You are on page 1of 202

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫إن أكبر خطأ يرتكبه المفكر حينما يفكر بعيدا ً عن مفاهيم التغيير الجتماعي‪،‬‬
‫في هذه الحالة يصبح فكره حادا ً ومصطدما ً مع الطبيعة التلقائية للمجتمع‪.‬‬
‫المجتمع من طبيعته أنه يتحرك ‪ ..‬ينمو ‪ ..‬يضعف ‪..‬يقوى ‪ ..‬يتطور‪ ..‬إنه كيان‬
‫ي متحرك‪ . .‬وهذا النوع من المفكرين يفترض أن المجتمع كائن جامد غير‬ ‫ح ّ‬
‫قابل للحركة‪ ،‬ويفترض أن مقولته الجاهزة‪ ،‬وما يحمله من أنماط معينة من‬
‫السلوك هي التي ينبغي للمجتمع أن يأخذ بها‪ .‬ل! ليس المر كذلك‪ ،‬إن هناك‬
‫تفاعل ً بين المجتمع والفكر‪ .‬وقد أدرك علماؤنا السابقون ذلك فقالوا‪:‬‬
‫"المشقة تجلب التيسير" في لفتة منهم إلى بعض أحوال التغير الجتماعي‪.‬‬
‫والسلوك الجتماعي من عادته أنه يتراوح بين الضبط والرتخاء‪ ،‬أو إن شئت‬
‫فقل‪ :‬إنه في حالة صراع بين الضبط السلوكي وبين التحلل من القيود‪.‬‬
‫والمفترض أن يكون الفكر ومنه فتوى الفقيه ضابطا ً للسلوك الجتماعي في‬
‫انحداره‪ ،‬فل يدعه يتفلت من ضوابطه‪ .‬والتيسير ليس هو التيسير الني فقط‬
‫فهذا أحد معانيه‪ ،‬وأهم منه ما يؤول إليه الفعل في المجتمع‪ ،‬ومن الفكار‬
‫والفتاوى ما يظنها أصحابها تيسيرا ً على الناس‪ ،‬ولكنهم بعد فترة يكتشفون‬
‫مقدار الحرج الذي لحق بالناس بسببها‪ .‬مثل ً البعض حينما يفتي لفرد من‬
‫القلية المسلمة فتصبح فتوى للقلية بكاملها بينما هي في الصل خاصة‪،‬‬
‫وربما جاءت الفتوى مراعية الوضع الني الذي يعيشه فرد ما فكانت معززة‬
‫الوضع الخاطئ الذي يعيشه الفرد ورافعة لحرج عنه في أمر هو في أصله‬
‫مخالفة شرعية‪ ،‬كتلك الفتوى التي أفتت لهم بجواز بيع الخمر على غير‬
‫المسلمين‪ ،‬وأنا هنا لن أناقش الفتوى من ناحية فقهية‪ ،‬ولكن أتحدث عنها من‬
‫ناحية أثرها الجتماعي وعلقتها بالتغيير‪ .‬هذه الفتوى تدفع السلوك الجتماعي‬
‫إلى التحلل من القيود‪ ،‬ولو تراكمت مجموعة فتاوى من هذا النوع لكان‬
‫نتيجتها نزع الهوية السلمية عن أصحابها‪ ،‬وتذويب الفوارق بين القلية‬
‫المسلمة والكثرية غير المسلمة‪ .‬إن الفتوى التي تحرم على المسلم بيع‬
‫الخمر مثل ً تحافظ على قدر من سمات الهوية‪ ،‬وتدفع المسلم إلى التخلص‬
‫من الثم بتصحيح سلوكه وإنشاء مؤسسات مجتمعية متفقة مع الهوية‬
‫السلمية سواء كانت المؤسسات تجارية أو اجتماعية أو سياسية أو ثقافية أو‬
‫تعليمية‪ .‬وفي هذا محافظة على هوية القلية المسلمة وترسيخ لوجودها‪،‬‬
‫وتأكيد لستمرارها في مجتمع الكثرية‪.‬‬
‫لعل من مواطن الخلل في الفكر السلمي الحديث تقصيره في الدراسات‬
‫الجتماعية‪ ،‬ومنها موضوع التغيير الجتماعي الذي تناوله مشكورا ً الشيخ‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سلمان‪ .‬وإني لعجب أن من يتناول موضوع التغيير الجتماعي إنما يتناول‬


‫الجانب السلبي منه فقط‪ ،‬ول يرى في التغيير إل أنه اتجاه نحو فساد‬
‫المجتمع‪ ،‬وتجده يحصي الجوانب السلبية ومظاهر النحراف‪ ،‬ويغفل عن‬
‫الجوانب اليجابية‪ ،‬كما يغفل عن إرادة الناس في اختيار اتجاهات التغيير‪.‬‬
‫وينتهي هذا المتحدث إلى رفض التغير‪ ،‬ورفضه غير ممكن‪ ،‬والمطالبة بوقف‬
‫حركة المجتمع‪ ،‬وهذا مخالف لسنة الله في المجتمعات‪.‬‬
‫دمه الشيخ سلمان في برنامجه أنه أراد أن يعلمنا أن التغير‬ ‫وقيمة ما ق ّ‬
‫الجتماعي موضوع يمكن التحكم فيه وتوجيهه‪ ،‬ولهذا تحدث عن التغيير وليس‬
‫عن التغير‪ ،‬وحدد لنا ما يدفع نحو التغيير وما يوقفه‪ ،‬وبين لنا أن التغير أمر‬
‫حتمي‪ ،‬وهو إيجابي لمن أحسن التعامل معه وسلبي لمن أعرض عن‬
‫الستفادة منه أو صادمه‪ .‬شكرا ً للشيخ سلمان وحفظه الله ووفقه‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التفاؤل اليجابي‬
‫أ‪.‬د‪ .‬ناصر العمر‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله أما بعد‪:‬‬
‫فإن التفاؤل يدفع النسان لتجاوز المحن‪ ،‬ويحفزه للعمل‪ ،‬ويورثه طمأنينة‬
‫النفس وراحة القلب‪.‬‬
‫والمتفائل ل يبني من المصيبة سجنا ً يحبس فيه نفسه‪ ،‬لكنه يتطلع للفرج‬
‫الذي يعقب كل ضيق‪ ،‬ولليسر الذي يتبع كل عسر‪ .‬وقد كان نبينا ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬إماما ً في التفاؤل والثقة بوعد الله ‪-‬تعالى‪ ،-‬تقول أمنا عائشة‬
‫‪-‬رضي الله عنها‪ -‬للنبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ :-‬هل أتى عليك يوم أشد من‬
‫يوم أحد؟ قال‪" :‬لقد لقيت من قومك ما لقيت‪ ،‬وكان أشد ما لقيت منهم يوم‬
‫العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلل فلم يجبني إلى ما‬
‫أردت‪ ،‬فانطلقت وأنا مهموم على وجهي‪ ،‬فلم أستفق إل وأنا بقرن الثعالب‪،‬‬
‫فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني‪ ،‬فنظرت فإذا فيها جبريل‪ ،‬فناداني‬
‫فقال‪ :‬إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك‪ ،‬وقد بعث الله إليك‬
‫ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم‪ .‬فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال‪:‬‬
‫يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الخشبين‪ .‬فقال‬
‫النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ :-‬بل أرجو أن يخرج الله من أصلبهم من يعبد‬
‫الله وحده ل يشرك به شيئًا")‪.(1‬‬
‫وقد كان ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬يبشر أصحابه بالظهور على الكافرين في‬
‫جزيرة العرب وما جاورها في أوقات كان الواحد منهم ل يأمن على حياته‬
‫وهو في بيته‪ ،‬فكانت النتيجة تسابقهم لرفع راية السلم في كل البقاع‪،‬‬
‫بنفوس منشرحة قوية واثقة في نصر الله‪.‬‬
‫إن سم التشاؤم الذي يحاول المنافقون دسه للمنتمين لهذا الدين له ترياق‬
‫جدير بأن يذهبه أل وهو بث اليقين بمعية الله تعالى وتوفيقه للمتوكلين‬
‫الصادقين في صفوف المسلمين‪ ،‬وتعميق الحساس بقدرة الله تعالى‬
‫وعظمته في نفوسهم‪ ،‬وتبشيرهم ببوادر النصر التي تلوح في الفق‪ .‬ويكون‬
‫ل‪ ،‬رغم تنكيل الصهاينة‬‫ذلك بذكر حقائق الواقع الماثل‪ ،‬ففي فلسطين مث ً‬
‫الغاصبين بالمجاهدين‪ ،‬ورغم تخاذل المسلمين عن نصرتهم‪ ،‬رغم ذلك ينطق‬
‫تسلسل الحداث بأن الغلبة لدين الله‪ ،‬وأن النصر لجند الله‪ .‬فقبل عشرين‬
‫سنة فقط لم تكن في ساحة المقاومة راية تعرف سوى رايات الشيوعيين‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والعلمانيين ودعاة القومية العربية‪ ،‬وأشباههم مع بعض عملء الصهيونية‪ ،‬أما‬


‫اليوم فيشد أبناء فلسطين على أيدي المجاهدين ويقدمونهم لقيادة البلد‪،‬‬
‫ورعاية مصالح العباد‪.‬‬
‫قبل أقل من عشرين سنة كانت الراية المرفوعة هي الرض مقابل السلم‪،‬‬
‫وكان القادة يتسابقون للقاء الصهاينة ومحاورتهم بل على الصح تنفيذ‬
‫شروطهم وإملءاتهم‪ ،‬واليوم يلتف أبناء فلسطين حول المجاهدين الذين‬
‫أعلنوا أن الجهاد ماض حتى تطهر أرض السراء كلها من كل الصهاينة‬
‫المعتدين‪.‬‬
‫قبل عشرين سنة فقط كان المظهر العام في فلسطين مثله مثل كثير من‬
‫الدول العربية التي ابتليت بالتغريب والنحلل‪ ،‬واليوم يتجه الناس نحو‬
‫السلم‪ ،‬بل صارت سجون الصهاينة كتاتيب ومعاهد يحفظ فيه السرى كتاب‬
‫ربهم‪.‬‬
‫إذا ً فالواقع يصدق الشرع ويقول‪ :‬إن الدين منصور‪ ،‬أل بعدا لليأس والتشاؤم‪،‬‬
‫ً‬
‫فلنأخذ بأسباب النصر‪ ،‬ولنثق بأن الذي يخرج اللبن من بين الفرث والدم قادر‬
‫على إخراج النصر من رحم البأساء والضراء‪.‬‬
‫أما الذي يدعي أنه متفائل ويقعد عن العمل فعاجز ل متفائل‪ ،‬وقد روي في‬
‫الحديث‪) :‬الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت‪ ،‬والعاجز من اتبع‬
‫نفسه هواها وتمنى على الله( )‪ ،(2‬وما حمد التفاؤل إل ّ لنه يدفع النسان‬
‫إلى المضي‪ ،‬ويطرد عن النفس اليأس لينبعث صاحبها ويعمل في جد‬
‫واجتهاد‪ ،‬فإذا بطل هذا فل تفاؤل على الحقيقة‪.‬‬
‫ل‪ ،‬ويرفع خور النفوس وعجزها‪،‬‬ ‫رزقني الله وإياكم تفاؤل ً إيجابيا ً يثمر عم ً‬
‫والحمد لله أول ً وآخرًا‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫_________________‬
‫)‪ (1‬البخاري‪ (3059) 3/1180،‬وغيره‪.‬‬
‫)‪ (2‬سنن الترمذي ‪ ،(2459) 4/638‬ورواه غيره وهو حديث ضعيف تنظر‬
‫الضعيفة لللباني ‪.(5319) 500-5/1/499‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫التفاؤل اليجابي‬
‫أ‪.‬د‪ .‬ناصر العمر‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله أما بعد‪:‬‬
‫فإن التفاؤل يدفع النسان لتجاوز المحن‪ ،‬ويحفزه للعمل‪ ،‬ويورثه طمأنينة‬
‫النفس وراحة القلب‪.‬‬
‫ً‬
‫والمتفائل ل يبني من المصيبة سجنا يحبس فيه نفسه‪ ،‬لكنه يتطلع للفرج‬
‫الذي يعقب كل ضيق‪ ،‬ولليسر الذي يتبع كل عسر‪ .‬وقد كان نبينا ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬إماما ً في التفاؤل والثقة بوعد الله ‪-‬تعالى‪ ،-‬تقول أمنا عائشة‬
‫‪-‬رضي الله عنها‪ -‬للنبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ :-‬هل أتى عليك يوم أشد من‬
‫يوم أحد؟ قال‪" :‬لقد لقيت من قومك ما لقيت‪ ،‬وكان أشد ما لقيت منهم يوم‬
‫العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلل فلم يجبني إلى ما‬
‫أردت‪..‬‬
‫فانطلقت وأنا مهموم على وجهي‪ ،‬فلم أستفق إل وأنا بقرن الثعالب‪ ،‬فرفعت‬
‫رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني‪ ،‬فنظرت فإذا فيها جبريل‪ ،‬فناداني فقال‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك‪ ،‬وقد بعث الله إليك ملك‬
‫الجبال لتأمره بما شئت فيهم‪ .‬فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال‪ :‬يا‬
‫محمد فقال ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الخشبين‪ .‬فقال النبي‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ :-‬بل أرجو أن يخرج الله من أصلبهم من يعبد الله‬
‫وحده ل يشرك به شيئًا")‪.(1‬‬
‫وقد كان ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬يبشر أصحابه بالظهور على الكافرين في‬
‫جزيرة العرب وما جاورها في أوقات كان الواحد منهم ل يأمن على حياته‬
‫وهو في بيته‪ ،‬فكانت النتيجة تسابقهم لرفع راية السلم في كل البقاع‪،‬‬
‫بنفوس منشرحة قوية واثقة في نصر الله‪.‬‬
‫إن سم التشاؤم الذي يحاول المنافقون دسه للمنتمين لهذا الدين له ترياق‬
‫جدير بأن يذهبه أل وهو بث اليقين بمعية الله تعالى وتوفيقه للمتوكلين‬
‫الصادقين في صفوف المسلمين‪ ،‬وتعميق الحساس بقدرة الله تعالى‬
‫وعظمته في نفوسهم‪ ،‬وتبشيرهم ببوادر النصر التي تلوح في الفق‪ .‬ويكون‬
‫ذلك بذكر حقائق الواقع الماثل‪ ،‬ففي فلسطين مث ً‬
‫ل‪ ،‬رغم تنكيل الصهاينة‬
‫الغاصبين بالمجاهدين‪ ،‬ورغم تخاذل المسلمين عن نصرتهم‪ ،‬رغم ذلك ينطق‬
‫تسلسل الحداث بأن الغلبة لدين الله‪ ،‬وأن النصر لجند الله‪ .‬فقبل عشرين‬
‫سنة فقط لم تكن في ساحة المقاومة راية تعرف سوى رايات الشيوعيين‬
‫والعلمانيين ودعاة القومية العربية‪ ،‬وأشباههم مع بعض عملء الصهيونية‪ ،‬أما‬
‫اليوم فيشد أبناء فلسطين على أيدي المجاهدين ويقدمونهم لقيادة البلد‪،‬‬
‫ورعاية مصالح العباد‪.‬‬
‫قبل أقل من عشرين سنة كانت الراية المرفوعة هي الرض مقابل السلم‪،‬‬
‫وكان القادة يتسابقون للقاء الصهاينة ومحاورتهم بل على الصح تنفيذ‬
‫شروطهم وإملءاتهم‪ ،‬واليوم يلتف أبناء فلسطين حول المجاهدين الذين‬
‫أعلنوا أن الجهاد ماض حتى تطهر أرض السراء كلها من كل الصهاينة‬
‫المعتدين‪.‬‬
‫قبل عشرين سنة فقط كان المظهر العام في فلسطين مثله مثل كثير من‬
‫الدول العربية التي ابتليت بالتغريب والنحلل‪ ،‬واليوم يتجه الناس نحو‬
‫السلم‪ ،‬بل صارت سجون الصهاينة كتاتيب ومعاهد يحفظ فيه السرى كتاب‬
‫ربهم‪.‬‬
‫إذا ً فالواقع يصدق الشرع ويقول‪ :‬إن الدين منصور‪ ،‬أل بعدا ً لليأس والتشاؤم‪،‬‬
‫فلنأخذ بأسباب النصر‪ ،‬ولنثق بأن الذي يخرج اللبن من بين الفرث والدم قادر‬
‫على إخراج النصر من رحم البأساء والضراء‪.‬‬
‫أما الذي يدعي أنه متفائل ويقعد عن العمل فعاجز ل متفائل‪ ،‬وقد روي في‬
‫الحديث‪) :‬الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت‪ ،‬والعاجز من اتبع‬
‫نفسه هواها وتمنى على الله( )‪ ،(2‬وما حمد التفاؤل إل ّ لنه يدفع النسان‬
‫إلى المضي‪ ،‬ويطرد عن النفس اليأس لينبعث صاحبها ويعمل في جد‬
‫واجتهاد‪ ،‬فإذا بطل هذا فل تفاؤل على الحقيقة‪.‬‬
‫ل‪ ،‬ويرفع خور النفوس وعجزها‪،‬‬ ‫رزقني الله وإياكم تفاؤل ً إيجابيا ً يثمر عم ً‬
‫والحمد لله أول ً وآخرًا‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫________________‬
‫)‪ (1‬البخاري‪ (3059) 3/1180،‬وغيره‪.‬‬
‫)‪ (2‬سنن الترمذي ‪ ،(2459) 4/638‬ورواه غيره وهو حديث ضعيف تنظر‬
‫الضعيفة لللباني ‪.(5319) 500-5/1/499‬‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫التفريط في عمل اليوم والليلة‬


‫يتناول الدرس التفريط في الواجبات التي ينبغي للمرء أن يحافظ عليها‪،‬‬
‫وأسباب التفريط في ذلك‪ ،‬وما هي عواقب وآثار ذلك على المرء وعلى‬
‫العمل السلمي‪ ،‬ثم كيفية التغلب على هذا التفريط وعلجه ‪.‬‬
‫مفهوم التفريط في عمل اليوم والليلة‪:‬‬
‫التفريط لغة‪ :‬هو التقصير في المر‪ ،‬وتضييعه حتى يفوت‪ ،‬وفّرط في الشيء‪،‬‬
‫سَرَتا‬ ‫قو َ‬ ‫َ‬
‫ح ْ‬ ‫س َيا َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫ن تَ ُ‬‫دم العجز فيه‪ ،‬وفي التنزيل‪ { :‬أ ْ‬ ‫وفّرطه‪ :‬ضّيعه وق ّ‬
‫ه]‪“ }[56‬سورة الزمر “ أي‪ :‬أنيبوا إلى ربكم‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ب الل َ‬ ‫جن ْ ِ‬ ‫ت ِفي َ‬ ‫ما فَّرط ْ ُ‬ ‫عََلى َ‬
‫وأسلموا له مخافة أن تصيروا إلى حال الندامة للتفريط في أمر الله‪.‬‬
‫عمل اليوم والليلة في اللغة‪ :‬هو الوظائف‪ ،‬أو الواجبات التي ينبغي للمرء‬
‫الحفاظ عليها‪ ،‬أعم من أن تكون دنيوية أو أخروية‪ ،‬وعليه فإن‪:‬‬
‫التفريط في عمل اليوم والليلة لغة هو‪ :‬التقصير‪ ،‬أو التضييع للوظائف‪ ،‬أو‬
‫الواجبات التي ينبغي للمرء الحفاظ عليها‪ ،‬أو المواظبة عليها‪ ،‬دنيوية كانت أو‬
‫أخروية‪ ،‬أو هما مًعا حتى تفوت‪.‬‬
‫حا‪ :‬هو التقصير‪ ،‬أو التضييع للوظائف‬ ‫التفريط في عمل اليوم والليلة اصطل ً‬
‫العبادية‪ ،‬التي ينبغي للمسلم الحفاظ والمواظبة عليها في اليوم والليلة حتى‬
‫يخرج وقتها وتفوت‪ ،‬مثل النوم عن الصلة المكتوبة‪ ،‬ومثل إهمال النوافل‬
‫الراتبة‪ ،‬أو ترك قيام الليل‪ ،‬أو صلة الوتر‪ ،‬أو صلة الضحى‪ ،‬أو تضييع الورد‬
‫القرآني‪ ،‬أو الذكار‪ ،‬أو الدعاء‪ ،‬أو المحاسبة للنفس والتوبة والستغفار‪ ،‬أو‬
‫التخلف عن الذهاب إلى المسجد‪ ،‬وعدم حضور الجماعة بغير عذر ول مبرر‪،‬‬
‫أو عدم فعل الخيرات الخرى‪ ،‬أو إهمال الداب الجتماعية‪ :‬من عيادة‬
‫المرضى‪ ،‬وتشييع الجنائز‪ ،‬والسؤال عما في الناس‪ ،‬ومشاركتهم أحوالهم في‬
‫السّراء والضّراء ‪ ..‬إلى غير ذلك من الطاعات أو العبادات‪.‬‬
‫أسباب التفريط في عمل اليوم والليلة‪:‬‬
‫‪ -1‬التلطخ أو التدنس بالمعصية‪ :‬بأن يكون المسلم غير متحّرز من المعصية‪،‬‬
‫لسيما الصغائر‪ ،‬تلك التي يستهين بها كثير من الناس‪ ،‬ول يولونها رعاية أو‬
‫أهمية‪ ،‬وحينئذ فلبد من العقاب‪ ،‬ويكون العقاب بأمور كثيرة‪ ،‬من بينها‬
‫صاب َ ُ‬ ‫َ‬
‫صيب َةٍ‬‫م ِ‬ ‫من ّ‬ ‫كم ّ‬ ‫ما أ َ‬ ‫التفريط في عمل اليوم والليلة‪ ،‬وصدق الله العظيم‪{:‬وَ َ‬
‫ن ك َِثير ]‪“ }[30‬سورة الشورى”‪ .‬يقول‬ ‫َ‬
‫فوا عَ ْ‬ ‫م وَي َعْ ُ‬ ‫ديك ُ ْ‬
‫ت أي ْ ِ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫سب َ ْ‬ ‫فَب ِ َ‬
‫ما‬‫دا حفظ القرآن ثم نسيه إل بذنب‪ ،‬ثم قرأ الضحاك‪{:‬وَ َ‬ ‫الضحاك‪':‬ما نعلم أح ً‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫صاب َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن كِثير ]‪“ }[30‬سورة‬ ‫فوا عَ ْ‬
‫م وَي َعْ ُ‬‫ديك ْ‬
‫ت أي ْ ِ‬‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ‬ ‫صيب َةٍ فَب ِ َ‬
‫م ِ‬ ‫من ّ‬ ‫كم ّ‬ ‫أ َ‬
‫الشورى”‪.‬ثم يقول الضحاك‪ :‬وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن'‪ .‬وسأل‬
‫رجل الحسن‪ :‬يا أبا سعيد؛ إني أبيت معافى وأحب قيام الليل وأعد طهوري‪،‬‬
‫فما بالي ل أقوم؟ فقال‪ ':‬ذنوبك قيدتك'‪.‬‬
‫وقال الثوري‪ ' :‬حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته‪ .‬قيل‪ :‬وما ذاك‬
‫الذنب؟ قال‪ :‬رأيت رجل ً يبكي فقلت في نفسي‪ :‬هذا مراٍء'‪ .‬وقال أبو سليمان‬
‫دا صلة الجماعة إل بذنب'‪.‬‬ ‫داراني‪ ':‬ل تفوت أح ً‬ ‫ال ّ‬
‫‪ -2‬التوسع في المباحات‪ :‬ذلك أن هذا التوسع يورث الركون والنوم‪ ،‬والراحة؛‬
‫المر الذي يمكن أن يؤدي إلى مثل هذا التفريط‪ ،‬يقول الغزالي‪ ':‬كان بعض‬
‫الشيوخ يقف على المائدة كل ليلة ويقول‪ :‬ل تأكلوا كثيًرا؛ فتشربوا كثيًرا‪،‬‬
‫فترقدوا كثيًرا‪ ،‬فتتحسروا عند الموت كثيًرا' ‪.‬‬
‫‪-3‬عدم إدراك قيمة النعم وسبيل الدوام‪ :‬ذلك أن من لم يدرك أن نعم الله‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على العباد‪ ،‬الظاهرة منها والباطنة‪ ،‬والمعلوم منها وغير المعلوم‪ ،‬شيء ل يعد‬
‫َ‬
‫غ‬
‫سب َ َ‬
‫ها]‪“ }[24‬سورة إبراهيم” {وَأ ْ‬ ‫صو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ة اللهِ ل َ ت ُ ْ‬ ‫م َ‬
‫دوا ن ِعْ َ‬ ‫ول يحصى‪{ :‬وَِإن ت َعُ ّ‬
‫ة]‪“ }[20‬سورة لقمان” ومن غفل عن أن دوام‬ ‫ظاهَِرةً وََباط ِن َ ً‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م ن ِعَ َ‬
‫َ‬
‫م]‪“} [7‬سورة إبراهيم”‬ ‫م َلِزيد َن ّك ُ ْ‬‫شك َْرت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫هذه النعم إنما يكون بالشكر‪{ :‬ل َئ ِ ْ‬
‫وأن من الشكر المواظبة على عمل اليوم والليلة من العبادات والطاعات؛‬
‫فإنه يقع منه ل محالة التفريط في عمل اليوم والليلة‪ ،‬وصدق الله ‪{ :‬‬
‫شك ُُروا ِلي وََل ت َك ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن]‪“ }[152‬سورة البقرة” قال‬ ‫فُرو ِ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫َفاذ ْك ُُروِني أذ ْك ُْرك ُ ْ‬
‫سدي‪ ،‬والربيع بن أنس‪':‬إن الله يذكر من‬ ‫الحسن البصري‪ ،‬وأبو العالية‪ ،‬وال ّ‬
‫ذكره‪ ،‬ويزيد من شكره‪ ،‬ويعذب من كفره' وقال سعيد بن جبير‪':‬اذكروني‬
‫بطاعتي أذكركم بمغفرتي' ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -4‬الغفلة عن الحاجة إلى عمل اليوم والليلة‪ :‬فإن من غفل عن أنه بحوله‬
‫وقوته ضعيف‪ ،‬وأنه بحول الله وقوته قوي‪ ،‬وأنه لبد له ‪ -‬كي ينجح في أداء‬
‫دوره‪ ،‬والقيام بواجبه في هذه الرض‪ -‬لبد له من عون الله وتأييده ونصره‪،‬‬
‫وأن المواظبة على عمل اليوم والليلة هي التي تستجلب هذا العون‪ ،‬وذلك‬
‫ن]‬‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫معَ ال ْ ُ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫سب ُل ََنا وَإ ِ ّ‬ ‫م ُ‬ ‫دوا ِفيَنا ل َن َهْدِي َن ّهُ ْ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫التأييد والنصر‪َ{:‬وال ّ ِ‬
‫وى]‪“ }[197‬سورة‬ ‫ق َ‬ ‫خي َْر الّزادِ الت ّ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫‪“ }[69‬سورة العنكبوت”‪{ .‬وَت ََزوُّدوا فَإ ِ ّ‬
‫م‪... ] :‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫ن أ َِبي هَُري َْرة َ َقا َ‬ ‫البقرة”‪ .‬وعَ ْ‬
‫َ‬
‫دي‬ ‫ل عَب ْ ِ‬ ‫ما ي ََزا ُ‬ ‫ت عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ما افْت ََر ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ي ِ‬ ‫ب إ ِل َ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫يٍء أ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫دي ب ِ َ‬ ‫ي عَب ْ ِ‬ ‫ب إ ِل َ ّ‬ ‫قّر َ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫صَرهُ‬ ‫معُ َ ب ِهِ وَب َ َ‬ ‫س َ‬ ‫ذي ي َ ْ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫معَ ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ه ك ُن ْ ُ‬ ‫حب َب ْت ُ ُ‬ ‫ه فَإ َِذا أ ْ‬ ‫حب ّ ُ‬ ‫حّتى أ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫وافِ ِ‬ ‫ي ِبالن ّ َ‬ ‫ب إ ِل َ ّ‬ ‫قّر ُ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫سألِني‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫شي ب َِها وَإ ِ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه الِتي ي َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫جل ُ‬ ‫َ‬ ‫ش ب َِها وَرِ ْ‬ ‫صُر ب ِهِ وَي َد َهُ الِتي ي َب ْط ِ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ذي ي ُب ْ ِ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ه‪ [...‬رواه البخاري‪ .‬ويحصل بعد العمل‬ ‫عيذ َن ّ ُ‬ ‫ست ََعاذ َِني َل ُ ِ‬ ‫نا ْ‬ ‫ه وَل َئ ِ ْ‬ ‫َلعْط ِي َن ّ ُ‬
‫ُ‬
‫ك‬‫ن إ ِذ ْ ي َُباي ُِعون َ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫قد ْ َر ِ‬ ‫السكينة للنفس والطمأنينة للقلب‪{:‬ل َ َ‬
‫ريًبا]‬ ‫حا قَ ِ‬ ‫م فَت ْ ً‬ ‫م وَأَثاب َهُ ْ‬
‫َ‬
‫ة عَل َي ْهِ ْ‬ ‫كين َ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫م فََأنَز َ‬ ‫ما ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫جَرةِ فَعَل ِ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ح َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ن قُلوب ُُهم ب ِذِكرِ اللهِ أل ب ِذِكرِ الل ِ‬
‫ه‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫مُنوا وَت َط َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪“ }[18‬سورة الفتح”‪{ .‬ال ِ‬
‫ن إ َِذا ذ ُك َِر الل ُ‬
‫ه‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ما ال ُ‬ ‫ب]‪“ }[28‬سورة الرعد”‪{ .‬إ ِن ّ َ‬ ‫قُلو ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫ت َط ْ َ‬
‫ماًنا]‪“ }[2‬سورة النفال”‪.‬‬ ‫م ِإي َ‬ ‫ه َزاد َت ْهُ ْ‬ ‫م آَيات ُ ُ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫م وَإ َِذا ت ُل ِي َ ْ‬ ‫ت قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫جل َ ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫‪ -5‬ضعف أو تلشي التصور الصحيح لحقيقة أجر المواظبة على عمل اليوم‬
‫والليلة‪ :‬فإن الستمساك بالشيء‪ ،‬والعض عليه بالنواجذ مرتبط بالتصور‬
‫الصحيح له‪ ،‬وللمنافع أو الفوائد المرتبطة به‪،‬وعليه‪ :‬فمن لم يكتمل عنده‬
‫التصور الصحيح لحقيقة الجر المرتبط بعمل اليوم والليلة‬
‫قوا‬ ‫ن ات ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫جي الل ُ‬ ‫من أنه نجاة من أهوال وشدائد يوم القيامة‪{ :‬وَي ُن َ ّ‬
‫من ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن]‪“ }[61‬سورة الزمر” {وَِإن ّ‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫سوُء وَل َ هُ ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫سهُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م ل َ يَ َ‬ ‫فاَزت ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫بِ َ‬
‫وا وَن َذ َُر‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫جي ال ِ‬ ‫م ن ُن َ ّ‬ ‫ضّيا ]‪ [71‬ث ُ ّ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫حت ْ ً‬ ‫ك َ‬ ‫ن عَلى َرب ّ َ‬ ‫َ‬ ‫كا َ‬ ‫ها َ‬ ‫إ ِل ّ َوارِد ُ َ‬
‫جث ِّيا]‪“ }[72‬سورة مريم”‪.‬‬ ‫ن ِفيَها ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫وأنه ‪ -‬أي الجر ‪-‬جنات فيها ما ل عين رأت‪ ،‬ول أذن سمعت‪ ،‬ول خطر على‬
‫َ‬ ‫ما أ ُ ْ‬
‫كاُنوا‬ ‫ما َ‬ ‫جَزاًء ب ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن قُّرةِ أعْي ُ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ي ل َهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫خ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫قلب بشر‪ { :‬فََل ت َعْل َ ُ‬
‫ن]‪“} [17‬سورة السجدة”‪ .‬وفوق هذا وذاك رؤية الله‪ ،‬والتمتع بالنظر‬ ‫مُلو َ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫حت َِها‬‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ت َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن َوال ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه ال ُ‬‫ْ‬ ‫ّ‬
‫إلى وجهه الكريم‪ {:‬وَعَد َ الل ُ‬
‫ن الل ّهِ أ َك ْب َُر ذ َل ِكَ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ض َ‬ ‫ن وَرِ ْ‬ ‫ت عَد ْ ٍ‬ ‫جّنا ِ‬ ‫ة ِفي َ‬ ‫ن طي ّب َ ً‬ ‫َ‬ ‫ساك ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفيَها وَ َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫اْل َن َْهاُر َ‬
‫سَنى وَزَِياد َة ٌ وََل‬ ‫فوز ال ْعظيم]‪“} [72‬سورة التوبة” { ل ِل ّذي َ‬
‫ح ْ‬ ‫سُنوا ال ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫هُوَ ال ْ َ ْ ُ َ ِ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن]‪[26‬‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫جن ّةِ هُ ْ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ة أول َئ ِ َ‬ ‫م قَت ٌَر وََل ذِل ّ ٌ‬ ‫جوهَهُ ْ‬ ‫ي َْرهَقُ وُ ُ‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة]‪“ } [23‬سورة‬ ‫ة]‪[22‬إ َِلى َرب َّها َناظ َِر ٌ‬ ‫ضَر ٌ‬ ‫مئ ِذ ٍ َنا ِ‬‫جوهٌ ي َوْ َ‬ ‫}“سورة يونس” { وُ ُ‬
‫القيامة” ومن لم يكتمل عنده التصور لحقيقة هذا الجر‪ ،‬فإنه يستلذ النوم‬
‫ن بالتعب والمجاهدة في سبيل الله‪ ،‬وبالتالي ُيفّرط في عمل‬ ‫والراحة‪ ،‬ويض ّ‬
‫اليوم والليلة‪ ،‬قال ابن الجوزي‪':‬من لمح فجر الجر هان عليه ظلم التكليف'‪.‬‬
‫‪ -6‬نسيان الموت وما بعده من أهوال وشدائد‪ :‬ذلك أن من نسي أنه ميت ل‬
‫ت]‪“ }[185‬سورة آل‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫س َذائ ِ َ‬
‫ق ُ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫محالة‪ ،‬وإن طال الجل‪{ :‬ك ُ ّ‬
‫ة‬
‫ح ً‬
‫صي ْ َ‬ ‫ّ‬
‫ن إ ِل َ‬ ‫ُ‬
‫ما ي َن ْظُرو َ‬ ‫عمران”‪ .‬وأن هذا الموت أقرب إليه من شراك نعله‪َ {:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬
‫ة وَل إ ِلى أهْل ِهِ ْ‬ ‫صي َ ً‬
‫ن ت َوْ ِ‬‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن]‪[49‬فََل ي َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ص ُ‬
‫خ ّ‬ ‫م يَ ِ‬
‫م وَهُ ْ‬ ‫خذ ُهُ ْ‬‫حد َة ً ت َأ ُ‬ ‫َوا ِ‬
‫ن]‪“ }[50‬سورة يس”‪ .‬وأنه سيكون بعد هذا الموت شدائد وأهوال‬ ‫جُعو َ‬ ‫ي َْر ِ‬
‫يشيب منها الولدان‪ ،‬وتنخلع لها القلوب‪ ،‬ول نجاه منها إل بالمواظبة على‬
‫شيًبا ]‪[17‬‬ ‫ن ِ‬‫دا َ‬ ‫ل ال ْوِل ْ َ‬ ‫جعَ ُ‬
‫ما ي ّ ْ‬‫م ي َوْ ً‬ ‫فْرت ُ ْ‬‫ن ِإن ك َ َ‬ ‫قو َ‬ ‫عمل اليوم والليلة‪{:‬فَك َي ْ َ‬
‫ف ت َت ّ ُ‬
‫ل]‪“ }[18‬سورة المزمل”‪.‬‬ ‫فُعو ً‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَعْد ُه ُ َ‬ ‫فط ٌِر ب ِهِ َ‬
‫كا َ‬ ‫من َ‬
‫ماُء ُ‬ ‫س َ‬‫ال ّ‬

‫)‪(2 /‬‬
‫ما ِلل ّ‬ ‫َ‬
‫ميم ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مي َ‬ ‫كاظ ِ ِ‬ ‫جرِ َ‬ ‫حَنا ِ‬ ‫دى ال ْ َ‬ ‫ب لَ َ‬ ‫قُلو ُ‬ ‫م الزِفَةِ إ ِذِ ال ْ ُ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫{وَأنذِْرهُ ْ‬
‫ن َزل َْزل َ َ‬ ‫َ‬ ‫فيع ي ُ َ‬
‫ة‬ ‫م إِ ّ‬ ‫قوا َرب ّك ُ ْ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫ع]‪“ }[18‬سورة غافر” { َياأي َّها الّنا ُ‬ ‫طا ُ‬ ‫ش ِ ٍ‬ ‫وَل َ َ‬
‫ضع ُ ك ُ ّ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ل كُ ّ‬ ‫م ت ََروْن ََها ت َذ ْهَ ُ‬ ‫ساعَةِ َ‬
‫ت وَت َ َ‬ ‫ضعَ ْ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ضعَةٍ عَ ّ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫م]‪[1‬ي َوْ َ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫يٌء عَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ال ّ‬
‫ب الل ِّ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ع‬
‫َ ِ ّ َ‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫رى‬ ‫كا‬‫َ‬
‫َ َ ُ ْ ِ ُ َ‬‫س‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫رى‬ ‫كا‬
‫ّ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫رى‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫َ‬
‫َذا ِ َ ْ ٍ َ ْ َ َ َ َ‬
‫ل‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ت‬
‫د]‪“} [2‬سورة الحج” من نسي ذلك كله‪ ،‬كان منه هذا التفريط ول شك‪.‬‬ ‫دي ٌ‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫‪ -7‬ظن بلوغ الكمال‪ :‬ذلك أن النسان قد ينسى نفسه‪ ،‬وينسى أنه مهما‬
‫عمل‪ ،‬وأطاع بالليل والنهار‪ ،‬فلن يستطيع شكر أدنى نعمة من نعم الله عليه‪،‬‬
‫ويحمله هذا النسيان‪ -‬مع عوامل أخرى‪ -‬على ظن بلوغ الكمال‪ ،‬وحينئذ يقع‬
‫شداد ب َ‬
‫صّلى الل ُ‬
‫هّ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫س عَ ْ‬ ‫ن أوْ ٍ‬ ‫ن َ ّ ِ ْ ِ‬ ‫منه التفريط في عمل اليوم والليلة‪ ،‬عَ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫جُز َ‬ ‫ت َوالَعا ِ‬‫ْ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ما ب َعْد َ ال َ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه وَعَ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫ن َدا َ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫ل‪ ] :‬ال ْك َي ّ ُ‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫ه[ رواه الترمذي وابن ماجه ‪.‬وقال ميمون بن‬ ‫مّنى عََلى الل ّ ِ‬ ‫ها وَت َ َ‬ ‫وا َ‬ ‫ه هَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬‫أ َت ْب َعَ ن َ ْ‬
‫مهران‪':‬ل يكون العبد تقّيا حتى يحاسب نفسه كما يحاسب شريكه عند أي‬
‫مطعمة وملبسة' ‪.‬‬
‫‪ -8‬كثرة العباء والواجبات‪ :‬ذلك أن النسان في زحمة العمل‪ ،‬وفي إلحاح‬
‫العباء والواجبات‪ ،‬قد يهمل في عمل اليوم والليلة بحجة ضيق الوقت‪،‬‬
‫وضرورة الفراغ من هذه العباء وتلك الواجبات‪ ،‬ناسًيا أو متناسًيا أن زاده‬
‫على الطريق إّنما يكمن في المواظبة على عمل اليوم والليلة‪ ،‬إذ الوقت‪،‬‬
‫والطاقات‪ ،‬والمكانات كلها ملك لله‪ ،‬وبيده سبحانه‪ ،‬وحين يرى من العبد‬
‫إقبال ً عليه‪ ،‬وتلذًذا بطاعته وذكره يمنن ويتفضل عليه بالبركة في الوقت‪،‬‬
‫ن اهْت َد َْوا‬ ‫ذي َ‬ ‫والقوة في الرادة‪ ،‬والمضاء في العزيمة‪ ،‬والسداد في الرأي‪َ {:‬وال ّ ِ‬
‫ل‬‫جعَ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫ق الل َ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م]‪“ } [17‬سورة محمد” { ‪...‬وَ َ‬ ‫واهُ ْ‬ ‫ق َ‬‫م تَ ْ‬ ‫دى وََءاَتاهُ ْ‬ ‫م هُ ً‬ ‫َزاد َهُ ْ‬
‫ن‬
‫ه إِ ّ‬ ‫سب ُ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل عَلى اللهِ فَهُوَ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ن ي َت َوَك ّ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫حت َ ِ‬ ‫ث ل يَ ْ‬ ‫َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫جا]‪[2‬وَي َْرُزقْ ُ‬ ‫خَر ً‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫لَ ُ‬
‫َ‬
‫يٍء قَد ًْرا]‪“} [3‬سورة الطلق”‪.‬‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ل ِك ُ ّ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫مرِهِ قَد ْ َ‬ ‫ه َبال ِغُ أ ْ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ود التسويف أو التأجيل؛ تتراكم عليه الواجبات‬ ‫‪ -9‬التسويف‪ :‬ذلك أن من تع ّ‬
‫والعباء‪ ،‬وحين يريد الخلص أو الخروج منها‪ ،‬تصبح ثقيلة أو شاقة عليه‪،‬‬
‫وحينئذ ل يكون منه إل التفريط أو التضييع‪ ،‬ولعل هذا هو المفهوم من قوله‬
‫مغْرِب َِها أ َْو‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫سّتا ط ُُلوعَ ال ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫ما ِ‬
‫َ‬
‫م َبادُِروا ِباْلعْ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ة[ رواه مسلم‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫جا َ‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫مَر الَعا ّ‬ ‫م أوْ أ ْ‬ ‫حدِك ْ‬ ‫ةأ َ‬ ‫ص َ‬ ‫خا ّ‬ ‫ة أوْ َ‬ ‫داب ّ َ‬‫ل أوْ ال ّ‬ ‫ن أوْ الد ّ ّ‬ ‫خا َ‬ ‫الد ّ َ‬
‫وأحمد‪ .‬وقد وعى ذلك سلف المة رضوان الله عليهم فحرصوا على اقتناص‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفرص‪ ،‬واغتنام العمر قبل أن يضيع‪ ،‬وحسبنا هنا مقالة عمر رضي الله‬
‫عنه‪':‬القوة في أل تؤخر عمل اليوم للغد' ‪.‬‬
‫سا قبل خمس‪ ،‬شبابك‬ ‫م لرجل قولهاغتنم خم ً‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ومن وعظه َ‬
‫قبل هرمك‪ ،‬وصحتك قبل سقمك‪ ،‬وغناك قبل فقرك‪ ،‬وفراغك قبل شغلك‪،‬‬
‫وحياتك قبل موتك[ رواه الحاكم والبيهقي في الشعب‪.‬‬
‫‪ -10‬مشاهدة بعض ذوي السوة على حال من التفريط‪ :.‬ذلك أن المسلم‬
‫أحياًنا ينظر إلى ذوي السوة والقدوة‪ ،‬على أنهم نمط فريد من الناس‪ ،‬ل‬
‫يمكن أن يقع منهم تفريط أو تقصير‪ ،‬وحين يطلع من بعضهم على شيء من‬
‫التفريط‪ ،‬فإن هذه النظرة قد تحمله على محاكاتهم‪ ،‬ناسًيا أنه ل طاعة ول‬
‫محاكاة في المعصية‪ ،‬وإنما في المعروف فقط‪ .‬وهذا هو السبب في تشديد‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل الَر ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫السلم على عدم المجاهرة بالثم؛ حيث ي َ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫وسل ّم‪] :‬ك ُ ّ ُ‬
‫ج ُ‬
‫ل‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫م َ‬‫ن ي َعْ َ‬ ‫جاهََرةِ أ ْ‬ ‫م َ‬‫ن ال ُ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ن وَإ ِ ّ‬ ‫ري َ‬
‫جاهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫مَعاًفى إ ِّل ال ْ ُ‬ ‫مِتي ُ‬ ‫لأ ّ‬ ‫َ َ َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬
‫ةك َ‬ ‫ح َ‬ ‫ْ‬
‫ت الَبارِ َ‬ ‫مل ُ‬‫ْ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫َ‬
‫ل َيا فُل ُ‬ ‫قو َ‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْهِ فَي َ ُ‬ ‫ّ‬
‫ست ََرهُ الل ُ‬ ‫ح وَقَد ْ َ‬ ‫صب ِ َ‬
‫م يُ ْ‬ ‫مل ث ُ ّ‬‫ً‬ ‫ل عَ َ‬ ‫ِبالل ّي ْ ِ‬
‫ه[ رواه البخاري ومسلم‬ ‫ست َْر الل ّهِ عَن ْ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ش ُ‬ ‫ح ي َك ْ ِ‬ ‫صب ِ ُ‬‫ه وَي ُ ْ‬‫ست ُُره ُ َرب ّ ُ‬ ‫ت يَ ْ‬ ‫ذا وَقَد ْ َبا َ‬ ‫وَك َ َ‬
‫‪.‬‬
‫آثار التفريط في عمل اليوم والليلة‪:‬‬
‫على العاملين‪:‬‬
‫‪ -1‬الضطراب والقلق النفسي‪ :‬فإن من فّرط في عمل اليوم والليلة‪ ،‬قد‬
‫قطع عن القلب غذاءه ودواءه‪ ،‬ومصدر سعادته وطمأنينته‪ ،‬وتكون النتيجة‪:‬‬
‫ن‬
‫ض عَ ْ‬ ‫من ي ّعْرِ ْ‬ ‫القلق والضطراب النفسي‪ ،‬وصدق الله العظيم إذ يقول‪{ :‬وَ َ‬
‫ذابا صعدا]‪“ }[17‬سورة الجن”‪{ .‬وم َ‬
‫ري‬ ‫ن ذِك ْ ِ‬ ‫ض عَ ْ‬ ‫ن أعَْر َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ه عَ َ ً َ َ ً‬ ‫سل ُك ْ ُ‬ ‫ذِك ْرِ َرب ّهِ ي َ ْ‬
‫كا]‪“ }[124‬سورة طه”‪.‬‬ ‫ضن ْ ً‬
‫ة َ‬ ‫ش ً‬ ‫مِعي َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫فَإ ِ ّ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪ -2‬القعود عن أداء الواجب أو على القل الفتور‪ :‬وذلك أن زاد المسلم على‬
‫الطريق إنما هو في المواظبة على عمل اليوم والليلة‪ ،‬فمن فّرط فيه؛ فقد‬
‫بقي بغير زاد‪ ،‬ومثل هذا تنتهي به الحال إلى القعود عن أداء الواجب‪ ،‬أو على‬
‫القل الفتور‪ ،‬وذلك فيه من الخطورة والضرر ما فيه‪ ،‬وصدق الرسول الّله‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫طا ُ َ‬ ‫شي ْ َ‬
‫م إ َِذا‬ ‫حدِك ُ ْ‬ ‫سأ َ‬ ‫ن عَلى َقافِي َةِ َرأ ِ‬ ‫قد ُ ال ّ‬ ‫ل‪ ] :‬ي َعْ ِ‬ ‫م إذ َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ظ فَذ َكَرَ‬ ‫ق َ‬ ‫ست َي ْ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫َ‬
‫ويل فاْرقد ْ فإ ِ ْ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫قد َةٍ عَلي ْك لي ْل ط ِ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب كل عُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ضر ُ‬ ‫قد ٍ ي َ ْ‬ ‫ث عُ َ‬ ‫م ثل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫هُوَ َنا َ‬
‫قدة فَأ َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قدة فَإن ِ توضأ َ‬ ‫ّ‬
‫ح‬
‫ْ َ َ‬ ‫ب‬ ‫ص‬ ‫ْ‬
‫ْ َ ْ ُ َ ٌ‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ح‬‫ن‬ ‫ا‬ ‫لى‬ ‫ص‬ ‫َ‬
‫ه ان ْ َ ْ ُ َ ٌ ِ ْ َ َ ّ ْ َ ْ ُ َ ٌ ِ ْ َ‬
‫ن‬ ‫إ‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫د‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ح‬ ‫الل ّ َ‬
‫َ‬
‫ن[ رواه البخاري ومسلم‬ ‫سَل َ‬ ‫س كَ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ث الن ّ ْ‬ ‫خِبي َ‬ ‫ح َ‬ ‫صب َ َ‬ ‫س وَإ ِّل أ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ب الن ّ ْ‬ ‫طا ط َي ّ َ‬ ‫شي ً‬ ‫نَ ِ‬
‫وأبوداود والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد‪.‬‬
‫شاِء‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ف ْ‬ ‫صلة َ َت َن َْهى عَ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫صلة َ إ ِ ّ‬ ‫‪ -3‬الجرأة على المعصية‪{ :‬وَأقِم ٍ ال ّ‬
‫َ‬
‫ج ٌ‬
‫ل‬ ‫جاَء َر ُ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ن أِبي هَُري َْرةَ َقا َ‬ ‫من ْك َرِ وَل َذِك ُْر اللهِ أك ْب َُر]‪“ }[45‬العنكبوت”‪ .‬وعَ ْ‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ق‬
‫سَر َ‬ ‫ح َ‬ ‫صب َ َ‬ ‫ل فَإ َِذا أ ْ‬ ‫صّلي ِبالل ّي ْ ِ‬ ‫ن فَُلًنا ي ُ َ‬ ‫ل‪ :‬إ ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫إ َِلى الن ّب ِ ّ‬
‫ل[ رواه أحمد‪.‬‬ ‫قو ُ‬‫ما ي َ ُ‬ ‫سي َن َْهاه ُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ل‪ ] :‬إ ِن ّ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫‪ -4‬الضعف أو النهيار البدني‪ :‬وذلك أن المواظبة على عمل اليوم والليلة‪،‬‬
‫تكسب الجسم مناعة‪ ،‬وقدرة على التحمل‪ ،‬كما قال الله تعالى على لسان‬
‫ماَء‬ ‫س َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫س ِ‬ ‫م ُتوُبوا إ ِل َي ْهِ ي ُْر ِ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫فُروا َرب ّك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫هود عليه السلم‪{ :‬وََيا قَوْم ِ ا ْ‬
‫م]‪“ }[52‬سورة هود”‪.‬‬ ‫م قُوّة ً إ َِلى قُوّت ِك ْ‬
‫ُ‬ ‫مد َْراًرا وَي َزِد ْك ُ ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫عَل َي ْ ُ‬
‫ي‪:‬‬ ‫وكما أوصى به النبي عليه السلم علًيا وفاطمة رضي الله عنهما إذ قال عَل ِ ّ‬
‫ما ت َل ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قى‬ ‫كو إ ِل َي ْهِ َ‬ ‫ش ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ت الن ّب ِ ّ‬ ‫سَلم أت َ ْ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫ة عَل َي ْهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن َفاط ِ َ‬ ‫أ ّ‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫ة‬
‫ش َ‬ ‫ك ل َِعائ ِ َ‬ ‫ت ذ َل ِ َ‬ ‫ه فَذ َك ََر ْ‬ ‫صادِفْ ُ‬ ‫م تُ َ‬ ‫جاَءهُ َرِقيقٌ فَل َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫حى وَب َل َغََها أن ّ ُ‬ ‫ن الّر َ‬ ‫م ْ‬ ‫ها ِ‬ ‫ِفي ي َدِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال‪ ] :‬عَلى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مف َ‬ ‫قو ُ‬ ‫جعََنا فذ َهَب َْنا ن َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ضا ِ‬ ‫م َ‬ ‫خذ َْنا َ‬ ‫َ‬
‫جاَءَنا وَقد ْ أ َ‬ ‫ةف َ‬ ‫َ‬ ‫ش ُ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫خب ََرت ْ ُ‬ ‫جاَء أ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ل‪ ”:‬أَلَ‬ ‫مي ْهِ عََلى ب َط ِْني فَ َ‬
‫قا َ‬ ‫ت ب َْرد َ قَد َ َ‬ ‫جد ْ ُ‬ ‫حّتى وَ َ‬ ‫قعَد َ ب َي ِْني وَب َي ْن ََها َ‬ ‫جاَء فَ َ‬ ‫ما[ فَ َ‬ ‫كان ِك ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫شك َُ‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫را‬ ‫ف‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫ما‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫أ‬
‫َ ُ َ َ َ ِ ََ َ ْ َ ْ ُ َ ِ‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫ما‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ضا‬ ‫م‬ ‫ما‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬ ‫أ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬ ‫ما‬ ‫ت‬
‫َ ْ ٍ ِ ّ َ ُ َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫أ‬ ‫س‬ ‫ما‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫خ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫أَ ُ َ َ‬
‫ع‬ ‫ما‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫د‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ َ‬ ‫ن فَهُوَ َ‬ ‫ن وَك َب َّرا أْرب ًَعا وَث ََلِثي َ‬ ‫دا ث ََلًثا وَث ََلِثي َ‬ ‫م َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َوا ْ‬ ‫حا ث ََلًثا وَث ََلِثي َ‬ ‫سب ّ َ‬ ‫فَ َ‬
‫خادِم ٍ [ رواه البخاري ومسلم‪ .‬فمن فرط في عمل اليوم والليلة فسيعتاد‬ ‫َ‬
‫السترخاء والنوم‪ ،‬وذلك ل يعود على الجسد إل بما فيه ضعفه وانهياره‪.‬‬
‫‪ -5‬الحرمان من العون والتوفيق اللهي‪ :‬وذلك أن عون الله وتوفيقه‪ ،‬ليظفر‬
‫بهما العبد إل إذا كان على صلة طيبة برّبه‪ ،‬تتجلى في المواظبة على عمل‬
‫ن]‬‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫معَ ال ْ ُ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫سب ُل ََنا وَإ ِ ّ‬ ‫م ُ‬ ‫دوا ِفيَنا ل َن َهْدِي َن ّهُ ْ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫اليوم والليلة‪َ{:‬وال ّ ِ‬
‫‪“ }[69‬سورة العنكبوت”‪ .‬فإذا فّرط المسلم في هذا العمل‪ ،‬فقد قطع نفسه‬
‫عن رّبه‪ ،‬وحينئذ يحرم العون والتوفيق‪ ،‬ولعل ذلك هو ما نفهمه من قوله‬
‫ن ]‪[36‬‬ ‫ري ٌ‬ ‫ه قَ ِ‬ ‫طاًنا فَهُوَ ل َ ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ض لَ ُ‬ ‫قي ّ ْ‬ ‫ن نُ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ذِك ْرِ الّر ْ‬ ‫ش عَ ْ‬ ‫من ي ّعْ ُ‬ ‫سبحانه‪{ :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ن]‪“ }[37‬سورة‬ ‫دو َ‬ ‫مهْت َ ُ‬ ‫ن أن ُّهم ّ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل وَي َ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫دون َهُ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫م ل َي َ ُ‬ ‫وَإ ِن ّهُ ْ‬
‫الزخرف”‪.‬‬
‫‪ -6‬فقد الهيبة أو التأثير في الناس‪:‬وذلك أن من فرط في عمل اليوم والليلة‪،‬‬
‫فقد ضّيع أعظم سلح يؤثر به في الناس؛ لنه بهذا التفريط ضّيع منزلته عند‬
‫ن ث َوَْبا َ‬
‫ن‬ ‫رّبه‪ ،‬ومن ضاعت منزلته عند رّبه‪ ،‬فقد ضاعت منزلته عند الناس‪ ،‬عَ ْ‬
‫ك اْل ُم َ‬
‫عى عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫دا َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫م‪ُ ] :‬يو ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫َقا َ‬
‫ن قِل ّةٍ ن َ ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ل‪ ] :‬ب َ ْ‬ ‫مئ ِذ ٍ َقا َ‬ ‫ن ي َوْ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل وَ ِ‬ ‫ل َقائ ِ ٌ‬ ‫قا َ‬ ‫صعَت َِها[ فَ َ‬ ‫ة إ َِلى قَ ْ‬ ‫عى اْلك َل َ ُ‬ ‫دا َ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫كَ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫دورِ عَد ُوّك ُ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫ل وَلي َن َْزعَ ّ‬ ‫سي ْ ِ‬ ‫م غَُثاٌء ك َغَُثاِء ال ّ‬ ‫مئ ِذ ٍ ك َِثيٌر وَلك ِن ّك ُ ْ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫أن ْت ُ ْ‬
‫ما‬ ‫ل الل ّهِ وَ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ل َيا َر ُ‬ ‫ل َقائ ِ ٌ‬ ‫قا َ‬ ‫ن[ فَ َ‬ ‫م ال ْوَهْ َ‬ ‫ه ِفي قُُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫قذِفَ ّ‬ ‫م وَل َي َ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫مَهاب َ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ت[ رواه أبو داود وأحمد‪.‬‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫ب الد ّن َْيا وَك ََراهِي َ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل‪ُ ] :‬‬ ‫ن َقا َ‬ ‫ال ْوَهْ ُ‬
‫آثاره على العمل السلمي‪:‬‬
‫‪ -1‬طول الطريق مع كثرة التكاليف‪:‬ذلك أن عمل يضّيع المنتسبون إليه حق‬ ‫ً‬
‫الله عليهم؛ ستطول به الطريق‪ ،‬وتتضاعف عليه التكاليف‪ ،‬وتحيط به المحن‬
‫والشدائد من كل ناحية‪ ،‬وصدق الحق سبحانه حين قال على لسان نبي الله‬
‫ه]‪“}[63‬سورة هود”‪.‬‬ ‫صي ْت ُ ُ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ن الل ّهِ إ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫صُرِني ِ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫صالح عليه السلم‪{:‬فَ َ‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪ -2‬عدم الثبات في ساعات المحن والشدائد‪ :‬وذلك أن المحن بطبيعتها‬


‫قاسية وشديدة‪ ،‬ليطيقها البشر بحوله وقوته‪ ،‬وإنما لبد له من العون والتأييد‬
‫مل ً أو ثباًتا؟ ولعل‬ ‫اللهي‪ ،‬وأنى لمن فّرطوا في جنب الله أن يرزقهم الله تح ّ‬
‫موا فََل‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫هذا هو المفهوم من قوله تعالى‪ {:‬إ ِ ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫مُنوا آن‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن]‪“ }[13‬سورة الحقاف”‪{ .‬ي َأي َّها ال ِ‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وََل هُ ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫س‬‫ن عَّبا ٍ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫م]‪“ }[7‬سورة محمد”‪ .‬عَ ْ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫دا َ‬ ‫ت أقْ َ‬ ‫م وَي ُث َب ّ ْ‬ ‫صْرك ُ ْ‬ ‫ه ي َن ْ ُ‬ ‫صُروا الل َ‬ ‫ت َن ْ ُ‬
‫م إ ِّني‬ ‫َ‬
‫ل‪َ ] :‬يا غُل ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ما فَ َ‬ ‫م ي َوْ ً‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ِ‬ ‫ف َر ُ‬ ‫خل َ‬‫ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ل‪ :‬كن ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫سأ ْ‬
‫ل‬ ‫ت َفا ْ‬ ‫سأل َ‬ ‫جاهَك إ َِذا َ‬ ‫َ‬ ‫جد ْه ُ ت ُ َ‬ ‫ه تَ ِ‬ ‫فظ الل َ‬ ‫ح َ‬ ‫فظك ا ْ‬ ‫َ‬ ‫ح َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫فظ الل َ‬ ‫ح َ‬ ‫تا ْ‬ ‫ما ٍ‬ ‫َ‬
‫مك كل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫أعَل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الل ّه وإَذا است َعَن ْت َفاست َعِن بالل ّهِ واعْل َم أ ّ ُ‬
‫فُعو َ‬
‫ك‬ ‫ن ي َن ْ َ‬ ‫ت عََلى أ ْ‬ ‫معَ ْ‬ ‫جت َ َ‬‫ة ل َوْ ا ْ‬ ‫م َ‬‫ن اْل ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َِ‬
‫ضّروكَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن يَ ُ‬ ‫مُعوا عَلى أ ْ‬ ‫جت َ َ‬
‫ه لك وَلوْ ا ْ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫يٍء قَد ْ كت َب َ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫فُعوك إ ِل ب ِ َ‬ ‫م ي َن ْ َ‬ ‫يٍء ل ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫بِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫ف ْ‬ ‫ج ّ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ت القْل ُ‬ ‫ه عَلي ْك ُرفِعَ ْ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫يٍء قَد ْ كت َب َ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ضّروك إ ِل ب ِ َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫يٍء ل ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫بِ َ‬
‫ف[ رواه الترمذي وأحمد‪.‬‬ ‫ح ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫ال ّ‬
‫علج التفريط في عمل اليوم والليلة‪:‬‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -1‬معايشة الكتاب والسنة‪ :‬ففيهما صورة صادقة لثواب الطائعين‪ ،‬وعقاب‬


‫العاصين‪ ،‬وتحريض على ملزمة الطاعة‪ ،‬وترك المعصية‪ ،‬من خلل التذكير‬
‫باطلع الله سبحانه‪ ،‬وإحاطة علمه بكل شيء‪ ،‬والرجوع إليه‪ ،‬والمساءلة بين‬
‫َ‬
‫م‬‫يديه‪ ،‬والجزاء‪ ،‬وحسب المسلم أن يقرأ هذه اليات‪{ :‬وَأِنيُبوا إ َِلى َرب ّك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫وأ َسل ِموا ل َه من قَب َ‬
‫ما‬ ‫ن َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن]‪َ[54‬وات ّب ُِعوا أ ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫م َل ت ُن ْ َ‬ ‫ب ثُ ّ‬ ‫ذا ُ‬ ‫م ال ْعَ َ‬ ‫ن ي َأت ِي َك ُ ُ‬
‫ل إل َيك ُم من ْ ربك ُ ِم من قَبل أ َن يأ ْ‬
‫لأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ِ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫شعرون]‪[55‬أ َ‬ ‫َ‬ ‫ة وأ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫ْ‬ ‫َ ُ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬
‫ُ َ َ َ ُْ ْ‬ ‫ً‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫أن ْزِ َ ِ ْ ْ ِ ْ َ ّ ْ ِ ْ ْ ِ ْ َ َ ُ َ‬
‫ع‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ت‬
‫ن]‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت لَ ِ‬ ‫ن ك ُن ْ ُ‬ ‫ب الل ّهِ وَإ ِ ْ‬ ‫جن ْ ِ‬ ‫ت ِفي َ‬ ‫ما فَّرط ْ ُ‬ ‫سَرَتا عََلى َ‬ ‫ح ْ‬ ‫س َيا َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫تَ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ت ََرى‬ ‫حي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫قو َ‬ ‫ن]‪[57‬أوْ ت َ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫داِني لك ُن ْ ُ‬ ‫ه هَ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ل لو ْ أ ّ‬ ‫قو َ‬ ‫‪[56‬أوْ ت َ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن]‪“ }[58‬سورة الزمر”‪.‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن ِلي ك َّرةً فَأ ُ‬ ‫ب ل َوْ أ ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫ن‬‫‪ -2‬التحرر من المعاصي والسيئات؛ لسيما الصغائر فإنها السم القاتل‪:‬عَ ْ‬
‫َ‬
‫م‬‫ل‪ ] :‬إ ِّياك ُ ْ‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫سُعودٍ أ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ّ‬
‫عَب ْدِ اللهِ ب ْ ِ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ه[ وَإ ِ ّ‬ ‫حّتى ي ُهْل ِك ْن َ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن عََلى الّر ُ‬ ‫معْ َ‬ ‫جت َ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ب فَإ ِن ّهُ ّ‬ ‫ت الذ ُّنو ِ‬ ‫قَرا ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫وَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ضَر‬ ‫ح َ‬ ‫ض فَلةٍ فَ َ‬ ‫ل قَوْم ٍ ن ََزلوا أْر َ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫مث َل‪] :‬ك َ‬ ‫ن َ‬ ‫ب لهُ ّ‬ ‫ضَر َ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫َ‬
‫حّتى‬ ‫جيُء ِبالُعود ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ل يَ ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫جيُء ِبالُعودِ َوالّر ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل ي َن ْطل ِقُ في َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫َ‬
‫قوْم ِ ف َ‬ ‫ْ‬
‫صِنيعُ ال َ‬ ‫َ‬
‫ما قذ َفوا ِفيَها[ رواه أحمد‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جوا َ‬ ‫ض ُ‬ ‫جوا َناًرا وَأن ْ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫واًدا فأ ّ‬ ‫س َ‬ ‫مُعوا َ‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬
‫لَ‬‫دام ِ‬ ‫ق َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫‪ -3‬التوسط في تعاطي المباحات ل سيما المطاعم والمشارب‪ :‬عَ ْ‬
‫م َ‬ ‫ما‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫قو‬ ‫م يَ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ب َقا َ‬ ‫دي ك َرِ َ‬ ‫معْ ِ‬ ‫ن َ‬
‫َ َ‬
‫ُ‬ ‫بْ ِ‬
‫ن َل‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ه فَإ ِ ْ‬ ‫صل ْب َ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫م َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ت يُ ِ‬ ‫م أك َُل ٌ‬ ‫ن آد َ َ‬ ‫ب اب ْ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ن ب َط ٍ‬
‫ْ‬ ‫م ْ‬ ‫شّرا ِ‬ ‫عاًء َ‬ ‫ي وِ َ‬ ‫م ّ‬ ‫آد َ ِ‬
‫ه[ رواه الترمذي وابن ماجه‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ث ل ِن َ َ‬ ‫شَراب ِهِ وَث ُل ُ ٌ‬ ‫ث لِ َ‬ ‫مهِ وَث ُل ُ ٌ‬ ‫ث ل ِط ََعا ِ‬ ‫ة فَث ُل ُ ٌ‬ ‫حال َ َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫وأحمد ‪.‬‬
‫‪ -4‬إدراك دور المواظبة على عمل اليوم والليلة في نجاح القيام بالواجبات‪:‬‬
‫فإن ذلك يحرر النفس من التفريط‪ ،‬ويحملها على المواظبة ‪.‬‬
‫‪ -5‬تقدير النعمة وأنها ل تدوم إل بالطاعات‪ :‬فإن ذلك يحرك النفوس‬
‫المستقيمة للمواظبة على عمل اليوم والليلة‪ ،‬وفاء بحق الله‪ ،‬وطمًعا في‬
‫الستمرار والزيادة‪.‬‬
‫‪ -6‬محاولة التوفيق بين المواظبة على عمل اليوم والليلة والقيام بالواجبات‬
‫قا‬ ‫ح ّ‬ ‫ك َ‬ ‫ك عَل َي ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ِ‬ ‫قا وَل ِن َ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ك َ‬ ‫ك عَل َي ْ َ‬ ‫ن ل َِرب ّ َ‬ ‫ن لبي الد ّْرَداِء‪ ] :‬إ ِ ّ‬ ‫ما ُ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫الخرى ‪َ :‬قا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وَِل َهْل ِ َ‬
‫م‬‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ه فَأَتى الن ّب ِ ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫حق ّ َ‬ ‫ل ِذي َ‬ ‫ط كُ ّ‬ ‫قا فَأعْ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ك َ‬ ‫ك عَل َي ْ َ‬
‫ن[ رواه‬ ‫ما ُ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫صد َقَ َ‬ ‫م‪َ ] :‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫فَذ َك ََر ذ َل ِ َ‬
‫البخاري والترمذي ‪.‬‬
‫‪ -7‬مجاهدة النفس بأخذها بالشدة‪ :‬وترك التسويف‪ ،‬مع تمنيتها بأنها إن تعبت‬
‫دا بالنعيم المقيم‪ ،‬وتتلذذ بالنظر إلى وجه الله الكريم‪.‬‬ ‫اليوم‪ ،‬ستتمتع غ ً‬
‫‪ -8‬تقدير العواقب المترتبة على التفريط في عمل اليوم والليلة‪ :‬فلعل ذلك‬
‫يحّرك القلوب‪ ،‬وتنعكس هذه الحركة على الجوارح‪ ،‬فتكون المواظبة على‬
‫عمل اليوم والليلة‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪ -9‬ملزمة الجماعة والعيش في وسط صالح مستقيم‪ :‬فإن ذلك يذكر بالله‪،‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ويشحذ الهمم والعزائم‪ ،‬وعَ َ‬
‫م‬
‫سل َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫زيد َ أ ّ‬ ‫ت يَ ِ‬ ‫ماَء ب ِن ْ ِ‬ ‫س َ‬
‫نأ ْ‬ ‫ْ‬
‫ن إ َِذا ُرُءوا‬ ‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫]‬ ‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫سو‬‫ُ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫يا‬
‫َ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫م[‬‫خَيارِك ُ ْ‬‫م بِ ِ‬ ‫خب ُِرك ُ ْ‬ ‫ل‪ ] :‬أ ََل أ ُ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م َقا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ة‬
‫م ِ‬‫مي َ‬‫ن ِبالن ّ ِ‬‫شاُءو َ‬ ‫م ّ‬ ‫م ال َ‬ ‫شَرارِك ْ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫خب ُِرك ْ‬ ‫ل‪ ] :‬أل أ ْ‬ ‫ه ت ََعالى[ ث ُ ّ‬ ‫ذ ُك َِر الل ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ت[ رواه أحمد واللفظ له‪ ،‬وابن‬ ‫ن ل ِلب َُرآِء العَن َ َ‬ ‫ُ‬
‫حب ّةِ الَباغو َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ن ب َي ْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫ماجه مختصرا ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -10‬الستعانة التامة بالله عز وجل‪ :‬فإنه سبحانه يعين من استعان به‪ ،‬ولجأ‬
‫ل َرب ّك ُ ُ‬
‫م‬ ‫إلى حماه‪ ،‬ولذ بجنابه‪ ،‬لسيما في ساعات الضطرار والشدة‪ { :‬وََقا َ‬
‫َ‬
‫م]‪“ }[60‬سورة غافر”‪.‬‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫عوِني أ ْ‬ ‫اد ْ ُ‬
‫‪ -11‬إدراك أن الدنيا دار عمل وغرس‪ :‬والخرة دار حصاد وجزاء‪ ،‬ولئن‬
‫ن‬
‫ضاعت الدنيا بغير طاعة‪ ،‬كانت الخسارة التي ل خسارة بعدها‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫ن‬‫سَرا ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫ك هُوَ ال ْ ُ‬ ‫مةِ أ َل َ ذ َل ِ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫م وَأهِْليهِ ْ‬
‫َ‬
‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫سُروا َأن ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫سُروا‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫مُنوا آ ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫ن]‪“ }[15‬سورة الزمر”‪{ .‬وََقا َ‬ ‫مِبي ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن ال ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫م]‪“ }[45‬سورة‬ ‫قي ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ن ِفي عَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫مةِ أل َ إ ِ ّ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫م وَأهِْليهِ ْ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬
‫الشورى”‪.‬‬
‫‪ -12‬مواظبة ذوي السوة والقدوة على عمل اليوم والليلة‪ :‬حتى ليكونوا سبًبا‬
‫في فتنة وضياع غيرهم من الناس‪ ،‬فيحتملون إثم أنفسهم‪ ،‬وإثم اقتداء غيرهم‬
‫َ‬ ‫بهم‪:‬عَ َ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرةَ أ ّ‬ ‫ْ‬
‫مث ْ ُ‬
‫ل‬ ‫ن اْل ِث ْم ِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ل‬ ‫َ‬ ‫ض‬
‫َ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫عا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫]‪...‬‬ ‫ل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫صّلى ال‬ ‫َ‬
‫شي ْئا[ رواه مسلم وأبوداود والترمذي‬ ‫ً‬ ‫م َ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫ن آَثا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ص ذ َل ِك ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫ه ل ي َن ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن ت َب ِعَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫آَثام ِ َ‬
‫والدارمي وأحمد ‪.‬‬
‫م في سيرته‪ :‬وكيف كان يصوم النهار‪،‬‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫‪ -13‬معايشة النبي َ‬
‫حتى يقال‪ :‬أنه ل يفطر‪ ،‬ويقوم الليل حتى يقال‪ :‬أنه ل ينام‪ ،‬ومثل ذلك كان‬
‫دم من ذنبه وما تأخر‪،‬‬ ‫يصنع في باقي الطاعات‪ ،‬مع أن الله قد غفر له ما تق ّ‬
‫إذ هذه المعايشة تحمل كل مفّرط في عمل اليوم والليلة على المواظبة؛ من‬
‫م كان يصنع ذلك‪ ،‬وقد وعده الله المقام‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫منطلق أن النبي َ‬
‫المحمود‪ ،‬فكيف بمن ليعرف عاقبته‪ ،‬وهل سيكون في الجنة أو مع أهل‬
‫النار؟!‬
‫‪ -14‬دوام النظر في سيرة و أخبار السلف‪ :‬فإنها مليئة بصور حية مشرقة‬
‫في المواظبة على عمل اليوم والليلة‪ ،‬تحمل كل من كان له قلب‪ ،‬أو ألقى‬
‫السمع وهو شهيد‪ ،‬على القتداء والتاسي‪ ،‬أو على القل المحاكاة والتشبه‪.‬‬
‫‪ -15‬تذكر الذنوب والثام الماضية‪ :‬فإن ذلك يحمل على المواظبة في عمل‬
‫كا لما فات‪ ،‬وطمًعا في تكفير هذه الذنوب‪ ،‬وتلك الثام‪،‬‬ ‫اليوم والليلة تدار ً‬
‫دق ذلك موقف السحرة من تهديد فرعون حين خالطت حلوة‬ ‫وخير ما يص ّ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫جاَءَنا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫ن ن ُؤْث َِرك عَلى َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اليمان بشاشة قلوبهم ورّدهم عليه‪ { :‬قالوا ل ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حَياةَ الد ّن َْيا]‪[72‬إ ِّنا‬ ‫ل‬
‫َ ِ ِ َ‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ذ‬ ‫ه‬ ‫ضي‬ ‫ما ت َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ض إ ِن ّ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ت َقا‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫ض َ‬ ‫ذي فَطَرَنا َفاقْ ِ‬ ‫ت َوال ّ ِ‬ ‫ال ْب َي َّنا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قى]‬ ‫خي ٌْر وَأب ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫حرِ َوالل ّ ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ما أك َْرهْت ََنا عَل َي ْهِ ِ‬ ‫طاَياَنا وَ َ‬ ‫خ َ‬ ‫فَر ل ََنا َ‬ ‫مّنا ب َِرب َّنا ل ِي َغْ ِ‬ ‫َءا َ‬
‫‪“ } [73‬سورة طه”‪.‬‬
‫‪ -16‬تذكر أن الموت يأتي بغتة‪ :‬وإذا لم يأت بغتة‪ ،‬فسيسبقه المرض‪ ،‬ثم‬
‫يكون الموت‪ ،‬ويكون الندم‪ ،‬ولكنه بعد فوات الوان‪ ،‬وضياع الفرصة‪.‬‬
‫من كتاب‪ :‬آفات على الطريق للدكتور‪ /‬السيد محمد نوح ‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫التفسير العبيط عند أتباع الغلم السليط‬


‫)قراءة نقدية حول حقيقة المسيح الدجال عند الجماعة الحمدية(‬
‫محمود القاعود‬
‫‪Moudk2005@yahoo.com‬‬
‫الجماعة الحمدية المشهورة ب ) القاديانية ( حيرت الكثير من الناس ‪ ،‬فهم‬
‫يدعون أنهم مسلمون مثل باقى المسلمين ‪ ،‬إل أنهم يؤمنون بأن )الميرزا‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫غلم أحمد القاديانى( هو رسول من عند الله !!!‬


‫وهذا الميرزا الذى يؤمنون به الحمديون اشتهر بسلطة اللسان وبذاءة القول‬
‫انظروا إليه وهو يهجو أحد مخالفيه ‪:‬‬
‫))ومن اللئام أرى رجيل ً فاسقا ً غول ً لعينا ً نطفة السفهاء‬
‫شكس خبيث مفسد و مزور نحس يسمى السعد في الجهل‬
‫ت بصادق إن لم تمت بالخزي يا ابن بغاء((‬ ‫آذيتني خبثا ً فلس ُ‬
‫روحاني خزائن ج ‪ 22‬ص ‪734‬‬
‫وانظروا إليه وهو يرد على من انتقد إحدى قصائده ‪:‬‬
‫))))ثم بعد ذلك نكتب جواب ما أشعت ‪ ،‬و ظلمت نفسك و الوقت أضعت‪،‬‬
‫أما ما أنكرت في كتابك بلغة قصيدتي‪ ،‬و ما أكلت عصيدتي‪ ،‬فل أعلم سببه‬
‫إل جهلك و غباوتك و تعصبك و دنأتك‪ ،‬أيها الجهول قم و تصفح دواوين‬
‫الشعراء ليظهر لك منهاج الدب و الدباء‪ ،‬أتغلط صحيحا ً و تظن الحسن‬
‫قبيحًا‪ ،‬و تأكل النجاسة‪ ،‬و تعاف النفاسة‪ ،‬ليس في جعبتك منزع‪ ،‬فظهر لك‬
‫في التزري مطمع‪ ،‬و كذلك جرت عادة السفهاء‪ ،‬أنهم يخفون جهلهم‬
‫بالزدراء‪ .‬و يلك ما نظرت إلى غزارة المعاني العالية‪ ،‬و استقريت القذر‬
‫كالذّبة‪ .‬ما فكرت في حسن الكلم‪ ،‬و ل في المنطق و نظامه التام‪ .‬أيها‬
‫الغبي علمت من هذا أنك ما ذقت شيئا ً من اللسان‪ ،‬و ل تعلم ما حسن‬
‫البيان‪ ،‬و نزوت كالسرحان قبل الفهم و العرفان‪ .‬أبهذا تبارينا في الميدان‪ ،‬و‬
‫تبارزنا كالفتيان‪ .‬أتتكيء على الصغر الذي كتب معه الجعفر إليك و كنت قد‬
‫فررت من هذه القرية مع لعن نزل عليك‪ .‬فاعلم أنهم يكذبون و ليسوا رجال‬
‫المصارعة و ل قبل لحد في هذه المناضلة‪ .‬دع تصلفك فإنك لست من‬
‫الرجال‪ ،‬و لو كنت شيئا ً لما فررت من الحتيال‪ .‬ثم اعلم أني ما رضت صعاب‬
‫الدب بالمشقة و التعب‪ ،‬بل هذه موهبة من ربي (((( ) مواهب الرحمن ‪ -‬ص‬
‫‪!!!!! ( 131‬‬
‫فهل هذا إنسان محترم ؟؟؟ الجابة أنه إنسان سليط ‪ ،‬لذا فإنه استحق أن‬
‫نطلق عليه )) الغلم السليط (( ‪.‬‬
‫والمعلوم للجميع أنه ل نبى أو رسول بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫ومن يقول بذلك يكون قد خرج عن النص وابتدع فى الصل ‪.‬‬
‫يدعى الحمديون بأن هناك آيات قرآنية تؤيد ادعاء )) الغلم (( منها ‪:‬‬
‫شرا برسول يأ ِْتي من بعدي اسم َ‬
‫مد ُ ‪ (( ...‬الصف ‪7‬‬ ‫ح َ‬‫هأ ْ‬‫ْ ُ ُ‬ ‫ِ َْ ِ‬ ‫مب َ ّ ً ِ َ ُ ٍ َ‬ ‫))وَ ُ‬
‫والواقع أن النسان يكاد ُيجن من استشهاد الحمدية بهذه الية الكريمة والتى‬
‫تدل على تخبطهم الشديد ‪ ،‬فالية واضحة وتقول على لسان عيسى عليه‬
‫السلم ‪ ،‬أنه يبشر برسول يأتى من )) بعده (( وليس من )) بعد بعدى ((‬
‫والسؤال هنا ‪ :‬من الذى أتى بعد عيسى بن مريم عليه السلم ؟! أهو‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم أم المتنبئ الكذاب ميرزا غلم ؟؟؟؟‬
‫م‬ ‫ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬
‫ه ثُ ّ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫‪ .1‬وآية أخرى يستشهد بها أتباع الغلم ‪)) :‬إ ِ ّ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ة أ َّل ت َ َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫جن ّةِ الِتي كنت ُ ْ‬ ‫شُروا ِبال َ‬ ‫حَزُنوا وَأب ْ ِ‬ ‫خاُفوا وََل ت َ ْ‬ ‫مَلئ ِك َ ُ‬
‫م ال ْ َ‬
‫ل عَل َي ْهِ ُ‬
‫موا ت َت َن َّز ُ‬
‫قا ُ‬‫ست َ َ‬
‫ا ْ‬
‫ن (( ) فصلت ‪( 30:‬‬ ‫دو َ‬‫ُتوعَ ُ‬
‫هذه الية فى نظرهم دليل على نزول الوحى على الغلم !!!!‪ ،‬ولو أنهم‬
‫تعقلوا لكان خيرا ً لهم ؛ فالية تتحدث عن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ‪،‬‬
‫وأن الملئكة تتنزل عليهم لتبشرهم بالجنة التى )) كانوا يوعدون بها (( وقوله‬
‫تعالى )) كنتم توعدون (( دليل قاطع على أن نزول الملئكة ل علقة له‬
‫بالدنيا من قريب أو بعيد ‪ ،‬وإنما هو نزول فى الخرة لطمأنة هؤلء الذين‬
‫استقاموا ‪ ،‬وإذا افترضنا معهم أنهم ينزلون بوحى فأين هذا فى الية‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الكريمة ؟؟!! إن الملئكة يقولون ‪ )) :‬أل تخافوا ول تحزنوا وابشروا بالجنة‬


‫التى كنتم توعدون (( ولم يرد أنهم يقولون ابشر يا ميرزا هذا وحى من‬
‫السماء !!!!!‬
‫حًيا أ َْو‬ ‫و‬ ‫ل‬
‫ُ ِ َ ْ‬‫ّ‬ ‫إ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫ّ‬
‫ُ َ ُ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫شر َ‬
‫أن‬ ‫َ‬
‫َ َِ ٍ‬‫ب‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ما‬
‫َ َ‬ ‫و‬ ‫((‬ ‫الكريمة‬ ‫بالية‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫أيض‬ ‫ويستشهدون‬
‫ما ي َ َ‬ ‫سوًل فَُيو ِ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫م ((‬ ‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ه عَل ِ ّ‬‫شاء إ ِن ّ ُ‬ ‫ي ب ِإ ِذ ْن ِهِ َ‬
‫ح َ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ب أوْ ي ُْر ِ‬ ‫جا ٍ‬
‫ح َ‬
‫من وََراء ِ‬
‫ِ‬
‫) الشورى ‪( 51‬‬
‫ويقولون لماذا لم يقل الله )) وما كان لنبى أن يكلمه الله (( ؟؟!!! أما قوله‬
‫بشر فهذا دليل على نزول الوحى على أى إنسان والميرزا نفسه !!!!!!‬
‫وتناسى هؤلء الحمديون المضلون أن بشرا ً ل تعنى أنها )) وكالة بدون‬
‫بواب (( بحيث إن أى إنسان يدعى أنه يوحى إليه ‪ ،‬ولكنه سبحانه أتى بالصفة‬
‫التى تجمع هؤلء النبياء والرسل وهى البشرية وقال أنه ل يكلم أحدا ً منهم إل‬
‫وحيا ً أو ‪ ....‬إلخ الية الكريمة ‪.‬‬
‫وقد قال الحق سبحانه ‪)) :‬و ما أرسلنا من قبلك إل رجال نوحي إليهم ((‬
‫فلماذا لم يقل جل شأنه وما أرسلنا من قبلك إل أنبياء ؟؟؟؟!!!!!‬
‫هل كل الرجال الذين وجدوا قبل المصطفى كانوا يوحى إليهم ؟؟!!!! أم أن‬
‫الحق يقصد أنبياءه ورسله ؟؟؟‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ما هذا العبث يا أتباع الغلم ؟؟؟؟‬


‫معظم الحمديون يقولون أنهم ل يعتبرون الميرزا نبى ‪ ،‬لكنه نبى تابع وليس‬
‫مشرع !!!! فما معنى تابع ؟؟؟ وإذا لم يكن نبيا ً فلماذا يطلقون عليه هذه‬
‫الصفة الخطيرة وهى النبوة ؟؟؟‬
‫ولنتأمل قول كبار الحمدية عن الميرزا غلم ‪.‬‬
‫يقول )) هانى طاهر (( ‪ )) :‬ول ريب لدينا أنه قد حاز – يقصد الغلم – مرتبة‬
‫النبوة التابعة التى ل تشريع فيها (( !!!‬
‫والحمدية تكفر جميع الفرق السلمية بما فيها السنة !!! ولنتأمل قول‬
‫أحدهم ‪ ،‬يقول )) تميم أبو دقة (( ‪:‬‬
‫)) نعم نحن الفرقة الناجية الوحيدة وباقى الجماعات السلمية على ضلل ((‬
‫!!!‬
‫ً‬
‫ويقول أيضا ‪ )) :‬يكفى التذكر أننا الفرقة الوحيدة التى نشأت بدعوى وحى‬
‫وبعثة إلهية منصوص عليها وينتظرها المسلمون ‪ ،‬بينما غيرنا من الفرق‬
‫تشكلت على اساس الجتهادات أو بسبب ظروف تاريخية مختلفة (( !!!!‬
‫ويقول أيضا ً عن الغلم ‪ )) :‬إن تكذيبه هو تكذيب لنبى مبعوث مرسل من عند‬
‫الله وهو من نواقص اليمان حتما ً (( !!!!‬
‫وبعد هذا الكلم الذى جاء بأقلم أتباع الحمدية ‪ ،‬ل عذر لى أحمدى فى‬
‫التنكر أو التلبيس على عامة المسلمين ممن لم يعرفوا حقيقة الحمدية‬
‫وادعائها أن ميرزا نبى مرسل من عند الله وأن الكافر بهذا الغلم مصيره‬
‫جهنم ‪.‬‬
‫وللحمدية تفسيرات عجيبة وغريبة ومضحكة للقرآن الكريم والسنة النبوية‬
‫المطهرة ‪ ،‬ومن هذه التفسيرات تفسيرهم لحقيقة ) المسيح الدجال ( ‪.‬‬
‫وقد اعتمد أتباع الحمدية على الفكاهة فى تفسير بعض الحاديث المروية‬
‫عن المصطفى صلى الله عليه وسلم بخصوص المسيح الدجال ‪ ،‬كما أنهم‬
‫قاموا بتفسير آيات القرآن الكريم تفسيرا ً ل يتمشى مع العق أو المنطق ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقولون ‪ )) :‬ومن علماتها – يقصدون الساعة – إنشاء حدائق للحيوانات فى‬


‫بلد شتى من أنحاء العالم مصداقا لقوله تعالى فى سورة التكوير ‪ ) :‬وإذا‬
‫ً‬
‫الوحوش حشرت ( أى جمعت فى حدائق خاصة بها !!!!!وقوله تعالى أيضا ‪:‬‬
‫) وإذا الصحف نشرت ( إشارة إلى انتشار الصحف والمجلت بكثرة فى أنحاء‬
‫العالم كما نشاهده اليوم !!!وقوله تعالى أيضا‪ ) :‬وإذا المؤودة سئلت بأى‬
‫ذنب قتلت ( وهنا إشارة إلى الصيحات والنداءات التى سوف ُيطلقها أصحاب‬
‫الفكر وأصحاب القلم من أجل تحرير المرأة المكبلة والمقيدة بقيود‬
‫الماضى الملئ بالجهل والتخلف لذلك قال الله تعالى ‪ ) :‬وإذا المؤودة‬
‫سئلت ( لن قتلها معنوى وليس حقيقيا ً ولو كان قتلها حقيقيا ً لكان الله سأل‬ ‫ُ‬
‫قاتلها لماذا قتلها ‪ ،‬لن الصل فى سؤال القاتل وليس سؤال المقتول إذ ا‬
‫كان القتل حقيقيا ً ماديا ً (( !!!!!!!‬
‫أرايتم تفسيرات أتباع الغلم السليط ؟؟؟ أليست مضحكة ومبكية فى آن ؟؟؟‬
‫مضحكة بسبب تهافتها وسخفها ‪ ،‬ومبكية بسبب حال هؤلء المخدوعين‬
‫بالكذاب مدعى النبوة الغلم الهالك ‪.‬‬
‫سورة التكوير تتحدث عن يوم القيامة ‪ ،‬وما يصاحب هذا اليوم من انقلب‬
‫كونى هائل ‪ ،‬ل علقة له بحدائق الحيوان أو الصحف والمجلت أو تحرير‬
‫المرأة !!!‬
‫والحمدية يريدون بتفسيرهم هذا القول بأن علمات الساعة تحققت لذا فإن‬
‫الميرزا غلم هو )) المسيح الموعود والمهدى المنتظر (( !!!!‬
‫لكن حقائق القرآن الكريم تصفعهم لتفضحهم وتفضح زيف قولهم وإفك‬
‫فكرهم وضلل عقولهم ‪.‬‬
‫فكل ما تحدثت عنه سورة التكوير بخصوص يوم القيامة لم يحدث شئ منه‬
‫حتى الن ‪ ،‬وهذا كفيل بإبطال زعم الميرزا الضال أنه رسول من عند الله‬
‫رب العالمين ‪.‬‬
‫ً‬
‫يقول رب العزة ‪ )) :‬إذا الشمس كورت (( فهل حقا كورت الشمس يا أتباع‬
‫الغلم البائد ؟؟؟‬
‫ويقول أيضا جل شأنه ‪ )) :‬وإذا النجوم انكدرت (( أى تساقطت ‪ ،‬فهل حقا ً‬
‫تساقطت النجوم ؟؟؟‬
‫ويقول سبحانه ‪ )) :‬وإذا الجبال سيرت (( فهل تحركت الجبال من‬
‫أماكنها ؟؟؟‬
‫ويقول عز وجل ‪ )) :‬وإذا العشار عطلت (( فهل ترك أحدا ً من الناس رعاية‬
‫الجمال وقام بإهمالها ؟؟؟‬
‫جمعت من أوكارها‬ ‫ويقول الحق ‪ )) :‬وإذا الوحوش حشرت (( أى إذا ُ‬
‫وأجحارها ذاهلة من شدة الفزع ‪ ،‬فهل حدث هذا فى حدائق الحيوان ؟؟!!!‬
‫سجرت (( أى إذا تأججت نارا ً حارقة ‪ ،‬فهل‬ ‫ويقول سبحانه ‪ )) :‬وإذا البحار ُ‬
‫حدث هذا ؟؟؟‬
‫ويقول أيضا ً رب العزة ‪ )) :‬وإذا النفوس زوجت (( أى إذا النفوس قرنت‬
‫بأشباهها يقول الطبرى ‪ :‬يقرن بين الرجل الصالح مع الرجل الصالح فى‬
‫الجنة ‪ ،‬وبين الرجل السوء مع الرجل السوء فى النار ‪ .‬فهل حدث هذا ؟؟؟‬
‫ت ((‬‫ب قُت ِل َ ْ‬ ‫سئ ِل َ ْ‬
‫ت بأيّ َذن ٍ‬ ‫يقول الحق سبحانه وتعالى ‪ )) :‬وَإ َِذا ال ْ َ‬
‫موْ ُ‬
‫ؤود َةُ ُ‬
‫والسؤال لتباع الغلم هل قام رب العزة بسؤال المؤودة ؟؟؟ ومتى تم هذا‬
‫الحدث ؟؟ ما هو الدليل إن كنتم من الصادقين ؟؟؟‬
‫فحديثكم عن الصيحات من أجل تحرير المرأة يستلزم سؤال هذه المرأة –‬
‫على حد زعمكم ‪ ، -‬فمن الذى سألها ؟؟؟ ورب العزة ل يسأل المقتول دون‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إدراك والعياذ بالله ‪ ،‬وإنما توبيخا ً لقاتلها ‪ ،‬وإشعارا ً له بمدى الجرم الذى‬
‫ارتكبه ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫يقول الحق ‪ )) :‬وإذا الصحف ُنشرت (( أى وإذا صحف العمال نشرت ‪.‬‬
‫أعمال الخير والشر التى اقترفها النسان فى الدنيا ‪ ،‬ول علقة بهذه الصحف‬
‫التى تحدث عنها ربنا بالصحف والمجلت والتهريج الذى يتحدث عنه أتباع‬
‫الغلم ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت (( أى إذا السماء أزيلت ونزعت‬ ‫شط ْ‬ ‫ماء ك ُ ِ‬
‫س َ‬‫ويقول جل شأنه ‪ )) :‬وَإ َِذا ال ّ‬
‫كشطت السماء ؟؟؟ ‪ ...‬إلخ‬ ‫من مكانها كما ُينزع الجلد عن الشاه ‪ ،‬فهل ُ‬
‫اليات التى تتحدث عن علمات يوم القيامة ‪.‬‬
‫من خلل ما سبق يتبين لنا أن التفسير العبيط لتباع الغلم السليط تفسير‬
‫مجافى للحقائق الظاهرة والبراهين الساطعة ‪.‬‬
‫ولنتأمل معا ً تفسيرهم لحد الحاديث النبوية الخاصة بالدجال ‪:‬‬
‫)) عن حذيفة بن أسيد الغفارى رضى الله عنه قال ‪ :‬اطّلع النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر فقال ‪ :‬ما تذاكرون ؟ قالوا ‪ :‬نذكر الساعة ‪،‬‬
‫قال إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات ‪ :‬فذكر الدخان ‪ ،‬والدجال ‪،‬‬
‫والدابة ‪ ،‬وطلوع الشمس من مغربها ‪ ،‬ونزول عيسى بن مريم ‪ ،‬ويأجوج‬
‫ومأجوج ‪ ،‬وثلثة خسوف ‪ ،‬خسف بالمشرق ‪ ،‬وخسف بالمغرب ‪ ،‬وخسف‬
‫بجزيرة العرب ‪ ،‬وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى‬
‫محشرهم ‪ ) (( .‬رواه مسلم وأبوداود والترمذى وابن ماجة ( ‪.‬‬
‫ونحن نؤمن أنه لم يحدث أى شئ من هذه العلمات على الطلق ‪ ،‬ولكن‬
‫أتباع الغلم يعتقدون بحدوث بعض هذه اليات ‪ ،‬فيقولون ‪:‬‬
‫)) الحقيقة أن هذه اليات العشر علمات على قرب موعد الساعة ‪ ،‬واقتراب‬
‫وقوعها منها ما ظهر وشاهدناه عيانا ً كالدخان ‪ ،‬والدجال والدابة ‪ ،‬ويأجوج‬
‫ومأجوج ومنها ما يزال فى عالم الغيب ل يعلم وقت ظهوره سوى الله جل‬
‫شأنه ‪.‬‬
‫فالدخان إشارة إلى ظهور صناعات جديدة ومعامل كبيرة ينطلق من أبراجها‬
‫الدخان بكثرة ‪ ،‬وكذلك ظهور اختراعات حديثة تعتمد أساسا ً فى تشغيلها على‬
‫مواد قابلة للشتعال كالبترول والفحم الحجرى ‪ .‬ينتج عن احتراقها الدخان‬
‫أيضا ويشير إلى تطوير القديمة واختراع أسلحة جديدة ينتج الدخان عن‬
‫استعمالها ‪ ،‬وآخر هذه السلحة الفتاكة القنابل الذرية فالدخان هو ميزة هذا‬
‫العصر ‪ ،‬فلذلك يمكن تسمية عصرنا هذا بعصر الدخان (( !!!!!!!!!‬
‫والسؤال لصحاب العقول من الحمدية من قال لكم أن المصطفى صلى‬
‫الله عليه وسلم قصد هذا التفسير المخجل ؟؟؟؟؟‬
‫لقد اتفقت أغلبية اقوال العلماء على أن الدخان هو دخان كثيف يأخذ بأنفاس‬
‫الكفار وُيصاب المؤمن منه ما ُيشبه الزكام ‪ ،‬ويمكث فى الرض أربعين‬
‫يوما ً ‪ ،‬ول علقة له بالقنابل الذرية أو الفحم أو البترول ‪ ،‬فمن أين للحمدية‬
‫بهذه التفسيرات الخرافية ؟؟؟‬
‫ْ‬
‫ن ((‬ ‫مِبي ٍ‬
‫ن ّ‬‫خا ٍ‬
‫ماء ب ِد ُ َ‬
‫س َ‬
‫م ت َأِتي ال ّ‬‫ب ي َوْ َ‬‫ق ْ‬‫وعن الدخان يقول رب العزة ‪َ)) :‬فاْرت َ ِ‬
‫) الدخان ‪( 10 :‬‬
‫فما هو رأى أتباع الغلم فى هذه الية الكريمة ؟؟ أهو دخان القنابل الذرية‬
‫أيضا ً ؟؟ !!!‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وُيتابع أتباع الغلم تفسيراتهم المضحكة ‪:‬‬


‫)) الدجال هو ما ُيسمى بالستعمار أو الرجل البيض (( !!!!‬
‫ونقول للحمدية قول مختصرا ً لنهم عادوا وزادوا حول صفات الدجال وحاولوا‬
‫قدر جهدهم إثبات أن أوصاف الدجال تنطبق على الشعوب الوروبية وأنهم‬
‫يستخرجون البترول من الدول التى يستعمرونها كما يقول الرسول ) يمر‬
‫بالخربة فيقول لها ‪ :‬أخرجى كنوزك ( !!!!‬
‫ً‬
‫نقول ‪ :‬هل وصف المصطفى صلى الله عليه وسلم أقواما ودول ً أم وصف‬
‫شخص مفرد ُيدعى الجال ؟؟؟؟‬
‫ثم إن تفسير الحمدية المضحك يجعلنا نقلب حقيقة الشياء مهما كانت ‪،‬‬
‫وكثير من صفات الدجال ل تنطبق على الستعمار ‪ ،‬فما معنى أن يكون‬
‫الستعمار )) أعور (( ؟؟؟!!! ما معنى أن يكون الستعمار شعره‬
‫)) مجعد (( ؟؟؟؟!!! ‪ ...‬إلخ الصفات التى ل تنطبق على شعوب أو دول وإنما‬
‫على شخص ‪.‬‬
‫يقولون عن الدابة ‪ )) :‬هى وسائل النقل الحديثة كالطائرات والقطارات‬
‫والسيارات والبواخر والتى حلت بدل عن وسائل النقل القديمة القديمة‬
‫مصداقا لقوله تعالى فى سورة التكوير ‪ )) :‬وإذا العشار عطلت (( أى‬
‫استغناء الناس عن العتماد على الجمال وغيرها من الحيوانات فى ركوبهم‬
‫وسفرهم وتنقلتهم واستبدالها بمخترعات حديثة أقوى وأسرع ‪ ،‬كما يقول‬
‫تعالى ‪ " :‬وخلقنا لهم من مثله ما يركبون " (( !!!!!!!‬
‫إن أتباع الغلم ُيشبهون إلى حد كبير أتباع )) رشاد خليفة ((‪ ،‬فأتباع رشاد‬
‫خليفة الصليبى الهالك يدعون أن الدابة هى )) الكمبيوتر (( ‪ ،‬وأتباع الغلم‬
‫السليط يدعون بأن الدابة هى الطائرات !!!!!‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬
‫ة ّ‬
‫م َداب ّ ً‬ ‫َ‬
‫جَنا لهُ ْ‬ ‫م أَ ْ‬
‫خَر ْ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬ ‫يقول رب العزة ‪)) :‬وَإ َِذا وَقَعَ ال ْ َ‬
‫قو ْ ُ‬
‫تك َل ّمه َ‬
‫ن (( ) النمل ‪( 82 :‬‬ ‫كاُنوا ِبآَيات َِنا َل ُيوقُِنو َ‬ ‫س َ‬‫ن الّنا َ‬
‫مأ ّ‬‫ُ ُ ُ ْ‬
‫فهل الطائرات تتكلم مع الناس يا أتباع الغلم ؟؟!!!‬
‫ثم إن الية القرآنية التى استشهدوا بها ‪ )) :‬وخلقنا لهم من مثله ما‬
‫يركبون (( ل تعنى الطائرات والسيارات ‪ ،‬ذلك أن ما قبلها ُيبطل تفسير أتباع‬
‫الغلم ‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬
‫ة ل ّه َ‬
‫مث ْل ِ ِ‬
‫ه‬ ‫قَنا ل َُهم ّ‬
‫من ّ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ن )‪ (41‬وَ َ‬‫حو ِ‬
‫ش ُ‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫فل ْ ِ‬
‫م ِفي ال ْ ُ‬‫مل َْنا ذ ُّري ّت َهُ ْ‬
‫ح َ‬
‫م أّنا َ‬
‫))َوآي َ ٌ ُ ْ‬
‫ن (( ) يس ‪( 42-41 :‬‬ ‫ما ي َْرك َُبو َ‬
‫َ‬
‫والمقصود أن الله خلق لهم من مثل الفلك ما يركبون وهو النعام على أرجح‬
‫القوال ‪ ،‬والدليل هو قول الحق سبحانه ‪)) :‬و جعل لكم من الفلك و النعام‬
‫ما تركبون« )الزخرف‪.( 12 :‬‬
‫فما رأى أتباع الغلم ؟؟؟‬
‫يقولون عن الدجال ‪ )) :‬بشكل عام هو شعوب أوروبا الغربية وبشكل خاص‬
‫سكان الجزر البريطانية الذين خرجوا من بلدهم بعد عصر الكتشافات‬
‫الجغرافية الذى بدأه المير هنرى ابن ملك البرتغال وساحوا فى الرض‬
‫ليكتشفوها ويبحثون عن خيراتها وليستعمرونها (( !!!!!!‬
‫ويستشهدون بآية ُتدينهم من حيث ل يتوقعون ‪ )) :‬يومئذ ُينفخ فى الصور‬
‫ونحشر المجرمين يومئذ زرقا (( ) طه ‪ ( 102 :‬ويقولون كلمة زرقا ُتشير إلى‬
‫أنهم اصحاب العيون الزرق وهم أهل أوربا وأمريكا (( !!!‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والسؤال لتباع الغلم السليط ‪ :‬هل ُنفخ فى الصور أم ل ؟؟؟؟؟‬


‫وإذا كان قد ُنفخ فى الصور فمتى حدث هذا ؟؟؟؟ أم أن الهالك الكذاب‬
‫الميرزا هو الذى قام بالنفخ فى الصور ونحن ل ندرى ؟؟؟؟!!!!‬
‫ثم إن زرقا صفة لصحاب الوجوه الزرقاء بسبب شدة السواد الذى أصابها‬
‫من غضب الله وسخطه على أصحابها ول علقة لها بالعيون الزرقاء ‪.‬‬
‫واليات الواردة بعد هذه الية الكريمة تنفى نفيا ً قاطعا ً التفسير العبيط لتباع‬
‫الغلم السليط ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ما‬
‫م بِ َ‬‫ن أعْل ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م إ ِل عَ ْ‬
‫شًرا ن َ ْ‬ ‫م ِإن لب ِث ْت ُ ْ‬ ‫خافَُتو َ‬
‫ن ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫إذ يقول رب العزة ‪ )) :‬ي َت َ َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قو ُ َ‬
‫ما (( ) طه ‪( 104 -103 :‬‬ ‫م إ ِل ي َوْ ً‬ ‫ة ِإن لب ِث ْت ُ ْ‬ ‫ق ً‬ ‫م طَ ِ‬
‫ري َ‬ ‫مث َل ُهُ ْ‬
‫لأ ْ‬ ‫قوُلو َ‬
‫ن إ ِذ ْ ي َ ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫والسؤال لتباع الغلم ‪ :‬هل شعوب أوروبا وأميركا يتخافتون فيما بينهم الن‬
‫ويقولون ‪ )) :‬إن لبثتم إل عشرا (( ؟؟؟!!! شئ من العقل يا أتباع الغلم‬
‫السليط ‪.‬‬
‫ثم إن القول بظهور الدجال يجعل من جميع الناس الذين آمنوا بالسلم بعد‬
‫ظهوره إيمانا ً غير مجدى على الطلق مصداقا ً لقول المصطفى صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪:‬‬
‫)) ثلث إذا خرجن ل ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى‬ ‫ً‬
‫إيمانها خيرا ً ‪ .‬طلوع الشمس من مغربها ‪ .‬الدجال ‪ .‬دابة الرض ( ) رواه‬
‫الترمذى (‬
‫وُيتابع أتباع الغلم تفسيراتهم المضحكة لحديث يقول فيه المصطفى ‪ )) :‬إن‬
‫من أشراط الساعة أن يقل العلم ويكثر الجهل ويفشو الزنا وُيشرب الخمر‬
‫ويقل الرجال ويكثر النساء ‪ ،‬حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد ( ) رواه‬
‫البخارى (‬
‫فيقولون ‪ )) :‬وعبارة أن يقل العلم ‪ُ :‬يقصد به العلم الدينى الحقيقى وعبارة ‪:‬‬
‫يقل الرجال ‪ ،‬ويكثر النساء ‪ :‬من جراء الحروب العالمية التى حدثت بين‬
‫أقوام يأجوج ومأجوج فى أوربا وآسيا منذ خمسين عاما ً ‪ ،‬حيث قضت على‬
‫المليين من الرجال (( !!!!!!‬
‫اللهم ثبت عقولنا فى رؤوسنا ‪ ،‬أل يشعر أتباع الغلم بالخزى جراء هذه‬
‫التفسيرات التعسفية المضحكة ؟؟؟ إننا نطالب أتباع الغلم باحصائية ُتثبت أن‬
‫كل رجل ُيقابله خمسون إمرأة ‪ ،‬وإل فليلتزموا الصمت ول يتحدثون فيما ل‬
‫يعلمون ‪ ،‬ونحن ل نشكك فى حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ونؤمن‬
‫بأن ما قاله سيتحقق بإذن رب العالمين لكنه لم يحدث بعد أن أصبح الرجل‬
‫ُيقابله خمسون إمرأة ‪.‬‬
‫ويأجوج ومأجوج ل علقة لهم بأوربا وآسيا ‪ ،‬لن ظهورهم يكون ُقبيل يوم‬
‫خ ِفي‬ ‫ف َ‬‫ض وَن ُ ِ‬ ‫ج ِفي ب َعْ ٍ‬ ‫مو ُ‬
‫مئ ِذ ٍ ي َ ُ‬‫م ي َوْ َ‬ ‫ضهُ ْ‬‫القيامة ‪ ،‬إذ يقول تعالى ‪)) :‬وَت ََرك َْنا ب َعْ َ‬
‫مًعا (( ) الكهف ‪( 99 :‬‬ ‫ج ْ‬ ‫م َ‬ ‫معَْناهُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫صورِ فَ َ‬ ‫ال ّ‬
‫أى أن ظهورهم مقترن بالنفخ فى الصور ‪ ،‬وقيام الساعة ؛ فهل تم ما تحدث‬
‫عنه رب العزة يا أتباع الغلم ؟؟؟ أم أنه ما زال فى علمه جل شأنه ؟؟‬
‫إن تفسيرات اتباع الغلم السليط ل تخدم سوى فئة منحرفة ُتؤيد العبث‬
‫بعقول الناس ‪ ،‬والرتزاق من وراء تفسيرات كاذبة ‪.‬‬
‫إن أتباع الغلم يستقتلون فى إظهار علمات الساعة من أجل إثبات أن الغلم‬
‫هو المهدى المنتظر والمسيح الموعود !!!!!‬
‫والحق أن هذه أول مرة فى التاريخ نسمع عن مهدى منتظر بذئ القوال‬
‫والفعال ‪ ،‬يوالى النجليز وُيعطل فريضة الجهاد ‪ ،‬ويدعى بأن هناك وحيا ً يأتيه‬
‫من السماء ‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أولى بأتباع الحمدية ) القاديانية ( أن يعودوا إلى الحق ‪ ،‬فيوم القيامة لن‬
‫ينفعهم الميرزا النصاب ‪ ،‬لنه سيقودهم إلى جهنم وبئس المصير ‪ ،‬بما فعله‬
‫فى دنياه وإدعائه الباطل النبوة والوحى ‪ ،‬وإدخال المعتقدات الباطلة على‬
‫دين المصطفى صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬والذى قال ربنا تبارك وتعالى عنه أنه‬
‫كامل وليس بحاجة إلى إضافات مثل الميرزا أو غيره يقول الحق سبحانه ‪:‬‬
‫َ‬ ‫))ال ْيو َ‬
‫سل َ َ‬
‫م ِديًنا ((‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬
‫م ال ِ ْ‬ ‫ضي ُ‬
‫مِتي وََر ِ‬ ‫ت عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م ن ِعْ َ‬ ‫م ُ‬
‫م ْ‬
‫م وَأت ْ َ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬
‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫م أك ْ َ‬
‫َ ْ َ‬
‫) المائدة ‪( 3 :‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى اللهم وسلم وبارك على‬
‫أشرف خلق الله أجمعين سيدنا محمد الصادق المين وعلى أصحابه الطهار‬
‫وآله وسلم تسليما ً كثيرا ً‬

‫)‪(4 /‬‬

‫التفسير العلمي للقرآن الكريم‬


‫حقيقته ‪ -‬تاريخه‪ -‬الفئات التي حملت لواءه ‪ -‬أخطاره ومحاسنه‬
‫د‪ .‬محمد بن إبراهيم أبا الخيل أستاذ مساعد في كلية العلوم العربية‬
‫والجتماعية‪/‬جامعة المام محمد بن سعود السلمية ‪11/5/1423‬‬
‫‪21/07/2002‬‬
‫الحمد لله حق حمده ‪ ،‬والصلة والسلم على من ل نبي بعده ‪ ،‬وعلى آله‬
‫وصحبه ومن دعا بدعوته واستن بسنته إلى يوم لقائه ‪ ،‬وبعد‬
‫شاع في السنوات الخيرة ما يسمى بالتفسير العلمي للقرآن الكريم ‪،‬‬
‫وانتشر الكلم عنه ‪ ،‬حتى إلفنا سماعه ‪ ،‬واعتدنا رؤية كتابات تمسه من قريب‬
‫أو بعيد في مختلف الصحف والمجلت ‪.‬‬
‫والخوض في مثل هذا التفسير ـ فيما يبدو ـ على جانب من الخطورة التي‬
‫ينبغي الحذر منها ‪ ،‬والتوقي من الوقوع فى أسرها ‪ ،‬فل يجب التسليم بكل ما‬
‫يكتب أو يقال في هذا الميدان إل بعد التثبت والتوثق ؛ لن هذا يتعلق بأصدق‬
‫الكتب وأحكمها)كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ()‪.(1‬‬
‫إن القرآن معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم الكبرى ‪ ،‬وهى معجزة باقية‬
‫أبد الدهر ‪ ،‬فلقد جعل الله نبينا عليه الصلة والسلم خاتم النبيين ‪ ،‬قال تعالى‬
‫) ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين … ( )‬
‫‪ ، (2‬وجعل كتابه آخر الكتب وأوثقها ‪ ،‬تكفل سبحانه بحفظه ‪ ،‬فلم تسر إليه‬
‫يد التحريف كما حصل للكتب السابقة ‪ ،‬قال تعالى ) أنا نحن نزلنا الذكر وأنا‬
‫له لحافظون ( )‪ (3‬كما أنه سبحانه جعل هذا الكتاب معجزة ملموسة تصدق‬
‫رسولنا على مر اليام والشهور‪،‬وكر السنين والعصور‪ .‬فلو سألت بعض الذين‬
‫يدعون أتباع أحد الرسل‪ -‬عليهم السلم‪ -‬عن معجزة رسوله التي أيد بها في‬
‫زمانه لنبأك بخبرها ‪ ،‬ول يملك غير ذلك‪،‬ونحن المسلمين نؤمن بهؤلء الرسل‬
‫السابقين ‪ ،‬وبالمعجزات التي حدثت على أيديهم ‪ ،‬لن القرآن الكريم أخبرنا‬
‫بها ‪ ،‬قال تعالى )آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله‬
‫وملئكته وكتبه ورسله ل نفرق بين أحد من رسله ‪. (4) ( 000‬‬
‫ولقد اختلف في مسألة العجاز في القرآن الكريم ‪ ،‬فمنهم من رأى أن‬
‫القرآن معجز بالصرفة ‪ ،‬أي أن العرب كان بإمكانهم التيان بمثل القرآن‬
‫ولكن الله سبحانه قد صرفهم عن ذلك )‪ ،(5‬وهذا ما يراه بعض المعتزلة ‪.‬‬
‫ومنهم من قال إن جوانب العجاز في القرآن يمكن حصرها في إخباره‬
‫بالمغيبات ‪ ،‬وحديثه عن المم الغابرة ‪ ،‬وإعجازه البلغي والعلمي والعددي‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والنفسي …الخ ‪ .‬وهناك رأي ثالث يقول إن العجاز في القرآن الكريم‬


‫سلسلة لنهاية لها ‪ ،‬فل يمكن عدها ‪،‬ول يتأتى لحد حصرها ‪ .‬وهذا الرأي‬
‫الخير ـ فيما يظهرـ هو الرأي الصوب )‪. (6‬لقد أنزل الله سبحانه كتابه على‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين )نزل به الروح المين على‬
‫قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين ( )‪ ،(7‬وتحدى العرب الذين كان‬
‫عليه الصلة والسلم منهم ‪ ،‬ويعيش بين ظهرانيهم – أن يأتوا بمثل هذا‬
‫القرآن ) قل لئن اجتمعت النس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ل‬
‫يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ً ()‪ ،(8‬ثم تحداهم أن يأتوا بعشر‬
‫سور مثله)‪ ،(9‬أو حتى بسورة من مثله )‪ ،(10‬بيد أنهم وقفوا منبهرين‬
‫مشدوهين من سحر القرآن وبيانه على الرغم من تلك الفصاحة التي فيها‬
‫نبغوا ‪ ،‬وكانوا بها يعتزون ‪.‬‬
‫ً‬
‫على أن معجزة القرآن ليست للعرب وحدهم بل للبشر جميعا مذ بعث النبي‬
‫صلى الله حتى تقوم الساعة ‪ ،‬قال تعالى ) وما أرسلناك إل كافة للناس‬
‫بشيرا ً ونذيرا ً ولكن أكثر الناس ل يعلمون ( )‪ (11‬ولذا فل بد للقرآن أن يحمل‬
‫معجزة للعالم في كل زمان ومكان ‪ ،‬فكانت معجزاته في وقت النزول ‪،‬‬
‫وخلل مدة النزول ‪ ،‬وبعد زمن النزول ‪ ،‬وهي مستمرة إلى أن يرث الله‬
‫الرض ومن عليها )‪.(12‬‬
‫إن القرآن خرق حجب الغيب ‪ ،‬وخرق حواجز الزمان والمكان ‪ ،‬فأخبرنا عما‬
‫حدث للمم السابقة ‪ ،‬وأعلم الرسول صلى الله عليه وسلم بما يجرى حوله‬
‫في زمنه ‪ ،‬فأخبره الله في القرآن بما يدبره المنافقون والكفار )‪ ، (13‬بل‬
‫بما كان يجول في خواطر بعض المسلمين )‪ (14‬كما أخبر سبحانه في كتابه‬
‫العزيز بأمور مستقبلية حدثت بعد أيام أو شهور أو سنوات ‪ ،‬مثل هزيمة‬
‫الفرس على أيدي الروم)‪ ، (15‬وفتح مكة)‪(16‬ونحو ذلك ‪ ،‬بل إن الله قد حدد‬
‫مصير إبي لهب في القرآن ‪ ،‬وأن مآله إلى النار)‪(17‬‬
‫‪ ،‬ولم يستطع أبو لهب أن ينبس بكلمة ولو نفاقا ً ليرد على ذلك)‪. (18‬‬
‫إن الله قد ادخر في القرآن من المعجزات العامة المستقبلية ما يجعل‬
‫الجيال تصدق به ‪ ،‬وتؤمن بقائله سبحانه ‪ ،‬ولو أن هذه المعجزات جاءت‬
‫تفصيلية في الزمن الذي نزل فيه لوجدت حيرة لدى المؤمنين ‪ ،‬وربما ارتد‬
‫بعضهم عن السلم)‪ ،(19‬لنها ستكون فوق طاقة عقولهم في ذلك الوقت)‬
‫‪. (20‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ويبدو أن الظواهر العلمية التي مسها القرآن الكريم هي من هذا القبيل ‪ ،‬إذ‬
‫جاء بنهايات الحقائق والسنن الربانية ‪ ،‬وأتى بقمم النواميس المبثوثة بهذا‬
‫الكون ‪ ،‬بحيث أنها إذا تليت على المؤمنين في ذلك الوقت مرت عليهم دون‬
‫إدراك لمدلولها الذي سينكشف لمن بعدهم ‪ ،‬أما إذا تليت على الجيال‬
‫اللحقة التي فتح الله عليها بصيصا ً من أسرار هذا الكون عرفوا ما فيها من‬
‫إعجاز ‪ ،‬وسلموا بأن هذا القول ل يمكن أن يتفوه به شخص عاش في عصر‬
‫كانت العلوم التجريبية في أطوارها الولى ـ أعني العصر الذي عاش فيه‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ـ ‪ ،‬فلبد أن يكون حق ‪ ،‬وأن قائله هو الله عز‬
‫وجل)‪ ) (21‬سنريهم آياتنا في الفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق‬
‫ف بربك أنه على كل شيء شهيد ( )‪. (22‬‬ ‫أولم يك ِ‬
‫ولكن هل هناك تعارض بين القرآن الكريم والعلم ؟ إن العلم المقصود هنا هو‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما توصل إليه البشر من فَهْم ٍ لبعض قوانين وسنن هذه الحياة بإلهام من الله‬
‫تعالى )يعلمون ظاهرا ً من الحياة الدنيا وهم عن الخرة هم غافلون ()‪. (23‬‬
‫ومما ل مشاحة فيه أنه ل تصادم بين حقائق الكون والقرآن الكريم ‪ ،‬فالله هو‬
‫الخالق لهذا الكون وهو في الوقت ذاته قائل هذا القرآن الحكيم ‪ ،‬وقد يكون‬
‫تصادم حينما ندعي حقيقة علمية ـ وهي ليست حقيقة علمية ـ ونربطها‬
‫بالقرآن ‪ ،‬أو نزعم حقيقة قرآنية ـ بسوء فهمنا للمقصود من آية أو آيات من‬
‫القرآن ـ فنربطها ببعض الحقائق العلمية الثابتة)‪. (24‬‬
‫وكتاب الله كتاب عقيدة وهداية وأحكام ‪ ،‬وليس كتاب تاريخ أوفلك‬
‫ت ليعلمنا الطب أو الكيمياء أو الفيزياء أو الحياء ‪،‬‬ ‫أوجغرافيا ‪ ،‬كما أنه لم يأ ِ‬
‫ولكن هذا ل ينفي أن يشير إلى حقائق ثابتة تدخل ضمن نطاق العلوم‬
‫السابقة وغيرها بقي النسان مئات السنين ل يعرف كنهها ‪ ،‬بل لم يستطع‬
‫حتى الن الوصول إلى بعضها ؛ فالقرآن ـ مثل ً ـ ليس كتاب طب بالمفهوم‬
‫المتعارف عليه للطب إل أن ذلك ل يمنع أن يمس قضية طبية ‪ ،‬ويخبر‬
‫بدقائقها ‪ ،‬فل يصل إليها علم الطب إل بعد قرون ‪ .‬وُقل ذلك عن جميع‬
‫العلوم الحديثة ‪ .‬فالقرآن ـ إذن ـ قد يمس حقائق الكون الساسية التي خلق‬
‫الله الوجود على أساسها فيعرضها كحقائق علمية سواء توصلنا إلى إدراكها‬
‫أم لم نصل)‪.(25‬‬
‫تاريخ التفسير العلمي للقرآن الكريم‬
‫وقد يتساءل البعض عن التفسير العلمي للقرآن ‪ ،‬وهل كان ظهوره بدعا ً في‬
‫العصر الحديث ؟‬
‫ً‬
‫في الحقيقة إن للتفسير العلمي جذورا في تاريخنا الحضاري السلمي‬
‫المجيد ‪ ،‬فليس هذا التفسير ببدع في العصر الحديث ‪ ،‬ونكاد نجزم أن هؤلء‬
‫المفسرين المحدثين وكذلك الذين ُأولعوا بهذا الجانب من التفسير يتكئون‬
‫على أصول سابقة ‪ .‬ذاك أنه عندما ازدهرت الحضارة السلمية في العصر‬
‫العباسي ‪ ،‬وبرزت العديد من العلوم التجريبية ‪ ،‬وحاول بعض العلماء أن يوائم‬
‫بينها وبين ما جاء في القرآن الكريم ‪ ،‬أو ُقل أن ُيوجد على القل بينهما بعض‬
‫العلقة ‪.‬‬
‫كان أبو حامد الغزالى )ت ‪505‬هـ( ممن سلك هذا المسلك ‪ ،‬وحاول أن‬
‫يروجه بين الوساط العلمية)‪ ،(26‬فيرى أن القرآن يحوي على العديد من‬
‫العلوم)‪ . (27‬كما أنه تحدث عن الكيفية التي انشعبت بها سائر العلوم من‬
‫القرآن ‪ ،‬فيذكر أن الطب والنجوم والفلك والتشريح …الخ ‪ ،‬ثم يؤكد على أن‬
‫العلوم التي عددها أو لم يعددها ليست أوائلها خارجة من القرآن ‪ ،‬ولكنها‬
‫مغترفة من بحر واحد من بحار معرفة الله تعالى الذي ل ساحل له ‪ ،‬ثم‬
‫أعطى بعض المثلة لما يقول ‪ ،‬منها قول الله عز وجل حكاية عن إبراهيم‬
‫شفين ( )‪(28‬عقب على ذلك بأن‬ ‫عليه الصلة والسلم )وإذا مرضت فهو ي َ ْ‬
‫هذا الفعل الواحد ل تحصل معرفته إل لمن عرف الطب بكامله ‪ .‬وسار على‬
‫هذا المنوال في بيان الطريقة التي يمكن بها معرفة ما جاء في القرآن‬
‫الكريم عن الشمس والقمر ‪ ،‬وتركيب السماوات والرض ‪ ،‬ومعرفة النسان‬
‫وخلقه)‪…(29‬الخ ‪.‬‬
‫وممن سلك هذا الدرب من المفسرين القدمين ‪ ،‬ولمح إلى مثل هذه المور‬
‫أبو بكر بن العربي ) ت ‪ 543‬هـ ( في كتابه )) قانون التأويل (( ‪ ،‬والفخر‬
‫الرازي ) ت ‪ 606‬هـ ( في )) مفاتيح الغيب (( ‪ ،‬وأبو الفضل المرسي ) ت‬
‫‪ 655‬هـ ( في تفسيره)‪. (30‬‬
‫على أن السيوطي ) ت ‪911‬هـ ( انطلقا ً من قوله تعالى ) ما فرطنا في‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الكتاب من شيء ( )‪(31‬‬


‫ً‬
‫وقوله ) ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ( )‪(32‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ـ تحمس لهذا النوع من التفسير في كتابيه)‪ ))(33‬التقان في علوم القرآن ((‬


‫)‪(34‬و )) الكليل في استنباط التنزيل (( )‪. (35‬ولقد كان أبو إسحاق‬
‫الشاطبي ) ت ‪ 790‬هـ ( من أبرز الذين وقفوا في وجه هذا التيار في كتابه‬
‫)) الموافقات (( ‪ ،‬ويحتج في ذلك بأنه لم يرد عن السلف الصالح من التابعين‬
‫من تكلم في هذا اللون من التفسير ‪ ،‬وهم من أعرف الناس‬ ‫ومن يليهم َ‬
‫بالقرآن وعلومه ‪ ،‬ومع أنه في الوقت عينه ل ينكر أن في القرآن آيات تشير‬
‫إلى ما كان العرب يعرفونه من علوم زمن نزوله ‪ ،‬لكنه أنحى باللئمة على‬
‫أولئك الذين أضافوا إلى القرآن كل علوم الولين والخرين ‪ .‬كما فند ما احتج‬
‫به أصحاب هذا النوع من التفسير من أدلة لتأييد دعواهم)‪.(36‬‬
‫التفسير العلمي للقرآن في العصر الحديث‬
‫بعد أن تم للعثمانيين السيطرة على العالم العربي منذ أوائل القرن العاشر‬
‫الهجري ) السادس عشر الميلدي ( ران على أقاليم البلد العربية نوع من‬
‫الجمود العلمي)‪ ، (37‬وإن كان هذا امتدادا ً لعصر النحطاط الذي كان عليه‬
‫المسلمون قبل العثمانيين ‪ .‬كما أن هذا الجمود الذي خيم على العالم‬
‫السلمي لم يكن مقصودا ً من الدولة العثمانية ‪ ،‬وإنما هو نتيجة لما كانت‬
‫تعانيه الدولة العثمانية نفسها ‪ ،‬وأسطع دليل على ذلك أن النكشارية‬
‫) الجيش الرسمي للدولة ( كان يحارب كل تجديد من قبل السلطين‬
‫العثمانيين)‪.(38‬‬
‫ولقد كانت الحملة الفرنسية على مصر ) ‪1213‬هـ‪1798/‬م ـ ‪1216‬هـ‪/‬‬
‫‪1801‬م ( من العوامل المهمة التي هزت العالم العربي والسلمي ‪ ،‬وإن‬
‫كان قد سبقتها بعض حركات اليقظة السلمية مثل دعوة الشيخ محمد بن‬
‫عبد الوهاب التي ظهرت قبل مجيء هذه الحملة بنصف قرن تقريبا ً ‪ .‬بيد أن‬
‫أثر هذه الحملة وخصوصا ً في دخول العلوم الحديثة إلى العالم العربي)‪(39‬‬
‫كان واضحا ً ل يمكن تجاهله)‪.(40‬‬
‫وبعد أن ارتقى محمد علي عرش مصر سنة ‪1220‬هـ ‪1805/‬م قام بإرسال‬
‫بعثات علمية إلى أوربا ‪ ،‬وبذات إلى فرنسا ‪ ،‬وكان من رواد تلك البعثات‬
‫رفاعة الطهطاوي)‪ ) (41‬ت ‪1290‬هـ‪1873 /‬م ( الذي كان له ولغيره من‬
‫المبتعثين دور في نقل بعض العلوم الحديثة إلى العالم السلمي)‪. (42‬‬
‫ولما وجد بعض العلماء المسلمين الذين لهم اهتمام في تفسير القرآن‬
‫الكريم تلك العلوم الحديثة أمامهم ‪ ،‬وإيمانا ً منهم بصدق ما جاء في القرآن ‪،‬‬
‫وبأثر مما كان يعاني منه المسلمون من ضغوط نفسية وإعراض عن الدين‬
‫السلمي في تلك اليام ـ اجتهد هؤلء في ربط القرآن بهذه العلوم الحديثة ‪.‬‬
‫وممن كتب في هذا المجال الطبيب محمد بن أحمد السكندراني ) ت‬
‫‪1306‬هـ ‪ 1889 /‬م ( في مؤلفه الموسوم بـ )) كشف السرار النورانية‬
‫القرآن فيما يتعلق بالجرام السماوية والرضية والحيوانات والنباتات‬
‫والجواهر المعدنية (()‪. (43‬‬
‫ول تخلو كتابات جمال الدين الفغاني ) ت ‪1315‬هـ ‪1897 /‬م ( من الحث‬
‫على التوفيق بين القرآن والعلم ‪ ،‬حيث يقرر أنه ل خلف بين الحقائق العلمية‬
‫واليات القرآنية)‪ . (44‬ويتجلى النحياز التام لمثل هذا النوع من التفسير عند‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عبدالرحمن الكواكبي ) ت ‪1320‬هـ‪1902/‬م ( في كتابه )) طبائع الستبداد‬


‫ومصارع الستعباد (( الذي يصف فيه القرآن بأنه )) شمس العلوم وكنز‬
‫الحكم (( ‪ ،‬ويعلل إحجام العلماء عن بيان ما يتضمنه القرآن من العلوم‬
‫المختلفة ـ بالخوف من مخالفة رأي بعض السلف غير المتظلعين بالعلم ‪،‬‬
‫فينتج عن ذلك تكفيرهم ومن ثم قتلهم)‪(45‬ثم راح يربط باندفاع بين اليات‬
‫القرآنية وبين ما ظهر في أواخر القرن التاسع عشر الميلدي من علوم‬
‫ونظريات علمية)‪،(46‬والملحظ أنه وقع في شطحات بينة في محاولته‬
‫التوفيقية هذه بين القرآن والعلم ‪.‬‬
‫كما جنح الشيخ محمد عبده ) ت ‪1323‬هـ ‪1905/‬م ( إلى التفسير العلمي‬
‫مستضيئا ً بمنهج أستاذه جمال الدين الفغاني ‪ ،‬إل أنه دعا إلى التأدب مع‬
‫كتاب الله ‪ ،‬وعدم زج آياته الكريمة في نظريات لم تتحقق بعد ‪) .‬‬
‫‪(47‬فالقرآن )) أرفع من يعارض العلم (()‪(48‬كما يقول ‪ ،‬لكنه مع ذلك وقع‬
‫في بعض ما حذر منه ‪ ،‬وسوف نتطرق إلى بعضها فيما بعد ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ويميل مصطفى صادق الرافعي ) ت ‪ 1356‬هـ‪1937 /‬م ( إلى هذا اللون من‬
‫التفسير في كتابه )) إعجاز القرآن والبلغة النبوية (( ‪ ،‬وقد قال في معرض‬
‫كلمه عن القرآن والعلم )) وقد استخرج بعض علمائنا من القرآن ما يشير‬
‫إلى مستحدثات الختراع ‪ ،‬وما يحقق غوامض العلوم الطبيعية (( )‪(49‬على‬
‫أن أشد المتحمسين للتفسير العلمي للقرآن في العصر الحديث هو طنطاوي‬
‫جوهري ) ت ‪1359‬هـ‪ 1940 /‬م ( في كتابه الموسوم بـ )) الجواهر في‬
‫تفسير القرآن الكريم (( الذي نوه فيه بجدوى هذا التفسير ‪ ،‬وتعجب من‬
‫إعراض العلماء المسلمين عن تلك اليات التي ترشد إلى علوم الكون على‬
‫الرغم من كثرتها ‪ .‬ولم يسلم صغار الفقهاء ـ كما سماهم ـ من لومه‬
‫وتهجمه ‪ ،‬لنهم انصرفوا ـ كما يرى ـ باشتغالهم في اليات الخاصة بالفقه عن‬
‫آيات العلوم الكثيرة الواردة في القرآن ‪ ،‬ويقدم طنطاوي جوهري في‬
‫تفسيره هذا أبحاثا ً علمية مستفيضة بعد تفسير لفظي مقتضب ‪ .‬ول تعدو‬
‫هذه البحاث عن كونها حشد من الفكار التي توصل إليها العلماء في مجال‬
‫العلوم الحديثة حتى عصره)‪ . (50‬ولعل هذا ما جعله ُيغرق في الخيال ‪،‬‬
‫ويحلق بفكره في آفاق السماوات والرض ‪ ،‬ويعتسف اليات القرآنية لتتوافق‬
‫مع ما يريد إثباته )‪.(51‬‬
‫ولقد زهد بعض من لهم اهتمام بالدراسات القرآنية بهذا التفسير العلمي‬
‫للقرآن ‪ ،‬ورأوا أن من السلم عدم الغوص في مثل هذا الجانب من‬
‫التفسير ‪ ،‬وإن كانوا ل يرون حرجا ً في الستشهاد بالحقائق العلمية الثابتة‬
‫التي ل شبهة فيها ‪ ،‬ولكنهم مع ذلك ل يحبذون الركون إلى مثل هذه‬
‫الوسيلة ‪ ،‬والنشغال بها عن مهمة التفسير الحقيقية ‪ .‬ومن هؤلء الشيخ‬
‫محمد شلتوت ‪ ،‬وأمين الخولى)‪ .(52‬وقد تابع هؤلء في منحاهم هذا الشيخ‬
‫محمد رشيد رضا)‪ ،(53‬ومحمد حسين الذهبي)‪.(54‬‬
‫وهناك علماء آخرون تأثروا طريقة الشيخ محمد عبده في موقفه من هذا‬
‫التفسير)‪ ،.(55‬ولكنهم كانوا أشد منه حذرا ً ‪ ،‬وأكثر تحفظا ً ‪ ،‬وأوسع تثبتا ً ‪ ،‬من‬
‫هؤلء الشيخ أحمد مصطفى المراغي الذي نعى على المفسرين السابقين‬
‫حشوهم لقضايا علمية في تفاسيرهم أثبت العلم في هذا العصر عدم التعويل‬
‫عليها ‪ ،‬ثم أكد أن تفسيره الذي وضعه سيضم آراء الباحثين في مختلف‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفنون التي ألمع إليها القرآن)‪ ،.(56‬فل غضاضة عنده من استطلع آراء‬
‫العارفين بمثل هذه الفنون ‪ ،‬لن المفسر ـ في نظره ـ عليه دائما ً أن يسأل‬
‫العلم )) ليستبصر بما ثبت لديه ‪ ،‬ويساير عصره ما وجد إلى ذلك سبيل ً (()‬
‫‪ . (57‬على أنه يرفض جر الية إلى العلوم لتفسيرها أو العكس ‪ ،‬ولكن ل‬
‫بأس في تفسيرها إذا اتفقت في ظاهرها مع حقيقة علمية ثابتة)‪.(58‬‬
‫وكان محمد أحمد الغمراوي من المؤيدين لوجهة النظر هذه ‪ ،‬وُيعد من أكثر‬
‫الباحثين اعتدال ً وروية في هذا المضمار ‪ ،‬ووضح ذلك جليا ً في كتابيه )) في‬
‫سنن الله الكونية (( و )) السلم وعصر العلم (()‪.(59‬‬
‫***‬
‫ً‬
‫ولقد احترز كثيرا سيد قطب في مؤلفه البديع )) في ظلل القرآن (( من‬
‫ف عجبه وامتعاضه من‬ ‫ربط الكشوفات العلمية بالقرآن الكريم ‪ ،‬ولم ُيخ ِ‬
‫أولئك الذين يحاولون حمل القرآن على ما لم يقصده ‪ ،‬ويستخرجون منه‬
‫)) جزئيات في علوم الطب والكيمياء والفلك وما إليها (( )‪ ،(60‬وهو يرى أنه‬
‫يحق لنا النتفاع بالكشوف العلمية في هذا المجال ‪ ،‬ولكن بشرط أن ل يخرج‬
‫هذا النتفاع عن )) توسيع مدلول اليات القرآنية وتعميقها ‪ ،‬دون تعليقها‬
‫بنظرية خاصة أو )بحقيقة( علمية خاصة ‪ ،‬تعليق تطابق وتصديق … (( )‪(61‬‬
‫‪ ،‬وعلى حسب هذا المنهج ساق في تضاعيف كتابه ـ النف الذكر ـ بعض نتائج‬
‫الدراسات العلمية الحديثة ‪ ،‬وحاول أن يوسع مدلول اليات القرآنية ‪،‬‬
‫ويشرحها بإسلوبه الخاذ )‪.(62‬وهناك عدد من العلماء الذين يعيشون بيننا في‬
‫الوقت الحاضر قد اهتموا بالتفسير العلمي للقرآن الكريم ‪ ،‬ولهم أحاديث‬
‫مفيدة ‪ ،‬وكتابات قّيمة حول الموضوع ‪.‬‬
‫وخلصة القول إن التفسير العلمي لكتاب الله من المور التي ل يمكن‬
‫إغفالها في هذا العصر إل أنه ينبغي علينا الحذر التام في تعاملنا مع هذا النوع‬
‫من التفسير ‪ ،‬فل نستشهد بالكشوفات العلمية الحديثة إل في الحالت التي‬
‫نستيقن أنها حقائق ل يعتورها الشك ‪ ،‬ثم مع ذلك يجب أن ل نشتط في‬
‫الستشهاد ‪ ،‬لن ما وصل إليه النسان وما قد يصل إليه مقيد بالعلم البشري‬
‫المحدود ‪.‬‬
‫الفئات التي تحمل لواء هذا التفسير ‪:‬‬
‫عرفت بحملها لواء التفسير العلمي للقرآن‬ ‫و يمكن أن نقسم الفئات التي ُ‬
‫في وقتنا الحاضر إلى ثلث فئات ‪:‬‬
‫‪-1‬فئة كانت دراستها ‪ ،‬وجل اهتمامها علوم الشريعة واللغة العربية ‪ ،‬ثم مالت‬
‫إلى النظر في العلوم التطبيقية الحديثة ‪ ،‬وأخذت منها بطرف يسير ‪ ،‬فلم‬
‫تتعمق بها تعمقا ً يؤهلها إلى معرفة مناحي ما تريد أن تربطه بالقرآن الكريم ‪،‬‬
‫فهذا القسم ل ُيحسن أن نتورك عليه في مثل هذه المسائل ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪-2‬و فئة درست بتعمق العلوم التطبيقية ‪ ،‬لكنها كانت قليلة التصال بالقرآن‬
‫الكريم ‪ ،‬أو ُقل منقطعة تماما ً عن الدين السلمي‪ .‬وأقصد أولئك الذين كانوا‬
‫مسلمين بالسم ثم رجعوا إلى الدين ‪ ،‬فبدأت اهتماماتهم بتفسير القرآن ‪.‬‬
‫ويدخل ضمن هذه الفئة أولئك الذين اعتنقوا السلم ‪ ،‬فلم يكن لديهم قبل‬
‫ذلك علم بالدين السلمي ألبته ‪ ،‬فمثل هؤلء ل ُيوثق كثيرا ً بما يثبتونه في‬
‫كتبهم ‪ .‬أو ما يقولونه في أحاديثهم حول التفسير العلمي للقرآن ‪.‬‬
‫‪-3‬و فئة ثالثة منذ أن فتحت عينيها على هذه الدنيا و هي تعيش في ظل‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلم الحق ‪ ،‬فتشربت تعاليمه من الصغر ‪ ،‬وكانت لها اهتماماتها بعلوم‬


‫الشريعة والعربية من ناحية ‪ ،‬وبالعلوم التطبيقية الحديثة من ناحية أخرى ‪.‬‬
‫ونحسب أن هؤلء أوفق من يستطيع الربط بين اليات القرآنية ـ التي فيها‬
‫إشارات علمية ـ وبين ما ُأكتشف من حقائق علمية‪ .‬و لعل فرص اللتباس‬
‫والخطأ لدى هذه الفئة ستكون قليلة ‪.‬‬
‫اتجاهات التفسير العلمي للقرآن ‪:‬‬
‫إذا أمعنا النظر بما يطرح في الساحة في مجال التفسير العلمي من كتابات‬
‫وأقوال نستطيع رصد اتجاهين اثنين ‪:‬‬
‫الول ‪:‬اتجاه غير مأمون ‪ ،‬محفوف بالمخاطر ‪ ،‬كثير المزالق ‪ ،‬قد يقول فيه‬
‫المفسر على الله بغير علم‪ ،‬أو يشتط به خياله إلى حدود بعيدة عن العقل ‪.‬‬
‫ويتمثل هذا التجاه بربط اليات القرآنية الصريحة بالنظريات العلمية من‬
‫جانب ‪ ،‬أو ربط اليات القرآنية المختلف في تفسيرها بالنظريات العلمية أو‬
‫حتى ما ُيعد حقائق علمية من جانب آخر ‪.‬‬
‫إن النظريات العلمية ـ كما هو معروف ـ قابلة للخذ والرد ‪ ،‬والمناقشة و‬
‫المداولة ‪ ،‬و ما يثبته العلماء اليوم على سبيل التغليب قد يقلبونه غدا ً رأسا ً‬
‫على عقب ‪ .‬كما أنه من الملحظ أبدا ً أن مجال الصدق في النظريات)‪.(63‬‬
‫يقرره العلماء بنسب معينة ‪ ،‬وقد يحدث لهذه النظرية أو تلك بعض التعديل ‪.‬‬
‫ومن الخير أن ل نسارع بتفسير نص قرآني بمجرد ظهور نظرية تتفق مع‬
‫ظاهر هذا النص ‪ ،‬لن الحقائق القرآنية حقائق نهائية قاطعة‪.‬وقد انحرف‬
‫بعضهم في هذا التجاه التفسيري ومن المثلة على ذلك ما يلي ‪:‬‬
‫‪-1‬انزلق بعض العلماء والمجتهدين عندما ظهرت النظرية التي تقول إن‬
‫مجموعتنا الشمسية تتكون من سبع كواكب ‪ .‬ففسروا بها السبع السموات‬
‫التي أخبرنا الله بها في القرآن ‪ ،‬ولكن ما لبث علماء الفلك أن اكتشفوا عددا ً‬
‫من الكواكب ‪ ،‬فاصبح عددها عشرا ً )‪(64‬‬
‫‪ ،‬وقد ُيكتشف فيما بعد أكثر من ذلك ‪.‬‬
‫‪-2‬و افترض بعض علماء الطبيعة ـ والفلك خاصة ـ أن الشمس و الكواكب‬
‫السيارة نشأت كلها من السديم الملتهب ‪ ،‬حيث كانت على هيئة سحابة تدور‬
‫ببطء ‪ ،‬ثم أخذت تبرد و تنكمش على نفسها ‪ ،‬فتدور بسرعة متزايدة ‪ .‬ومع‬
‫تقادم الزمن انفصلت حلقات من هذه المادة عن طرف السحابة ‪،‬فتكونت‬
‫منها الكواكب السيارة ‪.‬أما القسم المركزي فقد تقلص و تكونت منه‬
‫الشمس)‪. (65‬فلما طرقت هذه النظرية مسامع بعض المجتهدين من‬
‫المفسرين الذين انبروا يفسرون بها قول الله سبحانه ‪( :‬أو لم ير الذين‬
‫كفروا أن السموات والرض كانتا رتقا ً ففتقناهما ‪ ...‬الية ()‪.(66‬‬
‫بل إن بعضهم )‪ (67‬أكد أنها تفيد معنى قوله تعالى ‪) :‬ثم استوى إلى السماء‬
‫ن فقال لها وللرض ائتيا طوعا ً أو كرها ً قالتا أتينا طائعين ()‪(68‬‬ ‫وهي دخا ٌ‬
‫ومن المعروف أن المر في هذه النظرية لم يحسم بعد‪،‬بل إن هناك‬
‫اعتراضات عليها من قبل علماء الفلك أنفسهم )‪.(69‬‬
‫‪ – 3‬و قد فسر بعضهم قوله الله تعالى ‪( :‬و السماء بنيناها بأيد و إنا‬
‫لموسعون ()‪ .(70‬بنظرية تقول إن الفضاء وما به من مجوعات شمسية في‬
‫اتساع مستمر )‪.(71‬‬
‫‪ -4‬وقد رجح الشيخ محمد عبده ومعاصره عبدالرحمن الكواكبي أن الطير‬
‫البابيل التي ورد ذكرها في سورة الفيل ما هي إل ذبابة أو بعوضة تحمل‬
‫ميكروبات ‪ ،‬وما الحجارة ـ التي ذكرت في اليات ـ إل الطين المسموم‬
‫اليابس التي تحمله الرياح فيعلق بأرجل هذه الحيوانات)‪.(72‬‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تأمل هذه المثلة ‪ .‬وكيف أن هؤلء المجتهدين قد فسروا اليات القرآنية‬


‫بنظريات لم تصل إلى درجة من الصحة والعلم اليقيني وإنما هي في طور‬
‫الحدس والفرض التخميني ‪ ،‬ولنعلم أنه ليس من الحق أن نطلب من القرآن‬
‫الكريم متابعة فروض العلماء على مدى الزمنة والعصور ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫على أن بعضا ً من الدخلء على التفسير من يلوي عنق اليات ‪ ،‬ويعتسفها‬


‫اعتسافا ً لكي تتوافق مع ما يريد أن يثبته ‪ ،‬فقد قرأت في بعض الصحف أن‬
‫أحدهم قال ‪ :‬إن القرآن قد تنبأ بشق قناة السويس )‪ ،(73‬وذلك في قوله‬
‫تعالى في سورة الرحمن ‪( :‬مرج البحرين يلتقيان ‪،‬بينهما برزخ ل يبغيان ) ثم‬
‫حمل قوله ‪( :‬يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) على أن المرجان موجود في‬
‫البحر الحمر ‪ ،‬واللؤلؤ موجود في البحر المتوسط ‪ ،‬بل آل به المر إلى‬
‫القول بأنه إذا كان نيوتن جاء بقاعدة التثاقل ‪ ،‬وأرشميدس بقاعدة الطفو ‪،‬‬
‫فإن القرآن جاء بقاعدة التعادل في آية ‪ ( :‬أل تطغوا في الميزان ‪ ،‬وأقيموا‬
‫الوزن بالقسط ول تخسروا الميزان ( )‪(74‬ول شك أن التسرع بتفسير آيات‬
‫القرآن بمثل هذه الظانين و الفرضيات تحيمل لها غير ما تحتمل ‪ ،‬وتجاوز‬
‫مرفوض في حق كلم الله العليم الخبير ‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق باليات القرآنية المختلف في تفسيرها سواء بين المتقدمين أو‬
‫المتأخرين فالولى بل الواجب عدم ربطها بالنظريات العلمية التي لم ُيقطع‬
‫فيها بعد ‪ ،‬أو بما اتفق على أنه حقائق علمية ل تقبل الشك ‪ ،‬ومن المثلة‬
‫على ذلك أن بعضهم قد أتى بقول الله سبحانه ‪ (:‬و ترى الجبال تحسبها‬
‫جامدة وهي تمر مر السحاب ‪ ...‬الية ()‪ (75‬أتى بها ليثبت دوران الرض )‬
‫‪ (76‬و نحن هنا ل نناقش مسألة دوران الرض ولكن سياق اليات ـ كما في‬
‫التفاسير المعتمدة ـ يدل على أن ذلك في الخرة ‪.‬‬
‫ومن هذا القبيل تفسير بعض الكتاب قول الله تعالى ‪ ( :‬يا معشر الجن‬
‫والنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والرض فأنفذوا ‪،‬ل‬
‫تنفذون إل بسلطان ()‪(77‬قالوا أن هذا برهان على إمكانية غزو الفضاء‬
‫والصعود إلى القمر والكواكب)‪ (78‬ونحن ـ كما قلنا في المثال السابق ل‬
‫نتعرض لهذه القضية من حيث إمكانية تحققها أم ل‪ ،‬بالقدر الذي نريده من‬
‫وجوب عدم إقحام اليات القرآنية في مثل هذه المسائل ‪ ،‬فضل ً عن أن‬
‫السياق في اليات يدل على أن ذلك في يوم القيامة ‪ ،‬كما في معظم كتب‬
‫التفسير ‪ .‬بل إن بعضهم قال إن النسان يستطيع غزو الفضاء بسلطان العلم‬
‫بحكم تفسيره لقوله تعالى‪( :‬إل بسلطان ) أي بسلطان العلم ‪.‬‬
‫ويمكن أن ندخل في هذا النطاق ما أ ُْولع به بعض من لهم اهتمامات في‬
‫الدراسات القرآنية من الخوض في مسألة العداد في القرآن الكريم ‪،‬‬
‫وتحميلهم اليات فوق ما تتحمل في سبيل إثبات ما يريدون إثباته )‪(79‬‬
‫والواقع أن العجاز العددي ـ كما يطلق عليه في هذا العصر ـ قد نشأ من‬
‫قديم مع علم التفسير في العصور السلمية السابقة )‪ ،(80‬ول اعتراض على‬
‫مثل هذا النوع من التفسير في الحدود المعقولة التي ل تمس حرمة كتاب‬
‫الله العزيز‪.‬‬
‫و نستطيع أن نلحق الحوادث التاريخية)‪ (81‬في هذا التجاه ‪ ،‬فقد جزم بعض‬
‫المفسرين في تفسير اليات ذات النسق التاريخي إما بتعيين أسماء بعض‬
‫من أشار إليهم القرآن ‪ ،‬أو بتحديد المناطق التي قد تكون الحداث التاريخية‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ـ والتي أشار إليها القرآن ـ جرت عليها ‪ .‬و لكن علينا في هذه الحالة أن ننظر‬
‫إلى المسألة من عدة زوايا الولى ‪ :‬أن معظم القضايا التاريخية غالبا ً تخضع ـ‬
‫كما هو معروف ـ للترجيح ل الجزم ‪ ،‬و التغليب ل القطع ‪ .‬والثانية ‪ :‬ماهية‬
‫المصادر التي استقى منها المفسر معلوماته عن هذه الشخصية أو هذا‬
‫الحدث ‪ .‬فل ريب أننا إذا لم نجد ذلك معينا ً في القرآن أو الحاديث النبوية‬
‫الثابتة فإننا ل نعول عليه كثيرا ً ‪ ،‬وسوف ل تتعدى المصادر حينئذ عن كتب‬
‫العهد الكتب القديم والجديد ) التوراة والنجيل ( أو كتب اليونان و الرومان ‪،‬‬
‫أو المصادر العربية ‪ ،‬بالضافة إلى المكتشفات الحديثة في مجال الثار ‪ ،‬فهل‬
‫يا ُترى نستطيع الجزم بما تقول هذه المصادر ؟ والثالثة ‪ :‬ينبغي أن نتبين‬
‫الحكمة من إيراد الله تعالى للحوادث التاريخية في القرآن الكريم ‪ .‬فهل‬
‫الهدف من ذلك تحديد أسماء المناطق أو الشخاص الذين لهم ذكر في‬
‫القصص القرآنية أم أن هناك أهدافا ً أخرى ‪ .‬ل شك أنه ليس المقصود ذكر‬
‫أشخاص أو مناطق بعينها بقدر ماهي رموز لوضاع و حالت سادت في تلك‬
‫العصور عالجها القرآن في كثير من آياته لتحقيق أغراض شرعية )‪.(82‬ولعل‬
‫من المثلة في هذا الباب تعيين شخصية ذي القرنين بالسكندر المقدوني في‬
‫بعض التفاسير ‪.‬ومن الثابت تاريخيا ً أن هذا الرجل المعين كان رجل ً وثنيا ً )‬
‫‪ . (83‬وتكفي هذه الصفة للرد على هذا الرأي ‪ .‬وقد تنبه ابن كثير في كتابه "‬
‫البداية والنهاية " إلى هذا ‪ ،‬ورجح أن يكون ذو القرنين هو أول القياصرة ‪،‬‬
‫وكان يدعى أيضا ً السكندر ‪ ،‬إل أنه كان مؤمنا)‪.(84‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ومن المثلة على ذلك ـ أيضا ً ـ تعيين بعض العلماء اسم الفرعون الذي غرق‬
‫في زمن موسى )‪.(85‬وكذلك تحديد مكان أهل الكهف الوارد ذكرهم في‬
‫القرآن)‪ (86‬ونحو ذلك ‪ .‬ول يفهم من هذا الكلم أن ندعو إلى عدم الستعانة‬
‫بالقرآن الكريم لشرح القضايا التاريخية القديمة بل يجب الستعانة به في هذا‬
‫المجال لنه أصدق الكتب و أوثقها ‪ .‬ول حرج علينا من ‪ :‬إيراد أسماء أو‬
‫مناطق ذكرتها المصادر بشرط التثبت منها إلى أقصى درجة من ناحية ‪،‬‬
‫والبتعاد عن الجزم القاطع من ناحية أخرى ‪.‬‬
‫***‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والتجاه الثاني لتفسير القرآن تفسيرا علميا ـ اتجاه طيب خير ‪ ،‬فالخوض فيه‬
‫مأمون إلى حد معين ‪ .‬فل بأس أن نركن إليه ‪ ،‬ونستشهد بما وصل إليه‬
‫أصحابه لتوضيح اليات القرآنية ‪ ،‬وتعميق معناها في نفوسنا ‪ .‬وبالمكان أن‬
‫نحصر ذلك فيما يلي ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬ما يقوم به بعض المشتغلين بالدراسات القرآنية من شرح لليات‬
‫وربطها بحقائق علمية ثابتة ‪ ،‬ل يشوبها الظن ‪ ،‬ول يتسرب إليها الشك ‪ .‬ولكن‬
‫علينا ـ مع هذا ـ أن ل نعلق النص القرآني أو نقصره على هذه الحقائق‬
‫العلمية التي تظهر لنا ‪ ،‬لن الحقائق القرآنية ـ كما قلنا سابقا ً ـ حقائق نهائية‬
‫قاطعة مطلقة ‪ .‬أما ما يصل إليه البحث النساني بطريق التجارب القاطعة‬
‫في نظره ـ فهي مقيدة بحدود هذه التجارب وظروفها وأدواتها ‪ (87) .‬وعلينا‬
‫أيضا ً أن نؤمن بأن القرآن الكريم معجز سواء طابقت الكشوف العلمية‬
‫نصوصه أم لم تطابق)‪ .(88‬والمثلة على ذلك كثيرة نجتزي منها التي ‪:‬‬
‫‪-1‬لقد أثبت العلم الحديث بما ل يدع مجال ً للشك أن الزوجية موجودة في‬
‫النسان والحيوان و النبات والذرة وسائر الكائنات )‪.(89‬يقول سيد قطب "‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن يدرى فربما كانت هذه قاعدة الكون كله " )‪ (90‬وعليه فل مانع من‬
‫ربط هذه الحقيقة العلمية باليات القرآنية التي تحكى عن تلك الزوجية)‪. (91‬‬
‫‪-2‬ولقد ُتيقن في هذا العصر أن النسان يشعر بضيق في التنفس كلما ارتفع‬
‫في الجو )‪ ، (92‬وهذه الظاهرة قد أشار إليها القرآن في قوله تعالى ‪ ) :‬فمن‬
‫يرد الله أن يهديه يشرح صدره للسلم ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا ً‬
‫حرجا ً كأنما يصعد في السماء ) )آل عمران ‪(125 :‬‬
‫‪ -3‬و بالنظر إلى وصف الطب الحديث لمراحل تطور الجنين في الرحم نجد‬
‫أنها تتوافق مع ما جاء في القرآن ‪ ،‬فالقرآن جمعها بإيجاز بليغ ‪ ،‬ووصف‬
‫بديع ‪،‬قال تعالى (ولقد خلقنا النسان من سللة من طين ‪،‬ثم جعلناه نطفة‬
‫في قرار مكين ‪،‬ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة‬
‫عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنسأناه خلقا ً ءاخر فتبارك الله أحسن‬
‫الخالقين()‪(93‬حتى أن العلم استعمل ألفاظه في هذه المسألة )‪ (94‬يقول د‪.‬‬
‫محمد على البار عن تعبير القرآن عن بعض مراحل تطور الجنين " إنه ل‬
‫يطابق فقط الوصف العلمي في علم الجنة ‪ ..‬بل وإنه يتفوق عليه " )‪(95‬‬
‫وهناك العديد من القضايا العلمية الثابتة التي أشار إليها القرآن الكريم مثل‬
‫مسألة الحروق وحس اللم بالجلد ‪ ،‬والنوم ‪ ،‬وتعاقب الليل والنهار ‪ ،‬وأسرار‬
‫الشيخوخة وغير ذلك مما ل يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬ليس ثمة حرج من محاولة معرفة الحكمة من وراء نواهي الله تعالى‬
‫‪ ،‬والتي دعانا في القرآن إلى اجتنابها ‪ ،‬وعدم السقوط في حمأتها ‪ ،‬و‬
‫ينسحب هذا على محاولة معرفة بعض السرار التي تكمن في فعل أوامره‬
‫سبحانه واجتناب نواهيه على أن المؤمن ل يرتبط إيمانه بتبين الحكمة أو‬
‫السر من وراء هذه النواهي والوامر ‪ .‬فاليمان يقتضي الخضوع التام‪،‬‬
‫والخنوع الكامل ‪،‬والتسليم المطلق لله عز وجل ‪ .‬لكن ل خوف على المؤمن‬
‫من النظر في الحكمة التي قد تظهر له إن كان قصده الستئناس والطمئنان‬
‫إزاء ما جاء من عنده تعالى ومن هذا المبدأ يمكنا أن نلجأ إلى العلوم‬
‫الحديثة ‪ ،‬ونتعرف من خللها على الحكم من بعض المور التي أتي بها القرآن‬
‫الكريم ‪ .‬نذكر منها في حقل النواهي ‪ :‬دعوة الله إلى اجتناب الخمر ‪،‬و‬
‫تحريمه أكل لحم الخنزير ‪ ،‬وتحريمه الزنا واللواط وما إلى ذلك ‪ .‬ومن‬
‫المعروف أن العلم الحديث جاء ليعدد المضار والمراض التي تنشأ من‬
‫اقتراف هذه العمال المقيتة )‪. (96‬ومن المثلة في هذا الجانب أن الله‬
‫يقول (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض‪ ،‬ول‬
‫تقربوهن حتى يطهرن ‪ ،‬فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ‪ ،‬إن الله‬
‫يحب التوابين ويحب المتطهرين( )‪ ، (97‬فلقد ثبت أن المهبل في الحالت‬
‫العادية يفرز إفرازا ً حمضيا ً خاصا ً من أجل تليينه و تطهيره من الجراثيم ‪ ،‬فإذا‬
‫ما وجد الدم في المهبل من جراء الحيض كانت الفرصة مواتية لتغير هذا‬
‫الوسط من حمضي إلى قلوي أو متعادل ‪ ،‬وهذا من أهم أسباب إلتهاب‬
‫المهبل ‪،‬علوة على ما يسببه الجماع في ذات الوقت من زيادة التلوث‬
‫الجرثومي ‪،‬ومن مضاعفات في المهبل والرحم وقد ل ينجو الرجل من‬
‫الصابة في جهازه التناسلي )‪. (98‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫أما في مجال الوامر ‪ ،‬فإن الله عز وجل أمر في القرآن الكريم بغض البصر‬
‫في قوله تعالى ‪ ):‬قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ‪ ..‬الية ( )‪ ، (99‬ول‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يخفى أن لغض البصر فوائد جمة‪ُ ،‬تجنب المسلم الكثير من المراض النفسية‬
‫والعضوية ‪ ،‬تطرق ابن قيم الجوزية لبعض منها في كتابه " إغاثة اللهفان من‬
‫مصائد الشيطان ")‪.(100‬ولقد ثبت بالتجربة والدراسة العلمية الحديثة " أن‬
‫تكرار النظر بشرهٍ إلى الجنس الخر تصل بالشخص إلى مشاكل عديدة‬
‫بجهازه التناسلي مثل احتقان غدة البروستاتا ‪ "..‬ثم إنه بالتحليل النفسي لهذا‬
‫النسان الذي ُيديم النظر وجد أنه يتعرض لزمات نفسية واكتئاب ‪ ،‬وتغير في‬
‫سلوكه و شخصيته ‪،‬وما ذاك إل لن حاسة النظرـ كما ثبت ـ أقوى الحواس‬
‫من ناحية الثارة الجنسية )‪. (101‬‬
‫ول ننسى أن للصلة والصيام و الحج وغيرها من الفروض التي فرضها الله‬
‫علينا آثارا ً بائنة على المسلم ل يمكن الغضاء عنها ‪ ،‬سواء أكانت آثارا ً بدنية‬
‫أو نفسية أو اجتماعية ‪ ،‬والذي يهمنا هنا أنه ل مانع بين الستشهاد بما أثبتته‬
‫الدراسات الحديثة )‪ (102‬حول هذا الموضوع ‪.‬‬
‫ونحب أن نوضح أن مثل هذه الستشهادات أو الدلة التي سقناها لتعليل ما‬
‫نذهب إليه ل تعدو أن تكون اجتهادات واختيارات الهدف من إيرادها بالدرجة‬
‫الولى لم يكن إل لتوضيح الفكرة التي نتحدث عنها ‪.‬‬
‫من محاسن التفسير العلمي للقرآن ‪:‬‬
‫و للتفسير العلمي محامد كثيرة لعل من أوضحها اعتناق بعض شخصيات‬
‫عالمية بارزة للسلم عن قناعة بأن الدين السلمي هو الدين الحق نذكر من‬
‫هؤلء على سبيل المثال ‪ :‬موريس بوكاى‪ ،‬وارثون إليسون وهو طبيب‬
‫بريطاني أسلم وتلقب بـ عبدالله إليسون ‪،‬وكات ستيفنز الذي سمى نفسه‬
‫يوسف إسلم ‪ .‬وغيرهم كثير ‪.‬‬
‫وكثيرا ً ما نسمع أو نقرأ لقاءات مع بعض الوروبيين وغيرهم ممن اعتنقوا‬
‫السلم ‪ ،‬فنجد أن من أهم اقتناعهم بهذا الدين انبهارهم بما تحدث عنه‬
‫القرآن الكريم الذي نزل منذ ما يربو عن خمسة عشر قرنا ً من الزمان ‪ ،‬لنه‬
‫طابق ما جاءت به المكتشفات الحديثة ‪ .‬أل ترى أن هذا ـ وإن اختلف من‬
‫بعض الوجوه ـ يماثل بعض مواقف من اسلموا أبان عصر النبوة عند سماعهم‬
‫القرآن ؟ قال تعالى‪ ) :‬سنريهم آياتنا في الفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم‬
‫أنه الحق ‪( ...‬‬
‫ولقد أوضح أحد أعضاء مركز الدعوة في استراليا لمجلة " الرشاد " اليمنية‬
‫في حوار معه قبل سنين أن كبريات الصحف السترالية أشادت بالشيخ‬
‫عبدالمجيد الزنداني ـ المعروف بتبريزه في مجال التفسير العلمي ـ حينما‬
‫زار استراليا ‪ ،‬وألقى هناك عددا ً من المحاضرات ‪،‬وكتبت " المحمديون‬
‫يقفون على جبال العلم " وأضاف هذا العضو أن عددا ً من الساتذة حضروا‬
‫تلك المحاضرات‪ ،‬وعلق أحدهم " حضرت لناقش العلم الذي عندي ‪ ،‬ولكني‬
‫استفدت علما ً آخر !!")‪(103‬‬
‫وقبل أن نقفل الموضوع ل بد من اللماع إلى الشروط الواجب توفرها بمن‬
‫يريد أن يتصدى للتفسير العلمي للقرآن ‪ ،‬وكنا قد أشرنا إلى بعضها إجمال ً‬
‫بين ثنايا الصفحات السابقة ‪.‬‬
‫فل بد لمفسر هذا النوع أن يلم بالعلوم التي اشترطها العلماء لمن يريد أن‬
‫يلج ساحة التفسير ‪،‬منها حفظه للقرآن الكريم ‪،‬ومعرفته لعلم القراءات ‪،‬‬
‫والناسخ والمنسوخ ‪ ،‬وأسباب النزول ‪ ،‬ثم درايته بعلم الحديث ‪،‬وأصول الدين‬
‫‪ ،‬وأصول الفقه ‪ .‬وكذلك معرفته بعلوم اللغة العربية من نحو وصرف و‬
‫بلغة‪.‬وأن يكون على قدر من العلم بالتاريخ والجغرافيا)‪(104‬‬
‫‪ ،‬والعلوم التي تدرس حياة النسان الجتماعية والنفسية ثم نصل إلى دراية‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا المفسر العلمي للقرآن الكريم ـ إن صح لنا هذا التعبير ـ بالعلوم‬


‫التجريبية الحديثة دراية ل بأس فيها ‪ .‬بحيث يتمكن بها من تطبيق ما وصل‬
‫إليه العلم على ما جاء في القرآن الكريم دون حيف أو مغالة ‪ ،‬مراعيا ً المور‬
‫التي حذر علماء التفسير منها ‪ ،‬ومطبقا ً القواعد التي قننوها ‪ ،‬وملتزما ً بالطر‬
‫التي حددوها ‪ ،‬وهي مبسوطة في أكثر كتب علم التفسير المتخصصة ‪.‬‬
‫والحمد لله أول ً و آخرا ً ‪..‬‬
‫)‪ (1‬هود ‪ ،‬آية ‪. 1 :‬‬
‫)‪ (2‬الحزاب ‪ ،‬آية ‪. 40 :‬‬
‫)‪ (3‬الحجر‪. 9 :‬‬
‫)‪ (4‬البقرة ‪. 285 :‬‬
‫)‪ (5‬فتحي عبد القادر فريد ‪ :‬العجاز والقراء ات ‪ ،‬ص ‪ ،10‬ط‪ .‬دار العلوم ‪،‬‬
‫‪1402‬هـ ‪1982/‬م‬
‫)‪ (6‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 11 ،10‬‬
‫)‪(7‬الشعراء ‪. 195-193 :‬‬
‫)‪ (8‬السراء ‪. 88 :‬‬
‫)‪ (9‬هود‪. 13 :‬‬
‫)‪ (10‬البقرة ‪.23 :‬‬
‫)‪ (11‬سبأ ‪.28 :‬‬
‫)‪ (12‬الشعراوي ‪ :‬معجزة القرآن ‪ ،‬ص ‪ ،13-12‬ط‪ .‬الولى ‪ ،‬المختار‬
‫السلمي ‪. 1398/1978 ،‬‬
‫)‪ (13‬مثل قوله تعالى[ ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لخوانهم الذين كفروا‬
‫من أهل الكتاب …الية ] الحشر ‪. 11:‬‬
‫)‪ (14‬مثل قوله [ إذ همت طائفتان منكم أن تفشل والله وليهما…الية ] آل‬
‫عمران ‪.122 :‬‬
‫)‪ (15‬الروم ‪. 6 -1 :‬‬
‫)‪ (16‬الفتح ‪. 27 :‬‬
‫)‪ (17‬سورة المسد ‪.‬‬
‫)‪ (18‬نبيه عبد ربه ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 38-35‬؛ الشعراوي ‪ :‬المرجع‬
‫السابق ‪ ،‬ص ‪. 23 -13‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫)‪ (19‬ليس خبر السراء عنا ببعيد ‪ ،‬إذ أن بعض المسلمين الذين لم تخالط‬
‫بشاشة اليمان قلوبهم ارتدوا عن السلم في بعض الروايات ‪ ،‬ويقول بعض‬
‫المفسرين أن الله أشار إلى المعراج في سورة النجم ‪ ،‬ولم يأت به صريحا ً‬
‫كما في خبر السراء رأفة منه سبحانه بالمؤمنين ‪.‬‬
‫)‪ (20‬الشعراوي ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 39‬‬
‫)‪ (21‬المرجع السابق ‪ ،‬الصفحة نفسها ؛ نبيه عبدربه ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‬
‫‪. 39‬‬
‫)‪ (22‬فصلت ‪. 53 :‬‬
‫)‪ (23‬الروم ‪.7 :‬‬
‫)‪ (24‬الشعراوي ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫)‪ (25‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪48-47‬؛ عبد الحميد دياب وأحمد قرقوز ‪ :‬مع‬
‫الطب في القرآن ‪ ،‬ص ‪ ،11‬ط‪ .‬الثانية ‪ ،‬مؤسسة علوم القرآن ‪،‬‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪. 1402/1982‬‬
‫)‪ (26‬محمد حسين الذهبي ‪ :‬التفسير والمفسرون ‪ ،‬جـ ‪ ، 2‬ص ‪ ، 474‬ط‪.‬‬
‫دار إحياء التراث العربي ‪ ،‬بيروت ‪.‬‬
‫)‪ (27‬الغزالي ‪ :‬إحياء علوم الدين ‪ ،‬جـ ‪ ،1‬ص ‪ ،289‬ط‪ .‬دار المعرفة ‪ ،‬بيروت‬
‫‪.1403/1983‬‬
‫)‪ (28‬الشعراء ‪. 80 :‬‬
‫)‪ (29‬الغزالي ‪ :‬جواهر القرآن ودرره ‪ ،‬ص ‪25‬ـ ‪ ،28‬ط‪ .‬الخامسة ‪ ،‬دار الفاق‬
‫الجديدة ‪.1983 ،‬‬
‫)‪ (30‬الذهبي ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 487‬ومابعدها ‪.‬‬
‫)‪ (31‬النعام ‪. 38 :‬‬
‫)‪ (32‬النحل ‪. 89 :‬‬
‫)‪ (33‬الذهبي ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 477‬‬
‫)‪ (34‬السيوطي ‪ :‬التقان في علوم القرآن ‪ ،‬جـ ‪ ، 2‬ص ‪ 190‬وما بعدها ‪ ،‬ط‪.‬‬
‫دار المعرفة ‪ ،‬بيروت ‪.‬‬
‫)‪ (35‬السيوطي ‪ :‬الكليل في استنباط التنزيل ‪ ،‬ص ‪ ، 11- 5‬ط‪ .‬دار الكتب‬
‫العلمية ‪ ،‬بيروت ‪.‬‬
‫)‪ (36‬الذهبي ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 485،486‬وكتابه الخر ‪ :‬علم التفسير ‪،‬‬
‫ص ‪ 75 ، 74‬ط‪ .‬دار المعارف ‪.‬‬
‫)‪ (37‬على أنه ظهر بعض العلماء الذين بزوا العلماء الوربيين قبل استيلء‬
‫العثمانيين على العالم العربي مثل الشيخ آق شمس الدين ) ت ‪1459‬م (‬
‫الذي كان مؤدبا ً للسلطان محمد الفاتح ) ت ‪886‬هـ‪1481/‬م ( ‪ ،‬فقد اكتشف‬
‫هذا العالم الميكروب قبل الكيميائي الفرنسي لويس باستير ) ت ‪1895‬م (‬
‫بأربعمئة عام ) انظر مقال بهذا الشأن للدكتور محمد حرب في مجلة الهلل‬
‫المصرية ‪ ،‬ص ‪ ،150-164‬يونيه ‪1986 ،‬م (‬
‫)‪ (38‬وقد حاول السلطان العثماني سليم الثالث أن يجدد في الدولة في‬
‫أواخر القرن الثامن عشر الميلدي ‪ ،‬ولكن كان مآله العزل ‪ .‬بيد أن السلطان‬
‫محمود الثاني استطاع القضاء على النكشارية في سنة ‪1826‬م ‪ .‬لمعرفة‬
‫التفاصيل انظر ) محمد فريد بك المحامي ‪ :‬الدولة العلية العثمانية ؛ عبد‬
‫العزيز الشناوي ‪ :‬الدولة العثمانية دولة إسلمية مفترى عليها ؛ محمد أنيس ‪:‬‬
‫الدولة العثمانية والشرق العربي ؛ محمد عبد المنعم الراقد ‪ :‬الغزو العثماني‬
‫لمصر ونتائجه على الوطن العربي ( ‪.‬‬
‫)‪ (39‬على المحافظة ‪ :‬التجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة ‪ ،‬ص‬
‫‪ ، 23‬ط‪ .‬الثالثة ‪ ،‬الهلية للنشر ‪ ،‬بيروت ‪1980 ،‬م ؛ عباس محمود العقاد ‪:‬‬
‫المام محمد عبده ‪ ،‬ص ‪ ، 10-9‬دار نهضة مصر ‪.‬‬
‫)‪ (40‬انظر عبد الرحمن الجبرتي ـ وكان معاصرا ً ـ في كتابه )) تاريخ عجائب‬
‫الثار في التراجم والخبار (( حيث وصف بعض تجارب العلماء الفرنسيين‬
‫الذين جلبهم نابليون معه ‪.‬‬
‫)‪ (41‬كان محمد على قد بعثه مع المبتعثين ليكون إمام صلة لهم ‪.‬‬
‫)‪ (42‬انظر جمال الدين الشيال ‪ :‬رفاعة رافع الطهطاوي ‪ ،‬ص ‪ 25‬وما‬
‫بعدها ‪ ،‬ط‪ .‬الثالثة ‪ ،‬دار المعارف ‪.‬‬
‫)‪ (43‬الذهبي ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 498 ، 497‬؛ الزركلي ‪ :‬العلم ‪ ،‬جـ‬
‫‪ ، 6‬ص ‪ ، 21‬ط‪ .‬الخامسة ‪ ،‬دار العلم للمليين ‪1980 ،‬م ‪.‬‬
‫)‪ (44‬أحمد أمين ‪ :‬زعماء الصلح في العصر الحديث ‪ ،‬ص ‪ ، 114‬ط‪ .‬دار‬
‫الكتاب اللبنابي ‪1979 ،‬م ؛ علي المحافظة ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 75 ، 74‬‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقد ترجم لجمال الدين الفغاني تلميذه محمد عبده في كتاب اسمه " الثائر‬
‫السلمي جمال الدين الفغاني " كما ألحقت دار الهلل حين نشرت هذا‬
‫الكتاب )أكتوبر ‪1973‬م( رسالة " الرد على الدهريين " لجمال الدين نفسه ‪،‬‬
‫ترجمها محمد عبده عن الفارسية ‪ ،‬وفيها رد على داروين ومذهبه في النشوء‬
‫والرتقاء ‪ ،‬و على أمثاله ممن ذهبوا مذهبه ‪.‬‬
‫)‪ (45‬الذهبي ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.498‬‬
‫)‪ (46‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪ 501-498‬؛ العقاد ‪ :‬عبدالرحمن الكواكبي ‪ ،‬ص‬
‫‪ ، 330، 329‬م ‪ ) 17‬ضمن المجموعة الكاملة لمؤلفات العقاد ( ط‪ .‬الولى ‪،‬‬
‫‪1980‬م ‪ ،‬دار الكتاب اللبناني ؛ أحمد أمين ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 249‬وما‬
‫بعدها ) في كتاب العقاد نقول كثيرة من كتابي الكواكبي طبائع الستبداد وأم‬
‫القرى ‪،‬أما أحمد أمين فقد عرض هذين الكتابين في ترجمتة للكواكبي( ‪.‬‬
‫)‪ (47‬عبد القادر عبد الرحيم ‪ :‬المام محمد عبده ومنهجه في التفسير ‪ ،‬ص‬
‫‪ ، 285-284‬ط‪ .‬دار النصار ‪ ،‬القاهرة ‪.‬‬
‫)‪ (48‬المحافظة ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ ) 84‬للطلع على جوانب شخصية‬
‫الشيخ محمد عبده انظر أحمد أمين‪ :‬المرجع السابق ؛ والعقاد ‪ :‬المام محمد‬
‫عبده (‬
‫)‪ (49‬الرافعي ‪ :‬إعجاز القرآن ‪ ،‬ص ‪ ، 127‬ط‪ .‬دار الكتاب العربي ‪ ،‬بيروت ‪.‬‬
‫)‪ (50‬الذهبي ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ ) 609-506‬وقد مل طنطاوي جوهري‬
‫كتابه بصور النباتات والحيوانات والتجارب ليوضح ما يذهب إليه (‬
‫)‪ (51‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 517-510‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫)‪ (52‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪ 518‬؛ عبد الغفار عبدالرحيم ‪ :‬المرجع السابق ‪،‬‬
‫ص ‪. 292‬‬
‫)‪ (53‬انظر مقدمة تفسيره المعروف بـ " تفسير المنار " ‪.‬‬
‫)‪ (54‬في كتابه ‪ :‬التفسير والمفسرون ‪ ،‬جـ ‪ ، 2‬ص ‪.494-491‬‬
‫)‪ (55‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪ 590‬؛ عبد الغفار عبد الرحيم ‪ :‬المرجع السابق ‪،‬‬
‫ص ‪. 292‬‬
‫)‪ (56‬المراغي ‪ :‬تفسير المراغي ‪ ،‬جـ ‪ ، 1‬ص ‪ ، 4 ، 3‬ط‪ .‬الثانية ‪ ،‬دار إحياء‬
‫التراث العربي ‪ 1985 ،‬م ) وهذا التفسير من التفاسير التي ابتعد بها‬
‫مؤلفوها عن التعقيد ‪ ،‬فهو قد يروي ظمأ غير المتخصص ‪ ،‬وقد طبع في‬
‫عشرة مجلدات (‬
‫)‪ (57‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 18‬‬
‫)‪ (58‬الذهبي ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 603 ، 516‬؛ عبد الغفار عبد الرحيم ‪:‬‬
‫المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 293‬‬
‫)‪ (59‬المرجع نفسه ‪ ،‬الصفحة نفسها ؛ محمد عبده يماني ‪ :‬الطباق الطائرة‬
‫) حقيقة أم خيال ( ‪ ،‬ص ‪ ، 62‬ط‪ .‬الولى ‪ ،‬المطابع الهلية ‪ 1400 ،‬هـ‪/‬‬
‫‪1980‬م ‪.‬‬
‫)‪ (60‬سيد قطب ‪ :‬في ظلل القرآن ‪ ،‬جـ ‪ ، 1‬ص ‪ ، 181‬ط‪ .‬التاسعة ‪ ،‬دار‬
‫الشروق ‪1400 ،‬هـ‪1980/‬م ‪.‬‬
‫)‪ (61‬سيد قطب ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 184‬‬
‫)‪ (62‬المرجع نفسه ‪ ،‬انظر ‪ :‬جـ ‪ ، 1‬ص ‪581-580 ، 300 ، 153-152 ،183‬‬
‫‪ ، 610 ،‬جـ ‪ ، 2‬ص ‪، 1161-1154 ، 1121-1116 ، 663 ، 637-633‬‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ، 1166-1164‬جـ ‪ ، 3‬ص ‪، 1793-1791 ، 1782 ، 1406 ، 1272-1270‬‬


‫جـ ‪ ، 4‬ص ‪-2409 ، 2306 ، 2181-2180 ، 2163 ، 1972 ، 1858-1857‬‬
‫‪ ، 2511 ، 2461 ، 2411‬جـ ‪ ، 5‬ص ‪، 2574-2572 ، 2569 ، 2550-2548‬‬
‫‪، 3011 - 3010 ، 2969 ، 2934 ، 2892 ، 2765 ، 2634 ، 2576‬‬
‫‪ ، 3114-3110‬جـ ‪ ، 6‬ص ‪- 3447 ، 3440 - 3436 ، 3387 ، 3262‬‬
‫‪3850 - 3848 ، 3838 ، 3832 ، 3806 ، 3774 ، 3645 ، 3639 ، 3454‬‬
‫‪ . 3888 - 3884 ، 3878 ،‬وقد اعتمد في أكثر الحايين على كتاب أ‪.‬‬
‫كريسبي موريسون ‪ )) :‬النسان ليقوم وحده (( الذي ترجمه محمد صالح‬
‫الفلكي باسم )) العلم يدعو الى اليمان (( ‪ .‬كما نقل كثيرا ً من كتاب )) الله‬
‫والعلم الحديث (( لعبدالرزاق نوفل ‪.‬‬
‫)‪ (63‬ـ مثل سيد قطب للنظريات ‪ :‬كل النظريات الفلكية ‪ ،‬وكل النظريات‬
‫الخاصة بنشأة النسان وتطوره ‪ ،‬وكل النظريات الخاصة بنفس النسان‬
‫وسلوكه ‪ ،‬و كل النظريات الخاصة بنشأة المجتمعات وأطوارها ‪ :‬في ظلل‬
‫القرآن ‪،‬ج ‪ 1‬ص ‪.182‬‬
‫)‪ (64‬ـ العقاد ‪ :‬الفلسفة القرآنية ‪ ،‬ص‪ ،18:‬ط المكتبة العصرية ‪ ،‬بيروت ‪،‬‬
‫‪.1981‬‬
‫)‪ (65‬ـ لين نيكلسون ‪ :‬استكشاف الكواكب ‪ ،‬ترجمة نقول شاهين ‪ ،‬ص ‪14‬‬
‫ط معهد النماء العربي ) وهذه النظرية افترضها العالم الفرنسي لبلس عام‬
‫‪ 1796‬م ‪ :‬المرجع السابق ‪ :‬نفس الصفحة ( ‪.‬‬
‫)‪ (66‬ـ سورة النبياء ‪ :‬آية ‪30‬‬
‫)‪ (67‬ـ مثل عبدالرحمن الكواكبي ‪ :‬انظر الذهبي ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪:‬‬
‫‪ ،499‬العقاد ‪ :‬عبدالرحمن الكواكبي ‪ :‬ص ‪329‬‬
‫)‪(68‬ـ فصلت ‪ :‬آية ‪ ] 11‬و قد مال د‪ .‬محمد عبده يماني إلى عدم حشر‬
‫اليات القرآنية في مثل هذه النظريات [ نظرات علمية حول غزو الفضاء ‪،‬‬
‫ص‪ ،59 :‬ط الثانية ‪ ،‬دار الشروق ‪1400 ،‬‬
‫)‪ (69‬ـ نيكلسون ‪ :‬المرجع السابق ‪ :‬ص ‪ ، 15 ، 14‬والعقاد ‪ :‬السلم دعوة‬
‫عالمية ‪ ،‬ص ‪ 206 -205 :‬ط المكتبة العصرية ‪1981‬‬
‫)‪ (70‬ـ سورة الذاريات ‪ :‬آية ‪47‬‬
‫)‪(71‬ـ محمد عبده ‪ :‬يماني ‪ :‬نظرات حول غزو الفضاء ‪ ،‬ص ‪ ، 23:‬وموريس‬
‫بوكاي ‪ :‬التوراة والنجيل والقرآن والعلم ‪ ،‬ترجمة نخبة من الدعاة ‪ ،‬ص ‪:‬‬
‫‪ 151‬ـ ط الول ‪ ،‬دار الكندي ‪ ،‬بيروت ‪.‬‬
‫)‪ (72‬ـ العقاد ‪ :‬عبد الرحمن الكواكبي ‪ :‬ص ‪ ،330 :‬وكتابه ‪ :‬السلم دعوة‬
‫عالمية ‪ ،‬ص‪ ) 209 – 206 :‬وفيه رد على هذا الرأي ‪ .‬وانظر رد الشيخ‬
‫الشعراوي على ذلك في تفسير لسورة الفيل في كتابه ‪ :‬المنتخب من تفسير‬
‫القرآن ‪ .‬حـ ‪ ، 1‬ص‪ ، 84 -82 :‬ط دار العودة ‪ ،‬بيروت ‪.‬‬
‫)‪(73‬ـ فكرة حفر قناة السويس فكرة قديمة ‪ ،‬فهناك محاولت في هذا‬
‫الصدد من قبل الفراعنة ثم الفرس الذين استولوا على مصر قبل الميلد ثم‬
‫الرومان ثم في العصر السلمي ‪ ،‬ولكن لم تحفر على الصفة الحالية إل في‬
‫النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلدي ‪.‬‬
‫)‪ (74‬ـ قرأت ذلك في صحيفة " المسلمون" ‪ ،‬ولكني ل أذكر العدد ) ومن‬
‫هذه النزهات قول بعضهم أن القرآن الكريم فيه إثبات لصل البترول ‪.‬‬
‫فالبترول ـ كما هو معروف ـ نشأ ـ كما تقول النظرية ـ من حيوانات ونباتات‬
‫قديمة متحجرة منذ آلف السنين ‪ ،‬وبفعل الضغط والحرارة تكون هذا‬
‫البترول ‪ .‬فحمل بعضهم آية ) قل كونوا حجارة أو حديدا ً أو خلقا ً مما يكبر في‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صدوركم ‪ ...‬الية ( وبعض اليات الخرى على أن القرآن فيه إثبات لصل‬
‫البترول ‪.‬‬
‫)‪(75‬ـ سورة النمل ‪ :‬آية ‪88 :‬‬
‫)‪ (76‬ـ الشعراوي ‪ :‬معجزة القرآن ‪،‬ص ‪ ) 53-50 :‬وله تأويل في صرف هذه‬
‫الية على أنها في الدنيا ل في الخرة ( و مصطفى محمود ‪ :‬القرآن ) محاولة‬
‫لفهم عصري ( ص ‪ ، 57-56 :‬ط الثالثة ‪ ،‬دار المعارف ‪.‬‬
‫)‪ (77‬ـ سورة الرحمن ‪ :‬آية ‪33 :‬‬
‫)‪(78‬ـ موريس بوكاى ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ ، 152 :‬ومحمد عبده يماني ‪:‬‬
‫نظرات علمية ‪ ،‬ص ‪59:‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫)‪ (79‬ـ عبد الرزاق نوفل ‪ :‬معجزة الرقام و الترقيم في القرآن الكريم ‪،‬‬
‫ص ‪ ، 54-50 :‬ص ‪ 70 :‬و ما بعدها ‪ ،‬ط دار الكتاب العربي بيروت ‪/ 1403‬‬
‫‪ ، 1983‬مصطفى محمود ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪72 - 71:‬‬
‫)‪ (80‬ـ الذهبي ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪509 - 489:‬‬
‫)‪ (81‬ـ هناك اكتشافات جديدة في مجال علم الثار عن التاريخ القديم وغيره‬
‫‪ ،‬تظهر بين آونة وأخرى ‪ ،‬فيحاول البعض ربطها بالقرآن الكريم و كأنها القول‬
‫الفصل ‪.‬‬
‫)‪ (82‬ـ للتعرف على بعض أغراض القصص في القرآن الكريم ‪ :‬انظر سيد‬
‫قطب ‪ ،‬التصوير الفني في القرآن ‪ ،‬ص‪120 :‬و ما بعدها ط‪ .‬التاسعة ‪ ،‬دار‬
‫المعارف‪.‬‬
‫)‪ (83‬لمعرفة أخبار السكندر المقدوني ‪ :‬انظر ‪ :‬العقيد محمد أسد الله‬
‫صفا ‪ :‬السكندر المكدوني الكبير ‪ ،‬ط‪ .‬دار النفائس ‪ ،‬ومن المعلوم أن معلم‬
‫السكندر كان الفيلسوف المعروف "أرسطو"‬
‫)‪ (84‬ـ ابن كثير ‪ :‬البداية والنهاية ج ‪ ، 2‬ص‪ ، 106-105:‬ط مكتبة دار‬
‫المعارف ) وقد قال أن السكندر المؤمن هذا كان معلمه الخضر ( وقد رجح‬
‫أبو الكلم أزاد في كتابه " ويسألونك عن ذي القرنين " أن يكون المقصود هو‬
‫"قورش " مؤسس المبراطورية الخيمينية المتوفى سنة ‪ 529‬ق‪.‬م‬
‫)‪(85‬ـ موريس بوكاى ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 201 :‬و ما بعدها ‪ ،‬و عبد‬
‫الوهاب النجار ‪ :‬قصص النبياء ‪ ،‬ص‪ 203 – 202:‬ط دار إحياء التراث‬
‫العربي ‪.‬‬
‫)‪ (86‬ـ عبد الرزاق نوفل ‪ :‬معجزة الرقام ‪ ،..‬ص‪37:‬‬
‫)‪ (87‬ـ سيد قطب ‪ :‬في ظلل القرآن ‪ ،‬جـ ‪ ، 1‬ص‪ ، 184 ، 182 :‬جـ ‪ ، 4‬ص‪:‬‬
‫‪ ، 2376‬جـ ‪ 6‬ص‪3451:‬‬
‫)‪ (88‬ـ المرجع السابق ‪ :‬ج ‪،4‬ص ‪، 2376:‬ج ‪، 6‬ص‪ )3451:‬وأرجع سيد‬
‫قطب الركض وراء النظريات العلمية أو تعليق الحقائق العلمية بالقرآن ـ‬
‫ن كلها ل يليق بجلل القرآن‬ ‫أرجعه إلى خطأ منهجي أساسي ‪ ،‬وإلى ثلث معا ٍ‬
‫‪ -1 :‬الهزيمة الداخلية التي أطبقت على البعض بأن العلم هو المهيمن‬
‫والقرآن تابع ‪ -2 .‬إن فيها سوء فهم لطبيعة القرآن ووظيفته ‪ -3 .‬التأويل‬
‫المتكلف لنصوص القرآن‪ . ،‬انظر ج ‪ 1‬ص‪ ، 182 :‬ج ‪ ، 4‬ص‪ 1858 :‬من‬
‫الظلل (‬
‫)‪ (89‬ـ مصطفى محمود ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ ، 73:‬موريس بوكاى‪ :‬المرجع‬
‫السابق ‪ ،‬ص‪167 :‬‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (90‬ـ سيد قطب ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ج ‪ ، 5‬ص‪2968- 2967 :‬‬
‫)‪ (91‬ـ انظر على سبيل المثال ‪ :‬سورة يس آية ‪ ، 36:‬والذاريات آية ‪49:‬‬
‫)‪ (92‬ـ انظر تحليل ذلك في كتاب ‪ :‬عبدالمجيد دياب ‪ ..‬مع الطب في القرآن‬
‫الكريم ‪ ،‬ص‪ ، 22– 21 :‬وموريس بوكاى ‪ :‬المرجع السابق ص‪ 162:‬وعلق‬
‫هذا الخير أن هذه الظاهرة قد تكون معروفة لدى العرب آنذاك ‪ .‬كما استبعد‬
‫الرأي الذي يقول أن هذه الية تدل على التنبؤ بغزو الفضاء ‪.‬‬
‫)‪ (93‬ـ انظر سورة المؤمنون ‪15- 12 :‬‬
‫)‪ (94‬ـ الشعراوي ‪ :‬المرجع السابق ‪ :‬ص ‪ ، 34، 33:‬بوكاى ‪ :‬المرجع السابق‬
‫‪ :‬ص‪ 178 – 177 :‬وعبد الحميد دياب ‪ :‬المرجع السابق ‪ :‬ص‪ 80 :‬وما‬
‫بعدها ‪ ،‬مصطفى محمود المرجع السابق ‪ :‬ص‪ ، 73:‬عبدالرزاق نوفل ‪:‬‬
‫معجزة الرقام‪ :‬ص‪41- 40:‬‬
‫)‪(95‬ـ تقرير حول المؤتمر السلمي الطبي الدولي الول في مجلة منار‬
‫السلم ‪ :‬ص‪ 50 :‬العدد الثالث ‪ ،‬السنة ‪ 11‬ربيع الول ‪1406‬هـ‬
‫)‪ (96‬ـ للطلع على ذلك ‪ :‬أنظر ‪ :‬المرجع السابق ‪ :‬ص‪ ، 61:‬وعبد الحميد‬
‫دياب ‪ :‬المرجع السابق ص‪ 133 :‬و ما بعدها ‪ ،‬د‪ .‬محمد محمد هاشم ‪ :‬الدوية‬
‫في القرآن ‪ ،‬ص‪ 65 – 62:‬ط الدار السعودية ‪ ، 1403/1983 ،‬مصطفى‬
‫محمود ‪ :‬المرجع السابق ص‪ ، 109 :‬وللدكتور محمد علي البار كتاب " عن‬
‫المراض الجنسية أسبابها وعلجها"‪.‬‬
‫)‪ (97‬ـ سورة البقرة ‪ ،‬آية ‪222‬‬
‫)‪ (98‬ـ د‪.‬عبد الحميد دياب ‪ :‬المرجع السابق ‪ :‬ص‪ ، 48 ،47 :‬وقد أشار‬
‫موريس بوكاى إلى ذلك ‪ :‬المرجع السابق ص‪180 :‬‬
‫)‪ (99‬ـ سورة النور ‪:‬الية ‪30:‬‬
‫)‪ (100‬ـ ابن قيم ‪ :‬إغاثة اللهفان من مصائب الشيطان ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص‪46– 44 :‬‬
‫ط الولى دار التراث العربي‬
‫)‪ (101‬ـ أشار إلى ذلك د‪ .‬صادق محمد صادق في المؤتمر الطبي الولى‪:‬‬
‫مجلة المنار السلم ‪ :‬المرجع السابق ‪ :‬ص‪58 - 57 :‬‬
‫)‪(102‬ـ عبدالرزاق نوفل دراسة عن آثار الصيام على النسان في كتابة "‬
‫علم وبيان ‪ "..‬ص‪40 - 26 :‬‬
‫)‪ (103‬ـ مجلة الرشاد ‪ :‬ص‪ ، 34:‬العدد الخامس ‪ ،‬السنة التاسعة ‪ ،‬جمادى‬
‫الولى ‪1407‬هـ‬
‫)‪ (104‬ـ الذهبي ‪ :‬المرجع السابق ‪ :‬ج ‪ ،1‬ص‪268 ،265 :‬وكتابه الخر ‪ :‬علم‬
‫التفسير ‪ ،‬ص‪55- 53 :‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫التفسير بالرأي‬
‫مفهومه‪ ..‬حكمه‪ ..‬أنواعه )‪(1/2‬‬
‫مساعد الطيار‬
‫مفهوم الرأي‪:‬‬
‫ً‬
‫الرأي‪ :‬مصدر رأى رأيا‪ .‬مهموز‪ ،‬وُيجمع على آراء وأرءاٍء‪.‬‬
‫والرأي‪ :‬التفك ُّر في مبادئ المور‪،‬ونظر عواقبها‪،‬وعلم ما تؤول إليه من الخطأ‬
‫والصواب)‪.(1‬‬
‫َ‬
‫ل المفسر عقله في فهْم ِ القرآن‪ ،‬والستنباط منه‪،‬‬ ‫م َ‬
‫والتفسير بالرأي‪ :‬أن ي ُعْ ِ‬
‫ة في التفسير‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫ت مرادف ٌ‬ ‫مستخدما ً آلت الجتهاد‪ .‬وي َرِد ُ للرأي مصطلحا ٌ‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جعِ َ‬
‫ل‬ ‫ل‪ ،‬ولذا ُ‬‫ي‪ :‬العق ُ‬ ‫التفسير العقلي‪ ،‬والتفسير الجتهادي‪ .‬ومصدر الرأ ِ‬
‫ي مرادفا ً للتفسير بالرأي‪.‬‬ ‫التفسيُر العقل ُ‬
‫ل التفسيُر بالجتهادِ مرادفا ً‬ ‫جعِ َ‬
‫والقول بالرأي‪ :‬اجتهاد ٌ من القائل به‪ ،‬ولذا ُ‬
‫للتفسير بالرأي‪.‬‬
‫ة‪ ،‬ولذا فإن استنباطات المفسرين من‬ ‫ونتيجة الرأي‪ :‬استنباط حكم أو فائد ٍ‬
‫ل القول بالرأي‪.‬‬ ‫قَِبي ِ‬
‫واعُ الّرأي‪ ،‬وموقف السلف منها‪ :‬يحمل مصطلح )الرأي( حساسية خاصة‪،‬‬ ‫َ‬
‫أن ْ َ‬
‫تجعل بعضهم يقف منه موقف المترّدد؛ ذلك أنه ورد عن السلف‪ ،‬آثاٌر في‬
‫مه‪.‬‬‫ذ ّ‬
‫ن المستقرئ ما ورد عنهم في هذا الباب )أي‪ :‬الرأي( يجد إعمال ً منهم‬ ‫ب َي ْد َ أ ّ‬
‫للرأي‪ ،‬فما موقف السلف في ذلك؟‬
‫م نتبّين موقفهم منه‪.‬‬ ‫لنعرض بعض أقوالهم في ذلك‪ ،‬ث ّ‬
‫م الرأي‪:‬‬ ‫ل في ذ ّ‬ ‫أقوا ٌ‬
‫‪ -1‬ورد عن فاروق المة عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قوله‪) :‬اتقوا‬
‫الرأي في دينكم()‪.(2‬‬
‫وقال‪) :‬إياكم وأصحاب الرأي؛ فإنهم أعداء السنن‪ .‬أعيتهم الحاديث أن‬
‫يحفظوها‪ ،‬فقالوا برأيهم‪ ،‬فضّلوا وأضلوا()‪.(3‬‬
‫‪ -2‬وورد عن الحسن البصري )ت‪ (110 :‬قوله‪) :‬اتهموا أهواءكم ورأيكم على‬
‫دين الله‪ ،‬وانتصحوا كتاب الله على أنفسكم ودينكم()‪.(4‬‬
‫ل الرأي‪:‬‬‫ل في إعما ِ‬ ‫أقوا ٌ‬
‫م‬‫ورد عن عمر بن الخطاب والحسن البصري ‪ -‬اللذين نقلت قول ً لهما بذ ّ‬
‫ل على إجازتهما إعمال الرأي‪ ،‬وهذه القوال‪:‬‬ ‫الرأي ما يد ّ‬
‫‪ -1‬أما ما ورد عن عمر فقوله لشريح ‪ -‬لما بعثه على قضاء الكوفة‪) :‬انظر ما‬
‫تبين لك في كتاب الله؛ فل تسأل عنه أحدًا‪ ،‬وما لم يتبّين لك في كتاب الله‪،‬‬
‫فاتبع فيه سنة رسول الله لله‪ ،‬وما لم يتبّين لك فيه سنة‪ ،‬فاجتهد رأيك()‪.(5‬‬
‫ما ما ورد عن الحسن‪ ،‬فإن أبا سلمة بن عبد الرحمن سأله‪ :‬أريت ما‬ ‫‪ -2‬أ ّ‬
‫يفتى به الناس‪ ،‬أشيٌء سمعته أم برأيك؟‬
‫ً‬
‫ن َراَينا لهم خيٌر من‬ ‫فقال الحسن‪ :‬ما كل ما يفتى به الناس سمعناه‪ ،‬ولك ّ‬
‫رأيهم لنفسهم()‪.(6‬‬
‫هذان عََلمان من أعلم السلف ورد عنهما قولن مختلفان في الظاهر‪ ،‬غير‬
‫أنك إذا تدّبرت قولهم‪ ،‬تبّين لك أن الرأي عندهم نوعان‪:‬‬
‫* رأي مذموم‪ ،‬وهو الذي وقع عليه نهيهم‪.‬‬
‫* ورأي محمود‪ ،‬وهو الذي عليه عملهم‪.‬‬
‫ل بهذا أوقعت التناقض في أقوالهم‪ ،‬كما قال ابن عبد الب َّر )ت‪:‬‬ ‫ق ْ‬
‫وإذا لم ت َ ُ‬
‫ً‬
‫فظ عنه أنه قال وأفتى مجتهدا‪) :‬ومن أهل البصرة‪:‬‬ ‫ح ِ‬
‫‪463‬هـ( ‪ -‬لما ذكر من ُ‬
‫م القياس‪ ،‬ومعناه‬ ‫الحسن وابن سيرين‪ ،‬وقد جاء ‪ -‬عنهما وعن الشعبي ‪ -‬ذ ّ‬
‫ل؛ لئل يتناقض ما جاء عنهم()‪ .(7‬والقياس‪ :‬نوع من‬ ‫س على غيرِ أص ٍ‬ ‫عندنا قيا ٌ‬
‫الرأي؛ كما سيأتي‪.‬‬
‫العلوم التي يدخلها الرأي‪:‬‬
‫يدخل الرأي في كثير من العلوم الدينية‪ ،‬غير أنه يبرز في ثلثة علوم‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫علم التوحيد‪ ،‬وعلم الفقه‪ ،‬وعلم التفسير‪.‬‬
‫أما علم التوحيد‪ ،‬فيدخله الرأي المذموم‪ ،‬ويسمى الرأي فيه‪) :‬هوىً وبدعة(‪.‬‬
‫ولذا تجد في كثير من كتب السلف مصطلح‪) :‬أهل الهواء والبدع(‪ ،‬وهم‬
‫الذين قالوا برأيهم في ذات الله ‪ -‬سبحانه‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأما علم الفقه‪ ،‬فيدخله الرأيان‪ :‬المحمود والمذموم‪ ،‬ويسمى الرأي فيه‪:‬‬
‫ت للسلف تنهى عن القياس أو‬ ‫)قياسًا(‪ ،‬كما يسمى رأيًا‪ ،‬ولذا تجد بعض عبارا ٍ‬
‫الرأي في فروع الحكام‪ ،‬والمراد به القياس والرأي المذموم‪.‬‬
‫وأما علم التفسير‪ ،‬فيدخله الرأيان‪ :‬المحمود والمذموم‪ ،‬ويسمى فيه‪) :‬رأيًا(‪،‬‬
‫ف عند السلف‪ ،‬وإنما ورد مؤخرا ً مصطلح‪) :‬التفسير‬ ‫ولم يرد له مراد ٌ‬
‫العقلي(‪.‬‬
‫وبهذا يظهر أن ما ورد من نهي السلف عن الرأي فإنه يلحق أهل الهواء‬
‫ي‬
‫س أو رأ ٍ‬ ‫ل قيا ٍ‬ ‫والبدع‪ ،‬وأهل القياس الفاسد‪ ،‬والرأي المذموم؛ إذ ليس ك ّ‬
‫فاسدا ً أو مذمومًا‪.‬‬
‫ل بالّرأي‪:‬‬ ‫قو ْ ِ‬‫م ال َ‬‫حك ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ً‬
‫سيكون الحديث في حكم الرأي المتعلق بالعلوم الشرعية عموما ‪ -‬وإن كان‬
‫يغلب عليه الرأي والقياس في الحكام ‪ -‬وقد سبق أن الرأي نوعان‪ :‬رأي‬
‫مذموم‪ ،‬ورأي محمود‪.‬‬
‫م‪:‬‬
‫مو ُ‬ ‫مذ ْ ُ‬‫ل‪ :‬الّرا ًيُ ال َ‬ ‫أو ً‬
‫ورد النهي عن هذا النوع في كتاب الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬وسنة نبّيه لله‪ ،‬كما ورد نهي‬
‫السلف عنه‪.‬‬
‫حد ّ الرأي المذموم‪ :‬أن يكون قول ً بغير علم ٍ وهو نوعان‪ :‬علم فاسد ينشأ‬ ‫و َ‬
‫عنه الهوى‪ ،‬أو علم غير تام وينشأ عنه الجهل‪ ،‬ويكون منشؤه الجهل أو‬
‫الهوى‪.‬‬
‫وهذا الحد ّ مستنبط من كتاب الله وسنة رسوله لله‪.‬‬
‫ما من كتاب الله فما يلي‪:‬‬ ‫أ ّ‬
‫ن َوالث ْ َ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ما ب َط َ‬ ‫من َْها وَ َ‬ ‫َ‬
‫ما ظهََر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ح َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ف َ‬‫ي ال َ‬
‫م َرب ّ َ‬
‫حّر َ‬
‫ما َ‬‫ل إن ّ َ‬‫‪ -1‬قوله ‪ -‬تعالى‪)) :‬قُ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫حقّ وََأن ت ُ ْ‬
‫قولوا عَلى‬ ‫سلطانا وَأن ت َ ُ‬ ‫ل ب ِهِ ُ‬ ‫م ي ُن َّز ْ‬‫ما ل ْ‬ ‫ُ‬
‫شرِكوا ِباللهِ َ‬ ‫ي ب ِغَي ْرِ ال َ‬‫َوال ْب َغْ َ‬
‫ن(( ]العراف‪.[33 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫ما ل ت َعْل َ ُ‬ ‫الل ّهِ َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن )‪(168‬‬ ‫مِبي ٌ‬‫م عَد ُوّ ّ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬‫ن إن ّ ُ‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫وا ِ‬ ‫خط ُ َ‬ ‫‪ -2‬وقوله ‪ -‬تعالى‪َ)) :‬ول ت َت ّب ُِعوا ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫سوِء َوال ْ َ‬
‫ن(( ]البقرة‪:‬‬ ‫مو َ‬ ‫ما ل ت َعْل ُ‬ ‫قولوا عَلى اللهِ َ‬ ‫شاِء وَأن ت َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ف ْ‬ ‫كم ِبال ّ‬‫مُر ُ‬ ‫ما ي َا ً ُ‬ ‫إن ّ َ‬
‫‪.[169 ،168‬‬
‫ف َ‬
‫ؤاد َ‬ ‫ْ‬
‫صَر َوال ُ‬ ‫ْ‬
‫معَ َوالب َ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مإ ّ‬ ‫ْ‬
‫عل ٌ‬ ‫َ‬
‫س لك ب ِهِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ما لي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ف َ‬‫ق ُ‬ ‫‪ -3‬وقوله ‪ -‬تعالى‪َ)) :‬ول ت َ ْ‬
‫ل(( ]السراء‪.[36 :‬‬ ‫سُئو ً‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬‫ن عَن ْ ُ‬
‫كا َ‬‫ك َ‬ ‫ل أ ُوْل َئ ِ َ‬‫كُ ّ‬
‫في هذه اليات نهي وتشنيع على القول على الله بغير علم؛ ففي الية الولى‬
‫جعله من المحّرمات‪ ،‬وفي الية الثانية جعله من اتباع خطوات الشيطان‪،‬‬
‫ل على عدم جواز القول‬ ‫وفي الية الثالثة جعله منهيا ً عنه‪ .‬وفي هذا كّله دلي ٌ‬
‫على الله بغير علم‪.‬‬
‫وأما في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫فإن من أصرح ما ورد فيها قوله‪) :‬إن الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬ل يقبض العلم انتزاعا ً‬
‫ينتزعه من الناس‪ ،‬ولكن يقبض العلماء‪ ،‬فيقبض العلم‪ ،‬حتى إذا لم يترك‬
‫ل‪ ،‬فأفتوا بغير علم‪ ،‬فضلوا وأضلوا( رواه‬ ‫عالمًا‪ ،‬اتخذ الناس رؤساء ُ‬
‫جّها ً‬
‫م الرأي‬ ‫ب ما يذكر من ذ ّ‬ ‫البخاري في كتاب العتصام‪ ،‬وترجم له بقوله‪) :‬با ُ‬
‫وتكلف القياس()‪.(8‬‬
‫ما ما ورد عن السلف‪ ،‬فمنها‪:‬‬ ‫وأ ّ‬
‫‪ -1‬ما سبق ذكره عن عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬والحسن البصري ‪-‬‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رحمه الله ‪ -‬من نهيهما عن الرأي‪.‬‬


‫ّ‬
‫‪ -2‬عن مسروق )ت‪63 :‬هـ( قال‪) :‬من يرغب برأيه عن أمر الله يضل()‪.(9‬‬
‫‪ -3‬وقال الزهري )ت‪124 :‬هـ(‪) :‬إياكم وأصحاب الرأي‪ ،‬أعيتهم الحاديث أن‬
‫يعوها()‪.(10‬‬
‫قل عنه ذم الرأي أو القياس ابن مسعود )ت‪33 :‬هـ( من الصحابة‪،‬‬ ‫وممن ن ُ ِ‬
‫وابن سيرين )ت‪110 :‬هـ( من تابعي الكوفة‪ ،‬وعامر الشعبي )ت‪104 :‬هـ(‬
‫من تابعي الكوفة‪ ،‬وغيرهم)‪.(11‬‬
‫صور الرأي المذموم‪:‬‬
‫ور الجانب الفقهي؛‬ ‫ص َ‬‫ذكر العلماء صورا ً للرأي المذموم‪ ،‬ويطغى على هذه ال ّ‬
‫لكثرة حاجة الناس له‪ ،‬حيث يتعّلق بحياتهم ومعاملتهم‪ .‬ومن هذه الصور ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬القياس على غير أصل)‪.(12‬‬
‫‪ -2‬قياس الفروع على الفروع)‪.(13‬‬
‫‪ -3‬الشتغال بالمعضلت)‪.(14‬‬
‫‪ -4‬الحكم على ما لم يقع من الّنوازل)‪.(15‬‬
‫‪ -5‬ترك النظر في السنن اقتصارا ً على الرأي‪ ،‬والكثار منه)‪.(16‬‬
‫ص بالرأي‪ ،‬وتكلف لرد ّ النص بالتأويل)‪.(17‬‬ ‫‪ -6‬من عارض الن ّ‬
‫ضروب البدع العقدية المخالفة للسنن)‪.(18‬‬ ‫‪ُ -7‬‬
‫هذه بعض الصور التي ذكرها العلماء في الرأي المذموم‪ ،‬وسيأتي صور أخرى‬
‫ص التفسير‪.‬‬ ‫تخ ّ‬
‫ثانيًا‪ :‬الرأي المحمود‪:‬‬
‫ل به الصحابة والتابعون ومن بعدهم من‬ ‫م َ‬‫هذا النوع من الرأي هو الذي عَ ِ‬
‫م)‪ ،(19‬وما كان كذلك فإنه خارج‬ ‫ً‬
‫ده أن يكون مستندا إلى عل ٍ‬ ‫مة‪ ،‬وح ّ‬ ‫علماء ال ّ‬
‫م الذي ذكره السلف في الرأي‪.‬‬ ‫عن معنى الذ ّ‬
‫ومن أدلة جواز إعمال الرأي المحمود ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬مفهوم اليات السابقة والحديث المذكور في أدلة النهي عن الرأي‬
‫المذموم؛ لنها كلها تدل على أن القول بغير علم ل يجوز‪ ،‬ويفهم من ذلك أن‬
‫القول بعلم يجوز‪.‬‬
‫‪ -2‬فعل السلف وأقوالهم‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫أ ‪ -‬عن عبد الرحمن بن يزيد قال‪ :‬أكثَر الناس على عبد الله )يعني‪ :‬ابن‬
‫مسعود( يسألونه‪ ،‬فقال‪ :‬أيها الناس إنه قد أتى علينا زمان نقضي ولسنا‬
‫هناك‪ ،‬فمن ابتلي بقضاٍء بعد اليوم فليقض بما في كتاب الله‪ ،‬فإن أتاه ما‬
‫ه نبّيه ‪ -‬فليقض بما قضى به الصالحون‪ ،‬فإن‬ ‫قل ْ ُ‬
‫ليس في كتاب الله ‪ -‬ولم ي َ ُ‬
‫أتاه أمر لم يقض به الصالحون ‪ -‬وليس في كتاب الله‪ ،‬ولم يقل فيه نبّيه ‪-‬‬
‫ن ذلك‬ ‫ن‪ ،‬وب َي ْ َ‬
‫ن‪ ،‬والحرام ب َي ّ ٌ‬ ‫فليجتهد رأيه‪ ،‬ول يقول‪ :‬أخاف وأرى‪ ،‬فإن الحلل ب َي ّ ٌ‬
‫أموٌر مشتبهات‪ ،‬فدعوا ما يريبكم إلى ما ل يريبكم()‪.(20‬‬
‫قال ابن عبد البر )ت‪463 :‬هـ( معلقا ً على هذا القول‪) :‬هذا يوضح لك أن‬
‫ل يضاف إليها التحليل والتحريم‪ ،‬وأنه ل يجتهد‬ ‫الجتهاد ل يكون إل على أصو ٍ‬
‫ل على‬ ‫جز له أن ُيحي َ‬ ‫إل عالم بها‪ ،‬ومن أشكل عليه شيٌء لزمه الوقوف‪ ،‬ولم ي َ ُ‬
‫ل‪ .‬وهذا ل خلف‬ ‫ل ول هو في معنى أص ٍ‬ ‫الله قول ً في دينه ل نظير له من أص ٍ‬
‫فيه بين أئمة المصار قديما ً وحديثًا؛ فتدّبره()‪.(21‬‬
‫ب ‪ -‬وعن الشعبي )ت‪104 :‬هـ( قال‪ :‬لما بعث عمُر شريحا ً على قضاء‬
‫الكوفة قال له‪ :‬انظر ما تبّين لك في كتاب الله فل تسأل عنه أحدًا‪ ،‬وما لم‬
‫يتبّين لك في كتاب الله فاّتبع فيه سنة رسول الله ‪ ،-‬وما لم يتبين لك فيه‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السنة فاجتهد رأيك()‪.(22‬‬


‫ي بن كعب عن شيٍء؛ فقال‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ج ‪ -‬وعن مسروق )ت‪63 :‬هـ( قال‪ :‬سألت أب َ ّ‬
‫أكان هذا؟‬
‫قلت‪ :‬ل‪.‬‬
‫منا )أي‪ :‬اتركنا أو أرحنا( حتى يكون؛ فإذا كان اجتهدنا لك رأينا()‬ ‫قال‪ :‬فأج ّ‬
‫‪.(23‬‬
‫سير‪:‬‬‫ف ِ‬
‫الّرأيُ ِفي الت ّ ْ‬
‫اعلم أن ما سبق كان مقدمة للدخول في الموضوع الساس‪ ،‬وهو التفسير‬
‫بالرأي‪ ،‬وكان ل بد ّ لهذا البحث من هذا المدخل‪ ،‬وإن كان الموضوع متشابكا ً‬
‫يصعب تفكيك بعضه عن بعض‪ ،‬ولذا سأحرص على عدم تكرار ما سبق‪،‬‬
‫وسأكتفي بالحالة عليه‪ ،‬إن احتاج المر إلى ذلك‪.‬‬
‫وسأطرح في هذا ثلثة موضوعات‪:‬‬
‫الول‪ :‬موقف السلف من القول في التفسير‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنواع الرأي في التفسير‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬التفسير بين المأثور والرأي‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫دة؛ كشروط القول بالرأي‪ ،‬وأدلة جواز‬ ‫وسيتخّلل هذه الموضوعات مسائل ِ‬
‫ع ّ‬
‫الرأي في التفسير‪ ،‬وصور الرأي المذموم‪ ....‬إلخ‪ ،‬وإليك الن تفصيل هذه‬
‫الموضوعات‪:‬‬
‫ل‪ :‬موقف السلف من القول في التفسير‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫التفسير‪ :‬بيان لمراد الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬بكلمه‪ ،‬ولما كان كذلك‪ ،‬فإن المتصدي‬
‫للتفسير عرضة لن يقول‪ :‬معنى قول الله كذا‪.‬‬
‫ثم قد يكون المر بخلف ما قال‪ .‬ولذا قال مسروق بن الجدع )ت‪63 :‬هـ(‪:‬‬
‫)اتقوا التفسير؛ فإنما هو الرواية عن الله ‪ -‬عز وجل(‪.‬‬
‫وقد اتخذ هذا العلم طابعا ً خاصا ً من حيث توّقي بعض السلف وتحرجهم من‬
‫القول في التفسير‪ ،‬حتى كان بعضهم إذا سئل عن الحلل والحرام أفتى‪ ،‬فإذا‬
‫سئل عن آية من كتاب الله سكت كأن لم يسمع‪.‬‬
‫ومن هنا يمكن القول‪ :‬إن السلف ‪ -‬من حيث التصدي للتفسير ‪ -‬فريقان‪:‬‬
‫فريق تكّلم في التفسير واجتهد فيه رأيه‪ ،‬وفريق توّرع فق ّ‬
‫ل أو ن َد َُر عنه القول‬
‫في التفسير‪.‬‬
‫ل رأيه فيه عمر بن الخطاب )ت‪23 :‬هـ( وعلي‬ ‫ق َ‬‫وممن تكلم في التفسير ون ُ ِ‬
‫بن أبي طالب )ت‪40:‬هـ( وابن مسعود )ت‪33 :‬هـ( وابن عباس )ت‪67 :‬هـ(‬
‫وغيرهم من الصحابة‪.‬‬
‫ومن التابعين وأتباعهم‪ :‬مجاهد بن جبر )ت‪103 :‬هـ( وسعيد بن جبير )ت‪:‬‬
‫‪95‬هـ( وعكرمة مولى ابن عباس )ت‪107 :‬هـ( والحسن البصري )ت‪:‬‬
‫‪110‬هـ( وقتادة )ت‪117 :‬هـ( وأبو العالية )ت‪93 :‬هـ( وزيد بن أسلم )ت‪:‬‬
‫‪136‬هـ( وإبراهيم النخعي )ت‪96 :‬هـ( ومحمد ابن كعب القرظي )ت‪117 :‬هـ(‬
‫وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم )ت‪182 :‬هـ( وعبد الملك بن جريج )ت‪:‬‬
‫‪150‬هـ( ومقاتل بن سليمان )ت‪150 :‬هـ( ومقاتل بن حيان )ت‪150 :‬هـ(‬
‫وإسماعيل السدي )ت‪127 :‬هـ( والضحاك بن مزاحم )ت‪105 :‬هـ( ويحيى بن‬
‫سلم )ت‪200 :‬هـ(‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وأما من توّرع في التفسير فجمعٌ من التابعين )‪ (24‬من أهل المدينة‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والكوفة‪.‬‬
‫أما أهل المدينة‪ ،‬فقال عنهم عبيد الله بن عمر‪ :‬لقد أدركت فقهاء المدينة‪،‬‬
‫وإنهم ليغلظون القول في التفسير؛ منهم‪ :‬سالم بن عبد الله‪ ،‬والقاسم بن‬
‫محمد‪ ،‬وسعيد بن المسيب‪ ،‬ونافع)‪.(25‬‬
‫وقال يزيد بن أبي يزيد‪) :‬كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلل والحرام ‪-‬‬
‫وكان أعلم الناس ‪ -‬فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم‬
‫يسمع()‪.(26‬‬
‫وقال هشام بن عروة بن الزبير‪) :‬ما سمعت أبي يتأّول آية من كتاب الله‬
‫ط()‪.(27‬‬ ‫ق ّ‬
‫ما أهل الكوفة فقد أسند إبراهيم النخعي إليهم َقوَله‪) :‬كان أصحابنا ‪ -‬يعني‪:‬‬ ‫وأ ّ‬
‫علماء الكوفة ‪ -‬يّتقون التفسير ويهابونه()‪.(28‬‬
‫هذا‪ ..‬ولقد سلك مسلك الحذر وبالغ فيه إمام اللغة الصمعي )ت‪215 :‬هـ(‪،‬‬
‫حيث نقل عنه أنه كان يتوّقى تبيين معنى لفظة وردت في القرآن)‪.(29‬‬
‫فما ورد عن هؤلء الكرام من التوقي في التفسير إنما كان توّرعا ً منهم‪،‬‬
‫وخشية أل ّ يصيبوا في القول‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أنواع الرأي في التفسير‪:‬‬
‫الرأي في التفسير نوعان‪ :‬محمود‪ ،‬ومذموم‪.‬‬
‫النوع الول‪ :‬الرأي المحمود‪.‬‬
‫إنما يحمد الرأي إذا كان مستندا ً إلى علم يقي صاحبه الوقوع في الخطأ‪.‬‬
‫ل على جواز القول بالرأي المحمود‪.‬‬ ‫ويمكن استنباط أدلةٍ تد ّ‬
‫ومن هذه الدّلة ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬اليات المرة بالتدّبر‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫نأ ْ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ث على التدّبر؛ كقوله ‪ -‬تعالى‪)) :‬أَفل ي َت َد َب ُّرو َ‬
‫ن ال ُ‬ ‫دة آيات تح ّ‬ ‫وردت ع ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ٌ‬
‫مَباَرك لي َد ّب ُّروا‬ ‫َ‬
‫ب أنَزلَناهُ إلي ْك ُ‬ ‫فالَها(( ]محمد‪ ،[24 :‬وقوله‪)) :‬ك َِتا ٌ‬ ‫ب أقْ َ‬ ‫عََلى قُُلو ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب(( ]ص‪ .[29 :‬وغيرها من اليات‪.‬‬ ‫آَيات ِهِ وَل ِي َت َذ َك َّر أوُْلوا الل َْبا ِ‬
‫ل على أن علينا معرفة تأويل ما لم ُيحجب‬ ‫ث الله على التدبر ما يد ّ‬ ‫وفي ح ّ‬
‫ل أن يقال لمن ل يفهم ما يقال له‪ :‬اعتبر بما ل فهم لك‬ ‫عنا تأويله؛ لنه محا ٌ‬
‫به)‪.(30‬‬
‫مل الذي يبلغ به صاحبه معرفة المراد من المعاني‪ ،‬وإنما‬ ‫ّ‬
‫والتدّبر‪ :‬التفكر والتأ ّ‬
‫يكون ذلك في كلم ٍ قليل اللفظ كثير المعاني التي أودعت فيه‪ ،‬بحيث كلما‬
‫ن لم تكن له بادئ النظر)‪.(31‬‬ ‫ازداد المتدّبر تدّبرا ً انكشف له معا ٍ‬
‫والتدّبر‪ :‬عملية عقلية يجريها المتدبر من أجل فهم معاني الخطاب القرآني‬
‫ومراداته‪ ،‬ول شك أن ما يظهر له من الفهم إنما هو اجتهاده الذي بلغه‪ ،‬ورأيه‬
‫الذي وصل إليه‪.‬‬
‫‪ -2‬إقراُر الرسول ‪ -‬اجتهاد َ الصحابة في التفسير‪ :‬ل يبعد أن يقال‪ :‬إن تفسير‬
‫القرآن بالرأي نشأ في عهد الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬وفي ذلك وقائع‬
‫يمكن استنباط هذه المسألة منها‪ ،‬ومن هذه الوقائع ما يلي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬قال عمرو بن العاص‪ - :‬بعثني رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬عام‬
‫ل‪ ،‬فاحتلمت في ليلة باردةٍ شديدة البرد‪ ،‬فأشفقت إن اغتسلت‬ ‫س ِ‬ ‫سل ِ‬ ‫ذات ال ّ‬
‫م صليت بأصحابي صلة الصبح‪ ،‬فلما قدمت على‬ ‫ممت به‪ ،‬ث ّ‬ ‫أن أهلك‪ ،‬فتي ّ‬
‫رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ذكرت ذلك له‪ ،‬فقال‪ :‬يا عمرو‪ ،‬صليت‬
‫ب؟‬ ‫جن ُ ٌ‬
‫بأصحابك وأنت ُ‬
‫قلت‪ :‬نعم يا رسول الله‪ ،‬إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد فأشفقت‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سك ُ ْ‬
‫م(( ]النساء‪[29 :‬‬ ‫قت ُُلوا َأن ُ‬
‫ف َ‬ ‫ت قول الله‪َ)) :‬ول ت َ ْ‬ ‫إن اغتسلت أن أ َهْل َ َ‬
‫ك‪ ،‬وذكر ُ‬
‫ت‪ ،‬ثم صليت‪ ،‬فضحك ‪ -‬ولم يقل شيئًا()‪.(32‬‬ ‫م ُ‬
‫م ْ‬
‫فتي ّ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫مرا ً اجتهد رأيه في فهم هذه الية‪ ،‬وطّبقها على‬ ‫في هذا الثر ترى أن عَ ْ‬
‫نفسه‪ ،‬فصلى بالقوم بعد التيمم‪ ،‬وهو جنب‪ ،‬ولم ينكر عليه الرسول ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬هذا الجتهاد والرأي‪.‬‬
‫مان َُهم‬
‫سوا إي َ‬ ‫ْ‬
‫م ي َلب ِ ُ‬ ‫َ‬
‫مُنوا وَل ْ‬ ‫نآ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ب ‪ -‬وفي حديث ابن مسعود‪ ،‬لما نزلت آية‪)) :‬ال ِ‬
‫م(( ]النعام‪ [82 :‬قلنا يا رسول الله‪ :‬وأينا لم يظلم نفسه‪ ،‬فقال‪ :‬إنه‬ ‫ُْ‬
‫ب ِظل ٍ‬
‫ك ِبالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫شرِ ْ‬‫ي ل تُ ْ‬ ‫ليس الذي تعنون‪ ،‬ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح ))َيا ب ُن َ ّ‬
‫م(( ]لقمان‪ ،(33)([13 :‬ترى أن الصحابة فهموا الية‬ ‫ظي ٌ‬
‫م عَ ِ‬‫ك ل َظ ُل ْ ٌ‬‫شْر َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫على العموم‪ ،‬وما كان ذلك إل رأيا واجتهادا منهم في الفهم‪ ،‬فلما استشكلوا‬
‫ذلك سألوا رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬فأرشدهم إلى المعنى المراد‪،‬‬
‫ولم ينههم عن تفّهم القرآن والقول فيه بما فهموه‪ .‬كما يدل على أنهم إذا لم‬
‫يستشكلوا شيئا ً لم يحتاجوا إلى سؤال الرسول‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫‪ -3‬دعاء الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬لبن عباس‪ :‬دعا الرسول ‪-‬صلى‬
‫قهه في الدين‪ ،‬وعّلمه التأويل(‬ ‫الله عليه وسلم‪ -‬لبن عباس بقوله‪) :‬اللهم ف ّ‬
‫وفي إحدى روايات البخاري‪) :‬اللهم علمه الكتاب()‪.(34‬‬
‫والتأويل‪ :‬التفسير‪ ،‬ولو كان المراد المسموع من التفسير عن النبي ‪-‬صلى‬
‫ة بهذا الدعاء؛ لنه يشاركه فيه‬ ‫مزِي ّ ٌ‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬لما كان لبن عباس َ‬
‫ل على أن التأويل المراد‪ :‬الفهم في القرآن)‪ ،(36‬وهذا‬ ‫غيره)‪ ،(35‬وهذا يد ّ‬
‫الفهم إنما هو رأيٌ لصاحبه‪.‬‬
‫‪ -4‬عمل الصحابة‪ :‬مما يدل على أن الصحابة قالوا بالرأي وعملوا به ما ورد‬
‫ف في تفسير القرآن؛ إذ لو كان التفسير مسموعا ً عن النبي‬ ‫عنهم من اختل ٍ‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬لما وقع بينهم هذا الختلف‪.‬‬
‫ديق المة أبي بكر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬لما‬ ‫لص ّ‬ ‫ومما ورد عنهم نصا ً في ذلك قو ُ‬
‫سئل عن الكللة‪ ،‬قال‪) :‬أقول فيها برأيي؛ فإن كان صوابا ً فمن الله‪ ،‬وإن كان‬
‫خطأ ً فمني ومن الشيطان()‪.(37‬‬
‫وكذا ما ورد عن علي ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬لما سئل‪ :‬هل عندكم عن رسول الله‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬شيٌء سوى القرآن؟ قال‪) :‬ل‪ ،‬والذي فلق الحّبة‪ ،‬وبرأ‬
‫طي الله عبدا ً فهما ً في كتابه()‪.(38‬‬ ‫النسمة‪ ،‬إل أن ُيع ِ‬
‫والفهم إما هو رأي يتوّلد للمرء عند تفّهم القرآن؛ ولذا يختلف في معنى الية‬
‫فهم فلن عن غيره‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫الهوامش ‪:‬‬
‫)‪ (1‬الغيث المسجم في شرح لمية العجم للصفدي‪.1/63 ،‬‬
‫)‪ (2‬المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي‪ ،190 ،‬وانظر‪ ،‬ص ‪ ،192‬الثر رقم‬
‫‪.217‬‬
‫ً‬
‫)‪ (3‬المدخل إلى السنن الكبرى‪ ،191 ،‬وانظر قول لمسروق في جامع بيان‬
‫العلم‪ ،2/168 ،‬وقول ً للزهري‪.2/169 ،‬‬
‫)‪ (4‬المدخل إلى السنن الكبرى‪.196 ،‬‬
‫)‪ (5‬جامع بيان العلم وفضله لبن عبد البر‪ ،2/71 ،‬وانظر‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫)‪ (6‬جامع بيان العلم‪.2/75 ،‬‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (7‬جامع بيان العلم‪ ،2/77 ،‬وانظر كلم ابن بطال في هذا الموضوع في فتح‬
‫الباري‪.13/301 ،‬‬
‫)‪ (8‬انظر الحديث في فتح الباري‪.(13/295) ،‬‬
‫)‪ (9‬جامع بيان العلم‪.2/168 ،‬‬
‫)‪ (10‬جامع بيان العلم ‪.2/169‬‬
‫)‪ (11‬انظر‪ :‬جامع بيان العلم‪ ،2/77 ،‬وفتح الباري‪.13/310 ،‬‬
‫)‪ (12‬جامع بيان العلم‪.77 ،71 ،2/70 ،‬‬
‫)‪ (15 ،14 ،13‬جامع بيان العلم‪.2/170 ،‬‬
‫)‪ (16‬العتصام للشاطبي‪.1/104 ،‬‬
‫)‪ (17‬فتح الباري‪.13/303 ،‬‬
‫)‪ (18‬جامع بيان العلم‪.2/169 ،‬‬
‫)‪ (19‬العلم يقابل الجهل المذكور في حد ّ الرأي المذموم‪ ،‬أما الهوى‪ ،‬فيقابله‬
‫ق‪.‬‬
‫ن الوََرع َ يقي صاحبه من مخالفة الح ّ‬
‫الورع؛ ل ّ‬
‫)‪ (20‬جامع بيان العلم‪ 2/70 ،‬ـ ‪.71‬‬
‫)‪ (22 ،21‬جامع بيان العلم‪.2/71 ،‬‬
‫)‪ (23‬جامع بيان العلم‪ ،2/72 ،‬وانظر غيرها من الثار‪ ،‬ص ‪ 69‬ـ ‪.79‬‬
‫)‪ (24‬لم أجد نقل ً عن أحد من الصحابة يدل على أن مذهبه كهذا المذهب‬
‫الذي برز عند التابعين‪.‬‬
‫)‪ (25‬تفسير الطبري )ط شاكر(‪.1/85 ،‬‬
‫)‪ (26‬تفسير الطبري )ط شاكر(‪.1/86 ،‬‬
‫)‪ (28 ،27‬فضائل القرآن لبي عبيد‪.229 ،‬‬
‫)‪ (29‬انظر في ذلك‪ :‬الكامل للمبرد )تحقيق‪ :‬الدالي( ‪ ،4135 ،2/928‬تهذيب‬
‫اللغة ‪ ،1/14‬إعجاز القرآن للخطابي )تحقيق‪ :‬عبد الله الصديق( ‪.42‬‬
‫)‪ (30‬انظر‪ :‬تفسير الطبري )ط شاكر(‪ 1/82 ،‬ـ ‪.83‬‬
‫)‪ (31‬التحرير والتنوير‪.23/252 ،‬‬
‫)‪ (32‬مسند المام أحمد‪ ،204 ،4/203 ،‬وأبو داود برقم ‪ ،335‬وانظر تفسير‬
‫ابن كثير‪ ،2/480 ،‬والدر المنثور‪.2/497 ،‬‬
‫)‪ (33‬أخرجه البخاري في أكثر من موضع‪ ،‬كتاب اليمان ح‪ ،32/‬أحاديث‬
‫النبياء‪.3428 ،3360/‬‬
‫)‪ (34‬انظر‪ :‬فتح الباري‪ ،1/204 ،‬وانظر شرح ابن حجر‪ 1/204 ،‬ـ ‪.205‬‬
‫)‪ (35‬انظر‪ :‬تفسير القرطبي‪ ،1/33 ،‬وجامع الصول‪.2/4 ،‬‬
‫)‪ (36‬انظر‪ :‬فتح الباري‪.1/205 ،‬‬
‫)‪ (37‬انظر قوله في تفسير الطبري‪) ،‬ط شاكر(‪.54 ،8/53 ،‬‬
‫)‪ (38‬رواه البخاري‪) ،‬فتح الباري‪ (1/246 ،‬وغيرها من المواضع التي ذكرها‬
‫لهذا الحديث‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫التفسير بالمأثور‬
‫نقد للمصطلح وتأصيل‬
‫مساعد سليمان الطّيار‬
‫إن المصطلحات العلمية يلزم أن تكون دقيقة في ذاتها ونتائجها‪ ،‬وإل وقع فيها‬
‫وفي نتائجها الخلل والقصور‪ ،‬ومن هذه المصطلحات التي حدث فيها الخلل‬
‫مصطلح )التفسير بالمأثور(‪ ،‬وفي هذا المصطلح أمران‪ :‬أنواعه ‪ ،‬وحكمه‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دها من ذكر هذا المصطلح من المعاصرين بأربعة‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫أما أنواعه‪ ،‬فقد ح ّ‬
‫)تفسير القرآن بالقرآن ‪ ،‬وبالسنة ‪ ،‬وبأقوال الصحابة ‪ ،‬وبأقوال التابعين(‪(1).‬‬
‫وغالبا ً ما يحكي هؤلء الخلف في جعل تفسير التابعي من قبيل المأثور‪(2).‬‬
‫وأما حكمه ‪ ،‬فبعض من درج على هذا المصطلح ينتهي إلى وجوب الخذ به‪).‬‬
‫‪(3‬‬
‫وأقدم من رأيته نص على كون هذه الربعة هي التفسير بالمأثور الشيخ‬
‫محمد بن عبدالعظيم الزرقاني ‪ ،‬حيث ذكر تحت موضوع )التفسير بالمأثور(‬
‫ما يلي‪) :‬هو ما جاء في القرآن أو السنة أو كلم الصحابة تباينا ً لمراد الله من‬
‫كتابه( ثم قال‪) :‬وأما ما ينقل عن التابعين ففيه خلف بين العلماء‪ :‬منهم من‬
‫اعتبره من المأثور لنهم تلقوه من الصحابة غالبا ً ومنهم من قال‪ :‬إنه من‬
‫التفسير بالرأي(‪(4).‬‬
‫ثم جاء بعده الشيخ محمد حسين الذهبي )ت‪ 1977 :‬م( فذكر هذه النواع‬
‫الربعة تحت مصطلح )التفسير المأثور( ‪ ،‬وقد علل لدخول تفسير التابعي في‬
‫المأثور بقوله‪) :‬وإنما أدرجنا في التفسير المأثور ما روي عن التابعين وإن‬
‫كان فيه خلف‪ :‬هل هو من قبيل المأثور أو من قبيل الرأي؟ لننا وجدنا كتب‬
‫التفسير المأثور كتفسير ابن جرير وغيره لم تقتصر على ما ذكر مما روي‬
‫عن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وما روي عن الصحابة ‪ ،‬بل ضمنت ذلك ما‬
‫نقل عن التابعين في التفسير()‪.(5‬‬
‫منشأ الخطأ في هذا المصطلح‪:‬‬
‫إنه فيما يظهر قد وقع نقل بالمعنى عمن سبق أن كتب في هذا الموضوع‬
‫وبدل ً من أن يؤخذ عنه مصطلحه استبدل به هذا المصطلح الذي لم يتواءم مع‬
‫هذه النواع ‪ ،‬ول مع حكمها كما سيأتي‪.‬‬
‫والمصدر الذي يظهر أن هذه النواع ُنقلت منه هو رسالة شيخ السلم ابن‬
‫تيمية المسماة )مقدمة في أصول التفسير(‪.‬‬
‫وقد وردت هذه النواع الربعة تحت موضوع )أحسن طرق التفسير()‪ (6‬فهي‬
‫عند شيخ السلم )طرق( وليست )مأثورًا(‪.‬‬
‫ولو تأملت النقلين السابقين ‪ ،‬فإنك ستجد أنهما يحكيان الخلف في كون‬
‫تفسير التابعي مأثورا ً أم ل‪.‬‬
‫وستجد هذا موجودا ً في رسالة شيخ السلم ‪ ،‬ولكن البحث فيه ليس عن‬
‫كونه مأثورا ً أم ل ‪ ،‬بل عن كونه حجة أم ل؟‬
‫ح ‪ ،‬إذ لم يرد عن العلماء هل هو مأثور أم ل؟ لن هذا‬ ‫وبين المرين فرق واض ٌ‬
‫المصطلح نشأ متأخرا ً ‪ ،‬بل الوارد هل هو حجة أم ل؟‬
‫وإن كان هذا التأصيل صحيحا ً ‪ ،‬فإن اصطلح شيخ السلم أدق من اصطلح‬
‫المعاصرين ‪ ،‬وأصح حكمًا‪.‬‬
‫فهذه التقسيمات الربعة ل إشكال في كونها طرقًا‪ ،‬كما ل إشكال في أنها‬
‫أحسن طرق التفسير ‪ ،‬فمن أراد أن يفسر فعليه الرجوع إلى هذه الطرق‪.‬‬
‫نقد مصطلح )التفسير المأثور(‪:‬‬
‫مصطلح المعاصرين عليه نقد حيث يتوجه النقد إلى أمرين وإليك بيانه‪:‬‬
‫‪ -1‬ما يتعلق بصحة دخول هذه النواع في مسمى )المأثور(‪.‬‬
‫‪ -2‬ما يتعلق بالنتيجة المترتبة عليه ‪ ،‬وهي )الحكم(‪.‬‬
‫أما الول‪ :‬فإنه يظهر أن هذا المصطلح غير دقيق في إدخال هذه النواع‬
‫الربعة فيه ‪ ،‬فهو ل ينطبق عليها جميعًا‪ ،‬بل ويخرج ما هو منها‪ ،‬فهذا‬
‫المصطلح غير جامع ول مانع لسببين‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن المأثور هو ما أثر عمن سلف ‪ ،‬ويطلق في الصطلح على ما ُأثر عن‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬والصحابة ومن بعدهم من التابعين وتابعيهم‪.‬‬
‫فهل ينطبق هذا على تفسير القرآن بالقرآن؟‬
‫إن تفسير القرآن بالقرآن ل نقل فيه حتى يكون طريقه الثر ‪ ،‬بل هو داخل‬
‫ضمن تفسير من فسر به‪.‬‬
‫* فإن كان المفسر به الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فهو من التفسير‬
‫النبوي‪.‬‬
‫* وإن كان المفسر به الصحابي ‪ ،‬فله حكم تفسير الصحابي‪.‬‬
‫* وإن كان المفسر به التابعي ‪ ،‬فله حكم تفسير التابعي‪.‬‬
‫وهكذا كل من فسر آية بآية فإن هذا التفسير ينسب إليه‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن المأثور في التفسير يشمل ما ُأثر عن تابعي التابعين كذلك ومن دّون‬
‫التفسير المأثور فإنه ينقل أقوالهم ‪ ،‬كالطبري )‪ (310‬وابن أبي حاتم )ت‪:‬‬
‫‪ ، (327‬وغيرهما‪.‬‬
‫بل قد ينقلون أقوال من دونهم في الطبقة‪ ،‬كمالك بن أنس ‪ ،‬وغيره‪ .‬ولو‬
‫اطلعت على أوسع كتاب جمع التفسير المأثور‪ ،‬وهو )الدر المنثور في‬
‫التفسير بالمأثور( لرأيت من ذلك شيئا ً كثيرًا‪.‬‬
‫ولو ُقبلت العلة التي ذكرها الشيخ محمد حسين الذهبي في إدخاله تفسير‬
‫التابعين في المأثور ‪ ،‬لصح تنزيلها على المأثور عن تابعي التابعين ومن‬
‫دونهم‪.‬‬
‫وقد نشأ الخطأ في تصور ونقل الخلف في تفسير التابعي ‪ ،‬وهل يندرج تحت‬
‫التفسير بالمأثور ‪ ،‬أم ل يصح أن يوصف بأنه تفسير مأثور؟ ونّزل كلم العلماء‬
‫خطأ في حكم تفسير التابعي على قضية كونه تفسيرا ً مأثورا ً أم غير مأثور ‪،‬‬
‫ولم يكن حديث العلماء على كونه مأثورا ً أم غير مأثور ‪ ،‬إذ لم يكن ذلك‬
‫المصطلح معروفا ً ول شائعا ً في وقتهم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ص‬
‫وأما الثاني وهو ما يتعلق بالحكم فإن بعض من درج على هذا المصطلح ن ّ‬
‫على وجوب اتباعه والخذ به)‪ ، (7‬وهو مستوحى من كلم آخرين)‪.(8‬‬
‫ومما يلحظ على هذا الحكم أنهم يحكون الخلف في تفسير التابعي من حيث‬
‫الحتجاج ‪ ،‬بل قد حكى بعضهم الخلف في تفسير الصحابي)‪.(9‬‬
‫ثم يحكمون في نهاية المر بوجوب اتباعه والخذ به‪،‬فكيف يتفق هذا مع‬
‫حكاية الخلف الوارد عن الئمة دون استناد يرجح وجوب الخذ بق ول التابعي‬
‫‪ ،‬فهم يمرون على هذا الخلف مرورا ً عاما ً بل تحقيق‪.‬‬
‫ثم إن كان ما ورد عن الصحابة والتابعين مأثورا ً يجب الخذ به على‬
‫اصطلحهم فما العمل فيما ورد عنهم من خلف محقق في التفسير؟ وكيف‬
‫يقال‪ :‬يجب الخذ به؟‬
‫ومن نتائج عدم دقة هذا المصطلح نشأ خطأ آخر ‪ ،‬وهو جعل التفسير بالرأي‬
‫مقابل ً للتفسير بالمأثور وهو النواع الربعة السابقة حتى صار في هذه‬
‫المسألة خلط وتخبط‪،‬وبنيت على هذا التقسيم معلومات غير صحيحة ‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ -1‬أن بعضهم يقررون في تفسير الصحابة والتابعين أنهم اجتهدوا وقالوا فيه‬
‫برأيهم ‪ ،‬ثم يجعلون ما قالوه بهذا الرأي من قبيل المأثور ناسين ما مرروه‬
‫من قول بأنهم قالوا بالرأي ‪ ،‬فيجعل قولهم مأثورا ً وقول من بعدهم رأيا ً ‪،‬‬
‫فكيف هذا؟ وإذا كان الصحابة قالوا في التفسير برأيهم فل معنى لتفضيلهم‬
‫على غيرهم ممن بعدهم في هذه المسألة ‪ ،‬وهذا ل يعني مساواة من بعدهم‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بهم‪.‬‬
‫سم إلى كتب التفسير بالمأثور وكتب التفسير‬ ‫‪ -2‬كما تجد أن كتب التفسير ُتق ّ‬
‫بالرأي‪ ،‬وعلى سبيال المثال يجعلون تفسير ابن جرير من قبيل التفسير‬
‫بالمأثور ‪ ،‬ولو أردت تطبيق مصطلح التفسير بالمأثور ‪ ،‬فإنك ستجد اختيارات‬
‫ابن جرير وترجماته ‪ ،‬فهل هذه من قبيل الرأي أم من قبيل المأثور؟ فإن كان‬
‫الول فكيف يحكم عليه بأنه مأثور؟! وإن كان الثاني فإنه غير منطبق لوجود‬
‫اجتهادات ابن جرير ‪ ،‬وفرق بين أن نقول‪ :‬فيه تفسير بالمأثور ‪ ،‬أو نقول هو‬
‫تفسير بالمأثور‪.‬‬
‫‪ -3‬وقد فهم بعض العلماء أن من فسر بالثر فإنه ل اجتهاد ول رأي له بل هو‬
‫مجرد ناقل‪ ،‬ل عمل له غير النقل ‪ ،‬ويظهر أن هذا مبني على ما سبق من أن‬
‫التفسير بالمأثور الذي يشمل الربعة السابقة يقابله التفسير بالرأي‪.‬‬
‫ومن ذلك ما قاله الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله‪) :‬أما الذين جمدوا‬
‫على القول بأن تفسير القرآن يجب أل يعدو ما هو مأثور ‪ ،‬فهم رموا هذه‬
‫الكلمة على عواهنها ‪ ،‬ولم يوضحوا مرادهم من المأثور عمن يؤثر‪ .(...‬ثم‬
‫قال‪) :‬وقد التزم الطبري في تفسيره أن يقتصر على ما هو مروي عن‬
‫الصحابة والتابعين لكنه ل يلبث في كل آية أن يتخطى ذلك إلى اختياره‬
‫منها‪،‬وترجيح بعضها على بعض بشواهد من كلم العرب ‪ ،‬وحسبه بذلك تجاوزا ً‬
‫لما حدده من القتصار على التفسير بالمأثور ‪ ،‬وذلك طريق ليس بنهج ‪ ،‬وقد‬
‫سبقه إليه بقي بن مخلد ‪ ،‬ولم نقف على تفسيره‪ ،‬وشاكل الطبري فيه‬
‫معاصروه ‪ ،‬مثل ابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم‪ ،‬فلله دّر الذين لم‬
‫يحبسوا أنفسهم في تفسير القرآن على ما هو مأثور‪،‬مثل الفراء وأبي عبيدة‬
‫من الولين ‪ ،‬والزجاج والرماني ممن بعدهم ‪ ،‬ثم من سلكوا طريقهم‪ ،‬مثل‬
‫الزمخشري وابن عطية(‪(10).‬‬
‫وها هنا وقفات ناقدة لهذا الكلم‪:‬‬
‫الولى‪ :‬لم يصرح الطاهر بن عاشور بأولئك الذين «جمدوا على القول بأن‬
‫قل به ولكنه‬ ‫تفسير القرآن يجب أل يعدو ما هو مأثور» وفي ظني أن هذا لم ي ُ َ‬
‫ل لكلم من يرى وجوب الخذ بما أثر عن السلف‪.‬‬ ‫تأوّ ٌ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫الثانية‪ :‬لم يورد الشيخ دليل من كلم الطبري يدل على التزامه بما روي عن‬
‫الصحابة والتابعين فقط ‪ ،‬ولم يرد عن الطبري أنه يقتصر عليهم ول يتعدى‬
‫ذلك إلى الترجيح‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أنه جعل منهج الطبري كمنهج ابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم ‪،‬‬
‫وشتان بين منهج الطبري الناقد المعتمد على روايات السلف ومنهج هؤلء‬
‫الذين اعتمدوا النقل فقط دون التعقيب والتعليق ‪ ،‬وهذا المنهج الذي سلكوه‬
‫ل ُيعاب عليهم ؛ لنهم لم يشترطوا التعليق على اليات والتعقيب على‬
‫المرويات ‪ ،‬بل كانوا يوردون ما وصلهم من تفاسير السلف ‪ ،‬وهم بهذا ل‬
‫ُيعدون مفسرين ‪ ،‬بل هم ناقلو تفسير‪.‬‬
‫ومن هنا ترى أن الشيخ بن عاشور يرى أن من التزم بالمأثور فإنه ل يكون له‬
‫ن من لم يلتزم بالمأثور فلله دره! كما قال‪.‬‬‫رأي كالطبري‪ .‬وأ ّ‬
‫وقد سبق أن ذكرت لك أن الصحابة والتابعين ومن بعدهم اعتمدوا التفسير‬
‫بالرأي وقالوا به ‪ ،‬وإن من الخطاء التي وقعت مقابلة أقوالهم التي هي من‬
‫قبيل الرأي بأقوال أبي عبيدة والفراء وغيرهم ‪ ،‬بل العجب من ذلك أن‬
‫تفاسيرهم اللغوية تجعل من المأثور وُتقابل بتفاسير أبي عبيدة والفراء‬
‫والزجاج اللغوية ‪ ،‬وتجعل هذه لغوية‪.‬‬
‫كل هذه النتائج حصلت لعدم دقة مصطلح التفسير بالمأثور‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما هو التفسير بالمأثور‪:‬‬


‫بعد هذا العرض ‪ ،‬وتجلية مصطلح التفسير بالمأثور المعتمد في كتب بعض‬
‫المعاصرين يتجه سؤال ‪ ،‬وهو‪ :‬هل يوجد تفسير يسمى مأثورًا؟‬
‫والجواب عن هذا )نعم( ‪ ،‬ولكن ل يرتبط بحكم من حيث وجوب التباع وعدمه‬
‫‪ ،‬بل له حكم غير هذا‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فالمأثور هو ما أثر عن رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وعن صحابته وعن‬
‫عرفوا بالتفسير ‪ ،‬وكانت لهم آراء مستقلة مبنية‬ ‫التابعين وعن تابعيهم ممن ُ‬
‫على اجتهادهم‪.‬‬
‫وعلى هذا درج من ألف في التفسير المأثور؛ كبقي بن مخلد ‪ ،‬وابن أبي حاتم‬
‫والحاكم ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقد حاول السيوطي جمع المأثور في كتابه )الدر المنثور في التفسير‬
‫بالمأثور( وذكر الروايات الواردة عن الرسول ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫وصحابته وتابعيهم وتابعي تابعيهم ومن بعدهم‪.‬‬
‫وهذا ل يبنى عليه حكم من حيث القبول والرد ‪ ،‬ولكن يقال‪ :‬إن هذه الطرق‬
‫هي أحسن طرق التفسير ‪ ،‬وإن من شروط المفسر معرفة هذه الطرق‪.‬‬
‫أما ما يجب اتباعه والخذ به في التفسير فيمكن تقسيمه إلى أربعة أنواع‪:‬‬
‫الول‪ :‬ما صح من تفسير النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪.-‬‬
‫الثاني‪ :‬ما صح مما روي عن الصحابة مما له حكم المرفوع كأسباب النزول‬
‫والغيبيات‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬ما أجمع عليه الصحابة أو التابعون ؛ لن إجماعهم حجة يجب الخذ به‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬ما ورد عن الصحابة خصوصا ً أو عن التابعين ممن هم في عصر‬
‫الحتجاج اللغوي من تفسير لغوي ‪ ،‬فإن كان مجمعا ً عليه فل إشكال في‬
‫قبوله ‪ ،‬وحجيته ‪ ،‬وإن ورد عن واحد منهم ولم يعرف له مخالف فهو مقبول‬
‫كما قال الزركشي‪) :‬ينظر في تفسير الصحابي فإن فسره من حيث اللغة‬
‫فهم أهل اللسان ‪ ،‬فل شك في اعتمادهم(‪.(11).‬‬
‫وإن اختلفوا في معنى لفظة لحتمالها أكثر من معنى ‪ ،‬فهذا يعمد فيه إلى‬
‫المرجحات‪.‬‬
‫أما ما رووه عن التابعي فهو أقل في الرتبة مما رووه عن الصحابي ‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فإنه يعتمد ويقدم على غيره‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫هوامش‪:‬‬
‫)‪(1‬انظر على سبيل المثال‪ :‬مناهل العرفان للزرقاني ‪ ، 2/1213‬التفسير‬
‫والمفسرون للذهبي ‪ 1/154‬مباحث في علوم القرآن لمناع القطان‪.‬‬
‫ل‪ :‬مناهل العرفان ‪ ، 2/13‬التفسير والمفسرون ‪ 1/154‬لمناع‬ ‫)‪(2‬انظر مث ً‬
‫القطان ‪.347‬‬
‫ل‪ :‬مباحث في علوم القرآن ‪ ، 350 ،‬وهذا ما يتوحى من عبارة‬ ‫)‪(3‬انظر مث ً‬
‫الزرقاني‪.‬‬
‫)‪(4‬مناهل العرفان ‪.2/1213‬‬
‫)‪(5‬التفسير والمفسرون ‪.1/15‬‬
‫)‪(6‬مقدمة في أصول التفسير ‪ ،‬تحقيق‪ :‬عدنان زرزور ‪ ،‬ص ‪.93‬‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(7‬انظر‪ :‬مباحث في علوم القرآن للقطان ‪.350 ،‬‬


‫)‪(8‬كالزرقاني ‪ ،‬والذهبي ‪ ،‬والصباغ )لمحات في علوم القرآن ‪ 177 ،‬وما‬
‫بعدها(‪.‬‬
‫)‪(9‬لمحات في علوم القرآن ‪.180 ،‬‬
‫)‪(10‬التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور ‪.33 ، 1/32 ،‬‬
‫)‪(11‬البرهان في علوم القرآن ‪.2/172 ،‬‬
‫تفسير الطاهر بن عاشور المعروف )بالتحرير والتنوير( بالرغم من شموله‬
‫واستقصائه لما يفسره من آيات‪ ،‬إل أن منهجه العقدي أشعري يؤول آيات‬
‫الصفات‪ .‬وللمزيد انظر الكتاب القيم )المفسرون والتأويل( للشيخ محمد‬
‫المغراوي المغربي‪ ،‬من مطبوعات دار طيبة بالرياض‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫التفكك السري وتأثيره على البناء والمجتمع) تحقيق(‬


‫لقمان عطا المنان*‬
‫تتجلى مسؤولية الباء والمهات تجاه أبنائهم من خلل تربيتهم على العلم‬
‫واليمان والتقى‪ ،‬وأطرهم على صراط الله المستقيم‪ ،‬وأن يسلكوا بهم في‬
‫فجاج الخير لينهلوا من منابع النور والمعرفة؛ فيشبوا أقوياء العقيدة‪ ،‬أمناء‬
‫على مصالح المة‪ ..‬هنا فقط تقر بهم أعين والديهم؛ فمن ذا يفرط في جميل‬
‫العاقبة حين يرى أولده أتقياء لله‪ ،‬بررة به‪ ،‬يحملون عنه صعاب الحياة‬
‫وكدرها‪ ،‬ويحيطونه بسياج الرعاية والرحمة‪ ..‬وتلكم هي ثمرة حسن التربية‬
‫المنبثقة من هدي الكتاب والسنة‪..‬‬
‫هذا هو النموذج المثل لباء المسؤولية‪ ،‬آباء الصدق والمانة؛ فحازوا السبق‬
‫في ذلك‪ ..‬وكم يسر المسلم حين يرى هذه النماذج الخيرة في مجتمعنا ولله‬
‫الحمد والمنة‪ ..‬ولكن على النقيض من ذلك الباء المتخلون؛ رفعوا أيديهم‪،‬‬
‫وسلموا العنان لمضلت الهواء والفتن؛ لتقود أبناءهم إلى الرزايا والثام‬
‫والتي لها آثارها على المجتمع )كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته(!!‪..‬‬
‫ول ريب أن المحصلة بائسة المصير؛ سفلى العاقبة؛ حيث يغادر البر والوصل‪،‬‬
‫ويحل العقوق والقطيعة؛ فحين يضعف داعي اليمان يتأصل الجفاء‪ ،‬ويتعاظم‬
‫العصيان؛ فيذوق الباء نقيض رغبتهم بما جنت أيديهم!!‪..‬‬
‫كيف تتأسس الحياة الزوجية؟‬
‫عا إل إذا تأسست على ميثاق بين الزوجين كما أوصى‬ ‫السرة لن تكون در ً‬
‫الشرع‪ ،‬ولن يكون ذلك إل إذا كان بنية التأبيد‪ ،‬ونشدان الحصان والعفاف‪،‬‬
‫وحفظ النوع المتميز بالرسالية‪ ،‬وحفظ المانة‪ ،‬والخضوع لمقتضيات العقد‪،‬‬
‫وما يتطلبه من ضوابط تنظيمية كالقوامة‪ ،‬ومعنوية كالود والحترام‪ ..‬وهذه‬
‫الصفات‪ ،‬والمقومات‪ ،‬والركان إن هي إل تجسيد اختزالي لروح التوجيه‬
‫الشرعي‪ ،‬المستفيض‪ ،‬الذي يحرص على توفير كل العوامل والشروط التي‬
‫تؤمن المقاصد المتوخاة من إقامة مؤسسة السرة‪..‬‬
‫* محمد الزين علي ‪ -‬مهندس‪:‬‬
‫تكوين السرة ليست بالمر السهل كما يعتقد البعض؛ فالسرة ل بد أن يكون‬
‫راعيها ‪ -‬رب السرة ‪ -‬ذا خلق‪ ،‬ودين‪ ،‬وتقوى‪ ،‬ويخاف الله؛ لنه إذا توفرت‬
‫عنده هذه الشروط فإنه بالتأكيد سوف يتزوج إمرأة تحمل نفس صفاته‪،‬‬
‫وسيحرص على أل يبتعد عن ذلك؛ وبذلك يكون نتاج السرة ثماًرا ياينعة من‬
‫أبناء صالحين؛ يسيرون في درب آبائهم؛ ينفعونهم‪ ،‬ويكونون صالحين‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لمجتمعهم‪..‬‬
‫* نجاة كمبال عبد الرحمن ‪ -‬خريجة علم نفس‪:‬‬
‫دائما السرة التي تحمل شهادة سوية تساهم في دعائم بناء المجتمع‪ ،‬وتكون‬
‫ُأنموذجا يحتذى به‪ ،‬ل سيما إذا كانت تريد من تمسكها ابتغاء الله وحده‪..‬‬
‫* علي كورينا – موظف‪:‬‬
‫السرة التي تلتزم بالضوابط والداب والقيم هي السرة المطمئنة‪ ،‬التي‬
‫تعيش حياة كريمة ومتماسكة وسعيدة‪ ،‬وهي ل تعطي للتفكك سبيل إليها‪..‬‬
‫* جبارة علي وديدي ‪ -‬رب أسرة‪:‬‬
‫التفكك السري شيء مؤسف‪ ،‬وله أسباب كثيرة دون أن يتعظ الناس من‬
‫السر الخرى التي أصابها التفكك‪ ..‬انظر لهؤلء الشماسة والمشردين الذين‬
‫يجوبون الشوارع والطرق! من أين أتوا؟!‪ ..‬إن أكثرهم وصل لهذا الحال‬
‫بسبب التفكك السري‪ ،‬ومشاكل آبائهم!!‪..‬‬
‫أهمية الختيار‬
‫ن أكثر ما يقع فيه كثير من الباء وأولياء المور أنهم يزوجون بناتهم‬ ‫إ ّ‬
‫ما ل‬ ‫ً‬
‫بأشخاص غير أكفاء لهن في الدين؛ فيورثوهن معيشة ضنكا‪ ،‬وجحي ً‬
‫يطاق‪ ..‬ونفس الحكم ينسحب على رجال حجبت عنهم المظاهر الشكلية ‪-‬‬
‫من جمال‪ ،‬وغنى‪ ،‬وحسب ‪ -‬عند اختيار شريك الحياة خطورة القدام على‬
‫ما‬‫الزواج بمن لسن بذوات كفاءة لهم في الدين بفهم تعاليمه‪ ،‬وتكاليفه فه ً‬
‫ما!!‪..‬‬
‫سلي ً‬
‫* الوليد أحمد علي – موظف‪:‬‬
‫أكثر ما يجلب المشاكل للسرة هو عدم اختيار الرجل المرأة الطيبة‪ ،‬أوعدم‬
‫اخيار المرأة للرجل الطيب!!‪ ..‬وهنا تقع المشاكل‪ ،‬وتتفاقم؛ ل سيما عقب‬
‫الزواج‪ ،‬أو بعد أن يرزقهم الله تعالى بالولد‪ ..‬ومثل هذه الصور مكررة اليوم‬
‫كثيرا في المجتمع!!‪..‬‬
‫* صلح عوض الله ‪ -‬طالب بجامعة الخرطوم‪:‬‬
‫ّ‬
‫توازن السرة هو استقامة الرجل والمرأة‪ ،‬وإذا اختلت إحدى هاتين الكفتين‬
‫ضاعت السرة؛ وهذه أول شرارة؛ فأحدهما مهما كان يخون الخر فإن الخر‬
‫ل بد أن يقع ويمارس ذات الفعل؛ وكما تدين تدان!!‪ ..‬لذا ل بد من التفاهم‪،‬‬
‫والصراحة‪ ،‬والشفافية‪ ،‬وقبل ذلك الختيار الحسن للخر؛ حتى تعيش السرة‬
‫حياة سعيدة؛ بعيدا عن كل ما يعكر حياة السرة!!‪..‬‬
‫* العبيد إبراهيم كمال الدين – مهندس‪:‬‬
‫دائما التفكك السري يبدأ من الباء؛ عندما يتصارعون‪ ،‬ويتناكفون بعضهم‬
‫البعض في أشياء ل تسمن ول تغني من جوع؛ ل سيما أمام الولد؛ فحينئذ‬
‫تنتقل جرثومة العدوى للبناء؛ ويفقد البيت هيبته؛ فالولد ل يطيع أباه أو أمه‪،‬‬
‫والم ل تسمع ول تطيع زوجها‪ ،‬وهكذا؛ تعيش السرة على جمر من نار؛‬
‫وتصير جحيما ل يطاق أبدا!!‪..‬‬
‫مفهوم القوامة‬

‫)‪(1 /‬‬

‫مفهوم القوامة الذي يشكل الموقف السلبي منه لكل الزوجين أو أحدهما أثًرا‬
‫قا وخطيًرا على تماسك السرة؛ فقد يقع مفهوم القوامة ضحية تعسف‬ ‫ساح ً‬
‫في الفهم والستعمال من طرف الرجل؛ فيحوله إلى أداة للقمع والطغيان‪..‬‬
‫وقد يقع المفهوم ضحية استهتار به من قبل المرأة )الزوجة( نبًعا من فهم‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سقيم للحرية بفعل تأثير التيارات الليبرالية المنفلتة من أي ميزان؛ مما‬


‫يتحول معه بيت الزوجية إلى بؤرة للمشاكسة والنشوز والعناد!!‪ ..‬وليست‬
‫دا في ظل المنظومة التربوية السلمية مرادًفا للخنوع الذي يجرد‬ ‫الطاعة أب ً‬
‫شخصية النسان من خصائصها المميزة‪ ،‬وقدرتها على البداع؛ بل إنها ذلك‬
‫السلوك النبيل؛ النابع من شعور مرهف بجملة من المعاني السامية التي ل‬
‫يعقلها إل العالمون!!‪..‬‬
‫* عبد الحميد حسن عمر ‪ -‬مواطن‪:‬‬
‫المشاكل عديدة لكن أبرزها ‪ -‬حسب اعتقادي ‪ -‬أن القوامة عندما تكون في‬
‫مة سرعان ما ستقع؛ ويكثر الهرج والمرج‪ ،‬ويخرج من بين‬ ‫يد المرأة فإن الطا ّ‬
‫دوامة هذا الضجيج البناء إلى عالم الضياع؛ دون أن يشعر الباء بما أحدثوه‬
‫من تدمير لبنائهم سواء كانوا صغارا أوكبارا!!‪..‬‬
‫* مها عبد الدافع ‪ -‬معلمة أساس‪:‬‬
‫أعتقد أن بعض الرجال الذيين منحهم السلم القوامة يظنون ويسؤون عندما‬
‫ن هذه القوامة هي أداة للقمع والطغيان؛ ومن هنا تنبعث المشاكل‬ ‫يظنون أ ّ‬
‫تباعا دون توقف أو تعقل!!‪..‬‬
‫* محمد أحمد عبد الجبار ‪ -‬رب أسرة‪:‬‬
‫شوف يا ابني! أكثر المشاكل اليوم ناتجة عن سيطرة المرأة على الرجل‬
‫الذي هو السبب الريئسي في ذلك لضعف شخصيته‪ ،‬وعدم سيطرته على‬
‫زمام دفة المور بالبيت‪ ،‬وطالما كانت سيطرة المرأة موجودة فإن باب‬
‫الحرية المطلقة قد انفتح على مصراعيه للولد!!‪..‬‬
‫* البلولة الرشيد ‪ -‬من مواطني بورتسودان‪:‬‬
‫المشاكل شيء طبيعي داخل السرة الواحدة؛ ول يخلو بيت من مشكلة‪..‬‬
‫أقول‪ :‬الحترام المتبادل بين الزوجين هو الهم‪ ،‬وإذا فقد هذا الحترام فشيمة‬
‫أهل البيت الطرب والرقص!!‪..‬‬
‫عدم العدل بين البناء‪ ،‬وغياب الباء‬
‫إذا كان غياب الم بسبب العمل خارج البيت يتسبب في حرمان الطفال من‬
‫حقهم من العطف والحنان فإن غياب الب يترتب عنه ‪ -‬علوة على الحرمان‬
‫من المدد العاطفي ‪ -‬افتقاد السرة للمحور الجامع‪ ،‬والراعي المين؛ الذي‬
‫يمثل السلطة المادية والمعنوية التي تعمل على حفظ التوازن بين الرغبات؛‬
‫درًءا لحالة الفوضى والضطراب‪ ..‬هذا في الحالة التي يكون فيها البوان في‬
‫مستوى إدراك عظيم المسؤولية تجاه البناء‪ ،‬أما في الحالة المعاكسة فإن‬
‫البوين حتى مع وجودهما قد يكونان وبال على تماسك السرة واستقرارها؛‬
‫بسبب ما يحتدم بينهما من نزاعات تلقي بظللها القاتمة على الولد؛ فيتراوح‬
‫تأثير ذلك بين توريث هؤلء الولد نزعة سوداوية تجاه الحياة؛ قد تشكل‬
‫خميرة لستنساخ تجارب مريرة مماثلة أو أشد حدة‪ ،‬وبين أن يسقطوا‬
‫ً‬
‫صرعى لمظاهر من النحراف السلوكي تزيد كيان السرة تفتيًتا وتفككا‪..‬‬
‫وقد تكون هناك معاملة غير عادلة من الباء للبناء؛ مما ينتج عنه هزات عنيفة‬
‫لكيان السرة؛ بسبب ما يخلفه ذلك من ضغائن‪ ،‬وأحقاد!!‪..‬‬
‫* إبراهيم عامر – سائق‪:‬‬
‫دائما عدم العدل من الباء‪ ،‬والتفريق بين أبنائهم هو السبب الذي يفرق‬
‫ويشتت هذه السرة بعد أن تولدت العداوة والبغضاء بين البناء بعضهم‬
‫بالبعض‪ ..‬وهذا أمر خطير يجب أن ينتبه له البعض‪ ..‬شخصيا أنا كنت أحد‬
‫ضحايا هذا التفريق بعد أن صبرت كثيرا‪ ،‬ولكن الحمد لله استفدت من هذه‬
‫التجربة عندما تزوجت ورزقني الله تعالى أبناًءا؛ ولم أقع في الذي وقع فيه‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫آباؤنا من عدم العدل بين البناء‪ ..‬والله الموفق‪.‬‬


‫* هاشم عبد العزيز ‪ -‬رب أسرة‪:‬‬
‫الحياة الزوجية شراكة‪ ،‬وقبل ذلك تفاهم متبادل‪ ،‬ولكن كثيرا ما تكون هذه‬
‫المشاكل ‪ -‬التي لها آثارها الجانبية على البناء‪ ،‬والمجتمع ‪ -‬بسبب غياب الباء‬
‫سهم عن البيت بسبب عملهما في مكان ما‪ ،‬فيعودون آخر اليوم في ظل‬ ‫أنف ِ‬
‫غياب الحنان نحو أبنائهم‪ ،‬والجلوس معهم و‪.!!...‬‬
‫* جمعة موسى أحمد ‪ -‬رب أسرة‪:‬‬
‫في اعتقادي أن مشاكل الباء أمام البناء‪ ،‬وعدم احترامهما لبعضهما البعض‬
‫هو أهم السباب؛ في ظل التعاند‪ ،‬والبغضاء‪ ،‬والجفوة؛ بعيدا عن الحتكام إلى‬
‫صوت العقل‪ ..‬وإنا لله‪ ،‬وإنا إليه راجعون!!‪..‬‬
‫التربية الخاطئة‬
‫ل بد أن يضع المربي نصب عينيه الجور العظيمة التي سيكتبها الله له عندما‬
‫يقوم بالمسؤولية‪ ،‬وينصح‪ ،‬ويرشد‪ ،‬ويأمر بالمعروف‪ ،‬وينهى عن المنكر‪،‬‬
‫ويقدم التوجيه لكل فرد من أفراد أسرته‪ ..‬مع العلم بأنه إذا صلح البناء فإنه‬
‫ن بعضهم‬ ‫ما من عمل صالح يعمله إل وللمربي مثل أجره‪ ..‬لكن أحيانا تجد أ ّ‬
‫قد جلب لهم في البيت ما يهدم ما قد بناه خلل أعوام؛ فيهدمه في أيام!! أو‬
‫قد يكون قد اتخذ أساليب خاطئة في التربية والتوجيه!!‪..‬‬
‫* المين عبد الحليم محمد ‪ -‬رب أسرة‪:‬‬
‫ن دوره فرضه لرائه‪ ،‬مع الغلظة‬ ‫كثير من الباء ل يعرف دوره؛ ويظن أ ّ‬
‫والشدة نحو أبنائه؛ وهذه مصيبة ابتلى بها الكثير من الباء!!‪..‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫* الصادق ابن عوف كرار ‪ -‬رب أسرة‪:‬‬


‫يا ابني! هنا شيء مهم يجب أن يعلمه الناس؛ وهو أن هناك في العديد من‬
‫السر قد تجد البناء يلتزمون جانب طريق الدين‪ ،‬والتمسك بتقوى الله‬
‫تعالى‪ ،‬بينما تجد العكس أن الب قد ل يؤدي الصلة!!‪ ..‬وللسف الشديد‬
‫تجده يبذل مجهودا كبيرا في المشاكل مع أبنائه الذين هم أفضل منه‪ ،‬والبن‬
‫تجده يبذل مجهودا في الصلح‪ ،‬ولكنه يصبر جراء ما يفعله أبوه الذي ربما‬
‫أيضا قد يكون يسير في طريق الخمر والهوى‪ ،‬وقد يتأثر بقية أبنائه الباقين‬
‫به!!‪..‬‬
‫* محمد المين الحسن – موظف‪:‬‬
‫التربية الخاطئة من الب نحو أبنائه لها مردودها السيئ في السرة‪ ..‬فقد تجد‬
‫الب يعظ‪ ،‬ويرشد‪ ،‬ولكنه فجاة قد يهدم ما بناه في لحظة بسبب فعل أو‬
‫كلم ما أو ‪ ...‬وهذه معضلة!!‪..‬‬
‫الباء بين حضور البوة‪ ،‬وغياب المسؤولية‬
‫نحن في عصر أحوج ما يكون فيه الب قريبا من ابنه‪ ،‬والبن قريبا من أبيه؛‬
‫يستنير بتوجيهاته‪ ،‬ويستفيد من تربيته‪ ،‬ويستعين به بعد الله في حل‬
‫مشكلته!!‪..‬‬
‫* أحمد نميري حمزة – مواطن‪:‬‬
‫غياب رب السرة هو أكثر السباب اليوم التي تطيح بالسرة‪ ،‬وذهاب ما تبقى‬
‫س الحاجة إليه‪ ،‬وإلى‬ ‫َ‬
‫م ّ‬ ‫منها؛ فالب المغترب أعواما خارج البلد أولده في أ َ‬
‫مسهماته معهم أكثر من مساهمته بأمواله‪..‬‬
‫وهنا أذكر أن أحد أولد الجيران في المستوى الرابع بكلية الطب قد تركه‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والده وعمره أحد عشر عاما‪ ،‬وعندما اتصل به والده ليحدثه قال له الولد‪:‬‬
‫)أنت أبي نعم‪ ،‬ولكن ماذا تعرف عني وقد تركتني صغيرا‪ ..‬فنحن نريدك أن‬
‫تحضر؛ ول نريد منك أي مال؛ فقط احضر؛ حتى نشعر بأن لنا أًبا(‪ ..‬لكن‬
‫وللسف ما يزال الب غائبا!!‪..‬‬
‫* عبد الله آدم ‪ -‬رب أسرة‪:‬‬
‫أخطر ما يفتك بالسرة اليوم هو غياب الب لسنين عددا؛ بسبب اغترابه‬
‫خارج البلد بعد أن ترك أبناءه صغارا دون أن يعرف كيفية نشأتهم التي ربما‬
‫تكون تنشئة منحرفة‪ ،‬بل وتصيرالسرة مفككة الوصال‪ ..‬وهذا في اعتقادي‬
‫هو السبب الريئسي؛ لنه فقدان للعلقة بين البناء والباء الذين ربما يكتفون‬
‫فقط بالتصال التلفوني!!‪..‬‬
‫* عبد المجيد عاصم المين – عامل‪:‬‬
‫أهم ما في السرة هو الحترام المتبادل بين أفراد السرة‪ ..‬وهذا هو الذي‬
‫مه هو توفير المستلزمات‬ ‫يؤدي لتماسك السرة‪ ،‬ولكن أن يكون دور الب وهَ ّ‬
‫المنزلية فقط من مأكل ومشرب؛ دون أن تكون هناك علقة بينه وبين أبنائه؛‬
‫فهذه مشكلة قد يدفع ثمنها الب كثيرا عنما تنهار السرة على رأسه!!‪..‬‬
‫* عصام الطيب ‪ -‬طبيب‪:‬‬
‫في هذا الزمن صار كل هم الباء هو جمع المال لبنائهم في ظل هذه الحياة‬
‫وتقلباتها؛ مما أنساهم دورهم تجاه أسرتهم وأبنائهم!!‪..‬‬
‫المناهج الملغومة‬
‫على الصعيد التعليمي التربوي تظل المناهج الدراسية ‪ -‬الملغومة بأفكار‪،‬‬
‫لنموذج الغربي للعلقة بين الرجل‬ ‫وتصورات‪ ،‬وقيم تعمل على استنساخ ا ُ‬
‫ٍ‬
‫والمرأة بعامة‪ ،‬ولمفهوم السرة بخاصة‪ ،‬وكذلك للعلقة بين الباء والبناء ‪-‬‬
‫تظل تلك المناهج تمثل معول هدم يفتك بعقول الناشئة؛ الذين يراد منهم أن‬
‫يشكلوا عوامل شرخ داخل حمى أسرهم؛ بما يحملونه من أفكار تدعو‬
‫للصراع بدل الوئام‪ ،‬وللفردية بدل الجماعية‪ ،‬وللباحية بدل اللتزام بمكارم‬
‫الخلق!!‪..‬‬
‫* سامر عبد اللطيف عيسى ‪ -‬خريج علم اجتماع‪:‬‬
‫ما تزال المناهج التعليمية المسمومة ‪ -‬التي تدرس للطلب والتلميذ ‪ -‬تهدم‬
‫وتدمر السر؛ عبر تصوراتها وأفكارها المبرمجة للعلقات الزوجية‪ ،‬والعلقة‬
‫بين البناء معهم‪ ،‬وخاصة السرة حيث تمثل هذه المناهج خطرا يفتك‬
‫بالسرة؛ منذ أن يدخل الطفل المدرسة؛ حيث يرضع بهذا المنهج‪ ،‬ويحمل كل‬
‫الفكار التي تنادي بالباحية‪ ،‬وعدم التمسك بالسلوك القويم‪ ،‬والخلق‬
‫الفاضلة!!‪..‬‬
‫* ميسرة عبد الماجد ‪ -‬معلم‪:‬‬
‫المناهج التعليمية تشكل خطورة بالغة على البناء؛ حيث يوجد بها ما هو‬
‫ملوث‪ ،‬مستورد‪ ،‬له أهدافه التدميرية؛ والتي قد تتماشى وتسير مع حياة‬
‫التلميذ؛ ومن هنا تأتي وسائل الهدم؛ بعد أن حلت مكان البناء!!‪..‬‬
‫خطر الختلط‬
‫هناك أمر مهم يتعلق بجانب من الجوانب التنظيمية المرتبطة بالسرة؛ وذلك‬
‫في علقته بأحد الضوابط الكفيلة بالمحافظة على حرمة بيت الزوجية والتي‬
‫تسد مداخل الشيطان التي تهب منها ريح السموم التي من شأنها أن تطيح‬
‫بكيان السرة ولو بعد حين‪ ..‬أل وهو الختلط بين الرجال والنساء الجانب‪،‬‬
‫الذي حّرمه السلم‪ ،‬وحذر من مغبة سهامه القاتلة!!‪ ..‬إن التساهل في أمر‬
‫الختلط يشكل خرًقا خطيًرا؛ تتسرب منه المياه إلى سفينة السرة؛ بسبب‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما يؤدي إليه من تلوث لمناخ العلقات بين السر‪ ،‬وما ينجم عنه من تفلتات‪،‬‬
‫وفي أحسن الحوال شكوك تلغم العلقات الزوجية‪ ،‬وتحولها إلى بؤرة من‬
‫العذاب‪ ..‬هذا فضل عن مثل السوء الذي يؤثر سلًبا في التشكيل الوجداني‪،‬‬
‫والنفسي للطفال؛ الذين يكتنفهم محيط السرة‪ ،‬ويتلقفون كل ما يجري فيه؛‬
‫من سلوكات شريرة!!‪..‬‬
‫* حسن الله جابو ‪ -‬رب أسرة‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫السرة أكثر ما يجعل التفكك يدب فيها هو الحرية‪ ،‬وكل واحد يعمل ما يراه‬
‫مناسبا مثل أن يختلط الحابل بالنابل‪ ،‬وهو اختلط البناء بالبنات؛ سواًءا كان‬
‫داخل السرة أو خارجها‪ ،‬مع ارتداء اللبس الضيق‪ ،‬والتبرج‪ ،‬والسفور!!‪..‬‬
‫* عبد القادر الريح – معلم‪:‬‬
‫إذا دخل الختلط البيوت‪ ،‬وصار أمر التساهل فيه من قبل الوالدين فإن‬
‫السرة في طريقها إلى الزوال‪ ،‬وكم من أسرة قد جرفها تيار الختلط وصار‬
‫أمرا متساهل فيه من قبل الوالدين؛ فإن السرة إذا في طريقها إلى الزوال‪،‬‬
‫وكم من أسرة قد جرفها تيار الختلط قد وجدت حتفها في مستنقع الرزيلة‬
‫السن‪ ،‬وتشرد أبناؤها!!‪..‬‬
‫التأثر بالثقافة الغربية‬
‫لقد تحولت الكثير من السر إلى أشكال‪ ،‬وألبسة‪ ،‬وعلقات متوارثة؛ ولم تعد‬
‫تختلف عن غيرها في كثير من الحيان إل بالعناوين‪ ،‬بينما تلتصق بها‪ ،‬وتتحد‬
‫معها في المضامين‪..‬‬
‫إن غذاء السرة الثقافي‪ ،‬والدبي أصبح من العلم وما أورثه من التقليد في‬
‫اللباس‪ ،‬والزياء‪ ،‬ومجاراة الموضة الغربية كل هذا بات يشكل ثقافة السرة‬
‫شيًئا فشيًئا!!‪ ..‬ومن المؤسف أن الكثير من الرجال والنساء‪ ،‬وبسبب من‬
‫جهلهم ل يخرجون في معاملتهم مع أبنائهم‪ ،‬وبناتهم‪ ،‬وزوجاتهم‪ ،‬وأزواجهم‬
‫عن ثقافة المجتمع الغربي؛ فهم يمارسون أعمال وتقاليد قد ل تمت للسلم‬
‫والقيم التي يحملونها بصلة؛ فهم إذا دخلوا البيوت دخلوا على أسرهم‬
‫ما؛ وهنا الكارثة التي تدمر الولد والنساء‪ ،‬وتشككهم‬ ‫بشخصيات أخرى تما ً‬
‫بصدق القيم التي يدعون إليها؛ مما يؤدي إلى انحلل عرى السرة دفعة‬
‫واحدة!!‬
‫* لؤي الضو ‪ -‬عامل‪:‬‬
‫الجري واللهث خلف اللبسة والموضة الغربية يسهمان مساهمة كبيرة في‬
‫عملية تفكك السرة؛ حيث تجد كل شخص له حريته الكاملة في أن يفعل ما‬
‫يشاء‪ ،‬ويخرج متى ما يشاء؛ في غياب تام من الباء الذين ديدنهم كذلك!!‪..‬‬
‫* مزمل صلح الدين ‪ -‬فني كهربائي‪:‬‬
‫نحن كمسلمين لنا قيمنا وأعرافنا التي رسمها لنا الدين؛ والتي إن بعدنا عنها‬
‫تهنا‪ ،‬وسرنا في طرق متعرجة؛ مثل التأثر بكل ما هو غربي مستورد ل يمت‬
‫للسلم بصلة‪ ،‬أو التأثر بالمجتمع الذي هو الخر يحمل هذه الثقافة‬
‫المستوردة حتى صارت ذات صلة وثيقة به!!‪..‬‬
‫* بدر الدين تاج السر أبو يزيد ‪ -‬معلم‪:‬‬
‫من المؤسف أن الكثير من الناس له وجهان؛ وجه خارج المنزل‪ ،‬والخر‬
‫داخل المنزل‪ ..‬وهذا مؤشر خطير؛ يؤدي لتفكيك أوصال السرة وزعزعة‬
‫كيانها؛ إذ ل يعقل أن يكون رب السرة غير مستقيم؛ لن الله ل محاله‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سيفضحه مهما بلغ منه من فعل شنيع‪ ،‬أو أي صفة أخرى عكس التي يحملها‬
‫أمام أبنائه!!‪..‬‬
‫* أبوبكر الزين ‪ -‬طبيب‪:‬‬
‫التأثر بالغرب في شوؤنهم هو في الغالب من أسباب هذه المشاكل؛ فحقيقة‬
‫حياتنا اليوم أشبه بالحياة الغربية؛ ومثال لذلك نتأثر غاية التأثير عندما نشاهد‬
‫الفلم الغربية التي تمثل واقعهم‪ ،‬أومسلسلتهم التي شغلونا واشتغلنا بها!!‪..‬‬
‫* ابتسام عوض محجوب ‪ -‬ربة منزل‪:‬‬
‫غياب السلم عن واقع المسلمين اليوم هو الذي سبب كل هذه الفوضى‬
‫التي تجتاح بعض السر وأبنائها الذين سيرثونها عندما يتزوجون؛ وهكذا تتداول‬
‫هذه المشاكل الموروثة من جيل لخر إن لم يتداركها الباء‪ ..‬وكان الله في‬
‫عون الجميع!!‪..‬‬
‫* صابر عبد المطلب وداعة ‪ -‬طالب – كمبيوترمان‪:‬‬
‫الموجة الغربية العاتية التي تجتاح بلد المسلمين أجمع هي السبب الريئسي‬
‫في جر البلء لنا داخل أسرنا التي تتأثر بها‪ ..‬من كل ما يضغط على كل ما هو‬
‫صفة إسلمية!!‪..‬‬
‫فل بد من التمسك بديننا الذى يحمل لنا الدواء لكل ما نعانيه في شؤون‬
‫حياتنا!!‪..‬‬
‫وسائل العلم‪ ،‬ودورها السلبي‬
‫لعل من أكبر السباب انتشاًرا هذا الزخم العلمي الهائل )سلح ذو حدين(‬
‫الذي يسير بالناس صغارا كانوا أو كبارا إلى أمور أقل ما يقال عنها‪ :‬إنها ضرر‬
‫خطير على المستويين الديني والدنيوي!!‪..‬‬
‫وقد تنوع العلم بين مرئي ومسموع‪ ،‬وكلها تقصف العقول قصفا‪ ،‬وتخاطب‬
‫ججت معه العواطف‪ ،‬وأثارت به مكنونات‬ ‫غرائز الشباب خطابا مشبوبا؛ أ ّ‬
‫النفوس‪ ،‬وعرضت نماذج للقدوات غير صالحة؛ مما أثر في شخصية الشباب؛‬
‫حتى أخذ كثير من الشباب يشكل ثقافته‪ ،‬وشخصيته بالطريقة التي يحبها‬
‫ويهواها‪..‬‬
‫هذا ما هو إل طريق للنحراف الفكري‪ ،‬والسلوكي لدى شبابنا‪ ..‬وقد يساهم‬
‫الب كثيرا في هدم السرة رويدا رويدا‪ ..‬ومن المؤسف قد يشجع بعض الباء‬
‫أبناءهم على ذلك عندما يشاهدون معهم هذه النحرافات!!‪..‬‬
‫* خليل المنتصر بالله – صيدلني‪:‬‬
‫وسائل العلم تشكل ركيزة مهمة في عملية بناء المة بأسرها ‪ -‬ناهيك عن‬
‫بناء السرة الواحدة ‪ -‬حيث تمثل التوعية للناس‪ ،‬والتحذير من مغبة الوقوع‬
‫في كل ما يؤدي إلى المهالك‪ ،‬ولكن من المحزن والمؤسف أن العلم اليوم‬
‫صار ل هم له إل المساهمة في الهدم والدمار‪ ،‬ويتفنن في عرضه للباحيات‬
‫الماجنة‪ ،‬وإثارة الشهوات‪ ،‬ويعرض كل ما يدعو للرزيلة والخنا؛ وبالتالي تنهار‬
‫السر التي تتأثر بالفضايئات‪ ،‬ومشاهدة المسلسلت والفلم و‪..!! ...‬‬
‫* عبد الغني جعفر ‪ -‬رب أسرة‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫العلم سلح ذو حدين‪ ،‬ولكن المطلوب البعد عن كل ما ينخر في هدم بناء‬


‫السرة؛ وذلك بتوفير البديل عن هذه الوسائل القذرة؛ لن البديل النافع هو‬
‫الخلص من هذا كله!!‪..‬‬
‫* إبتسام الجاك عبد الخالق – معلمة‪:‬‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من المؤسف أن الكثير من الباء يساهم في تفتت السرة؛ وذلك عندما‬


‫يجلس مع بناته وأولده وزوجته يشاهد معهم الفلم أو المسلسل الذي ل يخلو‬
‫من خدش للحياء؛ مما يطمئنوا بأن هذا المر إذا كان عيبا لما جلس الوالد‬
‫معهم؛ حتى صار أمرا معتادا عندهم‪ ..‬وهنا تكمن المصيبة!!‪..‬‬
‫* رقية محمد عبد الرحمن ‪ -‬ربة منزل‪:‬‬
‫أولد الزمن دا صعبين جدا‪ ،‬وإذا لم تجيد التعامل معهم فإنك لن تستطيع أن‬
‫تفعل معهم شيئا‪ ،‬ويمكن في حالة العسر معهم أن يلجأوا لقاعدة )الممنوع‬
‫مرغوب( خاصة في مشاهدتهم هذه الفلم أو المسلسلت‪ ،‬ل سيما الولد‬
‫الذين دخلوا سن المراهقة؛ إذا ً الحكمة مطلوبة من الباء!!‪..‬‬
‫كيفية التعامل مع البيئة‬
‫ل بد أن النسان ‪ -‬بما يملكه من سر الرادة والقدرة على التحدي والمغالبة ‪-‬‬
‫قادر على تجاوز سلطان البيئة وجواذبها المعقدة؛ شريطة أن يكون ذلك‬
‫النسان من الطراز الرفيع؛ الذي خضع لبرمجة عقلية صارمة تؤهله لفهم ما‬
‫حوله‪ ،‬وللتفاعل معه بالشكل اليجابي‪ ،‬وإعادة هيكلة النسان من خلل تنميته‬
‫وبرمجته بإحكام وفق منهج تربوي شامل ومتوازن؛ يستهدف كل مكونات‬
‫شخصيته من أجل استعادة فاعليته لتمارس نشاطها وإبداعها؛ من أجل إعادة‬
‫بناء نسيج الحياة الجتماعية على أساس ما توخاه السلم من أهداف‬
‫وغايات‪ ،‬وما سطره لنجازها من وسائل وآليات‪ ..‬والحق أن هذا الهدف‬
‫ممكن التحقق إلى حد بعيد ما لم يصطدم بإرادات معاكسة؛ تسعى إلى إدامة‬
‫ما لغراضها الرخيصة‪ ،‬وأحلمها‬ ‫هذا الوضع المأزوم والذي تراه خاد ً‬
‫الطائشة!!‪..‬‬
‫* الصادق العيسر محمد ‪ -‬معلم‪:‬‬
‫البيئة المحيطة بالسرة تلعب دوًرا بارًزا في أن تتفكفك وتذهب للزوال‪،‬‬
‫ولكن هذا ل يعني الستسلم المطلق لهذه البيئة؛ فهذا هو حال هذه‬
‫البسيطة؛ ومستحيل أل ّ تجد بيئة نقية؛ فالمطلوب تأدية الدوار التربوية‬
‫السليمة مع التحذير بما هو موجود في البيئة من غبش‪ ،‬وسواد فاحم!!‪..‬‬
‫* زينب فريد عبد المهيمن ‪ -‬معلمة‪:‬‬
‫البيئة تلعب دورا كبيرا في دمار السر وتفتيتها‪ ،‬ولكن هذه البيئة ل بد من‬
‫مواجهتها بالبرامج المحكمة من قبل رب السرة؛ حتى ل تضيع السرة‬
‫وتتفلت من يديه؛ فهو ل بد أن يكون حاذقا؛ يعرف كيف يتعامل مع هذه‬
‫البيئة؛ ويزيل ما لحق من غبارها؛ بأشياء بديلة؛ يجيد صناعتها؛ ذات صبغة‬
‫دينية‪..‬‬
‫الحكم الشرعي‬
‫عن ظاهرة التفكك السري‪ ،‬وتأثيره على البناء والمجتمع يقول الشيخ‬
‫حسين عشيش‪ :‬قبل أن أدلو بدلوي في هذا الموضوع ل بد من التذكير‬
‫ل من المنغصات قائم على‬ ‫بالهمية الكبرى للسرة في السلم فهي كيان خا ٍ‬
‫التعاون بالبر والتقوى‪ ،‬وإقامة حدود الله؛ ولذلك فإن السلم سبيل ترسيخ‬
‫وتثبيت هذا الكيان قد أمر الزوجين بحسن الختيار‪ ،‬وأمر الزوجة أن تختار ذا‬
‫الدين الذي إذا أحبها أكرمها‪ ،‬وإذا أبغضها لم يهنها‪ ،‬وأمر الزوج باختيار ذات‬
‫الدين أيضا قال صلى الله عليه وسلم )اظفر بذات الدين تربت يداك(‪ ،‬ويفهم‬
‫من هذا أن العمود الفقري الذي تنشأ عليه السر هو الدين كتابا وسنة‪،‬‬
‫وسيرا على منهاج سلف المة‪ ،‬وبعد هذا أ َب ْد َأ ُ بما أريد قوله‪ ،‬والخوض فيه؛‬
‫فأقول‪ :‬أول‪ :‬إن المقصود بالسرة طرفاها المباشران الزوجة والزوج‪ ..‬ثانيًا‪:‬‬
‫ل بد من معرفة المنغصات والكدار؛ حتى يمكن اجتنابها‪ ،‬والتخلص منها؛‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهي‪:‬‬
‫)أ( الزواج السريع‪) .‬ب( الزواج القبلي أو العنصري أو المصلحي‪) .‬ج( الزواج‬
‫القائم على الختلف في العقلية بين الزوجين‪) .‬د( تدخل الطراف الخارجية‬
‫الخرى من ذوي الزوجين؛ فيكون هذا مسهما في إفساد الحياة‪..‬‬
‫وينبه الشيخ عشيش إلى أنه إذا عرفت هذه السباب أمكن اجتنابها‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫على أننا لم نذكر في هذه العجالة كل السباب والمنغصات؛ وإنما أشرنا إلى‬
‫ما ذكرناه آنفا اختصارا وتنبيها على غيره‪ ،‬وقد يكون شرا منه‪ ..‬وعلى كل‬
‫حال فإن في سلمة السرة قائمة على التفاهم والمطاوعة المشتركة بين‬
‫ن صلح السرة هو صلح المجتمع‪ ..‬مشيرا‬ ‫الزوجين إسعادا للبناء؛ ولهذا فإ ّ‬
‫ن بعض الزواج ُيظهرون‬ ‫إلى أنه مما قد يكون ذا صلة على صعيد ما ذكرناه أ ّ‬
‫خلفاتهم أمام أبنائهم؛ فيغرسون فيهم روح الكراهية‪ ،‬ويساهمون في في‬
‫ن بعض‬‫ما ذكر أيضا أ ّ‬‫تعقيد أرواحهم وتلويثهما بلوثة الشقاق والخلف‪ ..‬وم ّ‬
‫الزواج ل يكتمون سّر بيوتهم؛ فينشرون غسيلهم على كل الحبال؛ فيشمت‬
‫الشامتون‪ ،‬ويفرح الحاسدون‪ ،‬ويتجرع البناء والبنات غصص الفشل‪ ،‬ومرارة‬
‫الخيبة لبائهم وأمهاتهم‪..‬‬
‫ن كليهما‬
‫ويلحظ القارئ أننا لم نشر بإصبع التهام إلى الرجل أو المرأة؛ ل ّ‬
‫على حد سواء؛ شريك في الهدم والبناء‪..‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ولننظر إلى الواقع في تجارة المخدرات‪ ،‬أو لعب القمار‪ ،‬أو غير ذلك من‬
‫المراض الخرى‪ ،‬بل حتى إذا نظرنا لتجارة البغاء وتحسسنا بعقولنا أسبابها‬
‫ن فشل الزوجين في توظيف بيتهما من لوثة الخلف والشقاق‬ ‫فإننا سنجد أ ّ‬
‫هو السبب!!‪..‬‬
‫ب‬‫ن أهي َ‬‫ويختتم الشيخ عشيش حديثه بقوله‪ :‬ل أجد في ما أختم به إل أ ّ‬
‫بالرواح ذكورا وإناثا أن يعرفوا مسؤولياتهم‪ ،‬وأن يتقوا الله فيما ائُتمنوا عليه‪،‬‬
‫وأن يعلموا أنهم محاسبون من الله على تفكك السر‪ ،‬وفساد البناء‪ ،‬ويؤديان‬
‫إلى تدمير المجتمع؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم‪) :‬كلكم راع‪ ،‬وكلكم‬
‫مسؤول عن رعيته؛ فالمام راع وهو مسؤول عن رعيته‪ ،‬والرجل راع في‬
‫أهله وهو مسؤول عن رعيته‪ ،‬والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة‬
‫عن رعيتها ‪ ...‬إلى أن قال كلكم راع‪ ،‬وكلكم مسؤول عن رعيته(‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫التفكير البداعي في المناهج الدراسية‬


‫لمقررات الفقه وأصوله ]‪[1/3‬‬
‫د‪ .‬فريدة زوزو)‪10/11/1425 (1‬‬
‫‪22/12/2004‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫إن واقع المسلمين اليوم تواجهه تحديات كبيرة ومعضلت متعددة‪ ،‬والنوازل‬
‫الحادثة في المجتمع أكثر من أن تحصى بحيث تحتاج إلى نظر مجتهد حاذق‪،‬‬
‫واجتهاد فقيه متبصر بالواقع المعاش‪ ،‬وهذا ل يتأتى بالبحث في المدونات‬
‫الفقهية القديمة فقط‪ ،‬من دون استعمال النظر الجتهادي المتبصر في أحوال‬
‫وظروف الواقع المعاصر‪ ،‬بل يتطلب المر من الفقيه أن يكون عالما بأدوات‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجتهاد‪ ،‬متعمقا في دراسة الظواهر والمستجدات التي تطرأ في مجتمعه‪،‬‬


‫فيكون قادرا على النظر فيها بما يتوافق وقواعد الشريعة السلمية‪.‬‬
‫ولن الظواهر معقدة‪ ،‬والنوازل عديدة ومتشابكة‪ ،‬فإنه يجدر بنا التعمق في‬
‫النظر واستثارة تفكيرنا ليجاد حلول لهذه المعضلت‪ ،‬فإن المر يتطلب تدريبا‬
‫ومدارسة تبدأ من مدارسنا وتنتهي في واقعنا‪ ،‬فالطالب المسلم يجب أن‬
‫يتدرب على ملكة التفكير المتأمل والناقد‪ ،‬ومن ثمة التفكير البداعي ليجاد‬
‫حلول لمشكلت مجتمعه وفق مقتضي الشرع‪.‬‬
‫وهذا المر يحتاج إلى إعادة النظر في المناهج الدراسية عموما‪ ،‬ومناهج‬
‫الدراسات السلمية خصوصا‪ ،‬بغرض ربطها بالغاية التي وجدت لجلها أمة‬
‫السلم في أن تكون شاهدة على المم والناس أجمعين؛ فإن هذه المناهج‬
‫أصبحت مفرغة من أهدافها وغاياتها العليا المتمثلة في الستجابة لحاجة‬
‫المة‪ ،‬وعلج مشكلتها‪ ،‬وتطبيق مبادئها‪ ،‬وهنا وجب الحديث عن أهداف‬
‫تدريس العلوم السلمية‪ ،‬هل هي بغرض معرفة شروط المفسر والمجتهد‪،‬‬
‫أم بغرض معرفة آليات الجتهاد والقياس‪ ،‬أم بغرض معرفة شروط الوضوء‬
‫وصفة بطاقة الئتمان الجائزة‪...‬إلخ؟‬
‫وهنا ل يمكننا إلقاء اللوم على السابقين من فقهائنا –عليهم رحمة الله‪ -‬الذين‬
‫عاشوا زمانهم‪ ،‬واجتهدوا في إيجاد حلول وابتكار طرق إيقاع احكام الشرع‬
‫في واقع الناس وفق زمانهم ومتغيرات عصرهم‪ ،‬فل نحاكمهم في زماننا؛‬
‫فالخلل ل يكمن في المدونات الفقهية التي واكبت عصورها‪ ،‬وإنما الخلل‬
‫واقع فينا بمحاكاتنا لطريقة تأليفهم ومعالجتهم لمسائل زمانهم‪ ،‬كما هو شأننا‬
‫اليوم عند محاكاتنا للمناهج الدراسية الغربية‪.‬‬
‫وإن المتأمل في واقع الدراسات السلمية ومناهجها الدراسية اليوم‪،‬‬
‫ووسائلها التعليمية‪ ،‬ومساقاتها‪ ،‬وموادها المفصلة‪ ،‬يلحظ النزعة التقليدية في‬
‫انتقاء المواضيع‪ ،‬والطرح واللقاء والتدريس والتلقي‪ ،‬فينتج عن ذلك اتجاه‬
‫الطلب إلى تلقي الدرس بطريقة مملة ل توحي في نفس الطالب إل‬
‫بالحفظ في الصدور ثم الحفظ في السطور عند التقويم والمتحان‪ ،‬وبذلك‬
‫تغيب النزعة البداعية والتفكير الناقد الذي يعين على الستنباط والتحليل‬
‫والنظر في مستجدات المور ونوازلها‪ ،‬ويغيب عن ذهن الطالب المسلم‬
‫مبادئ الدرس المرتبطة بالغاية الوجودية للنسان‪ ،‬في تحقيق العبودية لله‬
‫تبارك وتعالى‪.‬‬
‫ولذا فإن هذه الورقة البحثية تحاول النظر في المناهج الدراسية الحالية‬
‫للدراسات السلمية‪ ،‬والبحث عن مواقع القصور فيها؛ لجل إيجاد بديل يتجه‬
‫إلى التأسيس للتفكير البداعي لدى مدّرسي وطلب الدراسات السلمية‪،‬‬
‫تفعيل لدائهم في الدرس‪ ،‬وبغرض مواكبتهم التطورات السريعة الواقعة في‬
‫مجتمعهم‪ ،‬فل يعيشون بين المدونات القديمة‪ ،‬بينما يتجه المجتمع بمشكلته‬
‫ومستجداته اتجاها بعيدا عن الحكم الشرعي والنظر الفقهي‪.‬‬
‫ويتخذ البحث أصول الفقه وبعض المقررات الفقهية‪ ،‬مثل مادة الفقه عموما‪،‬‬
‫وفقه المعاملت‪ ،‬والفقه المعاصر‪ ،‬والفقه المقارن‪ ،‬ومادة القواعد الفقهية‪،‬‬
‫حالة لدراسة هذه المسألة؛ لعتبارين؛ أولهما أنه مجال تخصصي‪ ،‬وأما‬
‫العتبار الثاني فلنها المقررات التي تعّبر عن المنهج العلمي لعملية تفاعل‬
‫العقل مع نصوص الوحي في استخراج الحكام الشرعية‪ ،‬كما سيظهر خلل‬
‫البحث‪.‬‬
‫وقبل البدأ في مناقشة محور الموضوع‪ ،‬ارتأيت التطرق لهداف الدراسات‬
‫السلمية خصوصا‪ ،‬والهدف الساس من التعليم عموما‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أهداف الدراسات والعلوم السلمية‪:‬‬


‫‪ -‬إيجاد وإعداد الفرد المسلم الرسالي‪.‬‬
‫‪ -‬تفجير الطاقات البداعية في نفس الطالب المسلم‪.‬‬
‫‪ -‬تطعيم التحفيز العلمي بالمبادئ العقائدية‪.‬‬
‫‪ -‬ربط الدراسات السلمية بحاجات المة السلمية‪.‬‬
‫‪ -‬توجيه حياة المسلمين دنيا ً ودينا ً بالعلوم السلمية ‪.‬‬
‫‪ -‬توظيف الدراسات السلمية في الحياة العملية للمجتمع‪.‬‬
‫يضاف إلى هذه الهداف الهدف العام من التعليم عموما وهو‪:‬‬
‫"تخريج متعلمين مستقلين فعالين‪ ...‬وأفرادا منتجين في المجتمع‪ ...‬يتعمتعون‬
‫بقدرة على البتكار والبداع والتفكير في بدائل متعددة")‪.(3‬‬
‫طرق التدريس التقليدية والتفكير البداعي‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إن المطلع على المناهج الدراسية للعلوم السلمية خصوصا‪ ،‬والتعليم عموما‪،‬‬
‫يجد أن السلوب الغالب في التدريس هو السلوب نفسه‪ ،‬يتكرر لعقود من‬
‫الزمن‪ ،‬ويتكرر في كل جامعة وكل معهد للدراسات السلمية‪ ،‬وفي معظم‬
‫البلد السلمية‪ ،‬وغيرها من بلد العالم التي تحتوي على هذا النوع من‬
‫الدراسات‪ .‬فإن" التعليم عندنا يتمحور حول التلقين والحفظ وشحذ الذاكرة‬
‫بعيدا عن التفكر والمقارنة والتمييز وتنمية الفكر")‪ ،(4‬ومن خلل تجربتي في‬
‫التدريس في بلدي الجزائر‪ ،‬وبلدي الثاني ماليزيا‪ ،‬لطلبة متعددي الجنسيات‪،‬‬
‫من المسلمين؛ عربا وعجما‪ ،‬نلحظ أن السلوب الغالب في تلقي الطلبة‬
‫للمعلومات هو أسلوب التلقين والتحفيظ؛ باستعمال نسبي لتخطيط الشجرة‬
‫عند الشرح‪ ،‬وهذا العيب الول في طرق التدريس القديمة؛ إذ أن أسلوب‬
‫تكديس المعلومات في ذهن الطالب هو الغالب والمتفشي بين صفوف‬
‫المدرسين بما فيهم أساتذة الجامعات‪ ،‬فل يستعمل الطالب إل عملية‬
‫التخزين والتكديس المعلوماتي‪ ،‬ول يجد وقتا لتشغيل ذهنه حول استيعاب‬
‫المادة بطريقة منطقية رياضية‪ ،‬وفي النهاية وبعد انتهاء الفصل الدراسي‬
‫ينسى الطالب تماما ما تلقنه؛ "ذلك أنه من المؤلم والمحزن حقا أن‬
‫الدراسات الفقهية والشرعية بشكل عام تعاني‪ ،‬لنها تخرج حفظة وحملة فقه‬
‫في العم الغالب‪ ،‬ول تخرج فقهاء ‪ ...‬تخرج نقلة يمارسون عملية الشحن‬
‫والتفريغ والتلقين‪ ،‬ول تخرج مفكرين ومجتهدين يربون العقل وينمون‬
‫التفكير")‪.(5‬‬
‫إن هذه النتيجة التي وصلنا إليها من أن هذه الطريقة تعد عيبا‪ ،‬ذلك أن طلبة‬
‫القرن الواحد والعشرين لم يعد يهمهم الدرس بقدر ما يهمهم ما وراء أسوار‬
‫المدرسة أو الجامعة‪ ،‬فإن العيب ليس في الطريقة ذاتها وإنما العيب في‬
‫كيفية استعمالها‪ ،‬وتوقيتها‪ ،‬ومن الملقن والمخاطب‪ ،‬فإن كانت طريقة‬
‫التلقين والتحفيظ سابقا ً هي الطريقة المثلى لستيعاب الطلب ومرتادي‬
‫المساجد للعلم الشرعي‪ ،‬حيث لم تكن الكتب والدفاتر متوفرة إل بصورة‬
‫قليلة‪ ،‬فإنها في العصر الحديث وفي ظل توفر الكتاب الدراسي المقرر‬
‫ووسائل التدريس المعاصرة‪ ،‬فإن العتماد عليها بصورة كلية يعد هدرا‬
‫للوقت‪.‬‬
‫والذي نأمله الن أن تتغير منهجية التدريس في مدارس القرن الواحد‬
‫والعشرين من نمط يقوم على الحفظ والستظهار إلى نمط مغاير يتأسس‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على الفهم والتفسير والمقارنة والنقد؛ بغرض تحقيق أهداف الدراسة‬


‫المذكورة آنفا‪ ،‬من خلل " تشجيع الطلبة على المشاركة في أهداف الدرس‬
‫والنشاط وبعبارة تشجيعهم على تبني أهداف الدرس والنشطة العلمية")‪.(6‬‬
‫ويستتبع هذه الطريقة أن المدرسين يسردون المادة العلمية بطريقة جافة‬
‫غير حيوية‪ ،‬مفرغة من مقاصدها‪ ،‬التي تعتمد على الساس اليماني الذي‬
‫يشحذ الهمة‪ ،‬ويقوي عزيمة الطالب للبحث وتلقي العلم؛ " لفتقارنا إلى‬
‫الحافز العلمي في حقيقة أن ما يدرس في معاهدنا هو نوع من المعرفة غير‬
‫المتسقة مع إيماننا‪ ،‬وحضارتنا‪ ،‬وأسلوب حياتنا")‪ ،(7‬فالبعد اليماني لكل‬
‫درس على حدة‪ ،‬له دللته القوية على ارتباطه بحاجات المة السلمية‪،‬‬
‫ناهيك عن تحبيب العلم في نفوس الطلب‪ ،‬لجل أن يتكونوا عقليا وعمليا‪،‬‬
‫فيستطيعون الخروج إلى معترك الحياة أفرادا فعالين منتجين‪.‬‬
‫إن التعليم في البلد السلمية ليس مجرد مناهج دراسية فصلية أو سنوية‪،‬‬
‫يدخل فيها الطالب المتحان لجل اجتياز المتحان‪ ،‬بل لها علقة وثيقة بنهضة‬
‫المة السلمية‪ ،‬من حيث أنها تنظر في احتياجات المسلم ليتفوق حضاريا‬
‫بدينه وعلمه‪.‬‬
‫فنحن ل ندرس الفقه المعاصر مثل؛ لجل البحث عن حلول لتحديات ومشاكل‬
‫دخلت إلى عقر دارنا‪ ،‬بل ندرسه لجل أن يعرف الطالب الطرق الصحيحة‬
‫لستنباط الحكام الشرعية من مظانها ومداركها للوقائع والنوازل‪ ،‬فأكثر‬
‫المستجدات ليس فيها نص صريح في الدللة على حكمها‪ ،‬بل يحتاج في ذلك‬
‫إلى اتباع طرق مميزة ومنسقة لدراك الحكم الشرعي‪ ،‬حتى وإن لم يكن‬
‫فيها نص واضح أو محكم‪.‬‬
‫فبعد أن يلحظ الطالب أن مدّرسه توصل إلى إيجاد الحكم الشرعي للنازلة‪،‬‬
‫بطرق سهلة وسلسة‪ ،‬باستخدامه مثل ً قواعد الشريعة العامة المتمثلة في‬
‫المقاصد الشرعية‪ ،‬فهذا يعد بدوره تدريبا للطالب على استخدام مقاصد‬
‫الشريعة في استخراج أحكام لوقائع ل نص فيها‪ ،‬وهنا سيجد الطالب أنه في‬
‫قرارة نفسه يزداد يقينا بأن شريعة الله هي الشريعة الخالدة‪ ،‬وأنها جاءت‬
‫ميسرة غير معسرة‪ ،‬وأن المة السلمية تستطيع بحق أن تكون المة‬
‫المستخلفة في الرض‪ ،‬والشاهدة على المم‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ولكن إذا كان المدرس مجرد مّلقن‪ ،‬ل يستعمل التحليل المنطقي العقلي في‬
‫درسه‪ ،‬وهنا يكمن العيب الثاني؛ فإن الطالب لن يتفاعل مع المادة التي‬
‫يتلقاها إل تثاؤبا أو نقرا ورسما على أوراق بيضاء!! أو بالنظر في ساعته‬
‫يرجو منها أن تسارع خطاها لتنتهي الحصة! لنه ل يجد المؤثر والمحفز على‬
‫التقاط المعلومة بطريق منطقي ومؤثر‪ ،‬يستفزه على النتباه لمدّرسه‪ ،‬فلو‬
‫استعملنا معه أسلوب الفهام والقناع بدل التلقي لوجد محفزات التعلم‬
‫تقوده نحو البداع بمبادرته للسؤال والمناقشة‪.‬‬
‫وعند المتحان وتقويم الطالب تسترد بضاعة الستاذ‪ ،‬فيسترجع الطالب كل‬
‫ما تلقاه بالحرف‪ ،‬بغير زيادة أو نقص‪ .‬فل يحلل ول يناقش‪ ،‬وسبب ذلك أن‬
‫سؤال المتحان نفسه يستدعي جوابا محفوظا! وهذا ثالث العيوب وأهمها‪.‬‬
‫لماذا؟‬
‫لن المقصود من التقويم" أن يهدف إلى معرفة مدى بلوغ الطلب للهداف‬
‫المرغوبة ‪...‬‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومعرفة المدى الذي استطاع الطلب به بلوغ أهداف التدريس")‪.(8‬‬


‫إذ المفروض أن الطالب يوم المتحان يبرز قدراته البداعية في استيعاب‬
‫المادة والتفاعل معها تطبيقا وتحليل ثم تقويما‪ ،‬لو كان سؤال الستاذ قد‬
‫فز عقله وقدراته الستيعابية نحو النقد البناء شرحا‬ ‫استنفره للبداع‪ ،‬وح ّ‬
‫وتحليل‪ ،‬حتى يأتي الطالب وقد استوعب أهداف تعلمه‪ ،‬في أننا نريد منه أن‬
‫يتفاعل مع درسه بالقدر الذي فهم منه حاجتنا إليه كأمة مسلمة تعمل لجل‬
‫نهضتها‪.‬‬
‫وهنا يتوجب الحديث عن المنهج الجديد الذي يزيل آفات العيوب الثلثة‬
‫السابقة الذكر‪.‬‬
‫نحو منهج جديد للتدريس الفّعال‪:‬‬
‫بعد استعراضنا بشكل مختصر للمنهج القديم السائد في كثير أو أغلب‬
‫الجامعات والكليات السلمية‪ ،‬نحاول الكشف – في الفقرات التالية ‪ -‬عن‬
‫المنهج الجديد الذي نزيل به عيوب الطريقة القديمة‪ ،‬بغرض الوصول إلى‬
‫سيها‬
‫تنمية المواهب البداعية في طلبة الدراسات الشرعية وكذلك مدر ّ‬
‫مطالبين أمام مجتمعهم بمواجهة تحديات عصر العولمة‪ ،‬بتطويرهم المناهج‬ ‫ال ُ‬
‫الدراسية بما يتوافق ونهضة المة السلمية؛ "والظاهر أن دراسة العلوم‬
‫السلمية في مدارسنا والطريقة التي تدرس بها غير مناسبة تماما ً لهذا‬
‫الغرض‪ ،‬ومن واجبنا إذن أن نمعن النظر في هذه المسألة بعمق")‪(9‬؛ فنهضة‬
‫المة السلمية هي الغاية القصوى من وراء عملية المطالبة بتغير المناهج ل‬
‫لجل الصلح السياسي أو إملًء ممن ل ترضيهم معايشة الطالب لواقعه وهو‬
‫في الدرس!‬
‫فليس ذاك المقصود‪ ،‬ولكن لن "المتغيرات الدولية التي تمر بها المجتمعات‬
‫البشرية منذ العقد الخير من القرن العشرين‪ ،‬والتي تجلت في أوضح صورها‬
‫مع بداية القرن الواحد والعشرين‪ ،‬تفرض علينا تغيير الكثير من التجاهات‬
‫التربوية والممارسات التعليمية التي ل تتلءم مع متطلبات العصر الحديث‬
‫ومتغيراته‪ ،‬حيث ظل التعليم في بلدنا ردحا ً طويل ً من الزمن يعاني من‬
‫النفصال‪ ،‬بدرجة أو بأخرى‪ ،‬عن احتياجات المجتمع ومتطلباته")‪.(10‬‬
‫فالمقصود إذن أن ننمي من خلل المناهج الدراسية التفكير البداعي لدى‬
‫الطلب‪ ،‬بغرض تحقيق نهضة المة السلمية‪ ،‬والنظر في احتياجاتها‪ ،‬ثم‬
‫تحقيق أهداف عملية التدريس والتربية في إيجاد الطالب المسلم ذي‬
‫الطاقات البداعية‪ ،‬القادر على العمل المستمر والمثابرة الدائمة‪.‬‬
‫ولجل تحقيق هذه الهداف والغايات النبيلة‪ ،‬يجدر بنا في البداية معرفة ماهية‬
‫التفكير البداعي وأساليبه‪ ،‬ثم تطبيقها على العملية التربوية في مناهج العلوم‬
‫السلمية‪.‬‬
‫ماهية التفكير البداعي‪:‬‬
‫ُيعّرف المتخصصون البداع بأنه‪ ":‬المبادرة التي يبذلها المرء بقدراته على‬
‫ة")‬
‫الخروج والنشقاق من التسلسل العادي في التفكير بتفكير مخالف كلي ً‬
‫‪.(11‬‬
‫أو هو "ثمرة تفكير ونظر للمألوف بطريقة أو زاوية غير مألوفة" )‪.(12‬‬
‫وفي السياق نفسه نجد مصطلح التفكير البتكاري وهو القدرة على ابتكار‬
‫وإنتاج أكبر عدد من الفكار التي لها قيمة بحيث تؤثر تأثيرا ً إيجابيا ً في حياة‬
‫النسان العملية والفكرية‪.‬‬
‫والبتكار إنتاج جديد هادف وموجه نحو هدف معين‪ ،‬وهو قدرة العقل على‬
‫تكوين علقات جديدة تحدث تغييرا ً في الواقع لدى التلميذ‪ ،‬حيث تجاوز‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م‬‫الحفظ والستظهار إلى التفكير والبحث والتحليل والستنتاج‪ ،‬ومن ث ّ‬


‫البتكار)‪.(13‬‬
‫وتكمن أهمية التفكير البداعي في‪:‬‬
‫‪ -‬بناء العقلية المتعلمة الناضجة القادرة على التحليل والمناقشة والتقويم‬
‫لكل الفكار التي تمر بالمتعلم‪.‬‬
‫‪ -‬المرونة في التفكير‪ ،‬واستيعاب متغيرات العصر‪.‬‬
‫‪ -‬والعمل على ربط التعليم بخطط التنمية في المجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬ويتيح بناء الطالب المتعلم والفرد الواعي بمتطلبات مجتمعه وأمته‪.‬‬
‫وأما التفكير البداعي في العلوم الشرعية فهو‪ :‬قدرة طالب العلم على‬
‫النظر في الدلة‪ ،‬وتعرف أصول الستنباط ووسائل الجتهاد من خلل معرفة‬
‫أسس الجتهاد والحاطة التامة بمقاصد الشريعة‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وبعبارة أخرى فإن التفكير البداعي الذي نأمله في أساتذتنا ابتداًء وطلبتنا‬
‫تبعا هو‪ :‬القدرة على النظر في الدلة الشرعية‪ ،‬واستيعاب أساسيات‬
‫الشريعة استيعابا يتيح استحضارها واستخدامها بطريقة منهجية عند الحاجة‬
‫إليها‪ ،‬ومنها التعامل مع المستجدات والقضايا العصرية‪.‬‬
‫مستويات التفكير البداعي في العملية التعليمية‪:‬‬
‫‪ -1‬التفكير البداعي على مستوى المدرس‪:‬‬
‫قبل الحديث عن البداع في المناهج التعليمية والدراسية‪ ،‬لبد من الحديث‬
‫عن ممارس البداع‪ ،‬وهو المدّرس‪ ،‬المخطط للمنهج الدراسي وواضعه‪،‬‬
‫فالمنهج البداعي ل يتأتى من منهج مفرغ‪ ،‬بل من المنهج المّعد بطرق‬
‫إبداعية نقدية ابتكارية‪ ،‬التي تعتمد على الوسائل التعليمية مثل العلم‬
‫والمعرفة‪ ،‬والفهم والتلقين‪ ،‬والشرح‪ ،‬ثم التحليل والنقد‪ ،‬وأخيرا عملية تقويم‬
‫الستيعاب‪.‬‬
‫وهذا العمل يقوم به المدرس المستوعب لهداف العملية التربوية‪ ،‬والمؤهل‬
‫بالفاعلية والمستوعب لمادة درسه استيعابا جامعا شامل‪ ،‬في القدرة على‬
‫المدارسة من المصادر الصلية وفهمها‪ ،‬وأخيرا المعرفة بآليات الجتهاد‬
‫وأدواته ليستعملها مع النوازل والمستجدات الطارئة على المجتمع‪.‬‬
‫ؤسس على البداع هو الذي يعتمد على شخصية‬ ‫فالتدريس الفّعال الم َ‬
‫المدرس المتميزة الفعالة‪ ،‬والمّعد إعدادا يتماشى مع تحديات الواقع الذي‬
‫تعيشه المة السلمية‪ ،‬هذه الفاعلية التي تبرز في أول‪ :‬اليمان بأهمية العمل‬
‫من أجل تحقيق أهداف التدريس‪ ،‬وثانيا‪ :‬بأهمية التدريس كأساس للبداع‬
‫والعمل الحثيث نحو نهضة المة‪.‬‬
‫والعمل لجل تحقيق هذه الهداف يظهر في طريقين أساسيين هما‪:‬‬
‫‪ .1‬اكتساب المدرس لمهارات التفكير البداعي في نفسه‪.‬‬
‫‪ .2‬ترغيب التفكير البداعي في نفوس الطلب‬
‫فأما اكتساب المدرس لمهارات التفكير البداعي في نفسه ابتداء‪ ،‬فإنه يتأتى‬
‫من خلل‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬المطالعة الدائمة والمتابعة لجديد دور النشر‪:‬‬
‫تنمو الفكار وتنضج بفعل تلقحها مع بعضها البعض من خلل النقاش بين‬
‫أصحاب الرأي الواحد‪ ،‬أو بين أصحاب الراء المتباينة‪ ،‬فإن النقاش من شأنه‬
‫إثارة أسئلة وعلمات استفهام يحتاج الباحث للنظر فيها أن يقرأ ومعلومات‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جديدة‪ ،‬أو معلومات قد خفيت عليه‪ ،‬وليس كل الباحثين سواء في أبحاثهم‬


‫وكتبهم‪.‬‬
‫فالمطالعة المستمرة وبصفة دورية تنشأ لدى المدرس آفاقا جديدة‪ ،‬تعينه‬
‫على تيسير طريقة الدرس اليومي‪ ،‬فبدل أن يكرر المعلومات نفسها‬
‫بالطريقة نفسها‪ ،‬يصبح بإمكانه تكرارها‪ ،‬ولكن بصيغ وتعابير جديدة غير مملة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إعداد البحوث الكاديمية والمقالت‪:‬‬
‫سواء أكانت بحوثا فردية أو جماعية‪ ،‬يشترك فيها أكثر من أستاذ‪ ،‬في‬
‫مؤسسة تعليمية واحدة أو مؤسسات متغايرة‪ ،‬أو كانت بحوثا أكاديمية بحتة‪،‬‬
‫أو مقالت تنشر في الجرائد والمجلت العامة‪.‬‬
‫فإن الهدف من هذه البحوث‪ ،‬ليس مجرد الترقية في سلم العمل التربوي‪،‬‬
‫بل إنها تهيء الرضية الساس للتعامل والتفاعل مع القضايا المعاشة‪ ،‬فيتبين‬
‫أن المعلم ليس مجرد ملقن لدرسه في قاعة الدرس فقط‪ ،‬بل إنه‬
‫ينظراحتياجات أمته ومجتمعه‪ ،‬ويحدد التحديات التي تواجهها أمته‪ ،‬ففي هذه‬
‫البحوث تطرح السئلة وتثار المشكلت بغرض بحثها‪ ،‬وتبادل الراء والفكار‬
‫حولها‪ ،‬للخروج بنظرة عملية تستنهض المة‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬التقويم المستمر‪:‬‬
‫بحيث يعد المدرس خطة عمل فصلية‪ ،‬ثم سنوية يبرمج فيها أهم العمال‬
‫التي سيعدها خلل المدة المقررة‪ ،‬والتي تتناول جانب التدريس والشراف‪،‬‬
‫وإعداد البحوث الفردية أو الجماعية‪ ،‬ناهيك عن حضور المؤتمرات والندواتن‬
‫وأخيرا بعض البرامج التي ُتعد للمجتمع‪ ،‬في المساجد أو التعليم خارج‬
‫المدرسة؛ من أجل معرفة مدى فاعلية المدرس في مجتمعه‪،‬كما هو معمول‬
‫بها في الجامعة التي ُأدرس بها وهذا البرنامج يسمى " الخدمة الجتماعية"‬
‫وم المدرس أيضا بالضافة إلى ما سبق من برامج وأعمال بحثية‬ ‫ومنه ُيق ّ‬
‫وتعليمية‪.‬‬
‫ومن خلل جدول العمل الفصلي والسنوي يستطيع المدرس متابعة خطة‬
‫السير‪ ،‬ومعرفة نفتط الضعف والقوة‪ ،‬وأسباب ذلك لتعديلها‪ ،‬وحتى يسير‬
‫عمله بصورة منظمة غير مذبذة تخضع للظروف والطوارئ والفرص‬
‫السانحة‪.‬‬
‫فالعمل البداعي هو الذي يسير وفق جدول عمل مخطط له‪ ،‬سواء أكان‬
‫التخطيط على المدى القريب أو البعيد‪ ،‬فمن شأن التخطيط الذي يسير‬
‫بجدول العمل نحو التطبيق وتحقيق الهداف‪ ،‬أنه يؤدي إلى الثقة بالنفس‪،‬‬
‫والتي بدورها تزيد من فاعلية العمل ومنه إلى العمل البداعي‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬مواكبة التحديات والنوازل‪:‬‬
‫كتبت وفقا‬‫وحتى ل يبقى المدرس يعيش بين أسطر الكتب القديمة التي ُ‬
‫لمتطلبات ونوازل عصرها‪ ،‬وظروف أفرادها‪ ،‬فإن المطلوب من مدرس‬
‫العلوم الشرعية أن يواكب متغيرات وتحديات عصره الذي يعيشه‪ ،‬فإن‬
‫التحديات تختلف من عصر لخر‪ ،‬والمتغيرات الطارئة تتمايز وتتباين‪.‬‬
‫وأما منهج التعامل مع هذه التحديات يكون أكثر شيئ باستعمال آلية الجتهاد‪،‬‬
‫وعلم أصول الفقه فهو المنهح الساس في التعامل مع نصوص الوحي‬
‫استخراجا للحكام الشرعية ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وخلصة لما تقدم قد يلحظ القارئ أنني ركزت على وسائل تنمية البداع لما‬
‫يخص المعلم‪ ،‬بما يمكن أن ينبع من ذاته هو نفسه‪ ،‬ومن دون الحاجة إلى‬
‫تدريب عملي يحضره المدرس لنه مجبر على حضوره؛ وإل فإن الحديث عن‬
‫أساليب تنمية البداع حديث طويل ومتشعب‪ ،‬ويختص به أهل واختصاصيي‬
‫التربية بحديثهم عن "منظومة برامج تدريب المعلم في إطار البداع")‪،(14‬‬
‫وهو مجال يتقنه أهله‪ ،‬وتراني لم أشر إليه من بعيد أو قريب‪ ،‬لني ركزت‬
‫الحديث عن إبداع المدرس نفسه بنفسه‪ ،‬وهو أمر ل يتقنه إل المدرس‬
‫المبدع‪.‬‬
‫وإذا ما تم إعداد المدرس إعدادا متميزا للوقوف في وجه التحديات التي‬
‫يواجهها السلم والمسلمون‪ ،‬فإن إعداد الطلبة يكون سهل!‬
‫|‪|2|1‬‬
‫)‪ (1‬أصل هذا البحث ورقة بحثية ألقيت في المؤتمر الدولي‪) :‬السلم‬
‫والمسلمون في القرن الواحد والعشرين‪ :‬الصورة والواقع(‪ ،‬كواللمبور‪،‬‬
‫مركز بوترا للتجارة العالمية‪6/8/2004-4 ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (2‬كلية الشريعة والقانون‪ ،‬جامعة العلوم السلمية بماليزيا‪.‬‬
‫)‪ (3‬إبراهيم أحمد مسلم‪ ،‬الجديد في أساليب التعليم )حل المشكلت‪ ،‬تنمية‬
‫البداع‪ ،‬وتسريع التفكير العلمي(‪ ،‬ط ‪ ،1‬عمان‪ :‬دار البشير‪1414 ،‬هـ‪1994/‬م‪،‬‬
‫ص ‪.135‬‬
‫)‪ (4‬عمر عبيد حسنة‪ ،‬من مقدمة كتاب‪ :‬التعليم وإشكالية التنمية للدكتور‬
‫حسن الهنداوي‪ ،‬ط ‪1/2004‬م‪ ،‬الدوحة‪ :‬وزارة الوقاف والشؤون السلمية‪،‬‬
‫ص ‪.23‬‬
‫)‪ (5‬عمر عبيد حسنة‪ ،‬من مقدمة كتاب‪ :‬تكوين الملكة الفقهية للدكتور محمد‬
‫عثمان شبير‪ ،‬ط ‪1/1999‬م‪ ،‬الدوحة‪ :‬وزارة الوقاف والشؤون السلمية‪ ،‬ص‬
‫‪.39‬‬
‫)‪ (6‬مسلم‪ ،‬الجديد في أساليب التعليم‪ ،‬ص ‪.142‬‬
‫)‪ (7‬محمد معين صديقي‪ ،‬السس السلمية للعلم‪ ،‬المعهد العالمي للفكر‬
‫السلمي‪1409 ،‬هـ‪1989/‬م‪ ،‬ص ‪.58‬‬
‫)‪ (8‬يعقوب حسين نشوان‪ ،‬اتجاهات معاصرة في مناهج وطرق تدريس‬
‫العلوم‪ ،‬ط ‪ ،2‬عمان‪ :‬دار الفرقان‪1994 ،‬م‪ ،‬ص ‪.141‬‬
‫)‪ (9‬صديقي‪ ،‬السس السلمية للعلم‪ ،‬ص ‪.57‬‬
‫)‪ (10‬محمد إسماعيل محمد اللباني‪ ،‬التفكير الناقد ودوره في التعلم الفعال‪،‬‬
‫ص ‪.3‬‬
‫)‪ (11‬عبد الرحمن صالح المشيقح‪ ،‬الطريق إلى البداع‪ ،‬ص ‪ ،22‬نقل عن‬
‫صالح بن درويش حسن معمار‪ ،‬نحو تطوير العمل البداعي‪ ،‬مجلة جامعة أم‬
‫القرى‪ ،‬ص ‪.163‬‬
‫)‪ (12‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.163‬‬
‫)‪ (13‬د‪ /‬محمد حمد عقيل الطيطي‪ ،‬مهارات التفكير اليجابي في المدرسة‬
‫الساسية‪ ،‬ورقة مقدمة للمؤتمر العلمي العربي الثالث لرعاية الموهوبين‬
‫والمتفوقين ‪ 21 – 19‬تموز ‪2003‬م‪ 21 – 19 ،‬جمادى الولى ‪1424‬هـ‪ ،‬فندق‬
‫مان‪ ،‬ص ‪.17‬‬‫هوليدي إن‪ /‬ع ّ‬
‫)‪ (14‬تراجع هنا كتب‪ :‬التربية عموما‪ ،‬واتجاهات التعليم‪ ،‬وفلسفة التربية‬
‫خصوصا‪.‬‬
‫التفكير البداعي في المناهج الدراسية‬
‫لمقررات الفقه وأصوله]‪(1) [2/3‬‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫د‪ /‬فريدة زوزو )‪24/11/1425 (2‬‬


‫‪05/01/2005‬‬
‫وأما ترغيب التفكير البداعي في نفوس الطلب فيتأتى من خلل‪:‬‬
‫علقة المدرس والطالب‪:‬‬
‫لبد من الخذ بعين العتبار أن المدرس في الجامعة هو آخر مدرس يتعلم‬
‫على يديه الطالب‪ ،‬وهو يفترق عن المعلم في المدرسة البتدائية‪ ،‬هذا لنه‬
‫أول معلم‪ ،‬وبالتالي فإن أهداف المدرسة تختلف عن أهداف الجامعة‬
‫باعتبارها المدرسة الخيرة‪ ،‬ولنه " ينظر إلى مؤسسات التعليم الجامعي‬
‫باعتبارها المراكز الساسية للبحث العلمي؛ فالمدرسون في هذه المؤسسات‬
‫يتحملون أمانة العلم تبليغا وتعليما ونشرا‪ ،‬لكن عليهم أن يتحملوا هذه المانة‬
‫إبداعا وإنتاجا" )‪.(3‬‬
‫ومن هنا كان على الستاذ في الجامعة أن يتبع جملة من المور حتى ينتج‬
‫طالبا حافظا مستوعبا‪ ،‬يملك أدوات البداع ل الحفظ فقط‪ ،‬ويحول الطالب‬
‫السلبي إلى طالب إيجابي فعال من خلل السؤال أو النقاش‪ ،‬وإشراكه في‬
‫محور الدرس استثارة له نحو التساؤل المجدي‪.‬‬
‫ونأخذ هنا مثال‪ ،‬عند تدريسنا لمادة الفقه المقارن والتي ل يحبها أكثر الطلبة‪،‬‬
‫لماذا؟ لنها تعتمد أكثر شيئ على حفظ الدلة الكثيرة والمختلفة بين‬
‫المذاهب الفقهية‪ ،‬فهذا المذهب يستند على دليل من الحديث النبوي‪،‬‬
‫والمذهب الخر يفنده بحديث نبوي آخر‪ ،‬ليجد الطالب نفسه في معركة‬
‫سيوفها هي نصوص الوحي نفسها‪ .‬وكان الولى بالمدرس أن يستعمل هذه‬
‫المادة في بيان أهمية التفكير النقدي‪ ،‬عند النظر في دليل الخصم‪ ،‬بأن ينتقد‬
‫بدليل أقوى حجة‪ ،‬استعراضا للدلة القوية‪ ،‬ودحضا للدلة الواهية؛ حتى يمكن‬
‫الستفادة حقا من كتب ومفردات الفقه المقارن‪ ،‬ومنه بيان سمو الشريعة‬
‫السلمية وغناها بالراء الفقهية في المسألة الواحدة‪ ،‬مما ُيرفع به الحرج عند‬
‫تعذر العمل بالحكم الشرعي الصلي‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ول يمكن هنا التغافل عن الجانب التربوي لهذه المادة مثل؛ إذ يتعلم الطالب‬
‫ل‪ ،‬فل يزود‬ ‫من هذه المادة كذلك نبذ التعصب المذهبي والتقليد‪ ،‬وهو خلق عا ٍ‬
‫المدرس الطالب بالعلم والمعرفة فقط‪ ،‬بل يزوده كذلك بالخلق والخلل‬
‫الحميدة‪ ،‬والسلوك القويم‪ ،‬فالطالب الجامعي قد وصل في الجامعة لخر‬
‫مرحلة من مراحل التربية والتنشئة التي ابتدأت في البيت منذ أن كان‬
‫رضيعا‪ ،‬فعلى المدرس أن يدرك هذه المسألة ويضعها في الحسبان‪ ،‬من أجل‬
‫أن يساهم في إعداد الفرد الصالح الفعال أول‪ ،‬وتكوين الفقيه المجتهد ثانيا‪،‬‬
‫فمن المور الواجب اتباعها‪:‬‬
‫أ‪ -‬طريقة التدريس في كسب انتباه الطالب‪:‬‬
‫جرت العادة أن يجلس الستاذ ثابتا على كرسيه متحدثا وشارحا للدرس من‬
‫أوراق موزعة بين يديه‪ ،‬أو من خلل النظر والتقليب لصفحات كتاب مفتوح‬
‫أمامه؛ في الوقت الذي يكون فيه الطالب إما يتثاءب أو يتململ على كرسيه‬
‫أو يرسم على أوراقه‪...‬الخ‪.‬‬
‫ة في تدريس العلوم الشرعية وتسمى‬ ‫ة التقليدي َ‬
‫ة الطريق َ‬
‫تعد هذه الطريق ُ‬
‫)طريقة التلقين(‪ ،‬وتعتمد على التلقين والتكرار‪ ،‬وهي وسيلة مهمة وفعالة‬
‫في الحفظ في السطور والصدور‪ ،‬بحيث يستوعب الطالب الدرس في ذهنه‪،‬‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫طلب منه إعادة شيئ أو استفسره المدرس عن مسألة‪ ،‬فإنه ل‬ ‫ولكن إذا ُ‬
‫يعرف الجابة ؛ فهي طريقة تشوبها بعض السلبيات مثل‪ :‬عدم مراعاة‬
‫الفروق الفردية بين الطلبة؛ حيث أن أعدادهم كبيرة جدا مما يعسر معه‬
‫العناية بأفراد الطلبة فردا فردا‪ ،‬كما أنها تخلو من تجاوب الطلبة معها‪ ،‬حيث‬
‫أنهم يتلقوا فقط‪ ،‬ولم يستثاروا أبدا لسؤال أو حل إشكال‪.‬‬
‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬فإنها طريقة ل تجذب انتباه الطالب في هذا العصر‪ ،‬وهو‬
‫الذي أصبح فكره مشغول بأمور خارجة عن الدرس‪ ،‬فليس الدرس هو غايته‬
‫وهدفه‪ .‬فلقد أصبح الطلب يأتون للدرس جبرا‪ ،‬ولن التعليم إجباري على كل‬
‫الفراد‪ ،‬وبالتالي يأتي الطالب وذهنه معلق بمشتهيات وملذات غير الدرس‬
‫الممل‪ ،‬وهنا وجب الحديث عن أسباب تدني الدافعية للتعلم والدراسة لدى‬
‫طلبنا‪ ،‬وهو موضوع شائك يحتاج إلى بحث تربوي مستقل‪.‬‬
‫ومن الضروري هنا أن تتنوع طرق التدريس بعد أن عرفنا أن طريقة التلقين‬
‫ليست الطريقة المجدية في هذا العصر بالذات‪ ،‬عصر المعلوماتية‪ ،‬وعصر‬
‫التكنولوجيا‪ ،‬وعصر السرعة في كل شيء‪ ،‬وكان لبد من الستعانة بطرق‬
‫أخرى أكثر فاعلية‪ ،‬وأيسر تعامل مع الطلب‪ ،‬وهنا أخص بالذكر بعضا من هذه‬
‫الطرق مثل‪:‬‬
‫استعمال تقنية المعلومات والتي من شأنها أن تضفي على الدرس حيوية‬
‫واهتماما متزايدا من قبل الطلب‪ ،‬كما أنها تيسر على المدرس تجميع‬
‫المعلومات الكثيرة في مساحات قليلة بطريقة مبسطة جذابة‪ ،‬تجلب انتباه‬
‫الطالب كل حين‪ .‬وتكمن أهمية هذه الوسائل كما يقول د‪ /‬أحمد محمد زكي‬
‫)المتخصص في مجال التقنية(‪ ":‬في استثارة اهتمام التلميذ وإشباع حاجته‬
‫للتعلم‪ ،‬وتشرك هذه الوسائل جميع حواس المتعلم‪ ،‬مما يؤدي إلى ترسيخ‬
‫المعلومة وحسن ترتيب واستمرار أفكار التلميذ‪ ،‬وكذلك تنمي قدرة المتعلم‬
‫على التأمل ودقة الملحظة واتباع التفكير العلمي‪.(4) "...‬‬
‫ناهيك على تسهيلها استيعاب الدرس الذي يتيسر فيه الشرح بطريق الصور‬
‫مثل مناسك الحج‪ ،‬ودروس فقه السيرة‪ ،‬ومناطق الغزوات‪ ،‬التي تسهل‬
‫دة لهذا الغرض‪ ،‬فالطالب في هذا المساق مثل وهو‬ ‫دراستها على خرائط مع ّ‬
‫ينظر في الخريطة إلى طول المسافة بين مكة والمدينة المنورة‪ ،‬طريق‬
‫هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم يسهل عليه تصور الدرس وفهمه‬
‫واستيعابه‪.‬‬
‫كما يمكن أن تساهم تقنية المعلومات في حساب مقادير الزكوات خاصة‬
‫الحديثة منها مثل أنصبة السهم والسندات وعروض التجارة عموما بطريقة‬
‫حسابية ميسرة‪ ،‬ومثلها أنصبة الورثة في علم المواريث وغيرها‪.‬‬
‫طريقة المناقشة‪ :‬وتحبذ هذه الطريقة أن تمارس مع مجموعات وفرق‬
‫صغيرة من الطلبة عددهم بين )‪ (15-10‬فيكون محور الدرس موضوعا‬
‫للنقاش الدائر بين المدرس والطلبة‪ ،‬وفيها يمكن الستعانة ببعض الكتب‬
‫الجانبية المساعدة على استثارة التفكير والسؤال عند الطالب‪ ،‬وهي طريقة‬
‫تعين كذلك على فهم الموضوع من طرق متعددة وبالتالي تنمية قدرة‬
‫الطالب على استيعاب الدرس من أحد الطرق الميسرة عنده‪ .‬وهي طريقة‬
‫تستعمل في حصص المناقشة‪.‬‬
‫تنويع النشطة داخل الفصل‪ :‬أي أن المدرس يحاول تغيير جو التدريس إلى‬
‫طرح سؤال‪ ،‬أو دعوة طالب لمناقشة مسألة‪ ،‬أوالكتابة على السبورة‪ ،‬أو‬
‫استعمال تخطيط الشجرة‪ .‬كما يجدر أن يتحلى المدرس بروح الدعابة‬
‫والمرح أحيانا بإلقاء مزحة يستثير بها صمت وهدوء الطلبة‪ ،‬كما ينبغي كل‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حين التنبيه على أهم محاور الدرس‪ ،‬والخيط الجامع للدرس حتى ل يضيع‬
‫الطلب بين تفريعات الدرس ناسين جوهره‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫طريقة الوحدات‪ :‬والغاية من هذه الطريقة الربط بين معلومات المنهج في‬
‫المادة الواحدة‪ ،‬أو في مواد مختلفة متعددة‪ ،‬حول هدف نظري واحد؛ فالزكاة‬
‫مثل‪ -‬إذا درست على منهج المواد المنفصلة‪ -‬تدرس دراسة جافة ضحلة‪،‬‬
‫تتناول أوقات وجوبها‪ ،‬ومقاديرها‪ ،‬ومصارفها‪ ،‬إلى غير ذلك‪ ،‬ولكنها كوحدة‬
‫يمكن أن تدرس من اتجاهات أقوى حيوية وأعظم تأثيرا‪ ،‬مثل‪ :‬الزكاة‬
‫ومشكلة الفقر‪ ،‬الزكاة والتنظيم القتصادي‪ ،‬الزكاة والتعاون‪ ،‬المضاعفات‬
‫السيئة لمنع الزكاة‪...‬الخ )‪.(5‬‬
‫ب‪ -‬التمثيل بحيثيات ومستجدات الواقع المعيش‪:‬‬
‫حركة المجتمع والواقع الجتماعي واقع متحرك غير ثابت‪ ،‬فهو أحيانا يحتكم‬
‫إلى الشريعة السلمية ‪ ،‬وفي أحيان أخرى يبتعد عنها‪ ،‬لينجرف مع التيارات‬
‫المستحدثة‪.‬‬
‫والستاذ في درسه يدرس المنهج المقرر‪ ،‬واضعا خلفه واقعه الذي يعيش‬
‫فيه؛ وهنا تكمن إشكالية التمايز عند الطالب‪ ،‬بين ما يتلقاه في الدرس وبين‬
‫واقعه‪ ،‬فهما يسيران في اتجاهين متعاكسين‪ ،‬وهنا وجب على المدرس أن‬
‫يربط مادة درسه بالواقع المعيش‪ ،‬بـ‪:‬‬
‫* إنزال الحكام الشرعية منازلها بعد تحقيق مناطها‪ ،‬حيث يعد الواقع أحد‬
‫عناصر تحليل وتحقيق مناطات الحكام‪.‬‬
‫* ومحاولة الستفادة من العلوم الحديثة في مجال تفسير وفهم بعض‬
‫النصوص الشرعية‪.‬‬
‫* معالجة المسائل والتحديات المعاصرة بالنظر الفقهي الشرعي )مجالت‬
‫الطب والسياسة والمعاملت القتصادية‪ ،‬وغيرها(‪.‬‬
‫* النطلق من الواقع بتحدياته‪ ،‬ومعالجتها معالجة شرعية؛ فهذا المنهج‬
‫سيساعد الطالب والستاذ نفسه على اللتحام بالمجتمع والندماج في‬
‫مؤسساته‪.‬‬
‫* ويوضح الستاذ أهمية ذلك في نهضة المة‪ ،‬ويحث الطالب على أن يكون‬
‫عضوا فاعل‪.‬‬
‫فل يمكن عزل الطالب عن واقعه الذي يعيشه‪ ،‬وخاصة أن مقررات‬
‫الدراسات الشرعية الحالية تعتمد على أمرين اثنين‪:‬‬
‫‪ -‬أولهما التأصيل النظري للحكام الشرعية المستوحى من القرآن والسنة‪،‬‬
‫من دون ربطها بما يسود المجتمع من مخالفات لهذه الحكام‪ ،‬أو محاولة‬
‫إدراج صورها الحديثة لتأصيلها شرعيا ‪.‬‬
‫‪ -‬وثانيهما التمثيل بالمثلة والفروع الفقهية القديمة‪ ،‬التي يصعب على الطالب‬
‫فهمها ناهيك عن فهم الدرس والقاعدة المعتمدة‪ ،‬وما يأتي المثال في الصل‬
‫إل لجل أن ييسر فهم الدرس!‪.‬‬
‫مكامن تجديد المثلة بما يناسب العصر‪:‬‬
‫إضافة لما سبق التطرق إليه لبعض المثلة في الفقه المعاصر ومادة الفقه‬
‫المقارن‪ ،‬فهذه أمثلة أخرى من‪:‬‬
‫‪ -‬مادة فقه المعاملت ‪ :‬وخذ لذلك مثال‪ ،‬فعند شرحي لدرس البيوع المنهي‬
‫عنها للغرر الواقع فيها نمّثل بـ‪" :‬ل يجوز بيع البعير الشارد والعبد البق‪،‬‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والسمك في النهر والطير في السماء‪ ،‬واللبن في الضرع"‪ ،‬وغيرها كثير كثير‬


‫من المثلة التي لم تتغير منذ قرون طويلة‪ ،‬وقس على ذلك المثلة في‬
‫الدرس الصولي فهي هي‪ ،‬كما َدرستها أنا في الجامعة وكما ُأدرسها الن‬
‫للطلبة‪ ،‬وكما سُيدرسها طلبتي في المستقبل لطلبتهم‪ ...‬وهكذا‪.‬‬
‫وقد يصعب على الستاذ استحضار أمثلة وتطبيقات جديدة من الواقع لن‬
‫الستاذ نفسه عاجز عن استيعاب ومحاولة مزج التنظير مع التطبيق‪.‬‬
‫‪ -‬ومن أمثلة التجديد في الدرس الصولي‪:‬‬
‫لبد من ربط الدرس الصولي بالواقع المعيش‪ ،‬في إنزال الحكام الشرعية‬
‫منازلها بعد تحقيق مناطها‪ ،‬حيث يعد الواقع أحد عناصر تحليل وتحقيق‬
‫مناطات الحكام‪ .‬ومحاولة الستفادة من العلوم الحديثة في مجال تفسير‬
‫وفهم بعض النصوص الشرعية‪.‬‬
‫إذ سيساعد هذا المنهج على اللتحام بالمجتمع والندماج في مؤسساته‪ ،‬فل‬
‫ينغلق الصوليون على أنفسهم في مباحث تجريدية نظرية هي لعلم الكلم‬
‫والفلسفة أقرب‪.‬‬
‫ول يمكن عزل المنهج الصولي عن واقعنا الذي نعيشه‪ ،‬فالمباحث الحالية‪،‬‬
‫وهي في ذاتها قديمة‪ ،‬وتعتمد على المثلة القديمة التي لم ول تتغير في أي‬
‫كتاب أصولي قديم أو حديث‪ ،‬وخذ لذلك أمثلة في درس " السبب"‪ :‬القتل‬
‫العمد سبب لوجوب القصاص‪ ،‬وفي درس "الجماع"‪ ،‬من الجماعات إعطاء‬
‫الجدة السدس‪ ،‬وفي درس " الرخصة والعزيمة"‪ :‬من أمثلة إباحة ترك‬
‫الواجب‪ :‬الفطر في رمضان للمسافر‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫ومن هنا تظهر أهمية مراجعة المقررات الدراسية لعلم أصول الفقه‬
‫ومفرداتها‪ ،‬بما جد ّ في الواقع من مسائل‪ ،‬لمواجهة التحديات والشبهات‬
‫المثارة كل حين وبصور متغايرة‪ ،‬ولو أمكن " تحديث المثلة في كل‬
‫الموضوعات مع ربطها بالتطبيق القضائي المعاصر" )‪.(6‬‬
‫‪ -‬ومن أمثلة مادة " القواعد الفقهية"‪:‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫مادة القواعد الفقهية والتي تعتبر من أجل العلوم التي أبدع فيها علماؤنا‬
‫لهميتها‪،‬كما قال المام القرافي" قواعد كلية فقهية كثيرة العدد‪ ،‬عظيمة‬
‫المدد‪ ،‬مشتملة على أسرار الشرع وحكمه‪...‬وهي قواعد عظيمة النفع وبقدر‬
‫الحاطة بها يعظم قدر الفقيه وشرفه‪ ،(7) "..‬فأساسها مبني على عمل‬
‫الفقهاء على جمع الفروع الفقهية المتناثرة تحت محدد وضابط جامع لها‪،‬‬
‫بغرض إيجاد رابط لفروع كثيرة متشابهة موصولة مع بعض‪ ،‬فقد قال المام‬
‫السيوطي بعد الثناء على الفقهاء‪ ":‬ولقد نوعوا هذا الفقه فنونا وأنواعا‪،‬‬
‫وتطاولوا في استنباطه يدا وباعا‪ .‬وكان من أجل أنواعه‪ :‬معرفة نظائر الفروع‬
‫وأشباهها‪ ،‬وضم المفردات إلى أخواتها وأشكالها‪ ،‬ولعمري إن هذا الفن ل‬
‫يدرك بالتمني‪ ،‬ول ينال بسوف ولعل ولو أني‪.(8) "..‬‬
‫إل أنه يستشكل على المدرس في هذا العصر البحث عن أمثلة جديدة‪،‬‬
‫فتجده عاجزا عن التيان بذلك‪ ،‬لنه وللسف غير مطلع على مستجدات‬
‫العصر التي كثيرا ما تكون مخزنة في البحاث الكاديمية‪ ،‬والمقالت العلمية‬
‫في المجلت‪ ،‬وعلى شبكة النترنيت‪ ،‬والتي تستدعي استقراًء لها كما استقرأ‬
‫علماؤنا الجلء في القديم نوازلهم‪.‬‬
‫وهنا يجد الستاذ نفسه بدل أن يشرح القاعدة الفقهية الم‪ ،‬يشرح المثلة‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المستعصية على أذهان الطلبة‪ ،‬لنها أمثلة من زمان غير زمانهم‪ ،‬وهنا علمة‬
‫استفهام كبيرة ؟!‬
‫فكيف بمادة ُقصد من وضع مساقها ومفرداتها وتدريسها للطلبة أن تساعدهم‬
‫في اكتساب الملكة الفقهية‪ ،‬وهي المقصد الساسي من وضع هذا العلم‪،‬‬
‫تعمل بعكس هدفها في عدم استيعاب الطالب لمثلتها ناهيك عن القاعدة‬
‫الصل؟‬
‫فالمدرسون ل يبذلون الجهد الكافي في البحث والستقصاء عن تطبيقات‬
‫عملية لموادهم لنهم هم أنفسهم حرموا من معرفتها سواء في مرحلة‬
‫تعليمهم المدرسي أو الجامعي‪.‬‬
‫لذا فإن مجهودا ً إضافيا ً يعد أمرا ضروريا ومطلوب من قبل المعلمين لكسر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الجمود الموجود في الكتب المدرسية‪ ،‬وليخرجوا التعليم من?الحفظ‬
‫والستذكار ?إلى?القناع? والتطبيق )‪?.(9‬‬
‫ومن هنا تظهر أهمية مراجعة المقررات الدراسية ومفرداتها بما جد ّ في‬
‫الواقع من مسائل فقهية أو حديثية أو تفسيرية وغيرها‪ ،‬لمواجهة التحديات‬
‫والشبهات المثارة كل حين وبصور متغايرة‪ .‬وهو أمر ليس بالعسير إذا ما‬
‫تكاتفت جهود الباحثين من كل تخصص في الدراسات الشرعية بغرض‬
‫استقراء المستجدات وأدلتها‪ ،‬والتي كثيرا ما تعتمد على مقاصد الشريعة‬
‫وقواعد الفقه والتفسير المقاصدي لليات والحاديث الشريفة‪ ،‬وهو مما‬
‫سيساعد على تنمية البحث العلمي وتطوير مناهج تدريس الدراسات‬
‫الشرعية في جوانب متعددة تعدد الستقراء المبحوث عنه‪.‬‬
‫ج‪ -‬تحفيز الطالب على التفكير والبحث العلمي‪:‬‬
‫بعد أن يتلقى الطالب الدرس ويحفظه استيعابا وفهما‪ ،‬نخطو نحو تدريبه على‬
‫ملكة السؤال والستفسار‪ ،‬ليتعمق الفهم بالنقاش وضرب المثلة‪ .‬فلو بقيت‬
‫المعلومات دون تحليلها أو استنطاقها لتحولت إلى جثة هامدة ل تغني من‬
‫يحملها في شيء سوى إرهاقه بحملها واسترجاعها‪ ،‬أما التفكير الناقد فإنه‬
‫يحول هذه المعلومات إلى طاقة خلقة تسهم في تكوين العقلية العلمية‬
‫المستنيرة التي يستطيع صاحبها أن يتعامل مع مفردات الواقع ومتطلبات‬
‫الحياة بمرونة واضحة وبقدرة على التحليل و الستنتاج و الفهم والستيعات‬
‫تساعده على الحياة الراقية و السلوك المتطور )‪.(10‬‬
‫وهو المر المرجو والمقصود من التعليم والتربية عموما‪" ،‬ول شك أن الهدف‬
‫المتوخى من العملية التدريسية؛ ل يتمثل في حشو أذهان الطلبة‬
‫بالمعلومات‪ ،‬وإن كانت مفيدة‪ ،‬فليس المتوخى أن يتخرج طلب الفقه أوعية‬
‫للمعلومات‪ ...‬غير أن الهدف الهم الذي يجب أن تتجه إليه العملية التدريسية‬
‫في الفقه‪ ،‬إنما هو بناء الشخصية الفقهية للطالب‪ ،‬وتنمية ملكات الستنباط‬
‫والبحث الفقهي عنده‪ ،‬واكسابه القدرة على التفكير العلمي السليم‪ ،‬المبني‬
‫على منهجية فقهية واضحة‪ ،‬قادرة على المحاورة والمناظرة" )‪.(11‬‬
‫ولن التحديات والمتغيرات كثيرة ومعقدة فإن الحتجاج العقلي من شأنه أن‬
‫يزيل الغبش عن ذهن الطالب‪ ،‬والمعروف في عرف الدراسات الشرعية أنها‬
‫دوما تتجه إلى التأصيل النصي من القرآن والسنة فقط‪ ،‬ويأخذ الحتجاج‬
‫العقلي مساحة ضيقة‪ ،‬ل يفهمها الطالب بسهولة‪ .‬فالستدلل بالحجة العقلية‬
‫أمر في غاية الهمية بعد الستدلل بالنص وتعليم الطلب ذلك مهم جدا‪ ،‬لنه‬
‫"وفي ظل ازدياد الشبهات العقلية أصبح ضروريا العناية بالحجة العقلية في‬
‫عرض مقرر العلوم الشرعية بشكل أكثر فعالية" )‪.(12‬‬
‫ومن أهم الوسائل المساعدة على إدراك الطلب فن البداع إكثار المدرس‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من السؤال‪ ،‬بحيث تكون السئلة الكثيرة المتتابعة المتتالية مدخل للدرس‪،‬‬
‫وليس بالضرورة أن تتم الجابة عن كل السئلة آنيا وفي أثناء إلقاء الدرس‪،‬‬
‫وهنا وجب تطويرما أسماه د‪ /‬جمال بادي " أسلوب ضرب المثلة" )‪.(13‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫فالمهم أننا عَّلمنا الطلبة طريقة السؤال وطريقة الوصول للمعلومة‬


‫المطلوبة عن طريق سؤال مباشر أو غير مباشر‪ .‬ويمكن هنا الستعانة بما‬
‫يسميه التربويون "البتكار بالستثارة"‪ ،‬بحيث تكون مهمة المدرس استثارة‬
‫الطلب عن طريق طرح بعض التعليقات القصيرة المثيرة‪ ،‬وذلك من أجل‬
‫استدعاء الراء والفكار الجديدة )‪.(14‬‬
‫وهنا سيكون دور المدرس كالمدرب والمراقب والمستشار أحيانا أخرى؛ أي‬
‫أن دوره ل يكمن في صب المعلومات صبا‪ ،‬وإنما يوجه الطلب نحو‬
‫المعلومات‪ ،‬ويشرف على توجيههم الوجهة الصحيحة‪ ،‬وتدريبهم على روح‬
‫التساؤل‪ ،‬وتشجيعهم على ذلك‪.‬‬
‫أي يتم عرض المحتوى على أساس‪:‬‬
‫* عرض الموضوع على هيئة مشكلة أو تساؤل يثير اهتمام التلميذ وتفكيرهم‬
‫لتحقيق أهداف تدريس العلوم ‪.‬‬
‫* إتاحة الفرصة لهم مع المعلم لوضع الفروض المناسبة لحل المشكلة )‪.(15‬‬
‫د‪ -‬تأهيل الطالب عمليا‪:‬‬
‫يأخذ المدرس في عين العتبار أن طالب الدراسات الشرعية مثله مثل‬
‫طالب في التخصص التقني الذي يدخل المختبرات يوميا‪ ،‬فطالب الدراسات‬
‫الشرعية وإن كان ل يدخل إلى هذه المختبرات في أيام دراسته فإنه ل محالة‬
‫داخلها في واقع حياته‪ ،‬على اعتبار أنه سيكون قاضيا شرعيا أو مدرسا أو‬
‫إماما خطيبا‪ ،‬أو فقيها مجتهدا‪ ،‬أو فردا عاديا في مجتمعه‪ ،‬ولكنه غير عادي‬
‫بالنظر إلى تخصصه الذي يتطلب منه إلماما بعلوم الشريعة وتفريعاتها‪ ،‬فهو‬
‫سُيستفسر كل حين عن مسألة فقهية أو فتوى أو معنى حديث‪ ،‬أو معنى آية‪،‬‬
‫وهو هنا في مركز المفتي والمجتهد بين أهله وجيرانه وأفراد بلدته الصغيرة‪،‬‬
‫"ومن مظاهر القصور والخلل والتقصير الواضح البّين أن يواجه طالب‬
‫الشريعة الذي يرى نفسه مختصا في الحديث أو العقيدة أو التفسير بمسائل‬
‫من الحياة تتصل بالحلل والحرام عمليا‪ ،‬ثم يعتذر عن عدم قدرته على‬
‫التعامل معها لنه مختص بالعقيدة مثل وليس بالفقه" )‪.(16‬‬
‫وهنا يحضرني مثال مهم وهو أن إحدى زميلتي وهي خريجة معهد الدعوة‬
‫والعلم والتي لم تدرس من مواد الفقه إل القليل القليل‪ ،‬حدث أن تزوجت‬
‫إماما وهو المر الذي استدعى أن كثيرا من نساء المدينة يزرنها بغرض‬
‫الستفتاء والسؤال‪ ،‬فتجد نفسها حائرة ل تعرف ماذا تقول‪ ،‬والسبب أنها‬
‫خريجة كلية الدعوة والعلم‪ ،‬ولم تدرس من الفقه وعلومه إل النزر القليل!‬
‫وهنا تظهر الحاجة إلى دراسة فن الترجيح والمناظرات والجدل العلمي‪ ،‬التي‬
‫حفل بها تاريخنا السلمي‪ ،‬فندرب الطلبة على فن المناظرات والستدلل‬
‫المقابل للستدلل المضاد‪ ،‬فإن هذا الفن معناه وجوب استحضار الحكم‬
‫ودليله بصورة آنية‪ ،‬وذلك يتطلب حفظها وفهمها واستيعاب أهميتها ومكانتها‬
‫وموضعها بين المسائل المعروضة حتى يتأتى استحضارها وهذا أحد فنون‬
‫التفكير البداعي الذي يتدرب الطلب عليه في الدرس النظري ثم التطبيقي‪.‬‬
‫فهذه العلوم تعد أعمال تحتاج إلى فنون تطبيقية مثل فن الخطابة المتماشي‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مع الحداث اليومية‪ ،‬وعلم القضاء الذي يحتاج إلى تطبيق وتمثيل للمحاكم‬
‫ومجالس القضاء التي تحتاج معرفة فن الترافع ومحاججة الخصم بالحجة‬
‫والبيان ‪...‬الخ‪.‬‬
‫|‪|2|1‬‬
‫)‪ (1‬أصل هذا البحث ورقة بحثية ألقيت في المؤتمر الدولي‪) :‬السلم‬
‫والمسلمون في القرن الواحد والعشرين‪ :‬الصورة والواقع(‪ ،‬كواللمبور‪،‬‬
‫مركز بوترا للتجارة العالمية‪6/8/2004-4 ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (2‬كلية الشريعة والقانون‪ ،‬جامعة العلوم السلمية بماليزيا‪.‬‬
‫)‪ (3‬فتحي حسن ملكاوي‪ ،‬البحث التربوي وتطبيقاته في الدراسات السلمية‬
‫في الجامعات‪ ،‬إسلمية المعرفة‪ ،‬السنة ‪ ،8‬العدد ‪ ،30‬خريف ‪1423‬هـ‪/‬‬
‫‪2002‬م‪ ،‬ص ‪.85‬‬
‫)‪ (4‬توظيف تقنية المعلومات في تدريس العلوم الشرعية‪ ،‬ندوة" نحو صياغة‬
‫حديث لمقررات الدراسة الشرعية"‪ ،‬جامعة مليا‪ ،8/2/2004-7 ،‬ص ‪.3‬‬
‫)‪ (5‬فتحي حمودة بيومي‪ ،‬التربية والطرق الخاصة بتدريس العلوم السلمية‪،‬‬
‫ص ‪ ،54‬نقل عن د‪/‬مروان قدومي‪ ،‬طرق تدريس الفقه السلمي‪ ،‬بحث مقدم‬
‫للمؤتمر الثاني لكلية الشريعة‪ ،‬جامعة الزرقا الهلية‪ ،‬الردن‪ 19-18 ،‬ربيع‬
‫الثاني ‪1420‬هـ‪1999 /1/8-31/7 /‬م‪ ،‬تحرير‪ :‬د‪ /‬هايل عبد الحفيظ داود‪ ،‬ط‬
‫‪2000 /1‬م‪ ،‬الزرقا‪ :‬جامعة الزرقا الهلية‪ ،‬ص ‪.197‬‬
‫)‪ (6‬ص ‪.10‬‬
‫)‪ (7‬القرافي‪ ،‬الفروق‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬ج ‪ /1‬ص ‪.3‬‬
‫)‪ (8‬السيوطي‪ ،‬الشباه والنظائر‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ص ‪.2‬‬
‫)‪ (9‬أيمن أبو عذية‪ ،‬فليعلموا لماذا يتعلمون ‪:‬تطبيقات العلوم في الحياة ‪-‬‬
‫مادة للطلبة الموهوبين‪ ،‬ورقة مقدمة للمؤتمر العلمي العربي الثالث لرعاية‬
‫الموهوبين والمتفوقين‪ ،‬ص ‪.1‬‬
‫)‪ (10‬محمد إسماعيل محمد اللباني‪ ،‬التفكير الناقد ودوره في التعلم الفعال‪،‬‬
‫ص ‪.22‬‬
‫)‪ (11‬ماجد الجلد‪ ،‬المفاهيم السلمية وأساليب تدريسها‪ ،‬بحث مقدم‬
‫للمؤتمر الثاني لكلية الشريعة‪ ،‬جامعة الزرقا الهلية‪ ،‬الردن‪ 19-18 ،‬ربيع‬
‫الثاني ‪1420‬هـ‪1999 /1/8-31/7 /‬م‪ ،‬ص ‪.424‬‬
‫)‪ (12‬جمال بادي‪ ،‬تطوير أساليب تدريس العلوم الشرعية‪ ،‬ندوة" نحو صياغة‬
‫حديث لمقررات الدراسة الشرعية"‪ ،‬جامعة مليا‪ ، /8/2-7 ،‬ص ‪.2‬‬
‫)‪ (13‬جمال بادي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،2004،‬ص ‪.5‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫)‪ (14‬محمود محمد علي ‪ ،‬تنمية مهارات التفكير‪ ،‬ط ‪2002 /1‬م‪ ،‬جدة‪ :‬دار‬
‫المجتمع للنشر والتوزيع‪ ،‬ص ‪.104‬‬
‫)‪ (15‬عادل أبو العز أحمد سلمة‪ ،‬عن تصور مستقبلي لمناهج العلوم في‬
‫مرحلة التعليم الساسي في ضوء متطلبات العصر‪ ،‬ورقة مقدمة للمؤتمر‬
‫العلمي العربي الثالث لرعاية الموهوبين والمتفوقين ‪ 21 – 19‬تموز ‪2003‬م‪،‬‬
‫مان ص ‪.17‬‬‫‪ 21 – 19‬جمادى الولى ‪1424‬هـ‪ ،‬فندق هوليدي إن‪ /‬ع ّ‬
‫)‪ (16‬محمد سعيد حوى‪ ،‬ما الذي نريده من طالب الشريعة فقها‪ ،‬بحث مقدم‬
‫للمؤتمر الثاني لكلية الشريعة‪ ،‬جامعة الزرقا الهلية‪ ،‬الردن‪ 19-18 ،‬ربيع‬
‫الثاني ‪1420‬هـ‪1999 /1/8-31/7 /‬م‪ ،‬ص ‪.114‬‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التفكير البداعي في المناهج الدراسية‬


‫لمقررات الفقه وأصوله ]‪(1) [3/3‬‬
‫د‪ /‬فريدة زوزو)‪22/12/1425 (2‬‬
‫‪02/02/2005‬‬
‫التفكير البداعي على مستوى المادة العلمية )الكتاب(‪:‬‬
‫الكتب? ?المدرسية? ??هي التي ?يعمل? ?واضعوها? ?على? ?التركيز? ?‬
‫فيها ?على? ?المعلومات? ?العلمية? ?البحتة? بعيدًا? ?عن? ?التطبيقات? ?‬
‫العملية ? ‪? -‬إل نادرًا?‪?-‬‬
‫لذا لبد من اختيار المادة المناسبة لمستوى الطلبة‪ ،‬فهما واستيعابا‪ ،‬بحيث‬
‫ُيختار الكتاب الجامع لشرح المفردات والمصطلحات الساسية‪ ،‬والمعتمد‬
‫على المصادر والمراجع القّيمة‪ ،‬والممثل بأمثلة واقعية يفهمها طالب العلم‪،‬‬
‫ناهيك عن اختيار الكتاب ذي السلوب الميسر ل هو بالسلوب الركيك‬
‫الضعيف ول هو بالصعب‪.‬‬
‫ومميزات المادة أن تكون منقحة متنوعة بين الجديد والقديم‪ ،‬ليدرك الطالب‬
‫كيف تسير عملية الجتهاد والبداع في إنزال النصوص الشرعية منازلها في‬
‫كل عصر وكل زمان‪.‬‬
‫ومن هنا أرى أنه ل ُيستحسن الختيار الحادي للكتاب؛ إما كتاب قديم‪ ،‬وهو‬
‫كتب لعصره في أمثلته وشروحه وتفصيلته‪ ،‬ناهيك أنه مدون للباحثين‬ ‫الذي ُ‬
‫والعلماء ل المتعلمين والطلب‪ ،‬أو كتاب جديد‪ ،‬وهو الذي يفتقر إلى النصوص‬
‫الفقهية القديمة التي يجب على الطلب ممارسة قراءتها وتدريبهم على ذلك‬
‫حتى يستوعبوها‪ ،‬كما أن الكتاب الحديث عادة ما يستند إلى مذهب واحد إما‬
‫الشافعي أو الحنفي أو غيرها‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد يقول د‪/‬وهبة الزحيلي –ذي الباع الطويل في التدريس‪-‬‬
‫"وينبغي لدارسي العلوم الشرعية المتخصصة الجمع في التأليف بين الطريقة‬
‫الحديثة في التأليف‪ ،‬باتباع المنهج العلمي في كل موضوع فقهي‪ ،‬ومراعاة‬
‫السلوب السهل غير المعقد‪...‬كما ينبغي ربط الطالب الشرعي بالمصادر‬
‫القديمة للتعرف على أساليبها وطرقها في معالجة الموضوع‪.(3) "...‬‬
‫ولذا أرى أنه لبد من محاولة الجمع بين مادتي الكتابين‪ ،‬بحيث ُتضبط‬
‫المواضيع الفقهية التي عرفت قديما بالفروع الفقهية الحديثة ويضاف إلى‬
‫القديم الجديد ُ من الصور والمستجدات‪ ،‬إذن لبد من صياغة جديدة حديثة‬
‫للمادة الفقهية‪ ،‬وهو ما يستدعي تجهيزا من المدرس وتحضيرا للمادة العلمية‬
‫المطلوبة بحسب الفصل الدراسي وعدد ساعاته‪.‬‬
‫وُيراعى كذلك هنا الطلبة الموجه إليهم الدرس )درس للعرب فقط‪،‬‬
‫للمالويين فقط‪ ،‬لمتعددي الجنسيات(‪ ،‬وهذا فن ل يتقنه إل مدرس حاذق‬
‫ماهر‪.‬‬
‫ضَر المدرس مذكرة يومية لدرسه انتقاًء من كتب‬ ‫والذي أميل إليه أن ُيح ّ‬
‫متعددة‪ ،‬قديمة وحديثة‪ ،‬تتوافق مع مستوى الطلب‪ ،‬ومع طريقة المدرس‬
‫نفسه في الدرس‪ ،‬وإل من أين يتأتى البداع إذا اعتمد كل مدرس على كتاب‬
‫واحد مقرر لفصول دراسية كثيرة ولسنوات طويلة ؟‬
‫فعلى حسب مستوى طلب كل فصل دراسي يتحدد محتوى ومستوى الدرس‬
‫نفسه‪.‬‬
‫قد يبدو هذا المر صعبا ومتعبا ويحتاج إلى وقت‪ ،‬ولكنه في حقيقته ممتع جدا‪،‬‬
‫إذ سيحس المدرس نفسه أنه يمارس البداع واقعا‪ ،‬وإذا ما أحس بذلك فإنه‬
‫من السهل حث الطلب على عملية التفكير والبداع المطلوبين من كليهما‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أمثلة تطبيقية ‪:‬‬


‫‪ -‬ففي فقه العبادات‪ :‬وجب الخذ بعين اعتبار توقيت الصلوات والصيام للذين‬
‫يقطنون القطب المتجمد الشمالي‪ ،‬وهل تجب الزكاة في الزروع‬
‫والخضروات‪ ،‬ناهيك عن السهم والسندات‪ ،‬وآلت المصانع ومداخيل‬
‫الشركات‪..‬الخ‪.‬‬
‫‪ -‬وفي فقه المعاملت ‪ :‬عند الحديث عن أنواع الشركات لم تعد ثلثة أو أربعة‬
‫فقط كما في القديم والتي تمثلت في‪) :‬مضاربة‪ ،‬عنان‪ ،‬وجوه‪ ،‬أبدان( بل‬
‫دخلت أشكال جديدة مثل شركات المساهمة المحدودة وغير المحدودة‬
‫وغيرها‪ ،‬كما تغيرت في العصر الحديث صور القبض‪ ،‬ولم يعد متمثل في‬
‫القبض باليد فقط بل تعداه إلى صور جديدة ‪ ،‬وأصبحت المحاماة أهم صور‬
‫درس "الوكالة"‪ ،‬وإذا ما أردنا شرح درس البيوع المحرمة فإن المثال القديم‬
‫هو بيع الملقيح والمضامين‪ ،‬أما الن فهو بيع الدم والعضاء الدمية‪ ،‬وبدل‬
‫الحديث عن الحوالة والمقاصة في صورها القديمة‪ ،‬دخلت مفاهيم جدية مثل‬
‫بطاقات الئتمان‪ ،‬وخطابات الضمان‪ ،‬وبدل عن الستدخال وهو الصورة‬
‫البدائية في إنجاب الولد أصبح الحديث عن التلقيح الصطناعي بأنواعه‬
‫المتمثلة في )التلقيح المجهري‪ ،‬وأطفال النابيب‪ ،‬والرحم المستأجر(‬
‫والستنساخ‪...‬الخ‪.‬‬
‫‪ -‬ويبدو المر أكثر وضوحا في مادة " أصول الفقه"‪ ،‬التي كثيرا ما نسمع عن‬
‫دعاوى تجديد وتطوير "علم أصول الفقه‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫فمنهج أصول الفقه كان يتعامل مع قضايا زمانه والعصر الذي وجد فيه‪ ،‬وكما‬
‫قال د‪ /‬حسن الترابي عن المنهج التقليدي‪ ":‬لنه مطبوع بأثر الظروف‬
‫التاريخية التي نشأ فيها‪ ،‬بل بطبيعة القضايا الفقهية التي كان يتوجه إليها‬
‫البحث الفقهي" )‪ .(4‬وعلى هذا فإن محاولة تطوير منهج الستنباط ومنه‬
‫تطوير المنهج الصولي هو القضية الساس للتعامل مع المستجدات‬
‫والنوازل‪ ،‬إضافة إلى ارتباطه الوثيق مع فكرة تقنين الشريعة السلمية؛‬
‫"التي تفرض منهجا أصوليا محكما في التعامل مع الدلة" )‪ ،(5‬المر الذي‬
‫دعا أحد الباحثين إلى القيام بتقنين أصول الفقه )‪.(6‬‬
‫وهنا يمكننا أخذ علم ومادة "أصول الفقه" كنموذج بارز لبيان أهمية التحلي‬
‫بالنظرة النقدية البداعية‪ ،‬بغرض أن يكون الدرس الصولي بداية مستوفيا‬
‫لقواعد استنباط الحكام الشرعية عموما من نصوص الوحي‪ ،‬ومنه إيجاد‬
‫أحكام شرعية للمستجدات والنوازل‪ ،‬ونهاية أن يكون في مستوى الطلبة‬
‫بإعانتهم على اكتساب ملكة الستنباط من الدلة‪.‬‬
‫لمحات إبداعية في دعاوى تجديد منهج أصول الفقه‪:‬‬
‫كثر الحديث عن تجديد أصول الفقه وعن المواقع التي يجب أن يشملها هذا‬
‫التجديد أو التطوير أو التنقيح أو اللغاء‪ ،‬فلم يعد أصول الفقه هو" مجموع‬
‫طرق الفقه على سبيل الجمال‪ ،‬وكيفية الستدلل بها‪ ،‬وكيفية حال‬
‫المستدل" )‪ .(7‬أو هو " العلم بالقواعد والدلة الجمالية التي يتوصل بها إلى‬
‫استنباط الفقه" )‪.(8‬‬
‫فهذا التعريف ينحو نحو المنهج الول لستنباط الحكام التشريعية من أدلتها‬
‫التفصيلية‪ ،‬ومعنى هذا أنه غير شامل للمنهج الثاني في طرائق الوصول لحكم‬
‫النوازل والوقائع الجديدة‪ .‬وهذا أحد أوجه التطوير‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإن كان المنهج الصولي مرتبطا بحركة الواقع فإنه تطوره آكد وقوي‪ ،‬ومنهج‬
‫الستنباط القديم والذي ظهر مع المام الشافعي كان يتجه نحو النصوص‬
‫لستنباط الحكام الشرعية‪ ،‬غير أن المنهج المتبع الن هو التجاه نحو الوقائع‬
‫والنوازل والنظر في النصوص للبحث عن أحكام‪.‬‬
‫إلغاء ما ليس من علم الصول‪:‬‬
‫من المعروف أن مصادر هذا العلم القواعد الكلمية وقواعد اللغة العربية‪،‬‬
‫التي أخذت حّيزا كبيرا ومساحة واسعة في النقاش؛ " فالمعتزلة والشاعرة‬
‫عمدوا جميعا إلى القواعد الصولية المبتكرة بغية الستعانة بها في تحقيق‬
‫النتصار الفكري والعقلي على الغيار" )‪ .(9‬ونلحظ أن المنهج الثاني هو‬
‫الذي دعا الصوليين القدامى لستحداث طرق جديدة للستنباط غير طرق‬
‫ومباحث علم الكلم‪ ،‬والمباحث اللغوية؛ مثل مباحث الستحسان‪ ،‬وسد‬
‫الذرائع‪ ،‬والمصالح المرسلة‪ ،‬وغيرها مما يجب ملحظته‪.‬‬
‫تطوير وضبط مفاهيم بعض الدلة‪:‬‬
‫ومن أمثلة ذلك مبحث الجماع الذي تبدأ إشكاليته من التعريف ذاته‪ .‬ومبحث‬
‫الجتهاد وشروطه التعجيزية التي تكون بحق سبب دعوى غلق باب الجتهاد‪.‬‬
‫والدعوة إلى اعتماد الجتهاد الجماعي‪ ،‬وغيرها من المسائل التي تحتاج إلى‬
‫تفصيل كثير ل يسعه هذا المقام‪ ،‬وهو مما يحتاج إلى دراسات معمقة‪.‬‬
‫تدريس المقاصد الشرعية بصورة وافية‪:‬‬
‫لن الطرق القديمة لم تعد تؤدي بالغرض في استنباط الحكام‪ ،‬واستنفذ‬
‫القياس كل طاقاته‪ ،‬المر الذي دعا بعض الصوليين إلى استحداث مبحث‬
‫مقاصد الشريعة للنظر في نصوص الشريعة وفق إطار عام ضابط للنظر‬
‫الجتهادي هو إطار مقاصد الشارع الحكيم وتجاوز المنحى التجزيئي إلى‬
‫النظر في القضايا العامة والفردية بمنظار كلي‪.‬‬
‫فهذا الجويني من خلل النظر في نظرية الضرورة عند الفقهاء والتي تقوم‬
‫على آحاد الفراد استكشف ضرورة الجماعات في تخمينه الواقع على )خلو‬
‫الزمان من الفقهاء(‪ ،‬والتي تمثلت في الضروريات الخمس‪.‬‬
‫فقد ابتكر المام الجويني رحمه الله التقسيم الثلثي لمقاصد الشريعة باعتبار‬
‫آثارها في قيام المجتمع إلى ضرورات وحاجيات وتحسينيات‪ ،‬مسترشدا في‬
‫ذلك بمبحث الضرورة عند الفقهاء‪ ،‬والتي خص مبحثه في الفراد )أكل الميتة‪،‬‬
‫شرب الخمر عند الغصة‪ (… ،‬مستلهما ذلك من احتمال خلو الزمان من‬
‫الفقهاء‪ ،‬فكيف يعرف العامي الحلل من الحرام‪.‬‬
‫ور ما وصل إليه شيخه الجويني‪ ،‬ولم‬ ‫‪ -‬أما المام الغزالي رحمه الله فقد ط ّ‬
‫يحصره في فرض احتمال خلو الزمان من مجتهدين‪ ،‬بل أدخله في مفهوم‬
‫المصلحة المرسلة‪ ،‬وجعله قوامها وأساسها الذي تقوم عليه‪ ،‬فكل أمر لم‬
‫يأت التشريع باعتباره أو إلغائه صراحة فإن رّده إلى حفظ مقصود الشرع‬
‫المتمثل في حفظ الضرورات الخمس ومكملتها وهو )الضابط(‪.‬‬
‫‪ -‬ثم يأتي المامان الرازي والمدي عليهما رحمة الله‪ ،‬وبعد استيعابهما لفكرة‬
‫المقاصد ذهبا إلى إدخال التقسيمات الثلث بمكملتها في باب الترجيحات؛‬
‫فأما المام الرازي فقد دعا إلى ذلك ولم يرجح بين القسام‪ ،‬أما المام‬
‫المدي فإنه قام بالترجيح والموازنة في تقديم كلية الدين على النفس‪،‬‬
‫والنفس على المال‪… ،‬الخ‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -‬في حين أن العز بن عبد السلم رحمه الله رأى أن الوامر والنواهي‬
‫جميعها إما مقاصد أو وسائل إلى تلك المقاصد‪ ،‬مما أثرى المساهمة في‬
‫الترجيح والموازنة بين المصالح المتعارضة‪ ،‬ومعرفة رتب المصالح والمفاسد‪.‬‬
‫‪ -‬ثم يأتي المام الشاطبي‪ ،‬فلم يترك فكرة المقاصد كما هي عند سابقيه‪،‬‬
‫جزًءا صغيرا ً في مبحث العلة في باب القياس‪ ،‬بل أفردها بالدراسة والبحث‬
‫صل‬ ‫وجعلها إطارا منهجيا ضابطا ً لكثير من المباحث الصولية‪ .‬ولتأكيد ذلك ف ّ‬
‫ل‪ ،‬فنظم مباحث عديدة لموضوع‬ ‫في المقاصد‪ ،‬مفصل ً ومفرعًا‪ ،‬مدققا ً ومحل ً‬
‫المقاصد‪ ،‬مطورا ً لفكرة الوسائل وعملية الحفظ‪.‬‬
‫وفي محاولة درء التعارض بين آحاد النصوص استكشف الشاطبي كليات‬
‫النصوص‪ ،‬والنتقال من النظر الجزئي إلى الكلي وهو الذي أبدع في‬
‫دها للكشف عن المقاصد‪ ،‬والتي تنطلق من النظر في آحاد‬ ‫المسالك التي أع ّ‬
‫النصوص لتصل إلى الكليات والعمومات التي تحويها وتتضمنها نصوص الوحي‬
‫)‪.(10‬‬
‫وفي العصر الحديث نجد ابن عاشور يحمل ذلك الميراث المقاصدي‪ ،‬ويسير‬
‫على خطى الشاطبي في إفراد المقاصد بالبحث والتفريع والتحليل الواسع‪،‬‬
‫مطورا ً فكرة المام الجويني ومن بعده الغزالي في الستفادة من التقسيم‬
‫دها في باب المصالح والقياس الكلي( )‪ ،(11‬ثم‬ ‫الثلثي في المقاصد )وع ّ‬
‫الهتمام بحفظ هذه الكليات في العموم ل في الفراد فقط‪.‬‬
‫ويأتي الن دور الباحثين في تطوير مقاصد الشريعة وجعلها الطار العام‬
‫للدراسات الصولية؛ " فإن المنهج الصولي ل تتوافر فيه كل الخصائص‬
‫العلمية للستنباط الفقهي إل إذا أخذت دراسة المقاصد حظها فيه‪ ،‬ومن ثم‬
‫فالدراسة الشاملة للمقاصد من ألزم الضرورات لتجديد علم الصول‬
‫وتطويره ليصبح أكثر وفاء بمقتضيات الجتهاد في العصر الحديث" )‪(12‬؛ لن‬
‫أكثر الظواهر الحديثة‪ ،‬والمستجدات النازلة على المجتمعات المسلمة ل تجد‬
‫لها في نصوص القرآن والسنة النبوية أحكاما تفصيلية إل ما تضمنته من‬
‫مقاصد عامة وقواعد كلية‪.‬‬
‫وخلصة لما تقدم‪:‬‬
‫عموما يراعى عند اختيار المادة العلمية في المحتوى أن تكون المادة العلمية‬
‫‪:‬‬
‫‪ -‬ترجمة صادقة للمقرر الدراسي بأهدافه وموضوعاته ومقرراته‪.‬‬
‫‪ -‬متلئمة مع الخطة الدراسية المقررة ‪.‬‬
‫‪ -‬مناسبة لمستوى نضج الطلب من ناحية الهتمام والميول‪.‬‬
‫‪ -‬مناسبة ومرتبطة بالبيئة التي يعيش فيها الطلب‪.‬‬
‫‪ -‬وظيفية بمعنى أن تكون مرتبطة بحياة الطلب وحاجاتهم ومشكلتهم مما‬
‫تثير اهتماماتهم‪.‬‬
‫‪ -‬معروضة داخل كل وحدة بحيث تكون متلئمة مع كل من طبيعة المادة‬
‫وتسلسلها العلمي على أساس‪-:‬‬
‫‪ -‬الخصائص النفسية للطلب وحاجاتهم وميولهم واهتماماتهم‪.‬‬
‫‪ -‬طبيعة العلم كمادة وطريقة للتفكير والبحث )‪.(13‬‬
‫التفكير البداعي على مستوى الطالب‪:‬‬
‫عادة ما يحس طالب الدراسات الشرعية بالخجل من تخصصه بين أقرانه من‬
‫ذوي التخصصات التقنية‪ ،‬وهذا الحساس من شأنه أن يقتل روح البداع‬
‫والجتهاد‪ .‬إذ نادرا ما نرى طالب الدراسات السلمية يهز رأسه وبكل فخر‬
‫ويقول أنا طالب في الدراسات السلمية‪ ،‬بل يقولها على استحياء رغم أن‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا التخصص وهذا العلم من أشرف العلوم وأقصرها طريقا للوصول‬


‫لمرضاة الله تبارك وتعالى‪ ،‬كما أنها العلوم التي تبّين طريق الله وشريعته‬
‫وأحكامه الواجب تطبيقها وتنزيلها واقعا‪.‬‬
‫إذ أن الطالب يتصور أنه بدراسته العلوم السلمية وهي التي تستند أصالة‬
‫للقرآن والسنة إذا أخطأ فإنه يثير حوله مشاكل عديدة؛ لنه أخطأ فهم‬
‫النصوص الشرعية وآراء الفقهاء‪ ،‬والحق أنه ل يجب الخجل من الخطأ‪ ،‬فكل‬
‫إنسان خطاء‪.‬‬
‫لذا ُيحبذ تدريب الطالب على كتابة التقارير بشكل أسبوعي‪ ،‬حتى يصبح‬
‫تعامله مع المفردات والمصطلحات الشرعية تعامل سهل‪ ،‬فإنه يحدث وفي‬
‫مرات كثيرة أن الطالب يسمع ويتعامل مع المصطلح الشرعي مرة واحدة ثم‬
‫ينساه‪ ،‬فكتابة التقارير السبوعية ومناقشتها جماعيا في حصص المناقشة‬
‫تستثير في الطالب روح التفكير البداعي فيما يكتبه ويلقيه على زملئه‪.‬‬
‫ناهيك عن حضور الندوات والمحاضرات العامة والمؤتمرات التي تعين‬
‫الطالب على مسايرة جديد البحاث‪ ،‬وجديد المعلومات‪ ،‬ومعرفة المستجدات‬
‫والنوازل‪ ،‬ويكتسب منها طرق البحث واللقاء‪ ،‬فيتعلم منها الشجاعة وطرق‬
‫المناقشة والسؤال والتعقيب والستدراك وغيرها من طرق وأساليب الحوار‬
‫والنقاش المجدي‪.‬‬
‫طرق لتفعيل أداء البداع والنقد عند الطلب‪:‬‬
‫يمكن للمدرسين أن يعززوا التفكير الناقد والبداعي في المدارس‬
‫والجامعات من خلل طرق أخرى هي ‪:‬‬
‫)‪ (1‬إعداد مواد منهجية لثراء الكتب المدرسية العادية ‪.‬‬
‫)‪ (2‬إجراء مناقشات وحوارات حول قضايا خلفية ‪.‬‬
‫)‪ (3‬حث الطلبة على القيام بلعب الدوار حول أحداث تاريخية حيث تتبنى‬
‫الطراف وجهات نظر متناقضة‪.‬‬
‫)‪ (4‬حث الطلبة على حضور اجتماعات في المجتمع المحلي ‪ ،‬أو مشاهدة‬
‫البرامج التلفازية التي يتم التعبير فيها عن وجهات نظر مختلفة ‪.‬‬
‫)‪ (5‬حث الطلبة على كتابة رسائل للصحافة للتعبير عن آرائهم حول قضية‬
‫محلية معاصرة‪.‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫)‪ (6‬تشجيع الطلبة الكبار على أن ُيحّللوا مقالت صحفية ومواد أخرى ليجاد‬
‫أمثلة على التحّيز الواضح‪.‬‬
‫)‪ (7‬ترك المجال للطلبة للتصدي للسئلة عن طريق الجابات المتعددة ‪.‬‬
‫)‪ (8‬حث الطلبة على قراءة ومناقشة الدب الذي يعكس قيما ً وتقاليد مختلفة‬
‫عن تلك التي يتبنونها‪.‬‬
‫دثوا مع الطلبة )‪.(14‬‬
‫ص لهم وجهات نظر خلفية ليتح ّ‬ ‫)‪ (9‬دعوة أشخا ِ‬
‫وأؤكد هنا أن‪:‬‬
‫الطالب المبدع ل يوجد من فراغ بل من مدرس مبدع فعال ومادة تعليمية‬
‫إبداعية ووسائل تدريسية ناقدة وبناءة وفعالة‪.‬‬
‫وهذه هي القاعدة العامة في التفكير البداعي عنوان هذا البحث‪.‬‬
‫المدرس المبدع المادة البناءة الطالب المجد ّ‬
‫آفاق الدراسة‪:‬‬
‫في ختام هذه الورقة البحثية أود أن أبّين آفاق هذه الدراسة وهي كما يلي‪:‬‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جه لحياة المسلمين دنيا ً ودينًا‪.‬‬ ‫‪ُ -‬يراعى عند تدريس العلوم السلمية أنها المو ّ‬
‫‪ -‬وهذا ل يتأتى إل من خلل تدريب الطلبة على سلوك الساليب البداعية في‬
‫التعامل مع المادة العلمية المدروسة والواقع المعاش‪.‬‬
‫‪ -‬وهذا ل يتأتى إل من خلل إعداد برامج دراسية تتوافق واحتياجات المة‬
‫السلمية في هذا العصر‪.‬‬
‫‪ -‬وأخيرا تفعيل العلوم الشرعية في واقع المسلمين باعتبارها الموجه ابتداًء‪،‬‬
‫وآلية التطور والنهضة بالمجتمع تبعا‪.‬‬
‫وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان‬
‫إلى يوم الدين‬
‫)‪ (1‬أصل هذا البحث ورقة بحثية ألقيت في المؤتمر الدولي‪) :‬السلم‬
‫والمسلمون في القرن الواحد والعشرين‪ :‬الصورة والواقع(‪ ،‬كواللمبور‪،‬‬
‫مركز بوترا للتجارة العالمية‪6/8/2004-4 ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (2‬كلية الشريعة والقانون‪ ،‬جامعة العلوم السلمية بماليزيا‪.‬‬
‫)‪ (3‬وهبة الزحيلي‪ ،‬الكتاب الفقهي الجامعي‪ -‬الواقع والطموح‪ ، -‬بحث مقدم‬
‫للمؤتمر الثاني لكلية الشريعة‪ ،‬جامعة الزرقا الهلية‪ ،‬الردن‪ 19-18 ،‬ربيع‬
‫الثاني ‪1420‬هـ‪1999 /1/8-31/7 /‬م ص ‪.242‬‬
‫)‪ (4‬حسن الترابي‪.‬قضايا التجديد‪ :‬نحو منهج أصولي‪ .‬ط ‪1990 /1‬م‪.‬‬
‫الخرطوم‪ :‬معهد البحوث والدراسات الجتماعية‪ .‬ص ‪.195‬‬
‫)‪ (5‬محمد كمال الدين إمام‪ ،‬نحو تطوير تدريس علمي أصول الفقه والفقه‪،‬‬
‫مجلة" المسلم المعاصر"‪ ،‬العدد ‪ ،112‬السنة ‪ ،28‬أبريل‪ /‬يونيه ‪2004‬م‪ ،‬ص‬
‫‪.7‬‬
‫)‪ (6‬أنظر‪ :‬محمد زكي عبد البر‪ ،‬تقنين أصول الله‪ ،‬ط ‪1989 /1‬م‪ ،‬القاهرة‪:‬‬
‫دار التراث‪.‬‬
‫)‪ (7‬فخر الدين الرازي‪ ،‬المحصول‪ .‬ط ‪1998 /3‬م ‪ .‬بيروت‪ :‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪.1/80 .‬‬
‫)‪(8‬عبد الكريم زيدان‪ .‬الوجيز في أصول الفقه‪1998 .‬م‪ ،‬بيروت‪ :‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ .‬ص ‪.11‬‬
‫)‪ (9‬قطب سانو‪" ،‬المتكلمون وأصول الفقه"‪ .‬مجلة " إسلمية المعرفة"‪.‬‬
‫السنة ‪ .3‬العدد ‪1997 .9‬م ‪ .‬ص ‪.44‬‬
‫)‪ (10‬فريدة زوزو‪ .‬النسل‪ :‬دراسة مقاصدية في وسائل حفظه في ضوء‬
‫تحديات الواقع المعاصر‪ .‬ط ‪1/2004‬م‪ .‬الرياض‪ :‬دار الرشد‪ ،‬ص ‪ 29‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬
‫)‪ (11‬محمد الطاهربن عاشور‪ .‬مقاصد الشريعة السلمية‪ .‬تحقيق‪ :‬د‪ /‬محمد‬
‫الطاهر الميساوي‪ .‬ط‪1999 /‬م ‪.1‬عمان‪ :‬دار النفائس‪ /‬كوال لمبور‪ :‬دار‬
‫الفجر‪ .‬ص ‪.83‬‬
‫)‪ (12‬محمد الدسوقي‪" .‬نحو منهج جديد لدراسة علم أصول الفقه"‪ .‬مجلة "‬
‫إسلمية المعرفة"‪ .‬السنة ‪ .1‬العدد ‪1996 .3‬م‪ .‬ص ‪.136‬‬
‫)‪ (13‬ا‪.‬د‪.‬عادل أبو العز أحمد سلمة‪ ،‬عن تصور مستقبلي لمناهج العلوم‪ ،‬ص‬
‫‪.16‬‬
‫)‪ (14‬د‪ .‬محمد صالح خطاب‪ .‬رعاية تعليم التفكير في المدارس‪ ،‬ورقة مقدمة‬
‫للمؤتمر العلمي العربي الثالث لرعاية الموهوبين والمتفوقين ‪ 21 – 19‬تموز‬
‫مان‪ .‬ص ‪18‬‬ ‫‪2003‬م‪ 21 – 19 ،‬جمادى الولى ‪1424‬هـ‪ ،‬فندق هوليدي إن‪ /‬ع ّ‬
‫‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫التفكير السليم‬
‫يعتبر الدراك الواعي لمصادر الخطأ في التفكير هو المصدر الرئيس الذي‬
‫حا‪ ,‬كلما‬
‫نستطيع أن نعتمد عليه لتحسين تفكيرنا‪ .‬وكلما ازداد تفكيرنا وضو ً‬
‫ضا في وضع المور في‬ ‫أصبحنا أفضل في اتخاذ القرارات‪ ,‬وحل المشاكل‪ ,‬وأي ً‬
‫منظورها السليم‪.‬‬
‫وإذا حافظت على التفكير السليم فسوف تصبح أكثر قدرة على وضع المور‬
‫ما سهل ً إذ أنه من الصعب‬ ‫في منظورها الحقيقي‪ ,‬والتفكير السليم ليس دائ ً‬
‫أن تفكر بطريقة منطقية ـ أي ترتيب النتائج على المقدمات ـ‪.‬‬
‫والتفكير السليم ووضع المور في نصابها من الرزق الوفير الذي يسوقه الله‬
‫إلى العبد‪ ,‬وهو الحكمة التي تجعل النسان يضع المور في نصابها الحقيقي‪,‬‬
‫وقد امتن الله على أصحاب العقول وأولي اللباب‪ ,‬ووصف أصحاب الفهم‬
‫السليم بأنهم أصحاب العقول والنهى‪.‬‬
‫ولكي نفكر بصورة سليمة علينا أول ً أن نتجنب الخطاء التي تضللنا في‬
‫تفكيرها‪.‬‬
‫احذر من‪:‬‬
‫‪1‬ـ النظريات والفتراضات‬
‫من الممكن أن تنزلق إلى الحكام المسبقة‪ ,‬فالحكام المسبقة مثل‬
‫المعتقدات بشأن الخصائص العرقية أو الختلفات بين الجناس‪ ,‬تعتبر أمثلة‬
‫جيدة للنظرات التي قد تسبب انحياًزا في أحكامنا‪ ,‬وتجعل من الصعب‬
‫تغييرها‪.‬‬
‫وعن طريق النظر إليها بمزيد من التفصيل يمكننا أن نكشف بعض الساليب‬
‫التي تظل بواسطتها المعتقدات باقية في مواجهة الدلة التي ل تؤكدها‪.‬‬
‫لنتصور مثل ً ذلك العتقاد بأن الطفال الذين يستغرقون وقًتا طويل ً لكي‬
‫يتعلموا القراءة هم أقل ذكاًء من الخرين‪.‬‬
‫دا ولكنه كان بطيًئا في تعلم‬ ‫ولتوضيح ذلك بمثال‪ :‬هناك صديق لك بارع ج ً‬
‫القراءة فكيف ستتعامل مع ذلك العتقاد؟‬
‫أ ـ المعلومة التي ل تتلءم يتم إسقاطها من العتبار‪ ,‬وتقرر أن صديقك البارع‬
‫ولكنه البطيء في القراءة هو الستثناء الذي يؤكد القاعدة‪.‬‬
‫ب ـ المعلومة التي ل تتلءم يتم تحويرها‪ ,‬حيث إن فصله كان مليًئا بأطفال‬
‫مميزين ولذلك كان بطيًئا بالنسبة لهم‬
‫جـ ـ إزاحة المعلومة غير المتلئمة؛ لن العقل ليس لديه القدرة للتعامل مع‬
‫المعلومة المتناقضة‪.‬‬
‫إن ما نراه ونلحظه ونهتم به ونتذكره إنما يتقرر من عدة نواحي بواسطة‬
‫معتقداتنا وإطاراتنا‪ ,‬ونظرياتنا الموجودة لدينا من قبل‪ ,‬أكثر من أن يكون‬
‫حا‪.‬‬
‫العكس صحي ً‬
‫ولكي نتجنب هذا النوع من الخطاء الشائعة علينا بالتي‪:‬‬
‫أـ ابحث عن الدليل الذي ل يؤكد اعتقادك أكثر من الدليل الذي يؤكده‪.‬‬
‫فإذا كنت تعتقد أن جميع البجع لونه أبيض فإن اعتقادك يمكن فقط أن يتغير‪,‬‬
‫ويتلءم مع الحقيقة إذا بحثت عن البجع غير البيض‪.‬‬
‫ب ـ عندما تصادفك أمثلة ل تتلءم مع مفاهيمك المسبقة‪ ,‬اعمل على التأكد‬
‫من التفكير فيها وتذكرها‪.‬‬
‫دا‪ ,‬وذلك يعني أمرين‪:‬‬ ‫جـ ـ اجعل ما تفضله وهواك بعي ً‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ـ أن تعرف ما هي؟‬
‫كا كيف يمكنها أن تنسب في انحياز قدراتك عن التفكير‬ ‫ـ وأن تصبح مدر ً‬
‫العقلني‪.‬‬
‫د ـ ل تقلق بشأن تعديل أفكارك أثناء تقدمك‪ ,‬ومن الممكن أن تتحول‬
‫المعتقدات والنظريات والفتراضات تدريجًيا بمرور الوقت‪ ,‬أو تتغير فجأة‪.‬‬
‫‪2‬ـ ما يطرأ على الذهن‬
‫مبالغ فيها للشياء التي تطرأ على الذهن‪.‬‬ ‫ونحن نميل جميًعا إلى إعطاء قيمة ُ‬
‫والمشكلة أن الذي يطرأ على الذهن في وقت معين تقرره غالًبا عوامل‬
‫هامشية‪ ,‬مثل الترتيب الذي تتم به الشياء أثناء العمل‪ ,‬أو إذا كنت تشعر‬
‫بالقلق أو تشعر بالحباط نحوها‪.‬‬
‫ً‬
‫وكذلك فإن للحداث الحيوية‪ ,‬أو البارزة عاطفًيا تأثيًرا هائل على طريقة‬
‫تفكيرنا‪ .‬إن شعورك بالرضا عن أمر فعلته سوف يجعلك تظن أنه يستحق أن‬
‫تفعله ثانية‪ ,‬وشعورك بعدم الرضا عنه سوف ينفرك منه‪.‬‬
‫وللتغلب على هذه المشكلة يجب مراعاة التي‪:‬‬
‫أ ـ خذ وقًتا كافًيا عند التفكير في أمر ما‪ .‬حيث إن الحكام الخاطفة أكثر‬
‫عرضة للتأثر المبالغ فيه بالمور التي ل علقة لها بالموضوع من الحكام‬
‫المدروسة‪.‬‬
‫ب ـ حاول أن تبتعد عن المشاعر الساخنة إذا كانت مشاعرك ذات صلة قوية‪,‬‬
‫بأنه من الممكن أن يتغير تفكيرك عندما تتغير مشاعرك‪.‬‬
‫جـ ـ اختبر أفكارك مع الخرين‪ ,‬وذلك لن استخدام عقلين بدل ً من عقل واحد‬
‫يعتبر وسيلة جيدة للتقليل من التحيز‪.‬‬
‫‪3‬ـ آراء الخرين‬
‫على الرغم من أن الستفادة من آراء الخرين لها دور مهم في استقامة‬
‫شرع سؤال العلماء‪ ,‬وكذلك مدح الشورى في القرآن والسنة‪,‬‬ ‫الفكر‪ ,‬ولذلك ُ‬
‫ولكن على الرغم من ذلك يمكن أن يكون في بعض الحيان هناك تأثير سلبي‬
‫على آرائنا بسبب الخرين ومن هذه الحالت‪:‬‬
‫أننا نميل إلى تصديق الناس الذين نعجب بهم‪ ,‬حتى عندما تكون آرائهم ربما‬
‫ليست مبنية على معلومات صحيحة بوجه خاص‪.‬‬
‫وكذلك فإن أسلوب العرض البارع قد يكون له تأثير على تفكيرك بغض النظر‬
‫عن المحتوى الذي يحتويه هذا المعروض‪ ,‬فإذا تعلمت مثل ً أن تعبر عن نفسك‬
‫في ثقة وقوة فسوف يصبح من الرجح أن يستمع الناس إليك‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وكذلك يمكن خداعنا كثيًرا بما يسمى الحقائق العلمية‪ ,‬أو الدراسات المتأنية‬
‫أو البحاث المتخصصة‪ ,‬وقد ل تكون كذلك‪ ,‬فيجب علينا أن ُنبقي عقلنا‬
‫ظا ونتعلم المزيد عن كيفية تقييم المعلومة التي ُتقدم إلينا‪ ,‬ونحذر من‬ ‫متيق ً‬
‫التضليل والخداع‪.‬‬
‫ً‬
‫وفي الحقيقة كذلك يختلف الناس اختلًفا هائل في المواقف المختلفة وهم‬
‫قا للطلبات المطروحة‪ ,‬ويختلفون عندما تتغير الظروف‬ ‫يتأقلمون وف ً‬
‫والوقات‪ ,‬ولذلك فإن علينا أن نحذر من تصنيف الخرين‪ ,‬أو أنفسنا‪ ,‬وكأن‬
‫ردود أفعالنا وتصرفاتنا ثابتة‪.‬‬
‫‪4‬ـ الرتباط العقلي بين الفكار‬
‫قد ترى أحد السياسيين في لقاء مصور‪ ,‬وقد فوجئ باللقاء وهو غير مستعد‪,‬‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دا‪ ,‬وشعره غير ممشط‪ ,‬ويبدو مظهره مثل البروفيسور‬ ‫صا متجع ً‬
‫ويرتدي قمي ً‬
‫التائه الذهن أكثر من السياسي الشهير‪ ,‬وينبع حكمك عليه من ملبسه‪.‬‬
‫ويقول الشاعر‪:‬‬
‫وترى المرء الصغير فتزدريه ويحمل في جنبيه أسد ً هصوًرا‬
‫ولتجنب ذلك‪:‬‬
‫ـ عندما نلحظ أن شيئين يتشابهان اسأل نفسك كيف يختلفان؟‬
‫ـ افحص توقعاتك واسأل نفسك على أي السس ترتكز‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التفكير الشبابي‬
‫د‪ .‬عبد الكريم بكار ‪18/8/1426‬‬
‫‪22/09/2005‬‬
‫يتضح لنا يوما ً بعد يوم أن معظم المشكلت التي يعاني منها الناس‪ ،‬ل يعود‬
‫إلى ما هو موجود في الواقع‪ ،‬ول إلى ضعف المكانات والمعطيات المادية‪،‬‬
‫وإنما يعود إلى قصور في الذهنية‪ ،‬وإلى خلل في رؤية الشياء‪ ،‬وإلى خلل في‬
‫آلية التفكير وعتاد العقل‪ .‬ولو أننا تأملنا في طريقة تفكير الشباب لوجدنا أن‬
‫لها طابعا ً خاصا ً يميزها عن طريقة تفكير الشيوخ‪ .‬وبما أن التعميم في كل‬
‫شيء يشكل خطأ في الحكم‪ ،‬فإنه يمكن القول‪ :‬إن هناك من الكهول‬
‫والشيوخ من يفكر بنفس طريقة الشباب؛ لنه يملك روح الشباب وحيويته‬
‫ي‪،‬‬ ‫وتوّقد ذهنّيته‪ .‬وهناك أيضا ً من الشباب من ل يفكر كما يفكر الشاب الذك ّ‬
‫وذلك ليس لنه يفكر بلون آخر من منهجية التفكير‪ ،‬وإنما لنه ل يفكر أبدًا!‬
‫فما معالم تفكير الشباب؟ وما وجه المفارقة بينه وبين تفكير الشيوخ؟‬
‫‪ -1‬تتعاظم الخبرة لدى الكبار في السن‪ ،‬وتنضج التجربة والرؤى‪ ،‬وتكتمل‬
‫القناعات‪ .‬ولهذا ‪-‬ول شك‪ -‬ميزته الكبرى‪ ،‬بل هو إحدى الثمار اليانعة للمعاناة‬
‫الطويلة والخطاء المتكررة‪ ،‬لكن لهذا أيضا ً مشكلته وعقابيله العديدة‪ ،‬والتي‬
‫منها كثرة الحديث عن الماضي‪ ،‬والغراق في تحليله وبيان أزماته وممانعاته‪.‬‬
‫بمعنى آخر يجد الكبير في السن نفسه وكأنه صار مكبل ً مرتبكا ً بأثقال‬
‫التجربة الكبيرة التي خاضها‪.‬‬
‫إن الخيال ينقل الوعي من بؤرة الخبرة ويجعله على حوافها؛ ليكون متصل ً‬
‫بالمظنون والمجهول والمتوهم والمحتمل‪ .‬وحين تكون الخبرة عريضة‬
‫وعميقة‪ ،‬فإن مغادرة الخيال لحدودها تصبح أمرا ً شاقًا‪ .‬وهذا يجعل المرء يبدو‬
‫وكأنه يدور حول نفسه‪.‬‬
‫أما الشباب‪ ،‬فإن لديهم القليل والقليل جدا ً مما يمكن أن يتحدثوا عنه‪ ،‬ولهذا‬
‫ميزاته وسلبياته‪ .‬حين يفكر المرء من غير خبرة يتكئ عليها فإنه يكون مهددا ً‬
‫بالتهور وبالبعد عن الحدود التي يرسمها الواقع‪ ،‬وخطورة مثل هذا التفكير‬
‫تتمثل في اتخاذ قرارات غير عملية‪ ،‬والتطلع إلى الحصول على أشياء ل‬
‫يمكن الحصول عليها‪ ،‬مما يجعل الشاب يتعرض في النهاية إلى موجات من‬
‫اليأس والحباط‪ ،‬لكن التفكير البداعي يتطلب من المرء أن يكون مستعدا ً‬
‫لرؤية الشياء خارج النماط المألوفة‪ ،‬وبعيدا ً عن الرتباطات السببية‬
‫المعهودة والمعمول بها‪ ،‬ومن هنا فإن معظم المبدعين هم من الشباب‪ ،‬ومن‬
‫يكبرهم قلي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫إن السذاجة كثيرا ً ما تكون عبارة عن محّرض لبذل أعظم الجهود وتح ّ‬
‫مل‬
‫أكبر المشاق‪ ،‬وهذا ما نجده لدى الشباب ونجده أيضا ً لدى الكتاب‪ ،‬إننا‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪-‬معشر الكتاب‪ -‬نتمتع بسذاجة كسذاجة الطفال؛ إذ نعتقد أن ما نكتبه يؤثر‬


‫تأثيرا ً بالغا ً في حركة المجتمع‪ ،‬ومع أن هذا قد ل يكون صحيحا ً في كثير من‬
‫الحيان‪ ،‬وهو مبالغ فيه في معظم الوقات إل أنه يشكل الوقود الحيوي‬
‫للستمرار في الكتابة بوصفها عمل ً عظيم التكاليف وقليل الجدوى‪.‬‬
‫‪ -2‬يحلم الشباب بالحلم العريضة الطويلة‪ ،‬ويمدون أبصارهم نحو الفاق‬
‫البعيدة؛ لن اعتقادهم بطول المدة المتاحة لهم في هذه الحياة‪ ،‬يحملهم على‬
‫التفكير والستثمار في قضايا ومشروعات بعيدة المد وذات بعد إستراتيجي‪،‬‬
‫وهذه ميزة كبرى على صعيد تطوير المم والشعوب؛ وعلى صعيد تأمين‬
‫مساقات للعمل والعطاء على صعيد الفراد‪ ،‬أما الشيوخ فإن إحساسهم بدنو‬
‫الجل ونفاد الطاقة يجعلهم يفكرون فيما يمكن أن يحدث على المدى‬
‫القصير‪ ،‬كما يدفعهم في اتجاه التقليل من الحديث عن التغيير والتطوير‪ ،‬مع‬
‫كن المرء من‬ ‫أن الله تعالى قد ينسأ في الجل‪ ،‬ويمد ّ في الطاقة‪ ،‬مما يم ّ‬
‫القيام بالكثير من الشياء العظيمة‪ .‬وإنه لدرس بليغ ذلك الذي نستخلصه من‬
‫قوله عليه الصلة والسلم‪":‬إذا قامت الساعة على أحدكم وفي يده فسيلة‬
‫فليغرسها"‪ .‬إن علينا أن نفكر في المستقبل البعيد‪ ،‬وأن نؤسس العمال‬
‫الجيدة والمطلوبة بقطع النظر عما إذا كنا نحن سنقطف ثمارها‪ ،‬أو كان من‬
‫يفعل ذلك من البناء والحفاد‪.‬‬
‫‪ -3‬يتسم تفكير كثير من كبار السن بالتشاؤم‪ ،‬ويّتشح بالسواد‪ ،‬ول ندري تماما ً‬
‫لماذا يكون ذلك؟ هل هو بسبب تراجع القوى والشعور بالضعف والشعور‬
‫بالخوف من الموت وما بعده؟ أو أن ذلك يكون بسبب التربية والبيئة اليائسة‬
‫والمحبطة حيث بلغ التشبع بمعطياتها أقصى مداه؟‬
‫أما الشباب فله شأن مختلف حيث المال الغضة والنفوس المتطلعة إلى‬
‫الفق البعيد‪ ،‬وحيث الترقب للشياء السارة والمدهشة‪ ،‬تفكير الشباب تفكير‬
‫يتسم بسمتين مهمين هما التفاؤل والمرح‪.‬‬
‫ضعف الخبرة بظروف الحياة وقيودها يساعد الشباب على التفاؤل ويدفعهم‬
‫دفعا ً في انتظار مباهج الحياة ومسراتها‪ .‬والمرح شيء طبيعي في النفس‬
‫البشرية حين تسلم من الشعور بوطأة التكاليف وثقل العباء‪ ،‬وهذا موجود‬
‫لدى الشباب؛ إذ تكون مسؤولية إعالتهم على أهلهم‪ ،‬وأعتقد أن في إمكان‬
‫الشيوخ أن يستفيدوا من الشباب‪ ،‬ويتعلموا منهم هذه الميزة‪ ،‬وذلك بشيء‬
‫من إدارة الدراك ومحاولة رؤية الشياء بطريقة جديدة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪-4‬الشباب أكثر مواكبة للجديد وأقدر على التلؤم معه‪ ،‬وهذا يجعلهم يعتقدون‬
‫أن هناك معطيات جديدة في كل مجال من المجالت‪ ،‬ووجودها طبيعي‬
‫ومألوف‪ ،‬والستجابة لها ل تحتاج إلى تفريغ الذهن من معطيات قديمة‬
‫ومتقادمة؛ إذ ل قديم يذكر لدى الشباب ولهذا فإن الشباب يعملون وفق‬
‫قاعدة )الجديد صحيح حتى يثبت خطؤه( أما الشيوخ فيعملون وفق مقولة‬
‫)الجديد ُيعامل بترّيث وحذر إلى أن يثبت صوابه(‪ .‬ومع أن أيا ً من الموقفين ل‬
‫يكون مناسبا ً في بعض القضايا إل أن النفتاح على الجديد يظل أقرب إلى‬
‫الصواب في معظم الحيان‪.‬‬
‫‪ -5‬شبابنا يرون اليوم بأم أعينهم الطفرات المتتابعة في مجال التقنية‬
‫والتصال والكماليات والمرهفات‪ ،‬وهذا يدعوهم إلى التفكير وفق المقولة‬
‫)كم ترك السابق للحق(‪ ،‬أما كبار السن فإن امتلءهم من القديم وعدم‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تفّتحهم على الجديد‪ ..‬يجعلهم يفكرون وفق المقولة الذائعة )ليس في‬
‫المكان أبدع مما كان( ووفق مقولة )ما ترك الول للخر شيئًا(‪ ،‬وهذا يعبر‬
‫جس من الجديد‪ ،‬كما يعبر عن التعّلق بالقديم‪.‬‬ ‫عن التو ّ‬
‫نحن في حاجة إلى العمل وفق معادلة صعبة‪ ،‬تقوم على أفضل ما لدى‬
‫الشيوخ من الناة والخبرة وعمق التجربة‪ ،‬كما تقوم على أفضل ما لدى‬
‫ي‪ ،‬ومن يستطيع الجمع‬ ‫ي وانطلق روح ّ‬ ‫الشباب من توّثب ذهن ّ‬
‫ي وتفتح عقل ّ‬
‫بين هاتين الفضيلتين فإنه يستحق بجدارة لقب )شيخ الشباب(‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التقارب الديني خطره مراحله آثاره‬


‫الشيخ المين الحاج محمد أحمد*‬
‫تقديم‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه‪ ,‬الحمد لله الذي أنزل الكتاب المحكم‬ ‫ً‬
‫المعجز الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه‪ ،‬تنزيل من حكيم‬
‫حميد‪ ,‬ذلك الكتاب الذي ل تنقضي عجائبه‪ ،‬ول يخلق على كثرة الرد‪ ،‬ل تنفد‬
‫معجزاته الخبرية‪ ,‬قال عز من قائل‪) :‬ولن ترضى عنك اليهود ول النصارى‬
‫ن أشد الناس عداوة‬ ‫حتى تتبع ملتهم( ]سورة البقرة‪ .[120:‬وقال‪) :‬لتجد ّ‬
‫ن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين‬ ‫للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجد ّ‬
‫قالوا إنا نصارى]‪[1‬ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا ً وأنهم ل يستكبرون‪ .‬وإذا‬
‫سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من‬
‫الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين( ]سورة المائدة ‪.[83-82:‬‬
‫ذرنا من اتخاذ‬ ‫وصلى الله وسلم وبارك على محمد النبي المي‪ ،‬الذي ح ّ‬
‫جّهال‪ ,‬فعن عبد الله بن عمرو بن العاص ‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬قال‪:‬‬ ‫الرؤوس ال ُ‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪) :‬إن الله ل يقبض العلم‬
‫ق‬ ‫ً‬
‫انتزاعا ينتزعه من الناس‪ ,‬ولكن يقبض العلم بقبض العلماء‪ ,‬حتى إذا لم ي ُب ْ ِ‬
‫ضّلوا وأضّلوا(]‪.[2‬‬ ‫وا بغير علم فَ َ‬
‫سِئلوا‪ ,‬فأفت ْ‬
‫ل‪ ,‬ف ُ‬‫عالما ً اتخذ الناس رؤوسا ً جها ً‬
‫ب العلم وفشوّ الجهل من‬ ‫ولقد عد ّ الرسول صلى الله عليه وسلم ذها َ‬
‫ح عنه‪) :‬إن من أشراط الساعة أن يقل‬ ‫علمات قرب الساعة‪ ,‬فقال فيما ص ّ‬
‫العلم ويكثر الجهل‪ ...‬الحديث(‪ ،‬والعلم هو السنة‪ ،‬والجهل هو البدعة‪.‬‬
‫أما بعد‪...‬‬
‫مت بها البلوى في هذا العصر أكثر من أن تحصى‪ ،‬وأوضح‬ ‫ّ‬ ‫ع‬ ‫التي‬ ‫المور‬ ‫فإن‬
‫من أن ينّبه عليها‪ ,‬ولكن من أخطر تلك المور تلك الدعوة التي رفعها بعض‬
‫المنهزمين بإيعاز من المستشرقين في أواخر القرن الميلدي الماضي‪ ,‬وقد‬
‫جاراهم فيها بعض الصلحاء المستغفلين من الدعاة‪ ,‬أل وهي )دعوى التقارب‬
‫الديني(‪ ،‬أو )وحدة الديان(‪ ،‬أو الدعوة إلى )الحزب البراهيمي(‪ ،‬أو جمع أهل‬
‫الديان السماوية على )الملة البراهيمية(‪ ،‬ونحو ذلك من هذا الُهراء‪.‬‬
‫لقد لقت هذه الدعوة في الونة الخيرة ‪ -‬بعد أن كسدت سوقها فترة ً ‪-‬‬
‫رواجا ً خاصا ً في السودان‪ ,‬حيث عقدت عدة مؤتمرات وندوات لمناقشة‬
‫كيفية التوصل إلى دين عالمي جديد‪ ،‬يجعل الناس ‪ -‬كل الناس ‪ -‬يعيشون في‬
‫ة في البلد الواحد‪ ,‬دون أدنى اعتبارٍ لدينهم وتراثهم‬ ‫وئام وسلم‪ ،‬خاص ً‬
‫وثقافتهم‪ ,‬فـ"الدين لله‪ ,‬والوطن للجميع‪ ،‬وما لله لله وما لقيصر لقيصر"!!‬
‫هذا الدين العالمي الجديد يوالي فيه المسلم أخاه النصراني واليهودي‬
‫والمجوسي والوثني!!! إذ جميعهم من آدم وحواء عليهما السلم!!‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهذا بحث بعنوان‪) :‬التقارب الديني‪ :‬خطره‪ ,‬أسبابه‪ ,‬دعاته(‪ ،‬يتكّلم عن تاريخ‬
‫لسباب الحقيقة للقيام بها‪ ,‬عن مخالفتها‬ ‫هذه الدعوة‪ ,‬عن ب َط ََلتها‪ ,‬وعن ا ٍ‬
‫الصريحة البينة الواضحة لما جاء به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫)قل يا أهل الكتاب تعالوا إلىكلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد إل الله ول نشرك‬
‫به شيئا ً ول يتخذ بعضنا بعضا ً أربابا ً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا‬
‫مسلمون( ]سورة آل عمران‪.[64:‬‬
‫ً‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪) :‬لو كان موسى حيا لما وسعه إل أن يتبعني(‪.‬‬
‫كتبته نصيحة لله ولرسوله‪ ،‬ولدينه‪ ،‬ولدعاة هذه الدعوة‪ ،‬ولعامة المسلمين‪,‬‬
‫ي عن بينة‪.‬‬
‫ليهلك من هلك عن بينة‪ ،‬ويحي من ح ّ‬
‫ل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه‪ ,‬وأن ُيرَينا وجميعَ‬ ‫ه أسأ ُ‬
‫والل َ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إخواننا المسلمين الحق حقا‪ ,‬ويرزقنا اتباعه‪ ,‬ويرينا الباطل باطل ويرزقنا‬
‫اجتنابه‪ , ,‬والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل‪ ,‬وصلى الله‬
‫وسلم على رسوله القائل ‪) :‬ل تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين‪ ،‬ل‬
‫يضرهم من خالفهم ول من خذلهم حتى تقوم الساعة(‪ ،‬وفي رواية‪) :‬حتى‬
‫يأتي أمر الله وهم على ذلك(‪.‬‬
‫ن الحمد ُ لله رب العالمين‪.‬‬ ‫وآخر دعوانا أ ِ‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫وحدة الديان أو التقارب الديني‬
‫الغرض الساسي والهدف الول من هذه الدعوة هو‪ :‬إبعاد السلم‪ ،‬وإقصاؤه‬
‫عن الحياة‪ ,‬وإذابة معتقداته؛ ليعيش أصحاب الملل المختلفة في البلد الواحد‬
‫في محبة ووئام وسلم‪ ,‬وتزول عنهم الخلفات الدينية‪ ،‬ويختفي منهم الولء‬
‫الديني‪ ،‬ليصبح الولء للوطن الذي هو للجميع‪ ,‬فالدين لله والوطن والجميع!!!‬
‫متى ظهرت هذه الدعوة في العالم السلمي؟ ومن هم بطلتها؟‬
‫بدأت هذه الدعوة ‪ -‬أول ما بدأت ‪ -‬في الربع الخير من القرن الماضي‪ ,‬بإيعاز‬
‫سس‪ ،‬فهي ثمرة من ثمار الغزو الفكري والستعمار الوربي‬ ‫ق ُ‬
‫من بعض ال ُ‬
‫الذي جثم على صدر المة السلمية في ذلك الحين‪ ,‬ثم توالت الصيحات فيما‬
‫بعد‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫يقول الشيخ محمد محمد حسين رحمه الله ‪" :‬أما التوفيق بين الديان ‪-‬بين‬
‫المسيحية والسلم على وجه الخصوص ‪ -‬فقد بدأ في العصر الحديث باتفاق‬
‫قسيس إنجليزي اسمه )إسحاق تيلور( مع الشيخ محمد عبده وبعض صحبه‬
‫دينْين‪ .‬ثم ظهرت الدعوة‬ ‫في أثناء نفيه بدمشق ‪1883‬م على التوحيد بين ال ّ‬
‫من جديد في السنوات الخيرة حين قام جماعة من المعروفين بميولهم‬
‫الصهيونية بعقد مؤتمر للتأليف بين السلم والنصرانية في بيروت ‪1953‬م‪،‬‬
‫ثم في السكندرية ‪1954‬م‪ ،‬وقد كثرت القاويل في أهداف هذه الجماعة‪,‬‬
‫وفي مصادر تمويلها‪ ,‬وأصدر الحاج أمين الحسيني بيانا ً أثبت فيه صلة‬
‫القائمين على هذه الدعوة بالصهيونية العالمية"]‪.[3‬‬
‫أبرز بطلة]‪ [4‬هذه الدعوة‪:‬‬
‫]‪ [1‬الشيخ محمد عبده )‪(1905-1849‬م‪:‬‬
‫خر للدعوة لتلك الفكرة‪ ،‬كما وضح لنا من قبل‪ ،‬يقول فضيلة‬ ‫س ّ‬
‫هو أول من ُ‬
‫الدكتور سفر الحوالي‪" :‬وقد يكون أخطر آثار محمد عبده التي تعد ركيزة من‬
‫ركائز العلمانية في العالم السلمي‪ :‬إضعاف مفهوم )الولء والبراء(‪ ،‬و)دار‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحرب ودار السلم(؛ إذ كان الشيخ أعظم من اجترأ عليه من المنتسبين‬


‫للعلماء‪ ,‬ل بتعاونه مع الحكومة النجليزية الكافرة فحسب‪ ,‬ولكن بدعوته‬
‫الصريحة إلى موالة النجليز وغيرهم ‪ -‬بحجة الول التعاون مع الكافر ليس‬
‫محرما ً من كل وجه‪ -‬وبدعوته إلى التقريب بين الديان‪.‬‬
‫حقيقة إن الرأي العام السلمي قد ثار على بعض فتاوي الشيخ التي أباح بها‬
‫موالة الكفار‪ ،‬ولكن تأثيرها في المة ل شك فيه في تلك الفترة الحرجة التي‬
‫تتميز بغبش الرؤية واختلط المفهومات"]‪.[5‬‬
‫]‪ [2‬الشيخ عبد الرحمن الكواكبي )ت ‪1902‬م(‪:‬‬
‫ة‪ ,‬كما دعا للتعايش السلمي مع اليهود‬ ‫دعا للعلمانية ون َب ْذ ِ الدين صراح ً‬
‫والنصارى‪ ،‬وترك الدين جانبًا‪ ،‬قال‪" :‬يا قوم ‪ -‬وأعني بكم الناطقين بالضاد من‬
‫غير المسلمين ‪ -‬أدعوكم إلى تناسي الساءات والحقاد‪ ,‬وما جناه الباء‬
‫جّلكم من أن ل تهتدوا‬ ‫ُ‬
‫والجداد‪ ,‬فقد كفى ما فعل ذلك على أيدي المثيرين‪ ,‬وأ ِ‬
‫لوسائل التحاد وأنتم المتنورون السابقون‪ ،‬فهذه أمم أستراليا وأمريكا قد‬
‫هداها العلم لطرائق التحاد الوطني دون الديني‪ ،‬والوفاق الجنسي دون‬
‫المذهبي‪ ،‬والرتباط السياسي دون الداري‪ ،‬دعونا نتدبر حياتنا الدنيا‪ ،‬ونجعل‬
‫الديان تحكم الخرى فقط‪ ،‬دعونا نجتمع على كلمات سواء‪ ,‬أل وهي‪ :‬فلتحيا‬
‫المة‪ ,‬فليحيا الوطن فنحيا طلقاء أعزاء"]‪ ،[6‬وهذا هو نفس ما يدعو إليه‬
‫دعاة وحدة الديان الحاضرين‪.‬‬
‫]‪ [3‬الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي‪) ،‬ت ‪1873‬م(‪:‬‬
‫هو من الذين دعوا إلى ذلك بكتاباتهم وفكرهم‪ ،‬بعد أن فعلت فيه الثقافة‬
‫الغربية الفرنسية فعلها‪ .‬يقول الشيخ محمد محمد حسين‪" :‬تكلم الطهطاوي‬
‫في مقدمة كتابه )مناهج اللباب( وبّين أن الوطن جامعة تجمع ساكنيه على‬
‫اختلف الديان‪ ،‬حين قال‪ :‬فجميع ما يجب على المسلم للمسلم‪ ،‬يجب على‬
‫أعضاء الوطن‪ ,‬من حقوق بعضهم على بعض‪ ,‬لما بينهم من الخوة الوطنية‬
‫فضل ً عن الخوة الدينية‪ ،‬فيجب أدبا ً لمن يجمعهم وطن واحد‪ ,‬التعاون على‬
‫تحسين الوطن وتكميل نظامه‪ ،‬فيما يخص شرف الوطن وغناه وثروته‪ ،‬لن‬
‫الغنى إنما ُيتحصل من انتظام المعاملت‪ ,‬وتحصيل المنافع العمومية‪ .‬وهي‬
‫تكون بين أهل الوطن على السوية لنتفاعهم جميعا ً بمزية النخوة الوطنية"‪,‬‬
‫ثم أيد رأيه بكلم للمام ابن حجر في أن ظلم الذمي حرام‪ ,‬وعقب عليه‬
‫بقوله‪):‬وهذا يؤيد ما قلناه من أن أخوة الوطن لها حقوق‪ ,‬ل سيما وإنها يمكن‬
‫أن تؤخذ من حقوق الجار‪ ,‬خصوصا ً من يقول‪ :‬بأن أهل الحلة كلهم جيران"‪.‬‬
‫يقول الشيخ محمد محمد حسين معلقا ً على كلم الطهطاوي السابق‪" :‬هو‬
‫أثر من آثار الحضارة الغربية وتصورها للوطن الجامع لمصالح ساكنيه على‬
‫اختلف أديانهم وأجناسهم واقتباس من المجتمع الفرنسي بعد الثورة الذي‬
‫قضى على الرابطة الدينية وأقام في مكانها رابطة المصلحة الوطنية أو ما‬
‫أسماه الطهطاوي "المنافع العمومية" التي تقوم على الحرية والخاء‬
‫والمساواة بين أبناء الوطن الواحد‪ .‬ولذلك فالطهطاوي يعقد في كتابه فصل ً‬
‫ة المعاملة مع‬ ‫ص ُ‬
‫خ َ‬
‫"في أن معظم وسائل تقدم الوطن في المنافع العمومية ُر ْ‬
‫أهالي الممالك الجنبية واعتبارهم في الوطن كالهلية" يثني فيه على الملك‬
‫رمسيس فخر الدولة المصرية في الزمان الجاهلية ومصباح تاريخها الذي‬
‫اعتنى بتاريخه مؤرخو اليونان‪ ,‬لنه أول مصري قربهم إلى بلده‪ ,‬واستمال‬
‫قلوبهم بتوظيفهم برياسة أجناده‪ ،‬وخالف عوائد أسلفه" ]‪.[7‬‬
‫قلت‪ :‬لله در ابن خلدون حين قال‪" :‬والمغلوب مولع أبدا ً بالقتداء بالغالب في‬
‫شعاره وزيه وبخلقه وسائر أحواله وعوائده"‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سبحان الله‪ ,‬فإن السنوات الخمس التي قضاها هذا الشيخ الزهري )‪-1826‬‬
‫‪1831‬هـ( في باريس فعلت فيه الفاعيل وجعلته مسخا ً مشوها ً ل إلى هؤلء‬
‫جل المبعوثين أل ّ من رحم ربك‪ ,‬وإن تعجب فاعجب‬ ‫ول إلى هؤلء‪ .‬وهذه حال ُ‬
‫وه فإنه يسير دائما ً على طريق‬‫ّ‬ ‫لت‬ ‫أمريكا‬ ‫من‬ ‫عاد‬ ‫من ذلك المبعوث الذي‬
‫الخواجات بين جدة والطائف!!‬

‫)‪(2 /‬‬

‫سنن من كان‬ ‫ن َ‬
‫وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في تنبؤه‪) :‬لتتبع ّ‬
‫قبلكم شبرا ً بشبر وذراعا ً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه(!!‬
‫]‪ [4‬الشيخ أحمد لطفي السيد وطه حسين‪:‬‬
‫إنهما من تلميذ محمد عبده الوفياء‪ .‬أكمل الشوط الذي كان قد بدأه في‬
‫عملية التغريب والعلمنة وإزالة الحاجز بين المسلمين والكفار‪ ,‬يقول الشيخ‬
‫سفر الحوالي‪" :‬وقد كان من أهداف أعداء السلم ما أوصى به مؤتمر‬
‫القاهرة التبشيري المنعقد ‪1906‬م من وجوب إنشاء جامعة علمانية على‬
‫نمط الجامعة الفرنسية لمناهضة الزهر والذي قالوا أنه يهدد كنيسة المسيح‬
‫بالخطر وقد قام الذيال بتنفيذ المهمة إذ أنه بعد انتهاء المؤتمر بسنتين تقريبا ً‬
‫أسس سعد زغلول وأحمد لطفي السيد وزملؤهم الجامعة المصرية‪ ,‬وكان‬
‫النص الول من شروط إنشائها هو أل تختص بجنس ول دين‪ ,‬بل تكون لجميع‬
‫سكان مصر على اختلف جنسياتهم وأديانهم حتى تكون واسطة لللفة بينهم"‬
‫]‪.[8‬‬
‫]‪ [5‬الشيخ علي عبد الرازق‪:‬‬
‫وهو من الشخصيات الخطرة التي مهدت لقيام هذه الدعوة ‪ ,‬إنه شيخ‬
‫مفتون‪ ,‬ألف كتابا ً أسماه "السلم وأصول الحكم"‪.‬‬
‫يقول عنه الشيخ سفر حفظه الله‪" :‬جمع عبد الرازق في كتابه بين أسلوب‬
‫المستشرقين في تحوير الفكرة واقتطاع النصوص وتلفيق الواهيات وبين‬
‫طريقة الباطنية في التأويل البعيد‪ ,‬وسرد نبذا ً من سير الطواغيت‪ ,‬ونتفا ً من‬
‫أقوال متملقيهم وعمد إلى مغالطات عجيبة كل ذلك ليدلل على أن السلم‬
‫كالمسيحية المحرفة علقة روحية بين العبد والرب ل صلة لها بواقع الحياة‪.‬‬
‫ت الشيخ أن يدلنا على أحد مراجعة الرئيسية لنستكمل ما قد يكون‬ ‫ف ِ‬
‫ولم ي َ ُ‬
‫ً‬
‫فضيلته عجز عن بيانه ‪ ,‬فهو يقول في الكتاب نفسه‪ " :‬واذا أردت مزيدا في‬
‫البحث فارجع إلى كتاب الخلفة للّعلمة)!!( السير تومس آرنلد ففي الباب‬
‫الثاني والثالث منه بيان ممتع ومقنع"‪.‬‬
‫]‪ [6‬الدكتور محمد عمارة‪:‬‬
‫هو كذلك من دعاة تجميع الخلق تحت دين جديد واحد‪ ،‬يقول عنه الستاذ‬
‫جمال سلطان‪" :‬في نظره أن اليهود والنصارى اليوم مؤمنون مسلمون‬
‫موحدون ول يضرهم في شيء من إيمانهم تكذيبهم بنبوة محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم وبرسالته‪ ،‬فإذا ما وقف أهل الكتاب من أتباع شرائع الرسل الذي‬
‫سبقوا محمد صلى الله عليه وسلم عند التصديق برسالة رسلهم ]‪ ,[9‬وأبوا‬
‫التصديق برسالة محمد ونبوته مع توحيدهم ]‪ [10‬وعملهم الطاعات!! فإن‬
‫هذا التوقف ل يخرجهم عن إطار الدين الواحد‪ ,‬ول حظيرة التدين بالسلم‪.‬‬
‫فموقفهم هذا هو انحراف! والفرق بين من يؤمن بمحمد وبكل الرسل وبين‬
‫الذي يجحدون بنبوة محمد ورسالته مع توحيدهم وعملهم الطاعات كمثل‬
‫الفرق بين إيمان المؤمن الخلي من البدع وبين إيمان من تشوب البدع‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إيمانه" ]‪.[11‬‬
‫]‪ [7‬الدكتور حسن حنفي‪:‬‬
‫يذهب الدكتور حنفي إلى أنه ليس هنالك دين في ذاته بل هناك تراث يمكن‬
‫تطويره وتطويعه حسب الظروف والملبسات‪" :‬الول التراث القديم ل قيمة‬
‫له في ذاته كغاية أو وسيلة‪ ,‬ول يحتوي على أي عنصر من عناصر التقدم‪،‬‬
‫وأنه جزء من تاريخ التخلف أو أحد مظاهره‪ ,‬وأن الرتباط به نوع من التغريب‬
‫ونقص في الشجاعة وتخل عن الموقف الجذري ونسيان للبناء الجتماعي‬
‫الذي هو إفراز منه‪ ,‬وفي حين أن الجديد علمي وعالمي يمكن زرعه في كل‬
‫بيئة" ]‪.[12‬‬
‫]‪ [8‬الدكتور حسن الترابي‪:‬‬
‫من أبرز بطلة هذه الدعوة الدكتور حسن عبد الله الترابي‪.‬‬
‫وواضح جدا ً أن المتولين لكبر هذه الدعوة هم على شاكلة واحدة ومن نوع‬
‫خاص‪ ,‬إنهم العصرانيون المتغربون المبهورون بالحضارة الغربية المادية بعد‬
‫أن ُأشربوها على أمزجة فرنسية إنجليزية فالطيور على أشكالها تقع‪,‬‬
‫و)الرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف‪ ،‬وما تناكر منها اختلف(‪.‬‬
‫فالقاسم المشترك بين محمد عبده‪ ,‬ورفاعة الطهطاوي‪ ,‬ومحمد عمارة‪،‬‬
‫وحسن حنفي‪ ،‬وحسن الترابي ومن شاكلهم من العصرانيون هو النهزام‬
‫النفسي والفراط في حب الغرب وموالته‪ ,‬ويعتبر د‪ .‬الترابي أخطر هؤلء‬
‫جميعا لسباب منها‪:‬‬
‫]‪ [1‬أن أولئك السابقين له لم تتعد مجهوداتهم الجانب النظري بينما نجد أن‬
‫د‪ .‬الترابي خطا خطوات عملية في هذا المجال‪ ,‬لنه أتيحت له إمكانات دولة‬
‫لم ُتتح لسابقيه فقد استطاع الترابي أن ُيسخر السلطة في السودان لخدمة‬
‫هذا لغرض وقد أعان على ذلك أمران‪:‬‬
‫الضغوط السياسية والختناقات القتصادية المضروبة على الحكومة‬
‫السودانية الحالية من الدول الغربية ومن والها‪.‬‬
‫استمرار الحرب التنصيرية في جنوب السودان‪ ،‬والتي كبدت الحكومة الكثير‬
‫من المال والرجال‪.‬‬
‫ً‬
‫هذان المران جعل كثيرا من المسئولين وغيرهم ل يفطنون لخطورة هذه‬
‫الدعوة لظنهم أنها تخفف عنهم الضغط وترفع عنهم هذه الكوابيس!!‪.‬‬
‫]‪ [2‬مقدرة د‪ .‬الترابي الفائقة على المراوغة فمرة‪:‬‬
‫يظهر الول هذه الدعوة مجرد مناورة سياسية لصرف أنظار النصارى‪ ,‬وكف‬
‫أذاهم وليست دعوة دينية‪.‬‬
‫وأخرى يظهر أنه يريد مجرد دعوتهم للسلم ومحاورتهم وإزالة الشبه العالقة‬
‫بأذهانهم‪.‬‬
‫ومّرة يثير بعض الشبه التي تخفي على كثير من الناس‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وهكذا عدم الوضوح والمراوغة يكمنان وراء دعوة الترابي العريضة لقيام‬
‫جبهة المؤمنين أو الحزب البراهيمي!!‬
‫ً‬
‫]‪ [3‬وجود أقلية ضئيلة من النصارى في السودان‪ ,‬وجدت ظروفا مساعدة‬
‫)حرب الخليج‪ ,‬النظام العالمي الجديد‪ ,‬موقف طلب السلطة المعارضين‬
‫للنظام في السودان( تجعل كذلك كثيرا ً من الخيار ينخدعون برفع هذا‬
‫الشعار‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتتمثل مجهودات الترابي في هذا المجال في‪ :‬عقد المؤتمرات‪ ،‬التنظير لهذه‬
‫الدعوة )الحركة السلمية والحوار(‪ ،‬إثارة الشبه‪ ،‬إجراء المقابلت في وسائل‬
‫العلم المختلفة لخدمة هذه القضية‪ ،‬الدعوة لقيام الحزب البراهيمي‪ ،‬تكوين‬
‫جمعية تعرف بالجمعية السودانية لحوار الديان‪ ،‬مشاركتهم النصارى في‬
‫أعيادهم والطواف على كنائسهم‪ ،‬بناء الكنائس وتجديد وترميم القديم منها‪،‬‬
‫فتح المجال أمام النصارى في العلم‪ ,‬خاصة يوم الحد في الفترة الصباحية‬
‫في التلفاز إذ أن لهم حوالي أربع ساعات‪ ،‬إدخال مادة مقارنة الديان في‬
‫المعاهد العليا‪.‬‬
‫ً‬
‫قول د‪ .‬الترابي داعيا إلى وحدة الديان ]‪ ":[13‬إن الوحدة الوطنية تشكل‬
‫واحدة من أكبر همومنا‪ ,‬وأننا في الجبهة السلمية نتوصل إليها بالسلم على‬
‫أصول الملة البراهيمية‪ ,‬التي تجمعنا مع المسيحيين بتراث التاريخ الديني‬
‫المشترك)!!( وبرصيد تاريخي من المعتقدات والخلق إننا ل نريد الدين‬
‫عصبية عداء ولكن وشيجة إخاء في الله الواحد" ]‪.[14‬‬
‫"وبناء على هذه الجبهة الدينية ]‪ [15‬مطلب ديني يرتكز على مبدأ وحدة‬
‫الديان السماوية )قلنا اهبطوا منها جميعا ً فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع‬
‫هداي فل خوف عليهم ول هم يحزنون( ]سورة البقرة‪.[16] "[38 :‬‬
‫وقال‪" :‬إن قيام جبهة المؤمنين هو مطلب الساعة وينبغي أل تحول دونه‬
‫المخاوف والتوجسات التاريخية‪ ،‬فنحن نعلم أن الكثير من الحروب التي‬
‫شنت باسم الدين والضطهاد الذي وقع باسم الدين كان الدين منه براء؛ لن‬
‫الديان السماوية ل تدعو لنشر رسالتها ‪ -‬رسالة الفضيلة والسلم ‪ -‬بحد‬
‫السيف ]‪ ،[17‬أو بالقنابل والمدافع ونحن نقرأ تاريخ الحروب الصليبية التي‬
‫شنت على الشرق فنراها حملت استعمارية ]‪ [18‬استخدم فيها بعض ملوك‬
‫أوربا شعار الصليب واسم المسيحية ليحققوا توسعا ً استعماريا ً تتعبأ فيه‬
‫جماهيرهم المؤمنة ويمدهم بالموارد وبكنوز الشرق التي كانوا يحلمون بها" ]‬
‫‪.[19‬‬
‫قلت‪ :‬العجب كل العجب من جرأة الترابي وتهاونه بوصف اليهود والنصارى‬
‫الحاليين بأنهم مؤمنين‪ ,‬تبريرا ً لدعواه التجمعية هذه‪ ,‬التي تريد أن تجمع بين‬
‫الضداد‪ ,‬ولو وصفهم بأنهم مسلمون لكان ذلك أقل خطرا ً عليه‪ ,‬أما أن‬
‫يصفهم بأنهم مؤمنون فهذا أمر في غاية النكارة والغرابة‪ ،‬فإذا كان اليهود‬
‫والنصارى مؤمنين فمن الكافر إذا ً ؟! ولماذا قال الله تعالى‪) :‬إن الذين كفروا‬
‫من أهل الكتاب والمشركين( ]البينة‪.[6 :‬‬
‫دعنا نستمع إلى كلم أهل العلم الثبات‪ ,‬ودعك من هذه الترهات‪ ,‬لنعلم هل‬
‫هي حقيقة أن اليهود والنصارى الحاليين مؤمنون كما زعم الطهطاوي ومحمد‬
‫عمارة والترابي؟‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله‪" :‬أن الذي يدين به المسلمون من أن‬
‫محمدا ً صلى الله عليه وسلم ُبعث إلى الثقلين‪ :‬النس والجن‪ ,‬أهل الكتاب‬
‫وغيرهم‪ ,‬وأن من لم يؤمن به فهو كافر مستحق لعذاب الله مستحق للجهاد‪,‬‬
‫وهو مما أجمع عليه أهل اليمان بالله ورسوله‪ ،‬لن الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم هو الذي جاء بذلك وذكره الله في كتابه وبينه الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم أيضا في الحكمة المنزلة عليه من غير الكتاب‪ ،‬فإنه تعالى أنزل عليه‬
‫الكتاب والحكمة ولم يبتدع المسلمون شيئا ً من ذلك من تلقاء أنفسهم كما‬
‫ابتدعت النصارى كثيرا ً من دينهم‪ ,‬بل أكثر دينهم‪ ,‬وبدلوا دين المسيح وغّيروه‪,‬‬
‫ولهذا كان كفر النصارى لما بعث محمد صلى الله عليه وسلم مثل كفر اليهود‬
‫لما بعث المسيح عليه السلم" ]‪" ،[20‬وإذا تناولت النصارى كان حكمهم في‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذلك حكم اليهود‪ ،‬والله تعالى إنما أثنى على من آمن من أهل الكتاب كما‬
‫ن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل‬‫قال تعالى‪) :‬وإ ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إليهم خاشعين لله ل يشترون بآيات الله ثمنا قليل أولئك لهم أجرهم عند ربهم‬
‫إن الله سريع الحساب( ]سورة آل عمران‪.[21] "[199 :‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وقال العلمة ابن القيم رحمه الله في وصف أهل الكتابيين اليهود والنصارى‪:‬‬
‫"وهم نوعان‪ :‬مغضوب عليهم‪ ،‬وضالون‪ .‬فأما المة الغضيبة‪ :‬فهم اليهود أهل‬
‫الكذب والبهت والغدر والمكر والحيل‪ ,‬قتلة النبياء‪ ,‬وأكلة السحت وهو الربا‬
‫والرشا‪ ،‬أخبث المم طوية وأرداهم‪ ،‬سجية وأبعدهم عن الرحمة وأقربهم من‬
‫النقمة‪ ،‬عادتهم البغضاء ودينهم العداوة والشحناء‪ ,‬بيت السحر والكذب‬
‫والحيل‪ ،‬ل يرون لمن خالفهم في كفرهم وتكذيبهم النبياء حرمة‪ ,‬ول يرقبون‬
‫ن إل ّ ول ذمة‪ ,‬ول لمن وافقهم عندهم حق ول شفعة‪ ,‬ول لمن‬ ‫في مؤم ٍ‬
‫شاركهم عندهم عدل ول نصفة‪ ,‬ول لمن خالطهم طمأنينة ول أمنة‪ ,‬ول لمن‬
‫استعملهم عندهم نصيحة‪ ,‬بل أخبثهم أعقلهم‪ ,‬وأحذقهم أغشهم‪ ,‬وسليم‬
‫الناصية ‪ -‬وحاشاه أن يوجد بينهم ‪ -‬ليس بيهودي على الحقيقة‪ ,‬أضيق الخلق‬
‫صدورًا‪ ,‬وأظلمهم بيوتًا‪ ,‬وأنتنهم أفنية وأوحشهم سجية‪ ,‬تحيتهم لعنة‪ ,‬ولقاؤهم‬
‫طيرة‪ ,‬شعارهم الغضب‪ ,‬ودثارهم المقت‪.‬‬
‫والصنف الثاني‪ :‬المثلثة أمة الضلل وعباد الصنام‪ ،‬الذين سبوا الله الخالق‬
‫سب ّا ً ما سّبه إياه أحد من البشر‪ ،‬ولم يقروا بأنه الواحد الفرد الصمد‪ ،‬الذي لم‬
‫يلد ولم يولد‪ ،‬ولم يكن له كفوا ً أحد‪ ،‬ولم يجعلوه أكبر من كل شيء‪ ,‬بل قالوا‬
‫شق الرض وتخر الجبال هد ًّا(‪ .‬فقل‬ ‫فيه ما )تكاد السموات يتفطرن منه وتن ّ‬
‫ما شئت في طائفة أصل عقيدتها أن الله ثالث ثلثة‪ ,‬وأن مريم صاحبته‪ ,‬وأن‬
‫المسيح ابنه‪ ,‬وأنه نزل عن كرسي عظمته‪ ,‬والتحم ببطن الصحابة وجرى له‬
‫ما جرى إلى أن قتل ومات ودفن‪ ,‬فدينها عبادة الصلبان ودعاء الصورة‬
‫المنقوشة بالحمر والصفر في الحيطان‪ ,‬يقولون في دعائهم‪ :‬يا والدة الله‬
‫ارزقينا‪ ,‬واغفري لنا وارحمينا! فدينهم شرب الخمور‪ ,‬وأكل الخنزير‪ ,‬وترك‬
‫الختان‪ ,‬والتعبد بالنجاسات‪ ،‬واستباحة كل خبيث من الفيل إلى البعوضة‪.‬‬
‫والحلل ما حّلله القس‪ ,‬والحرام ما حرمه‪ ,‬والدين ما شرعه‪ ,‬وهو الذي يغفر‬
‫لهم الذنوب وينجيهم من عذاب السعير" ]‪.[22‬‬
‫ي‬
‫ّ‬ ‫قص‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫أمر‬ ‫ليس‬ ‫الديان‬ ‫بين‬ ‫ويقول الترابي كذلك‪" :‬نعلم أن إشاعة السلم‬
‫المنال‪ ,‬لكن التحدي الذي نواجهه هو أن نتجاوز التعصب الديني ]‪ [23‬الذي ل‬
‫يرى الخر إل ّ عدوا ً متربصا ً ]‪ [24‬أو خطرا ً محدقًا‪ ,‬ولكي نفعل ذلك فل بد ّ من‬
‫تكثيف الحوار وتأسيس المنابر المشتركة ]‪ ,[25‬ل لمناقشة القضايا اللهوتية‪،‬‬
‫ولكن لمناقشة ما يمكن أن نفعله سويا ً لشاعة المثل والقيم الدينية في عالم‬
‫ينزلق يوما ً بعد الخر في مستنقع الجاهلية السن‪ ،‬ونحن في هذا المقام‬
‫نزجي الشكر لكل الجهات التي ظلت تنادي الحوار بين الديان‪ ,‬كما نشكر‬
‫لبعض الكنائس المسيحية الخرى مبادرتها وسعيها لقامة الحوار الديني‪ ,‬فل‬
‫بديل للحوار سوى التدابر والصراع‪ ,‬وقّلما أفلحت دعوة دينية في إبلغ‬
‫خطابها الذي هو خطاب السلم والعدل في أجواء الكراهية والحرب" ]‪.[26‬‬
‫يتضح من كلم د‪ .‬الترابي السابق أن الهدف من الحوار ليس مناقشة القضايا‬
‫اللهوتية ودعوة القوم للدخول في السلم وإزالة الشبه العالقة بأذهانهم!‬
‫وذلك لن القوم مؤمنون!! محبون للخير والمثل والقيم الدينية!! ولكن‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الغرض الحقيقي من هذه الدعوة هو مناقشة كيفية تعايش اليهود والنصارى‬


‫والمسلمين في وفاق ووئام ومحبة وسلم‪ ،‬ليكونوا إخوة متحابين يوالي‬
‫بعضهم بعضا ً خاصة في الوطن الواحد‪.‬‬
‫لقد ختم د‪ .‬الترابي كلمته بقوله‪" :‬ختاما ً نتمنى لهذا المحفل الديني الجليل أن‬
‫يدفع جهود التفاهم بين الديان خطوة واسعة نحو المام" ]‪.[27‬‬
‫وقد لفتت كلمة محفل واستعمالها بدل ً من كلمة مؤتمر أو اجتماع أو نحو ذلك‬
‫انتباهي لن كلمة محفل أصبح لها ظلل معينة وهي مرتبطة بالماسونية فل‬
‫يقال محفل إل ّ ويتبع بالماسوني! فهل يا ترى جاءت عفوا ً أم أن وحدة الهدف‬
‫الجامعة لجميع الدعوات العالمية والنسانية كالدعوة إلى وحدة الديان‬
‫والماسونية هي الدافع إلى استعمال هذه الكلمة تيمنا ً بالمحافل‬
‫الماسونية؟!!‬
‫السباب للقيام بمثل هذه الدعوة‪:‬‬
‫أهم السباب التي أدت إلى قيام هذه الدعوات هي‪:‬‬
‫]‪ [1‬الجهل بالدين‪ ,‬وهذا هو السبب الرئيس والول لن من له أدنى معرفة‬
‫بالدين وأصوله ونواقصه ل يمكن أن يتصدى لمثل هذه الدعوة‪.‬‬
‫]‪ [2‬النهزام النفسي‪ ،‬فالمغلوب والمهزوم أن لم يحفظه العلم ويتوله الله ل‬
‫يمكنه التمييز بين الحق والباطل‪.‬‬
‫]‪ [3‬الخوف من الكفار ومن سطوتهم‪.‬‬
‫]‪ [4‬المنافع والمصالح الزائلة‪ .‬يروى أنه كان في بلد الشام إمام يقول في‬
‫ل على محمد وعيسى وأخيهما‬ ‫الخطبة الثانية من يوم الجمعة‪" :‬اللهم ص ّ‬
‫موسى"! فقال له رجل من الحاضرين‪" :‬وذي الكفل‪ ,‬أم ليست له سفارة‬
‫عندها مصاري؟!"‪.‬‬
‫التشابه بين دعوة التوحيد للديان وبين الحركات العالمية المنحرفة‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫الحركات العالمية والنسانية التي تدعي أنها تريد أن تجمع البشر على أساس‬
‫الجنس والوطن أو النسانية دون اعتبار للدين كثيرة جدا ً منها على سبيل‬
‫المثال‪ :‬الماسونية‪ ،‬العالمية أو النسانية‪ ،‬الصهيونية‪ ،‬الروحيون‪ ،‬الشيوعيون‪،‬‬
‫الروتاري‪ ،‬السود )الليونز(‪ ،‬التسلح الخلفي‪ ،‬شهود يهوه‪ ،‬التنصير‪ ،‬التغريب‪،‬‬
‫العلمانية‪ ،‬النظام العالمي الجديد‪ ،‬والدعوات القومية والوطنية عمومًا‪.‬‬
‫دامة؛ لنها تهز بعنف‬
‫"والدعوات المبنية على هذا التصور كلها دعوات ه ّ‬
‫عوامل التجمع والتآلف التي تقوم عليها المجتمعات البشرية‪ ,‬ثم تعجز أن‬
‫تقيم بدل ً منها عوامل أخرى للتجمع وأساليب أخرى للتعاون والتآلف ينتظم‬
‫بها العمران‪ ,‬فهي تشكك الناس في ولئهم الديني والوطني‪ ,‬وتفقدهم ثقتهم‬
‫في كل قوانينهم ومؤسساتهم‪ ,‬ثم تتركهم في الفوضى والقلقلة‪ ,‬وسط‬
‫أنقاض ما هدمت من عقائد وما قطعت من وشائج" ]‪.[28‬‬
‫مخالفات الدعوة إلى توحيد الديان أو التقريب بينها للسلم‪:‬‬
‫الدعوة إلى توحيد الديان أو الترتيب بينها أو محاورة أصحابها للعيش معهم‬
‫في أمن وسلم وطمأنينة واحترام تصطدم مع السلم وتتعارض معه تعارضا ً‬
‫بينا ً واضحًا‪.‬‬
‫ومن أبرز مخالفاتها للسلم وأشدها خطرا ً على المنادين بها والداعين إليها‪,‬‬
‫وعلى من وافقهم في ذلك‪ ,‬إنها تقوم على ناقضين من نواقض السلم ]‪[29‬‬
‫ومبطلته‪ ,‬هذا بجانب مخالفات أخرى شديد خطرها على عقيدة المسلم‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والناقضان هما‪:‬‬
‫فر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر‪.‬‬ ‫أن من لم يك ّ‬
‫أن من تولى الكفار وتعاون معهم وظاهرهم على المسلمين كفر‪.‬‬
‫وسنتحدث بشيء من التفصيل عن هذين الناقضين‪ ,‬ونبين الصلة الوثيقة بين‬
‫الدعوة إلى توحيد الديان وجمعها في دين واحد وبينها‪ ,‬ثم نردف ذلك إن شاء‬
‫الله بالمخالفات الخرى‪.‬‬
‫حح مذهبهم‬ ‫فر المشركين أوشك في كفرهم أو ص ّ‬ ‫المخالفة الولى‪ :‬من لم يك ّ‬
‫فقد كفر‪:‬‬
‫السلم هو الحق المحض فماذا بعد الحق إل الضلل؟ قال تعالى‪) :‬فذلكم‬
‫الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إل الضلل فأنى تصرفون( ]سورة يونس‪:‬‬
‫‪ .[32‬جاء في تفسيرها‪" :‬ظاهر هذه الية يدل على أن ما بعد الله هو الضلل‬
‫لن أولها )فذلكم الله ربكم الحق(‪ ،‬وآخرها )فماذا بعد الحق إل ّ الضلل( فهذا‬
‫في اليمان والكفر" ]‪.[31‬‬
‫وقال القرطبي‪" :‬وقال علماؤنا‪ :‬حكمت هذه الية بأنه ليس بين الحق‬
‫والباطل منزلة ثالثة في هذه المسألة التي هي توحيد الله تعالى"‪.‬‬
‫وقال تعالى‪):‬وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا( ]سورة‬
‫السراء‪ .[81 :‬جاء في تفسيرها‪ :‬السلم‪ ،‬وقيل القرآن‪ ،‬قاله مجاهد بن جبر‪،‬‬
‫والصواب تعميم اللفظ بالغاية الممكنة فيكون التفسير‪ :‬جاء الشرع بجميع ما‬
‫انطوى فيه )وزهق الباطل( بطل الباطل" ]‪.[32‬‬
‫وقال تعالى‪) :‬ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل(‬
‫]سورة الحج‪.[26 :‬‬
‫وقال لبيد‪:‬‬
‫أل كل شيء ما خل الله باطل‬
‫ووصف رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله بأنه هو حق وصدق فالسلم‬
‫هو الحق والله هو الحق وما سواه باطل يجب الكفر به وإنكاره‪.‬‬
‫فر اليهود والنصارى والمجوس وعباد الوثان والملحدة وغيرهم أو‬ ‫والذي ل يك ّ‬
‫يشك في كفرهم أو يصحح مذاهبهم أو مذاهب بعضهم فقد شك في القرآن‬
‫وشك في صدق الله ورسوله‪ ,‬وذلك أن لله تعالى حكم وحكم رسوله صلى‬
‫الله عليه وسلم بأن ما سوى السلم باطل محض‪.‬‬
‫فكفر اليهود والنصارى والمشركين عامة شهد به القرآن‪ ،‬ونطقت به السنة‪،‬‬
‫وأجمعت عليه المة‪ ،‬مع كل ذلك نجد بعض الناس في هذا العصر الذي كُثرت‬
‫م فيه الجهل‪ ,‬وتفشت فيه البدعة يزعم‬ ‫ظمت فيه البليا‪ ,‬وع ّ‬ ‫فيه الرزايا‪ ,‬وع ُ‬
‫أن اليهود والنصارى مؤمنون‪ ,‬ويدعو إلى قيام جبهة عريضة وحزب واسع‬
‫يضم أتباع كل الديان على أساس الملة البراهيمية يسمى الحزب‬
‫البراهيمي!!‬
‫جاء في تفسير قوله تعالى‪) :‬أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في‬
‫السموات والرض طوعا ً وكرها ً وإليه يرجعون( ]سورة آل عمران‪" .[83 :‬أن‬
‫كعب بن الشرف وأصحابه ]‪ [33‬اختصموا مع النصارى إلى النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم كل الفريقين برئ من دينه‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما نرضى بقضائك ول نأخذ‬
‫بدينك‪ ،‬فنزلت )أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والرض(‬
‫يعنى يطلبون" ]‪.[34‬‬
‫قال المام ابن حزم رحمه الله وهو يتكلم عن النصارى وقد جمع بينهم وبين‬
‫المجوس لتعدد اللهة عند جميعهم بل المجوس لهم إلهان أحدهما يخلق‬
‫الخير والثاني يخلق الشر أما النصارى فلهم ثلثة "النصارى وإن كانوا أهل‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كتاب‪ ,‬ويقرون بنبوة بعض النبياء عليهم السلم فإن جماهيرهم وفرقهم ل‬
‫قرون بالتوحيد مجردًا‪ ,‬بل يقولون بالتثليث‪ ،‬والمجوس أيضا ً وإن كانوا أهل‬
‫يُ ِ‬
‫كتاب ]‪ [35‬ل يقرون ببعض النبياء عليهم السلم ولكّنا أدخلناهم في هذا‬
‫المكان لقولهم بفاعلين لم يزال فالنصارى أحق منهم بالدخال ]‪ [36‬هاهنا‬
‫لنهم يقولون بثلثة ]‪ [37‬لم يزالوا" ]‪.[38‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫وقال ابن القيم وهو يتكلم عن المتناقضات في النجيل‪" :‬وأما النجيل فهي‬
‫أربعة أناجيل ُأخذت عن أربعة نفر اثنان منهم لم يريا المسيح أصل ً ‪ ,‬واثنان‬
‫رأياه واجتمعا به وهما متى ويوحنا‪ ,‬وكل منهم يزيد وينقص ويخالف إنجيله‬
‫إنجيل أصحابه في أشياء‪ ,‬وفيها ذكر القول ونقيضه" ]‪.[39‬‬
‫شبه دعاة توحيد الديان في هذا العصر!! ‪:‬‬
‫وسنعرض في هذه الصفحات لهم الشبه التي ذكروها أو تلك التي يمكن أن‬
‫ن لهم فنقول وبالله التوفيق‪:‬‬ ‫تعِ ّ‬
‫قوله تعالى‪) :‬لكم دينكم ولي دين( ]سورة الكافرون‪:[6 :‬‬
‫ربما يفهم البعض من هذه الية إقرار أهل الديان المخالفة للسلم على‬
‫دينهم فهل هذا حقا ً هو المراد من الية؟ أم أن الية نسخت باليات التي‬
‫أمرت بقتال الكفار؟ أم إنها محكمة باقية الحكم ل نسخ فيها ول تخصيص‬
‫لهل الكتاب؟‬
‫دعونا نستمع إلى العلمة ابن القيم رحمه الله يّبين لنا المراد من ذلك‪ ,‬قال‬
‫رحمه الله في تفسير سورة الكافرون‪" :‬قوله )لكم دينكم( مطابق لهذا‬
‫المعنى‪ :‬أي ل أشارككم في دينكم ول أوافقكم عليه بل هو دين تختصون أنتم‬
‫به ل أشرككم فيه أبدا ً فطابق آخر السورة أولها فتأمله‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬وأما المسألة الحادية عشرة وهي أن هذه الخبار بأن لهم دينهم وله‬
‫دينه‪ ,‬هل هو إقرار فيكون منسوخا ً أو مخصوصًا؟ أو ل نسخ في الية ول‬
‫تخصيص؟ فهذه مسألة شريفة من أهم المسائل المذكورة وقد غلط في‬
‫السورة خلئق وظنوا أنها منسوخة بآية السيف لعتقادهم أن هذه الية‬
‫اقتضت التقرير لهم على دينهم‪ ،‬وظن آخرون أنها مخصوصة بمن يقرون على‬
‫دينهم وهم أهل الكتاب‪ ،‬وكل القولين غلط محض فل نسخ في السورة ول‬
‫تخصيص‪ ،‬بل هي محكمة عمومها نص‪ ،‬وهي من السور التي يستحيل دخول‬
‫النسخ في مضمونها فإن أحكام التوحيد الذي اتفقت عليه دعوة الرسل‬
‫يستحيل دخول النسخ فيه وهذه السورة أخلصت التوحيد‪ ,‬ولهذا تسمى سورة‬
‫الخلص كما تقدم‪ ،‬ومنشأ الغلط ظّنهم أن الية اقتضت إقرارهم على دينهم‬
‫ثم رأوا أن هذا القرار زال بالسيف‪ ,‬فقالوا‪ :‬منسوخ وقالت طائفة‪ :‬زال عن‬
‫بعض الكفار‪ ،‬وهم من ل كتاب لهم فقالوا هذا مخصوص‪ ,‬ومعاذ الله أن تكون‬
‫الية اقتضت تقريرا ً لهم أو إقرارا ً على دينهم أبدا ً بل لم يزل رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم في أول المر وأشده عليه وعلى أصحابه أشد على‬
‫النكار عليهم تعييب دينهم وتقبيحه والنهي عنه والتهديد والوعيد كل وقت‬
‫وفي كل ناد‪ ،‬وقد سألوه أن يكف عن ذكر آلهتهم وعيب دينهم ويتركوه‬
‫وشأنه‪ ,‬فأبى إل ّ مضيا ً على النكار عليهم وعيب دينهم‪ ،‬فكيف يقال إن الية‬
‫اقتضت تقريره لهم؟ معاذ الله من هذا الزعم الباطل وإنما الية اقتضت‬
‫البراءة المحضة كما تقدم وأن ما هم عليه من الدين ل نوافقهم عليه أبدا؛ً‬
‫فإنه دين باطل فهو مختص بكم ل نشرككم فيه ول أنتم تشركوننا في ديننا‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحق‪ ،‬فهذه غاية البراءة والتنصل من موافقتهم في دينهم‪ ،‬فأين القرار حتى‬
‫يدعى النسخ أو التخصيص؟ أترى إذا جوهدوا بالسيف كما جوهدوا بالحجة ل‬
‫يصح أن يقال لكم دينكم ولي دين؟ بل هذه آية قائمة محكمة ثابتة بين‬
‫المؤمنين والكافرين إلى أن ُيطِهر الله منهم عباده وبلده‪ ,‬وكذلك حكم هذه‬
‫البراءة بين أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم أهل سنته وبين أهل البدع‬
‫المخالفين لما جاء به‪ ،‬الداعين إلى غير سنته إذا قال لهم خلفاء الرسول‬
‫وورثته لكم دينكم ولنا ديننا ل يقتضي إقرارهم على بدعتهم بل يقولون لهم‬
‫هذه براءة منهم وهم مع هذا منتصبون للرد عليهم ولجهادهم بحسب‬
‫المكان" ]‪.[40‬‬
‫نريد أن نوحدهم على أصول الملة البراهيمية )!!(‪:‬‬
‫هذا هو ما قاله د‪ .‬الترابي إنه يريد أن يوحد جميع الديان التي هي على أصول‬
‫الملة البراهيمية‪.‬‬
‫وقبل الخوض في هذه المسالة لبد ّ من التأكيد على أن إبراهيم علية السلم‬
‫لم يكن يهوديا ً ول نصرانيا ً كما أخبرنا الله عز وجل )ما كان إبراهيم يهوديا ً ول‬
‫نصرانيا ً ولكن كان حنيفا ً مسلمًا( ]سورة آل عمران‪.[67 :‬‬
‫ن اليهود والنصارى الحاليين ليسوا على مّلة إبراهيم بل هم ممن‬ ‫ومن ثم فا ّ‬
‫سفه نفسه لنهم رغبوا عن مّلة إبراهيم )ومن يرغب عن مّلة إبراهيم إل ّ من‬
‫سفه نفسه( ]سورة البقرة‪.[130 :‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله‪" :‬وإذا كان كذلك فاليهود والنصارى‬
‫ليسوا على مّلة إبراهيم‪ ,‬وإذا لم يكونوا على مّلة إبراهيم فإن من عبد إله‬
‫إبراهيم كان على مّلته قال تعالى‪) :‬وقالوا كونوا هودا ً أو نصارى تهتدوا قل بل‬
‫مّلة إبراهيم حنيفا ً وما كان من المشركين قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما‬
‫أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط وما أوتي موسى‬
‫وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون‬
‫فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق‬
‫فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم( ]سورة البقرة‪ .[136/137:‬فقوله‪) :‬قل‬
‫بل مّلة إبراهيم( يبين أن ما عليه اليهود والنصارى ينافي مّلة إبراهيم‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫قوله تعالى‪) :‬ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء‬
‫الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الخر ويأمرون بالمعروف وينهون‬
‫عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين‪ ,‬وما يفعلوا من‬
‫خير فلن ُيكفروه والله عليم بالمتقين( ]سورة آل عمران‪:[113 :‬‬
‫من اليات التي يستدلون بها على جواز التقارب مع اليهود والنصارى هذه‬
‫الية‪ ,‬حيث ينزلونها على أهل الكتاب الحاليين‪ .‬والية ليس لها علقة بأهل‬
‫الكتاب الحاليين‪ ,‬وإنما هي خاصة بأولئك الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ,‬كعبد الله بن سلم وغيره من الصحابة الذين كانوا يهودا ً فأسلموا‬
‫وحسن إسلمهم‪ ,‬و)ليسوا سواء( معناها ليس أهل الكتاب وأمه محمد صلى‬
‫م الكلم واسُتؤنف بعد ذلك من أهل الكتاب وهم‬ ‫مت ّ‬‫الله عليه وسلم سواء‪ ,‬ث ّ‬
‫الذين اتبعوا محمدا ً صلى الله عليه وسلم وآمنوا به وصدقوه‪.‬‬
‫م الكلم والمعنى ليس‬ ‫قال المام القرطبي رحمه الله‪)" :‬ليسوا سواء( وت ّ‬
‫أهل الكتاب وأمة محمد صلى الله عليه وسلم سواء‪.‬‬
‫وذكر أبو خيثمة زهير بن حرب حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا شيبان عن‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خر رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫عاصم عن زر عن ابن مسعود قال‪ :‬أ ّ‬
‫ليلة صلة العشاء‪ ,‬ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلة فقال‪:‬‬
‫)إنه ليس من أهل الديان أحد يذكر الله تعالى في هذه الساعة غيركم(‪،‬قال‪:‬‬
‫وأنزلت هذه الية)ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة( إلى قوله‪) :‬والله‬
‫عليم بالمتقين(‪ ،‬وروى ابن وهب مثله‪.‬‬
‫وقال ابن عباس‪ :‬قول الله عز وجل‪) :‬من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات‬
‫الله آناء الليل وهم يسجدون( من آمن مع النبي صلى الله عليه وسلم وقال‬
‫ابن إسحاق‪ :‬لما أسلم عبد الله بن سلم وثعلبة بن شعبة وأسيد بن عبيد‪,‬‬
‫ومن أسلم من يهود‪ ,‬فآمنوا وصدقوا ورغبوا في السلم ورسخوا فيه قالت‬
‫أحبار يهود وأهل الكفر منهم‪ :‬ما آمن بمحمد ول تبعه إل ّ شرارنا‪ ,‬فأنزل الله‬
‫عز وجل في ذلك من قولهم‪) :‬ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون‬
‫آيات الله آناء الليل وهم يسجدون( إلى قوله‪) :‬وأولئك من الصالحين( ]‪.[41‬‬
‫قوله تعالى‪) :‬ل إكراه في الدين( ]سورة البقرة‪:[256 :‬‬
‫يقول د‪ .‬الترابي في محاضرته التي ألقاها في مؤتمر التقارب الديني السابق‪:‬‬
‫"ولقد جاءت الرسالة المحمدية بالمبادئ الخالدة أل ّ إكراه في الدين ل إكراه‬
‫في الدين قد تبين الرشد من الغي"‪ .‬والعصرانيون يستدلون بهذه الية‬
‫لبطال أمرين هامين هما‪:‬‬
‫]‪ [1‬جهاد الطلب‪ :‬وهو أن يجاهد المسلمون الكفار طالبين منهم الدخول في‬
‫السلم‪.‬‬
‫]‪ [2‬إقامة حد ّ الردة‪ :‬فهم ل يرون إقامته إل ّ إذا كان المرتد محاربا ً شاكا ً‬
‫للسلح‪ ,‬أما الردة الفكرية البحتة‪ ,‬كما يقول الترابي‪ ,‬فل حد ّ فيها‪.‬‬
‫يقول راشد الغنوشي في حوار له مع مجلة الشراع اللبنانية في رده على‬
‫سؤال‪ :‬ماذا بالنسبة للردة؟ "إن الردة ل تقام عليها الحدود‪ ,‬والحساب عليها‬
‫يكون في الخرة‪ ...‬وأبو بكر الصديق رضي الله عنه حين حارب المرتدين‬
‫فعل ذلك لنقلبهم السياسي على المام وليس لموقفهم العقائدي" ]‪.[42‬‬
‫لقاتلن من‬ ‫قلت‪ :‬هذا من المغالطات المردودة فأبو بكر هو القائل‪" :‬والله ُ‬
‫فرق بين الصلة والزكاة"‪" ...‬والله لو منعوني عقال ً كانوا يؤدونه لرسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه"‪.‬‬
‫فلنرجع إلى المراد من قوله تعالى‪) :‬ل إكراه في الدين( فقد وردت فيها‬
‫أقوال ستة‪:‬‬
‫]‪ [1‬إنها منسوخة بآية القتال‪.‬‬
‫]‪ [2‬ليست منسوخة وإنما هي خاصة بأهل الكتاب إذا دفعوا الجزية عن يد‬
‫وهم صاغرون‪ ,‬أما أهل الوثان فيكرهون على الدخول في السلم‪.‬‬
‫]‪ [3‬إنها نزلت في النصار أي ل علقة لها بأهل الكتاب‪.‬‬
‫]‪ [4‬إنها نزلت في رجل من النصار بعينه‪.‬‬
‫]‪ [5‬إنها نزلت في النهي عن أن تقول لمن أسلم تحت السيف مكرها‪ً.‬‬
‫]‪ [6‬إنها نزلت في السبي من أهل الكتاب إذا كانوا كبارًا‪.‬‬
‫وأقرب هذه القوال للصواب الثلثة الول وقد قال به ابن مسعود وكثير من‬
‫المفسرين‪.‬‬
‫قال المام القرطبي رحمه الله‪" :‬اختلف العلماء في معنى هذه الية على‬
‫ستة أقوال‪:‬‬
‫الول‪ :‬قيل إنها منسوخة لن النبي صلى الله عليه وسلم قد أكره العرب‬
‫على دين السلم وقاتلهم ولم يرض منهم إل بالسلم قاله سليمان بن‬
‫موسى قال نسختها‪) :‬يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين( وروي هذا عن‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ابن مسعود وكثير من المفسرين‪.‬‬


‫الثاني‪ :‬ليست منسوخة وإنما نزلت في أهل الكتاب خاصة وأنهم ل يكرهون‬
‫على السلم إذا أدوا الجزية والذين يكرهون أهل الوثان فل يقبل منهم إل ّ‬
‫السلم فهم الذين نزل فيهم‪) :‬يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين( هذا قول‬
‫الشعبي وقتادة والحسن والضحاك‪ ,‬والحجة لهذا القول ما رواه زيد بن أسلم‬
‫عن أبيه قال‪ :‬سمعت عمر بن الخطاب يقول لعجوز نصرانية‪ :‬أسلمي تسلمي‬
‫ي ! فقال‬ ‫أن الله بعث محمدا ً بالحق قالت‪ :‬أنا عجوز كبيرة والموت أقرب إل ّ‬
‫عمر‪ :‬اللهم أشهد وتل‪ ) :‬ل إكراه في الدين(‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫الثالث‪ :‬ما رواه أبو داود عن ابن عباس قال‪ :‬نزلت هذه الية في النصار‬
‫وده‪ ,‬فلما‬ ‫كانت تكون المرأة مقلة ً فتجعل على نفسها أن عاش لها ولد أن ته ّ‬
‫أجليت بنو النضير كان فيهم كثير من أبناء النصار فقالوا ل ندع أبناءنا فأنزل‬
‫الله تعالى‪) :‬ل إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي( قال أبو داود‪:‬‬
‫المقلة التي ل يعش لها ولد‪ ,‬وفي رواية‪ :‬إنما فعلنا ما فعلنا ونحن نرى دينهم‬
‫أفضل مما نحن عليه أما إذا جاء الله بالسلم فنكرههم عليه؛ فنزلت‪) :‬ل‬
‫إكراه في الدين( من شاء التحق بهم ومن شاء دخل في السلم وهذا قول‬
‫سعيد بن جبير والشعبي ومجاهد‪ ،‬إل أنه قال‪ :‬كان سبب وجودهم في بني‬
‫النضير السترضاع قال النحاس‪ :‬قول ابن عباس في هذه اليات أولى‬
‫القوال لصحة السند وأن مثله ل يؤخذ بالرأي" ]‪.[43‬‬
‫وقال ابن عطية رحمه الله في تفسير هذه الية‪" :‬الدين في هذه الية‬
‫المعتقد والمّلة بقرينة قوله‪) :‬قد تبين الرشد من الغي( والكراه الذي في‬
‫الحكام من اليمان والبيع والهبات وغير ذلك ليس هذا موضعه وإنما يجئ في‬
‫تفسير قوله تعالى‪) :‬إل ّ من ُأكره وقلبه مطمئن باليمان( فإذا تقرر أن الكراه‬
‫المنفي هذا هو تفسير المعتقد من الملل والنحل‪ ,‬فاختلف الناس في معنى‬
‫الية‪ ,‬فقال الزهري‪ :‬سألت زيد بن أسلم عن قوله تعالى‪) :‬ل إكراه في‬
‫الدين( فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين ل يكره‬
‫أحدا ً في الدين فأبى المشركون إل ّ أن يقاتلوهم فاستأذن الله في قتالهم‬
‫فأذن له قال الطبري‪ :‬والية منسوخة في هذا القول‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويلزم على هذا أن الية مكية وأنها من آيات الموادعة التي نسختها آية‬
‫السيف‪.‬‬
‫وقال قتادة والضحاك بن مزاحم‪ :‬هذه الية محكمة خاصة في أهل الكتاب‬
‫الذين يبذلون الجزية ويؤدونها عن يد صاغرة قال‪ُ :‬أمر رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أن يقاتل العرب أهل الوثان ل يقبل منهم إل ّ ل اله إل الله أو‬
‫السيف‪ ,‬ثم ُأمر فيمن سواهم أن يقبل الجزية ونزلت فيهم )ل إكراه في‬
‫الدين(" ]‪.[44‬‬
‫قلت‪ :‬غاية ما تفيده الية أن أهل الكتاب إذا دفعوا الجزية عن يد وصغار‬
‫تركوا على دينهم هذا إن لم يكونوا محاربين للسلم والمسلمين أما إن كانوا‬
‫محاربين للسلم معاندين لهله فل يقبل منهم إل ّ القتال‪.‬‬
‫قوله تعالى‪) :‬ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك‬
‫بأن منهم قسيسين ورهبانا ً وأنهم ل يستكبرون‪ ,‬وإذا سمعوا ما أنزل إلي‬
‫الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا‬
‫فاكتبنا مع الشاهدين‪ .‬وما لنا ل نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين‪ .‬فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها‬
‫النهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين( ]سورة المائدة‪:[85-82 :‬‬
‫يستدل د‪ .‬الترابي وغيره من المنادين بوحدة الديان وبقيام الحزب‬
‫البراهيمي الذي يؤلف بين اليهود والنصارى والمسلمين بقوله تعالى‪:‬‬
‫)ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم‬
‫قسيسين ورهبانا ً وأنهم ل يستكبرون( ول يصلون بينها وبين اليات التي تليها‬
‫زعما ً منهم أن هذا الوصف ينطبق على نصارى اليوم بينما نجد أن هذه اليات‬
‫نزلت في النجاشي وأصحابه رضي الله عنهم حينما آمنوا بمحمد صلى الله‬
‫عليه وسلم وصدقوه وآووا أصحابه وحافظوا عليهم عندما هاجروا إليهم‪.‬‬
‫قال المام القرطبي رحمه الله‪" :‬وهذه الية نزلت في النجاشي وأصحابه لما‬
‫قدم المسلمون عليهم في الهجرة الولى حسب ما هو مشهور في سيرة ابن‬
‫إسحاق وغيره خوفا ً من المشركين وفتنتهم وكانوا ذوي عدد ثم هاجر رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم إلي المدينة بعد ذلك‪ .‬فلم يقدروا على الوصول‬
‫إليه‪ ,‬حالت بينهم وبين رسول صلى الله عليه وسلم الحرب فلما كانت وقعة‬
‫بدر وقتل الله فيها صناديد الكفار‪ ,‬قال كفار قريش‪ :‬إن ثأركم بأرض الحبشة‪,‬‬
‫فأهدوا إلي النجاشي وابعثوا إليه برجلين من ذوي رأيكم لعله يعطيكم من‬
‫عنده فتقتلونهم بمن قتل منكم ببدر‪ ,‬فبعث كفار قريش عمرو بن العاص‬
‫وعبد الله بن أبى ربيعة بهدايا‪ ,‬فسمع النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فبعث‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري وكتب معه إلي‬
‫النجاشي فقدم على النجاشي فقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ثم دعا جعفر بن أبى طالب والمهاجرين وأرسل إلي الرهبان والقسيسين‬
‫فجمعهم ثم أمر جعفر أن يقرأ عليهم القرآن‪ ,‬فقرأ سورة مريم‪ ,‬فقاموا‬
‫ن أقربهم مودة‬‫تفيض أعينهم من الدمع فهم الذين أنزل الله فيهم )ولتجد ّ‬
‫للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى‪( ...‬وقرأ إلي )الشاهدين( ]رواه أبو داود["‪.‬‬
‫قوله تعالى‪) :‬إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن منهم‬
‫بالله واليوم الخر وعمل صالحا ً فلهم أجرهم عند ربهم ول خوف عليهم ول‬
‫هم يحزنون( ]سورة البقرة‪:[62 :‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫هذه الية الكريمة هي كذلك من اليات التي يستدل بها دعاة وحدة الديان‬
‫والمنادون بقيام حلف مع الكفار اليهود والنصارى الحاليين‪ ,‬متوهمين أن‬
‫الجميع سواء مؤمنون بالله واليوم الخر ويعملون الصالحات‪.‬‬
‫قال المام القرطبي في تفسير هذه الية‪)" :‬إن الذين آمنوا( صدقوا بمحمد‬
‫صلى الله عليه وسلم قال سفيان‪ :‬المراد المنافقون كأنه قال‪ :‬الذين آمنوا‬
‫في ظاهر أمرهم فلذلك قرنهم باليهود والنصارى والصابئين ]‪ [45‬ثم بين‬
‫حكم من آمن بالله واليوم الخر من الجميع‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬لم جمع الضمير في قوله‪) :‬لهم أجرهم( وآمن لفظ مفرد‬
‫ليس بجمع وإنما كان يستقيم لو قال له أجره؟‬
‫من" يقع على الواحد والتثنية والجمع فجائز أن يرجع الضمير‬ ‫فالجواب أن" َ‬
‫مفردا ً ومثنى ومجموعا قال الله تعالى‪) :‬ومنهم من يستمعون إليك( على‬
‫ً‬
‫المعنى ومنهم من يستمع إليك على اللفظ‪.‬‬
‫روى عن ابن عباس أن قوله‪) :‬إن الذين آمنوا والذين هادوا( الية‪ ,..‬منسوخ‬
‫بقوله تعالى‪ ) :‬ومن يبتغ غير السلم دينا ً فلن يقبل منه( وقال غيره‪ :‬ليست‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بمنسوخة وهي فيمن ثبت على إيمانه من المؤمنين بالنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم" ]‪.[46‬‬
‫قوله تعالى‪) :‬ل ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم‬
‫من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين( ]سورة‬
‫الممتحنة‪.[8 :‬‬
‫وهذه الية الكريمة من اليات التي يستدل دعاة وحدة الديان بها وهي بريئة‬
‫من دعوتهم تلك‪ .‬إذ غاية ما تأمر به الية الحسان إلي الضعفة والنساء الذين‬
‫يعيشون في الدولة السلمية ذات السيادة والقوة‪.‬‬
‫والمسلم مأمور بالعدل مع المسلمين وغير المسلمين‪ ,‬ومأمور كذلك‬
‫بالحسان والرفق بالجميع كل ذلك شريطة سلمة الداخل أي عدم الميل‬
‫بالقلب إليهم‪.‬‬
‫وقد وردت أقوال في المراد بهذه الية هي ]‪ :[47‬إنها منسوخة بقوله تعالى‪:‬‬
‫)فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم(‪ ،‬أو إنها كانت في أهل الصلح ولما‬
‫فتحت مكة انتهى العمل بها‪ ،‬أو إنها خاصة بأصحاب العهود حتى ينتهي‬
‫عهدهم‪ ،‬أو إنها خاصة بالعجزة والضعفة من النساء والصبيان‪ ،‬أو إنها خاصة‬
‫بضعفة المسلمين الذين لم يتمكنوا من الهجرة من مكة‪ ،‬أو إنها محكمة‪,‬‬
‫وهي خاصة بالضعفة والعجزة إلي يوم القيامة‪ ,‬وهذا هو القرب‪.‬‬
‫قال المام القرطبي‪" :‬هذه الية رخصة من الله تعالى في صلة الذين لم‬
‫يعادوا المؤمنين ولم يقاتلوهم"‪ ،‬ثم قال‪" :‬وقال أكثر أهل التأويل هي محكمة‬
‫صل‬
‫واحتجوا بأن أسماء بنت أبى بكر سألت النبي صلى الله عليه وسلم هل ت َ ِ‬
‫أمها حيت قدمت عليها مشركة؟ قال‪) :‬نعم( ]أخرجه البخاري ومسلم[‪ ,‬وقيل‬
‫إن الية فيها نزلت‪ ,‬روى عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه‪ :‬أن أبا ?‬

‫)‪(10 /‬‬

‫________________________________________‬
‫التقارب الديني خطره‪ ,‬أسبابه‪ ,‬دعاته‬
‫رئيسي ‪:‬فكر ‪:‬الربعاء ‪ 3‬صفر ‪1425‬هـ ‪ 24 -‬مارس ‪2004‬م‬
‫م‪]...‬‬ ‫ّ‬
‫ملت َهُ ْ‬‫حّتى ت َت ّب ِعَ ِ‬ ‫صاَرى َ‬ ‫ك ال ْي َُهود ُ وََل الن ّ َ‬ ‫ضى عَن ْ َ‬ ‫ن ت َْر َ‬ ‫الحمد لله القائل‪}:‬وَل َ ْ‬
‫ذرنا من اتخاذ‬ ‫‪]{[120‬سورة البقرة[‪ .‬وصلى الله وسلم على محمد‪ ،‬الذي ح ّ‬
‫س‬‫ن الّنا ِ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫عا ي َن ْت َزِعُ ُ‬
‫م ان ْت َِزا ً‬‫ض ال ْعِل ْ َ‬ ‫قب ِ ُ‬ ‫ه َل ي َ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫جّهال‪ ,‬فقال‪] :‬إ ِ ّ‬ ‫الرؤوس ال ُ‬
‫سا‬‫ً‬ ‫ءو‬
‫ُ‬ ‫ر‬ ‫س‬
‫ّ ُ ُ‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬ ‫ت‬‫ا‬ ‫ما‬
‫َ ِ ً ّ َ‬ ‫ل‬‫عا‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ر‬ ‫ت‬
‫ْ َُْ‬‫ي‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫إ‬ ‫تى‬
‫َ ّ َِ‬ ‫ح‬ ‫ِ‬ ‫ء‬‫ما‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ض ِ َ ِ ْ ِ ُ َ‬
‫ل‬ ‫ع‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ض‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫ب‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫قب ِ ُ‬
‫ن يَ ْ‬‫وَل َك ِ ْ‬
‫ضّلوا[رواه البخاري ومسلم ‪ .‬أما‬ ‫َ‬
‫ضّلوا وَأ َ‬ ‫عل ْم ٍ فَ َ‬ ‫وا ب ِغَي ْرِ ِ‬‫سئ ُِلوا فَأفْت َ ْ‬ ‫جّهاًل فَ ُ‬ ‫ُ‬
‫بعد‪،،،‬‬
‫مت بها البلوى في هذا العصر وأخطرها تلك الدعوة‬ ‫فإن من المور التي ع ّ‬
‫التي رفعها بعض المنهزمين بإيعاز من المستشرقين في أواخر القرن‬
‫الميلدي الماضي‪ ,‬وقد جاراهم فيها بعض الصلحاء المستغفلين من الدعاة‪,‬‬
‫أل وهي ]دعوى التقارب الديني[‪ ،‬أو ]وحدة الديان[‪ ،‬أو الدعوة إلى ]الحزب‬
‫البراهيمي[‪ ،‬أو جمع أهل الديان السماوية على ]الملة البراهيمية[‪ ،‬ونحو‬
‫ذلك من هذا الُهراء‪.‬‬
‫ً‬
‫لقد لقت هذه الدعوة في الونة الخيرة رواجا‪ ,‬حيث عقدت مؤتمرات‬
‫وندوات لمناقشة كيفية التوصل إلى دين عالمي جديد‪ ،‬يجعل الناس ‪ -‬كل‬
‫ة في البلد الواحد‪ ,‬دون أدنى اعتباٍر‬ ‫الناس ‪ -‬يعيشون في وئام وسلم‪ ،‬خاص ً‬
‫لدينهم وتراثهم وثقافتهم‪ ,‬فـ'الدين لله‪ ,‬والوطن للجميع‪ ،‬وما لله لله وما‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لقيصر لقيصر'!!‬
‫هذا الدين العالمي الجديد يوالي فيه المسلم أخاه النصراني واليهودي‬
‫والمجوسي والوثني!!! إذ جميعهم من آدم وحواء عليهما السلم!!‬
‫لسباب الحقيقة‬ ‫وهذا بحث تكّلم عن تاريخ هذه الدعوة‪ :‬عن ب َط ََلتها‪ ,‬وعن ا ٍ‬
‫للقيام بها‪ ,‬وعن مخالفتها الصريحة البينة الواضحة لما جاء به الرسول محمد‬
‫واٍء ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫س َ‬‫مةٍ َ‬ ‫وا إ َِلى ك َل ِ َ‬
‫ب ت ََعال َ ْ‬‫ل ال ْك َِتا ِ‬‫ل َيا أ َهْ َ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ }:‬قُ ْ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه وََل ن ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن الل ِ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬‫ضا أْرَباًبا ِ‬ ‫ضَنا ب َعْ ً‬ ‫شي ًْئا وَل ي َت ّ ِ‬
‫خذ َ ب َعْ ُ‬ ‫ك ب ِهِ َ‬‫شرِ َ‬ ‫أّل ن َعْب ُد َ إ ِّل الل ّ َ‬
‫َ‬ ‫قوُلوا ا ْ‬
‫ن]‪]{[64‬سورة آل عمران[‪ .‬كتبته‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬‫دوا ب ِأّنا ُ‬
‫شهَ ُ‬ ‫وا فَ ُ‬‫ن ت َوَل ّ ْ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫نصيحة لله ولرسوله‪ ،‬ولدينه‪ ،‬ولدعاة هذه الدعوة‪ ،‬ولعامة المسلمين‪ ,‬ليهلك‬
‫ي عن بينة‪.‬‬ ‫من هلك عن بينة‪ ،‬ويحي من ح ّ‬
‫‪ -1‬الغرض الساسي من الدعوة وحدة الديان أو التقارب الديني هو‪:‬‬
‫إبعاد السلم‪ ،‬وإقصاؤه عن الحياة‪ ,‬وإذابة معتقداته؛ ليعيش أصحاب الملل‬
‫المختلفة في البلد الواحد في محبة‪ ,‬وتزول عنهم الخلفات الدينية‪ ،‬ويختفي‬
‫منهم الولء الديني‪ ،‬ليصبح الولء للوطن الذي هو للجميع‪ ,‬فالدين لله والوطن‬
‫والجميع!!!‬
‫‪ -2‬متى ظهرت هذه الدعوة في العالم السلمي؟ ومن هم بطلتها؟‬
‫أول ما بدأت هذه الدعوة في الربع الخير من القرن الماضي‪ ,‬بإيعاز من‬
‫سس‪ ،‬فهي ثمرة من ثمار الغزو الفكري‪ ،‬والستعمار الوربي الذي‬ ‫ق ُ‬ ‫بعض ال ُ‬
‫جثم على صدر المة السلمية في ذلك الحين‪ ,‬ثم توالت الصيحات فيما بعد‪،‬‬
‫يقول الشيخ محمد محمد حسين رحمه الله ‪' :‬أما التوفيق بين الديان ‪-‬بين‬
‫المسيحية والسلم على وجه الخصوص ‪ -‬فقد بدأ في العصر الحديث باتفاق‬
‫قسيس إنجليزي اسمه ]إسحاق تيلور[ مع الشيخ محمد عبده وبعض صحبه‬
‫دينْين‪ .‬ثم ظهرت الدعوة‬ ‫في أثناء نفيه بدمشق ‪1883‬م على التوحيد بين ال ّ‬
‫من جديد في السنوات الخيرة حين قام جماعة من المعروفين بميولهم‬
‫الصهيونية بعقد مؤتمر للتأليف بين السلم والنصرانية في بيروت ‪1953‬م‪،‬‬
‫ثم في السكندرية ‪1954‬م‪ ،‬وقد كثرت القاويل في أهداف هذه الجماعة‪,‬‬
‫وفي مصادر تمويلها‪ ,‬وأصدر الحاج أمين الحسيني بيانا ً أثبت فيه صلة‬
‫القائمين على هذه الدعوة بالصهيونية العالمية']التجاهات الوطنية‪-2/319 :‬‬
‫‪.[320‬‬
‫‪ -3‬أبرز ب َط ََلة‪ -‬قال صلى الله عليه وسلم في مدح سورة البقرة‪ ] :‬وََل‬
‫ة[رواه مسلم‪ ،‬أي‪ :‬السحرة الباطلين ‪ -‬هذه الدعوة‪:‬‬ ‫طيعَُها ال ْب َط َل َ ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫خر للدعوة لتلك‬ ‫س ّ‬ ‫]‪ [1‬الشيخ محمد عبده ]‪[1905-1849‬م‪ :‬هو أول من ُ‬
‫الفكرة‪ ،‬كما وضح لنا من قبل ‪' :‬وقد يكون أخطر آثار محمد عبده التي تعد‬
‫ركيزة من ركائز العلمانية في العالم السلمي‪ :‬إضعاف مفهوم ]الولء‬
‫والبراء[‪ ،‬و]دار الحرب ودار السلم[؛ إذ كان الشيخ أعظم من اجترأ عليه من‬
‫المنتسبين للعلماء‪ ,‬ل بتعاونه مع الحكومة النجليزية الكافرة فحسب‪ ,‬ولكن‬
‫بدعوته الصريحة إلى موالة النجليز وغيرهم ‪ -‬بحجة الول التعاون مع الكافر‬
‫ليس محرما ً من كل وجه‪ -‬وبدعوته إلى التقريب بين الديان‪..‬حقيقة إن الرأي‬
‫العام السلمي قد ثار على بعض فتاوي الشيخ التي أباح بها موالة الكفار‪،‬‬
‫ولكن تأثيرها في المة ل شك فيه في تلك الفترة الحرجة التي تتميز بغبش‬
‫الرؤية واختلط المفهومات'] العلمانية لسفر الحوالي‪ ،‬ص ‪.[579-578‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [2‬الشيخ عبد الرحمن الكواكبي ]ت ‪1902‬م[‪ :‬دعا للعلمانية ون َب ْذِ الدين‬
‫ة‪ ,‬كما دعا للتعايش السلمي مع اليهود والنصارى‪ ،‬وترك الدين جانبا‪ً،‬‬ ‫صراح ً‬
‫وهو نفس ما يدعو إليه دعاة وحدة الديان الحاضرين‪.‬‬
‫]‪ [3‬الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي‪] ،‬ت ‪1873‬م[‪ :‬هو من الذين دعوا إلى‬
‫ذلك بكتاباتهم وفكرهم‪ ،‬بعد أن فعلت فيه الثقافة الغربية الفرنسية فعلها‪..‬‬
‫ولله در ابن خلدون حين قال‪' :‬والمغلوب مولع أبدا ً بالقتداء بالغالب في‬
‫شعاره‪ ،‬وزيه‪ ،‬وبخلقه‪ ،‬وسائر أحواله وعوائده'‪ .‬والسنوات الخمس التي‬
‫قضاها هذا الشيخ الزهري ]‪1831-1826‬هـ[ في باريس فعلت فيه الفاعيل‪،‬‬
‫جل المبعوثين‬ ‫وجعلته مسخا ً مشوها ً ل إلى هؤلء‪ ،‬ول إلى هؤلء‪ .‬وهذه حال ُ‬
‫أل ّ من رحم ربك ‪.‬‬
‫]‪ [4‬الشيخ أحمد لطفي السيد وطه حسين‪ :‬وهما من تلميذ محمد عبده‬
‫الوفياء‪ ،‬أكمل الشوط الذي كان قد بدأه في عملية التغريب والعلمنة‪ ،‬وإزالة‬
‫الحاجز بين المسلمين والكفار‪.‬‬
‫]‪ [5‬الشيخ علي عبد الرازق‪:‬وهو من الشخصيات الخطرة التي مهدت لقيام‬
‫هذه الدعوة ‪ ,‬إنه شيخ مفتون‪ ,‬ألف كتابا ً أسماه 'السلم وأصول الحكم'‪.‬‬
‫'جمع بين أسلوب المستشرقين في تحوير الفكرة‪ ،‬واقتطاع النصوص‪،‬‬
‫وتلفيق الواهيات‪ ،‬وبين طريقة الباطنية في التأويل البعيد‪ ,‬وسرد نبذا ً من‬
‫سير الطواغيت‪ ,‬ونتفا ً من أقوال متملقيهم وعمد إلى مغالطات عجيبة كل‬
‫ذلك ليدلل على أن السلم كالمسيحية المحرفة علقة روحية بين العبد‬
‫ت الشيخ أن يدلنا على أحد مراجعة‬ ‫ف ِ‬
‫والرب ل صلة لها بواقع الحياة‪ .‬ولم ي َ ُ‬
‫الرئيسية لنستكمل ما قد يكون فضيلته عجز عن بيانه ‪ ,‬فهو يقول في الكتاب‬
‫نفسه‪ ' :‬واذا أردت مزيدا ً في البحث فارجع إلى كتاب الخلفة للّعلمة]!![‬
‫السير تومس آرنلد ففي الباب الثاني والثالث منه بيان ممتع ومقنع'‪.‬‬
‫]‪ [6‬الدكتور محمد عمارة‪:‬هو كذلك من دعاة تجميع الخلق تحت دين جديد‬
‫واحد‪ ،‬يقول عنه جمال سلطان‪' :‬في نظره أن اليهود والنصارى اليوم‬
‫مؤمنون مسلمون موحدون ول يضرهم في شيء من إيمانهم تكذيبهم بنبوة‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم وبرسالته‪ ،‬فإذا ما وقف أهل الكتاب من أتباع‬
‫شرائع الرسل الذي سبقوا محمد صلى الله عليه وسلم عند التصديق برسالة‬
‫رسلهم‪ -‬وهل هم مصدقون برسالة رسلهم؟ لو صدقوا بها لمنوا ولكنهم‬
‫كافرون بالجميع ‪ ,-‬وأبوا التصديق برسالة محمد ونبوته مع توحيدهم ‪ -‬أي‬
‫توحيد هذا الذي يقول‪ :‬إن الله ثالث ثلثة؟ و أي طاعات يأتي بها اليهود‬
‫والنصارى‪ .‬سبحانك هذا إفك عظيم ‪-‬وعملهم الطاعات!! فإن هذا التوقف ل‬
‫يخرجهم عن إطار الدين الواحد‪ ,‬ول حظيرة التدين بالسلم‪ .‬فموقفهم هذا‬
‫هو انحراف! والفرق بين من يؤمن بمحمد وبكل الرسل وبين الذي يجحدون‬
‫بنبوة محمد ورسالته مع توحيدهم وعملهم الطاعات كمثل الفرق بين إيمان‬
‫المؤمن الخلي من البدع‪ ،‬وبين إيمان من تشوب البدع إيمانه'] انظر‪:‬محمد‬
‫عمارة – السلم والوحدة الوطنية ص ‪-50‬ص ‪.[82‬‬
‫]‪ [7‬الدكتور حسن حنفي‪ :‬يذهب الدكتور حنفي إلى أنه ليس هنالك دين في‬
‫ذاته بل هناك تراث يمكن تطويره وتطويعه حسب الظروف والملبسات‪:‬‬
‫'الول التراث القديم ل قيمة له في ذاته كغاية أو وسيلة‪ ,‬ول يحتوي على أي‬
‫عنصر من عناصر التقدم‪ ،‬وأنه جزء من تاريخ التخلف أو أحد مظاهره‪ ,‬وأن‬
‫الرتباط به نوع من التغريب ونقص في الشجاعة وتخل عن الموقف الجذري‬
‫ونسيان للبناء الجتماعي الذي هو إفراز منه‪ ,‬وفي حين أن الجديد علمي‬
‫وعالمي يمكن زرعه في كل بيئة'] د‪ .‬حسن حنفي –التراث والتجديد ص ‪22‬‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وانظر‪ :‬غزو من الداخل ص ‪ -66‬جمال سلطان[‪.‬‬


‫]‪ [8‬الدكتور حسن الترابي‪:‬من أبرز ب َط ََلة هذه الدعوة الدكتور حسن عبد الله‬
‫الترابي‪ .‬وواضح جدا ً أن المتولين لكبر هذه الدعوة هم على شاكلة واحدة‬
‫ومن نوع خاص‪ ,‬إنهم العصرانيون‪ ،‬المتغربون‪ ،‬المبهورون بالحضارة الغربية‬
‫المادية بعد أن ُأشربوها على أمزجة فرنسية إنجليزية فالطيور على أشكالها‬
‫تقع‪.‬‬
‫فالقاسم المشترك بين محمد عبده‪ ,‬ورفاعة الطهطاوي‪ ,‬ومحمد عمارة‪،‬‬
‫وحسن حنفي‪ ،‬وحسن الترابي ومن شاكلهم من العصرانيون هو النهزام‬
‫النفسي والفراط في حب الغرب وموالته‪ ,‬ويعتبر د‪ .‬الترابي أخطر هؤلء‬
‫جميعا لسباب منها‪:‬‬
‫]‪ [1‬أن أولئك السابقين له لم تتعد مجهوداتهم الجانب النظري بينما نجد أن‬
‫د‪ .‬الترابي خطا خطوات عملية في هذا المجال‪ ,‬لنه أتيحت له إمكانات دولة‬
‫لم ُتتح لسابقيه‪ ،‬فقد استطاع الترابي أن ُيسخر السلطة في السودان لخدمة‬
‫هذا لغرض وقد أعان على ذلك أمران‪:‬‬
‫أحدهما‪:‬الضغوط السياسية والختناقات القتصادية المضروبة على الحكومة‬
‫السودانية الحالية من الدول الغربية ومن والها‪.‬‬
‫والثاني‪:‬استمرار الحرب التنصيرية في جنوب السودان‪ ،‬والتي كبدت الحكومة‬
‫الكثير من المال والرجال‪.‬‬
‫هذان المران جعل كثيرا ً من المسئولين وغيرهم ل يفطنون لخطورة هذه‬
‫الدعوة لظنهم أنها تخفف عنهم الضغط وترفع عنهم هذه الكوابيس!!‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫]‪ [2‬مقدرة د‪ .‬الترابي الفائقة على المراوغة فمرة‪:‬يظهر الول هذه الدعوة‬
‫مجرد مناورة سياسية لصرف أنظار النصارى‪ ,‬وكف أذاهم وليست دعوة‬
‫دينية‪ ..‬وأخرى‪ :‬يظهر أنه يريد مجرد دعوتهم للسلم ومحاورتهم‪ ،‬وإزالة‬
‫الشبه العالقة بأذهانهم‪ .‬ومّرة‪ :‬يثير بعض الشبه التي تخفي على كثير من‬
‫الناس‪ ..‬وهكذا عدم الوضوح والمراوغة يكمنان وراء دعوة الترابي العريضة‬
‫لقيام جبهة المؤمنين‪ ،‬أو الحزب البراهيمي!!‬
‫ً‬
‫]‪ [3‬وجود أقلية ضئيلة من النصارى في السودان‪ ,‬وجدت ظروفا مساعدة‬
‫]حرب الخليج‪ ,‬النظام العالمي الجديد‪ ,‬موقف طلب السلطة المعارضين‬
‫للنظام في السودان[ تجعل كذلك كثيرا ً من الخيار ينخدعون برفع هذا‬
‫الشعار‪.‬‬
‫وتتمثل مجهودات الترابي في هذا المجال في‪ :‬عقد المؤتمرات‪ ،‬التنظير لهذه‬
‫الدعوة ]الحركة السلمية والحوار[‪ ،‬إثارة الشبه‪ ،‬إجراء المقابلت في وسائل‬
‫العلم المختلفة لخدمة هذه القضية‪ ،‬الدعوة لقيام الحزب البراهيمي‪ ،‬تكوين‬
‫جمعية تعرف بالجمعية السودانية لحوار الديان‪ ،‬مشاركتهم النصارى في‬
‫أعيادهم والطواف على كنائسهم‪ ،‬بناء الكنائس وتجديد وترميم القديم منها‪،‬‬
‫فتح المجال أمام النصارى في العلم‪ ,‬خاصة يوم الحد في الفترة الصباحية‬
‫في التلفاز إذ أن لهم حوالي أربع ساعات‪ ،‬إدخال مادة مقارنة الديان في‬
‫المعاهد العليا‪.‬‬
‫ً‬
‫يقول د‪ .‬الترابي داعيا إلى وحدة الديان‪ ':‬إن الوحدة الوطنية تشكل واحدة‬
‫من أكبر همومنا‪ ,‬وأننا في الجبهة السلمية نتوصل إليها بالسلم على أصول‬
‫الملة البراهيمية‪ ,‬التي تجمعنا مع المسيحيين بتراث التاريخ الديني‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المشترك]!![ وبرصيد تاريخي من المعتقدات والخلق إننا ل نريد الدين‬


‫عصبية عداء ولكن وشيجة إخاء في الله الواحد'] مجلة المجتمع – العدد ]‬
‫‪ [736‬بتاريخ ‪8/10/1985‬م[‪.‬‬
‫'وبناء على هذه الجبهة الدينية‪-‬يعني‪ :‬بين اليهودية والنصرانية والسلم ‪-‬‬
‫مطلب ديني يرتكز على مبدأ وحدة الديان السماوية ]كلمة الترابي في‬
‫مؤتمر الديان الذي عقد بالخرطوم بتاريخ ‪8/10/1994‬م بعنوان الحوار بين‬
‫الديان‪ :‬التحديات والفاق د‪ .‬حسن الترابي['‪.‬‬
‫وقال‪' :‬إن قيام جبهة المؤمنين هو مطلب الساعة وينبغي أل تحول دونه‬
‫المخاوف والتوجسات التاريخية‪]'...‬المصدر السابق[‪.‬‬
‫و العجب كل العجب من جرأة الترابي وتهاونه بوصف اليهود والنصارى‬
‫الحاليين بأنهم مؤمنين‪ ,‬تبريرا ً لدعواه التجمعية هذه‪ ,‬التي تريد أن تجمع بين‬
‫الضداد‪ ,‬فيصفهم بأنهم مؤمنون فهذا أمر في غاية النكارة والغرابة‪ ،‬فإذا كان‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫اليهود والنصارى مؤمنين فمن الكافر إذا ً ؟! ولماذا قال الله تعالى‪ }:‬ال ّ ِ‬
‫شّر‬‫م َ‬ ‫ك هُ ْ‬ ‫ن ِفيَها ُأول َئ ِ َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬‫م َ‬ ‫جهَن ّ َ‬‫ن ِفي َنارِ َ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫ب َوال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن أهْ ِ‬
‫فروا م َ‬
‫ِ ْ‬ ‫كَ َ ُ‬
‫ة]‪]{[6‬سورة البينة[‪.‬‬ ‫ال ْب َرِي ّ ِ‬
‫دعنا ننظر إلى كلم أهل العلم الثبات‪ ,‬ودعك من هذه الترهات‪ ,‬لنعلم هل‬
‫هي حقيقة أن اليهود والنصارى الحاليين مؤمنون كما زعم الطهطاوي‪،‬‬
‫ومحمد عمارة‪ ،‬والترابي؟!‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله‪' :‬أن الذي يدين به المسلمون من أن‬
‫محمدا ً صلى الله عليه وسلم ُبعث إلى الثقلين‪ :‬النس والجن‪ ,‬أهل الكتاب‬
‫وغيرهم‪ ,‬وأن من لم يؤمن به فهو كافر مستحق لعذاب الله مستحق للجهاد‪,‬‬
‫وهو مما أجمع عليه أهل اليمان بالله ورسوله‪ ،‬لن الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم هو الذي جاء بذلك وذكره الله في كتابه وبينه الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم أيضا في الحكمة المنزلة عليه من غير الكتاب‪ ،‬فإنه تعالى أنزل عليه‬
‫الكتاب والحكمة ولم يبتدع المسلمون شيئا ً من ذلك من تلقاء أنفسهم كما‬
‫ابتدعت النصارى كثيرا ً من دينهم‪ ,‬بل أكثر دينهم‪ ,‬وبدلوا دين المسيح وغّيروه‪,‬‬
‫ولهذا كان كفر النصارى لما بعث محمد صلى الله عليه وسلم مثل كفر اليهود‬
‫لما بعث المسيح عليه السلم'] الجواب الصحيح لمن يدل دين المسيح لشيخ‬
‫السلم ابن تيمية‪-‬مطابع المجد التجارية‪-‬ص‪.[126/‬‬
‫'وإذا تناولت النصارى كان حكمهم في ذلك حكم اليهود‪ ،‬والله تعالى إنما أثنى‬
‫على من آمن من أهل الكتاب كما قال تعالى‪ }:‬وإن م َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ب لَ َ‬‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫َِ ّ ِ ْ‬
‫ت الل ِّ‬
‫ه‬ ‫يا‬ ‫بآ‬ ‫ن‬
‫َ َُ َ ِ َ ِ‬ ‫رو‬ ‫ت‬ ‫ش‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ن ل ِل ّهِ‬
‫شِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل إ ِل َي ْهِ ْ‬‫ما أ ُن ْزِ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ل إ ِل َي ْك ُ ْ‬‫ما أ ُن ْزِ َ‬‫ن ِبالل ّهِ وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫ريعُ ال ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب]‪]{[199‬سورة‬ ‫سا ِ‬‫ح َ‬ ‫س ِ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫م إِ ّ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬‫م ِ‬ ‫جُرهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ك ل َهُ ْ‬ ‫مًنا قَِليًل أول َئ ِ َ‬ ‫ثَ َ‬
‫آل عمران['] المصدر السابق ص‪.[365-264/‬‬
‫وقال العلمة ابن القيم رحمه الله في وصف أهل الكتابيين اليهود والنصارى‪:‬‬
‫'وهم نوعان‪ :‬مغضوب عليهم‪ ،‬وضالون‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫فأما المة الغضبية‪ :‬فهم اليهود أهل الكذب والبهت والغدر والمكر والحيل‪,‬‬
‫قتلة النبياء‪ ,‬وأكلة السحت وهو الربا والرشا‪ ،‬أخبث المم طوية وأرداهم‪،‬‬
‫سجية وأبعدهم عن الرحمة وأقربهم من النقمة‪ ،‬عادتهم البغضاء ودينهم‬
‫العداوة والشحناء‪ ,‬بيت السحر والكذب والحيل‪ ،‬ل يرون لمن خالفهم في‬
‫ن إل ّ ول ذمة‪ ,‬ول لمن‬
‫كفرهم وتكذيبهم النبياء حرمة‪ ,‬ول يرقبون في مؤم ٍ‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وافقهم عندهم حق ول شفعة‪ ,‬ول لمن شاركهم عندهم عدل ول نصفة‪ ,‬ول‬
‫لمن خالطهم طمأنينة ول أمنة‪ ,‬ول لمن استعملهم عندهم نصيحة‪ ,‬بل أخبثهم‬
‫أعقلهم‪ ,‬وأحذفهم أغشهم‪ ,‬وسليم الناصية ‪ -‬وحاشاه أن يوجد بينهم ‪ -‬ليس‬
‫بيهودي على الحقيقة‪ ,‬أضيق الخلق صدورًا‪ ,‬وأظلمهم بيوتًا‪ ,‬وأنتنهم أفنية‬
‫وأوحشهم سجية‪ ,‬تحيتهم لعنة‪ ,‬ولقاؤهم طيرة‪ ,‬شعارهم الغضب‪ ,‬ودثارهم‬
‫المقت‪.‬‬
‫والصنف الثاني‪ :‬المثلثة أمة الضلل وعباد الصنام‪ ،‬الذين سبوا الله الخالق‬
‫سب ّا ً ما سّبه إياه أحد من البشر‪ ،‬ولم يقروا بأنه الواحد الفرد الصمد‪ ،‬الذي لم‬
‫يلد ولم يولد‪ ،‬ولم يكن له كفوا ً أحد‪ ،‬ولم يجعلوه أكبر من كل شيء‪ ,‬بل قالوا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫دا]‪[90‬أ ْ‬ ‫ل هَ ّ‬ ‫خّر ال ْ ِ‬
‫جَبا ُ‬ ‫شقّ اْلْر ُ‬
‫ض وَت َ ِ‬ ‫ه وَت َن ْ َ‬
‫من ْ ُ‬ ‫فط ّْر َ‬
‫ن ِ‬ ‫ت ي َت َ َ‬
‫ماَوا ُ‬
‫س َ‬ ‫كاد ُ ال ّ‬‫فيه ما} ت َ َ‬
‫دا]‪]{[91‬سورة مريم[‪ .‬فقل ما شئت في طائفة أصل‬ ‫ن وَل َ ً‬‫م ِ‬
‫ح َ‬‫وا ِللّر ْ‬
‫د َعَ ْ‬
‫عقيدتها أن الله ثالث ثلثة‪ ,‬وأن مريم صاحبته‪ ,‬وأن المسيح ابنه‪ ,‬وأنه نزل‬
‫عن كرسي عظمته‪ ,‬والتحم ببطن الصاحبة وجرى له ما جرى إلى أن قتل‬
‫ومات ودفن‪ ,‬فدينها عبادة الصلبان ودعاء الصورة المنقوشة بالحمر والصفر‬
‫في الحيطان‪ ,‬يقولون في دعائهم‪ :‬يا والدة الله ارزقينا‪ ,‬واغفري لنا‬
‫وارحمينا! فدينهم شرب الخمور‪ ,‬وأكل الخنزير‪ ,‬وترك الختان‪ ,‬والتعبد‬
‫بالنجاسات‪ ،‬واستباحة كل خبيث من الفيل إلى البعوضة‪ .‬والحلل ما حّلله‬
‫القس‪ ,‬والحرام ما حرمه‪ ,‬والدين ما شرعه‪ ,‬وهو الذي يغفر لهم الذنوب‬
‫وينجيهم من عذاب السعير']هداية الحياري في أجوبة اليهود والنصارى ص‬
‫‪.[8‬‬
‫ي‬ ‫ً‬
‫ويقول الترابي كذلك‪' :‬نعلم أن إشاعة السلم بين الديان ليس أمرا قص ّ‬
‫المنال‪ ,‬لكن التحدي الذي نواجهه هو أن نتجاوز التعصب الديني‪ -‬ونرجو أن‬
‫يوضح لنا د‪ .‬الترابي ما هو الفرق بين التعصب الديني واللتزام بالدين؟ هل‬
‫هناك فرق أم هما سواء؟ ‪ -‬الذي ل يرى الخر إل ّ عدوا ً متربصًا‪ -‬ونحن‬
‫نقول‪:‬إذا رأي المسلم في اليهودي والنصراني خلف ذلك فهو مغفل ساذج‬
‫جاهل ‪ -‬أو خطرا ً محدقًا‪ ,‬ولكي نفعل ذلك فل بد ّ من تكثيف الحوار وتأسيس‬
‫المنابر المشتركة‪ ,‬ل لمناقشة القضايا اللهوتية‪ ،‬ولكن لمناقشة ما يمكن أن‬
‫نفعله سويا ً لشاعة المثل والقيم الدينية في عالم ينزلق يوما ً بعد الخر في‬
‫مستنقع الجاهلية السن‪ ،‬ونحن في هذا المقام نزجي الشكر لكل الجهات‬
‫التي ظلت تنادي الحوار بين الديان‪ ,‬كما نشكر لبعض الكنائس المسيحية‬
‫الخرى مبادرتها وسعيها لقامة الحوار الديني‪ ,‬فل بديل للحوار سوى التدابر‬
‫والصراع‪ ,‬وقّلما أفلحت دعوة دينية في إبلغ خطابها الذي هو خطاب السلم‬
‫والعدل في أجواء الكراهية والحرب'‪.‬‬
‫يتضح من كلم د‪ .‬الترابي السابق أن الهدف من الحوار ليس مناقشة القضايا‬
‫اللهوتية ودعوة القوم للدخول في السلم‪ ،‬وإزالة الشبه العالقة بأذهانهم!‬
‫وذلك لن القوم مؤمنون!! محبون للخير والمثل والقيم الدينية!! ولكن‬
‫الغرض الحقيقي من هذه الدعوة هو مناقشة كيفية تعايش اليهود والنصارى‬
‫والمسلمين في وفاق ووئام ومحبة وسلم‪ ،‬ليكونوا إخوة متحابين يوالي‬
‫بعضهم بعضا ً خاصة في الوطن الواحد‪.‬‬
‫‪ -4‬السباب للقيام بمثل هذه الدعوة‪:‬أهم السباب التي أدت إلى قيام هذه‬
‫الدعوات هي‪:‬‬
‫]‪ [1‬الجهل بالدين‪ :‬وهذا هو السبب الرئيس والول لن من له أدنى معرفة‬
‫بالدين وأصوله ونواقصه ل يمكن أن يتصدى لمثل هذه الدعوة‪.‬‬
‫]‪ [2‬النهزام النفسي‪ :‬فالمغلوب والمهزوم إن لم يتوله الله ل يمكنه التمييز‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بين الحق والباطل‪.‬‬


‫]‪ [3‬الخوف من الكفار ومن سطوتهم‪.‬‬
‫]‪ [4‬المنافع والمصالح الزائلة‪ :‬يروى أنه كان في بلد الشام إمام يقول في‬
‫ل على محمد وعيسى وأخيهما‬ ‫الخطبة الثانية من يوم الجمعة‪' :‬اللهم ص ّ‬
‫موسى'! فقال له رجل من الحاضرين‪' :‬وذي الكفل‪ ,‬أم ليست له سفارة‬
‫عندها مصاري؟!'‪.‬‬
‫‪ -5‬التشابه بين دعوة التوحيد للديان‪ ،‬وبين الحركات العالمية المنحرفة‪:‬‬
‫الحركات العالمية والنسانية التي تدعي أنها تريد أن تجمع البشر على أساس‬
‫الجنس والوطن‪ ،‬أو النسانية دون اعتبار للدين كثيرة جدا ً منها على سبيل‬
‫المثال‪ :‬الماسونية‪ ،‬العالمية أو النسانية‪ ،‬الصهيونية‪ ،‬الروحيون‪ ،‬الشيوعيون‪،‬‬
‫الروتاري‪ ،‬السود ]الليونز[‪ ،‬شهود يهوه‪ ،‬التنصير‪ ،‬التغريب‪ ،‬العلمانية‪ ،‬النظام‬
‫العالمي الجديد‪ ،‬والدعوات القومية والوطنية عمومًا‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪ -6‬مخالفات الدعوة إلى توحيد الديان‪ ،‬أو التقريب بينها للسلم‪ :‬الدعوة إلى‬
‫توحيد الديان أو الترتيب بينها‪ ،‬أو محاورة أصحابها للعيش معهم في أمن‬
‫وسلم وطمأنينة واحترام تصطدم مع السلم وتتعارض معه تعارضا ً بينا ً‬
‫واضحًا‪ .‬ومن أبرز مخالفاتها للسلم وأشدها خطرا ً على المنادين بها‬
‫والداعين إليها‪ ,‬وعلى من وافقهم في ذلك‪ ,‬إنها تقوم على نقضين من نواقض‬
‫السلم ومبطلته‪ ,‬هذا بجانب مخالفات أخرى شديد خطرها على عقيدة‬
‫المسلم‪.‬‬
‫والناقضان هما‪:‬‬
‫فر المشركين‪ ،‬أو شك في كفرهم‪ ،‬أو صحح مذهبهم؛ كفر‪.‬‬ ‫‪ -1‬أن من لم يك ّ‬
‫‪ -2‬أن من تولى الكفار‪ ،‬وتعاون معهم‪ ،‬وظاهرهم على المسلمين؛ كفر‪.‬‬
‫فر المشركين‪ ،‬أو شك في كفرهم‪ ،‬أو‬ ‫أما المخالفة الولى‪ :‬أن من لم يك ّ‬
‫صحح مذهبهم؛ كفر‪:‬‬
‫ُ‬
‫فالسلم هو الحق المحض فماذا بعد الحق إل الضلل؟ قال تعالى‪ }:‬فَذ َل ِك ُ‬
‫م‬
‫الل ّه ربك ُم ال ْحق فَماَذا بعد ال ْحق إّل الضَل ُ َ‬
‫ن]‪]{[32‬سورة‬ ‫صَرُفو َ‬
‫ل فَأّنى ت ُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َْ َ َ ّ ِ‬ ‫َ ّ َ‬ ‫ُ َ ّ ُ‬
‫يونس[‪ .‬قال القرطبي‪' :‬وقال علماؤنا‪ :‬حكمت هذه الية بأنه ليس بين الحق‬
‫والباطل منزلة ثالثة في هذه المسألة التي هي توحيد الله تعالى'] الجامع‬
‫لحكام القرآن ج ‪ .[8/336‬ووصف رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله‬
‫بأنه حق وصدق‪ ،‬فالسلم هو الحق والله هو الحق‪ ،‬وما سواه باطل يجب‬
‫الكفر به وإنكاره‪.‬‬
‫فر اليهود والنصارى‪ ،‬والمجوس‪ ،‬وعباد الوثان والملحدة وغيرهم‪،‬‬ ‫والذي ل يك ّ‬
‫أو يشك في كفرهم‪ ،‬أو يصحح مذاهبهم‪ ،‬أو مذاهب بعضهم؛ فقد شك في‬
‫القرآن‪ ،‬وشك في صدق الله ورسوله‪ ,‬وذلك أن لله تعالى حكم‪ ،‬وحكم‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم بأن ما سوى السلم باطل محض‪.‬‬
‫فكفر اليهود والنصارى والمشركين عامة شهد به القرآن‪ ،‬ونطقت به السنة‪،‬‬
‫وأجمعت عليه المة‪ ،‬ومع كل ذلك نجد بعض الناس في هذا العصر يزعم أن‬
‫اليهود والنصارى مؤمنون‪ ,‬ويدعو إلى قيام جبهة عريضة وحزب واسع يضم‬
‫أتباع كل الديان على أساس الملة البراهيمية يسمى الحزب البراهيمي!!‬
‫ومن شبهات دعاة توحيد الديان في هذا العصر!! ‪:‬‬
‫ن]‪]{[6‬سورة الكافرون[ ربما يفهم‬ ‫ي ِدي ِ‬‫م وَل ِ َ‬ ‫‪ -1‬قوله تعالى‪ }:‬ل َك ُ ْ‬
‫م ِدين ُك ُ ْ‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البعض من هذه الية إقرار أهل الديان المخالفة للسلم على دينهم فهل هذا‬
‫هو المراد من الية؟‬
‫العلمة ابن القيم رحمه الله يّبين لنا المراد من ذلك‪ ,‬فيقول في تفسير‬
‫سورة الكافرون‪' :‬قوله ]لكم دينكم[ مطابق لهذا المعنى‪ :‬أي ل أشارككم في‬
‫دينكم ول أوافقكم عليه بل هو دين تختصون أنتم به ل أشرككم فيه أبدا ً‬
‫فطابق آخر السورة أولها فتأمله‪-.‬إلى أن قال‪ :-‬والية اقتضت البراءة‬
‫المحضة كما تقدم‪ ،‬وأن ما هم عليه من الدين ل نوافقهم عليه أبدًا؛ فإنه دين‬
‫باطل فهو مختص بكم ل نشرككم فيه‪ ،‬ول أنتم تشركوننا في ديننا الحق‪،‬‬
‫فهذه غاية البراءة والتنصل من موافقتهم في دينهم‪ ،‬فأين القرار‪...‬؟ أترى‬
‫ي‬
‫م وَل ِ َ‬ ‫م ِدين ُك ُ ْ‬‫إذا جوهدوا بالسيف كما جوهدوا بالحجة ل يصح أن يقال‪ } :‬ل َك ُ ْ‬
‫ن{ بل هذه آية قائمة محكمة‪ ،‬ثابتة بين المؤمنين والكافرين إلى أن ُيطِهر‬ ‫ِدي ِ‬
‫الله منهم عباده وبلده‪ ,‬وكذلك حكم هذه البراءة بين أتباع الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم أهل سنته‪ ،‬وبين أهل البدع المخالفين لما جاء به‪ ،‬الداعين إلى‬
‫غير سنته إذا قال لهم خلفاء الرسول وورثته لكم دينكم ولنا ديننا‪ ،‬ل يقتضى‬
‫إقرارهم على بدعتهم بل يقولون لهم هذه براءة منهم‪ ،‬وهم مع هذا منتصبون‬
‫للرد عليهم‪ ،‬ولجهادهم بحسب المكان'] بدائع الفوائد لبن القيمج ‪-1/140‬‬
‫‪.[141‬‬
‫‪ -2‬نريد أن نوحدهم على أصول الملة البراهيمية!!‪ :‬هذا هو ما قاله د‪.‬‬
‫الترابي إنه يريد أن يوحد جميع الديان التي هي على أصول الملة البراهيمية‪.‬‬
‫ما‬‫مع أن إبراهيم عليه السلم لم يكن يهوديا ً ول نصرانيا ً كما أخبرنا الله‪َ }:‬‬
‫ن‬‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬‫ما وَ َ‬‫سل ِ ً‬‫م ْ‬ ‫فا ُ‬ ‫حِني ً‬‫ن َ‬‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫صَران ِّيا وَل َك ِ ْ‬ ‫م ي َُهودِّيا وََل ن َ ْ‬ ‫هي ُ‬‫ن إ ِب َْرا ِ‬‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ن اليهود والنصارى الحاليين‬ ‫ن]‪]{[67‬سورة آل عمران[‪ .‬ومن ثم فا ّ‬ ‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ال ُ‬
‫ليسوا على مّلة إبراهيم‪ ،‬بل هم ممن سفه نفسه؛ لنهم رغبوا عن ملةّ‬
‫ه‪]{[130]...‬سورة‬ ‫س ُ‬
‫ف َ‬‫ه نَ ْ‬‫ف َ‬ ‫س ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م إ ِّل َ‬ ‫مل ّةِ إ ِب َْرا ِ‬
‫هي َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ب عَ ْ‬ ‫ن ي َْرغَ ُ‬ ‫م ْ‬‫إبراهيم‪ }:‬وَ َ‬
‫البقرة[‪ .‬وقال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله‪' :‬وإذا كان كذلك فاليهود‬
‫والنصارى ليسوا على مّلة إبراهيم‪ ,‬وإذا لم يكونوا على مّلة إبراهيم فإن من‬
‫صاَرى‬ ‫َ‬ ‫عبد إله إبراهيم كان على مّلته قال تعالى‪ }:‬وََقاُلوا ُ‬
‫هوًدا أوْ ن َ َ‬ ‫كوُنوا ُ‬
‫ن]‪]{[135‬سورة‬ ‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫فا وَ َ‬ ‫حِني ً‬ ‫م َ‬ ‫هي َ‬ ‫ة إ ِب َْرا ِ‬‫مل ّ َ‬
‫ل ِ‬‫ل بَ ْ‬ ‫دوا قُ ْ‬ ‫ت َهْت َ ُ‬
‫م{ يبين أن ما عليه اليهود والنصارى ينافي‬ ‫هي َ‬ ‫ة إ ِب َْرا ِ‬ ‫ّ‬
‫مل َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫البقرة[‪ .‬فقوله‪}:‬قل ب َل ِ‬
‫مّلة إبراهيم'‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ت الل ّهِ آَناَء‬ ‫ُ‬ ‫ن أ َهْ‬


‫ن آَيا ِ‬ ‫ة ي َت ُْلو َ‬
‫م ٌ‬ ‫ة َقائ ِ َ‬ ‫م ٌ‬
‫بأ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ل ال ْك َِتا‬‫ِ‬ ‫م ْ‬ ‫واًء ِ‬ ‫س َ‬ ‫سوا َ‬ ‫‪ -3‬قوله تعالى‪ }:‬ل َي ْ ُ‬
‫ْ‬
‫ف‬‫معُْرو ِ‬‫ن ِبال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫خرِ وَي َأ ُ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن]‪[113‬ي ُؤْ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬
‫س ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ل وَهُ ْ‬ ‫الل ّي ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ما‬‫ن]‪[114‬وَ َ‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ت وَأولئ ِ َ‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫ن ِفي ال َ‬ ‫عو َ‬ ‫سارِ ُ‬‫من ْك َرِ وَي ُ َ‬‫ن ال ُ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫وَي َن ْهَوْ َ‬
‫ن]‪]{[115‬سورة آل عمران[‪:‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ْ‬
‫م ِبال ُ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ّ‬
‫فُروهُ َوالل ُ‬ ‫ن ي ُك ْ َ‬ ‫َ‬
‫خي ْرٍ فَل ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫فعَُلوا ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫من اليات التي يستدلون بها على جواز التقارب مع اليهود والنصارى هذه‬
‫الية‪ ,‬حيث ينزلونها على أهل الكتاب الحاليين‪ .‬والية ليس لها علقة بأهل‬
‫الكتاب الحاليين‪ ,‬وإنما هي خاصة بأولئك الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ,‬كعبد الله بن سلم وغيره من الصحابة الذين كانوا يهودا ً فأسلموا‬
‫وحسن إسلمهم‪.‬‬
‫واًء { معناها ليس أهل الكتاب وأمة محمد صلى الله عليه وسلم‬ ‫س َ‬ ‫سوا َ‬ ‫و} ل َي ْ ُ‬
‫َ‬
‫ب{ وهم الذين اتبعوا‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م الكلم واسُتؤنف بعد ذلك‪ِ }:‬‬ ‫مت ّ‬ ‫سواء‪ ,‬ث ّ‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫محمدا ً صلى الله عليه وسلم وآمنوا به وصدقوه‪] .‬انظر‪:‬الجامع لحكام‬


‫القرآن للقرطبي ج ‪.[4/175‬‬
‫ن‪]{[256]...‬سورة البقرة[‪ :‬يقول د‪.‬‬ ‫دي ِ‬‫‪ -4‬قوله تعالى‪َ }:‬ل إ ِك َْراه َ ِفي ال ّ‬
‫الترابي في محاضرته التي ألقاها في مؤتمر التقارب الديني‪' :‬ولقد جاءت‬
‫ن‬ ‫دي ِ‬ ‫الرسالة المحمدية بالمبادئ الخالدة أل ّ إكراه في الدين‪َ }:‬ل إ ِك َْراه َ ِفي ال ّ‬
‫ي‪]{[256]...‬سورة البقرة['‪ .‬والعصرانيون يستدلون‬ ‫ن ال ْغَ ّ‬ ‫م َ‬ ‫شد ُ ِ‬ ‫ن الّر ْ‬ ‫قَد ْ ت َب َي ّ َ‬
‫بهذه الية لبطال أمرين هامين هما‪:‬‬
‫]‪ [1‬جهاد الطلب‪ :‬وهو أن يجاهد المسلمون الكفار طالبين منهم الدخول في‬
‫السلم‪.‬‬
‫]‪ [2‬إقامة حد ّ الردة‪ :‬فهم ل يرون إقامته إل ّ إذا كان المرتد محاربا ً شاكا ً‬
‫للسلح‪ ,‬أما الردة الفكرية البحتة‪ -‬كما يقول الترابي‪ -‬فل حد ّ فيها‪.‬‬
‫وغاية ما تفيده الية أن أهل الكتاب إذا دفعوا الجزية عن يد وصغار تركوا‬
‫على دينهم هذا إن لم يكونوا محاربين للسلم والمسلمين‪ ،‬أما إن كانوا‬
‫محاربين للسلم‪ ،‬معاندين لهله؛ فل يقبل منهم إل ّ القتال‪.‬‬
‫َ‬ ‫ن أَ َ‬
‫كوا‬ ‫شَر ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫مُنوا ال ْي َُهود َ َوال ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫داوَة ً ل ِل ّ ِ‬
‫ذي‬ ‫س عَ َ‬ ‫ِ‬ ‫شد ّ الّنا‬ ‫جد َ ّ‬ ‫‪ -5‬قوله تعالى‪ }:‬ل َت َ ِ‬
‫َ‬ ‫ول َتجد َ‬
‫م‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ك ب ِأ ّ‬ ‫صاَرى ذ َل ِ َ‬ ‫ن َقاُلوا إ ِّنا ن َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مُنوا ال ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫موَد ّة ً ل ِل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن أقَْرب َهُ ْ‬ ‫َ َ ِ َ ّ‬
‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ز‬ ‫ن‬‫قسيسين ورهْبانا وأ َنهم َل يستك ْبرون]‪ [82‬وإَذا سمعوا ما أ ُ‬
‫ّ ُ ِ‬ ‫َ ْ ِ ِ‬ ‫َ ِ ُ‬ ‫َِ‬ ‫َ ْ َ ُِ َ‬ ‫ِ ّ ِ َ َُ َ ً َ ُّ ْ‬
‫َ‬
‫ع‬ ‫م‬
‫َُْ َ َ‬ ‫نا‬ ‫ب‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫نا‬ ‫م‬
‫َ َ َّ َ ّ‬‫آ‬ ‫نا‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ي‬
‫َ ّ َ‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫ِ َ‬ ‫م‬ ‫فوا‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ما‬ ‫ن ّ ْ ِ ِ ّ‬
‫م‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫م َ‬ ‫ض ِ‬ ‫في ُ‬ ‫م تَ ِ‬‫ت ََرى أعْي ُن َهُ ْ‬
‫خل ََنا‬ ‫َ‬
‫ن ي ُد ْ ِ‬ ‫مع ُ أ ْ‬ ‫حقّ وَن َط ْ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫جاَءَنا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ وَ َ‬ ‫م ُ‬‫ما ل ََنا َل ن ُؤْ ِ‬ ‫ن]‪ [83‬وَ َ‬ ‫دي َ‬ ‫شاهِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫حت َِها‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ما َقاُلوا َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ن]‪[84‬فَأَثاب َهُ ُ‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫قوْم ِ ال ّ‬ ‫معَ ال ْ َ‬ ‫َرب َّنا َ‬
‫ن]‪]{[85‬سورة المائدة[‪:‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫جَزاُء ال ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ن ِفيَها وَذ َل ِ َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫اْل َن َْهاُر َ‬
‫يستدل د‪ .‬الترابي وغيره من المنادين بوحدة الديان‪ ،‬وبقيام الحزب‬
‫ن‬ ‫جد َ ّ‬ ‫َ‬
‫البراهيمي الذي يؤلف بين اليهود والنصارى والمسلمين بهذه الية‪ }:‬لت َ ِ‬
‫كوا ول َتجد َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫أَ َ‬
‫موَد ّةً‬ ‫م َ‬ ‫ن أقَْرب َهُ ْ‬ ‫شَر ُ َ َ ِ َ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫مُنوا ال ْي َُهود َ َوال ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬ ‫داوَة ً ل ِل ّ ِ‬ ‫س عَ َ‬ ‫ِ‬ ‫شد ّ الّنا‬
‫م َل‬ ‫َ‬ ‫لل ّذين آمنوا ال ّذين َقاُلوا إنا نصارى ذ َل َ َ‬
‫ن وَُرهَْباًنا وَأن ّهُ ْ‬ ‫سي َ‬ ‫سي ِ‬ ‫م قِ ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ك ب ِأ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ َ َ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ ِ َ َ ُ‬
‫ن]‪]{[82‬سورة المائدة[ ‪ ،‬ول يصلون بينها وبين اليات التي تليها‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫زعما منهم أن هذا الوصف ينطبق على نصارى اليوم بينما نجد أن هذه اليات‬ ‫ً‬
‫نزلت في النجاشي وأصحابه رضي الله عنهم حينما آمنوا بمحمد صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وصدقوه‪ ،‬وآووا أصحابه‪ ،‬وحافظوا عليهم عندما هاجروا إليهم‪.‬‬
‫جوك ُْ‬
‫م‬ ‫خرِ ُ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ن وَل َ ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫م ِفي ال ّ‬ ‫قات ُِلوك ُ ْ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫‪ -6‬قوله تعالى‪ }:‬ي َن َْهاك ُ ُ‬
‫من ديارك ُ َ‬
‫ن]‪]{[8‬سورة‬ ‫طي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫طوا إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫م وَت ُ ْ‬ ‫ن ت َب َّروهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ِ ْ َِ ِ ْ‬
‫الممتحنة[‪:‬‬
‫وهذه الية الكريمة من اليات التي يستدل دعاة وحدة الديان بها وهي بريئة‬
‫من دعوتهم تلك‪ .‬إذ غاية ما تأمر به الية الحسان إلي الضعفة والنساء الذين‬
‫يعيشون في الدولة السلمية ذات السيادة والقوة‪ .‬والمسلم مأمور بالعدل‬
‫مع المسلمين وغير المسلمين‪.‬‬
‫واليهود والنصارى اليوم‪ -‬خاصة الحكومات والمؤسسات والمنظمات‪ -‬كلهم‬
‫محارب للسلم‪ ،‬يتربصون به وبأهله الدوائر‪ ،‬ويكيدون لهم المصائب‪ .‬أما‬
‫الفراد الضعفاء والمساكين‪ ،‬فيجوز بّرهم والحسان إليهم‪ ,‬وهذا من أقوى‬
‫السباب لتقريبهم إلى السلم ‪.‬‬
‫ونكتفي بهذا القدر فالشبه عند مرضى القلوب ل حد ّ لها‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المخالفة الثانية‪:‬ترك البراءة من الكفار وموالتهم‪ :‬من مخالفات الدعوة إلى‬


‫تقارب الديان البّينة الواضحة للسلم مناقضتها ومعارضتها لعقيدة الولء‬
‫كافري َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن أوْل َِياَء ِ‬ ‫ن ال ْ َ ِ ِ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫خذِ ال ْ ُ‬ ‫والبراء لدى المسلم‪ ،‬وقد قال تعالى‪َ }:‬ل ي َت ّ ِ‬
‫َ‬
‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن‪]{[28]...‬سورة آل عمران[ ‪ .‬وقال تعالى‪َ }:‬يا أي َّها ال ّ ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ُدو ِ‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ضاُء ِ‬ ‫ت ال ْب َغْ َ‬ ‫م قَد ْ ب َد َ ِ‬ ‫ما عَن ِت ّ ْ‬ ‫خَباًل وَّدوا َ‬ ‫م َ‬ ‫م َل ي َأُلون َك ُ ْ‬ ‫ن ُدون ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫طان َ ً‬ ‫ذوا ب ِ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫َل ت َت ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن]‪{[118‬‬ ‫قُلو َ‬ ‫م ت َعْ ِ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ت إِ ْ‬ ‫م اْلَيا ِ‬ ‫م أك ْب َُر قَد ْ ب َي ّّنا ل َك ُ ُ‬ ‫دوُرهُ ْ‬ ‫ص ُ‬
‫في ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫واهِهِ ْ‬ ‫أفْ َ‬
‫] سورة آل عمران[‪.‬‬
‫بعض صور الموالة المنهي عنها‪ :‬الموالة صورها متعددة‪ -‬خاصة في هذا‬
‫العصر‪ -‬ولكن سنقصر حديثنا على بعض الصور التي لها علقة مباشرة بدعوة‬
‫التقارب الديني‪ ,‬فنقول‪:‬‬
‫]‪ [1‬الرضى بكفر الكافرين‪ ،‬أو عدم تكفيرهم‪ ،‬أو الشك في كفرهم‪ ،‬أو‬
‫تصحيح مذاهبهم‪:‬‬
‫فهذه الدعوة ما قامت إل باعتبار أن السلم‪ ،‬والمسيحية واليهودية التي يدين‬ ‫ّ‬
‫بها اليهود والنصارى اليوم أديان سماوية‪ ،‬ومذاهب يجوز للمرء أن يعتنق أي ّا ً‬
‫منها!‬
‫]‪ [2‬اتخاذهم أعوانا وأنصارا وأولياء‪:‬فالدعوة إلى التقارب مع اليهود‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫م‪ ،‬وإنشاء حلف يجمع بين المسلم‬ ‫ب وسل ٍ‬ ‫والنصارى‪ ،‬والتعايش معهم في ح ّ‬
‫والكافر من أقوى أسباب التولي‪' ..‬وسذاجة أي سذاجة وغفلة أّية غفلة أن‬
‫تظن أن لنا وإياهم طريقا ً واحدا ً نسلكه للتمكين للدين أمام الكفار‬
‫الملحدين!! فهم مع الكفار الملحدين إذا كانت المعركة ضد المسلمين‪ ،‬فَْلندع‬
‫مُنوا َل‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫من يغفل عن هذا ولنكن واعين للتوجيه القرآني } َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫صاَرى أ َوْل َِياَء‪]{[51]...‬سورة المائدة[ '] في ظلل القرآن ج‬ ‫ذوا ال ْي َُهود َ َوالن ّ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ت َت ّ ِ‬
‫‪ .[910-2/909‬نعم إنها والله السذاجة والغفلة ليس إل ّ هي التي تزين لدعاة‬
‫توحيد الديان دعوتهم هذه‪.‬‬
‫ر‬
‫خ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ِباللهِ َوالي َوْم ِ ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ما ي ُؤْ ِ‬ ‫جد ُ قَوْ ً‬ ‫َ‬
‫]‪ [3‬مودتهم ومحبتهم‪ :‬قال تعالى‪ }:‬ل ت َ ِ‬
‫خوانهم أوَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه وَل َوْ َ‬
‫م أوْ إ ِ ْ َ َ ُ ْ ْ‬ ‫م أوْ أب َْناَءهُ ْ‬ ‫كاُنوا آَباَءهُ ْ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫حاد ّ الل ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫واّدو َ‬ ‫يُ َ‬
‫ت‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خلهُ ْ‬ ‫ه وَي ُد ْ ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫م ب ُِروٍح ِ‬ ‫ن وَأي ّد َهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫لي َ‬‫ما ِ‬ ‫ب ِفي قلوب ِهِ ُ‬ ‫م أولئ ِك كت َ َ‬ ‫شيَرت َهُ ْ‬ ‫عَ ِ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫حْز ُ‬ ‫ه أولئ ِك ِ‬ ‫ضوا عَن ْ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه عَن ْهُ ْ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن ِفيَها َر ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫حت َِها الن َْهاُر َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن]‪]{[22‬سورة المجادلة[‪ ،‬والعمل على‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ب اللهِ هُ ُ‬ ‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫اللهِ أل إ ِ ّ‬
‫إيجاد صيغة للتعايش والتسالم مع الكفار يولدان والمحبة واللفة‪.‬‬
‫]‪ [4‬مداهنتهم ومداراتهم ومجاملتهم على حساب الدين‪:‬أما عن المداهنة‬
‫ث ول حرج! فدعاة وحدة الديان‬ ‫والمداراة والمجاملة على حساب الدين فحد ّ ْ‬
‫قد وصلوا فيها إلى الغاية القصوى‪ .‬فقد وصف د‪ .‬الترابي اليهود والنصارى‬
‫الحاليين بأنهم مؤمنون!! ووصف التبشير بأنه عمل إنساني!! ودعا إلى‬
‫المحافظة على جميع الديانات!! ووصف جماهير اليهود والنصارى إّبان‬
‫الحروب الصليبية بأنها مؤمنة!! ]انظر‪:‬الحوار بين الديان‪ :‬التحديات والفاق‬
‫د‪ .‬حسن عبد الله الترابي[‪.‬‬
‫وهذه المداهنة والمداراة سببها الول النهزام النفسي وسببها الثاني الهروب‬
‫دد أو متعصب أو أصولي!!‬ ‫من تهمة‪ :‬متش ّ‬
‫]‪ [5‬توليتهم أمرا من أمور المسلمين‪ :‬فالولية إعزاز‪ ,‬والحق أن يعامل‬ ‫ً‬
‫النصارى‪ ،‬وغيرهم في ظل الدولة السلمية معاملة أهل الذمة‪ ،‬وحقوق‬
‫وواجبات هذه المعاملة معروفة ومعلومة‪.‬‬
‫]‪ [6‬الرضا بأعمالهم والتشبه بهم‪.‬‬
‫]‪ [7‬البشاشة لهم‪ ،‬وطلقة الوجه‪ ،‬وانشراح الصدر‪ ،‬وإكرامهم‪ ،‬وتقريبهم‪:‬لقد‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سُتقِبل‬
‫حدث من ذلك لئمة الكفر ما لم يحدث مثله حتى في بلدهم‪ ,‬فقد ا ْ‬
‫ب‬‫البابا في السودان أثناء زيارته المشهورة استقبال حاشدا ً وُنصب له صلي ٌ‬
‫ش في وجهه‪ ،‬وقد رأيت صورة للدكتور‬ ‫ش وب ُ ّ‬
‫م رفع باللة الرافعة وهُ ّ‬ ‫ضخ ٌ‬
‫ش وهو كثيرا ً ما يعبس في وجوه‬ ‫ٌ‬ ‫با‬ ‫ش‬
‫ٌ‬ ‫ها‬ ‫وهو‬ ‫البابا‬ ‫استقباله‬ ‫أثناء‬ ‫الترابي‬
‫مسلمين صالحين فقط من أجل سمتهم‪.‬‬
‫]‪ [8‬الثناء عليهم‪ :‬لقد وصف دعاة وحدة الديان التنصير بأنه عمل إنساني‪,‬‬
‫ودعوا إلى المحافظة على جميع الديان‪ ,‬فقد جاء في ميثاق الحوار الديني‬
‫في السودان‪ ,‬البند]‪' :[7‬وأن يحترم كل منا عقائد الخرين'‪ ،‬كيف يحق‬
‫للمسلم أن يحترم من يبدأ كلمه بـ‪' :‬بسم الب والبن والروح القدس إله‬
‫واحد؟!‬
‫]‪ [9‬تعظيمهم إطلق اللقاب عليهم‪ :‬ورحم الله الخليفة العباسي هارون‬
‫الرشيد عندما كتب إلى ملك الروم كتابا ً بدأه بـ ]من أمير المؤمنين إلى كلب‬
‫الروم[‪.‬‬
‫المخالفة الثالثة‪ :‬التشبه بالكفار وكسر الحاجز النفسي بيننا وبينهم‪:‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫من مخالفات دعوة التقارب الديني للسلم ‪ -‬بجانب اصطدامها بالناقضين‬


‫السابقين للسلم ‪ -‬أنها تكسر الحاجز النفسي بين المسلم والكفار‪،‬‬
‫فالتعايش مع الكفار ومسالمتهم وموادعتهم ومداهنتهم من أقوى أسباب‬
‫التشبه بهم والقتباس منهم‪ ,‬خاصة والمسلمون في هذا العصر عندهم قابلية‬
‫وولع بتقليد الكافر‪ ,‬وذلك لتفوق الكافر عسكريا ً واقتصاديا ً وتقنيا ً وإعلميًا‪،‬‬
‫ومعلوم أن قابلية المغلوب للتلقي والتشبه ل تدانيها قابلية‪.‬‬
‫لقد نهى الله ورسوله والسلف الصالح عن التشبه بالكفار بل إن مجرد‬
‫مخالفة الكفار دين وقربى يتقّرب بها العبد إلى ربه واليات والحاديث المرة‬
‫بمخالفة أهل الكتاب كثيرة ‪.‬‬
‫المخالفة الرابعة‪ :‬تعطيل الجهاد وإبطاله‪ :‬والمراد بالجهاد هنا جهاد الطلب‬
‫َ‬
‫ن‬‫قي َ‬ ‫فاَر َوال ْ ُ‬
‫مَنافِ ِ‬ ‫جاهِدِ ال ْك ُ ّ‬
‫ي َ‬‫الذي هو أساس ْالجهاد‪ ،‬قال تعالى‪َ }:‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫صيُر]‪]{[9‬سورة التحريم[‪.‬‬ ‫س ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫م وَب ِئ ْ َ‬
‫جهَن ّ ُ‬‫م َ‬
‫مأَواهُ ْ‬
‫م وَ َ‬‫ظ عَل َي ْهِ ْ‬
‫َواغْل ُ ْ‬
‫وغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم كلها عدا أحد والحزاب‪ ,‬وكذلك‬
‫جيوش الفتح التي قادها المسلمون كلها من هذا النوع؛ إذ الهدف منها دعوة‬
‫الناس إلى الدخول في السلم عن طواعية بعد أن تزال العقبات التي تقف‬
‫كام الطغاة‪ ،‬ومن شابههم‪.‬‬ ‫في طريق ذلك من الح ّ‬
‫ودعوة التقارب الديني غرضها الساسي هو إيجاد صيغةٍ للتعايش السلمي بين‬
‫أهل الديان المختلفة‪ ،‬حيث ل مجال بعد ذلك للجهاد‪ ,‬بعد العتراف بأديانهم‬
‫واحترامها‪ ،‬وعمل مواثيق معهم على ضوء ذلك‪.‬‬
‫وقولهم‪':‬أن السلم لم ينتشر بحد السيف' فهو كما يقال‪ :‬كلمة حق أريد بها‬
‫باطل‪ ،‬فالهدف من هذه المقولة إبطال الجهاد‪ ،‬وليس الدفاع عن السلم؛‬
‫لنه معلوم أن السلم يأمر أول ً بعرض الدين على الناس‪ ،‬فمن آمن به فبها‬
‫ونعمت‪ ،‬ومن رفضه ورضي بدفع الجزية قبلت منه الجزية إن كان من أهل‬
‫الكتابين‪ ،‬أما إن رفض السلم والجزية‪ ،‬أو منع الخرين من الدخول في‬
‫السلم فما يصنع معه؟ ولماذا خرجت الجيوش السلمية‪ ,‬وليّ شيء وقعت‬
‫المعارك الكبرى؟ أليس من أجل ذلك؟‬
‫ض إلى يوم القيامة ل يبطله جور جائر‪ ،‬ول دعوة إلى توحيد‬ ‫فالجهاد ما ٍ‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الديان‪.‬‬
‫المخالفة الخامسة‪ :‬مخالفتها فطرة النسان وسنة من السنن الكونية‪:‬‬
‫الدعوة إلى تجميع كل الخلق تحت دين واحد أو جماعة واحدة دعوة مخالفة‬
‫للفطرة التي فطر الله الناس عليها‪ ،‬يقول الستاذ محمد محمد حسين رحمه‬
‫الله ‪ -‬وهو يعدد آثار التغريب على العالم السلمي‪' :-‬والدعوة باطلة من‬
‫ة من سنن الله في الرض‪ ,‬وهي دفع الناس بعضهم‬ ‫أساسها؛ لنها تخالف سن ً‬
‫ببعض‪ ,‬وضرب الحق والباطل‪ ,‬والهدم والبناء لهذه السنة ل يفتئان يعملن‬
‫دون انقطاع‪ ,‬وكل ميسٌر لما خلق له‪ ,‬هذه السنة قائمة بأمر الله تعالى‪ ،‬ولن‬
‫ل‪ ]'.‬السلم والحضارة الغربية لمحمد محمد حسين‪-185 :‬‬ ‫تجد لسنة الله تبدي ً‬
‫‪. [187‬‬
‫ما الغرض الساسي لدعاة تقارب الديان وتحاورها؟‬
‫الغرض من هذه الدعوة هو إيجاد صيغة للتعايش السلمي بين أصحاب‬
‫الديانات والملل المختلفة في البلد الواحد‪ ,‬وليس غرضها حوار الكفار‪،‬‬
‫ودعوتهم إلى السلم‪ ،‬وإزالة الشبه العالقة بأذهانهم عنه‪ ,‬على الرغم من‬
‫رفعهم لشعار حوار الديان‪.‬‬
‫خاتمة‪ :‬بعض الخوة الكرام يستعظمون النقد والمناصحة لبعض العاملين في‬
‫مجال الدعوة السلمية‪ ،‬وغيرهم من العلماء والدعاة وطلب العلم‪ ،‬سواء‬
‫كان هذا النقد للفكار والراء‪ ،‬مهما كانت درجة شذوذها ومخالفتها‪ ،‬أو كان‬
‫ة‪ ،‬وإلى تفرق‬ ‫في الصول‪ ،‬أو في الفروع؛ لظنهم أن ذلك سيؤّدي إلى فتن ٍ‬
‫الجهود‪ ،‬وإحداث حزازات وإحن في النفوس‪.‬‬
‫مُر الله من الخطاء الفاحشة الفادحة‪ ،‬ومن باب الحرص الذي ل مبّرر‬ ‫وهذا لعَ ْ‬
‫دها في ترك‬ ‫م الفتنة وأش ّ‬ ‫له ول داعي له‪ ،‬وما عَِلم هؤلء أن الفتنة أعظ َ‬
‫المناصحة في أمور الدين‪ ،‬ومجاملة الشخاص ومداراتهم حيث ل تجوز‬
‫ة[‬
‫ح ُ‬‫صي َ‬‫ن الن ّ ِ‬
‫دي ُ‬
‫المجاملة والمداراة‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪] :‬ال ّ‬
‫َ‬
‫م[رواه مسلم ‪.‬‬ ‫مت ِهِ ْ‬‫عا ّ‬
‫ن وَ َ‬
‫مي َ‬
‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬‫مةِ ال ْ ُ‬ ‫ل‪] :‬ل ِل ّهِ وَل ِك َِتاب ِهِ وَل َِر ُ‬
‫سول ِهِ وَِلئ ِ ّ‬ ‫ن َقا َ‬‫م ْ‬‫قُل َْنا ل ِ َ‬
‫‪ ،‬فقد أوجب الله النصيحة لله‪ ،‬ولكتابه ولرسوله ولئمة المسلمين من علماء‬
‫وحكام وعامتهم على قدر الطاقة‪ ,‬ورحم الله عمر رضي الله عنه حين دعا‬
‫كر عليه‪ ,‬فقال‪ ':‬رحم الله امرءا ً‬ ‫لمن نصحه‪ ،‬واعتبَر من باب الهداء الذي ُيش َ‬
‫ي عيوبي'‪.‬‬ ‫أهدى إل ّ‬
‫إن من أوجب حقوق الله على عباده ‪ -‬بعد توحيده وعدم الشراك به ‪ -‬رّد‬
‫الطاعنين على السلم‪ ،‬ومقارعتهم بالحجة والبيان‪.‬‬
‫قال العلمة ابن القيم‪':‬ومن بعض حقوق الله على عبده رد ّ الطاعنين على‬
‫كتابه ورسوله ودينه‪ ،‬ومجاهدتهم بالحجة والبيان‪ ،‬والسيف والسنان‪ ،‬والقلب‬
‫والجنان‪ ،‬وليس وراء ذلك حبة خردل من اليمان']هداية الحيارى في أجوبة‬
‫اليهود والنصارى ص ‪ ، .[10‬وهذا هو المراد بالنصيحة لله وكتابه ورسوله‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫وهناك أمور ل يجوز السكوت عنها‪ ,‬بل يجب الرد ّ عليها في الحال على من‬
‫ض الطْرف عنها‪ ,‬وهناك أشياء‬ ‫كان أهل ً لذلك‪ ,‬وهناك مسائل يجوز أن ُيغ ّ‬
‫يحرم التحدث عنها علنًا‪.‬‬
‫فالمسائل التي يجب الرد ّ عليها على الكفاية‪ :‬الطعن في أصول الدين‪,‬‬
‫والتشكيك في الثوابت‪ ,‬والتيان بالقوال الشاذة التي تخرق الجماع القولي‬
‫والعملي‪ .‬ومثال ذلك‪ :‬مسألة بحثنا هذا وما شاكلها‪ ,‬خصوصا ً لو صدرت ممن‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫له أْتباعٌ وشيع يقّلدونه فيما يقول‪ ,‬فالسكوت مع هذه الحال جريمة ل تغتفر‪،‬‬
‫شَهر‪ ،‬ويعلن إنكارها مهما كانت الظروف‬ ‫والخطيئة التي يجب أن ي ُ ْ‬
‫والملبسات‪.‬‬
‫أما المسائل التي يمكن أن يغض الطرف عنها‪ :‬فهي الخلفات الفقهية‪،‬‬
‫والمور الجتهادية التي تتسع لذلك‪.‬‬
‫أما المسائل التي يحرم التحدث عنها علنًا‪ :‬فهي المسائل الشخصية‬
‫والسلوكية‪.‬‬
‫ل‪ ،‬فالقوال‬‫ل مقام ٍ مقا ً‬
‫فل بد من التفريق والتمييز بين هذا وذاك‪ ،‬فإن لك ّ‬
‫الشاذة والبدع المنكرة‪ ،‬والطعن في أصول الدين‪ ،‬والتلعب بما أجمع عليه‬
‫المسلمون؛ أمور يتعين على بعض طلب العلم الرد عليها في الحال‪ ,‬لكي ل‬
‫ينخدع بها الجهال‪ ,‬ثم يصبح المعروف منكرًا‪ ،‬والمنكر معروفًا‪.‬‬
‫وهذا ليس من باب الغيبة‪ ,‬ول من باب الطعن والتشكيك في الدعاة‪ ,‬ول هو‬
‫سبب للتفريق والتشتيت الذي نهانا عنه الشرع‪ ,‬بل هو نصحية يجب إسداؤها‪,‬‬
‫ت عنها‪ ،‬وسكت أنت‪ ،‬وسكت هذا‪ ،‬ولم يتكلم ذاك فمن لها؟‬ ‫وإذا سك ّ‬
‫ً‬
‫رحم الله إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل فقد قال ‪ -‬راد ّا على من‬
‫تحّرج من عملية الجرح وقال‪ :‬إنه يثقل علي أن أقول فلن كذا وفلن كذا ‪:-‬‬
‫ت أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من‬ ‫ت أنت وسك ّ‬‫'إذا سك ّ‬
‫السقيم؟'] الجامع لداب الراوي والسامع ج ‪ ،260 :2‬ومجموع الفتاوي ج ‪:28‬‬
‫‪.[231‬‬
‫فالنصحية دين وحق يجب أن يؤدى مهما كان الشخص قريبا ً أم بعيدا ً عنك‪،‬‬
‫عالما ً كان أم غير عالم‪ ،‬صالحا ً كان أم طالحًا‪ ،‬فالولء أول ً وأخيرا ً لله وحده ل‬
‫لولد ٍ ول لوالد‪ ,‬ول لمام مذهب‪ ,‬ول لقائد جماعة‪ ,‬ول لشيخ طريقة ‪ ..‬هذا‬
‫بالنسبة لمن يطعن في الدين‪ ،‬أو يشكك في أصوله‪ ,‬أو يخشى من النخداع‬
‫به‪.‬‬
‫وأما بالنسبة لما يصدر عنه بعض العلماء الثبات من هفوات وسقطات في‬
‫مسائل الفروع‪ ،‬وفي المور الجتهادية ]وثبتت إمامته وعدالته وكثر مادحوه‬
‫وندر جارحوه[ فل يلتفت إلى جرحه؛ لن المناقص خبث‪ ،‬والماء إذا بلغ قلتين‬
‫لم يحمل الخبث‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أما إذا كان الماء قليل جدا ل يسد ّ الرمق‪ ،‬ول يزيل الغصة‪ ،‬وحلت به النجاسة؛‬
‫فإنه ينجس‪ ،‬وهكذا هؤلء المشككون هم الذين ينبغي أن يجرحوا‪ ،‬ويكشفوا؛‬
‫ليعرفوا على حقيقتهم‪ ,‬والشتغال بالرد ّ على هذا الصنف عبادة وقربى إلى‬
‫ب‬‫الله‪ .‬ورحم الله أحمد المام قيل له‪ :‬الرجل ليصوم ويصلي ويعتكف أح ّ‬
‫إليك‪ ,‬أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال‪' :‬إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو‬
‫لنفسه‪ ,‬وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين‪ ,‬وهذا أفضل'‪ .‬والله من‬
‫وراء القصد‪ ،‬وهو الهادي إلى سواء السبيل‪.‬‬
‫من بحث‪':‬التقارب الديني خطره‪ ,‬أسبابه‪ ,‬دعاته' للشيخ‪ /‬المين الحاج محمد‬
‫أحمد‬

‫)‪(9 /‬‬

‫التقارب بين السنة والشيعة‬


‫الكاتب‪ :‬الشيخ د‪.‬محمد بن موسى الشريف‬
‫يكثر الحديث في المنتديات والمؤتمرات ومجامع المفكرين والمثقفين عن‬
‫مسألة التقريب بين السنة والشيعة ‪ ،‬وينقسم الناس بين مؤيد ومعارض ‪،‬‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومستند المعارضين أن الشيعة لهم عقائد مخالفة في قضية الصحابة رضي‬


‫الله عنهم وعدالتهم جميعا ً ‪ ،‬وقضية عصمة الئمة ‪ ،‬وعدد من القضايا‬
‫الخرى ‪ ،‬ومستند المؤيدين غالبا ً عاطفي يتلخص في وجوب واجتماع كلمة‬
‫المة السلمية خاصة في هذه اليام ‪ ،‬وأننا إخوة يجمعنا السلم إلى آخر ما‬
‫هو معروف معلوم من تلك القائمة‪.‬‬
‫والحق أن القضية بالغة في الهمية مبلغا ً ل ينبغي معه أن تعالج معالجة أولية‬
‫سطحية ‪ ،‬إنما ينبغي أن ينظر فيها نظرا ً موضوعيا ً من عدة جوانب ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬قضية التقارب السياسي ‪:‬‬
‫ل ينبغي التردد في الستفادة من إمكانات الشيعة – خاصة أن لهم دولة قوية‬
‫اليوم نسيبا ً – في مواجهة مخططات أعداء السلم الظاهرين كاليهود‬
‫والصليبيين ‪ ،‬والتنسيق معهم لمواجهة الهجمة على ديار السلم أمر ل بأس‬
‫به ‪ ،‬ول ينبغي أن يتردد فيه‪.‬‬
‫أقول هذا وأنا على قناعة تامة بأن الشيعة لم يقدموا – لسبب أو لخر – شيئا ً‬
‫يذكر لقضايا المة الساسية مثل فلسطين والعراق وكشمير والشيشان‬
‫وأفغانستان والفلبين ‪ ،‬بل كل تلك الماكن جهادها جهاد سني صرف ‪ ،‬حتى‬
‫الماكن التي يكثر فيها وجود الشيعة مثل العراق ل نرى فيها لهم جهادا ً يذكر‪،‬‬
‫وهذا غريب ‪ ،‬ويذكرني بقول مساعد مفتي البوسنة عندما سألته عن موقف‬
‫إيران من قضيتكم فقال ‪ :‬موقفهم إعلميا ً رائع لكن لم يصلنا منهم شيء !!‬
‫فالشيعة صوتهم العلمي ضخم لكن الواقع غير ذلك والعطاء يكاد يكون‬
‫معدوما ً ‪:‬‬
‫أسمع جعجعة ول أرى طحنا‪ً.‬‬
‫ولعل قائل ً أن يقول ‪ :‬وما تقول في حزب الله ؟ فأقول ‪ :‬إن عملهم‬
‫ي ‪ ،‬وتمر عليهم السنوات الطويلة ول نكاد نسمع عنهم شيئا ً ‪ ،‬بل‬ ‫موسم ّ‬
‫جاءت الخبار من لبنان لتقول إنهم يؤسسون لنفسهم ويعملون لتمكين‬
‫وضعهم ‪ ،‬والله أعلم بنياتهم وأحوالهم ‪ ،‬ثم هل يستقيم أن يكون جهاد الشيعة‬
‫في العالم السلمي ودفاعهم عن السلم والمسلمين محصورا ً في جنوب‬
‫لبنان ‪ ،‬والشيعة يمثلون قرابة ‪ %10‬من المسلمين في العالم ؟! وأين‬
‫التضحيات والفكر الثوري من قضايا المسلمين الكثيرة ؟!‬
‫المر الثاني ‪ :‬قضية التقارب المنهجي والفكري ‪:‬‬
‫وهذا أمر مهم ‪ ،‬والسؤال فيه ‪ :‬هل الشيعة مقتربون من أهل السنة في‬
‫طرائق تفكيرهم ‪ ،‬ومنهجهم الثقافي والفكري ؟!‬
‫إن الناظر لتراث الشيعة المعاصر ل يرى فيه شيئا ً ُيذكر من التقعيد الثقافي‬
‫والفكري‪ ،‬إنما جل كتبهم تلوك أمورا ً قديمة ‪ ،‬وتدور حول قضايا عقدية محضة‬
‫‪ ،‬وإل فأين مبرزوهم في الفكر والثقافة ؟ وأين أمثال الستاذ سيد قطب‬
‫وأخيه ‪ ،‬والستاذ أبي العلى المودودي ‪ ،‬والستاذ أبي الحسين الندوي ‪،‬‬
‫والشهيد حسن البنا ‪ ،‬والستاذ القرضاوي ‪ ،‬والستاذ يكن وأمثال هؤلء الذين‬
‫هم حجر الزاوية في الكتابات ‪ ،‬وباستثناء الستاذ محمد باقر الصدر وإنتاجه‬
‫القليل لم نر لحد منهم تميزا ً ملحوظا ً وعطاء واسعا ً ‪ ،‬لذلك ل يمكن على‬
‫التحقيق معرفة طرائق تفكيرهم الثقافي ومناهجهم الفكرية ‪ ،‬حتى نعرف‬
‫موقفنا منها ‪ ،‬ومدى اقترابهم منا ‪ ،‬لكني سمعت أن ثورييهم ومنظميهم‬
‫يعتمدون على بعض كتب المثقفين السنة كالستاذ سيد وغيره ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬قضايا التقارب العقدي ‪:‬‬
‫وهذه أخطر وأهم قضية على الطلق ‪ ،‬ويكثر الحديث حولها ‪ ،‬وللسف فإن‬
‫مثقفينا ومفكرينا من أهل السنة يكتفون بالقول عند مناقشة هذه القضية ‪:‬‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن هذه أمور قديمة ‪ ،‬وأنتم تثيرون المكنون ‪ ،‬وتنبشون الماضي ‪ ،‬هذا‬
‫قولهم ‪ ،‬وهذا التسطيح ل يخدم القضية أبدا ً ‪ .‬كيف وأهل السنة يشاهدون بأم‬
‫أعينهم القنوات العراقية الشيعية ‪ -‬التي هي بتمويل إيراني بل شك –‬
‫م غضبها على السنة ‪ ،‬وتلمز وتغمز في عقيدتهم ‪،‬‬ ‫يشاهدونها وهي تصب جا ّ‬
‫وتوري حينا ً وتصرح أخرى‪.‬‬
‫كيف وأهل السنة يشاهدون عمليات التهجير الجماعي بسبب العقيدة من‬
‫مناطق الجنوب في العراق ‪ ،‬ويشاهدون كيف يعذب السنة في مخافر وزارة‬
‫داخلية الشيعة في العراق‪.‬‬
‫كيف وأهل السنة يشاهدون عمليات توزيع الكتب والنشرات الشيعية في‬
‫أمريكا وأوربا وأفريقيا مجانا ً وكلها مليئة بالتشكيك في السنة وعقيدتهم‪.‬‬
‫الحاصل أن قضية التقارب العقدي حتى نكون إخوة حقا ً ل بد أن نرتكز على‬
‫أصول ثابتة ل مجال للتنازل عنها أبدا ً ‪ ،‬ول بد للشيعة أن يعلنوها بكل وضوح ‪:‬‬
‫‪ -1‬عدالة الصحابة جميعا ً ‪ ،‬وطي صفحة الفتن التي حدثت بينهم رضي الله‬
‫عنهم ؛لن هؤلء نقلوا لنا السلم ‪ ،‬فإن كان هؤلء مطعونا ً فيهم فالسلم كله‬
‫صار عرضة للتشكيك والتهام عقيدة وأحكامًا‪.‬‬
‫‪ -2‬امتناع القول بعصمة الئمة ورفعهم إلى مقام النبياء والرسل ‪ ،‬فهذا أمر‬
‫يناقض الشرع والعقل السليم ‪ ،‬ول عصمة إل لرسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وباقي البشر عرضة للخطأ ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -3‬الكف عن نبش الماضي وإثارة الحقاد والحزان باسم الحسين رضي الله‬
‫عنه ‪ ،‬وجعل ذلك فاصل ً في العلقة بين السنة و الشيعة ‪ ،‬فالحسين منا أهل‬
‫السنة والجماعة ‪ ،‬وكفى تشويها ً وإثارة فتن وقلقل بسبب هذه القضية ‪،‬‬
‫وليكن شعارنا جميعا ً ‪ :‬وعند الله تجتمع الخصوم ‪ ،‬و) تلك أمة قد خلت لها ما‬
‫كسبت ولكم ما كسبتم ول تسألون عما كانوا يعملون (‪.‬‬
‫بهذا وأمثاله يصح لنا الحديث عن التقارب الكامل مع الشيعة ‪ ،‬ويصح أن‬
‫نقول ‪ :‬إننا إخوان فعل ً ‪ ،‬أما بدون إصلح النوايا ‪ ،‬وبدون تعديل المنهج من‬
‫قبل الشيعة ُنطالب نحن أهل السنة بالتقارب ونسيان الماضي فهذا غير‬
‫مقبول ول معقول ‪ ،‬ومثله كمثل من يطلب من المضروب أن يتسامح مع‬
‫الضارب ولم يطلب ذلك الضارب نفسه‪.‬‬
‫هذه كانت نقاطا ً أولية لفتح باب النقاش لحديث أعمق وأطول ويلمس نقاط‬
‫الخلف لمسا ً منهجيا ً مرتبًا‪.‬‬
‫أسأل الله تعالى أن يشرح صدور المسلمين للتآخي الحقيقي ‪ ،‬وأن يبصرهم‬
‫بواقعهم وما هم عليه ‪ ،‬وأن يرينا الحق حقا ً ويرزقنا اتباعه ‪ ،‬ويرينا الباطل‬
‫باطل ً ويرزقنا اجتنابه ‪ ،‬وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ‪،‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التقاعد والفوائد الربوية‬


‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪ ...‬الفهرسة‪ /‬المعاملت‪/‬الهبة والعطية‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التاريخ ‪13/09/1425 ...‬هـ‬


‫السؤال‬
‫الحكومة في بلدي تحسم من موظفيها مبلًغا شهرّيا لحساب صندوق التقاعد‪.‬‬
‫دا‬
‫بعد ذلك تضيف الحكومة فائدة على المبالغ المتجمعة وتدفع للموظف عائ ً‬
‫صحّيا عند التقاعد‪ .‬ويتم استقطاع المبلغ الشهري من الراتب إجبارّيا‪.‬‬
‫أنا أرغب في جعل المبلغ المستحق لي في صندوق التقاعد خالًيا من الربا‪.‬‬
‫ويمكن عمل ذلك ببساطة عن طريق تقديم طلب بذلك فيصبح المبلغ‬
‫المستحق لي خالًيا من الربا منذ بداية التعامل‪ .‬زوجتي تؤيد بقوة مثل هذا‬
‫الرأي‪ .‬لكن آخرين ل يؤيدونه‪ .‬البعض يقول إن الحكومة تضاعف أموال‬
‫التقاعد هذه عند التقاعد كرمز تقدير لزميل قديم يترك المهنة ول يمكنه‬
‫العمل أكثر مما عمل‪ .‬وهذا واجب على الحكومة أن تعتني بكبار السن‪.‬‬
‫والبعض يقول إن مبلغ ‪ 1500‬روبية مثل الن لن يكون له نفس القوة‬
‫الشرائية بعد ‪ 30‬سنة‪ .‬فتكون هذه الفائدة لزمة لحفظ القوة الشرائية‬
‫للمال‪.‬‬
‫الن عندي فكرة أن أترك حسابي لدى الحكومة كما هو مع الفائدة‪ .‬وفي كل‬
‫شهر رمضان أحسب قيمة الذهب الذي يمكن شراؤه بمالي المتجمع على‬
‫مدار السنة‪ .‬ثم في كل سنة أستمر في إضافة قيمة الذهب حتى وقت‬
‫التقاعد‪ .‬وعند التقاعد آخذ المبلغ الجمالي من صندوق التقاعد ثم آخذ منه‬
‫لنفسي المبلغ الذي يمكنه شراء قيمة الذهب المتجمعة كما حسبتها‪ ،‬وأنفق‬
‫ما تبقى على الفقراء على أنها ليست من حقي‪ .‬ثم أدفع الزكاة على المبلغ‬
‫الذي أخذته لنفسي عن جميع السنوات المتجمعة‪ .‬وبهذا يكون المبلغ المتجمع‬
‫لي خالًيا من الربا وله نفس القوة الشرائية‪ .‬فالسلم يعتمد على القيم الثابتة‬
‫من الذهب والفضة وليس على الدرهم والدينار كما في عهد النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ .‬أرجو التوجيه والنصيحة منكم‪.‬‬
‫الجواب‬
‫ما تفعله الحكومة الباكستانية مع موظفيها– كما في سؤالك– وهو النظام‬
‫دا ربوّيا بل عقد‬ ‫التقاعدي في عموم الدول السلمية مع موظفيها ليس عق ً‬
‫من عقود التبرعات؛ لن الدولة ممثلة في ولي المر معنية برعاية الموظف‬
‫وبمن يعول بعد نهاية خدمته وكبر سنه فما تقتطعه من مرتبه شهرّيا تضيف‬
‫عليه ن‬
‫سبة تماثل لما اقتطعته منه أو نحوها وتقوم بتشغيلها وتنميتها ثم يصرف له‬
‫كامل النسبتين بعد تقاعده‪ ،‬وإنما أتت شبهة الربا عند بعض الناس من حيث‬
‫إن الموظف يدفع مال ً على أقساط قليلة فيأخذ أكثر منها عند تقاعده من‬
‫الوظيفة‪ ،‬وليس كذلك‪ ،‬إذ حقيقة المر أن ما دفعته الدولة من نسبة هو تبرع‬
‫وليس لقاء عمل‪ ،‬إذ مقابل العمل هو الراتب الشهري الذي يستلمه الموظف‬
‫ضا مما يؤكد أن المعاش‬ ‫آخر الشهر‪ ،‬فهذا من الدولة شبيه بالمكافأة‪ ،‬وأي ً‬
‫التقاعدي عقد تبرع ل معاوضة‪ :‬أن توزيع هذا المعاش بعد وفاة صاحبه ل‬
‫يوزع حسب المواريث الشرعية بل على نمط خاص مما يدل على أن الدولة‬
‫قا ثابًتا له وإنما هو تبرع له ومكافأة‪،‬‬
‫ل ترى ما تعطيه للموظف أو ورثته ح ّ‬
‫وهذا زائد عن عقد المعاوضة معها الراتب الشهري الصافي بعد الخصم‪ ،‬وإن‬
‫كان من شبهة في معاشات التقاعد فهو أن أكثر الدول تشغل نسبة ما‬
‫تقتطعه من راتب الموظف في أعمال ربوية‪ ،‬وهذا حرام على الدولة ول دخل‬
‫للموظف فيه‪ ،‬حيث لم يعلم أو يؤخذ رأيه في تشغيل ما يخصه‪ ،‬فهي المرابية‬
‫وهي الظالمة‪ ،‬والموظف لم يرض بذلك بل هو مجبر عليه– دخلت مع الدولة‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على هذا الساس‪ ،‬وللدولة زيادة الراتب أو نقصانه دون أخذ موافقة‬
‫دا كسائر العقود لما جاز لها ذلك‪.‬‬‫الموظف‪ .‬ولو كان عق ً‬
‫أما إخراج الزكاة عن ما يقتطع منك لقرض التقاعد فل زكاة فيه لنك ل‬
‫تملكه‪ ،‬وإنما تملك راتبك بعد أن تخصم منه هذه النسبة‪ ،‬فإذا كان راتب‬
‫وظيفتك مثل ً )‪ (3000‬روبية في الشهر‪ ،‬وبعد الخصم ستستلم )‪(2500‬‬
‫روبية‪ ،‬فإن راتبك الفعلي هو هذا ل غير‪ ،‬وتزكي النقود إذا بلغت النصاب‪،‬‬
‫والنصاب هو ربع العشر ) ½ ‪ (% 2‬وحال عليها الحول مهما بلغت قوتها‬
‫ضا‪ ،‬وتعتبر الزكاة وسائر الحقوق المالية بالدراهم‬ ‫عا أو انخفا ً‬
‫الشرائية ارتفا ً‬
‫والدنانير‪ ،‬والعملت الورقية القائمة اليوم كالريال والروبية والدولر تقوم‬
‫مقامها‪ ،‬وكل عملة ورقية قائمة بنفسها في البيع والشراء وليست قائمة‬
‫مقام الذهب والفضة‪ ،‬وإنما قوتها وضعفها بقوة اقتصاد الدولة وضعفه‪ ،‬وإذا‬
‫كانت الدولة ل تصرف لموظفيها ذهًبا ول فضة فالعتبار للعملة الورقية وليس‬
‫للذهب ول للفضة‪ ،‬وإذا كان المر كذلك فل داعي لما أردت فعله من‬
‫احتسابك قيمة الذهب الذي اشتريته أو تريد شراءه ثم عند دفع الزكاة‪.‬‬
‫وخلصة القول‪ :‬أن ما يصرف لك من معاش تقاعدي كله حق لك في الشرع‬
‫فلك أن تتبرع به كله أو ببعضه إذا شئت‪ .‬وفقنا الله وإياك إلى كل خير‪ ..‬آمين‬

‫)‪(1 /‬‬

‫التقدم العلمي للمسلمين في حروبهم ضد الصليبيين‬


‫المرجع ‪ :‬الكامل للشيباني‬
‫الكامل ج‪ 10 :‬ص‪191 :‬‬
‫ثم دخلت سنة ست وثمانين وخمسمائة‬
‫ذكر وقعة الفرنج واليزك وعود صلح الدين إلى منازلة الفرنج‬
‫قد ذكرنا رحيل صلح الدين عن عكا إلى الخروبة لمرضه فلما برأ أقام بمكانه‬
‫إلى أن ذهب الشتاء وفي مدة مقامه بالخروبة كان يزكه وطلئعه ل تنقطع‬
‫عن الفرنج‬
‫فلما دخل صفر من سنة ست وثمانين وخمسمائة سمع الفرنج أن صلح‬
‫الدين قد سار للصيد ورأى العسكر الذي في اليزك عندهم قليل وأن الوحل‬
‫الذي في مرج عكا كثير يمنع من سلوكه من أراد أن ينجد اليزك فاغتنموا‬
‫ذلك وخرجوا من خندقهم على اليزك وقت العصر فقاتلهم المسلمون وحموا‬
‫أنفسهم بالنشاب وأحجم الفرنج عنهم حتى فني نشابهم فحملوا عليهم حينئذ‬
‫حملة رجل واحد فاشتد القتال وعظم المر وعلم المسلمون أنه ل ينجيهم إل‬
‫الصبر وصدق القتال فقاتلوا قتال مستقل إلى أن جاء الليل وقتل من‬
‫الفريقين جماعة كثيرة وعاد الفرنج إلى خندقهم‬
‫ولما عاد صلح الدين إلى المعسكر سمع خبر الوقعة فندب الناس إلى نصر‬
‫أخوانهم فأتاه الخبر أن الفرنج عادوا إلى خندقهم فأقام ثم إنه رأى الشتاء قد‬
‫ذهب وجاءته العساكر من البلد القريبة منه دمشق وحمص وحماه وغيرها‬
‫فتقدم من الخروبة نحو عكا فنزل بتل كيسان وقاتل الفرنج كل يوم ليشغلهم‬
‫عن قتال من بعكا من المسلمين فكانوا يقاتلون الطائفتين ول يسأمون ذكر‬
‫إحراق البراج ووقعة السطول‬
‫كان الفرنج في مدة مقامهم على عكا قد عملوا ثلثة أبراج من الخشب‬
‫عالية جدا طول كل برج منها خمس طبقات كل طبقة مملوءة من المقاتلة‬
‫وقد جمع أخشابها من الجزائر فإن مثل هذه البراج العظيمة ل يصلح لها من‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخشب ال القليل النادر وغشوها بالجلود والخل والطين والدوية التي تمنع‬
‫النار من إحراقها وأصلحوا الطرق ‪ -‬الكامل ج‪ 10 :‬ص‪ -192 :‬لها وقدموها‬
‫نحو مدينة عكا من ثلث جهات وزحفوا بها من العشرين من ربيع الول‬
‫فأشرفت على السور وقاتل من بها من عليه فانكشفوا وشرعوا في طم‬
‫خندقها فأشرف البلد على أن يملك عنوة وقهرا‬
‫فأرسل أهله إلى صلح الدين إنسانا سبح في البحر فأعلمه ما هم فيه من‬
‫الضيق وما قد أشرفوا عليه من أخذهم وقتلهم فركب هو وعساكره وتقدموا‬
‫إلى الفرنج وقاتلهم من جميع جهاتهم قتال عظيما دائما يشغلهم عن مكاثرة‬
‫البلد فافترق الفرنج فرقتين فرقة تقاتل صلح الدين وفرقة تقاتل أهل عكا‬
‫إل أن المر قد خف عمن بالبلد ودام القتال ثمانية أيام متتابعة آخرها الثامن‬
‫والعشرون من الشهر وسئم الفريقان القتال وملوا منه لملزمته ليل ونهارا‬
‫والمسلمون قد تيقنوا استيلء الفرنج على البلد لما رأوا من عجز من فيه عن‬
‫دفع البراج فإنهم لم يتركوا حيلة إل عملوها فلم يفد ذلك ولم يغن عنهم شيئا‬
‫وتابعوا رمي النفط الطيار عليها فلم يؤثر فيها فأيقنوا بالبوار والهلك فأتاهم‬
‫الله بنصر من عنده وأذن من إحراق البراج‬
‫وكان سبب ذلك أن إنسانا من أهل دمشق كان مولعا بجمع آلت النفاطين‬
‫وتحصيل عقاقير تقوي عمل النار فكان من يعرفه يلومه على ذلك وينكره‬
‫عليه وهو يقول هذه حالة لم أباشرها بنفسي إنما أشتهي معرفتها وكان بعكا‬
‫لمر يريده الله فلما رأى البراج قد نصبت على عكا شرع في عمل ما يعرفه‬
‫من الدوية المقوية للنار بحيث ل يمنعها شيء من الطين والخل وغيرهما‬
‫فلما فرغ منها حضر عند المير قراقوش وهو متولي المور بعكا والحاكم فيها‬
‫وقال له يأمر المنجنيقي أن يرمي في المنجنيق المحاذي لبرج من هذه‬
‫البراج ما أعطيه حتى أحرقه وكان عند قراقوش من الغيظ والخوف على‬
‫البلد ومن فيه ما يكاد يقتله فازداد غيظا بقوله وحرد عليه فقال له قد بالغ‬
‫أهل هذه الصناعة في الرمي بالنفط وغيره فلم يفلحوا‬
‫فقال له من حضر لعل الله تعالى قد جعل الفرج على يد هذا ول يضرنا أن‬
‫نوافقه على قوله فأجابه إلى ذلك وأمر المنجنيقي بامتثال أمره فرمى عدة‬
‫قدور نفطا وأدوية ليس فيها نار فكان الفرنج إذا رأوا القدر ل يحرق شيئا‬
‫يصيحون ويرقصون ويلعبون على سطح البرج حتى علم أن الذي ألقاه قد‬
‫تمكن من البرج ألقى قدرا مملوءة وجعل فيها النار فاشتعل البرج وألقى‬
‫قدرا ثانية وثالثة فاضطرمت النار في نواحي البرج وأعجلت من في طبقاته‬
‫الخمس عن الهرب والخلص فاحترق هو ومن فيه وكان فيه من الزرديات‬
‫الكامل ج‪ 10 :‬ص‪ - 193 :‬والسلح شيء كثير‬
‫وكان طمع الفرنج بما رأوا أن القدور الولى ل تعمل يحملهم على الطمأنينة‬
‫وترك السعي في الخلص حتى عجل الله لهم النار في الدنيا قبل الخرة‬
‫فلما احترق البرج الول انتقل الى الثاني وقد هرب من فيه لخوفهم فأحرقه‬
‫وكذلك الثالث وكان يوما مشهودا لم ير الناس مثله والمسلمون ينظرون‬
‫ويفرحون وقد اسفرت وجوههم بعد الكآبة فرحا بالنصر وخلص المسلمين‬
‫من القتل لنهم ليس فيهم أحد إل وله في البلد إما نسيب وإما صديق‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وحمل ذلك الرجل إلى صلح الدين فبذل له الموال الجزيلة والقطاع الكثيرة‬
‫فلم يقبل منه الحبة الفرد وقال إنما عملته لله تعالى ول أريد الجزاء إل منه‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسيرت الكتب إلى البلد بالبشائر وأرسل يطلب العساكر الشرقية فأول من‬
‫أتاه عماد الدين زنكي بن مودود بن زنكي وهو صاحب سنجار وديار الجزيرة‬
‫ثم أتاه علء الدين ولد عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي سيره أبوه‬
‫مقدما على عسكره وهو صاحب الموصل ثم وصل زين الدين يوسف صاحب‬
‫إربل وكان كل منهم إذا وصل يتقدم إلى الفرنج بعسكره وينضم إليه غيرهم‬
‫ويقاتلونهم ثم ينزلون‬
‫ووصل السطول من مصر فلما سمع الفرنج بقربه جهزوا الى طريقه‬
‫اسطول ليلقاه ويقاتله فركب صلح الدين في العساكر جميعها وقاتلهم من‬
‫جهاتهم ليشتغلوا بقتاله عن قتال السطول ليتمكن من دخول عكا فلم‬
‫يشتغلوا عن قصده بشيء فكان القتال بين الفريقين برا وبحرا‬
‫وكان يوما مشهودا لم يؤرخ مثله وأخذ المسلمون من الفرنج مركبا فيه من‬
‫الرجال والسلح وأخذ الفرنج من المسلمين مثل ذلك إل أن القتل في الفرنج‬
‫كان أكثر منه في المسلمين ووصل السطول السلمي سالما‬
‫ذكر وصول ملك اللمان إلى الشام وموته‬
‫في هذه السنة خرج ملك اللمان من بلده وهم نوع من الفرنج من أكثرهم‬
‫عددا وأشدهم بأسا وكان قد ازعجه ملك السلم البيت المقدس فجمع‬
‫عساكره وازاح علتهم وسار عن بلد وطريقه على القسطنطينية فأرسل ملك‬
‫الروم بهذا إلى صلح الدين يعرفه الخبر ويعده أنه ل يمكنه من العبور في‬
‫بلده فلما وصل ملك اللمان الى القسطنطينية عجز ملكه عن منعه من‬
‫العبور لكثرة جموعه لكنه منع عنهم الميرة ولم يمكن أحدا من رعيته من‬
‫حمل ما يريدونه إليهم فضاقت بهم الزواد والقوات وساروا‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التقدير في خلق النسان‬


‫د‪ .‬محمد بن إبراهيم دودح ‪18/5/1427‬‬
‫‪14/06/2006‬‬
‫)‪ (1‬معجزة التنويع في الخلق‪:‬‬
‫)‪ (2‬لطمات في تاريخ الداروينية‪:‬‬
‫)‪ (3‬التزوير في تاريخ الداروينية‪:‬‬
‫)‪ (4‬فلسفة استعمارية‪:‬‬
‫)‪ (5‬رأي الكنيسة‪:‬‬
‫)‪ (6‬رأي الباحثين المسلمين‪:‬‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله؛ وبعد‪:‬‬
‫ارتبط موضوع أصل الحياة والنسان في تاريخ العلوم بالداروينية نسبة إلى‬
‫دارون في كتابه "أصل النواع" الذي صدر في منتصف القرن التاسع عشر‬
‫وقال فيه بتطور أنواع الحياء بآليات افترضها مضمونها الصدفة‪ ,‬وخالفته‬
‫الكشوف العلمية لحقا فغير أنصاره الملمح تحت اسم الداروينية الجديدة مع‬
‫استمرار الحفاظ على مضمون الصدفة‪ ,‬ويفترض سؤال اتفاق علماء الطبيعة‬
‫عليها ابتداء فيقول‪) :‬هل هناك اّتفاق بين المختصين في العلوم وبين علماء‬
‫السلم في مسألة أصل النسان؟(‪ ,‬ولكن لم يتفق المختصون عليها بحيث‬
‫يصادم علماء السلم الواقع إذا خالفوهم‪ ,‬ومستعينا بالله تعالى أوجز القول‬
‫في ضوء ثوابت علم الحياء ‪ Biology‬وعلم تاريخ النسان ‪ Anthropology‬مبينا‬
‫أن النقطة الجوهرية هي رفض فلسفة الحدوث ذاتيا صدفة مهما كانت‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كيفيات تقدير الخلق وفق ما يكشفها العلم‪ ,‬وأن تدرج التنويع ليس بالضرورة‬
‫تطوًرا‪ ,‬وذلك في النقاط التالية‪:‬‬
‫)‪ (1‬معجزة التنويع في الخلق‪:‬‬
‫مندل عن اكتشاف قوانين الوراثة عام ‪ 1865‬فمهد لولدة علم الوراثة‬ ‫أعلن ِ‬
‫‪ Genetics‬في أوائل القرن العشرين‪ ,‬وقبل نشوء علم الوراثة ومعرفة دور‬
‫الجينات في الحفاظ على صفات النوع وراثًيا رأي لمارك ‪ Lamarck‬عام‬
‫‪ 1809‬أن أفراد الكائنات الحية تنقل السمات التي اكتسبتها في حياتها إلى‬
‫البناء‪ ،‬فالزرافة مثل تطورت عن طريق إطالة أعناقها شيئا ً فشيئا ً عندما‬
‫كانت تحاول الوصول إلى الغصان العلى‪ ،‬ولم يدرك دارون كذلك آلية‬
‫الحفاظ على توريث صفات النوع وإن تنوعت الفراد فافترض تغيره ذاتيا‬
‫صدفة لسباب خارجية عزاها إلى الطبيعة‪ ,‬ولكنها ل تمتلك إرادة واعية لتقرر‬
‫ما ينفع وتنسق العمل بين العضاء وبين الذكر والنثى فل بد إذن من قوة‬
‫عليا مدبرة‪ ,‬ومن المسلمات عند العقلء أن البيت المرتب الثاث ل يبني‬
‫نفسه وينظم أثاثه ذاتيا وأنه ل بد من إرادة واعية بنته ورتبته‪ ,‬ولكن الفلسفة‬
‫المادية ‪ Materialism‬أفرزت نظرية التطور عام ‪ 1859‬مخالفة أبسط‬
‫المسلمات عندما افترضت أن الفوضى ‪ Chaos‬يمكن أن تصنع نظاما وأن‬
‫الترتيب يوجد ذاتيا صدفة‪ ,‬فجوهرها في تفسير معجزة تنوع الحياء هو‬
‫إبداعات الصدفة ولذا من الولى كشف القناع بتسميتها "نظرية الصدفة"‪,‬‬
‫ولكن أدى اكتشاف تركيب الحمض النووي ‪ DNA‬البالغ التعقيد ليحافظ على‬
‫سمات أسلف كل نوع ويورثها للنسل إلى نقض قواعد نظرية دارون من‬
‫الساس‪ ,‬ومع ذلك استمر ترويجها مما يعكس غرضا عقائديا أكثر من كونها‬
‫اهتمامات علمية بحتة‪.‬‬
‫دعي الداروينية ‪ Darwinism‬أن الحياة بدأت بخلية تكونت صدفة من‬ ‫وت ّ‬
‫ً‬
‫مركبات غير عضوية في ظروف أولية للرض‪ ,‬ولكن لم ينجح أبدا أي شخص‬
‫في تكوين تركيب خلوي واحد من مواد بسيطة ول حتى في أكثر المختبرات‬
‫تطورًا‪ ,‬والخلية أكثر تعقيدا وروعة في أداء وظائف الحياة مما كان يظن‬
‫دارون في القرن التاسع عشر فهي تحتوي على محطات لتوليد الطاقة‬
‫ل‬
‫ومصانعَ مدهشة لنتاج النزيمات والهرمونات اللزمة للحياة ونظم نق ٍ‬
‫ط أنابيب معقدة لنقل المواد الخام والمنتجات ومختبرات بارعة‬ ‫وخطو َ‬
‫ومحطات تكرير تحلل المواد الخام إلى أجزائها البسط وبروتينات حراسة‬
‫متخصصة تغلف أغشية الخلية لمراقبة المواد الداخلة والخارجة وبرنامج‬
‫بالمعلومات الضرورية لتنسيق العمال في وقتها‪ ,‬فهل ُيبني هذا كله ذاتيا‬
‫صدفة!‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وقد رأى البعض بحساب الحتمالت أنه أيسر لقرد يعبث بمفاتيح آلة كاتبة أن‬
‫يصنع قصيدة صدفة من صنع بروتين واحد صدفة فما بالك بالنظام والتخطيط‬
‫والتصميم البديع الذي نراه في كل الكائنات الحية وجميع التكوينات في‬
‫الكون أجمعه‪ ,‬ووفق الموسوعة العلمية البريطانية فإن اختيار كل الحماض‬
‫المينية ‪ Amino Acids‬وهي أساس تكوين البروتينات لتكون عسراء التجاه‬
‫صدفة بل تدخل واع أشبه بقذف عملة معدنية في الهواء مليون مرة‬
‫والحصول دائما ً على نفس الوجه!‪ ,‬ونشأة خلية حية واحدة من ذاتها يعد‬
‫احتمال مستحيل مثل احتمال قيام القرد بكتابة تاريخ البشرية كله على آلة‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كاتبة بل أخطاء‪ ,‬ويعني هذا أن خلية حية واحدة تتحدى مقولة الصدفة‪ ,‬وقد‬
‫رد هويل ‪ Sir Fred Hoyle‬في مقالة نشرت عام ‪ 1981‬أن احتمال‬ ‫بين السير فِ ِ‬
‫ظهور أشكال الحياة صدفة يقارن بفرصة قيام سيل يمر بساحة خردة بتجميع‬
‫طائرة بوينج ‪ 747‬صالحة للطيران‪ ,‬والنتيجة التي يقود إليها العلم والمنطق‬
‫وليس اليمان فحسب هي أن كل الكائنات الحية قد جاءت بتخطيط واعي‬
‫وقصد أكيد‪ ,‬ومن يظل معتقدا في عصرنا بالفلسفة المادية بعدما دحضها‬
‫العلم في مجالت علمية شتى عليه أل يحسب نفسه من المحققين‪ ,‬قال‬
‫ماكس بلنك‪" :‬ينبغي على كل من يدرس العلم بجدية أن يقرأ العبارة التية‬
‫على باب محراب العلم‪َ) :‬تحّلى باليمان("‪ ,‬وقال الدكتور مايكل بيهي‪" :‬على‬
‫مدى الربعين سنة الماضية اكتشف علم الكيمياء الحيوية‪ ..‬أسرار الخلية‪،‬‬
‫وقد استلزم ذلك من عشرات اللف من الشخاص تكريس أفضل سنوات‬
‫حياتهم‪ ..‬وقد تجسدت نتيجة كل هذه الجهود المتراكمة‪ ..‬لدراسة الخلية‪ ..‬في‬
‫صرخة عالية واضحة حادة تقول‪ :‬التصميم المبدع! والتصميم الذكي المبدع‬
‫يؤدي حتما ً إلى التسليم بوجود الله"*‪.‬‬
‫والتبصر في السماك والنباتات والحشرات والطيور وحيوانات البر وهي‬
‫غافلة عنه يعني وجود توجيه وقصد لم تفرضه ضرورة وإنما أملته إرادة عليا‬
‫تعلم بكل شيء فأعدت للحدث قبل وقوعه‪ ,‬فأقدام البط تمتلك غشاء منذ‬
‫خروجه من البيض وليس وليد محاولة العوم‪ ,‬والثدي يمتلئ بلبن سميك‬
‫‪ Colostrum‬قبيل ولدة الجنين وكأنه على علم مسبق بموعد الولدة‪ ,‬وقد‬
‫وصف تشاندرا كراماسنغي الحقيقة بقوله‪" :‬تعرض دماغي لعملية غسيل‬
‫هائلة كي أعتقد َ أن العلوم ل يمكن أن تتوافق مع أي نوع من أنواع الخلق‬
‫المقصود‪) ..‬ولكني الن( ل أستطيع أن أجد أية حجة عقلنية تستطيع الوقوف‬
‫أمام وجهة النظر المؤمنة بالله‪ ..‬الن ندرك أن الجابة المنطقية الوحيدة‬
‫للحياة هي الخلق وليس الخبط العشوائي غير المقصود"‪ ,‬وطريق معرفة آلية‬
‫التنويع هو البحث العلمي‪ ,‬ولكن بدء النشأة وتجددها في الحياء والوظائف‬
‫المحددة لكل تركيب خلوي وانسجام كل عضو مع مثيله وتناسب كل زوج مع‬
‫بيئته ونظيره هو عند النابهين دليل أكيد على الخلق والتوجيه مهما كانت‬
‫الكيفيات‪ ,‬وهذا ما يعلنه القرآن الكريم ول يصعب إدراكه حتى على البسطاء‪:‬‬
‫ى" العلى ‪.3-1‬‬ ‫ذي قَد َّر فَهَد َ َ‬ ‫ى‪َ .‬وال ّ ِ‬‫سو ّ َ‬ ‫خل َقَ فَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ى‪ .‬ال ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ك العْل َ‬ ‫م َرب ّ َ‬ ‫س َ‬‫سب ِّح ا ْ‬‫" َ‬
‫وتحت ضغط الحقيقة أقرت مصطلحات علمية مبدأ الخلق مثل التصميم‬
‫الذكي ‪ Intelligent Design‬والكون الذكي ‪ Intelligent universe‬والتطور‬
‫المبرمج ‪ Programmed Evolution‬والتطور الموجه بوعي ‪Rational Directed‬‬
‫‪ Evolution‬وكلها تفصح عن تنظيم وتوجيه بل فوضى وإنما تقدير‬
‫‪ Predestination‬فتعلن أن العلم يقود لليمان‪ ,‬قال الفيزيائي هاوكنج‬
‫‪" :Hawking‬ليس كل تاريخ العلم إل التحقق التدريجي من أن الحداث لم تقع‬
‫بطريقة اعتباطية بل تعكس ترتيب ونظام ضمني أكيد")‪ ,(1‬وقال‪" :‬طالما أن‬
‫للكون بداية )واحدة أكيدة( فحتما ل بد من خالق )واحد(" )‪ ,(2‬وقال الشيخ‬
‫جوهري‪" :‬هذا النظام الجميل شاهد عدل على إله نظمه بعلمه وأحكمه‬
‫بقدرته فإن هذا العالم المشاهد ل يمكن أن يصدر إل عن إرادة لن المادة‬
‫عمياء جاهلة والجاهل ل يعطي علما")‪ ,(3‬والقرآن الكريم يدعو لتأمل تلك‬
‫َ‬
‫ن ذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫م ي ُِعيد ُه ُ إ ِ ّ‬‫خل ْقَ ث ُ ّ‬ ‫ه ال ْ َ‬‫ديُء الل ّ ُ‬ ‫م ي ََروْا ْ ك َي ْ َ‬
‫ف ي ُب ْ ِ‬ ‫الحقيقة وراء الخلق‪" :‬أوَل َ ْ‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫خل ْقَ ث ُ ّ‬ ‫ف ب َد َأ َ ال ْ َ‬‫ض َفانظ ُُروا ْ ك َي ْ َ‬ ‫سيُروا ِفي الْر ِ‬
‫ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫سيٌر‪ .‬قُ ْ‬ ‫عََلى الل ّهِ ي َ ِ‬
‫ى كُ ّ‬ ‫ن الل ّ َ َ‬ ‫َ‬
‫ديٌر" العنكبوت ‪19‬و ‪.20‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عَل َ‬ ‫خَرةَ إ ِ ّ‬‫شأةَ ال َ ِ‬ ‫شىُء الن ّ ْ‬ ‫ُين ِ‬
‫)‪ (2‬لطمات في تاريخ الداروينية‪:‬‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫دلت أقدم المتحجرات ‪ Fossils‬التي بلغ عمرها حوالي ‪ 600‬مليون سنة على‬
‫أن الحياة ظهرت بأشكال عديدة فجأة حتى وصف ظهورها بالنفجار‬
‫‪ ,Explosion‬وظهرت بهيئات بسيطة أول من اللفقاريات ‪ Invertebrates‬ولكنها‬
‫معقدة التركيب ابتداء بحيث امتلك بعضها عيون ذات عدسات كالفقاريات‬
‫‪ ,Vertebrates‬ول يعلم أحد حتى اليوم على وجه اليقين كيف ظهرت هذه‬
‫النماط المعقدة دون أسلف سابقة انحدرت منها‪ ,‬ومع هذا التنويع الهائل ل‬
‫يمكن تفسير نشأة أشكال الحياة إل بخطوات مقررة مسبقا في سجل خطة‬
‫الخلق محددة الخطوات عند نشأة الكون نفسه بل سبق مادة منذ نحو‪-10 :‬‬
‫‪ 15‬بليون سنة‪.‬‬
‫وطبقا للداروينية تكونت للسماك أقدام بدل الزعانف وخرجت للبر لتكون‬
‫البرمائيات ثم الزواحف ثم الطيور والثدييات‪ ,‬ولكن الفك السفلي للثدييات‬
‫يتكون من عظمة أما في الزواحف فتوجد ثلث عظام صغيرة على جانبي‬
‫الفك السفلي‪ ,‬وكل الثدييات لديها ثلث عظام في أذنها الوسطى هي‬
‫المطرقة والسندان والّركاب بينما توجد عظمة واحدة في الذن الوسطى‬
‫لدى كل الزواحف‪ ,‬فإذا كان عدد العظام مقياسا للتطور فأيهما أكثر تطورا‪:‬‬
‫ذوات العظام الثلثة أم العظمة الواحدة أم أن الكل مؤهل في أقصى درجات‬
‫الكمال بما يناسبه والتسلسل في ظهور الكائنات وانقراضها ما هو إل تجدد‬
‫في البداع بروعة مذهلة!‪.‬‬
‫وقد تنبأ دارون قائل‪" :‬إذا كانت نظريتي صحيحة فمن المؤكد أن هناك أنواعا ً‬
‫وسيطة ل حصر لها‪ ..‬ول يمكن أن تتوفر أدلة على وجودها في الماضي إل‬
‫بين بقايا المتحجرات"‪ ,‬ومنذ القرن التاسع عشر يبحث أنصاره عن حلقة‬
‫مفقودة بل جدوى فتسببوا دون قصد في تكذيب نبوءته وإن ملئوا الساحة‬
‫برسوم ظنية وأفلم خيالية للتأثير على العامة ولكنها تفتقر لدلة علمية‪,‬‬
‫فالمشكلة الساسية في إثبات الداروينية تكمن في سجل المتحجرات نفسه‬
‫فلم يكتشف قط أية آثار للحلقات الوسيطة بين النواع وعوضا ً عن ذلك‬
‫تظهر أجناس وتختفي أخرى‪ ,‬وقد اكتشفت متحجرة سمكية لها ما يشبه الرئة‬
‫البدائية قدر عمرها بحوالي ‪ 410‬مليون سنة سموها كولكانث ‪Coelacanth‬‬
‫وافترض أنها الحلقة الوسيطة بين السماك والبرمائيات‪ ,‬ولكن في ‪22‬‬
‫ديسمبر عام ‪ 1938‬اصطيدت من المحيط الهندي أول سمكة حية من نفس‬
‫النوع فتبين أنها ل تعيش قريبا من السطح لتغزو اليابسة وإنما على عمق ل‬
‫يقل عن ‪ 180‬مترا وأن ما حيك حولها من وجود رئة بدائية لجعلها حلقة‬
‫وسيطة مجرد افتراء‪.‬‬
‫ويشكل تركيب الطيور خاصة الجنحة ذات الريش والعظام الخفيفة عائقا‬
‫كبيرا ً لفرضية دارون‪ ,‬فمن غير الممكن أن تكون قد تشكلت جميع تركيبات‬
‫الطيور المطلوبة للطيران على انفراد تدريجيا ً هكذا صدفة عن طريق تراكم‬
‫تغييرات موجهة في التجاه الصحيح دوما‪ ,‬وافترضت الحلقة الوسيطة بعد‬
‫ظهور الديناصورات مع العثور على بقايا متحجرة لما يشبه ديناصور صغير له‬
‫أجنحة سموه الركيوبتركچ ‪ Archaeopteryx‬يشتبه عدم نمو عظمة القص عنده‬
‫وبالتالي عضلت صدره بما يكفى للطيران‪ ،‬ومع اكتشاف متحجرة عام‬
‫‪ 1992‬تبين أنه ليس إل طائرا منقرضا من ذوي السنان بعظمة قص عادية‬
‫وريش وهو من ذوات الدم الحار بعكس الديناصور الذي يخلو بعضه من‬
‫السنان‪ ,‬ومثله في وجود مخالب الجنحة للتمسك بالشجار كمثل بعض‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الطيور اليوم مثل طائر التاووراكو ‪ Taouraco‬وطائر الهواتزن ‪،Hoatzin‬‬


‫واكتشفت في الصين عام ‪ 1995‬متحجرة لطائر معاصر له بل أسنان سموه‬
‫كونفوشيوسورنيس ‪ Confuciusornis‬مما ينفي أن السنان بالضرورة سمة‬
‫للزواحف*‪ ,‬والخفاش يطير كذلك وهو حيوان ثديي ينتمي إلى فصيلة تختلف‬
‫كل الختلف عن فصيلة الطيور‪ ,‬والحوت يسبح مع السماك وهو أيضا حيوان‬
‫ثديي يختلف عن السماك‪ ,‬ول سبيل لتفسير هذا التنوع البديع المعجز إل‬
‫القدرة المبدعة الخلقة التي أتقنت كل شيء‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وكانت الضربة القاصمة للداروينية مع اكتشاف توريث صفات ‪ Traits‬كل نوع‬


‫بما يحفظ خصائصه‪ ,‬وفي محاولة يائسة افترضت عام ‪ 1941‬الطفرة‬
‫‪ Mutation‬ضمن النظرية التركيبية الحديثة للتطور ‪The Modern Synthetic‬‬
‫‪ ,Evolution Theory‬وسميت فرضية التطور البطيء التدريجي نتيجة تراكم‬
‫تغييرات جينية باسم "الدارونية الجديدة ‪ ,"New Darwinism‬ولكن ثبت أن‬
‫الطفرة لم تأت بكائن جديد وإنما بمسخ عقيم إذا لم تكتف بتخريب وظائف‬
‫الجينات في الحامض النووي الذي يحفظ الصفات‪ ,‬وقد باءت كل المحاولت‬
‫بفشل ذريع حتى في التيان بميزة نافعة واحدة جديدة‪ ,‬فُأدخلت الطفرات‬
‫على ذبابة الفاكهة ‪ Drosophila‬جيل ً بعد جيل لكثر من خمسين سنة فلم ينتج‬
‫سوى التشوهات ولم تخرج ذبابة واحدة قط بصفة واحدة جديدة محمودة‪،‬‬
‫وأما نتيجة إحداث الطفرات على النسان فالمثال الحي ما حدث للسكان‬
‫البرياء في هيروشيما وناجازاكي عام ‪ 1945‬حيث لم يكتسب ناج بعد إلقاء‬
‫القنبلتين النوويتين أي صفة وراثية محمودة سوى التشوهات التي طالت‬
‫الجنة في بطون المهات وإصابة مختلف العمار بالسرطان‪ ,‬وفوق ذلك لم‬
‫يعثر على أي من الشكال النتقالية التي من المفترض أن تدعم التطور‬
‫التدريجي‪ ,‬وكشف التشريح المقارن كذلك أن النواع التي يفترض أنها‬
‫تطورت بعضها من بعض تتسم بسمات تشريحية بعيدة الختلف مما يستبعد‬
‫النتقال التدريجي‪ ,‬ولذا استبدل بفرضية التطور بقفزات كبيرة متفرقة في‬
‫بداية السبعينيات‪.‬‬
‫فاقترح بعضهم على سبيل المثال أن أول طائر خرج من بيضة إحدى‬
‫الزواحف كطفرة هائلة؛ أي نتيجة صدفة ضخمة حدثت في التركيب الجيني‪,‬‬
‫ولكن الطفرات ل تؤدي سوى إلى تلف المعلومات الوراثية ومن ثم فإن‬
‫الطفرات الكبيرة لن ينتج عنها إل تلفيات كبيرة‪ ،‬ولكن هل نشأت الحياة ذاتها‬
‫كطفرة فجائية كبيرة! وهل نشأ الكون ذاته كذلك كطفرة ضخمة!‪ ,‬ومضمون‬
‫الداروينية الجديدة تراكم طفرات عشوائية في التركيب الجيني تدريجيا أو‬
‫فجائيا ويتم انتقاء سمات أنفع بآلية النتقاء الطبيعي كأساس للتطور!‪ ,‬ولكنها‬
‫بوجهيها كالدارونية القديمة تماما لم تكن نظرية علمية أبدا ً بل كانت مبدأ‬
‫فلسفي يروج لللحاد بخفاء حذر‪ ,‬ولو صح النتقال التدريجي أو الفجائي في‬
‫نشأة النواع فلن يكون ذلك مصادفة بل كعمليات خلق موجهة بوعي‪.‬‬
‫)‪ (3‬التزوير في تاريخ الداروينية‪:‬‬
‫ً‬
‫يقوم الداروينيون بإعادة البناء بالرسوم أو النماذج استنادا إلى بقايا‬
‫المتحجرات باستخدام التخمين‪ ،‬ويمكنك أن تشكل من جمجمة نموذجا‬
‫بملمح شمبانزي أو بقسمات فيلسوف ولذا ل تحظى بأي قيمة علمية وإن‬
‫ضللت العامة‪ ,‬وتعد الرسوم الثلثة المختلفة لمتحجرة القرد الفريقي‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجنوبي القوي )‪ Australopithecus robustus) Zinjanthropus‬مثال ً شهيرا ً لمثل‬


‫هذا التزييف‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن هذه الحيل تبدو بريئة إذا ما قورنت بأعمال التزييف المتعمدة‬
‫التي ارتكبت في تاريخ الداروينية‪ ,‬فل يوجد دليل حفري موثوق على وجود‬
‫حلقة وسيطة بين النسان وأقرب الثدييات شبها‪ ,‬فادعى تشارلز داوسون‬
‫عام ‪ 1912‬الحلقة المفقودة بعثوره على جزء من جمجمة وعظمة فك داخل‬
‫حفرة في بيلتداون بإنكلترا فسماه إنسان ِبلْتداون ‪ ,Piltdown Man‬وعرضت‬
‫كتب‬‫العينة في المتحف البريطاني بزعم أن عمرها خمسمائة ألف سنة و ُ‬
‫عنهما ما ل يقل عن خمسمائة رسالة دكتوراه‪ ،‬ولم تكتشف الخدعة إل عام‬
‫‪ 1949‬عندما اختبر المتحف عمرها بطريقة الفلورين فتبين أن الجمجمة‬
‫عمرها نحو خمسمائة سنة والفك حديث العهد يرجع لقرد والدوات الحجرية‬
‫الموضوعة معهما مقّلدة فأعلنت الفضيحة عام ‪ 1953‬على الجمهور‪.‬‬
‫وفي عام ‪ 1922‬أعلن مدير المتحف المريكي للتاريخ الطبيعي عن عثوره‬
‫على ضرس متحجرة في نبراسكا يحمل صفات مشتركة بين النسان والقرد‪،‬‬
‫فسماه البعض إنسان نبراسكا كما ُأعطي له في الحال اسما ً معقدا صعب‬
‫النطق حتى يضفي نوعا من العلمية هو هسبيروبايثيكوس هارولدكوكي‬
‫‪ ,Hesperopithecus Haroldcooki‬واستنادا ً إلى الضرس الوحد ُرسمت الرأس‬
‫عثر‬‫وأعيد بناء الجسد تخمينا بل تم رسمه مع زوجته‪ ,‬ولكن في عام ‪ُ 1927‬‬
‫على أجزاء أخرى من نفس الهيكل العظمي وتبين أن ذلك الضرس الوحد‬
‫يخص نوعا ً منقرضا ً من الخنازير البرية يسمى بروثينوبس ‪.Prosthennops‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وشجرة عائلة النسان المزعومة تمتد إلى القرد الفريقي الجنوبي‬


‫‪ ,Australopithecus‬ومنه نشأ النسان مستخدم الدوات ‪ Homo habilis‬ثم‬
‫النسان منتصب القامة ‪ ,Homo erectus‬وأخيرا ظهر النسان العاقل ‪Homo‬‬
‫‪ ,sapiens‬وأما التصورات الحديثة بنشأة النسان في غير أفريقيا أو أنه عاش‬
‫بجانب القرد الفريقي فهي دليل على التخبط‪ ,‬والطريقة التي تتحرك بها‬
‫القردة أسهل وأسرع وأكفأ من مشية النسان على قدمين فهو ل يستطيع أن‬
‫يتحرك بالقفز بين الشجار‪ ,‬ووفقا ً لمنطق نظرية التطور كان حريا ً به من هذا‬
‫الجانب أن يتطور ليصبح من ذوات الربع‪ ,‬وتبلغ أنواع القردة أكثر من ستة‬
‫آلف نوع لم يتبق منها اليوم سوى حوالي مئة وعشرين نوعا ً فقط وتمثل‬
‫دعى أنها‬‫البقية المنقرضة مصدرا ً ثريا ً لتزييف الحقائق‪ ,‬والمتحجرات التي ي ّ‬
‫أسلف للنسان فإنها إما تخص قرودا منقرضة أو تخص أجناسا ً بشرية قديمة‬
‫عاشت حتى فترة قريبة ولها نفس الهيئة والصفات الجسدية لبعض‬
‫المجتمعات البشرية اليوم‪ ,‬وفي البحث الحديث الذي أجري في عام ‪1994‬‬
‫حول قنوات التوازن في الذن الداخلية تم تصنيف القرد الجنوبي والنسان‬
‫صّنف النسان منتصب القامة ضمن‬ ‫مستخدم الدوات ضمن فئة القردة بينما ُ‬
‫فئة البشر‪ ,‬وأشهر العينات المكتشفة في أفريقيا ونسبت زورا للنسان‬
‫عثر عليها قرب بحيرة توركانا في كينيا ثم تبين‬
‫منتصب القامة هي تلك التي ُ‬
‫لحقا أنها لغلم في الثانية عشر من عمره لذا سميت متحجرة غلم توركانا‬
‫‪ ,Turkana Boy‬وما سموه بالنياندرتاليين ‪ Neanderthals‬هم جنس بشرى قد‬
‫أثبتت الكشوف أنهم كانوا يدفنون موتاهم ويصنعون اللت الموسيقية‪ ,‬وإذا‬
‫كانت سعة الجمجمة معيارا للذكاء فالنسان الكرومانيوني ‪ Cro-Magnon‬أكثر‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذكاء من النسان حاليا لن سعة جمجمته أكبر*‪.‬‬


‫)‪ (4‬فلسفة استعمارية‪:‬‬
‫افترض داروين صراع قاس من أجل البقاء في الطبيعة تزول معه أشكال‬
‫ضعيفة لم تتكيف مع بيئتها تتولد ذاتيا دوما وتبقى أخرى نجحت الصدفة في‬
‫إبداعها بطريقة أحكم‪ ,‬وبذلك يكون التطور سلسلة من المنتخبات تميزت‬
‫فيها النواع عبر حلقات وسيطة عديدة‪ ,‬ولذا كان العنوان الكامل لكتابه الول‬
‫الذي نشر عام ‪ 1859‬واشتهر باسم "أصل النواع" هو‪" :‬أصل النواع‬
‫بواسطة النتقاء الطبيعي أو الحفاظ على الجناس المفضلة في الصراع من‬
‫أجل الحياة ‪The Origin of Species by Means of Natural Selection or the‬‬
‫‪ ,"Preservation of Favoured Races in the Struggle for life‬ولكن علم الحافير‬
‫قد قدم ضربات أليمة لفرضية دارون فقد استنفذ الجهد ولم يعثر على أي‬
‫حلقة وسيطة قط وفعل علم الحياء نفس الشيء ولم يعثر على كائن واحد‬
‫قط من أصغر خلية إلى أكبر حيوان غير متكيف مع بيئته تشريحيا ووظيفيا‬
‫وسلوكيا‪.‬‬
‫وفي كتابه الثاني "سللة النسان ‪ "The Descent of Man‬قدم دارون عام‬
‫‪ 1871‬مزاعم حول تطور النسان من كائنات شبيهة بالقرود‪ ,‬فبدأ البحث‬
‫والتنقيب ليس عن متحجرات فحسب بل عن سللت بشرية حية تمثل‬
‫الحلقات الوسيطة‪ ,‬فقام أحدهم عام ‪ 1904‬في الكونغو باصطياد رجل‬
‫أفريقي متزوج ولديه طفلين‪ ،‬وبعد تقييده بالسلسل ووضعه في قفص‬
‫كالحيوان ُنقل إلى الوليات المتحدة المريكية حيث تم عرضه على الجمهور‬
‫في إحدى حدائق الحيوان تصحبه بعض القردة بوصفه أقرب حلقة انتقالية‬
‫للنسان الغربي البيض‪ ,‬وأخيرا انتحر الرجل المسالم الذي كان يسمى بلغته‬
‫المحلية أوتا بينجا ‪ Ota Benga‬بمعنى‪ :‬الصديق*‪ ,‬وليس من قبيل الصدفة أن‬
‫ُيكتب في بروتوكولت حكماء صهيون العبارة التالية‪" :‬لحظوا هنا أن نجاح‬
‫دارون ‪ ..Darwin‬قد رتبناه من قبل والمر غير الخلقي لتجاهات هذه العلوم‬
‫في الفكر الممي )غير اليهودي( سيكون واضحا ً لنا على التأكيد")‪ ,(4‬والزعم‬
‫بصراع حضارات الجناس البشرية ليس إل غرضا استعماريا يتخفى بعباءة‬
‫علمية زائفة ومضمونه تمييز عنصري‪ ,‬وهو جد الزعم بالنسان المثل‬
‫‪ Superman‬سليل النسان الغربي البيض الذي يسود وتنقرض بقية الشعوب‬
‫أو تصبح له عبيد‪ ,‬وما زالت البشرية تدفع ثمنا باهظا نتيجة لهذه الفكار‬
‫الزائفة التي جعلت دول معاصرة تمارس همجية الغاب بادعاءات كاذبة‪.‬‬
‫)‪ (5‬رأي الكنيسة‪:‬‬
‫اعتمادا على سفر التكوين ‪ geneses‬رفضت الكنيسة الداروينية ليس لسبب‬
‫تجاهل تدبير الله فحسب وإنما لمصادمة نصوص يستحيل حملها على التطور‬
‫تدل على أن آدم هو اسم أول إنسان على الرض وأنه خلق مباشرة من‬
‫ترابها بل أطوار تسبقه‪" :‬وجبل الرب الله آدم ترابا من الرض ونفخ في أنفه‬
‫خلقت منه امرأته‬ ‫نسمة حياة فصار آدم نفسا حّية" تكوين ‪ ,7‬وأنه فقد ضلعا ُ‬
‫مباشرة‪" :‬فأوقع الرب الله سباتا على آدم فنام فأخذ واحدة من أضلعه ومل‬
‫مكانها لحما وبني الرب الله الضلع التي أخذها من آدم امرأة وأحضرها إلى‬
‫آدم" تكوين ‪21‬و ‪ ,22‬ولذا اختارت الكنيسة رفض التطور بحزم وإل شككت‬
‫في صحة التدوين‪.‬‬
‫)‪ (6‬رأي الباحثين المسلمين‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جل الباحثين المسلمين الداروينية إجمال باعتبارها أحد شباك اللحاد‬ ‫رفض ُ‬
‫كما ُيرفض الطعام كله إذا خالطه سم‪ ,‬قال الدكتور أحمد أبو خطوة‪" :‬نحن‬
‫كمسلمين ل نتفق إجمال مع نظرية التطور إن لم ُتدخل في اعتبارها القدرة‬
‫والمشيئة اللهية")‪ ,(5‬واكتفى البعض برفض الصدفة وتوقفوا في إمكان‬
‫الطوار المقدرة كتفسير للتنويع الهائل في أشكال الكائنات الحية على‬
‫الرض‪ ,‬فوافقوا نظريات حديثة تجعل التقدير أساسا للتطور إن صح كمقولة‬
‫التطور الموجه بوعي ‪ Rational Directed Evolution‬وتجنبوا الخوض فيما لم‬
‫يفصل فيه العلم بعد؛ فقد جاء في فتاوى الزهر‪" :‬ورد أن الّله خلق النسان‬
‫نوعا مستقل ل بطريق النشوء والشتقاق من نوع آخر‪ ،‬وإن كان كل المرين‬
‫من الجائز العقلي الذي يدخل تحت قدرة الّله تعالى‪ ،‬قال بعض العلماء‪ :‬إنه ل‬
‫يوجد فى النصوص أن الله خلق النسان الول من تراب دفعة واحدة أو‬
‫بتكوين متمهل على انفراد فسبيل ذلك التوقف وعدم الجزم بأحد المرين‬
‫حتى يقوم الدليل القاطع عليه فنعتقده ما دام أن الذي فعل ذلك كله هو الله‬
‫تعالى‪ ,‬ثم إن النواميس المذكورة فى مذهب داروين ظواهر واضحة في‬
‫الكون ول حرج في اعتقادها ما دام أن الله هو الذي خلقها ووجهها فهي ل‬
‫َ‬
‫يٍء{‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬‫خال ِقُ ك ُ ّ‬ ‫ه إ ِل ّ هُوَ َ‬ ‫م ل إ ِل َ‬ ‫ه َرب ّك ُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫تحقق وجودها من نفسها‪} :‬ذ َل ِك ُ ُ‬
‫النعام ‪ ،102‬فهو خالق المادة والنواميس")‪)" ,(6‬ولكن( قولهم إن‬
‫خلقت عشوائيا بغير تدبير سابق وعلم محكم يرده قول الّله‬ ‫المخلوقات ُ‬
‫قد ٍَر{ القمر ‪.(7)"49‬‬ ‫خل َ ْ‬
‫قَناه ُ ب ِ َ‬ ‫يٍء َ‬
‫ش ْ‬ ‫سبحانه }إ ِّنا ك ُ ّ‬
‫ل َ‬
‫وقال الستاذ محمد إسماعيل إبراهيم‪" :‬يقرر العلم الحديث أن الحياة ظهرت‬
‫على هذه الرض أول ما ظهرت على شواطئ المسطحات المائية حيث‬
‫يتكون بجوارها الطين الذي نشأ منه‪ ..‬النبات فالحيوان فالنسان وأن هذا‬
‫التطور في حالت الطين وأشكاله‪ ..‬حدثت عبر مليين السنين حتى أثمرت‪..‬‬
‫وكان أكمل وأكرم ثمره من ثمارها في النهاية هو النسان‪ ,‬والقرآن الكريم‬
‫لم يبين لنا كيف تفرعت هذه الشجرة حتى كان النسان أحد فروعها ولكنه‬
‫أشار في أكثر من آية إلى الصلة الوثيقة بين النسان وعالم الحياء الناشئ‬
‫مآٍء"‬
‫من ّ‬ ‫خل َقَ ك ُ ّ‬
‫ل َدآب ّةٍ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫من الماء الممزوج بالتراب‪ ,‬ففي قوله تعالى‪َ" :‬والل ّ ُ‬
‫ي" النبياء ‪30‬؛ دللة‬ ‫ح ّ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫مآِء ك ُ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫جعَل َْنا ِ‬‫النور ‪ ,45‬وقوله سبحانه‪" :‬وَ َ‬
‫قوية على أن الحياء كلها ومنها النسان مخلوقة من مادة واحدة هي الماء")‬
‫‪,(8‬‬
‫ي" النبياء‬ ‫ح‬
‫ْ َ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬‫ي‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫مآ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫نا‬
‫َ َ َ َ ِ َ‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫و‬‫"‬ ‫الية‪..‬‬ ‫"شطر‬ ‫قطب‪:‬‬ ‫سيد‬ ‫وقال‬
‫‪30‬؛‪ ..‬يقرر‪ ..‬حقيقة‪ ..‬أن الماء هو مهد الحياة الول‪ ..‬وأقصى ما ُيقال‪ ..‬إن‬
‫نظرية النشوء والرتقاء لدارون وجماعته ل تعارض مفهوم النص القرآني في‬
‫هذه النقطة بالذات")‪.(9‬‬
‫وساق البعض نقول عن علماء مسلمين تصرح بأن التدريج مع التنويع وتطور‬
‫الشكال ظاهرة واضحة في الكون ول ُتعارض أن الله تعالى هو المدبر وإنما‬
‫ُتبين كيف بدأ الخلق‪ ,‬فغاية الوجود معرفة الله وعبادته ولذا كانت الوجهة منذ‬
‫خلق الكون والرض هي إيجاد النسان صاحب الفكر ليقوم بالمهمة‪,‬‬
‫والتطوير دليل على التقدير وإل ما كانت الوجهة دائما نحو الرقى‪ ,‬قال ابن‬
‫خلدون‪" :‬أنظر إلى عالم التكوين كيف ابتدأ من المعادن ثم النبات ثم‬
‫الحيوان على هيئة بديعة من التدريج‪ ,‬آخر أفق المعادن متصل بأول أفق‬
‫النبات مثل الحشائش وما ل بذر له وآخر أفق النبات مثل النخل والكرم‬
‫متصل بأول أفق الحيوان مثل الحلزون والصدف‪ ,..‬ومعنى التصال في هذه‬
‫المكونات أن آخر أفق منها مستعد بالستعداد الغريب لن يصير أول أفق‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذي بعده واتسع عالم الحيوان وتعددت أنواعه وانتهى في تدريج التكوين‬
‫إلى النسان صاحب الفكر")‪ ,(10‬وقال البروسوي‪" :‬يكون النسان في زمرة‬
‫الجمادات وأول نعمة عليه أن الله تعالى كرمه فنقله من عالم الجماد إلى‬
‫عالم النبات ثم عظم شأنه فنقله من عالم النبات إلى عالم الحيوان فجعله‬
‫حساسا متحركا بالرادة ثم نقله إلى عالم النسان فجعله ناطقا وهى نعمة‬
‫أخرى أعظم مما سبق")‪ ,(11‬وفي تفسير الميزان‪" :‬العناية اللهية تهدي‬
‫أنواع النبات والحيوان إلى كمال خلقها وغاية وجودها")‪.(12‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ولكن علماء السلم لم يستخدموا كلمة التطور ‪ Evolution‬على نحو ما تعنيه‬


‫في الداروينية وإنما بمعنى الترقي المتدرج في التنويع بيانا لوحدانية الله‬
‫تعالى وقدرته‪ ,‬فوحدة الخلق في الصل والطبيعة دليل على وحدانيته وطيف‬
‫التدرج الواسع في التنويع دليل على قدرته تعالى‪ ,‬قال جوهري‪" :‬سنة التطور‬
‫والرتقاء ‪ ..‬تجري عليها الطبيعة في جميع أركانها من الذرة‪ ..‬إلى النظام‬
‫الشمسي")‪ ,(13‬و"سنة الكون الترقي من أسفل إلى أعلى")‪" ..(14‬ل ُيخلق‬
‫العلى إل بعد خلق الدنى فلم ُيخلق الحيوان إل بعد خلق النبات ولم ُيخلق‬
‫النسان إل بعد خلق الحيوان)‪ ,(15‬ولكن "شعار الكون هو ذا‪ :‬الوحدة في‬
‫التفنن‪ ,‬فإن صعدت في سلم العوالم وجدت وحدة النظام والخلقة مع تفنن‬
‫ل يعرف حده في تلك الجرام الفلكية‪ ,‬وإن أجلت بنظرك في مراتب الحياة‬
‫من )أدنى( الكائنات إلى أعلها وجدت وحدة التناسب والتسلسل‪ ,‬كذلك‬
‫القوى الطبيعية كلها صادرة بالتسلسل عن قوة أصلية واحدة")‪ ,(16‬وقد‬
‫ه العالم من مادة واحدة ليستدلوا على )وحدانيته( وقدرته")‪,(17‬‬ ‫"خلق الل ُ‬
‫وفي بيان الحكمة وراء خلق الجنين النساني في أطوار قال ابن عاشور‪:‬‬
‫"التطور هو مقتضى الحكمة وهي من شؤون العلم وإبراُزه على أحكم وجه‬
‫هو من أثر القدرة")‪ ,(18‬و"الطوار دالة على حكمة الخالق وعلمه وقدرته‬
‫ت واحدة‪ ..‬دليل على تمكن الخالق من كيفيات‬ ‫فإن تطور الخلق‪ ..‬والذا ُ‬
‫الخلق والتبديل في الطوار")‪ ,(19‬وقال سيد قطب‪" :‬ليس هناك ما يمنع من‬
‫وجود أنواع من الحيوان في أزمان متوالية بعضها أرقى من بعض بفعل‬
‫الظروف السائدة في الرض ومدى ما تسمح به من وجود أنواع تلئم هذه‬
‫الظروف السائدة حياتها ثم انقراض بعضها حين تتغير الظروف السائدة‬
‫بحيث ل تسمح لها بالحياة‪ ,‬ولكن هذا ل يحتم أن يكون بعضها متطورا ً من‬
‫بعض")‪.(20‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫وتجنب آخرون المأثور وسلكوا مسلك التأويل على وجه غير شائع في‬
‫التفسير بغير جزم‪ ,‬فقالوا مثل‪ :‬الزواحف تمشي غالبا على بطنها كالتمساح‬
‫لثقله وتمشي الطيور على رجلين والثدييات على أربع؛ فإذا كان هذا هو‬
‫ترتيب خلق أنواع الحيوان قبل النسان فهو نفس الترتيب مع بيان وحدة‬
‫ى‬ ‫َ‬ ‫مآٍء فَ ِ‬ ‫خل َقَ ك ُ ّ‬ ‫الصل في قوله تعالى‪َ" :‬والل ّ ُ‬
‫شي عَل َ‬ ‫م ِ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫م ّ‬
‫َ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫من ّ‬ ‫ل َدآب ّةٍ ّ‬ ‫ه َ‬
‫ما‬
‫ه َ‬ ‫خل ُقُ الل ّ ُ‬ ‫ى أْرب ٍَع ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫شي عَل َ‬ ‫م ِ‬‫من ي َ ْ‬‫م ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ن وَ ِ‬ ‫شي عَل َى رِ ْ َ‬
‫جلي ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫م ِ‬
‫من ي َ ْ‬‫م ّ‬
‫منهُ ْ‬‫ب َط ْن ِهِ وَ ِ‬
‫ديٌر" النور ‪ ,45‬ولم يقل القرآن بأن الطين‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬‫ى كُ ّ‬ ‫ن الل ّ َ َ‬ ‫يَ َ‬
‫َ‬ ‫ه عَل َ‬ ‫شآُء إ ِ ّ‬
‫ه‬‫ق ُ‬ ‫َ‬
‫خل َ‬‫يٍء َ‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫نك ّ‬ ‫ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫ّ‬
‫أصل مباشر للنسان بل جعله بداية فحسب‪" :‬الذِيَ أ ْ‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن" السجدة ‪ ،7‬ولم يعتمد القرآن رواية الضلع‬ ‫طي ٍ‬‫من ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫خل ْقَ ال ِن ْ َ‬ ‫وَب َد َأ َ َ‬
‫المفقود وإنما أفاد اصطفاء آدم كالنبياء من بين أقوامهم وبقية الجناس مما‬
‫ل‬‫م َوآ َ‬ ‫هي َ‬
‫ل إ ِب َْرا ِ‬ ‫م وَُنوحا ً َوآ َ‬ ‫ى آد َ َ‬ ‫ف َ‬ ‫صط َ َ‬ ‫ها ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫يحتمل أنه نبي جد رأس أمة‪" :‬إ ِ ّ‬
‫د‬ ‫عن‬ ‫ى‬
‫ِ َ َ ِ َ‬ ‫س‬ ‫عي‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫م‬
‫ِ ّ َ‬‫ن‬ ‫إ‬ ‫"‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫قوله‬ ‫وفي‬ ‫‪,‬‬ ‫‪33‬‬ ‫عمران‬ ‫ن" آل‬ ‫مي َ‬ ‫ن عََلى ال َْعال َ ِ‬ ‫مَرا َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ِ‬
‫ن" آل عمران ‪59‬؛ قد يقال‬ ‫ُ‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫كن‬ ‫ُ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫م‬ ‫ث‬ ‫ب‬
‫ُ ِ َُ ٍ ِ ّ‬‫را‬ ‫ت‬ ‫من‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫د‬‫آ‬
‫ِ َ ِ َ َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬
‫أن عيسى كآدم وكانت نشأته مباشرة فكذلك يجب أن تكون نشأة آدم من‬
‫التراب مباشرة‪ ,‬ولكن ل توجد دللة صريحة على خلق آدم فجأة وإنما المقام‬
‫بيان للقتدار فالمثلية في القتدار وظاهر المعنى أن الذي قدر على إيجاد آدم‬
‫من تراب رغم الفرق الشاسع بينهما أهون عليه خلق عيسى نظيره بل أب‪,‬‬
‫وتقدير خلق آدم أطوارا يعمق الفرق ويبين القصد ويجلي القتدار‪ ,‬والقول‬
‫بخلق النسان أطوارا يفيد أن خلقه هو المقصود على طول أطوار خلق‬
‫العالم‪ ,‬ولذا يرجعه القرآن عند التفصيل إلى صلصال أو طين لزب‪ ,‬وفي‬
‫ن" الحجر ‪26‬؛‬ ‫سُنو ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫مإ ٍ ّ‬‫ح َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ّ‬ ‫صا ٍ‬ ‫صل ْ َ‬ ‫من َ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬ ‫قَنا ا ِ‬ ‫خل َ ْ‬‫قد ْ َ‬ ‫قوله تعالى‪" :‬وَل َ َ‬
‫الحمأ المسنون أشبه ما يكون بصخر ناري طحنته السنون وكلها أحوال مرت‬
‫ق" العلق ‪2‬؛‬ ‫م ْ َ‬ ‫خل َقَ ا ِ‬
‫ن عَل ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬ ‫بها الرض‪ ,‬وعندما يحدثك القرآن قائل‪َ " :‬‬
‫فل يعني خلق الجنين مباشرة مما يماثل علق البرك وكذلك النوع‪ ,‬وقوله‬
‫ل" النبياء ‪37‬؛ يرجع النسان للحالة الولى‬ ‫ج ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫سا ُ‬ ‫خل ِقَ الن ْ َ‬ ‫تعالى‪ُ " :‬‬
‫للكون حيث لم تكن مادة وإنما موجة أو اهتزازة تتردد في عجل كتعبير عن‬
‫خلقه وطبيعته بعكس السائد أنه وصف‬ ‫الشيء بلزمه‪ ,‬والمقام يتعلق بمادة َ‬
‫ل" السراء ‪ ,11‬ولكن‬ ‫جو ً‬ ‫ن عَ ُ‬ ‫سا ُ‬ ‫ن ال ِن ْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫خُلقه وطبعه نحو قوله تعالى‪" :‬وَ َ‬ ‫ل ُ‬
‫الفيزياء نجحت بالفعل في إثبات توحد معظم القوى وتسعى جاهدة لثبات‬
‫توحدها جميعا في حالة سميت بالتوحد الكبير ‪ super unification‬أساسها قوة‬
‫واحدة سميت بالقوة الكبرى ‪ Super Force‬قد نشأت منها كل القوى والمواد‬
‫وتطورت أشكال الذرات والمجرات وأخيرا ظهر النسان‪ ,‬وفي قوله تعالى‬
‫وارًا" نوح ‪13‬و ‪14‬؛ قالوا‪ :‬ل قيد‬ ‫قك ُ َ‬
‫م أط ْ َ‬ ‫خل َ َ ْ‬ ‫ن ل ِل ّهِ وََقارًا‪ .‬وَقَد ْ َ‬ ‫جو َ‬ ‫م ل َ ت َْر ُ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫" ّ‬
‫يخصص الوصف بأطوار الجنين وظاهره مجموع النوع النساني منذ كان نباتا‬
‫ض ن ََباتًا" نوح ‪ ,17‬قال‬ ‫خاصة مع الستطراد بعده بآيتين‪" :‬والل ّ َ‬
‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ّ‬ ‫ه أنب َت َك ُ ْ‬ ‫َ ُ‬
‫الجاعوني‪" :‬الكلم مسوق سوق الحقيقة من غير تشبيه واستعارة‪..‬‬
‫ل بها )الشيخ الوائلي( على أنها قد تشير إلى خلق النسان التدريجي‬ ‫)و(استد ّ‬
‫م إلى‬ ‫ور النبات إلى حيوان ث ّ‬ ‫من طور إلى آخر‪) ..‬وقال( هذه النظرّية أي تط ّ‬
‫وا )أي ذاتيا صدفة؛ فهي( مرفوضة من أساسها‪) ..‬لنه(‬ ‫إنسان‪ ..‬إذا قلنا‪ ..‬عف ً‬
‫وا فل ضير‬ ‫وا بل بإرادة الله‪) ,‬و(إذا قلنا‪) ..‬بتقدير( الخالق‪ ..‬ل عف ً‬ ‫ل شيء عف ً‬
‫من ذلك")‪ ,(21‬ومجمل القول أنه لو ظهر يوما ما بمعزل عن الداروينية دليل‬
‫قا أما اليوم فالدليل‬ ‫يرجح التطور بتقدير الله فالسلم ل يصادم حقيقة مطل ً‬
‫مفقود‪ ,‬والستنصار لنشأة النسان خاصة من الحيوان بل دليل علمي يؤيد‬
‫تحوله ول قرينة صارفة لظواهر المأثور سيظل كذلك ادعاء محل شك‪,‬‬
‫ويسبق القرآن في بيان أول حالة للكون دليل على الوحي وتأكيدا لخلق‬
‫النسان بتقدير وقصد مهما كانت الكيفيات كحلقة متميزة من جملة حلقات‬
‫ل‬
‫ج ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا ُ‬‫خل ِقَ الن ْ َ‬ ‫موجهة بوعي منذ البدء؛ وذلك وفي قوله تعالى‪ُ " :‬‬
‫ُ‬
‫ن" النبياء ‪.37‬‬ ‫جُلو ِ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫م آَياِتي فَل َ ت َ ْ‬ ‫سأوِْريك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫________________________________________‬
‫)‪The whole history of science has been the gradual realization that“ (1‬‬
‫‪events do not happen in an arbitrary manner, but that they reflect a certain‬‬
‫‪(underlying order.” (Brief history of Time, page 140‬‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪So long as the universe had a (Certain one) beginning .. it had a" (2‬‬
‫‪((Certain one) Creator." (Brief history of Time, page 122‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الجواهر للشيخ طنطاوي جوهري ج ‪21‬ص ‪.259‬‬
‫)‪ (4‬بروتوكولت حكماء صهيون‪ ,‬البروتوكول الثاني‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫)‪ (5‬د‪ .‬أحمد نبيل أبو خطوة العدد الخامس من مجلة العجاز العلمي‪.‬‬
‫)‪ (6‬فتاوى الزهر ج ‪7‬ص ‪.399‬‬
‫)‪ (7‬فتاوى الزهر ج ‪7‬ص ‪ ,412‬مجلة الزهر ج ‪2‬ص ‪ ,749‬مجلة الهداية‬
‫البحرين عدد مارس ‪.1993‬‬
‫)‪ (8‬القرآن وإعجازه العلمي ‪ -‬الستاذ محمد إسماعيل إبراهيم ج ‪1‬ص ‪.97‬‬
‫)‪ (9‬في ظلل القرآن لسيد قطب المتوفى سنة ‪ 1386‬هـ ج ‪5‬ص ‪.155‬‬
‫)‪ (10‬مقدمة ابن خلدون ج ‪1‬ص ‪.40‬‬
‫)‪ (11‬تفسير حقي البروسوي المتوفى سنة ‪ 1137‬هـ ج ‪13‬ص ‪.71‬‬
‫)‪ (12‬تفسير الميزان للطباطبائي المتوفى سنة ‪ 1402‬هـ ج ‪9‬ص ‪.293‬‬
‫)‪ (13‬تفسير الجواهر للشيخ طنطاوي جوهري ج ‪7‬ص ‪.140‬‬
‫)‪ (14‬تفسير الجواهر للشيخ طنطاوي جوهري ج ‪2‬ص ‪.48‬‬
‫)‪ (15‬تفسير الجواهر للشيخ طنطاوي جوهري ج ‪2‬ص ‪.180‬‬
‫)‪ (16‬تفسير الجواهر للشيخ طنطاوي جوهري ج ‪1‬ص ‪.146‬‬
‫)‪ (17‬تفسير الطاهر بن عاشور المتوفى سنة ‪1393‬هـ ج ‪11‬ص ‪.101‬‬
‫)‪ (18‬تفسير الطاهر بن عاشور المتوفى سنة ‪1393‬هـ ج ‪15‬ص ‪.337‬‬
‫)‪ (19‬في ظلل القرآن لسيد قطب المتوفى سنة ‪ 1386‬هـ ج ‪3‬ص ‪.195‬‬
‫)‪ (20‬النشوء والرتقاء ورؤية القرآن للخلق ‪ -‬تاج الدين محمود الجاعوني‪.‬‬
‫)‪ (21‬خديعة التطور ‪ -‬عدنان أوكطار )هارون يحيى‪ ,‬جاويد يالجن(‪:‬‬
‫المرجع الرئيس للمعلومات العلمية باختصار وتصرف‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫التقديم والتأخير في القرآن‬


‫مقدمة‪:‬‬
‫من المسلم به أن الكلم يتألف من كلمات أو أجزاء ‪ ,‬وليس من الممكن‬
‫النطق بأجزاء أي كلم دفعة واحدة ‪.‬من أجل ذلك كان ل بد عند النطق‬
‫بالكلم من تقديم بعضه وتأخير بعضه الخر ‪.‬وليس شيء من أجزاء الكلم‬
‫في حد ذاته أولى بالتقديم من الخر ‪.‬لن جميع اللفاظ من حيث هي ألفاظ‬
‫تشترك في درجة العتبار‪ ,‬هذا بعد مراعاة ما تجب له الصدارة كألفاظ‬
‫الشرط والستفهام ‪ .‬وعلى هذا فتقديم جزء من الكلم أو تأخيره ل يرد‬
‫اعتباطا ً في نظم الكلم ‪ ,‬وتأليفه وإنما يكون عمل ً مقصودا ً يقتضيه غرض‬
‫بلغي أو داع من دواعيها ‪.‬‬
‫إن ما يدعو بلغيا ً إلى تقديم جزء من الكلم هو هو ذاته ما يدعو بلغيا إلى‬
‫ً‬
‫تأخير الجزء الخر ‪ .‬وإذا كان المر كذلك فإنه ل يكون هناك مبرر لختصاص‬
‫كل من المسند إليه والمسند بدواع خاصة عند تقديم أحدهما أو تأخيره عن‬
‫الخر ‪ ,‬لنه إذا تقدم أحد ركني الجملة تأخر الخر ‪ ,‬فهما متلزمان ‪(1).‬‬
‫إن تقديم اللفاظ بعضها على بعض له أسباب عديدة يقتضيها المقام وسياق‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القول‪ ،‬يجمعها قولهم‪ :‬إن التقديم إنما يكون للعناية والهتمام‪ .‬فما كانت به‬
‫عنايتك أكبر قدمته في الكلم‪ .‬والعناية باللفظة ل تكون من حيث أنها لفظة‬
‫معينة بل قد تكون العناية بحسب مقتضى الحال‪ .‬ولذا كان عليك أن تقدم‬
‫كلمة في موضع ثم تؤخرها في موضع آخر لن مراعاة مقتضى الحال تقتضي‬
‫ذاك‪ .‬والقرآن أعلى مثل في ذلك فإنا نراه يقدم لفظة مرة ويؤخرها مرة‬
‫أخرى على حسب المقام‪ .‬فنراه مثل ً يقدم السماء على الرض ومرة يقدم‬
‫الرض على السماء ومرة يقدم النس على الجن ومرة يقدم الجن على‬
‫النس ومرة يقدم الضر على النفع ومرة يقدم النفع على الضر كل ذلك‬
‫بحسب ما يقتضيه القول وسياق التعبير‪.‬‬
‫ل‪ :‬لماذا قدم السماء على الرض هنا؟ قلت لن الهتمام‬ ‫فإذا قيل لك مث ً‬
‫بالسماء أكبر ثم إذا قيل لك ولماذا قدم الرض على السماء في هذه الية‬
‫قلت لن الهتمام بالرض هنا أكبر‪ ،‬فإذا قيل‪ :‬ولماذا كان الهتمام بالسماء‬
‫هناك أكبر وكان الهتمام بالرض هنا أكبر؟وجب عليك أن تبين سبب ذلك‬
‫وبيان الختلف بين الموطنين بحيث تبين أنه ل يصح أو ل يحسن تقديم‬
‫الرض على السماء فيما قدمت فيه السماء أو تقديم السماء على الرض‬
‫فيما قدمت فيه الرض بيانا ً شافيًا‪ .‬وكذلك بقية المواطن الخرى ‪,‬ولم يكتف‬
‫القرآن الكريم بمراعاة السياق الذي وردت فيه فحسب بل راعى جميع‬
‫المواضع التي وردت فيها اللفظة ونظر إليها نظرة واحدة شاملة في القرآن‬
‫الكريم كله‪ .‬فنرى التعبير متسقا ً متناسقا ً مع غيره من التعبيرات)‪. (2‬‬
‫أسباب التقديم والتأخير في القرآن ‪:‬‬
‫قال السيوطي‪:‬أما أسباب التقديم والتأخير وأسراره فقد ظهر لي منها في‬
‫الكتاب العزيز عشرة أنواع ‪:‬‬
‫شهِد َ‬‫الول ‪:‬التبرك كتقديم اسم الله في المور ذوات الشأن ‪.‬ومنه قوله‪َ ( :‬‬
‫الل ّه أ َنه ل َ إل َه إل ّ هُو وال ْمل َئ ِك َ ُ ُ‬
‫ما )]آل عمران‪.[18:‬‬ ‫ة وَأوُْلوا ْ ال ْعِل ْم ِ َقآئ ِ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫ُ ّ ُ‬
‫ل )]النساء‪[69:‬‬ ‫سو َ‬ ‫ه َوالّر ُ‬ ‫ّ‬
‫من ي ُط ِِع الل َ‬ ‫الثاني‪ :‬التعظيم ‪,‬كقوله‪( :‬وَ َ‬
‫ن‬
‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬‫الثالث‪ :‬التشريف‪ ,‬كتقديم الذكر على النثى في نحو‪( :‬إ ِ ّ‬
‫مَنات) ]الحزاب‪[35:‬الية‪.‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت َوال ْ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫سل ِ َ‬‫م ْ‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫ت ‪]) ....‬الروم‪[19:‬والخيل في قوله‪(:‬‬ ‫مي ّ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ج ال ْ َ‬‫خرِ ُ‬ ‫والحي في قوله‪( :‬ي ُ ْ‬
‫ع‬
‫م َ‬
‫س ْ‬‫ن ال ّ‬ ‫ها)]النحل‪[8:‬والسمع في قوله‪( :‬إ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ميَر ل ِت َْركُبو َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ل َوال ْ َ‬ ‫ل َوال ْب َِغا َ‬ ‫خي ْ َ‬‫َوال ْ َ‬
‫ؤاد) ]السراء‪.[36:‬‬ ‫ف َ‬‫صَر َوال ْ ُ‬ ‫َوال ْب َ َ‬
‫حكى ابن عطية عن النقاش أنه استدل بها على تفضيل السمع على البصر)‬
‫صيٌر)]الحج‪[61:‬بتقديم السمع‪.‬وتقديم‬ ‫ميعٌ ب َ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫‪, (3‬ولذا وقع في سمعه تعالى‪َ (:‬‬
‫موسى على هارون لصطفائه بالكلم وتقديم المؤمنين على الكفار في كل‬
‫موضع ‪.‬وأصحاب اليمين على أصحاب الشمال ‪.‬والسماء على‬
‫الرض‪.‬والشمس على القمر‪.‬ومنه تقديم الغيب على الشهادة في قوله ‪(:‬‬
‫شَهاَدة)]المؤمنون‪[92:‬لن علمه أشرف)‪.(4‬‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫م ال ْغَي ْ ِ‬ ‫عال ِ ُ‬‫َ‬
‫م ِفيَها‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الرابع‪:‬المناسبة‪,‬وهي إما مناسبة المتقدم لسياق الكلم ‪,‬كقوله‪ (:‬وَلك ْ‬
‫ن)]النحل‪[6:‬فإن الجمال بالجمال وإن كان‬ ‫حو َ‬ ‫سَر ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫حي َ‬ ‫ن وَ ِ‬ ‫حو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫حي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ما ٌ‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬
‫ثابتا حالتي السراح والراحة إل أنها حالة إراحتها ‪,‬وهو مجيئها من المرعى‬ ‫ً‬
‫آخر النهار ‪,‬يكون الجمال فيها أفخر ؛إذ هي فيه بطان ‪,‬وحالة سراحها للرعي‬
‫أول النهار يكون الجمال بها دون الول ؛إذ هي فيه خماص‪.‬‬
‫الخامس‪:‬الحث عليه والحض على القيام به حذرا ً من التهاون به؛كتقديم‬
‫صي ب َِها أ َوْ د َْين)]النساء‪:‬‬ ‫صي ّةٍ ُيو ِ‬ ‫من ب َعْد ِ وَ ِ‬ ‫الوصية على الدين في قوله‪ِ (:‬‬
‫‪[11‬مع أن الدين مقدم عليها شرعًا‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫السادس‪:‬السبق‪,‬وهو إما في الزمان باعتبار اليجاد؛كتقديم الليل على‬


‫النهار‪,‬والظلمات على النور‪,‬وآدم على نوح ‪,‬ونوح على إبراهيم ‪,‬وإبراهيم على‬
‫موسى ‪,‬وهو على عيسى‪,‬وداوود على سليمان ‪,‬والملئكة على البشر في‬
‫ن الّناس)]الحج‪[75:‬والزواج على‬ ‫م َ‬ ‫سل ً و َ ِ‬ ‫مَلئ ِك َةِ ُر ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫في ِ‬ ‫صط َ ِ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫قوله‪ (:‬الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫ك وَب ََناِتك)]الحزاب‪[59:‬والسنة على النوم في‬ ‫ج َ‬ ‫الذرية في قوله‪ُ (:‬قل ّلْزَوا ِ‬
‫ْ‬
‫ف‬ ‫ح ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫م)]البقرة‪[255:‬أو باعتبار النزال‪,‬كقوله‪ُ (:‬‬ ‫ة وَل َ ن َوْ ٌ‬ ‫سن َ ٌ‬‫خذ ُه ُ ِ‬ ‫قوله‪ (:‬ل َ ت َأ ُ‬
‫س‬
‫دى للّنا ِ‬
‫ل هُ ً ّ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫جي َ‬ ‫لن ِ‬ ‫ل الت ّوَْراة َ َوا ِ‬ ‫سى )]العلى‪ ([19:‬وََأنَز َ‬ ‫مو َ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫هي َ‬ ‫إ ِب َْرا ِ‬
‫َ‬
‫فْرقان)]آل عمران‪[3،4:‬أو باعتبار الوجوب والتكليف‪،‬نحو‪ (:‬اْركُعوا‬ ‫َ‬ ‫وََأنَزل ال ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫دوا)]الحج‪[77:‬‬ ‫ج ُ‬ ‫س ُ‬ ‫َوا ْ‬
‫سةٍ إ ِّل هُ َ‬
‫و‬ ‫م َ‬ ‫خ ْ‬‫م وََل َ‬ ‫وى ث ََلث َةٍ إ ِّل هُوَ َراب ِعُهُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫من ن ّ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫أو بالذات‪,‬نحو‪َ (:‬‬
‫َ‬
‫مث َْنى وَفَُراَدى)]سبأ‪:‬‬ ‫موا ل ِل ّهِ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫م)]المجادلة‪[7:‬وأما قوله‪ (:‬أن ت َ ُ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫سادِ ُ‬ ‫َ‬
‫‪[46‬فللحث على الجماعة والجتماع على الخير‪.‬‬
‫السابع‪:‬السببية؛كتقديم العزيز على الحكيم؛لنه عز فحكم ‪.‬والعليم عليه؛لن‬
‫الحكام والتقان ناشئ عن العلم‪.‬ومنه تقديم العبادة على الستعانة في‬
‫ن‬ ‫واِبي َ‬ ‫ب الت ّ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫سورة الفاتحة ؛لنها سبب حصول العانة ‪.‬وكذا قوله‪ (:‬إ ِ ّ‬
‫ن)]البقرة‪[222:‬لن التوبة سبب للطهارة‬ ‫ري َ‬ ‫مت َط َهّ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫وَي ُ ِ‬
‫من)]التغابن‪[2:‬لن الكفار أكثر)‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫منكم ّ‬ ‫ُ‬ ‫م كافٌِر وَ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫منك ْ‬ ‫الثامن‪:‬الكثرة‪,‬كقوله‪ (:‬فَ ِ‬
‫‪, (5‬قلت فقدمهم على المؤمنين‪.‬قيل ‪:‬وقدم السارق على السارقة؛لن‬
‫السرقة في الذكور أكثر‪.‬والزانية على الزاني فيهن أكثر‪ .‬ونحو قوله‪َ (:‬أن‬
‫جود ) ]البقرة‪ [125:‬فكل طائفة‬ ‫س ُ‬ ‫ن َوالّرك ِّع ال ّ‬ ‫في َ‬ ‫ن َوال َْعاك ِ ِ‬ ‫في َ‬ ‫طائ ِ ِ‬ ‫ي ِلل ّ‬ ‫ط َهَّرا ب َي ْت ِ َ‬
‫هي أقل من التي بعدها فتدرج من القلة إلى الكثرة‪ .‬فالطائفون أقل من‬
‫العاكفين لن الطواف ل يكون إل حول الكعبة‪ .‬والعكوف يكون في المساجد‬
‫عموما ً والعاكفون أقل من الراكعين لن الركوع أي الصلة تكون في كل‬
‫أرض طاهرة أما العكوف فل يكون إل في المساجد ‪ .‬والراكعون أقل من‬
‫الساجدين وذلك لن لكل ركعة سجدتين ثم إن كل راكع ل بد أن يسجد وقد‬
‫يكون سجودا ً ليس فيه ركوع كسجود التلوة وسجود الشكر فهو هنا تدرج من‬
‫القلة إلى الكثرة‪ .‬ولهذا التدرج سبب اقتضاه المقام فإن الكلم على بيت الله‬
‫ي ِلل ّ‬ ‫عي َ َ‬
‫ن‬‫في َ‬ ‫طائ ِ ِ‬ ‫ل أن ط َهَّرا ب َي ْت ِ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬‫م وَإ ِ ْ‬ ‫هي َ‬ ‫الحرام‪ .‬قال تعالى‪ (:‬وَعَهِد َْنا إ َِلى إ ِب َْرا ِ‬
‫جود ) ]البقرة‪[125:‬فالطائفون هم ألصق المذكورين‬ ‫س ُ‬ ‫ن َوالّرك ِّع ال ّ‬ ‫في َ‬ ‫َوال َْعاك ِ ِ‬
‫بالبيت لنهم يطوفون حوله‪ ،‬فبدأ بهم ثم تدرج إلى العاكفين في هذا البيت أو‬
‫في بيوت الله عموما ً ثم الركع السجود الذين يتوجهون إلى هذا البيت في‬
‫ركوعهم وسجودهم في كل الرض‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫م َوافعَلوا‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫دوا َرب ّك ْ‬ ‫دوا َواعْب ُ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫س ُ‬ ‫مُنوا اْركُعوا َوا ْ‬ ‫َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ونحوه قوله تعالى‪َ (:‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن)]الحج‪ [77:‬فبدأ بالركوع وهو أقل المذكورات ثم‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫خي َْر ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م ثم فعل الخير‪.‬‬ ‫السجود وهو أكثر ثم عبادة الرب وهي أع ّ‬
‫وقد يكون الكلم بالعكس فيتدرج من الكثرة إلى القلة وذلك نحو قوله‬
‫ن)]آل عمران‪[43:‬‬ ‫معَ الّراك ِِعي َ‬ ‫دي َواْرك َِعي َ‬ ‫ج ِ‬‫س ُ‬ ‫ك َوا ْ‬ ‫م اقْن ُِتي ل َِرب ّ ِ‬ ‫مْري َ ُ‬ ‫تعالى‪َ (:‬يا َ‬
‫فبدأ بالقنوت وهو عموم العبادة ثم السجود وهو أخص وأقل من عموم‬
‫العبادة التي هي القنوت ثم الركوع وهو أقل وأخص منهما‪.‬‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫ج ٌ‬ ‫التاسع‪:‬الترقي من الدنى إلى العلى‪,‬كقوله‪ (:‬أ َل َه َ‬
‫م لهُ ْ‬ ‫ن ب َِها أ ْ‬ ‫شو َ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫م أْر ُ‬ ‫ُ ْ‬
‫َ‬ ‫شون بها أ َم ل َه َ‬ ‫َ‬
‫ن ب َِها‪....‬‬ ‫مُعو َ‬ ‫ْ َ‬‫س‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫مآ‬ ‫م ل َهُ ْ‬ ‫ن ب َِها أ ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫ن ي ُب ْ ِ‬ ‫م أعْي ُ ٌ‬ ‫أي ْد ٍ ي َب ْط ِ ُ َ ِ َ ْ ُ ْ‬
‫)]العراف‪[195:‬الية‪.‬بدأ بالدنى لغرض الترقي‪ ,‬لن اليد أشرف من الرجل‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والعين أشرف من اليد والسمع أشرف من البصر‪.‬‬


‫صِغيَرة ً وََل ك َِبيَرة ً إ ِلّ‬ ‫العاشر‪:‬التدلي من العلى ْإلى الدنى ‪.‬كقوله‪َ (:‬ل ي َُغادُِر َ‬
‫َ‬
‫وم)]البقرة‪.[255:‬‬ ‫ة وَل َ ن َ ْ‬ ‫خذ ُه ُ ِ‬
‫سن َ ٌ‬ ‫ها) ]الكهف‪ ([49:‬ل َ ت َأ ُ‬ ‫صا َ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫وزاد غيره أسبابا ً أخر ؛منها كونه أدل على القدرة وأعجب ؛كقوله‪َ (:‬والل ّ ُ‬
‫ه‬
‫شي عََلى‬ ‫م ِ‬
‫من ي َ ْ‬ ‫من ُْهم ّ‬ ‫شي عََلى ب َط ْن ِهِ وَ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫من ُْهم ّ‬ ‫ماء فَ ِ‬‫من ّ‬ ‫ل َداب ّةٍ ِ‬ ‫خل َقَ ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫يٍء‬
‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫شاُء إ ِ ّ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫خل ُقُ الل ّ ُ‬ ‫شي عََلى أْرب ٍَع ي َ ْ‬ ‫م ِ‬
‫من ي َ ْ‬
‫من ُْهم ّ‬ ‫ن وَ ِ‬ ‫رِ ْ َ‬
‫جلي ْ ِ‬
‫ّ‬
‫ن َوالطي َْر)]النبياء‪:‬‬ ‫ح َ‬ ‫سب ّ ْ‬
‫ل يُ َ‬ ‫جَبا َ‬ ‫ْ‬
‫معَ َداُوود َ ال ِ‬ ‫خْرَنا َ‬ ‫س ّ‬‫ديٌر)]النور‪.[45:‬وقوله‪ (:‬وَ َ‬ ‫قَ ِ‬
‫‪.[79‬‬
‫قال الزمخشري‪ :‬قدم الجبال على الطير ؛لن تسخيرها له وتسبيحها له‬
‫أعجب‪,‬وأدل على القدرة وأدخل في العجاز ؛لنها جماد‪،‬والطير حيوان ناطق)‬
‫‪.(6‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وقد يكون التقديم لغرض آخر كالمدح والثناء والتعظيم والتحقير وغير ذلك‬
‫من الغراض‪ ،‬إل أن الكثر فيه أنه يفيد الختصاص‪ .‬ومن التقديم الذي ل يفيد‬
‫من‬ ‫ب ك ُل ّ هَد َي َْنا وَُنوحا ً هَد َي َْنا ِ‬ ‫قو َ‬ ‫حاقَ وَي َعْ ُ‬‫س َ‬‫ه إِ ْ‬‫الختصاص قوله تعالى‪ (:‬وَوَهَب َْنا ل َ ُ‬
‫ل )]النعام‪[84:‬فهذا ليس من باب التخصيص إذ ليس معناه أننا ما هدينا إل‬ ‫قَب ْ ُ‬
‫َ‬ ‫م فََل ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫قهَْر وَأ ّ‬ ‫ما ال ْي َِتي َ‬
‫نوحا ً وإنما هو من باب المدح والثناء‪ .‬ونحو قوله‪ (:‬فَأ ّ‬
‫ل فََل ت َن ْهَْر)]الضحى‪ [9,10:‬إذ ليس المقصود به جواز قهر غير اليتيم‬ ‫سائ ِ َ‬‫ال ّ‬
‫ونهر غير السائل وإنما هو من باب التوجيه فإن اليتيم ضعيف وكذلك السائل‬
‫وهما مظنة القهر فقدمهما للهتمام بشأنهما والتوجيه إلى عدم استضعافهما)‬
‫‪.(7‬‬
‫استثناء من الطراد‪:‬‬
‫مر بنا أن التقديم والتأخير جاء في القرآن لسباب قد بيناها وهي تكاد أن‬
‫تكون قواعد مطردة ولكن قد تشذ تلك القواعد شيئا ً بسيطا ً عن الطراد‬
‫المعهود‪ ,‬سنبينها باختصار مع بيان أسباب ذلك ‪:‬فقد قدم هارون على موسى‬
‫في سورة طه رعاية للفاصلة لن المعهود المطرد تقديم موسى على‬
‫م وََأن ُ‬ ‫ل من َ‬ ‫ْ‬
‫سُهم)]السجدة‪:‬‬ ‫ف ُ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ه أن َْعا ُ‬‫هارون‪ ,‬وأما تقديم النعام في قوله‪ (:‬ت َأك ُ ُ ِ ْ ُ‬
‫‪[27‬فلنه تقدم ذكر الزرع ‪,‬فناسب تقديم النعام ‪,‬بخلف آية عبس فإنه تقدم‬
‫ه)]عبس‪[24:‬فناسب تقديم لكم)‪.(8‬‬ ‫م ِ‬‫ن إ َِلى ط ََعا ِ‬ ‫سا ُ‬ ‫فيها ‪ (:‬فَل َْينظ ُرِ ا ْ ِ‬
‫لن َ‬
‫وهكذا لو تقصينا اللفاظ التي تأخرت عن تقديمها المعهود لوجدنا الحكمة في‬
‫ذلك واضحة جلية وليس المراد في هذا البحث استقصاء كل شاردة وواردة‬
‫وإنما وضع لمسات بيانية يتضح منها المقصود علما ً أنني قد أوردت في ثنايا‬
‫هذا البحث بعض تلك الستثناءات تجدها في مضانها والله تعالى أعلم ‪.‬‬
‫السمع قبل البصر‪:‬‬
‫ً‬
‫ورد في القرآن الكريم لفظي السمع و البصر معا ) ‪ (19‬تسعة عشر مرة ً ‪ ،‬و‬
‫ذكر في )‪ (17‬سبعة عشر موضعا ً لفظة السمع قبل البصر وقد بينا في‬
‫أسباب التقديم والتأخير أن من بينها )التشريف( أي أن الله سبحانه قدم‬
‫لفظة السمع على البصر لشرف السمع وأهميته ول يخفى على أحد ممن‬
‫تدبر وتأمل في هذه الحاسة العجيبة ولكن لنرى ما يقوله أصحاب‬
‫الختصاص ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ تبدأ وظيفة السمع بالعمل قبل وظيفة البصار ‪ .‬فقد تبين أن الجنين يبدأ‬
‫بالسمع في نهاية الحمل و قد تأكد العلماء من ذلك بإجراء بعض التجارب‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حيث أصدروا بعض الصوات القوية بجانب امرأة حامل في آخر أيام حملها ‪،‬‬
‫فتحرك الجنين استجابة لتلك الصوات ‪ ،‬بينما ل تبدأ عملية البصار إل بعد‬
‫قنا اْلنسان من نط ْ َ َ‬
‫جعَل َْناهُ‬‫شاٍج ن ّب ْت َِليهِ فَ َ‬ ‫م َ‬‫فةٍ أ ْ‬ ‫ِ َ َ ِ ّ‬ ‫خل َ ْ َ‬
‫الولدة بأيام قال تعالى ‪ (:‬إ ِّنا َ‬
‫صيرًا) ]النسان‪[2:‬‬ ‫ميعا ً ب َ ِ‬ ‫س ِ‬
‫َ‬
‫‪ -2‬ومن الحقائق التي تجعل السمع أكبر أهمية من البصر هي أن تعلم النطق‬
‫يتم عن طريق السمع بالدرجة الولى ‪ ،‬وإذا ولد النسان وهو أصم ‪ ،‬فإنه‬
‫يصعب عليه النسجام مع المحيط الخارجي و يحدث لديه قصور عقلي وتردٍ‬
‫في مدركاته وذهنه ووعيه ‪ .‬وهناك الكثير من الذين حرموا نعمة البصر وهم‬
‫صغار أو منذ الولدة ومع ذلك فقد تعلموا درجة راقية من الدراك والعلم‬
‫حتى البداع ولكننا لم نسمع بأن هناك إنسانا ً ولد وهو أصم ‪ ،‬أو فقد سمعه‬
‫في سنوات عمره الولى ثم ارتقى في سلم المعرفة ‪ .‬وذلك لن التعلم‬
‫والفهم يتعلقان لدرجة كبيرة بالسمع ‪ ،‬والذي يفقد سمعه قبل النطق ل‬
‫ينطق ‪.‬ولذلك ربطت الية القرآنية العلم بالسمع أول ً ثم البصر فقال تعالى‪(:‬و‬
‫الله أخرجكم من بطون أمهاتكم ل تعلمون شيئا ً و جعل لكم السمع و البصار‬
‫و الفئدة لعلكم تشكرون )]النحل‪.[78:‬‬
‫‪ 3‬ـ العين مسئولة عن وظيفة البصر أما الذن فمسئولة عن وظيفة السمع‬
‫والتوازن ‪ .‬و قد تكون العبرة في هذا الترتيب أكثر من ذلك‪ .‬و الله أعلم‬
‫بمراده)‪.(9‬‬
‫ويمكن أن يكون تقديم السمع على البصر لسبب آخر عدا الفضلية وهو أن‬
‫مدى السمع أقل من مدى الرؤية فقدم ذا المدى القل متدرجا ً من القصر‬
‫ف‬‫خا ُ‬ ‫إلى الطول في المدى ولذا حين قال موسى في فرعون ( َقاَل َرب َّنا إ ِن َّنا ن َ َ‬
‫خاَفا إ ِن ِّني‬ ‫ط عَل َي َْنا أ َوْ َأن ي َط َْغى)]طه‪ [45:‬قال الله تعالى ‪َ (:‬قا َ‬
‫ل َل ت َ َ‬ ‫فُر َ‬ ‫َأن ي َ ْ‬
‫معُ وَأ ََرى) ]طه‪ [46:‬فقدم السمع لنه يوحي بالقرب إذ الذي‬ ‫س َ‬
‫معك ُ َ‬
‫ما أ ْ‬ ‫َ َ َ‬
‫يسمعك يكون في العادة قريبا ً منك بخلف الذي يراك فإنه قد يكون بعيدا ً‬
‫وإن كان الله ل يند عن سمعه شيء)‪(10‬‬
‫قلت وكذلك فإن السمع ل يمنعه الحاجز المادي من أداء عمله بخلف البصر‬
‫فإنه تمنعه الحواجز من إدراك الشياء والله أعلم ‪.‬‬
‫السمع قبل العلم ‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫و‬
‫وقع في القرآن الكريم تقدم السمع على العلم كذلك كقوله تعالى‪ (:‬وَهُ َ‬
‫م )]النفال‪:‬‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬
‫س ِ‬
‫ه هُوَ ال ّ‬
‫م ) ]البقرة‪[137:‬وقوله‪ (:‬إ ِن ّ ُ‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬
‫س ِ‬‫ال ّ‬
‫‪[61‬وذلك أنه خبر يتضمن التخويف والتهديد‪ .‬فبدأ بالسمع لتعلقه بالصوات‬
‫وهمس الحركات فإن من سمع حسك وخفي صوتك أقرب إليك في العادة‬
‫ممن يقال لك‪ :‬إنه يعلم وإن كان علمه تعالى متعلقا ً بما ظهر وبطن وواقعا ً‬
‫على ما قرب وشطن‪ .‬ولكن ذكر السميع أوقع في باب التخويف من ذكر‬
‫العليم فهو أولى بالتقديم‪.‬ويمكن أن يقال‪ :‬إن السمع من وسائل العلم فهو‬
‫يسبقه‪(11).‬‬
‫نماذج من بلغة القرآن ‪:‬‬
‫‪ -1‬نقرأ في وصف المنافقين ‪ ,‬وفي وصف الكافرين ‪,‬هاتين اليتين من سورة‬
‫م لَ‬‫ي فَهُ ْ‬
‫م ٌ‬ ‫م ب ُك ْ ٌ‬
‫م عُ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫ن)]البقرة‪ُ ([18:‬‬ ‫م ل َ ي َْر ِ‬
‫جُعو َ‬ ‫ي فَهُ ْ‬
‫م ٌ‬ ‫م ب ُك ْ ٌ‬
‫م عُ ْ‬ ‫ص ّ‬‫البقرة ( ُ‬
‫ن)]البقرة‪[171:‬وتقديم الصم ‪ ,‬هنا جاء في غاية الحكام ‪ ,‬لن بداية‬ ‫قُلو َ‬‫ي َعْ ِ‬
‫ضلل أولئك القوام ‪ ,‬حينما أصاخوا بسمعهم عن آيات الله التي تتلى عليهم ‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ونقرأ في مشهد من مشاهد يوم القيامة عن أولئك الذين ضلوا سواء السبيل‬
‫ما)]السراء‪[97:‬لقد‬ ‫ص ّ‬ ‫كما ً وَ ُ‬ ‫ميا ً وَب ُ ْ‬ ‫م عُ ْ‬ ‫جوهِهِ ْ‬ ‫مةِ عََلى وُ ُ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫شُرهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫(وَن َ ْ‬
‫تغيرت الصورة هنا ‪ .‬لذلك تغير معها نسق القول ‪ ,‬ذلك لن السماع لم ينفع‬
‫أولئك الناس يوم القيامة شيئا ً ول يعود عليهم بخير ‪ ,‬ثم إن العمى هو من‬
‫أشد المور مشقة وأكثرها صعوبة عليهم في ذلك اليوم )‪.(12‬‬
‫‪ -2‬تحدث القرآن الكريم في آيات كثيرة عن الجن والنس ‪ ,‬ولكن الذي يلفت‬
‫النتباه ‪ ,‬ما نجده في النظم القرآني البديع ‪ ,‬من تقديم الجن تارة ‪ ,‬وتقديم‬
‫النس أخرى ‪ ,‬وهذا ما يستدعيه السياق ‪ ,‬وتوجيه الحكمة البيانية ‪ ,‬ففي‬
‫سياق التحدي بالقرآن الكريم ‪ ,‬يقدم النس على الجن ‪ ,‬لن النس هم‬
‫ّ‬
‫ت‬ ‫معَ ِ‬ ‫جت َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫بالتحدي أو ْل ً وقبل كل شيء ‪ ,‬قال ْتعالى‪ُ (:‬قل لئ ِ ِ‬ ‫َ‬
‫المقصودون‬
‫م‬‫ضهُ ْ‬ ‫ن ب َعْ ُ‬ ‫َ‬
‫مث ْل ِهِ وَلوْ كا َ‬ ‫َ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫ن ل ي َأُتو َ‬ ‫َ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ذا ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن عَلى أن ي َأُتوا ب ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ج ّ‬ ‫س َوال ْ ِ‬ ‫لن ُ‬ ‫ا ِ‬
‫ض ظِهيرا)]السراء‪[88:‬‬ ‫َ‬
‫ل ِب َعْ ٍ‬
‫أما في سياق التحدي بالنفوذ من أقطار السموات والرض ‪ ,‬فلقد قدم الجن؛‬
‫لنهم أقدر على الحركة من النس‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أقطاِر‬ ‫ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫م أن َتن ُ‬ ‫ست َطعْت ُ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫س إِ ِ‬ ‫لن ِ‬ ‫ن َوا ْ ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫شَر ال ْ ِ‬ ‫معْ َ‬ ‫قال تعالى‪َ (:‬يا َ‬
‫ن)]الرحمن‪ [33:‬والدليل على‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫سلطا ٍ‬ ‫ن إ ِل ب ِ ُ‬ ‫فذو َ‬ ‫فذوا ل َتن ُ‬ ‫ض فان ُ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫أن الجن أقدر من النس في مجال الحركة هو قوله تعالى في سورة الجن ‪(:‬‬
‫من َْها‬ ‫قعُد ُ ِ‬ ‫شُهبًا* وَأ َّنا ك ُّنا ن َ ْ‬ ‫ديدا ً وَ ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫حَرسا ً َ‬ ‫ت َ‬ ‫مل ِئ َ ْ‬ ‫ها ُ‬ ‫جد َْنا َ‬ ‫ماء فَوَ َ‬ ‫س َ‬ ‫سَنا ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫وَأّنا ل َ َ‬
‫َ‬
‫صدًا)]الجن ‪ 8‬ـ ‪.[9‬‬ ‫شَهابا ً ّر َ‬ ‫ه ِ‬ ‫جد ْ ل َ ُ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫مِع اْل َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫مِع فَ َ‬ ‫س ْ‬ ‫عد َ ِلل ّ‬ ‫قا ِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫دون)]الذاريات‪[56:‬فلقد‬ ‫ب‬ ‫ع‬
‫ِ ّ َ ِ َ ِ َْ ُ ُ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫إ‬ ‫س‬ ‫لن‬ ‫ْ‬ ‫وا‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ما‬ ‫َ َ‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫سبحانه‬ ‫قوله‬ ‫أما‬
‫قدم الجن على النس ؛ لنه قد روعي السبق الزمني ‪ ,‬فإن الجن مخلوقون‬
‫قبل النس )‪(13‬‬
‫قَنا‬ ‫َ‬
‫خل ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫َ‬
‫قلت‪ :‬والدليل على أن الجن مخلوقون قبل النس قوله تعالى‪ (:‬وَل َ‬
‫من ّناِر‬ ‫ل ِ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫قَناه ُ ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫جآ ّ‬ ‫ن*َوال ْ َ‬ ‫سُنو ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫مإ ٍ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ّ‬ ‫صا ٍ‬ ‫صل ْ َ‬ ‫من َ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬ ‫ا ِ‬
‫م)]الحجر‪[26,27:‬‬ ‫مو ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ال ّ‬
‫‪ - 3‬تقديم لفظ الضرر على النفع وبالعكس ‪:‬حيث تقدم النفع على الضر‬
‫َ‬
‫ما‬‫ضّرا ً إ ِل َ‬
‫ّ‬ ‫فعا ً وَل َ َ‬ ‫سي ن َ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ك ل ِن َ ْ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫فلتقدم ما يتضمن النفع‪ .‬قال تعالى‪ُ (:‬قل ل ّ أ ْ‬
‫شاء الّله)]العراف‪ [188:‬فقدم النفع على الضرر وذلك لنه تقدمه قوله‪(:‬‬ ‫َ‬
‫ن)]العراف‪[178:‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫ضل ِل فأوْلئ ِك هُ ُ‬ ‫من ي ُ ْ‬ ‫دي وَ َ‬ ‫مهْت َ ِ‬ ‫ه فهُوَ ال ُ‬ ‫من ي َهْدِ الل ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫غ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫كن‬‫ُ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫قال‪(:‬‬ ‫ذلك‬ ‫وبعد‬ ‫الضلل‬ ‫على‬ ‫الهداية‬ ‫فقدم‬
‫ْ َ ْ ُ‬ ‫ُ ْ ُ َ ْ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ّ‬ ‫خير وما مسن ِي السوُء إ َ‬
‫ن ) ]العراف‪:‬‬ ‫نو‬
‫ْ ٍ ُ ِ ُ َ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬‫ي‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ذيٌر وَب َ ِ ٌ‬
‫شي‬ ‫ن أن َا ْ إ ِل ّ ن َ ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن ال ْ َ ْ ِ َ َ َ ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫‪ [188‬فقدم الخير على السوء ولذا قدم النفع على الضرر إذ هو المناسب‬
‫للسياق‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫شاء الله ) ]يونس‪[49:‬‬ ‫ما َ‬ ‫فعا إ ِل ّ َ‬ ‫ضّرا وَل َ ن َ ْ‬ ‫سي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ك ل ِن َ ْ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫وقال تعالى‪ُ (:‬قل ل ّ أ ْ‬
‫شّر‬ ‫س ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ج ُ‬ ‫َ‬
‫ه ِللّنا ِ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫فقدم الضرر على النفع وقد قال قبل هذه الية ‪ (:‬وَلوْ ي ُعَ ّ‬
‫قضي إل َيه َ‬
‫قاءَنا ِفي‬ ‫ن لِ َ‬ ‫جو َ‬ ‫ن ل َ ي َْر ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م فَن َذ َُر ال ّ ِ‬ ‫جل ُهُ ْ‬ ‫مأ َ‬ ‫خي ْرِ ل َ ُ ِ َ ِ ْ ِ ْ‬ ‫جال َُهم ِبال ْ َ‬ ‫ست ِعْ َ‬ ‫ا ْ‬
‫عانا ل ِجنبه أوَ‬
‫ضّر د َ َ َ َ ِ ِ ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬ ‫سا ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ن)]يونس‪ [11:‬وقال‪ (:‬وَإ َِذا َ‬ ‫مُهو َ‬ ‫م ي َعْ َ‬ ‫ط ُغَْيان ِهِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫ه ك َذ َل ِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ضّر ّ‬ ‫م ي َد ْعَُنا إ َِلى ُ‬ ‫مّر ك َأن ل ّ ْ‬ ‫ضّرهُ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫فَنا عَن ْ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫عدا ً أوْ َقآِئما ً فَل َ ّ‬ ‫َقا ِ‬
‫ن)]يونس‪ [12:‬فقدم الضر على النفع في‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ل ِل ُ‬ ‫ُزي ّ َ‬
‫ه ب ََياتا ً أ َوْ ن ََهارا ً‬ ‫ذاب ُ ُ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ُ‬
‫ن أَتاك ْ‬
‫َ‬
‫م إِ ْ‬ ‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫اليتين ‪ .‬ويأتي بعد هذه الية قوله‪ (:‬قُ ْ‬
‫مون )]يونس‪[50:‬فكان المناسب تقديم الضرر على‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫ماَذا ي َ ْ‬ ‫ّ‬
‫النفع ههنا‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ضّرا ً‬ ‫ن َِ‬ ‫َ‬ ‫ل أ ََفات ّ َ‬


‫فعا ً وَل َ َ‬ ‫م نَ ْ‬‫سهِ ْ‬‫ف ِ‬ ‫لن ُ‬ ‫كو َ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫من ُدون ِهِ أوْل َِياء ل َ ي َ ْ‬ ‫خذ ُْتم ّ‬ ‫ه قُ ْ‬‫ل الل ّ ُ‬‫وقال‪ (:‬قُ ِ‬
‫دم النفع على الضرر‪ ،‬قالوا‪ :‬وذلك لتقدم قوله تعالى‪ (:‬وَل ِل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫)]الرعد‪[16:‬فق ّ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صا ِ‬
‫ظللُهم ِبالغُد ُوّ َوال َ‬ ‫وعا وَكْرها وَ ِ‬ ‫ضط ْ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫من ِفي ال ّ‬ ‫جد ُ َ‬ ‫س ُ‬‫يَ ْ‬
‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ل‬‫م‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫فا‬‫َ‬ ‫وقال‪(:‬‬ ‫الكره‪.‬‬ ‫على‬ ‫الطوع‬ ‫فقدم‬ ‫[‬ ‫‪15‬‬ ‫]الرعد‪:‬‬ ‫)‬
‫َ ْ ِ َْ ُ ْ َِْ ٍ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ضّرا ) ]سبأ‪[42:‬فقدم النفع على الضر قالوا‪ :‬وذلك لتقدم قوله‪ (:‬قُ ْ‬
‫ل‬ ‫فعا ً وََل َ‬ ‫نّ ْ‬
‫َ‬
‫يٍء‬ ‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫قُتم ّ‬ ‫ف ْ‬‫ما أن َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫قدُِر ل َ ُ‬ ‫عَبادِهِ وَي َ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬
‫شاُء ِ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ط الّرْزقَ ل ِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن َرّبي ي َب ْ ُ‬ ‫إِ ّ‬
‫ن ) ]سبأ‪ [39:‬فقدم البسط‪ .‬وغير ذلك من‬ ‫خي ُْر الّرازِِقي َ‬ ‫ه وَهُوَ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫فَهُوَ ي ُ ْ‬
‫خل ِ ُ‬
‫مواضع هاتين اللفظتين‪.‬‬
‫إعداد‪/‬قسطاس إبراهيم النعيمي‬
‫مراجعة‪ /‬عبد الحميد أحمد مرشد‬
‫)‪ - (1‬علم المعاني –البيان – البديع‪/‬الدكتور ‪ :‬عبد العزيز عتيق‪ /‬دار النهضة‬
‫العربية – بيروت‪. (133).‬‬
‫)‪ - (2‬من موقع منتديات القرآن الكريم ‪/‬أحمد سعد الدين ‪.‬‬
‫)‪ - (3‬سيأتي مبحث تقديم السمع على البصر ‪.‬‬
‫)‪ - (4‬معترك القران في إعجاز القرآن ‪ /‬أبي الفضل جلل الدين‬
‫السيوطي‪/‬دار الكتب العلمية‪-‬بيروت‪/‬الطبعة الولى‪. (132-131)/‬‬
‫)‪ - (5‬المرجع السابق ‪.‬‬
‫)‪ - (6‬الكشاف‪. 3/101:‬‬
‫)‪ - (7‬من موقع منتديات القرآن الكريم ‪.‬‬
‫)‪ - (8‬معترك القران للسيوطي )‪. (132‬‬
‫)‪ - (9‬مع الطب في القرآن الكريم تأليف الدكتور عبد الحميد دياب الدكتور‬
‫أحمد قرقوز ‪ /‬مؤسسة علوم القرآن‪ /‬دمشق‬
‫)‪ - (10‬من موقع منتديات القرآن الكريم ‪.‬‬
‫)‪ - (11‬المرجع السابق ‪.‬‬
‫)‪ - (12‬إعجاز القرآن الكريم ‪ /‬أ‪.‬دفضل حسن عباس‪,‬سناء فضل عباس‪/‬دار‬
‫الفرقان‪ /‬الطبعة الرابعة ‪1422 /‬هـ ‪2001 -‬م‪. (217) /‬‬
‫)‪ - (13‬إعجاز القرآن الكريم )‪. (219‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫المقدمة‬
‫م‬ ‫ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬
‫ه ثُ ّ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه الكريم ) إ ِ ّ‬
‫ن‬
‫ن ( الحقاف ) )‪13‬والقائل ) إ ِ ّ‬ ‫حَزُنو َ‬
‫م يَ ْ‬ ‫م َول هُ ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬
‫خو ْ ٌ‬‫موا َفل َ‬ ‫قا ُ‬
‫ست َ َ‬‫ا ْ‬
‫خي ُْر ال ْب َرِي ّةِ ( البينة )‪ .(7‬والصلة‬ ‫ُ‬
‫ت أوْل َئ ِ َ‬
‫م َ‬ ‫ك هُ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬
‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫والسلم على رسوله المين وإمام المتقين‪ ،‬زكى المسلمين وعلمهم الكتاب‬
‫والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلل مبين‪ ،‬جاءه سفيان بن عبد الله‬
‫الثقفي يوما فقال‪ :‬يا رسول الله‪ :‬حدثني بأمر أعتصم به‪ ،‬قال صلى الله عليه‬
‫وآله وسلم‪ ) :‬قل آمنت بالله‪ ،‬ثم استقم ( رواه مسلم‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فإن أفكار السلم مفاهيم وليست معلومات لمجود المعرفة‪ ،‬وهي ضوابط‬
‫لسلوك النسان في هذه الحياة الدنيا‪ .‬فهي قد جاءت هدى ورحمة وموعظة‪،‬‬
‫وجاءت معالجات لعمال النسان وتعيينا لكيفية سلوكه‪ ،‬لذا كان لزاما على‬
‫المسلم أن يدرك أن نصوص الشريعة قد جاءت للعمل بها‪ ،‬وجاءت خاصة‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بسلوكه في الحياة‪ ،‬أي يجب على المسلم أن يدرك أن السلم جاء بمفاهيم‬
‫لضبط سلوكه في الحياة الدنيا فيأخذ كل فكر قانونا لضبط سلوكه ضمن هذا‬
‫القانون‪ ،‬فتظهر فيه الناحية العملية ل الناحية التعليمية‪ .‬ويجب أن يكون‬
‫واضحا أنه إذا أخذت فيه الناحية التعليمية وحدها فقد صبغته الصلية ‪ -‬وهي‬
‫كونه قانونا لضبط السلوك‪ -‬وصار معرفة كمعارف التاريخ والجغرافية‪ ،‬فيفقد‬
‫بذلك حرارة الحياة الموجودة فيه ويفقد كونه مبدأ كامل شامل ‪ -‬أي عقيدة‬
‫عقليه ينبثق عنها نظام مفصل ومتكامل‪ -‬وإنما يصبح معارف إسلمية يندفع‬
‫المسلم للحاطة بها وينقب عنها ويهتم بها كمعلومات وكلذة علمية دون أن‬
‫يخطر بباله أن يتخذها ضوابط لسلوكه في الحياة‪.‬‬
‫ولذلك كان من سمات العلماء من السلف الصالح أن يكون الواحد منهم‬
‫َ ْ‬
‫ن‬
‫سو ْ َ‬‫س ِبال ْب ِّر وََتن َ‬
‫ن الّنا َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫عامل بعلمه ول يكذب قوله فعله‪ .‬قال تعالى ) أت َأ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َأن ُ‬
‫ن ( البقرة )‪ ،(44‬وكان يحرص على أن‬ ‫قُلو َ‬ ‫ن ال ْك َِتا َ‬
‫ب أفَل َ ت َعْ ِ‬ ‫م ت َت ُْلو َ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م وَأنت ُ ْ‬ ‫ف َ‬
‫ها‬‫مُلو َ‬
‫ح ِ‬
‫م يَ ْ‬ ‫م لَ ْ‬
‫مُلوا الت ّوَْراة َ ث ُ ّ‬ ‫ح ّ‬
‫ن ُ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مث َ ُ‬
‫ل يكون ممن قال فيهم تعالى‪َ ) :‬‬
‫فارا ً ( الجمعة )‪ ،(5‬وقد روي عن النبي صلى الله عليه‬ ‫حمار يحم ُ َ‬
‫س َ‬‫لأ ْ‬ ‫ل ال ْ ِ َ ِ َ ْ ِ‬ ‫مث َ ِ‬‫كَ َ‬
‫وعلى آله وسلم أنه قال‪ " :‬ويل لجماع القول! ويل للمصرين!" يريد الذين‬
‫يستمعون القول ول يعملون به‪ ،‬كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله‬
‫وسلم‪ " :‬أهلك أمتي رجلن‪ :‬عالم فاجر‪ ،‬وجاهل متعبد‪ ،‬فقيل يا رسول الله‪:‬‬
‫أي الناس أشر؟ فقال‪ " :‬العلماء إذا فسدوا"‪ ،‬وقال أبو الدرداء‪ :‬أخوف ما‬
‫أخاف إذا وقفت بين يدي الله‪ ،‬أن يقول تعالى قد علمت‪ ..‬فماذا عملت؟‪.‬‬
‫ومن هنا كانت معرفة الفكار السلمية والحكام الشرعية دون ملحظة‬
‫اعتبارها ضوابط للسلوك النساني هي الفة التي لم تجعل للفكار والحكام أ‬
‫ثرا في سلوك الكثيرين‪ .‬هذا مع ما في ذلك من الثم المبين والعقاب الشديد‬
‫يوم القيامة‪ ،‬يوم ل ينفع مال ول بنون إل من أتى الله بقلب سليم‪.‬‬
‫لقد حرص السلم على تكوين الشخصية السلمية بالعقيدة السلمية‪ ،‬فبها‬
‫تتكون عقليته‪ ،‬وبها نفسها تتكون نفسيته‪ .‬فالعقلية السلمية هي التي تفكر‬
‫على أساس السلم‪ ،‬أي تجعل السلم وحده المقياس العام للفكار عن‬
‫الحياة‪ ،‬والنفسية السلمية هي التي تجعل ميولها كلها على أساس السلم‪،‬‬
‫أي تجعل السلم وحده المقياس العام للشباعات جميعها‪ ،‬وكما أمر السلم‬
‫بالستزادة من الثقافة السلمية لتنمية العقلية حتى تصبح قادرة على قياس‬
‫كل فكر من الفكار‪ ،‬فكذلك أمر بالقيام بالواجبات وبالكثار من المندوبات‬
‫والمستحبات‪ ،‬والنهي عن المحرمات والمكروهات والشبهات لتقوى هذه‬
‫النفسية وتصبح قادرة على ردع كل ميل يخالف السلم‪ ،‬وكل ذلك لترقية‬
‫هذه الشخصية‪ ،‬وجعلها تسير في طريق المرتقى السامي‪ ،‬وتنال رضوان الله‬
‫تبارك وتعالى في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫إن الدنيا كلها عدوة السلم والمسلمين‪ ،‬والذين كفروا بعضهم أولياء بعض‪،‬‬
‫وهم بجميع مذاهبهم ونحلهم يمكرون بأهل السلم ليل ونهارا‪ ،‬وسرا وعلنية‪،‬‬
‫وهم ل يهدأ لهم بال ول تنام لهم عين ول يقر لهم قرار حتى يطفئوا نور الله‪،‬‬
‫وهم يعملون جاهدين للحيلولة دون إقامة دولة الخلفة ودون رجوع السلم‬
‫إلى الحياة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫هذا حال الكفر وأهله‪ ،‬فكيف يمكن مواجهة هذا الكيد العظيم والبلء المبين؟‬
‫إن النهضة التي نريد‪ ،‬واستئناف الحياة السلمية التي نرجو‪ ،‬ل بد لها من‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كفاح مرير بسلح الفكر المستنير‪ ،‬ول بد من التصدي للكفر وأعوانه من‬
‫الحكام والمضبوعين بثقافته وحضارته‪ .‬ل بد لها أيضا من نفسيات فذة راقية‬
‫ونفوس عزيزة زاكية‪ ،‬ول سبيل إلى ذلك إل بتقوية الصلة بالله تعالى رب‬
‫العالمين واستمداد العون منه والتوكل عليه حق توكله‪ ،‬وجعل نوال رضوانه‬
‫المثل العلى في هذه الحياة‪ ،‬وكان ل بد من إحياء النفوس بتقوى الله‬
‫وطاعته بالخوف من عذابه والطمع في جنته‪ ،‬وما أحوج حامل الدعوة إلى‬
‫طاعة الله والستقامة على دينه‪ ،‬فإنه إن فعل ذلك هانت الدنيا في عينيه‬
‫وصغر شأن الكفار من أمامه‪ ،‬واستسهل الصعب‪ ،‬واحتمل العذاب والصد عن‬
‫سبيل الله‪ ،‬واستهان بوعيد الكفار لوعد الله‪ ،‬ورأى النصر آتيا ل ريب فيه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ َ‬‫م )‪َ (7‬وال ّ ِ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫دا َ‬‫ت أقْ َ‬ ‫م وَي ُث َب ّ ْ‬‫صْرك ُ ْ‬ ‫صُروا الل ّ َ‬
‫ه َين ُ‬ ‫مُنوا ِإن َتن ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫) َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫حب َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ط‬ ‫ه فَأ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أنَز َ‬ ‫هوا َ‬ ‫م ك َرِ ُ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫م )‪ (8‬ذ َل ِ َ‬ ‫مال َهُ ْ‬
‫ل أعْ َ‬ ‫ض ّ‬ ‫م وَأ َ‬ ‫فُروا فَت َْعسا ً ل ّهُ ْ‬ ‫كَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ال ّ ِ‬
‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ض فََينظ ُُروا ك َي ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫سيُروا ِفي الْر‬ ‫م يَ ِ‬ ‫م )‪ (9‬أفَل َ ْ‬ ‫مال َهُ ْ‬
‫أعْ َ‬
‫كافرين أ َمَثال ُها )‪ (10‬ذ َل َ َ‬
‫مُنوا‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫موَْلى ال ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ك ب ِأ ّ‬ ‫ِ‬ ‫م وَل ِل ْ َ ِ ِ َ ْ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬ ‫مَر الل ّ ُ‬ ‫م دَ ّ‬ ‫قَب ْل ِهِ ْ‬
‫م )‪ ( (11‬محمد‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫موْلى لهُ ْ‬ ‫نل َ‬ ‫ري َ‬‫ن الكافِ ِ‬ ‫وَأ ّ‬
‫وهذه بعض القربات و الطاعات التي توجد عند حامل الدعوة الجو اليماني‬
‫وتزيد من إدراك صلته بالله تعالى‪ ،‬ومن ثم يقوي هذا الجو نفسية الداعية‬
‫ويجعله يسير جميع ميوله حسب أوامر الله ونواهيه‪ ،‬وبذلك يحدث ارتباط بين‬
‫العقلية والنفسية وتصبح شخصية الداعية شخصية متميزة‪ ،‬عقليتها ونفسيتها‬
‫من جنس واحد‪ ،‬تستندان إلى قاعدة أساسية واحدة‪ ،‬هي العقيدة السلمية‪،‬‬
‫قال عليه وعلى آله الصلة والسلم ) ل يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما‬
‫جئت به (‪.‬‬
‫رجب ‪ 1411‬هـ فوزي سنقرط‬
‫الموافق كانون الثاني ‪ 1991‬م‬
‫قربات وطاعات‬
‫‪ -1‬إحسان العمل‪.‬‬
‫‪ -2‬تلوة القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ -3‬الحرص على أداء الفرائض‪.‬‬
‫‪ -4‬مراعاة سلم القيم‪.‬‬
‫‪ -5‬السخاء واليثار‪.‬‬
‫‪ -6‬الكثار من النوافل‪.‬‬
‫‪ -7‬الدعاء والذكر والستغفار‪.‬‬
‫‪ -8‬الخوف من الله تعالى‪.‬‬
‫‪ -9‬المحبة في الله‪.‬‬
‫‪ -10‬طاعة المير‪.‬‬
‫‪ -11‬الصبر عند البتلء‪.‬‬
‫‪ -12‬الثقة بوعد الله‪.‬‬
‫إحسان العمل‬
‫حتى يكون العمل حسنا ل بد فيه من إخلص القصد لله‪ ،‬وأن يكون موافقا‬
‫للشرع‪ ،‬ولهذا كان أئمة السلف رحمهم الله يجمعون هذين الصلين كقول‬
‫مل ً ( الملك )‪(2‬‬ ‫الفضيل بن عياض في قوله تعالى ) ل ِيبل ُوك ُم أ َيك ُ َ‬
‫ن عَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َْ َ ْ ّ ْ‬
‫قال‪ :‬أخلصه وأصوبه‪ ،‬فقيل‪ :‬يا أبا علي‪ :‬ما أخلصه وأصوبه؟ فقال‪ :‬إن العمل‬
‫إذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل‪ ،‬وإذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم‬
‫يقبل‪ ،‬حتى يكون خالصا صوابا‪ ،‬والخالص أن يكون لله‪ ،‬والصواب أن يكون‬
‫على السنة‪ .‬وعن سعيد بن جبير قال‪ " :‬ل يقبل قول إل بعمل‪ ،‬ول يقبل قول‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعمل إل بنية‪ ،‬ول يقبل قول وعمل ونية إل بموافقة السنة "‪ .‬وكان من دعاء‬
‫عمر بن الخطاب رضي الله عنه " اللهم اجعل عملي كله صالحا‪ ،‬واجعله‬
‫لوجهك خالصا‪ ،‬ول تجعل لحد فيه شيئا " وعن المام مالك أنه قال‪ " :‬السنة‬
‫سفينة نوح من ركبها نجا‪ ،‬ومن تخلف عنها غرق" ‪.‬‬
‫وحامل الدعوة يحرص كل الحرص على إحسان العمل وعلى أن ل يبتغي‬
‫بدعوته عرضا من الدنيا‪ ،‬وإل حبط عمله وكان من الخاسرين وقد ورد في‬
‫الحديث الشريف " من تعلم العلم ليجاري به العلماء‪ ،‬ويماري به السفهاء‪،‬‬
‫ويصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار"‪.‬‬
‫والعبرة بإحسان العمل ل بكثرته ولذلك قال تعالى ) ليبلوكم أيكم أحسن‬
‫عمل (‪ ،‬ولم يقل ليبلوكم أيكم أكثر عمل‪ ،‬وقد ورد عن مالك بن دينار قوله "‬
‫قولوا لمن لم يكن صادقا ) في عمله( ل تتعب " وعن أبي أمامة أنه مر‬
‫برجل ساجد فقال " يا لها من سجدة لو كانت في بيتك " وعن الفضيل بن‬
‫عياض أنه قال " كم ممن يطوف بهذا البيت وآخر بعيد عنه أعظم أجرا منه‬
‫"‪.‬‬
‫ومن هنا يجب مراعاة الخلص وحسن النيات في جميع العمال‪ ،‬وكانت‬
‫صحة العمال وقبولها عند رب العالمين بالنية‪ .‬ولذلك لم يكن أمرا مستغربا‬
‫أن يعتبر العلماء حديث " إنما العمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " أحد‬
‫ثلثة أحاديث عليها مدار السلم‪ .‬وكان المتقدمون من علماء السلف‬
‫يستحبون تقديم حديث العمال بالنية أمام كل شيء ينشأ من أمور الدين‬
‫لعموم الحاجة إليه في جميع أنواعها‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وكان الخلص عندهم أن تستوي أفعال العباد في الظاهر والباطن‪ ،‬يقول‬


‫المام الحارث المحاسبي " الصادق هو الذي ل يبالي لو خرج كل قدر له في‬
‫قلوب الخلق من أجل صلح قلبه‪ ،‬ول يحب أن يطلع الناس على مثاقيل الذر‬
‫من حسن عمله‪ ،‬ول يكره أن يطلع الناس على السيئ من عمله " وعن‬
‫المام أبي القاسم القشيري‪ " :‬الخلص إفراد الحق سبحانه وتعالى في‬
‫الطاعة بالقصد‪ ،‬وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله تعالى دون شيء آخر‪:‬‬
‫من تصنع لمخلوق‪ ،‬أو اكتساب محمدة عند الناس‪ ،‬أو محبة مدح من الخلق أو‬
‫أي معنى من المعاني سوى التقرب إلى الله تعالى " ‪.‬‬
‫يقول الحسن بن الربيع عن جهاد المام الجليل عبد الله بن المبارك " خرج‬
‫فارس من المسلمين ملثم فقتل فارسا من العدو كان فعل بالمسلمين فكبر‬
‫له المسلمون‪ ،‬فدخل في غمار الناس ولم يعرفه أحد‪ ،‬فتتبعته حتى سألته‬
‫بالله أن يرفع لثامه‪ ،‬فعرفته فقلت‪ :‬أخفيت نفسك مع هذا الفتح العظيم الذي‬
‫يسره الله على يدك؟ فقال الذي فعلت له ل يخفى عليه "‪.‬‬
‫ويقول ابن قتيبه في كتابه عيون الخبار‪ " :‬حاصر مسلمة بن عبد الملك‬
‫حصنا‪ ،‬وكان في ذلك الحصن نقب ‪ -‬أي ثقب في الحائط ‪ -‬فندب الناس إلى‬
‫دخوله‪ ،‬فما دخله أحد! فجاء رجل من عرض الجيش ‪ -‬أي من عامته غير‬
‫معروف ‪ -‬فدخله ففتح الله عليه الحصن‪ ،‬فنادى مسلمة‪ :‬أين صاحب النقب؟‬
‫فما جاءه أحد فنادى‪ :‬إني قد أمرت الذن بإدخاله ساعة يأتي‪ ،‬فعزمت عليه‬
‫إل جاء‪ ،‬فجاء رجل إلى الذن فقال‪ :‬استأذن لي على المير‪ ،‬فقال له‪ :‬أنت‬
‫صاحب النقب؟ قال‪ :‬أنا أخبركم عنه‪ .‬فأتى الذن إلى مسلمة فأخبره عنه‪،‬‬
‫فأذن له فقال الرجل لمسلمة‪ :‬إن صاحب النقب يأخذ عليكم ثلثا‪ :‬أل تسودوا‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اسمه ‪ -‬أي ل تكتبوه في صحيفة إلى الخليفة ‪ -‬ول تأمروا له بشيء ول‬
‫تسألوه ممن هو؟ أي من أي قبيلة هو‪ ،‬قال مسلمة‪ :‬فذاك له‪ ،‬قال الرجل‪ :‬أنا‬
‫هو‪ ،‬فكان مسلمة بعد هذه ل يصلي صلة إل قال‪ " :‬اللهم اجعلني مع صاحب‬
‫النقب "‪.‬‬
‫وما اجمل قول عمر بن عبد العزيز رحمه الله وهو يشير إلى عاقبة الخلص‬
‫لله تعالى " فإنما قدر عون الله للعباد على قدر النيات‪ ،‬فمن تمت نيته تم‬
‫عون الله له‪ ،‬ومن قصرت نيته قصر عون الله له "‪.‬‬
‫ومن علمات الخلص الخضوع للحق وقبول النصح ولو ممن كان دونه في‬
‫المنزلة‪ ،‬فل يضيق صدره كيف ظهر الحق مع غيره‪ ،‬حكى الحافظ بن حجر‬
‫في تهذيب التهذيب في ترجمة عبيد الله بن الحسن العنبري وهو أحد سادات‬
‫أهل البصرة وعلمائها وكان قاضيها‪ ،‬قال عبد الرحمن بن مهدي تلميذه‪ :‬كنا‬
‫في جنازة فسئل عن مسألة‪ ،‬فغلط فيها‪ ،‬فقلت له‪ :‬أصلحك الله‪ ،‬القول فيها‬
‫كذا وكذا‪ ،‬فأطرق ساعة فقال‪ :‬إذن ارجع وأنا صاغر‪ ،‬لن أكون ذنبا في الحق‬
‫أحب إلي من أن أكون رأسا في الباطل‪ ،‬رحمه الله‪.‬‬
‫ومن علمات الخلص أن ل يكون جريئا في الفتوى وإعطاء الحكام‪ ،‬ولذلك‬
‫كان الكثير من السلف الصالح يتحرز من الفتوى ويتمنى أنه لم يسأل‪ ،‬فعن‬
‫عبد الرحمن بن أبي ليلى قال‪ " :‬أدركت مائة وعشرين من أصحاب رسول‬
‫الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذأ‬
‫إلى هذا‪ ،‬وهذا إلى هذا‪ ،‬حتى ترجع إلى الول "‪ ،‬والذي يحب أن يتصدر‬
‫المجالس ويسأل ليس أهل أن يسأل كما أفاد بذلك بشر بن الحارث رحمه‬
‫الله‪ .‬وكان الواحد من كبار العلماء ل يخجل من قوله‪ :‬ل أدري‪ ،‬سئل الشعبي‬
‫يوما عن شيء فقال‪ :‬ل أدري‪ ،‬فقيل له‪ :‬أما تستحي من قولك ل أدري وأنت‬
‫عل ْ َ‬
‫م‬ ‫ك لَ ِ‬‫حان َ َ‬‫سب ْ َ‬
‫فقيه أهل العراقين قال‪ :‬لكن الملئكة لم تستح حين قالت‪ُ ) :‬‬
‫مت ََنا ( البقرة )‪.(32‬‬ ‫ما عَل ّ ْ‬
‫ل ََنا إ ِل ّ َ‬
‫جاء في طبقات الشافعية ما يلي‪:‬‬
‫حكى القاضي عز الدين الهكاري في مصنف له‪ ،‬ذكر فيه سيرة الشيخ عز‬
‫الدين عبد العزيز بن عبد السلم‪ ،‬أن الشيخ عز الدين أفتى مرة بشيء ثم‬
‫ظهر له انه أخطأ‪ ،‬فنادى في مصر والقاهرة على نفسه‪ :‬من أفتى له فلن‬
‫بكذا فل يعمل به فإنه خطأ‪.‬‬
‫‪ -2‬تلوة القرآن الكريم‬
‫الشتغال بالقرآن الكريم من أفضل العبادات فهو كلم الله تعالى وأساس‬
‫ما‬ ‫م ّ‬‫قوا ِ‬ ‫صلة َ وََأن َ‬
‫ف ُ‬ ‫موا ال ّ‬
‫َ‬
‫ب الل ّهِ وَأَقا ُ‬ ‫ن ي َت ُْلو َ‬
‫ن ك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬‫السلم‪ ،‬قال تعالى‪ ) :‬إ ِ ّ‬
‫جاَرة ً ّلن ت َُبوَر ( فاطر )‪ (29‬وقد وصى رسول‬ ‫ن تِ َ‬‫جو َ‬ ‫ة ي َْر ُ‬ ‫سّرا ً وَ َ‬
‫علن ِي َ ً‬ ‫م ِ‬‫َرَزقَْناهُ ْ‬
‫الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبا ذر بذلك فقال‪ " :‬عليك بتلوة القرآن‬
‫فإنه نور لك في الرض وذخر لك في السماء " وقد حذر الرسول الكريم من‬
‫هجر القرآن فقال " إن الذي ليس في جوفه شئ من القرآن كالبيت الخرب‬
‫" لذلك يجب تعاهد القرآن الكريم والحذر من تعريضه للنسيان لحديث‬
‫الصحيحين " تعاهدوا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من البل‬
‫في عقلها " ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫كان من عادته صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يأمر أصحابه بحسن قراءة‬
‫القرآن وكان يقرأ لهم ويقرئهم بحضوره‪ ،‬قال ابن مسعود‪ :‬أخذت من في‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم سبعين سورة من القرآن‪ ،‬وروى‬
‫البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لبن مسعود وهو‬
‫على المنبر‪ " :‬اقرأ علي‪ ،‬قلت‪ :‬أأقرأ عليك وعليك أنزل‪ ،‬قال صلى الله عليه‬
‫وعلى آله وسلم‪ :‬إني أحب أن أسمعه من غيري " فقرأت سورة النساء حتى‬
‫ؤلء‬ ‫ك عََلى هَ ُ‬ ‫جئ َْنا ب ِ َ‬
‫شِهيد ٍ وَ ِ‬‫مةٍ ب ِ َ‬‫لأ ّ‬‫من ك ُ ّ‬ ‫جئ َْنا ِ‬
‫ف إ َِذا ِ‬ ‫أتيت إلى هذه الية ) فَك َي ْ َ‬
‫شِهيدا ً ( النساء )‪ (41‬قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم‪ :‬حسبك الن‪،‬‬ ‫َ‬
‫فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان "‪.‬‬
‫وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحمل الناس على القرآن‬
‫حمل ويفاضل بينهم بمنزلتهم من القرآن فهو يقول‪ " :‬يؤم القوم اقرؤهم "‬
‫وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ " :‬بعث رسول الله صلى الله‬
‫عليه وعلى آله وسلم بعثا وهم ذوو عدد فاستقرأهم‪ ،‬فاستقرأ كل رجل منهم‪،‬‬
‫يعني ما معه من القرآن‪ ،‬فأتى على رجل منهم من أحدثهم سنا فقال‪ :‬ما‬
‫معك يا فلن؟ قال‪ :‬معي كذا و كذا وسورة البقرة‪ ،‬قال صلى الله عليه وعلى‬
‫آله وسلم‪ :‬أمعك سورة البقرة؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال صلى الله عليه وعلى آله‬
‫وسلم‪ :‬اذهب فأنت أميرهم "‪.‬‬
‫وينبغي للقارئ أن يكون شأنه الخشوع والتدبر والخضوع فهذا هو المقصود‬
‫المطلوب‪ ،‬ويستحب البكاء‪ ،‬والتباكي لمن ل يقدر على البكاء‪ ،‬والسنة التزام‬
‫صفة تلوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم‪ ،‬فقد كانت قراءته ترتيل ل‬
‫هذا ول عجله بل مفسرة حرفا حرفا‪ ،‬وكان يقطع قراءته آية آية‪ ،‬وكان يقرأ‬
‫القرآن قائما وقاعدا ومضطجعا ومتوضأ ومحدثا‪ ،‬وإذا قرأ بآية دعاء دعا‪ ،‬أو‬
‫استغفار استغفر‪ ،‬أو سجدة سجد أو رحمة طلبها‪ .‬وينبغي المحافظة على‬
‫تلوة القرآن ليل ونهارا‪ ،‬سفرا وحضرا‪ ،‬وقد روي أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وعلى آله وسلم وصى عبد الله بن عمرو أن يختمه في كل أسبوع مرة‪،‬‬
‫وكذلك كان جماعه من الصحابة رضوان الله عليهم يفعلون كعثمان‪ ،‬وزيد بن‬
‫ثابت‪ ،‬وابن مسعود‪ ،‬وأبي بن كعب‪ ،‬وكان عثمان رضي الله عنه يفتتح ليلة‬
‫الجمعة بالبقرة إلى المائدة‪ ،‬وليلة السبت بالنعام إلى هود‪ ،‬وليلة الحد‬
‫بيوسف إلى مريم‪ ،‬وليلة الثنين ب طه إلى القصص‪ ،‬وليلة الثلثاء بالعنكبوت‬
‫إلى ص‪ ،‬وليلة الربعاء بالزمر إلى الرحمن‪ ،‬وليلة الخميس يكمل الختمة‪.‬‬
‫ويستحب صيام يوم ختم القرآن إل أن يصادف يوما نهى الشارع عن صيامه‪،‬‬
‫كما يستحب الدعاء عند الختم بحضور الهل وغيرهم فقد كان أنس بن مالك‬
‫رضي الله عنه إذا ختم القرآن‪ ،‬جمع أهله ودعا‪.‬‬
‫وهناك سور وآيات يستحب الكثار من تلوتها وهي‪ :‬يس‪ ،‬الدخان‪ ،‬الواقعة‪،‬‬
‫الملك‪ ،‬الخلص‪ ،‬المعوذتين‪ ،‬آية الكرسي‪ ،‬اليتان الخيرتان من البقرة‪،‬‬
‫وسورة الكهف وميقاتها يوم الجمعة‪.‬‬
‫‪ -3‬الحرص على أداء الفرائض‬
‫م‬
‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫وهي كثيرة‪ ،‬ومنها الصلوات الخمس كل في وقتها‪ ،‬قال تعالى‪َ ) :‬وال ِ‬
‫س‬
‫فْرد َوْ َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ِ‬ ‫ن ي َرُِثو َ‬
‫ذي َ‬ ‫ن )‪ (10‬ال ّ ِ‬ ‫وارُِثو َ‬‫م ال ْ َ‬
‫ك هُ ُ‬ ‫ن )‪ (9‬أ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫حافِ ُ‬
‫ظو َ‬ ‫م يُ َ‬ ‫صل َ َ‬
‫وات ِهِ ْ‬ ‫عََلى َ‬
‫ن )‪ ((11‬المؤمنون وقد حذر الشرع من التهاون في أمرها‬ ‫دو َ‬‫خال ِ ُ‬
‫م ِفيَها َ‬
‫هُ ْ‬
‫ن )‪(5‬‬ ‫هو َ‬ ‫سا ُ‬ ‫م َ‬‫صلت ِهِ ْ‬ ‫عن َ‬ ‫م َ‬
‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪ (4‬ال ِ‬ ‫ّ‬
‫صلي َ‬‫م َ‬ ‫ْ‬
‫ل لل ُ‬ ‫ّ‬ ‫حيث قال الله تعالى‪ ) :‬فَوَي ْ ٌ‬
‫( الماعون وقال عليه وعلى آله الصلة والسلم " من هانت عليه صلته‪ ،‬كان‬
‫على الله عز وجل أهون " ومما ينسب إلى عمر بن عبد العزيز رحمه الله‬
‫قوله " فإنه من يضيع الصلة فهو لما سواها من شرائع السلم أشد تضييعا "‬
‫وذلك يعني أن من يفرط في أمر الصلة فل يكون أمينا صادقا في حمل‬
‫الدعوة والنتساب إلى السلم‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وطلب المحافظة على الصلة ل يقتصر عليه‪ ،‬فقد طلب سبحانه وتعالى أن‬
‫ك‬‫مْر أ َهْل َ َ‬ ‫ْ‬
‫يأمر الرسول أهله بالصلة ويصبر على مشاقها حيث قال‪ ) :‬وَأ ُ‬
‫وى ( طه )‬ ‫ق َ‬ ‫ك َوال َْعاقِب َ ُ‬
‫ة ِللت ّ ْ‬ ‫ن ن َْرُزقُ َ‬
‫ح ُ‬ ‫سأ َل ُ َ‬
‫ك رِْزقا ً ن ّ ْ‬ ‫صط َب ِْر عَل َي َْها ل ن َ ْ‬
‫صلةِ َوا ْ‬
‫ِبال ّ‬
‫‪ (132‬وقد حث الشرع على صلة الجماعة وحذر من تركها وقد سمع النداء‪،‬‬
‫قال عليه وعلى آله الصلة والسلم‪ " :‬الجفاء كل الجفاء والكفر والنفاق على‬
‫من سمع منادي الله ينادى يدعوه إلى الفلح ول يجيبه " وعن عمرو بن أم‬
‫كلثوم قال‪ :‬قلت يا رسول الله‪ :‬أنا ضرير شاسع الدار ولي قائد ل يلئمني‬
‫فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي قال‪ :‬أتسمع النداء؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ما أجد لك رخصة " وقال عليه وعلى آله الصلة والسلم‪ " :‬من سمع النداء‬
‫بالصلة فلم يمنعه من إتيانها عذر‪ ،‬قيل‪ :‬وما العذر يا رسول الله؟ قال‪ :‬خوف‬
‫أو مرض‪ ،‬لم تقبل عنه الصلة التي صلى " وأخرج الحاكم في مستدركه عن‬
‫ابن عباس قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم‪ " :‬ثلثة‬
‫لعنهم الله‪ :‬من تقدم قوما وهم له كارهون‪ ،‬وامرأة باتت وزوجها عليها‬
‫ساخط‪ ،‬ورجل سمع حي على الصلة حي على الفلح ثم لم يجب " وقد أمر‬
‫أبو بكر الصديق رضي الله عنه ولده عبد الله أن يطلق زوجته عاتكة بنت زيد‬
‫بعد أن شغلته عن صلة الجماعة فانصاع لمر أبيه رضي الله عنهما‪.‬‬
‫وينبغي الخشوع في الصلة والتفهم لمعنى الكلم ويكون ذلك بقطع الخواطر‬
‫عن كل ما يشغل السمع والبصر وذلك بالقرب من القبلة والنظر إلى موضع‬
‫السجود والحتراز من المواضع المنقوشة وأن ل يترك عنده ما يشغل حسه‬
‫فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما صلى في انبجانية لها أعلم‬
‫نزعها وقال‪ " :‬إنها ألهتني آنفا عن صلتي " وعلى من يريد الصلة أن يقضي‬
‫أشغاله قبل الصلة ويذكر الخرة وخطر القيام بين يدي الله عز وجل وهول‬
‫المطلع وأن يكون راجيا بصلته الثواب كما يخاف من تقصيره العقاب‪.‬‬
‫وهذه صور من صلة السلف الصالح رحمهم الله جميعا‪:‬‬
‫عن محمد بن أبي حاتم الوراق قال‪ :‬دعي محمد بن إسماعيل البخاري إلى‬
‫بستان بعض أصحابه‪ ،‬فلما حضرت صلة الظهر صلى القوم‪ ،‬ثم قام للتطوع‬
‫فأطال القيام‪ ،‬فلما فرغ من صلته رفع ذيل قميصه فإذا زنبور قد ابره في‬
‫ستة عشر موضعا‪ ،‬وقد تورم من ذلك الجسد وكانت آثار الزنبور في جسده‬
‫ظاهرة‪ ،‬فقال له بعضهم كيف لم تخرج من الصلة في أول ما ابرك؟ فقال‪:‬‬
‫كنت في سورة فأحببت أن أتمها‪.‬‬
‫قال عمر بن عبد العزيز يوما لبن أبي ملكية‪ :‬صف لنا عبد الله بن الزبير‬
‫فقال‪ :‬والله ما رأيت نفسا ركبت بين جنبين مثل نفسه‪ ،‬ولقد كان يدخل في‬
‫الصلة فيخرج من كل شيء إليها‪ ،‬وكان يركع أو يسجد فتقف العصافير فوق‬
‫ظهره وكاهله‪ ،‬ل تحسبه من طول ركوعه وسجوده إل جدارا أو ثوبا مطروحا‪،‬‬
‫ولقد مرت قذيفة منجنيق بين لحيته وصدره وهو يصلي‪ ،‬فوالله ما أحس بها‪،‬‬
‫ول اهتز لها‪ ،‬ول قطع من أجلها قراءته ول تعجل ركوعه‪.‬‬
‫قال سعيد بن المسيب‪ :‬حججت أربعين حجة‪ ،‬وما فاتتني التكبيرة الولى منذ‬
‫خمسين سنة‪ ،‬وما نظرت إلى قفا رجل في الصلة منذ خمسين سنة‪.‬‬
‫بعد أن فرغ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمسلمون من‬
‫غزوة ذات الرقاع نزلوا مكانا يبيتون فيه‪ ،‬واختار الرسول الكريم للحراسة‬
‫نفرا من أصحابه يتناوبونها وكان منهم عمار بن ياسر وعباد بن بشر في نوبة‬
‫واحدة‪ ،‬ورأى عباد صاحبه عمار مجهدا فطلب منه أن ينام أول الليل على أن‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقوم هو بالحراسة‪ ،‬ورأى عباد أن المكان من حوله آمن فقام يصلي‪ ،‬وإذ هو‬
‫قائم يقرأ بعد فاتحة الكتاب سورة من القرآن‪ ،‬اخترم عضده سهم فنزعه‬
‫واستمر في صلته‪ ،‬ثم رمي بسهم ثان‪ ،‬ثم رماه المهاجم في ظلل الليل‬
‫بسهم ثالث نزعه وأنهى صلته‪ ،‬ثم ركع وسجد‪ ،‬وكانت قواه قد بددها العياء‬
‫واللم‪ ،‬فمد يمينه وهو ساجد إلى صاحبه النائم بجواره‪ ،‬وظل يهزه حتى‬
‫استيقظ‪ ،‬ثم قام من سجوده وتل التشهد وأتم صلته‪ ،‬وصحا عمار على‬
‫كلماته المتعبة تقول له‪ :‬قم للحراسة مكاني‪ ،‬فقد أصبت‪ ،‬ووثب عمار محدثا‬
‫ضجة وهرولة أخافت المتسللين‪ ،‬ففروا ثم التفت إلى عباد وقال له‪ :‬سبحان‬
‫الله‪ ،‬هل أيقظتني أول ما رميت‪ ،‬فأجابه عباد‪ :‬كنت أتلو في صلتي آيات من‬
‫القرآن ملت نفسي روعة فلم أحب أن أقطعها‪ ،‬ووالله لول أن أضيع ثغرا‬
‫أمرني رسول الله بحفظه لثرت الموت على أن أقطع تلك اليات التي كنت‬
‫أتلوها‪.‬‬
‫‪ -4‬مراعاة سلم القيم‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ويعني ذلك أن يكون الله ورسوله أحب إلى نفسه من الدنيا وما فيها‪ ،‬وأن‬
‫يضحي بجميع مصالحه وارتباطاته في سبيل الله‪ ،‬وان يكون لمقام الدعوة‬
‫المقام الول في حياته الدنيا‪ ،‬وهذا هو اليمان الحق وعنوان التجرد لله‬
‫َ‬
‫وان ُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫خ َ‬
‫م وَإ ِ ْ‬ ‫م وَأب َْنآؤُك ُ ْ‬ ‫ن آَباؤُك ُ ْ‬‫كا َ‬ ‫ل ِإن َ‬ ‫سبحانه وتعالى‪ ،‬قال الله تعالى‪ ) :‬قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ساك ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫ساد َ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫شو ْ َ‬‫خ َ‬ ‫جاَرةٌ ت َ ْ‬‫ها وَت ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل اقْت ََرفْت ُ ُ‬‫وا ٌ‬‫َ‬ ‫م‬
‫م وَأ ْ‬ ‫شيَرت ُك ُ ْ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫جك ُ ْ‬ ‫وَأْزَوا ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫حّتى ي َأت ِ َ‬ ‫صوا ْ َ‬ ‫سِبيل ِهِ فَت ََرب ّ ُ‬‫جَهادٍ ِفي َ‬ ‫سول ِهِ وَ ِ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬‫كم ّ‬ ‫ب إ ِل َي ْ ُ‬‫ح ّ‬‫ضوْن ََها أ َ‬ ‫ت َْر َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن( التوبة )‪ (24‬وقد علمنا الرسول‬ ‫قي َ‬‫س ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫قو ْ َ‬
‫دي ال َ‬ ‫ه ل َ ي َهْ ِ‬ ‫مرِهِ َوالل ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه ب ِأ ْ‬
‫الكريم ترتيب سلم القيم بقوله‪ " :‬إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر‬
‫ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذل ل ينزعه حتى ترجعوا إلى‬
‫دينكم"‪.‬‬
‫وقد ضرب لنا السلف الصالح أمثلة في ذلك يقتدي بها العاملون المخلصون‪:‬‬
‫هذا خالد بن الوليد يقول يوما " ما ليلة يهدى إلي فيها عروس أو أبشر فيها‬
‫بوليد بأحب إلي من ليلة شديدة الجليد في سرية من المجاهدين أصبح بهم‬
‫المشركين "‪.‬‬
‫وهذا مصعب بن عمير يقول فيه رسول الله‪ " :‬لقد رأيت مصعبا هذا وما‬
‫بمكة فتى أنعم عند أبويه منه‪ ،‬لقد ترك ذلك حبا لله ورسوله " ‪.‬‬
‫وهذا سعد بن أبي وقاص يقول لمه‪ :‬تعلمين والله يا أماه لو كانت لك مئة‬
‫نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا فكلي إن شئت أول تأكلي‪.‬‬
‫وهذا صهيب الرومي يضحي بجميع ما يملك مقابل السماح له بالهجرة فيقول‬
‫رضي الله عنه‪ " :‬ربح البيع أبا يحيى‪ ،‬ربح البيع أبا يحيى "‪.‬‬
‫وهذا سعيد بن عامر يقول لزوجته وقد آسفها إنفاق زوجها في سبيل الله "‬
‫تعلمين أن في الجنة من الحور العين والخيرات الحسان ما لو أطلت واحدة‬
‫منهن على الرض لضاءت جميعا‪ ،‬ولقهر نورها نور الشمس والقمر معا‪،‬‬
‫فلن أضحي بك من أجلهن أحرى وأولى من أن أضحي بهن من أجلك "‪.‬‬
‫يقول القاضي بهاء الدين بن شداد عن صلح الدين رحمه الله‪ :‬لقد كان حبه‬
‫للجهاد والشغف به قد استولى على قلبه وسائر جوارحه استيلء عظيما‪،‬‬
‫بحيث ما كان له حديث إل فيه‪ ،‬ول نظر إل في آلته‪ ،‬ول كان له اهتمام إل‬
‫برجاله‪ ،‬ول ميل إل إلى من يذكره ويحثه عليه‪ ،‬لقد هجر في محبة الجهاد في‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سبيل الله أهله وأولده ووطنه‪ ،‬وسائر بلده‪ ،‬وقنع من الدنيا بالسكون في‬
‫ظل خيمة تهب بها الرياح ميمنة وميسرة‪.‬‬
‫وهذأ جيل من الشباب يمضي في طريق الدعوة والثبات عليها ول يبالي بما‬
‫عليه الباء والمهات من الكفر والعناد‪ :‬علي وجعفر على السلم‪ ،‬وأبوهما أبو‬
‫طالب يموت كافرا‪ ،‬أبو عبيدة الجراح يقتل أباه عبد الله بن الجراح يوم بدر‪،‬‬
‫أبو حذيفة يقتل أبوه عتبة بن ربيع يوم بدو فيحزن حزنا شديدا ل لسبب إل‬
‫لنه مات على الكفر‪.‬‬
‫مصعب وسعد ناصبتهما أماهما العداء فل يباليان‪ ،‬الوليد وهشام وخالد أولد‬
‫شاء‬‫م ّ‬ ‫مازٍ ّ‬‫ن )‪ (10‬هَ ّ‬ ‫مِهي ٍ‬ ‫ف ّ‬ ‫حل ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫من قال فيه القرآن الكريم‪ ) :‬ول ت ُط ِعْ ك ُ ّ‬
‫ك َزِنيم ٍ )‪ ( (13‬القلم‪.‬‬ ‫ل ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫معْت َد ٍ أ َِثيم ٍ )‪ (12‬عُت ُ ّ‬ ‫خي ْرِ ُ‬ ‫مّناٍع ل ّل ْ َ‬‫ميم ٍ )‪َ (11‬‬ ‫ب ِن َ ِ‬
‫وهناك مفارقة عجيبة‪ ،‬السلم يجمع بين زوجين كريمين هما حنظلة الغسيل‬
‫وجميلة‪ ،‬وأبواهما من ألد أعداء السلم والمسلمين‪ ،‬حنظلة بن أبي عامر‬
‫الراهب والب رأس الكفر و العمالة لدولة الروم‪ ،‬وجميلة بنت عبد الله بن‬
‫أبي والب رأس النفاق بالمدينة المنورة‪.‬‬
‫مر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بسيدة من بني دينار استشهد‬
‫في معركة أحد‪ :‬أبوها‪ ،‬وزوجها‪ ،‬وأخوها‪ .‬وحين أبصرت المسلمين العائدين‬
‫من المعركة‪ ،‬سارعت نحوهم تسألهم عن أبنائها‪ ،‬فنعوا إليها الزوج والب‬
‫والخ وإذا بها تسألهم في لهفة‪ :‬وماذا فعل رسول الله؟؟ قالوا‪ :‬خيرا‪ ،‬وهو‬
‫بحمد الله كما تحبين‪ .‬قالت‪ :‬أرونيه‪ ،‬حتى أنظر إليه‪.‬‬
‫فلبثوا بجوارها حتى اقترب الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم‪ ،‬فلما‬
‫رأته أقبلت نحوه تقول‪ :‬كل مصيبة بعدك‪ ،‬أمرها يهون ‪.‬‬
‫‪ -5‬السخاء واليثار‬
‫من سجايا المسلمين بعامة وحملة الدعوة بخاصة السماحة والبذل وبسط‬
‫اليد‪ ،‬فقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة بمدح الكرم والنفاق وذم البخل‬
‫وفا ً‬
‫خ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬‫عو َ‬‫جِع ي َد ْ ُ‬‫ضا ِ‬‫م َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫جاَفى ُ‬
‫ُ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫جُنوب ُهُ ْ‬ ‫والمساك‪ ،‬قال الله تعالى‪ ) :‬ت َت َ َ‬
‫من قُّر ِ‬
‫ة‬ ‫ي لُهم ّ‬ ‫َ‬ ‫ف َ‬‫خ ِ‬‫ما أ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ف ٌ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (16‬فل ت َعْل ُ‬ ‫قو َ‬
‫م ُينفِ ُ‬ ‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬ ‫معا ً وَ ِ‬
‫م ّ‬ ‫وَط َ َ‬
‫مُلون ))‪ ( 17‬السجدة‪.‬‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫جَزاء ب ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫أعْي ُ ٍ‬
‫)‪(6 /‬‬

‫وورد عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قوله‪ " :‬ل يجتمع غبار‬
‫في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدا‪ ،‬ول يجتمع الشح واليمان في‬
‫قلب عبد أبدا " وقال أيضا لبني سلمه‪ " :‬من سيدكم؟ قالوا‪ :‬الجد بن قيس‬
‫على إنا نبخله‪ ،‬قال‪ :‬وأي داء ادوأ من البخل؟ بل سيدكم بشر بن البراء بن‬
‫معرور " وعن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال‪ " :‬ثلث مهلكات‬
‫شح مطاع‪ ،‬وهوى متبع‪ ،‬وإعجاب المرء بنفسه "‪.‬‬
‫وعن عائشة أنهم ذبحوا شاة فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم‪" :‬‬
‫ما بقي منها؟ قالت‪ :‬ما بقي إل كتفها‪ ،‬قال‪ :‬بقي كلها غير كتفها "‪.‬‬
‫وقد صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان أجود بالخير من‬
‫الريح المرسلة‪ ،‬وأنه ما سئل شيئا قط فقال‪ :‬ل‪ ،‬وأن رجل سأله فأعطاه غنما‬
‫بين جبلين‪ ،‬فأتى الرجل قومه‪ ،‬فقال‪ :‬يا قوم أسلموا‪ ،‬فإن محمدا يعطي‬
‫عطاء من ل يخشى الفقر‪.‬‬
‫سمع عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وعلى‬
‫آله وسلم يقول له يوما‪ " :‬يا ابن عوف إنك من الغنياء وإنك ستدخل الجنة‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حبوا‪ ،‬فأقرض الله يطلق لك قدميك " ومنذ أن سمع عبد الرحمن ذلك وهو‬
‫يقرض ربه قرضا حسنا‪ ،‬باع في يوم أرضا بأربعين ألف دينار ثم فرقها جميعها‬
‫في أهله من بنى زهرة وعلى أمهات المؤمنين‪ ،‬وفقراء المسلمين‪ ،‬وقدم في‬
‫يوم ‪ 500‬فرسا في سبيل الله‪ ،‬وقدم في يوم آخر ‪ 1500‬راحلة‪ ،‬وعند موته‬
‫أوصى ب ‪ 50‬ألف دينار وأوصى لكل من بقي ممن شهد بدرا بأربعمائة دينار‪،‬‬
‫حتى أن عثمان بن عفان أخذ نصيبه من الوصية رغم ثرائه وقال‪ :‬إن مال عبد‬
‫الرحمن حلل صفو‪ ،‬وإن الطعمة منه عافيه وبركة‪.‬‬
‫اشترى عبد الله بن عامر من خالد بن عقبة داره التي في السوق بتسعين‬
‫ألف درهم‪ ،‬فلما كان الليل سمع بكاء أهل خالد‪ ،‬فقال لهله‪ ،‬ما لهؤلء؟‬
‫قالوا‪ :‬يبكون على دارهم‪ ،‬قال‪ :‬يا غلم ائتهم فأعلمهم أن الدار والمال لهم‬
‫جميعا‪.‬‬
‫ومرض قيس بن سعد بن عبادة‪ ،‬فاستبطأ إخوانه‪ ،‬فقيل له‪ :‬إنهم يستحيون‬
‫مما لك عليهم من الدين‪ ،‬فقال‪ :‬أخزى الله مال يمنع الخوان من الزيارة‪ ،‬ثم‬
‫أمر مناديا ينادي‪ :‬من كان عليه لقيس حق فهو منه في حل‪ ،‬قال‪ :‬فانكسرت‬
‫درجته بالعشي لكثرة من عاده‪.‬‬
‫ومادام السخاء من شيم المؤمنين ومن طبائعهم الصلية فإنه ل يتوقف على‬
‫الغنى وسعة ما في اليد‪ ،‬أنظر إلى قوله عليه وعلى آله الصلة والسلم‪" :‬‬
‫سبق درهم مئة ألف درهم‪ ،‬فقال رجل‪ :‬وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال‪ :‬رجل‬
‫له مال كثير أخذ من عرضه مئة ألف درهم تصدق بها‪ ،‬ورجل ليس له إل‬
‫درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به" وهذا رجل من النصار فقير يقال له أبو‬
‫عقيل يحدث عن نفسه في غزوة تبوك فيقول‪ :‬لقد بت الليلة أعمل في نشل‬
‫الماء مقابل صاعين من التمر انقلبت بإحداهما إلى أهلي يتبلغون به‪ ،‬وجئت‬
‫بالخر أتقرب به‪ ،‬فأمر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن ينثره في‬
‫الصدقة‪ ،‬فعابه المنافقون لقلة ما أعطى وقالوا‪ :‬لقد كان الله غنيا عن صاع‬
‫ن‬
‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫مط ّوّ ِ‬
‫عي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مُزو َ‬‫ن ي َل ْ ِ‬‫ذي َ‬ ‫أبي عقيل‪ ،‬فأنزل الله تعالى قوله‪) :‬ال ّ ِ‬
‫م‬
‫من ْهُ ْ‬‫ه ِ‬ ‫خَر الل ّ ُ‬‫س ِ‬
‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫خُرو َ‬ ‫م فَي َ ْ‬
‫س َ‬ ‫جهْد َهُ ْ‬ ‫ن إ ِل ّ ُ‬‫دو َ‬‫ج ُ‬ ‫ن ل َ يَ ِ‬ ‫ت َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫صد ََقا ِ‬‫ِفي ال ّ‬
‫َ‬
‫م ( التوبة )‪.(79‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬‫وَل َهُ ْ‬
‫وأرفع درجات السخاء اليثار‪ ،‬وليس بعده درجه في السخاء‪ ،‬وقد أثنى الله‬
‫تعالى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم باليثار فقال‪:‬‬
‫ة ( الحشر )‪ (9‬وكان سبب نزول‬ ‫ص ٌ‬‫صا َ‬ ‫خ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب ِهِ ْ‬
‫كا َ‬ ‫م وَل َوْ َ‬‫سهِ ْ‬‫ف ِ‬‫ن عََلى َأن ُ‬ ‫) وَي ُؤْث ُِرو َ‬
‫هذه الية الكريمة قصة أبي طلحة لما آثر ذلك الرجل المجهود بقوته وقوت‬
‫صبيانه‪.‬‬
‫واستشهد باليرموك عكرمة بن أبي جهل‪ ،‬وسهيل بن عمرو‪ ،‬والحارث بن‬
‫هشام وجماعة من بني المغيرة‪ ،‬فأتوا بماء وهم صرعى فتدافعوه حتى ماتوا‬
‫ولم يذوقوه رحمهم الله تعالى‪.‬‬
‫ولله در الشاعر العربي حيث يقول‪:‬‬
‫‪ ...‬تراه إذا ما جئته متهلل ‪ ... ... ...‬كأنك تعطيه الذي أنت سائله‬
‫‪ -6‬الكثار من النوافل‬
‫وذلك مثل قيام الليل فإن فضله عظيم وهو السبيل إلى المقام الموعود‪ ،‬قال‬
‫عليه وعلى آله الصلة والسلم " عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين‬
‫قبلكم‪ ،‬ومقربة لكم إلى ربكم‪ ،‬ومكفرة للسيئات‪ ،‬ومنهاة عن الثم‪ ،‬ومطردة‬
‫للداء عن الجسد‪ ،‬وفي الليل ساعة يستجاب فيها الدعاء "‪ ،‬قال عليه وعلى‬
‫آله الصلة والسلم " إن في الليلة لساعة ل يوافقها عبد مسلم يسأل الله‬
‫فيها خيرا إل آتاه إياه‪ ،‬وذلك كل ليله "‪ ،‬وإذا استيقظ من الليل وأيقظ امرأته‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فصليا جميعا ركعتين كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات كما أخبر‬
‫الرسول الكريم بذلك‪ ،‬يقول المام الحسن البصري رحمه الله‪ :‬لم أجد من‬
‫العبادة شيئا أشد من الصلة في جوف الليل‪ ،‬فقيل له‪ :‬ما بال المتهجدين من‬
‫أحسن الناس وجوها؟ فقال‪ :‬لنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ومن النوافل العتكاف وخاصة في رمضان حتى ولو كان قصيرا‪ ،‬ومنها صلة‬
‫الضحى‪ ،‬وصلة التراويح وصلة الوتر‪ ،‬والستخارة في المور كلها‪ ،‬والكثار‬
‫من الصدقات وأداء العمرة وصوم التطوع في اليام التي حددها الشارع‪،‬‬
‫وغير ذلك كثير وقد كان السلف الصالح يكثرون من فعل النوافل ويرجون من‬
‫الله أن يكون ذلك طريقا إلى التوفيق وتحقيق الغايات‪ ،‬ففي يوم الثنين ‪19‬‬
‫جمادى الولى سنة ‪ 757‬هـ‪ 28 ،‬أيار سنة ‪ 1453‬م ندب السلطان محمد‬
‫الفاتح جنده لصيام ذلك اليوم تقربا إلى الله‪ ،‬وتزكية لنفوسهم استعدادا‬
‫للهجوم النهائي الذي قرر أن يشنه في اليوم التالي على القسطنطينية‪ ،‬وما‬
‫أن أذنت شمس يوم الثنين بالمغيب وأدى المجاهدون صلة المغرب‪ ،‬أقبلوا‬
‫يتناولون إفطارهم‪ ،‬ثم دعا السلطان مجلس حربه‪ ،‬وقادة جيشه إلى الجتماع‬
‫الخير قبل بدء الهجوم‪ ،‬وخطب فيهم خطبة‪ ،‬جاء فيها ما يلي‪:‬‬
‫" إذا أعاننا الله عز وجل ففتح علينا القسطنطينية فسيتحقق فينا حديث‬
‫رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومعجزة من معجزاته العظام‪،‬‬
‫وسيكون من حظنا ما تضمنه حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله‬
‫وسلم من التقدير والتشريف‪ ،‬فأبلغوا أبناءنا العساكر فردا فردا أن الظفر‬
‫العظيم الذي سنحرزه سيزيد السلم قدرا وشرفا‪ ،‬ويجب على كل جندي أن‬
‫يجعل تعاليم شريعتنا نصب عيه‪ ،‬فل يصدر عن أي واحد منهم ما ينافي هذه‬
‫التعاليم‪ ،‬وليتجنبوا الكنائس والمعابد‪ ،‬ول يمسوها بأذى‪ ،‬وليدعوا القساوس‬
‫والضعفاء والعجزة الذين ل يقاتلون "‪.‬‬
‫وحين تنزل نصر الله عز وجل كان أول عمل بدأ به السلطان محمد الفاتح أن‬
‫خر ساجدا على الرض شكرا لله على ما أفاء على المسلمين من نصر مؤزر‬
‫مبين‪ ،‬وما كاد العثمانيون يدخلون المدينة حتى وثب العديد منهم إلى أعالي‬
‫السوار يزيلون الرايات البيزنطية من فوقها ويرفعون مكانها الرايات‬
‫السلمية العثمانية‪ ،‬وفي تلك الثناء كان العشرات من المجاهدين يرفعون‬
‫أصواتهم بالذان من فوق أسوار المدينة‪ ،‬ولما بلغ الفاتح منتصف المدينة‪،‬‬
‫توقف عن المسير وقرأ بلغة عربية فصحى البشارة النبوية الكريمة " لتفتحن‬
‫القسطنطينية‪ ،‬فلنعم المير أميرها‪ ،‬ولنعم الجيش ذلك الجيش "‪.‬‬
‫لما أبطأ على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتح مصر كتب إلى عمرو بن‬
‫العاص رضي الله عنه " أما بعد فقد عجبت لبطائكم عن فتح مصر تقاتلونهم‬
‫منذ سنين وما ذاك إل لما أحدثتم وأحببتم من الدنيا ما أحب عدوكم وإن الله‬
‫تعالى ل ينصر قوما إل بصدق نياتهم وقد كنت وجهت إليك أربعة نفر ) الزبير‬
‫بن العوام‪ ،‬المقداد بن السود‪ ،‬عبادة بن الصامت‪ ،‬ومسلمة بن مخلد (‬
‫وأعلمتك أن الرجل منهم مقام ألف رجل على ما أعرف إل أن يكون غيرهم‬
‫ما غير غيرهم‪ ،‬فإذا أتاك كتابي هذا فاخطب الناس و حضهم على قتال‬
‫عدوهم ورغبهم في الصبر والنية وقدم أولئك الربعة في صدور الناس وأمر‬
‫الناس أن يكونوا لهم صدمة رجل واحد وليكن ذلك عند الزوال يوم الجمعة‬
‫فإنها ساعة تنزل فيها الرحمة ووقت الجابة‪ ،‬وليعج الناس إلى الله وليسألوه‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النصر على عدوهم "‪.‬‬


‫فلما أتى عمرا الكتاب جمع الناس وقرأه عليهم ثم دعا أولئك النفر فقدمهم‬
‫أمام الناس وأمر الناس أن يتطهروا ويصلوا ركعتين ثم يرغبوا إلى الله‬
‫ويسألوه النصر ففتح الله عليهم‪.‬‬
‫‪ -7‬الدعاء والذكر والستغفار‬
‫الدعاء من أعظم العبادة‪ ،‬وهو مخ العبادة كما أخبر الرسول الكريم بذلك‪،‬‬
‫ومن لم يسأل الله يغضب عليه‪ ،‬وليس شيء أكرم على الله من الدعاء‪ ،‬لذا‬
‫يندب الدعاء في السراء والضراء‪ ،‬وفي السر والعلن حتى ينال ثواب الله‬
‫تعالى‪ ،‬والفضل أن يدعو بما ورد في القرآن والحديث من أدعية وأذكار‬
‫تشمل جميع الحالت‪ :‬من الستيقاظ من النوم وعند الخروج من المنزل‬
‫ودخوله‪ ،‬وعند المشي إلى المسجد ودخوله والخروج منه‪ ،‬وعند الوضوء وبعد‬
‫الصلة وعند الستخارة‪ ،‬وعند المطر والرعد ورؤية الهلل‪ ،‬وعند الطعام‬
‫ورؤية ما يعجبه‪ ،‬وعند الرق والهم والحزن‪ ،‬وعند السفر والزواج ومباشرة‬
‫الزوجة‪ ،‬وعند المرض ورؤية أهل البلء‪ ،‬وعند مواجهة الظالمين والقتال في‬
‫سبيل الله‪ ،‬وغير ذلك كثيرا‪ ،‬ويمكن الرجوع إلى كتاب الذكار للنووي‪ ،‬وإلى‬
‫عمل اليوم والليلة لبن السني لحفظ جميع الذكار والدعية‪ .‬وحامل الدعوة‬
‫ل يدعو لنفسه فحسب بل يدعو للمسلمين ولشباب الدعوة بالنصر والثبات‬
‫وأن يجيرهم رب العالمين‪.‬‬
‫فيقول‪ " :‬اللهم ارحم المة السلمية "‪.‬‬
‫ويقول‪ " :‬اللهم افتح علينا وافتح بنا وعجل بقيام دولة الخلفة "‪.‬‬
‫ويقول‪ " :‬اللهم إنا نعوذ بك من الكفار وعملئهم ومخابراتهم‪ ،‬اللهم إنا نجعلك‬
‫في نحورهم‪ ،‬ونعوذ بك من شرورهم "‪.‬‬
‫ويقول‪ " :‬اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم كن لنا جارا من‬
‫فلن بن فلن وأحزابه من خلئقك أن يفرط علينا أحد منهم أو يطغي‪ ،‬عز‬
‫جارك وجل ثناؤك‪ ،‬ول اله إل أنت "‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫ويقول‪ " :‬اللهم أعنا ول تعن علينا‪ ،‬وانصرنا ول تنصر علينا وأمكر لنا ول تمكر‬
‫علينا‪ ،‬اللهم تقبل توبتنا‪ ،‬واغسل حوبتنا وأجب دعوتنا‪ ،‬وثبت حجتنا‪ ،‬وسدد‬
‫ألسنتنا‪ ،‬واهد قلوبنا‪ ،‬واسلل سخيمة صدورنا "‪.‬‬
‫ويطلب الكثار من الذكر‪ ،‬يقول عليه وعلى آله الصلة والسلم‪ " :‬ما عمل‬
‫ابن آدم عمل له من عذاب الله من ذكر الله " وقال‪ " :‬قل ل حول ول قوة إل‬
‫بالله‪ ،‬فإنها كنز من كنوز الجنة " وقال‪ " :‬كلمتان حبيبتان إلى الرحمن‬
‫خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان‪ :‬سبحان الله وبحمده‪ ،‬سبحان الله‬
‫العظيم "‪.‬‬
‫وفضيلة الذكر غير منحصرة في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ونحوها‪،‬‬
‫بل كل عامل لله تعالى بطاعة فهو ذاكر لله تعالى كذا قاله سعيد بن جبير‬
‫رحمه الله وغيره من العلماء‪ ،‬وقال عطاء رحمه الله " مجالس الذكر هي‬
‫مجالس الحلل والحرام‪ ،‬كيف تشتري وتبيع وتصلى وتصوم وتنكح وتطلق‬
‫وتحج وأشباه ذلك " قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم‪" :‬إذا مررتم برياض‬
‫الجنة فارتعوا‪ ،‬قالوا‪ :‬وما رياض الجنة يا رسول الله؟ قال‪ :‬حلق الذكر‪ ،‬فإن‬
‫لله تعالى سيارات من الملئكة يطلبون حلق الذكر‪ ،‬فإذا أتوا عليهم حفوا بهم‬
‫"‪ ،‬وكان ابن مسعود رضي الله عنه إذا ذكر هذا الحديث قال‪ :‬أما إني ل أعني‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القصاص‪ ،‬ولكن حلق الفقه‪ .‬وروي عن أنس معناه أيضا‪ ،‬وروى أحمد في‬
‫كتاب الزهد‪ :‬كان أبو السوار العدوي في حلقة يتذاكرون فيها العلم‪ ،‬ومعهم‬
‫فتى شاب فقال لهم‪ :‬قولوا سبحان الله والحمد لله‪ ،‬فغضب أبو السوار‬
‫وقال‪ :‬ويحك في أي شيء كنا إذن؟؟ بل إن مجالس العلم أفضل من مجالس‬
‫ذكر الله بالتسبيح والتحميد والتكبير‪ ،‬لنها دائرة بين فرض عين أو فرض‬
‫كفاية‪ ،‬والذكر المجرد تطوع محض‪.‬‬
‫وينبغي الستغفار والكثار منه لكثرة وقوع المعصية من العبد‪ ،‬جاء في‬
‫الحديث القدسي " يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب‬
‫جميعا فاستغفروني أغفر لكم " وقد روى البخاري ومسلم قوله صلى الله‬
‫عليه وعلى آله وسلم‪ " :‬إني لستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من‬
‫سبعين مرة " ويقول أبو هريرة لم أر أحدا أكثر أن يقول‪ " :‬استغفر الله‬
‫وأتوب إليه " من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم‪ ،‬ولنا في رسول‬
‫الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الخر‪ ،‬وأين نحن من رسول الله‬
‫وهو أتقانا وأخشانا لله؟؟ وفي الحديث الشريف ما يشير إلى عاقبة‬
‫الستغفار وفضله حيث قال عليه وعلى آله الصلة والسلم‪ " :‬من لزم‬
‫الستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا‪ ،‬ومن كل هم فرجا‪ ،‬ورزقه من‬
‫حيث ل يحتسب "‪ .‬ويجب السراع إلى التوبة وأن يحرص المسلم بعامة‬
‫وحامل الدعوة بخاصة على صفاء نفسه‪ ،‬وأن ل يدع المنكرات تجتمع عليه‪،‬‬
‫وإل هلك والعياذ بالله‪ ،‬روى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وعلى آله وسلم قال‪ " :‬تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا‪ ،‬فأي‬
‫قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء‪ ،‬وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء‬
‫حتى تصير على قلبين‪ :‬على أبيض مثل الصفاء فل تضيره فتنة ما دامت‬
‫السماوات والرض‪ ،‬والخر أسود مربادا ل يعرف معروفا ول ينكر منكرا"‪.‬‬
‫ومن أحسن الذكر عند البتلء ما روي عن المام جعفر الصادق قوله‪" :‬‬
‫عجبت لمن ابتلي بأربع كيف ينسى أربعا‪:‬‬
‫‪ -‬عجبت لمن ابتلي بالخوف كيف ينسى أن يقول "حسبنا الله ونعم الوكيل "‬
‫مُعوا ْ ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ج َ‬ ‫س قَد ْ َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫س إِ ّ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫ل ل َهُ ُ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقد قال الله تعالى‪) :‬ال ّ ِ‬
‫قل َُبوا ْ‬‫ل )‪َ (173‬فان َ‬ ‫كي ُ‬ ‫م ال ْوَ ِ‬ ‫ه وَن ِعْ َ‬ ‫سب َُنا الل ّ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫مانا ً وََقاُلوا ْ َ‬ ‫م ِإي َ‬ ‫م فََزاد َهُ ْ‬ ‫شوْهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫َفا ْ‬
‫ل‬
‫ض ٍ‬ ‫ه ُذو فَ ْ‬ ‫ن الل ّهِ َوالل ّ ُ‬ ‫وا َ‬ ‫ض َ‬ ‫سوٌء َوات ّب َُعوا ْ رِ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ل لّ ْ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ن الل ّهِ وَفَ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مةٍ ّ‬ ‫ب ِن ِعْ َ‬
‫ظيم ٍ )‪ ( (174‬آل عمران‪.‬‬ ‫عَ ِ‬
‫‪ -‬عجبت لمن ابتلي بالمرض كيف ينسى أن يقول " مسني الضر وأنت أرحم‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫الراحمين " وقد قال الله تعالى‪ ) :‬وأ َيوب إذ ْ نادى رب َ‬
‫ضّر وَأن َ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫سن ِ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ه أّني َ‬ ‫َ َ َ ّ ُ‬ ‫َ ّ َ‬
‫مث ْل َُهم‬ ‫َ‬ ‫فنا ِ ما به من ضر وآتيناه أ َ‬ ‫َ‬
‫و‬
‫ُ َ ِ‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ُ ّ َ ََْ ُ‬ ‫ش َ َ ِ ِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ه فَك َ َ‬ ‫جب َْنا ل َ ُ‬‫ست َ َ‬ ‫ن )‪َ (83‬فا ْ‬ ‫مي َ‬‫ح ِ‬ ‫م الّرا ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫أْر َ‬
‫ن )‪ ( (84‬النبياء‪.‬‬ ‫دي َ‬ ‫عندَِنا وَذِك َْرى ل ِل َْعاب ِ ِ‬ ‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫ة ّ‬ ‫م ً‬‫ح َ‬ ‫م َر ْ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫‪ -‬وعجبت لمن ابتلي بالغم كيف ينسى أن يقول " ل اله إل أنت سبحانك إني‬
‫ضبا ً فَظ َ ّ‬
‫ن‬ ‫مَغا ِ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن ِإذ ذ ّهَ َ‬ ‫كنت من الظالمين " وقد قال الله تعالى‪) :‬وََذا الّنو ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َأن ّلن ن ّ ْ‬
‫ن‬‫م َ‬‫ت ِ‬ ‫ُ‬
‫حان َك إ ِّني كن ُ‬ ‫َ‬ ‫سب ْ َ‬
‫ت ُ‬ ‫ه إ ِّل أن َ‬ ‫ت أن ّل إ ِل َ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫قدَِر عَل َي ْهِ فََناَدى ِفي الظ ّل ُ َ‬
‫ن )‪( (88‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫جي ال ْ ُ‬ ‫ك ُنن ِ‬ ‫م وَك َذ َل ِ َ‬ ‫ن ال ْغَ ّ‬ ‫م َ‬ ‫جي َْناه ُ ِ‬ ‫ه وَن َ ّ‬ ‫جب َْنا ل َ ُ‬
‫ست َ َ‬‫ن )‪َ (87‬فا ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫النبياء‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫‪ -‬وعجبت لمن ابتلي بمكر الناس كيف ينسى أن يقول " وأفوض أمري إلى‬
‫م‬ ‫ما أ َُقو ُ‬
‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ست َذ ْك ُُرو َ‬
‫ن َ‬ ‫الله إن الله بصير بالعباد " وقد قال الله تعالى‪ ) :‬فَ َ‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫مك َُروا‬‫ما َ‬‫ت َ‬‫سي َّئا ِ‬
‫ه َ‬ ‫صيٌر ِبال ْعَِباد ِ )‪ (44‬فَوََقاهُ الل ّ ُ‬‫ه بَ ِ‬‫ن الل ّ َ‬‫ري إ َِلى الل ّهِ إ ِ ّ‬‫م ِ‬‫ضأ ْ‬ ‫وَأفَوّ ُ‬
‫ب )‪ ( (45‬غافر‪.‬‬ ‫ذا ِ‬ ‫سوُء ال ْعَ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫حاقَ ِبآ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫‪ -8‬الخوف من الله تعالى‬
‫قال أحد قادة المسلمين يصف رجاله‪:‬‬
‫" نعم الشباب مكتهلين‪ ،‬غضيضة عن الشر أعينهم‪ ،‬ثقيلة إلى الباطل أرجلهم‪،‬‬
‫أنضاء عبادة وأطلح سهر‪ ،‬قد نظر الله‬
‫إليهم في آناء الليل منحنية أصلبهم على أجزاء القرآن‪ ،‬كلما مر أحدهم بآية‬
‫فيها ذكر الجنة بكى شوقا إليها‪ ،‬وإذا مر بآية‬
‫فيها النار شهق شهقة كأن زفير جهنم بين أذنيه "‪.‬‬
‫هذه بعض ثمرات الخوف من الله تعالى‪ ،‬وهو خوف مفيد ونافع‪ ،‬وهو‬
‫الحارس والحامي‪ ،‬فهو الذي يضمن سير النسان‬
‫ُ‬
‫ن ِإن كنُتم‬ ‫خاُفو ِ‬ ‫على الصراط المستقيم قال تعالى‪ ) :‬فَل َ ت َ َ‬
‫خاُفوهُ ْ‬
‫م وَ َ‬
‫ن ( المائدة )‬ ‫خ َ‬
‫شو ْ ِ‬ ‫شوُا ْ الّنا َ‬
‫س َوا ْ‬ ‫خ َ‬‫ن ( آل عمران )‪ (175‬وقال‪ ) :‬فَل َ ت َ ْ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ّ‬
‫‪ (44‬وفي الحديث القدسي‪ " :‬ل أجمع على عبدي خوفين ول أمنين‪ ،‬من‬
‫خافني في الدنيا أمنته في الخرة‪ ،‬ومن أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة "‬
‫وعنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال‪ " :‬ل يلج النار من بكى من‬
‫خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع "‪.‬‬
‫روي عن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه أنه بكى يوما فقالت له امرأته‪ :‬ما‬
‫لك تبكي؟ قال‪ :‬أنبئت أتي وارد ولم أنبأ أني صادر‪ .‬وعن عبد الله بن عمر‬
‫رضي الله عنهما قال‪ :‬لن أدمع دمعة من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق‬
‫بألف دينار‪.‬‬
‫قال سعيد بن عامر لعمر بن الحطاب رضي الله عنهما‪ " :‬إني موصيك‬
‫بكلمات من جوامع السلم ومعالمه‪ :‬اخش الله في الناس‪ ،‬ول تخش الناس‬
‫في الله‪ ،‬ل يخالف قولك فعلك فإن خير القول ما صدق الفعل‪ ،‬وأحب لقريب‬
‫المسلمين وبعيدهم ما تحب لنفسك وأهل بيتك‪ ،‬وخض الغمرات إلى الحق‬
‫حيث علمته ول تخف في الله لومة لئم "‪.‬‬
‫ذكر المام أبو يوسف في مقدمة كتاب ) الخراج ( أنه لما هلك عمر بن عبد‬
‫العزيز رحمه الله جاء الفقهاء إلى زوجته يعزونها ويذكرون عظم المصيبة‬
‫التي أصيب بها أهل السلم لموته‪ ،‬فقالوا لها‪ :‬أخبرينا عنه‪ ،‬فإن أعلم الناس‬
‫بالرجل أهله‪ ،‬فقالت‪ :‬والله ما كان بأكثرهم صلة ول صياما‪ ،‬ولكن والله ما‬
‫رأيت عبدا لله كان اشد خوفا لله من عمر‪ ،‬كان رحمه الله قد فرغ بدنه‬
‫ونفسه للناس فكان يقعد لحوائجهم يومه‪ ،‬فإذا أمسى وعليه بقية من‬
‫حوائجهم وصله بليلته‪ ،‬فأمسى يوما وقد فرغ من حوائجهم فدعا بمصباح قد‬
‫كان يستصبح به من ماله‪ ،‬ثم صلى ركعتين ثم أقعى واضعا يده تحت ذقنه‬
‫تسيل دموعه على خده‪ ،‬فلم يزل كذلك حتى رق الفجر فأصبح صائما‪ ،‬فقلت‬
‫له‪ :‬يا أمير المؤمنين لشيء ما كان منك ما رأيت الليلة؟ قال‪ :‬أجل إني قد‬
‫وجدتني وليت أمر هذه المة أسودها وأحمرها فذكرت الغريب القانع الضائع‪،‬‬
‫والفقير المحتاج‪ ،‬والسير المقهور وأشباههم في أطراف الرض‪ ،‬فعلمت أن‬
‫الله تعالى سائلني عنهم وأن محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم حجيجي‬
‫فيهم‪ ،‬فخفت على نفسي ووالله إن كان عمر ليكون في المكان الذي ينتهي‬
‫إليه سرور الرجل مع أهله‪ ،‬فيذكر الشيء من أمر الله فيضطرب كما‬
‫يضطرب العصفور قد وقع في الماء‪ ،‬ثم يرتفع بكاؤه حتى أطرح اللحاف عني‬
‫وعنه‪ ،‬رحمه الله ‪ .‬ثم قالت " والله لوددت لو كان بيننا وبين هذه المارة بعد‬
‫ما بين المشرقين "‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والخوف من الله عز وجل يدفع شباب الدعوة إلى أن يبذل الواحد منهم‬
‫جهده في نشر الفكار وكسب النصار‪ ،‬وأن يجهر بالحق ول يخشى في الله‬
‫لومة لئم فل ينافق ول يداهن ويحرص على أن تكون السيادة للمبدأ فل‬
‫يحسب حسابا لرضى الناس وقبولهم‪ ،‬فهو حارس أمين للسلم ينزل الحكام‬
‫على الوقائع الجارية بصدق وأمانة‪ ،‬قال عليه وعلى آله الصلة والسلم‪ " :‬ل‬
‫يحقرن أحدكم أن يرى أمرا لله فيه مقال‪ ،‬فل يقول فيه‪ ،‬فيقال له يوم‬
‫القيامة‪ :‬ما منعك أن تكون قلت فيه كذا وكذا؟ فيقول‪ :‬مخافة الناس‪ ،‬فيقول‬
‫الله‪ :‬إياي أحق أن تخاف "‪.‬‬
‫نهى أبو جعفر المنصور مالك بن أذس رحمه الله أن يحدث بحديث " ليس‬
‫على مستكره طلق " ثم دس إليه من يسأله عنه فحدث به على رؤوس‬
‫الناس فضربه‪.‬‬
‫قال أحد تلمذة العز بن عبد السلم له حين حاسب الحاكم أما خفته؟ قال‪:‬‬
‫والله يا بني لقد استحضرت هيبة الله تعالى فصار السلطان أمامي كالقط‪.‬‬
‫دخل أعرابي على سليمان بن عبد الملك فقال‪ " :‬يا أمير المؤمنين إني‬
‫مكلمك بكلم فاحتمله‪ ،‬وان كرهته‪ ،‬فإن وراءه ما تحب إن قبلته قال‪ :‬قل‪،‬‬
‫قال‪:‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫يا أمير المؤمنين‪ ،‬إنه قد اكتنفك رجال ابتاعوا دنياك بدينهم ورضاك بسخط‬
‫ربهم‪ ،‬خافوك في الله ولم يخافوه فيك‪ ،‬خربوا الخرة وعمروا الدنيا‪ ،‬فهم‬
‫حرب للخرة‪ ،‬سلم للدنيا‪ ،‬فل تأمنهم على ما ائتمنك الله عليه‪ ،‬وإنهم لم يألوا‬
‫المانة تضييعا والمة خسفا‪ ،‬وأنت مسؤول عما اجترحوا‪ ،‬وليسوا بمسؤولين‬
‫اجترحت‪ ،‬فل تصلح دنياهم بفساد آخرتك‪ ،‬فإن أعظم الناس غبنا بائع آخرته‬
‫بدنيا غيره "‪.‬‬
‫فقال سليمان‪ :‬أما أنت فقد سللت لسانك‪ ،‬وهو أقطع من سيفك‪ ،‬فقال‪ :‬أجل‬
‫يا أمير المؤمنين‪ ،‬لك ل عيك‪ ،‬قال‪ :‬فهل من حاجة في ذات نفسك؟ قال‪ :‬أما‬
‫خاصة دون عامة فل‪ ،‬ثم قام فخرج‬
‫فقال سليمان‪ :‬لله دره‪ ،‬ما أشرف أصله وأجمع قلبه‪ ،‬وأذرب لسانه‪ ،‬وأصدق‬
‫نيته‪ ،‬وأروع نفسه "‪.‬‬
‫قال إسحاق بن حنبل ــ عم أحمد بن حنبل رحمه الله ــ دخلت على أبي عبد‬
‫الله في سجنه فقلت‪ :‬يا أبا عبد الله ‪ :‬قد أجاب أصحابك وبقيت أنت في‬
‫الحبس والضيق‪ ،‬فقال أبو عبد الله ‪ :‬يا عم‪ ،‬إذا أجاب العالم تقية‪ ،‬والجاهل‬
‫يجهل‪ ،‬متى يتبين الحق؟‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأمسكت عنه‪ ،‬فقال‪ :‬كيف تصنعون بحديث خباب؟‪ " ،‬إن من كان‬
‫قبلكم ينشر أحدهم بالمنشار ثم ل يصده ذلك عن دينه "‪ ،‬قال إسحاق‪:‬‬
‫فيئسنا منه‪ ،‬ثم قال أحمد‪ :‬لست أبالي بالحبس ما هو إل ومنزلي واحد‪ ،‬ول‬
‫قتل بالسيف‪ ،‬إنما أخاف السوط‪ ،‬وأخاف أن ل أصبر‪ ،‬فسمعه بعض أهل‬
‫الحبس وهو يقول ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬ل عليك يا أبا عبد الله‪ ،‬ما هو إل سوطان ثم ل‬
‫تدري أين يقع الباقي‪ ،‬فلما سمع ذلك سري عنه‪.‬‬
‫‪ -9‬المحبة في الله‬
‫قال عليه وعلى آله الصلة والسلم‪ " :‬أوثق عرى اليمان الحب في الله‬
‫والبغض في الله " وقال‪ " :‬ما تحاب اثنان في الله تعالى إل كان أفضلهما‬
‫أشدهما حبا لصاحبه " وهما من السبعة الذين يظلهما الله بظله يوم ل ظل‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إل ظله‪ ،‬ووجود هذه المحبة الصادقة‪ ،‬وهذا الود الصافي أمر طبيعي بين‬
‫شباب الدعوة وهو دليل على التفاعل وحمل الدعوة بصدق‪ ،‬ومن كانوا كذلك‬
‫فهم من أولياء الله حقا‪ ،‬قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم‪ " :‬إن من عباد‬
‫الله أناسا ما هم بأنبياء ول شهداء يغبطهم النبياء والشهداء يوم القيامة‬
‫لمكانهم من الله تعالى‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول الله تخبرنا من هم؟ قال‪ :‬هم قوم‬
‫تحابوا في الله على غير أرحام بينهم ول أموال متعاطونها‪ ،‬فوالله إن وجوههم‬
‫لنور‪ ،‬وإنهم لعلى نور‪ ،‬ل يخافون إذا خاف الناس‪ ،‬ول يحزنون إذا حزن الناس‬
‫وقرأ هذه الية‪:‬‬
‫ن ( يونس )‪.(62‬‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وَل َ هُ ْ‬ ‫َ‬
‫ف عَلي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫ن أ َوْل َِياء اللهِ ل َ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫) أل إ ِ ّ‬
‫وقد ذكر الله تعالى لنا طبيعة العلقات بين المهاجرين والنصار في قرآن‬
‫ن‬
‫حّبو َ‬ ‫م يُ ِ‬‫من قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما َ‬ ‫لي َ‬‫داَر َُوا ْ ِ‬ ‫ؤوا ال ّ‬ ‫ن ت َب َوّ ُ‬ ‫يتلى على مدى اليام إذ قال‪َ ) :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن عََلى‬ ‫ما أوُتوا وَي ُؤْث ُِرو َ‬ ‫م ّ‬ ‫ة ّ‬ ‫ج ً‬‫حا َ‬ ‫م َ‬ ‫دورِهِ ْ‬ ‫ص ُ‬‫ن ِفي ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫م وََل ي َ ِ‬ ‫جَر إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫ها َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َأن ُ‬
‫ن(‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ال ُ‬ ‫سهِ فَأوْلئ ِك هُ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ح نَ ْ‬ ‫ش ّ‬ ‫من ُيوقَ ُ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ص ٌ‬‫صا َ‬ ‫خ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب ِهِ ْ‬ ‫م وَلوْ كا َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬
‫الحشر )‪ (9‬ثم لما فرغ سبحانه من ذلك ذكر ما ينبغي أن يقوله من جاء‬
‫م‬
‫من ب َعْدِهِ ْ‬ ‫ؤوا ِ‬ ‫جا ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫بعدهم من التابعين لهم بإحسان إلى يوم القيامة ) َوال ّ ِ‬
‫ل ِفي قُُلوب َِنا ِغّل ً‬ ‫جعَ ْ‬‫ن وََل ت َ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫لي َ‬‫قوَنا ِبا ْ ِ‬ ‫سب َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وان َِنا ال ّ ِ‬
‫خ َ‬ ‫فْر ل ََنا وَِل ِ ْ‬ ‫ن َرب َّنا اغْ ِ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫يَ ُ‬
‫م ( الحشر )‪.(10‬‬ ‫حي‬
‫ٌ ّ ِ ٌ‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ؤو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬‫ل ّل ّ ِ َ َ ُ َ ّ َ ِ ّ َ‬
‫ك‬‫َ‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫نا‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫نوا‬ ‫م‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬
‫لذا ينبغي تقوية الصلت بين شباب الدعوة والكثار من التزاور فيما بينهم‪،‬‬
‫وتفقد الحوال والسؤال عن بعضهم البعض‪ ،‬وأن يحب لخيه من الخير ما‬
‫يحب لنفسه‪ ،‬وأن يكونوا عند بعضهم البعض في الشدائد والحاجات فقد روى‬
‫مسلم في صحيحه قال‪ :‬كان أبو هريرة رضي الله عنه معتكفا في مسجد‬
‫الرسول عليه وعلى آله الصلة والسلم إذ رأى رجل حزينا جالسا في طرف‬
‫من المسجد‪ ،‬فأقبل عليه يسأله عن سبب حزنه‪ ،‬فلما علم بمشكلته قال له‪:‬‬
‫قم معي وأنا أقضي لك حاجتك‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬أتترك اعتكافك في مسجد‬
‫الرسول من أجلي؟ فبكى أبو هريرة وقال‪ :‬سمعت صاحب هذا القبر والعهد‬
‫به قريب يقول‪ " :‬لن يمشي أحدكم في حاجة أخيه حتى يقضيها له خير من‬
‫اعتكافه في مسجدي هذا عشر سنين "‪.‬‬
‫وعلى الشاب المسلم أن يترك غيبة أخيه وذلك بأن يذكره بالسوء من وراء‬
‫ظهره‪ ،‬والصحيح أن ينشغل بعيوب الكفار والمنافقين وبيان ما يبيتون للسلم‬
‫والمسلمين‪.‬‬
‫قال سفيان بن حسين الواسطي‪ :‬ذكرت رجل بسوء عند إياس بن معاوية‬
‫المزني قاضي البصرة ‪ -‬وهو تابعي يضرب المثل بذكائه ‪ -‬فنظر في وجهي‬
‫وقال‪ :‬أغزوت الروم؟ فقلت‪ :‬ل‪ ،‬السند والهند والترك؟ قلت‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬أفسلم‬
‫منك الروم والسند والهند والترك ولم يسلم منك أخوك المسلم؟ قال‬
‫سفيان‪ :‬فلم أعد بعدها‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫وعلى المسلم أن يترك إساءة الظن بإخوانه وأن يحمل فعلهم على الحسن‬
‫مهما أمكن لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم‪ " :‬إياكم والظن فإن الظن‬
‫أكذب الحديث " وإن سوء الظن قد يدعو إلى التجسس المنهي عنه‪ ،‬وعلى‬
‫الشاب أن يستر عيبة أخيه ويتغافل عنها فإن ذلك من شيم أهل التقوى‪ ،‬قال‬
‫عبد الله بن المبارك‪ " :‬المؤمن يطلب المعاذير‪ ،‬والمنافق يطلب الزلت "‬
‫ومن المعروف أن منشأ التقصير في ستر العورات والمغري بكشفها هو‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحقد والحسد‪ ،‬والمؤمن الحق أبعد ما يكون عن ذلك وعلى المسلم أن يدعو‬
‫لخيه في حياته وبعد موته بكل ما يدعو به لنفسه‪ ،‬فقد روى مسلم في‬
‫صحيحه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال‪ " :‬دعوة المرء المسلم‬
‫لخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لخيه بخير قال‬
‫الملك الموكل به‪ :‬آمين‪ ،‬ولك بمثل " وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يدعو‬
‫لخلق كثير من إخوانه يسميهم بأسمائهم‪ ،‬وكان أحمد بن حنبل رحمه الله‬
‫يدعو في السحر لستة نفر‪ .‬وقد ورد في ) الدب المفرد ( حديث عبد الله بن‬
‫عمرو عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال‪ " :‬أسرع الدعاء إجابة‬
‫دعاء غائب لغائب " وورد فيه أيضا أن أبا بكر الصديق قال‪ " :‬إن دعوة الخ‬
‫في الله تستجاب "‪.‬‬
‫وعلى الشاب المسلم أن يخفض جناحه لخوانه‪ ،‬وأن يذعن للحق ول يتبع‬
‫الهوى‪ ،‬وقد حذر الرسول الكريم من إعجاب المرء بنفسه ومن اتباع الهوى‪،‬‬
‫وهو يقول في حديث ناهيا عن الكبر وداعيا إلى التواضع " ل يدخل الجنة من‬
‫كان في قلبه مثقال ذرة من كبر‪ ،‬فقال رجل‪ :‬إن الرجل يحب أن يكون ثوبه‬
‫حسنا ونعله حسنا‪ ،‬قال‪ :‬إن الله جميل يحب الجمال‪ ،‬الكبر بطر الحق وغمص‬
‫الناس " قال الشوكاني في معنى بطر الحق‪ :‬هو دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا‬
‫قاله النووي‪ ،‬وفي القاموس المحيط‪ :‬بطر الحق أن يتكبر عنده فل يقبله‪،‬‬
‫والغمص أو الغمط قال النووي‪ :‬هو احتقار الناس‪ .‬وفي الخلص والتواضع‬
‫يقول الشافعي رحمة الله " ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطئ وما في قلبي‬
‫من علم إل وددت أنه عند كل أحد ول ينسب إلي "‪.‬‬
‫وفي نفس المعنى وفي مبلغ حب الخير للخرين يقول ابن عباس رضي الله‬
‫عنهما‪:‬‬
‫" إني لتي على الية من كتاب الله فأود لو أن الناس جميعا علموا مثل الذي‬
‫اعلم‪ ،‬وإني لسمع بالحاكم من حكام المسلمين يقضي بالعدل ويحكم‬
‫بالقسط‪ ،‬فأفرح له وأدعو له‪ ،‬ومالي عنده قضية‪ ،‬وإني لسمع بالغيث يصيب‬
‫للمسلمين أرضا فأفرح به‪ ،‬ومالي بتلك الرض سائمة "‪.‬‬
‫‪ -10‬طاعة المير‬
‫الطاعة أمر أساسي لوجود النضباط‪ ،‬وهي فرض أمر به الله تعالى وأمر به‬
‫رسوله الكريم‪ ،‬ويجب اللتزام بها ولو لم يلق المأمور به هوى في نفس‬
‫المأمور حتى ولو كره ذلك‪ ،‬قال عليه وعلى آله الصلة والسلم " من كره‬
‫من أميره شيئا فليصبر " وقال " السمع والطاعة على المرء المسلم فيما‬
‫أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فل سمع ول طاعة " وعن‬
‫العرباض بن سارية رضي الله عنه‪ :‬صلى بنا رسول الله صلى الله عليه‬
‫وعلى آله وسلم الصبح ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت‬
‫منها العيون‪ ،‬ووجلت منها القلوب‪ ،‬فقال قائل‪ :‬يا رسول الله كأن هذه‬
‫موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ فقال‪ " :‬أوصيكم بتقوى الله والسمع‬
‫والطاعة‪ ،‬وإن كان عبدا حبشيا‪ ،‬وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلفا‬
‫كثيرا‪ ،‬فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها‪ ،‬وعضوا‬
‫عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات المور‪ ،‬فإن كل محدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة‬
‫ضللة " وها نحن نرى رسول الله يقرن بين تقوى الله وبين السمع والطاعة‬
‫لمر المير‪ ،‬وما ذلك إل لخطر أمر الطاعة‪ ،‬ومتى استجابت النفس لوصية‬
‫رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن الطاعة تصبح سجية من‬
‫سجايا حملة الدعوة فل تحدثهم بالتمرد على الوامر ومخالفتها أو التوقف عن‬
‫تنفيذها ولو خالفت آراءهم حتى ولو لم يقتنعوا بها ما لم تكن إثما وكل ذلك‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من أجل النضباط والحفاظ على الكتلة التي أمر الله بإقامتها‪ ،‬وتمكين‬
‫القيادة من تسيير شؤون الدعوة والتفرغ لمقارعة الكفر والعملء‪.‬‬
‫جاء أبا ذر وهو في الربذة وفد من الكوفة يسألونه أن يرفع راية العصيان ضد‬
‫الخليفة‪ ،‬فزجرهم بكلمات حاسمات‪ " :‬والله لو أن عثمان صلبني على أطول‬
‫خشبة أو جبل‪ ،‬لسمعت وأطعت وصبرت واحتسبت ورأيت ذلك خيرا لي‪ ،‬ولو‬
‫سيرني ما بين الفق إلى الفق‪ ،‬لسمعت وأطعت وصبرت واحتسبت وصبرت‬
‫ورأيت ذلك خيرا لي "‪.‬‬
‫حين ولي أبو هريرة رضي الله عنه ادخر مال من مصادره الحلل وعلم عمر‬
‫رضي الله عنه بذلك‪ ،‬فدعاه إلى المدينة‪ ،‬يقول أبو هريرة‪ :‬قال لي عمر‪ :‬يا‬
‫عدو الله وعدو كتابه‪ ،‬سرقت مال الله؟ قلت‪ :‬ما أنا بعدو لله ول عدو لكتابه‪،‬‬
‫لكني عدو من عاداهما‪ ،‬ول أنا من يسرق مال الله‪ ،‬قال‪ :‬فمن أين اجتمعت‬
‫لك عشرة آلف؟ قلت‪ :‬خيل لي تناسلت‪ ،‬وعطايا تلحقت‪ ،‬قال عمر‪ :‬فادفعها‬
‫إلى بيت مال المسلمين‪ ،‬ودفع أبو هريرة المال إلى عمر‪ ،‬ثم رفع يديه إلى‬
‫السماء وقال‪ " :‬اللهم اغفر لمير المؤمنين "‪.‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫‪ -11‬الصبر عند البتلء‬


‫في حمل الدعوة ومقارعة الكفر وأعوانه يكون البتلء أمرا غالبا‪ ،‬ول يظن‬
‫حامل دعوة أنه ل يفتن ويبتلى مهما كانت درجة البتلء‪ ،‬يقول الله سبحانه‬
‫ن )‪(2‬‬ ‫م َل ي ُ ْ‬
‫فت َُنو َ‬ ‫مّنا وَهُ ْ‬ ‫قوُلوا آ َ‬ ‫كوا َأن ي َ ُ‬ ‫س َأن ي ُت َْر ُ‬ ‫ب الّنا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬
‫َ‬
‫وتعالى‪ ) :‬الم )‪ (1‬أ َ‬
‫ن )‪( (3‬‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫صد َُقوا وَل َي َعْل َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬‫ن الل ّ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م فَل َي َعْل َ َ‬ ‫من قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫قد ْ فَت َّنا ال ّ ِ‬
‫وَل َ َ‬
‫ن ُأوُتوا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫معُ ّ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫م وَلت َ ْ‬‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬
‫َ‬
‫م وَأن ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬‫م َ‬
‫َ‬
‫ن ِفي أ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫العنكبوت ويقول‪ ) :‬لت ُب ْلوُ ّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫قوا فَإ ِ ّ‬ ‫صب ُِروا وَت َت ّ ُ‬ ‫كوا أًذى ك َِثيرا وَِإن ت َ ْ‬ ‫شَر ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫من قَب ْل ِك ُ ْ‬
‫م وَ ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫ال ْك َِتا َ‬
‫مورِ ( آل عمران )‪ .(186‬والبتلء بحسب الدين واليمان لما رواه‬ ‫ُ‬
‫ن عَْزم ِ ال ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫الشيخان‪ " :‬أشد الناس ابتلء النبياء‪ ،‬ثم المثل فالمثل يبتلى الرجل على‬
‫حسب دينه‪ ،‬فإن كان في دينه صلبة أبتلي على قدر ذلك‪ ،‬وإن كان فيه رقة‪،‬‬
‫هون عليه‪ ،‬فما يزال البلء بالرجل حتى يدعه يمشي على الرض وليس عليه‬
‫خطيئة "‪.‬‬
‫والمسلم حتى يكون قادرا على مواجهة البتلء ل بد أن يؤمن بالقدر فيعلم‬
‫أن ما أصابه لم يكن ليخطئه‪ ،‬وما أخطأه لم يكن ليصيبه‪ ،‬وأن المة لو‬
‫اجتمعت على أن يضروه بشيء لم يضروه إل بشيء كتبه الله عليه‪ ،‬وهذه‬
‫العقيدة تستقر في أعماق أعماقه وتصبح قناعة يسلم بها فتضبط سلوكه في‬
‫الحياة وتجعل منه إنسانا شجاعا مقداما يندفع للقيام بأعباء الدعوة دون تردد‬
‫أو وجل‪.‬‬
‫روى أبو داود في سننه عن الصحابي الجليل عبادة بن الصامت رضي الله‬
‫عنه أنه قال لبنه عند الموت‪ " :‬يا بني إنك لن تجد طعم حقيقة اليمان حتى‬
‫تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك " سمعت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول‪ " :‬إن أول ما خلق الله‬
‫القلم‪ ،‬فقال له اكتب‪ ،‬قال‪ :‬رب وماذا اكتب؟ قال‪ :‬اكتب مقادير كل شيء‬
‫حتى تقوم الساعة‪ ،‬يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله‬
‫وسلم يقول‪ :‬من مات على غير هذا فليس مني "‪.‬‬
‫مُنوا ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وحتى يواجه البتلء ل بد أن يستعين بالصبر والصلة ) َيا أي َّها ال ِ‬
‫ن ( البقرة )‪ (153‬وهو يوصي‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫صل َةِ إ ِ ّ‬ ‫صب ْرِ َوال ّ‬ ‫ست َِعيُنوا ْ ِبال ّ‬ ‫ا ْ‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سرٍ )‪(2‬‬ ‫خ ْ‬‫في ُ‬ ‫ن لَ ِ‬ ‫سا َ‬


‫لن َ‬ ‫ناِْ‬ ‫صرِ )‪ (1‬إ ِ ّ‬ ‫غيره بالصبر وإل كان من الخاسرين ) َوال ْعَ ْ‬
‫صب ْرِ )‪( (3‬‬ ‫وا ِبال ّ‬ ‫ص ْ‬‫وا َ‬ ‫حقّ وَت َ َ‬ ‫وا ِبال ْ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫وا َ‬ ‫ت وَت َ َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫إ ِّل ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ت‬
‫مّنا ِبآَيا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫مّنا إ ِل ّ أ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ق ُ‬‫ما َتن ِ‬ ‫العصر وهو يدعو ربه أن ينعم عليه بالصبر ) وَ َ‬
‫َ‬
‫مين ( العراف )‪ (126‬وهو‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صْبرا ً وَت َوَفَّنا ُ‬ ‫جاءت َْنا َرب َّنا أفْرِغ ْ عَل َي َْنا َ‬ ‫ما َ‬ ‫َرب َّنا ل َ ّ‬
‫يصبر صبرا جميل كما أمر الله تعالى وهو الصبر بل شكوى إلى المخلوق كما‬
‫يقول ابن تيمية رحمه الله‪ ،‬وهو يعلم أن ثواب الصابرين عظيم ) أ ُوْل َِئك‬
‫سَلما ً ( الفرقان )‪ (75‬وقد ورد‬ ‫ة وَ َ‬ ‫حي ّ ً‬ ‫ن ِفيَها ت َ ِ‬ ‫قو ْ َ‬‫صب َُروا وَي ُل َ ّ‬
‫ما َ‬ ‫ن ال ْغُْرفَ َ‬
‫ة بِ َ‬ ‫جَزوْ َ‬ ‫ُي ْ‬
‫عن رسول الله قوله‪ " :‬عجبا للمؤمن إن أمره كله خير‪ ،‬وليس ذلك لحد إل‬
‫للمؤمن‪ ،‬إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له‪ ،‬وإن أصابته ضراء صبر فكان‬
‫خيرا له " ومما ينسب إلى علي كرم الله وجهه " إنك إن صبرت جرى عليك‬
‫القلم وأنت مأجور‪ ،‬وإن جزعت جرى عليك القلم وأنت مأزور "‪.‬‬
‫قد ْ‬ ‫َ‬
‫وشباب الدعوة يوقنون بأن الصبر هو السبيل إلى نصر الله قال تعالى‪) :‬وَل َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫صُرَنا وَل َ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫حّتى أَتاهُ ْ‬ ‫ما ك ُذ ُّبوا ْ وَأوُذوا ْ َ‬ ‫صب َُروا ْ عََلى َ‬ ‫من قَب ْل ِ َ‬
‫ك فَ َ‬ ‫ل ّ‬‫س ٌ‬ ‫ت ُر ُ‬ ‫ك ُذ ّب َ ْ‬
‫ن ( النعام )‪ (34‬وقال‪:‬‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫من ن ّب َإ ِ ال ْ ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫جاء َ‬ ‫ت الل ّهِ وََلقد ْ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل ل ِك َل ِ َ‬ ‫مب َد ّ َ‬‫ُ‬
‫ن ( الروم )‪.(60‬‬ ‫ن ل ُيوقُِنو َ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫فن ّك ال ِ‬ ‫َ‬ ‫خ ّ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫َ‬
‫حقّ وَل ي َ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن وَعْد َ اللهِ َ‬ ‫صب ِْر إ ِ ّ‬ ‫) فا ْ‬ ‫َ‬
‫ولقد ابتلي المخلصون من حملة الدعوة قديما وحديثا بشتى أنواع البلء من‬
‫القتل والتعذيب والضرب والتجويع والستهزاء والدعايات الكاذبة والطرد من‬
‫الوطان والسجن والملحقة‪ ،‬فما لنت لهم قناة ول فترت لهم همة‪ ،‬وما نال‬
‫منهم أعداؤهم نيل يرضي غرورهم أو يشفي صدورهم‪.‬‬
‫هذا خبيب بن عدي ينشد حين بلغه أن القوم قد اجتمعوا لصلبه‪:‬‬
‫لقد جمع الحزاب حولي وألبوا ‪ ... ... ...‬قبائلهم واستجمعوا كل مجمع‬
‫إلى الله أشكو غربتي ثم كربتي ‪ ... ... ...‬وما أرصد الحزاب لي عند‬
‫مصرعي‬
‫وقد خيروني الكفر والموت دونه ‪ ... ... ...‬وقد هملت عيناي من غير مجزع‬
‫ولست أبالي حين أقتل مسلما ‪ ... ... ...‬على أي جنب كان في الله مصرعي‬
‫فلست بمبد للعدو تخشعا ‪ ... ... ... ...‬ول جزعا إني إلى الله مرجعي‬

‫)‪(13 /‬‬

‫وهذا خباب بن الرت يقول عنه الشعبي " لقد صبر خباب ولم تلن له بين‬
‫أيدي الكفار قناة‪ ،‬فجعلوا يلصقون ظهره العاري بالرضف حتى ذهب لحمه "‬
‫وكانت أم أنمار سيدة خباب تأخذ الحديد المحمى الملتهب وتضعه فوق رأسه‬
‫ونافوخه‪ ،‬وخباب يتلوى من اللم‪ ،‬وقد مر به رسول الله يوما فطار قلبه‬
‫رحمة وحنانا وأسى فلم يملك يومها إل أن يثبته ويدعو له قائل‪ " :‬اللهم أنصر‬
‫خبابا "‪.‬‬
‫وهذا عمار بن ياسر يقول عنه عمرو بن ميمون " أحرق المشركون عمار بن‬
‫ياسر بالنار‪ ،‬فكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمر به‪ ،‬ويمرر‬
‫يده على رأسه ويقول‪ " :‬يا نار كوني بردا وسلما على عمار كما كنت بردا‬
‫وسلما على إبراهيم " وكان عمار يقول تحت العذاب " يا رسول الله لقد بلغ‬
‫منا العذاب كل مبلغ " فناداه الرسول الكريم " صبرا أبا اليقظان‪ ،‬صبرا أل‬
‫ياسر‪ ،‬فإن موعدكم الجنة "‪.‬‬
‫يقول الزبير رضي الله عنه " كان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى‬
‫الله عليه وعلى آله وسلم بمكة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إذ اجتمع‬
‫يوما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالوا‪ :‬والله ما‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط‪ ،‬فمن رجل يسمعهموه؟ فقال‬
‫عبد الله بن مسعود‪ :‬أنا‪ ،‬قالوا‪ :‬إنا نخشاهم عليك‪ ،‬إنما نريد رجل له عشيرة‬
‫يمنعونه من القوم إن أرادوا‪ ،‬قال‪ :‬دعوني فإن الله سيمنعني‪ ،‬فغدا ابن‬
‫مسعود حتى أتى المقام في الضحى‪ ،‬وقريش في أنديتها فقام عند المقام ثم‬
‫ن )‪ (1‬عَل ّ َ‬
‫م‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬‫قرأ‪ ) :‬بسم الله الرحمن الرحيم ( ــ رافعا بها صوته ــ ) الّر ْ‬
‫ن )‪ ( (2‬الرحمن‪ ،‬ثم استقبلهم يقرؤها‪ ،‬فتأملوه قائلين‪ :‬ماذا يقول ابن‬ ‫قْرآ َ‬‫ال ْ ُ‬
‫أم عبد!! إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد‪ ،‬فقاموا إليه وجعلوا يضربون وجهه‬
‫وهو ماض في قراءته‪ ،‬حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ ثم عاد إلى أصحابه‪،‬‬
‫مصابا في وجهه وجسده‪ ،‬فقالوا له‪ :‬هذا الذي خشيناه عليك‪ ،‬فقال‪ :‬ما كان‬
‫أعداء الله أهون علي منهم الن‪ ،‬ولئن شئتم لغادينهم بمثلها غدا‪ ،‬قالوا له‪:‬‬
‫حسبك فقد أسمعتهم ما يكرهون "‪.‬‬
‫لما عجز ملك الروم عن إغراء عبد الله بن حذافة السهمي في ترك السلم‬
‫ودخول النصرانية وذلك بإشراكه في ملكه وتزويجه ابنته‪ ،‬أمر بقدر من‬
‫نحاس فأحميت وجاء بأسير من المسلمين فألقاه وهو ينظر فإذا هو عظام‬
‫تلوح‪ ،‬وعرض عليه النصرانية فأبى فأمر به أن يلقى في القدر فرفع ليلقى‬
‫فيها فبكى فطمع فيه الملك ودعاه فقال عبد الله‪ :‬إني إنما بكيت لن نفسي‬
‫إنما هي نفس واحدة تلقى في هذه القدر الساعة في الله فأحببت أن يكون‬
‫لي بعدد كل شعرة في جسدي نفس تعذب هذا العذاب في الله فقال له‬
‫الملك‪ :‬قبل رأسي وأنا أطلقك‪ ،‬فقال‪ :‬وتطلق معي جميع أسارى المسلمين‪،‬‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬فقبل رأسه فأطلقه وأطلق معه جميع أسارى المسلمين عنده‪،‬‬
‫فلما رجع قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪ :‬حق على كل مسلم أن يقبل‬
‫رأس عبد الله بن حذافة‪ ،‬وأنا أبدأ فقام فقبل رأسه رضي الله عنهما‪.‬‬
‫يصف المام ابن القيم الجوزية حال شيخه ابن تيمية وهو محبوس في قلعة‬
‫دمشق ــ يقول‪ " :‬قال لي مرة‪ :‬ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في‬
‫صدري ــ يعني بذلك‪ :‬إيمانه وعمله ــ أين رحت فهي معي ل تفارقني‪ ،‬إن‬
‫حبسي خلوة‪ ،‬وقتلي شهادة‪ ،‬وإخراجي من بلدي سياحة‪ ،‬ولو بذلت لهم ملء‬
‫هذه القلعة ذهبا ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير " وقد بقي‬
‫الشيخ محبوسا حتى مات في السجن رحمه الله‪.‬‬
‫يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن حالهم حين المقاطعة‪:‬‬
‫" خرجت ذات ليلة لبول فسمعت قعقعة تحت البول‪ ،‬فإذا قطعة من جلد‬
‫بعير يابسة‪ ،‬فأخذتها وغسلتها ثم أحرقتها ورضضتها بالماء‪ ،‬فقويت بها ثلثا "‪.‬‬
‫هذه بعض مواقف الرجال وهي غيض من فيض في تاريخ المسلمين‪ ،‬وفي‬
‫هذه اليام أبتلي الكثير من حملة الدعوة السلمية في أنفسهم وأموالهم‬
‫بالسجن والتعذيب والتشريد والملحقة والمحاربة في الرزاق وتعطيل‬
‫المصالح والمنع من السفر وحتى القتل والعدام في بعض أقطار السلم‪،‬‬
‫فنسأل الله لهم المغفرة وجزيل الثواب ونرجوا الله تعالى أن يجمعنا وإياهم‬
‫من ُْهم‬ ‫ه عَل َي ْهِ فَ ِ‬ ‫دوا الل ّ َ‬‫عاهَ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫صد َُقوا َ‬ ‫ل َ‬ ‫جا ٌ‬
‫ن رِ َ‬‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫في مستقر رحمته ) ِ‬
‫ديل ( الحزاب )‪.(23‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ما ب َد ّلوا ت َب ْ ِ‬ ‫من َينت َظ ُِر وَ َ‬ ‫من ُْهم ّ‬ ‫ه وَ ِ‬ ‫حب َ ُ‬
‫ضى ن َ ْ‬ ‫من قَ َ‬ ‫ّ‬
‫‪ -12‬الثقة بوعد الله‬
‫ورد في سورة الحزاب بيان لموقفين مختلفين‪:‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫حَزا َ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤْ ِ‬
‫ما َرأى ال ُ‬ ‫موقف للمؤمنين أظهرته هذه الية الكريمة‪ ) :‬وَل ّ‬
‫مانا ً‬ ‫ّ‬
‫م إ ِل ِإي َ‬ ‫ما َزاد َهُ ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ُ‬
‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫صد َقَ الل ّ ُ‬ ‫ه وَ َ‬‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ما وَعَد ََنا الل ّ ُ‬ ‫َقاُلوا هَ َ‬
‫ذا َ‬
‫سِليما ً ( الحزاب )‪.(22‬‬ ‫وَت َ ْ‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫ن‬
‫ذي َ‬‫ن َوال ّ ِ‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫وموقف للمنافقين فضحته هذه الية الكريمة‪ ) :‬وَإ ِذ ْ ي َ ُ‬
‫ه إ ِّل غُُرورا ً ( الحزاب )‪ (12‬المؤمنون‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ما وَعَد ََنا الل ّ ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫ِفي قُُلوب ِِهم ّ‬
‫يصدقون الله ورسوله‪ ،‬والمنافقون يكذبون الله ورسوله‪ ،‬لذا فقد تحدد‬
‫موقف المؤمنين وهو موقف متميز بالثقة المطلقة بوعد الله‪ ،‬وهو موقف ل‬
‫يتزعزع ول يضطرب وإل كان هناك شك في اليمان‪.‬‬
‫والذي يتابع آيات القرآن الكريم يجدها قد أكدت على أن وعد الله آت ل ريب‬
‫فيه‪ ،‬وأن النصر حليف المؤمنين‪ ،‬وأن مع العسر يسرا‪ ،‬وأن الله غالب على‬
‫أمره وأن الله مظهر السلم على الدين كله ولو كره الكافرون‪ ،‬لنستمع إلى‬
‫هذه ا ليات‪:‬‬
‫ن ( الروم )‪.(60‬‬ ‫ن َل ُيوقُِنو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫فن ّ َ‬ ‫خ ّ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫حقّ وََل ي َ ْ‬ ‫ن وَعْد َ الل ّهِ َ‬ ‫صب ِْر إ ِ ّ‬ ‫) َفا ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ست ْهُ ُ‬‫م ّ‬ ‫كم ّ‬ ‫من قَب ْل ِ ُ‬ ‫خل َوْا ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫كم ّ‬ ‫ما ي َأت ِ ُ‬ ‫ة وَل َ ّ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫خُلوا ْ ال ْ َ‬ ‫م أن ت َد ْ ُ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫)أ ْ‬
‫ْ‬
‫صُر الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫مَتى ن َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫مُنوا ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل َوال ّ ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫قو َ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫ضّراء وَُزل ْزُِلوا ْ َ‬ ‫ساء َوال ّ‬ ‫ال ْب َأ َ‬
‫َ‬
‫ب ( البقرة )‪.(214‬‬ ‫ري ٌ‬ ‫صَر الل ّهِ قَ ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫أل إ ِ ّ‬
‫شَهاد ُ ( غافر )‬ ‫م اْل َ ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬ ‫مُنوا ِفي ال ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سل ََنا َوال ّ ِ‬‫صُر ُر ُ‬ ‫) إ ِّنا ل ََنن ُ‬
‫‪.(51‬‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م‬‫قون ََها ث ُ ّ‬‫سُينفِ ُ‬ ‫ل اللهِ فَ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫عن َ‬ ‫دوا َ‬ ‫ص ّ‬ ‫م ل ِي َ ُ‬ ‫والهُ ْ‬ ‫م َ‬‫نأ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫فُروا ُينفِ ُ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫) إِ ّ‬
‫ن ( النفال )‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫َ‬
‫فُروا إ ِلى َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن َوال ِ‬ ‫َ‬
‫م ي ُغْلُبو َ‬ ‫سَرةً ث ُ ّ‬ ‫ح ْ‬‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن عَلي ْهِ ْ‬ ‫كو ُ‬ ‫تَ ُ‬
‫‪.(36‬‬
‫وقد وعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالنصر والفرج في أكثر‬
‫من مرة وأكثر من مناسبة فمن ذلك قوله لخباب حين جاءه شاكيا من‬
‫العذاب الشديد‪ " :‬والله ليتمن هذا المر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى‬
‫حضرموت ل يخاف إل الله‪ ،‬والذئب على غنمه‪ ،‬ولكنكم تستعجلون "‪.‬‬
‫وروى مسلم في صحيحه حديث " تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله ثم‬
‫تغزون الروم فيفتحها الله " وروي أيضا " ستفتح مصر‪ ،‬وهي أرض يسمى‬
‫فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا " وقال عليه وعلى آله الصلة والسلم‬
‫عن فتح القسطنطينية مخبرا بذلك قبل ثمانية قرون ونصف " لتفتحن‬
‫القسطنطينية‪ ،‬فلنعم المير أميرها‪ ،‬ولنعم الجيش ذلك الجيش "‪.‬‬
‫هذه وعود من الله ورسوله‪ ،‬فماذا كان مصيرها!؟ لقد تحقق وعد الله‬
‫ورسوله‪ ،‬فقامت دولة السلم وهزمت قريش وظهر السلم وأنحي الشرك‬
‫من أرض الجزيرة‪ ،‬وتقوض بنيان اليهود وغاب ملك فارس والروم عن الوجود‬
‫وفتحت القسطنطينية‪ ،‬وخفقت راية العقاب فوق أكثر بقاع الرض‪ ،‬وكانت‬
‫الدولة السلمية هي الدولة الولى في العالم مدة ثلثة عشر قرنا وأصبحت‬
‫كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى‪.‬‬
‫واليوم ــ وبإذن الله ــ ستقوم دولة السلم من جديد فقد أخبر الرسول‬
‫الكريم بذلك حين قال‪ " :‬إن أول دينكم نبوة ورحمة‪ ،‬فتكون فيكم ما شاء‬
‫الله أن تكون‪ ،‬ثم يرفعها الله جل جلله‪ ،‬ثم تكون ملكا عضوضا‪ ،‬فتكون فيكم‬
‫ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله جل جلله‪ ،‬ثم تكون ملكا جبرية‪ ،‬فتكون‬
‫فيكم ما شاء الله أن تكون‪ ،‬ثم يرفعها الله جل جلله‪ ،‬ثم تكون خلفة على‬
‫منهاج النبوة‪ ،‬تعمل في الناس بسنة النبي‪ ،‬ويلقي السلم بجرانه في الرض‬
‫يرضى عنها سكان السماء وسكان الرض‪ ،‬فل تبقي السماء من قطرها إل‬
‫أنزلته‪ ،‬ول تبقي الرض من خيراتها ونباتها إل أخرجته "‪.‬‬
‫وسينتصر المسلمون على اليهود ثانية ويظهرون عليهم فقد وعد الرسول‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الكريم بذلك حيث قال‪ " :‬ل تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود‬
‫فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر‪ ،‬فيقول‬
‫الحجر أو الشجر‪ :‬يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي‪ ،‬فتعال فأقتله إل‬
‫الغرقد فإنه من شجر اليهود "‪.‬‬
‫وستفتح روما كما فتحت القسطنطينية قبلها‪ ،‬فقد وعد الرسول الكريم بذلك‪،‬‬
‫" قال عبد الله بن عمرو بن العاص‪ :‬بينما نحن حول رسول الله صلى الله‬
‫عليه وعلى آله وسلم نكتب‪ ،‬إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله‬
‫وسلم‪ :‬أي المدينتين تفتح أول‪ ،‬القسطنطينية أو رومة؟ فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وعلى آله وسلم‪ :‬مدينة هرقل تفتح أول "‪.‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫وحملة الدعوة على يقين بذلك كله‪ ،‬لن هذا ما وعدنا الله ورسوله‪ ،‬وصدق‬
‫الله ورسوله‪ ،‬والمر يتطلب منا العمل الدائم والنظرة إلى المستقبل بأمل‬
‫باسم‪ ،‬ول يجوز لنا أن نتصور أنه يجب تحقيق الوعود على أيدينا‪ ،‬فإن تحقق‬
‫شيء من ذلك على أيدي الرعيل الول فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء‪ ،‬وإل‬
‫فيجب الستمرار في الدعوة وهي فرض وتركها إثم كبير‪ ،‬والقنوط من رحمة‬
‫الله ضلل‪ ،‬واليأس من روح الله من عمل القوم الكافرين‪ ،‬ونحن نرى الكفار‬
‫على كفرهم يصبرون على تحقيق ما يريدون ول يقعدون عن العمل وصول‬
‫لغايتهم وأهدافهم‪ ،‬فقد صبر اليهود خمسين عاما حتى أقام لهم الكفار دولتهم‬
‫في فلسطين سنة ‪ ،1948‬وصبر الشيوعيون سبعين عاما حتى قامت أول‬
‫دولة لهم في روسيا سنة ‪ ،1917‬فما بال شباب الدعوة‪ ،‬وعدوهم على‬
‫الباطل وهم على الحق‪ ،‬والله مولهم وهو نعم المولى ونعم النصير‪.‬‬
‫َ‬ ‫) ذ َل َ َ‬
‫م ( محمد )‪.(11‬‬ ‫موَْلى ل َهُ ْ‬
‫ن َل َ‬
‫ري َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫مُنوا وَأ ّ‬
‫نآ َ‬ ‫موَْلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫ك ب ِأ ّ‬ ‫ِ‬
‫وبعد‪،‬‬
‫هناك حديثان قدسيان شريفان يعتبران جماع القول وفصل الخطاب يقول‬
‫الول ‪ " :‬يا عبد ي ما أقل حيائك تطلب رحمتي وتبخل علي بطاعتي‪ ،‬فكيف‬
‫أجود برحمتي على من يبخل علي بطاعتي "‪.‬‬
‫ويقول الخر‪ " :‬من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي‬
‫بشيء أحب إلي مما افترضت عليه‪ ،‬وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل‬
‫حتى أحبه‪ ،‬فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به‪ ،‬وبصره الذي يبصر به‪،‬‬
‫ويده التي يبطش بها‪ ،‬ورجله التي يمشي بها‪ ،‬وإن سألني لعطينه ولئن‬
‫استعاذ ني لعيذنه "‪.‬‬
‫فلنجهد إذا في طاعة الله‪ ،‬ولنتقرب إليه بالفرائض والنوافل حتى يرضى الله‬
‫عنا ويرحمنا‪ ،‬ويصبح الواحد منا إسلما يمشي على الرض‪ ،‬وحتى نكون شامة‬
‫بين الناس‪ ،‬وعسى أن نكون من خير الجلساء الموصوفين بحديث رسول‬
‫الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم‪ ،‬قيل يا رسول الله‪ :‬أي جلسائنا خير؟‬
‫قال‪ :‬من ذكركم بالله رؤيته‪ ،‬وزادكم في عملكم منطقه‪ ،‬وذكركم بالخرة‬
‫عمله‪.‬‬
‫وإنا لنرجوه سبحانه وتعالى أن يكون وجود هذا الطراز من الرجال طريق‬
‫التوفيق فيعجل لنا بالنصر ويمكن لنا في الرض‪ ،‬فتقوم دولة الخلفة وتعلو‬
‫راية السلم من جديد إنه على كل شيء قدير وبالجابة جدير‪.‬‬
‫وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫التقرير الرهيب من قذائف الحق‬


‫ملفات متنوعة‬
‫أضيفت بتاريخ ‪ 2004 - 07 - 06 :‬نسخة للطباعة القراء ‪20179 :‬‬
‫تعالوا نقرأ التقرير الذي وصفه الشيخ محمد الغزالى ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬بـ‬
‫)) التقرير الرهيب (( ‪ ...‬في كتابه الممنوع من التداول في مصر )) قذائف‬
‫الحق(( ‪ ،‬يقول الشيخ ‪ -‬رحمه الله ‪: -‬‬
‫" كنت في السكندرية في مارس من سنة ‪ 1973‬وعلمت من غير قصد‬
‫بخطاب ألقاه البابا شنودة في الكنيسة المرقصية الكبرى في اجتماع سري‬
‫أعان الله على إظهار ما وقع فيه ‪ ...‬وإلى القراء تقرير ما حدث كما نقل‬
‫مسجل ً إلى الجهات المعنية ‪:‬‬
‫)) بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫نقدم لسيادتكم هذا التقرير لهم ما دار في الجتماع ‪-:‬‬
‫بعد أداء الصلة و التراتيل طلب البابا شنودة من عامة الحاضرين النصراف‬
‫ولم يمكث معه سوى رجال الدين وبعض أثرياء السكندرية ‪ ،‬وبدأ كلمته‬
‫قائل ً ‪:‬‬
‫" إن كل شىء على ما يرام و يجري حسب الخطة الموضوعة لكل جانب من‬
‫جوانب العمل على حدة في إطار الهدف الموحد " ‪ ،‬ثم تحدث في عدد من‬
‫الموضوعات على النحو التالي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬شعب الكنيسة‬
‫صرح لهم ) أي شنودة ( أن مصادرهم ـ في إدارة التعبئة و الحصاء ـ أبلغتهم‬
‫أن عدد المسيحيين في مصر بلغ ما يقارب الثمان مليون)‪(8.000.000‬‬
‫نسمة ) هذا الكلم في عام ‪ ، ( 1973‬و على شعب الكنيسة أن يعلم ذلك‬
‫دا ‪ ،‬كما يجب عليه أن ينشر ذلك و يؤيده بين المسلمين ‪ ،‬إذ سيكون ذلك‬ ‫جي ً‬
‫سندنا في المطالب التي سنتقدم بها إلى الحكومة التي سنذكرها لكم اليوم ‪.‬‬
‫و التخطيط العام الذي تم التفاق عليه بالجماع و الذي صدرت بشأنه‬
‫التعليمات الخاصة لتنفيذه ‪ُ ،‬وضع على أساس بلوغ شعب الكنيسة إلى نصف‬
‫الشعب المصري ‪ ،‬بحيث يتساوى عدد شعب الكنيسة مع عدد المسلمين‬
‫لول مرة منذ ‪ 13‬قرًنا ‪ ،‬أي منذ )) الستعمار العربي و الغزو السلمي لبلدنا‬
‫قا للتخطيط الموضوع للوصول إلى‬ ‫(( ـ على حد قوله ـ ‪ ،‬و المدة المحددة وف ً‬
‫هذه النتيجة المطلوبة تتراوح بين ‪ 12‬ـ ‪ 15‬سنة من الن ‪.‬‬
‫ما تحديد النسل أو تنظيمه ‪ ،‬و تعد كل‬ ‫ما تا ً‬
‫و لذلك فإن الكنيسة تحرم تحري ً‬
‫جا عن تعليمات الكنيسة ‪ ،‬و مطروًدا من رحمة الرب‪ ،‬و‬ ‫من يفعل ذلك خار ً‬
‫قاتل ً لشعب الكنيسة ‪ ،‬و مضيًعا لمجده‪ ،‬و ذلك باستثناء الحالت التي يقرر‬
‫فيها الطب و الكنيسة خطر الحمل أو الولدة على حياة المرأة ‪ ،‬و قد اتخذت‬
‫الكنيسة عدة قرارات لتحقيق الخطة القاضية بزيادة عددهم ‪ :‬ـ‬
‫‪ -1‬تحريم تحديد النسل‬
‫‪ -2‬تشجيع تحديد النسل و تنظيمه بين المسلمين ) خاصة و أن أكثر من‬
‫‪ %65‬من الطباء و القائمين على الخدمات الصحية هم من شعب الكنيسة (‬
‫‪ -3‬تشجيع الكثار من شعبنا ووضع حوافز ومساعدات مادية ومعنوية للسر‬
‫الفقيرة من شعبنا‪.‬‬
‫‪ -4‬التنبيه على العاملين بالخدمات الصحية على المستويين الحكومي وغير‬
‫الحكومي كي يضاعفوا الخدمات الصحية لشعبنا‪ ،‬و بذل العناية و الجهد‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الوافرين‪ ،‬وذلك من شأنه تقليل الوفيات بين شعبنا على أن نفعل عكس ذلك‬
‫مع المسلمين ‪.‬‬
‫‪ -6‬تشجيع الزواج المبكر و تخفيض تكاليفه‪ ،‬و ذلك بتخفيف رسوم فتح‬
‫الكنائس و رسوم الكليل بكنائس الحياء الشعبية‬
‫ما على أصحاب العمارات و المساكن المسيحيين‬ ‫ما تا ً‬
‫‪ -7‬تحرم الكنيسة تحري ً‬
‫تأجير أي مسكن أو شقة أو محل تجاري للمسلمين ‪ ،‬و تعتبر من يفعل ذلك‬
‫دا مطروًدا من رحمة الرب و رعاية الكنيسة ‪ ،‬كما يجب العمل‬ ‫من الن فصاع ً‬
‫بشتى الوسائل على إخراج السكان المسلمين من العمارات و البيوت‬
‫المملوكة لشعب الكنيسة ‪ ،‬و إذا نفذنا هذه السياسة بقدر ما يسعنا الجهد‬
‫فسنشجع و نسهل الزواج بين شبابنا المسيحي ‪ ،‬كما سنصعبه و نضيق فرصه‬
‫بين شباب المسلمين ‪ ،‬مما سيكون أثًرا فعال ً في الوصول إلى الهدف ‪ ،‬و‬
‫ف أن الغرض من هذه القرارات هو انخفاض معدل الزيادة بين‬ ‫ليس بخا ٍ‬
‫المسلمين و ارتفاع هذا المعدل بين المسيحيين ‪.‬‬
‫ثانًيا ‪ :‬اقتصاد شعب الكنيسة ‪ :‬ـ‬
‫قال شنودة ‪ " :‬إن المال يأتينا بقدر ما نطلب و أكثر مما نطلب ‪ ،‬و ذلك من‬
‫مصادر ثلثة ‪ :‬أمريكا‪ ،‬الحبشة و الفاتيكان‪ ،‬و لكن ينبغي أن يكون العتماد‬
‫الول في تخطيطنا القتصادي على مالنا الخاص الذي نجمعه من الداخل‪ ،‬و‬
‫على التعاون على فعل الخير بين أفراد شعب الكنيسة ‪ ،‬كذلك يجب الهتمام‬
‫أكثر بشراء الرض ‪ ،‬و تنفيذ نظام القروض و المساعدات لمن يقومون بذلك‬
‫لمعاونتهم على البناء ‪ ،‬و قد ثبت من واقع الحصاءات الرسمية أن أكثر من‬
‫‪ % 60‬من تجارة مصر الداخلية هي بأيدي المسيحيين‪ ،‬و علينا أن نعمل على‬
‫زيادة هذه النسبة ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫و تخطيطنا القتصادي للمستقبل يستهدف إفقار المسلمين و نزع الثروة من‬


‫أيديهم ما أمكن ‪ ،‬بالقدر الذي يعمل به هذا التخطيط على إثراء شعبنا ‪ ،‬كما‬
‫يلزمنا مداومة تذكير شعبنا و التنبيه عليه تنبيًها مشدًدا من حين لخر بأن‬
‫عا‬
‫يقاطع المسلمين اقتصادًيا ‪ ،‬و أن يمتنع عن التعامل المادي معهم امتنا ً‬
‫قا ‪ ،‬إل في الحالت التي يتعذر فيها ذلك ‪ ،‬و يعني ذلك مقاطعة ‪:‬‬ ‫مطل ً‬
‫المحامين ـ المحاسبين ـ المدرسين ـ الطباء ـ الصيادلة ـ العيادات ـ‬
‫المستشفيات الخاصة ـ المحلت التجارية الكبيرة و الصغيرة ـ الجمعيات‬
‫ضا ) !! ( ‪ ،‬و ذلك مادام ممكًنا لهم التعامل مع إخوانهم من‬ ‫الستهلكية أي ً‬
‫ما إلى مقاطعة صّناع المسلمين و‬ ‫شعب الكنيسة ‪ ،‬كما يجب أن ُينبهوا دو ً‬
‫حرفييهم و الستعاضة عنهم بالصناع و الحرفيين النصارى ‪ ،‬و لو كلفهم ذلك‬
‫النتقال و الجهد و المشقة ‪" .‬‬
‫ثم قال البابا شنودة ‪ " :‬إن هذا المر بالغ الهمية لتخطيطنا العام في المدى‬
‫القريب و البعيد ‪".‬‬
‫ثالًثا ‪ :‬تعليم شعب الكنيسة ‪:‬‬
‫قال البابا شنودة ‪ " :‬إنه يجب فيما يتعلق بالتعليم العام للشعب المسيحي‬
‫الستمرار في السياسة التعليمية المتبعة حالًيا مع مضاعفة الجهد في ذلك ‪،‬‬
‫خاصة و أن بعض المساجد شرعت تقوم بمهام تعليمية كالتي نقوم بها في‬
‫كنائسنا‪ ،‬المر الذي سيجعل مضاعفة الجهد المبذول حالًيا أمًرا حتمًيا حتى‬
‫تستمر النسبة التي يمكن الظفر بها من مقاعد الجامعة و خاصة الكليات‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العملية " ‪ ..‬ثم قال ‪ " :‬إني إذ أهنئ شعب الكنيسة خاصة المدرسين منهم‬
‫على هذا الجهد و هذه النتائج ‪ ،‬إذ وصلت نسبتنا في بعض الوظائف الهامة و‬
‫الخطيرة كالطب و الصيدلة و الهندسة و غيرها أكثر من ‪ !!!! %60‬إني إذ‬
‫أهنئهم أدعو لهم يسوع المسيح الرب المخلص أن يمنحهم بركاته و توفيقه ‪،‬‬
‫حتى يواصلوا الجهد لزيادة هذه النسبة في المستقبل القريب ‪" .‬‬
‫رابًعا ‪ :‬التبشير‪:‬‬
‫قال البابا شنودة ‪ " :‬كذلك فإنه يجب مضاعفة الجهود التبشيرية الحالية إذ أن‬
‫الخطة التبشيرية التي وضعت بنيت على أساس هدف اّتفق عليه للمرحلة‬
‫القادمة‪ ،‬وهو زحزحة أكبر عدد من المسلمين عن دينهم و التمسك به ‪ ،‬على‬
‫أل يكون من الضروري اعتناقهم المسيحية ‪ ،‬فإن الهدف هو زعزعة الدين في‬
‫نفوسهم ‪ ،‬و تشكيك الجموع الغفيرة منهم في كتابهم و صدق محمد ) قلت ‪:‬‬
‫ل عليه و على آله وسلم " ( ‪ ..‬و من ثم يجب عمل كل الطرق و‬ ‫" اللهم ص ّ‬
‫استغلل كل المكانيات الكنائسية للتشكيك في القرآن و إثبات بطلنه و‬
‫تكذيب محمد ) قلت ‪ :‬صلى الله عليه و سلم (‬
‫و إذا أفلحنا في تنفيذ هذا المخطط التبشيري في المرحلة المقبلة فإننا نكون‬
‫قد نجحنا في إزاحة هذه الفئات من طريقنا ‪ ،‬و إن لم تكن هذه الفئات‬
‫مستقبل ً معنا فلن تكون علينا‪.‬‬
‫عي في تنفيذ هذا المخطط التبشيري أن يتم بطريقة‬ ‫غير أنه ينبغي أن ُيرا َ‬
‫هادئة و ذكية ‪ ،‬حتى ل يكون سبًبا في إثارة حفيظة المسلمين أو يقظتهم ‪.‬‬
‫و إن الخطأ الذي وقع منا في المحاولت التبشيرية الخيرة ـ التي نجح‬
‫مبشرونا فيها في هداية عدد من المسلمين إلى اليمان و الخلص على يد‬
‫الرب يسوع المخلص ـ هو تسرب أنباء هذا النجاح إلى المسلمين ‪ ،‬لن ذلك‬
‫من شأنه تنبيه المسلمين و إيقاظهم من غفلتهم ‪ ،‬و هذا أمر ثابت في‬
‫تاريخهم الطويل معنا ‪ ،‬و ليس هو بالمر الهين ‪ ،‬و من شأن هذه اليقظة أن‬
‫ُتفسد علينا مخططاتنا المدروسة ‪ ،‬و تؤخر ثمارها و ُتضّيع جهودنا‪ ،‬و لذا فقد‬
‫أصدرت التعليمات الخاصة بهذا المر ‪ ،‬و سننشرها في كل الكنائس لكي‬
‫يتصرف جميع شعبنا مع المسلمين بطريقة ودية تمتص غضبهم ‪ ) .....‬قلت ‪:‬‬
‫هذا ل يحدث الن ‪ ..‬فقد مات الذين يختشون ( ‪........‬و تقنعهم بكذب هذه‬
‫النباء ‪ ،‬كما سبق التنبيه على رعاة الكنائس و الباء و القساوسة بمشاركة‬
‫المسلمين احتفالتهم الدينية ‪ ،‬و تهنئتهم بأعيادهم ‪ ،‬و إظهار المودة و المحبة‬
‫لهم ‪.‬‬
‫و على شعب الكنيسة في المصالح و الوزارات و المؤسسات إظهار هذه‬
‫الروح لمن يخالطونهم من المسلمين ‪" ...‬‬
‫ثم قال بالحرف الواحد ‪:‬‬
‫" إننا يجب أن ننتهز ما هم فيه من نكسة و محنة‪ ) ......‬يقصد ما قبل حرب‬
‫‪ 1973‬و ما بعد نكسة يونيو ‪ ...... (1967‬لن ذلك في صالحنا ‪ ،‬و لن‬
‫نستطيع إحراز أية مكاسب أو أي تقدم نحو هدفنا إذا انتهت المشكلة مع‬
‫إسرائيل سواء بالسلم أو بالحرب " ‪ .... ،‬ثم هاجم من أسماهم بضعاف‬
‫القلوب الذين يقدمون مصالحهم الخاصة على مجد شعب الرب و الكنيسة ‪،‬‬
‫و على تحقيق الهدف الذي يعمل له الشعب منذ عهد بعيد ‪ ،‬و قال أنه لم‬
‫يلتفت إلى هلعهم ‪ ،‬و أصر علي أنه سيتقدم للحكومة رسمًيا بالمطالب‬
‫الواردة بعد ‪ ،‬حيث أنه إذا لم يكسب شعب الكنيسة في هذه المرحلة‬
‫مكاسب على المستوى الرسمي فربما ل يستطيع إحراز أي تقدم بعد ذلك ‪.‬‬
‫"‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ثم قال بالحرف الواحد ‪ " :‬و ليعلم الجميع خاصة ضعاف القلوب أن القوى‬
‫الكبرى في العالم تقف وراءنا و لسنا نعمل وحدنا‪ ،‬و ل بد من أن نحقق‬
‫الهدف ‪ ،‬لكن العامل الول و الخطير في الوصول إلى ما نريد هو وحدة‬
‫شعب الكنيسة و تماسكه و ترابطه ‪ ..‬و لكن إذا تبددت هذه الوحدة و ذلك‬
‫التماسك فلن تكون هناك قوة على وجه الرض مهما عظم شأنها تستطيع‬
‫مساعدتنا ‪" .‬‬
‫مطالب البابا شنودة‬
‫يقول الشيخ الغزالي ‪ -‬رحمه الله ‪: -‬‬
‫" ثم عدد البابا شنودة المطالب التي صرح بها بأنه سوف يقدمها رسمًيا إلى‬
‫الحكومة ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يصبح مركز البابا الرسمي في البروتوكول السياسي بعد رئيس‬
‫الجمهورية و قبل رئيس الوزراء‪.‬‬
‫صص لهم )) للنصارى (( ثمان وزارات‬ ‫‪ -2‬أن ُتخ ّ‬
‫صص لهم ربع القيادات العليا في الجيش و الشرطة‬ ‫‪ -3‬أن ُتخ ّ‬
‫صص لهم ربع المراكز القيادية المدنية ‪ ،‬كرؤساء مجالس‬ ‫‪ -4‬أن ُتخ ّ‬
‫المؤسسات و الشركات و المحافظين و وكلء الوزارات و المديرين العامين‬
‫و رؤساء مجالس المدن ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن ُيستشار البابا عند شغل هذه النسبة في الوزارات و المراكز العسكرية‬
‫و المدنية ‪ ،‬و يكون له حق ترشيح بعض العناصر و التعديل فيها‪.‬‬
‫مح لهم بإنشاء جامعة خاصة بهم ‪ ،‬و قد وضعت الكنيسة بالفعل‬ ‫‪ -6‬أن ُيس َ‬
‫تخطيط هذه الجامعة ‪ ،‬و هي تضم المعاهد اللهوتية و الكليات العملية و‬
‫النظرية ‪ ،‬و ُتموّ ل من مالهم الخاص‪.‬‬
‫مح لهم بإقامة إذاعة من مالهم الخاص‪.‬‬ ‫‪ -7‬أن ُيس َ‬
‫شر الحاضرين و طلب منهم نقل هذه البشرى لشعب‬ ‫ثم ختم حديثه بأن ب ّ‬
‫الكنيسة بأن أملهم الكبر في عودة البلد و الراضي إلى أصحابها من‬
‫كا ‪ ،‬و ليس في ذلك أدنى غرابة ـ في‬ ‫)) الغزاة المسلمين (( قد بات وشي ً‬
‫زعمه ـ و ضرب لهم مثل بأسبانيا النصرانية التي ظلت بأيدي ))المستعمرين‬
‫المسلمين (( قرابة ثمانية قرون )‪ 800‬سنة( ‪ ،‬ثم استردها أصحابها‬
‫النصارى ‪ ،‬ثم قال و في التاريخ المعاصر عادت أكثر من بلد إلى أهلها بعد أن‬
‫دا ‪ ......‬قال الشيخ ‪ -‬رحمه الله ‪ ) -‬واضح أن‬ ‫طردوا منها منذ قرون طويلة ج ً‬ ‫ُ‬
‫شنودة يقصد إسرائيل( و في ختام الجتماع أنهى حديثه ببعض الدعية الدينية‬
‫للمسيح الرب الذي يحميهم و يبارك خطواتهم !!!!!!!!! "((‬
‫انتهى كلم الشيخ محمد الغزالي ‪ -‬رحمه الله ‪-‬‬
‫فما رأي القارئ الكريم المتابع للحداث في مصر ‪ ,‬هل المخطط جاري للن‬
‫ووصل لمراحل متقدمة أم ماذا؟؟؟؟‬

‫)‪(3 /‬‬

‫التقليد من الوجهة النفسية‬


‫إن الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬بل بني آدم‪ ،‬بل سائر المخلوقات‪ ،‬على التفاعل بين‬
‫الشيئين المتشابهين‪ .‬وكلما كانت المشابهة أكثر كان التفاعل في الخلق‬
‫والصفات أتم‪ .‬حتى يؤول المر إلى أن ل يتميز أحدهما عن الخر إل بالعين‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فقط‪.‬‬
‫ولما كان بين النسان مشاركة في الجنس الخاص‪ :‬كان التفاعل فيه أشد‪ .‬ثم‬
‫بينه وبين سائر الحيوان مشاركة في الجنس المتوسط فلبد من نوع تفاعل‬
‫ل‪ ،‬فلبد من نوع من‬ ‫بقدره‪ .‬ثم بينه وبين النبات مشاركة في الجنس البعيد مث ً‬
‫المفاعلة‪ .‬ولجل هذا الصل‪ :‬وقع التأثر والتأثير في بني آدم‪ ،‬واكتساب‬
‫بعضهم أخلق بعض بالمشاركة والمعاشرة‪ .‬وكذلك الدمي إذا عاشر نوعا ً من‬
‫الحيوان اكتسب من بعض أخلقه‪ ،‬ولهذا صارت الخيلء والفخر في أهل البل‪،‬‬
‫وصارت السكينة في أهل الغنم‪ ،‬وصار الجمالون والبغالون فيهم أخلق‬
‫مذمومة من أخلق الجمال والبغال‪ ،‬وكذلك الكلبون‪ ،‬وصار الحيوان النسي‬
‫فيه بعض أخلق النس من المعاشرة والمؤالفة وقلة الّنفرة‪ .‬فالمشابهة‬
‫والمشاكلة في المور الظاهرة؛ توجب مشابهة ومشاكلة في المور الباطنة‬
‫على وجه المسارقة والتدرج الخفي‪.‬‬
‫وقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين هم أقل كفرا من غيرهم‪،‬‬
‫كما رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى هم أقل إيمانا ً‬
‫من غيرهم ممن جّرد السلم‪ .‬و المشاركة في الهدى الظاهر توجب أيضا ً‬
‫مناسبة وائتلفًا‪ ،‬وإن بعد المكان والزمان‪ ،‬فهذا أيضا ً أمر محسوس‪.‬‬
‫فمشابهتم في أعيادهم ولو بالقليل؛ هو سبب لنوع ما من اكتساب أخلقهم‬
‫التي هي ملعونة‪ ،‬وما كان مظنة لفساد خفي غير منضبط علق الحكم به‪،‬‬
‫ودار التحريم عليه‪ .‬فنقول‪ :‬مشابهتهم في الظاهر سبب ومظنة لمشابهتهم‬
‫في عين الخلق والفعال المذمومة‪ ،‬بل في نفس العتقادات‪.‬وتأثير ذلك ل‬
‫يظهر ول ينضبط‪.‬ونفس الفساد الحاصل من المشابهة قد ل يظهر ول‬
‫ينضبط‪ ،‬وقد يتعسر أو يتعذر زواله بعد حصوله لو تفطن له‪.‬وكل ما كان سببا ً‬
‫إلى مثل هذا الفساد فإن الشارع يحرمه‪ ،‬كما دلت عليه الصول المقررة‪.‬‬
‫اقتضاء الصراط المستقيم‪ ،‬ابن تيمية‪ ،‬ص ‪220‬‬
‫‪ http://www.albayan-magazine.com‬المصدر‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫التقمص والتناسخ‬
‫الشيخ أحمد الجمال الحموي‬
‫عضو مؤسس في رابطة أدباء الشام‬
‫في مقابلة قديمة مع أحد الدباء الذين فارقوا الدنيا أواخر القرن العشرين‬
‫كلم يقرر فيه عقائد ليس لها دليل من بحوث علمية ول من اليات القرآنية‬
‫ول من الحاديث النبوية الشريفة‪.‬‬
‫ومما جاء في هذه المقابلة‪:‬‬
‫ً‬
‫)اعتقادي الخاص بالتقمص يعود إلى أنني عشت أعواما عديدة قبل أن أكون‬
‫الن‪ ،‬وليست ولدتي هي أول ولدة لي‪ .‬لماذا سيكون فلن والدي‪ ،‬وفلنة‬
‫والدتي بين كل رجال ونساء الرض‪ ،‬إل إذا كانت هناك علقة سابقة بيني‬
‫وبينهم‪ .‬والعلقة السابقة لم تكن في هذا العمر بل في حياة سابقة عشتها أنا‬
‫قبل أن أولد(‪.‬‬
‫وهذا كلم سريع التداعي أمام البرهان توحي به خيالت وأوهام ليس إل‪.‬‬
‫ومع أن الرد سيأتي بعد قليل لكننا نسأل الديب الريب إذا كان فلن والدك‪،‬‬
‫وفلنة والدتك دون سائر الناس في ولدتك هذه لنهما – كما تزعم ‪ -‬كانا‬
‫كذلك في حياة سابقة فلماذا كانا والديك في تلك الحياة السابقة أيضًا‪ ،‬وما‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أراك إل ستحيلنا على حياة سابقة على هذه السابقة ويبقى السؤال قائما ً ما‬
‫الذي جعل هذين والدين لك في أول ولدة ظهرت بها‪ ،‬تلك الولدة التي لم‬
‫يك قبلها ولدة‪ ،‬مهما تباعدت في الزمن الماضي وأوغلت فيه‪.‬‬
‫ولعل الديب العجيب يريد أن يقول إن الناس جهلة‪ ،‬أما هو فليس بجاهل فقد‬
‫عرف التقمص الذي ظنه حقيقة جهلها الناس وآمن به حيث كفر بهذا‬
‫التقمص مليارات البشر على مدى العصور‪.‬‬
‫ويتابع هنا الديب حديثه عن التقمص فيقول‪) :‬تفكيري يرشدني إلى أن‬
‫الشياء التي حصلت معي في أعوامي هذه إنما هي تتمة لشياء حصلت معي‬
‫في أعوام سابقة‪ ...‬واسأل أي إنسان من أين لك هذه المعرفة‪ ،‬مستحيل أن‬
‫تأتيك خلل السنوات التي عشتها‪ ،‬كل معرفتك تتوقف على حياتك السابقة(‪.‬‬
‫إن تفكير هذا الديب هو الذي يرشده كما يظن‪ ،‬ولو عرف أن تفكيره يضله‬
‫لراح واستراح‪ ،‬وها هو تفكيره يتخبط به فيزعم أن معرفته نشأت من حياته‬
‫هذه ومن حيوات قبلها‪ ،‬ومن اللفت للنظر أنه لم يشعر بهذا الوسواس إل هو‬
‫وأمثاله من التناسخيين‪ ،‬ولو صدق قوله لولد النسان متعلما ً ولوجدنا‬
‫مخترعين عظماء وهم ل يزالون في سن الرضاع‪.‬‬
‫ثم يتابع الديب وكأنه يريد إقناع نفسه‪ ،‬فيقول )أومن بالتقمص لكني "لم‬
‫أصل درجة المعرفة القصوى" لتبين حياتي السابقة بالتفاصيل الدقيقة إنما‬
‫لدي "شعور عميق" بأنني لست ابن البارحة‪ ،‬عمري الن ‪ 98‬سنة ومن‬
‫الخطأ أن أقول ذلك فأنا عمري الزمان كله‪(.‬‬
‫ول يخفى على اليقظ اللبيب تخبط هذا )الديب( فبعد أن زعم أن تفكيره هو‬
‫الذي أرشده إلى التقمص إذا به الن يرجع هذه العقيدة إلى )الشعور( وليقدر‬
‫كل عاقل فداحة المصاب عندما تبنى عقائد خطيرة على المشاعر العليلة‪.‬‬
‫وإذا شئنا أن نحسن الظن نقول إن )الديب( أراد أن يضم الشعور إلى الفكر‬
‫ل أن يلغي أحدهما بالخر‪ ،‬ومع هذا فإن الضعف بدا واضحا ً عندما اعترف أنه‬
‫لم يصل درجة المعرفة القصوى ولذا فهو يجهل تفاصيل حياته بل حيواته‬
‫السابقة وكأني به يدفع سؤال ً توقع أن يوجه إليه عن حياته بل حيواته التي‬
‫عاشها من قبل فاحتاط للمر قبل وقوعه‪.‬‬
‫ً‬
‫ولم يك هذا الجهل والعجز عن معرفة التفاصيل نابعا من كبر سنه وخرفه بل‬
‫لنه ل وجود لهذه الحياة المزعومة‪ ،‬ولذا عجز عن تذكرها عندما كان في‬
‫ريعان شبابه‪.‬‬
‫وحسبنا هذه المقاطع من كلمه الكثير فإنه ل يخرج عما نقلناه وسنكتفي‬
‫بالرد على فكرة التقمص –التي ألح عليها وأبرزها‪ -‬خشية علوقها بعقول بعض‬
‫البسطاء‪ .‬وقد كان في حديث ذلك الديب سقطات وضللت أخرى لكننا لن‬
‫نعرض لها فقد احتل التقمص الساحة وغطى على غيره‪ ..‬وإنني أخشى أن‬
‫يكون الذي أجرى اللقاء مع الديب من تلك الفرق الباطنية التي تؤمن بهذه‬
‫القصائد وإل فكيف نفسر استسلمه في المقابلة وعدم مناقشة الديب وعدم‬
‫التعقيب عليه ولو بكلمة واحدة‪ ،‬أو لعله في أحسن الحتمالت مسلم جاهل‬
‫عافانا الله من الجهل‪.‬‬
‫وقبل أن نمضي قدما ً في الرد نشير إلى أن هناك فرقا ً تقول بالتقمص وفرقا ً‬
‫تقول بالتناسخ وبين التناسخ والتقمص فروق يسيرة لكن الجوهر والمآل‬
‫واحد‪.‬‬
‫ويجمع الفريقين اسم )التناسخيين( وقد اتفق التناسخيون على أصل هو‬
‫الساس في تعريف التناسخ ثم اختلفوا في فروع ل تتناقض مع الصل‪ ،‬بل‬
‫هي إما توسع في مفهومه وإما نتيجة تكاد تكون لزمة من لوازمه أو تكون‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الهدف من القول بهذه العقيدة الباطلة‪.‬‬


‫الصل الذي اتفق عليه التناسخيون‬
‫أما الصل الذي يتفق عليه القائلون بالتناسخ والذي يشكل لب هذه العقيدة‬
‫فهو )أن الرواح تنتقل بعد مفارقتها الجساد إلى أجساد أخر( فلو مات إنسان‬
‫ل‪ -‬فإن روحه في زعم التناسخيين تنتقل إلى جسم آخر تطلع إلى‬ ‫ما –مث ً‬
‫الحياة وزحف نحوها‪ ،‬ثم تبقى فيه حتى يحين حينه فتفارقه إلى جسم آخر‬
‫اشرأب إلى الحياة‪ ،‬وهكذا دونما انقطاع‪.‬‬
‫وهذا هو التعريف الجامع للتناسخ‪ ،‬والقدر الذي يتفق عليه التناسخيون جميعا‪ً.‬‬
‫الفروع التي اختلف فيها التناسخيون‬

‫)‪(1 /‬‬

‫نستعرض الن ما اختلف فيه القائلون بالتناسخ من جزئيات ل تمس الصل‬


‫المشار إليه آنفًا‪ .‬حيث افترقوا في ذلك فرقتين‪.‬‬
‫‪ -1‬أجازت أولهما انتقال الرواح بعد مفارقتها أجسادها )إلى أجساد أخر وإن‬
‫لم تكن من نوع الجساد التي فارقت()‪ (1‬وهو قول القرامطة وأشباههم‪،‬‬
‫فيجوز بناء على رأيهم انتقال روح النسان بعد موته إلى حيوان‪ ،‬كما يجوز‬
‫انتقال روح الحيوان بعد موته إلى إنسان‪ ،‬وهذا كما هو واضح توسع في‬
‫مفهوم التناسخ ونشر لظلله )وذهب هؤلء إلى أن التناسخ إنما هو على‬
‫سبيل العقاب والثواب‪ ،‬قالوا‪ :‬فالفاسق السيء العمال تنتقل روحه إلى‬
‫أجساد البهائم الخبيثة المرتطمة في القذار والسخرة المؤلمة الممتهنة‬
‫بالذبح()‪ (2‬حتى نقل ابن حزم عن أحدهم وهو محمد بن زكريا الرازي‬
‫الطبيب قوله )لول أنه ل سبيل إلى تخليص الرواح عن الجساد المتصورة‬
‫بالصور البهيمية إلى الجساد المتصورة بصور النسان إل بالقتل والذبح لما‬
‫جاز ذبح شيء من الحيوان ألبتة(‪(3).‬‬
‫وبناء على زعمهم الفاسد ل حاجة لليوم الخر والحساب وما يتلوه من ثواب‬
‫وعقاب على الطريقة التي فهمها أهل السنة والجماعة الذين هم لب السلم‬
‫وحقيقته إذ أن الحساب في زعمهم يجري هنا على الرض ويتحقق الثواب‬
‫والعقاب فيما تخيلوه من التناسخ‪.‬‬
‫ويختلف انتماء أتباع هذه الفرقة فنرى بعضهم ينتسب إلى السلم ويزعم أنه‬
‫من أهله‪ ،‬ويعد هؤلء تاريخيا ً من الفرق السلمية‪ .‬ونرى آخرين من ملل‬
‫متعددة ومذاهب مختلفة ل صلة لها بالسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬أما الفرقة الثانية فقد )منعت من انتقال الرواح إلى غير أنواع أجسادها‬
‫التي فارقت()‪ (4‬فل يمكن عندهم انتقال روح الحيوان بعد موته إلى النسان‬
‫ول يمكن العكس أيضا ً )وليس من هذه الفرقة أحد يقول بشيء من الشرائع‬
‫وهم الدهرية()‪ (5‬وقد انطلق هؤلء أساسا ً من الكفر والجحود المطبق فقد‬
‫أنكروا وجود خالق لهذا الكون وانتهوا إلى ما انطلقوا منه بإنكارهم الخرة بما‬
‫فيها من حساب وجزاء‪.‬‬
‫ويظهر لدى التأمل أن هذا النكار للخرة من لوازم التناسخ‪ ،‬أو هو الهدف‬
‫الحقيقي من اعتقاده والقول به‪ .‬وهؤلء أبعد عن السلم من الفريق الول‬
‫وأكثر إيغال ً في الكفر منه‪ ،‬وعلى كل فالفكر وصف جامع لهما‪.‬‬
‫أدلة التناسخيين‬
‫تشبث التناسخيون على اختلف آرائهم بأوهام حسبوها أدلة كافية لثبات‬
‫مزاعمهم وسنشرع الن بسرد هذه الدلة مرجئين مناقشتها إلى فقرة تالية‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفرقة الولى‪:‬‬
‫فقد احتجت الفرقة الولى التي أجازت انتقال الرواح إلى غير أنواع أجسادها‬
‫التي فارقت بحجج تنقلب عليهم لدى تأملها والنظر فيها‪ .‬وهذه هي حججهم‪:‬‬
‫‪ -1‬احتجوا ببعض النصوص التي فهموها فهما ً يخالف فهم المسلمين جميعا ً‬
‫على مر العصور حيث تشبثوا بقول الله تعالى‪) :‬يا أيها النسان ما غرك بربك‬
‫ك في أي صورة ما شاء ركبك( وبقوله‬ ‫الكريم الذي خلقك فسواك فَعَد َل َ ْ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تعالى‪) :‬جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن النعام أزواجا يذرؤكم فيه( وبما‬
‫روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو‪) :‬قيامة كل أحد موته(‪.‬‬
‫‪ -2‬ويتردد في أوساط بعض أتباع هذه الفرقة كالنصيريين ما نستطيع أن‬
‫نسميه )دليل الشعور( حيث يدعي بعضهم تذكره لحياة سابقة كان يحياها‬
‫قبل سنين طويلة‪ ،‬وذلك وقت إذ كانت روحه في جسد ملك مدينة كذا أو في‬
‫جسد العالم المشهور فلن كما يهذون‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -3‬أما الذين ل ينتسبون إلى السلم أصل من هذه الفرقة الولى فقد احتجوا‬
‫بالفلسفة أو بكلم قد يسميه بعضهم دليل ً عقليا ً وما هو كذلك فقالوا )إن‬
‫النفس ل تتناهى والعالم ل يتناهى لمد‪ ،‬فالنفس منتقلة أبدا ً وليس انتقالها‬
‫إلى نوعها بأولى من انتقالها إلى غير نوعها()‪.(6‬‬
‫‪ -4‬وترى طوائف من هذه الفرقة أن عدد الرواح في العالم ثابت ل يمكن أن‬
‫يزيد ول أن ينقص‪ ،‬ومن ثم ذهبوا إلى الدعاء بوجود توازن بين الحيوان‬
‫والنسان‪ ،‬فعندما يكثر الموت في الحيوان يزيد عدد النسان حسب اعتقادهم‬
‫وعندما يكثر الموت في النسان يزيد عدد الحيوان‪.‬‬
‫الفرقة الثانية‪:‬‬
‫وحجة الفرقة الثانية التي منعت انتقال الرواح إلى غير أنواع أجسادها التي‬
‫فارقت )هي حجة الطائفة التي ذكرنا قبلها القائلة إنه ل تناهي للعالم فوجب‬
‫أن تتردد النفس في الجساد أبدًا‪ ،‬قالوا‪ ،‬ول يجوز أن تنتقل إلى غير النوع‬
‫الذي أوجب لها طبعها الشراف عليه وتعلقها به()‪ (7‬فهؤلء أقروا مبدأ انتقال‬
‫الروح من جسد إلى جسد لكنهم اشترطوا أن يكون انتقال الروح إلى جسد‬
‫من نوع جسدها الذي فارقته‪.‬‬
‫مناقشة أدلة التناسخيين‬
‫يكفي في بطلن فهم الفرقة الولى لليتين اللتين أوردوهما إجماع المة كلها‬
‫على أن المراد بهما غير ما ذكروه فالمراد بقوله تعالى‪) :‬في أي صورة ما‬
‫شاء ركبك( الصورة التي رتب النسان عليها من طول أو قصر أو حسن أو‬
‫قبح أو بياض أو سواد وما أشبه ذلك‪ .‬فهي الصور المختلفة من جنس صور‬
‫النسان‪ .‬وليس المراد قطعا ً حلول الروح النساني في صور غير صورة هذا‬
‫النوع‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ولم يخالف في هذا الفهم الذي أوردناه أحد من أهل الحق خلل القرون‬
‫المتعاقبة‪...‬‬
‫وأما الية الخرى فإن معناها‪) :‬إن الله تعلى امتن علينا في أن خلق لنا من‬
‫أنفسنا أزواجا ً نتولد منها‪ .‬ثم امتن علينا )كما في آية أخرى( بأن خلق لنا من‬
‫النعام ثمانية أزواج‪ .‬ثم أخبر تعالى أنه يذرؤنا في هذه الزواج يعني التي هي‬
‫من أنفسنا‪ .‬فتبين من ذلك بيانا ً ظاهرا ً ل خفاَء فبه أن الله تعالى أخبرنا في‬
‫هذه الية نفسها أن الزواج المخلوقة لنا إنما هي من أنفسنا‪ ،‬ثم فرق بين‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أنفسنا وبين النعام فل سبيل إلى أن يكون لنا أزواج نتولد فيها من غير‬
‫أنفسنا()‪ (8‬ول بد من بيان أن كلم التناسخيين دعوى بل برهان وأنه مخالف‬
‫لما فهمه أهل العلم سلفهم وخلفهم دون استثناء‪ .‬وحسبك هذا برهانا ً على‬
‫فساد تأويلهم للية ومجافاته للصواب‪.‬‬
‫أما المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فهو أول ً ل يبلغ درجة أن‬
‫تبنى عليه أحكام فرعية فضل ً عن أن تبنى عليه عقيدة خطيرة كهذه‪ .‬وهو‬
‫ثانيًا‪ ،‬ل يؤدي إلى ما زعموه‪ .‬وغاية ما يفيده –بعد تذكر أن القبر أول منازل‬
‫الخرة وهو إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار‪ ،‬وفيه سؤال‬
‫الملكين‪ -‬غاية ما يفيده أنه ل عودة إلى الحياة بعد خروج الروح وأن النسان‬
‫يبدأ بمعاينة آثار أعماله التي فعلها في الحياة الدنيا منذ انتقاله إلى عالم‬
‫البرزخ‪ ،‬وهذا المعنى يناقض ما وجهوا الحديث إليه مناقضة تامة‪.‬‬
‫مبدأ مهم في التعامل مع النصوص‬
‫وهناك شيء ل يغيب عن تفكير المسلم‪ ،‬هو أنه ل يجوز أن ينظر النسان إلى‬
‫نص ما في موضوع ما ثم يغمض عينيه عن مئات النصوص في الموضوع‬
‫ذاته‪.‬‬
‫ولو نظروا نظرة شاملة مستوعبة مع حسن القصد وسلمة الطريقة المتبعة‬
‫ل‪ ،‬وواضح أن النصوص‬ ‫في الدراسة لعدلوا عن هذه العقيدة عدول ً كام ً‬
‫الصريحة تذكر نفخة أولى تنهي الحياة ثم نفخة ثانية يعقبها البعث ثم يحشر‬
‫الناس إلى أرض نقية ثم يشفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يبدأ‬
‫الحساب وبعد هذا إما إلى جنة أو إلى نار فكيف تترك هذه النصوص الصريحة‬
‫كلها ويعدل عنها إلى استنتاجات سخيفة وإلى تحميل النصوص ما ل يمكن أن‬
‫تحتمله‪ .‬وهنا نقطة مهمة جدا ً وهي أن عقيدة خطيرة كعقيدة التناسخ ل يمكن‬
‫أن تأتي مبهمة ضمن إشارات غامضة مرفوضة تنسف النصوص القطعية‬
‫الواضحة‪ .‬وليس من طريقة السلم أن يأتي بالعقيدة على هذا النحو ول بهذا‬
‫السلوب‪.‬‬
‫وإن المرء ليعجب من أقوام يدعون أنهم يؤمنون بالله ثم يعتنقون هذه‬
‫الفكرة فيتساءل وحق له أن يتساءل ما الذي يحملهم على ذلك ومن أين‬
‫جاءتهم هذه اللوثة؟‬
‫وإن النظرة الشاملة إلى النصوص تؤكد أن الحياة ستنتهي دفعة واحدة بنفخة‬
‫الصور ثم تعود مرة أخرى في ظروف مختلفة‪ ،‬ثم يحاسب الناس معا ً في‬
‫وقت واحد إل ما استثنى الله من الحساب ثم يكون الجزاء في دار ورد‬
‫ل‪ ،‬ول تنطبق الوصاف الواردة في وصفها على هذه الدنيا بل‬ ‫وصفها تفصي ً‬
‫هي مغايرة لها أشد المغايرة‪.‬‬
‫دليل الشعور‪:‬‬
‫ونأتي إلى الدليل الذي أسميناه دليل الشعور فنقول في شأنه‪ :‬إنه تلقين ل‬
‫قيمة له يتلقاه البناء عن الباء في تلك البيئات بأسلوب مباشر أو غير‬
‫مباشر‪.‬‬
‫فكثيرا ً ما يسمع الصغار من الكبار قصصا وأحاديث تقرر هذا المعنى بطريقة‬
‫ً‬
‫عاطفية تؤثر في النفس فيندفع الصغار في هذا السبيل‪ .‬ولو كان التناسخ‬
‫حقيقة من الحقائق لحس الناس جميعا ً بأنهم كانوا في حياة سابقة على‬
‫حياتهم التي يحيونها الن‪.‬‬
‫فإن رد المعجبون بهذه العقيدة إن هذا الشعور ل يناله إل من كانوا على‬
‫درجة عالية من الصفاء الروحي والقلبي وأنهم وحدهم متصفون بهذا أجيبوا‬
‫ل نعيم ٍ جزاًء على حياة‬
‫بأن الروح الحال في جسم إنسان هو روح في حا ِ‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ر‬
‫عمرت بالخير –إذ لو كان المر خلف ذلك لحلت الروح في صورةٍ غي ِ‬ ‫سابقة ُ‬
‫ن الصفاُء والشفافية حليفين لها في المراحل‬‫بشرية‪ -‬وهذا يستدعي أن يكو َ‬
‫َ‬
‫ن حياة النسان على القل وهي التي تسبق البلوغ والتكليف‪ ،‬حيث‬ ‫الولى م ْ‬
‫يتفق أرباب الديان والفلسفة على ثبوت الطهارة والبراءة فيها للنسان‬
‫فلماذا ل يحس الطفال والفتيان من مختلف الديان واللوان وفي مختلف‬
‫البيئات بما يدعي التناسخيون؟‬
‫ومن المآخذ الكبيرة على هذه الفكرة تصادمها مع العلم‪ .‬فكم سمعنا بعضهم‬
‫يقول إن فلنا ً ولد لما مات فلن‪ ،‬مشيرا ً بذلك إلى انتقال روح المتوفى إلى‬
‫المولود‪ .‬وقد جهلوا أن الروح تكون قد نفخت في هذا المولود قبل خروجه‬
‫من رحم أمه بزمن طويل‪.‬‬
‫ول ندري هل يغير التناسخيون كلمهم بعد الكتشافات العلمية التي سبق‬
‫القرآن إليها‪ ،‬أو أنهم سيظلون في غيهم وضللهم‪ ..‬ول بد أن نقول في هذا‬
‫الموطن‪ :‬ما الفائدة من القول بأن حياة النسان الحالية هي جزاء على حياة‬
‫سابقة عاشها إذا كان ل يحس بذلك ل من قريب ول من بعيد‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ثم لنفترض أن كوارث كبيرة وقعت أودت بحياة مئات اللوف من الناس في‬
‫مدة وجيزة كما حدث في هيروشيما‪ ،‬وكانت نار الحرب التقليدية إبان ذلك‬
‫م الغفير من الناس كل يوم إضافة إلى من يموت حتف أنفه‪ ،‬وكما‬ ‫تلتهم الج ّ‬
‫حدث في زلزال آسيا أواخر عام ‪ 2004‬عندما اندفعت أمواج الساحل‬
‫فأزهقت أرواح مئات آلف البشر والحيوانات في وقت قصير جدًا‪ ،‬فأين‬
‫انتقلت أرواح هؤلء الموتى وهنا يجيب من يجيزون انتقال الرواح إلى غير‬
‫أنواع أجسادها التي فارقت بأنها انتقلت إلى أجساد إنسانية أو حيوانية غير‬
‫التي كانت فيها‪.‬‬
‫والخلل بين في الجواب ففي مثل حالة إلقاء القنبلة الذرية يعم الموت‬
‫النسان والحيوان ول ينفع التناسخيين قولهم إن الرض واسعة والتوازن‬
‫والتكامل ليسا محصورين في رقعة صغيرة منها‪ .‬فهذا مردود بأنه من غير‬
‫المألوف ارتفاع عدد الولدات أو الحمل فجأة في عالمي النسان والحيوان‬
‫في الرض بمقدار كبير يستوعب العداد الهائلة من الرواح المفارقة‬
‫لجسادها في مثل هذه الحالت‪.‬‬
‫طوفان نوح‪:‬‬
‫ونتابع فنقول إن دراسة طبقات الرض التي أجريت في القرن العشرين‬
‫أثبتت أن الطوفان قد عم الرض كلها في فترة من الفترات ومن أراد التأكد‬
‫فليرجع إلى تلك الدراسات وهذا ما قرره السلم والديانات السابقة‪ ،‬فكيف‬
‫أمكن تحقيق التوازن حينئذ؟ في الوقت الذي هلك فيه معظم النسان‬
‫والحيوان‪ .‬أما السماك فقد كانت موجودة من قبل ول تستطيع أن تتكاثر في‬
‫يوم أو يومين تكاثرا ً يفي بالغرض ويلبي الحاجة الناشئة‪ .‬فإن قالوا‪ :‬ل مانع‬
‫من بقاء الرواح مسلولة من أغماد الجساد إلى حين‪ ،‬ريثما يتاح لها جسد‬
‫تتغلغل فيه‪ .‬قلنا‪ :‬ما دام قد جاز هذا التجرد عن الجسد مدة من الزمن فهو‬
‫إذن ممكن غير مستحيل ول فرق في بقاء الروح طليقة من قفص الجسد‬
‫بين المدة القصيرة والمدة الطويلة‪.‬‬
‫ومن المفيد الشارة إلى أن نظرية التوازن هذه مبنية في رأي بعضهم على‬
‫نظرية أخرى هي ثبات عدد الرواح مطلقا ً وهذا رأي ل يمكن إثباته فالشرع‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لم يرد بذلك‪ ،‬والعلم لم يستطع تحديد طبيعة الروح وهذا يجعله عاجزا ً عن‬
‫مراقبتها وعن القيام بعملية إحصاء لها‪.‬‬
‫نعيم هو سبب للعذاب‪:‬‬
‫ولنا سؤال نطرحه على الذين قالوا إن التناسخ إنما هو على سبيل العقاب‬
‫والثواب وهو‪ :‬إذا كانت حياة النسان الحالية جزاًء حسنا ً على حياة قضاها‬
‫بالتقى والصلح إذ إن ظهوره في صورة إنسانية دليل على هذا أفل يمكن أن‬
‫تصدر منه في حياته الحالية مخالفات وإساءات؟ والجواب إما بالثبات أو‬
‫بالنفي ل محالة‪.‬‬
‫فإن كان بالثبات فههنا إشكال كبير‪ .‬إذ كيف تكون هذه الحياة التي هي نعيم‬
‫ب عقاب‬ ‫باعتبارها جزاء حسنا ً لحياة سابقة فاضلة‪ ،‬كيف تكون متضمنة لسبا ِ‬
‫يأتي في حياة مقبلة وذلك إذا عصى وخالف؟ وهل يكون النسان في نعيم‬
‫بينما هو يتورط من حيث ل يدري في أسباب شقاء سيلحقه وهو في غفلة‬
‫عن ذلك؟‬
‫ً‬
‫ب بالنفي فالشكال قائم أيضا‪ .‬لن معنى هذا أن النسان إذا‬ ‫وإن كان الجوا ُ‬
‫ً‬
‫أحسن في حياته الولى فسيبقى محسنا على الدوام ما دام صدور الساءة‬
‫منه في حياة تالية غير ممكن لكن هذا المنع مردود بقوله صلى الله عليه‬
‫وسلم )كل بني آدم خطاء( وبالمشاهدة التي تؤكد عدم خلو إنسان من الخطأ‬
‫والزلل‪.‬‬
‫هل تنتقل الروح من جسد إلى آخر بما تحويه من علوم ومعارف؟‬
‫وما رأي التناسخيين عموما ً بعالم ٍ واسِع الطلع على فنون العلم المختلفة‬
‫ل روحه في زعمهم إلى إنسان آخر‪ .‬هل يصافح المولود ُ الجديد ُ‬ ‫ت ثم تنتق ُ‬
‫يمو ُ‬
‫الذي انتقلت إليه وحلت فيه روح هذا العالم الكبير الحياة بذلك العلم الغزير‬
‫لن روحه مشبعة بتلك المعارف والعلوم التي اكتسبتها لما كانت رهينة هيكل‬
‫بشري سابق‪ .‬ونحن نلحظ أنه ما من مولود يأتي إلى الدنيا بهذه الصفة‪.‬‬
‫)والله أخرجكم من بطون أمهاتكم ل تعملون شيئًا(‪.‬‬
‫ول عبرة بما حصل من خوارق العادات كالكلم في المهد فإن له شأنا ً ل‬
‫يخفى على أرباب العلم والفهم‪ ،‬إذ أنه يدخل في باب الخوارق وهو محصور‬
‫في أضيق نطاق وأقل عدد خلل عمر الدنيا الطويل المديد‪.‬‬
‫وبعد تفنيد ما تشبث به التناسخيون من حجج نقرر بصوت الحق العالي أن‬
‫الروح بعد مفارقتها جسدها ل تعود في الدنيا إلى جسد آخر البتة وليس هناك‬
‫دليل من عقل أو نقل على عودها إنما هو الهوى يعصف بهؤلء الباطنيين وهو‬
‫الحقد الدفين الذي يدفعهم إلى الكيد للسلم فيدعون النتساب إليه ليتاح‬
‫لهم القيام بالتخريب من الداخل‪،‬ولكن الله متم نوره ولو كره الكافرون‪.‬‬
‫سؤال يوجه إلى الدهريين‪:‬‬
‫من ينتسب إلى السلم من التناسخيين‬ ‫ولئن كانت الردود السابقة تشمل َ‬
‫ً‬
‫وتشمل الدهريين منهم على حد سواء فإن ثمة كلما يوجه إلى الدهريين‬
‫خاصة‪ ،‬وهو‪ :‬كيف يتم اختيار الروح لجسدها ما دمتم ل تؤمنون بوجود خالق‬
‫يوجهها ويسوقها‪ .‬وما هي السس التي يتم على ضوئها امتزاج روٍح ما بجسد‬
‫ما‪ .‬وما من شك أن هؤلء عاجزون عن استغلل العلم في الجابة على هذا‬
‫السؤال‪ .‬ول قيمة للخرص والتخمين في مثل هذا المر الخطير‪.‬‬
‫النتيجة‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبهذا يتضح بطلن انتقال الرواح سواء إلى أنواع أجسادها التي فارقت أو‬
‫إلى غير أنواع أجسادها التي فارقت‪ .‬بل إن الثاني أظهر فسادا ً من الول مع‬
‫أن كليهما موفور الفساد‪.‬‬
‫وإن الرد على الول يتضمن ردا ً على الثاني من باب أولى‪ ،‬علما ً أننا رددنا‬
‫على المذهبين جميعًا‪.‬‬
‫ول ننسى أن عامة فرق الباطنية تقول بالتناسخ وتؤمن به ثم تتمسح بالسلم‬
‫–في عالمنا السلمي‪ -‬لكن العلماء مجمعون على ضللهم وعلى أن من قال‬
‫بقولهم ليس بمسلم ولو نطق بالشهادتين وأتى بأركان السلم –فكيف إذا‬
‫تخلص منها بالتأويل الشنيع – لن القرآن الكريم والسنة الشريفة تقرران‬
‫بجلء خلف هذا‪ ،‬وفيهما من التفاصيل الوافية عن الموت وحياة البرزخ وعن‬
‫البعث والحشر والحساب والجزاء ما يدمغ الباطنية بطابع الضلل السود‪،‬‬
‫ويبدو كلمهم بإزائه هزرا ً قبيحًا‪ ،‬وسما ً زعافا ً يجب اجتنابه والتحذير منه‪.‬‬
‫وليست هذه هي الفكرة الوحيدة الفاسدة في سجل هذه الفرق المدسوسة‬
‫على السلم والمسلمين وإنما بجوارها ما هو أدهى وأمر ولعلي أوفق إلى‬
‫الكتابة عنه في مستقبل اليام بعون الله تعالى والحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫ملحوظة‪:‬‬
‫النقول من ‪ 8-1‬من كتاب )الفصل في الملل والهواء والنحل( لبن حز‬

‫)‪(5 /‬‬

‫التقوى‪ :‬مدخل لغوي واصطلحي د‪ .‬محمد عمر دولة*‬


‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على أشرف المرسلين‪ ،‬وعلى آله‬
‫ذر‪.‬‬ ‫ن التقوى في اللغة‪ :‬هي الوقاية مما ُيكَره وُيح َ‬ ‫وصحبه أجمعين‪ .‬وبعد‪ ،‬فإ ّ‬
‫َ‬
‫وى على وزن فَعْلى؛]‪[1‬‬ ‫قال القرطبي رحمه الله‪" :‬الصل في التقوى‪ :‬وَقْ َ‬
‫فقلبت الواو تاء من وقيته أقيه‪ :‬أي منعته‪ ،‬ورجل تقي أي خائف‪ ،‬أصله‪ :‬وقي‪،‬‬
‫وكذلك ُتقاة كانت في الصل ُوقاة‪ ،‬كما قالوا ُتجاه وُتراث‪ ،‬والصل‪ُ :‬وجاه‬
‫ب الياء واوا في التقوى‬ ‫ل قل ُ‬ ‫جعِ َ‬‫وُوراث"‪ [2].‬وقال ابن منظور رحمه الله‪ُ " :‬‬
‫ل الياء عليها"‪[3].‬‬ ‫من كثرةِ دخو ِ‬ ‫وضا ً للواو ِ‬ ‫ع َ‬‫والدعوى والفتوى؛ ِ‬
‫وى‬ ‫ْ‬
‫ن أصلها وَق َ‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل التقوى‪ :‬التوقي مما ُيكَره؛ ل ّ‬ ‫ن كثير رحمه الله‪" :‬أص ُ‬ ‫وقال اب ُ‬
‫من الوقاية‪ ،‬قال النابغة‪:‬‬
‫قْتنا باليدِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف ولم ت ُرِد ْ إسقاطه ** فتناولْته وات َ‬ ‫ط النصي ُ‬ ‫سق َ‬
‫‪ ...‬وقد قيل‪ :‬إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبي بن كعب عن‬
‫ت؟‬ ‫ت طريقا ً ذا شوك؟ قال‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ :‬فما عمل َ‬ ‫التقوى؟ فقال له‪ :‬أما سلك َ‬
‫ن المعتز‬ ‫ت واجتهدت؛ قال‪ :‬فذلك التقوى‪ .‬وقد أخذ َ هذا المعنى اب ُ‬ ‫قال‪ :‬شمر ُ‬
‫فقال‪:‬‬
‫قى‬ ‫ب صغيَرها ** وكبيَرها ذاك الت ّ َ‬ ‫ل الذنو َ‬‫خ ّ‬
‫َ‬
‫ك يحذر ما يرى‬ ‫ض الشو ِ‬ ‫واصنعْ َ‬
‫ش فوق ** أر ِ‬ ‫كما ٍ‬
‫صى!"]‪[4‬‬ ‫ح َ‬ ‫من ال َ‬‫ل ِ‬ ‫ن ** الجبا َ‬ ‫ن صغيرةً إ ّ‬ ‫ل تحقر ّ‬
‫وقال ابن منظور‪" :‬يقال‪ :‬وقاك الله شّر فلن‪ِ :‬وقاية‪ ،‬وفي التنزيل العزيز )ما‬
‫ظه‪،‬‬ ‫ف َ‬‫ح ِ‬
‫ة بالكسر‪ :‬أي َ‬ ‫من داِفع‪ ،‬ووقاه ِوقاي ً‬ ‫ق(‪ :‬أي ِ‬ ‫من وا ٍ‬ ‫لهم من الله ِ‬
‫ل من الواِو‪ ،‬والواوُ بدل‬ ‫كلءة والحفظ‪ ...‬والسم التقوى‪ :‬التاء بد ٌ‬ ‫والتوِقية‪ :‬ال َ‬
‫من الياء‪ .‬وفي التنزيل العزيز )وآتاهم تقواهم(‪ :‬أي جزاء تقواهم وقيل‪ :‬معناه‬
‫ل أن‬‫ألهمهم تقواهم‪ .‬وقوله تعالى )هو أهل التقوى وأهل المغفرة(‪ :‬أي هو أه ٌ‬
‫ل أن يعمل بما يؤدي إلى مغفرته‪ .‬وقوله تعالى‪) :‬يا أيها النبي‬ ‫يتقى عقابه وأه ٌ‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اتق الله( معناه‪ :‬اثبت على تقوى الله ودم عليه‪ ...‬وقوله تعالى‪) :‬قالت إني‬
‫أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا( تأويله‪ :‬إني أعوذ بالله؛ فإن كنت تقيا‬
‫فستتعظ بتعوذي بالله منك‪ ...‬ابن العرابي‪ :‬التقاة والتقية والتقوى والتقاء‪:‬‬
‫كله واحد"‪[5].‬‬
‫ة‬
‫وأما في الصطلح‪ ،‬فإن عبارات العلماء في تعريف التقوى تدور على صيان ِ‬
‫ب‬‫ر‪ ،‬والتأّدب بآدا ِ‬ ‫ش والكبائ ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك والفوا ِ‬ ‫النفس من المعاصي‪ ،‬وترك الشر ِ‬
‫ب السيئات‪.‬‬ ‫ل الطاعات واجتنا ُ‬ ‫الشريعة؛ فالتقوى إذن‪ِ :‬فع ُ‬
‫فقد قال القرطبي رحمه الله‪" :‬قال أبو يزيد البسطامي‪ :‬المتقي‪ :‬من إذا قال‬
‫قال لله‪ ،‬ومن إذا عمل عمل لله‪ .‬وقال أبو سليمان الداراني‪ :‬المتقون الذين‬
‫نزع الله عن قلوبهم حب الشهوات"‪[6].‬‬
‫ر‬
‫ش والكبائ ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك والفوا ِ‬ ‫ُ‬
‫وقال محمد بن أبي الفتح الحنبلي‪" :‬التقوى‪ :‬ترك الشر ِ‬
‫عن ابن عباس‪ ،‬وأصله من التقاء‪ ،‬وهو الحجز بين الشيئين‪ ،‬وعن ابن عمر‪:‬‬
‫د! وعن عمر بن عبد العزيز‪ :‬التقوى‪:‬‬ ‫سك خيرا ً من أح ٍ‬ ‫التقوى‪ :‬أن ل ترى نف َ‬
‫ض الله‪ ،‬وقيل‪ :‬القتداء بالنبي صلى الله عليه‬ ‫م الله وأداُء ما افتر َ‬ ‫ك ما حّر َ‬ ‫تر ُ‬
‫عها‪:‬‬‫جما ُ‬ ‫حذرا ً مما به بأس‪ ،‬وقيل‪ِ :‬‬ ‫س به َ‬ ‫ك ما ل بأ َ‬ ‫وسلم ‪ .‬وقيل‪ :‬التقوى‪ :‬تر ُ‬
‫ل والحسان(]‪[8]."[7‬‬ ‫ن الله يأمُر بالَعد ِ‬ ‫في قوله تعالى‪) :‬إ ّ‬
‫ب القبيِح خوفا ً من الله‪ .‬وأصلها‬ ‫ُ‬ ‫تجن‬ ‫"التقوى‪:‬‬ ‫المناوي‪:‬‬ ‫وقال عبد الرؤوف‬
‫الوقاية‪ .‬وعند أهل الحقيقة‪ :‬التحرز بطاعة الله عن عقوبته وهو صيانة النفس‬
‫عما ُيستقَبح"‪ [9].‬وتبعه علي بن محمد الجرجاني فقال‪" :‬التقوى في اللغة‪:‬‬
‫ة‪ :‬هو الحتراُز بطاعةِ الله‬ ‫ل الحقيق ِ‬ ‫بمعنى التقاء‪ ،‬وهو اتخاذ الوقاية‪ .‬وعند أه ِ‬
‫ك‪ ،‬والتقوى في‬ ‫ل أو تر ٍ‬ ‫س عما ُيستقَبح من فع ٍ‬ ‫ة النف ِ‬ ‫صيان ُ‬ ‫عن عقوبِته‪ ،‬وهو ِ‬
‫الطاعة يراد بها الخلص‪ ،‬وفي المعصية يراد به الترك والحذر‪ .‬وقيل‪ :‬أن‬
‫يتقي العبد ما سوى الله تعالى‪ .‬وقيل‪ :‬المحافظة على آداب الشريعة‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫مباينة‬ ‫سو ُ‬ ‫ظ النف ِ‬ ‫دك عن الله تعالى‪ ،‬وقيل‪ :‬ترك حظو ِ‬ ‫ل ما ُيبعِ ُ‬‫مجانبة ك ّ‬
‫سك خيرا ً‬ ‫سك شيئا سوى الله‪ ،‬وقيل‪ :‬أل ترى نف َ‬ ‫الن ّْهي‪ ،‬وقيل‪ :‬أل ترى في نف ِ‬
‫ك ما ُدون الله"‪[10].‬‬ ‫د‪ ،‬وقيل‪َ :‬تر ُ‬ ‫من أح ٍ‬
‫ة‬ ‫ّ‬
‫ورحم الله القرطبي حيث قال‪" :‬التقوى فيها جماعُ الخيرِ كله‪ ،‬وهي وصي ُ‬
‫ده النسان‪ ،‬كما قال أبو الدرداء‬ ‫رين‪ ،‬وهي خيُر ما يستفي ُ‬ ‫خ ِ‬
‫الله في الوِلين وال ِ‬
‫ن أصحاَبك يقولون الشعر؛ وأنت ما حفظ عنك شيء! فقال‪:‬‬ ‫وقد قيل له‪ :‬إ ّ‬
‫يريد المرء أن يؤتى مناه ** ويأَبى الله إل ما أرادا!‬
‫يقول المرء فائدتي ومالي ** وتقوى الله أفضل ما استفادا!‬
‫وروى ابن ماجه في سننه عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه‬
‫كان يقول‪) :‬ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا ً له من زوجةٍ صالحة؛ إن‬
‫ب عنها‬ ‫ن غا َ‬ ‫م عليها أب َّرْته‪ ،‬وإ ْ‬ ‫س َ‬ ‫سّرْته‪ ،‬وإن أق َ‬ ‫أمَرها أطاعَْته‪ ،‬وإن نظَر إليها َ‬
‫سها وماِله(‪[11].‬‬ ‫حْته في نف ِ‬ ‫ص َ‬‫ن َ‬
‫‪---‬‬
‫من وََقيت"‪.‬لسان‬ ‫َ‬
‫]‪ [1‬قال ابن منظور‪" :‬التقوى‪ :‬أصلها وقيا؛ لنها فَعْلى ِ‬
‫العرب ‪ .15/110‬وسيأتي بيانها‪.‬‬
‫]‪ [2‬الجامع لحكام القرآن ‪.1/162‬‬
‫]‪ [3‬لسان العرب ‪.11/114‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [4‬تفسير القرآن العظيم ‪ .59-1/58‬وذكر القصة القرطبي في الجامع‬


‫لحكام القرآن ‪.1/161‬‬
‫]‪ [5‬لسان العرب ‪.15/204‬‬
‫]‪ [6‬الجامع لحكام القرآن ‪.1/161‬‬
‫]‪ [7‬النحل ‪.90‬‬
‫]‪ [8‬المطلع لمحمد بن أبي الفتح الحنبلي ‪ .1/99‬المكتب السلمي بيروت‪،‬‬
‫ط ‪ 1401‬هـ‪.‬‬
‫]‪ [9‬التعاريف للمناوي )ت ‪ 1031‬هـ( ‪ .1/199‬دار الفكر بيروت‪ ،‬ط ‪1410 ،1‬‬
‫هـ‪.‬‬
‫]‪ [10‬التعريفات للجرجاني )ت ‪ 816‬هـ( ‪ ،1/90‬دار الكتاب العربي بيروت‪،‬‬
‫ط ‪ 1405 ،1‬هـ‪.‬‬
‫]‪ [11‬الجامع لحكام القرآن ‪.1/162‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التكاثر السكاني من منظور إسلمي‬


‫د‪ .‬إبراهيم محمد أحمد بلولة*‬
‫مدخل‪:‬‬
‫ن قضية النمو السكاني كادت تشغل العالم وتتسّبب في حدوث مشكلته‬ ‫إ ّ‬
‫ن النمو‬‫القتصادية‪ ،‬والجتماعية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬والبيئية‪ .‬وذلك على افتراض أ ّ‬
‫السكاني هو السبب في حدوث كل هذه المشكلت‪ .‬وعند طرح الحلول‬
‫ن من أهم فروضها هو كبح تكاثر السكان‬ ‫والسياسات لمحاولة علجها؛ فإ ّ‬
‫ن السيطرة على نمو السكان والحد منه هما‬ ‫وتثبيت نموهم على أساس أ ّ‬
‫مفتاح الحل لهذه المشكلت‪.‬‬
‫مّر بمرحلة نمو سكاني سريع أمر تتأكد حقيقته في كل‬ ‫ن العالم ي َ ُ‬
‫ن القول بأ ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ن هذا النمو السريع يمثل ظاهرة ترتبط بالدول النامية دون‬ ‫يوم‪ ،‬غير أ ّ‬
‫المتقدمة‪ .‬فقد كان العالم حتى سنة ‪1950‬م يضيف لسكانه في المتوسط‬
‫نحو ‪ 38‬مليون نسمة سنويًا‪ ،‬ثم ارتفع هذا المعدل في الفترة ما بين ‪1950‬م‬
‫وما بين ‪1990‬م إلى ‪ 70‬مليون نسمة سنويًا‪ .‬واليوم يستقبل العالم نحو ‪95‬‬
‫مليون نسمة سنويًا‪ %95 ،‬منهم في الدول النامية‪ .‬كذلك أصبح كل بليون‬
‫جديد من البشر يضاف بصورة أسرع من سابقه‪ .‬فقد أخذ العالم فترة ‪ 2‬إلى‬
‫‪ 5‬مليين سنة ليصل عدد سكانه إلى بليون نسمة سنة ‪1800‬م‪ .‬ولكن بعد‬
‫ذلك بنحو ‪ 130‬سنة )سنة ‪1930‬م( صار عدد السكان بليونين‪ .‬وبعد ثلثين‬
‫سنة أخرى )سنة ‪1960‬م( صار ثلثة بليين‪ ،‬ثم أخذ ‪16‬سنة بعد ذلك )سنة‬
‫‪1976‬م( ليصبح أربعة بليين نسمة‪ ،‬ثم أخذ ‪ 14‬سنة ليصبح عدد سكان العالم‬
‫خمسة بليين نسمة‬
‫)‪.([1])(1990‬‬
‫هذا وقد احتفل العالم في عام ‪1999‬م بإضافة البليون السادس إلى سكانه‪،‬‬
‫بعد حوالي تسع سنوات فقط من إضافة البليون الخير)]‪.([2‬‬
‫ويضم العالم اليوم ستة بليين نسمة‪ ،‬منهم ‪ %20‬في الدول المتقدمة مقابل‬
‫‪ ،%80‬أو خمسة بليين في الدول النامية‪ .‬وهذه الخيرة تتمتع بمعدلت عالية‬
‫للنمو السكاني تصل في المتوسط إلى ‪ ،%29‬و ‪،%1.8‬‬
‫و ‪ %1.8‬في كل من إفريقيا‪ ،‬وآسيا‪ ،‬وأمريكا اللتينية‪ ،‬على الترتيب‪ .‬هذا في‬
‫الوقت الذي يبلغ فيه متوسط معدلت النمو السكاني في كل من أمريكا‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشمالية‪ ،‬وروسيا‪ ،‬وأوربا‪ ،‬نحو ‪ ،%1.1‬و ‪ ،%0.5‬و ‪ ،%0.3‬لكل منها على‬


‫التوالي‪ .‬بالتالي بينما يتضاعف سكان الدول المتقدمة في المتوسط بمعدل‬
‫ن سكان الدول النامية يتضاعفون مرة كل‬ ‫مرة واحدة كل ‪70‬ـ ‪ 80‬سنة‪ ،‬فإ ّ‬
‫‪25‬ـ ‪ 30‬سنة‪ .‬مع تباين فترة التضاعف هذه من دولة لخرى‪ ،‬فمثل ً في الوقت‬
‫الذي يتضاعف فيه سكان إندونيسيا مرة كل ‪ 24‬سنة؛ يتضاعف سكان‬
‫المملكة المتحدة مرة كل ‪ 140‬سنة)]‪.([3‬‬
‫وقد أصبحت القضية أداة في يد الدول المتقدمة‪ ،‬يتم عن طريقها نسج‬
‫الستراتيجيات‪ ،‬وصياغة الخطط‪ ،‬وبسط البرامج الخاصة بتحديد النسل لوقف‬
‫النمو السكاني في الدول النامية‪ ،‬من أجل تحقيق أهداف ومصالح خاصة‬
‫دما ً‬
‫منت لنفسها وضعا ً تكنولوجيا ً متق ّ‬ ‫ن ضمنت وأ ّ‬ ‫دمة بعد أ ْ‬
‫بتلك الدول المتق ّ‬
‫يغنيها عن الحاجة للكثرة العددية في السكان‪ ،‬بل لقد أصبحت قضية النمو‬
‫السكاني بمثابة المنفذ الواسع الذي تدخل منه كثير من المفاهيم والفكار‬
‫والممارسات والشرور المتعلقة بها‪ ،‬بل والقيم التي تفرزها المجتمعات‬
‫ددةً إّياها بنسف قيمها‪،‬‬ ‫المادية الغربية‪ ،‬إلى رحاب المجتمعات السلمية مه ّ‬
‫وتفكيك مجتمعاتها‪ ،‬وتقويض بنيانها الحضاري‪ ،‬والعقائدي‪ ،‬والخلقي‪،‬‬
‫والجتماعي‪.‬‬
‫ولما كانت قضية النمو السكاني بمضامينها المختلفة؛ تتسم بهذا القدر الكبير‬
‫مة‬ ‫ُ‬
‫من الهمية‪ ،‬وتنطوي على هذا القدر الكبير من المخاطر بالنسبة لل ّ‬
‫المسلمة من ناحية‪ ،‬وفي ظل غياب الرؤية الواضحة لقضية النمو السكاني‬
‫مة من ناحية أخرى؛ فقد رأى‬ ‫ُ‬
‫وآثارها لدى الوساط العلمية والرسمية في ال ّ‬
‫الباحث ضرورة الوقوف عندها‪ ،‬ثم وزن حقائقها بموازين إسلمية‪ ،‬وإعادة‬
‫صياغتها على نحو يقّربها من الفهم السلمي الصحيح‪ ،‬الذي يساعد على‬
‫مة السلمية وعلى‬ ‫ُ‬
‫وضع الخطط والسياسات السكانية الناجعة بالنسبة لل ّ‬
‫مستوى أقطارها‪.‬‬
‫التكاثر السكاني في الفكر الغربي‬
‫اتضح من دراسة توزيع السكان على سطح الرض حقيقتان مهمتان‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬الزيادة الكبيرة في أعداد السكان‪.‬‬
‫وثانيتهما‪ :‬اختلف المناطق التي يعيش فيها النسان‪ ،‬واختلف الكثافات‬
‫المحلية للسكان بها‪.‬‬
‫وتتصل هاتان الحقيقتان بتطور السكان‪.‬‬
‫ن هناك‬ ‫ولدراسة اليديولوجيات السكانية الخاصة بتطور حجم السكان؛ نجد أ ّ‬
‫نظريات تناولت عددية السكان‪ ،‬وتنقسم هذه النظريات إلى مجموعتين‪:‬‬
‫نظريات ترمي إلى زيادة عدد السكان‪ ،‬وأخرى تنادي بالحد من الزيادة‬
‫السكانية‪.‬‬
‫وقد ظهرت التجاهات الهادفة إلى زيادة عدد السكان منذ العصر اليوناني‪ ،‬إذ‬
‫تبّنى فكرة زيادة السكان بقصد القوة الحربية فلسفة )إسبارطة(‪ ،‬الذين‬
‫ن زيادة عدد سكان الدولة ي ُعَد ّ في حد ذاته قوة تؤدي إلى احترامها‬ ‫يرون أ ّ‬
‫في المجال الدولي‪ ،‬وإلى زيادة رقعتها‪ ،‬وتبرير مطالبها بمجالت حيوية‪ .‬كما‬
‫ن كثرة القوى‬ ‫ن زيادة عدد سكان الدولة يمثل زيادة لقوتها القتصادية‪ ،‬إذ إ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫العاملة سوف يزيد من قوة النتاج‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبينما يؤّيد فريق من الباحثين هذا الرأي؛ نجد آخرون يعارضونه‪ ،‬ويذهبون إلى‬
‫ن زيادة السكان هي نتيجة لتطور الدولة القتصادي وزيادة مواردها‬ ‫القول بأ ّ‬
‫ن تسبق التطور القتصادي‬ ‫ن الزيادة السكانية ل يمكن أ ْ‬ ‫القتصادية‪ ،‬وأ ّ‬
‫نفسه)]‪.([4‬‬
‫ومن بين الفلسفة الذين نادوا بزيادة السكان إميل دوركايم‬
‫ن تقسيم العمل والتخصص وزيادة النتاج نتيجة‬ ‫))‪ ،E. Durkheim‬الذي اعتقد أ ّ‬
‫ن التجمعات البشرية قسمان‪:‬‬ ‫مباشرة لزيادة السكان‪ .‬ففي نظره أ ّ‬
‫أحدهما‪ :‬يشمل المجتمعات قليلة السكان‪ ،‬محدودة النطاق‪ ،‬غير مميزة‬
‫الوظيفة ول تعرف التخصص‪ ،‬ومن ثم ليس هناك سلطة حاكمة أو هيئة‬
‫تشرف على شؤونها القتصادية‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬يشمل المجتمعات الكبيرة‪ ،‬المعقدة التركيب‪ ،‬التي يظهر فيها‬
‫ن هذا المجتمع الكثير السكان يقوم على‬ ‫تقسيم العمل بصورة واضحة‪ ،‬إذ أ ّ‬
‫أساس تضامن عضوي ))‪ ،Salidarite Organique‬بعكس المجتمعات الولى‬
‫التي تقوم على أساس التشابه في الوظائف أو التضامن الميكانيكي‬
‫)‪.([Soldari Mecaneque) ([5‬‬
‫ً‬
‫أما عن النظريات التي تنادي بالحد من الزيادة السكانية؛ فهي قديمة أيضا‪ ،‬إذ‬
‫تتصل اتصال ً وثيقا ً بفكرة الملئمة أو الموازنة بين الموارد القتصادية أو‬
‫حاجات النسان وأعداده المتزايدة‪ .‬فالبيئة مهما تنوعت محدودة الموارد‪ ،‬ول‬
‫ن تفي بجميع رغبات النسان الخذة في الزيادة مع اضطراد ونمو‬ ‫يمكن أ ْ‬
‫م فعملية الملءمة أو التوازن أمر ضروري للحياة‪.‬‬ ‫المجتمعات‪ ،‬ومن ث َ ّ‬
‫]‪ [1‬نظرية مالتس‪:‬‬
‫يعتبر روبرت مالتس من أئمة القتصاديين التقليديين‪ ،‬ومن أهم مؤلفاته بحث‬
‫ض فيه نظرية ذات طابع‬ ‫في مبادئ السكان ظهر سنة ‪1798‬م‪ ،‬وقد عََر َ‬
‫ن إشباع رغبات النسان وتنمية أوجه نشاطه الطبيعية‪،‬‬ ‫تشاؤمي‪ ،‬يقول‪" :‬إ ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫والعقلية‪ ،‬والروحية‪ ،‬ل يكون إل بالطعام أول وقبل كل شيء‪ ،‬وليس إنتاج‬
‫ن ينشط ويعمل‬ ‫كن من أ ْ‬ ‫الثروة إل ّ وسيلة هذا الطعام الذي يقيم أوده‪ ،‬فيتم ّ‬
‫ويفكر‪ ،‬والنسان هو وسيلة النتاج الرئيسة‪ ،‬وهو في النهاية هدف النتاج‬
‫الرئيسي")]‪.([6‬‬
‫ن نسبة الزيادة في السكان تفوق بمراحل الزيادة‬ ‫ن مؤدى هذه النظرية أ ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫في النتاج الغذائي‪.‬‬
‫ن السكان يتزايدون طبقا ً لمتوالية هندسية أساسها‬ ‫يرجع ذلك إلى أ ّ‬
‫)‪ ،(.. ،32 ،16 ،8 ،4 ،2) ،(2‬بينما تتزايد المنتجات الزراعية طبقا ً لمتوالية‬
‫ن المدة التي تنقضي بين كل‬ ‫عددية أساسها )‪ ،(.. ،5 ،4 ،3 ،2 ،1) ،(1‬وأ ّ‬
‫ن عدد السكان يزيد خلل‬ ‫رقمين في كلتا الحالتين هي ‪ 25‬سنة‪ .‬ومعنى هذا أ ّ‬
‫ن المواد الغذائية ل تزيد من نفس المدة‬ ‫قرن واحد إلى ‪ 16‬ضعفًا‪ ،‬في حين أ ّ‬
‫ن يحدث بين عدد السكان‬ ‫ن اختلل ً ل ب ُد ّ وأ ْ‬ ‫إل ّ خمسة أضعاف فقط‪ .‬ولذلك فإ ّ‬
‫وكمية المنتجات الغذائية‪.‬‬
‫ن هنالك بعض الموانع التي تعمل على تجنب وقوع الكارثة‪،‬‬ ‫ويرى مالتس أ ّ‬
‫وعلى إبقاء جملة السكان عند الحد الذي تسمح به الموارد التي تشبع‬
‫الحاجات الساسية للنسان‪ .‬وهذه الموانع تنقسم إلى نوعين‪ :‬موانع سلبية‪،‬‬
‫وموانع إيجابية‪.‬‬
‫فالموانع السلبية هي تلك التي يلجأ إليها النسان من تلقاء نفسه‪ ،‬نتيجة‬
‫تبصره كي تحول دون وقوع الكارثة‪ .‬وهي تطبق غالبا ً في المجتمعات‬
‫قِبل الّناس طواعية على تأجيل الزواج إلى سن متأخرة‪ ،‬أو‬ ‫المتقدمة حيث ي ُ ْ‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلى المتناع عنه‪ ،‬وكذلك تحديد النسل ‪.‬‬


‫ف هذه الموانع السلبية أو لم ي ُقِْبل الفراد عليها؛ تدخلت العوامل‬ ‫فإذا لم ت َ ِ‬
‫ن تكفيه المواد‬
‫اليجابية لمنع تجاوز عدد السكان عن الحد الذي يمكن أ ْ‬
‫الغذائية‪ .‬وهذه العوامل هي‪ :‬سوء التغذية‪ ،‬والوبئة‪ ،‬والحروب‪..‬إلخ(‪.‬‬
‫هذا موجز عن أهم ما ورد بنظرية مالتس للسكان‪ .‬أما النتقادات التي وجهت‬
‫قق‪ ،‬فلم يتضاعف السكان دائما ً‬ ‫ن تنبؤاته لم تتح ّ‬
‫إليها فتعتمد غالبيتها على أ ّ‬
‫ن النتاج الزراعي قد زاد في كثير من الدول‬ ‫كل خمسة وعشرين عامًا‪ ،‬كما أ ّ‬
‫زيادة فاقت بمراحل الزيادة في عدد السكان‪ ،‬ولم يحدث ذلك في البلد‬
‫الجديدة غير كثيفة السكان ـ كالوليات المتحدة ـ فحسب؛ بل في كثير من‬
‫دول أوربا الغربية التي كانت تكتظ بالسكان وقت إعلنه النظرية‪.‬‬
‫ن صحة النظرية أو عدمه يتوقف على الظروف السائدة في المكان أو‬ ‫إ ّ‬
‫ن النظرة العامة ل تكفي لهدم النظرية أو لتأييدها‪ ،‬ويجب النظر‬ ‫الزمان‪ ،‬وأ ّ‬
‫ي النظرية على حده‪ :‬تزايد السكان‪ ،‬وتزايد النتاج الزراعي‪.‬‬ ‫ق ّ‬
‫ش ْ‬
‫إلى كل من ِ‬
‫وذلك بعد تقسيم الدول إلى مجموعات‪ ،‬طبقا ً لنوع النتاج السائد فيها‪ ،‬وطبقا ً‬
‫لمراحل تطورها‪.‬‬
‫ن كان‬ ‫ً‬
‫ففيما يختص بتضاعف السكان مرةً كل خمسة وعشرين عاما؛ فإنه وإ ْ‬
‫ن الغالبية العظمى من الدول النامية تتزايد‬ ‫قق في عدد من الدول‪ ،‬فإ ّ‬ ‫ل يتح ّ‬
‫طبقا ً لهذا المعدل في الوقت الحاضر أو ربما بأكثر منه‪.‬‬
‫ن التحليل الحديث لتطور نسب الزيادة في السكان في‬ ‫وفي هذا الصدد؛ فإ ّ‬
‫الدول المختلفة‪ ،‬يميز بين أربع مراحل من التطور)]‪:([7‬‬
‫المرحلة الولى‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وفيها يرتفع معدل المواليد وكذلك معدل الوفيات‪ ،‬والنتيجة هي تزايد السكان‬
‫ببطء ويبدو أن هذه المرحلة هي التي قصدها مالتس‪ ،‬إذ أن العوامل اليجابية‬
‫التي ذكرها تتدخل لترفع من معدل الوفيات وتنطبق هذه الحالة على الدول‬
‫البدائية‪.‬‬
‫المرحلة الثانية‪:‬‬
‫وفيها يعمل انتشار الساليب الصحية الحديثة على انخفاض معدل الوفيات‪،‬‬
‫فتحدث زيادة كبيرة لعدد السكان‪.‬‬
‫وهنا يظهر شبح مالتس بصورة مخيفة‪ ،‬ويبدأ المفكرون في البحث عن‬
‫مخرج‪ ،‬والحل الطبيعي لذلك هو إعادة التوازن بين السكان والنتاج‪ ،‬إما عن‬
‫طريق تحديد الّنسل‪ ،‬أو عن طريق السراع بزيادة النتاج‪ ،‬أو اّتباع الطريقتين‬
‫معًا‪ .‬وتنطبق هذه الحالة على كثير من الدول النامية في الوقت الحاضر‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة‪:‬‬
‫وهي مرحلة تتميز بانخفاض في معدل المواليد وانخفاض في معدل الوفيات‪.‬‬
‫وانخفاض معدل المواليد ينتج في هذه الحالة عن رغبة الفراد أنفسهم في‬
‫تقليل حجم السرة‪ ،‬حتى يتمتع الكل بمستوى معيشة أفضل‪ ،‬أي ينتج عن‬
‫طريق العوامل السلبية التي ذكرها مالتس‪.‬‬
‫هد أنه نتج عن تدخل هذه العوامل السلبية في البلد الغربية في‬ ‫والمشا َ‬
‫ً‬
‫الوقت الحاضر آثارا أكبر من تلك التي تخّيلها مالتس‪ ،‬فلم تعمل هذه العوامل‬
‫على حفظ التوازن بين عدد السكان وحجم المنتجات فحسب؛ بل أدت إلى‬
‫ثبات عدد السكان أو تزايدهم بنسبة بسيطة‪ .‬وفي الوقت نفسه زاد النتاج‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سر المستوى المرتفع للمعيشة الذي ينعم به سكان أوربا‬ ‫زيادة هائلة‪ ،‬وهذا يف ّ‬
‫الغربية في الوقت الحاضر‪.‬‬
‫المرحلة الرابعة‪:‬‬
‫يرى البعض أنها تلي المرحلة السابقة‪ ،‬التي ترتفع فيها نسبة المواليد وتظل‬
‫نسبة الوفيات على انخفاضها‪ ،‬والنتيجة هي زيادة السكان بمعدل مرتفع‪.‬‬
‫وتنطبق هذه الحالة على الوليات المتحدة المريكية‪.‬‬
‫ول يخشى من زيادة السكان في هذه الحالة‪ ،‬لن البلد تتمتع بمقدرة إنتاجية‬
‫هائلة‪ ،‬تسمح بزيادة النتاج زيادة تفوق بمراحل‪ ،‬نسبة الزيادة في السكان‪.‬‬
‫هذا بالنسبة لما جاء في نظرية مالتس عن مضاعفة السكان كل خمسة‬
‫وعشرين عامًا‪ .‬أما فيما يختص بما ورد عن زيادة الموارد الغذائية مرة كل‬
‫خمسة وعشرين عامًا؛ فقد تعرضت النظرية إلى نقد شديد من جانب كل‬
‫المتشائمين والمتفائلين‪.‬‬
‫ً‬
‫دما ملموسا منذ ظهور نظرية مالتس‪،‬‬ ‫ً‬ ‫دمت الساليب الزراعية تق ّ‬ ‫فقد تق ّ‬
‫وثبت أنه من الممكن مضاعفة النتاج الزراعي في سنوات قليلة‪ ،‬نتيجة‬
‫مقاومة الفات‪ ،‬وإنتاج سللت أكثر غلة‪ ،‬وانتقاء البذور‪ ،‬واستخدام السمدة‪،‬‬
‫دم العلمي في الزراعة‪.‬‬ ‫وغير ذلك من مظاهر التق ّ‬
‫ن هذه الزيادة في الحاصلت‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫يرون‬ ‫وإنما‬ ‫الحقيقة‪،‬‬ ‫ول ينكر المتشائمون هذه‬
‫ن تستمر إلى ما ل نهاية‪ ،‬فالرض الجيدة محدودة‪،‬‬ ‫الزراعية ل يمكن أ ْ‬
‫ن التوسع في النتاج‬ ‫وزراعتها الكثيفة تؤدي إلى تناقص درجة خصوبتها‪ ،‬كما أ ّ‬
‫الزراعي يتم دائما ً نتيجة زراعة أراضي أقل جودة‪ ،‬هذه نفسها محدودة‬
‫المساحة‪ ،‬إذ ل يمكن تصور زيادة ل نهائية لمساحة الرض المزروعة‪.‬‬
‫وتظهر هذه المشكلة حاليا ً بصورة مفزعة في بعض البلدان النامية‪ ،‬ففي بلد‬
‫ن نصيب الفرد من المواد الغذائية المنتجة يتضاءل سنة بعد‬ ‫كمصر يلحظ أ ّ‬
‫دم الملموس في الري‪ ،‬والزراعة‪ ،‬وإصلح الراضي‪.‬‬ ‫سنة‪ ،‬على الرغم من التق ّ‬
‫وسوف تؤدي المشاريع الحالية للسد العالي وزراعة أراضي جديدة إلى‬
‫التخفيف من حدة المشكلة‪ ،‬ولكن آثار هذه المشاريع لن تكون سوى وقتيه‪،‬‬
‫ن يعود الحال في وقت قريب إلى ما هو عليه الن‪ ،‬وربما‬ ‫إذ من المتوقع أ ْ‬
‫إلى أسوأ منه إذا ما ظل شبح هذه الزيادة المروعة في السكان قائما‪ً.‬‬
‫ن‬
‫ن عدم تحقيق تنبؤات مالتس في كثير من الدول ل يعني أ ّ‬ ‫والخلصة‪ ،‬أ ّ‬
‫نظريته غير صحيحة؛ بل يعني فقط أنها ليست نظرية عامة تطبق في كل‬
‫زمان ومكان‪.‬‬
‫]‪ [2‬نظرية الحجم المثل للسكان‪:‬‬
‫ن لكل إقليم حجما ً مثاليا ً للسكان‪ ،‬يتناسب مع مقدرته‬ ‫ترى هذه النظرية أ ّ‬
‫النتاجية‪ ،‬وكل زيادة للسكان في القليم الذي ينقص عدد سكانه عن الحجم‬
‫دى‬‫المثل تؤدي إلى زيادة النتاج بنسبة تزيد عن نسبة هذه الزيادة‪ .‬فإذا ما تع ّ‬
‫ن أية زيادة سكانية يترتب عليها انخفاض كمية‬ ‫عدد السكان هذا الحجم؛ فإ ّ‬
‫المنتجات التي تخص الفرد في المتوسط‪.‬‬
‫ي‪ :‬النتاج‪،‬‬ ‫ن فكرة الحجم المثل للسكان تعتمد على نظريت ْ‬ ‫ويتضح من هذا أ ّ‬
‫ن مقدار العمل المتوفر في أي إقليم يتوقف‬ ‫والغلة المتناقصة‪ .‬فهي تفترض أ ّ‬
‫ن مقدار العمل اللزم للنتاج يتوقف على مدى توفر‬ ‫على تعداد سكانه‪ ،‬أو أ ّ‬
‫عوامل النتاج الخرى من رأس المال والموارد الطبيعية‪ .‬فإذا كان العمل‬
‫ن أي زيادة في عرضه تؤدي إلى‬ ‫نادرا ً بالنسبة لعاملي النتاج الخرين؛ فإ ّ‬
‫تزايد الغلة‪ ،‬وتستمر هذه الزيادة حتى تصل إلى نقطة يجب عندها التوقف‬
‫ن النتيجة ستكون تناقصا ً في الغلة‪.‬‬ ‫عن استخدام أموال جديدة‪ ،‬وإل ّ فإ ّ‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬
‫ن الحجم المثل للسكان ليس ثابتًا‪ ،‬بل يتغّير طبقا ً‬ ‫ويفهم من هذا التحليل؛ أ ّ‬
‫ً‬
‫للتغّيرات التي تحدث لمقدرة القليم النتاجية‪ ،‬أي طبقا لحجم ودرجة كفاءة‬
‫ن القليم الذي يصل عدد سكانه إلى العدد‬ ‫عوامل النتاج الخرى‪ .‬ولذلك فإ ّ‬
‫ن يزيد من رأس المال المستخدم في النتاج )عدد‬ ‫المثل؛ يجب عليه أ ْ‬
‫اللت(‪ ،‬وكذلك مساحة الراضي المزروعة‪ ،‬فإذا لم تزد هذه العوامل الخرى‬
‫ن النتيجة تكون تعّرض السكان لنخفاض مستوى المعيشة إذا‬ ‫بنسبة كافية؛ فإ ّ‬
‫ما زاد عددهم‪.‬‬
‫والملحظات التي أثيرت بشأن هذه النظرية كثيرة‪ ،‬ولكن نتعرض لهمها‪:‬‬
‫ن قبول فكرة وجود حجم أمثل للسكان؛ يعني قبول فكرة وجود حجم‬ ‫]أ[ إ ّ‬
‫ن‬
‫أقصى لهم‪ .‬ويعّبر هذا الحجم القصى عن أكبر عدد من السكان يستطيع أ ْ‬
‫مله القليم‪ ،‬بحيث لو زاد عن هذا القدر انخفض مستوى المعيشة إلى ما‬ ‫يتح ّ‬
‫دون حد الكفاف‪.‬‬
‫وتقترب نظرية الحجم المثل للسكان في هذا الشأن من نظرية مالتس‪،‬‬
‫فالحد القصى المشار إليه هو الحد الذي تنشط عنده الموانع اليجابية التي‬
‫ذكرها مالتس‪.‬‬
‫]ب[ لعل من أسباب تأييد الكثيرين لهذه النظرية؛ هو ما أتت به من تعريف‬
‫جديد للدول المزدحمة بالسكان والدول قليلة السكان‪ .‬فطبقا ً لتعاليم النظرية‬
‫ن عدد السكان في الكيلو متر المربع ل يصلح أساسا ً لمعرفة ما إذا كانت‬ ‫فإ ّ‬
‫الدولة مزدحمة بالسكان أم ل‪ ،‬فالدولة تعتبر قليلة السكان إذا كانت تستطيع‬
‫ن تقبل سكان جدد وتستفيد منهم في رفع مستوى المعيشة فيه‪ ،‬بصرف‬ ‫أ ْ‬
‫النظر عن العدد الفعلي للسكان في الكيلومتر المربع‪ ،‬وبالعكس فإن الدولة‬
‫تعتبر مكتظة بالسكان إذا كان عدد سكانها ل يمكن أن يتزايد دون أن يصحب‬
‫ذلك انخفاض في متوسط دخل الفرد‪.‬‬
‫سط المور أكثر من اللزم‪ ،‬فالعلقة بين‬ ‫إل ّ أنه يعاب على هذا التعريف أنه يب ّ‬
‫عدد سكان دولة ما ومستواها القتصادي؛ علقة معقدة‪ ،‬فل تكفي مجرد‬
‫ن النتيجة النهائية‬
‫الزيادة في السكان لرفع أو خفض الدخل القومي بها‪ ،‬ل ّ‬
‫تتوقف على صفحات السكان الجدد من حيث السن‪ ،‬والكفاءة‪ ،‬ومقدار‬
‫الستثمارات الديموغرافية التي أنفقت لتكوينهم‪.‬‬
‫]ج[ عاب البعض على النظرية أنها لو قبلت من الناحية النظرية‪ ،‬فإنه يصعب‬
‫تطبيقها من الناحية العملية‪ ،‬فالهتداء إلى الحجم المثل لسكان دولة ما من‬
‫دد على أساس ظروف المجتمع‪،‬‬ ‫الصعوبة بمكان‪ ،‬فالحجم المثل للنظرية يتح ّ‬
‫ومن بينها حالة العمال من حيث‪ :‬الكفاءة والمهارة والتطورات التي تحدث‬
‫ن تغّير حجم السكان يؤدي إلى ظهور‬ ‫في هذا الشأن‪ .‬إل ّ أنه من الثابت أ ّ‬
‫تغييرات كثيرة في شكل الهرم السكاني‪ ،‬وفي نسبة العاملين إلى مجموع‬
‫السكان‪ ،‬ومقدرتهم‬
‫النتاجية‪ ..‬إلخ‪ ،‬ومن ثم صعب الوصول إلى رقم معين‪.‬‬
‫ن محاولت إيجاد رباط أو علقة بين ظاهرة النمو السكاني ومشكلة‬ ‫إ ّ‬
‫استنزاف الموارد الطبيعية عامة والمعدنية بصفة خاصة؛ ل تدعمه أي حقائق‬
‫ن‬
‫ن الزعم بأ ّ‬ ‫علمّية مجردة ومؤكدة‪ ،‬ول توثقه أي دراسات جادة‪ .‬وبالتالي؛ فإ ّ‬
‫النمو السكاني هو السبب في مشكلة استنزاف الموارد الطبيعية‪ ،‬إنما هو‬
‫ن مشكلة الستنزاف ترجع‬ ‫مجرد زعم باطل ل تؤكده الحقائق العلمّية‪ ،‬ل ّ‬
‫أسبابها وتفسيراتها إلى عوامل كثيرة مختلفة‪ ،‬طبيعية وبشرية‪ ،‬ولكن على‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رأسها يأتي الستهلك المفرط للشعوب الغنية والمتقدمة‪ .‬أما النمو السكاني‬
‫فقد تبّين أنه ليس المسؤول عن الضغط الواقع على تلك الموارد‪ .‬ذلك لن‬
‫المر عندما يتعلق بالضغط على موارد العالم الطبيعية كما يقول محبوب‬
‫ن نكتفي بالعداد المجردة؛ بل ينبغي معرفة دخل هذه‬ ‫الحق‪" :‬فإنه ل يجوز أ ْ‬
‫العداد وطلبها الستهلكي‪ ...‬إلخ"‪.‬‬
‫فالعالم الثالث ـ عدا الدول المصدرة للبترول ـ يضم ‪ %70‬من سكان العالم‪،‬‬
‫ول يتمتع إل ّ بحوالي ‪ %11‬فقط من الناتج القومي الجمالي للعالم‪ .‬وبالتالي‬
‫ن استهلكه للموارد‬ ‫عشر موارد العالم‪ ،‬بل إ ّ‬ ‫فهو ل يستهلك غير ما يقرب من ُ‬
‫غير القابلة للتجديد قد يكون أدنى من ذلك‪ ،‬لن نمطه العام للستهلك إنما‬
‫يقوم على السلع البسيطة التي تحتاج إلى قدر من الموارد يقل كثيرا ً عما‬
‫تتطلبه أساليب الحياة في الدول الغنية‪.‬‬
‫ن الزيادة السنوية الحالية في السكان في البلدان‬ ‫ويعني ذلك أيضا ً أ ّ‬
‫ن كان أقل من ‪ %1‬سنويا ً ـ تطرح فيما يتعلق بموارد‬ ‫المتطورة ـ حتى وإ ْ‬
‫ً‬
‫العالم مشكلة عالمية بدرجة أبعد كثيرا مما يطرحه نمو سكاني قدره ‪%3‬‬
‫لسكان العالم الثالث‪ ،‬وذلك بسبب التفاوت الجوهري الراهن في الدخول بين‬
‫الدول الغنية والفقيرة‪.‬‬
‫ن الزيادة الجارية في سكان البلد المتطورة تفرض‬ ‫ّ‬ ‫فإ‬ ‫ومن الزاوية الكمية؛‬
‫على موارد العالم الطبيعية ضغطا ً ل يقل عن ثمانية أمثال ما يفرضه عليها‬
‫ن كل عضو جديد في الدول‬ ‫نمو السكان في العالم الثالث‪ ،‬وذلك لمجرد أ ّ‬
‫الغنية يتمتع بدخل يفوق دخل نظيره في الدول الفقيرة بحوالي عشرين مرة‪،‬‬
‫ويتكّلف العالم من الموارد لطعام أمريكي واحد ما يزيد عن ثلثين مرة على‬
‫ما يتكّلفه لطعام مواطن هندي واحد)]‪.([8‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ولطعام كل العالم مستخدمين نفس أسلوب الزراعة الكثيف في أمريكا‬


‫ن التلوث سيزداد‪ ،‬وسيزيد استهلك الطاقة التي يستخدمها العالم‬ ‫اليوم؛ فإ ّ‬
‫يوميًا‪ ،‬وسيستنزف احتياطي النفط المعروف في ‪ 13‬سنة فقط)]‪.([9‬‬
‫ن مستويات الوفرة والستهلك‬ ‫وهكذا تبقى الحقيقة الجوهرية متمثلة في أ ّ‬
‫التي تزداد ارتفاعا ً باستمرار في الدول الغنية؛ هي التي تلقي على موارد‬
‫العالم العبء الكبر‪ ،‬مقارنة بما تلقيه الزيادة في أعداد السكان في البلد‬
‫الفقيرة)]‪.([10‬‬
‫التكاثر السكاني في الفكر السلمي‬
‫أهمية تكاثر السكان في السلم‪:‬‬
‫ن التكاثر والتناسل في السلم يعتبر أمرا ً طبعيًا‪ ،‬وغريزة فطرية لدى‬ ‫إ ّ‬
‫ل لدى النسان قوى ودوافع غريزية وفطرية‪،‬‬ ‫ج ّ‬ ‫النسان‪ .‬فقد أودع الله عَّز و َ‬
‫ن‬
‫تقوده إلى البحث عن التوالد‪ ،‬وطلب الذرية‪ ،‬وزيادة البناء‪ ،‬على اعتبار أ ّ‬
‫التناسل أو التكاثر وزيادة الّنسل يمثل إحدى ضروريات الحياة الخمسة‬
‫دين‪ ،‬والعقل‪ ،‬والمال‪ ،‬والّنفس‪ ،‬والّنسل(‪ ،‬والتي‬ ‫بالنسبة للنسان‪ ،‬وهي‪) :‬ال ّ‬
‫ن التناسل يتوقف عليه بقاء واستمرارية الجنس‬ ‫تجب المحافظة عليها‪ .‬كما أ ّ‬
‫البشري‪.‬‬
‫وهناك عدد من اليات القرآنية التي تعكس هذه المعاني‪ ،‬منها قوله تعالى‪:‬‬
‫ن‬ ‫عنك ُ ْ‬
‫م َفال َ‬ ‫فا َ‬ ‫ب عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م وَع َ َ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م فََتا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ن َأن ُ‬ ‫ختاُنو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫م ُ‬
‫كنت ُ ْ‬
‫}عَل ِم الل ّ َ‬
‫ه أن ّك ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م{)]‪.([11‬‬ ‫ُ‬
‫ه لك ْ‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫ب الل ُ‬ ‫َ‬
‫ما كت َ َ‬ ‫ْ‬
‫ن َواب ْت َُغوا َ‬ ‫شُروهُ ّ‬
‫َبا ِ‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م{‪ ،‬أي‪ :‬من ذلك الذي كتب الله لكم‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ما ك َت َ َ‬ ‫وقيل في معنى }َواب ْت َُغوا ْ َ‬
‫في حصول الّنسل والولد)]‪.([12‬‬
‫مّنة من‬ ‫ومن معاني ودللت التوالد والتكاثر هبة الذرية والبناء‪ ،‬وهي خير و ِ‬
‫شاء‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ب لِ َ‬ ‫شاء إ َِناثا ً وَي َهَ ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب لِ َ‬ ‫الله سبحانه وتعالى على عباده‪} :‬ي َهَ ُ‬
‫قيمًا{)]‪.([13‬‬ ‫َ‬
‫شاء عَ ِ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫م ذ ُك َْرانا ً وَإ َِناثا ً وَي َ ْ‬ ‫جهُ ْ‬ ‫كوَر أوْ ي َُزوّ ُ‬ ‫الذ ّ ُ‬
‫ن الهبة ل تكون إل ّ في الخير المحض‪ .‬فل‬ ‫ويذكر الشيخ ابن الخطيب)]‪ ([14‬بأ ّ‬
‫صيَبة(‪ ،‬بل كل ما ساقه الله تعالى في‬ ‫م ِ‬ ‫ن يقال‪ :‬وهبه الله تعالى ) ُ‬ ‫يجوز أ ْ‬
‫كتابه الكريم بمعنى الهبة هو خير محض وسعادة بينة‪ ،‬مثل قوله تعالى‪:‬‬
‫هَ‬
‫ق{)]‪} ،([15‬وَوَهَب َْنا ل ُ‬ ‫حا َ‬ ‫س َ‬ ‫ل وَإ ِ ْ‬ ‫عي َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫ب ِلي عََلى ال ْك ِب َرِ إ ِ ْ‬ ‫ذي وَهَ َ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫}ال ْ َ‬
‫غلمًا{)]‪،([18‬‬ ‫ك ُ‬ ‫ب لَ ِ‬ ‫حَيى{)]‪} ،([17‬ل َهَ َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫مت َِنا‪} ،([16]){ ..‬وَوَهَب َْنا ل َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫من ّر ْ‬ ‫ِ‬
‫جَنا وَذ ُّرّيات َِنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من لد ُن ْك ذ ُّري ّ ً‬ ‫ّ‬
‫ن أْزَوا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب لَنا ِ‬ ‫ة{)]‪َ} ،([19‬رب َّنا هَ ْ‬ ‫ة طي ّب َ ً‬ ‫ب ِلي ِ‬ ‫ب هَ ْ‬ ‫}َر ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة{)]‪.([21‬‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫دنك َر ْ‬ ‫من ل ُ‬ ‫ب لَنا ِ‬ ‫ن{)]‪} ،([20‬وَهَ ْ‬ ‫قُّرة َ أعْي ُ ٍ‬
‫ً‬
‫أما الجعل ـ كما يقول ابن الخطيب ـ فقد يكون خيرا‪ ،‬وقد يكون شرا‪ ،‬فمثال‬ ‫ً‬
‫ما‬ ‫كم ّ‬ ‫مُلوكا ً َوآَتا ُ‬ ‫كم ّ‬ ‫جعَل َ ُ‬ ‫ض{)]‪} ،([22‬وَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ف ال َْر‬ ‫خل َئ ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫جعَل َك ُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫الخير‪} :‬وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م{)]‬ ‫حت ِهِ ْ‬‫من ت َ ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫جعَل َْنا الن َْهاَر ت َ ْ‬ ‫ن{)]‪} ،([23‬وَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫من ال َْعال َ ِ‬ ‫حدا ً ّ‬ ‫تأ َ‬ ‫م ي ُؤْ ِ‬ ‫لَ ْ‬
‫جعَل َْنا‬ ‫س{)]‪ .([25‬ومثال الشر‪َ } :‬‬ ‫شي ب ِهِ ِفي الّنا ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ُنورا ً ي َ ْ‬ ‫جعَل َْنا ل َ ُ‬ ‫‪} ،([24‬وَ َ‬
‫ل{)]‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ف‬ ‫ص‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫}‬ ‫[(‪،‬‬ ‫‪26‬‬ ‫{)]‬ ‫ة‪..‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫َ َ ُ ْ َ ْ ٍ ّ‬ ‫سافِ َ َ ْ ْ َ َ ْ َ ِ َ َ ً‬
‫ر‬ ‫جا‬ ‫ح‬ ‫ها‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫نا‬ ‫ر‬ ‫ط‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫ل‬ ‫عال ِي ََها َ‬ ‫َ‬
‫‪.([27‬‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ب لِ َ‬ ‫ن قوله تعالى‪} :‬ي َهَ ُ‬ ‫وبناًء على هذا الفرق ـ كما يذكر ابن الخطيب ـ فإ ّ‬
‫كوَر{ يقتضي الخير المحض‪ ،‬بينما قوله تعالى‪:‬‬ ‫شاء الذ ّ ُ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ب لِ َ‬ ‫شاء إ َِناثا ً وَي َهَ ُ‬ ‫يَ َ‬
‫قيما{ يقتضي الشر المحض‪.‬‬ ‫ً‬ ‫شاء عَ ِ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫}وَي َ ْ‬
‫ن الحد من هبة الله تعالى لعباده‪ ،‬والمتمثلة في النجاب والتوالد‬ ‫إذا ً فإ ّ‬
‫والتكاثر أو وقفها بإرادتنا المحضة‪ ،‬فهو شر‪ .‬ولكن استمراريتها ورعايتها‬
‫ن هذه الهبة قد أحاطها الله العزيز‬ ‫وصيانتها‪ ،‬فهو خير‪ ،‬خاصة إذا علمنا أ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫الحكيم بسياج منيع يحول دون نقصها أو فشلها‪ ،‬قال تعالى }أفََرأي ُْتم ّ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫قون َ‬ ‫تمنو َ َ‬
‫ن{)]‪.([28‬‬ ‫قو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫خل ُ ُ َ ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ن أأنت ُ ْ‬ ‫ُ ْ ُ َ‬
‫لقد خلق الله سبحانه وتعالى الناس من تراب الرض‪ ،‬ثم استخلفهم فيها‬
‫بجنسهم‪ ،‬واستعمرهم فيها‪ ،‬وضمن لهم الرزاق ليعمروها‪ ،‬ويستفيدوا منها‪،‬‬
‫م ِفيَها{)]‪.([29‬‬ ‫مَرك ُ ْ‬ ‫ست َعْ َ‬ ‫ض َوا ْ‬
‫َ‬ ‫شأ َ ُ‬ ‫ويعبدوه سبحانه وتعالى }هُوَ َأن َ‬
‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫كم ّ‬
‫ولعل من مقتضيات الخلفة والعمارة والعبادة؛ الخلق والتكاثر والتزايد‪ ،‬لن‬
‫دين‬ ‫ل وعل قد ربط أمر ال ّ‬ ‫ج ّ‬ ‫ن الخالق َ‬ ‫ذلك يعني استمرارية الحياة‪ .‬بل إ ّ‬
‫بالّناس‪ ،‬سواء من حيث التنزيل‪ ،‬أو الخطاب‪ ،‬أو التكليف‪ ،‬أو التبليغ‪ ،‬وجعل‬
‫كد سبحانه‬ ‫العقيدة للّناس فيما تتمّيز به من الفاعلية والعالمية والشمول‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن مصيرها مرتبط بمصير البشر‪ ،‬فهي عميقة قوية صادقة بوجود‬ ‫وتعالى أ ّ‬
‫الّناس المؤمنين‪ ،‬الك ُْثر‪ ،‬القوياء‪ ،‬الصادقين‪ ،‬لحملها ونشرها ودفع مسيرتها‬
‫نحو المستقبل‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫دين والعقيدة؛‬ ‫إضافة لضرورته بالنسبة لستمرارية الجنس البشري في ال ّ‬


‫ُ‬
‫مة السلمية على وجه الخصوص‪،‬‬ ‫ن التكاثر ضروري أيضا ً لبقاء ال ّ‬ ‫فإ ّ‬
‫ن تكون فيها‪،‬‬ ‫واستدامة بقائها خاصة في ظل المكانة التي أرادها الله لها أ ْ‬
‫سّنة‪ ،‬وهما‬ ‫ن تقوم به‪ ،‬والموصوفان في القرآن وال ّ‬ ‫والدور الذي أراده لها أ ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫م ً‬
‫مأ ّ‬‫جعَلَناك ْ‬‫مكانة الخيرية ودور الشهادة على الناس‪ ،‬قال تعالى }وَكذ َل ِك َ‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شِهيدًا{)]‪،([30‬‬ ‫م َ‬ ‫ل عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫كو َ‬ ‫س وَي َ ُ‬ ‫داء عَلى الّنا ْ ِ‬


‫َ‬ ‫شهَ َ‬ ‫كوُنوا ْ ُ‬ ‫سطا ً ل ّت َ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫رَ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫} ُ‬
‫منك ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ف وَت َن ْهَوْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫س ت َأ ُ‬ ‫ت ِللّنا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫خرِ َ‬ ‫مةٍ أ ْ‬ ‫خي َْر أ ّ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُ ْ‬
‫ن ِبالل ّهِ ‪.([31]){..‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫وَت ُؤْ ِ‬
‫ن تتوافر له ثلثة أشياء‪ ،‬هي‪ :‬الرض الكافية الوافية‪،‬‬ ‫مة ل ب ُد ّ أ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن بقاء ال ّ‬ ‫إ ّ‬
‫والوحدة الفكرية والوجدانية الضامنة لجميع الشعوب‪ ،‬ثم العدد الكافي الغفير‬
‫مة لي سبب أو آخر من مخاطر الفناء‬ ‫ُ‬
‫من الّناس‪ .‬حتى إذا ما تعّرضت هذه ال ّ‬
‫والبادة بسبب الوبئة أو الحروب أو غيرها تكون قادرة على الصمود‬
‫والستمرارية في رسالتها)]‪.([32‬‬
‫مل مسؤولية‬ ‫ُ‬
‫مة السلمية‪ ،‬وهي تتح ّ‬ ‫والكثرة العددية هنا مهمة بالنسبة لل ّ‬
‫قيادة المم والشهادة عليها عبر الجيال المتعاقبة‪.‬‬
‫ن القلة ذلة والكثرة عزة‪ ،‬وذلك في قوله سبحانه‬ ‫أبان المولى عز وجل بأ ّ‬
‫ه‬
‫سول ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫م‪} ،([33]){ ..‬وَل ِلهِ العِّزة ُ وَل َِر ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫م قَِليل فَكث َّرك ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫وتعالى }َواذ ْك ُُروا ْ إ ِذ ْ ُ‬
‫ن{)]‪.([34‬‬ ‫مو َ‬ ‫ن ل ي َعْل َ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ن وَل َك ِ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫وَل ِل ْ ُ‬
‫مته عندما قال‪) :‬تناكحوا‪ ،‬تناسلوا‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وقد طلبها الرسول صلى الله عليه وسلم ل ّ‬
‫مم يوم القيامة(‪ ،‬ويقول صلى الله عليه وسلم في‬ ‫ُ‬
‫تكاثروا‪ ،‬فإني مباهٍ بكم ال َ‬
‫ُ‬
‫م()]‪ .([35‬وإذا كانت‬ ‫م َ‬ ‫م ال َ‬ ‫كاث ٌِر ب ِك ُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫جوا ال ْوَُدود َ ال ْوَُلود َ فَإ ِّني ُ‬ ‫حديث آخر‪) :‬ت ََزوّ ُ‬
‫في الكثرة عزة‪ ،‬وهذه هي سنته صلى الله عليه وسلم ؛ فمن الواجب أل‬
‫يرغب عنها المسلمون‪ ،‬ويدعون للقلة وهي ذلة‪.‬‬
‫مة الرسالية في‬ ‫ُ‬
‫لقد أمر الله تعالى المسلمين بإعداد القوة‪ ،‬لحماية وتقوية ال ّ‬
‫خوضها معركة الصراع الحضاري وتحدياته لمجابهة العداء والباطل بالحق‬
‫ة‪.([36]){ ..‬‬ ‫من قُوّ ٍ‬ ‫ست َط َعُْتم ّ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫دوا ْ ل َُهم ّ‬ ‫ع ّ‬ ‫والدفاع عن الحق والعدل }وَأ َ ِ‬
‫َ‬
‫سيُروا ِفي‬ ‫م يَ ِ‬ ‫ن القوة مرتبطة بالكثرة العددية ومصاحبة لها }أفَل َ ْ‬ ‫ومعلوم أ ّ‬
‫شد ّ قُوّةً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ال َْر‬
‫م وَأ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫م كاُنوا أكث ََر ِ‬ ‫من قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ال ِ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ف كا َ‬ ‫ض فََينظُروا كي ْ َ‬ ‫ِ‬
‫ه قَد ْ أهْل َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫من قَب ْل ِهِ ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫م ي َعْل َ ْ‬ ‫ض‪} ،([37]){ ..‬أوَل َ ْ‬ ‫َوآَثاًرا ِفي الْر َِ‬
‫كاُنوا ْ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫من قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬ ‫معًا{)]‪َ } ،([38‬‬ ‫ج ْ‬ ‫ه قُوّة ً وَأك ْث َُر َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫شد ّ ِ‬ ‫ن هُوَ أ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قُرو ِ‬ ‫ال ُ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫أَ َ‬
‫وال وَأوْلدا{)]‪.([39‬‬ ‫م َ‬ ‫م قُوّة ً وَأكث ََر أ ْ‬ ‫منك ْ‬ ‫شد ّ ِ‬
‫مة المسلمة من‬ ‫ُ‬
‫وإذا كانت الكثرة تعني القوة؛ فإنها إذن ضرورية لتمكين ال ّ‬
‫الصمود في وجه الظلم والبغض والطغيان‪ ،‬ثم المقاومة ورد العدوان‪ ،‬ثم‬
‫ن القلة العددية تعني الضعف‬ ‫النتصار في نهاية المطاف‪ .‬وبالعكس فإ ّ‬
‫ددًا{)]‪َ} ،([40‬واذ ْك ُُروا ْ‬ ‫ع‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫صر‬ ‫وترتبط بالوهن }فَسيعل َمون م َ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ف َنا ِ‬ ‫ضعَ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ َْ ُ َ َ ْ‬
‫س َفآَواك ُْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫خاُفون َ‬ ‫َ‬ ‫م قَِلي ٌ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ ّ ُ‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ط‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫ت‬
‫ََ‬ ‫ي‬ ‫أن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ِفي ا ْ ِ َ‬
‫ت‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫فو َ‬ ‫ضعَ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ّ‬ ‫إ ِذ ْ أنت ُ ْ‬
‫ة{)]‪} ،([42‬إ ِذ ْ‬ ‫م أ َذِل ّ ٌ‬ ‫َ‬
‫ه ب ِب َد ْرٍ وَأنت ُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫صَرك ُ ُ‬ ‫قد ْ ن َ َ‬ ‫ه{)]‪} ،([41‬وَل َ َ‬ ‫صرِ ِ‬ ‫كم ب ِن َ ْ‬ ‫وَأ َي ّد َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫م ِ‬ ‫م ِفي ال ْ‬ ‫م وَل َت ََناَزعْت ُ ْ‬ ‫شل ْت ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ك َِثيرا ً ل ّ َ‬ ‫ك قَِليل ً وَل َوْ أَراك َهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ه ِفي َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ريك َهُ ُ‬ ‫يُ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م ِفي أعْي ُن ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫قي ْت ُ ْ‬ ‫م إ ِذِ الت َ َ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫ريك ُ ُ‬ ‫دورِ وَإ ِذ ْ ي ُ ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫سل َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫وَلك ِ ّ‬
‫م ِفي‬ ‫قلل ك ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫قَِليل ً وَي ُ َ‬
‫م‪.([43]){ ..‬‬ ‫َ‬
‫أعْي ُن ِهِ ْ‬
‫فإذا كانت القوة الناتجة من الكثرة العددية تعني النتصار العسكري‬
‫ن الضعف‬ ‫مة؛ فإ ّ‬ ‫ُ‬
‫دم بالنسبة لل ّ‬ ‫والحضاري‪ ،‬والقيادة والريادة‪ ،‬والظهور والتق ّ‬
‫الناتج عن القلة‪ ،‬هو رديف التراجع والخضوع الفكري والسياسي‪ ،‬والنهزام‬
‫مة الضعيفة المتخلفة‬ ‫ُ‬
‫النفسي والعسكري‪ ،‬والستسلم للخصوم‪ .‬وال ّ‬
‫فذ المشروع الرسالي الحضاري السلمي الكبير‪،‬‬ ‫ن تن ّ‬ ‫المتخاذلة ل تستطيع أ ْ‬
‫مل مسؤوليته وأمانته التاريخية‪.‬‬ ‫وتتح ّ‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن الصل في القلة العددية الضعف والذلة‪،‬‬ ‫مح هنا إلى أنه رغم أ ّ‬ ‫غير أننا نل ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ن أي ّا منهما ليس عامل كافيا رغم‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫وفي الكثرة العددية القوة والعزة؛ إل أ ّ‬
‫ضرورته لستحقاق الهزيمة أو لتحقيق النصر‪ ،‬فالكثرة رغم أنها مطلوبة لكنها‬
‫قد ل تكون بالضرورة نافعة كما جاء في الحديث قوله صلى الله عليه‬
‫عى ال َك َل َ ُ‬ ‫ك ال ُم َ‬
‫صعَت َِها(‪ .‬فَ َ‬
‫قا َ‬
‫ل‬ ‫ة إ َِلى قَ ْ‬ ‫دا َ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫م كَ َ‬ ‫عى عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫دا َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫وسلم ‪ُ) :‬يو ِ‬
‫َ‬
‫م غَُثاٌء ك َغَُثاِء‬ ‫مئ ِذ ٍ ك َِثيٌر‪ ،‬وَل َك ِن ّك ُ ْ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫ل‪) :‬ب َ ْ‬ ‫ذ؟ َقا َ‬ ‫مئ ِ ٍ‬‫ن ي َوْ َ‬ ‫ن قِل ّةٍ ن َ ْ‬
‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪ :‬وَ ِ‬ ‫َقائ ِ ٌ‬
‫ل‪.([44])(..‬‬ ‫سي ْ ِ‬‫ال ّ‬
‫والكثرة قد تنقلب بأمر الله تعالى إلى ضعف وهزيمة‪ ،‬والقلة قد تنقلب إلى‬
‫َ‬
‫ن‬‫م ت ُغْ ِ‬‫م فَل َ ْ‬ ‫م ك َث َْرت ُك ُ ْ‬ ‫جب َت ْك ُ ْ‬ ‫ن إ ِذ ْ أعْ َ‬ ‫حن َي ْ ٍ‬‫م ُ‬ ‫قوة ونصر‪ ،‬كما قال الله تعالى }وَي َوْ َ‬
‫ه{)]‪.([46‬‬ ‫ّ‬
‫ن الل ِ‬ ‫ة كِثيَرة ً ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ت فِئ َ ً‬ ‫من فِئ َةٍ قَِليل َةٍ غَلب َ ْ‬
‫َ‬ ‫كم ّ‬ ‫شْيئًا{)]‪َ }،([45‬‬ ‫م َ‬ ‫عنك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ذر المسلمين من التخاذل‬ ‫وكان الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يح ّ‬
‫بقوله‪" :‬إنني ل أخاف كثرة العدد وقلته‪ ،‬إنني أخاف من الذنوب")]‪.([47‬‬
‫وسمع خالد بن الوليد أحد جنوده يقول في أحد معارك الشام‪ :‬ما أكثر الروم‬
‫ل‪" :‬إنما ما أقل الروم وأكثر المسلمين‪،‬‬ ‫وأقل المسلمين‪ .‬فرد عليه خالد قائ ً‬
‫إنما تكثر الجنود بالنصر‪ ،‬وتضعف بالخذلن")]‪.([48‬‬
‫وهذا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يوضح أسباب هزيمة المسلمين‬
‫وانتصارهم‪ ،‬فيقول‪" :‬إنما نعادي عدونا وننتصر عليهم بمعصيتهم‪ ،‬ولول ذلك‬
‫لم يكن لنا قوة بهم‪ ،‬لن عددنا ليس كعددهم ول عدتنا كعدتهم‪ ،‬فلو استوينا‬
‫نحن وهم في المعصية؛ كانوا هم أفضل منا فى القوة والعدد")]‪.([49‬‬
‫ن عنصر‬ ‫أما بالنسبة للجانب المتعلق بإعمار الرض وتنميتها؛ فيمكن القول بأ ّ‬
‫السكان من حيث الكم والنوع؛ يعتبر الركيزة الساسية للتنمية المادية‪،‬‬
‫المتمثلة فى كم ونوع السلع والخدمات‪ ،‬والتنمية النسانية من ناحية الفكر‪،‬‬
‫ن هذا النوع الخير من التنمية ـ تنمية‬ ‫والثقافة‪ ،‬والسلوك‪ ،‬والخلق‪ ،‬بل إ ّ‬
‫النسان ـ يحظى بالولوية وفقا ً لمنهج التنمية وفلسفتها في السلم‪ .‬حيث‬
‫تمثل البشرية إحدى أهم منطلقات التنمية بمجاليها المادي والنساني‪ ،‬لقوله‬
‫م{)]‪ .([50‬فالقرآن‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ما ب ِأ َن ْ ُ‬ ‫حّتى ي ُغَي ُّروا ْ َ‬ ‫قوْم ٍ َ‬ ‫ما ب ِ َ‬ ‫ه ل َ ي ُغَي ُّر َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫تعالى }إ ِ ّ‬
‫ن أي تغيير في الوضع المادي أو الموضوعي‪،‬‬ ‫الكريم يقّرر في هذه الية أ ّ‬
‫القتصادي‪ ،‬الجتماعي‪ ،‬السياسي‪ ،‬الخلقي‪ ،‬أو السلوكي…إلخ للحياة‬
‫ن هو إل ّ نتاج تغيير المحتوى الداخلي للنسان‪ ،‬بما يحمل من غرائز‪،‬‬ ‫البشرية إ ْ‬
‫ومشاعر‪ ،‬ووجدان‪ ،‬ونوازع‪ ،‬واستجابات‪ ،‬فما لم تتغّير الذات البشرية باتجاه‬
‫ن تطور‬ ‫التكامل التنموي ل تحصل التنمية فى الحياة النسانية‪ .‬وهذا يعني أ ّ‬
‫النسان‪ ،‬ورفع مستواه الحضاري عقليا ً أو فكريا ً وثقافيًا‪ ،‬يأتي في المقام‬
‫الول وقبل تطوير الجهاز النتاجي من معدات وآلت ومصانع‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫هكذا يتضح أهمية تكاثر السكان من وجهة النظر السلمية‪ ،‬المتمثلة في‬
‫النواحي الفكرية والعقائدية أو المادية والتنموية الخاصة بالحياة النسانية‬
‫ن التكاثر السكاني هو مدعاة دائما ً للعناية والهتمام من جانب‬ ‫وتطورها‪ .‬فإ ّ‬
‫السلم‪ .‬فقد اهتم السلم بالخصوبة السكانية وتنامي عدد السكان‬
‫ث على الزواج‬ ‫ح ّ‬ ‫جع على ذلك‪ ،‬فأمر المسلمين بالزواج‪ ،‬و َ‬ ‫وتكاثرهم‪ ،‬وش ّ‬
‫ث السلم على الزواج من الولود‬ ‫ح ّ‬ ‫دد الزوجات‪ ،‬كذلك َ‬ ‫المبكر‪ ،‬وأباح تع ّ‬
‫جوا‬ ‫الودود‪ ،‬كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحديث‪) :‬ت ََزوّ ُ‬
‫ُ‬
‫م()]‪ .([51‬كما حارب السلم ومنع كل ما‬ ‫م َ‬
‫م ال َ‬ ‫كاث ٌِر ب ِك ُ ُ‬ ‫م َ‬‫ال ْوَُدود َ ال ْوَُلود َ فَإ ِّني ُ‬
‫يؤدي إلى إهلك الّنسل‪ ،‬كالزنا‪ ،‬والشذوذ الجنسي‪ ،‬وتدابير منع الحمل‪،‬‬
‫والجهاض‪ ،‬وغير ذلك من مظاهر الباحية الجنسية والفساد الجتماعي‪،‬‬
‫وحظر إجراءات وقف النمو السكاني والتكاثر البشري دون سبب شرعي‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مفهوم السلم للمشكلة السكانية‪:‬‬


‫ّ‬
‫يبدأ مفهوم السلم بطبيعة مشكلة التكاثر السكاني من مسلمات عقدية‪،‬‬
‫ف للمخلوقات كافة حتى نهاية‬ ‫ن ما تحويه الدنيا من ثروات هو كا ٍ‬ ‫مفادها أ ّ‬
‫الحياة على هذه الدنيا‪ ،‬وأنه متناسب مع عدد السكان وغيرهم من‬
‫ن يرث الله تعالى الرض ومن عليها‪.‬‬ ‫المخلوقات وتزايدهم إلى أ ْ‬
‫ن تتضح من خلل المعادلة البسيطة بين الرزاق من‬ ‫هذه الحقيقة يمكن أ ْ‬
‫وره بعض اليات القرآنية‬ ‫ً‬
‫جهة‪ ،‬والمخلوقات من جهة أخرى‪ ،‬وفقا لما تص ّ‬
‫َ‬ ‫من فَوْقَِها وََباَر َ‬
‫ك ِفيَها وَقَد َّر ِفيَها أقْ َ‬
‫وات ََها‬ ‫ي ِ‬ ‫س َ‬‫ل ِفيَها َرَوا ِ‬ ‫جعَ َ‬
‫كقوله تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫ن{)]‪ ،([52‬وقوله تبارك وتعالى فى آية أخرى‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سائ ِِلي َ‬‫واء لل ّ‬ ‫س َ‬‫ِفي أْرب َعَةِ أّيام ٍ َ‬
‫ل كُ ّ ُ‬
‫عند َهُ‬ ‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫ما ت َْزَداد ُ وَك ُ ّ‬‫م وَ َ‬ ‫ض ال َْر َ‬
‫حا ُ‬ ‫ل أنَثى وَ َ‬
‫ما ت َِغي ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ح ِ‬‫ما ت َ ْ‬
‫م َ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫}الل ّ ُ‬
‫داٍر{)]‪.([53‬‬ ‫ق َ‬
‫م ْ‬
‫بِ ِ‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ففي الية الولى يحدثنا القرآن الكريم عن التقدير اللهي لمخزون الرض‪،‬‬
‫در فيها أرزاق مخلوقاته‪ ،‬أي ما‬ ‫فالله سبحانه وتعالى الذي خلق الرض قد ق ّ‬
‫َ‬
‫يحتاج أهلها إليه من أرزاق كما يقول المام ابن كثير)]‪ ([54‬فى معناها }وَقد َّر‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{ أي وفق مراده‪ ،‬من له حاجة إلى‬ ‫سائ ِِلي َ‬ ‫واء ّلل ّ‬ ‫س َ‬‫وات ََها ِفي أْرب َعَةِ أّيام ٍ َ‬ ‫ِفيَها أقْ َ‬
‫در له ما هو محتاج إليه‪ .‬وهذا القول يشبه ما ذكروه‬ ‫ن الله تعالى ق ّ‬ ‫رزق فإ ّ‬
‫َ‬
‫ه{)]‪.([55‬‬ ‫مو ُ‬ ‫سأل ْت ُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫من ك ُ ّ‬ ‫كم ّ‬ ‫فى قوله تعالى‪َ} :‬وآَتا ُ‬
‫وإلى جانب تقدير الرزاق في الرض؛ فقد بارك فيها وأكثر خيرها ومنافعها‪.‬‬
‫در الله تعالى في الرض القوات وأحل فيها البركة‪ .‬ومدلول البركة‬ ‫إذا ً فقد ق ّ‬
‫هنا هو الكثرة والزيادة والكفاية المستمرة‪ .‬وقد جاء في الحديث الشريف‬
‫عندما اشتكى بعض الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم يأكلون‬
‫م الل ّهِ عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫س َ‬ ‫م َواذ ْك ُُروا ا ْ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫مُعوا عََلى ط ََعا ِ‬ ‫جت َ ِ‬‫فل يشبعون فرد عليهم‪َ..) :‬فا ْ‬
‫ه()]‪.([56‬‬ ‫م ِفي ِ‬ ‫ك ل َك ُ ْ‬ ‫ي َُباَر ْ‬
‫ن الشاهد فى كل المعاني والمدلولت التي وردت بشأن تقدير القوات‬ ‫إ ّ‬
‫ن الرزاق التي خلقها الله سبحانه وتعالى هي وافرة وكافية‪،‬‬ ‫وبركاتها؛ هو أ ّ‬
‫ددة متصلة‪ ،‬ل تنقطع سواء فى الماضي أو الحاضر أو المستقبل‪،‬‬ ‫وهى متج ّ‬
‫وأنها ل تتوقف وذلك بحكم تقدير الله تعالى وعلمه وحساباته وبموجب ما‬
‫أودعه في الرض من بركة‪ .‬وعلى الرغم مما كشفه الله تعالى للنسان حتى‬
‫خره له من أشياء كثيرة من بركته فى الرض‪ ،‬ومن القوات التي‬ ‫الن‪ ،‬وس ّ‬
‫ة بالمكانات المدخرة‬ ‫ن ذلك ل يساوي شيئا ً مقارن ً‬ ‫خّزنها وأودعها فيها؛ إل ّ أ ّ‬
‫المودعة في الرض والمسخرة لمنفعة النسان‪ ،‬ولكل ما خلق الله سواء في‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ماضيهم أو حاضرهم أو مستقبلهم‪ ،‬ورزق ربك ما له من نفاد‪ُ} :‬قل ل ّوْ َ‬
‫مث ْل ِ ِ‬
‫ه‬ ‫جئ َْنا ب ِ ِ‬ ‫ت َرّبي وَل َوْ ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫فد َ ك َل ِ َ‬ ‫ل َأن َتن َ‬ ‫حُر قَب ْ َ‬ ‫فد َ ال ْب َ ْ‬ ‫ت َرّبي ل َن َ ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫دادا ً ل ّك َل ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫حُر ِ‬ ‫ال ْب َ ْ‬
‫م‬‫عند َك ُ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫فاٍد{)]‪ ،([58‬وقوله ‪َ } :‬‬ ‫من ن ّ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫ذا ل َرِْزقَُنا َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ددًا{)]‪} .([57‬إ ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ق‪.([59]){ ..‬‬ ‫ٍ‬ ‫با‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫عن‬ ‫ِ‬ ‫ما‬ ‫َ َ‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫َ‬
‫م‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جن ّك ْ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫سك ْ‬ ‫م‪ ،‬وَإ ِن ْ َ‬ ‫خَرك ْ‬ ‫م َوآ ِ‬ ‫ن أوّلك ْ‬ ‫عَباِدي لوْ أ ّ‬ ‫وفي الحديث القدسي‪َ) :‬يا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َقاموا في صعيد واحد‪ ،‬فَ َ‬
‫ص ذ َل ِكَ‬ ‫ق َ‬ ‫ما ن َ َ‬‫ه؛ َ‬ ‫سألت َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ل إ ِن ْ َ‬ ‫تك ّ‬ ‫ُ‬ ‫سأُلوِني فَأعْطي ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ ٍ َ ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫حَر‪.([60])(..‬‬ ‫ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ُ‬
‫خي َط إ َِذا أد ْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل الب َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ص ال ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫ما ي َن ْ ُ‬ ‫دي إ ِل ك َ‬ ‫عن ْ ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ِ‬
‫أما فى الية الثانية‪ ،‬التي تبّين الشق الخر من معادلة الرزاق والخلق؛‬
‫فيحدثنا القرآن الكريم أيضا ً عن التقدير اللهي لخلقه‪ .‬ونجد ذلك في قوله‬
‫ل كُ ّ ُ‬
‫ما ت َْزَداُد{)]‪.([61‬‬ ‫م وَ َ‬‫حا ُ‬ ‫ض ال َْر َ‬ ‫ما ت َِغي ُ‬ ‫ل أنَثى وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح ِ‬
‫ما ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫تعالى‪} :‬الل ّ ُ‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقول ابن الخطيب في معاني ودللت هذه الية‪" :‬فالله وحده هو الذي يتولى‬
‫زيادة المواليد ونقصانها وحاجة الكون لها‪ ،‬وقد خلقه وأبدعه وأعد ّ له ما‬
‫لم ُ‬
‫ه{)]‪ ،([62‬واختياره‬ ‫م ِ‬‫ضعُ إ ِل ّ ب ِعِل ْ ِ‬‫ن أنَثى َول ت َ َ‬ ‫م ُ ِ ْ‬ ‫ح ِ‬
‫ما ت َ ْ‬
‫يصلحه وما ينفعه(‪} ،‬وَ َ‬
‫ل يعلم ـ علم إنشاء وإرادة ـ ما تحمله كل أنثى في‬ ‫ج ّ‬
‫وإرادته‪ ،‬فالله عّز و َ‬
‫أرحامها‪ ،‬وما تغيضه تلك الرحام مما تحمله بسقوط الجنة‪ ،‬وما تزيده من‬
‫دد الجنة في الرحم الواحد بولدة واحدة )التوائم(‪ .‬وجميع ذلك بمقدار‬ ‫تع ّ‬
‫علمه جل شأنه‬ ‫ْ‬ ‫معلوم لديه تقتضيه الضرورة وتستلزمه الحاجة والمصلحة و ِ‬
‫كما ل يخفى سابق لمره‪ .‬إذا كان ذلك فمن أعلم من الله؟ ومن أخبر منه‬
‫بحاجة مخلوقاته وكائناته؟")]‪.([63‬‬
‫إذا ً فقد بّين القرآن العظيم التقدير اللهي لمخزون الرض‪ ،‬وضبط المعادلة‬
‫من‬ ‫ي ِ‬ ‫س َ‬‫ل ِفيَها َرَوا ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫القتصادية‪ ،‬وتوفير مستلزمات الحياة عليها فقال‪} :‬وَ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫فَوْقَِها وََباَر َ‬
‫لك ّ‬
‫ل‬ ‫م ُ‬ ‫ح ِ‬‫ما ت َ ْ‬‫م َ‬ ‫ه ي َعْل ُ‬‫وات ََها{)]‪ ،([64‬وقال‪} :‬الل ُ‬ ‫ك ِفيَها وَقَد َّر ِفيَها أقْ َ‬
‫داٍر{‪.‬‬ ‫ق َ‬‫م ْ‬
‫عند َه ُ ب ِ ِ‬
‫يٍء ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُأنَثى …{)]‪ ،([65‬وقال‪} :‬وَك ُ ّ‬
‫َ‬
‫يٍء‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن{‪} ،‬وَك ُ ّ‬ ‫سائ ِِلي َ‬ ‫واء ّلل ّ‬ ‫س َ‬‫وات ََها{‪ ،‬و} َ‬ ‫وبالتأمل في عبارة }وَقَد َّر ِفيَها أقْ َ‬
‫داٍر{)]‪ ،([66‬كما يقول ابن الخطيب‪" :‬نستنتج أنه ل نقص في‬ ‫ق َ‬
‫م ْ‬‫عند َه ُ ب ِ ِ‬
‫ِ‬
‫موجودات الطبيعة المعاشية‪ ،‬ول اختلف في الموازنة مهما تزايد عدد‬
‫السكان ونما")]‪.([67‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫ويقول المحاسبي‪" :‬لقد أخبر الله بتقسيمه الرزق بين خلقه‪ ،‬وتوليه ذلك في‬
‫ض إ ِل ّ عََلى الل ّهِ رِْزقَُها‬ ‫ِ‬ ‫من َدآب ّةٍ ِفي ال َْر‬ ‫ما ِ‬ ‫آيات كثيرة؛ فقال جل شأنه‪} :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫من َداب ّةٍ ل‬ ‫ن{)]‪} ،([68‬وَك َأّين ِ‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ب ّ‬ ‫ل ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫ست َوْد َعََها ك ُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ها وَ ُ‬ ‫قّر َ‬‫ست َ َ‬
‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫وَي َعْل َ ُ‬
‫ما‬ ‫م وَ َ‬ ‫ماء رِْزقُك ُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫م‪} ،([69]){ ..‬وَِفي ال ّ‬ ‫ه ي َْرُزقَُها وَإ ِّياك ُ ْ‬ ‫ل رِْزقََها الل ّ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ح ِ‬‫تَ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{)]‪،([70‬‬ ‫قو َ‬ ‫م َتنط ِ ُ‬ ‫ما أن ّك ْ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫حق ّ ّ‬ ‫هل َ‬ ‫ض إ ِن ّ ُ‬ ‫ماء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ن فَوََر ّ‬ ‫دو َ‬ ‫ُتوعَ ُ‬
‫سم الرزاق بين الخلق وبتوليه ذلك‪ ،‬وأمضى‬ ‫فأقسم الله بنفسه أنه قد ق ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫شت َهُ ْ‬ ‫مِعي َ‬ ‫مَنا ب َي ْن َُهم ّ‬ ‫س ْ‬ ‫ن قَ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ة َرب ّك ن َ ْ‬ ‫م َ‬‫ح َ‬‫ن َر ْ‬ ‫مو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫الضمان بالكفاية لهم‪} :‬أهُ ْ‬
‫ن جعلهم أجسادا ً ل تقوم إل ّ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا‪ .([71]){ ..‬وكان من تدبيره أ ْ‬ ‫ِفي ال ْ َ‬
‫سم‬ ‫بالغذية‪ ،‬ول يدوم بقاؤها إل ّ بالطعمة‪ ،‬فكتب العمال‪ ،‬وضرب الجال‪ ،‬وق ّ‬
‫م‬‫م ثُ ّ‬ ‫م َرَزقَك ُ ْ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫الرزاق‪ ،‬وختم أمر الدنيا بالفناء‪ ،‬فقال‪} :‬الل ّ ُ‬
‫ن‬
‫م{)]‪ .([72‬فقد اتبع الله الخلق بالرزق‪ .‬والنسان منذ أ ْ‬ ‫حِييك ُ ْ‬‫م يُ ْ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ميت ُك ُ ْ‬ ‫يُ ِ‬
‫كان طفل ً في بطن أمه في ظ َُلم الرحام ساق إليه في خفاء مكانه الرزق‪،‬‬
‫ل من هذه الحال إلى‬ ‫ج ّ‬ ‫وأّدى إليه على غامض موضعه الغذاء ثم نقله عَّز و َ‬
‫سم له رزقه")]‪.([73‬‬ ‫ن كتب له عمله‪ ،‬وضرب له أجله‪ ،‬وق ّ‬ ‫دار الزوال بعد أ ْ‬
‫فل بأرزاق العباد‪ ،‬ورزق أبنائهم وحفدتهم‪،‬‬ ‫وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد تك ّ‬
‫ن الموارد في الرض‬ ‫ودوابهم وكل شيء خلقه‪ ،‬وإذا كان السلم قد أعلن بأ ّ‬
‫ن كل معتقد خلف ذلك فهو‬ ‫تكفي‪ ،‬وستكفي إلى نهاية الحياة على الرض؛ فإ ّ‬
‫َ‬ ‫كافر بالنص القرآني }قُ ْ َ‬
‫ن‬
‫مي ْ ِ‬ ‫ض ِفي ي َوْ َ‬ ‫خلقَ الْر َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ِبال ّ ِ‬ ‫فُرو َ‬ ‫م ل َت َك ْ ُ‬ ‫ل أئ ِن ّك ُ ْ‬
‫وتجعُلون ل َ َ‬
‫من فَوْقَِها وََباَر َ‬
‫ك‬ ‫ي ِ‬ ‫س َ‬ ‫ل ِفيَها َرَوا ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫دادا ً ذ َل ِ َ‬
‫ك َر ّ‬ ‫ه أن َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ََ ْ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{)]‪.([74‬‬ ‫سائ ِِلي َ‬ ‫واء لل ّ‬ ‫س َ‬‫وات ََها ِفي أْرب َعَةِ أّيام ٍ َ‬ ‫ِفيَها وَقَد َّر ِفيَها أقْ َ‬
‫يقول المام المحاسبي‪" :‬الذي يجب على الّناس في جملتهم من التوكل‬
‫المفترض عليهم؛ التصديق لله رب العالمين فيما أخبر من قسم وضمان‬
‫سمها في‬ ‫الكفاية‪ ،‬وكفالته في سياق الرزاق إليهم‪ ،‬وإيصال القوات التي ق ّ‬
‫الوقات التي وّقتها‪ ،‬بتصديق تقوم الثقة به في قلوبهم‪ ،‬وينفي به الشكوك‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شَبه‪ ،‬ويصفو به اليقين‪ ،‬ويثبت به حقائق العمل‪ ،‬إنه الخالق الرازق‪،‬‬ ‫عنهم وال ّ‬
‫المحي المميت‪ ،‬المعطي المانع‪ ،‬المتفرد بالمر كله … فكان على الخلق‬
‫تصديقه فيما أخبر وأقسم‪ ،‬فمن صدق في ذلك كان بتصديقه وإيمانه مؤمنا ً‬
‫ل ثناؤه في‬ ‫ج ّ‬ ‫ك كان بذلك معاندا ً كافرا ً بما قص علينا َ‬ ‫ش ّ‬ ‫ل‪ ،‬ومن كذب أو َ‬ ‫متوك ً‬
‫كتابه")]‪.([75‬‬
‫خلصة المر؛ فإنه انطلقا ً من المسّلمات العقدية التي ذكرناها واليمان بها‪،‬‬
‫ن ما تختزنه الرض من موارد وأرزاق متناسب ـ من حيث حجمه وكميته ـ‬ ‫فإ ّ‬
‫وبشكل متوازن مع عدد السكان وتزايدهم وسائر الكائنات الحية الخرى‪.‬‬
‫ن هذه‬ ‫وأنه ل اختلف في الموازنة هذه مهما تزايد عدد السكان ونما‪ .‬وإ ّ‬
‫ن الموارد‬ ‫عمتها أيضا ً البيانات والحصائيات وشواهد الواقع‪ ،‬بأ ّ‬ ‫الحقيقة قد د ّ‬
‫ن هذه‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كافية؛ بل وفائضة عن حاجة البشر‪ .‬وإذا كان القوت موجودا وكافيا‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن ذلك الطريق إلى القوت‬ ‫المعادلة بين الخلق والرزاق متناسقة متوازنة؛ فإ ّ‬
‫مرسوم وواضح بشكل ثابت في كل زمان ومكان‪.‬‬
‫ن المشكلة القتصادية والجتماعية وغيرها من‬ ‫يبّين القرآن الكريم أ ّ‬
‫المشكلت التي يعاني منها النسان في الحياة؛ سببها النسان ذاته وليس‬
‫نقص المكانات الطبيعية أو عدم توافرها أو عدم كفايتها أو زيادة السكان‬
‫َ‬
‫ض‬
‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫وتكاثرهم‪ ،‬ونقرأ ذلك في قوله تعالى‪} :‬الل ّ ُ‬
‫فل ْ َ‬
‫م ال ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫وََأنَز َ‬
‫ك‬ ‫خَر ل َك ُ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫م وَ َ‬‫ت رِْزقا ً ل ّك ُ ْ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ن الث ّ َ‬‫م َ‬‫ج ب ِهِ ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫ماًء فَأ ْ‬ ‫ماء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ل ِ‬
‫س َوال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مَر َدآئ َِبي َ‬ ‫ق َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫خر ل َك ُ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫م الن َْهاَر وَ َ‬ ‫خَر ل َك ُ ُ‬ ‫س ّ‬‫مرِهِ وَ َ‬ ‫حرِ ب ِأ ْ‬ ‫جرِيَ ِفي ال ْب َ ْ‬ ‫ل ِت َ ْ‬
‫ت الل ّهِ ل َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫دوا ْ ن ِعْ َ‬ ‫موه ُ وَِإن ت َعُ ّ‬ ‫سأل ْت ُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫من ك ُ ّ‬ ‫كم ّ‬ ‫ل َوالن َّهاَر َوآَتا ُ‬ ‫م الل ّي ْ َ‬ ‫خَر ل َك ُ ُ‬‫س ّ‬‫وَ َ‬
‫فاٌر{)]‪ .([76‬فاليات تبّين نعم الله تعالى‬ ‫م كَ ّ‬ ‫ُ‬
‫ن لظلو ٌ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬ ‫نا ِ‬ ‫ها إ ِ ّ‬ ‫صو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫تُ ْ‬
‫الكثيرة المسخرة للنسان‪ ،‬والمكانات الطبيعية وكفايتها لحياته‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫فالسبب في المشكلت ليس السكان وتكاثرهم‪ ،‬وليس هو النقص في‬


‫المكانات الطبيعية أو عدم توافرها وكفايتها؛ ولكنه النسان بجشعه‪ ،‬وشرهه‪،‬‬
‫وظلمه‪ ،‬وأنانيته‪ ،‬وحبه للسيطرة‪ ،‬وإسرافه‪ ،‬وتبذيره في النفاق والمؤونة‬
‫والستهلك‪ ،‬وغيرها مما يقود إلى الحتكار‪ ،‬واكتناز الثروة‪ ،‬وحرمان الخرين‪،‬‬
‫وسوء التوزيع‪ ،‬وسوء الستغلل للموارد الطبيعية‪ .‬وبكل ذلك يكون النسان‬
‫جاحدا ً ومكذبا ً بالنعمة‪ ،‬غير معترف بها‪ ،‬وبهذه النزعة للجحود والكنود وسوء‬
‫الظن بالله تعالى؛ فهو إذن السبب في المشكلة‪ .‬إنه هو النسان لكونه جاحدا ً‬
‫ن تصل للخرين‪.‬‬ ‫لنعم الله تعالى‪ ،‬ساترا ً لها عن أ ْ‬
‫ن الحل الكثر جدوى وفعالية في الحد من مشكلة النمو السكاني؛‬ ‫إذا ً فإ ّ‬
‫يكمن في استئصال الفقر من البلدان النامية عن طريق التنمية القتصادية‬
‫والجتماعية الشاملة‪ ،‬التي تؤدي إلى زيادة الدخل وعدالة توزيعه‪ ،‬وتحسين‬
‫التغذية‪ ،‬ورفع المستويات الصحية والتعليمية للّناس‪ .‬وقد يكون هذا الحل‬
‫قدا ً وأعلى تكلفة بكثير من برامج تنظيم السرة‪ ،‬ولكنه الحل الوحيد الذي‬ ‫مع ّ‬
‫ن يلقى النجاح والقبول‪ ،‬وأنه العظم حكمة بكثير بالنسبة للبلدان‬ ‫يمكن أ ْ‬
‫ن تتخذ من التدابير ما أثبتت التجربة أنه يحقق بعض‬ ‫النامية الفقيرة الموارد أ ْ‬
‫النتائج‪ ،‬وذلك بدل ً عن تطبيق برامج تنظيم السرة‪ ،‬التي لم تثبت جدواها إل ّ‬
‫وقات البشرية‪ .‬كذلك هو الحل المقبول‬ ‫في البيئة المعملية الخالية من المع ّ‬
‫لدى شعوب العالم الثالث‪ ،‬لن مشكلة السكان عميقة الجذور في التراث‬
‫والمؤسسات الحضارية والجتماعية والقتصادية لهذه البلد‪ ،‬ول يمكن‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن يستجيب‬ ‫ببساطة عزلها أو معالجتها على انفصال ككيان مصطنع يمكن أ ْ‬


‫كدت فعاليته وجدواه‬ ‫للتكنولوجيا الحديثة)]‪ .([77‬وهذا أيضا ً هو الحل الذي تأ ّ‬
‫في الحد من الخصوبة والنجاب من خلل التجربة الواقعية‪ ،‬سواء كان ذلك‬
‫على مستوى الدول المتقدمة أو النامية‪ .‬ولعل خير شاهد ودليل على ذلك‬
‫الذي نقول به؛ ما تفيد به نظرية )فرانك نوتشتاين( المعروفة باسم التحول‬
‫ن الدول‬ ‫السكاني ))‪ ،Demographic Transition‬والتي أثبت من خللها أ ّ‬
‫الوروبية كانت تشهد مع مراحل تطورها تحولت ديموغرافية مصاحبة‪ ،‬تتمثل‬
‫دم‬‫في انخفاض معدل النمو السكاني مع كل مرحلة يتم فيها تحول أو تق ّ‬
‫مادي‪ .‬ففي المرحلة الولى من التحول السكاني الذي اتسمت به المجتمعات‬
‫قبل الحديثة؛ كانت معدلت المواليد والوفيات على السواء مرتفعة‪ ،‬وكان‬
‫ن كان هناك ثمة نمو على الطلق‪ .‬وفي المرحلة‬ ‫عدد السكان ينمو ببطء‪ ،‬إ ْ‬
‫سنت ظروف المعيشة مع الخذ بالتدابير الصحية العامة‪ ،‬بما في‬ ‫الثانية؛ تح ّ‬
‫ذلك التوسع في التصميمات والزيادة في النتاج الغذائي‪ .‬وظلت معدلت‬
‫المواليد مرتفعة‪ ،‬في حين انخفضت معدلت الوفيات‪ ،‬وزادت سرعة النمو‬
‫السكاني‪ .‬وأعقب ذلك المرحلة الثالثة‪ ،‬عندما أّدت المكاسب القتصادية‬
‫والجتماعية فضل ً عن انخفاض معدلت وفيات الطفال إلى انخفاض الرغبة‬
‫في السرة كبيرة العدد‪ .‬وكما كان الحال في المرحلة الولى؛ حدث توازن‬
‫في معدلت المواليد ومعدلت الوفيات ولكن بمستوى أقل كثيرًا)]‪.([78‬‬
‫ن نتائج العدد من الدراسات التي أجريت مؤخرًا؛ تؤكد أهمية وفاعلية إزالة‬ ‫إ ّ‬
‫الفقر أو تحقيق التنمية لحل المشكلة السكانية في الدول النامية‪ .‬فقد قام‬
‫ميردوتش مثل ً بدراسة ظاهرة التخلف والفقر في الدول النامية وتحليل‬
‫ن ارتفاع معدلت المواليد في الدول النامية‬ ‫كد من خلل تحليلته أ ّ‬ ‫أسبابها‪ ،‬فأ ّ‬
‫راجع في الساس إلى أسباب اقتصادية واجتماعية تتعلق بالفقر‪ .‬وأشار‬
‫لسر الكبيرة في تلك الدول هي أمر منطقي من الناحية‬ ‫نا ُ‬‫الباحث إلى أ ّ‬
‫ُ‬
‫ن هذا التوجه نحو السر الكبيرة يتلشى كلما‬ ‫القتصادية بالنسبة للفقراء وأ ّ‬
‫ً‬
‫سن مستوى رفاهيتها‪ .‬وهذا ينعكس أيضا في ظاهرة‬ ‫ارتفع دخل السرة أو تح ّ‬
‫لسر الصغر عند المستويات العالية من الدخل ومستوى‬ ‫انتشار حجم ا ُ‬
‫ن أنماط التنمية العادلة‬ ‫الرفاهية‪ .‬وبناًء على ذلك خلص الكاتب إلى القول بأ ّ‬
‫ن تساعد كثيرا ً على التحكم الفاعل والسريع‬ ‫هي اللية الوحيدة التي يمكن أ ْ‬
‫ن معدلت المواليد العالية في العالم‪،‬‬ ‫في مسالة النمو السكاني‪ .‬بمعنى أ ّ‬
‫وبخاصة في البلد النامية‪ ،‬يمكن خفضها عن طريق تحقيق عدالة أكبر من‬
‫توزيع الدخل والتنمية بين المجتمعات الريفية والمجتمعات الحضرية‪ .‬وما دام‬
‫ن المساواة بين الريف والحضر عبر‬ ‫الريف هو "الدينمو" المحرك للنمو؛ فإ ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫التنمية المتوازنة يعتبر ـ في رأي الباحث ـ أمرا حاسما بالنسبة لخفض‬
‫م كبح النمو السكاني السريع في الدول النامية)]‬ ‫معدلت المواليد‪ ،‬ومن ث َ ّ‬
‫‪.([79‬‬
‫ن الفترة ما بين ‪1970‬ـ ‪1977‬م‪ ،‬قد شهدت انخفاضا ً‬ ‫كد دراسات أخرى بأ ّ‬ ‫وتؤ ّ‬
‫واضحا ً في معدل المواليد في الدول النامية‪ ،‬حيث كان هذا المعدل في‬
‫النخفاض يزداد بقدر ثلثة أضعاف على معدل النخفاض في المواليد في‬
‫الفترة من ‪1950‬م – ‪1970‬م‪ ،‬الشيء الذي ساعد كثيرا ً في خفض معدل‬
‫النمو السكاني في العالم ككل)]‪.([80‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن هذا النخفاض في معدل النمو السكاني ـ كما تفيد تلك‬ ‫ولكن الواضح أ ّ‬
‫ً‬
‫الدراسات ـ لم يكن مرتبطا بزيادة الناتج القومي وتحسين دخل الفرد‪ ،‬بل‬
‫وأهم من ذلك أنه كان مرتبطا ً بعدالة توزيع ذلك الدخل والخدمات‪ ،‬نتيجة‬
‫لسياسات تحويل الموارد في العديد من الدول النامية نحو خدمة المجموعات‬
‫الفقر فيها‪ .‬فقد انخفضت معدلت المواليد خلل تلك الفترة في بلد مثل‪:‬‬
‫مصر‪ ،‬وهونج كونج‪ ،‬وتايوان‪ ،‬والرجنتين‪ ،‬وكوبا‪ .‬حيث ارتبط ذلك المر باتباع‬
‫سياسات تنموية قومية كانت موجهة لصالح الفئات والقطاعات الفقيرة من‬
‫قق لها مستويات عدالة أكبر في توزيع الدخل خلل تلك‬ ‫المجتمع فيها‪ ،‬مما ح ّ‬
‫ن الدول التي شهدت خلل تلك‬ ‫الفترة المشار إليها‪ .‬وبالعكس فقد ُوجد أ ّ‬
‫الفترة تدهورا ً بالنسبة لوضاع فئات الدخل المنخفض مثل‪ :‬البرازيل‪ ،‬فنزويل‪،‬‬
‫المكسيك‪ ،‬والفلبين؛ فإنها لم تتأثر أو تتدنى فيها معدلت المواليد بأي نسبة‬
‫تذكر)]‪.([81‬‬
‫قق للفراد‬ ‫ً‬
‫وكذلك)]‪ ([82‬تؤكد نتائج الدراسات التي تمت حديثا بأنه كلما تح ّ‬
‫مستوى أفضل للدخل والصحة والتعليم؛ انخفض معدل الخصوبة‪ ،‬وبالتالي‬
‫يصغر حجم السرة ويتم خفض النمو السكاني)]‪.([83‬‬
‫وعلى ضوء تلك المعاني والمدلولت المتعلقة بحرية النسان في الفعل‬
‫والختيار ومسؤوليته في ذلك من جانب‪ ،‬ومحاذير الوقوع في مصيدة‬
‫دد المنهج السلمي وطريقته في‬ ‫الستضعاف ومخاطره من جانب آخر‪ ،‬يتح ّ‬
‫ل‪ ،‬على أساس‬ ‫حل مشكلة السكان‪ ،‬انطلقا ً من معالجة الفقر واستئصاله أو ً‬
‫ن ذلك يؤدي تلقائيا ً إلى الحد من النجاب أو تنظيم الّنسل‪ ،‬ثم يأتي بعد ذلك‬ ‫أ ّ‬
‫ن الفعل الخاص بالحد من‬ ‫الحد من النجاب أو تنظيم السرة باعتبار أ ّ‬
‫النجاب ينطلق من التصرف الشخصي للنسان‪ ،‬بإرادته الحرة وبصيرته‬
‫ومسؤوليته في ذلك‪ ،‬من دون تأثير عليه من خارج ذاته أو إجبار من أحد على‬
‫فعل ذلك‪.‬‬
‫وهكذا جاء أيضا ً الموقف السلمي من عملية تحديد الّنسل أو تنظيمه محددا ً‬
‫بجوازه‪ ،‬ل على أساس الفهم القتصادي القائم على عدم كفاية الموارد‬
‫بالنسبة للسكان إذا ما تزايد عددهم؛ وإنما انطلقا ً مما يتمتع به النسان من‬
‫حق وحرية في اختيار التحديد أو عدمه‪ ،‬وفقا ً لمانة الحرية والبصيرة البناءة‬
‫مل تبعة فعلها‪ .‬هذا‬ ‫التي تفعل مختارة وتعلم لماذا هي فاعلة ما تفعل وتتح ّ‬
‫ن التشريع السلمي قد دعا إلى النجاب والكثار من البناء‪،‬‬ ‫بالرغم من أ ّ‬
‫غب في الّنسل وتكثيره‪ ،‬واعتبره أمرا ً مستحبا ً خصوصًا‪،‬‬ ‫ض على ذلك‪ ،‬ور ّ‬ ‫ح ّ‬‫و َ‬
‫مة اجتماعيًا‪ ،‬واقتصاديًا‪ ،‬وعسكريًا‪ ،‬وتزيدها عزة‬ ‫ُ‬
‫لن كثرة الّنسل تقوي ال ّ‬
‫ومنعة‪ ،‬وفيها من المزايا والفوائد الخرى‪.‬‬
‫ولقد أجاز الفقهاء تنظيم الّنسل باستعمال الموانع والعقاقير الطبية التي تمنع‬
‫الحمل‪ ،‬انطلقا ً من حق النسان وحريته الشخصية في تحديد النجاب‪ ،‬ووفقا ً‬
‫لما تقتضيه الضرورة الشخصية‪ .‬والتي يترك تقديرها لضمير الفرد ودينه‪،‬‬
‫ن هذا‬‫ولكن ليس تأسيا ً بنظرية عدم كفاية الطبيعة لعاشة البشرية‪ .‬فإ ّ‬
‫المفهوم يتناقض مع الصل العتقادي في السلم‪.‬‬
‫ن يعمل بمبدأ تحديد الّنسل وتنظيمه‬ ‫وبذا يمكن للمسلم والمجتمع السلمي أ ْ‬
‫ن‬
‫ن هذا التحديد ل يصح أ ْ‬ ‫لسباب صحية أو غيرها من السباب الشرعية على أ ّ‬
‫مة السلمية البشري‪ ،‬واختلل الموازنة‬ ‫ُ‬
‫يصل إلى حد الضرار بكيان ال ّ‬
‫ن جواز وقف‬ ‫السكانية بينها وبين العالم غير السلمي‪ .‬وُيفهم من هذا أ ّ‬
‫النجاب أو تحديد الّنسل كما بّينه الفقهاء مرهون بمعرفة السبب الدافع إليه‪،‬‬
‫ن كان السبب خشية الجوع والفقر؛ فهو‬ ‫والحاطة بالنتائج المترتبة عليه‪ .‬فإ ْ‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مة السلمية ومنعتها وفيه إضعاف‬ ‫ُ‬


‫ن الفعل ينقص عزة ال ّ‬ ‫غير جائز‪ ،‬وإن كا ْ‬
‫لها اجتماعيا ً واقتصاديا وعسكريا؛ فإنه أيضا ل يجوز)]‪.([84‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫نالت مسألة التكاثر السكاني اهتماما ً متزايدا ً منذ القدم في العالم الوربي‪،‬‬
‫وكان اختلف وجهات النظر فيها منذ البداية‪ ،‬وارتبط ذلك الخلف بوجهات‬
‫ن تكاثر السكان يعني‬ ‫جع تزايد السكان‪ ،‬انطلقا ً من مفهوم أ ّ‬ ‫نظر‪ ،‬منها ما يش ّ‬
‫القوة الحربية التي تؤدي إلى احترام الدولة في المجال الدولي‪ ،‬ويعني ذلك‬
‫أيضا ً زيادة قوة الدولة القتصادية على أساس كثرة القوة العاملة يزيد من‬
‫قوة النتاج‪.‬‬
‫ً‬
‫والنظريات الخرى تنادي بالحد من تكاثر السكان‪ ،‬إيمانا منها بفكرة الملءمة‬
‫والموازنة بين الموارد القتصادية أو حاجات النسان وأعداده المتزايدة‪.‬‬
‫جج‬ ‫ح َ‬‫جه لهذه النظريات المتباينة‪ ،‬وتعرض ال ُ‬ ‫ومنذ القدم كانت النتقادات تو ّ‬
‫والبراهين لذلك‪ ،‬ولكن رؤية السلم في هذه القضية واضحة ومحسومة‪،‬‬
‫فكرة‪ ،‬وعقيدة‪ ،‬ومصلحة للعباد‪.‬‬
‫ولكن فكرة التأصيل لمثل هذه المفاهيم وغيرها غائبة‪ .‬لهذا السبب حاول‬
‫كتب عنها من قَِبل‬ ‫طلع على المشكلة‪ ،‬ويتدّبر أمرها‪ ،‬ويبحث ما ُ‬ ‫الباحث أن ي ّ‬
‫الكتاب المسلمين‪ .‬لذا جاءت فكرة المقارنة بين تكاثر السكان في الفكر‬
‫الوربي‪ ،‬ومقارنة ذلك بفكرة السلم ورؤيته الواضحة وحسمه للمشكلة‬
‫السكانية‪.‬‬
‫وخلص الباحث للحقائق التالية‪:‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫بالنسبة للفكر الوربي ونظرته لهذه المشكلة؛ أصبح واضحا ً إذا أخضعنا‬
‫مشكلة التكاثر السكاني للواقع المعيش في كل العالم‪ ،‬ومن منظور مفكري‬
‫ن يعارض فكرة تحديد الّنسل ويقدم‬ ‫م ْ‬
‫الغرب أنفسهم‪ ،‬فمنذ القدم كان هناك َ‬
‫ن مشكلة التكاثر السكاني ـ حتى من‬ ‫كد أ ّ‬ ‫جج البينة في ذلك‪ ،‬وهذا ما يؤ ّ‬
‫ح َ‬‫ال ُ‬
‫ن النسان وهو الذي يتسّبب في هذه‬ ‫وجهة نظر الغربيين أنفسهم ـ أ ّ‬
‫المشكلة‪ ،‬بوسائل علمّية مختلفة‪ ،‬وبتدخله في هذه البيئة التي خلقها الله عَّز‬
‫دد موازنتها الحقيقية‪ ،‬فالنسان هو الذي يتسّبب في ظلم نفسه‬ ‫ل وح ّ‬‫ج ّ‬‫و َ‬
‫والخرين‪ ،‬وكان النسان ظلوما ً جهول‪ً.‬‬
‫ن مشكلة التكاثر السكاني مصطنعة من‬ ‫وقد استبان المر في نظر السلم أ ّ‬
‫جع السلم على‬ ‫قَِبل الفكر الغربي‪ ،‬ولكنها محسومة من ناحية علمية‪ ،‬بل ش ّ‬
‫التكاثر بصورة أوضح مما تصورته العصور الغربية القديمة‪ ،‬فالكثرة السكانية‬
‫في نظر الغرب نفسه ـ قديما ً وحديثا ً ـ هي نوع من الظواهر الحضارية‬
‫)الكثرة العددية والنوعية(‪ .‬وهم يعلمون هذا جيدًا‪ ،‬ولكن ل يريدون ذلك‬
‫ن الدول النامية‬
‫لغيرهم‪ ،‬خاصة وأ ّ‬
‫ـ معظمها مسلمة ـ وهي التي تحتفظ بخيراتها الطبيعية من بترول‪ ،‬ومعادن‪،‬‬
‫ما ً‬
‫ومياه‪ ،‬وسعة في الراضي الزراعية‪ ،‬ولم يبق لها سوى التكاثر السكاني ـ ك ّ‬
‫وكيفا ً ـ والوعي الحضاري‪ ،‬الذي يمكنهم من استخراج هذه الخيرات‪ .‬وهذا ما‬
‫يخيف هؤلء العداء‪ ،‬مما دعاهم لصطناع الحيل‪ ،‬وتأجيج نيران العنف‬
‫والمشاكل في الدول النامية‪ ،‬وفرض الهيمنة عليها‪.‬‬
‫فمشكلة التكاثر السكاني ـ في نظر السلم ـ واضحة وبّينة وطريقة حلها‬
‫تنطلق من إزالة الفقر‪ ،‬ورفع حاجة الناس بالتنمية‪ ،‬وتوفير المن المادي‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن ذلك شرط ضروري مسبق لكي تتم‬ ‫والغذائي‪ ،‬والعناية بذلك على اعتبار أ ّ‬
‫عملية اختيار النسان بين النجاب أو عدمه بحّرية تامة‪ ،‬وبصيرة متفتحة‪،‬‬
‫ومسؤولية كاملة‪ .‬وعلى كل مسلم تفّهم ذلك جيدًا‪ ،‬وتفّهم معنى الحضارة‪،‬‬
‫خر‪،‬‬‫ن الحضارة في الزواج المتأ ّ‬ ‫والتي يفهمها كثير من الشباب المسلم الن بأ ّ‬
‫ف يؤهله للصرف والبذخ‪ ،‬وبعد تكوين نفسه ـ كما يقولون ـ‬ ‫ل كا ٍ‬‫بعد جمع ما ٍ‬
‫وربما يصل ذلك إلى ما بعد سن الربعين‪ ،‬هذا إذا وُّفق‪ .‬وبعد ذلك يرى الكثير‬
‫ن مفهوم الحضارة في النجاب بولدٍ واحد واثنين أو ثلثة على الكثر‪،‬‬ ‫منهم أ ّ‬
‫وهذا مفهوم خاطئ للحضارة‪ ،‬حتى من وجهة نظر الغرب ناهيك عن وجهة‬
‫النظر السلمية‪ ،‬التي تدعو إلى التكاثر السكاني‪ ،‬الذي فيه العزة والقوة‬
‫والمنعة‪ ،‬وفيه المباهاة التي دعانا لها الرسول صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وهذا كله مدعاة للباحث لن يخوض في مثل هذه المواضيع‪ ،‬تأصيل ً لرؤى‬
‫حضارية إسلمية يجهلها العدد الغفير من المسلمين‪.‬‬
‫التوصيات‪:‬‬
‫]‪ [1‬الحل المثل لمشكلة النمو السكاني السريع من وجهة نظر السلم؛‬
‫يمكن الوصول إليه عبر التنمية وتطبيق ركن السلم )الزكاة(‪ ،‬والذي يتم‬
‫بموجبه استئصال الفقر وتحقيق الرفاهية في المجتمع‪.‬‬
‫]‪ [2‬التكاثر السكاني ظاهرة مصحوبة بالخير والبركة‪ ،‬وهو إعمار للرض‪،‬‬
‫وتكوين للسرة‪ ،‬من أجل تحقيق السكن النفسي‪ ،‬والمحافظة على قيم العفة‬
‫والفضيلة‪.‬‬
‫ن عنصر السكان ـ كمصدر لليدي العاملة ـ يمثل عامل ً ضروريا ً بالنسبة‬ ‫]‪ [3‬إ ّ‬
‫للنتاج للدول المتقدمة‪ ،‬بسبب إحلل اللة والتكنولوجيا محل النسان في‬
‫ن النسان هو مصدر التفكير‪ ،‬وهو صانع هذه التكنولوجيا‬ ‫ذلك‪ ،‬ولكننا نقول‪ :‬إ ّ‬
‫دعونها‪.‬‬ ‫التي ي ّ‬
‫ن تحقيق المصالح القتصادية المتمثلة في التبادل التجاري وغيره‪ ،‬يعتمد‬ ‫]‪ [4‬إ ّ‬
‫على الكم العددي والنوعي للشعوب التي يتم التعامل معها أو العتماد على‬
‫تزايدها‪.‬‬
‫ً‬
‫]‪ [5‬النمو السكاني في العالم السلمي يمثل تحديا للدول الغربية‪ ،‬خاصة إذا‬
‫صحب هذا النمو الوعي والتقدم العلمي‪ ،‬فيصبح تهديدا ً سياسيًا‪ ،‬واقتصاديًا‪،‬‬
‫واستراتيجيًا‪ ،‬وعسكريًا‪ ،‬لهذه الدول المعادية للسلم فكريًا‪.‬‬
‫ن جعل مشكلة النمو السكاني‪ ،‬التي تعني النقص في الغذاء‬ ‫]‪ [6‬إ ّ‬
‫دعي الدول المتقدمة ـ والتي أوهمت بها دول العالم السلمي‪،‬‬ ‫ـ كما ت ّ‬
‫وجعلتها تتعامل مع هذا الوهم‪ ،‬وأنها دائما ً هي في حاجة إلى الغاثة التي‬
‫تقدمها الدول المتقدمة‪ ،‬وتفرض بموجبها سياسات مدمرة للشعوب‬
‫السلمية‪ .‬فل ب ُد ّ من وعي ذلك والتخلص من هذا الوهم ورسم سياسات‬
‫علمية تدحض هذا الوهم‪.‬‬
‫]‪ [7‬المطلوب من دول العالم السلمي‪ ،‬وضع الخطط التي يتم بموجبها‬
‫التكاثر السكاني‪ ،‬ووضع البرامج المشجعة لذلك‪.‬‬
‫المصادر والمراجع‬
‫ل‪ :‬المراجع العربية‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫]‪ [1‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫]‪ [2‬البيهقي‪ ،‬أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر‪ :‬سنن البيهقي‬
‫الكبرى‪ ،‬مكتبة بن بازر‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫]‪ [3‬ابن حجر‪ ،‬أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلني الشافعي‪ :‬فتح‬
‫الباري شرح صحيح البخاري‪ ،‬المعرفة‪1379 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [4‬أبو الحسين‪ ،‬مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري‪ :‬صحيح مسلم‪،‬‬


‫إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫]‪ [5‬أبو داود‪ ،‬سليمان بن الشعث السجستاني الزوري‪ :‬سنن أبي داود‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪.‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫]‪ [6‬ابن الخطيب‪ ،‬محمد محمد عبد اللطيف‪ :‬حقائق ثابتة في السلم‪ ،‬مطبعة‬
‫الفق‪ ،‬طهران ‪1974‬م‬
‫]‪ [7‬ابن كثير‪ ،‬الحافظ‪ :‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع بيروت ‪1970‬م‪ ،‬مجلد ‪ ،6‬ص ‪.164‬‬
‫]‪ [8‬الجوهري‪ ،‬يسري‪ :‬جغرافية السكان‪ ،‬مكتبة الشعاع للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬السكندرية‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫]‪ [9‬الجسر‪ ،‬نديم‪ :‬بشائر عن معركة المصير بين المسلمين وإسرائيل على‬
‫ضوء القرآن والحاديث‪ ،‬جوهر السلم‪ ،‬السنة الثانية العدد ‪ ،18‬أبريل‬
‫‪1975‬م‪.‬‬
‫]‪ [10‬المحاسبي‪ ،‬الحارث بن أسد‪ :‬الرزق الحلل وحقيقة التوكل على الله‪،‬‬
‫تحقيق محمد عثمان الخشن‪ ،‬مكتبة القرآن الكريم للطبع والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫القاهرة‪1984 ،‬م‪.‬‬
‫]‪ [11‬المسير‪ ،‬محمد زكي‪ :‬مبادئ علم القتصاد‪ ،‬مطابع جامعة القاهرة‪،‬‬
‫‪1973‬م‪.‬‬
‫]‪ [12‬النووي‪ ،‬محمد‪ :‬سلحنا الفريد‪ ،‬جوهر السلم‪ ،‬العدد ‪ ،8‬أبريل ‪1970‬م‪.‬‬
‫]‪ [13‬النسائي‪ ،‬أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن‪ :‬سنن النسائي‪ ،‬مكتبة‬
‫المطبوعات السلمية‪ ،‬حلب‪ ،‬ط‪1986 ،2/‬م‪.‬‬
‫]‪ [14‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ :‬برنامج‪) :‬الشريعة والحياة(‪ ،‬قناة الجزيرة الفضائية‬
‫القطرية‪19/4/1998 ،‬م‪.‬‬
‫]‪ [15‬الشايقي‪ ،‬جعفر حسن‪ :‬زيف العتقاد في مضار تكاثر العباد‪ ،‬شركة‬
‫سودان للعملة المحدودة‪ ،‬الخرطوم‪ ،‬عام ‪2000‬م‪.‬‬ ‫مطابع ال ّ‬
‫]‪ [16‬الشايقي‪ ،‬جعفر حسن‪ :‬تحليل لبعض مشكلت التنمية وإمكانياتها في‬
‫سودان‪ ،‬دراسات اتحاد كتاب وأدباء المارات‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬السنة الولى‪،‬‬ ‫ال ّ‬
‫عام ‪1990‬م‪.‬‬
‫]‪ [17‬براون‪ ،‬ليستروكين‪ ،‬هال‪ :‬السكان وكوكب الرض‪ ،‬ترجمة ليلى زيدان‪،‬‬
‫الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية‪ ،‬القاهرة‪1966 ،‬م‪.‬‬
‫]‪ [18‬محبوب الحق‪ :‬ستار الفقر‪ :‬خيارات أمام العالم الثالث‪ ،‬ترجمة أحمد‬
‫فؤاد بلبع‪ ،‬الهيئة العربية العامة للكتاب‪ ،‬عام ‪1977‬م‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬المراجع النجليزية‪:‬‬
‫‪Lappe, F.M. and other: Solid Warte Pollution, causes and cures,-1‬‬
‫‪.Washington, 1976.B:34‬‬
‫‪Miller, G.T the poverty of nations: the political Economy of Hunger and-2‬‬
‫‪.population, the John Hoplins University press, U.S.A.1980.B.161‬‬
‫‪Murdoch, W.W :( Counting Kilocalories) Focus vol 30,No.3-3‬‬
‫‪.Jon-.Feb.198.B.15-83‬‬
‫‪United Nations Population Fund: Population Growth and Economic-4‬‬
‫‪.Development ,1993.B.11‬‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪----------‬‬
‫)]‪United Nation Population Fund: Population Growth and Economic ([1‬‬
‫‪Development -1993.BII‬‬
‫)]‪ ([2‬بروان‪ ،‬ليتروكين‪ ،‬هال‪ :‬السكان وكوكب الرض‪ ،‬ترجمة ليلي زيدان‪،‬‬
‫الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية‪ ،‬القاهرة‪1966 ،‬م‪ ،‬ص‬
‫‪.30‬‬
‫)]‪ ([3‬جعفر حسن الشايقي‪ :‬زيف العتقاد في مضار تكاثر العباد‪ ،‬شركة‬
‫سودان للعملة المحدودة‪ ،‬الخرطوم‪2000 ،‬م‪ ،‬ص ‪.9‬‬ ‫مطابع ال ّ‬
‫)]‪ ([4‬يسري الجوهري‪ :‬جغرافية السكان‪ ،‬مكتبة الشعاع للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬السكندرية‪1997 ،‬م‪ ،‬ص ‪.113-111‬‬
‫)]‪ ([5‬يسري الجوهري‪ :‬جغرافية السكان‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫)]‪ ([6‬محمد السيد غلب‪ :‬في قانون السكان لتوماس روبرت مالتس‪،‬‬
‫المركز الديموغرافي لشمال إفريقيا‪ ،‬القاهرة‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫)]‪ ([7‬محمد زكي المسير‪ :‬مبادئ علم القتصاد‪ ،‬مطابع جامعة القاهرة‪،‬‬
‫‪1973‬م‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫)]‪ ([8‬محبوب الحق‪ :‬ستار الفقر خيارات أمام العالم الثالث‪ ،‬ترجمة أحمد‬
‫فؤاد بلبع‪ ،‬الهيئة العربية العامة للكتاب‪1977 ،‬م‪ ،‬ص ‪.151-150‬‬
‫)]‪Hunger and Population, John Hyphin University Press, Baltimore([9‬‬
‫‪U.S.A ,1980. Miller, G.T, The Poverty of nations: The Political Economy of‬‬
‫)]‪ ([10‬محبوب الحق‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.109-108‬‬
‫)]‪ ([11‬سورة البقرة‪ ،‬الية )‪.(187‬‬
‫)]‪ ([12‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ :‬برنامج‪) :‬الشريعة والحياة(‪ ،‬قناة الجزيرة‬
‫الفضائية القطرية‪ ،‬مقابلة بتاريخ ‪19/4/1998‬م‪.‬‬
‫)]‪ ([13‬سورة الشورى‪ ،‬اليتان )‪.(50-49‬‬
‫)]‪ ([14‬ابن الخطيب‪ ،‬محمد محمد عبد اللطيف‪ :‬حقائق ثابتة في السلم‪،‬‬
‫مطبعة الفق‪ ،‬طهران‪1974 ،‬م‪.‬‬
‫)]‪ ([15‬سورة إبراهيم‪ ،‬الية )‪.(39‬‬
‫)]‪ ([16‬سورة مريم‪ ،‬الية )‪.(53‬‬
‫)]‪ ([17‬سورة النبياء‪ ،‬الية )‪.(90‬‬
‫)]‪ ([18‬سورة مريم‪ ،‬الية )‪.(19‬‬
‫)]‪ ([19‬سورة آل عمران‪ ،‬الية )‪.(38‬‬
‫)]‪ ([20‬سورة الفرقان‪ ،‬الية )‪.(74‬‬
‫)]‪ ([21‬سورة آل عمران‪ ،‬الية )‪.(8‬‬
‫)]‪ ([22‬سورة النعام‪ ،‬الية )‪.(165‬‬
‫)]‪ ([23‬سورة المائدة‪ ،‬الية )‪.(20‬‬
‫)]‪ ([24‬سورة النعام‪ ،‬الية )‪.(6‬‬
‫)]‪ ([25‬سورة النعام‪ ،‬الية )‪.(122‬‬
‫)]‪ ([26‬سورة هود‪ ،‬الية )‪.(82‬‬
‫)]‪ ([27‬سورة الفيل‪ ،‬الية )‪.(5‬‬
‫)]‪ ([28‬سورة الواقعة‪ ،‬اليتان )‪.(59-58‬‬
‫)]‪ ([29‬سورة هود‪ ،‬الية )‪.(61‬‬
‫)]‪ ([30‬سورة البقرة‪ ،‬الية )‪.(143‬‬
‫)]‪ ([31‬سورة آل عمران‪ ،‬الية )‪.(110‬‬
‫)]‪ ([32‬الجسر‪ ،‬نديم‪ :‬بشائر عن معركة المصير بين المسلمين وإسرائيل‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على ضوء القرآن والحاديث‪ ،‬جوهر السلم‪ ،‬السنة الثانية‪ ،‬العدد ‪ ،18‬أبريل‬
‫‪1975‬م‪.‬‬
‫)]‪ ([33‬سورة العراف‪ ،‬الية )‪.(86‬‬
‫)]‪ ([34‬سورة المنافقون‪ ،‬الية )‪.(8‬‬
‫)]‪ ([35‬أخرجه أبو داود في سننه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬برقم ‪.1754‬‬
‫)]‪ ([36‬سورة النفال‪ ،‬الية )‪.(60‬‬
‫)]‪ ([37‬سورة غافر‪ ،‬الية )‪.(82‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫)]‪ ([38‬سورة القصص‪ ،‬الية )‪.(78‬‬


‫)]‪ ([39‬سورة التوبة‪ ،‬الية )‪.(69‬‬
‫)]‪ ([40‬سورة الجن‪ ،‬الية )‪.(24‬‬
‫)]‪ ([41‬سورة النفال‪ ،‬الية )‪.(26‬‬
‫)]‪ ([42‬سورة آل عمران‪ ،‬الية )‪.(123‬‬
‫)]‪ ([43‬سورة النفال‪ ،‬اليتان )‪.(44-43‬‬
‫)]‪ ([44‬سنن أبي داود‪ ،‬كتاب الملحم‪ ،‬برقم ‪.3745‬‬
‫)]‪ ([45‬سورة التوبة‪ ،‬الية )‪.(25‬‬
‫)]‪ ([46‬سورة البقرة‪ ،‬الية )‪.(249‬‬
‫)]‪ ([47‬النووي‪ :‬سلحنا الفريد‪ ،‬جوهر السلم‪ ،‬العدد ‪ ،8‬أبريل ‪1970‬م‪ ،‬ص‬
‫‪41‬ـ ‪.42‬‬
‫)]‪ ([48‬حلية الولياء‪ ،‬أبو نعيم أحمد بن عبد الله الصبهاني‪ ،‬دار الكتاب‬
‫العربي‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪1405‬هـ‪ ،‬ط‪.5/303 ،4/‬‬
‫)]‪ ([49‬تاريخ الطبري‪ ،‬محمد بن جرير الطبري‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪1407‬هـ‪ ،‬ط‪.2/337 ،1/‬‬
‫)]‪ ([50‬سورة الرعد‪ ،‬الية )‪.(11‬‬
‫)]‪ ([51‬سنن أبي داود‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬برقم ‪.1754‬‬
‫)]‪ ([52‬سورة فصلت‪ ،‬الية )‪.(10‬‬
‫)]‪ ([53‬سورة الرعد‪ ،‬الية )‪.(8‬‬
‫)]‪ ([54‬ابن كثير‪ ،‬الحافظ‪ :‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬بيروت‪1970 ،‬م‪.6/164 ،‬‬
‫)]‪ ([55‬سورة إبراهيم‪ ،‬الية )‪.(34‬‬
‫)]‪ ([56‬أخرجه أبو داود في كتاب الطعمة برقم ‪ ،3272‬وابن ماجة في‬
‫الطعمة برقم ‪ ،3277‬والمام أحمد في مسند المكيين برقم ‪.15498‬‬
‫)]‪ ([57‬سورة الكهف‪ ،‬الية )‪.(109‬‬
‫)]‪ ([58‬سورة ص‪ ،‬الية )‪.(54‬‬
‫)]‪ ([59‬سورة النحل‪ ،‬الية )‪.(96‬‬
‫)]‪ ([60‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب البر والصلة والداب‪ ،‬برقم ‪.4674‬‬
‫)]‪ ([61‬سورة الرعد‪ ،‬الية )‪.(8‬‬
‫)]‪ ([62‬سورة فاطر‪ ،‬الية )‪.(11‬‬
‫)]‪ ([63‬ابن الخطيب‪ ،‬محمد محمد عبد اللطيف‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪68-67‬‬
‫)]‪ ([64‬سورة فصلت‪ ،‬الية )‪.(10‬‬
‫)]‪ ([65‬سورة الرعد‪ ،‬الية )‪.(8‬‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)]‪ ([66‬سورة الرعد‪ ،‬الية )‪.(8‬‬


‫)]‪ ([67‬ابن الخطيب‪ ،‬محمد محمد عبد اللطيف‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.68-67‬‬
‫)]‪ ([68‬سورة هود‪ ،‬الية )‪.(6‬‬
‫)]‪ ([69‬سورة العنكبوت‪ ،‬الية )‪.(60‬‬
‫)]‪ ([70‬سورة الذاريات‪ ،‬اليتان )‪.(23-22‬‬
‫)]‪ ([71‬سورة الزخرف‪ ،‬الية )‪.(32‬‬
‫)]‪ ([72‬سورة الروم‪ ،‬الية )‪.(40‬‬
‫)]‪ ([73‬المحاسبي‪ ،‬الحارث بن أسد‪ :‬الرزق الحلل وحقيقة التوكل على الله‪،‬‬
‫تحقيق محمد عثمان الخشت‪ ،‬مكتبة القرآن للطبع والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪1984‬م‪ ،‬ص ‪.43–40‬‬
‫)]‪ ([74‬سورة فصلت‪ ،‬اليتان )‪.(10-9‬‬
‫)]‪ ([75‬المحاسبي‪ :‬نفس المصدر‪ ،‬ص ‪.47–44‬‬
‫)]‪ ([76‬سورة إبراهيم‪ ،‬اليتان )‪.(33-32‬‬
‫)]‪ ([77‬محبوب الحق‪ :‬ستار الفقر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.161–160‬‬
‫)]‪ ([78‬بروان‪ ،‬ليستروكين‪ ،‬هال‪ :‬السكان وكوكب الرض‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬
‫‪.97‬‬
‫)]‪Murdoch, W.W: (Counting Kilocalories) Focus Vol 30, No.3, Jan –([79‬‬
‫‪.Feb- 1980 – B.15 – 83‬‬
‫)]‪ ([80‬محبوب الحق‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.156‬‬
‫)]‪Lappe, F.M. And others: Solid Warty Pollution: Caures and Cures,([81‬‬
‫‪Washington, 1976. B.34‬‬
‫)]‪ ([82‬محبوب الحق‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.66‬‬
‫)]‪ ([83‬جعفر حسن الشايقي‪ :‬تحليل لبعض مشكلت التنمية وإمكانياتها في‬
‫سودان‪ ،‬دراسات اتحاد كتاب وأدباء المارات‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬السنة الولى‪،‬‬ ‫ال ّ‬
‫‪1990‬م‪ ،‬ص ‪.36‬‬
‫)]‪ ([84‬ابن الخطيب‪ ،‬محمد محمد علي عبد اللطيف‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.69‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫التكامل والتوازن في الّتربية‬


‫المحتويات‬
‫مقدمة‬
‫مسوغات المطالبة بالتربية المتكاملة المتوازنة‬
‫طبيعة النسان‬
‫التوازن والتكامل سنة الله في الحياة‬
‫الشرع قائم على الوسطية والتكامل‬
‫كثرة التحديات التي تواجه المة‬
‫من صور التكامل والتوازن في المجال الفردي‬
‫أول ً ‪ :‬في التعامل مع نصوص الشرع وأحكامه‬
‫ثانيا ً ‪ :‬التكامل والتوازن في تربية ومحتوى الشخصية‬
‫ثالثا ً ‪ :‬مراعاة جوانب الشخصية المختلفة‬
‫رابعا ً ‪ :‬التكامل والتوازن في الجانب الواحد‬
‫التكامل والتوازن على مستوى المجتمع‬
‫ل‪ :‬رعاية كافة فئات المجتمع‬‫أو ً‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬التكامل بين المؤسسات التربوية‬


‫ثالثا ً ‪ :‬التكامل داخل المؤسسة التربوية الواحدة‬
‫رابعا ً ‪ :‬التكامل بين الوسائل التربوية‬
‫وسائل تعين على تحقيق التكامل والتوازن‬
‫أول ً ‪ :‬التخطيط والعداد‪:‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬وضوح الهداف واتفاقها مع الهداف الشرعية ‪:‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬المراجعة المستمرة ‪:‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬عدم الستجابة لردود الفعال‬
‫تنبيهات أخيرة‬
‫الول‬
‫الثاني‬
‫مقدمة‬
‫إن الحديث عن إنقاذ المة وعن ضرورة رسم المنهج ذي المعالم الواضحة‬
‫ث أحسب أننا قد تجاوزناه‪ ،‬وأصبح من البديهات‬ ‫في إحياء المة وإنقاذها حدي ٌ‬
‫لدى كل مسلم يشعر بواقع المة‪ ،‬ويدرك دوره في إنقاذها‪.‬‬
‫إنما مدار النقاش والحديث حول المناهج ووسائل التغير‪ ،‬وأحسب أن الغلب‬
‫حة لغرس المعاني‬ ‫من قطاع الصحوة يوافقنا أن التربية ضرورة مل ّ‬
‫حة‬ ‫والتوجيهات في صفوف الناشئة وعلى صعيد المة أجمع‪ ،‬وضرورة مل ّ‬
‫لغسل أوضار الماضي وآثاره السيئة‪ ،‬ولعداد المة لن تكون أهل ً لن تحمل‬
‫دين‪ ،‬و هذه الرسالة ل لهذه المة وحدها بل للعالم أجمع‪.‬‬ ‫هذا ال ّ‬
‫هلة‬ ‫دور وأداء هذا الواجب فل بد أن تكون مؤ ّ‬ ‫وهي حينما تسعى للقيام بهذا ال ّ‬
‫لهذه المنزلة‪ ،‬ول أظن أننا نملك بديل ً غير التربية؛ لذا فهي تستحقّ منا‬
‫الحديث الكثير عن ضرورتها والمطالبة بها‪ ،‬والحديث عن المناهج التربوية‪،‬‬
‫والحديث عن الخطاء التربوية‪ ،‬والحديث عن أساليب التربية‪.‬‬
‫إنه جانب ينبغي أن نعنى به جميعا ً ل على مستوى رجال الصحوة فحسب‪ ،‬بل‬
‫دث حول هذا الموضوع وهو‬ ‫على كافة الطبقات والمستويات‪ ،‬ونحن حين نتح ّ‬
‫دث عن جوانب كثيرة سواء أكانت جوانب فردية أم‬ ‫ي يتح ّ‬
‫موضوع ٌ شمول ّ‬
‫جوانب على مستوى المة‪ ،‬وسواء أكانت جوانب تخص الفرد بحد ذاته‪ ،‬أم‬
‫ص السرة ودور الب والم‪ ،‬أم كانت تتعّلق بالمؤسسات التربوية‪،‬‬ ‫كانت تخ ّ‬
‫دث هذا الحديث فإننا ل نعدو أن نذكر خواطر مجّردة فالحديث‬ ‫ّ‬ ‫نتح‬ ‫إننا حين‬
‫عن هذه القضية أظن أوسع من أن نأتي عليه في هذه المسية‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬حين نتحدث عن القضايا التربوية فنحن نطرح منهجا ً نظري ّا ً وربما يكون‬
‫قابل ً للصواب وللخطأ لكن هذا شيء‪ ،‬وتطبيقه على آحاد الفراد شيء آخر‪،‬‬
‫دث عن أسلوب ومنهج‪ ،‬أو عن برنامج‪ ،‬وهذا ل يعني أن زيدا ً من‬ ‫فنحن نتح ّ‬
‫ً‬
‫الناس أو عمرا من الناس ينطبق عليه هذا الكلم أو ذاك‪ ،‬ذلك أن كثيرا من‬ ‫ً‬
‫الخوة الساتذة والمرّبين يطبق ما يسمع حرفا ً بحرف‪ ،‬وما يقول قد يكون‬
‫حالة من الحالت يعيشها المربي مع من يرّبيه مع تلميذه‪ ،‬أو مع ابنه‪ ،‬وقد‬
‫تكون حالة فريدة‪ ،‬حالة لها اعتبارات خاصة‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬التربية ليست مسؤولة عن مشكلت لم تكن هي السبب في إحداثها‬
‫ووقوعها‪ ،‬إنك مثل ً قد تجد البعض من الباء يعرض مشكلة ابن من أبنائه أو‬
‫بنت من بناته قد بلغ سن التكليف‪ ،‬واستعصى على التوجيه وشب عوده؛ فلم‬
‫يعد قادرا ً على تربيته‪ ،‬فيعرض عليك مشكلته ويطلب منك حل ّ لها‪ ،‬قد تجد‬
‫حل ّ وقد تنجح؛ لكن ينبغي أن نعلم أن هذه المشكلة من أسبابها سوء التربية‬
‫ابتداًء؛ فنحن حين نتحدث عن التربية نرى أنها كفيلة – بإذن الله – لحل كثير‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من المشكلت والعقبات‪ ،‬وهي ليست مسؤولة عن حل مشكلت لم تكن هي‬


‫السبب في حدوثها‪.‬‬
‫إن المفترض أن تبدأ تربية الشاب من صغره وطفولته‪ ،‬بل أن يتربى وهو‬
‫حمل في بطن أمه؛ فضل ً عن طفولته ومراهقته وشبابه‪ ،‬وحين يسار به وفق‬
‫المنهج الشرعي والتربوي السليم فالغلب حينئذ – بإذن الله – أن يستقيم‬
‫وفق المنهج القويم وحين يفلت فلن أو فلن فالقلوب بيد الله ‪ -‬عز وجل‪.-‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬حين نتكلم عن هذه القضايا التربوية التي تخص فئة وقطاعا ً عاما ً من‬
‫الناس فهي تعني الستاذ‪ ،‬وتعني الب‪ ،‬وتعني الم‪ ،‬تعني الكثير من الناس‪،‬‬
‫حينئذ فنحن لسنا نتحدث حديثا ً أكاديميا‪ ،‬ولسنا نتحدث للمختصين؛ فل بد‬
‫ما يأخذ طابع العمومية وحينئذ أرجو أن ل يؤاخذني‬ ‫حينئذ أن يكون حديثا ً عا ّ‬
‫أهل الختصاص والصطلح حين أسطو على مصطلح من مصطلحاتهم‬
‫فأستخدمه أوسع أو أضيق مما يريدون هم أو يستخدمونه هم في قضية من‬
‫قضاياهم‪.‬‬
‫هذه مقدمات حول هذه القضايا التربوية التي سوف نطرحها في هذا الدرس‬
‫أو غيره ‪ ..‬وبعد ذلك ندلف في الحديث عن هذا الموضوع‪.‬‬
‫مسوغات المطالبة بالتربية المتكاملة المتوازنة‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إننا نطالب أن تكون التربية متكاملة‪ ،‬وأن تكون متوازنة في الوقت نفسه‪،‬‬
‫سواء على مستوى الفراد أو على المجتمع ككل‪ .‬وحين نطالب بذلك فإن‬
‫الذي يدعونا إلى هذا المر مسوغات عدة ‪:‬‬
‫طبيعة النسان‬
‫فالله سبحانه وتعالى خلق النسان بجوانب كثيرة متنوعة )جسم‪ ،‬وعقل‪،‬‬
‫ومشاعر…( وحينئذ فالمنهج التربوي الذي يريد أن يرقى بهذا النسان ينبغي‬
‫أن يكون متوافقا ً مع فطرة هذا المرء‪ ،‬ولهذا صار أي تشريع للبشر من غير‬
‫المصدر الشرعي محكوما ً عليه بالفشل والبوار؛ لنه تشريع صادر من البشر‬
‫والله – سبحانه وتعالى – هو الذي خلقهم ]أل يعلم من خلق وهو اللطيف‬
‫الخبير [ وغالبا ً ما ترى تشريعات البشر وآراءهم تأخذ جانبا ً على حساب جانب‬
‫آخر‪ ،‬وغالبا ً ما تخل بهذا التكامل أو هذا التوازن في شخصية المرء‪ ،‬إذن‬
‫فالتكامل والتوازن هو الذي يتوافق أصل ً مع خلق النسان ومع فطرته التي‬
‫فطره الله عليها‪.‬‬
‫ولضرب على ذلك مثل ً ‪ ..‬إننا حين نربي الناس على الخضوع وعلى التسليم‬
‫لكل الراء التي تطرح عليهم أيا كان مصدرها‪ ،‬ونطلب من الناس أن يعطلوا‬
‫عقولهم‪ ،‬وأل ّ يفكروا مطلقا ً فيما ُيقال لهم‪ ،‬إننا حينئذ نعطل هذا العقل الذي‬
‫خلقه الله – عز وجل – له‪ ،‬وما خلقه الله – سبحانه وتعالى – إل لحكمة‪ ،‬ولو‬
‫كانت أمور الناس تستقيم على التقليد والتبعية لخلق الله – عز وجل – لنخبة‬
‫من الناس عقول ً دون عقول سائر الناس حتى يخضع بعضهم لبعض ويكونوا‬
‫تابعين لغيرهم‪.‬‬
‫ً‬
‫أما وقد خلق الله العقول للناس جميعا فهذا يعني أن تربى العقول‪ ،‬وهذا‬
‫كموا عقولهم داخل‬‫يعني أن يربى الناس على أن يستخدموا عقولهم ويح ّ‬
‫الدائرة الشرعية التي ل تخرجهم عن حدودها‪ .‬وأي تربية تسعى إلى تكتيم‬
‫حريات الناس وعقولهم وتفكيرهم فإنها تعارض الفطرة‪ ،‬وأي منهج يخالف‬
‫الفطرة فإنه يحمل بين طياته الهلك والبوار‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وحين نأخذ منهجا ً تربوّيا يتعامل مع جانب العقل والمعرفة وحدها ويغفل عن‬
‫جانب الوجدان في نفس النسان‪ ،‬يعيش في تناقض يحكم عليه بالفشل‬
‫والبوار‪ ،‬كما هو الحال في المجتمعات الغربية المعاصرة‪ ،‬وقل مثل ذلك في‬
‫أي منهج يتعامل مع جانب واحد من جوانب النسان‪.‬‬
‫التوازن والتكامل سنة الله في الحياة‬
‫فالجنون مثل ً نتيجة لعدم توازن القدرات العقلية والحسية ولهذا يقال عن‬
‫المجنون ‪ " :‬إنسان غير موزون "‪ " ،‬والصرع العضوي من أسباب زيادة‬
‫الكهرباء في دماغ النسان "‪ " ،‬وفقر الدم أو ضعفه يحصل عن عدم توازن‬
‫كريات الدم الحمراء والبيضاء في الدم "‪ " ،‬ثم إن زيادة سائل الذن قد‬
‫يتسبب في حالة إغماء لدى النسان "‪ " ،‬كما يتسبب ضغط العين أو القلب‬
‫على انعكاسات صعبة خطيرة "‪ .‬هذه بعض النتائج التي يخّلفها عدم التوازن‬
‫في الكائن البشري‪ ،‬وهناك عشرات المثلة الخرى على ذلك‪.‬‬
‫أما عدم التوازن في الكون والحياة فهي أكثر من أن تحصى ‪ " ..‬إن تغير‬
‫نسبة الكسجين في الهواء تجعله ملوثا ً وقد تجعله س ّ‬
‫ما قاتل ً "‪ " ،‬وتغير‬
‫المعادلة المتوازنة في دوران الرض والشمس والفلك ينتج عنه كثيٌر من‬
‫المور أقلها اختلل نظام الليل والنهار‪ ،‬وتعاقب الفصول وما يؤدي ذلك من‬
‫أضرار على النسان والحيوان والنبات وعلى الحياة بكاملها "‪.‬‬
‫م بقاعدة‬ ‫وما يصنعه النسان من آلت وما يشترون من بنايات فجميعه محكو ٌ‬
‫التوازن وأي خلل في المقادير والمعايير يتسبب بنتائج خطيرة ومأساوية‪.‬‬
‫وجوانب الشخص نفسها حين ل تكون متوازنة ول متناسقة فإنها تخرج إنسانا ً‬
‫غير متناسق‪ ،‬فجمال الوجه – مثل ً – به توازن نسبي بين حجم النف والعينين‬
‫والفم والرأس؛ بحيث لو اضطربت هذه النسب لكانت صورة مشوهة هزيلة‬
‫أو ناقصة‪ ،‬وقيمة الطعام تكمن في مختلف عناصره الرئيسة بحيث تتحقق‬
‫النسبة المتوازنة لسلمة الجسم من مختلف الدهون والسكريات‬
‫والفيتامينات والملح والمعادن ‪ ..‬إلى غير ذلك‪ ،‬والحديث في هذا يطول‪.‬‬
‫والخلل بالتوازن حتى في المظهر الجمالي أمر يدعو الناس إلى النفور؛‬
‫فحين يسعى النسان لتجميل منزله فيبالغ فيه أو يجعله بصورة غير متوازنة‬
‫يصبح أمرا ً مرفوضًا‪.‬‬
‫وتقرأ في كتاب الله – عز وجل – الحديث عن هذا الكون وأنه محكوم بهذه‬
‫دره تقديرا[ ويقول ] إنا كل شيء‬ ‫السنة‪ ،‬قال تعالى ‪]:‬وخلق كل شيء فق ّ‬
‫خلقناه بقدر [ ] ويمسك السماء أن تقع على الرض إل بإذنه[ ]لالشمس‬
‫ينبغي لها أن تدرك القمر ول الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون[‬
‫]الذي خلق سبع سماوات طباقا ً ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع‬
‫البصر هل ترى من فطور* ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا ً‬
‫وهو حسير [ ‪.‬‬
‫الشرع قائم على الوسطية والتكامل‬
‫إن شْرع الله – عز وجل – قائم على الوسطية في كل المور‪ :‬الوسط في‬
‫العتقاد‪ ،‬الوسط في العبادة‪ ،‬الوسط في السلوك‪ ،‬فشْرع الله – عز وجل –‬
‫قائم على هذه القاعدة ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وهو كذلك تبدو فيه ظاهرة التكامل معلما ً بارزا ً فما من مجال من مجالت‬
‫حكما ً في معتقد النسان‪،‬‬
‫حكم‪ ،‬فإنك ترى للشرع ُ‬ ‫الحياة إل وللشرع فيه ُ‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حكما ً في‬‫حكما ً في تعامل النسان مع غيره‪ ،‬وترى للشرع ُ‬ ‫وترى للشرع ُ‬


‫حكما في أخلقه‪ ،‬وفي‬ ‫ً‬ ‫حكما في سلوكه‪ ،‬وترى له ُ‬ ‫ً‬ ‫عبادة النسان‪ ،‬ترى له ُ‬
‫ً‬
‫القتصاد والسياسة وحياة الناس الجتماعية وعلقاتهم…‪ .‬إنك ل تجد بابا من‬
‫حكم واضح للشرع‪ ،‬وهذا يعني أننا أمام شرع متكامل‪.‬‬ ‫أبواب الحياة إل ّ وفيه ُ‬
‫إذا ً حينما نريد أن نربي الناس على هذا الشرع ينبغي أن نربيهم تربية متكاملة‬
‫ومتوازنة؛ ولهذا أنكر الله على بني إسرائيل الذين يؤمنون ببعض الكتاب‬
‫ويكفرون ببعض ‪ ] :‬أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من‬
‫يفعل ذلك منكم إل خزي في الحياة الدنيا [‪ ]،‬إن الذين يكفرون بالله ورسله‬
‫ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض‬
‫ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيل ً * أولئك هم الكافرون حقا ً [ ‪.‬‬
‫ذر الله – سبحانه وتعالى – نبيه من صورة نراها في‬ ‫ومن إعجاز القرآن أن ح ّ‬
‫واقعنا فحين أمر الله نبيه أن يحكم بشرع الله قال بعد ذلك ‪ ]:‬واحذرهم أن‬
‫يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك [ وكأن هذه الية تنطق بواقع القرون‬
‫المتأخرة‪ ،‬وأن هناك من يساوم على بعض شرع الله فيأخذ بعض شرع الله‬
‫ويرفض بعضه‪ ،‬فينادي بالحتكام إلى شرع الله – عز وجل – في باب من‬
‫أبواب الحياة‪ ،‬ويرفض بعد ذلك سائر البواب‪.‬‬
‫إن هذا دليل على أن هذا الشرع جاء للحياة كلها‪ ،‬وهذا يعني أن أي منهج‬
‫تربوي يريد تربية الناس على خلف هذا المنهج فهو منهج غير متكامل وغير‬
‫متوازن‪ ،‬ومعارض لهذه القاعدة الشرعية التي ل تنخرم وتراها في كل حكم‬
‫شرعي في سائر أبواب الحياة ‪.‬‬
‫كثرة التحديات التي تواجه المة‬
‫المة السلمية تواجه تحديا ً تربوّيا من أبواب شتى؛ فالشباب يعانون من‬
‫تخطيط ماكر وغزو مدبر‪ ،‬وكذلك الرجال والنساء‪ ،‬والصغير والكبير بل حتى‬
‫لت يقصد منها تربيته‬ ‫ص ومج ّ‬ ‫م وُتكتب له قص ٌ‬ ‫الطفل المسلم ُتعد له أفل ٌ‬
‫تربية تحرفه عن المنهج الشرعي‪.‬‬
‫وحياة الناس في عقيدتهم‪ ،‬وحياتهم القتصادية والجتماعية والسياسية فيها‬
‫ل‪ ،‬تحديا ً متكامل ً في جوانب الحياة كلها؛ لخلع‬ ‫تحديات؛ فنحن نواجه تحديا ً شام ً‬
‫المة عن دينها ثم تربيتها على غير شرع الله ‪ -‬عز وجل –؛ فالتربية التي‬
‫تهدف إلى إنقاذ جيل المة‪ ،‬والوقوف في وجه هذا التيار الوافد ما لم تكن‬
‫آخذة ً بالتكامل والتوازن فإنها حينئذ ٍ لن تكون مؤهلة للمواجهة‪ ،‬ولن تكون‬
‫جه به المة ‪.‬‬ ‫مؤهلة لصد ّ هذا السيل الجارف من الغزو الذي توا َ‬
‫من صور التكامل والتوازن في المجال الفردي‬
‫إننا ل نستطيع أن نأتي على جميع ما نريد فلعلنا نقتصر على بعض النماذج‬
‫على المستوى الفردي وعلى مستوى المجتمع كله ‪.‬‬
‫أول ً ‪ :‬في التعامل مع نصوص الشرع وأحكامه‬
‫إن من التكامل والتوازن في التربية هو أن ُيرّبى الفرد على التوازن في‬
‫التعامل مع نصوص الشرع وأحكامه؛ فالغلو صفة ممقوتة مرذولة بالعقل‬
‫ويأباها ويرفضها الشرع‪ ،‬والهمال والتجاوب مع رغبات النفس وشهواتها ل‬
‫يسوغ أن تكون بديل ً للغلو ] ول تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ول تبسطها كل‬
‫البسط فتقعد ملوما ً محسورا ً [‪ ]،‬وابتغ فيما آتاك الله الدار الخرة ول تنس‬
‫نصيبك من الدنيا [ ‪.‬‬
‫ّ‬
‫إننا حين نربي أبناءنا على الفوضى والتساهل في الحكام الشرعية والتفلت‬
‫منها‪ ،‬فإننا نربيهم تربية غير متوازنة تربية متطرفة إلى جانب دون جانب‪،‬‬
‫وإننا حين نربيهم على الغلو والمبالغة فإنها هي أيضا ً تربية غير متوازنة‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إننا كثيرا ً ما نسمع الشكوى من أن البن يواجه ‪ -‬مثل ً – التعويق من أبيه وهو‬
‫يدعوه إلى التجاوب مع شهواته‪ ،‬يدعوه إلى التجاوب مع التقصير والهمال بل‬
‫نرى الب وللسف يحض ابنه على التقصير في الصلة‪ ،‬والتهاون فيها‪ ،‬فيما‬
‫نرى الب أحيانا ً يدعو ابنته إلى الزهد في الحجاب والعفاف والفضيلة‪ .‬إنها‬
‫تربية غير متوازنة‪ ،‬تربية متطرفة‪ ،‬تربية تخل بهذا المبدأ‪ ،‬تخل بهذه الوسطية‬
‫التي جاء عليها شرع الله ‪ -‬عز وجل ‪. -‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬التكامل والتوازن في تربية ومحتوى الشخصية‬
‫إن التربية التي نطالب بها البوين لبنهما ليست أمُره بالصلة فقط‪ ،‬ونهيه‬
‫عن سائر الخلق السيئة فقط‪ ،‬وإن كان هذا أساسا ً ومبدأ ً هاما ً من مبادئ‬
‫التربية‪ ،‬فالتربية السليمة لبد أن ترعى صحة البن‪ ،‬إنه ل يسوغ أبدا ً أن تهمل‬
‫الم ابنها أو طفلها الصغير أو طفلتها تجاوبا ً مع داعي النوم الذي يدعوها‬
‫للراحة‪ ،‬ول يسوغ أبدا ً أن تكون المكالمات الهاتفية والحديث مع بنات جنسها‬
‫مدعاة ً لنشغالها عن صبيتها ورعايتهم‪ ،‬والب كذلك هو الخر‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫لهذا يوصي النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر في الصحيحين‪ ،‬أن‬
‫نحرص على رعاية البناء وحمايتهم مما قد يضرهم‪ .‬يقول صلى الله عليه‬
‫ذ" فهو‬ ‫وسلم ‪" :‬إذا كان جنح الليل فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئ ٍ‬
‫يأمرنا ‪ r‬أن نحرص على صحتهم وأن نحرص على إبعادهم عما قد يضر بها‪،‬‬
‫ودخل صلى الله عليه وسلم فسمع صوت صبي يبكي فقال‪" :‬ما بال صبيكم‬
‫هذا؟ فهل ّ استرقيتم له من العين" رواه المام أحمد‪ .‬ولهذا يوصي ابن القيم‬
‫– رحمه الله – برعاية هذا الجانب‪ ،‬فيقول‪":‬ومما يحتاج إليه الطفل غاية‬
‫خُلقه فإنه ينشأ على ما تعود في صغره من غضب‬ ‫الحتياج العتناء بأمر ُ‬
‫دة وجشع‪ ،‬فيصعب عليه تلفي ذلك"‪.‬‬ ‫ولجاج وعجل وخفة مع هوى وطيش وح ّ‬
‫ثالثا ً ‪ :‬مراعاة جوانب الشخصية المختلفة‬
‫إن المرء له جوانبه العقلية وجوانبه المعرفية وجوانبه الوجدانية؛ فالتربية‬
‫السليمة ينبغي أن ترعى هذه الجوانب كلها ولنقرأ – على سبيل المثال –‬
‫قراءة سريعة عاجلة في التربية والتعليم الذي نراه على مستوى المة‬
‫السلمية‪ ،‬هل التربية المدرسية الن ترعى هذه الجوانب كلها أم أنها تتعامل‬
‫ب واحد ٍ فقط من هذه الجوانب؟ ماذا يتلقى الطالب في المدرسة؟‬ ‫مع جان ٍ‬
‫إن الذي يتلقاه ل يزيد على أن يكون معلومات معرفية مجردة جافة‪ ،‬وحتى‬
‫هذه المعلومات تعطى إليه تلقينا ً يطلب منه أن يعتاد أن يخضع ويسلم‪ ،‬وأن‬
‫يعتاد على مبدأ التسول الفكري‪ ،‬يعتاد على أن يلغي عقله ويلغي تفكيره‪،‬‬
‫فكل ما يقوله له والده صواب ل يحتمل الخطأ‪ ،‬وكل ما يقوله له حق ل يقبل‬
‫الخطأ ول النقاش‪.‬‬
‫إن هذه تربية غير متكاملة تربية ل متوازنة‪ ،‬إننا بحاجة إلى أن نعيد إلى النظر‬
‫في مناهجنا التربوية‪ ،‬هل هي تغطي هذه الجوانب التربوية أم ل؟‬
‫ولك أن تتساءل كم هم من الشباب والفتيات الذين يعيشون في سن‬
‫المراهقة ويعانون من مشكلت معّينة تثور مع هذه المرحلة؟ وهل مناهج‬
‫التعليم في العالم السلمي تتعامل مع هذه المشكلت في هذه المرحلة بما‬
‫يليق؟ كم نرى في العالم السلمي بأسره من الشباب والفتيات من رواد‬
‫الجامعات ورواد المدارس‪ ،‬ممن يكونون ضحية للمخدرات أو للنحراف‬
‫الجنسي أو للخلل هنا وهناك‪ ،‬فأين أثر التربية ؟ أظن أن جزءا ً كبيرا ً من‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المشكلة يكمن في أن التربية هنا تربية غير متكاملة فهي ل ترعى إل جانبا ً‬
‫واحدا ً فقط هو الجانب المعرفي فحسب ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬التكامل والتوازن في الجانب الواحد‬
‫وفي الجانب الواحد في الرفد ذاته نحتاج إلى تكامل وتوازن؛ فالتربية العلمية‬
‫–على سبيل المثال‪ -‬بحاجة إلى أن تكون تربية متكاملة متوازنة‪ ،‬وهذا يعني‬
‫أن تتنوع التخصصات‪ ،‬وأن يتربى الشاب‪ ،‬على أن يحمل رصيدا ً متكامل ً‬
‫وخلفية علمية متكاملة مما يحتاج إليه في مرحلته وسّنه‪ ،‬ويعني ثانيا ً – أيضا –‬
‫ً‬
‫أن يتعلم أدوات البحث ووسائله ومراجعه‪ ،‬ويتعلم المنهج العلمي الصحيح؛ فل‬
‫يكون التعليم قاصرا ً على شحن ذهنه بالمعلومات فحسب‪ ،‬وحين نمعن في‬
‫مراجعة التربية المعرفية وحدها نجد أن هناك شرخا ً واضحا ً في هذا الجانب‬
‫وخلل ً واضحا ً في رعاية التكامل والتوازن فيه‪ ،‬فما بالكم بسائر الجوانب‬
‫الخرى‪.‬‬
‫وأختم الحديث عن الجانب الفردي بعبارة للحسن ‪ -‬رضي الله عنه – وكأنه‬
‫يخاطب بها جيل الصحوة‪ ،‬يقول‪ " :‬العامل على غير علم كالسالك على غير‬
‫ً‬
‫طريق‪ ،‬والعامل على غير علم ما يفسد أكثر مما يصلح؛ فاطلبوا العلم طلبا ل‬
‫تضروا بالعبادة‪ ،‬واطلبوا العبادة طلبا ً ل تضروا بالعلم‪ ،‬فإن قوما ً طلبوا العبادة‬
‫وتركوا العلم‪ ،‬فخرجوا بأسيافهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم " –‬
‫يقصد بذلك الخوارج – ولو طلبوا العلم لم يدلهم على ما فعلوا من الخروج‬
‫عن منهج محمد صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫فحري بجيل الصحوة أن يتربى تربية متكاملة‪ ،‬تربية تعنى بالعبادة الحقة‬
‫والصلة بالله – عزوجل– والعناية بالجانب العلمي والمعرفي‪ ،‬والعناية بالجانب‬
‫العملي والدعوي والتطبيقي وأن تكون تربية متكاملة ترعى هذه الجوانب‬
‫كلها ‪.‬‬
‫التكامل والتوازن على مستوى المجتمع‬
‫فالتكامل والتوازن مطلوب على مستوى المجتمع ككل‪ ،‬وهذا يشمل‪:‬‬
‫ل‪ :‬رعاية كافة فئات المجتمع‬ ‫أو ً‬
‫وذلك يعني أل تكون التربية خاصة بفئة دون فئة‪ ،‬فمن المهم أن نعنى بتربية‬
‫النشء‪ ،‬وتربية الشباب‪ ،‬وتربية طلب العلم‪ ،‬وأن تصرف جهود كبيرة في‬
‫ذلك؛ لكن حين نغفل عن تربية قطاع مهم من قطاعات المجتمع‪ ،‬عن تربية‬
‫المرأة والفتاة‪ ،‬وعن تربية الطفل فإن هناك إخلل ً بالتكامل‪.‬‬
‫إنك ُتسّر وأنت ترى الجهود المبذولة في تربية الشباب وتربية الجيل‪ ،‬لكنك‬
‫يدركك السى حين تتأمل في الجهود المبذولة في تربية الفتاة وتربية المرأة‬
‫–على سبيل المثال‪ -‬فما الجهود التي تبذل لتربية هذا القطاع المهم من‬
‫قطاعات المجتمع ؟ وما حجم الكتابات والعمال والجهود والمدارس التربوية‬
‫التي تقدم للطفل المسلم الذي يرى وهو في منزله الفلم التي تحكي له‬
‫الشرك بالله – عز وجل – عافانا الله وإياكم؟ وللطفل الذي يتربى على‬
‫الشهوات من صغره؟ وقل مثل ذلك في سائر الطبقات‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬التكامل بين المؤسسات التربوية‬


‫وذلك بأن تتكامل الجهود وتتضافر في كامل المؤسسات التربوية من المنزل‬
‫والمدرسة والعلم والمسجد؛ فل يليق أن تربي المدرسة الشاب تربية يسمع‬
‫نقيضها بعد ذلك في الشارع‪ ،‬ويراها في وسائل العلم؟ إننا نعيش ازدواجية‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تربوية فيسمع من خلل المنبر في خطبة الجمعة حديثا ً يرى نقيضه في‬
‫الشارع‪ ،‬ونقيضه في النادي‪ ،‬ونقيضه في وسائل العلم‪ ،‬ونقيضه في المنزل‪،‬‬
‫يسمع حديثا ً في المدرسة ثم يرى نقيضه بعد ذلك في سائر المؤسسات! إن‬
‫مفرغة‪.‬‬ ‫مثل هذا السلوك ل يعدو أن ُيخرج لنا جيل ً يعيش في حلقات ُ‬
‫وحين نكون جادين في تربية الجيل‪ ،‬فلتتكامل مؤسسات التربية كلها في‬
‫المجتمع لتسير في خط واضح واحد يتفق مع عقيدتنا السلمية‪ ،‬ومع منهجنا‪،‬‬
‫ومع هوية المة‪ ،‬وحينئذٍ نرى الثمرة اليانعة بإذن الله‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬التكامل داخل المؤسسة التربوية الواحدة‬
‫إننا نرى على ‪ -‬سبيل المثال ‪ -‬في المنزل –وهو الدائرة الولى من دوائر‬
‫التنشئة الجتماعية‪ -‬تناقضا ً تربوّيا بين قطبي السرة‪ ،‬بين الب والم؛ فالب‬
‫له كلمة تخالف كلمة الم‪ ،‬والم لها منهج يخالف منهج الب‪ ،‬وكيف نتصور‬
‫شاّبا صغيرا ً أو فتاةً صغيرةً ترى التناقض وازدواجية التوجيه داخل البيت من‬
‫الم والب؟‬
‫وقد يكون هناك خلف بين الب والم حول بعض الوسائل أو الساليب‬
‫التربوية‪ ،‬وقد يكون بينهم خلف حول بعض الحلول لبعض المشكلت‪ ،‬وهذا‬
‫أمر طبعي بل ينبغي أن تختلف وجهات النظر؛ لكن هذا شيٌء‪ ،‬وبروز هذا‬
‫الخلف على السطح شيٌء آخر‪ ،‬هذا شيء‪ ،‬والتعامل مع الطفل من خلل‬
‫الختلف شيٌء آخر‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬التكامل بين الوسائل التربوية‬
‫إننا وللسف في مجالت كثيرة ل نحسن إل أسلوبا ً واحدا ً ‪ :‬أسلوب التوجيه‬
‫المباشر أسلوب المر والنهي‪ ،‬أسلوب الترهيب والوعيد والعقوبة‪ ،‬من الب‬
‫الذي يكافئ ابنه ويثني عليه حين يحسن؟ ومن الستاذ الذي يكافئ تلميذه‬
‫حين يبدو منه موقفا ً يستحق المكافأة والثناء؟‬
‫وحين نستخدم العقوبة فإننا ينبغي أن نستخدم بالقدر نفسه ‪ -‬أيضا ً – الثناء‬
‫والثواب؛ وحين نستخدم الترهيب فإننا ينبغي أن نستخدم بالقدر نفسه‬
‫الترغيب؛ وحين نستخدم التوجيه المباشر فإننا ينبغي ‪ -‬أيضا ً – أن نستخدم‬
‫بالقدر نفسه التوجيه غير المباشر؛ إننا نفتقر كثيرا ً في مؤسساتنا التربوية في‬
‫المدرسة والمنزل‪-‬بل ربما في الدرس التربوي في المسجد‪ -‬نفتقر إلى‬
‫التكامل بين الوسائل والساليب التربوية؛ فل نكاد نجيد إل ّ أساليب محدودة‪،‬‬
‫والساليب المحدودة ربما تصب في قالب واحد ول شك أن هذا سوف ينتج‬
‫لنا تربية نشازا ً ‪.‬‬
‫وحين نقرأ القرآن الكريم نجد أن القرآن ينوع بين الترغيب والترهيب‪،‬‬
‫والقصة والموعظة‪ ،‬وبين الثناء وبين العتاب على الخطأ‪ .‬وسنة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم هكذا؛ فهو صلى الله عليه وسلم تارة يثني على أصحابه‪،‬‬
‫وتارة يعاتب أحدهم‪ ،‬وتارة يغضب عليه‪ ،‬وتارة يوجه توجيهه مباشرًا‪ ،‬وتارة‬
‫غير مباشر‪ ،‬وهكذا نرى هديه صلى الله عليه وسلم التكامل بين الساليب‬
‫والوسائل التربوية‪.‬‬
‫وسائل تعين على تحقيق التكامل والتوازن‬
‫كان الحديث فيما سبق عن شيء من مضمون التوازن والتكامل‪ ،‬وأرى أن ما‬
‫ذكرته ل يعدو أن يكون أمثلة تدل على ما سواها‪ ،‬ومعالم تقود إلى غيرها بعد‬
‫ذلك ننتقل إلى أمور وخطوات أظن أنها قد تكون معينة لنا على أن تتكامل‬
‫تربيتنا وأن تكون متوازنة ‪.‬‬
‫أول ً ‪ :‬التخطيط والعداد‪:‬‬
‫ن المهات والباء يجلس مع نفسه ويفكر تفكيرا ً هادئا ً في واقعه مع ابنه‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫َ‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وابنته؟‪ ،‬وكيف يمكنه التعرف على مشكلتهما وكيف سيتعامل مع هذه‬


‫المشكلة وتلك؟ وكيف سيوفق في هذا الهدف أو ذاك؟‬
‫والستاذ والمربي أّيا كان موقعه كم يأخذ منه التفكير والتخطيط والترتيب‬
‫للعملية التربوية؟‬
‫حينئذٍ ندرك سر الخلل؛ وأنه صادر عن تصرفات مرتجلة لم يسبقها تخطيط‬
‫وتقعيد من قبل ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬وضوح الهداف واتفاقها مع الهداف الشرعية ‪:‬‬
‫فينبغي أن نرسم أهدافا ً نريد أن نصل إليها‪ ،‬وهذه الهداف يجب أن تكون‬
‫أهدافا ً منضبطة مع الضوابط الشرعية؛ فالتربية التي تدعو إلى تكوين‬
‫المواطن الصالح تربية تخالف المنطلقات الشرعية؛ لن المة السلمية أمة‬
‫واحدة ل تعرف الحدود ول تعرف الحواجز‪ ،‬وحين نربي أبناءنا وبناتنا على‬
‫القليمية وعلى العنصرية‪ ،‬على أن يوالي ويعادي على المعايير القبلية‬
‫والقليمية والوطنية‪ ،‬فإن ذلك هدف غير شرعي‪.‬‬
‫وأخطر من ذلك حين تتطور القضية على المستوى الفكري وعلى مستوى ما‬
‫يطرح في الساحة‪ ،‬فيربى الناس على التعلق بالقومية‪ ،‬وبالشعارات الوطنية‪،‬‬
‫إن هذا يخرج لنا أمة متناقضة أمة متناحرة‪.‬‬
‫م الول هو تحصيل المادة‪ ،‬وحين‬ ‫ّ‬ ‫همه‬ ‫وحين نربي بناتنا وأولدنا على أن يكون‬
‫نربيهم على أن يكون هم التعليم هو تحصيل الشهادة فهذه أهداف مرفوضة‪،‬‬
‫وأهداف ل تتوافق مع أهداف الشريعة التي يريدها الله ‪ -‬عز وجل – أن تخرج‬
‫المسلم العابد المتجرد لله عز وجل ‪. -‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬المراجعة المستمرة‬

‫)‪(5 /‬‬

‫إنما ينبغي أن نراجع كثيرا ً من مناهجنا التربوية‪ ،‬وأن نراجع الساليب‬


‫والوسائل التي نستخدمها في بيوتنا وفي مدارسنا ومؤسساتنا التربوية‪ ،‬وكل‬
‫عمل تربوي نرسمه فهو جهد بشري ل يستغني عن المراجعة والتصحيح‪،‬‬
‫وحين نرفض المراجعة فإن هذا يعني أن نبقى على ما نحن عليه من أخطاء‬
‫لت وهفوات ‪.‬‬ ‫ونبقى على ما نحن عليه من ز ّ‬
‫رابعا ً ‪:‬عدم الستجابة لردود الفعال‬
‫إن غالب حالت الخلل الذي ينشأ في رعاية هذا الجانب إنما هي ردة فعل‬
‫واستجابة لفعال تولد النحراف‪.‬‬
‫ففي المعتقد‪ :‬المرجئة الذين قالوا ل يضر مع اليمان ذنب ‪ ,‬إنما قالوا قولهم‬
‫فروا مرتكب الكبيرة‪ ،‬فجاء أولئك‬ ‫هذا ردة فعل لولئك الخوارج الذين غلوا فك ّ‬
‫وغلوا في هذا الجانب‪ ،‬وأولئك النواصب الذين ناصبوا آل بيت النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم العداء إنما جاء موقفهم ردة فعل لنحراف الرافضة الذين يسبون‬
‫أصحاب النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ،-‬والذين شبهوا الله ‪ -‬سبحانه وتعالى‬
‫– بخلقه‪ ،‬إنما انطلقوا من ردة فعل لولئك الذين نفوا صفات الله ‪ -‬عز وجل‬
‫‪.-‬‬
‫وقل مثل ذلك في المدارس الفقهية والتربوية‪.‬‬
‫ّ‬
‫وحينما يكتشف النسان في تربيته لنفسه أنه قد وقع في خطأ فركز في‬
‫جانب على حساب آخر‪ ،‬فإنه غالبا ً ما يجنح إلى ردة الفعل فيغلو الطرف‬
‫المقابل؛ إنه قد يرى غيره ممن يعتني بالعبادة على حساب طلب العلم‬
‫الشرعي وعلى حساب الدعوة‪ ،‬فيرى أن هذا خطأ‪ ،‬فيعالج هذا الخطأ بخطأ ٍ‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫آخر؛ فيهمل جانب العبادة ويهمل التقرب إلى الله تعالى‪ ،‬ويعيش قاسي‬
‫القلب ليس له حظ من عبادة الله ‪ -‬سبحانه وتعالى –‪.‬‬
‫وقل مثل ذلك في سائر الجوانب‪ ،‬فينبغي أن نحذر ونحن نعالج أخطاءنا من‬
‫ردود الفعال‪ ،‬وأن نحذر أيضا ونحن نعالج أخطاء الخرين من ردود الفعال‪،‬‬
‫وأن تكون مواقفنا متزنة‪.‬‬
‫تنبيهات أخيرة‬
‫الول‬
‫إننا حين ندعو إلى التوازن في التربية‪ ،‬فندعو الشاب إلى أن تكون له صلة‬
‫بالله ‪ -‬عز وجل – والعبادة ونصيب من العلم الشرعي‪ ،‬ونصيب من الدعوة‬
‫إلى الله تعالى‪ ،‬وإنكار المنكرات ونصيب من أبواب الخير‪ ،‬فإن التوازن ليس‬
‫مرادفا ً للتساوي والتعادل‪ ،‬فهذا ل يعني أن يحمل من كل شيء قدرا ً‬
‫متساويًا‪ ،‬فإن الناس طاقات ومواهب وقدرات‪ ،‬ثم إن المة السلمية تحتاج‬
‫أبوابا ً كثيرة قد تؤدي إلى أن يربى بعض الناس على جانب‪ ،‬وأن يعنى بعض‬
‫الناس بجانب ويتأخرون في جانب آخر‪.‬‬
‫وحين ندعو إلى التوازن فإننا ل ندعو بالضرورة أن تكون النسب متساوية‬
‫ومتعادلة‪ ،‬إنما التوازن يعني على سبيل المثال أن ل تكون عبادة النسان‬
‫على حساب عنايته بالعلم الشرعي‪ ،‬وأن ل يكون طلبه للعلم على حساب‬
‫عنايته لصلح قلبه‪ ،‬أوعلى حساب دعوته‪ ،‬وقل مثل ذلك في باقي الجوانب ‪.‬‬
‫الثاني‬
‫الدعوة إلى التكامل والتوازن ل تعني إهمال التخصص؛ فالناس خلقهم الله –‬
‫عز وجل – متفاوتين في عقولهم وقدراتهم‪ ،‬كما قال المام مالك – رحمه‬
‫الله ‪" : -‬رب رجل فتح له في الصيام ولم يفتح له في الذكر‪ ،‬ورب رجل ُفتح‬
‫له في العلم ولم يفتح له في الجهاد‪ ،‬وما أظن أن ما أنا عليه دون ما أنت‬
‫عليه وأرجو أن يكون كلنا على خير وبر " قال هذا – رحمه الله – لذاك‬
‫الرجل الذي أنكر عليه العناية بالعلم وقلة التفرغ للعبادة‪ ،‬فلبد من التخصص‬
‫ول بد من أن يعنى فلن بجانب من الجوانب‪ ،‬وقد يكون على حساب غيره‪،‬‬
‫ولكن هذا التخصص ينبغي أن يكون بقدر ل يخرج المرء عن القدر المشترك‬
‫الذي ينبغي أن يكون عند الناس جميعا‪.‬‬
‫إذن فالتكامل والتوازن ل يعني إهمال التخصص ول يعني إهمال القدرات‬
‫الشخصية التي قد يفوق فيها فلن من الناس عن غيره‪ ،‬ول يعني أن تكون‬
‫ب متعادلة‪.‬‬‫المور كلها بنس ٍ‬
‫لكن الذي اشتغل بالعلم والتعلم –على سبيل المثال ‪ -‬وصرف فيه نفيس‬
‫وقته‪ ،‬وهو على خير و ل يليق به أن يهمل جانب العبادة وحقه منها إهمال ً‬
‫واسعا ً بحيث يؤدي به إلى قسوة القلب‪ ،‬وأن يكون بعيدا ً عن ما ينبغي أن‬
‫يكون عليه سمت أهل العلم‪ ،‬وقل مثل ذلك فيمن يدعو إلى الله ويحتسب‬
‫في إنكار المنكرات العامة‪ ،،‬هذا ما أردت الحديث عنه حول هذه القضية‬
‫التربوية حول قضية التكامل والتوازن‪ ،‬أسأل الله ‪ -‬عز وجل – أن يجعل فيما‬
‫قلت الخير والبركة‪ ،‬وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح‪ ،‬إنه سميع‬
‫قريب مجيب ‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫التكبر‬
‫يتناول الدرس إظهار العامل إعجابه بنفسه بصورة تجعله يحتقر الخرين‪،‬‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وينال من ذواتهم‪ ،‬ويترفع عن قبول الحق منهم‪ ،‬وما هي أسباب ذلك‪ ،‬وأثر‬
‫هذا التكبر على المتكبر نفسه وعلى العمل السلمي‪ ،‬وما مظاهر هذا التكبر‪،‬‬
‫وما هو العلج لهذا المرض ‪.‬‬
‫معنى التكبر‪:‬‬
‫لغة ‪ :‬التكبر في اللغة هو التعظم‪ ،‬أي إظهار العظمة‪ ،‬قال في 'لسان‬
‫العرب'‪':‬والتكّبر والستكبار‪ :‬التعظم‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫{ َ‬
‫ق]‪“ }[146‬سورة‬ ‫ح ّ‬ ‫ض ب ِغَي ْرِ ال َ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫ن ي َت َك َب ُّرو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ي ال ّ ِ‬ ‫ن َءاَيات ِ َ‬ ‫ف عَ ْ‬ ‫صرِ ُ‬ ‫سأ ْ‬ ‫َ‬
‫العراف” أي‪ :‬يرون أنهم أفضل الخلق‪ ،‬وأن لهم من الحق ما ليس لغيرهم' ‪.‬‬
‫اصطلحا ‪ :‬وفي اصطلح الدعاة‪ ،‬فإن التكبر هو‪ :‬إظهار العامل إعجابه بنفسه‬
‫بصورة تجعله يحتقر الخرين في أنفسهم‪ ،‬وينال من ذواتهم‪ ،‬ويترفع عن‬
‫ل‪ ] :‬لَ‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫قبول الحق منهم‪ .‬جاء في الحديث عَ ْ‬
‫ج َ‬
‫ل‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫ل‪ :‬إ ِ ّ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ن ك ِب ْرٍ [ َقا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ذ َّرةٍ ِ‬ ‫قا ُ‬ ‫مث ْ َ‬‫ن ِفي قَل ْب ِهِ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ي َد ْ ُ‬
‫ما َ‬ ‫ْ‬ ‫مي ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ة َقا َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ج َ‬ ‫ب ال َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل يُ ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ل‪ ] :‬إ ِ ّ‬ ‫سن َ ً‬ ‫ح َ‬ ‫ه َ‬ ‫سًنا وَن َعْل ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ث َوْب ُ ُ‬ ‫ن ي َكو َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫يُ ِ‬
‫س[ رواه مسلم والترمذي وأحمد‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ال ْك ِب ُْر ب َطُر ال َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫مط الّنا ِ‬ ‫حقّ وَغ ْ‬
‫الفرق بين التكّبر‪ ،‬والعزة‪:‬‬
‫الفرق بينهما‪ :‬أن التكبر ترفع بالباطل‪ ،‬والعزة ترفع بالحق ‪ .‬أو أن‬
‫التكبر‪:‬نكران النعمة وجحودها‪ ،‬والترفع‪ :‬اعتراف بالنعمة وتحدث بها‪ ،‬على‬
‫نحو ما تضمنه منه الحديث المذكور آنفا‪.‬‬
‫أسباب التكبر‪:‬‬
‫ولما كان التكبر العجاب بالنفس‪ ،‬المؤدية إلى احتقار الناس والترفع عليهم‪،‬‬
‫فإن أسبابه التي تؤدى إليه‪ ،‬وبواعثه التي ينشأ منها‪ ،‬هي بعينها‪ :‬أسباب‬
‫وبواعث العجاب بالنفس‪ ،‬والغرور‪ ،‬إذا أهملت ولم تعالج‪ ،‬وهي ل تزال في‬
‫مهدها‪ ،‬أو في أوائلها‪ ،‬ويزاد عليها‪:‬‬
‫‪ -1‬مبالغة الخرين في التواضع‪ ،‬وهضم النفس‪ :‬ذلك أن بعض الناس قد‬
‫تحملهم المبالغة في التواضع على ترك التجمل والزينة في اللباس ونحوه‪،‬‬
‫وعلى عدم المشاركة بفكر‪ ،‬أو برأي في أي أمر من المور‪ ،‬بل والعزوف عن‬
‫مل أمانة‪ ،‬وقد يرى ذلك من لم يدرك المور‬ ‫التقدم للقيام بمسئولية‪ ،‬أو تح ّ‬
‫على حقيقتها‪ ،‬فيوسوس له الشيطان‪ ،‬وتزين له نفسه‪ ،‬أن عزوف الخرين‬
‫عن كل ما تقدم إنما هو للفقر‪ ،‬أو لقلة ذات اليد‪ ،‬وإل لما تأخروا أو توانوا‬
‫لحظة‪ ،‬وتظل مثل هذه الوساوس‪ ،‬وتلك التزيينات تلح عليه‪ ،‬وتحيط به من‬
‫هنا وهناك‪ ،‬حتى ينظر إلى الخرين نظرة ازدراء وسخرية‪ ،‬في الوقت الذي‬
‫ينظر فيه إلى نفسه نظرة إكبار وإعظام‪ ،‬وقد ل يكتفي بذلك‪ ،‬بل يحاول‬
‫إبرازه في كل فرصة تتاح له‪ ،‬أو في كل مناسبة تواتيه‪ ،‬وهذا هو التكبر‪ ،‬وقد‬
‫لفت القرآن الكريم‪ ،‬والسنة النبوية‪ ،‬النظر إلى هذا السبب‪ ،‬أو الباعث من‬
‫خلل دعوتهما إلى التحدث بنعمة الله تعالى‪:‬‬
‫مةِ َرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫ث]‪] }[11‬سورة الضحى[‪.‬‬ ‫حد ّ ْ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫ما ب ِن ِعْ َ‬ ‫إذ يقول سبحانه‪{ :‬وَأ ّ‬
‫ل‪ [...‬رواه‬ ‫ما َ‬ ‫ج َ‬‫ب ال ْ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل يُ ِ‬ ‫مي ٌ‬ ‫ج ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ويقول النبي صلى الله عليه وسلم‪ ] :‬إ ِ ّ‬
‫مسلم والترمذي وأحمد‪.‬‬
‫م ِفي‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫مي َقا َ‬ ‫ج َ‬ ‫ضل َ َ‬
‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ت الن ّب ِ ّ‬ ‫ل‪ :‬أت َي ْ ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫ة ال ُ‬ ‫ك بن ن َ ْ‬ ‫مال ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫وَعَ ْ‬
‫ت‪ :‬قَد ْ آَتاِني‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل[ قُل ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن أيّ ال َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪ِ ] :‬‬ ‫م َقا َ‬ ‫ت‪ :‬ن َعَ ْ‬ ‫ل[ قُل ُ‬ ‫ما ٌ‬ ‫ل‪ ] :‬ألك َ‬ ‫قا َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫ب ُدو ٍ‬ ‫ث َوْ ٍ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ة‬
‫م ِ‬ ‫مال فلي َُر أث َُر ن ِعْ َ‬‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬
‫ل‪ ] :‬فإ َِذا آَتاك الل ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق قا َ‬ ‫ل َوالّرِقي ِ‬ ‫خي ْ ِ‬ ‫ل َوالغَن َم ِ َوال َ‬ ‫ن ال ِب ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه[رواه أبوداود والنسائي وأحمد‪.‬‬ ‫مت ِ ِ‬‫ك وَك ََرا َ‬ ‫الل ّهِ عَل َي ْ َ‬
‫وقد فهم السلف ذلك‪ ،‬فحرصوا على التحدث بما يفيض الله عليهم من نعم‪،‬‬
‫وعابوا على من يغفل هذا المر من حسابه‪ ،‬قال الحسن بن علي رضي الله‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تعالى عنهما‪] :‬إذا أصبت خيرًا‪ ،‬أو عملت خيرا ً فحدث به الثقة من إخوانك[‪.‬‬
‫وقال بكر بن عبد الله المزني‪':‬من أعطي خيرا ً فلم ير عليه‪ ،‬سمى بغيض‬
‫الله‪ ،‬معاديا ً لنعم الله' ‪.‬‬
‫‪ -2‬اختلل القيم أو معايير التفاضل عند الناس‪ :‬ذلك أن الجهل قد يسود في‬
‫الناس إلى حد اختلل القيم‪ ،‬و معايير التفاضل عندهم‪ ،‬فتراهم يفضلون‬
‫صاحب الدنيا‪ ،‬ويقدمونه حتى لو كان عاصيا ً أو بعيدا ً عن منهج الله‪ ،‬في‬
‫الوقت الذي يحتقرون فيه البائس المسكين الذي أدارت الدنيا ظهرها له‪،‬‬
‫حتى وإن كان طائعًا‪ ،‬ملتزما ً بهدى الله‪ ،‬ومن يحيا في هذا الجو‪ ،‬يتأثر به ل‬
‫محالة ‪ -‬إل من رحم الله ‪ -‬ويتجلى هذا التأثر في احتقار الخرين‪ ،‬والترفع‬
‫عليهم‪ .‬وقد ألمح القرآن والسنة إلى هذا السبب من خلل رفض هذا المعيار‪،‬‬
‫ووضع المعيار الصحيح مكانه‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن]‬ ‫إذ يقول الله سبحانه وتعالى‪ {:‬أ َيحسبو َ‬


‫ل وَب َِني َ‬ ‫ما ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ب ِهِ ِ‬ ‫مد ّهُ ْ‬ ‫ما ن ُ ِ‬ ‫ن أن ّ َ‬ ‫َ ْ َ ُ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن]‪] }[56‬سورة المؤمنون[ {وَقالوا‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫ت َبل َل ي َ ْ‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫سارِع ُ ل َهُ ْ‬ ‫‪[55‬ن ُ َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫نح َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫سط الّرْزقَ ل ِ َ‬ ‫ن َرّبي ي َب ْ ُ‬ ‫ن]‪[35‬قل إ ِ ّ‬ ‫معَذ ِّبي َ‬ ‫ن بِ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫وال وَأوْلًدا وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن أكثُر أ ْ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫م ِبالِتي‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يَ َ‬
‫م وَل أوْلد ُك ْ‬ ‫والك ْ‬ ‫م َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ن]‪[36‬وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫س ل ي َعْل ُ‬ ‫ن أكثَر الّنا ِ‬ ‫قدُِر وَلك ِ ّ‬ ‫شاُء وَي َ ْ‬
‫ُ‬
‫ما‬‫ف بِ َ‬ ‫ضعْ ِ‬ ‫جَزاُء ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ك ل َهُ ْ‬ ‫حا فَأول َئ ِ َ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن وَعَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫م ْ‬ ‫فى إ ِّل َ‬ ‫عن ْد ََنا ُزل ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫قّرب ُك ُ ْ‬ ‫تُ َ‬
‫ن]‪] }[37‬سورة سبأ[‪.‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ت َءا ِ‬ ‫م ِفي ال ْغُُرَفا ِ‬ ‫مُلوا وَهُ ْ‬ ‫عَ ِ‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫مّر عََلى َر ُ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫عدِيّ َقا َ‬ ‫سا ِ‬ ‫سعْدٍ ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ل بْ ِ‬ ‫سهْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫وَعَ ْ‬
‫ل[‬ ‫ج ِ‬ ‫ذا الّر ُ‬ ‫ن ِفي هَ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ما ت َ ُ‬ ‫م‪َ ] :‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫س هَ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ك ِفي هَ َ‬ ‫ْ‬
‫َقاُلوا َرأي َ َ‬
‫بأ ْ‬ ‫خط َ‬ ‫ن َ‬ ‫حرِيّ إ ِ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫ف الّنا ِ‬ ‫شَر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ذا ن َ ُ‬
‫فع وإن َقا َ َ‬ ‫ش َ َ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ي َ‬ ‫ت الن ّب ِ ّ‬ ‫سك َ َ‬ ‫قوْل ِهِ فَ َ‬ ‫مع َ ل ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ش ّ َ َِ ْ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫فع َ أ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ب وَإ ِ ْ‬ ‫خط ّ َ‬ ‫يُ َ‬
‫ن ِفي‬ ‫قولو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ت َ ُ‬ ‫م‪َ ] :‬‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫خُر فَ َ‬ ‫لآ َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫مّر َر ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫حرِيّ إ ِ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫قَراِء ال ُ‬ ‫ن فُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ل اللهِ هَ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ل َواللهِ َيا َر ُ‬ ‫ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫ذا[ َقاُلوا ن َ ُ‬ ‫هَ َ‬
‫صلى‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫قوْل ِهِ فَ َ‬ ‫مع ْ ل ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ل ل يُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫فعْ وَإ ِ ْ‬ ‫ش ّ‬ ‫فع َ ل ي ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ش َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح وَإ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫م ي ُن ْك ْ‬ ‫بل ْ‬ ‫َ‬ ‫خط َ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ذا[ رواه البخاري وابن‬ ‫ل هَ َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ض ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م‪ ] :‬لهَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫لِء الْر ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ٌْر ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫الل ُ‬
‫ماجه‪.‬‬
‫‪ -3‬مقارنة نعمته بنعمة الخرين ونسيان المنعم ‪ :‬فمن الناس من يحبوه الله‬
‫بنعم يحرم منها الخرين‪ ،‬كالصحة‪ ،‬أو الزوجة‪ ،‬أو الولد‪ ،‬أو المال‪ ،‬أو الجاه‬
‫والمركز‪ ،‬أو العلم‪ ،‬أو حسن الحديث‪ ،‬أو الكتابة‪ ،‬أو التأليف‪ ،‬أو القدرة على‬
‫التأثير‪ ،‬أو كثرة النصار والتباع‪ ...‬إلخ‪ ،‬وتحت بريق وتأثير هذه النعم‪ ،‬ينسى‬
‫المنعم‪ ،‬ويأخذ في الموازنة أو المقارنة بين نعمته ونعمة الخرين؛ فيراهم‬
‫دونه فيها‪ ،‬وحينئذ يحتقرهم‪ ،‬ويزدريهم‪ ،‬ويضع من شأنهم‪ ،‬وهذا هو التكبر‪ .‬وقد‬
‫لفت القرآن الكريم النظر إلى هذا السبب‪ ،‬أو إلى هذا الباعث من خلل‪:‬‬
‫جعَل َْنا‬ ‫ن َ‬ ‫جلي ْ ِ‬
‫مث ًَل َر ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫ب ل َهُ ْ‬ ‫ضرِ ْ‬ ‫حديثه عن قصة صاحب الجنتين‪ ،‬فقال‪َ {:‬وا ْ‬
‫ْ‬
‫عا]‪[32‬ك ِلَتا‬ ‫ما َزْر ً‬ ‫ْ‬ ‫ِل َحدهما جنتين م َ‬
‫جعَلَنا ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫خ ٍ‬ ‫ما ب ِن َ ْ‬ ‫فَناهُ َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫ن أعَْنا ٍ‬ ‫َ ِ ِ َ َ َّْ ِ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫مٌر‬ ‫ه ثَ َ‬ ‫نل ُ‬ ‫َ‬
‫ما ن َهًَرا]‪[33‬وَكا َ‬ ‫خللهُ َ‬ ‫جْرَنا ِ‬ ‫شي ًْئا وَفَ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫م ت َظل ِ ْ‬ ‫ت أك ُل ََها وَل ْ‬
‫َ‬ ‫ن َءات َ ْ‬ ‫جن ّت َي ْ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ماًل وَأعَّز ن َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فًرا]‪] } [34‬سورة‬ ‫ك َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫حاوُِره ُ أَنا أك ْث َُر ِ‬ ‫حب ِهِ وَهُوَ ي ُ َ‬ ‫صا ِ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫الكهف[‪.‬‬
‫‪ -4‬ظن دوام النعمة أو عدم التحول عنها‪ :‬فبعض الناس قد تأتيه النعمة من‬
‫الدنيا‪ ،‬وتحت تأثيرها وبريقها يظن دوامها‪ ،‬أو عدم التحول عنها‪ ،‬وينتهي به هذا‬
‫الظن إلى التكبر‪ ،‬أو التعالي على عباد الله‪ ،‬كما قال صاحب الجنتين‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل ما أ َظ ُ َ‬
‫ن‬‫ة وَل َئ ِ ْ‬ ‫ة َقائ ِ َ‬
‫م ً‬ ‫ساعَ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ما أظ ُ ّ‬ ‫دا]‪[35‬وَ َ‬ ‫ن ت َِبيد َ هَذِهِ أب َ ً‬ ‫نأ ْ‬ ‫ّ‬ ‫لصاحبه‪َ {:‬قا َ َ‬
‫قل ًَبا]‪]} [36‬سورة الكهف[‪.‬وكما قال الله‬ ‫َ‬
‫من ْ َ‬ ‫من َْها ُ‬
‫خي ًْرا ِ‬‫ن َ‬ ‫جد َ ّ‬ ‫ت إ َِلى َرّبي َل ِ‬ ‫ُردِد ْ ُ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن هَذا ِلي وَ َ‬ ‫قول ّ‬ ‫ه لي َ ُ‬‫ست ْ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ضّراَء َ‬‫ن ب َعْد ِ َ‬
‫م ْ‬‫مّنا ِ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬
‫ن أذقَناه ُ َر ْ‬ ‫عن النسان‪ {:‬وَلئ ِ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سَنى‪[50] ...‬‬ ‫ُ ْ‬ ‫ح‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ن‬‫ع‬
‫ِ ْ َ ُ‬ ‫لي‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫بي‬
‫َ ّ ِ ّ ِ‬ ‫ر‬ ‫لى‬ ‫ة َ ِ ْ ُ ِ ْ ُ ِ‬
‫إ‬ ‫ت‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫ئ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫م ً‬ ‫ة َقائ ِ َ‬
‫ساعَ َ‬
‫ن ال ّ‬‫أظ ُ ّ‬
‫}]سورة فصلت[‪.‬‬
‫‪ -5‬السبق بفضيلة أو أكثر من الفضائل‪ :‬كالعلم‪ ،‬أو الدعوة‪ ،‬أو الجهاد‪ ،‬و نحو‬
‫ذلك ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ذلك أن بعض الناس‪ ،‬قد يحبوهم الله بفضيلة السبق في بعض خصال الخير‪،‬‬
‫وإذا بهم ينظرون إلى اللحق نظرة ازدراء واحتقار‪ ،‬ولسان حالهم أو مقالهم‬
‫ينطق في استكبار‪ :‬ومن هؤلء الذين يعملون الن؟ لقد كانوا عدما ً أو في‬
‫حكم العدم يوم أن مشينا على الشواك‪ ،‬وتحملنا مشاق ومتاعب الطريق‪،‬‬
‫حتى عّبدناها لهم ولغيرهم من الناس‪ .‬وقد لفت المولى سبحانه إلى هذا‬
‫السبب‪ ،‬حين بين أن السبق ل يعتبر‪ ،‬ول قيمة له إل إذا كان معه الصدق‪،‬‬
‫ضلً‬ ‫َ‬ ‫ن أُ ْ‬
‫ن فَ ْ‬ ‫م ي َب ْت َُغو َ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬‫م وَأ ْ‬ ‫ن ِديارِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مَها ِ‬ ‫قَراِء ال ْ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫فقال‪ {:‬ل ِل ْ ُ‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ن]‪َ[8‬وال ّ ِ‬ ‫صادُِقو َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه أول َئ ِ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صُرو َ‬ ‫واًنا وَي َن ْ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن الل ّهِ وَرِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ن ِفي‬ ‫دو‬ ‫ج‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ر‬
‫ّ َ َ ِ َ َ ِ ْ ِِْ ْ ُ ِ ّ َ َ ْ َ َ َ ِ ِْ ْ َ َ ِ ُ َ‬ ‫ج‬ ‫ها‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫بو‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫ْ‬
‫لي‬ ‫وا‬ ‫ر‬ ‫دا‬ ‫ال‬ ‫ءوا‬ ‫ُ‬ ‫تَ َ ّ‬
‫و‬ ‫ب‬
‫م وَل َوْ َ‬ ‫َ‬
‫ن عََلى أن ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ص ٌ‬ ‫صا َ‬ ‫خ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب ِهِ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ما أوُتوا وَي ُؤْث ُِرو َ‬ ‫م ّ‬ ‫ة ِ‬ ‫ج ً‬ ‫حا َ‬ ‫م َ‬ ‫دورِهِ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ءوا‬ ‫ُ‬ ‫جا‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫[‬ ‫‪9‬‬ ‫ن]‬ ‫حو‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ئ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫أو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ح‬ ‫ش‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ُيو‬
‫َ‬ ‫ِ ْ َْ ِ ِ ْ َ‬ ‫َ ِ َ َ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ّ َ ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ِفي قُُلوب َِنا ِغّل ل ِل ّ ِ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ن وََل ت َ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫لي َ‬ ‫قوَنا ِبا ْ ِ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وان َِنا ال ّ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫فْر ل ََنا وَِل ِ ْ‬ ‫َرب َّنا اغْ ِ‬
‫م]‪]} [10‬سورة الحشر[‪ .‬ولم ينظر المولى‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬ ‫ك َرُءو ٌ‬ ‫مُنوا َرب َّنا إ ِن ّ َ‬ ‫َءا َ‬
‫سبحانه إلى سبق هؤلء إل من خلل ما قدموه من الدلة على صدقهم‬
‫وثباتهم على الحق‪ ،‬مثل ‪ :‬الهجرة‪ ،‬والنصرة‪ ،‬واتباع سبيل المؤمنين‪ ،‬وحسن‬
‫الصلة بالله‪ ،‬ومعرفة الفضل لذويه‪..‬وهكذا صار مبدأ السلم‪' :‬ليس الفضل‬
‫ما‬ ‫صد َُقوا َ‬ ‫ل َ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ن رِ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫لمن سبق‪ ،‬بل لمن صدق'‪ ..‬وصدق الله‪ِ {:‬‬
‫ديل]‪[23‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ما ب َد ّلوا ت َب ْ ِ‬ ‫ن ي َن ْت َظ ُِر وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه وَ ِ‬ ‫حب َ ُ‬ ‫ضى ن َ ْ‬ ‫ن قَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه عَل َي ْهِ فَ ِ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫عاهَ ُ‬ ‫َ‬
‫} ]سورة الحزاب[‪.‬‬
‫‪ -6‬الغفلة عن الثار المترتبة على التكبر ‪ :‬والعواقب المهلكة المترتبة على‬
‫التكبر في الرض بغير الحق‪ ،‬ذلك أن من غفل عن الثار الضارة ل ِعِل ّةٍ من‬
‫العلل‪ ،‬أو آفة من الفات؛ فإنه يصاب بها‪ ،‬وتتمكن من نفسه‪ ،‬ول يشعر بذلك‬
‫إل بعد فوات الوان‪ ،‬وبعد الستعصاء على القلع والعلج ‪.‬‬
‫مظاهر التكّبر‪:‬‬
‫ي صفحة العنق‪ ،‬وتصعير الخد‪ :‬قال‬ ‫‪ -1‬الختيال في المشية‪ ،‬مع ل ّ‬
‫صعّْر‬ ‫َ‬
‫خوٍر]‪] }[23‬سورة الحديد[ {وَل ت ُ َ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫خَتا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه َل ي ُ ِ‬ ‫تعالى‪َ{:‬والل ّ ُ‬
‫ه َل ي ُ ِ‬ ‫َْ‬
‫خوٍر]‪[18‬‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫خَتا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حا إ ِ ّ‬ ‫مَر ً‬ ‫ض َ‬ ‫ش ِفي الْر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫س وََل ت َ ْ‬ ‫ك ِللّنا ِ‬ ‫خد ّ َ‬ ‫َ‬
‫} ]سورة لقمان[ ‪.‬‬
‫‪ -2‬الفساد في الرض عندما تتاح الفرصة مع رفض النصيحة‪ ،‬والستنكاف‬
‫شهِد ُ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي ُ ْ‬ ‫ه ِفي ال ْ َ‬ ‫ك قَوْل ُ ُ‬ ‫جب ُ َ‬ ‫ن ي ُعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫عن الحق‪ :‬قال تعالى‪{ :‬وَ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ما ِفي قَل ْب ِهِ وَهُوَ ألد ّ ال ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫سَعى ِفي الْر ِ‬ ‫م]‪[204‬وَإ َِذا ت َوَلى َ‬ ‫صا ِ‬ ‫خ َ‬ ‫ه عََلى َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ل لَ ُ‬
‫ه‬ ‫ساَد]‪[205‬وَإ َِذا ِقي َ‬ ‫ف َ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه َل ي ُ ِ‬ ‫ل َوالل ّ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ث َوالن ّ ْ‬ ‫حْر َ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫سد َ ِفيَها وَي ُهْل ِ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ل ِي ُ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م]‪] }[206‬سورة البقرة[ ‪.‬‬ ‫ه العِّزة ُ ِبال ِث ْ ِ‬ ‫خذ َت ْ ُ‬ ‫هأ َ‬ ‫ق الل َ‬ ‫ات ّ ِ‬
‫هّ‬
‫ن الل َ‬ ‫‪ -3‬التقعر في الحديث‪ :‬يقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم‪] :‬إ ِ ّ‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سان َِها[‬‫ل ال َْباقَِرةِ ب ِل ِ َ‬ ‫خل ّ َ‬‫سان ِهِ ت َ َ‬‫ل ب ِل ِ َ‬ ‫خل ّ ُ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫جا ِ‬ ‫ن الّر َ‬ ‫م ْ‬‫ض ال ْب َِليغَ ِ‬ ‫ل ي ُب ْغِ ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫عَّز وَ َ‬
‫ل الل ّه صّلى الل ّه عَل َيه وسل ّم‪ ] :‬أَلَ‬ ‫ُ‬ ‫سو‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫رواه الترمذي وأبوداود وأحمد‪، .‬وقال َر ُ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن[رواه أحمد‪. .‬‬ ‫ُ‬
‫مت َشد ّقو َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م الث ّْرَثاُرو َ‬ ‫ل‪] :‬هُ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫م[ فَ َ‬ ‫شَرارِك ُ ْ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫أن َب ّئ ُك ُ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫‪ -4‬إسبال الزار بنية الختيال والتكبر‪ :‬يقول النبي صلى الله عليه وسلم‪َ ] :‬‬
‫ل أ َبو بك ْر إ َ‬
‫ي‬
‫جان ِب َ ْ‬
‫حد َ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫قا َ ُ َ ٍ ِ ّ‬ ‫ة[ فَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ه إ ِل َي ْهِ ي َوْ َ‬ ‫م ي َن ْظ ُْر الل ّ ُ‬ ‫خي ََلَء ل َ ْ‬‫ه ُ‬ ‫جّر ث َوْب َ ُ‬ ‫َ‬
‫خي ََلَء[ رواه‬ ‫ه ُ‬ ‫فعَل ُُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫]‬ ‫ل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫عا‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ني‬ ‫إ‬ ‫خي‬ ‫ر‬
‫ْ َ ِ ّ ْ‬ ‫ِ ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ََ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫إِ َ ِ َ ْ َ ْ‬
‫ت‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ري‬ ‫زا‬
‫أبوداود ‪.‬‬
‫‪ -5‬محّبة أن يسعى الناس إليه‪ ،‬ول يسعى هو إليهم‪ ،‬وأن يمثلوا له قياما إذا‬
‫َ‬ ‫قدم أو مر بهم‪ :‬وقد جاء في الحديث‪] :‬م َ‬
‫ما‬
‫ل قَِيا ً‬ ‫جا ُ‬ ‫ه الّر َ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫مث ُ َ‬‫ن يَ ْ‬‫بأ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ْ‬
‫ن الّناِر[ رواه أبوداود والترمذي وأحمد ‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫قعَد َه ُ ِ‬ ‫م ْ‬‫فَل ْي َت َب َوّأ َ‬
‫‪ -6‬محّبة التقدم على الغير في المشي أو في المجلس‪ ،‬أو في الحديث‪ ،‬أو‬
‫نحو ذلك ‪.‬‬
‫آثار التكّبرعلى العاملين‪:‬‬
‫‪ -1‬الحرمان من النظر والعتبار ‪ :‬وذلك أن المتكّبر ‪ -‬بترفعه وتعاليه على عباد‬
‫الله ‪ -‬قد اعتدى من حيث يدري أو ل يدري على مقام اللوهية‪ ،‬ومثل هذا لبد ّ‬
‫له من عقوبات‪ ،‬وأّول هذه العقوبات‪ :‬الحرمان من النظر‪ ،‬فتراه يمر على‬
‫آيات الله المبثوثة في النفس وفي الكون‪ ،‬وهو في إعراض تام عنها‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫ن]‬
‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫م عَن َْها ُ‬ ‫ن عَل َي َْها وَهُ ْ‬ ‫مّرو َ‬ ‫ض يَ ُ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ن َءاي َةٍ ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫{ وَك َأي ّ ْ‬
‫‪]} [105‬سورة يوسف[‪ .‬ومن حرم النظر والعتبار؛ كانت عاقبته البوار‬
‫ما على عيوبه وأخطائه‪ ،‬غارقا ً في أوحاله‪،‬‬ ‫والخسران المبين؛ لنه سيبقى مقي ً‬
‫ن ِفي‬‫حتى تنتهي الحياة‪ ،‬كما عقب النبي صلى الله عليه وسلم حين قرأ‪ { :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ف الل ّي ْل والن ّهار َلَيا ٍ ُ‬ ‫َْ‬
‫ب]‬ ‫ت ِلوِلي اْلل َْبا ِ‬ ‫ِ َ َ ِ‬ ‫خت َِل ِ‬ ‫ض َوا ْ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ق ال ّ‬ ‫خل ِ‬
‫َ ْ‬
‫ق‬ ‫ن ِفي َ ْ‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫ما وَقُُعوًدا وَعََلى ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن ي َذ ْك ُُرو َ‬ ‫‪[190‬ال ّ ِ‬
‫خل ِ‬ ‫م وَي َت َ َ‬ ‫جُنوب ِهِ ْ‬ ‫ه قَِيا ً‬
‫َْ‬
‫ذي َ‬
‫ب الّناِر]‪[191‬‬ ‫ذا َ‬ ‫قَنا عَ َ‬ ‫ك فَ ِ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ذا َباط ًِل ُ‬ ‫ت هَ َ‬ ‫ق َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ض َرب َّنا َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬‫ال ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فكْر ِفيَها[ رواه‬ ‫م ي َت َ َ‬‫ت ّثم ل ْ‬ ‫ن قََرأ هَذِهِ الَيا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫}]سورة آل عمران[ بقوله‪] :‬وَي ْ ٌ‬
‫ابن حبان في'صحيحه'‪ .‬وقد صرح سبحانه وتعالى بهذا الثر في قوله‪{ :‬‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫حقّ ]‪]} [146‬سورة‬ ‫ض ب ِغَي ْرِ ال ْ َ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫ن ي َت َك َب ُّرو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ي ال ّ ِ‬ ‫ن َءاَيات ِ َ‬ ‫ف عَ ْ‬ ‫صرِ ُ‬ ‫سأ ْ‬ ‫َ‬
‫العراف[ ‪.‬‬
‫‪ -2‬القلق والضطراب النفسي‪ :‬فالمتكبر يحب ‪ -‬إشباعا ً لرغبة الترفع‬
‫والتعالي ‪ -‬أن يحني الناس رءوسهم له‪ ،‬وأن يكونوا دوما ً في ركابه‪ ،‬ولن‬
‫أعّزة الناس وكرامهم يأبون ذلك‪ ،‬بل ليسوا مستعدين له أصل‪،‬فإنه يصاب‬
‫بخيبة أمل‪ ،‬تكون عاقبتها القلق والضطراب النفسي‪ ،‬هذا فضًل عن أن‬
‫اشتغال هذا المتكبر بنفسه يجعله في إعراض تام عن معرفة الله وذكره‪،‬‬
‫وذلك له عواقب أدناها في هذه الدنيا‪ :‬القلق والضطراب النفسي‪ ،‬وصدق‬
‫الله إذ يقول‪{ :‬وم َ‬
‫كا ]‪] }[124‬سورة‬ ‫ضن ْ ً‬‫ة َ‬ ‫ش ً‬ ‫مِعي َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ري فَإ ِ ّ‬ ‫ن ذِك ْ ِ‬ ‫ض عَ ْ‬ ‫ن أعَْر َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫دا]‪] }[17‬سورة الجن[‪.‬‬ ‫صعَ ً‬ ‫َ‬ ‫با‬‫ً‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ك‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫س‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ب‬ ‫ر‬
‫ِ َ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ض‬
‫ن ي ُعْرِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫طه[‪ {،‬وَ َ‬
‫‪ -3‬الملزمة للعيوب والنقائص‪ :‬ذلك أن المتكبر لظنه أنه بلغ الكمال في كل‬
‫شيء؛ ل يفتش في نفسه‪ ،‬حتى يعرف أبعادها ومعالمها‪ ،‬فيصلح ما هو في‬
‫حاجة منها إلى إصلح‪ ،‬ول يقبل كذلك نصحًا‪ ،‬أو توجيهًا‪ ،‬أو إرشادا ً من‬
‫الخرين‪ ،‬ومثل هذا يبقى غارقا ً في عيوبه ونقائصه‪ ،‬ملزما ً لها إلى أن تنقضي‬
‫ماًل]‬ ‫خسري َ‬ ‫َ‬
‫ن أعْ َ‬ ‫م ِباْل ْ َ ِ َ‬ ‫ل ن ُن َب ّئ ُك ُ ْ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫الحياة‪ ،‬ويدخل النار مع الداخلين {قُ ْ‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ل سعيهم في ال ْحياة الدنيا وهُم يحسبو َ‬
‫صن ًْعا]‬ ‫ن ُُ‬‫سُنو َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫َ َ ِ َّْ َ ْ َ ْ َ ُ َ‬ ‫ض ّ َ ُُْ ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫‪[103‬ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ه فَأول َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫طيئ َت ُ ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫ت ب ِهِ َ‬ ‫حاط َ ْ‬ ‫ة وَأ َ‬ ‫سي ّئ َ ً‬‫ب َ‬ ‫س َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫‪] } [104‬سورة الكهف[ { ب ََلى َ‬
‫ن]‪] }[81‬سورة البقرة[‪.‬‬ ‫َ‬
‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬
‫أ ْ‬
‫‪ -4‬الحرمان من الجنة‪ :‬فإن من يعتدي على مقام اللوهية‪ ،‬ويظل مقيما ً على‬
‫صل خيرا ً يستحق به ثوابا ً أو‬ ‫عيوبه ورذائله‪ ،‬ستنتهي به ًالحياة ‪ -‬حتما ً ‪ -‬وما ح ّ‬
‫مكافأة‪ ،‬فيحرم الجّنة مؤبدا ًً أو مؤقتًا‪ .‬وصدق الله ورسوله‪ ،‬إذ يقول الحق في‬
‫ه‬ ‫ما أ َل ْ َ‬
‫قي ْت ُ ُ‬ ‫من ْهُ َ‬ ‫دا ِ‬ ‫ح ً‬ ‫ن َناَزعَِني َوا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة إ َِزاِري َ‬ ‫م ُ‬‫الحديث القدسيال ْك ِب ْرَِياُء رَِداِئي َوال ْعَظ َ َ‬
‫م[ رواه مسلم وأبوداود وابن ماجه‪-‬واللفظ له‪ -‬وأحمد ‪.‬‬ ‫جهَن ّ َ‬‫ِفي َ‬
‫قا ُ‬
‫ل‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ن ِفي قَلب ِهِ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة َ‬‫جن ّ َ‬ ‫ْ‬
‫ل ال َ‬ ‫خ ُ‬ ‫َ‬
‫ل‪ ] :‬ل ي َد ْ ُ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫وإذ يقول َ‬
‫ن ك ِب ْرٍ [ رواه مسلم والترمذي وأحمد‪.‬‬ ‫م ْ‬‫ذ َّرةٍ ِ‬
‫آثار التكبر على العمل السلمي‪:‬‬
‫‪ -1‬قلة كسب النصار بل والفرقة والتمزق ‪ :‬فالقلوب جبلت على حب من‬
‫ل‪ .‬أما من‬ ‫ألن لها الجانب‪ ،‬وخفض لها الجناح‪ ،‬ونظر إليها من دون ل من عَ ٍ‬
‫ترفع عليها واحتقرها‪ ،‬أونال منها ؛ فإنها تبغضه‪ ،‬وتنفر منه‪ ،‬بل وتحاول البتعاد‬
‫عنه‪ ،‬وتكون العاقبة خواء ذات اليد من النصار من ناحية‪ ،‬ووقوع الفرقة‬
‫والتمّزق بين من هو نصير وظهير بالفعل من ناحية أخرى‪ .‬ويوم ينتهي المر‬
‫بالعمل السلمي إلى انعدام النصير من الخارج‪ ،‬ووقوع الفرقة والتمزق من‬
‫الداخل‪ ،‬فإنه يسهل ضربه‪ ،‬أو على القل إجهاضه‪ ،‬فل يؤتى ثمره إل بعد‬
‫تكاليف كثيرة وزمن طويل‪.‬‬
‫وقد لفت القرآن الكريم النظر إلى هذا الثر‪ ،‬وهو يتحدث عن المنافقين‬
‫َ‬
‫ن]‪] }[5‬سورة المنافقون[‪ .‬وكذلك‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ن وَهُ ْ‬ ‫دو َ‬‫ص ّ‬
‫م يَ ُ‬ ‫فقال‪ {:‬وََرأي ْت َهُ ْ‬
‫حّتى َل‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول‪] :‬إن الل ّه أ َوحى إل َ َ‬
‫ضُعوا َ‬ ‫وا َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ِ ّ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف َ َ‬
‫د[رواه مسلم وأبوداود وابن ماجه‬ ‫ح ٍ‬ ‫حد ٌ عََلى أ َ‬ ‫حد ٍ وََل ي َب ِْغ أ َ‬ ‫حد ٌ عََلى أ َ‬ ‫خَر أ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫وأحمد‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪ -2‬الحرمان من العون والتأييد اللهي ‪ :‬ذلك أن الحق سبحانه مضت سنته أنه‬
‫ل يعطي عونه وتأييده‪ ،‬إل لمن هضموا نفوسهم حتى استخرجوا حظ‬
‫الشيطان من نفوسهم‪ ،‬بل حظ نفوسهم من نفوسهم‪ ،‬والمتكبرون قوم‬
‫كبرت نفوسهم‪ ،‬ومن كانت هذه صفته‪ ،‬فل حق له في عون أو تأييد إلهي‪.‬‬
‫ة]‬ ‫م أ َذِل ّ ٌ‬ ‫َ‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ه ب ِب َد ْرٍ وَأن ْت ُ ْ‬ ‫صَرك ُ ُ‬ ‫ولعل ذلك هو المفهوم من قوله تعالى‪ {:‬وَل َ َ‬
‫قد ْ ن َ َ‬
‫‪]} [123‬سورة آل عمران[ حيث ربط نصره لهم‪ ،‬بحالهم التي كانوا عليها‪:‬‬
‫من المسكنة‪ ،‬والتواضع‪ ،‬وهضم النفس‪ ،‬وكأن هذه الحال إذا انعدمت‪ ،‬أو‬
‫غابت؛ غاب معها العون والتأييد‪.‬‬
‫علج التكّبر ‪:‬‬
‫‪ -1‬تذكير النفس بالعواقب والثار المترتبة على التكبر‪ :‬سواًء أكانت عواقب‬
‫ذاتية‪ ،‬أو متصلة بالعمل السلمي‪ ،‬وسواًء أكانت دنيوية‪ ،‬أو أخروية على النحو‬
‫الذي قدمنا‪ ،‬فلعل هذا التذكير يحرك النفس من داخلها‪ ،‬ويحملها على أن‬
‫تتوب‪ ،‬وتتدارك أمرها قبل ضياع العمر‪ ،‬وفوات الوان‪.‬‬
‫‪ -2‬عيادة المرضى‪ ،‬ومشاهدة المحتضرين‪ ،‬وأهل البلء‪ ،‬وتشييع الجنائز‪،‬‬
‫ضا يحركه من داخله‪ ،‬ويجعله يرجع إلى ربه‬ ‫وزيارة القبور‪ :‬فلعل ذلك أي ً‬
‫بالخبات والتواضع‪.‬‬
‫‪ -3‬النسلخ من صحبة المتكبرين‪ ،‬والرتماء في أحضان المتواضعين‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المخبتين‪ :‬فربما تعكس هذه الصحبة بمرور اليام شعاعها عليه‪ ،‬فيعود له‬
‫سناه‪ ،‬وضياؤه الفطري كما كان عند ولدته‪.‬‬
‫‪ -4‬مجالسة ضعاف الناس وفقرائهم‪ ،‬وذوي العاهات منهم ‪ :‬بل ومؤاكلتهم‬
‫ومشاربتهم‪ ،‬كما كان يصنع النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام‪ ،‬وكثير‬
‫من السلف‪ ،‬فإن هذا مما يهذب النفس‪ ،‬ويجعلها تقلع عن غيها‪ ،‬وتعود إلى‬
‫رشدها‪.‬‬
‫‪ -5‬التفكر في النفس وفي الكون‪ ،‬بل وفي كل النعم التي تحيط به من أعله‬
‫إلى أدناه‪ :‬من مصدر ذلك كله؟ ومن ممسكه؟ وبأي شيء استحقه العباد؟‬
‫وكيف تكون حاله لو سلبت منه نعمة واحدة‪ ،‬فضل عن باقي النعم؟ فإن ذلك‬
‫التفكر لو كانت معه جدية‪ ،‬يحرك النفس‪ ،‬ويجعلها تشعر بخطر ما هي فيه‪،‬‬
‫إن لم تبادر بالتوبة والرجوع إلى ربها‪.‬‬
‫‪ -6‬النظر في سير وأخبار المتكبرين‪ ،‬كيف كانوا؟ وإلى أي شيء صاروا؟ من‬
‫إبليس والنمرود إلى فرعون‪ ،‬إلى هامان‪ ،‬إلى قارون‪ ،‬إلى أبي جهل‪ ،‬إلى أيى‬
‫بن خلف‪ ،‬إلى سائر الطغاة والجبارين المجرمين‪ ،‬في كل العصور والبيئات‪،‬‬
‫فإن ذلك مما يخوف النفس‪ ،‬ويحملها على التوبة والقلع‪ ،‬خشية أن تصير‬
‫إلى نفس المصير‪ .‬وكتاب الله عز وجل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وكتب التراجم والتاريخ‪ ،‬خير ما يعين على ذلك‪.‬‬
‫‪ -7‬حضور مجالس العلم التي يقوم عليها علماء ثقات نابهون ل سيما مجالس‬
‫التذكير والتزكية‪ :‬فإن هذه المجالس ل تزال بالقلوب حتى ترق وتلين‪ ،‬وتعود‬
‫إليها الحياة من جديد‪.‬‬
‫‪ -8‬حمل النفس على ممارسة بعض العمال التي يتأفف منها كثير من‬
‫الناس‪ :‬ممارسة ذاتية ‪ -‬مادامت مشروعة‪ -‬كأن يقوم هذا المتكبر بشراء‬
‫طعامه‪ ،‬وشرابه‪ ،‬وسائر ما يلزمه بنفسه‪ ،‬ويحرص على حمله‪ ،‬والمشي به‬
‫بين الناس‪ ،‬حتى لو كان له خادم‪ ،‬على نحو ما كان يصنع النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وصحبه‪ ،‬والسلف‪ ،‬فإن هذا يساعد كثيرا ً في تهذيب النفس‬
‫وتأديبها‪ ،‬والرجوع بها إلى سيرتها الولى الفطرية‪ ،‬بعيدا ً عن أي التواء‪ ،‬أو‬
‫اعوجاج ‪.‬‬
‫‪ -9‬العتذار لمن تعالى وتطاول عليهم بسخرية أو استهزاء ‪ :‬بل ووضع الخد‬
‫على التراب وإلصاقه به‪ ،‬وتمكينه من القصاص‪ ،‬على نحو ما صنع أبو ذر مع‬
‫بلل لما عاب عليه النبي صلى الله عليه وسلم تعييره بسواد أمه‪.‬‬
‫‪ -10‬إظهار الخرين نعمة الله عليهم‪ ،‬وتحدثهم بها ل سّيما أمام المستكبرين ‪:‬‬
‫لعلهم يثوبون إلى رشدهم وصوابهم‪ ،‬ويتوبون ويرجعون إلى ربهم‪ ،‬قبل أن‬
‫يأتيهم أمر الله ‪.‬‬
‫َ‬
‫عن ْد َ‬ ‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬‫ن أك َْر َ‬ ‫‪ -11‬التذكير دوما بمعايير التفاضل والتقدم في السلم ‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫هّ‬
‫ل الل ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫خِبيٌر]‪] }[13‬سورة الحجرات[ وََقا َ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫قاك ُ ْ‬ ‫الل ّهِ أ َت ْ َ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫جاهِل ِي ّ ِ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫م عُب ّي ّ َ‬ ‫ب عَن ْك ُ ْ‬ ‫ل قَد ْ أذ ْهَ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ه عَّز وَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م‪ ] :‬إ ِ ّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫را‬
‫ْ َ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫وآ‬‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫آ‬ ‫نو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫س‬
‫ُ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫وال‬‫ّ َ‬ ‫ي‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ج‬
‫ّ َ ِ ٌ‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ن‬
‫ٌ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫با‬
‫َ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫با‬
‫ِ‬ ‫ها‬‫َ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫وَ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫عد ّت ِهِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن عَلى اللهِ ِ‬ ‫ن أهْوَ َ‬ ‫ُ‬
‫ل أوْ لي َكون ُ ّ‬ ‫جا ٍ‬ ‫م ب ِرِ َ‬ ‫خَرهُ ْ‬
‫َ‬
‫م فَ ْ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ن أقْ َ‬ ‫ل َي َن ْت َهِي َ ّ‬
‫ن[ رواه أبوداود والترمذي وأحمد‪-‬واللفظ له‪. -‬‬ ‫فَها الن ّت َ َ‬ ‫ن ال ِّتي ت َد ْفَعُ ب ِأن ْ ِ‬ ‫جعَْل ِ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫‪ -12‬المواظبة على الطاعات‪ :‬فإنها إذا واظب عليها‪ ،‬وكانت متقنة ل يراد بها‬
‫إل وجه الله؛ طهرت النفس من كل الرذائل‪ ،‬بل زكتها وسمت بها إلى أعلى‬
‫حَياة ً ط َي ّب َ ً‬ ‫َ ُ‬
‫ة]‬ ‫ه َ‬ ‫حي ِي َن ّ ُ‬ ‫ن فَل َن ُ ْ‬ ‫م ٌ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ذ َك َرٍ أوْ أن َْثى وَهُوَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عليين‪َ {:‬‬
‫‪] }[97‬سورة النحل[‪.‬‬
‫‪-13‬محاسبة النفس أول بأول‪ :‬بحيث يعرف صاحب هذا الداء الحد ّ الذي انتهى‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إليه في علجه‪ ،‬وما فيه من نجاح أو قصور‪ ،‬فينقى نواحي النجاح‪ ،‬ويتدارك‬
‫نواحي القصور‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪ -14‬الستعانة بالله عز وجل‪ :‬فإنه سبحانه يعين من استعان به‪ ،‬ويجيب دعاء‬
‫َ‬
‫جعَل ُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫سوَء وَي َ ْ‬‫ف ال ّ‬
‫ش ُ‬ ‫ضط َّر إ َِذا د َ َ‬
‫عاه ُ وَي َك ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫جي ُ‬ ‫ن يُ ِ‬
‫م ْ‬‫المضطر إذا دعاه‪{ :‬أ ّ‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫ن]‪] }[62‬سورة النمل[‪.‬‬ ‫ما ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫معَ الل ّهِ قَِليًل َ‬ ‫ض أئ ِل َ ٌ‬
‫ه َ‬ ‫خل َ َ‬
‫فاَء الْر ِ‬ ‫ُ‬
‫تمت‬
‫من كتاب‪ ':‬آفات على الطريق' للدكتور‪/‬السيد محمد نوح‬

‫)‪(6 /‬‬

‫التكنولوجيا البدائية‬
‫التكنولوجيا المنفلتة‬
‫التكنولوجيا الرجعية‬
‫يحدثونك عن فضل حضارة الغرب عليك‬
‫في الوقت الذي تتكشف فيه عورة الغرب في حملته الدينية على السلم‬
‫نجد لدينا من يحاول تغطيتها بورقة التوت في قولهم " ولكن ألست ترفل في‬
‫مخترعاتهم وتكنولوجياتهم ؟‬
‫} يرجع إلى كارثة التكنولوجيا في كتاب " الغرب والعالم " سلسلة عالم‬
‫المعرفة {‬
‫جريدة الهرام ‪1990\4\27‬‬
‫) الكارثة تقترب‬
‫والنسان عدو نفسه‬
‫مع احتفال العالم كله بيوم " كوكب الرض " هذا السبوع تعالت صرخات‬
‫التحذير من كارثة مناخية مدمرة تهدد آلف المليين من البشر بسبب ارتفاع‬
‫درجة حرارة الرض ن وزيادة معدلت التلوث ‪ ،‬إلى درجة بالغة الخطورة ‪.‬‬
‫وبينما كان العلماء يصرخون من أن الوقت لم يعد في صالح البشر وأنه‬
‫يتعين علينا جميعا أن نخوض " حربا عالمية " لنقاذ الكرة الرضية من دمار‬
‫التلوث دخل ساسة الدول الكبرى في خلفات ومتاهات عميقة حول كيفية‬
‫مواجهة هذه الزمة ‪.‬‬
‫وفي مؤتمرهم الذي عقد تحت إشراف الوليات المتحدة اتخذت الزمة طابعا‬
‫سياسيا عاصفا طغت عليه المصالح القتصادية والنتخابية ‪ .‬وانتهى المؤتمر –‬
‫كما كان متوقعا – دون اتخاذ أية قرارت عاجلة أو طارئة للحد من السموم‬
‫التي تهدد مناخ الرض ورفضت أمريكا – رغم مسئوليتها وحدها عن حوالي‬
‫ربع التلوث الصناعي في العالم ‪ -‬أن تقدم أية تعهدات أو تنازلت صناعية من‬
‫شانها أن تؤثر على نموها القتصادي ‪.‬‬
‫وفي ذات المؤتمر قال بوش – الب – الذي كان يطلق عليه أيام النتخابات‬
‫اسم " رئيس البيئة " " إننا نريد حقائق علمية أول ‪ ..‬نريد بحوثا دولية توضح‬
‫لنا " الغموض " في هذا العلم ‪ ..‬إننا ل نستطيع أن نحسن المناخ على حساب‬
‫نمونا القتصادي "‬
‫العلماء يريدون خفضا حادا في ثاني أكسيد الكربون والغازات الخرى التي‬
‫ترفع درجة حرارة الرض وذلك بما يتراوح بين ‪ 50‬و ‪ ، % 80‬وهذا يتطلب‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على أقل تقدير الخفض الجذري في استخدام السيارات ومعظم إمكانات‬


‫الحياة الحديثة ‪ ،‬فهل يجرؤ أي زعيم سياسي على فرض مثل هذه‬
‫الجراءات ؟‬
‫إن درجة حرارة الرض سوف ترتفع ‪ 3‬درجات مئوية ‪ ،‬فيذوب الجليد ‪ ،‬ويرتفع‬
‫منسوب مياه البحار والمحيطات وتغرق الراضي المنخفضة وربما دول‬
‫بأكملها ‪.‬‬
‫وقد حذر العالم المصري مصطفى طلبة من أن شواطئ مصر والوجه‬
‫البحري كله ليست بمنأى عن هذا الخطر ‪..‬‬
‫كما حذر الدكتور طلبة من أن التصحر والقحط سينتشر في الدول البعيدة‬
‫عن المياه مما سيؤثر على النتاج الغذائي في العالم ‪ ،‬وسوف تموت الغابات‬
‫والحيوانات التي ل تتحمل درجات الحرارة المرتفعة وستكثر العواصف‬
‫والعاصير ‪ ،‬فتقطع التصالت وتزيد من الكوارث الطبيعية ‪ ،‬وذلك علوة على‬
‫ما سيصيب النسان من أمراض مثل السرطان وفقدان المناعة وفقد البصر‬
‫…‬
‫ويقول العلماء إننا دخلنا العد التنازلي للكارثة وان ‪ %50‬من الضرر قد وقع‬
‫فعل خلل العقود الثلثة الماضية وأنه في المستقبل القريب سوف تفقد ‪40‬‬
‫دولة احتياجاتها من الماء‬
‫وتظهر صور القمار الصناعية للمناخ في أوربا الشرقية كتل كثيفة سوداء من‬
‫الغازات والتربة الصناعية تنتشر فوق مصانع ألمانيا الشرقية وتشكوسلوفاكيا‬
‫وتغطي بولندا بأكلها ‪،‬وفي بولندا بالذات كل شيء مسمم ‪ :‬الجو والتربة‬
‫والماء‬
‫وتتعرض أوربا الغربية أيضا وخاصة في المناطق السياحية بجبال اللب لزمة‬
‫بيئية نتيجة للمطار الحمضية والتلوث النووي من تشرنوبل‬
‫وفي بريطانيا هناك نسبة تلوث عالية من الـ ‪ 1900‬مصنع على أراضيها فأحد‬
‫هذه المصانع يبعث ب ثمانية أطنان من ثاني أكسيد الكبريت يف الجو يوميا‬
‫وه ما يزيد عشر مرات عن المعدلت المسموح بها‬
‫ووفقا لهذه التقارير فغن قارة أفريقيا لم تعد نصلح للحياة بسبب التلوث‬
‫والجفاف وأن خمسين مليونا من البشر يعيشون في أراض متصحرة تهددهم‬
‫المجاعات كل عام ‪ ،‬وأن القحط في أفريقيا ينتشر بمعدل ‪ 2,3‬مليون متر‬
‫مربع سنويا‬
‫ويقول تقرير أصدره مجلس السوفييت العلى أن شخصا من بين كل خمسة‬
‫أشخاص بالتحاد السوفيتي يتنفس هواء يحتوي على نسبة من الكيماويات‬
‫الخطيرة تزيد عشر مرات عن الحد القصى المسموح به ‪ ،‬وان ‪ 600‬مدينة‬
‫سوفيتية نصحت مواطنيها بشرب المياه المعبأة‬
‫وفي الصين كلما هبت الرياح فوق المدن الصناعية انتشر دخان أحمر وأسود‬
‫ليغطي الراضي والسلطات هناك تواجه مشكلت رهيبة في مواجهة التلوث‬
‫بإمكاناتها المحدودة ‪.‬‬
‫وفي الوليات المتحدة مازالت الدولة تواجه مشكلت بيئية خطيرة ففي مائة‬
‫مدينة يصل الدخان في الجو إلى نسب تزيد عن المسموح به ‪ ،‬مما يزيد من‬
‫نسبة الصابة بالسرطان ‪ ،‬كما أوقفت ‪ 2000‬سفينة شحن في نهر‬
‫المسيسبي بعد أن انخفض مستوى النهر عشرة أمتار‬
‫ويقول الباحثون إنه في العاصمة المصرية أصبح مجرد تنفس الهواء خطرا‬
‫يهدد الحياة وهو ل يقل خطورة عن تدخين علبتي سجائر يوميا ‪( .‬‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الهرام } مايو ‪{1992‬‬


‫) الكرملين يكذب ‪ :‬ممنوع الكشف عن تلوث الطعام بإشعاعات تشيرنوبل‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قبل ست سنوات وفي شهر مايو ‪ 1986‬وقعت كارثة تشيرنوبل الشهيرة –‬


‫وبمناسبة ذكرى هذا الحادث الليم كشفت صحيفة " ازفستيا " الروسية عن‬
‫تفصيلت جديدة أوضحت أن الحزب الشيوعي قد طالب وسائل العلم‬
‫ووزارة الصحة بعدم الفصاح عن الحجم الحقيقي للكارثة وعدد الضحايا وما‬
‫كان من وزارة الصحة إل أن أعدت ثلثة تقارير يختلف كل منها عن الخر‬
‫باختلف الجهات التي اهتمت بهذه الواقعة ‪.‬‬
‫وفي الثاني والعشرين من شهر أغسطس عام ‪ 1986‬أصدر المكتب‬
‫السياسي للحزب الشيوعي قرارا بعد إعدام المواد الغذائية التي تأثرت‬
‫بالمادة الشعاعية الناتجة عن انفجار محطة تشيرنوبل ومنها اللحوم‬
‫واللبان ‪ ،‬وطالبت بخلطها مع المنتجات الصحيحة الخرى بنسبة واحد لعشرة‬
‫‪ ..‬لذلك أمكن تسريب هذه المنتجات في الفترة ما بين ‪ 1989 – 1986‬إلى‬
‫الفراد وقدرها ‪ 47‬طنا من اللحوم و ‪ 2‬مليون طن من اللبان الملوثة‬
‫بالشعاع في معظم الجمهوريات والقاليم السوفييتية باستثناء موسكو ‪.‬‬
‫وصرح أحد الخبراء في ذلك الوقت " بكل فخر " أنه قد أمكن تحصيل واحد‬
‫وسبعين مليار روبل من بيع هذه المواد " الفاسدة " رغم الكارثة ‪ ،‬وتشير‬
‫الصحيفة إلى أن القتصاد الروسي كان سيتحمل ما بين ‪ 180‬إلى ‪ 200‬مليار‬
‫روبل في حالة عدم تسريب هذه المواد الفاسدة للبيع والتجارة بالضافة إلى‬
‫تحمل نتائج النفجار الذي وصف بأنه يماثل انفجار ثلثمائة قنبلة ذرية مثل‬
‫التي ألقيت على هيروشيما‬
‫وتقول صحيفة الفيجارو الفرنسية التي نشرت تقارير زميلتها الصحيفة‬
‫الروسية أن مثل هذه الحقائق لم يكن مقدرا لها الظهور إل بعد سقوط‬
‫الحزب الشيوعي وأمكن الطلع على الملفات السرية التي كانت تخفي‬
‫حقائق كثيرة (‬
‫الهرام ‪ : 1991\12\4‬من كلمة الكاتب أحمد بهجت في " صندوق الدنيا "‬
‫) الحرب البيولوجية‬
‫سألت الدكتور محمد صادق صبور أستاذ المراض الباطنية بجامع عين شمس‬
‫عن حقيقة الحرب البيولوجية ومتى بدأ النسان في استخدامها فقال ‪:‬‬
‫لعل أول استخدام للسلحة البيولوجية جاء حوالي ‪ 300‬سنة قبل الميلد أثناء‬
‫الحروب بين الفرس والرومان عندما كانت الجيوش تلوث مياه البار الصالحة‬
‫للشرب قبل انسحابها‬
‫وجاء ذكرها في العصور الوسطى عندما كان الروس يقذفون أجسام ورءوس‬
‫المرضى فوق أسوار المدن التي يحاصرونها ويستعصي عليهم دخولها لنشر‬
‫الوبئة داخل هذه المدن المحاصرة‬
‫وتبدا المرحلة الوسطى من الحرب البيولوجية عام ‪ 1763‬وتمتد حتى‬
‫‪ ، 1925‬فقد عثر على خطابات كتبها ضابطان فرنسيان مع قائدهما‬
‫البريطاني أثناء قتالهم للهنود الحمر عام ‪ ، 1763‬وكان المقاتلون من سكان‬
‫أمريكا الصليين قد أوشكوا على دحر الغزاة الوربيين ن وفي هذه الخطابات‬
‫يستأذن الفرنسيان لتلويث البطاطين والمناديل ببثور المصابين بالجدري‬
‫وتركها في الخيام قبل انسحابهم منها ليدخلها المقاتلون من الهنود الحمر‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويحصدهم الجدري ‪ ،‬وقد أعطى لهم قائدهم النجليزي الذن للقيام بهذا‬
‫العمل ‪ ،‬وهذه الخطابات محفوظة بالمتحف المريكي الذي أنشأته الجمعية‬
‫المريكية الميكروبيولوجية بواشنطن منذ عشر سنوات ‪ ،‬وتعتبر أقدم الوثائق‬
‫بهذا المتحف‬
‫وقد استخدم المريكيون نفس هذه الوسيلة في حربهم ضد النجليز سنة‬
‫‪ 1776‬في حرب التحرير وتأسيس الوليات المتحدة ‪ ،‬وفي عام ‪1915‬‬
‫استخدم اللمان ميكروب الكوليرا ضد القوات اليطالية‬
‫وأثارت هذه السلحة السخط بين الوربيين وقرروا حظر استخدام السلحة‬
‫البيولوجية بعد انتهاء الحرب العالمية الولى ووقعوا معاهدة جنيف سنة‬
‫‪ 1925‬ولم توقعها أمريكا‬
‫بعد ذلك بدأت المرحلة الحديثة من الحرب البيولوجية (‬
‫الخليج ‪1995 \12\12‬‬
‫) عباقرة ولكن لصوص‬
‫بعض العباقرة الذين يتحدث العالم عن عبقرياتهم بما يشبه النبهار لم يكونوا‬
‫عباقرة على الطلق وإنما أناس عاديون سرقوا عبقريات غيرهم ونسبوها‬
‫لنفسهم وبدوا أمام الناس في جلود غير جلودهم ‪ ،‬وثياب غير الثياب التي‬
‫يرتدونها ‪.‬‬
‫وحتى الن ما يزال الناس يعتقدون أن صموئيل مورس هو الذي اخترع‬
‫إشارة مورس التي تحمل اسمه ‪ ،‬بينما يقول المؤرخون أن مورس ل علقة‬
‫له بهذه الشارة التي فتحت أمام العالم عصر اللسلكي ومخترعها هو‬
‫مساعده ألفريد فيل ‪.‬‬
‫وقد كافأ مورس مساعده فيل بتعيينه في منصب قيادي في عالم التصالت‬
‫لكي يضمن سكوته‬
‫وعندما حاول مورس تسجيل اختراعه في أوربا والحصول على براءة‬
‫اختراع ‪ ،‬وجد صعوبة في ذلك ‪ ،‬فقد اكتشف أن الوربيين سبقوه إلى‬
‫الختراع بسنوات ‪ .‬وأن السير تشارلز ويتسون وشريكه ويليام كوك يمتلكان‬
‫شبكة التلغراف في لندن منذ عام ‪1840‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪202‬‬

You might also like