسلم أنهم قالوا في تفسير هذه الية‪:‬‬
‫ل‪ ،‬قالوا كهول ً وشبانا ً وكذا قال عكرمة والضحاك ومقاتل بن‬ ‫قا ً‬ ‫فاًفا وَث ِ َ‬ ‫خ َ‬ ‫فُروا ْ ِ‬ ‫ان ْ ِ‬
‫حيان وغيُر واحد‪ .‬وقال مجاهد شبانا ً وشيوخا ً وأغنياء ومساكين وكذا قال أبو‬
‫صالح وغيره وقال الحكم بن عتيبة‪ :‬مشاغيل وغير مشاغيل‪ ،‬وقال العوفي‬
‫ل‪ ،‬يقول انفروا نشاطا ً وغير‬ ‫قا ً‬ ‫فاًفا وَث ِ َ‬ ‫خ َ‬‫فُروا ْ ِ‬ ‫عن ابن عباس في قوله تعالى‪ :‬ان ْ ِ‬
‫نشاط‪‘.‬‬
‫ت‬
‫ن ما َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل الله‪َ ) :‬‬ ‫م أحمد ومسلم عن أبي هريرة َ قال‪ :‬قال رسو ُ‬ ‫وروى الما ُ‬
‫ق(‪.‬‬ ‫ن نفا ٍ‬ ‫شعبةٍ م ْ‬ ‫ت على ُ‬ ‫سه‪ ،‬ما َ‬ ‫ث به نف َ‬ ‫م ُيحد ّ ْ‬ ‫م ي َغُْز ول ْ‬ ‫ول ْ‬
‫والكفاية التي ُتسقط الثم عن المسلمين هي كما قال ابن قدامة‪ )) :‬أن‬
‫ينهض للجهاد قوم يكفون في قتالهم‪ ،‬إما أن يكونوا جندا لهم دواوين من أجل‬
‫ذلك‪ ،‬أو قد يكونوا أعدوا أنفسهم له تبرعا‪ ،‬بحيث إذا قصدهم العدو حصلت‬
‫المنعة بهم (( ‪.‬‬
‫ب على إمام المسلمين خصوصا‪ ،‬وعلى المسلمين‬ ‫ٌ‬ ‫واج‬ ‫فتحقيقُ الكفاي ِ‬
‫ة‬
‫جند ٍ وسلح‪ ،‬مستفرغين‬ ‫صَلوا القوةَ العسكرية من ُ‬ ‫ض عليهم أن ُيح ّ‬ ‫عموما‪ .‬فر ٌ‬
‫جهدهم ووسعهم‪ ،‬مقدمين له على ما سواه من الحاجيات والتحسينات‪.‬‬
‫ذلك أن الله تعالى أمرنا بذلك وحرضنا عليه‪ ،‬لما فيه من المصالح الدينية‬
‫والدنيوية‪ ،‬التي ل تخفى على العاقل البصير‪ ،‬للمسلمين خصوصا وللناس‬
‫أجمعين‪ .‬ولن الكفاَر أعداٌء للمسلمين‪ ،‬ل يزالون يقاتلونهم حتى يردوهم عن‬
‫دينهم‪ُ ،‬بغضا وعداوة للحق وأهله‪ ،‬وطمعا في ثروات المسلمين وأموالهم‬
‫وديارهم‪ ،‬وخوفا من اجتماع كلمتهم وتوحدهم وقوتهم‪.‬‬
‫وبالتفريط والتضييع في تحقيق الكفاية الثم والذنب العظيم‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫َ‬
‫شْيئا ً َوالل ُ‬
‫هّ‬ ‫ضّروهُ َ‬ ‫م وَل َ ت َ ُ‬ ‫وما ً غَي َْرك ُ ْ‬ ‫ل قَ ْ‬ ‫ست َب ْدِ ْ‬‫ذابا ً أِليما ً وَي َ ْ‬ ‫م عَ َ‬ ‫فُروا ْ ي ُعَذ ّب ْك ُ ْ‬ ‫)) إ ِل ّ َتن ِ‬
‫ديٌر((‪.‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عََلى ك ُ ّ‬

‫)‪(33 /‬‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال ابن جرير‪ )) :‬يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب رسوله‪،‬‬


‫متوعدهم على ترك النفر إلى عدّوهم من الروم‪ :‬إن لم تنفروا أيها المؤمنون‬
‫ذبكم الله عاجل ً في الدنيا بترككم النفر‬ ‫إلى من استنفركم رسول الله‪ ،‬يع ّ‬
‫م يقول‪ :‬يستبدل الله بكم نبيه قوما‬ ‫وما غيَرك ُ ْ‬ ‫ل قَ ْ‬ ‫ست َب ْدِ ْ‬ ‫إليهم عذابا موجعا‪ .‬وَي َ ْ‬
‫غيركم‪ ،‬ينفرون إذا استنفروا‪ ،‬ويجيبونه إذا دعوا‪ ،‬ويطيعون الله ورسوله‪ .‬ول‬
‫شْيئا يقول‪ :‬ول تضّروا الله بترككم النفير ومعصيتكم إياه شيئا‪ ،‬لنه ل‬ ‫ضّروه َ‬ ‫تَ ُ‬
‫هّ‬
‫ي عنكم وأنتم الفقراء والل ُ‬ ‫حاجة به إليكم‪ ،‬بل أنتم أهل الحاجة إليه‪ ،‬وهو الغن ّ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬والله على إهلككم واستبدال قوم‬ ‫ديٌر يقول ج ّ‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫على ك ُ ّ‬
‫غيركم بكم وعلى كل ما يشاء من الشياء قدير(( ‪.‬‬
‫ت‬‫خرِ َواْرَتاب َ ْ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوالي َوْم ِ ال ِ‬
‫ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل َ ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ست َأ ْذِن ُ َ‬‫ما ي َ ْ‬ ‫وقال تعالى‪ )) :‬إ ِن ّ َ‬
‫ن(( ‪.‬‬ ‫م ي َت ََرد ُّدو َ‬ ‫م ِفي َري ْب ِهِ ْ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫قُُلوب ُهُ ْ‬
‫م‪ :‬إنما يستأذنك‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫قال ابن جرير‪ ) :‬يقول تعالى ذكره لنبيه َ‬
‫يا محمد في التخلف خلفك‪ ،‬وترك الجهاد معك من غير عذر بين الذين ل‬
‫م يقول‪ :‬وشكت قلوبهم في‬ ‫ت قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫دقون بالله‪ ،‬ول يقّرون بتوحيده‪َ .‬واْرتاب َ ْ‬ ‫يص ّ‬
‫م ِفي‬ ‫َ‬
‫حقيقة وحدانية الله‪ ،‬وفي ثواب أهل طاعته‪ ،‬وعقابه أهل معاصيه‪ .‬فهُ ْ‬
‫َرْيبهْم ِ َيترّددَون يقول‪ :‬في شكهم متحيرون‪ ،‬وفي ظلمة الحيرة مترددون‪ ،‬ل‬
‫قا من باطل‪ ،‬فيعملون على بصيرة‪ .‬وهذه صفة المنافقين ( ‪.‬‬ ‫يعرفون ح ّ‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الله َ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ل َ‬ ‫مَر قا َ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ن أبي داوود عن اب ِ‬ ‫وفي سن ِ‬
‫م بالّزْرِع وَت ََرك ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ضيت ُ ْ‬ ‫قرِ وََر ِ‬ ‫ب ال ْب َ َ‬ ‫م أذ َْنا َ‬ ‫م بال ِْعين َةِ َوأ َ‬
‫خذ ْت ُ ْ‬ ‫ل‪)) :‬إَذا ت ََباي َعْت ُ ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫كم((‪.‬‬ ‫جُعوا إَلى ِدين ِ ُ‬ ‫حّتى ت َْر ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م ذ ُل ّ ل َ ي َن ْزِعُ ُ‬ ‫ط الله عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫جَهاَد‪َ ،‬‬ ‫ال ْ ِ‬
‫ل للمسلمين‪ ،‬وهذه هي الفتنة والكفر‬ ‫وفي ترك الجهاد علوٌ للكفار‪ ،‬وذ ٌ‬
‫ه لله فَإ ِ ِ‬
‫ن‬ ‫ّ‬
‫ن ك ُل ُ‬ ‫دي ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫كو َ‬ ‫ة وَي َ ُ‬ ‫ن فِت ْن َ ٌ‬ ‫كو َ‬ ‫حّتى ل َ ت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫والشرك‪ .‬قال تعالى‪)) :‬وََقات ُِلوهُ ْ‬
‫صيٌر(( ‪.‬‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ان ْت َهَوْا ْ فَإ ِ ّ‬
‫قال ابن جرير‪ )) :‬فقاتلوهم حتى ل يكون شرك ول ُيعبد إل ّ الله وحده ل‬
‫ن‬ ‫دي ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫كو َ‬ ‫شريك له‪ ،‬فيرتفع البلء عن عباد الله من الرض وهو الفتنة‪ ،‬وي ُ‬
‫ه لله يقول‪ :‬حتى تكون الطاعة والعبادة كلها لله خالصة دون غيره (( ‪.‬‬ ‫ك ُل ّ ُ‬
‫فَُهم متى ظهروا على المسلمين غيروا الدين بالقوة والكراه حينا‪ ،‬وبالدعاية‬
‫للباطل وتزيينه والغراء به بالموال والتولية والتمكين حينا‪.‬‬
‫ل على تقديم تحقيق الكفاية العسكرية على تحقيق‬ ‫فلو لم يكن الشرع ُ قد د ّ‬
‫ل الصحيح والنظُر السليم دال ً‬ ‫الحاجيات والتحسينات المعيشية لكان العق ُ‬
‫ض لبطش وسطوة‬ ‫وآمرا ً به‪ .‬إذ الدين والنفس والعرض والمال والعقل‪ ،‬معر ٌ‬
‫ل‬‫الكفرة الحاقدين‪ ،‬الذي لن يرعى صغيرا ول كبيرا‪ ،‬ول امرأة ول ضعيفا‪ .‬وك ُ‬
‫ة ول‬ ‫ي قري ً‬ ‫ض للتدمير والتحريق والتخريب‪ ،‬الذي لن ُيبق ّ‬ ‫شيد َ معر ٌ‬ ‫مر و ّ‬ ‫ما عُ ّ‬
‫دارا ول زرعا‪.‬‬
‫ض المسلمين‪ ،‬في تحريمهم أسباب‬ ‫قهم ويردد َ قولهم بع ُ‬‫َ‬ ‫فمن العجب أن يواف َ‬
‫القوة على المسلمين‪ ،‬وجعِلهم أسلحة الدمار والفتك حكرا عليهم‪ ،‬يتسلطون‬
‫بها ظلما على البلد والعباد‪ ،‬وينشرون الفتنة والفساد‪.‬‬
‫من نجاهد‬ ‫م وقواعد وضوابط‪ ،‬ف َ‬ ‫هذا الركن العظيم والقطب المتين‪ ،‬له أحكا ٌ‬
‫ونقاتل ؟ ومتى نقاتل ونسالم ؟ وكيف نقاتل ونعاهد ونواثق ؟ وما الذي نغنم‬
‫وكيف ُيقسم ؟ وكيف نتعامل مع المحاربين والمعاهدين والسرى‬
‫والمستأمنين ؟‬
‫صلى‬ ‫ّ‬ ‫كل ذلك قد ذكره وبينه الله تعالى في كتابه العزيز‪ ،‬وبينه وجله رسوله َ‬
‫ل العلم ِ‬ ‫ققَ فيه أه ُ‬ ‫ل ودقّقَ وح ّ‬ ‫ص َ‬ ‫م في سنته وسيرته‪ ،‬وف ّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫الراسخون فقها ً واستباطا وقياسا من النصوص ‪ .‬فمن ذلك أنهم حكموا‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأوجبوا الجهاد عينا ً على كل مسلم في حالت ثلث‪:‬‬


‫م على من حضر من أهل‬ ‫الولى ‪ :‬إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان‪ ،‬يحُر ُ‬
‫الجهاد ‪ -‬وهم الذكور الحرار المكلفون المستطيعون لسلمة أبدانهم ‪-‬‬
‫فُروا ْ‬ ‫َ‬
‫ن كَ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مُنو?ا ْ إ َِذا ل َ ِ‬
‫قيت ُ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف والفرار‪ ،‬قال تعالى‪َ)) :‬يآأي َّها ال ّ ِ‬ ‫النصرا ُ‬
‫َ‬
‫م الد َْباَر((‪.‬‬ ‫حفا ً فَل َ ت ُوَّلوهُ ُ‬‫َز ْ‬
‫ن على أهله قتاُله ودفُعه‪ ،‬قال المرداوي في‬ ‫د‪ ،‬تعي ّ َ‬ ‫ل الكفاُر ببل ٍ‬ ‫الثانية‪ :‬إذا نز َ‬
‫ده‪ ،‬أنه ل يلزم البعيد‪ ،‬وهو‬ ‫النصاف‪ ) :‬تنبيه‪ :‬مفهوم قوله‪ :‬أو حضر العدوُ بل َ‬
‫ة لحضوره‪ ،‬كعدم كفاية الحاضرين للعدو‪ ،‬فيتعين‬ ‫صحيح‪ ،‬إل أن تدعوَ حاج ٌ‬
‫أيضا على البعيد( ‪.‬‬
‫مُهم النفير‪ ،‬لعظيم حق المام‪ ،‬قال‬ ‫م قوما للقتال‪ ،‬لزِ َ‬ ‫ً‬ ‫الثالث ‪ :‬إذا استنفر الما ُ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ اّثاقَلت ُ ْ‬
‫م‬ ‫سِبي ِ‬‫فُروا ِفي َ‬ ‫م ان ِ‬ ‫ُ‬
‫ل لك ُ‬ ‫م إ َِذا ِقي َ‬ ‫ُ‬
‫ما لك ْ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫تعالى‪)) :‬ياأي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫خَر ِ‬‫حَياةِ الد ّن َْيا ِفي ال ِ‬ ‫مَتاعُ ال ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫خَرةِ فَ َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬‫حَياةِ الد ّن َْيا ِ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫ضيت ُ ْ‬‫ض أَر ِ‬ ‫إ ِلى الْر ِ‬
‫َ‬
‫ل((‪.‬‬‫إ ِل ّ قَِلي ٌ‬

‫)‪(34 /‬‬

‫ه‬
‫ل الل ِ‬ ‫ه عنهما قال‪ ) :‬قال رسو ُ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫س رض َ‬ ‫ن عبا ٍ‬ ‫وفي صحيح البخاري عن اب ِ‬
‫جهاد ٌ ونّية‪ ،‬وإذا است ُِنفرتم‬ ‫ن ِ‬ ‫هجرةَ بعد َ الفتِح‪ ،‬ولك ْ‬ ‫مل ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫فروا(‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫فان‬
‫م أن الكفاَر قد غزوا وأخذوا واحتلوا بلد َ المسلمين‪ ،‬وانتزعوها‬ ‫َ‬ ‫اليو‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫والحا‬
‫من أهلها‪ ،‬في العراق وفلسطين وأفغانستان وغيرها‪ ،‬سواٌء كانت تلك البلُد‬
‫ق كافر‪ ،‬أو مبتدٍع ظالم‪ ،‬أو مسلم ٍ صالح‪ .‬فهذه‬ ‫ل احتللها من مناف ٍ‬ ‫ة قب َ‬ ‫محكوم ً‬
‫ة بأهِلها‪ ،‬قد نزل بساحتها العدوُ الكافر‪ ،‬والذي‬ ‫البلد والمدن والقرى مسلم ٌ‬
‫عه ومصالحه‪،‬‬ ‫ل أطما ِ‬ ‫يسعى لتمكين المنافقين المرتدين فيها ليحققوا له ك ّ‬
‫وليحكموا المسلمين بالطاغوت وليشيعوا بينهم الكفر والفتنة والضلل‬
‫ي النصُر والفتح‬ ‫والفساد‪ .‬فكان عينا ً على أهلها الجهاد ُ والصبر عليه‪ ،‬حتى يأت ّ‬
‫من الله تعالى‪ ،‬أو يعذروا بالقتل أو السر‪.‬‬
‫أو يبلغوا حدا ً من الضعف والقلة ل يستطيعون معه حربا ول غارة ول نكاية‪.‬‬
‫ً‬
‫فلهم حينئذ ٍ – وهم أعلم بحالهم ممن يأخذ أخبارهم من عدوهم ‪ -‬أن ينحازوا‬
‫إلى فئةٍ مسلمةٍ إن وجدوا لهم نصيرا ومعينا من المسلمين‪ .‬فإن لم يجدوا‬
‫ن أسلمهم‪ ،‬ووجبت الهجرةُ عليهم فرارا بدينهم من‬ ‫م ْ‬ ‫م على َ‬ ‫نصيرا‪ ،‬كان الث ُ‬
‫ن‬
‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫على‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫الث‬ ‫وكان‬ ‫روا‪،‬‬ ‫ذ‬
‫ُ ُِ‬ ‫ع‬ ‫لهم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يقب‬ ‫مسلما‬ ‫بلدا‬ ‫يجدوا‬ ‫لم‬ ‫فإن‬ ‫فتنة الكفار‪،‬‬
‫منعهم الهجرة وصدهم عن بلد المسلمين‪.‬‬
‫َ‬
‫م َقاُلوا ْ ِفي َ‬
‫م‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫مي? أن ْ ُ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ة َ‬ ‫مل?ئ ِك َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن ت َوَّفاهُ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫قال الله تعالى‪)) :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫سعَ ً‬ ‫ض الل ّهِ َوا ِ‬ ‫ن أْر ُ‬ ‫م ت َك ُ ْ‬ ‫ض َقاْلو?ا ْ أل َ ْ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫في ْ َ‬ ‫ضعَ ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م َقاُلوا ْ ك ُّنا ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫في َ‬ ‫ضعَ ِ‬‫ست َ ْ‬‫م ْ‬ ‫صيرا * إ ِل ّ ال ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫سآَء ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مأَواهُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫جُروا ِفيَها فَأوْلئ ِ َ‬ ‫فَت َُها ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫سِبيل ً * فَأوْلئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ك‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ة وَل َ ي َهْت َ ُ‬ ‫حيل ً‬ ‫ن ِ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ن ل َ يَ ْ‬
‫ست َ ِ‬ ‫دا ِ‬ ‫سآِء َوالوِل َ‬ ‫ل َوالن ّ َ‬ ‫جا ِ‬ ‫الّر َ‬
‫فورا(( ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فوّا غَ ُ‬ ‫ً‬ ‫ه عَ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫م وَكا َ‬ ‫فوَ عَن ْهُ ْ‬ ‫ه أن ي َعْ ُ‬ ‫سى الل ُ‬ ‫عَ َ‬
‫دها‪،‬‬ ‫ة يعق ُ‬ ‫س عليه‪ ،‬وراي ٌ‬ ‫م يجتمعُ النا ُ‬ ‫فهل ُيشترط للجهادِ ‪ -‬والحالة هذه ‪ -‬إما ٌ‬ ‫ُ‬
‫ن اعتمد َ في فتواه على‬ ‫م ْ‬ ‫جاهد ُ تحت إمرتها وتوجيهها‪ .‬هذا ما اشترطه اليوم َ‬ ‫يُ َ‬
‫ة وظلمة ومنافقون‪ .‬فتصوَر المَر بخلف حقيقته‪،‬‬ ‫أخبارٍ وأنباٍء يأتيه بها فسق ٌ‬
‫ق‪ ،‬فكيف بالمنافق والكافر‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ه تعالى نهانا أن نقب َ‬
‫ل النبأ من الفاس ِ‬ ‫والل ُ‬
‫ة لخفاء حقيقة ما‬ ‫ً‬
‫وانظْر إلى الكفارِ في حربهم وهم ل يألون جهدا ول حيل ً‬
‫يخسرونه من الرواح الخبيثة والبدان النجسة والُعدةِ والسلح‪ .‬وكيف يتسابق‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفسقة والمنافقون‪ ،‬لظهار قتلى وخسائر المسلمين‪ ،‬والتستر على‬


‫مكاسبهم ومغانمهم‪ ،‬يفعلونه لضعاف همم المسلمين وللرجاف والتخويف‪.‬‬
‫صيبُبوا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سقُ ب ِن َب َإ ٍ فَت َب َي ُّنو?ا ْ أن ت ُ ِ‬‫م َفا ِ‬ ‫جآَءك ُ ْ‬ ‫مُنو?ا ْ ِإن َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫قال تعالى‪)) :‬ياأي َّها ال ّ ِ‬
‫ن((‪.‬‬‫مي َ‬ ‫م َنادِ ِ‬ ‫ما فَعَل ْت ُ ْ‬
‫حوا ْ عََلى َ‬ ‫جَهال َةٍ فَت ُ ْ‬
‫صب ِ ُ‬ ‫قَوْ َ‬
‫ما ب ِ َ‬
‫ة آخرون ل يفقهون‪ ،‬ول يدرون أنهم ل يفقهون‪ .‬فوقعوا جميعا‬ ‫واشترط الراي َ‬
‫في أمور‪:‬‬
‫ن جهادٍ يغزو فيه‬ ‫ن جهادِ الطلب وجهادِ الدفع‪ .‬بي َ‬ ‫الولى ‪ :‬أنهم لم يفرقوا بي َ‬
‫المسلمون الكفار‪ ،‬وجهادٍ يدفعون به الكفاَر عن بلدهم‪ ،‬وهذا تفريقٌ قد أجمع‬
‫ف‬‫ن فيه‪ ،‬ول ُيتخل ُ‬ ‫ض عين باتفاقهم ل ُيستأذ ُ‬ ‫عليه المسلمون‪ .‬فجهاد ُ الدفِع فر ُ‬
‫ن على من استنفره‬ ‫ض عي ٍ‬ ‫عنه‪ ،‬أما الخر فهو فرض على الكفايه‪ ،‬ويكون فر ُ‬
‫المام أو حضر الصف‪ ،‬هذا التفريق دليله الجماع والنصوص‪ ،‬والنظر الصحيح‬
‫للمقاصد الشرعية‪.‬‬
‫م‬
‫عد َ‬‫م طاعُته‪ ،‬فإن ُ‬ ‫ْ‬
‫ل إلى المام واجتهاده‪ ،‬ويلَز ُ‬ ‫وكل الجهادين أمُره موكو ٌ‬
‫ب‬ ‫المام ‪ -‬وهذا يتصور حال غزو الكفار لبلد المسلمين وقتلهم لمامهم ‪ -‬وج َ‬
‫ل بلد أو جماعة أميرا عليهم‪،‬‬ ‫بك ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ب الستطاعة‪ ،‬وإل ن َ ّ‬ ‫س َ‬ ‫ب إمام ح َ‬ ‫تنصي ُ‬
‫يأتمرون بأمره ويصدرون عن رأيه‪ .‬قال شمس الدين ابن قدامه في الشرح‬
‫عدم المام‪ ،‬لم يؤخر الجهاد‪ ،‬لن مصلحته تفوت بتأخيره((‪.‬‬ ‫الكبير‪ )) :‬فإن ُ‬
‫وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن‪ )) :‬ويقال‪ :‬بأي كتاب أم بأية حجة أن‬
‫الجهاد ل يجب إل مع إمام متبع ! هذا من الفرية في الدين‪ ،‬والعدول عن‬
‫سبيل المؤمنين(( ‪.‬‬
‫ل باشتراط المام للجهاد‪ ،‬فإذا لم يوجد إمام فل‬ ‫وقال ما معناه‪ )) :‬أن القو َ‬
‫ة أمر الله وذلك بالوقوع في ترك الجهاد وحصول‬ ‫م منه مخالف ُ‬ ‫جهاد‪ ،‬يلز ُ‬
‫ل على أن الشرط‬ ‫الموالة للكفار‪ .‬فلما كان ما يلزم من هذا الشرط باطل‪ ،‬د ّ‬
‫دع صاحب هذا القول‪ .‬فكيف لو سمعهم يشترطونه‬ ‫فه وب ّ‬ ‫م وس ّ‬ ‫باطل ( (‪ ،‬وذ ّ‬
‫ب بلد السلم‬ ‫طهم الغريب العجيب ذها ُ‬ ‫من شر ِ‬ ‫في جهاد الدفع‪ ،‬ويلزم ِ‬
‫واستيلء الكفار عليها‪ ،‬ووقوع الفتنةِ بهم وبباطلهم‪.‬‬
‫م أو أمير‪ ،‬قد اقتضت مصلحة الجهاد‬ ‫ن لهم إما ٌ‬ ‫الثانية ‪ :‬ما ُيدريهم أن يكو َ‬
‫م ظهوره‪ .‬بل الظاهر أن لهم في العراق وأفغانستان‬ ‫مه‪ ،‬وعد َ‬ ‫إخفاَء اس ِ‬
‫ب جهدهم واستطاعتهم حين‬ ‫س َ‬
‫ح ْ‬ ‫وغيرها قيادة‪ ،‬ولديهم تنظيم وتنسيق‪ .‬وهذا َ‬
‫م من المسلمين فينحازوا إليه ويقاتلوا معه‪.‬‬ ‫لم ينصرهم إما ٌ‬

‫)‪(35 /‬‬

‫م بواقع حالهم‪ ،‬أفتوا‬ ‫الثالثة ‪ :‬أن علماَء المسلمين في تلك البلد‪ ،‬وهم أعل ُ‬
‫ج ‪ -‬بإذن‬‫خُر َ‬ ‫بوجوب الجهاد والمقاومة والمجالدة‪ ،‬لهذا الكافر المحتل‪ ،‬حتى ي ُ ْ‬
‫الله تعالى ‪ -‬مهزوما صاغرا من بلد المسلمين‪ .‬أفتوا بذلك وجازفوا بأرواحهم‬
‫ه على‬ ‫ُ‬
‫م‪ ،‬وأشهد ُ الل َ‬ ‫الطيبة ُنصرة ً للحق‪ ،‬وغيرةً على السلم وأهِله‪ ،‬فللهِ د َّرهُ ْ‬
‫ن الجوزي في كتابه‬ ‫ظهم‪ .‬وأذكرهم بما رواه اب ُ‬‫ف َ‬ ‫حِبهم‪ ،‬وأسأُله ثباَتهم و ِ‬
‫ح ْ‬
‫مناقب المام أحمد الشيباني البغدادي قال‪ )) :‬أخبرنا محمد بن ناصر‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أنبأنا أحمد بن أبي سعد النيسابوري‪ ،‬قال‪ :‬سمعت عبد الله بن يوسف يقول‪:‬‬
‫سمعت أبا العباس الصم يقول‪ :‬سمعت العباس الدوري يقول‪ :‬سمعت‬
‫فرات‬‫حمل أحمد ُ بن حنبل إلى المأمون ُأخبرت‪ ،‬فعبرت ال ُ‬ ‫النباري يقول‪ :‬لما ُ‬
‫س في الخان‪ ،‬فسلمت عليه‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا جعفر تعّنيت‪ ,‬فقلت‪:‬‬ ‫فإذا هو جال ٌ‬
‫س والناس يقتدون بك‪ ،‬فوالله‬ ‫ليس هذا عناء‪ ،‬وقلت له‪ :‬يا هذا‪ ،‬أنت اليوم رأ ٌ‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن بإجابتك خلقٌ كثير من خلق الله‪ ،‬وإن أنت‬ ‫لئن أجبت إلى خلق القرآن لُيجيب ّ‬
‫ن خلقٌ من الناس‪ ،‬ومع هذا فإن الرجل إن لم يقُتلك فإنك‬ ‫ب ليمتنع ّ‬ ‫لم ُتج ْ‬
‫ه ول ُتجبهم إلى شيٍء ‪ ،‬فجعل أحمد يبكي‬ ‫ق الل َ‬‫تموت‪ ،‬ول ب ُد ّ من الموت‪ ،‬فات ّ ِ‬
‫ي ما‬ ‫ّ‬ ‫عل‬ ‫عد‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫جعفر‬ ‫أبا‬ ‫يا‬ ‫أحمد‪:‬‬ ‫لي‬ ‫قال‬ ‫ثم‬ ‫الله‪،‬‬ ‫ويقول‪ :‬ما شاء الله‪ ،‬ما شاء‬
‫ت‪ .‬فأعدت عليه‪ ،‬فجعل يقول ما شاء الله ما شاء الله (( ‪.‬‬ ‫ُقل َ‬
‫ل هذا‬ ‫ل على مث ِ‬ ‫مخذِ ُ‬ ‫ف علماء الرافدين‪ ،‬فكيف يجرؤ هذا ال ُ‬ ‫فإن كان هذا موق َ‬
‫القول ؟ الذي سّر وأسعد َ الكفار‪ ،‬واستظهروا به لضعاف المسلمين وتفريق‬
‫ب هذا الباطل شططا‪ ،‬وما قالوا‬ ‫ب أصحا ُ‬ ‫كلمتهم وشق صفهم‪ .‬قد والله رك ِ َ‬
‫قصدا ول وسطا‪ ،‬ووقعوا في المظاهرة والمعاونة على المسلمين من حيث‬
‫يشعرون أو ل يشعرون‪.‬‬
‫سئل المام أحمد عن الرجل يقول‪ :‬أنا ل أغزو ويأخذه ولد ُ العباس‪ ،‬إنما يوفُّر‬ ‫ُ‬
‫ئ عليهم – يريد أن الغنيمة تذهب لهم – فقال‪ :‬سبحان الله‪ ،‬هؤلء قوم‬ ‫الف ُ‬
‫جهال‪ ،‬فيقال‪ :‬أرأيتم لو أن الناس كلهم قعدوا‬ ‫ة‪ ،‬مثبطون ُ‬ ‫قَعد ُ‬ ‫سوٍء‪ ،‬هؤلء ال َ‬
‫كما قعدتم‪ ،‬من كان يغزو ؟ أليس كان قد ذهب السلم ؟ ما كانت تصنع‬
‫الروم ؟‬
‫م بغداد والدنيا في زمانه – رضي الله عنه ‪ -‬لو سمع مقالتهم‬ ‫فكيف يقول إما ُ‬
‫اليوم‪ ،‬ل تقاتلوا الكفار وسلموا لهم الديار وارضوا بالمهانة والصغار‪ ،‬والفتنة‬
‫والرتداد ! حتى يخرج إمام تقاتلون خلف رايته الكفار‪ .‬ما أشبه مقالتهم‬
‫ي‬
‫م المهد ُ‬ ‫ج الما ُ‬ ‫بمقالة الروافض‪ ،‬حين قالوا ل قتال ول جهاد حتى َيخُر َ‬
‫المنتظر‪.‬‬
‫قال ابن قدامة في المقنع‪ )) :‬ول يجوز الغزو إل بإذن المير‪ ،‬إل أن يفجأهم‬
‫عدو يخافون كل َب َ ُ‬
‫ه ((‪.‬‬
‫فقال شمس الدين في شرحه‪ )) :‬إذا جاء العدو لزم جميع الناس‪ ،‬ممن هو‬
‫من أهل القتال‪ ،‬الخروج إليهم ‪ ..‬إذا ثبت هذا فإنهم ل يخرجون إل بإذن‬
‫م بكثرة العدو وقلتهم‪ ،‬ومكامنهم‬ ‫ل إليه‪ ،‬وهو أعل ُ‬ ‫المير‪ ،‬لن أمَر الحرب موكو ٌ‬
‫ُ‬
‫وكيدهم‪ .‬فينبغي أن ُيرجعَ إلى رأيه‪ ،‬لنه أحوط للمسلمين‪ ،‬إل أن يتعذ َّر‬
‫ة تتعين في‬ ‫استئذاُنه لمفاجأة عدوهم‪ ،‬فل يجب استئذاُنه حينئذ‪ .‬لن المصلح َ‬
‫قتالهم والخروج إليهم‪ ،‬لتعين الفساد في تركهم‪ ،‬ولذلك لما أغار الكفار على‬
‫ِلقاح النبي صلى اله عليه وسلم‪ ،‬فصادفهم سلمة بن الكوع رضي الله عنه‪،‬‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫خارجا من المدينة‪ ،‬تبعهم فقاتلهم من غير إذن‪ ،‬فمدحه النبي َ‬
‫م‪ ،‬وقال )خير رجالتنا سلمة بن الكوع(‪‘.‬‬ ‫سل ّ َ‬
‫وَ َ‬
‫ص عليه‪ ،‬وعليه‬ ‫ب‪ ،‬ون ّ‬ ‫وقال المرداوى معلقا ومحققا للمذهب‪ )) :‬هذا المذه ُ‬
‫أكثر الصحاب ‪ ..‬وقال المصنف في المغني يجوز – الجهاد دون إذن المام ‪-‬‬
‫إذا حصل للمسلمين فرصة ُيخاف فوُتها((‪.‬‬
‫ب‬‫ب الجهاد‪ ،‬إذا تعذ َّر وجود ُ أو نص ُ‬ ‫ف عند َ الُعلماِء في جوازِ بل وجو ِ‬ ‫فل خل َ‬
‫المام‪ ،‬إذا فجأهم العدو وأخذ َ بلَدهم‪ .‬وإنما الخلف في جواز غزو بلد الكفار‬
‫المحاربين دون إذنه‪ .‬والصحيح والمذهب عدم جواز غزوهم دون إذنه وتحت‬
‫ة لهذا الغزو‪.‬‬ ‫رايته‪ ،‬لما في ذلك من المفاسد التي قد تلحق بالمسلمين نتيج ً‬
‫فالمام أعلم بقوة المسلمين وقدرتهم على قتال الكفار‪ ،‬وأعلم بقوة العدو‬
‫ت عليه مضرةً ومجازفة بأرواح المسلمين وأعراضهم‬ ‫وضعفه‪ ،‬فكان الفتئا ُ‬
‫وديارهم‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫م هذا‬ ‫َ‬
‫خت ُ ُ‬ ‫ده‪ .‬أ ْ‬ ‫ب وح َ‬ ‫م الحزا َ‬ ‫ده‪ ،‬وهز َ‬ ‫ده‪ ،‬ونصَر عب َ‬ ‫ده‪ ،‬صد َقَ وع َ‬ ‫الحمد ُ للهِ وح َ‬
‫س تدور بمدينة المساجد الفلوجة المجاهدة البية‪ .‬تدور‬ ‫ٌ‬ ‫ضرو‬ ‫ة‬‫ٌ‬ ‫ومعرك‬ ‫الكتاب‪،‬‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب‬
‫ل أعدادها وعتادها‪ ،‬كثيٌر صدقها وجلدها‪ .‬وأحزا ٍ‬ ‫بين فئةٍ مؤمنة صادقة‪ ،‬قلي ٌ‬
‫ة سيليها ‪-‬‬ ‫جلُدها‪ .‬معرك ٌ‬ ‫صدقها و ِ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫كافرةٍ ظالمة‪ ،‬كثيٌر أعدادها وعتادها‪ ،‬قليل ِ‬
‫ي نصر الله تعالى‪.‬‬ ‫ك ومعارك‪ ،‬حتى يأت ّ‬ ‫بإذن الله تعالى ‪ -‬معار ٌ‬
‫ن نصَره قريب‪ ،‬قد جعله حقا عليه للمؤمنين الصابرين الموقنين‪)) ،‬وَل َ َ‬
‫قد ْ‬ ‫أل إ ّ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م َ‬
‫مَنا ِ‬ ‫ت َفانت َ َ‬
‫ق ْ‬ ‫هم ِبال ْب َي َّنا ِ‬‫جآُءو ُ‬‫م فَ َ‬‫مهِ ْ‬ ‫سل ً إ َِلى قَوْ ِ‬ ‫ك ُر ُ‬ ‫من قَب ْل ِ َ‬ ‫سل َْنا ِ‬‫أْر َ‬
‫َ‬
‫ن((‪.‬‬
‫مني َ‬ ‫صُر ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫قا ً عَل َي َْنا ن َ ْ‬
‫ح ّ‬‫ن َ‬ ‫موا ْ وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫جَر ُ‬
‫أ ْ‬

‫)‪(36 /‬‬

‫ن نصره‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬ ‫م ْ‬ ‫ل جلُله ‪ -‬ووعده الحق ‪ -‬النصَر والتثبيت َ‬ ‫هج ّ‬ ‫وعَد َ الل ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م((‪.‬‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫دا َ‬ ‫ت أقْ َ‬ ‫م وَي ُث َب ّ ْ‬ ‫صْرك ُ ْ‬ ‫ه َين ُ‬ ‫صُروا الل َ‬ ‫مُنو?ا ِإن َتن ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫))ياأي َّها ال ِ‬
‫ب له‪ ،‬ولو أجتمع عليه من بأقطارها‪ ،‬فابشروا‬ ‫ه تعالى فل غال َ‬ ‫ن نصره الل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬
‫م الله‪ ،‬وتوكلوا على الله وحسبكم الله‪ ،‬وكفى‬ ‫ُ‬
‫بنصر الله‪ ،‬واصبروا حتى يحك َ‬
‫من َذا‬ ‫م فَ َ‬ ‫ُ‬
‫خذ ُلك ْ‬ ‫ْ‬ ‫م وَِإن ي َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ب لك ْ‬ ‫َ‬ ‫غال ِ َ‬ ‫ه فَل َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫صْرك ُ‬‫ُ‬ ‫بالله حسيبا‪ .‬قال تعالى ‪ِ :‬إن َين ُ‬
‫ن((‪.‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن ب َعْدِهِ وَعََلى اللهِ فَلي َت َوَك ِ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫م ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫صُر ُ‬ ‫ذي َين ُ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫قال ابن جرير‪ )) :‬إن ينصركم الله أيها المؤمنون بالله ورسوله‪ ،‬على من‬
‫ناوأكم وعاداكم من أعدائه‪ ،‬والكافرين به‪ ،‬فل غالب لكم من الناس‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫فلن يغلبكم مع نصره إياكم أحد‪ ،‬ولو اجتمع عليكم من بين أقطارها من‬
‫خلقه‪ ،‬فل تهابوا أعداء الله لقلة عددكم‪ ،‬وكثرة عددهم‪ ،‬ما كنتم على أمره‪،‬‬
‫واستقمتم على طاعته وطاعة رسوله‪ ،‬فإن الغلبة لكم والظفر دونهم((‪.‬‬
‫م تمحيصا ً واتخاذا ً‬ ‫ل هذا اليو َ‬ ‫فإن كان الله تعالى ‪ -‬وهو الحكيم الخبير ‪ -‬جع َ‬
‫ل أحدٍ من‬ ‫ُ‬ ‫للشهداء‪ ،‬فجعل الدائرة َ لهم‪ .‬فإن الله تعالى قد عزى وسلى أه َ‬
‫ل مجاهدٍ سلك طريقهم وأصابه ما‬ ‫ل بآيات محكمات‪ ،‬هن عزاٌء لهم‪ ،‬ولك ِ‬ ‫قب ُ‬
‫سيُروا ْ ِفى ال ّْرض َفان ْظ ُُروا ْ‬ ‫ن فَ ِ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫من قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل ْ‬ ‫َ‬ ‫أصابهم‪ .‬قال تعالى‪)) :‬قَد ْ َ‬
‫ِ‬
‫ن * وَل َ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ْ‬
‫ة لل ُ‬ ‫ّ‬ ‫عظ ٌ‬ ‫َ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫دى وَ َ‬ ‫س وَهُ ً‬ ‫ّ‬ ‫هاَذا ب ََيا ٌ‬ ‫مك َذ ِّبي َ‬ ‫ة ال ْ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ك َي ْ َ‬
‫ن للّنا ِ‬ ‫ن* َ‬
‫َ‬
‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬
‫س‬‫م ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ح فَ َ‬ ‫م قَْر ٌ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن * ِإن ي َ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫كنُتم ّ‬ ‫ن ِإن ُ‬ ‫م ال ّعْل َوْ َ‬ ‫حَزُنوا وَأنت ُ ُ‬ ‫ت َهُِنوا وَل َ ت َ ْ‬
‫خذ َ‬ ‫مُنوا ْ وَي َت ّ ِ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫س وَل ِي َعْل َ َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫داوِل َُها ب َي ْ َ‬ ‫م نُ َ‬ ‫ك ال ّّيا ُ‬ ‫ه وَت ِل ْ َ‬ ‫مث ْل ُ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م قَْر ٌ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ق‬
‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫مُنوا ْ وَي َ ْ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ص الل ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن * وَل ِي ُ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫دآَء َوالل ّ ُ‬ ‫شهَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫منك ْ‬ ‫دوا ِ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ِ‬ ‫ما ي َعْلم ِ الل ُ‬ ‫ة وَل ّ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫خلوا ال َ‬ ‫م أن ت َد ْ ُ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن*أ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫الكافِ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫موهُ‬ ‫قد ْ َرأي ْت ُ ُ‬ ‫َ‬
‫قوْه ُ ف َ‬ ‫ل أن ت َل َ‬ ‫من قب ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ت ِ‬ ‫مو ْ َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫من ّوْ َ‬ ‫م تَ َ‬ ‫قد ْ كنت ُ ْ‬‫ُ‬ ‫ن * وَل َ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫وَي َعْل َ َ‬
‫ل َأفإين مات أوَ‬ ‫َ‬
‫ِْ ّ َ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫من قَب ْل ِهِ الّر ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ل قَد ْ َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫مد ٌ إ ِل ّ َر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ما ُ‬ ‫ن * وَ َ‬ ‫م َتنظ ُُرو َ‬ ‫وَأنت ُ ْ‬
‫شْيئا ً‬ ‫ه َ‬ ‫ضّر الل ّ َ‬ ‫قب َي ْهِ فََلن ي َ ُ‬ ‫ب عََلى عَ ِ‬ ‫قل ِ ْ‬ ‫من َين َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫قاب ِك ُ ْ‬ ‫م عََلى أ َع ْ َ‬ ‫قل َب ْت ُ ْ‬ ‫ل ان َ‬ ‫قُت ِ َ‬
‫َ‬
‫جل ً‬ ‫مؤ َ ّ‬ ‫ن الله ك َِتابا ً ّ‬ ‫ت إ ِل ّ ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ن ل ِن َ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن * وَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫شاك ِ ِ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫زى الل ّ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫زى‬ ‫ج ِ‬ ‫سن َ ْ‬ ‫من َْها وَ َ‬ ‫خَرةِ ن ُؤْت ِهِ ِ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫وا َ‬ ‫من ي ُرِد ْ ث َ َ‬ ‫من َْها وَ َ‬ ‫ب الد ّن َْيا ن ُؤْت ِهِ ِ‬ ‫وا َ‬ ‫من ي ُرِد ْ ث َ َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِفى‬ ‫صاب َهُ ْ‬ ‫مآ أ َ‬ ‫ما وَهَُنوا ْ ل ِ َ‬ ‫ن ك َِثيٌر فَ َ‬ ‫ه رِب ّّيو َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ى َقات َ َ‬ ‫من ن ّب ِ ّ‬ ‫ن * وَك َأّين ّ‬ ‫ري َ‬ ‫شاك ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫م إ ِل ّ‬ ‫ن قَوْلهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن * وَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ّ‬
‫كاُنوا َوالل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫فوا وَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ضعُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ل اللهِ وَ َ‬ ‫ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫صْرَنا عَلى‬ ‫وان‬ ‫نا‬ ‫م‬ ‫دا‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫و‬ ‫نا‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫فى?‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫را‬ ‫س‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫نا‬ ‫ب‬ ‫نو‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫ا‬ ‫نا‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫أن‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ِ َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َِ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ب‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫خَرةِ َوالل ّ ُ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫ن ثَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ب الد ّن َْيا وَ ُ‬ ‫وا َ‬ ‫ه ثَ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ن * َفئاَتاهُ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫قوْم ِ ال ْ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن(( ‪.‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ب‬ ‫معَ ورأى المسلمون في الجزيرة والشام ومصر والسودان والمغر ِ‬ ‫وقد س ِ‬
‫سكم وصدِقكم‬ ‫ن بأ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ما أخفوه وتواصوا بكتمه ‪ِ -‬‬ ‫م ْ‬ ‫ق قليل ‪ِ -‬‬ ‫ً‬ ‫والمشر ِ‬
‫ونكايتكم بعدوكم‪ .‬ففرحوا ببشائر نصركم‪ ،‬ودعوا الله لكم‪ ،‬وتمنوا لو كانوا‬
‫ة حيلِتهم‪ .‬فبحمد الله قد أصبتم وأثخنتم‬ ‫معكم‪ ،‬واستغفروا الله تقصيَرهم وِقل َ‬
‫فيهم‪ ،‬وملتم قلوبهم رعبا وفرقا‪ ،‬وقلوب المؤمنين عزة وعزما وإقداما‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(37 /‬‬

‫ض‪،‬‬ ‫ن نصَره النصَر والتمكين‪ ،‬فقد توعّد َ من تولى وأعر َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه تعالى َ‬ ‫وكما وعد َ الل ُ‬
‫ه‬
‫وبدل وغي َّر‪ ،‬وألقى بنفسه إلى التهلكة بُبخِله بنفسه وماله عن ما فرضه الل ُ‬
‫عليه من الجهاد والقتال‪ .‬قال ابن جرير‪ ’ :‬حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬ثنا حكام‪،‬‬
‫عن الجراح‪ ،‬عن أبي إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬قلت للبراء بن عازب‪ :‬يا أبا عمارة الرجل‬
‫قوا‬ ‫يلقى ألفا من العدوّ فيحمل عليهم وإنما هو وحده‪ ،‬أيكون ممن قال‪َ :‬ول ت ُل ْ ُ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫كة؟ فقال‪ :‬ل‪ ،‬ليقاتل حتى يقتل‪ ،‬قال الله لنبيه َ‬ ‫م إلى الت ّهْل ُ َ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫بأي ْ ِ‬
‫سك ‪ ...‬حدثني يونس‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ف َ‬ ‫ّ‬
‫ف إل ن َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ ل ت ُكل ُ‬ ‫ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫م‪ :‬فقات ِل ِفي َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫سل َ‬‫ّ‬ ‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني حيوة‪ ،‬عن يزيد بن أبي حبيب‪ ،‬عن أسلم أبي‬
‫عمران‪ ،‬قال‪ :‬غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلى أهل مصر عقبة بن‬
‫عامر‪ ،‬وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد‪ .‬قال‪ :‬فصففنا صفين لم‬
‫أَر صفين قط أعرض ول أطول منهما‪ ،‬والروم ملصقون ظهورهم بحائط‬
‫ه ل إله إل الله‪،‬‬ ‫م ْ‬ ‫المدينة‪ ،‬قال‪ :‬فحمل رجل منا على العدّو‪ ،‬فقال الناس‪َ :‬‬
‫يلقي بيده إلى التهلكة‪ .‬قال أبو أيوب النصاري‪ :‬إنما تتأّولون هذه الية هكذا‬
‫أن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة أو ُيبلي من نفسه إنما نزلت هذه الية‬
‫فينا معشر النصار‪ .‬إنا لما نصر الله نبيه‪ ،‬وأظهر السلم‪ ،‬قلنا بيننا معشر‬
‫م‪ :‬إنا قد كنا تركنا أهلنا‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫النصار خفّيا من رسول الله َ‬
‫وأموالنا أن نقيم فيها ونصلحها حتى نصر الله نبيه‪ ،‬هلم نقيم في أموالنا‬
‫قوا‬ ‫ل الل ّهِ َول ت ُل ْ ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫قوا ِفي َ‬ ‫ونصلحها فأنزل الله الخبر من السماء‪ :‬وأن ْفِ ُ‬
‫كة الية‪ ،‬فاللقاء باليدي إلى التهلكة‪ :‬أن نقيم في أموالنا‬ ‫م إلى الت ّهْل ُ َ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫بأي ْ ِ‬
‫ونصلحها‪ ،‬وندع الجهاد‪ .‬قال أبو عمران‪ :‬فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل‬
‫الله حتى دفن بالقسطنطينية‪‘.‬‬
‫وحين سمع المسلمون يوم مؤته وهم ثلثة الف بعدة جيش الروم مئتي الف‬
‫مقاتل‪ ،‬قال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه‪ ’ :‬والله يا قوم إن الذي‬
‫تكرهون للذي خرجتم له تطلبون‪ ،‬الشهادة‪ .‬وما نقاتل العدو بعدة ول قوة ول‬
‫كثرة‪ ،‬ما نقاتلهم إل بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا فإنما هي إحدى‬
‫الحسنيين‪‘.‬‬
‫َ‬
‫م أهْلك َْنا‬ ‫َ‬
‫ة وعذابا‪ ،‬قال تعالى ‪)) :‬وَك َ ْ‬ ‫ل نعمَته عليهم نقم ً‬ ‫توعد الله هؤلء أن يبد ّ‬
‫م إ ِل ّ قَِليل ً وَك ُّنا‬ ‫من ب َعْدِهِ ْ‬ ‫كن ّ‬ ‫س َ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫مل ْ‬ ‫َ‬ ‫ساك ِن ُهُ ْ‬ ‫م َ‬‫ك َ‬ ‫ْ‬
‫شت ََها فَت ِل َ‬ ‫مِعي َ‬ ‫ت َ‬ ‫من قَْري َةٍ ب َط َِر ْ‬ ‫ِ‬
‫ن ((‪.‬‬ ‫وارِِثي َ‬ ‫ن ال َ‬‫ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫واِر‬ ‫م َداَر الب َ َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫حلوا قَوْ َ‬ ‫فرا وَأ َ‬ ‫ة اللهِ ك ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب َد ّلوا ن ِعْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ ِلى ال ِ‬ ‫وقال تعالى‪)) :‬أل ْ‬
‫قَراُر(( ‪.‬‬ ‫ْ‬
‫س ال َ‬ ‫صل َوْن ََها وَب ِئ ْ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫* َ‬
‫ثم يختار الله ويصطفي من الناس‪ ،‬فيأتي بقوم غيَرهم‪ ،‬يؤمنون ويجاهدون ل‬
‫كوُنو?ا ْ‬ ‫م ل َ يَ ُ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫وما ً غَي َْرك ُ ْ‬ ‫ل قَ ْ‬ ‫ست َب ْدِ ْ‬ ‫يخافون لومة لئم‪ .‬قال تعالى‪)):‬وَِإن ت َت َوَل ّوْا ْ ي َ ْ‬
‫كم((‪.‬‬ ‫مَثال َ ُ‬ ‫َ‬
‫أ ْ‬
‫ن*‬ ‫غافُِلو َ‬ ‫قَرى ب ِظ ُل ْم ٍ وَأ َهْل َُها َ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫مهْل ِ َ‬ ‫ك ُ‬ ‫ن ّرب ّ َ‬ ‫م ي َك ُ ْ‬ ‫ك أن ل ّ ْ‬
‫وقال تعالى‪)) :‬ذال ِ َ َ‬
‫ي ُذو‬ ‫ك ال ْ َغَن ِ ّ‬ ‫ن * وََرب ّ َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ل عَ ّ‬ ‫ك ب َِغافِ ٍ‬ ‫ما َرب ّ َ‬ ‫مُلوا ْ وَ َ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫تم ّ‬
‫ْ‬
‫جا ٌ‬ ‫ل د ََر َ‬ ‫وَل ِك ُ ّ‬
‫َ‬
‫من ذ ُّري ّ ِ‬
‫ة‬ ‫م ّ‬ ‫شأك ُ ْ‬ ‫مآ أن َ‬ ‫شآُء ك َ َ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫م ّ‬ ‫من ب َعْدِك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫خل ِ ْ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫شأ ي ُذ ْهِب ْك ُ ْ‬ ‫مةِ ِإن ي َ َ‬ ‫ح َ‬‫الّر ْ‬
‫ن((‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫قَوْم ٍ آ َ‬
‫اللهم أنصر أهل الفلوجة والعراق والمجاهدين من المسلمين في كل مكان‪.‬‬
‫اللهم أنصرهم وثبتهم‪ ،‬وأنزل السكينة والنصر والمدد عليهم‪ ،‬اللهم واجمع‬
‫كلمتهم على التوحيد واليمان والتقوى‪ ،‬ووحد صفوفهم وسدد رأيهم وضربهم‬
‫ورميهم‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اللهم واشدد وطأتك على عدوك وعدوهم‪ ،‬وخذهم أخذ عزيز مقتدر‪ ،‬اللهم‬
‫واقتلهم وعذبهم بأيدي عبادك المؤمنين‪ .‬اللهم وأقم علم الجهاد واقمع أهل‬
‫الشرك والريب والفساد‪ ،‬وانشر رحمتك على العباد‪ ،‬وصلى الله على نبينا‬
‫محمد وآله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫)‪(38 /‬‬

‫ذج والمخدوعين ‪.‬‬ ‫النتصار للشيخ بن جبرين والرد على الس ّ‬


‫للشيخ حامد بن عبدالله العلي‬
‫ن المرجعية الدينية هناك ـ في إيران ـ تشكل الغطاء الديني ‪ ،‬والشرعي ‪،‬‬ ‫)إ ّ‬
‫لكفاحنا ونضالنا ( حسن نصر ـ مجلة المقاومة ‪.‬العدد ‪ 27‬ص ‪15‬ـ ‪16‬‬
‫)نحن ل نقول‪ :‬إننا جزء من إيران؛ نحن إيران في لبنان ولبنان في إيران (‬
‫إبراهيم المين ‪ ،‬الناطق باسم حزب حسن نصر ‪ ،‬صحيفة النهار ‪5/3/1987‬‬
‫)فلم تكن الحرب بضواحي البصرة وعلى ساحل شط العرب ‪ ،‬إل ّ مقدمة‬
‫فَرج المهدي‬ ‫حروب كثيرة ‪ ،‬أوكلت إليها القيادات الخمينية الشابة ‪ ،‬التمهيد ل َ‬
‫صاحب الزمان ‪ ،‬من غيبته الكبرى‪ ،‬ولبسطه راية العدل ‪ ،‬على الرض كلها‪،‬‬
‫وتوريثه ملك الرض للمستضعفين ( دولة حزب الله ص ‪231‬‬
‫ليس حزب حسن نصر سوى أحد صور المؤامرة الخمينية على العالم‬
‫السلمي ‪ ،‬ما انبغي له ‪ ،‬وما أستطاع أن يكون غير هذا‬
‫أما لبنان فقد وجدت فيه إيران ‪ ،‬هدفا مّهما واستراتيجيا ‪ ،‬لتحويله إلى أحد‬
‫توابعها ‪ ،‬وتسخير أرضه لمؤامراتها ‪ ،‬مستفيدة من الوجود الشيعي في‬
‫الجنوب ‪ ،‬هذا الوجود الذي بدأ الصفويون بتجنيده ‪ ،‬واستمر توظيفه لسياسة‬
‫لطماع النظمة المتعاقبة على إيران ‪ ،‬إلى أن حولته الثورة الخمينية إلى‬
‫جيش تابع لدولة داخل دولة ‪.‬‬
‫ددة ‪ ،‬جعلت من الدولة فيه مجرد‬ ‫ن لبنان موّزع بين طوائف متع ّ‬‫ومعلوم أ ّ‬
‫خلت الخارجية ‪ ،‬ففي ضاحية‬ ‫غطاء شكلي‪ ،‬لكيان هو أخصب أرض للتد ّ‬
‫بيروت الجنوبية وبعض مناطق البقاع والهرمل ‪ ،‬دولة حزب حسن نصر ‪ ،‬وفي‬
‫ضواح أخرى من بيروت‪ ،‬وجزء من جنوب لبنان ‪ ،‬دولة قوات أمل ‪ ،‬وفي‬
‫الجبل سيطرة جزئية للقوات اللبنانية المارونية ‪ ،‬ودولة الدروز في الشوف ‪،‬‬
‫وات المردة المارونية ‪ ،‬وهكذا تتشكل بقية الخارطة السياسية فيه ‪.‬‬ ‫وشمال ق ّ‬
‫سه الشاه البهلوي من قبلها في‬ ‫ولهذا وجدت الثورة الخمينّية ‪ ،‬ما قد أس ّ‬
‫جنوب لبنان من امتداد سياسي ‪ ،‬عندما دعم الشاه حركة موسى الصدر في‬
‫لبنان ـ كما دعم حركة الدعوة التي أسسها محمد باقر الصدر في العراق ‪،‬‬
‫وقد ذكر شهبور بختيار أن الشاه كان يحلم بتوسيع سيطرة إيران لتهيمن‬
‫على العراق ولبنان ـ وجدت أرضا خصبة لقامة نظام خميني آخر فيها ‪.‬‬
‫)النظام اللبناني غير شرعي ومجرم" و "من الضروري تسّلم المسلمين‬
‫الحكم في لبنان كونهم يشكلون أكثرية الشعب ( دولة حزب الله ص ‪342‬‬
‫ونذكر فيما يلي السياق السياسي والتاريخي لحزب حسن نصر ‪ ،‬لنرى‬
‫الصورة الكبيرة التي يجهلها السذج ‪ ،‬والمغفلون ‪ ،‬والمخدوعون بهذا الحزب ‪:‬‬
‫‪1‬ـ قيام الدولة الصفوية ـ أوائل القرن السادس عشر الميلدي ـ التي‬
‫اضطهدت السنة في إيران ‪ ،‬وتآمرت على دولة الخلفة ‪ ،‬وفرضت المذهب‬
‫الرافضي ‪ ،‬فقدم إليها مراجع الشيعة ‪ ،‬من لبنان ‪،‬والعراق ‪ ،‬والبحرين وغيرها‬
‫‪ ،‬وألبست الطماع التوسعية الساسانية العنصرية لباس دين الرافضة ‪.‬‬
‫‪2‬ـ انتقال الفكر الرافضي السياسي من طور الغيبة والنتظار حيث تحرم‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الثورة ‪ ،‬والمامة ‪ ،‬وإقامة الدولة قبل ظهور المهدي ‪ ) :‬كل راية ُترفع قبل‬
‫راية المهدي فصاحبها ‪ ،‬طاغوت ُيعبد من دون الله( ‪ ..‬و )كل بيعة قبل ظهور‬
‫القائم فإنها بيعة كفر ونفاق وخديعة( ‪) ..‬واللهِ ل يخرج أحد ٌ منا قبل خروج‬
‫القائم‪ ،‬إل ّ كان مثله ‪،‬كمثل فرخ طار من وكره ‪ ،‬قبل أن يستوي جناحاه ‪،‬‬
‫فأخذه الصبيان فعبثوا به( أحمد الكاتب ‪ ،‬تطور الفكر السياسي الشيعي‪ ،‬ص‬
‫‪ 271‬ـ ‪272‬‬
‫ّ‬
‫إلى طور ولية الفقيه ‪ ،‬التي تعني أن يتولى الفقيه النيابة عن الغائب ‪ ،‬فيقيم‬
‫الدولة ‪ ،‬والثورة ‪ ) :‬إن الفقهاء "هم الحجة على الناس كما كان الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم حجة عليهم‪ ،‬وكل من يتخلف عن طاعتهم فإن الله‬
‫وض الله إليهم جميع ما فوض‬ ‫ل فقد ف ّ‬‫يؤاخذه ويحاسبه على ذلك‪ ،‬وعلى ك ٍ‬
‫إلى "النبياء" وائتمنهم على ما ائتمنوا عليه ( الحكومة السلمية للخميني ص‬
‫‪80‬‬
‫‪3‬ـ انتهاج نهج تصدير الثورة ‪ ) :‬وإذا غدا استمرار الثورة ‪،‬ودوامها ‪ ،‬من بعد‬
‫حدوثها ‪ ،‬إنجاز الثورة العظم أوجب تجديد العجاز ك ّ‬
‫ل يوم‪ ،‬والقيام بالثورة‬
‫من غير انقطاع ول تلكؤ‪ ،‬ول ُيرتب تجديد العجاز حين تتصل الثورة السلمية‬
‫الخمينية ‪ ،‬بين كربلء ‪ ،‬وبين ظهور المهدي‪ ،‬إل إظهار الدلئل على قيام‬
‫الثورة‪ ،‬وحفظ معناها‪ ،‬والحؤول بين هذا المعنى وبين الضمحلل والضعف ‪،‬‬
‫م ذلك إل ّ بالقامة على الحرب وفي الحرب‪ ،‬وينبغي لهذه الحرب أن‬ ‫ول يت ّ‬
‫تكون الحرب الخيرة‪ ،‬ولو طالت قرونًا؛ لنّها تؤذن بتجديد العالم كّله‪ ،‬وبط ّ‬
‫ي‬
‫صفحة الزمان ( كتاب دولة حزب الله ص ‪276‬‬
‫ن مهديهم سينجح فيما فشل‬ ‫ن ثورة الخميني تمّهد لمهديهم ‪ ،‬وأ ّ‬
‫‪ 5‬ـ الترويج بأ ّ‬
‫فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ـ تعالى الله عما يقول الكافرون علوا‬
‫كبيرا ـ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫)النبياء جميعا ً جاؤوا من أجل إرساء قواعد العدالة في العالم لكنهم لم‬
‫ينجحوا ‪ ...‬وحتى النبي عليه الصلة والسلم خاتم النبياء الذي جاء لصلح‬
‫البشرية وتنفيذ العدالة لم ينجح في ذلك في عهده ‪ ...‬وأن الشخص الذي‬
‫سينجح في ذلك ويرسي قواعد العدالة في أنحاء العالم ويقوم النحرافات هو‬
‫المام المهدي المنتظر ‪ !! (...‬من خطبة الخميني في عيد المهدي عام‬
‫‪1400‬هـ ‪.‬‬
‫)نقل موقع "انتخاب" اليراني‪ ،‬أّنه في اجتماع أخير للوزراء اليرانيين‪ ،‬وبناء‬
‫على اقتراح من نائب الرئيس برويز داو ودي‪ ،‬وقّعوا ورئيس الجمهورية ‪،‬‬
‫على ميثاق بينهم وبين المهدي المنتظر!!‬
‫ن أيّ اتفاقية ل بد من أن تحمل توقيع الطرفين‪ ،‬اتفق الجميع على أن‬ ‫ول ّ‬
‫يحمل وزير الثقافة السلمية صفار هارندي الرسالة ‪ ،‬ويذهب ‪ ،‬ويرميها في‬
‫بئر في جامكاران القريبة من قم‪ ،‬حيث يلقي الحجاج طلباتهم كل يوم أربعاء‪.‬‬
‫ويقول مراقبون إيرانيون إن مثل هذا التفكير في ازدياد ‪ ،‬منذ مجيء احمدي‬
‫نجاد‪ ،‬وأن الشخاص المتطرفين حوله ‪ ،‬يقنعونه »بأن هناك مؤشرات إلى‬
‫قرب ظهور المهدي‪ ،‬إلى درجة إقناعه بأن المسألة النووية اليرانية مرتبطة‬
‫بشكل مباشر مع ظهور إمام الزمان«‪.‬‬
‫وحسب مصدر على إطلع عما يجري‪ ،‬فإن هؤلء الشخاص في الجتماعات‬
‫المغلقة ‪ ،‬والعلنية‪ ،‬يصرون على ضرورة أن تتخذ الحكومة اليرانية موقفا ً‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صلبا ً ضد الضغوط الدولية‪ ،‬للحصول على حقها في التكنولوجيا النووية‪» ،‬لن‬


‫هذه المسألة هي واحدة من الوسائل التي ُتهيئ لظهور المهدي وأثناء الحملة‬
‫النتخابية ‪ ،‬ومن أجل دعم فوز أحمدي نجاد ‪ ،‬كرر آية الله محمد تقي مصباح‬
‫ددين ‪ ،‬أن المهدي اختار أحمد نجاد وإّنه لواجب ديني‬ ‫يزدي وهو من المتش ّ‬
‫انتخابه‬
‫( نقل عن الشرق الوسط ‪3/11/2005‬م‬
‫‪6‬ـ نشر عقيدة تكفير السنة ‪ ،‬واستحلل دماءهم ‪:‬‬
‫في كتاب النوار النعمانية ج ‪ 2‬ص ‪ " 307‬وقد روى عن النبي صلى الله عليه‬
‫ي عليه ‪ ،‬ثم قال " ويؤيد هذا المعنى‬ ‫وسلم أن علمة النواصب تقديم غير عل ّ‬
‫أن الئمة عليهم السلم وخواصهم أطلقوا لفظ الناصبي على أبي حنيفة‬
‫وأمثاله ‪ ،‬مع أن أبا حنيفة لم يكن ممن نصب العداوة لهل البيت عليهم‬
‫السلم بل كان له انقطاع إليهم ‪ ،‬وكان يظهر لهم التودد ‪ ..‬ومن هذا يقوى‬
‫قول السيد المرتضى وابن إدريس قدس الله روحيهما ‪ ،‬وبعض مشايخنا‬
‫المعاصرين بنجاسة المخالفين ) أي السنة ( كلهم ‪ ،‬نظرا إلى إطلق الكفر‬
‫والشرك عليهم في الكتاب والسنة ‪ ،‬فيتناولهم هذا اللفظ حيث يطلق ‪ ،‬ولنك‬
‫قد تحققت أن أكثرهم نواصب بهذا المعنى ‪.‬‬
‫الثاني في جواز قتلهم واستباحة أموالهم ‪ ،‬قد عرفت أن أكثر الصحاب ذكروا‬
‫للناصبي ذلك المعنى الخاص في باب الطهارات والنجاسات ‪ ،‬وحكمه عندهم‬
‫كالكافر الحربي في أكثر الحكام ( ‪.‬‬
‫‪7‬ـ البدء بطور التنفيذ المسّلح ‪ ،‬لتصدير الثورة واستحلل دماء المسلمين ‪،‬‬
‫وخوض حرب الخليج الولى ‪ ،‬وعمليات التخريب وتصدير الفتن الواسعة في‬
‫البلد المجاورة لسيما في فترة الثمانينات الميلدية ‪ ،‬وقد شرحنا ذلك كّله‬
‫في مقال سابق ذكرنا فيه الحداث مفصلة بتواريخها ‪.‬‬
‫‪8‬ـ تراجع الثورة الخمينية أمام ردة الفعل السلمية ‪ ،‬وانشغالها بالعداء‬
‫لطور الدسائس ‪ ،‬والكيد الخفي ‪ ،‬على محورين ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬تقوية الحزاب السرّية التابعة للثورة الخمينية ‪ ،‬وإمدادها بالسلح ‪،‬‬
‫وتسخير السفارات اليرانية لدعمها ‪ ،‬وتطوير جاهزيتها للنقضاض في الوقت‬
‫سعي ‪.‬‬ ‫المناسب ‪ ،‬لتحقيق الحلم الصفوي الخميني التو ّ‬
‫مع التركيز على تبّني القضية الفلسطينية ‪ ،‬إذ هي شعار فّعال لحشد‬
‫التعاطف السلمي للثورة الخمينية ‪ ،‬وفروعها في البلد السلمية ‪.‬‬
‫مة السلمية ‪ ،‬تحت تأثير‬ ‫الثاني ‪ :‬استغلل الحملة الصهيوصليبية على ال ّ‬
‫سعي ‪.‬‬ ‫الحلم بالمرور تحت عباءتها إلى تحقيق المشروع الصفوي التو ّ‬
‫‪9‬ـ التآمر مع الحملة الصهيوصليبية لحتلل أفغانستان ‪ ،‬والعراق ‪.‬‬
‫‪10‬ـ السراع في تكوين دولة خمينّية في وسط وجنوب العراق ‪ ،‬في ضمن‬
‫حلف يشكل هلل يمتد من طهران إلى بنت جبيل في جنوب لبنان ‪.‬‬
‫‪11‬ـ استغلل غطاء الحتلل الصهيوصليبي للعراق ‪ ،‬لتهجير أهل السنة من‬
‫الجنوب والوسط ‪ ،‬بعد إشاعة أعمال القتل والتعذيب فيهم على نطاق‬
‫واسع ‪.‬‬
‫‪12‬ـ السراع في تطوير البرنامج النووي اليراني ‪.‬‬
‫‪13‬ـ استغلل الجيش اليراني في جنوب لبنان ـ حزب حسن نصر ـ في عمل‬
‫دعائي يفيد الموقف اليراني ‪ ،‬في الملف النووي ‪.‬‬
‫‪14‬ـ انقلب الحداث إلى هجوم صهيوني كاسح على حزب حسن نصر ‪،‬‬
‫لتدمير بنيته التحتية ‪ ،‬وإنهاء وجوده في الجنوب ‪ ،‬تمهيدا للغاء هذه الورقة‬
‫التي جعلتها الثورة الخمينية ‪ ،‬في سياق الضغوط التي تعزز موقفها في‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صراعها مع الغرب ‪.‬‬


‫‪15‬ـ تسّبب الثورة الخمينّية ‪ ،‬عن طريق متعّهدها ـ حزب حسن نصر ـ في‬
‫تدمير لبنان ‪ ،‬وتحويله إلى ساعة صراع ‪ ،‬وقتل المئات من أبناءه ‪ ،‬من أجل‬
‫أطماعها التي تهدف إلى السيطرة والتوسع لتحقيق أحلم صفوّية ‪ ،‬عنصرّية ‪،‬‬
‫بغيضة ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فلين ‪ ،‬والملدوغين ألف مّرة من غير أن يتعلموا ‪،‬‬ ‫‪16‬ـ تطبيل الس ّ‬
‫ذج ‪ ،‬والمغ ّ‬
‫همين أنه يخوض حرب تحرير‬ ‫مع صواريخ حزب حسن نصر اليرانّية ‪ ،‬متو ّ‬
‫متنا !!‬
‫لفلسطين ‪ ،‬من أجل إرجاعها إلى أ ّ‬
‫‪17‬ـ انكشاف أن الشيخ بن جبرين ـ حفظه الله ـ يقف على أرض راسخة ‪،‬‬
‫ويتكّلم بواقعية سياسية ‪ ،‬ذات خلفية عقدّية سليمة ‪ ،‬وليس كمن طاشت‬
‫عقولهم ‪ ،‬وانساقوا وراء عواطفهم ‪ ،‬مع الصواريخ الخمينية في جنوب لبنان ‪،‬‬
‫فنسوا المنطلق العقدي ‪ ،‬والخلفية التاريخية‪ ،‬والمساق السياسي للحداث ‪،‬‬
‫في صورتها الكبيرة ‪.‬‬
‫والله الموفق ‪..‬‬
‫الشيخ حامد بن عبدالله العلي‬

‫)‪(3 /‬‬

‫النتصار واللءات الثلث ‪9/8/1425‬‬


‫أ‪.‬د‪ .‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫إن أسباب النتصار التي أشارت إليها سورة يوسف كثيرة‪ ،‬قد مضت الشارة‬
‫إلى نذر منها‪ ،‬وفي هذه المقالة أستكمل ما بدا لي من أهمها‪ ،‬فمن أعظم‬
‫أسباب انتصار يوسف‪ :‬اطراده في منهجه اطرادا ً عجيبا ً من أول لحظات‬
‫حياته حتى آخر لحظة‪ ،‬وهو يمشي على خط مستقيم‪ ،‬نقول هذا ونحن نرى‬
‫الضطراب في حياة بعض الدعاة‪ ،‬نرى الضطراب في حياة ومناهج بعض‬
‫المؤسسات والجماعات السلمية‪ ،‬تنشأ الجماعة على منهج‪ ،‬بعد عدة‬
‫سنوات فإذا هي تغير‪ ،‬بعد ثلثين أو أربعين سنة فإذا الجماعة التي نشأت‬
‫ليست هي الجماعة اليوم في منهجها وإن بقي اسمها وإن بقي بعض الرموز‪،‬‬
‫بعض الدعاة يجلس عدة سنوات يدعو الناس إلى منهج سليم‪ ،‬وعندما يعرف‬
‫وتبدأ انتصاراته‪ ،‬يبدأ التغير أو بعد أن يبتلى أو غير ذلك من السباب‪ .‬يوسف‬
‫_عليه السلم_ لم يتغير أبدا ً من أول لحظة في حياته إلى آخر لحظة‪ ،‬مطرد‬
‫م" )الزخرف‪ .(43:‬هذا‬ ‫قي ٍ‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫ك عََلى ِ‬ ‫ك إ ِن ّ َ‬‫ي إ ِل َي ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ذي ُأو ِ‬ ‫ك ِبال ّ ِ‬ ‫س ْ‬‫م ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫"َفا ْ‬
‫الطراد من أقوى عوامل النتصار‪ ،‬وهذا يغفل عنه كثير من الدعاة‪ ،‬ولذلك‬
‫يقولون‪ :‬لماذا فشلنا؟ لماذا لم ننتصر؟‬
‫لنكم لم تنتصروا على أنفسكم‪ ،‬لم تلتزموا بالمنهج الحق كما التزم به محمد‬
‫_صلى الله عليه وسلم‪ -‬صاحب المنهج الذي ل يتغير ل في السراء ول في‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ي ُت َْر ُ‬
‫كوا‬ ‫سأ ْ‬ ‫ب الّنا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫الضراء‪ ،‬ل تزيده المحن إل قوة وثباتا ً واطرادا ً "الم أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫خُلوا ال ْ َ‬
‫جن ّ َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬
‫مأ ْ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن" )العنكبوت‪" (2:‬أ ْ‬ ‫فت َُنو َ‬ ‫م ل يُ ْ‬ ‫مّنا وَهُ ْ‬ ‫قوُلوا آ َ‬ ‫ن يَ ُ‬‫أ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫حّتى‬ ‫ضّراُء وَُزل ْزُِلوا َ‬ ‫ساُء َوال ّ‬ ‫م ال ْب َأ َ‬ ‫ست ْهُ ُ‬
‫م ّ‬‫م َ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث َ ُ‬
‫م َ‬ ‫ما ي َأت ِك ُ ْ‬ ‫وَل َ ّ‬
‫َ‬
‫ب"‬ ‫ري ٌ‬‫صَر الل ّهِ قَ ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫صُر الل ّهِ أل إ ِ ّ‬ ‫مَتى ن َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ل َوال ّ ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫قو َ‬ ‫يَ ُ‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)البقرة‪ (214:‬نصر الله قريب‪ .‬المشكلة فينا وفي التزامنا بهذا المنهج‪.‬‬
‫ومن أعظم مقومات النتصار‪ ،‬عدم الستعجال أو التنازل أو اليأس والقنوط‪،‬‬
‫ميها‪ ،‬اللءات الثلث‪ ،‬فإذا أردت النتصار فل للستعجال‪ ،‬ول للتنازل‪ ،‬ول‬ ‫وأس ّ‬
‫للقنوط‪ ،‬وقد درست واقع كثير من الجماعات السلمية‪ ،‬وتساءلت لماذا لم‬
‫تحقق ما كانت تعد به؟ فوجدت أن لذلك أسبابا ً كثيرة‪ ،‬ولكن من أبرزها أن‬
‫هناك فئة مستعجلة‪ ،‬تريد أن تحقق النتصار في مدة قياسية‪ ،‬فترتكب أعمال ً‬
‫تتنافى مع المنهج بسبب الستعجال‪.‬‬
‫ومن أمثال هؤلء الذين يدعون قومهم وبعد أن يدعوهم مدة من الزمن ول‬
‫يلمسوا استجابة منهم يقوموا عليهم فيواجهونهم بالسلح فتنشب حرب في‬
‫غير مكانها وغير زمانها‪ ،‬وكم أضر المة أمثال هؤلء المتعجلين! بينما صبر‬
‫ألوا العزم من الرسل حتى جاء نصر الله‪.‬‬
‫أما التنازل‪ ،‬فكم أوقع من أناس‪ ،‬تقوم جماعتهم وترسم منهجها وما تريد أن‬
‫تربي الناس عليه‪ ،‬وبعد مرور الزمن تلحظ أنها لم تحقق ما وعدت به‬
‫أتباعها‪ ،‬فيبدأ التنازل وتبدأ المساومة مع الظالمين‪ ،‬حتى تنتهي تلك‬
‫المؤسسة أو تلك الجماعة أو ذلك الفرد إلى شكل دون حقيقة‪ ،‬ونجد في‬
‫النهاية أنه ل فرق بينهم وبين الظالمين إل في أمور يسيرة‪ ،‬وهذا تنازل في‬
‫دين الله‪ ،‬وركون إلى الذين ظلموا‪.‬‬
‫وفئة ثالثة عملت في الدعوة –وغالبا ً يكون هذا على مستوى الفراد‪ -‬ومرت‬
‫عليهم اليام والعوام‪ ،‬لم يستعجلوا ولم يتنازلوا‪ ،‬ولكنهم لما لم يروا استجابة‬
‫الناس لهم يئسوا وقنطوا فانسحبوا من الساحة!‬
‫أما يوسف _عليه السلم_ فقد حارب كل هذه الشياء‪" ،‬إنه من يتق ويصبر"‬
‫فل استعجال ول تنازل ول يأس أو قنوط‪.‬‬
‫أيها الدعاة‪ ،‬يا أصحاب المؤسسات الدعوية‪ ،‬ما مقدار التزامكم بهذه القضايا‬
‫الكبرى؟ هل أنتم تتعجلون؟ إن نجوتم من هذا فهنيئا ً لكم‪ ،‬هل أنتم تتنازلون‬
‫باسم المصلحة العامة‪ ،‬إن كنتم ل تتنازلون فهنيئا ً لكم‪ ،‬هل دب اليأس‬
‫والقنوط إلى قلوبكم؟ إن لم يكن كذلك فهنيئا ً لكم‪.‬‬
‫فهذه مقومات مهمة في انتصار المسلم‪ ،‬وما أخذ بها فرد أو مؤسسة أو أمة‬
‫إل انتصرت‪ ،‬النتصار بمعناه الحقيقي‪ ،‬وليس النتصار هو الحصول على‬
‫الملك‪ ،‬بل الحصول على الملك نوع من أنواع النتصار‪ ،‬وأعظم النتصارات‬
‫هو انتصار المنهج‪ ،‬ولذلك يأت النبي يوم القيامة ومعه الرهط والرهيط‪ ،‬ويأت‬
‫النبي ومعه الرجل والرجلن‪ ،‬ويأت النبي ليس معه أحد‪ ،‬كما في الحديث‬
‫الصحيح‪ ،‬ويقول _صلى الله عليه وسلم_ ‪" :‬رأيت نبيا ً من النبياء ما آمن معه‬
‫إل رجل واحد"‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫مُنوا ِفي‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫سل ََنا َوال ّ ِ‬ ‫ومن اليقين أن كل النبياء قد انتصروا "إ ِّنا ل َن َن ْ ُ‬
‫صُر ُر ُ‬
‫صُر‬‫قا ً عَل َي َْنا ن َ ْ‬
‫ح ّ‬
‫ن َ‬ ‫شَهاُد" )غافر‪" (51:‬وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫م اْل َ ْ‬
‫قو ُ‬
‫م يَ ُ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن")الروم‪ :‬من الية ‪ ،(47‬فكل نبي قد انتصر‪ ،‬وانتصاره في ثباته على‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫منهجه‪ ،‬في اطراده‪ ،‬في التزامه بالصول والمنطلقات التي يدعو إليها‪ ،‬هذا‬
‫هو النتصار الحقيقي‪ ،‬فإن تحقق بعد ذلك استجابة الناس فهو انتصار‪ ،‬إن‬
‫تحقق الملك فهو انتصار‪ ،‬لكن أعظم النتصارات انتصار المنهج وما بعده‬
‫نافلة‪.‬‬
‫فما أحوجنا إلى هذه العوامل المهمة من أجل أن نحقق النتصار لنفسنا‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأمتنا في العاجل والجل‪ ،‬إننا بحاجة إلى محاسبة النفس وإلى نقد الذات‬
‫بصدق وصراحة‪ ،‬لماذا لم ننتصر؟ ولماذا لم تنتصر المة مع ما قدمته من‬
‫جهود جبارة في تاريخها‪ ،‬منذ سبعين سنة ونحن نرى الجماعات السلمية‪،‬‬
‫ونرى المؤسسات السلمية‪ ،‬وقد بذلت جهودا ً مشكورة ل تنكر‪ ،‬وقدمت‬
‫تضحيات أصبحت مضرب المثل في التاريخ فداء لدينها وعقيدتها‪ ،‬ولكننا نلحظ‬
‫أنها لم تحقق النتصار‪ ،‬ل النتصار في المنهج‪ ،‬ول النتصار على ظهر الواقع‪،‬‬
‫لماذا؟‬
‫لنها لم تتكامل فيها مقومات النتصار التي أخذ بها يوسف _عليه السلم_‪،‬‬
‫ومحمد – صلى الله عليه وسلم – عندما سأل هرقل أبا سفيان‪ ،‬قال‪ :‬هل‬
‫أتباعه يزيدون أم ينقصون‪ ،‬قال‪ :‬يزيدون‪ ،‬قال‪ :‬وهكذا النبياء حتى يكتملوا‪،‬‬
‫وهكذا أيضا ً الدعاة وهكذا الجماعات‪ ،‬هل تزيد أفرادهم أو ينقصون‪ ،‬بعض‬
‫الجماعات أفرادها ينقصون‪ ،‬يزيدون في مدة من الزمن ثم ينقصون بعد ذلك‪،‬‬
‫فمن أسباب عدم النتصار عدم توافر هذه المقومات في سيرة الداعية أو‬
‫سيرة تلك الجماعة أو سيرة المة‪ ،‬وبعد ذلك نأتي ونقول‪ :‬لماذا لم ننتصر؟‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫سك ْ‬ ‫ف ِ‬‫عن ْد ِ أ َن ْ ُ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ل هُوَ ِ‬ ‫ذا قُ ْ‬ ‫م أ َّنى هَ َ‬ ‫مث ْل َي َْها قُل ْت ُ ْ‬‫م ِ‬‫صب ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫ة قَد ْ أ َ‬ ‫صيب َ ٌ‬‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫صاب َت ْك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ما أ َ‬
‫َ‬
‫"أوَل َ ّ‬
‫ن")الروم‪ :‬من‬ ‫مِني َ‬ ‫صُر ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫قا ً عَل َي َْنا ن َ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫")آل عمران‪ :‬من الية ‪ " .. ((165‬وَ َ‬
‫َ‬
‫م اْل ْ‬ ‫مُنوا ِفي ال ْ َ‬ ‫سل ََنا َوال ّ ِ‬
‫شَهاُد"‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫صُر ُر ُ‬ ‫الية ‪" (47‬إ ِّنا ل َن َن ْ ُ‬
‫َ‬
‫صُرَنا‬ ‫م نَ ْ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫م قَد ْ ك ُذُِبوا َ‬ ‫ل وَظ َّنوا أن ّهُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫س الّر ُ‬ ‫ست َي ْأ َ‬‫حّتى إ َِذا ا ْ‬ ‫)غافر‪َ " (51:‬‬
‫شاُء ")يوسف‪ :‬من الية ‪.(110‬‬ ‫ن نَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي َ‬
‫ج َ‬ ‫فَن ُ ّ‬
‫آيات النتصار صريحة وواضحة‪ ،‬والله ل يخلف وعده‪ ،‬إذن الخلل في أنفسنا‪،‬‬
‫سواء أكان فردا ً أو كان جماعة أو مؤسسة أو مجتمعًا‪ ،‬فإذا لم تحقق النتصار‬
‫فاسأل نفسك‪ ،‬ارجع إلى الكتاب والسنة‪" ،‬تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن‬
‫تضلوا بعدي أبدا ً كتاب الله وسنتي"‪ ،‬لو أننا التزمنا بهذا لحققنا النتصار‬
‫العظيم في العاجل والجل‪ ،‬فيا أيها الداعية‪ ،‬أيها العالم‪ ،‬أيها المسلم‪ ،‬التزم‬
‫بهذه المقومات التي أشرت إليها في سيرة يوسف لتحقق النتصار في‬
‫العاجل والجل _بإذن الله_ إذا انتصرت على نفسك وعلى شهواتك وعلى‬
‫رغباتك وعلى هواك‪ ،‬إذا كان منهجك سليما ً بعيدا ً عن البدع ومحدثات المور‪،‬‬
‫إذا لم تستعجل‪ ،‬إذا لم تتنازل‪ ،‬إذا لم تيأس‪ ،‬أو تقنط‪ ،‬فأبشر فإن وعد الله ل‬
‫َ‬
‫ن")يوسف‪ :‬من‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جَر ال ْ ُ‬ ‫ضيعُ أ ْ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫صب ِْر فَإ ِ ّ‬ ‫ق وَي َ ْ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫يتخلف "إ ِن ّ ُ‬
‫الية ‪ ،(90‬أسأل الله أن يحقق لهذه المة النتصار الذي نرجوه لها على أيدي‬
‫علمائها ودعاتها ومؤسساتها‪ ،‬وأسأل الله أن يقر أعييننا برفع راية هذا الدين‬
‫وراية الجهاد في سبيل الله لتنتصر على أعدائها ل بالماني ولكن بالحقائق‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫النتظار والبعاد التقدمية في حياة النسان‬


‫يبدو أن فكرة المخلص أو المنقذ فكرة كامنة في اللوعي النساني‬
‫ومستحكمة في ذاته بالملزمة وعدم النفكاك‪ ،‬فهو وإن كابر في اللمبالة فل‬
‫يلبث حتى يعود خاضعا ً ملتمسا ً الخلص في نكبته من اللشيء إل أنه مقتنع‬
‫في داخله من وجود قوة قادرة على إنقاذه‪.‬‬
‫ومنه ذهاب الديان جميعا ً إلى أنه في نهاية كل مرحلة من مراحل التاريخ‬
‫يتجه البشر صوب النحطاط المعنوي الهابطة نحو السفل‪ ،‬فل يمكنهم‬
‫أنفسهم أن يضعوا نهاية لهذه الحركة التنازلية والهبوط المعنوي والخلقي‪.‬‬
‫إذن ل بد من يوم تظهر فيه شخصية معنوية على مستوى رفيع تستلهم مبدأ‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الوحي وتنتشل العالم من ظلمات الجهل والضياع والظلم والتجاوز‪.‬‬


‫ونحن الن في عصر النوار والتكنولوجيا التي تجردنا من إنسانيتنا عصر‬
‫النهايات نهاية كل ما هو إنساني‪ ،‬عصر السيطرة الستهلكية وتعليب العقول‬
‫سعار الجنسي عصر دشدشة العالم ضمن إطار‬ ‫عصر إشباع اللذات وال ُ‬
‫الستهلك المادي والنحلل المعنوي والخلقي‪.‬‬
‫وفي هذا العصر يتطور عالم القمع بكل أشكاله المنظم منه والعشوائي في‬
‫جميع مجالت الحياة‪ ،‬القمع الذي يعيشه إنسان هذا اليوم‪ ..‬وهو عالم ل يصلح‬
‫للنسان ول لنمو إنسانيته‪ ،‬بل هو عالم يعمل على )حيونة النسان( أي تحويله‬
‫إلى حيوان كما عليه الكتاب المفكرون‪.‬‬
‫فحين نلتمس حجم خسائرنا في مسيرتنا النسانية‪ ،‬سندرك أنه سينتهي بنا‬
‫الحال إلى أن نصبح مخلوقات من نوع أخر كان اسمه )النسان( من دون أن‬
‫يعني هذا تغييرا ً في شكله‪ ،‬فالتغيير الكثر خطورة هو الذي جرى ويجري في‬
‫بنيته الداخلية‪ ،‬العقلية والنفسية‪ ..‬طالما أن عمليات القمع والذلل‬
‫والستغلل قائمة ومستمرة‪ ،‬وإذا كان المر كذلك‪ ،‬فكم فقدنا من كرامتنا‬
‫وتضامننا النساني‪ ،‬وإحساسنا بإنسانيتنا حتى صرنا نتعود على الذلل المحيط‬
‫بنا‪ ،‬لنا ولغيرنا‪ ،‬وحتى صرنا نقبل هذا العنف والتعامل غير النساني الذي‬
‫نعامل به نحن أو يعامل به غيرنا على مرأى منا‪ .‬وينعكس تعودنا على هذا‬
‫الذلل في أننا صرنا نعتبر تعذيب السجين أمرا ً مفروغا ً منه‪ ،‬لم نعد نتساءل‬
‫عن أثر ذلك التعذيب من السجين الضحية‪ ،‬حتى بعد خروجه من السجن‪ ،‬كما‬
‫أننا لم نعد نتساءل عن أثر التعذيب في منفذه‪ ،‬وهل يستطيع أن يعود‬
‫بسهولة إلى حياته اليومية العادية بعد خروجه من غرفة التعذيب‪ ..‬يكتب عالم‬
‫الروبوتات رودين بروكس‪ :‬العالم يتغير‪ ،‬وتتغير بشريتنا داخله‪ ،‬وقوى التغيير ل‬
‫تقاوم وقد استمرت طوال الخمسمائة عام الماضية(‪.‬‬
‫ويجادل بعض المتعصبين للتكنولوجيا‪ ،‬في محاولة لنهاء الجدل قبل أن يبدأ‪.‬‬
‫سنا بالفعل‪ ،‬يؤكدون أن‬ ‫بأن وقت رسم الخط الفاصل قد فات‪ :‬فنحن قد هُن ْدِ ْ‬
‫كل من يستخدمون وسائل سمعية مساعدة أو مفاصل اصطناعية هم‬
‫روبوتات أولية‪ .‬إذا كنت تعمل على حاسب متصل بشبكة‪ ،‬فستكون بذلك قد‬
‫باشرت بالفعل توصيل ً مفصليا ً مزدوجا ً ينكر يعلن عن نهاية الهوية التقليدية‪.‬‬
‫ولقد نستسلم ببساطة وننتهي إلى أن المسالة مفرطة في تعقيدها‪ ،‬وأن غاية‬
‫ما نستطيع أن نأمله هو )أن نترك السوق يقرر( لكنا قد ل نفعل هذا‪ ،‬يمكننا‬
‫أن نتخيل سياسة تظهر‪ ،‬تأخذ التكنولوجيا مأخذ الجد‪ ،‬سياسة نبدأ في‬
‫ولد مع الوقت شبكة من القوانين –‬ ‫معاركتها بذكاء‪ ،‬سياسة تتحد‪ ،‬سياسة ت ّ‬
‫ومن ثم من المحرمات تبقي علينا بشرا ً بشكل أو بآخر‪ ،‬أبدا ً لن نحرز نصرا ً‬
‫مستديما ً – تماما ً مثلما يمكنك أن تنقذ منطقة برية مرة كل عام‪ ،‬تماما ً مثلما‬
‫تعجز أعتى المعاهدات عن أن تنسي الفيزيائيين كيف يصنعون القنبلة الذرية‪،‬‬
‫كذا ستبقي هندسة الخط الجرثومي دائما ً تغري العلماء‪ .‬ثمة جزء جديد مما‬
‫جهها‪،‬‬ ‫يعنيه أن نكون بشرًا‪ ،‬هو أن نحيا مع هذه المكانيات وأن نرشدها وأن نو ّ‬
‫وأن نوقفها إذا لزم المر‪.‬‬
‫جه هذه المكانيات العلمية الفائقة دون القتناع بفكرة‬ ‫ول يمكننا أن نرشد ونو ّ‬
‫المخّلص والمنقذ إذ انتظار المخلص مما يعطينا دفعا نحو المواجهة لكل ما‬
‫ً‬
‫هو غير إنساني وقوة للستعداد من كل النواحي أخلقيا ً وإيمانيا ً وسياسيا ً‬
‫واقتصاديا ً وتكنولوجيا ً وعلميا ً ثقافيا ً لستقبال المخلص العظيم الذي ننتظره‬
‫فهو الوحيد القادر على تغيير مجرى الظلم والعتداء والفساد إلى النهاية‬
‫الحتمية وإظهار العدالة والحرية والنسانية والعزة والكرامة‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫النحراف العاطفي‬
‫د‪ .‬يوسف بن عبدالله الحمد ‪27/1/1427‬‬
‫‪26/02/2006‬‬
‫قصة مؤثرة من واقع انحراف العاطفة بين الشباب والفتيات ‪.‬‬
‫أسباب وقوع الفتاة في النحراف العاطفي ‪.‬‬
‫طرق العلج من خلل دراسة واقعية استمرت أكثر من سنتين ‪.‬‬
‫المقدمة ‪:‬‬
‫إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور أنفسنا‬
‫وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‪ ،‬وأشهد‬
‫أل إله إل الله‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فهذا الرسالة نص محاضرة ألقيتها‪ ،‬ونشرت في الشرطة المسموعة‪ ،‬وقد‬
‫أشار علي كثير من الفاضل أن تنشر في كتاب‪ ،‬لما اشتملت عليه من نقاط‬
‫تفصيلية وكثيرة‪ ،‬حتى تعم الفائدة ‪ .‬وأسأل الله الكريم أن يبارك فيه‪ ،‬وأن‬
‫ينفع به المسلمين ‪.‬‬
‫ً‬
‫لم أكن أرى قبل خمس عشرة سنة طرح هذا الموضوع علنا بهذا الوضوح ؛‬
‫لن المرأة كانت غافلة‪ ،‬والغفلة صفة مدح وثناء للمرأة العفيفة كما قال الله‬
‫ت ل ُعُِنوا ِفي الد ّن َْيا‬ ‫مؤْ ِ‬
‫مَنا ِ‬ ‫ت ال ْ ُ‬
‫ت ال َْغافَِل ِ‬
‫صَنا ِ‬
‫ح َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫مو َ‬
‫ن ي َْر ُ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫تعالى‪" :‬إ ِ ّ‬
‫م" ]النور‪ . [23:‬أما الن فقد تغير الحال‪ ،‬وأصبح‬ ‫ظي ٌ‬
‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫خَرةِ وَل َهُ ْ‬
‫َواْل ِ‬
‫النحراف العاطفي ظاهرة في المجتمع‪ ،‬وقيام الهيئات بضبط القضيا ل يكفي‬
‫في العلج‪ ،‬فلم يزل عدد القضيا في ازدياد مستمر‪ ،‬بل لبد من الطرح‬
‫النظري الذي يحقق التحصين والتحذير من هذا النحراف للباء والمهات‬
‫والمربين والمربيات والشباب والفتيات ‪.‬‬
‫لقد ترددت كثيرا ً في طرح هذا الموضوع بهذه التفاصيل‪ ،‬وشاورت عددا ً كبيرا ً‬
‫من المشايخ وطلب العلم‪ ،‬فمن كان منهم له دراية بخطر الموضوع أو كان‬
‫عامل ً في الهيئات فإنه لم يتخلف واحد منهم عن القول بأهمية طرح هذا‬
‫الموضوع بهذه التفاصيل وزيادة‪ ،‬ومع ذلك فقد حذفت قدرا ً مهما ً من‬
‫التفاصيل‪ ،‬وحرصت على انتقاء العبارة التي تؤدي الغرض وتحفظ حق احترام‬
‫مسامع الناس ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬هذا الموضوع موضوع حساس‪ ،‬وقد يجرح مشاعر بعض الناس‬
‫وخصوصا ً ممن خطا في طريق النحراف‪ ،‬أو كان له تجربة فيه‪ ،‬ولذا فإني‬
‫أعتذر إليهم‪ ،‬وأجد نفسي مضطرا ً بعدما استفحل المرض إلى العرض الصريح‬
‫للموضوع حماية للعفاف وإنقاذا ً لمن زلت به القدم‪ ،‬ومع ذلك فإني سأسعى‬
‫جاهدا ً في انتقاء الجمل والكلمات وربما أترك بعض القصص وبعض التفاصيل‬
‫مراعاة لمشاعرهم ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬أحببت أل أطرح هذا الموضوع إل بعد العداد المتين له‪ ،‬وقد مضى‬
‫على إعداده قرابة السنتين‪ ،‬التقيت خللها بعدد كبير من أعضاء هيئة المر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر في المنطقة الشرقية والوسطى والغربية‪،‬‬
‫والتقت كذلك بعدد كبير ممن وقع في النحراف العاطفي من الشباب التائب‬
‫وعدد ممن لم يزل في طريق النحراف‪ ،‬وكان من مصادري في ذلك استبانة‬
‫وزعتها على جميع هذه الفئات‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬أرجو بطرح هذه المحاضرة أن تكون سببا مؤثرا في صيانة الفضيلة‬
‫ً‬ ‫ً‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والحد من ظاهرة النحراف العاطفي بين الشباب والفتيات بتوعية المجتمع و‬


‫تحصين الفتاة وأهلها وعلج من وقع في أسر النحراف العاطفي ‪.‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬ما أذكره من قصص كله ثابت دون مبالغة‪ ،‬فهي قصص باشرتها‬
‫بنفسي‪ ،‬أو أخذتها من عضو هيئة المر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي‬
‫باشر القضية‪ ،‬أو من شاب أدرك حياة الجاهلية ثم من الله عليه بالتوبة‬
‫والستقامة ‪.‬‬
‫سادسا ً ‪ :‬زرت أحد مراكز هيئة المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وكان‬
‫عندهم قضية اختلء لفتاة في السنة الولى ثانوية‪ ،‬وعمرها ست عشرة سنة‪،‬‬
‫بدأت علقة هذه الفتاة مع الشاب منذ سنة ‪.‬‬
‫ويحرص الخوة الفاضل في ذلك المركز أن يعطوا المرأة المخالفة إذا‬
‫دخلت المركز العباءة السلمية لتجعلها فوق العباءة المتبرجة‪ ،‬ويعطونها‬
‫القفاز والشراب السود‪ ،‬ووضِع ستارة بينهم وبينها أثناء الحديث معها ‪.‬‬
‫كان لهذه الفتاة بطاقتان للخروج من المدرسة ‪ :‬الولى لركوب الحافلة‪،‬‬
‫والثانية لركوب السيارة الخاصة‪ ،‬وكانت تستغل البطاقة الخاصة للركوب مع‬
‫ذلك الشاب وخلل فترة وصول الحافلة إلى منزلها‪ ،‬تبقى في تجول بالسيارة‬
‫مع ذلك الشاب‪ ،‬وربما ذهبا إلى مطعم عائلي ‪.‬‬
‫وحينما طلب أعضاء الهيئة من هذه الفتاة رقم هاتف والدها رفضت وبكت‬
‫بكاًء مرًا‪ ،‬وكانت تتوسل لهم أل تخبروا أبي ‪ .‬تأثر أعضاء الهيئة بسبب‬
‫استمرار الفتاة بالبكاء‪ ،‬وهم أحرص الناس على الستر عليها‪ ،‬ولكنهم يدركون‬
‫أنه من مقتضى الستر عليها أن ُيخبر والدها بالموضوع‪ ،‬ويدركون أيضا ً أن‬
‫هذه الفتاة ربما ل تزال متعلقة بذلك الشاب فترجعَ إليه‪ ،‬وربما صدقت توبتها‬
‫إل أن ذلك الشاب يمارس الضغط عليها بقوة العاطفة‪ ،‬وربما هددها‬
‫بالشرطة والصور التي لديه‪ ،‬فإذا كانت هذه الفتاة تتوسل إلى أعضاء الهيئة‬
‫حتى ل يعلم والدها فكيف سيكون رضوخها أمام تهديد عشيقها ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫استطاع أعضاء الهيئة الوصول على رقم والدها‪ ،‬فاتصلوا به وأخبروه برغبتهم‬
‫في حضوره‪ ،‬فجاء مسرعًا‪ ،‬وُأخبر عن ابنته بأسلوب هادئ‪ ،‬فتأثر تأثرا ً عظيمًا‪،‬‬
‫ورأيت التغير على وجهه‪ ،‬وأظن أن هذا الب لم يمر عليه ولن يمر عليه‬
‫موقف هو أخزى من هذا الموقف‪ ،‬فقد مرغت تلك الفتاة وجه أبيها في تراب‬
‫الفضيحة والعار ‪.‬‬
‫هذه القصة وأمثالها هي موضوع هذه الرسالة وهي قصة تتكرر كل يوم بعدد‬
‫كبير‪ ،‬ومتوسط حالت المعاكسة والخلوة المحرمة التي ضبطت عام ‪1421‬‬
‫في المملكة ) ‪ 116‬قضية ( تتكرر كل ليلة ‪ .‬ومما يؤكد خطورة الموضوع أن‬
‫خط النحراف العاطفي انحرف إلى الطالبات ‪.‬‬
‫وهنا إحصائية مهمة في معرفة أكثر الفتيات اللواتي يقبض عليهن في خلوة‬
‫محرمة‪ ،‬والحصائية هنا في فئة الطالبات ‪.‬‬
‫أكثر الفتيات اللواتي يقبض عليهن في خلوة محرمة هن طالبات المرحلة‬
‫الثانوية‪ ،‬ثم طالبات المرحلة المتوسطة ثم الجامعية ثم طالبات السادس‬
‫ابتدائي‪ ،‬وأسوق إليكم هذه الحصائية لمركز هيئة واحد ولفترة زمنية محددة‬
‫وفق الجدول التي ‪:‬‬
‫‪ .1‬طالبات السنة السادسة البتدائية ) ‪ ( 6‬ست طالبات ‪.‬‬
‫‪ .2‬طالبات المرحلة المتوسطة ) ‪ ( 75‬خمس وسبعون طالبة ‪ .‬قبض عليهن‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في خلوة محرمة ‪.‬‬


‫‪ .3‬طالبات المرحلة الثانوية ) ‪ ( 91‬واحد وتسعون طالبة ‪ .‬قبض عليهن في‬
‫خلوة محرمة ‪.‬‬
‫ن وثلثون طالبة ‪ .‬قبض عليهن في‬ ‫ٍ‬ ‫ثما‬ ‫(‬ ‫‪38‬‬ ‫)‬ ‫الجامعية‬ ‫المرحلة‬ ‫‪ .4‬طالبات‬
‫خلوة محرمة ‪.‬‬
‫ك الجميع خطر الموضوع‬ ‫أحببت أن أقدم بهذه القصة وهذه الرقام حتى يدر َ‬
‫ة بيانه ‪.‬‬
‫وأهمي َ‬
‫وبعد هذه المقدمة أنتقل إلى المظاهر ثم الساب ثم العلج ‪.‬‬
‫والسؤال هنا ‪ :‬كيف يستطيع الشباب استدراج الفتيات ؟‬
‫والجواب ‪ :‬عادة ما تمر علقة الشاب بالفتاة بثمان مراحل ‪ .‬وما سأذكره من‬
‫مراحل يعرفها الشباب المنحرف حق المعرفة‪ ،‬ولكن المشكلة جهل البوان‬
‫بها وكذلك الفتاة التي يتم استدراجها وهي ل تعلم‪ ،‬وهنا تأتي أهمية بيان هذه‬
‫المراحل‪ ،‬ول يمكن أن نستبين سبيل هؤلء المجرمين إل بكشفها ‪ .‬ومصالح‬
‫ذكر هذه المراحل الن تربو على مفاسد السكوت عنها ‪.‬‬
‫م‬
‫المرحلة الولى ‪ :‬الحصول على رقم هاتف الفتاة والتصال بها‪ ،‬وهذه أه ّ‬
‫وأخطر مرحلة ؛ لن الفتاة َ هنا تكون هي القوى‪ ،‬وإذا أغلقت الباب ولم‬
‫تستجب له نجت بإذن الله تعالى ‪.‬‬
‫المرحلة الثانية ‪ :‬البدء بالمكالمات‪ ،‬ول يريد الشاب من الفتاة في هذه‬
‫المرحلة أكثَر من أن تقبل الستماع إليه ‪ .‬فيجري الحديث بينهما على حياء‬
‫منها بأسلوب هادئ ولغة نظيفة‪ ،‬والهدف كما ذكرت هو أن يجري بينهما كلم‬
‫فقط‪ ،‬وأن تتكرر هذه المكالمات‪ ،‬ويتحدث الشاب معها غالبا ً باسم مستعار ‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة ‪ :‬تكوين العلقة العاطفية ‪.‬‬
‫إذا تكررت المكالمات فإن الميل العاطفي يقع في قلب الفتاة بكل سهوله‪،‬‬
‫وليس ثمت أقوى في تقوية العلقة العاطفية من تكرار المكالمات‪ ،‬ويستعمل‬
‫الشاب في هذه المرحلة وسائل أخرى كسماع مشاكلها المدرسية أو العائلية‬
‫والسعي في حلها‪ ،‬وإشعارها بصدقه وأمانته حتى تطمئن إليه‪ ،‬وأنها مح ّ‬
‫ل‬
‫اهتمامه الخاص‪ ،‬حتى تتعلق الفتاة عاطفيا ً بهذا الشاب وربما أهداها هات َ‬
‫ف‬
‫م شريحةِ بطاقةٍ مسبوقةِ الدفع‪ ،‬حتى تكلمه بجوال آخر ل يعلم‬ ‫جوال‪ ،‬أو رق َ‬
‫عنه أحد من أهل البيت ‪.‬‬
‫المرحلة الرابعة ‪ :‬إذا تعلقت الفتاة بهذا الشاب يكثر الحديث بينهما عن جانب‬
‫المحبة والرتياح والرغبة في الزواج‪ ،‬فتعيش الفتاة حينها في الوهام‪ ،‬ول‬
‫ت المدح والثناء ول ترى العيوب‪ ،‬ول تطيق الصبر‬ ‫ترى في هذا الشاب إل صفا َ‬
‫عنه‪ ،‬وتكون حينها في غاية الضعف أمامه‪.‬‬
‫المرحلة الخامسة ‪ :‬الخروج معه بالسيارة للمرة الولى‪ ،‬ويكون هدف الشاب‬
‫ل‪ ،‬ثم‬‫منها هو كسر حاجز الخوف‪ ،‬ولذلك فإنه يكتفي بالتجول بالسيارة قلي ً‬
‫يعيدها بسرعة‪ ،‬ومع ذلك فهي خطوة جريئة تخطوها الفتاة بسبب التعلق‬
‫العاطفي الذي أعمى بصرها ‪.‬‬
‫المرحلة السادسة ‪ :‬تكرار الخروج معها بالسيارة والنزول معها في المطاعم‬
‫العائلية‪ ،‬وربما ذهب بها إلى بعض الماكن العامة كالمنتزهات والملهي‬
‫والحدائق ‪ .‬ومن علمات الريبة دخول شاب وفتاة في مطعم عائلي في‬
‫الفترة الصباحية وقبيل صلة الظهر في أيام الدراسة ‪.‬‬
‫وخلل المرحلتين السابقتين ُيكثر فيها الشاب من كلمات المديح والثناء‬
‫ج منها‪ ،‬ويصحب ذلك تقديم الهدايا‪ ،‬ول تكاد أن‬ ‫والعجاب‪ ،‬وأنه يريد الزوا َ‬
‫ل الفتاة‪،‬‬ ‫ة وميو َ‬
‫َ‬ ‫نفسي‬ ‫فيها‬ ‫الشاب‬ ‫ويحاكي‬ ‫الجوال‪،‬‬ ‫تسلم أي علقة من هدية‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيكون مهتما ً كثيرا ً بمظهره‪ ،‬ونوِع الجوال والرقم ِ المميز‪ ،‬واختيار السيارة‬
‫المناسبة والتي قد يستعيرها أو يستأجرها ‪ .‬والشباب المتمرس في استدراج‬
‫الفتيات غالبا ً ما يكون لديه أكثر من جوال‪ ،‬ويخسر خللها أموال ً كثيرة بسبب‬
‫فاتورة الهاتف ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ل السابقةِ أيضا ً يستميت الشاب في الحصول على ما أمكن‬ ‫ل المراح ِ‬ ‫وخل َ‬


‫من المستمسكات على الفتاة بدأ بستجيل جميع المكالمات‪ ،‬والحتفاظ بما‬ ‫ً‬
‫يأخذه منها من صور أو غيرها‪ ،‬وربما قام بتصويرها بالتصوير الفتوغرافي أو‬
‫الفديو من خلل كمرة الجوال‪ ،‬أو بعض الكمرات الصغيرة التي يخفيها في‬
‫السيارة أو في المكان الذي يختليان فيه ‪.‬‬
‫وهذه المستمسكات عبارة عن ضمانات يضعها الشاب في يده ضد هذه‬
‫ن استمرار العلقة بها‪ ،‬ويضمن عدم تبيلغها عنه لو تابت من‬ ‫الفتاة‪ ،‬حتى يضم َ‬
‫فعلها‪ ،‬وأهم أهدافه هو أن يهددها بإيصالها إلى أهلها ونشرها في النترنت إن‬
‫رفضت الخروج معه والخلوة به ‪ .‬وبعض الشباب ينشر في النترنت كل‬
‫صورة لفتاة يحصل عليها ‪ .‬ولما ضبط أحد الشباب في حالة اختلء وجد في‬
‫سيارته ألبوما ً مليئا ً بالصور لفتيات كثيرات وهن في أوضاٍع مختلفة ‪.‬‬
‫المرحلة السابعة ‪ :‬الختلء الشد إن صح التعبير‪ ،‬ويكون في مكان خاص ؛‬
‫كالمنزل أو الفندق أو الشقق المفروشة أو الستراحة ‪ .‬وكل فتاة رضيت بأن‬
‫تختلي مع شاب في مثل هذه الماكن‪ ،‬فقد أعلنت تركها للعفاف‪ ،‬ولحوقها‬
‫بركب البغايا والمومسات ‪ .‬ويستعمل الشباب حينها عددا ً من الوسائل التي ل‬
‫أرى من المناسب ذكرها والتي يتحقق بها اغتيال الفضيلة ‪.‬‬
‫المرحلة الثامنة ‪ :‬بعد المرحلة السابعة تدخل الفتاة في نفق مظلم‪ ،‬وتعاني‬
‫ل المعقدة ‪ .‬وقد وقفت‬ ‫من آلم ٍ نفسية‪ ،‬وتدخل في دوامةٍ مليئةٍ بالمشاك ِ‬
‫على عدد كبير من هذه المشاكل من خلل أسئلة الهاتف ول يدرك كربها إل‬
‫ة ستر الفضيحة بالزواج‪ ،‬وحينما‬ ‫ة حمل السفاح‪ ،‬ومشكل ُ‬ ‫من عايشها ‪ :‬مشكل ُ‬
‫م لخطبتها فيُرفض بسبب العراف‬ ‫ب عنها‪ ،‬وحينما يتقد ُ‬ ‫يتخلى الشا ُ‬
‫الجتماعية ‪ .‬وتبقى هذه الفتاة بل زواج أو تتزوج وتعيش معاناة أخرى تنتهي‬
‫غالبا ً بالطلق ‪.‬‬
‫والفتيات اللواتي يبادرن الشباب بالتصال‪ ،‬وتركب مع أي شاب منحرف دون‬
‫ل السابقة وتجرأن‬ ‫المقدمات السابقة هن في الحقيقة ممن مررن بالمراح ِ‬
‫على الفساد ‪.‬‬
‫وغالبا ً ما تكون عرضة للتعرف على الشباب والتصال المحرم متى ما سنحت‬
‫لها الفرصة ‪.‬‬
‫ة أنها ستخلو بشاب أجنبي‬ ‫إن تلك الفتاة لم يخطر ببالها حينما كانت عفيف ً‬
‫عنها في يوم من اليام‪ ،‬ولكن اتباعها لخطوات الشيطان أوقعها في جريمة‬
‫مُنوا َل ت َت ّب ُِعوا‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫العلقة مع شاب أجنبي عنها ‪ .‬قال الله تعالى ‪َ" :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ْ‬
‫ر"‬ ‫شاِء َوال ْ ُ‬
‫من ْك َ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫مُر ِبال ْ َ‬
‫ف ْ‬ ‫ه ي َأ ُ‬ ‫ن فَإ ِن ّ ُ‬
‫طا ِ‬‫شي ْ َ‬‫ت ال ّ‬
‫وا ِ‬ ‫خط ُ َ‬
‫ن ي َت ّب ِعْ ُ‬
‫م ْ‬
‫ن وَ َ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ِ‬ ‫ت ال ّ‬
‫وا ِ‬‫خط ُ َ‬
‫ُ‬
‫]النور‪. [ 21 :‬‬
‫ة الولى وهي قضية التصال الهاتفي‬ ‫ل السابقة هي المرحل ُ‬ ‫إن أخطَر المراح ِ‬
‫ونظرا ً لغفلة كثير من الناس عن مخاطره فسأبين موضوع التصال الهاتفي‬
‫عند الذئاب البشرية في استدراج الفتيات ‪:‬‬
‫أهم ما لدى الشباب المنحرف من أجل اصطياد الفتاه هو الحصول على رقم‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل كثيرة من أجل الحصول على رقم الهاتف ؛ ومن‬ ‫هاتفها‪ ،‬ولديهم وسائ ُ‬
‫ة في‬‫وسائلهم ‪ :‬التصال العشوائي حتى يقع على صوت فتاه‪ ،‬فتغلقُ السماع َ‬
‫المرة الولى‪ ،‬ثم يستمر في معاودة التصال وإرسال رسائل الجوال حتى‬
‫تضعف‪.‬‬
‫ومن وسائلهم ‪ :‬ما يسمى بالترقيم وهي الطريقة الشائعة بين الشباب‪ ،‬وهو‬
‫أن يكون لدى الشاب أوراقٌ صغيرةٌ وضع فيها رقمه واسمه المستعار‪،‬‬
‫ويرميه على الفتيات المتبرجات في السواق والماكن العامة وربما وضعه‬
‫في الحقيبة أو كيس الغراض ونحو ذلك ‪ .‬فتأخذه الفتاة وهي ل تريد التصال‬
‫عادة ولكن قد تأتيها لحظات ضعف فتتصل‪ ،‬أو أنها تعطي الرقم لزميلتها‬
‫فتتصل ‪.‬‬
‫ولهؤلء الشباب الساقط تفنن في كيفية صيد الفتيات بالترقيم‪ ،‬فهذا شاب‬
‫عرض رقم جواله للبيع في جريدة جامعية ؛ لنه يبدأ بـ)‪ (055‬وهذا له دللة‬
‫عند كثير من الساذجات‪ ،‬فاتصلت إحدى طالبات الجامعة بكل بساطة من‬
‫أجل شراء الرقم‪ ،‬واستطاع الشاب استدراج الفتاة وبعد شهرين فقط من‬
‫التصال الول استطاع أن يأخذها من الجامعة أيام الختبارات وأن يركبها في‬
‫سيارته‪ ،‬وضبط مختليا ً بها في بيت أحد أقاربه ‪.‬‬
‫ومن الطرق أيضا ً حصول الشاب على الرقم عن طريق إحدى زميلتها‪ ،‬وربما‬
‫أخذ الرقم من دفتر تلفونات قريبته ‪ .‬ومن أشهر طرق الوصول إلى الهاتف‬
‫هو شبكة النترنت من خلل برنامج المحادثة ) الشات ( ول يدخله الشباب إل‬
‫بحثا ً عن الفتيات‪ ،‬فيمكث عدة ساعات فإذا تعرف على فتاة نقلها من الغد‬
‫على المسنجر وتبدأ العلقة بينهما عبر المسنجر أو البريد الكتروني ويستمر‬
‫التواصل بينهم على هذه الحال عدة أسابيع حتى يتحقق من ميل عاطفة‬
‫الفتاة إليه وتعلقها به‪ ،‬ثم يأخذ منها رقم الهاتف ‪.‬‬
‫ً‬
‫والشيطان يستدرج الطرفان‪ ،‬بل يأتي الحديث أحيانا من الشاب بالرغبة في‬
‫التوبة إلى الله ويسأل عن بداية الطريق فتسعى الفتاة في دللته على بعض‬
‫الكتب والشرطة النافعة‪ ،‬وربما كان العكس هو الذي يبدأ بدللتها على‬
‫الخير ؛ لن هدف الشاب تكوين العلقة وأن يجري الحديث بينهما حتى تقع‬
‫في شراك العلقة العاطفية‪ ،‬وأذكر هنا قصة مؤثرة ‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫قدمت مرة محاضرة في إحدى المدارس الثانوية للطالبات ‪ :‬وكان من ضمن‬


‫السئلة المكتوبة ‪ :‬أن فتاة تعلقت بشاب من خلل الهاتف‪ ،‬واستمرت‬
‫التصالت بينهما وكان يحثها دائما ً على طاعة الله‪ ،‬وذكرت أنها حافظت‬
‫بسببه على صلة الوتر وأذكار الصباح والمساء‪ ،‬ولكنه في النهاية دعاها‬
‫للخروج معه ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ومن القصص المؤثرة قضية ضبطها أعضاء الهيئة‪ ،‬وهي أن شابا سيئا كان‬
‫يتصل اتصال ً عشوائيًا‪ ،‬فوافق أحد التصالت هاتف امرأة فلما أجابت علمت‬
‫أنه من المعاكسين فأغلقت السماعة‪ ،‬ثم عاودها مرارا ً وكلما رفعت السماعة‬
‫أغلقتها حتى اتصل مرة فقال اسمعي مني فقط ول تتكلمي ‪ .‬فبين لها أنه‬
‫شاب يبحث عن فتاة عفيفة وأنه ل يبحث عن غير ذلك وشكرها على إغلق‬
‫ل على عفتها‪ ،‬وأخبرها بأنه سيأتي لبيها من أجل خطبتها‪،‬‬ ‫الهاتف وأن هذا دلي ٌ‬
‫وتوالت التصالت بعد في متابعة مشروع الزواج‪ ،‬وأخبرها بأنه قد بنى بيتا ً‬
‫وأنه على مشارف النتهاء ودعاها لن تراه‪ ،‬ودعاها الفضول أن ترى البيت‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بعدما تعلقت بذلك الشاب النظيف في نظرها‪ ،‬وحتى ل تقع في الخلوة‬


‫المحرمة جاءت مع زميلتها فركبتا معه‪ ،‬ثم أدخلهما منزله الجديد‪ ،‬وعند‬
‫ة فدفعها فيه وأغلق الباب‪ ،‬ثم دفع‬ ‫المرور على الغرف دخلت إحداهما غرف ً‬
‫الثانية إلى الغرفة الخرى وأغلق الباب‪ ،‬واعتدى على الولى ثم اعتدى على‬
‫الثانية ‪.‬‬
‫ومن طرق التصال الذي يسبب النحراف‪ ،‬هو التصال الرسمي إن صح‬
‫التعبير ‪ :‬فهذه امرأة اتصلت على وكيل مدرسة أهلية من أجل متابعة ابنها ‪.‬‬
‫تكرر التصال واستطاع استدراجها بكلمات الثناء والتقدير‪ ،‬وتكونت العلقة‬
‫بينهما‪ ،‬وبعد مضي سنة ضبطا من قبل الهيئة في خلوة محرمة ‪.‬‬
‫وقصة مشابهة لشاب منحرف اتصل على إدارة مدرسة أهلية من أجل‬
‫السؤال عن أخته التي تدرس بها‪ ،‬تكرر التصال بهذه الدارية فتمكن من‬
‫استدراجها‪ ،‬وضبطا بعد مدة في خلوة محرمة ‪.‬‬
‫ومن صور التصال أن يتصل الشاب بزميله في المنزل فترد ّ أخُته على‬
‫ت مختلفة و يطرح المتصل فيها بعض‬ ‫المتصل‪ ،‬ويتكرر التصال في أوقا ٍ‬
‫السئلة ‪ :‬أين فلن ؟ متى سيأتي ؟ إذا جاء أخبروه بأن فلن زميله اتصل به ‪.‬‬
‫فتتعرف على صوته ويتعرف على صوتها‪ ،‬والعلقة دائما ً ل تحدث إل مع‬
‫التكرار‪ ،‬وربما تعمد بعد فترة اختيار الوقات المناسبة التي ل يكون زميله‬
‫ل في‬ ‫موجودا ً في المنزل‪ ،‬ويبرر اتصاله بالمنزل بأن جواله مقطوع أو لنه أق َ‬
‫التكلفة ‪ .‬وكثيرا ً ما يقبض الشاب مع فتاه وتكون أختا ً لصديقه الحميم ‪.‬‬
‫ومن القصص المؤثرة أن اثنين من الشباب كان بينهما صداقة قوية وتفاني‪،‬‬
‫وكانا يجتمعان على معاكسة النساء ‪ .‬وفي يوم من اليام اتصلت الهيئة‬
‫بأحدهما لستلم أخته التي قبض عليها في خلوة محرمة مع أحد الشباب‪ ،‬تأثر‬
‫الشاب كثيرًا‪ ،‬وكانت الصاعقة عليه حينما علم أن الذي اختل بها هو صديقه‬
‫الحميم ‪.‬‬
‫اتصلت مرة ً فتاةٌ في المرحلة المتوسطة على زميلتها فرد أحد الشباب في‬
‫البيت وتبين أنها قد أخطأت في الرقم ‪ .‬انتهت المكالمة وراجعت الرقم ثم‬
‫اتصلت على الرقم الصحيح لزميلتها‪ ،‬وأخبرتها بالتصال الول وأنها لقيت‬
‫ارتياحا ً من صوت ذلك الشاب وأدبه في الرد‪ ،‬فأشارت عليها زميلتُها أن تعاود‬
‫التصال‪ ،‬رفضت الفتاة بشدة ثم ضعفت واتصلت مرة أخرى‪ ،‬يقول هذا‬
‫الشاب ‪ :‬عرفت الرقم فكانت تتصل وهي ساكتة ول تتكلم بحرف فكنت‬
‫أتحدث لوحدي‪ ،‬وأعلم بأنها رافعة للسماعة بحركة السماعة‪ ،‬ومضيت على‬
‫هذه الحال مدة من الزمن‪ ،‬وبعد ذلك بدأت تخرج بعض الكلمات مثل كلمة‬
‫نعم ونحو ذلك ‪ .‬تطورت الحوال وتكونت العلقة بيننا مدت ثمان سنوات‪،‬‬
‫وبسبب انشغال ذهني بها انخفض معدلي تركت دراستي‪ ،‬وبسببها ساءت‬
‫علقتي بأهلي ‪ .‬وهو الن يعيش حالة نفسية بسبب ما أصابه ‪.‬‬
‫هنا موضوع مهم‪ ،‬إذا تكونت العلقة المحرمة بالهاتف فكيف يلتقي الشاب‬
‫بالفتاة والمجتمع محافظ ويرفض هذه العلقات ؟‬
‫والجواب ‪ :‬تتحقق اللقيا عادة عن طريق الحتيال على أهلها ‪.‬‬
‫كثيرا ً ما تتم اللقيا بين الشاب والفتاة في السواق فينزلها والدها أو السائق‬
‫إلى السوق وتكون قد تواعدت معه عند محل معين وساعة معينة‪ ،‬فتركب‬
‫معه ‪ .‬وأحينا ً تنزل مع بعض أهلها وإذا نزلوا إلى السوق تفرقوا بحكم أن هذه‬
‫تريد سوق الذهب‪ ،‬والخرى تريد القمشة‪ ،‬فتخرج مع ذلك الشاب في مدة‬
‫التسوق ‪.‬‬
‫وليس المر مختصا ً بالسواق بل كل مكان تذهب إليه المرأة ينزلها فيه وليها‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثم يعود إليها في وقت لحق‪ ،‬ولذلك فإن كثيرا ً ما يضبط أعضاء الهيئة قضايا‬
‫الخلوة عند المنتزهات والملهي وصالت الفراح والمشاغل والمستشفيات‬
‫والمستوصفات والمدارس والجامعات ‪.‬‬
‫وتكثر حالت الختلء في أوقات النفلت في الدوام ؛ كأيام الختبارات‪ ،‬وأيام‬
‫التسجيل‪ ،‬و كم هو مؤسف أن أقول بأنه يكثر أيضا ً في شهر رمضان بسبب‬
‫كثرة تسوق النساء فيه ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وهذا النوع من اللقيا يكون في المرات الولى ثم يتطور المر فتكون اللقيا‬
‫في المنازل أو الستراحات‪ ،‬وبعض الشباب يكون لديه شقة أو استراحة‬
‫مخصصة لهذا الغرض‪ ،‬وربما اشترك فيها مجموعة من الشباب ‪.‬‬
‫ويأتي بعضهم بالفتاة إلى منزله في أوقات غيبة أهله‪ ،‬كوقت الصبح‪ ،‬أو في‬
‫حال سفرهم ‪ .‬وربما دعت الفتاة الشاب إلى منزلها في غيبة أهلها ‪.‬‬
‫ولدى بعضهم حيل وجرأة عجيبة فيلتقيان حتى مع وجود أهل المنزل ‪:‬‬
‫تعلقت إحدى الفتيات بشاب وتطورت العلقة‪ ،‬وكانت قد أخبرت زميلتها‬
‫بتعلقها بذلك الشاب‪ ،‬فاقترحت زميلُتها وهي متزوجة أن يكون اللقاء في‬
‫شقتها الصغيرة‪ ،‬وأخبرت زوجها بأن زميلتها سيأتينها‪ ،‬وبما أن الشقة صغيرة‬
‫فإنه لبد أن ينشغل مدة بقائهم عندها خارج المنزل‪ ،‬جاء هذا الشاب إلى هذه‬
‫الشقة‪ ،‬واجتمع بالفتاة ‪.‬‬
‫فانظر كيف استغفلت صاحبة الشقة زوجها‪ ،‬وكيف استغفلت الفتاة أهلها‪،‬‬
‫وجعلت وليها هو الذي يوصلها إلى مكان الجريمة المن ‪.‬‬
‫أسباب وقوع الفتاة في النحراف العاطفي‪ ،‬وهي كثيرة وأهمها التي ‪:‬‬
‫السبب الول ‪ :‬ضعف اليمان بالله‪ ،‬وقلة سماع المواعظ وقلة حضور‬
‫مجالس الذكر ‪.‬‬
‫السبب الثاني ‪ :‬القنوات الفضائية التي تنشر الرذيلة ؛ ويتفق العاملون في‬
‫الهيئات أن القنوات الفضائية من أبرز السباب التي تهيج الشباب والفتيات‬
‫وتدعوهم إلى النحراف ‪.‬‬
‫ت الفضائية المحرمة في بيته أنه ‪ :‬يشحذ السكين‬ ‫وليعلم الذي أدخل القنوا ِ‬
‫التي يتم بها اغتيال الفضيلة في بيته وهو ل يشعر ‪.‬‬
‫السبب الثالث من أسباب النحراف العاطفي ‪ :‬سماع الغناء‪ ،‬و هو بريد الزنا‬
‫كما قال أهل العلم ؛ لنه يهيج العواطف وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أنه قال ‪ " :‬ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر‬
‫والمعازف " أخرجه البخاري تعليقا ً بصيغة الجزم من حديث أبي عامر أو أبي‬
‫مالك الشعري _ ‪ .‬وقد صححه جم غفير من العلماء منهم البخاري والنووي‬
‫وابن تيمية وابن القيم وابن حجر ‪.‬‬
‫وثبت عن عبدالله ابن مسعود _ أنه قال ‪ " :‬الغناء ينبت النفاق في القلب "‬
‫أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الملهي بسند صحيح ‪.‬‬
‫وما أجمل كلم ابن القيم رحمه الله في حديثه عن حكمة الشرع في النهي‬
‫عن سماع الغناء حيث قال ‪ " :‬فاعلم أن للغناء خواصا ً لها تأثيٌر في صبغ‬
‫القلب بالنفاق‪ ،‬ونباته فيه كنبات الزرع في الماء ‪.‬‬
‫فمن خواصه ‪ :‬أنه يلهي القلب ويصده عن فهم القرآن وتدبره والعمل بما‬
‫فيه‪ ،‬فإن القرآن والغناء ل يجتمعان في القلب أبدًا‪ ،‬لما بينهما من التضاد‪،‬‬
‫فإن القرآن ينهى عن اتباع الهوى‪ ،‬ويأمر بالعفة‪ ،‬ومجانبة شهوات النفوس‪،‬‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأسباب الغي‪ ،‬وينهى عن اتباع خطوات الشيطان ‪.‬‬


‫ي ‪" ..‬‬ ‫ج النفوس إلى كل شهوات الغ ّ‬ ‫والغناء يأمر بضد ذلك كله ويحسنه‪ ،‬ويهي ّ ُ‬
‫إلى أن قال ‪ " :‬فيميل برأسه‪ ،‬ويهِّز منكبيه‪ ،‬ويضرب الرض برجليه‪ ،‬ويدق‬
‫ن الحمار حو َ‬
‫ل‬ ‫دباب‪ ،‬ويدور دورا َ‬ ‫على أم رأسه بيديه‪ ،‬ويثب َوثبات ال ِ‬
‫ت المجانين ‪ " ..‬إلى أن‬ ‫الدولب ‪ ..‬وتارةً يتأوهُ تأوهَ الحزين‪ ،‬وتارةً يزعقُ َزعقا ِ‬
‫قال ‪ " :‬فالغناء يفسد القلب‪ ،‬وإذا فسد القلب هاج في النفاق "‪ .‬انتهى كلم‬
‫ابن القيم رحمه الله ‪.‬‬
‫ه‪ ،‬تقول إحدى النساء وهي‬ ‫سه وحركات ِ‬ ‫ويتأثر النساء كثيرا ً بشكل المغني ولبا ِ‬
‫ممن يشاهد الغناء في التلفاز‪ ،‬تقول ‪ " :‬إذا رأيت المغني يغمز بعينه أشعر‬
‫بأنه يقصدني " وهذا كلم امرأة متزوجة تجاوزت الثلثين فكيف سيكون حال‬
‫الفتيات الصغيرات ‪.‬‬
‫السبب الرابع من أسباب النحراف العاطفي ‪ :‬ضعف متابعة البوين لبنائهم‬
‫وبناتهم‪ ،‬فالب ل يدري أين ذهبت ابنته‪ ،‬ول من أين جاءت ؟ ولم يطلع يوما ً‬
‫على جوال ابنته وما فيه من رسائل وأرقام مخزنة‪ ،‬ول يعرف حال صديقاتها‬
‫وعلى ماذا يجتمعن ؟ والسائق يقوم بالمهمة ‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد ذكر بعض التائبين أن بعض الباء ل يسأل عن ابنته مطلقا وربما باتت في‬
‫غير المنزل وهو ل يعلم‪ .‬و أعضاء الهيئة يدركون تماما ً أن هذا ليس فيه‬
‫مبالغة ‪.‬‬
‫ذكر لي أحد أعضاء الهيئة ‪ :‬أن فتاة تعرفت على شاب وهما من سكان‬
‫المنطقة الشرقية‪ ،‬وصعب عليهما اللقاء‪ ،‬وفي الجازة الصيفية سافرت هذه‬
‫الفتاة مع أهلها إلى مكة‪ ،‬وأخبرت صديقها بذلك‪ ،‬فسافر إلى مكة وكان يلتقي‬
‫بها يوميا ً بحجة ذهابها إلى السوق‪ ،‬أو بقائها في الحرم بين المغرب والعشاء‪،‬‬
‫وفي أحد اليام استأجر سيارة وذهب بها إلى جدة‪ ،‬وتم القبض عليهما هناك‬
‫وكانت في غاية التبرج والزينة‪ ،‬ولما تم استدعاء أبيها كان يؤكد بأن ابنته في‬
‫الحرم ‪ .‬فانظر إلى غفلة البوين إلى ماذا تؤدي ‪.‬‬
‫كر هنا بتساهل كثير من الباء والمهات مع بناتهم إذا‬ ‫ومن المناسب أن أذ ّ‬
‫ذهبوا إلى مكة‪ ،‬فيترك البنات همل ً يذهبن إلى السواق والساحات وهن‬
‫متبرجات‪ ،‬حتى أصبحت ظاهرة يتأذى منها الكثير‪ ،‬إنني والله أتعجب كيف‬
‫تأتي المرأة إلى مكة لتعتمر فتطوف وتسعى بالعباءة المتبرجة عباءةِ الكتف‬
‫والعباءةِ المخصرة ونحوها‪ ،‬التي ل يفهم منها الرجال إل شيئا ً واحدا ً وهو أن‬
‫ة العفة والحياء ‪.‬‬‫هذه المرأة َ ضعيف ُ‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وأتعجب أكثر من ضعف رجولة وغيرة أبيها وزوجها وأخيها ؛ فيرضى بأن تكون‬
‫قريبته مثارا ً للفتنة عند الرجال الجانب ؟ ‪.‬‬
‫السبب الخامس من أسباب النحراف العاطفي‪ :‬جهاز الجوال الخاص‪،‬‬
‫والنترنت ‪.‬‬
‫السبب السادس‪ :‬خروج الفتاة إلى السواق والمحلت بل محرم ‪ .‬إن أخطر‬
‫الماكن كلها على النساء هي السواق المختلطة‪ ،‬والخطر يأتي من بعض‬
‫الباعة والشباب المتسكع‪ ،‬الذين يتعرضون للنساء بالمعاكسات والترقيم‪،‬‬
‫والدخول في الماكن المزدحمة من أجل الحتكاك بالنساء‪ ،‬وربما تابع المرأة‬
‫المتبرجة مدة طويلة حتى يحاسب عنها‪ ،‬أو يطلب حمل الغراض عنها‪ ،‬وغير‬
‫ذلك من الطرق السيئة في إيذاء النساء ؛ وإن كان هؤلء الفساق يتفقون‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على عدم التعرض للمرأة العفيفة‪ ،‬وقد حدثني عدد من التائبين بأن المرأة‬
‫التي تلبس عباءة الرأس وتلبس القفاز والشراب السود ل يمكن أن يتعرض‬
‫لها أحد ‪ .‬فإذا تعرضت امرأة لموقف من قبل هؤلء الشباب فلتعلم أنها قد‬
‫قصرت في حجابها ‪.‬‬
‫و السوق أيضا ً أنسب مكان للمواعيد الولى للشاب والفتاة‪ ،‬ولذلك فإن )‪70‬‬
‫‪ ( %‬من عمل الهيئات تقريبا ً يكون في السواق ‪.‬‬
‫ومن مخاطر السوق أن كثيرا ً من الباعة لديه مقدرةٌ عالية على استدراج‬
‫النساء‪ ،‬والقرب منها بحجة تقريب البضاعة‪ ،‬والحديث معها بطريقة تفصيلية‬
‫ل ما يأتي إلى هذا‬ ‫عن اللباس‪ ،‬و كثير من العمالة في هذه المحلت يأتي أو َ‬
‫ث شهرًا‪ ،‬إل وقد غير هيئته ولباسه‪ ،‬وفتح صدره‬ ‫العمل بهيئة رثة ثم ل يلب ُ‬
‫وقص شعره بطريقة معينة ‪.‬‬
‫ومن الفتن الواضحة في السواق مجسم المرأة الذي توضع عليه الملبس‬
‫والذي يسمى بالمانيكان‪ ،‬وهذا المجسم يبرز مفاتن المرأة وكثيٌر منها يصف‬
‫ل العورة‪ ،‬وأعتذر أن أصرح بهذا ولكنه واقع يراه النساء والرجال في‬ ‫تفاصي َ‬
‫المحلت‪ ،‬وهذه المجسمات ل يجوز نظر الرجال إليها لنها مثيرة للفتنة‪،‬‬
‫فكيف إذا وضع عليها الملبس الضيقة والملبس الخاصة ؟ ولك أن تتصوَر‬
‫ة حينما تقهُر المرأة ُ حياَءها وتدخل هذه المحلت لتسأل وتشتري‬ ‫الثاَر السلبي َ‬
‫تلك الملبس من أولئك الرجال ‪.‬‬
‫ة بأنه ل‬‫ة فقهي ٌ‬‫لقد علمت واقع السواق والوقت يضيق عن ذكرها‪ ،‬ولدي قناع ٌ‬
‫ق بغيرِ محرم لما في ذهابها بدونهِ من‬ ‫يجوز للمرأة أن تذهب إلى هذه السوا ِ‬
‫المفاسد التي سبق ذكرها‪ ،‬ولما فيه من الختلط المحرم وقد نبه إلى ذلك‬
‫فضيلة الشيخ حمود التويجري وفضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمهما الله ‪.‬‬
‫ومن القضايا التي ضبطت من قبل الهيئة قصة امرأة كانت تذهب دون محرم‬
‫إلى محل حلويات من أجل الشراء‪ ،‬وكان البائع وسيما ً وهو من إحدى الدول‬
‫العربية‪ ،‬ومع كثرة مجيئها إلى المحل استدرجها وتكونت العلقة‪ ،‬وارتقت إلى‬
‫ب زوجها‪،‬‬ ‫التصال بالهاتف‪ ،‬ومع مضي المدة بدأت تدعوه إلى منزلها أثناَء َ‬
‫غيا ِ‬
‫واستمرت المور على هذه الحال مدة طويلة‪ ،‬ثم جاء البلغ عنه من قبل‬
‫صاحب المحل الذي كان قد وضع جهاز تسجيل لضبط مكالمات المحل‪،‬‬
‫ضبط على إثرها‬ ‫فقدم شكوى رسمية إلى الهيئة ووثقها بهذه الشرطة‪ُ ،‬‬
‫العامل‪ ،‬وكذلك المرأة ‪.‬‬
‫السبب السابع ‪ :‬الخلوة بالسائق‪ ،‬وأحيانا ً تكون الخلوة خفية‪ ،‬كالحال في‬
‫ل الخلوة ُ حينما‬ ‫الحافلت التي تقوم بتوصيل المعلمات والطالبات‪ ،‬فتحص ُ‬
‫من ُينزلها ‪.‬‬ ‫من يأخذها‪ ،‬أو آخر َ‬ ‫ل َ‬‫ن هي أو ُ‬ ‫تكو ُ‬
‫فهذا شاب متزوج يعمل على إيصال الطالبات إلى الجامعة في حافلة صغيرة‬
‫‪َ .‬لحظ حارس إحدى الدارت الواقعة أمام شقة هذا السائق أنه يأتي إلى‬
‫منزله كل يوم بفتاة تختلف عن الخرى وذلك بعد خروج زوجته إلى العمل ‪.‬‬
‫فاتصل في أحد اليام على الهيئة وأخبرهم بأن امرأة دخلت معه شقته‬
‫الساعة السابعة‪ ،‬وضبطت الفتاة ُ مع هذا الشاب بعد خروجهما من المنزل‬
‫ة عشرة‪ ،‬وتبين أنها إحدى الطالبات اللواتي يوصلهن إلى‬ ‫في الساعةِ الثاني َ‬
‫الجامعة‪ ،‬وكانت هذه الطالبة تدرس بنظام الساعات في السنة الثالثة‪ ،‬وتبين‬
‫ح يوم ِ الثلثاء‪ ،‬وأنها قد ضللت أهلها بذلك‪،‬‬ ‫ة صبا َ‬‫ت دراسي ٌ‬ ‫أنه ليس لديها ساعا ٌ‬
‫وتم إحالتها إلى سجن الفتيات ‪.‬‬
‫ومن القصص أنه في أثناء تجول الهيئة في الصباح وجدوا على الشاطئ‬
‫سيارة على حال مريب فقربوا منها‪ ،‬ووجدوا فتاة مع سائق هندوسي في‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حالة سيئة‪ ،‬وبعد إحضارهم إلى المركز ذكرت أن حصول ذلك متكرر على‬
‫التناوب بينها وبين أختها‪ ،‬وكان الب في غاية الغفلة عن بناته ‪.‬‬
‫السبب الثامن من أسباب النحراف العاطفي ‪ :‬السفر إلى الخارج ؛ إلى بلد‬
‫الفسق والفجور من البلدان العربية والوربية وغيرها الذي يربي الفتيات على‬
‫التكشف وضعف الحياء ‪.‬‬
‫تعرف شاب بفتاة في لندن‪ ،‬وكانا قد ذهبا إلى لندن مع اسرتيهما‪ ،‬وبعد رجوع‬
‫السرتان إلى هذه البلد استمرت العلقة المحرمة بين الشاب والفتاة‪،‬‬
‫وعلمت بهذه القصة حينما جاءني اتصال بالهاتف عن حكم اسقاط جنينها‬
‫بعدما ظهر عليها حمل السفاح‪ ،‬ثم أسقطت جنينها ظلما ً وزورًا‪ ،‬ووالداها‬
‫وأهلها ل يزالون في غفلتهم ‪.‬‬
‫السبب التاسع ‪ :‬تبرج الفتاة إذا خرجت إلى الجامعة أو السوق أو غير ذلك ‪. .‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫السبب العاشر ‪ :‬إطلق النظر إلى ما حرم الله من قبل الرجل أوالمرأة في‬
‫القنوات الفضائية أوالسواق وغيرها ‪.‬‬
‫السبب الحادي عشر ‪ :‬الصحبة السيئة ‪ .‬وهذا من أهم أسباب فساد الشباب‬
‫والفتيات‪ ،‬وصديقة السوء هي التي تتحدث مع زميلتها في المدرسة أنها‬
‫تتصل بأحد الشباب‪ ،‬أو تعطيهن أرقام الشباب‪ ،‬ومن أسوء السيئات التي‬
‫تعرف بعض الشباب على زميلتها ‪ .‬وكم من فتاة دخلت الجامعة وهي‬
‫ض عليها إل شهر واحد حتى تلحق بركب العباءات المتبرجة‬ ‫عفيفة‪ ،‬فل يم ِ‬
‫بسبب ما تشاهده من حال رفيقات السوء ‪.‬‬
‫غياب الب أو المسؤول عن المنزل وانفلت إدارة‬ ‫السبب الثاني عشر ‪ :‬كثرة َ‬
‫المنزل ‪.‬‬
‫السبب الثالث عشر ‪ :‬اختلط الرجال بالنساء في العمال والدراسة‪،‬‬
‫كالمستشفيات وكليات الطب‪.‬‬
‫حدثني أحد الستشاريين في أحد المستشفيات الكبرى بأن طبيبا ً مقيما ً‬
‫وطبيبة مقيمة وكلهما من أهل هذه البلد تكون العلقة العاطفية بينهما في‬
‫العمل‪ ،‬وأصبحا يغلقان عليهما الباب كل يوم في إحدى غرف المستشفى‬
‫فترة الغداء ‪.‬‬
‫السبب الرابع عشر من أسباب النحراف العاطفي ‪ :‬الختلط السري ‪.‬‬
‫فتسكن أكثر من أسرة في بيت واحد‪ ،‬أو أن يختلط الرجال والنساء في‬
‫الصالة أو المجلس عند الزيارات‪ ،‬أو أن تفتح المرأة الباب للرجل في غيبة‬
‫رب السرة لن الطارق ابن عم ول يغلق الباب دونه‪ ،‬فتفتح له الباب وتدخله‬
‫م بضيافته‪ ،‬و مع الغفلة وتغليب حسن الظن تحدث المأساة ‪.‬‬ ‫المجلس وتقو ُ‬
‫اتصل بي رجل ليسألني عن مشكلة حصلت له‪ ،‬ومع كثرة سماعي للسئلة‬
‫المؤلمة إل أن هذا السؤال كان صدمة قوييييية‪ ،‬وملخص القصة ‪ :‬فتاةٌ‬
‫ل الدراسةِ الجامعية‪ ،‬وسكنت عند أخِتها‬ ‫سافرت إلى مدينة أخرى من أج ِ‬
‫ونت العلقة‬ ‫ت الدراسة تك ّ‬‫المتزوجة ومكثت عندهم أربعَ سنوات‪ ،‬وأثناء سنوا ِ‬
‫بين الفتاةِ وزوِج أختها‪ ،‬وأصبح يخرج معها كثيرا ً دون علم زوجته‪ ،‬ثم ظهر‬
‫الحمل ولم تتمكن من إسقاطه‪ ،‬ولما جاءت ساعة الولدة ذهب بها إلى‬
‫المستشفى على أنها زوجته‪ ،‬ونسب الولد إليه وأن أمه هي زوجته‪ ،‬وقد بذل‬
‫شيئا ً عجيبا ً من أجل إخفاء هذه الحقائق‪ ،‬وأوهمت الزوجة بأن أختها حملت‬
‫من شخص آخر وأن الزوج سعى في الستر عليها بنسبة الولد إليه وأن تقوم‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫زوجته بتربيته‪ ،‬وإضافة إلى كل هذا يريد أن يطلق الولى وأن يأخذ أختها‪ ،‬لقد‬
‫أخذت هذه المشكلة عددا ً من المكالمات المطولة عانيت من سماعها ‪.‬‬
‫ومنشؤها هو التساهل في جانب الختلط‪ ،‬وأن الحمو أشد خطرا ً من البعيد ‪.‬‬
‫السبب الخامس عشر ‪ :‬الضعف العاطفي من البوين وكثرة المشاكل في‬
‫البيت ‪ .‬والشباع العاطفي من البوين ل يعالج أصل الفراغ العاطفي للفتاة‬
‫ولكنه يساعد في العلج ‪ .‬وأكثر الفتيات اللواتي يقبض عليهن وهن في سن‬
‫المراهقة يبررن خروجهن مع الشباب بسبب الضغط الذي تعانيه من والديها ‪.‬‬
‫ولذلك فإنه من المهم أن يدرك البوان طبيعة سن المراهقة‪ ،‬وأنه ل يكاد أن‬
‫م المراهقون من كثرةِ لوم ِ البوين‪ ،‬فيشعر المراهق كثيرا ً بأنه مظلوم‬ ‫يسل َ‬
‫ن ذلك عرفوا كيف يتعاملون مع أبنائهم وأولدهم‬ ‫ومضطهد ‪ .‬فإذا أدرك البوا ِ‬
‫بلغة المحبة والعاطفة والتفاهم والحوار والقناع ‪.‬‬
‫ً‬
‫ة عشَر عاما‪ ،‬كانت تعاني من أهلها‬ ‫ومن القضايا المؤلمة ‪ :‬فتاة ٌ عمرها ثماني َ‬
‫ومشاكل بيتها‪ ،‬ثم تعلقت بأحد الشباب‪ ،‬وعلقت عليه جميع المال‪ ،‬وظنت أن‬
‫هيامِها بذلك الشاب اتخذت‬ ‫حياةَ الراحةِ والستقرار لن تكون إل معه‪ ،‬ولشدةِ ِ‬
‫قرار الهروب من بيت أهلها إليه وهو في مدينة أخرى‪ ،‬ولما استقرت عنده‪،‬‬
‫تحول من حمل وديع إلى ذئب مفترس وأسكنها في عزبة للشباب‪ ،‬واعتدى‬
‫عليها‪ ،‬ولدناءته وسوء طويته‪ ،‬مكن بعده سبعة من أصحابه ليعتدوا عليها تباعا ً‬
‫ة في الهيئة إل بعد أن‬‫ط القضي ُ‬‫‪ .‬ثم تحولت حياتها إلى مأساة‪ ،‬ولم تضب ِ‬
‫تمكنت من الهروب من هذه العزبة ‪ .‬فإنا لله وإنا إليه راجعون ‪.‬‬
‫وبعد عرض السباب أبدأ بالعلج ‪:‬‬
‫طرق علج النحراف العاطفي ‪:‬‬
‫إن أهم جانب في علج النحراف العاطفي هو حماية الفتاة وتحصينها حتى ل‬
‫تقع‪ ،‬وهذا هو الهدف الساس من هذه المحاضرة‪ ،‬وحتى التي وقعت أو بدأت‬
‫فسأذكر بإذن الله تعالى طرق العلج ‪.‬‬
‫أول ً ‪ :‬أول الحلول وأهمها هو الزواج المبكر للفتيات والشباب كذلك‪ ،‬و ينبغي‬
‫أن نعلم أن الله تعالى خلق العاطفة في الرجل والمرأة‪ ،‬حتى يسعى النسان‬
‫إلى تكوين الحياة الزوجية‪ ،‬وحتى يتحقق الستقرار والسكن والرحمة‬
‫والمودة في هذه الحياة الزوجية‪ ،‬وحفظا ً لبقاء النسل ‪ .‬قال الله تعالى‪:‬‬
‫"ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة‬
‫ورحمة إن في ذلك ليات لقوم يتفكرون" ]سورة الروم آية‪.[21 :‬‬
‫ومن المهم أن نعلم أيضا ً أن هذه العاطفة تظهر في سن المراهقة عند‬
‫وصول النسان إلى سن التكليف الشرعي ‪ .‬وتصل المرأة إلى سن التكليف‬
‫عادة قبل الرجل بمتوسط سنتين ونصف‪ ،‬ويكون الجانب العاطفي لديها‬
‫أقوى من الرجل‪ ،‬وأغلب الفتيات يصلن إلى سن التكليف الشرعي قبل أن‬
‫تنهي المرحلة البتدائية ‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫والله تعالى هو العليم الخبير الذي جعل الفتاة في هذا السن مهيأة لن تكون‬
‫أما ً وزوجة‪ ،‬فإذا تزوجت استقرت العاطفة وكانت سببا ً في تحقيق السكن‬
‫والرحمة والمودة بين الزوجين‪ ،‬وقد كانت الفتاة تتزوج في سن الثانية عشر‬
‫والثالثة عشر والرابعة عشر والخامسة عشر من عهد الرسول ‘ والصحابة‬
‫ل أربعين سنة من الن‪ ،‬وفي وقتنا المعاصر تغيرت المفاهيم‬‫وإلى ما قب َ‬
‫وتأخر سن الزواج قرابة العشر سنين ‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م المؤمنين عائشة – رضي الله عنها‪ -‬دخل بها النبي – صلى الله عليه‬ ‫فهذه أ ّ‬
‫شرةَ‬ ‫وسلم ‪ -‬وعمُرها تسعُ سنوات‪ ،‬ولو تقدم شاب لخطبة فتاة عمُرها أربعَ ع َ‬
‫سنة ول أقول تسع سنوات لقيل إنها طفلة صغيرة ل تستطيع تحمل‬
‫المسؤولية‪.‬‬
‫ل ِلي‬ ‫ل ‪َ :‬قا َ‬ ‫جاب ِرٍ _ َقا َ‬ ‫والجواب عن هذه الشبهة ‪ :‬في حديث جابر _‪ ،‬فعن َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫م ‪َ .‬قا َ‬ ‫ت ‪ :‬ن َعَ ْ‬ ‫جاب ُِر ؟ قُل ْ ُ‬ ‫ت َيا َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل ن َك َ ْ‬ ‫م ‪ :‬هَ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫َر ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت ‪َ :‬يا‬ ‫ك ‪ .‬قُل ُ‬ ‫عب ُ َ‬ ‫ة ت ُل ِ‬ ‫جارِي َ ً‬ ‫ل ‪ :‬فَهَل َ‬ ‫ل ث َي ًّبا ‪َ .‬قا َ‬ ‫ت ‪ :‬ل بَ ْ‬ ‫م ث َي ًّبا ؟ قُل ُ‬ ‫ماَذا أب ِك ًْرا أ ْ‬ ‫َ‬
‫ت‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫وا ٍ‬ ‫َ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫لي‬‫ِ‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫ك‬ ‫ت‬‫ٍ‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫س‬‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ر‬
‫َ َ‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ٍ‬ ‫د‬ ‫ح‬
‫ُ‬ ‫أ‬ ‫م‬‫ْ َ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ق‬ ‫بي‬‫ِ‬ ‫أ‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫إ‬
‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫َر ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫قو ُ‬ ‫ن وَت َ ُ‬ ‫شطهُ ّ‬ ‫م ُ‬ ‫مَرأة ً ت َ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ن‪ ،‬وَلك ِ ِ‬ ‫مث ْلهُ ّ‬ ‫خْرَقاَء ِ‬ ‫ة َ‬ ‫جارِي َ ً‬ ‫ن َ‬ ‫معَ إ ِلي ْهِ ّ‬ ‫ج َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫تأ ْ‬ ‫فَك َرِهْ ُ‬
‫َ‬
‫ت " أخرجه البخاري ومسلم ‪ .‬والجارية هي الصغيرة من‬ ‫صب ْ َ‬
‫ل‪:‬أ َ‬ ‫ن ‪َ .‬قا َ‬ ‫عَل َي ْهِ ّ‬
‫النساء ‪ .‬والخرقاء هي التي ل تحسن التصرف ‪ .‬فالنبي – صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬يعلم أن الجارية خرقاء ل تحسن التصرف‪ ،‬ومع ذلك حث جابرا ً أن‬
‫يتزوج جارية ؛ لن ذلك هو الصلح لها ولزوجها ‪.‬‬
‫فالسن الذي ينبغي أن تتزوج فيه الفتاةُ شرعًا‪ ،‬هو لمن تكون في المرحلة‬
‫المتوسطة‪ ،‬وإذا نظرنا في طالبات المرحلة المتوسطة‪ ،‬فإنه ل يكاد أن يوجد َ‬
‫ة متزوجة‪ ،‬وكذا الحال في المرحلة الثانوية فإنه يندر فيها‬ ‫فيهن طالب ٌ‬
‫ة للفطرة من أهم أسباب انحراف الطالبة‬ ‫ُ‬ ‫الصريح‬ ‫ة‬‫ُ‬ ‫المخالف‬ ‫فهذه‬ ‫المتزوجة ‪.‬‬
‫عاطفيا ً سواٌء فيما يسمى بالعجاب بين الفتيات‪ ،‬أو التصال بالشباب ‪ .‬أما‬
‫المرحلة الجامعية فالمتزوجات منهن ل يتجاوزن الخمسة بالمائة‪ ،‬وقد ذكرت‬
‫مجلة السرة إحصائية مخيفة‪ ،‬وهي أن مليون ونصف امرأةً سعودية تجاوزت‬
‫الثلثين وهي لم تتزوج ‪.‬‬
‫إن هذه الظاهرة الخطيرة لم تعط بعد حقها من الهتمام والعلج ‪.‬‬ ‫َ‬
‫ومن أهم طرق العلج ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أن نرجع إلى ما كان عليه النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬وأصحابه من‬
‫الزواج المبكر للفتيات‪ ،‬وكسرِ العوائق والرواسب الجتماعية التي تخالف‬
‫هدي النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬وسنته ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬إذا تقدم العمر بالفتاة فإنها ترفض من يأتي لخطبتها غالبا ؛ لنه غيُر‬
‫ً‬
‫كفئ لها في دينه واستقامته أو غيرِ ذلك‪ ،‬ولجل هذا فإني أرى أهمية أن‬
‫تسعى المرأة في تزويج زميلتها أو قريبتها من خلل البحث عن الكفئ لها‬
‫من ذوي الدين والستقامة ‪ .‬والشاب المستقيم المعدد خير لها من غير‬
‫المستقيم وإن لم يكن معددًا‪ ،‬ولدي قناعة بذلك من خلل معرفتي بالمشاكل‬
‫الزوجية التي تصلني عبر الهاتف ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬الزواج مقدم عى إكمال الدراسة أو الوظيفة ‪ .‬يتقدم شاب لخطبة فتاة‬
‫وهي في الولى ثانوية فيمنعها أهلها وربما دون علم ابنتهم بحجة إكمال‬
‫الدراسة‪ ،‬وهذه جناية يرتكبها البوان في حق ابنتهما وهما ليشعران ‪.‬‬
‫تحدثت إحدى الفتيات عن معاناتها فقالت ‪ :‬تقدم إلي الخطاب وأنا في سن‬
‫مبكرة فكانت والدتي تصر على عدم الزواج حتى أنتهي من الدراسة‪ ،‬جاء‬
‫الخطاب من أهل الدين والستقامة ممن ترجوهم كل فتاة مستقيمة‪ ،‬فكانت‬
‫والدتي تردهم دون إخباري‪ ،‬وربما ُأخبرت أحينا ً مع طلب عدم الموافقة ؛ لن‬
‫ف ذلك ‪.‬‬ ‫الدراسة أهم‪ ،‬فأوافقها في الظاهر ؛ لن حيائي يمنعني أن أقول خل َ‬
‫انتهيت من المرحلة الثانوية وتخرجت من الجامعة‪ ،‬ولم يأتني بعد ذلك إل قلة‬
‫من الخطاب الذين ل أرجوهم من ضعاف الدين والخلق‪ ،‬ثم دخلت بعد ذلك‬
‫في دوامة الحرج الجتماعي والمعاناة النفسية‪ ،‬أدافع نفسي دائما ً حينما أنظر‬
‫إلى والدتي نظر بغض وكراهية كلما تذكرت أن والدتي هي التي تسببت في‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تدمير حياتي الجتماعية‪ .‬وإن كنت أعلم بأنه نوع من العقوق ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬السعي في تيسير أمور الزواج‪ ،‬بدأ ً بالمهر والوليمة فتقاطع الفنادق‬
‫وقصور الفراح‪ ،‬ويكتفى بوليمة مختصرة في البيت فع َ‬
‫ه‬
‫ه عَن ْ ُ‬‫ي الل ّ ُ‬‫ض َ‬‫س َر ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ن أن َ‬ ‫َ ْ‬
‫ة‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ف‬‫ص‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ث‬‫أ َن النبي صّلى الل ّه عَل َيه وسل ّم رَأى عََلى عَبدالرحمن بن عَوف أ َ‬
‫ْ ٍ َ ُ َ ٍ‬ ‫ْ ِ ّ ْ َ ِ ْ ِ‬ ‫ْ ِ َ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ ِّ ّ َ‬
‫ك‬‫ل ‪َ :‬باَر َ‬ ‫ب ‪َ .‬قا َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ة‬ ‫وا‬ ‫ن‬ ‫ن‬‫ز‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫لى‬ ‫ع‬ ‫ة‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ر‬‫م‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ج‬ ‫و‬‫ز‬ ‫ت‬ ‫ني‬ ‫إ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫؟‬ ‫ما هَ َ‬
‫ذا‬ ‫َقا َ‬
‫َْ ِ َ َ ٍ ِ ْ َ ٍ‬ ‫َ‬ ‫ِّ َ َ ّ ْ ُ ْ َ ً‬ ‫ل َ‬
‫م وَل َوْ ب ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ه لَ َ‬
‫شاةٍ " أخرجه البخاري ومسلم ‪ .‬يسر في المهر ويسر في‬ ‫ك أوْل ِ ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫الوليمة‪ ،‬وينبغي أيضا أن يمتنع النساء عن التكلف في التجهيز والمباهاة في‬ ‫ً‬
‫ليلة الزفاف ‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫إن واقع الشباب اليوم الذي تخرج من الجامعة وتوظف على أحسن وظيفة‬
‫وأعلى مرتب ل يستطيع أن يتزوج إل أن يكون والده ثريًا‪ ،‬أو بالزكوات‬
‫والديون فكيف بمن دونهم ‪.‬‬
‫ثانيا ً ) من طرق العلج ( ‪:‬‬
‫نشر الوعي في المجتمع حتى يصل إلى كل أم وأب‪ ،‬ونشر الوعي بين‬
‫المعلمات حتى تكون على إحاطة بهذا الموضوع‪ ،‬أما الطالبات فهن الهم في‬
‫نشر الوعي بينهن من خلل توزيع الشرطة والكتب المناسبة ووضع‬
‫المسابقات عليها وأن تكون الجوائز مما يعود على الفتيات بالنفع والفائدة‬
‫كالكتب النافعة والمجلت السلمية‪ ،‬ونشر الوعي أيضا ً من خلل التوجيه‬
‫المستمر من قبل المعلمات خلل الدقائق الخمس الولى من الحصة‪ ،‬ومن‬
‫خلل حصة النشاط وغير ذلك‪ ،‬وخصوصا ً في المرحلة المتوسطة‪ ،‬مع ذكر‬
‫القصص التي تحقق الوعي والتخويف ‪ .‬وما المانعُ أيضا ً أن يدر َ‬
‫ج هذا‬
‫ن أحدِ المناهج أو أن يفرد َ بمادة مستقلة‪ ،‬فتربية الفتاة على‬ ‫الموضوعُ ضم َ‬
‫الفضيلة وتحذيرها من الرذيلة أهم من دراسة الفيزيا والرياضيات‪.‬‬
‫وكذا الحال أيضا ً في نشر الوعي بالنسبة للطلب ‪.‬‬
‫ثالثا ً ) من طرق العلج ( ‪:‬‬
‫ت اللواتي يدخلن النترنت إنما يردن بذلك‬ ‫ب الطالبا ِ‬‫مقاطعة النترنت‪ ،‬وأغل ُ‬
‫التسلية‪ ،‬ومن كان هذا هدفها فإنه في الغالب أنها ل تسلم من النحراف‪ ،‬وقد‬
‫تصل إلى درجة إدمان المواقع الباحية وبرنامج المحادثة ‪ .‬وسندرك أهمية‬
‫ذلك حينما نعلم أن النترنت تسبب في اغتال عفاف عدد كبير من الفتيات ‪.‬‬
‫حدثني أحد الشباب التائبين بأنه يعمل في صيانة أجهزة الكمبيوتر‪ ،‬وأنه قبل‬
‫التوبة كان يقوم بالتفتيش في أجهز الزبائن‪ ،‬ويقول إن أغلب الشباب يوجد‬
‫لديهم في أجهزتهم ملفات خاصة للصور الباحية ‪ .‬وهذا يكشف حقيقة‬
‫استعمال الشباب لهذه التقنية ‪.‬‬
‫وهنا خمس ضوابط مهمة في استعمال الفتاة للنترنت ‪:‬‬
‫‪ .1‬وجود الحاجة لستعمال النترنت في الدعوة إلى الله‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يكون الجهاز في مكان مفتوح في المنزل ؛ كالصالة ويشاهده الجميع‪،‬‬
‫أو في غرفة مشتركة لعدد من العاملت في مكتب خيري ونحو ذلك ‪.‬‬
‫‪ .3‬أل تظهر فيه شخصية الفتاة بأنها امرأة حتى في المنتديات السلمية ‪.‬‬
‫‪ .4‬أل تظيف إلى المسنجر أي رجل ليس من محارمها ‪.‬‬
‫‪ .5‬أل تظهر بريدها الكتروني إذا ظهر لها مشاركة ‪.‬‬
‫رابعا ً )من طرق العلج( ‪:‬‬
‫الحذر من الجوال للفتيات قدر المستطاع‪ ،‬والبعد عن مهاتفة الرجال كذلك‪،‬‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من‬ ‫ت صوت رخيم‪ ،‬فإن ذلك سبب في طمِع َ‬ ‫ويتأكد المنع إذا كانت الفتاةُ ذا َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ساِء إ ِ ِ‬‫ن الن ّ َ‬
‫م َ‬ ‫حد ٍ ِ‬
‫ن كأ َ‬ ‫ست ُ ّ‬
‫يل ْ‬ ‫ساَء الن ّب ِ ّ‬‫في قلبهِ مرض ‪ .‬قال الله تعالى ‪َ } :‬يا ن ِ َ‬
‫ً‬
‫معُْروفا{‬ ‫ً‬
‫ن قوْل َ‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫ض وَقل َ‬‫ُ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ذي ِفي قلب ِهِ َ‬ ‫معَ ال ّ ِ‬‫ل فَي َط ْ َ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬
‫قو ْ ِ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫ن فََل ت َ ْ‬
‫خ َ‬ ‫قي ْت ُ ّ‬
‫ات ّ َ‬
‫)الحزاب ‪(32‬‬
‫و ينبغي الحذر أيضا ً من أن تختلي الفتاة بالهاتف حتى لو كانت تتحدث مع‬
‫صديقتها أو ابنة عمها وابنة خالتها ؛ بل ينبغي أن تتحدث أمام أهلها وأمها حتى‬
‫ولو لم تأخذ راحتها في الحديث كما يقال ‪.‬‬
‫ً‬
‫وأي فتاة اتصل بها أحد الشباب المعاكس فيجب أن تغلق الهاتف فورا‪ ،‬وأل‬
‫تتحدث معه مطلقًا‪ ،‬حتى بالنصح‪ ،‬ولبد أن تقهر فضولها فل ترفِع السماع َ‬
‫ة‬
‫لتسمع دون أن تتحدث‪ ،‬فهكذا كانت بداية سقوط الفتيات ‪.‬‬
‫ولو فرضنا أن امرأة وصلتها رسالة جوال أو اتصال من شاب معاكس فيجب‬
‫أن تخبر أحد َ محارمها المناسبين‪ ،‬حتى يخبر الهيئة ‪.‬‬
‫وقد حصل هذا لحدى الفتيات العفيفات‪ ،‬فأخبرت محرمها‪ ،‬وأخبر أحد أعضاء‬
‫الهيئة وتم التصال به واستدعاؤه وأخذ التعهد عليه واعتبرت سابقة في ملفه‬
‫‪.‬‬
‫خامسا ) من طرق العلج ( ‪:‬‬ ‫ً‬
‫ل‪ ،‬ومن احتاج للبديل فهي قناة‬ ‫التخلص من التلفاز والقنوات الفضائية عاج ً‬
‫المجد السلمية بجهازها الخاص الذي ل يستقبل أي قناة غيرها ‪ .‬والسعي‬
‫في تنظيف البيت من المنكرات كأشرطة الغاني والمجلت السيئة‪ ،‬والصور‬
‫المعلقة ‪ .‬واستبدالها بالشرطة والمجلت السلمية‪ ،‬وعلى رأسها مجلة‬
‫أسرتنا‪ ،‬والمتميزة والشقائق والسرة‪ ،‬ومن المجلت الطيبة التي تخاطب‬
‫الفتاة في المرحلة المتوسطة مجلة حياة ‪ .‬وأدعو كل أسرة إلى اشتراك‬
‫ثابت في بعض هذه المجلت النافعة ‪.‬‬
‫سادسا ً ) من طرق العلج ( ‪:‬‬
‫الضبط الشديد لجانب تغيب الطالبات في جميع المراحل الدراسية‪ ،‬وخصوصا ً‬
‫في اليام التي يكثر فيها النفلت كالسابيع الثلثة الخيرة التي تسبق‬
‫الختبارات‪ ،‬وأيام الختبارات ‪.‬‬
‫سابعا ً ) من طرق العلج ( ‪:‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫التزام الحجاب الشرعي‪ ،‬وكثير من يتصور أن الحجاب هو لبس العباءة‪ ،‬وهذا‬


‫مفهوم ناقص‪ ،‬فأول درجات الحجاب هو القرار في البيت‪ ،‬قال الله تعالى ‪:‬‬
‫"وقرن في بيوتكن ول تبرجن تبرج الجاهلية الولى"‪ ،‬ولنتأمل أيضا ً حديث ابن‬
‫مسعود _ قال ‪ " :‬المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان" أخرجه‬
‫الترمذي بسند صحيح فلحظ قوله ‪ :‬المرأة عورة فإذا خرجت‪ ،‬ولم يقل فإذا‬
‫كشفت عن وجهها أو ساقها ونحو ذلك‪ ،‬وهذا يعني أن الستر الحقيقي للمرأة‬
‫هو عدم الخروج إل عند الحاجة‪ .‬وأما قوله استشرفها الشيطان فقد جاء في‬
‫بيان معناه أن المرأة تقول ‪ :‬لعلي أعجبت فلنا ً لعلي أعجبت فلنا ً ‪ .‬وهذا هو‬
‫الذي يفسر ظاهرة تبرج الفتيات إذا خرجن أمام الرجال‪ ،‬وإذا تبرجت الفتاة‬
‫ة نفسيا ً لتقبل المعاكسات‪ ،‬وتسببت في طمع الشباب بها ‪.‬‬ ‫أصبحت مهيئ ً‬
‫ثامنا ً ) من طرق العلج ( ‪:‬‬
‫إنشاء السواق النسائية )المغلقة( التي ل يدخلها إل النساء‪ ،‬لدفع المفاسد‬
‫التي سبق ذكرها‪ ،‬وأن يتولى ذلك أهل الخير والصلح من التجار أو الجمعيات‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخيرية‪ ،‬فهذه جمعية البر بعنيزة قد أنشأت مستشفى نسائي ل يدخله إل‬
‫النساء وبطاقم نسائي متكامل حفظا ً لعورات المؤمنات ‪ .‬وإنشاء السوق‬
‫النسائي أيسر وأسهل من المستشفى‪ ،‬ولبد أن يشتمل هذا السوق على‬
‫ب‬‫ِ‬ ‫وألعا‬ ‫ت الخفيفة‪،‬‬‫المحلت الراقية‪ ،‬والتسجيلت السلمية‪ ،‬ومطاعم ِ الوجبا ِ‬
‫ة للجلوس والمشي وغير ذلك‪ ،‬ومن أراد أن يبدأ بهذا‬ ‫ن واسع ً‬
‫الطفال‪ ،‬وأماك َ‬
‫المشروع فلبد أن يحيط بأسباب النجاح فيه والستفادة من التجارب السابقة‬
‫مع وجود لجنة شرعية تشرف عليه‪ ،‬وقد سبق أن فصلت ذلك كله في ملف‬
‫مختص بهذا الموضوع‪ ،‬وأرى أن البداية الناجحة في هذا المشروع خطوة‬
‫أساسية في دفع النحراف ‪.‬‬
‫تاسعا ً )من طرق العلج(‪:‬‬
‫شغل الوقت بما ينفع‪ ،‬والنفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية‪،‬‬
‫فتنشغل المؤمنة بحفظ كتاب الله‪ ،‬و العمال الدعوية وهي كثيرة جدا ً ؛ إعداد‬
‫مجلة أو ترتيب مسابقة وغير ذلك‪ ،‬والنشغال بالعمال المباحة كأعمال‬
‫المنزل وغيرها ‪ .‬المهم أن تسلم من الفراغ ؛ لن الفراغ مفسدة ‪.‬‬
‫عاشرا ً )من طرق العلج(‪:‬‬
‫غض البصر عما حرم الله‪ ،‬فل يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجال إذا كان في‬
‫ة الفتنة ‪ .‬كالنظر إلى المغنين واللعبين والممثلين‬ ‫ة أو مظن ُ‬
‫النظر فتن ٌ‬
‫ونحوهم‪ ،‬وينبغي أن تحذر من فضول النظر‪ ،‬وأن تجاهد نفسها قال الله‬
‫تعالى‪" :‬قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم‬
‫إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن‬
‫فروجهن" ]النور آية‪.[31-30 :‬‬
‫حادي عشر ) من طرق العلج ( ‪:‬‬
‫إذا وقعت الفتاة في التعلق العاطفي مع الشاب‪ ،‬فليس أمامها أي حل غيُر‬
‫قطع العلقة به وأن تجعل ذلك توبة صادقة إلى الله‪ ،‬ستشعر بعدها بآلم‬
‫ضها‬ ‫ب ذلك كّله ويعو ُ‬ ‫عاطفية بسبب الفراق ولبد حينها من الصبر قليل ً ثم يذه ُ‬
‫الله بلذة الطاعة واليمان ‪.‬‬
‫إذا عَِلم أحد ٌ بوجود علقة محرمة بين فتاة وشاب ؛ كأن تعلم بذلك زميلتها‪ ،‬أو‬
‫المعلمة أو إدارة المدرسة‪ ،‬أو إدارة الجامعة ‪.‬‬
‫ة إلى مناصحتها ‪ :‬إخبار أبيها أو‬ ‫فما الموقف الصحيح هنا ؟ أهم حل هنا‪ ،‬إضاف ً‬
‫مه من محارمها‪ ،‬ويكون الخبار بطريقة مناسبة حتى يتحققَ به‬ ‫م مقا َ‬‫من يقو ُ‬
‫ط الفتاة وحفظها ‪ .‬وهذا الحل مع ما فيه من حدوث ردة فعل للب غالبًا‪،‬‬ ‫ضب ُ‬
‫إل أنه ثبت من خلل التجربة والدراسة أنه لبد منه في العلج‪ ،‬وقد جرى‬
‫عليه عمل الهيئة بناًء على خبرتهم الطويلة في هذا الموضوع ‪.‬‬
‫وسأبين لكم السبب في أهمية هذا العلج ‪ .‬وهو أن الفتاةَ في سن المراهقة‬
‫ة التعلق‪ ،‬وإذا تعلقت عاطفيا ً أي وصلت إلى‬ ‫تكون شديدة العاطفة وسريع َ‬
‫درجة العشق تكون في غاية الضعف ول يهدأ ذهنها من التفكير في ذلك‬
‫الشاب‪ ،‬و تخرج معه وتختلي به وهي تظن أنها ل تستطيع أن تترك الحديث‬
‫إليه والخروج معه ‪ .‬فهي إذا خرجت معه تعلم أنها مخطئة وأنها تدخل بذلك‬
‫نفقا ً مظلما ً ومع ذلك تخرج معه وتستمر في هذا النفق ‪ .‬والفتيات اللواتي‬
‫يعرضن مشكلتهن على المرشدة في المدرسة إذا قيل لها اقطعي التصال‬
‫به والخروج معه من الن‪ ،‬قالت الطالبة ل أستطيع ‪ .‬فهذه طالبة تعلم أنها‬
‫تفعل جريمة بشعة‪ ،‬وتأتي إلى المعلمة أو المرشدة في المدرسة وهي تريد‬
‫التوبة إلى الله وتطلب حل ً لمشكلتها‪ ،‬ومع ذلك تقول ل أستطيع تركه ‪.‬‬
‫فكثير من الفتيات تعلم أنها تقوم بعمل محرم وتعلم أنه قد يقبض عليها‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة وعارا ً عليها‪ ،‬وربما سمعت موعظة مؤثرة وتريد‬‫وتصبح بعد ذلك فضيح ً‬
‫التوبة منها فل تستطيع بسبب ضعفها الذي جعلها أسيرة لهذه العلقة‬
‫العاطفية‪ ،‬فنضطر حينئذ إلى استعمال الكي في العلج‪ ،‬والكي مؤلم وُيبقي‬
‫أثرا ً في المكان لكنه علج لمرض قد ُيودي بالحياة‪ ،‬والكي هنا هو إخبار الب‬
‫ب‬
‫ب إخباُره بحسب حال تلك السرةِ وظروِفها‪ ،‬فربما كان النس ُ‬‫أو من يناس ُ‬
‫إخباَر الخ بدل الب‪ ،‬كل ذلك بالنظر إلى ظروف وحال تلك السرة ‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫وبهذا تندفع شبهة القول بأن مقتضى الستر عدم إخبار والدها ‪ .‬والصواب أن‬
‫يقال ‪ :‬إن من مقتضى الستر الحقيقي هو إخبار والدها حتى يعيد النظر في‬
‫ظها ويستَر عليها‪ ،‬وإل بقيت الفتاة‬ ‫تفريطه في تربيته ومتابعته لهله فيحف َ‬
‫علقة محرمة مع ذلك الشاب ‪.‬‬ ‫غالبا ً في َ‬
‫ثاني عشر ) من طرق العلج ( ‪:‬‬
‫من بدأت في هذه العلقة المحرمة ثم أرادت التوبة‪ ،‬وبدأ الشاب بتهديدها‬
‫بالصور والمكالمات فماذا تفعل ؟ الموقف الصحيح هنا أل تستجيب له مطلقا ً‬
‫مهما بلغ حجم التهديد‪ ،‬وعليها أن تخبر مركز هيئة المر بالمعروف والنهي‬
‫ه إلى القضاء‪ ،‬وتهديد ُ‬ ‫ب وإحالت ُ‬‫ط هذا الشا ِ‬ ‫عن المنكر‪ ،‬ويتم حيال ذلك ضب ُ‬
‫ة كبرى وفيها‬‫كنه من الحرام جريم ٌ‬ ‫ب لها بالصورِ والشرطة حتى تم ّ‬ ‫الشا ّ‬
‫معنى الحرابة‪ ،‬وإذا ضبط فإنه يحال إلى القضاء وتكون عقوبته التعزيرية‬
‫بالغة ‪ .‬ومن القصص التي حصلت في المنطقة الشرقية ‪ :‬أن فتاة تعلقت‬
‫بشاب‪ ،‬ثم تابت فبدأ يهددها بصورها التي لديه فكادت الفتاة أن تخنعَ له‪،‬‬
‫ولكنها اتصلت بالهيئة وأخبرتهم بقصتها‪ ،‬فُرتب المُر بطريقتهم الخاصة وتم‬
‫ضبط الشاب‪ ،‬وُأخذ الذن الرسمي بتفتيش المنزل‪ ،‬ووجد عنده صور لعدد‬
‫من النساء‪ ،‬وأحيل إلى الشرطة وطلب إحالته إلى القضاء‪ ،‬أما الفتاة فلم‬
‫يعلم بأمرها أحد ‪.‬‬
‫ثالث عشر )من طرق العلج(‪:‬‬
‫العقوبة التعزيرية الرادعة لكل شاب سافل يسعى في اغتيال العفة والفضيلة‬
‫باستدراج الفتيات بالترقيم والمعاكسة وتكرار التصال ورسائل الجوال أو‬
‫الوقوع في الخلوة المحرمة في السيارة أو غيرها ‪ .‬فكما نظر العلماء في‬
‫عقوبة مروج المخدرات لما انتشر الترويج ورأوا أن يكون التعزير بالقتل‪،‬‬
‫فكذلك لبد أن ينظر العلماء في عقوبة تعزيرية مؤثرة توقف هذا المد‬
‫المخيف من الذئاب البشرية ‪ .‬فسرقة العراض ل تقل عن سرقة المال‬
‫وتلف العقل ‪.‬‬
‫ُأقيم في بعض المناطق ـ في الطائف ومكة والمدينة ـ تعزيٌر خفيف‬
‫للمعاكسين‪ ،‬وهو جلدهم في المكان الذي ضبطوا فيه وهم يعاكسون النساء ؛‬
‫كالسواق وبوابات المدارس فكان له أثر بالغ في انخفاض عدد المعاكسين‬
‫في تلك المناطق إلى أقل من عشرة في المائة مما كان عليه عددهم‪،‬‬
‫فكيف إذا كان التعزير قويا ً مع التشهير باسمه ‪.‬‬
‫وأخيرا ً أختم هذا الموضوع بخمس رسائل ‪:‬‬
‫الرسالة الولى ‪ :‬إلى طالبة المرحلة الثانوية والمتوسطة ‪ :‬اعلمي أن كل‬
‫فتاة تحدثك عن اتصالها بشاب‪ ،‬أو عن تعلقها ببعض المغنين واللعبين‪ ،‬أو‬
‫تدعوك إلى حفلة ديجيه أو غيرها من الحفلت الغنائية‪ ،‬أو تخبرك عن سفرها‬
‫إلى بلد الفسق والفجور‪ ،‬أو ترين منها لبس العباءة المتبرجة ‪ .‬فاعلمي أنها‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة سوء وأن النبي ‘ مّثلها بنافخ الكير ‪ .‬وتذكري دوما ً قول الله تعالى ‪:‬‬ ‫صديق ُ‬
‫"ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيل * يا‬
‫ويلتى ليتني لم أتخذ فلنا خليل * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان‬
‫الشيطان للنسان خذول *" ]سورة الفرقان ‪. [29-27‬‬
‫اقطعي العلقة بهذه الصديقة‪ ،‬والتحقي بالصحبة الصالحة بجماعة المصلى‪،‬‬
‫ودور تحفيظ القرآن الكريم‪ .‬وكم هو مؤلم حينما نعلم أن جميع الطالبات إل‬
‫دها وجزٌء من ساعدها وربما‬ ‫ما قل تخرج من المدرسة وقد انكشفت ي ُ‬
‫قدماها‪ ،‬فاتقي الله تعالى واتخذي قرار الستر الكامل من الن وبادري بلبس‬
‫ت ذلك فاعلمي أنك قهرت الشيطان‬ ‫القفاز والشراب السود‪ ،‬فإن فعل ِ‬
‫س المارة َ بالسوء‪ ،‬وإن لم تفعلي فاعلمي أنك المهزومة‪.‬‬ ‫والنف َ‬
‫الرسالة الثانية ‪ :‬إلى طالبة المرحلة الجامعية ‪ :‬أيتها الخت الكريمة ‪.‬‬
‫استمعي إلى هذه القصة كنت مع بعض طلب العلم في زيارة للتجمعات‬
‫الشبابية على الرصفة والسواق‪ ،‬وألقيت كلمة على تجمع كبير للشباب‬
‫المنحرف‪ ،‬ولما انتهيت من الكلمة لحقني بعض الشباب فكلمني أحدهم وهو‬
‫يبكي‪ ،‬ويقول كلما توجهت للتوبة انتكست بسبب ما أشاهده من تبرج الفتيات‬
‫في السواق وعند بوابة الجامعة ‪.‬‬
‫وأحينا ً تكون الفتنة بالعباءة المخصرة أشد ّ من التي ل تلبس العباءة بالكلية ‪.‬‬
‫وهنا بعض السئلة التي لبد أن تجيب عليها كل فتاة لبست العباءة المتبرجة‬
‫وأن تتأمل في جواب كل سؤال ‪.‬‬
‫السؤال الول ‪ :‬ما الذي تريده المرأة من لبسها للبنطلون وعباءة الكتف‬
‫المتبرجة إذا خرجت إلى السوق ؟ والسؤال الثاني ‪ :‬ما الذي سيفهمه الرجال‬
‫ت‬
‫ت في السوق وأن ِ‬ ‫والمعاكسون من هذا اللباس ؟ والسؤال الثالث ‪ :‬إذا كن ِ‬
‫س واسعة‪ ،‬ومخيطة‬ ‫ت بجوارك امرأة ٌ تلبس عباَءة رأ ٍ‬ ‫على هذه الحال ثم مّر ْ‬
‫ت القفاز والشراب السود‪،‬‬ ‫من المام وقد سترت وجهها بالكلية ولبس ِ‬
‫اطرحي على نفسك هذا السؤال دائما ً وهو ‪ :‬ما الفرق بيني وبينها ؟ وأيتنا‬
‫ة وحياًء ؟ وأصرح من هذا السؤال ما الذي جعل الشباب يتعرض لتلك‬ ‫عف ً‬‫أكُثر ِ‬
‫المتبرجة ويترك المتسترة المحتشمة ؟‬

‫)‪(11 /‬‬

‫ك وَب ََنات ِ َ‬
‫ك‬ ‫ج َ‬ ‫والجواب على ذلك كله في قوله تعالى ‪َ" :‬يا أ َي ّها الن ّبي قُ ْ َ‬
‫ل ِلْزَوا ِ‬ ‫ِ ّ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ك أ َدنى أ َ‬
‫ن‬ ‫ي‬
‫ُ ْ َ‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ر‬
‫ْ ُْ َ َ‬‫ع‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ن ذ َل ِ َ ْ َ‬‫جَلِبيب ِهِ ّ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ّ‬
‫ن ِ‬ ‫ن ي ُد ِْني َ‬
‫مِني َ‬ ‫ساِء ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫وَن ِ َ‬
‫ما" ]الحزاب ‪ . [59‬ذلك أدنى أن يعرفن فل يؤذين ؛ أي‬ ‫حي ً‬‫فوًرا َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫كا َ‬‫وَ َ‬
‫أقرب أن تعرف بالعفاف والستر فل تؤذى من قبل الفساق ‪.‬‬
‫الرسالة الثالثة ‪ :‬إلى كل معلمة وموجهة ومرشدة وإدارية ‪ :‬أنتن القيادات‬
‫التربوية الحقيقية للفتاة‪ ،‬وأظن أن المشايخ لن يستطيعوا القيام بالصلح‬
‫ة قبل أن تكون معلمة‪ ،‬وقد قرر‬ ‫ة مربي ٌ‬ ‫وحدهم‪ ،‬ونتفق سويا ً أن المعلم َ‬
‫التربويون أن التربية الميدانية بالقدوة أقوى من الطرح النظري‪ ،‬فأولى‬
‫ت ذلك تماما ً من أسئلة‬ ‫الناس بكل ما سبق ذكره هن القدوات‪ ،‬لقد أدرك ُ‬
‫طالبات المرحلة المتوسطة والثانوية وحتى الجامعية ‪ :‬في الجانب اليجابي‪،‬‬
‫أو في الثر العكسي حينما ل تكون قدوةً حسنة في دينها أوخلقها أوحجابها أو‬
‫زينتها ‪.‬‬
‫م سلمة –رضي الله عنها‪ -‬في‬ ‫ث قصةِ أ ّ‬ ‫ومما يؤكد ُ أثَر القدوةِ العملية حدي ُ‬
‫ة‬
‫ل مك َ‬ ‫منع من دخو ِ‬ ‫ً‬
‫دم مع أصحابه محرما بالعمرة‪ ،‬ولما ُ‬ ‫الحديبية‪ ،‬فالنبي ‘ ق ِ‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ف بالبيت وتم الصلح بين النبي ‘ وكفارِ قريش على أن يرجعوا ويأتوا‬ ‫والطوا ِ‬
‫سهم حتى‬ ‫دنهم وأن يحلقوا رؤو َ‬ ‫من العام القادم‪ ،‬أمر ‘ أصحابه أن ينحروا ب ُ ْ‬
‫ة منهم في إتمام‬ ‫يتحللوا من العمرة‪ ،‬ولم يستجب أحد من الصحابة رغب ً‬
‫َ‬
‫حاب ِهِ ‪:‬‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫ص‬ ‫ل‬ ‫قال‬ ‫م‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ َ‬
‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫العمرة‪ ،‬ونص الحديث أن َر ُ‬
‫ك‬‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫حّتى َقا َ‬ ‫ل َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما َقا َ‬ ‫والل ّهِ َ‬ ‫ل ‪ :‬فَ َ‬ ‫قوا ‪َ .‬قا َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫ما ْ‬ ‫حُروا ث ُ ّ‬ ‫موا َفان ْ َ‬ ‫ُقو ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ما ل َ ِ‬ ‫ة فَذ َك ََر ل ََها َ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل عََلى أ ّ‬ ‫خ َ‬ ‫حد ٌ د َ َ‬ ‫مأ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ت ‪ .‬فَل َ ّ‬ ‫مّرا ٍ‬ ‫ث َ‬ ‫ث ََل َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫دا ِ‬ ‫ح ً‬‫مأ َ‬ ‫م ل ت ُك َل ْ‬ ‫ج ثُ ّ‬ ‫خُر ْ‬ ‫ك‪ ،‬ا ْ‬ ‫ب ذ َل ِ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ي اللهِ أت ُ ِ‬ ‫ة ‪َ :‬يا ن َب ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ‬ ‫م َ‬ ‫تأ ّ‬ ‫قال ْ‬ ‫س فَ َ‬ ‫الّنا ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫حّتى‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫دا ِ‬ ‫ح ً‬‫مأ َ‬ ‫م ي ُك َل ْ‬ ‫ج فَل ْ‬ ‫خَر َ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫ق َ‬ ‫حل ِ َ‬ ‫ك فَي َ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫حال ِ َ‬ ‫ك وَت َد ْعُوَ َ‬ ‫حَر ب ُد ْن َ َ‬ ‫حّتى ت َن ْ َ‬ ‫ة َ‬ ‫م ً‬ ‫ك َل ِ َ‬
‫ما َرأْوا ذ َل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬
‫جعَ َ‬
‫ل‬ ‫حُروا وَ َ‬ ‫موا فَن َ َ‬ ‫ك َقا ُ‬ ‫ه فَل ّ‬ ‫ق ُ‬
‫حل َ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ق ُ‬‫حال ِ َ‬ ‫عا َ‬ ‫ه وَد َ َ‬ ‫حَر ب ُد ْن َ ُ‬ ‫ك نَ َ‬ ‫فَعَ َ‬
‫ما " أخرجه البخاري ‪.‬‬ ‫ضا غَ ّ‬ ‫ل ب َعْ ً‬ ‫قت ُ ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫حّتى كاد َ ب َعْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ضا َ‬ ‫حل ِقُ ب َعْ ً‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ب َعْ ُ‬
‫الرسالة الرابعة ‪:‬‬
‫إلى الب والزوج والخ ‪ :‬أنا ل أدعوك إلى التخون‪ ،‬فالنبي ‘ نهى أن يتخون‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل ‪ :‬ن ََهى َر ُ‬ ‫جاب ِرٍ _ َقا َ‬ ‫الرجل أهله كما ثبت ذلك عن َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ه ل َي ْل ي َت َ َ‬ ‫ً‬ ‫وسل ّم أ َن يط ْرقَ الرج ُ َ‬
‫م " أخرجه‬ ‫س عَث ََرات ِهِ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م أوْ ي َلت َ ِ‬ ‫خوّن ُهُ ْ‬ ‫ل أهْل َ ُ‬ ‫ّ ُ‬ ‫َ َ َ ْ َ ُ‬
‫مسلم ‪.‬‬
‫َ‬
‫ولكنني أدعوك إلى حفظ أهلك وحمايتهم كما أمر الله تعالى عباده ‪َ" :‬يا أي َّها‬
‫مَلئ ِك َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫مُنوا ُقوا أ َن ْ ُ‬
‫ة‬ ‫جاَرةُ عَل َي َْها َ‬ ‫ح َ‬ ‫س َوال ْ ِ‬ ‫ها الّنا ُ‬ ‫م َناًرا وَُقود ُ َ‬ ‫م وَأهِْليك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن" ]التحريم ‪. [6‬‬ ‫مُرو َ‬ ‫ما ي ُؤْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫مَرهُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صو َ‬ ‫داد ٌ َل ي َعْ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫ظ ِ‬ ‫ِغَل ٌ‬
‫معه فيقول ‪ :‬أنا‬ ‫من َ‬ ‫كثيرا ً ما نسمع من الب أو الزوج حينما ُيناصح في تبرِج َ‬
‫أثق في ابنتي أو زوجتي ‪ .‬وأنها متربيه ‪ .‬فاستمع إلى جوابي ‪ :‬أيها الب‬
‫ت‬‫ق َ‬ ‫ة أنك قد وث َ ْ‬ ‫ن الحقيق َ‬ ‫ن ل يجوز‪ ،‬ولك ّ‬ ‫ة مطلوبة والتخو ُ‬ ‫والزوج الكريم ‪ :‬الثق ُ‬
‫س المارةِ بالسوء‪ ،‬وتركت الحبل على الغارب كما يقال فل‬ ‫بالشيطان والنف ِ‬
‫تعلم متى خرجت ؟ ومع من كانت ؟ ول تعلم هل هي تحافظ على الصلوات‬
‫الخمس في أوقتها أو أنها تجمعها في وقت واحد ؟ ‪.‬‬
‫ت الفضائية التي أّدت دورها بنجاح في‬ ‫ت بذلك القنوا ِ‬ ‫أما التربية فقد أوكل َ‬
‫سباِتك‬ ‫مسرح اغتيال الفضيلة‪ ،‬وإراقة دم العفة والحياء‪ ،‬وأنت ل تزال في ُ‬
‫العميق وثقتك العمياء ‪ .‬وأي تربية أسوأ ُ من أمرك لها بكشف وجهها ولبس‬
‫العباءة المتبرجة‪ ،‬وسفرك بها إلى بلد الفساد والرذيلة ‪.‬‬
‫الرسالة الخامسة ‪:‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫إلى كل شاب وقع في جريمة المعاكسات والترقيم والتصال بالفتيات ‪:‬‬


‫ن‬ ‫ة _ َقا َ‬ ‫ُ‬ ‫أخاطبك بلغة مقنعة كما أقنع النبي ‘ ذلك الشاب فع َ‬
‫ل إِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن أِبي أ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن ِلي ِبالّزَنا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ْ‬ ‫ئ‬‫ا‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫سو‬ ‫ل َيا َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫شاّبا أَتى الن ّب ِ ّ‬ ‫فًَتى َ‬
‫ريًبا ‪.‬‬ ‫ه قَ ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ه فَد ََنا ِ‬ ‫ل ‘ ‪ :‬اد ْن ُ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫ه ‪ .‬فَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫م ْ‬ ‫جُروه ُ ‪َ .‬قالوا ‪َ :‬‬‫ُ‬ ‫م عَلي ْهِ فََز َ‬ ‫َ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫ل ال َ‬ ‫فَأ َقْب َ َ‬
‫ل ‪ :‬وََل‬ ‫حب ّ ُ‬ ‫فَجل َس ‪َ .‬قا َ َ‬
‫ك ‪َ .‬قا َ‬ ‫داَء َ‬ ‫ه فِ َ‬ ‫جعَل َِني الل ّ ُ‬ ‫ل ‪َ :‬ل َوالل ّهِ َ‬ ‫ك ‪َ .‬قا َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِل ّ‬ ‫ل ‪ :‬أت ُ ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هّ‬ ‫سو َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ك ‪َ .‬قا َ‬ ‫ه ِلب ْن َت ِ َ‬ ‫ل ‪ :‬أفَت ُ ِ‬‫َ‬ ‫م ‪َ .‬قا َ‬ ‫ُ‬
‫ل الل ِ‬ ‫ل ‪ :‬ل َواللهِ َيا َر ُ‬ ‫حب ّ ُ‬ ‫مَهات ِهِ ْ‬ ‫ه ِل ّ‬ ‫حّبون َ ُ‬ ‫س يُ ِ‬ ‫الّنا ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫خت ِك ‪.‬‬ ‫ه ِل ْ‬ ‫حب ّ ُ‬ ‫ل ‪ :‬أفَت ُ ِ‬ ‫م ‪َ .‬قا َ‬ ‫ه ل ِب ََنات ِهِ ْ‬ ‫حّبون َ ُ‬ ‫س يُ ِ‬ ‫ل ‪ :‬وَل الّنا ُ‬ ‫داَءك ‪َ .‬قا َ‬ ‫َ‬ ‫ه فِ َ‬ ‫جعَل َِني الل ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫م ‪َ .‬قا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫داَءك ‪َ .‬قا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َقا َ‬
‫وات ِهِ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ه ِل َ‬ ‫حّبون َ ُ‬ ‫س يُ ِ‬ ‫ل ‪ :‬وَل الّنا ُ‬ ‫ه فِ َ‬ ‫جعَلِني الل ُ‬ ‫ل ‪ :‬ل َواللهِ َ‬
‫ه‬
‫حّبون َ ُ‬ ‫س يُ ِ‬ ‫ل ‪ :‬وَل الّنا ُ‬ ‫َ‬ ‫داَءك ‪َ .‬قا َ‬ ‫َ‬ ‫ه فِ َ‬ ‫ّ‬
‫جعَلِني الل ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل ‪ :‬ل َواللهِ َ‬ ‫َ‬ ‫مت ِك ؟ َقا َ‬ ‫َ‬ ‫ه ل ِعَ ّ‬ ‫حب ّ ُ‬‫أ َفَت ُ ِ‬
‫ل ‪ :‬وََل‬ ‫ك ‪َ .‬قا َ‬ ‫داَء َ‬ ‫ه فِ َ‬ ‫جعَل َِني الل ّ ُ‬ ‫ل ‪َ :‬ل َوالل ّهِ َ‬ ‫ك ؟ َقا َ‬ ‫خال َت ِ َ‬ ‫ه لِ َ‬ ‫حب ّ ُ‬ ‫ل ‪ :‬أ َفَت ُ ِ‬ ‫م ‪َ .‬قا َ‬ ‫مات ِهِ ْ‬ ‫ل ِعَ ّ‬
‫َ‬
‫ه وَطهّْر‬ ‫فْر ذ َن ْب َ ُ‬ ‫ْ‬
‫م اغ ِ‬ ‫ل ‪ :‬اللهُ ّ‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضعَ ي َد َه ُ عَلي ْهِ وَقا َ‬ ‫َ‬
‫ل ‪ :‬فوَ َ‬ ‫َ‬
‫م ‪ .‬قا َ‬ ‫خالت ِهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ه لِ َ‬ ‫حّبون َ ُ‬ ‫س يُ ِ‬ ‫الّنا ُ‬
‫يٍء " أخرجه أحمد‬ ‫ش ْ‬ ‫ت إ ِلى َ‬ ‫َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ْ‬
‫فَتى ي َلت َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ب َعْد ُ ذ َل ِك ال َ‬ ‫ُ‬
‫م ي َك ْ‬ ‫ه فل ْ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ن فْر َ‬ ‫َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫قَل ْب َ ُ‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بسند صحيح ‪.‬‬


‫سك إلى معاكسةِ النساء أن تلك المرأةَ‬ ‫فاجعل في مخيلتك دائما إذا دعتك نف ُ‬‫ً‬
‫ض القلب قد طمعَ بها ويسعى في‬ ‫هي إحدى محارمك‪ ،‬وأن شابا ً أجنبيا ً مري َ‬
‫استدراجها ‪ .‬واستحضر أيضا ً ما هي نظرة الناس إليك ؟! ‪.‬‬
‫أحضر في بعض مجالس العامة أجد من بعضهم رأفة وعاطفة لبعض‬
‫المفرطين في دينهم‪ ،‬ولكني وجدتهم قد أطبقوا على احتقار وكراهية الذي‬
‫يعاكس النساء في السواق‪ ،‬أو في غيرها‪ ،‬فكيف تقبل أن تكون محل احتقار‬
‫الناس ‪ .‬فهل أدركت ما هي نظرة الناس إليك ؟ ‪.‬‬
‫وختاما ً ‪ :‬فليتذكر كل من بدأ في طريق النحراف العاطفي مجيء الملئكة‬
‫إليه لقبض روحه‪ ،‬وليتذكر ماذا سيكون حاله إذا دفن في المقبرة وانصرف‬
‫الناس عنه‪ ،‬فهل هو في روضة من رياض الجنة‪ ،‬أو في حفرة من حفر‬
‫النيران ‪.‬‬
‫هّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫خد ْرِيّ َر ِ‬ ‫سِعيدٍ ال ُ‬ ‫وليتذكر أهوال يوم القيامة‪ ،‬وليتذكر دائما حديث أِبي َ‬
‫ش‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م ي ُؤَْتى ِبال َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َقا َ‬ ‫ه َقا َ‬
‫ت كهَي ْئةِ كب ْ ٍ‬ ‫مو ْ ِ‬
‫َ‬
‫ل َر ُ‬ ‫عَن ْ ُ‬
‫َ‬
‫ذا‬‫ن هَ َ‬ ‫ُ‬
‫قول هَل ت َعْرِفو َ‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن في َ ُ‬ ‫ُ‬
‫ن وَي َن ْظُرو َ‬ ‫شَرئ ِّبو َ‬ ‫َ‬
‫جن ّةِ في َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مَناد ٍ َيا أهْل ال َ‬ ‫ح في َُناِدي ُ‬ ‫َ‬ ‫مل َ َ‬ ‫أ ْ‬
‫ن‬
‫شَرئ ِّبو َ‬ ‫ل الّنارِ فَي َ ْ‬ ‫م ي َُناِدي َيا أ َهْ َ‬ ‫م قَد ْ َرآه ُ ث ُ ّ‬ ‫ت وَك ُل ّهُ ْ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫ذا ال ْ َ‬ ‫م هَ َ‬ ‫ن ن َعَ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫فَي َ ُ‬
‫م قَد ْ َرآهُ‬ ‫ت وَك ُل ّهُ ْ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫ذا ال ْ َ‬ ‫م هَ َ‬ ‫ن ن َعَ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ذا فَي َ ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ل ت َعْرُِفو َ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن فَي َ ُ‬ ‫وَي َن ْظ ُُرو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ت ثُ ّ‬ ‫مو ْ َ‬ ‫خُلود ٌ فََل َ‬ ‫ل الّنارِ ُ‬ ‫ت وََيا أهْ َ‬ ‫مو ْ َ‬ ‫خُلود ٌ فََل َ‬ ‫جن ّةِ ُ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ل َيا أهْ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬‫ح ثُ ّ‬ ‫فَي ُذ ْب َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فل َ ٍ‬
‫ة‬ ‫فل َةٍ وَهَؤَُلِء ِفي غَ ْ‬ ‫م ِفي غَ ْ‬ ‫مُر وَهُ ْ‬ ‫ي اْل ْ‬ ‫ض َ‬ ‫سَرةِ إ ِذ ْ قُ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫م ي َوْ َ‬‫قََرأ "وَأن ْذِْرهُ ْ‬
‫ن ( " أخرجه ابخاري ومسلم‬ ‫مُنو َ‬ ‫م َل ي ُؤْ ِ‬ ‫ل الد ّن َْيا ) وَهُ ْ‬ ‫أ َهْ ُ‬
‫ولنتذكر أن هذه الدنيا إنما خلقنا فيها لعبادة الله وحده لشريك له‪ ،‬وأنها دار‬
‫م إ ِل َي َْنا َل‬ ‫َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ابتلء وامتحان ‪ .‬قال الله تعالى ‪" :‬أ َفَحسبت َ‬
‫م عَب ًَثا وَأن ّك ُ ْ‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م أن ّ َ‬ ‫َ ِ ُْ ْ‬
‫ن" ]المؤمنون‪[115 :‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫ت ُْر َ‬
‫وأكرر مرة ً أخرى أن هذا الكتاب أعد ليكون سببا في نشر الوعي بين الناس‪،‬‬ ‫ً‬
‫وتنبيها ً للباء والمهات‪ ،‬وحتى تحذر المرأة من انحراف العاطفة ‪ .‬والحمد لله‬
‫الذي بنعمته تتم الصالحات ‪.‬‬
‫أسئلة لقياس مدى استيعاب القارئ للبحث‬
‫‪ .1‬هل قرأت الكتاب كامل ً ؟‪ .‬نعم ) ( ‪ .‬ل ) ( ‪.‬‬
‫‪ .2‬ذكر في الكتاب عدة صفات لصاحبة السوء فاذكر ثلث صفات منها ‪.‬‬
‫‪ .3‬ما الضوابط الخمسة لستعمال الفتاة للنترنت؟ ‪.‬‬
‫‪ .4‬اذكر أسباب النحراف العاطفي وطرق العلج على هيئة نقاط مختصرة ‪.‬‬
‫من لبست العباءة المتبرجة أن‬ ‫طلب فيها من كل َ‬ ‫‪ .5‬ما السئلة الثلثة التي ُ‬
‫تجيب عليها‬

‫)‪(13 /‬‬

‫النضمام لمنظمة العفو الدولية‬


‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪...‬‬
‫التاريخ ‪9/3/1424 ...‬هـ‬
‫السؤال‬
‫أرغب في النضمام إلى عضوية منظمة العفو الدولية‪ ،‬غير أني متردد في‬
‫ذلك بسبب أن المنظمة تعارض عقوبة العدام وهي عقوبة شرعية في‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلم وعقوبات شرعية أخرى كقطع يد السارق‪ ،‬كما أنها تدافع عن الحق‬
‫في ممارسة سلوكيات تعتبر محرمة في الدين كممارسة الشذوذ الجنسي‪.‬‬
‫فهل يجوز لي كمسلم النضمام إلى هذه المنظمة من باب التعاون على‬
‫الدفاع عن المظلومين؟‬
‫الجواب‬
‫نعم يجوز لك الدخول في منظمة العفو الدولية – إذا كنت قادرا ً ومتمكنا ً من‬
‫الدفاع لرفع الظلم عن المظلومين مسلمين كانوا أو غير مسلمين‪ ،‬لن‬
‫الظلم حرام على الخلق جميعا ً وعواقبه عظيمة في الدنيا والخرة‪ ،‬ومن شدة‬
‫تحريمه أن الله حرمه على نفسه‪ ،‬مع أنه سبحانه حكم عدل ل يظلم أحدا ً‬
‫د" ]ق‪ ،[29 :‬فقال في الحديث القدسي "يا عبادي إني‬ ‫ظلم ٍ ل ِل ْعَِبي ِ‬
‫ك بِ َ‬
‫ما َرب ّ َ‬
‫"وَ َ‬
‫ً‬
‫حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فل تظالموا" رواه مسلم )‬
‫‪ ، (2577‬وفي الحديث الخر الذي أوصى فيه رسول الله – صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬معاذ بن جبل – رضي الله عنه ‪ -‬لما أرسله إلى اليمن‪ ،‬وكان فيهم‬
‫أهل كتاب قال له‪" :‬واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"‬
‫رواه البخاري )‪ ،(4347-2448‬ومسلم )‪.(19‬‬
‫ول شك أن منظمة العفو الدولية يشتمل نظامها على مخالفات صريحة‬
‫لبعض أحكام الشريعة السلمية‪ ،‬ولكنها مع هذا منظمة إنسانية انتفع بها كثير‬
‫من آحاد الناس‪ ،‬والمظلومين مسلمين كانوا أو كفارًا‪ ،‬وعمل المسلم ودخوله‬
‫في مثل هذه المنظمة قد يتنازعه من الناحية الشرعية لول وهلة أمران‪:‬‬
‫)‪ (1‬مفسدة في الدخول في منظمة في بعض نظامها ما يخالف الشرع‪.‬‬
‫)‪ (2‬مصلحة الدخول من أجل رفع الذى ودفع الظلم عن المظلوم وإعادة‬
‫الحقوق الشرعية إلى أصحابها‪ ،‬وإذا تعارضت مصلحة ومفسدة قدمت‬
‫المصلحة على المفسدة‪ ،‬ل سيما إذا كانت المصلحة واقعة والمفسدة‬
‫مظنونة‪ ،‬فإن المصلحة حينئذ ترفع المفسدة أو تخفف منها‪ ،‬وهذا ما تقرره‬
‫القواعد الشرعية المبنية على الكتاب والسنة كقاعدة "ارتكاب أخف‬
‫الضررين"‪ ،‬و"تقديم أدنى المفسدتين دفعا لعلهما"‪ ،‬هذا كله لو قيل إن‬
‫المفسدتين حاصلتان بالفعل‪ ،‬ولعل مرجحات دخولك في هذه المنظمة إذا‬
‫كنت مؤهل ً قادرا ً هو أن المسلم مطالب بتحقيق العدل ورفع الظلم عن‬
‫المظلومين ل سيما المسلمين منهم‪ ،‬فالقربون أولى بالمعروف‪ ،‬ودخولك‬
‫في هذه المنظمة هو من المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬والنكار‬
‫باللسان والقلم أوسط درجات إنكار المنكر كما هو معلوم لكل مسلم‪ ،‬والله‬
‫أعلم وصلى الله على نبينا محمد‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫النقطاع الحضاري‬
‫الستاذ أنور الجندي‬
‫تجرى محاولة خطيرة ترمي إلى ردة العالم السلمي إلى كيان وهمي قديم‪،‬‬
‫وإعطائه صفة الستمرار التاريخي تحت اسم‪ :‬حضارة السبعة آلف سنة‬
‫الفرعونية والفينيقية والفارسية والهندية وتجرى محاولة لحياء هذه‬
‫الحضارات القديمة‪.‬‬
‫والحق أن هذه الدعوة تتجاوز حقيقة تاريخية أكدها المؤرخون المنصفون‪،‬‬
‫وهي أن السلم بظهوره وانتشاره قد قطع العلقة بين المة السلمية وبين‬
‫هذا التاريخ الوثني القديم‪ ،‬وكل ما يتصل به من لغات وأديان وحضارات‪ .‬ولقد‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قرر الباحثون الثقات بأن السلم كان عامل التصحيح الحضاري مع هذه‬
‫الحضارات القديمة‪ ،‬وبين المة التي دخلت بعد ذلك في السلم‪.‬‬
‫استمرار الحنيفية‪:‬‬
‫والواقع أن الستمرارية الموهومة التي يحاولون جمع خيوطها ليست هي‬
‫استمرارية الفرعونية أو الفينيقية أو غيرها وإنما هي استمرارية )الحنيفية‬
‫البراهيمية( التي بدأت بها الدعوة إلى التوحيد‪ ،‬والتي كانت رسالة محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم ختاما ً لها‪ ،‬وانقطاعية عما سواها‪ ،‬هذه النقطاعية‬
‫الواضحة في تاريخ البلد العربية كلها منذ جاء السلم‪ ،‬وبعد ألف سنة من‬
‫اليونانية والرومانية الوثنية‪.‬‬
‫لقد كان السلم هو الخط الفالص الحاسم في تاريخ النسانية‪ ،‬فقد قطع‬
‫المتداد الفكري والجتماعي والثقافي بين ما قبل السلم وما بعده‪ ،‬قطعه‬
‫عن العرب أول ً ثم في كل مكان ذهب إليه‪ ،‬وقد ذهب السلم إلى كل مكان‬
‫وأثر في جميع النحل والقطار‪ .‬قطع امتداد الوثنية في العالمن كله من ناحية‬
‫العقائد والملل‪ ،‬وقطع امتداد العبودية في العالم كله في الحضارات والمم‪.‬‬
‫فقضى على استرقاق العبيد في حضارات البراهمة والفرس والفراعنة‬
‫والرومان‪ .‬وقضى على قيصر وكسرى جميعًا‪.‬‬
‫ماذا تعني العودة‪:‬‬
‫وبعد‪ ،‬فماذا تعني العودة إلى ما قبل السلم‪ :‬هل هي ممكنة؟؟ وما هو‬
‫مفهومها؟؟‬
‫إن الباحثين الذين حملوا لواء الدعوة إلى الفرعونية أو الفينيقية أو غيرهما‪،‬‬
‫لم يجدوا أي خيوط يمكن أن تشكل تراثا ً أو لغة أو ثقافة أو "فكروا" كما‬
‫يقولون‪.‬‬
‫بل تبين لهم أن كل الحضارات البابلية والشورية وغيرها هي حضارات عربية‬
‫حنيفية الصل‪ ،‬وقد كشفت بين الفراعنة والعرب‪ ،‬أو الفينيقيين والعرب‪.‬‬
‫وذلك في سبيل تمزيق المسلمين إلى أمم وعناصر‪ ،‬وكشفت البحاث الجادة‬
‫عن زيف هذه الدعاءات‪ ،‬وتعينن أن المصريين الولين وفدوا من بلد العرب‬
‫وعبروا البحر الحمى‪ ،‬ونزلوا عند حدود الحبشة ثم تدرجوا إلى أن هبطوا‬
‫وادي النيل‪ ،‬وأسسوا دولتهم‪ .‬وقد أحصى المرحوم الثري الكبير أحمد كمال‬
‫باشا ما يزيد على خمسة آلف كلمة متصلة الجذور بين العربية والفرعونية‪.‬‬
‫وما يقال عن الفراعنة يقال عن الشوريين والبابليين والفينيقيين‪ ،‬فهم جميعا ً‬
‫موجات خرجت من الجزيرة العربية وإنماعت في هذه المنطقة الممتدة من‬
‫العراق إلى الشام إلى مصر إلى أفريقيا‪ ،‬وإن هذه الموجات توالت في خلل‬
‫فترات طويلة من القرون المتوالية قبل السلم‪ ،‬وكانت ممهدة للموجة‬
‫السلمية الضخمة التي حملت لواء السلم والتي وجدت – عندما تمددت –‬
‫جذورا ً لها في هذه المنطقة‪.‬‬
‫السلم حول مجرى التاريخ‪:‬‬
‫أما النقطاع التاريخي بين ما قبل السلم وبين عصر السلم فإن أمره واضح‬
‫ويعترف به حتى من هو أشد المؤرخين الوربيين تعصبا ً فإن )هنري بيرين(‬
‫مؤلف كتاب )محمد – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وشارلمان( يقرر‪" :‬أن السلم‬
‫هو القوة الهائلة التي حولت مجرى التاريخ الوربي‪ ،‬وأن العصر الوسيط‬
‫والنهضة الحديثة‪ ،‬ثمرتان من ثمار السلم‪ ،‬وإن ما يقال من أن سقوط‬
‫المبراطورية الرومانية هو العامل المؤدي إلى هذا التحول في التاريخ هو‬
‫قول خاطئ فإن هذه الشعوب كانت من هوان الشأن‪ ،‬وضيق الحياة‪ ،‬إلى‬
‫درجة تجعلها تنظر إلى الرومان نظرة العبيد إلى السادة‪ ،‬فما كان يخطر لها‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫– بل ما كانت ترغب أبدا ً – في أن تناوئ روما وتقضي عليها"‪.‬‬


‫أما المسلمون فكانوا يعتقدون أنهم أرقى وأسمى من الرومان في جميع‬
‫أساليب الحياة‪ ،‬ولسيما من الناحية الدينية التي كانت مبعث قوتهم ومصدر‬
‫تربيتهم‪ ،‬فلم يحجموا عن منازلة الرومان ليقضوا على سطوتهم وسيادتهم‬
‫وقد ظلت الدولة الرومانية قائمة‪ ،‬وظلت حضارتها باقية‪ ،‬وكل ما حدث أن‬
‫انتقل مركزها الرئيسي من روما إلى بيزنطة "القسطنطينية" وأصاب حياتها‬
‫العقلية والمادية شيء من الركود والفساد‪.‬‬
‫ولكن لم تكد تهب )رياح السلم( وتسير ركائبه إلى أراضي اليونان‪ ،‬حتى‬
‫تلشى ما كان لهم من المعالم والثار‪ ،‬وقامت دول جديدة وظهرت حضارة‬
‫جديدة‪ ،‬حاصرت أوربا من الشرق والجنوب والغرب "بعد فتح الندلس"‪.‬‬
‫فاضطرت ملوكها إلى أن يوجهوا أنظارهم إلى الجزء الشمالي من أوربا حيث‬
‫قامت المعارك التي كتبت تاريخ أوربا في العصر الوسيط‪ .‬وإبان العصر‬
‫الحديث‪.‬‬
‫أما الجزء الجنوبي من أوربا فلم تقع فيه – في تلك العهود – معارك إل‬
‫معركة )بواتيه( التي انتصر فيها شارل مارتل على جيش الندلس بالخيانة‬
‫والغدر ل بالقوة والبأس‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فلول ظهور السلم لظلت المبراطورية الرومانية قائمة‪ ،‬وأن انتقل مركزها‬
‫من الغرب إلى الشرق‪ ،‬ولظل البحر البيض المتوسط بحرا ً رومانيا ً – بل قد‬
‫سمى فترة بحر الروم – ولما قامت الثورات القومية التي خلقت أوربا‬
‫الحديثة ول الثورات الفكرية التي تمخضت عنها الحضارة الراهنة‪.‬‬
‫وهكذا نجد أن السلم قد غير العالم كله‪.‬‬
‫صفحة جديدة‪:‬‬
‫لقد فتح السلم – حين جاء – صفحة للبشرية‪ ،‬من حيث "عالمية" الرسالة‬
‫وخلودها‪ ،‬ودعا المم القائمة إلى الدخول في دين الله‪ :‬لنه هو الدين الحق‪،‬‬
‫بعد أن زيف رؤساء الديان مفهوم التوحيد‪ ،‬ولقد أعلن السلم وحدة الدين‪،‬‬
‫ووحدة البشرية‪ ،‬والتوحيد الخاص‪ ،‬فحطم الوثنية والصنام‪ ،‬وعبادة غير الله‪،‬‬
‫وقدم للبشرية منهج الخاء النساني‪ ،‬فقضى على العبودية الفرعونية‬
‫والقيصرية‪ ،‬ودعا المسلمين إلى النظر في الكون فأنشأ )المنهج العلمي‬
‫التجريبي( الذي هو قاعدة الحضارة العالمية اليوم‪ ،‬ولقد استطاع السلم لنه‬
‫الفطرة والحق‪ ،‬وضياء النفس البشرية الصيل‪ ،‬أن يزحف في خلل قرن ول‬
‫يزيد‪ ،‬حتى سيطر على ثلث قارات آسيا وأفريقيا وأوربا‪ :‬من الصين إلى‬
‫حدود نهر اللوار على اللغات والديان‪ ،‬ونقل العالم كله إلى نور التوحيد‪ ،‬ونفذ‬
‫بأشعته إلى قلب أوربا‪ ،‬فحررها من الوثنية والرهبانية والمادية‪ ،‬وأدخلها إلى‬
‫عصر النهضة‪ .‬وبذلك كان السلم هو العامل الكبر‪ .‬الذي أدخل العالم كله‬
‫إلى العصر الحديث‪.‬‬
‫وعبر السلم الشاطئ الشرقي والجنوبي للبحر المتوسط فأدخله في السلم‬
‫كافة‪ ،‬وقامت فيه كلمة التوحيد وامتدت نحو آسيا فأخرجت القبائل التركية‬
‫فيما وراء النهر من الوثنية‪ .‬وواصلت زحفها إلى الصين‪ ،‬وفي الغرب اقتحم‬
‫السلم الندلس‪ ،‬ووصل إلى نهر اللوار ثم لم يلبث أن اقتحم من البلقان‬
‫حتى وصل إلى أسوار فينا‪ .‬بل تعداها إلى جبال الصرب والكروات‪.‬‬
‫ودخل الناس في دين الله أفواجًا‪:‬‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من هذا كله نجد أن الغسلم كان عامل انقطاع حضاري عميق المدى‪ .‬بين‬
‫حضارات الفراعنة والرومان والفرس والهنود‪ .‬فبعد ألف سنة عاشتها هذه‬
‫المنطقة بين يدي اليونان والرومان‪ .‬انداح فيها السلم‪ ،‬ولم تلبث بعد عقود‬
‫قليلة من الزمان‪ ،‬أن تحولت إلى رسالة التوحيد فنسيت لغاتها وأديانها ونحلها‬
‫القديمة وأقبلت على السلم إقبال ً تامًا‪ ،‬ومع أن السلم حين سيطر على‬
‫هذه المناطق لم يفرض عليها دينه‪ ،‬وإنما أقام حكمه العادل‪ ،‬وأفسح أهل‬
‫الكتاب الحرية الكاملة في حياتهم الدينية‪ ،‬وحمى معابدهم وفتح لهم آفاق‬
‫العمل في مختلف المجالت في سماحة ورحمة‪ ،‬غير أن الطوائف العربية‬
‫الداخلة في هذه البلد سرعان ما انصهرت في البيئات التي عاشت فيها‪ ،‬ولم‬
‫تستعمل عليها استعلء سلطان أو استعمار‪ ،‬وإنما تآخت معها وأصهرت إليها‪،‬‬
‫ومن ثم فقد دخل الناس في دين الله أفواجًا‪ ،‬عندما تبينوا أن ذلك الحكم‬
‫السمح العادل الذي حررهم من مظالم الرومان‪ ،‬هو من عند الله‪ ،‬لذلك فقد‬
‫دخلوا في السلم الذي كانت جذوره موجودة في أعماقهم وضمائرهم‪ .‬منذ‬
‫رسالة الحنيفية البراهيمية‪ .‬التي جددها محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬واتصل‬
‫بها بعد أن انحرفت‪ ..‬في مرحلة ما بينهما )ثم اوحينا إليك أن ابتع ملة إبراهيم‬
‫حنيفًا( النحل‪.23 :‬‬
‫ومن هنا فإن النقطاع ليس إل عن المرحلة القصيرة التي تعثر فيها طريق‬
‫الحنيفية العنصرية‪ ،‬وكان هذا أمرا ً طبيعيا ً في التاريخ فمصر العربية قد‬
‫انقطعت عن مصر البراهيمية‪ ،‬وكذلك فإن سوريا العربية قد انفصلت عن‬
‫سوريا الفينيقية‪ ،‬والعراق العربي قد انفصل عن العراق الشوري والبابلي‪،‬‬
‫وبالسلم عادت سيرتها الولى إلى الربط بين الحنيفية البراهيمية والحنيفية‬
‫المحمدية‪.‬‬
‫الجري ضد تيار التاريخ‪:‬‬
‫وحين جرت المحاولت في العصر الحديث لعادة البلد العربية إلى تاريخها‬
‫قبل السلم بإحياء الفرعونية والفينيقية والشورية‪ ،‬فشلت هذه المحاولت‬
‫فشل ً ذريعًا‪ ،‬لنها كانت تجرى ضد تيار التاريخ‪.‬‬
‫ويصور هذا المعنى العلمة علل الفاسي حين يقول "إن العمليات التاريخية‬
‫التي سبقت بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم لم تكن إل تمهيدا ً لبلغ‬
‫النسان رشده عن طريق إكمال الدين‪ ،‬بوجود محمد خاتم الرسل صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ولم يكن محمد صلى الله عليه وسلم بدعا ً من الرسل‪ ،‬فقد‬
‫سبقته نبوات ورسالت‪ ،‬كما سبقته دعوات ربانية تشمل كل بقاع العالم‪،‬‬
‫ولكنها لم توفق إلى البقاء‪ ،‬وأصابها النحراف الذي يستوجب أن تجدد وتصلح‬
‫ثم انفتحت آفاق التقدم النساني ففكان لبد أن يبعث الله الرسول الخاتم‪.‬‬
‫وكانت مهمة النبي صلى الله عليه وسلم أن يضع الناس في جو الرشد‬
‫المبني على العققل والروح‪ ،‬على القاب والجسم‪ ،‬ومن هنا فإن كل ما سبق‬
‫من عمليات التاريخكان يهدف لغاية واحدة هي وجود الرسول نفسه صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬وبذلك يصبح الماضي وكأنه ما قبل التاريخ‪ ،‬أما التاريخ‬
‫الصحيح فيبدأ بالمجتمع السلمي‪ ،‬والبشرية كلها مخاطبة لتسير وفق ما‬
‫ترشد إلى ناموس الكون وما بني عليه هذا المجتمع‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫هذه هي قصة الستمرارية والنقطاع في تاريخ العربية السلمية‪ ،‬انقطاعية‬


‫ألف سنة عن اليونان والرومان والوثنية‪ ،‬والحقيقة أن الستمرارية هي‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫استمرارية دين إبراهيم أبي النبياء‪ .‬وانقطاعية كل ما سواه من محاولت‬


‫عنرصةي وقبلية وعرقية وقومية‪ .‬حاولت أن تخرج بالرسالة الخالدة عن‬
‫هدفها الصيل وغايتها الكبرى‪.‬‬
‫ولذلك فليست هناك استمرارية فرعونية‪ ،‬أو بابلية‪ ،‬أو آشورية‪ ،‬أو فينيقية‬
‫وإنما هناك استمرارية التوحيد الخالص وميراث إبراهيم وإسماعيل وإسحق‬
‫ويعقوب والسباط وكلها على طريق الله الحق‪.‬‬
‫وذابت العراق‪:‬‬
‫لقد ذابت كل القوى التي حاولت أن تسيطر على المنطقة الحنيفية‬
‫البراهيمية‪ ،‬لقد ذهبت العنصرية وبقيت العقيدة الخالصة‪ ،‬وانصهرت القبلية‬
‫والعرقية كلها في دعوة الله الخالصة‪ .‬وأن الوحدة التي التقى عليها‬
‫المسلمون في مشارق الرض ومغاربها‪ .‬هي وحدة العقيدة والفكر والتوحيد‬
‫الخالص ولغة القرآن‪ .‬ولقد انهزمت كل عوامل العنصرية‪ .‬والعرقية أمام قوة‬
‫العقيدة والفكر‪ ،‬التي غلبت على فكرة الدم والنسب‪ .‬وغلبت لغة القرآن‬
‫على كل اللغات القديمة‪ .‬حتى اضطر النصارى إلى ترجمة أناجيلهم إلى اللغة‬
‫العربية بعد أن ماتت القبطية والسريانية والرامية التي كان المسيح عليه‬
‫السلم يتحدث بها إلى معاصريه‪.‬‬
‫إن الرتباط بين الحنيفية البراهيمية والرسالة المحمدية هو التصحيح السليم‬
‫للستمرارية‪ .‬بل هو التفسير الصيل للترابط الكيد الجامع بين عصور هذه‬
‫المنطقة وأجزائها الجغرافية والتاريخية‪ ،‬وهو ما تعمد المحاولت التغريبية‬
‫واليهودية إلى التأثير فيه‪ ،‬وذلك حين تشكك المصادر اليهودية‪ :‬في مجيء‬
‫إبراهيم إلى مكة وبنائه البيت الحرام مع إسماعيل وذلك بسوء نية‪ .‬وهم‬
‫يهدفون إلى نفي الرابطة الجامعة بين إبراهيم وإسماعيل‪ ،‬وبين محمد عليهم‬
‫الصلة والسلم ورسالة السلم الجامعة الخاتمة‪ .‬التي هي رسالة السلم‬
‫الممتدة منذ آدم عليه الصلة والسلم ونوح‪.‬‬
‫لقد عمد الستشراق إلى تزييف العلقة بين الحنيفية البراهيمية وبين‬
‫الغسلم‪ ،‬وإثارة الشكوك حول إبراهيم وإسماعيل عليهما السلم‪ ،‬على النحو‬
‫الذي قال به الدكتور طه حسين في كتابه الشعر الجاهلي حين أنكر وجود‬
‫إبراهيم وإسماعيل‪ ،‬بالرغم من ثبوت وجودهما في التوراة والقرآن وإن كانت‬
‫الحداث لم تلبث إن كشفت زيف ما دعا إليه طه حسين حريا ً وراء الصهيونية‬
‫في دعواها بعد ظهور الحفريات التي كشفت عن كثير من آثار إبراهيم‬
‫وإسماعيل وأبناء إسماعيل في شمال شبه الجزيرة العربية وحول الكعبة‪.‬‬
‫ومن السباب التي تدعو إلى إنكار الحنيفية البراهيمية‪ ،‬أنها يدخلها الكردي‬
‫والرشكسي والبربر والمسيحيون‪ ،‬وهم يهدفون إلى إعلء العنصريات للقضاء‬
‫على هذه الوحدة التي هي "عربية اللسان" ولقد أكد هذا المعنى رسول الله‬
‫صلى الله عليه في قوله‪:‬‬
‫"ليست العربية بأجدهم من أب ول أم وإنما هي اللسان فمن تكلم العربية‬
‫فهو عربي إل أن اللعربية اللسان إل أن العربية اللسان" رواه الحافظ ابن‬
‫عساكر بسنده من مالك‪.‬‬
‫دعوة البغضاء‪:‬‬
‫إن الدعوة المسمومة إلى إعادة بعث القليميات والعنصريات القديمة‪ ،‬إنما‬
‫تهدف إلى إذكاء البغضاء والحقاد بإثارة الفرقة‪ ،‬بينما تقوم استمرارية‬
‫الحنيفية السمحاء على وحدة الفكر والعقيدة‪ ،‬وهي الوحدة الحقيقية وليست‬
‫دعوى اللغة والتاريخ والرض التي يحمل أواءها العلمانيون الشعوبيون‪.‬‬
‫‪ ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...‬أنور الجندي‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫النهيار آية ونذير وعبرة‬


‫بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي‬
‫طائرتان تندفعان نحو مبنيي مركز التجارة العالمي في نيويورك ‪ ,‬فيتهاوى‬
‫ل مبنى مئة وعشرة طوابق‪ ,‬وفيهما بحدود‬ ‫المبنيان في وقت قصير‪ .‬ك ّ‬
‫خمسين ألف موظف ‪ .‬وطائرة ثالثة تنفجر على البنتاجون في واشنطن‪,‬‬
‫فتندلع فيه النيران‪ ,‬وتذهب بجزء هام منه ‪ .‬وطائرة رابعة تنفجر في بنسلفانيا‬
‫‪ ,‬وسيارة مفخخة تنفجر‬
‫عند وزارة الخارجية ‪ .‬ذلك مع صباح يوم الثلثاء ‪23/6/1422‬هـ الموافق‬
‫‪11/9/2001‬مـ‬
‫الساعة التاسعة صباحا ً بتوقيت واشنطن‪ ,‬حين يتدافع الموظفون إلى‬
‫أعمالهم في مركز التجارة العالمي‪ ,‬وينطلق النشاط في كل مكان ‪ ,‬والناس‬
‫يحسبون أنهم آمنون ويمضون مطمئنين ‪ ,‬ل يقلقهم إل السعي اللهث وراء‬
‫الدنيا وزينتها وتنافسها‪ ,‬وهم أبعد ما يكونون عن تصور هذا الحادث المروع أو‬
‫توقعه ‪ ,‬في هذا الوقت انفجرت أمريكا والتهبت في أخطر مواقعها التجارية‬
‫والسياسية والعسكرية ‪ :‬مركز التجارة العالمي والبنتاجون ووزارة الخارجية ‪.‬‬
‫ستبدأ الجهزة تبحث عن الفاعلين ‪ ,‬وستضع كل إمكاناتها وفكرها وأعصابها‬
‫للكشف عن الذين نفذوا هذه العملية الرهيبة ‪ .‬وسيقوم بذلك أكثر من بلد‬
‫وقطر ‪ ,‬ليس أمريكا وحدها ‪ ,‬فإنكلترا وفرنسا وألمانيا والتحاد الوروبي ودول‬
‫أخرى ‪ ,‬كلها أعلنت عن استعدادها للمشاركة في البحث والتنقيب ‪ ,‬وبناء‬
‫حلف يعلن الحرب على" الرهاب " في العالم كله ‪.‬‬
‫شَغلون في البحث والظن والتخمين ‪ ,‬وستمضي الشاعات‬ ‫سيمضي الناس ي ُ ْ‬
‫تمتد وتنتشر بين مؤيد ومنكر‪ ,‬وستهيج العواطف هنا وهناك تخوض في‬
‫ميادين كثيرة من الظنون والستنتاجات ‪.‬‬
‫كر بقضاء الله وقدره ‪ ,‬قضاؤه‬ ‫ولكن كثيرا ً من الناس قد يغيب عن بالهم التف ّ‬
‫النافذ ‪ ,‬وقدره الغالب ‪ ,‬وحكمته البالغة ‪ .‬فما من شيء في الكون ‪ ,‬صغير أو‬
‫كبير ‪,‬إل وهو خاضع لقضاء الله وقدره وحكمته ‪ ,‬سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫"والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه ل يقضون بشيء إن الله هو‬
‫السميع البصير " ] غافر‪[ 20:‬‬
‫العاقل يقف ليتأمل ويتدبر ‪ ,‬ليرى في هذا الحادث الرهيب آية من آيات الله‬
‫ينذر بها الله الناس جميعًا‪ ,‬وينذر الظالمين في الرض جميعا ً ‪ ,‬وليرى أن‬
‫قضاء الله نافذ ل يفلت منه أحد أبدا ً ‪ ,‬مهما استعصم بالبروج والناطحات‬
‫والجهزة والعلم ‪:‬‬
‫ً‬
‫" أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون ‪ .‬أو أمن أهل القرى أن‬
‫يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون ‪ .‬أفأمنوا مكر الله فل يأمن مكر الله إل القوم‬
‫الخاسرون ‪ [".‬العراف ‪] 99-97:‬‬
‫هي غفلة الناس وهم يمضون في حياتهم الدنيا ‪ ,‬يمضون بظلمهم وإفسادهم‬
‫واتباع أهوائهم مبتعدين عن شرع الله ودينه ‪:‬‬
‫"وكأين من آية في السموات والرض يمرون عليها وهم عنها معرضون ‪ .‬وما‬
‫يؤمن أكثرهم بالله إل وهم مشركون ‪ .‬أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب‬
‫الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم ل يشعرون ‪ ] ".‬يوسف ‪[107-105:‬‬
‫ويمضي قدر الله على سنن لله ثابتة ‪ ,‬نعلم بعضها مما عّلمنا الله أو هدانا‬
‫ي عنا ‪ .‬ومن سنن الله في هذه الحياة الدنيا‬ ‫إليه ‪ ,‬ونجهل بعضها مما هو مخف ّ‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نماذج شتى من صراع الشعوب والمم ‪ :‬فحرب بين المؤمنين والظالمين ‪,‬‬
‫وحرب بين الظالمين بعضهم ببعض ‪ ,‬وحرب بين المؤمنين ‪:‬‬
‫" قاتلوا الذين ليؤمنون بالله ول باليوم الخر ‪[29] ".......‬‬
‫" وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ‪] ".................‬الحجرات ‪[9:‬‬
‫" وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون" ]النعام‪[129:‬‬
‫قوى الكون كله ‪ ,‬إنسه وجنه وملئكته ‪ ,‬سماؤه وأرضه ‪ ,‬كلها بيد الله الذي ل‬
‫إله إل هو ‪ ,‬كلها جنود الله ‪:‬‬
‫"‪ ..‬وما يعلم جنود ربك إل هو وما هي إل ذكرى للبشر" ] المدثر‪[ 31:‬‬
‫العاقل ينظر في آيات الله ‪,‬فيخشع ويتوب ! يجب على أمريكا أن تكون أول‬
‫من يقف ليتدبر ‪ ,‬ولترى كم أخذها الكبر والغرور والصلف ‪ ,‬حتى بلغ بها‬
‫الذروة ‪ ,‬وظنوا أنهم في مأمن من أي عادية من عوادي اليام ‪.‬‬
‫لقد قال نيكسون في كتابه ‪ :‬نصر بل حرب ‪" :‬إنا أمسكنا بناصية المستقبل‬
‫وزمامه بأيدينا ‪ ! "....‬نسي الله ‪ ,‬ونسي أن الله وحده يملك المستقبل‬
‫والماضي والحاضر ‪:‬‬
‫"‪..‬نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون " ] الحشر‪[ 19:‬‬
‫ً‬
‫لقد اعتبروا أن العلم وحده هو الذي يحميهم وينصرهم ‪,‬فجعلوا منه وثنا يعبد‬
‫من دون الله ‪ ,‬وسموه ‪":‬الِعلمانية ‪ . ”Scientism‬وجعلوا الدنيا كذلك والعالم‬
‫المادي غاية آمالهم وميدان علمهم ‪ ,‬وجعلوا منه وثنا ً آخر يعبدونه من دون‬
‫الله ‪,‬‬
‫وسموه " الَعلمانية ‪ . ”Secularism‬فرحوا بالدنيا وبما عندهم من العلم ‪,‬‬
‫وظنوا أن ل أحد يقدر عليهم ‪:‬‬
‫"فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا‬
‫به يستهزئون ‪ .‬فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به‬
‫مشركين ‪ .‬فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في‬
‫عباده وخسر هنالك الكافرون " ] غافر ‪[ 85-83:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لو أنهم يقفون هنيهة يتأملون موقفهم في مؤتمر "ديربان " الخير لمحاربة‬
‫العنصرية ‪ ,‬أو موقفهم من قضية فلسطين ‪ ,‬وكيف آزروا الظلم وقاوموا‬
‫الحق والعدل ‪ ,‬وما هزهم مصرع الطفال ‪ ,‬وتشريد العائلت من بيوتهم‬
‫‪,‬وهدم البيوت على أصحابها ‪ ,‬والختطاف والغتيال وسائر الجرائم الوحشية‬
‫التي ترتكب كل يوم ‪ ,‬أو يتذكرون دموع الثكالى وأنات الجرحى وصيحات‬
‫الستغاثة ‪ ,‬لو فعلوا ذلك لذهب بعض كبرهم وتراجعوا عن كثير من غيهم‬
‫وظلمهم ‪.‬‬
‫لو أنهم يقفون هنيهة يتذكرون ما ارتكب من مآسي ومجازر وانقلبات في‬
‫نواحي متعددة من الرض ‪ ,‬وما سببوا من كوارث ‪ ,‬سواء في العالم‬
‫السلمي ‪ ,‬وأمريكا اللتينية ‪ ,‬وبعض بلدان آسيا ‪ ,‬واليابان ‪ ,‬وغيرها وغيرها‬
‫مما يصعب حصره الن ‪ ,‬وما فعلوه بالمسلمين الفارقة حين ساقوهم‬
‫بالسلسل عبيدا ً يستذلونهم ‪ ,‬ويستحلون إذلل كل كرامة وضعها الله في‬
‫النسان ‪ ,‬أو ما فعلوه بالهنود الحمر أصحاب البلد الشرعيين ‪ ,‬أو ما فعلوه‬
‫في شعوبهم حين خدروهم بشعار الحرية المتفلتة الكاذبة ‪ ,‬وحرية الجنس‬
‫والفاحشة والخمور وسائر الموبقات ‪ ,‬لو يقفون هنيهة ليتذكروا مآسي‬
‫الجرحى والمشوهين ‪ ,‬وصيحات الهلع والستغاثة ‪ ,‬وأشلء الطفال والشيوخ‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والنساء والرجال ‪ ,‬منثورة في الرض كلها ‪ ,‬لو يقفون قليل ليحاسبوا أنفسهم‬
‫‪ ,‬لعلهم ُيفيقون من سكرة الكبر والغرور ‪ ,‬وفتنة العلم وزينة الدنيا وزخرفها ‪.‬‬
‫في باطن الرض رفات المليين من البشر المظلومين ‪ ,‬غابوا تحت الثرى ‪,‬‬
‫ل حبة تراب أو بقية من رفات مرتبطة بأرواحهم في عالم‬ ‫ولكن لم تزل ك ّ‬
‫الغيب ‪ ,‬تشكو إلى الله ما لقته من ظلم وقهر وذل على أيدي الظالمين ‪.‬‬
‫لتقف أمريكا ولتقف الدول الوروبية ولتقف روسيا وكل الدول التي اعتدت‬
‫في تاريخها على شعوب أخرى ‪ ,‬فظلمتها ونهبت خيراتها وتركتها فقيرة نهب‬
‫الجوع والمرض ‪ ,‬ولينظروا ما كسبته أيديهم من مظالم في الرض ‪ .‬هل‬
‫يمكن لنكلترا أن تنسى ما فعلته في الهند وغيرها من بقاع الرض ؟ هل‬
‫يمكن لفرنسا أن تنسى ما فعلته في شمال أفريقيا ؟ وما فعلته إيطاليا؟‬
‫وهل تنسى روسيا ما فعلته سواء في العهد القيصري أو العهد الشيوعي ؟‬
‫ل الدول ممن ذكرنا وممن لم نذكر‬ ‫ك ّ‬
‫يجب أن يراجعوا أنفسهم ويحاسبوها قبل فوات الفرصة ‪:‬‬
‫" وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم ل تنصرون‬
‫‪.‬واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم‬
‫ل تشعرون ‪ .‬أن تقول نفس يا حسرَتى على ما فرطت في جنب الله وإن‬
‫كنت لمن الساخرين ‪ ] " .‬الزمر ‪[ 56-54:‬‬
‫من أجل أبنائكم وذرياتكم ومستقبلهم ومستقبل الجيال القادمة ‪ ,‬تجب هذه‬
‫الوقفة اليوم مع هذه الحادثة المروعة ‪ ,‬وليعلموا أن الله لن يفلت أحد من‬
‫عقابه‪ ,‬وإنما يأخذ الناس ‪ ,‬كل الناس ‪ ,‬بما كسبت أيديهم ويعفو عن كثير ‪:‬‬
‫" ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي‬
‫عملوا لعلهم يرجعون ‪ ] ".‬الروم ‪[ 41:‬‬
‫" ولنذيقّنهم من العذاب الدنى دون العذاب الكبر لعلهم يرجعون ‪".‬‬
‫] السجدة‪[ 21:‬‬
‫ن الظالمين في الرض والمجرمين قد ل يجدون من‬ ‫والقضية الخرى أ ّ‬
‫كرهم أو يدعوهم إلى صفاء السلم وصفاء اليمان والتوحيد ‪,‬‬ ‫ينصحهم أو يذ ّ‬
‫كما ُأنزل عل محمد صلى الله عليه وسلم ‪,‬أو ينذرهم بعذاب الله في الدنيا‬
‫والخرة ‪ ,‬حين يصمت المسلمون ‪ ,‬أو يخشى الصالحون ‪ ,‬أو ينحرف‬
‫المصلحون ‪ ,‬أو يهون المستضعفون ‪ .‬وفي جميع الحالت ‪ ,‬ستظل سنن الله‬
‫جة يوم القيامة على كل‬ ‫ماضية ‪ ,‬ابتلء منه سبحانه وتعالى ‪ ,‬حتى تقوم الح ّ‬
‫إنسان وكل شعب وكل أمة ‪.‬‬
‫لحظات يقف فيها المستكبرون في الرض والظالمون مع أنفسهم ‪ ,‬ليراجعوا‬
‫ما صنعته أيديهم من شقاء للنسان في ظل الحضارة العلمانية والعولمة‬
‫والديمقراطية والحداثة ومذاهبها ‪ .‬لحظات يسترجعون فيها التاريخ ليروا كم‬
‫ملوا في آيات‬ ‫حملت أنفسهم من شهوة الظلم والعدوان والستعلء ‪ ,‬وليتأ ّ‬
‫الله البّينات ‪:‬‬
‫ذبين ‪ ] ".‬النعام‪:‬‬ ‫" قل سيروا في الرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المك ِ‬
‫‪[ 11‬‬
‫ولن يفيد الضعفاَء المستضعفين شيٌء من الندامة يوم القيامة ‪ .‬سيؤخذون‬
‫كما أخذ أسيادهم ‪:‬‬
‫ً‬
‫"وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل‬
‫أنتم مغنون عنا نصيبا ً من النار‪ ] ".‬غافر‪[ 47:‬‬
‫إن هذه الحادثة العاصفة على أمريكا ‪ ,‬الحادثة التي تجاوزت خيال المظلومين‬
‫في الرض ‪ ,‬نقف أمامها خاشعين لله في رهبة وإنابة أمام عظمة الله وجلله‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .‬لقد جاءت نذيرا ً للناس كّلهم ‪ ,‬للظالمين والمظلومين ‪ .‬وقد تكون هذه نذيرا ً‬
‫للبشرية كلها ‪ ,‬حين يأخذ الله الناس والقرى بعذاب أشد ‪:‬‬
‫"وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد‪ ] ".‬هود‪:‬‬
‫‪[ 102‬‬
‫ي المصير " ] الحج‪:‬‬
‫"وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإل ّ‬
‫‪[ 48‬‬
‫ل ماضية مع الزمن كله ‪:‬‬ ‫وهذه سنة الله ماضية في جميع العصور ‪ ,‬وستظ ّ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫"فكل ً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ً ومنهم من أخذته الصيحة‬
‫ومنهم من خسفنا به الرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن‬
‫كانوا أنفسهم يظلمون "[العنكبوت‪]40:‬‬
‫ول عاصم من أمر الله ‪ ,‬ول ملجأ منه إل إليه ‪ .‬والذين يعتصمون بغير الله‬
‫فل عاصم لهم ‪ ,‬وكل ما يعتصمون به من دون الله هو أوهن من بيت‬
‫العنكبوت‪:‬‬
‫ً‬
‫مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن‬
‫البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ‪ ] ".‬العنكبوت‪[ 41:‬‬
‫وإني لعجب أشد العجب لماذا تصر أمريكا على استثارة الشعوب ضدها‬
‫بظلمها وكبرها وغرورها ‪ ,‬وعدوانها الظالم ‪ .‬لماذا تزرع هنا حقدا ً عليها وهناك‬
‫حقدا ً عليها ‪,‬حين تعتبر أن مصلحتها وحدها فوق كل مصلحة ‪ ,‬وحين تتخذ كل‬
‫يوم ميزانا مختلفا ً ‪ ,‬وحين تنصر الباطل وتقاوم الحق ‪ .‬لقد تعرضت أمريكا‬
‫إلى هجوم بعد هجوم خلل العشرين سنة الماضية ‪ .‬فانظر إلى هذه القائمة‬
‫من الحوادث التي تعرضت لها ‪:‬‬
‫‪-1‬انفجار بإحدى القواعد المريكية في بيروت ‪ ,‬أسفر عن مقتل ‪ 340‬ضابطا ً‬
‫وعسكريا ً ‪ ,‬سنة ‪.1983‬‬
‫‪-2‬تفجير طائرة فوق لو كربي ‪ ,‬لقي ‪ 270‬راكبا ً مصرعهم معظمهم أمريكيون‬
‫سنة ‪. 1988‬‬
‫‪-3‬انفجار قنبلة في موقف للسيارات عند مركز التجارة العالمي أسفر عن‬
‫مصرع ستة أشخاص وإصابة ألف آخرين ‪.‬‬
‫‪-4‬انفجار بمدينة أوكلهما قام به يموثي ماكفاي ‪ ,‬أسفر عن مقتل ‪168‬‬
‫شخصا ً ‪ ,‬سنة ‪. 1995‬‬
‫‪-5‬انفجرت شاحنة أمريكية ‪ ,‬أسفرت عن مقتل ‪ 19‬أمريكيا ً ‪.‬‬
‫‪-6‬تفجير السفارتين المريكيتين في نيروبي ودار السلم ‪ ,‬أسفر عن مقتل‬
‫‪ 224‬شخصا ً وإصابة آلف ‪ ,‬سنة ‪. 1998‬‬
‫ً‬
‫‪-7‬حادثة المدمرة كول في اليمن ‪ ,‬ومقتل ‪ 17‬شخصا ‪.‬‬
‫ن أمريكا‬‫ول يقتصر المر على أمريكا ‪ ,‬فسنن الله ماضية على الجميع ‪ .‬ولك ّ‬
‫تفردت بالزعامة الدولية ‪ ,‬فأصبحت هي المسؤولة الولى عن المظالم بما‬
‫اتخذته من مكاييل متعددة غير عادلة ‪ ,‬وبما حملته من كبر وغرور وعدوان‬
‫ظالم ‪.‬‬
‫ل ندري من قام بالتخطيط والتنفيذ لهذا العمل المفجع ‪ ,‬الذي راح ضحيته‬
‫كثير من المدنيين ‪ .‬ولكنها السنة التي سّنها الظالمون في الرض ‪ ,‬حين‬
‫أزهقوا أرواح المليين من المدنيين في الرض ‪ ,‬من نساء وأطفال وشيوخ‬
‫ممن ل علقة لهم بالصراع في مناطق كثيرة من العالم ‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قد تفلح أمريكا بالقبض على من ي ُّتهمون بهذا الحادث ‪ .‬أما المنفذون فقد‬
‫ذهبوا مع سائر الضحايا ‪ .‬أما المخططون فلو قبض عليهم فهل سينتهي ما‬
‫يسمونه الرهاب ؟ لو ُقتلوا أو سجنوا أو مّزقوا إربا ً ‪ ,‬فهل سينتهي الرهاب ؟‬
‫لو اجتمعت دول أوروبا كلها وروسيا واليابان والصين وغيرها من الدول‬
‫لتتعقب من يّتهمونهم بالرهاب ‪ ,‬فلن يتوقف ما يسمونه الرهاب ‪ ,‬لسباب‬
‫عدة ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬يجب أن يوقفوا الرهاب أول ً في أنفسهم ‪ ,‬فإن أيديهم ما زالت تقطر‬
‫من دماء ضحاياهم ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪:‬يجب أن يوقفوا إثارة الحقاد وزرعها في نفوس شعوبهم ضد الشعوب‬
‫الخرى بغير حق ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪:‬يجب أن يوقفوا أعمال الرهاب التي يمارسونها في الرض هم‬
‫أنفسهم ‪,‬‬
‫في نواحي كثيرة من الرض ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬يجب ان يكون لديهم ميزان عدل أمين يزنون به المور كلها ‪ ,‬حتى ا ل‬
‫يظلموا قوما ً على حساب قوم آخرين ‪.‬‬
‫موه حتى أعاده الله عليهم ‪ .‬وليس‬ ‫لقد غرسوا الرهاب في الرض ورعوه ون ّ‬
‫أمامهم من سبيل إلى إيقاف الرهاب وشهوة الظلم في أنفسهم إل سبيل‬
‫واحد ‪ ,‬سبيل السلم الحق ‪ ,‬دين الله الواحد ‪ ,‬دين نوح و إبراهيم وإسماعيل‬
‫وإسحق ويعقوب وموسى وعيسى وجميع النبياء والمرسلين عليهم السلم ‪,‬‬
‫ودين خاتم النبياء والمرسلين محمد صلى الله علي وسلم ‪ .‬إنه الدين الواحد‬
‫الحق الذي ل يقبل الله من أحد سواه ‪:‬‬
‫"إن الدين عند الله السلم وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إل من بعد ما‬
‫جاءهم العلم بغيا ً بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب ‪ ] ".‬آل‬
‫عمران‪[ 19:‬‬
‫وإني لعجب أشد العجب من كبر الظالمين بعامة ‪ ,‬يأتيهم النذير بعد النذير‬
‫ليقرع آذانهم وقلوبهم ‪ ,‬فل تجد من سامع ول واع ‪ :‬الطوفان بعد الطوفان‬
‫والفيضانات التي تبتلع اللف من الضحايا ‪ ,‬والبراكين بعد البراكين ‪ ,‬والزلزل‬
‫التي تبتلع الرض بها العمائر والمخلوقات ‪ ,‬والعاصير التي تقتلع الشجار‬
‫ل ما تلقاه في طريقها ‪ ,‬والحرائق التي تمتد فتأكل الشجار في‬ ‫وتسحق ك ّ‬
‫مساحات واسعة جدا ً ‪ .‬نذر من عند الله تمتد في أحداث الكون وحياة‬
‫مل‬ ‫الناس ‪ ,‬وكتاب الله يحفظه الله ليكون النذير الممتد إلى يوم القيامة ! ث ّ‬
‫يفيق الظالمون المجرمون من سكرتهم وكبرهم ‪.‬‬
‫إذا كان الدافع لهذا العمل هو الحقد والغيظ ‪ ,‬فإن السلوب المعلن عنه‬
‫أسلوب ممتلئ بالحقد والكراهية العمياء ‪ ,‬كما تكشف وسائل العلم ‪,‬‬
‫الغضب والحقد والغيظ ‪ .‬حقد يدفع حقدا ً ‪ ,‬وتظل المصائب تتوالى دون توقف‬
‫‪ .‬السبيل الوحيد أن توقفوا الظلم كله ‪ .‬ولن يوقفه إل السلم كما ُأنزل على‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم دون تحريف ول تبديل ! أوقفوا الظلم في‬
‫أنفسكم وفي أعمالكم ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫انظر إلى هذه المجتمعات العلمانية الغربية التي تغنت طويل ً بالشعارات كيف‬
‫فت وراء زخرف الشعارات ‪,‬‬ ‫كان أول رد ّ فعل لها ! هذه المجتمعات التي تخ ّ‬
‫من حقوق النسان و والعدالة ‪ ,‬والحرية ‪ ,‬والخاء والمساواة ‪ ,‬والديمقراطية‪,‬‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫انظر كيف تنهار كل هذه الشعارات في لحظات وتدوسها شعوبهم تحت‬


‫أقدامهم ‪,‬‬
‫لينطلقوا في عدوان أثيم بعد عدوان على المسلمين والعرب في ديارهم ‪,‬‬
‫حتى أولئك الذين يحملون جنسياتهم ‪ ,‬والذين خدموا مجتمعاتهم طويل ً ! انظر‬
‫إلى التهديدات والمطاردات والعتداءات على المساجد في أمريكا وإنكلترا‬
‫جدِ كثيرا خطبة الرئيس بوش وهو يعظ قومه بضرورة‬ ‫وألمانيا وغيرها ‪ .‬ولم ت ُ ْ‬
‫احترام السلمين ‪.‬‬
‫انظر إلى مستوى العدالة والقضاء في أمريكا لدى قمة المسؤولية ‪:‬يحددون‬
‫المتهم ويصدرون الحكام قبل أي محاكمة وقبل استكمال التحقيق ‪ .‬ويأخذ‬
‫القضاء في أمريكا إجازة طويلة ! يتهمون أناسا ً طواهم الردى ‪ ,‬وأناسا ً لم‬
‫يدخلوا أمريكا ‪,‬‬
‫وأناسا في أعمالهم في بلدهم ربما لم يكن قد وصلهم النبأ بعد ‪ .‬اتهامات‬
‫تلقى يمينا وشمال استهتارا ً بكل حقوق النسان والقوانين والشرائع ‪.‬‬
‫حد ّد ْ معنى ثابت‬
‫ما هو الرهاب الذي يريدون محاربته ؟ حتى الن لم ي ُ َ‬
‫للرهاب ‪ ,‬مما يفتح المجال لرتكاب أبشع الجرائم وأبشع أنواع الرهاب تحت‬
‫هذا المصطلح العائم ‪ .‬وربما تتحول القضية إلى غزو عدواني ظالم للعالم‬
‫السلمي ‪ ,‬وتنفيذ مخطط كان مطويا ً ينتظر التنفيذ ‪.‬‬
‫يتحدث بعض الكتاب الغربيين عن ترّدي الواقع القتصادي في أمريكا وفي‬
‫معظم دول أوروبا واليابان ‪ .‬وتحدث بعضهم متهما بعض المسؤولين‬
‫المريكان بالتخطيط لثارة حرب واسعة ضد السلم ‪ ,‬كوسيلة لمعالجة‬
‫الواقع المتردي الذي يعانون منه ‪ .‬لقد كتب" ليتدون لروش" في النترنت‬
‫وفي محاضرة له في نيويورك حول هذا الموضوع بشيء من التفصيل عن‬
‫العلقة بين تدهور الوضع القتصادي وبين نزعة الحرب لدى بعض المسؤولين‬
‫في أمريكا وأوروبا ‪ .‬وقد نشرت كلمته ‪Executive Intelligence Review":‬‬
‫‪. ”EIR‬‬
‫فذه ؟ حتى الن لم يكشف إل عن‬ ‫من الذي خطط لهذا العمل ؟ من الذي ن ّ‬
‫اتهامات وظنون ل تحمل معها البّينة والدليل ‪ .‬ويكاد يشعر النسان أن الذي‬
‫يعمل الن هو الظنون والهواء والرغبات الدفينة في النفوس ‪ ,‬والعتزاز‬
‫بقوة السلح المدمر يرهبون به العالم ‪ ,‬وأن العدل والقضاء والقيم في إجازة‬
‫طويلة ‪ ,‬وأن هذه الجازة كانت قد بدأت منذ عهد بعيد ‪.‬‬
‫إذا كنا نريد أن نحكم بالظن وحده ‪ ,‬كما يبدو أنهم يفعلون ‪ ,‬فإننا نّتهم‬
‫العصابات القوية المدّربة في أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وأوروبا‬
‫واليابان ‪ ,‬ممن أصبحوا متغلغلين بقوة في مجتمعاتهم ‪ ,‬عارفين بدقائق‬
‫المور فيها وفي أجهزتها ‪ .‬لقد نشرت إحدى الصحف قبل أيام من حادث‬
‫التفجير صورة أحد قادة عصابات تهريب المخدرات ‪ ,‬ونشرت معها قوله ‪ :‬إن‬
‫حوكمت وسجنت فسأحرق أمريكا ! وأعتقد أن أشد الناس حقدا ً على أمريكا‬
‫فذة‬‫وكبرها هم أمثال هؤلء ‪ .‬هؤلء ل ينالهم التحقيق ‪ ,‬فهم في حمى قوى متن ّ‬
‫كثيرة في أمريكا وأوروبا ‪.‬وهذا كار لوس يدعو من سجنه في فرنسا إلى‬
‫هجمات ضد إسرائيل وأمريكا ‪ ,‬وذلك في جريدة الشرق الوسط الخميس‬
‫‪30/8/2001‬مـ العدد ‪ . 8311‬وإن أكثر من أمر يشير بإصبع التهام إلى هؤلء‬
‫وإلى دولة اليهود والحركة الصهيونية وأجهزتها التي ترتكب الجرائم في‬
‫الرض كلها وفي قلب أمريكا نفسها ‪ .‬إن دولة اليهود هي من أشد الدول‬
‫إجراما ً وعدوانا ً ‪ ,‬وهي الدولة التي يرعاها الرهابيون في العالم ‪.‬‬
‫إن انهيار البرجين من ذروتهما حتى القاع ‪ ,‬وانهيار أسس العدالة والقضاء ‪,‬‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والتهديد بقوة سلح التدمير الشامل الذي يحّرمونه هم أنفسهم ‪ ,‬نذير بانهيار‬
‫حضارة الجنس والفساد والفاحشة والخمور ‪ ,‬الحضارة التي تنمو وتترعرع‬
‫في حضن العلوم والصناعة ومبادئ العلمانية والحداثة والديمقراطية !‬
‫إننا نأسى ونحزن حين تصل البشرية إلى هذا الدرك من النهيار والصراع‬
‫الوحشي ‪ ,‬واستباحة كل القيم في فلسطين بجرائم اليهود التي تجاوزت كل‬
‫حد ‪ ,‬تحت رعاية أمريكا ودعمها وتشجيعها ‪ ,‬ورعاية سائر الدول الكبرى ‪ .‬لقد‬
‫امتدت الجريمة في الرض حتى أصبحت جرائم فردية وجماعية ودولية ‪ ,‬تنمو‬
‫في رعاية دولية ‪ ,‬يغذيها تنافس الدنيا بين الظالمين ‪ ,‬وتنافس المصالح‬
‫المادية والشهوات الجرامية والهواء المجنونة المتفلتة من كل رباط ‪.‬‬
‫النتقام العمى والتسرع وردود الفعل ‪ ,‬يذهب بالعدالة والحق ويضاعف‬
‫الجرائم والكوارث في الرض ‪ .‬وليس للبشرية من منجى إل بالسلم والتوبة‬
‫الصادقة إلى الله ‪.‬‬
‫فإلى السلم أيها الغافلون !‬
‫إلى صفاء اليمان والتوحيد أيها الجاهلون !‬
‫إلى الحق والعدل أيها المستكبرون !‬
‫إلى التوبة إلى الله أيها الظالمون !‬

‫)‪(4 /‬‬

‫من الذي زرع الحقاد في القلوب ‪ ,‬ومن هو المسؤول عن ذلك ؟! إن الظلم‬


‫الممتد في التاريخ البشري ‪ ,‬الظلم الذي تقوده عصابات الجرام ‪ ,‬هي‬
‫المسؤولة عن ذلك ‪ .‬إنهم المستكبرون الظالمون المجرمون المعتدون ‪ ,‬كما‬
‫وصفهم الله سبحانه وتعالى في كتابه المبين ‪ .‬إنه العلم الجرامي الذي‬
‫غرس الحق على السلم والمسلمين في قلوب جاهلة قرونا ً طويلة ‪ ,‬وكأنه‬
‫كان يعطى للوليد مع الرضاعة ‪.‬‬
‫لم يعرف التاريخ البشري أرحم من السلم‪ ,‬ول أعدل منه ‪ ,‬السلم الذي‬
‫دد قواعد القتال والجهاد في سبيل‬ ‫غسل القلوب باليمان والتوحيد ‪ ,‬والذي ح ّ‬
‫الله تحديدا ً دقيقا ً ‪ ,‬حتى يظل الجهاد في سبيل الله شرعا ربانيا ينشر الحق‬
‫والعدل والمن في حياة الناس جميعا ً ‪ ,‬ول يأخذ إل الظالمين على ميزان‬
‫رباني دقيق عادل أمين ‪.‬‬
‫إن الظلم في غياب المنهاج الرباني والشرع الرباني هو أساس الفساد‬
‫والفتنة والجرام في الرض ‪ .‬والظلم هو أساس الشرك بالله ‪ ,‬وهو الذي‬
‫يحرك الحقاد ويثير الحروب ‪.‬‬
‫وما زالت وسائل العلم ترّدد التهديدات على العرب والمسلمين ‪ ,‬وتثير‬
‫دهم ‪ ,‬وكأن القضاء ما زال في إجازة ‪.‬‬‫الحقاد والكراهية ض ّ‬
‫مهما كان هول هذا الحادث ‪ ,‬فإنه أهون بكثير من أهوال يوم القيامة ‪ ,‬ومن‬
‫أهوال نار جهنم ‪ ,‬ل يصلها إل الظالمون ! إلى هناك يجب أن تّتجه القلوب‬
‫والنظار ‪ ,‬قلوب الجميع وأنظارهم ‪ ,‬لتنمو الخشية من الله ‪ ,‬ويحسب لكل‬
‫خطوة حسابها ‪.‬‬
‫ً‬
‫وإذا كان هذا الحادث المروع نذيرا لهؤلء وهؤلء وآية وعبرة لهم ‪ ,‬فإنه نذير‬
‫للمسلمين وآية لهم وعبرة كذلك ‪ .‬بل المسلمون يجب أن يكونوا أول من‬
‫يعتبر ويقف ويتأمل ! يجب على المسلمين أن يقفوا وقفة طويلة ‪ ,‬ليروا كم‬
‫صروا في جنب الله ‪ .‬يرى المسلمون أنفسهم‬ ‫خالفوا منهاج الله ‪ ,‬وكم ق ّ‬
‫اليوم في ضعف وذّلة وهوان ‪ ,‬مستهدفين من كثير من الدول ‪ ,‬ومعرضين‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لكثير من أنواع الخطار والذلل والعدوان والجتياح الظالم ‪ ,‬وحسبك ما‬


‫حدث وما يحدث في فلسطين والبوسنة والهرسك وكشمير والشيشان‬
‫وغيرها ‪ .‬يجب أن يقفوا لينظروا ما كسبته أيديهم من فرقة وتمزق وصراع ‪,‬‬
‫مخالفين بذلك أمر الله إليهم ‪ .‬لقد ظلم المسلمون أنفسهم ظلما ً كبيرا ً ‪,‬‬
‫حين لم يتمسكوا بالكتاب والسنة ‪,‬وتفرقوا شيعا ً وأحزابا ً ومذاهب شتى‬
‫تتناحر ‪ ,‬فتخلفوا علما ً وصناعة وقوة وإعدادا ً ‪ ,‬وأصبح كل حزب بما لديهم‬
‫فرحين ‪ ,‬فرحة لم تغن عنهم من الله شيئا ً ‪ ,‬ولم تورثهم إل المذلة والهوان ‪.‬‬
‫في هذه اللحظات الحرجة ‪ ,‬نعيد ما سبق أن نصحنا به طويل ً ‪ ,‬نعيد ونؤكد أن‬
‫علينا أن نحاسب أنفسنا ‪ ,‬ونغّير ما فيها من انحراف عن الصراط المستقيم ‪,‬‬
‫ومن اتباع الهوى ‪ ,‬والتقصير الكبير بأداء المانة التي نحملها ‪ .‬يجب أن يتذكر‬
‫مروا بأن ينهضوا ليبّلغوها إلى الناس‬ ‫ُ‬
‫المسلمون أنهم حملة رسالة ربانية ‪ ,‬أ ِ‬
‫خِلقوا للوفاء بها ‪,‬‬ ‫كافة ويتعهدونهم عليها ‪ ,‬وأن هذه هي جوهر المانة التي ُ‬
‫جِعلت لهم ‪ ,‬والعمارة التي‬ ‫ُ‬
‫مروا بها ‪ ,‬والخلفة التي ُ‬‫وجوهر العبادة التي أ ِ‬
‫ك ُّلفوا بها ‪.‬‬
‫إن هذه المانة والعبادة والخلفة والعمارة تفرض على المسلمين أن يتوبوا‬
‫إلى الله توبة نصوحا ً ‪ ,‬وأن يعودوا إلى الكتاب والسنة عودة صادقة كريمة‬
‫‪:‬إيمانا ً وعلما ً والتزاما ً وممارسة في الواقع البشري ‪ ,‬في كل شؤون الحياة ‪,‬‬
‫ودعوة وبلغا ً وتعهدا ‪ ,‬وجهادا ً صادقا ً واعيا ً في سبيل الله ‪ ,‬ليكونوا ‪ ,‬كما‬
‫أمرهم الله ‪ ,‬صفا ً واحدا ً كالبنيان المرصوص ‪ ,‬قبل أن يؤخذوا بعذاب من الله‬
‫اليم ‪.‬‬
‫إننا ننصح ونذكر بأن السلم حين يرفض الظلم بجميع أشكاله ومن أي جهة‬
‫كانت ‪ ,‬فإنه قد وضع ميزانا ً عادل ً أمينا ً ليفرق بين الظلم والعدل ‪ ,‬حتى ل‬
‫يختلط المر على أحد إل إذا كان صاحب هوى ‪ .‬وحين يرفض السلم الظلم‬
‫كله ‪ ,‬فإنه يرفض السلوب الذي تتبعه أمريكا ومن معها في معالجة هذه‬
‫الحادثة ‪ ,‬بإطلق التهم والحكام جزافا ً دون تثبت ودون تحقيق عادل ‪,‬‬
‫حّرمونه ! وإن هذا‬ ‫وبالتهديد المستمر باستخدام أسلحة الدمار الشامل الذي ي ُ َ‬
‫السلوب انعكست آثاره السيئة على المسلمين أول باليذاء والعتداء ‪,‬‬
‫وسينعكس بالسوء على البشرية كلها ‪.‬‬
‫ّ‬
‫ومهما بلغت أمريكا من قوة باطشة ‪ ,‬فإنا ن َوَد ّ أن نذكرها بأن قوة الله أكبر‬
‫وبطشه أشد وأخطر ‪ ,‬وأنه يمهل ول يهمل ‪ ,‬وأن أخذه أليم شديد ‪:‬‬
‫" وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد " ] هود ‪:‬‬
‫‪[ 102‬‬
‫م كان هذا‬ ‫وأخيرا ً فإننا نتساءل ‪ :‬هل سأل الرئيس بوش وحكومته أنفسهم ل ِ َ‬
‫الهجوم ؟ وما هي بواعثه وأسبابه ؟ وأين جذوره ؟ ومن الذي يرعاها ؟ لعلهم‬
‫لو سألوا أنفسهم هذا السؤال وفكروا وتدبروا وعرفوا الجابة المينة ‪ ,‬لو‬
‫فعلوا ذلك لوّفروا على أنفسهم وعلى العالم شيئا كثيرا ً !‬

‫)‪(5 /‬‬

‫الهتداء إلى حكم حضور الجمعة على المسافر القار في بلد أو مار إذا سمع‬
‫النداء‬
‫الشيخ‪/‬أبي محمد عبد الله بن مانع العتيبي ‪27/5/1424‬‬
‫‪27/07/2003‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحمد لله رب العالمين ‪ ،‬والصلة والسلم على أشرف النبياء والمرسلين‬


‫نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ .‬أما بعد‪.......‬‬
‫فهذا بحث متعلق بمسألة حضور الجمعة للمسافر النازل في البلد هل يجب‬
‫عليه حضور الجمعة أم ل ؟ وقد أسميته)الهتداء إلى حكم حضور الجمعة‬
‫على المسافر القار في بلد أو مار إذا سمع النداء(‬
‫وقبل الشروع في هذه المسألة أقول إن المسافر له حالتان ‪-:‬‬
‫‪-‬حال استقلل بجماعة المسافرين وانفصاله عن البلد ‪.‬‬
‫‪-‬حال استقرار في بلد ل يقطع حكم السفر‪.‬‬
‫ففي الصور ة الولى ‪-:‬‬
‫هل تجب الجمعة على المسافرين وحدهم ؟‬
‫والجواب يقال إن الجمعة ل تجب على المسافرين بل لوصلوها جمعة ل تصح‬
‫منهم والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سافر أسفارا ً كثيرة‬
‫في حياته عليه الصلة والسلم ولم ينقل عنه حرف واحد أنه جمع بأصحابه‪،‬‬
‫وقد صادفته الجمعة في أسفاره كثيرا ً ولو صلى الجمعة في أسفاره لكانت‬
‫الهمم متوافرة على نقل ذلك‪.‬‬
‫ول أدل على ذلك من سفره لحجه عليه الصلة والسلم فقد وافق يوم عرفه‬
‫يوم الجمعة ومع ذلك فقد صلى الظهر والعصر جمعا ً وقصرا ً وقد سماها جابر‬
‫الظهر كما في صحيح مسلم )‪ (1218‬ولم يجهر بالقراءة وأيضا ً خطب قبل‬
‫الذان خطبة واحدة ثم أذن وصلى وهذا العلم به ظاهر لهل العلم ل يكادون‬
‫يختلفون في ذلك)‪.(1‬وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "من عمل عمل ً‬
‫ليس عليه أمرنا فهو رد " ‪.‬‬
‫وإنما محل البحث في‪-:‬‬
‫الصورة الثانية ‪-:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وهي إذا كان المسافر مستقرا في بلد استقرارا ل يقطع أحكام السفر فهل‬
‫يجب عليه حضور الجمعة أم ل ؟‬
‫وسيأتي الكلم على هذه المسألة لحقا‪ً.‬‬
‫وقد وردت آثار في نفي وجوب الجمعة عن المسافر ل بأس بذكرها مع‬
‫الكلم على أسانيدها ثم نذكر إن شاء الله كلم أهل العلم ‪.‬‬
‫أول ً ‪ -:‬حديث تميم الداري‪.‬‬
‫أخرجه البيهقي )‪ (3/184‬من طريق محمد بن طلحة عن الحكم عن ضرار‬
‫بن عمرو عن أبي عبد الله الشامي عن تميم الداري عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قال " الجمعة واجبة إل على امرأة أو صبي أو مريض أو عبد أو‬
‫مسافر " وهذا الحديث واه جدا ً فضرار بن عمرو منكر الحديث كما قال‬
‫البخاري وأورد له العقيلي هذا الحديث في ضعفائه )‪ (2/222‬وقال ‪ :‬ل يتابع‬
‫عليه وأبو عبد الله الشامي ل يعرف كما قال الذهبي في الميزان ‪ .‬والحديث‬
‫قال عنه أبو زرعه الرازي عبيدا لله بن عبد الكريم قال ‪ :‬هذا حديث منكر‬
‫)علل ابن أبي حاتم )‪.( (2/212‬‬
‫ثانيا ً ‪ -:‬حديث جابر‪.‬‬
‫أخرجه الدار قطني في السنن )‪ (2/3‬والبيهقي )‪ (3/174‬وابن عدي في‬
‫كامله )‪ (2425‬وابن الجوزي في التحقيق )‪ (788‬من طريق ابن لهيعه عن‬
‫معاذ بن محمد النصاري عن أبي الزبير عن جابر أن الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم قال " من كان يؤمن بالله واليوم الخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إل‬
‫مريض أو مسافر أو امرأة أو صبي أو مملوك فمن استغنى بلهو أو تجارة‬
‫استغنى الله عنه والله غني حميد " وهذا الحديث كسابقه واه جدًا‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ابن لهيعة ضعيف ومعاذ بن محمد قال العقيلي في حديثه وهم ‪ ،‬وقال ابن‬
‫عدي منكر الحديث وذكر حديثه هذا وضعفه الحافظ في التلخيص )‪، (2/65‬‬
‫وقال ابن عبد الهادي ل يصح ‪ ،‬وكذا قال الذهبي ‪.‬انظر التحقيق لبن الجوزي‬
‫) ‪.(4/121‬‬
‫ثالثًا‪ -:‬حديث أبي هريرة‪.‬‬
‫أخرجه الطبراني في الوسط )‪ (2/196‬من طريق إبراهيم بن حماد بن أبي‬
‫حازم المديني ثنا مالك بن أنس عن أبي الزناد عن العرج عن أبي هريرة‬
‫رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى عليه وسلم " خمسة ل جمعة‬
‫عليهم المرأة والمسافر والعبد والصبي وأهل البادية " قال الطبراني لم يروه‬
‫عن مالك إل إبراهيم ‪.‬‬
‫والحديث أخرجه الدار قطني في غرائب مالك كما ذكره الحافظ في لسان‬
‫الميزان )‪ (1/268‬قال الدار قطني تفرد به إبراهيم وكان ضعيفًا‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ -:‬حديث ابن عمر‪.‬‬
‫أخرجه الدار قطني في السنن )‪ (2/4‬والطبراني في الوسط )‪ (882‬من‬
‫طريق عبد الله بن نافع عن أبيه عن أبن عمر عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال " ليس على المسافر جمعة " وهذا إسناده ضعيف جدا ً كذلك فعبد‬
‫الله بن نافع قال أبو حاتم فيه منكر الحديث وهو أضعف ولد نافع وقال‬
‫البخاري منكر الحديث ‪ ،‬والمحفوظ في هذا الحديث الوقف على ابن عمر‪،‬‬
‫أخرجه البيهقي )‪ (3/184‬من طريق ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث‬
‫حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال ل جمعة على مسافر‬
‫قال البيهقي هذا هو الصحيح موقوف ورواه عبد الله بن نافع عن أبيه‬
‫فرفعه‪.‬أ‪.‬هـ‪ .‬وقد رواه ابن المنذر)‪ (4/19‬وعبد الرزاق )‪(3/172) (5198‬‬
‫موقوفًا‪.‬‬
‫خامسًا‪ -:‬مرسل الحسن ‪-:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫روى عبد الرزاق )‪ (3/174‬عن ابن عيينة عن عمرو )هو ابن دينار( عن‬
‫الحسن قال ‪ :‬قال الرسول صلى الله عليه وسلم " ليس على المسافر‬
‫جمعة " وهو ضعيف لرساله ‪ ،‬والحسن هو ابن محمد بن علي بن أبي طالب‬
‫القرشي الهاشمي مدني تابعي ثقة ‪ ،‬وأبوه هو ابن الحنفية‪.‬‬
‫وأما الثار عن الصحابة والتابعين فمنها أثر ابن عمر المتقدم وهو صحيح ثابت‬
‫أثر علي ‪-:‬‬
‫أخرجه ابن المنذر في الوسط )‪ (4/19‬من طريق أبي إسحاق عن الحارث‬
‫عن علي قال ليس على المسافر جمعة ‪ ،‬والحارث واه ‪ .‬وروى عبد الرزاق )‬
‫‪ (3/168‬وابن أبي شيبه ) ‪ (2/101‬وغير هما من طريق سعد بن عبيده عن‬
‫أبي عبد الرحمن السلمي عن علي أنه قال " ل جمعة ول تشريق إل في‬
‫مصر جامع" إسناده صحيح‪.‬‬
‫أثر عبد الرحمن بن سمرة ‪-:‬‬
‫وأخرج عبد الرزاق في مصنفه ) ‪ (4352‬وابن المنذر في الوسط )‪(360 /4‬‬
‫من طريق هشام بن حسان عن الحسن قال ‪ :‬كنا مع عبد الرحمن بن سمرة‬
‫في بعض بلد فارس سنتين وكان ل يجمع ول يزيد على ركعتين ‪ .‬وإسناده‬
‫صحيح ‪ ،‬وأخرجه البيهقي )‪ (3/185‬من طريق يونس بن عبيدة عن الحسن‬
‫قال‪ :‬كنا مع عبد الرحمن بن سمرة بخراسان نقصر الصلة ول نجمع ‪ .‬قال‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البيهقي هكذا وجدته في كتابي ول نجمع بالتشديد ورفع النون‪.‬‬


‫أثر أنس ‪- :‬‬
‫ً‬
‫وأخرج ابن المنذر )‪ (4/20‬من طريق يونس عن الحسن أن أنسا أقام‬
‫بنيسابور سنه أو سنتين وكان يصلي ركعتين ول يجمع ‪ ،‬إسناده صحيح ‪.‬‬
‫أثر عمر ابن عبد العزيز ‪-:‬‬
‫وأخرج ابن أبي شيبه من طريق رجاء بن أبي سلمة عن أبي عبيد مولى‬
‫سليمان بن عبد الملك قال ‪ :‬خرج عمر بن عبد العزيز من دبق وهو يومئذ‬
‫أمير المؤمنين فمر بحلب يوم الجمعة فقال المير ؟ " جمع فإنا سفر"‬
‫وإسناده لبأس به‪.‬‬
‫أثر مسروق وعروة بن المغيرة وجماعة من أصحاب ابن مسعود ‪-:‬‬
‫وأخرج ابن أبي شيبه )‪ (2/104‬عن أبي أسامة عن أبي العميس عن على أبن‬
‫القمر قال ‪ :‬خرج مسروق وعروة بن المغيرة ونفر من أصحاب عبد الله‬
‫فحضرت صلة الجمعة فلم يجمعوا وحضروا الفطر ولم يفطروا ‪ .‬إسناده‬
‫ثابت‪.‬‬
‫وأخرج عبد الرزاق عن الثوري عن مغيرة عن إبراهيم ) وهو النخعي ( قال ‪:‬‬
‫كانوا ل يجمعون في سفر ول يصلون إل ركعتين‪ .‬صحيح ‪ ،‬ورواه ابن أبي‬
‫شيبه عن أبي الحوص عن المغيرة به بلفظ كان أصحابنا يغزون فيقيمون‬
‫السنة أو نحو ذلك يقصرون الصلة ول يجمعون‪.‬‬
‫أثر طاووس ‪-:‬‬
‫وأخرج عبد الرزاق ) ‪ (3/172‬عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال "‬
‫ليس على المسافر جمعة"‪.‬‬
‫أثر الزهري‪-:‬‬
‫وأخرج عبد الرزاق ) ‪ (3/174‬برقم )‪ (5205‬عن معمر عن الزهري قال ‪:‬‬
‫سألته عن المسافر يمر بقرية فينزل فيها يوم الجمعة ؟ قال" إذا سمع الذان‬
‫فليشهد الجمعة "‪ .‬صحيح‪.‬‬
‫وعلقه البخاري في صحيحه من رواية إبراهيم بن سعد عنه ويأتي الكلم عليه‬
‫وله سياق آخر عند عبد الرزاق برقم )‪ (5188‬بالسناد نفسه‪.‬‬
‫فصل في أقوال أهل العلم‬
‫قال الشافعي في الم )‪ "(1/327‬وليس على المسافر أن يمر ببلد جمعة إل‬
‫أن يجمع فيه مقام أربع ‪ ،‬فتلزمه الجمعة إن كانت في مقامه " أ‪ .‬هـ ‪.‬‬
‫وقال ابن المنذر رحمه الله )‪ (4/20‬في الوسط ‪ -:‬ومما يحتج به في إسقاط‬
‫الجمعة عن المسافر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مر به في أسفاره‬
‫جمع ل محالة فلم يبلغنا أنه جمع )‪ (2‬وهو مسافر بل أنه ثبت عنه أنه صلى‬
‫الظهر بعرفة وكان يوم الجمعة فدل ذلك من فعله على أنه ل جمعة على‬
‫المسافر لنه المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد بكتابه فسقطت الجمعة‬
‫عن المسافر استدلل ً بفعل النبي عليه الصلة والسلم وهذا كالجماع من‬
‫أهل العلم لن الزهري مختلف عنه في هذا الباب حكى الوليد بن مسلم عن‬
‫الوزاعي أنه قال ل جمعة على المسافر وإن سمع المسافر أذان الجمعة‬
‫وهو في بلد فليحضر معهم يحتمل أن يكون أراد استحبابا ً ولو أراد غير ذلك‬
‫كان قول ً شاذ خلف قول أهل العلم وخلف ما دلت عليه السنة‪.‬أ‪.‬هـ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قلت وقول الزهري علقه البخاري في صحيحه تحت باب )المشي إلى‬
‫الجمعة وقول الله جل ذكره"فاسعوا إلى ذكر الله "( وعلق آثارا ً ثم قال‬
‫وقال إبراهيم بن سعد عن الزهري‪ :‬إذا أذن المؤذن يوم الجمعة وهو مسافر‬
‫فعليه أن يشهد‪.‬قال الحافظ ما نصه)‪ (2/391‬لم أره من رواية إبراهيم وقد‬
‫ذكره ابن المنذر عن الزهري وقال إنه أختلف عليه فقيل عنه مثل قول‬
‫الجماعة إنه ل جمعة على المسافر كذا رواه الوليد بن مسلم عن الوزاعي‬
‫عن الزهري ‪ .‬قال ابن المنذر ‪ :‬وهو كالجماع من أهل العلم على ذلك لن‬
‫الزهري أختلف عليه فيه ‪.‬أ‪.‬هـ‪ .‬ويمكن حمل كلم الزهري على حالتين ‪:‬‬
‫فحيث قال " ل جمعة على المسافر" أراد على طريق الوجوب وحيث قال "‬
‫فعليه أن يشهد" أراد على طريق الستحباب)‪(3‬ويمكن أن تحمل رواية سعد‬
‫بن إبراهيم هذه على صورة مخصوصة وهو إذا اتفق حضوره في موضع تقام‬
‫فيه الجمعة فسمع النداء)‪(4‬لها ل إنها تلزم المسافر مطلقا ً حتى يحرم عليه‬
‫السفر قبل الزوال من البلد الذي يدخلها مجتازا ً مثل ً وكأن ذلك رجح عند‬
‫البخاري ويتأكد عنده بعموم قوله تعالى )يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلة‬
‫من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله( فلم يخص مقيما ً من مسافر وأما ما‬
‫احتج به ابن المنذر على سقوط الجمعة على المسافر بكونه صلى الله عليه‬
‫وسلم صلى الظهر والعصر جمعا ً بعرفة وكان يوم الجمعة فدل ذلك من فعله‬
‫على إنه ل جمعة على المسافر فهو عمل صحيح إل انه ل يدفع الصورة التي‬
‫ذكرتها‪ .‬أ‪ .‬هـ‬
‫وقال الموفق )‪ (3/216‬وأما المسافر فأكثر أهل العلم يرون أنه ل جمعة‬
‫عليه كذلك قاله مالك في أهل المدينة والثوري في العراق والشافعي‬
‫وإسحاق وأبو ثور وروي ذلك عن عطاء وعمر بن عبد العزيز والحسن‬
‫والشعبي وحكي عن الزهري والنخعي أنها تجب عليه لن الجماعة تجب عليه‬
‫فالجمعة أولى ولنا أن النبي عليه الصلة والسلم كان يسافر فل يصلي‬
‫الجمعة في سفره وكان في حجة الوداع بعرفة يوم الجمعة فصلى الظهر‬
‫وجمع بينها ولم يصل جمعة والخلفاء الراشدون رضي الله عنهم كانوا‬
‫يسافرون للحج وغيره فلم يصل أحد منهم الجمعة في سفره وكذلك غيرهم‬
‫من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم‪ .‬وقد قال إبراهيم‬
‫كانوا يقيمون بالري السنة وأكثر من ذلك وبسجستان السنين ل يجمعون ول‬
‫يشرقون ) ثم ذكر أثر أنس وعبد الرحمن بن سمرة وتقدما( ثم قال ‪ :‬وهذا‬
‫إجماع مع السنة الثابتة فيه فل يسوغ مخالفته ‪ ....‬إلى أن قال )‪(3/220‬‬
‫والفضل للمسافر حضور الجمعة لنها أفضل‬
‫ونقل ابن عبد البر في الستذكار )‪ (76 /5‬الجماع على أنه ليس على‬
‫المسافر جمعة‪.‬‬
‫قال ابن حزم في المحلى )‪-: (5/49‬‬
‫وسواء فيما ذكرنا في وجوب الجمعة للمسافر في سفره والعبد والحر‬
‫والمقيم إلى قوله ) ص ‪ (51‬قال تعالى " يا أيها الذين أمنوا إذا نودي للصلة‬
‫من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع" قال علي ‪ :‬فهذا خطاب ل‬
‫يجوز أن يخرج منه مسافر ول عبد بغير نص من رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ .‬أ ‪ .‬هـ ‪.‬‬
‫وقال البغوي في شرح السنة )‪-: (4/226‬‬
‫ول تجب على المسافر وذهب النخعي والزهري إلى أن المسافر إذا سمع‬
‫النداء)‪(5‬فعليه حضور الجمعة‪.‬‬
‫وقال النووي في المجموع)‪-: (4/351‬‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل تجب الجمعة على المسافر هذا مذهبنا ل خلف فيه عندنا وحكاه ابن‬
‫المنذر وغيره عن أكثر العلماء وقال الزهري والنخعي ‪ :‬إذا سمع النداء لزمه‬
‫قال أصحابنا ويستحب له الجمعة للخروج من الخلف ولنها أكمل هذا إذا‬
‫أمكنه ‪ ....‬أ ‪ .‬هـ ‪.‬‬
‫قال العمراني في البيان )‪-: (2/543‬‬
‫ول تجب الجمعة على المسافر وبه قال عامة الفقهاء ‪ ،‬وقال الزهري‬
‫والنخعي إذا سمع النداء وجبت عليه ‪ ،‬دليلنا حديث جابر ‪ ،‬ولنه مشغول‬
‫بالسفر ويستحب له إذا كان في بلد وقت الجمعة أن يحضرها‪.‬‬
‫وقال ابن هبيره في الفصاح )‪-: (2/93‬‬
‫" واتفقوا على أن الجمعة ل تجب على صبي ول عبد ول مسافر ول امرأة إل‬
‫رواية عن أحمد رواها في العبد خاصة " أ ‪.‬هـ‪ .‬ونقل التفاق صديق حسن‬
‫خان عن صاحب المسوي ‪....‬انظر الروضة الندية)‪.(1/341‬‬
‫وقال المجد في المحرر)‪-:(1/142‬‬
‫" ول تجب على مسافر له القصر" ‪.‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية في المجموع )‪-: (24/184‬‬
‫" وكذلك يحتمل أن يقال بوجوب الجمعة على من في المصر من المسافرين‬
‫وإن لم يجب عليهم التمام كما لو صلوا خلف من يتم فإن عليهم التمام تبعا ً‬
‫للمام كذلك تجب عليهم الجمعة تبعا ً للمقيمين‪ ....‬لن قوله تعالى " إذا نودي‬
‫للصلة " ونحوها يتناولهم وليس لهم عذر ول ينبغي أن يكون في مصر‬
‫المسلمين من ل يصلى الجمعة إل من هو عاجز عنها كالمريض والمحبوس‬
‫وهؤلء قادرون عليها ‪ .‬لكن المسافرون ل يعقدون جمعة لكن إذا عقدها أهل‬
‫المصر صلوا معهم وهذا أولى من إتمام الصلة خف المام المقيم" أ ‪ .‬هـ ‪.‬‬
‫ونقله عنه في الختيارات ملخصا ً )ص ‪.(119‬‬
‫وقال في الفروع )‪-: (2/74‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ويحتمل أن يلزمه تبعا ً للمقيمين خلفا ً لهم قاله شيخنا وهو متجه‪ .‬أ‪ .‬هـ ‪ .‬يعني‬
‫بشيخنا شيخ السلم ونقله ابن قاسم عن الشيخ وصاحب الفروع قال وهو‬
‫من المفردات‪.‬‬
‫وقال الحافظ ابن رجب في شرحه على البخاري المسمى فتح الباري‬
‫)‪-: (1/403‬‬
‫على قول البخاري " باب من أين تؤتى الجمعة وعلى من تجب " لقول الله‬
‫عز وجل ) إذا نودي للصلة يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ( وقال عطاء‬
‫إذا كنت في قرية جامعة ‪ ،‬فنودي بالصلة من يوم الجمعة ‪ ،‬فحق عليك أن‬
‫تشهدها ‪ ،‬سمعت النداء أو لم تسمعه ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وكان أنس ابن مالك في قصره ‪ ،‬أحيانا يجمع ‪ ،‬وأحيانا ل يجمع ‪،‬وهو بالزاوية‬
‫على فرسخين‪.‬‬
‫قال ‪ -:‬تضمن الذي ذكره مسألتين ‪-:‬‬
‫المسألة الولى ‪ /‬أن من هو في قرية تقام فيها الجمعة ‪ ،‬فإنه إذا نودي فيها‬
‫بالصلة للجمعة وجب عليه السعي إلى الجمعة ‪ ،‬وشهودها سواء سمع النداء‬
‫أو لم يسمعه ‪ ،‬وقد حكاه عن عطاء ‪.‬‬
‫وهذا الذي في القرية ‪ ،‬إن كان من أهلها المستوطنين بها ‪ ،‬فل خلف في‬
‫لزوم السعي إلى الجمعة له ‪ ،‬وسواء سمع النداء أو لم يسمع ‪ ،‬وقد نص على‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذلك الشافعي وأحمد ‪ ،‬ونقل بعضهم التفاق عليه‪ .‬وإن كان من غير أهلها ‪،‬‬
‫فإن كان مسافرا ً يباح له القصر ‪ ،‬فأكثر العلماء على أنه ل يلزمه الجمعة مع‬
‫أهل القرية ‪ ،‬وقد ذكرنا فيما تقدم أن المسافر ل جمعة عليه ‪ .‬وحكي عن‬
‫الزهري والنخعي ‪ ،‬أنه يلزمه تبعا ً لهل القرية ‪ .‬وروي عن عطاء ـ أيضا ـ ‪ ،‬أنه‬
‫يلزمه‪.‬‬
‫وكذا قال الوزاعي ‪ :‬إن أدركه الذان قبل أن يرتحل فليجب ‪.........‬الخ‪.‬‬
‫وقال الصنعاني في سبل السلم )‪-: (2/157‬‬
‫في شرح حديث ابن عمر " ليس على مسافر جمعة" ما نصه ‪ " :‬والمسافر‬
‫ل يجب عليه حضورها وهو يحتمل أن يراد به ‪ :‬مباشر السفر وأما النازل‬
‫فتجب عليه ولو نزل بمقدار الصلة والى هذا جماعة من الل وغيرهم ‪ ،‬وقيل‬
‫ل تجب عليه لنه داخل في لفظ المسافر واليه ذهب جماعة من الل أيضا ً‬
‫وغيرهم وهو القرب لن أحكام السفر باقية له من القصر ونحوه ‪ ،‬ولذا لم‬
‫ينقل أنه صلى الله عليه وسلم صلى الجمعة بعرفات في حجة الوداع لنه‬
‫كان مسافرا ‪ ،‬وكذلك العيد تسقط صلته على للمسافر ‪ ،‬ولذا لم يرو أنه‬
‫صلى الله عليه وسلم صلى صلة العيد في حجته ‪ ،‬وقد وهم ابن حزم رحمه‬
‫الله فقال إنه صلها في حجته ‪ ،‬وغلطه العلماء " أ ‪.‬هـ‪.‬‬
‫وقال في مطالب النهى في شرح غاية المنتهى )‪-:(1/758‬‬
‫) ول تجب على مسافر أبيح له القصر( لنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه‬
‫كانوا يسافرون في الحج وغيره فلم يصل أحد منهم الجمعة فيه مع اجتماع‬
‫الخلق الكثير ‪ ،‬وكما ل تجب عليه ل تلزمه بغيره نص عليه فلو أقام المسافر‬
‫ما يمنع القصر لشغل أو علم أو نحوه ‪ .‬ولم ينوا استيطانا ً لزمه بغيره لعموم‬
‫الية والخبار‪ .‬أ ‪.‬هـ ‪.‬‬
‫وفي الدرر السنية )‪-: (5/6‬‬
‫سئل الشيخ عبد الله بن محمد عن المسافر إذا أدركته الجمعة ؟ فأجاب‬
‫المسافر إذا قدم ولم ينو إقامة تمنع القصر والفطر في رمضان فهذا ل جمعة‬
‫عليه بحال فإذا صلى الجمعة مع أهل البلد أجزأته والفضل في حقه حضورها‬
‫إذا لم يمنع مانع فإن كان المسافر قد نوى إقامة مدة تمنع القصر والفطر‬
‫فهذا تلزمه بغيره فإذا كان في بلد تقام فيها الجمعة وجب عليه حضورها‪.‬‬
‫أ‪.‬هـ‪.‬‬
‫وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع )‪-: (5/15‬‬
‫بعدما قرر عدم وجوب الجمعة على المسافر بل بعدم صحتها من المسافرين‬
‫قال ما نصه ‪ " :‬أما المسافر في بلد تقام فيه الجمعة كما لو مر إنسان في‬
‫السفر ببلد ودخل فيه ليقيل ويستمر في سيره بعد الظهر فإنها تلزمه‬
‫الجمعة لعموم قوله تعالى )يا أيها الذين أمنوا إذا نودي للصلة من يوم‬
‫الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع( وهذا عام ولم نعلم أن الصحابة‬
‫الذين يفدون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويبقون إلى الجمعة يتركون‬
‫صلة الجمعة بل إن ظاهر السنة أنهم يصلون مع النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ .‬أ هـ ‪ .‬وقرر في فتاويه مثله )‪. (16/74‬‬
‫وحاصل ما قيل في هذه المسألة ‪- :‬‬
‫‪-1‬وجوب حضور الجمعة وأدائها وقال به النخعي والزهري وعطاء والوزاعي‬
‫والبخاري وابن حزم وشيخ السلم وابن حجر وصاحب الفروع وابن عثيمين‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫‪-2‬عدم وجوب حضور الجمعة وقال به جماهير المة كما نقله ابن المنذر وابن‬
‫رجب وغيرهم ‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪-3‬استحباب حضور الجمعة لنه أولى وأكمل وخروجا ً من الخلف ومما قال به‬
‫الموفق )‪ (3/220‬ونقله النووي عن بعض أصحابه من الشافعية وقال في‬
‫النصاف )‪ . (5/175‬فائدة كل من ل لم تجب عليه الجمعة لمرض أو سفر أو‬
‫اختلف في وجوبها عليه كالعبد ونحوه فصلة الجمعة أفضل في حقه وذكره‬
‫ابن عقيل وهذا القول ل ينافي ما قبله ‪.‬‬
‫وخلصة حجج الموجبين ‪-:‬‬
‫·عموم قوله تعالى " يا أيها الذين أمنوا إذا نودي للصلة من يوم الجمعة‬
‫فاسعوا إلى ذكر الله‪.....‬الية " وهذا في البلد يسمع النداء ‪ ،‬فهذا العموم‬
‫يتناوله وليس له عذر في التخلف ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫·أن الصحابة في المدينة كانوا يفدون إلى النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ويشهدون الجمعة ول يتخلفون عنها‪ ......‬وبينوا ذلك فقالوا ‪ - :‬لما كان‬
‫مسافرا ً جادا ً به السير كان له الترخص بكامل رخص السفر من القصر‬
‫والجمع والفطر والتنفل على الدابة ‪ ،‬وإذا نزل في مكان فإن جماعة من أهل‬
‫العلم يقولون يقصر مع التوقيت إما وجوبا ً وإما استحبابًا‪ .‬ويمنعونه من التنفل‬
‫على الدابة ومع ترخيصهم له بالفطر والقصر ويقولون إن الفطر والقصر‬
‫مشروع له في القامات التي تتخلل في السفر بخلف الصلة على الراحلة‬
‫فإنه ل يشرع إل في حالة السير ‪ ،‬ولن الله علق الفطر والقصر بمسمى‬
‫السفر بخلف الصلة على الراحلة ‪ ،‬فليس فيه لفظ عام بل فيه الفعل الذي‬
‫ل عموم له ‪ ،‬فهو من جنس الجمع بين الصلتين الذي يباح للعذر مطلقا ً‬
‫‪.‬وقالوا أيضا ً ‪ :‬إن نزول المسافر في مصر ومكثه مدة ل تمنع القصر ‪ ،‬فما‬
‫الذي يخرجه من عموم قوله تعالى " يا أيها الذين أمنوا إذا نودي للصلة من‬
‫يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع" وهو من الذين آمنوا وهو شاهد‬
‫يسمع النداء معافى ‪ ،‬فما الذي يحجزه عن شهود هذا الخير وامتناعه من‬
‫السعي إلى ذكر الله؟ قالوا ‪ :‬وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في‬
‫صلة العيد بخروج العواتق وذوات الخدور والحيض ليشهدن الخير ودعوة‬
‫المسلمين ‪ ،‬وأيضا ً والجمعة عيد المسلمين في السبوع ‪ ،‬وهي عيد بالنص‬
‫والجماع ‪ ،‬فل بد أن يخرج لها من كان بالمصر من الذكور البالغين غير‬
‫المعذورين والمسافر المستقر غير معذور ‪ ،‬وكيف يأمر النساء بالخروج من‬
‫خدورهن والحيض ليشهدن العيد ويدع المسافرين فل يأمرهم بشهود‬
‫الجمعة ؟ بل أمرهم بشهود الجمعة أولى ‪ ،‬وأيضا ً لم نعلم أن الصحابة الذين‬
‫كانوا يفدون على النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يتخلفون عن الجمعة‬
‫معه ‪ ،‬وقد أخرج مسلم من طريق سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلل‬
‫قال ‪ :‬قال أبو رفاعة ‪ :‬انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب‬
‫قال فقلت ‪ :‬يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه ل يدري ما دينه ؟‬
‫قال فأقبل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك خطبته حتى انتهى‬
‫إلي فأتي بكرسي حسبت قوائمه حديدا ً قال فقعد عليه رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم وجعل يعلمني مما علمه الله ثم أتى خطبته فأتم أخرها " ومسلم‬
‫أخرجه في أبواب الجمعة )‪(6‬وهذا هدي محمد صلى الله عليه وسلم وهدي‬
‫أصحابه ‪،‬وقالوا إن من القواعد المقررة عند علماء الملة أنه يثبت تبعا ً مال‬
‫يثبت استقلل ‪ ،‬وهذه قاعدة صحيحة عند جماهير علماء المة على اختلف‬
‫مذاهبهم وقد اختلفت تعبيراتهم عنها‪ ،‬فعند الحنابلة ما قدمناه من لفظ‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القاعدة وعند الشافعية يغتفر في التوابع ما ل يغتفر في غيرها ‪ ،‬وعند‬


‫الحناف الصل أنه قد يثبت الشيء تبعا وحكما ً وإن كان قد يبطل قصدا ‪،‬‬
‫وقد ضرب العلماء لهذا القاعدة أمثله كثيرة في العبادات والمعاملت وقد‬
‫دلت عليها الدلة الشرعية وجاءت بتقريرها ومسألتنا فرد من أفراد تلك‬
‫القاعدة‪:‬فلما كان المسافر قارا ً في البلد ‪ ،‬كان حكمه في إجابة نداء الجمعة‬
‫حكم المقيمين كما لو صلى المسافر خلف من يتم كان عليه أن يتم تبعا‬
‫للمام‪ ،‬كذلك يجب عليهم الجمعة تبعا ً للمقيمين‪،‬بل شهودهم الجمعة أولى‬
‫من إتمامهم الصلة خلف المقيم)‪.(7‬‬
‫قال المسقطون ‪ :‬مهل ً مهل ً فقد أجلبتم علينا بخيلكم ورجلكم وقد قلتم‬
‫فأكثرتم وأحسنتم فأنصفونا فإنا نقول إن الله قد علق أحكاما ً كثيرة بمسمى‬
‫السفر من القصر والفطر والمسح ثلثا ً على الخفين ‪ ،‬والعفو عن الجمعة‬
‫والستعاضة عنها بالظهر مقصورة رحمة من الله وتخفيفا ً ‪ ،‬وكل ذلك صدقة‬
‫من الله على عباده فاقبلوا صدقته واكلفوا من العمال ما تطيقون فو الله ل‬
‫يمل الله حتى تملوا ‪.........‬وهذه المسامحة والعفو والتخفيف ل يحل رفعها‬
‫عن عباد الله والشقاق عليهم إل بحجه بينه من كتاب الله وسنة نبيه أو‬
‫أجماع متيقن أو قياس صحيح يجب المصير إليه ‪ ،‬وأين هذا في مسألتنا ؟‬
‫فأما قولكم عموم الية وشمولها للمسافر القار فنحن نمنع ذلك ‪ .‬فكما لم‬
‫يجب عليه الصوم ولم يدخل في قوله تعالى " فمن شهد منكم الشهر‬
‫فليصمه " كذلك لم يدخل في عموم آية الجمعة ‪ ،‬وسبب سقوط الصوم عنه‬
‫السفر بنص الية قال تعالى " ومن كان مريضا ً أو على سفر فعدة من عدة‬
‫أخر " فكذا في مسألتنا ونحن معنا فهم السلف وجمهورهم فهذا ابن عمر‬
‫يقول" ل جمعة على مسافر" فهذا عذرهم الذي عذرهم به السلف‪ ،‬وأنتم‬
‫أبيتم ذلك‪!!.‬‬
‫وأما قولكم إن المسافر إن مكث بمكان ل يقطع حكم السفر فإنه ل يتنفل‬
‫على الدابة ما دام نازل ً وتتوصلون بهذا إلى أن أحكام المسافر القار تتبعض!‬
‫فنعم فل حاجة له إلى ركوب دابته والتنقل عليها ما دام نازل ً ‪ ،‬وإنما رخص له‬
‫في حال السير وهكذا ثبتت به السنة ‪ .‬فكان ماذا ؟ !!‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وأما قولكم فكيف يأمر الحيض وذوات الخدور بالخروج للعيد ليشهدن الخير‬
‫ودعوة المسلمين ‪ ،‬فكيف ل يشهد المسافر القار الخير في الجمعة ودعوة‬
‫المسلمين وذكر الله ؟ فالجواب أننا نحاكمكم إلى أنفسكم فالعيد أنما هو‬
‫مرتان في السنة ومجمعه أكبر مجامع المسلمين بعد مشهد عرفة فشرع‬
‫لعامة المسلمين شهوده ومنهم المذكورات لقلة دورانه في الحول ‪ ،‬أما‬
‫الجمعة فإنها تتكرر في السنة نحوا ً من خمسين مرة ‪ ،‬وأيضا ً العيد لو لم‬
‫تشهده المرأة فإنه ل بدل له ‪ ،‬والجمعة لها بدل مفروض فلم يستويا‪.‬‬
‫وأما قولكم لم نعلم أن الصحابة الذين كانوا يقصدون النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ويفدون إليه أنهم كانوا يتخلفون عن التجميع معه ‪ ،‬فنعم فلعمرو الله‬
‫لقد كانوا يشهدونها ويحرصون عليها ‪ ،‬فلقد كان نظرهم إليه وسماع كلمه‬
‫أحب أليهم من آبا ئهم وأمهاتهم والناس أجمعين ‪ ،‬ونحن نشهد الله على ذلك‬
‫فإنه أحب إلينا من آبائنا وأمهاتنا وأولدنا والناس أجمعين ولو خيرنا بين لقياه‬
‫عليه الصلة والسلم وبقاء الهل و الولد والموال وأهل الرض كلهم لخترنا‬
‫لقياه عليه الصلة والسلم على ذلك بأبي هو وأمي ‪ ،‬على أن الصحابة رضي‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله عنهم كان لزاما ً عليهم إذا كانوا معه صلى الله عليه وسلم على أمر‬
‫جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ‪ ،‬قال تعالى " إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله‬
‫ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين‬
‫يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم‬
‫فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم " النور )آية ‪(62‬‬
‫‪ .‬وقد فسر المر الجامع بشهود الجمعة أو كانوا في زحف ‪ ،‬صح التفسير‬
‫بذلك عن الزهري وابن جريج كما رواه ابن جرير عنهما واختاره وهذا يعم‬
‫أصحابه المقيمين والوافدين إليه وقد التزم نظير ذلك بعض أهل العلم في‬
‫مسألتنا فقالوا ‪ :‬إذا حضر المسافر المسجد الجامع لزمته صلة الجمعة وقد‬
‫لم النبي عليه الصلة والسلم من دخل المسجد ولم يصل وقال ‪ :‬ما منعكما‬
‫أن تصليا معنا ‪ .‬مع أنهما قد صليا في رحالهما ‪ ....‬وهذه المسالة أخص من‬
‫المسالة المتنازع فيها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وأما قولكم إنه يثبت تبعا مال يثبت استقلل وأن المسافر يأخذ حكم المقيم‬
‫إن كان ماكثا ً نازل في وجوب إجابة النداء فنحن نسلم بصحة هذه القاعدة‬
‫ولكننا نقول إن محلها مالم يكن استقل التبع بحكم آخر يمنع إلحاقه بالمتبوع‬
‫واعتبر هذا بالبهيمة المذكاة إن وجد جنين في بطنها أنه إذا خرج ميتا ً فهو‬
‫كجزء من أجزائها وإن خرج حيا ً فل بد من تذكيته ول يتبع أمه ‪ ،‬وفي مسألتنا‬
‫فإن المسافر مستقل بأحكام خاصة تناسب حاله فل يخرج عنها إل بدليل ‪،‬‬
‫وإنما يثبت تبعا ً هنا أهل مصر ممن ل يسمع النداء ومن كان حوله وحده كثير‬
‫منهم بفرسخ‪.‬‬
‫فهذا نهاية إقدام الفريقين وغاية سجال الطائفتين ‪ ،‬وأنا على مذهب جماهير‬
‫المة)‪ (8‬من عدم الوجوب واللزام ‪ ،‬نعم يستحب شهودها من غير حرج‬
‫وانحتام ‪ .‬قال الشاطبي في الموافقات )‪ : (1/443‬وأما الرابع فكأسباب‬
‫الرخص هي موانع من النحتام بمعنى أنه ل حرج على من ترك العزيمة ميل‬
‫إلى جهة الرخصة كقصر المسافر وفطره وتركه الجمعة وما أشبه ذلك ‪ .‬أ‪.‬هـ‪.‬‬
‫والله يهدينا إلى صراطه المستقيم‪.‬‬
‫وهنا مسائل مهمة أنبه عليها على اليجاز في ختام هذا البحث‪.‬‬
‫مسائل مهمة ‪-:‬‬
‫‪-1‬السفر يوم الجمعة ‪ :‬الصحيح جواز السفر يوم الجمعة ما لم يؤذن لها وهذا‬
‫قول جمهور أهل العلم فإذا أذن لها الذان الذي تليه الخطبة فل بد من‬
‫شهودها ‪ ،‬ما لم يتضرر بترك السفر بانقطاعه عن رفقه أو فوات مركوب كما‬
‫في عصرنا في فوات السفر بالطائرة ونحوها ‪ ،‬وكذلك يجوز له السفر إذا‬
‫كان سيصلي الجمعة في بلد قريب ‪ .‬انظر المغني )‪ (3/247‬وزاد المعاد )‬
‫‪ (1/382‬وغيرهما‪ .‬وابن المنذر)‪ (4/21‬والنصاف )‪.(5/185‬‬
‫‪-2‬يجوز للمسافر أن يؤم في صلة الجمعة وهو اختيار شيخ السلم ابن تيمية‬
‫ومذهب الجمهور خلفا ً للمشهور من مذهب الحنابلة واختار شيخنا ابن باز‬
‫رحمه الله ونص عليه في شرح الموطأ عند باب ما جاء في المام ينزل‬
‫بقرية يوم الجمعة في السفر)‪ ، (1/107‬ونقل أبو حامد الغزالي الجماع على‬
‫صحتها خلف المسافر ‪ ...‬حاشية الروض )‪.(2/427‬‬
‫‪-3‬من فاتته الجمعة هل يصلي الظهر في جماعة ؟‬
‫الصحيح جواز ذلك بل شرعيته لعموم فضل الجماعة ‪ ،‬وفعله بعض الصحابة ‪.‬‬
‫لكن هل يصليها جماعة في الجامع ؟ قال في المغني ) ‪ " (3/224‬ويكره في‬
‫المسجد الذي أقيمت فيه الجمعة لنة يفضي إلى النسبة إلى الرغبة عن‬
‫الجمعة أو أنه ل يري الصلة خلف المام ‪ .‬أو يعيد الصلة معه وفيه افتيات‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على المام وربما أفضى إلى فتنه أو ضرر به وبغيره ‪ ،‬وإنما يصليها في منزله‬
‫‪ ،‬أو موضع ل تحصل هذه المفسدة بصلتها فيه "‪ .‬أ‪.‬هـ‪ .‬قلت ‪ :‬وهو كلم‬
‫محرر متين‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪-4‬روى مسلم في صحيحه )‪ (883‬من حديث عمر بن عطاء بن أبي الخوار‬


‫أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب ابن أخت نمر يسأله عن شيء رآه منه‬
‫معاوية في الصلة فقال نعم ‪ .‬صليت معه الجمعة في المقصورة فلما سلم‬
‫المام قمت في مقامي فصليت فلما دخل أرسل إلي فقال ‪" :‬ل تعد لما‬
‫فعلت ‪ ،‬إذا صليت الجمعة فل تصلها بصلة حتى تكلم أو تخرج " فإن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك وأن ل توصل صلة بصلة حتى نتكلم أو‬
‫نخرج " وأخرجه أحمد وأبو داود‪ .‬وروى أبو داود من طريق ليث عن الحجاج‬
‫بن عبيد عن إبراهيم بن إسماعيل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪:‬‬
‫أيعجزكم أحدكم أن يتقدم أو يتأخر أو عن يمينه أو شماله يعني السبحة ‪.‬‬
‫وهذا الحديث ضعفه البخاري في صحيحه فقد قال في صحيحه‪ :‬ويذكر عن‬
‫أبي هريرة رفعه ل يتطوع المام في مكانه " ولم يصح ‪ .‬وقد ذكره البخاري‬
‫بالمعنى ‪ ،‬والحديث ضعيف فيه ليث بن أبي سليم وإبراهيم مجهول وصحح‬
‫البخاري إن اسمه إسماعيل بن إبراهيم )كما نقله عنه البيهقي( مع الختلف‬
‫في سند الحديث كما قال ابن رجب في فتح الباري )‪( 5/262‬ط‪.‬‬
‫طارق‪.‬ولفظ الحديث عند البيهقي )‪ (2/190‬إذا أراد أحدكم إن يتطوع بعد‬
‫الفريضة ‪.‬وروى أبودود )‪ (616‬والبيهقي )‪ (2/190‬من طريق عطاء‬
‫الخراساني عن المغيرة بن شعبة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم " ل يصل أحدكم في الموضع الذي صلى فيه حتى يتحول " ‪ .‬قال أبو‬
‫داود ‪ :‬عطاء الخراساني لم يدرك المغيرة بن شعبة ‪ .‬وروى أبو داود )‪(1130‬‬
‫من طريق الفضل بن موسى عن عبد الحميد بن جعفر عن يزيد من أبي‬
‫حبيب عن عطاء عن ابن عمر قال" كان إذا كان بمكة فصلى الجمعة تقدم‬
‫فصلى ركعتين ثم تقدم فصلى أربعا ‪ ،‬وإذا كان بالمدينة صلى الجمعة ثم رجع‬
‫إلى بيته فصلى ركعتين ولم يصل في المسجد فقيل له ‪ :‬فقال كان رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك " وأخرجه مسلم من طريق ليث عن‬
‫نافع عن عبد الله بشطره الخير دون صلته بمكة وسند أبي داود ل بأس به‪.‬‬
‫وروى ابن أبي شيبه )‪ (2/24‬من طريق شريك عن ميسره ) وهو ابن حبيب(‬
‫عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله عن على قال إذا سلم المام لم‬
‫يتطوع حتى يتحول من مكانه أو يفصل بينهما بكلم ‪ .‬ورواه البيهقي )‪(2/191‬‬
‫من طريق العمش عن المنهال به بلفظ ‪ :‬من السنة إذا سلم المام إن ل‬
‫يقوم من موضعه الذي صلى فيه يصلي تطوعا ً حتى ينحرف أو يتحول أو‬
‫يفصل بكلم ‪ .‬ثم قال البيهقي ورواه الثوري عن ميسره عن حبيب عن‬
‫المنهال بن عمرو إل انه قال ل يصلح للمام وفي رواية ل ينبغي للمام ‪ .‬أ‪.‬هـ‪.‬‬
‫قال الحافظ في الفتح ‪ :‬إسناده حسن كذا قال مع إن في إسناده عباد بن‬
‫عبد الله وهو السدي الكوفي ‪ .‬قال البخاري فيه نظر ‪ .‬وقال ابن المديني‬
‫ضعيف ‪ ،‬ونقل ابن الجوزي عن احمد الضرب على بعض حديثه ‪ .‬ومعنى قول‬
‫البخاري فيه نظر أنه له مناكير ‪ .‬وقال الحافظ في بذل الماعون ) صـ ‪( 117‬‬
‫وهذه عبارة البخاري فيمن يكون وسطًا‪ .‬وروى البيهقي )‪ (2/190‬من طريق‬
‫يعلى بن عبيد ثنا عبد الملك عن عطاء ‪ :‬قال رأيت ابن عمر رضي الله عنه‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دفع رجل من مقامه الذي صلى فيه المكتوبة وقال إنما دفعتك لتقدم أو‬
‫تأخر ‪ .‬وروى عنه بمعناه في الجمعة ‪.‬‬
‫وروى البيهقي أيضا ً من طريق الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن حفص‬
‫بن غياث عن ابن عمر كان إذا صلى تحول من مقامه الذي صلى فيه " وقد‬
‫روى عن ابن عمر خلفه فقد روى البيهقي من طريق ابن وهب عن عبد الله‬
‫بن عمر عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يصلي سبحته في مقامه الذي‬
‫صلى فيه وكذلك رواه شعبه عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال البيهقي‬
‫وكأنه كان يفصل بينهما بكلم أو انحراف أو فعل ما يجوز فعله ‪ .‬وطريق‬
‫شعبه ذكره البخاري في صحيحه تحت باب ‪ :‬مكث المام في مصله بعد‬
‫السلم قال لنا آدم حدثنا شعبه فذكره‪ .‬قال حرب)‪ :(9‬حدثنا محمد بن آدم ثنا‬
‫أبو المليح الرقي عن حبيب قال كان ابن عمر يكره أن يصلي النافلة في‬
‫المكان الذي صلى فيه المكتوبة حتى يتقدم أو يتأخر أو يتكلم‪ .‬وروى‬
‫الشافعي عن ابن عيينه عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس أنه كان يأمر إذا‬
‫صلى المكتوبة فأراد أن يتنفل بعدها أن ل يتنفل حتى يتكلم أو يتقدم ‪ .‬قال‬
‫ابن رجب ‪ :‬وقد اختلف العلماء في تطوع المام في مكان صلته بعد الصلة ‪،‬‬
‫فأما قبلها فيجوز بالتفاق قاله بعض أصحابنا فكرهت طائفة تطوعه في‬
‫مكانه بعد صلته وبه قال الوزاعي والثوري وأبو حنيفة ومالك واحمد‬
‫وإسحاق ‪ ،‬وروى عن على انه كرهه ‪ ،‬وقال النخعي كانوا يكرهونه ورخص فيه‬
‫ابن عقيل من أصحابنا كما رجحه البخاري ونقله عن ابن عمر والقاسم بن‬
‫محمد فأما المروي عن ابن عمر فإنه لم يفعله وهو إمام بل كان مأمومًا‪،‬‬
‫كذلك قال المام احمد‪.‬وأكثر العلماء ل يكرهون للمأموم ذلك وهو قول مالك‬
‫وأحمد وانظر المغني)‪.(3/250‬‬
‫قلت ‪ :‬خلصة ما تقدم من أحاديث وآثار وما نقله الحافظ ابن رجب ما‬
‫يأتي ‪-:‬‬
‫‪#‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫كراهة تنفل المام في مكانه الذي صلى فيه المكتوبة بل ينبغي التحول‬
‫المكاني ‪ ،‬وأيضا ً ينبغي الشتغال بالذكر بعد المكتوبة خلفا ً للمشهور عند‬
‫الحناف من البداءة بالتطوع ولن هذا التحول هو فعل النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم الراتب وهذه الكراهة محكيه عن أكثر أهل العلم‪.‬‬
‫‪#‬‬
‫أما المأموم فإن تحول عن مكانه بعد الفريضة أو أتى بالذكر المشروع بعد‬
‫الفريضة ولم يتحول أو فصل بينهما بكلم مباح فكل ذلك كاف ‪ ،‬ودل على‬
‫هذا حديث معاوية عند مسلم ‪ ،‬نعم الجمع بين التحول والفصل بالذكر أبلغ‬
‫وهو ظاهر المروي عن ابن عمر ‪ ،‬وصلة العبد في مكانه بعد الفصل بذكر أو‬
‫كلم بعد الفريضة لكراهة فيه عند أكثر العلماء وجميع ما ذكر إنما هو بين‬
‫الفريضة والنافلة ‪ ،‬وإما فعل ابن عمر بمكة في تحوله من موضع إلى موضع‬
‫في النافلة فمن اجتهاده وهو مباح وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يسرد صلة الليل في موضع واحد‪.‬‬
‫وهنا مسألة اختم بها‬
‫وهي مسألة تحويل الغير عن مكانه لجل فعل السنة الراتبة بعد الصلة سواء‬
‫كانت الجمعة أو غيرها ‪ ،‬ففي هذا نظر فل يجوز أن يقيم المسلم أخاه ويقعد‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أو يصلي مكانه وهذا إن كان روي عن بعض السلف كما ذكر ذلك أبن أبي‬
‫شيبه في مصنفه في آخر أبواب الجمعة إل إن عبد الرزاق رحمة الله في‬
‫مصنفه فطن لهذا فقد عقد في مصنفه)‪(3/268‬باب إقامة الرجل أخاه ثم‬
‫يختلف في مجلسه وذلك في أخر أبواب الجمعة‪.‬‬
‫وذكر حديث جابر ابن عمر والحديثان وما جاء في معناهما وإن كانا جاءا في‬
‫الجلوس إل إن النهي اعم فيشمل إقامة الرجل من مكانه لجل الصلة أو‬
‫القراءة أو غير ذلك والعلة جلية وهي العدوان على الغير بإقامته من مكان‬
‫سبق إليه فل يحل ذلك إل بطيب نفس ومادام الشخص يريد هذا الفعل‬
‫لتحقيق الفصل)‪(10‬بين الفريضة والنافلة فالذكار كافيه أو البحث عن مكان‬
‫ليس فيه أحد أحرى من تحويل مسلم وإزعاجه وقطع ما هو فيه من ذكر أو‬
‫فكر ‪.‬‬
‫وهنا أضع القلم وأسال الله أن يضع عنا الوزار ‪ .‬وصلى الله وسلم على نبينا‬
‫محمد‬
‫)‪-(1‬انظر الموطأ )‪ (1/107‬ومجموع الفتاوي )‪ (17/480‬وكذلك )‪(177 /24‬‬
‫فما بعدها ) مهم جدا( و)ج‪ (16/‬من فتاوى ابن عثيمين ‪.‬‬
‫)‪-(2‬قلت ذكر ابن الهمام فتح القدير )‪ (2/33‬ما نصه ‪ ":‬وفي الكافي صح أنه‬
‫صلى الله عليه وسلم أقام الجمعة بمكة مسافرا ً " ا‪.‬هـ‪ .‬وفي بدائع الصنائع )‬
‫‪ (1/430‬مثله‪ .‬قلت ‪ :‬فإن كان انتزعه من إقامته صلى الله عليه وسلم بمكة‬
‫تسعة عشر يوما ً يقصر الصلة كما ثبت في البخاري عن ابن عباس فقد‬
‫أطلق جماعة من أهل العلم عدم إقامته الجمعة في سفره ولو قدر أنه أقام‬
‫الجمعة فغاية ما في المر أنه إمام فيها وإل فهي قائمة مفروضة على أهل‬
‫مكة وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم شاهدا لها فمن الذي سيتقدم بين‬
‫يديه في إقامتها وكذلك هو عليه الصلة والسلم إمام المسلمين ولهذا قال‬
‫السر خسي في المبسوط )‪ (2/130‬ما نصه " ولو أن أمير الموسم جمع‬
‫بمكة وهو مسافر جاز لنه فوض إليه أمر المسلمين " أ‪.‬هـ‪ .‬ومراده في "‬
‫الموسم " الحج والجهاد مثله ومعلوم أنه شهود المسافر المستقر للجمعة‬
‫أفضل وأعظم أجرا ً حيث ل مشقة لكن الكلم في الوجوب وقد عقد عبد‬
‫الرزاق)‪ (3/360‬باب المام يجمع حيث كان وذكر آثارا ً عن السلف والصحيح‬
‫في هذا المسألة أن المام له أن يتولى إقامة الجمعة في البلد الذي يمر به‬
‫أو ينيب غيره ل أنه تلزمه الجمعة حيث كان إذا كان مسافرا ً ‪.‬‬
‫)‪-(3‬هذا الحمل من الحافظ ضعيف غريب وكلم الزهري واضح من نقله عن‬
‫ابن المنذر فالمسافر عند الزهري له حالتان ‪-:‬‬
‫أ ‪ -‬أن يكون حاضرا فيسمع النداء فعليه الحضور) وهو محل البحث( ونقول‬
‫الئمة عن الزهري إنما في هذه الصورة ‪.‬‬
‫ب – إل يكون كذلك فليس على المسافر جمعة‪.‬‬
‫وقد فطن ابن المنذر وحمل قول الزهري فليحضر معهم يعني إذا كان في‬
‫بلد على الستحباب حتى ل يخالف قول أهل العلم في إسقاط الجمعة عن‬
‫المسافر فافهم ‪.‬‬
‫)‪-(4‬قلت ‪ :‬هذا صريح فتوى الزهري لمعمر عند عبد الرزاق والحافظ لم‬
‫ينسبه له وتقدم‪.‬‬
‫)‪-(5‬سماع النداء محله ‪-:‬‬
‫أ‪ .‬إذا كان المؤذن صيتًا‪.‬‬
‫ب‪ .‬والصوات هادئة ‪.‬‬
‫ج‪ .‬والرياح ساكنه‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫د‪ .‬والموانع منتفية ‪ .‬أ‪.‬هـ‪.‬من النصاف )‪ (5/66‬زاد في المغني ‪– 3/244).‬‬


‫‪.(245‬‬
‫هـ‪ .‬والمستمع غير ساه ول غافل‪.‬‬
‫و‪ .‬وفي موضع عال ‪ ،‬ولم يذكر الموفق الموانع فحاصل ما ذكر ستة وحدوه‬
‫بفرسخ‪ .‬قلت ‪ :‬الفرسخ خمسة كيلو مترات‪.‬‬
‫)‪-(6‬برقم )‪.(876‬‬
‫)‪-(7‬انظر كلم شيخ السلم المتقدم‪.‬‬
‫)‪-(8‬قال القرافي في الفروق )‪ -: (2/557‬والحق ل يفوت الجمهور غالبا ً‬
‫)‪-(9‬بواسطة فتح الباري لبن رجب ) ‪(5/264‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫)‪-(10‬وهذا هو التعليل الصحيح لصل المسألة ‪ ،‬وهو الفصل بين الفرض‬


‫والنافلة حتى ل يزاد في الفرض ما ليس منه كما نص عليه جماعة من‬
‫العلماء كابن القيم في إعلم الموقعين في الوجه الثلثين والوجه الخمسين‬
‫في أمثلة سد الذرائع ‪ ،‬وابن رجب في اللطائف في وظائف شهر شعبان وأما‬
‫تعليل التحول لشهود البقاع فمنقوض بين النافلة والنافلة ‪ ،‬وبالفصل بالذكر‬
‫بعد الفريضة‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫الباب الذي ل ُيغلق في وجه سائل‬


‫الشيخ‪/‬علي طنطاوي‬
‫يقول الشيخ على الطنطاوي‪ » :‬أسرد عليكم قصة أسرة أمريكية فيها ستة‬
‫أولد‪ ،‬أبوهم فلح متين البناء قويّ الجسد ماضي العزم‪ ،‬وأمهم امرأة عاقلة‬
‫مدّبرة حازمة‪ ،‬فتربى الولد على الصبر والحتمال حتى صاروا رجال ً قبل‬
‫أوان الرجولة‪.‬‬
‫ما يلعب‪ ،‬وكان في الثالثة عشرة‪ ،‬فقفز من فوق صخرة‬ ‫وخرج الصغير يو ً‬
‫عالية قفزة وقع منها على ركبته‪ ،‬وأحس بألم فيها‪ ،‬ألم شديد ل يصبر عليه‬
‫دا وأصبح فغدا على مدرسته‬ ‫ولد مثله‪ ،‬ولكنه احتمله وصبر عليه‪ ،‬ولم يخبر أح ً‬
‫يمشي على رجله‪ ،‬واللم يزداد وهو يزداد صبًرا عليه‪ ،‬حتى مضى يومان‬
‫ق‪ ،‬وعجز أن يخطو عليها خطوة واحدة‪،‬‬ ‫فظهر الورم في رجله وازر ّ‬
‫فاضطربت أمه وجزع أبوه وسأله عن خبره؟ فأخبرهما الخبر فأضجعوه في‬
‫فراشه وجاءوا بالطبيب فلما رآها علم أنه قد فات أوان العلج وأنها إن لم‬
‫ُتقطع فوًرا مات الولد من تسمم الدم‪ ،‬فانتحى بأبيه ناحية وخّبره بذلك‬
‫ن الولد سمع‪ ،‬وعرف أنها ستقطع‬ ‫سا‪ ،‬يحاذر أن يسمع الولد قوله‪ ،‬ولك ّ‬ ‫هم ً‬
‫رجله‪ ،‬فصرخ‪ :‬ل‪ ،‬ل تقطعوا رجلي‪ ،‬ل تقطعوا رجلي‪ ،‬أبي أنقذني‪ ،‬حاول أن‬
‫يقفز على رجل واحدة ويهرب منهم فأمسك به أبوه ورّده إلى فراشه‪ ،‬فنادى‬
‫أمه نداء يقطع القلوب‪ :‬أمي‪ ،‬أمي‪ ،‬أنقذيني‪ ،‬أمي ساعديني‪ ،‬ل يقطعوا رجلي‪،‬‬
‫ووقفت الم المسكينة حائرة تحس كأن كبدها تتمزق؛ قلبها يدعوها إلى نجدة‬
‫ابنها ويفيض حناًنا عليه وحًبا له‪ ،‬وعقلها يمنعها ويناديها أن تفتدي حياته برجله‪،‬‬
‫ولم تدر ماذا تصنع؟ فوقفت وقلبها يتفطر ودمعها يتقاطر‪ ،‬وهو ينظر إليها‬
‫نظر الغريق إلى من ظن أنه سينقذه‪ ،‬فلما رآها ل تتحرك‪ ،‬يئس منها‪ ،‬كما‬
‫يئس من أبيه من قبل‪ ،‬وجعل ينادي أخاه ]ِإدغار[ بصوت يختلط فيه النداء‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالبكاء والعويل‪ِ :‬إدغار ِإدغار‪ ،‬أين أنت يا ِإدغار؟أسرع فساعدني ‪،‬إنهم يريدون‬
‫أن يقطعوا رجلي‪،‬إدغار إدغار‪ ،‬وسمع أخوه إدغار ـ وهو أكبر منه بقليل ـ‬
‫مًرا‬ ‫عا‪ ،‬فشد قامته ونفخ صدره‪ ،‬ووقف دون أخيه متن ّ‬ ‫صراخه‪ ،‬فأقبل مسر ً‬
‫دا يقترب‬ ‫ً‬ ‫أح‬ ‫يدع‬ ‫لن‬ ‫أنه‬ ‫وأعلن‬ ‫تقهر‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫عزيمة‬ ‫من‬ ‫بريق‬ ‫دا‪ ،‬وفي عينيه‬‫مستأس ً‬
‫منه‪ ،‬وكلمه أبوه‪ ،‬ونصحته أمه‪ ،‬وهو يزداد حماسة‪ ،‬وأخوه يختبئ وراءه‬
‫وة‪ ،‬فهجم على‬ ‫ويتمسك به‪ ،‬فيشد ّ ذلك من عزمه‪ ،‬وحاول أبوه أن يزيحه بالق ّ‬
‫أبيه وعلى الطبيب الذي جاء يساعده‪ ،‬واستأسد واستيأس‪ ،‬والنسان إذا‬
‫استيأس صنع العاجيب‪.‬‬
‫أل ترون الدجاجة إذا هجم أحد على فراخها كيف تنفش ريشها وتقوم دون‬
‫شر عن أنيابها وتبدي مخالبه؟ إن‬ ‫فراخه؟ والقطة إذا ضويقت كيف تك ّ‬
‫حا‪ ،‬والقطة تغدو ذئًبا كاسًرا‪ ،‬و ]إدغار[ صار رجل‬ ‫الدجاجة تتحول صقًرا جار ً‬
‫سا ثابًتا‪ ،‬يتزحزح الجدار ول يتزحزح عن مكانه‪ .‬وتركوه آملين أن‬ ‫قوًيا‪ ،‬وحار ً‬
‫فا‬‫ل‪ ،‬فيبعد عن أخيه ولكنه لم يتزحزح‪ ،‬وبقي يومين كاملين واق ً‬ ‫ل أو يك ّ‬
‫يم ّ‬
‫على باب غرفة أخيه يحرسه‪ ،‬لم يأكل في اليومين إل لقيمات‪ ،‬قربوها إليه‪،‬‬
‫ما‪،‬‬ ‫ولم ينم إل لحظات‪ ،‬والطبيب يجئ ويروح‪ ،‬ورجل الولد تزداد زرقة وور ً‬
‫فلما رأى الطبيب ذلك نفض يده وأعلن أنها لم تبق فائدة من العملية‬
‫الجراحية وأن الولد سيموت وانصرف‪ ،‬ووقفوا جميًعا أمام الخطر المحدق‪.‬‬
‫ماذا يصنع الناس في ساعة الخطر؟! إن كل إنسان مؤمًنا كان أو كافًرا يعود‬
‫ساعة الخطر إلى الله؛ لن اليمان مستقر في كل نفس حتى في نفوس‬
‫الكفار‪ ،‬ولذلك قيل له‪] :‬كافر[‪ ،‬والكافر في لغة العرب ]الساتر[ ذلك أنه‬
‫يستر إيمانه ويغطيه‪ ،‬بل يظن هو نفسه أن اليمان قد فقد من نفسه‪ ،‬فإذا‬
‫هّزته الحداث ألقت عن غطاءه فظهر‪.‬‬
‫هبل واللت والعزى‪ ،‬إنما كانت تعبدها ساعة المن‪،‬‬ ‫قريش التي كانت تعبد ُ‬
‫د‪ ،‬وركب القرشيون السفينة‪ ،‬وهاج البحر من‬ ‫تعبدها هزل منها‪ ،‬فإذا جد ّ الج ّ‬
‫ف الرياح‪،‬‬ ‫حولها بموج كالجبال‪ ،‬وصارت سفينتهم بيد الموج كريشة في ك ّ‬
‫م الخوف‪ ،‬بدأ اليمان الكامن في أعماق النفس‪ ،‬فلم ت ُد ْعَ‬ ‫وظهر الخطر‪ ،‬وع ّ‬
‫سخرات[‪ ،‬ولكن دعت الله رب الرض‬ ‫م ْ‬‫اللت والعزى ول هاتيك ] ال َ‬
‫والسماوات‪ ،‬وعندما تغرق السفينة وتبقى أنت على لوح من الخشب بين‬
‫الماء والسماء‪ ،‬ل تجد ما تصنع إل أن تنادي‪ :‬يا الله‪ .‬هذا فرعون الذي طغى‬
‫َ‬
‫وبغى‪ ،‬وتكّبر وتجبر‪ ،‬حتى قال أحمق مقالة قالها إنسان قال‪ ? :‬أَنا َرب ّك ُ ُ‬
‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ه ل إ ِل ِ َ‬ ‫ت أن ّ ُ‬ ‫من ُ‬‫اْلعَْلى ? ‪] ...‬النازعات‪ [24:‬لما أدرك الغرقُ فرعون قال‪ ? :‬آ َ‬
‫إل ّ ال ّذي آمنت به بنو إسراِئي َ َ‬
‫ن ? ‪] ...‬يونس‪.[90:‬‬ ‫مي َ‬
‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫ل وَأن َا ْ ِ‬
‫م َ‬ ‫َ َ ْ ِ ِ َُ ِ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وعندما تضل في الصحراء‪ ،‬ويحرق العطش جوفك‪ ،‬وترى الموت يأتيك من‬
‫كل مكان‪ ،‬ل تجد ما تصنع إل أن تنادي‪ :‬يا الله!‪ ،‬وعندما تتعاقب سنوات‬
‫القحط‪ ،‬ويمتد انقطاع المطر‪ .‬وفي غمرة المعركة العابسة التي يرقص فيها‬
‫الموت‪ ،‬وعندما يشرف المريض ويعجز الطباء يكون الرجوع إلى الله‪ .‬هنالك‬
‫ي شيوعّيته ويقول الجميع‪ :‬يا‬ ‫ينسى الملحد إلحاده‪ ،‬والماديّ ماديته‪ ،‬والشيوع ّ‬
‫الله !‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لما ذهب الطبيب واستحكم اليأس ومل قلوب الجميع‪ :‬قلب الولد الخائف‪،‬‬
‫مر‪ ،‬وأبيه وأمه‪ ،‬واستشعروا العجز‪ ،‬ولم تبق في أيديهم‬
‫وأخيه المستأسد المتن ّ‬
‫دوا أيديهم إلى الله يطلبون منه الشفاء‬
‫حيلة‪ ،‬وبلغوا مرتبة ]المضطر[‪ ،‬م ّ‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وحده‪ ،‬ويطلبونه بل سبب يعرفونه‪ .‬لنها قد تقطعت بهم السباب‪ ،‬والله الذي‬
‫دوا‬ ‫ب‪ ،‬قادر على أن يشفي بل طب ول دواء‪ .‬م ّ‬ ‫يشفي بسبب الدواء والط ّ‬
‫أيديهم وجعلوا يقولون‪ :‬يا الله!! يدعون دعاء المضطر‪ ،‬والله يجيب دعوة‬
‫قا‪ ،‬ولو كان كافًرا‪ ،‬ما دام قد التجأ إليه‪ ،‬واعتمد عليه‪،‬‬ ‫المضطر ولو كان فاس ً‬
‫ووقف ببابه‪ ،‬وعلق أمله به وحده‪ُ ،‬يجيب دعوته إن طلب الدنيا‪ ،‬أما الخرة فل‬
‫ُتجاب فيها دعوته لنه كافر ل يؤمن بالخرة‪.‬‬
‫هؤلء كفار قريش لما دعوا الله مخلصين له الدين استجاب دعاءهم ونجاهم‬
‫ب‬‫ما دعا دعاء المضطر‪ ،‬قال‪َ ? :‬ر ّ‬ ‫إلى البر‪ ،‬بل هذا شّر الخلق إبليس ل ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن?‬ ‫ري َ‬ ‫منظ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن ? ‪] ...‬الحجر‪ ،[36:‬قال له‪ ? :‬فَإ ِن ّ َ‬ ‫فَأنظ ِْرِني إ َِلى ي َوْم ِ ي ُب ْعَُثو َ‬
‫‪] ...‬الحجر‪.[37:‬‬
‫ولو أمعنتم النظر في أسلوب القرآن لوجدتم أن الله لم يخبر في القرآن‬
‫ِإخباًرا أنه يجيب دعوة المضطر‪ ،‬لن ذلك مشاهد معلوم‪ ،‬ولكن ذكره حجة‬
‫ماءِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫كم ّ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ض وََأنَز َ‬ ‫ت َواْلْر َ‬
‫َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫على المشركين فقال‪ ? :‬أ ّ‬
‫معَ الل ّهِ ب َ ْ‬ ‫شجر َ َ‬ ‫كان ل َك ُ َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ه ّ‬ ‫ها أإ ِل َ ٌ‬ ‫م أن ُتنب ُِتوا َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ما َ َ‬ ‫جةٍ ّ‬ ‫ت ب َهْ َ‬ ‫دائ ِقَ َذا َ‬ ‫ح َ‬ ‫ماء فَأنب َت َْنا ب ِهِ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫جعَل لَها‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫خللَها أن َْهارا وَ َ‬ ‫جعَل ِ‬ ‫ض قَرارا وَ َ‬ ‫جعَل الْر َ‬ ‫من َ‬ ‫ن ?‪ ?60‬أ ّ‬ ‫م ي َعْدِلو َ‬ ‫م قوْ ٌ‬ ‫هُ ْ‬
‫ن ?‪?61‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مو َ‬ ‫م ل ي َعْل ُ‬ ‫معَ اللهِ ب َل أكثُرهُ ْ‬ ‫ه ّ‬ ‫جزا أإ ِل ٌ‬ ‫حا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫حَري ْ ِ‬ ‫ن الب َ ْ‬ ‫جعَل ب َي ْ َ‬ ‫ي وَ َ‬‫س َ‬ ‫َرَوا ِ‬
‫ع‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫فاء اْل َرض أ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬‫ي‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫سو‬ ‫ال‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫عا‬ ‫د‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫إ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ط‬ ‫ض‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ْ ِ ِ ٌ ّ َ‬ ‫ََ ْ َ ْ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ ْ ّ ِ َ َ ُ ََ ِ ُ‬ ‫من ُ ِ ُ‬
‫جي‬ ‫ي‬ ‫أ ّ‬
‫ن ? ‪] ...‬النمل‪.[62 - 60 :‬‬ ‫ما ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫الل ّهِ قَِليل ً ّ‬
‫يا أيها القراء إنهم لما دعوا نظروا فإذا الورم بدأ يخف والّزرقة تمحى واللم‬
‫ما‪ ،‬وجاء الطبيب فلم يكد‬ ‫رجل تما ً‬ ‫يتناقص‪ ،‬ثم لم يمض يومان حتى شفيت ال ِ‬
‫يصدق ما يراه!!‪.‬‬
‫ستقولون هذه قصة خيالية أنت اخترعتها وتخيلتها‪ ،‬فما قولكم إن دللتكم على‬
‫صاحبها‪ ،‬إن هذا الولد صار مشهوًرا ومعروًفا في الدنيا كلها‪ ،‬وهو الذي روى‬
‫القصة بلسانه‪ ،‬هذا الولد هو‪ :‬أيزنهاور القائد العام لجيوش الحلفاء في الحرب‬
‫العالمية الثانية‪ ،‬ورئيس أمريكا بعد ذلك!!‪.‬‬
‫وقد وقعت لي أنا حوادث رأيُتها وعشُتها‪ ،‬أو وقعت لمن كان حولي سمعُتها‬
‫وتحققت منها‪ .‬سنة ‪ ،1957‬مرضت مرضة طويلة لخيانة من طبيب شاب‬
‫شيوعي‪ ،‬وضع لي جرثومة يسمونها العصّيات الزرقاء‪ ،‬قليلة نادرة في بلدنا‪،‬‬
‫ما ل يعرف مداها‬ ‫وكانت شكواي من حصاة في الكلية أقاسي من نوباتها آل ً‬
‫إل من قاساها‪ ،‬فانضممت إليها أمراض أخرى لم يكن لي عهد بها‪ ،‬وقضيت‬
‫في المستشفى؛ مستشفى الصحة المركزي الكبير في دمشق‪ ،‬ثم في‬
‫مستشفى كلية الطب بضعة عشر شهًرا‪ ،‬أقيم فيه‪ ،‬ثم أخرج منه ثم أعود‬
‫إليه‪ ،‬وكانوا كل يوم يفحصون البول مرتين‪ ،‬وينظرون ما فيه‪ ،‬فلما طال بي‬
‫المر‪ ،‬وضاق مني الصدر‪ ،‬توجهت إلى الله فسألته إحدى الراحتين‪ ،‬الشفاء‬
‫إن كان الشفاء خيًرا لي‪ ،‬أو الموت إن كان في الموت خيٌر لي ـ وكان يدعو‬
‫لي كثير ممن يحبني وإن كنت ل أستحق هذا الحب من القرباء ومن‬
‫قا بقدرته على‬ ‫صا له نيتي‪ ،‬واث ً‬ ‫الصدقاء ـ فلما توجهت ذلك اليوم إلى الله مخل ً‬
‫شفائي‪ ،‬سكن اللم‪ ،‬وتباعدت النوبات‪ ،‬وفحصوا البول كما كانوا يفحصونه كل‬
‫يوم‪ ،‬فإذا به قد صفا‪ ،‬وزال أكثر ما كان فيه وعجب الطباء واندهشوا‪،‬‬
‫اجتمعوا يبحثون‪ .‬فقلت لهم‪ :‬ل تتعبوا أنفسكم فهذا شيء جاء من وراء‬
‫ط ِّبكم‪ ،‬إن الله الذي أمرنا أن نطلب الشفاء من الطب ومن الدواء‪ ،‬قادر‬
‫على أن يشفي بل طب ول دواء‪.‬‬
‫ولما قدمت المملكة سنة ‪1382‬هـ أقمت سنة في الرياض‪ ،‬ثم جئت مكة‬
‫ما في‬ ‫فلبثت فيها إلى الن‪ ،‬كان معنا فيها رجل من الشام ل أسميه‪ ،‬كان مقي ً‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرياض هو وأمه‪ ،‬فعرض له عمل اقتضى سفره إلى لبنان‪ ،‬كرهت أمه هذا‬
‫ل موعده حمل ثقله ]أي حقائبه وأشياءه[ إلى‬‫السفر لئل تبقى وحدها‪ ،‬فلما ح ّ‬
‫المطار فسلمه إلى الشركة وذهب إلى بيته على أن يأتي الفجر ليسافر‪.‬‬
‫ورجا أمه أن توقظه قبيل الفجر‪ ،‬فلم توقظه حتى بقى لموعد قيام الطيارة‬
‫ث السائق على أن يبلغ به‬‫عا وأخذ سيارة وح ّ‬
‫ثلث أرباع الساعة‪ ،‬فقام مسر ً‬
‫المطار ويضاعف له الجر‪ ،‬وجعل يدعو الله أن يلحق بالطيارة قبل أن تطير‪،‬‬
‫ولما وصل وجد أنه ل يزال بينه وبين الموعد ربع ساعة‪ ،‬فدخل المقصف‬
‫وقعد على الكرسي فنام‪ ،‬ونودي من المكبر على ركاب الطائرة أن يذهبوا‬
‫إليها‪ ،‬فلم يسمع هذا النداء وما صحا حتى كانت الطيارة قد علت في الجو‪،‬‬
‫وكنت معه‪ ،‬فجعل يعجب كيف دعا الله بهذا الخلص دعاء المضطر ولم‬
‫يستجب له؟‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وجعلت أهون المر عليه‪ ،‬وأقول له‪ :‬إن الله ل يرد ّ دعوة داٍع مخلص مضطر‬
‫م‬
‫دا‪ ،‬ولكن النسان يدعو بالشر دعاءه بالخير‪ ،‬والله أعلم بمصلحته منه‪ ،‬وأه ّ‬ ‫أب ً‬
‫الغضب والحزن عن إدراك ما أقول‪ .‬أفتدرون ماذا كانت خاتمة هذه القصة؟‬
‫لعل منكم من يذكر طيارة شركة الشرق الوسط التي سقطت تلك السنة‪،‬‬
‫وهلك من كان فيه؟ هذه هي الطيارة التي حزن على أنها فاتته‪.‬‬
‫إن النسان قد يطلب من الله ما يضره‪ ،‬ولكن الله أرحم به من نفسه‪ ،‬وإذا‬
‫كان الب يأخذ ولده الصغير إلى السوق فيرى اللعبة فيقول‪ :‬أريدها‪،‬‬
‫شكولته‬ ‫فيشتريها له‪ ،‬ويبصر الفاكهة الجميلة‪ ،‬فيوصله إليه‪ ،‬ويطلب ال ّ‬
‫فيشتري له ما يطلبه فإذا مّر على الصيدلية ورأى الدواء الملفوف بالورقة‬
‫الحمراء‪ ،‬فأعجبه لونه‪ ،‬فطلبه‪ ،‬هل يشتريه له وهو يعلم أنه يضره؟ إذا كان‬
‫الب وهو أعرف بمصلحة ولده ل يعطيه كل ما يطلب لنه قد يطلب ما ل‬
‫يفيده‪ ،‬فالله أرحم بالعباد من آبائهم ومن أمهاتهم ومن ذويهم « ‪ ] ....‬كتاب‬
‫الباب الذي ل يغلق في وجه سائل ص ‪ :20 – 1‬الشيخ على الطنطاوي[‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫الباقية ل الفانية * ومصعب بن عمير‬


‫الدكتور محمد أديب الصالح‬
‫ـ‪1‬ـ‬
‫كان من حوافز الجهاد وحب الستشهاد في سبيل الله عند البررة الخيار من‬
‫أبناء أمتنا ـ بجانب رسوخ اليمان واليقين بما وعد الله ورسوله ـ زهادتهم في‬
‫الدنيا ‪ ،‬ووضع متاعها ـ إن وجد ـ موضعه الطبيعي في حياة المؤمن ‪ ،‬وسيلة‬
‫ل غاية ‪ ،‬وفي الكف ل في القلوب ‪ ..‬وعلى محور السلوك أخذت هذه‬
‫القضية أبعادها وانعكاساتها ‪.‬ولقد كانوا في ذلك ـ رضي الله عنهم وأرضاهم ـ‬
‫على قدم إمام النبياء وسيد المجاهدين والربانيين محمد عليه الصلة‬
‫والسلم ‪ ،‬فلقد بين بقوله وفعله وكريم تقريره وإرشاده هوان الدنيا على الله‬
‫‪ ،‬وإنها للمؤمن وسيلة إلى الخرة ‪ ،‬وما هي ـ على الحقيقة ـ إل متاع الغرور ‪.‬‬
‫فالدنيا فانية والخرة خير وابقى ‪ ،‬وأين الفانية من الباقية !! روى مسلم عن‬
‫المستورد بن شداد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ " :‬إنما الدنيا‬
‫في الخرة مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم ‪ ،‬لينظر بم يرجع " ؟)‪(2‬‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وروى مسلم أيضا ً عن جابر رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم مر بالسوق والناس كنفتيه ـ أي عن جانبيه ـ فمر بجدي أسك ـ صغير‬
‫الذن ـ ميت ‪ ،‬فتناوله فأخذ بأذنه ثم قال ‪ :‬أيكم يحب أن هذا له بدرهم ؟‬
‫فقالوا ‪ :‬ما نحب إنه لنا بشيء وما نصنع به ؟ قال ‪ :‬أتحبون أنه لكم ؟ قالوا ‪:‬‬
‫والله لو كان حيا ً ‪ ،‬كان عيبا ً أنه أسك ‪ ،‬فكيف وهو ميت !! فقال أهون على‬
‫الله من هذا عليكم " )‪.(3‬‬
‫ومما ل ريب فيه أن هذا وأمثاله من رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرق‬
‫في ظل آيات كثيرة في هذا الباب منها قوله تعالى في سورة الحديد ]اعلموا‬
‫أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة ‪ ،‬وتفاخر بينكم وتكاثر في الموال والولد ‪،‬‬
‫كمثل غيث أعجب الكفار نباته ‪ ،‬ثم يهيج فتراه مصفرا ً ثم يكون حطاما ً وفي‬
‫ب شديد ومغفرة من الله ورضوان ‪ ،‬وما الحياة الدنيا إل متاع‬ ‫الخرة عذا ُ‬
‫الغرور[ )‪(4‬‬
‫من أجل هذا شهدت النسانية في واحد من أبهى معالم الحق في الدنيا منها‬
‫ما روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال ‪ :‬نام رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم على حصير‪ ،‬فقام وقد أثر في جنبه ‪ ،‬قلنا ‪ :‬يا رسول الله لو‬
‫اتخذت لك وطاء ‪ ،‬فقال ‪ :‬مالي وللدنيا !! ما أنا في الدنيا إل كراكب استظل‬
‫تحت شجرة ثم راح وتركها " رواه الترمذي وقال ‪ :‬حديث حسن صحيح )‪.(5‬‬
‫وعلى هدي هذا المنهج النبوي في السلوك ‪ ،‬شهد تاريخ هذه المة أمة تبني‬
‫حضارة السلم ـ فيما شهد ـ شابا ً يانعا ً ‪ ،‬ربي على الرفاهية في الطعام ‪،‬‬
‫واللين الملبس ‪ ،‬ونشيء على ما يزهو به الشباب الناعم في العيش ويصبوا‬
‫إليه ‪ ،‬وهو مصعب بن عمير رضي الله عنه ‪ ،‬شهد تاريخ الرفاهية ولكن‬
‫الشاب يترك كل هذا بعد أن خالط اليمان بشاشة قلبه ‪ ،‬ويتجاوزه إلى‬
‫النصراف إلى الدعوة ‪ ،‬والجهاد في سبيل الله ‪ ،‬والرضى بما يتبلغ به من‬
‫المأكل والملبس ‪ ،‬لنه بات في شغل شاغل بما هو أعلى وأغلى من تلك‬
‫الملذات ونعومة العيش ‪.‬‬
‫ولقي مصعب ـ جزاه الله من أمة السلم والبشرية كل خير ـ مصرعه شهيدا ً‬
‫يوم أحد فكان إخوانه ل يجدون ما يكفي لتغطية جسده كله ‪ ..‬حيث لم يجدوا‬
‫ما يكفي لتغطية هذا الجسد الذي ما عرف قبل السلم إل نعومة الحياة في‬
‫المطعم والملبس في ظل تلك القيم الفانية ‪ .‬وأين حماة الجاهلية من جنات‬
‫السموات والرض ‪ ،‬خاتمة للبذل الصادق والعطاء في سبيل الله ‪.‬‬
‫روى البخاري ومسلم )‪ (6‬عن خباب بن الرت رضي الله عنه قال ‪ " :‬هاجرنا‬
‫مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نلتمس وجه الله تعالى ‪ ،‬فوقع أجرنا‬
‫على الله ‪ ،‬فمنا من مات لم يأكل من أجره ـ يعني في الدنيا ـ شيئا ً ‪ ،‬منهم‬
‫مصعب بن عمير رضي الله عنه ‪ ،‬قتل يوم أحد ‪ ،‬وترك نمرة ‪ ،‬فكنا إذا غطينا‬
‫بها رأسه بدت رجله ‪ ،‬وإذا غطينا رجليه بدا رأسه ‪ ،‬فأمرنا رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم أن نغطي رأسه ‪ ،‬ونجعل على رجليه شيئا ً من الذخر‪ ،‬ومنا‬
‫من أينعت له نمرته فهو يهذبها "‬
‫والنمرة كساء ملون من الصوف ـ يهذبها ‪ :‬يقطفها ‪.‬‬
‫هكذا استطاع هؤلء الرجال حين تخففوا من حب الدنيا وكراهية الموت ‪،‬‬
‫وصدقوا في طلب الخرة ‪ ،‬أن يتقدموا في ميادين الشهادة ‪ ،‬باسمة شفاههم‬
‫مرفوعة رؤوسهم خفاقة بالشوق إلى لقاء الله قلوبهم ‪ ،‬يجدون عند أرض‬
‫المعركة ريح الجنة التي وعد المتقون ‪ ،‬ويتنسمون عبير الحياة التي كتبت‬
‫للشهداء وهم أحياء عند ربهم يرزقون ‪.‬‬
‫ومصعب بن عمير ـ رضي الله عنه وأكرم نزله ـ أنموذج لولئك الذين صدقوا‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله فصدقهم ‪ ،‬وتخففوا من الدنيا والنغماس بمتاعها ولذاتها ‪ ،‬فكانوا أقدر‬


‫على المسارعة إلى جنة فيها ما ل عين رأت ول أذن سمعت ول خطر على‬
‫قلب بشر‪ ،‬وفازوا بمرضاة الله التي هي السعادة !!‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لقد اختصروا المسافة بينهم وبين الشهادة بهذا السلوك الذي كانوا فيه على‬
‫إرث من منهج المصطفى عليه الصلة والسلم ‪ .‬ومن لم يرزق الشهادة‬
‫منهم عاش سعيدا ً ‪ ،‬بنفس مطمئنة ‪ ،‬وحظي عند الله بما ل يكاد يوصف من‬
‫الخير ]يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية ‪ ،‬فادخلي في‬
‫عبادي وادخلي جنتي[‪.‬‬
‫وأخيرا ً ‪ :‬وهذا ما أذكر به نفسي قبل الخوة القراء راجيا من الله عونه‬
‫ً‬
‫ـ‪2‬ـ‬
‫حاجة المة إلى التبصر في سيرة من صنعوا تاريخها ‪ ،‬حاجة ل يذهب اختلف‬
‫الحوال صعودا ً إلى القمة أو هبوطا ً إلى القاع ‪ ،‬خصوصا ً أولئك الذين شاء‬
‫الله لهم أن يشهدوا تنزل الوحي وأن يرتادوا الطريق ‪ .‬وإذا ذكر هؤلء ذكر‬
‫مصعب بن عمير رضي الله عنه ‪ ...‬صحيح أن الحقبة الزمنية التي أمضاها‬
‫الرجل المجاهد الداعية في العمل تحت راية الدعوة كانت قصيرة بعض‬
‫القصر لما أنه قد استشهد ـ أكرم الله مثواه ورحمه ـ في " أحد " ‪ ،‬ولكنها‬
‫كانت عظيمة متسعة الرجاء عطاء وعمق دللة في صناعة تاريخ السلم ‪،‬‬
‫والتفاني للدعوة أن تأخذ مكانها الطبيعي في قيادة المجتمع المثل وإعداد‬
‫الفرد العداد القادر على مواجهة الحياة بالعقيدة الصافية والسلوك‬
‫المستقيم ‪.‬‬
‫هذا ‪ :‬وقد سعدنا بالحديث عن هذا الصحابي الجليل في واحد من العداد‬
‫الماضية ‪ ،‬ولكن مآثره رضي الله عنه أغزر من أن تتسع لها صفحة من‬
‫الصفحات ‪.‬‬
‫***‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫لقد كان أبو عبد الله فتى مكة شبابا وجمال وسنا ‪ ،‬وكان أبواه يحبانه غاية‬
‫الحب ‪ ،‬وكانت أمه تكسوه أحسن ما يكون الثياب ‪ ،‬وكان أعطر أهل مكة‬
‫وروى بعض أصحاب السير أن رسول الله كان يذكره فيقول ‪ " :‬ما رأيت لمه‬
‫ول أرق حلة ول أنعم نعمة من مصعب بن عمير" فلما أسلم أصابه من الشدة‬
‫وحمل هموم الدعوة في مواجهة المشركين ‪ ،‬ما غير لونه ‪ ،‬وأذهب لحمه ‪،‬‬
‫وأنهك جسمه ‪ ،‬حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ كما ذكر‬
‫السهيلي ـ ينظر إليه وعليه فروة قد رفعها فيبكي لما كان يعرف من نعمته ‪.‬‬
‫هذا ‪ :‬وكان رضي الله عنه ممن هاجر إلى الحبشة ثم عاد ‪ ،‬وبعد أن بايع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم النصار بيعة العقبة الولى ‪ ،‬وحان انصراف‬
‫القوم إلى المدينة أرسل معهم مصعب بن عمير يعلم من أسلم منهم القرآن‬
‫والشرائع وسمي لهذا رضي الله عنه بـ " المقرئ " ‪.‬‬
‫وانظر أي مقرئ هذا الرجل الذي تولى شؤون تعليم القرآن والشرائع ‪ ،‬وهي‬
‫مهمة ل نقدرها حق قدرها إل إذا كنا على تصور تام لطبيعة المجتمع هناك‬
‫وسلطان يهود وما كان من رواسب الجاهلية ‪ ،‬ولكن مصعبا ً كان قويا ً بقوة‬
‫الله وقام بالمهمة خير قيام وهو أهل لما قام به كيف ل وقد اختاره رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ليقوم بهذا الفتح العظيم ‪ .‬وقد جمع بالمسلمين ـ‬
‫كما في بعض الروايات ـ أول جمعة في المدينة وكانوا أربعين رجل ً ‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫***‬
‫غير أن أبا عبد الله لم يقف عند حد تعليم القرآن والشرائع بل أدرك واجبا ً‬
‫عليه أن يفتح القلوب بكلمة التوحيد ‪ ،‬وأن يفسح للقرآن والشرائع في تلك‬
‫القلوب والعقول ‪ ،‬فاستنفد الطاقة في الدعوة إلى الله مستعليا ً على حطام‬
‫الدنيا غير آبه بما قد يفوته من زخرفها بعد أن أكرمه الله فذاق حلوة اليمان‬
‫‪ ،‬ووقف على المحجة ‪ ،‬وشرع يرتاد للمة الطريق داعيا ً إلى الله والدعوة‬
‫إلى الله إرث من إرث النبوة ]قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا‬
‫ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين[ ]ومن أحسن قول ً ممن دعا‬
‫إلى الله وعمل صالحا ً وقال إنني من المسلمين[ ‪ .‬وبأسلوبه الحكيم وصدقه‬
‫مع الله ‪ ،‬واستعلئه على حطام الدنيا ‪ ،‬أسلم على يده خلق كثير من النصار‪،‬‬
‫فأسلم في جملتهم سعد بن معاذ وأسيد بن الحضير‪ ،‬وأسلم بإسلمهما جميع‬
‫بني عبد الشهل في يوم واحد الرجال والنساء ‪،‬يقول ابن حزم رحمه الله ‪:‬‬
‫ما نعلمه تأخر عن السلم أحد منهم ‪ ،‬حاشا الصيرم ‪ ،‬وهو عمرو بن ثابت بن‬
‫قيس ‪ ،‬فإنه تأخر إسلمه إلى " أحد " فأسلم ‪ ،‬فاستشهد ‪ ،‬ولم يكن من بني‬
‫عبد الشهل منافق ول منافقة ‪ ،‬كانوا كلهم مخلصين رضوان الله عليهم ‪.‬‬
‫وكم لمصعب من الجر والمثوبة عند الله ثمرة الدللة على الخير والدعوة‬
‫إلى الله ‪.‬‬
‫وهكذا لم يبق دار من دور النصار إل وفيها مسلمون رجال ً ونساء ‪ ،‬حاشا بني‬
‫أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف وتلك أوس الله وهم من الوس بن‬
‫حارثة ‪ ..‬على تفصيل العلماء في شأنهم ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إن هذا الذي صنعه أبو عبد الله مصعب رضي الله عنه أمر له ثقله في ميزان‬
‫الدعوة وتاريخ السلم ‪ ،‬فالمدينة التي استقبلت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وأحلته من القلوب والنفوس ما هو معلوم ـ والحمد لله ـ كانت تتجه‬
‫بأبنائها ومن عليهم من إخوانهم المهاجرين صوب المفهوم الجديد للتاريخ ‪،‬‬
‫بل صوب تغيير خريطة العالم ‪ ،‬واستبدال المفاهيم الجاهلية ‪ ،‬والمصطلحات‬
‫المغلوطة بمفاهيم ومصطلحات بدأ المسلمون من خللها يملون على التاريخ‬
‫ما يريدون ‪ .‬ولقد كلفهم ذلك ألوانا ً من العطاء ‪ ،‬ليس أقلها بذل الموال‬
‫والنفس في ساحات الجهاد تحت راية الدعوة ‪ ،‬يوم حملوا للنسانية‬
‫مقومات وجودها الذاتي ‪ ،‬وقدموا لها أسمى حضارة عرفها النسان ‪.‬‬
‫وإذا ذكرت ذلك كله فلبد أن نذكر مصعبا ً رضي الله عنه وأرضاه ‪ ،‬وجعل من‬
‫هجرته إلى الجنة وتعليمه القرآن والشرائع ‪ ،‬وصبره على الدعوة واستشهاده‬
‫تحت رايتها في " أحد " منارا ً يهدي المة إلى السبيل القوم فيما تنشده من‬
‫عودة ظافرة إلى أن تكون لها ذاتيتها وأصالتها في العالمين وثمن ذلك‬
‫إخلص يحركه اليمان وبذل ل يعصب به الرعب والره‬

‫)‪(3 /‬‬

‫البث المباشر حقائق وأرقام‬


‫المقدمة‬
‫تمهيد‪ :‬أهمية العلم في الحياة المعاصرة‬
‫البث المباشر‪:‬مقدمة لبد منها‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تعريفه‬
‫الجديد في البث المباشر‬
‫آثار البث المباشر‬
‫منافع البث المباشر‬
‫الوقاية‬
‫الخاتمة‬
‫ل‪ :‬المقدمة‬ ‫أو ً‬
‫إن الحمد لله نحمده‪ ،‬ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور أنفسنا‪،‬‬
‫ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‪،‬‬
‫دا عبده ورسوله‪،‬‬ ‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محم ً‬
‫صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم‪ ،‬فقد ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها‬
‫َ‬
‫قات ِهِ َول‬ ‫حق ّ ت ُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫كنهارها ل يزيغ عنها بعده إل هالك‪َ) .‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن( )آل عمران‪.(102:‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬‫م ُ‬ ‫ن إ ِّل وَأن ْت ُ ْ‬ ‫موت ُ ّ‬ ‫تَ ُ‬
‫جَها‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫من َْها َزوْ َ‬ ‫خل ق َ ِ‬ ‫حد َةٍ وَ َ‬ ‫س َوا ِ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫قك ْ‬ ‫خل َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫قوا َرب ّك ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫)َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫ن ب ِهِ َوالْر َ‬ ‫ساَءلو َ‬ ‫ذي ت َ َ‬ ‫ه ال ِ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫ساًء َوات ّ ُ‬ ‫جال كِثيرا وَن ِ َ‬ ‫ما رِ َ‬ ‫من ْهُ َ‬‫ث ِ‬ ‫وَب َ ّ‬
‫م َرِقيبا( )النساء‪.(1:‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن عَلي ْك ْ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فْر‬ ‫م وَي َغْ ِ‬ ‫مال َك ُ ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫ح ل َك ُ ْ‬ ‫صل ِ ْ‬ ‫ديدا ً ي ُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ه وَُقوُلوا قَوْل ً َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫)َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ظيمًا( )الحزاب‪،70:‬‬ ‫وزا ً عَ ِ‬ ‫قد ْ َفاَز فَ ْ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن ي ُط ِِع الل ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫‪.(71‬‬
‫جاَرةُ عَل َي َْها‬ ‫س َوال ْ ِ‬ ‫م َنارا ً وَُقود ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ح َ‬ ‫ها الّنا ُ‬ ‫م وَأهِْليك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫مُنوا ُقوا أن ْ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫)َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن( )التحريم‪:‬‬ ‫مُرو َ‬ ‫ما ي ُؤْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫مَرهُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صو َ‬ ‫داد ٌ ل ي َعْ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫ظ ِ‬ ‫ة ِغل ٌ‬ ‫ملئ ِك َ ٌ‬ ‫َ‬
‫‪.(6‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فقرابة عام ‪1400‬هـ قام د ‪ /‬محمد عبده يماني ‪-‬وكان وزيرا للعلم وقتئذ‬
‫بإلقاء محاضرة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية بالرياض‪ ،‬وكان مما‬
‫ذكر أنه بعد حوالي سبع سنوات سيستطيع المشاهد للتلفزيون أن يرى عددا‬
‫من القنوات العالمية عبر القمار الصناعية‪ ،‬كما يستمع الن إلى بعض‬
‫المحطات الذاعية العالمية‪ .‬وكان كلمه وقتئذ كأنه أحلم‪ ،‬ولكنه ظل عالقا‬
‫في ذهني‪ ،‬أفكر فيه مرة بعد أخرى‪ ،‬ولم أجد حينها من الكتابات ما يؤيد ذلك‬
‫أو ينفيه‪.‬‬
‫وفي عام ‪1408‬هـ بدأ الحديث عن هذا الموضوع‪ ،‬ومع مطلع عام ‪1409‬هـ‬
‫أصبح الحديث أكثر جدية‪ ،‬وبدأت الندوات والتحليلت‪ ،‬مما يدل على أن المر‬
‫واقع ل محالة‪.‬‬
‫هنا رأيت لزاما علي أن أولى هذا الجانب بعض ما يستحقه من اهتمام‪،‬‬
‫ودعيت إلى إلقاء محاضرة عن الموضوع في رمضان ‪1409‬هـ فشمرت‬
‫واجتهدت‪ ،‬وجمعت المصادر والمراجع‪ ،‬واستمعت إلى ندوة عقدت حول‬
‫الموضوع‪ ،‬ثم ألقيت المحاضرة ولم أكن أتصور بعد إلقائي للموضوع أنني‬
‫كمن ألقي حجرا في ماء راكد‪ ،‬حيث أحدثت المحاضرة صدى كبيرا‪ ،‬وتوالت‬
‫السئلة والستفسارات‪ ،‬ودعيت للقاء المحاضرات حول الموضوع داخل‬
‫المملكة وخارجها‪ ،‬فألقيت ثمان محاضرات وشاركت في ندوتين)‪.(1‬‬
‫وكنت خلل تلك المدة أتابع ما يستجد وأتلقى الرسائل حول هذه القضية‪.‬‬
‫وكانت هناك رغبة في إخراج هذا الموضوع في رسالة أو كتاب‪ ،‬وكلما هممت‬
‫في إخراجه جاء ما يؤجل ذلك‪ ،‬وبخاصة أنني أشعر أنه لم يكتمل بعد‪.‬‬
‫ومع بداية عام ‪1412‬هـ شعرت أن تحقيق هذه الرغبة أصبح أمرا لزما بعدما‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رأيت الحلم حقيقة‪ ،‬والخيال أصبح واقعا‪.‬‬


‫لما رأيت المر أمرا منكرا ‪ ...‬حاضرت قومي وكتبت مخبرا‬
‫وها هو الكتاب بين أيديكم‪ ،‬فما كان فيه من حق وخير فمن الله‪ ،‬وما كان فيه‬
‫من تقصير أو قصور فمن نفسي والشيطان‪ ،‬واستغفر الله‪.‬‬
‫ولي أمل في إخوتي الكرام أن يراعوا ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن الموضوع على جانب كبير من الهمية‪ ،‬وخطورته ل تخفى‪ ،‬ولكن‬
‫القضية أن أثره ل يظهر بين عشية وضحاها‪ ،‬وإنما على مر الشهور والسنين‪،‬‬
‫ولذا قد يتصور البعض أن الموضوع ل يستحق هذا الجهد وهذا الهتمام‪،‬‬
‫وتجربتنا مع الفلم والتلفزيون كافية‪ ،‬مع الفرق بينهما‪.‬‬
‫‪ -2‬اعتمدت في بيان أثره على ما كتب وألقي في الموضوع‪ ،‬ونتيجة‬
‫الدراسات التي أعدت حول أثر التلفزيون والفلم‪ ،‬حيث استخدمت )قياس‬
‫الولى( وذلك أن ما سيرد في هذا البث أشد مما يعرض في بعض‬
‫التلفزيونات العربية‪ ،‬بل وأشد مما في الفلم‪ ،‬ودعوكم من الكلم الذى يقال‬
‫خلف ذلك )‪ (2‬فقد ثبت لدي أن المر أدهى وأمر‪ ،‬ول يصح إل الصحيح‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬الولى في الرياض بجامع الملك خالد تحت إشراف مكتب الدعوة التابع‬
‫لدارات البحوث العلمية‪ ،‬والثانية في جامعة أم القرى بدعوة من اللجنة‬
‫الثقافية‪ ،‬وكلهما عام ‪1410‬هـ‪.‬‬
‫)‪ - (2‬نعم هناك أفلم قد تكون أشد سوءا كأفلم )سكس( ولكن هذه ل‬
‫تشكل من الفلم إل نسبة قليلة مما هو منتشر بين الناس ويباع في‬
‫السواق‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -3‬قد يتعجل البعض فيتصور أني بالغت في الموضوع‪ ،‬وبخاصة عند بيان‬
‫الثر‪ ،‬وهذا المر غير صحيح‪ ،‬فقد تحاشيت المبالغة‪ ،‬وابتعدت عن العاطفة‬
‫المجردة من الحقائق‪ ،‬ولذلك حرصت أن أجعل الرقام والدراسات وكلم‬
‫العقلء والمختصين هو الذي يتحدث‪ ،‬ونوعت مصادر الدراسة والستشهاد‪،‬‬
‫دفعا لهذا التوهم‪ ،‬وأقول كما قال الول‪:‬‬
‫أرى خلل الرماد وميض نار‬
‫فإن لم يطفها عقلء قومي ‪ ...‬ويوشك أن يكون لها ضرام‬
‫يكون وقودها ذمم وهام‬
‫‪ -4‬قد يستغرب بعض الحبة استشهادي بعض القوال لشخاص كان الجدر‬
‫عدم ذكرهم‪ ،‬فأقول‪ :‬مهل‪ ،‬إن ذكري لهؤلء ليس ثناء ول توثيقا لهم‪ ،‬وإنما هو‬
‫من باب "وشهد شاهد من أهلها" و "الحق ما شهدت به العداء" ولبين أن‬
‫خطر هذا الداء حقيقة يشترك في معرفتها أغلب العقلء‪.‬‬
‫‪ -5‬ما أنزل الله من داء إل وأنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله‪،‬‬
‫ومن هنا فقد اجتهدت في بيان العلج وسبل الوقاية‪ ،‬ووقفت مع أغلب‬
‫الحلول المطروحة‪ ،‬مناقشا‪ ،‬ومؤيدا‪ ،‬ومخالفا‪ .‬ثم بينت تصوري حول ما أراه‬
‫من علج لهذه القضية‪ ،‬ومع ذلك فالموضوع يحتاج إلى مزيد من بيان سبل‬
‫العلج "وفوق كل ذي علم عليم"‪.‬‬
‫‪ -6‬وأخيرا‪ :‬أتقدم بشكري ‪-‬بعد شكر الله‪ -‬لكل من ساهم في العداد لهذا‬
‫الموضوع برأي أو كتاب أو سؤال )‪ (1‬والحمد لله أول وأخيرا على توفيقه‬
‫وإعانته‪ ،‬وأسأله أن يجعل هذا العمل متقبل‪ ،‬وأن يتجاوز عن خطأي وتقصيري‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأقول بعد ذلك‪:‬‬


‫ربي لك الحمد ل أحصي الجميل إذا‬
‫فل تؤخذاني إن زل اللسان وما ‪ ...‬نفثت يوما شكاه القلب عن كرر‬
‫شيء سوى الحمد بالضراء يجمل‬
‫وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‬
‫أ‪.‬د‪.‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫الدمام‪ :‬يوم الجمعة ‪12/3412‬هـ‬
‫ثانيًا‪ :‬تمهيد‬
‫أهمية العلم في الحياة المعاصرة‬
‫منذ عشرات السنين قال الشاعر حافظ إبراهيم‪:‬‬
‫لكل زمان مضى آية ‪ ...‬وآية هذا الزمان الصحف‬
‫أما اليوم فلم تعد الصحف هي الوسيلة العلمية الوحيدة بل تعددت قنوات‬
‫ووسائل التصال حتى حار النسان فيها‪،،‬واتخذت أشكال عدة أبرزها ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬الذاعات‪ :‬وهي أوسع القنوات العلمية انتشارا للسباب التالية‪:‬‬
‫)أ( أنه يشترك فيها المتعلم‪ ،‬والعامي‪ ،‬والصغير والكبير‪ ،‬والرجل والمرأة‪.‬‬
‫)ب( قلة تكلفتها المادية‪ ،‬بخلف كثير من وسائل العلم الخرى‪ ،‬فما على‬
‫المرء إل أن يشتري جهاز راديو حسب إمكاناته المادية‪ ،‬حتى لو لم يملك إل‬
‫دريهمات معدودة‪ .‬فسيجد ما يلئمه منها‪ ،‬مما يحوي عدة موجات‪.‬‬
‫)جـ( سهولة الستعمال‪ ،‬فيستطيع النسان أن يستمع إلى الراديو في أي‬
‫مكان كان ما لم يوجد حاجز طبيعي‪.‬‬
‫)د( طول مدة الرسال‪ ،‬وكثرة الذاعات؛ فالرسال الذاعي يستمر ساعات‬
‫طويلة في أغلب الذاعات‪ ،‬وهناك إذاعات يستمر إرسالها )‪ (24‬ساعة‬
‫متصلة‪.‬‬
‫)هـ( عدم وجود رقابة على الذاعات‪ ،‬ويستطيع المستمع أن ينتقل من إذاعة‬
‫إلى أخرى دون حسيب‪ ،‬أو رقيب من البشر‪.‬‬
‫ولهذا فقد لعبت الذاعات دورا مهما في حياة الناس‪،،‬ول تزال مع التقدم‬
‫الهائل في الوسائل العلمية الخرى تحتل مكانة بارزة‪،،‬وتؤثر تأثيرا واضحا‪.‬‬
‫ويكفي أن أشير إلى أن هناك عددا من الذاعات العالمية استحوذت على‬
‫أغلب المستمعين‪ ،‬وعلى رأسها ثلث إذاعات‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬إذاعة لندن‪.‬‬
‫‪ -2‬صوت أمريكا‪.‬‬
‫‪ -3‬مونت كارلو‪.‬‬
‫وقد كشفت أحداث الخليج تأثير تلك الذاعات‪ ،‬وتسابق الناس للستماع إليها‪،‬‬
‫ومما يذكر في هذا الشأن أن رجل اشترى راديو من أحد المحلت في‬
‫الرياض‪ ،‬وطلب من البائع أن يحدد له موجات تلك الذاعات‪ ،‬ويثبته عليها‪ ،‬كما‬
‫ذكرت ذلك إحدى الصحف‪ .‬ورجل آخر اشترى عدة راديوهات وجعل كل راديو‬
‫على موجة من هذه الموجات‪ ،‬حتى ل يفوته خبر منها‪.‬‬
‫ولم أر أن العرب أجمعوا على شيء كإجماعهم على الستماع لذاعة لندن‪،‬‬
‫مع اختلفهم في تقويمها‪.‬‬
‫‪ -2‬الصحف‪ ،‬والمجلت‪ ،‬والدوريات‪ ،‬والنشرات‪:‬‬
‫وقد تربعت الصحافة على عرش التأثير زمنا طويل‪ ،‬حتى أصبحت في فترة‬
‫من الفترات تسمى السلطة الرابعة‪.‬‬
‫واليوم تبوأت الصحافة مكانة أسمى‪ ،‬وتأثيرا أقوى‪ ،‬حتى أصبح الملوك‪،‬‬
‫والرؤساء يخطبون ود رؤساء التحرير‪ ،‬ويتقربون منهم‪ ،‬ويغدقون عليهم‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العطايا‪ ،‬والهبات رجاء وخوفا‪ ،‬بل تعدى المر إلى صغار المحررين‪،‬‬
‫والمبتدئين من المراسلين‪ ،‬وأصبح كثير من الناس ل يستطيع أن يستغني عن‬
‫مطالعة الصحف‪ ،‬والمجلت يوميا‪ ،‬بل الكثير منهم ل يتناول فطوره إل بعد‬
‫الطلع على صحف اليوم‪.‬‬
‫ويكفي أن أدلل على أهمية الصحافة بالتأمل فيما يلي‪:‬‬
‫)أ( يطبع في المملكة ثمان صحف عربية يومية‪ ،‬توزع أكثر من مليون نسخة‪.‬‬
‫)ب( يدخل إلى سوق المملكة عدد من الصحف العربية اليومية توزع أكثر من‬
‫مليون نسخة‪.‬‬
‫)جـ( يطبع في المملكة عدد من الصحف اليومية باللغة النجليزية‪ ،‬توزع مئات‬
‫اللف من النسخ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬وأخص الخ عمر بن عبد الله العمر المحاضر بجامعة الملك فيصل‬
‫والذي يحضر الدكتوراه بقسم العلم بجامعة المام‪ ،‬حيث ساهم مساهمة‬
‫متميزة في تيسير الحصول على الكتب المتخصصة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫)د( يطبع في المملكة عدد من المجلت السبوعية توزع مئات اللف من‬
‫النسخ‪.‬‬
‫)هـ( يدخل إلى سوق المملكة شهريا أكثر من أربعمائة مطبوعة‪ ،‬بين جريدة‪،‬‬
‫ومجلة دورية‪ ،‬توزع أكثر من عشرة مليين نسخة‪.‬‬
‫فإذا قارنا هذه الرقام بعدد سكان المملكة ندرك الدور الذي تلعبه الصحافة‬
‫في حياتنا‪.‬‬
‫‪ -3‬التلفزيون والفيديو‪:‬‬
‫وهذا بيت القصيد‪ ،‬ومربط الفرس؛ فبالرغم مما تقوم به الوسائل العلمية‬
‫الخرى حسب ما بينت سابقا‪ ،‬فإن تأثيرها ‪-‬رغم قوته ‪ -‬ل يتعدى ‪ %30‬من‬
‫قوة تأثير التلفزيون والفيديو‪ ،‬وقد أثبتت الدراسات‪ ،‬والبحوث العلمية التي‬
‫أجريت حول مدى تأثير التلفزيون والفيديو أن تأثيرهما ل تقاربه أي وسيلة‬
‫أخرى‪ ،‬وستتضح هذه الحقيقة من خلل هذا الكتاب‪ ،‬وذلك للسباب التالية‪:‬‬
‫)أ( انتشار هذا الجهاز حتى أنه قل أن يخلوا منه بيت‪،‬أو يسلم من مشاهدته‬
‫إنسان‪.‬‬
‫)ب( عدد الساعات التي يقضيها المرء عند التلفزيون والفيديو‪ ،‬فقد ذكر د ‪/‬‬
‫حمود البدر )‪ (1‬أن الدراسات‪ ،‬والبحاث أثبتت أن بعض الطلب عندما يتخرج‬
‫من المرحلة الثانوية يكون قد أمضى أمام جهاز التلفزيون قرابة )‪ (15‬ألف‬
‫ساعة‪ ،‬بينما ل يكون أمضى في حجرات الدراسة أكثر من )‪ (10800‬ساعة‬
‫على أقصى تقدير )‪ (2‬أي في حالة كونه مواظبا على الدراسة محدود‬
‫الغياب‪.‬‬
‫ومعدل حضور بعض الطلب في الجامعة )‪ (600‬ساعة سنويا‪ ،‬بينما متوسط‬
‫جلوسه عند التلفزيون )‪ (1000‬ساعة سنويا‪.‬‬
‫)جـ( طول مدة البث يوميا‪ ،‬واستمراره جميع أيام السبوع دون عطلة‪ ،‬أو‬
‫إجازة‪.‬‬
‫)د( الحالة النفسية للمتلقي‪ ،‬حيث إن المشاهد للتلفزيون‪ ،‬أو الفيديو يكون‬
‫في حالة نفسية جيدة راغبا للمشاهدة مستعدا للتلقي‪ ،‬متلذذا بما يرى‪،‬‬
‫بخلف الطالب في المدرسة‪ ،‬ومهما كانت حالة الطالب من الرتياح لستاذ‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من الساتذة‪ ،‬أو مادة من المواد‪ ،‬فإنها ل تصل إلى حالة مشاهد يرى فيلما‬
‫غريزيا‪ ،‬أو حلقة من حلقات المصارعة‪ ،‬أو مبارة من مباريات كرة القدم‪.‬‬
‫وقد قامت جريدة عكاظ )‪ (3‬بإجراء تحقيق مع عدد من الطلب الذين‬
‫يشاهدون الفلم فكان مما قالوه‪:‬‬
‫‪ -1‬قال الشاب سلطان الدوسري‪ :‬إنني أشتري كل أسبوع ثلثة أشرطة‪ ،‬أو‬
‫أكثر وأحرص على مشاهدتها منفردا حتى أستطيع أن أحس بالمتعة‪،‬‬
‫والرتياح‪ ،‬وأرتاح كثيرا لهذه الفلم التي ل أمل مشاهدتها‪ ،‬إذ يمكنني إذا‬
‫شدتني أن أستمر في مشاهدتها لكثر من ست ساعات دون أن أحس بأي‬
‫ملل‪.‬‬
‫‪ -2‬قال الطالب بسام العقيل‪ :‬إنني أحرص دائما على اقتناء أشرطة عديدة‬
‫من خلل اشتراكي في العديد من محلت الفيديو‪ ،‬وذلك لضمان الحصول‬
‫على عدد معقول من الشرطة الجديدة‪ ،‬وخاصة ذات الطابع العنيف‪ ،‬والتي‬
‫أستمتع بها كثيرا‪ ،‬ولذا فقد أمضي النهار كله في مشاهدة الفيديو دون أن‬
‫أحس بملل‪.‬‬
‫‪ -3‬ويقول عبد الله الحمداني‪ :‬أنا أشاهد أعدادا كبيرة من الشرطة تصل غالبا‬
‫إلى عشرة أشرطة في السبوع‪ ،‬حيث أقضي حوالي أربع ساعات يوميا في‬
‫مشاهدتها‪ .‬كما أحرص على اقتناء الفلم ذات الطابع العنيف‪ ،‬والمغامرات‬
‫والتي تجعلني أستمتع بها كثيرا‪.‬‬
‫)د( إن أسلوب عرض البرامج‪ ،‬والتمثليات بلغ الذروة في الخراج‪،‬واستخدام‬
‫التقنية مع التشويق‪ ،‬والغراء وحسن العرض مما يجعل المشاهد أسيرا لها‬
‫مع قوة التأثير‪.‬‬
‫)هـ( إن الراديو يدرك بحاسة السمع‪ ،‬والصحافة تدرك بحاسة البصر‪ ،‬أما‬
‫التلفزيون فتشترك فيه حاستان هما السمع والبصر‪ ،‬مما يجعل تأثيره أكثر‪.‬‬
‫ولقد تطور التلفزيون تطورا مذهل‪ ،‬ووصل إلى تقنية عالية الجودة‪ ،‬وانظر‬
‫إلى هذه الرقام )‪ (4‬لتعي ما أقول‪:‬‬
‫عام‬
‫‪1920‬م بدأت محاولت إنتاج التلفزيون‪.‬‬
‫‪1927‬م بدأ الرسال التجريبي‪.‬‬
‫‪1951‬م بدأ إرسال التلفزيون الملون‪.‬‬
‫‪1962‬م أطلقت أمريكا القمر الصناعي )تليستار(‪.‬‬
‫‪1968‬م بدأ إنتاج مسجلت الفيديو‪.‬‬
‫‪1975‬م اخترعت شاشة التلفزيون المسطحة‪.‬‬
‫‪1979‬م بدأ عرض التلفزيون ثلثي البعاد‪.‬‬
‫‪1989‬م بدأ البث التلفزيوني المباشر‪.‬‬
‫ولقد كان المشاهد أسير قناة واحدة‪ ،‬أو قناتين‪ ،‬وعلى كل الحول ل تتعدى‬
‫القنوات التي تبث من بلده‪ ،‬أو من الدول المجاورة إن كان بثها قويا خمس‬
‫قنوات‪.‬‬
‫ثم جاء الفيديو‪ ،‬وأتاح للمشاهد فرصة الستمرار في مشاهدة ما يرغب من‬
‫أفلم دون أن يكون أسير ما يبث في التلفاز ضمن إطار ضيق‪.‬‬
‫أما الن فقد بدأ البث التلفزيوني العالمي‪ ،‬مما يفتح الباب على مصراعيه‪،‬‬
‫ويجعل تأثير التلفزيون فيما مضى محدودا إذا قورن بالمرحلة المقبلة‪،‬‬
‫والنفتاح المذهل‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬وكيل جامعة الملك سعود سابقأ‪ ،‬وأستاذ جامعي حاليا‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ - (2‬الحاجة إلى تنسيق وتكامل إعلمي ص ‪.13‬‬


‫)‪ - (3‬عكاظ العدد )‪ (9186‬ملحق عكاظ‪.‬‬
‫)‪ - (4‬العلم المعاصر‪ -‬د‪ .‬فائق فهيم ص ‪.287‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪ -4‬وهناك وسائل إعلمية كثيرة‪ :‬كوكالت النباء‪،‬والشرطة السمعية‪ ،‬وما‬


‫أتاحته وسائل التصال الحديثة كالهاتف‪ ،‬والفاكس‪ ،‬والبريد اللكتروني‪ ،‬وغيرها‬
‫مما يساعد على تبادل المعلومات بسرعة فائقة‪ ،‬حيث أصبح العالم الرحب‬
‫كقرية صغيرة‪ ،‬من حيث انتشار الخبار‪ ،‬وسرعة وصول المعلومات‪ ،‬وتأثير‬
‫الحداث‪ ،‬والتدخل في شؤون الخرين بسرعة مذهلة‪ ،‬فانقلب في روسيا في‬
‫الشرق تساهم أوربا وأمريكا في إسقاطه خلل يومين‪ ،‬وإشاعة حول بنك من‬
‫البنوك في الغرب تقضي على بنك آخر في الشرق‪.‬‬
‫وقيام انقلب في الشرق يؤدي إلى انهيار سوق السهم في الغرب خلل‬
‫ساعات معدودة‪ ،‬وفشل النقلب يعيد المور إلى نصابها‪.‬‬
‫وبهذا نستطيع أن نقول إن العلم اليوم هو الذي يتولى مقاليد المور في‬
‫العالم‪ ،‬والذي يستطيع أن يسيطر على وسيلة من وسائل العلم المؤثرة‬
‫يكون قد شارك في الحكم عالميا‪ ،‬ومحليا حسب تأثير وسيلته‪ ،‬وقوة نفوذها‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬ولما للعلم بعامة والتلفزيون بخاصة من تأثير على المم‪،‬‬
‫والمجتمعات‪ ،‬ونظرا لما يتوقع أن يحدثه البث المباشر من آثار وبخاصة في‬
‫عالمنا السلمي وأخص منه بلدنا نظرا لما تتمتع به من قيم ومبادئ حاول‬
‫العداء اختراقها ففشلوا‪.‬‬
‫لهذا كله ‪-‬وللسباب التالية‪ -‬جاء هذا الكتاب إعذارا وإنذارا‪.‬‬
‫وأوجز أسباب تأليفه بما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬الثار السلبية لهذا المر على المدى القريب والبعيد‪.‬‬
‫‪ -2‬الجهود الجبارة التي يبذلها العداء في هذا المضمار‪ ،‬من صناعة القمار‬
‫والجهزة‪ ،‬وإعداد البرامج‪،‬والمؤتمرات استعدادا لهذا الحدث الضخم‪.‬‬
‫‪ -3‬أن الموضوع لم يعط حقه من الدراسة والتحليل‪ ،‬وما قدم في هذا‬
‫المجال ل يعدو محاولت جزئية تفتقر إلى العمق‪ ،‬والشمول‪.‬‬
‫‪ -4‬وجود بعض الصوات المهونة من شأنه‪ ،‬والمقللة من خطورته‪ ،‬بل‬
‫والمرحبة به )‪.(1‬‬
‫‪ -5‬المقارنة الخاطئة بين أثر الراديو عندما تم البث العالمي‪ ،‬وبين أثر البث‬
‫التلفزيوني‪ ،‬حيث سوى الكثيرون بين المرين‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬البث المباشر‪:‬مقدمة لبد منها‬
‫بعد أن قمت بإلقاء المحاضرة الولى عن البث المباشر ‪-‬وكانت تكاد تخلو من‬
‫التفصيل في الناحية الفنية لعملية البث المباشر‪ -‬اتصل بي عدد من الخوة‪،‬‬
‫ورغبوا الجابة على كثير من السئلة في هذا الجانب‪.‬‬
‫وعندما ألقيت محاضرتي الثانية في هذا الموضوع ضمنتها تفصيل لهذا‬
‫الجانب‪ ،‬فجاءتني بعض السئلة‪ ،‬وفيها عتب علي في ذلك‪ ،‬وأن الواجب عدم‬
‫التفصيل حتى ل يستغلها ضعاف النفوس‪.‬‬
‫وفي هذه الرسالة سأفصل في هذا الموضوع للسباب التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬أن معرفة الشر وطرقه من أجل عدم الوقوع فيه‪ ،‬وتحذير الناس عنه أمر‬
‫مشروع‪ ،‬فإن حذيفة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬يقول‪ " :‬كان الناس يسألون رسول‬
‫الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة الوقوع‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيه"‪.‬‬
‫وقد أقره الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬على ذلك‪ ،‬بل أجاب على‬
‫أسئلته‪.‬‬
‫‪ -2‬أحاديث الفتن‪ ،‬وفيها بيان الشر وكيف يقع‪ ،‬وذلك من تحذير المصطفى ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لمته‪.‬‬
‫‪ -3‬أن تجاهل الشر ل يحول دون انتشاره‪ ،‬بل قد يكون سببا لذلك‪ ،‬لغفلة‬
‫الدعاة عنه‪.‬‬
‫‪ -4‬أن ما سأذكره ليس من السرار الخاصة‪ ،‬بل هي معلومات متاحة‪،‬‬
‫ومنشورة ولذا آمل من الخوة الكرام مراعاة هذه الحقائق‪ ،‬وأل نكون كما‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫كن جاهل أو فتجاهل تفز ‪ ...‬للجهل في ذا الدهر جاه عريض‬
‫رابعًا‪ :‬تعريفه‬
‫هو قيام القمار الصناعية بالتقاط البث التلفزيوني في بلد من البلدان‪ ،‬وبثه‬
‫مباشرة إلى أماكن أخرى تبعد عن مكان البث الصلي مسافات بعيدة‪ ،‬تحول‬
‫دون التقاط البث دون وسيط‪.‬‬
‫كيف يتم البث المباشر‬
‫من خلل التعريف السابق نلحظ أن مرتكزات البث تعتمد على ثلث ركائز‪:‬‬
‫‪ -1‬القناة التلفزيونية التي تبث البرنامج‪،‬أو الحدث‪.‬‬
‫‪ -2‬القمر الصناعي الذي يتولى التقاط البث‪ ،‬وإعادة بثه مباشرة للمشاهدين‪.‬‬
‫‪ -3‬المتلقي‪ ،‬وهو جهاز التلفزيون العادي‪ ،‬مضافا إليه جهاز التقاط مخصص‬
‫للبث التلفزيوني المباشر‪ ،‬حيث يتلقى ما يبثه القمر الصناعي مباشرة دون‬
‫وسيط‪.‬‬
‫ولمزيد من اليضاح أشير إلى ما يلي‪:‬‬
‫إذا أعلن التلفزيون المريكي ‪-‬مثل‪ -‬عن برنامج من البرامج‪ ،‬أو حدث من‬
‫الحداث كنقل مباراة عالمية تقام في لوس أنجلوس‪،،‬ورغب المشاهدون في‬
‫السعودية رؤية هذه المباراة أو مشاهدة هذا الحدث‪ ،‬فإنه ل بد من الخطوات‬
‫التالية‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬انظر مجلة الدعوة عدد رقم )‪ (1181‬ومجلة الحرس الوطني العدد )‬
‫‪ (96‬وجريدة الرياض عدد )‪.(8450‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫تقوم وزارة العلم ممثلة بالتلفزيون بالتصال بوزارة البرق‪ ،‬والبريد‪ ،‬والهاتف‬
‫حيث يتم عن طريقها التفاق مع قمر من القمار الصناعية لحجز قناة‬
‫تلفزيونية‪ ،‬ثم يتصل بالتلفزيون الذي يريد بث المباراة‪ ،‬ويتفق معه على نقلها‬
‫فيقوم التلفزيون المريكي بالبث للقمر الصناعي‪ ،‬ويقوم القمر الصناعي‬
‫بالبث للمحطة الرضية التي تستقبل من القمار الصناعية كالمحطة‬
‫الموجودة في ديراب )‪ (1‬ثم تقوم المحطة بتحويل ما تتلقاه إلى التلفزيون‬
‫السعودي الذي يقوم بدوره ببث ما يريد إلى المشاهدين عبر إحدى )‪(2‬‬
‫القناتين التلفزيونيتين العاملتين حاليا‪ ،‬ول بد من اتخاذ الجراءات الفنية‪،‬‬
‫والمالية اللزمة لدى كل من ‪ -‬القناة المريكية‪ ،‬القمر الصناعي ‪ -‬وزارة‬
‫البرق والبريد والهاتف ‪ -‬وزارة العلم )التلفزيون(‪ .‬وبهذا يتم بث الحدث‬
‫مباشرة‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أما ما سيحدث مستقبل ‪-‬والعلم عند الله‪ -‬فإن المشاهد سيرى ما يبثه‪:‬‬
‫التلفزيون المريكي مباشرة دون تدخل من التلفزيون السعودي‪ ،‬فكما يرى‬
‫القناة السعودية سيرى القناة المريكية إن كانت منقولة‪ ،‬ومع ما سبق فإن‬
‫هناك عوامل فنية تتحكم في البث المباشر‪ ،‬ولهمية هذه العوامل فقد قام د‪/‬‬
‫محمد عبد المنعم فطيم )‪ (3‬بشرح واف لها حيث قال‪:‬‬
‫جميعنا يشغله موضوع البث التلفزيوني المباشر من القمار الصناعية‪ ،‬وأهم‬
‫التساؤلت المطروحة تتعلق بإمكانية الستعاضة عن الهوائيات ذات القطار‬
‫الكبيرة بأخرى صغيرة‪ ،‬وهل استقبال برامج هذه القمار بواسطة هوائي‬
‫التلفزيون المنزلي ممكن أم ل ؟‬
‫وللرد على ذلك يجب معرفة بعض البيانات مثل الموقع المداري للقمر‬
‫المعني‪ ،‬والموقع الجغرافي للراصد‪ ،‬قيمة القدرة المشعة للرسال‪ ،‬وقطاع‬
‫التغطية الرضي لبث هذا القمر‪ ،‬بالضافة إلى تردد الشارة المستقبلة )‪.(4‬‬
‫أول‪ :‬الموقع المداري للقمر‪،‬والموقع الجغرافي للراصد )‪.(5‬‬
‫توضع القمار الصناعية في مواقع مدارية تتحدد بخط الطول وهي )العنوان‬
‫الذي نستدل منه على صاحبه( وبالتالي يلزمنا قبل الحديث عن أي قمر‪،‬أن‬
‫نعرف عنوانه )خط الطول الذي يشغله( إذ سيحدد لنا ذلك إمكانية التعامل‬
‫معه من عدمه‪ ،‬فضل عن كونه يدخل في حساب اتجاه زاوية النظر الرأسية‬
‫لهوائي الستقبال باتجاهه‪.‬‬
‫أما الموقع الجغرافي للراصد )خط الطول وخط العرض(‪،‬فترجع أهميته إلى‬
‫كونه أحد العوامل الرئيسية التي تحدد قطاع الرؤية‪ ،‬بمعنى أنه مسؤول عن‬
‫تحديد القمار المدارية التي يمكننا التعامل معها من موقع الرصد‪.‬‬
‫فمثل باعتبار أن موقع الرصد هو الرياض )خط الطول ‪ 46.5‬درجة شرقا و‬
‫‪ 24.5‬شمال(‪،‬فإن القوس المداري الذي تقع عليه القمار التي يمكن التعامل‬
‫معها هو )‪ 332‬درجة شرقا إلى ‪ 360‬درجة شرقا( فوق المحيط الهندي‪،‬‬
‫ويعني ذلك أن القمار التي تقع على القوس المداري فوق المحيط‬
‫الباسفيكي )من ‪ 120‬درجة شرقا إلى ‪ 80‬درجة شرقا( والتي تقع على‬
‫القوس المداري من )‪ 280‬درجة شرقا إلى ‪ 332‬درجة شرقا( فوق المحيط‬
‫الطلنطي ل يمكن التعامل معها من أراضي المملكة‪ .‬ثانيا‪ :‬القدرة المشعة‪:‬‬
‫ونعني بها شدة الشارة التي يبثها القمر عند استقبالها بموقع الرصد‪ ،‬وهذه‬
‫يتم حسابها في مرحلة تصميم القمر وفقا للمنطقة المطلوب تغطيتها‪،‬‬
‫وتكون لها قيمة عظمى عند المركز كما تقل كلما بعدنا عنه‪ ،‬وبالتالي تعتبر‬
‫قيمة القدرة المشعة عامل رئيسيا في تحديد قطر الهوائي‪.‬‬
‫)فكلما زادت القدرة المشعة قصر طول الهوائي وكلما ضعفت زاد طول‬
‫الهوائي( فمثل إذا كانت قدرة القمر المشعة منخفضة في حدود )‪ 34‬ديسيبل‬
‫وات( فإنه يحتاج إلى محطة استقبال ل يقل قطر الهوائي عن )‪ (3‬متر‪ ،‬أما‬
‫إذا كانت القدرة المشعة مكثفة )‪ 65‬ديسيبل وات( فأكثر فإنه يحتاج إلى‬
‫هوائي قصير بين )‪ 45‬إلى ‪ 90‬سم( فقط حسب الموقع‪ .‬ثالثا‪ :‬قطاع التغطية‬
‫الرضي‪:‬‬
‫ل يكفى أن يكون القمر في موقع مداري يمكن للراصد أن يتعامل معه‪ ،‬بل‬
‫يجب أن تغطي هوائيات الرسال له موقع الراصد‪ ،‬فمثل‪ :‬رغم أن القمر‬
‫الفرنسي )‪ (TDF‬يقع على خط الطول )‪ (314‬درجة شرقا‪ ،‬مجاورا لقمر‬
‫النتلسات الواقع على )‪ (342‬درجة شرقا‪ ،‬وتتعامل معه محطة الرياض )‪(4‬‬
‫إل أن رصده من المملكة غير ممكن نظرا لعدم تغطية هوائياته لها )‪.(6‬‬
‫رابعا‪ :‬تردد استقبال الشارة‪ ،‬تردد الرسال من القمر‪:‬‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫__________‬
‫)‪ - (1‬منطقة زراعية قرب الرياض‪ ،‬فيها محطة أرضية تستقبل من القمار‬
‫الصناعية‪.‬‬
‫)‪ - (2‬انظر البث التلفزيوني المباشر في دول مجلس التعاون ص ‪ ،47‬وانظر‬
‫الشكل التوضيحي رقم )‪.(3 ،2 ،1‬‬
‫)‪ - (3‬خبير القمار الفضائية بالتصالت السعودية‪.‬‬
‫)‪ - (4‬نشرة النافذة )رجب ‪1410‬هـ( من إصدارات التصالت السعودية‪.‬‬
‫)‪ - (5‬انظر الشكل التوضيحي رقم )‪.(4‬‬
‫)‪ - (6‬انظر الشكل التوضيحي رقم )‪ (5‬و )‪.(6‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫تعتبر الترددات ‪ -‬عموما سواء المستخدمة في القطاع الرضي )‪ (1‬أم‬


‫الفضائي من المصادر الطبيعية التى ينتج عن عدم حسن استخدامها صعوبات‬
‫ومشكلت هائلة‪ ،‬ولذلك فإن دول العالم ممثلة بالتحاد الدولي للتصالت‬
‫وجهاته المختلفة تولي اهتماما بالغا بتقسيمها‪ ،‬وفقا لطبيعة الستخدامات‪،‬‬
‫وتضع قيودا على الترددات‪.‬‬
‫وأقمار البث المباشر قد حدد لها تردد معين‪ ،‬يختلف باختلف الموقع للقمر‬
‫والموقع للراصد )‪ (2‬حيث إن التردد له تأثير على أي إرسال لسلكي آخر‪،‬‬
‫وعدم التحكم فيه يؤثر على غيره‪ ،‬فنجد أن التردد الذي تستخدمه روسيا‬
‫للبث في سيبيريا‪ ،‬والذي تستخدمه اليابان للبث إلى جزرها‪ ،‬ل يصلح في‬
‫أوربا وآسيا لتأثيره على بقية التصالت اللسلكية‪ ،‬بل ل يصلح للبث في‬
‫وسط اليابان أو وسط روسيا للسبب نفسه )‪. (3‬‬
‫أقمار البث المباشر ‪:‬‬
‫تطورت القمار الصناعية للتصالت تطورا مذهل خلل سنوات محدودة‪ ،‬ولقد‬
‫كانت القمار الصناعية تطلق في الفضاء لعدة أغراض )‪ (4‬فنجد أن القمر‬
‫يحتوي على عدد من الخطوط الهاتفية وبعض القنوات التلفزيونية‪ ،‬وهذه‬
‫القنوات ل يمكن التقاطها من المشاهد العادي‪ ،‬بل ل بد أن يكون عبر‬
‫المحطات الرضية الضخمة‪ ،‬وبعد اتفاقيات دولية مسبقة‪ .‬ولقد كانت ساعات‬
‫البث من تلك القمار إلى المحطات الرضية محدودة جدا ثم زادت شيئا‬
‫فشيئا حتى بلغت الذروة تبعا لتطور التصالت والحاجة إليها‪ .‬ففي عام‬
‫‪1965‬م كان مجموع ما بثته القمار الصناعية إلى المحطات الرضية من‬
‫البرامج التلفزيونية )‪ (80‬ساعة فقط‪ ،‬ثم ارتفع ارتفاعا مذهل حتى بلغ عام‬
‫‪1981‬م‪ ،‬مجموع ما بثته القمار الصناعية )‪ (26.658‬ساعة‪ ،‬ووصل عام‬
‫‪1982‬م إلى )‪ (45.000‬ساعة‪ ،‬وفي العام ‪1984‬م وصل إلى )‪(75.000‬‬
‫ساعة )‪.(5‬‬
‫أما الن ‪ ...‬للبث التلفزيوني‪ .‬وتعتبر أهم أقمار البث التلفزيوني المباشر‬
‫والمسجلة بالتحاد الدولي للتصالت حتى الن هي )‪ (6‬شبكة أقمار ) ‪TDF‬‬
‫فرنسا ( و )‪ TV-SAT‬ألمانيا( و ) ‪TELE‬السويد( و )‪ BSB‬انجلترا( وفي‬
‫الطريق عدد من القمار التي ستطلق قريبا‪.‬‬
‫ولمزيد من اليضاح حول القمار الصناعية للبث المباشر أوضح ما يلي‪(7) :‬‬
‫‪ -1‬القمر الصناعي يقع على ارتفاع شاهق يصل إلى ‪ 36‬ألف كيلو متر عن‬
‫الرض‪.‬‬
‫‪ -2‬يغطي القمر الواحد ثلث مساحة الكرة الرضية‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -3‬يعمل القمر على مدار )‪ (24‬ساعة‪.‬‬


‫‪ -4‬كل قمر يحتوي على عدد من القنوات تصل في بعض القمار إلى )‪(120‬‬
‫قناة‪.‬‬
‫‪ -5‬أعلنت وكالة الفضاء الوربية أن عدد سواتل البث المباشر ‪-‬القمار‬
‫الصناعية‪ -‬سيبلغ عام ‪1990‬م )‪ (24‬قمرا‪ ،‬بالضافة إلى )‪ (60‬قمرا للخدمات‬
‫الخرى‪.‬‬
‫‪ -6‬ستعتمد هذه القمار على مواصفات جديدة تتفوق على النظمة المعمول‬
‫بها حاليا كـ )بال وسيكام( وغيرهما‪ ،‬حيث ستمنح الصورة صفات نوعية من‬
‫ناحية اللوان‪ ،‬وكذلك الصوت والتقنية‪.‬‬
‫‪ -7‬وأخيرا فإنه من الصعب في الوقت الراهن الحكم على فاعلية أقمار البث‬
‫التلفزيوني المباشر مستقبل‪ ،‬نظرا لظهور الكوابل البصرية كمنافس قوي لها‬
‫من حيث التكلفة ومخاطر الطلق )‪ (8‬وهذا يعني أن الشر قادم‪ ،‬ولكن عن‬
‫ن( )النفال‪ :‬من الية‬ ‫ري َ‬ ‫خي ُْر ال ْ َ‬
‫ماك ِ ِ‬ ‫ه َ‬‫ه َوالل ّ ُ‬‫مك ُُر الل ّ ُ‬ ‫مك ُُرو َ‬
‫ن وَي َ ْ‬ ‫الطريق الشد )وَي َ ْ‬
‫‪.(30‬‬
‫خامسا‪ :‬الجديد في البث المباشر‬ ‫ً‬
‫‪ -1‬بدأ البث المباشر يستقبل في تونس‪ ،‬حيث نشرت الصحف أن القناة‬
‫الثانية في التلفزيون الفرنسي بدأت تستقبل في تونس عن طريق بث القمر‬
‫الصناعي الفرنسي )تلكوم( وعلى امتداد عشرين ساعة في اليوم من ‪6‬‬
‫صباحا إلى ما بعد منتصف الليل )‪ .(9‬ومن الجدير بالذكر أن تونس تستقبل‬
‫التلفزيون اليطالي منذ عدة سنوات )‪.(10‬‬
‫‪ -2‬نشرت جريدة الهرام أن مصر على وشك استقبال البث الفرنسي‪ ،‬ولكن‬
‫عبر محطة أرضية‪ ،‬ويبث مباشرة إلى المشاهدين وإلى عدد من الدول‪ ،‬وقد‬
‫تم توقيع اتفاقية بين الدولتين بهذا الشأن‪ ،‬وسيكون البث يوميا‪ ،‬وعبر قناة‬
‫مستقلة )‪.(11‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬كالراديو والهاتف السيار ولسلكي الخدمات والمن ونحوها‪.‬‬
‫)‪ - (2‬انظر نشرة )النافذة( التي أصدرتها التصالت السعودية بالرياض‬
‫)رجب ‪1410‬هـ(‪.‬‬
‫)‪ - (3‬وانظر لما سبق البث التلفزيوني المباشر في دول مجلس التعاون‪،‬‬
‫ففيه توثيق لما ذكر‪ ،‬وبخاصة ص ‪.61 ،60‬‬
‫)‪ - (4‬انظر البث التلفزيوني المباشر في دول مجلس التعاون ص ‪،10‬‬
‫فالقمار على أنواع‪ :‬منها أقمار التصالت ونقل المعلومات مثل أقمار‬
‫المنظمة العالمية للقمار )انتلسات(‪ ،‬وبعض أقمار الطقس والرياح مثل‬
‫القمر الوربي )ميتوسات( ومنها القمار القليمية مثل )عربسات( أو القمار‬
‫الوطنية مثل القمار الكندية والمريكية‪.‬‬
‫)‪ - (5‬انظر مجلة البيان عدد )‪.(34‬‬
‫)‪ - (6‬انظر نشرة )النافذة( رجب ‪1410‬هـ‪.‬‬
‫)‪ - (7‬انظر مجلة اليمامة عدد )‪ (1038‬عام ‪1409‬هـ والبث التلفزيوني‬
‫المباشر في دول مجلس التعاون‪.‬‬
‫)‪ - (8‬انظر نشرة )النافذة( رجب ‪1410‬هـ‪ ،‬وجريدة الرياض عدد )‪.(8450‬‬
‫)‪ - (9‬انظر الهرام في ‪1989 /6 /27‬م‪ ،‬ومجلة البيان عدد )‪.(34‬‬
‫)‪ - (10‬انظر مجلة البيان عدد )‪.(34‬‬
‫)‪ - (11‬الهرام ‪.1989 /6 /27‬‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪ -3‬من المتوقع أن يتم إطلق مزيد من القمار الصناعية خلل السنوات‬


‫القادمة‪ ،‬إذا سار البرنامج حسب ما رسم له من قبل مخططيه‪ ،‬ولم تعترضه‬
‫عوائق جديدة‪ ،‬فقد ذكرت مجلة اليمامة أن قنوات البث ستبلغ خلل‬
‫التسعينات )‪ (120‬قناة )‪ (1‬وأن إسرائيل على وشك إطلق قمرها في‬
‫الفضاء‪.‬‬
‫‪ -4‬بدأ التنافس‪ ،‬والسباق بين أمريكا‪ ،‬واليابان‪،‬وأوربا الغربية‪ ،‬بل وبعض دول‬
‫شرق آسيا مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان وهونج كونج‪ ،‬وذلك لتصنيع‬
‫أجهزة الستقبال من القمار الصناعية‪ ،‬ويعتمد التنافس على أيهما أصغر‬
‫حجما وأقل كلفة وأعلى تقنية‪ ،‬وقد طرح في السواق العالمية عدد من هذه‬
‫الجهزة بسعر عشرة آلف دولر أو تزيد قليل )‪.(2‬‬
‫‪ -5‬ذكر المهندس عبد المحسن عبد الله أحد الفنيين الكويتيين أن تكاليف‬
‫هذه الجهزة ستنخفض خلل ثلث سنوات‪ ،‬حتى إن جهاز الستقبال سيكون‬
‫جزءا من التلفزيون )‪.(3‬‬
‫‪ -6‬أعلنت الشركات الفرنسية أنها ستشرع في توزيع أجهزة وهوائيات‬
‫استقبال‪ ،‬ولن يزيد ثمنها عن )‪ (6000‬فرنك ودخول منافسين سيقلل من‬
‫قيمتها )‪.(4‬‬
‫‪ -7‬ذكرت مجلة اليمامة أنه سيكون في المستقبل من الممكن صناعة أجهزة‬
‫الستقبال محليا‪ ،‬بل استطاع أحد المهندسين الكويتيين صناعة جهاز استقبال‬
‫محلي والتقط به البث بنجاح )‪.(5‬‬
‫‪ -8‬أعلنت شركة )فديوثرون( البريطانية أنها ستبدأ في نقل البث التلفزيوني‬
‫المصري وتبثه مباشرة إلى المشاهدين في بريطانيا ولكن عن طريق‬
‫الشتراك بالخطوط الهاتفية )‪.(6‬‬
‫‪ -9‬قد تكون هناك مرحلة وسيطة قبل اكتمال البث‪ ،‬وذلك عن طريق‬
‫المحطات الرضية التي تبث مباشرة يوميا عبر قناة خاصة‪ ،‬وعن طريق‬
‫الكيابل السلكية كما في مصر وشركة )فديوثرون( وشبكة )‪ (SNN‬المريكية‬
‫)‪ (7‬أو عن طريق أجهزة استقبال خاصة ومكلفة حاليا‪.‬‬
‫‪ -10‬تخطط دولة العدو السرائيلي لطلق قمرين صناعيين يحوي الول‬
‫منهما على )‪ (17‬قناة قمرية للتصالت والبث التلفزيوني بقدرة أشعة فعالة‬
‫بينما يصل الخر إلى ست قنوات قمرية‪ ،‬وسيغطي القمر بالضافة إلى‬
‫فلسطين الحدود الشمالية للمملكة‪ ،‬والدول العربية الواقعة شمال المملكة‬
‫)الردن ‪-‬سوريا ‪-‬لبنان ‪-‬العراق وجزء من مصر(‪ .‬ومن المحتمل أن يحدث‬
‫تداخل موجي مع أنظمة عربسات وذلك عن طريق إطلق القمر مستقبل‪،‬‬
‫وقد تمت الموافقة على موقع القمرين من التحاد الدولي‪ ،‬وستكون على )‬
‫‪ (15‬درجة شرق خط غرينتش )‪(8‬‬
‫‪ -11‬وأحب أن أشير إلى الظاهرة التي انتشرت أخيرا‪ ،‬وهي تركيب أجهزة‬
‫استقبال وهوائيات كبيرة‪ ،‬وذلك للتمكن من مشاهدت بث الدول المجاورة‪،‬‬
‫فإن هذا المر يتم دون الحاجة إلى أقمار صناعية فضائية‪ ،‬وإنما يعتمد على‬
‫قوة بث محطة التلفزيون من البلد المعني‪ ،‬ثم على قوة الهوائي المستقبل‬
‫واحتوائه على مواصفات معينة‪ ،‬أصبحت الشركات وبعض المؤسسات تعلن‬
‫عنها‪ ،‬وتؤمن تركيبها‪.‬‬
‫والخطورة التي تشتمل عليها هذه القنوات ل تبعد كثيرا عن خطورة ما‬
‫يتضمنه البث المباشر‪ .‬بل قد تكون أشد في بعض الجوانب لكونها باللغة‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العربية‪.‬‬
‫‪ -12‬كما أشير إلى ظاهرة أخرى‪ ،‬وهي أن بعض الناس بدأ يستقبل بعض‬
‫القنوات العالمية بعد وضع جهاز استقبال عادي ويضيف إليه بعض المقويات‬
‫للموجات‪ ،‬ثم يتصور أنه يستقبل من القمر مباشرة‪ ،‬وهذا غير صحيح‪ ،‬وإنما‬
‫الذي يحدث هو أن أحد السكان يستقبل من القمر عن طريق محطة أرضية‬
‫صغيرة خاصة توضع في الفلل أو على أحد السطح‪ ،‬وهنا يستطع كثير من‬
‫الجيران الستقبال نظرا لن هذه المحطة يتعدى بثها إلى مسافات تطول‬
‫وتقصر حسب مواصفات معينة‪ ،‬ول يقتصر بثها على صاحبها فقط‪ ،‬إل إذا‬
‫اتخذت احتياطات خاصة‪ ،‬ولو تعطلت هذه المحطة مثل لتوقف الستقبال عن‬
‫جميع الجيران الذين يستقبلون منها دون أن يعلموا عن السبب )‪.(9‬‬
‫‪ -13‬والكتاب في مراحله النهائية أعلن )مركز تلفزيون الشرق الوسط( عن‬
‫بدء البث التلفزيوني وذلك يوم ‪ 18‬سبتمبر ‪1991‬م كما يلي‪:‬‬
‫)أ( للتقاط البث في أوربا عبر القمر الصناعي الوربي ))‪EUTELSAT_2_F1‬‬
‫‪ - 13‬درجة شرقا‪.‬‬
‫)ب( للتقاط البث في العالم العربي عبر القمر الصناعي العربي‪ -‬عربسات‪-‬‬
‫)‪ IB-S.BAND) - 26‬درجة شرقا‪.‬‬
‫وسيكون البث من الساعة الخامسة عصرا حتى الحادية عشرة بتوقيت‬
‫غرينتش )‪.(10‬‬
‫سادسًا‪ :‬آثار البث المباشر‬
‫أي آثار أتحدث عنها‪ ،‬ماذا آخذ وماذا أدع؟‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬انظر مجلة اليمامة عدد )‪.(1038‬‬
‫)‪ - (2‬انظر مجلة المجتمع )عدد ‪.(957‬‬
‫)‪ - (3‬مجلة المجتمع )عدد ‪.(957‬‬
‫)‪ - (4‬اليمامة عدد )‪.(1038‬‬
‫)‪ - (5‬انظر اليمامة عدد )‪ (1038‬والمجتمع )عدد ‪.(957‬‬
‫)‪ - (6‬جريدة الشرق الوسط )‪1412 /2 /6‬هـ(‪.‬‬
‫)‪ - (7‬انظر جريدة الرياض عدد )‪ (8450‬ومجلة البيان )‪.(34‬‬
‫)‪ - (8‬انظر البث التلفزيوني المباشر في دول مجلس التعاون ص ‪ ،65‬وانظر‬
‫الشكل التوضيحي رقم )‪ (7‬ورقم )‪.(8‬‬
‫)‪ - (9‬انظر البث التلفزيوني المباشر في دول مجلس التعاون ص ‪.71‬‬
‫)‪ - (10‬جريدة الشرق الوسط في ‪1412 /3 /20‬هـ عدد )‪ (4676‬وانظر‬
‫الشكل التوضيحي رقم )‪.(9‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫إن الحديث عن آثار البث المباشر ل ينفصل عن الحديث عن أثر العلم‬


‫الخارجي وماذا جنى على أمتنا خلل العقود التي مضت‪.‬‬
‫والحديث عن البث المباشر هو الحديث عن الفلم وما خلفته من ركام‪ ،‬ول‬
‫تزال تعبث في أجساد وعقول أمتنا شبابا وشيبا‪ .‬وقبل الدخول في تفصيل‬
‫ذلك أضع بين يدي القارئ الحقائق التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬ذكر الدكتور محمد عبده يماني )‪ (1‬أن منظمة اليونسكو أجرت دراسة‬
‫اتضح من خللها أن ‪ %90‬من الخبار التي يتناقلها العالم من إنتاج خمس‬
‫وكالت عالمية فقط‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)أسوشيتدبرس( و )يونايتدبرس( و )وكالة الصحافة الفرنسية( و )رويتر( و‬


‫)تاس السوفيتية(‪ .‬والوليان أمريكيتان‪ ،‬والثالثة فرنسية‪ ،‬والرابعة بريطانية‪،‬‬
‫والخامسة سوفيتية‪.‬‬
‫وانظر إلى هذا الجدول )‪ (2‬لترى المر العجب وموقعنا بين المم‪:‬‬
‫م ‪ ...‬اسم الوكالة ‪ ...‬عدد البلدان المستفيدة ‪ ...‬عدد الكلمات المبثوثة يوميا‬
‫‪ ... 1‬أسوشيتدبرس ‪ (17) ... 108 ...‬مليون كلمة‬
‫‪ ... 2‬يونايتدبرس ‪ (11) ... 92 ...‬مليون كلمة‬
‫‪ ... 3‬وكالة الصحافة الفرنسية ‪ (3,351,000) ... 152 ...‬كلمة ‪(50)+‬‬
‫صورة‬
‫‪ ... 4‬رويتر ‪ (1,500,000) ... 147 ...‬كلمة‬
‫‪ ... 5‬وكالة الشرق الوسط ‪ (185) ... 25 ...‬ألف كلمة فقط‬
‫ويلحظ ما يلي‪:‬‬
‫)أ( إن هذه الدراسة قديمة وقد زادت بتطور العلم‪.‬‬
‫)ب( انظر إلى عدد البلدان مع الرقم‪.‬‬
‫)جـ( تم اختيار وكالة الشرق الوسط لنها من أقدم وأشهر الوكالت العربية‪.‬‬
‫ألقى الشيخ سلمان العودة )‪ (3‬محاضرة عن أخطار الفلم وتأثيرها‪ ،‬وذكر‬
‫خمسة عشر خطرا وقال هي إلى المائة أو إلى المائة والخمسين أقرب‪ ،‬كما‬
‫قال ابن عباس عن الكبائر عندما سئل هل هي سبع؟ فقال‪ :‬هي سبعون أو‬
‫إلى السبعمائة أقرب‪.‬‬
‫وجميع هذه الخطار متوافرة في البث المباشر‪ ،‬بل المر أعظم من ذلك كما‬
‫سيأتي‪.‬‬
‫‪ -3‬عندما تحدث د ‪ /‬عوض منصور عن البث المباشر )‪ (4‬اقتبس جملة من‬
‫حديث مشهور‪ ،‬استدل بها على خطورة البث المباشر وهي‪ " :‬ويل للعرب‬
‫من شر قد اقترب" )‪.(5‬‬
‫أما مجلة اليمامة فقد اختارت للدراسة التي قامت بها عن البث المباشر‬
‫عنوانا معبرا حيث قالت‪) :‬اختراق يقصم الظهر( )‪.(6‬‬
‫ويقول عبد الرحمن واصل معبرا عن بعض الخطار‪) :‬يبنون ناطحات السحاب‬
‫على أنقاض صروح الفضيلة( )‪ .(7‬وهذه العناوين والختيارات تعبر بالجملة‬
‫عما سأذكره لحقا ‪-‬إن شاء الله‪.-‬‬
‫على رسلكم‪:‬‬
‫فوجئت ‪-‬كما فوجئ غيري‪ -‬ببعض القلم تخرج علينا في عدد من صحفنا‬
‫ومجلتنا‪ ،‬ل محذرة من خطورة البث المباشر‪ ،‬ول طارحة بعض الحلول‬
‫الوسط كما فعل الكثيرون‪ ،‬وإنما لتهدئ من روعنا‪ ،‬وتخفف من مخاوفنا‪،‬‬
‫وتبشرنا بأن البث المباشر ل يحمل الشر كما نتوقع‪ ،‬وليس فيه ما يعكر صفو‬
‫الحياة والمبادئ والقيم‪ ،‬كما وصل إليه علمنا‪ .‬وتقول إننا نهول ونولول على‬
‫غير هدى وبصيرة‪ .‬وكما فعلنا بالمس عندما جاء الراديو‪ ،‬ها نحن نعيد الكرة‬
‫مرة أخرى‪ ،‬وهذا دأبنا عند كل جديد‪ ،‬وستزول هذه المخاوف عندما تصبح‬
‫الحقيقة ماثلة أمام أعيننا‪ ،‬جاثمة داخل بيوتنا‪.‬‬
‫بهذه البساطة طرح أولئك القوم أفكارهم‪ ،‬وأثبتوا أنهم وصلوا إلى مرحلة من‬
‫النضج ل يفرقون فيها بين تأثير الراديو وتأثير آخر صيحات التلفزيونات‬
‫العالمية‪ .‬ول يدركون الفرق بين مستوى وعي العامة منذ سبعين سنة )‪(8‬‬
‫وبين وعي طلب العلم في القرن الخامس عشر‪.‬‬
‫وسأختار نموذجين من هذه الصوات لبين إلى أي مستوى وصل إليه بعض‬
‫مثقفينا‪ ،‬ولنبه إلى أنه في الوقت الذي يجب أن نعالج فيه مشكلت البث‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المباشر‪ ،‬يجب أن نباشر معالجة البث الغربي بيننا‪ ،‬وفي داخل صفوفنا‪ ،‬ممن‬
‫يتكلم لغتنا وينتسب إلى بني جلدتنا‪:‬‬
‫تكاثرت الضباع على خراش ‪ ...‬فل يدري خراش ما يصيد‬
‫فهذا أولهم يأتينا بما لم تأت به الوائل ويخبرنا عن بني الصفر ومدى ارتفاع‬
‫مستوى أخلقهم‪ ،‬مما جعلنا نعيد النظر فيما جاءنا عن الثقات‪ ،‬وما رأيناه بأم‬
‫أعيننا عن أولئك القوم‪ .‬اقرؤا ما يقول ‪ -‬هداه الله‪) (9) :‬إن التقدم الذي‬
‫يجري على وسائل التصال ليس كله شرا‪ ،‬ودول العالم التي تملك هذه‬
‫التقنية ليست كلها متجردة من القيم والخلق والمبادئ‪ ،‬ولعل من يراقب‬
‫برامج التلفزيون في بعض دول الغرب ‪-‬مثل‪ -‬يجد أنها تضع حسابات دقيقة‬
‫لمواقيت )‪ (10‬بعض البرامج‪ ،‬مراعاة للطفال والمراهقين وغير ذلك من‬
‫العتبارات(‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬وزير العلم السعودي السابق‪.‬‬
‫)‪ - (2‬وسائل العلم والدول المتطورة‪ -‬يماني ص ‪.11‬‬
‫)‪ - (3‬المحاضر بجامعة المام بالقصيم والداعية المعروف‪.‬‬
‫)‪ - (4‬انظر كتاب‪ :‬التلفزيون بين المنافع والضرار لعوض منصور‪.‬‬
‫)‪ - (5‬جزء من حديث‪ ،‬وانظر التلفزيون بين المنافع والضرار ص ‪.40‬‬
‫)‪ - (6‬اليمامة عدد )‪.(1038‬‬
‫)‪ - (7‬انظر عاطفة الحب لعبد الرحمن واصل‪.‬‬
‫)‪ - (8‬مع أن العامة كانوا على الفطرة‪ ،‬وتحققت بعض مخاوفهم‪ ،‬فل يخطأون‬
‫في كل ما قالوا‪ ،‬ولكن )هل يستوي الذين يعلمون والذين ل يعلمون(‪.‬‬
‫)‪ - (9‬انظر مجلة الدعوة عدد )‪.(1181‬‬
‫)‪ - (10‬خشيت أن يأخذه الندفاع فيقول‪) :‬لمواقيت الصلة( فيخطئ من‬
‫شدة العجاب‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫أما الثاني‪ :‬فقد بين كيف كانت حالته في قريته التى ولد فيها على الفطرة‪،‬‬
‫وكيف أصبح بعد ذلك‪ ،‬بعد أن هدم سور القرية‪ ،‬وذكر كيف انزعج الناس من‬
‫الراديو عندما قدم‪ ،‬وكيف ارتفعت أصواتهم‪ ،‬وإذا به يصبح أمرا عاديا‪ ،‬وأشار‬
‫إلى الصوات التي ترتفع الن ضد البث المباشر‪ ،‬وكان مما قال )أعتقد لو أن‬
‫البث الذاعي المباشر تأخر قرنا آخر لقامت الصوات ضده حين يشاع عن‬
‫بدئه‪ ،‬كما تقوم الصوات الن ضد البث التلفزيوني العالمي المباشر‪ ،‬الذي‬
‫نأمل أن يثري ثقافتنا‪ ،‬ويفتح عيوننا وعقولنا‪ ،‬وينقل العالم كل العالم إلى‬
‫غرفنا الخاصة‪ ،‬وباللوان وبالمجان( )‪.(1‬‬
‫وتحدث في مقاله الذي عنون له بما يزلزل القلوب الحية )أهل بالبث العالمي‬
‫المباشر(‪ ،‬وقلنا لعل العنوان للثارة‪ ،‬ولكن كما قال المثل‪) :‬تحت السواهي‬
‫دواهي(‪.‬‬
‫ها هو يقول‪ -‬رده الله إلى الحق‪) :-‬إن المم التي سوف ترسل بثها‬
‫التلفزيوني إلينا عبر القمار الصناعية‪ ،‬ليست أمما فالتة من الخلق‪ ،‬خارجة‬
‫عن القيم‪ ...‬كل )‪ ...(2‬بل هي أمم لها أخلقها وقيمها‪ ،‬لقد شاهدت التلفزيون‬
‫المريكي والنجليزي والفرنسي والهولندي واليوناني ‪-‬عبر سفريات‪ -‬فلم‬
‫أجدها يخدش الخلق الصيلة( )‪.(3‬‬
‫هكذا كتبا‪ ،‬وكتب غيرهما قريبا من ذلك‪ ،‬ولهذا فإني أوضح ما يلي‪:‬‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -1‬لن أرد على ما ذكرا‪ ،‬فمن خلل الصفحات التالية ستتضح الحقيقة إن شاء‬
‫الله‪.‬‬
‫ما‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سرِ قل ِفيهِ َ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫مرِ َوال َ‬ ‫خ ْ‬‫ن ال َ‬‫سألون َك عَ ِ‬ ‫‪ -2‬أذكرهما وأمثالهما بقوله تعالى‪) :‬ي َ ْ‬
‫َ‬
‫ما( )البقرة‪ :‬من الية ‪.(219‬‬ ‫م ْ َ ِ ِ َ‬
‫ه‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ف‬‫ن‬ ‫ن‬ ‫ما أك ْب َُر ِ‬
‫مهُ َ‬ ‫س وَإ ِث ْ ُ‬
‫مَنافِعُ ِللّنا ِ‬‫م ك َِبيٌر وَ َ‬‫إ ِث ْ ٌ‬
‫وأذكرهما بقاعدة )دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة(‪،‬وقاعدة )سد‬
‫الذرائع( بل أذكرهما بمثل يعرفه أهل القرى )الباب اللي يجيك منه ريح سده‬
‫واستريح(‪.‬‬
‫‪ -3‬وأخيرا أقول لهما‪ ،‬ولمثالهما‪ :‬على رسلكم‪ ،‬فلن يصح إل الصحيح و )قل‬
‫خيرا‪،‬أو فاصمت( و )قل خيرا تغنم‪،‬أو أمسك عن شر تسلم(‪.‬‬
‫يصعب حصر آثار البث المباشر المتوقعة‪ ،‬ولكن سأكتفي بأبرز ما يتوقع من‬
‫آثار بناء على الحقائق والرقام التي سأذكرها‪ ،‬فنحن ل نرجم بالغيب‪ ،‬ول‬
‫ننطلق من عاطفة خالية من الحقائق‪ ،‬ول يجوز أن نسكت حتى يأتي لنرى‬
‫أخطاره وآثاره‪.‬‬
‫ل‪ :‬الثر العقدي ‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫من أخطر ما يتوقع أن يجلبه البث المباشر زعزعة عقيدة السلم في نفوس‬
‫كثير من الناس‪ ،‬فاليهود والنصارى قد جعلوا من أهدافهم إخراج المسلمين‬
‫من دينهم وزعزعة العقيدة في نفوسهم‪ ،‬وقد تحقق شيء من ذلك عبر‬
‫وسائل كثيرة من أبرزها التلفزيون‪ ،‬ولننظر في هذا التقرير الذي صدر عن‬
‫اليونسكو‪:‬‬
‫‪ ... .................‬والحق ما شهدت به العداء‬
‫"إن إدخال وسائل إعلم جديدة‪ ،‬وخاصة التلفزيون في المجتمعات التقليدية‪،‬‬
‫أدى إلى زعزعة عادات ترجع إلى مئات السنين‪ ،‬وممارسات حضارية كرسها‬
‫الزمن" )‪.(4‬‬
‫ويمكن تلخيص الثار العقدية بما يلي‪:‬‬
‫خلخلة عقيدة المسلمين‪ ،‬والتشكيك فيها‪:‬‬
‫وذلك عبر وسائل‪ ،‬وأساليب متعددة حتى يعيش المسلم في حيرة‪،‬‬
‫واضطراب‪ ،‬ويصبح كما أصبح الخيام ذات يوم‪ ،‬عندما عبر عن حالته قائل‪:‬‬
‫لبست ثوب العمر لم أستشر‬
‫وسوف أنضو الثوب عني ‪ ...‬وحرت فيه بين شتى الفكر‬
‫ولم أدر لماذا جئت أين المفر‬
‫وكما عاش سيد رحمه الله قبل الهداية‪:‬‬
‫وقف الكون حائرا أين يمضي‬
‫عبث ضائع وجهد غبين ‪ ...‬ولماذا وكيف لو تشاء يمضي‬
‫ومصير مقنع ليس يرضي‬
‫‪ -2‬إضعاف عقيدة الولء‪ ،‬والبراء‪ ،‬والحب‪ ،‬والبغض في الله ‪:‬‬
‫إن استمرار مشاهدة الحياة الغربية‪ ،‬وإبراز زعماء الشرق‪،‬والغرب داخل‬
‫بيوتنا‪ ،‬والستمرار في عرض التمثيليات‪،‬والمسلسلت سيخفف‪ ،‬ويضعف من‬
‫البغض لعداء الله‪ ،‬ويكسر الحاجز الشعوري‪ ،‬فمع كثرة المساس يقل‬
‫ر‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل ِ‬
‫خ ِ‬ ‫وما ً ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫جد ُ ق َ ْ‬ ‫الحساس‪ .‬والله جل وعل يقول‪) :‬ل ت َ ِ‬
‫ه( )المجادلة‪ :‬من الية ‪] (22‬الية[‪.‬‬ ‫سول َ ُ‬ ‫حاد ّ الل ّ َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬‫ن َ‬‫واّدو َ‬ ‫يُ َ‬
‫ومن أمثلة ذلك‪ ،‬حب وتعظيم كثير منهم كلعبي كرة القدم‪ ،‬وخذ مثل‬
‫)مارادونا( )‪ (5‬وبعض المغنيين كـ)مايكل جاكسون( الذي تعلق به كثير من‬
‫الشباب‪ ،‬والفتيات‪ .‬و )ستيف( الذي أعجب به حتى الطفال‪ ،‬وأصبح الواحد‬
‫منهم يقوم ببعض الحركات ويقول‪ :‬أنا )ستيف(‪ .‬ناهيك عن حب كثير من‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الممثلت وعارضات الزياء‪ ،‬وهلم جرا‪.‬‬


‫‪ -3‬تقليد النصارى في عقيدتهم ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬إذا لم تستح فاصنع ما‬
‫شئت(‪.‬‬
‫)‪ - (2‬أي والله هكذا كتب!! وأقرأ الباقي‪.‬‬
‫)‪ - (3‬انظر مجلة الحرس الوطني العدد )‪1411 (96‬هـ‪.‬‬
‫)‪ - (4‬أصوات متعددة ص ‪.238‬‬
‫)‪ - (5‬أتمنى أن يقوم قسم من أقسام الجتماع أو علم النفس أو التربية في‬
‫جامعاتنا بدراسة ظاهرة مردونا‪ ،‬وتأثيره على شبابنا‪ ،‬وماذا كانت حقيقة‬
‫مردونا‪ ،‬يصلي عند حائط المبكى‪ ،‬ويتعاطى المخدرات‪ ،‬ومطلوب لشرطة‬
‫نابولي بتهمة الدعارة‪ ،‬هذا هو المثل عند كثير من شبابنا‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫وذلك "باكتساب كثير من عاداتهم المحرمة التي تقدح في عقيدة المسلم‪،‬‬


‫كالنحناء‪ ،‬ولبس القلئد والصلبان‪ ،‬وإقامة العياد العامة‪ ،‬والخاصة‪ .‬ولو نظرنا‬
‫إلى بعض المسرحيات التي يقوم بها بعض أبناء المسلمين‪ ،‬كيف أن الممثل‬
‫عندما يخرج إلى الجمهور يصفقون له ثم‪ ،‬ينحني لهم بما يشبه الركوع مما ل‬
‫يجوز صرفه إل الله‪ ،‬وهو تقليد غربي‪ .‬وقس على ذلك ما عداه‪ ...‬ومن ذلك‬
‫التشبه‪ ،‬حيث رأينا القصات العالمية‪ ،‬قصة مايكل جاكسون وقصة )ديانا(‪،‬‬
‫وكذلك التشبه باللباس‪ ،‬وطريقة الكل‪ ،‬إلى غير ذلك من صنوف التشبه‬
‫المحرمة " ومن تشبه بقوم فهو منهم " و " من أحب قوما حشر معهم "‪.‬‬
‫‪ -4‬إظهار بلد الكفر بأنها بلد الحرية‪ ،‬و الديموقراطية والعدالة‪ :‬وذلك بما يتاح‬
‫للفرد فيها ما ل يجده في بلد المسلمين‪ ،‬كحرية الكتابة‪ ،‬وإبداء الرأي‪،‬‬
‫والمظاهرات‪ ،‬وأسلوب المحاكمات‪ ،‬وبعض هذه المور أوجه حسنة‪ -‬ول شك‪-‬‬
‫وفي ديننا ما هو أفضل منها‪ ،‬ولكن إبراز هذا المر يعطي صورة غير حقيقية‬
‫عن تلك البلد‪ ،‬مما يجعل بعض المسلمين يتعلق بها‪ ،‬بل ربما يدخل في روعه‬
‫أن سبب ذلك بسبب عدم تمسكهم بدين‪ ،‬وأن تأخر المسلمين بسبب دينهم‪،‬‬
‫وقد سمعنا مثل ذلك ممن ذهب إلى الغرب‪ ،‬وفتن بحضارته‪.‬‬
‫‪ -5‬نشر الكفر‪ ،‬واللحاد‪ :‬حيث إن كثيرا من شعوب تلك الدول ل يؤمنون‬
‫بدين‪ ،‬ول يعترفون بعقيدة سماوية‪ .‬ومن ذلك أفلم السحر‪ ،‬حيث تكثر في‬
‫تلفزيونات أوروبا‪ ،‬وأمريكا‪ ،‬بل وصلت إلى بعض التلفزيونات العربية‪ ،‬وقد‬
‫ذكر أحد الدعاة أنه قد رأى ذلك في أحد تلفزيونات الخليج‪ ،‬فإنا لله وإنا إليه‬
‫راجعون‪.‬‬
‫‪ -6‬ومن أخطر الثار العقدية الدعوة إلى النصرانية‪ :‬عبر البث المباشر واقرأ‬
‫هذه الخبار لتعرف الحقيقة‪:‬‬
‫)يستعد الفاتيكان لبناء محطة تلفزيونية كبيرة‪ ،‬للبث في كافة أنحاء العالم‬
‫للتبشير بتعاليم النجيل بواسطة ثلثة أقمار صناعية تسمى بمشروع نومين )‬
‫‪ (2000) (1‬مع العلم أن القمر الواحد يغطي ثلث مساحة الكرة الرضية‪.‬‬
‫)عقد في هولندا اجتماع عالمي للتنصر حضره )‪ (8194‬منصر‪ ،‬من أكثر من‬
‫مائة دولة‪ ،‬وكلف )‪ (21‬مليون دولر‪ ،‬برئاسة المنصر جراهام بيلي‪ ،‬وقد تحمل‬
‫نفقات هذا المؤتمر منظمة سامرتيان برس‪ ،‬وهدف المؤتمر دراسة كيفية‬
‫الفادة من البث المباشر في التنصير( )‪.(2‬‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويقول الستاذ‪ :‬د‪ /‬عمر المالكي‪:‬‬


‫)والمر الملفت للنظر وجود شبكة للبرامج الدينية التي تشرف عليها‬
‫الكنائس‪ ،‬مثل شبكة البث المسيحي )‪ (NBN) (3‬وشبكة )‪ (CBN‬والشبكة‬
‫الخرى يصل بثها إلى أكثر من )‪ (17‬مليون عائلة عن طريق الكابلي )‪(vATC‬‬
‫وبرامجها على مدار الساعة تقدم عن طريق القمر الصناعي )‪(SATC 3‬‬
‫وتوجد عدة قنوات للبث الديني‪ ،‬واحدة منها للبث الديني اليهودي‪ ،‬ومن‬
‫المقرر بنهاية ‪ 1990‬م أن يصل عدد الكنائس الموصلة بشبكات البث الخاص‬
‫عن طريق القمار الصناعية إلى عدة آلف )‪.(4‬‬
‫هذه بعض آثار وأخطار البث المباشر على عقيدة المسلمين‪ ،‬وقد ل تبدو تلك‬
‫الثار سريعة‪ ،‬ولكن مع الزمن والتكرار يحدث الثر‪ ،‬حيث يقول الستاذ ‪ -‬عبد‬
‫الرحمن العبدان )‪ (5‬وهو يصنف أنواع البرامج في البث المباشر‪ ،‬حيث ذكر‬
‫عددا منها ثم قال ومنها‪ :‬البرامج الموجهة للصغار‪ ،‬وفي رأيي أن هذه أكثر‬
‫أنواع البرامج الوافدة خطورة‪ ،‬لن الطفل أكثر تعلقا بالبرامج الجذابة‪،‬‬
‫وأسرع تأثرا بها‪ ،‬وأقل تمييزا لما يقدم من خللها‪ ،‬إذ أن تأثيراتها السلبية قد‬
‫تطال سلمة العقيدة أو صفائها إلى جانب السلوك )‪.(6‬‬
‫وأذكر المقللين من خطورة البث المباشر الذين يحسنون الظن بالغرب‬
‫مل ّت َهُ ْ‬
‫م(‬ ‫حّتى ت َت ّب ِعَ ِ‬ ‫ك ال ْي َُهود ُ َول الن ّ َ‬
‫صاَرى َ‬ ‫ضى عَن ْ َ‬ ‫أذكرهم بقوله تعالى‪) :‬وَل َ ْ‬
‫ن ت َْر َ‬
‫)البقرة‪ :‬من الية ‪.(120‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الثر الثقافي والعلمي ‪:‬‬
‫لم أكن أتصور قبل القيام بهذه الدراسة أن واقع البلد العربية في هذا‬
‫المستوى من المية‪ ،‬والجهل‪ ،‬وارتفاع نسبة المية في البلد العربية له تأثير‬
‫سلبي أثناء التلقي من الحضارة الوافدة‪ ،‬سواء كانت عن طريق البث‬
‫المباشر‪ ،‬أو غيره‪.‬‬
‫وإلقاء نظرة سريعة على هذه الرقام تغني عن محاضرات وبحوث‪:‬‬
‫في ندوة )ماذا يريد التربويون من العلميين( التي عقدت في الرياض عام‬
‫‪ 1402‬هـ تحت إشراف مكتب التربية العربي لدول الخليج‪ ،‬جاءت دراسة‬
‫مهمة أذكر بعضا منها‪:‬‬
‫يوجد أكثر من ‪ %33‬من أطفال البلد العربية ما بين سن ‪ 14 - 6‬خارج‬
‫المدرسة‪ ،‬ويقدر هذا العدد بأكثر من خمسة عشر مليون طفل‪.‬‬
‫يوجد ‪ %75‬من شباب البلد العربية ما بين سن ‪ 17 -15‬خارج المدرسة‬
‫الثانوية بمختلف أنواعها‪.‬‬
‫يوجد حوالي ‪ %90‬من شباب البلد العربية من ‪ 24 -18‬دون تعليم عال‪ ،‬أو‬
‫جامعي‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬الحاجة إلى تنسيق وتكامل‪ .‬إعلمي‪ -‬حمود البدر ص ‪.19‬‬
‫)‪ - (2‬مجلة رابطة المالم السلمي )‪.(290‬‬
‫)‪ - (3‬الصحيح أن يقول‪ :‬النصراني‪ ،‬لن هذا هو السم الصحيح لهم في‬
‫القرآن الكريم‪.‬‬
‫)‪ - (4‬مجلة البيان عدد )‪.(34‬‬
‫)‪ - (5‬أمين المجلس العلى للعلم في المملكة‪.‬‬
‫)‪ - (6‬جريدة الرياض عدد )‪.(8450‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يوجد قرابة ‪ %50‬من أفراد المجتمع العربي فوق سن )‪ (15‬من الميين )‪.(1‬‬
‫بل إن مما يزيد الوضع صعوبة‪ ،‬وتعقيدا‪ ،‬ما يقضيه الطالب‪ -‬بين حجرات‬
‫الدراسة وما يقضيه أمام التلفزيون‪ ،‬فقد ذكر د‪ /‬حمود البدر أن البحاث‪،‬‬
‫والدراسات أثبتت أن بعض التلميذ في البلد العربية عندما يتخرج من الثانوية‬
‫العامة يكون قد أمضى أمام التلفزيون )‪ (15.000‬ساعة‪ ،‬بينما لم يقض في‬
‫حجرات الدراسة أكثر من )‪ (10.800‬ساعة على أقصى تقدير )‪.(2‬‬
‫هذا مع أن هؤلء التلميذ ل يشاهدون إل قناة أو‪ ،‬قناتين‪ ،‬فكيف إذا أتيحت لهم‬
‫مشاهدة عدة قنوات‪ ،‬دون حسيب‪،‬أو رقيب‪ .‬لهذا فإن البث يشكل خطورة‬
‫على ثقافة الجيال التالية‪ ،‬متمثل بما يلي‪:‬‬
‫ا‪ -‬إضعاف مستوى التعليم لدى أفراد المة‪ ،‬وقد أجريت دراسة عن أثر‬
‫التلفزيون على تحصيل الطالب فأفاد ‪ %64‬ممن شملتهم الدراسة أنه يشغل‬
‫عن التحصيل‪ ،‬والستذكار‪.‬‬
‫‪ -2‬تلقين مفاهيم جديدة‪.‬‬
‫‪ -3‬ربط الناس بمناهج غربية‪ ،‬يساعد على ذلك شيوع تعلم اللغات الجنبية‪.‬‬
‫‪ -4‬شيوع الخمول‪ ،‬والكسل‪ ،‬وعدم الجدية‪ ،‬وبخاصة أن أشد البرامج إغراء‬
‫ليلتي السبت‪،‬والحد‪ ،‬وهما من أيام الدراسة في البلد العربية‪ ،‬أضف إلى‬
‫ذلك السهر الذي سيؤثر على بعض الطلب؛ لن وقت عرض البرامج المغرية‬
‫في أول الليل هناك‪ ،‬يكون الوقت عندنا متأخرا‪ ،‬كان يجري أثناء نقل‬
‫المباريات العالمية التي تجري عندهم بعد العشاء مباشرة‪ ،‬تكون عندنا قرب‬
‫الفجر )‪.(3‬‬
‫‪ -5‬إضعاف مستوى التلميذ في اللغة العربية‪ ،‬ونحن الن نشكو من الضعف‬
‫في هذا الجانب دون بث مباشر‪ ،‬فماذا سيحدث بعد ذلك‪.‬‬
‫وأختم هذا الجانب بهذه الحقائق‪:‬‬
‫)شكت وزيرة الثقافة اليونانية )ملينا يركورى( من أن بلدها قد دهمته الثقافة‬
‫المريكية )‪(4‬‬
‫وفي فرنسا صرح وزير الثقافة الفرنسي في السبعينات أنه خائف من وقوع‬
‫الشعب الفرنسي ضحية للستعمار‪ -‬الثقافي المريكي )‪.(5‬‬
‫وجاء وزير الثقافة الفرنسي الجديد )جاك لنق( وشن حملة قاسية على‬
‫القنوات التلفزيونية التجارية‪ ،‬وقال إنها أصبحت صنابير تتدفق منها‬
‫المسلسلت المريكية‪ ،‬فقد لحظ أنه في يوم الحد‪ ،‬وفي الساعة الواحدة‬
‫ظهرا‪ ،‬تجد خمس قنوات فرنسية تبث مسلسلت أمريكية‪ ،‬مع أن عدد‬
‫القنوات الفرنسية ست قنوات فقط‪ ،‬أي أكثر من ‪ %80‬تبث الثقافة‬
‫المريكية )‪.(6‬‬
‫وشكا رئيس وزراء كندا )بيار ترودو( من تأثير الثقافة المريكية على الشعب‬
‫الكندي )‪.(7‬‬
‫إذا كانت هذه حال أولئك القوم وشكواهم مع أنهم في وضع سياسي‬
‫متقارب‪ ،‬ودينهم واحد‪ ،‬ومناهجهم متشابهة‪ ،‬فكيف بنا‪ ،‬وماذا ستكون حالنا مع‬
‫الثقافة الوافدة‪ ،‬يقول الستاذ‪ /‬عبد الرحمن العبدان‪ ،‬وهو يتحدث عن البث‬
‫المباشر‪ ،‬وخطورته في الجانب الثقافي )ثم البرامج الثقافية الموجهة‪ ،‬والتي‬
‫يمكن أن نسميها بالغزو الفكري‪ ،‬وهذه سوف تسيئ لكثير من مفاهيم‬
‫الشعوب المستهدفة وقيمها‪ ،‬ول بد من مراقبتها‪ ،‬وتبصير المتلقين بأهدافها‪،‬‬
‫وتحصينهم من آثارها( )‪.(8‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الثار السياسية ‪:‬‬
‫كانت الدول الكبرى في الماضي تسيطر على الدول الصغرى عن طريق‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القوة العسكرية‪ ،‬وبهذا تخضعها لنفوذها‪ ،‬وتستعمر أراضيها‪.‬‬


‫وقد عانت الدول الكبرى‪ ،‬والصغرى من ويلت وآثار الستعمار الحديدي‪ ،‬أما‬
‫اليوم فقد انتهى الستعمار العسكري تقريبا‪ ،‬وأصبحت الدول تتحاشى مجرد‪.‬‬
‫وجود قواعد عسكرية في أراضيها‪ ،‬إل إذا اتخذ شكل الحماية لتلك الدولة من‬
‫عدو مجاور‪ ،‬أو قريب‪.‬‬
‫وبما أن الدول الكبرى ل يمكن أن تتنازل عن مطامعها ومصالحها‪ ،‬حتى لو‬
‫كانت على حساب الغير‪ ،‬فقد توصلت إلى عدة وسائل تستطيع بها أن تحافظ‬
‫على نفوذها السياسي‪ ،‬وتستمر هيمنتها وتبعية الدول لها‪ ،‬واستعمار العقول‬
‫أخطر من استعمار الراضي‪.‬‬
‫ومن هنا فقد بدأ ما يسمى بالستعمار اللكتروني‪ ،‬والبث التلفزيوني‬
‫سيساهم بأفلمه‪ ،‬وبرامجه‪ ،‬ومسلسلته في تحقيق أهداف القوى‬
‫الستعمارية‪ ،‬فقد صرح وزير خارجية كندا عام ‪ 1976‬م بأن برامج التلفزيون‬
‫المريكي تدفع كندا نحو الكارثة )‪(9‬‬
‫وأثبتت بعض الدراسات أن هناك بعض الطفال الكنديين ل يعرفون أنهم‬
‫كنديون؛ لتأثرهم بالبرامج المريكية التي تبث إلى كندا مباشرة‪.(10) ،‬‬
‫وفي فرنسا عندما شعر الرئيس الفرنسي )شارل ديغول( بخطورة تأثير‬
‫الفلم المريكية‪ ،‬قام بعدة إجراءات منها‪:‬‬
‫‪ -1‬إلغاء العتماد على الدولر كعملة احتياطية‪.‬‬
‫‪ -2‬النسحاب من الحلف الطلسي‪.‬‬
‫‪ -3‬إعادة النظر في العلقات الثقافية‪ ،‬والسياسية مع أمريكا‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬انظر بحوث ماذا يريد التربويون من العلميين ص ‪.75‬‬
‫)‪ - (2‬الحاجة إلى تنسيق وتكامل تربوى ص ‪.13‬‬
‫)‪ - (3‬وقد يقول قائل‪ :‬إن كثيرا من الناس لن يسهر حتى الفجر‪ ،‬فأقول‪:‬‬
‫سينام كثير ويسهر الكثير‪.‬‬
‫)‪ - (4‬أقمار الفضاء غزو جديد ص ‪.52‬‬
‫)‪ - (5‬أقمار الفضاء غزو جديد ص ‪.59‬‬
‫)‪ - (6‬مجلة اليمامة عدد )‪.(1038‬‬
‫)‪ - (7‬أقمار الفضاء غزو جديد ص ‪.52‬‬
‫)‪ - (8‬جريدة الرياض عدد )‪.(8450‬‬
‫)‪ - (9‬أقمار الفضاء غزو جديد ص ‪.52‬‬
‫)‪ - (10‬أقمار الفضاء غزو جديد ص ‪.52‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫وقد أعلن صراحة أن تلك الجراءات )حماية لفرنسا من الستعمار الثقافي‬


‫المريكي( )‪ .(1‬وما أحسن مما عبر عنه فهمي هويدي )‪ (2‬معلقا على دخول‬
‫البث التلفزيوني إلى تونس حيث قال‪:‬‬
‫خرج الستعمار الفرنسي من شوارع تونس عام ‪ 1956‬م‪ ،‬ولكنه رجع إليها‬
‫عام ‪ 1989‬م‪ ،‬لم يرجع إلى السواق فقط‪ ،‬ولكنه رجع ليشاركنا السكن في‬
‫بيوتنا‪ ،‬والخلوة في غرفنا‪ ،‬والمبيت في أسرة نومنا‪.‬‬
‫رجع ليقضي على الدين‪ ،‬واللغة‪ ،‬والخلق‪ ،‬كان يقيم بيننا بالكره‪ ،‬ولكنه رجع‬
‫لنستقبله بالحب‪ ،‬والترحاب‪ ،‬كنا ننظر إليه فنمقته‪ ،‬أما الن فنتلذذ بمشاهدته‪،‬‬
‫والجلوس معه إنه الستعمار الجديد‪ ،‬ل كاستعمار الرض‪ ،‬وإنما استعمار‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القلوب‪ ،‬إن الخطر يهدد الجيال الحاضرة‪ ،‬والقادمة‪ ،‬يهدد الشباب والشابات‬
‫والكهول والعفيفات‪ ،‬والباء‪ ،‬والمهات‪ .‬وقال‪ :‬إن الفرنسيين غادروا تونس‬
‫عام ‪ 1956‬م وعادوا إليها عام ‪ 1989‬م ليقتحموا كل بيت‪،،‬وقرروا أن يقضوا‬
‫داخله ‪ 20‬ساعة كل يوم‪ ،‬يمارسون تأثيرهم على اللغة‪،‬والخلق‪ ،‬والفكر‪،‬‬
‫والوعي‪ ،‬عند الصغار والكبار‪ ،‬والنساء والرجال‪ ،‬والشباب‪ ،‬والفتيات‪ ،‬وإن كان‬
‫الخطر أكبر يهدد الجيل الجديد كله )‪.(3‬‬
‫وأختم هذه الحقائق بما ذكره أحد الغربيين مشيرا إلى أسلوب صناعة الفكر‬
‫الشرقي‪.‬‬
‫)كنا نحضر أولد الشراف‪ ،‬والثرياء‪ ،‬والسادة من أفريقيا‪،‬وآسيا‪ ،‬ونطوف بهم‬
‫لبضعة أيام في أمستردام ولندن‪ ،‬فتتغير مناهجهم‪ ،‬ويلتقطون بعض أنماط‬
‫العلقات الجتماعية‪ ،‬فيتعلمون لغتنا‪ ،‬وأسلوب رقصنا وركوب عرباتنا‪ ،‬ثم‬
‫نعلمهم أسلوب الحياة الغربية‪ ،‬ثم نضع في أعماق قلوبهم الرغبة في أوروبا‪،‬‬
‫ثم نرسلهم إلى بلدهم‪ ،‬وأي بلد؟ بلد كانت أبوابها مغلقة دائما في وجوهنا‪،‬‬
‫ولم نكن نجد منفذا إليها‪ ،‬كنا بالنسبة إليهم رجسا ونجسا‪.‬‬
‫ولكن منذ أن صنعنا المفكرين ثم أرسلناهم إلى بلدهم‪ ،‬كنا نصيح في لندن‪،‬‬
‫وأمستردام‪ ،‬وننادي بالخاء البشري وكانوا يرددون ما نقوله‪ ،‬كنا حين نصمت‬
‫يصمتون‪ ،‬لننا واثقون أنهم ل يملكون كلمة واحدة يقولونها غير ما وضعنا في‬
‫أفواههم( )‪. (4‬‬
‫وقد يقول قائل‪ :‬ما علقة هذا الكلم بالبث المباشر؟ فأقول‪ :‬إذا كان هذا‬
‫أسلوبهم قديما‪ ،‬فكيف بالسلوب المعاصر؟ وبخاصة إذا نظرنا إلى تأثير‬
‫الفلم المريكية على الفرنسيين‪ ،‬والكنديين وغيرهم‪ .‬ومما لفت نظري أن‬
‫البث المباشر بدأ مع طرح موضوع النظام العالمي الجديد‪ ،‬وهذا النظام له‬
‫أبعاد سياسية معروفة‪ ،‬فهل كان هذا التوافق عارضا؟ ل أظن ذلك‪.‬‬
‫ومما تجدر الشارة إليه في موضوع الثر السياسي‪ ،‬أن لكل دولة سياسة‬
‫إعلمية‪ ،‬تسير عليها‪ ،‬وتخطط في ضوئها‪ ،‬والبث المباشر سيؤثر تأثيرا بارزا‬
‫على تلك السياسات‪ ،‬بل سيخترقها دون إذن أصحابها‪ ،‬ولذلك يقول د‪ /‬على‬
‫النجعي )‪ (5‬وهو يعدد مخاطر البث المباشر‪:‬‬
‫ومن وجهة نظري فإن تأثير البث المباشر ل يتوقف على إدخال عادات قبيحة‬
‫على المجتمعات النامية‪ ،‬بل إن من أخطر ما يحمله هذا التوجه العالمي‪ ،‬هو‬
‫تفتيت المجتمعات‪ ،‬والتقليل من أهمية ودور وسائل العلم المحلية‪ ،‬التي‬
‫تسير في ضوء أطر محددة وسياسات مرسومة‪ ،‬حيث يصبح بإمكان كل‬
‫مواطن أن يختار الوسيلة التي يرغب في مشاهدتها والبرنامج الذي يختاره )‬
‫‪.(6‬‬
‫ومما يؤكد هذه الحقيقة ما ذكره تقرير لليونسكو جاء فيه‪) :‬إننا نعتقد أن ما‬
‫يعرف باسم التدفق الحر للعلم‪ ،‬هو في حقيقة المر تدفق باتجاه واحد‪،‬‬
‫وليس تبادل حقيقيا للمعلومات( )‪ .(7‬ومن المثلة على ذلك أن إذاعة )‪(NBC‬‬
‫وزعت في فترة واحدة )‪ (125‬مسلسل تلفزيونيا‪ ،‬أذيع في )‪ (300‬محطة‬
‫تلفزيونية في )‪ (83‬بلدا في وقت متقارب )‪.(8‬‬
‫رابعًا‪ :‬الثر المني ‪:‬‬
‫إذا كان للفلم تأثيرها السلبي على المن في بلد من البلدان‪ ،‬فكيف تكون‬
‫الحال مع أفلم الغرب المنحل والشرق الملحد‪ ،‬عبر البث التلفزيوني‬
‫؟! وإذا كانت الدول تعتبر أن سقوط الذاعة يعني سقوط الدولة؛‬ ‫المباشر ‍‬
‫ولذلك أول ما يحرص عليه الذين يقومون بالنقلبات السيطرة على الذاعة‬
‫والتلفزيون‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتحارب الدول الذاعات الموجهة ضدها حربا ل هوادة فيها‪ ،‬بكل الوسائل‬
‫السياسية والمالية والفنية‪.‬‬
‫كل ذلك للثر السلبي الذي ينشأ عند استخدام الذاعة والتلفزيون ضد أمن‬
‫بلد من البلدان‪.‬‬
‫ويتخذ الثر المني عدة صور منها‪:‬‬
‫ا‪ -‬الرتباط بالمخابرات الجنبية‪:‬‬
‫فقد كشف تقرير للجنة المواصلت الفيدرالية المريكية‪ ،‬أن )‪ (60‬إذاعة بعد‬
‫الحرب العالمية الثانية كانت مرتبطة ارتباطا مباشرا بالمخابرات المركزية‬
‫المريكية )‪.(9‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬أقمار الفضاء غزو جديد ص ‪.60 -59‬‬
‫)‪ - (2‬كاتب سياسي له شطحات فكرية معروفة‪.‬‬
‫)‪ - (3‬الهرام ‪ 27/6/1989‬م‪.‬‬
‫)‪ - (4‬استمع إلى شريط الندوة التي عقدها الحرس الوطني عن البث المباثر‬
‫على هامش الجنادرية عام ‪ 1409‬هـ‪.‬‬
‫)‪ - (5‬وكيل وزارة العلم المساعد لشؤون التلفزيون‪.‬‬
‫)‪ - (6‬انظر جريدة الرياض )‪.(8450‬‬
‫)‪ - (7‬أصوات متعددة ص ‪.303‬‬
‫)‪ - (8‬تدفق المعلومات ص ‪.75‬‬
‫)‪ - (9‬أقمار الفضاء غزو جديد ص ‪.25‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫وقد ذكر أحد المسؤولين المريكين وكان يعمل في سفارة بلده في إحدى‬
‫الدول العربية‪ ،‬أن السفارة قد سيطرت على القناة التي تبث باللغة‬
‫النجليزية‪ ،‬حتى قال‪ :‬إن القناة تدار من السفارة بدل من إدارة التلفزيون في‬
‫ذلك البلد‪.‬‬
‫‪ -2‬الضطرابات‪:‬‬
‫فقد ذكر تقرير صادر من اليونسكو ما يلي‪:‬‬
‫إن إدخال وسائل إعلم جديدة وخاصة التلفزيون في المجتمعات التقليدية‪،‬‬
‫أدى إلى زعزعة عادات ترجع إلى مئات السنين‪ ،‬وممارسات حضارية‪ ،‬وغالبا‬
‫ما يصاحب فوائد التصالت الحديثة سلبية يمكن أن تشيع الضطرابات بدرجة‬
‫كبيرة في النظم القائمة )‪. (1‬‬
‫‪ -3‬الجريمة‪:‬‬
‫قال الطبيب النفسي )ستيفن بانا( الستاذ بجامعة كولومبيا‪ :‬إذا كان السجن‬
‫هو جامعة الجريمة فإن التلفزيون هو المدرسة العدادية للنحراف )‪.(2‬‬
‫وتوضح دراسات العالم الفرنسي )جان خيرو( أن أسباب سوء التكيف بين‬
‫المنحرفين ترجع إلى مشاهدة أفلم العنف‪.‬‬
‫وتدل الحصائيات الخيرة التي أجريت في أسبانيا أن ‪ %39‬من الحداث‬
‫المنحرفين قد اقتبسوا أفكار العنف من مشاهدة الفلم والمسلسلت‬
‫والبرامج العدوانية )‪.(3‬‬
‫وفي دراسة لسلبيات التلفزيون العربي ذكر الباحث أن ‪ %41‬ممن أجري‬
‫عليهم الستبيان يرون أن التلفزيون يؤدي إلى انتشار الجريمة‪ ،‬و ‪ 47‬يرون‬
‫أنه يؤدي إلى النصب والحتيال )‪.(4‬‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وذكر د‪ /‬حمود البدر أنه من خلل إحدى الدراسات التي أجريت على )‪(500‬‬
‫فيلم طويل تبين أن موضوع الحب والجريمة والجنس يشكل ‪ %72‬منها‬
‫وتبين من دراسة أخرى حول الجريمة والعنف في مائة فيلم وجود )‪(168‬‬
‫مشهد جريمة أو محاولة قتل‪ .‬بل إنه وجد في )‪ (13‬فيلما فقط )‪ (73‬مشهدا‬
‫للجريمة )‪.(5‬‬
‫وقد قام د‪ /‬تشار بدراسة مجموعة من الفلم التي تعرض على الطفال‬
‫عالميا فوجد أن ‪ %27.4‬منها تتناول الجريمة )‪.(6‬‬
‫أل تكفي هذه الحقائق لبيان الخطورة المنية لهذا الغول القادم‪ ،‬ولكن‪) :‬فَإ ِن َّها‬
‫َ‬
‫دوِر( )الحج‪ :‬من الية ‪.(46‬‬ ‫ص ُ‬‫ب ال ِّتي ِفي ال ّ‬
‫قُلو ُ‬
‫مى ال ْ ُ‬ ‫صاُر وَل َك ِ ْ‬
‫ن ت َعْ َ‬ ‫مى اْلب ْ َ‬‫ل ت َعْ َ‬
‫خامسا‪ :‬الثر الخلقي ‪:‬‬ ‫ً‬
‫من أخطر ما يخشى أن يؤثر فيها البث المباشر أخلق المة وسلوكها‪.‬‬
‫وإنما المم الخلق ما بقيت ‪ ...‬فإن هموا ذهبت أخلقهم ذهبوا‬
‫ومن أبرز ما خّلفته الفلم من شرور خلل السنوات الماضية ما أحدثته من‬
‫خلل في أخلق الرجال وأعراض النساء‪.‬‬
‫ويتخذ هذا الخلل عدة صور من أبرزها‪:‬‬
‫ا‪ -‬شيوع الرذيلة وسهولة ارتكابها‪ ،‬حتى أصبحت أمًرا عاديا في بعض‬
‫المجتمعات‪.‬‬
‫‪ -2‬تفجير الغرائز والبحث عن سبل غير شرعية لتصريفها‪ ،‬وذلك لما يرد في‬
‫الفلم من عري فاضح‪ ،‬مع اختيار أجمل النساء للقيام بأدوار معينة في‬
‫الفلم‪ ،‬حتى إن بعضهن ل دور لها إل عرض مفاتنها‪.‬‬
‫‪ -3‬تعويد الناس على وسائل محرمة هي بريد للفتنة‪ ،‬وسبيل إليها‪ ،‬كالخلوة‪ ،‬و‬
‫الختلط‪ ،‬و المغازلة‪.‬‬
‫‪ -4‬الدعاية لمور محرمة تؤدي إلى النحراف‪ ،‬كدعايات شرب الخمر‪،‬‬
‫والمسكرات بجميع أنواعها‪.‬‬
‫‪ -5‬بث الفلم الدعائية التي ترغب المشاهد في السفر للخارج‪ ،‬مع ما يحدث‬
‫هناك بعد ذلك‪.‬‬
‫‪ -6‬بعض الفلم التي تدعو إلى المخدرات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة‪،‬‬
‫ومن الدلة على ذلك فيلم "الباطنية" المشهور‪.‬‬
‫ومما يساعد على ذلك شيوع المية في العالم العربي‪ ،‬فضل عن بقية العالم‬
‫السلمي‪ ،‬حيث تصل إلى ‪ %70‬في الدول العربية‪ ،‬و ‪ %90‬في دول العالم‬
‫السلمي‪.‬‬
‫ولعل التأمل في الرقام التالية يوضح ما سبق بيانه‪:‬‬
‫يقول الدكتور )بلومر(‪) :‬إن الفلم التجارية التي تنتشر في العالم تثير الرغبة‬
‫الجنسية في معظم موضوعاتها‪ ،‬كما أن المراهقات من الفتيات يتعلمن‬
‫الداب الجنسية الضارة من الفلم‪ ،‬وقد ثبت للباحثين أن فنون التقبيل‬
‫والحب‪ ،‬والمغازلة‪ ،‬والثارة الجنسية‪ ،‬والتدخين يتعلمها الشباب من خلل‬
‫السينما‪ ،‬والتلفزيون( )‪.(7‬‬
‫وذكر د‪ .‬حمود البدر أنه من خلل إحدى الدراسات التي أجريت على )‪(500‬‬
‫فيلم طويل تبين أن موضوع الحب والجريمة والجنس يشكل ‪ %72‬منها )‪.(8‬‬
‫وتبين من خلل دراسة أجرتها هيئات أوروبية متخصصة أن متوسط مدة‬
‫الرسال التجاري اليومي ‪ 9‬ساعات يتوزع كما يلي‪:‬‬
‫من ‪ %75‬إلى ‪ %80‬مواد وبرامج تسلية‪.‬‬
‫من ‪ %5‬إلى‪ .‬ا‪ %‬برامج ثقافية ووثائقية‪.‬‬
‫‪ 5%‬تخصص للمعلومات‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من ‪ %2‬إلى ‪ %10‬برامج موجهة للشباب ورياضة )‪.(9‬‬


‫وفي دراسة ذكرها د‪ .‬محي الدين عبد الحليم عن )الدراما(‪ -‬وهي من برامج‬
‫الترفيه والتسلية‪ -‬توصل فيها إلى ما يلي‪:‬‬
‫‪ 23%‬من الذكور يرون أنها مفيدة )‪.(10‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬أصوات متعددة ص ‪.338‬‬
‫)‪ - (2‬العلم والبيت المسلم ص ‪.113‬‬
‫)‪ - (3‬العلم والبيت المسلم ص ‪.118 -115‬‬
‫)‪ - (4‬التلفزيون بين المنافع والضرار ص ‪.65‬‬
‫)‪ - (5‬الحاجة إلى تنسيق وتكامل تربوي ص ‪.14‬‬
‫)‪ - (6‬بصمات على ولدي‪ ،‬طيبة اليحى‪.‬‬
‫)‪ - (7‬بصمات على ولدي‪ ،‬طيبة اليحى‪.‬‬
‫)‪ - (8‬الحاجة إلى تنسيق وتكامل تربوي ص ‪.14‬‬
‫)‪ - (9‬مجلة اليمامة عدد )‪.(1038‬‬
‫)‪ - (10‬ل تنظر إلى من هلك كيف هلك ولكن انظر إلى من نجا كيف نجا‪ .‬ل‬
‫تعجبن من هالك كيف هوى بل فاعجبن من سالم كيف نجا‪.‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫‪ 77%‬يرون أنها تؤدي إلى النحراف وتدعو إلى الرذيلة‪ ،‬وتتنافى مع عادات‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫أما الناث ‪-‬وهنا الخطورة‪ -‬فقد رأى قرابة ‪ %45‬أنها مفيدة )‪.(1‬‬
‫و ‪ %55‬يرين أنها تؤدي إلى الشر والفساد والنحراف )‪.(2‬‬
‫)ويلحظ الفرق بين النساء والرجال لسرعة التأثر(‪.‬‬
‫وأوضحت دراسة مشتركة بين ندوة تامبير واليونسكو‪ ،‬أن هناك اتجاهين ل‬
‫جدال حولهما في مجال تدفق المعلومات‪:‬‬
‫ا‪ -‬أنه تدفق في اتجاه واحد من الدول الكبرى المصدرة إلى باقي دول‬
‫العالم‪.‬‬
‫‪ -2‬أن المادة الترفيهية هي السائدة في هذا التدفق )‪(3‬‬
‫ومن أجل توضيح المراد ببرامج التسلية والترفيه الواردة في هاتين‬
‫الدراستين لنقرأ ما قاله الستاذ عبد الرحمن العبدان )‪.(4‬‬
‫)برامج الترفيه والتسلية ومعظمها ‪-‬إن لم يكن جميعها‪ -‬لن تكون ملتزمة‪،‬‬
‫وهذه سوف تنقل للشعوب المشاهدة كثيرا من العادات غير الحسنة التي‬
‫تتنافى مع القيم السلمية‪ ،‬خاصة وأن هذه البرامج قد تشد الشباب‬
‫والشابات بحيويتها وعصرية إعدادها وجودة عرضها‪ ،‬وتدفعهم للعجاب بها‬
‫دون إدراك لخطورتها‪ ،‬وبالتالي التأثر بها‪ ،‬وهذا مكمن الخطورة‪.‬‬
‫ويواصل قائل‪ :‬ولست بحاجة لشرح الثار السلبية المترتبة على ذلك‪ ،‬وما فيها‬
‫من الهدم وتدمير السلوك( )‪.(5‬‬
‫وفي تحقيق أجرته جريدة عكاظ مع بعض مدمني مشاهدة الفلم اعترف‬
‫ن أ َهْل َِها( )يوسف‪ :‬من الية‬
‫م ْ‬ ‫شهِد َ َ‬
‫شاهِد ٌ ِ‬ ‫عدد منهم بخطورة هذه الفلم )وَ َ‬
‫‪ .(26‬وكان مما قالوه‪:‬‬
‫ا‪ -‬قال الشاب نايف الودعاني‪ :‬إن هذه الفلم عديمة الفائدة‪ ،‬والتي تعتبر‬
‫مضيعة للوقت بالضافة إلى كونها الطريق إلى اكتساب عادات وأفكار سيئة‬
‫تؤدي إلى انحراف بعض الشباب‪ ،‬خاصة في مرحلة المراهقة‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -2‬أما الشاب عادل الخليوي فقد اعترف بأن بعض هذه الفلم قد تتسبب‬
‫في انحراف الشباب الذين ليس لديهم وعي كامل بخطورة ما تحتويه‪.‬‬
‫‪ -3‬ويقول أيمن عبد العزيز‪ :‬رغم أن لهذه الفلم سلبيات‪ ،‬منها ضياع الوقت‪،‬‬
‫واكتساب أفكار قد تكون سيئة )‪.(6‬‬
‫ومما تجدر الشارة إليه ‪-‬بل الوقوف عنده‪ -‬مما يشكل خطرا على الخلق‪،‬‬
‫وبخاصة على النساء والطفال‪ ،‬موضوع الدعايات التلفزيونية‪ ،‬مع العلم أن‬
‫هناك قنوات غربية متخصصة في الدعاية التجارية فقط‪.‬‬
‫ولندع الرقام تتحدث‪:‬‬
‫نوقشت رسالة ماجستير بعنوان‪:‬‬
‫)صورة المرأة في إعلنات التلفزيون( وذلك في إحدى الدول العربية‪ ،‬اعتمد‬
‫الباحث فيها على ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬تحليل مضمون )‪ (356‬إعلنا تلفزيونيا‪ ،‬بلغ إجمالي تكرارها )‪ (3409‬خلل‬
‫‪ 90‬يوما فقط‪.‬‬
‫‪ -2‬مسح شامل لدارة العلنات بالتلفزيون‪.‬‬
‫‪ -3‬مقابلت مع عدد من مديري وكالت العلن‪.‬‬
‫وقد توصل الباحث إلى عدد من النتائج من أهمها‪:‬‬
‫ا‪ -‬استخدمت صورة المرأة وصوتها في )‪ (300‬إعلن من )‪ ،(356‬كررت‬
‫قرابة )‪ (3000‬مرة في )‪ (90‬يوما‪.‬‬
‫‪ 42% -2‬من العلنات التي ظهرت فيها المرأة ل تخص المرأة‪.‬‬
‫‪ -3‬سن النساء اللتي خرجن في الدعاية من )‪ (30 -15‬سنة فقط‪.‬‬
‫‪ 76% -4‬من العلنات اعتمدت على مواصفات خاصة في المرأة كالجمال‬
‫والجاذبية‪ ،‬و ‪ %51‬على حركة جسد المرأة‪ ،‬و ‪ % 12.5‬من هذه العلنات‬
‫استخدمت فيها ألفاظ جنسية‪.‬‬
‫‪ -5‬إن الصورة التي تقدم للمرأة في العلن منتقاة وليست عشوائية )‪.(7‬‬
‫وإذا كان هذا المر في تلفزيون عربي عليه بعض الرقابة‪ ،‬وأغلب شعب هذا‬
‫البلد مسلمون‪ ،‬فكيف بإعلنات دول النحلل و الرذيلة ؟‬
‫وقام د‪ .‬سمير حسين )‪ (8‬بإعداد دراسة حول )برامج وإعلنات التلفزيون كما‬
‫يراها المشاهد والمعلنون( توصل فيها إلى ما يلي‪:‬‬
‫‪ 98.6%‬من الطفال يشاهدون العلنات بصفة منتظمة‪.‬‬
‫‪ 96%‬من الطفال يتعرفون على المشروبات المعلن عنها بسهولة )‪.(9‬‬
‫‪ 96%‬قالوا إن هناك إعلنات يحبونها‪ ،‬ولذلك تجدهم يحفظون نص الدعاية‪،‬‬
‫ويقلدون المعلن )‪.(10‬‬
‫ويقول د‪ .‬محسن الشيخ‪ :‬من أخطر البرامج المقدمة من خلل الشاشة‬
‫الصغيرة هي العلنات التجارية‪ ،‬لنها قصيرة ومسلية‪ ،‬وتحمل رسالتها إلى‬
‫الوتار العقلية فتوقظها )‪.(11‬‬
‫وقد قام الدكتور تشار بدراسة مجموعة من الفلم التي تعرض على الطفال‬
‫عالميا فوجد أن‪:‬‬
‫‪ 29.6%‬تتناول موضوعات جنسية‪.‬‬
‫‪ 27.4%‬تتناول الجريمة‪.‬‬
‫‪ 15%‬تدور حول الحب بمعناه الشهواني العصري المكشوف )‪.(12‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬ل تنظر إلى من هلك كيف هلك ولكن انظر من نجا كيف نجا‪.‬‬
‫)‪ - (2‬التلفزيون‪ -‬مروان كجك ص ‪.197‬‬
‫)‪ - (3‬انظر كتاب تدفق المعلومات ص ‪.76 -75‬‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ - (4‬وبخاصة أن الستاذ ‪ -‬عبد الرحمن أمين عام المجلس العلى للعلم‬
‫في المملكة‪.‬‬
‫)‪ - (5‬جريدة الرياض العدد )‪.(8450‬‬
‫)‪ - (6‬جريدة عكاظ العدد )‪ (9186‬الملحق‪.‬‬
‫)‪ - (7‬مجلة الصلح في دبي العدد )‪ (134‬ذي الحجة عام ‪ 1409‬هـ‪.‬‬
‫)‪ - (8‬أستاذ العلم بجامعة المام‪ -‬كلية الدعوة والعلم‪.‬‬
‫)‪ - (9‬ونحن نعلم أي مشروبات سيعلن عنها في البث المباشر؟‪.‬‬
‫)‪ - (10‬التلفزيون لمروان كجك ص ‪.157‬‬
‫)‪ - (11‬الحاجة إلى تنسيق وتكامل تربوي ص ‪.10‬‬
‫)‪ - (12‬بصمات على ولدي‪ -‬طيبة اليحى‪ ،‬وماذا يقول الذين يدعون أنهم لم‬
‫يروا ما يخدش الخلق الصيلة‪ ،‬أو أنهم يراعون التوقيت لبرامج الطفال‪.‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫ومما يزيد المر حزنا أنه تبين من دراسة قامت بها اليونسكو كما ذكر الستاذ‬
‫مروان كجك في كتابه عن التلفزيون ص ‪:196‬‬
‫تبين أن الطفال في البلد العربية يقضون ما بين ‪ 12‬ساعة إلى ‪ 24‬ساعة‬
‫أسبوعيا أمام التلفزيون )وسترتفع مع البث المباشر(‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬الثر الجتماعي ‪:‬‬
‫ل يستطيع أحد أن يكابر ويدعي أن الفلم والتمثيليات والمسرحيات لم تؤثر‬
‫على النماط الجتماعية‪ ،‬وكثير من السلوكيات الحميدة‪ ،‬وقد اعترفت‬
‫اليونسكو بهذه الحقيقة في دراستها التي سبقت الشارة إليها‪ ،‬حيث جاء‬
‫فيها‪:‬‬
‫)إن إدخال وسائل إعلم جديدة ‪-‬وخاصة التلفزيون‪ -‬في المجتمعات التقليدية‪،‬‬
‫أدى إلى زعزعة عادات ترجع إلى مئات السنين‪ ،‬وممارسات حضارية كرسها‬
‫الزمن( )‪.(1‬‬
‫ول شك أن النفتاح على القنوات العالمية سيزيد من هذا التأثير السلبي‪.‬‬
‫ويتمثل الثر الجتماعي الذي يتوقع أن يحدثه البث المباشر بعدة صور من‬
‫أهمها‪:‬‬
‫ا‪ -‬التأخر في الزواج‪ ،‬وتفشي الطلق‪ ،‬ومحاربة تعدد الزوجات‪ ،‬ولقاءات الفتى‬
‫والفتاة بعد الخطبة وقبل العقد برضى الهل‪.‬‬
‫‪ -2‬انصراف المرأة للزياء العالمية وآخر صرعات الموضة‪ ،‬وتقليد المرأة‬
‫الغربية في كثير من أسلوب حياتها‪ ،‬كالخروج من المنزل ومحادثة الرجال‪.‬‬
‫‪ -3‬سيطرة المرأة على الرجل‪ ،‬وضعف القوامة بدعوى الحرية وتساوي‬
‫الحقوق‪.‬‬
‫‪ -4‬دخول كثير من العادات الغربية إلى بيوت المسلمين‪ ،‬والعجاب بالنمط‬
‫الغربي للحياة‪.‬‬
‫‪ -5‬ضعف القيام بحقوق الوالدين )‪ (2‬وقطع الرحام‪ ،‬وتفكك السر‪ ،‬وإهمال‬
‫حقوق الجيران‪.‬‬
‫‪ -6‬النانية وحب الذات‪ ،‬وضعف الروح الجماعية‪ ،‬وعدم نصرة المظلوم‪.‬‬
‫‪ -7‬إبراز أبطال ل حقيقة لهم على حساب أبطال السلم‪ ،‬وسعي الفرد لتقليد‬
‫هؤلء‪.‬‬
‫ومثال ذلك إبراز اللعبين والممثلين والفنانين أبطال‪ ،‬حتى أصبحوا هم المثل‬
‫العلى لكثير من الشباب والفتيات‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومما يذكر في هذا المجال للدللة على إبراز أبطال ل حقيقة لهم‪ ،‬وتصديق‬
‫المشاهدين بذلك ما ذكره )جين بلر( أن الدكتور )مركوس وبلين( وهو أحد‬
‫الذين يظهرون على الشاشة في دور طبيب ‪-‬وهو ممثل‪ -‬حيث تلقى ما يزيد‬
‫على )‪ (250‬ألف رسالة يطلب فيها أصحابها معونته الطبية‪ ،‬من مشاهدين‬
‫صدقوا فعل أنه طبيب معالج )‪.(3‬‬
‫بل أخطر من ذلك إبراز بعض الفراد أبطال عالميين للدوار التي قاموا بها‬
‫في التأثير على سلوك المجتمع المسلم واختراق حدود الدين والفضيلة‪ ،‬ومن‬
‫أمثلة ذلك نجيب محفوظ الذي منح جائزة نوبل‪ ،‬وهو أول عربي ينال هذه‬
‫الجائزة‪ ،‬وذلك لرواياته ومسرحياته الهابطة التي تدعو إلى تغيير كثير من‬
‫أنماط السلوك السوي في المجتمع المسلم‪ ،‬وانظر إلى ما قاله مسؤول في‬
‫الكاديمية السويدية وهو يسلم ابنة نجيب جائزة نوبل‪ ،‬حيث قال‪) :‬إن‬
‫الكاديمية ل تنسى تلك الرواية العالمية التي كتبها نجيب‪ ،‬والتي أعلن في‬
‫نهايتها موت الله( )‪ (4‬تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬آثار أخرى ‪:‬‬
‫وهناك آثار أخرى للبث المباشر أوجزها بما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬الثر القتصادي‪ :‬ويتمثل ذلك بما يلي‪:‬‬
‫)أ( شراء الجهزة من شاشات للعرض وأجهزة للستقبال‪ ،‬مع صيانة تلك‬
‫الجهزة‪ ،‬وقد تم في الشهور الخيرة من عام ‪ 1978‬م بيع عشرة ملين جهاز‬
‫فيديو )‪.(5‬‬
‫)ب( تأثير الدعايات في شراء بضائع ل حاجة لها‪ ،‬والقبال على بضائع دون‬
‫غيرها‪ ،‬مما قد يكون أجود منها‪.‬‬
‫)ج( إهمال المنتجات المحلية‪ ،‬التي يعود نفعها للمسلمين؛ لن أغلب‬
‫الدعايات ستكون لمنتجات غربية‪ ،‬بل قد تلجأ كثير من المؤسسات‬
‫والشركات المحلية إلى العلن عن بضائعها في القنوات العالمية الوسع‬
‫انتشارا‪ ،‬مع ما يكلفه هذا من أموال طائلة ستكون على حساب المستهلك؛‬
‫حيث إن إعلنات التلفزيون باهظة التكاليف‪.‬‬
‫‪ -2‬الثر الصحي ‪:‬‬
‫ويصعب حصر هذا الثر‪ ،‬ولكن أشير إلى أنه في دراسة لسلبيات التلفزيون‬
‫العربي ذكر ‪ %64‬أن التلفزيون يؤدي إلى ضعف البصر‪ ،‬و ‪ %44‬يرون أنه‬
‫يقيد حركة الجسم ويحرمه من الرياضة‪.‬‬
‫وقد ذكر سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ‪-‬رحمه الله‪ -‬في رسالته عن‬
‫التلفزيون عدة أخطار صحية عن أطباء عالميين‪ ،‬والدراسات في هذا كثيرة‬
‫ومتنوعة‪.‬‬
‫‪ -3‬ومن الثار‪ :‬إهدار الوقت ‪ :‬ولنأخذ هذا المثل‪:‬‬
‫لو أن بلدا من البلدان عدد سكانه عشرة مليين نسمة‪ ،‬وعدد الذين‬
‫يشاهدون التلفزيون ‪ %25‬فقط‪ ،‬ومعدل الجلوس ساعتان يوميا‪ ،‬فكم يهدر‬
‫من الساعات سنويا إنها )‪(1 ,750 ,000 ,000‬ساعة بل أكثر من ذلك‬
‫وتعادل )‪ (250 ,000.000‬يوم عمل‪ ،‬تصوروا‪ :‬مئتان وخمسون مليون يوم‬
‫عمل‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬أصوات متعددة‪ ،‬ص ‪.338‬‬
‫)‪ - (2‬وقد بثت إحدى المحطات العربية فيلما أمريكيا‪ ،‬قام الولد بضرب أبيه‬
‫عندما أراد والده أن يؤدبه‪ ،‬و لم يظهر على الب أي رد فعل لذلك‪.‬‬
‫)‪ - (3‬التلفزيون لمروان كجك ص ‪.198‬‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ - (4‬ندوة البث المباثر‪ -‬الحرس الوطني‪ ،‬مهرجان الجنادرية عام ‪ 1409‬هـ‪.‬‬
‫)‪ - (5‬العلم المعاصر ‪.288‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫كيف لو صرفت هذه الساعات في طلب العلم‪ ،‬والدعوة إلى الله‪ ،‬ومساعدة‬
‫المحتاجين‪ ،‬و إقامة المصانع والمعامل‪ ،‬والستغناء عن اليدي الكافرة‪،‬‬
‫والتدرب على الجهاد في سبيل الله‪ ،‬والدفاع عن المة وحماية المقدسات‪.‬‬
‫ول ما يقضونه من ساعات أمام التلفزيون والفيديو )‪ (1‬فماذا سيحدث عند‬
‫قدوم البث المباشر‪ ،‬والحساب هذه المرة أتركه لكم‪.‬‬
‫‪ -4‬وأخيرا فإن هناك أثرا ل تجوز الغفلة عنه لعاقبته المخيفة وهو‪:‬‬
‫ارتكاب ما حرم الله‪ ،‬مما يكون سببا لغضب الله‪ ،‬وذهاب للحسنات‪،‬‬
‫واكتساب للسيئات‪ ،‬ويتمثل ذلك في الثام التالية‪:‬‬
‫)أ( النظر إلى ما حرم الله وبخاصة صور النساء الفاتنات المفتونات‪.‬‬
‫)ب( سماع الغناء والموسيقى ونحوهما‪.‬‬
‫)ج( تربية الهل والولد على ما حرم الله‪.‬‬
‫)د( عدم إنكار المنكر مع القدرة على ذلك‪.‬‬
‫)هـ( إنفاق المال في المعاصي‪ ،‬وذلك كفر للنعمة وسبب لحلول النقمة‪.‬‬
‫)و( إهدار الوقت في غير طاعة الله‪ ،‬بل في معاصيه‪.‬‬
‫إلى غير ذلك من المعاصي والثام التي يصعب حصرها‪ ،‬ويتحمل المرء وزرها‬
‫ل ول بنون إّل م َ‬
‫م( )الشعراء‪:‬‬ ‫سِلي ٍ‬ ‫ب َ‬‫قل ْ ٍ‬ ‫ن أَتى الل ّ َ‬
‫ه بِ َ‬ ‫ما ٌ َ َ ُ َ ِ َ ْ‬ ‫فع ُ َ‬
‫م ل ي َن ْ َ‬
‫يوم القيامة )ي َوْ َ‬
‫‪.(89 ،88‬‬
‫م‬
‫م إ ِن ّهُ ْ‬‫فوهُ ْ‬ ‫ولو لم يكن له من الثار إل هذا لكفى؛ لن الله ‪-‬تعالى‪ -‬يقول‪) :‬وَقِ ُ‬
‫ن( )الصافات‪.(24:‬‬ ‫ؤوُلو َ‬
‫س ُ‬
‫م ْ‬
‫َ‬
‫وقال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ " -‬ل تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل‬
‫عن أربع‪ ،‬عن عمره فيما أفناه‪ ،‬وعن شبابه فيما أبله‪ ،‬وعن علمه ماذا عمل‬
‫به‪ ،‬وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه "‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬منافع البث المباشر‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فقد يقول قائل‪ :‬لقد فصلت في الثار السلبية‪ ،‬وبيان خطورة البث المباشر‪،‬‬
‫أليس له منافع ؟ ولماذا لم تذكرها؟‬
‫فأقول‪ :‬إن هذا السؤال يذكرني بقصة ذكرها لنا والدي ‪-‬حفظه الله‪ -‬وهي أن‬
‫رجل كان يشرب الدخان‪ ،‬فسئل لماذا تشربه وهل فيه منافع‪ ،‬فقال‪ :‬إن له‬
‫عدة منافع ومنها‪:‬‬
‫ا‪ -‬إن اللصوص ل يسرقون بيتي في الليل‪.‬‬
‫ي‪.‬‬
‫‪ -2‬إن الحيات والعقارب ل تقدر عل ّ‬
‫فاستغرب السائل واشتاق للجابة‪ ،‬فواصل المدخن قائل‪:‬‬
‫أما إن اللصوص ل يقربون بيتي في الليل فلنني دائم السعال ‪-‬الكحة‪ -‬فلذلك‬
‫يتصور اللصوص أني مستيقظ‪ ،‬فل يدخلون البيت‪.‬‬
‫ي فلن الدخان أصابني بمرض أحوجني إلى العصا‪،‬‬ ‫وأما عدم قدرة الحيات عل ّ‬
‫فهي دائما معي‪ ،‬فإذا قربت مني قتلتها بالعصا‪.‬‬
‫ومنافع البث المباشر ل تعد شيئا في مقابل السلبيات والخطار‪ ،‬ومن‬
‫المعروف أنه ليس هناك شر محض‪ ،‬ولكن بعد التأمل في تلك المنافع‪ ،‬التي‬
‫ن‬
‫ك عَ ِ‬ ‫سَألون َ َ‬ ‫ضخمت أكثر من حقيقتها‪ ،‬وجدتها ينطبق عليها قوله ‪-‬تعالى‪) :-‬ي َ ْ‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫ما(‬
‫فعِهِ َ‬ ‫ن نَ ْ‬
‫م ْ‬‫ما أك ْب َُر ِ‬ ‫مهُ َ‬ ‫س وَإ ِث ْ ُ‬ ‫مَنافِعُ ِللّنا ِ‬ ‫م ك َِبيٌر وَ َ‬ ‫ما إ ِث ْ ٌ‬ ‫ل ِفيهِ َ‬ ‫سرِ قُ ْ‬ ‫مرِ َوال ْ َ‬
‫مي ْ ِ‬ ‫خ ْ‬‫ال ْ َ‬
‫)البقرة‪ :‬من الية ‪.(219‬‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ب َوالْزل ُ‬ ‫صا ُ‬ ‫سُر َوالن ْ َ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫مُر َوال َ‬ ‫خ ْ‬
‫ما ال َ‬ ‫مُنوا إ ِن ّ َ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله ‪-‬تعالى‪َ) :-‬يا أي َّها ال ِ‬
‫ن( )المائدة‪.(90:‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬
‫م تُ ْ‬‫جت َن ُِبوه ُ ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫ن َفا ْ‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫م ِ‬‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫رِ ْ‬
‫ومن قواعد الشريعة أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح‪.‬‬
‫وكذلك من القواعد قاعدة‪ :‬سد الذرائع‪.‬‬
‫وقد نهى الله عن سب الصنام إذا كان سبها سيؤدي إلى سب الله ‪-‬جل‬
‫م(‬ ‫دوا ً ب ِغَي ْرِ ِ ْ‬ ‫سّبوا الل ّ َ‬ ‫ن الل ّهِ فَي َ ُ‬ ‫سّبوا ال ّ ِ‬
‫عل ٍ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬‫ذي َ‬ ‫وعل‪َ) -‬ول ت َ ُ‬
‫)النعام‪ :‬من الية ‪.(108‬‬
‫ونهى الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬النساء عن زيارة القبور مع ما فيها‬
‫من مصالح‪ ،‬لن ذلك سيؤدي إلى مفاسد عظيمة‪ ،‬حيث أن المرأة ضعيفة‬
‫فقد ترتكب ما حرم الله " لعن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬زوارات‬
‫القبور "‬
‫وترك رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إعادة بناء الكعبة على قواعد‬
‫إبراهيم ‪-‬عليه السلم‪ -‬خشية حدوث فتنة‪ ،‬لن قريش حديثة عهد بالسلم )‬
‫‪.(2‬‬
‫ومن هنا فإنني أقول لمن يتولى كبر التهوين من خطورة البث المباشر‪،‬‬
‫ويعدد المزايا واليجابيات اتقوا الله‪ ،‬وانظروا في هذه القواعد التي أشرت‬
‫إليها‪ ،‬والله حسبنا ونعم الوكيل‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬الوقاية‬
‫شاركت في عدد من الندوات‪ ،‬واستمعت إلى بعض المحاضرات والندوات‪،‬‬
‫وقرأت كثيرا مما كتب حول البث المباشر‪ ،‬وفي هذه الندوات والمحاضرات‬
‫والكتابات طرح المشاركون حلول لمشكلة البث المباشر‪ ،‬وأنجح السبل لتقاء‬
‫شره‪ ،‬أو التخفيف من آثاره‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬حتى ل يتعجل أحد ويدعي أني أبالغ بما قلت فإني أحيله إلى ملحق‬
‫جريدة عكاظ العدد رقم )‪ (9186‬فقد أعدت تحقيقا حول مشاهدة الفلم‪،‬‬
‫ومن ذلك ما ذكره الشاب سلطان الدوسري أنه يرى الفيديو لكثر من ست‬
‫ساعات‪ .‬أما بسام العقيل فقد ذكر أنه أحيانا يمضي النهار كله في مشاهدة‬
‫الفلم‪ .‬وأقلهم عبد الله الحمدان الذي ذكر أنه يقضي حوالي أربع ساعات‬
‫يوميا مع الفيديو هذا عدا ما يقضونه أمام التلفزيون‪ ،‬والله المستعان‪.‬‬
‫)‪ - (2‬مع أن هذه فيها مصالح ظاهرة ل توجد في البث المباشر‪.‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫ولم أجد في شيء من تلك المحاولت حل جذريا متكامل لهذه المشكلة )‪.(1‬‬
‫ولهذا فكرت طويل في هذا الموضوع وتوصلت إلى ما أراه دواء لهذا الداء‪،‬‬
‫مع مراعاة ما يلي‪:‬‬
‫ا‪ -‬أن ما سأبينه‪ ،‬من علج ليس من بنات أفكاري‪ ،‬بل هو خلصة منتقاة لتلك‬
‫الحلول التي ذكرها عدد ممن عني في هذا الموضوع‪ ،‬أضفت إليها ما توصلت‬
‫إليه مما وفقني الله له‪.‬‬
‫‪ -2‬أن هذه الحلول ثمرة بحث متواصل استمر قرابة سنتين ونصف‪ ،‬قرأت‬
‫فيها كثيرا مما كتب‪ ،‬واستمعت إلى عدد مما ألقي‪ ،‬وشاركت في الحوار في‬
‫بعض هذه الندوات‪ ،‬واتصلت ببعض طلب العلم والمتخصصين في العلم‪،‬‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بل التقيت ببعض الفنيين في أجهزة التصالت والقمار الصناعية‪ ،‬وتلقيت‬


‫عددا من الرسائل‪ ،‬تتساءل وتطرح الحلول‪.‬‬
‫دعي أن ما سأذكره سيكون وافيا شافيا‪ ،‬وإنما هو أشمل‬ ‫‪ -3‬ومع ذلك فل أ ّ‬
‫طرح في رأي ‪-‬حتى الن‪ -‬والمجال ل يزال مفتوحا أمام طلب العلم والدعاة‬
‫ل ِذي ِ ْ‬ ‫والمتخصصين‪ ،‬لمزيد من البيان وطرح سبل الوقاية )وَفَوْقَ ك ُ ّ‬
‫علم ٍ‬
‫م( )يوسف‪ :‬من الية ‪.(76‬‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫‪ -4‬سأجيب فيما سأذكره على بعض التساؤلت‪ ،‬وسأرد ‪-‬بطريق غير مباشر‪-‬‬
‫على بعض الحلول التي طرحت‪ ،‬وسأذكر حلول قابلة للنقاش‪ ،‬فآمل أن تتسع‬
‫الصدور‪ ،‬وتسلم النوايا‪ ،‬ويحسن القصد‪.‬‬
‫وستتركز معالجتي لهذه القضية على النقاط التالية‪:‬‬
‫ا‪ -‬لماذا نحن دائما مواقفنا دفاعية؟‬
‫‪ -2‬موضوع التشويش على القمار‪.‬‬
‫‪ -3‬منع الجهزة‪.‬‬
‫‪ -4‬تطوير البرامج‪.‬‬
‫‪ -5‬الرسال المضاد‪.‬‬
‫‪ -6‬مواقف الدول‪.‬‬
‫‪ -7‬العلج الممكن‪.‬‬
‫وسأوجز أو أطنب في كل مسألة حسب ما تقتضيه من إيجاز أو إطناب‪،‬‬
‫فأقول مستعينا بالله ومتوكل عليه‪ ،‬فهو حسبي وكافيني‪:‬‬
‫ل‪ :‬لماذا مواقفنا دفاعية ؟‬ ‫أو ً‬
‫من الملحوظ على هذه المة في عصورها المتأخرة‪ ،‬مواقف السلب وعدم‬
‫اليجابية‪ ،‬فقد رضيت أن تكون في صفوف المتفرجين‪ ،‬وعلى هامش الحياة‪،‬‬
‫فإذا ما وقع حدث ما أو كاد أن يقع‪ ،‬هبت تصرخ وتولول‪ ،‬وتنادي بالويل‬
‫والثبور وعواقب المور‪.‬‬
‫إن أمر هذه المة أمر عجب‪ ،‬فلم يكن هذا دأبها فيما مضى‪ ،‬وليست هذه‬
‫سمتها‪ ،‬ول خاصية من خصائصها‪ ،‬بل كانت هي المة الرائدة‪ ،‬المة القائدة‪،‬‬
‫فهل عقمت؟ أم ماذا حل بها؟ وما سر تغير حالها وتبدل شأنها؟‬
‫تأملت في هذا الواقع فأزعجني ما أرى‪ ،‬وأقض مضجعي ما أشاهد‪ ،‬ثم ازددت‬
‫يقينا أن سر قوة هذه المة‪ ،‬ومكمن عزها‪ ،‬ومنبع مجدها‪ ،‬هو في دينها‬
‫وعقيدتها‪ ،‬ومدى التزامها بمبادئها‪ .‬ول يعود هذا إلى أصلها ونسبها ولغتها‪ ،‬كما‬
‫تصور الواهمون ونادى المضللون‪.‬‬
‫فإن يكن لهم في أصلهم شرف ‪ ...‬يفاخرون به فالطين والماء‬
‫لذا فإننا سنظل عالة على المم‪ ،‬وكاليتام على موائد اللئام‪ ،‬والخدم في‬
‫قصور السياد‪ ،‬ما لم نعد إلى ديننا‪ ،‬ونعرف حقيقة عزنا ومجدنا )وَل ِل ّهِ ال ْعِّزةُ‬
‫ن( )المنافقون‪ :‬من الية ‪.(8‬‬ ‫مو َ‬‫ن ل ي َعْل َ ُ‬
‫قي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مَنافِ ِ‬ ‫ن وَل َك ِ ّ‬
‫مِني َ‬ ‫سول ِهِ وَل ِل ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫وَل َِر ُ‬
‫وهناك لن نقف مكتوفي اليدي أمام مكائد الشرق ومؤامرات الغرب‪ ،‬بل‬
‫سيهرع الشرق والغرب والشمال والجنوب يخطب ودنا‪ ،‬ويستجدي رضانا‪،‬‬
‫ويتسول ما يفيض به كرمنا‪ ،‬مع أننا سنكون أكرم من أن ننتظر السائل حتى‬
‫يسأل والمحتاج حتى يطلب‪ ،‬وسنجود بمهجنا وأرواحنا ‪-‬فضل عن أموالنا‪ -‬في‬
‫سبيل نشر عقيدتنا‪ ،‬وترسيخ مبادئنا‪ ،‬إذا أصر الظالمون إل الحيلولة بيننا وبين‬
‫تحقيق الخيرية التي منحنا الله إياها‪.‬‬
‫وبهذا ستتفجر مواهبنا‪ ،‬وتظهر عبقريتنا‪ ،‬وتعم العالم مبادراتنا‪ ،‬وهنا يحق‬
‫لشاعرنا أن يقول‪:‬‬
‫أنام ملء جفوني عن شواردها ‪ ...‬ويسهر الخلق جراها ويختصموا‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأعود مرة أخرى فأقول‪:‬‬


‫إن هذه المة لم تعقم‪ ،‬ولن تعقم بإذن الله‪ ،‬والطريق أمامنا مفتوح‪ ،‬والسبيل‬
‫سالك والمنهج واضح‪ ،‬فعلينا بنبذ الكسل والخمول‪:‬‬
‫ل تصحب الكسلن في حالته‬
‫عدوى البليد إلى الجليد سريعة ‪ ...‬كم صالح بفساد آخر يفسد‬
‫كالجمر يوضع في الرماد فيخمد‬
‫ول بد أن ننتشل أنفسنا من هذا الذل والهوان‪:‬‬
‫من يهن يسهل الهوان عليه ‪ ...‬ما لجرح بميت إيلم‬
‫وأن ندرك أنه ل بد من تحمل الصعاب وبذل المهج والرواح وإل‪:‬‬
‫ومن يتهيب صعود الجبال ‪ ...‬يعش أبد الدهر بين الحفر‬
‫وأن نعلو بأهدافنا وغاياتنا‪:‬‬
‫وإذا كانت النفوس كبارا ‪ ...‬تعبت في مرادها الجسام‬
‫وبذلك يكون المسلم هو المسلم الذي يصدق فيه‪:‬‬
‫يهتز )يلسن( )‪ (2‬من خوفه فرقا ‪ ...‬على كرسيه وملوك الروم )‪ (3‬تخشاه‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫مُرو َ‬
‫س ت َأ ُ‬
‫ت ِللّنا ِ‬
‫ج ْ‬ ‫مةٍ أ ُ ْ‬
‫خرِ َ‬
‫ُ‬
‫خي َْر أ ّ‬
‫م َ‬ ‫بل يصدق فينا قول الحق ‪-‬جل وعل‪) :-‬ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ه( )آل عمران‪ :‬من الية ‪.(110‬‬ ‫ن ِبالل ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫من ْك َرِ وَت ُؤْ ِ‬ ‫ن عَ ِ‬
‫ف وَت َن ْهَوْ َ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫معُْرو ِ‬
‫وحتى يتحقق هذا المل ‪-‬بإذن الله‪ -‬تعالوا بنا نناقش موضوعنا في ظل واقعنا‬
‫وإمكاناتنا‪ ،‬فإن المنبت ل أرضا قطع ول ظهرا أبقى‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬التشويش على القمار ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬وهذه الحلول جيدة ومفيدة‪ ،‬ولكنها غير متكاملة‪ ،‬وقد أفدت منها‪.‬‬
‫)‪ - (2‬هو يلتسن‪ -‬الزعيم الروسي كناية عن الشرق‪.‬‬
‫)‪ - (3‬أي ملوك ورؤساء الغرب كافة‪.‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫سئل أحد المسؤولين في وزارة من وزارات العلم العربية عن البث‬


‫المباشر؟ وما أعد لمواجهته؟ فأجاب‪:‬‬
‫أستبعد حدوث البث المباشر قريبا‪ ،‬وإن حصل فأمره سهل‪ ،‬حيث يمكن‬
‫التشويش عليه ومنع أجهزة الستقبال‪.‬‬
‫تألمت عندما نقل إلي هذا الكلم‪ ،‬وحملت أوراقي وذهبت لمقابلة أحد كبار‬
‫المتخصصين في القمار الصناعية‪ ،‬وهو الدكتور محمد عبد المنعم فطيم‪،‬‬
‫خبير القمار الفضائية في التصالت السعودية‪ ،‬وطرحت المشكلة أمامه‪ ،‬ثم‬
‫أبدى رأيه في موضوع التشويش‪ ،‬وكانت خلصة البحث ما يلي‪:‬‬
‫أن التشويش ممكن من الناحية الفنية‪ ،‬وغير ممكن من الناحية الواقعية‪،‬‬
‫وبيان ذلك‪ :‬أن التشويش يمكن أن يتم بإحدى طريقتين‪:‬‬
‫‪ -1‬التشويش على القمر‪ :‬وذلك بأن يتم توجيه جهاز مضاد يعطل إرسال‬
‫القمر‪ ،‬ولكن هذا غير ممكن من الناحية الواقعية لسببين‪:‬‬
‫)أ( من يستطع اليوم أن يقوم بتعطيل قمر أمريكي أو أوروبي‪ ،‬ومن يملك‬
‫الجرأة على ذلك‪ ،‬وبخاصة دول العالم الثالث‪.‬‬
‫إن مجرد رفع العلم المريكي على باخرة في أعماق البحار يعطيها أمانا‪،‬‬
‫فكيف بقمر كلف مئات المليين من الدولرات وهو سابح في الفضاء؟! وهذه‬
‫هي الحقيقة المرة‪) .‬ب( التكلفة المادية الهائلة لقيمة جهاز التشويش‪ ،‬مع‬
‫عدم ضمان فاعليته‪ ،‬فقد ذكر المهندس فاروق عامر أن تركيب أجهزة‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التشويش صعب جدا؛ لن كل قناة تليفزيونية تحتاج إلى محطة كاملة‬


‫للتشويش‪ ،‬وذلك مكلف جدا )‪ (1‬وبخاصة إذا علمنا أن كل قمر يحمل‬
‫عشرات القنوات‪.‬‬
‫‪ -2‬الطريقة الثانية‪:‬‬
‫التشويش على منطقة الستقبال‪ ،‬فمثل‪ :‬يمكن من الناحية الفنية التشويش‬
‫على منطقة الرياض دون التعرض للقمر الذي يبث‪ ،‬حيث تكون منطقة‬
‫الرياض غير صالحة لستقبال البث‪.‬‬
‫وهذا أيضا غير ممكن من الناحية العملية والواقعية؛ لن ذلك يعني قطع جميع‬
‫التصالت الهوائية واللسلكية في منطقة الرياض أو التشويش عليها‪ ،‬وهذا‬
‫سيؤثر على استقبال الراديو والتلفزيون واتصالت المن والخدمات وغيرها )‬
‫‪.(2‬‬
‫وتقول د ‪ /‬انشراح الشال )‪ (3‬وهي تتحدث عن إمكانية التشويش على‬
‫القمار‪:‬‬
‫إن الدراسات التي أجريت في مواجهة الحرب الذاعية من خلل الراديو‬
‫أثبتت فشل عمليات التشويش‪ ،‬وفشل فرض العقوبات أو تجريم من‬
‫يستمعون إلى هذه البرامج‪ ،‬وأيضا فشل الحد من دخول أجهزة الراديو التي‬
‫تلتقط برامج معادية‪ ،‬وهذا يدفعنا إلى القول بأن عملية التشويش على بث‬
‫يتم عبر القمار غير مجدية ومستحيلة عمليا )‪.(4‬‬
‫وقد ذكر أحد المتخصصين أنه يمكن التشويش بالطريقة التالية‪:‬‬
‫إذا بث قمر صناعي قناة تلفزيونية على بلد من البلدان‪ ،‬فإنه يمكن التشويش‬
‫بأن يقوم التلفزيون في البلد المعني ببث برامجه على القناة نفسها‪ ،‬وهنا‬
‫سيكون الستقبال في جهاز التلفزيون للقوى‪ ،‬فإذا كان القمر يبث على‬
‫موجة رقمها ‪ 11‬مثل‪ ،‬يقوم التلفزيون بالبث على الموجة نفسها للغاء البث‬
‫المباشر‪ ،‬ولكن بشرط أن يكون بثه أقوى من بث القمر‪ ،‬مع بقاء التلفزيون‬
‫يبث على موجته السابقة‪ ،‬فيصبح ييث على موجتين‪ ،‬فإذا أطلق قمر آخر قناة‬
‫أخرى‪ ،‬قام التلفزيون بالبث على موجة ثالثة تزاحم هذه القناة‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫وأختم هذا الموضوع بما قاله الستاذ سعود الدهلوي مدير جهاز تلفزيون‬
‫الخليج‪" :‬إن البث التلفزيوني عبر القمار الصناعية حقيقة واقعة‪ ،‬والتشويش‬
‫عليها كما ينادى به في بعض اللقاءات والندوات الصحفية أمر غير ممكن‪،‬‬
‫والبث التلفزيوني سيصبح مثل البث الذاعي" )‪.(5‬‬
‫ثالثًا‪ :‬منع الجهزة ‪:‬‬
‫ويطرح البعض قضية منع أجهزة الستقبال الخاصة بالبث‪ ،‬ويعني ذلك منع‬
‫بيعها واستيرادها‪ ،‬ومعاقبة من يمتلكها أو يهربها )‪. (6‬‬
‫وهذا جيد ومفيد لول ما يلي‪:‬‬
‫ا‪ -‬ذكر عبد المحسن عبد الله وهو أحد الفنيين في الكويت هذا المر ثم قال‪:‬‬
‫وهذا القتراح جيد ولكن للسف سوف يفقد فاعليته بعد عدة سنوات قد ل‬
‫تتجاوز ثلث سنوات‪ ،‬بعد تطوير أنظمة حديثة جدا صممت أخيرا‪ ،‬ومنها نظام‬
‫)‪ (macsystem‬لستقبال بث القمار الصناعية‪ ،‬وغيرها من النظمة التي تطور‬
‫في الشركات الكبرى المريكية واليابانية والوروبية‪.‬‬
‫وتشمل عملية التطوير أيضا‪ :‬تصغير الهوائي المستخدم للستقبال‪ ،‬وجعله‬
‫كهوائي استقبال التلفزيون العادي‪ .‬وتصغير حجم مغذي الموجات‪ ،‬وجعله‬
‫أكثر حساسية للموجات عالية التردد جدا )‪ (Ghz‬لوضعه على هوائيات صغيرة‬
‫الحجم )‪.(7‬‬
‫‪ -2‬أنه يمكن تصنيع أجهزة الستقبال محليا‪ ،‬بعد الحصول على بعض القطع‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اللكترونية المتوافرة في السواق‪ .‬وقد قام أحد المهندسين الكويتيين بصنع‬


‫هذا الجهاز والتقط به البث بنجاح )‪.(8‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬الحاجة إلى تنسيق وتكامل إعلمي ص ‪.20‬‬
‫)‪ - (2‬تمت المقابلة في اتصالت المنطقة الوسطى في شهر رجب ‪1410‬‬
‫هـ‪.‬‬
‫)‪ - (3‬أستاذة العلم بجامعة القاهرة‪.‬‬
‫)‪ - (4‬مجلة اليمامة العدد )‪.(1038‬‬
‫)‪ - (5‬انظر البث المباشر في دول مجلس التعاون ص ‪ 85‬وعكاظ العدد )‬
‫‪.(8611‬‬
‫)‪ - (6‬انظر البث التلفزيوني في دول مجلس التعاون ص ‪ 88‬وغيرها‪.‬‬
‫)‪ - (7‬انظر مجلة المجتمع العدد )‪.(957‬‬
‫)‪ - (8‬انظر مجلة المجتمع العدد )‪ (957‬ومجلة اليمامة العدد )‪.(1038‬‬

‫)‪(18 /‬‬

‫‪ -3‬إن وسائل التهريب ستقلل من فاعلية هذا الجراء‪ ،‬ولن ينال مهربوا هذه‬
‫الجهزة ما يناله مهربوا المخدرات‪.‬‬
‫‪ -4‬أن هذا الحل لو نجح بنسبة ‪ %100‬فسيبقى حل جزئيا محدود الثر‪ ،‬كيف‬
‫ق ْ‬
‫ل معدومة‪.‬‬ ‫وعوامل نجاحه محدودة‪ ،‬إن لم ن ُ‬
‫رابعًا‪ :‬تطوير البرامج ‪:‬‬
‫والذين ينادون بتطوير البرامج كحل من حلول مشكلة البث على صنفين‪:‬‬
‫الصنف الول‪ :‬وهم الذين يرون أن البرامج المقدمة حاليا ل تشد المشاهد ول‬
‫تغريه‪ ،‬نظرا للتزامها بضوابط معينة‪ ،‬تجعل المشاهد ينصرف عنها إلى غيرها‪،‬‬
‫كأفلم الفيديو حاليا أو البث مستقبل‪.‬‬
‫وباختصار‪ :‬هؤلء ينادون بإباحية الفلم والبرامج‪ ،‬وأن ننافس تلفزيونات‬
‫أوروبا وأمريكا في فجورها وانحرافها‪ ،‬وإن لم يقولوا هذا صراحة‪ .‬وتكمن‬
‫المشكلة عند هؤلء ‪-‬إن كانت توجد عندهم مشكلة‪ -‬في وطنية وقومية‬
‫البرامج المبثوثة‪ ،‬فهم يريدونها عربية أو محلية بدل أن تكون غربية‪.‬‬
‫ويتباكون على اللغة أو ما يلحق بالقتصاد بدل أن تكون القضية قضية حلل‬
‫وحرام‪ ،‬أو صلح وفساد‪ ،‬وكفر وإيمان‪ ،‬وولء وبراء‪.‬‬
‫ول نقاش لنا مع هؤلء‪ ،‬فهم أخطر مما نخشاه مستقبل‪ ،‬ولنا معهم تجربة‬
‫مريرة عبر عنها عبد الله الجعيثن قائل‪:‬‬
‫)بل إنني ل أكون مبالغا إذا قلت‪ :‬إن ما يقدم في الفلم العربية ويتلوى في‬
‫فيديو كل بيت هو أبعد عن الخلق وأدنى إلى النحطاط مما رأيت في تلك‬
‫التلفزيونات العالمية )‪(1‬‬
‫ويعجبني ما قاله د‪ /‬عمر الخطيب )‪ (2‬حول هؤلء وهو يتحدث عن مشكلة‬
‫البث المباشر إذ قال‪:‬‬
‫"إن بعض المسؤولين عن العلم في العالم العربي إذا سئلوا لماذا تقدمون‬
‫هذه الفلم الهابطة؟ قالوا‪ :‬إن الجمهور يريد هذا‪ ،‬ثم قال‪ :‬وهم الذين جعلوا‬
‫الجمهور يريد كده )‪ (3‬وعودوه على ذلك‪ .‬فهم المسؤولون أول وأخيرا )‪.(4‬‬
‫الصنف الثاني وهم الذين ينادون بتطوير البرامج إلى الحسن من حيث‬
‫المادة والخراج‪.‬‬
‫وممن طالب بذلك د‪ -‬سعيد آل زعير )‪ (5‬واعتبر هذا المر من أهم الحلول‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التي نواجه بها هذه المشكلة‪ ،‬وبين أن ضعف البرامج السلمية مادة وإخراجا‬
‫من أهم أسباب انصراف الناس عنها )‪.(6‬‬
‫وكذلك د‪ /‬عبد الرحمن الشبيلي )‪ (7‬حيث يقول وهو يتحدث عن الجوانب‬
‫الوقائية من سلبيات البث المباشر‪:‬‬
‫إن أفضل وسيلة للوقاية بالضافة إلى التربية هي تحسين البرامج العلمية‪،‬‬
‫وجعلها تصل إلى مستوى منافس لما يستقبل عن طريق البث المباشر‪،‬‬
‫ومرة أخرى فإنني ل أقصد بالمنافسة الهبوط‪ ،‬ولكن أقصد الرتقاء‪ ،‬ولو أننا‬
‫تتبعنا ‪-‬على سبيل المثال‪ -‬حالة الذاعات لوجدنا أن الذاعة التي تنافس‬
‫إذاعتنا السعودية ليست الذاعات الهابطة في برامجها‪ ،‬ولكنها الذاعات‬
‫الراقية ذات المستوى العلمي الجيد‪ ،‬والمنافسة ل تكون دائما بوسائل‬
‫الترفيه فقط‪ ،‬فالبرنامج الجيد المدروس يمكن أن تتوافر فيه عناصر‬
‫المنافسة‪ ،‬حتى وإن كان برنامجا جادا‪ ،‬أو تثقيفيا‪ ،‬أو توجيها‪ ،‬أو حتى وثائقيا )‬
‫‪.(8‬‬
‫وقضية تطوير البرامج وتخليصها مما شابها مسألة ل أظن أنها محل خلف‬
‫بين من يزعجهم الواقع المر والمستقبل المخيف‪ ،‬ولكن أحب قبل أن أتجاوز‬
‫هذه النقطة أن أبين ما يلي‪:‬‬
‫ا‪ -‬أن هذا الحل ل جزئيا‪ ،‬فليس كل الناس يريدون الجيد والطيب‪ ،‬بل الكثر‬
‫ك ك َث َْرةُ ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ث(‬‫خِبي ِ‬ ‫جب َ َ‬‫ب وَل َوْ أعْ َ‬‫ث َوالط ّي ّ ُ‬
‫خِبي ُ‬ ‫وي ال ْ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫يريدون السوأ )قُ ْ‬
‫ل ل يَ ْ‬
‫َ‬
‫ن( )يوسف‪:‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ت بِ ُ‬‫ص َ‬‫حَر ْ‬ ‫س وَل َوْ َ‬‫ما أك ْث َُر الّنا ِ‬ ‫)المائدة‪ :‬من الية ‪) ،(100‬وَ َ‬
‫‪ (103‬و )درهم وقاية خير من قنطار علج(‪.‬‬
‫‪ -2‬أن هذه الدعوى تبقى في حدود الماني والحلم‪ ،‬فماذا فعلنا حتى يمكن‬
‫أن ننافس الفلم الهابطة في كثير من البيوت‪ ،‬بل ماذا فعلنا منذ ثلثين سنة‬
‫حتى ننافس ما يقدم في التلفزيونات العربية‪.‬‬
‫وإذا وجدت تلك البرامج والفلم أيمكن أن ترى النور أم تراها النار؟‬
‫آمل أل يكون تطوير البرامج من نوع ما يسمى بالمسرحيات السلمية التي‬
‫تقدم في التلفزيونات العربية‪.‬‬
‫ومن أراد معرفة حقيقتها فليرجع إلى محاضرة د‪ /‬سفر الحوالي )‪ (9‬بعنوان‪:‬‬
‫المؤامرة على المرأة المسلمة‪ ،‬فقد كشف عن عوارها وبين آثارها‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬انظر مجلة الحرس الوطنى العدد )‪.(96‬‬
‫)‪ - (2‬أستاذ بجامعة الملك سعود ‪ -‬قسم العلم وصاحب البرنامج المشهور‬
‫"بنك المعلومات‪.‬‬
‫)‪ - (3‬قالها باللهجة المصرية‪ ،‬مع أنه ليس مصريا‪.‬‬
‫)‪ - (4‬الندوة التي عقدها الحرس الوطني على هامش الجنادرية عام ‪1409‬‬
‫هـ حول البث المباشر‪.‬‬
‫)‪ - (5‬أستاذ جامعي بقسم العلم بجامعة المام بالرياض وداعية معروف‪.‬‬
‫)‪ - (6‬الندوة التي عقدت عام ‪ 1410‬هـ بجامع الملك خالد بالرياض‪.‬‬
‫)‪ - (7‬وكيل وزارة التعليم العالي‪ ،‬وعضو المجلس العلى للعلم‪ ،‬ومدير‬
‫التلفزيون سابقا‪.‬‬
‫)‪ - (8‬جريد الرياض العدد )‪.(.8450‬‬
‫)‪ - (9‬رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى والداعية المعروف‪.‬‬

‫)‪(19 /‬‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -4‬للدكتور محمد سيد ساداتي )‪ (1‬رأي جيد حول مفهوم تطوير البرامج‪،‬‬
‫والرؤية الصحيحة في ذلك‪ ،‬فأنصح بالرجوع إلى ما ذكره )‪.(2‬‬
‫‪ -5‬عقدت ندوة حول تطوير البرامج السلمية في تلفزيونات الخليج‪ ،‬وذلك‬
‫في خدمة المام عام ‪ 1407‬هـ وقد خرجت بتوصيات جيدة‪ ،‬صاغها عدد من‬
‫العلماء والمختصين آمل أن تكون انطلقة لهذا الموضوع‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬البث المضاد ‪:‬‬
‫والمراد بذلك أن نقوم بالبث السلمي إلى أوروبا وأمريكا وغيرها‪ ،‬وأن نسخر‬
‫هذا الكتشاف لخدمة الدعوة إلى الله‪ ،‬وإقامة الحجة على الناس‪ ،‬فالبشرية‬
‫أشد ما تكون حاجة إلى السلم‪ ،‬والظالمون يحولون بينها وبين معرفة طريق‬
‫الهداية‪ ،‬وهذه فرصة مواتية ل يجوز التفريط فيها أو إهمالها‪.‬‬
‫وممن ينادي بذلك د‪ /‬عبد القادر طاش )‪ (3‬ود‪ /‬سعيد آل زعير‪ ،‬ود‪ /‬عبد‬
‫المحسن الداود )‪ (4‬حيث كتب مقال جيدا في جريدة الرياض فصل فيه رؤيته‬
‫للموضوع مما يغني عن العادة لمن أراد مزيد شرح لذلك )‪.(5‬‬
‫وقد ذكر أن رابطة العالم السلمي تفكر في إنشاء قناة تلفزيونية عالمية‬
‫تصل تكلفتها إلى ألف مليون دولر‪ ،‬تتولى بث البرامج التلفزيونية في‬
‫مجالت الدعوة والثقافة السلمية‪.‬‬
‫وقد طلبت الرابطة تمويل هذه القناة من الدول السلمية )‪.(6‬‬
‫ومرة أخرى أقول إن هذا الطرح جيد ومهم‪ ،‬ونتطلع إليه بشوق‪ ،‬ول بد أن‬
‫نعي هذه الحقائق قبل أن نغرق في التفاؤل‪:‬‬
‫ا‪ -‬إن القضية تبدو ردود أفعال عاطفية‪ ،‬فكما أن الغرب سيبث لنا ما نكره‪،‬‬
‫فلنبث إليه ما يكره‪ ،‬وإل فإن الدعوة إلى الله غير مرتبطة بردود الفعال‪،‬‬
‫والمعاقبة بالمثل‪ ،‬وإن كان ليس كل الذين يطرحون هذا المر يقصدون هذا‬
‫الجانب‪ ،‬وإنما جاء طرحهم نظرا لهذا الكتشاف الجديد ووجوب استثماره‪.‬‬
‫‪ -2‬إن أمامنا تجربة مرة‪ ،‬وهي قضية القمر الصناعي العربي الذي كلف قرابة‬
‫مليار ريال بل أكثر من ذلك‪ ،‬حيث عانينا من مشكلت إطلقه‪ ،‬فلما انطلق‬
‫واستقر في مداره تورطنا به‪ ،‬حيث اختلفت الدول العربية حوله‪ ،‬وكيفية‬
‫تشغيله واستثماره‪ ،‬بل إن كثيرا من الدول العربية ‪-‬عدا الدول الخليجية‪ -‬لم‬
‫تف بالتزاماتها المادية‪ ،‬وتراكمت الديون على مؤسسة )عرب سات( و لم‬
‫يستثمر منه سوى ‪ %30‬من طاقته وبلغت الديون قرابة )‪ (70‬مليون دولر )‬
‫‪ (7‬وذكرت إحدى الصحف أنه تم تأجير جزء منه للهند‪ ،‬تخفيفا من ديونه؟ إًذا‬
‫القضية ليست قضية أقمار‪ ،‬ولكن كيف تستثمر هذه المكانات ومتى؟‬
‫‪ -3‬في الوقت الذي ل أقلل فيه من الحاجة إلى قناة‪ ،‬بل إلى قنوات إسلمية‬
‫للدعوة إلى الله في شتى بقاع المعمورة‪ ،‬فإن حاجة المة السلمية‪ ،‬والدول‬
‫شيرت َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ن( )الشعراء‪:‬‬ ‫ك اْلقَْرِبي َ‬ ‫العربية بخاصة ل تقل عن حاجة أولئك )وَأن ْذِْر عَ ِ َ‬
‫‪ (214‬فمتى نرى قنوات خاصة تسلم من هذا البلء‪ ،‬أسوة بإذاعات القرآن‬
‫الكريم التي أثبتت نجاحها وإفادة الناس منها‪.‬‬
‫‪ -4‬لماذا نعلق آمالنا دائما على الجهات الرسمية‪ ،‬ول نتقدم بمبادرات خاصة‬
‫لها صفة الستقلل‪ ،‬نساهم فيها بإيجاد الحلول العملية‪ ،‬ولكننا نظريون‪،‬‬
‫ونلقي باللوم على غيرنا‪.‬‬
‫‪ -5‬إن وجود البث المضاد ‪-‬إن وجد‪ -‬ل يلغي الثر السيئ للبث المباشر في‬
‫الداخل‪ ،‬لننا ل نتصور أن " يتوقف الغرب والشرق عن بثه‪ ،‬إل إذا كنا نتوقع‬
‫أن يدخلوا في السلم جميعا‪ ،‬فيصبح بثهم بثا إسلميا‪ ،‬وليس ذلك على الله‬
‫بعزيز‪ ،‬ولكن سنن الله ل تتخلف‪ ،‬والواقعية سمة الرجال الصادقين‪ ،‬والخيال‬
‫ل يلد إل وهما‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سادسًا‪ :‬مواقف الدول ‪:‬‬


‫قال الخليفة الراشد عثمان بن عفان ‪ -‬رضي الله عنه ‪) -‬إن الله ليزع‬
‫بالسلطان ما ل يزع بالقرآن(‪.‬‬
‫شاركت في ندوة بجامعة أم القرى حول البث المباشر )‪ (8‬وبعد انتهاء الندوة‬
‫قام الستاذ أحمد محمد جمال )‪ (9‬فعلق على الندوة بكلم جيد‪ ،‬وكان مما‬
‫قال‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬أستاذ جامعي بقسم العلم‪ -‬جامعة المام بالرياض وأحد القراء‬
‫الجيدين في القراءات‪.‬‬
‫)‪ - (2‬انظر كتابه البرامج العلمية‪ ،‬وكذلك ندوة )كيف نتقي البث المباشر(‬
‫التي عقدت بجامع الملك خالد عام ‪ 1410‬هـ حيث شارك فيها‪.‬‬
‫)‪ - (3‬رئيس قسم العلم بجامعة المام‪ ،‬ومعار لجريدة " المسلمون" حيث‬
‫يرأس تحريرها بالنيابة وقد طالب بذلك في ندوة شاركته فيها بجامعة أم‬
‫القرى عام ‪ 1410‬هـ‪.‬‬
‫)‪ - (4‬كاتب وأستاذ جامعي‪.‬‬
‫)‪ - (5‬جريدة الرياض العدد )‪.(8006‬‬
‫)‪ - (6‬جريدة الرياض العدد )‪.(8006‬‬
‫)‪ - (7‬انظر جريدة الشرق الوسط ‪ 1412-2-6‬وكتاب )ندوة المنتدى العربي‬
‫الردني عن القمر الصناعي العربي( ففيه العجب !!‪.‬‬
‫)‪ - (8‬وذلك في ‪ 1410- 8-15‬هـ وقد شارك في الندوة كل من د‪ /‬عبد القادر‬
‫طاش و د‪ /‬أحمد البناني وذلك بدعوة من رئيس اللجنة الثقافية د‪ /‬عبد العزيز‬
‫العقل‪.‬‬
‫)‪ - (9‬الستاذ بجامعة أم القرى والكاتب المعروف‪.‬‬

‫)‪(20 /‬‬

‫" إن الحل أو المواجهة ليست بأيدي الشعوب المستضعفة‪ ،‬كما ل يمكن ول‬
‫يجوز النتظار حتى نصلح شأننا‪ ،‬ونقوم إعوجاجنا‪ ،‬ولكن الحل أو المواجهة‬
‫بأيدي ولة أمور المسلمين ‪-‬على مد أقطارهم‪ -‬فهم أصحاب السلطة المادية‬
‫والسياسية والتنفيذية‪ ،‬وهم القادرون على التجمع والتفاق على خطة‬
‫للمواجهة الجماعية‪.‬‬
‫ولة أمور المسلمين هم القادرون على المواجهة بالسلوب الذي يتفقون‬
‫عليه‪ ،‬سواء أكان‪ ،....‬أم بمقاطعة دبلوماسية واقتصادية وسياسية للدول‬
‫صاحبة هذه القمار المعادية‪ ،‬أو انسحاب جماعي من المنظمات الدولية‪ ،‬أم‬
‫بأية وسيلة حاسمة يتفقون عليها‪ ،‬ويبادرون بتنفيذه دون إبطاء ول استثناء" )‬
‫‪.(1‬‬
‫وما ذكره الستاذ أحمد من الحلول الحاسمة‪ ،‬وأتفق معه على ما ذكره‬
‫بالجملة‪ ،‬وإن كنا ل نتوقع حدوث ذلك‪ ،‬لن كثيرا من المسؤولين العرب قد‬
‫رحب بالبث المباشر‪ ،‬بل بعض الدول وقعت التفاقيات لتقوم بدور الوسيط‪،‬‬
‫ومع هذا فأقول لو صدقت النوايا لمكن تحقيق ذلك لما يلي‪:‬‬
‫ا‪ -‬أن بعض الدول العربية لها من الثقل السياسي والقتصادى والستراتيجي‬
‫ما يجعل جميع دول العالم بحاجة إليها‪ ،‬وبخاصة دول الخليج العربي‪ ،‬وليس‬
‫هناك صداقات دائمة وإنما مصالح دائمة كما قال تشرشل‪.‬‬
‫‪ -2‬أن بعض الدول قد اتخذت مثل هذه المواقف لسباب أقل خطرا من ذلك‪،‬‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأثبتت هذه المواقف فعاليتها وتأثرها‪ ،‬وإمكان تطبيقها‪.‬‬


‫‪ -3‬يقول د‪ /‬محمد سمرقندي‪ (2) :‬إن جميع دول العالم تقريبا أعضاء في‬
‫التحاد الدولي للتصالت وعددها )‪ (160‬دولة‪ ،‬فعندما تريد إحدى الدول‬
‫إطلق قمر بث برامج تلفزيونية‪ ،‬فإنه يجب عليها عرض الموضوع على‬
‫التحاد الدولي للتصالت لتحديد موقع القمر في المدار‪ ،‬وتحديد الترددات‬
‫القمرية لها‪.‬‬
‫فإذا وجد بأن البرامج المرسلة من هذا القمر ستغطي المنطقة العربية‪ ،‬فإن‬
‫بإمكان الدول العربية معارضة مشروع هذا القمر في هذه الحالة‪ ،‬فالدول‬
‫المختلفة ل تستطيع إطلق أقمارها ووضعها في المدار وتوجيه برامجها كما‬
‫تشاء‪ ،‬فهناك ضوابط وقوانين دولية تخضع لها دول العالم دون استثناء )‪.(3‬‬
‫سابعًا‪ :‬العلج الممكن ‪:‬‬
‫بعد أن ذكرت فيما مضى بعض الحلول المطروحة‪ ،‬وبينت وجهة نظري في‬
‫كل نقطة‪ ،‬أصل إلى ما أراه ممكنا وعمليا حول هذه المشكلة‪ ،‬وبخاصة بعد‬
‫أن تبين أنه لم يتخذ أي إجراء ذي بال على مستوى الدول العربية أو‬
‫السلمية‪(4) .‬‬
‫وأرى أن العلج يتمثل فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬إعادة النظر في مناهج التعليم في الدول السلمية‪ ،‬وذلك لصياغتها‬
‫صياغة إسلمية‪ ،‬تربي النشء‪ ،‬وتقوم السلوك‪.‬‬
‫ومما يجدر ذكره أن سياسة التعليم في المملكة سياسة جيدة‪ ،‬وقد أعدت‬
‫بعناية‪ ،‬والمطلوب هو الدقة في تنفيذ تلك السياسة‪ ،‬والمتابعة المستمرة‬
‫للموائمة بينها وبين الواقع‪ ،‬وبخاصة في الجامعات‪ ،‬حيث خرجت بعض‬
‫المناهج التي تحتاج إلى إعادة نظر‪ ،‬وأخص ما يتعلق منها بالدب والجتماع‪.‬‬
‫‪ -2‬إزالة الفجوة بين قنوات التربية‪ ،‬فإن مصادر التلقي )‪ (5‬عند النشء كثيرة‬
‫أهمها‪:‬‬
‫)أ( المسجد‪.‬‬
‫)ب( التعليم‪.‬‬
‫)ج( البيت‪.‬‬
‫)د( وسائل العلم‪.‬‬
‫ومن المؤسف أننا نجد خلل وتناقضا بين تلك الوسائل‪ ،‬فضل عما يتلقاه من‬
‫الوسائل الخرى‪ ،‬كالشارع والقرناء‪.‬‬
‫فيتعلم في المسجد آدابا يجد مايناقضها في بعض وسائل العلم‪.‬‬
‫ويدرس في المدرسة أحكاما يجد ما يضادها في البيت والتلفزيون‪ ،‬بل إنه‬
‫يجد التعارض أحيانا في المدرسة ذاتها بين ما يقوله أستاذ التربية السلمية‪،‬‬
‫وبين ما يقوله أستاذ الرسم أو العلوم‪.‬‬
‫بل إنه يحتار ‪-‬أحيانا‪ -‬بين ما يقوله مدرس )الدين( وما يفعله‪.‬‬
‫وهكذا تتعدد مصادر التربية وتتعارض‪ ،‬وليست المشكلة في تعددها‪ ،‬وإنما في‬
‫تناقضها‪.‬‬
‫يقول د‪ -‬هاشم عبده هاشم‪(6) :‬‬
‫ل بد من إعادة النظر في موضوع العملية العلمية‪ ،‬وضرورة توافقها مع‬
‫العملية التعليمية‪ ،‬وإزالة التناقض بينهما )‪.(7‬‬
‫وقد عقدت ندوة في جامعة المام عام )‪ 1407‬هـ( وذلك حول موضوع‬
‫تطوير البرامج السلمية في تلفزيونات الخليج‪ ،‬ومن أبرز ما لحظه‬
‫المشاركون في الندوة التناقض بين ما يقدم في المدارس وبين ما يقدم في‬
‫التلفاز‪ ..‬بل مما أشارت إليه الندوة أن هناك تناقضا فيما يقدمه الجهاز‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الواحد‪ ،‬فنجد الموعظة ثم تتلوها أغنية‪ ،‬ونجد موضوعا تربويا فتتلوه تمثيلية‬
‫تفتقر إلى أدنى مقومات الخلق والسلوك‪.‬‬
‫وقد خرجت الندوة بعدة توصيات جيدة لمعالجة هذا المر‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬انظر مجلة التضامن السلمي عدد شوال ‪ 1410‬هـ حيث نشر هذا‬
‫الكلم‪ ،‬وقد اقتصرت على مكان الشاهد‪.‬‬
‫)‪ - (2‬مدير مركز التوزيع الصوتي والتلفزيوني بكلية الهندسة بجامعة الملك‬
‫سعود‪.‬‬
‫)‪ - (3‬انظر مجلة المة عدد )‪ ،(1038‬والبث التلفزيوني المباشر في دول‬
‫مجلس التعاون ص ‪ 61‬و ‪.87‬‬
‫)‪ - (4‬انظر جريدة الرياض عدد )‪ (8450‬ففيها تحقيق جيد حول هذا‬
‫الموضوع‪.‬‬
‫)‪ - (5‬أقصد الوسائل‪ ،‬وإل فإن مصادر التلقي هي " الكتاب والسنة‪ ،‬ثم ما‬
‫عليه سلف المة‪.‬‬
‫)‪ - (6‬رئيس تحرير جريدة عكاظ‪.‬‬
‫)‪ - (7‬الندوة التي عقدها الحرس الوطني عام ‪ 1410‬هـ البث المباشر على‬
‫هامش مهرجان الجنادرية‪.‬‬

‫)‪(21 /‬‬

‫عقد مكتب التربية العربي لدول الخليج ندوة بعنوان )ماذا يريد التربويون من‬
‫العلميين( عام ‪ 1402‬هـ‪.‬‬
‫وقد قدم في هذه الندوة عدد من البحوث الجيدة لمعالجة مشكلة التعارض‬
‫التي أشرت إليها‪ ،‬وخرجت بتوصيات آمل أن ترى النور قرييا‪ ،‬أو بعيدا !!‬
‫إن موضوع التربية الشاملة المتكاملة من أهم وسائل العلج لمراضنا‪،‬‬
‫ويحتاج هذا المر إلى وقفة صادقة جادة‪ ،‬نراجع فيها أوضاعنا‪ ،‬ونتأمل في‬
‫واقعنا دون رهبة أو خوف‪.‬‬
‫‪ -3‬بذل الجهود الجماعية من قبل الهيئات والمنظمات والجامعات لوقاية‬
‫المة من شر هذا المر‪ ،‬وتوعيتها بخطورة ما يحاك لها‪.‬‬
‫وإنني أتساءل بمرارة‪ :‬ماذا عملنا لمواجهة هذا الخطر؟ وقد علموا به قبل‬
‫عشر سنوات؟‪(1) .‬‬
‫ومع ذلك فل زالت الفرصة بأيدينا‪ ،‬وآمل أن تبادر أقسام العلم في جامعاتنا‪،‬‬
‫بالتنسيق حول هذا الموضوع مع المنظمات والهيئات السلمية‪.‬‬
‫‪ -4‬وما أشرت إليه في الفقرات الماضية قد يحتاج إلى شيء من الوقت‬
‫للدراسة والتنفيذ‪ ،‬بل قد تعترضه عقبات تحول دون تحقيقه‪.‬‬
‫ومن هنا فإنه ل بد من اتخاذ وسائل أخرى تكون علجا لهذا الداء‪ ،‬وتخفيفا من‬
‫هذا البلء ويتمثل ذلك بما يلي‪:‬‬
‫)أ( " احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك " )‪.(2‬‬
‫ن‬
‫ل بد أن نعي هذه الحقيقة‪ ،‬ونتعامل معها‪ ،‬فالله ‪-‬جل وعل‪ -‬يقول‪) :‬وَإ ِ ْ‬
‫ط( )آل عمران‪:‬‬ ‫حي ٌ‬
‫م ِ‬
‫ن ُ‬‫مُلو َ‬
‫ما ي َعْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه بِ َ‬ ‫شْيئا ً إ ِ ّ‬ ‫م ك َي ْد ُهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ضّرك ُ ْ‬
‫قوا ل ي َ ُ‬
‫صب ُِروا وَت َت ّ ُ‬
‫تَ ْ‬
‫من الية ‪.(120‬‬
‫ويتحقق ذلك بتقوى الله‪ ،‬وتقوية الشعور بمراقبة الله‪ ،‬وهنا لن ينظر المسلم‬
‫إلى محرم‪ ،‬حتى لو خل به‪ ،‬وسيتذكر قول الشاعر أو معناه‪:‬‬
‫وإذا خلوت بريبة في ظلمة‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فاستِح من نظر الله وقل لها ‪ ...‬والنفس داعية إلى الطغيان‬


‫إن الذي خلق الظلم يراني‬
‫وقول الخر‪:‬‬
‫إذا ما خلوت الدهر يوما فل تقل‬
‫فل تحسبن الله يغفل ساعة ‪ ...‬خلوت ولكن قل علي رقيب‬
‫ول أن ما تخفي عليه يغيب‬
‫وسيقول له وازعه‪:‬‬
‫يا مدمن الذنب أما تستحي‬
‫غرك من ربك إمهاله ‪ ...‬والله في الخلوة ثانيكا‬
‫وستره طول مساويكا‬
‫وعندما يهم برؤية محرم‪ ،‬من مشهد أو فيلم أو سماع أغنية‪ ،‬ويقول له‬
‫شيطانه‪ :‬هذه صغيرة‪ ،‬وماذا يضرك إذا سمعت أو رأيت‪ ،‬فإن المشكلة في‬
‫الكبائر ل في الصغائر‪ ،‬ستمنعه التقوى التي عبر عنها ابن المعتز‪:‬‬
‫خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى ‪ ...‬واصنع كماش فوق أرض الشوك‬
‫يحذر ما يرى‬
‫ل تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى‬
‫إن الذين يتقون الله ‪-‬جل وعل‪ -‬ل خوف عليهم ول هم يحزنون‪ ،‬وصدق الله‬
‫م‬‫ن ت َذ َك ُّروا فَإ َِذا هُ ْ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ِ‬ ‫ن ال ّ‬
‫م َ‬
‫ف ِ‬ ‫م َ‬
‫طائ ِ ٌ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫وا إ َِذا َ‬
‫م ّ‬ ‫ق ْ‬
‫ن ات ّ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫العظيم‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ن( )لعراف‪.(201:‬‬ ‫صُرو َ‬
‫مب ْ ِ‬
‫ُ‬
‫)ب( الهتمام بالطفال منذ الصغر فـ " كل مولود يولد على الفطرة‪" ...‬‬
‫الحديث‪ ،‬وبخاصة أن برامج الطفال من أخطر البرامج كما بينت سابقا‪.‬‬
‫ولذلك ل بد من تنشئتهم تنشئة إسلمية‪ ،‬وتوجيههم إلى حفظ كتاب الله‪،‬‬
‫وملء فراغهم بما يفيد أو باللهو المباح مما هو متوافر والحمد لله‪.‬‬
‫مع المراقبة والمتابعة وبخاصة عدم التساهل مع قرنائهم حتى لو كانوا أبناء‬
‫الجيران أو القارب‪ ،‬فإن ما تبنيه في سنة يهدمه القرين في ساعة‪.‬‬
‫عن المرء ل تسل وسل عن قرينه ‪ ...‬فكل قرين بالمقارن يقتدي‬
‫إن بناء الرقابة الذاتية منذ الصغر أمر مهم‪ ،‬ويعين الوالدين على أبنائهم‪ .‬بل‬
‫إن العناية في تربية الولد الول يساهم مساهمة فعالة في تربية بقية الولد‪.‬‬
‫وأهمس في آذان الوالدين أل يتساهل في موضوع تربية البنات‪ ،‬فإن الغالب‬
‫على كثير من الباء والمهات العناية بالولد الذكور دون الناث‪ ،‬وهن بيت‬
‫الداء ومكمن الخطر‪ ،‬ولقد أدرك العرب في جاهليتهم هذا المر‪ ،‬ولكنهم‬
‫أخطأوا في العلج‪.‬‬
‫وأركز في هذا الجانب على موضوع القدوة‪ ،‬فقد تساهل فيه كثير من الباء‪،‬‬
‫فهم يقولون ما ل يفعلون‪ ،‬وينهون عما يأتون‪ ،‬والذي يقوم بزيارة لدور‬
‫الحداث يرى ما جناه كثير من الباء على أبنائهم‪ ،‬فإن أول زاوية في‬
‫النحراف تبدأ من عند أحد الوالدين أو كليهما‪.‬‬
‫إن الطفل شديد النتباه قوي الملحظة سريع التأثر‪ ،‬وقد عقد مؤتمر حول‬
‫برامج الطفال في التلفزيون‪ ،‬وذلك في إحدى الدول العربية‪ ،‬وقد تركزت‬
‫البحوث على مسألة‪ :‬كيف يستطيع الواحد منا عندما يكتب للطفال أن‬
‫يتنازل عن مستواه العقلي ليحاكي عقلية الطفل‪ ،‬إل بحثا واحدا لرجل من‬
‫أوروبا الشرقية حيث تركز بحثه على‪ :‬كيف نرفع من مستوانا العقلي عندما‬
‫نكتب للطفال‪ ،‬حتى نكتب ما يناسبهم‪ ،‬دون الوقوع في خلل أو خطأ يكتشفه‬
‫الطفل دون الكبار‪ ،‬وفد فاز هذا البحث بالجائزة الولى وأشاد به المشاركون‪.‬‬
‫إن أضعف نقطة في المجتمع ينفذ منها العداء هم الطفال والنساء‪ ،‬فالحذر‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحذر‪ ،‬والبدار البدار‪.‬‬


‫__________‬
‫)‪ - (1‬ألقى د‪ -‬محمد عبده يماني محاضرة في جامعة المام بالرياض في‬
‫حدود عام ‪ 1400‬هـ وكان وزيرا للعلم وبين أن البث المباشر قادم بعد سبع‬
‫سنوات‪.‬‬
‫)‪ - (2‬جزء من حديث صحيح هو وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبن‬
‫عباس رضي الله عنهما‪.‬‬

‫)‪(22 /‬‬

‫)ج( الهتمام بالمرأة‪ ،‬فهي من أفتك السلحة التي استخدمت في حرب‬


‫الفضيلة ونشر الرذيلة‪ ،‬وصلحها صلح للمجتمع‪ ،‬ومن سبق إليها فاز بقصب‬
‫السبق‪ ،‬فهي مناخ من سبق‪.‬‬
‫وأحيل الخوة الكرام إلى الرسالة التي كتبتها حول هذا الموضوع بعنوان‪:‬‬
‫)بناتنا بين التغريب والعفاف(‪ ،‬فقد بينت فيها ما ل يدع حجة لمكابر‪ ،‬ولعل ما‬
‫ذكرته عند الحديث عن الثر الخلقي يصدق ما أقول‪.‬‬
‫الم مدرسة إذا أعددتها ‪ ...‬أعددت شعبا طيب العراق‬
‫و‪:‬‬
‫البنت جامعة إذا أهملتها ‪ ...‬خرجت جيل سيئ الخلق‬
‫وصدق رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ " -‬اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن‬
‫أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء "‪.‬‬
‫)د( إعادة دور المسجد‪ ،‬فهو محضن من محاضن التربية‪ ،‬وملجأ ‪-‬بعد الله‪-‬‬
‫عند الملمات‪.‬‬
‫إن المسجد ليس مكانا للصلة فقط‪ ،‬بل هو مكان الصلة‪ ،‬وجامعة العلم‪،‬‬
‫ومقر العتكاف‪ ،‬ومنطلق الدعوة‪ ،‬وميدان من ميادين التربية‪ ،‬بل قاعدة من‬
‫قواعد الجهاد والدفاع عن الحرمات والعراض‪.‬‬
‫ولقد أثبتت أحداث الكويت المواقف البطولية التي انطلقت من المساجد‪ ،‬بل‬
‫إن إسرائيل تعلن حالة الطوارئ يوم الجمعة أثناء النتفاضة‪ ،‬ومسجد الرسول‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬خير مثال لذلك‪.‬‬
‫)هـ( إذكاء روح العزة لدى المسلم‪ ،‬وإزالة الهزيمة النفسية‪ ،‬وعقدة التفوق‬
‫الغربي‪.‬‬
‫يقول حمدي قنديل‪ " :‬المعروف أن القردة هي التي تقلد النسان‪ ،‬ولكن‬
‫إنسان العالم الثالث قد اختار أن يقلد قردة أوروبا" )‪.(1‬‬
‫إن الهزيمة النفسية من أبرز أسباب تخلفنا وتفوق أعدائنا‪ ،‬وقد عالج شكيب‬
‫أرسلن هذه القضية في كتابه الرائع‪) :‬لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم‬
‫ه‬
‫سول ِ ِ‬ ‫غيرهم؟( تجد حقيقة الداء والدواء‪ ،‬وصدق الله العظيم‪) :‬وَل ِل ّهِ ال ْعِّزة ُ وَل َِر ُ‬
‫ن( )المنافقون‪ :‬من الية ‪.(8‬‬ ‫ن ل ي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫قي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مَنافِ ِ‬ ‫ن وَل َك ِ ّ‬
‫مِني َ‬ ‫وَل ِل ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫إن من أهم ما نواجه به هذا الغزو المدمر إيجاد المناعة وتأصيل النتماء لهذا‬
‫الدين‪.‬‬
‫يقول الستاذ عبد الله الحصين )‪ (2‬وهو يناقش وسائل معالجة هذا الداء‪:‬‬
‫)إن العلج بإيجاد المناعة‪ ،‬وذلك بتأصيل النتماء لهذا الدين‪ ،‬وتكامل جوانب‬
‫التربية في البيت والمدرسة والمسجد‪ ،‬بل في جميع وسائل التلقي‪ ،‬وإزالة‬
‫عقدة تفوق النسان الغربي‪ ،‬فقد تجاوزها الرجل الياباني ‪-‬وهو وثني‪ -‬منذ‬
‫ك أ َموال ُهم وأ َولدهُم إنما يريد الل ّ َ‬
‫م ب َِها‬‫ن ي ُعَذ ّب َهُ ْ‬
‫هأ ْ‬‫ُ‬ ‫جب ْ َ ْ َ ُ ْ َ ْ ُ ْ ِ ّ َ ُ ِ ُ‬ ‫عدة سنوات( )‪َ) .(3‬ول ت ُعْ ِ‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن( )التوبة‪.(85:‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م َ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ِفي الد ّن َْيا وَت َْزهَقَ أ َن ْ ُ‬
‫)و( وتربية المة على الجهاد والهتمام بمعالي المور‪ ،‬فإن الرسول ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬أخبر أننا إذا تركنا الجهاد‪ ،‬وأخذنا بأذناب البقر سلط الله‬
‫علينا ذل‪ ،‬ل ينزعه عنا حتى نعود إليه‪.‬‬
‫إننا أمة مجاهدة‪ ،‬والمة المجاهدة ل وقت لديها للنظر إلى سفاسف المور‪،‬‬
‫والولوغ في الشهوات‪.‬‬
‫" ومن لم يغز غزي"‪ .‬وها نحن لما تركنا الجهاد ورضينا بالدنيا غزينا في عقر‬
‫دارنا بالبث المباشر‪ ،‬بل بالغزو المباشر‪.‬‬
‫)ز( ترسيخ مبدأ الولء والبراء‪ ،‬والحب والبغض في الله‪ ،‬فهذا من أوثق عرى‬
‫اليمان‪.‬‬
‫إن معرفتنا بحقيقة هؤلء العداء‪ ،‬وما يمكن أن يبثوه لنا تجعلنا في مأمن من‬
‫ن‬
‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫خذِ ال ْ ُ‬ ‫شرهم‪ ،‬وهي بداية الطريق لعدم التأثر بأساليبهم‪) :‬ل ي َت ّ ِ‬
‫ّ‬ ‫كافري َ‬
‫يٍء(‬ ‫ش ْ‬ ‫ن اللهِ ِفي َ‬ ‫م َ‬ ‫س ِ‬ ‫ك فَل َي ْ َ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬‫فعَ ْ‬
‫ن يَ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن أوْل َِياَء ِ‬ ‫ال ْ َ ِ ِ َ‬
‫)آل عمران‪ :‬من الية ‪.(28‬‬
‫ْ‬
‫ضى عَن ْك الي َُهود ُ َول‬ ‫َ‬ ‫ن ت َْر َ‬ ‫َ‬
‫إن حقيقة اليهود والنصارى قد كشفها القرآن )وَل ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ب َعْد َ‬‫واَءهُ ْ‬ ‫ت أهْ َ‬ ‫ن ات ّب َعْ َ‬ ‫دى وَلئ ِ ِ‬ ‫دى الل ّهِ هُوَ ال ْهُ َ‬ ‫ن هُ َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫م قُ ْ‬ ‫مل ّت َهُ ْ‬ ‫حّتى ت َت ّب ِعَ ِ‬ ‫صاَرى َ‬ ‫الن ّ َ‬
‫ر( )البقرة‪.(120:‬‬ ‫صي‬ ‫ن‬ ‫ول‬
‫ِ ِ ْ َِ ّ َ َ ِ ٍ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬
‫ِ َ‬ ‫م‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫م‬
‫ِ َ ِ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ء‬‫جا‬‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ي الل ّ ُ‬ ‫ن وَل ِي ّ َ‬ ‫م( )المائدة‪ :‬من الية ‪) ، (51‬إ ِ ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م فَإ ِن ّ ُ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫م ِ‬ ‫ن ي َت َوَل ّهُ ْ‬
‫م ْ‬ ‫)وَ َ‬
‫ن( )العراف‪.(196:‬‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ب وَهُوَ ي َت َوَّلى ال ّ‬ ‫ل ال ْك َِتا َ‬ ‫ن َّز َ‬
‫وأحيل القراء الكرام إلى الكتاب الرائع الذي ألفه د‪ -‬محمد بن سعيد‬
‫القحطاني )‪ (4‬بعنوان " الولء والبراء في السلم" فقد عالج هذا الموضوع‬
‫معالجة شاملة ووافية‪ ،‬وأنصح كل قارئ أل تخلو مكتبته من هذا الكتاب‪ ،‬فضل‬
‫عن قراءته‪.‬‬
‫)ح( القضاء على الفراغ الذي يعيشه المجتمع والفراد " نعمتان مغبون فيهما‬
‫كثير من الناس‪ ،‬الصحة والفراغ " حديث صحيح‬
‫ب(‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب وَإ ِلى َرب ّك َفاْرغ ْ‬ ‫َ‬ ‫ص ْ‬‫ت َفان ْ َ‬ ‫ولنرب المة على التوجيه الرباني‪) :‬فَإ َِذا فََرغْ َ‬
‫)الشرح‪.(8 ،7:‬‬
‫ولقد أجاد الشاعر عندما قال‪:‬‬
‫إن الشباب والفراغ والجدة ‪ ...‬مفسدة للمرء أي مفسدة‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬المنتدى العربي ص ‪.63‬‬
‫)‪ - (2‬رئيس تحرير جريدة المدينة سابقا‪ ،‬ومستشار تعليمي سابق‪.‬‬
‫)‪ - (3‬ندوة البث المباشر التي عقدها الحرس الوطني على هامش الجنادرية‬
‫عام ‪ 1409‬هـ‪.‬‬
‫)‪ - (4‬الستاذ بجامعة أم القرى‪ -‬قسم العقيدة‪ ،‬والداعية المعروف‪.‬‬

‫)‪(23 /‬‬

‫كيف تفرغ أمة ل تزال متخلفة في كثير من شؤون حياتها‪ ،‬وماذا عملت حتى‬
‫تفرغ‪ ،‬بل لو عملت ما فرغت‪ ،‬ولكن‪:‬‬
‫من يهن يسهل الهوان عليه ‪ ...‬ما لجرح بميت إيلم‬
‫)ط( ضمان المن العقلي‪ ،‬فهو أجدر بالمن من أمن الجسام والموال‬
‫والراضي‪.‬‬
‫يقول الستاذ زين العابدين الركابي )‪ (1‬وهو يناقش هذه القضية‪:‬‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن احتلل الراضي مكلف وغير ناجح‪ ،‬وأسهل منه استعمار القلوب‪ ،‬وهو‬
‫البقى والمكن والقوى‪.‬‬
‫إن الساعات البرامجية التي تصدرها أمريكا سنويا )‪ (150‬ألف ساعة‬
‫برامجية‪ ،‬وهذه بحساب التأثير أفضل من عشرات القواعد المريكية‬
‫العسكرية التي تكلف المال والرجال‪.‬‬
‫إن التربية أحسن وسيلة سواء وجد صاحبه عند مصادر البث أو هجم عليه‬
‫البث فل يتأثر )‪.(2‬‬
‫ويؤكد هذه الحقيقة د ‪ -‬سيد ساداتي ويبين أهمية امتلك هذا القلب‪ ،‬ووجوب‬
‫العناية به‪ ،‬لنه مفتاح كل خير‪ ،‬وكل شر )‪.(3‬‬
‫" أل إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد‬
‫الجسد كله‪ ،‬أل وهي القلب " حديث صحيح‬
‫)ي( التوسع في استخدام الوسائل العلمية البديلة كالكتاب والمجلة‬
‫والشريط السلمي‪ ،‬وتعاون الدعاة فيما بينهم في هذا الشأن وغيره‪.‬‬
‫ولقد أثبت الشريط السلمي نجاحه بشكل أقلق العداء وأقض مضاجعهم‪،‬‬
‫وأوحوا إلى أذنابهم بإلصاق التهم في هذا الشريط وأصحابه‪ ،‬و لكن‪:‬‬
‫م ُنورِهِ وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن(‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫مت ِ ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫واهِهِ ْ‬ ‫فُئوا ُنوَر الل ّهِ ب ِأفْ َ‬ ‫ن ل ِي ُط ْ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫)ي ُ ِ‬
‫)الصف‪.(8:‬‬
‫)ك( الستمرار في عقد الندوات والمحاضرات وإجراء البحوث والدراسات‬
‫حول هذا الموضوع‪ ،‬وذلك لبيان خطورته وآثاره وسبل العلج والوقاية منه‪،‬‬
‫ن( )الذريات‪.(55:‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫فعُ ال ْ ُ‬ ‫ن الذ ّك َْرى ت َن ْ َ‬ ‫وعدم اليأس أو الملل‪) :‬وَذ َك ّْر فَإ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ر( )الغاشية‪) .(22 ،21:‬فَذ َك ّْر إ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫صي ْط ِ ٍ‬ ‫م َ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫مذ َك ٌّر ل َ ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫)فَذ َك ّْر إ ِن ّ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫قى( )العلى‪) .(11 -9:‬لعِ َ‬ ‫ش َ‬ ‫جن ّب َُها ال ْ‬ ‫شى وَي َت َ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫سي َذ ّك ُّر َ‬ ‫ت الذ ّك َْرى َ‬ ‫فعَ ِ‬ ‫نَ َ‬
‫ما‬‫ك بِ َ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫سرائي َ‬ ‫َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫سى اب ْ ِ‬ ‫عي َ‬ ‫ن َداوُد َ وَ ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫ل عَلى ل ِ َ‬ ‫ن ب َِني إ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬
‫فعَُلو َ‬
‫ن‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫من ْك َرٍ فَعَُلوه ُ ل َب ِئ ْ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫كاُنوا ل ي َت ََناهَوْ َ‬ ‫ن َ‬‫دو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْت َ ُ‬ ‫وا وَ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫عَ َ‬
‫خطَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫س ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫م أن ْ ُ‬ ‫ت لهُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ما قَد ّ َ‬ ‫س َ‬ ‫فُروا لب ِئ ْ َ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م ي َت َوَلوْ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ت ََرى كِثيرا ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ما أن ْزِ َ‬
‫ل‬ ‫ي وَ َ‬ ‫ن ِباللهِ َوالن ّب ِ ّ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن وَلوْ كاُنوا ي ُؤْ ِ‬ ‫َ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب هُ ْ‬ ‫ذا ِ‬‫م وَِفي العَ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫ن( )المائدة‪.(81 -78:‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ن ك َِثيرا ً ِ‬ ‫م أوْل َِياَء وَل َك ِ ّ‬ ‫ذوهُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ما ات ّ َ‬ ‫إ ِل َي ْهِ َ‬
‫)ل( أن يقوم كل واحد منا بدوره‪ ،‬وأن يخطو خطوة عملية لوقاية بيته وأهله‬
‫من سبل الفساد‪ ،‬وأن يخرج ما لديه من وسائل الشر والتدمير‪ ،‬ودرهم وقاية‬
‫خير من قنطار علج‪.‬‬
‫جاَرةُ عَل َي َْها‬ ‫س َوال ْ ِ‬ ‫م َنارا ً وَُقود ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ح َ‬ ‫ها الّنا ُ‬ ‫م وَأهِْليك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫مُنوا ُقوا أن ْ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫)َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن( )التحريم‪:‬‬ ‫مُرو َ‬ ‫ما ي ُؤْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫مَرهُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صو َ‬ ‫داد ٌ ل ي َعْ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫ظ ِ‬ ‫ة ِغل ٌ‬ ‫ملئ ِك َ ٌ‬ ‫َ‬
‫‪ " .(6‬كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " الحديث‪ .‬حديث صحيح‬
‫)م( وأخيرا‪ ..‬فإن اهتمامنا بالمتلقي‪ ،‬في ضوء ما ذكرت من منطلقات تربوية‪،‬‬
‫وعدم القتصار على وسيلة التلقي‪ ،‬يعطينا أمانا وثقة بضعف تأثير هذا الغزو‬
‫على أجيالنا‪ ،‬وصمودا أمام محاولت الشرق والغرب لهدم كياننا‪ ،‬فإن الرجل‬
‫إذا أصبح ماهرا في السباحة لم يغرق في البحر‪ ،‬وصارع المواج العاتية‪،‬‬
‫ووصل إلى شاطئ السلمة بأمان‪.‬‬
‫والطبيب يأخذ مصل المناعة ويذهب إلى البلد الموبوءة‪ ،‬فيعالج المرضى ول‬
‫يصيبه الذى بإذن الله‪ ،‬بل إن بعض المراض الوبائية تمر على بعض البلد‬
‫فتهلك أهلها‪ ،‬وتمر على بلد أخرى فل تصيب إل الرجل أو الرجلين‪ ،‬لمناعة‬
‫أهلها وصحة أجسامهم‪ ،‬وعنايتهم بذواتهم منذ صغرهم‪.‬‬
‫ولو تعاملنا مع البث المباشر كما نتعامل مع هذه المراض الوبائية كالكوليرا‬
‫والجدري ونحوهما‪ ،‬وذلك بأخذ جرعات التطعيم منذ الصغر‪ ،‬وإعلن حالة‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الطوارئ إذا علمنا أنه قدم إلى بلد مجاور‪ ،‬فيلزم الناس بأخذ مصل الوقاية‬
‫وتشدد القيود على القادمين والمغادرين‪ ،‬بل نذهب لنجدة من حولنا‪ ،‬وقاية‬
‫لنفسنا وحماية لبلدنا‪ ،‬ووالله إن هذا الوباء أشد فتكا وأمضى سلحا‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬الخاتمة‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فبعد هذه الرحلة المضنية بين ثنايا هذه الرسالة‪ ،‬والتي استمرت قرابة‬
‫سنتين ونصف السنة‪ ،‬بذلت فيها ما استطعت من أجل جلء هذا الموضوع‬
‫والوصول إلى ما يساعد على تجاوز هذه الغمة‪ ،‬أقول لخوتي من طلب‬
‫العلم والدعاة‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬أستاذ جامعي بقسم العلم بجامعة المام بالرياض‪ ،‬ومدير تحرير مجلة‬
‫المجتمع سابقا‪.‬‬
‫)‪ - (2‬ندوة البث المباشر‪ -‬الحرس الوطني‪ -‬مهرجان الجنادرية عام )‪1409‬‬
‫هـ(‪.‬‬
‫)‪ - (3‬ندوة البث المباشر بجامع الملك خالد عام ‪ 1410‬هـ‪.‬‬

‫)‪(24 /‬‬

‫إن هذا الشر القادم بلء وامتحان للمة‪ ،‬واختبار لكل فرد منا‪ ،‬فالناس تجاهه‬
‫ثلثة أقسام‪:‬‬
‫ا‪ -‬قسم رحبوا به وفرحوا بحلوله‪ ،‬وعلقوا عليه المال الكاذبة وما أشبههم إل‬
‫م َقاُلوا هَ َ‬ ‫قب َ َ‬ ‫ما َرأ َوْه ُ َ‬
‫مط ُِرَنا ب َ ْ‬
‫ل‬ ‫م ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫عارِ ٌ‬ ‫ذا َ‬ ‫ل أوْدِي َت ِهِ ْ‬ ‫ست َ ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عاِرضا ً ُ‬ ‫بمن سبقهم‪( :‬فَل َ ّ‬
‫َ‬
‫م( )الحقاف‪(24:‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ح ِفيَها عَ َ‬ ‫م ب ِهِ ِري ٌ‬ ‫جل ْت ُ ْ‬ ‫ست َعْ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫هُوَ َ‬
‫ْ‬ ‫م ك َذ َل ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مُر ك ُ ّ‬
‫م‬‫قو ْ َ‬ ‫زي ال َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫ساك ِن ُهُ ْ‬‫م َ‬ ‫حوا ل ي َُرى إ ِل َ‬ ‫صب َ ُ‬‫مرِ َرب َّها فَأ ْ‬ ‫يٍء ب ِأ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫)ت ُد َ ّ‬
‫ن( )الحقاف‪.(25:‬‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫قَرى إ ِّل وَأهْل َُها َ‬ ‫كي ال ْ ُ‬
‫ن(‬‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫مهْل ِ ِ‬ ‫ما ك ُّنا ُ‬ ‫وأذكر هؤلء بقوله ‪-‬تعالى‪) :-‬وَ َ‬
‫)القصص‪ :‬من الية ‪.(59‬‬
‫‪ -2‬وقسم سلبيون‪ ،‬كأن المر ل يعنيهم‪ ،‬ويقولون ننجوا بأنفسنا‪ ،‬فأذكرهم‬
‫ة( )النفال‪ :‬من‬ ‫ص ً‬‫خا ّ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫موا ِ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫صيب َ ّ‬ ‫ة ل تُ ِ‬ ‫قوا فِت ْن َ ً‬ ‫بقوله ‪-‬تعالى‪َ) :-‬وات ّ ُ‬
‫الية ‪ ،(25‬وبحديث زينب " أنهلك وفينا الصالحون فقال ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬نعم إذا كثر الخبث "‪ ،‬وأذكرهم بحديث السفينة المشهور )‪.(1‬‬
‫‪ -3‬أما القسم الثالث فهو لكم يا دعاة السلم ويا حماة البيضة والدار‪،‬‬
‫س‬ ‫َ‬
‫ب الّنا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫فاصبروا وصابروا وجاهدوا وتحملوا وتذكروا قوله ‪-‬تعالى‪) :-‬الم أ َ‬
‫أ َن يتر ُ َ‬
‫ن( )العنكبوت‪.(2 ،1:‬‬ ‫فت َُنو َ‬ ‫م ل يُ ْ‬ ‫مّنا وَهُ ْ‬ ‫قوُلوا آ َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫كوا أ ْ‬ ‫ْ َُْ‬
‫ة( )البقرة‪ :‬من الية ‪.(214‬‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫خ‬
‫ُ‬ ‫د‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫وقوله ‪-‬تعالى‪) :-‬أ َم حسبتم أ َ‬
‫َ‬ ‫ْ َ ِ ُْ ْ ْ َ ْ‬
‫كوا ()التوبة‪ :‬من الية ‪.(16‬‬ ‫ن ت ُت َْر ُ‬ ‫وقوله ‪-‬تعالى‪) :-‬أ َم حسبت َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ْ َ ِ ُْ ْ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ك ل ِي ُهْل ِ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ما َ‬
‫قَرى ب ِظلم ٍ‬ ‫ك ال ُ‬ ‫كا َ‬ ‫وغيرها من اليات‪ ،‬وهنا فأبشروا بالنتيجة )وَ َ‬
‫َ‬
‫ن( )هود‪.(117:‬‬ ‫حو َ‬ ‫صل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وَأهْل َُها ُ‬
‫مُلو َ‬
‫ن‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫شْيئا ً إ ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ك َي ْد ُهُ ْ‬ ‫ضّرك ُ ْ‬ ‫قوا ل ي َ ُ‬ ‫صب ُِروا وَت َت ّ ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫وقوله ‪-‬تعالى‪) :-‬وَإ ِ ْ‬
‫ط()آل عمران‪ :‬من الية ‪.(120‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫م ِ‬‫ُ‬
‫وأبشروا بالعاقبة الحسنة‪:‬‬
‫ن( )النحل‪ :‬من الية ‪.(32‬‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ة بِ َ‬ ‫جن ّ َ‬‫خُلوا ال ْ َ‬ ‫)اد ْ ُ‬
‫وأخيرا‪:‬‬
‫أل هل بلغت؟‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اللهم فاشهد‪.‬‬
‫اللهم فاشهد‪.‬‬
‫اللهم فاشهد‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والعاقبة للمتقين‬
‫ول عدوان إل على الظالمين‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬انظر رسالة "حتى ل تغرق السفينة للشيخ سلمان العودة" وهي رسالة‬
‫قيمة جدا‪.‬‬

‫)‪(25 /‬‬

‫البث المباشر ـ آثار وأخطار‬


‫الحمد لله‪ ،‬والصلة والسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين‪،‬أما بعد‪،،،‬‬
‫لقد رأيت تباين الناس في البث المباشر‪ ،‬فمنهم من فرح بقدومه وأعد له‬
‫الفراش والغطاء‪ ،‬وآخرون سلبيون كأن المر ل يعنيهم من قريب أو من بعيد‪.‬‬
‫والفرقة الناجية والفئة الصالحة هم الذين اقض هذا 'الغول' ‪ ،‬والشر الداهم‬
‫مضاجعهم‪ ،‬فراحوا يبحثون عن سبل العلج وطرق الوقاية‪ ،‬وأيديهم على‬
‫قلبوهم خوًفا على أمتهم‪ ،‬وحماية لنفسهم وأعراضهم‪ .‬لهؤلء كتبنا لهم هذه‬
‫الكلمات‪ ،‬حًبا وإشفاًقا وبياًنا وإخباًرا‪ .‬ولولئك وجهن إعذاًرا وإنذاًرا‪ ،‬وعّلهم‬
‫ه د ََواًء[ كما قال‬ ‫ل َداًء إ ِّل أ َن َْز َ‬
‫ل لَ ُ‬ ‫ج ّ‬
‫ه عَّز وَ َ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬
‫ل الل ّ ُ‬ ‫يتقون‪ .‬ولليائسين نقول‪َ ] :‬‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم‪ .‬رواه أحمد وابن ماجة ‪.‬‬
‫أخي الكريم‪ :‬نحن الن بأمس الحاجة إلى العودة إلى الله تعالى ل إلى‬
‫التمادي في العصيان لما نرى من المصائب التي تحل قريًبا منا‪-‬وما هي من‬
‫الظالمين ببعيد‪ -‬وما تلك المصيبة التي روعتنا وزلزلت قلوبنا عنا ببعيد!!‬
‫أخي الحبيب‪ :‬هل عرفت الثار المؤلمة‪ ،‬والعواقب الوخيمة التي تترتب على‬
‫اقتناء هذا الجهاز؟ إن كنت ل تعرف فتلك مصيبة‪ ،‬وإن كنت تعرف فالمصيبة‬
‫ل فقد كتبت لك هذه الثار المفجعة؛ إشفاًقا عليك‪ ،‬ورحمة بك‬ ‫أعظم‪ ،‬وعلى ك ٍ‬
‫من نفسك‪ ،‬فالنفس داعية إلى العصيان‪.‬‬
‫آثار البث المباشر‬
‫الحقيقة أن آثار البث المباشر فوق الحد‪ ،‬ولكن سنذكر أبرز الثار بناء على‬
‫الحقائق والرقام‪ ،‬فنحن ل نرجم بالغيب‪ ،‬ول ننطلق من عاطفة خالية من‬
‫الحقائق فإليك هذه الثار‪:‬‬
‫ل‪ :‬الثر العقدي‪ :‬من أخطر ما يجلبه البث المباشر زعزعة عقيدة السلم‬ ‫أو ً‬
‫في نفوس كثير من الناس‪ ،‬فاليهود والنصارى قد جعلوا من أهدافهم إخراج‬
‫المسلمين من دينهم‪ ،‬وزعزعة العقيدة في نفوسهم‪ ،‬وقد تحقق شيء من‬
‫ذلك عبر وسائل كثيرة من أبرزها التلفاز‪ ،‬ولننظر في هذا التقرير الذي صدر‬
‫عن اليونسكو ‪ -‬والحق ما شهدت به العداء‪':-‬إن ادخال وسائل إعلم جديدة‬
‫وخاصة التلفزيون في المجتمعات التقليدية‪ ،‬أدى إلى زعزعة عادات ترجع‬
‫إلى مئات السنين‪ ،‬وممارسات حضارية كرسها الزمن'‪.‬‬
‫ويمكن تلخيص الثار العقدية بما يلي‪:‬‬
‫‪1‬ـ زعزعة عقيدة المسلمين‪ ،‬والتشكيك فيها حتى يكون المسلم في حيرة‬
‫واضطراب‪.‬‬
‫‪2‬ـ إضعاف عقيدة الولء والبراء والحب والبغض في الله‪ :‬إن استمرار‬
‫مشاهدة الحياة الغربية‪ ،‬وإبراز زعماء الشرق والغرب داخل بيوتنا‪،‬‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والستمرار في عرض التمثيليات والمسلسلت؛ سيخفف ويضعف من البغض‬


‫لعداء الله‪ ،‬ويكسر الحاجز الشعوري فمع كثرة المساس يقل الحساس‪،‬‬
‫حاد ّ الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫واّدو َ‬ ‫خرِ ي ُ َ‬‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل ِ‬ ‫وما ً ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫جد ُ ق َ ْ‬
‫والله يقول‪ } :‬ل ت َ ِ‬
‫ه‪] { [22]...‬سورة المجادلة[‪.‬‬ ‫سول َ ُ‬
‫وََر ُ‬
‫ومن أمثلة ذلك‪ :‬تعلق الناس ببعض مشاهير الكفار كلعبي الكرة‪ ،‬وبعض‬
‫المغنيين‪ ،‬وعارضات الزياء والممثلين ‪ ...‬وكل ذلك على حساب عقيدة‬
‫المسلم وتعلقه بدينه‪.‬‬
‫‪3‬ـ تقليد النصارى في عقيدتهم‪ :‬وذلك باكتساب كثير من عاداتهم المحرمة‬
‫التي تقدم في عقيدة المسلم‪ ،‬كالنحناء عند التحية للجمهور في المسرح‪،‬‬
‫وتقليدهم في اللباس‪ ،‬وطريقة الكل‪ ،‬وحتى قص الشعر‪ ،‬إلى غير ذلك من‬
‫م[رواه أبوداود وأحمد‪.‬‬ ‫قوْم ٍ فَهُوَ ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن تَ َ‬
‫شب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫صنوف التشبه المحرمة‪ ] :‬وَ َ‬
‫‪4‬ـ ومن أخطر الثار العقدية الدعوة إلى النصرانية عبر البث المباشر‪ :‬وأقرأ‬
‫هذه الخبار لتعرف الحقيقة‪:‬‬
‫• يستعد الفاتيكان لبناء محطة تلفزيونية كبيرة للبث في كافة أنحاء العالم‬
‫للتبشير بتعاليم النجيل بواسطة ثلثة أقمار صناعية تسمى بمشروع نومين ]‬
‫‪ [2000‬مع العلم أن القمر الواحد يغطي ثلث مساحة الكرة الرضية‪.‬‬
‫] الحاجة إلى تنسيق وتكامل إعلمي ـ حمود البدر ص ‪.[.19‬‬
‫• عقد في هولندا اجتماع عالمي للتنصير حضره ]‪ [8194‬منصر‪ ،‬من أكثر من‬
‫مائة دولة‪ ،‬وكلف ]‪ [21‬مليون دولر‪ ،‬برئاسة المنصر ]جراهام بيلي[‪ ،‬وقد‬
‫تحمل نفقات هذا المؤتمر منظمة سامر تيان برس‪ ،‬وهدف المؤتمر دراسة‬
‫كيفية الفادة من البث المباشر في التنصير‪ ].‬مجلة رابطة العالم السلمي ]‬
‫‪. [.[290‬‬
‫هذه بعض آثار وأخطار البث المباشر على عقيدة المسلمين وقد ل تبدوا تلك‬
‫الثار سريعة‪ ،‬ولكن مع الزمن والتكرار يحدث الثر‪ ،‬وأذكرك أخي بقول الله‬
‫م]‪{ [120‬‬ ‫مل ّت َهُ ْ‬‫حّتى ت َت ّب ِعَ ِ‬ ‫صاَرى َ‬ ‫ك ال ْي َُهود ُ َول الن ّ َ‬ ‫ضى عَن ْ َ‬ ‫ن ت َْر َ‬ ‫عز وجل‪ } :‬وَل َ ْ‬
‫]سورة البقرة[‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ثانًيا‪ :‬الثر الثقافي والعلمي‪ :‬ذكر د‪ /‬حمود البدر أن البحاث والدراسات أثبتت‬
‫أن بعض التلميذ في البلد العربية عندما يتخرج من الثانوية العامة يكون قد‬
‫أمضى أمام التلفزيون ]‪ [150,000‬ساعة بينما لم يقض في حجرات‬
‫الدراسة أكثر من ]‪ [10,800‬ساعة على أقصى تقدير‪ ].‬الحاجة إلى تنسيق‬
‫وتكامل تربوي ص ‪ .[13‬هذا مع أن هؤلء التلميذ ل يشاهدون إل قناة‪ ،‬أو‬
‫قناتين‪ ،‬فكيف إذا أتيحت لهم مشاهدة عدة قنوات دون حسيب أو رقيب؟!‬
‫لهذا فإن البث المباشر يشكل خطورة على ثقافة الجيال القادمة متمثل ً بما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪1‬ـ إضعاف مستوى التعليم لدى أفراد المة‪ ،‬وقد أجريت دراسة عن أثر‬
‫التليفزيون على تحصيل الطالب فأفاد ‪ %64‬ممن شملتهم الدارسة أنه‬
‫يشغل عن التحصيل والستذكار‪.‬‬
‫‪2‬ـ تلقين مفاهيم جديدة‪.‬‬
‫‪3‬ـ شيوع الخمول والكسل وعدم الجدية‪ ،‬وبخاصة أن أشد البرامج إغراء‬
‫ليلتي السبت والحد وهما من أيام الدراسة في البلد العربية‪ ،‬أضف إلى ذلك‬
‫السهر الذي سيؤثر على بعض الطلب‪ ،‬لن وقت عرض البرامج المغرية في‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أول الليل هناك‪ ،‬يكون الوقت عندنا متأخًرا‪.‬‬


‫وأختم هذا الجانب بهذه الحقائق‪:‬‬
‫شكت وزيرة الثقافة اليونانية ]ملينا ميركوري[ من أن بلدها قد دهمته الثقافة‬
‫المريكية]أقمار الفضاء غزو جديد‪ ،‬ص ‪ .[52‬وشكى رئيس وزراء كندا ]بيار‬
‫ترونو[ من تأثير الثقافة المريكية على الشعب الكندي]السابق[‪.‬‬
‫إذا كانت هذه حال القوم وشكواهم مع أن الدين واحد فكيف بنا نحن‬
‫المسلمين؟! وماذا ستكون حالنا من الثقافة الوافدة؟‬
‫ثالًثا‪ :‬الثر المني‪ :‬إذا كان للفلم تأثيرها السلبي على المن في بلد من‬
‫البلدان‪ ،‬فكيف تكون الحال مع أفلم الغرب المنحل والشرق الملحد‪ ،‬عبر‬
‫البث التليفزيوني المباشر‪ ،‬وإذا كانت الدول تعتبر أن سقوط الذاعة يعني‬
‫سقوط الدولة‪ ،‬ولذلك أول ما يحرص عليه الذين يقومون بالنقلبات‬
‫السيطرة على الذاعة والتلفزيون‪ ،‬ويظهر الثر المني في عدة صور منها‪:‬‬
‫‪1‬ـ الضطرابات‪ :‬فقد ذكر تقرير صادر من اليونسكو ما يلي‪ :‬إن إدخال‬
‫وسائل إعلم جديدة‪ -‬وخاصة التلفزيون في المجتمعات التقليدية‪ -‬أدى إلى‬
‫زعزعة عادات ترجع إلى مئات السنين‪ ،‬وممارسات حضارية‪ ،‬وغالًبا ما‬
‫يصاحب فوائد التصالت الحديثة سلبية يمكن أن تشيع الضطرابات بدرجة‬
‫كبيرة في النظم القائمة‪.‬‬
‫‪2‬ـ الجريمة‪ :‬قال الطبيب النفسي 'استيفن بانا' الستاذ بجامعة كولومبيا‪ ':‬إذا‬
‫كان السجن هو جامعة الجريمة‪ ،‬فإن التلفزيون هو المدرسة العدادية‬
‫للنحراف'‪ .‬وذكر د‪ /‬حمود البدر أنه من خلل إحدى الدراسات التي أجريت‬
‫على ]‪ [500‬فيلم طويل تبين أن موضوع الحب والجريمة والجنس يشكل‬
‫‪ %72‬منها‪ ،‬وتبين من دراسة أخرى حول الجريمة والعنف في مائة فيلم‬
‫ما فقط‬ ‫وجود ]‪ [169‬مشهد جريمة أو محاولة قتل‪ .‬بل إنه وجد في ]‪ [13‬فيل ً‬
‫دا للجريمة]الحاجة إلى تنسيق وتكامل تربوي‪ ،‬ص ‪ .[14‬أل تكفي‬ ‫]‪ [73‬مشه ً‬
‫هذه الحقائق لبيان الخطورة المنية لهذا الجهاز المدمر؟!‬
‫رابًعا‪ :‬الثر الخلقي‪ :‬من أخطر ما يخشى أن يؤثر فيها البث المباشر أخلق‬
‫المة وسلوكها‪:‬‬
‫وإنما المم الخلق ما بقيت فإن هموا ذهبت أخلقهم ذهبوا‬
‫ومن أبرز ما خلفته الفلم من شرور خلل السنوات الماضية ما أحدثته من‬
‫خلل كبير في أخلق الرجال وأعراض النساء‪ ،‬ويتخذ هذا الخلل عدة صور من‬
‫أبرزها‪:‬‬
‫‪1‬ـ شيوع الرذيلة وسهولة ارتكابها حتى تصبح أمًرا عادًيا‪.‬‬
‫‪2‬ـ تفجير الغرائز والبحث عن سبل غير شرعية لتصريفها؛ وذلك لما يرد في‬
‫الفلم من عري فاضح مع التركيز على اختيار أجمل النساء وعرض مفاتنهن‪.‬‬
‫‪3‬ـ تعويد الناس على وسائل محرمة هي بريد للفتنة وسبيل إليها‪ ،‬كالخلوة‬
‫والختلط‪ ،‬والمغازلة‪.‬‬
‫‪4‬ـ الدعاية لمور محرمة تؤدي إلى النحراف‪ ،‬كدعايات شرب الخمر‪،‬‬
‫والمسكرات بجميع أنواعها‪.‬‬
‫‪5‬ـ بث الفلم الدعائية التي ترغب المشاهد في السفر للخارج مع ما يحدث‬
‫هناك من أضرار‪.‬‬
‫‪6‬ـ بعض الفلم تدعو إلى المخدرات بطريقة مباشرة‪ ،‬أو غير مباشرة‪ ،‬ومن‬
‫الدلة على ذلك فيلم 'الباطنية' المشهور وحتى تتضح لك الصورة جلية‬
‫وواضحة‪:‬‬
‫يقول د‪ /‬بلومر‪' :‬إن الفلم التجارية التي تنتشر في العالم تثير الرغبة‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجنسية في معظم موضوعاتها‪ ،‬كما أن المراهقات من الفتيات يتعلمن‬


‫الداب الجنسية الضارة من الفلم‪ ،‬وقد ثبت للباحثين أن فنون التقبيل‬
‫والحب والمغازلة والثارة الجنسية والتدخين يتعلمها الشباب من خلل‬
‫السينما والتلفزيون‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وتبين من خلل دراسة أجرتها هيئات أوروبية متخصصة أن متوسط مدة‬


‫الرسال التجاري اليومي ‪ 9‬ساعات تتوزع كما يلي‪ :‬من ‪ %75‬إلى ‪%80‬‬
‫مواد وبرامج تسلية من ‪ %5‬إلى ‪ %10‬برامج ثقافية ووثائقية‪ %5 ،‬تخصص‬
‫للمعلومات‪ ،‬من ‪ %2‬إلى ‪ %10‬برامج موجهة للشباب ورياضة‪ .‬ومن أجل‬
‫توضيح خطر برامج التسلية والترفيه لنقرأ ما قاله الستاذ عبد الرحمن‬
‫العبدان‪':‬برامج الترفيه والتسلية ومعظمها ـ إن لم يكن جميعها‪ -‬لن تكون‬
‫ملتزمة‪ ،‬وهذه سوف تنقل للشعوب المشاهدة كثيًرا من العادات غير الحسنة‬
‫التي تتنافى مع القيم السلمية‪ ،‬خاصة وأن هذه البرامج قد تشد الشباب‬
‫والشابات بحيويتها‪ ،‬وعصرية إعدادها‪ ،‬وجودة عرضها‪ ،‬وتدفعهم للعجاب بها‬
‫دون إدراك لخطورتها‪ ،‬وبالتالي التأثر بها‪ ،‬وهذا مكمن الخطورة‪ -‬ويواصل‬
‫ل‪ :-‬ولست بحاجة لشرح الثار السلبية على ذلك وما فيها من الهدم‬ ‫قائ ً‬
‫وتدمير السلوك']جريدة الرياض عدد ‪.[8450‬‬
‫ومما تجدر الشارة إليه مما يشكل خطًرا على الخلق وبخاصة على النساء‬
‫والطفال‪ ،‬موضوع الدعايات التلفزيونية مع العلم أن هناك قنوات غربية‬
‫متخصصة في الدعاية التجارية فقط‪ ،‬ولندع الرقام تتحدث‪ :‬قام د‪ .‬سمير‬
‫حسين بإعداد دراسة حول‪':‬برامج وإعلنات التلفزيون كما يراها المشاهد‬
‫والمعلنون' توصل فيها إلى ما يلي‪ %98,6 :‬من الطفال يتعرفون على‬
‫المشروبات المعلن عنها بسهولة‪ .‬ونحن نعلم أي مشروبات سيعلن عنها في‬
‫البث المباشر‬
‫‪ 96%‬قالوا‪ :‬إن هناك إعلنات يحبونها‪ ،‬ولذلك تجدهم يحفظن نص الدعاية‬
‫ويقلدون المعلق ]التلفزيون لمروان كجك‪ ،‬ص ‪ .[157‬ويقول د‪ /‬محسن‬
‫الشيخ‪ :‬من أخطر البرامج المقدمة من خلل الشاشة الصغيرة هي العلنات‬
‫التجارية؛ لنها قصيرة ومسلية‪ ،‬وتحمل رسالتها إلى الوتار العقلية فتوقظها‪.‬‬
‫سا‪ :‬الثر الجتماعي‪ :‬إن للفلم والمسرحيات تأثيرها الفعال في تغير‬ ‫خام ً‬
‫كثير من السلوكيات الحميدة‪ ،‬ول شك أن النفتاح على القنوات العالمية‬
‫سيزيد من هذا التأثير السلبي‪ ،‬ويتمثل الثر الجتماعي الذي يتوقع أن يحدثه‬
‫البث المباشر بعدة صور من أهمها‪:‬‬
‫‪1‬ـ التأخر في الزواج‪ ،‬وتفشي الطلق‪ ،‬ومحاربة تعدد الزوجات‪ ،‬ولقاءات‬
‫الفتى والفتاة بعد الخطبة وقبل العقد برضي الهل‪.‬‬
‫‪2‬ـ انصراف المرأة للزياء العالمية‪ ،‬وآخر صيحات الموضة‪ ،‬وتقليد المرأة‬
‫الغربية في كثير من أسلوب حياتها‪ ،‬كالخروج من المنزل ومحادثة الرجال‪.‬‬
‫‪3‬ـ سيطرة المرأة على الرجال‪ ،‬وضعف القوامة بدعوى الحرية وتساوي‬
‫الحقوق‪.‬‬
‫‪4‬ـ دخول كثير من العادات الغربية إلى بيوت المسلمين والعجاب بالنمط‬
‫الغربي للحياة‪.‬‬
‫‪5‬ـ ضعف القيام بحقوق الوالدين‪ ،‬وقطع الرحام‪ ،‬وتفكك السرة‪ ،‬وإهمال‬
‫حقوق الجيران‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪6‬ـ إبراز أبطال ل حقيقة لهم على حساب أبطال السلم وسعى الفرد لتقليد‬
‫هؤلء‪ ،‬ومثال ذلك‪ :‬إبراز اللعبين‪ ،‬والممثلين‪ ،‬والفنانين‪ ،‬على أنهم أبطال‪،‬‬
‫حتى أصبحوا هم المثل العلى لكثير من الشباب والفتيات‪.‬‬
‫وهناك أضرار اقتصادية‪ ،‬وسياسية‪ ،‬وصحية‪ ،‬وأمر ل يجوز أن نغفل عنه‬
‫لعاقبته المخيفة وهو‪ :‬ارتكاب ما حرم الله‪ ،‬مما يكون سبًبا لغضب الله‬
‫ونقمته علينا ويتمثل ذلك في الثام التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬النظر إلى ما حرم الله وبخاصة صور النساء الفاتنات المفتونات‪.‬‬
‫‪ -2‬سماع الغناء والموسيقى ونحوهما‪.‬‬
‫‪ -3‬تربية الهل والولد على ما حرم الله‪.‬‬
‫‪ -4‬عدم إنكار المنكر مع القدرة على ذلك‪.‬‬
‫‪ -5‬إنفاق المال في المعاصي‪ ،‬وذلك كفر للنعمة وسبب لحلول النقمة‪.‬‬
‫‪ -6‬إهدار الوقت في غير طاعة الله بل في معاصيه‪.‬‬
‫والحقيقة أن آثاره المفجعة يصعب حصرها‪ ،‬ولكن قد يقول قائل‪ :‬لقد فصلت‬
‫في الثار السلبية‪ ،‬وبيان خطورة البث المباشر‪ ،‬أليس له منافع؟ ولماذا لم‬
‫تذكرها؟‬
‫فأقول‪ :‬منافع البث المباشر ل تعد شيئا في مقابل السلبيات والخطار‪ ،‬ومن‬ ‫ً‬
‫المعروف أنه ليس هناك شر محض‪ ،‬ولكن بعد التأمل في تلك المنافع‪ ،‬التي‬
‫ن‬
‫ك عَ ِ‬ ‫سَألون َ َ‬ ‫خمت أكثر من حقيقتها؛ وجدتها ينطبق عليها قوله تعالى‪ } :‬ي َ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ما‪]...‬‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫ف‬
‫َُ ِ ْ َ ِ َ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫أ‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ث‬ ‫إ‬‫و‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫لل‬‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ف‬
‫ِ ِ َ ِ ٌ ِ ٌ َ َ َ ِ ُ ّ ِ َِ ُ ُ َ‬ ‫نا‬
‫َ‬
‫م‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫بي‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ث‬ ‫إ‬ ‫ما‬‫ه‬‫في‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ال ْ ْ ِ َ َ ْ ِ ِ‬
‫ر‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫خ‬
‫َ‬
‫سُر‬‫مي ْ ِ‬ ‫مُر َوال ْ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫مُنوا إ ِن ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪] { [219‬البقرة[‪ ،‬وقوله تعالى‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬
‫م تُ ْ‬ ‫جت َن ُِبوه ُ لعَلك ُ ْ‬ ‫ن َفا ْ‬ ‫طا ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ن عَ َ‬‫م ْ‬ ‫س ِ‬‫ج ٌ‬‫م رِ ْ‬‫ب َواْلْزل ُ‬ ‫صا ُ‬‫َواْلن ْ َ‬
‫]المائدة‪.[90:‬‬
‫ومن قواعد الشريعة أن‪':‬درء المفاسد مقدم على جلب المصالح' وكذلك من‬
‫ب الصنام إذا كان سّبها سيؤدي‬ ‫القواعد‪':‬سد الذرائع' وقد نهى الله عن س ّ‬
‫هّ‬
‫سّبوا الل َ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ فَي َ ُ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬‫ذي َ‬ ‫سّبوا ال ّ ِ‬ ‫ب الله جل وعل‪َ } :‬ول ت َ ُ‬ ‫إلى س ّ‬
‫م‪] { [108]...‬النعام[‪.‬وامتنع الرسول صلى الله عليه وسلم عن‬ ‫ْ‬ ‫دوا ً ب ِغَي ْرِ ِ‬
‫عل ٍ‬ ‫عَ ْ‬
‫إعادة بناء الكعبة على قواعد إبراهيم عليه السلم خشية حدوث فتنة؛ لن‬
‫شا حديثة عهد بالسلم‪.‬‬ ‫قري ً‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ومنهج المؤمن الذي رسمه النبي صلى الله عليه وسلم هو ما جاء في حديث‬
‫النعمان بن بشير رضي الله عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫س‬
‫ن الّنا ِ‬
‫م ْ‬ ‫ت َل ي َعْل َ ُ‬
‫مَها ك َِثيٌر ِ‬ ‫شب َّها ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ما ُ‬ ‫ن وَب َي ْن َهُ َ‬
‫م ب َي ّ ٌ‬‫حَرا ُ‬ ‫ن َوال ْ َ‬ ‫ل ب َي ّ ٌ‬‫حَل ُ‬ ‫وسلم‪] :‬ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ه[ رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫ض ِ‬‫عْر ِ‬ ‫دين ِهِ وَ ِ‬ ‫ست َب َْرأ ل ِ ِ‬
‫تا ْ‬ ‫شب َّها ِ‬ ‫م َ‬ ‫قى ال ْ ُ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫فَ َ‬
‫م ْ‬
‫فاتق الله يا عبد الله‪ ،‬وتذكر قول الشاعر‪:‬‬
‫وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان‬
‫فاستحي من نظر الله وقل لها إن الذي خلق الظلم يراني‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫ن]‪[88‬إ ِل َ‬‫ل َول ب َُنو َ‬ ‫ما ٌ‬ ‫فع ُ َ‬‫م ل ي َن ْ َ‬ ‫ما قال الله فيه‪ } :‬ي َوْ َ‬ ‫فهل تذكرت أخي يو ً‬
‫َ‬
‫م]‪] { [89‬الشعراء[‪.‬‬ ‫سِلي ٍ‬ ‫ب َ‬ ‫قل ْ ٍ‬‫ه بِ َ‬‫أَتى الل ّ َ‬
‫وتذكر يوم العرض على الجبار ليس بينك وبينه ترجمان‪ ،‬وبدأ يقررك بذنوبك‪،‬‬
‫ما تتطاير فيه الصحف‬ ‫فهل أعددت للسؤال جواًبا وللجواب صواًبا؟! وتذكر يو ً‬
‫ن يأخذها بشماله‪ ،‬فممن تحب أن تكون؟‬ ‫م ْ‬ ‫مّنا َ‬ ‫ن يأخذها بيمينه‪ ،‬و ِ‬ ‫م ْ‬‫مّنا َ‬
‫ِ‬
‫ول تنس أخي أننا سوف نسأل عن أربع‪:‬عن أعمارنا فيما أفنيناها! وعن شبابنا‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيما أبليناه ! وعن علمنا ماذا عملنا به ! وعن أموالنا من أين اكتسبناها وفيما‬
‫أنفقناها !‬
‫أخي ‪ ..‬إني أناشد عقلك وقلبك‪ :‬إن أمتنا المنكوبة يكفيها ما أصابها من جراح‬
‫وآلم‪ ،‬فهل من مداواتها وإنقاذها من الهلك والدمار أن نحضر إلى بيوتنا هذا‬
‫الجهاز المدمر؟! هل ستعود هذه المة يا أخي على مجدها وكرامتها بإحضارنا‬
‫هذا الجهاز الذي عرفت آثاره وأخطاره‪.‬‬
‫إنك تعلم في قرارة نفسك أنه لن يصلح حال أمتنا إل بما صلح به أولها‪ ،‬فهل‬
‫صلح أولها بتخليهم عن دينهم‪ ،‬وانغماسهم في شهوتهم وملذاتهم؟! أم جعلوا‬
‫ما‪ ،‬وتدرًبا على الرماية‪ ،‬وسعًيا في الرزق‪ ،‬وجعلوا ليلهم دعاًء‬‫نهارهم صيا ً‬
‫دا واستغفاًرا‪.‬‬‫وتهج ً‬
‫فيا أخي‪ :‬إن باب التوبة مفتوح‪ ،‬ورحمة الله واسعة‪ ،‬فهل تسير في ركاب‬
‫التائبين إلى ربهم؟! وهل سوف تجد هذه الكلمات مكاًنا في قلبك!! أسأل‬
‫الله تعالى ذلك‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫من رسالة‪':‬البث المباشر‪:‬آثار وأخطار' للشيخ‪ /‬محمد بن عبدالله بن صالح‬
‫الهبدان‬

‫)‪(4 /‬‬

‫البحتري وصف البركة(‬


‫عبيد‪ ،‬عربي طائي‪ ،‬نشأ في منبج ثم قصد‬ ‫عبادة‪ ،‬الوليد بن ُ‬ ‫البحتري‪ :‬هو أبو ُ‬
‫بغداد‪ ،‬ومدح من اتصل بهم من الخلفاء والقواد والمراء‪ ،‬ونال جوائزهم‪ ،‬ثم‬
‫درت عيشة البحتري بعده‬ ‫اختص بالخليفة المتوكل‪ ،‬ولزمه حتى قتل‪ ،‬وتك ّ‬
‫حتى مات سنة ‪284‬هـ‪.‬‬
‫يمتاز شعره بالعذوبة والفصاحة والجزالة‪ ،‬ومعانيه من وحي الخيال والشعور‪،‬‬
‫ل من العلم والمنطق‪ ،‬وهو يجيد سبك اللفاظ أكثر من المعنى‪ ،‬كما أنه‬
‫ور بارع للعواطف النسانية‪.‬‬‫صاف ماهر للوان الحضارة المادية‪ ،‬ومص ّ‬ ‫و ّ‬
‫ّ‬
‫والبيات التالية من قصيدة له‪ ،‬يصف فيها بركة المتوكل‪:‬‬
‫ت إذا لحت مغانيها‬ ‫والنسا ِ‬
‫ً‬
‫سن طورا‪ ،‬وأطوارا ‪ُii‬تباهيها‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ح ْ‬‫في ال ٍُ‬
‫مجريها‬ ‫ة من حبل ‪ُ ii‬‬ ‫كالخيل‪ ،‬خارج ً‬
‫من السبائك‪ ،‬تجري في ‪ii‬مجاريها‬
‫ن‪ ،‬مصقول ً حواشيها‬ ‫ش ِ‬‫ل الجوا ِ‬ ‫مث َ‬
‫وّريقُ الغيث أحيانا ً يباكيها‬
‫ت ‪ii‬فيها‬ ‫كب ْ‬‫ت سماًء ُر ّ‬ ‫ليل ً حسب َ‬
‫لُبعد ما بين قاصيها ‪ii‬ودانيها‬
‫ض في جوّ ‪ii‬خوافيها‬ ‫كالطير تنق ّ‬
‫ش الطواويس تحكيه ‪ii‬وَيحكيها ‪ - 1 ...‬يا من رأى البركة الحسناء رؤيُتها‬ ‫ري َ‬
‫سها‬ ‫ة كالَغيرى‪ُii ،‬تنافِ ُ‬ ‫ل دجل َ‬ ‫‪ - 2‬ما با ُ‬
‫ة‬‫معجل ً‬ ‫ب فيها وفود ُ الماِء ‪ُ ii‬‬ ‫‪ - 3‬تنص ّ‬
‫ة‬
‫ضة البيضاء ‪ii‬سائل ً‬ ‫‪ - 4‬كأنما الف ّ‬
‫حُبكا ً‬‫ت لها ‪ُ ii‬‬ ‫صبا أبد ْ‬ ‫‪ - 5‬إذا عَلتها ال ّ‬
‫س أحيانا ً ‪ُii‬يضاحكها‬ ‫ب الشم ِ‬ ‫‪ - 6‬فحاج ُ‬
‫م تراءت في ‪ii‬جوانبها‬ ‫‪ - 7‬إذا النجو ُ‬
‫مك المحصوُر ‪ii‬غايتها‬ ‫ُ‬ ‫س َ‬ ‫‪ - 8‬ل َيبُلغ ال ّ‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ط ‪ii‬مجّنحةٍ‬ ‫ن فيها بأوسا ٍ‬‫م َ‬


‫‪ - 9‬ي َعُ ْ‬
‫ض‪ ،‬ل تزال ‪ii‬ترى‬ ‫ة بريا ٍ‬
‫‪ - 10‬محفوف ٌ‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫)‪(1‬المغاني‪ :‬ج المغنى‪ ،‬وهو المنزل‪.‬‬
‫حبك‪ :‬يريد تجعد سطح الماء – الجواشن جمع‬ ‫)‪ (5‬الصبا‪ :‬ريح شرقية – ال ُ‬
‫جوشن وهو الدرع‪.‬‬
‫)‪ (6‬رّيق الغيث‪ :‬أوله وأفضله‪.‬‬
‫)‪ (7‬تراءت‪ :‬ظهرت منعكسة‪.‬‬
‫م‬
‫)‪ (9‬أي كالطير حينما تكسر أجنحتها للنقضاض‪ .‬والخوافي‪ :‬ريشات إذا ض ّ‬
‫الطائر جناحيه خفيت‬

‫)‪(1 /‬‬

‫البدعة في عصرالعولمة‬
‫الكاتب‪ :‬الشيخ د‪.‬سعيد بن ناصر الغامدي‬
‫مة‬‫البدعة في عصر العول َ َ‬
‫يشي هذا العنوان ‪ -‬كما فهمت ‪ -‬بأن الحديث عن البدعة في عصر العولمة‬
‫من نافلة القول أو من ساقطه‪ ،‬وُرّبما كان ورود مثل هذه الفكرة الساخرة‬
‫في هذه القضية وأمثالها سببا ً تسويفيا ً في إسقاطات فكرية واجتماعية‬
‫وثقافية ُتمارس بل وعي‪ ،‬وتدخل صاحبها والمتأثر به في فوضى وضبابية‬
‫ليدري بعدها أين يتجه‪.‬‬
‫العولمة تعني عند المعجبين بها والخائفين منها من غير الواعين لها ولجذورها‬
‫تعني حالة جبرية لُيمكن النفكاك منها‪ ،‬وبذلك تصبح ‪-‬عندهم‪ -‬مفهوما ً شموليا ً‬
‫ضارب الطناب واسع الرجاء‪ُ ،‬يمكنه بكل بساطة أن يستوعب أو يضم كل‬
‫مخالف له من مبدأ أو فكرة أو كيان‪.‬‬
‫وهذا تصنيم للعولمة ودينونة خضوعية لمتطلباتها وأدواتها والقوى القائمة‬
‫خلفها‪ ،‬دينونة قائمة على الخوف منها أو العجاب بها والحب لها‪.‬‬
‫ومن هنا يقع الرتباك عند البعض ويبين ما يؤمن به دينًا‪ ،‬وما استقر في ذهنه‬
‫عن العولمة فكرا ً وممارسة‪ ،‬ينتج من هذه الحالة الحالة غياب الضوابط‬
‫والمعايير الشرعية‪ ،‬ولذلك أسباب أظهرها‪:‬‬
‫‪ - 1‬المعرفة السطحية بالدين والمعرفة المفصلة بفكر وثقافة الخر‪.‬‬
‫‪ - 2‬النفسية المشحونة بالخوف والضطراب وضعف الثقة‪.‬‬
‫‪ - 3‬السلوكيات الشخصية أو الكتابية الخاطئة من بعض المتمسكين بالدين‬
‫والسلوكيات المائلة نحو النفلت من المتأثرين بالتيارات والفكار المستعارة‪.‬‬
‫فهذه ثلثة أسباب أحدها ذهني عقلي والثاني نفسي شعوري والثالث عملي‬
‫أدت ‪-‬مع غيرها‪ -‬إلى هذه الحالة المركبة التي يعيشها بعض أبناء الجيل‪ ،‬فهو‬
‫يريد المواءمة في حالة إيمانه بالدين واحترامه له بين هذا الذي يؤمن به‬
‫إجمال ً ويحترمه‪ ،‬وبين المعطيات الحديثة ‪.‬‬
‫ما يزيد حالة الرتباك هذه الخلط الهائل والخطير بين ))مقتضيات العصر‬ ‫م ّ‬‫و ِ‬
‫وأهواء العصر(( فمن ليعرف الفرق بين المرين يقع في حالت مضطربة‬
‫ورؤى مشوشة وخيبات أمل كبيرة‪.‬‬
‫ما نحن بصدده هنا قضية ))البدعة(( حيث يوجد لبس كبير عند بعض‬ ‫م ّ‬‫و ِ‬
‫المثقفين من التيارين ))الملتزم بالسلم‪ ،‬والملتزم بغيره(( وخلط عجيب بين‬
‫البدعة والبداع والتقنية والبداع‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فهناك من يرى أن أي مسلك أو مهارة أو فكرة ليوجد عليها نص في القرآن‬


‫والسنة فهي بدعة وضللة‪ ،‬وبالتالي يجب أن تنفى وتطرح‪ ،‬وهناك من يرى‬
‫أن أي مفهوم أو مذهب أو سلوك جديد ثبتت فائدته فإنه يجب أن يؤخذ‬
‫ويعتنق‪.‬‬
‫وقد يستدل بعضهم في غمار تسويق الفكار الحديثة المنافية للدين أو‬
‫المخالفة له‪ ،‬بأننا قد استوردنا الحاسب والتلفاز والسيارة والطيارة‪ ،‬وأخذنا‬
‫بها في المانع أن نأخذ منهم الفكار والمفاهيم‪ ،‬وهنا أعود إلى التذكير بقضية‬
‫الخلط بين ))لوازم العصر وأمراض العصر((‪.‬‬
‫ولقد ولدت هذه الفكار حالت من النفصام الشديد في المجتمعات‬
‫السلمية أدت إلى تغيير حالة المة الوجدانية‪ ،‬ومن بين الشعارات والتعابير‬
‫المتطرفة برزت ذهنية القصاء المتمثلة في منع المحجبات من الدراسة‬
‫والعمل والملتحين من دخول الجيش وصاحب الميول الديني من الممارسات‬
‫العامة ))والمثلة كثيرة ومعروفة((‪ ،‬ومن المعروف اجتماعيا ً أن المجتمع‬
‫الذي تغيب عن ذهنه الضالة المنشودة للمعنى والمقصد الذي تكون منه‬
‫وتركب على أساسه هو مجتمع ميت من حيث الجوهر‪.‬‬
‫ومن خلل الخمسين سنة الماضية تمكنت تلك التيارات من تكسير بعض‬
‫مفاهيم الصلب الجتماعي وتهشيم فقاره‪ ،‬ولول بقية باقية من أهل المنهج‬
‫السليم لكانت الكارثة أكبر‪.‬‬
‫ما أصبح الحديث عنها في غمار‬ ‫ومن هذه المفاهيم مفهوم ))البدعة(( التي ُرب ّ َ‬
‫وطيس تحقيق الهوية والنتماء الساسي من نافلة القول‪.‬‬
‫ً‬
‫فهناك من يستبعد قضية الهوية من الصل‪ ،‬ويعتبر التعلق بها سببا للتخلف‪،‬‬
‫وهناك من يعادي هوية المة وروحها‪ ،‬وهناك وهناك ممن تطرفوا في المناوأة‬
‫والغتراب‪.‬‬
‫وهناك من استقرت عنده مسألة هوية المة وروحها ولكن يأتيه الغبيش من‬
‫مسارب الشفيرات العديدة في التفكير والمعرفة الحديثة ومن سلطان‬
‫المفاهيم العلمية والتقنية وضعف معرفته بالبوصلة الصلية‪.‬‬
‫ما ينبغي معرفته أن قضية البدعة مرتبطة في الصل بمفهوم الدين‬ ‫م ّ‬
‫و ِ‬
‫ومفهوم العبودية لله رب العالمين‪ ،‬فالدين يعني الدينونة الكاملة لما جاء من‬
‫عند الله تعالى من وحي ثابت‪ ،‬والعبودية تعني خضوع العبد لمر الله سبحانه‬
‫في كل شأن من شؤونه ‪ ،‬وعلى هذا فإن أية زيادة في الدين أو نقصان منه‬
‫أريد بها التعبد لله تعالى فهي بدعة مردودة على صاحبها‪.‬‬
‫وبهذا المفهوم الراسخ ينضبط نظام التدين عند الناس ‪ ،‬وليبقى شيء من‬
‫ذلك خارج السلطة الدينية الشاملة الكاملة ‪ ،‬والبدعة بهذا المفهوم تعني كل‬
‫ما ليس له أصل في الدين‬ ‫م ّ‬ ‫ما فعل أو ترك بقصد القربة إلى الله تعالى ِ‬
‫سواء كان من قبيل العبادات أو المعاملت أو العقائد أو العادات‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ي كمثل‬‫ما العبادات المحضة والعقائد الدينية فدخول البتداع فيها واضح جل ّ‬‫أ ّ‬
‫من يزيد ركعة خامسة في صلة رباعية أو يعتقد أن الله تعالى ليست له‬
‫صفات أو يعتقد أن الملئكة ليسوا بعقلء‪.‬‬
‫ل الدليل‬ ‫ّ‬
‫ما المعاملت والعادات فالصل فيها الباحة وعدم المنع إل ما د ّ‬ ‫أ ّ‬
‫الشرعي على منعه‪ ،‬وتختلف عن العبادات من جهة أن العبادات لها وجه‬
‫ما المعاملت والعادات فلها أوجه عديدة‬ ‫واحد هو التقرب لله والخضوع له‪ ،‬أ ّ‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫منها تحقيق المصالح الدنيوية وتحصيل المآرب الذاتية‪ ،‬ولكنها لتخلو من تعبد‪،‬‬
‫ففيها التزام بأوامر الشرع العامة‪ ،‬وفيها مقصد عبادي يتمثل في قول بعض‬
‫العلماء‪)) :‬النيات الخالصات تحول العادات إلى عبادات(( ‪ ،‬وفي الحديث‬
‫ما ‪ -‬مثل ً ‪ -‬ولبس لونا ً‬
‫النبوي‪)) :‬وفي بضع أحدكم صدقة(( لكن لو جاء شخص ّ‬
‫أخضر وقال بأن الصلة في اللون الخضر تقرب إلى الله نقول له حينئذ ٍ قد‬
‫ابتدعت‪ ،‬ومثل ً ))حلق الرأس(( مسألة عادية لو فعلها تخففا ً من مؤنة الشعر‪،‬‬
‫وعبادة إذا فعلها بعد الحج أو العمرة‪ ،‬ومستحبة إذا كان للتطبب والبحث عن‬
‫العلج‪ ،‬وبدعة إذا حلق رأسه عند شيخه إعلنا ً للتوبة كما تفعل بعض الطرق‬
‫الصوفية‪.‬‬
‫بيد أن المعاملت والعادات تبقى على أصلها من حيث الباحة حتى يرد عليها‬
‫ما يستحق حكما ً بالمنع الشرعي لبدعيته أو لمخالفته‪.‬‬
‫وعلى هذه القاعدة فإن المور الدنيوية والحوال المعيشية والمنتجات التقنية‬
‫والمهارات الدارية تبقى على وصف الباحة بل بعضها يأخذ صفة الوجوب‬
‫الشرعي‪ ،‬بحسب الحاجة والضرورة‪ ،‬ولتدخل في باب البدعة إل ّ في حالت‬
‫قليلة ونادرة‪.‬‬
‫والسلم دعا إلى إعمال العقل وبذل الجهد لعمارة الحياة الدنيا في شتى‬
‫نواحيها وتحصيل السعادة الدنيوية الحقيقية‪ ،‬والترقي في درجات النمو‬
‫الحياتي ‪ ،‬كما دعا إلى الثبات على أمور الدين كما جاءت في الوحي‬
‫المعصوم‪.‬‬
‫والذي حصل في حياة المسلمين ‪-‬للسف‪ -‬أنهم ابتدعوا في أمور الدين‪،‬‬
‫والبدعة في الدين ضللة‪ ،‬وجمدوا في أمور الدنيا والجمود في أمور الدنيا‬
‫جهالة‪.‬‬
‫والمخَرج من هذه الدّوامة هو بالعتصام الصادق بكتاب الله وسنة رسوله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬والجتهاد في الخذ بأسباب التقدم الحقيقي التي هي‬
‫من مقتضيات الرقي والمدنية‪ ،‬والفرز الصحيح بين هذه المقتنيات اللزمة‬
‫والدواء الفكرية والسلوكية والشعورية المصاحبة لها‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫البدعة ‪...‬‬
‫موقع المنبر ‪...‬‬
‫‪...‬‬
‫أوًل‪ :‬تعريف البدعة‪:‬‬
‫البدعة في اللغة‪ :‬قال ابن فارس‪» :‬الباء والدال والعين أصلن‪ :‬أحدهما ابتداء‬
‫الشيء وصنعه ل عن مثال‪ ،‬والخر‪ :‬النقطاع والكلل«‪].‬مقاييس اللغة‪ :‬بدع[‬
‫ما‬ ‫والبدعة‪ :‬الشيء المخترع على غير مثال سابق‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪? :‬قُ ْ‬
‫ل َ‬
‫ل? ]الحقاف‪] .[9:‬لسان العرب‪ :‬بدع[‬ ‫س ِ‬‫ن الّر ُ‬
‫م َ‬
‫عا ّ‬
‫ت ب ِد ْ ً‬ ‫ُ‬
‫كن ُ‬
‫سنة أو أثًرا عن‬
‫ي‪» :‬والبدعة ما خالف كتاًبا أو ُ‬
‫البدعة في الشرع‪ :‬قال الشافع ّ‬
‫بعض أصحاب رسول الله‪-‬صلى الله عليه وسلم‪] «-‬إعلم الموقعين‪.[1/80 :‬‬
‫ل ما لم ُيعهد في عهد رسول الله ‪-‬صلى الله‬ ‫قال العّز بن عبد السلم‪» :‬فع ُ‬
‫عليه وسلم‪] «-‬قواعد الحكام‪.[2/172 :‬‬
‫ل لم يكن؛ فابتدع«‪] .‬تلبيس إبليس‪:‬‬ ‫قال ابن الجوزي‪» :‬البدعة عبارة عن فع ٍ‬
‫ص ‪[16‬‬
‫قال ابن رجب‪» :‬والمراد بالبدعة‪ :‬ما أحدث مما ل أصل له في الشريعة يدل‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عا‪ ،‬وإن‬ ‫عليه‪ ،‬فأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه‪ ،‬فليس ببدعة شر ً‬
‫كان بدعة لغة«‪] .‬جامع العلوم والحكم‪.[2/127 :‬‬
‫ي‪» :‬طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية‪ ،‬يقصد بالسلوك‬ ‫قال الشاطب ّ‬
‫عليها المبالغة في التعبد لله تعالى«‪] .‬العتصام‪.[1/51 :‬‬
‫ن صاحبها‬ ‫عد ّ للسير عليه‪ ،‬وقُّيدت بالدين ل ّ‬ ‫‪ -‬طريقة في الدين‪ ،‬الطريقة‪ :‬ما أ ُ ِ‬
‫يضيفها إليه‪.‬‬
‫ل سابق‪ ،‬ل تعرف في الدين‪.‬‬ ‫‪ -‬مخترعة‪ :‬أي جاءت على غير مثا ٍ‬
‫‪ -‬تضاهي الشرعية‪ :‬تشبهها وليست منها‪.‬‬
‫‪ -‬يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد‪ :‬لنه المقصود منها‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬قواعد عامة لمعرفة البدعة‪:‬‬
‫‪ .1‬كل عبادة ليس لها مستند ٌ إل ّ حديث مكذوب على رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فهي بدعة مثل صلة الرغائب‪.‬‬
‫‪ .2‬إذا ترك الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فعل عبادة من العبادات مع كون‬
‫ما ثابًتا‪ ،‬والمانع منتفًيا؛ فإن فعلها بدعة‪ .‬مثل‬ ‫موجبها وسببها المقتضي لها قائ ً‬
‫التلفظ بالنية عند الدخول في الصلة‪ ،‬والذان لغير الصلوات الخمس‪،‬‬
‫والصلة عقب السعي بين الصفا والمروة‪.‬‬
‫‪ .3‬كل تقرب إلى الله بفعل شيء من العادات أو المعاملت من وجه لم‬
‫يعتبره الشارع فهو بدعة‪ ،‬مثل اتخاذ لبس الصوف عبادة وطريقة إلى الله‪،‬‬
‫والتقرب إلى الله بالصمت الدائم‪ ،‬أو بالمتناع عن الخبز واللحم وشرب الماء‬
‫البارد‪ ،‬أو بالقيام في الشمس وترك الستظلل‪.‬‬
‫‪ .4‬كل تقرب إلى الله بفعل ما َنهى عنه سبحانه فهو بدعة‪ ،‬مثل التقرب إلى‬
‫الله –تعالى‪ -‬بالغناء‪.‬‬
‫ه ِبها يجب أن تتحقق فيها المتابعة للرسول ‪-‬صلى الله‬ ‫‪ .5‬كل عبادة ُيتعبد الل ُ‬
‫ّ‬
‫عليه وسلم‪ ،-‬ول يتحقق فيها ذلك إل بموافقتها للشريعة في ستة أوصاف‪،‬‬
‫فتغيير صفةٍ من هذه الصفات بدعة‪ ،‬وهذه الصفات الست هي‪:‬‬
‫ب‬‫‪ -1‬أن تكون العبادة موافقة للشريعة في سببها‪ ،‬فأيّ عبادة ليس لها سب ٌ‬
‫ي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪.-‬‬ ‫ت بالشرع مردودة‪ ،‬مثل الحتفال بمولد النب ّ‬ ‫ثاب ٌ‬
‫‪ -2‬أن تكون موافقة للشريعة في جنسها‪ ،‬فلو ضحى أحد ٌ بفرس كان بذلك‬
‫فا للشريعة‪.‬‬ ‫مخال ً‬
‫من زاد في الصلة –الظهر‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫قدرها‪،‬‬ ‫في‬ ‫للشريعة‬ ‫موافقة‬ ‫العبادة‬ ‫تكون‬ ‫أن‬ ‫‪-3‬‬
‫قا للشريعة بالعبادة في قدرها‪.‬‬ ‫ل‪ -‬ركعتين لم يكن مواف ً‬ ‫مث ً‬
‫‪ -4‬أن تكون العبادة موافقة للشريعة في كيفيتها‪ ،‬فمن ابتدأ في وضوئه‬
‫قا للشريعة في كيفيتها‪.‬‬ ‫بغسل الرجلين ثم مسح الرأس لم يكن مواف ً‬
‫‪ -5‬أن تكون العبادة موافقة للشريعة في زماِنها‪ ،‬فل تصح صلة الظهر قبل‬
‫الزوال‪.‬‬
‫‪ -6‬أن تكون العبادة موافقة للشريعة في مكاِنها‪ ،‬فل يصح في اليوم التاسع‬
‫من ذي الحجة الوقوف بغير عرفة‪] .‬دروس وفتاوى الحرم المكي لبن‬
‫عثيمين‪.[19-1/17 :‬‬
‫ثالًثا‪ :‬خطر البدعة‪ ،‬وما ينتج عنها من آثار‪:‬‬
‫‪ -1‬إحداث في الدين‪ -2 .‬البدعة بريد الكفر‪ -3 .‬القول على الله بغير‪-4 .‬‬
‫ك على صاحب الشريعة‪ -5 .‬تفريق المة‪ -6 .‬هجر السنة‪ -7 .‬الفتنة‪.‬‬ ‫استدرا ٌ‬
‫‪ -8‬اتهام صاحب الرسالة‪ -9 .‬مضاهاة النبياء في النبوة‪ -10 .‬تحريف الدين‬
‫وتبديله‪.‬‬
‫رابًعا‪ :‬شبهات المبتدعة‪:‬‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن في السلم سنة‬ ‫‪ -1‬عن رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬قال‪) :‬من س ّ‬
‫حسنة‪ ،‬فله أجرها وأجر من عمل ِبها إلى يوم القيامة‪ ،‬ومن سن في السلم‬
‫سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل ِبها إلى يوم القيامة(‪].‬أخرجه مسلم من‬
‫حديث جرير بن عبد الله البجلي مطوًل‪[1017 :‬‬
‫‪ -2‬عن عمر ‪-‬رضي الله عنه‪ ،-‬قال عن صلة التراويح جماعة في المسجد‪:‬‬
‫)نعمت البدعة هذه( ]أخرجه البخاري في صحيحه‪.[2010 :‬‬
‫ن‪ ،‬وما‬
‫‪ -3‬قول ابن مسعود‪» :‬فما رأى المسلمون حسًنا‪ ،‬فهو عند الله حس ٌ‬
‫سن الشيخ شعيب‬ ‫رأوا سيًئا فهو عند الله سيئ«‪] .‬المسند )‪ ،(1/379‬وح ّ‬
‫إسناده في طبعته‪[6/84 :‬‬
‫‪ -4‬تقسيم العّز بن عبد السلم البدعة إلى واجب ومستحب وحرام ومكروه‬
‫ومباح‪.‬‬
‫سا‪ :‬الرد ّ على الشبهات على الترتيب‪:‬‬
‫خام ً‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ي رّدا على المستدل بالحديث‪» :‬يلزم منه التعارض بين‬ ‫‪ -1‬قال الشاطب ّ‬
‫ن السبب الذي جاء لجله الحديث هو الصدقة المشروعة‪ ،‬بدليل‬ ‫الدلة‪ ،‬على أ ّ‬
‫ما في الصحيح من حديث جرير بن عبد الله ‪-‬رضي الله عنهما‪ ،-‬قال‪) :‬كنا‬
‫عند رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬في صدر النهار فجاءه قوم حفاة‬
‫عراة مجتابي النمار ‪-‬أو العباءة‪ -‬متقلدي السيوف‪ ،‬عامتهم من مضر‪ ،‬بل‬
‫كلهم من مضر‪ ،‬فتمعر وجه رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬لما رأى ِبهم‬
‫من الفاقة‪ ،‬فدخل ثم خرج‪ ،‬فأمر بلًل فأّذن وأقام فصّلى‪ ،‬ثم خطب‪ ،‬فقال‪? :‬‬
‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ة? إلى آخر الية‪? :‬إ ِ ّ‬ ‫حد َ ٍ‬
‫س وا ِ‬
‫ف ٍ‬ ‫من ن ّ ْ‬ ‫قك ُ ْ‬
‫م ّ‬ ‫خل َ َ‬
‫ذى َ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫قوا ْ َرب ّك ُ ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫ي َأي َّها الّنا ُ‬
‫ه وَل َْتنظ ُْر‬
‫قوا ْ الل ّ َ‬
‫ب? ]النساء‪ .[1:‬والية التي في الحشر‪? :‬ات ّ ُ‬ ‫م َرِقي ً‬ ‫ن عَل َي ْك ُ ْ‬
‫كا َ‬ ‫َ‬
‫د? ]الحشر‪ .[18 :‬وبعد‪ :‬تصدق رجل من ديناره‪ ،‬من‬ ‫ت ل ِغَ ٍ‬‫م ْ‬ ‫ما قَد ّ َ‬ ‫س ّ‬ ‫ف ٌ‬ ‫نَ ْ‬
‫درهمه‪ ،‬من ثوبه‪ ،‬من صاع بره‪ ،‬من صاع تمره‪ ،‬حتى قال‪ :‬ولو بشق تمرة‪،‬‬
‫صَرة كادت كفه تعجز عنها‪ ،‬بل قد عجزت‪،‬‬ ‫قال‪ :‬فجاءه رجل من النصار ب ِ ُ‬
‫قال‪ :‬ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب‪ ،‬حتى رأيت وجه‬
‫رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يتهلل كأنه مذهبة‪ ،‬فقال رسول الله‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ :-‬من سن في السلم سنة حسنة فله أجرها وأجر من‬
‫عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء( فتأملوا قول رسول الله‬
‫ن سنة حسنة( تجدوا ذلك فيمن عمل‬ ‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) :-‬من س ّ‬
‫بمقتضى المذكور على أبلغ ما يقدر عليه‪ ،‬حتى بتلك الصّرة‪ ،‬فانفتح بسببه‬
‫سّر بذلك رسول الله ‪-‬صلى الله عليه‬ ‫باب الصدقة على الوجه البلغ‪ ،‬ف ُ‬
‫ن‬
‫وسلم‪ -‬حتى قال‪) :‬من سن في السلم سنة حسنة( الحديث‪ ،‬فدل على أ ّ‬
‫السنة هاهنا مثل ما فعل الصحابي‪ ،‬وهو العمل بما ثبت كونه سّنة«‪.‬‬
‫]العتصام‪[145-1/142 :‬‬
‫ما ما وقع في كلم السلف من استحسان بعض البدع‪،‬‬ ‫‪ -2‬قال ابن رجب‪» :‬وأ ّ‬
‫فإنما ذلك في البدع اللغوية ل الشرعية‪ ،‬فمن ذلك قول عمر ‪-‬رضي الله عنه‪-‬‬
‫ما جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد في المسجد‪ ،‬وخرج ورآهم‬ ‫ل ّ‬
‫يصلون كذلك‪ ،‬فقال‪ :‬نعمت البدعة هذه«‪] .‬جامع العلوم والحكم‪.[1/129 :‬‬
‫ن‬‫ن المراد بهم الصحابة‪ ،‬على أ ّ‬ ‫سوق يقتضي أ ّ‬ ‫‪ -3‬قال السندي‪» :‬ظاهر ال ّ‬
‫التعريف للعهد‪ ،‬فالحديث مخصوص بإجماع الصحابة ل يعم إجماع غيرهم‪،‬‬
‫فضًل عن أن يعم رأي بعض‪ ،‬ثم الحديث مع ذلك موقوف غير مرفوع«‪] .‬نقلً‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سوق المراد منه‪:‬‬ ‫عن تعليق الشيخ شعيب في طبعته للمسند‪ ،[6/85 :‬وال ّ‬
‫سياق الكلم‪.‬‬
‫ن هذا التقسيم أمر مخترع ل يدل عليه دليل شرعي‪ ،‬بل‬ ‫ي‪» :‬إ ّ‬ ‫‪ -4‬قال الشاطب ّ‬
‫ن حقيقة البدعة أن ل يدل عليها دليل شرعي‪ ،‬ل من‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫متدافع؛‬ ‫هو في نفسه‬
‫نصوص الشرع‪ ،‬ول من قواعده؛ إذ لو كان هنالك ما يدل من الشرع على‬
‫وجوب أو ندب أو إباحة لما كان ثم بدعة‪ ،‬ولكان العمل داخًل في عموم‬
‫عا‪ ،‬وبين‬‫العمال المأمور بها أو المخّير فيها‪ ،‬فالجمع بين عد ّ تلك الشياء بد ً‬
‫كون الدلة تدل على وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمع بين متنافيين«‬
‫]العتصام‪.[220-1/188 :‬‬
‫سا‪ :‬أسباب البتداع‪:‬‬ ‫ساد ً‬
‫‪ -1‬الجهل‪ -2 .‬اتباع الهوى‪ -3 .‬التعلق بالشبهات‪ -4 .‬العتماد على العقل‬
‫المجرد‪ -5 .‬سكوت العلماء‪ -6 .‬العتماد على أحاديث ضعيفة‪ ،‬أو موضوعة‪.‬‬
‫‪ -7‬ردود الفعال‪ -8 .‬عدم التقّيد بفهم السلف الصالح‪ -9 .‬التقليد العمى‪.‬‬
‫‪ -10‬عدم اتباع العلماء الربانيين‪.‬‬
‫سابًعا‪ :‬سبل القضاء على البدعة‪:‬‬
‫ما ينتج عنها من آثار‪.‬‬ ‫‪ -1‬التعريف بخطر البدعة‪ ،‬والتحذير منها‪ ،‬وم ّ‬
‫‪ -2‬الدعوة إلى التمسك والعتصام بكتاب الله وسنة رسول الله ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬وفهمهما كما فهمهما السلف‪.‬‬
‫‪ -3‬الدعوة والعمل على تمييز صحيح السنة من ضعيفها‪.‬‬
‫‪ -4‬تصفية المذاهب الفقهّية من بدعة التعصب المذهبي‪.‬‬
‫‪ -5‬نشر العلم وتصحيح المعتقدات والعبادات والمعاملت بين عامة الناس‪.‬‬
‫‪ -6‬التحذير من أهل البدع والنهي عن مجالستهم‪ ،‬وعدم التمكين لهم‪.‬‬
‫‪ -7‬الخذ عن العلماء الربانيين‪ ،‬والئمة المهديين‪.‬‬
‫ثامًنا‪ :‬اليات القرآنية ‪:‬‬
‫ع? ]آل عمران‪.[103 :‬‬ ‫مي ً‬‫ج ِ‬ ‫ّ‬
‫ل اللهِ َ‬ ‫حب ْ ِ‬ ‫موا ْ ب ِ َ‬ ‫ص ُ‬
‫‪َ? -1‬واعْت َ ِ‬
‫قال ابن مسعود ‪-‬رضي الله عنه‪) :-‬حبل الله الجماعة( ]أخرجه الطبري في‬
‫تفسيره‪.[4/30 :‬‬
‫ي‪» :‬فأوجب تعالى علينا التمسك بكتابه وسنة نبيه والرجوع إليهما‬ ‫قال القرطب ّ‬
‫عند الختلف‪ ،‬وأمرنا بالجتماع على العتصام بالكتاب والسنة اعتقادا وعمل‪،‬‬
‫وذلك سبب اتفاق الكلمة وانتظام الشتات الذي يتم به مصالح الدنيا والدين‪،‬‬
‫والسلمة من الختلف‪ ،‬وأمر بالجتماع‪ ،‬وَنهى عن الفتراق الذي حصل لهل‬
‫الكتابين« ]جامع أحكام القرآن‪.[4/164 :‬‬
‫ت? ]آل‬ ‫م ال ْب َي َّنا ُ‬
‫جاءهُ ُ‬
‫ما َ‬
‫من ب َعْد ِ َ‬‫فوا ْ ِ‬
‫خت َل َ ُ‬‫فّرُقوا ْ َوا ْ‬ ‫ن تَ َ‬‫ذي َ‬‫كال ّ ِ‬‫كوُنوا ْ َ‬ ‫‪? -2‬وَل َ ت َ ُ‬
‫عمران‪.[105:‬‬
‫ي‪» :‬يعني اليهود والنصارى في قول جمهور المفسرين‪ ،‬وقال‬ ‫قال القرطب ّ‬
‫ي‪.[4/166 :‬‬ ‫بعضهم‪ :‬هم المبتدعة من هذه المة« ]تفسير القرطب ّ‬
‫ه? ]آل عمران‪.[106 :‬‬ ‫جو ٌ‬ ‫سوَد ّ وُ ُ‬
‫جوه ٌ وَت َ ْ‬ ‫ض وُ ُ‬ ‫م ت َب ْي َ ّ‬
‫‪? -3‬ي َوْ َ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫قال ابن عّباس ‪-‬رضي الله عنهما‪) :-‬تبيض وجوه أهل السنة‪ ،‬وتسود وجوه‬
‫ي‪ ،4/167 :‬تفسير ابن كثير‪.[2/76 :‬‬ ‫أهل البدعة( ]القرطب ّ‬
‫دل أو ابتدع في دين الله ما ل يرضاه الله‪ ،‬ولم يأذن‬
‫ي‪» :‬فمن ب ّ‬
‫قال القرطب ّ‬
‫به الله فهو من المطرودين عن الحوض المبتعدين منه المسودي الوجوه‪،‬‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأشدهم طرًدا وإبعاًدا من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم‪ ،‬كالخوارج‬


‫ضللها‪ ،‬والمعتزلة على أصناف‬ ‫على اختلف فرقها‪ ،‬والروافض على تباين َ‬
‫أهوائها‪ ،‬فهؤلء كلهم مبدلون ومبتدعون‪ ،‬وكذلك الظلمة المسرفون في‬
‫الجور والظلم وطمس الحق‪ ،‬وقتل أهله وإذللهم‪ ،‬والمعلنون بالكبائر‬
‫ل ُيخاف عليهم‬ ‫المستخفون بالمعاصي‪ ،‬وجماعة أهل الزيع والهواء والبدع‪ ،‬ك ّ‬
‫ي‪.[4/168 :‬‬ ‫أن يكونوا عُُنوا بالية والخبر كما بّينا« ]تفسير القرطب ّ‬
‫خت َِلًفا ك َِثيًر? ]النساء‪.[82:‬‬ ‫دوا ْ ِفيهِ ا ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫عند ِ غَي ْرِ الل ّهِ ل َوَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫‪? -4‬وَل َوْ َ‬
‫فرقة والختلف‪ ،‬والبدعة‬ ‫أمر الله تعالى بالجماعة والئتلف‪ ،‬وَنهى عن ال ُ‬
‫سبب من أسباب الختلف‪.‬‬
‫هدىً لجتمع‪ ،‬ولكّنه كان ضللً‬ ‫قال قتادة‪» :‬ولعمري لو كان أمر الخوارج ُ‬
‫فتفرق‪ ،‬وكذلك المر إذا كان من عند غير الله وجدت فيه اختلًفا كثيًرا«‬
‫]أخرجه الطبريّ في تفسيره‪.[3/178 :‬‬
‫ن‬ ‫مؤْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ْ‬
‫ل ال ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫دى وَي َت ّب ِعْ غي َْر َ‬ ‫ْ‬
‫ه الهُ َ‬ ‫نل ُ‬ ‫َ‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ق الّر ُ‬ ‫من ي ُ َ‬
‫شاقِ ِ‬ ‫‪? -5‬وَ َ‬
‫صيًر? ]النساء‪.[115:‬‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ساء ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬‫صل ِهِ َ‬ ‫ما ت َوَلى وَن ُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن ُوَل ّهِ َ‬
‫قال ابن كثير‪» :‬أي‪ :‬ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول‬
‫ق والشرع في شق‪ ،‬وذلك عن عمدٍ منه‬ ‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فصار في ش ٍ‬
‫ق‪ ،‬وتبّين له‪ ،‬واتضح له«‪] .‬تفسير ابن كثير‪.[2/365 :‬‬ ‫بعدما ظهر له الح ّ‬
‫َ‬ ‫‪? -6‬ال ْيو َ‬
‫مِتي? ]المائدة‪.[3:‬‬ ‫م ن ِعْ َ‬ ‫ت عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَأت ْ َ‬ ‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫م أك ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫دا‬‫ً‬ ‫محم‬ ‫أن‬ ‫زعم‬ ‫فقد‬ ‫حسنة؛‬ ‫يراها‬ ‫بدعة‬ ‫السلم‬ ‫في‬ ‫ابتدع‬ ‫»من‬ ‫مالك‪:‬‬ ‫قال‬
‫َ‬
‫م?‪ ،‬فما لم يكن يومئذ‬ ‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫م أك ْ َ‬ ‫ن الله يقول‪? :‬ال ْي َوْ َ‬ ‫خان الرسالة؛ ل ّ‬
‫ديًنا؛ فل يكون اليوم ديًنا«‪] .‬العتصام‪.[1/64 :‬‬
‫قال ابن كثير‪» :‬هذه أكبر نعم الله عز وجل على هذه المة‪ ،‬حيث أكمل تعالى‬
‫به لهم دينهم‪ ،‬فل يحتاجون إلى دين غيره‪ ،‬ول إلى نبي غير نبيهم صلوات الله‬
‫وسلمه عليه‪ ،‬ولهذا جعله الله خاتم النبياء‪ ،‬وبعثه إلى النس والجن‪ ،‬فل‬
‫حلل إل ما أحله‪ ،‬ول حرام إل ما حّرمه‪ ،‬ول دين إل ما شرعه‪ ،‬وكل شيء‬
‫أخبر به فهو حق وصدق‪ ،‬ول كذب فيه ول خلل«‪] .‬تفسير ابن كثير‪[3/23 :‬‬
‫ك? ]المائدة‪.[67:‬‬ ‫من ّرب ّ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ما ُأنزِ َ‬ ‫ل ب َل ّغْ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫‪َ? -7‬ياأي َّها الّر ُ‬
‫َ‬
‫دا كتم شيًئا مما أنزل عليه فقد كذب(‪.‬‬ ‫قالت عائشة‪) :‬من حدثك أن محم ً‬
‫]البخاري‪.[4612 :‬‬
‫ما من القرآن شيًئا لكتم‬ ‫ً‬ ‫كات‬ ‫وسلم‪-‬‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫‪-‬صلى‬ ‫محمد‬ ‫وقالت‪) :‬لو كان‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حقّ أن‬ ‫هأ َ‬ ‫س َوالل ّ ُ‬ ‫شى الّنا َ‬ ‫خ َ‬ ‫ديهِ وَت َ ْ‬ ‫مب ْ ِ‬‫ه ُ‬ ‫ما الل ّ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ِ‬ ‫في ِفى ن ِ ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫هذه الية‪? :‬وَت ُ ْ‬
‫ه? ]الحزاب‪] .([37:‬البخاري‪.[7420 :‬‬ ‫شا ُ‬ ‫خ َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ب‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫يٍء? ]النعام‪? ،[38 :‬وَن َّزل َْنا عَل َي ْ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ما فَّرط َْنا ِفي الك َِتا ِ‬ ‫‪ّ ? -8‬‬
‫يٍء? ]النحل‪.[89:‬‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ّ‬
‫ت ِب َْياًنا لك ُ ّ‬
‫ي‪.[10/164 :‬‬ ‫قال مجاهد‪» :‬تبياًنا للحلل والحرام« ]تفسير القرطب ّ‬
‫ي‪» :‬أي ما تركنا شيًئا من أمر الدين إل ّ وقد دللنا عليه في‬ ‫قال القرطب ّ‬
‫ما مجملة يتلقى بياَنها من الرسول عليه‬ ‫ما دللة مبّينة مشروحة‪ ،‬وإ ّ‬ ‫القرآن‪ ،‬إ ّ‬
‫الصلة والسلم‪ ،‬أو من الجماع‪ ،‬أو من القياس الذي ثبت بنص الكتاب‪ ،‬قال‬
‫يٍء? ]النحل‪ .[89:‬وقال‪? :‬‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ب ت ِب َْياًنا ل ّك ُ ّ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫الله تعالى‪? :‬وَن َّزل َْنا عَل َي ْ َ‬
‫ما‬ ‫م? ]النحل‪ .[44:‬وقال‪? :‬وَ َ‬ ‫ل إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫ما ن ُّز َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِللّنا ِ‬ ‫ك الذ ّك َْر ل ِت ُب َي ّ َ‬ ‫وََأنَزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫ه َفانت َُهو? ]الحشر‪ .[7:‬فأجمل في هذه‬ ‫م عَن ْ ُ‬ ‫ما ن ََهاك ُ ْ‬ ‫ذوه ُ وَ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫ءاَتاك ُ ُ‬
‫الية وآية النحل ما لم ينص عليه مما لم يذكره‪ ،‬فصدق خبر الله بأنه ما فرط‬
‫في الكتاب من شيٍء إل ّ ذكره‪ ،‬إما تفصيًل وإما تأصيًل‪ ،‬وقال‪? :‬ال ْيو َ‬
‫ت‬‫مل ْ ُ‬ ‫م أك ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫م? ]المائدة‪] «.[3:‬تفسير القرطبي‪.[6/420 :‬‬ ‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫ل َك ُ ْ‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ه? ]النعام‪.[57 :‬‬ ‫م إ ِل ّ لل ّ ِ‬


‫حك ْ ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫‪? -9‬إ ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عن‬‫م َ‬‫فّرقَ ب ِك ْ‬
‫سب ُل فت َ َ‬‫ما فات ّب ُِعوه ُ وَل ت َت ّب ُِعوا ال ّ‬ ‫قي ً‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫طي ُ‬ ‫صرا ِ‬ ‫هاَذا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫‪? -10‬وَأ ّ‬
‫ن? ]النعام‪.[153:‬‬ ‫قو َ‬ ‫م ت َت ّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م ب ِهِ لعَلك ْ‬ ‫ُ‬
‫صاك ْ‬ ‫م وَ ّ‬ ‫ُ‬
‫سِبيل ِهِ ذال ِك ْ‬ ‫َ‬
‫قال مجاهد عن السبل‪» :‬البدع والشهوات«‪] .‬الدارمي‪ ،1/68 :‬الدر المنثور‪:‬‬
‫‪.[3/386‬‬
‫وقيل لبن مسعود‪ :‬ما الصراط المستقيم؟ قال‪) :‬تركنا محمد في أدناه‪،‬‬
‫م رجال يدعون من‬ ‫وطرفه في الجنة‪ ،‬وعن يمينه جواد‪ ،‬وعن يساره جواد‪ ،‬وث ّ‬
‫مّر بهم‪ ،‬فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار‪ ،‬ومن أخذ على الصراط‬
‫انتهى به إلى الجنة(‪.‬‬
‫ع? ]النعام‪.[159 :‬‬ ‫شي َ ً‬ ‫ْ‬
‫م وَكاُنوا ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن فَّرُقوا ِدين َهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫‪? -11‬إ ِ ّ‬
‫ي‪» :‬هم أهل البدع والهواء« ]شرح السّنة‪.[1/210 :‬‬ ‫قال البغو ّ‬
‫)‪(3 /‬‬

‫ن? ]العراف‪.[33:‬‬ ‫مو َ‬ ‫ما ل َ ت َعْل َ ُ‬ ‫قوُلوا ْ عََلى الل ّهِ َ‬ ‫‪? -12‬وََأن ت َ ُ‬
‫ل ذلك‪ ،‬وهو القول على الله بل علم‪ ،‬فيدخل في‬ ‫قال ابن كثير‪» :‬وأغلظ من ك ّ‬
‫ضا« ]تفسير ابن كثير‪.[1/293 :‬‬ ‫هذا كل كافر‪ ،‬وكل مبتدع أي ً‬
‫م? ]السراء‪ .[36:‬عن ابن عباس‪) :‬قوله‪? :‬‬ ‫عل ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ك ب ِهِ ِ‬ ‫س لَ َ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ق ُ‬ ‫‪? -13‬وَل َ ت َ ْ‬
‫م?‪ ،‬يقول‪ :‬ل تقل( ]أخرجه الطبريّ في تفسيره‪:‬‬ ‫عل ْ ٌ‬ ‫ك ب ِهِ ِ‬ ‫س لَ َ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ق ُ‬ ‫وَل َ ت َ ْ‬
‫‪.[15/85‬‬
‫م ِفى اْلحياةِ الد ّن َْيا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سعْي ُهُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ماًل * ال ّ ِ‬ ‫ن أعْ َ‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خ َ‬ ‫كم ِبال ْ‬ ‫ل ن ُن َب ّئ ُ ُ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫‪? -14‬قُ ْ‬
‫ع? ]الكهف‪.[104 :‬‬ ‫َ‬
‫صن ْ ً‬ ‫ن ُ‬ ‫سُنو َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫وَهُ ْ‬
‫ي سأل عن هذه الية‪ ،‬فقال ابن عباس‪) :‬أنت‬ ‫ن ابن الكواء الخارج ّ‬ ‫روي أ ّ‬
‫ي‪.[16/34:‬‬ ‫وأصحاُبك( ]تفسير الطبر ّ‬
‫ن الله عّز وج ّ‬
‫ل‬ ‫ي‪» :‬والصواب من القول في ذلك عندنا أن ُيقال‪ :‬إ ّ‬ ‫قال الطبر ّ‬
‫ل عمل يحسبه فيه‬ ‫ً‬ ‫ل? ك ّ‬ ‫ما ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل ن ُن َب ّئ ُكم ِبال ْ‬ ‫ُ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫عنى بقوله‪? :‬قُ ْ‬
‫ل عام ٍ‬ ‫ن أعْ َ‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خ َ‬
‫ض‪ ،‬وهو بفعله ذلك لله مسخط‪ ،‬وعن‬ ‫مْر ٍ‬ ‫مصيبا‪ ،‬وأّنه لله بفعله ذلك مطيعٌ ُ‬
‫طريق أهل اليمان به جائٌر‪ ،‬كالرهابنة والشمامسة وأمثالهم من أهل الجتهاد‬
‫ن‬
‫في ضللتهم‪ ،‬وهم مع ذلك من فعلهم واجتهادهم بالله كفرة‪ ،‬من أهل أيّ دي ٍ‬
‫ي‪.[16/34 :‬‬ ‫كانوا« ]تفسير الطبر ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م أن‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ُ‬
‫حك َ‬ ‫سول ِهِ ل ِي َ ْ‬ ‫عوا إ ِلى اللهِ وََر ُ‬ ‫ن إ َِذا د ُ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ن قَوْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫‪? -15‬إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن? ]النور‪.[51:‬‬ ‫ْ َ‬ ‫ع‬ ‫ط‬ ‫أ‬ ‫س ِ َْ َ‬
‫و‬ ‫نا‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫قوُلوا ْ َ‬ ‫يَ ُ‬
‫قال ابن كثير‪» :‬أخبر تعالى عن صفة المؤمنين المستجيبين لله ولرسوله‪،‬‬
‫ل‬‫ن قَوْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫الذين ل يبغون دينا سوى كتاب الله وسنة رسوله‪ ،‬فقال‪? :‬إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫م َأن ي َ ُ‬
‫ن?«‪.‬‬ ‫معَْنا وَأط َعْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫قوُلوا ْ َ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫حك ُ َ‬ ‫سول ِهِ ل ِي َ ْ‬ ‫عوا ْ إ َِلى الل ّهِ وََر ُ‬ ‫ن إ َِذا د ُ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫]التفسير ‪.[6/81‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ذا ٌ‬‫م عَ َ‬ ‫صيب َهُ ْ‬ ‫ة أوْ ي ُ ِ‬ ‫م فِت ْن َ ٌ‬ ‫صيب َهُ ْ‬ ‫مرِهِ أن ت ُ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫حذ َرِ ال ّ ِ‬ ‫‪? -16‬فَل ْي َ ْ‬
‫م? ]النور‪.[63:‬‬ ‫َ‬
‫أِلي ٌ‬
‫فون عَ َ‬
‫ه? أي عن أمر رسول‬ ‫مرِ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫خال ِ ُ َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫حذ َرِ ال ّ ِ‬ ‫قال ابن كثير‪» :‬وقوله‪? :‬فَل ْي َ ْ‬
‫الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ :-‬سبيله هو‪ ،‬ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته‪،‬‬
‫فتوزن القوال والعمال بأقواله وأعماله‪ ،‬فما وافق ذلك قبل‪ ،‬وما خالفه فهو‬
‫مردود وفاعله‪ ،‬كائًنا من كان‪ ،‬كما ثبت في الصحيحين وغيرهما‪ ،‬عن رسول‬
‫الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أنه قال‪) :‬من عمل عمًل ليس عليه أمرنا فهو‬
‫رد(«‪] .‬التفسير‪.[6/67 :‬‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال ابن أبي العز‪» :‬كل فريق من أرباب البدع يعرض النصوص على بدعته‬
‫وما ظنه معقوًل‪ ،‬فما وافقه قال‪ :‬إنه محكم‪ ،‬وقبله واحتج به‪ ،‬وما خالفه قال‪:‬‬
‫مى تحريفه تأويًل‪،‬‬ ‫ضا‪ ،‬أو حّرفه‪ ،‬وس ّ‬ ‫مى رّده تفوي ً‬ ‫إنه متشابه ثم رّده وس ّ‬
‫فلذلك اشتد إنكار أهل السنة عليهم«‪] .‬شرح الطحاوية‪ :‬ص‪.[399 :‬‬
‫‪? -17‬وم َ‬
‫ه? ]القصص‪ .[50:‬استفهام‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫م َ‬‫دى ّ‬ ‫واه ُ ب ِغَي ْرِ هُ ً‬ ‫ن ات ّب َعَ هَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫ض ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ل" ]الجللين‪.[515 :‬‬ ‫ي‪" :‬أي ل أض ّ‬ ‫ّ‬ ‫السيوط‬ ‫قال‬ ‫النفي‪،‬‬ ‫بمعنى‬ ‫إنكاري‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مًرا أن ي َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ما َ‬
‫م‬
‫ن لهُ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ضى الل ُ‬ ‫من َةٍ إ َِذا قَ َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن وَل َ ُ‬ ‫م ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫‪? -18‬وَ َ‬
‫م? ]الحزاب‪.[36 :‬‬ ‫َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫مرِهِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫خي ََرة ُ ِ‬
‫ي‪» :‬يقول تعالى ذكره‪ :‬لم يكن لمؤمن بالله ورسوله ول مؤمنة إذا‬ ‫قال الطبر ّ‬
‫من أمرهم من غير الذي‬ ‫قضى الله ورسوله في أنفسهم قضاًء أن يتخيروا ِ‬
‫قضى فيهم‪ ،‬ويخالفوا أمر الله وأمر رسوله وقضاءهما فيعصوهما‪ ،‬ومن يعص‬
‫ن? ]الحزاب‪ .[36:‬يقول‪:‬‬ ‫مِبي ً‬ ‫ضَلًل ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬‫قد ْ َ‬ ‫الله ورسوله فيما أمَرا أو َنهَيا ?فَ َ‬
‫فقد جار عن قصد السبيل سبيل الهدى والرشاد« ]‪.[22/11‬‬
‫َ‬
‫جد َْنا عَلي ْهِ ءاَباءَنا‬ ‫ما وَ َ‬ ‫ل ن َت ّب ِعُ َ‬‫ه َقاُلوا ْ ب َ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما َأنَز َ‬ ‫م ات ّب ُِعوا ْ َ‬ ‫ل ل َهُ ُ‬ ‫‪? -19‬وَإ َِذا ِقي َ‬
‫ر?]لقمان‪.[21:‬‬ ‫سِعي ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م إ ِلى عَ َ‬ ‫َ‬ ‫عوهُ ْ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫َ‬
‫شي ْطا ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫أ َوَل َوْ َ‬
‫كا َ‬
‫قال ابن تيمية‪» :‬وصار الشيطان بسبب قتل الحسين ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬يحدث‬
‫للّناس بدعتين‪ :‬بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء من اللطم والصراخ‪،‬‬
‫ب الصحابة‪،‬‬ ‫والبكاء‪ ،‬والعطش‪ ،‬وإنشاء المراثي‪ ،‬وما يفضي إلى ذلك من س ّ‬
‫ولعنهم ‪ ...‬وكذلك بدعة السرور والفرح«‪] .‬منهاج السنة‪.[4/554 :‬‬
‫ق‬
‫ح ّ‬‫ها َ‬ ‫ما َرعَوْ َ‬ ‫ن الل ّهِ فَ َ‬ ‫ضوا ِ‬ ‫م إ ِل ّ اب ْت َِغاء رِ ْ‬ ‫ها عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ما ك َت َب َْنا َ‬ ‫ها َ‬ ‫عو َ‬ ‫ة ابت َد َ ُ‬ ‫‪? -20‬وََرهَْبان ِي ّ ً‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ن? ]الحديد‪[27:‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬‫م َفا ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫م وَك َِثيٌر ّ‬ ‫جَرهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫عاي َت َِها َفآت َي َْنا ال ِ‬ ‫رِ َ‬
‫ن رجل جاءه‪ ،‬فقال‪ :‬أوصني‪ .‬فقال‪) :‬سألت عما‬ ‫ً‬ ‫عن أبي سعيد الخدريّ أ ّ‬
‫سألت عنه رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬من قبلك‪ ،‬أوصيك بتقوى الله‪،‬‬
‫فإّنه رأس كل شيء‪ ،‬وعليك بالجهاد فإنه رهبانية السلم‪ ،‬وعليك بذكر الله‬
‫وتلوة القرآن‪ ،‬فإّنه روحك في السماء وذكرك في الرض( ]المسند‬
‫‪.[11365‬‬
‫تاسًعا‪ :‬الحاديث النبوّية ‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ن الله‬
‫ي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬قال ‪) :‬إ ّ‬ ‫‪ -1‬عن أنس بن مالك عن النب ّ‬
‫احتجز التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته( ]أخرجه الطبراني في‬
‫ي في‬ ‫ي في الشعب‪ ،2/308 :‬وصححه اللبان ّ‬ ‫الوسط‪ ،4360 :‬والبيهق ّ‬
‫السلسلة الصحيحة‪.[1620 :‬‬
‫ب إلى إبليس من المعصية‪ ،‬المعصية ُيتاب‬ ‫ي‪» :‬البدعة أح ّ‬ ‫قال سفيان الثور ّ‬
‫منها‪ ،‬والبدعة ل ُيتاب منها« ]شرح السّنة‪.[‍1/216 :‬‬
‫‪ -2‬قال ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) : -‬إّني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا‬
‫ي الحوض( ]أخرجه‬ ‫بعدهما‪ :‬كتاب الله وسنتي‪ ،‬ولن يفترقا حتى يردا عل ّ‬
‫ي‪-‬‬
‫ي‪ ،‬وصححه اللبان ِ ّ‬ ‫الحاكم من حديث أبي هريرة‪ ،1/93 :‬وسكت عنه الذهب ّ‬
‫عليه رحمة الله ‪ -‬بمجموع شواهده في السلسلة الصحيحة‪.[1761 :‬‬
‫قال ابن تيمية‪» :‬وما خالف النصوص فهو بدعة باتفاق المسلمين« ]مجموع‬
‫الفتاوى‪.[20/163 :‬‬
‫‪ -3‬قال ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) : -‬ولكني أقوم وأنام‪ ،‬وأصوم وأفطر‪ ،‬وأتزوج‬
‫النساء‪ ،‬وآكل اللحم‪ ،‬فمن رغب عن سنتي فليس مني( ]أخرجه البخاري‪:‬‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ،5063‬ومسلم‪ ،1401 :‬من حديث أنس بن مالك[‪.‬‬


‫قال الشاطبي‪» :‬والرأيُ إذا عارض السنة فهو بدعة وضللة« ]العتصام‪:‬‬
‫‪.[2/335‬‬
‫‪ -4‬قال ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) : -‬فإّنه من يعش منكم؛ فسيرى اختلًفا كثيًرا‪،‬‬
‫ضوا عليها بالنواجذ‪،‬‬ ‫فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ع ّ‬
‫ن كل بدعة ضللة‪ ،‬وكل ضللة في النار( ]أخرجه‬ ‫وإياكم ومحدثات المور؛ فإ ّ‬
‫أحمد في المسند‪ ،16694 :‬وأبو داود في السنن‪ ،4607 :‬من حديث‬
‫ي في صحيح سنن أبي داود‪.[3851 :‬‬ ‫العرباض بن سارية‪ ،‬وصححه اللبان ّ‬
‫قال ابن تيمية‪» :‬ومن تعبد بعبادة ليست واجبة ول مستحبة‪ ،‬وهو يعتقدها‬
‫واجبة أو مستحبة فهو ضال مبتدع بدعة سيئة ل بدعة حسنة باتفاق أئمة‬
‫الدين؛ فإن الله ل يعبد إل بما هو واجب أو مستحب« ]مجموع الفتاوى‪:‬‬
‫‪.[1/160‬‬
‫قال ابن رجب‪» :‬فكل من أحدث شيًئا ونسبه إلى الدين‪ ،‬ولم يكن له أصل‬
‫من الدين يرجع إليه؛ فهو ضللة‪ ،‬والدين منه بريء«‪].‬جامع العلوم والحكم‪:‬‬
‫‪[2/128‬‬
‫‪ -5‬قال ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) : -‬ل تجتمع أمتي على ضللة( ]هذا جزء من‬
‫حديث أخرجه ابن ماجه‪ ، 3950 :‬والضياء في المختارة ‪ ،7/129‬من رواية‬
‫أنس بن مالك‪ ،‬وتمامه‪...) :‬فإذا رأيتم اختلًفا فعليكم بالسواد العظم(‪،‬‬
‫وسنده ضعيف‪ ،‬ولكن موضع الشاهد منه صحيح‪ ،‬ورد من طرق عدة‪ ، ،‬فأخرج‬
‫أبو داود نحوه عن أبي مالك الشجعي‪ ،4253 :‬وورد عن ابن عمر نحوه‬
‫ي موضع الشاهد من‬ ‫ي‪ ،2167 :‬والحاكم‪ ،1/200 :‬وصحح اللبان ِ ّ‬ ‫أخرجه الترمذ ّ‬
‫الحديث في صحيح الجامع‪.[1848:‬‬
‫جة‪ ،‬وهو من خصائصهم«‬ ‫ن الجماع ح ّ‬ ‫قال صاحب عون المعبود‪» :‬وفيه أ ّ‬
‫]عون المعبود‪.[11/220 :‬‬
‫‪ -6‬عن عائشة ‪-‬رضي الله عنها‪ ،-‬قالت‪ :‬قال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه‬
‫ي‪:‬‬
‫وسلم‪) : -‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رّد( ]أخرجه البخار ّ‬
‫‪ ،2697‬ومسلم‪.[1718 :‬‬
‫ي‪» :‬قال أهل العربية‪ :‬الرد هنا بمعنى المردود‪ ،‬ومعناه‪ :‬فهو باطل‬ ‫قال النوو ّ‬
‫غير معتد به«‪ .‬وقال‪» :‬وهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد السلم‪ ،‬وهو‬
‫من جوامع كلمه ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬فإنه صريح في رد كل البدع‬
‫والمخترعات«‪ ،‬وقال‪» :‬وهذا الحديث مما ينبغي حفظه واستعماله في إبطال‬
‫المنكرات‪ ،‬وإشاعة الستدلل به« ]شرح مسلم‪.[12/16 :‬‬
‫قال ابن رجب‪» :‬فمن تقرب إلى الله بعمل لم يجعله الله ورسوله قربة إلى‬
‫الله فعمله باطل مردود«‪] .‬جامع العلوم‪.[1/178 :‬‬
‫وقال ابن حجر‪» :‬وهذا الحديث معدود من أصول السلم‪ ،‬وقاعدة من‬
‫قواعده؛ فإن من اخترع في الدين ما ل يشهد له أصل من أصوله فل يلتفت‬
‫إليه«‪] .‬الفتح‪[5/302 :‬‬
‫‪ -7‬عن عبد الله بن مسعود ‪-‬رضي الله عنه‪ ،-‬عن رسول الله ‪-‬صلى الله عليه‬
‫ب‬
‫ن رجال دوني فأقول‪ :‬يا ر ّ‬ ‫وسلم‪) :-‬أنا فرطكم على الحوض‪ ،‬وليختلج ّ‬
‫دلوا‪ .‬فيقول‬ ‫أصحابي‪ ،‬فيقال‪ :‬إنك ل تدري ما أحدثوا بعدك‪ ،‬إنهم غيروا وب ّ‬
‫ي‪:‬‬‫دل( ]رواه البخار ّ‬ ‫قا لمن غّير وب ّ‬ ‫قا سح ً‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬سح ً‬
‫ي[‪.‬‬
‫‪ ،6576‬ومسلم‪ ،2297 :‬واللفظ للبخار ّ‬
‫قا عليه أن‬ ‫ّ‬
‫ي قبلي إل كان ح ً‬ ‫‪ -8‬قال ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) :-‬إّنه لم يكن نب ّ‬
‫يدل أمته على خير ما يعلمه لهم‪ ،‬وينذرهم شّر ما يعلمه لهم( ]أخرجه مسلم‪:‬‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ،1844‬من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم[‪.‬‬


‫ل شيء؛ حتى‬ ‫قيل لسلمان‪ :‬قد عّلمكم نبّيكم صلى الله عليه وسلم ك ّ‬
‫الخراءة!!‪ .‬قال‪ :‬فقال‪ :‬أجل‪ ،‬لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول‪ ،‬أن‬
‫ل من ثلثة أحجار‪ ،‬أو أن نستنجي برجيع‬ ‫نستنجي باليمين‪ ،‬أو أن نستنجي بأق ّ‬
‫أو بعظم( ]أخرجه مسلم‪. [262 :‬‬
‫ضا فوائد‪ ،‬وذلك‬
‫قال ابن تيمية‪» :‬بل اليهود والنصارى يجدون في عباداِتهم أي ً‬
‫لنه‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ن أقوالهم ل‬ ‫ل بد ّ أن تشتمل عباداُتهم على نوع ما‪ ،‬مشروع من جنسه‪ ،‬كما أ ّ‬


‫بد ّ أن تشتمل على صدق ما‪ ،‬مأثور عن النبياء‪ ،‬ثم مع ذلك ل يوجب ذلك أن‬
‫نفعل عباداتهم أو نروي كلماتهم؛ لن جميع المبتدعات ل بد ّ أن تشتمل على‬
‫حا لما أهملتها‬ ‫شر راجح على ما فيها من الخير‪ ،‬إذ لو كان خيرها راج ً‬
‫الشريعة‪ .‬فنحن نستدل بكونها بدعة على أن إثمها أكبر من نفعها‪ ،‬وذلك هو‬
‫الموجب للنهي‪ ،‬وأقول‪ :‬إن إثمها قد يزول عن بعض الشخاص لمعارض؛‬
‫لجتهاد أو غيره«‪] .‬القتضاء‪.[759 ،610-2/609 :‬‬
‫‪ -9‬قال ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) :-‬وأيم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء‬
‫ليلها كنهارها ل يزيغ عنها بعدي إل ّ هالك( ]أخرجه ابن ماجه‪ ،5 :‬من حديث‬
‫ي في السلسلة الصحيحة‪.[886 :‬‬ ‫أبي الدرداء‪ ،‬وصححه اللبان ِ ّ‬
‫قال أبو الدرداء‪) :‬صدق ‪-‬والله‪ -‬رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬تركنا‬
‫‪-‬والله‪ -‬على مثل البيضاء ليلها وَنهارها سواء( ]سنن ابن ماجه‪.[1/19 :‬‬
‫قال أبو ذر‪) :‬لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب‬
‫م( ]أخرجه أحمد‪..[20854:‬‬ ‫جناحيه في السماء إل ذكر لنا منه عل ً‬
‫كل شيًئا من التعبدات‬ ‫قال الشاطبي‪» :‬وبذلك يعلم من قصد الشارع أنه لم ي ِ‬
‫ده« ]العتصام‪[135 :‬‬ ‫إلى آراء العباد‪ ،‬فلم يبق إل الوقوف عند ما ح ّ‬
‫‪ -10‬قال ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) :-‬ل تطروِني كما أطرت النصارى ابن مريم‪،‬‬
‫ي‪ ،3445 :‬من حديث‬ ‫فإّنما أنا عبده‪ ،‬فقولوا عبد الله ورسوله( ]أخرجه البخار ّ‬
‫عمر بن الخطاب رضي الله عنه[‪.‬‬
‫د( ]أخرجه أحمد‪ ،8586 :‬وأبو داود‪.[2024 :‬‬ ‫‪) -11‬ل تجعلوا قبري عي ً‬
‫قال شيخ السلم‪» :‬العيد اسم لما يعود من الجتماع العام على وجه معتاد‬
‫عائد إما بعود السنة أو بعود السبوع أو الشهر أو نحو ذلك« ]القتضاء‪:‬‬
‫‪.[1/189‬‬
‫قال صاحب عون المعبود‪» :‬والحديث دليل على منع السفر لزيارته لن‬
‫المقصود منها هو الصلة والسلم عليه والدعاء له وهذا يمكن استحصاله من‬
‫ب وأن من سافر إليه وحضر مع ناس آخرين فقد اتخذه‬ ‫ب ُعْد ٍ كما يمكن من قُْر ٍ‬
‫دا بدللة‬ ‫دا وهو منهي عنه بنص الحديث‪ ،‬كما ثبت النهي عن جعله عي ً‬ ‫عي ً‬
‫النص« ]عون المعبود‪.[6/24:‬‬
‫‪ -12‬عن أنس بن مالك قال‪ :‬قدم رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫المدينة‪ ،‬ولهم يومان يلعبون فيهما‪ .‬فقال‪) :‬ما هذان اليومان؟( قالوا‪ :‬كنا‬
‫ن الله‬
‫نلعب فيهما في الجاهلية‪ .‬فقال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) :-‬إ ّ‬
‫قد أبدلكم ِبهما خيًرا منهما؛ يوم الضحى ويوم الفطر( ]أخرجه أبو داود‪:‬‬
‫‪ ،1134‬وصحح شيخ السلم إسناده في القتضاء‪.[1/433 :‬‬
‫ن العيدين الجاهليين لم يقرهما رسول‬ ‫قال شيخ السلم‪» :‬فوجه الدللة‪ :‬أ ّ‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬ول تركهم يلعبون فيهما على العادة‪ ،‬بل قال‪:‬‬
‫ن الله قد أبدلكم ِبهما يومين آخرين( والبدال من الشيء يقتضي ترك‬ ‫)إ ّ‬
‫المبدل منه‪ ،‬إذ ل يجمع بين البدل والمبدل منه« ]القتضاء‪.[1/433 :‬‬
‫وقال‪» :‬وللنبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬خطب وعهود ووقائع في أيام متعددة‪،‬‬
‫ب له‬‫مثل حنين والخندق وفتح مكة‪ ،‬ووقت هجرته‪ ،‬ودخوله المدينة‪ ،‬وخط ٌ‬
‫متعددة يذكر فيها قواعد الدين‪ ،‬ولم يوجب ذلك أن يتخذ أمثال تلك اليام‬
‫أعياًدا‪ ،‬وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى‬
‫عليه السلم أعياًدا‪ ،‬أو اليهود‪ .‬وإنما العيد شريعة‪ ،‬فما شرعه الله اتبع‪ ،‬وإل لم‬
‫يحدث في الدين ما ليس منه«‪] .‬القتضاء‪.[615-2/614 :‬‬
‫‪ -13‬عن عبد الله بن عمرو قال‪ :‬سمعت رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫عا ينتزعه من صدور الناس‪ ،‬ولكن يقبض‬ ‫ن الله ل يقبض العلم انتزا ً‬
‫يقول‪) :‬إ ّ‬
‫ً‬
‫العلم بقبض العلماء‪ ،‬حتى إذا لم يبق عالم‪ ،‬اتخذ الناس رؤساء جهال‪ ،‬فسئلوا‪،‬‬
‫ي‪ ،100 :‬ومسلم‪ ،2673 :‬من حديث‬ ‫فأفتوا بغير علم‪ ،‬فضلوا وأضلو( ]البخار ّ‬
‫عبد الله بن عمرو بن العاص[‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪» :‬وفي هذا الحديث الحث على حفظ العلم والتحذير من‬
‫ترئيس الجهلة وفيه أن الفتوى هي الرياسة الحقيقية وذم من يقدم عليها‬
‫بغير علم« ]الفتح‪.[1/195 :‬‬
‫عاشًرا‪ :‬أقوال السلف‪:‬‬
‫‪ -1‬قال عمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪) :-‬نعمت البدعة هذه‪ ،‬والتي ينامون عنها خير‬
‫من التي يقومون له(‪ .‬وكان الناس يصلون في أول الليل‪].‬شعب اليمان‪:‬‬
‫‪.[3/177‬‬
‫‪ -2‬قال ابن مسعود‪) :‬اتبعوا ول تبتدعوا فقد كفيتم( ]الدرامي‪.[175 :‬‬
‫‪ -3‬وقال ‪-‬رضي الله عنه‪) :-‬وكم من مريد للخير ل يدركه( ]الدارمي‪-1/68:‬‬
‫‪.[69‬‬
‫ن من الجتهاد في‬ ‫‪ -4‬وقال ‪-‬رضي الله عنه‪) :-‬القتصاد في السنة أحس ُ‬
‫البدعة(‪] .‬الحاكم في المستدرك‪ ،11/103 :‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح على‬
‫ي في تلخيصه[‪.‬‬
‫شرطهما ولم ُيخرجاه‪ ،‬ووافقه الذهب ّ‬
‫‪ -5‬قال حذيفة ‪-‬رضي الله عنه‪) :-‬كل عبادة لم يتعبد بها أصحاب رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فل تتعبدوا بها؛ فإن الول لم يدع للخر مقاًل‪ ،‬فاتقوا‬
‫الله يا معشر القراء‪ ،‬خذوا طريق من كان قبلكم(‪].‬المر بالتباع‬
‫للسيوطي‪:‬ص‪.[62:‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪ -6‬قال أبو مسعود ‪-‬رضي الله عنه‪) :-‬إني لترك أضحيتي‪ ،‬وإني لمن‬
‫أيسركم؛ مخافة أن يظن الجيران أنها واجبة(‪ ،‬وروي ذلك عن أبي بكر وعمر‬
‫وابن عباس‪] .‬عبد الرزاق‪ ،4/383 :‬والبيهقي في السنن الكبرى‪.[9/265 :‬‬
‫عا‪ ،‬إل ّ أن في إظهار‬
‫قال الشاطبي‪» :‬وبالجملة‪ :‬فكل عمل أصله ثابت شر ً‬
‫العمل به‪ ،‬والمداومة عليه ما يخاف أن يعتقد أنه سنة؛ فتركه مطلوب في‬
‫الجملة من باب سد ّ الذرائع«‪] .‬العتصام‪[2/31 :‬‬
‫ّ‬
‫‪ -7‬قال ابن عّباس ‪-‬رضي الله عنهما‪) :-‬ما أتى على الناس عام إل أحدثوا فيه‬
‫بدعة‪ ،‬وأماتوا فيه سنة حتى تحيا البدع‪ ،‬وتموت السنن(‪] .‬رواه الطبراني في‬
‫المعجم الكبير‪ ،10/262 :‬وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ‪ :1/188‬ورجاله‬
‫موثقون[‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل لبن عّباس‪ :‬أوصني‪ .‬قال‪) :‬عليك بتقوى الله والستقامة‪ ،‬اتبع‬ ‫‪ -8‬قال رج ٌ‬
‫ول تبتدع( ]شرح السنة‪.[214 :‬‬
‫‪ -9‬قال أبو العالية‪» :‬عليكم بالمر الول الذي كانوا عليه قبل أن يتفرقوا«‬
‫]تلبيس إبليس‪ :‬ص ‪.[8‬‬
‫‪ -10‬قال سعيد بن جبير‪» :‬ما لم يعرفه البدرّيون فليس من الدين« ]جامع‬
‫بيان العلم وفضله ‪.[1/771‬‬
‫‪ -11‬قال الحسن البصري‪» :‬ل تمكن أذنيك من صاحب هوى فيمرض قلبك«‬
‫]البدع والنهي عنها‪ :‬ص ‪.[50‬‬
‫‪ -12‬قال قتادة‪» :‬إذا الرجل ابتدع بدعة ينبغي لها أن تذكر حتى تحذر« ]شرح‬
‫أصول العتقاد‪.[256 :‬‬
‫‪ -13‬قال يحيى بن أبي كثير‪» :‬إذا لقيت صاحب بدعة في طريق‪ ،‬فخذ في‬
‫غيره« ]الشريعة‪.[64 :‬‬
‫‪ -14‬قال الوزاعي‪» :‬اصبر نفسك على السنة‪ ،‬وقف حيث وقف القوم‪ ،‬وقل‬
‫بما قالوا‪ ،‬وكف عما كفوا عنه‪ ،‬واسلك سبيل سلفك الصالح‪ ،‬فإنه يسعك ما‬
‫وسعهم« ]الللكائي‪.[1/154 :‬‬
‫‪ -15‬قال مالك بن أنس‪» :‬لن يصلح آخر هذه المة إل ما أصلح أولها«‪.‬‬
‫]القتضاء ‪.[2/718‬‬
‫‪ -16‬قال الفضيل‪» :‬من جلس مع صاحب بدعة فاحذره‪ ،‬ومن جلس مع‬
‫ب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن‬ ‫صاحب بدعة لم يعط الحكمة‪ ،‬وأح ّ‬
‫من حديد« ]الحلية‪.[8/103 :‬‬
‫‪ -17‬قال الفضيل‪» :‬أدركت خيار الناس كلهم أصحاب سنة‪ ،‬وينهون عن‬
‫البدع« ]شرح أصول العتقاد ‪.[267‬‬
‫‪ -18‬قال الفضيل‪» :‬من زّوج كريمته من مبتدٍع‪ ،‬فقد قطع رحمها« ]تلبيس‬
‫إبليس‪ :‬ص ‪.[14‬‬
‫‪ -19‬قال الشافعي‪» :‬البدعة بدعتان‪ :‬بدعة محمودة وبدعة مذمومة‪ ،‬فما‬
‫وافق السنة فهو محمود‪ ،‬وما خالف السنة فهو مذموم«‪] .‬حلية الولياء‪:‬‬
‫‪.[9/113‬‬
‫ب القرآن‪ ،‬وعلمة‬ ‫ب الله ح ّ‬‫‪ -20‬قال سهل بن عبد الله التستري‪» :‬علمة ح ّ‬
‫ب النبي ‪-‬صلى الله‬ ‫ب النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬وعلمة ح ّ‬ ‫ب القرآن ح ّ‬ ‫ح ّ‬
‫ب الخرة‬ ‫ّ‬ ‫ح‬ ‫وعلمة‬ ‫الخرة‪،‬‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ح‬ ‫السنة‬ ‫ب‬‫ّ‬ ‫ح‬ ‫وعلمة‬ ‫السنة‪،‬‬ ‫ب‬‫ّ‬ ‫ح‬ ‫وسلم‪-‬‬ ‫عليه‬
‫ة إلى الخرة«‪.‬‬ ‫بلغ‬‫و‬
‫ً ُ ً‬ ‫دا‬‫زا‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫منها‬ ‫يدخر‬ ‫أل‬ ‫الدنيا‬ ‫بغض‬ ‫وعلمة‬ ‫بغض الدنيا‪،‬‬
‫]الشفا‪.[577 ،2/571 :‬‬
‫حادي عشر‪ :‬ملحقات البحث‪) :‬قصص ‪ -‬مراجع للتوسع(‪:‬‬
‫قصص‪:‬‬
‫‪ -1‬دخل أبو الدرداء على أم الدرداء غاضًبا‪ ،‬فقالت‪ :‬ما لك؟ فقال‪ :‬والله ما‬
‫أعرف فيهم شيًئا من أمر محمد ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬إل ّ أّنهم يصلون‬
‫جميًعا‪] .‬البخاري‪[650 :‬‬
‫ل عند ابن عمر ‪-‬رضي الله عنهما‪ ،-‬فقال‪ :‬الحمد لله‪ ،‬والسلم‬ ‫‪ -2‬عطس رج ٌ‬
‫على رسوله‪ .‬قال ابن عمر‪ :‬وأنا أقول‪ :‬الحمد لله والسلم على رسول الله‪،‬‬
‫وليس هكذا عّلمنا رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬علمنا أن نقول‪ :‬الحمد‬
‫لله على كل حال‪] .‬الترمذي‪.[2738 :‬‬
‫‪ -3‬طاف ابن عباس مع أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان ‪-‬رضي الله‬
‫ن رسول الله‬ ‫عنهما‪ -‬فاستلم معاوية الركان الربعة‪ ،‬فقال ابن عباس‪ :‬إ ّ‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬لم يستلم إل الركنين اليمانيين‪ ،‬فقال معاوية‪ :‬ليس‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل الل ّهِ‬
‫سو ِ‬ ‫م ِفي َر ُ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫كا َ‬ ‫من البيت شيء متروك‪ .‬فقال ابن عباس‪? :‬ل ّ َ‬
‫قد ْ َ‬
‫ة? ]الحزاب‪ .[21:‬فرجع إليه معاوية‪] .‬شرح معاِني الثار‪،2/184 :‬‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ُ‬
‫ح َ‬‫سوَة ٌ َ‬ ‫أ ْ‬
‫القتضاء‪.[799-798 /21:‬‬
‫‪ -4‬وكان طاووس يصلي ركعتين بعد العصر‪ ،‬فقال له ابن عباس‪ :‬اتركهما‪.‬‬
‫ما يوصل إلى الغرور‪ .‬فقال ابن عباس‪:‬‬ ‫فقال‪ :‬إّنما َنهى عنهما أن ُتتخذ سل ّ ً‬
‫ي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬قد َنهى عن صلة بعد العصر‪ ،‬وما أدري‬ ‫ن النب ّ‬‫فإ ّ‬
‫من َةٍ إ َِذا‬ ‫ن وَل َ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ٍ‬ ‫ن لِ ُ‬‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫ن الله –تعالى‪ -‬يقول‪? :‬وَ َ‬ ‫أُتعذب عليها أم تؤجر؟ ل ّ‬
‫م? ]الحزاب‪.[36:‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫مًرا َأن ي َ ُ‬ ‫قَضى الل ّه ورسول ُ َ‬
‫مرِهِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫خي ََرة ُ ِ‬
‫م ال ِ‬
‫ن لهُ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫هأ ْ‬‫ُ ََ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫]رواه الحاكم‪ ،1/110 :‬وقال‪ :‬صحيح على شرط الشيخين‪ ،‬ووافقه الذهبي[‬
‫‪ -5‬رأى سعيد بن المسيب رجًل يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين‪ ،‬يكثر‬
‫فيهما الركوع والسجود‪ ،‬فنهاه‪ .‬فقال‪ :‬يا أبا محمد يعذبني الله على الصلة؟!‬
‫قال‪ :‬ل‪ ،‬ولكن يعذبك على خلف السنة‪] .‬عبد الرزاق‪.[3/52 :‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫‪ -6‬وقال رجل لمالك بن أنس‪ :‬يا أبا عبد الله! من أين أحرم؟ قال‪ :‬من ذي‬
‫الحليفة‪ ،‬من حيث أحرم رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬فقال‪ :‬إني أريد‬
‫أن أحرم من المسجد من عند القبر‪ .‬قال‪ :‬ل تفعل فإني أخشى عليك الفتنة‪.‬‬
‫فقال‪ :‬وأي فتنة في هذه؟! إنما هي أميال أزيدها!! قال‪ :‬وأي فتنة أعظم من‬
‫صر عنها رسول الله ‪-‬صلى الله عليه‬ ‫أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة ق ّ‬
‫ن‬ ‫حذ َرِ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وسلم‪-‬؟‍! إني سمعت النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬يقول‪? :‬فَل ْي َ ْ‬
‫م? ]النور‪.[63:‬‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫فون عَن أ َمره َأن تصيبهم فتن ٌ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫صيب َهُ ْ‬
‫ة أوْ ي ُ ِ‬ ‫ُ ِ َُ ْ َِْ‬ ‫ْ ْ ِ ِ‬ ‫خال ِ ُ َ‬
‫يُ َ‬
‫]الحلية‪.[6/326 :‬‬
‫مراجع للتوسع في الموضوع‪:‬‬
‫‪ -1‬العتصام للشاطبي‬
‫‪ -2‬اقتضاء الصراط المستقيم لبن تيمية‪.‬‬
‫‪ -3‬المر بالتباع والنهي عن البتداع للسيوطي‪.‬‬
‫‪ -4‬إيثار الحق على الخلق لبن الوزير‪.‬‬
‫‪ -5‬الباعث على إنكار البدع والحوادث لبي شامة‪.‬‬
‫ضاح‪.‬‬‫‪ -6‬البدع والنهي عنها لبن و ّ‬
‫‪ -7‬تلبيس إبليس لبن الجوزي‪.‬‬
‫‪ -8‬ثلث وثائق في محاربة الهواء والبدع في الندلس‪ ،‬مستخرجة من‬
‫مخطوط الحكام الكبرى لبي الصبع عيسى بن سهل الندلسي‪ .‬تحقيق ‪:‬‬
‫محمد عبد الوهاب خلف‪.‬‬
‫‪ - 9‬الحوادث والبدع للطرطوشي‪.‬‬
‫‪ -10‬حقيقة البدعة وأحكامها لسعيد بن ناصر الغامدي‪.‬‬
‫‪ -11‬تنبيه أولي البصار إلى كمال الدين وما في البدع من الخطار لصالح‬
‫السحيمي‪.‬‬
‫‪ -12‬قواعد معرفة البدع‪ ،‬لمحمد بن حسين الجيزاِني‪.‬‬
‫‪ -13‬البدع الحولّية‪ ،‬لعبد الله التويجري‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البديل السلمي بين النضباط والتسيب‬


‫خباب مروان الحمد*‬
‫ن ثلث فتيات في مدرستها اتفقن على أن يقمن‬ ‫دثتني إحدى الصالحات أ ّ‬ ‫ح ّ‬
‫ن‬
‫ّ‬ ‫فكره‬ ‫وسحر‬ ‫‪،‬‬ ‫ن‬ ‫به‬
‫ّ ّ‬ ‫ل‬ ‫خلب‬ ‫البرنامج‬ ‫فهذا‬ ‫أكاديمي‪،‬‬ ‫ستار‬ ‫برنامج‬ ‫لمتابعة‬ ‫الليل‬
‫ل واحدة‬ ‫سمن الليل إلى ثلثة أثلث‪ ،‬ك ّ‬ ‫‪ ،‬ولجل ذا فقد تواعدن على أن يق ّ‬
‫م تتصل بزميلتها بعد أن تنتهي‬ ‫منهن تنظر في هذا البرنامج وتقوم بتسجيله ‪ ،‬ث ّ‬
‫نوبتها في ملزمة التسجيل لهذا البرنامج ‪ ،‬وتقوم الثانية بهذا الدور‪ ،‬وهكذا‬
‫العمل مع الزميلة الثالثة إلى أن ينتهي البرنامج‪.‬‬
‫بهذا المنطق الغريب يتفاعل كثير من الشباب والفتيات المنتسبين للسلم‬
‫حين يريدون مشاهدة هذه البرامج الهابطة‪ ،‬والتي بّثت أخيرا ً عبر الفضائيات‪،‬‬
‫وجعلت لدى الشباب نوعا ً من الهوس لعجابهم بهذه البرامج المباشرة‪،‬‬
‫وة وقهر‪ ،‬وليس لهم إل ّ تلبية رغبات النفس‪،‬‬ ‫وكأّنها )مغناطيس( يجذبهم بق ّ‬
‫وخطرات الروح‪.‬‬
‫أما آن للمصلحين أن يفيقوا من نومهم العميق‪ ،‬لنقاذ شبابنا وفتياتنا من‬
‫مأساة فكرية وشهوانية تعصف بهم ذات اليمين وذات الشمال ‪ ،‬وقد جعلتهم‬
‫شاشات كالفراش وهم ل يشعرون!‬ ‫يتهافتون على ال ّ‬
‫وم ذاتنا ‪ ،‬فجزى الله علماءنا خيرا ً‬ ‫ودعونا أيها الفضلء نراجع أنفسنا ‪ ،‬ونق ّ‬
‫حين أفتوا بتحريم هذه البرامج ‪ ،‬وبينوا بل لبس أو غموض حكم مشاهدتها ‪،‬‬
‫والنظر إليها ‪ ،‬فقد أّثرت تلك الفتاوى في بعضهم وأقلعوا عن مشاهدتها ـ‬
‫ولله الحمد والمّنة ـ‪.‬‬
‫مة يشاهدون‬ ‫م الهائل من شباب ال ّ‬ ‫ولكن هل نكتفي بهذا‪ ،‬وما زال الك ّ‬
‫فقون ‪ ،‬ويحلمون في منامهم ويقظتهم في ذكريات البرنامج الشبابي! أل‬ ‫ويص ّ‬
‫ف رفيقة لّينة تحتضن الشباب والفتيات في‬ ‫ل وافرة ‪ ،‬وأك ّ‬ ‫يوجد لدينا حلو ٌ‬
‫برامج إسلمية مشوقة ‪ ،‬ومشاريع تربوية وترفيهية ‪ ،‬وبدائل منضبطة بميزان‬
‫الشريعة؟ أين أصحاب الحلول المنتجة ‪ ،‬أين أهل الثراء والمال والغنى ‪ ،‬أين‬
‫أصحاب الفكار البداعية ‪ ،‬والمشاريع البتكارية؟ أين هم من الذي يحاك‬
‫مة ‪ ،‬ويخاط لهم وينسج في مواخير الفساد ‪ ،‬وأندية الظلم‪،‬‬ ‫لشباب هذه ال ّ‬
‫ً‬
‫والكواليس الخفية لتعليمهم دروسا في العربدة والشهوات؟‬
‫ن جيشا ً عرمرما ً أحاط ببلدة من بلد السلم ‪ ،‬وأثخن فيها وأكثر من‬ ‫ترى لو أ ّ‬
‫م خرج علينا رجل يبّين خبث هذا العدو‬ ‫ّ‬ ‫ث‬ ‫السلم‪،‬‬ ‫لبناء‬ ‫والتعذيب‬ ‫القتل‬
‫م وقف إلى هذا الحد‪،‬‬ ‫ومكره‪ ،‬محذرا ً المسلمين من استقباله أو احتضانه‪ ...‬ث ّ‬
‫ن‬
‫واكتفى بهذا القدر ؛ هل سيؤّدي هذا إلى دحر العدو وإنقاذ الّناس؟ أم أ ّ‬
‫هناك لوازم ينبغي إضافتها على ذلك الحدث ؟!‬
‫ن‬
‫ن المراقب لهذه الوضاع ‪ ،‬وتلك الحداث ‪ ،‬ينبغي عليه أن يعرف أ ّ‬ ‫وبعد‪ :‬فإ ّ‬
‫ب العالمين ‪ ،‬وتقريبه‬ ‫من أسباب وجوده في هذه الرض دعوة الناس لدين ر ّ‬
‫إلى قلوبهم ‪ ،‬فليست الدعوة بالمحاضرات و الخطب وحدها‪ ،‬وليست‬
‫بالدروس أو الفتاوى فحسب ‪ ،‬بل ل بد من استخدام جميع الوسائل‬
‫المشروعة والمتاحة ؛ فالدعوة إلى الله مجالها رحب ‪ ،‬وأساليبها المشروعة‬
‫ل حد ّ لها ول عد ‪.‬‬
‫ن من الولويات الهامة للعمل في حقل‬ ‫وحيث إّنني شرعت في المقصود ؛ فإ ّ‬
‫الدعوة السلمية ؛ الفهم الناضج لمقاصد الشريعة لدى طلبة العلم‪،‬‬
‫صلت مدروسة‪ ،‬ونتائج‬ ‫والمشتغلين بالصلح الديني ‪ ،‬ليخرجوا لنا بمح ّ‬
‫ملموسة في فقه البديل السلمي المواكب لروح هذا العصر ومتطلباته ‪،‬‬
‫ل بها سواء كانت‬ ‫مة المنكوبة من الزمات التي تح ّ‬ ‫وكيفية إنقاذ هذه ال ّ‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تعليمية أو تربوية أو اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو عسكرية ‪ ،‬وغيرها‬


‫من ألوان المشاكل‪ ،‬وأشكال المحن‪.‬‬
‫م الحق هو من وصفه المام أبو العباس ابن تيمية ـ رحمه الله ـ بأّنه ‪) :‬‬ ‫والعال ِ ُ‬
‫الذي يعرف الحق‪ ،‬ويرحم الخلق( وأّنه ‪) :‬كّلما اتسعت معرفته بالشريعة‬
‫وروحها ‪ ،‬كان أرحم بالعباد وأعظم الناس تيسيرا ً عليهم ورفقا ً بهم(‪.‬‬
‫ن الله ـ سبحانه‬ ‫وحين يتأمل المسلم الهدي الرّباني في القرآن الكريم يجد أ ّ‬
‫وتعالى ـ ما حّرم على عباده شيئا ً إل ّ وأبدلهم عوضا ً عنه ما هو خير منه ‪ ،‬حّتى‬
‫في مجال اللفاظ والعبارات فإّنه تعالى قال‪ ) :‬يا أّيها الذين آمنوا ل تقولوا‬
‫راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم( البقرة)‪ ، (104‬فقد‬
‫ن فيه شبها ً بيهود حين كانوا يقولون ذلك لنبينا‬ ‫نهاهم ـ تعالى ـ عن ذلك ل ّ‬
‫محمد ـ صّلى الله عليه وسلم ـ ويقصدون بذلك السخرية به ـ عليه الصلة‬
‫ّ‬
‫والسلم ـ فنهى الله صحابة رسوله أن يقولوا هذه الكلمة لنبينا محمد ـ صّلى‬
‫الله عليه وسّلم ـ وأبدلهم بأن يقولوا له)انظرنا(‪ .‬كذلك من تدّبر سيرة‬
‫المصطفى ـ صّلى الله عليه وسّلم ـ يجد ذلك واضحا ً في منهجيته في التربية‬
‫والتعليم‪ ،‬فإّنه كان إذا حّرم شيئا ً أتى بالبديل المشروع مقابل ذلك المر‬
‫ب العوض والبديل ‪،‬‬ ‫ن النفوس ضعيفة ‪ ،‬ومجبولة على ح ّ‬ ‫حّرم ؛ لّنه يعلم أ ّ‬ ‫م َ‬
‫ال ُ‬
‫وخذ أمثلة على ذلك ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال‪ :‬جاء بلل إلى النبي ـ صّلى‬
‫الله عليه وسّلم ـ بتمر برني‪ ،‬فقال له‪ :‬النبي ـ صّلى الله عليه وسّلم ـ ‪ :‬من‬
‫أين هذا ؟ قال بلل‪ :‬كان عندنا تمر رديء ‪ ،‬فبعت منه صاعين بصاع لُنطعم‬
‫النبي ـ صّلى الله عليه وسّلم ـ فقال ـ عليه السلم ـ‪ :‬أّوه أّوه ! عين الربا ‪،‬‬
‫عين الربا ‪ ،‬لتفعل ! ولكن إذا أردت أن تشتري فَب ِعْ التمر ببيع آخر ‪ ،‬ث ّ‬
‫م‬
‫اشتره( ) أخرجه البخاري ‪ ،2201 :‬ومسلم ‪. (1593:‬‬
‫أتأملت أيها المبارك كيف أّنه ـ عليه الصلة والسلم ـ حين حّرم فعل بلل ـ‬
‫رضي الله عنه ـ نقله نقلة بديلة ومشروعة قبالة ذلك المر المحرم ‪ ،‬وهكذا‬
‫العالم الرباني ‪ ،‬والبصير بالواقع الذي حوله ‪ ،‬ولهذا قال المام ابن القّيم في‬
‫ذلك ‪) :‬من فقه المفتي ونصحه إذا سأله المستفتي عن شيء فمنعه‬
‫منه‪،‬وكانت حاجته تدعوه إليه ‪،‬أن يدّله على ما هو عوض له منه ‪ ،‬فيسد عليه‬
‫باب المحظور‪ ،‬ويفتح له باب المباح ‪ ،‬وهذا ل يتأتى إل ّ من عالم ناصح مشفق‬
‫قد تاجر الله وعامله بعلمه‪ ،‬فمثاله في العلماء مثال الطبيب الّناصح في‬
‫ما يضره ‪ ،‬ويصف له ما ينفعه ‪ ،‬فهذا شأن أطباء‬ ‫الطباء يحمي العليل ع ّ‬
‫ه قال ‪:‬‬ ‫الديان والبدان ‪ ،‬وفي الصحيح عن النبي ـ صّلى الله عليه وسّلم ـ أن ّ َ‬
‫مته على خير ما يعلمه لهم ‪،‬‬ ‫لأ ّ‬ ‫)ما بعث الله من نبي إل ّ كان ح ّ‬
‫قا ً عليه أن يد ّ‬
‫وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم ( وهذا شأن خلق الرسل وورثتهم من بعدهم ‪،‬‬
‫دس الله روحه ـ يتحّرى ذلك في فتاويه مهما أمكنه ‪ ،‬ومن‬ ‫ورأيت شيخنا ـ ق ّ‬
‫ً‬
‫مل فتاويه وجد ذلك ظاهرا فيها (‬ ‫تأ ّ‬
‫)إعلم الموقعين ‪4/121:‬ـ ‪. (122‬‬
‫وسأنقل كلما ً للشيخ ابن تيمية في الموضوع ذاته الذي امتدح به ابن القّيم‬
‫شيخه ابن تيمّية حيث قال ابن تيمية‪):‬إذا أراد تعريف الطريق اّلتي ي َُنا ُ‬
‫ل بها‬
‫الحلل ‪ ،‬والحتيال للتخلص من المأثم بطريق مشروع يقصد به ما شرع له ؛‬
‫سلف الصالح ـ وهو من الدعاء إلى‬ ‫فهذا هو الذي كانوا يفتون به ـ أي ال ّ‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دللة عليه ‪ ،‬كما قال ـ صّلى اّلله عليه وسّلم ـ )بع الجمع بالدراهم‪،‬‬ ‫الخير‪ ،‬وال ّ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫م ابتع بالدراهم جنيبا( وكما قال عبد الرحمن بن عوف لعمر الخطاب‪ ):‬إ ّ‬ ‫ث ّ‬
‫ف علينا ‪ ،‬أفنزيد عليها ونأخذ ما هو أجود منها؟ قال‪ :‬ل ‪ ،‬ولكن ائت‬ ‫أوراقنا ُتزي ّ ُ‬
‫م بعها بما شئت( بيان الدليل على بطلن التحليل ‪/‬‬ ‫ّ‬ ‫ث‬ ‫‪،‬‬ ‫سلعة‬ ‫بها‬ ‫فاشتر‬ ‫النقيع‬
‫صـ ‪.133‬‬
‫صلة والسلم ـ أّنه إذا‬ ‫ومن المثلة على ذلك من هدي المصطفى ـ عليه ال ّ‬
‫منع شيئا ً فتح لمن منعه بابا ً آخر من المر المشروع‪ ،‬والبديل المنضبط بمعيار‬
‫شريعة ‪ ،‬ومن ذلك ما رواه أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال‪ :‬قدم النبي‬ ‫ال ّ‬
‫ّ‬
‫ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولهل المدينة يومان يلعبون فيهما في الجاهلية ‪،‬‬
‫فقال‪) :‬قدمت عليكم ولكم يومان تلعبون فيهما في الجاهلية ‪ ،‬وقد أبدلكم‬
‫الله بهما خيرا ً منهما ‪ :‬يوم النحر‪ ،‬ويوم الفطر( أخرجه أحمد في المسند )‬
‫‪3/103‬ـ ‪178‬ـ ‪ (235‬وأبو داود )‪ (1134‬والّنسائي)‪ (3/179‬بسند ٍ صحيح‪.‬‬
‫)واليومان اللذان يلعب فيهما أهل الجاهلية هما ‪ :‬يوم النيروز ويوم‬
‫المهرجان ‪ .‬وللمزيد انظر‪ /‬عون المعبود)‪ (3/485‬للعظيم آبادي‪.‬‬
‫سلم ـ في ذلك‪ ،‬حيث إّنه ل‬ ‫أرأيت ـ أخي القارئ ـ إلى هديه ـ عليه الصلة وال ّ‬
‫سلم ـ يبّين‬ ‫ؤلف ‪ ،‬ولكّنه ـ عليه الصلة و ال ّ‬ ‫يرضى بوقوع المنكر‪ ،‬ول أن ي ُ ْ‬
‫ما حّرمه الله ‪ ،‬ومن‬ ‫م يبين البديل الشرعي ع ّ‬ ‫خطر الشيء المحّرم‪ ،‬ومن ث ّ‬
‫هنا فطن علماء السلم لتوضيح هذه القضّية في مدوناتهم ‪ ،‬ورسائلهم ومنهم‬
‫ن المبتلى بالمنكر أو‬ ‫شيخ السلم ابن تيمية ـ طّيب الله ثراه ـ فقد بّين بأ ّ‬
‫البدعة فإّنه يتوجب على ناصحه أن يدعوه للقلع عن هذا المر المحّرم ولو‬
‫كان في ظاهره الخير‪ ،‬ومّثل ابن تيمية لذلك بالبدعة فقال ‪) :‬إذا كانت في‬
‫وض عنه من الخير المشروع بحسب المكان‪ ،‬إذ النفوس‬ ‫البدعة من الخير فع ّ‬
‫ل تترك شيئا ً إل ّ بشيء‪...‬فالنفوس خلقت لتعمل ل لتترك‪ ،‬وإّنما الترك‬
‫مقصود لغيره( اقتضاء الصراط المستقيم)‪(2/125‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ن البحث المضني من العالم أو المربي أو المفكر لما‬ ‫ومن هذا المنطلق فإ ّ‬


‫ما هو متاح ويستطاع‬ ‫ً‬
‫ذابة تكون بديل ع ّ‬ ‫مة السلم من برامج ج ّ‬ ‫يخدم به أ ّ‬
‫ن هذا النوع من البحث من‬ ‫الوصول إليه بأسرع الوسائل وأدنى السبل ؛ فإ ّ‬
‫صة في هذا العصر الراهن ؛ فأمتنا تحتاج لبدائل كثيرة‬ ‫الضرورة بمكان وخا ّ‬
‫دة مضمارات ‪ ،‬وتحتاج للبدائل المفيدة عن القنوات الفاسدة التي تنشر‬ ‫في ع ّ‬
‫ب العالمين ‪ ،‬و تجد ّ في إيقاعهم‬ ‫ث بل سمين ‪ ،‬وتلهي الّناس عن دين ر ّ‬ ‫الغ ّ‬
‫بفتن الشبهات أو الشهوات ‪ ،‬وما البرامج الخيرة التي نشرت من خلل‬
‫القنوات الفضائحية كسوبر ستار‪ ،‬وستاركلوب ‪ ،‬وستار أكاديمي ‪ ،‬وتحدي‬
‫ن أهل العلمنة والكفر‬‫الخوف‪ ،‬وبج برذر ‪ ،‬وغيرها إل ّ شاهد قوي على أ ّ‬
‫والفجور يريدون إلهاء المة وشبابها عن قضاياها الكبرى ‪ ،‬وشؤونها المصيرية‬
‫ـ وقد أعلن ذلك جهارة بعض المسؤولين عن بعض تلك القنوات ـ بل كانت‬
‫بعض هذه البرامج العاهرة تعرض في الوقت الذي تضرب فيه بلد الرافدين‬
‫)العراق( بالصواريخ ‪ ،‬وتقصف بالطائرات ‪ ،‬وتجتاح بالدّبابات والمجنزرات ‪،‬‬
‫وكذلك في فلسطين المباركة في أزمة الحصار المشدد على مدنها وقراها ‪،‬‬
‫وعمليات الغتيال الصهيوني لقادة الجهاد والصمود ‪ ،‬في الوقت الذي كان‬
‫فيه كثير من شباب العالم السلمي قد أطلق بصره ‪ ،‬وأرخى سمعه لما‬
‫يعرض في هذه الفضائيات من مشاهد مخزية ‪ ،‬يستحيا ـ والله ـ من ذكرها‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫داء ‪ ،‬وموطن الخلل ‪ ،‬فليت دعاة الصلح والتغيير‬ ‫وإذا كّنا قد علمنا مكمن ال ّ‬
‫يستشعرون المسؤولية الفردية والجماعية ‪ ،‬والتأهل للنقاذ وللمشاريع‬
‫ن أخذ بيده ‪ ،‬وبّين له طريق الّنجاة ‪،‬‬ ‫م ْ‬
‫ل َ‬ ‫الصلحّية لهذا الشباب التائه‪ ،‬الذي ق ّ‬
‫والحلول المثمرة ‪ ،‬والبدائل النافعة واليجابّية‪.‬‬
‫في الوقت نفسه فنحن ل نريد حلول ً مستوردة من الغرب الكافر‪ ،‬ول بدائل‬
‫غير شرعّية ‪ ،‬أو فيها تنازلت عن سّنة خير البرية ؛ فمعاذ الله أن ُينصح‬
‫م أعقبه‬ ‫بذلك ‪ ،‬وقد قال المام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ شيئا ً من هذا القبيل ث ّ‬
‫ل‪):‬لكن ل يجوز لحدٍ أن يغّير شيئا ً من الشريعة لجل أحد( )اقتضاء‬ ‫قائ ً‬
‫الصراط المستقيم ‪(2/133 :‬‬
‫ن من أراد أن يحمل نفسه على تجّنب البدائل المباحة ‪ ،‬واللتزام‬ ‫بيد أ ّ‬
‫بالوامر والّنواهي الشرعية فله ذلك ‪ ،‬وصاحب العزمات يأخذ بالقوى ‪ ،‬وقد‬
‫ن عليه أن ل يقارن نفسه بغيره من الناس‪ ،‬و ل‬ ‫يكون في جانبه أفضل ‪ ،‬إل ّ أ ّ‬
‫يفرض عزيمته على ضعفاء الدين ‪ ،‬وقليلي اليمان ‪ ،‬ومن المعلوم أّنه إذا‬
‫أردت أن تطاع فأمر بالمستطاع‪.‬‬
‫ولن يستطيع الداعية مهما أوتي من فصاحة وإقناع أن يصنع ذلك المجتمع‬
‫صة أننا نعيش في هذا العصر المنفتح ‪،‬‬ ‫المثالي المتخيل في الذهن ‪ ،‬وخا ّ‬
‫ل منها تضغط‬ ‫ج فيه الفوضى الفكرية ‪ ،‬والمتنوعات الثقافّية ‪ ،‬وك ّ‬ ‫والذي تع ّ‬
‫بطرف على العقول والمزجة محاولة أن تقنعها بمثلها ومبادئها‪.‬‬
‫مة الدعاة إذا ً أن يأتوا البيت من بابه ‪ ،‬ويضعوا الحقّ في نصابه‪ ،‬ويرشدوا‬ ‫فمه ّ‬
‫ططات الغرب‪ ،‬ووسائل المجرمين بالطاحة‬ ‫أبناء هذا الجيل مبّينين لهم مخ ّ‬
‫سامية‪.‬‬ ‫بهذا الجيل عن غاياته الّنبيلة وأهدافه ال ّ‬
‫مة للدعاة إلى الله‪:‬‬ ‫* أمور ها ّ‬
‫ب أن أذكر بها نفسي ومن سلك طريق الدعوة ‪ ،‬وكل قارئ‬ ‫ّ‬ ‫وثمة نقاط أح ّ‬
‫لهذا المقال ‪ ،‬يجدر التنبيه إليها ‪ ،‬والتلويح بها‪:‬‬
‫‪1‬ـ يجدر بدعاة السلم وأهل التربية أن ل يخاطبوا الناس من برج عاجي ‪ ،‬أو‬
‫صومعة فكرية ‪ ،‬بل عليهم أن ينزلوا إلى ميدان الناس ‪ ،‬وواقع البشرية ‪،‬‬
‫ويتأملوه حقّ التأمل ‪ ،‬فما كان فيه من خير أثنوا عليه وأشادوا به ‪ ،‬وما كان‬
‫فيه من خطأ فلينبهوا الناس له ‪ ،‬ويرسموا لهم طريق الصلح ‪ ،‬ويزنوا جميع‬
‫المور بمعيار الشريعة ‪ ،‬ويعطوهم البدائل المباحة بقدر المكان ‪ ،‬وإيجاد‬
‫الحلول والمخارج الشرعّية ‪ ،‬ل الحيل الباطلة البدعّية‪.‬‬
‫ما التشديد على الناس في أمورهم فهذا ل يليق بدعاة الحق والرشاد‪ ،‬بل‬ ‫فأ ّ‬
‫ل أحد ‪ ،‬وقد قال المام سفيان الثوري ـ رحمه الله ـ ‪) :‬إّنما‬ ‫هو أمر يحسنه ك ّ‬
‫ل أحد( جامع بيان العلم‬ ‫العلم عندنا الرخصة من ثقة ‪ ،‬فأما الّتشدد فيحسنه ك ّ‬
‫وفضله لبن عبد البر)‪ (1/784‬وقال المام أحمد بن حنبل ‪) :‬من أفتى ليس‬
‫دد عليهم( الداب الشرعية لبن‬ ‫ينبغي أن يحمل الّناس على مذهبه ويش ّ‬
‫مفلح)‪ (2/45‬ول يعني ذلك أن نكون مماثلين لدعاة العصرنة والمسايرة لهذا‬
‫العصر‪ ،‬والتراجع تحت ضغط الواقع ‪ ،‬واّلذين يتبنون تتبع رخص العلماء‬
‫ن هذا غير هذا‬ ‫لتهم ويبنون عليها أحكاما ً يقّننونها للناس حّتى يتعاملوا بها فإ ّ‬ ‫وز ّ‬
‫داعية وسطيا ً في‬ ‫خ للفراط ؛ فالمطلوب أن يكون ال ّ‬ ‫ن التفريط أ ٌ‬
‫كأ ّ‬ ‫‪ ،‬ول ش ّ‬
‫فتاويه وآرائه على وسطّية أهل السّنة والجماعة ورحم الله من قال‪:‬‬
‫عليك بأوساط المور فإّنها *** نجاةٌ ول تركب ذلول ً ول صعبا‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن العالم الذي جمع بين العلم والتربية لن يغفل عن دراسة نفسّيات‬ ‫ولهذا فإ ّ‬
‫قه من الحكم الملئم له‪ ،‬ورضي الله عن‬ ‫قح ّ‬ ‫ّ‬
‫الّناس ‪ ،‬وإعطاء كل ذي ح ٍ‬
‫المام ابن تيمية حين عّلق على حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ )‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ل لهو يلهو به الرجل فهو باطل‪ ،‬إل ّ رميه بقوسه ‪ ،‬وتأديبه فرسه ‪ ،‬وملعبته‬ ‫ك ّ‬
‫ن من الحق( أخرجه ابن ماجه )‪ (2/940‬والّنسائي ‪ ،‬انظره مع‬ ‫امرأته ؛ فإّنه ّ‬
‫شرح السيوطي)‪ (6/185‬بسند صحيح‪.‬‬
‫فقد عّلق ابن تيمية على هذا الحديث تعليقا نفيسا مبينا خلف ما يعتقده‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ن كلمة )الباطل( فيه يعني )المحّرم( فقال‪:‬‬ ‫البعض من قارئي هذا الحديث بأ ّ‬
‫ّ‬
‫)والباطل من العمال هو ما ليس فيه منفعة‪ ،‬فهذا يرخص للنفس التي ل‬
‫تصبر على ما ينفع ‪ ،‬الستقامة)‪ ، 1/277‬ولهذا ُأثر عن أبي الدرداء ـ رضي‬
‫شيء من الباطل‪،‬لستعين به على‬ ‫م نفسي بال ّ‬ ‫الله عنه ـ أّنه قال‪ :‬إّني لستج ّ‬
‫الحق( مجموع الفتاوى)‪(28/368‬‬
‫داعية لنفسيات المدعوين وأهل المعصية‬ ‫ن معرفة ال ّ‬ ‫ومن هنا نستنتج أ ّ‬
‫م المهمات ليتدرج معهم في إزالة ما‬ ‫ل بحسبه‪ ،‬تعتبر من أه ّ‬ ‫ومراعاتها ك ٌ‬
‫ن الخروج عن المألوفات من أشق‬ ‫لديهم من قصور ديني ؛ فهو خبير بأ ّ‬
‫ّ‬
‫الشياء على النفوس ‪ ،‬ولذا فإّنه يعطيهم من البدائل المباحة التي تجعلهم‬
‫يتناسون ما كانوا عليه‪ ،‬متدرجا ً بهم بهذه الطريقة إلى مرحلة القناعة‬
‫ج به لذلك ‪ ،‬ما قاله عبد الملك بن‬ ‫والطمأنينة بما هم فيه ‪ ،‬ومن أقوى ما يحت ّ‬
‫ل بقايا‬ ‫عمر بن عبد العزيز لبيه يوما ً منكرا ً عليه عدم إسراعه في إزالة ك ّ‬
‫النحراف والمظالم والتعفية على آثارها ورد المور إلى سنن الراشدين‪:‬‬
‫ن القدور غلت بي وبك‬ ‫ت ! ل تنفذ المور؟ فو الله ! ما أبالي لو أ ّ‬ ‫مالك يا أب ِ‬
‫في الحق !( وتأمل كيف كان جواب الب الفقيه عمر بن عبد العزيز ـ رضي‬
‫م الخمر في القرآن مرتين وحّرمها‬ ‫ن الله ذ ّ‬ ‫الله عنه ـ ‪) :‬ل تعجل يا بني ! فإ ّ‬
‫في الثالثة ‪ ،‬وإّني أخاف أن أحمل الّناس على الحقّ جملة فيدعوه جملة‪،‬‬
‫ن التدرج في‬ ‫فيكون من ذا فتنة( الموافقات للشاطبي)‪ (2/94‬ولهذا فإ ّ‬
‫ب أكيد لقناعة المدعوين ‪ ،‬وليأخذوا بهذه‬ ‫الوصول إلى الحقّ بهذه التربية سب ٌ‬
‫الحكام بتمام الرضى والفهم العميق لمقاصد الشريعة السلمية ‪ .‬قال المام‬
‫ة على قبول الحكام ‪ ،‬والذعان لها ‪،‬‬ ‫ن حكمة هذا التدريِج التربي ُ‬ ‫ابن القّيم ‪) :‬إ ّ‬
‫ً‬
‫والنقياد لها شيئا فشيئا( بدائع الفوائد)‪(3/184‬‬‫ً‬
‫‪2‬ـ التشجيع للشباب المخلصين بإيجاد البدائل الشرعية‪ ،‬وإنتاج المشاريع‬
‫ذابة لمن ابتلي بمتابعة الصور الهابطة ‪ ،‬والصوات‬ ‫والبرامج المعينة والج ّ‬
‫ث روح البداع والتفكير‪ ،‬والبتكار‬ ‫م المور في ذلك ب ّ‬ ‫ن من أه ّ‬ ‫المحّرمة‪ ،‬وإ ّ‬
‫شريعة والستفادة من‬ ‫طموح لصناعة البدائل وإيجادها والموافقة لروح ال ّ‬ ‫وال ّ‬
‫ّ‬
‫المعطيات الجديدة‪ ،‬وتنمية الحس لهمية الطلع والقراءة ‪ ،‬وكسر جميع‬
‫طامحين‪.‬‬ ‫الحواجز اّلتي تحول دون التيان بالجديد‪ ،‬وبورك في الشباب ال ّ‬
‫وما قتل البعض مّنا إّل الترديد لتلك المقولتين القائلتين ‪) :‬ليس بالمكان‬
‫ن هاتين المقولتين‬ ‫أحسن مما كان( و)ما ترك الولون للخرون شيئًا( ‪ ،‬فإ ّ‬
‫ضحالة‬ ‫ل يائس أو كسول أو رجل ألف التقليد‪ ،‬مع ال ّ‬ ‫أصبحتا حجر عثرة لك ّ‬
‫ن‬‫العلمية والعقم الفكري )وحين يكون هناك جدب ثقافي ‪ ،‬وضحالة فكرية فإ ّ‬
‫النسان ل يهتدي إلى كثير من البدائل اّلتي تتاح لهل الّثراء الفكري( من‬
‫كتاب ‪ /‬خطوة نحو التفكير القويم ـ ثلثون ملمحا ً في أخطاء التفكير وعيوبه‬
‫كارصـ ‪.59‬‬ ‫لعبد الكريم ب ّ‬
‫‪3‬ـ عدم الدوران في فلك الذات ‪ ،‬وإغلق منافذ البصيرة في وجه أيّ جديد‬
‫ن هذه العولمة المعاصرة أكثرها شٌر وفساد ‪ ،‬بل ينبغي أن ننظر إلى‬ ‫جة أ ّ‬
‫بح ّ‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي هل ‪ ،‬وما خالفه فإن استطعنا أن‬ ‫ل جديد ونزنه بالشرع ؛ فما وافقه فح ّ‬ ‫ك ّ‬
‫نبيد ماّدة الحرام منه فعلنا‪ ،‬وإن لم نستطع فلنضرب به عرض الحائط ول‬
‫نبالي‪ ،‬ورحم الله من قال‪:‬‬
‫والشرع ميزان المور كلها *** وشاهد لصلها وفرعها‬
‫ومن جميل كلم أبي حفص النيسابوري ‪) :‬من لم يزن أفعاله وأقواله ك ّ‬
‫ل‬
‫وقت بالكتاب والسّنة ‪ ،‬ولم يتهم خواطره فل تعده في ديوان الرجال(‬
‫الستقامة لبن تيمية ‪96/‬ـ ‪.99‬‬
‫شاهد ذلك أّنه قبل أن نحكم على أي شيء فعلينا أن نعرف حقيقته وماهيته ‪،‬‬
‫ثم ُيطلق الحكم الشرعي المناسب له ‪ ،‬والقاعدة الصولية تقول ‪ ) :‬الحكم‬
‫على الشيء فرع عن تصوره (‪.‬‬
‫‪4‬ـ ل يعني أّنه إذا نودي بإيجاد البديل المنضبط ‪ ،‬أن يكون هذا ديدن الدعاة‬
‫ل شيء حّرم يستطاع‬ ‫ل شيء ‪ ،‬بل ينبغي أن ينادي الدعاة بأّنه ليس ك ّ‬ ‫في ك ّ‬
‫ن هذا البديل الذي استهلك العقل البشري في‬ ‫أن يؤتى ببدائل تحل عنه‪ ،‬وأ ّ‬
‫ذة والمتعة عن‬ ‫ل مظاهر الل ّ‬ ‫التفكير ليجاده ‪ ،‬ليس شرطا ً أن يكون فيه ك ّ‬
‫الشيء المحّرم‪ ،‬إل ّ أّنه ينبغي أن تكون فيه ماّدة تصرف من تعلقت نفسه‬
‫فافة ج ّ‬
‫ذابة ليتعلق بها‪.‬‬ ‫بالماضي ‪ ،‬وتكون فيه روح ش ّ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫لكن من المهم جد ّا ً أن يواكب هذا التغيير لتلك النفس البشرية التي نشأت‬
‫من قريب على طاعة الله بأن تربى هذه النفس على طاعة الله ‪ ،‬وأن يكون‬
‫ديدنها لوامر الله ونواهيه بكلمة )سمعنا وأطعنا( وإذا كان البديل ليس على‬
‫مستوى درجة الجاذبية لما ألفته النفس في الماضي ‪ ،‬أو في أيام الجاهلية فل‬
‫ن ذلك من تبديل نعمة الله على العبد‬ ‫يعني ذلك أن ترجع النفس لماضيها ؛ ل ّ‬
‫والتنكر لها‪ .‬بل يكون على لسان المسلم الثر المعروف ‪ ) :‬من ترك شيئا ً‬
‫ما أن يكون‬ ‫وضه الله خيرا ً منه( وهذا التعويض كما ذكر علماء الشريعة إ ّ‬ ‫لله ع ّ‬
‫في الحياة الدنيا‪ ،‬أو أن يكون ذلك في دار الخرة وجّنة الرضوان‪.‬‬
‫‪5‬ـ أن يتعدى الدعاة والمصلحون مرحلة المدافعة والتحذير‪ ،‬إلى مرحلة‬
‫المواجهة والتبشير‪ ،‬ولقد كانت هذه وصّية رسول الله ـ صّلى الله عليه وسلم‬
‫ّ‬
‫شروا ول تنفروا ‪ ،‬ويسروا ول تعسروا( أخرجه‬ ‫ـ لبعض أصحابه فقال‪):‬ب ّ‬
‫البخاري في كتاب العلم)‪ ، (2001‬ومسلم في كتاب الجهاد)‪ (251‬فالعقلية‬
‫ما‬
‫السلمية تحتاج في هذا الزمن الصعب أن تكون داعية خير وتبشير‪ .‬أ ّ‬
‫مجرد النقد اللذع‪ ،‬والبقاء على هذا المنهج فلن يوصل المسلمين إلى مرحلة‬
‫سّباقة ‪ ،‬بل يجعلهم ذلك يرجعون للوراء ؛ لنهم لم يعرفوا كيف يواجهون هذا‬
‫ن إيقاد‬ ‫ن المثل القائل ‪ :‬بأ ّ‬ ‫العصر بتقنياته‪ ،‬وما هي اللغة المناسبة له ؛ ولذا فإ ّ‬
‫ن مجرد‬ ‫شمعة خير من سب الظلم ؛ مثل رائع‪ ،‬يحتاجه دعاة هذا العصر‪ ،‬فإ ّ‬
‫ن كثيرا ً‬ ‫التشكي من أبناء هذا الزمان وهذا الدهر لن يفيد شيئا ً ‪ ،‬والغريب أ ّ‬
‫من الشباب الصالح قد صار ديدنه في بعض اللقاءات التحدث بمآسي هذا‬
‫الجيل ‪ ،‬على حد ّ قول الشاعر‪:‬‬
‫ل من لقيت يشكو دهره *** ليت شعري هذه الدنيا لمن؟!‬ ‫ك ّ‬
‫ن القليل من يحاول أن ينقي الواقع الجتماعي الذي يعيش فيه‪ ،‬ويبين‬ ‫لك ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫الخلل والهتراءات التي حلت في وسطه ‪ ،‬محاول التغيير والصلح بالحكمة‬
‫الحسنة والكلمة الطيبة‪ ،‬حتى يتم المقصود‪ ،‬وينال المراد‪.‬‬
‫فَها بعض‬ ‫َ‬
‫إننا نحتاج حاجة ماسة لعادة النظر في الطرق التربوية التي أل ِ َ‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المربين أكثر من أربعة عقود من هذا الزمان ‪ ،‬أو وسائل الدعوة التقليدية‬
‫والتي كانت منذ عشرات السنين وبقي الكثير على نمطها‪.‬‬
‫نحتاج لوسائل البلغ المبين التي نواجه بها أبناء الجيل المسلم ‪ ،‬والستفادة‬
‫مث ُِلنا العقدية‬
‫من المعطيات الحديثة التي تتناسب مع طبيعتنا الشرعية ‪ ،‬و ُ‬
‫)حيث إننا من خلل الممارسة العملية نكتشف الهائل والمترامي‪ ،‬وما ل‬
‫يمكن الوصول إليه ‪ ،‬وبذلك الكتشاف نقترب من معرفة ما هو متاح ‪ ،‬كما‬
‫أّننا نوفر على أنفسنا عناء )الحرث في البحر( حيث ألف الكثيرون مّنا تبديد‬
‫الجهد والوقت والمال في محاولت الوصول إلى أشياء ليس إلى الحصول‬
‫كار في كتابه ) تشكيل‬ ‫عليها أي سبيل( جزء من كلم الدكتور عبدالكريم ب ّ‬
‫عقلية إسلمية معاصرة ( صـ ‪.78‬‬
‫* تنبيهات وملحظات في قضّية البديل ‪:‬‬
‫وهي في الحقيقة أمور وقع فيها بعض الخوة ـ هداني الله وإّياهم ـ في قضّية‬
‫البديل ‪ ،‬فالمراقب لبعض البدائل التي أتيح نشرها داخل الوساط السلمية‬
‫يجد أّنها قد تجاوزت ـ وللسف ـ الحدود الشرعية‪ ،‬وصار فيها من التنازلت‬
‫عن الشريعة الشيء الذي ينذر بوقوع حالة كارثية ممن لهم توجهات إسلمية‬
‫ن كثيرا ً منهم ينتج إنتاجه العلمي أو القتصادي أو التربوي ول يستشير إّل‬ ‫؛ل ّ‬
‫قليلي العلم ‪ ،‬مع قّلة استشارتهم لهل العلم وفقهاء الشريعة الربانيين‪ ،‬في‬
‫عرض مثل هذه المنتجات‪ ،‬وأخذ آرائهم تجاهها‪ ،‬ومن ذلك ‪:‬‬
‫‪1‬ـ ما يسمى بـ‪):‬فيديو كليب( فإّنه ُيعرض في بعضها من الناشيد التي‬
‫يصاحبها من تكسر وتميع ‪ ،‬وحركات ل تمت إلى الرجولة بصلة ‪ ،‬بل فيها من‬
‫مشابهة بعض الفسقة من المغنين في حركات الرجل وضرباتها الخفيفة على‬
‫الرض ‪ ،‬أو حركات اليد والتي تدغدغ مشاعر الرجال فضل ً عن الفتيات‬
‫مى هذا العمل إنتاجا ً إعلميا ً )إسلميًا(‪.‬‬ ‫م يس ّ‬
‫) المراهقات( ث ّ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫فهل هذا من البديل الذي اشت ُرِط أن يكون منضبطا بميزان الشريعة ‪،‬‬
‫ومأمونا ً لجميع شرائح المجتمع؟!‬
‫‪2‬ـ ما صار يصاحب بعض أشرطة الناشيد السلمية من ضرب باللت‬
‫مى بجهاز )السامبر(‪ ،‬وأجهزة الكمبيوتر‬ ‫الموسيقّية ‪ ،‬وما يرافقها بما يس ّ‬
‫ّ‬
‫جل في بعضها بعض النغمات من الكمنجة ‪ ،‬والبيانو‪ ،‬كل ذلك بحجة‬ ‫والتي س ّ‬
‫ن هذا من البديل ]السلمي[ وأّنه إذا لم نضع مثل هذه الملحقات مع‬ ‫أ ّ‬
‫ن أفضل‬ ‫ّ‬ ‫وأ‬ ‫ل!!‬‫ً‬ ‫قلي‬ ‫تعدادهم‬ ‫سيكون‬ ‫السلمية‬ ‫للناشيد‬ ‫السامعين‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫فإ‬ ‫الناشيد‬
‫ن السلمي البديع!!‬ ‫ّ‬ ‫بالف‬ ‫الرتقاء‬ ‫ولجل‬ ‫الطريقة‬ ‫هذه‬ ‫هي‬ ‫لجذبهم‬ ‫وسيلة‬
‫جة الباطلة قد يطول ولكّننا نقول‪:‬‬ ‫والجابة عن هذه الح ّ‬

‫)‪(5 /‬‬

‫دم للناس بديل ً مشروعا ً فعليه بأن يتقي الله ـ سبحانه‬ ‫ن من أراد أن يق ّ‬
‫إ ّ‬
‫وتعالى ـ ويرضيه قبل إرضاء أيّ طرف من الناس‪ ،‬وليتذكر المرء حديث‬
‫رسول الله ـ صّلى الله عليه وسّلم ـ ) من أرضى الناس بسخط الله وكله‬
‫الله إلى الناس ‪ ،‬ومن أسخط الّناس برضا الله كفاه الله مؤنة الناس( أخرجه‬
‫ن هؤلء‬‫ابن حّبان بسند جيد ـ انظر‪:‬السلسلة الصحيحة )‪ (2311‬والحقيقة أ ّ‬
‫القوم المنتسبون للدعوة ويصاحبون في أعمالهم ما حّرم الله بحجة اجتماع‬
‫الناس عليهم وللمصلحة العقلية الموهومة فإّنهم وكما قيل في المثل‪ :‬يريد‬
‫ب زكاما ً فيحدث جذاما ً ‪ ،‬فل هم للبديل نصروا ‪ ،‬ول للمعصية كسروا ـ‬ ‫أن يط ّ‬
‫نسأل الله لنا ولهم الهداية ـ‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن العالم السلمي اليوم ‪ ،‬يحتاج لمصارف إسلمية ‪ ،‬وبنوك‬ ‫كأ ّ‬ ‫‪3‬ـ ل ش ّ‬


‫تتعامل مع الطبقات البشرية بالشريعة السلمية‪ ،‬ونحن نحمد الله ـ تعالى ـ‬
‫أن صار لهذه البنوك وجود ولو كان بطيئا ً في بعض الدول السلمية والتي‬
‫دم لهم البذل والمعونة ‪ ،‬وتقرضهم‬ ‫جار‪ ،‬وتعين المساكين وتق ّ‬ ‫تلبي رغبات الت ّ‬
‫القروض الخالية من الربا ‪ ،‬وتتعامل مع من يريد تنمية ماله بالمعاملت‬
‫المشروعة كالمضاربة والمشاركة والمساهمات التجارية‪.‬‬
‫وق بضاعتها بزيادة )السلمي(‬ ‫ن هناك ـ وللسف ـ بنوكا ً أرادت أن تس ّ‬ ‫بيد أ ّ‬
‫على كلمة ) البنك( للتغرير بعوام المسلمين وعقول البسطاء والمساكين ‪،‬‬
‫ليتعاملوا معهم ويشتركوا في معاملتهم المالية ؛ وأكثرها ـ عياذا ً بالله ـ من‬
‫م معظم معاملتها المصرفية بالتحايل على‬ ‫أبواب الحيل الباطلة ‪ ،‬والتي يت ّ‬
‫لت العلماء المتقدمين ‪ ،‬ورخص المعاصرين‬ ‫أبواب الشريعة‪ ،‬جاعلين ز ّ‬
‫المتساهلين ديدنهم في الترويج لللتحاق بهم والتعامل معهم‪.‬‬
‫فيا سبحان الله ! هل أصبحت البدائل المسماة إسلمية بهذا الشكل المرعب‬
‫وق‬‫‪ ،‬وأصبح البعض الذي ليس له من الثقافة السلمية رصيد ولو يسيرًا‪ ،‬يس ّ‬
‫لما يريد فعله ويضيف عليه كلمة )إسلمية( أو)إسلمي( أو على ) الشريعة‬
‫السلمية( على طرفة السمك المذبوح على الطريقة السلمية ؟ ! وإذا كان‬
‫ل بهم من الله ـ عّز وجل ـ ونقمة‬ ‫البعض هكذا؛ فليحذروا من عقوبة تح ّ‬
‫شديدة يوم القيامة إن لم يتوبوا ويتداركوا أمرهم‪.‬‬
‫‪4‬ـ ومن ذلك بعض فتاوى المنتسبين للعلم والدعوة بأّنه يجوز للمرأة أن‬
‫تشترك مع الرجل في التمثيل على شاشات الرائي )التلفاز( بحجة أن‬
‫الرسول ـ صّلى الله عليه وسّلم ـ قال ‪ ) :‬النساء شقائق الرجال( ‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن‬
‫المرأة نصف المجتمع ولها دورها فيه ‪ ،‬فل بأس عليها أن تشارك في التمثيل‬
‫بشرط أن يكون )إسلميًا(‪.‬‬
‫ن هذا يفتح بابا ً كبيرا ً لهل العلمنة والفسق في محاولة التدرج‬ ‫والحقيقة أ ّ‬
‫بمن أردن التمثيل من النساء المنتسبات للخير والدعوة في مهاوٍ توقعهن في‬
‫الردى‪ ،‬هذا عدا أكثر من عشرة مخالفات شرعية في هذا الباب‪.‬‬
‫مى بالفلم المدبلجة ‪ ،‬والتي أنتجتها بعض الشركات‬ ‫‪5‬ـ ومن ذلك ما يس ّ‬
‫ّ‬
‫العلمية الكافرة ‪ ،‬أو الشركات الفاسقة ‪ ،‬فما كان من البعض إل أن حذف‬
‫ن تسمية هذه الفلم بأفلم إسلمية‬ ‫نأ ّ‬ ‫منها أصوات الغاني والموسيقي‪ ،‬وظ ّ َّ‬
‫ن بعض هذه الشرطة فيها من التلوثات العقدية‪،‬‬ ‫هو الهدف الرئيس ‪ ،‬مع أ ّ‬
‫دامة كبعض اللفاظ الشركية ‪ ،‬والعادات المخالفة للقيم‬ ‫والراء اله ّ‬
‫السلمية ‪ ،‬كالشرب بالشمال‪ ،‬والنوم على البطن ‪ ،‬وعدم تشميت العاطس‪،‬‬
‫والسخرية بمن ابتلي بسمنة أو داٍء في جسده ‪ ،‬ومظاهر الختلط بين‬
‫الرجال والنساء‪ ،‬وعرض بعض صور النساء كاشفات لشيء من شعورهن‬
‫وإبراز بعض مفاتن جسدهن ‪ ،‬ومع ذلك تبقى أشرطة إسلمية !! فأين‬
‫المراقبة العلمية المتخصصة ‪ ،‬وأين المراجعة والتدقيق الشرعي على مثل‬
‫هذه الشرطة المدبلجة؟ بل ظهرت بعض الفلم السلمية تقوم فيها فتيات‬
‫ن العاشرة والحادية عشرة ‪ ،‬يقمن‬ ‫ن البلوغ في س ّ‬ ‫جميلت قد قارب أكثره ّ‬
‫بالنشاد السلمي‪ ،‬مع بعض حركات الرقص المرافقة ليقاع الدف ‪ ،‬ويكون‬
‫دم‬‫ل ‪ ،‬وتق ّ‬ ‫بالطبع معهن بعض الحداث الفتيان ينشدون جميعا ً عند بحر‪ ،‬أو ت ّ‬
‫إحدى الفتيات وردة حمراء لحد الحداث الذكور وهي تبتسم ابتسامة‬
‫دثني بذلك ـ والله ـ جمع من الشباب الذين كانوا على طريق‬ ‫ساحرة!! ح ّ‬
‫ما حّرم الله ‪ ،‬وقالوا‬ ‫ن الله عليهم بهدايته ـ سبحانه ـ فأقلعوا ع ّ‬ ‫مم ّ‬ ‫الغواية ث ّ‬
‫لي جميعا ً اشترينا هذه الشرطة من التسجيلت السلمية! ورأينا أناسا ً‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يشترونها ! وكّنا نتناوب على مشاهدة هذه الفلم! لما فيها من الصور‬
‫)السلمية(!!‬
‫ً‬
‫بل قرأت لحد هؤلء المنتسبين للسلم مقال كتبه في إحدى الجرائد يطالب‬
‫فيه بديسكو إسلمي! وما أدري والله ماذا زّور أمثال هؤلء في صدورهم بعد‬
‫ذلك من البرامج)الستسلمية للواقع(‪ .‬وصدق من قال في هذا الزمن‪:‬‬
‫ل العجائب *** وأصبحت الذناب فوق الذوائب‬ ‫زمان رأينا فيه ك ّ‬

‫)‪(6 /‬‬

‫والن‪...‬أسائل أصحاب هذه البدائل الظالمة‪...‬أسائلهم ‪ :‬بالله العظيم أذلك‬


‫كّله من باب البديل السلمي المنضبط ‪ ،‬عن أشرطة الفسق والمعصية؟ )إ ّ‬
‫ن‬
‫ده ‪ ،‬وخرج عن أصله ‪ ،‬وبلغ السيل‬ ‫هذا لشيء عجاب( ! لقد تعدى المر ح ّ‬
‫الزبى ‪ ،‬والله المستعان‪ ..‬فليتدارك أمثال هؤلء القوم منهجهم ‪ ،‬وليصلحوا‬
‫أمرهم ‪ ،‬وليتوبوا إلى ربهم ‪ ،‬ويعودوا إلى بارئهم ‪ ،‬ول يكونوا سببا ً لفساد‬
‫الشباب ‪ ،‬وهم يظنون أنهم مصلحون‪.‬‬
‫* شيء من البدائل النافعة المأمونة في عصر العولمة‪:‬‬
‫مة بدائل‬ ‫ن فيه النقائص الشرعّية ‪ ،‬فإّنه وبالمقابل ث ّ‬ ‫ن عصرنا كما أ ّ‬ ‫ل ريب أ ّ‬
‫مة‬‫إيجابّية كان لها الدور الكبير والنافع بعد عون الله وتوفيق في توعية ال ّ‬
‫ما سواها ومن ذلك ‪:‬‬ ‫م القبال عليها وإعراض الكثير ع ّ‬ ‫ورجالتها ‪ ،‬ومن ث ّ‬
‫مة بعض‬ ‫‪1‬ـ ظهرت بفضل الله وبجهود بعض المخلصين من أبناء هذه ال ّ‬
‫الذاعات السلمّية ‪ ،‬والمنتجة للبرامج السلمّية على مستوى رفيع ‪ ،‬من‬
‫ثبات على السس والصول السلمّية ‪ ،‬وتكامل في البرامج ‪ ،‬وإبداع في‬
‫الطرح والخطاب ‪ ،‬جعل كثيرا ً من المستمعين لهذه الذاعات ل تفارق بيوتهم‬
‫أو سّياراتهم ‪ ،‬معجبين بها ‪ ،‬ومتشجعين في الستماع لبرامجها‪.‬‬
‫‪2‬ـ المؤسسات السلمّية الراعية لكثير من طاقات الشباب البداعّية‬
‫وتثميرها ‪ ،‬و زرع روح المبادرة الذاتّية ‪ ،‬والعمل لهذا الدين على بّينة وعلم ‪.‬‬
‫‪3‬ـ إطلق بعض الفضائيات السلمّية ‪ ،‬والتي كان لها دور ـ بفضل الله ـ في‬
‫تنمية روح السلم في قلوب المسلمين ‪ ،‬وغرس مكامن العّزة في قلوبهم ‪،‬‬
‫فار أو الفسقة في النتاج‬ ‫ل من الك ّ‬ ‫ن المسلمين ليسوا أق ّ‬ ‫وإشعارهم بأ ّ‬
‫والخراج العلمي‪.‬‬
‫إل ّ أّنه يجدر أن أنّبه بأّنه ليست كل قناة منتسبة للسلم ‪ ،‬تكون كما اّدعت ‪،‬‬
‫ّ‬
‫ن بعض القنوات السلمية ‪ ،‬فيها الكثير من المخالفات الشرعّية ‪،‬‬ ‫وللسف فإ ّ‬
‫والتنازلت العقدّية ‪ ،‬والتي ينبغي تداركها ‪ ،‬ومن ذلك ‪ :‬تعظيم بعضهم لهل‬
‫الكفر والنفاق ‪ ،‬ورخاوة تقرير معاني الولء والبراء ‪ ،‬والختلط بين الرجال‬
‫وثي‬ ‫والنساء ‪ ،‬وعرض الموسيقى والغاني في برامجها ‪ ،‬واستضافة بعض متل ّ‬
‫ما ينبغي لهؤلء أن يتداركوه ‪ ،‬لتبقى برامجهم ملتزمة‬ ‫العقيدة‪ ،‬إلى غير ذلك م ّ‬
‫بأسس السلم وثوابته‪.‬‬
‫‪4‬ـ تفكير كثير من الشباب المسلم الواعد بإقامة مشروعات إسلمّية تربوّية‬
‫وترفيهّية ‪ ،‬ول أنسى أّنني في يوم من اليام قد ذهبت أنا وأهلي إلى طلعة‬
‫برّية ‪ ،‬وحول هذه المنطقة يوجد فيها شباب مراهقون شعروا بملل في‬
‫أوقاتهم ‪ ،‬فراحوا يجوبون الشوارع يمنة ويسرة ‪ ،‬ويضّيعون أوقاتهم بالدوران‬
‫في سّياراتهم ‪ ،‬والبعض منهم كانوا قد جلسوا مع رفقائهمه وبدؤوا يضربون‬
‫على العود والموسيقى !‬
‫ً‬
‫وبعد برهة من الزمن قصيرة رأيت شبابا في العشرين من عمرهم من‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصالحين ـ هكذا أحسبهم ـ قد قدموا بثلث سّيارات وأتوا بجهاز الحاسب‬


‫ظموا المجالس والمقاعد ‪ ،‬ثم بدؤوا يهتفون‬ ‫اللي و جهاز)البروجيكتر( ‪ ،‬ون ّ‬
‫عبر الميكرفونات وينادون الشباب ‪ :‬هيا يا شباب إلى المسابقات الجميلة !‬
‫هيا إلى البداعات ! هّيا إلى المسابقات ! وبدأ هؤلء الشباب بالتقاطر‬
‫م فيه برامج هؤلء الخوة الملتزمين ‪ ،‬حّتى أّنه‬ ‫والتحّلق في المكان الذي ُتقد ّ ُ‬
‫بعد ساعة أحصيت نحو ما يقارب ‪ 50‬سّيارة ‪ ،‬وأكثر من مائة شاب ‪ ،‬قد‬
‫ن على رؤوسهم الطير ‪ ،‬وهم يشاركون مبتهجين بهذه البرامج‬ ‫جلسوا وكأ ّ‬
‫دة تفاعل ‪ ،‬وابتسامات تعلو محّياهم ‪.‬‬ ‫والمسابقات بش ّ‬
‫وقبل أن ينتهي البرنامج أتى أحد هؤلء الخوة الصالحين بإلقاء موعظة بربع‬
‫م أنهي ذاك البرنامج بتوزيع‬ ‫ساعة ألهب فيها القلوب ‪ ،‬وحّرك لها المشاعر ‪ ،‬ث ّ‬
‫الجوائز على الفائزين ‪.‬‬
‫دثني أحد الخوة المصلحين الذين يشاركون في برامج بهذا الشكل بأّنه ل‬ ‫يح ّ‬
‫يخلو بأن يقوم ثلث شباب إلى خمسة بإعلن التزامهم واستقامتهم على دين‬
‫الله ‪ ،‬ويبدؤوا بالمشاركة مع هؤلء الشباب المصلحين في الدعوة إلى الله‬
‫بالحكمة والسلوب الحسن ‪ ،‬كما قال الشاعر ‪:‬‬
‫قد هدانا السبيل من سبقونا *** وعلينا هداية التينا‬
‫‪5‬ـ استغلل كثير من الشباب الصالحين والمهتمين بالجيل الناشئ وقت‬
‫الجازة الصيفّية بإقامة مراكز صيفّية تستوعب طاقات الشباب وإبداعاتهم ‪،‬‬
‫ود الشباب المسلم على روح‬ ‫وكذا إقامة المخيمات الشبابّية والتي تع ّ‬
‫المبادرة ‪ ،‬وتشجعه على إبراز مواهبه وتفعيل طاقاته في المشروع‪.‬‬
‫‪6‬ـ إطلق كثير من مواقع النترنت والتيان بشّتى البدائل النافعة والمفيدة‬
‫لبناء الصحوة السلمّية‪.‬‬
‫ً‬
‫فهذه البدائل ـ والحقّ يقال ـ قد نفع الله بها كثيرا من أبناء الصحوة ‪ ،‬و بّينت‬
‫مة السلمّية تستطيع إيجاد بدائل منضبطة غير منفلتة عن قيم السلم‪.‬‬ ‫ن ال ّ‬
‫أ ّ‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ن بالضوابط الشرعية‪ ،‬واللتزامات العقدية ‪،‬‬ ‫ولهذا أقول نعم للبديل ‪ ،‬ولك ْ‬
‫ّ‬
‫وتحت استشارة أهل الشريعة‪ ،‬ول للبديل المتسيب‪ ،‬والذي شط عن الصواب‬
‫ن هذا ليس له مكان‬ ‫م في الشبهات‪ ,‬فإ ّ‬‫ح َ‬‫‪ ،‬وانخرط في دوائر النفلت ‪ ،‬وأ ُقْ ِ‬
‫في قلوب أهل اليمان‪ ،‬ويبقى الحقّ عليه دلئل الشعاع الرّباني ‪ ،‬والباطل‬
‫ما ما ينفع الناس‬ ‫ما الّزبد فيذهب جفاًء ‪،‬وأ ّ‬‫عليه دلئل التحايل العصياني‪ ).‬فأ ّ‬
‫ول ‪ ،‬وهو‬‫فيمكث في الرض كذلك يضرب الّله المثال( ومن الله الحول والط ّ ْ‬
‫حسبنا ونعم الوكيل‪.‬وصّلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسّلم‬
‫أجمعين ‪.‬والحمد لله رب العالمين‪..‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫البديل السلمي في مجال العلم‬


‫د‪ .‬عبد القادر طاش ‪15/2/1425‬‬
‫‪05/04/2004‬‬
‫تتميز رسالة السلم بأنها منهج شامل للحياة بامتدادها الدنيوي والخروي‪:‬‬
‫شري َ‬
‫ك له وبذلك‬ ‫ب العالمين‪ ،‬ل َ‬
‫حياي ومماتي للهِ ر ّ‬
‫م ْ‬
‫كي و َ‬
‫س ِ‬ ‫ص َ‬
‫لتي ون ُ ُ‬ ‫ن َ‬‫)ُقل إ ّ‬
‫مسلمين( )سورة النعام ‪ .(163 – 162 :‬ولقد اعتورت‬ ‫ت وأنا أّول ال ُ‬
‫مر ُ‬‫أ ِ‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسلمين في حياتهم الحاضرة أسباب الضعف والتفكك‪ ،‬وعوامل النحراف‬


‫والتفلت حتى ذبل في نفوسهم وسلوكهم الفردي والجتماعي ذلك التصور‬
‫الشمولي للسلم باعتباره منهجا ً للحياة‪ ،‬ودستورا ً لحركة النسان والمجتمع‬
‫في هذا الكون‪.‬‬
‫ولعل من نعمة الله علينا ‪ -‬نحن المسلمين ‪ -‬أن تشهد الساحة السلمية في‬
‫الونة الخيرة صحوة إسلمية مباركة‪ ،‬تنطلق من الحساس بالحاجة إلى‬
‫تطوير مناهج الصلح في حياة المسلمين‪ ،‬بما يتوافق مع أصالة المنهج‬
‫ل‪ ،‬وبما يستوعب متغيرات‬ ‫السلمي باعتباره صالحا ً لكل زمان ومكان أو ً‬
‫المرحلة الراهنة التي يعيشها المسلمون ثانيًا‪ ،‬وبما يتواءم مع الستجابة‬
‫الواقعية المبصرة للتحديات التي تواجه التطبيق العملي المتكامل للمنهج‬
‫السلمي في واقع الحياة المعاصرة أخيرًا‪.‬‬
‫وإن من المنطق ‪ -‬ونحن نشهد هذه الصحوة المباركة ‪ -‬أن ننادي بتحويل‬
‫الحساس بالحاجة إلى شمولية الصلح‪ ،‬وتكامل التطبيق للمنهج السلمي‪،‬‬
‫إلى برنامج عمل واضح المعالم‪ ،‬مفصل الجوانب‪ ،‬يقدم البدائل السلمية في‬
‫مختلف مجالت الحياة‪.‬‬
‫وتكتسب المطالبة بإيجاد البديل السلمي في ميدان العلم ‪ -‬بجانبيه‬
‫النظري والتطبيقي ‪ -‬أهمية بالغة لما تتمتع به وسائل التصال الجماهيرية‬
‫اليوم من مكانة خطيرة في توجيه عقليات الجماهير‪ ،‬وتشكيل سلوكياتها في‬
‫الحياة‪ ،‬في عالم تحول إلى )قرية كونية(‪ ،‬قصرت وسائل التصال اللكترونية‬
‫ة معقدة من التصالت بين دوله‬ ‫المسافات بين أجزائه‪ ،‬وربطت شبك ً‬
‫وشعوبه‪ ،‬بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ النسانية كله‪.‬‬
‫إن وسائل التصال الجماهيرية تعد اليوم الجهاز المركزي الذي يوجه الفرد‬
‫ن صياغة منهج للعلم السلمي يعمل على سد الفراغ‬ ‫والمجتمع‪ ،‬ولذلك فإ ّ‬
‫ى يمكن بلورة‬ ‫حة‪ ،‬حت ّ‬‫الهائل في منظومات المنهج السلمي ليعتبر ضرورة مل ّ‬
‫أنموذج جديد للصلح السلمي يقوم على الشمول والتكامل والواقعية‪.‬‬
‫وهذه الضاءات المتواضعة محاولة لطرح بعض التساؤلت الحيوية حول‬
‫ت نحن في مسيس‬ ‫العلم السلمي‪ ،‬ومفهومه‪ ،‬ودوره ومسؤوليته‪ ،‬في وق ٍ‬
‫الحاجة فيه إلى جلء صورته‪ ،‬وتحديد معالمه‪ ،‬والكشف عن كنوزه وذخائره‪،‬‬
‫ل مع العمل‪،‬‬ ‫ي‪ ،‬يتعانق فيه القو ُ‬‫والتخطيط من أجل تحويله إلى واقع ح ّ‬
‫وتتلحم فيه النظرية بالتطبيق‪ .‬وتتركز الضاءات التي أحاول تسليطها حول‬
‫ثلثة تساؤلت هي‪:‬‬
‫‪ -‬لماذا نحتاج إلى العلم السلمي؟‬
‫‪ -‬وما العلم السلمي الذي نريد؟‬
‫‪ -‬وكيف نصل إلى العلم السلمي؟‬
‫لماذا العلم السلمي؟‬
‫سوغ تبنيه‬‫قيم ل بد أن تتوافر له مبّررات قوية ومقنعة‪ ،‬ت ّ‬ ‫ن المطلب ال ّ‬ ‫إ ّ‬
‫بإخلص‪ ،‬وتدفع إلى الدعوة إليه بإلحاح‪ ،‬وتقوي العزائم في سبيل تحقيقه في‬
‫ن أو هبوط‪ .‬وتستند المطالبة بأسلمة العلم وصياغته صياغة‬ ‫الواقع بل توا ٍ‬
‫إسلمية إلى مبررات ثلثة هي‪:‬‬
‫قي‪:‬‬‫‪ -1‬المبّرر المنط ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫لقد جاء السلم ‪ -‬كما ذكرنا سابقا ‪ -‬ليكون منهجا شامل للحياة كلها بجميع‬
‫جوانبها ومجالتها‪ .‬وقد رسم السلم للنسان معالم لنظمه الجتماعية‬
‫المختلفة‪ ،‬لتتوافق هذه النظم مع الغاية الرئيسة لوجوده‪ ،‬وهي استخلف الله‬
‫له في الرض لعمارة الكون وفق منهج الله وتحقيق عبادته وحده‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وارتباط المسلم بإسلمه ليس ارتباطا ً عاطفيا ً روحيا ً فحسب‪ ،‬بل هو ‪ -‬إلى‬
‫جانب ذلك ‪ -‬ارتباط واقعي عملي من خلل تطبيق شرائع السلم وهديه‬
‫وتعاليمه السامية وتوجيهاته الربانية في مجموعة من النظم السلمية التي‬
‫حكمت حياة المسلمين في شؤونهم الجتماعية والسياسية والقتصادية‬
‫والمدنية والعسكرية‪.‬‬
‫وعندما ضعف التزام المسلمين بمبادئ دينهم‪ ،‬وتكالبت عليهم القوى‬
‫الستعمارية التي استهدفت خلخلة التصور الشمولي للسلم وتطبيقه في‬
‫ول ارتباط معظم المسلمين بالسلم في العصر الحاضر إلى‬ ‫حياتهم‪ ،‬تح ّ‬
‫مجرد ارتباط عاطفي محدود‪ ،‬يكتفي فيه المسلم بإقامة شعائره والتعبدّية‪،‬‬
‫وتزكية نفسه بالرياضيات الروحية والخلقية الفردية‪ .‬وقد نتج عن هذا‬
‫المفهوم المغلوط لحقيقة اللتزام السلمي أن حفلت حياة المسلمين بصور‬
‫الزدواجية والتناقض بين الرتباط العاطفي بالسلم في ميدان العباد‬
‫والخلق الفردية‪ ،‬وبين الرتباط العلمي الواقعي بالمذهب المناقضة للسلم‬
‫في ميدان النظم والتشريعات الجتماعية والسياسية والقتصادية‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن حياة المسلمين المعاصرة لن تتحقق لها الصبغة السلمية إل عندما‬ ‫إ ّ‬


‫ينسجم ارتباطها العاطفي بالسلم في الجانب العقدي والروحي والفردي مع‬
‫ارتباطها العلمي والواقعي بالسلم في الجانب التشريعي والتنظيمي‪ .‬ومن‬
‫هنا تكتسب الدعوة إلى صياغة المعارف والنظم في حياة المسلمين صياغة‬
‫ن تحقيق هذا الهدف يعتبر التحدي الحقيقي الذي‬ ‫إسلمية أهمية بالغة‪ .‬بل إ ّ‬
‫ينبغي على المة السلمية أن تواجهه في وقتها الراهن‪.‬‬
‫ويعتبر العلم فرعا ً مهما ً من فروع المعرفة العلمية والتطبيقية‪ ،‬التي تحتاج‬
‫إلى العناية بتأصيل مفاهيمها ومناهجها وتهذيب أساليب وطرق ممارستها‬
‫الواقعية وفقا ً لهدي السلم وتوجيهاته‪ .‬وتتعاظم أهمية صياغة النظام‬
‫العلمي‪ :‬فلسفة وغاية ومنهجا ً وممارسة‪ ،‬صياغة إسلمية في ضوء إدراكنا‬
‫لهمية العلم في حياة المجتمعات‪ ،‬وخطورة ما يقوم به في التأثير على‬
‫الفراد والجماعات سلبا ً كان هذا التأثير أو إيجابًا‪.‬‬
‫ن المبرر المنطقي للمطالبة بصياغة العلم صياغة إسلمية‪ ،‬يؤكد على أن‬ ‫إ ّ‬
‫هذه الصياغة نتيجة منطقية لشمول المنهج السلمي وتكامله‪.‬‬
‫‪ -2‬المبّرر الواقعي‪:‬‬
‫يواجه المسلمون اليوم في مختلف أقطارهم ومواطنهم غزوا ً فكريا ً وثقافيا ً‬
‫وحضاريا ً رهيبًا‪ .‬ولم ي َُعد هذا الغزو الحضاري الشامل مقصورا ً على الوسائل‬
‫دامة‪ ،‬أو مؤامرات‬ ‫التقليدية للغزو من كتب استشراقية‪ ،‬أو مذاهب ه ّ‬
‫استعمارية مكشوفة‪ .‬لقد انتهى عصر الغزو الستعماري الستشراقي‬
‫المباشر‪ .‬إن الغزو الحضاري الذي تواجهه المة السلمية يستخدم وسائل‬
‫جديدة‪ ،‬وأساليب جديدة‪ .‬إن الرسالة الغازية تعبر إلى الجيال الصاعدة‪ ،‬بل‬
‫إلى العقول المثقفة‪ ،‬عن طريق الخبر الذي تبثه وكالة النباء‪ ،‬والتحليل‬
‫السياسي‪ ،‬أو القتصادي الذي تكتبه الصحيفة والصورة التي ترسلها الوكالت‬
‫المصورة‪ .‬والرسالة الغازية تعبر إلى العقول المثقفة عن طريق الفيلم‬
‫التلفازي المدهش‪ ،‬وعن طريق شريط الفيديو‪ ،‬وعن طريق البرنامج الذاعي‬
‫المشوق‪ .‬والرسالة الغازية تعبر إلى الجيال الصاعدة عن طريق فيلم‬
‫الكرتون المتقن‪ .‬والرسالة الغازية تعبر إلى العقول المثقفة والجيال‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصاعدة عبر النظريات المدسوسة في مناهج التربية والتعليم‪ ،‬معللة بدعاوى‬


‫العلم والتقدم والكتشافات الحديثة !!‬
‫ولقد أعجبتني كلمة مّعبرة لحد المثقفين يقول فيها‪ ) :‬إن الغزو الثقافي‬
‫شر في كنيسة ُيقنع ) المحّليين الهمج (‬ ‫الخطر اليوم لم ي َُعد يأخذ صورة مب ّ‬
‫باعتناق ) ديانة متحضرة( وإن كانت النشاطات التبشرية في بعض أنحاء‬
‫العالم الثالث ل تزال مصدر تهديد ثقافي ل يستهان به‪ ،‬والغزو الثقافي‬
‫الخطر اليوم ي َُعد يتخذ شكل مؤامرة استعمارية تستهدف تشكيك شعب ما‬
‫في تاريخه وأخلقه وديانته‪ ،‬وإن كان الحديث ل ينقطع عن مؤامرات كهذه‪،‬‬
‫حقيقية أو وهمية‪ .‬إن أخطر ما في الغزو الثقافي المعاصر أنه أصبح ذا دافع‬
‫ذاتي تلقائي‪ ،‬يتم دون مجهود من الجهات الغازية‪ ،‬ويتم دون أن يدرك ضحية‬
‫الغزو أنه معرض لي خطر‪ ،‬فيقدم‪ ،‬في حماسةٍ وبلهة‪ ،‬ل على قبول الغزو‬
‫فحسب‪ ،‬بل إلى اعتناقه واحتضانه‪ .‬هنا مكمن الخطر(‪.‬‬
‫إن هذا الغزو الحضاري الرهيب يعمل على زعزعة مبادئ السلم وقيمه‬
‫غربةٍ عن دينهم‬ ‫وهدم أخلقياته ومثله في نفوس أبناء المسلمين لينشأوا في ُ‬
‫وحضارتهم وتراثهم‪ ،‬ويصبحوا فريسة سائغة للفكار الغربية ونمط الحياة‬
‫الغربية بكل ما فيها من انحرافات ومفاسد وأوبئة‪ .‬ولقد وصل هذا الغزو إلى‬
‫منازلنا ولم يعد أمامنا مفر من مواجهته‪ ،‬المواجهة الصحيحة التي ل تكتفي‬
‫محكمة تعتمد‬ ‫بالتنديد والصراخ والدعاء بالويل والثبور‪ ،‬بل بتطوير استراتيجية ُ‬
‫على هدفين ‪:‬‬
‫الول‪ :‬توجيه العلم في الدول السلمية نحو الصالة والذاتية النابعة من قيم‬
‫السلم ومبادئه‪ ،‬وتوفير الجو الملئم والدعم المناسب لصنع البدائل‬
‫السلمية التي تقف في مواجهة ما يقدمه الغرب‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬تنقية العلم ‪ -‬إلى جانب التعليم ‪ -‬من المؤثرات الغربية العلمانية‬
‫واللحادية‪ ،‬وتفنيد ما تقدمه وسائل العلم الغربية من مفاسد وانحرافات‬
‫وبيان عوارها وتهافتها بمنطق مقنع وبوسائل مكافئة‪.‬‬
‫وهذه المواجهة الواقعية للغزو الفكري والثقافي في صورتها الشاملة‬
‫المتكاملة المتكافئة لن تتحقق إل ّ عندما تتبلور في أذهان المسلمين الصورة‬
‫الحقيقية للعلم السلمي‪ ،‬وتتوالى معطياته الواقعية وثمراته العملية في‬
‫واقعهم المعاصر‪ ،‬إذ ل يمكن أن يهزم الباطل الزائف إل الحقّ الصيل‪َ ) :‬بل‬
‫ه فإذا هُوَ زاهِقٌ ( ) النبياء‪.(18 :‬‬ ‫ل فَي َد ْ َ‬
‫مغُ ُ‬ ‫حقّ الباط ِ ِ‬
‫ف بال َ‬
‫َنقذ ُ‬
‫‪ -3‬المّبرر النساني‪:‬‬
‫وسائل العلم‪ ،‬لسان هذا العصر‪ .‬وقد أدرك أصحاب الديانات والمذاهب‬
‫والفكار أهمية استغلل هذه الوسائل في سبيل إيصال أفكارهم وعقائدهم‬
‫ومذاهبهم إلى الناس‪ .‬وكان النصارى الصليبيون أكثر الناس إدراكا ً لهذه‬
‫الهمية‪ ،‬وأسبقهم إلى استخدامها في مجال التنصير‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وفي الوقت الذي ينشط فيه أصحاب الديانات المحّرفة والمذاهب الفاسدة‬
‫لستغلل وسائل العلم لخدمة أغراضهم‪ ،‬نجد المسلمين غائبين عن الساحة‬
‫العلمية إل ّ بعض جهود محدودة ل أثر لها‪.‬‬
‫والبشرية اليوم قد سئمت من الدين المحّرف‪ ،‬وانصرفت عن المذهب‬
‫الفاسد‪ ،‬وهي تعيش ضياعا ً وقلقا ً واضطرابًا‪ .‬وقد أثقل كاهل النسانية في‬
‫وقتها الراهن كابوس اللحاد والعلمانية‪ ،‬والفساد الخلقي‪ ،‬والظلم والستبداد‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السياسي‪ ،‬والستغلل القتصادي‪ ،‬والتفكك الجتماعي‪ ،‬وتعالت الصيحات‬


‫تبحث عن مصدر للمان والعدالة والحياة الكريمة‪ ،‬فأين سيجدون كل ذلك إل ّ‬
‫في السلم ؟!!‬
‫إن البشرية اليوم بحاجة إلى السلم أكثر من أي وقت مضى‪ .‬والمسلمون‬
‫مطالبون ‪ -‬وفقا ً للتوجيه السلمي بمخاطبة الناس بلغتهم ووسائلهم‪ -‬بأن‬
‫يستخدمون وسائل التصال والعلم في سبيل الدعوة إلى السلم‪ ،‬وتوضيح‬
‫ن تبليغ رسالة‬ ‫صورته الناصعة‪ ،‬وإبراز محاسنه وثمراته للناس في كل مكان‪ .‬إ ّ‬
‫السلم العالمية‪ ،‬وإيصال دعوته إلى البشرية كلها مّبرًر إنساني عظيم‬
‫للدعوة إلى صياغة العلم صياغة إسلمية حتى يمكن أن يؤدي هذا العلم‬
‫دوره في الحياة النسانية‪.‬‬
‫ما هو العلم السلمي الذي نريد ؟‬
‫تختلف نظرات الناس حول العلم السلمي ما بين النظرة الجغرافية‪،‬‬
‫والنظرة التاريخية‪ ،‬والنظرة الواقعية التجزيئية‪ .‬فالنظرة الجغرافية تفهم‬
‫العلم السلمي على اعتبار أنه العلم الصادر من دول العالم السلمي‪ ،‬أو‬
‫الجهات التي تنتسب إلى السلم‪ .‬وتكاد هذه النظرة أن تكون النظرة‬
‫السائدة في الدراسات الجنبية عن العلم السلمي‪ .‬ولذل تصنف هذه‬
‫الدراسات إعلم الدول التي تقع في إطار العالم السلمي ضمن العلم‬
‫السلمي بمفهومه الجغرافي الرسمي‪ ،‬دون تمييز في المنهج أو الغاية أو‬
‫الممارسة‪.‬‬
‫والنظرة التاريخية للعلم السلمي تكاد تحصر العلم السلمي في إطار‬
‫زمني ضيق‪ ،‬فتوحي بأن العلم السلمي مفهوم تراثي‪ ،‬وممارسة محدودة‬
‫في فترة زمنية معينة‪ ،‬مثل تلك الدراسات التي تتناول العلم ووسائله في‬
‫عهد النبوة أو الخلفاء الراشدين‪.‬‬
‫أما النظرة الواقعية التجزيئية للعلم السلمي‪ ،‬فتستند إلى صورِ الممارسة‬
‫الواقعية لبعض جوانب العلم السلمي المحدودة‪ ،‬وتفهم هذا العلم‬
‫باعتباره إعلما ً ) دينيا ً متخصصا ً (‪ .‬ولذلك يغلب على من ينحو هذا المنحى أن‬
‫يفهم العلم السلمي في حدود الصفحات الدينية‪ ،‬وركن الفتاوى‪ ،‬والخطب‬
‫المنبرية‪ ،‬في الصحافة اليومية‪ ،‬أو في حدود تلك الصحف والمجلت التي‬
‫مى نفسها بالسلمية‪ ،‬أو في حدود البرامج والحاديث الدينية في الراديو‪،‬‬ ‫تس ّ‬
‫أو في حدود البرامج والفلم والمسلسلت التاريخية والدينية‪ ،‬التي يشاهدونها‬
‫عبر الشاشة التلفازية أو السينمائية !!‬
‫ورغم أن هنالك بعض جوانب الصحة في هذه النظرات المختلفة للعلم‬
‫السلمي‪ ،‬إل ً أنها ل تعبر عن حقيقة العلم السلمي بشموله وتكامله‪ ،‬ول‬
‫تمثل جوهره الصيل‪ ،‬وخصائصه النظرية والتطبيقية‪ .‬فالنظرة الجغرافية‬
‫توهم العلم الصادر من دولة مسلمة يكتسب الشرعية السلمية بمجرد‬
‫انتسابه إلى الدولة المسلمة‪ ،‬دون اعتبار لغاية ذلك العلم ومنهجه‪ ،‬ودون‬
‫اعتبار لمضمونه وأساليب ممارسته‪ .‬والمؤسف أن واقع العلم المعاصر في‬
‫كثير من دول العالم السلمي ل يصور أبدا ً حقيقة العلم السلمي‪ .‬والتحليل‬
‫العلمي الموضوعي يكشف لنا أن كثيرا من منطلقات العلم‪ ،‬ومضامينه‪،‬‬
‫وأساليب‪ ،‬ممارسته‪ ،‬وقواعد تنظيمه في كثير من الدول المسلمة يسير في‬
‫ركب التقليد والتبعية للنماط الغربية أو الشرقية في العلم‪ ،‬ويفتقد الهوية‬
‫السلمية الواضحة !!‬
‫جم هذا العلم‬ ‫والنظرة التاريخية للعلم السلمي‪ ،‬نظرة قاصرة‪ ،‬إذ تح ّ‬
‫وره على أنه إعلم تراثي عتيق‪ ،‬ينفصل عن الواقع‪ ،‬ويبتعد عن معالجة‬ ‫وتص ّ‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قضايا العصر والستفادة من معطياته ومنجزاته‪ .‬والحقّ أن العلم السلمي‬


‫ليس مرتبطا ً بفترة زمنية‪ ،‬وليس محدودا ً ببقعة مكانية محدودة‪ ،‬بل هو منهج‬
‫يتجاوز حدود الزمان والمكان‪ ،‬ويحمل في طياته بذور الملئمة لكل زمان‬
‫ومكان‪.‬‬
‫أما النظرة الواقعية التجزيئية للعلم السلمي‪ ،‬فهي نظرة مجحفة‪ ،‬غير‬
‫صص‬ ‫منطقية‪ ،‬وهي مثل سابقتيها تحجم هذا العلم‪ ،‬وتفصله عن الواقع‪ ،‬وتخ ّ‬
‫له جزءا ً محدودا من النشاط العلمي الحافل‪ .‬وهذه النظرة ذات أثر خطير‬
‫في حياة المسلمين‪ ،‬لنها تفصل العلم بنشاطاته الواسعة وممارساته‬
‫المتنوعة‪ ،‬عن الهدى السلمي‪،‬ن وتكتفي بتحكيم السلم في جزٍء من‬
‫النشاط العلمي‪ ،‬ثم ل تبالي أن يناقض العلم مبادئ السلم وأخلقه‬
‫ويتعدى حدوده وضوابطه في الجزاء الخرى التي يطلق عليها ) العلم العام‬
‫( !! وكأن هذا المفهوم يقترب من المفهوم الغربي العلماني في فصل الدين‬
‫عن الحياة‪ ،‬واعتبار الدين شأنا ً فرديا ً وعقيدة مكنونة‪ ،‬يخصص له جزء من‬
‫النشاط النساني‪ ،‬ول سلطان له على الواقع‪ ،‬ول هيمنة له على الحياة‬
‫الجتماعية ونشاطاتها العامة‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ن المفهوم البديل‪ ،‬بل المفهوم الحقّ للعلم السلمي هو المفهوم‬ ‫إ ّ‬


‫المنهجي‪ ،‬الذي ل يجعل مقاييس إسلمية العلم مبنية على أساس الحدود‬
‫الجغرافية والمكانية‪ ،‬أو الوضعية التاريخية المحدودة‪ ،‬أو الممارسة الواقعية‬
‫الخاطئة للعلم في الحياة‪ ،‬بل يبني تلك المقاييس والمعايير على أساس‬
‫المنطلقات الرئيسة والطر الفكرية والجتماعية والنسانية المنبثقة من روح‬
‫السلم وتصوراته الكلية وقيمه السامية‪ ،‬وعلى أساس الضوابط الشرعية‬
‫التي ينبغي أن يسير العلم على هدي منها‪ ،‬ويلتزم بها في نشاطاته المختلفة‬
‫وممارساته الواقعية‪.‬‬
‫إن العلم السلمي ‪ -‬بهذا المفهوم المنهجي ‪ -‬روح تسري في النشاط‬
‫العلمي كله‪ ،‬تصوغه‪ ،‬وتحركه وتوجهه منذ أن يكون فكرةً إلى أن يغدو عمل ً‬
‫ل‪ ،‬مقروءا ً كان أو مسموعا ً أو مرئيًا‪ .‬وبذلك يصبح العلم‬‫منتجا ً متكام ً‬
‫السلمي منهجا ً قويما ً تسير وفقه جميع النشاطات العلمية في كافة‬
‫الوسائل والقنوات دون أن يحيد نشاط واحد منها عن الطريق‪ ،‬أو يتناقض مع‬
‫النشاطات الخرى سواء في الوسيلة الواحدة أو الوسائل المتعددة‪ .‬وبذلك ‪-‬‬
‫أيضا ً ‪ -‬يصبح العلم السلمي حكما ً موضوعيا ً تتحاكم إليه جميع هذه‬
‫النشاطات العلمية ثم ل يجد نشاط منها حرجا ً في التسليم لحكمه والذعان‬
‫لتوجيهه‪.‬‬
‫وفهم العلم السلمي بهذه الصورة الشاملة‪ ،‬ينسجم مع الحقيقة الصلية‬
‫لهذا الدين‪ ،‬وهي أنه منهج شامل للحياة‪ ،‬وليس منهجا ً جزئيا ً يعالج جانبا ً من‬
‫جوانب الواقع النساني‪ ،‬ويهمل الجوانب الخرى‪ .‬وهذا المفهوم للعلم‬
‫السلمي‪ ،‬يحقق في حياة المة السلمية على الدوام الستقرار والتوازن‪،‬‬
‫ويخلصها من آثار الزدواجية والتناقض والصراع التي تعاني منها المة‪ ،‬كلما‬
‫ابتعدت عن منهج الله‪ .‬والنشاط العلمي المعاصر يعاني من هذه المراض‬
‫الخطيرة‪ ،‬حيث تجد الزدواجية والتناقض في الوسيلة الواحدة فضل عن‬
‫وجودهما في الوسائل المتعددة‪ ،‬حيث تستمع إلى برنامج ) ديني ( يحث على‬
‫الفضلة‪ ،‬فيعقبه مباشرة برنامج آخر يغري بالرزيلة‪ ،‬أو أغنية ماجنة تزين‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السقوط بصورة مشوقة !! وتشاهد في التلفاز برنامج ) دينيا ( يبنى في‬


‫نفوس المشاهدين معاني الرجولة والصلح والخير‪ ،‬ثم ل تلبث أن تصدم في‬
‫الوسيلة نفسها بفيلم مثير‪ ،‬ينقض كل ما بناه البرنامج )الديني ( ويهدمه!!‬
‫والنكى من ذلك أن يقدم البرنامج )الديني ( في أسلوب جاف وإخراج رتيب‪،‬‬
‫فل يجذب المشاهد ول يجوز على رضاه‪ ،‬بينما يخدم الفيلم غير الديني خدمة‬
‫ة‬
‫فائقة‪ ،‬فيقبل عليه الصغار والكبار‪ ،‬ويتحلق حوله الشباب والشابات في رغب ٍ‬
‫وحماس!!‬
‫ولو نظرنا إلى واقع النشاط العلمي والنظم العلمية في المجتمعات‬
‫المختلفة التي ل تدين بالسلم لوجدنا ذلك النشاط في مجتمع ينبع أصل ً من‬
‫التصورات العقدية واليديولوجية للمجتمع‪ ،‬وينطبع بالقيم والتقاليد والظروف‬
‫الجتماعية والسياسية والقتصادية السائدة فيه‪ ،‬ولوجدنا أن النظام العلمي‬
‫يخدم أساسا ً الغايات والهداف البعيدة والقريبة التي يسعى المجتمع إلى‬
‫تحقيقها‪ .‬فالعلم في الدول الغربية ) اللبرالية ( العلمانية ينطلق من غايات‬
‫المذهب ) اللبرالي ( العلماني‪ ،‬وفلسفته‪ ،‬ويروج بطرق مباشرة وغير مباشرة‬
‫للنمط العلماني الغربي للحياة الذي يفصل الدين عن واقع الحياة‪ ،‬ويجمد‬
‫الحرية الفردية‪ ،‬ويعلي من قيمة النانية‪ ،‬والنجاز الشخصي‪ ،‬ويعمق روح‬
‫المادية والستهلكية‪ .‬والعلم في الدول الشيوعية يصطبغ بفلسفة‬
‫اليديولوجية الماركسية‪ ،‬وينطلق من غاياتها‪ ،‬ويروج بطرق مباشرة وغير‬
‫مباشرة للنمط اللحادي الماركسي للحياة الذي يصور هذه الحياة بأنها صراع‬
‫بين الطبقات‪ ،‬ويجعل الحزب ) ديكتاتورا ( متسلطا ً ومهيمنا ً على الناس‪،‬‬
‫ويوظف العلم ليكون خادما ً للسلطة ومجرد أداة لتحقيق رغبات الحزب‬
‫وشهواته !!‬
‫وللسلم ‪ -‬دون شك ‪ -‬فلسفته العلمية الخاصة به‪ .‬وفي ضوء هذه الفلسفة‬
‫دد معالم النشاط‬ ‫المستقاة من المصادر الصلية للمنهج السلمي‪ ،‬تتح ّ‬
‫ً‬
‫العلمي داخل المجتمع السلمي وخارجه‪ .‬ولقد وضع السلم أصول عامة‬
‫وقواعد كلية لكافة جوانب العملية العلمية‪ .‬ولكن هذه الصول والقواعد‬
‫مبثوثة في المصادر السلمية المتمثلة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وفي اجتهاد فقهاء المسلمين وعلمائهم عبر العصور المتعاقبة‪.‬‬
‫والعلم اليوم غدا ً علما ً منظمًا‪ .‬ولذلك فإن المسلمين بحاجة ماسة إلى‬
‫دد معالم الهدى السلمي في النشاط‬ ‫صياغة منظومة إعلمية ذاتية لهم‪ ،‬تح ّ‬
‫العلمي من حيث ‪:‬‬
‫ور السلمي‬ ‫أ ‪ -‬فلسفته الساسية‪ ،‬وإطاره الفكري العام المبني على التص ّ‬
‫للكون والحياة والنسان وغاية الوجود النساني‪.‬‬
‫ب ‪ -‬غايته الكبرى‪ ،‬ومنهجه الصيل في تحقيق تلك الغاية‪.‬‬
‫ج ‪ -‬وظائفه العامة والخاصة‪ ،‬ومدى ارتباط هذه الوظائف بالحاجات الواقعية‬
‫لفراد المجتمع‪ ،‬ومقدار استجابته للظروف المحيطة بهم‪.‬‬
‫ه وطرقه في تقديم المضمون إلى الناس‪ ،‬ومدى مراعاة هذه‪.‬‬ ‫د ‪ -‬أساليب ُ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫الساليب لخصائص الجمهور المتلقي للرسالة العلمية‪ ،‬وكيفية تفاعله معه‪.‬‬


‫هـ‪ -‬وسائله وقنواته المتنوعة سواء التقليدية منها والحديثة‪ ،‬وخصائص‬
‫الوسائل الخاصة بالعلم السلمي والتي ينفرد بها عن غيره من المذاهب‬
‫العلمية الوضعية كقنوات التصال الشخصي المنظم‪ ،‬وألوان التصال‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجمعي والدولي المتميزة‪ ،‬وكيفية استثمارها وتوظيفها لخدمة أهداف‬


‫المجتمع المسلم وغاياته‪.‬‬
‫و‪ -‬نظمه وسياساته العامة والخاصة والسس والضوابط التي يضعها السلم‬
‫لتقنين تلك النظم وصياغتها‪ ،‬وترشيد السياسات العلمية التي يتبناها‪.‬‬
‫وهذا العمل الذي يستهدف صياغة منظومة إعلمية إسلمية للمجتمع‬
‫السلمي لن يتحقق إل خلل اجتهاد عصري يقوم به علماء يمتلكون زادا ً متينا ً‬
‫من العلم الشرعي‪ ،‬ويمتلكون أيضا ً زادا ً متينا ً من العلم العلمي في جانبيه‬
‫النظري والتطبيقي‪ .‬ول بد من أن يعتمد هذا الجتهاد العصري على تلحم‬
‫عنصرين هامين هما‪:‬‬
‫ل‪ :‬دراسة المصادر الساسية للسلم دارسة إعلمية علمية لستنباط‬ ‫أو ً‬
‫السس والقواعد التي تنظم العملية العلمية أو ترشد إليها‪ .‬ويردف هذه‬
‫الدراسة محاولة الكشف عن ذخائر التراث السلمي عبر العصور مما له‬
‫صلة بالممارسة العلمية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬دراسة نتاج البحوث والدراسات والممارسات العلمية المعاصرة‬
‫واستيعابها‪ ،‬ثم استلهام روح التشريع السلمي ونتائج الدراسة العلمية‬
‫العلمية لمصادر السلم وتراث المسلمين للوصول إلى رؤية واضحة لما‬
‫ينبغي أن يكون عليه العلم السلمي في الجوانب النظرية والتطبيقية التي‬
‫ذكرتها آنفًا‪.‬‬
‫كيف نصل إلى العلم السلمي ؟‬
‫ن تحقيق ثمرة هذا التصور النظري للعلم السلمي‪ ،‬بشموله وتكامله‪ ،‬لن‬ ‫إ ّ‬
‫ل إلى العلم‬ ‫ح‪ :‬كيف نص ُ‬‫يكون إل ّ بمحاولة الجابة على هذا التساؤل المل ّ‬
‫السلمي؟‪.‬‬
‫ن الوصول إلى العلم السلمي يحتاج مّنا العمل الدؤوب في‬ ‫وري أ ّ‬ ‫وفي تص ّ‬
‫أربعة ميادين رئيسة هي‪:‬‬
‫‪ -1‬ميدان العداد والتأهيل البشري‪:‬‬
‫ن ّأهم الوسائل للوصول إلى تحقيق العلم السلمي في واقع الحياة‬ ‫إ ّ‬
‫وأنجعها هو إعداد الكفايات البشرية المتخصصة في العلم‪ ،‬وتأهيلها فكريا‪ً،‬‬
‫خُلقيًا‪ ،‬وعمليًا‪ ،‬ومهنيًا‪ .‬إن النسان هو العنصر الول في إحداث أيّ تغيير‬ ‫و ُ‬
‫مقصود‪ .‬والعناية بإعداد العلميين السلميين‪ ،‬وتأهيلهم حتى يكونوا قادرين‬
‫على تحمل هذه المسؤولية الضخمة‪ ،‬ليس أمرا ً سهل ً قليل التكاليف‪ ،‬بل هو‬
‫عمل كبير‪ ،‬يتطلب منا جهودا ً عظيمة وطاقات عديدة‪ .‬إن الطبيب ‪ -‬وهو‬
‫طبب البدان‪ -‬يمر بفترة صعبة ومكثفة وطويلة من إعداد والتأهيل‪ ،‬فما بالك‬ ‫ي ّ‬
‫بالعلمي‪ ،‬وهو المعلم‪ ،‬والمربي‪ ،‬والقائد‪ ،‬والموجه‪ ،‬وصانع الرأي في‬
‫طبب‬‫مته‪ -‬ول شك ‪ -‬أعظم‪ ،‬ومسؤوليته أكبر‪ ،‬فهو ي ّ‬ ‫المجتمع ؟! إن مه ّ‬
‫النفوس‪ ،‬ويؤثر في العقول‪ ،‬ويسهم في صياغة مواقف الناس وسلوكهم‪.‬‬
‫ب أن يكون تأهيُله موازيا ً لهذه المسؤولية المنوطة به ولبد ّ‬ ‫ج َ‬
‫ومن ثم‪ ،‬وَ َ‬
‫لعداد العلمي السلمي وتأهيله من أن يتكامل المنهج العلمي والعملي في‬
‫الجوانب التالية‪-:‬‬
‫أ ‪ -‬العداد الصولي والفكري‪ ،‬حيث يتعّرف الطالب على الصول العقدية‬
‫والفكرية والتشريعية للسلم من خلل مجموعة مختارة من المقررات‬
‫الشرعية والفكرية في القرآن الكريم‪ ،‬والتوحيد‪ ،‬والتفسير‪ ،‬والحديث‪،‬‬
‫والفقه‪ ،‬والثقافة السلمية‪.‬‬
‫ب ‪ -‬العداد اللغوي والتذوقي‪ ،‬فاللغة وسيلة العلمي‪ ،‬بل هي وعاء الفكر‬
‫والثقافة‪ ،‬ولذلك ل بد له من أن يدرس بعض المقررات في اللغة العربية نحوا ً‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كن في فنون القول‪ ،‬والبيان والسلوب‪،‬‬ ‫وصرفيا ً وفقهًا‪ ،‬وأن يسعى إلى التم ّ‬
‫والتعبير‪ ،‬والتذوق الدبي‪.‬‬
‫ج ‪ -‬العداد التخصصي والمهني‪ ،‬وهذا العداد ل بد أن يتكامل فيه الجانب‬
‫النظري والجانب العملي التطبيقي حتى ل تصبح دراسة العلم دراسة نظرية‬
‫بحتة‪ .‬ول بد من اكتساب الطالب للمهارات العملية والمهنية المطلوبة منه‬
‫في واقع الممارسات الميدانية‪.‬‬
‫د ‪ -‬العداد الثقافي العام‪ ،‬وهذا يتطلب اللمام بالواقع الذي يعيش فيه‪ ،‬من‬
‫حيث قضاياه ومشكلته‪ ،‬وأحداثه‪ ،‬وتياراته‪ ،‬كما يتطلب اللمام ببعض‬
‫معنية له على فهم هذا الواقع وتحليله‪ ،‬وهي علوم وثيقة‬ ‫المعارف والعلوم ال ُ‬
‫الصلة بالعلم كعلم النفس والجتماع‪ ،‬والعلوم السياسية والقتصادية‪ ،‬واللغة‬
‫الجنبية‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ول بد من التأكد هنا على أن من مستلزمات هذا العداد الصارم للعلميين‬


‫ط‬
‫السلميين‪ ،‬أن يخضع الطلب الذين يقبلون في أقسام العلم لشرو ٍ‬
‫موزونة سواء في المجال العلمي أو الخلقي‪ .‬ول بد ّ أن يتوافر فيهم الحد ّ‬
‫الدنى من الموهبة‪ ،‬والستعداد النفسي‪ .‬كذلك ل بد من التأكيد على أن‬
‫يتوافر لهؤلء الطلب في المحيط الكاديمي جوّ من العلقة الحميمة بينهم‬
‫وبين أساتذتهم‪ ،‬المبنية على الثقة والحترام والتهذيب التربوي والتوجيه‬
‫الخلقي عبر القدوة الصالحة التي يجدها الطلب في أساتذتهم وموجهيهم‪.‬‬
‫ويعد الجانب التربوي والخلقي ذا أهمية بالغة في مجال إعداد العلمي‬
‫مة والتحديات العديدة والمغريات المتنوعة‬ ‫السلمي نظرا ً للصعوبات الج ّ‬
‫التي تصادف العلمي السلمي في حياته العملية‪.‬‬
‫‪ -2‬ميدان التأصيل والتنظير العلمي‪:‬‬
‫ما يزال الهتمام بتأصيل قواعد العلم وأصوله وممارساته من وجهة النظر‬
‫السلمية‪ ،‬محدودا ً ومتناثرًا‪ .‬والمطلوب أن يتصاعد الهتمام العلمي بالعلم‬
‫السلمي تأصيل ً وتنظيرًا‪ ،‬وأن يركز على النوعية‪ .‬وينطلقُ هذا الهتمام من‬
‫خلل إنشاء ودعم معاهد ومراكز البحوث العلمية‪ ،‬التي تهتم بالعلم‬
‫السلمي‪ ،‬واستقطاب الباحثين والدارسين الذين يتميزون بالخلص والوعي‬
‫السلمي‪ ،‬والخلفّية الشرعية‪ ،‬والستيعاب العلمي للتخصص العلمي‪ ،‬إلى‬
‫جانب تمتعهم بالمنهجية في التفكير‪ ،‬والتمكن من أساليب البحث العلمي‬
‫ووسائله‪.‬‬
‫ولعل من الهمية بمكان أن تسير هذه الجهود العلمية التأصيلية وفق خطة‬
‫صور سليم للولويات‪ ،‬وأن تعتمد على أسلوب فرق العمل‬ ‫مدروسة وت ّ‬
‫الجماعية بدل ً من العمال والجتهادات الفردية المحدودة‪ .‬ول بد من أن‬
‫تتوافر لهذا العمل التأصيلي العلمي إمكانية بشرية ومادية ملئمة‪ ،‬كما ل بد‬
‫من توافر قنوات علمية ُتسهم في تحريكه وبلورته وانضباطه كالندوات‬
‫العلمية‪ ،‬والحلقات الدراسية‪ ،‬والمشايع البحثية‪ ،‬والمؤتمرات واللقاءات‪ ،‬التي‬
‫تتلقح فيها الفكار‪ ،‬ويتبادل فيها الباحثون والدارسون الراء‪ ،‬ويتناقشون فيها‬
‫حول نتائج بحوثهم ومؤلفاتهم‪.‬‬
‫‪ -3‬ميدان الصلح الواقعي ‪:‬‬
‫والمقصود بهذا‪ :‬السهام اليجابي في إصلح أوضاع المؤسسات العلمية‬
‫القائمة في العالم السلمي‪ ،‬الرسمية منها وغير الرسمية‪ ،‬وتنقيتها من‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشوائب وترشيد مسارها العلمي‪ ،‬سواء ببذل النصح والمشورة‪ ،‬أو دعم‬
‫العمال التي تخدم العلم السلمي‪ ،‬أو المشاركة العلمية في تلك‬
‫المؤسسات والهيئات في ميادينها القيادية والنتاجية والتقويمية‪.‬‬
‫ن بين المهتمين‬ ‫ويبدأ الصلح الواقعي بمحاولة إيجاد قنوات تواصل وتعاو ٍ‬
‫بشؤون الدعوة والرشاد والعلم السلمي من جهة‪ ،‬وبين العاملين في‬
‫المجال العلمي من جهةٍ أخرى‪ ،‬وذلك من أجل تضييق الفجوة بينهم‪ .‬ولقد‬
‫عانت المة من جّراء انعزال العلماء وذوي التجاهات السلمية عن الوسائل‬
‫ن‬
‫العلمية‪ ،‬وعدم توثيق صلتهم وعلقاتهم بالعاملين في هذه الوسائل‪ .‬وإ ّ‬
‫وهات هدف نبيل‬ ‫السعي من أجل تنظيف العلم من النحرافات والتش ّ‬
‫ن انتهاج‬‫ويحتاج إلى تحمل وصبر واقعي للظروف التي يعيش فيها العلم‪ .‬وإ ّ‬
‫ن كثيًرا من‬‫أسلوب التدرج في الصلح ضرورة لزمة في ضوء معرفتنا أ ّ‬
‫المفاسد والنحرافات التي تحيط بوسائل العلم قد استغرق نشُرها‬
‫وتكريسها زمنا ً ممتدًا‪ ،‬وإصلحها أو تخليص العلم منها يحتاج إلى زمن ممتد‬
‫أيضًا‪ ،‬وما أسهل الهدم وما أصعب البناء !!‬
‫ن من اليجابية في شيء أن ننساق وراء الدعوة إلى عدم‬ ‫ول أعتقد أ ّ‬
‫الستجابة لضغط الواقع في المطالبة بإنتاج البدائل السلمية‪ ،‬والغياب عن‬
‫الساحة العلمية‪ ،‬بدعوى انتظار نضوج الرؤية النظرية للعلم السلمي‪ ،‬أو‬
‫بدعوى أن النتاج العلمي السلمي والمشاركة المحدودة في وسائل‬
‫العلم القائمة لن تجد نفعا ً خضم التيار الجارف‪ ،‬وأنها ستكون صرخة هائمة‬
‫في واد ٍ سحيق‪ .‬إن هذا التجاه السلبي‪ -‬في نظري‪ -‬لن يحقق ما يصبو إليه‬
‫المخلصون للعلم السلمي‪ .‬والجهود الصغيرة المتواضعة عندما تجتمع‬
‫وتتراكم وتتواصل‪ ،‬ل شك أنها ستثمر ‪-‬بإذن الله تعالى‪ -‬ثمرات يانعة تفيد‬
‫الناس وتبقى في المجتمع‪ ) :‬ألم تر كيف ضرب الله مثل ً كلمة طيبة كشجرة‬
‫طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها‪ ،‬ويضرب‬
‫الله المثال للناس لعلهم يتذكرون‪ .‬ومثل كلمة خبيثة كشجرة اجتثت من فوق‬
‫الرض ما لها من قرارٍ ( ) إبراهيم ‪.(25-24 :‬‬
‫‪ -4‬ميدان النتاج العملي المتميز‪:‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ن صناعة البدائل السلمية في مجال العلم بمختلف فنونه وضروبه‬ ‫إ ّ‬


‫وألوانه‪ ،‬تحتاج إلى المبادرة إلى إنشاء مؤسسات وشركات إسلمية للنتاج‬
‫والتوزيع العلمي في مختلف المجالت‪ ،‬من طباعة‪ ،‬وصحافة‪ ،‬ونشر‪ ،‬وتلفاز‪،‬‬
‫وفيديو‪ ،‬وتسجيلت صوتية‪ ،‬وشرائح مصورة‪ ،‬وأفلم سينمائية وغيرها‪ .‬وإنشاء‬
‫مثل هذه المؤسسات يتطلب طاقات بشرية عديدة‪ ،‬ويتطلب تكاليف مادية‬
‫ومالية باهظة‪ .‬ولكن الستثمار في هذا النوع من النتاج سيحقق مكاسب‬
‫معنوية ومادية ل نظير لها‪.‬‬
‫ّ‬
‫ولكن ينبغي التنبيه إلى أهمية أن يتولى مثل هذا النتاج العملي السلمي‬
‫الممّيز طاقات ذات إخلص وتقوى‪ ،‬وأن يستعان فيه بأهل الخبرة والمعرفة‬
‫ة من حيث جوانبها الفكرية والفنية‪ ،‬حتى ل‬ ‫وان تكون العمال المنتجة‪ ،‬متقن ً‬
‫وه النتاج السلمي البديل وتعطي صورة ً سيئة عنه‪ .‬ولذلك ل ينبغي‬ ‫تش ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫دة ‪ :‬تصورا ومضمونا‪ ،‬وتوافر‬ ‫ّ‬
‫الستعجال في هذا الجانب إل بعد استكمال الع ّ‬
‫ل‪ ،‬وإتقان العمل فنيا ً وحرفيا‪ً.‬‬‫العناصر البشرية‪ :‬إخلصا ً وتمث ً‬
‫إن صياغة العلم‪ -‬نظريا ً وتطبيقيًا‪ -‬صياغة إسلمية‪ ،‬ليست مشروعا ً سهل ً‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سريع التنفيذ‪ .‬بل هو مشروع عملق يمثل صورة من صورة التحدي الحضاري‬
‫الشامل الذي تواجهه المة السلمية في حاضرها ومستقبلها‪ .‬وإن توافر الجو‬
‫السياسي والجتماعي الملئم‪ ،‬والدعم المعنوي والمادي المناسب لتنفيذ مثل‬
‫هذا المشروع العملق‪ُ ،‬يعد ّ ركيزةً أساسية للنطلق نحو تحقيقه في واقع‬
‫المة السلمية‪ ..‬فالنشاط العلمي مرتبط دائما ً بالبيئة السياسية‬
‫والجتماعية التي يعيش فيها‪ ،‬ويتأثر بها‪ ،‬سلبا ً وإيجابًا‪.‬‬
‫ولكن ل ينبغي أن يصيبنا اليأس أو الحباط بسبب ضخامة التكاليف المعنوية‬
‫والمادية‪ ،‬بل ينبغي أن يكون ذلك دافعا ً قويا ً لنا لنرّوي المل المتفتح في‬
‫قلوبنا وواقعنا بماء الخلص‪ ،‬والعزيمة الصادقة‪ ،‬والتخطيط المدروس‪،‬‬
‫والعمل الجاّد‪ ،‬والسعي الدؤوب المتواصل حتى يثمر المل ويتحقق الحلم‪.‬‬
‫وقد يكون من المناسب أن نلقي نظرة على واقع العلم العالمي والعلم‬
‫العربي المعاصر‪ ،‬والمأمول الذي نتطلع إليه حتى يؤدي العلم العربي‬
‫السلمي دوره ويبلغ رسالته إلى النسان‬

‫)‪(7 /‬‬

‫البراء‬
‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور‬
‫أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده الله فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي‬
‫له ‪.‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِل ّ وَأنُتم‬ ‫موت ُ ّ‬ ‫قات ِهِ وَل َ ت َ ُ‬ ‫حق ّ ت ُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬ ‫مُنوا ْ ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ورسوله ‪َ ? .‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫كم ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قوا ْ َرب ّك ُ ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫ن ?] آل عمران ‪َ ? [102 :‬يا أي َّها الّنا ُ‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫ذي‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫قو‬‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬‫وا‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ء‬‫سا‬‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ثير‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫جا‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ما‬
‫ُ َ ِ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ث‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫و‬
‫ْ َ َ‬‫ها‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫ز‬
‫َ‬ ‫ها‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬‫َ‬ ‫د‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫وا‬‫ٍ َ‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫نّ‬
‫م َرِقيًبا ? ]النساء ‪ ،[1 :‬والصلة‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن عَلي ْك ْ‬ ‫ه كا َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫ن ب ِهِ َوالْر َ‬ ‫ساءلو َ‬ ‫تَ َ‬
‫والسلم على سيدنا محمد أشرف النبياء والمرسلين ‪ ،‬الذي بلغ الرسالة‪،‬‬
‫وأدى المانة‪ ،‬ونصح المة‪ ،‬فجزاه الله خير ما جازى نبيا ً عن أمته ‪ .‬وبعد ‪:‬‬
‫? يا أ َيها ال ّذين آمنوا ْ إن تطيعوا ْ فَريقا ً من ال ّذي ُ‬
‫كم ب َعْد َ‬ ‫ب ي َُرّدو ُ‬ ‫ن أوُتوا ْ ال ْك َِتا َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ّ َ‬ ‫َِ‬ ‫ِ َ َ ُ َ ِ ُ ِ ُ‬ ‫َ َّ‬
‫هُ‬
‫سول ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ُ‬
‫ت اللهِ وَِفيك ْ‬ ‫ّ‬ ‫م آَيا ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م ت ُت ْلى عَلي ْك ْ‬ ‫َ‬ ‫ن وَأنت ُ ْ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ْ‬
‫ف ت َك ُ‬ ‫ن وَكي ْ َ‬‫َ‬ ‫ري َ‬ ‫م كافِ ِ‬‫َ‬ ‫مان ِك ُ ْ‬ ‫ِإي َ‬
‫م?]آل عمران‪.[101-100:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫قي ٍ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬‫ط ّ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫قد ْ هُدِيَ إ ِلى ِ‬ ‫صم ِباللهِ ف َ‬ ‫من ي َعْت َ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫أيها الخوة المؤمنون يحذرنا الله عز وجل من أعدائنا اللدودين المتربصين بنا‬
‫بشرورهم‪ :‬اليهود والنصارى ويحذرنا من أن نقع في شباكهم ومخططاتهم‬
‫وذلك بطاعتهم والتلقي عنهم‪ ،‬واتباعهم في مناهجهم وأوضاعهم ومحاكاتهم‬
‫في عاداتهم وتقاليدهم‪ ،‬والسير خلفهم في كل شيء‪ ،‬وما يفعل ذلك مؤمن‬
‫صادق اليمان أبدا ً لن اتباع اليهود والنصارى وطاعتهم يدل على الضعف‬
‫والخور والهزيمة النفسية ‪ ،‬كما يدل على الشك وعدم اليقين في أن دين الله‬
‫هو الحق وأن القرآن حق وأن الرسول حق‪ .‬إن هذا الشعور إذا تسرب إلى‬
‫نفس فقد دب إليها دبيب الكفر الذي يحرص أهل الكتاب حرصا ً شديدا ً على‬
‫أن يوقعوا المسلمين في هذا الفخ ‪ ،‬إنهم يعملون بكل خبث ودهاء على‬
‫إضلل المسلمين عن دينهم وعقيدتهم ‪ ،‬إن اليهود والنصارى يدركون جيدا ً‬
‫بأن دين السلم هو حبل النجاة للمتمسكين به‪ ،‬وهو خط الدفاع ‪ ،‬ومصدر‬
‫القوة الدافعة للمة السلمية‪ ،‬ولهذا فإننا نرى اليهود والنصارى يبذلون جهودا ً‬
‫جبارة قديما ً وحديثا ً في سبيل تحويل المة عن دينها وشريعتها‪ .‬إنهم يبذلون‬
‫كل ما في وسعهم من مكر وحيلة ومن قوة وعدة من أجل هدم مقومات‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المة السلمية ومحو وجودها وحين تستعصي عليهم المة وتقاومهم ‪ ،‬وحين‬
‫يعجزون عن تحقيق أهدافهم بأنفسهم فإنهم يلجئون إلى تجنيد المنافقين‬
‫المتظاهرين بالسلم وهم أعداؤه المتربصين به في صورة أصدقاء ـ قاتلهم‬
‫الله أنى يؤفكون ـ هؤلء المنافقون يجندهم اليهود والنصارى لينخروا في‬
‫جسم المة السلمية يهدمون من الداخل‪ ،‬يهدمون العقيدة ويخربون‬
‫الشريعة ويشيعون النحلل في مجتمعات المسلمين‪ ،‬يزينون لنا الباطل‬
‫ويسوقون أفكار اليهود والنصارى في ديار السلم ويعملون على تنفيذ‬
‫أوامرهم وفرض مناهجهم‪.‬‬
‫إن اليهود والنصارى قد وجدوا في المنافقين المتظاهرين بالسلم زورا ً‬
‫وبهتانا ً بغيتهم وضالتهم المنشودة‪ ،‬إنهم يحركونهم من الخلف ويدفعون بهم‬
‫دفعا ً لتحقيق أهدافهم وغاياتهم الشريرة وإخراج المسلمين وإيقاعهم في‬
‫الكفر والضلل‪.‬‬
‫لقد قامت رموز في عالم العروبة والسلم صنعها اليهود تحط من شأن‬
‫الدين وتطعن فيه وتهون من قيمته ومكانته في النفوس وتجفف منابعه بل‬
‫ووجد من يتطاول على الله عز وجل وعلى رسوله وعلى القرآن والشريعة ‪،‬‬
‫ويفتح باب الرتداد عن السلم عن السلم على مصراعيه بحجة الحرية حتى‬
‫قال القائل‪:‬‬
‫يقاد للسجن إن سب المليك وإن سب الله فإن الناس أحراُر‬
‫ووجد في ديار المسلمين من يدعوا إلى الباحية الجنسية وإقامة مراكز‬
‫ومؤسسات وأحزاب وتنظيمات تروج للفواحش والمنكرات وتدعوا إلى‬
‫الفجور من التبرج والختلط وإلى الزنا واللواط وإلى الخمر والمخدرات‬
‫تحت مسميات وهمية من تحرير المرأة وإنصافها ومساواتها‪ .‬إنه تدمير‬
‫أخلقي للمة المسلمة وهذا هو هدف من أهداف أهل الكتاب إنهم يسعون‬
‫إلى تحطيم كيان الفرد والسرة والمجتمع وذلك بتحطيم أخلقه وتدمير‬
‫ونسف الفضائل والقيم التي يتمتع بها المسلمون‪ ،‬إنهم يسيرون على هذا‬
‫النهج منذ قرنين من الزمن مستخدمين المنافقين ممن يتظاهرون بالسلم‬
‫لتنفيذ أهداف وغايات الكافرين‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ولهذا يحذر الله عز وجل المؤمنين تحذيرا ً حاسما ً ويناديهم بنداء اليمان قائل ً‬
‫لهم‪ ? :‬يا أ َيها ال ّذين آمنوا ْ إن تطيعوا ْ فَريقا ً من ال ّذي ُ‬
‫كم ب َعْد َ‬‫ب ي َُرّدو ُ‬‫ن أوُتوا ْ ال ْك َِتا َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ َ ُ َ ِ ُ ِ ُ‬ ‫َ َّ‬
‫ن?] آل عمران‪ ،[100:‬إن أعز شيء وأغلى شيء وأعظم شيء‬ ‫كافِ ِ َ‬
‫ري‬ ‫م َ‬ ‫مان ِك ُ ْ‬‫ِإي َ‬
‫لدى المسلم هو إيمانه بربه وخالقه واتباعه لرسوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫وهدايته إلى الصراط المستقيم‪ ،‬وإن أخشى ما يخشاه المؤمن أن يفقد هذا‬
‫اليمان وأن ينتكس إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه ولهذا فإن المؤمنين‬
‫الصادقين الذين تذوقوا حلوة اليمان يتضرعون إلى ربهم وخالقهم في أن‬
‫يثبتهم على دينه حتى يلقوه وهو راض عنهم فهم يقولون كما أخبر الله عنهم‪:‬‬
‫ت ال ْوَ ّ‬ ‫ة إن َ َ‬
‫ب ?]‬ ‫ها ُ‬ ‫ك أن َ‬ ‫م ً ِّ‬ ‫ح َ‬‫ك َر ْ‬ ‫من ل ّ ُ‬
‫دن َ‬ ‫ب ل ََنا ِ‬
‫? َرب َّنا ل َ ت ُزِغ ْ قُُلوب ََنا ب َعْد َ إ ِذ ْ هَد َي ْت ََنا وَهَ ْ‬
‫آل عمران‪.[8:‬‬
‫ويقولون كما كان رسولهم ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يقول‪" :‬يا مقلب القلوب‬
‫ثبت قلوبنا على دينك "‪.‬‬
‫خي َّر بين القتل والكفر فإنه يفضل القتل والحرق‬ ‫ُ‬ ‫وإن المؤمن الصادق إذا ُ‬
‫بالنار ول يتخلى لحظة واحدة عن دينه كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أنه قال‪" :‬ثلث من كن فيه وجد حلوة اليمان‪ :‬أن‬
‫يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما‪ ،‬وأن يحب المرء ل يحبه إل لله وأن‬
‫يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار"‪.‬‬
‫وعجيب بل وغريب أن يتخلى مسلم عن دينه وكتاب الله بين يديه غضا ً طريا ً‬
‫وسنة رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬محفوظة معلومة وطريقته‬
‫ف‬‫مرسومة وأعلم الهداية مشروعة مرفوعة ولهذا يقول الله سبحانه‪ ? :‬وَك َي ْ َ‬
‫َ‬
‫ه‪]?...‬آل عمران‪ ، [8:‬ثم‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ت الل ّهِ وَِفيك ُ ْ‬ ‫م آَيا ُ‬ ‫م ت ُت َْلى عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ن وَأنت ُ ْ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ت َك ْ ُ‬
‫م?] آل عمران‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صم ِباللهِ فَ َ‬
‫قي ٍ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ّ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫قد ْ هُدِيَ إ ِلى ِ‬ ‫من ي َعْت َ ِ‬ ‫قال‪ ...? :‬وَ َ‬
‫‪.[101‬‬
‫نعم أيها المؤمنون إنه ل نجاة لنا ول عزة ول نصر ول سعادة ول عصمة إل‬
‫بالتمسك بكتاب الله وسنة رسوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فإن الله جعل‬
‫عصمة هذه المة بتمسكها بالكتاب والسنة إن تمسكت بها ل تضل ول تسقط‬
‫ول تشقى ولو كادها أهل الرض جميعا ً وحين تعرض عن كتاب الله وسنة نبيه‬
‫فإنها تسقط وتذل وتخزى ولو دعمها أهل الرض أجمعون‪.‬‬
‫إن اليهود والنصارى هم العداء والخصوم الذين يتربصون بنا الدوائر ويكيدون‬
‫ويمكرون ‪ ..‬يجب أن ل ننسى هذه الحقيقة الثابتة التي قررها الله وأخبرنا بها‬
‫وحذرنا من نسيانها لن طاعتهم والتلقي عنهم والخذ بمناهجهم وطرقهم‬
‫يفضي بنا إلى الردة والكفر والضلل‪.‬‬
‫إنه ل مانع من أن نأخذ عنهم ما برعوا فيه من الصناعات والعلوم الحياتية‬
‫ونتبادل المنافع الدنيوية ‪ ،‬أما العقيدة والشريعة وأما الخلق والقيم والداب‬
‫وأما التصورات والمبادئ فل يجوز أن نفرط في دين الله وشرعه قيد أنملة‬
‫ول يجوز أن نأخذ عنهم شيئا ً من ذلك فإنهم عن الصراط لناكبون وفي الكفر‬
‫َ‬
‫ر‬
‫م ِ‬ ‫ن اْل ْ‬ ‫م َ‬ ‫ريعَةٍ ّ‬ ‫ش ِ‬ ‫ك عََلى َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬ ‫م َ‬ ‫واقعون وعن الخرة غافلون‪ ،‬قال تعالى‪ ? :‬ث ُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م أن‬ ‫حذ َْرهُ ْ‬ ‫ن ?] الجاثية‪ .[18:‬وقال‪َ ? :‬وا ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ن َل ي َعْل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫واء ال ّ ِ‬ ‫َفات ّب ِعَْها وََل ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬
‫ه إ ِل َْيك ?] المائدة‪.[49:‬‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما َأنَز َ‬ ‫ض َ‬ ‫عن ب َعْ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫فت ُِنو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫وحكم الله تعالى على من يطيع الكافرين ولو في شيء يسير بالردة‬
‫َ‬
‫من ب َعْدِ‬ ‫هم ّ‬ ‫دوا عََلى أد َْبارِ ِ‬ ‫ن اْرت َ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫والمروق عن السلم كما قال تعالى‪ ? :‬إ ِ ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫م قالوا ل ِل ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ذ َل ِك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ملى لهُ ْ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬
‫سو ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫دى ال ّ‬ ‫م ال ْهُ َ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫َ‬
‫م?]محمد‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سَراَرهُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ه ي َعْل ُ‬ ‫مرِ َوالل ُ‬ ‫ض ال ْ‬ ‫م ِفي ب َعْ ِ‬ ‫طيعُك ْ‬ ‫سن ُ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ما ن َّزل الل ُ‬ ‫هوا َ‬ ‫كرِ ُ‬
‫‪.[26-25‬‬
‫نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة رسوله وثبتنا على الصراط المستقيم‬
‫وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المؤمنين‪.‬‬
‫الخطبة الثانية‪:‬‬
‫أيها المؤمنون‪ :‬إن أمة السلم مستهدفة مستضعفة قد تكالب عليها أهل‬
‫الكفر جميعهم أل ترون ماذا يصنعون بالمسلمين ‪ ،‬أنظروا ماذا يفعلون بهم‬
‫في فلسطين‪ ،‬وما فعلوا بهم في البلقان والقوقاز وفي الشيشان وما جاورها‬
‫وفي كشمير وغيرها‪ ،‬أل ترون أيها المسلمون إلى الغبن والظلم الواقع على‬
‫المسلمين كيف يتعامل المجتمع الدولي الكافر ومؤسساته مع قضايا‬
‫المسلمين ‪ ،‬يتدخلون في أندونيسيا بقواتهم لحماية السكان ‪ ،‬زعموا وقرروا‬
‫منح تيمور الشرقية الستقلل ول يفعلون شيئا ً في مناطق أخرى من العالم‬
‫مثل كشمير وجزر مورو في الفلبين الذين يطالبون بالستقلل منذ نصف‬
‫قرن فل يسمح لهم ول يستجاب لمطالبهم لنهم مسلمون‪.‬‬
‫أل ترون إلى ما يصنع العسكريون في تركيا من تسلط وإلغاء للديمقراطية‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتسلط على الحياة العامة ومحاربة السلم وخنق الصوت السلمي وتجفيف‬
‫منابع الدين ثم ل ينكرون عليهم ول يتكلمون في ذلك‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أما حين يتدخل الجيش الباكستاني لنقاذ البلد من السقوط والضياع والوقوع‬
‫في فخهم وشباكهم‪ ،‬فإنهم يدعون بالويل والثبور وعظائم المور‪ ،‬يتباكون‬
‫على الديمقراطية والحكم المدني ويهددون ويتوعدون وصدق الله القائل في‬
‫م أ َك ْب َُر قَد ْ ب َي ّّنا‬
‫دوُرهُ ْ‬ ‫ص ُ‬‫في ُ‬ ‫خ ِ‬
‫ما ت ُ ْ‬ ‫م وَ َ‬‫واهِهِ ْ‬
‫كتابه الكريم‪ ? :‬قَد بدت ال ْبغْضاء م َ‬
‫ن أفْ َ‬‫ِ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ َ ِ‬
‫ن ?]آل عمران ‪.[118‬‬ ‫ُ‬
‫قلو َ‬ ‫م ت َعْ ِ‬ ‫ت ِإن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫م الَيا ِ‬‫ل َك ُ ُ‬
‫أيها المسلمون هذه الخطار المحدقة بالمة السلمية كيف نواجهها ونتغلب‬
‫عليها وكيف نحصن أنفسنا وأمتنا من الختراق الفكري والعقائدي والخلقي‬
‫والعسكري الذي يشنه علينا العداء بكل الوسائل‪:‬‬
‫يمكن أن ألخص لكم طريق الخلص والنجاة في أمور‪:‬‬
‫ً‬
‫أولها وأهمها‪ :‬هو اليمان العميق بالله عز وجل وبدينه ونبيه إيمانا يقوم على‬
‫علم ويقين ودليل وبرهان ‪ ،‬فإذا تحقق اليمان فأبشروا بالنصر والتمكين‬
‫ن ?]الروم‪:‬‬ ‫مِني َ‬ ‫صُر ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫قا ً عَل َي َْنا ن َ ْ‬
‫ح ّ‬‫ن َ‬ ‫والسعة في الرزق والحياة الطيبة‪ ? :‬وَ َ‬
‫كا َ‬
‫‪.[47‬‬
‫ثانيًا‪ :‬التصال الوثيق برب العالمين وعبادته تعالى حق عبادته بإقامة فرائضه‬
‫واجتناب محارمه والتضرع إليه واللجوء إليه والستعداد للقائه‪.‬‬
‫وثالثًا‪ :‬التيقظ الدائم وعدم الغفلة واستشعار المخاطر ثم العمل الجاد‬
‫المتواصل‪ ،‬بتوعية المة توعية شاملة وبناء اليمان والخلق في النفوس‬
‫وتحصين السر من النحرافات والضللت التي يروج لها الكافرون‪.‬وصيانة‬
‫المجتمعات من الختراق الفكري والعقائدي عن طريق المر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى ثم تحريض المة على مجاهدة‬
‫أعدائها ومقاومتهم وبيان مكائدهم ومخططاتهم حتى ل تخدع المة من قبل‬
‫أعدائها كما خدعت من قبل ‪ ،‬كفى خداعا ً وسذاجة ‪ ،‬قال ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :-‬ل يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين"‪.‬‬
‫إن العداء ل يريدون لنا خيرا ً وإنما يضمرون لنا الشر والحقد والحسد فل بد ّ‬
‫من إدراك المور على حقائقها ومعرفة الشياء بطبائعها‪ .‬فكونوا عباد الله‬
‫حذرين متنبهين‪ ،‬وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا‬
‫وتأهبوا للعرض الكبر على ربكم فيومئذ تعرضون ل تخفى منكم خافية‪.‬‬
‫راجعه‪ /‬عبد الحميد أحمد مرشد‪.‬‬
‫ه‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫عن َر ُ‬ ‫ـ سنن الترمذي ‪ ،‬ج ‪ 5‬أبواب الدعوات َ‬
‫سّلم‪.‬الحديث رقم‪ 3657 :‬وصححه اللباني في السلسلة الصحيحة ج ‪ 5‬ص‬ ‫و َ‬
‫‪ 126‬رقم الحديث‪. 2091 :‬‬
‫ـ صحيح البخاري‪ ،‬ج ‪ .4‬باب‪ :‬من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر‬
‫الحديث رقم‪ 6542 :‬و صحيح مسلم‪.‬ج ‪1‬‬
‫كتاب اليمان‪ .‬باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلوة اليمان‪.‬الحديث‬
‫رقم ‪15‬‬
‫ـ صحيح البخاري‪ ،‬ج ‪ 4‬باب‪ :‬ل يلدغ المؤمن من جحر مرتين‪.‬الحديث رقم‪:‬‬
‫‪ 5782‬و صحيح مسلم‪.‬ج ‪ - 4‬باب ل يلدغ المؤمن من جحر مرتين‪ .‬الحديث‬
‫رقم‪2998 :‬‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫البراءة من البدع و أهلها‬


‫من أصول أهل السّنة و الجماعة‬
‫الدكتور أحمد عبد الكريم نجيب‬
‫ّ‬
‫أستاذ الحديث النبوي و علومه في كلية الدراسات السلمّية بسراييفو ‪ ،‬و‬
‫الكاديمّية السلمّية بزينتسا‬
‫و مدّرس العلوم الشرعّية في معهد قطر الديني سابقا ً‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫ب العالمين ‪ ،‬و الصلة و السلم على نبّيه المين ‪ ،‬و آله و صحبه‬ ‫الحمد لله ر ّ‬
‫أجمعين ‪ ،‬و بعد ‪:‬‬
‫فإن الولء و البراء أصل أصيل من أصول السلم ‪ ،‬و دعامة من دعائمه ‪ ،‬فل‬
‫يستقيم إسلم المرء حتى يوالي في الله و يعادي في الله ؛ يوالي أهل‬
‫الحق ‪ ،‬و يعادي أهل الباطل ‪ ،‬غير آبه بما يعترضه في سبيل ذلك من‬
‫المثنيات و المثبطات ‪.‬‬
‫و قد جعل أهل السنة و الجماعة الولء و البراء قاعدة عقدية كبرى ‪ ) ،‬و‬
‫مفهوم هذه القاعدة الشريفة لديهم هو ‪ :‬الحب و البغض في الله ‪ ،‬فهم‬
‫ل بحسب ما فيه من‬ ‫يوالون أولياء الرحمن ‪ ،‬و يعادون أولياء الشيطان ‪ ،‬ك ّ‬
‫الخير و الشر ‪ ...‬و من أولى مقتضياتها التي يثاب فاعلها و يعاقب تاركها‬
‫البراءة من أهل البدع و الهواء ( ‪.‬‬
‫] هجر المبتدع ‪ ،‬للدكتور بكر أبو زيد ‪ ،‬ص ‪. [ 18،19 :‬‬
‫و يلزم من الولء الحب في الله ‪ ،‬كما يلزم من البراء البغض في الله تعالى ‪.‬‬
‫قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ‪ ) :‬المراد من قول ل إله إل الله‬
‫‪ ،‬مع معرفتها بالقلب محبتها و محبة أهلها ‪ ،‬و بغض من خالفها و معاداته ( ‪.‬‬
‫] تفسير كلمة التوحيد ‪ ،‬للشيخ محمد بن عبد الوهاب ) ضمن مجموعة‬
‫المؤلفات الكاملة ( ‪. [ 1/363 :‬‬
‫و حقيقة الحب في الله كما قال يحيى بن معاذ ‪ ) :‬أن ل يزيد بالبر و ل ينقص‬
‫بالجفاء ( ‪.‬‬
‫] فتح الباري ‪ ،‬للحافظ ابن حجر ‪. [ 1/62 :‬‬
‫و إذا كانت الشياء تتميز بضدها فإن حقيقة البراء و البغض في الله أن ل‬
‫يزيد بالجفاء ‪ ،‬و ل ينقص بالبر ‪.‬‬
‫يقول الدكتور إبراهيم الرحيلي وفقه الله ‪ ) :‬قررنا أن المحّبة في الله ينبغي‬
‫أن يراد بها وجه الله ‪ ،‬فل يحب الشخص إل لله ‪ ،‬و أن ل تزيد تلك المحّبة ببر‬
‫المحبوب للمحب ‪ ،‬و ل تنقص بجفائه إياه ‪ ،‬فإن البغض ينبغي أن يراد به وجه‬
‫ما لكفره ‪ ،‬أو‬ ‫الله أيضا ً ‪ ،‬و أن يكون لله ل لسبب آخر ‪ ....‬بل يبغض الشخص إ ّ‬
‫ابتداعه ‪ ،‬أو معصيته ‪ ،‬فإن هذه هي أسباب البغض في الله ( ‪.‬‬
‫] موقف أهل السنة و الجماعة من أهل الهواء و البدع ‪ ،‬للدكتور إبراهيم‬
‫الرحيلي ‪ ،‬ص ‪ ، 462 :‬و فيه الحالة على الحياء ‪ ،‬للغزالي ‪.[ 2/166،167 :‬‬
‫ل عليها من‬ ‫و هذه القاعدة الجليلة الشريفة ‪ ،‬مؤصلة عند أهل العلم بما د ّ‬
‫الكتاب و السّنة و الثر ‪ ،‬بل بانعقاد الجماع على تقريرها ‪..‬‬
‫فمن الكتاب قوله تعالى ) ل تجد قوما ً يؤمنون بالله و اليوم الخر يوادون من‬
‫حاد ّ الله و رسوله و لو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم (‬
‫] المجادلة ‪.[ 22 :‬‬
‫قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ‪ ) :‬من أطاع الرسول ‪ ،‬و وحد‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله ‪ ،‬ل يجوز له موالة من حاد الله و رسوله ‪ ،‬و لو كان أقرب قريب ‪ ،‬و لو‬
‫كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ( ‪.‬‬
‫] ثلثة الصول ‪ ،‬للشيخ محمد بن عبد الوهاب ) ضمن مجموعة المؤلفات‬
‫الكاملة ( ‪ ، 1/183 :‬و ثلثة مسائل ‪ ،‬له أيضا ً ‪.[ 1/375 :‬‬
‫و الية دالة على قطع حبال المودة بين من آمن بالله و اليوم الخر ‪ ،‬و بين‬
‫من حاد ّ الله و رسوله ‪ ،‬و لو كان من أقرب المقّربين ‪ ،‬و هذه الية الكريمة‬
‫تنزل على أهل البدع و الهواء فيلزم منها بغضهم و معاداتهم ‪ ،‬و عدم التودد‬
‫إليهم ‪ ،‬لن في البتداع محاّدة لله و رسوله ‪ ،‬فما من بدعة إل و هي مصادمة‬
‫للشريعة ‪ ،‬مخالفة لها ‪ ،‬حتى قال السيوطي رحمه الله في تعريفها ‪ ) :‬البدعة‬
‫عبارة عن فعلة تصادم الشريعة بالمخالفة ‪ ،‬أو توجب التعاطي عليها بزيادة أو‬
‫نقصان ( ‪.‬‬
‫] المر بالتباع ‪ ،‬للسيوطي ‪ ،‬ص ‪.[ 24 :‬‬
‫و هذا هو معنى المحاّدة المذكورة في الية الكريمة ‪.‬‬
‫و قد فهم السلف الصالح منها ما فهمنا ‪ ،‬قال المام القرطبي رحمه الله في‬
‫تفسيره ‪ ) :‬استدل مالك رحمه الله بهذه الية على معاداة القدرّية ‪ ،‬و ترك‬
‫مجالستهم ‪ .‬روى أشهب عن مالك ‪ :‬ل تجالس القدرية ‪ ،‬و عادهم في الله ‪،‬‬
‫لقوله تعالى ‪ ) :‬ل تجد قوما ً ( الية ( ‪.‬‬
‫] الجامع لحكام القرآن ‪ ،‬للقرطبي ‪.[ 17/308 :‬‬
‫أما في السنة ‪ ،‬فقد ورد غير حديث مدلل ً على اقتضاء الشرع الحنيف‬
‫الموالة في الله ‪ ،‬و معاداة المبتدعة و أهل الهواء و البراءة منهم ‪ ،‬فعن‬
‫َ‬
‫حل َوَةَ‬
‫جد َ َ‬ ‫ن ِفيهِ وَ َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ث َ‬ ‫ل » ث َل َ ٌ‬ ‫ى صلى الله عليه وسلم َقا َ‬ ‫ّ‬ ‫ن الن ّب ِ‬‫ِ‬ ‫س عَ‬ ‫ٍ‬ ‫أن َ‬
‫َ‬ ‫كون الل ّه ورسول ُ َ‬ ‫اليما َ‬
‫مْرَء ل َ‬ ‫ب ال ْ َ‬‫ح ّ‬ ‫ن يُ ِ‬
‫ما ‪ ،‬وَأ ْ‬ ‫واهُ َ‬ ‫س َ‬
‫ما ِ‬ ‫ب إ ِل َي ْهِ ِ‬
‫م ّ‬ ‫ح ّ‬
‫هأ َ‬‫ُ ََ ُ ُ‬ ‫ن يَ ُ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ ِ‬
‫َ‬ ‫ن ي َُعود َ في ال ْك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف في الّنارِ « ‪.‬‬ ‫قذ َ َ‬ ‫ما ي َك َْره ُ أ ْ‬
‫ن يُ ْ‬ ‫فرِ ك ََ‬ ‫ه إ ِل ّ ل ِل ّهِ ‪ ،‬وَأ ْ‬
‫ن ي َك َْره َ أ ْ‬ ‫حب ّ ُ‬
‫يُ ِ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫] الحديث أخرجه البخاري ) كتاب اليمان ‪ ،‬باب حلوة اليمان ( و مسلم‬


‫) كتاب اليمان ‪ ،‬باب خصال من اتصف بهن ‪ ،‬برقم ‪ ( 43‬و أحمد في المسند‬
‫) ‪ ( 174،230 ،3/103‬و ابن حبان في صحيحه ) ‪ ( 285‬و الترمذي )‬
‫‪ ( 2624‬و لبن ماجة ) ‪ ( 4033‬و غيرهم [‪.‬‬
‫علم ضرورةً خطر محبة‬ ‫فإذا تقرر وجوب أن يكون الحب في الله و لله ‪ُ ،‬‬
‫المبتدع أو موالته ‪ ،‬لّنها محبة لغير الله ‪.‬‬
‫ن حب المبتدع ‪ -‬على ما فيه من مخالفةٍ و محاد ّةٍ للشرع‬ ‫و ل يقول عاقل ‪ :‬إ ّ‬
‫ب لله تعالى !!‬ ‫–ح ّ‬
‫ل الل ّهِ صلى الله عليه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سو َ‬
‫ن َر ُ‬ ‫ن أِبيهِ أ ّ‬‫ى عَ ْ‬ ‫س ال ْ ُ‬
‫جهَن ِ ّ‬ ‫ن أن َ ٍ‬‫عاذِ ب ْ ِ‬‫م َ‬
‫ن ُ‬ ‫ل بْ ِ‬ ‫سهْ ِ‬‫ن َ‬ ‫و عَ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قد ِ‬ ‫ض ل ِلهِ وَأن ْك َ َ‬
‫ح ل ِلهِ فَ َ‬ ‫ب ل ِلهِ وَأب ْغَ َ‬
‫ح ّ‬‫من َعَ ل ِلهِ وَأ َ‬
‫ن أعْطى ل ِلهِ وَ َ‬ ‫م ْ‬
‫ل» َ‬ ‫وسلم َقا َ‬
‫ه«‪.‬‬ ‫مان َ ُ‬
‫ل ِإي َ‬ ‫ست َك ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ا ْ‬
‫] الحديث رواه الترمذي ) ‪ ( 521‬و قال ‪ :‬هذا حديث حسن ‪ ،‬و الحاكم )‬
‫‪ ( 2/164‬و صححه و وافقه الذهبي ‪ ،‬و للحديث طريق أخرى عن أبي أمامة‬
‫الباهلي رضي الله عنه ‪ ،‬بدون قوله ) أنكح لله ( رواه أبو داوود ) ‪ ( 4681‬و‬
‫الطبراني في المعجم الكبير ‪ ، 8/159،208‬و البغوي في شرح السّنة ‪ ،‬و‬
‫الخطيب في المشكاة ‪.‬‬
‫و صحح اللباني الحديث بمجموع الطريقين ‪ .‬انظر ‪ :‬السلسلة الصحية )‬
‫‪.[ (380‬‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت ‪ :‬فإن يكن المرء ل يستكمل اليمان حتى يبغض في الله ‪ ،‬كان عليه أن‬ ‫قل ُ‬
‫يبغض الكفرة و المبتدعة و العصاة في الله ‪ ،‬لن الكفر و البتداع و المعصية‬
‫أسباب البغض في الله ‪ ،‬كما تقدم ‪.‬‬
‫و على ضوء ما دلت عليه نصوص الكتاب و السنة قرر أهل العلم أتباع السّنة‬
‫تنزيل قاعدة ) الولء و البراء ( على أهل البدع و الهواء ‪.‬‬
‫فقال المام الطحاوي رحمه الله ‪ ) :‬نسأل الله أن يثبتنا على اليمان ‪ ،‬و‬
‫يختم لنا به ‪ ،‬و يعصمنا من الهواء المختلفة ‪ ،‬و الراء المتفرقة ‪ ،‬و المذاهب‬
‫الردّية ‪ ،‬من الذين خالفوا السّنة و الجماعة ‪ ،‬و حالفوا الضللة ‪ ،‬و نحن منهم‬
‫براء ‪ ،‬و هم عندنا ضلل و أردياء ( ‪.‬‬
‫] شرح الطحاوية ‪ ،‬لبن أبي العز ‪ ،‬ص ‪[ 520 :‬‬
‫و قال المام البغوي رحمه الله ‪ ) :‬و قد مضت الصحابة و التابعون ‪ ،‬و‬
‫أتباعهم ‪ ،‬و علماء السنن على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدع و‬
‫مهاجرتهم ( ‪.‬‬
‫] شرح السّنة ‪ ،‬للبغوي ‪[ 1/227 :‬‬
‫و قال الشاطبي ‪ ) :‬إن فرقة النجاة ‪ ،‬و هم أهل السنة ‪ ،‬مأمورون بعداوة‬
‫أهل البدع ‪ ،‬و التشريد بهم ‪ ،‬و التنكيل بمن انحاش إلى جهتهم ‪ ،‬و نحن‬
‫مأمورون بمعاداتهم ‪ ،‬و هم مأمورون بموالتنا و الرجوع إلى الجماعة ( ‪.‬‬
‫] العتصام ‪ ،‬للشاطبي ‪.[ 1/120 :‬‬
‫ة عن أهل‬ ‫و قال المام أبو عثمان إسماعيل الصابوني رحمه الله حكاي ً‬
‫السّنة ‪ ) :‬و يبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه ‪ ،‬و ل‬
‫يحبونهم ‪ ،‬و ل يصحبونهم ( ‪.‬‬
‫] عقيدة السلف أصحاب الحديث ‪ ،‬للصابوني ‪ ،‬ص ‪.[ 118 :‬‬
‫و وصفهم بأنهم ) يحاّبون في الدين ‪ ،‬و يتباغضون فيه ‪ ،‬و يتقون الجدال في‬
‫أصول الدين ‪ ،‬و الخصومات فيه ‪ ،‬و يجانبون أهل البدع و الضللت ‪ ،‬و‬
‫يعادون أصحاب البدع و الهواء المرديات الفاضحات ( ‪.‬‬
‫] عقيدة السلف أصحاب الحديث ‪ ،‬للصابوني ‪ ،‬ص ‪.[ 117 :‬‬
‫و قد تحقق معنى البراءة من أهل الهواء عند سلفنا الصالح فأعرضوا عنهم ‪،‬‬
‫و أعلنوا البراءة منهم ‪ ،‬و أذاعوا بين الناس كراهيتهم و بغضهم ‪.‬‬
‫فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال ‪ ) :‬ما في الرض قوم أبغض‬
‫ي أن يجيئوني فيخاصموني من القدرّية في القدر ‪ ،‬و ما ذاك إل أّنهم ل‬ ‫إل ّ‬
‫ما يفعل و هم ُيسألون ( ‪.‬‬ ‫ن الله عّز وجل ل ُيسأل ع ّ‬ ‫يعلمون قدر الله ‪ ،‬و أ ّ‬
‫] رواه الجري في الشريعة برقم ‪.[ 213‬‬
‫و عن ابن عمر رضي الله عنهما أّنه قال في أهل القدر ‪ ) :‬أخبرهم أني بريء‬
‫منهم ‪ ،‬و أنهم مني براء ( ‪.‬‬
‫] رواه البغوي في شرح السّنة ) ‪ ( 1/227‬و روى نحوه عبد الله بن المام‬
‫أحمد في شرح السّنة ) ‪ ( 2/420‬و رواه الجري في الشريعة ‪ ،‬ص ‪، 205 :‬‬
‫و الللكائي ) ‪ (2/588‬و غيرهم [ ‪.‬‬
‫و قال الفضيل بن عياض ‪ ) :‬الرواح جنود مجندة ‪ ،‬فما تعارف منها ائتلف و‬
‫ما تناكر منها اختلف ‪ ،‬و ل يمكن أن يكون صاحب سّنة يمالئ صاحب بدعة إل‬
‫من النفاق ( ‪.‬‬
‫] البانة الكبرى ‪ ،‬لبن بطة ) ‪ ( 2/456‬و الللكائي ) ‪ ( 1/138‬و في كلم‬
‫الفضيل تضمين لحديث ) الرواح جنود مجّندة ‪ ( ...‬المخّرج في صحيحي‬
‫البخاري ) كتاب أحاديث النبياء ‪ ،‬باب الرواح جنود مجندة ( و مسلم ) كتاب‬
‫البر و الصلة ‪ ،‬باب الرواح جنود مجندة ( و الحديث رواه أحمد أيضا ً و غيره [‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مله ‪ ،‬و أخرج‬


‫ب صاحب بدعة أحبط الله ع َ‬ ‫و قال رحمه الله أيضا ً ‪ ) :‬من أح ّ‬
‫نور السلم من قلبه ( ‪.‬‬
‫]البانة الكبرى ‪ ،‬لبن بطة ) ‪ ( 440‬و الللكائي ) ‪ ( 263‬و الحلية لبي نعيم )‬
‫‪ ( 8/103‬و البربهاري ‪ ،‬ص ‪ 138 :‬و إسناده صحيح [‬
‫و كان يقول ‪ ) :‬أحب أن يكون بيني و بين صاحب بدعةٍ حصن من حديد ‪ .‬آكل‬
‫ي من صاحب بدعة ( ‪.‬‬ ‫عند اليهودي و النصراني أحب إل ّ‬
‫] رواه الللكائي في شرح أصول العتقاد ‪. [ 2/638 :‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫و عن أوس بن عبد الله الربعي أّنه كان يقول ‪ ) :‬لن يجاورني القردة و‬
‫ي من أن يجاورني رجل من أهل الهواء ( ‪.‬‬ ‫الخنازير في دار ‪ ،‬أحب إل ّ‬
‫] رواه الللكائي في شرح أصول العتقاد ‪ ، 1/131 :‬و ابن بطة في البانة‬
‫الكبرى ‪.[ 467 /2 :‬‬
‫مدٍ من قوم ٍ أحدثوا في‬ ‫م أبغض إلى مح ّ‬ ‫و قال عبد الله بن عون ‪ ) :‬لم يكن قو ٌ‬
‫هذا القدر ما أحدثوا ( ‪ ،‬يريد محمد بن سيرين ‪.‬‬
‫] الشريعة ‪ ،‬للجري ‪ ،‬ص ‪.[ 219 :‬‬
‫و ُدعي أيوب السختياني إلى غسل مّيت ‪ ،‬فخرج مع القوم حتى إذا كشف‬
‫عن وجهه عَرفه ‪ ،‬فقال ‪ ) :‬أقِبلوا قَِبل صاحبكم ‪ ،‬فلست أغسله ‪ ،‬رأيته‬
‫يماشي صاحب بدعة ( ‪.‬‬
‫] رواه ابن بطة في البانة الكبرى ‪.[ 467 /2 :‬‬
‫ي‪،‬‬‫ت ‪ :‬إن البراءة من أهل الهواء و البدع ليست قاصرة ً على اعتقاد ٍ قلب ٍ‬ ‫قل ُ‬
‫أو مقال باللسان ‪ ،‬بل هي منهج حياةٍ له ‪ ،‬معالمه و دلئله ‪.‬‬
‫ً‬
‫و من دلئل البراءة من القوم مخالفتهم ‪ ،‬فل يكون المرء متبّرئا بحق ما لم‬
‫يخالف المتبّرأ منه في نهجه ‪ ،‬و مسلكه ‪.‬‬
‫و أعظم المخالفة للمبتدعة التمسك بالسّنة التي نبذوها ‪ ،‬و اتخذوها وراءهم‬
‫ظهري ّا ً ‪ ،‬قال العلمة البربهاري ‪ ) :‬و من عرف ما ترك أصحاب البدع من‬ ‫ِ‬
‫السّنة ‪ ،‬و ما فارقوا فيه فتمسك به ‪ ،‬فهو صاحب سّنة ‪ ،‬و صاحب جماعة ‪ ،‬و‬
‫من أوصى به رسول الله‬ ‫حقيق أن يتبع ‪ ،‬و أن ُيعان ‪ ،‬و أن يحفظ ‪ ،‬و هو م ّ‬
‫صلى الله عليه و سّلم ( ‪.‬‬
‫] شرح السّنة ‪ ،‬للبربهاري ‪ ،‬ص ‪.[ 107 :‬‬
‫و قد كان من مخالفة السلف الصالح للمبتدعة ترك مال بأس به ‪ ،‬خوفا ً مما‬
‫ما به‬‫به بأس ‪ ،‬و كانوا يتحّرزون عن العمل و إن لم يكن به بأس ‪ ،‬خوفا ً م ّ‬
‫بأس ‪.‬‬
‫] انظر ‪ :‬المر بالتباع ‪ ،‬للسيوطي ‪ ،‬ص ‪.[ 25 :‬‬
‫قال أبو أيوب النصاري رضي الله عنه ‪ ) :‬كّنا نضحي عن النساء و أهلينا ‪،‬‬
‫ما تباهى الناس بذلك تركناها ( ‪.‬‬ ‫فل ّ‬
‫] انظر‪ :‬الحوادث و البدع للطرطوشي ‪ ،‬ص ‪.[ 25 :‬‬
‫فانظر – رحمك الله – كيف تركوا الضحية عن النساء و الهلين – و هي سّنة‬
‫ما أحدث الناس المباهاة بها ‪.‬‬ ‫على أقل القوال – ل ّ‬
‫قال المام الطرطوشي رحمه الله تعالى ‪ ) :‬اقتحم الصحابة ترك السّنة حذرا ً‬
‫‪ ،‬أن يضع الناس المر على غير وجهه ( ‪.‬‬
‫] الحوادث و البدع للطرطوشي ‪ ،‬ص ‪.[ 25 :‬‬
‫و من دلئل البراءة من المبتدعة انتقاصهم و احتقارهم و التعّرض لهم بالهانة‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫و هتك الستار ‪ ،‬و بيان ما يحذرهم الناس بسببه ‪ ،‬و عدم توقيرهم كي ل يغتر‬
‫بهم العامة فينزلوهم منزل ً ليسوا أهل ً له ‪.‬‬
‫لذلك كان أئمة السلف يحتقرون المبتدعة ‪ ،‬و يهينونهم ‪ ،‬و حكى المام‬
‫ن أهل السنة اتفقوا على القول بقهر أهل البدع و إذللهم و‬ ‫الصابوني أ ّ‬
‫إخزائهم و إبعادهم و إقصائهم و التباعد منهم و عن صحبتهم و عن‬
‫مجادلتهم ‪ ،‬و التقّرب إلى الله ببغضهم و مهاجرتهم ( ‪.‬‬
‫] عقيدة السلف أصحاب الحديث ‪ ،‬للصابوني ‪ ،‬ص ‪.[ 130 :‬‬
‫ده من‬ ‫و من علم وجه تحقير المبتدعة و عدم توقيرهم و عظم ما يستلزمه ع ّ‬
‫الواجبات ‪ ،‬قال المام الشاطبي رحمه الله في تعظيم صاحب البدعة و‬
‫المشي إليه ‪ ) :‬إن المشي إليه و التوقير له تعظيم له لجل بدعته ‪ ،‬و قد‬
‫علمنا أن الشرع يأمر بزجره و إهانته و إذلله ‪ ،‬بما هو أشد من هذا ‪،‬‬
‫كالضرب و القتل ‪ ،‬فصار توقيره صدودا ً عن العمل بشرع السلم ‪ ،‬و إقبال ً‬
‫على ما يضاده و ينافيه ‪ ،‬و السلم ل ينهدم إل بترك العمل به و اليمان بما‬
‫ينافيه ‪ ،‬و أيضا ً فإن توقي صاحب البدعة مظّنة لمفسدتين تعودان بالهدم‬
‫على السلم ‪:‬‬
‫مة و الجّهال إلى ذلك التوقير ‪ ،‬فيعتقدون في المبتدع‬ ‫إحداهما ‪ :‬التفات العا ّ‬
‫ما هو عليه غيره ‪ ،‬فيؤدي ذلك إلى‬ ‫ّ‬ ‫م‬ ‫ر‬
‫ٌ‬ ‫خي‬ ‫عليه‬ ‫هو‬ ‫ما‬ ‫أن‬ ‫أّنه أفضل الناس ‪ ،‬و‬
‫اتباعه على بدعته ‪ ،‬دون اتباع أهل السّنة على سّنتهم ‪.‬‬
‫و الثانية ‪ :‬أّنه إذا وُّقر من أجل بدعته صار ذلك كالحادي المحرض له على‬
‫ل حال ‪ ،‬فتحيا البدع ‪ ،‬و تموت‬ ‫ل شيء ‪ ،‬و على ك ّ‬ ‫إنشاء البتداع في ك ّ‬
‫السنن ‪ ،‬و هو هدم السلم ( ‪.‬‬
‫] العتصام ‪ ،‬للشاطبي ‪.[ 1/114 :‬‬
‫و لذلك قال إبراهيم بن ميسرة ‪ ) :‬من وقر صاحب بدعة ‪ ،‬فقد أعان على‬
‫هدم السلم ( ‪.‬‬
‫] رواه الللكائي ‪ ،‬برقم ‪ . 273‬و نسبه أبو شامة في الباعث ‪ ،‬ص ‪ ، 17 :‬و‬
‫السيوطي في المر بالتباع ‪ ،‬ص‪ 18 :‬إلى محمد بن أسلم ‪ ،‬و الشاطبي في‬
‫العتصام ‪ 1/113 :‬إلى هشام بن عروة ‪ ،‬و رواه الذهبي في الميزان مرفوعا ً‬
‫ف‬
‫عن ابن عّباس بإسناد فيه بهلول بن عبيد الكندي الكوفي ‪ ،‬و هو ضعي ٌ‬
‫ذاهب الحديث ‪ ،‬راجع الميزان ‪.[ 1/355 :‬‬
‫و قال سفيان الثوري رحمه الله ‪ ) :‬من سمع مبتدعا ً لم ينفعه الله بما سمع ‪،‬‬
‫و من صافحه فقد نقض السلم عروةً عروة ً (‪.‬‬
‫] المر بالتباع ‪ ،‬للسيوطي ‪ ،‬ص ‪.[ 19 :‬‬
‫معبد الجهني يطوف بالبيت ‪ ) :‬هذا‬ ‫ما رأى َ‬ ‫و من هذا المنطلق قال طاووس ل ّّ‬
‫معبد فأهينوه ( ‪.‬‬
‫] رواه الللكائي ‪. [ 1/114 :‬‬
‫فل توقير ‪ ،‬و ل مصافحة ‪ ،‬بل يهان المبتدع ‪ ،‬و لو كان في أقدس الماكن ‪ ،‬و‬
‫لو تحت أستار الكعبة ‪ ،‬فما أعظم جريرته !!‬

‫)‪(3 /‬‬

‫و لو تبّرأ أهل السنة من المبتدعة و أعرضوا عن توقيرهم و احترامهم لخنس‬


‫هؤلء ‪ ،‬و صار حالهم كحال بني إسرائيل إذ ) ضربت عليهم الذّلة و‬
‫المسكنة ( ‪.‬‬
‫قال المام الشاطبي رحمه الله ‪ ) :‬كل من ابتدع في دين الله فهو ذليل حقير‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بسبب بدعته ‪ ،‬و إن ظهر لبادئ المر في عّزه و جبروته ‪ ،‬فهم في أنفسهم‬
‫أذلء ‪ ،‬أل ترى أحوال المبتدعة في زمان التابعين ‪ ،‬و فيما بعد ذلك ؟! حتى‬
‫تلبسوا بالسلطين و لذوا بأهل الرض ‪ ،‬و من لم يقدر على ذلك استخفى‬
‫ببدعته ‪ ،‬و هرب بها عن مخالطة الجمهور ( ‪,‬‬
‫] العتصام ‪ ،‬للشاطبي ‪.[ 1/126 :‬‬
‫ما تبرأ الخيار من أهل البدع و دعاتها ضنوا عليهم بالسلم و المجالسة و‬ ‫ول ّ‬
‫ل حقوق المسلم ‪ ،‬بل ذهبوا أبعد من ذلك فتبرأوا من علومهم ‪،‬‬ ‫التوقير ‪ ،‬و ك ّ‬
‫ّ‬
‫حتى لم يكونوا يعلمونهم أو يتعلمون منهم خشية تسلل شبهاتهم و أهوائهم‬ ‫ّ‬
‫إلى من سواهم ‪.‬‬
‫ً‬
‫و خشية من هذه المفسدة ‪ ،‬و درءا لها أعرض السلف عن علوم المبتدعة ‪،‬‬
‫و لم يأتمنوهم على شيء من دين الله ‪ ،‬و هذا ما قرره شيخ السلم ابن‬
‫ن الدعاة إلى البدع ل تقبل شهادتهم ‪ ،‬و ل يصلى‬ ‫تيمية رحمه الله بقوله ‪ ) :‬إ ّ‬
‫خلفهم ‪ ،‬و ل يؤخذ عنهم العلم ( ‪.‬‬
‫] مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية ‪.[ 28/205 :‬‬
‫ت صاحب بدعة عن ديني ‪ ،‬أو زنيت (‬ ‫قال يوسف ابن أسباط ‪ ) :‬ما أبالي سأل ُ‬
‫‪.‬‬
‫] البانة الكبرى ‪ ،‬لبن بطة ‪.[ 2/459 :‬‬
‫و عن سلم بن أبي مطيع أن رجل ً من أصحاب الهواء قال ليوب‬
‫السختياني ‪ ) :‬يا أبا بكر ! أسألك عن كلمة ( ؟ قال أيوب – و جعل يشير‬
‫بإصبعه ‪ ) : -‬و ل نصف كلمة ‪ ،‬و ل نصف كلمة (‪.‬‬
‫] البانة الكبرى ‪ ،‬لبن بطة ‪ ، 2/447 :‬و شرح السّنة ‪ ،‬للبغوي ‪.[ 1/227 :‬‬
‫و عن أسماء – جدة سعيد بن عامر – قالت ‪ :‬دخل رجلن من أهل الهواء‬
‫على محمد بن سيرين فقال ‪ :‬يا أبا بكر ‪ :‬نحدثك بحديث ؟ قال ‪ ) :‬ل ( ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فنقرأ عليك آية من كتاب الله ؟‬
‫ن(‪.‬‬ ‫قال ‪ ) :‬ل ‪ ،‬لتقومان عّني أو لقوم ّ‬
‫] البانة الكبرى ‪ ،‬لبن بطة ‪.[ 2/446 :‬‬
‫ما كانت شبه القوم و ضللتهم و أقوالهم الفاسدة مبثوثة في كتبهم حتى‬ ‫ول ّ‬
‫موها‬ ‫تكاد تغص بها ‪ ،‬و تفيض من بطونها ‪ ،‬تبّرأ سلفنا من كتب أهل البدع ‪ ،‬فذ ّ‬
‫فروا منها ‪.‬‬ ‫ون ّ‬
‫قال ابن قدامة ‪ ) :‬كان السلف ينهون عن مجالسة أهل البدع ‪ ،‬و النظر في‬
‫كتبهم ( ‪.‬‬
‫] الداب الشرعّية ‪ ،‬لبن مفلح ‪.[ 11/232 :‬‬
‫لمة ابن القّيم ‪ ) :‬ل ضمان في تحريق الكتب المضّلة و إتلفها ‪.‬‬ ‫و قال الع ّ‬
‫ً‬
‫قال محمد بن نصر المروزي ‪ :‬قلت لحمد ‪ :‬استعرت كتابا فيه أشياء رديئة‬
‫أترى أن أخرقه أو أحرقه ؟‬
‫قال ‪ :‬نعم ! فأحرقه ‪ ،‬و قد رأى النبي صلى الله عليه و سّلم بيد عمر كتابا ً‬
‫اكتتبه من التوراة ‪ ،‬و أعجبه موافقته للقرآن ‪ ،‬فتمعر وجه رسول الله صلى‬
‫ل الكتب‬ ‫الله عليه و سّلم ‪ ،‬حتى ذهب به عمر إلى التنور فألقاه فيه ‪ ...‬و ك ّ‬
‫المتضمنة لمخالفة السّنة غير مأذون فيها ‪ ،‬بل مأذون في محقها و إتلفها ‪ ،‬و‬
‫مة أضّر منها ‪ ،‬و قد حّرق الصحابة جميع المصاحف المخالفة‬ ‫ما على ال ّ‬
‫مة من الختلف ‪ ،‬فكيف لو رأوا هذه‬ ‫لمصحف عثمان ِلما خافوا على ال ّ‬
‫مة ؟! ( ‪.‬‬‫الكتب التي أوقعت الخلف و التفّرق بين ال ّ‬
‫] الطرق الحكمّية في السياسة الشرعّية ‪ ،‬لبن قّيم الجوزّية ‪ ،‬ص ‪.[ 275 :‬‬
‫ن البراءة من البدعة و المبتدعة استلزمت‬ ‫فانظر – رحمك الله – كيف أ ّ‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التبرؤ حتى من علومهم و كتبهم ‪ ،‬لما بث فيها من السموم و الضلل ‪.‬‬


‫و لكي نكون منصفين في مذهبنا إلى البراءة من أهل الهواء و البدع ل بد‬
‫من ضبط ذلك بضابط على قدر من الهمّية و هو ‪:‬‬
‫وجوب العدل و النصاف في الحكم على المبتدعة‬
‫أمرنا الله تعالى بلزوم العدل مع الخصوم و المخالفين ‪ ،‬فقال ‪ ) :‬يا أّيها‬
‫وامين لله شهداء بالقسط و ل يجرمّنكم شنآن قوم على‬ ‫الذين آمنوا كونوا ق ّ‬
‫أل تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ( ] المائدة ‪.[ 8 :‬‬
‫و إذا كّنا عادلين في باب البراءة من المبتدعة و بغضهم و مباينتهم ‪ ،‬فل بد أن‬
‫يكون ذلك بحسب البدعة المَتلّبس بها ‪ ،‬مع موالتهم و محبتهم لما فيهم من‬
‫فرة ‪ ،‬و غير‬ ‫الخير و البر من جهات أخرى ‪ ،‬هذا في حال كون البدعة غير مك ّ‬
‫منافيةٍ لصول أهل السّنة و الجماعة المتفق عليها ‪ ،‬فيكون ) الحب و البغض‬
‫ن العبد يجتمع فيه سبب الولية‬ ‫بحسب ما فيهم من خصال الخير و الشر ‪ ،‬فإ ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫و سبب العداوة ‪ ،‬و الحب و البغض ‪ ،‬فيكون محبوبا من وجه ‪ ،‬و مبغوضا من‬
‫وجه ‪ ،‬و الحكم للغالب ( ‪.‬‬
‫] شرح العقيدة الطحاوّية ‪ ،‬لبن أبي العز الحنفي ‪ ،‬ص ‪.[ 434 :‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪199‬‬

You might also like