You are on page 1of 204

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫ويقول المؤرخون إن تشارلز ويتسون ساهم في تطوير الفونوغراف الذي‬


‫يعتقد الناس أن توماس أديسون اخترعه عام ‪ .. 1877‬أما المخترع الحقيقي‬
‫للفونوغراف فهو ليون سكوت دومار تينفيك الذي ابتكر جهازا أطلق عليه‬
‫اسم الفونوغراف ولم يكن هذا الجهاز يعمل بإبرة وإنما وكل ما هنالك هو أن‬
‫أديسون استغل علقته في مكتب تسجيل الختراعات وسجل الختراع ‪،‬‬
‫باسمه ‪ ،‬ولم يستطع دومار تينيفيك أن يفعل شيئا‬
‫ونفس اللعبة لعبها اديسون بالنسبة للمصباح الكهربائي ‪ ..‬ويقول المؤررخون‬
‫إن المصباح الكهربائي من اختراع شخص بريطاني اسمه السير جوزيف‬
‫سوان ‪ ،‬وقد توصل إليه عام ‪ 1878‬ويقول المؤرخون إن أديسون سمع بخبر‬
‫هذا الختراع وسارع إلى إنشاء شركة للتصنيع الكهربائي وبدأت الشركة‬
‫بالعمل في أكتوبر ‪ 1880‬أي قبل شهر واحد من حصول سوان على ترخيص‬
‫لنشاء شركته التي أطلق عليها اسم " شركة سوان للمصباح الكهربائي "‬
‫وسجل الختراع باسمه‪ ،‬ولو عاد أديسون وسوان إلى الحياة هذه اليام‬
‫لشعرا بالذهول من الثورة التي أحدثها المصباح في حياتنا وسلوكياتنا‬
‫ويقول المؤرخون إن أليشاجراي وليس جراهام بل هو الذي اخترع جهاز‬
‫الهاتف ‪ ،‬وعندما ذهب إلى تسجيل اختراعه في مكتب براءات الختراعات‬
‫وجد أن ألكسندر جراهام بيل سبقه إليه بثلث ساعات ‪.‬‬
‫ويقول المؤرخون إن الكسندر جراهام بل كان يسعى في مختبره إلى تطوير‬
‫جهاز كهربائي للصم وتشاء الصدف أن يسكب بيل بعض السيد على الجهاز‬
‫دون قصد منه ‪ ،‬فنادى على مساعده جراي يلتمس منه المساعدة فسمع‬
‫جراي صوت بيل عبر قطعة من المعدن موصولة بمغناطيس مثبت بشريط‬
‫إلى زجاجة السيد التي سكبها بيل ‪( .‬‬
‫الخليج ‪ : 1994\1\31‬من مقال إلياس سحاب‬
‫) اخلقيات القرن العشرين‬
‫‪ ..‬لكن نظرة تحليلية استرجاعية للمحطات الرئيسية في القرن العشرين‬
‫تؤكد أن هذا القرن بالذات قد انتج علقة عكسية بين التقدم العلمي والتقدم‬
‫الحضاري – الخلقي ‪ ،‬حتى يمكننا أن نقول إن أحداث القرن العشرين قد‬
‫جاءت تؤكد أنه كلما حققت البشرية تقدما علميا يتيح لها مزيدا من السيطرة‬
‫على قوى الطبيعة راحت تمارس زهوها بهذه السيطرة على حساب القيم‬
‫في حركة انحدار خلقي إلى أسفل ‪.‬‬
‫…‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫…‪.‬‬
‫لقد ابتكرت الحضارة الغربية الحديثة … سلوكا في الحياة الفردية‬
‫والجتماعية والبشرية الدولية جوهره التزييف الكامل لكل القيم النبيلة‬
‫والرفيعة التي راكمتها الحضارة البشرية العامة منذ اقدم العصور وحتى يومنا‬
‫هذا ‪ ،‬أي منذ بدأ النسان أول مرحلة في الترقي والتمدن ‪ ،‬وصول إلى القرن‬
‫العشرين ‪ ،‬وهو سلوك يغلب الشكل على المضمون ‪ ،‬ويقيم معيارا لقياس‬
‫حضارة أي فرد وأي مجتمع وأي شعب قوامه الشكل الخارجي للسلوك بغض‬
‫النظر عن جوهر هذا السلوك ‪ ،‬بل حتى لو كان جوهر هذا السلوك مناقضا‬
‫لكل القيم والمثل الحضارية ‪ ،‬فليس مهما أن تقتل إنسانا ‪ ،‬المهم أن تكون‬
‫عندما تمارس عملية القتل نظيف الجسد والملبس هادئا مبتسما رقيق‬
‫الخطو ‪ ،‬ول بأس من أن تكون مرتديا لقفازات حريرية ‪ ،‬والفضل أن يكون‬
‫المسدس الذي تقتل به كاتما للصوت ‪ ،‬حتى ل يزعج صوته أحدا ‪ ،‬فإذا أمنت‬
‫لنفسك كمل هذه المظاهر الحضارية الشكلية فأنت إنسان متحضر ‪ .‬صحيح‬
‫أنك قاتل ولكنك قاتل متحضر ‪.‬‬
‫…‪.‬‬
‫وما قصص المافيا والفساد والرشوة وتجارة السلح الدولية وتجارة‬
‫المخدرات سوى نماذج صارخة وحية على هذه الزمة ‪ ،‬وما قصص جمعيات‬
‫الرفق بالحيوان التي تزدهر في مجتمعات أيديها ملطخة بجرائم سياسية‬
‫جماعية يذهب ضحيتها مئات اللوف من البشر ‪ ..‬سوى تعبير آخر عن هذه‬
‫الظاهرة‬
‫ويمكننا على سبيل المثال أن نتخيل عدد ومستوى الجرائم التي يمكن أن‬
‫تحاكم بها الدولة البريطانية أمام محكمة الحضارة النسانية – لو وجدت هذه‬
‫المحكمة – لو وجه إليها المدعي العام في هذه المحكمة لئحة بالتهامات عن‬
‫كل مأساة فردية أو جماعية نتجت عن مسئولية بريطانيا السياسية والخلقية‬
‫والقانونية في تأسيس دولة إسرائيل على أرض فلسطين العربية ‪(.‬‬
‫من مقال للسيد إبراهيم محمود علي \ دبي بجريدة الخليج ‪1995\10\15‬‬
‫) والتطور الصناعي سلح ذو حدين ‪ ،‬فقد اخترع الغربيون مال يحصى من‬
‫المنتجات الصناعية لخير البشرية ورفاهيتها وفي التجاه المضاد اخترعوا‬
‫أدوات التدمير والقنابل النووية والنشطارية والفوسفورية والفراغية‬
‫والرتجاجية ‪ ،‬وقنابل النيوترون التي تقضي على النسان وتبقي على البنية‬
‫مما يدل على أن النسان ل قيمة له في عرف حضارة السمنت والخرسانة ‪.‬‬
‫وجين نضع الحضارة الغربية تحت المجهر وتتمعن فيها على الصعيد المادي‬
‫والمعنوي نجد أن هذه الحضارة قد قدمت للنسان الغربي كل احتياجاته‬
‫المادية أما الجانب المعنوي فقد سقط سهوا أو اسقط عمدا والعتبارات‬
‫الخلقية ل محل لها من العراب‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وحين يتحول المجتمع إلى غابة ويتحول أفراده إلى قطيع من اسماك القرش‬
‫كل واحد ينشب أنيابه في لحم الخر بأنانية مطلقة النظير ‪ ،‬ويصبح العالم‬
‫حلبة سباق ل يعيش فيها إل السرع والقوى والطول نفسا وتنقطع الصلت‬
‫النسانية وتنفصم عرى كل الروابط ويزول التراحم والبر وصلة الرحم ويقطع‬
‫الرجل ذوي رحمه ويعق أبويه ‪ ،‬ويتنازل عن كل القيم ويدوس على كل‬
‫المثاليات والفضائل في سبيل مصالحه المادية يغدو الكون جحيما ‪ ،‬يستحيل‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النسان إلى وحش شعاره أنا ومن بعدي الطوفان‬


‫وفي هذا المجتمع العابث المنساق إلى حتفه يصل النسان إلى حافة اليأس ‪،‬‬
‫وليس أدل على ذلك من الرتفاع المذهل في معدلت الجريمة والجنون‬
‫والنتحار والدمان ‪ ،‬ويذكر أن أعلى نسبة للنتحار في أوربا تقع في أكثرها‬
‫ازدهارا كالدول السكندنافية ‪ ،‬وهذا المؤشر الخطير يكشف عن بداية وعي‬
‫النسان الغربي بعبثية وجوده واستحالة تحقيق حياة هانئة للنسان بالمعادلة‬
‫المادية وحدها (‬

‫)‪(4 /‬‬

‫التكييف الفقهي لشركات التسويق الشبكي‬


‫)شركة جولد كويست وشركة بزناس(‬
‫إبراهيم أحمد الشيخ الضرير*‬
‫تقوم فكرة الشركات التي سوف نناقشها في هذه الورقة على مبدأ في‬
‫التسويق التجاري يدعي التسويق الشبكي أو التسويق الطبقي ‪Network‬‬
‫‪.Marketing‬‬
‫ولقد ظهر مبدأ التسويق الشبكي في الوليات المتحدة ودول أوربا منذ‬
‫خمسين عامًا‪ ,‬ويعتمد مبدأ التسويق الشبكي على إقامة علقات مباشرة بين‬
‫المصنع والمستهلك والستغناء عن كافة الوكلء والوسطاء وشركات الدعاية‬
‫والعلن‪.‬‬
‫واستخدام مبدأ التسويق الشبكي يجعل المنتج يصل إلى المستهلك مباشرة‬
‫ويتم إلغاء جميع التحويلت التي يحصل عليها الوكلء والوسطاء ومنصرفاتهم‬
‫من إيجارات ومرتبات ودعاية وتسويق ويتم توزيع مجموع هذه العمولت بين‬
‫المصنع وبين مجموع الزبائن في شكل عمولت‪.‬‬
‫يتم توزيع منتجات الشركة في مبدأ التسويق الشبكي بواسطة الزبائن‬
‫المشترين حيث يقوم المشتري بعمل الدعاية الشفهية للشركة ومنتجاتها‬
‫ويحصل على عمولة نظير تسويقه لمنتجات الشركة وفق شروط معينة‬
‫تختلف من شركة على أخرى‪.‬‬
‫التكييف الفقهي لشركة جولدكوست العالمية المحدودة‪:‬‬
‫تأسست الشركة عام ‪1998‬م من رجال أعمال آسيويين بالتحاد مع‬
‫مجموعات استثمارية من المملكة المتحدة ودول اسكندنافية‪ ،‬مؤسس‬
‫الشركة رجل اقتصادي فلندي تقلد عدة مناصب اقتصادية في المنظمات‬
‫الدولية هو )أوليس جوهانا ماكيتا لو( ورأس مال الشركة عند التأسيس ‪2‬‬
‫مليون دولر أمريكي تخطت مبيعاتها حتى منتصف عام ‪2002‬م النصف بليون‬
‫دولر‪.‬‬
‫المقر الرئيسي للشركة في هونغكونغ ومنها تدير أعمالها في أكثر من ‪100‬‬
‫دولة ينتشر فيها أكثر من ‪ 350‬ألف عميل يستفيدون من برنامج العمولت‪.‬‬
‫النشاط الرئيسي للشركة‪:‬‬
‫ـ بيع العملت والميداليات والمجوهرات الذهبية التذكارية عن طريق البريد‬
‫اللكتروني وفق مفهوم التسويق الشبكي‪.‬‬
‫ـ تقوم الشركة بالتسويق للعديد من إصدارات البنوك المركزية ودور الصك‬
‫الملكية الكندية وبعض البنوك المركزية السيوية والوربية وبعض المصارف‬
‫المركزية العربية مثل المغرب والصومال‪.‬‬
‫منتجات الشركة‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عبارة عن ميداليات ذهبية وساعات وقلدات تذكارية وجميعها مصنوعة من‬


‫الذهب الخالص )عيار ‪ (24‬بنسبة نقاء )‪ (99.9‬وزن القطعة أونصة كاملة أي‬
‫يعادل )‪ 31.1‬جرام(‪ ،‬تقوم الشركة بإنتاج عدد محدود )‪ 10‬ألف قطعة( من‬
‫المنتج الواحد ليكتسب قيمة تاريخية بمرور الزمن‪ ،‬كل منتج تصاحبه شهادة‬
‫معتمدة من بنك مركزي لحد الدول وهو الضمان لنقاء الذهب ووزنه‬
‫محدودية العدد المصدر منه؛ مما يدل على مدى انتشار الشركة في دول‬
‫العالم بضمان ومباركة البنوك المركزية لعدة دول‪.‬‬
‫الخطة التي تتبعها الشركة في تسويق منتجاتها كما سبق هي مبدأ التسويق‬
‫الشبكي بإغراء عملئها بالفوائد والعمولت الخيالية والكبيرة جدا ً والمتزايدة‬
‫باستمرار‪ ،‬حيث تبدأ وفق نشاط العميل من ‪ 400‬دولر لتصل لحد أقصى ‪48‬‬
‫ألف دولر في الشهر كحد أقصى وبصورة دورية غير متناهية ومن ثم فهو‬
‫يورث‪.‬‬
‫لجولدكوست عدة شروط يجب تحققها للدخول في شبكة العملء والستفادة‬
‫من برنامج الفوائد والعمولت غير المتناهية هي‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يكون عمر المشترك )‪ 18‬سنة فما فوق( لضمان أهليته لممارسة‬
‫العمل‪.‬‬
‫‪ .2‬شراء منتج واحد على القل من منتجات الشركة‪.‬‬
‫‪ .3‬الشراء عن طريق معّرف أو مرجع باستخدام رقم حسابه ‪ TCO‬لدى‬
‫الشركة )والمعرف هو زبون سابق لدى الشركة(‪.‬‬
‫‪ .4‬تعبئة استمارة الشراء وإرسالها بالبريد مع حوالة بريدية بقيمة المنتج الذي‬
‫تم شراؤه‪ .‬أو يمكن تعبئة الستمارة وإكمال عملية الشراء من خلل مخزن‬
‫الشركة اللكتروني على النترنت بالبطاقة الئتمانية أو البطاقات المدفوعة‬
‫القيمة سابقا ً الخاصة بالشركة )‪) (E Card‬بمجرد أن يحقق المشترك‬
‫الشروط السابقة‪ ,‬يدخل في نظام العمل ليبدأ تحقيق أرباحه المادية من‬
‫خلل رقم الحساب ‪ TCO‬الذي يمنح له فور إتمام عملية الشراء(‪.‬‬
‫رأس المال‪:‬‬
‫إن رأس المال في هذه العمل هو قيمة المنتج الذي يدفع مرة واحدة في‬
‫العمر ول توجد أي رسوم اشتراك أو تجديد في المستقبل‪.‬‬
‫إن معظم منتجات الشركة يبلغ )‪800‬دولر( للقطعة بالضافة إلى )‪ 60‬دولر(‬
‫عبارة عن رسوم التوصيل‪ ,‬أي أن مجموع ثمن المنتج يساوي )‪ 860‬دولر(‪,‬‬
‫ويمكن للمشترك أن يقوم بدفعه بطريقتين هما‪:‬‬
‫‪ .1‬دفعة كاملة‪ 860 :‬دولر وبالتالي يصله المنتج بواسطة الـ ‪ fedex‬في خلل‬
‫‪ 4‬إلى ‪ 5‬أسابيع‪.‬‬
‫‪ .2‬دفعة جزئية‪ :‬أي أن يدفع المشترك )‪460‬دولر( فقط ولكن المنتج لن‬
‫يصله حتى يقوم بسداد ال ‪ 400‬دولر المتبقية من جملة المبلغ أو تخصم من‬
‫أول عمولة يستحقها من الشركة‪.‬‬
‫طريقة الكسب المادي‪:‬‬
‫أن نظام العمل في شركة جولدكويست إنترناشينونال هو نظام )ثنائي‬
‫‪ ,(BINARY‬أي أن كل شخص يشترك في هذا العمل يصبح له طرفان )أيمن‬
‫وأيسر وأقل ما يمكن سيحضر شخصين وهكذا تبدأ الشبكة(‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهو نظام يمكن لي شخص مشترك أن يحقق أرباح أكثر أو أسرع من‬
‫الشخص المشترك في ذلك النظام قبله‪ ,‬ولكن في نظام العمل في شركة‬
‫جولدكويست )الثنائي‪ (AL-BINARY-‬يمكن تحقيق ذلك‪ ,‬وكل شخص يحقق‬
‫أرباح بمقدار ما يبذل من جهد‪.‬‬
‫بمجرد أن يدخل المشترك في نظام العمل‪ ,‬يصبح له )‪ (TCO‬أي )‪Tracking‬‬
‫‪ (Center Owner‬بمعنى أنه يصبح )مالك لمركز متابعة أو مركز عمل(‪ ،‬ومن‬
‫خلل هذا المركز يبدأ بتحقيق أرباحه المادية‪.‬‬
‫المطلوب فعليا ً من المشترك هو أن يقوم على القل بتعريف اثنين من‬
‫أصدقائه ومعارفه على الشركة‪ ،‬ويوضح لهما مدى قوتها ومصداقيتها‪،‬‬
‫ومميزات منتجاتها‪ ،‬وطريقة الشتراك فيها‪ ،‬وكيفية الكسب المادي من‬
‫خللها‪ ،‬ثم أن يقوم هذان الشخصان بالشتراك بالشركة‪ ،‬بعد تحقيق الشروط‬
‫اللزمة للشتراك بشراء منتج واحد على القل من منتجات الشركة‪ ،‬ومن ثم‬
‫يضع المشترى الول على يمينه والخر على يساره فيصبح لكل منهما رقم‬
‫‪ T.C.O‬الخاص به بمجرد تعبئة استمارة الشراء‪.‬‬
‫يعتمد نظام العمولة في شركة جولدكويست إنترناشيونال على تساوي‬
‫الطرفين )اليمن واليسر( لكل مشترك‪ ,‬وهو نظام مكون من ‪ 6‬خطوات‪,‬‬
‫أساس كل الخطوة من هذه الخطوات هو العدد )‪.(5‬‬
‫بمجرد أن يكمل المشترك ‪ 5‬مبيعات على يمينه مقابل ‪ 5‬على يساره ‪,‬‬
‫يحصل على عمولة من الشركة مقدارها ‪ 400‬دولر أمريكي‪.‬‬
‫وذلك موضح كما يلي‪:‬‬
‫أي أنه بعد ست ‪ 6‬خطوات يصبح عدد المبيعات على طرف المشترك اليمن‬
‫يساوي ‪ 30‬عملية بيع‪ ،‬وكذلك عدد المبيعات على طرف اليسر يساوي ‪30‬‬
‫عملية بيع‪ ،‬ويكون مجموع العمولت التي حصل عليها من الشركة يساوي‬
‫‪ 2400‬دولر‪) .‬هذا في حالة الدفع الكامل لقيمة العملة‪ ،‬أما إذا كان المشترك‬
‫قد دفع نصف ثمن العملة عند اشتراكه فيكون مجموع ما وصله بعد الخصم‬
‫الـ ‪ 400‬دولر الولى ‪ 2000‬دولر فقط(‪.‬‬
‫وبذلك يكون المشترك قد أكمل ما يسمى الدورة بمفهوم الشركة‪.‬‬
‫الدورة هي عبارة عن مرحلة وهمية من صنع الشركة‪ ,‬ويقوم المشترك‬
‫بإكمالها بمجرد أن يبلغ عدد المبيعات على طرفه اليمن ‪ 30‬مقابل ‪ 30‬عملية‬
‫بيع على طرفه اليسر ومن ثم مضاعفاتهما أي أنك كل ما تنهي دورة تدخل‬
‫تلقائيا ً بالدورة الجديدة من دون توقف‪.‬‬
‫‪ .1‬ضمان استمرارية الشركة‪:‬‬
‫وذلك عن طريق تحديد سقف أعلى لدخل الفرد المشترك‪ ،‬وتقيد هذا الدخل‬
‫بدورة واحدة يوميًا‪ ،‬أي أن أقصى عمولة يمكن أن تدفعها الشركة للمشترك‬
‫في اليوم الواحد هو عمولة دورة كاملة أي ‪ 2400‬دولر يوميًا‪.‬‬
‫فلو فرضنا أن المشترك قد كبرت شبكته‪ ،‬ودخل على طرفه اليمن في يوم‬
‫واحد ‪ 500‬شخص مقابل ‪ 500‬شخص على طرفه اليسر‪ ،‬فإن مجموع ما‬
‫يستحقه في ذلك اليوم من عمولة ‪ 40.000‬دولر‪ ،‬فلو كانت الشركة ستدفع‬
‫هذا المبلغ لشخص واحد في يوم واحد فإنه سيأتي عليها يوم تنهار وتعلن‬
‫إفلسها‪ ،‬ولذلك قامت الشركة بصنع الدورة‪ ،‬بحيث أنه إذا كان عدد الشخاص‬
‫المشتركين في يوم واحد أكثر من ‪ 30‬شخص على اليمين مقابل ‪ 30‬شخص‬
‫على اليسار‪ ،‬أي ‪ 2400‬دولر أمريكي يوميا ً ولكن الشخص ل يخسر قدرة‬
‫عمل الشخاص الذين ل يستلم عليهم عمولة‪.‬‬
‫‪.2‬زيادة مبيعات الشركة‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بحيث أنه عندما يستكمل المشترك الخطوة الولى من كل دورة جديد‪ ،‬تقوم‬
‫الشركة بإعطائه قسيمة مشتريات بقيمة ‪ 400‬دولر لكي يشتري بها من‬
‫منتجات الشركة بدل ً من أن تعطيه ‪ 400‬دولر نقدًا‪ ،‬وهكذا تكون الشركة قد‬
‫زادت مبيعاتها‪.‬‬
‫أي إن الشخص يستلم عن كل دورة ‪ 2000‬دولر نقدا ً وقسيمة شرائية تعادل‬
‫‪ 20‬نقطة تمكن المستفيد من استبدالها بإحدى منتجات الشركات الخرى‬
‫المخصصة للبيع‪.‬‬
‫إن نظام العمل في الشركة يصبح أسرع‪ ،‬وتصبح الرباح أكثر بمرور الوقت‪،‬‬
‫فلو افترضنا أن شخصا ً اشترك الن واستغرق ثلثة أشهر حتى أكمل الدورة‬
‫الولى‪ ،‬فمن البديهي أن الدورة الثانية ستستغرق وقت أقل من ثلثة أشهر‪،‬‬
‫حيث أنه في الدورة الولى كان يعمل بمفرده‪ ،‬أما الن فإن ‪ 30‬شخصا ً على‬
‫طرفه اليمن و ‪ 30‬شخصا ً على طرفه اليسر يعملون معه‪ ،‬وبالتالي فإن‬
‫الدورة الثالثة ستستغرق وقت أقل نتيجة زيادة عدد الشخاص الذين يعملون‬
‫في الشبكة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وهكذا حتى يصبح قادرا على أن يكمل دورة يوميا‪ ،‬أي يحقق ‪ 2400‬دولر‬
‫يوميًا‪.‬‬
‫أي أنه كلما زاد عدد الشخاص الموجودين في الشبكة تزداد قدرة عمل‬
‫الشبكة فيتناقض الوقت وتزداد الرباح‪.‬‬
‫والشكل التالي يوضح ذلك‪:‬‬
‫كما توجد طريقة لمضاعفة العمولت بالشتراك الشخص الواحد بثلثة مراكز‬
‫بشراء ثلثة منتجات وبذلك تضاعف عمولته وفق ما هو مبين في نشرة‬
‫الشركة‪.‬‬
‫تعطي الشركة العميل الذي يفشل في إنماء شبكته أربعة حلول‪:‬‬
‫‪ .1‬يحق للمشترك أن يلغي اشتراكه خلل ستة شهور من اشتراكه في حالة‬
‫اختياره للدفع الجزئي ويحصل على نصف أونصة من الذهب مقابل نقوده‬
‫المدفوعة وهي ‪ 400‬دولر تصله خلل ‪ 12‬شهر‪.‬‬
‫‪ .2‬بدون تحديد الفترة الزمنية يحق للمشترك إكمال المبلغ المتبقي عليه في‬
‫أي وقت ويحصل على الونصة كاملة‪.‬‬
‫‪ .3‬يحق للمشترك في أي وقت أن يبيع مركز عمله لي شخص يريد‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ .4‬يحق للمشترك مدى الحياة أن يبدأ العمل في أي وقت فينشط مركزه‬


‫وبالتالي يحصل على الذهب وعلى العمولة وأن يحقق الرباح‪.‬‬
‫النتائج المترتبة على شروط الشركة‪:‬‬
‫ً‬
‫يتضح من السرد السابق أن لجولدكويست شروطا للدخول في البرنامج‬
‫حوافز الشركة تترتب عليها عدة نتائج هي‪:‬‬
‫‪ .1‬شراء المنتج شرط في الدخول في البرنامج عمولت التسويق‪.‬‬
‫وهذا يعني أن الذي يتولى الدعاية والتسويق لمنتجات الشركة مهما أفلح في‬
‫تسويق المنتجات فإنه ل يستحق أي عمولة ولو كان المشترين عن طريقه‬
‫مئات ما لم يشتر المنتج‪.‬‬
‫‪ .2‬ل يمكن للفرد أن يسجل تحته مباشرة أكثر من اثنين‪ .‬وكل جهد إضافي‬
‫يسجله تحت آخر مشترك في الشبكة‪.‬‬
‫وهذا يعني أن هنالك أفرادا ً بالشبكة يستفيدون من جهد الذين تحتهم‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويتقاضون عمولت عن سلع لم يكن لهم جهد في تسويقها‪.‬‬


‫‪ .3‬هنالك عدة شروط قصد منها الحد من نمو دخل العميل وحرمانه من‬
‫ثمرة جهده تتمثل في التي‪:‬‬
‫أ‪ .‬اشتراط تسويق عدد معين من المنتجات )عشرة( وتسمى هذه خطوة‬
‫والدفع يتم عن الخطوة وليس عن عدد المنتجات المسوقة فإن سوق أي‬
‫قدر من المنتجات يقل عن خطوة فل يستحق عليه الموزع شيئًا‪ .‬وهذا يعني‬
‫أن الشركة يمكن من الناحية العلمية الستفادة من جهد المشتركين في‬
‫توزيع منتجاتها دون أن تدفع شيئا ً لهم‪.‬‬
‫ب‪ .‬وضع سقف أعلى لنمو دخل العميل وحددته الشركة بدورة واحدة في‬
‫اليوم )‪ 60‬مشتركا ً جديدًا( وهذا يعني أن العميل ل يستحق عمولة على أكثر‬
‫من ‪ 60‬عميل ً في اليوم ولو تجاوز عدد الداخلين المئات مع استفادة الشركة‬
‫من مشترياتهم‪.‬‬
‫‪ .4‬كما أن النمو غير المتوازن للشبكة يحرم العميل من الستفادة من‬
‫العمولت مع تحقيقه للشركة سلسلة من المبيعات‪ ،‬فلو فرضنا أن شبكة‬
‫عميل حققت نموا ً في الجانب اليمن بلغ المئات ولم تحقق أي نمو في‬
‫الجانب اليسر فإن هذا العميل ل يستحق أي عمولة مع استفادة الشركة من‬
‫هذا في تسويق منتجاتها ونمو دخلها‪.‬‬
‫ومن ثم يتضح أن هنالك صورا ً في هذه المعاملة يمكن للعميل أن يبذل جهدا ً‬
‫تستفيد منه الشركة في تسويق منتجاتها وتعظيم دخلها دون أن تدفع أي‬
‫عمولة مقابل ذلك‪.‬‬
‫مقصد الشركة من هذا النظام‪:‬‬
‫يتضح مما سبق أن مقصد الشركة من نظامها بناء شبكة من الفراد في‬
‫شكل متوالية هندسية أساسها اثنان تتسع قاعدتها في شكل هرمي‪ ،‬صاحب‬
‫الحظ فيه هو السابق في البناء الهرمي بثلث درجات‪ ،‬تدفع فيه قاعدة الهرم‬
‫مجموع عمولت الذين فوقهم مضافا ً إليه ربح الشركة‪.‬‬
‫إن بناء هذه الشبكة بهذه الكيفية وما يتولد منه من دخل هو القصد والهدف‬
‫وليس التسويق منتج بعينه وهذا واضح فلو كان المقصد هو تسويق لمنتجات‬
‫الشركة دون اشتراط شراء المنتج ولكان المنطق يقتضي أيضا ً أن يكافأ‬
‫المسوق المباشر الذي أحضر المشتري دون أن يشاركه غيره في ذلك‪.‬‬
‫فإذا اتضح أن النظام الشركة يحرم المسوق غير المشترك ويحفز المشترك‬
‫غير المسوق علمنا يقينا ً أن بناء نظام الحوافز الهرمي هو المقصد الحقيقي‬
‫للشركة وليس المنتج‪ .‬إن المنتج في هذه العملية ليس سوى طعم ضروري‬
‫لحداث قدر من الثقة والطمئنان في نفوس المشتركين ومن ثم فقد‬
‫أحاطت الشركة منتجاتها الذهبية بشهادة ضمان صادرة من بنوك مركزية‬
‫بدول معتبرة لتدلل على جودة وقيمة المنتج لتورث الثقة في نفوس‬
‫المتعاملين ولعطاء ضمان للمشترك في حالة فشله في بناء شبكته‪ ،‬كما‬
‫تقول دعاية الشركة )لو لم ينجح مركز عملك في تحقيق أرباح فإنك لن‬
‫تخسر رأس مالك لنك في الصل قمت بعملية شراء ومقابل نقود حصلت‬
‫على منتج من الذهب قيمته تزداد بمرور الوقت لنه ليس ذهبا ً عاديا ً بل عملة‬
‫تذكارية(‪.‬‬
‫إن الشركة تعلم أن الدافع من شراء المنتج ليس شراء عملة تذكارية ولكنه‬
‫الطمع في نمو شبكة العملء و تدفق العمولت وأن المنتج ليس سوى باعث‬
‫للثقة والطمئنان خاصة في بداية العمل وقبل أن تحوذ الشركة على ثقة‬
‫الناس‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بقي أن نسأل عن قصد المشتركين والغاية من شرائهم المنتج‪.‬‬


‫لقد سألت أكثر من مشترك وراغب في الشتراك هذا السؤال‪ :‬لو أن شركة‬
‫أخرى تسوق منتجات بنفس المواصفات وبسعر أقل من سعر الشركة دون‬
‫أن ننتهج هذا السلوب أي ل يتولد لك تيار من الدخل المتدفق عبر الزمان‬
‫أكنت مفضل ً هذا المنتج الرخيص على منتج الشركة؟‬
‫لقد كانت الجابات الصادقة بالنفي وهذا أمر بدهي مدرك لكل ذي عقل‪.‬‬
‫إن القبال الكبير على هذه المنتجات ليس لذاتها ولكن لما يتولد من شرائها‬
‫من دخل ومن ثم يتضح أن منتجات الشركة ليست هي المقصود من وراءه‬
‫بل العمولة المتدفقة في شكل تيار من الدخل ل ينتهي هي مقصد كل‬
‫مشترك ولو كان الواسطة في ذلك قصاصة ورق تثبت لصاحبها حقه ومركزه‬
‫في الشبكة‪.‬‬
‫فلو توقفت هذه العملية لي سبب لعض المشتركون خاصة الجدد منهم‬
‫أصابع الندم والحسرة على أحلمهم التي لم تتحقق بينما ملء أيديهم ذهب‬
‫حقيقي ونقي بنسبة ‪.%99‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫فلو تصورنا بنكا ً مركزيا لدولة ما )لما يجده من القبول( أصدر شهادات‬
‫اشتراك في شبكة كهذه تدر دخل ً متدفقا ً مثله‪ ،‬يحفز فيه السابق مما يدفعه‬
‫اللحق دون أن تتوسط سلعة للقي قبول ً ولتكالب الناس طمعا ً فيما يتولد‬
‫عنه من دخل‪.‬‬
‫التكييف الفقهي‪:‬‬
‫ً‬
‫فإذا توصلنا لهذا فإن المنتج أيا كان يسقط عند النظر في التكيف الفقهي‬
‫لهذه النازلة فالحكم يبنى على المقاصد والمعاني ل اللفاظ والمباني إذ‬
‫المور بمقاصدها في الشرع الحنيف‪.‬‬
‫ً‬
‫وبتجريد التسويق الشبكي من كل منتج تلّبس به يبدو عاريا‪ ،‬ويغدو المر ليس‬
‫سوى تجميع اشتراكات من أفراد تديره الشركة يدفع فيه الشخص في أسفل‬
‫الهرم لمن سبقه في أعلى الهرم بالضافة لعمولة الشركة نظير إدارتها لهذا‬
‫العمل‪.‬‬
‫ومن ثم يتضح جوهر هذه العملية في كونها حلقات مقامرة‪ ،‬مال المقامرة‬
‫فيه مضمن في سلعة ومدسوس في ثمنها )مال المقامرة في جولدكويست‬
‫هو الفرق بين ثمن المثل للمنتج وثمنه في الشركة(‪.‬‬
‫حلبات المقامرة في جولدكويست متداخلة في حلقات قمار غير منتهية‪.‬‬
‫الرابح فيها هو السابق في الشبكة يتدفق إليه تيار من الدخل يبدو غير‬
‫منتاهي بقدر اتساع شبكته من الفراد المغرر بهم‪ .‬الخاسر فيها القاعدة‬
‫المتلهية بالمل في الصعود ونمو شبكتها بالمزيد من المغرر بهم ممن‬
‫يحدوهم المل في الكسب الرخيص دون عمل منتج فهي في جوهرها تتفق‬
‫مع لعبة )البنتاجونو( مع الختلف في الحافز‪ ،‬ففي البنتاجونو يحقق قمة‬
‫الهرم كسبه غير المشروع مرة واحدة ويخرج بذلك من اللعبة ليحل محله‬
‫ثلثة غيره مشكل ً كل ً منهم هرما ً منفصل ً وهكذا تتوالى‪ .‬فحلقات القمار في‬
‫البنتاجونو تتفكك من أعلى وتتسع من أسفل في شكل هرمي تتفرع منه كل‬
‫ما اتسع عدة أهرامات وهكذا في صورة غير متناهية‪.‬‬
‫أما الجولدكويست فالهرم فيها واحد يقبل الزيادة والتساع في قاعدته دون‬
‫أن يفقد صاحب القمة مركزه ودخله ومن ثم فإن دخله ينمو ما بقيت اللعبة‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مستمرة فإذا توقفت خسرت القاعدة وغنمت القمة وهذا هو معنى القمار‪.‬‬
‫‪ -‬فضل ً عن ذلك فإن نظام الشركة يشتمل على عدة مخالفات شرعية أخرى‬
‫)على فرض أن السلعة مقصودة ( تتمثل في التي‪:‬‬
‫‪ .1‬يشمل عقد الشركة على عقدين في عقد فالشركة تشترط لدخول‬
‫الشخص في الشبكة ونظام التسويق شراء المنتج هو شرط في ذلك )في‬
‫بعض الصور يجوز الدخول في شبكة التسويق دون الشراء العاجل للمنتج‬
‫ولكنه ل يعتمد العميل في هذه الحالة بصورة رسمية ببرنامج الحوافز إل بعد‬
‫شرائه المنتج أي أن البيع يتم بثمن مؤجل(‪.‬‬
‫فيكون العقد الول هو عقد التسويق الموجب للعمولة والعقد الثاني هو بيع‬
‫المنتج عاجل ً كان بثمن معجل أو مؤجل ومن ثم يطاله الخلف الفقهي في‬
‫الحكم البيعتين في بيعة‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ .2‬نظام الشركة وشروطها يجعلنها تحقق مكسبا من عمل الكثيرين من‬
‫العملء دون إن تدفع لهم شيئا ً نظير وهذا واضح في عدة صور سبق بيانها‬
‫وهذا ظلم ل يجوز حيث استفادت الشركة من جهدهم في تسويق منتجاتها‪،‬‬
‫والعدل يقتضي أن تدفع لهم مقابل ذلك وهذه مخالفة تؤخذ على العقد سواء‬
‫كّيف على كونه إجارة أو جعالة‪ .‬أما كونه إجارة )وهو القرب( فالمر واضح‬
‫فالجير له حظ في أي جهد بذلة حقق نفعا ً للمؤجر وفق عقد الجارة فيكون‬
‫وقوه‪.‬‬
‫لهم عمولة على أي منتج س ّ‬
‫وإن قلنا إنه جعالة فإنه يشترط في الجعالة عدم استفادة الجاعل من جزء‬
‫عمل العامل ومع هذا فقد أوجب جمهور العلماء حقا ً للعامل في الجعالة إن‬
‫انتفع بجزء عمله صاحب الجعالة‪ .‬قال أصبغ‪ :‬سؤال ابن القاسم عمن قال من‬
‫يحفر لي بئرا ً طولها كذا وكذا وعرضها كذا وكذا فحفر رجل نصف ذلك‪ ,‬ثم‬
‫يعتل‪ .‬قال‪" :‬ل أرى له حقا ً إل أن ينتفع بها صاحبها"‪.‬‬
‫قال محمد بن رشد في هذه المسألة‪" :‬يكون للمجعول له فيما حفر من البئر‬
‫إذا انتفع بذلك صاحبها قدر ما عمل مما انتفع به"]البيان والتحصيل ج ‪ 8‬ص‬
‫‪.[511‬‬
‫ي المفقودين فله دينار ورد‬ ‫وعند الشافعية "لو قال العاقد‪ :‬من رد جمل ّ‬
‫العامل واحدا ً من الجملين استحق نصف دينار لنه أنجز نصف العمل المراد"‬
‫]المهذب ج ‪ 1‬ص ‪ ،412‬مغني المحتاج ج ‪ 2‬ص ‪.[432‬‬
‫وجاء في النصاف في فقه الحنابلة‪" :‬أو قال من رد عبديّ فرد أحدهما فله‬
‫نصف الجعل" ]النصاف ج ‪ 6‬باب الجعالة مسألة ‪) 389‬جامع الفقه([‪.‬‬
‫ومن ثم فإنه )على فرض صحة المعاملة في أساسها( يجب أن يكافأ كل‬
‫وق أربعين‬ ‫متسوق على قدر جهده أي أن تدفع الشركة عن كل منتج يس ّ‬
‫دولرا ً )عمولة الشركة عن كل عشرة ‪ 400‬دولر( دون أن تضع حدا أدنى‬
‫ً‬
‫لستحقاق الجعل أو حدا ً أعلى يسقط بعده حق العامل في العمولة‪.‬‬
‫‪ .3‬في بعض صور هذه المعاملة يتم بيع المنتج الذهبي بتقسيط الثمن مما‬
‫يدخل المعاملة في ربا الّنساء المنهي عنه‪.‬‬
‫‪ .4‬وفي بعض صورها أيضا ً يجوز الشتراك والتعاقد مع الشركة دون دفع ثمن‬
‫المنتج وحينئذ ل يسلم المنتج وغياب البديلين يدخل المعاملة في بعض صور‬
‫دين‪ .‬فالمر ل يخرج عن كونه وعد والوعد في الصرف ل ينشئ‬ ‫دين بال َ‬‫ال َ‬
‫ً‬
‫التزاما ول يشغل ذمة‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .5‬تجعل الشركة للمشتركين خيار فسخ العقد خلل ستة أشهر من الشراء‬
‫على أل ترد لهم الثمن إل بعد عام وهو ما ل يجوز في البيع الموال الربوية‪.‬‬
‫ولو خرج على أنه لقالة واستئناف عقد جديد فإن شرط الشركة في رد ثمن‬
‫المنتج بعد عام يرد المسألة إلى ربا الّنساء‪.‬‬
‫فهذه المعاملة بشروطها المعلومة ظلمات بعضها فوق بعض فهي قمار في‬
‫أصلها وربا نساء في بعض صورها وأكل لموال الناس بالباطل ومن ثم فهي‬
‫باطلة ويجب على الذين اشتركوا فيها أن يتخلصوا من كل دخل حصلوا عليه‬
‫منها وصرفه في أوجه البر كأي كسب خبيث ل يجوز لصاحبه النتفاع به ول‬
‫يترك ما يرد إليه مستقبل ً من الشركة للشركة لتتتفع به قياسا ً على الفتوى‬
‫في شأن الفوائد الربوية‪.‬‬
‫التكييف الفقهي لشركة بزناس‪:‬‬
‫أسس الشركة كل من السيد‪/‬علي الشرجي عماني الجنسية والسيد‪/‬عمران‬
‫خان باكستاني‪ ,‬وكلهما صاحب خبرة في التسويق الشبكي‪.‬‬
‫بدأت الشركة عملها في أكتوبر ‪2001‬‬
‫مقر الشركة الم بسلطنة عمان‬
‫تدار عملياتها بواسطة فريق مختص بباكستان حيث توجد أجهزة الحاسب‬
‫الرئيسية للستفادة من الخبرة الباكستانية ورخص اليدي العاملة‪.‬‬
‫يقدر عدد المشتركين بها أكثر من ‪ 110.000‬مشتركا ً موزعين على ‪ 50‬دولة‬
‫حتى الن‪.‬‬
‫المنتج الرئيسي للشركة عبارة عن حزمة من المبيعات التجارية الخاصة‬
‫بالحاسب تتكون من‪:‬‬
‫‪ -‬خمسة مواقع على النترنت بمساحة ‪ 10‬ميغابايت)المجموع ‪ 50‬ميغابايت(‪.‬‬
‫‪ -‬مناهج تعليمية للكمبيوتر والنترنت‪.‬‬
‫‪ -‬بريد إلكتروني بمساحة ‪ 25‬ميغابايت‪.‬‬
‫‪ -‬بطاقة الخصومات والمزايا‪.‬‬
‫يستفيد المشترك من كل المزايا الخمسة المذكورة مقابل ‪ 99‬دولرا ً أمريكيا ً‬
‫ما يعادل ‪ 27000‬دينارا ً سودانيًا‪.‬‬
‫بالضافة للدخل في برنامج الفوائد وهو عبارة عن ثلثة مكافآت تتمثل في‬
‫التي‪:‬‬
‫‪ .1‬فوائد الخطة الثنائية وهي الخطة الرئيسية‪.‬‬
‫‪ .2‬خطة الدخل من الحوافز‪.‬‬
‫‪ .3‬خطة الدخل من يونيلفل ‪.uni-level‬‬
‫‪ .1‬الخطة الثنائية‪:‬‬
‫وللدخول في شبكة الشركة والستفادة من فوائدها الرئيسية المسماة في‬
‫مصطلح الشركة بالخطة الثنائية لبد من توافر عدة شروط‪:‬‬
‫‪ .1‬امتلك مركز عمل‪.‬‬
‫‪ .2‬التسويق لثنين من الزبائن الجدد أحدهما عن اليمين والخر عن اليسار‪.‬‬
‫‪ .3‬تسويق ‪ 9‬مبيعات وتعتبر هذه في عرف الشركة)خطوة( ‪ step‬وتعطي‬
‫الشركة عن كل خطوة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫)‪ 9‬مبيعات( مبلغ ‪ 55‬دولرا تقريبا‪ .‬الشرط الساسي لستحقاق الحافز عن‬
‫كل ‪ 9‬مبيعات أن تكون على القل ثلث من هذه المبيعات من أحد الجهات‬
‫اليمنى أو اليسرى وبصورة أخرى لبد من تحقيق ثلثة مبيعات من جهة وستة‬
‫من جهة أخرى أو أربعة من جهة وخمسة من الجهة الخرى‪ ,‬فلو كانت‬
‫التسعة مبيعات من جهة واحدة فإن المشترك ل يستحق شيئا ً فالنمو غير‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫متوازن للشبكة يقف‬


‫المشترك حقه في الحافز ولو بلغ عدد المشتركون تحته بالمئات‪.‬‬
‫‪ .4‬يمكن للمشترك أن يشكل عددا ً ل نهائيا ً من الخطوات وفي أي مدى‬
‫زمني أسبوعي أو يومي أو على مدار الساعة ويستحق على كل خطوة ‪55‬‬
‫دولرًا‪.‬‬
‫فإن افترضنا أن شبكة المشترك تمت بصورة مثالية أي أنه بعد أن سوق‬
‫لثنين واحد عن اليمين و آخر عن اليسار ثم قام كل واحد من المشترين‬
‫الجدد بالتسويق لثنين آخرين وبنفس الطريقة فإن الشبكة سوف تنمو في‬
‫شكل متوالية هندسية أساسها اثنين ومن ثم يحقق المشترك الول التالي‪:‬‬
‫‪ ...‬مبيعات جديدة ‪ ...‬مجموع المبيعات ‪ ...‬الدخل بالدولر‬
‫‪0 ... 2 ... 2 ... 1‬‬
‫‪0 ... 6 ... 4 ... 2‬‬
‫‪55 ... 14 ... 8 ... 3‬‬
‫‪110 ... 30 ... 16 ... 4‬‬
‫‪165 ... 62 ... 32 ... 5‬‬
‫‪440 ... 162 ... 64 ... 6‬‬
‫‪770 ... 254 ... 128 ... 7‬‬
‫‪1540 ... 510 ... 256 ... 8‬‬
‫‪3135 ... 1022 ... 512 ... 9‬‬
‫‪6215 ... 2046 ... 1024 ... 10‬‬
‫‪12485 ... 4094 ... 2048 ... 11‬‬
‫‪25080 ... 8190 ... 4096 ... 12‬‬
‫مجموع المقبوضات ‪49,995 ...‬‬
‫‪ .2‬خطة الحوافز‪:‬‬
‫أما خطة الحوافز فهي إعطاء حافز مقداره خمسة دولرات عن كل مشترك‬
‫جديدي يدخل الشبكة عن طريقك مباشرة بعد أول مشتركين مباشرين‪.‬‬
‫ول يوجد حد أقصى لعدد الشخاص الذين يمكن إدخالهم مباشرة مع الخذ‬
‫في العتبار في أن هؤلء الزبائن الجدد سوف يحلون في أسفل الشبكة‬
‫وتحت آخر مشترك فيها على أن يكون موقعه في أقصى يمين الشبكة أو‬
‫أقصى يسار الشبكة‪.‬‬
‫في هذه الحالة يستفيد جميع المشتركين العلى من المشترك الجديد بدخوله‬
‫في خططهم الثنائية )الخطة الرئيسية( ويحق لهم الستفادة من مزاياها‬
‫وتقاضي عمولة عنه‪.‬‬
‫‪ .3‬خطة الدخل من )يونيلفل( ‪:uni-level‬‬
‫‪ -‬يسجل في هذه الخطة كافة الزبائن الذين اشتروا منتج الشركة) المجموعة‬
‫التجارية( تلقائيًا‪.‬‬
‫‪ -‬الشخاص الذين قامت الشركة بإشراكهم بطريقة مباشرة يعتبرون مستوى‬
‫أول و الشخاص الذين يشترون من المستوى الول يعتبرون مستوى ثان لك‬
‫وهكذا إلى عشرة مستويات بحد أقصى‪.‬‬
‫‪ -‬يعطي المشترك دولرا ً واحدا ً عن كل زبون في هذه الخطة بحد أقصى‬
‫عشرة مستويات عن كل زبون مباشر‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -‬لما كان عدد الزبائن المباشرين متوقفا على النشاط المشترك فإن الخطة‬
‫)يونيلفل( تمتد بامتداد زبائنك المباشرين بواقع عشرة مستويات لكل‬
‫مشترك مباشر‪.‬‬
‫يتضح من السرد السابق أن كل من بزناس و جولدكوست يشتركان في‬
‫جوهر الفكرة مع بض الختلفات غير الجوهرية في طريقة الحوافز ومقدارها‬
‫وشرط توازن الشبكة المفضي لستحقاق الحافز فبينما تشرط جولدكوست‬
‫التوازن التام المتمثل في خمسة من كل جهة فإن التوازن في بزناس يتم ب‬
‫‪3‬و ‪ 6‬من كل جانب أو ‪ 5‬و ‪ 4‬من كل جانب مع اختلف كل من المشتركين‬
‫في نوع المنتج التجاري ومن أوجه الختلف غير المؤثرة في الحكم بين‬
‫الشركتين التي‪:‬‬
‫‪ .1‬أن بزناس لديها برنامج حوافز مواز لبرنامج الدخل الرئيسي حيث تعطي‬
‫كل مروج لمنتجاتها ‪5‬دولرات عن كل منتج يسوقه مباشرة ول علقة له‬
‫بالبرنامج الرئيسي ويطلق عليه في عرف الشركة بخطة الحوافز وهو عقد‬
‫جعالة ل غبار عليه حيث ألزمت الشركة نفسها ‪ 5‬دولرات لكل شخص يسوق‬
‫لها منتجًا‪.‬‬
‫‪ .2‬يتم الشتراك في جولدكويست مرة واحدة‪ ,‬أما نظام بزناس فيطالب‬
‫المشترك بتجديد اشتراكه سنويا ً وإل فقد مركزه‪.‬‬
‫‪ .3‬في جولدكويست شراء المنتج شرط أساسي للدخول في الشبكة مما‬
‫أدخل المعاملة في حكم البيعتين في بيعة وشركة بزناس ل تشترط هذا‬
‫الشرط‪.‬‬
‫‪ .4‬تتفق الشركتان في أن دخل العميل لو ترك ينمو دون ضابط لدى إلى‬
‫إفلسهما ومن ثم وضعت كل شركة في نظامها كابح حول دون نمو دخل‬
‫العميل بصورة غير متناهية و مع اتفاق الشركتين في المبدأ إل أنهما اختلفتا‬
‫في الكيفية التي يكبح بها نمو دخل العميل‪ ,‬فبينما تجعل جولدكويست حدا ً‬
‫زمانيا ً و سقفا ًَ أعلى للدخل يتمثل في دورة واحدة في اليوم و هو ما يعادل‬
‫‪ 2400‬دولر في خمسة أيام في السبوع فقط أي أن دخل العميل المشترك‬
‫بمركز واحد ل يتجاوز ‪ 48000‬دولر في الشهر‪ ,‬أما بزناس فإن الكابح يتمثل‬
‫في إدخال المشتركين الذين تجاوزت خطواتهم ال ‪ 20‬خطوة في الشهر في‬
‫سلة واحدة يتقاسمون فيما بينهم )وفق خطواتهم المتكونة( الدخل‬
‫المستقطع من القاعدة للخطة الرئيسية)‪55‬دولرًا( غنما ً وغرما ً فإذا زادت‬
‫عدد الخطوات المتشكلة قل الدخل‪ ,‬وإذا قلت زاد الدخل‪.‬‬
‫ومن ثم يتضح أن بزناس تتفق مع جولدكويست في جوهر المعاملة مع‬
‫الختلف في بعض الشروط وأيضا ً في بعض الحوافز غير المؤثرة في جوهر‬
‫المعاملة‪.‬‬
‫أوجه التفاق‪:‬‬
‫‪ .1‬نظام البناء الشبكي ففي كل من الشركتين يبنى على أساس متوالية‬
‫هندسية أساسها اثنان ل يجوز لي مشترك أن يسجل تحته مباشرة أكثر من‬
‫اثنين أحدهما عن يمينه والخر عن يساره‪.‬‬
‫‪ .2‬نظام الحوافز المتنامي والمتسع مع اتساع الشبكة يدفع فيه الذين في‬
‫أسفل الشبكة لمن هو في أعلها‪ ,‬الرابح فيه السابق والخاسر فيه اللحق‪.‬‬
‫تقول دعاية شركة بزناس) سوف تخسر الكثير إذا تأخر انضمامك إلينا بيوم‬
‫واحد ‪...‬كلما انتظرت أكثر كلما خسرت أكثر ‪ ...‬ابدأ الن‪(....‬‬
‫‪ .3‬ل من النظامين يحفز المشترك غير المسبوق ‪.‬‬
‫‪ .4‬المقصد والهدف هو بناء نظام حوافز شبكي هرمي وليس تسويق المنتج‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل من الشركتين هو الدخل المتولد من‬ ‫‪ .5‬مقصد وأهداف المشتركين في ك ّ‬


‫الشتراك في المرتبة الولى وليس المنتج‪.‬‬
‫هذه النقطة والتي قبلها في حاجة إيضاح‪ .‬فمن المعلوم أن شركات إنتاج‬
‫البرامج الكمبيوتر )وحفظا ً لحقها كمنتج( تضع حماية خاصة على برامجها‬
‫تحول دون نسخها أما بزناس فد تركت برامجها التعليمية مع قيمتها العالية‬
‫فقد تركتها كل مباحا ً لكل راغب وإن لم يشترك‪.‬‬
‫ولم تحفظ حقها إل مقابل استغللها من قبل شركات أخرى إما للستفادة‬
‫الشخصية فالمر مفتوح دون أن يدفع المستفيد شيئا ً وما ذلك إل لعلم‬
‫الشركة أن هدف المشتركين هو تيار الدخل في المقام الول ولهذا لم يؤثر‬
‫ترك المنتج مباحا ً في سلوك المستهلكين وتكالبهم على شرائه‪ ,‬ومن ثم‬
‫يتضح سلوك المشتركين وهدفهم من الشتراك‪ ,‬فالمنتج بين أيديهم ويمكن‬
‫الستفادة منه دون قيد شروط ودون مقابل مادي فما الدافع إذا لشرائه‬
‫وبذل الثمن في سلعة تكلفة استعمالها تعادل صفرا ً إل إذا كانت هنالك غاية‬
‫أخرى وفرصة أعظم سوف يضحي بها عند عدم الشتراك وهي واضحة‬
‫وتتمثل في فقد تيار الدخل المتدفق وهو لشك يدخل في تقييم الفرصة‬
‫البديلة وهو المبرر الساسي لشراء المنتج‪.‬‬
‫ول يقال أن المنتجات الخرى من موقع على النترنت أو البريد اللكتروني‬
‫وهو الذي يشكل سلوك المشتركين فيؤثر في اختيارهم إذ الحاجة لهذه‬
‫المواقع تكاد تكون منعدمة لمعظم المشتركين أما البريد اللكتروني فخدمته‬
‫موجودة على النترنت مجانا ً ودون مقابل فإذا انعدمت الحاجة للمواقع لدى‬
‫جمهور المشتركين مع وجود باقي الخدمات مجانا ً لم يبق إل ما قدمناه هدفا ً‬
‫لشتراكهم وهو الطمع في تيار دخل متنامي‪.‬‬
‫ومن ثم يسقط المنتج عند النظر في التكييف الفقهي لشركة بزناس كما‬
‫سقط في تقييم شركة جولدكويست ليبدو الحكم واحدا ً وهو حلقات قمار‬
‫متداخلة الرابح فيه السابق في الهرم والخاسر فيه اللحق في أسفله‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫ومال المقامرة في بزناس أكثر وضوحا ً حيث حددت بـ ‪ 55‬دولرا ً مضاف إليه‬
‫صافي عمولة الشركة ‪ 24‬دولرا ً مخصوما ً منها التكاليف الحقيقية للمنتجات‪.‬‬
‫وعليه يمكن لي شركة إذا حازت على ثقة الناس أن تدير شبكة كهذه‬
‫وبنفس الشروط وضوابط الشتراك في بزناس دون أن توسط منتجا ً تصدر‬
‫فقط شهادات تثبت للمشترك حقه ومركزه‪ .‬ويحقق المشتركون فيها نفس‬
‫الدخل وتحقق إدارة الشركة نفس الرباح‪.‬‬
‫فالمنتجات في التسويق الشبكي أيا كانت ليست سوى طعم دس فيه مال‬
‫المقامرة ليحقق للشركات المعينة عدة أهداف منها‪:‬‬
‫‪ .1‬إعطاء واجهة سلعية مقبولة ليبني عليها الترخيص القانوني لمزاولة‬
‫النشاط في الدولة المعينة‪.‬‬
‫‪ .2‬مراعاة الحالة النفسية للمشتركين وإيهامهم بأنهم يزاولون عمل ً منتجا ً‬
‫ومفيدًا‪.‬‬
‫‪ .3‬إعطاء ضمان للمشتركين في حالة فشلهم في بناء الشركة وهو أمر‬
‫ضروري في لحداث قدر من الثقة والطمئنان لدى جمهور الراغبين في‬
‫التعامل مع الشركة خاصة عند بداية العمل وقبل أن يحقق أي من‬
‫المشتركين السابقين مكسبا ً ليمثل سابقة مقنعة ومثل ً يضرب للراغبين في‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشتراك‪.‬‬
‫فالحكم على بزناس كالحكم على جولدكويست وعلى كل سلعة سوقت بهذه‬
‫الطريقة ول يشفع لشركة بزناس عظم منتجاتها وفائدتها للفرد والمة‬
‫فالغايات ل تبرر الوسائل‪ ,‬وتحريم القمار بالمال مما ل يقبل الستثناء بحال‬
‫ونفع المنتج مهدر بنص القرآن قال تعالى‪) :‬يسألونك عن الخمر والميسر قل‬
‫فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما( ]سورة البقرة‪:‬‬
‫‪.[ 219‬‬
‫والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل‬
‫* مركز الكلم الطيب للبحوث والدراسات‬

‫)‪(7 /‬‬

‫التلحم بين المؤمنين‬


‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪..‬‬
‫وبعد ‪ :‬فنحن اليوم مع حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ُيعد ّ من جوامع الكلم ‪ ,‬وهو ما أخرجه الشيخان من حديث أبي سعيد الخدري‬
‫رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ":‬المؤمن للمؤمن‬
‫كالبنيان يشد بعضه بعضا ‪ ,‬وشبك بين أصابعه")‪(1‬‬
‫ففي هذا الحديث يشّبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجب أن يكون‬
‫عليه المسلمون من تفاهم وتلحم بالبيت الذي تم بناؤه بإحكام وعناية ‪.‬‬
‫فحينما يمر النسان على قصر شاهق جميل فإنه يقف أمامه وقفة المتأمل‬
‫ويثني على من شيده ‪.‬‬
‫ت‬
‫شّيد منها ذلك القصر يجد أنها لبنا ٌ‬‫وحينما يفكر في المواد الولية التي ُ‬
‫وحديد ومواد أخرى لتلفت النتباه ‪ ,‬بل تبقى ملقاة على الرض ليستفاد من‬
‫كل في المستقبل بناء‬ ‫كبت مع المواد الخرى لتش ّ‬ ‫كل مادة منها إل إذا ُر ّ‬
‫محكما ‪.‬‬
‫وهكذا نجد المجتمع السلمي فهو جسم عظيم هائل ‪ ,‬وبناء قوي محكم ‪,‬‬
‫حينما يكون أفراده على قلب رجل واحد ‪ ,‬وحينما يكون هدفهم جميعا نصرة‬
‫م بناء المجتمع السلمي‪.‬‬ ‫السلم وإحكا َ‬
‫فحينما يتخذ المسلم السلم مبدأ له في الحياة فإنه يتحمس لّتباعه ويدافع‬
‫عنه ويحاول فهم نصوصه ليبينها للناس ‪ ,‬ويبذل جهده في كسب أكبر عدد‬
‫من المؤمنين به ‪ ,‬وحينما يفعل ذلك يكون لبنة قوية صالحة تتخذ مكانها‬
‫اللئق في بناء الجماعة السلمية ‪.‬‬
‫ولكنه حينما يكتفي بالنتساب إلى السلم ‪ ,‬وأداء بعض الشعائر بشكل معتاد‬
‫ف ذلك عنده بحيث‬ ‫رتيب يخلو من حرارة اليمان ومن حضور القلب أو َيضعُ ُ‬
‫ليؤثر على سلوكه ‪ ..‬وحينما يدخل في غمار الحياة وهو يشعر بأنه يتصرف‬
‫في أعماله اليومية ‪ ,‬ويتقلب في مصالح الحياة بوحي من عقله المجرد وهوى‬
‫نفسه الذي يتذوق الشياء ثم يختار منها مايناسب هواه‪ ,‬وإن كان في ذلك‬
‫هلكه البطئ وهلك أمته ‪.‬‬
‫وحينما يقف من أعداء السلم الذين يتهجمون عليه ويحاولون إضعاف ثقة‬
‫المسلمين به موقف المتفرج الذي ُيظهر عدم المبالة ‪ ,‬أو يتوارى عن‬
‫النظار حتى لُيطلب منه أن يقوم بعمل جاد تجاه دينه الذي أظهر اليمان‬
‫به ‪.‬‬
‫وحينما يقف من إخوانه المسلمين الذين ُيقّتلون ويعذبون وتنتهك حرماتهم‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫موقفا سلبيا ناتجا عن أنه كان خالي الذهن من الموضوع وكأن أوضاع‬
‫المسلمين لتهمه بقليل ولبكثير ‪ ,‬أو ناتجا عن عدم المبالة بما يجري على‬
‫إخوانه من حوله ‪ ,‬وكأنه مسؤول عن نفسه وْليفعل العداء بالمسلمين ما‬
‫شاؤوا ما دام أن نار المعركة لم تصل إلى بيته ولم تهدد شيئا من مصالحه‬
‫الخاصة ‪.‬‬
‫حينما يسلك المسلم هذا السلوك المنحرف ويفكُر بهذا التفكير السلبي‬
‫القاصر فإنه لُيعد ّ في نظر السلم لبنة صالحة في قيام بنائه العظيم‬
‫المتكامل وإن أظهر النتساب إليه ودافع عن حقيقة انتمائه إلى مجتمعه‬
‫الفاضل ‪.‬‬
‫ف لدى المسلم شعوره بالنتماء‬ ‫وحينما تتحطم الجماعة السلمية أو يضع ُ‬
‫لهذه الجماعة فإن أفراد المسلمين لن َيعملوا شيئا يذكر في سبيل قيام‬
‫المجتمع السلمي وإن كان هؤلء الفراد يؤمنون إيمانا صادقا بهذا الدين ‪.‬‬
‫إن إيمانهم الصادق بهذا الدين من غير أن يجتمعوا على كلمة الحق ليعدو‬
‫مرحلة الصلح الفردي‪ ,‬فهو يشبه اللبنات الصالحة للبناء ‪ ,‬ولكن ماقيمة‬
‫اللبنات إذا كانت ملقاة على الرض ‪ ,‬فهي لُتظل من الشمس ولتقي من‬
‫البرد والحر ‪ ,‬وإن كانت صالحة للبناء ؟ ولكنه بالتفكير المبدع من‬
‫كل منها البّناء البارع قصرا منيفا‬ ‫ت ليش ّ‬
‫م هذه اللبنا ُ‬
‫المتخصصين بالبناء تنض ّ‬
‫ُيدهش الناظر ويعجب المتأمل ‪.‬‬
‫وكذلك أفراد المجتمع حينما يكونون يدا واحدة في السراء والضراء ‪ ,‬يحملون‬
‫م فيه الفراد‬ ‫في أفكارهم الهتمام الكبير في بناء المجتمع الصالح الذي ينض ّ‬
‫وُيسهمون في بنائه إسهاما فعال‪.‬‬
‫ولب ُد ّ لجتماع البدان من أن تجتمع القلوب قبل ذلك ‪ ,‬ول تلتقي القلوب إل‬
‫بتخليصها من الغل والحقد ‪ ,‬وأن يحب المسلم الخير لخوانه المسلمين ‪ ,‬وأن‬
‫يكره لهم الوقوع في الشر ‪ ,‬كما جاء في قول رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ " :‬ليؤمن أحدكم حتى يحب لخيه مايحب لنفسه " ‪.‬‬
‫وإن من أسباب اْلتقاء القلوب أن يعامل المسلم إخوانه المسلمين‬
‫بالحسان ‪ ,‬وأن ليقابل إساءتهم إليه بإساءة مثلها ‪ ,‬بل ينبغي له أن يتجاوز‬
‫عن الذين يخطئون عليه ‪ ,‬وذلك لشاعة المودة واليثار بين المسلمين ‪.‬‬
‫وحينما يقيم البّناء بناءه على أسس غير سليمة ‪ ,‬ويضعُ المواد اللزمة للبناء‬
‫في غير مواضعها فإن البناء سرعان ماينهار أو يضعف قوامه ‪ ,‬وكذلك حينما‬
‫ف أفراده بغير المهام‬ ‫يتم بناء المجتمع على غير السس السلمية ‪ ,‬أو يكل ّ ُ‬
‫ف كيانه ‪.‬‬
‫التي تناسب كفاءاتهم فإن المجتمع ينهار أخلقيا أو يضع ُ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إن المسلمين حينما يجتمعون على رأي واحد ‪ ,‬ويرجعون عند الختلف إلى‬
‫مفاهيم واضحة يحتكمون فيها إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله‬
‫ونون مجتمعا قويا متماسكا ‪ ,‬لتستطيع معاول‬ ‫عليه وسلم فإنهم بذلك يك ّ‬
‫الهدم أن تحطم كيانه ‪ ,‬ول أن تفرق بين أفراده ‪ ,‬كالبناء القوي المحكم الذي‬
‫يصعب هدمه ‪ ,‬ويتعرض من يحاول هدمه لستنكار الرأي العام وتوهين رأيه‬
‫ن تحطيم لبنات ملقاة على الرض أو التفريقَ بينها أمر سهل‬ ‫وتفكيره ‪ ,‬ولك ّ‬
‫وليثير النتباه ولسخط الرأي العام‪.‬‬
‫وهكذا رأينا أعداء السلم يوم تفرقت المة السلمية إلى دويلت متفرقة‬
‫ومجتمعات صغيرة لم يجدوا صعوبة ُتذكر في الستيلء على أراضيها ومحاولة‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نزع ثقة بعض أفرادها بدينهم وماضيهم المجيد ‪.‬‬


‫______________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري رقم ‪ , 6026‬صحيح مسلم رقم ‪2585‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التلعب ‪ ...‬السلم‬
‫يتناول الدرس قضية التلعب بمصير المة‪ ،‬من خلل نموذج تاريخي فيه‬
‫الكثير من العبر التي تحتاجها المة في واقعها المعاصر وعرض لبعض‬
‫تلعبات علماء السوء بمصير المة‪ ،‬ثم تحدث عن السلم المزعوم التي‬
‫تضلل به المة‪ ،‬ثم ذكر أنه ضاع في تيه هذه المغالطات كثير من الناس‪ ،‬ثم‬
‫عرض أسئلة مهمة يتساءل عنها أعداد من المسلمين الحريصين على‬
‫عقيدتهم ‪.‬‬
‫التلعب بمصير المة ‪ :‬عندما انتقل يوسف بن تاشفين من المغرب إلى‬
‫الندلس عام ‪479‬هـ يريد دعم إماراتها ضد الطاغية السباني الذي استبد‬
‫بالمر؛ فقد خاف يوسف على ضياع الندلس من أيدي المسلمين‪ ،‬وصعب‬
‫عليه أن يرى الصليبيين يستذلون المسلمين‪ .‬ولما حط رحاله في الندلس‬
‫درون المجالس‬ ‫رغب أن يسمع توجيه الدعاة إلى السكان‪ ،‬وكلم الذين يتص ّ‬
‫ما إلى صلة الفجر وحده ل يعرفه أحد‪ ،‬وقد‬ ‫دثون عن السلم‪ ،‬فخرج يو ً‬ ‫يتح ّ‬
‫سا وتوجيًها للشيخ أحمد التبريزي‪.‬‬ ‫علم أن بعد الصلة در ً‬
‫جه الناس‪،‬‬ ‫فلما انقضت الصلة تحّلق الناس‪ ،‬وانتظموا ثم جاء الشيخ‪ ،‬وأخذ يو ّ‬
‫ويبحث في العقيدة‪ ،‬وكان يردد في حديثه‪':‬إخواننا المسيحيون' و'المسيحيون‬
‫ح قولها‪ ،‬وهي ُتضعف معنويات‬ ‫موحدون'‪ ...‬من هذه العبارات التي ل يص ّ‬
‫المسلمين‪ .‬فسأل يوسف سؤال ً على سجيته دون تكلف ول اهتمام‪،‬‬
‫فاستغرب الحضور‪ -‬وإن وجدوا فيه الحق والجرأة‪ -‬وبدا لهم أن الشيخ يغالط‬
‫في أقواله وُيريد المداهنة‪.‬‬
‫وقال يوسف‪ :‬كيف تقول يا شيخ‪' :‬مسيحيون' والله سبحانه وتعالى يقول‬
‫ع‬
‫حّتى ت َت ّب ِ َ‬ ‫صاَرى َ‬ ‫ك ال ْي َُهود ُ وََل الن ّ َ‬ ‫ضى عَن ْ َ‬ ‫ن ت َْر َ‬‫عنهم ‪':‬نصارى' حيث يقول‪ {:‬وَل َ ْ‬
‫م]‪' }[120‬سورة البقرة' والمسيح عليه السلم برئ منهم فلماذا تنسبهم‬ ‫مل ّت َهُ ْ‬
‫ِ‬
‫إليه؟‬
‫قال الشيخ‪ :‬هكذا جرت العادة‪ ،‬وليس في المر‪ ..‬وتعلثم ‪.‬‬
‫فَر‬ ‫قد ْ ك َ َ‬ ‫قال يوسف‪ :‬تقول عنهم‪':‬موحدون' والله سبحانه وتعالى يقول‪ {:‬ل َ َ‬
‫دوا‬
‫ل اعْب ُ ُ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ح َياب َِني إ ِ ْ‬ ‫سي ُ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫م وََقا َ‬ ‫مْري َ َ‬‫ن َ‬ ‫ح اب ْ ُ‬‫سي ُ‬‫م ِ‬‫ه هُوَ ال ْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن َقاُلوا إ ِ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ْ‬
‫مأَواهُ الّناُر‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ال ْ َ‬
‫جن ّ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫حّر َ‬‫قد ْ َ‬ ‫ك ِبالل ّهِ فَ َ‬ ‫شرِ ْ‬‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬‫ه َرّبي وََرب ّك ُ ْ‬ ‫الل ّ َ‬
‫صاٍر]‪' }[72‬سورة المائدة'‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ما ِلل ّ‬
‫ن أن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫قال الشيخ‪ :‬يا ُبني إن النصارى موحدون غير أنهم يجعلون اللوهية أقانيم‬
‫ثلثة نحن نوحدها في‪':‬الله الواحد الحد‪ ،‬العزيز القهار' وهم ُيجزئونها تقريًبا‬
‫لمفاهيم أتباعهم‪ ،‬وتسهيل ً لبنائهم ‪ ..‬والصل في النصرانية كما نزلت من عند‬
‫الله سبحانه وتعالى في صورتها الولى ـ كما تعلم ـ ل تختلف عن السلم‪ ،‬بل‬
‫ُتبشر بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فهي ديانة سماوية‪.‬‬
‫قال يوسف‪ :‬ولكن حّرفها الرهبان والحبار حتى خرجت عن التوحيد‪ ،‬وغدت‬
‫تقوم على الشرك‪.‬‬
‫قال الشيخ‪ :‬لكن عندما نتكلم عن النصرانية فإنما نتكلم عنها في أصولها كما‬
‫نزلت‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال يوسف‪ :‬لكن ل يوجد اليوم ـ بين النصارى ـ من يتبع النصرانية الحقيقية‬
‫كما أنزلت‪ ،‬فهي ل ُتوجد في عالم الواقع‪ ،‬كما ل يوجد إنجيل خال من‬
‫التحريف‪ .‬إن الذي ُيوجد بين أيدي النصارى هو ما يّتبعونه‪ ،‬وهو المحّرف‪،‬‬
‫وكلهم يقولون بالشرك‪.‬‬
‫قال الشيخ‪ :‬نعم‪ .‬نعم القانيم الثلثة واحد ‪.‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ما ِ‬ ‫ث ث ََلث َةٍ وَ َ‬
‫ه َثال ِ ُ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ن َقاُلوا إ ِ ّ‬ ‫ذي َ‬‫فَر ال ّ ِ‬ ‫قال يوسف‪ :‬يقول تعالى‪ {:‬ل َ َ‬
‫قد ْ ك َ َ‬
‫ب‬‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫فُروا ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫س ّ‬ ‫م ّ‬ ‫َ‬
‫ن لي َ َ‬ ‫ُ‬
‫قولو َ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫م ي َن ْت َُهوا عَ ّ‬‫ن لَ ْ‬
‫حد ٌ وَإ ِ ْ‬
‫ه َوا ِ‬‫إ ِل َهٍ إ ِّل إ ِل َ ٌ‬
‫م]‪' }[73‬سورة المائدة'‪.‬‬ ‫َ‬
‫أِلي ٌ‬
‫قال الشيخ‪ -‬وقد تلعثم وظهر عليه الرتباك‪ : -‬ل تناقش كثيًرا يا بني‪ ،‬يبدو‬
‫م الناس بالنصراف‪ ،‬فقال الشيخ‪ :‬ما‬ ‫عليك أنك غريب‪ .‬وانتهت الجلسة وه ّ‬
‫تعّرفنا على ضيفنا‪ ،‬ما اسمك يا ضيفنا؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قال يوسف‪ :‬يوسف بن عبد الله ‪ ..‬قال الشيخ‪ :‬أهل وسهل ‪ ..‬يا أبا سعيد‪-‬أحد‬
‫إخوان الشيخ‪ :-‬أخونا يوسف في ضيافتك اليوم‪ ..‬قال أبو سعيد ‪ :‬نعم‪ .‬من‬
‫واجبنا إكرام الضيف‪ ..‬اعتذر يوسف‪ ..‬وشكر لهم إكرامهم ‪.‬‬
‫وقام الناس للنصراف‪ ،‬وأخذوا يغادرون أماكنهم ‪..‬قال الشيخ‪ :‬حبذا لو انتظر‬
‫ضيفنا قليل ً ‪.‬‬
‫قال يوسف‪ :‬نعم‪ .‬أنتظر ‪ ..‬وخرج الجميع‪.‬‬
‫قال الشيخ‪ :‬يا يوسف إن وضعنا ـ كما تعلم ـ نعيش على الثغور‪ ،‬والنصارى‬
‫ت فإن اقتحموا علينا الديار؛ فعلوا بنا الفاعيل‪ ،‬وقد علموا‬ ‫ددوننا في كل وق ٍ‬ ‫ُيه ّ‬
‫ما نقول عنهم من النصارى الذين يوالونهم ويعشون بين أظهرنا‪ ،‬لذا نضطر‬
‫أن نقول مثل هذا الكلم‪.‬‬
‫قال يوسف‪ :‬وما الذي يدعوك إلى أن تقول مثل هذا الكلم‪ ،‬اجلس في بيتك‪،‬‬
‫ودع الحديث لغيرك‪.‬‬
‫در المجالس‪ ،‬وتقدير الناس لمن يجلس مجلس العلم‬ ‫قال الشيخ‪ :‬ولكن تص ّ‬
‫أمر محبب للنفوس‪ ،‬وعلى العالم واجب كبير ومسئولية أمام الله‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫دون أنفسهم‬ ‫قال يوسف‪ :‬ولكن أل ترى أن حديثك هذا يجعل المسلمين ل ُيع ّ‬
‫للقتال حق العداد ما داموا ُيقاتلون إخواًنا لهم‪ ،‬وما دام النصارى موحدين‪،‬‬
‫لذا يتخاذل المسلمون على حين يقوى الصليبيون إذ ُيصور لهم بطارقتهم‬
‫المسلمين كفارًا‪ ،‬وأنهم يعبدون محمدًا‪ ،‬وأنهم يحبون العدوان‪ ،‬ولو انتصروا‬
‫عليهم لقتلوا رجالهم‪ ،‬وأبقوا نساءهم عندهم سبايا وإماء‪ ،‬وأنهم قد طردوا‬
‫النصارى من قبل من بلد الشام وشمالي أفريقيا واستحوذوا على بيت‬
‫ن طرح هذا الكلم ليجعل الجند النصارى يقاتلون بضراوة‪ ،‬المر‬ ‫المقدس‪ ،‬وإ ّ‬
‫الذي يجعلهم ينتصرون علينا‪.‬‬
‫إن البطارقة يغالطون رعاياهم ويكذبون ليضمنوا النصر‪ ،‬وأنتم تغالطون المة‬
‫ق لُتضعفوا من الروح المعنوية‪ ،‬ويؤّدي ذلك بالتالي إلى‬ ‫ة‪ ،‬وعدم صد ٍ‬ ‫مغالط ً‬
‫الهزيمة‪.‬‬
‫دا‪ ،‬ل ُتشغل نفسك في هذا الموضوع‪ ،‬فالنصر بيد الله‪،‬‬ ‫قال الشيخ‪ :‬ل‪ ،‬ل‪ ،‬أب ً‬
‫دون‪ ،‬فتوكل على الله‪ ،‬ول تخف‪.‬‬ ‫والمسلمون يستع ّ‬
‫وانصرف يوسف وهو يقول في نفسه‪ :‬إن أمثال هؤلء من مشايخ السوء‬
‫لخطر على المسلمين من أعدائهم‪ ،‬ولئن نصرني الله لبدأ بهم ـ إن شاء الله‬
‫ـ‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ودخل يوسف بن تاشفين الحرب ضد ّ السبان النصارى وكانت بينهم تلك‬


‫المعركة المشهورة‪':‬معركة الزلقة' إذ قضى المسلمون فيها على الجيش‬
‫السباني‪.‬‬
‫ارتفعت معنويات المسلمين في الندلس بعد هذا النصر العظيم‪ ،‬وحرص ابن‬
‫دة إقامته في الندلس على التخلص من مشايخ السوء الذي‬ ‫م ّ‬‫تاشفين ُ‬
‫ُيغالطون في عقيدتهم من أجل مصالحهم‪.‬‬
‫السلم المزعوم‪:‬‬
‫من‬‫قق يوسف بن تاشفين النصر في الندلس على الصليبيين‪ ،‬وأ ّ‬ ‫بعد أن ح ّ‬
‫وضع المراء فيها عاد إلى الغرب‪ ،‬وما إن رجع حتى ُفسح المجال ثانية أمام‬
‫مشايخ السوء فانطلقت ألسنتهم بالمغالطات‪ ،‬وامتدت أيديهم الباردة نحو‬
‫العامة تقذف في قلوبهم الوهن‪ ،‬وتسلب منهم الحيوية‪ ،‬وُتميت عندهم فكرة‬
‫الجهاد‪.‬‬
‫د‪ ،‬ول‬‫بدأت المغالطات بإعلن‪ :‬أن السلم دين السلم ل يعتدي على أح ٍ‬
‫يحارب إل إذا هوجم‪ ،‬ول يدخل منطقة إل إذا اعُتدي عليه‪ ،‬ول يدخلها إل لمنع‬
‫ن‬
‫الهجوم عليه ثانية وقطع دابر الغارات على أبنائه‪ ،‬وإذا مد ّ سلطانه إلى مكا ٍ‬
‫ن منيٍع يتقي فيه شر الجوار وحرب العداء‪ ،‬هكذا‬ ‫فإنما ليصل إلى مكا ٍ‬
‫السلم‪ ،‬فهو في نظر هؤلء الذي يغالطون‪ :‬ضعيف ل ُيريد أن يتوسع‪ ،‬ول‬
‫م‬
‫مة في الحياة هي الدعوة لله حتى تع ّ‬ ‫مه ّ‬‫ُيريد أن ينتشر‪ ،‬وليس على أبنائه ُ‬
‫ب الحياة في أتباعه ‪ ..‬هكذا‬ ‫الرض‪ ،‬ذليل يقبع في زاوية من الرض حتى تد ّ‬
‫وبهذه الصورة البشعة في نظر هؤلء من أهل السوء‪.‬‬
‫عاد الضعف إلى المسلمين مرة ثانية فالمراء والحكام رجعوا إلى اختلفهم‪،‬‬
‫وتفّرقهم‪ ،‬واستعانة بضعهم على بعض بالطاغية النصراني‪ ،‬والروح المعنوية‬
‫درون مصالحهم فقط وقبل كل شيء‪،‬‬ ‫انخفضت نتيجة مشايخ السوء الذين يق ّ‬
‫وبدأت غارات السبان تارة أخرى وأخذت تجوس خلل ديار المسلمين‪،‬‬
‫جه نحو‬ ‫واضطر المعتمد بن عّباد حاكم إشبيلية اجتياز بحر الزقاق والتو ّ‬
‫المغرب يستنجد بأمير المرابطين يوسف بن تاشفين للعودة إلى الندلس‬
‫بجيوشه ومساعدة المسلمين‪ ،‬واستجاب يوسف لدعوة المعتمد‪ ،‬بل لنين‬
‫المسلمين‪ ،‬ونداء الواجب السلمي وانتقل إلى العدوة الندلسية‪.‬‬
‫ب قبل أن يخوض الجولة أن يتعّرف على الروح المعنوية لدى المسلمين‪،‬‬ ‫وأح ّ‬
‫ورأى أفضل طرق المعرفة الستماع إلى الموجهين والمتحدثين الذين مقّرهم‬
‫المسجد عادة‪ ،‬فخرج إلى صلة العصر في أكبر مساجد قرطبة‪ ،‬وقد علم أن‬
‫أحد العلماء‪ -‬وهو إبراهيم بن عبد الملك الباجي ُيلقي محاضرة‪.‬‬
‫م الجامع آخرون أّدوا صلتهم في غيره‪،‬‬ ‫انتهت صلة العصر واجتمع الناس‪ ،‬وأ ّ‬
‫وقد ازدحم الجامع بالناس رغم اتساعه‪ ،‬وجاء الشيخ إبراهيم وجلس على‬
‫أريكة‪ ،‬ووضعت حولها أمثالها من كل الجانبين وبدأ الحديث‪ :‬فحمد الله وأثنى‬
‫عليه بما هو أهله‪ ،‬وصلى على رسول الله‪ ،‬خاتم النبيين وآله وصحبه‪ ،‬ثم أخذ‬
‫قا‬‫مبيًنا‪ ،‬وحديثه عذًبا طلي ً‬ ‫حا ُ‬
‫حا‪ ،‬وكلمه فصي ً‬ ‫في الكلم‪ ،‬فكان صوته عالًيا واض ً‬
‫دا عن‬‫ل‪ ،‬ومع هذا فكان ُيغالط الحضور ويسير بهم بعي ً‬ ‫وبيانه مؤثًرا جمي ً‬
‫السلم‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫تكلم عن حرية العقيدة‪ ،‬وأطال في تفسير الية الكريمة‪َ {:‬ل إ ِك َْراه َ ِفي‬
‫ن]‪' }[256‬سورة البقرة' وأعلن أن السلم ل يمانع في أن يتخذ النسان‬ ‫دي ِ‬
‫ال ّ‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أية عقيدة يراها‪ ،‬ويؤمن بما شاء أن يؤمن‪ ،‬ثم انتقل إلى أن المسلمين ل‬
‫غزوا‪ ،‬ويحرصون أن يصلوا إلى‬ ‫يغزون وإنما ُيدافعون عن أرضهم فقط إذا ما ُ‬
‫عرف من أمر‬ ‫مواقع تقيهم غارات غيرهم‪ ،‬فهم مسلمون مسالمون‪ ،‬وما ُ‬
‫ن المستمع‬ ‫ّ‬ ‫يظ‬ ‫حتى‬ ‫الجهاد فهو الدفاع عن النفس‪ ،‬وأطنب في ذلك الحديث‬
‫دا خوًفا من الزلل‪ ،‬ولو‬ ‫أن الحضور سيخرجون إلى بيوتهم ل يكّلمون أح ً‬
‫اعتدى عليهم أحد المارة لحنوا رءوسهم‪ ،‬حتى ليضّنوا بالبكاء خوًفا من أن‬
‫يعد ّ ذلك شكوى‪ ،‬فينجدهم أصحاب الشهامة فيكون قتال‪..‬وطال الحديث وكاد‬
‫الوقت ينتهي‪ ،‬ويوسف بن تاشفين مطرق رأسه يستمع‪ ،‬وإن كان يبدو عليه‬
‫اللم‪ ،‬ولول افتضاح المر لقام وصفع الشيخ وقال له‪ :‬ل ُتمت علينا ديننا‬
‫أماتك الله‪ ،‬غير أنه صبر‪.‬‬
‫وما أن انتهى الشيخ حتى قال له يوسف‪ :‬هل يحقّ لرجل ُيقيم في دار‬
‫دم له القرابين‪،‬‬ ‫ما ينصبه في ساحة يملكها‪ ،‬وُيق ّ‬ ‫السلم أن يجعل لنفسه صن ً‬
‫ويعبده من دون الله‪ ،‬ويطوف حوله أمام الناس‪.‬‬
‫قال الشيخ‪ :‬ل ‪.‬‬
‫قال يوسف‪ :‬هذا ما فهمه المستمعون منك‪ ،‬ولكننا نعرف من أهل العلم أنه ل‬
‫ح أن ُيعبد غير الله‪ ،‬ول مكان‬ ‫يسمح أن يكون وثنيون في ديار السلم‪ ،‬ول يص ّ‬
‫في بلد المسلمين إل لهل الكتاب ومن يتبعهم من مجوس‪ ،‬وتكون عباداتهم‬
‫خاصة بهم في بيعهم وأديرتهم وكنائسهم‪ ،‬وهذا ما ُنلحظه في البلدان التي‬
‫فتحها المسلمون حيث ل يوجد سوى ذلك الصنف الذي ذكرته‪:‬أهل الكتاب‬
‫والمجوس‪.‬‬
‫ن} يا ُبني‪ ،‬فاستمع إلى مشايخك وأنصت‪ ،‬ول‬ ‫َ‬
‫قال الشيخ‪ {:‬ل إ ِك َْراه َ ِفي ال ّ‬
‫دي ِ‬
‫ّ‬
‫تحاول أن ُتخالف‪ ..‬تأتي بجديد من عندك فيضللك الله‪.‬‬
‫ن} ‪ ..‬ول ُيجبر السلم المرء على‬ ‫دي ِ‬ ‫قال يوسف‪ :‬نعم‪َ {: .‬ل إ ِك َْراه َ ِفي ال ّ‬
‫ة‪ ،‬ويترك له الخيار في أن يعبد الله على الصورة التي يرى‪ ،‬ويدين‬ ‫معّين ٍ‬
‫عقيدة ُ‬
‫بعقيدة من عقائد أهل الكتاب أو المجوس أما عدا ذلك فل‪ ،‬فإن شاء اختار‬
‫منها‪ ،‬وإل رحل عن ديارالسلم إلى أي مكان شاء إلى أن يصل السلم إليها‪،‬‬
‫ن} ولكنكم ُتفسرونها بشكل فيه مغالطة‪.‬‬ ‫وهذا تفسير ‪َ {:‬ل إ ِك َْراه َ ِفي ال ّ‬
‫دي ِ‬
‫وهي تعني عدم الكراه في عبادة الله‪ ،‬عدم الكراه في اختيار إحدى العقائد‬
‫التي تعبد الله‪ ،‬أما الوثنية فل‪.‬‬
‫ويبدو أن بعض الناس قد عرفوا يوسف بن تاشفين من لهجته ونبرة صوته‬
‫فقد سمعوه عند قدومه في المرة الولى‪ ،‬ورأوه في القتال‪ ،‬وحاول أن ُينّبهوا‬
‫ن} وأراد المتابعة‪.‬‬ ‫الشيخ غير أن الشيخ تل بعنف ‪َ {:‬ل إ ِك َْراه َ ِفي ال ّ‬
‫دي ِ‬
‫عا آخر نستفيد منه‪ ،‬أيها القارئ الفاضل؟‬ ‫قال يوسف‪ :‬يمكن أن أطرح موضو ً‬
‫قال الشيخ‪ :‬تكلم ول تطنب‪.‬‬
‫قال يوسف‪ :‬عندما انتشر السلم‪ ،‬وقفت دولة الفرس يومذاك في وجهه‪،‬‬
‫كما وقفت دولة الروم‪ ،‬وكما وقف الطغاة جميًعا‪ ،‬وعندها بعث رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم رسول ً إلى كسرى قتله‪ ،‬أصحيح هذا؟‬
‫قال الشيخ‪ :‬نعم‪ .‬صحيح‪ ،‬فما تبغي؟‬
‫قال يوسف‪ :‬وبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قامت حركة‬
‫دا لهم في دولتي الفرس‬ ‫دون سن ً‬‫دين في أرض العرب وجد المرت ّ‬ ‫المرت ّ‬
‫والروم‪ ،‬أصحيح هذا؟‬
‫قال الشيخ‪ :‬نعم‪ .‬صحيح‪ ،‬فما وراء ذلك؟‬
‫دين؟ هل‬ ‫تابع يوسف‪ :‬فما على المسلمين أن يفعلوا وقد قضوا على المرت ّ‬
‫يتركون الفرس‪ ،‬والروم ُيثيرون الفتن ضد ّ المسلمين؟ هل يتركونهم يمنعون‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن أن ُيسلم‪ ،‬وإن أسلم أحدهم قتلوه وصلبوه؟ أم ماذا يفعلون؟‬ ‫أي إنسا ٍ‬
‫قال الشيخ‪ :‬يغزونهم‪ ،‬وقد فعلوا‪ ،‬فمن واجب المسلمين نشر الدعوة في‬
‫سبيل الله‪ ،‬فمن وقف في وجهها قاتلوه‪ ،‬ول يبدؤونهم بالقتال حتى يدعوهم‬
‫إلى السلم‪ ،‬فإن قبلوا؛ فقد اهتدوا‪ ،‬وأصبحوا من المسلمين‪ ،‬شأنهم شأن‬
‫بقية المسلمين في الحقوق والواجبات‪ ،‬وإن أبوا عرضوا عليهم الجزية‪ ،‬فإن‬
‫قبلوا اكتفى المسلمون بذلك ورجعوا عنهم‪ ،‬ومعنى قبول الجزية‪ ،‬أن يسمح‬
‫للدعوة بالنتشار‪ ،‬وُتعطى حرية العمل للذين أسلموا في نشر دينهم دون‬
‫إكراه‪ ،‬وإن رفضوا الجزية فلبد ّ عندها من السيف بعد النذار‪.‬‬
‫قال يوسف‪ :‬جزاك الله خيًرا‪ ،‬لقد أفدتنا‪ ،‬أي أن المسلمين ُيقاتلون الذين‬
‫يقفون في وجه الدعوة حتى ُيسلموا أو يقبلوا الجزية ويسمحوا للدعوة‬
‫بالنتشار‪ ،‬وهذا هو الجهاد‪.‬‬
‫قال الشيخ‪ :‬هذا صحيح‪ ،‬وهذا ما أردته بالضبط‪.‬‬
‫قال يوسف‪ :‬فتح المسلمون المغرب ووصلوا إلى ساحل المحيط‪ ،‬وكان بحر‬
‫ة‬
‫الزقاق يفصل بينهم وبين القوط في الندلس‪ ،‬وُيعد البحر مكان حماي ٍ‬
‫يمكنهم منع أعدائهم من النزول إلى بلدهم‪ ،‬فلماذا يا ُترى اجتاز المسلمون‬
‫بحر الزقاق وانتقلوا إلى الندلس‪ ،‬وقاتلوا أهلها‪ ،‬وفتحوها واستقّروا فيها؟‬
‫فهل هذا اعتداء من قبل المسلمين؟‬
‫قال الشيخ‪ :‬معاذ الله‪ ،‬أن يكون المسلمون معتدين‪ ،‬إنما استنجد فيهم‬
‫المظلومون فأنجدوهم‪ ،‬وحاول الطغاة منعهم فقاتلوهم‪ ،‬وانتصروا عليهم‪،‬‬
‫وأراد البغي أن ُيثير الفتنة على المسلمين فاستقّروا لُيقّروا المسلم‪ ،‬وينشروا‬
‫المن‪ ،‬وُيعطوا الرخاء‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫قال يوسف‪ :‬إذا ً ل يحرص المسلمون على الوصول إلى مناطق تحميهم من‬
‫العداء‪ ،‬وترد ّ عنهم كيد المعتدين‪.‬‬
‫دا‪ ،‬وإنما ُيحارب المسلمون الظلم أينما ُوجد‪ ،‬ول تقف في‬ ‫قال الشيخ‪ :‬أب ً‬
‫متهم في الحياة‬ ‫مه ّ‬
‫وجههم عقبة من عقبات الرض‪ ،‬وإنما عليهم أن ُيؤدوا ُ‬
‫مة المسلمين الساسية رفع الظلم‪ ،‬ومنع‬ ‫مه ّ‬‫دموا من تضحيات‪ ،‬ومن ُ‬ ‫مهما ق ّ‬
‫الجور‪ ،‬ومقاتلة الشرك‪ ،‬وهذا ما يجب أن تضعه أمام عينك يا ُبني‪ ،‬ويجب أن‬
‫يعرفه الناس جميًعا‪.‬‬
‫ما معتدين أغاروا على جزء من أرض السلم‪ ،‬فماذا‬ ‫ً‬ ‫قو‬ ‫قال يوسف‪ :‬لو أن‬
‫يفعل المسلمون؟‬
‫قال الشيخ‪ُ :‬يصبح الجهاد فرض عين على المسلمين جميًعا أينما كانوا‪ ،‬وفي‬
‫أّية ُبقعةٍ حّلوا‪ ،‬وإذا ما نال المعتدون من المسلمين كان على النساء من أهل‬
‫ضا والذود مع الرجال عن حمى المسلمين‪.‬‬ ‫تلك الجهة واجب القتال أي ً‬
‫قال يوسف‪ :‬إذا ً ُيجاهد المسلمون في سبيل الله‪ ،‬ويهّبوا للدفاع عن ديارهم‪.‬‬
‫قال الشيخ‪ :‬نعم‪ ،‬يا بني‪.‬‬
‫قال يوسف‪ :‬جزاك الله خيًرا‪ ،‬ونفع بك‪.‬‬
‫س أمام السائل يوسف أنه‬ ‫وشعر المستمعون أن الشيخ كان ُيغالط‪ ،‬وقد أح ّ‬
‫كان يقول من غير تثّبت‪ ،‬وقد تراجع عما كان عليه‪ ،‬وأيقن الحضور أن كلم‬
‫الشيخ كان ُيضعف فيهم روح الجهاد‪ ،‬وأن واجبهم البقاء في ديارهم قابعين‬
‫فإن داهمهم غزو قاموا لرّده والدفاع عن ديارهم وأموالهم وأعراضهم ليس‬
‫إل‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لكن السلم يأمرهم غير ذلك يأمرهم ‪ :‬بقتال الظلم‪ ،‬ونصر المظلومين‪،‬‬
‫والسير إليهم لتخليصهم مما ُيعانون ولو كانوا في آخر الرض‪ ..‬كما عليهم‬
‫قتال كل من يقف في وجه الدعوة ومنع السلم من النتشار مهما نأت ديار‬
‫أولئك البغاة‪ ..‬كما عليهم أل ينتظروا الطغاة حتى يعتدوا عليهم فيرّدوا كيدهم‪،‬‬
‫وإنما عليهم أن يسيروا إليهم ويداهموهم في أماكنهم قبل أن يتحركوا‪ ،‬ولو‬
‫فعلوا ذلك لما تطاول السبان ولما ارتفعت لهم راية‪ ،‬ولبقى الندلس يعيش‬
‫في ظل دوحة السلمية ويتقيأ في ظللها‪.‬‬
‫لكن إن فهمت حقيقة السلم مجموعة فقد بقيت أعداء تنتشر في أمصار‬
‫ث تلك الفكار الخاطئة وُتغالط في المفهومات‬ ‫العالم السلمي الواسعة تب ّ‬
‫م‪ ،‬وأصبح مفهوم السلم لدى كثيرٍ من‬ ‫الساسية للسلم حتى كادت تع ّ‬
‫خر المسلمين‬ ‫الناس الستسلم بمعنى السلم‪ ،‬وكان هذا من جملة أسباب تأ ّ‬
‫ووصولهم إلى هذه الدرجة من التخلف والنهزامية والضعف حتى سيطر‬
‫العداء على بلدهم ‪.‬‬
‫دعون المعرفة يظنون أن السلم‬ ‫ول زال كثير من عامة المسلمين أو ممن ي ّ‬
‫ضا‪ ،‬ودين العّزة‬‫دين السلم فقط بمعنى الستسلم‪ ،‬وليس دين القوة أي ً‬
‫والمنعة‪ ،‬والجهاد وسيلة من وسائل الدعوة إليه‪ .‬فقد أراد الشيوعيون في‬
‫يوم من اليام أن ُيغالطوا على المسلمين ويدخلوا عليهم من هذا الباب‬
‫ي‬
‫عرفت بـ‪ ':‬جمعية أنصار السلم' فأ ّ‬ ‫فيكسبون أعداًدا‪ ،‬منهم فشكلوا جمعية ُ‬
‫تسمية هذه؟! وأيّ سلم هذا؟! أهو استعمار بلد التتار وسحق أهلها‪ ،‬أم‬
‫احتلل بلد القفقاس وتشريد سكانها‪ ،‬أم اقتحام بلد تركستان وقتل أبنائها‪،‬‬
‫أم غزو بلد الفغان وتدمير مدنها وإحراق قراها‪ ،‬وتشريد الناس‪ ،‬وتسيير‬
‫الدبابات الروسية على جماجم الطفال والعاجزين ‪ ..‬أم ماذا؟‬
‫وجاءت هذه الجمعية لتنشر بين المسلمين أن السلم يدعو إلى السلم‬
‫ونشر السلم‪ ،‬ونحن نؤيد فلنتعاون‪ ،‬ولنطالب بالسلم‪ ،‬وكانوا يأخذون تواقيع‬
‫المغفلين من المسلمين دللة على التأييد للمنظمات الشيوعية‪.‬‬
‫يجب أن ننتهي من تلك الغفلة‪ ،‬ومن تلك المغالطات‪ ،‬ونضرب على أيدي‬
‫أولئك الذي ُيغالطون‪ ،‬وينشرون الخطاء بين الناس ليناموا‪ ..‬يجب أن‬
‫يستيقظوا الن ويعرفوا أن السلم دين السلم وفي الوقت نفسه دين القوة‬
‫والعزة والمنعة‪ ،‬والجهاد في سبيل الله‪ ،‬ومجاهدة الكفار والظالمين وحربهم‬
‫م العدل‪ ،‬ويسود السلم‬ ‫أينما كانوا حتى يزول الظلم‪ ،‬وينتهي الشرك‪ ،‬ويع ّ‬
‫الرض كلها‪.‬‬
‫نتائج المغالطات‪:‬‬
‫لقد ضاع في تيه هذه المغالطات كثير من الناس‪ ،‬فأعداد من المسلمين‬
‫الحريصين على عقيدتهم يتساءلون‪:‬‬
‫* هل نحن نعيش في دار السلم أم في غيرها؟‬
‫* هل يصح موالة أعداء الله وإقامة أحلف معهم أم ل؟ أناس قالوا بهذا‪،‬‬
‫وآخرون قالوا بذاك وفي كل الفريقين من يقول بالعلم ‪..‬؟‬
‫* هل هذه مؤسسات إسلمية أم تحمل عنواًنا فقط؟ أناس يثنون‪ ،‬وتظنهم‬
‫دا‪ ،‬ولكن الخرين ل يريدون‪ ،‬وليس لهم‬ ‫صالحين‪ ،‬ول نزكي على الله أح ً‬
‫مصلحة؟ مع أي الفريقين وجه الصواب؟‬
‫* هل الزهد مقبول؟ أهو الفقر أم هو عدم التمسك بالدنيا؟ وما هو الفرق‬
‫بين الزهد والتصوف؟‬
‫إن الكثير من هؤلء يريدون أن يتلمسوا الطريق فل يعرفون؛ لذا كثرة الفئات‬
‫صب كل لرأيه‪ ،‬وما منع الناس أن يعرفوا الحق إل‬ ‫وتعددت الجماعات‪ ،‬وتع ّ‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب فل‬
‫التعصب للرأي‪ ،‬وللجماعة‪ ،‬والشيخ‪ ،‬إذ يعتقد كل أن من يتبعه على صوا ٍ‬
‫يخطئ‪ ،‬وينسى أن ل عصمة في السلم لحد بعد النبياء‪.‬‬
‫* لبد من الوضوح والخذ من النبع الصلي الصافي‪ :‬كتاب الله‪ ،‬وسنة‬
‫رسوله‪.‬‬
‫* ولبد من ترك التعصب للفراد والجماعات‪ ،‬وسؤال أهل العلم‪ ،‬ومحاولة‬
‫التمييز والمقارنة‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وكما ضاع المسلمون الحريصون على دينهم ضاع غير الحريصين‪ ،‬وهم نسبة‬
‫ل بأس بها‪ ،‬ول يمكن إغفالها ـ مع السف ـ وجدير بهم أن يضيعوا‪ ،‬وأمر‬
‫طبيعي أن يتيهوا‪ ،‬وقد تخلوا عن عقيدتهم‪ ،‬وضاعوا في الحزبية‪ ،‬والمصالح‬
‫وعصبيات المنافع الواحدة والمشتركة‪ ،‬والهواء والشهوات‪.‬‬
‫من أسباب ضياع المسلمين‪:‬‬
‫أسباب خارجة عن إرادة المسلمين‪:‬‬
‫* المؤسسات الصليبية واليهودية المتعددة بأسمائها وعناوينها المكشوفة‬
‫والمغطاة‪ ،‬والمخططات التي توضع‪.‬‬
‫* والفرق الباطنية التي تعمل بالسر‪ ،‬والظاهرة التي تعمل بوحي من أعداء‬
‫السلم‪ ،‬وهم الذين أنشأوها ول يزالون يدعمونها‪.‬‬
‫أسباب تعود إلى المسلمين أنفسهم‪:‬‬
‫* مصالحهم‪ ،‬وشهواتهم‪ ،‬والغراءات التي يدلي بها لهم أعداؤهم‪ ،‬وينثرونها‬
‫لهم حتى ينقلبوا إلى بهائم‪ ..‬إلى جبابرة‪ ..‬إلى طغاة يوجهون سيوفهم إلى‬
‫رقاب أبناء عقيدتهم التي ينتمون إليها‪.‬‬
‫* وليس دور الجهل‪ ،‬والخرافة‪ ،‬والجلفة بأقل من ذلك؛ إذ ل يقبلون رأًيا‪ ،‬ول‬
‫يعرفون وضًعا‪ ،‬ول يريدون أن يتعرفوا على ما ُيرسم لهم ويخطط‪.‬‬
‫لبد من إنارة الطريق‪:‬‬
‫لبد من إنارة الطريق لهؤلء الضائعين كي يسلكوا الطريق المستقيمة‪..‬‬
‫وينفضوا عن أعينهم ما سبق أن لحقها من غشاوة‪ ..‬وإذا جد ّ الدعاة‪ ..‬وأخلص‬
‫السائرون في سبيل الله؛ فإن النصر قادم ـ بإذن الله‪ .-‬والله نسأل أن‬
‫يوفقنا‪ ،‬وأن يسدد خطانا لنارة الدرب‪ ،‬فهو نعم المولى ونعم النصير‪ ،‬ول‬
‫حول ول قوة إل بالله العلي العظيم‪.‬‬
‫من رسالة‪ ':‬المغالطات وأثرها في المة' للشيخ‪ /‬محمود شاكر‬

‫)‪(5 /‬‬

‫التلفزيون وأثره السلبي على المشاهدين‬


‫بقلم ‪ :‬المقدم ‪ .‬مهندس ‪ /‬محمد بن أحمد الفضل‬
‫إن التلفزيون سلح ذو حدين فله جانب إيجابي وآخر سلبي ‪ .‬يكمن الجانب‬
‫اليجابي في الدور الذي من الممكن أن يقوم به في الرفع من مستوى‬
‫الوعي الثقافي لدى المشاهدين ‪ .‬ويكمن الجانب السلبي في عدة نواٍح منها‬
‫النواحي الجتماعية والثقافية والنفسية والفسيولوجية ) أو العضوية (‬
‫وسأقوم بتناول كل منها في هذا المقال ‪.‬‬
‫أول ً ‪ :‬الجانب الجتماعي ‪:‬‬
‫مع ظهور التلفزيون ودخوله كل بيت تقريبا ً ُتحلق أفراد العائلة حوله‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مشدودين إلى البرامج المتنوعة التي يقدمها طيلة ساعات البث ‪ ،‬المر الذي‬
‫تسبب في الحد من النشاطات الجتماعية التي كان أفراد العائلة يزاولونها‬
‫في عهد ما قبل التلفزيون مثل تبادل الزيارات العائلية مع الهل والجيران‬
‫فأصبح النسان ل يرى قريبه ربما لشهر عديدة ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬الجانب الثقافي والنفسي ‪:‬‬
‫فكثير من علماء النفس يقومون بحملة ضد التلفزيون خاصة بالنسبة لتأثيره‬
‫السلبي على النمو العقلي والفكري لدى الطفال فهم يلقون باللوم عليه‬
‫لكونه وسيلة إتصال من جانب واحد يقوم التلفزيون عن طريقها ببث ما‬
‫يريده القائمون عليه من برامج وأفكار ومبادئ من جانب واحد فيفقد الطفل‬
‫القدرة على التحاور وإبداء الرأي وتبادل الفكار وبالتالي يفقد القدرة على‬
‫البتكار والمبادرة ومن ثم النمو الثقافي بل والنفسي أيضا ً حيث يسبب لهم‬
‫النطوائية ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬الجانب العضوي ) أو الفسيولوجي ( ‪:‬‬
‫ى على كثير من الناس ‪.‬‬ ‫وهو التأثير الذي يحصل على جسم النسان ويخف َ‬
‫ق الضوء على كيفية عمل التلفزيون ‪.‬‬ ‫ولكي نتعرف على هذا الجانب دعونا نل ِ‬
‫إن أهم جزء في جهاز التلفزيون هو الشاشة التي تقوم بتحويل اللكترونات‬
‫الساقطة عليها من الخلف إلى نقاط ضوئية تتشكل بواسطتها الصورة التي‬
‫نراها ‪ .‬ويتم إنطلق اللكترونات بسرعة عالية جدا ً نتيجة وجود فرق جهد‬
‫مطِلق اللكترونات والشاشة قد يبلغ حوالي ‪ 30‬ألف فولت وعندما‬ ‫هائل بين ُ‬
‫تصدم هذه اللكترونات بالشاشة المصنوعة في الغالب من مادة الفوسفور‬
‫فإنها تسبب في إنطلق نوع آخر من الجزيئات اسمها الفوتونات ) أو‬
‫الجزيئات الضوئية ( التي تشكل النقاط الضوئية وبالتالي الصورة على‬
‫الشاشة ‪ .‬وتماثل هذه العملية العملية الخرى التي يتم بها تكوين أشعة إكس‬
‫المستخدمة في المستشفيات للنواحي الشخصية ‪.‬‬
‫فإن جهاز أشعة إكس يحتوي على لوح معدني تصطدم به اللكترونات‬
‫المنطلقة بسرعة هائلة ويتسبب ذلك الصطدام في إنطلق جزيئات الفوتون‬
‫ون بدورها أشعة إكس ‪ .‬وكما يعلم الجميع فإن‬ ‫السالفة الذكر بطاقة كبيرة ت ُك َ ِ‬
‫الشعة لديها القدرة على اختراق جسم النسان لتسقط على لوح‬
‫فوتوغرافي ينطبع عليه شكل عضو الجسم المعرض للشعة ‪ ،‬وهناك حقيقة‬
‫جاوز‬‫ثابتة قد تخفى على بعض الناس وهي أن تلك الشعة ضارة بالجسم إذا ت ُ َ‬
‫القدر الذي يمتصه الجسم منها حدا ً معينا ً ‪ .‬لذلك نرى مختصي الشعة يرتدون‬
‫ملبس واقية مصنوعة من الرصاص لنه مادة تمنع مرور الشعة ‪.‬‬
‫وكذلك فإن الغرف الموجودة فيها أجهزة الشعة تحاط بغلف من الرصاص ‪،‬‬
‫كما يدخل في مادة أبوابها الرصاص لتوفير الوقاية اللزمة للمارة خارج‬
‫الغرفة ‪ .‬كما يوصي الطباء بعدم التعرض لشعة إكس الخاصة بالصدر لكثر‬
‫من مرتين سنويا ً لنها أشعة قوية ‪.‬‬
‫وتكمن أضرار أشعة إكس في أنها قد ُتعرض النسان ل سمح الله إلى تأين‬
‫جزيئات خليا جسمه مما قد يتسبب في حدوث نشاط غير عادي لتلك‬
‫الخليا ‪ ،‬ومن الضرار التي قد تنشأ من ذلك ‪ :‬العقم وإصابة العين بالجلوكوما‬
‫وتورم الغدة الدرقية وغيرها ‪.‬‬
‫وكما ذكرت آنفا ً فإن الشعاع الصادر نتيجة اصطدام اللكترونات بشاشة‬
‫التلفزيون يتولد معه أشعة إكس إل أنها ليست بنفس قوة الشعة التي‬
‫ُتستعمل في المستشفيات ولكن الخطر يكمن في أنه إذا إعتاد النسان‬
‫الجلوس أمام التلفزيون عن ُقرب ولفترات طويلة فإن كمية الشعة الممتصة‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تتراكم في الجسم وللسف فإن كثيرا ً من الطفال إعتادوا على اللتصاق‬


‫بالتلفزيون بحيث ل يبعدهم عنه إل مسافة متر فقط أو أقل ‪ ،‬لمشاهدة‬
‫برامجهم المفضلة ولفترات طويلة وبدون التحول عنه مما يؤثر على قوة‬
‫أبصارهم فنراهم بعد مدة وقد بدأوا يرتدون النظارات ‪ ،‬وهناك خطر آخر بدأ‬
‫يبرز حديثا ً وهو دخول الكمبيوتر الشخصي إلى البيوت وَوََلع الطفال بمختلف‬
‫اللعاب التي يقدمها لهم ‪ ،‬ولهذا الجهاز الحديث جميع الجوانب السيئة التي‬
‫ذ ُك َِرت سابقا ً إضافة إلى التأثير الفسيولوجي الذي يحدث عندما يلتصق‬
‫الطفل بشاشة الكمبيوتر ‪ ،‬أو شاشة التلفزيون عند توصيل الكمبيوتر به كما‬
‫يفعل بعض الناس لمتابعة لعبته المفضلة لساعات طويلة وبتركيز شديد‬
‫ً‬
‫يرهق البصر وقد يتسبب في إحداث المشاكل العضوية التي ذكرت آنفا ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫مما سبق يتبين أن للتلفزيون وشاشات الكمبيوتر جوانب سيئة ينبغي علينا‬
‫معرفتها وتوعية أطفالنا وفلذات أكبادنا بها ومحاولة تفاديها للمحافظة على‬
‫سلمتنا بتتبع الخطوات التالية ‪:‬‬
‫‪ - 1‬تقليص الوقت الذي يشاهد فيه أفراد العائلة ‪ ،‬وخاصة الطفال ‪،‬‬
‫التلفزيون وشاشات الكمبيوتر ‪ ،‬بقدر المكان ‪.‬‬
‫‪ - 2‬التأكد من جلوس الطفال على مسافة ل تقل عن ثلثة أمتار عن‬
‫الشاشة ‪.‬‬
‫ض الطفال على مزاولة النشاطات الخرى المفيدة لعقولهم‬ ‫ح ْ‬
‫‪َ -3‬‬
‫وأجسامهم مثل الرياضة والقراءة ‪.‬‬
‫‪ - 4‬استعمال الشاشات المخصصة للكمبيوتر لنها تغطي في العادة بطبقة‬
‫ج الذي يؤثر في العين ‪.‬‬ ‫واقية ضد الوَهَ ْ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التلفظ بالنية بدعة‬


‫س ‪ :‬السائل ‪ :‬س ‪ .‬أ ‪ .‬س‪ -‬من مصر يقول ‪ :‬ما حكم التلفظ بالنية جهرا في‬
‫الصلة ؟‬
‫ج ‪ :‬التلفظ بالنية بدعة ‪ ،‬والجهر بذلك أشد في الثم ‪ ،‬وإنما السنة النية‬
‫بالقلب؛ لن الله سبحانه يعلم السر وأخفى ‪ ،‬وهو القائل عز وجل ‪ :‬قُلْ‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫ما ِفي الْر ِ‬‫ت وَ َ‬
‫ماَوا ِ‬
‫س َ‬
‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬
‫دين ِك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه بِ ِ‬ ‫أت ُعَل ّ ُ‬
‫مو َ‬
‫ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ول عن أحد من أصحابه ‪ ،‬ول عن‬
‫الئمة المتبوعين التلفظ بالنية ‪ ،‬فعلم بذلك أنه غير مشروع ‪ ،‬بل من البدع‬
‫المحدثة ‪.‬‬
‫والله ولي التوفيق ‪.‬‬
‫الشيخ عبد العزيز بن باز‬
‫المصدر ‪ /‬موقع الشيخ ابن باز‬
‫‪---------------------------‬‬
‫س ‪ :‬إذا تلفظت في داخل المسجد وقلت ‪ :‬اللهم إني نويت الوضوء لصلة‬
‫العصر مثل ‪ ،‬أو نويت الصلة بهذه الطريقة هل هذا يعتبر بدعة؟‬
‫ج ‪ :‬ليس التلفظ بالنية ل في الصلة ول في الوضوء بمشروع ‪ .‬لن النية‬
‫محلها القلب ‪ ،‬فيأتي المرء إلى الصلة بنية الصلة ويكفي ‪ ،‬ويقوم للوضوء‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بنية الوضوء ويكفي ‪ ،‬وليس هناك حاجة إلى أن يقول ‪ :‬نويت أن أتوضأ ‪ ،‬أو‬
‫نويت أن أصلي ‪ ،‬أو نويت أن أصوم ‪ ،‬أو ما أشبه ذلك ‪ ،‬إنما النية محلها‬
‫القلب ‪ ،‬يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ :‬إنما العمال بالنيات وإنما لكل‬
‫امرئ ما نوى‬
‫ولم يكن عليه الصلة والسلم ول أصحابه يتلفظون بنية الصلة ‪ ،‬ول بنية‬
‫الوضوء ‪ ،‬فعلينا أن نتأسى بهم في ذلك ‪ ،‬ول نحدث في ديننا ما ل يأذن به‬
‫الله ورسوله ‪ ،‬يقول عليه الصلة والسلم ‪ :‬من عمل عمل ليس عليه أمرنا‬
‫فهو رد يعني ‪ :‬فهو مردود على صاحبه ‪.‬‬
‫فبهذا يعلم أن التلفظ بالنية بدعة ‪.‬‬
‫والله ولي التوفيق ‪.‬‬
‫المصدر ‪ /‬موقع الشيخ ابن باز‬

‫)‪(1 /‬‬

‫التلميذ المثالي‬
‫خطائي‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ّ‬
‫ن أت َعَل َ‬ ‫ً‬
‫ص د َْوما أ ْ‬ ‫حرِ ُ‬ ‫ميذ ٌ أ ْ‬ ‫أنا تل ْ ِ‬
‫م َ‬
‫لئي‬ ‫مّني ُز َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ن ي َغْ َ‬ ‫وما ً أ ْ‬ ‫ض يَ ْ‬ ‫ستي أْرفُ ُ‬ ‫في مد َْر َ‬
‫جاِري‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وأ ُ ِ‬
‫ميعا‪ ..‬ول ِ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫س َ‬ ‫ِ‬ ‫ه للّنا‬ ‫خي َْر وأب ْذل ُ‬ ‫ب ال َ‬ ‫ح ّ‬
‫َ‬ ‫وأ ُ ِ‬
‫شَعاِري‬‫ت ِ‬ ‫ل ال َْوقا ِ‬ ‫ه في ك ُ ّ‬ ‫جعَل ُ ُ‬‫صد ْقَ وأ ْ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ح ّ‬
‫س‬
‫م ِ‬ ‫ق ال ّ‬
‫ش ْ‬ ‫شُرو ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫حو قَب ْ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫عشقُ د َْرسي أ ْ‬ ‫دْومًا‪ ..‬دْوما ً أ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أتو ُ‬
‫س‬
‫م ِ‬ ‫ل ال ْ‬ ‫ما َ‬ ‫جعُ أعْ َ‬ ‫صّلي وأرا َ ِ‬ ‫ل‪ ..‬وأ َ‬ ‫حا ً‬ ‫ضأ َ‬ ‫َ َ ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫التمسك بالسلم حقا هو سبب النصر والنجاة في الخرة‬


‫الحمد لله وحده ‪ ،‬والصلة والسلم على من ل نبي بعده ‪ ،‬وعلى آله وصحبه ‪.‬‬
‫أما بعد ‪ :‬فإن الله سبحانه وتعالى إنما خلق الخلق ليعبد وحده ل شريك له ‪،‬‬
‫ما‬
‫وأنزل كتبه وأرسل رسله للمر بذلك والدعوة إليه ‪ ،‬كما قال سبحانه ‪ :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫دوا َرب ّك ُ ُ‬
‫م‬ ‫س اعْب ُ ُ‬ ‫ن وقال سبحانه ‪َ :‬يا أي َّها الّنا ُ‬ ‫دو ِ‬ ‫س ِإل ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫ن َواْل ِن ْ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫ب‬
‫ن وقال عز وجل ‪ :‬الر ك َِتا ٌ‬ ‫قو َ‬ ‫م ت َت ّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫م لعَلك ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن قَب ْل ِك ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫م َوال ِ‬ ‫قك ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫خل َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ِ‬‫ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ه‬
‫من ْ ُ‬
‫م ِ‬ ‫ه إ ِن ِّني لك ْ‬ ‫دوا ِإل الل َ‬ ‫خِبيرٍ * أل ت َعْب ُ ُ‬ ‫كيم ٍ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن لد ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫صل ْ‬ ‫مف ّ‬ ‫ه ثُ ّ‬
‫ت آَيات ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حك ِ َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬ ‫قد بعث ْنا في ك ُ ّ ُ‬
‫جت َن ُِبوا‬‫ه َوا ْ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫ن ا ُعْب ُ ُ‬‫سوًل أ ِ‬ ‫مةٍ َر ُ‬ ‫لأ ّ‬ ‫شيٌر وقال تعالى وَل َ َ ْ َ َ َ ِ‬ ‫ذيٌر وَب َ ِ‬ ‫نَ ِ‬
‫حي‬ ‫ل ِإل ُنو ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫سو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن قب ْل ِك ِ‬ ‫م ْ‬‫سلَنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ت الية ‪ ،‬وقال سبحانه ‪ :‬وَ َ‬ ‫الطاغو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن فهذه اليات وأمثالها كلها تدل على أن الله عز‬ ‫دو‬
‫ُْ ُ ِ‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫نا‬ ‫أ‬
‫ِ َ ِ َ‬ ‫إل‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ل‬ ‫ه‬‫إ ِل َي ْهِ أن ّ ُ‬
‫وجل إنما خلق الثقلين ليعبد وحده ل شريك له ‪ ،‬وأن ذلك هو الحكمة في‬
‫خلقهما ‪ ،‬كما تدل على أنه عز وجل إنما أنزل الكتب وأرسل الرسل لهذه‬
‫الحكمة نفسها ‪،‬‬
‫والعبادة هي الخضوع له والتذلل لعظمته بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه ‪،‬‬
‫عن إيمان به سبحانه وإيمان برسله ‪ ،‬وإخلص له في العمل ‪ ،‬وتصديق بكل‬
‫ما أخبر به ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وهذا هو أصل الدين وأساس‬
‫الملة وهو معنى ل إله إل الله ‪ ،‬فإن معناها ‪ :‬ل معبود حق إل الله ‪ ،‬فجميع‬
‫العبادات من دعاء وخوف ورجاء وصلة وصوم وذبح ونذر وغير ذلك يجب أن‬
‫تكون لله وحده ‪ ،‬وأن ل يصرف من ذلك شيء لسواه لليات السابقات ‪،‬‬
‫ُ‬
‫ن الية ‪ ،‬وقوله‬ ‫دي َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ه ُ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫مُروا ِإل ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫ولقوله عز وجل ‪ :‬وَ َ‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫دا وقوله سبحانه ‪ :‬ذ َل ِك ُ ُ‬ ‫ح ً‬ ‫معَ الل ّهِ أ َ‬ ‫عوا َ‬ ‫جد َ ل ِل ّهِ َفل ت َد ْ ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫عز وجل ‪ :‬وَأ ّ‬
‫م‬
‫عوهُ ْ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫ميرٍ * إ ِ ْ‬ ‫ن قِط ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ن ُدون ِهِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك َوال ّ ِ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫َرب ّك ُ ْ‬
‫ن‬
‫فُرو َ‬ ‫مةِ ي َك ْ ُ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫م وَي َوْ َ‬ ‫جاُبوا ل َك ُ ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫مُعوا َ‬ ‫س ِ‬ ‫م وَل َوْ َ‬ ‫عاَءك ُ ْ‬ ‫مُعوا د ُ َ‬ ‫س َ‬ ‫ل يَ ْ‬
‫ن الل ِّ‬
‫ه‬ ‫دو‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫عو‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ض‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫وقال‬ ‫ر‬ ‫بي‬ ‫خ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ئ‬ ‫ُ‬
‫ِ ّ ْ َ ْ ُ ِ ْ ُ ِ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫َ ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫شْر ِ ْ َ ُ َ ّ‬
‫ب‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ول‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ك‬ ‫بِ ِ‬
‫شَر‬ ‫ح ِ‬ ‫ن * وَإ َِذا ُ‬ ‫غافُِلو َ‬ ‫م َ‬ ‫عائ ِهِ ْ‬ ‫ن دُ َ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫مةِ وَهُ ْ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ه إ َِلى ي َوْم ِ ال ْ ِ‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫جي ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ع‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫‪:‬‬ ‫وجل‬ ‫عز‬ ‫وقال‬ ‫ن‬ ‫ري‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ت‬‫د‬ ‫با‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫نوا‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ء‬ ‫دا‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫نوا‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬
‫َ َ ْ َ ْ َ َ‬ ‫ِ ِ َ‬ ‫َ ُ ِ َ َ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ ُ‬
‫ن فأبان‬ ‫ُ َ‬ ‫رو‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ح‬
‫ُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬
‫َ َ ّ ِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫ه‬
‫َ ُ ُ‬‫ب‬ ‫سا‬ ‫ح‬ ‫ِ‬ ‫ما‬
‫ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ب‬
‫َ ُ ِ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫ُْ‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫آ‬ ‫ها‬ ‫الل ّهِ إ ِل ً‬
‫َ‬
‫سبحانه في هذه اليات أنه المالك لكل شيء وأن العبادة حقه سبحانه ‪ ،‬وأن‬
‫جميع المعبودين من دونه من أنبياء وأولياء وأصنام وأشجار وأحجار وغيرهم ل‬
‫يملكون شيئا ول يسمعون دعاء من دعاهم ‪ ،‬ولو سمعوا دعاءه لم يستجيبوا‬
‫له ‪ ،‬وأخبر أن ذلك شرك به عز وجل ‪ ،‬ونفي الفلح عن أهله ‪ ،‬كما أخبر‬
‫سبحانه أنه ل أضل ممن دعا غيره ‪ ،‬وأن ذلك المدعو من دون الله ل‬
‫يستجيب لداعيه إلى يوم القيامة ‪ ،‬وأنه غافل عن دعائه إياه ‪ ،‬وأنه يوم‬
‫القيامة ينكر عبادته إياه ‪ ،‬ويتبرأ منها ‪ ،‬ويعاديه عليها ‪ ،‬فكفى بهذا تنفيرا من‬
‫الشرك وتحذيرا منه ‪ ،‬وبيانا لخسران أهله وسوء عاقبتهم ‪.‬‬
‫وترشد اليات كلها إلى أن عبادة ما سواه باطلة ‪ ،‬وأن العبادة بحق لله وحده‬
‫َ‬ ‫‪ ،‬ويؤيد ذلك صريحا قوله عز وجل ‪ :‬ذ َل َ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ي َد ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫حقّ وَأ ّ‬ ‫ه هُوَ ال ْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ك ب ِأ ّ‬ ‫ِ‬
‫ل الية من سورة الحج ‪.‬‬ ‫ُدون ِهِ هُوَ ال َْباط ِ ُ‬
‫وذكر سبحانه في مواضع أخرى من كتابه أن من الحكمة في خلق الخليقة أن‬
‫يعرف سبحانه بعلمه الشامل وقدرته الكاملة ‪ ،‬وأنه عز وجل سيجزي عباده‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ت وَ ِ‬ ‫ماَوا ٍ‬ ‫س َ‬ ‫سب ْعَ َ‬ ‫خل َقَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫في الخرة بأعمالهم ‪ ،‬كما قال عز وجل ‪ :‬الل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫مث ْل َهن ي َت َن َّز ُ َ‬ ‫اْل َْر‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ديٌر وَأ ّ‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫ن ل ِت َعْل َ ُ‬ ‫مُر ب َي ْن َهُ ّ‬ ‫ل اْل ْ‬ ‫ض ِ ُ ّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫تأ ْ‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫حوا ال ّ‬ ‫جت ََر ُ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ما وقال تعالى ‪ :‬أ ْ‬ ‫عل ْ ً‬ ‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ط ب ِك ُ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫قَد ْ أ َ‬
‫ما‬‫ساَء َ‬ ‫م َ‬ ‫مات ُهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫حَياهُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫واًء َ‬ ‫س َ‬ ‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫جعَل َهُ ْ‬ ‫نَ ْ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫جَزى ك ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫حقّ وَل ِت ُ ْ‬ ‫ض ِبال َ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خلقَ الل ُ‬ ‫ن * وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫حك ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م ل ي ُظل ُ‬ ‫وَهُ ْ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فالواجب على كل ذي لب أن ينظر فيما خلق له ‪ ،‬وأن يحاسب نفسه‬


‫ويجاهدها لله حتى يؤدي حقه وحق عباده ‪ ،‬وحتى يحذر ما نهاه الله عنه ليفوز‬
‫بالسعادة والعاقبة الحميدة في الدنيا والخرة ‪ ،‬وهذا العلم هو أنفع العلوم‬
‫وأهمها وأفضلها وأعظمها ‪ ،‬لنه أساس الملة وزبدة ما جاءت به الرسل‬
‫عليهم الصلة والسلم ‪ ،‬وخلصة دعوتهم ‪ ،‬ول يتم ذلك ول يحصل به النجاة‬
‫إل بعد أن يضاف إليه اليمان بالرسل عليهم الصلة والسلم ‪ ،‬وعلى رأسهم‬
‫إمامهم وسيدهم وخاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ومقتضى هذا‬
‫اليمان ‪ ،‬تصديقه صلى الله عليه وسلم في إخباره وطاعة أوامره وترك‬
‫نواهيه ‪ ،‬وأن ل يعبد الله سبحانه إل بالشريعة التي جاء بها عليه الصلة‬
‫والسلم ‪ .‬وهكذا كل أمة بعث الله إليها رسول ‪ ،‬ل يصح إسلمها ول يتم‬
‫إيمانها ول تحصل لها السعادة والنجاة إل بتوحيدها لله ‪ ،‬وإخلص العبادة له‬
‫عز وجل ‪ ،‬ومتابعة رسولها صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وعدم الخروج عن شريعته‬
‫‪ ،‬وهذا هو السلم الذي رضيه الله لعباده ‪ ،‬وأخبر أنه هو دينه ‪ ،‬كما في قوله‬
‫َ‬ ‫عز وجل ‪ :‬ال ْيو َ‬
‫ت ل َك ُ ُ‬
‫م‬ ‫ضي ُ‬
‫مِتي وََر ِ‬ ‫ت عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م ن ِعْ َ‬ ‫م ُ‬
‫م ْ‬‫م وَأت ْ َ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬
‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫م أك ْ َ‬
‫َ ْ َ‬
‫م وبهذا يتضح لذوي‬ ‫سل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫عن ْد َ اللهِ ال ِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ِديًنا وقوله عز وجل ‪ :‬إ ِ ّ‬ ‫اْل ِ ْ‬
‫سل َ‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البصائر أن أصل دين السلم وقاعدته أمران ‪:‬‬


‫أحدهما ‪ :‬أن ل يعبد إل الله وحده ‪ ،‬وهو معنى شهادة أن ل إله إل الله ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن ل يعبد إل بشريعة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫فالول يبطل جميع اللهة المعبودة من دون الله ‪ ،‬ويعلم به أن المعبود بحق‬
‫هو الله وحده ‪ ،‬والثاني يبطل التعبد بالراء والبدع التي ما أنزل الله بها من‬
‫سلطان ‪ ،‬كما يتضح به بطلن تحكيم القوانين الوضعية والراء البشرية ويعلم‬
‫به أن الواجب هو تحكيم شريعة الله في كل شيء ‪ ،‬ول يكون العبد مسلما إل‬
‫َ‬
‫ر‬
‫م ِ‬ ‫ن اْل ْ‬ ‫م َ‬‫ريعَةٍ ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ك عََلى َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬ ‫م َ‬ ‫بالمرين جميعا ‪ ،‬كما قال الله عز وجل ‪ :‬ث ُ ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شي ًْئا‬ ‫ن اللهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن ي ُغُْنوا عَن ْ َ‬ ‫مل ْ‬ ‫ن * إ ِن ّهُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫واَء ال ّ ِ‬ ‫َفات ّب ِعَْها َول ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬
‫مل‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫جَر ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫مو َ‬ ‫حك ّ ُ‬ ‫حّتى ي ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ك ل ي ُؤْ ِ‬ ‫وقال سبحانه ‪َ :‬فل وََرب ّ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫دوا ِفي أ َن ْ ُ‬
‫م‬ ‫حك َ‬ ‫ما وقال تعالى ‪ :‬أفَ ُ‬ ‫سِلي ً‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ُ‬ ‫ت وَي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫جا ِ‬ ‫حَر ً‬ ‫م َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫يَ ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ن وقال عز وجل ‪ :‬وَ َ‬ ‫قوْم ٍ ُيوقُِنو َ‬ ‫ما ل ِ َ‬ ‫حك ً‬‫ْ‬ ‫ن اللهِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫جاهِل ِي ّةِ ي َب ُْغو َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ما أن َْز َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن * وَ َ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه فَأول َئ ِ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أن َْز َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫لَ ْ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫ه فَأول َئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫فَُأول َئ ِ َ‬
‫ن‬
‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أن َْز َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن * وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ُ‬
‫وهذه اليات تتضمن غاية التحذير والتنفير من الحكم بغير ما أنزل الله ‪،‬‬
‫وترشد المة حكومة وشعبها إلى أن الواجب على الجميع هو الحكم بما أنزل‬
‫الله والخضوع له والرضا به ‪ ،‬والحذر مما يخالفه ‪ ،‬كما تدل أوضح دللة على‬
‫أن حكم الله سبحانه هو أحسن الحكام وأعدلها ‪ ،‬وأن الحكم بغيره كفر‬
‫وظلم وفسق وأنه هو حكم الجاهلية الذي جاء شرع الله بإبطاله والنهي عنه ‪،‬‬
‫ول صلح للمجتمعات ول سعادة لها ول أمن ول استقرار إل بأن يحكم قادتها‬
‫شريعة الله ‪ ،‬وينفذوا حكمه في عباده ‪ ،‬ويخلصوا له القول والعمل ‪ ،‬ويقفوا‬
‫عند حدوده التي حدها لعباده ‪ ،‬وبذلك يفوز الجميع بالنجاة والعز في الدنيا‬
‫والخرة ‪ ،‬كما يفوزون بالنصر على العداء والسلمة من كيدهم واستعادة‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مُنوا إ ِ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫المجد السليب ‪ ،‬والعز الغابر ‪ ،‬كما قال سبحانه ‪َ :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مُنوا إ ِ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م وقال عز وجل ‪َ :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫دا َ‬ ‫ت أقْ َ‬ ‫م وَي ُث َب ّ ْ‬ ‫صْرك ُ ْ‬ ‫ه ي َن ْ ُ‬ ‫صُروا الل ّ َ‬ ‫ت َن ْ ُ‬
‫م وقال سبحانه ‪:‬‬ ‫ُ‬
‫فْر لك ْ‬ ‫َ‬ ‫م وَي َغْ ِ‬ ‫ُ‬
‫سي َّئات ِك ْ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫فْر عَن ْك ْ‬ ‫َ‬
‫م فُْرَقاًنا وَي ُك ّ‬ ‫ُ‬
‫ل لك ْ‬ ‫َ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫قوا الل َ‬ ‫ت َت ّ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ض‬
‫م ِفي الْر ِ‬ ‫مكّناهُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫زيٌز * ال ِ‬ ‫قوِيّ عَ ِ‬ ‫هل َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫صُره ُ إ ِ ّ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫صَر ّ‬ ‫وَل َي َن ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫من ْك َرِ ولما حذر‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫وا عَ ِ‬ ‫ف وَن َهَ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مُروا ِبال ْ َ‬ ‫كاةَ وَأ َ‬ ‫وا الّز َ‬ ‫صلة َ َوآت َ ُ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫أَقا ُ‬
‫سبحانه من اتخاذ الكفار بطانة من دون المؤمنين وأخبر أن الكفار ل يألون‬
‫قوا ل‬ ‫صب ُِروا وَت َت ّ ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫المسلمين خبال ‪ ،‬وأنهم يودون عنتهم ‪ ،‬قال بعد ذلك ‪ :‬وَإ ِ ْ‬
‫ط‬‫حي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫شي ًْئا إ ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ك َي ْد ُهُ ْ‬ ‫ضّرك ُ ْ‬ ‫يَ ُ‬
‫وهذا الصل الصيل والفقه الكبر هو أولى ما كتب فيه الكاتبون ‪ ،‬وعني به‬
‫دعاة الهدى وأنصار الحق ‪ ،‬وهو أحق العلوم أن يعض عليه بالنواجذ ‪ ،‬وينشر‬
‫بين جميع الطبقات حتى يعلموا حقيقته ويبتعدوا عما يخالفه ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وإني لنصح إخواني أهل العلم والقائمين بالدعوة إلى الله سبحانه بأن يعنوا‬
‫بهذا الصل العظيم ويكتبوا فيه ما أمكنهم من المقالت والرسائل حتى ينتشر‬
‫ذلك بين النام ويعلمه الخاص والعام ‪ ،‬لعظم شأنه وشدة الضرورة إليه ‪،‬‬
‫ولما وقع بسبب الجهل به في غالب البلدان السلمية من الغلو في تعظيم‬
‫القبور ‪ ،‬ول سيما قبور من يسمونهم بالولياء واتخاذ المساجد عليها وصرف‬
‫الكثير من العبادة لهلها كالدعاء والستغاثة والذبح والنذر وغير ذلك ‪.‬‬
‫ولما وقع أيضا بسبب الجهل بهذا الصل الصيل في غالب البلد السلمية من‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تحكيم القوانين الوضعية والراء البشرية ‪ ،‬والعراض عن حكم الله ورسوله‬


‫الذي هو أعدل الحكام وأحسنها ‪.‬‬
‫فنسأل الله أن يرد المسلمين إليه ردا حميدا ‪ ،‬وأن يصلح قادتهم وأن يوفق‬
‫الجميع للتمسك بشريعة الله والسير عليها والحكم بها والتحاكم إليها‬
‫والتسليم لذلك والرضا به والحذر مما يخالفها إنه ولي ذلك والقادر عليه ‪،‬‬
‫وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وأصحابه ومن سار‬
‫على طريقه واهتدى بهداه إلى يوم الدين ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫التمكين وتأويل الحاديث‬


‫‪23/7/1425‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫غال ِ ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫ث َوالل ُ‬ ‫حاِدي ِ‬ ‫ل ال َ‬ ‫من ت َأِوي ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ض وَل ِن ُعَل َ‬ ‫ف ِفي الْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫مك ّّنا ل ُِيو ُ‬ ‫ك َ‬ ‫"وَك َذ َل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن")يوسف‪ :‬من الية ‪ .(21‬ما أحوجنا إلى‬ ‫مو َ‬ ‫س ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫مرِهِ وَل َك ِ ّ‬ ‫عََلى أ ْ‬
‫الوقوف مع هذه الية في هذه الظروف التي تعيشها المة‪.‬‬
‫القنوط واليأس دخل كثيرا ً من القلوب بعد ما رأوا أعداء الله يعودون إلى‬
‫استعمار بعض بلد المسلمين مرة أخرى‪ ،‬ومن ذلك ما يفعله اليهود في‬
‫فلسطين‪ ،‬وما يفعله الغرب في أفغانستان والعراق‪ ،‬نفوس أصابها التشاؤم‬
‫واليأس والقنوط‪ ،‬والله غالب على أمره‪.‬‬
‫لقد تواترت اليات مانعة من الخوف إل من الله _جل وعل_‪ ،‬وكذلك الخشية‬
‫ن ")آل عمران‪ :‬من الية ‪َ" ،(175‬فل‬ ‫خاُفو ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫خاُفوهُ ْ‬ ‫إل من الله "َفل ت َ َ‬
‫س‬
‫ن الّنا َ‬ ‫س إِ ّ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫ل لهُ ُ‬‫َ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ")المائدة‪ :‬من الية ‪" .(3‬ال ِ‬ ‫شو ْ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫شوْهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫تَ ْ‬
‫مانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل")آل‬ ‫ً‬ ‫م ِإي َ‬ ‫م فََزاد َهُ ْ‬ ‫شوْهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫َ‬
‫مُعوا لك ُ ْ‬ ‫ج َ‬‫قَد ْ َ‬
‫عمران‪ :‬من الية ‪ .(173‬فعلينا أن نثق بالله وبوعده‪ ،‬وأن نأخذ بالسباب التي‬
‫ل‬‫ن ي َت َوَك ّ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫توصلنا إلى العز والسؤدد والمجد‪ ،‬فلنحسن الظن بالله ولنثق به "وَ َ‬
‫درًا")الطلق‪:‬‬ ‫َ‬
‫يٍء قَ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ل ِك ُ ّ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫مرِهِ قَد ْ َ‬ ‫ه َبال ِغُ أ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫سب ُ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫عََلى الل ّهِ فَهُوَ َ‬
‫م‬
‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬ ‫مُنوا ِفي ال ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سل ََنا َوال ّ ِ‬ ‫صُر ُر ُ‬ ‫من الية ‪" .(3‬إ ِّنا ل َن َن ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫اْل َ ْ‬
‫م‬
‫جاَءهُ ْ‬ ‫م قَد ْ ك ُذُِبوا َ‬ ‫ل وَظ َّنوا أن ّهُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫س الّر ُ‬ ‫ست َي ْأ َ‬ ‫حّتى إ َِذا ا ْ‬ ‫شَهاُد" )غافر‪َ " . (51:‬‬
‫شاُء ")يوسف‪ :‬من الية ‪.(110‬‬ ‫ن نَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ج َ‬‫صُرَنا فَن ُ ّ‬ ‫نَ ْ‬
‫ه")يوسف‪ :‬من الية ‪ (21‬من سورة يوسف‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫مرِ ِ‬ ‫ب عَلى أ ْ‬ ‫ه غال ِ ٌ‬ ‫هذه الية "َوالل ُ‬
‫مك ّّنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‬‫َ‬
‫َ ِ‬ ‫ذ‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫"‬ ‫السورة‬ ‫نفس‬ ‫في‬ ‫تصديقها‬ ‫يأتي‬ ‫البتلء‪،‬‬ ‫ألوان‬ ‫الذي عاش‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ث" )يوسف‪ :‬من الية ‪،(21‬‬ ‫حاِدي ِ‬ ‫ل اْل َ‬ ‫ن ت َأِوي ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م ُ‬‫ض وَل ِن ُعَل ّ َ‬ ‫ف ِفي الْر ِ‬
‫ْ‬ ‫س َ‬ ‫ل ُِيو ُ‬
‫التمكين تمكين خاص وعام‪ ،‬وقد حصل عليهما يوسف _عليه السلم_ مكنه‬
‫الله في أول المر من قلب العزيز‪ ،‬ومكنه الله _جل وعل_ في داخل السجن‪،‬‬
‫وهذا تمكين خاص‪.‬‬
‫ثم جاء التمكين العام عندما قال‪ :‬اجعلني على خزائن الرض إني حفيظ‬
‫عليم‪ ،‬فأصبح هو عزيز مصر‪ ،‬بل هو سيد مصر المر الناهي‪ ،‬حكم فيه‬
‫َْ‬
‫ض" )يوسف‪ :‬من الية‬ ‫ف ِفي الْر ِ‬ ‫س َ‬‫مك ّّنا ل ُِيو ُ‬ ‫ك َ‬ ‫بشريعة الله _جل وعل_ "وَك َذ َل ِ َ‬
‫‪ ،(21‬وكأن الية تشير إلى أن من يأخذ بالسباب التي أخذ بها يوسف‬
‫فسيكون نهايته التمكين _بإذن الله_‪.‬‬
‫والسؤال‪ :‬كيف نصل إلى ما وصل إليه يوسف؟‬
‫والجواب‪ :‬هنالك أسباب جعلها الله _جل وعل_ من أخذ بها حصل على‬
‫التمكين‪ ،‬إما التمكين الخاص أو التمكين العام ولعله تأتي الشارة بشي من‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التفصيل إلى ذلك لحقا ً أما ما يهمنا هنا فهو ما يتعلق بتأويل الحاديث‪ ،‬فالله‬
‫ف ِفي‬‫س َ‬ ‫مك ّّنا ل ُِيو ُ‬ ‫ك َ‬ ‫_عز وجل_ قرن به التمكين‪ ،‬فقال _سبحانه_‪" :‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫ْ‬
‫ث")يوسف‪ :‬من الية ‪ .(21‬ذكر بعض العلماء‬ ‫ل اْل َ َ‬
‫حاِدي ِ‬ ‫ن ت َأِوي ِ‬
‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫ض وَل ِن ُعَل ّ َ‬
‫م ُ‬
‫َْ‬
‫الْر ِ‬
‫أن تأويل الحاديث هنا ليس محصورا ً فيما يتعلق بتعبير الرؤى بل هو أعم من‬
‫ذلك‪ ،‬فيشمل تفسير الحداث وتوقع نتائجها والقدرة على التعامل معها‪،‬‬
‫فيوسف _عليه السلم_ أكرمه الله بتأويل الحاديث أي تعبير الرؤيا‪ ،‬وهذا‬
‫معنى أّولي‪ ،‬وهو ما مشى عليه عامة المفسرون‪ ،‬ومعنى آخر‪ ،‬وهو تأويل‬
‫الحاديث‪ ،‬بمعنى تفسير الحداث واستشرافها والتخطيط لها‪ ،‬وهذا ما حصل‬
‫عندما ولي أمر تدبير ما بدء تحققه مما توقعه بعد تأول الرؤيا‪.‬‬
‫ولعل هذا الضرب من تأويل الحاديث فيه شبه مما أعطيه عمر بن الخطاب‬
‫_رضي الله تعالى عنه_‪ ،‬فقد كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ يقول‪" :‬قد‬
‫كان يكون في المم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر‬
‫بن الخطاب منهم" ]أخرجاه في الصحيحين[ وليس ذلك من ادعاء علم‬
‫الغيب‪ .‬كل وحاشا‪ ،‬بل هي فراسة وعلم قائم بذاته‪ ،‬يبنى على الحقائق‬
‫والدراسات والرقام‪ .‬يلهمه الله بعض خلقه‪ ،‬وخاصة إذا توافر فيهم الصدق‪،‬‬
‫واليمان‪ ،‬والتقوى‪ ،‬فينير الله بصيرتهم‪ ،‬ويجعل لهم فرقانًا‪.‬‬
‫ولعل الناظر إلى علم دراسات المستقبل‪ ،‬والذي غدا اليوم علما ً مستقل ً‬
‫يدرس في أعرق الجامعات‪ ،‬يلحظ أن الذين تفارقهم التقوى واليمان‬
‫يخطئون كثيرا ً في هذا الجانب رغم عظم ما عندهم من وسائل مادية‬
‫وإمكانات‪.‬‬
‫أما إذا توافر مع هذا العلم تقوى وورع وصدق مع الله _جل وعل_ والتجاء‬
‫إليه‪ ،‬فيجعل الله لصحابه فرقانا ً يميزون به بين الحق والباطل‪ ،‬وفراسة ل‬
‫ه ")البقرة‪:‬‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫مك ُ ُ‬ ‫ه وَي ُعَل ّ ُ‬ ‫قوا الل ّ َ‬
‫تكاد تخطئ‪ ،‬وقد قال الله _عز وجل_‪َ" :‬وات ّ ُ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م فُْرَقانا")لنفال‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ل لك ْ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬‫قوا الل َ‬ ‫ن ت َت ّ ُ‬
‫مُنوا إ ِ ْ‬
‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫من الية ‪َ" .(282‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫من الية ‪.(29‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫كما إن دراسة السنن الكونية من الهمية بمكان‪ ،‬فالسنن ل تتخلف‪ .‬وكذلك‬


‫دراسة التاريخ الذي تمر به حوادث مشابهة يستفيد اللبيب من نتائج تصرفات‬
‫أهل تلك الحقبة‪ ،‬وكل ذلك جزء مما يسمى اليوم بعلم )فقه الواقع(‪ ،‬والذي‬
‫يجب أن يبنى على الكتاب والسنة‪ ،‬ويجب أن نكون فيه وسط بين الفراط‬
‫والتفريط‪.‬‬
‫فهناك من غل في هذا العلم فأخرجه عن حده‪ ،‬وهناك من أنكره‪ ،‬وكل طرفي‬
‫قصد المور ذميم‪ ،‬فأصل هذا العلم في الكتاب والسنة‪ ،‬وفي سيرة السلف‬
‫_رضوان الله تعالى عليهم_ وهو علم له أصوله ومنطلقاته‪ ،‬كما أنه من أهم‬
‫ما نحتاج إليه في عصرنا الحاضر‪ ،‬بل ما أحوجنا إلى أن تنشأ له المعاهد‬
‫والكليات المتخصصة‪ ،‬وما أحوجنا إلى ربطه بالكتاب والسنة‪ ،‬و السنن‬
‫الكونية والحداث التاريخية‪ ،‬مع ملحظة واقعنا وقدراتنا وإمكاناتنا وأحوال‬
‫أعدائنا‪ ،‬مع اللتجاء إلى الله بأن يهدينا سواء السبيل "اللهم اهدني وسددني"‬
‫كما ورد في حديث علي عند مسلم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وبهذا يكون تعاملنا مع هذا العلم تعامل واقعيا بل إفراط أو تفريط ‪ ،‬ويكون‬
‫عالم الشرعية على مستوى من الوعي بما يقع في أمته وما يحيط بها من‬
‫أخطار‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبهذا نصبح قادرين على رسم الطريق الصحيح لخروج المة من واقعها‬
‫الليم‪ ،‬قادرين على استثمار كل خطأ وكل حدث قد يصدر من الخرين‪،‬‬
‫مترقبين له متوقعين‪ ،‬وبهذا يحصل العز والتمكين للمسلمين‪ ،‬كما حصل لنبي‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫من ت َأِوي ِ‬
‫ه ِ‬ ‫ض وَل ِن ُعَل ّ َ‬
‫م ُ‬ ‫ف ِفي الْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫مك ّّنا ل ُِيو ُ‬
‫ك َ‬‫الله يوسف من قبل "وَك َذ َل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن"‪.‬‬‫مو َ‬ ‫س ل َ ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫مرِهِ وَل َك ِ ّ‬
‫ب عََلى أ ْ‬ ‫ث َوالل ّ ُ‬
‫ه َ‬
‫غال ِ ٌ‬ ‫ال َ َ‬
‫حاِدي ِ‬
‫نسأل الله أن يعز جنده‪ ،‬وأن يظهر كتابه وسنة نبيه وعباده الصالحين‪ ،‬والحمد‬
‫لله رب العالمين‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التمكينّيون والمرض الُعضال‬


‫ياسر بن علي الشهري ‪16/6/1427‬‬
‫‪12/07/2006‬‬
‫الراء الحديثة الواردة في "أدبيات التنمية" ربطت نجاح برامج التنمية وضمان‬
‫استدامتها‪ ،‬وقدرة المجتمعات على مواجهة التغيرات العالمية والتواؤم معها‪،‬‬
‫بتوافر معطيات أساسية للمرأة تمكنها من المساهمة اليجابية في حركة‬
‫التنمية وتوجيهها‪ ،‬وحددت في مقدمة هذه المعطيات‪ ،‬النتاج القتصادي‪ ،‬الذي‬
‫يضع المرأة في موقع القوة‪ ،‬ويجعلها قادرة على خدمة مجتمعها‪.‬‬
‫إن الحركة الحديثة لمشاركة المرأة ارتبطت بفكر نرفضه تماما ً لكونه؛ ل‬
‫يعترف بحقائق السلم المطلقة‪ ،‬ولنه يلغي الحياة الجماعية في مقابل‬
‫"الرغبة" الفردية‪ ،‬ويقوم على النظرة المادية في التخطيط والقياس‪ ،‬ويتهم‬
‫النظرات المغايرة له بالتقليدية‪ ،‬خاصة النظرة التي تعتمد على الدين‬
‫السلمي‪.‬‬
‫قفه بعض المسلمين والمسلمات دون علم‬ ‫ومصطلح "التمكين" الذي تل ّ‬
‫بجذوره‪ ،‬هو أحد إفرازات الحركة الحديثة لمشاركة المرأة؛ المنسوبة لعلم‬
‫الجتماع‪ ،‬وهو مؤشر فاضح للمرض العضال الذي أثخن في الحياة الفكرية‬
‫طشهم‬ ‫والعلمية للمة؛ نتيجة لجهل كثير من أبنائها وبناتها بحقيقة السلم‪ ،‬وتع ّ‬
‫طحات‬‫ش َ‬‫ول مبادئ العلوم النسانية من الغرب دون تمحيص‪ ،‬خاصة َ‬ ‫لتس ّ‬
‫ّ‬
‫علماء الجتماع التي حلت محل الديان المحرفة عندهم‪.‬‬
‫وة للمرأة( من إفرازات‬ ‫إن العلم بأن )التمكين أو البحث عن تحقيق الق ّ‬
‫التحليلت السيسيولوجية الحديثة ليكشف عن المرض الذي يعانيه‬
‫"التمكينّيون" من أبناء وبنات المسلمين‪ ،‬والمتمثل في التبعّية الفكرية‬
‫والعلمية‪ ،‬والنهزامية أمام المنتج الغربي‪ ،‬وإل كيف ُيقبل مثل هذا المفهوم‬
‫وغات الفكرية لرفضه‪ ،‬ونسف أصوله التي يقوم‬ ‫على الرغم من وجود المس ّ‬
‫عليها‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫ل‪ :‬إن هذا المفهوم يشير إلى إيجاد )خلق!( القابلية لدى المرأة لمتلك‬ ‫أو ً‬
‫الوعي والمعرفة والخبرة التي تمكنها من المشاركة ومقاومة الضغوط‬
‫الجتماعية‪ ..‬أو باختصار )تحقيق الذات( وسبب الرفض لهذا‪ .‬إن تحقيق ذات‬
‫المرأة المسلمة –وكذلك الرجل‪ -‬كفله لها السلم إذا استقامت عليه‬
‫واستقام عليه مجتمعها؛ فهو الذي يمنحها عمقا ً عقديا ً يربطها بخالقها وبالكون‬
‫من حولها‪ ،‬ويكشف عن تكريمها‪ ,‬وشبكة من التشريعات والضمانات التي‬
‫تحمي ذاتها‪ ،‬ويعمل على صياغة البيئة العامة والعلقات الجتماعية بما يعينها‬
‫على أداء مهامها‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إن هذا المفهوم يشير إلى مدى القدرة على وضع الظروف ومقاومة‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مونه‬‫الضغوط وصول ً إلى حضور المرأة في الواقع الجتماعي‪ .‬وهو ما يس ّ‬


‫بـ)حضور الذات(‪ .‬وسبب الرفض لهذا الرأي أن المرأة المسلمة حاضرة في‬
‫الواقع الجتماعي وليست غائبة‪ ،‬وأن علقتها مع أطراف المجتمع علقة‬
‫تعاضد وتكامل‪ ،‬فهي الحاضن الول للفرد الذي تعده وتؤهله ليكون عضوا ً في‬
‫البنيان الجتماعي وفق التشريع الذي ينظم كل هذه العمليات‪ ،‬ويكفل تهيئة‬
‫البيئة المناسبة لممارسة التشريع على المستوى الفردي والمجتمعي‪.‬‬
‫إننا –في ظل هذه النحرافات الفكرية‪ -‬بحاجة إلى "شيوخ اجتماعّيين"‬
‫)يقرؤون( على المرضى حتى يفهموا أن المرأة القادرة على تحقيق النمو‬
‫الجتماعي والقتصادي والسياسي لمجتمعها؛ هي المرأة التي أدركت الحكمة‬
‫من وجودها‪ ،‬والتشريعات الربانية المنظمة لحياتها وعلقاتها‪ ،‬ثم استقامت‬
‫على ذلك بنفسها‪ ،‬وعملت على تقويم كل من تنجبه على المنهج نفسه‪ .‬كما‬
‫أننا بحاجة إلى "شيوخ تنموّيين" يواصلون عملية القراءة‪ ،‬ويعّلمون‬
‫"المرضى" أن قياس النمو الجتماعي للمرأة إنما يكون بمدى المحافظة‬
‫على المكاسب الكبرى التي حققها السلم للمرأة‪ ،‬وحققتها المرأة‬
‫المستقيمة لنفسها ولمجتمعها‪ ،‬وبمدى المحافظة على طبيعتها وأنوثتها‪.‬‬
‫وإذا كان الهدف من مشاركتها‪ ،‬تنمية المجتمع‪ ،‬فإن عملية التنمية تستهدف‬
‫ة( والعقلء يدركون أن المرأة مسؤولة عن إعداد‬ ‫العنصر البشري )رج ً‬
‫ل‪ ،‬امرأ ً‬
‫ة‪ ,‬توجيهًا‪ ،‬تهذيب‬ ‫ة‪ ,‬تربي ً‬
‫ة‪ ,‬أموم ً‬ ‫وتأهيل العنصر البشري عموما ً )حم ً‬
‫ل‪ ,‬رضاع ً‬
‫العواطف‪ ,‬دفعه نحو التقدم والنجاح في مجالت حياته( حتى ينتقل هذا‬
‫العنصر البشري إلى موقعه‪ ،‬ويستطيع العتماد على نفسه‪ ،‬ويحقق عبوديته‬
‫لربه‪ ،‬وأيضا ً هي مسؤولة عن عمليات التأهيل للمجتمع بأكمله فهي التي‬
‫تنمي‪ ،‬وتصنع في نفوس الجيال القيم‪ ،‬وبالتالي فهي مؤثرة في المجتمع‬
‫بأكمله من خلل مشاركتها الفاعلة في صياغة قيم الفرد والسرة‪.‬‬
‫إن المرأة في ثقافتنا‪ :‬راعية ومديرة الكيان الكبر تأثيرا ً في الحياة الجتماعية‬
‫–السرة‪ -‬والخلل ليس في ثقافتنا المستمدة من الدين‪ ..‬أبدًا‪ ،‬بل هو في‬
‫العقول التي استوردت مقاييس شؤون المرأة‪ ،‬وعليه يجب أن نضبط‬
‫المقياس الذي نقيس به تقدمنا في قضايا المرأة‪ ،‬وأن نبنيه في ضوء ثقافة‬
‫السلم‪.‬‬
‫ً‬
‫فمن قال إن المرأة ل تعمل إذا لم تكسب ماديا؟!‬
‫وإنها ل تحقق ذاتها إل إذا كانت أجيرة أو ذليلة لماديات الحياة؟!!‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ومن قال إنها غائبة عن الواقع الجتماعي إذا لم تتبّرج وتختلط بـ)الذكور!!(؟‬
‫وإنها ل تحضر في الواقع إل بخروجها لموضوع الرجل واختصاصه؟‬
‫إننا في ظل هذا الفهم الخاطئ بحاجة إلى هيئات ومنظمات وروابط نسائية‬
‫في مجال تنمية ذات المرأة المسلمة‪" ،‬وأقصد به ارتباطها بما تؤمن به‬
‫دسه"‪ .‬وفي مجال تطوير قدراتها الفطرية )المومة‪ ،‬والتربية‪ ،‬والعلقات‬ ‫وتق ّ‬
‫الجتماعية‪ ,‬ورعاية السرة‪ ,‬وتعليم القيم(‪ ،‬وكذلك في المجالت النسوّية‬
‫الخاصة )طب السرة‪ ,‬طب المرأة‪ ,‬التمريض‪ ,‬التعليم‪ ,‬إعلم المرأة( للدفاع‬
‫عن المرأة وحفظ حقوقها الشرعية‪ ،‬وإيقاف الدعوات التي ل تحترمها‪.‬‬
‫ويبقى نجاح الجهود التي تستهدف قضايا المرأة مرهون بالنتائج التي‬
‫ستقدمها للمرأة من حيث حفظ هويتها وشخصيتها السلمية؛ فهي ل تتطلع‬
‫لماديات الحياة فقط‪ ..‬إنها مسلمة توظف كل إمكاناتها لتحقيق عبودّيتها لله‪،‬‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م ِفي‬ ‫مك ّّناهُ ْ‬‫ن ِإن ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ونظرتها بعيدة إلى ما هو أعظم من هذه العاجلة‪) .‬ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫اْل َْر‬
‫منك َرِ وَل ِل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫وا عَ ِ‬
‫ف وَن َهَ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مُروا ِبال ْ َ‬ ‫كاةَ وَأ َ‬ ‫وا الّز َ‬‫صَلة َ َوآت َ ُ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ض أَقا ُ‬ ‫ِ‬
‫عاقِب َ ُ ُ‬
‫موِر( ]الحج‪ .[41:‬فطموحها تحقيق ذاتها وحضورها في الحياة البدية‬ ‫ة اْل ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫نا‬
‫َ ّ ِ‬ ‫ج‬ ‫في‬ ‫ت‬ ‫حا‬
‫ّ ِ َ ِ ِ‬ ‫ل‬‫صا‬ ‫ال‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫نوا‬
‫ِ َ َ ُ َ َ ِ‬ ‫م‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫فا‬‫َ‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫ي‬
‫َ ْ َ ِ ٍ ِ َ ْ ُ ََْ ْ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ذ‬ ‫ئ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ك‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫م‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫)ا‬
‫ن(‪] .‬الحج ‪-56‬‬ ‫هي‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ئ‬‫َ‬ ‫ل‬‫و‬‫فروا وك َذ ّ ُبوا بآياتنا فَأ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ّ‬
‫ٌ ّ ِ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ ُ ِ َ َِ‬ ‫ُ‬ ‫الن ّ ِ ِ َ ِ َ‬
‫ذي‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫*‬ ‫م‬ ‫عي‬
‫‪.[57‬‬
‫وهذا هو التمكين في ثقافتنا؛ ثقافة العقلء الغنياء بقيمهم‪ ،‬وليس البحث عن‬
‫ول النظمة‪ ،‬وضغط التفاقيات‪،‬‬ ‫تحقيق القوة للمرأة من خلل تس ّ‬
‫والمنظمات المشبوهة‪ ،‬التي ترعى المثلية! أو السر غير التقليدية! وتسميها‬
‫)الصحة النجابية(!! وتعدها من أساليب تمكين المرأة!‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التمني‬
‫والتمني والمل قرينان ‪ ,‬إل أن المل صاحبه يقدم بين يديه سببا ‪ ,‬بخلف‬
‫التمني فصاحبه يريد شيئا بل سبب ‪ ,‬والتمني ينقسم إلى محمود ومذموم‪.‬‬
‫فما كان من أمر الخرة فهو محمود ؛ لن العبد لن يبلغ الجنة بعمله ‪ .‬فهو‬
‫يتمنى فوق عمله بعد استيفاء السباب التي أمر الله بها ‪ ,‬فطمع في رحمة‬
‫الله ؛ فتمنى مال يبلغه عمله ‪ ,‬وما كان من أمر الدنيا!فإن كان عونا على‬
‫الخرة فهو محمود ‪ ,‬وإن كان من أمر الدنيا محض فهو سفه ‪ ,‬ونقص في‬
‫العقول فإن الدنيا والخرة ضرتان إن انشغل بواحدة أضر بأختها ‪ ,‬ثم لن يأتيه‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ماٍء أن َْزل َْناه ُ ِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا ك َ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫در له ‪ ,‬قال تعالى ‪}:‬إ ِن ّ َ‬ ‫مما تمنى إل ما قُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ما ي َأك ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫خت َل َ َ‬
‫ت‬ ‫خذ َ ْ‬ ‫حّتى إ َِذا أ َ‬ ‫م َ‬ ‫س َوالن َْعا ُ‬ ‫ل الّنا ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ض ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت الْر‬ ‫ط ب ِهِ ن ََبا ُ‬ ‫ماِء َفا ْ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫مُرَنا ل َي ْل ً أ َوْ ن ََهارا ً‬ ‫ها أ َ‬
‫ن عَلي َْها أَتا َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫م َقادُِرو َ‬
‫َ‬
‫ن أهْلَها أن ّهُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت وَظ ّ‬ ‫َ‬ ‫خُرفََها َواّزي ّن َ ْ‬ ‫ض ُز ْ‬ ‫الْر ُ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َت َ َ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ل الَيا ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫ك نُ َ‬ ‫س ك َذ َل ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ِبال ْ‬ ‫م ت َغْ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫صيدا ً ك َأ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ها َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬‫فَ َ‬
‫‪( 1) {(24‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ن أهْلَها أن ّهُ ْ‬ ‫ت وَظ ّ‬ ‫خُرفََها َواّزي ّن َ ْ‬ ‫ض ُز ْ‬ ‫ت الْر ُ‬ ‫خذ َ ْ‬ ‫حّتى إ َِذا أ َ‬ ‫تأمل قوله تعالى ‪َ ):‬‬
‫ن عَل َي َْها(أي وصلوا إلى قمة الغفلة عن الله ‪ ,‬واغتروا بما في أيديهم ‪,‬‬ ‫َقادُِرو َ‬
‫ونسوا موجدهم ‪ ,‬وفرحوا بما عندهم ‪ ,‬وبينما هم كذلك بهتهم أمر الله ‪ ,‬كما‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قال تعالى)أ َتا َ َ‬
‫س(‬ ‫م ِ‬ ‫ن ِبال ْ‬ ‫م ت َغْ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫صيدا ً ك َأ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ها َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬ ‫مُرَنا ل َي ْل ً أوْ ن ََهارا ً فَ َ‬ ‫ها أ ْ‬ ‫َ‬
‫فأذهبهم الله عز وجل ‪ ,‬وأذهب ما بأيديهم ‪.‬‬
‫ولكن من يعتبر بآيات الله ‪ ,‬ويقف عند الحقائق التي أوقف الله عباده عليها‬
‫ن( ‪.‬‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َت َ َ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ل الَيا ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫ك نُ َ‬ ‫كما قال تعالى ‪):‬ك َذ َل ِ َ‬
‫فالتمني المحمود هو رضى الله والجنة مع أخذ السباب بما أمر الله به‪..‬‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ك َ‬ ‫ن فَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫سعْي ََها وَهُوَ ُ‬ ‫سَعى ل ََها َ‬ ‫خَرة َ وَ َ‬ ‫ن أ ََراد َ ال ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قال تعالى ‪}:‬وَ َ‬
‫كورا )‪( 2){(19‬‬ ‫ً‬ ‫ش ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫سعْي ُهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ري‬ ‫ِ‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ت‬‫ٍ‬ ‫نا‬ ‫ّ‬ ‫ج‬‫َ‬ ‫م‬‫ُ ْ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫حا‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫صا‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫نوا‬ ‫ُ‬ ‫م‬
‫َ َ‬‫آ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وا‬‫َ‬ ‫‪}:‬‬ ‫سبحانه‬ ‫وقال‬
‫ن الل ّهِ ِقيل ً )‪){(122‬‬ ‫م‬ ‫ق‬ ‫د‬ ‫ص‬ ‫قا ً ومن أ َ‬ ‫ّ‬ ‫ح‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫بد‬ ‫خال ِدين فيها أ َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫حت َِها الن َْهار َ ِ َ‬ ‫تَ ْ‬
‫‪(3‬‬
‫ثم قال سبحانه بعدها مباشرة ‪:‬‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫}ل َيس بأ َمان ِيك ُم ول أ َمان ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫جد ْ ل ُ‬ ‫جَز ب ِهِ َول ي َ ِ‬ ‫سوءا ي ُ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ل الك َِتا ِ‬ ‫ي أهْ ِ‬ ‫َ ّ‬ ‫ْ َ ِ َ ّ ْ َ‬
‫صيرا )‪( 4){(123‬‬ ‫ً‬ ‫ن الل ّهِ وَل ِي ّا ً َول ن َ ِ‬ ‫ُدو ِ‬
‫نري الكثير اغتر بحلم الله عليه ‪ ,‬وبلطفه به ‪ ,‬وبإسباغ النعم ظاهرة وباطنة‬
‫مع تقصيره وغفلته ‪ ,‬فعاش في المنية التي عاش فيها أهل الكتاب ‪ .‬كما قال‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذا ال َد َْنى‬ ‫ْ‬


‫ض هَ َ‬ ‫ن عََر َ‬ ‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ب ي َأ ُ‬ ‫ف وَرُِثوا ال ْك َِتا َ‬ ‫خل ْ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫تعالى ‪}:‬فَ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ميَثاقُ‬ ‫م ِ‬ ‫خذ ْ عَل َي ْهِ ْ‬ ‫م ي ُؤْ َ‬ ‫ذوه ُ أل َ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ه ي َأ ُ‬ ‫مث ْل ُ ُ‬ ‫ض ِ‬ ‫م عََر ٌ‬ ‫ن ي َأت ِهِ ْ‬ ‫فُر ل ََنا وَإ ِ ْ‬ ‫سي ُغْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫وَي َ ُ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫خي ٌْر‬ ‫خَرةُ َ‬ ‫داُر ال ِ‬ ‫ما ِفيهِ َوال ّ‬ ‫سوا َ‬ ‫حقّ وَد ََر ُ‬ ‫ّ‬
‫قولوا عَلى اللهِ إ ِل ال َ‬ ‫ن ل يَ ُ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ال ْك َِتا ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪( 5) {(169‬‬ ‫قُلو َ‬ ‫ن أَفل ت َعْ ِ‬ ‫قو َ‬ ‫ن ي َت ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫قال قتادة ‪:‬إي والله لخلف سوء بعد أنبيائهم ورسلهم ‪ ,‬أورثهم الله وعهد‬
‫إليهم ‪ ,‬تمنوا على الله أماني وِغّرة يغترون بها ‪ ,‬ليشغلهم شئ عن شئ ‪ ,‬ول‬
‫ف لهم شئ من الدنيا أكلوه ‪ ,‬ل يبالون حلل‬ ‫ينهاهم شئ عن ذلك ‪ ,‬كلما ه ّ‬
‫كان أو حراما ‪(6 ).‬‬
‫حسدوا من فوقهم في الطاعات ‪ ,‬وبغوا عليهم ؛ وتعالوا على من دونهم في‬
‫المعاصي ‪ ,‬وقتروا عنهم ‪ ,‬ويقولون سيغفر لنا !‬
‫ومن الخير تمني فعل الخيرات مع أخذ أسبابها ‪ ,‬فإن عجز عن إيجاد السبب‬
‫يؤجر على نيته ؛ وكذلك تمني الشر مع العجز عن إتيانه يأثم صاحبه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ش َ َ‬ ‫ن أ َِبي ك َب ْ َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫معَ َر ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫مارِيّ أن ّ ُ‬ ‫ة اْلن ْ َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ص ُ‬
‫ل‬ ‫ه ‪ ,‬وَي َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قي ِفيهِ َرب ّ ُ‬ ‫ما ‪ ,‬فهُوَ ي َت ّ ِ‬ ‫عل ً‬ ‫مال وَ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫فرٍ ؛ عَب ْد ٍ َرَزق ُ‬ ‫ما الد ّن َْيا ِلْرب َعَةِ ن َ َ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫ما‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫قا ؛ فهَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫عل ً‬ ‫ه ِ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫ل ‪ .‬وَعَب ْد ٍ َرَزق ُ‬ ‫مَنازِ ِ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ذا ب ِأف َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م ل ِلهِ ِفيهِ َ‬ ‫ه ‪ ,‬وَي َعْل ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬‫ِفيهِ َر ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ن؛‬ ‫ل فل ٍ‬ ‫ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ت ب ِعَ َ‬ ‫مل ُ‬ ‫مال لعَ ِ‬ ‫ن ِلي َ‬ ‫قول ‪ :‬لوْ أ ّ‬ ‫ُ‬ ‫صادِقُ الن ّي ّةِ ي َ ُ‬ ‫مال ‪ ,‬فهُوَ َ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫ْ‬
‫م ي َْرُزق ُ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫خب ِ ُ‬ ‫َ‬
‫ط‬ ‫ما ؛ فَهُوَ ي َ ْ‬ ‫عل ْ ً‬ ‫ه ِ‬ ‫م ي َْرُزقْ ُ‬ ‫ماًل وَل َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫واٌء ‪ .‬وَعَب ْد ٍ َرَزقَ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ما َ‬ ‫جُرهُ َ‬ ‫فَهُوَ ب ِن ِي ّت ِهِ فَأ ْ‬
‫م ل ِل ّهِ ِفي ِ‬
‫ه‬ ‫ه ‪ ,‬وََل ي َعْل َ ُ‬ ‫م ُ‬‫ح َ‬ ‫ل ِفيهِ َر ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ه ‪ ,‬وََل ي َ ِ‬ ‫قي ِفيهِ َرب ّ ُ‬ ‫عل ْم ٍ ‪َ ,‬ل ي َت ّ ِ‬ ‫مال ِهِ ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫ِفي َ‬
‫َ‬
‫ل ‪ :‬لَ ْ‬
‫و‬ ‫قو ُ‬ ‫ما فَهُوَ ي َ ُ‬ ‫عل ْ ً‬‫ماًل وََل ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫م ي َْرُزقْ ُ‬ ‫ل ‪ .‬وَعَب ْد ٍ ل َ ْ‬ ‫مَنازِ ِ‬ ‫ث ال ْ َ‬ ‫خب َ ِ‬ ‫ذا ب ِأ ْ‬ ‫قا ؛ فَهَ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫واٌء‪( 7) .‬‬ ‫س‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ز‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪,‬‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫في‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ل‬‫ً‬ ‫ما‬ ‫لي‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫ِْ ُ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ َ ِ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫َِ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫أ ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ط من شرع وعجز عن تحقيق‬ ‫فإذا استغرق العبد في الماني بدون ضاب ٍ‬


‫المنية ‪ ,‬حسد من فوقه ‪ ,‬وتعالى على من تحته وربما وقع في البغي ‪.‬‬
‫فأول جريمة قتل وقعت بين بني النسان سببها المنية التي يصعب تحقيقها‪.‬‬
‫وهي كما ذكر المفسرون ‪ :‬أن الله شرع لدم أن يزوج بناته من بنيه لضرورة‬
‫الحال ‪ ,‬وكان يولد في كل بطن ذكر وأنثى ‪ ,‬فكان يزوج أنثى هذا البطن‬
‫لنثى البطن الخر ‪ ,‬وكانت أخت هابيل دميمة ‪ ,‬وأخت قابيل وضيئة ‪ ,‬فتمناها‬
‫قّربا ُقربانا ‪ ,‬فقربا ‪ ,‬فتقبل من‬ ‫وأراد أن يستأثر بها ‪ ,‬فمنعه آدم إل أن ي ُ َ‬
‫أحدهما ‪ ,‬ولم يتقبل من الخر كما ذكر الله قصتهما ‪.‬‬
‫ل من أ َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ح‬
‫ُ ّ ِ ْ َ ِ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ا‬ ‫بان‬‫حقّ إ ِذ ْ قَّرَبا ْ َ‬
‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫ي آد َ َ‬ ‫م ن َب َأ اب ْن َ ْ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬ ‫قال تعالى ‪َ}:‬وات ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ن )‪ (27‬ل َئ ِ ْ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫قب ّ ُ‬ ‫ما ي َت َ َ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫ل لقْت ُل َن ّ َ‬ ‫خرِ َقا َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫قب ّ ْ‬‫م ي ُت َ َ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ه َر ّ‬ ‫ف الل ّ َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ك إ ِّني أ َ‬ ‫ك لقْت ُل َ َ‬ ‫دي إ ِل َي ْ َ‬ ‫ط يَ ِ‬ ‫س ٍ‬ ‫ما أَنا ب َِبا ِ‬ ‫قت ُل َِني َ‬ ‫ك ل ِت َ ْ‬‫ي ي َد َ َ‬ ‫ت إ ِل َ ّ‬ ‫سط َ‬ ‫بَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ب الّنارِ وَذ َل ِ َ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫نأَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ك فَت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مي وَإ ِث ْ ِ‬ ‫ن ت َُبوَء ب ِإ ِث ْ ِ‬ ‫ن )‪ (28‬إ ِّني أِريد ُ أ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ال َْعال َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫صب َ َ‬ ‫ه فَأ ْ‬ ‫قت َل ُ‬ ‫خيهِ فَ َ‬ ‫لأ ِ‬ ‫ه قَت ْ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫تل ُ‬ ‫ن )‪ (29‬فَطوّعَ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫جَزاُء الظال ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(8 ) {(30‬‬ ‫ِ َ‬ ‫ري‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫خا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬
‫فالماني تورث عدم الرضى والسخط على أقدار الله عز وجل عند من ل‬
‫إيمان له ‪ ,‬بخلف المؤمن الذي يعلم أن تقدير المور من عند الله سبحانه ‪,‬‬
‫وأن العبد ل ينال من الدنيا إل ما ُقدر له ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫مرِ ال ُ‬ ‫جًبا ِل ْ‬ ‫م ‪ :‬عَ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬
‫ّ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل ‪َ :‬قا َ‬ ‫ب َقا َ‬ ‫صهَي ْ ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫شكَر فَكا َ‬
‫ن‬ ‫سّراُء َ‬ ‫ه َ‬ ‫صاب َت ْ ُ‬ ‫نأ َ‬ ‫ن ‪ ,‬إِ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫حد ٍ إ ِل ل ِل ُ‬ ‫س َذاك ِل َ‬ ‫خي ٌْر وَلي ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫مَرهُ كل ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫إِ ّ‬
‫ه ‪(9 ).‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خي ًْرا ل ُ‬ ‫ن َ‬ ‫صب ََر فكا َ‬ ‫ضّراُء َ‬ ‫ه َ‬ ‫صاب َت ْ ُ‬ ‫نأ َ‬ ‫ه ‪ ,‬وَإ ِ ْ‬ ‫خي ًْرا ل ُ‬ ‫َ‬
‫ولذلك إذا انشغل النسان بالخير ‪ ,‬وأخذ أسبابه مع تمني الغاية في بلوغ‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سم له ‪.‬‬ ‫ضاه بما قُ ِ‬ ‫مراده نال الجر العظيم وبّلغه الله فوق ما تمنى ‪ ,‬ور ّ‬
‫وقتك هو رصيدك ورأس مالك ‪-:‬‬
‫فوقت النسان هو عمره في الحقيقة ‪ ,‬وهو مادة حياته البدية في النعيم‬
‫المقيم‪ ,‬ومادة المعيشة الضنك في العذاب الليم‪ ,‬وهو يمر أسرع من مر‬
‫السحاب‪ ,‬فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره‪ ,‬وغير ذلك ليس‬
‫محسوبا من حياته‪ ,‬وإن عاش فيه عاش حياة البهائم ‪,‬فإذا قطع وقته في‬
‫الغفلة والسهو والماني الباطلة ‪ ,‬أو كان خير ما قطعه به النوم والبطالة ‪,‬‬
‫فموت هذا خير له من حياته ‪ ,‬وإذا كان العبد وهو في الصلة‪ -‬ليس له من‬
‫صلته إل ما عقل منها‪ ,‬فليس له من عمره إل ما كان فيه بالله ولله‪.‬‬
‫فعمرك الذي هو رصيد عملك في هذه الحياة ‪,‬يأتي الشيطان فيضيعه عليك‬
‫بالماني الكاذبة‪,‬فإذا بالعبد يؤمل ويتمنى ‪ ,‬حتى يهجم عليه الموت فيرى أنه‬
‫أضاع دينه ودنياه‪.‬‬
‫ن إ ِل ّ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫ولذلك انظر إلى حال الشيطان مع أولياءه قال تعالى}‪ ..‬وَإ ِ ْ‬
‫فُروضا )‬‫ً‬ ‫م ْ‬ ‫ً‬
‫صيبا َ‬ ‫ك نَ ِ‬ ‫عَبادِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫خذ َ ّ‬ ‫ل ل َت ّ ِ‬ ‫ه وََقا َ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫ريدا ً )‪ (117‬ل َعَن َ ُ‬ ‫م ِ‬‫طانا ً َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م فلي ُغَي ُّر ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن آَذا َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫مَرن ّهُ ْ‬ ‫ن الن َْعام ِ َول ُ‬ ‫م فلي ُب َت ّك ّ‬ ‫مَرن ّهُ ْ‬ ‫م َول ُ‬ ‫من ّي َن ّهُ ْ‬ ‫م َول َ‬ ‫ضلن ّهُ ْ‬ ‫‪َ (118‬ول ِ‬
‫ً‬
‫مِبينا )‬ ‫ً‬
‫سَرانا ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫سَر ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن اللهِ ف َ‬ ‫ّ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ً‬
‫ن وَل ِي ّا ِ‬ ‫َ‬
‫خذ الشي ْطا َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫خل ْقَ الل ّهِ وَ َ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِل ّ غُُرورا ً )‪(10 ){(120‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫طا‬ ‫ي‬ ‫ّ‬
‫ش‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ني‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ع‬‫ي‬ ‫(‬ ‫‪119‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َِ ُ ُ ْ َُ َ ّ ِ ْ َ َ َِ ُ ُ ْ‬
‫ن‬
‫ُ‬ ‫طا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫َ َ َِ ُ ُ ْ‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫وجل)‬ ‫عز‬ ‫قال‬ ‫ثم‬ ‫م(‬ ‫م وَي ُ َ ّ ِ ْ‬
‫ه‬ ‫ني‬ ‫م‬ ‫انظر إلى قوله تعالى)ي َعِد ُهُ ْ‬
‫إ ِل ّ غُُرورًا(‬
‫كم من أناس أقعدهم الوهم ‪ ,‬وألهتهم الماني ‪ ,‬وشغلهم المل ؛ فضيعوا‬
‫العمر بدون فائدة ‪ .‬فإذا الماني والمال كانت سرابا ‪ ,‬وجاء الموت بغتة حين‬
‫ل ينفع الندم‪.‬‬
‫وإليك هذا المثال الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم للمتمني ‪ ,‬والمؤمل‬
‫‪ ,‬وهو غافل عن أنياب المنايا‪..‬‬
‫خطاّ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫خط الن ّب ِ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن عَب ْدِ الل ّهِ َر ِ‬ ‫عَ ْ‬
‫ذي‬ ‫ّ‬
‫ذا ال ِ‬ ‫صَغاًرا إ ِلى هَ َ‬ ‫َ‬ ‫خططا ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫خط ُ‬ ‫ّ‬ ‫ه ؛ وَ َ‬ ‫من ْ ُ‬‫جا ِ‬ ‫خارِ ً‬ ‫ط َ‬ ‫س ِ‬ ‫ْ‬
‫خطا ِفي الوَ َ‬ ‫ّ‬ ‫خط َ‬ ‫ّ‬ ‫مَرب ًّعا ؛ وَ َ‬ ‫ُ‬
‫هُ‬ ‫َ‬ ‫ن ‪ ,‬وَهَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ل ‪ :‬هَ َ‬ ‫ط ‪ .‬وَقا َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫جل ُ‬ ‫ذا أ َ‬ ‫سا ُ‬ ‫ذا ال ِن ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ذي ِفي الوَ َ‬ ‫جان ِب ِهِ ال ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ِفي الوَ َ‬
‫صَغاُر‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫حاط ب ِهِ ‪ ,‬وَهَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حي ٌ‬
‫خطط ال ّ‬ ‫ه ‪ ,‬وَهَذِهِ ال ُ‬ ‫مل ُ‬
‫َ‬
‫جأ َ‬ ‫خارِ ٌ‬ ‫ذي هُوَ َ‬ ‫ذا ال ِ‬
‫َ‬
‫ط ب ِهِ أوْ قد ْ أ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ذا‪( 11) ..‬‬ ‫ه هَ َ‬ ‫ذا ن َهَ َ‬ ‫خطأه ُ هَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه هَ َ‬ ‫ذا ن َهَ َ‬ ‫خطأه ُ هَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ش ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذا ‪ ,‬وَإ ِ ْ‬ ‫ش ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ض ؛ فإ ِ ْ‬ ‫العَْرا ُ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فأما التمني الذي هو من شيم المفلسين ‪ ,‬ومن طباع البطالين ‪ ,‬مما يرد من‬
‫الخطرات والفكر‪ ,‬فإما وساوس شيطانية ‪ ,‬وإما أماني باطلة ‪ ,‬وخدع كاذبة ‪,‬‬
‫بمنزلة خواطر المصابين في عقولهم من السكارى ‪ ,‬والمحشوشين ‪,‬‬
‫والموسوسين ‪ ,‬فهذا هو الباطل بعينه ‪ ،‬فصاحبه ل نال لذة ً في الدنيا ‪ ,‬ول‬
‫نعيما ً في الخرة ‪.‬‬
‫قال الحسن البصري‪ :‬إن اليمان ليس بالتحلي ول بالتمني ‪ ,‬إن اليمان ما‬
‫وقر في القلب وصدقه العمل ‪(12 ).‬‬
‫أما هؤلء الذين أسرفوا على أنفسهم ‪ ,‬وانقطعوا عن خالقهم وباريهم ؛ لسان‬
‫حال هؤلء يقول عند انكشاف الحقائق ‪:‬‬
‫عن ْد َك ُ ُ‬
‫م‬ ‫شرِ ِ‬ ‫ح ْ‬‫من ْزَِلتي ِفي ال ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫إِ ْ‬
‫مي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت أّيا ِ‬ ‫ضْيع ُ‬ ‫قد ْ َ‬‫ت‪,‬ف َ‬ ‫قي ُ‬ ‫ما قد ْ ل ِ‬ ‫َ‬
‫منا ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫سي بها َز َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ت نَ ْ‬
‫فَر ْ‬‫ةظ ِ‬ ‫من ِي ّ ُ‬‫أ ْ‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫وال ْيوم أ َحسبها أ َضَغا َ َ‬
‫حلم ِ‬ ‫ثأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ ْ َ ُ‬
‫أخي الحبيب ‪ :‬اعلم أن الماني بحر المفاليس ‪ ,‬وأن المتمني قد يكون قاصر‬
‫العقل ‪ ,‬ضعيف الدين ‪ ,‬ينظر إلى الحياة بمنظار قاصر ؛ فإذا عاين الحقيقة‬
‫مهِ ِفي‬ ‫ج عََلى قَوْ ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫ندم علي ما تمنى كما وقع مع قوم قارون قال تعالى ‪}:‬فَ َ‬
‫ه لَ ُ‬ ‫ُ‬
‫ذو‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫ي َقاُرو ُ‬ ‫ما أوت ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ت ل ََنا ِ‬ ‫دنَيا َيا ل َي ْ َ‬ ‫حَياة َ ال ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ِزين َت ِهِ َقا َ‬
‫ب الل ّهِ َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ٌْر ل ِ َ‬ ‫وا ُ‬ ‫م ثَ َ‬ ‫م وَي ْل َك ُ ْ‬ ‫ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ظيم ٍ )‪ (79‬وََقا َ‬ ‫ظ عَ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫ن )‪( 13){(80‬‬ ‫صاب ُِرو َ‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ي‬
‫َ ُ‬ ‫ول‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫لح‬ ‫ِ‬ ‫صا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫وَ‬
‫لما نظر هؤلء البسطاء الجهال الذين ينظرون إلى الدنيا بمنظار الساعة ‪,‬‬
‫وعين الحاضر ‪ ,‬لما نظروا إلى المكانة التي تبوءها قارون ؛ انخلعت قلوبهم‬
‫ه لَ ُ‬ ‫ُ‬
‫ذو‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫ي َقاُرو ُ‬ ‫ما أوت ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬‫ت ل ََنا ِ‬ ‫رغبا ً للمكانة التي عليها ‪ ,‬حتى قالوا ‪َ) :‬يا ل َي ْ َ‬
‫م(‬ ‫ح ّ‬
‫ظي ٍ‬ ‫ظ عَ ِ‬ ‫َ‬
‫فإذا بهؤلء الذي تمنوا مكانه ؛ لما خسف الله به ‪ ,‬وبأمواله وبدوره ‪ ,‬ندموا‬
‫على ما تمنوا ‪ .‬فهم الذين تمنوا ! وهم الذين ندموا على المنية ! وهذا دللة‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ض فَ َ‬ ‫دارِهِ الْر َ‬ ‫فَنا ب ِهِ وَب ِ َ‬ ‫س ْ‬ ‫خ َ‬ ‫على قصور عقولهم ‪ ,‬قال تعالى ‪} :‬فَ َ‬
‫َ‬
‫وا‬ ‫من ّ ْ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ح ال ّ ِ‬ ‫صب َ َ‬ ‫ن )‪ (81‬وَأ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬‫من ْت َ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن الل ّهِ وَ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫صُرون َ ُ‬ ‫فِئ َةٍ َين ُ‬
‫س ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قدُِر‬ ‫عَبادِهِ وَي َ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ط الّرْزقَ ل ِ َ‬ ‫ه ي َب ْ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن وَي ْك َأ ّ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫س يَ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ِبال ْ‬ ‫كان َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ح ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن )‪( 14){(82‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ُ ِ ُ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫و‬
‫ُ َ َْ َ َ َ َِ َْ ّ ُ‬ ‫نا‬ ‫ب‬ ‫ف‬ ‫س‬ ‫خ‬ ‫ل‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ْ َ ّ‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ول‬ ‫لَ ْ‬
‫وكذلك ترى المنافقين لما عاشوا في حياتهم على الماني الكاذبة واغتروا‬
‫بها ‪ ,‬حرموا أعظم نعمة ! نعمة اليمان ؛ بل كان إيمانهم في الدنيا وميض‬
‫سرعان ما ينطفئ حتى سلبوا النور بالكلية ‪ ,‬وكذلك حالهم في الخرة ‪.‬‬
‫أل تعلم أنهم لما حرموا النور يوم القيامة ‪ ,‬بخلف أهل اليمان ‪ ,‬كان من‬
‫قو ُ‬
‫ل‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ضمن أسباب حرمانهم‪ :‬استغراقهم في الماني كما قال تعالى ‪}:‬ي َوْ َ‬
‫جُعوا‬ ‫ل اْر ِ‬ ‫م ِقي َ‬ ‫ن ُنورِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫قت َب ِ ْ‬ ‫مُنوا ان ْظ ُُروَنا ن َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ل ِل ّ ِ‬ ‫قا ُ‬ ‫مَنافِ َ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ظاهُِرهُ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ه ِفيهِ الّر ْ‬ ‫ب َباط ِن ُ ُ‬ ‫ه َبا ٌ‬ ‫سورٍ ل َ ُ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ب ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ضرِ َ‬ ‫سوا ُنورا ً فَ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫م َفال ْت َ ِ‬ ‫وََراَءك ُ ْ‬
‫َ‬
‫م فَت َن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫م َقاُلوا ب ََلى وَل َك ِن ّك ُ ْ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ن َك ُ ْ‬ ‫م أل َ ْ‬ ‫ب )‪ (13‬ي َُناُدون َهُ ْ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ن قِب َل ِهِ ال ْعَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫هّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫م ِبالل ِ‬ ‫مُر اللهِ وَغّرك ْ‬ ‫جاَء أ ْ‬ ‫حّتى َ‬ ‫ي َ‬ ‫مان ِ ّ‬ ‫م ال َ‬ ‫م وَغّرت ْك ْ‬ ‫م َواْرت َب ْت ُ ْ‬ ‫صت ُ ْ‬ ‫م وَت ََرب ّ ْ‬ ‫سك ْ‬ ‫ف َ‬
‫ال ْغَُرو ُُر )‪(15 ){(14‬‬
‫وربما تتحقق للنسان أمنيته من الدنيا ‪ ,‬ول يسعفه الوقت في استعمالها ‪ ,‬أو‬
‫ل يجد الصحة التي يقيم بها هذه المتع التي تمناها ‪.‬‬
‫حكي أن رجل كان فقيرا في شبابه ‪ ,‬وكان يتمنى المال ‪ ,‬والعبيد ‪,‬‬ ‫ُ‬
‫والجواريَ ‪ ,‬والمتع ؛ فلما جاوز السبعين استغنى ‪ ,‬وملك ‪ ,‬واشترى العبيد‬
‫التراك ‪ ,‬والجواريَ من الروم وغيرها؛ فإذا العمُر قد ولى ‪ ,‬والصحة قد تلفت‬
‫فقال هذه البيات‪:‬‬
‫َ‬
‫رينا‬ ‫ش ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ت اب َ‬ ‫ت أْرجوه ُ ِإذ ك ُن ْ ُ‬ ‫ما ك ُن ْ ُ‬
‫سب ِْعينا‬ ‫ت ‪َ ii‬‬ ‫مل َك ُْته بعد أن جاوز ُ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫ك ‪ii‬أغزل ٌ‬ ‫ن التر ِ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫بي‬ ‫ف‬ ‫ُ‬ ‫طو‬ ‫ُ‬ ‫تَ‬
‫رينا‬ ‫ن ‪ii‬ي َب ْ ِ‬ ‫ن على كثبا ِ‬ ‫ل الغصو ِ‬ ‫مث ُ‬
‫ة‬‫ت الروم ِ ‪َii‬راِئع ٌ‬ ‫خْرٌد) ‪ (16‬من بنا ِ‬ ‫و ُ‬
‫جن َةِ ‪ii‬الِعينا‬ ‫حوَر ال َ‬ ‫ن ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫حكَين بال ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ة‬
‫م ٍ‬ ‫من َعّ َ‬ ‫مْزن َِني بأساريعَ ) ‪ُ (ii17‬‬ ‫ي َغْ ِ‬
‫قد ُ من أطَراِفها ‪ِii‬لينا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫تكاد ُ ت َعْ ِ‬
‫ه‬
‫حَراك ‪ii‬ب ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫تل ِ‬ ‫مي ْ ٍ‬ ‫حَياَء َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ي ُرِد ْ َ‬
‫مد ُْفونا‬ ‫صاَر ‪َ ii‬‬ ‫مي ْت َا َ‬ ‫ً‬ ‫حِيين َ‬ ‫وكيف ي ُ ْ‬
‫سهُِرَنا‬ ‫ل ‪ii‬ي ُ ْ‬ ‫ل اللي ِ‬ ‫َقالوا أ َِنين ُك طو َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مانينا‬ ‫كي! قُل ْ ُ‬


‫ت ‪ii‬الث ّ َ‬ ‫فَ َ‬
‫ما الذي ت َ ْ‬
‫شت َ ِ‬
‫فانظر إلى حال هذا الرجل نال ما تمناه ‪ ,‬فإذا أمانيه تحولت إلى عذاب! فما‬
‫أشقى حال هؤلء‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫واعلم أن ورود الخاطر ل يضر ؛ وإنما يضر استدعاؤه ‪ ,‬ومحادثته فالخاطر‬


‫كالمار على الطريق فإن تركته مر ‪ ,‬وانصرف عنك ؛ وإن استدعيته سحرك‬
‫بحديثه ‪ ,‬وخدعه ‪ ,‬وغروره‪ ,‬وهو أخف شيء على النفس الفارغة الباطلة ‪,‬‬
‫وأثقل شيء على القلب والنفس الشريفة السماوية المطمئنة‪.‬فهناك نفوس‬
‫تسبح عند العرش ‪ ،‬وهناك نفوس ل تتعدى الحش )‪. ( 18‬‬
‫وقد أحسن من قال ‪-:‬‬
‫من َِام‬ ‫َ‬
‫حرِ ‪ii‬ال َ‬ ‫ح ِفي ب َ ْ‬ ‫ما ت َب َْر َ‬ ‫ن َ‬ ‫فُتو ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت َيا َ‬ ‫أن ْ َ‬
‫ست َِهام ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ‪ii‬ال ُ‬ ‫مْثل فِعْ ِ‬ ‫سْهو وَباِدر ِ‬ ‫فَد َِع ال ّ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فت َ ُ‬ ‫سل ْ‬ ‫ما ‪ii‬أ ْ‬ ‫معَ عَلى َ‬ ‫ح الد ّ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫وَ ُ‬
‫ْ‬
‫ل ُ‪ii‬الملم ِ‬ ‫على عذ ِ‬ ‫ك ول ت َلوِ َ‬ ‫واب ْ ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ملم ِ‬ ‫صِغي ‪ii‬لل َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫عني ل ْ‬ ‫م دَ ْ‬ ‫أي َُها اللئ ِ ُ‬
‫َ‬
‫مرام ِ‬ ‫ب ‪ii‬ال َ َ‬ ‫صعْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫مْلكا ً ن َي ْل ُ ُ‬ ‫ب ُ‬ ‫إ ِن ِّني أط ْل ُ ُ‬
‫سلم ِ‬ ‫س في َدارِ ال ّ‬ ‫فْرد َوْ ِ‬ ‫خل ْدِ وال ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫جَنا ِ‬ ‫في ِ‬
‫ت ال ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫مام ِ‬ ‫معَ ب َد ْرِ ‪ii‬الت َ َ‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫سا فاق ِ‬ ‫وَعَُرو َ‬
‫ً‬ ‫ط َْرفَُها ي ُشرِقُ بال َ‬ ‫ْ‬
‫سَهام ِ‬ ‫ضيا ‪ii‬بال ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ط ُ‬ ‫خ ِ‬
‫ت ‪ii‬لم ِ‬ ‫ن تح َ‬ ‫خد ٍ ك َُنو ٍ‬ ‫صد ْغ ٌ على َ‬ ‫ولها َ‬
‫َ‬
‫ل ‪ii‬وََقوام ٍ‬ ‫دا ٍ‬ ‫دا في اعْت ِ َ‬ ‫ب قَ ّ‬ ‫ن الت َْرا ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫ّ‬ ‫ن َقام ِ ل َي ًْل وهو ي َب ْ ِ‬
‫كي في ‪ii‬الظلم ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ها َ‬ ‫مهُْر َ‬ ‫َ‬
‫التمني على الله ‪.‬‬
‫ى على الله فليستكثر ‪ ,‬فإن الله ل يعجزه شيء ؛ فخزائن‬ ‫فإن العبد إذا تمن ّ‬
‫السماوات والرض بيده ؛ وهو سبحانه وتعالى له الخرة والولى ؛ يؤتي العبد‬
‫َ‬
‫ة‬
‫م َ‬‫دوا ن ِعْ َ‬ ‫ن ت َعُ ّ‬ ‫موه ُ وَإ ِ ْ‬ ‫سأل ْت ُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫فوق ما يتمنى كما قال تعالى}َوآَتاك ُ ْ‬
‫فاٌر )‪( 19){(34‬‬ ‫م كَ ّ‬ ‫ن ل َظ َُلو ٌ‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬ ‫نا ِ‬ ‫ها إ ِ ّ‬ ‫صو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫الل ّهِ ل ت ُ ْ‬
‫ن ‪ ,‬ممن بيده الخرة والولى ‪ ,‬الخلق جميعا‬ ‫ن ثم تم ّ‬ ‫فأخلص عملك لله ‪ ,‬وتم ّ‬
‫إليه فقراء‪ ,‬وهو الغني ‪,‬استمع لهذا الحديث ‪0‬‬
‫لى لَ‬ ‫ل ‪ :‬ي َد ُ الل ّهِ م ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫عَ َ‬
‫َ‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرةَ أ ّ‬ ‫ْ‬
‫من ْذ ُ‬‫فق َ ُ‬ ‫ما أ َن ْ َ‬ ‫م َ‬
‫ل والنهار ‪ ,‬وَقا َ َ َ‬
‫ل ‪ :‬أَرأي ْت ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫حاُء )‪ ( 21‬الل ّي ْ َ َ ّ َ َ‬ ‫س ّ‬ ‫ة َ‬ ‫ق ٌ‬ ‫ف َ‬ ‫ضَها )‪ ( 20‬ن َ َ‬ ‫ي َِغي ُ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ماِء ‪ ,‬وَب ِي َدِ ِ‬ ‫ه عََلى ال ْ َ‬ ‫ش ُ‬ ‫ما ِفي ي َدِهِ ‪ ,‬عَْر ُ‬ ‫ض َ‬ ‫م ي َغِ ْ‬ ‫ه لَ ْ‬ ‫ض فَإ ِن ّ ُ‬ ‫ت َواْلْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫َ‬
‫ع‪( 22) .‬‬ ‫َ‬
‫ض وَي َْرف ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ف ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن ؛ يَ ْ‬ ‫ميَزا ُ‬ ‫خَرى ال ِ‬ ‫ال ْ‬
‫بل استمع لندائه على عباده سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ك وَت ََعاَلى‬ ‫ن الل ّهِ ت ََباَر َ‬ ‫عَ َ‬
‫ما َرَوى عَ ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫ن أِبي ذ َّر عَ ْ‬ ‫ْ‬
‫ما ؛ فََل‬ ‫ر‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫سي‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ظ‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ح‬ ‫ني‬ ‫إ‬ ‫دي‬ ‫با‬ ‫ع‬ ‫يا‬ ‫‪:‬‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫َ َ َ ُ ُ ََْ ْ ُ َ ّ ً‬ ‫َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ ْ ُ‬ ‫َ ِ َ ِ ِّ‬ ‫أن ّ ُ‬
‫َ‬
‫عَباِدي ‪:‬‬ ‫م ‪َ .‬يا ِ‬ ‫دوِني أهْدِك ُ ْ‬ ‫ست َهْ ُ‬ ‫ه َفا ْ‬ ‫ن هَد َي ْت ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل إ ِّل َ‬ ‫ضا ّ‬ ‫م َ‬ ‫عَباِدي ‪ :‬ك ُل ّك ُ ْ‬ ‫موا ‪َ .‬يا ِ‬ ‫ظال َ ُ‬ ‫تَ َ‬
‫عارٍ إ ِلّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م َ‬ ‫عَباِدي ‪ :‬ك ُلك ُ ْ‬ ‫م ‪َ .‬يا ِ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫موِني أطعِ ْ‬ ‫ست َطعِ ُ‬ ‫ه َفا ْ‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫ن أطعَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جائ ِعٌ إ ِل َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ُل ّك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ل َوالن َّهارِ ‪,‬‬ ‫ن ِبالل ّي ْ ِ‬ ‫خط ُِئو َ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫عَباِدي ‪ :‬إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫م ‪َ .‬يا ِ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫سوِني أك ْ ُ‬ ‫ست َك ْ ُ‬ ‫ه َفا ْ‬ ‫سوْت ُ ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ن ت َب ْلُغوا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫‪:‬‬ ‫دي‬ ‫با‬ ‫ع‬‫ِ‬ ‫يا‬ ‫‪.‬‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫رو‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫عا‬ ‫مي‬ ‫ج‬ ‫ب‬ ‫نو‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫نا‬ ‫وأ َ‬
‫ِ ْ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أ َوّل َك ُْ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫عَباِدي ‪ :‬ل َوْ أ ّ‬ ‫فُعوِني ‪َ ,‬يا ِ‬ ‫فِعي فَت َن ْ َ‬ ‫ن ت َب ْل ُُغوا ن َ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫‪,‬‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫رو‬ ‫ّ‬ ‫ض‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ري‬ ‫ّ‬ ‫ض‬
‫َ‬
‫ْ‬ ‫كانوا عََلى أ َ‬
‫ك‬‫ما َزاد َ ذ َل ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫حد ٍ ِ‬ ‫ل َوا ِ‬ ‫ِ َ ٍ‬ ‫ج‬
‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫قى‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ت‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ج‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫س‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫َِ‬‫إ‬ ‫و‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫َوآ َ‬
‫خ‬‫ِ‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كاُنوا عََلى‬ ‫عبادي ‪ :‬ل َو أ َ َ‬


‫م َ‬ ‫جن ّك ُ ْ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫م وَإ ِن ْ َ‬ ‫خَرك ُ ْ‬ ‫م َوآ ِ‬ ‫ن أوّل َك ُ ْ‬ ‫ْ ّ‬ ‫شي ًْئا ‪َ .‬يا ِ َ ِ‬ ‫كي َ‬ ‫مل ْ ِ‬ ‫ِفي ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ن أوّلك ْ‬ ‫عَباِدي ‪ :‬لوْ أ ّ‬ ‫شي ْئا ‪َ .‬يا ِ‬ ‫كي َ‬ ‫مل ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ْ‬ ‫ص ذ َل ِك ِ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ما ن َ َ‬
‫ق‬ ‫حد ٍ َ‬ ‫ل َوا ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ج‬
‫ب َر ُ‬ ‫ِ‬ ‫جرِ قل‬ ‫أفْ َ‬
‫َ‬ ‫وآخرك ُم وإنسك ُم وجنك ُم َقاموا في صعيد واحد فَ َ‬
‫ن‬‫سا ٍ‬ ‫ل إ ِن ْ َ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫سأُلوِني فَأعْط َي ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ ٍ َ ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ ِ َ ْ َ ِْ َ ْ َ ِ ّ ْ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬
‫حَر ‪َ .‬يا‬ ‫َ ْ‬ ‫ب‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫خ‬
‫ْ ِ‬ ‫د‬ ‫أ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ط‬ ‫ي‬
‫ِ ْ َ‬‫خ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ص‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ن‬
‫َ َْ‬‫ي‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫دي‬ ‫ك ِ ّ ِ ْ ِ‬
‫ن‬ ‫ع‬ ‫ما‬ ‫م‬ ‫ص ذ َل ِ َ‬ ‫ق َ‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫ه‪َ ,‬‬ ‫سأل َت َ ُ‬ ‫َ ْ‬
‫خي ًْرا‬ ‫جد َ َ‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫؛‬ ‫ها‬ ‫يا‬‫إ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫في‬ ‫ّ‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ها‬ ‫صي‬ ‫ح‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ما‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫‪:‬‬ ‫دي‬
‫َ ْ َ َ‬ ‫ْ ِّ َ‬ ‫ْ ّ َ‬ ‫ْ ْ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ َ ِ َ‬ ‫عَبا ِ‬ ‫ِ‬
‫ه‪(23 ) .‬‬ ‫س‬ ‫ْ‬
‫َ َ ّ ِ َ َ ُ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫د‬
‫َ َ َ ْ َ َ َ َْ‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫؛‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫فَ َ ْ َ ْ‬
‫د‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ي‬‫ْ‬ ‫ل‬
‫انظر إلى عظيم فضله على عباده ؛ أنه سبحانه وتعالى منع نفسه من الظلم‬
‫ن{ ) ‪(24‬‬ ‫مي َ‬ ‫ريد ُ ظ ُْلما ً ل ِْلعال َ ِ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ما الل ّ ُ‬ ‫لعباده كما قال عز وجل ‪ }:‬وَ َ‬
‫ً‬
‫ف ظلما َول‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫خا ُ‬ ‫ن َفل ي َ َ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت وَهُوَ ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وقال عز وجل ‪}:‬وَ َ‬
‫ضما ً )‪(25 ) {(112‬‬ ‫هَ ْ‬
‫ل ذ َّرةٍ { ) ‪(26‬‬ ‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫ه ل ي َظل ِ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫وقال تعالى ‪}:‬إ ِ ّ‬
‫فهو سبحانه وتعالى رغم قدرته عليه ؛ ول يسمى ظلما لنه متصرف في حقه‬ ‫ً‬
‫سبحانه ‪ ،‬إل أنه لم يفعله فضل وتكرما وإحسانا منه إلى عباده ‪.‬‬
‫ثم انظر كيف دعاهم إليه ‪ ,‬وقربهم منه ؛ فهو الذي يهدي ‪ ,‬وهو الذي ُيطعم ‪,‬‬
‫وهو الذي يكسي ‪ ,‬وهو الذي يغفر الذنوب ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ثم انظر كيف بين لعباده أنهم جميعا ً عجزة ‪ ,‬وأنهم فقراء إلي سبحانه ‪ ,‬وأن‬
‫هدايتهم لن تزيد في ملك الله شيئا ‪ ,‬وأن ضللهم لن ينقص من ملك الله‬
‫شيئا ‪ ,‬وأن الخلق جميعا لو وقفوا في مكان واحد واختلفوا في المسألة‬
‫لعطى كل واحد ما أراد ؛ دون أن ينقص مما عنده شئ ! ثم أخبرهم أنه‬
‫سبحانه يحصي عليهم العمال ‪ ،‬ثم يحاسبهم بها يوم القيامة فم وجد خيرا‬
‫فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فل يلومن إل نفسه ‪.‬‬
‫أخي الحبيب ‪ :‬عظم المنية وزد في رغبك ورهبك ‪ ,‬وتمنى من ربك ماشئت‬
‫فإنه ل يعجزه شئ ‪.‬‬
‫رفع الله عن هذه المة الصر والغلل التي كانت على المم الماضية ‪ ,‬فغفر‬
‫ذنوبها ومحا سيئاتها بأقرب رجوع‪.‬‬
‫هّ‬
‫م ]ل ِل ِ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ِ‬ ‫ت عَلى َر ُ‬ ‫َ‬ ‫ما ن ََزل َ ْ‬ ‫ل ‪ :‬لَ ّ‬ ‫ن أ َِبي هَُري َْرةَ َقا َ‬ ‫عَ ْ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫سب ْك ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫فوه ُ ي ُ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫م أوْ ت ُ ْ‬ ‫سك ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ما ِفي أن ْ ُ‬ ‫دوا َ‬ ‫ن ت ُب ْ ُ‬ ‫ض وَإ ِ ْ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫َ‬
‫ديٌر[ َقالَ‬ ‫يٍء ق ِ‬ ‫َ‬ ‫ش‬ ‫ه عَلى كل َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫شاُء والل ُ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ب َ‬ ‫شاُء وي ُعَذ ّ ُ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫فر ل ِ َ‬ ‫ه في َغْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ب ِهِ الل ُ‬
‫ل الل ِّ‬
‫ه‬ ‫سو َ‬ ‫ر‬ ‫وا‬ ‫ت‬‫ك ُعَلى أ َْصحاب َرسول الل ّ ْه صّلى َالل ّه عل َيه وسل ّم فَ ْأ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َفا ْ‬
‫َ ْ َ ُ‬ ‫ُ َ ْ ِ َ َ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ْ َ ِ َ ُ ِ‬ ‫َ‬ ‫شت َد ّ ِ‬
‫ل‬ ‫ذ‬
‫ل الل ّهِ ك ُل ّ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫فَنا ِ‬ ‫سو َ‬ ‫قاُلوا ‪ :‬أيْ َر ُ‬ ‫ب فَ َ‬ ‫كوا عََلى الّرك َ ِ‬ ‫م ب ََر ُ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫َ ِ ِ‬ ‫ذ‬ ‫ه‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ز‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫د‬
‫ّ َ َ ّ َ َ َ ِ َ َ َ ّ َ َ َ ْ ْ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫د‬ ‫ص‬ ‫وال‬ ‫د‬ ‫ها‬ ‫ج‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫م‬ ‫يا‬ ‫ص‬ ‫وال‬ ‫ة‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫ال‬ ‫‪,‬‬ ‫اْ َ ِ َ ُ ِ ُ‬
‫ق‬ ‫طي‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫ل‬
‫قوُلوا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن تَ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫م ‪ :‬أت ُ ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قَها ‪َ ,‬قا َ‬ ‫طي ُ‬ ‫ة وََل ن ُ ِ‬ ‫اْلي َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫معَْنا وَأطعَْنا‬ ‫س ِ‬ ‫ل ُقولوا ‪َ :‬‬ ‫صي َْنا ‪ ,‬ب َ ْ‬ ‫معَْنا وَعَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م‪َ :‬‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ل الك َِتاب َي ْ ِ‬ ‫ل أهْ ُ‬ ‫ما َقا َ‬ ‫كَ َ‬
‫َ‬
‫ك َرب َّنا وَإ ِلي ْ َ‬ ‫فَران َ َ‬ ‫معَْنا وَأطعَْنا غُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ك َرب َّنا وَإ ِلي ْ َ‬ ‫فَران َ َ‬ ‫غُ ْ‬
‫ك‬ ‫س ِ‬ ‫صيُر ‪َ .‬قالوا ‪َ :‬‬ ‫م ِ‬ ‫ك ال َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ها ]آ َ‬ ‫ه ِفي إ ِث ْرِ َ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫م فَأن َْز َ‬ ‫سن َت ُهُ ْ‬ ‫ت ب َِها أل ِ‬ ‫م ذ َل ْ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫ها ال َ‬ ‫ما اقْت ََرأ َ‬ ‫صيُر ‪ .‬فَل ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫مَلئ ِك َت ِهِ وَك ُت ُب ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ن ِبالل ّهِ وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫لآ َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن َرب ّهِ َوال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل إ ِل َي ْهِ ِ‬ ‫ما أ ُن ْزِ َ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫الّر ُ‬
‫ك َرب َّنا وَإ ِل َي ْكَ‬ ‫فَران َ َ‬ ‫معَْنا وَأطعَْنا غُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س ِ‬ ‫سل ِهِ وََقالوا َ‬ ‫ن ُر ُ‬ ‫م ْ‬‫حد ٍ ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫فّرقُ ب َي ْ َ‬ ‫سل ِهِ ل ن ُ َ‬ ‫وَُر ُ‬
‫هّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ف الل ُ‬ ‫ل ]ل ي ُكل ُ‬ ‫َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ه عَّز وَ َ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ه ت ََعالى فَأن َْز َ‬ ‫خَها الل ُ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫ما فَعَلوا ذ َل ِك ن َ َ‬ ‫صيُر[ فَل ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫خذ ْنا إن نسينا أوَ‬ ‫ت َرب َّنا َل ت ُ َ‬
‫ؤا ِ َ ِ ْ َ ِ َ ْ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما اك ْت َ َ‬ ‫ت وَعَل َي َْها َ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫سعََها ل ََها َ‬ ‫سا إ ِّل وُ ْ‬ ‫ف ً‬ ‫نَ ْ‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه عَلى ال ِ‬ ‫َ‬ ‫ملت َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫صًرا ك َ‬ ‫ل عَلي َْنا إ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫م ‪َ] .‬رب َّنا وَل ت َ ْ‬ ‫ل ‪ :‬ن َعَ ْ‬ ‫خطأَنا[ قا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أَ ْ‬
‫ف عَّنا‬ ‫م ‪َ] .‬واعْ ُ‬ ‫ل ‪ :‬ن َعَ ْ‬ ‫ه[ َقا َ‬ ‫ة ل ََنا ب ِ ِ‬ ‫طاقَ َ‬ ‫ما َل َ‬ ‫مل َْنا َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م ‪َ] .‬رب َّنا وََل ت ُ َ‬ ‫ل ‪ :‬ن َعَ ْ‬ ‫قَب ْل َِنا[ َقا َ‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قوْم ِ ال ْ َ‬ ‫صْرَنا عََلى ال ْ َ‬ ‫َ‬


‫م‪) .‬‬ ‫ل ‪ :‬ن َعَ ْ‬ ‫ن[ َقا َ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫موَْلَنا َفان ْ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫مَنا أن ْ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫فْر ل ََنا َواْر َ‬ ‫َواغْ ِ‬
‫‪(27‬‬
‫ثم تتعاظم رحمة الله بعبده عند لقائه ‪,‬فيرى من الله البر ‪ ,‬والحسان ‪,‬‬
‫والصفح ‪ ,‬والغفران ‪ ,‬فيتمنى أن ازداد في طاعته ‪ ,‬وتفانى في بذل النفس‬
‫فما دونها‪.‬‬
‫فهذا الشهيد الذي أكرمه الله عز وجل فقدم روحه وصدق مع الله أتدري ما‬
‫أمنيته! استمع لهذا الحديث‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عَ َ‬
‫ما‬‫ل‪َ :‬‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ك َر ِ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫ن أَنس ب ْ‬ ‫ْ‬
‫يٍء إ ِّل‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ب َأن ي َرجعَ إَلى الد ّن َْيا ول َه ما عََلى اْل َ‬ ‫ّ‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫خ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ٌ‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫أ َ‬
‫َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ْ ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ة‪) .‬‬‫م ِ‬ ‫ن ال ْك ََرا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ي ََرى ِ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫مّرا ٍ‬‫شَر َ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫قت َ َ‬ ‫جعَ إ َِلى الد ّن َْيا فَي ُ ْ‬ ‫ن ي َْر ِ‬ ‫مّنى أ ْ‬ ‫شِهيد ُ ي َت َ َ‬ ‫ال ّ‬
‫‪(28‬‬
‫وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تمّني الموت في الدنيا عسى أن‬
‫يضاف إلى حسناته حسنات‪ ,‬أو يمحى من سيئاته ‪ ,‬وما تمنى الشهيد ذلك إل‬
‫لما تعاظم أجر الله له‪.‬‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عَ َ‬
‫حد ُك ْ‬ ‫مّنى أ َ‬ ‫م قال ‪ :‬ل ي َت َ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫سول اللهِ َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرةَ أ ّ‬ ‫ْ‬
‫ب‪( 29) .‬‬ ‫ست َعْت ِ ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫سيئا فلعَل ُ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫م ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫ه ي َْزَداد ُ وَإ ِ ّ‬ ‫ّ‬
‫سًنا فلعَل ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫ت إِ ّ‬ ‫مو ْ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫وكلما دنا العبد من ربه ‪ ,‬قربه الله إليه وعظمه وأدناه ‪ ,‬وكانت معية الله معه‬
‫في السراء والضراء ‪ ,‬استمع لهذا الحديث‪.‬‬
‫عَ َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرةَ َر ِ‬ ‫ْ‬
‫دي ِبي‬ ‫َ‬ ‫ل الل ّه تعاَلى ‪ :‬أ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َقا‬
‫ن عَب ْ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ظ‬ ‫َ‬ ‫د‬‫ْ‬ ‫ن‬‫ع‬‫ِ‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫‪:‬‬
‫ْ َ َ َ َ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ص‬
‫ِ ّ َ‬ ‫ي‬ ‫ب‬‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ل‬
‫ه إ َِذا ذ َك ََرِني ‪.‬‬ ‫َ‬
‫معَ ُ‬ ‫وَأَنا َ‬

‫)‪(5 /‬‬

‫مَل ٍ‬ ‫ه ِفي َ‬ ‫مَل ٍ ذ َك َْرت ُ ُ‬ ‫ن ذ َك ََرِني ِفي َ‬ ‫سي ‪ ,‬وَإ ِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ه ِفي ن َ ْ‬ ‫سهِ ذ َك َْرت ُ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن ذ َك ََرِني ِفي ن َ ْ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫عا‬‫ي ذَِرا ً‬ ‫ب إ ِل ّ‬‫َ‬ ‫قّر َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫عا ‪ ,‬وَإ ِ ْ‬ ‫ت إ ِلي ْهِ ذَِرا ً‬ ‫َ‬ ‫قّرب ْ ُ‬ ‫شب ْرٍ ت َ َ‬ ‫ي بِ ِ‬ ‫َ‬
‫ب إ ِل ّ‬ ‫قّر َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫م ‪ ,‬وَإ ِ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫خي ْرٍ ِ‬ ‫َ‬
‫ة ) ‪( 31) .(30‬‬ ‫َ‬
‫ه هَْروَل ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شي أت َي ْت ُ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ن أَتاِني ي َ ْ‬ ‫عا ‪ ,‬وَإ ِ ْ‬ ‫ت إ ِلي ْهِ َبا ً‬ ‫قّرب ْ ُ‬ ‫تَ َ‬
‫أماني ل تتحقق‬
‫ثم ماذا بعد التمني والماني والحلم ! ساعات تضيع ‪ ,‬وعمر ينقضي ‪ ,‬ربما‬
‫تحقق ما تمناه العبد وربما ل يتحقق ‪ ,‬ويظل العبد غارقا في أمانيه حتى يهجم‬
‫عليه الموت !!‬
‫أتدري ما تكون عندها المنية ! الرجوع إلى الدنيا مرة أخري ! لماذا ؟ ليدرك‬
‫هذا المسكين ‪ ,‬ما فاته في الحياة من عمل صالح ‪ ,‬ومن قربة إلى الله ‪,‬‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫ت َقا َ‬ ‫موْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫حد َهُ ْ‬ ‫جاَء أ َ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫وهذا حاله كما وصف ربنا سبحانه وتعالى ‪َ }:‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ة هُوَ َقائ ِل َُها وَ ِ‬ ‫م ٌ‬‫ت ك َل ّ إ ِن َّها ك َل ِ َ‬ ‫ما ت ََرك ْ ُ‬ ‫صاِلحا ً ِفي َ‬ ‫ل َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن )‪ (99‬ل َعَّلي أعْ َ‬ ‫جُعو ِ‬ ‫ب اْر ِ‬ ‫َر ّ‬
‫ن )‪(32 ) {(100‬‬ ‫خ إ ِلى ي َوْم ِ ي ُب ْعَُثو َ‬ ‫َ‬ ‫م ب َْرَز ٌ‬ ‫وََرائ ِهِ ْ‬
‫ة هُوَ َقائ ِلَها(فل تنفع الماني ول يفيد الندم ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫انظر إلى الجواب )ك َل ّ إ ِن َّها ك َل ِ َ‬
‫بل نرى من الصالحين من يتمنى الرجوع لما يري من فضل الله عليه فيتمنى‬
‫أن يزيد في العمل ! ولكن ل تتحقق المنية ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن قُت ِلوا ِفي‬ ‫ذي َ َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫سب َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ن هَذِهِ الي َةِ )وَل ت َ ْ‬ ‫سأل َْنا عَب ْد َ الل ّهِ عَ ْ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ق َقا َ‬ ‫سُرو َ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ن ذ َل ِكَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫سألَنا عَ ْ‬ ‫ما إ ِّنا قَد ْ َ‬ ‫ل‪:‬أ َ‬ ‫ن( َقا َ‬ ‫م ي ُْرَزُقو َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫حَياٌء ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫واًتا ب َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل اللهِ أ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ضرٍ ‪ ,‬لَها قََناِدي ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫م ْ‬‫ح ِ‬ ‫سَر ُ‬ ‫ش ‪ ,‬تَ ْ‬ ‫ة ِبالعَْر ِ‬ ‫ق ٌ‬ ‫معَل َ‬ ‫ل ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫ف طي ْرٍ ُ‬ ‫جو ْ ِ‬
‫ْ‬
‫م ِفي َ‬ ‫حهُ ْ‬ ‫ل ‪ :‬أْرَوا ُ‬
‫ة‪,‬‬ ‫َ‬
‫م اطلعَ ً‬ ‫ّ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل فاطلعَ إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫قَناِدي ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م ت َأِوي إ ِلى ت ِلك ال َ‬ ‫َ‬ ‫ت ‪ ,‬ثُ ّ‬ ‫شاَء ْ‬ ‫ث َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫جن ّةِ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ث‬‫حي ْ ُ‬ ‫جن ّةِ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫سَر ُ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫شت َِهي وَن َ ْ‬ ‫يٍء ن َ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫شي ًْئا َقاُلوا أيّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫شت َُهو َ‬ ‫ل تَ ْ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سأ َُلوا ؛‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫نأ ْ‬


‫كوا م َ‬
‫ِ ْ‬ ‫ن ي ُت َْر ُ‬ ‫م لَ ْ‬
‫َ َ‬
‫ما َرأْوا أن ّهُ ْ‬ ‫ت ؛ فَل َ ّ‬ ‫مّرا ٍ‬ ‫ث َ‬ ‫م ث ََل َ‬ ‫ك ب ِهِ ْ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫فعَ َ‬ ‫شئ َْنا ‪ ,‬فَ َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مّرةً‬ ‫سِبيل ِك َ‬ ‫قت َل ِفي َ‬ ‫َ‬ ‫حّتى ن ُ ْ‬ ‫سادَِنا ‪َ ,‬‬ ‫ج َ‬ ‫حَنا ِفي أ ْ‬ ‫ن ت َُرد ّ أْرَوا َ‬ ‫ريد ُ أ ْ‬ ‫ب ‪ :‬نُ َ ِ‬ ‫َقالوا َيا َر ّ‬
‫َ‬ ‫أُ ْ‬
‫كوا ‪(33 ).‬‬ ‫ة ت ُرِ ُ‬ ‫ج ٌ‬ ‫حا َ‬ ‫م َ‬ ‫س ل َهُ ْ‬ ‫ن ل َي ْ َ‬ ‫ما َرأى أ ْ‬ ‫خَرى ؛ فَل َ ّ‬
‫قا َ‬
‫ل‬ ‫م فَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫قي َِني َر ُ‬ ‫ل ‪ :‬لَ ِ‬ ‫ن عَب ْدِ الل ّهِ َقا َ‬ ‫جاب ِرِ ب ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫وع َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شهِد َ أِبي قُت ِ َ‬
‫ل‬ ‫ست ُ ْ‬ ‫ل الل ّهِ ا ْ‬ ‫سو َ‬ ‫ت ‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫سًرا ؛ قُل ْ ُ‬ ‫من ْك َ ِ‬ ‫ك ُ‬ ‫ما ِلي أَرا َ‬ ‫جاب ُِر َ‬ ‫ِلي ‪َ :‬يا َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫يو ُ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ك ؛ َقا َ‬ ‫ه ب ِهِ أَبا َ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ق َ‬ ‫ما ل َ ِ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫شُر َ‬ ‫ل ‪ :‬أفََل أب َ ّ‬ ‫عَياًل ‪ ,‬وَد َي ًْنا ‪َ .‬قا َ‬ ‫ك ِ‬ ‫حد ٍ ‪ ,‬وَت ََر َ‬ ‫مأ ُ‬ ‫َ ْ َ‬
‫حجاب ؛ وأ َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ل ‪ :‬ما ك َل ّم الل ّه أ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫حَيا‬ ‫َ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫را‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ط‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫دا‬ ‫ح‬
‫ُ َ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬
‫َ َ ُ‬ ‫يا‬ ‫لى‬ ‫قُل ْ ُ َ‬
‫ب‬ ‫ت‬
‫حِييِني فَأ ُقْت َ َ‬
‫ل‬ ‫ب تُ ْ‬ ‫ل َيا َر ّ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫ي أ ُعْط ِ َ‬ ‫ن عَل َ ّ‬ ‫م ّ‬ ‫دي ت َ َ‬ ‫ل َيا عَب ْ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫حا ‪ .‬فَ َ‬ ‫فا ً‬ ‫ه كِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ك فَك َل ّ َ‬ ‫أ ََبا َ‬
‫َ‬
‫ن ‪َ .‬قا َ‬
‫ل‬ ‫جُعو َ‬ ‫م إ ِل َي َْها َل ي ُْر َ‬ ‫مّني أن ّهُ ْ‬ ‫سب َقَ ِ‬ ‫ه قَد ْ َ‬ ‫ل ‪ :‬إ ِن ّ ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫ب عَّز وَ َ‬ ‫ل الّر ّ‬ ‫ة ؛ َقا َ‬ ‫ك َثان ِي َ ً‬ ‫ِفي َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ة ‪).‬‬ ‫واًتا( الي َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل اللهِ أ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن قُت ِلوا ِفي َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫سب َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ة )وَل ت َ ْ‬ ‫ت هَذِهِ الي َ ُ‬ ‫‪ :‬وَأن ْزِل ْ‬
‫‪(34‬‬
‫ثم ما ذا بعد !!‬
‫وهو في قبره يتمنى ! أتري ما المنية ! يتمنى ركعتين خفيفتين ! ولو خير‬
‫بينهما وبين الدنيا وما فيها إلى قيام الساعة ‪ ,‬لختار الركعتين‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫عَ َ‬
‫ر‬ ‫َ‬
‫م عَلى قب ْ ٍ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫مّر الن ّب ِ ّ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرةَ َر ِ‬ ‫ْ‬
‫دهما هَذاَ‬ ‫فلون ‪َ ,‬يزي ُ‬ ‫ُ‬ ‫قرون ‪ ,‬وت َن ْ ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫فَتان ‪ِ ,‬‬ ‫خفي َ‬ ‫قال ‪َ :‬ركعََتان َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ديثا ف َ‬ ‫ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫د ُفِ َ‬
‫كم ‪(35 ).‬‬ ‫ن َباِقي د ُن َْيا ُ‬ ‫م‬
‫ّ ِ ْ ِ ِ ْ‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ب‬ ‫أح‬ ‫‪,‬‬ ‫له‬ ‫في َ َ ِ‬
‫م‬ ‫ع‬
‫ثم ماذا بعد ! أتدري ما هي أماني أهل النار ! أمانيهم الهلك !‬
‫ن )‪( 36) {(77‬‬ ‫ماك ُِثو َ‬ ‫م َ‬ ‫ل إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫ض عَل َي َْنا َرب ّ َ‬ ‫ق ِ‬ ‫ك ل ِي َ ْ‬ ‫مال ِ ُ‬ ‫قال تعالى}وََناد َْوا َيا َ‬
‫فيا عبد الله كلما راودتك أمنية فاعرضها على شرع الله ؛ فإن كانت لله‬
‫فزينها بالخلص والعمل ‪ ,‬وإن كانت لغير الله ؛ فأغلق عنها قلبك وعقلك ‪,‬‬
‫واطرحها جانبا ‪ ,‬فإن النشغال بها مهلكة عظيمة ‪.‬‬
‫إياك والماني التي هي أشبه بالحلم ‪ ,‬فإنها مصيدة إبليس لك ليكدر عليك‬
‫قلبك ‪ ,‬ويضيع عمرك ‪ ,‬ويعطل سيرك إلى الله ‪ .‬اجعل أمانّيك واقعا ً وحقيقة ‪,‬‬
‫حقق منها ما استطعت في الدنيا قبل أن يأتي الوقت الذي ل تحقق فيه أمنية‬
‫‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫قال إبراهيم التيمي ‪ :‬مثلت نفسي في النار أعالج أغللها وسعيرها وآكل من‬
‫سخينها ‪ ,‬وأشرب من زمهريرها ‪ ,‬فقلت ‪ :‬يا نفسي أي شئ تشتهين ؟‪,‬‬
‫قالت ‪ :‬أرجع إلى الدنيا أعمل عمل أنجو به من هذا العذاب ‪ .‬ومثلت نفسي‬
‫في الجنة مع حورها ‪ ,‬وألبس من سندسها وإستبرقها وحريرها ‪ ,‬فقلت ‪ :‬يا‬
‫نفسي أي شئ تشتهين ؟ قالت ‪ :‬أرجع إلى الدنيا فأعمل عمل أزداد من هذا‬
‫الثواب ‪ ,‬فقلت ‪ :‬أنت في الدنيا وفي المنية ‪(37 ).‬‬
‫أخي الحبيب ‪ :‬رغم تكاثر الذنوب والستغراق في الماني ‪ ,‬إل أن باب التوبة‬
‫مفتوح ‪ ,‬فعجل قبل حلول الجل وانقطاع العمل ‪ ,‬أو الوقت الذي ل تنفع فيه‬
‫المنية ول يطلبه المل ‪.‬‬
‫سطُ‬ ‫ج ّ‬ ‫ّ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عَ َ‬
‫ل ي َب ْ ُ‬ ‫ه عَّز وَ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬‫سى عَ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ن أِبي ُ‬ ‫ْ‬
‫حّتى‬‫ل َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫ء‬‫سي‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ب‬
‫َ‬ ‫تو‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ر‬‫ها‬
‫َ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫بال‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫د‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ُ‬
‫ط‬ ‫س‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ر‬
‫َ ِ َ‬ ‫ها‬‫ّ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫ُ‬ ‫ء‬‫سي‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫تو‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫بال‬‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ي َد َ‬
‫مغْرِب َِها ‪(38 ).‬‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫س ِ‬‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ت َطلعَ ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫أماني تتحقق‬
‫فإذا عجز النسان عن العمل مع أخذ أسبابه ‪ ,‬ثم تمنى لو قدر على العمل أن‬
‫ن‬ ‫يأتيه ؛ أعطاه الله أجره ؛ استمع لهذا الحديث ‪ :‬عَن أ َنس رضي الل ّه عَن َ‬
‫هأ ّ‬ ‫ُ ْ ُ‬ ‫ْ َ ٍ َ ِ َ‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خل ْ َ‬ ‫لإ َ‬
‫ما‬ ‫فَنا َ‬ ‫دين َةِ َ‬ ‫ما ِبال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫وا ً‬ ‫ن أقْ َ‬ ‫قا َ ِ ّ‬ ‫ن ِفي غََزاةٍ فَ َ‬ ‫كا َ‬ ‫م َ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫م العُذ ُْر ‪(39 ).‬‬ ‫ْ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫حب َ َ‬‫معََنا ِفيهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫شعًْبا وَل َوادًِيا إ ِل وَهُ ْ‬ ‫سل َك َْنا ِ‬ ‫َ‬
‫وكذلك ما مر بنا من حديث أبي كبشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫ماًل‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫لي‬ ‫ن ِ‬ ‫ل ‪ :‬ل َوْ أ ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫صادِقُ الن ّي ّةِ ي َ ُ‬‫ماًل فَهُوَ َ‬ ‫ه َ‬‫م ي َْرُزقْ ُ‬ ‫ما ‪ ,‬وَل َ ْ‬ ‫عل ْ ً‬‫ه ِ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫]وَعَب ْد ٍ َرَزقَ ُ‬
‫َ‬
‫واٌء [‬ ‫س َ‬‫ما َ‬ ‫جُرهُ َ‬‫ن ‪ ,‬فَهُوَ ب ِن ِي ّت ِهِ فَأ ْ‬ ‫ل فَُل ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫ت ب ِعَ َ‬ ‫ل َعَ ِ‬
‫فهذه الماني إن لم تتحق في الدنيا ‪ ,‬يأخذ صاحبها الجر في الخرة إن‬
‫صدقت نيته ‪.‬‬
‫ما‬
‫هل تعلم يا عبد الله أن النعيم في الجنة بالمنية قال تعالى ‪ }:‬وَِفيَها َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫شت َهيهِ ا َ‬
‫ن )‪(40 ) {(71‬‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬‫م ِفيَها َ‬ ‫ن وَأن ْت ُ ْ‬ ‫س وَت َل َذ ّ العْي ُ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫لن ُ‬ ‫تَ ْ ِ‬
‫ل ؛ فالكل مجاب ‪.‬‬ ‫ص ٍ‬ ‫فما تمنى من طعام وشراب ووَ ْ‬
‫وهذا عبد نجى من النار بعد أن لقى الهوال ‪ ,‬حتى تخيل أنه ما نجى غيره ‪,‬‬
‫وكانت هذه غاية أمنيته ‪ ,‬أن ينجو من النار ‪ ,‬ولكن انظر إلى أمانيه بعد أن‬
‫أنجاه الله من النار‪:‬‬

‫)‪(7 /‬‬
‫َ‬
‫ل‬‫خ ُ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫خُر َ‬ ‫ل‪:‬آ ِ‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫سُعودٍ أ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫عَ ْ‬
‫ها‬‫جاوََز َ‬ ‫ما َ‬ ‫مّرةً فإ ِذا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه الّناُر َ‬ ‫فعُ ُ‬ ‫س َ‬ ‫مّرة ً ‪ ,‬وَت َ ْ‬ ‫مّرة ً وَي َكُبو َ‬ ‫ْ‬ ‫شي َ‬ ‫م ِ‬ ‫جل فهْوَ ي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ة َر ُ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ما أعْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫طاهُ‬ ‫شي ًْئا َ‬ ‫ه َ‬ ‫طاِني الل ّ ُ‬ ‫قد ْ أعْ َ‬ ‫ك ‪ ,‬لَ َ‬ ‫من ْ ِ‬ ‫جاِني ِ‬ ‫ذي ن َ ّ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ل ‪ :‬ت ََباَر َ‬ ‫قا َ‬ ‫ت إ ِل َي َْها فَ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ال ْت َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ن هَذِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب أد ْن ِِني ِ‬ ‫ل ‪ :‬أيْ َر ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫جَرة ٌ فَي َ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ‪ .‬فَت ُْرفَعُ ل َ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫ن َواْل ِ‬
‫خ‬ ‫ن اْلوِّلي َ‬ ‫م ْ‬ ‫دا ِ‬ ‫ح ً‬ ‫أ َ‬
‫ن‬ ‫ل َيا اب ْ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ه عَّز وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫مائ َِها ‪ ,‬فَي َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫ل ب ِظ ِل َّها وَأ َ ْ‬ ‫ست َظ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫جَرةِ فَِل ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن َل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب وَي َُعاهِد ُه ُ أ ْ‬ ‫ل ‪َ :‬ل َيا َر ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫ها ‪ ,‬فَي َ ُ‬ ‫سأل ْت َِني غَي َْر َ‬ ‫ن أعْط َي ْت ُك ََها َ‬ ‫م ‪ :‬ل َعَّلي إ ِ ّ‬ ‫آد َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ست َظ ِ ّ‬ ‫من َْها فَي َ ْ‬ ‫ه عَلي ْهِ ‪ ,‬فَي ُد ِْنيهِ ِ‬ ‫صب َْر ل ُ‬ ‫ما ل َ‬ ‫ه ي ََرى َ‬ ‫ه ي َعْذُِره ُ ِلن ّ ُ‬ ‫ها ‪ ,‬وََرب ّ ُ‬ ‫ه غَي َْر َ‬ ‫سأل ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن الولى ‪ .‬فَي َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل‪:‬‬ ‫قو ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫جَرة ٌ هِ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ه َ‬ ‫م ت ُْرفَعُ ل ُ‬ ‫مائ َِها ‪ ,‬ث ُ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫شَر ُ‬ ‫ب ِظ ِلَها وَي َ ْ‬
‫سأل َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ها ‪,‬‬ ‫ك غَي َْر َ‬ ‫ل ب ِظ ِلَها ل أ ْ‬ ‫ست َظ ِ ّ‬ ‫مائ َِها وَأ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫ن هَذِهِ ِل ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب أد ْن ِِني ِ‬ ‫أيْ َر ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ل ‪ :‬ل َعَّلي إ ِ ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫ها ‪ .‬فَي َ ُ‬ ‫سأل َِني غَي َْر َ‬ ‫ن َل ت َ ْ‬ ‫م ت َُعاهِد ِْني أ ْ‬ ‫م ‪ :‬أل َ ْ‬ ‫ن آد َ َ‬ ‫ل َيا اب ْ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫فَي َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ي ََرى‬ ‫ه ي َعْذُِره ُ ِلن ّ ُ‬ ‫ها ‪ ,‬وََرب ّ ُ‬ ‫ه غَي َْر َ‬ ‫سأل ُ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫ها ‪ ,‬فَي َُعاهِد ُه ُ أ ْ‬ ‫سألِني غَي َْر َ‬ ‫من َْها ت َ ْ‬ ‫أد ْن َي ْت ُك ِ‬
‫م ت ُْرفَ ُ‬
‫ع‬ ‫مائ َِها ‪ ,‬ث ُ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫شَر ُ‬ ‫ل ب ِظ ِل َّها ‪ ,‬وَي َ ْ‬ ‫ست َظ ِ ّ‬ ‫من َْها فَي َ ْ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ‪ ,‬فَي ُد ِْنيهِ ِ‬ ‫صب َْر ل َ ُ‬ ‫ما َل َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ب أد ْن ِِني ِ‬ ‫ل ‪ :‬أيْ َر ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن ‪ ,‬في َ ُ‬ ‫َ‬ ‫لولي َ َي ْ ِ‬ ‫نا‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫جن ّةِ هِ َ‬ ‫ب ال َ‬ ‫عن ْد َ َبا ِ‬ ‫جَرة ٌ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ه َ‬ ‫لَ ُ‬
‫سأل ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‪:‬‬ ‫ن آد َ َ‬ ‫ل َيا اب ْ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ها ‪ ,‬فَي َ ُ‬ ‫ك غَي َْر َ‬ ‫مائ َِها ‪َ ,‬ل أ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫ل ب ِظ ِل َّها وَأ ْ‬ ‫ست َظ ِ ّ‬ ‫هَذِهِ ِل ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ها ‪.‬‬ ‫سألك غي َْر َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب هَذِهِ ل أ ْ‬ ‫ها ‪ .‬قال ‪ :‬ب َلى َيا َر ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سألِني غي َْر َ‬ ‫َ‬ ‫ن ل تَ ْ‬ ‫م ت َُعاهِد ِْني أ ْ‬ ‫أل َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫م ُ‬ ‫س َ‬ ‫من َْها فَي َ ْ‬ ‫من َْها فَإ َِذا أد َْناه ُ ِ‬ ‫ه عَل َي َْها ‪ ,‬فَي ُد ِْنيهِ ِ‬ ‫صب َْر ل َ ُ‬ ‫ما َل َ‬ ‫ه ي ََرى َ‬ ‫ه ي َعْذُِره ُ ِلن ّ ُ‬ ‫وََرب ّ ُ‬
‫خل ِْنيَها ؛ فَي َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ريِني )‬ ‫ص ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م‪َ :‬‬ ‫ن آد َ َ‬ ‫ل َيا اب ْ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ب أد ْ ِ‬ ‫ل ‪ :‬أيْ َر ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫جن ّةِ فَي َ ُ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ت أهْ ِ‬ ‫وا َ‬ ‫ص َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬ ‫ن أ ُعْط ِي َ َ‬ ‫ك أ َيرضي َ َ‬
‫مّني‬ ‫ست َهْزِئُ ِ‬ ‫ب ‪ :‬أت َ ْ‬ ‫ل َيا َر ّ‬ ‫معََها ‪َ ,‬قا َ‬ ‫مث ْل ََها َ‬ ‫ك الد ّن َْيا وَ ِ‬ ‫كأ ْ‬ ‫من ْ َ ُ ْ ِ‬ ‫‪ِ (41‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ح ُ‬
‫ك‬ ‫ض َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫سأُلوِني ِ‬ ‫ل ‪ :‬أَل ت َ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫سُعود ٍ ‪ ,‬فَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ك اب ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ن ‪ ,‬فَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ت َر ّ‬ ‫وَأن ْ َ‬
‫م‪.‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ك َر ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ل ‪ :‬هَك َ َ‬ ‫ك ‪َ ,‬قا َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ض َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫قاُلوا ‪ِ :‬‬ ‫فَ َ‬
‫ل‬ ‫ن َقا َ‬ ‫حي َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ب الَعال ِ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ك َر ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫ض ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪ِ :‬‬ ‫ل اللهِ ‪َ ,‬قا َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ك َيا َر ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ض َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫قالوا ‪ِ :‬‬ ‫ُ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ‪ ,‬فَي َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك وَلك ِّني عَلى‬ ‫ست َهْزِئُ ِ‬ ‫ل ‪ :‬إ ِّني ل أ ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫مي َ‬ ‫ب الَعال ِ‬ ‫ت َر ّ‬ ‫مّني وَأن ْ َ‬ ‫ست َهْزِئُ ِ‬ ‫أت َ ْ‬
‫شاُء َقادٌِر ‪( 42).‬‬ ‫ما أ َ َ‬ ‫َ‬
‫يقول ابن القيم في "نونيته"‬
‫سُهم‬ ‫شت َِهيه ‪ُii‬نفوُ ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫مُهم َ‬ ‫طعا ُ‬ ‫و َ‬
‫ن‬
‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫عم ٍ ‪ii‬وَ ِ‬ ‫م ط َي ِرٍ َنا ِ‬ ‫حو ُ‬ ‫ول ُ ُ‬
‫هم‬ ‫مَنا ُ‬ ‫ب ‪ُ ii‬‬ ‫س ِ‬ ‫شّتى بح ْ‬ ‫ه َ‬ ‫واك ِ ٌ‬ ‫وف َ َ‬
‫ن‬ ‫ليما ِ‬ ‫ملت ِلذي ‪ii‬ا ِ‬ ‫َ‬
‫شب َْعة ك ُ‬ ‫يا َ‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ه‬
‫واك ِ ٌ‬ ‫مٌر والّنسا وفَ َ‬ ‫خ ْ‬‫مو َ‬ ‫ح ٌ‬ ‫لَ ْ‬
‫ن‬ ‫حا ِ‬ ‫معْ َري ْ َ‬ ‫معْ َروٍْح و َ‬ ‫ب َ‬ ‫طي ُ‬‫وال ّ‬
‫م‬
‫علي ْهِ ُ‬ ‫ف ‪َ ii‬‬ ‫طو ُ‬ ‫ب تَ ُ‬ ‫حافُُهم ذ َهَ ٌ‬ ‫ص َ‬‫و ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫َ ِ‬ ‫دا‬ ‫ل‬‫الو‬ ‫‪ii‬‬ ‫ب ِأك ُ ِ ُ ّ ٍ ِ َ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫دا‬ ‫خ‬ ‫ف‬
‫فالدنيا دار عمل وجد ؛ ول يكلف الله نفسا إل وسعها ‪ ,‬فسارع وسابق وإياك‬
‫والماني التي تعطلك عن سيرك إلى الله ‪.‬‬
‫تمني الموت !‬
‫ل ينبغي للعبد أن يتمنى الموت مهما بلغ به الضر ؛ فربما لو صبر على ضره‬
‫نال أعلى الدرجات ‪ ,‬ولعله فيما بقي من عمره أن يرزق العمل الصالح أو‬
‫يقلع عن معاصيه وذنوبه ‪.‬‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬ ‫عَ َ‬
‫حد ُك ْ‬ ‫مّنى أ َ‬ ‫ل ‪ :‬ل ي َت َ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرةَ أ ّ‬ ‫ْ‬
‫ب ‪(43 ).‬‬ ‫ست َعْت ِ ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫سيًئا فَل َعَل ّ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫ه ي َْزَداد ُ ‪ ,‬وَإ ِ ّ‬ ‫سًنا فَل َعَل ّ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫ت ؛ إِ ّ‬ ‫مو ْ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫فإن العبد في فسحة مادام قي الدنيا ؛ فينبغي أن يؤمل العفو ‪ ،‬والفضل من‬
‫الله ؛ وأن يقدم الرجاء ‪ ،‬وأن يطمع في رحمة الله عز وجل ‪.‬‬
‫ب الذل بين‬ ‫جد ّ في الطاعات ‪ ,‬وُيلقي بقْلبهِ على أعتا ِ‬ ‫ويجب على العبد أن ي َ ِ‬
‫يدي ربه تبارك وتعالى ‪ ,‬قبل أن يأتي الوقت الذي يتمنى فيه العبد ؛ أن‬
‫يتقرب بطاعة فل يستطيع ‪ ,‬أو أن يقلع عن معصية فل يستطيع ‪ ,‬بل يتمنى‬
‫الموت فل يجده ‪.‬‬
‫سي‬ ‫ف ِ‬ ‫ذي ن َ ْ‬ ‫م ‪َ :‬وال ّ ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل ‪َ :‬قا َ‬ ‫ن أ َِبي هَُري َْرةَ َقا َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ل ‪َ :‬يا‬ ‫قو ُ‬‫مّرغ ُ عَل َي ْهِ ‪ ,‬وَي َ ُ‬ ‫قب ْرِ فَي َت َ َ‬ ‫ل عََلى ال ْ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫مّر الّر ُ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫ب الد ّن َْيا َ‬ ‫ب ِي َدِهِ َل ت َذ ْهَ ُ‬
‫ن إ ِل الب َلُء ‪(44 ).‬‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫دي ُ‬ ‫س ب ِهِ ال ّ‬ ‫َ‬
‫قب ْرِ وَلي ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ذا ال َ‬ ‫ب هَ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫م َ‬ ‫ت َ‬ ‫ل َي ْت َِني ك ُن ْ ُ‬

‫)‪(8 /‬‬

‫ولقد اختلف العلماء في تمني الموت ‪ .‬فأجازه جماعة عند حلول الفتن ‪,‬‬
‫وعدم القدرة على إتيان الطاعة ‪ ,‬وتعاظم المر ‪ ,‬وازدياد الخطب ‪ ,‬وشدة‬
‫البلء ‪.‬‬
‫ن عليه بالملك‬ ‫واستدل البعض بتمني يوسف الموت لما أتم الله له النعم ‪ ,‬وم ّ‬
‫ب قَد ْ آت َي ْت َِني‬ ‫والنبوة ؛ اشتاق إلى الصالحين قبله ‪ ،‬كما في قوله تعالى ‪َ}:‬ر ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ي‬
‫ت وَل ِ ّ‬ ‫ض أن ْ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬‫ث َفاط َِر ال ّ‬ ‫حاِدي ِ‬ ‫ل ال َ َ‬
‫ن ت َأِوي ِ‬
‫م ْ‬ ‫مت َِني ِ‬‫ك وَعَل ّ ْ‬ ‫مل ْ ِ‬
‫ن ال ْ ُ‬‫م ْ‬‫ِ‬
‫ن )‪( 45) {(101‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬
‫قِني ِبال ّ‬ ‫ح ْ‬
‫سِلما وَأل ِ‬ ‫م ْ‬‫خَرةِ ت َوَفِني ُ‬ ‫ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬
‫وكذلك ما وقع لسحرة فرعون ؛ حينما أرادهم فرعون عن دينهم ؛ وتهددهم‬
‫َ‬
‫ن )‪{(126‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫صْبرا ً وَت َوَفَّنا ُ‬ ‫بالقتل كما قال تعالى عنهم ‪َ }:‬رب َّنا أفْرِغ ْ عَل َي َْنا َ‬
‫) ‪(46‬‬
‫وكذلك تمنت مريم الموت ؛ حينما جاءها المخاض إلى جذع النخلة ‪ ,‬ولم تكن‬
‫ت‬ ‫م ّ‬ ‫ت َيا ل َي ْت َِني ِ‬‫ذات زوج فخشيت أن تقذف بالفاحشة ‪ .‬قال تعالى ‪َ } :‬قال َ ْ‬
‫سي ّا ً )‪(47 ) {(23‬‬ ‫سيا ً َ‬
‫من ْ ِ‬ ‫ت نَ ْ‬ ‫كن ُ‬ ‫ذا وَ ُ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫قَب ْ َ‬
‫ت ب ِعَِبادِ َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫ك فِت ْن َ ً‬ ‫وفي حديث اختصام المل العلى عن ابن عباس ‪) :‬وَإ َِذا أَرد ْ َ‬
‫ن ( )‪( 48‬‬ ‫فُتو ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ك غَي َْر َ‬ ‫ضِني إ ِل َي ْ َ‬ ‫َفاقْب ِ ْ‬
‫]من كتاب مكدرات القلوب للشيخ[‬
‫________________________________________‬
‫) ‪] (1‬سورة يونس ‪[10/24‬‬
‫)‪] ( 2‬سورة السراء ‪[17/19‬‬
‫)‪] ( 3‬سورة النساء ‪[4/122‬‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫) ‪] (4‬سورة النساء ‪[4/123‬‬


‫) ‪] (5‬سورة العراف ‪[7/169‬‬
‫)‪" ( 6‬ابن كثير "عند ذكر الية ‪.‬‬
‫)‪ ( 7‬حسن ‪ :‬الترمذي)‪(2325‬ابن ماجة)‪(4228‬أحمد)‪(17570‬‬
‫)‪] ( 8‬سورة المائدة ‪[30-5/27‬‬
‫) ‪ (9‬مسلم)‪(2999‬‬
‫) ‪] (10‬سورة النساء ‪[120-4/117‬‬
‫) ‪ (11‬البخاري)‪(6417‬‬
‫) ‪ (12‬ابن أبي شيبة"المصنف")‪(7/35218‬‬
‫) ‪] (13‬سورة القصص ‪[80-28/79‬‬
‫)‪] ( 14‬سورة القصص ‪[82-28/81‬‬
‫)‪] ( 15‬سورة الحديد ‪[14-57/13‬‬
‫خُرود‪.‬‬
‫س ‪ ,‬جمع َ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬‫خْرد ‪ :‬البكر التي لم ت ُ ْ‬ ‫) ‪ُ (16‬‬
‫) ‪(17‬أساريع ‪ :‬عصب في اليد ‪.‬‬
‫) ‪ (18‬الحش ‪ :‬أي أماكن قضاء الحاجة‬
‫)‪] ( 19‬سورة إبراهيم ‪[14/34‬‬
‫ضَها ‪ :‬ينقصها ‪.‬‬ ‫)‪( 20‬ي َِغي ُ‬
‫حاُء ‪ :‬كثير العطاء والبركة ‪.‬‬ ‫س ّ‬
‫)‪َ ( 21‬‬
‫) ‪ (22‬البخاري)‪(7411‬مسلم)‪(993‬‬
‫) ‪ (23‬مسلم)‪(2577‬‬
‫)‪] ( 24‬سورة آل ‪[3/108‬‬
‫) ‪] (25‬سورة طه ‪[20/112‬‬
‫) ‪] (26‬سورة النساء ‪[4/40‬‬
‫)‪ ( 27‬مسلم)‪(125‬‬
‫) ‪ (28‬البخاري)‪ (2817‬مسلم)‪(1877‬‬
‫)‪ ( 29‬البخاري)‪(7235‬مسلم)‪(2682‬‬
‫ة ‪ :‬السراع بين العدو والمشي ‪.‬‬ ‫) ‪(30‬هَْروَل َ ً‬
‫) ‪ (31‬البخاري)‪(7405‬مسلم)‪(2675‬‬
‫) ‪] (32‬سورة المؤمنون ‪[100-23/99‬‬
‫)‪ ( 33‬مسلم)‪(1887‬‬
‫)‪ ( 34‬حسن ‪:‬الترمذي)‪(3010‬ابن ماجة)‪(190‬‬
‫)‪ ( 35‬حسن ‪:‬ابن المبارك"الزهد")‪(31‬‬
‫)‪] ( 36‬سورة الزخرف ‪[43/77‬‬
‫)‪ ( 37‬أبو نعيم"الحلية")‪(4/211‬‬
‫)‪ ( 38‬مسلم)‪(2759‬‬
‫) ‪ (39‬البخاري)‪(2839‬‬
‫)‪] ( 40‬سورة الزخرف ‪[43/71‬‬
‫)‪ ( 41‬الصر ‪ :‬الحبس والمنع ‪.‬‬
‫) ‪ (42‬مسلم)‪(187‬‬
‫)‪ ( 43‬البخاري)‪(7235‬‬
‫)‪ ( 44‬مسلم)‪(157‬‬
‫)‪] ( 45‬سورة يوسف ‪[12/101‬‬
‫) ‪] (46‬سورة العراف ‪[7/126‬‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫) ‪] (47‬سورة مريم ‪[19/23‬‬


‫) ‪ (48‬حسن ‪:‬الترمذي)‪(3233‬أحمد)‪(3474‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫التمييز بين البناء في العطايا‬


‫السؤال‪:‬‬
‫أفتونا مأجورين في امرأة لها أبناء و لديها أموال ‪ ،‬و اقترض منها أحد بنيها‬
‫شل فشل ً‬ ‫مبلغا ً من المال ليدخل به في أحد المشاريع التجارية ‪ ،‬و لكنه ف ِ‬
‫ذريعا ً ‪ ،‬و خسر كل ماله ‪ ،‬فهل عليها وزر إن لم تنحل سائر أبنائها مثل ما‬
‫نحلت هذا البن ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫ما تجب فيه المساواة في العطّية ‪ ،‬و‬ ‫الحال المذكورة في السؤال ليست م ّ‬
‫ن‬ ‫ً‬
‫دهم َقرضا ؛ ل ّ‬ ‫ح َ‬
‫م أن تمنح سائر أبنائها مثل ما أعطت أ َ‬ ‫ليس على ال ّ‬
‫ن على الهبة في‬ ‫دي ُ‬
‫سب ‪ ،‬و ل ُيقاس ال َ‬ ‫ح ْ‬ ‫الواجب المساواة بينهم في الهبة و َ‬
‫حكم ‪ ،‬لوجود الفارق بينهما ‪.‬‬ ‫ال ُ‬
‫ن ‪ ،‬فإّنه يبقى في‬ ‫دي ْ‬
‫ضه البن على سبيل ال َ‬ ‫َ‬
‫و ما دام المبلغ المشار إليه قد قب َ‬
‫ّ‬
‫مه ( عند التمكن ‪.‬‬ ‫ضه ) و هي أ ّ‬ ‫مقرِ ِ‬ ‫مته ‪ ،‬و يحب عليه رّده إلى ُ‬ ‫ذ ّ‬
‫ة‬
‫ِ‬ ‫مسأل‬ ‫إلى‬ ‫المسألة‬ ‫ول‬‫ّ‬ ‫فتتح‬ ‫‪،‬‬ ‫مدين‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫دها‬‫َ ِ‬‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫عن‬ ‫ن‬ ‫دي‬
‫َ َ‬ ‫ال‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ضعت‬ ‫َ َ‬ ‫و‬ ‫إن‬ ‫ما‬‫أ ّ‬
‫ض فيها ‪ ،‬و‬ ‫ض على بع ٍ‬ ‫ل بع ٍ‬ ‫تخصيص أحد البناء بمنحة دون الخرين ‪ ،‬أو تفضي ُ‬
‫ما نهى عنه الشارع الحكيم ‪ ،‬و كرهه جمهور ) و هذا مذهب الحنفّية و‬ ‫هذا م ّ‬
‫المالكّية و الشافعّية ( ‪ ،‬و حّرمه بعضهم ‪ ،‬لحديث النعمان بن بشير بن‬
‫الحصاصية رضي الله عنهما قال ‪ :‬أتى بي أبي إلى رسول الله صلى الله‬
‫عليه و سلم ‪ ،‬فقال إني نحلت ابني هذا غلما ً فقال ‪ ) :‬أكل بنيك نحلت ؟ (‬
‫قال ‪ :‬ل ‪ ،‬قال ‪ ) :‬فاردده ( ] رواه الستة و غيرهم بألفاظ متقاربة [ ‪.‬‬
‫س حراما ً ‪ ،‬لّنه وََرد في بعض روايات‬ ‫و الراجح عندنا أّنه مكروه ‪ ،‬و لي َ‬
‫الحديث التي أخرجها أحمد في مسنده و أبو داود في سننه ‪ ،‬قوله عليه‬
‫الصلة و السلم ‪ ) :‬أشهد عليه غيري ( ‪ ،‬و لو كان محّرما ً على القطع ‪ ،‬لما‬
‫شده إلى إشهاد غيره عليه ‪.‬‬ ‫أر َ‬
‫جاء في عون المعبود بشرح سنن أبي داود ‪ ) :‬لو وهب بعضهم دون بعض‬
‫فمذهب الشافعي و مالك و أبي حنيفة رحمهم الله أنه مكروه ‪ ،‬و ليس‬
‫بحرام و الهبة صحيحة ‪.‬‬
‫و قال أحمد و الثوري و إسحاق رحمهم الله و غيرهم ‪ :‬هو حرام ‪ ،‬واحتجوا‬
‫بقوله ‪ ) :‬ل أشهد على جور ( ‪ ،‬و بقوله ‪ ) :‬و اعدلوا بين أولدكم ( ‪ ،‬و احتج‬
‫الّولون بما جاء في رواية ) فأشهد على هذا غيري ( ‪ ،‬و لو كان حراما ً أو‬
‫مل‬ ‫باطل ً لما قال هذا ‪ ...‬فإن قيل ‪ :‬قاله تهديدا ً ‪ ,‬قلنا ‪ :‬الصل خلفه ; و ُيح َ‬
‫عند الطلق صيغة فعل على الوجوب أو الندب ‪ ,‬و إن تعذر ذلك فعلى الباحة‬
‫‪ .‬و أما معنى الجور فليس فيه أنه حرام لنه هو الميل عن الستواء و‬
‫العتدال ‪ ،‬و كل ما خرج عن العتدال فهو جور سواء كان حراما أو مكروها‬
‫ذكره في المرقاة ( ‪.‬‬
‫ّ‬
‫و بالله التوفيق ‪ ،‬و منه السداد ‪ ،‬و عليه التكال ‪.‬‬
‫مد و آله و صحبه أجمعين‬ ‫و صلى الله و سّلم و بارك على نبّينا مح ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التنازل عن بيت المقدس عندما تباع المقدسات‬


‫المكان‪ /‬بيت المقدس ـ فلسطين‪.‬‬
‫الموضوع‪ /‬السلطان محمد الكامل اليوبي يتنازل طواعية عن بيت المقدس‬
‫للصليبيين‪.‬‬
‫الحداث‪/‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫مفكرة السلم ‪ :‬من يملك حق التكلم أو التفاوض عن مقدسات هذه المة؟‬
‫أو يتخذ قرارات بشأنها؟ من يستطيع أن يحدد مصير هذه المقدسات أو‬
‫يتصرف في أمرها؟‬
‫إن من يملك هذه المقدسات هو وحده الذي يستطيع أن يجيب عن هذه‬
‫السئلة‪ ،‬والجابة الوحيدة عن هذه السئلة أن المة السلمية بأسرها عرب‬
‫وعجم قريب وبعيد هي صاحبة ومالكة كل القرارات الخاصة بهذه‬
‫المقدسات‪ ،‬فل يستطيع أحد مهما كان شأنه وعلو مكانه أن يتصرف وحده‬
‫فيما يخص مقدسات المة السلمية‪ ،‬فهي ملكية عامة لكل مسلم فيها‬
‫نصيب باستخلف الله عز وجل لهذه المة على هذه المقدسات ‪ ،‬وهذا الحق‬
‫العام والرأي الجماعي فيما يخص تلك المسألة هو الضمان المثل من الوقوع‬
‫ما وترتكب حديًثا والضحية في‬ ‫في أمثال تلك الخطايا الكبرى التي ارتكبت قدي ً‬
‫النهاية مقدسات المة وكرامتها‪.‬‬
‫البلد بعد صلح الدين‪:‬‬
‫أنقذ الله عز وجل أمة السلم بصلح الدين اليوبي في فترة حاسمة من‬
‫حياة ومصير البلد وتصدى صلح الدين لنيل شرف مهمة استعادة بيت‬
‫المقدس‪ ،‬وقاد حملة جهادية ضد الوجود الصليبي بالشام طيلة عشرين سنة‬
‫استطاع خللها أن يستعيد بيت المقدس سنة ‪ 583‬هـ‪ ،‬ويتصدى لثلثة حملت‬
‫صليبية متتالية‪ ،‬ثم مات رحمه الله في ‪ 27‬صفر سنة ‪589‬هـ‪ .‬وبموته تفرقت‬
‫البلد بالشام ومصر بعدما كانت مجتمعة كلها تحت قيادته بين أبنائه وهذا‬
‫ما قرين الخذلن والفشل وأول مقدمات التسلط والستعداء‪،‬‬ ‫التفرق دائ ً‬
‫وبالفعل دب الخلف بين أبناء صلح الدين خاصة؛ بين العزيز عثمان ]صاحب‬
‫مصر[‪ ،‬والفضل علي ]صاحب دمشق[‪.‬‬
‫ـ تعدى هذا الخلف إلى طور الحرب والقتال مما استدعى تدخل الملك‬
‫محمد أبي بكر اليوبي الملقب بالعادل‪ ،‬أخي صلح الدين‪ ،‬ورفيقة على درب‬
‫ما وسياسة وعدل ً‬ ‫الجهاد المقدس من البداية‪ ،‬وكان من أكثر الناس حز ً‬
‫استطاع أن يقضي على هذا الخلف وأن يتخذ الخطوة الصحيحة في هذا‬
‫الظرف الراهن‪ ،‬فأعاد توحيد الجبهة الشامية والمصرية تحت إمرته وعادت‬
‫للبلد وحدتها وقتها‪]] .‬وفي ذلك درس وعبرة في أسباب النجاح وعوامل‬
‫الفشل مهما كانت قوة البلد وتقدمها طالما كانت متفرقة ومختلفة فإن‬
‫الهزيمة والفشل هو طريقها ولو بعد حين[[‪.‬‬
‫ـ ورغم حكمة الملك العادل اليوبي ورؤيته لما جرى للبلد عندما تقسمت بين‬
‫أبناء صلح الدين وحجم الخلف الذي وقع بينهم إل أنه لم يستفد من هذا‬
‫الدرس المجاني من أبناء أخيه وأقدم على نفس الخطأ فقسم البلد بين‬
‫أبنائه الثلثة كالتي‪:‬‬
‫ـ المير محمد الملقب بالكامل‪ :‬على الديار المصرية وفلسطين‪.‬‬
‫ـ المير عيسى الملقب بالمعظم‪ :‬على دمشق وباقي الشام‪.‬‬
‫ـ المير موسى الملقب بالشرف‪ :‬على منطقة الجزيرة 'بين الشام والعراق'‪.‬‬
‫ولستمرار الحملت الصليبية على الشام ومصر لم يظهر بين هؤلء الثلثة‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خلفات بسبب تصديقهم للحملت الصليبية واشتغالهم بقتال العداء عن‬


‫الخلفات المتوقعة‪.‬‬
‫ـ الحملة الصليبية الخامسة‪:‬‬
‫دا الباباوات في روما عن إثارة عزائم وحفائظ ملوك وأمراء‬ ‫ـ لم يكف أب ً‬
‫أوروبا من أجل استئناف سلسلة الحملت الصليبية التي هدأت قليل ً بعد وفاة‬
‫صلح الدين والفشل المدوي للحملة الصليبية الرابعة التي بدل ً من أن تتجه‬
‫لقتال المسلمين بالشام اتجهت إلى قتال النصارى الرثوزكس بالقسطنطينية‬
‫وذلك سنة ‪600‬هـ‪ ،‬واستغل البابا 'أنوسنت' الثالث فرصة موت الملك‬
‫شا كبيًرا يقوده الفارس 'جان دي بريين'‬ ‫المجاهد العادل اليوبي وحشد جي ً‬
‫كا على بيت المقدس إذا استعادها من‬ ‫وكان مرشح البابوية ليكون مل ً‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫ـ قررت هذه الحملة التوجه إلى دمياط لحتلل مصر التي تمثل مركز الثقل‬
‫في المنطقة وكان أمير مصر وقتها هو محمد الكامل الذي تصدى للحملة‬
‫بمنتهى الشجاعة وطلب المساعدة من أخويه بالشام والجزيرة‪ ،‬بفضل الله‬
‫عز وجل وحده ثم بطولت الشعب المصري استطاع المسلمون هزيمة تلك‬
‫الحملة الخامسة التي ارتكب قائدها خطأ تعبوًيا عسكرًيا أدى لوقوعه في‬
‫منطقة غيطان النيل وغرق معظم أفراد الحملة الجائرة‪.‬‬
‫ـ المبراطور فريدريك الثاني‪:‬‬
‫ـ توقف نشاط الحملت الصليبية بعض الوقت حتى حركها المبراطور‬
‫فريدريك الثاني إمبراطور الدولة الجرمانية المقدسة وذلك سنة ‪625‬هـ بأن‬
‫لبس شارة الصليب ـ وهذا إعلن بالخروج لحملة صليبية جديدة ـ وكان‬
‫دا وذلك لن فريدريك قد‬ ‫الخلف بينه وبين بابا روما 'هونوريوس الثالث' شدي ً‬
‫وعد البابا يوم اعتلئه لعرش الدولة الجرمانية بأنه سيشن حملة صليبية هائلة‬
‫يستعيد بها بيت المقدس‪ ،‬ثم تراخى فريدريك عن ذلك واشتغل بأملكه في‬
‫منطقة صقلية ولومبارويا مما أدى لصطدامه مع بابا روما الذي كان يعلن‬
‫ما أن منطقة إيطاليا وما حولها أملك خاصة بالبابوية‪.‬‬ ‫دائ ً‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ـ أقدم فريدريك على خطوة أخرى زادت من حنق وغضب 'هونوريوس' عليه‬
‫وذلك أنه تزوج من إيزابيل ابنة جان دي بريين قائد الحملة الخامسة الفاشلة‬
‫حا من قبل ـ كما ذكرنا ـ لمارة بيت المقدس‪،‬‬ ‫على دمياط والذي كان مرش ً‬
‫وقد أعلن فريدريك بعد هذا الزواج أنه الحق بملك بيت المقدس‪ ،‬وأظهر أنه‬
‫خارج بقيادة الحملة الصليبية السادسة على بلد السلم‪.‬‬
‫ـ خرج فريدريك يقود الحملة الصليبية السادسة دون أن يأخذ موافقة البابا‬
‫مما أدى لغضبه عليه بشدة ثم تحول هذا الغضب إلى ثورة عارمة عندما ترك‬
‫عا بحجة المرضى ودوار البحر‪ ،‬وهذا المر‬ ‫فريدريك السطول وعاد مسر ً‬
‫مق الخلف بشأن تلك الحملة فكان من المقدر لها أن تفشل كما حدث مع‬ ‫ع ّ‬
‫الحملة الرابعة والخامسة‪ ،‬ولكن الغرب هو ما جرى على الجبهة الداخلية‬
‫للمسلمين‪.‬‬
‫ـ المسلمون إلى أين؟‬
‫ـ كلما كانت الظروف عصيبة والمواجهة على أشدها كلما كان ذلك يقتضي‬
‫من المسلمين الحيطة والحذر والمرابطة والتحاد‪ ،‬خاصة من كان على ثغور‬
‫قا أن يشاهد‬
‫السلم‪ ،‬ونعني بذلك الشام ومصر‪ ،‬ولكن المر العجيب ح ً‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسلمون ما جرى لهم مرات ومرات جراء تفرقهم واختلفهم وتناحرهم وأن‬
‫عدوه على بابهم ينتظر هذه الفرصة لينقض عليهم ‪ ...‬وقد حدث ‪ ...‬ومع ذلك‬
‫هم يعادون الكرة المرة بعد المرة ثم هم ل يتعظون ول ينتهون‪ ،‬فلقد سبق‬
‫وأن تسلط الصليبيون في الحملة الخامسة عندما افترق الصف وتناحر‬
‫الخوة‪ ،‬ومع ذلك عادت النغمة الرديئة فاختلف المير محمد الكامل مع أخيه‬
‫المير عيسى المعظم على الحدود المشتركة بينهما‪ ،‬وطمع كلهما في الخر‪،‬‬
‫واشرأب الخلف بينهما ونجمت الصراعات العلنية‪ ،‬وطارت أخبار ذلك‬
‫للصليبيين فقاد فريدريك حملته السادسة‪.‬‬
‫ـ ظهر تهديد آخر على ساحة الحداث يوضح مدى ضياع الرابطة اليمانية بين‬
‫المسلمين وكيف أن الدنيا أهلكتهم كما أخبر بذلك الحبيب صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وهذا التهديد كان متمثل ً في القبائل الخوارزمية المسلمة التي هاجرت‬
‫من ديارها تحت وطأة الكتساح التتاري لبلدهم‪ ،‬وكانت هذه القبائل قوية‬
‫وشرسة وصمدت طويل ً أمام التتار‪ ،‬ولكنها انهارت أمام الضربات الساحقة‬
‫للتتار‪ ،‬توجهت هذه القبائل هائمة على وجهها ناحية منطقة الجزيرة والشام‬
‫طا كبيًرا على‬ ‫واشتبكت في معارك كثيرة مع المسلمين هناك‪ ،‬مما أوجد ضغ ً‬
‫المسلمين بالشام فمن يواجهون؟ الصليبيين أم إخوانهم المسلمين‪.‬‬
‫ـ بريق الكراسي‪:‬‬
‫ـ عاود فريدريك المسير ناحية الشام بعد ضغوط كنسية ولحق بالحملة عند‬
‫مدينة عكا وانضم إليه ملك جزيرة قبرص الصليبي 'آندرو دي لوزينان'‬
‫فاستولت الحملة على مدينة صور وصيدا‪ ،‬وانتشرت الشائعات عن قوة هذه‬
‫الحملة وضخامتها‪ ،‬وعم الرجاف بالشام ومصر‪ ،‬ولكن فريدريك كان يضمر‬
‫في نفسه شيًئا آخر؛ فلقد كان يخطط منذ خروجه بهذه الحملة على عدم‬
‫القتال والتفاوض مع المسلمين‪.‬‬
‫ـ كان فريدريك يخشى على أملكه بأوروبا إذا دخل في قتال طويل مع‬
‫المسلمين خاصة بعد صراعه وخلفه الحاد مع بابا روما 'هونوريوس' قبل‬
‫الخروج للقتال‪ ،‬فأرسل إلى المير محمد الكامل أمير مصر يعرض عليه أن‬
‫يتنازل محمد الكامل عن بيت المقدس ـ وكان من ضمن أملكه مع مصر ـ‬
‫نظير أن يرجع فريدريك عن غزو مصر وباقي بلد الشام‪ ،‬ويتعهد بمنع‬
‫فا‬
‫الحملت الصليبية مهما كانت ومن أي مكان على الشام ومصر‪ ،‬ويعقد حل ً‬
‫ضا يمنع المدد‬ ‫دا‪ ،‬وأي ً‬
‫مع المسلمين لمدة عشر سنين ونصف ل يحاربهم فيه أب ً‬
‫ضا بحفظ المسجد‬ ‫والمؤن عن باقي المراء الصليبيين بالشام‪ ،‬ويتعهد أي ً‬
‫القصى وإعطاء المسلمين الحرية التامة في ممارسة شعائر دينهم‪.‬‬
‫ـ كان المير محمد الكامل يحب الدعة والسكون ويكره القتال رغم بطولته‬
‫الرائعة في صد الحملة الصليبية الخامسة على دمياط‪ ،‬وكان أيضا محًبا‬
‫للملك والمارة‪ ،‬وقد أعماه بريق الكرسي وأثر ملكه وماله وضياعه على‬
‫مقدسات المة فوافق على العرض الذي تقدم به فريدريك‪ ،‬وتنازل عن بيت‬
‫المقدس في ربيع الخر سنة ‪625‬هـ طواعية بل ضرب ول جهد‪ ،‬وتسلمها‬
‫الصليبيون غنيمة باردة‪ ،‬وعُد ّ ذلك إهانة عظيمة ومصيبة كبيرة‪ ،‬وركب‬
‫المسلمون في أرجاء البلد الهم والحزن والبكاء عن هذا الخزي والدنية التي‬
‫قام بها محمد الكامل الذي آثر الدنيا وحبها عن الدفاع عن المقدسات‪.‬‬
‫ـ وكان محمد الكامل صاحب همة في العمل والعمران وتقدمت الديار‬
‫ما كبيًرا بفضل ما قام به من إصلح الري وتحسين‬ ‫لمصرية في عهده تقد ً‬
‫حال الزراعة‪ ،‬وبني المدارس العلمية‪ ،‬ولكن ما يساوي ذلك كله بجانب‬
‫تفريطه في المقدسات من أجل مكاسب زائلة وأوهام فانية‪ ،‬فارتكب غلطة‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شنيعة أهالت التراب على كل تاريخه وجهاده السابق‪ ،‬وذهب ملكه بعد ذلك‬
‫ضا قطع ول ظهًرا أبقى‪ ،‬وبقيت ذاكرة المة تحفظ له هذه‬
‫بقليل‪ ،‬فل أر ً‬
‫الغلطة البالغة‪.‬‬
‫ـ الزنديق الكبر‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫قا ويدمي القلوب فعل ً هو رد فعل‬ ‫ـ المر العجيب الذي يبكي العيون ح ً‬
‫الصليبية العالمية وكبيرها 'هونوريوس' على هذه المعاهدة بين الصليبيين‬
‫والمسلمين؛ حيث أرسل إلى فريدريك يسبه ويشتمه ويقول له‪' :‬إن الفرسان‬
‫الصليبيين ل يذهبون إلى بلد المسلمين من أجل التفاوض‪ ،‬وإنما من أجل‬
‫القتال وسفك الدماء'‪ .‬ثم أصدر قراًرا كنسًيا بحرمان فريدريك من الرحمة‬
‫وطرده من الكنيسة للبد‪ ،‬ومن يومها أطلق على فريدريك لقب 'الزنديق‬
‫الكبر'‪ ،‬واشتهر بهذا السم في كتب التاريخ الوروبية‪ ،‬بل أرسل البابا له‬
‫مجموعة خاصة من أجل اغتياله ولكن فريدريك نجا من هذه المحاولة‪.‬‬
‫]]يا لها من عصبية وحقد أعمى على المسلمين ما زال المسلمون يتجرعون‬
‫لوقتنا الحاضر من حملت صليبية أمريكية وإنجليزية على بلد المسلمين‪ ،‬فهم‬
‫ما جاءوا للحرية ول للعدل ول للصلح‪ ،‬إنما جاءوا للسفك والقتل والغتصاب‬
‫واحتلل البلد‪ ،‬واسألوا أهل العراق وسكان أبي غريب[[‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫التناسب في أسلوب القرآن الكريم‬


‫د‪ .‬حكمت الحريري‬
‫رئيس قسم القرآن وعلومه‪ ،‬كلية التربية‪-‬جامعة إب‪ ،‬اليمن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫القرآن الكريم يستحوذ على السمع ويؤثر في النفوس سلبا أو إيجابا‪ ،‬وذلك‬
‫َ‬
‫ها‬
‫وا َ‬ ‫ق َ‬ ‫ها وَت َ ْ‬ ‫جوَر َ‬ ‫مَها فُ ُ‬ ‫ها * فَأل ْهَ َ‬ ‫وا َ‬ ‫س ّ‬ ‫ما َ‬ ‫س وَ َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ة }وَن َ ْ‬ ‫حسب طبيعتها فاجرةً أو تقي ً‬
‫َ‬
‫ها{ ]الشمس‪ ،[10-7:‬فإن كانت‬ ‫سا َ‬ ‫من د َ ّ‬ ‫ب َ‬ ‫خا َ‬ ‫ها * وَقَد ْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫من َز ّ‬ ‫ح َ‬ ‫* قَد ْ أفْل َ َ‬
‫ة‬
‫ة ووجل ٌ‬ ‫ة فهي خاشع ٌ‬ ‫فاجرةً فهي تنفر من القرآن وتشمئز منه‪ ،‬وإن كانت تقي ً‬
‫لذكر الله‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬ما سر توجهك للحديث عن تأثير القرآن في النفوس واستحواذه‬
‫على السمع قبل غيره من وجوه العجاز؟‬
‫فأقول‪ :‬لتدرك الحكمة في الخطاب اللهي الذي يبدأ بذكر السمع قبل غيره‬
‫ه‬
‫ن عَن ْ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ك َ‬ ‫ل ُأولئ ِ َ‬ ‫ؤاد َ ك ُ ّ‬ ‫ف َ‬ ‫صَر َوال ْ ُ‬ ‫معَ َوال ْب َ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫من الحواس فقال تعالى‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صاَر َوالفْئ ِد َةَ‬ ‫معَ َوالب ْ َ‬ ‫س ْ‬ ‫م ال ْ ّ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ؤول ً { ]السراء‪ ، [36:‬وقال‪ } :‬وَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ن { ]النحل‪.[78:‬‬ ‫ُ َ‬ ‫رو‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ش‬‫ْ‬ ‫لَ َ ْ َ‬
‫ت‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫مَناِديا ً ي َُناِدي‬ ‫معَْنا ُ‬ ‫س ِ‬ ‫فلتكن أيها العاقل ممن قال الله تعالى فيهم‪ّ} :‬رب َّنا إ ِن َّنا َ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ل ِليما َ‬
‫ن َقالوا‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ِ‬ ‫كوُنوا َ‬ ‫مّنا{ ]آلعمران‪} ،[193:‬وَل َ ت َ ُ‬ ‫م َفآ َ‬ ‫مُنوا ْ ب َِرب ّك ُ ْ‬ ‫نآ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ ِ‬
‫ن{ ]النفال‪.[21:‬‬ ‫مُعو َ‬ ‫ْ َ‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫معَْنا َ ْ‬
‫ُ‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫معَْها{‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫أن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫بر‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫يا‬ ‫آ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫}‬ ‫كالذي‬ ‫ول‬
‫ْ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ ُ ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫كنت ُْ‬ ‫ما ُ‬ ‫ّ ّ‬ ‫م‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ثير‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫سو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫ْ َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫جاء‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫}‬ ‫و‬ ‫تخف‪،‬‬ ‫ول‬ ‫فأقبل‬ ‫]الجاثية‪[8:‬‬
‫ن*‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ب ّ‬ ‫ن اللهِ ُنوٌر وَك َِتا ٌ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫جاءكم ّ‬ ‫ُ‬ ‫عن كِثيرٍ قَد ْ َ‬ ‫َ‬ ‫فو َ‬ ‫ب وَي َعْ ُ‬ ‫ن الك َِتا ِ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫فو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫تُ ْ‬
‫ت إ ِلى الّنوِر‬ ‫َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن الظل َ‬‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫سب ُ َ‬ ‫ّ‬
‫م ِ‬ ‫جُهم ّ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫سلم ِ وَي ُ ْ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫وان َ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن ات ّب َعَ رِ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه َ‬ ‫دي ب ِهِ الل ُ‬ ‫ي َهْ ِ‬
‫م{ ]المائدة‪.[16-15 :‬‬ ‫َ‬ ‫ب ِإ ِذ ْن ِهِ وَي َهْ ِ‬
‫قي ٍ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ّ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫م إ ِلى ِ‬ ‫ديهِ ْ‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن فل توغل‬ ‫فدعنا نتأمل هذا البناء اللهي المعجز تأمل ً صادقًا‪ ،‬وننظر فيه بإمعا ٍ‬
‫ة واحدة‪ ،‬بل خطوةً إثر خطوةٍ لتعقل ما تقف عليه وما‬ ‫في الدخول إليه دفع ً‬
‫تشاهده من أمور تثير إعجابك وتملك عليك سمعك وبصرك‪ ،‬تدبر في حدود‬
‫سور هذا الكتاب العظيم‪ ،‬على الطار العام فيها‪ ،‬ارتباط السورة بما قبلها‬
‫وما بعدها‪ ،‬فهذا أحد أمور العجاز للقرآن الكريم‪.‬‬
‫ث‬ ‫إذ أن القرآن نزل منجما ً في أجزاٍء طويلةٍ و أخرى قصيرةٍ خلل ثل ٍ‬
‫ة‪ ،‬إل أن هذه الجزاء رتبت ترتيبا ً ل مثيل له على الطلق في أي‬ ‫وعشرين سن ً‬
‫ب من كتب الدب أو العلوم التي هي من تصنيف البشر‪.‬‬ ‫كتا ٍ‬
‫فسور القرآن الكريم لم ترتب حسب موضوعاتها‪ ،‬ول حسب زمن نزولها‪،‬‬
‫ف عند البشر في الكتب‬ ‫إنما للقرآن طريقته المستقلة المخالفة لما هو مألو ٌ‬
‫والمصنفات‪.‬‬
‫عندما كان ينزل الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم باليات كان‬
‫الرسول عليه الصلة والسلم يأمر بعض من يكتب الوحي بوضعها في مواضع‬
‫محددة من السور التي لم تكن قد اكتملت بعد‪ ،‬وبمجرد وضع الية أو اليات‬
‫ة في موضعها الذي أمر عليه الصلة والسلم‬ ‫في موضٍع ما فإنها تبقى ثابت ً‬
‫ح أو تعديل‪،‬‬ ‫بوضعها فيه من السورة دون أن يطرأ على ذلك الوضع تصحي ٌ‬
‫ب‬ ‫ر‬
‫َ ّ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ه لَ َ ِ‬
‫زي‬ ‫تن‬ ‫ن على ربانية هذا الكتاب }وَإ ِن ّ ُ‬ ‫ل وأسطع برها ٍ‬ ‫وهذا أكبر دلي ٍ‬
‫ن { ]الشعراء‪ ،[193-192:‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫َ‬
‫ح اْل ِ‬ ‫ن * ن ََز َ‬ ‫ال َْعال َ ِ‬
‫مي ُ‬ ‫ل ب ِهِ الّرو ُ‬ ‫مي َ‬
‫ل{‪.‬‬‫}وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزي ً‬
‫عن عثمان بن أبي العاص قال‪ :‬كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وبه حتى كاد أن يلزقه بالرض قال‪ :‬ثم شخص‬ ‫جالسا ً إذ شخص ببصره ثم ص ّ‬
‫ببصره فقال‪" :‬أتاني جبريل عليه السلم فأمرني أن أضع هذه الية بهذا‬
‫الموضع من هذه السورة }إن الله يأمر بالعدل والحسان وإيتاء ذي القربى‬
‫وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون{ ]‪.[1‬‬
‫قال الزركشي‪ :‬فأما اليات في كل سورةٍ ووضع البسملة أوائلها فترتيبها‬
‫ك ول خلف فيه]‪.[2‬‬ ‫ي بل ش ٍ‬ ‫توقيف ٌ‬
‫ترتيب السور في القرآن الكريم‪:‬‬
‫قد مّر معنا أن ترتيب القرآن ل مثيل له على الطلق في الكتب والمصنفات‪،‬‬
‫فلم يرتب حسب الترتيب الزماني ول حسب الموضوعات إنما له طريقته‬
‫الخاصة‪.‬‬
‫لكن بعض العلماء غفر الله لهم يذكر أن ترتيب السور اجتهاديٌ بخلف ترتيب‬
‫اليات‪ ،‬وبعضهم يذكر أن ترتيب السور بعضه توفيقي اجتهادي وبعضه توقيفي‬
‫ث يرويه يزيد الفارسي عن ابن عباس و‬ ‫وعمدتهم في ذلك الستدلل بحدي ٍ‬
‫سنأتي للكلم على هذا الحديث‪.‬‬
‫وبناًء على ما تقدم من قول بعضهم أن الترتيب توفيقي‪ ،‬فقد قالوا ل فائدة‬
‫من البحث عن التناسب والرتباط بين اليات والسور لن القرآن نزل منجما ً‬
‫ت مختلفة‪.‬‬‫ة وفي مناسبا ٍ‬ ‫ث وعشرين سن ً‬ ‫في مدة ثل ٍ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ولكن هذا الكلم ل يسلم من العتراض عليه بل يجنح عن الصواب إذا قلنا أن‬
‫القرآن من أهم المعجزات الشاهدة على رسالة خاتم النبيين عليه الصلة‬
‫والسلم بل هي أبقى المعجزات وأبينها‪ ،‬ومعلوم بالبداهة أن حسن الترتيب‬
‫من أكبر محاسن الكلم البليغ‪ ،‬ونحن نعتقد بأن القرآن معجٌز فهل نرضى بأن‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يكون عاريا ً عن حسن الترتيب والتناسق ؟!!‬


‫وكيف نترك النظر في فهم ارتباط معانيه وتناسق آياته وسوره وإتقان‬
‫َ‬
‫ترتيبها؟ والله عز وجل أمرنا بتدبر هذا الكتاب الكريم فقال‪} :‬أفَل َ ي َت َد َب ُّرو َ‬
‫ن‬
‫لفا ً ك َِثيرًا{ ] النساء ‪[ 82‬‬ ‫خت ِ َ‬ ‫دوا ْ ِفيهِ ا ْ‬ ‫عند ِ غَي ْرِ الل ّهِ ل َوَ َ‬
‫ج ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن وَل َوْ َ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫عوٍَج‬ ‫وقد وصف الله تعالى هذا الكتاب بكونه محكما ً }ُقرآنا ً عََرب ِي ّا ً غَي َْر ِذي ِ‬
‫َ‬ ‫قون{ ] الزمر‪ ،[28 :‬وقال تعالى‪} :‬وقُرآنا ً فَرقْناه ل ِت ْ َ‬
‫س‬‫قَرأه ُ عَلى الّنا ِ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫م ي َت ّ ُ َ‬ ‫ل ّعَل ّهُ ْ‬
‫زيل ً { ] السراء ‪[ 106‬‬ ‫ْ‬
‫ث وَن َّزلَناه ُ َتن ِ‬ ‫مك ْ ٍ‬ ‫عََلى ُ‬
‫ت مختلفةٍ متفاوتة‪ ،‬فهذا دليل‬ ‫فكونه أنزل على مدى سنين متطاولةٍ وبمناسبا ٍ‬
‫ّ‬
‫س‬
‫لن ُ‬ ‫تا ِ‬ ‫معَ ِ‬ ‫جت َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫والشهادة‪ُ } :‬قل لئ ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫بين على إعجازه لنه كلم عالم الغيب‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مث ْل ِهِ وَلوْ كا َ‬ ‫ن ل َ ي َأُتو َ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬
‫ل هَ َ‬ ‫ن عََلى أن ي َأُتوا ْ ب ِ ِ‬
‫مث ْ ِ‬ ‫َوال ْ ِ‬
‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ن ب َعْ ُ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ج ّ‬
‫ظ َِهيرا ً { ] السراء ‪[ 88‬‬
‫وربما يحط عندك قدر خطيب مصقع أتى بفنون من البلغة وأثر في النفوس‬
‫بخلبة بيانه لمحض أنه ذهل عن ربط الكلم فهام من وادٍ إلى واٍد‪ ،‬مع أنه‬
‫معذور لنه ألقى خطبته ارتجال ً ولم يعمل فيها النظر والروية‪ ،‬وما مؤاخذاتك‬
‫لذلك الخطيب إل لن الكلم البليغ ل يحتمل سوء الترتيب‪ ،‬فإذا كان المر‬
‫كذلك‪ ،‬أليس من الموقن بإعجاز القرآن أن يثبت حسن نظمه وإحكام ترتيبه‬
‫وتناسق آياته وسوره؟!]‪[3‬‬
‫ماذا قال العلماء في موضوع التناسب والترتيب ؟‬
‫‪ -‬قال الفخر الرازي‪:‬‬
‫م عظيم أودعت فيه أكثر لطائف القرآن وروائعه وهو أمر‬ ‫"علم المناسبات عل ٌ‬
‫معقول إذا عرض على العقول تلقته بالقبول"‪.‬‬
‫‪ -‬وقال الزركشي‪:‬‬
‫"وقال بعض مشايخنا المحققين‪ :‬وقد وهم من قال‪ :‬ل يطلب للي الكريمة‬
‫ة لنها على حسب الوقائع المتفرقة وفصل الخطاب أنها على حسب‬ ‫مناسب ٌ‬
‫الوقائع تنزيل وعلى حسب الحكمة ترتيبا‪ ،‬فالمصحف كالصحف الكريمة على‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ة سوره كلها و آياته بالتوقيف"]‪.[4‬‬ ‫وفق ما في الكتاب المكنون مرتب ً‬
‫‪ -‬وفي معترك القران للسيوطي‪:‬‬
‫إذا اعتبرت افتتاح كل سورة وجدته في غاية المناسبة لما ختم به السورة‬
‫قبلها‪ ،‬ثم هو يخفى تارةً ويظهر أخرى‪.[1/52] .‬‬
‫ل اعتناء المفسرين به لدقته]‬ ‫‪ -‬وقال السيوطي‪ :‬علم المناسبة علم شريف ق ّ‬
‫‪.[5‬‬
‫‪ -‬وقال الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني‪:‬‬
‫إن القرآن تقرؤه من أوله إلى آخره‪ ،‬فإذا هو محكم السرد‪ ،‬دقيق السبك‪،‬‬
‫متين السلوب‪ ،‬قوي التصال‪ ،‬آخذ ٌ بعضه برقاب بعض في سوره وآياته‬
‫ة واحدةٌ ول‬ ‫وجمله‪ ،‬يجري دم العجاز فيه كله من ألفه إلى يائه‪ ،‬كأنه سبيك ٌ‬
‫ٌ‬
‫ة مفرغة‪ ،‬أو كأنه سمط وحيد‬ ‫يكاد يوجد بين أجزائه تفكك ول تخاذل‪ ،‬كأنه حلق ٌ‬
‫وعقد ٌ فريد يأخذ بالبصار‪ ،‬نظمت حروفه وكلماته‪ ،‬ونسقت جمله وآياته‪ ،‬وجاء‬
‫آخره مساوقا ً لوله‪ ،‬وبدا أوله مواتيا ً لخره]‪.[6‬‬
‫‪ -‬وقال الشيخ محمد عبد الله دراز‪:‬‬
‫ً‬
‫)أجل إنك لتقرأ السورة الطويلة المنجمة يحسبها الجاهل أضغاثا من المعاني‬
‫حشيت حشوا ً وأوزاعا ً من المباني جمعت عفوًا‪ ،‬فإذا هي لو تدبرت بنية‬
‫س و أصولٍ‪ ،‬وأقيم على كل‬ ‫متماسكة قد بنيت من المقاصد الكلية على أس ٍ‬
‫ل منها شعب وفصول‪ ،‬و امتد من كل شعبةٍ منها فروعٌ تقصر أو تطول‪،‬‬ ‫أص ٍ‬
‫ن واحد ٍ قد‬ ‫ٍ‬ ‫بنيا‬ ‫في‬ ‫وأفنية‬ ‫حجرات‬ ‫بين‬ ‫تنتقل‬ ‫كما‬ ‫أجزائها‬ ‫بين‬ ‫تنتقل‬ ‫تزال‬ ‫فل‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة‪ ،‬ل تحس بشيٍء من تناكر الوضاع في التقسيم‬ ‫وضع رسمه مرةً واحد ً‬
‫ق‪ ،‬بل‬‫ق إلى طري ٍ‬ ‫والتنسيق‪ ،‬ول بشيٍء من النفصال في الخروج من طري ٍ‬
‫ترى بين الجناس المختلفة تمام اللفة‪ ،‬كما ترى بين آحاد الجنس الواحد‬
‫ف ول استعانةٍ بأمرٍ من خارج‬ ‫نهاية التضام‪ ،‬واللتحام‪ ،‬كل ذلك بغير تكل ٍ‬
‫ض‬
‫المعاني أنفسها‪ ،‬إنما هو حسن السياقة ولطف التمهيد في مطلع كل غر ٍ‬
‫ومقطعه وأثنائه يريك المنفصل متصل ً والمختلف مؤتلفًا]‪.[7‬‬
‫وغير هؤلء من العلماء كثيٌر من المتقدمين و المتأخرين الذين يهتمون بعلم‬
‫التناسب والربط بين السور و اليات‪.‬‬
‫الدلة من الكتاب والسنة على أن ترتيب السور توقيفي ‪:‬‬
‫والدلة التي استند إليها العلماء القائلون بأن ترتيب السور توقيفي وليس‬
‫اجتهادي‪ ،‬كثيرةٌ منها‪:‬‬
‫ن{ ] الحجر ‪.[ 9‬‬ ‫ُ‬
‫حافِظو َ‬ ‫هل َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ن َّزلَنا الذ ّكَر وَإ ِّنا ل ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬إ ِّنا ن َ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ر{ ] هود ‪.[ 1‬‬ ‫خِبي ٍ‬ ‫كيم ٍ َ‬‫ح ِ‬‫ن َ‬ ‫من لد ُ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫صل ْ‬ ‫م فُ ّ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ت آَيات ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حك ِ َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫وقوله‪} :‬ك َِتا ٌ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫خت ِلفا كِثيرا{ ] النساء ‪.[ 82‬‬‫ً‬ ‫َ‬ ‫دوا ِفيهِ ا ْ‬ ‫ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫عند ِ غي ْرِ اللهِ لوَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫وقوله‪} :‬وَل َوْ كا َ‬
‫َ‬
‫ه{ ]القيامة‪[17:‬‬ ‫ه وَقُْرآن َ ُ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ج ْ‬ ‫ن عَل َي َْنا َ‬
‫وقوله‪} :‬إ ِ ّ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫والجمع كما قال المفسرون على معنيين ‪ :‬جمعه في صدر النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وجمعه بمعنى تأليفه‪.‬‬
‫وفي الحديث عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال ‪ :‬كان النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم أجود الناس بالخير‪ ،‬وأجود ما يكون في شهر رمضان لن‬
‫جبريل كان يلقاه في كل ليلةٍ من شهر رمضان حتى ينسلخ‪ ،‬يعرض عليه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن‪ ،‬فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير‬
‫من الريح المرسلة]‪.[8‬‬
‫وعن أبي هريرة قال‪ :‬كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن‬
‫كل عام ٍ مرةً فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه‪ ،‬وكان يعتكف في‬
‫كل عام ٍ عشرا ً فاعتكف في العام الذي قبض فيه عشرين]‪.[9‬‬
‫ة واحدةً إلى السماء الدنيا في ليلة‬ ‫وعن ابن عباس قال‪ :‬أنزل القرآن جمل ً‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قَرأه ُ عَلى‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫القدر ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة‪ ،‬ثم قرأ‪} :‬وَقْرآنا فَرقَناه ُ ل ِت َ ْ‬
‫زيل ً { السراء ‪.[10] 106‬‬ ‫ث وَن َّزل َْناهُ َتن ِ‬ ‫س عََلى ُ‬
‫مك ْ ٍ‬ ‫الّنا ِ‬
‫وقال أوس بن حذيفة الثقفي‪ :‬سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه‬
‫س وسبعٌ وتسعٌ وإحدى عشرة‬ ‫ث وخم ٌ‬ ‫وسلم كيف تحّزبون القرآن ؟ قالوا‪ :‬ثل ٌ‬
‫وثلث عشرة وحزب المفصل وحده]‪.[11‬‬
‫وعن عبد الله بن عمرو أنه قال‪) :‬يا رسول الله في كم أقرأ القرآن ؟ قال‬
‫في شهر‪ ،‬قال‪ :‬إني أقوى من ذلك‪ .‬ردد الكلم أبو موسى وتناقصه حتى قال‪:‬‬
‫اقرأه في سبع‪ ،‬قال‪ :‬إني أقوى من ذلك‪ .‬قال‪ :‬ل يفقه من قرأه في أقل من‬
‫ثلث( ]‪.[12‬‬
‫رد ّ أدلة القائلين بأن ترتيب السور اجتهادي‬
‫ث رواه‬‫ة اجتهادية على حدي ٍ‬ ‫ة توفيقي ٌ‬‫اعتمد القائلون بأن ترتيب السور مسأل ٌ‬
‫يزيد الفارسي عن ابن عباس وهذا نصه‪:‬‬
‫عن يزيد الفارسي قال‪ :‬سمعت ابن عباس قال‪ :‬قلت لعثمان بن عفان ما‬
‫حملكم أن عمدتم إلى براءة وهي من المئين و إلى النفال وهي من المثاني‬
‫فجعلتموها في السبع الطوال ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرحيم ؟‬
‫قال عثمان‪ :‬كان النبي صلى الله عليه وسلم مما تنزل عليه اليات فيدعو‬
‫بعض من كان يكتب له ويقول له‪ :‬ضع هذه الية في السورة التي يذكر فيها‬
‫كذا وكذا‪ ،‬وتنزل عليه الية و اليتان فيقول مثل ذلك وكانت النفال من أول‬
‫ما نزل عليه بالمدينة وكانت براءة من آخر ما نزل من القرآن وكانت قصتها‬
‫شبيهة بقصتها فظننت أنها منها‪ ،‬فمن هناك وضعتهما في السبع الطوال ولم‬
‫أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ‪.‬‬
‫هذا الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان وأحمد ‪.‬‬
‫قال الشيخ أحمد شاكر في تخريجه وتعليقه عليه في المسند رقم ]‪:[399‬‬
‫ث ل أصل له يدور‬ ‫ف جدًا‪ ،‬بل هو حدي ٌ‬ ‫في إسناده نظٌر كثيٌر‪ ،‬بل هو عندي ضعي ٌ‬
‫إسناده في كل رواياته على )يزيد الفارسي( الذي رواه عن ابن عباس‪ ،‬تفرد‬
‫به عنه عوف بن أبي جميلة العرابي ‪ .‬وهو ثقة‪.‬‬
‫ثم قال الشيخ أحمد شاكر‪ :‬فهذا يزيد الفارسي الذي انفرد برواية هذا‬
‫الحديث يكاد يكون مجهول ً حتى شّبه على مثل ابن مهدي وأحمد والبخاري أن‬
‫يكون هو ابن هرمز أو غيره‪ ،‬ويذكره البخاري في الضعفاء فل يقبل منه مثل‬
‫ك في معرفة سور القرآن الثابتة بالتواتر‬ ‫هذا الحديث ينفرد به‪ ،‬وفيه تشكي ٌ‬
‫ة في المصاحف وفيه تشكيك في إثبات‬ ‫القطعي قراءة ً وسماعا ً وكتاب ً‬
‫البسملة في أوائل السور‪ ،‬كأن عثمان كان يثبتها برأيه وينفيها برأيه وحاشاه‬
‫ث ل أصل له تطبيقا ً للقواعد الصحيحة التي‬ ‫من ذلك فل علينا إذا قلنا أنه حدي ٌ‬
‫ل خلف فيها بين أئمة الحديث ‪.‬‬
‫ثم قال الشيخ محمد أمين المصري بعد أن نقل كلم الشيخ أحمد شاكر‬
‫وغيره من العلماء المحققين كالعلمة محمد رشيد رضا ‪.‬‬
‫قال‪" :‬وبعد هذا البحث الذي ل ندعي له الكمال و الستيفاء نريد أن نخلص‬
‫ي المصحف كتاب الله‬ ‫ب أن الذي بين دفت ّ‬ ‫إلى أن الذي نؤمن به من غير ري ٍ‬
‫ف‬
‫جل شأنه أنزله على نبيه ل مدخل للبشر في صفةٍ من أوصافه ول في حر ٍ‬
‫من حروفه ول مجال للجتهاد في ترتيب آياته ول في ترتيب سوره بحيث‬
‫أثبتت البسملة فإنما أثبتت بأمر الله‪ ،‬وحيث حذفت فإنما وقع ذلك بأمر الله"‪.‬‬
‫وإنما الريب في مثل هذه الرواية التي سبق ذكرها التي تحيط بها الشكوك‬
‫ب أن ينطلي أمر مثل هذه الرواية على بعض‬ ‫وتحفها الوهام‪ ،‬ومن عج ٍ‬
‫العلماء‪ ،‬كما مّر لدى البيهقي والسيوطي ولعلهما أخذا بتحسين من حسنها‬
‫وتصحيح من صححها والعصمة من الخطأ لله وحده]‪ .[13‬أ‪.‬هـ ‪.‬‬
‫وهل من أدلةٍ أخرى للقائلين بعدم كون الترتيب توقيفيا ً ؟‬
‫نعم‪ ،‬مما استدلوا به أيضا ً اختلف مصاحف الصحابة فمنهم من رتبها على‬
‫حسب زمن النزول كمصحف علي رضي الله عنه‪ ،‬ومصحف عبد الله بن‬
‫مسعود كان أوله سورة البقرة ثم النساء ثم آل عمران‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬أن تلك المصاحف مصاحف علم ٍ وتأويل قصدوا بها ضبط وقائٍع‬
‫ة‪ ،‬فلم تكن تلك المصاحف مصاحف تلوة ‪.‬‬ ‫ة‪ ،‬وكان فيها المنسوخ تلو ً‬ ‫معين ٍ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ولو كان ترتيب سور القرآن الذي جمع عثمان الناس على أساسه قائما ً على‬
‫الجتهاد لما قبل هؤلء الصحابة بتسليم مصاحفهم وعرضها للتحريق والتنازل‬
‫عنها ولو كانت المسألة مسألة اجتهاد لتمسكوا باجتهادهم‪ ،‬إذ ل يلزم المجتهد‬
‫أن يقلد مجتهدا ً آخر]‪.[14‬‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أنواع التناسب في القرآن ‪:‬‬


‫مناسبة السورة للسورة التي تليها ‪.‬‬
‫التناسب بين مطلع السورة وختامها ‪.‬‬
‫المناسبة بين اليات ‪.‬‬
‫الوحدة الموضوعية لكل سورة ‪.‬‬
‫ص يبلغ من‬ ‫ق خا ٍ‬ ‫التنسيق في تأليف العبارات بتخير اللفاظ ثم نظمها في نس ٍ‬
‫خللها أرقى درجات الفصاحة ‪.‬‬
‫ً‬
‫ما الفائدة المرجوة من اعتبار ترتيب السور توقيفيا؟ وما الثمرة التي نجنيها‬
‫من خلل التناسب والربط بين اليات والسور ؟‬
‫ت وتأكيد ٌ لمعنى قوله تعالى‪} :‬إ ِّنا‬ ‫في إثبات توقيفية ترتيب سور القرآن إثبا ٌ‬
‫ن{ فلم يكن حفظ القرآن وصونه موكول‬ ‫ظو َ‬‫حافِ ُ‬‫ه لَ َ‬
‫ن ن َّزل َْنا الذ ّك َْر وَإ ِّنا ل َ ُ‬
‫ح ُ‬
‫نَ ْ‬
‫لحد ٍ من البشر ‪.‬‬
‫وفيه أيضا ً رد ّ للشبه التي يثيرها الروافض والمستشرقون حول جمع القرآن‪،‬‬
‫والزيادة فيه والنقص منه كما يزعمون !! قبحهم الله ‪.‬‬
‫ومن ثمرات هذا العلم اللتفات إلى الحكمة من هذا الترتيب والهتمام‬
‫باستخراج المعاني و الحكم و لطائف النكات التي ل يتوصل إليها إل بالتماس‬
‫المناسبة والربط ‪.‬‬
‫كيفية التعرف على التناسب والربط بين السور واليات‪ ،‬وبيان أسبابه ‪:‬‬
‫ض يتم من خلل‬ ‫معرفة المناسبة و ارتباط السور واليات بعضها ببع ٍ‬
‫العتبارات التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬قد يكون الرتباط ظاهرا‪ً:‬‬
‫‪ -2‬قد ل يكون الرتباط ظاهرًا‪ ،‬بل يبدو لول وهلةٍ أن كل آية أو جملة‬
‫ف من‬ ‫ة على الولى بحر ٍ‬ ‫مستقلةٍ عن الخرى‪ ،‬وهاهنا ‪ - :‬إما أن تكون معطوف ٌ‬
‫حروف العطف المشتركة في الحكم‪ ،‬ويندرج في هذا ما يسمى ربط التضاد‬
‫أو المقابلة‪ ،‬كأن يذكر نوعين متضادين‪ ،‬كذكر المؤمنين والكافرين‪ ،‬والخير‬
‫والشر‪ ،‬والعلم والجهل‪ ،‬والظلمات والنور‪ ،‬وطريق الهداية وطريق الغواية‪،‬‬
‫ومصير الكافرين ومصير التقياء المؤمنين‪ ،‬والظلم والعدل‪ ،‬والبخل و النفاق‪،‬‬
‫والطيب والخبيث‪ ،‬وهذا كثير جدا ً في القرآن الكريم ‪.‬‬
‫‪ -‬وإما أن ل تكون معطوفة‪ ،‬فل بد من قرينةٍ معنويةٍ تؤذن بالربط ومن ذلك‬
‫إلحاق النظير بالنظير‪ ،‬كما في قوله تعالى‪} :‬كما أخرجك ربك من بيتك‬
‫بالحق{ في سورة النفال‪ ،‬فكراهيتهم لما فعله عليه الصلة والسلم في‬
‫قسمة الغنائم‪ ،‬ككراهيتهم للخروج للقتال ‪.‬‬
‫ومنه أيضا ً ‪ :‬الستطراد‪ ،‬وهذا يلحظ في كثير من سور القرآن فإذا تحدث عن‬
‫قصة آدم يستطرد لما يتبع ذلك من أمور]‪ [15‬وكذلك في الحديث عن‬
‫عصيان إبليس لربه‪ ،‬أو ذكر قصص النبياء وهكذا ‪.‬‬
‫وبعد هذا العرض النظري المسهب لموضوع التناسب وترتيب سور القرآن‪،‬‬
‫فهذا أوان الشروع في بيان الدلة لثبات المناسبة]‪.[16‬‬
‫التناسب بين السور]‪:[17‬‬
‫‪ -‬وجه المناسبة بين سورة الفاتحة وأول سورة البقرة ‪:‬‬
‫أرشد الله تعالى عباده في سورة الفاتحة إلى أن يسألوه الهداية‪ ،‬بقوله‪:‬‬
‫}اهدنا الصراط المستقيم{ فاستجاب لهم سبحانه فقال‪} :‬ذلك الكتاب ل‬
‫ريب فيه هدى للمتقين{ ‪ ،‬فهذا القرآن هو طريقة الهداية الكبرى ‪.‬‬
‫‪ -‬وجه المناسبة بين آخر سورة البقرة وأول سورة آل عمران ‪:‬‬
‫ختمت السورة المتقدمة على سؤال النصر ‪} :‬وانصرنا على القوم‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الكافرين{‪ ،‬وفي مفتتح هذه السورة بّين نصرتهم على الكفار باللسان‬
‫والسنان ‪.‬‬
‫ووجه آخر للربط بين السور الثلث ) الفاتحة – البقرة – آل عمران (‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪} :‬اهدنا الصراط المستقيم‪ ،‬صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب‬
‫عليهم ول الضالين{ فالذين أنعم الله عليهم هم المؤمنون‪ ،‬والذين غضب الله‬
‫عليهم هم اليهود ولذلك فقد كان الحديث عنهم وخطابهم أكثر في سورة‬
‫البقرة‪ ،‬والضالون هم النصارى فكثر خطابهم في سورة آل عمران‪.‬‬
‫‪ -‬وجه الترابط بين آخر سورة آل عمران و أول سورة النساء ‪:‬‬
‫أن كليهما مشترك في المر بالتقوى‪ ،‬إذ انتهت سورة آل عمران على قوله‬
‫تعالى‪} :‬واتقوا الله لعلكم تفلحون{ وابتدأت سورة النساء بقوله تعالى‪} :‬يا‬
‫أيها الناس اتقوا ربكم{‪.‬‬
‫ة‬
‫ولما كثر ذكر الجهاد في السورتين السابقتين‪ ،‬ذكر في هذه السورة مسأل ً‬
‫ة ل يتحقق الجهاد بدونها‪ ،‬هذه المسألة تتعلق بالعدالة الجتماعية وهي‬ ‫هام ً‬
‫إنصاف المرأة وإعطاؤها حقها ورعاية حقوق اليتامى و الرامل والمساكين‬
‫والرأفة بهم والعطف عليهم وعدم ظلمهم‪ ،‬إذ الجهاد المشروع والنتيجة‬
‫المرجوة منه ل يتحقق ما لم يكن المسلمون يدا ً واحدة ً على العدو ‪.‬‬
‫‪ -‬وجه التناسب بين آخر سورة العراف وأول سورة النفال ‪:‬‬
‫ختمت السورة المتقدمة بذكر الله في كل حال ‪} :‬واذكر ربك في نفسك‬
‫تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والصال ول تكن من الغافلين{ ‪،‬‬
‫وبدأت سورة النفال بترك النشغال بحطام الدنيا والسؤال عن الغنائم‪} :‬إنما‬
‫المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم{‪.‬‬
‫‪ -‬وجه الرتباط بين آخر سورة الحجر وأول سورة النحل ‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫قال تعالى في آخر سورة الحجر‪} :‬ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون‪،‬‬
‫فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين‪ ،‬واعبد ربك حتى يأتيك اليقين{‪ .‬وقال‬
‫في أول سورة النحل‪} :‬أتى أمر الله فل تستعجلوه سبحانه{ أي ما دام أن‬
‫ت فل يضيق صدرك بما يقولون‪ ،‬فالذي خلق السماوات‬ ‫أمر الله تعالى آ ٍ‬
‫والرض وخلق النسان من نطفةٍ ينزل الملئكة بالروح على من يشاء من‬
‫عباده فهو الذي يصطفى الرسل ‪.‬‬
‫‪ -‬وجه التناسب بين آخر سورة الواقعة وأول سورة الحديد ‪:‬‬
‫قال تعالى في آخر سورة الواقعة‪} :‬فسبح باسم ربك العظيم{ ‪ ،‬وقال في‬
‫أول سورة الحديد‪} :‬سبح لله ما في السموات والرض وهو العزيز الحكيم{‬
‫فالمناسبة والرتباط ظاهر ‪.‬‬
‫‪ -‬وجه التناسب بين آخر سورة التحريم و أول سورة تبارك ‪:‬‬
‫لما ثبت في السورة المتقدمة )التحريم( أن نوحا ً ولوطا ً عليهما السلم مع‬
‫كونهما من النبياء لم يستطيعا أن ينقذا أزواجهما من النار‪ ،‬ولم يباركا فيهما‪.‬‬
‫وأن فرعون رغم جبروته وسعة ملكه وقوة سطوته لم يستطع أن يخضع‬
‫ة لكفره وشركه فقد باركها الله‪ ،‬و أن مريم بنت عمران‬ ‫زوجته ويجعلها تابع ً‬
‫باركها الله واصطفاها على نساء العالمين‪ ،‬فثبت أن البركة كلها إنما هي بيد‬
‫الله عز وجل ل يشاركه فيها أحد‪ ،‬فـ }تبارك الذي بيده الملك وهو على كل‬
‫شيء قدير{‪.‬‬
‫التناسب بين السور من القارعة إلى الناس ‪:‬‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذكر في سورة القارعة أحوال الساعة وشدائدها‪ ،‬وبعد ذكر هذه الشدائد‬
‫التية في الساعة كان لكم أن تعتبروا وتتعظوا وتعملوا الصالحات ولكن‬
‫) ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ( ‪.‬‬
‫وبعد بذل الجهد في التكاثر‪ ،‬فإن حصل لحد مال كثير يزعم أنه فاز كل‬
‫}والعصر ‪ ،‬إن النسان لفي خسر{‪ ،‬فالفائزون هم المؤمنون الذين }وتواصوا‬
‫بالحق وتواصوا بالصبر{‪.‬‬
‫أما المكتنزون مال ً فـ }ويل لكل همزة لمزة‪ ،‬الذي جمع مال وعدده{ فلو‬
‫كان المال يغني عن أحد لغنى عن أصحاب الفيل }ألم تر كيف فعل ربك‬
‫ة من الله‬‫بأصحاب الفيل{ وبعد ذكر ما أحله الله بأصحاب الفيل‪ ،‬فهذه نعم ٌ‬
‫على أهل قريش }ليلف قريش‪ ،‬إيلفهم رحلة الشتاء والصيف{‪.‬‬
‫ومن أنعم الله عليه إذ أطعمهم من جوٍع وآمنهم من خوف‪ ،‬عليه أن ينفق في‬
‫سبيل الله ويرعى اليتيم ويحض على طعام المسكين ولكنهم كذبوا بالدين‪،‬‬
‫}أرأيت الذي يكذب بالدين{ وهذا شأن كفار قريش و أما النبي ‪ r‬فقد كان‬
‫يصل الرحم وينصر المظلوم ويعين على نوائب الحق فـ }إنا أعطيناك الكوثر‪،‬‬
‫فصل لربك وانحر‪ ،‬إن شانئك هو البتر{‪.‬‬
‫فاقطع موالتهم و }قل يا أيها الكافرون‪ ،‬ل أعبد ما تعبدون{‪.‬‬
‫وهذا أوان تمام دينك وكماله وقد جاء الحق وزهق الباطل }إذا جاء نصر الله‬
‫والفتح{ فقد حان وقت ارتحالك من الدنيا }فسبح بحمد ربك واستغفره إنه‬
‫كان توابا{‪.‬‬
‫وإذا رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ً فقد ثبت أن }تبت يدا أبي لهب‬
‫وتب‪ ،‬ما أغنى عنه ماله وما كسب{‪ .‬فأعلن ما جئت به }قل هو الله أحد‪،‬‬
‫الله الصمد{‪.‬‬
‫و }قل أعوذ برب الفلق{ و }قل أعوذ برب الناس{‪.‬‬
‫وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫]‪ - [1‬مسند أحمد‪ :‬رقم الحديث ]‪.[17842‬‬
‫]‪ - [2‬البرهان ]‪.[1/256‬‬
‫]‪ - [3‬انظر دلئل النظام ص ‪ 39‬لعبد الحميد الفراهي‪.‬‬
‫]‪ - [4‬البرهان ]‪.[1/37‬‬
‫]‪ - [5‬معترك القران في إعجاز القرآن ]‪.[1/43‬‬
‫]‪ - [6‬مناهل العرفان ]‪.[1/53‬‬
‫]‪ - [7‬النبأ العظيم ]‪.[195‬‬
‫]‪ - [8‬صحيح البخاري‪ :‬كتاب فضائل القرآن‪ .‬باب كان جبريل يعرض القرآن‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬رقم الحديث ]‪.[4997‬‬
‫]‪ - [9‬صحيح البخاري‪ :‬كتاب فضائل القرآن‪ .‬باب كان جبريل يعرض القرآن‬
‫على النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬رقم الحديث ]‪.[4998‬‬
‫]‪ - [10‬رواه بن كثير في فضل القرآن وصحح إسناده‪.‬‬
‫]‪ - [11‬رواه أبو داود‪.‬كتاب شهر رمضان‪ .‬حديث رقم ]‪ [1390‬وفي المسند‬
‫برقم ]‪.[16111‬‬
‫]‪ - [12‬رواه أبو داود‪ .‬كتاب شهر رمضان‪.‬حديث رقم ]‪.[1387‬‬
‫]‪ - [13‬من هدي سورة النفال ص ‪. 22 ،21‬‬
‫]‪ - [14‬انظر العجاز البياني في ترتيب آيات القرآن وسوره ‪ .‬د‪ /‬محمد أحمد‬
‫يوسف القاسم ‪.‬‬
‫]‪ - [15‬انظر معترك القران في إعجاز القرآن ]‪. [1/45،46‬‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ - [16‬المراجع التي اعتمدت عليها في استخراج المناسبات ) تفسير الرازي‬


‫وسبق الغايات في نسق اليات لشرف علي التهانوي‪ :‬وأنوار التبيان في‬
‫إسرار القرآن للقاضي شمس الدين بن شير محمد ‪.‬‬
‫]‪ - [17‬اقتصرت على ذكر بعض الدلة للتناسب من مواضع مختلفة في‬
‫القرآن‪ ،‬من أوله ووسطه وآخره‪ ،‬وسأفرد هذا الموضوع برسالة مستقلة‬
‫تشمل جميع السور إن شاء الله تعالى ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫التناقض بين المفهوم والواقع‬


‫________________________________________‬
‫عندما نتحدث عن التربية بمفهومها فإننا لن نتعرض للتعريف اللغوي‬
‫المتشعب الذي يعرفه الكثير ولكننا مباشرة تتجه أذهاننا إلى ما وقف عليه‬
‫المصطلح من تعريف متصل بالهتمام بالفرد وتنميته وتثقيفه وتعليمه وما إلى‬
‫ذلك مما يتصل بمحاولة جعل الفرد من النماذج الصالحة بالعمل بأسباب ذلك‬
‫‪.‬‬
‫لكننا عندما نرجع إلى بعض من أولو هذا المر الهتمام على سبيل الفتراض‬
‫نجد بعضهم – إن لم يكن الكثير ‪ -‬بعيدين كل البعد عن تحقيق جوانبه ‪ ،‬أقصد‬
‫أولئك الذين تسموا به وأصبح يشار إليهم ولو بإحسان الظن على أنهم‬
‫فرسان أحلمه ‪.‬‬
‫فتربية الفرد ل تكون بحبسه في مكان معين ثم إعطائه جرعات معينة‬
‫ومتعددة من معارف متنوعة ‪ ،‬ول تكون بتركه يسرح و يمرح تحت مظلة "‬
‫الديموقراطية " ‪ " ،‬وعدم سلب حقوق الرأي " ‪ ،‬و" السماحة في التعامل " ‪،‬‬
‫وإنما المر أبعد من ذلك ‪.‬‬
‫إن تهذيب سلوك الفرد ‪ ،‬والتأكد من ذلك على مختلف الزمان ‪ -‬بعيدةً كانت‬
‫ة ‪ ،‬وسواًء كان ذلك الفرد منحرفا ً فتغير سلوكه أو كان ناشئا ً فتأصل‬
‫أو قريب ً‬
‫ذب‬‫ي ويضاف إليه ما يتعلمه ذلك المه ّ‬ ‫فيه ذلك التهذيب ‪ -‬هو المطلب الحقيق ّ‬
‫من العلوم التي استقاها ‪.‬‬
‫ولقد شهدت المة في هذه الزمنة الكثير من المتعلمين الحاصلين على‬
‫الشهادات الوصفية لما تعلموا بل والمتسببة في أن يتبوأ بعضهم المراكز‬
‫والمناصب العالية ؛ فإذا فتشت فيهم وسألت عن حالهم مع ربهم – جل جلله‬
‫– ومع دينهم وجدتهم مقلين – إن لم يكونوا أصفارا ً محسوبة على المة –‬
‫وقد تجد بعضهم مستأمنا ً على عقول الجيال والبعض الخر على أجساد‬
‫النساء والرجال ‪ ،‬وتجد آخرين قد تمنطقوا في المقال وأصبح ُيصفق لهم‬
‫حتى من الطفال ؛ وما هم إل مزتزقة يقتنصون الموال ‪.‬‬
‫فإذا قلت لي الهداية من الله ؛ قلت لك نعم ولكن هذا يحتاج إلى عمل‬
‫بالسباب وإلى تربية سليمة قبل إعطاء المعارف ‪ ،‬وإلى غرس للعقيدة‬
‫الصحيحة منذ الصغر حتى يخرج لنا من نعول عليهم الكثير بعد الله – عز‬
‫وجل – في جميع التخصصات والمجالت ‪ ،‬ويخرج عندئذ من يربي أجيال ً‬
‫آخرين ‪.‬‬
‫لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم المعلم والمربي والمجاهد والمام‬
‫ولم يكن يغفل أي جانب من جوانب تنمية العقول ‪.‬‬
‫إعداد‪ :‬محمد بن هاشم المالكي‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫التنزل للخصم في المناظرة‬


‫السؤال ‪:‬‬
‫ف غير مسلم إذا رأينا في ذلك‬ ‫ما حكم التنزل في الكلم عند مناظرة مخال ٍ‬
‫مصلحة راجحة ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫ً‬
‫أقول مستعينا بالله تعالى ‪:‬‬
‫س بما يفهمون‬ ‫مَناظ ُِر النا َ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫إن من الحكمة في الحوار و المناظرة أن يخاط ِ َ‬
‫‪ ،‬و أن يؤخذوا بقدر عقولهم ‪ ،‬فإذا كان في التنزل في الحوار معهم مصلحة‬
‫راجحة فل بأس في ذلك على الظاهر ‪ ،‬شريطة أن ل يؤدي المر في النهاية‬
‫إلى فتنة أهل الحق ‪ ،‬أو تقوية أهل الباطل ؛ بتقديم ما يمكن أن يستغلوه في‬
‫إشاعة و تثبيت باطلهم ‪ ،‬أو التشكيك في الحق ‪ ،‬و الطعن في أهله ‪ ،‬و لو بعد‬
‫حين ‪.‬‬
‫و يجد الباحث في كتاب الله أمثلة من التنّزل في الحوار مع المشركين على‬
‫نحو ل يشكل على من أحسن فهمه و تدّبره ‪.‬‬
‫فقد حكى القرآن الكريم تنزل مؤمن آل فرعون في خطاب قومه حيث قال‬
‫عن نبي الله موسى عليه السلم و ما جاءهم به من عند الله فيما حكاه عنه‬
‫ذي‬ ‫ض ال ّ ِ‬ ‫م ب َعْ ُ‬ ‫صاِدقا ً ي ُ ِ‬
‫صب ْك ُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ه وَ إ ِ ْ‬ ‫كاِذبا ً فَعَل َي ْهِ ك َذِب ُ ُ‬‫ك َ‬ ‫ن يَ ُ‬
‫رب العالمين ‪ ) :‬وَ إ ِ ْ‬
‫م ( ] غافر ‪. [ 28 :‬‬ ‫ي َعِد ُك ُ ْ‬
‫م‬‫معَهُ ْ‬ ‫ل َ‬‫قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الية الكريمة ‪ :‬ت َن َّز َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫صب ْك ْ‬‫صاِدقا ً ي ُ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ذبه وَ إ ِ ْ‬ ‫كاِذبا ً فَعَل َي ْهِ ك َ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ن يَ ُ‬‫ل ‪ ) :‬وَ إ ِ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫خاط ََبة فَ َ‬ ‫م َ‬‫ِفي ال ْ ُ‬
‫م ( ؛ يعني ‪ :‬إذا لم يظهر لكم صحة ما جاءكم به فمن العقل‬ ‫ذي ي َعِد ُك ُ ْ‬ ‫ب َْعض ال ّ ِ‬
‫و الرأي التام و الحزم أن تتركوه و نفسه فل تؤذوه ؛ فإن يك كاذبا ً فإن الله‬
‫سبحانه و تعالى سيجازيه على كذبه بالعقوبة في الدنيا و الخرة ‪ ،‬و إن يك‬
‫صادقا ً و قد آذيتموه يصبكم بعض الذي يعدكم ؛ فإنه يتوعدكم إن خالفتموه‬
‫ب في الدنيا و الخرة (‬ ‫بعذا ٍ‬
‫و أمر الله تعالى نبينا الكريم بأن يتنزل في حواره مع المشركين ‪ ،‬فقال فيما‬
‫ن ( ] سبأ ‪24 :‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬
‫ل عَ ّ‬ ‫سأ َ ُ‬‫مَنا وَ ل ن ُ ْ‬ ‫جَر ْ‬
‫َ‬
‫ما أ ْ‬ ‫ن عَ ّ‬ ‫سألو َ‬
‫للت َ‬
‫ُ ْ‬ ‫أوحاه إليه ‪ ) :‬قُ ْ‬
‫[‪.‬‬
‫مَنا ( عما‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جَر ْ‬‫ما أ ْ‬ ‫ن عَ ّ‬ ‫سألو َ‬ ‫فانظر كيف عّبر بلفظ الجرام في قوله ‪ ) :‬ل ت ُ ْ‬
‫يفعله المؤمنون مع براءتهم من الجرام و أهله في حقيقة المر ‪ ،‬في مقابل‬
‫التعبير بمجرد العمل لما تقترفه أيدي المخالفين مع ما يقع في أفعالهم من‬
‫ل‬‫سأ َ ُ‬
‫إجرام حقيقي في حق أنفسهم و حق المسلمين ‪ ،‬حيث قال ‪ ) :‬وَ ل ن ُ ْ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫مُلو َ‬‫ما ت َعْ َ‬ ‫عَ ّ‬
‫ً‬
‫و ل ريب أن ذكر الجرام في حق المؤمنين ليس إل تنزل في حوار الخصم ‪.‬‬
‫و مثل ذلك قوله تعالى لنبيه الكريم فيما أوحاه إليه ‪ ) :‬قل إن كان للرحمن‬
‫ولد فأنا أول العابدين ( ‪ ،‬فمجرد افتراض أن يكون لله ولد أمر محال شرعا ً و‬
‫عقل ً ‪ ،‬و ل يشك في استحالته عوام المسلمين فكيف بنبيهم المين ‪ ،‬و لكن‬
‫الله تعالى أذن له صلى الله عليه و سلم في أن يقوله للمشركين تنزل ً في‬
‫محاورتهم ‪ ،‬لعل ذلك يلزمهم الحجة أو يهديهم المحجة ‪.‬‬
‫و أمام هذه المثلة من كتاب الله و غيرها مما كثر و اشتهر في الكتاب و‬
‫السنة أرى جواز التنزل في مناظرة الخصوم شريطة أن ل يؤدي ذلك إلى‬
‫مفسدة أكبر ‪ ،‬كإمعانهم في التعنت ‪ ،‬أو الطعن في دين الله بسبب تنزل‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المتنزلين ‪ ،‬و اعتبار تنزلهم ضعفا ً في الدين ‪.‬‬


‫هذا ‪ ،‬و الله أعلم و أحكم ‪ ،‬و ما توفيقي إل بالله ‪ ،‬عليه توكلت و إليه أنيب ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫التنصير في العراق‪ ..‬تسهيلت بل حدود!‬


‫د‪ .‬محمد عبد القادر الشواف‬
‫‪mashawaf@hotmail.com‬‬
‫عرضت وسائل العلم العالمية صور عراقيين يبحثون عن طعام لطفالهم‬
‫بين بقايا القمامة‪ ،‬وأظهرت تقارير المم المتحدة والمنظمات الدولية تردي‬
‫الحالة القتصادية والجتماعية وانتشار الجرائم بشكل غير مسبوق‪ ،‬في ظل‬
‫الحتلل المريكي الظالم!‪ .‬في هذه الظروف التي تدمي قلب المؤمن‪،‬‬
‫وتؤلم كل حر في العالم‪ ،‬يؤكد البيت البيض أنه منح تسهيلت كبيرة لما‬
‫أسماه "الجمعيات الخيرية المسيحية" لتتمكن من ممارسة مهامها التنصيرية‪،‬‬
‫التي يسمونها تبشيرية‪ ،‬في العراق‪.‬‬
‫فبدل رغيف الخبز الذي ينتظره العراقي المقهور تنهال عليه آلف القنابل‬
‫والصواريخ‪ ،‬مع آلف الكتب والنشرات التنصيرية؛ فالغزو الفكري والعقدي‬
‫مواكب للغزو العسكري‪ ،‬وكل ما يجري في العراق يؤكد ذلك‪ ،‬إضافة إلى‬
‫الدور القذر للصهاينة والمجوس في تسعير نار الفتن ومحاولة تفتيت العراق‬
‫وإضعافه‪ ،‬ونهب خيراته‪.‬‬
‫وحول الدور التنصيري لمريكا في العراق‪ ،‬ذكرت مجلة )نيوزويك( المريكية‬
‫أن جمعية الكتاب المقدس أرسلت إلى العراق أكثر من خمسين ألف نسخة‬
‫من الكتب والنشرات التنصيرية‪ ،‬كما ذكر متحدث باسم مجلس التنصير‬
‫الدولي أنه تم إرسال آلف النسخ من النجيل‪ ،‬بينما أعلنت منظمتان‬
‫تنصيريتان أنهما قد دربتا فريق عمل خاص للدخول إلى العراق‪ ،‬ونشر الديانة‬
‫النصرانية‪.‬‬
‫ً‬
‫والمر ليس متوقفا على العراق وحدها‪ ،‬فقد كشفت "الواشنطن بوست"‬
‫فضيحة استغلل منظمات خيرية أمريكية لجهود الغاثة‪ ،‬وجعلها ستارا ً لحملة‬
‫تنصيرية مدروسة في أندونيسيا بعد زلزال تسونامي والطوفان الذي خلف‬
‫كوارث مأساوية هناك‪ .‬كما نقلت الصحيفة ذاتها تنديد المين العام لمجلس‬
‫العلماء الندونيسي بعملية نقل مئات الطفال إلى معاهد تنصيرية بحجة‬
‫تقديم الرعاية لهم‪ ،‬وانتقدت مؤسسات أمريكية متخصصة هذا الستغلل‬
‫البشع للكوارث)هكذا ورد في التقرير( بعد ورود تقارير مؤكدة عن إخضاع‬
‫الطفال لبرامج تنصيرية‪ ،‬وفي هذا مخالفة واضحة لنظمة المم المتحدة‬
‫التي تمنع استغلل الكوارث لهداف سياسية أو غيرها في ظل منع‬
‫المؤسسات الخيرية السلمية من مساعدة المنكوبين‪ ،‬وتجميد حساباتها‪،‬‬
‫نلحظ تقديم تسهيلت غير مسبوقة‪ ،‬ونشاطا ً تنصيريا ً يتماشى مع دعوة‬
‫)صموئيل هنتنغتون( لزيادة عدد النصارى حول العالم؛ حيث تكهن بتفوق عدد‬
‫المسلمين على النصارى عام ‪2025‬م‪ ،‬إن لم ُتتخذ إجراءات تحول دون ذلك‪.‬‬
‫إليك أخي القارئ بعض الحصاءات التي تنشر عادة ليطمئن المتبرعون‬
‫النصارى والداعمون للبرامج الصليبية أن العمل يسير على قدم وساق‪:‬‬
‫‪ -‬يوجد أكثر من مئة وثلثين ألف موظف‪ ،‬يعملون في خمسة آلف محطة‬
‫إذاعية وتلفزيونية حول العالم؛ تصل ميزانياتها إلى أكثر من خمسة مليارات‬
‫دولر‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -‬تشير الحصاءات إلى أن أكثر من عشرة آلف شخص يعملون من خلل‬


‫مؤسسات تنصيرية في المناطق الساخنة فقط‪ ،‬بدعم من الدول الغربية دون‬
‫أن يتعرض أحد منهم للمساءلة‪ ،‬ودون اّتهام أي مؤسسة بدعم الرهاب‬
‫الصهيوني‪.‬‬
‫‪ -‬هناك أكثر من خمسة آلف معهد ديني نصراني حول العالم‪ ،‬وأكثر من )‬
‫‪ (300‬مركز للبحاث مرتبطة بالكنيسة‪ ،‬وأكثر من )‪ 12‬ألف( مكتبة متخصصة‬
‫في الديانة النصرانية‪ ،‬ولم يتجرأ أحد من العلمانيين بالدعوة إلى إغلق مثل‬
‫هذه المعاهد الدينية‪ُ ،‬أسوة بإغلق المعاهد السلمية‪.‬‬
‫‪ -‬تجود المنظمات النصرانية على الشعوب حول العالم بأربعة مليارات‬
‫وسبعمائة مليون نسخة من منتخب الكتاب المقدس سنويًا‪.‬‬
‫‪ -‬تتوالى الحصاءات ول يتسع المقام لستعراضها كلها‪ ،‬لكن بقى أن نشير‬
‫إلى أن شعار أحد المؤتمرات التنصيرية التي عقدت في السويد كان‬
‫"مواجهة السلم"‪ ،‬نعم هكذا‪ :‬ل مواجهة الرهاب‪ ،‬ويلحظ القارئ الكريم هنا‬
‫أنه لم تعد هناك حاجة للمجاملة والتذرع بمواجهة الرهاب‪ ،‬فاللعب أصبح‬
‫‪-‬كما يقولون‪ -‬على المكشوف‪ ،‬مع أن ما خفي أعظم‪ ،‬والسؤال الذي يفرض‬
‫صّرا ً على العتذار عن مقولته بأنه‬
‫م ِ‬
‫نفسه هنا‪ :‬هل ما زال الرئيس المريكي ُ‬
‫يخوض حربا ً صليبية؟!‬
‫وة إل بالله العلي الع‬
‫ول حول ول ق ّ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫التنقيب عن الثار الفرعونية‬


‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪...‬‬
‫التاريخ ‪14/3/1425 ...‬هـ‬
‫السؤال‬
‫نعلم أن أسلفنا المسلمين كانوا عندما يفتحون البلد للسلم يحطمون ما‬
‫يجدونه من تماثيل ومعابد‪ ،‬ومنشآت مكرسة لعبادة غير الله ‪-‬عز وجل‪ -‬ولكننا‬
‫في العصر الحديث وجدنا معاهد وجامعات أنشأتها حكوماتنا بإرشاد من‬
‫الغرب الكافر‪ ،‬هذه الكليات والمعاهد منها ما هو متخصص في تخريج من‬
‫يعمل كمفتش أو مرمم‪ ،‬أو موظف في مجال التنقيب عن آثار الفراعنة‬
‫وحفظها وصيانتها‪ ،‬والسؤال‪ :‬ما حكم العمل في وظيفة من هذه الوظائف‬
‫السابقة؟ ‪-‬وجزاكم الله خيرًا‪.-‬‬
‫الجواب‬
‫الحمد لله‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫العناية بالصور المجسمة من الصنام والتماثيل باسم حماية الثار هو عين‬
‫الوثنية والجاهلية الولى التي جاء السلم بنقضها‪ ،‬ولئن كانت جاهلية المس‬
‫بدائية ساذجة‪ ،‬فإن جاهلية اليوم خبيثة ماكرة ومعقدة‪ ،‬فهي تتزيى بزي‬
‫الثقافة والفن‪ ،‬والمحافظة على تراث الماضي من الباء والجداد‪ ،‬ولئن كانت‬
‫الجاهلية الولى يتبناها الفراد فإن جاهلية القرن العشرين وما بعده تتبناها‬
‫الدول والهيئات‪ ،‬فجعلتها منظمة مقننة‪ ،‬على حد قول الشاعر‪:‬‬
‫لقد كان فينا الظلم فوضا ً فهذبت *** حواشيه حتى صار ظلما منظما‬
‫ً‬
‫مد الله‪ -‬أن هداك للحق‪ ،‬وعرفك به‪ ،‬فالزمه حيثما كنت‪ ،‬واعلم‬ ‫يا أخي‪- :‬اح ِ‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن ترميم الوثان والتماثيل حرام كمن يقوم بنحتها وصناعتها؛ وفي الحديث‬
‫الذي رواه مسلم )‪ (832‬عن أبي أمامة – رضي الله عنه ‪ -‬وفيه‪" :‬أرسلني‬
‫ربي بصلة الرحام‪ ،‬وكسر الوثان‪ ،‬وأن يوحد الله ل يشرك به شيء"‪ ،‬وفي‬
‫صحيح مسلم )‪ (969‬أيضا ً عن أبي الهياج قال لي علي ابن أبي طالب –‬
‫رضي الله عنه‪ :-‬أل أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله –صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :-‬أل تدع صورة إل طمستها‪ ،‬ول قبرا ً مشرفا ً إل سويته"‪ ،‬وأول ما‬
‫يدخل في معنى الصورة في الحديث الصورة المجسمة‪ ،‬وابحث لك يا أخي‬
‫عن عمل شريف خير لك من وظيفتك الحالية‪ ،‬ول عليك حرج في إجازتك‬
‫بدون مرتب – إن شاء الله‪ -‬وفقك الله ورزقك حلله عن حرامه‪ .‬والسلم‬
‫عليكم ورحمة الله وبركات‬

‫)‪(1 /‬‬

‫التنقيب عن الثار وبيعها‬


‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪ ...‬الفهرسة‪ /‬المعاملت‪/‬التعويضات المالية‬
‫التاريخ ‪1/8/1424 ...‬هـ‬
‫السؤال‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬
‫فضيلة الشيخ‪ :‬يعلم الله بحالي‪ ،‬فأنا شاب تجاوز عمري السابعة والعشرين‪،‬‬
‫ل‪ ،‬وأنعم الله علي بموقع أعلم تمام اليقين أن به ركازًا‪ ،‬وهو‬ ‫ولم أجد عم ً‬
‫روماني؛ لن الثار الموجودة رومانية‪ ،‬وأعلم بجواز إخراجه‪ ،‬ولكنه في منطقة‬
‫مشبكة‪ ،‬وعلمت أنه ستأتي شركة ألمانية لستخراج الثار‪ ،‬فما حكم إخراجه؟‬
‫الجواب‬
‫إذا كان هذا الموقع الثري في أرض مملوكة لك فيجوز لك التصرف فيها‪،‬‬
‫ببيع‪ ،‬أو هبة‪ ،‬أو معاوضة‪ ،‬وإذا وضعت الدولة يدها عليه كما يبدو من سؤالك‪،‬‬
‫فواجب الدولة ممثلة بالجهة التي تعنى بالثار أن تعوضك عنها بسعر يومها‪،‬‬
‫ويجوز لك أن تقاضيها شرعًا‪ ،‬وإن كنت ل تستطيع فلك أن تبيعها‪ ،‬أو توكل‬
‫من يقوم بمراجعة الجهة المسؤولة مقابل مبلغ معين أو جزء منها‪ ،‬ويجب أن‬
‫تعلم أن )الركاز( هو ما وجد عليه علمة تدل على أنه من زمن الجاهلية قبل‬
‫السلم‪ ،‬فهذا هو الذي يسمى ركازا ً في الشرع‪ ،‬ويجب إخراج خمس قيمته‬
‫زكاة‪ ،‬وإن لم يوجد ما يدل على أن هذا المدفون من زمن الجاهلية فليس‬
‫كى زكاة النقدين إن كان ذهبا ً أو فضة‪ .‬والله أعلم‪.‬‬ ‫بركاز ويز ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫التهرب من المسئولية‬
‫المحتويات‬
‫التهرب من المسئولية‬
‫السلوب الول‪ :‬الدفاع عن واقع المجتمع‬
‫السلوب الثاني‪ :‬تفضيل واقع المجتمع على غيره‬
‫السلوب الثالث‪ :‬تضخيم النحراف والفساد‬
‫السلوب الرابع‪ :‬النشغال بالمصالح الخاصة‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلوب الخامس‪ :‬تحميل المسئولية للخرين‬


‫السلوب السادس‪ :‬النشغال بالنقد عن العمل‬
‫السلوب السابع‪ :‬التفرغ لتحصيل العلم‬
‫السلوب الثامن‪ :‬العتذار بالتقصير والوقوع في المعاصي‬
‫السلوب التاسع‪ :‬انتظار البطل القادم‬
‫السلوب العاشر‪ :‬الفهم الخاطئ لبعض النصوص الشرعية‬
‫السلوب الحادي عشر‪ :‬الكتفاء بالعتراف بالتقصير‬
‫السلوب الثاني عشر‪ :‬انتظار فتح المجال أو التكليف‬
‫السلوب الثالث عشر‪ :‬العتذار بعدم وجود الثمرة‬
‫نماذج من المصلحين‬
‫التهرب من المسئولية‬
‫إن واقع المسلمين اليوم ل يخفى على أحد‪ ،‬ولعل أصدق وصف ينطبق عليه‬
‫قوله صلى الله عليه وسلم )بدأ السلم غريبا وسيعود غريبا كما بدأ(‪.‬‬
‫ومما ل شك فيه أن السعي لزالة الغربة والقيام بالمة والنهوض بها مسئولية‬
‫المة أجمع‪ ،‬وليست مسئولية فئة دون أخرى؛ فالنصوص التي وردت في‬
‫وصف المة بالخيرية وربطت هذه الخيرية بقيامها بواجب الصلح والمر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬هذه النصوص نصوص عامة لم تخص أحدا‬
‫دون أحد‪ ،‬ومنها قوله عز وجل ) كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون‬
‫بالمعروف وتنهون عن المنكر(‪.‬‬
‫والنصوص التي جاء المر فيها بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي أيضا‬
‫نصوص عامة ل تخاطب فئة دون أخرى "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده‬
‫فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف اليمان"‪.‬‬
‫وفي الحديث الخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما بعث الله من نبي‬
‫إل كان له حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بهديه‪ ،‬ثم إنه تخلف‬
‫بعدهم خلوف‪ ،‬يقولون ماليفعلون‪ ،‬ويفعلون ما ليؤمرون‪ ،‬فمن جاهدهم بيده‬
‫فهو مؤمن‪ ،‬ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن‪ ،‬وليس وراء ذلك من اليمان‬
‫حبة خردل"‪.‬‬
‫إن من يقرأ هذه النصوص مهما كان مستواه العلمي‪ ،‬ومهما كانت قدراته‬
‫العقلية سيدرك أنها نصوص عامة لكل المسلمين ‪.‬‬
‫وإذا كان هذا الشان فيمن يرى منكرا معينا‪ ،‬أو معروفا معطل‪ ،‬فكيف إذا كان‬
‫المجتمع منغمسا في المنكرات واقعا في الفساد ‪ ،‬كيف إذا أصبح المعروف‬
‫منكرا والمنكر معروفا؟‬
‫فواقعنا الذي تعيشه المة اليوم يحتم على الغيورين أجمع أن يقوموا لله‪ ،‬وأن‬
‫يجتهدوا في الدعوة والصلح والسعي للتغيير‪.‬‬
‫ولئن تفاوتت المسئولية واختلفت الواجبات بحسب اختلف ما لدى الناس من‬
‫علم وقدرة ومسئولية ومنزلة اجتماعية‪ ،‬إل أن هذا ل يلغي المسئولية العامة‬
‫على الجميع‪.‬‬
‫إن كثيرا من الخيرين اليوم يمارسون صورا من التهرب من المسئولية‬
‫والتنصل منها‪.‬‬
‫وبغض النظر عن درجة اقتناعهم بما يقولون‪ ،‬وعن مدى شعورهم بالتقصير‪،‬‬
‫إل أن القاسم المشترك لهذه الساليب أنها أساليب يتهرب بها صاحبها من‬
‫الشعور بالمسئولية الدعوية‪.‬‬
‫وقد تكون هذه الساليب بينه وبين نفسه فيخادع نفسه ويوهمها بذلك‪ ،‬وقد‬
‫تكون حجة يعتذر بها أمام الناس حين يطالب بالقيام بواجب الدعوة‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إننا سنقدم على الله وهو يعلم خائنة العين وما تخفي الصدور‪ ،‬وهناك ل ينفع‬
‫المرء إل عمله‪ ،‬ولن يقبل منه صرف ول عدل‪ ،‬فلنتذكر هذا المقام علنا أن‬
‫نعمل ما دمنا في دار العمل‪.‬‬
‫ومن هذه الساليب مايلي‪:‬‬
‫السلوب الول‪ :‬الدفاع عن واقع المجتمع‬
‫إن الدعوة إلى الصلح والتغيير فرع عن التسليم بوجود خلل في الواقع‬
‫وانحراف يدعو إلى التغيير‪.‬‬
‫وثمة فئة تناقش في هذه المقدمة وتقول‪ :‬إن واقعنا بخير وليس فيه ما‬
‫يستدعي كل ما تدعون إليه‪ ،‬إن المعاصي قد وقعت في زمن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فهناك من زنا‪ ،‬وهناك من سرق‪ ،‬ومن قتل‪ ،‬بل لقد وقع السيف‬
‫بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف تريد الصفاء والنقاء‬
‫والعصمة للمجتمعات في هذا الزمن؟‪.‬‬
‫إن ما وقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صور وحالت فردية شاذة‪،‬‬
‫أما في واقعنا اليوم فالصورة تختلف بكثير ‪.‬‬
‫في مجال العتقاد والتوحيد ثمة طوائف من المسلمين ليست بالنادرة ول‬
‫القليلة قد وقعوا في صور من الضلل والنحراف وربما أودت ببعضهم إلى‬
‫الخروج من دائرة السلم وهم ل يفقهون‪.‬‬
‫هاهي اللوف تزدحم حول الضرحة والرفات‪ ،‬وها هم يعلقون قلوبهم‬
‫وأفئدتهم بغير الله تعالى‪ ،‬ناهيك عن الموقف من الكفار وغياب عقيدة الولء‬
‫والبراء والحتكام للنظمة الوضعية‪.‬‬
‫وفي ميدان اللتزام بالعبادات الشرعية تكفينا حال كثير من المسلمين مع‬
‫الصلة‪.‬‬
‫وفي ميدان القتصاد عم الربا وشاع في معاملت المسلمين ناهيك عن‬
‫الظلم والغش والمعاملت المحرمة‪.‬‬
‫وفي ميدان السلوك والميدان الجتماعي وسائر ميادين الحياة ثمة انحرافات‬
‫وتغيرات على مستوى القيم والمفاهيم‪ ،‬وعلى مستوى السلوك والممارسة‪.‬‬
‫السلوب الثاني‪ :‬تفضيل واقع المجتمع على غيره‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تختلف مجتمعات المسلمين وتتفاوت في مدى التزامها الشرعي‪ ،‬ومدى‬


‫انتشار المخالفات والمنكرات‪ ،‬وقد يعيش بعض الناس في بيئة ومجتمع أكثر‬
‫محافظة من غيره‪ ،‬فيقارن دوما بين مجتمعه وسائر المجتمعات‪ ،‬ويحتج على‬
‫من يطالبه بالصلح والدعوة بأن واقع مجتمعه خير من واقع غيره من‬
‫المجتمعات‪.‬‬
‫إن المعيار الذي ينبغي أن نحتكم إليه هو المعيار الشرعي وليس الواقع‪،‬‬
‫وقياسنا لتدين المجتمع يجب أن نعرفه من خلل الفارق بين الواقع وبين‬
‫الصورة الشرعية المطلوبة من المجتمع‪.‬‬
‫وستبقى معظم المجتمعات المسلمة تجد نموذجا أسوأ منها في التدين‬
‫والمحافظة‪ ،‬بل ربما تجد من يقارن بين مجتمعات المسلمين وغير‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫السلوب الثالث‪ :‬تضخيم النحراف والفساد‬
‫في مقابل من ل ينظر إل إلى الصور المشرقة المضيئة في المجتمع هناك‬
‫من ينظر إلى الصور السوداء القاتمة‪ ،‬وحين يثار الحديث حول الصلح‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والتغيير يحدثك عن ألوان الفساد والنحراف في المجتمع‪ ،‬ويقارنها بضآلة‬


‫الجهود المبذولة في الصلح مع تهميش أثرها وتقليل جدواها‪ ،‬إنك حين تلقي‬
‫موعظة على الناس فمن ينصت لك منهم؟ والذين ينصتون من يتأثر ويقتنع‬
‫منهم؟ وحين ينصرفون فهم يرون في الواقع ألوانا من الصوارف والمؤثرات‬
‫التي تمحو وتغسل أثر هذه الموعظة‪ ،‬وتعيدهم إلى ما كانوا عليه من قبل‪.‬‬
‫لكن اعتناء الناس بالقدر الذي يطيقونه ويستطيعون أداءه‪ ،‬والنظرة البعيدة‬
‫التي تتجاوز حدود الزمن القريب سوف يدفعهم العمل والصلح رغم ما‬
‫يرونه من ضخامة حجم الفساد‪ ،‬ومحدودية الطاقات والمكانات التي‬
‫يملكونها‪.‬‬
‫السلوب الرابع‪ :‬النشغال بالمصالح الخاصة‬
‫الصالحون والدعاة شأنهم شأن غيرهم من الناس لهم ارتباطات ومصالح‬
‫خاصة‪ :‬أسرية أو اجتماعية أو مصالح ترتبط بأعمالهم الوظيفية والمهنية‪.‬‬
‫وحين تتعارض بعض المطالب الدعوية مع المصالح والمشاغل الشخصية‬
‫للمرء فقد يعتذر بها‪ ،‬وينطلق في ذلك من منطلقات شرعية كالقيام بحق‬
‫الهل والولد‪ ،‬أو الصلة‪...‬إلخ‪.‬‬
‫وحين نتأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وحياته نرى أنه كان ل يتخلف‬
‫عن غزوة في سبيل الله عز وجل إل سعيا للرفق بالمسلمين‪ ،‬فقد قال صلى‬
‫الله عليه وسلم‪":‬لول أن أشق على أمتي ما تخلفت خلف سرية تغزو في‬
‫سبيل الله"‪.‬‬
‫كان يفعل ذلك صلى الله عليه وسلم وعنده تسع نسوة كل منهن تطالبه‬
‫بقدر من حقها‪.‬‬
‫وسار أصحابه على ذلك‪ ،‬فها هي قبورهم المتناثرة هنا وهناك‪ ،‬وها هي‬
‫مشاهدهم في الغزو والجهاد والولية والتعليم‪ ،‬هاهي تدل على عظم ما‬
‫بذلوه‪ ،‬وقد كانوا بشرا كسائر البشر‪ ،‬لهم أهل وولدان‪ ،‬ولهم ضيعات‬
‫وبساتين‪ ،‬بل كانت سبل الحياة والمعيشة في حقهم أصعب منها الن‪.‬‬
‫إن أحدنا اليوم يستطيع السفر إلى منطقة أخرى والعودة في يومه دون أن‬
‫يفقده أهله وجيرانه‪.‬‬
‫وحين ينتظر النسان أن يتفرغ من جميع مشاغله الخاصة فلن يتحقق له ذلك‬
‫‪.‬‬
‫إننا ل ندعو أن يهمل النسان رعيته وأهل بيته‪ ،‬أو أن يتخلى عن مصالحه‬
‫ومشاغله‪ ،‬لكننا ندعو إلى أن ل تكون هذه المور عائقا ومثبطا له عن واجبه‬
‫الدعوي‪.‬‬
‫حين يسمع كثير من الناس الحديث عن الدعوة والصلح يتبادر إلى ذهنه‬
‫صورة سامقة من النشاط والهمة الدعوية ل تتحقق إل عند فئة محدودة من‬
‫الناس‪.‬‬
‫ويقارن نفسه بهذه الصورة‪ ،‬فيرى أن الدعوة إلى الله منزلة ورتبة لم ولن‬
‫يصل إليها‪ ،‬وحسبه أن يصلح نفسه‪.‬‬
‫ولئن كان التصدر للدعوة والقيادة والتعليم يتطلب قدرا من العلم والرسوخ‬
‫والخبرة‪ ،‬فثمة مجالت دعوية عديدة يطبقها أفراد الناس وآحادهم‪.‬‬
‫وقد تيسرت اليوم وسائل وأساليب عدة تتيح لكثير من الناس أن يسهموا في‬
‫الدعوة والصلح‪ ،‬وأن يتركوا أثرا يتجاوز حدود إمكاناتهم وقدراتهم‪.‬‬
‫وهذا كله يزيد من المسؤولية‪ ،‬ويقلل من فرص العتذار والتقاعس‪.‬‬
‫السلوب الخامس‪ :‬تحميل المسئولية للخرين‬
‫هناك من الناس من تكون سمته تحميل المسئولية للخرين‪ ،‬فإنكار المنكرات‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العامة شأن الدعاة والعلماء البارزين‪ ،‬وتدريس العلم الشرعي شأن من نبغوا‬
‫في العلم وتميزوا فيه‪ ،‬والمشروعات والبرامج الدعوية شأن المؤسسات‬
‫الدعوية‪ ،‬وهكذا يوزع المسؤوليات على الخرين ويصبح هو فردا عاديا غير‬
‫مؤهل للقيام بأي مهمة‪ ،‬وحسبه إصلح نفسه‪.‬‬
‫لقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم عموم المسؤولية على آحاد المسلمين‬
‫بقوله‪":‬كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته‪ ،‬فالمام راع ومسؤول علن‬
‫رعيته‪ ،‬والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته‪ ،‬والمرأة راعية في بيت‬
‫زوجها ومسؤولة عن رعيتها‪ ،‬والعبد راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته"‪.‬‬
‫وعليه فالجميع مسئول وإن كانت المسئولية متفاوتة كل بحسبه فليس‬
‫الطالب كالمعلم‪ ،‬وليس الفرد العادي كطالب العلم‪ ،‬ولكن تبقى المسئولية‬
‫مشتركة بين الجميع‪.‬‬
‫السلوب السادس‪ :‬النشغال بالنقد عن العمل‬
‫كثيرا ما نسمع من ينتقد الجماعات السلمية والعالمين للسلم والدعاة‬
‫واللمرين بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬فه تارة متعجلون‪ ،‬وتارة مختلفون‬
‫ومتصارعون‪ ،‬وأخرى ليسوا على مستوى الحداث والمهام المنتظرة منهم‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬
‫وحين تقارن بين انتقاد هؤلء وبين واقعهم العملي ترى بونا شاسعا ً‬
‫إن النقد يجيده الكثير‪ ،‬فحين يقوم متحدث أمام الناس فقد ُينتقد بأن صوته‬
‫ضعيف ل يسمع من حوله‪ ،‬أو أنه ل ينطلق في حديثه‪ ،‬أو أنه لم يعد‬
‫لموضوعه إعدادا مناسبًا‪.‬‬
‫لكن كثيرا من هؤلء قد ل يستطيع إلقاء كلمة ولو بنصف مستوى إلقاء هذا‬
‫المتحدث‪.‬‬
‫إننا ل نمانع من النقد الشرعي البناء‪ ،‬لكن النقد قد يكون في مصدره دفع‬
‫المسؤولية عن النفس‪ ،‬فإن النفس تشعر بالتقصير حين ترى ما يقدمه‬
‫الخرون من جهد وعمل‪ ،‬فحين ينتقد الشخص عملهم وجهدهم يبقى في نظر‬
‫نفسه سالما مما وقعوا فيه‪ ،‬لكنه ينسى أن سكوته وتقصيره قد يكون أشد‬
‫من خطأ من عمل وأخطأ عن اجتهاد وحسن نية‪.‬‬
‫السلوب السابع‪ :‬التفرغ لتحصيل العلم‬
‫لشك أن العلم الشرعي مطلوب‪ ،‬وعودة المة إلى دينها ينبغي أن تكون‬
‫قائمة على العلم الشرعي‪ .‬وعليه فمن واجبنا علينا تفريغ جزء من أوقاتنا‬
‫لتحصيل العلم الشرعي‪ ،‬ومن واجبنا دفع الشباب والناشئة إلى العتناء بالعلم‬
‫وتحصيله‪.‬‬
‫لكن ذلك كله ل ينبغي أن يدعونا إلى إغفال ما سواه‪ ،‬أو اختزال حياة الناس‬
‫فيه وحده دون سائر الواجبات الشرعية‪.‬‬
‫ولنا أن نتصور تخلي الخيار من أهل الحسبة‪ ،‬أو العاملين في حقل الدعوة‬
‫إلى الله عز وجل وتربية الشباب ورعايتهم‪ ،‬أو العاملين في المؤسسات‬
‫الدعوية‪ ،‬لنا أن نتصور تخلي هؤلء عن دورهم بحجة تفرغهم لتحصيل العلم‬
‫الشرعي‪.‬‬
‫إن أول نتائج ذلك أن تؤول هذه الوظائف الشرعية إلى من يتعاملون معها‬
‫على أنها مصدر للرزق ووسيلة للتكسب ل غير‪.‬‬
‫نعم هناك فئة من الناس لديهم نبوغ في العلم‪ ،‬وهمة في التحصيل‪ ،‬فشأن‬
‫هؤلء ليس كشأن غيرهم‪ ،‬وقد يكون انشغالهم بالعلم وتفرغهم له أولى من‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫انشغالهم ببعض المهام الدعوية‪ ،‬لكن هذا ل يعفيهم من القيام بالمسؤوليات‬


‫والعمال الدعوية فيما تتسع له أوقاتهم ويحسنون من العمل‪.‬‬
‫والمقصود أن طلب العلم الشرعي عبادة ينبغي أن يراد بها وجه الله تعالى‪،‬‬
‫وإعداد النفس للقيام بالمهام الشرعية‪ ،‬ل أن تكون عائقا للفرد ومثبطا له‪.‬‬
‫السلوب الثامن‪ :‬العتذار بالتقصير والوقوع في المعاصي‬
‫يعتذر البعض بأن مظهره ل يؤهله للعمل لهذا الدين‪ ،‬أو أنه واقع في معاص‬
‫وسيئات لم يطق الخلص منها‪ ،‬فكيف يدعو وهو واقع فيها ومقارف لها؟‬
‫وهذا الحتجاج ليس وليد عصرنا‪ ،‬فقد قال سعيد بن جبير رحمه الله‪ :‬لو لم‬
‫يأمر بالمعروف وينه عن المنكر إل من ليس فيه شيء ما أمر أحد بمعروف‬
‫ول نهى أحد عن منكر‪ ,‬فقال مالك رحمه الله تعالى‪ :‬صدق‪ ،‬من ذا الذي ليس‬
‫فيه شيء؟‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري رحمه الله لحدهم‪ :‬عظ أصحابك‪ .‬قال‪ :‬أخاف أن أقول‬
‫مال أفعل‪ .‬فقال له يرحمك الله‪ ،‬وأينا يفعل ما يقول؟‪ .‬يود الشيطان لو أنه‬
‫ظفر بهذا فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه أحد عن منكر ‪.‬‬
‫وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم‪" :‬لو لم تذنبوا لذهب الله بكم‬
‫ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم "‪.‬‬
‫فل يمكن أن يسلم أحد من الذنوب‪ ،‬حتى العلماء والدعاة كثيرا ما نسمعهم‬
‫يعترفون بتقصيرهم وعدم رضاهم عن حالهم مع كونهم من أقل الناس‬
‫تقصيرا‪ ،‬ولم يثنهم ذلك عن القيام بواجب الدعوة والمر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر‪.‬‬
‫حمل البريد إلي رسالة من أحد الشباب يذكر عن نفسه أنه يقع في معصية‪،‬‬
‫ثم يقول وكنت أنصح الناس عن ترك هذه المعصية‪ ،‬ثم أني لم أعد أفعل ذلك‬
‫لخوفي من يوم تتقلب فيه القلوب والبصار‪ ،‬يوم يعض الظالم على يديه‪،‬‬
‫وأحفظ قول الله تعالى‪ }:‬أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون‬
‫الكتاب أفل تعقلون‪{.‬‬
‫فتأمل كيف صنع الشيطان لهذا الرجل‪ ،‬وأقعده هذا الفهم الخاطئ عن القيام‬
‫بواجب الدعوة والصلح‪ ،‬فإن خوفه الحقيقي من يوم القيامة هو الذي يدفعه‬
‫للشعور بمسؤولية الدعوة‪.‬‬
‫وسلفنا الصالح مع أنهم أشد ورعا وأعمق فهما وأكثر إدراكا لنصوص الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬لم يتركوا الدعوة إلى الله لمثل هذا الفهم‪.‬‬
‫السلوب التاسع‪ :‬انتظار البطل القادم‬
‫من إفرازات الشعور بالهزيمة أن سيطرت على كثير من المسلمين عقدة‬
‫انتظار البطل القادم‪ ،‬إنهم ينتظرون أن يأتي خليفة كعمر بن عبد العزيز‪ ،‬أو‬
‫عالم كشيخ السلم ابن تيمية‪ ،‬أو قائد كصلح الدين‪ ،‬فتنقلب المور رأسا‬
‫على عقب‪.‬‬
‫إنه لو وجد هذا المنتظر فمن الذي يضمن بقاءه سليما معافى دون أن يلقى‬
‫في غياهب السجون أو تناله ألوان من الضطهاد والذى‪.‬‬
‫وإن سلم من هذا كله ربما لم يسلم من ألسنة الناس‪.‬‬
‫والبطل لن يقود المة وحدة‪ ،‬ولن يغير الواقع بين عشية وضحاها‪.‬‬
‫ولئن كانت التجارب الفردية تحقق نجاحا متميزا فيما مضى‪ ،‬فتعقد الحياة‬
‫اليوم قد فرض شروطا صارمة‪ ،‬وصار التغيير الفردي أكثر صعوبة مما مضى‪.‬‬
‫السلوب العاشر‪ :‬الفهم الخاطئ لبعض النصوص الشرعية‬
‫يحتج بعض الناس احتاجا خاطئا ببعض النصوص الشرعية‪ ،‬ويضعونها في غير‬
‫موضعها؛ فيقعدون بذلك عن القيام بالواجب والنهوض بالمسؤولية‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن ذلك قول الله تعالى‪) :‬يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ل يضركم من‬
‫ضل إذا اهتديتم(‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وقد قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه‪ :‬إنكم تقرءون قول الله تعالى‪":‬وذكر‬
‫الية السابقة" وتجعلونها في غير موضعها وإني سمعت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يقول‪":‬إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك الله أن يعمهم‬
‫بعقاب من عنده"‪.‬‬
‫ويحتجون بقوله صلى الله عليه وسلم "إذا رأيت شحا مطاعا وإعجاب كل ذي‬
‫رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة"‬
‫يحتج هؤلء بما سبق من النصوص وغيرها‪ ،‬وهي إما أن تكون على غير‬
‫ماتأولوه أو تكون في أحوال خاصة‪ ،‬ويتركون سائر النصوص المحكمة الجلية‪.‬‬
‫السلوب الحادي عشر‪ :‬الكتفاء بالعتراف بالتقصير‬
‫بعض الناس عندما يخاطب للعمل للدين والسير في ركب الدعاة إلى الله عز‬
‫وجل يعترف بتقصيره ثم يسأل الله أن يتوب عليه ويغفر له‪.‬‬
‫إن العتراف بالتقصير ينبغي أن يتبعه عمل وإصلح للنفس‪ ،‬وتهيئة لها‬
‫للنهوض بهذا الواجب‪.‬‬
‫إن كثيرا من هؤلء يحاسب نفسه على التقصير في نافلة من النوافل‪ ،‬أو‬
‫الوقوع في شبهة من الشبه‪ ،‬لكنه يتجاوز هذا الواجب العظيم‪ ،‬والمسؤولية‬
‫الكبيرة دون وقفة جادة أو محاسبة صادقة‪.‬‬
‫السلوب الثاني عشر‪ :‬انتظار فتح المجال أو التكليف‬
‫ينتظر طائفة من الناس أن يتلقى تكليفا‪ ،‬أو يفتح له المجال ليشارك في‬
‫ميدان من ميادين الدعوة‪ ،‬ويعتبر غياب ذلك مما يعفيه من المسؤولية‪.‬‬
‫إن طائفة من هؤلء يحرص على التنصل من أي مهمة‪ ،‬والعتذار من أي‬
‫تكليف وإحالة المر إلى غيره‪ ،‬معتقدا أن ذلك سيعفيه من المسؤولية ويلقي‬
‫المانة على غيره من الناس‪.‬‬
‫ولهؤلء أعرض قصة لعبد الحميد بن باديس رحمه الله‪-:‬‬
‫حيث قال له الحاكم الفرنسي ‪ :‬إما أن تترك التعليم وإعطاؤك ما تعطيه‬
‫تلميذك وإل أرسلت لك الجنود ليغلقوا المسجد‪ .‬فقال له‪ :‬لن تستطيع ذلك‪.‬‬
‫قال‪ :‬كيف؟‪ .‬قال‪ :‬إذا أتيت العرس ذكرت الناس المحتفلين‪ ،‬وإذا أتيت مجلسا‬
‫فيه عزاء وعظتهم‪ ،‬وإذا ركبت في حافلة ذكرت المسافرين‪ ،‬قال‪ :‬فنسجنك‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإذا سجنتموني وعظت المسجونين‪ .‬قال‪ :‬فنقتلك‪ .‬قال‪ :‬وإذا قتلتموني‬
‫التهبت مشاعر الناس وأولى بك أل تواجه المسلمين في دينهم‪.‬‬
‫إن من المسلم الغيور يشعر أن فتح البواب‪ ،‬والبحث عن المجالت المناسبة‬
‫للعمل من مسؤوليته‪ ،‬وأنه حتى لو أوصدت البواب أمامه فإن من مسؤوليته‬
‫أن يسعى لفتحها‪ ،‬والبحث عن البدائل‪ ،‬فضل عن أن ينتظر حتى تفتح له‪.‬‬
‫السلوب الثالث عشر‪ :‬العتذار بعدم وجود الثمرة‬
‫تعوق عدم رؤية النتيجة طائفة من الناس عن الدعوة والشعور بالمسؤولية‪،‬‬
‫ويرون أن الناس ليستجيبون‪ ،‬وأن جهودهم تحبط ويقضى عليها‪.‬‬
‫ولهؤلء وأمثالهم يقال‪:‬‬
‫أول‪ :‬ليست جميع نتائج الدعوة مما يظهر لصاحبها‪ ،‬فكثير من الجهود الدعوية‬
‫ليدرك صاحبها أثرها‪ ،‬أو لتؤتي أثرها إل بعد حين‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن مناط التكليف في الدعوة هو القيام بالواجب الدعوي‪ ،‬وليس‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫استجابة الناس‪ ،‬فمتى قام الداعية بالواجب في دعوته فقد تحقق المر‪،‬‬
‫وسقط عنه التكليف‪ ،‬واستحق الثواب‪ ،‬سواء استجاب الناس أم لم يستجيبوا‪.‬‬
‫ولعل خير شاهد على ذلك سيرة النبياء صلوات الله وسلمه عليهم‪ ،‬فقد‬
‫أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي يأتي يوم القيامة وليس معه أحد‪،‬‬
‫والنبي يأتي ومعه الرجل والرجلن‪ ،‬وهذا بل شك ل يعني تقصير النبياء عليهم‬
‫الصلة و السلم‪ ،‬فهذا النبي الذي لم يتبعه أحد خير من الدعاة الذين يهتدي‬
‫على أيديهم آلف الناس‪ ،‬فالعبرة إذا بالعمل ل بالنتيجة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن الواقع أننا نرى أن كثيرا من العمال الدعوية تظهر ثمرتها ويراها‬
‫أصحابها‪ ،‬بل إنها ل تقارن بالجهود المبذولة‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أن ضعف الثمرة في بعض العمال قد يكون مرده الخلل فيها‪ ،‬وليس‬
‫بالضرورة صدود الناس وإدبارهم عن الحق‪.‬‬
‫نماذج من المصلحين‬
‫فيما يأتي إشارة سريعة إلى نماذج جاءت في كتاب الله تعالى ممن أدركوا‬
‫المسؤولية وقاموا بها وهم بشر من آحاد الناس‪.‬‬
‫أول‪ :‬مؤمن آل فرعون الذي جاءنا من خبره ما ذكره الله تعالى في سورة‬
‫غافر ‪):‬وقال رجل من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجل أن يقول ربي الله‬
‫وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم‬
‫بعض الذي يعدكم( إلى آخر قصته وحواره الطويل معهم‪ ،‬إنه ليس نبيا وعالما‬
‫مشهورا ولكنه رأى أن واجبه الدفاع عن موسى ودعوته ففعل ما فعل‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬قصة أصحاب القرية قال عز وجل عنهم )واضرب لهم مثل أصحاب‬
‫القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث‬
‫فقالوا إنا إليكم مرسلون ‪ ...‬إلى قوله تعالى وجاء من أقصا المدينة رجل‬
‫يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين‪ .‬اتبعوا من ل يسألكم أجرا وهم مهتدون(‪.‬‬
‫إن غاية ماقاله هذا الرجل أن دعى الناس إلى اتباع المرسلين‪ ،‬فالمر لم‬
‫يكن محتاجا إلى علم وفصاحة وإمكانات‪.‬‬
‫قال ابن هبيرة ‪" :‬تأملت حال هذا الرجل فرأيت عجبا ‪ ،‬يقول وجاء من أقصا‬
‫المدينة ولم يأت من وسطها‪ ،‬وجاء يسعى ولم يأت راكبا" فهل لنا في مثل‬
‫هذا الرجل قدوة؟‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ثالثا‪ :‬قصة سليمان عليه السلم‪ ،‬عندما تفقد الطير وفقد الهدهد‪ .‬قال عز‬
‫وجل‪):‬وتفقد الطير فقال ما لي ل أرى الهدهد أم كان من الغائبين‪ .‬لعذبنه‬
‫عذابا شديدا أو لذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين( فلما جاء الهدهد قال‪:‬‬
‫)أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين‪ .‬إني وجدت امرأة تملكهم‬
‫وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم‪ .‬وجدتها وقومها يسجدون للشمس‬
‫من دون الله وزين لهم الشيطان عمالهم فصدهم عن السبيل فهم ل‬
‫يهتدون(‪.‬‬
‫لقد رأى الهدهد أن مسئوليته على القل تتمثل في أن يبلغ هذا المنكر الذي‬
‫رآه ولم يحط به سليمان عليه السلم وكانت النتيجة أن دخلت هذه المة‬
‫السلم وقالت ملكتهم‪ ) :‬رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله‬
‫رب العالمين( ‪.‬‬
‫وقام الهدهد بما قام به وهو غير مكلف‪ ،‬ويقصر كثير منا مع أننا محاسبون‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومكلفون‪ ،‬وكلما كان أحدنا أكثر علما وأكبر إمكانيات كانت مسئوليته أعظم‪.‬‬
‫اسأل الله أن يعننا على حمل المانة وأداء المسؤولية إنه سميع مجيب‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫التوازن النفسي والسلوكي في شخصية رسول الله – صلى الله عليه وسلم‬
‫–‬
‫رئيسي ‪:‬السيرة ‪:‬الثلثاء ‪ 4‬محرم ‪1425‬هـ ‪ 24 -‬فبراير ‪2004‬م‬
‫الدارس لشخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يستلف نظره ذلك‬
‫التوازن الدقيق بين معالمها‪:‬‬
‫التوازن النفسي في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم‪ :‬فكان ذو نفس‬
‫سوية‪ ،‬فما كان صلى الله عليه وسلم بالكئيب العبوس الذي تنفر منه الطباع‪،‬‬
‫ول بالكثير الضحك الهزلي الذي تسقط مهابته من العيون‪.‬‬
‫وحزنه وبكاؤه في غير إفراط ول إسراف‪ :‬وفي ذلك يقول ابن القيم‪':‬وأما‬
‫بكاؤه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فلم يكن بشهيق ورفع صوت‪ ،‬ولكن كانت تدمع‬
‫عيناه حتى تهمل‪ ،‬ويسمع لصدره أزيز‪ ،‬وكان بكاؤه تارة ً رحمة للميت‪ ،‬و تارةً‬
‫خوًفا على أمته وشفقة عليها‪ ،‬وتارةً من خشية الله‪ ،‬وتارة ً عند سماع القرآن‪-‬‬
‫وهو بكاء اشتياق ومحبة وإجلل مصاحب للخوف والخشية‪ -‬ولما مات ابنه‬
‫إبراهيم دمعت عيناه وبكى رحمة له ‪..‬‬
‫وبكى لما شاهد إحدى بناته ونفسها تفيض‪ ،‬وبكى لما قرأ عليه ابن مسعود‬
‫ف إَذا جئ ْنا من ك ُ ّ ُ‬
‫ة‬
‫م ٍ‬ ‫لأ ّ‬ ‫سورة النساء وانتهى فيها إلى قوله تعالى‪ }:‬فَك َي ْ َ ِ ِ َ ِ ْ‬
‫دا]‪]{[41‬سورة النساء[‪ .‬وبكى لما مات‬ ‫شِهي ً‬ ‫ك عََلى هَؤَُلِء َ‬ ‫جئ َْنا ب ِ َ‬ ‫شِهيد ٍ وَ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫عثمان بن مظعون‪ ،‬وبكى لما جلس على قبر إحدى بناته‪ ،‬وكان يبكى أحياًنا‬
‫في صلة الليل'‪.‬‬
‫أما ضحكه صلى الله عليه وسلم‪ :‬فكان يضحك مما ُيتعجب من مثله‪،‬‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ويستغرب وقوعه ويستندر‪ ،‬كما كان يداعب أصحابه‪ .‬فَع َ‬
‫كأ ّ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫س بْ ِ‬ ‫ن أن َ ِ‬ ‫َ ْ‬
‫ك عََلى وَلدَِ‬ ‫مل ُ َ‬ ‫حا ِ‬ ‫ل‪] :‬إ ِّني َ‬ ‫قا َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ح َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫جًل ا ْ‬ ‫َر ُ‬
‫هّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫صن َعُ ب ِوَلدِ الّناقَةِ فَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ة[ فَ َ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ل َيا َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫الّناقَ ِ‬
‫ق[رواه أبو داود والترمذي وأحمد ‪.‬‬ ‫ل إ ِل الّنو ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ل ت َل ِد ُ ال ِب ِ َ‬ ‫م‪ ] :‬وَهَ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫التوازن السلوكي في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم‪ :‬وهو أحد دلئل‬
‫نبوته‪ ،‬فلقد جعل هذا التوازن من رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة‬
‫العليا التي تمثلت فيها كل جوانب الحياة‪ ،‬وإليك بعض مظاهر هذا التوازن‬
‫السلوكي‪:‬‬
‫]أ[ التوازن النبوي بين القول والفعل‪ :‬وظهور هذا التوازن في حياة رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم العملية كان على أعلى ما يخطر بقلب بشر‪ ،‬فهو‬
‫العابد والزاهد‪ ،‬والمجاهد والزوج‪ ...‬وما كان يأمر بخير إل كان أول آخذ به‪ ،‬ول‬
‫ينهى عن شر إل كان أول تارك له‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي اللهِ َ‬ ‫ن ن َب ِ ّ‬ ‫ه عَن َْها أ ّ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ة َر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫فعن عبادته‪ :‬فَعَ ْ‬
‫سو َ‬
‫ل‬ ‫ذا َيا َر ُ‬ ‫صن َعُ هَ َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ة لِ َ‬ ‫ش ُ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ت َ‬ ‫قال ْ‬ ‫َ‬ ‫ماه ُ فَ َ‬ ‫فطَر قَد َ َ‬ ‫ّ‬ ‫حّتى ت َت َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬‫كا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫كو َ‬ ‫نأ ُ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل‪] :‬أفََل أ ِ‬ ‫خَر َقا َ‬ ‫ما ت َأ ّ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ن ذ َن ْب ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قد ّ َ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫فَر الل ّ ُ‬ ‫الل ّهِ وَقَد ْ غَ َ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ك َر ِ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫س بْ ِ‬ ‫مي ْد ٍ أن َ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ُ‬ ‫كوًرا[ رواه البخاري ومسلم ‪ .‬وعَ ْ‬ ‫ش ُ‬ ‫دا َ‬ ‫عَب ْ ً‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫َ‬ ‫َقا َ‬
‫نأ ْ‬ ‫حّتى ن َظ ّ‬ ‫شهْرِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫فط ُِر ِ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ل‪ ':‬كا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن ت ََراهُ‬ ‫شاُء أ ْ‬ ‫ن ل تَ َ‬ ‫َ‬
‫شي ْئا وَكا َ‬ ‫ً‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫فط َِر ِ‬ ‫ن ل يُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫حّتى ن َظ ّ‬ ‫م َ‬ ‫صو ُ‬ ‫ه وَي َ ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫صو َ‬ ‫َل ي َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه' رواه البخاري ومسلم‪-‬مختصرا‪.-‬‬ ‫ما إ ِّل َرأي ْت َ ُ‬ ‫ه وََل َنائ ِ ً‬ ‫صل ًّيا إ ِّل َرأي ْت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صّلى الّله‬ ‫َ‬ ‫خل َت عَل َي ا ِ َ‬


‫ي َ‬ ‫ت فَِراش الن ّب ِ ّ‬ ‫مَرأة فََرأ ْ‬ ‫ّ ْ‬ ‫ة‪ :‬د َ َ ْ‬ ‫ش ُ‬‫عائ ِ َ‬ ‫وعن زهده‪ :‬قالت َ‬
‫ي‬
‫خل الن ّب ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صوف ‪ ,‬فد َ َ‬ ‫شوه ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ش َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫سل ّ َ‬
‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫َ‬ ‫فَرا ٍ‬ ‫ي بِ ِ‬
‫ت إ ِل ّ‬ ‫مثن ِّية ‪ ,‬فب َعَث ْ‬ ‫م عََباَءة َ‬
‫جَرى الّله‬ ‫تأ ْ‬ ‫شئ ْ ُ‬ ‫شة ‪ ,‬وََالّله ل َوْ ِ‬ ‫عائ ِ َ‬‫ل‪ُ ] :‬رّديهِ َيا َ‬ ‫قا َ‬ ‫م فََرآه ُ فَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫صّلى الّله عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬
‫ضة[رواه البيهقي في دلئل النبوة‪.‬‬ ‫ف‬
‫َ ِ ّ‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫هب‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫ال‬ ‫بال‬ ‫ج‬
‫ِ َ‬ ‫عي‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫وهو إمام الزاهدين الذي ما أكل على خوان قط‪ ،‬وما رأى شاة سميطا ً قط‪،‬‬
‫وما رأى منخًل‪ ،‬منذ أن بعثه الله إلى يوم قبض ما أخذ من الدنيا شيًئا ول‬
‫ما‬
‫ما ِللد ّن َْيا َ‬ ‫ما ِلي وَ َ‬ ‫أخذت منه شيًئا‪ ،‬وصدق صلى الله عليه وسلم؛ إذ يقول‪َ ] :‬‬
‫ست َظ َ ّ‬ ‫َ‬
‫ح وَت ََرك ََها[ رواه الترمذي‬ ‫م َرا َ‬ ‫جَرةٍ ث ُ ّ‬ ‫ت َ‬
‫ش َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل تَ ْ‬ ‫با ْ‬ ‫أَنا ِفي الد ّن َْيا إ ِّل ك ََراك ِ ٍ‬
‫وابن ماجة وأحمد ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫صّلى‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫وأما عن شجاعته وجهاده‪ :‬فيروى أنس رضي الله عنه قال‪َ :‬‬
‫َ‬
‫قد ْ فَزِع َ أهْ ُ‬
‫ل‬ ‫س وَل َ َ‬ ‫س وَأ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫الل ّه عَل َيه وسل ّ َ‬
‫جعَ الّنا ِ‬ ‫ش َ‬ ‫جوَد َ الّنا ِ‬ ‫س وَأ ْ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫هّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫م الن ّب ِ ّ‬ ‫قب َلهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ت َفا ْ‬ ‫صوْ ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫س قِب َ َ‬ ‫ت لي ْلةٍ َفان ْطلقَ الّنا ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫دين َةِ َذا َ‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫عوا[‬ ‫ن ت َُرا ُ‬ ‫عوا ل َ ْ‬ ‫ن ت َُرا ُ‬ ‫ل‪] :‬ل َ ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫ت وَهُوَ ي َ ُ‬ ‫صو ْ ِ‬ ‫س إ َِلى ال ّ‬ ‫سب َقَ الّنا َ‬ ‫م قَد ْ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫ل‪ :‬ل َ َ‬ ‫َ‬
‫قد ْ‬ ‫قا َ‬ ‫ف فَ َ‬ ‫سي ْ ٌ‬ ‫قهِ َ‬ ‫ج ِفي عُن ُ ِ‬ ‫سْر ٌ‬ ‫ما عَل َي ْهِ َ‬ ‫ي َ‬ ‫ة عُْر ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫س ِلِبي ط َل ْ َ‬ ‫وَهُوَ عَلى فََر َ ٍ‬
‫َ‬
‫حٌر‪ .‬رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬ ‫ه ل َب َ ْ‬ ‫حًرا أوْ إ ِن ّ ُ‬ ‫ه بَ ْ‬ ‫جد ْت ُ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫قي َْنا‬ ‫م ات ّ َ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ا‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫إ‬ ‫نا‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ل‪':‬‬ ‫َ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ي‬
‫ْ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ َ ّ َ ُ َ ِ َ‬ ‫ّ ِ‬ ‫ُ َْ ُ‬ ‫و َ ْ َِ ّ َ ِ َ‬
‫ض‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قوْم ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حد ٌ أد َْنى ِ‬ ‫مّنا أ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ب َِر ُ‬
‫ه'رواه أحمد‪ .‬ولول خوف الطالة؛ لسردنا شمائله صلى الله عليه وسلم‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫التي نادى بها‪ ،‬وعّلمها أمته ‪،‬وكان أول الممارسين العمليين لها‪.‬‬
‫]ب[ الصدق النبوي في الجد والدعابة‪:‬لقد كان الصدق من أوضح السمات‬
‫في شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وكفي دللة على هذا الصدق‬
‫أن قومه لقبوه بالصادق المين‪ ،‬بل إن أول انطباع يرسخ في نفس من يراه‬
‫ل الل ّهِ‬ ‫سو ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ما قَدِ َ‬ ‫ل لَ ّ‬ ‫سَلم ٍ َقا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ّ‬
‫ن عَب ْدِ اللهِ ب ْ ِ‬ ‫لول مرة أنه من الصديقين‪ ،‬فعَ ْ‬
‫صلى‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ل قَدِ َ‬ ‫س إ ِلي ْهِ وَِقي َ‬ ‫َ‬ ‫ل الّنا ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ج َ‬ ‫ة ان ْ َ‬ ‫دين َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫صّلى‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫م قَدِ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫م قَدِ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ل الل ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫سو ِ‬ ‫ه َر ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ت وَ ْ‬ ‫ست َث ْب َ ّ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫س ِلن ْظ َُر إ ِل َي ْهِ فَل َ ّ‬ ‫ت ِفي الّنا َ ِ‬ ‫جئ ْ ُ‬ ‫م فَ ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫يٍء‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن أوّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫جهِ ك َ ّ‬ ‫س ب ِوَ ْ‬ ‫ه ل َي ْ َ‬ ‫جهَ ُ‬ ‫ن وَ ْ‬ ‫تأ ّ‬ ‫م عََرفْ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫س‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫س أف ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫صلوا َوالّنا ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫موا الطَعا َ‬ ‫م وَأطعِ ُ‬ ‫سل َ‬ ‫شوا ال ّ‬ ‫ن قال‪] :‬أي َّها الّنا ُ‬ ‫م ب ِهِ أ ْ‬ ‫ت َكل َ‬
‫م[ رواه الترمذي وابن ماجة والدارمي وأحمد‪.‬‬ ‫ل‬ ‫س َ‬ ‫ب‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫خ‬
‫م َ ْ ُ‬
‫د‬ ‫ت‬ ‫ن َِيا ٌ‬
‫َ ّ َ ِ َ ٍ‬
‫فهو الصادق في وعده وعهده‪ ،‬وما حدث أن وعد رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬أو عاهد فأخلف‪ ،‬أو غدر‪ ،‬ول يحيد عن الصدق مجاملة لحد ‪ .‬وحتى‬
‫في أوقات الدعابة والمرح حيث يتخفف الكثيرون من قواعد النضباط كان‬
‫ل‬‫ن أ َِبي هَُري َْرةَ َقا َ‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق في مزاحه‪ ،‬فعَ ْ‬
‫قا[ رواه الترمذي‬ ‫ح ّ‬ ‫ل إ ِّل َ‬ ‫ل‪] :‬إ ِّني َل أ َُقو ُ‬ ‫عب َُنا َقا َ‬ ‫دا ِ‬ ‫ك تُ َ‬ ‫ل الل ّهِ إ ِن ّ َ‬ ‫سو َ‬ ‫َقاُلوا َيا َر ُ‬
‫وأحمد‪.‬‬
‫]جـ[ التوازن الخلقي في شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬من‬
‫أبلغ وأجمع الكلمات التي وصفت أخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ما‬
‫ن' رواه مسلم‪ .‬ولقد كانت هذه‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل ُ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫قالته عائشة رضي الله عنه ‪َ ':‬‬
‫الخلق من السمو والتوازن ما جعل تواضعه ل يغلب حلمه‪ ،‬ول يغلب حلمه‬
‫بره وكرمه‪ ،‬ول يغلب بره وكرمه صبره… وهكذا في كل شمائله صلوات الله‬
‫عليه‪ -‬هذا مع انعدام التصرفات الغير أخلقية في حياته‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فعن تواضعه‪ :‬يروى أبو نعيم في 'دلئل النبوة' عن أنس رضي الله عنه قال‪:‬‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫فا َواللهِ َ‬ ‫س لط ً‬ ‫ِ‬ ‫شد ّ الّنا‬ ‫ن أَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫س َ‬ ‫ماِء فَي َغْ ِ‬ ‫ه ِبال َ‬ ‫ن ي َأت ِي َ ُ‬ ‫يأ ْ‬ ‫صب ّ‬ ‫ة‪ ،‬وََل َ‬ ‫م ٍ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫د‪ ،‬وََل ِ‬ ‫ن عَب ْ ٍ‬ ‫مَ ْ‬ ‫داةٍ َبارِد َةٍ ِ‬ ‫مت َن ِعُ ِفي غَ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫حّتى‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫غى‬ ‫ْ َ‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫إ‬ ‫ط‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ٌ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫وَ ْ َ ُ َ ِ َ َ ْ ِ َ َ َ ُ َ ِ‬
‫ئ‬ ‫سا‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫أ‬‫س‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫ه‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫را‬ ‫ذ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ج‬
‫ْ َْ َ ِ ْ َ‬ ‫ِ ْ ِ َ ُ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫حّتى‬ ‫م ي َن َْزع ْ َ‬ ‫ها‪ ،‬فَل َ ْ‬ ‫ه إ ِّيا َ‬ ‫حد ٌ ب ِي َدِهِ إ ِّل َناوَل َ ُ‬ ‫لأ َ‬ ‫ما ت ََناوَ َ‬ ‫ه‪ ،‬وَ َ‬ ‫ف عَن ْ ُ‬ ‫صرِ ُ‬ ‫ذي ي َن ْ َ‬ ‫هو ال ّ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫كو َ‬ ‫يَ ُ‬
‫ه'‪.‬‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ذي ي َن ْزِعَُها ِ‬ ‫ن هُوَ ال ّ ِ‬ ‫كو َ‬ ‫يَ ُ‬
‫ن آث ََر الن ّب ِ ّ‬
‫ي‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حن َي ْ ٍ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ي َوْ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫لل ّ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن عَب ْدِ اللهِ َر ِ‬
‫ُ‬
‫وعن حلمه‪ :‬عَ ْ‬
‫ة‬
‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ْ‬
‫ن هَذِهِ ال ِ‬ ‫ّ‬
‫ل َواللهِ إ ِ ّ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫مةِ ‪َ ...‬قا َ‬ ‫س َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ْ‬
‫سا ِفي ال ِ‬ ‫م أَنا ً‬ ‫سل َ‬‫ّ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫قل ْت والل ّهِ َل ُ‬ ‫ل فيها وما أ ُ‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ُّ‬ ‫ِ ّ َ‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫ر‬ ‫َِ‬ ‫ب‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫ج‬
‫ْ‬ ‫و‬
‫َ َ َ ِ َِ َ ُ‬ ‫ها‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ري‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫ما‬ ‫َ‬
‫م الل ُّ‬
‫ه‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫سو‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫إ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫]‬ ‫ل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫قا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫خ‬ ‫وسل ّم فَأ َتيته فَأ َ‬
‫ُ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ََ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صب ََر[رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ف‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫َموسى قَد ُأوذي بأ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ه عَل َي ْهِ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫سئ ِ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫ه‪َ ':‬‬ ‫ن عَب ْدِ الل ّ ِ‬ ‫جاب ُِر ب ْ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫وعن كرمه‪َ :‬قا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫شي ًْئا قَ ّ‬
‫سئ ِ َ‬
‫ل‬ ‫ما ُ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫س قا َ‬ ‫َ‬ ‫ن أن َ َ ٍ‬ ‫ل ل' رواه البخاري ومسلم‪ .‬وعَ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫طف َ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫جاءَهُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شي ْئا إ ِل أعْطاه ُ قال ف َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫سلم ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م عَلى ال ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫سول َاللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َر ُ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫موا فإ ِ ّ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫قال َيا قوْم ِ أ ْ‬ ‫مهِ ف َ‬ ‫جعَ إ ِلى قوْ ِ‬ ‫ن فَر َ‬ ‫جب َلي ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫جل فأعْطاه ُ غن َ ً‬ ‫َر ُ‬
‫ة' رواه مسلم ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫شى‬ ‫َ‬ ‫خ‬‫َ ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ً‬ ‫ء‬ ‫طا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫طي‬ ‫م َ ّ ً ُْ ِ‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫دا‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ُ‬
‫]د[ التوازن النبوي بين الحزم واللين‪:‬فرغم ما حباه الله به من الحلم والرأفة‬
‫إل أنه الحلم والرأفة التي ل تجاوز حدها‪ ،‬فكان صلى الله عليه وسلم يغضب‬
‫للحق إذا انتهكت حرمات الله‪ ،‬فإذا غضب؛ فل يقوم لغضبه شيء حتى يهدم‬
‫الباطل وينتهي‪ ،‬وفيما عدا ذلك فهو أحلم الناس عن جاهل ل يعرف أدب‬
‫صّلى‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ب َر ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ما َ‬ ‫ت‪َ ':‬‬ ‫ة َقال َ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫الخطاب‪ ،‬أو مسيء للدب‪ ،‬فعَ ْ‬
‫ل اللهِّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫شي ًْئا قَ ّ‬
‫سِبي ِ‬ ‫جاهِد َ ِفي َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ما إ ِل أ ْ‬ ‫خادِ ً‬ ‫مَرأة ً وَل َ‬ ‫ط ب ِي َدِهِ وَل ا ْ‬ ‫م َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫حارِم ِ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫يٌء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ن ي ُن ْت َهَ َ‬ ‫حب ِهِ إ ِّل أ ْ‬ ‫صا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ط فَي َن ْت َ ِ‬ ‫يٌء قَ ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫ما ِني َ‬ ‫وَ َ‬
‫ل' رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬ ‫ج ّ‬ ‫م ل ِلهِ عَّز وَ َ‬ ‫ّ‬ ‫ق َ‬ ‫فَي َن ْت َ ِ‬
‫ولما نكث بنو قريظة العهد وتحالفوا مع الحزاب على حرب المسلمين ثم رد‬
‫الله كيدهم في نحورهم وأمكن الله رسوله منهم رضوا بحكم سعد بن معاذ‬
‫كما رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فحكم سعد أن تقتل رجالهم‪،‬‬
‫م‬‫ت ِفيهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫حك َ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫وتسبى نساؤهم وزراريهم‪ ،‬فتهلل وجه الرسول‪ ،‬وقال‪ ] :‬ل َ َ‬
‫ك[رواه البخاري ومسلم ‪ .‬فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫مل ِ ِ‬ ‫حك ْم ِ ال ْ َ‬ ‫بِ ُ‬
‫منهم في يوم واحد أربعمائة رجل صبًرا‪.‬‬
‫َ‬
‫ت ب ِذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫معَ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫جهْ ٍ‬ ‫ت أِبي َ‬ ‫ب ب ِن ْ َ‬ ‫خط َ َ‬ ‫ن عَل ِّيا َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ة َقا َ‬ ‫م َ‬ ‫خَر َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫سوَرِ ب ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫و عَ ْ‬
‫ك َل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك أن ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫م قَوْ ُ‬ ‫ت ي َْزعُ ُ‬ ‫قال َ ْ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫ة فَأت َ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫َفاط ِ َ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫َ‬ ‫ك وَهَ َ‬ ‫ب ل ِب ََنات ِ َ‬
‫ه عَلي ْ ِ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫م َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫جهْ ٍ‬ ‫ت أِبي َ‬ ‫ح ب ِن ْ َ‬ ‫ي َناك ِ ٌ‬ ‫ذا عَل ِ ّ‬ ‫ض ُ‬ ‫ت َغْ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫حد ّث َِني‬ ‫ن الّرِبيِع فَ َ‬ ‫ص بْ َ‬ ‫ت أَبا الَعا ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ب َعْد ُ أن ْك َ ْ‬ ‫ل‪]:‬أ ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫شهّد َ ي َ ُ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫حي َ‬ ‫ه ِ‬ ‫معْت ُ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سل َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت‬
‫معُ ب ِن ْ ُ‬ ‫جت َ ِ‬ ‫ها َواللهِ ل ت َ ْ‬ ‫سوَء َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫مّني وَإ ِّني أكَره ُ أ ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ضعَ ٌ‬ ‫ة بَ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن َفاط ِ َ‬ ‫صد َقَِني وَإ ِ ّ‬ ‫وَ َ‬
‫حد ٍ فَت ََرك عَل ِ ّ‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل َوا ِ‬ ‫ج ٍ‬ ‫عن ْد َ َر ُ‬ ‫ّ‬
‫ت عَد ُوّ اللهِ ِ‬ ‫م وَب ِن ْ ُ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ِ‬ ‫َر ُ‬
‫ة[رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫خطب َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫إنه اللين الذي ل يعرف الخور‪ ،‬والحزم الذي به تكون الرجال فصلوات الله‬
‫وسلمه عليه‪.‬‬
‫لقد سجل لنا التاريخ سير آلف المصلحين‪ ،‬ولكن لم تجتمع كل المبادئ‬
‫الطيبة إل في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬في البيت‪ ،‬والقيادة‪،‬‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والخلق‪ ،‬والعبادة‪ ،‬والكثير من أوجه الحياة التي استنارت بمبعثه‪ ،‬فصلوات‬


‫الله عليه في الولين والخرين‪.‬‬
‫من‪ ':‬التوازن النفسي والسلوكي في شخصية رسول الله – صلى الله عليه‬
‫وسلم '‬
‫د‪ .‬خالد سعد النجار‬

‫)‪(3 /‬‬

‫التوازن في حياة المسلم‬


‫تناول الدرس شخصية النسان المسلم بحيث تنشأ معتدلة‪ ,‬سليمة‪ ,‬بحيث ل‬
‫يطغى فيها جانب على حساب جانب آخر‪ ,‬ول يغفل فيها جانب بسبب‬
‫الهتمام الزائد بجوانب أخرى وتناول مجتمع الصحابة وذكر السمات المميزة‬
‫له وتنوع مواهبهم وتخصصاتهم‪ ،‬ثم ذكر إرشادات مهمة يجب مراعاتها في‬
‫تأسيس المجتمع والشخصية ‪.‬‬
‫إن الحمد لله؛ نحمده‪ ,‬ونستعينه‪ ,‬ونستغفره‪ ,‬ونتوب إليه‪ ,‬و أصلى وأسلم‬
‫على عبده ورسوله نبينا محمد‪ ,‬وعلى آله‪ ,‬وأصحابه‪ ,‬ومن دعا بدعوته‪,‬‬
‫واهتدى بهدية إلى يوم الدين‪ ...‬أما بعد‪,,,‬‬
‫المقصود بالتوازن‪:‬‬
‫ونا ً معتدل‪ ,‬سليمًا‪ ,‬بحيث ل يطغى‬ ‫ون شخصية النسان المسلم ت َك َّ‬ ‫هو أن ت ُك َ ّ‬
‫فيها جانب على حساب جانب آخر‪ ,‬ول يغفل فيها جانب بسبب الهتمام الزائد‬
‫بجوانب أخرى غيره ‪ ...‬ومثله التوازن في بناء المجتمع بحيث يتكون المجتمع‬
‫المسلم من مجموعة من الفراد المتوازنين الذين يلبون جميع الحتياجات‬
‫التي يحتاج إليها المجتمع المسلم‪ .‬وهناك حقيقة يكاد أن يتفق عليها الناس‬
‫كلهم‪ ,‬وخلصتها‪ :‬أن الفراد يختلفون فيما بينهم ويتفاوتون تفاوتًا‪:‬يقل‪ ,‬أو‬
‫يكثر‪ ,‬لكنه ل يغيب ‪ ..‬بمعنى أنك ل تجد اثنين من الناس متماثلين في كل‬
‫شيء‪,‬وهذا المر هو لحكمة أرادها الله تبارك وتعالى؛فإن المجتمع بحاجة إلى‬
‫مجموعة من الكفاءات المتفاوتة‪ ,‬وأي مجتمع بحاجة إلى القادة‪ ,‬والزعماء‪,‬‬
‫وبحاجة إلى الطباء‪ ,‬والعلماء‪ ,‬والمهندسين‪ ,‬وإلى الخبراء في كافة مجالت‬
‫الحياة‪ ,‬بل وبحاجة إلى الخدم و إلى غيرهم من أصحاب الحرف والمهن‬
‫العادية بل والوضيعة في نظر الناس‪ ,‬وبمجموع هذه الشياء يتكون المجتمع‪,‬‬
‫وهذه الحقيقة يجب أن ل تغيب عنا ونحن نتحدث عن التوازن في حياة الفرد‬
‫المسلم وفي حياة المجتمع المسلم‪.‬‬
‫مجتمع فريد‪:‬‬
‫وإذا كانت هذه الحقيقة مسلمة‪ ,‬فإننا نطل إطللة سريعة على ذلك المجتمع‬
‫الفريد الذي تربى على يدي الرسول صلى الله عليه وسلم‪ :‬مجتمع الصحابة‬
‫رضى الله عنهم المجتمع الذي أراد الله أن يكون منارة مرتفعة على التاريخ‬
‫يتطلع إليها الناس في كل زمان‪ ,‬ومكان‪.‬هذا النموذج المتمثل في مجتمع‬
‫الصحابة ل نطمع أن يتحقق مرة أخرى بنفس المستوى الراقي من اليمان‬
‫والعلم والعمل‪ ,‬لكن نطمع أن يكون هذا المجتمع قدوة مثلى لكل مجتمع‪,‬‬
‫ولكل فرد مسلم يدعو إلى الله على مدار التاريخ‪ ,‬ويمكن أن نكتشف بها‬
‫الخطأ من الصواب في كل وضع يعيشه المسلمون لنه كما قيل‪':‬بضدها‬
‫تتميز الشياء'‪ .‬وكذلك يجب أن نقيس على هذا المجتمع الفريد كل وضع‪,‬‬
‫وكل مجتمع‪ ,‬فنعرف مدى استقامته‪ ,‬أو انحرافه‪ ,‬ونعرف مقدار هذا النحراف‬
‫بهذا القياس‪ ,‬وهذه القضية المهمة نطبقها في موضوعنا‪ :‬التوازن في حياة‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفرد وفي حياة المجتمع‪.‬‬


‫سمات ظاهرة في مجتمع الصحابة‪:‬‬
‫حين تنظر في مجتمع الصحابة نجد‪:‬‬
‫ل‪ :‬كل فرد منهم متحقق بقدر من العمل سواء بالعبادة‪ ,‬أو الدعوة‪ ,‬أو غير‬ ‫أو ً‬
‫ذلك‪ ,‬فل تجد أحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يغمط أو ينتقص‬
‫بشيء من الخلل بالواجبات الشرعية أو التقصير فيها إل ما لبد من وقوعه‬
‫من البشر من حوادث فردية معينة ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬التزموا جميعا ‪ -‬كلهم بل استثناء ‪ -‬بعقيدة واحدة صحيحة ناصعة نقية لم‬
‫يأخذوها بالوراثة‪,‬ول تجد أحدا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بقي‬
‫على معتقد موروث من موروثات الجاهلية بل تمردوا عليها بالكلية وخلعوها‬
‫على عتبة السلم وتلقوا العقيدة الصحيحة نقية صافية من فم محمد علية‬
‫الصلة والسلم‪ ,‬ولم يحصل أن وقع أحد منهم ببدعة اعتقادية‪ ,‬ول ببدعة‬
‫عملية على الطلق ‪ .‬إذا ً قدر مشترك من العلم والعمل موجود لكل فرد من‬
‫الفراد في ذلك المجتمع الول‪.‬‬
‫فإذا انتقلت إلى المجتمع بكليته وجدت أنه فيما عدا هذا القدر المشترك فإنه‬
‫يوجد لكل واحد من أصحاب محمد صلى الله عيه وسلم ميزة‪ ,‬وخصيصة برز‬
‫فيها هو وطائفة معه‪ ,‬وقد ل توجد في فرد أو أفراد آخرين‪:‬‬
‫فمعاذ بن جبل رضى الله عنه‪] :‬أمام العلماء يوم القيامة برتوة[ كماورد عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪,‬وهو صحيح بمجموع طرقه‪ ،‬فكان معاذ فقيها من‬
‫فقهاء الصحابة‪...‬‬
‫ومثله‪ :‬عبد الله بن مسعود‪ :‬فقد قال فيه عمر بن الخطاب‪ ] :‬ابن مسعود‬
‫كنيف ملئ علما ً [ فهذا معاذ‪ ,‬وابن مسعود‪ ,‬ومعهم غيرهم من الصحابة‬
‫تميزوا بالعناية بالعلم‪ ,‬والهتمام بالتفقه في الدين‪.‬‬
‫أما خالد بن الوليد‪ :‬فلم يشتهر بحمل العلم والفقه بمثل ما اشتهر به معاذ‪ ,‬أو‬
‫ابن مسعود‪ ,‬أو غيرهم من فقهاء الصحابة‪ ,‬وإنما أشتهر خالد بإتقان فنون‬
‫الحرب‪ ,‬والفروسية‪ ,‬حتى أصبح يجد لذته‪ ,‬وسعادته‪ ,‬وقرة عينه في معاناة‬
‫هذا اللون من الجهاد الذي يشق على كثير من النفوس ولذلك كان رضى الله‬
‫عنه يقول‪] :‬ما ليلة تهدي إلي فيها عروس أنا لها محب‪ ,‬أو أبشر فيها بغلم‬
‫بأحب إلي من ليلة شديدة الجليد أصّبح فيها العدو في سرية من المهاجرين[‬
‫يجد من اللذة في هذا الجو الشديد البرودة المخيف ماليجده في ليلة تهدي‬
‫إليه فيها عروس‪ ,‬أو يبشر فيها بغلم ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أبوذر الغفاري رضى الله عنه‪ :‬وأبو ذر لم يعرف عنه مزيد عناية بالعلم أكثر‬
‫من غيره‪ ,‬ول مزيد اهتمام بشأن الجهاد أكثر من غيره‪ ,‬و إنما عرف بالزهد‬
‫والورع‪ ,‬والحث على التقلل من الدنيا‪ ,‬والتزود للخرة ‪ ...‬وتجد من الصحابة‬
‫غير هؤلء لهم اهتمامات أخرى غير ما سبق ‪.‬‬
‫وهذه المزايا التي تنفرد بالتميز بها طائفة عن أخرى راجعة إلى خصائص‬
‫موجودة في أصل التركيب‪ ,‬وأصل الفطرة عند هؤلء القوم‪ ,‬فخالد‪ :‬جبل‬
‫على الشجاعة‪ ,‬وابن مسعود‪ :‬منح من قوة الذاكرة‪ ,‬وقوة الستنباط‪ ,‬والجلد‬
‫في طلب العلم ما ليس عند غيره ‪ ...‬وهكذا ‪.‬‬
‫أمور يجب مراعاتها‪:‬‬
‫ومن مجموع هذه الخصائص يتكون المجتمع المسلم‪ ,‬وهذا أمر لبد من‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مراعاته في هذه الصورة المثالية في مجتمع الصحابة‪ :‬يجب أن نعمل على‬


‫أن نتمثلها في واقعنا اليوم‪ ,‬ونحن نسعى إلى تكوين المجتمع المسلم‬
‫ل‪ :‬أن يلتزم كل فرد‬ ‫الصحيح الذي يتأسى بمجتمع الصحابة‪ ,‬فندرك أنه لبد أو ً‬
‫منا بقدر معين من الخصائص والصفات‪ ,‬فيكون هذا القدر مشتركا بين جميع‬
‫الفراد‪ ,‬فكل فرد لبد أن يتعلم من العلم الشرعي ما يحتاج إليه في حياته‬
‫العملية‪ ...‬وأن يعرف العقيدة الصحيحة‪ -‬ليس عن طريق التقليد‪ ,‬والوراثة‬
‫بل‪ -‬عن طريق التلقي‪ ,‬ومعرفة الدليل ‪ ...‬وكل فرد لبد أن يلتزم بقدر من‬
‫العمل‪ ,‬والعبادة‪ ,‬والقيام بما لبد منه في ذلك ‪ ...‬ثم بعد ذلك يتفاوت الفراد‪,‬‬
‫فيوجد منهم من يشعر بميل إلى اللتزام بطلب العلم الشرعي؛ لنه يحس‬
‫أن هذا المر خلق له‪ ,‬ويستطيع أن يبرز وينتج فيه أكثر من غيره حيث يملك‬
‫أداته‪ ,‬فيتجه إلى هذا العلم ويحقق فيه من النتائج الشيء الكثير ‪ ...‬ونجد‬
‫إنسانا آخر‪ :‬يحس أنه يمكن أن يحقق لنفسه وللمسلمين في مجال تعلم‬
‫الطب ما لم يحقق في غيره ‪ ...‬وثالث‪ :‬يشعر إنه يمكن أن يحقق في مجال‬
‫تعلم الهندسة ما ل يحقق في غيره‪ ...‬ورابع‪ :‬تجد أنه يمكن أن يحقق في‬
‫مجال تعلم صناعة من الصناعات‪ ,‬أو حرفة من الحرف التي ل تحصر ما ل‬
‫يحقق في غير هذا المجال‪ ,‬فعلي النسان أن ينظر في المجال الذي يحس‬
‫أن نفسه إليه أميل‪ ,‬وطبعه به أوفق‪ ,‬فيعمل علي التوجه إلى هذا المجال؛‬
‫لينجح فيه‪ ,‬ويخدم نفسه والمسلمين من خلله ما لم يكن هذا المجال مجال ً‬
‫غير مشروع ‪.‬‬
‫وهذه القضية إن كان علماء التربية اليوم يتحدثون عنها إل أننا لسنا بحاجة‬
‫إلى أن ننقل كلمهم كيف ونحن نجد من نصوص علمائنا السابقين ما يغنينا‬
‫عن ذلك‪:‬فهذا المام ابن القيم رحمه الله يقول في كتابه' أحكام المولود'‬
‫وهو يتحدث عن الطفال‪ ,‬وتعليمهم‪' :‬ومما ينبغي أن يعتمد‪ :‬حال الصبي‪ ,‬وما‬
‫هو مستعد له من العمال‪ ,‬ومهيأ له منها مما كان مأذونا فيه شرعا‪ ,‬فيعلم‬
‫مَرّبي يجب أن يتأمل حال‬ ‫إنه مخلوق له فل يحمله علي غيره' يعني أن ال ُ‬
‫مَرّبى‪ ,‬وما هو مهيأ له بأصل الخلقة‪ ,‬والطبيعة‪ ,‬فيوجهه إلى ذلك‪ ,‬ول يحمله‬ ‫ال ُ‬
‫علي غيره‪ ,‬يقول‪ ':‬فإنه إذا حمل علي غير ما هو مستعد له؛ لم يفلح فيه‪ ,‬و‬
‫فاته ما هو مهيأ له‪ ,‬فإذا رآه حسن السمع‪ ,‬صحيح الدراك‪ ,‬جيد الحفظ‪ ,‬واعيا‪,‬‬
‫فهذه من علمات قبوله‪ ,‬وتهيؤه للعلم‪ ,‬وإن رآه خلف ذلك من كل وجهة‪,‬‬
‫وهو مستعد للفروسية وأسبابها‪ :‬من الركوب والرمي واللعب بالرمح‪ ,‬وإنه ل‬
‫نفاذ له في العلم‪ ,‬ولم يخلق له مكّنه من أسباب الفروسية‪ ,‬والتمرن عليها‪,‬‬
‫فإنه أنفع له وللمسلمين‪ ,‬وإن رآه بخلف‪ ,‬وإنه لم يخلق له ورأى عينه‬
‫مفتوحة إلى صنعة من الصنائع‪ ,‬ورآه مستعدا ً لها‪ ,‬قابل لها‪ ,‬وهي صنعة مباحة‬
‫نافعة للناس‪ ,‬فيمكنه منها هذا كله بعد تعليمه ما يحتاج إليه في دينه' ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إذا ً ابن القيم أشار إلى القدر الذي لبد منه لكل إنسان‪ ,‬وهو تعلم كل ما‬
‫يحتاج إليه في دينه‪ ,‬ثم أشار بعد ذلك إلى أن الولى بالنسان أن ينظر سواء‬
‫في نفسه‪ ,‬أو فيمن يربيه فيما هو مستعد له فطرة وخلقة‪ ,‬فيوجهه إلى ذلك‪,‬‬
‫فإنه إن وجهه إلى غيره؛ لم يفلح فيما وجهه إليه‪ ,‬وخسر الشيء الذي كان‬
‫مستعدا ً له؛ لنه لم يشتغل به‪ ,‬وهذا ملمح مهم جدا ً في قضية التوازن‪ ,‬وحين‬
‫ننظر إلى جانب معين من جوانب التوازن‪ ,‬فمثل‪ :‬جانب العلم لنفترض أنك‬
‫بعد أن تأملت نفسك وفكرت في الخصائص والمواهب التي منحك الله‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وجدت أنك تميل إلى تعلم العلوم الشرعية وتحصيلها‪ ,‬وهذا لشك مهم جدا ً‬
‫ول غنى للمسلمين عنه في حال من الحوال‪ ,‬فحينئذ ستجد نفسك أمام عدد‬
‫كبير من العلوم‪ :‬أمام تعلم التفسير المتعلق بكتاب الله وكتاب الله هو‬
‫أشرف الكتب وأعظمها‪ ,‬والمسلم بحاجة إلى معرفته قبل معرفة غيره‪ ,‬وهذا‬
‫يدعوك إلى العناية بالتفسير‪ ,‬فإذا التفت من جانب آخر وجدت أن السنة‬
‫تفسر القرآن‪ ,‬وتبين مجمله‪ ,‬وتقيد مطلقه‪ ,‬وتخصص عامه‪ ,‬فأنت بحاجة إذا ً‬
‫إلى معرفة السنة حتى تفهم القرآن فهما صحيحًا‪ ,‬وإذا نظرت إلى جانب‬
‫ثالث‪ :‬وجدت أن علم العقائد أصل‪ ,‬وأن كل علم قبل هذا العلم ل يكفي‪ ,‬وأن‬
‫النسان إذا فسدت عقيدته ل ينفعه بعد ذلك ما حصل من العلوم‪ ...‬وهكذا‬
‫كل علم يبدي حجته؛ تجد أنك تحكم له‪ ,‬وتقول‪ :‬هذا العلم أولى من غيره‪,‬‬
‫ولذلك تجد أن بعض الطلبة ينتقل بين هذه العلوم بطريقة فردية غير‬
‫منضبطة ول مستقرة‪ ,‬فهو اليوم متجه إلى تعلم التفسير‪ ,‬فتلقاه بعد شهر أو‬
‫شهرين قد ترك الكتب التي بدأها والبرنامج الذي ألزم نفسه في تعلم‬
‫التفسير واتجه إلى حفظ السنة‪ ,‬فتلقاه بعد سنة وقد قطع هذا العمل على‬
‫نفسه‪ ,‬وقال‪ :‬لبد أن أتعلم العقيدة‪ ,‬فهي أساس كل شيء فل يكاد أن يبدأ‬
‫بتعلم العقيدة حتى ينتقل منها إلى الفقه‪ ,‬وهو يقول‪ :‬الفقه علم عملي‬
‫والناس محتاجون إليه في كل حركة وكل سكنة‪ ,‬ولبد من تعلم هذا العلم‬
‫لسد حاجة الناس‪ ...‬بل أعجب من ذلك أنك تجد بعض الشباب يتجه إلى‬
‫طلب علم من العلوم‪ ,‬فيلقاه بعض من حوله‪ ,‬فيسأله سؤال ً يتعلق بعلم آخر‪,‬‬
‫فيجد نفسه حائرا ً أمام هذا السؤال الذي وجه إليه ل يستطيع الجابة عليه‬
‫فهذا السؤال وهذه الحيرة أملت عليه التجاه إلى العلم الذي يتعلق بهذا‬
‫السؤال‪ ,‬فإذا كان السؤال فقهيًا؛ اتجه إلى الفقه؛ لنه شعر من خلل عجزه‬
‫عن الجابة على هذا السؤال بضرورة تعلم الحكام التفصيلية وأدلتها‪ ,‬فإذا بدأ‬
‫وجه إليه سؤال آخر وثالث ‪ ...‬وهكذا‪ ,‬فيكون النسان مترددا ً ل يكاد أن‬
‫يستقر على حال بسبب ضعف انتباه النسان لنفسه‪ ,‬وضعف ضبطه للطريقة‬
‫الصحيحة التي يجب أن يتعلم بها‪ ,‬وبسبب عدم وجود المربى‪ ,‬أو الموجه‬
‫الذي ينتفع النسان بخبرته ومعرفته في هذا المجال‪.‬‬
‫ولذلك قال علماؤنا السابقون‪ :‬إن النسان إذا وجد في نفسه ميل إلى علم‬
‫من العلوم ينبغي عليه أن يركز في هذا العلم الذي شعر بأنه يميل إليه‪ ,‬ولو‬
‫كان هذا العلم مفضول‪ ,‬فمثل لو وجدت في نفسك ميل ً إلى علم التاريخ‪,‬‬
‫وأنك تبدع فيه أكثر من غيره‪ ,‬فإنك حينئذ ينبغي ‪ -‬بعد أن تتعلم بعض علوم‬
‫الشرع التي ل بد لك منها‪ -‬أن تركز على تعلم علم التاريخ‪ ,‬وأن تخدم السلم‬
‫من خلل هذا العلم‪ ,‬فتبين مثل ً المرويات الباطلة التي دسها الرافضة‪,‬‬
‫وغيرهم من أعداء السلم في كتب التاريخ‪ ,‬وشوهوا بها سيرة أصحاب النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬بل شوهوا التاريخ السلمي‪ ,‬وخاصة القرون المفضلة‪,‬‬
‫فأنت مؤرخ تخدم السلم من خلل تمحيص التاريخ السلمي‪ ,‬ومن خلل‬
‫دراستك للتاريخ دراسة صحيحة‪ ,‬وبيانك للصورة المشرقة التي رسمها‬
‫المسلمون الولون حتى ينسج المسلمون على منوالها‪ ,‬فيعرفوا التصرف‬
‫الصحيح‪ ,‬فيمتثلون‪ ,‬ويعرفوا ما تبين عدم صحته فيجتنبوه‪ ,‬ولذلك قال الشاعر‬
‫‪:‬‬
‫ومن وعى التاريخ في صدره أضاف أعمارا إلى عمره‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وما يمكن أن يقال في التاريخ مثل يمكن أن يقال في علم آخر‪ ,‬ولذلك قال‬
‫المام ابن حزم في كتابه الذي سماه‪ ':‬الخلق والسير في مداواة‬
‫النفوس' ‪ ':‬من مال بطبعه إلى علم ما ولو كان أدنى من غيره‪ ,‬فل يشغلها‬
‫بسواه‪ ,‬فيكون كغارس النارجيل في الندلس‪ ,‬وكغارس الزيتون في الهند'‬
‫وهذا كله ل يثمر‪ ,‬فحين تغرس نوعا ً من الشجر في بلد ل تصلح تربته‪ ,‬أو ل‬
‫يصلح جوه‪ ,‬فإنه يموت‪ ,‬فتخسر الشجرة‪ ,‬وتخسر الجهد الذي بذلته‪ ,‬والوقت‬
‫والرض ‪ ...‬وهكذا من وجه نفسه إلى علم ل يحسنه؛ يتعب كثيرا ً ول يحصل‬
‫فيه إل القليل‪ ,‬بل إنني أقول‪ :‬إن المر يتعدى ذلك‪ ,‬فإن كثيرا ً ممن يسيئون‬
‫إلى العلم الشرعي ويخطئون من حيث أرادوا الصواب والحسان هم من‬
‫أقحموا أنفسهم في هذه المجالت‪ ,‬وهم ليملكون أداتها ول آلتها ولم يخلقوا‬
‫لها‪ ,‬فجاءوا من الراء والنظريات والقوال بالشيء الغريب الذي لم يسبقوا‬
‫إليه‪ ,‬وتجد كثيرا من الشباب خاصة في بداية الطلب‪ ,‬وفي غمرة الحماس قد‬
‫يأتون بآراء وأقوال في منتهى الغرابة‪ ,‬وقد يصدر منهم أيضا من التصرفات‬
‫والمواقف الشيء الكثير‪ ,‬ول حاجة إلى ضرب المثلة لذلك‪ ,‬فهي معروفة‬
‫لدى الكثير ‪.‬‬
‫إننا حين ندرك المواهب التي وهبنا الله عز وجل إياها و الشياء التي نستطيع‬
‫أن نفلح فيها أكثر من غيرها‪ ,‬فإننا بذلك نوفر على أنفسنا جهدا ً وعناًء كبيرًا‪,‬‬
‫ونقدم للدين الذي نحبه ونحب أن نضحي في سبيله شيئا كثيرا‪ ,‬وفي نفس‬
‫الوقت نكون قد تناوبنا القيام بفروض الكفايات التي أوجبها الله علينا‪ ,‬فإن‬
‫تعلم هذه العلوم فيما عدا العلم الذي يخص الشخص هو من باب فروض‬
‫الكفايات‪ ,‬حتى علوم الصناعات التي يحتاجها المسلمون في حياتهم العملية‬
‫هو فرض كفاية‪ ,‬وكذلك تعلم العلوم الزائدة التي يحتاجها الناس‪ ,‬فإذا قام كل‬
‫واحد منا بالتعرف على العلم الذي يحسنه‪ ,‬فوجه همه إليه‪ ,‬أو التعرف على‬
‫الشيء الذي يناسبه‪ -‬ولو لم يكن علما‪ -‬ووجه همه إليه‪ ,‬فإنا سنجد في النهاية‬
‫أننا بمجموعنا أفلحنا في تكوين مجتمع إسلمي متكامل‪ ,‬يتناوب أفراده القيام‬
‫بفروض الكفاية‪ ,‬ول يوجد فرد في غير محله‪ ,‬فكل فرد في موقعه الطبيعي ‪.‬‬
‫ول شك أن النسان قد يقول‪ :‬كيف لي أن أعرف الموهبة التي يمكن أن أجيد‬
‫فيها؟ وهذا فعل ل يتحقق في كثير من الحيان إل بنوع من النتباه والتجربة‪,‬‬
‫ففي بعض الحيان تكون مواهب النسان بارزة ومتجهة إلى شيء معين‪,‬‬
‫وهذا ل إشكال فيه‪ ...‬لكن أحيانا ً أخرى تكون هذه المواهب خفيه تحتاج إلى‬
‫تجربة‪ ,‬واستشارة‪ ,‬و بالتجربة‪ ,‬والنتباه والستشارة يصل النسان إلى الموقع‬
‫المناسب‪.‬‬
‫ويجب علينا أن ندرك أن الله حين قسم بيننا هذه المواهب‪ ,‬وهذه الملكات‬
‫أراد منا أن نستثمرها في طاعته‪ ,‬وفيما يريده؛ ولذلك فإننا حين نضيعها نكون‬
‫ذي‬ ‫قد ظلمنا أنفسنا‪ ,‬وتعرضنا لسخط الله‪ ,‬أو عقابه‪ ,‬اقرأ قول الله‪ { :‬وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫خل َئ ِ َ َ‬
‫ما آَتاك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ت ل ّي َب ْل ُوَك ُ ْ‬
‫م ِفي َ‬ ‫جا ٍ‬ ‫م فَوْقَ ب َعْ ٍ‬
‫ض د ََر َ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ض وََرفَعَ ب َعْ َ‬ ‫ف الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫جعَل َك ُ ْ‬‫َ‬
‫م ]‪ } [165‬سورة النعام‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫َ‬
‫ه لغَ ُ‬ ‫ب وَإ ِن ّ ُ‬ ‫قا ِ‬ ‫ْ‬
‫ريعُ العِ َ‬
‫س ِ‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّك َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ض } فنحن مستخلفون في هذه الرض‪,‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ف َ الْر ِ‬ ‫خلئ ِ َ‬
‫َ‬
‫م َ‬ ‫جعَلك ْ‬ ‫تأمل هذه الية‪َ {:‬‬
‫م ِفيَها ]‪} [61‬سورة‬ ‫ُ‬
‫مَرك ْ‬ ‫ست َعْ َ‬‫ض َوا ْ‬ ‫ُ‬ ‫ومطالبون بعمارتها‪ { .‬هُوَ أن َ‬
‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫شأكم ّ‬
‫هود ‪ .‬ومطالبون بإقامة دين الله فيها بكل‬
‫جوانبه‪ ,‬ودين الله ل يقوم به إل من أحاطه بجميع جوانبه‪ ,‬مطالبون بجميع‬
‫ت} إذًا‪ :‬فالناس درجات‬ ‫جا ٍ‬ ‫ض د ََر َ‬ ‫م فَوْقَ ب َعْ ٍ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ذلك‪ ,‬ثم قال‪ { :‬وََرفَعَ ب َعْ َ‬
‫متفاوتة منهم‪ :‬من جمع من الفضل والخير أنواعا كثيرة‪ ,‬ومنهم‪ :‬دون ذلك‪,‬‬
‫ومنهم‪ :‬الفاضل في مجال‪ ,‬ومنهم‪ :‬الفاضل في مجال آخر‪ ,‬منهم‪ :‬العالم‪,‬‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومنهم العابد‪ ,‬ومنهم المجاهد‪ ...‬وهذه درجات متفاوتة وأنواع من الفضل‪{ :‬‬
‫م} إذًا‪:‬هذا الفضل هو ابتلء واختبار‪ ,‬من هو الذي ينجح في‬ ‫ما آَتاك ُ ْ‬
‫م ِفي َ‬ ‫ل ّي َب ْل ُوَك ُ ْ‬
‫هذا البتلء‪ ,‬فيقوم بما أوجب الله عليه بتوجيه المواهب الفطرية توجيها ً‬
‫صحيحا ً يخدم السلم‪ ,‬وبالستفادة مما اكتسبه في طاعة الله‪ ,‬ومن هو الذي‬
‫يخفق في هذا المتحان‪ ,‬فيوجه مواهبه توجيها ً غير صحيح‪ ,‬أو يوجه ما اكتسبه‬
‫في معصية الله‪ ,‬أو في الث‪,‬م أو في أشياء ل فائدة منها‪ ,‬ثم ختم الية‬
‫ه‬
‫ب وَإ ِن ّ ُ‬ ‫ريعُ ال ْعِ َ‬
‫قا ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫ك َ‬ ‫بالشارة إلى العقاب وإلى مغفرة الله ورحمته‪{:‬إ ِ ّ‬
‫م } وهذا دليل جلي واضح على أنه ينبغي للشاب المسلم أن‬ ‫حي ٌ‬
‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ل َغَ ُ‬
‫يستثمر مواهبه وطاقاته في خدمة السلم‪ ,‬ويدرك أن كل طاقة عنده مهما‬
‫تكن بسيطة ينبغي أن توجه توجيها ً صحيحا ً …‬

‫)‪(4 /‬‬

‫إن من الخطأ أن يكون الشاب في بناء شخصيته متذبذبا ً منتقل من طرف‬


‫إلى طرف بل ينبغي له أن يرسم لنفسه منهجا متوازنا ً معتدل يجمع بين‬
‫العمل والعبادة والعمل ثم يحرص على البروز أكثر وأكثر في المجال الذي‬
‫يحسن فيه ‪...‬وفي الختام أتوجه إلى الله تعالى وأسأله أن يوفقنا للستفادة‬
‫مما وهبنا في طاعته وأن يجعلني وإياكم ممن صرفوا جميع إمكانياتهم في‬
‫سبيل الله تعالى‪ ,‬وأن ل يجعل حظنا هو الكلم‪ ,‬أو الستماع‪ ,‬وأصلى وأسلم‬
‫على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫التواصي على الدعوة إلى الله‬


‫________________________________________‬
‫يقو ل الله عز وجل في سورة العصر‪:‬‬
‫)) والعصر‪ ،‬إن النسان لفي خسر‪ ،‬إل الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا‬
‫بالحق وتواصوا بالصبر ((‬
‫سورة عظيمة تبين المنهج الذي ضل عنه كثير من الناس تبين إن اليمان هو‬
‫الصل الذي تتفرع منه جميع الصول‪ ،‬والعمل الصالح هو النتيجة الحتمية‬
‫لليمان الذي استقر في القلوب يقول سيد قطب رحمه الله‪ )):‬فاليمان‬
‫حقيقة إيجابية متحركة ما إن تستقر في الضمير حتى تسعى بذاتها إلى‬
‫تحقيق ذاتها في الخارج بصورة عمل صالح ((‪.‬‬
‫ول يفوح ريحان اليمان والعمل الصالح في ميادين المة السلمية إل‬
‫بالتواصي بالحق وبالتواصي بالصبر لذا على الدعاة إلى الله أن يتواصوا‬
‫بالحق الذي يحملونه ول يكون ذلك إل بالعلم والعمل لن الحق ل يحق في‬
‫ق ضاعت لنها لم تجد‬ ‫أرض الواقع بمجرد قناعتنا وإيماننا به فكم من فكرة ح ٍ‬
‫من يضحى ويصبر من أجلها‪.‬‬
‫فيا دعاة الحق تواصوا بالصبر على طاعة الله وفرائضه‪ ،‬بالصبر عن معاصي‬
‫الله‪ ،‬بالصبر على الدعوة إلى الله بالصبر على‬
‫خدمة دين الله بالصبر على طول الطريق وكثرة العقبات‪ ،‬يقول سيد قطب‬
‫رحمه الله‪ )) :‬والتواصي بالصبر يضاعف المقدرة‪ ،‬بما يبعثه من إحساس‬
‫بوحدة الهدف‪ ،‬و وحدة المتجه وتساند الجميع‪ ،‬وتزودهم بالحب والعزم‬
‫والصرار((‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولقد رأينا زحف التيار الل أخلقي في مجتمعاتنا السلمية وذلك باسم الحرية‬
‫والتطور والنفتاح ‪،‬وسبيلنا الوحيد لوقف النحطاط في السلوك والقيم هو‬
‫التواصي على الدعوة إلى الله فنبذل كل ما لدينا لصلح ماحو لنا ‪ ،‬وإمامنا‬
‫في ذلك سيد المرسلين ) صلى الله عليه وسلم ( قال الله تعالى‪)):‬يا أيها‬
‫المدثر‪ ،‬قم فأنذر‪ ،‬وربك فكبر‪ ،‬وثيابك فطهر‪ ،‬والرجز فاهجر‪ ،‬ول تمنن‬
‫تستكثر‪ ،‬ولربك فاصبر (( سورة المدثر‬
‫يقول المام أبن كثير – رحمه الله في تفسير الية‪ " :‬وقام حينئذ رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم في الرسالة أتم القيام‪ ،‬وشمر عن ساق العزم‪ ،‬ودعا‬
‫إلى الله القريب والبعيد‪ ،‬والحرار والعبيد فأمن به حينئذ كل لبيب نجيب‬
‫سعيد‪ ،‬واستمر على مخالفته وعصيانه كل جبار عنيد"‬
‫الداعية‪....‬حبيب الله‬
‫والدعوة إلى الله من أفضل مقامات العبودية كما اخبر بذلك ابن الجو زى‬
‫قال الله عز وجل ‪ )):‬ومن أحسن قول ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال‬
‫إنني من المسلمين (( سورة فصلت‬
‫ويكفيك شرفا أخي المسلم أن تكون داعية إلى الله‪ ،‬يقول الحسن البصري‬
‫رحمه الله في تفسير اليه‪ ":‬هذا حبيب الله‪ ،‬هذا ولي الله‪ ،‬هذا صفوة الله‪،‬‬
‫هذا خيرة الله‪ ،‬هذا أحب أهل الرض إلى الله‪ ،‬أجاب الله في دعوته‪ ،‬ودعا‬
‫الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته‪ ،‬وعمل صالحا في إجابته‪ ،‬وقال إنني‬
‫من المسلمين"‬
‫والخير في امة السلم مرتبط ارتباط وثيق بالدعوة إلى الله‪ ،‬قال الله عز‬
‫وجل‪:‬‬
‫)) كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر‬
‫وتؤمنون بالله ((آل عمران‬
‫داعية‪ ....‬أينما كنت‬
‫والمسلم يجب إن يكون داعي إلى الله في بيته مع زوجته وأبناءه بين‬
‫أصدقاءه وجيرانه في وظيفته في صباحه ومسائه في كل مكان فهو كالغيث‬
‫أينما وقع نفع‪ ،‬لذا على الداعية إلى الله أن يتحرى الصدق والمانه فيما يفعله‬
‫ويقوله‪ ،‬ولقد حذرنا الله عز وجل في قوله‪)) :‬أتأمرون الناس بالبر وتنسون‬
‫أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفل تعقلون ((‬
‫يقول سيد قطب –رحمه الله‪ " :-‬إن آفة رجال الدين – حين يصبح الدين‬
‫حرفة وصناعة ل عقيدة حارة دافعة‪ ،‬إنهم يقولون بأفواههم ما ليس في‬
‫قلوبهم يأمرون بالخير ول يفعلونه ويدعون إلى الخير ويهملونه ويحرفون‬
‫الكلم عن مواضعه ويؤولون النصوص القاطعة خدمة للغرض والهوى‪،‬‬
‫والدعوة إلى البر والمخالفة عنه في سلوك الداعين إليه هي الفه التي‬
‫تصيب النفوس بالشك لفى الدعاة وحدهم ولكن في الدعوات ذاتها "‬
‫والصدق في الدعوة إلى الله هو السبيل الذي يفتح الله به قلوب الخلق‪،‬‬
‫واستمع إلى ما قاله ابن القيم الجو زيه في وصف منزلة الصدق‪ " :‬هو الذي‬
‫منه تنشأ جميع منازل السالكين‪ ،‬والطريق القوم الذي من لم يسر عليه فهو‬
‫من المنقطعين الهالكين‪ ،‬وبه تميز أهل النفاق من أهل اليمان وسكان‬
‫الجنان من أهل النيران‪ ،‬وهو سيف الله في أرضه الذي ما وضع على شيء‬
‫إل قطعه ول واجه باطل إل أرداه وصرعه‪ ،‬من صال به لم ترد صولته‪ ،‬ومن‬
‫نطق به علت على الخصوم كلمته فهو روح العمال ومحك الحوال والحامل‬
‫على اقتحام الهوال والباب الذي دخل من الواصلون إلى حضرة ذي الجلل "‬
‫‪ -‬الدعوة إلى الله ومهارات التصال مع الخرين والتأثير فيهم ‪:‬‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ا لتصال مصطلح شاع وكثر استعماله بين أصحاب علم الدارة والمراد به‪)) :‬‬
‫سلوك أفضل السبل والوسائل لنقل المعلومات والمعاني والحاسيس والراء‬
‫إلى أشخاص آخرين والتأثير في أفكارهم وتوجهاتهم وإقناعهم بما تريد سواء‬
‫كان ذلك بطريقه لغوية أو غير لغوية((‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وللتصال أنواع منها التصال بالكلم والتصال بالعيون والتصال بتعبير الوجه‬
‫وحركة الجسم وفيما يلي أهم القواعد في بناء التصالت والعلقات مع‬
‫الخرين‪:‬‬
‫‪ - 1‬أصلح ما بينك وبين الله يصلح الله ما بينك وبين الناس ‪،‬لن القلوب بيد‬
‫الله يصرفها كيف يشاء قال الله تعالى‪ }:‬فإن حسبك الله هو الذي أيدك‬
‫بنصره وبالمؤمنين ) ( وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الرض جميعا ً ما‬
‫ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم {‬
‫‪-2‬أفش السلم وجعل البتسامة رسولك إلى قلوب الخرين فهي مفتاحك‬
‫لبواب النفوس قال صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬تبسمك في وجه أخيك‬
‫صدقة ((‬
‫‪-3‬اعرف نمط النسان الذي تتعامل معه واختر كلماتك بعناية وكن وفيا ً‬
‫بالوعد صادقا ً بالحديث واحذر من جمود القسمات وغلظة الوجه ‪.‬‬
‫يقول الشاعر‪:‬‬
‫ل فاعل ً وكان حيائي كافلي وضميني‬ ‫إذا ما قلت كنت للقو ِ‬
‫تبشر عنى بالوفاِء بشاشتي وينطق نور الصدق فوق جبيني‬
‫‪ -4‬احتفظ بهدوئك ورباطة جأشك عند الستفزاز من الطرف الخر وتذكر‬
‫وصية المصطفى صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬ل تغضب ‪،‬ل تغضب ‪ ،‬ل تغضب((‬
‫‪ -5‬الهدية الجميلة وإن صغرت وهى من وسائل كسب القلوب وبناء العلقة‬
‫مع الناس قال عليه الصلة والسلم‪ )) :‬تهادوا تحابوا (( ‪.‬‬
‫‪ – 6‬احرص على نظافة البدن والفم والملبس و الناقة الغير مبالغ فيها وكن‬
‫ذو بساطة ول تتكلف في التعامل وهذا كله من أدب السلم‪ ،‬قال القرطبي‬
‫في تفسير قول الله عز وجل } قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده‬
‫والطيبات من الرزق{‪)) :‬روى مكحول عن عائشة )رضي الله عنها( قالت‪:‬‬
‫كان نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه على الباب‬
‫فخرج يريدهم وفى الدار ركوة فيها ماء فجعل ينظر في الماء ويسوى لحيته‬
‫وشعره‪ .‬قالت عائشة‪:‬فقلت له‪:‬يا رسول الله‪ ،‬وأنت تفعل هذا ؟ قال‪:‬نعم‪ ،‬إذ‬
‫خرج الرجل إلى إخوانه فليهيئ من نفسه فإن الله جميل يحب الجمال((‬
‫في الختام اسأل الله عزوجل أن يجعلنا دعاة صادقين هداة مهتدين ‪ ،‬متبعين‬
‫ومقتدين بسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم‬
‫مراجع‪:‬‬
‫حتى لتكون كل د‪ .‬عوض القرني‬
‫شخصية المسلم د‪ .‬محمد الهاشمي‬
‫في ظلل القران سيد قطب‬
‫الدعوة الفردية محمد السيد الوكيل‬
‫تأليف‪ :‬عمر سالم المطوع‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ضعُ والشكر‬ ‫التوا ُ‬


‫د‪ .‬محمد عمر دولة*‬
‫مه العظيمة؛ حتى نشعَر‬ ‫معرفةِ ن ِعَ ِ‬ ‫قلوِبنا على َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن ُيقب ِل ب ِ ُ‬ ‫من ن ِعَِم ِ الله علينا‪ :‬أ ْ‬ ‫ِ‬
‫ةل‬ ‫ٌ‬ ‫رحم‬ ‫وتلك‬ ‫لغة؛‬ ‫ِ‬ ‫البا‬ ‫ة‬
‫ِ ِ‬ ‫بغ‬ ‫السا‬ ‫ة‬
‫ّ ِ‬ ‫نعم‬ ‫ال‬ ‫بهذه‬ ‫س‬
‫ُ ِ ّ‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫سعة‬ ‫ِ‬ ‫الوا‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫الرحم‬ ‫بهذه‬
‫ظ عظيم!‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬ ‫ذو‬ ‫إل‬ ‫قاها‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ة‬
‫ِ ٌ‬ ‫نعم‬ ‫و‬ ‫قون‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫المو‬ ‫ُيؤتاها إل‬
‫ة‬
‫ن َرحم ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ت َعِْبيَره عن هذا المعنى بقوِله‪ِ " :‬‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل؛ ما أ ْ‬ ‫ظل ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ولله د َّر صاح ِ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ض عَلْيك؛ ولك ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫في ُ‬ ‫مُرك وت َ ِ‬ ‫مك وت َغْ ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫ة اللهِ ت َ ُ‬ ‫س ب َِرحمةِ الله؛ فرحم ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫الله أ ْ‬
‫قُتك‬ ‫ة‪ ،‬وث ِ َ‬ ‫ة‪ ،‬وَرجاؤك فيها وت َطلُعك إليها هو الّرحم ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫وجوِدها هو الّرحم ُ‬ ‫شُعوُرك ب ِ ُ‬ ‫ُ‬
‫من رحمةٍ ساِبغةٍٍ ل يشعُُر بها‬ ‫كم ِ‬ ‫مرٍ هو الّرحمة"!]‪ [1‬ف َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫بها وت َوَقُّعها في ك ّ‬
‫عباِبها‬ ‫ل! وهم يسبحون في ُ‬ ‫قون لها با ً‬ ‫ْ‬
‫قدُِروَنها حقّ قدِرها‪ ،‬ول ي ُل ُ‬ ‫س‪ ،‬ول ي َ ْ‬ ‫النا ُ‬
‫من عندِ الله‪ ،‬وأنه لول َفضلهُ‬ ‫ة ِ‬ ‫ن هذه النعم َ‬ ‫شُعوُر الصادِقُ بأ ّ‬ ‫ح مساء! فال ّ‬ ‫صبا َ‬
‫ة!‬
‫سعاد ُ‬ ‫ة وال ّ‬ ‫ة والنعم ُ‬ ‫ده ما كانت‪ :‬هو الرحم ُ‬ ‫حساُنه ل ِعَِبي ِ‬ ‫مه وإ ْ‬ ‫وكَر ُ‬
‫ن الله(!]‬ ‫م َ‬ ‫من ِنعمةٍٍ ف ِ‬ ‫ُ‬
‫ل‪) :‬وما ب ِكم ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫ل الله عّز و َ‬ ‫مّر على قو ِ‬ ‫ل يَ ُ‬ ‫من رج ٍٍ‬ ‫وكأّين ِ‬
‫شكَره عليها! والله‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫ة من ن ِعَم ِ الله عليه؛ فضل عن أن ي َ ْ‬ ‫‪ [2‬ثم ل يذكر نعم ً‬
‫المستعان!‬
‫عملهُ‬ ‫جي أحدا منكم َ‬ ‫ً‬ ‫ل الله ‪ r‬أنه قال‪) :‬ل ي ُن ْ ِ‬ ‫وقد روى أبو هريرة ‪ t‬عن رسو ِ‬
‫دني الله برحمته؛‬ ‫م‬
‫ْ َ َ ّ َ‬ ‫غ‬ ‫يت‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫إل‬ ‫أنا؛‬ ‫ول‬ ‫فقال‪:‬‬ ‫الله؟‬ ‫ل‬‫ت يا رسو َ‬ ‫فقال رجل‪ :‬ول أن َ‬
‫ن أحدا ً منكم ليس‬ ‫سد ُّدوا وقاِربوا واعلموا أ ّ‬ ‫ة‪َ ) :‬‬ ‫سد ُّدوا(‪ [3].‬وفي رواي ٍ‬ ‫ولكن َ‬
‫دني الله‬ ‫م َ‬ ‫ن َيتغ ّ‬ ‫ل الله؟ قال‪ :‬ول أنا؛ إل أ ْ‬ ‫ت يا رسو َ‬ ‫عمُله قالوا‪ :‬ول أن َ‬ ‫جيهِ َ‬ ‫من ِ‬ ‫بِ ُ‬
‫ت يا رسو َ‬
‫ل‬ ‫مُله‪ ،‬قالوا‪ :‬ول أن َ‬ ‫جيهِ عَ َ‬ ‫حد ٌ ي ُن ْ ِ‬ ‫منكم أ َ‬ ‫برحمِته(‪ [4].‬وفي رواية‪) :‬ما ِ‬
‫سد ُّدوا وقارُِبوا وقَّرُبوا‬ ‫مدِني الله برحمةٍ منه؛ َ‬ ‫الله؟ قال‪ :‬ول أنا؛ إل أن يتغ ّ‬
‫قصد َ القصد َ َتبلُغوا(‪ [5].‬وفي رواية‪) :‬لن‬ ‫ُ‬ ‫دوا وشيٌء من الد ّلجة وال َ‬ ‫ْ‬ ‫حوا واغْ ُ‬ ‫وُرو ُ‬
‫ل الله؟ قال‪ :‬ول إياي؛ إل أن‬ ‫حد ٌ ب َِعمِله! قالوا‪ :‬ول إياك يا رسو َ‬ ‫ةأ َ‬ ‫ج الجن َ‬ ‫ي َل ِ َ‬
‫دني الله برحمِته‪ ،‬أو تسعَِني منه عافَِيته(‪[6].‬‬ ‫م َ‬ ‫يتغ ّ‬
‫حد ٌ إل‬ ‫ةأ َ‬ ‫ل الجن َ‬ ‫خ َ‬ ‫ل الله ‪) :r‬لن ي َد ْ ُ‬ ‫وروى أبو سعيد الخدري ‪ t‬قال‪ :‬قال رسو ُ‬
‫مد َِني الله‬ ‫ن َيتغَ ّ‬ ‫ت؟ قال‪ :‬ول أنا إل أ ْ‬ ‫ل الله ول أن َ‬ ‫مةِ الله‪ُ .‬قلنا‪ :‬يا رسو َ‬ ‫ح َ‬ ‫ب ِرِ ْ‬
‫سه(‪[7].‬‬ ‫ده فوقَ رأ ِ‬ ‫مِته‪ ،‬وقال ب ِي َ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ب َِر ْ‬
‫منكم‬ ‫سد ُّدوا؛ فإنه ليس أحد ٌ ِ‬ ‫ل الله ‪) :r‬قارُِبوا و َ‬ ‫وعن جابر ‪ t‬قال‪ :‬قال رسو ُ‬
‫مد َِني الله‬ ‫ن يتغ ّ‬ ‫مُله قالوا‪ :‬ول إياك يا رسول الله؟ قال‪ :‬ول إياي إل أ ْ‬ ‫َ‬ ‫جيهِ عَ َ‬ ‫ُين ِ‬
‫مله‪ ،‬قالوا‪ :‬ول‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫سد ُّدوا؛ فإنه لم ي ُن ِْج أحدا عَ َ‬ ‫برحمِته(‪ [8].‬وفي رواية‪) :‬قارُِبوا و َ‬
‫دني‬ ‫ّ َ‬ ‫م‬ ‫يتغ‬ ‫أن‬ ‫إل‬ ‫أنا‬ ‫ول‬ ‫وقال‪:‬‬ ‫سه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫رأ‬ ‫على‬ ‫ده‬ ‫ل الله؟ قال‪ :‬فوضع ي َ‬ ‫ت يا رسو َ‬ ‫أن َ‬
‫الله برحمته(‪[9].‬‬
‫وروى أسد بن كرز بن عامر بن عبقر القسري قال‪ :‬قال رسول الله ‪) r‬ل‬
‫ت يا رسول الله؟ قال‪:‬‬ ‫ة أحد ٌ ب َِعمله؛ ولكن برحمةِ الله‪ .‬قلت‪ :‬ول أن َ‬ ‫يدخل الجن َ‬
‫مِته(‪[10].‬‬ ‫ح َ‬ ‫دني الله ب َِر ْ‬ ‫م َ‬ ‫ول أنا إل أن يتلفاني الله أو قال‪ :‬يتغ ّ‬
‫د؛ )إل أن‬ ‫ددة الثرِي ّةِ بمعاني الحم ِ‬ ‫ظ المتع ّ‬ ‫ث بهذه اللفا ِ‬ ‫مْلنا هذا الحدي َ‬ ‫لو تأ ّ‬
‫سه؛ فيقول‪:‬‬ ‫دني الله برحمِته‪ ،‬أو تسعَِني منه عافَِيته(‪ .‬ويسأل ‪ r‬عن نف ِ‬ ‫م َ‬ ‫يتغ ّ‬
‫ض‬
‫في ُ‬ ‫دناه ي َ ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫َ‬
‫مِته(! لوَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫دني الله ب َِر ْ‬ ‫م َ‬‫)ول أنا إل أن يتلفاني الله أو قال‪ :‬يتغ ّ‬
‫م المتقين وسيد ُ‬ ‫ق الله وإما ُ‬ ‫ل الله ‪ r‬وخيُر خل ِ‬ ‫ضع؛ فهذا رسو ُ‬ ‫علينا ب َِينابيِع التوا ُ‬
‫َ‬
‫ب والشفيع في العالمين‬ ‫م من الذنو ِ‬ ‫مين المعصو ُ‬ ‫َ‬
‫ة الله للعال ِ‬ ‫سِلين وَرحم ُ‬ ‫المر َ‬
‫َ‬
‫ل عليه‪ ،‬فهو ل يسَتغِني عن ب ََركِته؛ بل‬ ‫ض ُ‬ ‫ل هو المتف ّ‬ ‫ج ّ‬ ‫ن الله عّز و َ‬ ‫يشهد بأ ّ‬
‫فر لهم ما‬ ‫ُ‬
‫قُر إلى رحمِته؛ فكيف ِبالُعصاةِ المذن ِِبين الذين ل ي َد ُْرون هل غ ِ‬ ‫َيفت ِ‬
‫دم من ذنبهم؟‬ ‫تق ّ‬
‫ُ‬
‫ل اللهِ عّز وجل علينا؛ لكان فضله تعالى‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫فض ِ‬ ‫م أعماِلنا ب ِ َ‬ ‫ت أعظ ُ‬ ‫س ْ‬ ‫فوالله لو ِقي َ‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قنا للقيام ِ‬ ‫ض ُ‬
‫ل علينا بتوِفي ِ‬ ‫ده المتف ّ‬ ‫ج ّ‬ ‫مه وتعالى َ‬ ‫م وأعظم! فإنه تبارك اس ُ‬ ‫أع َ ّ‬
‫ن من أدائها‪ ،‬ثم إعانتنا عليها‬ ‫ّ‬
‫رها حتى نتمك َ‬ ‫سي ِ‬ ‫ل‪ ،‬وت َذ ِْليِلها لنا وت َي ْ ِ‬ ‫بهذه العما ِ‬
‫قبوِلها‪،‬‬ ‫ضل ب ِ َ‬‫من القواِدح؛ ثم التف ّ‬ ‫صيان َِتها ِ‬ ‫ل‪ ،‬و ِ‬ ‫ف والشواِغ ِ‬ ‫ّ‬ ‫صوارِ ِ‬ ‫من ال ّ‬ ‫ظها ِ‬‫ف ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫بِ ِ‬
‫صور!‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ال‬ ‫من‬ ‫فيها‬ ‫عما‬ ‫وز‬
‫ُ‬ ‫والتجا‬
‫رها؛ ل ََيمل‬ ‫ِ‬ ‫شك‬‫ُ‬ ‫في‬ ‫علينا‬ ‫الله‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫لعظي‬ ‫كنا‬‫َ‬ ‫وإدرا‬ ‫عم‪..‬‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫بال‬ ‫تنا‬‫َ‬
‫ن َتما َ َ ْ ِ ِ‬
‫ف‬ ‫ر‬‫ع‬‫م‬ ‫م‬ ‫إ ّ‬
‫معْرِفََتنا‬ ‫ل والنكسار له تبارك وتعالى؛ إذ ْ إ ّ‬
‫ن َ‬ ‫ضِع لله عّز وج ّ‬ ‫قلوَبنا بروِح التوا ُ‬
‫ل الله علينا‪،‬‬ ‫ك َفض ِ‬‫دنا على إدرا ِ‬ ‫ع ُ‬
‫ِلهذه الن ّعَم ِ العظيمة واللِء الجسيمةِ ُتسا ِ‬
‫ل هذه الن َّعم السابغة البالغة!‬ ‫ل على ك ّ‬ ‫ج ّ‬‫شكرِ الله عّز و َ‬ ‫قيِننا بالتقصيرِ في ُ‬ ‫وي َ ِ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ض الُعلماِء قال‪:‬‬ ‫ن بع َ‬ ‫ب اليمان( أ ّ‬ ‫شعَ ِ‬‫ورحم الله البيهقي؛ فقد روى في ) ُ‬


‫ة بالتقصيرِ عن‬ ‫مهِ إل المعرف َ‬ ‫معرفةِ ن ِعَ ِ‬ ‫من َ‬ ‫ل في أحد ٍ ِ‬ ‫من لم َيجعَ ْ‬‫ن َ‬ ‫سبحا َ‬ ‫" ُ‬
‫ل‬ ‫ُ‬
‫من الِعلم ِ أنه ل ي ُد ْرِكه فَيجع ُ‬ ‫كه أكثَر ِ‬ ‫من إدرا ِ‬ ‫ل في أحد ٍ ِ‬‫معرفِتها‪ ،‬كما لم يجعَ ْ‬ ‫َ‬
‫مين أنه ل‬ ‫َ‬
‫م العال ِ‬ ‫ْ‬
‫عل َ‬ ‫َ‬
‫شكَر ِ‬ ‫شكرا‪ ،‬كما َ‬ ‫ً‬ ‫معرفِتها ُ‬ ‫مه بالتقصيرِ عن َ‬ ‫ة ن ِعَ ِ‬
‫معرف َ‬
‫ن الِعباد َ ل ُيجاوُِزون ذلك"!]‪[11‬‬ ‫ً‬
‫علما منه أ ّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫كوَنه؛ فجعله إيمانا ِ‬ ‫ي ُد ْرِ ُ‬
‫‪----------‬‬
‫]‪ [1‬في ظلل القرآن لسيد قطب ‪.22/2923‬‬
‫]‪ [2‬النحل ‪.53‬‬
‫]‪ [3‬رواه أحمد ‪ ،2/451‬حديث ‪ .9830‬مؤسسة قرطبة‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫]‪ [4‬مسند أحمد ‪ .2/466‬حديث ‪.10011‬‬
‫]‪ [5‬مسند أبي داود الطيالسي ‪ ،1/305‬حديث ‪ ،2322‬دار المعرفة بيروت‪.‬‬
‫والزهد لبن أبي عاصم ‪ ،1/398‬دار الريان للتراث القاهرة‪ ،‬ط ‪ 1408 ،2‬هـ‪.‬‬
‫]‪ [6‬الزهد لبن المبارك ‪ ،1/507‬حديث ‪ ،1445‬دار الكتب العلمية بيروت‪،‬‬
‫تحقيق حبيب الرحمن العظمي‪.‬‬
‫]‪ [7‬مسند أحمد ‪ ،3/52‬حديث ‪.11504‬‬
‫]‪ [8‬مسند أحمد ‪ ،3/337‬حديث ‪.14668‬‬
‫]‪ [9‬سير أعلم النبلء للذهبي ‪ ،16/447‬ترجمة أبي الحسن محمد بن علي‬
‫الماسرجسي مؤسسة الرسالة بيروت‪ ،‬ط ‪ 1413 ،9‬هـ‪.‬‬
‫]‪ [10‬مسند الشاميين لبي القاسم الطبراني ‪ ،1/396‬حديث ‪ ،686‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪ 1405 ،1‬هـ‪.‬‬
‫]‪ [11‬شعب اليمان ‪ ،4/152‬حديث ‪.4624‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التوبة النصوح ست أبوها برير أحمد المهدي*‬


‫َ‬
‫ن( )سورة‬‫حو َ‬
‫فل ِ ُ‬ ‫ن ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م تُ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ميعا ً أي َّها ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫قال تعالى‪) :‬وَُتوُبوا إ َِلى الل ّهِ َ‬
‫ج ِ‬
‫النور‪ :‬من الية ‪..(31‬‬
‫التوبة‪ ..‬وما أدراك ما التوبة؟!‪ ..‬تلك الرحمة الربانية‪ ،‬والباب اللهي الذي‬
‫فتحه الله لعباده جميعًا؛ والذين أسرفوا على أنفسهم حتى ل يقنطوا من‬
‫رحمته؛ ولكي يلجوا عبره إلى دار المغفرة والفلح؛ فتوبة العبد لربه‪ ،‬ورجاء‬
‫رحمته‪ ،‬والوبة إليه إقرار بالتقصير في حق الله‪ ،‬واعتراف باقتراف الذنب‪،‬‬
‫وإعلن من العبد بأن تكليف الله عز وجل له بطاعته‪ ،‬وعدم معصيته تكليف‬
‫حق‪ ..‬وما دام العبد قد أقّر بالذنب‪ ،‬وطلب المغفرة من الله فعليه أن ل‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يرتكب ذنوبا ً أخرى‪ ،‬وأن يصر على تجنب المعاصي حتى تكون توبة نصوحًا؛‬
‫ة نصوحا ً عَسى ربك ُ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مأ ْ‬ ‫َ ّ ْ‬ ‫َ‬ ‫مُنوا ُتوُبوا إ َِلى الل ّهِ ت َوْب َ ً َ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫لقوله تعالى‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫زي الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ِ‬ ‫خ‬
‫م ل يُ ْ‬ ‫حت َِها الن َْهاُر ي َوْ َ‬ ‫ن تَ ْ‬‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خل َك ُ ْ‬ ‫م وَي ُد ْ ِ‬ ‫سي َّئات ِك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫فَر عَن ْك ُ ْ‬ ‫ي ُك َ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫م ْ‬ ‫ن َرب َّنا أت ْ ِ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬‫مان ِهِ ْ‬ ‫م وَب ِأي ْ َ‬ ‫ديهِ ْ‬‫ن أي ْ ِ‬ ‫سَعى ب َي ْ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ُنوُرهُ ْ‬ ‫معَ ُ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ي َوال ّ ِ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫ديٌر(‪ ..‬فما أكثر الذنوب عندنا؛ وخاصة‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ك عََلى ك ُ ّ‬ ‫فْر ل ََنا إ ِن ّ َ‬ ‫ل ََنا ُنوَرَنا َواغْ ِ‬
‫في زمننا هذا!‪ ..‬ولكن ما أجمل كرم الله‪ ،‬ومّنه علينا بالتوبة وغفران الذنوب!‬
‫)فالتائب من الذنب كمن ل ذنب له(‪ ،‬ومن تاب تاب الله عليه‪..‬‬
‫فالتوبة النصوح هي النابعة من إحساس العبد بالذنب‪ ،‬وبالفرار إلى الله‪ ،‬ولها‬
‫شروط ‪ -‬كما قال العلماء ‪ -‬وهي أن يقلع العبد عن المعصية في ساعتها‪ ،‬وأن‬
‫يندم على فعلها‪ ،‬وأن يعزم أن ل يعود إلى المعصية أبدا‪ ،‬وأن تكون خالصة‬
‫لله عز وجل‪ ..‬أما إذا كان الذنب يتعلق بحق العباد فإضافة إلى هذه الشروط‬
‫عليه أن يتخلص من حقوقهم؛ فإن كان مال ً أو نحوه رده إلى صاحبه‪ ،‬وإن‬
‫كنه منه‪ ،‬أو طلب عفوه‪ ،‬وإن كانت غيبة فيستحله‬ ‫كان حد قذف ونحوه م ّ‬
‫منها‪.‬‬
‫وهكذا نجد عفو الله ورحمته التي وسعت كل شيء‪ ،‬ومغفرته التي غلبت‬
‫ص حتى ل ييأس من رحمة ربه؛ قل‬ ‫ً‬
‫غضبه قد فتحت الباب واسع َا أمام كل عا َ ٍ‬
‫مةِ الل ّهِ إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫ح َ‬‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫طوا ِ‬ ‫قن َ ُ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫سهِ ْ‬‫ف ِ‬ ‫سَرُفوا عََلى أن ْ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَبادِيَ ال ّ ِ‬ ‫ل َيا ِ‬ ‫تعالى‪) :‬قُ ْ‬
‫م(‪.‬‬‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫ه هُوَ ال ْغَ ُ‬ ‫ميعا ً إ ِن ّ ُ‬ ‫ج ِ‬‫ب َ‬ ‫فُر الذ ُّنو َ‬ ‫ه ي َغْ ِ‬‫الل ّ َ‬
‫إذا ً فعلى العبد أن يسارع إلى تلك المغفرة‪ ،‬ويتوب إلى الله في كل لحظة‬
‫قبل أن تطلع الشمس من مغربها‪ ،‬وعندئذ يبوء بالخسران المبين؛ يقول‬
‫الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم‪) :‬من تاب قبل أن تطلع الشمس‬
‫من مغربها تاب الله عليه(‪.‬‬
‫وبذا يجد العبد نفسه أقرب إلى رحمة الله من عذابه؛ وهو يمد يده إلى‬
‫السماء بتذلل وانكسار؛ يقول‪ :‬يا رب! فيجيبه الله جل وعل‪ :‬لبيك عبدي؛ لو‬
‫أتيتني بقراب الرض ذنوبا ً ثم سألتني ورجوتني وأنت ل تشرك بي شيئا ً‬
‫فُر‬ ‫ه ل ي َغْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫غفرت لك ول أبالي!!‪ ..‬نعم يا رب أنت قلت وقولك الحق‪) :‬إ ِ ّ‬
‫شاُء (‪ ..‬يا الله! ما أعظم كرم الله‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫شَر َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ك لِ َ‬ ‫ما ُدو َ‬ ‫فُر َ‬ ‫ك ب ِهِ وَي َغْ ِ‬ ‫أ ْ‬
‫على عباده!‪ ..‬إلهي يا رب‪:‬‬
‫إن عظمت ذنوبي كثرة ** فلقد علمت بأن عفوك أعظم‬
‫إن كان ل يرجوك إل محسن ** فبمن يلوذ ويستجير المجرم‬
‫نعم‪ ..‬إن الله الواحد الحد‪ ،‬العفو الكريم‪ ،‬ذو الفضل العظيم‪ ،‬القائل لعباده‪:‬‬
‫ن(‪..‬‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ت وَي َعْل َ ُ‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫فو عَ ِ‬ ‫عَبادِهِ وَي َعْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ة عَ ْ‬ ‫ل الّتوب َ َ‬ ‫قب َ ُ‬
‫ذي ي َ ْ‬ ‫)وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫فالله يفرح بتوبة عبده كما جاء في الحديث في رواية مسلم قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪) :‬لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم؛‬
‫كان على راحلته بأرض فلة فانفلتت منه؛ وعليها طعامه وشرابه؛ فأيس منها؛‬
‫فأتى شجرة؛ فاضطجع في ظلها؛ قد أيس من راحلته‪ ..‬فبينا هو كذلك إذا هو‬
‫بها قائمة عنده؛ فأخذ بخطامها؛ ثم قال من شدة الفرح‪ :‬اللهم! أنت عبدي‬
‫وأنا ربك!!‪ ..‬أخطأ من شدة الفرح(‪.‬‬
‫ومن هنا ندرك كرم الله ومّنه على عباده بالتوبة عليهم؛ وهو يبسط يده‬
‫ليتوب عليهم كل لحظة؛ حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم‪) :‬إن الله‬
‫تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار‪ ،‬ويبسط يده بالنهار ليتوب‬
‫مسيء الليل؛ حتى تطلع الشمس من مغربها(‪ ..‬رواه مسلم‪.‬‬
‫فالتائبون هم أحباب الله‪ ،‬وخير عباده؛ لدراكهم معنى العبودية الخالصة لله‪،‬‬
‫والخضوع له‪ ،‬ومراجعة النفس ومحاسبتها قبل الحساب يوم الفزع الكبر‪:‬‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)يوم ل ينفع مال ول بنون إل من أتى الله بقلب سليم(‪ ..‬فالعبد المؤمن قد‬
‫يخطئ ولكن سرعان ما يتذكر الوقوف بين يدي الله في ذلك اليوم؛ فيفر‬
‫إلى الله تائبًا‪ ،‬مستغفرا ً لذنبه؛ فيتوب الله عليه؛ )كل بني آدم خطاء‪ ،‬وخير‬
‫طائين التوابون(‪ ..‬قال تعالى‪) :‬إن الله يحب التوابين ويحب المطهرين(‪.‬‬ ‫الخ ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فالمة المحمدية أمة مرحومة بفضل الله الذي أنعم عليها برسولها صلى الله‬
‫عليه وسلم سيد المستغفرين‪ ،‬وإمام التائبين‪ ،‬الذي فضله الله وكرمه على‬
‫الخلق أجمعين‪ ،‬والنبياء والمرسلين‪.‬‬
‫إذا ً ما أحوجنا أن ننعم بذلك الفضل اللهي لرسوله صلى الله عليه وسلم؛‬
‫فنتوب إلى الله‪ ،‬ونقتفي أثر رسولنا الكريم‪ ،‬النبي المعصوم‪ ،‬الذي يتوب إلى‬
‫الله في اليوم أكثر من مائة مرة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم‪) :‬يا أيها‬
‫الناس! توبوا إلى الله‪ ،‬واستغفروه؛ فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة(‬
‫رواه البخاري‪.‬‬
‫فتوبوا إلى الله أيها المؤمنون‪ ،‬واستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور‬
‫الرحيم‬
‫إلهي يا رب‪:‬‬
‫بك أستجير فمن يجير سواك ** فارحم ضعيفا ً يحتمي بحماك‬
‫يا رب قد أذنبت فاغفر ذنبي ** أنت المجيب لكل من ناداك‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التوبة النصوح‬
‫ست أبوها برير أحمد المهدي*‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ن( )سورة‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬
‫م تُ ْ‬ ‫ن لعَلك ُ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ميعا أي َّها ال ُ‬ ‫ج ِ‬‫قال تعالى‪) :‬وَُتوُبوا إ َِلى الل ّهِ َ‬
‫النور‪ :‬من الية ‪..(31‬‬
‫التوبة‪ ..‬وما أدراك ما التوبة؟!‪ ..‬تلك الرحمة الربانية‪ ،‬والباب اللهي الذي‬
‫فتحه الله لعباده جميعًا؛ والذين أسرفوا على أنفسهم حتى ل يقنطوا من‬
‫رحمته؛ ولكي يلجوا عبره إلى دار المغفرة والفلح؛ فتوبة العبد لربه‪ ،‬ورجاء‬
‫رحمته‪ ،‬والوبة إليه إقرار بالتقصير في حق الله‪ ،‬واعتراف باقتراف الذنب‪،‬‬
‫وإعلن من العبد بأن تكليف الله عز وجل له بطاعته‪ ،‬وعدم معصيته تكليف‬
‫حق‪ ..‬وما دام العبد قد أقّر بالذنب‪ ،‬وطلب المغفرة من الله فعليه أن ل‬
‫يرتكب ذنوبا ً أخرى‪ ،‬وأن يصر على تجنب المعاصي حتى تكون توبة نصوحًا؛‬
‫ة نصوحا ً عَسى ربك ُ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مأ ْ‬ ‫َ ّ ْ‬ ‫َ‬ ‫مُنوا ُتوُبوا إ َِلى الل ّهِ ت َوْب َ ً َ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫لقوله تعالى‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫زي الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ِ‬ ‫خ‬
‫م ل يُ ْ‬‫حت َِها الن َْهاُر ي َوْ َ‬ ‫ن تَ ْ‬‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬‫م َ‬ ‫خل َك ُ ْ‬
‫م وَي ُد ْ ِ‬ ‫سي َّئات ِك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫فَر عَن ْك ُ ْ‬
‫ي ُك َ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫م ْ‬ ‫ن َرب َّنا أت ْ ِ‬‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫مان ِهِ ْ‬ ‫م وَب ِأي ْ َ‬ ‫ديهِ ْ‬
‫ن أي ْ ِ‬ ‫سَعى ب َي ْ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ُنوُرهُ ْ‬ ‫معَ ُ‬‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ي َوال ّ ِ‬
‫الن ّب ِ ّ‬
‫ديٌر(‪ ..‬فما أكثر الذنوب عندنا؛ وخاصة‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ك عَلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فْر لَنا إ ِن ّ َ‬ ‫ل ََنا ُنوَرَنا َواغْ ِ‬
‫في زمننا هذا!‪ ..‬ولكن ما أجمل كرم الله‪ ،‬ومّنه علينا بالتوبة وغفران الذنوب!‬
‫)فالتائب من الذنب كمن ل ذنب له(‪ ،‬ومن تاب تاب الله عليه‪..‬‬
‫فالتوبة النصوح هي النابعة من إحساس العبد بالذنب‪ ،‬وبالفرار إلى الله‪ ،‬ولها‬
‫شروط ‪ -‬كما قال العلماء ‪ -‬وهي أن يقلع العبد عن المعصية في ساعتها‪ ،‬وأن‬
‫يندم على فعلها‪ ،‬وأن يعزم أن ل يعود إلى المعصية أبدا‪ ،‬وأن تكون خالصة‬
‫لله عز وجل‪ ..‬أما إذا كان الذنب يتعلق بحق العباد فإضافة إلى هذه الشروط‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليه أن يتخلص من حقوقهم؛ فإن كان مال ً أو نحوه رده إلى صاحبه‪ ،‬وإن‬
‫كنه منه‪ ،‬أو طلب عفوه‪ ،‬وإن كانت غيبة فيستحله‬ ‫كان حد قذف ونحوه م ّ‬
‫منها‪.‬‬
‫وهكذا نجد عفو الله ورحمته التي وسعت كل شيء‪ ،‬ومغفرته التي غلبت‬
‫ص حتى ل ييأس من رحمة ربه؛ قل‬ ‫ً‬
‫غضبه قد فتحت الباب واسع َا أمام كل عا َ ٍ‬
‫مةِ الل ّهِ إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫ح َ‬‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫طوا ِ‬ ‫قن َ ُ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫سهِ ْ‬‫ف ِ‬ ‫سَرُفوا عََلى أن ْ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَبادِيَ ال ّ ِ‬ ‫ل َيا ِ‬ ‫تعالى‪) :‬قُ ْ‬
‫م(‪.‬‬‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫ْ‬
‫ه هُوَ الغَ ُ‬ ‫ً‬
‫ميعا إ ِن ّ ُ‬ ‫ج ِ‬
‫ب َ‬ ‫فُر الذ ُّنو َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ه ي َغْ ِ‬
‫إذا ً فعلى العبد أن يسارع إلى تلك المغفرة‪ ،‬ويتوب إلى الله في كل لحظة‬
‫قبل أن تطلع الشمس من مغربها‪ ،‬وعندئذ يبوء بالخسران المبين؛ يقول‬
‫الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم‪) :‬من تاب قبل أن تطلع الشمس‬
‫من مغربها تاب الله عليه(‪.‬‬
‫وبذا يجد العبد نفسه أقرب إلى رحمة الله من عذابه؛ وهو يمد يده إلى‬
‫السماء بتذلل وانكسار؛ يقول‪ :‬يا رب! فيجيبه الله جل وعل‪ :‬لبيك عبدي؛ لو‬
‫أتيتني بقراب الرض ذنوبا ً ثم سألتني ورجوتني وأنت ل تشرك بي شيئا ً‬
‫فُر‬‫ه ل ي َغْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫غفرت لك ول أبالي!!‪ ..‬نعم يا رب أنت قلت وقولك الحق‪) :‬إ ِ ّ‬
‫شاُء (‪ ..‬يا الله! ما أعظم كرم الله‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫شَر َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ك لِ َ‬ ‫ما ُدو َ‬ ‫فُر َ‬ ‫ك ب ِهِ وَي َغْ ِ‬ ‫أ ْ‬
‫على عباده!‪ ..‬إلهي يا رب‪:‬‬
‫إن عظمت ذنوبي كثرة ** فلقد علمت بأن عفوك أعظم‬
‫إن كان ل يرجوك إل محسن ** فبمن يلوذ ويستجير المجرم‬
‫نعم‪ ..‬إن الله الواحد الحد‪ ،‬العفو الكريم‪ ،‬ذو الفضل العظيم‪ ،‬القائل لعباده‪:‬‬
‫ن(‪..‬‬ ‫فعَُلو َ‬‫ما ت َ ْ‬‫م َ‬ ‫ت وَي َعْل َ ُ‬ ‫سي َّئا ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫فو عَ ِ‬ ‫عَبادِهِ وَي َعْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ة عَ ْ‬ ‫ل الّتوب َ َ‬ ‫قب َ ُ‬
‫ذي ي َ ْ‬ ‫)وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫فالله يفرح بتوبة عبده كما جاء في الحديث في رواية مسلم قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪) :‬لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم؛‬
‫كان على راحلته بأرض فلة فانفلتت منه؛ وعليها طعامه وشرابه؛ فأيس منها؛‬
‫فأتى شجرة؛ فاضطجع في ظلها؛ قد أيس من راحلته‪ ..‬فبينا هو كذلك إذا هو‬
‫بها قائمة عنده؛ فأخذ بخطامها؛ ثم قال من شدة الفرح‪ :‬اللهم! أنت عبدي‬
‫وأنا ربك!!‪ ..‬أخطأ من شدة الفرح(‪.‬‬
‫ومن هنا ندرك كرم الله ومّنه على عباده بالتوبة عليهم؛ وهو يبسط يده‬
‫ليتوب عليهم كل لحظة؛ حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم‪) :‬إن الله‬
‫تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار‪ ،‬ويبسط يده بالنهار ليتوب‬
‫مسيء الليل؛ حتى تطلع الشمس من مغربها(‪ ..‬رواه مسلم‪.‬‬
‫فالتائبون هم أحباب الله‪ ،‬وخير عباده؛ لدراكهم معنى العبودية الخالصة لله‪،‬‬
‫والخضوع له‪ ،‬ومراجعة النفس ومحاسبتها قبل الحساب يوم الفزع الكبر‪:‬‬
‫)يوم ل ينفع مال ول بنون إل من أتى الله بقلب سليم(‪ ..‬فالعبد المؤمن قد‬
‫يخطئ ولكن سرعان ما يتذكر الوقوف بين يدي الله في ذلك اليوم؛ فيفر‬
‫إلى الله تائبًا‪ ،‬مستغفرا ً لذنبه؛ فيتوب الله عليه؛ )كل بني آدم خطاء‪ ،‬وخير‬
‫طائين التوابون(‪ ..‬قال تعالى‪) :‬إن الله يحب التوابين ويحب المطهرين(‪.‬‬ ‫الخ ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فالمة المحمدية أمة مرحومة بفضل الله الذي أنعم عليها برسولها صلى الله‬
‫عليه وسلم سيد المستغفرين‪ ،‬وإمام التائبين‪ ،‬الذي فضله الله وكرمه على‬
‫الخلق أجمعين‪ ،‬والنبياء والمرسلين‪.‬‬
‫إذا ً ما أحوجنا أن ننعم بذلك الفضل اللهي لرسوله صلى الله عليه وسلم؛‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فنتوب إلى الله‪ ،‬ونقتفي أثر رسولنا الكريم‪ ،‬النبي المعصوم‪ ،‬الذي يتوب إلى‬
‫الله في اليوم أكثر من مائة مرة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم‪) :‬يا أيها‬
‫الناس! توبوا إلى الله‪ ،‬واستغفروه؛ فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة(‬
‫رواه البخاري‪.‬‬
‫فتوبوا إلى الله أيها المؤمنون‪ ،‬واستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور‬
‫الرحيم‬
‫إلهي يا رب‪:‬‬
‫ً‬
‫بك أستجير فمن يجير سواك ** فارحم ضعيفا يحتمي بحماك‬
‫يا رب قد أذنبت فاغفر ذنبي ** أنت المجيب لكل من ناداك‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التوبة سعادة الدارين‬


‫رضوان سلمان حمدان‬
‫‪E-mail: radwan_hamdan@yahoo.com‬‬
‫الحاجة إلى التوبة تعادل الحاجة إلى مقومات الحياة لدى النسان على‬
‫مستوى الفرد والجماعة إن لم تزد‪ ,‬فإذا كان الهواء والماء والطعام تشكل‬
‫الحياة المادية للنسان ليمارس حركته أيا ً كانت في الوجود؛ فإن التوبة هي‬
‫تجديد وتجدد لهذه الحياة وتنشيط لها في الجانب اليجابي لحركة الحياة‬
‫طلع إلى ما بعد الحياة الدنيا‪ ,‬من هنا نلمح السر في‬‫وتزيد عليها أنها ت ّ‬
‫التعقيب بالفلح في قوله تعالى‪ }:‬وتوبوا إلى الله جميعا أيها لمؤمنون لعلكم‬
‫تفلحون{ فالفلح مطلق عن قيود ومحددات الزمان والمكان في الدنيا‬
‫والخرة ‪.‬‬
‫فالرحمن الرحيم يأمر عباده أن يتوجهوا إليه بالتوبة في أمر مباشر سبع‬
‫مرات من مجموع ‪ 87‬مرة عدد ورود "التوبة" في القرآن بصيغ واشتقاقات‬
‫مختلفة‪ .‬وفي سورتي النور والتحريم يأتي المر المباشر للمؤمنين بالتوبة‬
‫ونلحظ ما يلي ‪:‬‬
‫§ ‪ -1‬أن المر بالتوبة في سورة النور جاء تعقيبا على أحكام شرعية وقضايا‬
‫وأحداث وقعت في المجتمع المسلم كان لها تأثير على المجتمع هزتهم هزا ً‬
‫عنيفا ‪ ,‬وتتمثل في ما يلي‪ :‬حكم الزنا وعقوبته ‪ ,‬والملعنة بين الزوجين ‪,‬‬
‫وحديث الفك الخطير وما تبعه من بيان وتنبيهات صارمة‪ ,‬ورمي المحصنات‬
‫والتشديد فيه‪ ,‬والمر بغض البصر للذكور والناث وهو حكم شرعي تساهل‬
‫فيه المسلمون اليوم كثيرًا‪ ,‬وبيان حدود الزينة للمرأة ومن يجوز لها أن‬
‫تظهرها أمامهم‪ .‬بعد كل ذلك يأتي التعقيب في نهاية آية طويلة }‪ ...‬وتوبوا‬
‫إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون {‪ .‬يقول القرطبي‪ :‬والمعنى‪:‬‬
‫وتوبوا إلى الله فإنكم ل تخلون من سهو وتقصير في أداء حقوق الله تعالى‪،‬‬
‫فل تتركوا التوبة في كل حال‪.‬‬
‫§ ‪ -2‬جاء الطلب بصيغة المر والمر يفيد الوجوب فالتوبة فرض متعين وهذا‬
‫يعني أن عدم الستجابة لمر الله في التوبة إثم يضاف إلى الثم الصلي‬
‫المطلوب التوبة منه‪.‬‬
‫ً‬
‫§ ‪ -3‬طلب التوبة جمعي وفردي } توبوا ‪ ...‬جميعا ‪ ...‬المؤمنون { وفي هذا‬
‫دللة على أن التوبة من الخطأ والثم‪-:‬‬
‫أ‪ -‬ل يعفى منه أحد فليس من هو فوق السؤال أو التكليف وليس من أحد من‬
‫البشر "ل ُيسأل عما يفعل" أي خال من كل تبعة أو مسؤولية!! فالذي ل‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يسأل عما يفعل هو الله رب العالمين‪ .‬حتى النبي محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم يخاف الله ويخشاه ويستغفره ويتوب اليه ويدعوه ويتضرع إليه‪ :‬قال‬
‫أبو هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪) :‬والله إني‬
‫لستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة(‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬
‫وهو صلى الله عليه وسلم الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فكيف‬
‫بمن دونه‪...‬‬
‫ويقول عليه الصلة والسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل‪ }:‬يا عبادي إنكم‬
‫الذين تخطئون بالليل و النهار و أنا الذي أغفر الذنوب و ل أبالي فاستغفروني‬
‫أغفر لكم(‬
‫حديث صحيح على شرط الشيخين‪ .‬ويقول عليه السلم‪}:‬كل ابن آدم خطاء‬
‫وخير الخطائين التوابون{‪.‬‬
‫ب‪ -‬المجتمع هو مجموع الفراد فإن توبتهم في المحصلة توبة المجتمع‪.‬‬
‫ج‪ -‬إن التساهل في التوبة والنابة والرجوع إلى الله يعني التساهل في الذنب‬
‫والخطأ وهذا بدوره يزيد الخطاء ويراكمها حتى تطفو على السطح وتنتشر‬
‫ويسام بها المجتمع‪.‬‬
‫د‪ -‬إن كثرة الخبث من ذنوب ومعاص له استحقاق حتمي في قانون الله عز‬
‫وجل وهو حلول العقاب ووقوع الهلك‪ ,‬عن زينب ابنة جحش رضي الله عنها‪:‬‬
‫)أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعا يقول ل إله إل الله ويل‬
‫للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق‬
‫بإصبعه البهام والتي تليها قالت زينب بنت جحش فقلت يا رسول الله أنهلك‬
‫وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث(‪.‬‬
‫رواه البخاري‪ .‬وفي حديث السفينة )مثل القائم على حدود الله والواقع فيها‬
‫كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلها وبعضهم أسفلها فكان‬
‫الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا‬
‫خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا‬
‫جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا(‪.‬‬
‫رواه البخاري‪ .‬دللة واضحة على أن المة مجتمعة مسؤولة عما يقع من ذنب‬
‫ول يتم التراجع عنه ‪ .‬عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪) :‬إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى‬
‫الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه ل يحل لك ثم يلقاه من الغد‬
‫فل يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله‬
‫قلوب بعضهم ببعض ثم قال لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان‬
‫داود وعيسى ابن مريم إلى قوله فاسقون ثم قال كل والله لتأمرن‬
‫بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على‬
‫الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا(‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أبو داوود‪.‬وفي حديث آخر )والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن‬
‫المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فل يستجاب لكم‬
‫قال أبو عيسى هذا حديث حسن حدثنا علي بن حجر أخبرنا إسماعيل بن‬
‫جعفر عن عمر بن أبي عمرو بهذا السناد نحوه(‪.‬‬
‫قال الترمذي‪ :‬حديث حسن‪.‬‬
‫§ ‪ -4‬والمؤمنون هم الموجه لهم المر بالتوبة ولهذا معان‪:‬‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أ‪ -‬إن اليمان هو مناط التكليف وهذا يعني أن التوبة عبادة على المؤمنين‬
‫تعبد الله بها‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن المؤمن معرض للخطأ فليس اليمان بحاجز أو مانع عن الخطأ‪.‬‬
‫ج‪ -‬المؤمن هو الذي يتحرك قلبه للستجابة‪ ,‬من هنا جاء الخطاب موجها ً‬
‫بصفة اليمان حتى يلمس هذا الوصف مكنون القلب‪.‬‬
‫§ ‪ -5‬والسر في قوله تعالى } إلى الله { في أن التوبة من العبد إلى ربه‬
‫مباشرة بدون وساطات أيا ً كانت فليس بين الله وبين عبده واسطة إل ّ‬
‫اليمان وصدق التوجه والعمل الصالح‪ .‬وهذا يؤكد قضية التوحيد والقرب‬
‫) وهو أقرب إليكم من حبل الوريد()ادعوني أستجب لكم(‪.‬‬
‫§ ‪ -6‬وكنا في البداية قد بينا أن الفلح عام في الدنيا والخرة فوز وغنيمة‬
‫وجنة ونعيم مقيم‪.‬‬
‫* باب التوبة مفتوح‪:‬‬
‫ً‬
‫من رحمة الله بعباده أن جعل باب التوبة مفتوحا إلى أن تطلع الشمس من‬
‫مغربها وإلى أن تبلغ الروح التراقي عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪) :‬إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده‬
‫بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها(‪.‬‬
‫رواه مسلم‪ .‬عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪) :‬إن الله‬
‫يقبل توبة العبد ما لم يغرغر(‪.‬‬
‫قال الترمذي ‪ :‬حسن غريب‬
‫يا لرحمة الله التي وسعت كل شيء‪ ,‬وهكذا يفتح الله لعباده باب التوبة‬
‫والرجاء والرجوع إليه‪.‬‬
‫*ل ذنب ل يغفر‪:‬‬
‫ة من عبده إذا أقبل عليه بصدق مهما بلغ ذنبه كثرة‬ ‫نعم‪ ,‬ل يرد الله توب ً‬
‫وحجمًا‪-:‬‬
‫ب‬
‫من َتا َ‬ ‫فاٌر ل ّ َ‬ ‫إن الله يغفر الشرك لمن تاب عنه وأناب وعمل صالحا ً }وَإ ِّني ل َغَ ّ‬
‫م َفاقْت ُُلوا ْ‬ ‫حُر ُ‬ ‫شهُُر ال ْ ُ‬ ‫خ ال َ ْ‬ ‫سل َ َ‬
‫دى {طه ‪} . 82‬فَإ َِذا ان َ‬ ‫م اهْت َ َ‬ ‫صاِلحا ً ث ُ ّ‬‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن وَعَ ِ‬‫م َ‬‫َوآ َ‬
‫َ‬
‫صد ٍ فِإن‬ ‫مْر َ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫مك ّ‬ ‫َ‬
‫دوا لهُ ْ‬‫ْ‬ ‫ْ‬
‫م َواقعُ ُ‬ ‫صُروهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫م َوا ْ‬
‫ذوهُ ْ‬‫خ ُ‬ ‫م وَ ُ‬‫موهُ ْ‬ ‫جدت ّ ُ‬ ‫ث وَ َ‬ ‫حي ْ ُ‬
‫ن َ‬‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫م {التوبة ‪.5‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬‫ن الل ّ َ‬‫م إِ ّ‬ ‫سِبيل َهُ ْ‬
‫خّلوا ْ َ‬‫كاة َ فَ َ‬‫صل َة َ َوآت َوُا ْ الّز َ‬ ‫موا ْ ال ّ‬ ‫َتاُبوا ْ وَأَقا ُ‬
‫والقتل!‪ :‬فلو قتل مئة نفس ثم تاب تاب الله عليه عن أبي سعيد الخدري أن‬
‫نبي الله صلى الله عليه وسلم قال‪) :‬كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعه‬
‫وتسعين نفسا فسأل عن أعلم أهل الرض فدل على راهب فأتاه فقال إنه‬
‫قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة فقال ل فقتله فكمل به مائة ثم‬
‫سأل عن أعلم أهل الرض فدل على رجل عالم فقال إنه قتل مائة نفس‬
‫فهل له من توبة فقال نعم ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق إلى أرض كذا‬
‫وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ول ترجع إلى أرضك فإنها‬
‫أرض سوء فأنطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملئكة‬
‫الرحمة وملئكة العذاب فقالت ملئكة الرحمة جاء تائبا مقبل بقلبه إلى الله‬
‫وقالت ملئكة العذاب إنه لم يعمل خيرا قط فأتاهم ملك في صورة آدمي‬
‫فجعلوه بينهم فقال قيسوا ما بين الرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له‬
‫فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الرض التي أراد فقبضته ملئكة الرحمة قال قتادة‬
‫فقال الحسن ذكر لنا أنه لما أتاه الموت نأى بصدره(‬
‫رواه مسلم‪.‬‬
‫ومن الزنى؟! نعم‪ ,‬عن عمران بن حصين‪) :‬أن امرأة من جهينة أتت نبي الله‬
‫صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنى فقالت يا نبي الله أصبت حدا‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فأقمه علي فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها فقال أحسن إليها فإذا‬
‫وضعت فائتني بها ففعل فأمر بها نبي الله صلى الله عليه وسلم فشكت‬
‫عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها فقال له عمر تصلي عليها يا‬
‫نبي الله وقد زنت فقال لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل‬
‫المدينة لوسعتهم وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى(‬
‫رواه مسلم‪.‬‬
‫ت‬‫ضاقَ ْ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫فوا َ‬‫ْ‬ ‫خل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ومن التخلف عن الجهاد؟! نعم‪} ,‬وَعَلى الث ّل َث َةِ ال ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م َأن ُ‬ ‫َ‬
‫ن اللهِ إ ِل ّ‬ ‫م َ‬
‫جأ ِ‬‫مل َ‬ ‫م وَظّنوا أن ل ّ َ‬ ‫سهُ ْ‬‫ف ُ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ضاقَ ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫حب َ ْ‬
‫ما َر ُ‬ ‫ض بِ َ‬ ‫م الْر ُ‬ ‫عَل َي ْهِ ُ‬
‫م {التوبة ‪ .118‬وفيهم‬ ‫حي ُ‬‫ب الّر ِ‬ ‫وا ُ‬ ‫ه هُوَ الت ّ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫م ل ِي َُتوُبوا ْ إ ِ ّ‬
‫ب عَل َي ْهِ ْ‬ ‫م َتا َ‬ ‫إ ِل َي ْهِ ث ُ ّ‬
‫حديث طويل رواه البخاري يقص توبتهم‪.‬‬
‫َ‬
‫سَرُفوا عَلى‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫والقول الجامع في ذلك قول الله تعالى }قُ ْ‬
‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬‫عَبادِيَ ال ِ‬ ‫ل َيا ِ‬
‫فوُر‬ ‫ْ‬
‫ه هُوَ الغَ ُ‬ ‫ً‬
‫ميعا إ ِن ّ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ب َ‬ ‫فُر الذ ُّنو َ‬ ‫ه ي َغْ ِ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫مةِ الل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫من ّر ْ‬ ‫طوا ِ‬ ‫قن َ ُ‬ ‫م َل ت َ ْ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫َأن ُ‬
‫م {الزمر ‪ .53‬وحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم )يا عبادي إنكم‬ ‫حي ُ‬ ‫الّر ِ‬
‫تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفرونى أغفر لكم( رواه‬
‫مسلم‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ب قائل يقول إن التوبة تطمع النسان بالخطأ فُيكثر ويتمادى‪ ,‬والصحيح أن‬ ‫ور ّ‬
‫التوبة توقف الذنب والساءة‪ ,‬ويعود العبد صالحا ً وإيجابيًا‪ ,‬وقد يتحول إلى‬
‫داعية إلى الله تعالى‪ ,‬والشواهد من الماضي والحاضر أكثر من أن تحصى‪,‬‬
‫فهذه هند ٌ زوج أبي سفيان التي شقت صدر حمزة في غزوة أحد ولكت كبده‬
‫ُتسلم ويحسن إسلمها وتجاهد في سبيل الله‪ ,‬ولها مواقف مشهودة في‬
‫ً‬
‫اليرموك وتصاب وتصبر وتحتسب‪ .‬وقصة الذي قتل تسعة وتسعين نفسا دليل‬
‫على إيجابية قبول التوبة ذلك أن من علم أن ل توبة له هو الذي يتمادى ويزيد‬
‫في إجرامه ولن يردعه شيء ألم يكمل على المائة بمجرد أن قال له الراهب‬
‫أن ل توبة له فكان الراهب هو الضحية!‪.‬‬
‫إن التوبة راحة وطمأنينة وإل فالهم والغم والقنوط والشر والنتحار‪ ,‬فما أجل‬
‫حكمة الله "أل يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"‪.‬‬
‫ولو تكرر الذنب فإن الله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات فالنسان‬
‫غير معصوم وقد يستزله الشيطان ويضعف أمام هوى نفسه فمن له غير الله‬
‫ملجأ وملذًا‪.‬‬
‫م‬‫جَهال َةٍ ث ُ ّ‬
‫سوََء ب ِ َ‬‫ن ال ّ‬ ‫مُلو َ‬‫ن ي َعْ َ‬ ‫ة عََلى الل ّهِ ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ما الت ّوْب َ ُ‬ ‫*المسارعة في التوبة‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫كيما ً {النساء‬ ‫ح ِ‬‫ه عَِليما ً َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬‫ب الل ّ ُ‬ ‫ك ي َُتو ُ‬ ‫ب فَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫من قَ ِ‬
‫ري ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫ي َُتوُبو َ‬
‫‪.17‬‬
‫فليحرص العبد على أن يتوب سريعا من المعصية فإنه ل يدري متى يدركه‬ ‫ً‬
‫الموت‪ ,‬عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‪ ):‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه و سلم لرجل و هو يعظه ‪ :‬اغتنم خمسا ً قبل خمس ‪ :‬شبابك قبل‬
‫هرمك ‪ ،‬و صحتك قبل سقمك ‪ ،‬و غناك قبل فقرك ‪ ،‬و فراغك قبل شغلك ‪ ،‬و‬
‫حياتك قبل موتك‪(.‬‬
‫صحيح على شرط الشيخين‪ .‬فإياك أخي المسلم من المماطلة والتسويف‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فإن ملك الموت لن يستأذن عند قبض الروح }ول ِك ُ ّ ُ‬
‫م‬
‫جلهُ ْ‬ ‫جاء أ َ‬ ‫ل فَإ َِذا َ‬ ‫ج ٌ‬‫مةٍ أ َ‬
‫لأ ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن {العراف ‪.34‬‬ ‫مو َ‬ ‫قد ِ ُ‬
‫ست َ ْ‬‫ة وَل َ ي َ ْ‬ ‫ساعَ ً‬‫ن َ‬ ‫خُرو َ‬ ‫ل َ يَ ْ‬
‫ست َأ ِ‬
‫*من أسباب قبول التوبة‪:‬‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م‬‫ماُتوا وَهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ ث ُ ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫عن َ‬ ‫دوا َ‬ ‫ص ّ‬ ‫فُروا وَ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫‪ .1‬اليمان بالله تعالى‪} ,‬إ ِ ّ‬
‫م {محمد ‪34‬‬ ‫ه ل َهُ ْ‬ ‫فَر الل ّ ُ‬ ‫فاٌر فََلن ي َغْ ِ‬ ‫كُ ّ‬
‫‪ .2‬العتراف بالذنب؛ فل يقدم على التوبة من لم يعترف بأنه ارتكب ذنبًا‪,‬‬
‫خر سيئا ً عَسى الل ّ َ‬
‫ب‬‫ه أن ي َُتو َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫صاِلحا ً َوآ َ َ َ ّ‬ ‫مل ً َ‬ ‫طوا ْ عَ َ‬ ‫خل َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن اعْت ََرُفوا ْ ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬ ‫خُرو َ‬ ‫}َوآ َ‬
‫م {التوبة ‪102‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫‪ .3‬الندم على الذنب‪,‬عن ابن مسعود ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪) : :‬الندم توبة(ابن حبان‪.‬‬
‫ن‬
‫ف وَإ ِ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫َ‬ ‫ما قَد ْ َ‬ ‫فْر لُهم ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫فُروا ِإن َينت َُهوا ي ُغَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫‪ .4‬القلع عن الذنب‪ُ} ,‬قل ل ِل ِ‬
‫ن {النفال ‪.38‬‬ ‫ض ت سن ّ ُ َ‬ ‫ي َُعوُدوا ْ فَ َ‬
‫ة الوِّلي ِ‬ ‫م َ ْ ُ‬ ‫قد ْ َ‬
‫ة‬
‫ش ً‬ ‫ح َ‬ ‫ن إ َِذا فَعَُلوا ْ َفا ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ .5‬أن يضع في نفسه عند توبته أنه لن يعود ثانية‪َ} .‬وال ّ ِ‬
‫ب إ ِل ّ الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫فُر الذ ُّنو َ‬ ‫من ي َغْ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫فُروا ْ ل ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬ ‫ست َغْ َ‬ ‫ه َفا ْ‬ ‫م ذ َك َُروا ْ الل ّ َ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫موا ْ أ َن ْ ُ‬ ‫أوْ ظ َل َ ُ‬
‫َ‬
‫ن {آل عمران ‪.135‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬ ‫ما فَعَُلوا ْ وَهُ ْ‬ ‫صّروا ْ عََلى َ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫‪ .6‬رد الحقوق والمظالم إلى أصحابها فإذا كان الله يغفر حقه فإن العبد له‬
‫حقٌ يجب أن يعود اليه وإل ضاعت الحقوق بين البشر وظلم بعضهم بعضا‪,‬‬
‫فالتوبة تسقط حق الله ول تسقط حق البشر‪ ,‬حتى الشهيد على ما له من‬
‫مكانة ومنزله تبقى حقوق الناس في عنقه‪.‬‬
‫مُنوا ُتوُبوا إ َِلى‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ها‬ ‫ي‬‫‪ .7‬الخلص في التوبة ‪ ,‬وهي التوبة النصوح }يا أ َ‬
‫ِ َ َ‬ ‫َ َّ‬
‫صوحًا{التحريم ‪, 8‬أي صادقة‪ ,‬كما في الجللين‪.‬‬ ‫ة نّ ُ‬ ‫الل ّهِ ت َوْب َ ً‬
‫‪ .8‬العمل الصالح‪ ,‬فالذي يتوب عليه أن يبادر إلى الطاعات والعمال الصالحة‬
‫موا ْ‬ ‫َ‬
‫حتى يبدأ حياة جديدة تدلل على صدق توجهه وتوبته }فَِإن َتاُبوا ْ وَأَقا ُ‬
‫م {التوبة ‪5‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫سِبيل َهُ ْ‬ ‫خّلوا ْ َ‬ ‫كاةَ فَ َ‬ ‫صل َة َ َوآت َوُا ْ الّز َ‬ ‫ال ّ‬
‫ه‬
‫فْرهُ إ ِن ّ ُ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ك َوا ْ‬ ‫مد ِ َرب ّ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬ ‫‪ .9‬التسبيح وذكر الله وملزمة الستغفار‪} ,‬فَ َ‬
‫سب ّ ْ‬
‫وابا ً {النصر ‪3‬‬ ‫ن تَ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫*العوامل المساعدة على التوبة والمسّرعة فيها والمثّبتة عليها‪:‬‬
‫‪ .1‬الستشعار بعظمة الله وقدرته وقوته وأنه تعالى يعلم السر وأخفى وأن‬
‫علمه محيط بكل شيء‪.‬‬
‫فار يفرح لتوبة العبد‪ ,‬عن أبي هريرة‬ ‫‪ .2‬اليمان بأن الله رحمن رحيم حليم غ ّ‬
‫قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬لله أشد فرحا بتوبة أحدكم من‬
‫أحدكم بضالته إذا وجدها(‬
‫رواه مسلم‬

‫)‪(3 /‬‬
‫َ‬
‫صل َة َ ط ََرفَ ِ‬
‫ي‬ ‫ب ما قبلها‪} ,‬وَأقِم ِ ال ّ‬ ‫ج ّ‬ ‫‪ .3‬العلم بان التوبة تكفر السيئات وت ُ‬
‫ن{‬ ‫ري َ‬ ‫ك ذِك َْرى ِلل ّ‬
‫ذاك ِ ِ‬ ‫ت ذ َل ِ َ‬‫سي َّئا ِ‬‫ن ال ّ‬‫ت ي ُذ ْهِب ْ َ‬ ‫سَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬
‫ل إِ ّ‬ ‫م َ‬‫الن َّهارِ وَُزَلفا ً ّ‬
‫هود ‪. 114‬عمرو بن العاص قال ‪ ) : :‬لما ألقى الله عز و جل في قلبي‬
‫السلم قال ‪ :‬أتيت النبي صلى الله عليه و سلم ليبايعني ‪ ،‬فبسط يده إلي‬
‫فقلت ‪ :‬ل أبايعك يا رسول الله حتى تغفر لي ما تقدم من ذنبي ؟ قال ‪ :‬فقال‬
‫لي رسول الله صلى الله عليه و سلم ‪ :‬يا عمرو أما علمت أن الهجرة تجب‬
‫ما قبلها من الذنوب ؟ يا عمرو أما علمت أن السلم يجب ما كان قبله من‬
‫الذنوب‪(.‬مسند أحمد‪.‬‬
‫ب‬‫من َتا َ‬ ‫ّ‬
‫‪ .4‬العلم بأن التوبة والقلع عن الذنب يبدل السيئات حسنات }إ ِل َ‬
‫فورا ً‬‫ه غ َُ‬ ‫ن الل ُّ‬ ‫ت وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫سَنا ٍ‬‫ح َ‬ ‫م َ‬‫سي َّئات ِهِ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫صاِلحا ً فَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك ي ُب َد ّ ُ‬ ‫مل ً َ‬ ‫ل عَ َ‬‫م َ‬‫ن وَعَ ِ‬ ‫م َ‬‫َوآ َ‬
‫حيما {الفرقان ‪.70‬‬ ‫ً‬ ‫ّر ِ‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأختم بالحديث الشريف‪ ,‬يقول صلى الله عليه وسلم‪ :‬عن عباس بن سهل‬
‫بن سعد قال سمعت بن الزبير على المنبر بمكة في خطبته يقول يا أيها‬
‫الناس إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ‪) :‬لو أن بن آدم أعطي واديا ً‬
‫ملئ من ذهب أحب إليه ثانيا ً ولو أعطي ثانيا ً أحب إليه ثالثا ً ول يسد جوف بن‬
‫آدم إل التراب ويتوب الله على من تاب(‪.‬‬
‫رواه البخاري‪.‬‬
‫ثم قول الشاعر‪:‬‬
‫يا من أسا فيما مضى ثم اعترف‬
‫كن محسنا ً فيما بقي ُتجزى الُغرف‬
‫اعمل بقول الله في تنزيله‬
‫إن ينتهوا ُيغفر لهم ما قد سلف‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫التوبة من الشرك والذنوب في آيتين وبيان معناهما‬


‫إحسان بن محمد بن عايش العتيبي‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله وبعد‪:‬‬
‫ل‪ :‬يتوهم بعض الناس في آيات الله ‪ -‬تعالى ‪-‬المعارضة‪ ،‬ويظن بعضهم أن‬ ‫أو ً‬
‫بين آياته ‪ -‬تعالى ‪-‬تناقضًا‪ ،‬ومما وقع قديما ً وحديثًا‪ :‬ظن بعضهم التعارض بين‬
‫َ‬
‫شاُء{‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك لِ َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫ما ُدو َ‬ ‫فُر َ‬ ‫ك ب ِهِ وَي َغْ ِ‬‫شَر َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫فُر أ ْ‬ ‫ه ل ي َغْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫قوله ‪ -‬تعالى ‪} :-‬إ ِ ّ‬
‫سَرُفوا عََلى‬ ‫َ‬
‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَبادِيَ ال ّ ِ‬ ‫ل َيا ِ‬ ‫]النساء ‪ [116 ،48 /‬مع قوله ‪ -‬تعالى ‪} :-‬قُ ْ‬
‫فوُر‬ ‫ه هُوَ ال ْغَ ُ‬ ‫ميعا ً إ ِن ّ ُ‬ ‫ج ِ‬‫ب َ‬ ‫فُر الذ ُّنو َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ي َغْ ِ‬ ‫مةِ الل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬‫طوا ِ‬ ‫قن َ ُ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫سهِ ْ‬‫ف ِ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫م{ ]الزمر ‪![53 /‬‬ ‫حي ُ‬ ‫الّر ِ‬
‫والواضح البّين أن ل تعارض بينهما‪ ،‬وبيانه‪:‬‬
‫أن الية الولى إنما هي في حكم الخرة وفي حق من لقي الله ‪ -‬تعالى‬
‫ك لم يتحول عنه إلى إسلم‪ ،‬وبمعصية لم يتطهر منها‪.‬‬ ‫‪-‬بشر ٍ‬
‫فالول‪ :‬وهو المشرك‪ :‬كتب الله ‪ -‬تعالى ‪-‬على نفسه أنه ل يغفر له البتة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬وهو صاحب المعصية الذي لم يتطهر منها‪ :‬إنما هو في مشيئة الله ‪-‬‬
‫ذبه‪.‬‬ ‫تعالى ‪-‬إن شاء غفر له‪ ،‬وإن شاء ع ّ‬
‫وأما الية الثانية‪ :‬فهي في حكم الدنيا‪ ،‬وهي بشرى من الله لعباده العاصين‪،‬‬
‫بل والمشركين أنه ‪ -‬تعالى ‪-‬يقبل توبتهم جميعا ً في حال تطهرهم منها‪.‬‬
‫فليست الية الولى على ما يتوهمه بعضهم من أنها تشمل الدنيا لن في ذلك‬
‫إبطال لنصوص القرآن والسنة واتفاق المسلمين أن من تاب‪ :‬تاب الله عليه‪،‬‬
‫وقد قبل الله ‪ -‬تعالى ‪-‬توبة المشركين من شركهم والكافرين من كفرهم‪،‬‬
‫ومن قال هذا فقد قال بقول سلفه من المعتزلة!‬
‫وليست الية الثانية في الخرة؛ لن في ذلك إبطال ً لنصوص الوعيد من‬
‫القرآن والسنة فضل ً عن اتفاق سلف هذه المة أنه ل مغفرة لمشرك يوم‬
‫القيامة لم يتب من شركه‪ ،‬وفيها إبطال لعقيدة المسلمين أن الجنة ل يدخلها‬
‫إل نفس مسلمة أو مؤمنة‪ ،‬فضل ً عن اتفاق المسلمين على هذا خلفا ً لمن‬
‫جهل ساء فهمه كما قال ابن القيم فظن أنها عامة في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ويؤيد ذلك‪ :‬الكتاب والسّنة‪:‬‬
‫أما الكتاب ففي آيات كثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ّ‬
‫س الِتي‬ ‫ف َ‬ ‫ن الن ّ ْ‬ ‫قت ُلو َ‬ ‫ُ‬ ‫خَر َول ي َ ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫معَ اللهِ إ ِلها آ َ‬ ‫ن َ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ل ي َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ .1‬قوله ‪ -‬تعالى ‪َ} :-‬وال ّ ِ‬
‫ه ال ْعَ َ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫ذا ُ‬ ‫ف لَ ُ‬ ‫ضاعَ ْ‬ ‫ك ي َل ْقَ أَثامًا‪ .‬ي ُ َ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫فعَ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬‫ن وَ َ‬ ‫حقّ َول ي َْزُنو َ‬ ‫ه إ ِّل ِبال ْ َ‬
‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫َ‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صاِلحا ً فَُأول َئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫مل ً َ‬ ‫ل عَ َ‬‫م َ‬‫ن وَعَ ِ‬ ‫م َ‬‫ب َوآ َ‬ ‫ن َتا َ‬ ‫م ْ‬ ‫مَهانًا‪ .‬إ ِّل َ‬ ‫خل ُد ْ ِفيهِ ُ‬ ‫مةِ وَي َ ْ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬‫ي َوْ َ‬
‫حيما{ ]الفرقان ‪.[70 68 /‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فورا َر ِ‬ ‫َ‬
‫هغ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫َ‬
‫ت وَكا َ‬ ‫سَنا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫سي ّئات ِهِ ْ‬‫ه َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ي ُب َد ّل الل ُ‬
‫وهي واضحة الدللة على مغفرة الله ‪ -‬تعالى ‪-‬للذنوب جميعا ً ولو كانت شركا ً‬
‫بل إن فيها بيانا ً لفضل عظيم وهو تبديل السيئات حسنات‪.‬‬
‫ومن دعا مع الله إلها آخر فلم يتب منه‪ ،‬ولقي الله به‪ :‬فله نصيب الية }إن‬
‫الله ل يغفر أن يشرك به{‪.‬‬
‫م‬‫فُروا ث ُ ّ‬ ‫م كَ َ‬‫مُنوا ث ُ ّ‬‫مآ َ‬ ‫م كَ َ‬
‫فُروا ث ُ ّ‬ ‫مُنوا ث ُ ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫‪ .2‬قوله ‪ -‬تعالى ‪ -‬على قول }إ ِ ّ‬
‫ل{ ]النساء ‪.[137 /‬‬ ‫سِبي ً‬ ‫م َ‬ ‫م َول ل ِي َهْدِي َهُ ْ‬ ‫فَر ل َهُ ْ‬ ‫ه ل ِي َغْ ِ‬‫ن الل ّ ُ‬ ‫م ي َك ُ ِ‬‫فرا ً ل َ ْ‬‫اْزَداُدوا ك ُ ْ‬
‫ويؤيد الول والثاني أحاديث من السنة كثيرة‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ " .1‬ومن لقيني بقراب الرض خطيئة ل يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة‬
‫"‪.‬‬
‫رواه مسلم )‪.(2687‬‬
‫‪ .2‬عن عائشة قالت قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ " :-‬الدواوين‬
‫عند الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬ثلثة‪ :‬ديوان ل يعبأ الله به شيئًا‪ ،‬وديوان ل يترك الله منه‬
‫شيئًا‪ ،‬وديوان ل يغفره الله‪ ،‬فأما الديوان الذي ل يغفره الله‪ :‬فالشرك بالله‬
‫قال الله ‪ -‬عز وجل ‪} :-‬إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة{‪ ،‬وأما‬
‫الديوان الذي ل يعبأ الله به شيئًا‪ :‬فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه من‬
‫صوم يوم تركه أو صلة تركها؛ فإن الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬يغفر ذلك ويتجاوز إن‬
‫شاء‪ ،‬وأما الديوان الذي ل يترك الله منه شيئا ً فظلم العباد بعضهم بعضًا‪،‬‬
‫القصاص ل محالة‪] .‬رواه أحمد )‪ (155 / 43‬والحاكم )‪ (185 / 4‬و )‪/ 4‬‬
‫‪.[(619‬‬
‫وفيه‪ :‬صدقة بن موسى‪ ،‬ضعفه يحي بن معين والنسائي‪ ،‬ولذا رد ّ المام‬
‫الذهبي على الحاكم تصحيح الحديث بقوله‪ :‬صدقة‪ :‬ضعفوه‪ ،‬وابن بابنوس فيه‬
‫جهالة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬لكن ابن بابنوس وثقه ابن حبان‪ ،‬وقال ابن عدي‪ :‬أحاديثه مشاهير‪،‬‬
‫وقال الدارقطني‪ :‬ل بأس به‪.‬‬
‫انظر " الثقات " لبن حبان )‪ " ،(548 / 5‬سؤالت البرقاني " )ص ‪" ،(72‬‬
‫الكامل في ضعفاء الرجال " )‪.(278 / 7‬‬
‫وله شاهد‪:‬‬
‫عن أنس عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪" :‬الظلم ثلثة‪ :‬فظلم ل‬
‫يغفره الله‪ ،‬وظلم يغفره‪ ،‬وظلم ل يتركه الله‪ ،‬فأما الظلم الذي ل يغفره الله‪:‬‬
‫فالشرك قال الله }إن الشرك لظلم عظيم{‪ ،‬وأما الظلم الذي يغفره الله‪:‬‬
‫فظلم العباد لنفسهم فيما بينهم وبين ربهم‪ ،‬وأما الظلم الذي ل يتركه الله‪:‬‬
‫فظلم العباد بعضهم بعضا ً حتى يدين لبعضهم من بعض‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قال الهيثمي‪ :‬رواه البزار عن شيخه أحمد بن مالك القشيري ولم أعرفه‬
‫وبقية رجاله قد وثقوا على ضعفهم‪.‬‬
‫" مجمع الزوائد " )‪.(348 / 10‬‬
‫ً‬
‫قلت‪ :‬ولعل الحديث أن يكون حسنا بمجموع الطريقين‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أقوال المفسرين والعلماء‪:‬‬
‫‪ .1‬قال الطبري‪:‬‬
‫القول في تأويل قوله ‪ -‬تعالى ‪} :-‬إن الله ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلل ً بعيدًا{‪:‬‬


‫يعني بذلك جل ثناؤه‪ :‬إن الله ل يغفر لـ " طعمة " رجل من المشركين إذ‬
‫أشرك ومات على شركه بالله!! ول لغيره من خلقه بشركهم وكفرهم به‪.‬‬
‫}ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء{ يقول‪ :‬ويغفر ما دون الشرك بالله من‬
‫الذنوب لمن يشاء‪ ،‬يعني بذلك جل ثناؤه‪ :‬أن "طعمة" لول أنه أشرك بالله‬
‫ومات على شركه! لكان في مشيئة الله على ما سلف من خيانته ومعصيته‬
‫وكان إلى الله أمره في عذابه والعفو عنه‪ ،‬وكذلك حكم كل من اجترم جرما ً‬
‫فإلى الله أمره إل أن يكون جرمه شركا ً بالله وكفرًا! فإنه ممن حتم! عليه‬
‫أنه من أهل النار إذا مات على شركه! فإذا مات على شركه‪ :‬فقد حرم الله‬
‫عليه الجنة ومأواه النار‪ " .‬التفسير " )‪.(278 / 5‬‬
‫وقال‪:‬‬
‫وقد أبانت هذه الية أن كل صاحب كبيرة ففي مشيئة الله إن شاء عفا عنه‬
‫وإن شاء عاقبه عليه ما لم تكن كبيرته شركا ً بالله‪ " .‬التفسير " )‪.(126 / 5‬‬
‫وقال الطبري‪:‬‬
‫وأولى القوال في ذلك بالصواب قول من قال عنى ‪ -‬تعالى ‪-‬ذكره بذلك‬
‫م بقوله‪:‬‬ ‫جميع من أسرف على نفسه من أهل اليمان والشرك! لن الله ع ّ‬
‫صص به‬ ‫}يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم{ جميع! المسرفين فلم يخ ّ‬
‫مسرفا ً دون مسرف‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬فيغفر الله الشرك؟‬
‫قيل‪ :‬نعم‪ ،‬إذا تاب منه المشرك!‬
‫ً‬
‫وإنما عنى بقوله‪} :‬إن الله يغفر الذنوب جميعا{ لمن يشاء‪ ،‬كما قد ذكرنا‬
‫قبل أن ابن مسعود كان يقرؤه‪ ،‬وأن الله قد استثنى منه الشرك إذا لم يتب‬
‫منه صاحبه‪ ،‬فقال‪} :‬إن الله ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن‬
‫يشاء{ فأخبر أنه ل يغفر الشرك إل بعد توبة بقوله‪} :‬إل من تاب وآمن وعمل‬
‫ضل عليه فعفا‬ ‫صالحًا{ فأما ما عداه‪ :‬فإن صاحبه في مشيئة ربه إن شاء تف ّ‬
‫له عنه‪ ،‬وإن شاء عدل عليه فجازاه به‪ "] .‬التفسير " )‪.[(17 ،16 / 24‬‬
‫‪ .2‬وقال ابن الجوزي‪:‬‬
‫ك مات على شركه! وفي قوله }لمن يشاء{‬ ‫والمراد من الية‪ :‬ل يغفر لمشر ٍ‬
‫نعمة عظيمة من وجهين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أنها تقتضي أن كل ميت على ذنب دون الشرك ل ُيقطع عليه‬
‫بالعذاب وإن مات مصّرًا‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن تعليقه بالمشيئة فيه نفع للمسلمين‪ ،‬وهو أن يكونوا على خوف‬
‫وطمع‪ "] .‬زاد المسير " )‪.[(104 ،103 / 2‬‬
‫‪ .3‬وقال شيخ السلم ابن تيمية‪ :‬فصل‪ :‬في قوله ‪ -‬تعالى ‪}-‬قل يا عبادي‬
‫الذين أسرفوا على أنفسهم ل تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب‬
‫جميعا ً إنه هو الغفور الرحيم‪ .‬و أنيبوا إلى ربكم وأسلموا له{‪:‬‬
‫وقد ذكرنا في غير موضع أن هذه الية في حق التائبين!! وأما آيتا النساء‪:‬‬
‫قوله }إن الله ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء{ فل يجوز!‬
‫أن تكون في حق التائبين كما يقوله من يقوله من المعتزلة!! فإن التائب من‬
‫الشرك يغفر له الشرك أيضا ً بنصوص القرآن واتفاق المسلمين‪ ،‬وهذه الية‬
‫فيها تخصيص وتقييد وتلك الية فيها تعميم وإطلق‪ ،‬هذه خص فيها الشرك‬
‫بأنه ل يغفره‪ ،‬وما عداه لم يجزم بمغفرته بل عّلقه بالمشيئة فقال‪} :‬و يغفر‬
‫ما دون ذلك لمن يشاء{ …‬
‫والمقصود هنا أن قوله‪} :‬يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ل تقنطوا من‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا{ فيه نهي عن القنوط من رحمة الله ‪-‬‬
‫تعالى ‪-‬وإن عظمت الذنوب وكثرت فل يحل لحد أن يقنط من رحمة الله وإن‬
‫عظمت ذنوبه ول أن يقنط الناس من رحمة الله‪.‬‬
‫قال بعض السلف‪ :‬إن الفقيه كل الفقيه الذي ل يؤيس الناس من رحمة الله‬
‫ول يجريهم على معاصي الله …‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬قوله‪} :‬إن الله يغفر الذنوب جميعًا{ معه عموم على وجه الخبار‬
‫فدل أن الله يغفر كل ذنب‪ ،‬ومعلوم أنه لم يرد أن من أذنب من كافرٍ وغيره‬
‫فإنه يغفر له ول يعذبه ل في الدنيا ول في الخرة؛ فإن هذا خلف المعلوم‬
‫بالضرورة والتواتر والقرآن والجماع إذ كان الله أهلك أمما ً كثيرة بذنوبها‪،‬‬
‫ذب بذنوبه إما قدرا ً وإما شرعا ً في الدنيا قبل الخرة‪،‬‬ ‫من عُ ّ‬
‫مة َ‬
‫ومن هذه ال ّ‬
‫ة‬ ‫ً‬
‫وقد قال ‪ -‬تعالى ‪} :-‬من يعمل سوءا يجز به{ وقال }فمن يعمل مثقال ذّر ٍ‬
‫خيرا ً يره ومن يعمل مثقال ذّرةٍ شّرا ً يره{ فهذا يقتضي أن هذه الية ليست‬
‫على ظاهرها‪ ،‬بل المراد أن الله قد يغفر الذنوب جميعا أي‪ :‬ذلك مما قد‬
‫ب‪ "] .‬مجموع الفتاوى " )‪.[(22 18 / 16‬‬ ‫يفعله‪ ،‬أو أنه يغفره لكل تائ ٍ‬
‫وقال‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وكذلك قوله‪} :‬يغفر الذنوب{ عام في الذنوب‪ ،‬مطلق في أحوالها؛ فإن‬


‫الذنب قد يكون صاحبه تائبا ً منه وقد يكون مصّرًا‪ ،‬واللفظ لم يتعرض لذلك‪،‬‬
‫بل الكلم يبّين أن الذنب ُيغفر في حال دون حال؛ فإن الله أمر بفعل ما ُتغفر‬
‫ما به يحصل العذاب يوم القيامة بل مغفرة فقال‪} :‬وأنيبوا‬ ‫به الذنوب وَنهى ع ّ‬
‫إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم ل تشعرون‪ .‬أن‬
‫س يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين‪.‬‬ ‫تقول نف ٌ‬
‫أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين‪ .‬أو تقول حين ترى العذاب لو‬
‫ت‬‫ت بها واستكبر َ‬ ‫ن لي كرة ً فأكون من المحسنين‪ .‬بلي قد جاءتك آياتي فكذب َ‬ ‫أ ّ‬
‫ً‬
‫ذب نفوسا لم يغفر لها‬ ‫ت من الكافرين{ فهذا إخبار أنه يوم القيامة يع ّ‬ ‫وكن َ‬
‫ذبت بآياته واستكبرت وكانت من الكافرين‪ ،‬ومثل هذه الذنوب غفرها‬ ‫كالتي ك ّ‬
‫الله لخرين لنهم تابوا منها‪ "] .‬مجموع الفتاوى " )‪.[(27 / 16‬‬
‫وقال ابن تيمية‪:‬‬
‫والله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ل يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب بل يغفر الشرك وغيره‬
‫للتائبين كما قال ‪ -‬تعالى ‪}:-‬قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ل‬
‫تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ً إنه هو الغفور الرحيم{‪،‬‬
‫مة مطلقة لّنها للتائبين!‪ ،‬وأما قوله‪} :‬إن الله ل يغفر أن يشرك‬ ‫وهذه الية عا ّ‬
‫صة لّنها في حق غير‬ ‫به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء{ فإنها مقّيدة خا ّ‬
‫التائبين! ل يغفر لهم الشرك‪ ،‬وما دون الشرك معّلق بمشيئة الله ‪ -‬تعالى ‪.-‬‬
‫]مجموع الفتاوى )‪.[(358 / 2‬‬
‫وقال ابن تيمية‪:‬‬
‫وقد قال ‪ -‬تعالى ‪-‬في كتابه‪} :‬إن الله ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون‬
‫ذلك لمن يشاء{ فجعل ما دون ذلك الشرك معّلقا بمشيئته‪ ،‬ول يجوز أن‬
‫ُيحمل هذا على التائب؛ فإن التائب ل فرق في حقه بين الشرك وغيره! كما‬
‫قال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬في الية الخرى }قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ل‬
‫مم وأطلق؛ لن‬ ‫تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا{ فهنا ع ّ‬
‫ص وعّلق‪.‬‬
‫المراد به التائب! وهناك خ ّ‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪.(485 ،484 / 7‬‬


‫‪ .4‬وقال ابن القيم‪:‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬أن الذنوب ُتغفر بالتوبة النصوح‪ ،‬فلو بلغت ذنوب العبد عنان‬
‫السماء وعدد الرمل والحصا ثم تاب منها‪ :‬تاب الله عليه قال ‪ -‬تعالى ‪} :-‬قل‬
‫يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ل تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر‬
‫الذنوب جميعا ً إنه هو الغفور الرحيم{ فهذا في حق التائب! فإن التوبة تج ّ‬
‫ب‬
‫فر الذنوب كما في‬ ‫من الذنب كمن ل ذنب له‪ ،‬والتوحيد يك ّ‬ ‫ما قبلها‪ ،‬والتائب ِ‬
‫الحديث الصحيح اللهي " ابن آدم لو لقيَتني بقراب الرض خطايا ثم لقيتني ل‬
‫تشرك بي شيئا ً لقيُتك بقراِبها مغفرة "‪ " .‬هداية الحيارى " )‪.(130‬‬
‫وقال ابن القيم‪:‬‬
‫ً‬
‫وكاتكال بعضهم على قوله ‪ -‬تعالى ‪} :-‬إن الله يغفر الذنوب جميعا{ وهذا‬
‫من أقبح الجهل! فإن الشرك داخل في هذه الية‪ ،‬فإنه رأس الذنوب‬ ‫أيضا ً ِ‬
‫ب‬
‫ل تائ ٍ‬ ‫وأساسها‪ ،‬ول خلف! أن هذه الية في حق التائبين فإنه يغفر ذنب ك ّ‬
‫أي ذنب كان‪.‬‬
‫ولو كانت الية في حق غير التائبين لبطلت نصوص الوعيد كلها وأحاديث‬
‫إخراج قوم من الموحدين من النار بالشفاعة‪ ،‬وهذا إنما أوتي صاحبه من قلة‬
‫مم وأطلق‪ ،‬فعلم أنه أراد التائبين‪،‬‬ ‫علمه وفهمه! فإنه ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ها هنا ع ّ‬
‫صص وقّيد فقال }إن الله ل يغفر أن يشرك به‬ ‫وفي سورة " النساء " خ ّ‬
‫ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء{ فأخبر الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬أّنه ل َيغفر الشرك‪،‬‬
‫وأخبر أنه يغفر ما دونه‪ ،‬ولو كان هذا في حق التائب لم يفرق بين الشرك‬
‫وغيره‪ " .‬الجواب الكافي " )ص ‪.(12‬‬
‫‪ .5‬وقال ابن كثير‪:‬‬
‫وهذه الية التي في سورة تنزيل أي‪ :‬الزمر ‪ -‬مشروطة بالتوبة‪ ،‬فمن تاب من‬
‫أيّ ذنب! وقد تكرر منه‪ :‬تاب الله عليه‪ ،‬ولهذا قال }قل يا عبادي الذين‬
‫أسرفوا على أنفسهم ل تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا{‬
‫أي‪ :‬بشرط التوبة‪ ،‬ولو لم يكن كذلك‪ :‬لدخل الشرك فيه‪ ،‬ول يصح ذلك!! لنه‬
‫‪ -‬تعالى ‪-‬قد حكم هاهنا بأنه " ل يغفر الشرك "! وحكم بأنه يغفر ما عداه لمن‬
‫يشاء! أي‪ :‬وإن لم يتب صاحبه‪ ،‬فهذه أرجى من تلك من هذا الوجه‪ ،‬والله‬
‫أعلم‪ "] .‬التفسير " )‪.[(512 / 1‬‬
‫‪ .6‬وقال الشنقيطي‪:‬‬
‫َ‬
‫شاُء‬‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬‫ك لِ َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬
‫ما ُدو َ‬
‫فُر َ‬ ‫شَر َ‬
‫ك ب ِهِ وَي َغْ ِ‬ ‫ن يُ ْ‬‫فُر أ ْ‬
‫ه ل ي َغْ ِ‬‫ن الل ّ َ‬‫قوله ‪ -‬تعالى ‪} :-‬إ ِ ّ‬
‫ظيمًا{ ]النساء ‪ [48 /‬ذكر في هذه الية‬ ‫قدِ افْت ََرى إ ِْثما ً عَ ِ‬ ‫ك ِبالل ّهِ فَ َ‬‫شرِ ْ‬
‫ن يُ ْ‬‫م ْ‬
‫وَ َ‬
‫الكريمة أنه ‪ -‬تعالى ‪-‬ل يغفر الشراك به‪ ،‬وأنه يغفر غير ذلك لمن يشاء‪ ،‬وأن‬
‫من أشرك به فقد افترى إثما ً عظيمًا‪.‬‬
‫وذكر في مواضع أخر‪ :‬أن محل كونه ل يغفر الشراك به إذا لم يتب المشرك‬
‫من ذلك‪ ،‬فإن تاب‪ :‬غفر له‪ ،‬كقواه }إل من تاب وآمن وعمل عمل صالحًا{‬
‫الية‪ ،‬فإن الستثناء راجع لقوله‪} :‬والذين ل يدعون مع الله إلها آخر{ وما‬
‫عطف عليه؛ لن معنى الكل جمع في قوله‪} :‬ومن يفعل ذلك يلق أثامًا{‬
‫الية‪ ،‬وقوله‪} :‬قل للذين كفروا إن ينتهوا ُيغفر لهم ما قد سلف{ … ]"‬
‫أضواء البيان " )‪.[(291 ،290 / 1‬‬
‫والله أعلم‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ http://saaid.net‬المصدر‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫التوبة من الغيبة‬
‫السؤال ‪:‬‬
‫ابتليت بالغيبة و الوقوع في أعراض الناس أثناء دراستي في زمن الشباب ‪،‬‬
‫ثم وقفت على خطورة المر ‪ ،‬و أضراره الجتماعّية فضل ً عن تحريمه في‬
‫من‬ ‫الشرع ‪ ،‬فكيف أتوب من الغيبة بعد صدورها مني ؟ هل أطلب السماح م ّ‬
‫ت في أعراضهم ‪ ،‬أم يكفي إقلعي و توبتي بيني و بين الله ؟‬ ‫وقع ُ‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫أقول مستعينا بالله تعالى ‪:‬‬ ‫ً‬
‫الغيبة مرض خطير يبخر في بنية المجتمع فيوهن أركانه ‪ ،‬و يغرس العداوة و‬
‫ذر منها السلم ‪ ،‬و أنكر على مقترفها ‪ ،‬و شّنع‬ ‫البغضاء بين أفراده ‪ ،‬لذلك ح ّ‬
‫عليه ‪.‬‬
‫مي ًْتا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ي َأك َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫خيهِ َ‬ ‫مأ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫لل ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫حد ُك ْ‬ ‫بأ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ضا أي ُ ِ‬ ‫م ب َعْ ً‬ ‫ضك ْ‬ ‫ب ب َعْ ُ‬ ‫قال تعالى ‪ ) :‬وَ ل ي َغْت َ ْ‬
‫ب ( ] الحجرات ‪. [ 12 :‬‬ ‫وا ٌ‬ ‫ه تَ ّ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫موه ُ وَ ات ّ ُ‬ ‫فَك َرِهْت ُ ُ‬
‫و روى مسلم و الترمذي و أبو داود و أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن‬
‫َ‬
‫ه َو‬ ‫ة ؟ ( َقاُلوا ‪ :‬الل ّ ُ‬ ‫ما ال ِْغيب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ‪ ) :‬أت َد ُْرو َ‬
‫خي‬ ‫ن ِفي أ َ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ت إِ ْ‬
‫ك بما يك ْره ( قي َ َ َ‬
‫ل ‪ :‬أفََرأي ْ َ‬ ‫خا َ ِ َ َ َ ُ ِ‬ ‫ك أَ َ‬ ‫ل ‪ ) :‬ذِك ُْر َ‬ ‫م ‪َ ،‬قا َ‬ ‫رسول ُ َ‬
‫ه أعْل َ ُ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫ه(‬ ‫ت‬ ‫ه‬
‫ْ ََ ّ ُ‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫ُ‬
‫ْ ََْ ُ َ ِ ْ ْ َ ْ ِ ِ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫غ‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ما‬
‫َ ِ ِ َ َ‬ ‫ه‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ن‬‫ِ ْ‬ ‫إ‬ ‫‪:‬‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫؟‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ما أ َُقو‬ ‫َ‬
‫‪.‬‬
‫ي بشيٍء منها أن ُيبادر بالتوبة إلى‬ ‫و الغيبة من كبائر الذنوب ‪ ،‬و على من ابُتل َ‬
‫الله تعالى قبل أن يأتي يوم القيامة و قد تكاثر عليه أصحاب الحقوق يأخذون‬
‫خسران المبين ‪.‬‬ ‫ح عليه من سّيئاتهم ‪ ،‬و ذلك هو ال ُ‬ ‫من حسناته ‪ ،‬و ُيطر ُ‬
‫روى مسلم و الترمذي و أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله‬
‫َ‬
‫س ِفيَنا‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫س ؟ ( َقاُلوا ‪ :‬ال ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫فل ِ‬
‫م ْ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫صلى الله عليه و سلم قال ‪ ) :‬أت َد ُْرو َ‬
‫ْ‬ ‫فل ِس م ُ‬
‫ة‬
‫م ِ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫مِتي ي َأِتي ي َوْ َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫َ ِ ْ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫ل ‪ ) :‬إِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫مَتاع َ ‪ ،‬فَ َ‬ ‫هول َ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫ن ل دِْرهَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ذا ‪َ ،‬و‬ ‫ل هَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫ذا ‪ ،‬وَ أك َ‬ ‫ف هَ َ‬ ‫ذا ‪ ،‬وَ قَذ َ َ‬ ‫م هَ َ‬ ‫شت َ َ‬ ‫صَيام ٍ وَ َزكاةٍ وَ ي َأِتي قَد ْ َ‬ ‫صلةٍ وَ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫سَنات ِهِ ‪،‬‬ ‫ح َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫سَنات ِهِ ‪ ،‬وَ هَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ذا ؛ في ُعْطى هَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب هَ َ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ذا ‪ ،‬وَ َ‬ ‫م هَ َ‬ ‫فك د َ َ‬ ‫َ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت عَلي ْهِ ‪،‬‬ ‫ح ْ‬ ‫م فطرِ َ‬ ‫خطاَياهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫ما عَلْيه ‪ ،‬أ ِ‬ ‫ضى َ‬ ‫ق َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫َ‬
‫ه قب ْل أ ْ‬ ‫سَنات ُ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ت َ‬ ‫ن فن ِي َ ْ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫ح ِفي الّنارِ ( ‪.‬‬ ‫م ط ُرِ َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫فإذا تقّرر هذا فلُيعلم أن الذنوب على أنواع ‪:‬‬
‫• منها ما هو تقصير في حقّ الله تعالى فقط ‪ ،‬و ليس للعباد حقّ فيه ‪،‬‬
‫ج مع القدرة عليه ‪.‬‬ ‫كالفطر في رمضان ‪ ،‬و عدم الح ّ‬
‫ب كهذا ل بد ّ من توّفر ثلثة شروط هي ‪:‬‬ ‫و للتوبة من ذن ٍ‬
‫‪ .1‬القلع عن الذنب ‪.‬‬
‫‪ .2‬الندم على ما فات من فعله ‪.‬‬
‫‪ .3‬العزم على عدم العودة إليه مستقبل ً ‪.‬‬
‫• و منها ما فيه استطالة في حقوق العباد ‪ ،‬كالستيلء على بعض ما يملكون‬
‫بالغصب أو السلب أو نحو ذلك ‪.‬‬
‫ب كهذا ل بد ّ من إعادة حقوق العباد إلى أصحابها ‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫و للتوبة من ذن ٍ‬
‫مة ‪.‬‬ ‫ً‬
‫الشروط الثلثة التي سبق ذكرها شرطا للتوبة العا ّ‬
‫• و منها ما فيه إلحاق ضررٍ مادي ) كالتسبب في عزل العامل من عمله ( أو‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫معنوي ) كالغيبة و النميمة التي لم تؤدي إلى قطيعة أو ضرر بمن أريد منها ‪،‬‬
‫أو لم تبلغه ( من غير أن يستحوذ المذنب لنفسه ‪ ،‬أو يضع يده على شيٍء من‬
‫حقّ غيره ‪.‬‬
‫و على من وقع في شيٍء من الذنوب المندرجة تحت هذا النوع أن يتوب إلى‬
‫من أساء إليه‬ ‫مته م ّ‬ ‫م يسعى إلى إبراء ذ ّ‬ ‫ة مستوفية الشروط ‪ ،‬ث ّ‬ ‫الله تعالى توب ً‬
‫بنفسه ‪ ،‬أو تسبب في جلب الساءة إليه ‪ ،‬يكون ذلك بطلب الصفح منهم ‪،‬‬
‫إن لم يكن ذلك مؤديا ً إلى مفسدةٍ أكبر ‪ ،‬أو الحسان إليهم بما يكافئ ما‬
‫لحقهم على يده أو بسببه من أذى ‪ ،‬فإن عجز عن هذا و ذاك فليكثر من‬
‫الدعاء لهم بظهر الغيب ‪.‬‬
‫ت لله تعالى في الدنيا ل يسقط حتى و إن أسقط‬ ‫• و منها ما فيه حقّ ثاب ٌ‬
‫فارة و هي‬ ‫ً‬
‫العباد حقوقهم ‪ ،‬و مثاله وجوب الدية لهل المقتول خطأ ‪ ،‬مع الك ّ‬
‫ة‬
‫صيام شهرين متتابعين للقاتل الذي يريد التوبة ‪ ،‬و ل ب ُد ّ له من تحرير رقب ٍ‬
‫ط أهل القتيل‬ ‫ق َ‬ ‫مؤمنةٍ ‪ ،‬فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ‪ ،‬حتى و إن أس َ‬
‫ميَثا ٌ‬
‫ق‬ ‫م ِ‬ ‫م وَ ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ن قَوْم ٍ ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫قهم في الدية ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ ) :‬وَ إ ِ ْ‬ ‫ح ّ‬
‫م َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫فَدِي َ ٌ‬
‫ن‬
‫شهَْري ْ ِ‬ ‫صَيا ُ‬ ‫جد ْ ف ِ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫نل ْ‬ ‫م ْ‬ ‫من َةٍ ف َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ريُر َرقب َةٍ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ة إ ِلى أهْل ِهِ وَ ت َ ْ‬ ‫م ٌ‬‫سل َ‬ ‫م َ‬ ‫ة ُ‬
‫ما ( ] النساء ‪. [ 92 :‬‬ ‫كي ً‬‫ح ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ه عَِلي ً‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬‫ن الل ّهِ وَ َ‬ ‫م َ‬
‫ة ِ‬ ‫ن ت َوْب َ ً‬ ‫مت ََتاب ِعَي ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ؤ‬ ‫يا‬ ‫ل‬‫و‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫تيل‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫)‬ ‫‪:‬‬ ‫الية‬ ‫هذه‬ ‫تفسير‬ ‫في‬ ‫الله‬ ‫رحمه‬ ‫كثير‬ ‫ابن‬ ‫قال‬
‫َِْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫أَ ْ‬
‫ن‬‫َ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ن‬
‫ِ ْ‬ ‫إ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫لة‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫مًنا فَدَِية‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م فَإ ِ ْ‬ ‫م دَِية قَِتيله ْ‬ ‫مة أوْ هُد َْنة فَل َهُ ْ‬ ‫هل ذِ ّ‬
‫ضا عََلى ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫رير َرقََبة‬ ‫ح ِ‬ ‫قاِتل ت َ ْ‬ ‫جب أي ْ ً‬ ‫ماء ‪ ...‬وَ ي َ ِ‬ ‫ن ال ْعُل َ َ‬ ‫م ْ‬‫فة ِ‬ ‫عْند َ‬
‫طائ ِ َ‬ ‫ضا ِ‬ ‫كافًِرا أي ْ ً‬ ‫َ‬
‫مَنة ( ‪.‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ت ‪ :‬و الغيبة من النوع الثالث ‪ ،‬و على التائب منها أن يراعي المصلحة و‬ ‫قل ُ‬
‫َ‬
‫من أساء إليهم ‪ ،‬فإن لم تكن الغيبة قد ب َلغت‬ ‫المفسدة قبل أن يعتذر م ّ‬
‫المغتاب فالولى عدم طلب السماح منه ‪ ،‬و الكتفاء بالرجوع عن الغيبة أمام‬
‫من سمعها ‪ ،‬و تبرئة ساحة من طالته بالرجوع عنها ‪ ،‬و التعريف محاسنه و‬
‫الثناء عليه بما فيه ‪.‬‬
‫ن الواقع في‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما إذا كانت الغيبة قد بلغت المقصود بها ‪ ،‬فإن غلب على ظ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ن إصلح‬ ‫ن من سيعتذر منهم يقبلون اعتذاره بادرهم به ‪ ،‬و إن رأى أ ّ‬ ‫الغيبة أ ّ‬
‫ّ‬
‫ذات البين يمكن تحقيقها بالتلطف و تقديم الهدايا إليهم فَعل ‪ ،‬و د ََرَء سيئاته‬
‫بحسنات مثلها أو أكبر منها ‪.‬‬
‫و إن غَلب على ظّنه أن اعتذاره لن ُيجديَ معهم نفعا ً ‪ ،‬أو أّنه قد يؤدي إلى‬
‫زيادة الفرقة و الضغينة في النفوس ‪ ،‬فليلجأ إلى الحسان إليهم بالدعاء ‪ ،‬و‬
‫ل الله يلهم‬ ‫ما يسوؤهم أو يسيء إليهم ‪ ،‬لع ّ‬ ‫فع ّ‬ ‫ذكر محاسنهم ‪ ،‬و الك ّ‬
‫الصفح ‪ ،‬و يقيل عثرة َ صاحبهم فيغفر له ‪ ،‬و هو أهل التقوى و أهل المغفرة ‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير سورة الحجرات ‪ ) :‬قال الجمهور‬
‫من العلماء ‪ :‬طريق المغتاب للناس في توبته أن ُيقلع عن ذلك ‪ ،‬و يعزم على‬
‫أن ل يعود ‪ ،‬و هل يشترط الندم على ما فات ؟ فيه نزاع ‪ ،‬و أن يتحلل من‬
‫الذي اغتابه ‪.‬‬
‫و قال آخرون ‪ :‬ل ُيشترط أن يتحلله فإنه إذا أعلمه بذلك رّبما تأذى أشد مما‬
‫إذا لم يعلم بما كان منه ‪ ،‬فطريقه إذا ً أن ُيثني عليه بما فيه في المجالس‬
‫التي كان يذمه فيها ‪ ،‬و أن يرد عنه الغيبة بحسبه و طاقته لتكون تلك بتلك ( ‪.‬‬
‫هذا ‪ ،‬و الله الموّفق ‪ ،‬و هو الهادي إلى سواء السبيل ‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التوبة والستغفار‪:‬‬
‫الفصل الول‪ :‬تعريف وبيان )التوبة ‪ -‬الستغفار ‪ -‬النابة ‪ -‬الوبة(‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬حكم التوبة وشروطها‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬فضائل التوبة والستغفار في القرآن الكريم‪:‬‬
‫ل‪ :‬قبول التوبة والمغفرة من صفات الرحمن جل جلله‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيًا‪ :‬أمر الله عز وجل عباده بالتوبة والستغفار‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬التوبة والستغفار من صفات النبياء والصالحين‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬دعوة النبياء والصالحين أقوامهم للتوبة والستغفار‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬بيان جزاء التوبة في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬فضائل التوبة والستغفار في السنة النبوية‪.‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬الثار والقوال الواردة في التوبة والستغفار‪.‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬مسائل في التوبة‪:‬‬
‫‪ -1‬التوبة الواجبة والتوبة المستحبة‪.‬‬
‫‪ -2‬التوبة النصوح‪.‬‬
‫‪ -3‬التوبة الخاصة من بعض الذنوب‪.‬‬
‫‪ -4‬التخلص من الحقوق والتحلل من المظالم‪.‬‬
‫‪ -5‬توبة العاجز عن المعصية‪.‬‬
‫‪ -6‬معنى التوبة من قريب والتوبة عند الموت‪.‬‬
‫‪ -7‬رجوع الحسنات إلى الثائب بعد التوبة‪.‬‬
‫‪ -8‬هل التوبة ُترجع العبد إلى حاله قبل المعصية؟‬
‫الفصل السابع‪ :‬أمور تعين على التوبة‪:‬‬
‫‪ -1‬الخلص لله والقبال عليه عز وجل‪.‬‬
‫‪ -2‬المجاهدة‪.‬‬
‫صر المل وتذكر الخرة‪.‬‬ ‫‪ -3‬قِ َ‬
‫‪ -4‬العلم‪.‬‬
‫‪ -5‬مصاحبة الخيار ومجانبة الشرار‪.‬‬
‫‪ -6‬استحضار أضرار الذنوب والمعاصي في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫‪ -7‬الدعاء‪.‬‬
‫الفصل الثامن‪ :‬نماذج وصور وقصص للتائبين‪.‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬أخطاء في باب التوبة‪:‬‬
‫‪ -1‬تأجيل التوبة‪.‬‬
‫‪ -2‬الغفلة عن التوبة مما ل يعلمه العبد من ذنوبه‪.‬‬
‫‪ -3‬ترك التوبة مخافة الرجوع للذنوب‪.‬‬
‫‪ -4‬ترك التوبة خوفا ً من لمز الناس‪.‬‬
‫‪ -5‬ترك التوبة مخافة سقوط المنزلة وذهاب الجاه والشهرة‪.‬‬
‫‪ -6‬التمادي في الذنوب اعتمادا ً على سعة رحمة الله‪.‬‬
‫‪ -7‬الغترار بإمهال الله للمسيئين‪.‬‬
‫‪ -8‬اليأس من رحمة الله‪.‬‬
‫‪ -9‬اليأس من توبة العصاة‪.‬‬
‫‪ -10‬الشماتة بالمبتَلين‪.‬‬
‫‪ -11‬توبة الكذابين‪.‬‬
‫الفصل الول‪ :‬تعريف وبيان‪:‬‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تعريف التوبة‪:‬‬
‫ب مثله‪.‬‬‫التوبة لغة‪ :‬قال ابن المنظور‪" :‬هي الرجوع من الذنب‪ ،‬والتو ُ‬
‫مة وعَْزم‪ ،‬وتاب إلى الله يتوب توبا ً‬ ‫وقال الخفش‪ :‬التوب جمع توبة‪ ،‬مثل عَْز َ‬
‫ومتابًا‪ :‬أناب ورجع عن المعصية إلى الطاعة‪.‬‬
‫ومذهب المبرد أن التوب مصدر كالقول‪ ،‬أو أنه جمع توبة كلوزة ولوز‪ ،‬ومنه‬
‫ب{ ]غافر‪."[3:‬‬ ‫ل الت ّوْ ِ‬ ‫ب وََقاب ِ ِ‬‫ذن ِ‬ ‫غافِرِ ال ّ‬‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫وقال أبو منصور‪" :‬أصل تاب عاد إلى الله ورجع وأناب ]ومنه قوله عليه‬
‫الصلة والسلم‪)) :‬رب تقبل توبتي واغسل حوبتي(([‪ .‬وتاب الله عليه‪ :‬أي‬
‫عاد عليه بالمغفرة"‪.‬‬
‫سَبت إلى العبد‬ ‫والتوبة لفظ يشترك فيه العبد والرب سبحانه وتعالى‪ ،‬فإذا ن ُ ِ‬
‫فالمعنى‪ :‬أنه رجع إلى ربه عن المعصية‪ ،‬وإذا وصف بها الرب تبارك وتعالى‬
‫واب‬ ‫فالمعنى‪ :‬أنه رجع على عبده برحمته وفضله‪ .‬وأما عن اتصاف الله بأنه ت ّ‬
‫بصيغة المبالغة فالمراد بذلك المبالغة في الفعل وكثرة قبوله‪ ،‬أو أنه لكثرة‬
‫من يتوب إليه تعالى أو أنه الملهم لعباده الكثيرين أن يتوبوا‪.‬‬
‫ويقول الحليمي في تفسير التواب‪" :‬إنه العائد على عبده بفضل رحمته كلما‬
‫رجع لطاعته وندم على معصيته‪ ،‬فل يحبط عنه ما قدمه من خير ول يحرمه‬
‫ما وعد به الطائع من الحسان‪.‬‬
‫وقال الخطابي‪" :‬التواب‪ :‬الذي يعود إلى القبول كلما عاد العبد إلى الذنب‬
‫وتاب"‪.‬‬
‫وأما وصف العبد بأنه تواب أي كثير الرجوع إلى الطاعة فإن الله تعالى يقول‪:‬‬
‫ن{ ]البقرة‪.[222:‬‬ ‫ري َ‬‫مت َط َهّ ِ‬
‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬
‫ن وَي ُ ِ‬‫ب الّتوِبي َ‬
‫ح ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫تعريف التوبة شرعا‪ً:‬‬
‫للتوبة في الشرع تعاريف كثيرة ذكرها العلماء‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬قال ابن جرير الطبري‪" :‬معنى التوبة من العبد إلى ربه‪ :‬إنابته إلى طاعته‬
‫وأوبته إلى ما يرضيه‪ ،‬بتركه ما يسخطه من المور التي كان عليها مقيما ً مما‬
‫يكرهه ربه"‪.‬‬
‫‪ -2‬عرفها القرطبي بقوله‪" :‬هي الندم بالقلب‪ ،‬وترك المعصية في الحال‪،‬‬
‫والعزم على أل يعود إلى مثلها‪ ،‬وأن يكون ذلك حياء من الله"‪.‬‬
‫فالقرطبي جمع معظم شروط التوبة‪ ،‬ولكن ليست كلها‪ ،‬إل أنه أضاف أمرا ً‬
‫هاما ً وهو أن تكون التوبة من أجل الله حياًء منه‪ ،‬ل خوفا ً على منصب أو‬
‫مصلحة‪.‬‬
‫‪ -3‬وعرفها الراغب الصفهاني بقوله‪" :‬التوبة ترك الذنب لقبحه‪ ،‬والندم على‬
‫ما فرط منه‪ ،‬والعزيمة على ترك المعاودة‪ ،‬وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من‬
‫العمال بالعادة‪ ،‬فمتى اجتمعت هذه الربع فقد كمل شرائط التوبة"‪.‬‬
‫وأضاف ابن حجر العسقلني إلى تعريف الراغب‪" :‬ورد ّ الظلمات إلى ذويها‪،‬‬
‫أو تحصيل البراءة منهم"‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -4‬ونقل ابن كثير عن بعض العلماء تعريفا للتوبة فقال‪" :‬التوبة النصوح هو‬
‫أن يقلع عن الذنب في الحاضر‪ ،‬ويندم على ما سلف منه في الماضي‪ ،‬ويعزم‬
‫على أن ل يفعل في المستقبل‪ ،‬ثم إن كان الحق لدمي رده إليه بطريقة"‪.‬‬
‫نظرة في التعاريف السابقة‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مما سبق نستنتج أن التوبة هي معرفة العبد لقبح الذنوب وضررها عليه‪،‬‬
‫فيقلع عنها مخلصا ً في إقلعه عن الذنب لله تعالى‪ ،‬نادما ً على ما بدر منه في‬
‫ل‪ ،‬عازما ً عزما ً أكيدا ً على عدم العودة إليها‬ ‫الماضي من المعاصي قصدا ً أو جه ً‬
‫في المستقبل‪ ،‬والقيام بفعل الطاعات والحسنات‪ ،‬متحلل ً من حقوق العباد‬
‫بردها إليهم‪ ،‬أو محصل ً البراءة منهم‪.‬‬
‫تعريف الستغفار‪:‬‬
‫فر يستغفر‪ ،‬وهو مأخوذ من‬ ‫الستغفار لغة‪ :‬الستغفار مصدر قولهم‪ :‬اسَتغ َ‬
‫فر الستر والغفر‬ ‫ف َر( التي تدل على الستر في الغالب العم‪ ،‬فالغَ ْ‬ ‫مادة )غ َ َ‬
‫والغفران بمعنى واحد‪ ،‬يقال‪ :‬غفر الله ذنبه غفرا ً ومغفرة وغفرانا‪ً.‬‬
‫ة‪.‬‬‫وقال ابن منظور‪" :‬أصل الغفر التغطية والستر يقال‪ :‬اللهم اغفر لنا مغفر ً‬
‫ة"‪.‬‬ ‫فر ً‬ ‫واستغفر الله ذنبه على حذف الحرف طلب منه غَ ْ‬
‫وقال الراغب‪" :‬الغفر إلباس ما يصونه عن الدنس"‪.‬‬
‫الستغفار شرعًا‪ :‬الستغفار من طلب الغفران والغفران تغطية الذنب بالعفو‬
‫عنه وهو أيضا ً طلب ذلك بالمقال والفعال‪.‬‬
‫تعريف النابة‪:‬‬
‫النابة لغة‪ :‬تدور مادة )ن و ب( حول الرجوع‪ ،‬يقول ابن فارس‪" :‬النون والواو‬
‫والباء" كلمة واحدة تدل على اعتياد مكان ورجوٍع إليه"‪.‬‬
‫تقول‪ :‬أناب فلن إلى الشيء‪ ،‬رجع إليه مرة بعد أخرى‪ ،‬وإلى الله تاب ورجع‪.‬‬
‫وقال الراغب‪" :‬النابة إلى الله تعالى‪ :‬الرجوع إليه بالتوبة وإخلص العمل"‪.‬‬
‫ه{ ]الروم‪ [31:‬أي‪ :‬راجعين إلى ما أمر به‪،‬‬ ‫ن إ ِل َي ْ ِ‬
‫مِنيِبي َ‬‫وفي التنزيل العزيز‪ُ } :‬‬
‫موا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سل ِ ُ‬
‫م وَأ ْ‬‫غير خارجين عن شيء من أمره‪ ،‬وقوله عز وجل‪} :‬وَأِنيُبوا إ ِلى َرب ّك ُ ْ‬
‫ه{ ]الزمر‪ [54:‬أي‪ :‬توبوا إليه وارجعوا‪.‬‬ ‫لَ ُ‬
‫وقال ابن الثير "يقال‪ :‬أناب ينيب إنابة فهو منيب‪ ،‬إذا أقبل ورجع‪ ،‬وفي حديث‬
‫الدعاء ))وإليك أنبت(("‪.‬‬
‫النابة شرعًا‪ :‬النابة‪ :‬إخراج القلب من ظلمات الشبهات‪ ،‬وقيل‪ :‬النابة‬
‫الرجوع من الكل إلى من له الكل‪ ،‬وقيل‪ :‬النابة الرجوع من الغفلة إلى‬
‫الذكر‪ ،‬ومن الوحشة إلى ال ُْنس‪.‬‬
‫وقال الكفوي‪" :‬النابة‪ :‬الرجوع عن كل شيء إلى الله تعالى"‪.‬‬
‫وقال ابن القيم‪" :‬النابة‪ :‬السراع إلى مرضاة الله‪ ،‬مع الرجوع إليه في كل‬
‫وقت‪ ،‬وإخلص العمل له"‪.‬‬
‫تعريف الوبة‪:‬‬
‫الوبة لغة‪ :‬الْوب الرجوع‪ ،‬آب إلى الشيء‪ :‬رجع‪ ،‬وفي حديث النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم أنه إذا أقبل من سفر قال‪)) :‬آيبون تائبون لربنا حامدون((‪ ،‬وفي‬
‫ب{ ]ص‪[25:‬‬ ‫مَئا ٍ‬ ‫ن َ‬
‫س َ‬ ‫ح ْ‬ ‫فى وَ ُ‬ ‫عند ََنا ل َُزل ْ َ‬‫ه ِ‬ ‫ن لَ ُ‬‫محكم التنزيل قوله تعالى‪} :‬وَإ ِ ّ‬
‫أي‪ :‬حسن المرجع الذي يصير إليه في الخر‪.‬‬
‫وفلن أواب أواه أي‪ :‬رجاع إلى التوبة‪.‬‬
‫قال ابن فارس‪" :‬الهمزة والواو والباء أصل واحد‪ ،‬وهو الرجوع‪ ،‬ثم يشتق منه‬
‫ل‪ .‬وقال الخليل‪ :‬آب فلن إلى سيفه أي رد ّ يده‬ ‫ما يبعد في السمع قلي ً‬
‫ليستله"‪.‬‬
‫الوبة شرعا‪ :‬قال الراغب الصفهاني‪" :‬والواب كالتواب وهو الراجع إلى الله‬ ‫ً‬
‫تعالى بترك المعاصي وفعل الطاعات"‪.‬‬
‫وقال أبو هلل العسكري‪" :‬الياب هو الرجوع إلى منتهى القصد فل يقال لمن‬
‫م{ ]الغاشية‪:‬‬ ‫ن إ ِل َي َْنا إ َِياب َهُ ْ‬‫رجع من بعض الطريق‪ :‬آب‪ ،‬قال تبارك وتعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫‪."[25‬‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب{ ]ص‪:‬‬ ‫وقال ابن جرير الطبري في تفسير قوله تعالى‪} :‬ن ِعم ال ْعبد إن َ‬
‫ه أّوا ٌ‬‫ْ َ َ ْ ُ ِّ ُ‬
‫جاع"‪.‬‬ ‫‪" :[30‬إنه إلى طاعة الله مقبل وإلى رضاه ر ّ‬
‫وقال القرطبي‪" :‬أي‪ :‬تواب رجاع مطيع"‪.‬‬
‫العلقة بين الستغفار والنابة والوبة وبين التوبة‪:‬‬
‫ل‪ :‬علقة الستغفار بالتوبة‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫جاء ذكر الستغفار منفردا ً عن التوبة‪ ،‬كما جاء مقترنا ً بها في مواضع كثيرة‬
‫في الكتاب والسنة وسنسوق الشواهد على ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬إفراد التوبة عن الستغفار‪:‬‬
‫م ي َُتوُبوا ْ‬ ‫َ‬
‫مل ْ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫مَنا ِ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن َوال ُ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن فَت َُنوا ال ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫يقول الله تبارك وتعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ق{ ]البروج‪ ،[10:‬ويقول عز وجل‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫م عَ َ‬ ‫م وَل َهُ ْ‬ ‫م عَ َ‬ ‫فَل َهُ ْ‬
‫ري ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ب ال َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ُ‬
‫متابًا{ ]الفرقان‪ ،[71:‬ويقول‬ ‫ب إ َِلى الل ّهِ َ‬ ‫ه ي َُتو ُ‬ ‫صاِلحا ً فَإ ِن ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ب وَعَ ِ‬ ‫من َتا َ‬ ‫}وَ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ه{ ]المائدة‪:‬‬ ‫ب عَلي ْ ِ‬ ‫ه ي َُتو ُ‬‫ن الل َ‬ ‫ح فَإ ِ ّ‬ ‫صل َ‬ ‫مهِ وَأ ْ‬ ‫من ب َعْد ِ ظل ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫من َتا َ‬ ‫سبحانه‪} :‬فَ َ‬
‫‪.[39‬‬
‫أما من السنة النبوية‪:‬‬
‫فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪)) :‬لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في‬
‫أرض فلة((‪.‬‬
‫‪ -2‬إفراد الستغفار عن التوبة‪:‬‬
‫ه{ ]فصلت‪ ،[6:‬ويقول عز‬ ‫فُرو ُ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫موا ْ إ ِل َي ْهِ َوا ْ‬ ‫قي ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫يقول سبحانه وتعالى‪َ} :‬فا ْ‬
‫ن{ ]النفال‪ ،[33:‬ويقول سبحانه‪:‬‬ ‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫معَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫وجل‪} :‬وَ َ‬
‫فارا{ ]نوح‪.[10:‬‬ ‫ً‬ ‫ن غَ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫فُروا َرب ّك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫تا ْ‬ ‫قل ْ ُ‬‫}ف َ ُ‬
‫وأما من السنة‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فعن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫))سيد الستغفار أن تقول‪ :‬اللهم أنت ربي ل إله إل أنت‪ ،‬خلقتني وأنا عبدك‪،‬‬
‫وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت‪ ،‬أعوذ بك من شر ما صنعت‪ ،‬أبوء لك‬
‫ي‪ ،‬وأبوء بذنبي‪ ،‬فاغفر لي فإنه ل يغفر الذنوب إل أنت‪ ،‬من قالها‬ ‫بنعمتك عل ّ‬
‫من النهار موقنا بها فمات قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ومن قالها من‬ ‫ً‬
‫الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة((‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪)) :‬ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الخر‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬من يدعوني فأستجيب له‪ ،‬من يسألني فأعطيه‪ ،‬من يستغفرني فأغفر‬
‫له((‪.‬‬
‫‪ -3‬اقتران الستغفار بالتوبة‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سًنا إ ِلى‬ ‫ح َ‬ ‫عا َ‬ ‫مَتا ً‬ ‫م ّ‬ ‫مت ّعْك ُ ْ‬ ‫م ُتوُبوا إ ِلي ْهِ ي ُ َ‬ ‫م ثُ ّ‬‫فُروا َرب ّك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬
‫نا ْ‬ ‫يقول الله تعالى‪} :‬وَأ ِ‬
‫ب‬ ‫ذا َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ف عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫ه وَِإن ت َوَل ّوْا ْ فَإ ِّني أ َ َ‬ ‫ضل َ ُ‬
‫ل فَ ْ‬ ‫ل ِذي فَ ْ‬
‫ض ٍ‬ ‫ت كُ ّ‬‫مى وَي ُؤْ ِ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬
‫ل ّ‬ ‫ج ٍ‬ ‫أ َ‬
‫َ‬
‫ن َرّبى‬ ‫م ُتوُبوا ْ إ ِل َي ْهِ إ ِ ّ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫فُروا ْ َرب ّك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬
‫ر{ ]هود‪ ،[3:‬ويقول عز وجل‪َ} :‬وا ْ‬ ‫ي َوْم ٍ ك َِبي ٍ‬
‫م ُتوُبوا ْ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫فُروا ْ َرب ّك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م وَُدوٌد{ ]هود‪ ،[90:‬ويقول سبحانه‪َ} :‬وياقَوْم ِ ا ْ‬ ‫حي ٌ‬ ‫َر ِ‬
‫م{ ]هود‪.[52:‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م قُوّة ً إ ِلى قُوّت ِك ْ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫مد َْرارا وَي َزِد ْك ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ماء عَلي ْك ْ‬‫س َ‬ ‫ل ال ّ‬‫س ِ‬ ‫إ ِل َي ْهِ ي ُْر ِ‬
‫أما من السنة النبوية‪:‬‬
‫فعن أبي هريرة رضي الله عنهما قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول‪)) :‬والله إني لستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مرة((‪.‬‬
‫وعن ابن عمر رضي الله عنه قال‪ :‬كانت ُتعد لرسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم في المجلس الواحد مائة مرة من قبل أن يقوم‪ :‬رب اغفر لي وتب‬
‫علي إنك أنت التواب الغفور‪.‬‬
‫أقوال العلماء في الفرق الستغفار بين التوبة‪:‬‬
‫إذا اقترن ذكر التوبة بالستغفار فإن الستغفار حينئذ هو طلب المغفرة‬
‫بالدعاء‪ ،‬والتوبة هي الندم على الخطيئة مع العزم على ترك المعاودة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن الستغفار إذا اقترن بالتوبة فإنه يعني طلب وقاية شر ما مضى‪،‬‬
‫والتوبة الرجوع وطلب وقاية شر ما يخافه في المستقبل من سيئات أعماله‪،‬‬
‫وأيضا ً فالستغفار من باب إزالة الضرر‪ ،‬والتوبة طلب جلب المنفعة‪،‬‬
‫فالمغفرة أن يقية شر الذنب‪ ،‬والتوبة أن تحصل له بعدها الوقاية مما يحبه‪.‬‬
‫وإذا أفرد الستغفار أو أفردت التوبة يكون معناهما واحدا‪ ،‬قال ابن القيم‪:‬‬
‫"الستغفار المفرد كالتوبة‪ ،‬بل هو التوبة بعينها مع تضمنه طلب المغفرة من‬
‫الله‪ ،‬وهو محو الذنب وإزالة أثره ووقاية شره‪ ،‬ل كما يظنه بعض الناس أن‬
‫المغفرة تعني الستر‪ ،‬فإن الله يستر على من يغفر له‪ ،‬ومن ل يغفر له ولكن‬
‫الستر لزم مسماها أو جزؤه"‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬علقة النابة بالتوبة‪:‬‬
‫النابة كالتوبة في أنها تعني الرجوع‪ ،‬يقول ابن منظور‪" :‬النابة الرجوع إلى‬
‫الله بالتوبة"‪.‬‬
‫لكن بعض العلماء كالراغب الصفهاني وابن القيم والماوردي وابن منظور‬
‫ى زائدا ً عن التوبة‪.‬‬
‫والجوهري يرون أن للنابة معن ً‬
‫يقول ابن القيم رحمه الله‪" :‬من نزل في التوبة وقام مقامها نزل في جميع‬
‫منازل السلم فإن التوبة الكاملة متضمنة لها‪ ،‬وهي متدرجة فيها‪ ،‬فإذا‬
‫استقرت قدمه في منزل التوبة نزل بعده منزل النابة"‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬علقة الوبة بالتوبة‪:‬‬
‫الوبة تفيد معنى الرجوع كالتوبة‪ ،‬يقول ابن منظور‪" :‬الوب‪ :‬الرجوع‪ ،‬آب إلى‬
‫الشيء رجع‪ ،‬يؤوب أوبا ً وإيابا ً وأوبة وأيبة"‪.‬‬
‫ويقول الزبيدي‪" :‬الوبة‪ :‬الرجوع‪ ،‬وآب الشيء رجع‪ ،‬وأواب وتأوب وأيب كله‪:‬‬
‫رجع(‪.‬‬
‫فإذا ً مادة )أوب( تفيد الرجوع وهي أصل التوبة فالعلقة بين الوبة والتوبة‬
‫واضحة في كونهما يفيدان الرجوع والخضوع‪.‬‬
‫ترتيب لسان العرب )‪ (2/61‬باختصار وتصرف‪.‬‬
‫الحديث أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات باب في دعاء النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم )‪ (3551‬من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وقال الترمذي‪:‬‬
‫هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫تهذيب اللغة )‪ ،(14/332‬وانظر‪ :‬المصباح المنبر في غريب الشرح الكبير )‬
‫‪ ،(78‬والمفردات للراغب الصفهاني )‪ ،(72‬ومعجم مقاييس اللغة لبن فارس‬
‫)‪ ،(1/357‬وأساس البلغة )‪.(40‬‬
‫انظر‪ :‬تفسير الرازي )‪ ،(3/22‬الجامع لحكام القرآن )‪ ،(1/325‬روح المعاني‬
‫)‪ ،(238-1/237‬تفسير التحرير والتنوير )‪.(1/439‬‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري شرح صحيح البخاري )‪.(11/107‬‬
‫تفسير ابن جرير الطبري )‪.(1/283‬‬
‫الجامع لحكام القرآن )‪.(5/91‬‬
‫المفردات )‪.(72‬‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فتح الباري )‪.(11/103‬‬


‫تفسير ابن كثير )‪ ،(4/392‬وللستزادة انظر‪ :‬التعريفات للجرجاني )‪.(95‬‬
‫التوبة في ضوء القرآن الكريم د‪ .‬آمال نصير )‪.(21‬‬
‫انظر‪ :‬مقاييس اللغة)‪.(4/385‬‬
‫لسان العرب )‪.(10/91‬‬
‫المفردات )‪.(374‬‬
‫نضرة النعيم )‪.(2/252‬‬
‫مقاييس اللغة )‪.(5/367‬‬
‫المعجم الوسيط )‪.(2/961‬‬
‫المفردات )نوب( )‪.(529‬‬
‫النهاية في غريب الحديث والثر )‪.(5/123‬‬
‫الكليات )‪.(308‬‬
‫مدارج السالكين )‪ (1/467‬بتصرف‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير باب ما يقول إذا رجع من الغزو )‬
‫‪ ،(3085‬ومسلم في كتاب الحج باب إذا ركب إلى سفر الحج )‪.(1342‬‬
‫لسان العرب )‪.(1/257‬‬
‫المعجم الوسيط )‪.(1/32‬‬
‫مقاييس اللغة )‪ ،(1/152‬وانظر‪ :‬أساس البلغة للزمخشري )‪.(12‬‬
‫المفردات في غريب القرآن )‪.(25‬‬
‫الفروق اللغوية )‪ (250‬بتصرف‪.‬‬
‫تفسير الطبري )‪.(10/591‬‬
‫الجامع لحكام القرآن )‪.(15/215‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب الدعوات باب التوبة )‪.(6309‬‬
‫أخرجه البخاري كتاب الدعوات باب أفضل الستغفار )‪.(6306‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب الجمعة باب‪ :‬الدعاء في الصلة من آخر الليل )‬
‫‪ ،(1145‬ومسلم في كتاب صلة المسافرين وقصرها باب الترغيب في‬
‫الدعاء والذكر في آخر الليل والجابة )‪.(758‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب الدعوات باب استغفار النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫)‪.(6307‬‬
‫أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات باب ما يقول إذا قام من المجلس )‬
‫‪ (3434‬وقال الترمذي‪ :‬هذا حديث حسن صحيح غريب‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الفروق اللغوية )‪.(195‬‬
‫انظر‪ :‬مدارج السالكين )‪.(309-1/308‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(308-1/307‬‬
‫لسان العرب )‪ (14/319‬مادة )نوب(‪.‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(134-1/133‬‬
‫لسان العرب )‪.(1/257‬‬
‫تاج العروس من جواهر القاموس )‪.(1/152‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬حكم التوبة وشروطها‪:‬‬
‫ورد المر بالتوبة في القرآن الكريم والسنة المطهرة‪ ،‬فمما ورد في القرآن‬
‫َ‬
‫ن ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ه ال ْ ُ‬
‫ميعا ً أي ّ َ‬
‫ج ِ‬‫الكريم قول الله تعالى‪} :‬وَُتوُبوا ْ إ َِلى الل ّهِ َ‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن{ ]النور‪.[31:‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫تُ ْ‬


‫ه‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ميعا أي ّ َ‬ ‫ج ِ‬‫قال السعدي‪" :‬أمر الله تعالى بالتوبة فقال‪} :‬وَُتوُبوا إ ِلى اللهِ َ‬
‫ن{‪ ،‬ثم عّلق على ذلك الفلح‪ ،‬فل سبيل إلى الفلح إل‬ ‫حو َ‬
‫فل ِ ُ‬‫م تُ ْ‬ ‫ن ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫بالتوبة‪ ،‬وهي الرجوع مما يكرهه الله ظاهرا ً وباطنا ً إلى ما يحبه ظاهرا ً‬
‫وباطنًا‪ ،‬ودل هذا أن كل مؤمن محتاج إلى التوبة لن الله خاطب المؤمنين‬
‫جميعا ً وفيه الحث على الخلص بالتوبة"‪.‬‬
‫م وَُدوٌد{‬ ‫حي ٌ‬ ‫ن َرّبى َر ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م ُتوُبوا إ ِلي ْهِ إ ِ ّ‬ ‫فُروا ْ َرب ّك ُ ْ‬
‫م ثُ ّ‬ ‫ست َغْ ِ‬
‫وقال سبحانه وتعالى‪َ} :‬وا ْ‬
‫ً‬
‫صوحا{‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ة نّ ُ‬ ‫مُنوا ُتوُبوا إ ِلى اللهِ ت َوْب َ ً‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬‫]هود‪ ،[90:‬ويقول سبحانه‪} :‬ياأي َّها ال ِ‬
‫]التحريم‪ ،[8:‬وغيرها من اليات‪.‬‬
‫أما الحاديث الدالة على المر بالتوبة فمنها‪:‬‬
‫عن أبي بردة قال‪ :‬سمعت الغر المزني رضي الله عنه يحدث ابن عمر قال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬يا أيها الناس توبوا إلى الله‪ ،‬فإني‬
‫أتوب في اليوم مائة مرة((‪.‬‬
‫واليات والحديث تضمنت المر بالتوبة‪ ،‬والصل في المر الوجوب‪ ،‬ول‬
‫يصرف عنه إلى الندب إل بقرينة‪ ،‬ول قرينة هنا‪.‬‬
‫قال القرطبي‪" :‬واتفقت المة على أن التوبة فرض على المؤمنين"‪.‬‬
‫وقال أيضًا‪" :‬وهي فرض على العيان في كل الحوال وكل الزمان"‪.‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬ول بد لكل عبد من توبة‪ ،‬وهي واجبة على‬
‫الولين والخرين"‪.‬‬
‫أما النظر فإنه يؤكد أن النسان ل يخلو من معصية فل يسلم من هذا النقص‬
‫أحد من البشر‪ ،‬وإنما يتفاوت الخلق في المقادير‪ ،‬أما أصل ذلك فل بد منه‪،‬‬
‫وهو يجبر بالتوبة النصوح‪ ،‬وإلى هذا يشير النبي صلى الله عليه وسلم بقوله‪:‬‬
‫))كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون((‪ .‬وذلك لن السهو والتقصير‬
‫من طبع النسان‪.‬‬
‫ولما كانت الذنوب انحراف عن خط الستقامة وإضرار بمصالح البشرية فإنها‬
‫تهدد الحياة النسانية وتنغص عيشتها وتعرضها للخطر‪ ،‬وليس من العقلء من‬
‫يرضى بهذا المصير ول يسعى إلى تغييره؛ لذا كانت التوبة واجبة أيضا ً بالعقل‬
‫والنظر الصحيح‪.‬‬
‫والتوبة واجبة من كل الذنوب صغيرها وكبيرها ما يعلم منها وما ل يعلم عمدا ً‬
‫ل‪ ،‬وذلك لمر الله عز وجل عباده بها‪ ،‬وهذا المر للعموم؛‬ ‫أو سهوا ً جدا ً أو هز ً‬
‫لذا فهو يشمل جميع الذنوب ولم يخص التوبة من ذنب دون آخر‪.‬‬
‫حوا ْ وَب َي ُّنوا ْ‬ ‫َ‬
‫صل َ ُ‬ ‫ن َتاُبوا ْ وَأ ْ‬ ‫يقول الرازي عند تفسيره لقوله تعالى‪} :‬إ ِل ّ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫فَأ ُول َئ ِ َ َ‬
‫م{ ]البقرة‪" :[160:‬التوبة ل تحصل إل بترك ما ل ينبغي‬ ‫ب عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ك أُتو ُ‬ ‫ْ‬
‫وبفعل كل ما ينبغي"‪.‬‬
‫وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم كثير من الحاديث التي تدل على‬
‫إكثاره صلى الله عليه وسلم من التوبة‪ ،‬وفي فعله تعليم لمته عليه الصلة‬
‫والسلم‪.‬‬
‫فعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء‪:‬‬
‫))رب اغفر لي خطيئتي وجهلي‪ ،‬وإسرافي في أمري كله‪ ،‬وما أنت أعلم به‬
‫مني‪ ،‬اللهم اغفر لي خطاياي وعمدي وجهلي وهزلي‪ ،‬وكل ذلك عندي‪ ،‬اللهم‬
‫اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت‪ ،‬أنت المقدم وأنت‬
‫المؤخر وأنت على كل شيء قدير((‪.‬‬
‫ووجه الدللة من الحديث أن العبد يسأل الله التوبة والمغفرة في جميع‬
‫أحواله في العمد والجهل والهزل وما فعله في السر والعلنية‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫يقول النووي رحمه الله عند شرحه للحديث القدسي‪)) :‬أنا عند ظن عبدي‬
‫بي((‪" :‬التوبة من جميع المعاصي واجبة‪ ،‬وإنها واجبة على الفور‪ ،‬ل يجوز‬
‫تأخيرها‪ ،‬سواء كانت المعصية صغيرة أو كبيرة‪ ،‬والتوبة من مهمات السلم‬
‫وقواعده المتأكدة‪ ،‬ووجوبها عند أهل السنة بالشرع"‪.‬‬
‫ويعلل الغزالي لوجوب التوبة من جميع الذنوب فيقول‪" :‬وأما بيان وجوبها‬
‫على الدوام وفي كل حال فهو أن كل بشر ل يخلو عن معصية بجوارحه‪ ،‬إذ‬
‫لم يخل عنه النبياء‪ ،‬كما ورد في القرآن والخبار من خطايا النبياء وتوبتهم‬
‫وبكائهم على خطاياهم‪ ،‬فإن خل في بعض الحوال عن معصية الجوارح‪ ،‬فل‬
‫م فل يخلو‬ ‫يخلو عن الهم بالذنوب بالقلب‪ ،‬فإن خل في بعض الحوال عن اله ّ‬
‫عن وسواس الشيطان بإيراد الخواطر المتفرقة‪ ،‬فإن خل عنه فل يخلو من‬
‫غفلة وقصور في العلم بالله وصفاته وأفعاله‪ ،‬وكل ذلك نقص وله أسباب‪،‬‬
‫وترك أسبابه بالتشاغل بأضدادها رجوع عن طريق إلى ضده"‪.‬‬
‫أما شروط قبول التوبة‪:‬‬
‫فباب التوبة مفتوح على مصراعيه دائما لكل من أراد الدخول فيه بعد أن‬ ‫ً‬
‫استيقظ قلبه وقويت عزيمته على هجر المعاصي والذنوب‪.‬‬
‫قال سيد قطب‪" :‬باب التوبة دائما ً مفتوح يدخل منه كل من استيقظ ضميره‬
‫وأراد العودة والمآب‪ ،‬ل يصد عنه قاصد ول يغلق في وجه لجئ‪ ،‬أيا ً كان وأيا ً‬
‫ما ارتكب من الثام"‪.‬‬
‫وعلى ضوء ما ذكر في تعريف التوبة يمكن أن نقسم شروط قبول التوبة إلى‬
‫قسمين‪:‬‬
‫الول‪ :‬شروط تتعلق بترك الذنب‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬شروط تتعلق بزمن قبول التوبة‪.‬‬
‫ل‪ :‬الشروط التي تتعلق بترك الذنب‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫الشرط الول‪ :‬السلم‪:‬‬
‫التوبة ل تصح إل من مسلم‪ ،‬أما الكافر فإن توبته تعني دخوله السلم‪ ،‬قال‬
‫القرطبي‪" :‬اعلم أن التوبة إما من الكفر وإما من الذنب‪ ،‬فتوبة الكافر‬
‫مقبولة قطعًا‪ ،‬وتوبة العاصي مقبولة بالوعد الصادق"‪.‬‬
‫ضَر‬ ‫ح َ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫ت َ‬ ‫سي َّئا ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ل ِل ّ ِ‬ ‫ت الت ّوْب َ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫قال الله عز وجل‪} :‬وَل َي ْ َ‬
‫ك أ َعْت َد َْنا‬‫فاٌر أ ُوْل َئ ِ َ‬‫م كُ ّ‬ ‫ن وَهُ ْ‬ ‫موُتو َ‬ ‫ن يَ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ن وَل َ ال ّ ِ‬ ‫ت ال َ‬ ‫ل إ ِّنى ت ُب ْ ُ‬ ‫ت َقا َ‬‫موْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫حد َهُ ُ‬
‫َ‬
‫أ َ‬
‫ذابا ً أِليمًا{ ]النساء‪.[18:‬‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫والمراد من الية نفي وقوع التوبة الصحيحة من المشركين‪ ،‬وأنه ليس من‬
‫فاٌر{ أي‪ :‬ل توبة لولئك‬ ‫م كُ ّ‬ ‫ن وَهُ ْ‬ ‫موُتو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫شأنها أن تكون لهم فقوله‪} :‬وَل َ ال ّ ِ‬
‫ول لهؤلء‪.‬‬
‫من‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فُر أن ي ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن ذال ِك ل ِ َ‬ ‫ما ُدو َ‬ ‫فُر َ‬ ‫شَرك ب ِهِ وَي َغْ ِ‬ ‫ه ل ي َغْ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫وقال الله عز وجل‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ضلل ب َِعيدا{ ]النساء‪.[116:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ضل َ‬ ‫ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ك ِبالل ّهِ ف َ‬
‫َ‬ ‫شرِ ْ‬
‫من ي ُ ْ‬ ‫شاء وَ َ‬ ‫يَ َ‬
‫قال سيد قطب‪" :‬ول غفران لذنب الشرك متى مات صاحبه عليه‪ ..‬بينما باب‬
‫التوبة مفتوح لكل ذنب سواه عندما يشاء الله‪ ،‬والسبب في تعظيم جريمة‬
‫الشرك وخروجها من دائرة المغفرة أن من يشرك بالله يخرج عن حدود‬
‫الخير والصلح تمامًا‪ ،‬وتفسد كل فطرته بحيث ل تصلح أبدًا"‪.‬‬
‫موا ْ الصلة َ َوءات َوُا ْ الزكاةَ فَإ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫م ِفي‬ ‫وان ُك ُ ْ‬
‫خ َ‬ ‫وقال سبحانه وتعالى‪} :‬فَِإن َتاُبوا ْ وَأَقا ُ‬
‫ن{ ]التوبة‪.[11:‬‬ ‫مو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َعْل َ ُ‬ ‫ت لِ َ‬‫ل الَيا ِ‬ ‫ص ُ‬
‫ف ّ‬ ‫ن وَن ُ َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ال ّ‬
‫الشرط الثاني‪ :‬الخلص‪:‬‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن التائب من المعاصي ل تصح توبته إل بالخلص‪ ،‬فمن ترك ذنبا ً من الذنوب‬
‫جَز عن اقترافه‬ ‫لغير الله تعالى‪ ،‬كالخوف من الفضيحة أو تعيير الناس له أو عَ َ‬
‫أو خاف من فوات مصحلة أو منفعة قد تضيع بالستمرار على تلك المعصية‪.‬‬
‫مثال ذلك من تاب عن أخذ الرشوة ل خوفا ً من الله واللعن‪ ،‬ولكن لتوليه‬
‫منصبا ً اجتماعيا ً ل يسمح له بأخذها‪ ،‬فإن توبته وتوبة من تقدم تكون مردودة‬
‫باتفاق أهل العلم‪.‬‬
‫شرِ ْ‬
‫ك‬ ‫ً‬
‫صاِلحا وَل َ ي ُ ْ‬ ‫مل ً َ‬‫ل عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫قاء َرب ّهِ فَلي َعْ َ‬ ‫جو ل ِ َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬‫كا َ‬‫من َ‬
‫وقال الله تعالى‪} :‬فَ َ‬
‫دا{ ]الكهف‪.[110:‬‬ ‫َ‬
‫ح َ‬
‫ب ِعَِباد َةِ َرب ّهِ أ َ‬
‫دا{‪" :‬أعم من الرياء‬ ‫َ‬ ‫شرِ ْ‬ ‫يقول الشنقيطي في قوله‪} :‬وَل َ ي ُ ْ‬
‫ح َ‬
‫ك ب ِعَِباد َةِ َرب ّهِ أ َ‬
‫ً‬
‫وغيره‪ ،‬أي‪ :‬ل يعبد ربه رياء وسمعة ول يصرف شيئا من حقوق خالقه لحد‬
‫ه{ ]النساء‪ [48:‬إلى‬ ‫ك بِ ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫فُر َأن ي ُ ْ‬ ‫ه ل َ ي َغْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫من خلقه لن الله يقول‪} :‬إ ِ ّ‬
‫غير ذلك من اليات‪ ،‬ويفهم من مفهوم مخالفة الية الكريمة أن الذي يشرك‬
‫أحدا ً بعبادة ربه‪ ،‬ول يعمل صالحا ً أنه ل يرجو لقاء ربه‪ ،‬والذي ل يرجو لقاء ربه‬
‫ل خير له عند الله"‪.‬‬
‫والتوبة من العمال الصالحة التي يجب فيها الخلص حتى تقبل عند الله عز‬
‫وجل كسائر العبادات والقربات‪ .‬واليات والحاديث في ذلك معروفة‬
‫مشهورة‪.‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬العتراف بالذنب‪:‬‬
‫إن التوبة ل تكون إل عند ذنب‪ ،‬وهذا يعني علم التائب ومعرفته لذنوبه‪ ،‬وجهل‬
‫التائب بذنوبه ينافي الهدى؛ لذلك ل تصح توبته إل بعد معرفته للذنب‬
‫والعتراف به وطلبه التخلص من ضرره وعواقبه الوخيمة‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫والدليل من السنة قوله عليه الصلة والسلم لعائشة رضي الله عنها في‬
‫قصة الفك‪)) :‬أما بعد‪ ،‬يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا‪ ،‬فإن كنت بريئة‬
‫فسيبرئك الله‪ ،‬وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه‪ ،‬فإن العبد‬
‫إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه((‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬إن الهداية التامة إلى الصراط المستقيم ل تكون مع الجهل‬
‫بالذنوب‪ ،‬ول مع الصرار عليها‪ ،‬فإن الول جهل ينافي معرفة الهدى‪ ،‬والثاني‪:‬‬
‫غي ينافي قصده وإرادته‪ ،‬فلذلك ل تصح التوبة إل من بعد معرفة الذنب‬
‫والعتراف به وطلب التخلص من سوء عاقبته أول ً وآخرًا"‪.‬‬
‫الشرط الرابع‪ :‬القلع عن الذنب‪:‬‬
‫القلع عن الذنب شرط أساسي للتوبة المقبولة‪ ،‬فالذي يرجع إلى الله وهو‬
‫مقيم على الذنب ل يعد تائبًا‪ ،‬وفي قوله تعالى }وتوبوا{ إشارة إلى معنى‬
‫القلع عن المعصية؛ لن النفس المتعلقة بالمعصية قلما تخلص في إقبالها‬
‫على عمل الخير؛ لذلك كان على التائب أن يجاهد نفسه فيقتلع جذور‬
‫المعاصي من قلبه‪ ،‬حتى تصبح نفسه قوية على الخير مقبلة عليه نافرة عن‬
‫الشر متغلبة عليه بإذن الله‪.‬‬
‫الشرط الخامس‪ :‬الندم‪:‬‬
‫الندم ركن من أركان التوبة ل تتم إل به‪ ،‬وهو في اللغة‪ :‬التحسر من تغير رأي‬
‫في أمر فائت‪.‬‬
‫وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيمة الندم فقال‪)) :‬الندم توبة((‪.‬‬
‫ومعنى أنه توبة‪ :‬أي عمدة أركان التوبة كقوله عليه السلم‪)) :‬الحج عرفة((‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشرط السادس‪ :‬العزم على التوبة‪:‬‬


‫العزم مترتب على الندم‪ ،‬وهو يعني الصرار على عدم العود إلى الذنوب‬
‫ثانية‪ ،‬والعزم في اللغة‪ :‬عقد القلب على إمضاء المر‪.‬‬
‫من‬ ‫َ َ ِ‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫ءا‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ق ْ َ ِ َْ ِ‬
‫إ‬ ‫نا‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫ويقول عز وجل حاكيا ً عن أبينا آدم عليه السلم‪} :‬وَل َ َ‬
‫ه عَْزمًا{ ]طه‪ ،[115:‬أي‪ :‬لم نجد له صبرا وعزيمة‪،‬‬ ‫جد ْ ل َ ُ‬‫م نَ ِ‬ ‫ى وَل َ ْ‬‫س َ‬ ‫ل فَن َ ِ‬ ‫قَب ْ ُ‬
‫حيث لم يحترز عن الغفلة من وساوس الشيطان‪ ،‬وهذه الية تشير إلى أن‬
‫المؤمن ل بد وأن تكون عنده عزيمة قوية وإرادة فعالة‪ .‬والتائب أكثر الناس‬
‫حاجة إلى العزيمة والرادة القوية حتى يمكن من السيطرة على شهواته‬
‫ورغباته‪ ،‬فيقف أمامها وقفة صمود وقوة‪ ،‬تجعله ل يعاود الذنوب ثانية‪ ،‬فتكون‬
‫توبته صحيحة مقبولة‪.‬‬
‫الشرط السابع‪ :‬رد المظالم إلى أهلها‪:‬‬
‫ومن شروط التوبة التي ل تتم إل بها رد المظالم إلى أهلها‪ ،‬وهذه المظالم‬
‫إما أن تتعلق بأمور مادية‪ ،‬أو بأمور غير مادية‪ ،‬فإن كانت المظالم مادية‬
‫كاغتصاب المال فيجب على التائب أن يردها إلى أصحابها إن كانت موجودة‪،‬‬
‫أو أن يتحللها منهم‪ ،‬وإن كانت المظالم غير مادية فيجب على التائب أن‬
‫يطلب من المظلوم العفو عن ظلمته وأن يعمل على إرضائه‪ ،‬وفي هذا يقول‬
‫عليه الصلة والسلم‪)) :‬من كانت عنده مظلمة لخيه فليتحلله منها‪ ،‬فإنه‬
‫ليس ثم دينار ول درهم‪ ،‬من قبل أن يؤخذ لخيه من حسناته‪ ،‬فإن لم يكن له‬
‫حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه((‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪" :‬فوجه الحديث عندي ـ والله أعلم ـ أنه يعطى خصماء المؤمن‬
‫المسيء من أجر حسناته ما يوازي عقوبة سيئاته‪ ،‬فإن فنيت حسناته أخذ من‬
‫خطايا خصومه فطرحت عليه‪ ،‬ثم يعذب إن لم يعف عنه‪ ،‬فإذا انتهت عقوبة‬
‫تلك الخطايا أدخل الجنة بما كتب له من الخلود فيها بإيمانه ول يعطى‬
‫خصماؤه ما زاد من أجر حسناته على ما قابل من عقوبة سيئاته‪ ،‬يعني من‬
‫المضاعفة؛ لن ذلك من فضل الله يختص به من وافي يوم القيامة مؤمنا ً‬
‫والله أعلم"‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الشروط التي تتعلق بزمن قبول التوبة وهي شرطان‪:‬‬
‫الشرط الول‪ :‬أن تقع التوبة قبل الغرغرة‪:‬‬
‫هّ‬
‫ة عَلى الل ِ‬ ‫َ‬ ‫ما الت ّوْب َ ُ‬ ‫وقد أشارت إليه آيتان من سورة النساء فقال سبحانه‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫م‬ ‫ه‬
‫ُ َ ِْ ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫ك يَ ُ ُ‬
‫تو‬ ‫ب فَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫ري ٍ‬ ‫من قَ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ي َُتوُبو َ‬‫جَهال َةٍ ث ُ ّ‬ ‫سوء ب ِ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫ضَر‬‫ح َ‬‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫ت َ‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ل ِل ّ ِ‬
‫ت الت ّوْب َ ُ‬‫س ِ‬ ‫كيما ً * وَل َي ْ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ه عَِليما ً َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫فاٌر أوْل َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ك أعْت َد َْنا‬ ‫م كُ ّ‬ ‫ن وَهُ ْ‬ ‫موُتو َ‬ ‫ن يَ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ن وَل َ ال ّ ِ‬‫ت ال َ‬ ‫ل إ ِّنى ت ُب ْ ُ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫موْ ُ‬‫م ال ْ َ‬ ‫حد َهُ ُ‬ ‫أ َ‬
‫ذابا ً أ َِليمًا{ ]النساء‪.[18-17:‬‬ ‫م عَ َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫قال القرطبي‪" :‬نفى سبحانه أن يدخل في حكم التائبين من حضره الموت‬
‫وصار في حين اليأس كما كان فرعون حين صار في غمرة الماء والغرق فلم‬
‫ينفعه ما أظهر من اليمان؛ لن التوبة في ذلك الوقت ل تنفع؛ لنها حال زوال‬
‫التكليف"‪.‬‬
‫وإلى هذا يشير الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪)) :‬إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر((‪.‬‬
‫يقول المباركفوري‪" :‬أي‪ :‬ما لم تبلغ الروح إلى الحلقوم يعني ما لم يتيقن‬
‫الموت فإن التوبة بعد التيقن بالموت لم يعتد بها"‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬أن تقع التوبة قبل طلوع الشمس من مغربها‪:‬‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ك ل َ َين َ‬ ‫ت َرب ّ َ‬ ‫ْ‬
‫م ت َك ْ‬ ‫مان َُها ل ْ‬ ‫سا ِإي َ‬ ‫ف ً‬ ‫فع ُ ن َ ْ‬ ‫ض ءاَيا ِ‬ ‫م ي َأِتى ب َعْ ُ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬ي َوْ َ‬
‫ل{ ]النعام‪.[158:‬‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫من َ ْ‬‫ءا َ‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫يقول اللوسي‪" :‬والحق أن المراد بهذا البعض الذي ل ينفع اليمان عنده‬
‫طلوعُ الشمس من مغربها"‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬إن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪)) :‬ل تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها‪ ،‬فإذا طلعت فرآها‬
‫الناس آمنوا أجمعون(( فذلك حين ل ينفع نفسا ً إيمانها لم تكن آمنت من قبل‬
‫أو كسبت في إيمانها خيرا ً ثم قرأ الية‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪)) :‬ومن‬
‫تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه((‪.‬‬
‫وعن أبي موسى الشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪)) :‬إن الله عز‬
‫وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار‪ ،‬ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء‬
‫الليل‪ ،‬حتى تطلع الشمس من مغربها((‪.‬‬
‫ويعلل القرطبي نقل ً عن جماعة من العلماء عدم قبول الله إيمان من لم‬
‫يؤمن وتوبة من لم يتب بعد طلوع الشمس فيقول‪" :‬وإنما ل ينفع نفسا ً‬
‫إيمانها عند طلوعها من مغربها لنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه‬
‫كل شهوة من شهوات النفس‪ ،‬وتفتر كل قوة من قوى البدن‪ ،‬فيصير الناس‬
‫كلهم ـ ليقانهم بدنو القيامة ـ في حال من حضره الموت في انقطاع‬
‫الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم وبطلنها من أبدانهم‪ ،‬فمن تاب في مثل‬
‫هذه الحال لم تقبل توبته كما ل تقبل توبة من حضره الموت"‪.‬‬
‫تيسير الكريم الرحمن )‪.(516‬‬
‫أخرجه المام مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والستغفار باب‪:‬‬
‫استحباب الستغفار والستكثار منه )‪.(2702‬‬
‫انظر‪ :‬نهاية السول في شرح منهاج الصول )‪ ،(2/251‬وإرشاد الفحول إلى‬
‫تحقيق الحق من علم الصول )‪.(102 ،86‬‬
‫الجامع لحكام القرآن )‪.(5/90‬‬
‫الجامع لحكام القرآن )‪.(12/238) (18/197‬‬
‫مجموع فتاوى ابن تيمية )‪.(10/310‬‬
‫أخرجه الترمذي في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع )‪ ،(2499‬من حديث‬
‫أنس بن مالك وقال الترمذي‪ :‬هذا حديث غريب ل نعرفه إل من حديث علي‬
‫بن مسعدة عن قتادة‪ .‬وأخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد في باب ذكر التوبة‬
‫)‪ (4251‬وأخرجه المام أحمد برقم )‪ (12576‬والحديث حسنه اللباني في‬
‫صحيح الجامع برقم )‪.(4391‬‬
‫حادي الروح إلى أحكام التوبة النصوح )‪ (15‬وانظر كتاب التوبة للدكتورة‬
‫آمال نصير )‪.(24‬‬
‫تفسير الفخر الرازي )‪.(4/150‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب الدعوات باب‪ :‬قول النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫اللهم )‪.(6398‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب التوحيد باب‪ :‬قول الله تعالى ويحذركم الله نفسه )‬
‫‪ (7405‬وأخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والستغفار باب الحث‬
‫على ذكر الله )‪.(2675‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪.(17/59‬‬
‫إن الهم بالذنب أمر قد جاء الشرع برفع الحرج والثم عنه إذا لم يعمل به‬
‫النسان أو يتكلم فل يؤاخذ عليه والله أعلم‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إحياء علوم الدين بتصرف )‪.(4/10‬‬


‫في ظلل القرآن )‪.(1/258‬‬
‫المفهم بشرح مختصر صحيح مسلم )‪.(7/717‬‬
‫تفسير المنار )‪.(4/450) (4/448‬‬
‫في ظلل القرآن )‪.(2/760‬‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري )‪.(11/103‬‬
‫أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن )‪.(4/199‬‬
‫الحديث أخرجه مسلم بتمامه في كتاب التوبة باب‪ :‬في حديث الفك وقبول‬
‫توبة القاذف )‪.(2770‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/179‬‬
‫انظر كتاب التوبة في ضوء القرآن الكريم ) ( للدكتورة آمال نصير‪.‬‬
‫المفردات للراغب )‪.(507‬‬
‫أخرجه ابن ماجة في سننه في كتاب الزهد باب ذكر التوبة برقم )‪ (4252‬من‬
‫حديث عبد الله بن مسعود وأخرجه المام أحمد في مسنده برقم )‪.(3387‬‬
‫وصححه اللباني في صحيح الجامع )‪.(6802‬‬
‫المفردات )‪.(346‬‬
‫التوبة‪ ،‬للدكتورة آمال‪.‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب المظالم والغصب باب‪ :‬من كانت له مظلمة عند‬
‫رجل فحللها له )‪ (2449‬من حديث أبي هريرة‪.‬‬
‫فتح الباري شرح صحيح البخاري )‪.(11/397‬‬
‫الجامع لحكام القرآن )‪.(5/93‬‬
‫أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات باب‪ :‬في فضل التوبة والستغفار وما ذكر‬
‫من رحمة الله )‪ ،(3537‬وأخرجه ابن ماجة في سننه في كتاب الزهد باب‪:‬‬
‫ذكر التوبة )‪ .(4253‬وحسنه اللباني في صحيح الجامع )‪.(1903‬‬
‫تحفة الحوذي شرح جامع الترمذي )‪.(9/521‬‬
‫روح المعاني )‪.(8/63‬‬
‫ً‬
‫أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن باب‪ :‬ل ينفع نفسا إيمانها )‪(4636‬‬
‫واللفظ له‪ ،‬وأخرجه مسلم في كتاب اليمان باب‪ :‬بيان الزمن الذي ل يقبل‬
‫فيه اليمان )‪.(157‬‬
‫أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والستغفار باب‪ :‬استحباب‬
‫الستغفار والستكثار منه )‪.(2703‬‬
‫أخرجه مسلم في كتاب التوبة باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت‬
‫الذنوب )‪.(2759‬‬
‫تفسير القرطبي )‪.(7/149‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬فضائل التوبة والستغفار في القرآن الكريم ‪:‬‬
‫ل‪ :‬قبول التوبة والمغفرة من صفات الرحمن جل جلله‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫ك أ َتوب عَل َيهم وأناَ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ِْ ْ َ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫حوا وَب َي ُّنوا فَأوْلئ ِ‬
‫صل ُ‬‫ن َتاُبوا وَأ ْ‬ ‫ذي َ‬
‫قال الله تعالى‪} :‬إ ِل ال ِ‬
‫م{ ]البقرة‪.[160:‬‬ ‫حي ُ‬
‫ب الّر ِ‬
‫وا ُ‬‫الت ّ ّ‬
‫)‪(7 /‬‬
‫قال ابن جرير‪}" :‬فَأ ُول َئ ِ َ َ‬
‫م{ يعني‪ :‬هؤلء الذين فعلوا هذا الذي‬ ‫ب عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ك أُتو ُ‬ ‫ْ‬
‫وصفت منهم هم الذين أتوب عليهم فأجعلهم من أهل الياب إلى طاعتي‬
‫م{ يقول‪ :‬وأنا الذي أرجع بقلوب‬ ‫َ‬
‫حي ُ‬
‫ب الّر ِ‬ ‫وا ُ‬
‫والنابة إلى مرضاتي }وَأَنا الت ّ ّ‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي‪ ،‬والرادها بعد إدبارها عن طاعتي إلى طلب‬ ‫عبيدي المنصرفة عني إل ّ‬
‫محبتي"‪.‬‬
‫سّيئا ً‬ ‫خَر َ‬ ‫صاِلحا َوءا َ‬ ‫ً‬ ‫مل َ‬ ‫ً‬ ‫خلطوا عَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ن اعْت ََرفوا ب ِذُنوب ِهِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫خُرو َ‬ ‫قال الله تعالى‪َ} :‬وءا َ‬
‫م{ ]التوبة‪.[102:‬‬ ‫حي‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫عَسى الل ّ َ‬
‫ٌ ّ ِ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ب عَ ْ ِ ْ ِ ّ‬
‫إ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ه أن ي َُتو َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م{ أي‪ :‬وصفه المغفرة والرحمة اللتان ل‬ ‫ٌ ّ ِ ٌ‬ ‫حي‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ِ ّ‬ ‫إ‬ ‫"}‬ ‫السعدي‪:‬‬ ‫قال‬
‫يخلو مخلوق منهما‪ ،‬بل ل بقاء للعالم العلوي والسفلي إل بهما‪ ،‬فلو يؤاخذ‬
‫الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة"‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫صد ََقا ِ‬ ‫خذ ُ ال ّ‬ ‫عَبادِهِ وَي َأ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ة عَ ْ‬ ‫ل الت ّوْب َ َ‬ ‫قب َ ُ‬ ‫ه هُوَ ي َ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا ْ أ ّ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬أل َ ْ‬
‫َ‬
‫م{ ]التوبة‪.[104:‬‬ ‫حي ُ‬ ‫ب الّر ِ‬ ‫وا ُ‬ ‫ه هُوَ الت ّ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وَأ ّ‬
‫قال السعدي‪" :‬أي‪ :‬كثير التوبة على التائبين‪ ،‬فمن تاب إليه تاب عليه‪ ،‬ولو‬
‫تكررت منه المعصية مرارًا‪ ،‬ول يمل الله من التوبة على عباده حتى يملوا‬
‫هم"‪.‬‬
‫ب‬‫ذن ِ‬ ‫َ‬
‫زيزِ العَِليم ِ ‪ B‬غافِرِ ال ّ‬ ‫ْ‬ ‫ن اللهِ العَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ل الك َِتا ِ‬ ‫ْ‬ ‫زي ُ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬حم ‪َ A‬تن ِ‬
‫صيُر{ ]غافر‪-1:‬‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل ل اله إ ِل هُوَ إ ِلي ْهِ ال َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ب ِذى الطوْ ِ‬ ‫ّ‬ ‫قا ِ‬ ‫ديدِ ال ْعِ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ل الت ّوْ ِ‬ ‫وََقاب ِ ِ‬
‫‪.[3‬‬
‫قال وهبة الزحيلي‪" :‬ثم وصف الله نفسه بستة أنواع من الصفات الجامعة‬
‫ب{‬ ‫ل الت ّوْ ِ‬ ‫ب وََقاب ِ ِ‬ ‫ذن ِ‬ ‫غافِرِ ال ّ‬ ‫بين الوعد والوعيد والترغيب والترهيب فقال‪َ } :‬‬
‫]غافر‪ [3:‬أي‪ :‬أن الله هو غافر الذنب الذي سلف لوليائه‪ ،‬سواء أكان صغيرة‬
‫أم كبيرة بعد التوبة‪ ،‬أو قبل التوبة بمشيئته‪ ،‬وقابل توبتهم المخلصة"‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أمر الله عز وجل عباده بالتوبة والستغفار‪:‬‬
‫ً‬ ‫مُنوا ْ ُتوُبوا ْ إ َِلى اللهِ ت َوْب َ ً‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫صوحا{ ]التحريم‪.[8:‬‬ ‫ة نّ ُ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬ياأي َّها ال ّ ِ‬
‫قال القرطبي‪" :‬أمر بالتوبة وهي فرض على العيان في كل الحوال وكل‬
‫الزمان"‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫ن لعَلك ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه ال ُ‬ ‫ميعا أي ّ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫وقال الله تعالى‪} :‬وَُتوُبوا إ ِلى اللهِ َ‬
‫قال القرطبي‪" :‬أمٌر‪ ،‬ول خلف بين المة في وجوب التوبة وأنها فرض‬
‫متعين"‪.‬‬
‫حيما{ ]النساء‪،[106:‬‬ ‫ً‬ ‫فورا ّر ِ‬ ‫ً‬ ‫نغ ُ‬ ‫َ‬ ‫ه كا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫فرِ اللهِ إ ِ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫وقال الله تعالى‪َ} :‬وا ْ‬
‫هّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن الل َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫فُروا الل َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫س َوا ْ‬ ‫ض الّنا ُ‬ ‫ث أفا َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ضوا ِ‬ ‫م أِفي ُ‬ ‫وقال الله تعالى‪} :‬ث ُ ّ‬
‫م{ ]البقرة‪.[199:‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫غَ ُ‬
‫قال السعدي‪" :‬أمر الله بالستغفار والكثار من ذكره عند الفراغ من‬
‫المناسك‪ ،‬فالستغفار للخلل الواقع من العبد في أداء عبادته وتقصيره فيها"‪.‬‬
‫وقال الله تعالى‪َ} :‬فاعْل َ َ‬
‫ن‬
‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ك وَل ِل ْ ُ‬ ‫ذنب ِ َ‬ ‫فْر ل ِ َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ه َوا ْ‬ ‫ه ل َ اله إ ِل َ الل ّ ُ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫م{ ]محمد‪.[19:‬‬ ‫واك ُْ‬ ‫مث َْ‬ ‫مت َ َ ْ َ َ‬
‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫م ُ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫َوال ْ ُ‬
‫قال ابن جرير الطبري‪" :‬وسل ربك غفران ذنوبك وحادثها وذنوب أهل اليمان‬
‫بك من الرجال والنساء"‪.‬‬
‫هّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ِ‬ ‫ن ِفى ِدي ِ‬ ‫خلو َ‬ ‫س ي َد ْ ُ‬ ‫ت الّنا َ‬ ‫ح ‪ A‬وََرأي ْ َ‬ ‫فت ْ ُ‬ ‫صُر اللهِ َوال َ‬ ‫جاء ن َ ْ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬إ َِذا َ‬
‫َ‬
‫ن َتوَبا{ ]النصر‪.[3 -1:‬‬ ‫ه كا َ‬‫َ‬ ‫فْرهُ إ ِن ّ ُ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ك َوا ْ‬ ‫مد ِ َرب ّ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ْ‬‫أْفواجا ً ‪ B‬فَ َ‬
‫عن عائشة رضي الله عنها قالت‪ :‬ما صّلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ح{ إل ويقول‪:‬‬ ‫فت ْ ُ‬ ‫صُر الل ّهِ َوال ْ َ‬ ‫جاء ن َ ْ‬ ‫صلة بعد أن نزلت عليه سورة }إ َِذا َ‬
‫))سبحانك ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي((‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬التوبة والستغفار من صفات النبياء والصالحين‪:‬‬
‫َ‬
‫ب أرِِنى أنظ ُْر‬ ‫َ‬
‫ل َر ّ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ه َرب ّ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫قات َِنا وَك َل ّ َ‬ ‫مي َ‬ ‫سى ل ِ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫جاء ُ‬ ‫ما َ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَل َ ّ‬
‫ف ت ََراِنى‬ ‫سو ْ َ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫كان َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫قّر َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ل فَإ ِ ِ‬ ‫جب َ ِ‬ ‫ن ان ْظ ُْر إ َِلى ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ل لن ت ََراِنى وَلك ِ ِ‬
‫ك َقا َ َ‬ ‫إ ِل َي ْ َ‬
‫َ‬
‫ك‬‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ما أَفاقَ َقا َ‬ ‫قا فَل َ ّ‬ ‫صعِ ً‬ ‫سى َ‬ ‫خّر مو َ‬ ‫كا وَ َ‬ ‫ه دَ ّ‬ ‫جعَل َ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫جب َ ِ‬ ‫ه ل ِل ْ َ‬ ‫جّلى َرب ّ ُ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫فَل َ ّ‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن{ ]العراف‪.[143:‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ل ال ْ ُ‬ ‫ك وَأ َن َا ْ أ َوّ ُ‬‫ت إ ِل َي ْ َ‬ ‫ت ُب ْ ُ‬


‫قال مجاهد‪" :‬من مسألة الرؤية في الدنيا‪ ،‬وقيل‪ :‬سأل من غير استئذان‬
‫فلذلك تاب‪ ،‬وقيل‪ :‬قاله على جهة النابة إلى الله والخشوع له عند ظهور‬
‫اليات"‪.‬‬
‫ن‬‫ن الرك ُِعو َ‬ ‫حو َ‬‫سائ ِ ُ‬
‫ن ال ّ‬ ‫دو َ‬ ‫م ُ‬‫حا ِ‬‫ن ال ْ َ‬‫دو َ‬ ‫ن ال َْعاب ِ ُ‬ ‫وقال الله تعالى‪} :‬الّتائ ُِبو َ‬
‫ن{ ]التوبة‪.[112:‬‬ ‫جدو َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬هذا نعت المؤمنين الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم‬
‫بهذه الصفات الجميلة والخلل الجليلة"‪.‬‬
‫فُروا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ست َغْ ِ‬
‫نا ْ‬ ‫شيٌر ‪ B‬وَأ ِ‬ ‫ذيٌر وَب َ ِ‬ ‫ه نَ ِ‬
‫من ْ ُ‬‫م ّ‬ ‫ه إ ِن ِّنى ل َك ُ ْ‬ ‫دوا ْ إ ِل ّ الل ّ َ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬أل ّ ت َعْب ُ ُ‬
‫َ‬
‫ل‬‫ض ٍ‬ ‫ل ِذي فَ ْ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫مى وَي ُؤْ ِ‬ ‫س ّ‬‫م َ‬ ‫ل ّ‬ ‫ج ٍ‬‫سًنا إ َِلى أ َ‬ ‫ح َ‬ ‫عا َ‬ ‫مَتا ً‬ ‫م ّ‬ ‫مت ّعْك ُ ْ‬ ‫م ُتوُبوا ْ إ ِل َي ْهِ ي ُ َ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫َرب ّك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ر{ ]هود‪.[3-2:‬‬ ‫ب ي َوْم ٍ ك َِبي ٍ‬ ‫ذا َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ف عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫ه وَِإن ت َوَل ّوْا ْ فَإ ِّني أ َ‬ ‫ضل َ ُ‬ ‫فَ ْ‬

‫)‪(8 /‬‬

‫قال ابن كثير‪" :‬أي‪ :‬وآمركم بالستغفار من الذنوب السالفة والتوبة منها إلى‬
‫الله عز وجل فيما تستقبلونه‪ ،‬وأن تستمروا على ذلك"‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سَرافَنا ِفى‬ ‫َ‬ ‫فْر لَنا ذ ُُنوب ََنا وَإ ِ ْ‬ ‫م إ ِل ّ أن َقاُلوا ْ رب َّنا اغْ ِ‬ ‫ن قَوْل َهُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{ ]آل عمران‪ ،[147:‬وقال‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫قوْم ِ الكافِ‬ ‫صْرَنا عَلى ال َ‬ ‫مَنا وان ُ‬ ‫دا َ‬ ‫ت أقْ َ‬ ‫مرَِنا وَث َب ّ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫الله تعالى‪} :‬ربنا إننا سمعنا مناديا ً ينادى ل ِليما َ‬
‫مّنا َرب َّنا‬ ‫م فََئا َ‬ ‫مُنوا ْ ب َِرب ّك ُ ْ‬ ‫ن ءا ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫ّ َّ َِّ َ ِ ْ َ ُ َ ِ َُ ِ‬
‫معَ الب َْراِر{ ]آل عمران‪ ،[193:‬وقال‬ ‫سي َّئات َِنا وَت َوَفّ َ َ‬
‫نا‬ ‫فْر عَّنا َ‬ ‫فْر ل ََنا ذ ُُنوب ََنا وَك َ ّ‬ ‫َفاغْ ِ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫سَنا وَِإن ل ّ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫مَنا أن ُ‬ ‫الله تعالى في قصة توبة آدم عليه السلم‪َ} :‬قال َ َرب َّنا ظ َل َ ْ‬
‫قد ْ‬‫ن{ ]العراف‪ ،[23:‬وقال تعالى‪} :‬وَل َ َ‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫مَنا ل َن َ ُ‬ ‫فْر ل ََنا وَت َْر َ‬
‫ح ْ‬ ‫ت َغْ ِ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب ِلى‬ ‫فْر ِلى وَهَ ْ‬ ‫ب اغْ ِ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ب ‪َ h‬قا َ‬ ‫م أَنا َ‬ ‫سدا ث ُ ّ‬ ‫ج َ‬ ‫سي ّهِ َ‬ ‫قي َْنا عَلى ك ُْر ِ‬ ‫ن وَأل َ‬ ‫ما َ‬ ‫سلي ْ َ‬ ‫فَت َّنا ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ب{ ]ص‪.[35 ،34:‬‬ ‫ها ُ‬ ‫ت الوَ ّ‬ ‫ك أن َ‬ ‫دى إ ِن ّ َ‬ ‫من ب َعْ ِ‬ ‫حد ٍ ّ‬ ‫مْلكا ً ل ّ َينب َِغى ل َ‬ ‫ُ‬
‫رابعًا‪ :‬دعوة النبياء والصالحين أقوامهم للتوبة والستغفار‪:‬‬
‫ن اله‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا ْ الل ّ َ‬ ‫ل ياقَوْم ِ اعْب ُ ُ‬ ‫هوًدا َقا َ‬ ‫م ُ‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫عادٍ أ َ َ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَإ َِلى َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫غَيره إ َ‬
‫ذى‬ ‫جرِىَ إ ِل ّ عََلى ال ّ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫جًرا إ ِ ْ‬ ‫م عَل َي ْهِ أ ْ‬ ‫سأل ُك ُ ْ‬ ‫ن ‪ x‬ياقَوْم ِ ل أ ْ‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫م ْ‬‫م إ ِل ّ ُ‬ ‫ن أنت ُ ْ‬ ‫ُْ ُ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ماء‬ ‫س َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫س ِ‬ ‫م ُتوُبوا إ ِلي ْهِ ي ُْر ِ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ُ‬
‫فُروا َرب ّك ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ن ‪َ y‬وياقَوْم ِ ا ْ‬ ‫قلو َ‬ ‫فَط ََرِنى أفَل ت َعْ ِ‬
‫َ‬
‫ن{ ]هود‪.[52-50:‬‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَل َ ت َت َوَل ّوْا ْ ُ‬ ‫م قُوّة ً إ َِلى قُوّت ِك ُ ْ‬ ‫مد َْرارا ً وَي َزِد ْك ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫قال السعدي‪" :‬استغفروا ربكم عما مضى منكم‪ ،‬ثم توبوا إليه فيما تستقبلونه‬
‫بالتوبة النصوح والنابة إلى الله تعالى"‪.‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ُ‬
‫ما لك ْ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫دوا الل َ‬ ‫ْ‬ ‫صاِلحا قال ياقوْم ِ اعْب ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫م َ‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫مود َ أ َ َ‬ ‫وقال الله تعالى‪} :‬وَإ َِلى ث َ ُ‬
‫اله غَيره هو َأن َ َ‬
‫ن‬‫م ُتوُبوا ْ إ ِل َي ْهِ إ ِ ّ‬ ‫فُروهُ ث ُ ّ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م ِفيَها َفا ْ‬ ‫مَرك ُ ْ‬ ‫ست َعْ َ‬ ‫ض َوا ْ‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ّ‬ ‫شأك ُ ْ‬ ‫ُْ ُ ُ َ‬
‫ب{ ]هود‪ ،[61:‬وقال تعالى حاكيا ً قول شعيب عليه السلم‬ ‫ب ّ ِ ٌ‬ ‫جي‬ ‫م‬ ‫ري ٌ‬ ‫َرّبى قَ ِ‬
‫م وَُدوٌد{ ]هود‪.[90:‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ن َرّبى َر ِ‬ ‫م ُتوُبوا ْ إ ِل َي ْهِ إ ِ ّ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫فُروا ْ َرب ّك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫لقومه‪َ} :‬وا ْ‬
‫قال السعدي في سرده لفوائد قصة شعيب‪" :‬ومنها‪ :‬أن التائب من الذنب‬
‫كما يسمح له عن ذنبه ويعفى عنه فإن الله تعالى يحبه ويوّده ول عبرة بقول‬
‫من قال‪) :‬إن التائب إذا تاب فحسبه أن يغفر له ويعود عليه بالعفو وأما عود‬
‫م ُتوُبوا ْ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫فُروا ْ َرب ّك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫الود والحب فإنه ل يعود(‪ ،‬فإن الله تعالى قال‪َ} :‬وا ْ‬
‫م وَُدوٌد{"‪.‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ن َرّبى َر ِ‬ ‫إ ِل َي ْهِ إ ِ ّ‬
‫خامسًا‪ :‬بيان جزاء التوبة في الدنيا والخرة‪:‬‬
‫أ‪ -‬محبة الله عز وجل للتائبين‪:‬‬
‫ن{‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫مت َطهّ ِ‬ ‫َ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن وَي ُ ِ‬ ‫ب الّتوِبي َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫قال الله عز وجل‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ب‪ -‬حصول المغفرة من الله عز وجل‪:‬‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دى{ ]طه‪.[82:‬‬ ‫م اهْت َ َ‬ ‫حا ً ث ُ ّ‬‫صال ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن وَعَ ِ‬ ‫م َ‬


‫ب وََءا َ‬ ‫من َتا َ‬ ‫فاٌر ل ّ َ‬ ‫قال تعالى‪} :‬وَإ ِّنى ل َغَ ّ‬
‫ي تبت عليه من أي ذنب‬ ‫فاٌر{ أي‪ :‬كل من تاب إل ّ‬ ‫قال ابن كثير‪}" :‬وَإ ِّنى ل َغَ ّ‬
‫كان حتى إنه تاب تعالى على من عبد العجل من بني إسرائيل‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫ب{ أي‪ :‬رجع عما كان فيه من كفر أو شرك أو معصية أو نفاق"‪.‬‬ ‫}َتا َ‬
‫ج‪ -‬الفلح في الدنيا والخرة‪:‬‬
‫ُ‬
‫سي َّئات ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫ه َ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫ك ي ُب َد ّ ُ‬ ‫صاِلحا ً فَأوْل َئ ِ َ‬ ‫مل ً َ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫م َ‬‫ن وَعَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب َوءا َ‬ ‫من َتا َ‬ ‫قال تعالى‪} :‬إ ِل ّ َ‬
‫حيما{ ]الفرقان‪.[70:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فورا ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬‫ن الل ّ ُ‬‫كا َ‬‫ت وَ َ‬‫سَنا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ميعا{ لن المؤمن يدعوه إيمانه إلى‬ ‫ً‬ ‫ج ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫قال السعدي‪}" :‬وَُتوُبوا إ ِلى اللهِ َ‬
‫ن{ فل سبيل إلى الفلح‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬
‫م تُ ْ‬ ‫التوبة‪ ،‬ثم علق على ذلك الفلح فقال‪} :‬ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫إل بالتوبة وهي الرجوع مما يكرهه الله ظاهرا ً وباطنا ً إلى ما يحبه ظاهرا ً‬
‫وباطنًا"‪.‬‬
‫د‪ -‬تبديل السيئات إلى حسنات‪:‬‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ل الل ُ‬ ‫صاِلحا فَأوْلئ ِك ي ُب َد ّ ُ‬ ‫مل َ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن وَعَ ِ‬ ‫م َ‬‫ب َوءا َ‬ ‫من َتا َ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬إ ِل ّ َ‬
‫حيمًا{‪.‬‬ ‫فورا ً ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬‫ت وَ َ‬ ‫سَنا ٍ‬‫ح َ‬ ‫م َ‬‫سي َّئات ِهِ ْ‬
‫َ‬

‫)‪(9 /‬‬

‫قال القرطبي‪" :‬قال النحاس‪ :‬من أحسن ما قيل فيه أنه يكتب موضع كافر‬
‫مؤمن وموضع عاصي مطيع‪ ،‬وقال مجاهد والضحاك‪ :‬أن يبدلهم الله من‬
‫الشرك اليمان وروي نحوه عن الحسن‪ .‬وقال أبو هريرة‪ :‬ذلك في الخرة‬
‫فيمن غلبت حسناته على سيئاته‪ ،‬فيبدل الله السيئات حسنات‪ .‬وقال‬
‫القرطبي‪ :‬فل يبعد في كرم الله تعالى إذا صحت توبة العبد أن يضع مكان كل‬
‫سيئة حسنة وقد قال صلى الله عليه وسلم‪)) :‬أتبع السيئة الحسنة تمحها‬
‫وخالق الناس بخلق حسن(( وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قال‪ :‬قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬إني لعلم آخر أهل الجنة دخول ً الجنة وآخر أهل‬
‫النار خروجا ً منها‪ ،‬رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال‪ :‬اعرضوا عليه صغار ذنوبه‪،‬‬
‫وارفعوا عنه كبارها‪ ،‬فتعرض عليه صغار ذنوبه فيقال‪ :‬عملت يوم كذا وكذا‬
‫كذا وكذا‪ ،‬فيقول‪ :‬نعم‪ ،‬ل يستطيع أن ينكر‪ ،‬وهو مشفق من كبار ذنوبه أن‬
‫تعرض عليه‪ ،‬فيقال له‪ :‬فإن لك مكان كل سيئة حسنة‪ ،‬فيقول‪ :‬يا رب قد‬
‫عملت أشياء ل أراها ها هنا((‪ ،‬فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ضحك حتى بدت نواجده"‪.‬‬
‫هـ‪ -‬تكفير السيئات ودخول الجنات‪:‬‬
‫َ‬
‫سى َرب ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫صوحا ً عَ َ‬ ‫ة نّ ُ‬‫مُنوا ْ ُتوُبوا ْ إ َِلى الل ّهِ ت َوْب َ ً‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬ياأي َّها ال ّ ِ‬
‫زى‬ ‫خ ِ‬‫م ل َ يُ ْ‬ ‫َ‬
‫حت َِها الن َْهاُر ي َوْ َ‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫رى ِ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬
‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خل َك ُ ْ‬ ‫م وَي ُد ْ ِ‬ ‫سي َّئات ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫عنك ُ ْ‬
‫فَر َ‬ ‫َأن ي ُك َ ّ‬
‫َ‬ ‫الل ّه النبى وال ّذين ءامنوا ْ معه نورهُم يسعى بي َ‬
‫ن َرب َّنا‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫مان ِهِ ْ‬
‫م وَب ِأي ْ َ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ن أي ْ ِ‬‫َْ َ‬ ‫َ َ ُ ُ ُ ْ َ ْ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ ِّ ّ َ ِ َ‬
‫ك عَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ديٌر{‪.‬‬ ‫ىء قَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫م ل ََنا ُنوَرَنا َوا ْ‬
‫ر‬‫ف‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫م ْ‬‫أت ْ ِ‬
‫قال السعدي‪" :‬قد أمر الله بالتوبة النصوح في هذه الية‪ ،‬ووعد عليها بتكفير‬
‫السيئات ودخول الجنات والفوز والفلح"‪.‬‬
‫و‪ -‬منع العذاب في الدنيا‪:‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ما َ‬
‫م‬
‫م وَهُ ْ‬ ‫معَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫ما كا َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ت ِفيهِ ْ‬ ‫م وَأن َ‬ ‫ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ‬‫ن الل ُ‬ ‫كا َ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫ن{ ]النفال‪.[33:‬‬ ‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫يَ ْ‬
‫قال ابن عباس رضي الله عنهما‪) :‬كان فيهم أمانان‪ :‬النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم والستغفار‪ ،‬فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقي الستغفار(‪.‬‬
‫ز‪ -‬المداد بالموال والبنين وإنزال الغيث‪:‬‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ماء عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫س َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫فارا ً ‪ J‬ي ُْر ِ‬
‫س ِ‬ ‫ن غَ ّ‬‫كا َ‬ ‫ه َ‬‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫فُروا ْ َرب ّك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫تا ْ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫قال تعالى‪} :‬فَ ُ‬
‫م أن َْهارًا{ ]نوح‪:‬‬‫َ‬ ‫َ‬
‫جَعل ل ّك ُ ْ‬‫ت وَي َ ْ‬
‫جّنا ٍ‬‫م َ‬‫جَعل ل ّك ُ ْ‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫ل وَب َِني َ‬ ‫موا ٍ‬ ‫م ب ِأ ْ‬ ‫مد َْرارا ً ‪ K‬وَي ُ ْ‬
‫مدِد ْك ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫‪.[12 -10‬‬
‫قال ابن عباس رضي الله عنهما‪) :‬أي‪ :‬إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه‬
‫وأطعتموه كثر الرزق عليكم وأسقاكم من بركات السماء‪ ،‬وأنبت لكم من‬
‫بركات الرض‪ ،‬وأنبت لكم الزرع‪ ،‬وأدّر لكم الضرع‪ ،‬وأمدكم بأموال وبنين‪،‬‬
‫أي‪ :‬أعطاكم الموال والولد‪ ،‬وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار وخللها‬
‫بالنهار الجارية بينها(‪.‬‬
‫تفسير الطبري )‪.(2/60‬‬
‫تيسير الكريم الرحمن )‪.(350‬‬
‫تيسير الكريم الرحمن )‪.(351‬‬
‫التفسير المنير )‪ (24/73‬باختصار‪.‬‬
‫الجامع لحكام القرآن )‪.(18/197‬‬
‫الجامع لحكام القرآن )‪.(12/238‬‬
‫تفسير السعدي )‪ (92‬بتصرف‪.‬‬
‫تفسير الطبري )‪.(11/318‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن باب حدثنا الحسن بن الربيع )‬
‫‪ (4967‬وأخرجه مسلم في كتاب الصلة باب ما يقال في الركوع والسجود )‬
‫‪.(484‬‬
‫انظر‪ :‬الجامع لحكام القرآن )‪.(7/279‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/374‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(2/417‬‬
‫تفسير السعدي )‪.(383‬‬
‫تفسير السعدي )‪.(389‬‬
‫تفسير ابن كثير )‪.(3/169‬‬
‫تفسير السعدي )‪.(567‬‬
‫أخرجه الترمذي في كتاب البر والصلة باب ما جاء في معاشرة الناس )‬
‫‪ (1987‬من حديث أبي ذر رضي الله عنه‪ .‬وقال الترمذي‪ :‬هذا حديث حسن‬
‫صحيح‪.‬‬
‫أخرجه مسلم في كتاب اليمان باب‪ :‬أدنى أهل الجنة منزلة فيها )‪.(190‬‬
‫الجامع لحكام القرآن )‪.(13/78‬‬
‫تفسير السعدي )‪.(874‬‬
‫انظر‪ :‬تفسير ابن كثير )‪.(2/317‬‬
‫انظر‪ :‬تفسير ابن كثير )‪.(4/453‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬فضائل التوبة والستغفار في السنة النبوية‪:‬‬
‫‪ -1‬عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪)) :‬إن العبد إذا أخطأ نكتت في قلبه نكتة سوداء‪ ،‬فإذا هو نزع واستغفر‬
‫قل قلبه‪ ،‬وإن عاد زيد فيه‪ ،‬حتى تعلو قلبه‪ ،‬وهو الران الذي ذكر الله‪:‬‬ ‫ص ِ‬
‫وتاب ُ‬
‫ن{]المطففين‪.(([14:‬‬ ‫سُبو َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ما كاُنوا ي َك ِ‬ ‫َ‬ ‫م ّ‬ ‫ُ‬
‫ن عَلى قُلوب ِهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل َرا َ‬ ‫}ك َل ّ ب َ ْ‬
‫فى مرآة قلبه‪ ،‬لن التوبة بمنزلة‬ ‫ظف وص ّ‬ ‫قال المباركفوري‪" :‬والمعنى‪ :‬ن ّ‬
‫المصقلة‪ ،‬تمحو وسخ القلب وسواده حقيقيا ً أو تمثيليًا"‪.‬‬
‫‪ -2‬عن أبي موسى الشعري رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪)) :‬إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار‪،‬‬
‫ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل‪ ،‬حتى تطلع الشمس من مغربها((‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫‪ -3‬عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪)) :‬كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا‪ ،‬فسأل‬
‫ل على راهب فأتاه فقال‪ :‬إنه قتل تسعة وتسعين‬ ‫عن أعلم أهل الرض فد ُ ّ‬
‫نفسا ً فهل له من توبة؟ فقال‪ :‬ل‪ ،‬فقتله فكمل به مائة‪ ،‬ثم سأل عن أعلم‬
‫ل على رجل عالم فقال‪ :‬إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟‬ ‫أهل الرض فد َ ّ‬
‫فقال‪ :‬نعم‪ ،‬ومن يحول بينه وبين التوبة‪ ،‬انطلق إلى أرض كذا وكذا‪ ،‬فإن بها‬
‫أناسا ً يعبدون الله فاعبد الله معهم ول ترجع إلى أرضك‪ ،‬فإنها أرض سوء‪،‬‬
‫فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت‪ ،‬فاختصمت فيه ملئكة الرحمة‬
‫وملئكة العذاب‪ ،‬فقالت ملئكة الرحمة‪ :‬جاء تائبا ً مقبل ً بقلبه إلى الله‪ ،‬وقالت‬
‫ملئكة العذاب‪ :‬إنه لم يعمل خيرا ً قط‪ ،‬فأتاهم ملك الموت في صورة آدمي‪،‬‬
‫فجعلوه بينهم فقال‪ :‬قيسوا ما بين الرضين‪ ،‬فإلى أيتهما كان أدنى فهو له‪،‬‬
‫فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الرض التي أراد‪ ،‬فقبضته ملئكة الرحمة((‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪" :‬وفيه مشروعية التوبة من جميع الكبائر حتى من قتل‬
‫النفس‪ ،‬ويحمل على أن الله إذا قبل توبة القاتل تكفل برضا خصمه‪ ...‬وقال‬
‫عياض‪ :‬وفيه أن التوبة تنفع من القتل كما تنفع من سائر الذنوب وهو وإن‬
‫كان شرعا ً لمن قبلنا وفي الحتجاج به خلف‪ ،‬لكن ليس هذا من موضع‬
‫الخلف‪ ،‬لن موضع الخلف إذا لم يرد في شرعنا تقريره وموافقته‪ ،‬أما إذا‬
‫ورد فهو شرع لنا بل خلف"‪.‬‬
‫‪ -4‬عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪)) :‬لله أفرح بتوبة العبد من رجل نزل منزل ً وبه مهلكة‪ ،‬ومعه‬
‫راحلته عليها طعامه وشرابه‪ ،‬فوضع رأسه فنام نومة‪ ،‬فاستيقظ وقد ذهبت‬
‫راحلته حتى اشتد عليه الحر والعطش‪ ،‬أو ما شاء الله قال‪ :‬أرجع إلى مكاني‪،‬‬
‫فرجع فنام نومة‪ ،‬ثم رفع رأسه فإذا راحلته عنده((‪.‬‬
‫‪ -5‬عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم‪)) :‬سيد‬
‫الستغفار أن يقول‪ :‬اللهم أنت ربي ل إله إل أنت خلقتني‪ ،‬وأنا عبدك وأنا على‬
‫عهدك ووعدك ما استطعت‪ ،‬أعوذ بك من شر ما صنعت‪ ،‬أبوء لك بنعمتك‬
‫علي‪ ،‬وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه ل يغفر الذنوب إل أنت‪ ،‬قال ومن قالها‬
‫من النهار موقنا ً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ومن‬
‫قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة((‪.‬‬
‫قال ابن أبي جمرة‪" :‬جمع صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث من بديع‬
‫المعاني وحسن اللفاظ ما يحق له أن يسمى سيد الستغفار‪ ،‬ففيه القرار‬
‫لله وحده باللهية والعبودية والعتراف بأنه الخالق‪ ،‬والقرار بالعهد الذي أخذه‬
‫عليه‪ ،‬والرجاء بما وعده به‪ ،‬والستعاذة من شر ما جنى العبد على نفسه‪،‬‬
‫وإضافة النعماء إلى موجدها وإضافة الذنب إلى نفسه‪ ،‬ورغبته في المغفرة‪،‬‬
‫واعترافه بأنه ل يقدر أحد على ذلك إل هو‪ ،‬وفي كل ذلك الشارة إلى الجمع‬
‫بين الشريعة والحقيقة‪ ،‬فإن تكاليف الشريعة ل تحصل إل إذا كان في ذلك‬
‫عون من الله تعالى"‪.‬‬
‫‪ -6‬عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول‪)) :‬والله إني لستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين‬
‫مرة((‪.‬‬
‫ً‬
‫قال ابن بطال‪" :‬النبياء أشد الناس اجتهادا في العبادة لما أعطاهم الله‬
‫تعالى من المعرفة فهم دائبون في شكره معترفون له بالتقصير"‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال الغزالي‪" :‬كان صلى الله عليه وسلم دائم الترقي فإذا ارترقى إلى حال‬
‫رأى ما قبلها دونها‪ ،‬فاستغفر من الحالة السابقة وهذا مفرع على أن العدد‬
‫المذكور في استغفاره كان مفرقا ً بحسب تعدد الحوال"‪.‬‬
‫‪ -7‬عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي‬
‫عن ربه عز وجل قال‪)) :‬أذنب عبد ذنبا ً فقال‪ :‬اللهم اغفر لي ذنبي‪ ،‬فقال‬
‫تبارك وتعالى‪ :‬أذنب عبدي ذنبا ً فعلم أنه له ربا ً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب‪ ،‬ثم‬
‫عاد فأذنب‪ ،‬فقال‪ :‬أي رب‪ ،‬اغفر لي ذنبي‪ ،‬فقال تبارك وتعالى‪ :‬عبدي أذنب‬
‫ذنبا ً فعلم أن له ربا ً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب‪ ،‬ثم عاد فأذنب‪ ،‬فقال‪ :‬أي رب‪،‬‬
‫اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى‪ :‬أذنب عبدي ذنبا ً فعلم أن له ربا ً يغفر‬
‫الذنب ويأخذ بالذنب‪ ،‬اعمل ما شئت فقد غفر لك((‪ ،‬قال عبد العلى‪ :‬ل أدري‬
‫أقال في الثالثة أو الرابعة‪)) :‬اعمل ما شئت((‪.‬‬
‫قال القرطبي‪" :‬يدل هذا الحديث على عظيم فائدة الستغفار وعلى عظيم‬
‫فضل الله وسعة رحمته وحلمه وكرمه‪ ،‬لكن هذا الستغفار هو الذي ثبت‬
‫معناه في القلب مقارنا ً للسان لينحل به عقد الصرار ويحصل معه الندم‪،‬‬
‫فهو ترجمة للتوبة"‪.‬‬
‫الران‪ :‬الطبع والختم‪.‬‬
‫أخرجه الترمذي في كتاب التفسير باب‪ :‬ومن صورة المطففين )‪(3334‬‬
‫وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح وأخرجه ابن ماجة في كتاب الزهد باب‪ :‬ذكر‬
‫الذنوب )‪.(4244‬‬
‫تحفة الحوذي بشرح جامع الترمذي )‪.(9/254‬‬
‫أخرجه مسلم في كتاب التوبة باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت‬
‫الذنوب )‪.(2759‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب أحاديث النبياء باب‪ :‬حديث الغار )‪ ،(347‬ومسلم‬
‫في كتاب التوبة باب‪ :‬قبول توبة القاتل وإن كثر قتله )‪.(2766‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫فتح الباري )‪.(6/518‬‬


‫أخرجه البخاري في كتاب الدعوات باب‪ :‬التوبة )‪.(6308‬‬
‫معنى أبوء أي‪ :‬أعترف‪.‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب الدعوات باب فضل الستغفار )‪.(6306‬‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري )‪.(11/103‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب الدعوات باب‪ :‬استغفار النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫في اليوم والليلة )‪.(6307‬‬
‫شرح صحيح البخاري )‪ (10/77‬بتصرف‪.‬‬
‫إحياء علوم الدين ) (‪.‬‬
‫أخرجه مسلم في كتاب التوبة باب‪ :‬قبول التوبة من الذنوب و إن تكررت‬
‫الذنوب )‪ .(2758‬وأبو داود في كتاب التوحيد باب قول الله تعالى يريدون أن‬
‫يبدلوا كلم الله )‪،(7507‬‬
‫المفهم )‪ (7/85‬بتصرف‪.‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬الثار والقوال الواردة في التوبة والستغفار‪:‬‬
‫قال محمد بن كعب القرظي‪" :‬يجمعها أربعة أشياء‪ :‬الستغفار باللسان‪،‬‬
‫والقلع بالبدان‪ ،‬وإضمار ترك العودة بالجنان‪ ،‬ومهاجرة سيئ الخوان"]‪.[1‬‬
‫قال يحي بن معاذ‪" :‬الذي حجب الناس عن التوبة طول المل‪ ،‬وعلمة التائب‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إسبال الدمعة‪ ،‬وحب الخلوة‪ ،‬والمحاسبة للنفس عند كل همة"]‪.[2‬‬


‫وقال بعض أهل العلم‪" :‬من أعطي أربعا ً لم يمنع أربعًا‪ :‬من أعطي الشكر لم‬
‫يمنع المزيد‪ ،‬ومن أعطي التوبة لم يمنع القبول‪ ،‬ومن أعطي الستخارة لم‬
‫يمنع الخيرة‪ ،‬ومن أعطي المشورة لم يمنع من الصواب"]‪.[3‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬التوبة من أفضل مقامات السالكين؛ لنها أول المنازل‬
‫وأوسطها وآخرها‪ ،‬فل يفارقها العبد أبدًا‪ ،‬ول يزال فيها إلى الممات‪ ،‬وإن‬
‫ارتحل السالك منها إلى منزل آخر ارتحل به ونزل به‪ ،‬فهي بداية العبد‬
‫ونهايته‪ ،‬وحاجته إليها في النهاية ضرورية كما حاجته إليها في البداية كذلك"]‬
‫‪.[4‬‬
‫قال أبو موسى رضي الله عنه‪) :‬كان لنا أمانان‪ ،‬ذهب أحدهما وهو كون‬
‫الرسول فينا‪ ،‬وبقي الستغفار معنا‪ ،‬فإذا ذهب هلكنا(‪.‬‬
‫قال الفضيل رحمه الله‪" :‬استغفار بل إقلع توبة الكذابين"‪.‬‬
‫ويقاربه ما جاء عن رابعة العدوية‪" :‬استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير"‪.‬‬
‫سئل سهل عن الستغفار الذي يكفر الذنوب فقال‪" :‬أول الستغفار‬
‫الستجابة‪ ،‬ثم النابة‪ ،‬ثم التوبة‪ ،‬فالستجابة أعمال الجوارح‪ ،‬والنابة أعمال‬
‫القلوب‪ ،‬والتوبة إقباله على موله بأن يترك الخلق‪ ،‬ثم يستغفر من تقصيره‬
‫الذي هو فيه"‪.‬‬
‫قال ابن الجوزي‪" :‬إن إبليس قال‪ :‬أهلكت بني آدم بالذنوب وأهلكوني‬
‫بالستغفار وبـ )ل إله إل الله(‪ ،‬فلما رأيت ذلك بثثت فيهم الهواء فهم يذنبون‬
‫ول يتوبون؛ لنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا"]‪.[5‬‬
‫‪---------------‬‬
‫]‪ [1‬انظر‪ :‬الداب الشرعية )‪ (1/86‬لبن مفلح‪.‬‬
‫]‪ [2‬انظر‪ :‬ذم الهوى لبن الجوزي )‪.(174‬‬
‫]‪ [3‬انظر‪ :‬إحياء علوم الدين )‪.(1/206‬‬
‫]‪ [4‬مدارج السالكين لبن القيم )‪.(1/198‬‬
‫]‪ [5‬انظر فيما تقدم من الثار‪ :‬نضرة النعيم )‪.(2/301‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬مسائل في التوبة‪:‬‬
‫‪ -1‬التوبة الواجبة والتوبة المستحبة‪:‬‬
‫فالتوبة الواجبة تكون من فعل المحرمات وترك الواجبات‪ ،‬والتوبة المستحبة‬
‫تكون من فعل المكروهات وترك المستحبات‪.‬‬
‫فمن اقتصر على التوبة الولى كان من البرار المقتصدين‪ ،‬ومن تاب التوبتين‬
‫كان من السابقين المقربين‪ ،‬ومن لم يأت بالولى كان من الظالمين إما‬
‫الكافرين وإما الفاسقين‪.‬‬
‫‪ -2‬التوبة النصوح‪:‬‬
‫هي الخالصة الصادقة الناصحة‪ ،‬الخالية من الشوائب والعلل‪ ،‬وهي التي تكون‬
‫من جميع الذنوب‪ ،‬فل تدع ذنبا ً إل تناولته‪ ،‬وهي التي يجمع صاحبها العزم‬
‫وم ول انتظار‪.‬‬ ‫والصدق بكليته عليها‪ ،‬بحيث ل يبقى عنده تردد ول تل ّ‬
‫وهي التي تقع لمحض الخوف من الله وخشيته والرغبة فيما لديه والرهبة‬
‫مما عنده‪ ،‬ليست لحفظ الجاه والمنصب والرياسة‪ ،‬ول لحفظ الحال أو القوة‬
‫أو المال‪ ،‬ول لستدعاء حمد الناس أو الهرب من ذمهم‪ ،‬أو لئل يتسلط عليه‬
‫السفهاء‪ ،‬ول لقضاء النهمة من الدنيا أو للفلس والعجز‪ ،‬ونحو ذلك من العلل‬
‫التي تقدح في صحتها وخلوصها لله عز وجل‪ ،‬فمن كانت هذه حاله غفرت‬
‫ذنوبه كلها‪ ،‬وإذا حسنت توبته بدل الله سيئاته حسنات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ت‬
‫ِ َ َْ ً‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫لى‬ ‫مُنوا ُ ُ ِ‬
‫إ‬ ‫ا‬‫بو‬ ‫تو‬ ‫ن ءا َ‬ ‫قال ابن كثير عند قول الله تعالى‪} :‬ياأي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م{‪" :‬أي‪ :‬توبة صادقة جازمة‪ ،‬تمحو‬ ‫سي َّئات ِك ُ ْ‬ ‫عنك ُ ْ‬


‫م َ‬ ‫فَر َ‬‫م َأن ي ُك َ ّ‬ ‫صوحا ً عَ َ‬
‫سى َرب ّك ُ ْ‬ ‫نّ ُ‬
‫م شعث التائب وتجمعه وتكفه عما يتعاطاه من‬ ‫ما قبلها من السيئات‪ ،‬وتل ّ‬
‫الدناءات"‪.‬‬
‫وقال اللوسي‪" :‬وجوز أن يكون المراد بالتوبة النصوح توبة تنصح الناس‪ ،‬أي‬
‫تدعوهم إلى مثلها؛ لظهور أثرها في صحابها واستعمال الجد والعزيمة في‬
‫العمل بمقتضاها"‪.‬‬
‫‪ -3‬التوبة الخاصة من بعض الذنوب‪:‬‬
‫الواجب على العبد أن يتوب من جميع الذنوب صغيرها وكبيرها‪ ،‬فإذا تاب من‬
‫بعضها مع إصراره على بعضها الخر‪ ،‬قبلت توبته مما تاب منه‪ ،‬ما لم يصر‬
‫على ذنب آخر من نوعه‪.‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫أما إذا تاب من ذنب مع مباشرة ذنب آخر ل تعلق له به ول هو من نوعه‬


‫صر على‬ ‫م ّ‬
‫صحت توبته مما تاب منه‪ .‬مثال ذلك أن يتوب من الربا وهو ُ‬
‫السرقة وشرب الخمر‪ ،‬فتقبل توبته مما تاب منه‪ ،‬أما إذا تاب من نوع من‬
‫صر على نوع آخر منه‪ ،‬أو تاب من نوع منه وانتقل إلى نوع‬ ‫م ّ‬
‫أنواع الربا وهو ُ‬
‫صر على ربا‬‫م ّ‬
‫آخر فل تقبل توبته‪ ،‬كحال من يتوب من ربا الفضل وهو ُ‬
‫صر على الزنا بأخرى‪ ،‬فإن‬ ‫م ّ‬
‫النسيئة‪ ،‬وكحال من يتوب من الزنا بامرأة وهو ُ‬
‫توبته ل تصح‪ .‬وبالجملة فكل ذنب له توبة خاصة وهي فرض منه‪ ،‬ل تتعلق‬
‫بالتوبة من غيره‪ ،‬فهذه هي التوبة الخاصة‪.‬‬
‫وسر المسألة أن التوبة تتبعض كالمعصية‪ ،‬فيكون تائبا ً من وجه دون وجه‪،‬‬
‫كالسلم واليمان‪.‬‬
‫وهذا هو قول جمهور أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫ثم إن على العبد إذا وفقه الله لترك ذنب من الذنوب أن يسعى في التخلص‬
‫من الباقي؛ لن الصرار على الذنوب يقود إلى ذنوب أخرى‪ ،‬فالحسنة تهتف‬
‫بأختها والسيئة كذلك‪.‬‬
‫‪ -4‬التخلص من الحقوق والتحلل من المظالم‪:‬‬
‫فالتوبة تكون من حق الله وحق العباد‪ ،‬فحق الله تبارك وتعالى يكفي في‬
‫التوبة منه الترك كما تقدم‪ ،‬غير أن منه ما لم يكتف الشرع فيه بالترك‪ ،‬بل‬
‫أضاف إليه القضاء والكفارة‪.‬‬
‫أما حق غير الله فيحتاج إلى التحلل من المظالم فيه وأداء الحقوق إلى‬
‫مستحقيها‪ ،‬قال النبي صلى الله عليه وسلم‪)) :‬من كان لخيه عنده مظلمة‬
‫من مال أو عرض فليتحلله اليوم قبل أن ل يكون دينار ول درهم إل الحسنات‬
‫والسيئات((‪.‬‬
‫ولكن من لم يقدر على اليصال بعد بذل الوسع في ذلك فعفو الله مأمول‪.‬‬
‫‪ -5‬توبة العاجز عن المعصية‪:‬‬
‫إذا حيل بين العاصي وبين أسباب المعصية فعجز عنها بحيث يتعذر وقوعها‬
‫منه فهل تصح توبته إذا تاب؟ وذلك كحال السارق إذا قطعت أطرافه الربعة‪،‬‬
‫جب‪ ،‬وكمن حكم عليه بالسجن المؤبد‪ ،‬فهل لهؤلء توبة‪ ،‬مع أنه‬ ‫وكالزاني إذا ُ‬
‫قد حيل بينه وبين ما كان يفعله من معاصي؟‬
‫قال ابن القيم بعد أن ذكر القوال والخلف في هذه المسألة "القول الثاني‪:‬‬
‫وهو الصواب أن توبته ممكنة بل واقعة‪ ،‬فإن أركان التوبة مجتمعة فيه‪،‬‬
‫والمقدور له منها الندم‪ ،‬وفي المسند مرفوعا ً ))الندم توبة((‪ ،‬فإذا تحقق ندمه‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على الذنب ولومه نفسه عليه فهذه توبة‪ ،‬وكيف يصح أن تسلب التوبة عنه‬
‫مع شدة ندمه على الذنب ولومه نفسه‪ ،‬ول سيما ما يتبع ذلك من بكائه‬
‫وحزنه وخوفه وعزمه الجازم‪ ،‬ونيته أنه لو كان صحيحا ً والفعل مقدورا ً له لما‬
‫فعله‪ ،‬وإذا كان الشارع قد ن َّزل العاجز عن الطاعة منزلة الفاعل لها إذا‬
‫صحت نيته كقوله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬إذا مرض العبد أو سافر كتب له‬
‫ما كان يعمل صحيحا ً مقيمًا((‪ ،‬وفي الصحيح أيضًا‪)) :‬إن بالمدينة أقواما ً ما‬
‫سرتم مسيرًا‪ ،‬ول قطعتم واديا ً إل كانوا معكم(( قالوا‪ :‬وهم بالمدينة؟ قال‪:‬‬
‫))وهم بالمدينة‪ ،‬حبسهم العذر((‪.‬‬
‫ً‬
‫وله نظائر في الحديث فتنزيل العاجز عن المعصية‪ ،‬التارك لها قهرا مع نية‬
‫تركها اختيارا ً لو أمكنه منزلة التارك المختار أولى"‪.‬‬
‫‪ -6‬معنى التوبة من قريب والتوبة عند الموت‪:‬‬
‫ن‬
‫م ي َُتوُبو َ‬ ‫َ‬
‫جَهالةٍ ث ُ ّ‬ ‫سوء ب ِ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة عََلى الل ّهِ ل ِل ّ ِ‬ ‫ما الت ّوْب َ ُ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫كيما{ ]النساء‪.[17:‬‬ ‫ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ً‬
‫ه عَِليما َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫َ‬
‫م وَكا َ‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْهِ ْ‬ ‫ّ‬
‫ب الل ُ‬ ‫ك ي َُتو ُ‬ ‫ب فَأ ُوْل َئ ِ َ‬‫ري ٍ‬‫من قَ ِ‬ ‫ِ‬
‫قال ابن رجب‪" :‬وأما التوبة من قريب فالجمهور على أن المراد بها التوبة‬
‫قبل الموت‪ ،‬فالعمر كله قريب‪ ،‬ومن تاب قبل الموت فقد تاب من قريب‪،‬‬
‫ل البعد كما قيل‪:‬‬ ‫ومن لم يتب فقد بُعد ك ّ‬
‫ن وأما الملتقى فبعيد‬ ‫جيرة الحياء أما قرارهم فدا ٍ‬ ‫فهم ِ‬
‫فالحي قريب‪ ،‬والميت بعيد من الدنيا على قربه منها‪ ،‬فإن جسمه في الرض‬
‫يبلى وروحه عند الله تنعم أو تعذب‪ ،‬ولقاؤه ل يرجى في الدنيا"‪.‬‬
‫أما إذا عاين العبد أمور الخرة وانكشف له الغطاء‪ ،‬وشاهد الملئكة فصار‬
‫الغيب عنده شهادة‪ ،‬فإن اليمان والتوبة ل تنفعه في تلك الحال‪.‬‬
‫َ‬
‫م‬
‫حد َهُ ُ‬ ‫ضَر أ َ‬ ‫ح َ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫ت َ‬ ‫سي َّئا ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ل ِل ّ ِ‬‫ت الت ّوْب َ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬وَل َي ْ َ‬
‫ذابا ً‬ ‫فار أ ُول َئ ِ َ َ‬
‫م عَ َ‬ ‫ك أعْت َد َْنا ل َهُ ْ‬ ‫م كُ ّ ٌ ْ‬ ‫ن وَهُ ْ‬ ‫موُتو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن وَل َ ال ّ ِ‬ ‫ت ال َ‬ ‫ل إ ِّنى ت ُب ْ ُ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫مو ْ ُ‬
‫أ َِليمًا{ ]النساء‪.[18:‬‬
‫وى عز وجل بين من تاب عند الموت ومن تاب من غير توبة‪ ،‬والمراد‬ ‫فس ّ‬
‫بالتوبة عند الموت‪ :‬التوبة عند انكشاف الغطاء‪ ،‬ومعاينة المحتضر أمور‬
‫الخرة ومشاهدة الملئكة‪.‬‬
‫وقال ابن رجب‪" :‬وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن علي قال‪ :‬ل يزال العبد‬
‫في مهل من التوبة ما لم يأته ملك الموت يقبض روحه‪ ،‬فإذا نزل ملك الموت‬
‫فل توبة حينئذ‪.‬‬
‫وقال ابن عمر‪) :‬التوبة مبسوطة ما لم ينزل سلطان الموت(‪.‬‬
‫‪ -7‬رجوع الحسنات إلى التائب بعد التوبة‪:‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫قال ابن القيم‪" :‬وإذا استغرقت سيئاته الحديثات حسناته القديمات وأبطلتها‪،‬‬
‫ثم تاب منها توبة نصوحا ً خالصة عادت إليه حسناته‪ ،‬ولم يكن حكمه حكم‬
‫المستأنف لها‪ ،‬بل يقال له‪ :‬تبت على ما أسلفت من خير‪ ،‬فالحسنات التي‬
‫فعلتها في السلم أعظم من الحسنات التي يفعلها الكافر في كفره من‬
‫عتاقة وصدقة وصلة‪ ،‬وقد قال حكيم بن حزام‪ :‬يا رسول الله أرأيت عتاقة‬
‫أعتقتها في الجاهلية‪ ،‬وصدقة تصدقت بها‪ ،‬وصلة وصلت بها رحمي‪ ،‬فهل لي‬
‫فيها من أجر؟ فقال‪)) :‬أسلمت على ما أسلفت من خير((‪ ،‬وذلك لن الساءة‬
‫المتخللة بين الطاعتين قد ارتفعت بالتوبة‪ ،‬وصارت كأنها لم تكن‪ ،‬فتلقت‬
‫الطاعتان واجتمعتا والله أعلم"‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث المتقدم‪" :‬ل مانع من أن‬
‫يضيف الله إلى حسناته في السلم ثواب ما كان صدر منه في الكفر تفضل ً‬
‫وإحسانًا"‪.‬‬
‫‪ -8‬هل التوبة ترجع العبد إلى حاله قبل المعصية؟‬
‫إذا كان للعبد حال أو مقام مع الله ثم نزل عنه لذنب ارتكبه‪ ،‬ثم تاب منه‪،‬‬
‫فهل يعود بعد التوبة إلى ما كان أو ل يعود؟‬
‫والجواب أن هذه المسألة قد اختلف فيها السلف على أقوال شتى‪ ،‬ومن‬
‫أحسن من أجاب على تلك المسألة شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله حيث‬
‫قال‪" :‬والصحيح أن من التائبين من ل يعود إلى درجته‪ ،‬ومنهم من يعود إليها‪،‬‬
‫ومنهم من يعود إلى أعلى منها‪ ،‬فيصير خيرا ً مما كان قبل الذنب‪ ،‬وكان داود‬
‫بعد التوبة خيرا ً منه قبل الخطيئة‪ ...‬وهذا بحسب حال التائب بعد توبته وجده‬
‫وعزمه وحذره وتشميره‪ ،‬فإن كان ذلك أعظم مما كان له قبل الذنب عاد‬
‫خيرا ً مما كان وأعلى درجة‪ ،‬وإن كان مثله عاد إلى مثل حاله‪ ،‬وإن كان دونه‬
‫لم يعد إلى درجته وكان منحطا ً عنها"‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬وهذا الذي ذكره هو فصل النزاع في هذه المسألة"‪.‬‬
‫انظر‪ :‬رسالة في التوبة )‪ (227‬لبن تيمية ضمن جامع الرسائل )المجموعة‬
‫الولى(‪.‬‬
‫مدارج السالكين )‪ ،(1/316‬وانظر أيضًا‪ :‬فتح الباري )‪.(11/105‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(4/391‬‬
‫روح المعاني )‪.(28/158‬‬
‫انظر‪ :‬إحياء علوم الدين )‪.(4/40‬‬
‫انظر‪ :‬مدارج السالكين )‪.(1/285‬‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري شرح صحيح البخاري لبن رجب الحنبلي )‪.(1/157‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب المظالم والغصب باب‪ :‬من كانت له مظلمة عند‬
‫الرجل فحللها له )‪ (2429‬من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬
‫انظر‪ :‬كتاب التوبة وظيفة العمر للحمد )‪.(83‬‬
‫الحديث أخرجه ابن ماجة في كتاب الزهد باب ذكر التوبة )‪ (4252‬وأخرجه‬
‫المام أحمد في مسنده )‪ (4002‬وحسنه الحافظ في الفتح )‪،(13/471‬‬
‫وصححه اللباني في صحيح الجامع )‪ .(6802‬من حديث عبد الله بن مسعود‬
‫رضي الله عنه‪.‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير باب‪:‬يكتب للمسافر مثل ما كان‬
‫يعمل في القامة )‪.(2996‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب‪ :‬نزول النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫الحجر )‪.(4423‬‬
‫انظر‪ :‬مدارج السالكين )‪.(1/296‬‬
‫لطائف المعارف )‪.(571‬‬
‫لطائف المعارف )‪.(573‬‬
‫لطائف ومعارف )‪.(573‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب الزكاة باب‪ :‬من تصدق في الشرك ثم أسلم )‬
‫‪ ،(1436‬ومسلم في كتاب اليمان باب‪ :‬بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم بعده‬
‫)‪.(123‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/293‬‬
‫فتح الباري )‪.(3/354‬‬
‫انظر‪ :‬مدارج السالكين )‪.(1/302‬‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مدارج السالكين )‪.(1/302‬‬


‫الفصل السابع‪ :‬أمور تعين على التوبة‪:‬‬
‫‪ -1‬الخلص لله والقبال عليه عز وجل‪:‬‬
‫فالخلص لله عز وجل من أنفع الدوية‪ ،‬فإذا أخلص لله عز وجل وصدق في‬
‫طلب التوبة أعانه الله عليها ويسره لها وأمده بألطاف ل تخطر بالبال‪،‬‬
‫وصرف عنه الفات التي تعترض طريقه وتصد توبته‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬فإن القلب إذا ذاق طعم عبادة الله والخلص‬
‫له لم يكن عنده شيء قط أحلى من ذلك ول ألذ ول أمتع ول أطيب‪،‬‬
‫والنسان ل يترك محبوبا ً إل بمحبوب آخر يكون أحب إليه‪ ،‬أو خوفا ً من‬
‫مكروه‪ ،‬فالحب الفاسد إنما ينصرف القلب عنه بالحب الصالح‪ ،‬أو بالخوف‬
‫سوء‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ف عَن ْ ُ‬‫صرِ َ‬ ‫ك ل ِن َ ْ‬ ‫من الضرر‪ ،‬قال تعالى في حق يوسف‪َ } :‬‬
‫كذال ِ َ‬
‫ن{ ]يوسف‪ ،[24:‬فالله يصرف عن عبده ما‬ ‫صي َ‬ ‫خل َ ِ‬
‫م ْ‬‫عَبادَِنا ال ْ ُ‬ ‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫ه ِ‬
‫شاء إ ِن ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ف ْ‬‫َوال ْ َ‬
‫يسوءه من الميل إلى الصور والتعلق بها ويصرف عنه الفحشاء بإخلصه لله؛‬
‫ولهذا يكون قبل أن يذوق حلوة العبودية لله والخلص له تغلبه نفسه على‬
‫اتباع هواها‪ ،‬فإذا ذاق طعم الخلص وقوي في قلبه‪ ،‬انقهر له هواه بل علج"‪.‬‬
‫‪ -2‬المجاهدة‪:‬‬
‫ع‬ ‫م‬‫َ‬
‫َ َ َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫نا‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ِ َ َْ َُِّ ْ ُ ُ َ َِ ّ‬ ‫ن‬ ‫ي‬‫د‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫نا‬ ‫في‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫دو‬ ‫ه‬‫جا‬
‫َ ِ َ َ َ ُ‬‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫}‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫قال الله‬
‫ن{‪.‬‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫قال ابن الجوزي‪" :‬وفي قوة قهر الهوى لذة تزيد على كل لذة‪ ،‬أل ترى إلى‬
‫ل؛ لنه قُِهر‪ ،‬بخلف غالب الهوى فإنه يكون‬ ‫كل مغلوب بالهوى كيف يكون ذلي ً‬
‫قوي القلب عزيزًا؛ لنه قََهر"‪.‬‬
‫صر المل وتذكر الخرة‪:‬‬ ‫‪ -3‬قِ َ‬

‫)‪(14 /‬‬

‫عن ابن عمر رضي الله عنهما قال‪ :‬أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫بمنكبي فقال‪)) :‬كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل((‪ .‬وكان ابن عمر‬
‫يقول‪) :‬إذا أمسيت فل تنتظر الصباح‪ ،‬وإذا أصبحت فل تنتظر المساء‪ ،‬وخذ‬
‫من صحتك لمرضك‪ ،‬ومن حياتك لموتك(‪.‬‬
‫صر المل في الدنيا‪ ،‬وأن‬ ‫قال ابن رجب الحنبلي‪" :‬وهذا الحديث أصل في قِ َ‬
‫المؤمن ل ينبغي له أن يتخذ الدنيا وطنا ً ومسكنا ً فيطمئن فيها‪ .‬ولكن ينبغي‬
‫أن يكون فيها كأنه على جناح سفر‪ ،‬يهيئ جهازه للرحيل‪ ،‬وقد اتفقت على‬
‫ذلك وصايا النبياء وأتباعهم"‪.‬‬
‫‪ -4‬العلم‪:‬‬
‫لنه نور يستضاء به‪ ،‬والعلم يشغل صاحبه بكل خير وُيشغله عن كل شر‪ ،‬فإذا‬
‫فقد العلم فقدت البصيرة‪ .‬ومن العلم في هذا السياق العلم بعاقبة المعاصي‬
‫وقبحها ورذالتها‪ ،‬ودناءتها‪ ،‬ومن العلم أيضا ً أن يعلم بفضل التوبة والرجوع إلى‬
‫الله عز وجل‪.‬‬
‫‪ -5‬مصاحبة الخيار ومجانبة الشرار‪:‬‬
‫لن مصاحبة الخيار تحيي القلب وتشرح الصدر‪ ،‬وتنير الفكر‪ ،‬وتعين على‬
‫الطاعة‪ ،‬والشرار على عكسهم‪ ،‬ولهذا جاء في حديث الرجل الذي قتل تسعا ً‬
‫وتسعين نفسا ً أنه لما أتى إلى الرجل العالم وسأله‪ :‬هل له من توبة؟ قال له‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬ومن يحول بينك وبين التوبة‪ ،‬انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا ً‬
‫يعبدون الله‪ ،‬فاعبد الله معهم‪ ،‬ول ترجع إلى أرضك‪ ،‬فإنها أرض سوء‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -6‬استحضار أضرار الذنوب والمعاصي في الدنيا والخرة‪:‬‬


‫فإن للذنوب والمعاصي أضرارا ً عظيمة وعقوبات متنوعة سواء في الدنيا أو‬
‫كر هذه العقوبات والمثلت‬ ‫في الخرة على مستوى الفراد أو الجماعات‪ ،‬فََتذ ّ‬
‫يدعو النسان للتوبة قبل حلول العذاب‪.‬‬
‫‪ -7‬الدعاء‪:‬‬
‫َ‬
‫سأل َ َ‬ ‫َ‬
‫عَباِدي‬‫ك ِ‬ ‫م{‪ ،‬وقال جل شأنه‪} :‬وَإ َِذا َ‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬
‫ج ْ‬ ‫ست َ ِ‬
‫عوِنى أ ْ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬اد ْ ُ‬
‫ُ‬
‫ن{‪.‬‬‫عا ِ‬‫داِع إ َِذا د َ َ‬‫ب د َعْوَةَ ال ّ‬‫جي ُ‬ ‫بأ ِ‬ ‫عَّني فَإ ِّني قَ ِ‬
‫ري ٌ‬
‫ومن أعظم ما ُيسأل الله عز وجل أن يوفقه للتوبة النصوح‪ ،‬وأن يتقبل توبته‪.‬‬
‫مجموع فتاوي ابن تيمية )‪.(188 -10/187‬‬
‫صيد الخاطر )‪.(115‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب الرقاق باب قول النبي صلى الله عليه وسلم كن‬
‫في الدنيا كأنك غريب )‪.(6416‬‬
‫جامع العلوم والحكم )‪.(2/377‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب أحاديث النبياء باب حديث الغار )‪ ،(347‬ومسلم‬
‫في كتاب التوبة باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله )‪.(2766‬‬
‫انظر‪ :‬التوبة وظيفة العمر )‪.(223‬‬
‫الفصل الثامن‪ :‬نماذج وقصص للتائبين‪:‬‬
‫‪ -1‬قصة توبة أبي محجن الثقفي‪:‬‬
‫عن ابن سيرين قال‪ :‬كان أبو محجن الثقفي ل يزال يجلد في الخمر‪ ،‬فلما‬
‫أكثر عليهم سجنوه وأوثقوه‪ ،‬فلما كان يوم القادسية فكأنه رأى أن المشركين‬
‫قد أصابوا في المسلمين‪ ،‬فأرسل إلى أم ولد سعد‪ ،‬أو امرأة سعد‪ :‬إن أبا‬
‫محجن يقول لك‪ :‬إن خليت سبيله وحملته على هذا الفرس ودفعت إليه‬
‫سلحا ً ليكونن أول من يرجع إليك إل أن يقتل‪.‬‬
‫فحلت عنه قيوده‪ ،‬وحمل على فرس كان في الدار وأعطي سلحًا‪ ،‬ثم خرج‬
‫يركض حتى لحق‪ ،‬بالقوم فجعل ل يزال يحمل على رجل فيقتله ويدق صلبه‪،‬‬
‫فنظر إليه سعد فجعل يتعجب ويقول‪ :‬من ذاك الفارس؟ قال‪ :‬فلم يلبثوا إل‬
‫يسيرا ً حتى هزمهم الله‪ ،‬ورجع أبو محجن‪ ،‬ورد السلح وجعل رجليه في‬
‫القيود كما كان‪ ،‬فجاء سعد فقالت له امرأته‪ :‬كيف كان قتالكم‪ ،‬فجعل يخبرها‬
‫ويقول‪ :‬لقينا ولقينا حتى بعث الله رجل ً على فرس أبلق‪ ،‬لول أني تركت أبا‬
‫محجن في القيود لقلت‪ :‬إنها بعض شمائل أبي محجن فقالت‪ :‬والله إنه لبو‬
‫محجن‪ ،‬كان أمره كذا وكذا‪ ،‬فقصت عليه قصته‪ ،‬فدعا به فحل قيوده وقال‪ :‬ل‬
‫نجلدك على الخمر أبدًا‪ ،‬قال أبو محجن‪ :‬وأنا والله ل أشربها أبدًا‪ ،‬كنت آنف‬
‫أن أدعها من أجل جلدكم‪ .‬قال‪ :‬فلم يشربها بعد ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬قصة توبة الفضيل بن عياض‪:‬‬
‫عن علي بن خشرم قال‪ :‬أخبرني رجل من جيران الفضيل بن عياض قال‪:‬‬
‫كان الفضيل يقطع الطريق وحده‪ ،‬فخرج ذات ليلة ليقطع الطريق فإذا هو‬
‫ل‪ ،‬فقال بعضهم لبعض‪ :‬اعدلوا بنا إلى هذه القرية‪،‬‬ ‫بقافلة قد انتهت إليه لي ً‬
‫فإن أمامنا رجل يقطع الطريق يقال له‪ :‬الفضيل‪ ،‬قال‪ :‬فسمع الفضيل‪ ،‬فأرعد‬
‫فقال‪ :‬يا قوم أنا الفضيل‪ ،‬جوزوا‪ ،‬والله لجتهدن أن ل أعصي الله أبدًا‪ ،‬فرجع‬
‫عما كان عليه‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الصابة في تمييز الصحابة )‪ ( 362 -7/360‬لبن حجر‪.‬‬
‫انظر‪ :‬سيد العلم النبلء )‪ (8/423‬للذهبي‪.‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬أخطاء في باب التوبة‪:‬‬
‫‪ -1‬تأجيل التوبة‪:‬‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فمن الناس من يدرك خطأه ويعلم حرمة ما يقع فيه‪ ،‬ولكنه يؤجل التوبة‬
‫وف فيها وهذا خطأ عظيم؛ لن التوبة واجبة على الفور‪ ،‬بل إن تأخير‬ ‫ويس ّ‬
‫التوبة ذنب يجب أن يستغفر منه‪.‬‬
‫قال الغزالي‪" :‬أما وجوبها على الفور فل يستراب فيه‪ ،‬إذ معرفة كون‬
‫المعاصي مهلكات من نفس اليمان‪ ،‬وهو واجب على الفور"‪.‬‬
‫وقال ابن القيم‪" :‬المبادرة إلى التوبة من الذنب فرض على الفور‪ ،‬ول يجوز‬
‫تأخيرها‪ ،‬فمتى أخرها عصى بالتأخير فإذا تاب من الذنب بقي عليه توبة‬
‫أخرى‪ ،‬وهي توبته من تأخير التوبة"‪.‬‬
‫‪ -2‬الغفلة عن التوبة مما ل يعلمه العبد من ذنوبه‪:‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫ل من يتفطن لها‪ ،‬قال ابن‬ ‫وهذا من الخطاء التي تقع في باب التوبة وق ّ‬
‫القيم‪" :‬ول ينجي من هذا إل توبة عامة مما يعلم من ذنوبه ومما ل يعلم‪ ،‬فإن‬
‫ما ل يعلمه العبد من ذنوبه أكثر مما يعلمه‪ ،‬ول ينفعه في عدم المؤاخذة بها‬
‫ص بترك العلم والعمل‪ ،‬فالمعصية في‬ ‫ً‬
‫جهله إذا كان متمكنا من العلم‪ ،‬فإنه عا ٍ‬
‫حقه أشد"‪.‬‬
‫ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم‪)) :‬الشرك في هذه المة أخفى من‬
‫دبيب النمل((‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬فكيف الخلص منه يا رسول الله؟ قال‪)) :‬أن‬
‫تقول‪ :‬اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم‪ ،‬وأستغفرك لما ل أعلم((‪.‬‬
‫‪ -3‬ترك التوبة مخافة الرجوع للذنب‪:‬‬
‫يجب على المسلم أن يتوب إلى الله في كل وقت وحين فلربما أدركه‬
‫الموت وهو لم ينقض توبته‪ ،‬كما عليه أن يحسن الظن بربه ويعلم أنه إذا‬
‫أقبل على الله أقبل الله عليه‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪)) :‬قال الله عز وجل‪ :‬أنا عند ظن عبدي بي‪ ،‬وأنا‬
‫معه حين يذكرني((‪.‬‬
‫‪ -4‬ترك التوبة خوفا ً من لمز الناس‪:‬‬
‫فمن الناس من تحدثه نفسه بالتوبة ولزوم الستقامة‪ ،‬ولكنه يخشى لمز‬
‫الناس وعيبهم إياه ووصمهم له بالتشدد والوسوسة‪ ،‬وهذا خطأ فادح؛ إذ كيف‬
‫يقدم خوف الناس على خوف رب الناس‪ ،‬وكيف يؤثر الخلق على الحق‪،‬‬
‫فالله أحق أن يخشاه‪.‬‬
‫‪ -5‬ترك التوبة مخافة سقوط المنزلة وذهاب الجاه والشهرة‪.‬‬
‫‪ -6‬التمادي في الذنوب اعتمادا ً على سعة رحمة الله‪:‬‬
‫و‬ ‫ن عَ َ‬ ‫َ‬ ‫عَباِدى أ َّنى أ ََنا ال ْغَ ُ‬
‫ذاِبى هُ َ‬ ‫م ‪ w‬وَأ ّ‬‫حي ُ‬
‫فوُر الّر ِ‬ ‫يقول المولى جل ذكره }ن َّبىء ِ‬
‫م{ ]الحجر‪.[50 ،49:‬‬ ‫ب الِلي ُ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫ذا ُ‬
‫يقول أبو حامد الغزالي في شأن من يذنب وينتظر العفو عنه اتكال ً على‬
‫فضل الله تعالى قال‪" :‬هو كمن ينفق جميع أمواله ويترك نفسه وعياله فقراء‬
‫منتظرا ً من فضل الله أن يرزقه العثور على كنز في أرض خربة‪ ،‬فإن إمكان‬
‫العفو عن الذنب مثل هذا المكان‪ ،‬وهو مثل من يتوقع النهب في الظلمة في‬
‫بلده وترك ذخائر أمواله في حصن داره وقدر على دفنها فلم يفعل"‪.‬‬
‫وقال ابن القيم‪" :‬وهذا الضرب من الناس قد تعلق بنصوص الرجاء واتكل‬
‫عليها‪ ،‬وتعلق بكلتا يديه‪ ،‬وإذا عوتب على الخطايا والنهماك فيها سرد لك ما‬
‫يحفظه من سعة رحمة الله ومغفرته ونصوص الرجاء‪ .‬وللجهال من هذا‬
‫الضرب من الناس في هذا الباب غرائب وعجائب"‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -7‬الغترار بإمهال الله للمسيئين‪:‬‬


‫قال صلى الله عليه وسلم‪)) :‬إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته((‬
‫خذ َهُ‬‫ن أَ ْ‬ ‫ة إِ ّ‬ ‫م ٌ‬
‫ظال ِ َ‬‫قَرى وَهِى َ‬
‫َ‬ ‫خذ َ ال ْ ُ‬ ‫ك إ َِذا أ َ َ‬ ‫خذ ُ َرب ّ َ‬ ‫ك أَ ْ‬‫كذال ِ َ‬ ‫ثم قرأ قوله تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫د{ ]هود‪.[102:‬‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫دي ٌ‬ ‫ش ِ‬ ‫أِلي ٌ‬
‫قال ابن الجوزي‪" :‬فكل ظالم معاقب في العاجل على ظلمه قبل الجل‪،‬‬
‫ه{‬ ‫جَز ب ِ ِ‬ ‫سوءا ي ُ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫من ي َعْ َ‬ ‫وكذلك كل مذنب ذنبًا‪ ،‬وهو معنى قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫]النساء‪ ،[123:‬وربما رأى العاصي سلمة بدنه فظن أن ل عقوبة‪ ،‬وغفلته‬
‫عما عوقب به عقوبة"‪.‬‬
‫وقال ابن الجوزي أيضا‪" :‬الواجب على العاقل أن يحذر مغبة المعاصي‪ ،‬فإن‬ ‫ً‬
‫نارها تحت الرماد‪ ،‬وربما تأخرت العقوبة‪ ،‬وربما جاءت مستعجلة"‪.‬‬
‫‪ -8‬اليأس من رحمة الله‪:‬‬
‫ن{‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م الكافُِرو َ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫مةِ اللهِ إ ِل ال َ‬ ‫ح َ‬ ‫من ّر ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ه ل ي َي ْأ ُ‬ ‫يقول المولى سبحانه‪} :‬إ ِن ّ ُ‬
‫من‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سَرُفوا عَلى أن ُ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫وقال جل ذكره‪} :‬قُ ْ‬
‫قن َطوا ِ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَبادِىَ ال ِ‬ ‫ل يا ِ‬
‫م { ]الزمر‪.[53:‬‬ ‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫ْ‬
‫ه هُوَ الغَ ُ‬ ‫ً‬
‫ميعا إ ِن ّ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ب َ‬ ‫فُر الذ ُّنو َ‬ ‫ه ي َغْ ِ‬‫ن الل ّ َ‬
‫مةِ الل ّهِ إ ِ ّ‬
‫ح َ‬‫ّر ْ‬
‫‪ -9‬اليأس من توبة العصاة‪:‬‬
‫جاء في صحيح مسلم عند جندب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم حدث‪)) :‬إن رجل ً قال‪ :‬والله ل يغفر الله لفلن‪ ،‬وإن الله تعالى‬
‫قال‪ :‬من ذا الذي يتألى علي أن ل أغفر لفلن‪ ،‬فإني قد غفرت لفلن‪،‬‬
‫وأحبطت عملك((‪.‬‬
‫‪ -10‬الشماتة بالمبتَلين‪.‬‬
‫‪ -11‬توبة الكذابين‪:‬‬
‫الذين يهجرون الذنوب هجرا مؤقتا يتحينون الفرص لمعاودة الذنب‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -12‬الغترار بالتوبة‪:‬‬
‫وهذا الغرور قد يصاحب بعض التائبين وكأن توبته قد قبلت وذنوبه قد محيت‬
‫فيدفعه هذا الغرور إلى أن يقع في بعض الذنوب الخرى‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫إحياء علوم الدين )‪.(4/7‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/283‬‬
‫مدارج السالكين )‪.(1/283‬‬
‫رواه البخاري في الدب المفرد باب فضل الدعاء )‪ .(1/250‬وصححه اللباني‬
‫في صحيح الجامع )‪.(3731‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب التوحيد باب قول الله تعالى ويحذركم الله نفسه )‬
‫‪ (7405‬ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والستغفار باب الحث على‬
‫ذكر الله )‪.(2675‬‬
‫إحياء علوم الدين )‪.(4/58‬‬
‫الجواب الكافي )‪.(68-67‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن باب قوله وكذلك اخذ ربك إذا أخذ‬
‫القد )‪ ،(4686‬مسلم في البر والصلة )‪ ،(2583‬من حديث أبي موسى‬
‫الشعري‪.‬‬
‫صيد الخاطر )‪.(104‬‬
‫صيد الخاطر )‪.(500‬‬
‫أخرجه مسلم في كتاب الصلة والداب باب‪ :‬النهي عن تقنيط النسان من‬
‫رحمة الله )‪.(2621‬‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫التوبة وحسن الظن بالله ‪... ... ...‬‬


‫الشيخ فرج البوسيفي " خطبة جمعة ‪... ...‬‬
‫ليس من اليمان في شيء سوء الظن بالله سبحانه‪ ،‬وخاصة من أصحاب‬
‫الذنوب والكبائر‪ ،‬فعيب على أحدنا أن ييأس من روح ورحمة الله‪ ،‬ويصّر على‬
‫سا عليه شيطانه ونفسه والهوى أنه بهتك ستره لن يغفر له رّبه‪،‬‬ ‫الكبائر‪ ،‬ملب ّ ً‬
‫وإذا زجرته أو نصحته أظهر لك يأسه وقنوطه من رحمة الرحيم‪ ،‬ورب‬
‫ن ذ َل ِكَ‬‫ما ُدو َ‬ ‫فُر َ‬‫ك ب ِهِ وَي َغْ ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫فُر َأن ي ُ ْ‬ ‫ه ل َ ي َغْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫العالمين يغفر الذنوب جميًعا‪ ،‬إ ِ ّ‬
‫شاء ]النساء‪ ،[48:‬إن الذي فرض علينا ترك المنكرات فرض علينا‬ ‫من ي َ َ‬ ‫لِ َ‬
‫د‬ ‫ج‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ر‬ ‫ف‬‫غ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬‫ن‬ ‫م‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ظ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ءا‬
‫ً‬ ‫سو‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫من‬ ‫و‬ ‫فيها‪:‬‬ ‫وقعنا‬ ‫إذا‬ ‫الستغفار‬
‫َ َ ِ ِ‬ ‫ْ َ ِ ْ َ َ ُ ّ َ ْ َْ ِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َْ َ‬
‫ما ]النساء‪ .[110:‬يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة فلقد علمت‬ ‫حي ً‬
‫فوًرا ّر ِ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ه غَ ُ‬
‫بأن عفوك أعظم‬
‫م؟!‬ ‫إن كان ل يرجوك إل محسن فمن الذي يدعو ويرجو المجر ُ‬
‫إن النسان بفطرته وطبيعته يحدث منه النسيان والخطأ‪ ،‬وإن العصمة من‬
‫الخطأ ليست في مقدورنا‪ ،‬إنما الذي في مقدور الجميع أن يجدد العقد مع‬
‫الله‪ ،‬وأن يصلح ما أفسد وفرط في جنب الله‪ ،‬وليعلم المؤمن أن رحمة الله‬
‫سبقت غضبه‪ ،‬إنه رحيم بعباده‪ ،‬فارحموا ـ أيها الناس ـ أنفسكم‪ ،‬ارحموها‬
‫من في الرض يرحمكم من في‬ ‫بالتوبة‪ ،‬ارحموها برحمة عباد الله‪ ،‬ارحموا َ‬
‫السماء‪.‬‬
‫ما بنفسك وبالمؤمنين‪ ،‬ول تيأس من رحمة الله‪ ،‬فقد جاء‬ ‫دا ربانًيا‪ ،‬رحي ً‬‫كن عب ً‬
‫في الحديث الصحيح‪)) :‬إن لله سبحانه وتعالى مائة رحمة‪ ،‬أنزل منها رحمة‬
‫واحدة بين الجن والنس والطير والبهائم والهوام‪ ،‬فبها يتعاطفون‪ ،‬وبها‬
‫يتراحمون‪ ،‬وأخر تسًعا وتسعين رحمة‪ ،‬يرحم بها عباده يوم القيامة((‪.‬‬
‫وا عن ظلوم لنفسه رجاك وإن كان العفاف به أولى‬ ‫أيا رب عف ً‬
‫سألتك يا مولى الموالي ضراعة وقد يضرع العبد الذليل إلى المولى‬
‫لتصلح لي قلًبا وتغفر زّلة وتقبل لي توًبا وتسمع لي قول ً‬
‫ول عجب فيما تمنيت إنني طويل الماني عند من يحسن الطول‬
‫دا أن نخدع أنفسنا بالماني‬ ‫حسن الظن بالله ورجاء رحمة الله ل يعني أب ً‬
‫والصرار‪ ،‬إنما معنى ذلك أن النسان منا كلما أحدث ذنًبا يحدث له توبة‬
‫ورجاًء في الله أن يكفر عن آثار خطيئته‪ ،‬وأن يعزم العزم الكيد أن ل يعود‪.‬‬
‫إن كثيًرا من الناس يظن مع عظيم ذنبه أنه يخلد في النار‪ ،‬أو واجب في حقه‬
‫دخول النار‪ ،‬وهذا سوء أدب مع الله وفساد في العقيدة‪ ،‬والله يعامل العبد‬
‫على حسب ظنه بالله‪ ،‬فليظن خيًرا‪ ،‬وجاء في الحديث‪)) :‬إن الله يستخلص‬
‫رجل ً من أمتي على رؤوس الخلئق يوم القيامة‪ ،‬فينشر عليه تسعة وتسعين‬
‫ل‪ ،‬كل سجل منها مثل مد البصر‪ ،‬ثم يقول‪ :‬أتنكر من هذا شيًئا؟ أظلمتك‬ ‫سج ً‬
‫كتبتي الحافظون؟ فيقول‪ :‬ل يا رب‪ ،‬فيقول‪ :‬أفلك عذر؟ فيقول‪ :‬ل يا رب‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬بلى إن لك عندنا حسنة وإنه ل ظلم عليك اليوم‪ ،‬فيخرج بطاقة فيها‪:‬‬
‫دا رسول الله‪ ،‬فيقول‪ :‬يا رب ما هذه‬ ‫أشهد أن ل إله إل الله وأشهد أن محم ً‬
‫البطاقة مع هذه السجلت؟! فيقول‪ :‬إنك ل ُتظلم‪ ،‬قال‪ :‬فتوضع السجلت في‬
‫كفة والبطاقة في كفة‪ ،‬قال‪ :‬فطاشت السجلت‪ ،‬وثقلت البطاقة‪ ،‬فل يثقل‬
‫مع اسم الله شيء((‪.‬‬
‫يا من يرى ما في الضمير ويسمع أنت المعد ّ لكل ما يتوقع‬
‫يا من ُيرجى للشدائد كّلها يا من إليه المشتكى والمفزع‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن الخير عندك أجمع‬ ‫يا من خزائن رزقه في قول‪ :‬كن امُنن فإ ّ‬


‫ما لي سوى فقري إليك وسيلة فبالفتقار إليك فقري أدفع‬
‫ما لي سوى قرعي لبابك حيلة فلئن رددت فأيّ باب أقرع؟!‬
‫ومن الذي أدعو وأهتف باسمه إن كان فضلك عن فقيرك يمنع‬
‫حاشا لجودك أن تقنط عاصًيا الفضل أجزل والمواهب أوسع‬
‫يا أهل التوحيد‪ ،‬أخلصوا أعمالكم لله‪ ،‬وأحسنوا ظنكم بربكم‪ ،‬واعلموا أن‬
‫دا جزاء‪ ،‬ومن زرع حصد‪ ،‬ومن جد وجد‪ ،‬من أراد أن يعامله الله‬ ‫اليوم عمل وغ ً‬
‫معاملة الرحمة والغفران فليرحم عباد الله‪ ،‬ويغفر لهم أخطاءهم ول يقسو‬
‫عليهم‪ ،‬ومن لم يقرع أبواب التوبة وظلم العباد وأهلك الضرع والزرع وأفسد‬
‫في الرض وأصر على ذنبه ولعب بدين ربه ثم يرجو رحمته ل شك أن هذا‬
‫متلعب مستهزئ بالله ودينه‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ميًعا أي َّها ال ُ‬
‫ج ِ‬
‫خافوا ذنوبكم‪ ،‬وارجوا رحمة ربكم‪ ،‬وَُتوُبوا إ ِلى اللهِ َ‬
‫م لَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عبادي ال ّذي َ‬
‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫سَرُفوا عَلى أن ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ل َيا ِ َ ِ َ ِ َ‬ ‫ن ]النور‪ ،[31:‬قُ ْ‬ ‫حو َ‬‫فل ِ ُ‬‫م تُ ْ‬ ‫ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫ميًعا ]الزمر‪.[53:‬‬ ‫ج ِ‬‫ب َ‬ ‫فُر الذ ُّنو َ‬
‫ه ي َغْ ِ‬‫ن الل ّ َ‬
‫مةِ الل ّهِ إ ِ ّ‬
‫ح َ‬‫من ّر ْ‬ ‫طوا ِ‬ ‫قن َ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫ُتب وثب وادع ذا الجلل بصد ق تجد الله للدعاء سميًعا‬ ‫ُ‬
‫ل تخف مع رجاء ربك ذنًبا إنه يغفر الذنوب جميًعا‬

‫)‪(1 /‬‬

‫جاء في الحديث أن امرأة في بعض المغازي في يوم صائف شديد الحر‬


‫بصرت بصبي‪ ،‬فأقبلت تشتد‪ ،‬وأقبل أصحابها خلفها‪ ،‬حتى أخذت الصبي‬
‫وألصقته إلى صدرها‪ ،‬ثم ألقت ظهرها على البطحاء‪ ،‬وجعلته على بطنها تقيه‬
‫الحر‪ ،‬وقالت‪ :‬ابني ابني‪ ،‬فبكى الناس وتركوا ما هم فيه‪ ،‬فأقبل رسول الله‬
‫سّر برحمتهم‪ ،‬ثم بشرهم فقال‪)) :‬أعجبتم‬ ‫حتى وقف عليهم‪ ،‬فأخبروه الخبر‪ ،‬ف ُ‬
‫من رحمة هذه لبنها؟(( قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال ‪)) :‬فإن الله تبارك وتعالى أرحم بكم‬
‫جميًعا من هذه بابنها((‪ ،‬فتفّرق المسلمون على أفضل السرور وأعظم‬
‫البشارة‪.‬‬
‫مد ّ البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الليل‬ ‫يا من يرى َ‬
‫حل‬ ‫ويرى مناط عروقها في نحرها والمخ في تلك العظام الن ّ ّ‬
‫اغفر لعبد تاب من فرطاته ما كان منه في الزمان الول ‪... ... ... ... ...‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫التوبة‬
‫التوبة لغة ‪ :‬من تاب يتوب إذا رجع ‪.‬‬
‫عا ‪ :‬الرجوع من معصية الله إلى طاعته ‪ ,‬فليس بين الطاعة والمعصية‬ ‫وشر ً‬
‫منزل ‪ ,‬كما أنه ليس بين الجنة والنار منزل ‪.‬‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ل ل ِل ِ‬ ‫َ‬
‫ل ت ََعالى ‪} :‬قُ ْ‬ ‫وأعظمها وأوجبها ‪ :‬التوبة من الكفر إلى اليمان ‪َ ,‬قا َ‬
‫َ‬ ‫سل َ َ‬
‫ن)‬ ‫ة الوِّلي َ‬ ‫سن ّ ُ‬
‫ت ُ‬ ‫ض ْ‬ ‫م َ‬
‫قد ْ َ‬‫ن ي َُعوُدوا فَ َ‬
‫ف وَإ ِ ْ‬ ‫ما قَد ْ َ‬‫م َ‬‫فْر ل َهُ ْ‬‫ن َينت َُهوا ي ُغْ َ‬ ‫فُروا إ ِ ْ‬ ‫كَ َ‬
‫‪] {(38‬سورة النفال ‪[38 :‬‬
‫سنة ‪ ,‬والتوبة من كبائر الذنوب وصغارها ‪.‬‬ ‫ثم يليها التوبة من البدعة إلى ال ّ‬
‫فالتوبة هي بداية العبد ونهايته ‪ ,‬وحاجته إليها في الّنهاية ضرورية كما أن‬
‫ميًعا‬‫ج ِ‬‫ل الله ت ََعاَلى ‪} :‬وَُتوُبوا إ َِلى الل ّهِ َ‬ ‫حاجته إليها في البداية كذلك ‪ ,‬وقد َقا َ‬
‫َ‬
‫ن{ ]سورة النور ‪[31 :‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫ن ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م تُ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫أي َّها ال ْ ُ‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل اليمان وخيار خلقه ؛ أن‬ ‫ب الله بها أ َهْ َ‬ ‫خاط َ َ‬ ‫وهذه الية في سورة مدنية َ‬
‫ّ‬
‫يتوبوا إليه بعد إيمانهم وصبرهم وهجرتهم وجهادهم ‪ ,‬ثم عَلق الفلح بالتوبة‬
‫تعليق المسبب بسببه ‪ ,‬وأتى بأداة لعل المشعرة بالترجي إيذانا بأنكم إذا تبتم‬
‫كنتم على رجاء الفلح ‪ ,‬فل يرجو الفلح إل التائبون ‪ -‬جعلنا الله منهم ‪.‬‬
‫ن{ ]سورة الحجرات ‪:‬‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ب فَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫م ي َت ُ ْ‬ ‫من ل ّ ْ‬ ‫وقال الله ت ََعاَلى ‪} :‬وَ َ‬
‫‪[11‬‬
‫م ثالث ألبتة ‪,‬‬ ‫س ٌ‬ ‫ب وظالم ٍ ‪ ,‬وما ثم قِ ْ‬ ‫سم سبحانه وتعالى العباد إلى تائ ٍ‬ ‫فقد قَ ّ‬
‫وأوقع سبحانه وتعالى اسم الظالم على من لم يتب ‪ ,‬ول أظلم منه لجهله‬ ‫ّ‬
‫بربه وبحقه ‪ ,‬وبعيب نفسه ‪ ,‬وآفات أعماله ‪.‬‬
‫ق‬
‫صد ْ ِ‬ ‫وقد جعلها سبحانه وتعالى علمة على فلح العبد وهدايته ‪ ,‬وعنواًنا على ِ‬
‫َ‬
‫ه{ ]سورة هود ‪[3 :‬‬ ‫م ُتوُبوا إ ِل َي ْ ِ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫فُروا َرب ّك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫نا ْ‬ ‫ل ت ََعاَلى ‪} :‬وَأ ْ‬ ‫عبوديته ‪َ ,‬قا َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حا { ]سورة‬ ‫صو ً‬ ‫ة نَ ُ‬ ‫مُنوا ُتوُبوا إ ِلى اللهِ ت َوْب َ ً‬ ‫وقال ت ََعاَلى ‪َ} :‬يا أي َّها الذين آ َ‬‫ّ‬
‫التحريم ‪[8 :‬‬
‫م يكثر من التوبة ويحث عليها ‪.‬‬ ‫سل َ‬‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫وقد كان الن ّب ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م َيا أي َّها الّناس‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫سول اللهِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ي قال ‪ :‬قال َر ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مَزن ِ ّ‬ ‫ن اْلغَّر ال ْ ُ‬ ‫عَ ْ‬
‫مّرةٍ ‪( 1).‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ة َ‬ ‫مائ َ‬ ‫ب ِفي الي َوْم ِ إ ِلي ْهِ ِ‬ ‫ُتوُبوا إ ِلى اللهِ فإ ِّني أُتو ُ‬
‫والله سبحانه وتعالى يحب التائبين ويفرح بتوبتهم ‪.‬‬
‫َ‬
‫ن{ ]سورة البقرة ‪[222 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫مت َط َهّ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن وَي ُ ِ‬ ‫واِبي َ‬ ‫ب الت ّ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫َ‬
‫} إِ ّ‬
‫شد ّ‬ ‫هأ َ‬ ‫م ‪ :‬ل َل ّ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل ‪َ :‬قا َ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫س بْ ِ‬ ‫ن أن َ ِ‬ ‫وَعَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ض فََل ٍ‬
‫ة‬ ‫حلت ِهِ ب ِأْر ِ‬
‫ن عََلى َرا ِ َ‬ ‫كا َ‬ ‫م َ‬ ‫حدِك ُ ْ‬ ‫ب إ ِل َي ْهِ من أ َ‬ ‫ن ي َُتو ُ‬ ‫حي َ‬ ‫حا ب ِت َوْب َةِ عَب ْدِهِ ِ‬ ‫فََر ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫ج َ‬‫ضط َ‬ ‫جَرةً َفا ْ‬ ‫ش َ‬ ‫من َْها ‪ ,‬فَأَتى َ‬ ‫س ِ‬ ‫ه ‪ ,‬فَأي ِ َ‬ ‫شَراب ُ ُ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ‪ ,‬وَعَلي َْها طَعا ُ‬ ‫من ْ ُ‬‫ت ِ‬ ‫فلت َ ْ‬ ‫َفان ْ َ‬
‫َ‬ ‫حلت ِهِ ‪ ,‬فَب َي َْنا هُوَ ك َذ َل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫خذ َ‬ ‫عن ْد َه ُ ‪ ,‬فَأ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ً‬ ‫ك إ َِذا هُوَ ب َِها َقائ ِ َ‬ ‫س من َرا ِ‬ ‫ِفي ظ ِلَها قَد ْ أي ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫دي ‪ ,‬وَأَنا َرب ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫م َقا َ‬ ‫خ َ‬
‫خطأ من‬ ‫ك؛أ ْ‬ ‫ت عَب ْ ِ‬ ‫م أن ْ َ‬ ‫فَرِح ‪ :‬اللهُ ّ‬ ‫شد ّةِ ال َ‬ ‫ل من ِ‬ ‫مَها ث ُ ّ‬ ‫طا ِ‬ ‫بِ ِ‬
‫فَرِح‪(2 ).‬‬ ‫ْ‬
‫شد ّةِ ال َ‬ ‫ِ‬
‫من ّهِ بعباده ؛ أنه سبحانه وتعالى يمهل عبده إن أساء‬ ‫ومن عظيم كرمه و َ‬
‫بالنهار ‪ ,‬ويدعوه إلى الّتوبة ‪ ,‬ويبسط يده بالليل ؛ طالًبا عبده بالرجوع إليه ‪,‬‬
‫حا إلى قبيل قيام‬ ‫ل الباب مفتو ً‬ ‫وكذلك مذنب الليل يمهله إلى الّنهار ؛ بل يظ ّ‬
‫الساعة ‪.‬‬
‫جلّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عَ َ‬
‫ه عَّز وَ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م قال ‪ :‬إ ِ ّ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫سى عَ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ن أِبي ُ‬ ‫ْ‬
‫سيُء‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫تو‬
‫َ َ ُ ِ َّ ِ َُِ َ ُ ِ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ها‬ ‫ن‬ ‫بال‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ط‬‫ُ‬ ‫س‬
‫َّ ِ ََْ ُ‬‫ب‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫‪,‬‬ ‫ر‬ ‫ها‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫سي‬ ‫م‬
‫َ َ ُ ِ ْ ِ َُِ َ ُ ِ‬ ‫ب‬ ‫تو‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ي‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫بال‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ُ‬
‫ط‬ ‫س‬
‫ي َب ْ ُ‬
‫مغْرِب َِها ‪( 3).‬‬ ‫س من َ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫حّتى ت َط ْل ُعَ ال ّ‬ ‫ل‪َ ,‬‬ ‫الل ّي ْ ِ‬
‫والمر في حقّ العبد إلى أن تصل الّروح إلى الحلقوم ‪.‬‬
‫ة ال ْعَب ْدِ‬ ‫ل ت َوْب َ َ‬ ‫قب َ ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ل ‪ :‬إِ ّ‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫مَر عَ ْ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫عَ ْ‬
‫م ي ُغَْرِغْر ‪(4 ).‬‬ ‫ما ل ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ولما كانت الّتوبة هي رجوع العبد إلى الله ‪ ,‬ومفارقته لصراط المغضوب‬
‫صراط المستقيم ‪,‬‬ ‫ضالين ؛ وذلك ل يحصل إل بهداية الله له إلى ال ّ‬ ‫عليهم وال ّ‬
‫ول تحصل هدايته إل بإعانته وتوحيده ‪ ,‬فل تستقيم العبودية إل بالتوبة‬
‫صراط المستقيم ؛ ل تكون مع الجهل‬ ‫الّنصوح ‪ ,‬فإن الهداية التامة إلى ال ّ‬
‫دائم بعظم تفريطه ‪,‬‬ ‫بالذنوب ‪ ,‬ول مع الصرار عليها ‪ ,‬بل بشعور العبد ال ّ‬
‫وسوء حاله إن لم يرحمه ربه سبحانه وتعالى ‪ ,‬فلذلك ل تصح التوبة إل بعد‬
‫معرفة الذنب والعتراف به ‪ ,‬وطلب التخلص من سوء عواقبه أوًل وآخًرا ‪,‬‬
‫ل ت ََعاَلى ‪:‬‬ ‫ومتى اعتصم العبد بربه نصره على نفسه وعلى الشيطان ‪َ ,‬قا َ‬
‫صيُر{ ]سورة الحج ‪[78 :‬‬ ‫م الن ّ ِ‬ ‫موَْلى وَن ِعْ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫م فَن ِعْ َ‬ ‫ولك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫موا ِبالل ّهِ هُوَ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫}َواعْت َ ِ‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ذنب‬ ‫ذنب هو حقيقة الخذلن ‪ ,‬فما خلى الله بينك وبين ال ّ‬ ‫ووقوع العبد في ال ّ‬
‫إل بعد أن خذلك وخلى بينك وبين نفسك ‪ ,‬ولو عصمك ووّفقك لما وجد الذنب‬
‫ذنب فتداركك الله برحمة فأحسست بخطورة‬ ‫إليك سبيًل ‪ ,‬وإذا وقعت في ال ّ‬
‫ما أنت فيه ‪ ,‬وعل قلبك الّندم ‪ ,‬وشملتك الحسرة ‪ ,‬فهذه بادرة خير ؛ أن يجبر‬
‫ك ‪ ,‬ويعينك على تدارك ما فاتك من غفلة ‪.‬‬ ‫سَر َ‬ ‫الله ك َ ْ‬
‫ل‪:‬‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ت الن ّب ِ ّ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫سُعود ٍ َقا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ّ‬
‫ن عَب ْدِ اللهِ ب ْ ِ‬ ‫عَ ْ‬
‫ة ‪(5 ).‬‬ ‫م ت َوْب َ ٌ‬ ‫الن ّد َ ُ‬
‫فهذا الّندم إن لم يعصر القلب ‪ ,‬وينغص عيش العبد ؛ فهو جاهل بحقيقة فعله‬
‫‪ ,‬إذ الفرح بالمعصية دليل على شدة الّرغبة فيها ‪ ,‬والجهل بقدر من عصاه ‪,‬‬
‫والجهل بسوء عاقبتها وعظم خطرها ‪ ,‬ففرحه بها غطى عليه ذلك كله ‪,‬‬
‫دا‬
‫ذة بمعصية أب ً‬ ‫وفرحه بها أشد ضرًرا عليه من مواقعتها ‪ ,‬والمؤمن ل تتم له ل ّ‬
‫‪ ,‬ول يكمل بها فرحه ‪ ,‬بل ل يباشرها إل والحزن مخالط لقلبه ‪ ,‬ولكن سكر‬
‫شعور به ‪ ,‬ومتى خلي قلبه من هذا الحزن ‪ ,‬واشتدت‬ ‫شهوة يحجبه عن ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫غبطته وسروره بمعصيته وفعله ؛ فليتهم إيمانه ‪ ,‬وليبك على موت قلبه ؛ فإنه‬
‫لو كان حًيا لحزنه ارتكابه للذنب وغاظه ‪ ,‬وصعب عليه ‪ ,‬ول يحس القلب‬
‫ل‬‫ت إيلم ‪ ,‬وهذه الّنكتة في الذنب قَ ّ‬ ‫بذلك ‪ ,‬فحيث لم يحس به فما لجرٍح بمي ٍ‬
‫دا مترام إلى هلك العبد‬ ‫من يهتدي إليها أو ينتبه لها ؛ وهي موضع مخوف ج ً‬
‫بالكلية ؛ إن لم يتدارك نفسه بثلثة أشياء ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬خوف القدوم على ربه قبل التوبة ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬ندم على ما فاته من الله بمخالفة أمره ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬وتشمير للجد في استدراك ما فات من تفريط وتقصير ‪.‬‬
‫ب نداء مرغًبا إياهم في‬ ‫وقد نادى سبحانه على المسرفين من عباده بأح ِ‬
‫عَباِدي اّلذين‬ ‫َ ِ‬ ‫يا‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫لى‬ ‫ل ت ََعا َ‬ ‫القبال عليه ‪ ,‬وعدم القنوط من رحمته َقا َ‬
‫ه‬
‫ميًعا إ ِن ّ ُ‬ ‫ج ِ‬
‫ب َ‬ ‫فُر الذ ُّنو َ‬ ‫ه ي َغْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مةِ الل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫طوا من َر ْ‬ ‫قن َ ُ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫سَرُفوا عََلى أ َن ْ ُ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫م )‪] {(53‬سورة الزمر ‪[53 :‬‬ ‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫هُوَ ال ْغَ ُ‬
‫ما‬‫م َ‬ ‫َ‬
‫ت وَي َعْل ُ‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫فو عَ ْ‬ ‫عَبادِهِ وَي َعْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ة عَ ْ‬ ‫ل الت ّوْب َ َ‬ ‫قب َ ُ‬ ‫ذي ي َ ْ‬ ‫ّ‬
‫وقال ت ََعالى ‪} :‬وَهُوَ ال ِ‬ ‫َ‬
‫ن )‪] {(25‬سورة الشورى ‪[25 :‬‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ح باب التوبة أمام عبد علم منه الرجوع والنابة‪.‬‬ ‫وفَت َ َ‬
‫ج ّ‬
‫ل‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّهِ عَّز وَ َ‬ ‫كي عَ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرةَ عَ ْ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ل ت ََباَرك وَت ََعالى ‪ :‬أذ ْن َ َ‬ ‫قا َ‬ ‫فْر ِلي ذ َن ِْبي ‪ ,‬فَ َ‬ ‫م اغ ْ ِ‬ ‫ل ‪ :‬اللهُ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ب عَب ْد ٌ ذ َن ًْبا فَ َ‬ ‫ل ‪ :‬أذ ْن َ َ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‪,‬‬ ‫عاد َ فَأذ ْن َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ب ‪ .‬ثُ ّ‬ ‫خذ ُ ِبالذ ّن ْ ِ‬ ‫ب ‪ ,‬وَي َأ ُ‬ ‫فُر الذ ّن ْ َ‬ ‫ه َرّبا ي َغْ ِ‬ ‫نل ُ‬ ‫مأ ّ‬ ‫دي ذ َن ًْبا فَعَل ِ َ‬ ‫عَب ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ب ذ َن ًْبا فَعَل ِ َ‬
‫م‬ ‫دي أذ ْن َ َ‬ ‫ل ت ََباَرك وَت ََعالى ‪ :‬عَب ْ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫فْر ِلي ذ َن ِْبي ‪ ,‬فَ َ‬ ‫ب اغ ِ‬ ‫ل ‪ :‬أيْ َر ّ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فْر‬ ‫ب اغ ِ‬ ‫ل ‪ :‬أيْ َر ّ‬ ‫ب‪,‬ف َ‬ ‫عاد َ فأذ ْن َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ب ‪ .‬ثُ ّ‬ ‫خذ ُ ِبالذ ّن ْ ِ‬ ‫ب ‪ ,‬وَي َأ ُ‬ ‫فُر الذ ّن ْ َ‬ ‫ه َرّبا ي َغْ ِ‬ ‫نل ُ‬ ‫أ ّ‬
‫ك وتعاَلى ‪ :‬أ َذ ْنب عَبدي ذ َنبا فَعل ِ َ‬
‫ب‪,‬‬ ‫فُر الذ ّن ْ َ‬ ‫ه َرّبا ي َغْ ِ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫مأ ّ‬ ‫ًْ َ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ َ‬ ‫ل ت ََباَر َ َ َ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ِلي ذ َن ِْبي ‪ ,‬فَ َ‬
‫ت لَ َ‬ ‫قد ْ غ َ َ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫ْ‬
‫ك‪(6 ) .‬‬ ‫فْر ُ‬ ‫شئ ْ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ؛ اع ْ َ‬ ‫خذ ُ ِبالذ ّن ْ ِ‬ ‫وَي َأ ُ‬
‫ن ال ْعَب ْد َ إ َِذا‬ ‫وع َ َ‬
‫ل ‪ :‬إِ ّ‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ن َ أِبي هَُري َْرةَ عَ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ق َ‬
‫ل‬ ‫ص‬ ‫ب‬ ‫تا‬
‫ِ ُ َ ََ َ ْ َ َ ََ َ ُ ِ‬‫و‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ز‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪,‬‬ ‫ُ‬ ‫ء‬‫دا‬ ‫و‬ ‫س‬
‫ِ ِ ُ َ ٌ َ ْ َ‬ ‫ة‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫في‬ ‫ت‬
‫ِ ً ُ َِ ْ ِ‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ة‬‫َ‬ ‫ئ‬ ‫طي‬ ‫خ‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫خط‬ ‫أَ ْ‬
‫ل‬‫ه }ك َّل ب َ ْ‬ ‫ذي ذ َك ََر الل ّ ُ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ه ‪ ,‬وَهُوَ الّرا ُ‬ ‫حّتى ت َعْل ُوَ قَل ْب َ ُ‬ ‫عاد َ ِزيد َ ِفيَها َ‬ ‫ن َ‬ ‫ه ‪ ,‬وَإ ِ ْ‬ ‫قَل ْب ُ ُ‬
‫ن{]سورة المطففين ‪( 7) [14 :‬‬ ‫سُبو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫ن عََلى قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫َرا َ‬
‫من صور التائبين‬
‫الذي يطالع سير الول يجد سجل حافل ممن تاب ورجع إلى ربه وموله ؛ بعد‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ل بحقيقة الّنفس ‪ ,‬ويرى رحمة الله بعبده من توفيقه‬ ‫عصيان وجه ٍ‬ ‫طو ِ‬ ‫تفري ٍ‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلى التوبة ‪ ,‬وإعانته عليها ؛ فضًل منه وتكر ً‬


‫ما ‪.‬‬
‫فهو سبحانه وتعالى الغفور الودود التواب الرحيم ‪ ,‬فقد غفر سبحانه وتعالى‬
‫لمن تاب بعد قتل مائة نفس ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬
‫فَع َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫ن الن ّب ِ‬ ‫ْ‬ ‫ه عَ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ض‬
‫خد ْرِيّ َر ِ‬ ‫سِعيدٍ ال ْ ُ‬ ‫ن أِبي َ‬ ‫َ ْ‬
‫ل ‪ ,‬فَأ ََتى‬ ‫سأ َ ُ‬ ‫ّ َ َ َ ْ‬ ‫ي‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫‪,‬‬ ‫نا‬‫َ ِْ َ ً‬‫سا‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫عي‬‫ِ‬ ‫س‬ ‫ْ َ َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ً‬ ‫ع‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ل‬‫ٌ‬ ‫ج‬
‫َ ُ‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ئي‬‫ِ‬ ‫را‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫س‬ ‫إ‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫في‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫هَ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫لل ُ‬ ‫قا َ‬ ‫سأ ُ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ه ‪ .‬فَ َ‬ ‫قت َل ُ‬ ‫ل ‪ :‬ل ‪ ,‬فَ َ‬ ‫ل من ت َوْب َةٍ ؟ َقا َ‬ ‫ه هَ ْ‬ ‫لل ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫سأل ُ‬ ‫َراهًِبا فَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ها ‪,‬‬ ‫حو َ َ‬ ‫صد ْرِهِ ن َ ْ‬ ‫ت ‪ ,‬فَ ََناَء ب ِ َ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫ه ال َ‬ ‫ذا فَأد َْرك َ ُ‬ ‫ذا وَك َ َ‬ ‫ة كَ َ‬ ‫ت قَْري َ َ‬ ‫م ‪ :‬ائ ْ ِ‬ ‫عال ِ ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ه إ ِلى هَذِهِ أ ْ‬ ‫حى الل ُ‬ ‫ب ‪ ,‬فَأوْ َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ة العَ َ‬ ‫مةِ وَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ة الّر ْ‬ ‫ت ِفيهِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ص َ‬ ‫خت َ َ‬ ‫َفا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫جد َ‬ ‫ما ‪ ,‬فَوُ ِ‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬ ‫سوا َ‬ ‫ل ‪ِ :‬قي ُ‬ ‫دي ‪ ,‬وََقا َ‬ ‫ن ت ََباعَ ِ‬ ‫ه إ ِلى هَذِهِ أ ْ‬ ‫حى الل ُ‬ ‫قّرِبي ‪ ,‬وَأوْ َ‬ ‫تَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‪( 8) .‬‬ ‫فَر ل ُ‬ ‫شب ْرٍ فَغُ ِ‬ ‫ب بِ ِ‬ ‫إ َِلى هَذِهِ أقَْر َ‬
‫ك في قدرة الله على جمعه يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪.‬وغفر لرجل ش ّ‬
‫عَ َ‬
‫ج ٌ‬
‫ل‬ ‫ن َر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ل َ‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫ن الن ّب ِ‬ ‫ْ‬ ‫ه عَ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ض‬
‫ن أِبي هَُري َْرةَ َر ِ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حرُِقوِني ‪,‬‬ ‫ت فَأ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ل ل ِب َِنيه ِ‪" :‬إ َِذا أَنا ُ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫ضَرهُ ال ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ما َ‬ ‫سهِ ‪ ,‬فَل َ ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫ف عََلى ن َ ْ‬ ‫سرِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫ما‬ ‫ذاًبا َ‬ ‫ي َرّبي لي ُعَذ ّب َّني عَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن قد ََر عَل ّ‬ ‫َ‬ ‫واللهِ لئ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م ذ َّروِني ِفي الّريِح ‪ ,‬ف َ‬ ‫ُ‬
‫حُنوِني ث ّ‬ ‫م اط َ‬ ‫ْ‬ ‫ثُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫ما ِفي ِ‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬ ‫ل‪:‬ا ْ‬ ‫قا َ‬ ‫ض فَ َ‬ ‫ه اْلْر َ‬ ‫مَر الل ّ ُ‬ ‫ك فَأ َ‬ ‫ل ب ِهِ ذ َل ِ َ‬ ‫ت فُعِ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ما َ‬ ‫دا ‪ .‬فَل َ ّ‬ ‫ح ً‬ ‫هأ َ‬ ‫عَذ ّب َ ُ‬
‫ب‬ ‫ل ‪َ :‬يا َر ّ‬ ‫ت ! َقا َ‬ ‫صن َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك عََلى َ‬ ‫مل َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫ت فَإ َِذا هُوَ َقائ ِ ٌ‬ ‫فعَل َ ْ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫ه "‪(9 ) ..‬‬ ‫فَر ل َُ‬ ‫ك فَغَ َ‬ ‫شي َت ُ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫َ‬
‫توبة زان وزانية ‪:‬‬
‫م بصحةِ توبتهما ‪.‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن وزانية ‪ ,‬وشهد الن ّب ِ ّ‬ ‫وَقَِبل توبة زا ٍ‬
‫م‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ي أَتى َر ُ‬ ‫م ّ‬ ‫سل ِ‬ ‫ك ال ْ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫عَز ب ْ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ب َُري ْد َة َ ‪ :‬أ ّ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن ت ُطهَّرِني‬ ‫ت ‪ ,‬وَإ ِّني أِريد ُ أ ْ‬ ‫سي وََزن َي ْ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ت نَ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ل اللهِ إ ِّني قَد ْ ظل ْ‬ ‫سو َ‬ ‫ل ‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت ‪ ,‬فََرد ّهُ‬ ‫ل اللهِ ! إ ِّني قَد ْ َزن َي ْ ُ‬ ‫سو َ‬ ‫ل ‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ن من الغَد ِ أَتاه ُ ‪ ,‬فَ َ‬ ‫ما كا َ‬ ‫فََرد ّه ُ ‪ ,‬فَل ّ‬
‫مهِ ‪ ,‬فَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫قا َ‬ ‫م إ ِلى قَوْ ِ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫س َ‬ ‫ة ‪ ,‬فَأْر َ‬ ‫الّثان ِي َ َ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل من‬ ‫ق ِ‬ ‫ي العَ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ه إ ِل وَفِ‬ ‫م ُ‬ ‫ما ن َعْل ُ‬ ‫قالوا ‪َ :‬‬ ‫شي ًْئا ‪ ,‬فَ َ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا ‪ ,‬ت ُن ْك ُِرو َ‬ ‫قل ِهِ ب َأ ً‬ ‫ن ب ِعَ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫أت َعْل َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫سأ َ َ‬ ‫ل إل َيه َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫خب َُروه ُ أن ّ ُ‬ ‫ه فَأ ْ‬ ‫ل عَن ْ ُ‬ ‫ضا ‪ ,‬فَ َ‬ ‫م أي ْ ً‬ ‫س َ ِ ِْ ْ‬ ‫ة ‪ ,‬فَأْر َ‬ ‫ما ن َُرى ‪ ,‬فَأَتاهُ الّثال ِث َ َ‬ ‫حيَنا ِفي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م ‪ ,‬قا َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ج َ‬ ‫مَر ب ِهِ فُر ِ‬ ‫َ‬ ‫مأ َ‬ ‫فَرةً ث ُ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫فَر ل ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ة‪َ ,‬‬ ‫ن الّراب ِعَ َ‬ ‫ما كا َ‬ ‫َ‬ ‫قل ِهِ ‪ ,‬فل ّ‬‫َ‬ ‫س ب ِهِ وَل ب ِعَ ْ‬ ‫َل ب َأ َ‬
‫ها‬‫ه َرد ّ َ‬ ‫ت فَط َهّْرِني ‪ ,‬وَإ ِن ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ إ ِّني قَد ْ َزن َي ْ ُ‬ ‫سو َ‬ ‫ت ‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫قال َ ْ‬ ‫ة ‪ ,‬فَ َ‬ ‫مدِي ّ ُ‬ ‫ت ال َْغا ِ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫‪ :‬فَ َ‬
‫َ‬ ‫م ت َُرد ِّني ! ل َعَل ّ َ‬
‫ما‬ ‫ن ت َُرد ِّني ك َ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ل الل ّهِ ! ل ِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ت ‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫ن ال ْغَد ُ ‪َ ,‬قال َ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫‪ ,‬فَل َ ّ‬
‫ما‬ ‫دي ‪ ,‬فَل َ ّ‬ ‫حّتى ت َل ِ ِ‬ ‫ما َل َفاذ ْهَِبي َ‬ ‫ل ‪ :‬إِ ّ‬ ‫حب َْلى ‪َ ,‬قا َ‬ ‫والل ّهِ إ ِّني ل َ ُ‬ ‫عًزا ! فَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ت َ‬ ‫َرد َد ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ضِعي ِ‬ ‫ل ‪ :‬اذ ْهَِبي فَأْر ِ‬ ‫ه ‪َ ,‬قا َ‬ ‫ذا قَد ْ وَل َد ْت ُ ُ‬ ‫ت ‪ :‬هَ َ‬ ‫خْرقَةٍ ‪َ ,‬قال َ ْ‬ ‫ي ِفي ِ‬ ‫صب ِ ّ‬ ‫ه ِبال ّ‬ ‫ت أت َت ْ ُ‬ ‫وَل َد َ ْ‬
‫َ‬
‫ذا َيا‬ ‫ت ‪ :‬هَ َ‬ ‫قال َ ْ‬ ‫خب ْزٍ ‪ ,‬فَ َ‬ ‫سَرةُ ُ‬ ‫ي ِفي ي َدِهِ ك ِ ْ‬ ‫صب ِ ّ‬ ‫ه ِبال ّ‬ ‫ه أت َت ْ ُ‬ ‫مت ْ ُ‬ ‫ما فَط َ َ‬ ‫ميهِ ‪ ,‬فَل َ ّ‬ ‫فط ِ ِ‬ ‫حّتى ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‪,‬‬ ‫مي‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫من‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ص‬ ‫ال‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪,‬‬ ‫م‬ ‫عا‬ ‫ّ‬ ‫ط‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ي‬
‫ُ ْ ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ ٍ‬ ‫ّ ِ ّ ِ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ُ ُ َ ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫نَ ِ ّ‬ ‫ب‬
‫ها ‪ ,‬فَي ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫خال ِد ُ ب ْ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫قب ِ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫مَر الّناس فََر َ‬ ‫ها ‪ ,‬وَأ َ‬ ‫صد ْرِ َ‬ ‫فَر لَها إ ِلى َ‬ ‫ح ِ‬ ‫مَر ب َِها فَ ُ‬ ‫مأ َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ي‬ ‫معَ ن َب ِ ّ‬ ‫س ِ‬ ‫سب َّها ‪ ,‬فَ َ‬ ‫خال ِدٍ فَ َ‬ ‫جهِ َ‬ ‫م عَلى وَ ْ‬ ‫ح الد ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫سَها ؛ فَت َن َ ّ‬ ‫مى َرأ َ‬ ‫جرٍ فََر َ‬ ‫ح َ‬ ‫ال ْوَِليد ِ ب ِ َ‬
‫سي‬ ‫ف ِ‬ ‫ذي ن َ ْ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫خال ِد ُ ! فَ َ‬ ‫مهًْل َيا َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫ها ‪ ,‬فَ َ‬ ‫ه إ ِّيا َ‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫الل ّهِ َ‬
‫صّلى عَل َي َْها‬ ‫حب مك ْس ل َغُفر ل َه ‪ ,‬ث ُ َ‬
‫مَر ب َِها فَ َ‬ ‫مأ َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ َ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫صا ِ ُ َ‬ ‫ة ل َوْ َتاب ََها َ‬ ‫ت ت َوْب َ ً‬ ‫قد ْ َتاب َ ْ‬ ‫ب ِي َدِهِ ل َ َ‬
‫ت ) ‪(10‬‬ ‫وَد ُفِن َ ْ‬
‫توبة كعب بن مالك ‪:‬‬
‫م‪.‬‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫وإليك أشهر توبة وقعت في عهد الن ّب ِ ّ‬
‫)‪(3 /‬‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬ ‫ف عَ ْ‬ ‫خل ّ ْ‬ ‫م أ َت َ َ‬ ‫ك ‪ -‬لَ ْ‬ ‫صةِ ت َُبو َ‬ ‫ن قِ ّ‬ ‫ف عَ ْ‬ ‫خل ّ َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫حي َ‬ ‫ث ِ‬ ‫حد ّ ُ‬ ‫ك ‪ -‬يُ َ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ب بْ ُ‬ ‫ل ك َعْ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ك ‪ ,‬غَي َْر‬ ‫ها إ ِّل ِفي غَْزوَةِ ت َُبو َ‬ ‫م ِفي غَْزوَةٍ غََزا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫َر ُ‬
‫ج‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫خَر َ‬ ‫ما َ‬ ‫ف عَن َْها ‪ ,‬إ ِن ّ َ‬ ‫خل َ‬ ‫دا ت َ َ‬ ‫ح ً‬ ‫بأ َ‬ ‫م ي َُعات ِ ْ‬ ‫ت ِفي غْزوَةِ ب َد ْرٍ ؛ وَل ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫خل ْ‬ ‫ت تَ َ‬ ‫أّني كن ْ ُ‬
‫ن‬‫م وَب َي ْ َ‬ ‫ه ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫معَ الل ّ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫حّتى َ‬ ‫ش َ‬ ‫عيَر قَُري ْ ٍ‬ ‫ريد ُ ِ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫َر ُ‬
‫م‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫معَ َر ُ‬ ‫ت َ‬ ‫شهِد ْ ُ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ميَعاد ٍ ‪ ,‬وَل َ َ‬ ‫م عََلى غَي ْرِ ِ‬ ‫عَد ُوّهِ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫شهَد َ ب َد ْرٍ ‪ ,‬وَإ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِلي ب َِها َ‬ ‫بأ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫سَلم ِ ‪ ,‬وَ َ‬ ‫قَنا عََلى اْل ِ ْ‬ ‫واث َ ْ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫حي َ‬ ‫قب َةِ ِ‬ ‫ة ال ْعَ َ‬ ‫ل َي ْل َ َ‬
‫وى وَلَ‬ ‫ط أقَْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ن قَ‬ ‫م أك ُ ْ‬ ‫ري أّني ل ْ‬ ‫خب َ ِ‬ ‫ن من َ‬ ‫كا َ‬ ‫من َْها ‪َ .‬‬ ‫ت ب َد ٌْر أذ ْك ََر ِفي الّناس ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ه ِفي ت ِل َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫حلَتا ِ‬ ‫ه َرا ِ‬ ‫دي قَب ْل ُ‬ ‫عن ْ ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫معَ ْ‬ ‫جت َ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ك الغََزاةِ ‪َ ,‬واللهِ َ‬ ‫ت عَن ْ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫خل ْ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫حي َ‬ ‫سَر ِ‬ ‫أي ْ َ‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ي َك ُ ْ‬ ‫ك ال ْغَْزوَةِ ‪ ,‬وَل َ ْ‬ ‫ما ِفي ت ِل ْ َ‬ ‫معْت ُهُ َ‬ ‫ج َ‬ ‫حّتى َ‬ ‫ط َ‬ ‫قَ ّ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو ُ‬ ‫ها َر ُ‬ ‫ك ال ْغَْزوَة ُ غََزا َ‬ ‫ت ت ِل ْ َ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫حّتى َ‬ ‫ها َ‬ ‫ريد ُ غَْزوَة ً إ ِّل وَّرى ب ِغَي ْرِ َ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫فاًزا وَعَد ُّوا‬ ‫م َ‬ ‫دا وَ َ‬ ‫فًرا ب َِعي ً‬ ‫س َ‬ ‫ل َ‬ ‫قب َ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ديد ٍ ‪َ ,‬وا ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫حّر َ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ذي‬ ‫جهِهِ ال ِ‬ ‫م ب ِوَ ْ‬ ‫خب ََرهُ ْ‬ ‫م فَأ ْ‬ ‫ة غَْزوِهِ ْ‬ ‫م ل ِي َت َأهُّبوا أهْب َ َ‬ ‫مَرهُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫مي‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫س‬‫ْ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫لى‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪,‬‬ ‫را‬ ‫كَ ً‬ ‫ثي‬
‫ِ‬
‫م‬
‫معُهُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫م ك َِثيٌر وََل ي َ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫معَ َر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ريد ُ ‪َ ,‬وال ْ ُ‬ ‫يُ ِ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ‪ -‬قا َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫نأ ْ‬ ‫ب إ ِل ظ ّ‬ ‫ن ي َت َغَي ّ َ‬ ‫ريد ُ أ ْ‬ ‫ل يُ ِ‬ ‫ما َر ُ‬ ‫ب‪:‬ف َ‬ ‫ل كعْ ٌ‬ ‫وا َ‬ ‫دي َ‬ ‫ريد ُ ال ّ‬ ‫حافِظ ‪ -‬ي ُ ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ك َِتا ٌ‬
‫ه‬
‫ه عَلي ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫صلى الل ُ‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سول اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ي اللهِ ‪ .‬وَغَزا َر ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ي َن ْزِل ِفيهِ وَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ما ل ْ‬ ‫َ‬ ‫ه؛ َ‬ ‫فى ل ُ‬ ‫َ‬ ‫خ َ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫َ‬
‫هّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫سول اللهِ َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫جهَّز َر ُ‬ ‫ماُر َوالظلل ‪ ,‬وَت َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ت الث َ‬ ‫ّ‬ ‫ن طاب َ ْ‬ ‫َ‬ ‫حي َ‬ ‫م ت ِلك الغَْزوَة َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫قت أ َغْدو ل ِك َي أ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ْ ِ ُ َ ْ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ْ َ َ ّ َ َ َ ُ ْ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ز‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫ت‬ ‫ُ‬ ‫ِ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ط‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪,‬‬ ‫عَل َي ْ ِ َ َ َ َ ُ ْ ِ ُ َ َ َ ُ‬
‫ه‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫مو‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬
‫شت َد ّ‬ ‫حّتى ا ْ‬ ‫ماَدى ِبي َ‬ ‫ل ي َت َ َ‬ ‫م ي ََز ْ‬ ‫سي أَنا َقادٌِر عَل َي ْهِ ‪ ,‬فَل َ ْ‬
‫َ‬
‫ف ِ‬ ‫ل ِفي ن َ ْ‬ ‫شي ًْئا ‪ ,‬فَأ َُقو ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫أ َقْ‬
‫َ‬
‫م‬‫ه وَل َ ْ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َوال ْ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ح َر ُ‬ ‫صب َ َ‬ ‫جد ّ ‪ ,‬فَأ ْ‬ ‫س ال ْ ِ‬ ‫َبالّنا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫م ‪ ,‬فَغَد َوْ ُ‬ ‫قهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫م أل ْ َ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫جهُّز ب َعْد َه ُ ب ِي َوْم ٍ أوْ ي َوْ َ‬ ‫ت أت َ َ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫شي ًْئا ‪ ,‬فَ ُ‬ ‫جَهاِزي َ‬ ‫ض من َ‬ ‫أقْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م أقْ ِ‬
‫ض‬ ‫ت وَل ْ‬ ‫جعْ ُ‬ ‫م َر َ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫م غَد َوْ ُ‬ ‫شي ًْئا ‪ ,‬ث ُ ّ‬ ‫ض َ‬ ‫م أقْ ِ‬ ‫ت وَل ْ‬ ‫جعْ ُ‬ ‫جهَّز فََر َ‬ ‫صلوا ِلت َ َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫ب َعْد َ أ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل فَأد ْرِك َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ح َ‬ ‫ن أْرت َ ِ‬ ‫تأ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫فاَرط الغَْزوُ ‪ ,‬وَهَ َ‬ ‫عوا وَت َ َ‬ ‫سَر ُ‬ ‫حّتى أ ْ‬ ‫ل ِبي َ‬ ‫م ي ََز ْ‬ ‫شي ًْئا ‪ ,‬فَل ْ‬ ‫َ‬
‫خُروِج‬ ‫ت ِفي الّناس ب َعْد َ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫خَر ْ‬ ‫ت إ َِذا َ‬ ‫ك ‪ ,‬فَكن ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫قد ّْر ِلي ذ َل ِ َ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ت ‪ ,‬فَل ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫وَلي ْت َِني فَعَل ُ‬ ‫َ‬
‫جلً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حَزن َِني أّني ل أَرى إ ِل َر ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ت ِفيهِ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫م ‪ ,‬فَط ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫َر ُ‬
‫م ي َذ ْكْرِني‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فاِء ‪ ,‬وَل ْ‬ ‫ضعَ َ‬ ‫ه من ال ّ‬ ‫ن عَذ ََر الل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫جل ِ‬ ‫فاقُ ‪ ,‬أوْ َر ُ‬ ‫صا عَلي ْهِ الن ّ َ‬ ‫مو ً‬ ‫مغْ ُ‬ ‫َ‬
‫س ِفي‬ ‫جال ِ ٌ‬ ‫ل ‪ :‬وَهُوَ َ‬ ‫قا َ‬ ‫حّتى ب َلغَ ت َُبوك ‪ ,‬فَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫صلى الل ُ‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫َر ُ‬
‫هّ‬
‫ل الل ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ة ‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫م َ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫ل من ب َِني َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ب؟ف َ‬ ‫َ‬ ‫ل كعْ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ما فعَ َ‬ ‫َ‬ ‫قوْم ِ ب ِت َُبوك ‪َ :‬‬ ‫َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ت ‪َ ,‬والل ّهِ َيا‬ ‫ما قُل ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ل ‪ :‬ب ِئ ْ َ‬ ‫جب َ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫مَعاذ ُ ب ْ ُ‬ ‫ل ُ‬ ‫قا َ‬ ‫فهِ ‪ ,‬فَ َ‬ ‫عط ْ ِ‬ ‫ه ب ُْرَداه ُ وَن َظ َُره ُ ِفي ِ‬ ‫س ُ‬ ‫حب َ َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫صلى الل ُ‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سول اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫سك َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خي ًْرا ‪ ,‬ف َ‬ ‫مَنا عَلي ْهِ إ ِل َ‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ما عَل ِ ْ‬ ‫سول اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َر ُ‬
‫‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫مي ‪ ,‬وَط َفِ ْ‬ ‫َ‬


‫ت‬‫ق ُ‬ ‫ضَرِني هَ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ه َقافًِل َ‬ ‫ج َ‬ ‫ه ت َوَ ّ‬ ‫ما ب َل َغَِني أن ّ ُ‬ ‫ك ‪ :‬فَل َ ّ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ب بْ ُ‬ ‫ل ك َعْ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ت عََلى ذ َل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ك ب ِك ُ ّ‬ ‫ست َعَن ْ ُ‬ ‫دا ‪َ ,‬وا ْ‬ ‫خط ِهِ غَ ً‬ ‫س َ‬ ‫ج من َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ماَذا أ ْ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫ب ‪ ,‬وَأُقو ُ‬ ‫أت َذ َك ُّر ال ْك َذِ َ‬
‫ل‬‫م قَد ْ أ َظ َ ّ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ما ِقي َ‬ ‫ي من أهِْلي ‪ ,‬فَل َ ّ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ذي رأ ْ‬
‫ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب‪,‬‬ ‫يٍء ِفيهِ ك َذِ ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫دا ب ِ َ‬ ‫ه أب َ ً‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ت أّني ل ْ‬ ‫ل ‪ ,‬وَعََرفْ ُ‬ ‫ح عَّني الَباط ِ ُ‬ ‫ما ؛ َزا َ‬ ‫َقادِ ً‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن إ َِذا‬ ‫ما وَكا َ‬ ‫م َقادِ ً‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ح َر ُ‬ ‫صب َ َ‬ ‫ه ‪ ,‬وَأ ْ‬ ‫صد ْقَ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫معْ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫فَأ ْ‬
‫َ‬
‫ما فَعَ َ‬
‫ل‬ ‫س ‪ ,‬فَل َ ّ‬ ‫س ِللّنا ِ‬ ‫جل َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ‪ ,‬ثُ ّ‬ ‫جدِ فَي َْرك َعُ ِفيهِ َرك ْعَت َي ْ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فرٍ ب َد َأ ِبال ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫م من َ‬ ‫قَدِ َ‬
‫ة‬
‫ضعَ ً‬ ‫ه وَكاُنوا ب ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫نل ُ‬ ‫َ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫ن إ ِلي ْهِ ‪ ,‬وَي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫قوا ي َعْت َذُِرو َ‬ ‫َ‬
‫ن فَطفِ ُ‬ ‫فو َ‬ ‫ّ‬
‫خل ُ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫جاَءهُ ال ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫م‬
‫م وََباي َعَهُ ْ‬ ‫م عََلن ِي َت َهُ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫قب ِ َ‬ ‫جًل ‪ ,‬فَ َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ماِني َ‬ ‫وَث َ َ‬
‫م‬‫س َ‬ ‫م ت َب َ ّ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫ت عَلي ْهِ ت َب َ ّ‬ ‫م ُ‬ ‫سل ْ‬‫ّ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫ه فَل ّ‬ ‫جئ ْت ُ ُ‬ ‫ّ‬
‫م إ ِلى اللهِ ‪ ,‬فَ ِ‬ ‫َ‬ ‫سَرائ َِرهُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫َ‬
‫م وَوَك َ‬ ‫فَر لهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ست َغْ َ‬ ‫َوا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل ِلي ‪:‬‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫ن ي َد َي ْهِ ‪ ,‬ف َ‬ ‫ت ب َي ْ َ‬ ‫س ُ‬ ‫جل ْ‬ ‫حّتى َ‬ ‫شي َ‬ ‫م ِ‬ ‫تأ ْ‬ ‫جئ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‪,‬ف ِ‬‫َ‬ ‫ل ‪ :‬ت ََعا َ‬ ‫م قا َ‬ ‫َ‬ ‫ب ؛ ثُ ّ‬ ‫ض ِ‬ ‫مغْ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ت‬‫س ُ‬ ‫جل َ ْ‬ ‫ت ‪ :‬ب ََلى ‪ ,‬إ ِّني َوالل ّهِ ل َوْ َ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫ك ! فَ ُ‬ ‫ت ظ َهَْر َ‬ ‫ن قَد ْ اب ْت َعْ َ‬ ‫م ت َك ُ ْ‬ ‫ك؟! أل َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫خل ّ َ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫خطه بعذ ْر ‪ ,‬ول َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫طي ُ‬ ‫قد ْ أ ع ْ ِ‬ ‫س َ ِ ِ ُِ ٍ َ‬ ‫ج من َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ل الد ّن َْيا ل ََرأي ْ ُ‬ ‫ك من أهْ ِ‬ ‫عن ْد َ غَي ْرِ َ‬ ‫ِ‬
‫ضى ب ِهِ عَّني ‪,‬‬ ‫ب ت َْر َ‬ ‫ث كذ ِ ٍ‬ ‫َ‬ ‫دي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫حد ّثت ُك الي َوْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ت لئ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫قد ْ عَل ِ ْ‬ ‫َ‬
‫جد َل ‪ ,‬وَلك ِّني َواللهِ ل َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ي ِفيهِ إ ِّني‬ ‫جد ُ عَل ّ‬ ‫ق تَ ِ‬ ‫صد ْ ٍ‬ ‫ث ِ‬ ‫دي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫حد ّثت ُك َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ي ‪ ,‬وَلئ ِ ْ‬ ‫خطك عَل ّ‬ ‫َ‬ ‫س ِ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫شك ّ‬ ‫َ‬ ‫ل َُيو ِ‬
‫َ‬
‫وى‬ ‫ط أقْ َ‬ ‫ت قَ ّ‬ ‫ما ك ُن ْ ُ‬ ‫ن ِلي من عُذ ْرٍ ‪َ ,‬والل ّهِ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫فوَ الل ّهِ ‪َ ,‬ل َوالل ّهِ َ‬ ‫جو ِفيهِ عَ ْ‬ ‫َل َْر ُ‬
‫َ‬
‫م‪:‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ك ‪ ,‬فَ َ‬ ‫ت عَن ْ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫خل ّ ْ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫حي َ‬ ‫مّني ِ‬ ‫سَر ِ‬ ‫وََل أي ْ َ‬
‫َ‬
‫ل من ب َِني‬ ‫جا ٌ‬ ‫ت وََثاَر رِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ك ‪ ,‬فَ ُ‬ ‫ه ِفي َ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ق ِ‬ ‫حّتى ي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ق ْ‬ ‫صد َقَ ‪ ,‬فَ ُ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ذا فَ َ‬ ‫ما هَ َ‬ ‫أ ّ‬
‫َ‬
‫ذا ‪,‬‬ ‫ل هَ َ‬ ‫ت ذ َن ًْبا قَب ْ َ‬ ‫ت أذ ْن َب ْ َ‬ ‫ك ك ُن ْ َ‬ ‫مَنا َ‬ ‫ما عَل ِ ْ‬ ‫قاُلوا ِلي ‪َ :‬والل ّهِ َ‬ ‫ة َفات ّب َُعوِني ‪ ,‬فَ َ‬ ‫م َ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ت‬ ‫ع‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫ج‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬
‫َ َ َ ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ ِ‬ ‫ْ َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫وَ‬
‫هّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل الل ُهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ِ‬ ‫فاُر َر ُ‬ ‫ست ِغْ َ‬ ‫كا ْ‬ ‫ك ذ َن ْب َ َ‬ ‫كافِي َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن ‪ ,‬قَد ْ َ‬ ‫فو َ‬ ‫خل ُ‬ ‫ّ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ْ‬
‫اعْت َذ ََر إ ِلي ْهِ ال ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫م لَ َ‬
‫سي ‪,‬‬ ‫ف ِ‬ ‫ب نَ ْ‬ ‫جعَ فَأكذ ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫تأ ْ‬ ‫حّتى أَرد ْ ُ‬ ‫ما َزالوا ي ُؤَن ُّبوِني َ‬ ‫واللهِ َ‬ ‫ك ‪ ,‬فَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫َ‬
‫ت‪,‬‬ ‫ما قُل ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ن َقاَل ِ‬ ‫جَل ِ‬ ‫م َر ُ‬ ‫حد ٌ ؟ َقاُلوا ‪ :‬ن َعَ ْ‬ ‫مِعي أ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ي هَ َ‬ ‫ق َ‬ ‫ل لَ ِ‬ ‫م ‪ :‬هَ ْ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫م قُل ْ ُ‬ ‫ثُ ّ‬
‫مرِيّ ‪,‬‬ ‫ْ‬
‫ن الّرِبيِع العَ ْ‬ ‫مَراَرة ُ ب ْ ُ‬ ‫ما ‪َ :‬قالوا ُ‬ ‫ُ‬ ‫ن هُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت َ‬ ‫قل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل لك ‪ ,‬ف َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما ِقي َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل لهُ َ‬ ‫َ‬ ‫قي َ‬ ‫فَ ِ‬
‫ن قَد ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫دا ب َد ًْرا ‪ِ ,‬فيهِ َ‬ ‫شهِ َ‬ ‫حي ْ ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫جلي ْ ِ‬ ‫ي ‪ ,‬فَذ َكُروا ِلي َر ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫واقِ ِ‬ ‫ة ال َ‬ ‫مي ّ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫ل بْ ُ‬ ‫وَهِل ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ما ِلي ‪ ,‬وَن ََهى َر ُ‬ ‫ن ذ َكُروهُ َ‬ ‫حي َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ضي ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سوَة ٌ ف َ‬ ‫أ ْ‬
‫جت َن َب ََنا الّناس ‪,‬‬ ‫ه ‪َ ,‬فا ْ‬ ‫ف عَن ْ ُ‬ ‫خل ّ َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫ة من ب َي ْ‬ ‫مَنا أ َي َّها الث َّلث َ ُ‬ ‫ن ك ََل ِ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ف ‪ ,‬فَل َب ِث َْنا‬ ‫ي ال ِّتي أعْرِ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما هِ َ‬ ‫ض ؛ فَ َ‬ ‫سي اْلْر ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ت ِفي ن َ ْ‬
‫َ‬
‫حّتى ت َن َك َّر ْ‬ ‫وَت َغَي ُّروا ل ََنا ‪َ ,‬‬
‫ن‪,‬‬ ‫ما ي َب ْك َِيا ِ‬ ‫دا ِفي ب ُُيوت ِهِ َ‬ ‫كاَنا وَقَعَ َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫حَبايَ َفا ْ‬ ‫صا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ة ‪ ,‬فَأ ّ‬ ‫ن ل َي ْل َ ً‬ ‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫عََلى ذ َل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وأ َ َ‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫صلة َ‬ ‫شهَد ُ ال ّ‬ ‫ج فَأ ْ‬ ‫خُر ُ‬ ‫تأ ْ‬ ‫م ‪ ,‬فَك ُن ْ ُ‬ ‫جل َد َهُ ْ‬ ‫قوْم ِ وَأ ْ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ش ّ‬ ‫تأ َ‬ ‫ما أَنا فَك ُن ْ ُ‬ ‫َ ّ‬
‫صّلى‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫تي‬ ‫ِ‬ ‫وآ‬ ‫‪,‬‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫ف في اْل َسواق ‪ ,‬وَل يك َل ّمِني أ َ‬ ‫ُ‬ ‫طو‬ ‫ُ‬ ‫ال ْمسل ِمين ‪ ,‬وأ َ‬
‫ِ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ٌ َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ْ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫الل ّه عل َيه َوس َل ّم فَأ ُ‬
‫ُ ْ ِ‬
‫سي‬ ‫ف ِ‬ ‫ل ِفي ن َ ْ‬ ‫صلة ‪ ,‬فَأ َُقو ُ‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫د‬
‫َْ َ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ج‬‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫و‬
‫ْ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ُ َ ْ َ َ َ‬ ‫ِ‬
‫ه الن ّظَرَ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حّر َ‬
‫سارِقُ ُ‬ ‫ه فَأ َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ريًبا ِ‬ ‫صلي قَ ِ‬ ‫مأ َ‬ ‫م ل ‪ ,‬ثُ ّ‬ ‫يأ ْ‬ ‫سلم ِ عَل ّ‬ ‫فت َي ْهِ ب َِرد ّ ال ّ‬ ‫ش َ‬ ‫ك َ‬ ‫ل َ‬ ‫هَ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫صلِتي أقْب َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫حّتى إ َِذا‬ ‫ض عَّني َ‬ ‫حوَه ُ أعَْر َ‬ ‫ت نَ ْ‬ ‫ف ّ‬ ‫ي ‪ ,‬وَإ َِذا الت َ َ‬ ‫ل إ ِل ّ‬ ‫ت عَلى َ‬ ‫فَإ َِذا أقْب َل ُ‬
‫َ‬
‫ط أِبي قََتاد َةَ‬ ‫حائ ِ ِ‬ ‫داَر َ‬ ‫ج َ‬ ‫ت ِ‬ ‫سوّْر ُ‬ ‫حّتى ت َ َ‬ ‫ت َ‬ ‫شي ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫فوَةِ الّناس ؛ َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ك من َ‬ ‫ي ذ َل ِ َ‬ ‫ل عَل َ ّ‬ ‫طا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م‪,‬‬ ‫سَل َ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫ما َرد ّ عَل َ ّ‬ ‫والل ّهِ َ‬ ‫ت عَل َي ْهِ فَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫سل ّ ْ‬ ‫ي ‪ ,‬فَ َ‬ ‫ب الّناس إ ِل َ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫مي ‪ ,‬وَأ َ‬ ‫ن عَ ّ‬ ‫وَهُوَ اب ْ ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه؟‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ب الل َ‬ ‫ح ّ‬ ‫مِني أ ِ‬ ‫ل ت َعْل ُ‬ ‫شد ُك ِباللهِ ‪ ,‬هَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ت ‪َ :‬يا أَبا قََتاد َة َ ! أن ْ ُ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫فَ ُ‬
‫ه‪,‬‬ ‫شد ْت ُ ُ‬ ‫ه فَن َ َ‬ ‫تل ُ‬ ‫َ‬ ‫ت ‪ ,‬فَعُد ْ ُ‬ ‫سك َ‬ ‫َ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫شد ْت ُ ُ‬ ‫ه فَن َ َ‬ ‫تل ُ‬ ‫َ‬ ‫ت ‪ ,‬فَعُد ْ ُ‬ ‫سك َ‬ ‫َ‬ ‫فَ َ‬

‫)‪(5 /‬‬
‫ل ‪ :‬الل ّه ورسول ُ َ‬
‫داَر ‪,‬‬ ‫ج َ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫سوّْر ُ‬ ‫حّتى ت َ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ت عَي َْنايَ ‪ ,‬وَت َوَل ّي ْ ُ‬ ‫ض ْ‬ ‫فا َ‬ ‫م ‪ ,‬فَ َ‬ ‫ه أعْل َ ُ‬ ‫ُ ََ ُ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫شام ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ط أهْ ِ‬ ‫ي من أن َْبا ِ‬ ‫دين َةِ ‪ ,‬إ َِذا ن َب َط ِ ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ق ال ْ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫شي ب ِ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ‪ :‬فَب َي َْنا أَنا أ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ق‬
‫ف َ‬ ‫ك ؟ فَط َ ِ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ب بْ ِ‬ ‫ل عََلى ك َعْ ِ‬ ‫ن ي َد ُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قو ُ‬ ‫دين َةِ ‪ ,‬ي َ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ِبال ْ َ‬ ‫م ِبالط َّعام ِ ي َِبيعُ ُ‬ ‫قَدِ َ‬
‫ن ‪ ,‬فَإ َِذا ِفيهِ ‪:‬‬ ‫سا َ‬ ‫ك غَ ّ‬ ‫مل ِ ِ‬ ‫ي ك َِتاًبا من َ‬ ‫جاَءِني د َفَعَ إ ِل َ ّ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫شيُرو َ‬ ‫الّناس ي ُ ِ‬
‫ن وََل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وا ٍ‬ ‫دارِ هَ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫جعَل ْ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ك ‪ ,‬وَل َ ْ‬ ‫فا َ‬ ‫ج َ‬ ‫ك قَد ْ َ‬ ‫حب َ َ‬ ‫صا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ه قَد ْ ب َل َغَِني أ ّ‬ ‫ما ب َعْد ُ ‪ .‬فَإ ِن ّ ُ‬ ‫أ ّ‬
‫قل ْت ل َما قَرأ ْتها وهَ َ َ‬
‫ت‬
‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ضا من ال ْب ََلِء ‪ ,‬فَت َي َ ّ‬ ‫ذا أي ْ ً‬ ‫َ َُ َ‬ ‫ك ‪ ,‬فَ ُ ُ ّ‬ ‫س َ‬ ‫وا ِ‬ ‫حقْ ب َِنا ن ُ َ‬ ‫ضي َعَةٍ ‪َ ,‬فال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬ ‫‪,‬‬ ‫ن‬ ‫سي‬ ‫م‬ ‫خ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫من‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫عو‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ض‬ ‫م‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫تى‬ ‫ح‬ ‫‪,‬‬ ‫ها‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫نو‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫ها‬
‫َ ِ َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ِ َ َ ْ ْ َُ َ ْ‬
‫ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ ُ َِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بِ َ‬
‫هّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ل ‪ :‬إِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫م ي َأِتيِني ‪ ,‬فَ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ِ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ل ؟ َقا َ‬ ‫ماَذا أفْعَ ُ‬ ‫م َ‬ ‫قَها أ ْ‬ ‫ت ‪ :‬أطل ُ‬ ‫قل ُ‬ ‫ك ‪ ,‬فَ ُ‬ ‫مَرأت َ َ‬ ‫لا ْ‬ ‫ن ت َعْت َزِ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫مُر َ‬ ‫م ي َأ ُ‬ ‫سل َ‬ ‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫مَرأ َِتي ‪:‬‬ ‫ت ِل ْ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫ك ‪ ,‬فَ ُ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ي ِ‬ ‫حب َ ّ‬ ‫صا ِ‬ ‫ل إ َِلى َ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫قَرب َْها ‪ ,‬وَأْر َ‬ ‫ل اعْت َزِل َْها وََل ت َ ْ‬ ‫َل ‪ ,‬ب َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‪:‬‬ ‫ل ك َعْ ٌ‬ ‫مرِ ‪َ ,‬قا َ‬ ‫ذا اْل ْ‬ ‫ه ِفي هَ َ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ق ِ‬ ‫حّتى ي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫عن ْد َهُ ْ‬ ‫كوِني ِ‬ ‫ك فَت َ ُ‬ ‫قي ب ِأهْل ِ ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت ‪َ :‬يا‬ ‫قال َ ْ‬ ‫م ‪ ,‬فَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ة َر ُ‬ ‫مي ّ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫ل بْ ِ‬ ‫مَرأة ُ هَِل ِ‬ ‫تا ْ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫فَ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫م ؛ فَهَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫شي ْ ٌ‬ ‫ة َ‬ ‫ُ‬ ‫ن هِل َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬
‫ل ت َكَره ُ أ ْ‬ ‫خادِ ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫سل ُ‬ ‫ضائ ِعٌ لي ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫مي ّ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫ل بْ َ‬ ‫ل اللهِ إ ِ ّ‬ ‫َر ُ‬
‫يٍء ‪,‬‬ ‫ش ْ‬ ‫ة إ ِلى َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حَرك ٌ‬ ‫ما ب ِهِ َ‬ ‫ه َواللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ت ‪ :‬إ ِن ّ ُ‬ ‫ك ‪ ,‬قال ْ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫قَرب ْ ِ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل ‪ :‬ل ‪ ,‬وَلك ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ه ؟ قا َ‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫خد ُ َ‬ ‫أَ ْ‬
‫َ‬
‫ض‬
‫ل ِلي ب َعْ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ذا ‪ .‬فَ َ‬ ‫مهِ هَ َ‬ ‫ن إ َِلى ي َوْ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫مرِهِ َ‬ ‫ن من أ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫من ْذ ُ َ‬ ‫كي ُ‬ ‫ل ي َب ْ ِ‬ ‫ما َزا َ‬ ‫َوالل ّهِ َ‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ك كَ َ‬ ‫ل الل ّه صّلى الل ّه عَل َيه وسل ّم في ا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ما أذِ َ‬ ‫مَرأت ِ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ِ َ َ َ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫ست َأذ َن ْ َ‬ ‫أهِْلي ‪ :‬ل َوْ ا ْ‬
‫قل ْت ‪ :‬والل ّه َل أ َ ْ‬ ‫ِلمرأ َة هَلل بن أ ُمي َ َ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو َ‬ ‫ن ِفيَها َر ُ‬ ‫ست َأذِ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ِ‬ ‫ه ‪ ,‬فَ ُ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫خد ُ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ْ َ ِ ِ ِ ْ ِ َ ّ‬
‫ه‬
‫ه عَلي ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سول اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫قول َر ُ‬ ‫ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫ما ي ُد ِْريِني َ‬ ‫م ‪ ,‬وَ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫حّتى‬ ‫ل‬ ‫يا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ش‬‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ث‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪,‬‬ ‫ب‬ ‫شا‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ٌ‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫‪,‬‬ ‫ها‬ ‫في‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ْ‬ ‫أ‬‫ت‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫َ َ َ ٍ َ‬ ‫ِ ُ َْ َ ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫ْ َ ُْ ُ ِ َ‬ ‫وَ َ َ ِ‬
‫إ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫س‬
‫ن‬‫م عَ ْ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن ن ََهى َر ُ‬ ‫حي َ‬ ‫ة ؛ من ِ‬ ‫ن ل َي ْل َ ً‬ ‫سو َ‬ ‫م ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫ت ل ََنا َ‬ ‫مل َ ْ‬ ‫كَ َ‬
‫َ‬
‫ت من‬ ‫ة وَأَنا عََلى ظ َهْرِ ب َي ْ ٍ‬ ‫ن ل َي ْل َ ً‬ ‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫صب ْ َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫صَلةَ ال ْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫صل ّي ْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫مَنا ‪ ,‬فَل َ ّ‬ ‫ك ََل ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سي ‪,‬‬ ‫ف ِ‬ ‫ي نَ ْ‬ ‫ت عَل ّ‬ ‫ضاقَ ْ‬ ‫ه ؛ قَد ْ َ‬ ‫ل الِتي ذ َك ََر الل ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫س عَلى ال َ‬ ‫جال ِ ٌ‬ ‫ب ُُيوت َِنا ‪ ,‬فَب َي َْنا أَنا َ‬
‫سلعْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل َ ٍَ‬ ‫جب َ ِ‬ ‫صارٍِخ أوَْفى عَلى َ‬ ‫ت َ‬ ‫صوْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ت‪َ ,‬‬ ‫حب َ ْ‬ ‫ما َر ُ‬ ‫ض بِ َ‬ ‫ي اْلْر ُ‬ ‫ت عَل َ ّ‬ ‫ضاقَ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫تأ ْ‬ ‫دا ‪ ,‬وَعََرفْ ُ‬ ‫ج ً‬ ‫سا ِ‬ ‫ت َ‬ ‫خَرْر ُ‬ ‫ل ‪ :‬فَ َ‬ ‫شْر ‪َ ,‬قا َ‬ ‫ك ! أب ْ ِ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ب بْ َ‬ ‫صوْت ِهِ ‪َ :‬يا ك َعْ ُ‬ ‫ب ِأعْلى َ‬
‫ن‬‫حي َ‬ ‫م ب ِت َوْب َةِ الل ّهِ عَل َي َْنا ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ج ‪َ ,‬وآذ َ َ‬ ‫جاَء فََر ٌ‬ ‫قَد ْ َ‬
‫ن‪,‬‬ ‫شُرو َ‬ ‫مب َ ّ‬ ‫ي ُ‬ ‫حب َ ّ‬ ‫صا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ب قِب َ َ‬ ‫شُرون ََنا ‪ ,‬وَذ َهَ َ‬ ‫ب الّناس ي ُب َ ّ‬ ‫جرِ ‪ ,‬فَذ َهَ َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ْ‬
‫صلةَ ال َ‬ ‫َ‬ ‫صّلى َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ل ‪ ,‬وَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كا َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫فى‬ ‫ْ‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫س‬‫ْ‬ ‫أ‬ ‫من‬ ‫ع‬ ‫ٍ‬ ‫سا‬ ‫َ‬ ‫عى‬ ‫َ‬ ‫س‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫‪,‬‬ ‫سا‬ ‫ً‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ِ ّ َ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ض‬
‫َ‬ ‫ك‬ ‫ر‬
‫وَ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫شُرِني ن ََزعْ ُ‬ ‫ه ي ُب َ ّ‬ ‫صوْت َ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫جاَءِني ال ِ‬ ‫ما َ‬ ‫س ‪ ,‬فَل ّ‬ ‫فَر ِ‬ ‫سَرعَ من ال َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫صو ْ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ت‬ ‫ست َعَْر ُ‬ ‫مئ ِذ ٍ ‪َ ,‬وا ْ‬ ‫ما ي َوْ َ‬ ‫مل ِك غي َْرهُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫شَراه ُ ‪َ ,‬واللهِ َ‬ ‫ما ب ِب ُ ْ‬ ‫ه إ ِّياهُ َ‬ ‫سوْت ُ ُ‬ ‫ي فك َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه ث َوْب َ ّ‬ ‫لَ ُ‬
‫قاِني‬ ‫م ‪ ,‬فَي َت َل َ ّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ت إ َِلى َر ُ‬ ‫ق ُ‬ ‫ما َوان ْط َل َ ْ‬ ‫ست ُهُ َ‬ ‫ن فَل َب ِ ْ‬ ‫ث َوْب َي ْ ِ‬
‫ب‬‫ل ك َعْ ٌ‬ ‫ك ‪َ ,‬قا َ‬ ‫ة الل ّهِ عَل َي ْ َ‬ ‫ك ت َوْب َ ُ‬ ‫ن ‪ :‬ل ِت َهْن ِ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫جا ي ُهَّنوِني ِبالت ّوْب َةِ ‪ ,‬ي َ ُ‬ ‫جا فَوْ ً‬ ‫الّناس فَوْ ً‬
‫ه‬‫حوْل َ ُ‬ ‫س َ‬ ‫جال ِ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫جد َ فَإ َِذا َر ُ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫حّتى د َ َ‬ ‫‪َ :‬‬
‫ما‬ ‫حِني وَهَّناِني ‪َ ,‬والل ّهِ َ‬ ‫صافَ َ‬ ‫حّتى َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن عُب َي ْدِ الل ّهِ ي ُهَْروِ ُ‬ ‫ة بْ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ي ط َل ْ َ‬ ‫م إ ِل َ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫الّناس ‪ ,‬فَ َ‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫ب ‪ :‬فَل َ ّ‬ ‫ل ك َعْ ٌ‬ ‫ة ‪َ .‬قا َ‬ ‫ح َ‬ ‫ها ل ِط َل ْ َ‬ ‫سا َ‬ ‫ن غَي ُْره ُ ‪ ,‬وََل أن ْ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مَها ِ‬ ‫ل من ال ْ ُ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ي َر ُ‬ ‫م إ ِل َ ّ‬ ‫َقا َ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫م ‪َ ,‬قا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ت عََلى َر ُ‬ ‫م ُ‬ ‫سل ّ ْ‬ ‫َ‬
‫من ْذ ُ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫‪:‬‬ ‫ر‬ ‫رو‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫من‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫عَ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ِ ِ ْ ٍ َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ ُ ِ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َ َ َ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫عن ْدِ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬ ‫وَلد َت ْ َ‬ ‫َ‬
‫عن ْدِ‬ ‫م من ِ‬ ‫ل اللهِ أ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫ك َيا َر ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت‪:‬أ ِ‬ ‫ل ‪ :‬قُل ُ‬ ‫ك ! َقا َ‬ ‫كأ ّ‬

‫)‪(6 /‬‬

‫م إ َِذا‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫عن ْد ِ الل ّهِ ‪ ,‬وَ َ‬ ‫ل من ِ‬ ‫ل ‪َ :‬ل ب َ ْ‬ ‫الل ّهِ ؟! َقا َ‬
‫َ‬
‫ت‬‫س ُ‬ ‫جل َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ه ‪ ,‬فَل َ ّ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫ف ذ َل ِ َ‬ ‫مرٍ ‪ ,‬وَك ُّنا ن َعْرِ ُ‬ ‫ة قَ َ‬ ‫ه قِط ْعَ ُ‬ ‫حّتى ك َأن ّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫جهُ ُ‬ ‫ست ََناَر وَ ْ‬ ‫سّر ا ْ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫صد َقَ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ة إ ِلى‬ ‫ماِلي َ‬ ‫خل ِعَ من َ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫ن من ت َوْب َِتي أ ْ‬ ‫ل اللهِ إ ِ ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ت ‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ قُل ُ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫ل الل ّه صّلى الل ّه عَل َيه وسل ّم ‪ :‬أمَ‬ ‫ّ‬
‫سكْ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل اللهِ ‪ ,‬قا َ‬ ‫َ‬ ‫سو ِ‬ ‫الل ّهِ ‪ ,‬وَإ ِلى َر ُ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫خي ْب ََر ‪,‬‬ ‫ذي ب ِ َ‬ ‫مي ال ّ ِ‬ ‫سهْ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫س ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ت ‪ :‬فَإ ِّني أ ْ‬ ‫ك ‪ ,‬قُل ْ ُ‬ ‫خي ٌْر ل َ َ‬ ‫ك فَهُوَ َ‬ ‫مال ِ َ‬ ‫ض َ‬ ‫ك ب َعْ َ‬ ‫عَل َي ْ َ‬
‫ن َل‬ ‫َ‬
‫ن من ت َوْب َِتي أ ْ‬ ‫ق ‪ ,‬وَإ ِ ّ‬ ‫صد ْ ِ‬ ‫جاِني ِبال ّ‬ ‫ما ن َ ّ‬ ‫ه إ ِن ّ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ل الل ّهِ ! إ ِ ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ت ‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫فَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه ِفي‬ ‫ن أب َْلهُ الل ّ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫دا من ال ْ ُ‬ ‫ح ً‬ ‫مأ َ‬ ‫ما أعْل َ ُ‬ ‫والل ّهِ َ‬ ‫ت ‪ ,‬فَ َ‬ ‫قي ُ‬ ‫ما ب َ ِ‬ ‫صد ًْقا َ‬ ‫ث إ ِّل ِ‬ ‫حد ّ َ‬ ‫أ َ‬
‫ك ل ِرسول الل ّه صّلى الل ّه عَل َيه وسل ّ َ‬
‫ما‬‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫ت ذ َل ِ َ َ ُ ِ‬ ‫من ْذ ُ ذ َك َْر ُ‬ ‫ث ُ‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ق ال ْ َ‬ ‫صد ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫م إ َِلى‬ ‫ّ‬ ‫ل‬
‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬
‫ِ َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫سو‬
‫ْ ُ ِ َِ ُ ِ‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ ََ ّ ْ ُ ُ ْ‬ ‫ت‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫‪,‬‬ ‫ني‬ ‫أ َب ْ ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ه عََلى‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ت ‪ ,‬وَأ َن َْز َ‬ ‫قي ُ‬ ‫ما ب َ ِ‬ ‫ه ِفي َ‬ ‫فظ َِني الل ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫جو أ ْ‬
‫َ‬
‫ذا ك َذًِبا ‪ ,‬وَإ ِّني َل َْر ُ‬ ‫مي هَ َ‬ ‫ي َوْ ِ‬
‫ن‬
‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مَها ِ‬ ‫ْ‬
‫ي َوال ُ‬ ‫ه عَلى الن ّب ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫ب الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫قد ْ َتا َ‬ ‫م }ل َ‬ ‫َ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫سول ِهِ َ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي من‬ ‫ه عَل ّ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ما أن ْعَ َ‬ ‫واللهِ َ‬ ‫ن{ فَ َ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫كوُنوا َ‬ ‫صاِر{ إ ِلى قَوْل ِهِ }وَ ُ‬ ‫َواْلن ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو ِ‬ ‫صد ِْقي ل َِر ُ‬ ‫سي من ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ِفي ن َ ْ‬ ‫سَلم ِ أعْظ َ َ‬ ‫داِني ل ِْل ِ ْ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ط ب َعْد َ أ ْ‬ ‫مةٍ قَ ّ‬ ‫ن ِعْ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ما هَلك الذين كذ َُبوا ‪ ,‬فَإ ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ؛ فَأهْل ِك ك َ‬ ‫َ‬ ‫ن كذ َب ْت ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن ل أكو َ‬ ‫ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ك‬‫ل ت ََباَر َ‬ ‫قا َ‬ ‫حد ٍ ‪ ,‬ف َ َ‬ ‫ل ِل َ َ‬ ‫ما َقا َ‬ ‫شّر َ‬ ‫ي َ‬ ‫َ َ‬ ‫ح‬‫ْ‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ز‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫حي‬ ‫ِ‬ ‫بوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬
‫ن‬‫ضى عَ ْ‬ ‫ه ل ي َْر َ‬ ‫َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ّ‬ ‫م{ إ ِلى قَوْل ِهِ }فَإ ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫قلب ْت ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫م إ َِذا ان ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ن ِباللهِ لك ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫وَت ََعالى ‪َ } :‬‬ ‫َ‬
‫مرِ أولئ ِك الذين قَب ِ َ‬
‫ل‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فَنا أي َّها الث ّلث َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن{ َقا َ‬ ‫قوْم ِ ال ْ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫ة عَ ْ‬ ‫خل ْ‬ ‫ب ‪ :‬وَكّنا ت َ َ‬ ‫ل كعْ ٌ‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫فا ِ‬
‫فَر ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ست َغْ َ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫ه ‪ ,‬فََباي َعَهُ ْ‬ ‫فوا ل َ ُ‬ ‫حل َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫حي َ‬ ‫م ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ه ِفيهِ ‪ ,‬فَب ِذ َل ِكَ‬ ‫ضى الل ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حّتى ق َ‬ ‫مَرَنا َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫سول اللهِ َ‬ ‫جأ َر ُ‬ ‫‪ ,‬وَأْر َ‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬
‫فَنا عَ ْ‬ ‫خل ّ ْ‬‫ما ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ِ‬‫ذي ذ َك ََر الل ّ ُ‬‫س ال ّ ِ‬‫فوا{ وَل َي ْ َ‬ ‫خل ّ ُ‬‫ه }وَعََلى الث َّلث َةِ اّلذين ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ه َواعْت َذ ََر إ ِل َي ْهِ فَ َ‬ ‫َ‬
‫قب ِ َ‬
‫ل‬ ‫ف لَ ُ‬‫حل َ َ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مَرَنا عَ ّ‬ ‫جاؤُهُ أ ْ‬ ‫ه إ ِّياَنا وَإ ِْر َ‬ ‫ف ُ‬‫خِلي ُ‬ ‫ما هُوَ ت َ ْ‬ ‫ال ْغَْزوِ ‪ ,‬إ ِن ّ َ‬
‫ه ‪(11 ).‬‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫أبو محجن الثقفي ‪:‬‬
‫ما بشرب الخمر ‪ ,‬قيل كان يشربها‬ ‫ن سعد بن أبي وقاص كان مته ً‬ ‫جي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫وهذا َ‬
‫شجاع الك َّرار‬ ‫وقيل كان يذكرها في شعره ‪ ,‬إنه أبو محجن الثقفي البطل ال ّ‬
‫أمسك به سعد ؛ وكان قد حبس في القصر وقيد ‪ ,‬فهو في القصر فصعد حين‬
‫أمسى إلى سعد يستعفيه ويستقيله ‪ ,‬فزبره ورده ‪ ,‬فنزل فأتى سلمى بنت‬
‫صفة ‪-‬زوجة سعد ‪ -‬فقال ‪ :‬يا سلمى يا بنت آل خصفة هل لك إلى خير ؟‬ ‫خ َ‬ ‫َ‬
‫ل ‪ :‬تخلين عني وتعيرينني البلقاء ؛ فلله علي إن سلمني‬ ‫قالت ‪ :‬وما ذاك ؟ َقا َ‬
‫الله أن أرجع إليك حتى أضع رجلي في قيدي ‪ ,‬فقالت ‪ :‬وما أنا وذاك ! فرجع‬
‫يرسف في قيوده ‪ ,‬يقول ‪:‬‬
‫قَنا‬ ‫ْ‬
‫ل ِبال َ‬ ‫خي ْ ُ‬‫ن ت َْرت َدِيَ ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫كَ َ‬
‫حَزًنا أ ْ‬ ‫فى َ‬
‫ي ‪ii‬وََثاِقيا‬ ‫دوًدا عَل َ ّ‬ ‫ش ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك َ‬ ‫وَأ ُت َْر َ‬
‫ت‬‫ق ْ‬ ‫ديد ُ ‪ii‬وَأ ُغْل ِ َ‬ ‫ح ِ‬‫ت عَّناِني ال ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫إ َِذا قُ ْ‬
‫مَناِديا‬ ‫م ‪ii‬ال ْ ُ‬ ‫ص ّ‬‫صاِريعُ ُدوِني قَد ْ ت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫خو َ ٍ‬‫ل كِثيرٍ ‪ii‬وَإ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ما ٍ‬ ‫ت َذا َ‬ ‫ُ‬
‫وَقد ْ كن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫خا ل َِيا‬ ‫حدا َل أ ََ‬ ‫وا‬ ‫ني‬ ‫قد ْ ت ََر ُ ِ‬
‫كو‬ ‫فَ َ‬
‫َ ِ ً‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫َوللهِ عَهْد ٌ َل أ ِ‬
‫س ‪ii‬ب ِعَهْدِ ِ‬ ‫خي ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫واِنيا‬ ‫ح َ‬‫ت أّل أُزوَر ‪ii‬ال ْ َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ن فُّر َ‬ ‫ل َئ ِ ْ‬
‫)‪(7 /‬‬

‫ما‬
‫فقالت سلمى ‪ :‬إني استخرت الله ورضيت بعهدك ؛ فأطلقته ‪ ,‬وقالت ‪ :‬أ ّ‬
‫الفرس فل أعيرها ورجعت إلى بيتها ‪ ,‬فاقتادها فأخرجها من باب القصر الذي‬
‫يلي الخندق ‪ ,‬فركبها ثم دب عليها ‪ ,‬حتى إذا كان بحيال الميمنة ‪ ,‬ك َّبر ثم‬
‫صفين ‪ ,‬ثم رجع من‬ ‫حمل على ميسرةِ القوم يلعب برمحه وسلحه بين ال ّ‬
‫سَرةِ فَك َب َّر وحمل على ميمنة القوم ِ يلعب بين‬‫خلف المسلمين إلى المي ْ َ‬
‫صفين برمحه وسلحه ‪ ,‬ثم رجع من خلف المسلمين إلى القلب فندر أمام‬ ‫ال ّ‬
‫الّناس ‪ ,‬فحمل على القوم يلعب بين الصفين برمحه وسلحه ‪ ,‬وكان يقصف‬
‫فا منكًرا ‪ ,‬وتعجب الّناس منه وهم ل يعرفونه ولم يروه من‬ ‫الّناس ليلتئذ قص ً‬
‫الّنهار ‪ .‬وجعل سعد يقول ‪ -‬وهو مشرف على الّناس مكب من فوق القصر ‪:‬‬
‫والله لول محبس أبي محجن لقلت ‪ :‬هذا أبو محجن وهذه البلقاء ‪ .‬وقال‬
‫بعض الّناس ‪ :‬إن كان الخضر يشهد الحروب فنظن صاحب البلقاء الخضر ‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬لول أن الملئكة ل تباشر القتال لقلنا ملك يثبتنا ‪ ,‬ول يذكره‬
‫ما انتصف الليل ؛ حاجز أهل‬ ‫الّناس ول يأبهون له ؛ لنه بات في محبسه ‪ ,‬فل ّ‬
‫فارس ‪ ,‬وتراجع المسلمون ‪ ,‬وأقبل أبو محجن حتى دخل من حيث خرج ‪,‬‬
‫ووضع عن نفسه وعن دابته ‪ ,‬وأعاد رجليه في قيديه ‪ ,‬وقال ‪:‬‬
‫ر‬
‫خ ٍ‬ ‫ف غَي َْر فَ ْ‬ ‫قي ٌ‬ ‫ت ثَ ِ‬‫م ْ‬ ‫قد ْ عَل ِ َ‬ ‫لَ َ‬
‫بأ َنا نح َ‬
‫سُيوَفا‬ ‫م ‪ُ ii‬‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ن أك َْر ُ‬ ‫ِ ّ َ ْ ُ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫ساب َِغا ٍ‬ ‫عا ‪َ ii‬‬ ‫م د ُُرو ً‬ ‫وَأك ْث َُرهُ ْ‬
‫هوا ال ْوُُقوَفا‬ ‫م إ َِذا ك َرِ ُ‬ ‫َ‬
‫صب َُرهُ ْ‬‫وَأ ْ‬
‫ل ‪ii‬ي َوْم ٍ‬ ‫هم ِفي ك ُ ّ‬ ‫وَأ َّنا وَفْد ُ ُ‬
‫فا‬
‫ري َ‬‫م ‪ii‬عَ ِ‬ ‫ل ب ِهِ ُ‬ ‫س ْ‬ ‫مُيوا فَ َ‬ ‫ن عَ ِ‬‫فَإ ِ ْ‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شعُُروا ِبي‬ ‫م يَ ْ‬ ‫س لَ ْ‬ ‫ة ُ َقادِ ٍ‬ ‫وَل َي ْل َ َ‬


‫حوَفا‬ ‫ي ‪ii‬الّز ُ‬ ‫ج َ‬ ‫خَر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شعِْر ب ِ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫م ‪ii‬ب ََلِئي‬ ‫ُ‬
‫س فَذ َل ِك ُ ُ‬ ‫حب َ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫حُتوَفا‬ ‫م ‪ii‬ال ْ ُ‬ ‫قهُ ُ‬ ‫ك أِذي ُ‬ ‫ن أت َْر ْ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫ل ‪ :‬أما‬ ‫فقالت له سلمى ‪ :‬يا أبا محجن ! في أي شيء حبسك هذا الرجل ؟ َقا َ‬
‫والله ماحبسني بحرام ٍ أكلته ول شربته ‪ ,‬ولكني كنت صاحب شراب في‬
‫الجاهلية ‪ ,‬وأنا امرؤ شاعر يدب الشعر على لساني يبعثه على شفتي أحياًنا ‪,‬‬
‫ساُء لذلك ث ََناِئي ‪ ,‬ولذلك حبسني ‪ ,‬قلت ‪:‬‬ ‫في ُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫م ٍ‬‫ل ك َْر َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ت َفاد ْفِّني إ ِلى أ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫إ َِذا ِ‬
‫موِْتي ‪ii‬عُُروقَُها‬ ‫مي ب َعْد َ َ‬ ‫عظا ِ‬ ‫َ‬ ‫ت َُرّوي ِ‬
‫فلةِ فَإ ِن ِّني‬ ‫َ‬ ‫وََل ت َد ْفِن َّني ِبال َ‬
‫ْ‬
‫ت أ َّل ‪ii‬أ َُذوقَُها‬ ‫م ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫ف إ َِذا َ‬ ‫خا ُ‬ ‫أَ َ‬
‫دي فَإ ِن ِّني‬ ‫ح ِ‬ ‫ص لَ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫مرِ ال ْ ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫وَت َْرِوي ب ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سوقَُها‬ ‫ما قَد ْ أ ُ‬ ‫سيُر ل ََها من ب َعْد ِ َ‬ ‫أ ِ‬
‫سواد)‬ ‫ة لسعدٍ عشية أرماث ‪ ,‬وليلة الهدأة ‪ ,‬وليلة ال ّ‬ ‫ضب َ ً‬ ‫مَغا ِ‬ ‫مى ُ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ولم تزل َ‬
‫‪ , (12‬حتى إذا أصبحت أتته وصالحته ‪ ,‬وأخبرته خبرها وخبر أبي محجن ‪,‬‬
‫فدعا به فأطلقه ‪ ,‬وقال ‪ :‬اذهب فما أنا مؤاخذك بشيٍء تقوله ؛ حتى تفعله ‪,‬‬
‫دا ‪(13 ).‬‬ ‫ل ‪ :‬ل جرم والله ‪ ,‬ل أجيب لساني إلى صفةِ قبيٍح أب ً‬ ‫َقا َ‬
‫زاذان الكندي ‪:‬‬
‫كا في الّلعب واللهو ‪ ,‬ممن من الله عليه‬ ‫وهذا أحد الشباب ممن كان منهم ً‬
‫بالّتوبة حتى كان من أعلم زمانه ‪.‬‬
‫ذهبي في السير ‪ :‬تاب علي يد ابن مسعود ‪.‬‬ ‫ل ال ّ‬ ‫دي ‪َ :‬قا َ‬ ‫زاذان الك ِن ْ ِ‬
‫ب بالطنبور ‪ ,‬فكنت مع‬ ‫ّ‬ ‫صوت جيد الضر ِ‬ ‫ما حسن ال ّ‬ ‫غل ً‬ ‫ل زاذان ‪ :‬كنت ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ب لي و عندنا نبيذ وأنا أغنيهم ‪ ,‬فمّر ابن مسعود فدخل فضرب الباطيه ‪-‬‬ ‫صاح ٍ‬
‫ل ‪ :‬لو كان ما يسمع من حسن صوتك يا‬ ‫إناء للنبيذ ‪ -‬وكسر الطنبور ثم َقا َ‬
‫غلم بالقرآن كنت أنت أنت !! ثم مضى ‪ ،‬فقلت لصحابي ‪ :‬من هذا ؟ قالوا ‪:‬‬
‫هذا ابن مسعود ‪ ,‬فألقي في نفسي التوبة فسعيت أبكي ‪ ,‬وأخذت بثوبه‬
‫ي فاعتنقني وبكى ‪ ,‬وقال ‪ :‬مرحًبا بمن أحبه الله ‪ ،‬اجلس ‪ ،‬ثم دخل‬ ‫فأقبل عل ّ‬
‫وأخرج لي تمًرا ‪(2).‬‬
‫ابن المبارك ‪:‬‬
‫وهذا ابن المبارك سّيد سادات المسلمين في زمانه ‪ ,‬قيل ‪ :‬كان في أول‬
‫شبابه منشغًل باللهو ‪.‬‬
‫ل ُزهْدِهِ ؟‬ ‫سئل ابن المبارك وأنا حاضٌر عن أوّ ِ‬ ‫ل حسين بن الحسن ‪ُ :‬‬ ‫َقا َ‬
‫ما في بستان وأنا شاب مع جماعة من أترابي ‪ ,‬وذلك في‬ ‫فقال ‪ :‬إني كنت يو ً‬
‫مول ًِعا بضرب العود ‪ ,‬فقمت في بعض‬ ‫وقت الفواكه فأكلنا وشربنا ‪ ,‬وكنت ُ‬
‫الليل وإذا غصن يتحرك عند رأسي ‪ ,‬فأخذت الُعود َ لضرب به ؛ فإذا بالعود‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫م ل ِذِك ْرِ الل ّهِ وَ َ‬
‫ما ن ََز َ‬ ‫شعَ قُُلوب ُهُ ْ‬‫خ َ‬‫ن تَ ْ‬‫مُنوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬‫م ي َأ ِ‬ ‫ينطق وهو يقول ‪} :‬أل َ ْ‬
‫ل ‪ :‬فضربت بالعود الرض فكسرته ‪,‬‬ ‫ق{ ]سورة الحديد ‪َ [16 :‬قا َ‬ ‫ح ّ‬ ‫من ال ْ َ‬
‫وصرفت ما عندي من جميع المور التي كنت عليها مما شغل عن الله ‪ ,‬وجاء‬
‫ل اللهِ ت ََعاَلى‬ ‫ض ِ‬‫التوفيق من الله ت ََعاَلى ‪ ,‬فكان ما سهل لنا من الخير من فَ ْ‬
‫مت ِهِ ‪( 14).‬‬ ‫ح َ‬ ‫وََر ْ‬
‫القعنبي ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قعْن َِبي عالم زمانه ‪ ,‬الذي قال فيه أبو حاتم ‪ :‬ثقة‬ ‫مة ال َ‬ ‫سل َ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫وهذا عبد الله بن َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حجة لم أر أخشع منه ‪ ,‬ولما دخل على المام مالك قال ‪ :‬قوموا لخير أهل‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫منشغل باللعب والبطالة ؛ حتى من الله‬


‫الرض ‪ .‬قيل ‪ :‬كان في أول شبابه ُ‬
‫عليه بالّتوبة ‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫ذكر موفق الدين ابن قدامة في كتابه " الّتوابين " عن بعض ولد القعنبي‬
‫ما وقد قعد‬ ‫ل ‪ :‬كان أبي يشرب النبيذ ويصحب الحداث فدعاهم يو ً‬ ‫بالبصرة َقا َ‬
‫ب ينتظرهم فمّر شعبه علي حماره و الّناس خلفه يهرعون ‪ ,‬فقال ‪:‬‬ ‫علي با ٍ‬
‫ل ‪ :‬وإيش شعبه ؟ قالوا ‪ :‬محدث ‪.‬‬ ‫من هذا ؟ قيل شعبه ‪َ ،‬قا َ‬
‫فقام إليه وعليه أزر أحمر فقال له ‪ :‬حدثني ‪.‬‬
‫فقال له ‪ :‬ما أنت من أصحاب الحديث فأحدثك ‪ ،‬فأشهر سكينه وقال ‪:‬‬
‫تحدثني أو أجرحك ؟‬
‫ل ‪َ :‬قا َ‬ ‫ْ‬
‫سُعودٍ الب َد ْرِيّ َقا َ‬ ‫َ‬ ‫فَ َ‬
‫ل‬ ‫م ْ‬ ‫حد ّث ََنا أُبو َ‬ ‫ش َ‬ ‫حَرا َ ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫ي بْ ِ‬ ‫ن رِب ْعِ ّ‬ ‫صوٌر عَ ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫حد ّث ََنا َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما أد َْرك الّناس من كلم ِ الن ّب ُوّةِ إ َِذا ل ْ‬ ‫َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ‪ :‬إِ ّ‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫ت ‪( 15).‬‬ ‫شئ ْ َ‬
‫ما ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ي َفافْعَ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫تَ ْ‬
‫فرمى سكينه ورجع إلي منزله ؛ فقام إلي ما كان عنده من شراب فهراقه ‪،‬‬
‫طعام إليهم ‪ ,‬فإذا‬ ‫ساعة أصحابي يجيئون فأدخليهم وقدمي ال ّ‬ ‫وقال لمه ‪ :‬ال ّ‬
‫أكلوا فأخبريهم بما صنعت بالشراب حتى ينصرفوا ‪ ,‬ومضى من وقته إلي‬ ‫ّ‬
‫المدينة فلزم مالك بن أنس " )‪(1‬‬
‫توبة شاب ‪:‬‬
‫ة وظننت أني قد أصبحت وإذ أنا علي ليل ‪,‬‬ ‫صور بن عمار ‪ :‬خرجت ليل ً‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫َقا َ‬
‫ب يبكي ويقول ‪ :‬بعزتك وجللك ما‬ ‫ب صغير ‪ ,‬وإذا بصوت شا ٍ‬ ‫فقعدت عند با ٍ‬
‫كاِلك جاهل ‪,‬‬ ‫صي ُْتك حين عصيتك وما أنا ب ِن َ َ‬ ‫أردت بمعصيتك مخالفتك ‪ ,‬وقد عَ َ‬
‫ولت لي نفسي وغلبت‬ ‫خف ‪ ,‬ولكن س ّ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مت َعَّرض ول بنظرك ُ‬ ‫ول لعقوبتك ُ‬
‫ي ‪ ,‬والن فمن عذابك من‬ ‫َ‬
‫خى عَل ّ‬ ‫مْر َ‬ ‫ْ‬
‫علي شقوتي ‪ ,‬وغرني سترك ال ُ‬
‫ينقذني ؟! وبحبل من أتصل إن قطعت حبلك عني ؟! واسوأتاه من تصرم‬
‫أيامي في معصية ربي ‪ ,‬يا ويلي ! كم أتوب ! وكم أعود ! قد حان لي أن‬
‫أستحي من ربي ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ما سمعت كلمه قلت ‪ :‬أعوذ بالله من ال ّ‬ ‫َقا َ‬
‫سم ِ‬ ‫جيم ِ ب ِ ْ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫شيطا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صور ‪ :‬فل ّ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ل َ‬
‫ها‬‫م َناًرا وَُقود ُ َ‬ ‫م وَأهِْليك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫مُنوا ُقوا أن ُ‬ ‫حيم ِ ‪َ } :‬يا أي َّها اّلذين آ َ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫اللهِ الّر ْ‬
‫جاَرةُ {]التحريم ‪[6 :‬‬ ‫ح َ‬ ‫ْ‬
‫الّناس َوال ِ‬
‫ما أصبحت رجعت ‪,‬‬ ‫ّ‬ ‫فل‬ ‫‪,‬‬ ‫لحاجتي‬ ‫ومضيت‬ ‫‪,‬‬ ‫دا‬‫ً‬ ‫شدي‬ ‫با‬‫ً‬ ‫واضطرا‬ ‫تا‬ ‫فسمعت َ ً‬
‫صو‬
‫ب وتجئ فقلت لها ‪ :‬من‬ ‫فَِإذا جنازة ٌ موضوعة على ذلك الباب ‪ ,‬وعجوٌز ت َذ ْهَ ُ‬
‫هذا الميت ؟ فقالت ‪ :‬إليك عّني ل تجدد عّلى أحزاني ‪ ,‬قلت إني رجل‬
‫ة فيها‬ ‫ل ل جزاه الله خيًرا قرأ آي ً‬ ‫مّر بنا البارحة رج ٌ‬ ‫غريب ‪ ,‬قالت ‪ :‬هذا ولدي ‪َ ,‬‬
‫ِذكُر الّنار ‪ ,‬فلم يزل ابني يبكي ويضطرب حتى مات ‪.‬‬
‫ل منصور ‪ :‬هكذا والله صفة الخائفين ‪( 16).‬‬ ‫َقا َ‬
‫توبة لص ‪:‬‬
‫ن ِديَنار فلم يجد ما يأخذه ‪ .‬فناداه مالك ‪ :‬لم تجد شيًئا‬ ‫َ‬ ‫خ َ‬
‫ك بْ ِ‬ ‫مال ِ ِ‬ ‫ص عَلي َ‬ ‫ل لِ ٌ‬ ‫دَ َ‬
‫ل‬‫ضأ وص ّ‬ ‫ل ‪ :‬ت َوَ ّ‬ ‫ل ‪ :‬ن ََعم ‪َ ،‬قا َ‬ ‫دنيا ‪ ،‬أفترغب في شئ من أمر الخرة ؟ َقا َ‬ ‫من ال ّ‬
‫ص‬‫ل ‪ :‬لِ ٌ‬ ‫ن ذا ؟ َقا َ‬ ‫م ْ‬ ‫سِئل َ‬ ‫ركعتين ‪ ،‬ففعل ثم جلس ‪ .‬وخرج إلي المسجد ‪ ،‬فَ ُ‬
‫سَرقَْناه !! )‪( 17‬‬ ‫سرِقََنا فَ َ‬ ‫جاَء ل ِي َ ْ‬ ‫َ‬
‫توبة عابد صنم ‪:‬‬
‫ل‬
‫ج ٍ‬ ‫َ‬
‫حرِ ‪ ,‬فإ َِذا ب َِر ُ‬ ‫ْ‬
‫زيَرةٍ ِفي الب َ ْ‬ ‫ج ِ‬‫ح عَلى َ‬‫َ‬ ‫ت ب َِنا الّري ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫ص َ‬‫ن َزي ْد ٍ ‪ :‬عَ َ‬ ‫حد ِ ب ْ ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫ل عَب ْد ُ ال ْ َ‬ ‫َقا َ‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما ‪.‬‬‫صن َ ً‬ ‫ي َعْب ُد ُ َ‬


‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫معََنا‬
‫ن َ‬ ‫ه‪:‬إ ّ‬ ‫قلَنا ل ُ‬ ‫َ‬
‫صن َم ِ ‪ ,‬ف ُ‬‫م َأ ب ِي َدِهِ إلى ال ّ‬ ‫َ‬
‫ن ت َعْب ُد ُ ؟ فأوْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫جل َ‬ ‫ه ‪ :‬أي َّها الّر ُ‬ ‫قل َْنا ل َ ُ‬
‫فَ ُ‬
‫ن ؟ ! قُل َْنا ن َعْب ُد ُ الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫دو َ‬‫ن ت َعْب ُ ُ‬ ‫م ْ‬‫م َ‬‫ل ‪ :‬فَأن ْت ُ ْ‬ ‫ذا ‪َ ,‬قا َ‬ ‫ل هَ َ‬‫م ُ‬ ‫ن ي َعْ َ‬‫م ْ‬ ‫ب َ‬‫مْرك َ ِ‬ ‫ِفي ال ْ َ‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ماِء عَْر ُ‬ ‫ن هُوَ ؟ قُل َْنا ‪ :‬ال ّ ِ‬ ‫ت ََعاَلى ‪َ ,‬قا َ‬
‫ه ‪ ,‬وَِفي الْر ِ‬ ‫ش ُ‬ ‫س َ‬‫ذي ِفي ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ل وَ َ‬
‫ضاؤُه ُ ‪.‬‬ ‫ت قَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫حَياِء َواْل ْ‬
‫م َ‬ ‫ه ‪ ,‬وَِفي اْل ْ‬ ‫طان ُ ُ‬‫سل ْ َ‬ ‫ُ‬

‫)‪(9 /‬‬
‫َ‬
‫ل‬‫ما فَعَ َ‬ ‫ل ‪ :‬فَ َ‬ ‫مَنا ب ِهِ ‪َ ,‬قا َ‬ ‫سوًل أعْل َ َ‬ ‫ه إل َي َْنا َر ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ذا ؟ قُل َْنا ‪ :‬وَ ّ‬ ‫م هَ َ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫ف عَل ِ ْ‬ ‫ل ‪ :‬ك َي ْ َ‬ ‫َقا َ‬
‫ة ؟ قُلَنا ‪ :‬ت ََر َ‬
‫ك‬ ‫ْ‬ ‫م ً‬ ‫م عَل َ‬ ‫َ‬ ‫عن ْد َك ُ ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ل ت ََر َ‬ ‫ل ‪ :‬فَهَ ْ‬ ‫ه إلي ْهِ ‪َ ,‬قا َ‬ ‫َ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ض ُ‬ ‫ل ؟! قُلَنا قَب َ َ‬ ‫ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫الّر ُ‬
‫َ‬ ‫ف فَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ذا ؟!‬ ‫ف هَ َ‬ ‫ما أعْرِ ُ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ص َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ‪ :‬أُروِنيهِ ‪ ,‬فَأت َي َْناه ُ ِبال ُ‬ ‫ك ‪َ ,‬قا َ‬ ‫مل ِ ِ‬ ‫ب ال َ‬ ‫عن ْد ََنا ك َِتا َ‬ ‫ِ‬
‫ن لَ‬ ‫ذا ال ْك ََلم أ َ‬ ‫م َقا َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫فَ َ‬
‫ِ ْ‬ ‫ب هَ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫ل ‪ :‬ي َن ْب َِغي ل ِ َ‬ ‫كي ‪ ,‬ث ُ ّ‬ ‫سوَرة ً وَهُوَ ي َب ْ ِ‬ ‫قَرأَنا عَلي ْهِ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‪,‬‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫سوًَرا من ال ُ‬ ‫سلم ِ وَ ُ‬ ‫شَرائ ِعَ ال ِ ْ‬ ‫مَناه ُ َ‬ ‫معََنا ‪ ,‬وَعَل ْ‬ ‫ملَناه ُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫سل َ‬ ‫صى ‪ ,‬فَأ ْ‬ ‫ي ُعْ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫موِني‬ ‫ذي د َللت ُ ُ‬ ‫ه ال ِ‬ ‫م ال ِل ُ‬ ‫ل ‪َ :‬يا قَوْ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫جعََنا ‪ ,‬فَ َ‬ ‫ضا ِ‬ ‫م َ‬ ‫خذ َْنا َ‬ ‫صلي َْنا وَأ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن اللي ْ ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫ما َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫م ‪َ ,‬قا َ‬ ‫م َل ي ََنا ُ‬ ‫ي قَّيو ٌ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل !؟ قُل َْنا ‪َ :‬ل َيا عَب ْد َ الل ّهِ هُوَ َ‬ ‫ه الل ّي ْ ُ‬ ‫جن ّ ُ‬ ‫م إَذا َ‬ ‫عَل َي ْهِ أي ََنا ُ‬
‫َ‬
‫مَنا‬ ‫ما قَدِ ْ‬ ‫مهِ ‪ ,‬فَل َ ّ‬ ‫جب َْنا من ك ََل ِ‬ ‫م ! فَعَ ِ‬ ‫م َل ي ََنا ُ‬ ‫موَْلك ُ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫م ت ََنا ُ‬ ‫س ال ْعَِبيد ُ أن ْت ُ ْ‬ ‫ب ِئ ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫ه إّل الل ّ ُ‬ ‫ل ‪َ :‬ل إل َ َ‬ ‫قَها ‪َ ,‬قا َ‬ ‫ه ‪ :‬أن ْفِ ْ‬ ‫ه وَقُل َْنا ل َ ُ‬ ‫ها ل َ ُ‬ ‫م وَأعْط َي َْنا َ‬ ‫ه د ََراهِ َ‬ ‫معَْنا ل َ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫عََباَدان َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫صن َ ً‬ ‫حرِ أعْب ُد ُ َ‬ ‫زيَرةٍ ِفي الب َ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫سلكوه ُ ‪ ,‬أَنا كْنت ِفي َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫قل ْ‬ ‫ري ٍ‬ ‫موِني عَلى ط ِ‬ ‫د َل َل ْت ُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ن ب َعْد َ أّيام ٍ أَتاِني آ ٍ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن وَقَد ْ عََرْفته ‪ ,‬فَل َ ّ‬ ‫ف اْل َ‬ ‫ضي ّعِْني فَك َي ْ َ‬ ‫م يُ َ‬ ‫من ُدون ِهِ فَل َ ْ‬
‫َ‬
‫جْئته وَقُْلت ‪ :‬أل َ َ‬
‫ل ‪ :‬قَد ْ‬ ‫قا َ‬ ‫ة ؟ فَ َ‬ ‫ج ً‬ ‫حا َ‬ ‫ك َ‬ ‫ت ‪ ,‬فَ ِ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫سك ََرا ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ه ي َُعال ِ ُ‬ ‫ل ِلي ‪ :‬إن ّ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫مت ‪,‬‬ ‫ه إذ ْ غَل َب َت ِْني عَي َْنايَ فَن ِ ْ‬ ‫ما أَنا أك َل ّ ُ‬
‫م ُ‬ ‫ن عَّرْفتِني ب ِهِ ‪ .‬فَب َي ْن َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جي َ‬ ‫وائ ِ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ضى َ‬ ‫قَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل من‬ ‫م ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫جارِي َ ٌ‬ ‫ريٌر عَل َي ْهِ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ة وَِفيَها َ‬ ‫ضةِ قُب ّ ً‬ ‫ة وَِفي الّروْ َ‬ ‫ض ً‬ ‫مَنام ِ َروْ َ‬ ‫فََرأْيت ِفي ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت رحمه‬ ‫ما َ‬ ‫ي ب ِهِ ‪َ ,‬فان ْت َب َْهت فَإ َِذا ب ِهِ قَد ْ َ‬ ‫ل عَل ّ‬ ‫ج ْ‬ ‫سألُتك ب ِاللهِ عَ ّ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قو ُ‬ ‫س تَ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫جان ِب ِ ِ‬ ‫ة إلى َ‬ ‫جارِي َ ُ‬ ‫قب ّةِ َوال َ‬ ‫مَنام ِ ِفي ال ُ‬ ‫م َرأْيته ِفي ال َ‬ ‫قب ْرِهِ ث ُ ّ‬ ‫جهّْزته ل ِ َ‬ ‫الله ت ََعالى ‪ ,‬فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ‪(18 ) .‬‬ ‫ه أعْل ُ‬ ‫داِر{ ‪ .‬وَالل ُ‬ ‫قَبى ال ّ‬ ‫م عُ ْ‬ ‫م فَن ِعْ َ‬ ‫صب َْرت ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ُ‬
‫م عَلي ْك ْ‬ ‫سَل ٌ‬ ‫وَهُوَ ي َت ُْلو } َ‬
‫توبة مجوسي ‪:‬‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ري رضي الله عنه أنه َقا َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ت عَلى ب َعْ ِ‬ ‫خل ُ‬ ‫ل ‪ ":‬د َ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ن الب َ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ح َ‬ ‫وُروي عَ ْ‬
‫سيرة ‪،‬‬ ‫ن الجوار ‪ ،‬حسن ال ّ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫جود ُ بنفسه عند الموت ‪ ،‬وكان َ‬ ‫المجوس وهو ي َ ُ‬
‫ن الخلق ‪ ،‬فرجوت أن الله يوفقه عند الموت ‪ ،‬ويميته على السلم ‪،‬‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫حة لي ‪،‬‬ ‫ص ّ‬ ‫ب عَِليل ول ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫فقلت له ‪ :‬ما تجد ؟! وكيف حالك !؟ فقال ‪ :‬لي قل ٌ‬
‫فٌر بعيد ول زاد‬ ‫س َ‬ ‫ش ول أنيس لي ‪ ،‬و َ‬ ‫ح ٌ‬ ‫مو ِ‬ ‫م ‪ ،‬ول قوة لي ‪ ،‬وَقَب ٌْر ُ‬ ‫قي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ن َ‬ ‫وَب َد َ ٌ‬
‫ة عالية ول‬ ‫ّ ٌ‬ ‫ن‬ ‫وج‬ ‫‪,‬‬ ‫لي‬ ‫بدن‬ ‫ول‬ ‫ة‬ ‫مي‬
‫َ ٌ َ ِ ٌ‬ ‫حا‬ ‫ر‬ ‫نا‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫لي‬ ‫ز‬
‫َ َ َ‬ ‫وا‬ ‫ج‬ ‫ول‬ ‫دقيق‬ ‫ٌ‬
‫ط‬ ‫را‬ ‫ِ َ‬ ‫ص‬ ‫و‬ ‫لي‪،‬‬
‫جة ِلي‪.‬‬ ‫ح ّ‬ ‫ل وََل ُ‬ ‫عادِ ٌ‬ ‫ب َ‬ ‫نصيب لي ‪ ،‬وََر ٌ‬
‫سِلم‬ ‫ل الحسن ‪ :‬فرجوت الله أن يوفقه ‪ ،‬فأقبلت عليه ‪ ،‬وقلت له ‪ :‬لم ل ت ُ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ه‬
‫صد ْرِ ِ‬ ‫شاَر إلى َ‬ ‫هنا ‪ ،‬وأ َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ق ْ‬ ‫فّتاح ‪ ،‬وال ُ‬ ‫ح ب ِي َدِ ال َ‬ ‫فَتا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫ل ‪ :‬إِ ّ‬ ‫سَلم ؟ َقا َ‬ ‫حتى ت َ ْ‬
‫شي عَليهِ ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وغ ُ ِ‬
‫سي‬ ‫جو ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ذا ال َ‬ ‫ْ‬ ‫سب َقَ ل ِهَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫موْلي ‪ ،‬إ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫دي و َ‬ ‫سي ّ ِ‬ ‫ن ‪ :‬فقلت ‪ :‬إلِهي وَ َ‬ ‫َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ْ‬
‫ل ال َ‬ ‫َقا َ‬
‫ل‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل ب َِها إ ِلي ْهِ قَب ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ة فَعَ ّ‬ ‫عن ْد َ َ‬
‫م ِ‬ ‫قطاِع ال َ‬ ‫حهِ من الد ّْنيا ‪ ،‬وان ْ ِ‬ ‫ق ُرو ِ‬ ‫ل فَِرا ِ‬ ‫سن َ ً‬ ‫ح َ‬ ‫ك َ‬ ‫ِ‬
‫س َ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫ح أْر َ‬ ‫فّتا َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫فأفاق من غشيته ‪ ،‬وفتح عينيه ‪ ،‬ثم أقبل وقال ‪ :‬يا شيخ ! إ ِ ّ‬
‫ل‬ ‫سو ُ‬ ‫دا َر ُ‬ ‫م ً‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫شهَد ُ أ ّ‬
‫َ‬ ‫ه إ ِّل الله وَأ َ ْ‬ ‫ن َل إ ِل َ َ‬
‫َ‬
‫شهَد ُ أ ْ‬ ‫ك ‪ ،‬فَأ ََنا أ َ ْ‬ ‫مَنا َ‬ ‫دد ي ُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ح‪.‬أ ْ‬
‫ُ‬
‫فِتا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫صاَر إلى رحمة الله ‪( 19).‬‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ت ُرو ُ‬ ‫ج ْ‬ ‫خَر َ‬ ‫اللهِ ‪ ،‬ثم َ‬
‫توبة امرأة جميلة ‪:‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل ‪ :‬كانت امرأة جميلة بمكة وكان لها‬ ‫جلي ‪ :‬حدثني أبي عبد الله َقا َ‬ ‫ل العِ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ما إلى وجهها في المرآة ‪ ,‬فقالت لزوجها ‪ :‬أترى يرى أحد‬ ‫زوج ‪ ,‬فنظرت يو ً‬
‫مير)‬ ‫ن عُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هذا الوجه ول يفتتن به ؟! قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قالت ‪ :‬من ؟! قال ‪ :‬عُب َي ْد ُ ب ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل ‪ :‬فأتته‬ ‫ل ‪ :‬قَد ْ أذنت لك ‪َ ,‬قا َ‬ ‫‪ . (20‬قالت ‪ :‬فأذن لي فيه فلفتننه ‪َ ,‬قا َ‬
‫ل ‪ :‬فأسفرت عن‬ ‫كالمستفتية ‪ ,‬فخل معها في ناحيةٍ من المسجد الحرام ‪َ ,‬قا َ‬
‫ة الله ! فقالت ‪ :‬إني قد فتنت بك فانظر‬ ‫مثل فلقة القمر ‪ ,‬فقال لها ‪ :‬يا أم َ‬
‫ل ‪ :‬إني سائلك عن شيٍء فإن أنت صدقت ‪ ,‬نظرت في‬ ‫في أمري ؟ َقا َ‬
‫ل ‪ :‬أخبريني لو أن ملك‬ ‫أمرك ‪ ,‬قالت ‪ :‬ل تسألني عن شيٍء إل صدقتك ‪َ ,‬قا َ‬
‫سّرك أني قضيت لك هذه الحاجة ؟!‬ ‫الموت أتاك يقبض روحك ؛ أكان ي َ ُ‬
‫ل ‪ :‬فلو أدخلت في قبرك فأجلست‬ ‫ل ‪ :‬صدقت ‪َ ,‬قا َ‬ ‫قالت ‪ :‬اللهم ل ‪َ ,‬قا َ‬
‫للمساءلة ؛ أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة ؟ ! قالت ‪ :‬اللهم ل ‪َ ,‬قا َ‬
‫ل‬
‫س ُأعطوا كتبهم ول تدرين تأخذين كتابك بيمينك‬ ‫ل ‪ :‬فلو أن الّنا َ‬ ‫‪ :‬صدقت ‪َ ,‬قا َ‬
‫أم بشمالك ‪ ,‬أكان يسرك أنى قضيت لك هذه الحاجة ؟! قالت ‪ :‬اللهم ل ‪,‬‬
‫صراط ‪ ,‬ول تدرين تنجين أم ل‬ ‫ل ‪ :‬فلو أردت المرور على ال ّ‬ ‫ل ‪ :‬صدقت ‪َ ,‬قا َ‬ ‫َقا َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫تنجين ! كان يسرك أنى قضيت لك هذه الحاجة ؟! قالت ‪ :‬اللهم ل ‪َ ,‬قا َ‬
‫فين أم تثقلين !‬ ‫خ ّ‬‫ل ‪ :‬فلو جيء بالموازين وجيء بك ل تدرين ت َ ِ‬ ‫صدقت ‪َ ,‬قا َ‬
‫ل ‪ :‬صدقت ‪,‬‬ ‫كان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة ؟! قالت ‪ :‬اللهم ل ‪َ ,‬قا َ‬
‫ل ‪ :‬فلو وقفت بين يدي الله للمساءلة ؛ كان يسرك أني قضيت لك هذه‬ ‫َقا َ‬
‫ل ‪ :‬اتقي الله يا أمة الله ! فقد‬ ‫ل ‪ :‬صدقت ‪َ .‬قا َ‬ ‫الحاجة ؟! قالت ‪ :‬اللهم ل ‪َ ,‬قا َ‬
‫ل ‪ :‬فرجعت إلى زوجها ‪ ,‬فقال ‪ :‬ما صنعت‬ ‫أنعم الله عليك ! وأحسن إليك ! َقا َ‬
‫صوم والعبادة ‪,‬‬ ‫صلة وال ّ‬ ‫طالون ‪ ,‬فأقبلت على ال ّ‬ ‫طال ‪ ,‬ونحن ب ّ‬ ‫؟ قالت ‪ :‬أنت ب ّ‬
‫ل ‪ :‬وكان زوجها يقول ‪ :‬ما لي ولعبيد بن عمير ! أفسد علي زوجتي ‪ ,‬كانت‬ ‫َقا َ‬
‫سا فصّيرها راهبة ‪( 21).‬‬ ‫كل ليلة عرو ً‬
‫وابين ‪ ،‬واسلك مسالك‬ ‫أخي الحبيب ‪ :‬بادر بالتوبة من الذنوب ‪ ،‬واقتف آثار الت ّ‬
‫ذين نالوا التوبة والغفران ‪ ،‬وأتعبوا أنفسهم في رضا الرحمن ‪،‬‬ ‫الّوابين ‪ ،‬ال ّ ِ‬
‫س خائفة ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫فلو رأيتهم في ظلم الليالي قائمين ‪ ،‬ولكتاب ربهم تالين ‪ ،‬بنفو ٍ‬
‫ب واجفة ‪ ،‬قد وضعوا جباههم على الث ََرى ‪ ,‬ورفعوا حوائجهم لمن َيرى‬ ‫وقلو ٍ‬
‫ول ُيرى ‪.‬‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صب ّ ُ‬ ‫ف ي َت َ َ‬ ‫زيرٍ َواك ِ ٍ‬ ‫مٍع غ ِ‬ ‫ب***ب ِدِ ْ‬ ‫ح وَأن ْد ُ ُ‬ ‫سي أُنو ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫عوِني عَلى ن َ ْ‬ ‫دَ ُ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫عي‬ ‫ض‬ ‫ال‬ ‫سي‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫َ ُ َ‬‫ف‬ ‫خا‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ني***‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ل‬ ‫ح‬ ‫نو‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫سي‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ني‬ ‫دَ ُ ِ‬
‫عو‬
‫ُ‬ ‫ّ ِ ِ ُْ‬ ‫َ ِ‬ ‫ُ ُ ِ ِّ‬ ‫َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أذ ْهَ ُ‬
‫ب‬ ‫م إ َِلى أي ْ َ‬ ‫جأ أ ْ‬ ‫ن أل ْ َ‬ ‫صا***إ َِلى أي ْ َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مَناِدي ب ِ َ‬ ‫ن ِلي إ َِذا َناَدى ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫فَ َ‬
‫ُ‬
‫ب‬‫حيم ِ أعَذ ّ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت ِفي َنارِ ال ْ َ‬ ‫سَرِتي***إ َِذا ك ُن ْ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل َ‬ ‫طو َ‬ ‫م َيا ُ‬ ‫حْزِني ث َ ّ‬ ‫ل ُ‬ ‫طو َ‬ ‫فََيا ُ‬
‫ن َوالّناُر ت َل ْهَ ُ‬
‫ب‬ ‫زا ُ‬ ‫مي ِ‬ ‫ب ال ْ ِ‬ ‫ح ك ُل ُّها***وَقَد ْ قُّر َ‬ ‫قَبائ ِ ُ‬ ‫ك ال َ‬ ‫ت ت ِل ْ َ‬ ‫وَقَد ْ ظ َهََر ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫جاِئي ِفيهِ ِلي ي ََتوهّ ُ‬ ‫ن َر َ‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫ح ْ‬ ‫ه***ب ِ ُ‬ ‫ه لعَل ُ‬ ‫جو ال ِل َ‬ ‫وَل َك ِن ِّني أْر ُ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫خل َِني دار ال ْجنان بفضِله***فََل عَم ٌ َ‬
‫جو ب ِهِ أتقّر ُ‬ ‫ل أْر ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ ِ ِِ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫وَي ُد ْ ِ‬
‫ن قَد ْ ت ََرهُّبوا ‪( 22).‬‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫حاب ِهِ َوال ِ‬ ‫ص َ‬ ‫د***وَأ ْ‬ ‫م ٍ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ي ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ش ِ‬ ‫ب الن ِّبي الها ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫وى ُ‬ ‫س َ‬ ‫ِ‬
‫]من كتاب "العبادة واجتهاد السلف فيها" للشيخ[‬
‫________________________________________‬
‫)‪ (1‬رواه مسلم )‪(2702‬‬
‫)‪ (2‬رواه مسلم )‪(2747‬‬
‫)‪ (3‬رواه مسلم )‪(2759‬‬
‫)‪ (4‬حسن ‪ :‬الترمذي )‪ (3537‬أحمد )‪ (6160‬ابن ماجة )‪ (4253‬ابن حبان )‬
‫‪ (2450‬الحاكم )‪ (4/257‬وصححه ‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح ‪ :‬أحمد )‪ (3558‬ابن ماجة )‪(4252‬‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (6‬البخاري )‪ (6481‬مسلم )‪(2758‬‬


‫)‪ ( 7‬صحيح ‪ :‬رواه الترمذي )‪ (3334‬وقال حديث حسن صحيح ‪ ,‬ابن ماجة )‬
‫‪ (4244‬أحمد )‪(2/297‬‬
‫)‪ ( 8‬البخاري )‪ (3470‬مسلم )‪(2766‬‬
‫)‪ ( 9‬البخاري)‪ (3481‬مسلم)‪(2756‬‬
‫)‪ ( 10‬رواه مسلم )‪(1695‬‬
‫)‪ ( 11‬رواه البخاري )‪ (4418‬مسلم )‪(2769‬‬
‫)‪ ( 12‬أسماء مواقع من أيام القادسية ‪.‬‬
‫)‪ ( 13‬تاريخ الطبري )‪(2/416‬‬
‫)‪ ( 14‬تاريخ ابن عساكر )‪(32/406‬‬
‫) ‪ (15‬رواه البخاري )‪ (3483‬من غير طريق القعنبي ‪ ,‬ورواه أبو داود )‬
‫‪ (4797‬من طريق القعنبي ‪.‬‬
‫) ‪ (16‬التبصرة لبن الجوزي )‪(1/27‬‬
‫)‪ ( 17‬الذهبي في "السير" )‪(5/363‬‬
‫) ‪ (18‬غذاء اللباب شرح منظومة الداب )‪(2/505‬‬
‫)‪ ( 19‬بحر الدموع )‪(27‬‬
‫) ‪ (20‬كان من ثقات التابعين بمكة ‪ ,‬وكان يذكر الّناس ‪" ,‬السير" )‪(4/156‬‬
‫)‪ ( 21‬ثقات العجلي )‪(322‬‬
‫)‪ ( 22‬بحر الدموع )‪(41‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫التوجيه نحو الستقرار الجتماعي للشباب المسلم‬


‫ً‬
‫عندما نتناول موضوع رعاية الشباب‪ ،‬نجد أنه ُيمثل واجبا يتبناه أولو المر من‬
‫الباء والمسؤولين والهيئات والمؤسسات الوطنية‪ ،‬بهدف توجيه طاقات‬
‫الشباب بما يعود عليهم بالنفع‪ ،‬وما ُيقلل من الضطرابات السلوكية بينهم‪،‬‬
‫ويحقق الستقرار الجتماعي المنشود بينهم وبين ذويهم وبين أبناء المجتمع‬
‫كافة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ورعاية الشباب تعد واجبا ذاتيا يجب أن يدركه الشباب أنفسهم‪ ،‬إذ إنه عادة‬
‫ما تكون خصائصهم النفسية والعقلية في مرحلة الشباب‪ ،‬تمكنهم من إدراك‬
‫الواقع الجتماعي الذي يعايشونه‪ ،‬وما تتطلبه الحياة الجادة المستقرة منهم‬
‫من بذل وعطاء‪ ،‬ما دامت تتوافر أمامهم الفرص الكافية‪ ،‬لستغلل طاقاتهم‬
‫وإشباع رغباتهم وحاجاتهم‪.‬‬
‫لذلك تعد ميادين رعاية الشباب مجال ً مهما ً في حياة الشباب حيث إنها‪:‬‬
‫‪ - 1‬تمكن الشباب من تنمية الذات‪ ،‬كما تمكنهم من القدرة على تحمل‬
‫المسؤولية والتبعات‪ ،‬من منطلق إدراكهم لقدراتهم واستعداداتهم‪ ،‬وكيفية‬
‫استغلل هذه الطاقات فيما يعود بالنفع عليهم‪.‬‬
‫‪ - 2‬تعتبر الساس للتوجيه المهني والتأهيل العلمي للحياة الجتماعية‬
‫والقتصادية المنتجة‪ ،‬بغية استقرار حياتهم واستقرار حياتهم واستشعارهم‬
‫المن الجتماعي‪ ،‬ومواصلة ركب الحياة‪.‬‬
‫‪- 3‬تحقق للشباب الرعاية الجسمية والنفسية والعقلية الصحيحة‪ ،‬ومن ثم‬
‫النتاجية الفاعلة‪.‬‬
‫‪ - 4‬تتيح أمامهم فرص ممارسة المواقف العلمية‪ ،‬والمسؤوليات التي تنمي‬
‫اللتزام والضبط والتزان الجتماعي‪ ،‬وبذلك تقلل من النحرافات‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والضطرابات بينهم وبين المجتمع الذي يعايشونه‪.‬‬


‫‪ - 5‬كما أنها تعد الشباب لبناء الثروة الوطنية التي يمكن أن توجه وتستغل‬
‫لما فيه خير المجتمع في جوانبه القتصادية والثقافية والجتماعية‪.‬‬
‫من هذا يتبين أن رعاية الشباب تمثل ضرورة اجتماعية‪ ،‬لن قوة المجتمع‬
‫وتماسكه وسلمة بنيانه والعلقات السائدة فيه‪ ،‬تتطلب إعداد جيل من‬
‫الشباب يتمسك بعقيدته ويعتز بتراثه‪ ،‬ويلتزم بالضوابط الدينية الجتماعية‪،‬‬
‫ويحافظ على العادات والتقاليد اليجابية الصالحة‪ ،‬وُيساهم مساهمة إيجابية‬
‫عند تعليمه‪ ،‬وفي عمله وفي أوقات جده وأوقات فراغه‪ ،‬لدفع عجلة التقدم‬
‫في وطنه نحو الغد والهدف المرغوب‪.‬‬
‫ومن أهم ما يواجه الشباب بصفة عامة في حياتهم مشكلة كيفية الستفادة‬
‫من أوقات الفراغ‪ ،‬حيث إنها تمثل أهمية بالغة في عالمنا المعاصر‪ ،‬حيث‬
‫يحتاج توجيه الشباب المسلم إلى نشاط مخطط يعود بالنفع عليهم وعلى‬
‫أوطانهم‪ ،‬إذ إن وقت الفراغ ليس وقت عبث‪ ،‬بل هو سلوك يجب أن يتسم‬
‫بالجدية‪ ،‬ويستثمر بوسائل فعالة تعمل على تحقيق الصحة النفسية للشباب‬
‫وتقلل من الضطرابات السلوكية بينهم‪ ،‬ويعمل على زيادة النتاج المتوقع‬
‫منهم‪.‬‬
‫والشباب لو ترك لطبيعته الخيرة لستغل وقت فراغه في نشاط إيجابي بناء‪،‬‬
‫في حين أنه قد يتعرض لعوامل بيئية اجتماعية محلية أو واردة تؤدي إلى‬
‫توجيهه إلى نشاط سلبي هدام‪ ،‬خاصة وقد انتشرت وسائط كالنترنت وغيره‪،‬‬
‫ما يتيح فرصا ل تستغل لصالح الشباب‪ ،‬ومع زيادة تكاليف وأعباء الحياة‬
‫العصرية المعاصرة‪ ،‬ونتيجة للتقدم التقني وما صاحبه من مشكلت اقتصادية‬
‫واجتماعية‪ ،‬فإن الشباب المعاصر يواجه مشكلت تتصل بكيفية استغلل‬
‫طاقاتهم وتوجيهها‪ ،‬فهم في حاجة إلى توجيه وإرشاد نحو قضاء وقت الجد‬
‫والفراغ وشغلها بنشاط بناء‪.‬‬
‫ومشكلة وقت الفراغ من أبرز المشكلت المعاصرة التي تواجه الشباب‬
‫المسلم‪ ،‬وهي من المشكلت التي يجب على المسؤولين في المجتمعات‬
‫العربية والسلمية إيجاد حلول لها‪ ،‬لنها ُتمثل مشكلة الكثير من الشباب‪،‬‬
‫وعدم إيجاد الحلول اليجابية لمشكلت الفراغ بين الشباب تؤدي إلى زيادة‬
‫الجنوح والجريمة في أوساط الشباب‪ ،‬في حين أنه عند توافر أنشطة وقت‬
‫الفراغ والنشطة الترويحية بين الشباب‪ ،‬تقل نسبة الجنوح بينهم إضافة إلى‬
‫أن توجيه وإرشاد الشباب نحو الستثمار المثل لوقات الفراغ‪ -‬في ضوء‬
‫المسموح به أخلقيا ً ودينيًا‪ -‬ما ينمي الشخصية المتكاملة للشباب من النواحي‬
‫الجسمية والعقلية والجتماعية والنفعالية والدينية‪ ،‬بحيث يتحقق التوافق‬
‫النفسي لهم‪ ،‬خاصة الشباب المسلم في وقتنا المعاصر يواجه مشكلت‬
‫عديدة‪ ،‬وأنواء عاصفة‪ ،‬تحتاج إلى توجيه وإرشاد متكامل ومتجدد‪ ،‬لتمكينهم‬
‫من التغلب على هذه المشكلت‪ ،‬وتجنيبهم الخوض في معاركها‪.‬‬
‫ومن واجب المسؤولين البحث عن السلبيات والنحرافات التي قد تواجه‬
‫الشباب المسلم في وقتنا المعاصر‪ ،‬إذ إن عدم إحكام الرقابة‪ ،‬وإتاحة فرص‬
‫اللهو والعبث أمام الشباب‪ ،‬والبتعاد عن الجدية والعمال المثمرة النافعة‬
‫والستثمار المثل لوقات العمل المثمرة والفراغ الذي يستغل لصالحهم قد‬
‫يؤدي إلى مخاطر اجتماعية ل تقتصر على الضرار بالشباب وحدهم ‪ ،‬بل‬
‫تتعدى أضرارها إلى المجتمع بجوانبه البشرية والمادية والمعنوية‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وللحديث بقية بمشيئة الله‪ ،‬ونسأل الله أن يجنبنا جميعا الزلل‪ ،‬وأن يرشدنا‬
‫إلى طريق الستقامة والرشاد‪ ،‬حتى يعم الخير أمتنا السلمية جمعاء‪،‬‬
‫ً‬
‫مصداقا لقوله تعالى)وأن لو استقاموا على الطريقة لسقيناهم ماء غدقا(‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‬

‫)‪(2 /‬‬

‫المدرس ومهارات التوجيه‬


‫الكتب‪/‬المدرس ومهارات التوجيه‬
‫مقدمة الطبعة الثانية‬
‫إن الحمد لله‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور‬
‫أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فل مضل له ومن يضلل فل هادي له‪،‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله‪،‬‬
‫أما بعد‪-:‬‬
‫فقبل ثلث سنوات صدرت الطبعة الولى‪ ،‬ولما عدت لقراءة هذا الكتاب‬
‫رأيت أنه بحاجة لمزيد مراجعة وإضافة‪ ،‬فأعدت النظر فيه مرة أخرى‪ ،‬ليخرج‬
‫بهذه الطبعة الجديدة‪ ،‬والتي تمتاز عن سابقتها بما يلي‪:‬‬
‫ل‪ -:‬إضافة المزيد من الفكار والمباحث‪ ،‬وقد بلغ ما تم إضافته في هذه‬ ‫أو ً‬
‫الطبعة قريبا ً من ثلث الكتاب‪.‬‬
‫ثانيًا‪ -:‬كنت قد قرأت بعض ما كتبه السلف حول آداب العالم والمتعلم‪،‬‬
‫فأضفت بعض النقول عنهم في ذلك‪ ،‬وتركت الكثير لئل يزيد حجم الكتاب‪.‬‬
‫ثالثًا‪ -:‬إعادة ترتيب بعض فصول الكتاب ومباحثه‪.‬‬
‫رابعًا‪ -:‬تصحيح بعض الخطاء في الطبعة السابقة‪.‬‬
‫جد ّ للنسان أمور‪ ،‬أو يعيد النظر في‬ ‫وأشعر أنه كلما امتد الزمن‪ ،‬لبد أن ت ِ‬
‫ة‬
‫بعض اقتناعاته‪ ،‬أو ترتيب أولويات أفكاره‪ ،‬لذا فسيبقى العمل البشري عرض ً‬
‫للصواب والخطأ‪ ،‬والتغيير والتبديل‪ ،‬ومهما امتد ذلك فلن يصل مرتبة الكمال‪،‬‬
‫أو يتجاوز مرحلة الوقوع في الخطأ والزلل‪.‬‬
‫وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقني الخلص في القول والعمل إنه سميع‬
‫مجيب‪.‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد‪.‬‬
‫محمد بن عبدالله الدويش‬
‫الرياض ‪30/1/1416‬هـ‬
‫المقدمة‬
‫إن الحمد لله‪ ،‬نحمده ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونتوب إليه‪ ،‬ونعوذ بالله من‬
‫شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل‬
‫هادي له‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده‬
‫ورسوله‪ ،‬أما بعد‪-:‬‬
‫فإنه قرار صائب ذاك الذي اتخذَته بالتوجه لهذه المهنة الشريفة‪ ،‬والتصدي‬
‫ت قدميك في طريق البناء والعداد‬ ‫لحمل هذه الرسالة الخالدة‪ ،‬فقد وضع َ‬
‫ت بحاجة أخي المدرس إلى أن أدبج لك المقال‪ ،‬وأستنجد‬ ‫لهذه المة‪ ،‬ولس َ‬
‫لك اليراع‪.‬‬
‫أي خطأ يرتكبه ذاك الذي يظن التعليم وظيفة رسمية فحسب‪ ،‬وأي ظلم‬
‫وإهانة للجيل والنشء‪ -‬ل للمعلم وحده ‪ -‬تلك النظرة القاصرة التي تقلل من‬
‫مكانة المعلم‪ ،‬وترى أن التعليم وظيفة من رضوا بالدون‪ ،‬وأخلدوا للدعة‪،‬‬
‫وتركوا التسابق للمراتب العالية‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكم أتهلل بشرا ً وأسعد حين أراك أخي المدرس يا من تحمل بين طياتك‬
‫نفسا ً صادقة‪ ،‬وقلبا ً حاّرا يحترق على واقع أمته‪ ،‬ويتألم لحال الشباب‪ .‬ومع‬
‫ذلك فلم يكن هذا الهم عائقا ً لك ومثبطًا‪ ،‬بل أنت تحمل طموحا ً صادقًا‪،‬‬
‫ونفسا ً أبية متطلعة للصلح والتغيير‪ .‬ولم يقف الحد عند هذه المشاعر‪ ،‬فها‬
‫أنا أرى ثمرات جهدك‪ ،‬ونتاج عملك‪ ،‬بارك الله فيك‪ ،‬وزادك علما ً وعم ً‬
‫ل‪.‬‬
‫أخي المدرس ‪ :‬كثيرا ً ما سمعت كلمات الثناء الصادقة من طلبك‪ ،‬وكثيرا ً ما‬
‫رأيت بصماتك ظاهرة عليهم‪ ،‬أرأيت الشباب الغض الذي يتسابق إلى‬
‫الصفوف الول في المساجد‪ ،‬ويسارع إلى حلق العلم ومجالس الخير؟ ولن‬
‫أقول لك اذهب إلى المدارس‪ ،‬فأنت من أهلها‪ ،‬ألم تر إليها وقد تزينت بأولئك‬
‫الخيار‪ ،‬وقد صاروا يسابقون إلى أعلى المراتب‪ ،‬ويبزون أقرانهم‪ .‬فكل ما‬
‫ترى أخي الكريم بعض ثمرة جهدك وجهد إخوانك من الساتذة والدعاة‪.‬‬
‫ولكن ومع هذه الجهود الخيرة المشكورة هناك فئة من المعلمين الخيار‪ ،‬ل‬
‫مطعن في دينهم‪ ،‬ول شك في فضلهم‪ ،‬فنحن نحبهم في الله‪ ،‬ونعتقد أن‬
‫أكثرهم أفضل منا عند الله‪ ،‬ونسعد بلقائهم ودعواتهم الصادقة‪ ،‬لكنهم ل‬
‫يزيدون على أن يندبوا واقع الشباب‪ ،‬ويتألموا لما هم فيه‪ ،‬دون أن يحركوا‬
‫ساكنًا‪.‬‬
‫فأستأذنك أخي الكريم أن أخاطب هؤلء الحباب فحقهم علينا عظيم‪..‬‬
‫فهل فكرت أخي الكريم في عظم الموقع الذي تبوأته‪ ،‬والمانة التي تحملتها‪،‬‬
‫فذاك الرجل الطاعن في السن‪ ،‬وتلك المرأة الضعيفة قد علقوا آمالهم بعد‬
‫الله عليك في استنقاذ ابنهم وحمايته‪ ،‬والمصلحون الغيورون يعدونك من أكبر‬
‫المال في استنقاذ المجتمع‪ ،‬والمة تبحث أخي الفاضل عن المنقذ لها‬
‫ولبنائها‪ ،‬وأنت أخي المدرس جزء من محط آمال المة‪.‬‬
‫أخي المدرس‪ :‬أنت يا قارئ السطور أعنيك ول أعني سواك‪ ،‬أنت محط‬
‫آمالنا‪ ،‬أنت طريقنا ل إلى الشباب والتلميذ وحدهم بل إلى الناس كلهم‪.‬‬
‫أعلم أخي المعلم أنك ستقول‪ :‬علمي ضعيف‪ ،‬قدراتي محدودة‪ ،‬وربما لست‬
‫صاحب اختصاص شرعي‪ ،‬أعلم ذلك كله‪ ،‬ولكني أجزم أنك قادر على أن‬
‫تصنع الكثير‪ ،‬ومهما ضعف علمك‪ ،‬وتواضعت قدراتك‪ ،‬وقّلت خبرتك‪ ،‬مهما‬
‫خلعت على نفسك من أوصاف القصور‪ ،‬وسلكت من أبواب التواضع‪ ،‬فأنت‬
‫قادر على أن تقدم الكثير‪ ،‬ول نطلب منك أخي المدرس إل ما تطيق‪ .‬أل‬
‫تطيق الكلمة الناصحة؟ أل تطيق التألم والحرقة على واقع أبنائك؟‪.‬‬
‫وحجة أخرى طالما سمعناها‪ :‬المنهج طويل‪ ،‬ل أجد الوقت‪ ،‬لكنا نريد أخي‬
‫الكريم دقائق معدودة‪ ،‬تستطيع توفيرها من كثير من الوقت الذي يضيع‪،‬‬
‫والستطراد الذي ل ضرورة له‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أخي المدرس‪ :‬ما أغناك عن أن أحدثك عن الواقع المرير لمتنا‪ ،‬أو عن التآمر‬
‫على شباب المسلمين‪ ،‬أنسيت ما فعل دنلوب وأذنابه؟ أنسيت ما بذل جيل‬
‫المسخ ليحول بينك ‪ -‬أنت المعلم ‪ -‬وبين إبلغ كلمة الحق الصادقة إلى‬
‫القلوب المتعطشة؟ ‪.‬‬
‫أخي المدرس‪ :‬أخاطب فيك الغيرة والحمية لدين الله‪ ،‬فأنت تقابل الشباب‬
‫ل يوم‪ ،‬وتدرك أيّ غفلة وعالم يعيشونه‪ ،‬ترى مظاهر العراض‪ ،‬ومصارع‬ ‫ك ّ‬
‫ً‬
‫الفتن‪ ،‬فكيف ل تحرك فيك ساكنا؟‪ .‬ألم تره ذاك الشاب الذي يعيش معاناة‬
‫واضطرابات المراهقة‪ ،‬ويصارع الشهوات‪ ،‬وتعصف به الرياح من كل فج‪ ،‬أو‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخر الذي اكتنفه رفاق السوء فأحاطوا به إحاطة السوار بالمعصم؟ فهل‬
‫ص الخبرة إلى أن تعجز أن تقدم شيئا ً‬ ‫م القدرة ونق ُ‬ ‫وصل بك أخي الكريم عد ُ‬
‫لهذا وأمثاله؟‪.‬‬
‫أخي المدرس‪ :‬لست أدعوك إلى عمل خير تساهم فيه فحسب‪ ،‬ول أحثك‬
‫على القيام بنافلة من أفضل النوافل‪ ،‬إنما أدعوك إلى أن ترعى المانة‪،‬‬
‫وتقوم بالمسؤولية‪ ،‬وبعبارة أدق‪ :‬أن تؤدي الواجب الشرعي‪.‬‬
‫ألست راعيا ً أخي المدرس ؟ ألم يقل صلى الله عليه وسلم ‪" :‬كلكم راع‬
‫وكلكم مسؤول عن رعيته" )رواه البخاري ) ‪ ( 893‬ومسلم ) ‪ (. ( 1829‬؟‬
‫ألست ترى المنكر؟ ألم يقل صلى الله عليه وسلم ‪":‬من رأى منكم منكرا ً‬
‫فليغيره بيده‪ ،‬فإن لم يستطع فبلسانه‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه") رواه مسلم )‬
‫‪ (. ( 49‬؟ وهل وصل بك المر إلى أن ل تطيق إل الكلمة العابرة أو النقد‬
‫م الصلح؟ أل تطيق أن تفكر في وسائل تربية‬ ‫السلبي؟ أل تطيق أن تحمل ه ّ‬
‫الناشئة وتوجيههم؟‬
‫كيف أخي المدرس تتحمل أمانة تدريس المنهج الدراسي‪ ،‬وتأخذ مقابل ذلك‬
‫أجرا ً من مال المسلمين؟ وحين ندعوك لتحمل أمانة الدعوة والتوجيه ‪ -‬التي‬
‫هي واجبة عليك ابتداًء‪ ،‬وقد زادت مع تبوئك هذا الموقع ‪ -‬حين تكون الحاجة‬
‫الماسة لحمل المانة التربوية تعتذر بعدم القدرة‪ ،‬والضعف العلمي‪ ،‬وفقد‬
‫الخبرة‪ ،‬وتحسب أن هذا من التواضع‪ .‬بل التواضع هو القيام بالواجب‬
‫والستعانة بالله‪.‬فعجبا ً لهذا القلب للمفاهيم! ومتى كان التخلي عن الواجب‬
‫وترك المسؤولية تواضعًا؟‬
‫كيف أخي المدرس تنقد واقع الشباب‪ ،‬وتتحدث عن سلبياتهم ومع ذلك ل‬
‫تحرك ساكنًا‪ ،‬ول تقوم بجهد؟‪.‬‬
‫معذرة لهذا الخطاب الجريء فلول أني أقدر مسؤوليتك التي ستسأل عنها‬
‫يوم الحساب‪ ،‬ولول أني أخاطب قلبك الواعي‪ ،‬وعقلك المدرك‪ .‬لما جرأت‬
‫عليك‪ ،‬ولول أن المر ل يحتمل الغضاء لطويت الصفحة‪ ،‬ولول ثقتي الكبيرة‬
‫بأن ما أقوله سيثير كوامن خفية في نفسك لما سطرت حرفا ً واحدًا‪.‬‬
‫ن‬‫ن بار‪ ،‬وتلميذٍ يقدر جهدك؟ وهل أنت مستغ ٍ‬ ‫أخي المدرس ‪ :‬هل تزهد في اب ٍ‬
‫ً‬
‫دمت له خيرا؟ إن هذه عاجل النتائج‬ ‫عن دعوة صالحة يخصك بها من ق ّ‬
‫وبشرى المؤمن‪ ،‬أما ما عند الله فهو خير وأبقى‪.‬‬
‫ب‬
‫ٌ‬ ‫مطل‬ ‫العملية‬ ‫والخطوات‬ ‫أخي المدرس ‪ :‬إن الشعوَر بأهمية التوجيه‪ ،‬بل‬
‫نفيس‪ ،‬ولكن ل ينبغي أن نقف عند هذا الحد بل يجب أن نتجاوزه إلى أن‬
‫نتعلم فن التوجيه‪ ،‬وأساليب التأثير‪ ،‬وهذا باب واسع‪ ،‬لن يحيط به ما سطرته‪،‬‬
‫ص قاصر‪ ،‬ولذا فأنا أدعو أن تتضافر الجهود‬ ‫ومهما بذلت فالمر أكبر من شخ ٍ‬
‫لكتشاف وسائل التأثير‪ ،‬وأن نتبادل الخبرات‪ .‬فأدعو هنا إخواني إلى‬
‫المساهمة في المر‪ ،‬كتابة ومحاضرة‪ ،‬ومناقشة‪ ،‬ويسعدني أن أتلقى من‬
‫الخوة الكرام أي ملحوظة‪ ،‬أو رأي‪ ،‬أو توجيه‪ ،‬أو اقتراح‪.‬‬
‫وأنا كاتب هذه السطور إن نسيت فلن أنسى ذاك الستاذ الفاضل الذي‬
‫درسني في المراحل الولية‪-‬رحمه الله‪ -‬كنت ألمس يومها ‪-‬وأنا طفل بريء ‪-‬‬
‫في وجهه الصدق والعاطفة الحية‪ ،‬ول تزال أصداء كلماته تتردد في أذني‪،‬‬
‫وضه الله عن نور‬ ‫فرحمه الله وأجزل مثوبته‪ ،‬وأعلى درجته‪ .‬والخر الذي ع ّ‬
‫ً‬
‫بصره بنور بصيرته ‪-‬أحسبه كذلك والله حسيبه ول أزكي على الله أحدا‪ -‬فلله‬
‫ي من فضائل‪ ،‬وكم من كلمة صادقة سمعتها إن نسيت حروفها‬ ‫كم رّبى ف ّ‬
‫ً‬
‫الن فقد ترجمت إلى عمل وواقع فصارت جزءا مني ليفارقني‪ .‬وهل أنسى‬
‫ي بحفظ كتابه على يديه؟‬ ‫ن الله عل ّ‬
‫م ّ‬ ‫بعد ذلك ذاك الشيخ الوقور الذي َ‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبعدهم خطا بي العمر فانتقلت إلى المعهد العلمي‪ ،‬فتشرفت بالتتلمذ على‬
‫مشايخ أجلء وأساتذة أفاضل‪.‬ولست أملك والله ما أقدم لهم من العرفان‬
‫والوفاء أفضل من الثناء الصادق‪ ،‬والدعاء الصالح‪ .‬اللهم فاغفر لهم جميعًا‪،‬‬
‫وارفع درجاتهم في الدنيا والخرة‪ ،‬واجزهم عني خير ما جزيت والدا ً وأستاذا ً‬
‫ناصحًا‪.‬‬
‫محمد بن عبدالله الدويش‬
‫الرياض ‪1413/ 3/ 26‬هـ‬
‫الفصل الول‪:‬ماذا يعني لنا التعليم؟‬
‫صور لحقيقة واحدة‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أل ترى أخي الكريم أن هناك فئة من العاملين في قطاع التعليم قد أهان هذه‬
‫الوظيفة الشريفة‪ ،‬حين اتخذها وسيلة للثراء والكسب المادي؟ فهو ل ينظر‬
‫لهذا العمل إل من خلل هذه الزاوية الحادة‪ .‬إن وظيفة التعليم أسمى وأعلى‬
‫ة‪ ،‬أو مصدرا ً لكسب الرزق‪ ،‬إنها إعداد ٌ للجيال‪،‬‬ ‫ة رسمي ً‬
‫من أن تكون وظيف ً‬
‫ّ‬
‫وبناٌء للمة‪ .‬ومن حق كل فرد ٍ أن يتطلع لعيشة هنية‪ ،‬وأن يتحصل على مصدر‬
‫شريف لكسب الرزق‪ ،‬لكن هذه صورة أخرى غير تلك التي يمتهن صاحبها‬
‫ل حساباته المقارنة‬ ‫مه وج ّ‬‫التدريس فل يختاره إل لما يدره من مال‪ ،‬وغاية ه ّ‬
‫بين المكاسب والخسائر‪ ،‬والحوافز والعقبات‪ ،‬فهل يؤتمن من هذه نهاية‬
‫نظرته‪ ،‬وغاية تطلعه؟! هل يؤتمن مثله على رعاية الجيل وإعداد النشء؟‬
‫هذه صورة‪..‬‬
‫الصورة الثانية‪:‬‬
‫ّ‬
‫ذاك المدرس الذي يشكو دهَره‪ ،‬ويندب حظه‪ ،‬فإجازاته ليست بيده‪ ،‬والطلب‬
‫أحالوا سواد َ شعره إلى بياض‪ ،‬والباء يتمون مايعجز عنه أبناؤهم‪ .‬فالمدرس‬
‫ظا‪ ،‬فأقرانه حاز بعضهم على مراتب عالية‪،‬‬ ‫عند صاحبنا أسوأ الناس ح ّ‬
‫وأسوأهم حال ً من يستأذن متى شاء‪ ،‬ويأتي متى أراد‪ ،‬ويتعامل مع أوراق‬
‫جامدة‪ ،‬ل أنفس متباينة‪ ،‬أما هو فيعيش بين ضجيج المراهقين‪ ،‬وصخب‬
‫الصغار‪ ،‬ليعود بعدها إلى أكوام الدفاتر‪.‬‬
‫إنه هو الخر وإن خالف صاحبه في التجاه‪ ،‬فتشاءم حين تفاءل صاحبه‪ ،‬ونظر‬
‫بعين الخسائر حين نظر صاحبه بعين المكاسب‪ ،‬إنه مع ذلك لم يدرك شرف‬
‫التعليم‪ ،‬ولم يرتق إلى أهلية التوجيه‪ ،‬وأي نتاج وتربية ترتجى وراء هؤلء؟!‪.‬‬
‫الصورة الثالثة‪:‬‬
‫وهي قد تحمل أوجه تلق مع الصورة الولى أو الثانية‪ ،‬لكن صاحبها متبلد‬
‫الحساس‪ ،‬فاقد الغيرة يرى أبناء المسلمين يتهافتون على الفساد‪ ،‬ويقعون‬
‫في شبك الرذيلة‪ ،‬ول يحرك المر لديه ساكنًا‪ ،‬أو يثير عنده حمية‪ ،‬فهذا ليس‬
‫من شأنه ‪ .‬شأنه تدريس الفاعل والمفعول‪ ،‬أو توضيح المركبات وقوانينها‪ ،‬أو‬
‫حل المعادلت‪ ،‬بل قد يتبوأ تدريس العلم الشرعي‪ ،‬والتربية السلمية‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فواقع الطلب ل يعنيه بقليل ول كثير‪.‬‬
‫لست أدري أي عقلية تحكم هذا النوع من الناس؟! ول أعلم من أيهما أعجب‬
‫من واقع الشباب‪ ،‬أم من ضعف التوجيه وعدم إيجابية هذا النمط من‬
‫المعلمين؟‬
‫الصورة الرابعة‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مدرس اتجه إلى التدريس كرها ل طوعا‪ ،‬فهو لم يجد وظيفة أصل غيره‪ ،‬أو‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كان يريد البقاء في بلده‪ ،‬فهو الخيار الوحيد له‪ ،‬ولسان حاله يقول‪ :‬مكره‬
‫أخاك ل بطل‪ ،‬نعم من حقه أن يؤمن مجال ً يعمل فيه‪ ،‬لكن مثل هذا الصنف‬
‫قد ل يدرك رسالة التعليم‪ ،‬وشرف التربية‪.‬‬
‫المدرس الذي نريد‪:‬‬
‫ل‪ ،‬ونرى أن ما تحمله من تباين‬ ‫ة وتفصي ً‬ ‫وحين نرفض تلك الصور السابقة جمل ً‬
‫ل يخرجها من أن تكون مظاهر لحقيقة واحدة هي الهمال وعدم إدراك‬
‫المسؤولية‪ ،‬فما الصورة التي نريد‪ ،‬والمدرس الذي نتطلع إليه؟‪.‬‬
‫لسنا نريد ذاك الذي رمى الدنيا وراء ظهره وطلقها ثلثا ً فلم يعبأ بها‪ ،‬أو ذاك‬
‫الذي ل يفارق محرابه‪ ،‬أو ذاك الذي ل تند ّ منه شاردة ول واردة‪ ،‬إنها صور‬
‫سامقة لكنها ليست لكل الناس‪.‬‬
‫إننا نريد المدرس البشر الذي يتطلع كغيره لتحصيل مورد لرزقه‪ ،‬ويرى أن‬
‫من حقه كغيره أن يتمتع بمزايا إدارية ووظيفية‪ ،‬لكن كل تطلعاته تلك لم ترق‬
‫إلى أن تكون الهدف الول والساس‪ ،‬والمقياس الوحد‪ ،‬والعامل الهم في‬
‫اتخاذ قراره بسلوك طريق التعليم‪ ،‬فقد اختار هذا الطريق ليخدم المة من‬
‫ي النشء‪ .‬إنه يحترق على واقع الشباب‪ ،‬ويعدهم‬ ‫خلله‪ ،‬ويعد ّ الجيل ويرب َ‬
‫أبناءه‪ ،‬ويعتبر إصلحهم من أولويات وظيفته‪ ،‬وتربيتهم من مسؤوليته‪ .‬ويؤدي‬
‫واجبات وظيفته على الوجه المطلوب ليهنأ بأكل راتبه حل ً‬
‫ل‪.‬‬
‫صله غيره من مزايا مادية‪ ،‬ويعيش عيشة‬ ‫صل ما يح ّ‬ ‫وهو مع ذلك كله سيح ّ‬
‫مستقرة هنية‪.‬‬
‫التعليم يعطي امتدادا ً لعمل النسان بعد موته‪:‬‬
‫حين يموت النسان ويفضي إلى ما قدم ينقطع عمله إل من ثلثة‪":‬صدقة‬
‫جارية‪ ،‬أو علم ينتفع به‪ ،‬أو ولد صالح يدعو له") رواه مسلم ) ‪. (.( 1631‬‬
‫وفي حديث أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪":‬إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته‪ :‬علما ً عّلمه ونشره‪،‬‬
‫فا وّرثه‪ ،‬أو مسجدا ً بناه‪ ،‬أو بيتا ً لبن السبيل بناه‪ ،‬أو‬‫وولدا ً صالحا ً تركه‪ ،‬ومصح ً‬
‫ة أخرجها من ماله في صحته وحياته‪ ،‬يلحقه من بعد‬ ‫نهرا ً أجراه‪ ،‬أو صدق ً‬
‫موته" )رواه ابن ماجه ) ‪ ( 242‬والبيهقي وابن خزيمة ‪ .‬وانظر ‪ :‬صحيح‬
‫الترغيب والترهيب ص ‪. (.73‬‬
‫وروى ابن ماجه بإسناد صحيح عن أبي قتادة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال‬
‫ٌ‬ ‫د‬ ‫ول‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬خير ما يخّلف الرجل من بعده ثل ٌ‬
‫ث‪:‬‬
‫م ُيعمل به من بعده")رواه ابن‬ ‫صالح يدعو له‪ ،‬وصدقة تجري يبلغه أجرها‪ ،‬وعل ٌ‬
‫ماجه ) ‪ . ( 241‬وانظر ‪ :‬صحيح الترغيب والترهيب ) ‪.(.( 75‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ونصيب المدرس ل يقف عند واحدة من هذه الثلث‪ ،‬بل يظفر بها جميعا ً كما‬
‫بّين ذلك الحافظ بدر الدين ابن جماعة حين قال‪":‬وأنا أقول ‪ :‬إذا نظرت‬
‫وجدت معاني الثلثة موجودة في معلم العلم‪ ،‬أما الصدقة الجارية فإقراؤه‬
‫إياه العلم وإفادته إياه‪ ،‬أل ترى إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم في‬
‫المصلي وحده ‪" :‬من يتصدق على هذا؟" )رواه أحمد )]‪ (3/14 [11016‬وأبو‬
‫داود )‪ (574‬والدارمي )‪ .(.(1368‬أي بالصلة معه لتحصل له فضيلة‬
‫الجماعة‪ ،‬ومعلم العلم يحصل للطالب فضيلة العلم التي هي أفضل من صلة‬
‫في جماعة‪ ،‬وينال بها شرف الدنيا والخرة‪ .‬وأما العلم المنتفع به فظاهر؛ لنه‬
‫كان سببا ً ليصال ذلك العلم إلى كل من انتفع به‪ .‬وأما الدعاء الصالح له‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فالمعتاد على ألسنة أهل العلم والحديث قاطبة من الدعاء لمشايخهم‬


‫وأئمتهم… فسبحان من اختص من شاء بجزيل عطائه" )تذكرة السامع‬
‫والمتكلم ) ‪.(. ( 64 - 63‬‬
‫وانظر إلى الثمرة التي جناها أبو حنيفة رحمه الله حين عّلم مسألة واحدة‪،‬‬
‫قال مكي بن إبراهيم‪":‬كنت أتجر فقال لي المام‪ :‬التجارة بل علم ربما تورث‬
‫فساد المعاملة‪ ،‬فما زال بي حتى تعلمت‪ ،‬فما زلت كلما ذكرته وذكرت كلمه‬
‫ي ببركته أبواب العلم")من أعلم التربية‬ ‫وصليت أدعو له بالخير؛ لنه فتح عل ّ‬
‫السلمية ) ‪ (1/44‬نقل ً عن مناقب أبي حنيفة للكردي ) ‪.( .(138‬‬
‫المدرس صاحب اللبنة الولى‪:‬‬
‫م دينه‪ ،‬وتلتف حوله الجماهير‪ ،‬ويثني‬ ‫هل رأيت العالم الداعية الذي يحمل ه ّ‬
‫الناس ركبهم لديه؟‬
‫أم أبصرت القاضي الذي يحكم في دماء الناس وأعراضهم وأموالهم؟‬
‫أم قابلت الجندي الذي يقف في الميدان حاميا ً لعرين المة‪ ،‬وحارسا ً‬
‫لثغورها؟‬
‫كل أولئك إنما جازوا من قنطرة التعليم‪ ،‬وعبروا من بوابة الدراسة‪ ،‬وقد كان‬
‫لهم ولشك معلمون وأساتذة‪ ،‬ولم يعدموا مدرسا ً ناصحًا‪ ،‬وأستاذا ً صادقًا‪.‬‬
‫" إن عظماء العالم وكبار الساسة فيه وصناع القرارات الخطيرة‪ ،‬كل هؤلء‬
‫قد مّروا من خلل عمليات تربوية طويلة ومعقدة‪ ،‬شارك فيها أساتذة‬
‫ومعلمون‪ ،‬وضع كل منهم بصماته على ناحية معينة من نواحي تفكيرهم‪ ،‬أو‬
‫على جانب من جوانب شخصياتهم‪ ،‬وليس من المحتم أن يكون هؤلء‬
‫العظماء وقواد المة ومصلحيها قد مّروا على عيادات الطباء‪ ،‬أو على مكاتب‬
‫المهندسين‪ ،‬أو المحامين‪ ،‬أو الصيادلة‪ ،‬أو المحاسبين‪ .‬بل إن العكس هو‬
‫الصحيح إذ لبد أن يكون كل هؤلء الطباء والمهندسين والمحامين والصيادلة‬
‫والمحاسبين وغيرهم‪ ،‬لبد وأن يكونوا قد مّروا من تحت يد المعلم؛ لنهم من‬
‫ناتج عمله وجهده وتدريبه… إن المعلمين يخدمون البشرية جمعاء‪ ،‬ويتركون‬
‫بصماتهم واضحة على حياة المجتمعات التي يعملون فيها‪ ،‬كما أن تأثيرهم‬
‫على حياة الفراد ومستقبلهم يستمر مع هؤلء الفراد لسنوات قد تمتد معهم‬
‫ما امتد بهم العمر‪ ،‬إنهم يتدخلون في تشكيل حياة كل فرد مّر من باب‬
‫المدرسة‪ ،‬ويشكلون شخصيات رجال المجتمع من سياسيين‪ ،‬وعسكريين‪،‬‬
‫ومفكرين‪ ،‬وعاملين في مجالت الحياة المختلفة" )المعلم والمناهج وطرق‬
‫التدريس لستاذنا ‪ .‬د ‪ .‬محمد عبدالعليم مرسي )‪.(. (15-14‬‬
‫فهو أنت أخي المدرس تدرس الصغير والكبير‪ ،‬وتعد الجميع‪ ،‬وتهيئهم ليصل‬
‫بعضهم إلى ما لم تصل إليه‪ ،‬لكنك صاحب اللبنة الولى وحجر الساس‪.‬‬
‫أرأيت أخي حجم مسؤوليتك؟ وأدركت موقعك من المجتمع؟ وعلمت مكانك‬
‫بين الناس؟‬
‫المدرس يمتد أثره خارج أسوار المدرسة‪:‬‬
‫يدرك الجميع مدى نجاح المدرس في التأثير من خلل فصله الدراسي‪ ،‬وعلى‬
‫طلبته الجالسين أمامه على مقاعد الدراسة‪ ،‬أما أن تأثيره يمتد خارج أسوار‬
‫المدرسة فهذا أمر قد ل يدركه الجميع‪ ،‬إن المدرس الناصح المخلص لن يعدم‬
‫أن يجد واحدا ً من بين طلبته المئات يحمل أفكاره‪ ،‬ويتحمس لها ربما أكثر‬
‫منه‪ ،‬وينافح عنها في المجالس والمحافل‪ ،‬فتبلغ كلماته مدى يعجز هو قبل‬
‫غيره عن قياسه‪.‬‬
‫وأحسب أنك توافقني أن هذه البوابة من التأثير غير مفتوحة للجميع‪ ،‬وأن من‬
‫يفشل في التأثير على الجالسين أمامه لن تجاوز كلماته فصله‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صلة الله وملئكته‪:‬‬


‫عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬‬
‫إن الله وملئكته وأهل السموات والرضين‪ ،‬حتى النملة في جحرها‪ ،‬وحتى‬
‫الحوت‪ ،‬ليصلون على معلم الناس الخير " )رواه الترمذي ) ‪( 2685‬‬
‫والدارمي )‪.(. (289‬‬
‫أي منزلة عالية تلك التي يبلغها المدرس‪ ،‬أن يصلي عليه الله سبحانه وتعالى‬
‫وملئكته الكرام الذين ل يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون؟ وحتى‬
‫سائر أهل السماء وأهل الرض‪ ،‬وهذا أمر يشاهده الجميع‪ ،‬ألم تسمع تلك‬
‫الدعوات الصادقة التي تصدر من الناس حين يسمعون خطيبا ً أو داعية للخير‪،‬‬
‫كرهم شيئا ً نسوه؟‬ ‫قد عّلمهم أمرا ً جهلوه‪ ،‬أو ذ ّ‬
‫ولكن ما بالك بمن جعل هذه المانة والمنزلة سليما ً للثراء‪ ،‬ووسيلة للكسب‬
‫المادي‪ ،‬ففقد الخلص لله سبحانه‪ ،‬ولم يبتغ بتعليم الناس وجه رّبه‪ ،‬أتراه‬
‫يستحق هذا الثواب؟ "إنما العمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى")رواه‬
‫البخاري ) ‪ ( 1‬ومسلم ) ‪.( .( 1907‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫له مثل أجر من تبعه‪:‬‬


‫عن أبي هريرة‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪":‬من‬
‫دعا إلى هدى كان له من الجر مثل أجور من تبعه ل ينقص ذلك من أجورهم‬
‫شيئًا‪ ،‬ومن دعا إلى ضللة كان عليه من الثم مثل آثام من تبعه ل ينقص ذلك‬
‫من آثامهم شيئا ً )رواه مسلم ) ‪.(.( 2674‬‬
‫وعن جرير بن عبد الله البجلي‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن النبي صلى الله عليه‬
‫ن في السلم سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها‬ ‫وسلم قال‪":‬من س ّ‬
‫بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء‪ ،‬ومن سن في السلم سنة سيئة‬
‫كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم‬
‫شيء")رواه مسلم ) ‪.(.( 1017‬‬
‫ن‬
‫وعن حذيفة‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ ":‬من س ّ‬
‫خيرا ً فاستن به؛ كان له أجره ومن أجور من يتبعه غير منتقص من أجورهم‬
‫ن شّرا فاستن به؛ كان عليه وزره ومن أوزار من يتبعه غير‬ ‫شيئًا‪ ،‬ومن س ّ‬
‫منتقص من أوزارهم شيئًا")رواه أحمد )‪.(.(5/387‬‬
‫فالمدرس له النصيب الوفر من هذه الفضائل؛ فهو ممن يدعو للهدى‪ ،‬ويسن‬
‫السنة الحسنة‪ ،‬بل روى ابن ماجه من حديث سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه‬
‫رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪":‬من عّلم علما ً فله أجر‬
‫من عمل به ل ينقص من أجر العامل" )رواه ابن ماجه ) ‪ . ( 240‬وانظر ‪:‬‬
‫صحيح الترغيب والترهيب ) ‪.(.( 76‬‬
‫النضارة‪:‬‬
‫ً‬
‫لقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪":‬نضّر الله امرأ سمع‬
‫ب مبلغ أوعى من سامع" )انظر لقط‬ ‫مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها‪ ،‬فَُر ّ‬
‫الللى المتناثرة ) ‪ ( 161‬وأورده السيوطي والكتاني ‪ .‬وذكر ابن منبه أنه رواه‬
‫أربعة وعشرون( فهذه دعوة من النبي صلى الله عليه وسلم للمعلم‪ ،‬فبادر‬
‫أخي المدرس في تعليم الخير لتفوز بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫فرب كلمة ل تلقي لها بال ً تقع على من يكون أوعى لها منك‪ ،‬فينالك أجرها‪.‬‬
‫من تلميذك البار؟‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من أعظم ما تدخره أخي المدرس في الحياة الدنيا أن تكسب طالبًا‪ ،‬يتلقى‬
‫توجيهك‪ ،‬ويحمل علمك‪ ،‬ويعرف بعد ذلك قدرك ‪.‬‬
‫ويوصيك بذلك ابن جماعة فيقول‪":‬واعلم أن الطالب الصالح أعود على العالم‬
‫بخير الدنيا والخرة من أعز الناس عليه‪ ،‬وأقرب أهله إليه‪ ،‬ولذلك كان علماء‬
‫السلف الناصحون لله ودينه يلقون شبك الجتهاد؛ لصيد طالب ينتفع الناس به‬
‫في حياتهم‪ ،‬ومن بعدهم‪ ،‬ولو لم يكن للعالم إل طالب واحد ينتفع الناس‬
‫بعلمه وهديه وإرشاده لكفاه ذلك الطالب عند الله تعالى‪ ،‬فإنه ل يتصل شيء‬
‫من علمه إلى أحد فينتفع به إل كان له نصيب من الجر" )تذكرة السامع‬
‫والمتكلم )‪.((63‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التعليم‬
‫لماذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم ؟‬
‫ترتفع الرؤوس كثيرا ً اليوم‪ ،‬ويتطلع منظرو التربية في العالم السلمي إلى‬
‫ظروا لهذا العلم ورسموا‬ ‫فلسفة التربية الغربية ورموزها؛ فهم الذين ن ّ‬
‫خطوطه العريضة‪ ،‬والمؤلف الناضج والكاتب الرصين هو الذي يدبج مقاله‬
‫بالنقل عن علماء الغرب وأساتذته‪ ،‬والتربية عند هؤلء علم حديث النشأة إنما‬
‫بدأ مع العصر الحديث‪ :‬عصر النهضة والتقدم العلمي‪.‬‬
‫ونحن إذ ل ننكر ما بذله علماء الغرب من جهود في هذا العلم وغيره‪ ،‬ول نغلو‬
‫فندعو المسلم إلى هجر ورفض جميع ما عند أولئك ‪ -‬نحن إذ ل نقف هذا‬
‫الموقف‪ -‬فلسنا بحال مع من يدعو المة إلى أن تختزل تاريخها‪ ،‬وتطوي‬
‫ل‪ ،‬وتهيل الركام على تراثها الحق‪.‬‬ ‫ض الطرف جهل ً أو تجاه ً‬
‫صفحاته‪ ،‬فتغ ّ‬
‫لقد بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم في أمة سيطر عليها الجهل‪،‬‬
‫واستولت عليها الخرافة‪ ،‬فصنع بإذن الله منها أمة حاملة للهداية للبشرية‬
‫أجمع‪ ،‬أمة حاملة منهج العلم‪ ،‬ومنهج التعليم والتفقه‪.‬‬
‫لقد وصف الله سبحانه وتعالى نبيه محمدا ً صلى الله عليه وسلم بأنه معلم‬
‫فقال ]هو الذي بعث في الميين رسول ً منهم يتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب‬
‫والحكمة ويزكيهم وإن كانوا من قبل لفي ضلل مبين[ )الجمعة‪.(2 :‬‬
‫ن الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسول ً‬ ‫وامتن على المؤمنين بذلك ] لقد م ّ‬
‫من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من‬
‫قبل لفي ضلل مبين[ )آل عمران‪.(164 :‬‬
‫وقال ‪] :‬كما أرسلنا فيكم رسول ً منكم يتلو عليكم آياتنا ويعلمكم الكتاب‬
‫والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون[ )البقرة ‪.(151:‬‬
‫وما أجمل ذلك الوصف‪ ،‬وأبر هذا القسم الذي صدر من معاوية بن الحكم‬
‫السلمي رضي الله عنه" فبأبي هو وأمي‪ ،‬ما رأيت معلما ً قبله ول بعده أحسن‬
‫تعليما ً منه" )رواه مسلم ) ‪.(.( 537‬‬
‫بل وهل يظن مسلم أن يوجد أسمى وأعلى‪ ،‬وأشرف منه صلى الله عليه‬
‫وسلم معلما ً ومربيًا‪ ،‬بل وهل يظن ظان أن سيرد مشرب التعليم والتربية من‬
‫غير حوضه‪ ،‬أو يدخل إلى ساحة البناء دون بابه‪.‬‬
‫فما أحوجنا معاشر المعلمين والمربين إلى التماس هديه صلى الله عليه‬
‫وسلم في التعليم‪ ،‬والتأسي بسنته‪ ،‬وهل ثمة رمز نتطلع إليه‪ ،‬وموجه نتلقى‬
‫منه غيره؟‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م كانت هذه المحاولت لتلمس بعض معالم هديه صلى الله عليه وسلم‬ ‫ومن ث َ ّ‬
‫في التعليم‪.‬‬
‫أول ً ‪:‬إيجاد الدافع للتعلم‪:‬‬
‫ل شك أن للترغيب في العلم دورا ً كبيرا ً في إيجاد الحماسة لدى طالب العلم‬
‫للتعلم؛ إذ هو مهما علت حماسته وارتفعت عزيمته‪ ،‬ليخلو من أن تعصف به‬
‫رياح الكسل‪ ،‬ويصيبه العجز والفتور‪ ،‬ومن ثم كان لبد من تعاهد هذه النبتة‬
‫بالرعاية‪ ،‬وهو أمر ل يمكن أن يغفل عنه معلم البشرية صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫فكان صلى الله عليه وسلم يسلك مبدأ إثارة الدافع لدى المتعلم من خلل‪:‬‬
‫أ ‪ -‬بيان فضل العلم وطلبه‪ :‬فيقول صلى الله عليه وسلم ‪":‬من سلك طريقا ً‬
‫يبتغي فيه علما ً سلك الله به طريقا ً إلى الجنة‪ ،‬وإن الملئكة لتضع أجنحتها‬
‫رضاء لطالب العلم‪ ،‬وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في‬
‫الرض حتى الحيتان في الماء‪ ،‬وفضل العالم على العابد كفضل القمر على‬
‫سائر الكواكب‪ ،‬إن العلماء ورثة النبياء‪ ،‬إن النبياء لم يورثوا دينارا ً ول درهما؛ً‬
‫إنما ورثوا العلم؛ فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر")رواه الترمذي )‪(2682‬‬
‫وأبو داود )‪ (3641‬وأحمد )‪ (21208‬وابن ماجه )‪.(.(223‬‬
‫س مع أصحابه‪ ،‬فجلس أحدهم خلف الحلقة‪،‬‬ ‫وحين جاء ثلثة نفر وهو جال ٌ‬
‫والخر رأى فرجة فجلس فيها‪ ،‬وأما الثالث فأعرض‪.‬قال صلى الله عليه‬
‫وسلم بعد ذلك‪":‬أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه‪ ،‬وأما الخر فاستحيا فاستحيا‬
‫الله منه‪ ،‬وأما الخر فأعرض فأعرض الله عنه")رواه البخاري )‪ (66‬ومسلم )‬
‫‪.(.(2176‬‬
‫ب ‪ -‬إشعار المتعلم بحاجته إلى العلم‪ :‬فحين جاء المسيء صلته وصلى قال‬
‫ل فإنك لم تصل"‪ .‬فأعاده صلى‬ ‫له النبي صلى الله عليه وسلم ‪":‬ارجع فص ّ‬
‫س ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬بالحاجة للتعلم‬ ‫الله عليه وسلم مرارا ً حتى أح ّ‬
‫فقال‪":‬والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني") رواه البخاري )‪(757‬‬
‫ومسلم )‪.( (397‬‬
‫وفرق بين أن يعلمه صلى الله عليه وسلم ابتداًء‪ ،‬وبين أن يشعر هو بحاجته‬
‫للعلم فيأتي سائل ً باحثا ً عنه‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬جمعه بين التعليم والتربية‪:‬‬
‫فقد وصفه الله سبحانه وتعالى بذلك فقال‪] :‬هو الذي بعث في الميين رسول ً‬
‫منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل‬
‫لفي ضلل مبين [ )الجمعة ‪ .(2 :‬فمن وظائفه صلى الله عليه وسلم تعليم‬
‫العلم‪ ،‬والتزكية‪ ،‬وتلوة الكتاب على أصحابه‪ .‬ولذا لم يكن صلى الله عليه‬
‫وسلم يخرج أقواما ً يحفظون المسائل فقط‪ ،‬بل رّبى أصحابه تربية علمية‪،‬‬
‫وتربية جهادية‪ ،‬وقيادية‪ ،‬وإدارية‪ ،‬وقبل ذلك كله تربية إيمانية‪ ،‬فهذا حنظلة‪-‬‬
‫رضي الله عنه ‪ -‬يحكي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يشهد معه‬
‫مجالس التذكير والعلم‪ ،‬فكأنه يرى الجنة والنار)رواه مسلم )‪ (.(2750‬فهي‬
‫إذا ً مجالس مع ما فيها من التحصيل المعرفي تنقل المسلم بمشاعره إلى‬
‫الدار الخرة‪ ،‬وما يلبث أن يظهر ذلك على سلوكه وهديه‪.‬‬
‫ثالثًا‪:‬عنايته بتعليم المنهج العلمي‪:‬‬
‫ففي تربيته العلمية لصحابه لم يكن صلى الله عليه وسلم يقتصر على تعليم‬
‫أصحابه مسائل علمية فقط‪ ،‬بل رّبى علماء ومجتهدين‪ ،‬وحملة العلم‬
‫للبشرية‪ .‬ولقد ظهرت أثار هذه التربية على صحابته بعد وفاته في مواقفهم‬
‫من حادثة الردة‪ ،‬وجمع القرآن‪ ،‬وشرب الخمر‪ ،‬واتخاذ السجون‪ ،‬والخراج‪،‬‬
‫وغير ذلك من المسائل التي اجتهد فيها صحابته رضوان الله عليهم‪ ،‬فلم‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقفوا مكتوفي اليدي أمام النوازل التي واجهتهم‪ ،‬واستطاعوا أن يتوصلوا‬


‫فيها للحكم الشرعي‪ ،‬ولقد واجه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دولة‬
‫ممتدة الطراف‪ ،‬متنامية النواحي‪ ،‬وتعاملوا مع أصناف أخرى من الشعوب‪،‬‬
‫وأنماط جديدة من المعيشة والسلوك‪ ،‬واستطاعوا أن يستوعبوا ذلك كله‪ .‬كل‬
‫ذلك كان نتاج التربية العلمية التي رّباهم عليها صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ومن معالم تعليمه المنهج العلمي‪:‬‬
‫‪ - 1‬كان يعودهم على معرفة العلة ومناط الحكم‪:‬‬
‫فلما سئل عن شراء التمر بالرطب‪ ،‬قال‪":‬أينقص الرطب إذا يبس؟"‬
‫قالوا‪:‬نعم فنهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك )رواه أبو داود )‪(3359‬‬
‫والنسائي )‪ (4545‬والترمذي )‪ (1225‬وابن ماجه )‪ ،(.(2264‬وقد كان‬
‫معلوما ً له صلى الله عليه وسلم ولغيره أن الرطب ينقص إذا يبس‪ ،‬لكنه أراد‬
‫تعليمهم مناط الحكم وعلته‪.‬‬
‫وحين نهاهم عن بيع الثمرة قبل بدو صلحها قال لهم ‪" :‬أرأيت إذا منع الله‬
‫الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟")رواه البخاري )‪ (2198‬ومسلم )‬
‫‪.(.(1555‬‬
‫وحين قال صلى الله عليه وسلم ‪":‬وفي بضع أحدكم صدقة" قالوا له‪ :‬أيأتي‬
‫أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال‪": :‬أرأيتم لو وضعها في حرام أكان‬
‫عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلل كان له أجرًا")رواه مسلم )‬
‫‪.(.( 1006‬‬
‫ة الحكم ومناطه‪،‬‬ ‫ففي هذه النصوص عّلم صلى الله عليه وسلم أصحابه عل َ‬
‫ولم يقتصر على الحكم وحده‪.‬‬
‫‪ - 2‬كان يعودهم على منهج السؤال وأدبه‪:‬‬
‫ً‬
‫ففي موضع يقول‪":‬إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم‪،‬‬
‫فحّرم من أجل مسألته" )رواه البخاري ) ‪ ( 7289‬ومسلم ) ‪. (.( 2358‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫وفي آخر يقول‪ ":‬إن الله كره لكم ثلثًا‪ :‬قيل وقال‪ ،‬وإضاعة المال‪ ،‬وكثرة‬
‫السؤال")رواه البخاري )‪ (1477‬ومسلم )‪ .(.(1715‬فهاهنا يذم السؤال‪.‬‬
‫لكنه في موضع آخر يأمر بالسؤال‪ ،‬أو يثني عليه فيقول‪":‬أل سألوا إذ لم‬
‫يعلموا‪ ،‬فإنما شفاء العي السؤال" )رواه أحمد )‪ (3048‬وأبو داود )‪(336‬‬
‫وابن ماجه ) ‪ .(. ( 572‬ويقول‪":‬لقد ظننت يا أبا هريرة أن ليسألني عن هذا‬
‫الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث")رواه البخاري )‬
‫‪.(.( 99‬‬
‫ول يمكن أن يخلو متعلم من السؤال والحاجة إليه‪ ،‬ومن هنا كان عليه أن‬
‫يتعلم متى يسأل؟ وعم يسأل؟ ومن يسأل؟ وكيف يسأل؟ وهو منهج سعى‬
‫صلى الله عليه وسلم لتأكيده‪ ،‬وتعليمه لصحابه‪.‬‬
‫‪ -3‬كان في إجابته ل يقتصر على موضع السؤال بل يجيب بقاعدة عامة‪:‬‬
‫سئل‪ :‬إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء‪ ،‬فإن توضأنا به عطشنا‪،‬‬
‫أفنتوضأ بماء البحر؟ فلم يقتصر صلى الله عليه وسلم في إجابته على قوله‬
‫نعم‪ ،‬وإل كان الحكم قاصرا ً على الحالة موضع السؤال وحدها‪ .‬إنما أعطاه‬
‫حكم ماء البحر وزاده فائدةً أخرى يحتاج إليها حين قال‪ ":‬هو الطهور ماؤه‬
‫الحل ميتته" )رواه أبو داود ) ‪ ( 83‬والترمذي ) ‪ ( 69‬والنسائي ) ‪( 332‬‬
‫وأحمد )‪ (7192‬وابن ماجه )‪(386‬وصححه(‪ .‬ويعنى هذا أن ماء البحر له سائر‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أحكام الماء الطهور‪ ،‬وليس فقط يجوز الوضوء به في هذه الحالة‪.‬‬


‫وسئل صلى الله عليه وسلم‪ :‬ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال‪":‬ل يلبس‬
‫القميص ول العمائم ول السراويلت ول البرنس‪ ،‬ول ثوبا مسه زعفران ول‬
‫ورس…")رواه البخاري )‪ (1842‬ومسلم )‪ .(.(1177‬فلم يعدد له ما يجوز‬
‫للمحرم لبسه؛ إنما أعطاه قاعدة عامة فيما ل يحل للمحرم لبسه؛ ليعلم أن‬
‫ما سواه غير محظور‪.‬‬
‫‪ - 4‬تربيته لصحابه على منهج التلقي‪:‬‬
‫عن العرباض بن سارية‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬صلى لنا رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم الفجر ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة‪ ،‬ذرفت لها العين‪،‬‬
‫ووجلت منها القلوب‪ ،‬قلنا أو قالوا‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬كأن هذه موعظة مودع‬
‫فأوصنا‪ ،‬قال‪":‬أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة‪ ،‬وإن كان عبدا ً حبشيا؛ً‬
‫فإنه من يعش منكم يرى بعدي اختلفا ً كثيرًا‪ ،‬فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء‬
‫الراشدين المهديين‪ ،‬وعضوا عليها بالنواجذ‪ ،‬وإياكم ومحدثات المور؛ فإن كل‬
‫محدثة بدعة‪ ،‬وإن كل بدعة ضللة")واه أحمد )‪(16694‬الترمذي ) ‪( 2157‬‬
‫وأبو داود ) ‪( 4607‬وابن ماجه )‪. ( .( 42‬‬
‫وقال في وصف الطائفة الناجية‪":‬من كانوا على مثل ما أنا عليه اليوم‬
‫وأصحابي"‪.‬‬
‫فهو هنا يسن لهم الطريق‪ ،‬ويرسم لهم المحجة‪ .‬وحين يرى خلل ً في هذا‬
‫المنهج‪ ،‬أو اعوجاجا ً فإنه يأخذ بيد صاحبه‪ ،‬فحين رأى مع عمر صحيفة من‬
‫التوراة غضب‪ ،‬ونهاه عن ذلك‪ ،‬وقال‪":‬أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ والذي‬
‫نفسي بيده‪ ،‬لقد جئتكم بها بيضاء نقية‪ ،‬ل تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق‬
‫فتكذبوا به‪ ،‬أو بباطل فتصدقوا به‪ ،‬والذي نفسي بيده‪ ،‬لو أن موسى صلى‬
‫الله عليه وسلم كان حيا ً ما وسعه إل أن يتبعني")رواه أحمد ) ‪( 3/387‬‬
‫والدارمي ) ‪. (.( 1/115‬‬
‫إن المعلم الحق هو الذي يعطي المتعلم الداة التي يصل من خللها إلى‬
‫النتيجة بنفسه‪ ،‬ل الذي يعوده في كل موطن أن يملي عليه موقفا ً محددا‪ً.‬‬
‫‪ - 5‬تربيتهم على منهج التعامل مع النصوص‪:‬‬
‫إن التعامل مع المصادر الشرعية دون سواها‪ ،‬ليس نهاية الطريق‪ ،‬إنما هو‬
‫مرحلة مهمة وأساسة‪ ،‬ويبقى بعد ذلك كيفية التعامل مع هذه المصادر‪ ،‬وهو‬
‫ما سلكه صلى الله عليه وسلم في تعليم أصحابه وتربيتهم‪.‬‬
‫خرج صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يتكلمون في القدر‪ ،‬وكأنما تفقأ‬
‫في وجهه حب الرمان من الغضب قال‪ :‬فقال لهم‪":‬ما لكم تضربون كتاب‬
‫الله بعضه ببعض‪ ،‬بهذا هلك من كان قبلكم" ) رواه أحمد ) ‪ ( 2/196‬وابن‬
‫ماجه ) ‪ ( 85‬وقال في الزوائد ‪ ):‬هذا إسناد صحيح (‪ .‬وصححه أحمد‬
‫شاكر ‪. (.‬‬
‫ولقد ضل فئام من المبتدعة‪ ،‬حين تنكبوا هذا المنهج‪ ،‬وانحرفوا عن هذا‬
‫الهدي‪ ،‬فما أحوج المعلمين إلى تسنم ذرى هذا المنهج‪ ،‬فيربون طلبهم على‬
‫تعظيم النص‪ ،‬وإجلل كلم الله ورسوله‪ ،‬والوقوف عند نصوص الوحيين‪،‬‬
‫والبعد عن التلعب بالنصوص وضرب بعضها ببعض‪.‬‬
‫فالجدير بنا معشر المدرسين أن نعّلم طلبنا أن هناك أطرا للبحث ل تتعداها؛‬
‫ً‬
‫فالمسائل الشريعة التي ثبتت بالنص ل مجال للمناقشة فيها‪ ،‬أو جعل الدين‬
‫في معامل الختبار الفعلية‪.‬‬
‫‪ - 6‬تعويدهم على الستنباط‪:‬‬
‫سأل صلى الله عليه وسلم أصحابه يومًا‪ ،‬فقال‪":‬إن من الشجر شجرة ل‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يسقط ورقها‪ ،‬وإنها مثل المسلم فحدثوني ما هي؟" فوقع الناس في شجر‬
‫البوادي‪ ،‬قال عبد الله ‪ -‬يعني ابن عمر‪ :-‬ووقع في نفسي أنها النخلة‬
‫فاستحييت‪ ،‬ثم قالوا‪ :‬حدثنا ما هي يا رسول الله؟ قال‪":‬هي النخلة") رواه‬
‫البخاري )‪ (61‬ومسلم )‪.( (2811‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫وجاء رجل ذات يوم فقال‪ :‬رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف السمن‬
‫والعسل‪ ،‬فأرى الناس يتكففون منها فالمستكثر والمستقل‪ ،‬وإذا سبب واصل‬
‫من الرض إلى السماء‪ ،‬فأراك أخذت به فعلوت‪ ،‬ثم أخذ به رجل آخر فعل به‪،‬‬
‫ثم أخذ به رجل آخر فعل به‪ ،‬ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ثم وصل‪ ،‬فقال أبو‬
‫بكر‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬بأبي أنت والله لتدعني فأعبرها‪ ،‬فقال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪:‬اعبرها‪ .‬قال‪ :‬أما الظلة فالسلم‪ ،‬وأما الذي ينطف من العسل‬
‫والسمن فالقرآن حلوته تنطف‪ ،‬فالمستكثر من القرآن والمستقل‪ ،‬وأما‬
‫السبب الواصل من السماء إلى الرض فالحق الذي أنت عليه‪ ،‬تأخذ به‬
‫فيعليك الله‪ ،‬ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به‪ ،‬ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو‬
‫به‪ ،‬ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به‪ ،‬ثم يوصل له فيعلو به‪ ،‬فأخبْرني يا رسول‬
‫ت أم أخطأت؟ قال النبي صلى الله عليه‬ ‫الله ‪ -‬بأبي أنت ‪ -‬أصب ُ‬
‫ت بعضًا" قال‪ :‬فوالله يا رسول الله لتحدثني‬ ‫َ‬ ‫وأخطأ‬ ‫ت بعضا ً‬
‫وسلم ‪":‬أصب َ‬
‫بالذي أخطأت‪ ،‬قال‪":‬ل تقسم" ) رواه البخاري )‪ (7046‬ومسلم )‪(2269‬‬
‫وانظر النظرية التربوية في طرق تدريس الحديث النبوي ليوسف( ‪.‬‬
‫وما أحوج المة في هذه المرحلة إلى التربي على المنهج العلمي‪ ،‬وعدم‬
‫الوقوف عند حفظ المسائل المجردة‪ ،‬أو الجمود على المتون والمختصرات‬
‫والحواشي‪.‬‬
‫‪ - 7‬تعويدهم على المناقشة والمراجعة‪:‬‬
‫وتروي لنا هذا المنهج عنه صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين عائشة ‪ -‬رضي‬
‫الله عنها‪ -‬فقد كانت ل تسمع شيئا ً ل تعرفه إل راجعت فيه حتى تعرفه‪ ،‬وأن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال‪":‬من حوسب عذب" قالت عائشة‪ :‬فقلت‪:‬‬
‫أوليس يقول الله تعالى ‪] :‬فسوف يحاسب حسابا ً يسيرا[ ؟ قالت ‪:‬‬
‫فقال‪":‬إنما ذلك العرض‪ ،‬ولكن من نوقش الحساب يهلك") رواه البخاري )‬
‫‪ ( 103‬ومسلم )‪.(2876‬وانظر أساسيات في طرق التدريس العامة ‪ .‬لمحب‬
‫الدين أبو صالح( ‪ .‬والقضية ليست سلوكا ً ذاتيا ً لعائشة رضي الله عنها ‪-‬وإن‬
‫كان ذاك محل تقدير واحترام ‪ -‬بل هو مما تعلمته واعتادته من المعلم الول‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وبعد هذه الجولة مع هدي المعلم الول في العناية بتعليم المنهج العلمي‬
‫نشعر أن تساؤل ً يفرض نفسه‪ ،‬ويقفز إلى أذهاننا‪ :‬هل نحن نعنى بتعليم طلبنا‬
‫وتهيئتهم ليكونوا أهل علم يستنبطون ويبدعون ويبتكرون؟ أم أننا نربيهم على‬
‫تلقي أقوال أساتذتهم بالتسليم دون مراجعة وربما دون فهم لمضمون‬
‫القول؟‬
‫هل نرى أن من أهدافنا في التعليم أن نربي ملكة التفكير والبداع لدى‬
‫طلبنا‪ ،‬وأن نعودهم على استنباط الحكام الشرعية من النصوص‪ ،‬وعلى‬
‫الجمع بين ما يبدو متعارضًا؟‬
‫وهل من أهدافنا تربيتهم على تنزيل الحكام الشرعية على الوقائع التي‬
‫يرونها؟‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن المتأمل في واقع التعليم الذي نقدمه لبنائنا يلحظ أننا كثيرا ً ما نستطرد‬
‫ما هائل ً‬‫في السرد العلمي المجرد‪ ،‬ونشعر بارتياح أكثر حين نقدم للطالب ك ّ‬
‫من المعلومات‪ ،‬والطالب هو الخر يقيس مدى النجاح والنجاز بقدر ما‬
‫يسطره مما يسمعه من أستاذه‪ ،‬والتقويم والمتحان إنما هو على أساس ما‬
‫حفظه الطالب من معلومات‪ ،‬واستطاع استدعاء ذلك وتذكره‪.‬‬
‫وشيء من ذلك حق‪ ،‬لكن توجيه الجهد لهذا النوع وهذا النمط من التعليم ل‬
‫يعدو أن يخرج جيل ً يحفظ المسائل والمعارف ‪ -‬ثم ينساها بعد ذلك ‪ -‬أو يكون‬
‫ظل ً لستاذه وشيخه‪.‬‬
‫ولن تعلم الجائع صيد السمك خير من أن تعطيه ألف سمكة‪.‬‬
‫وحتى دروس المساجد وحلق العلم ليست بأحسن حظّا‪ ،‬ول أفضل حا ً‬
‫ل‪.‬‬
‫إن هذا يدعونا لمراجعة هادئة‪ ،‬مراجعة تتضمن أهدافنا وحجمها وأولوياتها‪،‬‬
‫وتتضمن طرق التعليم والتدريس ووسائله وأساليبه‪.‬‬
‫والقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ليس قاصرا ً على مسائل الطهارة‬
‫والذكر والصلة ‪ -‬وإن كانت من أولى ما يدخل في ذلك‪-‬بل هو معنى أشمل‬
‫يظلل برواقه جوانب الحياة المختلفة‪ ،‬فيطبعها بهديه وسنته صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫رابعًا‪:‬تربيته لصحابه على القيام بواجب التبليغ‪:‬‬
‫عن أبي هريرة‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫‪":‬من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة" ) رواه أبو‬
‫داود )‪ (3658‬والترمذي )‪ (2649‬وابن ماجه )‪ (266‬وأحمد ) ‪( 2/236‬‬
‫وصححه أحمد شاكر ‪ .(.‬والمر ليقف عند طائفة خاصة‪ ،‬أو مستوى معين من‬
‫التحصيل‪ ،‬بل يدعو صلى الله عليه وسلم حتى صغار المتعلمين‪ ،‬وأولئك الذين‬
‫لم يبلغوا منزلة عالية في التحصيل‪ ،‬يدعوهم إلى المشاركة في تعليم العلم‬
‫ل‪ ":‬بلغوا عني ولو آية")رواه البخاري )‪ . ( .(3461‬وهي دعوة‬ ‫ونشره قائ ً‬
‫للمشاركة والمساهمة المنضبطة‪ ،‬ل فتحا ً للباب لتصدير من تعلم مسألة‬
‫واحدة‪.‬‬
‫ً‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم ‪":‬نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها‪ ،‬فأداها كما‬
‫ب مبلغ أوعى من سامع" ) سبق تخريجه ( ‪ .‬وقد روى هذا‬ ‫سمعها‪ ،‬فَُر ّ‬
‫الحديث أكثر من)‪ (16‬من أصحابه مما يشعر أنه صلى الله عليه وسلم قاله‬
‫في أكثر من مناسبة‪ ،‬أو قاله في أحد المجامع العامة تأكيدا ً لشأنه‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫وانظر إلى أثر هذه التربية في قول أبي ذر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ ": -‬لو وضعتم‬
‫الصمصامة )السيف( على هذه ‪ -‬وأشار إلى قفاه ‪ -‬ثم ظننت أني أنفذ كلمة‬
‫ي لنفذتها") رواه‬ ‫سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تجيزوا عل ّ‬
‫البخاري تعليقا ً كتاب العلم باب العلم قبل القول والعمل ‪.(.‬‬
‫ويتحرج معاذ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬فيرى أن من الخلل بواجب العلم أن يكتم‬
‫حديثا ً سمعه منه صلى الله عليه وسلم مع أنه نهاه أن يحدث به الناس"هل‬
‫تدري ما حق الله على عباده؟… ") رواه البخاري)‪ (6500‬وموضع الشاهد‬
‫برقم )‪ (128‬ومسلم )‪ (.(32‬فيخبر‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬به قبل موته تأثما ً ‪.‬‬
‫إن هذا كله بعض نتاج ما ورثه ذاك الجيل من المعلم الول صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫ً‬
‫خامسا ‪ :‬تشجيع الطالب والثناء عليه‪:‬‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سأله أبو هريرة‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬يوما ً ‪:‬من أسعد الناس بشفاعتك يوم‬
‫القيامة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم ‪ ":‬لقد ظننت يا أبا هريرة أن ل يسألني‬
‫عن هذا الحديث أحد أول منك‪ ،‬لما رأيت من حرصك على الحديث‪ .‬أسعد‬
‫الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال ل إله إل الله خالصا ً من قلبه أو نفسه"‬
‫) رواه البخاري ) ‪ . (. ( 99‬فتخيل معي أخي القارئ موقف أبي هريرة‪ ،‬وهو‬
‫يسمع هذا الثناء‪ ،‬وهذه الشهادة من أستاذ الساتذة‪ ،‬وشيخ المشايخ صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬بحرصه على العلم‪ ،‬بل وتفوقه على كثير من أقرانه‪،‬‬
‫وتصور كيف يكون أثر هذا الشعور دافعا ً لمزيد من الحرص والجتهاد‬
‫والعناية؟!‪.‬‬
‫ي بن كعب فقال‪":‬يا أبا المنذر‪ ،‬أتدري أي آية من كتاب الله‬ ‫وحين سأل أب َ‬
‫معك أعظم؟" فقال أبي‪ :‬الله ل إله إل هو الحي القيوم‪ .‬قال له صلى الله‬
‫عليه وسلم‪":‬والله ليهنك العلم أبا المنذر" ))رواه مسلم ) ‪. (.( 810‬‬
‫إن المر قد ل يعدو كلمة ثناء‪ ،‬أو عبارة تشجيع‪ ،‬تنقل الطالب مواقع ومراتب‬
‫في سلم الحرص والجتهاد‪ ،‬والنفس أّيا كان شأنها تميل إلى الرغبة في‬
‫الشعور بالنجاز‪ ،‬ويدفعها ثناء الناس ‪ -‬المنضبط ‪ -‬خطوات أكثر‪.‬‬
‫سادسًا‪:‬العناية بالمتعلم‪:‬‬
‫كان صلى الله عليه وسلم يحدث فجاءه أعرابي فقال‪ :‬متى الساعة؟ فمضى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث‪ ،‬فقال بعض القوم‪ :‬سمع ما قال‬
‫فكره ما قال‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬بل لم يسمع‪ ،‬حتى إذا قضى حديثه قال‪":‬أين‬
‫أراه السائل عن الساعة؟" قال‪ :‬ها أنا يا رسول الله‪ ،‬قال‪":‬فإذا ضيعت‬
‫سد َ المر إلى غير أهله‬‫المانة فانتظر الساعة" قال‪:‬كيف إضاعتها؟ قال‪":‬إذا و ّ‬
‫فانتظر الساعة" )رواه البخاري ) ‪ ( .( 59‬فرغم أنه صلى الله عليه وسلم لم‬
‫يقطع حديثه إل أنه لم ينس هذا السائل ولم يهمله‪ ،‬وهو أمر يكشف عن تلك‬
‫النفس العالية‪ ،‬والخلق السامي من المعلم الول صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وحين خطب في حجة الوداع قال أبو شاه‪:‬اكتبوا لي‪ ،‬قال صلى الله عليه‬
‫وسلم‪":‬اكتبوا لبي شاه" )رواه البخاري )‪ . (2434‬ومسلم ) ‪. ( .( 1355‬‬
‫سابعًا‪ :‬معرفته لقدرات تلمذته وإدراكهم العقلي‪:‬‬
‫فهو يقول لبي هريرة‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬حين سأله عن الشفاعة‪" :‬لقد ظننت‬
‫يا أبا هريرة أن ل يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك‪ ،‬لما رأيت من‬
‫حرصك على الحديث" )رواه البخاري ) ‪ ( .( 99‬فهو صلى الله عليه وسلم‬
‫يعلم أن تلميذه أبا هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬من أحرص أصحابه على‬
‫الحديث‪ ،‬ويظن أن يسبقهم بالسؤال‪.‬‬
‫ويقول صلى الله عليه وسلم ‪":‬أرحم أمتي بأمتي أبو بكر‪ ،‬وأشدهم في أمر‬
‫الله عمر‪ ،‬وأصدقهم حياء عثمان‪ ،‬وأعلمهم بالحلل والحرام معاذ بن جبل‪،‬‬
‫وأفرضهم زيد بن ثابت‪ ،‬وأقرؤهم ُأبي‪ ،‬ولكل أمة أمين‪ ،‬وأمين هذه المة أبو‬
‫عبيدة بن الجراح") رواه الترمذي )‪ (3790‬وابن ماجه )‪ (154‬وأحمد )‬
‫‪ . ( .(12493‬أفليس هذا مظهرا ً من مظاهر إدراكه صلى الله عليه وسلم‬
‫لمدارك واستعداد أصحابه؟‬
‫أفل يجدر بمن يتأسى بمنهجه‪ ،‬ويقتدي بهديه في التعليم أن يعنى بالتعرف‬
‫على قدرات تلمذته‪ ،‬ومدى حرصهم واستعدادهم ؟‬
‫إن معرفة المدرس لتلمذته تنعكس على تدريسه وعطائه‪ ،‬فالذي يعرف‬
‫تلمذته معرفة دقيقة هو القادر أن يعلمهم ما يحتاجون إليه ويتناسب معهم‪،‬‬
‫وهو القادر على توجيههم للتخصص المناسب‪ ،‬وعلى الجابة الدقيقة عن‬
‫تساؤلتهم‪ ،‬وهو القادر أيضا ً على العدالة والدقة في تقويمهم وإعطائهم‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدرجات التي يستحقونها‪.‬‬


‫ثامنًا‪:‬مراعاة الفروق الفردية‪:‬‬
‫عن أبي رفاعة ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬قال‪:‬انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وهو يخطب قال‪ :‬فقلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬رجل غريب جاء يسأل عن دينه ل‬
‫ي رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك‬ ‫يدري ما دينه‪ ،‬قال‪ :‬فأقبل عل ّ‬
‫خطبته حتى انتهى إلي فأتي بكرسي حسبت قوائمه حديدًا‪ ،‬قال‪ :‬فقعد عليه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يعلمني مما علمه الله ثم أتى خطبته‬
‫فأتم آخرها)رواه مسلم )‪.( (876‬‬
‫فالناس معادن‪ ،‬وقدرات وطاقات متفاوتة‪ ،‬حرصًا‪ ،‬وذكاًء‪ ،‬واستعدادا‪ً،‬‬
‫ل‪ .‬والمعلم يتعامل مع الجميع‪ ،‬ويخاطب الكل‪ ،‬وهنا تكمن مهارته في‬ ‫وتحصي ً‬
‫إقناع الجميع‪ ،‬وتحقيق التوازن بينهم‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫والعتناء بالفروق الفردية أمر لم تبتكره التربية المعاصرة‪ ،‬بل أشار إليه‬
‫أسلفنا الوائل وأدركوه وأوصوا المعلم به‪ ،‬قال النووي‪":‬وينبغي أن يكون‬
‫باذل ً وسعه في تفهيمهم‪ ،‬وتقريب الفائدة إلى أذهانهم‪ ،‬حريصا ً على هدايتهم‪،‬‬
‫ويفهم كل واحد بحسب فهمه وحفظه‪ ،‬فل يعطيه ما ل يحتمله‪ ،‬ول يقصر به‬
‫عما يحتمله بلمشقة‪ ،‬ويخاطب كل واحدٍ على قدر درجته‪ ،‬وبحسب فهمه‬
‫وهمته‪ ،‬فيكتفي بالشارة لمن يفهمها فهما ً محققًا‪ ،‬ويوضح العبارة لغيره‬
‫ويكررها لمن ل يحفظها إل بتكرار‪ ،‬ويذكر الحكام موضحة بالمثلة من غير‬
‫دليل لمن ل ينحفظ له الدليل‪ ،‬فإن جهل دليل بعضها ذكره له")المجموع‬
‫شرح المهذب )‪.( .(1/31‬‬
‫وكان السلف ربما خصوا بعض الطلب بالتعليم والتحديث دون غيره‪ .‬قال أبو‬
‫عاصم‪":‬ربما رأيت سفيان يجذب الرجل من وسط الحلقة فيحدثه بعشرين‬
‫حديثا ً والناس قعود"‪ ،‬قالوا‪ :‬لعله كان ضعيفًا‪ .‬قال‪:‬ل)أخرجه الرامهرمزي في‬
‫المحدث الفاصل )‪.((785‬‬
‫تاسعًا‪ :‬التوجيه للتخصص المناسب‪:‬‬
‫عن زيد بن ثابت‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن قومه قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم‬
‫م من بني النجار حفظ بضع عشرة سورة‪ ،‬فاستقرأني فقرأت‬ ‫‪:‬هاهنا غل ٌ‬
‫سورة ق‪ ،‬فقال‪ ":‬إني أكتب إلى قوم فأخاف أن يزيدوا علي أو ينقصوا‪،‬‬
‫فتعلم السريانية" فتعلمها‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬في سبعة عشر يومًا‪ ،‬وفي‬
‫رواية ‪ :‬خمسة عشر)رواه البخاري( ‪.‬‬
‫والمة أحوج ما تكون إلى طاقات أبنائها وقدراتهم‪ ،‬فبدل ً من تشتيتها‬
‫وبعثرتها‪ ،‬أليس من حق الطالب على أستاذه أن ينصح له ويوجهه لما يناسبه‬
‫حين يبدع في فن دون غيره‪ ،‬ومن جانب آخر فالمة لن تستغني عمن يسد‬
‫ثغراتها‪ ،‬فالتخطيط السليم‪ ،‬والعداد المتكامل يقضي أن توجه طاقات المة‬
‫لسد هذه الثغرات‪ ،‬ومن أين يبدأ التوجيه إن لم يكن من التعليم؟‬
‫والتلميذ قد يسعى لتخصص ليناسبه‪ ،‬أو يوجهه والده لما غيره أولى منه‪،‬‬
‫فحين يساهم المدرس في توجيهه لما يرى أنه أولى يقدم خيرا ً للتلميذ‪ ،‬بل‬
‫وللمجتمع أجمع‪.‬‬
‫عاشرًا‪ :‬الجمع بين التعليم الفردي والجماعي‪:‬‬
‫في كثير من النصوص نقرأ ‪:‬كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا ً مع‬
‫أصحابه‪ ،‬بينما كنا جلوسا ً مع النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فهذا نموذج للتعليم‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجماعي‪ ،‬وأما التعليم الفردي فنماذجه كثيرة‪ ،‬قال ابن مسعود ‪ -‬رضي الله‬
‫عنه ‪ ": -‬علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفي بين كفيه التشهد‬
‫كما يعلمني السورة من القرآن…") رواه البخاري )‪ (6265‬ومسلم )‪.( (402‬‬
‫ومن ذلك ما ورد عن غير واحد من أصحابه‪ :‬أوصاني رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‬
‫ومن ذلك حديث معاذ ‪ -‬رضي الله عنه ‪ :-‬بينا أنا رديف النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ليس بيني وبينه إل آخرة الرحل فقال‪" :‬يا معاذ" قلت‪ :‬لبيك رسول‬
‫الله وسعديك‪ ،‬ثم سار ساعة ثم قال‪" :‬يا معاذ" قلت‪ :‬لبيك رسول الله‬
‫وسعديك‪ ،‬ثم سار ساعة‪ ،‬ثم قال‪" :‬يا معاذ" قلت‪ :‬لبيك رسول الله وسعديك‪،‬‬
‫قال‪":‬هل تدري ما حق الله على عباده؟" قلت‪:‬الله ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪":‬حق‬
‫الله على عباده أن يعبدوه ول يشركوا به شيئًا" ثم سار ساعة ثم قال‪":‬يا‬
‫معاذ بن جبل" قلت‪ :‬لبيك رسول الله وسعديك‪ ،‬فقال‪":‬هل تدري ما حق‬
‫العباد على الله إذا فعلوه" قلت‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪":‬حق العباد على‬
‫الله أن ل يعذبهم") رواه البخاري )‪ (5967‬ومسلم )‪.( (30‬‬
‫الحادي عشر‪ :‬العناية بتعليم المرأة‪:‬‬
‫حين صلى العيد صلى الله عليه وسلم اتجه إلى النساء فوعظهن وأمرهن‬
‫بالصدقة‪ ،‬فعن ابن عباس ‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬قال‪ :‬خرجت مع النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى فصلى ثم خطب‪ ،‬ثم أتى النساء‬
‫فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة) رواه البخاري )‪ (975‬ومسلم )‪(884‬‬
‫مطو ً‬
‫ل‪.( .‬‬
‫بل تجاوز المر مجرد استثمار اللقاءات العابرة‪ ،‬فعن أبي سعيد الخدري ‪-‬‬
‫رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬غلبنا عليك‬
‫الرجال فاجعل لنا يوما ً من نفسك‪ ،‬فوعدهن يوما ً لقيهن فيه فوعظهن‬
‫وأمرهن فكان فيما قال لهن ‪":‬ما منكن امرأة تقدم ثلثة من ولدها إل كان‬
‫لها حجابا ً من النار" فقالت امرأة‪ :‬واثنتين‪ ،‬فقال‪":‬واثنتين") رواه البخاري )‬
‫‪ (101‬ومسلم )‪. (.(2633‬‬
‫إن المرأة في المجتمع السلمي تناط بها أدوار ومسؤوليات جسام‪ ،‬وهي لن‬
‫تستطيع أداء هذه الدوار حين ل يعنى بتعليمها ورعايتها‪.‬‬
‫الثاني عشر‪ :‬التشويق والتنويع في عرض المادة ‪:‬‬
‫ل‪":‬أتدرون ما الغيبة؟")رواه‬ ‫فهو أحيانا ً يطرح المسألة على أصحابه متسائ ً‬
‫مسلم )‪".(.(2589‬أتدرون ما المفلس؟" ) رواه مسلم ) ‪" .(.( 2581‬إن من‬
‫الشجر شجرة ل يسقط ورقها وإنها مثل المسلم فحدثوني ما هي؟" )رواه‬
‫البخاري )‪ (61‬ومسلم )‪. ( .(2811‬‬
‫ولشك أن السؤال مدعاة ٌ للتفكير وتنميته‪ ،‬ومدعاة للشتياق لمعرفة الجواب‬
‫مما يكون أرسخ في الذهن‪.‬‬
‫وأحيانا ً يغّير نبرات صوته‪ ،‬فكان إذا خطب احمّرت عيناه‪ ،‬وعل صوته‪ ،‬واشتد‬
‫غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم)رواه مسلم )‪.( (867‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫وأحيانا ً يغّير جلسته‪ ،‬كما في حديث أكبر الكبائر‪ :‬وجلس وكان متكئا ً فقال‪":‬أل‬
‫وقول الزور" ) رواه البخاري ) ‪ ( 2654‬ومسلم ) ‪.( .( 87‬‬
‫فنهدي هذه القبسات إلى كل من حبس نفسه في إطار قوالب جامدة‪،‬‬
‫وأساليب موروثة‪ ،‬فحول السلوب هدفًا‪ ،‬والوسيلة غاية‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الثالث عشر‪ :‬الربط بين المواقف التعليمية‪:‬‬


‫عن أنس‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي‪،‬‬
‫فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسقي‪ ،‬إذا وجدت صبيا ً في السبي‬
‫أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته‪ ،‬فقال لنا النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪":‬أترون هذه طارحة ولدها في النار؟" قلنا‪ :‬ل‪ ،‬وهي تقدر على أن ل‬
‫تطرحه‪ ،‬فقال‪":‬لله أرحم بعباده من هذه بولدها")رواه البخاري ) ‪(5999‬‬
‫ومسلم ) ‪. ( .( 2754‬‬
‫فل يستوي أثر المعاني حين تربط بصور محسوسة‪ ،‬وحين تعرض في صورة‬
‫مجردة جافة‪.‬‬
‫إن المواقف تستثير مشاعر جياشة في النفس‪ ،‬فحين يستثمر هذا الموقف‬
‫يقع التعليم موقعه المناسب‪ ،‬ويبقى الحدث وما صاحبه من توجيه وتعليم‬
‫صورة منقوشة في الذاكرة‪ ،‬تستعصي على النسيان‪.‬‬
‫الرابع عشر‪:‬استعمال الوسائل التعليمية‪:‬‬
‫أ ‪ -‬فهو صلى الله عليه وسلم يشير تارة كقوله‪":‬أنا وكافل اليتيم في الجنة‬
‫هكذا" وأشار بالسبابة والوسطى وفّرج بينهما شيئا ً )رواه البخاري )‬
‫‪. (. ( 5304‬‬
‫وقوله‪" :‬الفتنة من هاهنا" وأشار إلى المشرق ) رواه البخاري )‪(5296‬‬
‫ومسلم ) ‪.( . ( 2905‬‬
‫ب ‪ -‬وتارة يضرب المثل‪ ،‬أو يفترض قصة كما في قوله‪":‬مثل القائم على‬
‫حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلها‬
‫وبعضهم أسفلها‪ ،‬فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مّروا على من‬
‫فوقهم فقالوا‪ :‬لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ً ولم نؤذ من فوقنا‪ ،‬فإن يتركوهم‬
‫وما أرادوا هلكوا جميعا ً وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا" )رواه‬
‫البخاري )‪ . (. (2493‬وكما في قوله صلى الله عليه وسلم‪":‬لله أفرح بتوبة‬
‫العبد من رجل نزل منزل وبه مهلكة ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه‪،‬‬
‫فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ وقد ذهبت راحلته‪ ،‬حتى اشتد ّ عليه الحّر‬
‫والعطش أو ما شاء الله‪ ،‬قال‪ :‬أرجع إلى مكاني‪ ،‬فرجع فنام نومة‪ ،‬ثم رفع‬
‫رأسه فإذا راحلته عنده") رواه البخاري )‪ (6308‬ومسلم )‪.( (2744‬‬
‫طا في‬‫طخ ّ‬ ‫طا مربعًا‪ ،‬وخ ّ‬
‫طخ ّ‬‫ج ‪ -‬وتارة يستعمل الرسم للتوضيح فقد خ ّ‬
‫ط خططا صغارا ً إلى هذا الذي في الوسط من جانبه‬ ‫الوسط خارجا ً منه‪ ،‬وخ ّ‬
‫الذي في الوسط‪ ،‬وقال‪" :‬هذا النسان‪ ،‬وهذا أجله محيط به‪ ،‬أو قد أحاط به‪،‬‬
‫وهذا الذي هو خارج أمله‪ ،‬وهذه الخطط الصغار العراض‪ ،‬فإن أخطأه هذا‬
‫نهشه هذا‪ ،‬وإن أخطأه هذا نهشه هذا") رواه البخاري )‪.( (6417‬‬
‫د ‪ -‬وأحيانا يحكي قصة واقعية من المم السابقة‪ ،‬كما في قصة الثلثة الذين‬
‫آواهم المبيت إلى غار فدعوا الله بصالح أعمالهم )رواه البخاري )‪(3465‬‬
‫ومسلم )‪ ،(.(2743‬وقصة الذي قتل تسعة وتسعين إنسانا ً )رواه البخاري )‬
‫‪ ( 3470‬ومسلم ) ‪ ،(.( 2766‬وأمثلتها كثير‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬وأحيانا ً يربط المعنى المعقول بالصورة المحسوسة‪ ،‬فينظر مرة إلى‬
‫القمر ليلة البدر ثم يقول‪":‬إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ل تضامون‬
‫في رؤيته‪ ،‬فإن استطعتم أن ل تغلبوا على صلة قبل طلوع الشمس وقبل‬
‫غروبها فافعلوا‪ ،‬ثم قرأ‪ ] :‬وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل‬
‫الغروب[) رواه البخاري ) ‪ ( 554‬ومسلم ) ‪.(.( 633‬‬
‫وقال لعلي ‪ -‬رضي الله عنه ‪ ": -‬قل ‪ :‬اللهم اهدني‪ ،‬وسددني‪ ،‬واذكر بالهدى‬
‫هدايتك الطريق‪ ،‬وبالسداد سداد السهم")رواه مسلم )‪.(.(2725‬‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فاستعماله صلى الله عليه وسلم لما أتيح في عصره من وسائل‪ ،‬يعني لنا أن‬
‫من تمام القتداء بهديه صلى الله عليه وسلم أن نستعمل خير ما تفتق عنه‬
‫العصر من وسائل وأساليب حديثة في التربية والتعليم‪ ،‬مادامت مباحة‪.‬‬
‫الخامس عشر‪ :‬تأكيد ما يحتاج للتأكيد‪:‬‬
‫فقد حلف صلى الله عليه وسلم على مسائل كثيرة تزيد على الثمانين ‪ :‬والله‬
‫ليؤمن… والذي نفسي بيده‪ ..‬وأيم الله‪ ..‬وغيرها كثير‪ ،‬وكرر بعض العبارات‬
‫كقوله‪":‬أل وقول الزور" فما زال يكررها حتى تمنى أصحابه سكوته إشفاقا ً‬
‫عليه صلى الله عليه وسلم )سبق تخريجه ‪.(.‬‬
‫السادس عشر‪ :‬البعد عن مشتتات الفهم‪:‬‬
‫ويدل على هذا المعنى حديث السائل عن الساعة‪ ، .‬إذ أعرض عنه صلى الله‬
‫عليه وسلم حتى ل يشتت فهم أصحابه‪ ،‬ثم عاد إليه )انظر ‪ :‬أساسيات في‬
‫م فأولئك‬‫طرق التدريس العامة ‪ .‬لمحب الدين أبو صالح )‪ . (. (110‬ومن ث َ ّ‬
‫الذين يتيهون بطلبهم في أودية من التفرعات‪ ،‬والخروج عن مقصود الدرس‪،‬‬
‫بحاجة إلى مراجعة هديه صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫ويشير القرآن الكريم إلى شيء من هذا المعنى‪ ،‬فيقول تعالى في شأن تدبر‬
‫القرآن ]إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد[ )ق‪:‬‬
‫‪ (37‬فهو حين يريد أن يتدبر القرآن التدبر المثل لبد أن يفرغ قلبه من‬
‫الشوارد والصوارف‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫وفي صلة الجمعة ينهى صلى الله عليه وسلم عن النشغال عن الخطبة‪ ،‬أو‬
‫إشغال الخرين‪ ،‬ولو لسكات من كان يتحدث "إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة‬
‫أنصت والمام يخطب فقد لغوت")رواه البخاري )‪ (934‬ومسلم )‪.( (851‬‬
‫كل هذا دعوة لن يتهيأ المسلم للنصات والستماع‪.‬‬
‫ولما كانت الصلة تتطلب حضور القلب وخشوعه‪ ،‬وتدبر المصلي لما يكون‬
‫في صلته من تلوة وذكر نهى صلى الله عليه وسلم عن الصلة بحضرة ما‬
‫يشغل المصلي‪ ،‬ومن ذلك‪:‬الصلة بحضرة الطعام‪ ،‬ومدافعة الخبثين‪ ،‬ووجود‬
‫ما يشغله في قبلته‪.‬‬
‫السابع عشر‪:‬مراعاة نشاط الطلب واستعدادهم‪:‬‬
‫ويدل لهذا المعنى ما رواه ابن مسعود‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬كان النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في اليام كراهة السآمة علينا )رواه‬
‫البخاري )‪ (68‬ومسلم )‪ (2821‬وانظر المصدر السابق )‪. (. (108‬‬
‫أما الذين يشعرون أن التعليم يقف عند سرد معلومات جافة‪ ،‬فل يعنيهم مدى‬
‫ل البعد عن هدي المعلم‬ ‫استعداد الطالب‪ ،‬وتهيئه للتعلم‪ ،‬فأولئك بعيدون ك ّ‬
‫الول صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫إن المتعلم ليس آلة صماء تستقبل كل ما يرد إليها‪ ،‬بل هو بشٌر له قدرات‬
‫محددة‪ ،‬وغرائز‪ ،‬وصفات بشرية لبد من مراعاتها‪.‬‬
‫الثامن عشر‪ :‬مراجعة العلم والحفظ‪:‬‬
‫فقد أوصى صلى الله عليه وسلم حفاظ القرآن بتعاهده والعناية به‬
‫فقال‪":‬تعاهدوا القرآن فو الذي نفسي بيده لهو أشد تفصيا ً من البل في‬
‫عقلها" )رواه البخاري ) ‪ ( 5033‬ومسلم ) ‪. (. ( 791‬‬
‫وكان جبريل يدارسه القرآن في رمضان )رواه البخاري )‪ (4997‬ومسلم )‬
‫‪. (.(2308‬‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذه بعض المعالم التي استطعت أن أقبسها من خلل مراجعتي الهادئة‬


‫لبعض نصوص السنة‪ ،‬وأجزم أن ما بقي أكثر مما أوردت لكنه جهد المقل‪ ،‬ل‬
‫أدعي فيه الكمال‪ ،‬ول أبرئ نفسي فيه من القصور‪ ،‬والمقررات السابقة‪ ،‬وقد‬
‫حرصت قدر المكان على الختصار في التعليق والستطراد‪.‬‬
‫ويظهر من خلل تلك المعالم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان المعلم‬
‫الول بحق‪ ،‬ويظهر من ذلك أيضا ً عظم الجرم والتقصير في حق تراثنا حين‬
‫نتجاوزه جهل ًً بقدره‪ ،‬أو استخفافا ً بحقه‪.‬‬
‫وإني أجزم أن ثمة جوانب عدة نستطيع اكتشافها من خلل مزيد من‬
‫المراجعة والقراءة المتأنية لسيرته وسنته صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬من صفات المدرس‬
‫إنه ما من عمل أو مهمة صغرت أو كبرت إل ولمن يقوم بها صفات لبد أن‬
‫يتحلى بها‪ ،‬وصفات لبد أن يتخلى عنها‪ ،‬فكيف بمن يتولى أمانة إعداد الجيل‪،‬‬
‫وتربية النشء؟‬
‫والحديث عن صفات المعلم يطول‪ ،‬فاقتصرت هنا على ما أرى ضرورة‬
‫إيراده‪ ،‬إما لكثرة الخلل به‪ ،‬أو لرتباطه بالتوجيه‪ ،‬أو لن البعض قد يجهله‬
‫ويغفل عنه ‪.‬‬
‫ويمكن أن نقسم هذه الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المدرس إلى صفات‬
‫إيجابية ينبغي له أن يتصف بها‪ ،‬وصفات سلبية ينبغي أن يتخلى عنها‪.‬‬
‫المبحث الول ‪ :‬صفات إيجابية‬
‫‪ -1‬الخلص لله وحده‪:‬‬
‫ّ‬
‫وهي خصلة تواطأ من ألف من سلف المة في أدب المعلم على الوصاة بها‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن جماعة في أدب العالم مع طلبته‪ ": :‬الول أن يقصد‬
‫بتعليمهم وتهذيبهم وجه الله تعالى‪ ،‬ونشر العلم‪ ،‬ودوام ظهور الحق وخمول‬
‫الباطل‪ ،‬ودوام خير المة بكثرة علمائها‪ ،‬واغتنام ثوابهم‪ ،‬وتحصيل ثواب من‬
‫ينتهي إليه علمه" )تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم )‪.(. (47‬‬
‫وقال المام النووي‪":‬ويجب على المعلم أن يقصد بتعليمه وجه الله لما سبق‪،‬‬
‫وأل يجعله وسيلة إلى غرض دنيوي‪ ،‬فيستحضر المعلم في ذهنه كون التعليم‬
‫آكد العبادات‪ ،‬ليكون ذلك حاثا ّ له على تصحيح النية‪ ،‬ومحرضا ً له على صيانته‬
‫من مكدراته ومن مكروهاته‪ ،‬مخافة فوات هذا الفضل العظيم والخير‬
‫الجسيم")المجموع شرح المهذب )‪.(. (1/30‬‬
‫وحين يصلح المدرس نيته‪ ،‬ويطيب طويته يتحول عمله إلى عبادة لله وحده‪،‬‬
‫ويكتب له نصبه وجهده وكل ما يلقيه حسنات عند الله‪ ،‬فلئن كان الرجل‬
‫يثاب حين يأتي زوجته‪ ،‬أو حين يرفع متاع الرجل على دابته‪ ،‬أو حين يكف‬
‫لسانه عن القيل والقال‪ ،‬أفل يثاب من يغار على أبناء المة ويحمل همهم؟‬
‫والخلص أخي المدرس ينتج عنه أن تتمتع بكل ما يتمتع به الخرون في الدنيا‬
‫من مزايا مادية‪ ،‬وإجازات‪ ....‬وتزيد عليهم في الدنيا أنك تتذوق عملك‪،‬‬
‫وتعشق مهنتك فتحبها وتقبل عليها‪ ،‬وأن جميع الساعات التي تقضيها كل يوم‬
‫في مدرستك‪ ،‬بل في ذهابك وإيابك مدخرة لك عند الله عز وجل‪.‬‬
‫أما الدار الخرة فهي المقصود العظم والمطلب السمى‪ ،‬فهناك أي ثواب‬
‫سيناله المخلصون‪ ،‬وأي أجر سيكتب لهم؟ هذه أمور ل تدركها أنت ول أنا‪،‬‬
‫إنما علمها عند الله ]والله يضاعف لمن يشاء[ )البقرة‪.(261:‬‬
‫والنية الخالصة مع كونها شعورا ً داخليا ً إل أنها تمثل عامل ً مهما يضبط سلوك‬
‫ً‬
‫المدرس‪ ،‬ويفرض عليه رقابة داخلية؛ فيتقن العمل ويرعى المانة‪.‬‬
‫‪ -2‬التقوى والعبادة‪:‬‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫روى الرامهرمزي بإسناده عن أبي العالية قال‪":‬كنا إذا أتينا الرجل لنأخذ عنه‬
‫نظرنا إلى صلته‪ ،‬فإن أحسن الصلة أخذنا عنه‪ ،‬وإن أساء الصلة لم نأخذ‬
‫عنه")المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للقاضي الحسن بن عبدالرحمن‬
‫الرامهرمزي )‪. (. (409‬‬
‫وقال محمد بن سيرين‪" :‬إن هذا العلم دين؛ فانظروا عمن تأخذون‬
‫دينكم")رواه مسلم في مقدمة صحيحه ‪ .‬والخطيب في الكفاية ‪. 121‬‬
‫والرامهرمزي في المحدث الفاصل)‪. (. (437‬‬
‫وقال حماد بن زيد‪ :‬دخلنا على أنس بن سيرين في مرضه فقال‪":‬اتقوا الله يا‬
‫معشر الشباب‪ ،‬وانظروا عمن تأخذون هذه الحاديث فإنها دينكم ")رواه‬
‫الخطيب في الكفاية )‪ . (122‬والرامهرمزي في المحدث الفاصل )‪. (. (440‬‬
‫وقال المام مالك رحمه الله‪" :‬إن هذا العلم هو لحمك ودمك‪ ،‬وعنه تسأل‬
‫يوم القيامة‪ ،‬فانظر عمن تأخذه" )رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل )‬
‫‪. (. (444‬‬
‫وقال مجالد‪" :‬ل يؤخذ الدين إل عن أهل الدين" )رواه الرامهرمزي في‬
‫المحدث الفاصل )‪. (. (445‬‬
‫فحين تطرق هذه النصوص أخي المدرس مسمع طلبنا أتراهم يرونها تنطبق‬
‫ذر السلف من الخذ عنهم؟‬ ‫علينا بحق؟ أم أنهم يدرجونا ضمن قائمة من ح ّ‬
‫فل علينا أن نطرح هذا السؤال بصدق وصراحة على أنفسنا‪ :‬هل نحن معنيون‬
‫بحق في الحرص على استقامة ديننا وسلوكنا؟ وهل نحن نشعر أن إعداد‬
‫أنفسنا‪ ،‬وتقوية إيماننا‪ ،‬والعناية بعبادة الله عز وجل وطاعته جزٌء ل يتجزأ من‬
‫واجبنا؟‬
‫‪ -3‬حث الطالب على العلم وتحريضه عليه‪:‬‬
‫إن غرس حب العلم‪ ،‬والعناية به من أهم الصفات التي ينبغي أن يتسم بها‬
‫ن سلف من أهل العلم‪ .‬قال المام‬ ‫م ْ‬‫م َ‬
‫المدرس‪ ،‬وهي وصية يوصي بها المعل َ‬
‫النووي‪":‬وينبغي أن يرغبه في العلم‪ ،‬ويذكره بفضائله وفضائل العلماء‪ ،‬وأنهم‬
‫ورثة النبياء صلوات الله وسلمه عليهم‪ ،‬ولرتبة في الوجود أعلى من‬
‫هذه")المجموع شرح المهذب )‪.(. (1/30‬‬
‫وفي عصرنا الحاضر تزداد القضية تأكيدًا‪ ،‬وتستحق مزيدا من الرعاية‬
‫ً‬
‫والعناية؛ إذ كثرت الصوارف والشواغل للجيل المعاصر من الملهي ووسائل‬
‫قضاء الشهوات‪ ،‬مما يجعل العلم والعناية به في مرتبة متأخرة من اهتمامات‬
‫الطالب‪ ،‬هذا إن وجد ذلك أص ً‬
‫ل‪.‬‬
‫والترغيب في العلم والحث عليه ليس بالضرورة حكرا ً على طريقة واحدة‬
‫تتمثل كما يتصور البعض بالحديث النظري المستفيض عن فضائل العلم‬
‫وأهله‪ ،‬وعن تقصير الجيل الحاضر في ذلك‪.‬‬
‫إن مثل هذا الحديث مطلب له أهميته‪ ،‬لكن حين نضيف لذلك عنايتنا بغرس‬
‫حب العلم عند تلمذتنا من خلل إعطائهم المزيد مما يشد انتباههم من‬
‫الفوائد العلمية‪ ،‬وتعويدهم على القراءة من خلل توجيههم لكتب مفيدة‬
‫ومشوقة‪ .‬وحين يلمسون عنايتنا نحن بما نقدمه لهم‪ ،‬ويرون أثر العلم على ما‬
‫نقدمه‪ ،‬ونضيف لذلك كله نماذج من سير أهل العلم وعنايتهم به؛ إننا من‬
‫خلل ذلك كله يمكن أن نسهم في دفع الهم العلمي لدى طلبنا مرحلة أعلى‬
‫مما هي عليه في الواقع‪.‬‬
‫‪- 4‬حسن المظهر‪:‬‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل أشك أنك توافقني أن علينا أن نعتني بمظاهرنا بما ل يخرج عن حد‬


‫العتدال؛ إذ ذلك أدعى للقبول والتقدير‪ ،‬وذاك يشعر طلبتنا أن الستقامة ل‬
‫تعني بالضرورة رثة المظهر‪ ،‬وقد كان السلف يعنون بذلك‪ ،‬ويوصون المحدث‬
‫بحسن مظهره‪ ،‬نقرأ في فهرس )الجامع لخلق الراوي وآداب السامع‬
‫للخطيب البغدادي( ما يلي‪ :‬باب إصلح المحدث هيئته وأخذه لرواية الحديث‬
‫زينته‪ ،‬مبحث وليبتدئ بالسواك‪ ،‬مبحث وليقص أظافيره إذا طالت‪ ،‬مبحث إذا‬
‫اتسخ ثوبه غسله‪ ،‬مبحث إذا أكل طعاما ً زهما ً اتقى يديه من غمره‪ ،‬مبحث‬
‫لباس المحدث المستحب له‪ ،‬مبحث ويكره له أن يلبس الثوب الخلق وهو‬
‫يقدر على الجديد‪....‬‬
‫وقال‪":‬ينبغي للمحدث أن يكون في حال روايته على أكمل هيئة وأفضل زينة‪،‬‬
‫ويتعاهد نفسه قبل ذلك بإصلح أموره التي تجمله عند الحاضرين من‬
‫الموافقين والمخالفين")الجامع لخلق الراوي وآداب السامع )‪. (. (373‬‬
‫وروى بإسناده عن يحيى بن محمد الشهيد قال‪":‬ما رأيت أورع من يحيى بن‬
‫معين‪ ،‬ول أحسن لباسا ً منه" )الجامع لخلق الرواي وآداب السامع )‬
‫‪. (. (381‬‬
‫ومن تمام حسن المظهر وأولوياته اللتزام بالضوابط الشرعية‪ ،‬فإسبال‬
‫الثياب‪ ،‬أو لبس المخالف منها‪ ،‬أو حلق اللحية مما يخل بمظهر المعلم‪ ،‬ويتأكد‬
‫عليه قبل غيره من الناس أن يلتزم بالمظهر الشرعي‪.‬‬
‫‪ - 5‬حسن المنطق ‪:‬‬
‫إن المنطق واللسان يعد أخي المدرس معيارا ً من معايير تقويم الشخصية‪،‬‬
‫لذا فلعلك توافقني أن من واجبات المدرس أن يحفظ منطقه ولسانه‪ ،‬فل‬
‫يسمع منه الطلب إل خيرًا‪ ،‬وحتى حين يعاتب أو يحاسب‪ ،‬فل يليق به أن‬
‫يتجاوز ويرمي بالكلمات التي ليبالي بها‪.‬‬
‫ولئن كانت الكلمة الطيبة تترك أثرها في النفوس‪ ،‬فالكلمة الجارحة تهدم‬
‫أسوار المحبة‪ ،‬وتقضي على بنيانها‪ .‬ولئن كنا لندرك بدقة أثر ما نقوله على‬
‫الناس‪ ،‬فالناس لهم مشاعر‪ ،‬واعتبارات ينبغي أن نرعاها‪.‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫إننا نلمس في أنفسنا جميعا ً أن هناك كلمات نسمعها فتترك أثرا ً إيجابيا ً أو‬
‫سلبيا ً في نفوسنا دون أن يشعر من قالها بذلك‪ .‬أفل نجعل من هذا العتبار‬
‫مقياسا ً للخرين‪ ،‬فنفترض أن مشاعرهم تجاه ما يسمعونه منا لن تكون‬
‫بالضرورة مدركة لنا‪ ،‬أو حتى واردة في حسباننا؟ مما يدفعنا إلى مراجعة‬
‫منطقنا أكثر‪ ،‬وأن نحسب لكل كلمة نقولها حسابًا‪.‬‬
‫‪ - 6‬النضباط واتزان الشخصية‪:‬‬
‫يؤكد هذه الصفة المام النووي فيقول ‪":‬وينبغي أن يصون يديه عن العبث‪،‬‬
‫وعينيه عن تفريق النظر بل حاجة‪ ،‬ويلتفت إلى الحاضرين التفاتا ً قصدا ً‬
‫بحسب الحاجة للخطاب")المجموع شرح المهذب )‪.(. (1/33‬‬
‫والتزان صفة يحتاج إليها من يطلب من الناس أدنى اعتبار لشخصيته‬
‫واحترام لها‪ ،‬فكيف بمن يكون معلما ً للجيل وقدوة للناشئة؛ إذ إن أولئك‬
‫الذين يفقدون اتزانهم‪ ،‬وتنبئ تصرفاتهم عن نقص في العقل وكمال الرجولة‪،‬‬
‫وفقد لهيبة العلم‪ ،‬أولئك إنما تنادي أحوالهم بمزيد من السخرية والعبث من‬
‫قبل تلمذتهم‪.‬‬
‫‪ - 7‬القدوة الصالحة‪:‬‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كثير من الناس يستطيع التوجيه ويحسن القول‪ ،‬ولكن كم هم المعلمون‬


‫الذين يدعون بأعمالهم‪ ،‬ويرى فيهم الطالب القدوة الحسنة؟ فيحسن بك‬
‫أخي الكريم أن تكون قدوة صالحة لبنائك‪ ،‬في عبادتك‪ ،‬وفي تعاملك‪ ،‬وفي‬
‫سلوكك‪ .‬وبعبارة أدق أن يتفق مقالك وحالك‪.‬‬
‫إن التناقض بين القول والعمل‪ ،‬والظاهر والباطن‪ ،‬وازدواجية التوجيه‬
‫وتناقضه‪ ،‬كل ذلك من أكبر مشكلت الجيل المعاصر‪ ،‬وذلك كله نبات بذرة‬
‫خبيثة واحدة‪ ،‬أل وهي عدم العمل بالعلم‪ ،‬والمأمول منك أخي المدرس أن‬
‫تسهم في اجتثاث هذه النبتة السوء‪ ،‬ل أن تسهم دون قصد في سقيها‪.‬‬
‫ولذا يقول الشافعي موصيا ً مؤدب أولد الخليفة الرشيد‪":‬ليكن أول ما تبدأ به‬
‫من إصلح أولد أمير المؤمنين إصلح نفسك‪ ،‬فإن أعينهم معقودة بعينك‪،‬‬
‫فالحسن عندهم ما تستحسنه‪ ،‬والقبيح عندهم ما تكرهه"‪.‬‬
‫وها هو ابن مسعود‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬يقول‪":‬من كان كلمه ل يوافق فعله‬
‫سه"‪.‬‬‫فإنما يوّبخ نف َ‬
‫ً‬
‫ويرى الغزالي أن الوظيفة الثامنة للمعلم‪" :‬أن يكون عامل بعلمه‪ ،‬فل يكذب‬
‫قوله فعله؛ لن العلم يدرك بالبصائر‪ ،‬والعمل يدرك بالبصار‪ ،‬وأرباب البصار‬
‫أكثر‪ ،‬فإذا خالف العلم العمل منع الرشد‪ ،‬وكل من تناول شيئا ً وقال للناس ل‬
‫تتناولوه فإنه سم مهلك؛ سخر الناس به‪ ،‬واتهموه‪ ،‬وزاد حرصهم على ما نهوا‬
‫عنه‪ ،‬فيقولون‪ :‬لول أنه أطيب الشياء وألذها لما كان يستأثر به")إحياء علوم‬
‫الدين )‪. (.(1/97‬‬
‫فالمدرس الذي يتحدث لطلبه عن أهمية الصلة والمحافظة عليها‪ ،‬وحين‬
‫يصّلون في المدرسة يرونه في آخر الصفوف أو"الذي يحث طلبه على‬
‫اللتزام بالمواعيد وأهمية الوفاء بها‪ ،‬ثم يحضر إلى دروسه متأخرا ً يمحو‬
‫بتصرف واحد عشرات القوال التي يصّبها في آذانهم")المعلم والمناهج‬
‫وطرق التدريس لستاذنا ‪ :‬د‪ .‬محمد مرسي )‪.(. (21‬‬
‫‪ - 8‬الوفاء بالوعد‪:‬‬
‫إن الوفاء بالوعد من خلق المؤمن‪ ،‬بل الخلف من خصال النفاق‪ ،‬وإخلف‬
‫الوعد مظهر من مظاهر عدم الجدية واللمبالة‪ ،‬ينطبع في أذهان الطلب‬
‫عن شخصية أستاذهم‪ ،‬ويعطيهم مقياسا ً لضآلة قدرهم عنده‪.‬‬
‫فحين تعد طالبا ً بمكافأة‪ ،‬أو بحث مسألة‪ ،‬أو تعد سائر طلبتك بأي أمر‪،‬‬
‫فاجتهد واحرص كل الحرص على الوفاء بما وعدت به‪ ،‬وإن حال دون ذلك‬
‫حائل‪ ،‬أو عاق دون تحقيقه عائق فالعتذار اللطيف يزيل ما قد يكون في‬
‫النفس‪.‬‬
‫‪ -9‬السهام في إصلح نظام التعليم‪:‬‬
‫المدرس الجاد المخلص يشعر أن مهمته ل تقف عند حد ما يقدمه في الفصل‬
‫الدراسي‪ ،‬ولئن كانت المسؤولية عن نظم التعليم والمناهج وما يتعلق بذلك‬
‫أمورا ً يعنى بها غير المعلم‪ ،‬إل أن ذلك ل يعفيه من المشاركة والسعي‬
‫للصلح‪.‬‬
‫وهو حين يحمل هذا الهم في خاطره‪ ،‬ويدرك أن هذه المهمة جزٌء من‬
‫مسؤوليته‪ ،‬سيسهم في اقتراٍح بناٍء على إدارة المدرسة‪ ،‬أو تنبيهٍ على ملحظ‪،‬‬
‫أو مناقشة هادئة في قرار‪.‬‬
‫وسيدعوه ذلك أيضا ً للمساهمة في إبداء اقتراح أو تصحيح خطأ حول منهج‬
‫مادة يدرسها‪ ،‬أو طرح فكرة بناءة والكتابة عنها‪ ،‬أو السعي لدراسة ظاهرة‬
‫من الظواهر السلبية في نظام التعليم أو مشكلة من مشكلته‪.‬‬
‫ولهذا كان السلف يوصون المعلم بالعناية بحماية نظام التعليم من المخالفات‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشرعية‪ ،‬ولو كانت في نظر البعض من المور اليسيرة‪ .‬قال سحنون‪":‬وأكره‬


‫للمعلم أن يعلم الجواري‪ ،‬ول يخلطهن مع الغلمان؛ لن ذلك فساد لهم"‬
‫)آداب المعلمين ‪ .‬مصدر سابق )‪. (. (123‬‬
‫‪- 10‬حسن المعاملة للطالب‪:‬‬
‫إن الطالب هو المقصود الول والساس من العملية التعليمية والتربوية‪ ،‬ولذا‬
‫فهو المتغير الرئيس الذي يتعامل معه الستاذ‪ ،‬أما المنهج‪ ،‬وأنظمة التعليم‪،‬‬
‫وغير ذلك فهي إنما وضعت أساسا ً لتحقيق الهدف التربوي التعليمي للطالب‪،‬‬
‫ولهذا الموقع الذي يتبوأه الطالب في العملية التربوية كان لبد من وضع‬
‫بعض المعالم والقواعد في التعامل مع الطالب‪ ،‬حتى يتحقق الهدف المقصود‬
‫من التربية والتعليم‪.‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫ومدار ذلك كله على حسن الخلق‪ ،‬وقد أعلى الشرع منزلة حسن الخلق‬
‫ورفع من شأنها‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم ‪":‬ليس شيء أثقل في ميزان‬
‫المؤمن يوم القيامة من خلق حسن")رواه الترمذي )‪ (2002‬وأبو داود )‬
‫‪ (4799‬وأحمد )‪(26971‬وانظر ‪ :‬السلسلة الصحيحة ) ‪. (. ( 876‬‬
‫وترتقي منزلة أهل الخلق الحسن ليدركوا درجة أهل العبادة والزهد‪":‬إن‬
‫المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم" )رواه أبو داود )‪(4798‬‬
‫وأحمد )‪ (23834‬وابن حبان )‪ . (. (1927‬وإذا كان حسن الخلق يتأكد على‬
‫كل مسلم‪ ،‬فهو في حق معلم الجيال‪ ،‬وأستاذ النشء آكد وأوجب‪ ،‬وحسن‬
‫خلق المدرس مع طلبه كلمة واسعة تجمع أبوابا ً شتى منها‪:‬‬
‫ل‪ :‬توقير الطالب وتقديره‪:‬‬‫أو ً‬
‫بعيدا عن نظرة التعالي التي سادت بين كثير من المسلمين وللسف‪ ،‬وفوق‬ ‫ً‬
‫احتقار الخرين وازدرائهم ‪ -‬كما هو حال بعض المعلمين ‪ -‬فوق ذلك كله‬
‫وأسمى منه يجب أن تكون أخلقنا معشر المعلمين الدعاة‪.‬‬
‫وفي الجامع لخلق الراوي وآداب السامع‪ :‬باب إكرامه الغرباء من الطلبة‬
‫وتقريبهم‪ ،‬استقباله لهم بالترحيب‪ ،‬تواضعه لهم‪ ،‬تحسين خلقه معهم‪ ،‬الرفق‬
‫بمن جفا طبعه منهم‪ ،‬ويروي في الباب الخير عن أبي عثمان الوراق قال‪:‬‬
‫اجتمع أصحاب الحديث عند وكيع‪ ،‬قال ‪ :‬وعليه ثوب أبيض‪ ،‬فانقلبت المحبرة‬
‫على ثوبه‪ ،‬فسكت ملّيا ثم قال‪ :‬ما أحسن السواد في البياض‪.‬‬
‫وعن سفيان بن وكيع قال‪ :‬قال أبي‪ :‬من أراد أن يحدث فليصبر وإل‬
‫فليسكت)الجامع لخلق الراوي وآداب السامع )‪.(. (1/355‬‬
‫وفي الدب الرابع للمعلم عند ابن جماعة‪":‬أن يحب لطالبه ما يحب لنفسه‬
‫كما جاء في الحديث‪ ،‬ويكره له ما يكره لنفسه‪ ،‬قال ابن عباس‪ :‬أكرم الناس‬
‫ي‪ ،‬لو استطعت أن ليقع الذباب‬ ‫علي جليسي الذي يتخطى رقاب الناس إل ّ‬
‫عليه لفعلت‪ ،‬وفي رواية ‪ :‬إن الذباب ليقع عليه فيؤذيني" )تذكرة السامع‬
‫والمتكلم ) ‪. (. ( 49‬‬
‫ويؤكد ابن جماعة على المعلم حسن المعاملة في موضع آخر فيقول‪":‬وكذلك‬
‫ينبغي أن يترحب بالطلبة إذا جلسوا إليه‪ ،‬ويؤنسهم بسؤالهم عن‬
‫أحوالهم‪،‬وأحوال من يتعلق بهم بعد درسهم‪ ،‬وليعاملهم بطلقة الوجه‪ ،‬وظهور‬
‫البشر‪ ،‬وحسن المودة‪ ،‬وإعلم المحبة‪ ،‬وإضمار الشفقة")تذكرة السامع‬
‫والمتكلم ) ‪. ( . ( 65‬‬
‫وقال النووي‪":‬وينبغي له أن يحنو عليه‪ ،‬ويعتني بمصالح نفسه وولده‪ ،‬ويجريه‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مجرى ولده في الشفقة عليه والهتمام بمصالحه" )المجوع شرح المهذب )‬


‫‪. (. ( 31 /1‬‬
‫ّ‬
‫إن توقير الطالب وتقديره ‪ -‬مع أنه خلق المسلم ابتداء ‪ -‬يعلمه أن يوقر‬
‫الناس‪ ،‬ويدعوه لمحبة مدرسه‪ ،‬والتلقي فرع عن المحبة وصفاء القلوب‪ ،‬وهو‬
‫كذلك يخرج لنا جيل ً يتصف بحسن الخلق‪ ،‬وصفاء السريرة؛ إذ هو يتعلمها‬
‫ويدرسها من خلل الواقع الملموس والصورة الحية‪ ،‬مما يفعل ما ل تفعله‬
‫الكلمات المجردة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الثناء عليه حين يحسن‪:‬‬
‫إننا نجيد النقد لمن أساء‪ ،‬ونرى أن إيقافه عند حده من بدهيات واجبات‬
‫المدرس؟ فما بالك بمن يحسن؟ أليس في المقابل يستحق الثناء‪ ،‬ولو بدعوة‬
‫صالحة‪ :‬جزاك الله خيرًا‪ ،‬أثابك الله‪ ،‬زادك الله علما ً وحين يتجاوب الثغر مع‬
‫اللسان فيفتر عن ابتسامة صادقة‪ ،‬يدرك الطالب صدق مودة مدرسه‪.‬‬
‫وحين نقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فلن تخطئنا تلك المواقف التي‬
‫كان يثني فيها على من أحسن من صحابته كما سبق الحديث عن ذلك في‬
‫هديه صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫ً‬
‫ومرة أخرى مع ابن جماعة يعلمنا هذا الدب فيقول‪":‬فمن رآه مصيبا في‬
‫الجواب‪ ،‬ولم يخف عليه شدة العجاب شكره وأثنى عليه بين أصحابه؛ ليبعثه‬
‫وإياهم على الجتهاد في طلب الزدياد")تذكرة السامع والمتكلم ) ‪. ( . ( 54‬‬
‫ثالثًا‪ :‬العدل بين الطلب‪:‬‬
‫على العدل قامت السموات والرض‪ ،‬وبه أوصى الله عباده ‪] :‬إن الله يأمر‬
‫بالعدل والحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي‬
‫يعظكم لعلكم تذكرون[ )النحل ‪ (90:‬ولذا فعلينا معشر المعلمين أن نتحرى‬
‫العدل ونقصده‪ ،‬ونسعى إليه بين طلبتنا‪ ،‬وأل تظهر الميول والتقديرات‬
‫الشخصية قدر المكان‪ .‬فالمحاباة والتفريق في المعاملة مما يمقته الطلب‬
‫وينفرون منه ومن صاحبه‪.‬‬
‫وهي قضية لم تكن تغيب عن علمائنا الوائل‪ ،‬فتوارثوا إيصاء المعلم بالعدل‪،‬‬
‫وتحذيره من خلفه‪ .‬قال المام النووي‪":‬وينبغي أن يقدم في تعليمهم إذا‬
‫ازدحموا السبق فالسبق‪ ،‬وليقدمه في أكثر من درس إل برضا الباقين"‬
‫)المجموع شرح المهذب )‪.(. (1/33‬‬
‫وقال ابن قيم الجوزية‪":‬إن الطالب المتعلم إذا سبق غيره إلى الشيخ ليقرأ‬
‫عليه لم يقدم بدرسين إل أن يكون كل منهم يقرأ درس" )الفروسية )‪. (114‬‬
‫وانظر الفكر التربوي عند ابن القيم لحسن الحجاجي )‪.(. (450‬‬
‫وعقد ابن سحنون بابا ً في ذلك )ماجاء في العدل بين الصبيان( وأورد فيه‬
‫بإسناده عن الحسن قال‪":‬إذا قوطع المعلم على الجرة فلم يعدل بينهم ‪ -‬أي‬
‫الصبيان ‪ -‬كتب من الظلمة" )آداب المعلمين لبن سحنون ‪ .‬المطبوع في‬
‫نهاية كتاب المذهب التربوي عند ابن سحنون )‪. (. (115‬‬
‫وقال في موضع آخر‪":‬وليجعلهم بالسواء في التعليم‪ ،‬الشريف والوضيع‪ ،‬وإل‬
‫كان خائنًا"‪.‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫وغني عن البيان أن تلك التوجيهات والوصايا قد ذكرها أصحابها على سبيل‬


‫المثال‪ ،‬فالعدل صفة محمودة مطلوبة كل وقت‪ ،‬وإن اختلفت صوره‬
‫وتطبيقاته من عصر لخر‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رابعًا‪:‬العتدال في معالجة الخطاء‪:‬‬


‫إن الصبر على الجفاء‪ ،‬وتحمل سيئ الطباع من محاسن الخلق‪ ،‬ونحن‬
‫نسعى لبناء كل خلق فاضل في نفوس أبنائنا‪ ،‬أوليست التربية بالفعل أبلغ من‬
‫القول ؟ فما رأيك أخي المدرس حين يعتاد تلميذك منك الصبر على جفائه‪،‬‬
‫وتحمل هفوته‪ ،‬بما ل يزيل الهيبة‪ ،‬و يجرئ على المعاودة؟ وإن كان ولبد من‬
‫التنبيه فبحسن الشارة‪ ،‬وجميل التلطف‪ ،‬لذا يوصي ابن جماعة المعلم بهذا‬
‫الخلق فيقول‪":‬وينبغي أن يعتني بمصالح الطالب‪ ،‬ويعامله بما يعامل به أعز‬
‫أولده من الحنو والشفقة عليه‪ ،‬والحسان إليه‪ ،‬والصبر على جفاء ربما وقع‬
‫منه نقص ل يكاد يخلو النسان عنه‪ ،‬وسيئ أدب في بعض الحيان‪ ،‬ويبسط‬
‫عذره بحسب المكان‪ ،‬ويوقفه مع ذلك على ما صدر منه بنصح وتلطف‪ ،‬ل‬
‫بتعنيف وتعسف‪ ،‬قاصدا ً بذلك حسن تربيته‪ ،‬وتحسين خلقه‪ ،‬وإصلح شأنه‪،‬‬
‫فإن عرف ذلك لذكائه بالشارة‪ ،‬فل حاجة لصريح العبارة‪ ،‬وإن لم يفهم إل‬
‫بصريحها أتى بها وراعى التدريج في التلطف")ذكرة السامع والمتكلم )‬
‫‪.( . ( 50‬‬
‫ويكرر الغزالي الوصية نفسها فيرى أن من آداب المعلم‪":‬أن يزجر المتعلم‬
‫عن سيئ الخلق بطريق التعريض ما أمكن ول يصرح‪ ،‬وبطريق الرحمة‬
‫لبطريق التبويخ" )إحياء علوم الدين ) ‪.( . ( 1/57‬‬
‫ويؤكد المام النووي هذا المعنى فيقول‪":‬ويجريه مجرى ولده في الشفقة‬
‫عليه‪ ،‬والصبر على جفائه وسوء أدبه‪ ،‬ويعذره في سوء أدب وجفوة تعرض‬
‫ض للنقائص")المجموع شرح المهذب‬ ‫منه في بعض الحيان‪ ،‬فإن النسان معر ٌ‬
‫)‪.(. (1/30‬‬
‫والمنطق السليم يقتضي من المعلم أن يعالج الخطأ داخل الفصل بما يراه‬
‫يحقق المصلحة‪ ،‬وأن ليتدخل طرف ثالث قدر المكان‪ ،‬والكي إنما هو آخر‬
‫الدواء ل أوله‪.‬‬
‫وحين نتصور أن القصور والخطأ صفة ملزمة للطالب قلما ينفك عنها‪،‬‬
‫وبخاصة في هذا الوقت‪ ،‬فسوف نتجاوز كثيرا ً من الخطاء‪ ،‬أو نضعها في‬
‫حجمها الطبيعي على القل ‪ ،‬وما أعظم أن يحتوي المعلم خطأ الطالب‬
‫بنظرة‪ ،‬أو همسة‪ ،‬أو لفتة غير مباشرة‪ ،‬أو حديث خاص خارج الفصل‪.‬‬
‫وانظر إلى هذا النموذج الرائع من الصبر على جفاء الجاهل‪ .‬قال أبو يوسف‬
‫رحمه الله‪" :‬أتيت مجلس أبي حنيفة رحمه الله تعالى‪ ،‬فجلست فيه‪ ،‬فجاء‬
‫ب أبا حنيفة ويشتمه‪ ،‬فما يقطع أبو‬ ‫رجل فقام في ناحية المجلس فجعل يس ّ‬
‫حنيفة حديثه ول التفت إلى كلمه‪ ،‬ول أجابه أحد من أهل المجلس حتى فرغ‬
‫أبو حنيفة من كلمه‪ ،‬وقام ليدخل داره‪ ،‬فلما بلغ أبو حنيفة إلى باب داره قام‬
‫عند بابه واستقبل الرجل‪ ،‬وقال ‪ :‬هذه داري أريد الدخول‪ ،‬فإن كنت مستتم‬
‫باقي كلمك فأتمه حتى ل يبقى شيء مما عندك تخاف عليه الفوت‪ ،‬فاستحيا‬
‫الرجل‪ ،‬وقال ‪ :‬اجعلني في حل‪ ،‬فقال ‪ :‬أنت في حل" )من أعلم التربية‬
‫السلمية ) ‪. ( 138 -137 /1‬نقل ً عن مناقب أبي حنيفة للموفق المكي )‬
‫‪.( . ( 249‬‬
‫خامسًا‪ :‬الهتمام بالطالب‪:‬‬
‫"إن وجود المتعلم داخل المدرسة ل يعني انفصاله بأي حال من الحوال عن‬
‫المؤثرات الخارجية التي يحتك بها‪ ،‬بل إن تأثير بعض المشكلت الخارجية‬
‫على التعليم يجعل الوصول إلى الهداف التربوية والتعليمية المنشودة في‬
‫غاية الصعوبة والتعقيد‪ ،‬لذا فإن واجب المعلم أن يتعرف على جانب من‬
‫المشكلت الجتماعية التي يعيشها المتعلم؛ لما لها من أثر في نموه العلمي‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والجتماعي" )إعداد المعلم من منظور التربية السلمية‪.‬د عبدالله عبدالحميد‬


‫محمود )‪. (.(71‬‬
‫وقد تمر بالطالب حالة خاصة‪ ،‬كمرض‪ ،‬أو ظروف شخصية‪ ،‬فحين يعطيه‬
‫مدرسه اهتماما ً شخصيًا‪ ،‬ولو بمجرد السؤال عن حاله‪ ،‬والستفصال عنها فإن‬
‫هذا يشعره بقيمته واهتمام مدرسه به ‪ ،‬بل يذهب ابن جماعة إلى أبعد من‬
‫ذلك فيقول‪":‬وإذا غاب بعض الطلبة أو ملزمي الحلقة زائدا ً عن العادة سأل‬
‫عنه‪ ،‬وعن أحواله وعن من يتعلق به‪ ،‬فإن لم يخبر عنه بشيء أرسل إليه‪ ،‬أو‬
‫قصد منزله بنفسه وهو أفضل‪ ،‬فإن كان مريضا ً عاده‪ ،‬وإن كان في غم خفض‬
‫عليه‪ ،‬وإن كان مسافرا ً تفقد أهله ومن يتعلق به‪ ،‬وسأل عنهم وتعرض‬
‫لحوائجهم‪ ،‬ووصله بما أمكن‪ ،‬وإن كان فيما يحتاج إليه فيه أعانه‪ ،‬وإن لم يكن‬
‫شيء من ذلك تودد له ودعا له")تذكرة السامع والمتكلم ) ‪ . ( 63 - 61‬مع‬
‫ملحظة اختلف العراف والعبرة بالمعنى العام من كلمه رحمه(‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد يجد المعلم أن لدى تلميذه ضائقة مالية فيسعى لن يكون وسيطا بينه‬
‫وبين أهل الخير‪ ،‬ليقدم له شيئا ً من المساعدة التي تشعره أن هناك من‬
‫يدرك معاناته ويحس بآلمه‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬التواضع‪:‬‬
‫التعليم ميدان للتصدر والرفعة‪ ،‬فقد يدخل على المعلم في ذلك ما يدخل‬
‫عليه من زهو‪ ،‬وشعور بالرفعة‪ ،‬قال ابن عبدوس‪":‬كلما توقر العالم وارتفع‬
‫كان العجب إليه أسرع إل من عصمه الله بتوفيقه‪ ،‬وطرح حب الرياسة عن‬
‫نفسه")جامع بيان العلم وفضله )‪.(. (1/142‬‬
‫ولذا يؤكد أهل العلم على المعلم التخلق بخلق التواضع‪.‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫روى ابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله عن عمر بن الخطاب ‪-‬رضي‬
‫الله عنه‪ -‬أنه قال‪":‬تعلموا العلم وعّلموه للناس‪ ،‬وتعّلموا له الوقار والسكينة‪،‬‬
‫وتواضعوا لمن تعلمتم منه‪ ،‬ولمن علمتموه‪ ،‬ول تكونوا جبابرة العلماء‪،‬‬
‫فليقوم جهلكم بعلمكم" )جامع بيان العلم وفضله )‪.(. (1/135‬‬
‫وقد أوصى المام الجري من يعّلم القرآن بالتواضع فقال‪":‬ويتواضع لمن‬
‫ل" )أخلق أهل القرآن للجري )‬ ‫يلقنه القرآن‪ ،‬ويقبل عليه إقبال ً جمي ً‬
‫‪. (. (111‬‬
‫وقال أيضا ً رحمه الله‪":‬وينبغي لمن قرأ عليه القرآن فأخطأ عليه أو غلط أل‬
‫يعنفه‪ ،‬وأن يرفق به‪ ،‬ول يجفو عليه‪ ،‬فإني ل آمن أن يجفو عليه فينفر عنه‪،‬‬
‫وبالحري أل يعود إلى المسجد")أخلق أهل القرآن للجري )‪. (. (120‬‬
‫قال المام النووي‪":‬وينبغي له أل يتعظم على المتعلمين‪ ،‬بل يلين لهم‬
‫ويتواضع‪ ،‬فقد أمر بالتواضع لحاد الناس‪ ،‬قال الله تعالى ‪] :‬واخفض جناحك‬
‫للمؤمنين[ وعن عياض بن حمار‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪":‬إن الله أوحى إلي أن تواضعوا "رواه مسلم‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪":‬ما نقصت صدقة من مال‪ ،‬وما زاد الله عبدا ً بعفو إل عّزا‪ ،‬وما تواضع‬
‫أحد ٌ لله إل رفعه الله" رواه مسلم‪ ،‬فهذا التواضع لمطلق الناس فكيف بهؤلء‬
‫الذين هم كأولده مع ما هم عليه من الملزمة لطلب العلم‪ ،‬ومع ما لهم عليه‬
‫من حق الصحبة وترددهم إليه‪ ،‬واعتمادهم عليه‪ ،‬وفي الحديث عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ":‬لينوا لمن ُتعّلمون‪ ،‬ولمن تتعّلمون منه" وعن الفضيل‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بن عياض رحمه الله"أن الله عز وجل يحب العالم المتواضع‪ ،‬ويبغض العالم‬
‫الجبار‪ ،‬ومن تواضع لله تعالى وّرثه الحكمة" أ‪.‬هـ)المجموع شرح المهذب )‬
‫‪. ((1/30‬‬
‫وقد يكون المرء في موقع يرى منه الناس ما ليرونه في أنفسهم‪ ،‬فيكبرونه‪،‬‬
‫وينزلونه فوق منزلته‪ ،‬والمدرس من أكثر الناس عرضة لذلك‪ ،‬فالحري به‬
‫أن"يعرف قدر نفسه فل ينخدع بما يقال عنه‪ ،‬وليركن إلى ثناء أحد عليه‪ ،‬ول‬
‫يدخله العجب والغرور بما يرى من كثرة طلب العلم حوله" )إعداد المعلم‬
‫من منظور التربية السلمية‪ .‬د عبدالله بن عبدالحميد محمود )‪. (.(225‬‬
‫سابعًا‪ :‬العناية بالطالب الموهوب ‪:‬‬
‫لقد خلق الله الناس معادن وطاقات متفاوتة كما قال صلى الله عليه و‬
‫سلم ‪":‬الناس معادن‪ ،‬خيارهم في الجاهلية خيارهم في السلم إذا فقهوا‬
‫")رواه البخاري )‪ (3383‬ومسلم ) ‪.( . ( 2638‬‬
‫وقال‪":‬مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب‬
‫أرضًا‪ ،‬فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكل والعشب الكثير‪ ،‬وكانت منها‬
‫أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا‪ ،‬وأصابت‬
‫منها طائفة أخرى إنما هي قيعان ل تمسك ماء ول تنبت كل‪ ،‬فذلك مثل من‬
‫م وعّلم‪ ،‬ومثل من لم يرفع‬ ‫فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به؛ فَعَل ِ َ‬
‫بذلك رأسًا‪ ،‬ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به")رواه البخاري ) ‪( 79‬‬
‫ومسلم ) ‪. ( . ( 2282‬‬
‫ولقد كان سلف المة ‪ -‬رحمهم الله ‪ -‬يعنون بذلك أيما عناية‪ ،‬روى ابن عبد‬
‫البر في الجامع عن عبد الملك بن عبد العزيز بن سلمة بن أبي الماجشون‬
‫قال‪:‬أتيت المنذر بن عبدالله الحزامي وأنا حديث السن‪ ،‬فما رآني اهتز إلي‬
‫على غيري لما رأى في بعض الفصاحة‪ ،‬فقال لي‪:‬من أنت؟ فقلت له‪ :‬عبد‬
‫الملك بن عبدالعزيز بن أبي سلمة‪ .‬فقال‪":‬اطلب العلم فإن معك حذاءك‬
‫وسقاءك")جامع بيان العلم وفضله )‪.((1/86‬‬
‫ومصطلح الموهوب أوسع وأشمل من أن يقتصر على من يتمتع بقدر أكبر‬
‫من الذكاء‪ ،‬فهو يشمل كل من يملك قدرات خاصة تؤهله للتفوق في أي‬
‫مجال من المجالت‪ ،‬فالشعر والخطابة والكتابة مواهب‪ ،‬والقدرات العملية‬
‫والقيادية كذلك‪.‬‬
‫ونأسف حين نرى الغرب الكافر يعتني بالموهوبين‪ ،‬ويسن لرعايتهم أنظمة‬
‫خاصة‪ ،‬ويقيم فصول ً ومدارس خاصة بهم‪ ،‬في حين يلقون غاية الهمال لدى‬
‫المسلمين‪ ،‬فتقام في أمريكا سنويا ً مسابقة لختيار الختراعات التي يتقدم‬
‫بها الطفال)‪ (13-5‬سنة‪ ،‬وأقيمت مسابقة عام ‪1992‬م في واشنطن وشارك‬
‫فيها ‪ 51‬طفل ممن فازوا في التصفيات التي جرت على مستوى الوليات‬
‫المتحدة‪ ،‬وابتداًء من شهر أغسطس الماضي عرضت الختراعات الفائزة في‬
‫متحف التاريخ المريكي جنبا ً إلى جنب مع الختراعات المريكية الخرى‪،‬‬
‫كبادرة لتشجيع المخترعين الصغار )جريدة الرياض ) ‪/3 / 7 ( 838 8‬‬
‫‪1413‬هـ ( ‪.‬‬
‫فحين ترى طالبا يفوق غيره في قدراته‪ ،‬فماذا أنت صانع نحوه؟ وهل فكرت‬ ‫ً‬
‫ة واهتماما ً يليقان به؟‬
‫أن عليك أن تنظر له نظرة غير أقرانه؟ وأن توليه رعاي ً‬
‫أليست هذه الطاقات هي المؤهلة لتتبوأ المكانة الجتماعية أو العلمية‬
‫والفكرية في المجتمع؟ وصلحها ينتج عنه خير كثير‪.‬‬
‫ونستطيع أن نرسم لنفسنا هدفين رئيسين في التعامل مع الموهوب‪:‬‬
‫الهدف الول‪:‬‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن نسلك به طريق الستقامة والصلح‪ ،‬ويسير في ركب جيل الصحوة‪ ،‬وهذا‬
‫هو المطلب الولى والساس‪ ،‬والضمانة لستثمار هذه الطاقة وتوجيهها‪.‬‬
‫الهدف الثاني‪:‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫قد يعجز المدرس عن التأثير التام على الموهوب وجلبه لتيار الخير‬
‫والستقامة والتغيير الجذري لديه‪ ،‬فل أقل من أن يزرع لديه حب الخير‬
‫وأهله‪ ،‬والولء للدين‪ ،‬واستغلل طاقته وموهبته في خدمة دين الله‪ ،‬فهذا من‬
‫تمام شكر نعمة الله عليه‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬صفات سلبية‬
‫لئن كانت هناك صفات إيجابية ينبغي للمعلم أن يتحلى بها‪ ،‬فهناك صفات‬
‫سلبية ينبغي له أن يتأى عنها ويتجنبها‪ ،‬ومن أبرز تلك الصفات ‪:‬‬
‫‪ -1‬الستكبار عن قبول الحق‪:‬‬
‫قد يكون لدى أحد طلبتك علم في مسألة معينة ليس عندك‪ ،‬أو سمع فيها ما‬
‫لم تسمع‪ ،‬أو يتضح لك بعد النقاش أن الحق بخلف ما قلته‪ ،‬فهل فكرت في‬
‫كسر حاجز الهوى‪ ،‬وقبول الحق والنتصار على الوهم الذي يوحي إليك أن‬
‫هذا يغض من شأنك؟ بل فيه الرفعة والثقة‪ ،‬فالناس كل الناس يدركون أنه ل‬
‫كمال لبشر‪ ،‬وأنه ما من أحد من كبار أهل العلم إل وتعزب عنه شاردة أو‬
‫واردة‪ ،‬فكيف بي وبك؟ بل إن العتراف بالحق يزيد تلمذتك ثقة أنك ل تقول‬
‫إل ما تعلم‪ ،‬ول تنطق إل بما توقن‪.‬‬
‫لذا فيعد المام النووي من صفات المعلم أن‪":‬ليستنكف عن التعلم ممن هو‬
‫دونه‪ ،‬في سن‪ ،‬أو نسب‪ ،‬أو شهرة‪ ،‬أو دين‪ ،‬أو في علم آخر‪ ،‬بل يحرص على‬
‫الفائدة ممن كانت عنده‪ ،‬وإن كان دونه في جميع هذا")لمجموع شرح‬
‫المهذب )‪.( . (1/29‬‬
‫‪ - 2‬حسد الطالب‪:‬‬
‫الحسد سلوك شاذ يصدر عن أصحاب النفوس المريضة حين ترى من فاقها‬
‫في أمر من أمور الدنيا الفانية‪ ،‬وهو يحمل علوة على خبث الطوية سخطا ً‬
‫على قضاء الله وعدم رضا بعطائه؛ لذا فالمدرس أعظم قدرًا‪ ،‬وأعلى شأنا ً‬
‫من أن يحمل في قلبه حسدا ً أو غل ً تجاه أحد أبنائه؛ خاصة حين يفوقه‪ ،‬وهو‬
‫مسلك حذر منه السلف الصالح‪.‬‬
‫م‬
‫ٌ‬ ‫حرا‬ ‫فالحسد‬ ‫تحصيله‪،‬‬ ‫لكثرة‬ ‫منهم‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫أحد‬ ‫قال المام النووي‪":‬ول يحسد‬
‫ب‬ ‫للجانب وهنا أشد؛ لنه بمنزلة الوالد‪ ،‬وفضيلته يعود إلى معلمه منها نصي ٌ‬
‫وافٌر؛ فإنه مربيه‪ ،‬وله في تعليمه وتخريجه في الخرة الثواب الجزيل‪ ،‬وفي‬
‫الدنيا الدعاء المستمر والثناء الجميل")المجموع شرح المهذب )‪.(. (1/33‬‬
‫‪ - 3‬الفتيا بغير علم‪:‬‬
‫ما أكثر ما يأتيك أخي المدرس السؤال والستفتاء من طلبتك فهل رّوضت‬
‫نفسك على أن تقول لما لتعلم ل أعلم؟ فمن حرم ل أدري أصيبت مقاتله‪،‬‬
‫وهل وضعت نصب عينيك قوله تعالى ‪ ] :‬قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر‬
‫منها وما بطن والثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به‬
‫سلطانا ً وأن تقولوا على الله ما ل تعلمون[ )العراف ‪ .(33 :‬وقوله سبحانه ‪:‬‬
‫]ل تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه‬
‫ل[ )السراء ‪ . (36 :‬وأجرأ الناس على الفتيا أقلهم علما ً كما قال‬ ‫مسؤو ً‬
‫سحنون ‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عقد المام ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله بابا ً بعنوان‪) :‬ما يلزم‬
‫العالم إذا سئل عما ل يدريه من وجوه العلم( وروى بسنده عن عبد الرحمن‬
‫بن مهدي قال‪ :‬كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال‪ :‬يا أبا عبد الله‪ ،‬جئتك‬
‫ة أسألك عنها‪ .‬قال‪ :‬فسل‪.‬‬ ‫ل بلدي مسأل ً‬‫ملني أه ُ‬‫من مسيرة ستة أشهر ح ّ‬
‫قال‪:‬فسأله الرجل عن المسألة‪ .‬فقال‪ :‬ل أحسنها‪ .‬قال‪ :‬فبهت الرجل كأنه قد‬
‫جاء إلى من يعلم كل شيء‪ .‬قال‪:‬أي شيء أقول لهل بلدي إذا رجعت إليهم؟‬
‫قال‪ :‬تقول لهم‪ :‬قال مالك ‪ :‬ل أحسن")امع بيان العلم وفضله )‪. ( . (2/53‬‬
‫وقال مالك رحمه الله‪":‬ينبغي للعالم أن يألف فيما أشكل عليه قول ل أدري‪،‬‬
‫فإنه عسى أن يهيأ له خير"‪ .‬قال ابن وهب‪ :‬وكنت أسمعه كثيرا ً ما يقول‪ :‬ل‬
‫أدري‪ .‬وقال في موضع آخر‪":‬لو كتبنا عن مالك ل أدري لملنا اللواح")جامع‬
‫بيان العلم وفضله ) ‪.(. (54-2/53‬‬
‫ولذا يوصي ابن جماعة المعلم بذلك فيقول‪":‬واعلم أن قول المسئول ل أدري‬
‫ل يضع من قدره كما يظنه بعض الجهلة‪ ،‬بل يرفعه؛ لنه دليل عظيم على‬
‫عظم محله‪ ،‬وقوة دينه‪ ،‬وتقوى ربه‪ ،‬وطهارة قلبه‪ ،‬وكمال معرفته وحسن‬
‫تثبته‪ ،‬وقد روينا معنى ذلك عن جماعة من السلف‪ ،‬وإنما يأنف من قول ل‬
‫أدري من ضعفت ديانته‪ ،‬وقلت معرفته؛ لنه يخاف من سقوطه من أعين‬
‫الحاضرين‪ ،‬وهذه جهالة ورقة دين‪ ،‬وربما يشهر خطؤه بين الناس فيقع فيما‬
‫فّر منه‪ ،‬ويتصف عندهم بما احترز عنه‪ ،‬وقد أدب الله تعالى العلماء بقصة‬
‫موسى مع الخضر حين لم يرد موسى عليه السلم العلم إلى الله تعالى لما‬
‫سئل هل أحد في الرض أعلم منك" )تذكرة السامع والمتكلم )‪.( . (43-42‬‬

‫)‪(18 /‬‬

‫وقال المام النووي‪":‬وإذا سئل عن شيء ل يعرفه أو عرض في الدرس ما ل‬


‫عْلم العالم أن‬‫من ِ‬ ‫يعرفه فليقل ل أعرفه ول أتحققه‪ ،‬ول يستنكف من ذلك‪ ،‬ف ِ‬
‫يقول لما ل يعلم‪ :‬ل أعلم‪ ،‬أو الله أعلم‪ .‬فقد قال ابن مسعود ‪ -‬رضي الله عنه‬
‫‪ " : -‬يا أيها الناس‪ ،‬من علم شيئا ً فليقل به‪ ،‬ومن لم يعلم فليقل‪ :‬الله أعلم‪،‬‬
‫فإن من العلم أن يقول لما ل يعلم ‪ :‬الله أعلم‪ ،‬قال الله تعالى لنبيه صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪] :‬قل ما أسألكم عليه من أجرٍ وما أنا من المتكلفين[ رواه‬
‫البخاري‪ .‬وقالوا‪ :‬ينبغي للعالم أن يورث لصحابه ل أدري‪ ،‬معناه يكثر منها‪،‬‬
‫وليعلم أن معتقد المحققين أن قول العالم ل أدري ل يضع منزلته‪ ،‬بل هو‬
‫دليل على عظم محله وتقواه‪ ،‬وكمال معرفته؛ لن المتمكن ل يضره عدم‬
‫معرفته مسائل معدودة‪ ،‬بل يستدل بقوله ل أدري على تقواه‪ ،‬وأنه ل يجازف‬
‫ل علمه‪ ،‬وقصرت معرفته‪ ،‬وضعفت‬ ‫نق ّ‬
‫م ْ‬
‫في فتواه‪ .‬وإنما يمتنع من ل أدري َ‬
‫تقواه؛ لنه يخاف لقصوره أن يسقط من أعين الحاضرين‪ ،‬وهو جهالة منه‪،‬‬
‫فإنه بإقدامه على الجواب فيما ل يعلمه‪ ،‬يبوء بالثم العظيم‪ ،‬ول يرفعه ذلك‬
‫عما عرف له من القصور بل يستدل به على قصوره؛ لنا إذا رأينا المحققين‬
‫يقولون في كثير من الوقات ل أدري‪ ،‬وهذا القاصر ل يقولها أبدا ً علمنا أنهم‬
‫يتورعون لعلمهم وتقواهم‪ ،‬وأنه يجازف لجهله وقلة دينه‪ ،‬فوقع فيما فّر عنه‪،‬‬
‫واتصف بما احترز منه‪ ،‬لفساد نيته‪ ،‬وسوء طويته‪ ،‬وفي الصحيح عن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪":‬المتشبع بما لم يعط كلبس ثوبي زور")المجموع‬
‫شرح المهذب )‪. ( (1/34‬‬
‫‪ - 4‬كثرة المزاح‪:‬‬
‫ل شك أن الترويح‪ ،‬والدعابة اللطيفة وإذهاب الملل أمر مطلوب‪ ،‬وقد كان‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صلى الله عليه وسلم يداعب أصحابه ول يقول إل حقا ّ )رواه الترمذي )‬
‫‪ ( 1991‬ورواه أيضا ً في الشمائل ) ‪ ( 202‬وقال ‪ :‬حسن صحيح ‪ (.‬لكن‬
‫ل‪":‬يجب‬ ‫المزاح حين يكثر يصبح له أثر آخر يحذرنا منه الخطيب البغدادي قائ ً‬
‫أن يتقي المزاح في مجلسه؛ فإنه يسقط الحشمة‪ ،‬ويقل الهيبة"‪ .‬وساق‬
‫بإسناده إلى الحنف بن قيس قال‪ :‬قال لي عمر بن الخطاب‪":‬يا أحنف‪ ،‬من‬
‫كثر ضحكه قلت هيبته‪ ،‬ومن أكثر من شيء عرف به‪ ،‬ومن مزح استخف‬
‫به")الجامع لخلق الراوي وآداب السامع ) ‪. ( . ( 2/50‬‬
‫وقال محمد بن المنكدر‪ :‬قالت لي أمي‪ :‬يا بني‪ ،‬ل تمازح الصبيان فتهون‬
‫عليهم")الجامع لخلق الراوي وآداب السامع )‪. (. (2/150‬‬
‫وحين يكثر المدرس من المزاح فسوف يسقط قدره وتقل هيبته ويهون على‬
‫تلمذته‪ ،‬ناهيك عن أن من أهم ما ُينتظر من المدرس ومعلم الجيل أن يكون‬
‫قدوة صالحة‪ ،‬وأن يسهم في غرس الجد والمثابرة لدى أبنائه‪ ،‬والسفاف في‬
‫المزاح وكثرة الهزل يعطيهم قدوة سيئة في ذلك‪.‬‬
‫‪ -5‬استخدام الطلبة في المور الشخصية‪:‬‬
‫أل ترى أنه مما ل يليق بالمدرس أن يستخدم طلبه في أموره الشخصية‪،‬‬
‫ويكلفهم بها مهما هانت ؟ يجيبنا على هذا التساؤل الحافظ ابن جماعة‬
‫فيقول‪":‬وكذا ينزهه ‪ -‬علمه ‪ -‬من طمع في رفق من طلبته بمال أو خدمة أو‬
‫غيرهما بسبب اشتغالهم عليه وترددهم إليه")تذكرة السامع والمتكلم )‬
‫‪ (. ( 19‬اللهم إل أن تكون حاجة عامة غير شخصية‪ ،‬وفي اشتغال المعلم بها‬
‫تضييع لوقته‪ ،‬وهذا الطالب من خاصته فل حرج حينئذ بل إنه يتشرف بخدمته‪،‬‬
‫مادام يشعر أن ذلك ليس لشخصه فقط‪.‬‬
‫‪ -6‬الوقوع في مواطن التهم‪:‬‬
‫المرء مسئول عن نفسه‪ ،‬وعليه أن يبعدها عن مواضع التهم كما قال ابن‬
‫جماعة‪":‬وكذلك يتجنب مواضع التهم وإن بعدت‪ ،‬ول يفعل شيئا ً يتضمن نقص‬
‫مروءة‪ ،‬أو ما يستنكر ظاهرًا‪ ،‬وإن كان جائزا ً باطنًا؛ فإنه يعرض نفسه للتهمة‪،‬‬
‫وعرضة للوقيعة‪ ،‬ويوقع الناس في الظنون المكروهة‪ ،‬وتأثيم الوقيعة‪ ،‬فإن‬
‫اتفق وقوع شيء من ذلك لحاجة أو نحوها‪ ،‬أخبر من شاهده بحكمه‪ ،‬وبعذره‬
‫ومقصوده كيل يأثم بسببه‪ ،‬أو ينفر عنه فل ينتفع بعلمه‪ ،‬ولذلك قال النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم للرجلين لما رأياه يتحدث مع صفية فوليا ‪":‬على‬
‫رسلكما إنها صفية" ثم قال‪":‬إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم‪،‬‬
‫فخفت أن يقذف في قلوبكما شيئًا)رواه البخاري )‪ (3281‬ومسلم )‬
‫‪ "(.(2175‬ا‪.‬هـ‪) .‬تذكرة السامع والمتكلم )‪(. (20-19‬‬
‫‪ -7‬سرعة النفعال ولغة التهديد‪:‬‬
‫من لوازم حسن الخلق الترفع عن سرعة النفعال وشدة الغضب‪ ،‬واستبعاد‬
‫لغة التهديد‪ ،‬ومن أسوأ الساليب التي ل يجني منها المدرس إل الكراهية من‬
‫طلبه بل استخفافهم وسخريتهم‪:‬التهديد بما يعلم الطلب أنه لن يفعله‪.‬‬
‫وعناية المدرس بانضباط الفصل وهدوئه ينبغي أل تكون على حساب التربية‪،‬‬
‫وعلقته مع الطلب‪.‬‬
‫والغلب أن تكون هذه المواقف ردة فعل لسلوكيات ومخالفات ل ترقى‬
‫لحجم هذه العقوبة والقسوة‪ ،‬ويمكن تجاوزها بإشارة‪ ،‬أو تنبيه لطيف يزيلها‬
‫ويحفظ للمدرس وقاره وقدره‪.‬‬
‫‪ - 8‬السخرية من الطالب واحتقاره‪:‬‬

‫)‪(19 /‬‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال عز وجل ‪ ] :‬يا أيها الذين آمنوا ل يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا‬
‫خيرا ً منهم ول نساء من نساء عسى أن يكن خيرا ً منهن ول تلمزوا أنفسكم‬
‫ول تنابزوا باللقاب بئس السم الفسوق بعد اليمان ومن لم يتب فأولئك هم‬
‫الظالمون[ )الحجرات‪ (11:‬وشدد النبي صلى الله عليه وسلم من أمر‬
‫السخرية بالمسلم فقال‪":‬بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه‬
‫المسلم")رواه مسلم )‪.( .(2564‬‬
‫لقد جمع الله سبحانه وتعالى بين قلوب عباده المؤمنين بجامع الخوة‪ ،‬وربط‬
‫بينهم برابطة التقوى‪ ،‬تلك الخوة والرابطة التي تذوب عندها كل الفواصل‬
‫الرضية والنعرات الجاهلية‪ ،‬ويستوي فيها الصغير والكبير‪ ،‬والشريف‬
‫والوضيع‪ ،‬ومن الخلل بهذا الدب الذي أدبنا الله به في كتابه‪ ،‬ومن ارتكاب‬
‫الشر الذي نهانا عنه صلى الله عليه وسلم أن نحتقر الطالب ونسخر منه‪،‬‬
‫ل‪ ،‬أو يقع في خطأ ما‪،‬‬ ‫فنحرجه أمام زملئه؛ فقد يجيب إجابة‪ ،‬أو يسأل سؤا ً‬
‫فهل يعني هذا أن نمرغ كل معاني الخلق الفاضل لنوجه له سخرية لذعة؟‬
‫إن إيغار صدره على معلمه‪ ،‬ورده لما يسمع منه‪ ،‬ومشاركة سائر الطلبة له‬
‫مشاعر السخط‪ ،‬كل ذلك نتيجة منطقية وبدهية لسلوب السخرية الذي‬
‫يمارسه بعض المعلمين‪.‬‬
‫فهل أدبنا أنفسنا بالدب الشرعي‪ ،‬ووزنا ألفاظنا قبل أن نتفوه بها؟‬
‫ويذكر أستاذنا د‪ .‬محمد عبد العليم مرسي قصة تصور النتيجة التي يمكن أن‬
‫يصل إليها الطالب حين يعامل بالسخرية والحتقار فيقول‪ ":‬ول زلت أذكر‬
‫حتى الن‪ ،‬منذ كنت طالبا ً أن زميل ً لي في بداية المرحلة الثانوية‪ ،‬وقف ليخبر‬
‫ى مختلفا ً عما‬ ‫مدرس اللغة النجليزية أنه قد نظر في القاموس فوجد معن ً‬
‫ة واستهزاًء وانسحب‬ ‫قاله الستاذ… وكانت كارثة‪ .‬لقد استلمه الستاذ سخري ً‬
‫الولد صامتًا‪ ،‬ولم ينته المر عند هذا الحد‪ ،‬بل قد صارت عادةً للمعلم المذكور‬
‫كل يوم أن يدخل إلى الفصل ليبادر بالسؤال‪ :‬أين صاحبنا الباحث في‬
‫القاموس؟ أين قاموسنا اليوم؟ وهكذا والطلب يضحكون من زميلهم‪ ،‬إما‬
‫مجاملة للستاذ‪ ،‬وإما عدم فهم لحالة زميلهم المسكين الذي انسحب تماما ً‬
‫من درس اللغة النجليزية")لمعلم والمناهج وطرق التدريس ‪ .‬د‪ .‬محمد عبد‬
‫العليم مرسي )‪.(.(99‬‬
‫‪ - 9‬غيبة الطلب‪:‬‬
‫يدور الحديث كثيرا ً بين المعلمين فيما يتعلق بالطلب‪ ،‬وقد يمتد هذا الحديث‬
‫إلى الوقوع في أعراضهم‪ .‬وتحريم الغيبة مما ل يشك فيه مسلم‪ ،‬قال‬
‫تعالى ‪] :‬ول يغتب بعضكم بعضا ً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا ً‬
‫فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم[ ‪).‬الحجرات‪ (12 :‬ويشّبه النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم تحريم عرض المسلم بتشبيه بليغ‪ ،‬إذ يقول‪":‬إن‬
‫دماءكم‪ ،‬وأموالكم‪ ،‬وأعراضكم عليكم حرام‪ ،‬كحرمة يومكم هذا‪ ،‬في شهركم‬
‫هذا‪ ،‬في بلدكم هذا" )رواه البخاري )‪ (67‬ومسلم )‪( (1679‬ويعرفها صلى‬
‫الله عليه وسلم بتعريف جامع مانع بأنها‪":‬ذكرك أخاك بما يكره")رواه مسلم‬
‫)‪.((2589‬‬
‫فالطالب أخ لك أيها المعلم‪ ،‬وذكرك له بما يكره من الغيبة التي هي أربى‬
‫الربا‪ ":‬إن من أربى الربا الستطالة في عرض المسلم بغير حق")رواه أحمد‬
‫)‪ (1354‬وأبو داود )‪. ((4876‬‬
‫‪ -10‬إملل الطالب‪:‬‬
‫عقد الخطيب البغدادي في كتابه الجامع لخلق الراوي وآداب السامع بابا ً‬
‫بعنوان‪) :‬كراهة إملل السامع وإضجاره بطول إملء المحدث وإكثاره(‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال‪ " :‬ينبغي للمحدث أل يطيل المجلس الذي يرويه‪ ،‬بل يجعله متوسطا ً‬
‫ويقتصد فيه؛ حذرا ً من سآمة السامع وملله‪ ،‬وأن يؤدي ذلك إلى فتوره عن‬
‫الطلب وكسله‪ .‬فقد قال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد فيما بلغني عنه‪:‬‬
‫من أطال الحديث وأكثر القول فقد عّرض أصحابه للملل وسوء الستماع‪.‬‬
‫ب‬
‫ضل عنه ما يلزم الطال َ‬ ‫ف ُ‬‫ولن يدع من حديثه فضلة يعاد إليها أصلح من أن ي َ ْ‬
‫عه من غير رغبة فيه ول نشاط له" )لجامع لخلق الراوي وآداب‬ ‫استما ُ‬
‫السامع )‪. (. (2/127‬‬
‫وروى بإسناده أن عبيد بن عمير دخل على عائشة ‪ -‬رضي الله عنها‪ -‬فقالت‬
‫له‪":‬ألم أحدث أنك تجلس ويجلس إليك؟ قال‪ :‬بلى‪ .‬قالت‪ :‬فإياك وإملل‬
‫الناس وتقنيطهم"‪.‬‬
‫ً‬
‫وروى عن الوليد بن مزيد البيروتي قال‪":‬المستمع أسرع ملل من‬
‫المتكلم")لجامع لخلق الراوي وآداب السامع )‪. (. (1/130‬‬
‫ومع نهيهم عن طول المجلس الذي يؤدي لملل الطالب‪ ،‬فقد دعوا لزالة‬
‫الملل عنه وإذهاب السآمة فعقد الخطيب في الجامع بابا ً بعنوان )ختم‬
‫المجلس بالحكايات ومستحسن النوادر والنشادات()لجامع لخلق الراوي‬
‫وآداب السامع )‪ . (. (2/129‬وأورد فيه بعض الثار في ذلك منها‪-:‬‬
‫ما رواه بإسناده عن علي‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أنه قال‪ ":‬رّوحوا القلوب وابتغوا‬
‫لها طرف الحكمة؛ فإنها تمل كما تمل البدان"‪.‬‬
‫وروى عن الزهري أنه كان يقول لصحابه‪":‬هاتوا من أشعاركم‪ ،‬هاتوا من‬
‫مض"‪.‬‬ ‫ح ِ‬
‫جة‪ ،‬والقلب َ‬‫حديثكم؛ فإن الذن م ّ‬
‫سنا فيه زيد بن ثابت‬ ‫َ‬
‫وروى عن كثير بن أفلح أنه قال‪" :‬آخر مجلس جال ْ‬
‫تناشدنا فيه الشعر")لجامع لخلق الراوي وآداب السامع ) ‪- 2/129‬‬
‫‪. (. ( 130‬‬
‫‪ -11‬تعليم الطالب ما ل يدرك‪:‬‬

‫)‪(20 /‬‬

‫قد تبلغ الحماسة بالمعلم والحرص على تعليم طلبه إلى أن يسعى لتعليمهم‬
‫ما قد يصعب عليهم فهمه‪ ،‬أو يكون مدعاة للتخليط واللبس‪.‬ولذا نهى السلف‬
‫عن ذلك‪.‬‬
‫ذب‬‫قال علي ‪ -‬رضي الله عنه ‪ ":-‬حدثوا الناس بما يعرفون‪ ،‬أتحبون أن ُيك ّ‬
‫الله ورسوله؟")رواه البخاري )‪.(.(127‬‬
‫وقال ابن مسعود ‪ -‬رضي الله عنه‪": -‬ما أنت محدث قوما ً حديثا ً ل تبلغه‬
‫عقولهم إل كان لبعضهم فتنة")رواه مسلم في مقدمة الصحيح‪.(.‬‬
‫ويرى الغزالي أن من وظيفة المعلم"أن يقتصر بالمتعلم على قدر فهمه‪ ،‬فل‬
‫يلقي إليه ما ل يبلغه عقله؛ فينفره أو يخبط عليه عقله" )إحياء علوم الدين )‬
‫‪. (.(1/96‬‬
‫ً‬
‫قال المام النووي‪":‬ول يلق إليه شيئا لم يتأهل له‪ ،‬لئل يفسد عليه حاله‪ ،‬فلو‬
‫سأله المتعلم عن ذلك لم يجبه‪ ،‬ويعرفه أن ذلك يضره ولينفعه‪ ،‬وأنه لم‬
‫حا‪ ،‬بل شفقة ولطفًا")المجموع شرح المهذب )‪. (. (1/30‬‬ ‫يمنعه من ذلك ش ّ‬
‫‪ -12‬انتقاد المدرسين الخرين أو موادهم‪:‬‬
‫ً‬
‫قد يلحظ المدرس على بعض زملئه ملحظا‪ ،‬أو يكون له وجهة نظر تجاهه‬
‫في سلوكه‪ ،‬أو أسلوبه في التدريس‪ ،‬أو في تعامله مع طلبه‪ .‬لكن هذه‬
‫الملحوظة مهما عل شأنها فل يسوغ أن تدفع المدرس إلى التصريح بانتقاد‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫زميله أمام الطلب‪ ،‬أو اليماء لذلك والشارة إليه‪.‬‬


‫ومثل ذلك الحديث عن مادة معينة‪ ،‬وعدم صلحيتها للتدريس‪ ،‬فهذا مما ل‬
‫يقدم وليؤخر‪ ،‬وليفيد الطالب شيئ ًًا‪.‬‬
‫وهو مسلك كان ينهى عنه الولون كما قال أبو حامد الغزالي‪":‬إن المتكفل‬
‫ببعض العلوم ينبغي أل يقبح في نفس المتعلم العلوم التي وراءه‪ ،‬كمعلم‬
‫اللغة إذ عادته تقبيح علم الفقه‪ ،‬ومعلم الفقه إذ عادته تقبيح الحديث‬
‫والتفسير")إحياء علوم الدين )‪. (.(1/96‬‬
‫الفصل الرابع ‪ :‬المدرس والتوجيه‬
‫ينظر بعض المدرسين لمهمته نظرة قاصرة؛ فيختزلها في زاوية ضيقة تتمثل‬
‫في سرد معلومات محددة على الطلب بعد حفظه لها واستظهارها‪ ،‬أما ما‬
‫سوى ذلك من كل ما يخص سلوك الطالب وحياته فل يعنيه في قليل ول‬
‫كثير‪.‬‬
‫ورفض هذا الصنف ل يعني قبول الصنف الخر الذي يبالغ في الستطرادات‬
‫على حساب المنهج الدراسي‪ ،‬فهو في واد ومنهجه في واد آخر‪ ،‬والوسط في‬
‫كل المور سمة المسلم‪ ،‬وكل طرفي قصد المور ذميم‪.‬‬
‫ولقد كان سلف المة يشعرون أن دور المدرس ل ينتهي عند هذا الحد‪ ،‬أو‬
‫ينحصر في هذه الزاوية الحادة التي نراها الن‪ ،‬فتتتابع وصايا سلف المة‬
‫للمعلم في أن يأخذ بأيدي تلمذته إلى الخير ويأمرهم به‪ ،‬وينهاهم عما‬
‫يخالفه‪.‬‬
‫قال سحنون‪" :‬وينبغي للمعلم أن يأمرهم بالصلة إذا كانوا بني سبع سنين‪،‬‬
‫ويضربهم عليها إذا كانوا بني عشر‪ ،‬وكذلك قال مالك‪ .‬قال سحنون‪ :‬ويلزمه‬
‫أن يعلمهم الوضوء والصلة؛ لن ذلك دينهم‪ ،‬وعدد ركوعها وسجودها والقراءة‬
‫فيها والتكبير‪ ،‬وكيف الجلوس والحرام والسلم‪ ،‬وما يلزمهم في الصلة‪،‬‬
‫والتشهد والقنوت في الصبح… وليتعاهدهم بتعليم الدعاء ليرغبوا إلى الله‪،‬‬
‫ويعرفهم عظمته وجلله ليكبروا على ذلك‪ ،‬وإذا أجدب الناس واستسقى بهم‬
‫المام‪ ،‬فأحب للمعلم أن يخرج بهم‪ ،‬من يعرف الصلة منهم‪ ،‬وليبتهلوا إلى‬
‫الله بالدعاء ويرغبوا إليه… وينبغي له أن يعلمهم سنن الصلة مثل ركعتي‬
‫الفجر والوتر وصلة العيدين والستسقاء والخسوف‪ ،‬حتى يعلمهم دينهم الذي‬
‫تعبدهم الله به‪ ،‬وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم … ول يمس الصبي‬
‫المصحف إل على وضوء‪ ،‬وليأمرهم بذلك حتى يتعلموه‪ .‬قال‪ :‬وليعلمهم‬
‫الصلة على الجنائز والدعاء عليها؛ فإنه من دينهم")آداب المعلمين لبن‬
‫سحنون ‪ .‬مصدر سابق )‪.(. (122‬‬
‫وقال المام النووي‪":‬وينبغي أن يؤدب المتعلم على التدريج بالداب السنية‪،‬‬
‫والشيم المرضية‪ ،‬ورياضة نفسه بالداب والدقائق الخفية‪ ،‬وتعوده الصيانة‬
‫في جميع أموره الكامنة والجلية‪ .‬فأول ذلك أن يحرضه بأقواله وأحواله‬
‫المتكررات على الخلص والصدق وحسن النيات‪ ،‬ومراقبة الله تعالى في‬
‫جميع اللحظات‪ ،‬وأن يكون دائما ً على ذلك حتى الممات‪ ،‬ويعرفه أن بذلك‬
‫تنفتح عليه أبواب المعارف‪ ،‬وينشرح صدره‪ ،‬وتتفجر من قلبه ينابيع الحكم‬
‫واللطائف‪ ،‬ويبارك له في حاله وعلمه‪ ،‬ويوفق للصابة في قوله وفعله‬
‫هده في الدنيا ويصرفه عن التعلق بها‪ ،‬والركون إليها‪ ،‬والغترار‬ ‫وحكمه‪ ،‬ويز ّ‬
‫كره أنها فانية‪ ،‬والخرة آتية باقية‪ ،‬والتأهب للباقي والعراض عن‬ ‫بها‪ ،‬ويذ ّ‬
‫الفاني هو طريق الحازمين ودأب عباد الله الصالحين" )المجموع شرح‬
‫المهذب )‪. (. (1/30‬‬
‫وقبل الحديث عن التوجيه وما يتعلق به‪ ،‬أود ّ التأكيد على ما سبق في‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المقدمة من أن التوجيه المجرد وحده ليكفي‪ ،‬بل لبد أن ننتقل نقلة أخرى‪،‬‬
‫لنتعلم فن التوجيه‪ ،‬ونتقن أساليب التأثير‪.‬‬
‫والن إليك بعض المعالم المتعلقة بالتوجيه‪.‬‬
‫‪ - 1‬المنهج الدراسي ‪:‬‬
‫إن وظيفة المدرس الرسمية‪ ،‬وعمله الساس الذي يتقاضى عليه أجرا ً هو‬
‫تدريس المنهج المقرر للطلب‪ ،‬لذا فعليه أن يتقي الله‪ ،‬ويؤدي الواجب على‬
‫أكمل وجه‪ ،‬فهو مؤتمن عليه‪ ،‬وأولى الناس برعاية المانة وحفظها هم الدعاة‬
‫إلى الله‪ ،‬فاحرص أخي الكريم على أداء واجب المنهج مراعيًا‪:‬‬

‫)‪(21 /‬‬

‫‪ - 1‬الستيعاب الجيد للمادة العلمية‪.‬‬


‫‪ - 2‬الجتهاد في حسن عرضها وإيصالها للطالب‪.‬‬
‫‪ - 3‬أداء ما يترتب على ذلك من الواجبات النظامية‪.‬‬
‫واعلم أخي المدرس أن من أهم عوامل قبول الطلب لمدرسهم ومحبتهم له‬
‫‪ :‬مدى نجاحه في إيصال المعلومات لهم‪ ،‬وأنت حين تعتني بذلك ليس دافعك‬
‫هو كسب محبة طلبك فقط‪ ،‬بل قبل ذلك كله أداء المانة التي اؤتمنت عليها‪.‬‬
‫أليس من التناقض والمفارقات‪ ،‬أن يسمع الطلب من مدرسهم التوجيه‪،‬‬
‫والحث على معالي المور‪ ،‬ويرون منه الخلل بواجبه وأمانته؟ بل سترى‬
‫كثيرا ً منهم يفسر حرص هذا المدرس المقصر في أداء الواجب على التوجيه‪،‬‬
‫أن ذلك محاولة لتعويض النقص والفشل الذي يعاني منه‪.‬‬
‫ب مهم في بناء شخصية الطالب‪ ،‬والمة تحتاج لمن‬ ‫ثم إن العداد العلمي جان ٌ‬
‫يحمل العلم الواسع‪ ،‬والفكر الصيل‪ .‬والمنهج الدراسي إنما وضع لتحقيق‬
‫أهداف محددة؛ فعناية المدرس بهذا الجانب مساهمة في البناء العلمي للمة‬
‫من خلل إعداد أبنائها‪ ،‬ومساهمة في تحقيق أهداف هذه البرامج التعليمية‬
‫والتربوية‪.‬‬
‫بل لماذا نفترض أن التوجيه ل يمكن من خلل المنهج الدراسي نفسه‪ ،‬أفل‬
‫يستطيع المدرس الناجح أن يوظف المنهج لتحقيق الهداف التربوية‬
‫والصلحية؟‬
‫‪-2‬ل تحتقر الكلمة‪:‬‬
‫يتصور بعض المدرسين أن نتاجه إنما هو منحصر من خلل الطلبة الذين‬
‫يتعامل معهم خارج الفصل الدراسي سواء عن طريق النشطة الدراسية أو‬
‫غيرها‪ ،‬وهذا مجال له أهميته‪ ،‬لكنه ليس المجال الوحيد؛ فالكلمة التي يقولها‬
‫المعلم في الفصل ل تذهب سدى‪ ،‬فالمدرس قادر على توجيه أفكار الطلبة‪،‬‬
‫وتصوراتهم‪ ،‬واهتماماتهم‪ ،‬ولكلماته وتوجيهاته العامة مدى قد ل يدركه ول‬
‫يتصوره‪.‬‬
‫وخارج أسوار المدرسة لبد أن يوجد من يحمل أفكار مدرسه‪ ،‬وينقلها‬
‫للخرين‪ ،‬ويتحمس لها ربما أكثر من المدرس صاحب الفكرة‪ ،‬وذلك إنما يتم‬
‫حين يقرأ الطلبة القتناع والحماس لفكرتك على قسمات وجهك‪ ،‬قبل أن‬
‫تسمعها آذانهم‪ ،‬وتتجاوز توجيهاتك الكلم المجرد‪ ،‬والحماس العاطفي إلى‬
‫قناعة تسري لديك‪.‬‬
‫فل تحتقر الكلمة أو تستهين بها؛ فكثير هم أولئك الذين كان لكلمة واحدة‬
‫أثرها في توبتهم ورجوعهم إلى الله‪ ،‬أو توجههم للعلم وعنايتهم به‪ ،‬أو ضبط‬
‫مسارهم‪ ،‬فل تحرم نفسك هذا الخير‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ - 3‬المدرس والبذرة الخفية‪:‬‬


‫نتصور أحيانا ً أن جهدنا قد ذهب سدى‪ ،‬وأن كلماتنا قد انتهى مداها حيث‬
‫نطقنا بها‪ .‬لكن هناك كلمات تبقى بذرة خفية‪ ،‬تؤتي ثمارها في الوقت الذي‬
‫ض كلمة ناصحة من معلمه فتقع موقعا ً من‬ ‫معر ٌ‬‫يشاء الله؛ فقد يسمع شاب ُ‬
‫قلبه‪ ،‬ويقصر مداها عن أن تؤثر في سلوكه‪ ،‬ولكن هذه البذرة ل تزال معلقة‬
‫في القلب‪ ،‬حتى ييسر الله لها الغيث فتؤتي ثمارها بإذن الله ولو بعد حين‪.‬‬
‫ومثل ذلك فتاة تعيش أوج مراهقتها‪ ،‬وعنفوان صبوتها‪ ،‬فتسمع من مدرستها‬
‫كلمة تستقر في سويداء قلبها؛ لتبقى حتى يأذن الله بسقيها واستوائها على‬
‫سوقها‪.‬‬
‫إن هذه البذرة هي التي استقرت في فؤاد جبير بن مطعم‪ -‬رضي الله عنه ‪-‬‬
‫فسمع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر يقرأ سورة الطور‬
‫فقال‪":‬وذلك أول ما وقر اليمان في قلبي" )رواه البخاري )‪ (.(4023‬ومع‬
‫ذلك لم يسلم ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬إل بعد ذلك بسنين‪.‬‬
‫‪ -4‬التلقي فرع عن المحبة‪:‬‬
‫إن للعلقة بين التلقي والمحبة من التصال قدرا ً أكبر مما قد نتصور أحيانا‪ً،‬‬
‫فمن لم يغرس المحبة له في نفوس الطلب فكثيٌر مما يقوله ستكون نهايته‬
‫عندما يتلفظ به‪ ،‬ولن يأخذ طريقه نحو القلوب‪ ،‬فضل ً عن أن يتحول إلى‬
‫رصيد عملي‪.‬‬
‫ومهما بلغ النسان في التأثير وقوة المنطق ورصانة الحجة‪ ،‬فلن يكون أعلم‪،‬‬
‫أو أفصح‪ ،‬أو أكثر تأثيرا ً من النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك قال الله‬
‫سبحانه في شأنه ‪ ] :‬ولو كنت فظا ً غليظ القلب لنفضوا من حولك[ ]آل‬
‫عمران ‪ .[ 159 :‬فهو صلى الله عليه وسلم ‪ -‬مع ما أتاه الله سبحانه من‬
‫وسائل التأثير‪ ،‬ومع شعور الناس أن الحق معه وحده ‪ -‬مأمور بأن يلين‬
‫لصحابه وإل انفضوا عنه‪ .‬فكيف بغيره ممن يحمل قائمة طويلة من صفات‬
‫القصور والنقص؛ فهو حين ل يحظى بقبول تلمذته له سيرون فيه من‬
‫القصور ما يدعوهم لرفضه وإهمال ما يقول؛ بل إلى تفسير نصحه وتوجيهه‬
‫على غير وجهه‪.‬‬
‫لذا يؤكد المربي محمد قطب على ذلك فيقول‪":‬والضمان لذلك هو الحب‪...‬‬
‫فما لم يشعر المتلقي أن مربيه يحبه‪ ،‬ويحب له الخير‪ ،‬فلن يقبل على التلقي‬
‫منه‪ ،‬ولو أيقن أن عنده الخير كله‪ ،‬بل لو أيقن أنه لن يجد الخير إل عنده‪ ،‬وأي‬
‫خير يمكن أن يتم بغير حب")منهج التربية السلمية ) ‪.(. ( 45/ 2‬‬
‫‪ - 5‬اقتصد في الموعظة‪:‬‬

‫)‪(22 /‬‬

‫يدفع الحرص أحيانا ً بعضا ً من المعلمين إلى كثرة التوجيه‪ ،‬وبيان الخطاء‬
‫والسلوكيات المخالفة‪ ،‬ولكن الحرص وحده ليس معيار إصابة الحق‪ ،‬أل ترى‬
‫أن هذا السلوك يدعو إلى إملل الطلب وسأمهم؟ مما يفقد الموعظة الهدف‬
‫المراد منها‪ .‬إن صلتك بطلبك ولقاءك بهم يمتد على مدى عام كامل‪،‬‬
‫وليست درسا ً عابرا ً أو لقاًء عاجل ً حتى تقذف لهم بكل ما عندك‪ ،‬وقبل ذلك‬
‫كله فهذا مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في القتصاد في‬
‫الموعظة كما روى ذلك ابن مسعود‪ -‬رضي الله عنه ‪":-‬كان رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في اليام كراهة السآمة علينا")رواه‬
‫البخاري )‪ ،(68‬ومسلم )‪ .(. (2821‬وبوب عليه البخاري‪ :‬باب ما كان النبي‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة والعلم كي ل ينفروا ‪.‬‬


‫ً‬
‫وقد أخذ ابن عباس‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬بهذا الدب فيوجه عكرمة قائل‪":‬حدث‬
‫الناس كل جمعة‪ ،‬فإن أبيت فمرتين‪ ،‬فإن أكثرت فثلث مرات‪ ،‬ول تمل الناس‬
‫هذا القرآن")رواه البخاري )‪.(. (6337‬‬
‫‪ - 6‬حدث الناس بما يعرفون‪:‬‬
‫إن واقع الطلبة اليوم يحتاج إلى التنزل معهم كثيرًا‪ ،‬وإلى الواقعية وخطابهم‬
‫بما يطيقون‪ ،‬فالحديث عن دقائق الورع‪ ،‬أو عن المسائل الدقيقة في الزهد‬
‫قد ل يتناسب مع مستويات الشباب الذين يعانون من فتن الشهوات‪ ،‬ومن‬
‫لواء الغفلة والبعد عن الله‪ ،‬أو مع الفتيات اللتي يعشن أزمة العاطفة‪ ،‬وربما‬
‫التطلع للصداقة المحرمة‪ ،‬إنهم يحتاجون إلى أن تحدثهم عن أضرار‬
‫المعاصي‪ ،‬وعن الخوف من الله عز وجل ومراقبته‪ ،‬والمحافظة على الصلة‬
‫مع الجماعة‪ ...‬إلى غير ذلك‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه الله‪":‬العارف ل يأمر الناس بترك الدنيا فإنهم ل يقدرون‬
‫على تركها‪ ،‬ولكن يأمرهم بترك الذنوب مع إقامتهم على دنياهم‪ ،‬فترك الدنيا‬
‫فضيلة‪ ،‬وترك الذنوب فريضة‪ ،‬فكيف ُيؤمر بالفضيلة من لم يقم الفريضة؟‬
‫فإن صعب عليهم ترك الذنوب فاجتهد أن تحبب الله إليهم بذكر آلئه وإنعامه‬
‫وإحسانه‪ ،‬وصفات كماله‪ ،‬ونعوت جلله‪ ،‬فإن القلوب مفطورة على محبته‪،‬‬
‫فإذا تعلقت بحبه هان عليها ترك الذنوب والصرار عليها‪ ،‬والستقلل‬
‫منها")الفوائد )‪.( .(231‬‬
‫وحين نؤكد على التوازن والواقعية في الطرح فإننا ل نعني تلك الواقعية‬
‫المغرقة التي تؤدي إلى تمييع المنهج‪ ،‬والرضا بالمر الواقع والستسلم له‪.‬‬
‫‪ - 7‬تنويع أساليب الخطاب والموعظة‪:‬‬
‫كنت أتحدث مع طلبي يوما ً عن المراض الجنسية ونتائجها الوخيمة‪ ،‬فرأيت‬
‫أثر ذلك عليهم‪ ،‬وقرأت في وجوههم المتابعة والتفاعل مع ما طرحته والذي‬
‫لم يتجاوز سبع دقائق‪ ،‬فتذكرت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين‬
‫كره بالقبر والقيامة‪ ،‬إنما قال له‪" :‬أترضاه‬ ‫جاءه الشاب يستأذنه بالزنا فلم يذ ّ‬
‫لمك ؟ أترضاه لعمتك ؟…" ) رواه أحمد )‪ ( (21708‬فتنويع أساليب التربية‬
‫والتذكير‪:‬بالحديث عن البرزخ والقيامة تارة‪ ،‬وعن نتائج المعصية في الدنيا‬
‫تارة‪ ،‬وعن آثارها الجتماعية تارة أخرى… وهكذا؛ هذا التنويع خيٌر وأجدى من‬
‫د‪ ،‬ولغة واحدة‪ ،‬وهو قبل ذلك هدي النبي صلى الله‬ ‫ب واح ٍ‬‫الجمود على أسلو ٍ‬
‫عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ - 8‬التربية من خلل الحداث‪:‬‬
‫حين نقرأ القرآن الكريم نجد أنه بعد حادثة الفك وفي التعليق عليها رّبى‬
‫المؤمنين على منهج التثبت‪ ،‬وحماية العراض‪ ،‬وحسن الظن بالمؤمنين‪.‬‬
‫وبعد غزوة أحد نقرأ في سورة آل عمران التعقيب على هذه الغزوة ودروسها‬
‫فنرى في ذلك بيان سنن الله في النصر والهزيمة‪ ،‬والموقف من المنافقين‪،‬‬
‫والتنازع‪ ،‬وظن السوء‪ ،‬والتطلع للدنيا‪ ....‬إلى غير ذلك من المعاني‪.‬‬
‫ً‬
‫وأما السنة النبوية فهي مليئة بذلك‪ ،‬وغنية عن التمثيل‪ ،‬فأنت تقرأ مرارا في‬
‫نصوص السنة‪":‬فخطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس"‪ ،‬وذلك بعد حدث‬
‫أو مقالة قيلت‪.‬‬
‫أل تفهم أخي المدرس من ذلك أن التربية من خلل الحداث سنة شرعية؟‬
‫فحين يحصل زلزال أو كارثة نقول لطلبنا ‪ :‬إن هذا من سنن الله في عقوبة‬
‫أهل المعاصي‪ ،‬وإن سرنا في طريقهم تحق علينا نفس السنة‪ ،‬وحين يصلي‬
‫الناس الستسقاء يحسن أن نقول لبنائنا ولو بإشارة عابرة‪ :‬إن هذا القحط‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من شؤم المعصية‪ ،‬وحين تحصل مجاعة أو مصيبة للمسلمين نحدثهم عن‬
‫الولء بين المؤمنين ونصرتهم‪ ،‬وحين يسري لدى الناس إشاعة كاذبة‬
‫فلنتحدث عن التثبت والتبين في الخبار‪ ،‬وهكذا ينبغي أن نستغل الحداث‬
‫القريبة والبعيدة لتقرير المعاني الشرعية‪ ،‬والحقائق التربوية‪.‬‬
‫‪ -9‬هل جربت النصيحة الخاصة؟‬
‫بعض المدرسين يمارس التوجيه العام لطلبته بصورة أو أخرى‪ ،‬ولكن حين‬
‫يدرك خطأ فرديا ً على طالب من الطلب‪ ،‬فهل جرب أن يحدثه بصورة فردية‬
‫؟‬
‫كم هم الطلب الذين يتغير مسارهم ‪-‬خاصة في مرحلة المراهقة‪ -‬فماذا لو‬
‫كان هذا الطالب يتلقى كلمة شخصية خاصة من أكثر من مدرس وآخر؟‬
‫كثيٌر هم الشباب الذين يقعون في صحبة أصحاب السوء فيقلبون حياتهم‬
‫رأسا ً على عقب‪ ،‬فلم ل نحذره ‪ -‬حين تبدو بوادر تلك الظاهرة‪ -‬بكلمة ل‬
‫يسمعها غيره؟‬

‫)‪(23 /‬‬

‫أي شعور يختلج في نفس هذا الطالب الذي يتمتع بعاطفة جياشة‪ ،‬حين يأخذه‬
‫أستاذه بحديث شخصي‪ ،‬يلمس من خلله الشفقة والنصح؟ ألن يدرك أنه‬
‫أستاذ صادق‪ ،‬يحب له الخير والصلح ؟ وهب أنه أخذ المر باللمبالة فهل‬
‫سينسى هذا الموقف أم أنه سيستجيش في نفسه بين آونة وأخرى؟‬
‫إن الطالب قد يجد تفسيرا ً غير صادق لحديث عام يسمعه من أستاذه داخل‬
‫الفصل‪ ،‬فهو إما استطراد‪ ،‬أو للستهلك ‪ -‬كما يقال ‪ -‬أو لن الوقت بقي فيه‬
‫بقية فرأى المدرس مله بهذا الحديث‪ ،‬أما الحديث الشخصي المباشر فلن‬
‫يجد له في الغلب تفسيرا ً إل محض النصيحة والتوجيه‪.‬‬
‫والحديث العام أيضا ً قد يطمره النسيان‪ ،‬ويعفو أثره على مّر السنين‪ ،‬أما‬
‫الحديث الخاص فسيبقى صورة منقوشة في الذاكرة تستعصي على النسيان‪.‬‬
‫هذه جوانب ثلثة تمتاز بها النصيحة الشخصية وقبل ذلك هي هدي شرعي‬
‫نبوي فقد قال صلى الله عليه وسلم ‪":‬الدين النصيحة")رواه مسلم ) ‪( 55‬‬
‫وبوب البخاري ‪ :‬باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ‪):‬الدين النصيحة ‪.( ....‬‬
‫ولم يخرجه‪ (.‬ويصل المر بالنصيحة إلى قدر من الهمية يجعله صلى الله‬
‫عليه وسلم يبايع عليها‪ ،‬فها هو جرير بن عبد الله البجلي‪ -‬رضي الله عنه ‪-‬‬
‫يقول‪":‬بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلة وإيتاء‬
‫الزكاة والنصح لكل مسلم")رواه البخاري )‪ (57‬ومسلم )‪ (. (56‬والطالب من‬
‫عموم المسلمين شأنه شأنهم‪ ،‬ول يخرجه كونه طالبا ً من استحقاقه للنصيحة‬
‫والنصرة كما قال صلى الله عليه وسلم ‪":‬انصر أخاك ظالما ً أو مظلوما ً )رواه‬
‫البخاري ) ‪ ( 2443‬وفسر النصرة في الحديث للظالم ‪ :‬بمنعه من الظلم وهو‬
‫الشاهد هنا ‪ .‬ويلحظ هنا أن(‪ .‬بل إن المسؤولية تجاهه آكد‪ ،‬والمانة أعظم ‪.‬‬
‫الفصل الخامس ‪ :‬معوقات التوجيه‬
‫إن ما ذكرنا سابقا ً حول دور المدرس في التوجيه‪ ،‬وقدرته على التأثير على‬
‫تلمذته‪ ،‬ل يعني أن يكون المدرس هو وحده في الميدان‪ ،‬وكلمته هي الولى‬
‫والخيرة‪ .‬فهو ل يعدو أن يكون واحدا ً من العوامل المؤثرة في شخصية‬
‫الطالب‪.‬‬
‫وفي كثير من مجتمعات المسلمين اليوم يشعر المدرس وكل من يحمل‬
‫أمانة التوجيه أنه يواجه تيارا ً جارفًا‪ ،‬وأنه يسير باتجاه يعاكس كافة وسائل‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التوجيه والتربية في المجتمع‪.‬‬


‫س التلميذ َ وفق تربية شاذة مخالفة للمنهج التربوي السليم‪.،‬‬ ‫فقد يتلقى المدر ُ‬
‫وبعد ذلك فالسرة‪ ،‬والصحبة‪ ،‬والنادي‪ ،‬ووسائل العلم تهدم في لحظات ما‬
‫يبنيه المدرس في شهور‪.‬‬
‫والمقارنة هنا ليست في جانب متكافئ‪ ،‬فهذه الوسائل مع كثرتها وتوافرها‬
‫تملك من الثارة والغراء والجاذبية‪ ،‬وربما المصداقية لدى التلميذ أكبر بكثير‬
‫مما يملكه المدرس‪.‬‬
‫لذا فالمدرس مع افتقاره للتعرف على وسائل التوجيه وأساليبه مفتقر إلى‬
‫معرفة المعوقات والعقبات وإدراكها‪.‬‬
‫وفيما يلي محاولة للحديث عن أهم هذه المعوقات وبعض المقترحات‬
‫للمدرس كي يتجاوزها‪:‬‬
‫أ ‪ -‬معوقات من داخل المدرس‬
‫وهي تلك المعوقات التي تعود إلى شخصية المدرس نفسه‪ ،‬أو أسلوبه في‬
‫ول هذه المعوقات عن بلوغ كلمة‬ ‫ح ْ‬
‫التدريس‪ ،‬أو معاملته مع الطلب‪ ،‬فت ُ‬
‫المدرس مداها المطلوب‪ ،‬ووصولها إلى تحقيق الهدف الذي يسعى إليه‪ ،‬ومن‬
‫أهم هذه المعوقات ‪:‬‬
‫المعوق الول‪ :‬الفهم الخاطئ لقوة الشخصية‪:‬‬
‫حين يفهم المدرس قوة الشخصية فهما ً خاطئًا‪ ،‬فيسيطر عليه هذا الهاجس‪،‬‬
‫فسيؤثر هذا الفهم على أدائه الدور المراد منه والمنتظر‪.‬‬
‫إذ َيعد ّ بعض المدرسين قوة الشخصية المحور الساس لنجاحه‪ ،‬والهدف‬
‫الرئيس الذي يسعى المدرس المستجد إلى تحقيقه في عالم الواقع‪ .‬فهو‬
‫الهدف الول والساس‪ ،‬وعلى ضوئه يتحدد مستقبله في التعليم‪.‬‬
‫وتتوالى النصائح على المدرس في وسائل تحقيق هذا الهدف ومعوقاته‪،‬‬
‫ويكثر صاحبنا استشارة من سبقه‪ ،‬واستثارة التجارب‪ ،‬واستعادة الصور‬
‫السابقة من حياته الدراسية‪ ،‬وذكرياته مع من سبق أن دّرسه عله أن يستمد‬
‫منها رصيدا ً يضيء له الطريق!‪.‬‬
‫ومع تقديرنا لهمية تحقق هذه الصفة لدى المدرس‪ ،‬ودورها في تقبل تلمذته‬
‫له‪ ،‬إل أن النظرة إليها عند الغلب أعطتها بعدا ً أكثر غلوا ً ومبالغة؛ مما أسهم‬
‫في انعكاسات سيئة على نفسية المدرس وأدائه‪ ،‬ومن النعكاسات السلبية‬
‫لهذه النظرة‪:‬‬
‫‪ -1‬أن هاجس خوف الفشل‪ ،‬وضياع الشخصية أمام الطلب يعد ّ أكبر هاجس‬
‫يواجه المدرس المستجد؛ مما يسهم في رفع قيمة هذا الهدف لديه‪ ،‬وزيادة‬
‫رقعة المساحة المخصصة له من بين الهتمامات والهداف الخرى‪ ،‬وهذا‬
‫يعني بالضرورة سيطرته على سائر الهداف وضمورها‪ ،‬فهدف التوجيه‬
‫والتربية لن يأخذ مكانه الطبيعي لدى هذا المدرس‪ ،‬ذلك أن حماسته قد‬
‫فُّرغت‪ ،‬وجهده قد جمع لتحقيق هدف ضبط الفصل‪.‬‬
‫وحتى حين توجد الهداف الخرى‪ ،‬فسيبقى هذا الهدف حاكما ً عليها‪ ،‬وموجها ً‬
‫ن عند هذا المدرس بما ل يخدش شخصيته‪،‬‬ ‫لها؛ فهدف التربية والتوجيه مرهو ٌ‬
‫والرفع من المستوى العلمي لطلبه مشترط بأل يتسبب في خدش هذه‬
‫الشخصية‪.‬‬

‫)‪(24 /‬‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -2‬يسهم هذا الهاجس في إيجاد حالة من التوتر‪ ،‬وشد العصاب لدى‬


‫المدرس‪ ،‬فيدخل الفصل بنفسية مشدودة‪ ،‬تسيطر عليه مشاعر الرجاء‬
‫والخوف‪ .‬فهو يتمنى أن ينتهي الدرس بسلم‪ ،‬ويتنفس الصعداء حين يسمع‬
‫قرع الجرس‪ ،‬ويحرص على ملء الدرس بالحديث حتى ل يترك فرصة‬
‫للطالب ليعبث ويحطم هذه الشخصية المتوهمة! حينها يتحول الفصل‬
‫الدراسي لدى المدرس من مجلس للتعليم والتربية إلى ساحة معركة ينبغي‬
‫أن يتغدى فيها الستاذ بالطالب قبل أن يتعشى به‪.‬‬
‫أي تربية وتوجيه‪ ،‬وأي إنجاز ينتظر بالله عليك ممن يدخل الفصل بهذه‬
‫النفسية المشدودة؟‬
‫‪-3‬ينعكس أثر هذا الهاجس لدى المدرس على سلوكه داخل الفصل‪ ،‬فيسهم‬
‫في خلق جو معين‪ ،‬وفرض مواقف لم يأخذ في حسبانها إل تحقيق هذا‬
‫الهدف‪ ،‬والوصول لهذه النتيجة‪.‬‬
‫فالحواجز التي يفتعلها المدرس بينه وبين تلمذته‪ ،‬فتصبح علقته معهم علقة‬
‫رسمية جافة‪ ،‬فل يمكن أن يجد تلميذه ابتسامة‪ ،‬أو يسمع كلمة حانية‪،‬‬
‫ومنطق الستبداد بالرأي‪ ،‬ورفض الحوار والمراجعة والتنازل عن الراء‪،‬‬
‫والقسوة والغلظة‪ ،‬والتي يعلن البعض فيها مقاطعته لكل ما يمت للرحمة‬
‫والرفق بصلة‪ ،‬فيحول الفصل إلى ثكنة عسكرية‪ ،‬أما التجاوز عن الخطأ‪،‬‬
‫والعفو عن الزلة فهي من مظاهر الضعف والخور‪ ،‬ومن مسببات انهيار‬
‫الشخصية‪.‬‬
‫كل هذه المظاهر وغيرها‪ ،‬إنما هي نتائج مباشرة لهذه النظرة المفرطة لقوة‬
‫الشخصية‪ .‬إن هذه الصور ليست حكايات من نسج الخيال‪ ،‬أو محاولة‬
‫قصصية‪ ،‬بل هي واقع رأيناه ولمسناه ونحن في ميدان الطلب والتدريس‪،‬‬
‫ولئن كان هذا الهاجس يبلغ ذروته عند المدرس المستجد‪ ،‬فهو يبدأ بعد ذلك‬
‫يتناقص‪ .‬لكنه ل يصل عند كثير منهم إلى حد العتدال‪ ،‬ويبدو ذلك من خلل‬
‫المناقشة مع أمثال أولئك حين تطالبهم بالسهام في التوجيه‪ ،‬أو بناء علقة‬
‫حسنة مع الطلب‪ ،‬حين تفتح مثل هذا النقاش يبدي البعض لك هذه الحجة‬
‫وهذا التخوف من النهيار المزعوم للشخصية‪ ،‬ويظل يسهم مساهمة فعالة‬
‫في حجب كثير من الدوار التربوية‪.‬‬
‫ونحن إذ نرفض تحول قوة الشخصية إلى هاجس يسيطر على نفسية‬
‫م يقيمه ويقعده‪ ،‬فليس البديل الذي نطرحه هو ضياع شخصيته‪،‬‬ ‫المدرس‪ ،‬وه ّ‬
‫وإفلت الزمام من يده؛ ليصبح في حال يلعب به الصبيان‪.‬‬
‫وحين يفلت المر من يد المدرس‪ ،‬فيصبح ألعوبة في يد الطلب‪ ،‬فيتعالى‬
‫صراخهم‪ ،‬ويزيد عبثهم‪ ،‬ويفقد سيطرته عليهم‪ ،‬فإنه يصبح في وضع ل يحسد‬
‫عليه‪ ،‬ول يمكن أن يلقي درسه بهدوء‪ ،‬أو يترك أثره على تلمذته‪.‬‬
‫ول يسوغ أن يكون التطرف بديل ً لتطرف آخر‪.‬‬
‫ونقطة اختلفنا مع إخوتنا الفاضل ليست في مبدأ قوة الشخصية‪ ،‬إنما في‬
‫الفهم المتطرف لها‪ ،‬وفي وسائل تحقيقها‪.‬‬
‫إن المدرس المتمكن علميا ً من مادته‪ ،‬الوقور في سلوكه وسمته‪ ،‬الحليم‬
‫الذي ل يخرجه حلمه عن حزمه‪ ،‬إن من هذه صفته لن يستخف به طلبه‬
‫لتنازل عن رأي‪ ،‬أو احترام لشخاصهم‪ ،‬أو تجاوز عن خطأ‪ ،‬أو ابتسامة هادئة‪.‬‬
‫وهو في الوقت نفسه يدخل الفصل ويخرج مطمئن البال‪ ،‬مستقر السريرة‪،‬‬
‫ويؤدي دوره في التوجيه والتربية من خلل حاله قبل مقاله‪.‬‬
‫ولعل أبرز معيار لقوة شخصية المدرس هو قدرته على اتخاذ القرار الذي‬
‫يريد‪ ،‬وسيطرته على نظام الفصل‪ ،‬أما اختفاء النفاس‪ ،‬وسيطرة السكون‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والرهبة فهو أمر يليق بالعسكر والجلدين أكثر منه بالساتذة المصلحين‪.‬‬
‫المعوق الثاني ‪ :‬الفهم القاصر لدور المدرس‪:‬‬
‫يرى بعض من المدرسين والمدرسات أن الدور المنوط به‪ ،‬والواجب الساس‬
‫الذي سيحاسب عليه هو أداء المنهج الدراسي والواجبات الرسمية‪ ،‬وقد‬
‫يشعر بعض هؤلء بثقل المانة والمسؤولية حين يخطئ في درجة واحدة‬
‫للطالب قد ل يترتب عليها أثر يذكر‪ ،‬أو حين يترك صفحة من الكتاب المقرر‪،‬‬
‫أو ربما حين يهمل العداد التحريري للدرس‪.‬‬
‫لكن إهماله لتوجيه الطلب ونصحهم‪ ،‬وعدم مبالته بما يراه أمامه من تقصير‬
‫وسلوك شاذ‪،‬واعتقاده أن ذلك كله خارج دائرة مسؤوليته‪ ،‬أو هو نافلة والثاني‬
‫فريضة ‪ -‬وهو فهم يسيطر على بعض المدرسين والمدرسات‪ ،‬وبعضهم‬
‫للسف من الصالحين‪ -‬إن ذلك كله فهم قاصر للمسؤولية والمانة ‪.‬‬
‫إن أداء الواجب الرسمي مطلب من المدرس لبد أن يحاسب نفسه تجاهه‪،‬‬
‫لكن ذلك ليس نهاية المطاف‪ ،‬وماذا تصنع المة بأجيال غاية إنجازهم إجادة‬
‫القراءة والكتابة‪ ،‬واستظهار وسرد معلومات حفظوها ودرسوها؟‬
‫إن الدعوة إلى الله واجبة على المسلمين ابتداًء‪ ،‬وهي بحق طالب العلم آكد‪،‬‬
‫وبحق من يقابلهم صباح مساء تصبح فرض عين يأثم بتركه والتقصير فيه‪.‬‬
‫وإنه لجزء من أمراض المة التي أوغلت في المظاهر على حساب المضمون‬
‫أن يتصور المدرس أنه مسؤول عن إجراءات إدارية ل تقدم ول تؤخر‪ ،‬أما ما‬
‫سوى ذلك من البناء العلمي‪ ،‬والتربية والتوجيه فهو ضمن دائرة النوافل‪،‬‬
‫ولئن قبلنا ممن يعيش العمل الداري البحت‪ ،‬أو من بعض العامة من الناس‬
‫أن يوغل في المظاهر على حساب المضمون‪ ،‬فإنه ل يمكن أن يحتمل بحال‬
‫من المدرس والمربي ومعلم الجيال‪.‬‬
‫المعوق الثالث‪ :‬الحواجز المصطنعة‪:‬‬

‫)‪(25 /‬‬

‫يحيط بعض المدرسين نفسه بسياج وهمي وحاجز مصطنع‪ ،‬يمنعه من‬
‫التعامل والتأثير على فئة وقطاع عريض من الطلبة‪ ،‬فأحيانا يتصور أن تأثيره‬
‫وجهده ل يجاوز الطلبة المشاركين معه في الجمعية المدرسية‪ ،‬أو فئة خاصة‬
‫من الطلبة )أهل الستقامة والصلح( ولو كان المر يقف عند مجرد نظرته‬
‫لهان‪ ،‬لكن هذه النظرة تولد سلوكا ً يشكل عائقا ً له عن التأثير والتوجيه‪ ،‬ثم‬
‫يتحول المر إلى شعور متبادل فيشعر الطلبة أنهم معزولون عن هذا‬
‫المدرس أو ذاك‪ ،‬ويتحدث المدرس في فصله أمام ثلثين طالبا ً وهو يشعر أنه‬
‫ل يخاطب إل الفئة الجادة‪ ،‬فيحرم الغالبية من توجيهه‪.‬‬
‫وكم نخسر معشر المدرسين حين نفرض على أنفسنا هذه الحواجز‪ ،‬فبدل ً‬
‫من مئات الطلب يخاطب الستاذ العشرات‪ ،‬فهل فكرنا تفكيرا ً جادا ً وسعينا‬
‫لتحطيم هذه الحواجز‪ ،‬ليتسع مدى المخاطبين بهذه الدعوة؟‬
‫وحين نلقي نظرة سريعة على مدارسنا المتوسطة والثانوية ‪ -‬وبخاصة في‬
‫المدن‪ -‬نرى أنه ل تكاد تخلو مدرسة من عدد من المدرسين والمدرسات‬
‫الخيار الذين يحملون هذه الدعوة‪ ،‬فدون احتقار لجهدهم‪ ،‬ومن غير إقلل من‬
‫شأنهم‪ ،‬نتساءل‪:‬ماذا حقق إخواننا الخيار؟ خاصة مع عامة الطلب والطالبات‬
‫الذين هم القاعدة والسواد العظم‪ ،‬والذين لن يخلو أحدهم من أن يكون قد‬
‫تتلمذ على واحد من هؤلء‪ ،‬فماذا سمع منه؟ وماذا قدم له؟ مرة أخرى لست‬
‫أحتقر جهود العاملين‪ ،‬ول أقلل أعمال المخلصين‪ ،‬لكنها دعوة جادة‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للمصارحة والواقعية مع أنفسنا‪.‬‬


‫فلنحطم هذه الحواجز الوهمية‪ ،‬ولنتوسع في خطابنا ليشمل السواد العظم‬
‫من الطلب‪ ،‬مع الستمرار في الجهود الخرى فهي أيضا ً ل ينبغي أن يقلل‬
‫من شأنها‪.‬‬
‫المعوق الرابع‪ :‬النظرة المتشائمة‪:‬‬
‫ل جدال أن واقع الشباب اليوم ل يسر مسلمًا‪ ،‬وأن شقة النحراف قد‬
‫اتسعت لتشمل رقعة واسعة من خارطة حياة الشباب المعاصرة‪ ،‬ول جدال‬
‫أن المسافة بين واقع الشباب اليوم وبين ما يجب أن يكون عليه ليست قريبة‬
‫بحال‪.‬‬
‫ولكن أيعني ذلك أن الخير قد أفل نجمه؟ وأن الشر قد استبد بالناس؟‬
‫أليست هناك صفحات أخرى من حياة أولئك المعرضين غير هذه الصفحات‬
‫الكالحات؟ ألم يقل صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إذا قال الرجل هلك الناس فهو‬
‫أهلكهم")رواه مسلم )‪ ( . (2623‬؟‬
‫ً‬
‫فلنسع في قراءة بعض الصفحات الخيرة والتي قد نجهلها أحيانا ونتغاضى‬
‫عنها‪ ،‬أو نقلل منها‪ ،‬وأحيانا ً نتجاهلها عمدًا‪.‬‬
‫فكثٌير من الشباب يعود للجادة‪ ،‬ويستقيم أمره فيسير في قوافل التائبين‪.‬‬
‫وكثيٌر منهم مع ما فيه من فساد وانحراف يتطلع إلى تلك الساعة التي يودع‬
‫فيها هذه الحالة‪ ،‬ويسلك طريق أهل الخير والصلح‪.‬‬
‫وقد قمت بإجراء دراسة على فئة من الشباب من غير أهل الصلح‬
‫والستقامة فأجاب ‪ %93‬من طلب المرحلة الثانوية‪ ،‬و ‪ %92‬من طلب‬
‫المرحلة المتوسطة أنهم سبق أن فكروا في اللتزام‪ .‬وأجاب ‪ %32‬من‬
‫الجميع أنهم فكروا تفكيرا ً جادا ً في اللتزام‪.‬‬
‫وأفاد ‪ %46‬من طلب المرحلة الثانوية‪ ،‬و ‪ %37‬من طلب المرحلة‬
‫المتوسطة أنهم يرغبون رغبة أكيدة في تغيير واقعهم‪ ،‬أما الذين ليس لديهم‬
‫رغبة في تغيير واقعهم فهم ‪ %3‬فقط من طلب المرحلة الثانوية‪ ،‬و ‪%7‬‬
‫فقط من طلب المرحلة المتوسطة‪.‬‬
‫ض‬
‫والغالب من هؤلء الشباب ‪ -‬مع ما فيه من فساد وإعراض ‪ -‬أنه غير را ٍ‬
‫عن واقعه الذي هو عليه الن وقد أفاد ‪ %6‬من طلب المرحلة الثانوية‪ ،‬و‬
‫‪ %14‬من طلب المرحلة المتوسطة أنهم راضون عن واقعهم أي أن‬
‫‪%94‬من طلب المرحلة الثانوية‪ ،‬و ‪ %86‬من طلب المرحلة المتوسطة‬
‫يملك قدرا ً من عدم الرضا عن واقعه‪ .‬أليس عدم الرضا هذا بداية خير‪ ،‬وبذرة‬
‫يمكن أن تستثمر؟ )بحث عوائق الستقامة لدى الشباب للكاتب ‪ .‬لم‬
‫ينشر ‪.( .‬‬
‫وأخيرا ً فهؤلء مع ما فيهم من انحراف وفساد فهم يملكون جوانب خير‪،‬‬
‫وفطرة سليمة‪ ،‬فليس بين صفوفهم من يتبنى نحلة أرضية أو ملة إلحادية‪،‬‬
‫ل‪ ،‬وغالب ما لديهم من انحراف‬ ‫ولم يكن منهم من يرفض الدين جملة وتفصي ً‬
‫وخلل إنما هو في جوانب سلوكية‪.‬‬
‫وأنا حين أقول هذا لست أدافع عن هؤلء الشباب‪ ،‬ول أقلل من شأن ما هم‬
‫فيه من فساد‪ ،‬ولكني أقول ‪ :‬إن هذه جوانب خير ل يجوز أن تغفل‪ ،‬ويجب أن‬
‫نضعها في الحسبان‪ ،‬لتكون دافعا ً لنا لمزيد من الجهد والبذل‪.‬‬
‫المعوق الخامس‪ :‬التركيز على النقد‪:‬‬
‫هناك ظواهر سلبية منشرة بكثرة بين صفوف الطلب والطالبات‪ ،‬وأمور ل‬
‫يسع المؤمن السكوت عليها‪ ،‬ولبد للمدرس والمدرسة أن يشارك في‬
‫إزالتها‪ ،‬ويتحمل مسؤوليته في ذلك‪ ،‬ولكن حين ل يسمع الطلب منه إل النقد‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اللذع‪ ،‬والحديث عن الخطاء والمساوئ‪ ،‬فإما أن يشعروا بأنه صاحب نظرة‬


‫موغلة في التشاؤم فل يسمعوا منه بعد ذلك‪ ،‬أو أن يتجاوبوا مع ما يطرحه‬
‫فيشعرون أنهم قد غرقوا في الخطاء والمساوئ ولن يتخلصوا منها‪ ،‬فيصيبهم‬
‫اليأس والحباط‪.‬‬

‫)‪(26 /‬‬

‫فبدل ً من أن أقول للطلبة‪ :‬أنتم تتهاونون في المعاصي‪ ،‬وتقعون في الصغيرة‬


‫والكبيرة‪ ،‬ول ترعون حرمات الله‪ ،‬ول تخافون منه‪ ،‬لو حدثتهم بدل ذلك عن‬
‫شؤم المعصية ونتائجها الوخيمة دون أن أشير إليهم من قريب ول بعيد‪ ،‬أفل‬
‫يفهم العاقل منهم أن هذا ينطبق عليه؟ أول يتحقق المقصود من ذلك؟‬
‫وبدل ً من أن أحدثهم عن التهاون في النظر الحرام وتهافتهم عليه‪ ،‬لو حدثتهم‬
‫عن فوائد غض البصر‪ ،‬وعن النتائج الوخيمة التي تترتب على إطلقه أفل‬
‫أدرك المراد؟‬
‫وحين أراهم يقصرون في الصلة‪ ،‬ويتهاونون بأمرها‪ .‬أل يمكن أن أتحدث‬
‫معهم عن شأن الصلة وعظمها‪ ،‬وأنها أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة‬
‫من عمله؟‬
‫ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة‪ ،‬فقد رأى رجلين‬
‫يستّبان فغضب أحدهما‪ ،‬فلم يوجه له صلى الله عليه وسلم الحديث إنما قال‬
‫يخاطب أصحابه‪":‬إني لعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد‪ ،‬لو قال‪ :‬أعوذ‬
‫بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد")رواه البخاري )‪(3282‬ومسلم )‬
‫‪.(. (2610‬‬
‫وأنا ل أدعو بذلك المدرسين إلى أل يقولوا لطلبهم إن هذا خطأ‪ ،‬فقد‬
‫يستوجب المر الحديث الصريح المباشر‪ ،‬ول أدعوهم إلى أن يدافعوا عن‬
‫أخطاء الطلبة‪ ،‬لكن هذا شيء‪ ،‬واستمراء النقد وسيطرة لغته شي آخر‪.‬‬
‫إن سيطرة لغة النقد على حديث المدرس قد تعود عليه هو بأثر سلبي‪،‬‬
‫فيصبح دون شعور ينظر من هذه الزاوية‪ ،‬وتسهم هذه النظرة السلبية لواقع‬
‫طلبه في حجب الرؤية الواضحة لما يمكن أن يحققه أو يصل إليه‪ ،‬ثم يعود‬
‫في النهاية محبطا ً مبدد المال‪.‬‬
‫المعوق السادس ‪ :‬كثرة التكاليف‪:‬‬
‫يشكو بعض المدرسين من كثرة التكاليف المدرسية والواجبات الدارية‬
‫المتعلقة بالمدرس‪ ،‬بدءا ً بعدد الحصص السبوعية‪ ،‬إضافة إلى ما يتبعها من‬
‫واجبات منزلية وتحضير وإعداد‪ ،‬وقد يكون لدى المدرس مهام وتكاليف إدارية‬
‫وإشرافية أخرى‪.‬‬
‫إضافة إلى طول المنهج الدراسي وقصر الوقت المخصص للمادة مما يجعل‬
‫المدرسين والمدرسات يشعرون أنهم بحاجة لمزيد من الوقت لكمال‬
‫المقرر‪ ،‬فكيف يجدون الوقت الفائض الذي يسمح لهم بأداء الدور التوجيهي‬
‫التربوي؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هذه العقبات من وجهة نظر هؤلء تبقى عائقا وحاجزا دون أداء المدرس‬
‫الدور المنوط به‪ ،‬فهي تستهلك وقته‪ ،‬وتستنفذ طاقته حتى ل يجد الوقت‬
‫الكافي للتفكير والمراجعة‪.‬‬
‫ويمكن أن نسجل على ذلك الملحوظات التية‪-:‬‬
‫ل‪ :‬لشك أن المدرس يتحمل أعباء كثيرة تؤثر على عطائه وأدائه التعليمي‬ ‫أو ً‬
‫التربوي‪ ،‬وأنه حين ينتظر منه نتاج أفضل فل بد من تخفيف العباء‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولئن قبلنا القول بأن زيادة النصاب من الحصص لها ما يبررها من تزايد أعداد‬
‫الطلبة والطالبات ونقص الفرص الوظيفية‪ ،‬إل أن الكثير من العباء الدارية‬
‫ليس لها تفسير سوى الغراق في الشكليات الذي ابتليت به المة على‬
‫حساب المضمون‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ومع هذا الوضع فإن صاحب الهدف الجاد الذي يسري في أعماقه‬
‫وروحه‪ ،‬والذي يشعر أن تحقيق الدور التربوي هدف أساس وليس قضية‬
‫هامشية أو نافلة من النوافل؛ إن الذي يحمل هذا الشعور يملك الستعداد‬
‫التام لتحمل الواقع والتعامل معه‪.‬‬
‫وأحسب أن هناك ارتباطا ً وثيقَ الصلةِ بين مستوى الجدية في الهدف‬
‫والحماس له والتشكي من كثرة التكاليف‪ ،‬ول نزال نرى عددا ً من المدرسين‬
‫والمدرسات الفاضل الذين ل ينكر جهدهم‪ ،‬ول يجهل أثرهم‪ ،‬نراهم استطاعوا‬
‫تحقيق هذا القدر من النجاح بالرغم من كثرة أعبائهم‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬ل نزال نرى أصحاب الهداف الدنيوية والتطلعات الخاصة يتحملون في‬
‫سبيلها اللواء؛ فيصبر أحدهم على جفاء رئيسه في العمل‪ ،‬ويتحمل من‬
‫العمال أكثر من غيره‪ ،‬ويتظاهر بقدر من الرتياح والخلص أكثر مما في‬
‫داخله؛ يعمل كل ذلك من أجل تحقيق هدف عاجل‪ ،‬وأحسب أن الهدف‬
‫التربوي والصلحي لدى إخواننا وأخواتنا أسمى وأعلى من ذلك كله‪ ،‬فهم‬
‫أولى بالتحمل والبذل‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬الدور الذي نطالب المدرس بتحقيقه معظمه يتم من خلل وجوده في‬
‫الفصل الدراسي الذي لبد له منه‪ ،‬فهو سيدخل الفصل ل محالة‪ ،‬وسيخاطب‬
‫تلمذته ولبد‪ ،‬فمعظم هذه الدوار لن تتم بتحمل مزيد من العبء بل بإحسان‬
‫النية‪ ،‬وصدق الكلمة‪ ،‬واختيار ما يقول‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬من يتأمل السنن الكونية يرى أن من يسعى للتغيير في المجتمعات ‪-‬‬
‫أّيا كان هذا التغيير‪ -‬لبد أن يدفع الثمن الباهظ لذلك‪ ،‬ويبذل الجهد الهائل‪،‬‬
‫فكيف بأصحاب الدعوات؟ وسير النبياء والمصلحين على مدى تاريخ البشرية‬
‫خير شاهد على هذا المعنى‪ .‬قال تعالى ‪] :‬حتى إذا استيأس الرسل وظنوا‬
‫أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء‪ [..‬ويحكي صلى الله عليه وسلم‬
‫صورة من معاناة النبياء قبله فيقول ابن مسعود‪ -‬رضي الله عنه ‪: -‬كأني‬
‫أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا ً من النبياء ضربه قومه‬
‫فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول‪":‬اللهم اغفر لقومي فإنهم ل‬
‫يعلمون" )رواه البخاري )‪ (3477‬ومسلم )‪. (.(1792‬‬
‫ب ‪ -‬معوقات خارجية‬
‫المعوق الول ‪:‬التربية السرية الخاطئة‪:‬‬

‫)‪(27 /‬‬

‫ويمكن أن نصور الصعوبات التي تواجه دور المدرس والمرتبطة بالتربية‬


‫السرية الخاطئة فيما يلي‪-:‬‬
‫‪ -1‬السرة هي الدائرة الولى من دوائر التنشئة الجتماعية‪ ،‬وهي المسؤولة‬
‫بشكل أساس عن صياغة عقلية التلميذ ومعاييره وخلفيته الدراكية؛ فتتلقى‬
‫الطفل صحيفة بيضاء تخط فيها ما تشاء‪.‬‬
‫وقد تكون هذه التنشئة خاطئة‪ ،‬وغير متسقة مع التربية السلمية الصحيحة‪.‬‬
‫‪ -2‬ل يقف دور السرة عند مجرد توجيهات تعارض ما يطرحه المدرس‪ ،‬أو‬
‫آراء تخالف آراءه؛ بل هي تنشىء التلميذ وفق معايير معينة تتحول إلى جزء‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من تفكيره‪ ،‬وتسهم في تشكيل وصياغة معايير يحكم من خللها على ما‬
‫يطرح عليه‪.‬‬
‫ً‬
‫ماذا يصنع المدرس بتلميذ نشأ بعيدا عن الجواء الشرعية المنضبطة‪ ،‬وصار‬
‫يستنكف العبادات الشرعية‪ ،‬ويرى فيها صورة من التطرف والشذوذ‪ ،‬ويعتبر‬
‫أن مطالبته بالنضباط الشرعي إنما هي ضمن دائرة التطرف والغلو‪ .‬فهو‬
‫هاهنا يقّيم ما يسمعه من أستاذه في ضوء هذه الخلفية‪.‬‬
‫‪ -3‬نظرة التلميذ لستاذه ابتداًء تتحكم فيها تربيته السرية‪ ،‬فمن خلل التربية‬
‫السرية ترتسم في ذهنه صورة محددة للشخصية السوية وصورة للشخصية‬
‫الخرى‪ .‬ويسعى لتطبيق هذه المواصفات على شخصية أستاذه‪ ،‬فحين ل‬
‫تتفق شخصية أستاذه مع الشخصية السوية لديه تشكل هذه النظرة حاجزا ً‬
‫وعائقا ً أمام أي محاولة للتوجيه والبناء‪.‬‬
‫فهو قد ينشأ في جو يحتقر الشخص المتدين‪ ،‬وينظر إليه نظرة شاذة‪ ،‬أو‬
‫يعتبر التدين غلوا ً وتطرفًا‪ ،‬فحين يرى أستاذه كذلك فهو سيدرجه ضمن هذه‬
‫القائمة مما ينعكس بالضرورة على مدى تقبله لما يطرحه عليه من توجيه‪.‬‬
‫‪ -4‬قد تسهم السرة في نقض كلم المدرس وتقويمه‪ ،‬فتنقض ما أحكمه‪،‬‬
‫وتهدم ما بناه‪ ،‬وما أكثر ما يقول الب أو الم‪ :‬كلم أستاذك غير صحيح‪ ،‬وغير‬
‫مقبول‪.‬‬
‫وقد يستطيع الستاذ أن يقطع خطوات في تربية التلميذ وتوجيهه لكنه‬
‫جهد"غير مضمون الثمرة؛ لن تأثير البيت المعاكس يظل دائما ً عرضة لفساد‬
‫ما تحاوله المدرسة")منهج التربية السلمية لمحمد قطب ج ‪ 2‬ص ‪. (101‬‬
‫‪ -5‬قد يسهم الجو العام للمنزل في التأثير اللشعوري على التلميذ وتطبيعه‬
‫بما يتناقض مع توجيه أستاذه‪.‬‬
‫ت يهمل العناية بالصلة‪ ،‬ول يستيقظ أحد منه لصلة‬ ‫فالتلميذ الذي ينشأ في بي ٍ‬
‫الفجر سيكون كذلك‪ ،‬وقد ل يأخذ توجيه أستاذه بالستيقاظ للصلة مأخذ‬
‫الجد‪.‬‬
‫والخر الذي اعتاد في المنزل أن يرى الصورة الفاتنة على الشاشة‪ ،‬قد ل‬
‫يتقبل بالضرورة نصح أستاذه المتكرر بغض البصر وحفظه‪ ،‬وحين يتفاعل مع‬
‫توجيه أستاذه‪ ،‬ويعزم على ترجمة القول إلى عمل‪ ،‬يعود للمنزل وقد هبطت‬
‫حماسته وفي الوقت نفسه انتصر داعي الشهوة‪ ،‬ولم يطق مجاهدة نفسه‬
‫والكف عما يراه أمام عينيه‪.‬‬
‫المعوق الثاني‪ :‬وسائل العلم‪:‬‬
‫لقد شهد العصر الحاضر ثورة هائلة في مجال تقنية التصالت‪ ،‬وتفتق العقل‬
‫البشري‪ -‬بما منحه الله من قدرة‪ -‬عن وسائل تخاطب الفرد والمجتمع بكافة‬
‫حواسه من خلل الصحيفة المقروءة‪ ،‬والذاعة المسموعة والمرئية‪.‬‬
‫وتسهم هذه الوسائل في التأثير على تربية التلميذ فـ"الفلم الساقطة‬
‫والبرامج الهدامة التي تعرض على الجماهير عبر وسائل العلم لها دور كبير‬
‫في هدم جوانب شخصية الطفل بشكل عام‪ ،‬وهذا النوع من الفلم والبرامج‬
‫هو الذي يحتل محل الصدارة في العلم العربي")المؤثرات السلبية في‬
‫تربية الطفل المسلم وطرق علجها ‪ .‬لعائشة جلل )‪.(.(292‬‬
‫" ويكاد يجمع المهتمون بهذا الجانب التربوي على أن مظاهر الحب والغرام‪،‬‬
‫والعشق بين الجنسين هي المحور الرئيسي‪ ،‬والقاعدة الساسية التي تدور‬
‫عليها أحداث المسلسلت‪ ،‬والمسرحيات التمثيلية التي يعرضها التلفزيون‪،‬‬
‫إلى جانب الدعاية السيئة المعتمدة على إظهار مفاتن المرأة‬
‫ومحاسنها")مسؤلية الب المسلم في تربية الولد في مرحلة الطفولة ‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عدنان باحارث )‪. ((485-484‬‬


‫والمجلة الساقطة هي الخرى تسهم في وأد الفضيلة والحياء من خلل‬
‫التسابق على نشر الصور الفاتنة‪ ،‬والمظاهر المغرية‪ ،‬واعتبار الحب والعلقة‬
‫المحرمة وسيلة شرعية وسلوكا ً ل يرفضه إل الشاذون‪ ،‬والغلب العم مما‬
‫يعرض أمام التلميذ هو من هذا النوع‪.‬‬
‫وتمتاز هذه الوسائل عن سائر المؤثرات بما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬مخاطبتها لكثر من حاسة لدى التلميذ‪ ،‬ففي الوقت الذي يرى الستاذ‬
‫ل‪ ،‬ل يخاطب سوى حاسة السمع‬ ‫يتحدث أمامه في الفصل حديثا ً متواص ً‬
‫وحدها‪ ،‬وربما كان حديثا ً علميا ً جافًا‪ ،‬يرى من خلل الشاشة من يحدثه حديثا ً‬
‫مصحوبا ً بالصورة‪ ،‬والمشهد المثير لنتباهه‪ ،‬والذي صيغ بطريقة تأسر لّبه‪،‬‬
‫وقل مثل ذلك في الصحيفة أو المجلة التي تحمل الصور الملونة‪ ،‬يقرأها وهو‬
‫مضطجع على فراشه في غرفته المكيفة‪.‬‬
‫‪ -2‬يتعامل التلميذ مع هذه الوسائل بنفسية تختلف كلّيا عن تلك التي يتعامل‬
‫فيها مع توجيه أستاذه‪ .‬فهو يتعامل معها بعقلية المتلقي والمقبل عليها‪ ،‬أما‬
‫أستاذه فربما كان زائرا ً ثقيل ً في الفصل يتمنى أن يسكته قرع الجرس‪.‬‬

‫)‪(28 /‬‬

‫‪ -3‬تطرح هذه الوسائل على التلميذ طرحا ً يلبي داعي شهوته‪ ،‬ويتسق مع‬
‫هواه‪ ،‬في حين يستهدف توجيه أستاذه إخراجه من أسر هواه وشهوته‪.‬‬
‫‪ -4‬تمثل الختبارات وأعمال السنة والواجبات المدرسية ومطالبة الستاذ‬
‫ما يقلل من دور الستاذ التوجيهي ‪ -‬في نظر‬ ‫بالنضباط داخل الفصل عامل ً ها ّ‬
‫ً‬
‫الطالب‪ -‬بخلف من يتعامل معهم بصورة غير مباشرة ولم يقابلهم يوما من‬
‫الدهر في حياته‪.‬‬
‫‪ -5‬إن"تراكم عددٍ كبير من الوسائل العلمية بطرق مشوقة وجذابة‪ ،‬وعبر‬
‫بعد زمني ممتد وهي تركز على موقف معين‪ ،‬أو تبشر بسلوك محدد قد‬
‫يكسب ذلك الموقف أو السلوك شرعية اجتماعية‪ ،‬ويكسر الحواجز النفسية‬
‫بين الجمهور وبين ذلك الموقف أو السلوك؛ فيعتاد عليه ويتقبله واقعا ً معترفا ً‬
‫به")الرشاد النفسي خطواته وكيفيته ‪ .‬د‪.‬عبدالعزيز النغيمشي ‪ .‬ضمن الكتاب‬
‫السنوي الثاني لجستن )‪.(297‬‬
‫ً‬
‫‪ -6‬وترقى خطورة وسائل العلم لتقاوم أيضا دور السرة‪ .‬مما دعا الدكتور‬
‫ل‪":‬ماذا يصنع الب أو ماذا تصنع الم إذا أرادت أن‬ ‫محمد نصار أن يتساءل قائ ً‬
‫يكون ابنها في المرتبة السامية العليا من الخلق‪ ،‬ومن الداب‪ ،‬ومن السلوك‬
‫الطيب‪ ،‬حيث تقوم بتوجيه أبنائها توجيها ً تربويا ً سليما ً ولكن يفسد هذا التوجيه‬
‫تحريك مفتاح التلفاز‪ ،‬وتحريك المؤشر في الذاعة والراديو وغير‬
‫ذلك؟")مشكلت الشباب والمنهج السلمي في علجها ‪ .‬وليد شلش نايف‬
‫شبير )‪.(. (317‬‬
‫المعوق الثالث‪ :‬الصحبة السيئة‪:‬‬
‫إن من نافلة القول الحديث عن الدور الخطير والساس الذي تلعبه الصحبة‬
‫في التأثير على الشاب بصفة خاصة‪ ،‬لذا فقد أشار أنصح الخلق صلى الله‬
‫عليه وسلم وأعرفهم بالله سبحانه إلى هذا المعنى في أحاديث عدة‪.‬‬
‫منها قوله‪":‬المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل")رواه أحمد )‬
‫‪ (8212‬الترمذي )‪ (2378‬وأبو داود )‪.(.(4833‬‬
‫ً‬
‫وقوله صلى الله عليه وسلم ‪":‬ل تصاحب إل مؤمنا‪ ،‬ول يأكل طعامك إل‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تقي")رواه أحمد )‪ 3/38(10944‬والترمذي )‪ (2395‬وأبو داود )‪(4832‬‬


‫والدارمي )‪.((2057‬‬
‫ومما يزيد من أهمية دور الرفقة‪:‬‬
‫‪ -1‬كونها اختيارية في الغالب"فهو الذي ينتقي أصدقاءه ويبني العلقة معهم‬
‫برغبته وحسب ميله‪....‬وهذا بخلف علقته بوالديه أو أستاذه أو زملء صفه‪،‬‬
‫فإنها تكون مفروضة عليه")المراهقون ‪ .‬د‪.‬عبدالعزيز النغيمشي )‪. (.(65-64‬‬
‫‪ -2‬الرفقة تغذي حاجة اجتماعية ملحة لدى الشاب‪ ،‬يندر أن يستأنس بدونها‪.‬‬
‫‪ -3‬وجود التشابه والتلقي بينه وبين رفقته في الطبائع والحاسيس والحاجات‬
‫والمشكلت )المراهقون ‪ .‬د‪.‬عبدالعزيز النغيمشي )‪ (.(68‬؛ فهو يشعر أنه‬
‫وإياهم شيء واحد‪ ،‬بخلف أستاذه أو والده الذي يرى أنه يعيش عالما ً آخر‬
‫غير عالمه‪.‬‬
‫‪ -4‬طول الوقت الذي يقضيه التلميذ مع رفقته‪ ،‬فهو أطول مما يقضيه مع‬
‫أستاذه وربما والديه‪.‬‬
‫هذه بعض المعوقات التي تواجه المدرس وهو يريد أن يربي أبناءه وتلمذته‬
‫التربية السلمية‪ ،‬وأن يصحح ما يراه من خلل في سلوكياتهم‪.‬‬
‫مقترحات لتجاوز هذه المعوقات‬
‫إن سياقنا لما سبق ليس تثبيطا ً وإبرازا ً للعقبات والعوائق أمام الستاذ‬
‫الناصح لكن سقناه لمور منها‪-:‬‬
‫أن يدرك المدرس ضخامة التحديات التي تواجهه‪ ،‬وصعوبة الدور الذي يناط‬
‫به وينتظر منه أن يؤديه؛ مما يدفعه إلى مزيد من الهتمام والجتهاد والعناية‪.‬‬
‫ولجل ذلك أخبر صلى الله عليه وسلم معاذا ً حين بعثه إلى اليمن أنه يأتي‬
‫قوما ً أهل كتاب؛ وذلك ليأخذ للمر عدته‪ ،‬قال ابن حجر‪":‬هي كالتوطئة‬
‫للوصية لتستجمع همته عليها؛ لكون أهل الكتاب أهل علم في الجملة‪ ،‬فل‬
‫تكون العناية في مخاطبتهم كمخاطبة الجّهال من عبدة الوثان")فتح الباري )‬
‫‪.((3/457‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وبادئ ذي بدء أشعر أن ما يطرح هنا ليس بالضرورة حل متكامل لهذه‬
‫المشكلة‪ ،‬ومدعاة لتجاوز هذه العقبات تجاوزا ً تامًا؛ فهو ل يعدو أن يكون‬
‫مقترحات قد تسهم في رفع مستوى تأثير خطاب المدرس‪ ،‬وامتداده مساحة‬
‫أوسع‪.‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬تربية اليمان والتقوى‪:‬‬
‫إن العناية بتربية اليمان بالله وتقواه وخشيته‪ ،‬والحرص على غرس ذلك في‬
‫نفوس الناشئة‪ ،‬من أهم ما ينبغي أن يكون في أولوياتنا التربوية؛ فاليمان‬
‫والتقوى هو العاصم بإذن الله من مواقعة الرذيلة‪ ،‬والنهزام أمام داعي الهوى‬
‫والشهوة‪.‬‬
‫ل دعته‬ ‫إن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم ل ظل إل ظله رج ٌ‬
‫امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها فقال‪ :‬إني أخاف الله عز وجل‪ ،‬نعم‬
‫هكذا يصنع اليمان بصاحبه‪ ،‬فيكون بإذن الله وقاية من السير في ركب‬
‫الشهوة وطريق الضللة والهوى‪.‬‬
‫ثم إن من يملك التقوى واليمان ل يلبث حين يواقع ما حرم الله أن يستفيق‬
‫ويتوب إلى الله عز وجل ]إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان‬
‫تذكروا فإذا هم مبصرون[ )العراف ‪. ( 201:‬‬

‫)‪(29 /‬‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وإن من الفوارق الجوهرية التي تميز التربية السلمية عن المناهج الرضية‬


‫قيامها على أساس إصلح القلوب وغرس اليمان‪ ،‬بخلف تلك المناهج التي‬
‫تقوم على مبدأ تقويم السلوك ‪ -‬مع ملحظة أن معايير السلوك المقبول‬
‫والمرفوض في هذه المناهج معايير بشرية ‪ -‬إذ القلب هو الساس لكل ما‬
‫يصدر عن النسان من سلوك كما قال صلى الله عليه وسلم ‪":‬أل وإن في‬
‫الجسد مضغة‪ ،‬إذا صلحت صلح الجسد كله‪ ،‬وإذا فسدت فسد الجسد كله‪ ،‬أل‬
‫وهي القلب")رواه البخاري )‪ (52‬ومسلم )‪. (.(1599‬‬
‫وهب أن المرء استقام سلوكه وقلبه خواء من اليمان والعبودية لله فلن‬
‫يجدي ذلك عنه شيئًا‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬تنمية الستقللية في التفكير والرأي‪:‬‬
‫إن التبعية في الرأي والسير وراء الخرين‪ ،‬من مشكلت الجيل المعاصر‪،‬‬
‫ون الرضية المناسبة لتلقي التأثير الخارجي على الشخص‪ ،‬أيا ً كان‬ ‫وهي تك ّ‬
‫مصدر هذا التأثير‪.‬‬
‫ومن ثم فإن عناية الستاذ بتربية تلمذته على روح الستقللية في الرأي‬
‫والتفكير‪ ،‬والتخلص من التلقي المجرد مما سوى الوحيين يخدم في تنمية‬
‫الشخصية الناقدة لما يعرض لها وما يواجهها‪.‬‬
‫والستاذ الذي يعنيه بدرجة أساس أن يتربى تلمذته تربية ناضجة‪ ،‬يشعر أن‬
‫ب ملح‪ ،‬ولو كان على حساب قبولهم لكل آرائه‪،‬‬ ‫غرس الستقللية لديهم مطل ٌ‬
‫وسماعهم لكل ما يطرحه‪ ،‬بل إنه ليسر حين يرى تلميذه يخالفه في رأيه‬
‫واقتناعاته‪ ،‬ويرى أن ذلك معيار نضج وكمال‪.‬‬
‫وهو حينها سيعنى بتعليمهم الحقائق العلمية مقرونة بالدليل والبرهان‪،‬‬
‫وسيناقش القوال والمسائل مناقشة علمية موضوعية بعيدة عن الحكام‬
‫ة لقول‪ ،‬أو اعتراضا ً‬ ‫الجاهزة والنتائج المسبقة‪ ،‬وهو لن يقبل منهم مناقش ً‬
‫على نتيجة علمية‪ ،‬ما لم تكن مناقشتهم مقرونة بالدليل والبرهان‪.‬‬
‫إن هذا المسلك مع أنه يربي العقلية العلمية الناضجة فهو أيضا ً يسهم بشكل‬
‫آخر في ضبط سلوك التلميذ الجتماعي‪ ،‬وتطبيعه بذلك‪ ،‬فل يقبل بعد ذلك‬
‫في حياته ومسلكه إل ما يقتنع منه‪.‬‬
‫هذه التربية تشكل بإذن الله درعا ً واقيا للتلميذ من المؤثرات الخرى‪ ،‬وتضع‬
‫ً‬
‫قناة لمراجعة ما يرد عليه بدل ً من كونه يتلقى ويتلقف كل ما يرده‪ ،‬حينها‬
‫تتحطم الكثير من العوائق أمام هذه الشخصية‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬التجديد في الوسائل ولغة الخطاب‪:‬‬
‫إن النفوس تسأم التكرار والرتابة؛ ومن ثم كانت تحتاج باستمرار للتغيير‬
‫والتنويع‪ .‬وحتى في حياة النسان العادية وسلوكه اليومي فهو يجنح للتغيير‪،‬‬
‫ويسأم الروتين‪.‬‬
‫إن سيطرة لغة محددة للخطاب والتوجيه قد يفقدها قيمتها وجاذبيتها‪،‬‬
‫فتتحول إلى روتين ممجوج لدى البعض؛ فالتنويع والبتكار في وسائل مخاطبة‬
‫التلميذ وإقناعهم يسهم في تحقيق قدر أكبر من القبول‪.‬‬
‫وإدراك المدرس لهذا المر يدعوه إلى إعادة النظر في وسائل التوجيه‪ ،‬ولغة‬
‫الخطاب‪ ،‬والتجديد في أساليب النصح والتأثير‪ ،‬وإلى الشعور بأن التوجيه‬
‫ليس مجرد كلمات جوفاء يلقيها على طلبه وينتظر منهم الترحيب والمبادرة‪.‬‬
‫وحين نتصور أننا قادرون على مواجهة هذا الزخم الهائل من الصوارف‬
‫والمغريات‪ ،‬والتي تملك من الجاذبية ما تملكه ‪.‬بمجرد كلمات‪ ،‬أو توجيهات‬
‫نلقيها ونحن ننتظر التنفيذ والستجابة‪ ،‬وربما كانت مقرونة ابتداًء بلغة استعلء‬
‫واحتقار للطلب ووصف لهم أنهم ليسوا على شيء‪ ،‬وغير جادين‪ ،‬ول‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صادقين‪ ،‬وأن طلب العلم مضوا مع الرعيل الول والجيل السابق‪ ،‬حين‬
‫نتصور ذلك فنحن نغرق في السذاجة والسطحية‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬الواقعية في الهداف والطموحات‪:‬‬
‫قد يرتفع مستوى الحماسة لدى البعض‪ ،‬ويرى أنه قادر على تحقيق ما يريد‪،‬‬
‫فيرسم لنفسه أهدافا ً طموحة‪ ،‬ونظرة مثالية يصعب الوصول إليها‪ ،‬وتقويمه‬
‫لعمله‪ ،‬ورؤيته لنجاحه وفشله مرهون بأهدافه‪ .‬فإذا كانت أهدافه أعلى من‬
‫الواقع فسيشعر بالفشل وضعف النتاج وطول الطريق‪ ،‬ويقول بلسان حاله أو‬
‫مقاله‪:‬ما الفائدة والجدوى من العمل؟‬
‫ً‬
‫أما حين يدرك العقبات‪ ،‬ويعرف المصاعب‪ ،‬فسوف يرسم أهدافا تتسق مع‬
‫الواقع‪ ،‬ويمكن ترجمتها إلى واقع عملي‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬رصيد الفطرة‪:‬‬
‫ب مهم ل‬ ‫إنه ومع كل العقبات والعوائق مما ذكرنا وما لم نذكر‪ ،‬فسيبقى جان ٌ‬
‫ينبغي إغفاله‪.‬‬
‫لئن كان طريق الشهوات والغواية طريقا ً تستهويه النفس وتميل إليه‪ ،‬طريقا ً‬
‫يجد المرء ما يدعوه له‪ .‬فالخير في المقابل له رصيد عميق في فطرة‬
‫النسان ]فأقم وجهك للدين حنيفا ً فطرة الله التي فطر الناس عليها ل تبديل‬
‫لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس ل يعلمون‪ .‬منيبين إليه واتقوه‬
‫وأقيموا الصلة ول تكونوا من المشركين[ )الروم‪ .(31-30:‬نعم فقد فطر‬
‫الله الناس منيبين إليه‪ ،‬فطرهم على الدين والتوجه له سبحانه‪.‬‬
‫وهو المعنى نفسه الذي يشير إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ‪":‬ما‬
‫من مولود إل يولد على الفطرة‪ ،‬فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه‪ ،‬كما‬
‫تنتج البهيمة بهيمة جمعاء‪ ،‬هل تحسون فيها من جدعاء؟" ثم يقول أبو هريرة‬
‫‪ -‬رضي الله عنه ‪]-‬فطرة الله التي فطر الناس عليها ل تبديل لخلق الله ذلك‬
‫الدين القيم[ )رواه البخاري )‪(1359‬مسلم )‪. ( .(2658‬‬

‫)‪(30 /‬‬

‫وفي الحديث الخر يقول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك‬
‫وتعالى‪":‬إني خلقت عبادي حنفاء كلهم‪ ،‬وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن‬
‫دينهم؛ فحّرمت عليهم ما أحللت لهم‪)"...‬رواه مسلم )‪.( (2865‬‬
‫فمن يدعو الناس لمنهج الله إنما يستهدف إزالة الران والغشاء عن القلوب‬
‫الذي يغطي رصيد هذه الفطرة‪ ،‬قبل أن يكون داعيا ً لتأسيس بنيان جديد‪.‬‬
‫ثم إن الناس وإن ابتعدوا عن شرع الله‪ ،‬وغرقوا في الفساد‪ ،‬وارتكبوا‬
‫م فهم‬‫الشهوات‪ ،‬إل أنهم يشعرون بمرارة المعصية وشؤم الغواية‪ ،‬ومن ث َ ّ‬
‫خّلص‪ .‬وها نحن نراهم في الواقع يتوافدون‬ ‫م َ‬
‫يبحثون عن المنقذ‪ ،‬ويتطلعون لل ُ‬
‫بحمد الله على طريق الخير‪ ،‬ويسلكون السبيل‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬العاطفة الصادقة‪:‬‬
‫وهي تلك اللغة التي ل يجيدها إل الصادقون المخلصون‪ ،‬والمارة الفارقة بين‬
‫المتصنع المتشبع بما لم يعط وبين المخلص الجاد‪ .‬فحين يملك الستاذ‬
‫العاطفة الصادقة والتفاعل مع ما يقوله لتلمذته‪ ،‬يخرج حديثه من القلب‪،‬‬
‫ث صادق ناصح‪.‬‬ ‫فيشعر التلميذ وهو يسمع حديث أستاذه أنه حدي ٌ‬
‫وكم نرى ممن يؤهله للقبول عند الناس عاطفة حية ومنطق صادق أكثر من‬
‫أسلوب رصين بليغ‪.‬‬
‫وكما أن التلميذ يتعامل مع تلك الوسائل السابقة تعامل المقبل عليها‪ ،‬فهو‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في وسط ركام الغفلة‪ ،‬ومن بين أنقاض الواقع البئيس‪ ،‬يشعر حين يسمع‬
‫الصوت الناصح أن يحس من خلله بلغة النصيحة‪ ،‬ومنطق الصدق؛ فتتجاوب‬
‫نفسه‪ ،‬ويسمو على أهوائه ورغباته الشخصية ليصيخ لمنطق الدين والعقل‪.‬‬
‫وحين سأل ذر بن عمر أباه‪:‬ما بال المتكلمين يتكلمون فل يبكي أحد‪ ،‬فإذا‬
‫تكلمت أنت سمعت البكاء من كل جانب‪ ،‬فقال ‪ :‬يا بني‪ ،‬ليست النائحة‬
‫الثكلى كالنائحة المستأجرة )إحياء علوم الدين )‪. (.(4/288‬‬
‫سابعًا‪ :‬القلوب بيد الله وحده‪:‬‬
‫ومع ماسبق‪ ،‬فالمر أول ً وآخرا ً بيد الخالق سبحانه وتعالى الذي خلق عباده‬
‫ويعلم ضمائرهم ودواخلهم‪ ،‬وقلوبهم ونواصيهم بيده سبحانه وتعالى يصرفها‬
‫كيف يشاء‪ ،‬يضل من يشاء ويهدي من يشاء سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ورؤية المسلم للسباب المادية‪ ،‬وعنايته بتحصيلها ل يجوز بحال أن تشغله‬
‫عن إدراك قدرة الله سبحانه‪ ،‬وأن المور ونواصي العباد بيده عز وجل‪.‬‬
‫أرأيت النبياء والمصلحين السابقين‪ ،‬كيف استطاعوا أن يحققوا أهدافهم؟‬
‫وكيف تجاوزوا العقبات التي يصنعها شياطين النس والجن ليحولوا بين‬
‫الناس وبين دعوة الله؟ فالطريق واحدة والسبيل متفقة‪.‬‬
‫إن إدراك هذه المعاني والسنن الربانية كفيل بإزالة تلك العوائق والعقبات‪،‬‬
‫غير أن المسلم مأمور بفعل السباب‪ ،‬وتلمس الصعاب والجتهاد في تذليلها‪،‬‬
‫ثم حين يبذل ما يستطيع فالتوفيق بيد موله‪ ،‬والعون منه سبحانه وتعالى؛‬
‫فما من دابة إل هو آخذ بناصيتها‪ ،‬وما من قلب إل هو بين إصبعين من أصابعه‬
‫سبحانه وتقدس يقلبه كيف شاء‪.‬‬
‫ولبد أن ينتج من طول تفكيره وسائل وبرامج يغذيها بممارسته وخبرته‪،‬‬
‫وينضجها بالستفادة مما عند الخرين‪.‬‬
‫وهو على كل الحوال لن يكون أقل قدرة من أصحاب الهداف الوضيعة‬
‫والمقاصد الدنيئة الذين يجدون ألف وسيلة ووسيلة لتحقيق أهدافهم‪.‬‬
‫هذه بعض الخواطر حول ما أرى أن المدرس قادر على القيام به لتجاوز‬
‫ج قلم ٍ‬‫ن قاصر‪ ،‬ونتا َ‬ ‫بعض هذه المعوقات‪ ،‬وهي ل تعدو أن تكون حاضَر ذه ٍ‬
‫وتجربة محدودة‪ .‬مع يقيني أن إخوتي الفاضل قادرون بإذن الله على‬
‫اكتشاف المزيد‪ ،‬وعلى تحقيق ما يريدون‪ .‬حين يملكون الصدق والخلص‪-‬‬
‫وهم كذلك نحسبهم والله حسيبهم‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬استثمار النشطة الطلبية‪:‬‬
‫لشك أن للتوجيهات والخطاب الناصح الدور البارز الذي ل ينكر‪ ،‬خاصة حين‬
‫تضاف لذلك القدوة الحسنة‪ ،‬لكن ذلك مهما عل شأنه ل يمكن أن ينقل‬
‫الطالب إلى مرحلة الستغناء عن البرامج التربوية العملية‪.‬‬
‫ومن هنا يبرز دور النشطة الطلبية اللصفية في توجيه الطالب وتربيته‪،‬‬
‫وتؤدي هذه النشطة هذا الدور من خلل ما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬لقاء الستاذ بطلبه خارج الطار الرسمي والجو المدرسي يساهم في‬ ‫أو ً‬
‫زيادة اللفة وزوال كثير من الحواجز والعوائق‪ ،‬فيهيئ نفسه للتقبل والتجاوب‬
‫مع ما يطرحه عليه بعد ذلك‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن هذه النشطة غالبا ً ما تحوي الفئات الجادة والمتميزة من الطلب؛‬
‫مما يتيح للطالب فرصة للقدوة الحسنة والجو البديل عن أجواء الشارع‬
‫والتجمعات غير المنضبطة‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬تسهم هذه البرامج في تشكيل صداقات الطلب‪ ،‬فيختار الطالب من‬
‫بين هؤلء الذين يشاركهم النشطة المدرسية أصدقاء له‪ ،‬ولشك أن ذلك‬
‫حماية له من أصدقاء السوء وتوجيها ً غير مباشر للصحبة الصالحة‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رابعًا‪ :‬كما أن هذه النشطة تحوي خيرة العناصر من الطلب‪ ،‬فكذلك الذين‬
‫يشرفون عليها هم في الغلب من خيرة الساتذة‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬غالبا ً ما تتضمن هذه النشطة برامج لها آثارها التربوية كالرحلت‬
‫الستطلعية‪ ،‬والمسابقات الثقافية‪ ،‬والمحاضرات‪ ...‬وسائر النشطة‪.‬‬

‫)‪(31 /‬‬

‫سادسًا‪ :‬توفر هذه النشطة البدائل المنضبطة لكثير من النشطة التي ربما‬
‫مارسها الطالب في أجواء شاذة؛ فالنشطة الرياضية والترويحية التي يتعلق‬
‫بها كثيٌر من الشباب وربما أصبحت بيئة لصداقة سيئة‪ ،‬هذه النشطة يمكن‬
‫أن تمارس من خلل برامج النشطة الطلبية؛ فتصرف الطالب عن‬
‫ممارستها في تلك الجواء‪ ،‬وتتيح له الجواء المنضبطة‪.‬‬
‫ويحتاج الطالب للرفقة والصداقة التي تتجانس معه‪ ،‬فتسهم هذه النشطة‬
‫في تحقيقها له كما سبق‪.‬‬
‫ويحتاج لحب الستطلع‪ ،‬وتحقيق الذات‪ ...‬كل ذلك وغيره يمكن أن توفره‬
‫هذه النشطة للطالب؛ فتحقق له الجوانب التي يفتقر إليها في نموه‬
‫المتكامل‪ ،‬وتقدم بديل ً لممارستها من خلل أجواء ضارة‪.‬‬
‫الفصل السادس‪:‬المدرس والتوجيه الذي نريد‬
‫حين نجتاز المرحلة الولى وهي القتناع بأهمية التوجيه‪ ،‬وقيمة دوره‪،‬‬
‫وضرورة المشاركة الفعالة فيه‪ .‬فهل يعني هذا نهاية المطاف؟ أم أن هناك‬
‫مراحل أخرى وخطوات للعمل؟‬
‫وبعبارة أخرى‪ :‬هل يمكن أن نجعل الدور التربوي للستاذ‪ ،‬والذي يشكل هذا‬
‫القدر من الهمية و الخطورة‪ ،‬أن نجعله مطلبا ً عائمًا‪ ،‬وطريقا ً مفتوحا ً يسلكه‬
‫النسان كيفما اتفق وحيثما تيسر له؟‬
‫وأحسب أن المرحلة الولى قد اجتازها الكثير‪ ،‬وأنه أصبح يشعر بالمسؤولية‬
‫بغض النظر عن مدى حرارة هذا الشعور ومستواه‪..‬‬
‫وخطورة الدور التربوي للستاذ تفرض علينا مزيدا ً من العناية والدراسة‬
‫لساليب هذا الدور‪ ،‬وأل نتركه ضحية مواقف متبعثرة غير منضبطة‪.‬‬
‫والرأي الذي يطرح ل يعدو أن يكون محاولة متواضعة‪ ،‬تنتظر المزيد من‬
‫الثراء والتعديل والمناقشة لتستوي على سوقها‪ ،‬وتتأهل لتكون برنامج عمل‬
‫ينتظر منه بإذن الله نتاجا ً مثمرا ً ‪.‬‬
‫ونستطيع أن نحدد أساليب التوجيه‪ ،‬ونظرات المدرسين تجاهه في الصور‬
‫التية ‪:‬‬
‫الرؤية الولى‪:‬‬
‫ح أبلج‪ ،‬وأن معظم الناس يدركون‬ ‫تلك الرؤية التي ترى أن الحق واض ٌ‬
‫ويعرفون الطريق جملة‪ ،‬وإن وجد بعض الغبش في بعض الجوانب‪ ،‬إل أن‬
‫العلة ومكمن الداء عند هؤلء وأولئك هي تحويل القتناع إلى عمل واقعي‬
‫والعمل بما يعلمون‪.‬‬
‫إن ما نراه من واقع كثير من الشباب والتلميذ من المخالفات‪ ،‬والمظاهر‬
‫الشاذة ليس بالضرورة نتيجة للجهل‪ .‬ومن ثم فهؤلء أحوج ما يكونون إلى‬
‫الموعظة والحث والترغيب والترهيب‪ ،‬وهي قضية واضحة محددة ل لبس‬
‫فيها‪ ،‬وليست بحاجة لمزيد فلسفة وتنظير‪.‬‬
‫ً‬
‫وبناًء عليه‪ ،‬فالتوجيه الذي يراد يمكن أن يتحقق عفويا من خلل كلمة عارضة‪،‬‬
‫أو موعظة طارئة‪ ،‬فهي تحقق ما يحققه غيرها‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أو تجعل في التوجيه والموعظة قضية موسمية يمكن أن تتم في حصة‬


‫انتظار‪ ،‬أو في استقبال شهر رمضان أو عشر ذي الحجة‪ ،‬أو من حدث معين‬
‫ككسوف‪ ،‬ومصيبة عامة للمسلمين‪ ،‬أو وفاة أحد الطلب؛ حيث تسهم هذه‬
‫المواقف وتلك في خلق استعداد نفسي لدى الطالب يمكن استثماره‬
‫وتوظيفه لتحقيق أهداف تربوية معينة‪.‬‬
‫أو ربما ينطلق التوجيه من خلل خطأ أو تجاوز أو مخالفة‪ ،‬فيتحدث عنها‬
‫الستاذ محذرا ً ومنبهًا‪.‬‬
‫الرؤية الثانية‪:‬‬
‫وهي تلك الرؤية التي ترى أن مجرد التوجيه والحديث العام قد ل يكفي‪ ،‬فل‬
‫بد من النطلق إلى مرحلة أكثر تحديدًا‪ ،‬وتتجه الرؤية إلى محاولة استصلح‬
‫أكبر عدد ممكن ممن أصابه من غبار الضللة ما أصابه‪ ،‬وتلبس بشيء من‬
‫المخالفات السلوكية؟‬
‫وينطلق أصحاب هذه الرؤية من خلل ما يرونه في الواقع من أن التوجيه‬
‫العام والموعظة المطلقة سرعان ما يذوب أثرها وتمحى نتائجها‪ .‬وما يرونه‬
‫في المقابل من نتائج مثمرة ومواقف سارة تتمثل في ذاك التحول من‬
‫طريق الغواية إلى الهداية الذي نراه كل حين للعديد من الطلب‪.‬‬
‫وبدل ً من أن تكون هذه الصور المشرقة السارة نتاج مواقف طارئة غير‬
‫مقصودة فلنسهم نحن في دفع عجلتها‪.‬‬
‫الرؤية الثالثة‪:‬‬
‫وهي تلك الرؤية المتشائمة التي ترى أنه ل مجال ول مناص من هذا الواقع‬
‫الذي يعيشه الطلب‪ ،‬أو أن التغيير ليس بيد المدرس‪ ،‬بل هو بيد من يملك‬
‫دفة المور في المجتمع‪ ،‬فيصلح العلم‪ ،‬ويصلح الشارع‪ ،‬ويصلح رفقة‬
‫التلميذ‪ .‬وهي مطالب في قائمة المستحيل‪ ،‬ومن ثم فالمر خارج عن الطوق‬
‫ليس في مقدور فلن أو ذاك‪ ،‬فما علينا سوى التشكي والدعاء لهم با لهداية‪،‬‬
‫والمور بيد الله سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وهي رؤية مع إغراقها في التواني والسلبية واحتقار الذات إل أنها وللسف‬
‫تمل مساحة واسعة ممن يتصدر للتربية والتوجيه في بلد المسلمين‪ ،‬وهي قد‬
‫تكون إفرازا ً للهزيمة النفسية التي تعيشها المة أجمع‪ ،‬أو نتاج تجارب خاطئة‪،‬‬
‫أو رغبة في التنصل من المانة والمسؤولية‪ ،‬وأّيا كانت الدوافع فهي تحت‬
‫هذه المظلة‪ ،‬وداخل هذا الطار‪.‬‬
‫إننا ومع رفضنا لهذه النظرة‪ ،‬أو تلك النظرات المتشائمة‪ ،‬نتفق أن بقية تلك‬
‫الرؤى تملك قدرا ً من المصداقية‪ ،‬وتملك رصيدا ً من العتبار‪ ،‬والنتائج‬
‫المتحققة منها تزيد من اقتناع أصحابها بها‪.‬‬
‫ولشك أن الكلمة الصادقة التي يرسلها صاحبها دون إعداد مسبق‪ ،‬أو يدفعها‬
‫له موقف لم يحسب له حسابا ً لشك أنها تترك أثرها بإذن الله‪.‬‬

‫)‪(32 /‬‬

‫ول ريب أن استصلح عدد من وقع في الفساد والرذيلة جهد ل يجادل فيه إل‬
‫مكابر‪.‬‬
‫إذا ً فهي أدوار مطلوبة‪ ،‬ورؤى تملك قدرا من الصحة؛ لكن أليس المر‬
‫ً‬
‫يستحق منا نظرة أعمق وأشمل؟‬
‫فهذه مقترحات أضعها بين يدي إخوتي المدرسين أرى أنها تسهم في الرتقاء‬
‫بالتوجيه ليؤدي الدور المنتظر منه بإذن الله‪:‬‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أو ً‬
‫ل‪ :‬تحديد الهداف‪:‬‬
‫فرق ظاهر بين أولئك الذين يرسمون لعمالهم أهدافا ً واضحة ومحددة‪،‬‬
‫وأولئك الذين يسيرون في أعمالهم ارتجال ً دون أن ينظروا إل إلى ما تحت‬
‫أقدامهم‪.‬‬
‫إن صاحب أي مشروع تجاري أو عمل دنيوي لبد له من أهداف واضحة‬
‫محددة‪ ،‬يستطيع من خللها أن يخطط لعمله تخطيطا ً سليمًا‪ ،‬وتكون هذه‬
‫الهداف معيارا ً للتقويم وحساب الرباح والخسائر‪ ،‬والفكر والعلم شأنه أعلى‬
‫وأتم‪ ،‬فهو أولى أن يسير على خطى ثابتة‪ ،‬وأن يرسم أهدافا ً واضحة محددة‪.‬‬
‫كثيٌر هم الساتذة الذين يبذلون جهودا ً خيرة مشكورة‪ ،‬لكنها تسير ارتجال ً‬
‫دون تخطيط‪ .‬وربما كان هذا خيرا ً بحد ذاته‪ ،‬لكن خير منه أن يكون للمدرس‬
‫هدف واضح يسعى إليه‪ ،‬ومنهج وخطط توصله لتحقيق هذا الهدف‪ ،‬مع إتقان‬
‫عمله والسعي نحو الفضل والكمل‪.‬‬
‫وحين يعتني المدرس بعملية التوجيه‪ ،‬لتصبح عملية مخططة مقصودة‪،‬‬
‫ويرسم لنفسه أهدافا ً محددة فهذا يعني‪:‬‬
‫ل‪ :‬أن جهده أنضج ثمرة‪ ،‬فثمرات عمله مقصودة مرادة‪ ،‬في حين تكون‬ ‫أو ً‬
‫ثمرات النموذج الول اتفاقًا‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن هذا يتطلب منه تفكيرا ً هادئا ً يسبق عملية التوجيه والتدريس‪ ،‬ويتولد‬
‫من هذا التفكير نضج أكثر للمضمون والسلوب‪ ،‬بخلف التوجيه المرتجل؛ إذ‬
‫ل يعدو غالبا ً أن يكون ردة فعل لموقف يطرأ في الفصل أو يمر بالستاذ‪ ،‬أو‬
‫ربما كان مصدره خاطر يمر في خياله وهو يتحدث‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أن مثل هذا التوجيه ينطلق من اعتبار ومراعاة أكثر لعوامل عدة لها‬
‫دور مهم في تحديد أسلوب ومضمون ما يطرح‪ ،‬ومن هذه العوامل‪:‬‬
‫أ ‪ -‬المرحلة الدراسية والعمرية للطلب‪ ،‬فما يستهدف المدرس تحقيقه لدى‬
‫طلب المرحلة المتوسطة يختلف عما يستهدف تحقيقه لدى طلب المرحلة‬
‫الثانوية‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التركيبة الجتماعية للطلب‪ ،‬ففرق بين قرية صغيرة نائية وبادية‪ ،‬وبين‬
‫مدينة تعيش الضجيج والصخب والمؤثرات؛ فرق بين تفكير هذا الطالب‬
‫وذاك‪ ،‬بين إدراك ابن القرية والبادية‪ ،‬وبين إدراك ابن المدينة‪.‬‬
‫وقد تكون الشريحة العامة في المدرسة من طبقة فقيرة‪ ،‬وقد تكون من‬
‫طبقة ثرية‪ ،‬وهي أمور لها تأثيرها الكبير على نمط التفكير والسلوك‪ ،‬وعلى‬
‫طبيعة الخطاب الذي ينبغي أن يوجه لهؤلء وأولئك‪.‬‬
‫ج ‪ -‬طبيعة المادة التي يدرسها المدرس فقد يكون ضمن أهداف مدرس مادة‬
‫الحاسب مثل ً أن يؤصل لدى تلمذته الشعور بما تعانيه المة من تخلف مادي‪،‬‬
‫وتقدم أعدائها عليها‪ ،‬وأن المة تحتاج لن يعنى أبناؤها بهذه الجوانب المادية‬
‫ليساهموا في تحقيق نهضة المة‪ ،‬وقل مثل ذلك في سائر المواد التطبيقية‬
‫والتي تسمى علمية)هناك اصطلح شائع وهو تسمية هذه المواد كالعلوم‬
‫والرياضيات ونحوها المواد العلمية‪ ،‬وسواها المواد الدبية‪.(.‬‬
‫وقد يكون ضمن أهداف مدرس التربية الرياضية معالجة المظاهر السلبية‬
‫والسلوكيات الشاذة المتعلقة بممارسة الرياضة‪ ،‬وتأصيل المفهوم الصحيح‬
‫للرياضة وكونها وسيلة ل غاية‪.‬‬
‫وقل مثل ذلك في سائر المواد والتخصصات‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬حين يسلك المدرس هذا المسلك في التوجيه فإنه يستطيع أن يقوّ َ‬
‫م‬
‫جهده ويقيس عمله‪ ،‬فيدرك ما حققه من نتائج‪ ،‬ويتعرف على أسباب النجاح‬
‫والفشل‪ ،‬أما حين يكون عمله مرتجل ً فماذا يقيس؟ وأي عوامل للنجاح‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والفشل يستطيع إدراكها وهو لم يضع شيئا ً في حسبانه؟‬


‫خامسا ً ‪ :‬وحين يسلك هذا المنهج فإنه سيسعى للوصول إلى هدفه من طرق‬
‫عدة وأبواب شتى؛ فتتضافر على مسمع الطالب المؤثرات المتنوعة‪ ،‬لتؤدي‬
‫في النهاية لنتيجة واحدة‪ ،‬بخلف ما لو كان الهدف والوسيلة هو ما يخطر في‬
‫ذهنه؛ فستكون المواقف مبتورة‪.‬‬
‫وبعد هذا كله يتضح لنا أن المدرس حين يحدد لنفسه أهدافا ً واضحة فإنه‬
‫يستطيع أن يحقق نجاحا ً أكبر‪ ،‬ويترك أثرا ً أعظم‪.‬‬
‫ومع دعوتنا للمدرس أن يسلك هذا المنهج والمسلك فهذا ل يعني تحول‬
‫الوسيلة إلى غاية‪ ،‬والغراق في هذا المر وترك التجاوب مع الخواطر‬
‫الواردة‪ ،‬والحوال الطارئة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬العناية ببناء المفاهيم والتصورات‪:‬‬
‫وتبدو العناية بهذا الجانب ملحة ومهمة لما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن الغزو المكثف الذي واجهته المة وّلد نتاجا هائل من المفاهيم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والتصورات الشاذة البعيدة عن المفاهيم الشرعية‪ ،‬إضافة إلى النتاج‬
‫المتراكم للعراف والتقاليد الخاطئة التي سادت في مجتمعات المسلمين‬
‫فولدت العديد من المفاهيم الشاذة التي أصبحت جزءا ً من تفكير الناس‬
‫يصعب إزالتها واقتلعها‪.‬‬
‫ذلك كله وّلد حاجة ملحة لمواجهة هذا النحراف والسعي في تصحيحه‪،‬‬
‫وأضاف ضمن أهداف الصحوة والعمل السلمي العناية بإعادة بناء المفاهيم‬
‫والتصورات الشرعية لدى الناس‪.‬‬

‫)‪(33 /‬‬

‫‪ - 2‬أن المفاهيم والتصورات ليست نبتة مجتثة في العراء كالخطأ والسلوك‬


‫المجرد‪ ،‬بل هي نواة ونبتة تنمو وتورق ما يليق بها‪.‬‬
‫ً‬
‫لذا فالمفاهيم والتصورات الخاطئة ستولد وتنتج ألوانا من المواقف‬
‫والسلوكيات الشاذة والتي ليست إل ثمرة لتلك المفاهيم‪.‬‬
‫ً‬
‫وفي المقابل فالمفاهيم والتصورات الشرعية هي الخرى ستولد ألوانا من‬
‫المواقف والسلوكيات الشرعية‪.‬‬
‫فالدعوة للتصحيح إذا ً ستزيل ألوانا من الخطاء المتراكمة‪ ،‬وتولد ألوانا من‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫المواقف اليجابية‪.‬‬
‫‪ - 3‬قد تكون الدعوة للسلوكيات المحددة فعل ً وتركا ً صعبة النتاج‪ ،‬بطيئة‬
‫الثر‪ ،‬ويشعر المدرس وهو يسعى لذلك أن هناك أفواجا ً من الطلب‪ -‬بل ربما‬
‫كانوا الغلب ‪ -‬يمرون عليه دون أن ينجح في تصحيح ما لديهم من مخالفات؛‬
‫ذلك أن قضية السلوك المحدد تتأثر بالشهوات والهواء‪ ،‬وقد تثقل على‬
‫صاحبها‪ ،‬بخلف المفاهيم والتصورات التي ل تصطدم بشيء من ذلك‪ ،‬ومن‬
‫م فسيتجاوب مع ذلك الغالب العم‪ ،‬ويستطيع المدرس أن يترك أثره على‬ ‫ثَ ّ‬
‫معظم طلبه ظاهرا ً واضحا‪ً.‬‬
‫‪ - 4‬أن المفاهيم الصائبة حين تغرس باقتناع لدى الناشئة يصعب اقتلعها‬
‫بإذن الله‪ ،‬بل هي ربما تتضمن أداة للحكم على ما يسمعونه من غيرهم‪.‬‬
‫وهي ليست دعوة لترك الجانب الخر‪ ،‬ول للتهوين مما يقوم به إخواننا من‬
‫النصح والبيان والتوجيه‪ ،‬لكنه حين يكون وحده كذلك فسوف يعزل أثر‬
‫المدرس في إطار محدد‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫إن المة تواجه اليوم تيارا جارفا‪ ،‬وغزوا مكثفا يستهدف اقتلع كل ما من‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شأنه ربط الناس بالسلم‪ ،‬وما يمت للدين بصلة من قريب أو بعيد في وقت‬
‫تواجه المنابر السلمية جفافا ً ومحاصرة هي الخرى‪ ،‬فتبقى هذه المنابر‬
‫وهذه القنوات أداة مهمة للمصلحين للتصحيح‪ ،‬وبناِء الجيل البناَء الشرعي‪.‬‬
‫ويمكن أن نطرح أمثلة عاجلة على بعض المفاهيم والتصورات والتي نرى أن‬
‫يعنى المدرس ببنائها البناء الشرعي‪ ،‬وتصحيحها لدى تلمذته‪.‬‬
‫أ ‪ -‬شمولية الشريعة السلمية وأنها جاءت لتحكم سائر حياة الناس‪ ،‬وليست‬
‫قاصرة على جانب واحد من الجوانب‪.‬‬
‫ويمكن أن يتم ذلك من خلل بيان كثير من المواقف المخالفة لما هو مستقر‬
‫لدى الناس من أسس الشريعة في جوانب مختلفة من الحياة )الجتماعية‪،‬‬
‫القتصادية‪ ،‬التربوية‪ ، (...‬ومن خلل بيان الموقف الشرعي في كثير من هذه‬
‫المواقف‪ ،‬ومن خلل الحديث عن سعي العلمانيين المكثف إلى حصر السلم‬
‫في زوايا ضيقة‪.‬‬
‫ً‬
‫ب ‪ -‬التثبت والتبين في الخبار والشائعات إذ هي تؤثر كثيرا في حياة‬
‫المسلمين‪ ،‬فيحكمون على الناس والمؤسسات من خلل ما يسمعونه من‬
‫إشاعات ربما كان وراءها أعداؤهم‪ ،‬وكثيرا ً ما يستغل ذلك العداء في تشويه‬
‫صورة رجال الصحوة ومؤسساتها‪.‬‬
‫ويستطيع المدرس تأصيل هذا المفهوم من خلل الحديث عن أهمية التثبت‬
‫في الخبار‪ ،‬ومن خلل عرض نماذج من الشائعات الباطلة التي تروج عند‬
‫الناس فيقبلونها‪ ،‬ومن خلل الحديث عن ضوابط من تقبل روايته وخبره‪...‬‬
‫ج ‪ -‬الولء للسلم وقضيته مهما كان تدين المرء؛ إذ ساد مفهوم خاطئ عند‬
‫الناس هذا العصر‪ ،‬وهو أن المرء حين يكون مقصرا ً أو مذنبا ً فذلك يعني أن‬
‫يعفى من المسؤولية في التفاعل مع القضايا السلمية‪.‬‬
‫ويمكن تأصيل هذا المفهوم بأن يبّين المدرس لتلمذته أن الصل في المرء‬
‫أنه مسلم مهما كان مقصرًا‪ ،‬وأن تقصيره وإن أنزل رتبته إل أنه ل يمكن أن‬
‫يعفيه عن شيء من الواجبات الشرعية كهذا الواجب‪ ،‬ومن خلل عرض‬
‫نماذج من التاريخ السلمي ساهم فيها أمثال هؤلء في نصرة قضية الدين‪،‬‬
‫ومن خلل عرض نماذج من التآمر على المسلمين مما يثير العاطفة تجاه‬
‫قضيتهم ونصرتهم‪ ،‬وبيان تآمر العداء واشتراكهم في ذلك وإن لم يكونوا‬
‫متدينين أو ملتزمين بمذاهبهم‪ ،‬ومن خلل اقتراح برامج ووسائل محددة يمكن‬
‫أن يشارك فيها هؤلء‪...‬‬
‫أحدهم وهو شاب غير متدين كان في مجلس قال فيه أحد الحاضرين كلمة‬
‫فيها سخرية بالدين فانتهره وأنكر عليه‪ ،‬وبعد افتراق مجلسهم سأله أحد‬
‫الحاضرين عن سر هذا الشعور مع ما هو عليه‪ ،‬فأعاد ذلك إلى كلمة سمعها‬
‫من أحد مدرسيه يتحدث فيها عن الدفاع عن الدين ولو كان المرء فاسقًا‪.‬‬
‫هذه نماذج ذكرتها على سبيل المثال ل الحصر عل بها يتضح المقصود مما‬
‫أردناه من ضرورة التركيز على بناء المفاهيم والتصورات الشرعية‪.‬‬
‫ومما ينبغي أن يعلم هنا أن بناء المفاهيم يحتاج لوقت وطول نفس‪ ،‬وتنويع‬
‫في الساليب والوسائل‪ ،‬وأنه ل يمكن أن يتم من خلل الوامر التي توجه‬
‫مباشرة‪.‬‬
‫ً‬
‫ومع ذلك كله يبقى اعتراضنا على النماذج والرؤى السابقة منحصرا على‬
‫مجرد اعتبارها وحدها منطلقا ً للت‬
‫الخاتمة‬
‫وبعد فهذه أخي الكريم كلمات سطرها أخ لك‪ ،‬عايش هذه المهنة سنوات‬
‫معدودة‪ ،‬اجتمعت له خللها هذه الخواطر‪ ،‬التي ل تعدو أن تكون آراًء شخصية‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن أصاب فيها فمن الله‪ ،‬وإن أخطأ فمن نفسه والشيطان والله ورسوله‬
‫بريئان مما يقول‪.‬‬

‫)‪(34 /‬‬

‫أخي الكريم‪ :‬إنها برامج ومقترحات للتوجيه‪ ،‬قد تخالفني في بعضها‪ ،‬وقد‬
‫تصدق في أحوال وبيئة دون أخرى‪ ،‬فما رأيت فيها من الصواب فدونك إياه‪،‬‬
‫وما كان سوى ذلك فإن من حقي عليك المناصحة والنصرة‪ ،‬وأجزم أني لن‬
‫أعدم في كل حال دعوة صالحة منك بظهر الغيب‪ ،‬فدعوة الخ لخيه بظهر‬
‫الغيب مجابة‪.‬‬
‫ومرة أخرى أقول ‪ :‬إنه ل يكفي للقيام بواجب التربية والتوجيه الكلمات‬
‫العاجلة‪ ،‬أو البرامج المرتجلة‪ ،‬فمن حق الشباب علينا وهم فلذات أكبادنا‪ ،‬أن‬
‫نعنى بتربيتهم‪ ،‬فهل خطوات جادة للوصول إلى أسلوب أمثل في التوجيه‬
‫والتربية؟‬
‫وأنا بدوري أرحب بكل خواطر الخوة القراء‪ ،‬واقتراحاتهم لعلها أن تأخذ‬
‫طريقها في الطبعات القادمة‪.‬حفظك الله أخي الستاذ‪ ،‬ووفقك‪ ،‬ورزقك‬
‫التلميذ النجيب والبن البار‪.‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫وجيه‪ ،‬وتبقى سائر الساليب مطلوبة ينبغي أن يسعى إليها جميعًا‪.‬‬
‫لمراجع والمصادر‬
‫‪ -‬أخلق أهل القرآن ‪ -‬الجري ‪ -‬ت محمد عمرو عبداللطيف ‪ -‬دار الكتب‬
‫العلمية ‪ -‬ط ‪1406 1‬هـ‬
‫‪ -‬أساسيات في طرق التدريس العامة ‪ -‬محب الدين أبو صالح ‪ -‬دار الهدى ‪-‬‬
‫ط ‪1412 - 2‬هـ‬
‫‪ -‬إحياء علوم الدين ‪ -‬ابو حامد الغزالي‪ -‬ت سيد إبراهيم ‪ -‬دار الحديث ‪ -‬ط ‪1‬‬
‫‪1412 -‬هـ‬
‫‪ -‬الرشاد النفسي خطواته وكيفيته ‪ -‬د عبدالعزيز النغيميشي ‪ -‬الكتاب‬
‫السنوي الثاني لجستن ‪1410 -‬هـ‬
‫‪ -‬إعداد المعلم من منظور التربية السلمية ‪ -‬د عبدالله بن عبدالحميد محمود‬
‫‪ -‬دار البخاري‪ ،‬مكتبة الغرباء ‪ -‬ط ‪1‬‬
‫‪ -‬تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم ‪ -‬دار الكتب العلمية‬
‫‪ -‬جامع الصول من أحاديث الرسول ‪ -‬ابن الثير ‪ -‬ت عبدالقادرالرناؤوط ‪-‬‬
‫دار الفكر ‪ -‬ط ‪1403 - 2‬هـ‬
‫‪ -‬جامع بيان العلم وفضله ‪ -‬الخطيب البغدادي ‪ -‬دار الكتب العلمية‬
‫‪ -‬الجامع لخلق الراوي وآداب السامع ‪ -‬ت محمود الطحان ‪ -‬مكتبة المعارف‬
‫‪1403 -‬هـ‬
‫‪ -‬الرسول المعلم ومنهجه في التعليم ‪ -‬محمد رأفت سعيد ‪-‬دار الهدى للنشر‬
‫والتوزيع ‪ -‬ط ‪1402 - 1‬هـ‬
‫‪ -‬سلسلة الحاديث الصحيحة ‪ -‬محمد بن ناصر الدين اللباني ‪ -‬المكتب‬
‫السلمي‬
‫‪ -‬سنن أبي داود ‪ -‬ت كمال الحوت ‪ -‬دار الجنان ‪ -‬ط ‪1409 - 1‬هـ‬
‫‪ -‬سنن ابن ماجه ‪ -‬ت محمد فؤاد عبدالباقي ‪ -‬دار الفكر‬
‫‪ -‬سنن الترمذي ‪ -‬ت أحمد شاكر ‪ -‬دار إحياء التراث العربي‬
‫‪ -‬سنن الدارمي ‪ -‬ت مصطفى البغا ‪ -‬دار القلم ‪ -‬ط ‪1412 - 1‬هـ‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -‬سنن النسائي ‪ -‬ت عبدالفتاح أبوغدة ‪ -‬مكتبة المطبوعات السلمية بحلب ‪-‬‬
‫ط ‪1406-1‬هـ‬
‫‪ -‬صحيح الترغيب والترهيب ‪ -‬محمد بن ناصر الدين اللباني‪ -‬مكتبة المعارف ‪-‬‬
‫ط ‪1409 - 2‬هـ‬
‫‪ -‬صحيح سنن أبي داود ‪ -‬محمد ناصر الدين اللباني ‪ -‬مكتب التربية العربي ‪-‬‬
‫ط ‪1409 - 1‬هـ‬
‫‪ -‬صحيح سنن ابن ماجه ‪ -‬محمد ناصر الدين اللباني ‪ -‬مكتب التربية العربي‪-‬‬
‫ط ‪1408 - 2‬هـ‬
‫‪ -‬صحيح سنن الترمذي ‪ -‬محمد ناصر الدين اللباني ‪ -‬مكتب التربية العربي‪-‬‬
‫ط ‪1408 - 1‬هـ‬
‫‪ -‬صحيح سنن النسائي ‪ -‬محمد ناصر الدين اللباني ‪ -‬مكتب التربية العربي‪-‬‬
‫ط ‪1409 - 1‬هـ‬
‫‪ -‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪ -‬مراجعة خليل الميس ‪ -‬مكتبة المعارف ‪ -‬ط ‪1‬‬
‫‪1410 -‬هـ‬
‫‪ -‬فتح الباري شرح صحيح البخاري ‪ -‬ابن حجر العسقلني ‪ -‬دار الكتب العلمية‬
‫‪ -‬ط ‪1410 - 1‬هـ‬
‫‪ -‬الفروسية ‪ -‬ابن قيم الجوزية‬
‫‪ -‬الفكر التربوي عند ابن القيم ‪ -‬حسن الحجاجي ‪ -‬دار حافظ للنشر والتوزيع‬
‫‪ -‬ط ‪1408 - 1‬هـ‬
‫‪ -‬الفوائد ‪ -‬ابن قيم الجوزية‬
‫‪ -‬الكفاية في علم الرواية ‪ -‬الخطيب البغدادي ‪ -‬ت أحمد عمر هاشم ‪ -‬دار‬
‫الكتاب العربي ‪ -‬ط ‪1406 - 2‬هـ‬
‫‪ -‬لقط اللليء المتناثرة في الحاديث المتواترة‬
‫‪ -‬المؤثرات السلبية في تربية الطفل المسلم وطرق علجها ‪ -‬عائشة جلل ‪-‬‬
‫دار المجتمع ‪ -‬ط ‪1412 - 1‬هـ‬
‫‪ -‬المجموع شرح المهذب ‪ -‬النووي ‪ -‬دار الفكر‬
‫‪ -‬المحدث الفاصل بين الراوي والواعي‪-‬الحسن بن عبدالرحمن الرامهرمزي‪-‬‬
‫ت محمد عجاج الخطيب‪-‬ط ‪1404 -3‬هـ‬
‫‪ -‬مختصر الشمائل المحمدية للترمذي ‪ -‬محمد ناصر الدين اللباني ‪ -‬مكتبة‬
‫المعارف ‪ -‬ط ‪1412 - 4‬‬
‫‪ -‬المذهب التربوي عند ابن سحنون ‪ -‬مؤسسة الرسالة ‪ -‬ط ‪1406 - 1‬‬
‫‪ -‬المراهقون ‪ -‬د عبدالعزيز النغيمشي ‪ -‬دار طيبة ‪ -‬ط ‪1411 - 1‬هـ‬
‫‪ -‬مسند المام أحمد ‪ -‬المام أحمد بن حنبل الشيباني ‪ -‬دار صادر‬
‫‪ -‬مسؤولية الب المسلم في تربية الولد في مرحلة الطفولة ‪ -‬عدنان باحارث‬
‫‪ -‬دار المجتمع ‪ -‬ط ‪1410 - 1‬هـ‬
‫‪ -‬مشكلت الشباب والمنهج السلمي في علجها‪-‬وليد شلش نايف سبير ‪-‬‬
‫مؤسسة الرسالة ‪ -‬ط ‪1409 - 1‬هـ‬
‫‪ -‬المعجم المفهرس للفاظ الحديث الشريف ‪ -‬مطبعة بريل بمدينة ليدن ‪-‬‬
‫‪1967‬م‬
‫‪ -‬المعلم المناهج وطرق التدريس ‪ -‬د‪/‬محمد عبدالعليم مرسي‬
‫‪ -‬من أعلم التربية السلمية ‪ -‬مكتب التربية العربي ‪1409 -‬هـ‬
‫‪ -‬منهج التربية السلمية ‪ -‬محمد قطب ‪ -‬دار الشروق ‪ -‬ط ‪1408 - 8‬هـ‬
‫‪ -‬النظرية التربوية في طرق تدريس الحديث النبوي ‪ -‬يوسف صديق ‪ -‬دار‬
‫ابن القيم ‪ -‬ط ‪1412 - 1‬هـ‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(35 /‬‬
‫التوحيد أول ً وأخيرا ً‬
‫محمد العبدة‬
‫إن أساس الصلح السلمي هو التوحيد الخالص لله )تعالى( ‪ ،‬فهو الذي‬
‫يرتقي بالنسان المكان اللئق به ‪ ،‬وهو الذي ينقذه من رق العبودية لغير الله‬
‫‪ ،‬ويحرره من استعباد النسان ‪ ،‬ومن استعباد الخرافة والهواء ‪ ،‬وهو الذي‬
‫ينقذه من المحتالين الدجالين أحبار السوء الذين يشترون بآيات الله ثمنا ً قليل ً‬
‫‪ ،‬وإذا لم يتعبد النسان لله )تعالى( فسوف يقع في الوثنية ‪ -‬ل محالة ‪ -‬بشتى‬
‫مام( ‪ ،‬فل بد‬ ‫ث وه ّ‬ ‫صورها وأشكالها ؛ فإن النسان كما جاء في الحديث )حار ٌ‬
‫أن يمتلئ بشيء ‪ ،‬فإذا لم تكن العبودية لله فهي لغيره مهما تظاهر بأنه حر ‪،‬‬
‫فالعبودية هي عبودية القلب كما يقول ابن تيمية )رحمه الله( ‪ ،‬فمن ركض‬
‫وراء الشهوات فهو السير المملوك ‪ ،‬ولو كان حاكما ً يستعبد الناس ‪.‬‬
‫التوحيد الخالص لله )تعالى( هو الذي يجعل المسلم شخصية تستعصي على‬
‫الطغيان ‪ ،‬ول تخضع للمل أو المال ‪ ،‬كما استعصى الصحابي الجليل بلل بن‬
‫رباح حين قالها لمل قريش ‪ :‬أحد أحد ‪ ،‬والتوحيد هو الذي يحفظ النسان من‬
‫حفظت الفلك بالجاذبية ‪ .‬التوحيد الخالص‬ ‫النفلت بل قيد أو ضابط ‪ ،‬كما ُ‬
‫لله )تعالى( هو الذي أنقذ العرب من وهدة النسيان والخمول ‪ ،‬وجعلهم أمة‬
‫تحمل رسالة وتشعر بالمسؤولية ‪ ،‬وتحول العربي إلى إنسان ل تأسره‬
‫الوهام والتقاليد ‪ ،‬ول القبيلة والعشيرة ‪ ،‬ول القليمية والقومية ‪.‬‬
‫إن من أصعب الشياء على النسان الذي يحب الفساد في الرض أن يسمع‬
‫ذا ل َ َ‬ ‫َ‬
‫ب []ص ‪[5 :‬‬ ‫جا ٌ‬
‫يٌء عُ َ‬
‫ش ْ‬ ‫ن هَ َ‬‫حدا ً إ ّ‬
‫ة إَلها ً َوا ِ‬‫ل الل ِهَ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫كلمة التوحيد ] أ َ‬
‫وكأنهم يقولون ‪ :‬كيف يكون إله واحد ينظر في أمر الجميع ؟ ] َوإَذا ذ ُك َِر الل ّ ُ‬
‫ه‬
‫ش َ‬
‫خَرةِ ‪][ ...‬الزمر ‪ [45 :‬وقد خشي‬ ‫ن ِبال ِ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال َ ِ‬
‫ت قُُلو ُ‬ ‫مأّز ْ‬ ‫حد َهُ ا ْ َ‬
‫وَ ْ‬
‫فرعون من هذا التوحيد الذي جاء به موسى )عليه السلم( فقال ‪ ] :‬إّني‬
‫م ‪][ ...‬غافر ‪ [26 :‬والدين هنا يعني الحكم ‪ ،‬وكأنه يقول ‪:‬‬ ‫ل ِدين َك ُ ْ‬‫ف َأن ي ُب َد ّ َ‬‫خا ُ‬ ‫أَ َ‬
‫إن هذا النبي الذي جاء بالتوحيد خطير جد ّا ً ؛ لنه سيذهب بملككم وسيادتكم‬
‫وطريقتكم في العيش ‪.‬‬
‫فل مانع عند الطغاة أن يكون الدين حركة ثقافية أو حضارية تتكلم عن‬
‫الزخرفة السلمية أو العمارة السلمية ‪ ،‬وتذكر ما أنتجه العلماء القدامى في‬
‫الطب ‪ ،‬والهندسة ‪ ،‬وعلم الفلك ‪ ،‬ول مانع من تشجيع الطرق الصوفية التي‬
‫تربط الفرد بالشيخ والولي والقطاب والوتاد وما هنالك من خيالت‬
‫وخرافات ‪.‬‬
‫ومن المؤسف أن بعض الذين يوسمون أنفسهم بأنهم )مثقفون( ‪ ،‬أو بعض‬
‫من دخلت في قلوبهم شبه )علم الكلم( يأنفون من هذا التوحيد ‪ ،‬فل‬
‫يدرسونه ول ُيدّرسونه ؛ لن هذا عندهم أقرب أن يكون للعوام ! ‪ ،‬أما هم فل‬
‫بد أن يخوضوا في الذات اللهية ‪ ،‬وكيف ولماذا ؟ ‪ ...‬ول بد أن يذكروا أقوال‬
‫قا‬
‫الفلسفة القدامى والمعاصرين ؛ فتراهم يلوكون الكلمات التي ل تقيم ح ّ‬
‫ث على رأس جبل وعر ‪ ،‬ول يكتفون‬ ‫ول تهدم باطل ً ‪ ،‬والتي هي كلحم جمل غَ ّ‬
‫فرون الناس عن هذا التوحيد باللمز والغمز لهله الذين يقومون‬ ‫بهذا ‪ ،‬بل ُين ّ‬
‫به ويعلمونه الناس ‪.‬‬
‫إذا أردنا النهوض فل بد أن نرتفع بمستوى المة كي تفهم وتمارس التوحيد‬
‫الخالص ‪ ،‬وحتى ل تكون قطيعا ً ُينادى من مكان بعيد ‪ ،‬وتكون أمة تقوم‬
‫بواجباتها وتحمل الرسالة ‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫التوحيد أول ً‬
‫تقديم‬
‫المقدمة‬
‫أهمية الكتابة في هذا الموضوع‬
‫التوحيد‪ :‬تعريفه وأقسامه‬
‫فضل التوحيد‬
‫واقع المة اليوم‬
‫العلمنة تعصف بالعالم السلمي‬
‫الخلل في فهم التوحيد وقصره على بعض أجزائه‬
‫ضعف أثر عقيدة التوحيد عند بعض المسلمين‬
‫الغلو في العلماء والتعصب لهم وتقديم أقوالهم‬
‫تقديم‬
‫الحمد لله الواحد الحد‪ ،‬الفرد الصمد‪ ،‬الذي تفرد بأن يعبد ويحمد‪ ،‬وأشهد أن‬
‫الله ‪-‬تعالى‪ -‬هو الله المتوحد‪ ،‬وأن من أّله سواه فقد أشرك وندد‪ ،‬وأن‬
‫محمدا ً عبده ورسوله الذي نهى عن الشرك وشدد‪ ،‬فصلى الله عليه وسلم‬
‫وعلى آله وأصحابه ومن تعبد‪.‬‬
‫وبعد فقد كتب فضيلة الشيخ ناصر بن سليمان بن عمر هذه الرسالة القيمة‬
‫ل"‪ ،‬وأودعها ما يهم ذكره من عظمة التوحيد وعلو شأنه‪،‬‬ ‫بعنوان "التوحيد أو ً‬
‫وشناعة الشرك وخطره على المجتمعات السلمية‪ ،‬وقد أوضح فيها _أثابه‬
‫الله_ أن التوحيد العملي القصدي الرادي الطلبي الذي هو توحيد اللوهية هو‬
‫الذي دعت إليه الرسل‪ ،‬وأنزلت به الكتب‪ ،‬وجردت لجله سيوف القتال‪،‬‬
‫ووقعت فيه الخصومة بين الرسل وأممها‪.‬‬
‫وأنه مع هذه الهمية قد وقع فيه الخلل والنقص‪ ،‬وقد تهاون به الكثير من‬
‫الجماهير مع ادعائهم التوحيد‪ ،‬وأن الكثير تجاهلوا ببعض ما ينقصه‪ ،‬وتساهلوا‬
‫في بعض الشركيات زعما ً منهم جوازها أو عدم منافاتها للتوحيد‪ ،‬وأفاد أن‬
‫هذا خطأ كبير‪ ،‬وأن التوحيد هو أساس الدين وهو الشرط الول لقبول‬
‫القربات والطاعات‪ ،‬وأنه يستلزم تعظيم الخالق بجميع التعظيمات‪ ،‬وتعلق‬
‫القلب به‪ ،‬وصرف جميع العبادات له‪ ،‬سواء كانت قلبية كالمحبة والخوف‬
‫والرجاء والتوكل والتوبة والنابة ونحوها‪،‬أو قولية كالدعاء والستعانة‬
‫والستعاذة والستغاثة والذكر والحلف‪ ،‬أو بدنية كالركوع والسجود والطواف‬
‫والعمل البدني‪ ،‬أو مالية كالذبح والنذر‪ ،‬أو تجمع ذلك كله كالطاعة والتعظيم‬
‫والتعزير والتوقير والولء والبراء ونحو ذلك مما أشار إليه ‪-‬جزاه الله خيرًا‪.-‬‬
‫ول شك أن هذه الرسالة من الهمية بمكان فنهيب كل مسلم أن يقرأها‬
‫ويطبقها على نفسه‪ ،‬ويدعو إلى العمل بها بعد معرفتها رجاء أن تصلح أحوال‬
‫المسلمين‪ ،‬ويعودون إلى توحيد الخالق وتعظيمه وحده‪ ،‬وتصغر المخلوقات‬
‫في نفوسهم‪ ،‬والله أعلم‪ ،‬وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين‬
‫المقدمة‬
‫إن الحمد لله‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور أنفسنا‬
‫ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‪،‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن" )آل‬ ‫مو َ‬
‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن إ ِّل وَأن ْت ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫موت ُ ّ‬
‫قات ِهِ َول ت َ ُ‬
‫حق ّ ت ُ َ‬
‫ه َ‬‫قوا الل ّ َ‬
‫مُنوا ات ّ ُ‬
‫نآ َ‬
‫ذي َ‬ ‫"َيا أي َّها ال ّ ِ‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عمران‪.(102:‬‬
‫جَها‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫من َْها َزوْ َ‬ ‫خل ق َ ِ‬ ‫حد َةٍ وَ َ‬ ‫س َوا ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ن نَ ْ‬
‫ف‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قك ْ‬ ‫خل َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫قوا َرب ّك ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫"َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫ن ب ِهِ َواْل َْر َ‬ ‫ساَءُلو َ‬ ‫ذي ت َ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫ساًء َوات ّ ُ‬ ‫جال ً ك َِثيرا ً وَن ِ َ‬ ‫ما رِ َ‬ ‫من ْهُ َ‬‫ث ِ‬ ‫وَب َ ّ‬
‫م َرِقيبًا" )النساء‪.(1:‬‬ ‫ن عَل َي ْك ُْ‬ ‫كا َ‬‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فْر‬ ‫م وَي َغْ ِ‬ ‫مال َك ُ ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫ح ل َك ُ ْ‬
‫صل ِ ْ‬ ‫ديدا ً ي ُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ه وَُقوُلوا قَوْل ً َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫"َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ظيمًا" )الحزاب‪،70:‬‬ ‫وزا ً عَ ِ‬ ‫قد ْ َفاَز فَ ْ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن ي ُط ِِع الل ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫‪.(71‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن أصدق الحديث كتاب الله‪ ،‬وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وشر المور محدثاتها‪ ،‬وكل محدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضللة‪ ،‬وكل‬
‫ضللة في النار‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫ما‬‫فقد خلق الله الخلق‪ ،‬وأنزل الكتب‪ ،‬وأرسل الرسل لعبادته وتوحيده "وَ َ‬
‫ن" )الذريات‪.(56:‬‬ ‫دو ِ‬ ‫س إ ِّل ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫ن َواْل ِن ْ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫ه إ ِلّ‬ ‫ه ل إ ِل ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫حي إ ِلي ْهِ أن ّ ُ‬ ‫ل إ ِل ُنو ِ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن قب ْل ِك ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سلَنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫وقال _ سبحانه_‪" :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ن" )النبياء‪.(25:‬‬ ‫دو ِ‬ ‫أَنا َفاعْب ُ ُ‬
‫وقد بعث صلى الله عليه وسلم إلى أمة كانت تعيش في جاهلية جهلء‬
‫وضللة عمياء‪ ،‬الشرك أساس دينها‪ ،‬والوثان أربابها وسادتها‪.‬‬
‫فجاءهم بالتوحيد الخالص‪ ،‬ونهاهم عن الشرك بأنواعه وأجناسه‪ ،‬ولقي منهم‬
‫في سبيل ذلك أذى كثيرًا‪ ،‬فصبر وصابر صلى الله عليه وسلم حتى أتم الله‬
‫َ‬ ‫صُر الل ّهِ َوال ْ َ‬
‫ت‬‫ح وََرأي ْ َ‬ ‫فت ْ ُ‬ ‫جاَء ن َ ْ‬ ‫نوره‪ ،‬ودخل الناس في دين الله أفواجا ً "إ َِذا َ‬
‫وابًا"‬ ‫َ‬
‫ن تَ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫فْرهُ إ ِن ّ ُ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫ك َوا ْ‬ ‫مد ِ َرب ّ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ْ‬ ‫واجا ً فَ َ‬ ‫ن الل ّهِ أفْ َ‬ ‫ن ِفي ِدي ِ‬ ‫خُلو َ‬ ‫س ي َد ْ ُ‬ ‫الّنا َ‬
‫)النصر‪.(3:‬‬
‫وكانت هذه السورة من آخر ما نزل من القرآن‪ ،‬مما يدل على الجهد العظيم‬
‫الذي بذله المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى تحقق له مراد ربه‪ ،‬فأخرج‬
‫المة من الظلمات إلى النور‪ ،‬وهداها إلى صراط مستقيم‪.‬‬
‫واليوم تشتد الحاجة لنقاذ المة‪ ،‬وإخراجها من ظلمات الجهل والتخلف‪ ،‬إلى‬
‫نور العلم واليمان‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك اجتهد الدعاة والمصلحون لتحقيق هذا الهدف العظيم‪ ،‬فبذلت‬
‫المهج والرواح‪ ،‬والموال‪ ،‬وتعددت الجماعات‪ ،‬وتنوعت الساليب‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ل‪ :‬لماذا لم تؤت هذه الجهود ‪-‬على ضخامتها‪ -‬ثمارها؟‬‫ويقف المسلم متسائ ً‬
‫حتى دب اليأس وحل القنوط محل العزم والتفاؤل‪ ،‬إل ما رحم ربك‪ ،‬وعند‬
‫التأمل نجد أن لهذا المر سببًا‪ ،‬ففي المنهج خلل‪ ،‬وفي الطريق بلل‪ ،‬وقد‬
‫توصلت إلى أن من أبرز السباب لهذه الحال على مستوى المة والجماعات‬
‫والفراد‪ ،‬القصور والتقصير في تعلم التوحيد وتعليمه وفهمه وتطبيقه‪ ،‬والناس‬
‫في ذلك بين مقل وبين مكثر‪ ،‬وعلى حسب تشخيص الداء يكون الدواء‪ ،‬وما‬
‫يعقلها إل العالمون‪.‬‬
‫من أجل ذلك كله اقترح علي بعض الحبة أن ألقي الضوء على هذا الموضوع‪،‬‬
‫ل" استجابة‬‫مشخصا ً الداء‪ ،‬ومبينا ً الدواء‪ ،‬فجاءت هذه الرسالة "التوحيد أو ً‬
‫لهذه الرغبات الكريمة‪ ،‬وقناعة بأهمية هذا الركن العظيم‪ ،‬لتنهض المة من‬
‫كبوتها‪ ،‬وتصحو من رقدتها‪ ،‬وتستبين سبيل ربها‪ ،‬عندما نراها قد التزمت قول ً‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وفعل ً كتاب الله‪ ،‬واقتفت سنة نبيها صلى الله عليه وسلم وسارت على منهج‬
‫سلف المة الخيار‪ ،‬فجعلت "التوحيد أول" ولن يصلح آخر هذه المة إل بما‬
‫صلح به أولها‪.‬‬
‫أسأل الله أن ينفع بهذه الرسالة كاتبها وقارئها‪ ،‬وأن يجعلها خالصة لوجهه‬
‫الكريم‪ ،‬وذخرا ً لي يوم الدين‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم على نبينا‪ ،‬محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫أهمية الكتابة في هذا الموضوع‬
‫تتضح هذه الهمية من خلل العناصر التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب النصح للمة عامة‪ ،‬وللدعاة وطلب العلم خاصة‪ ،‬فقد ثبت عنه‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه قال‪":‬الدين النصيحة ‪-‬ثلثًا‪ -‬فقال الصحابة‪ :‬لمن يا‬
‫رسول الله؟ فقال‪" :‬لله ولكتابه ولرسوله ولئمة المسلمين وعامتهم " )‪.(1‬‬
‫ت‬
‫ق ُ‬‫خل َ ْ‬
‫ما َ‬‫‪ -2‬إن الله خلق الخلق وأنزل الكتب‪ ،‬وأرسل الرسل بالتوحيد "وَ َ‬
‫ن" )الذريات‪ ،(56:‬أي‪ :‬يوحدون‪.‬‬ ‫دو ِ‬‫س إ ِّل ل ِي َعْب ُ ُ‬‫ن َواْل ِن ْ َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫ج ّ‬
‫‪ -3‬ضعف العناية بالتوحيد‪ ،‬وجعله من الثانويات‪ ،‬والنشغال عنه بغيره مما هو‬
‫فرع عنه‪ ،‬وإذا نظرنا إلى الدروس والمحاضرات والكتابات الخاصة بالتوحيد‬
‫وجدناها ل تتناسب مع أهميته‪.‬‬
‫‪ -4‬الخطأ في فهم التوحيد وتجزئته وقصره على بعض أفراده‪ ،‬وسيتضح هذا‬
‫المر من خلل هذه الرسالة‪.‬‬
‫‪ -5‬ضعف أثر التوحيد عند كثير من المسلمين‪ ،‬مع أنهم درسوا التوحيد‬
‫وتعلموه‪.‬‬
‫‪ -6‬مطالبة أعداء التوحيد بالكف عن الحديث فيه‪ ،‬وتحجيمه‪ ،‬وحذف بعض‬
‫المناهج الخاصة به‪.‬‬
‫‪ -7‬انتشار البدع‪ ،‬وبعض الشركيات القولية والفعلية‪.‬‬
‫‪ -8‬تحول التوحيد إلى علم نظري معرفي فقط‪ ،‬بل هناك من أدخله تحت‬
‫مسمى الفلسفة والجدليات‪.‬‬
‫‪ -9‬جهل كثير من المسلمين لمور هي من أصول العقيدة‪ ،‬كالولء والبراء‪،‬‬
‫وشرك الحياء والموات‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪ -10‬إنه لن يصلح آخر هذه المة إل بما صلح به أولها‪ ،‬وهل صلح إل بكون‬
‫ل(‪.‬‬‫)التوحيد أو ً‬
‫‪ -11‬إن هناك من يرى أن التركيز على التوحيد والبداءة به قد يكون عائقا‬
‫أمام وحدة المة‪ ،‬وتأليف الشعوب السلمية‪ ،‬واجتماع كلمة الدعاة‪.‬‬
‫فيتحاشى مناقشة أمور العقيدة خوفا ً من الفرقة ‪-‬كما يتوهم‪ -‬ويجمع الناس‬
‫على عمومات ل تثبت عند الملمات‪ ،‬وهو يحسب أنه يحسن صنعًا‪ ،‬وقد أساء‬
‫فهما ً فأساء فع ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ل" مع التنبيه إلى ما يلي‪:‬‬ ‫ومما سبق يتضح لنا أهمية دراسة أن "التوحيد أو ً‬
‫ا‪ -‬أن هذه الرسالة تدور على عنوانها‪ ،‬فهي من أولها إلى آخرها تؤصل وتؤكد‬
‫قضية أن )التوحيد أو ً‬
‫ل(‪.‬‬
‫ب‪ -‬أنني لن أدخل في مناقشة قضايا العقيدة وتفصيلت أقسام التوحيد وما‬
‫يتعلق به؛ لن هذا ليس مرادا ً هنا‪ ،‬وما سيرد من ذلك فمما تقتضيه طبيعة‬
‫هذه الرسالة وموضوعها‪.‬‬
‫ً‬
‫ج‪ -‬آثرت جانب الختصار‪ ،‬وتحاشيت الستطراد والتطويل؛ حرصا على ترابط‬
‫الموضوع‪ ،‬وتسهيل ً لفهمه واستيعابه‪ ،‬وليكون أدعى لنتشاره‪ ،‬وأيسر لقراءته‪.‬‬
‫د‪ -‬آمل أل يتعجل متعجل فيفهم غير ما أردت‪ ،‬أو يحمل العبارة غير ما‬
‫تحتمل‪ ،‬وكلمي يفسر بعضه بعضًا‪ ،‬وأخذ بعض الجمل والعبارات بمعزل عما‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قبلها أو بعدها قد يوهم بخلف المراد‪ ،‬وهذا الفعل ليس من أخلق المؤمنين‪،‬‬
‫والله المستعان‪.‬‬
‫التوحيد‪ :‬تعريفه وأقسامه‬
‫ل‪ :‬تعريف التوحيد‬ ‫أو ً‬
‫‪ -1‬التوحيد لغة‪ :‬الفراد‪.‬‬
‫ول يكون الشيء مفردا ً إل بأمرين‪:‬‬
‫‪ -1‬الثبات التام‪.‬‬
‫‪ -2‬النفي العام‪.‬‬
‫فلو قلت‪ :‬زيد قائم لم تفرده؛ لحتمال أن يكون غيره قائما ً أيضا‪ً.‬‬
‫لكن إن قلت‪ :‬ما قائم إل زيد‪ ،‬فقد أفردته بإثباتك القيام التام له‪ ،‬ونفيك العام‬
‫للقيام عن غيره‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -2‬التوحيد شرعا‪ :‬إفراد الله بحقوقه‪.‬‬
‫ولله ثلثة حقوق‪:‬‬
‫‪ -1‬حقوق ملك‪.‬‬
‫‪ -2‬حقوق عبادة‪.‬‬
‫‪ -3‬حقوق أسماء وصفات‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أقسام التوحيد‬
‫ذكر العلماء أن دللة الستقراء للنصوص تفيد أن التوحيد ثلثة أقسام‪:‬‬
‫‪ -1‬توحيد الربوبية‪.‬‬
‫‪ -2‬توحيد اللوهية‪.‬‬
‫‪ -3‬توحيد السماء والصفات‪.‬‬
‫ومن العلماء ‪-‬كشيخ السلم وتلميذه ابن القيم‪ -‬من جعل التوحيد قسمين‪:‬‬
‫‪ -1‬توحيد في المعرفة والثبات‪ :‬وهو توحيد الربوبية والسماء والصفات‪.‬‬
‫‪ -2‬توحيد في الطلب والقصد‪ :‬وهو توحيد اللوهية‪.‬‬
‫توضيح هذه القسام‬
‫‪ -1‬توحيد الربوبية‪:‬‬
‫وهو إفراد الله بالخلق‪ ،‬والملك‪ ،‬والتدبير‪ ،‬وهو ‪-‬أيضا‪ -‬توحيد الله بأفعاله‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬أخرجه مسلم )‪ (1/74‬رقم )‪.(55‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ه" )فاطر‪ :‬من‬ ‫ق غَي ُْر الل ّ ِ‬ ‫خال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫‪ -‬ودليل إفراده بالخلق قوله ‪-‬تعالى‪" :-‬هَ ْ‬
‫َ‬
‫ق" )النحل‪ :‬من الية ‪.(17‬‬ ‫خل ُ ُ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫م ْ‬‫خل ُقُ ك َ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫الية ‪ ،(3‬وقوله‪" :‬أفَ َ‬
‫م ْ‬
‫مُلو َ‬
‫ن"‬ ‫ما ت َعْ َ‬‫م وَ َ‬‫قك ُ ْ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ه َ‬‫ومن مخلوقاته أفعال عباده‪ ،‬كما قال ‪-‬تعالى‪َ" :-‬والل ّ ُ‬
‫)الصافات‪.(96:‬‬
‫ك" )الملك‪ :‬من‬ ‫ْ‬
‫مل ُ‬ ‫ْ‬
‫ذي ب ِي َدِهِ ال ُ‬ ‫ّ‬
‫ك ال ِ‬ ‫ودليل إفراده بالملك قوله ‪-‬تعالى‪" :-‬ت ََباَر َ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫جاُر عَلي ْ ِ‬ ‫جيُر َول ي ُ َ‬ ‫يٍء وَهُوَ ي ُ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫كو ُ‬ ‫مل َ ُ‬ ‫ن ب ِي َدِهِ َ‬‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫الية ‪ ،(1‬وقوله‪" :‬قُ ْ‬
‫")المؤمنون‪ :‬من الية ‪.(88‬‬
‫مُر" )لعراف‪ :‬من الية ‪،(54‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خلقُ َوال ْ‬ ‫ه ال َ‬ ‫‪ -‬ودليل التدبير قوله ‪-‬تعالى‪" :-‬أل ل ُ‬
‫والمراد بالمر هنا‪ :‬التدبير‪.‬‬
‫أقسام ربوبية الله لخلقه‪:‬‬
‫ربوبية الله لخلقه على نوعين‪:‬‬
‫الول‪ :‬ربوبية عامة‪ ،‬شاملة لجميع المخلوقات‪ ،‬وهي‪ :‬أن الله هو المنفرد‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بخلقها‪ ،‬ورزقها‪ ،‬وتدبيرها‪.‬‬


‫الثاني‪ :‬ربوبية خاصة‪ ،‬وهي خاصة بأولياء الله وأصفيائه‪ ،‬وهي تربيته لهم‬
‫بهدايتهم للدين واليمان‪.‬‬
‫قال الشيخ السعدي في تفسيره )‪:(1/14‬‬
‫وتربيته ‪-‬تعالى‪ -‬لخلقه نوعان‪ :‬عامة وخاصة‪.‬‬
‫فالعامة‪ :‬هي خلقه للمخلوقات‪ ،‬ورزقهم وهدايتهم لما فيه مصالحهم التي فيها‬
‫بقاؤهم في الدنيا‪.‬‬
‫والخاصة‪ :‬تربية لوليائه‪ ،‬فيربيهم باليمان ويوفقهم له ويكملهم ويدفع عنهم‬
‫الصوارف والعوائق الحائلة بينهم وبينه‪.‬‬
‫وحقيقتها‪ :‬تربية التوفيق لكل خير‪ ،‬والعصمة من كل شر‪.‬‬
‫ولعل هذا المعنى هو السر في كون أكثر أدعية النبياء بلفظ )الرب( فإن‬
‫مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبية خاصة اهـ‪.‬‬
‫عدم كفايته العبد في حصول السلم‪:‬‬
‫هذا التوحيد ل يكفي العبد في حصوله السلم‪ ،‬بل لبد أن يأتي مع ذلك‬
‫بلزمه من توحيد اللوهية؛ لن الله ‪-‬تعالى‪ -‬حكى عن المشركين أنهم مقرون‬
‫َ‬
‫ه"‬ ‫ن الل ّ ُ‬‫ّ‬ ‫قول ُ‬ ‫م ل َي َ ُ‬‫قهُ ْ‬‫خل َ َ‬
‫ن َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫م َ‬ ‫سأل ْت َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫بهذا التوحيد وحده‪ ،‬قال‪-‬تعالى‪" :-‬وَل َئ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حَيا‬ ‫ماًء فَأ ْ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن ن َّز َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫سأل ْت َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫)الزخرف‪ :‬من الية ‪ ،(87‬وقال‪" :‬وَل َئ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ه" )العنكبوت‪ :‬من الية ‪.(63‬‬ ‫ن الل ّ ُ‬‫قول ُ ّ‬
‫موْت َِها ل َي َ ُ‬
‫ن ب َعْد ِ َ‬‫م ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫ب ِهِ اْلْر َ‬
‫فتبين أن الكفار يعرفون الله ويعرفون ربوبيته‪ ،‬وملكه وقهره‪ ،‬ولم تدخلهم‬
‫تلك المعرفة في السلم‪.‬‬
‫‪ -2‬توحيد اللوهية‬
‫وهو إفراد الله بالعبادة‪ ،‬ومبناه على إخلص التأله لله ‪-‬تعالى‪ -‬في العبادات‬
‫كلها ظاهرها وباطنها‪ ،‬ل يجعل فيها شيء لغيره‪ ،‬ل لملك مقرب‪ ،‬ول لنبي‬
‫مرسل‪ ،‬فضل ً عن غيرهما‪ ،‬وهذا التوحيد هو الذي تضمنه قوله ‪-‬تعالى‪" :-‬إ ِّياكَ‬
‫ما َرب ّ َ‬
‫ك‬ ‫ل عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫ن" )الفاتحة‪ ، (5:‬وقوله‪َ" :‬فاعْب ُد ْه ُ وَت َوَك ّ ْ‬ ‫ست َِعي ُ‬‫ك نَ ْ‬ ‫ن َعْب ُد ُ وَإ ِّيا َ‬
‫ْ‬
‫حّتى ي َأت ِي َ َ‬
‫ك‬ ‫ك َ‬ ‫ن" )هود‪ :‬من الية ‪ ،(123‬وقوله‪َ" :‬واعْب ُد ْ َرب ّ َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬‫ل عَ ّ‬ ‫ب َِغافِ ٍ‬
‫ن" )الحجر‪ ،(99:‬وهو ‪-‬أيضا‪ -‬توحيد الله بأفعال العباد‪ ،‬وهذا التوحيد هو‬ ‫ً‬ ‫قي ُ‬‫ال ْي َ ِ‬
‫أول الدين وآخره‪ ،‬وباطنه وظاهره‪ ،‬وهو أول دعوة الرسل وآخرها‪ ،‬وهو معنى‬
‫قول ل إله إل الله‪ ،‬ولجل هذا التوحيد خلقت الخليقة وأرسلت الرسل‪،‬‬
‫وأنزلت الكتب‪ ،‬وبه افترق الناس إلى مؤمنين وكفار‪ ،‬وسعداء أهل الجنة‪،‬‬
‫وأشقياء أهل النار )‪.(1‬‬
‫ول بد مع توحيد اللوهية من التيان بلزمه من توحيد الربوبية وتوحيد السماء‬
‫والصفات‪.‬‬
‫‪ -3‬توحيد السماء والصفات‬
‫هو إفراد الله بما سمى به نفسه ووصف به نفسه في كتابه أو على لسان‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم ‪،‬وذلك بإثبات ما أثبته من غير تحريف ول‬
‫تعطيل‪ ،‬ومن غير تكييف ول تمثيل )‪.(2‬‬
‫أسس هذا التوحيد‪:‬‬
‫يقوم توحيد السماء والصفات على ثلثة أسس من حاد عنها لم يكن موحدا ً‬
‫لربه في السماء والصفات‪:‬‬
‫الساس الول‪ :‬تنزيه الله عن مشابهته الخلق‪ ،‬وعن أي نقص‪.‬‬
‫الساس الثاني‪ :‬اليمان بالسماء والصفات الثابتة في الكتاب والسنة‪ ،‬دون‬
‫تجاوزها بالنقص منها أو الزيادة عليها أو تحريفها أو تعطيلها‪.‬‬
‫الساس الثالث‪ :‬قطع الطمع عن إدراك كيفية هذه الصفات )‪.(3‬‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أدلة هذا التوحيد‪:‬‬


‫عوه ُ ب َِها"‬ ‫َ‬
‫سَنى فاد ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ح ْ‬
‫ماُء ال ُ‬
‫س َ‬‫أما السماء فقد دل عليها قوله ‪-‬تعالى‪" :-‬وَل ِلهِ ال ْ‬
‫ماُء ال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫سَنى" )الحشر‪ :‬من الية‬ ‫ح ْ‬ ‫ه اْل ْ‬
‫س َ‬ ‫)العراف‪ :‬من الية ‪ ،(180‬وقوله‪" :‬ل َ ُ‬
‫‪.(24‬‬
‫وأما الصفات فقد دل عليها إقراره صلى الله عليه وسلم لقول الصحابي في‬
‫الحديث الذي أخرجه البخاري‪" :‬إنها صفة الرحمن" )‪(4‬‬
‫وقد أنكر ابن حزم صحته‪ ،‬وليس قوله معتبرًا‪ ،‬فالسناد صحيح‪ ،‬وقد أخرجه‬
‫البخاري‪.‬‬
‫عدم كفايته في حصول السلم‪.‬‬
‫وهذا التوحيد ل يكفي في حصول السلم‪ ،‬بل ل بد مع ذلك من التيان بلزمه‬
‫من توحيد الربوبية واللوهية‪.‬‬
‫ولم يكن الكفار ينكرون هذا النوع‪ ،‬إل أن بعضهم قد ينكر بعضه‪ ،‬إما جهل‪ً،‬‬
‫وإما عنادًا‪ ،‬كما بينه ابن كثير والشيخ سليمان بن عبد الله في )تيسير العزيز‬
‫الحميد(‪.‬‬
‫فضل التوحيد‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬تيسير العزيز الحميد )ص ‪ (36‬باختصار‪.‬‬
‫)‪ - (2‬فتاوى الشيخ العثيمين )‪.(113-2/112‬‬
‫)‪ - (3‬انظر‪ :‬منهج ودراسات ليات السماء والصفات للشنقيطي )ص ‪.(3،5‬‬
‫)‪ - (4‬صحيح البخاري )‪.(8/165‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬من شهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأن محمدا ً عبده‬
‫ورسوله‪ ،‬وأن عيسى عبد الله ورسوله‪ ،‬وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه‪،‬‬
‫والجنة حق‪ ،‬والنار حق‪ ،‬أدخله الله الجنة على ما كان من العمل " )‪ (1‬متفق‬
‫عليه‪.‬‬
‫وفي حديث عتبان ‪-‬المتفق عليه‪ -‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬فإن الله‬
‫حرم على النار من قال ل إله إل الله‪ ،‬يبتغي بذلك وجه الله " )‪.(2‬‬
‫وفي حديث موسى ‪-‬عليه السلم‪ -‬مع ربه‪ :‬قال‪" :‬يا موسى لو أن السماوات‬
‫السبع وعامرهن غيري والرضين السبع في كفة‪ ،‬ول إله إل الله في كفة‪،‬‬
‫مالت بهن ل إله إل الله " رواه ابن حبان والحاكم وصححه )‪.(3‬‬
‫ومما يدل على فضل التوحيد خطورة وعظم الشراك بالله ‪-‬تعالى‪ -‬قال‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫شاُء وَ َ‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬‫ك لِ َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬‫ما ُدو َ‬‫فُر َ‬ ‫شَر َ‬
‫ك ب ِهِ وَي َغْ ِ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫فُر أ ْ‬ ‫ه ل ي َغْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫‪-‬سبحانه‪" :-‬إ ِ ّ‬
‫ظيما" )النساء‪ ،(48:‬والتوحيد هو اليمان‪ ،‬فمن‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫قدِ افْت ََرى إ ِْثما عَ ِ‬ ‫ك ِبالل ّهِ فَ َ‬ ‫شرِ ْ‬ ‫يُ ْ‬
‫م‬
‫مان َهُ ْ‬
‫سوا ِإي َ‬ ‫ْ‬
‫م ي َلب ِ ُ‬ ‫َ‬
‫مُنوا وَل ْ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫وحد الله فهو في أمان يوم الفزع الكبر "ال ِ‬
‫ن" )النعام‪.(82:‬‬ ‫دو َ‬‫مهْت َ ُ‬‫م ُ‬ ‫ن وَهُ ْ‬ ‫م ُ‬
‫َ‬
‫م اْل ْ‬ ‫ب ِظ ُل ْم ٍ ُأول َئ ِ َ‬
‫ك ل َهُ ُ‬
‫وكلمة التوحيد‪،‬هي‪ :‬ل إله إل الله‪ ،‬ول تنفع صاحبها إل إذا تحققت شروطها‪،‬‬
‫وهذه الشروط هي‪:‬‬
‫‪ -1‬العلم بمعناها نفيا ً وإثباتا‪ً.‬‬
‫‪ -2‬اليقين‪ ،‬وهو كمال العلم بها المنافي للشك والريب‪.‬‬
‫‪ -3‬الخلص المنافي للشرك‪.‬‬
‫‪ -4‬الصدق المانع من النفاق‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -5‬المحبة لهذه الكلمة‪ ،‬ولما دلت عليه والسرور بذلك‪.‬‬


‫‪ -6‬النقياد بأداء حقوقها‪ ،‬وهي العمال الواجبة‪ ،‬إخلصا ً لله‪ ،‬وطلبا لمرضاته‪.‬‬
‫‪ -7‬القبول المنافي للرد )‪.(4‬‬
‫وأختم بيان فضل التوحيد بهذين الحديثين‪:‬‬
‫أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن قتادة قال‪ :‬حدثنا أنس بن مالك أن‬
‫النبي _صلى الله عليه وسلم_‪ ،‬ومعاذ رديفه على الرحل‪ ،‬قال‪" :‬يا معاذ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫لبيك يا رسول الله وسعديك )قالها ثلثًا(‪ ،‬قال‪ :‬ما من أحد يشهد أن ل إله إل‬
‫الله‪ ،‬وأن محمدا ً رسول الله صدقا من قلبه إل حرمه الله ‪-‬تعالى‪ -‬على النار‪،‬‬
‫قال‪ :‬يا رسول الله أفل أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال‪ :‬إذن يتكلوا‪ ،‬فأخبر‬
‫بها معاذ عند موته تأثما " )‪.(5‬‬
‫وللترمذي عن أنس‪ ،‬قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬‬
‫يا ابن آدم لو أتيتني بقراب )‪ (6‬الرض خطايا ثم لقيتني ل تشرك بي شيئا ً‬
‫لتيتك بقرابها مغفرة" )‪.(7‬‬
‫التوحيد دعوة الرسل‬
‫ك ن َعْب ُد ُ وَإ ِّياكَ‬ ‫قال ابن القيم ‪-‬رحمه الله‪ ":-‬وجميع الرسل إنما دعوا إلى "إ ِّيا َ‬
‫ن" )الفاتحة‪ ،(5:‬فإنهم كلهم دعوا إلى توحيد الله وإخلص عبادته‪ ،‬من‬ ‫ست َِعي ُ‬‫نَ ْ‬
‫ه"‬ ‫ر‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫غ‬ ‫ه‬
‫ْ ِ ْ ِ ٍ ُْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ما‬
‫َ َ‬‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫دوا‬ ‫ب‬
‫ُْ ُ‬ ‫ع‬ ‫لقومه‪":‬ا‬ ‫نوح‬ ‫فقال‬ ‫آخرهم‪،‬‬ ‫إلى‬ ‫أولهم‬
‫)العراف‪ :‬من الية ‪ ،(59‬وكذلك قال هود وصالح وشعيب وإبراهيم‪ -‬عليهم‬
‫َ‬ ‫قد بعث ْنا في ك ُ ّ ُ‬
‫جت َن ُِبوا‬ ‫ه َوا ْ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫ن اعْب ُ ُ‬ ‫سول ً أ ِ‬ ‫مةٍ َر ُ‬ ‫لأ ّ‬ ‫السلم‪ ،-‬وقال ‪-‬تعالى‪" :-‬وَل َ َ ْ َ َ َ ِ‬
‫ل إ ِّل‬ ‫َ‬
‫سو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫سل َْنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ت" )النحل‪ :‬من الية ‪ ،(36‬وقال‪" :‬وَ َ‬ ‫غو َ‬ ‫طا ُ‬‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن" )النبياء‪" .(25:‬‬ ‫ه إ ِل أَنا َفاعْب ُ ُ‬
‫دو ِ‬ ‫ه ل إ ِل َ‬
‫حي إ ِلي ْهِ أن ّ ُ‬ ‫ُنو ِ‬
‫وقد ذكر ابن القيم أن كل الدين يرجع إلى الفاتحة‪ ،‬إذ هي مشتملة على‬
‫التوحيد بجميع أنواعه‪.‬‬
‫وهذا سر من أسرار تكرارها في كل صلة‪ ،‬وقراءتها في كل ركعة‪ ،‬وأن‬
‫الصلة ل تتم بدونها "ل صلة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" )‪ (8‬وقد بدأ رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم دعوته بالتوحيد فكان يدعو قريشا ً ويقول لهم‪" :‬‬
‫قولوا‪ :‬ل إله إل الله تفلحوا" )‪.(9‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬أخرجه البخاري )‪ .(4/139‬ومسلم رقم )‪ (28‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫)‪ - (2‬أخرجه البخاري )‪ .(1/110‬ومسلم )‪.(1/455‬‬
‫)‪ - (3‬انظر الحسان في تقريب صحيح ابن حبان )‪ (14/102‬رقم )‪(6218‬‬
‫والمستدرك )‪ (1/528‬وأخرجه أيضا النسائي في اليوم والليلة رقم )‪ (834‬و‬
‫)‪ .(1141‬والطبراني في الدعاء رقم )‪ (1480‬وهذا الحديث وإن صححه‬
‫الحاكم ووافقه الذهبي‪ ،‬وكذلك صححه الحافظ ابن حجر في الفتح )‪(11/211‬‬
‫إل أنه من رواية دراج أبي السمح عن أبي الهيثم وفيها ضعف‪ .‬قال الحافظ‬
‫ابن حجر نفسه‪ :‬في حديثه عن أبي الهيثم ضعف‪ .‬انظر التقريب رقم )‬
‫‪ (1824‬والتهذيب )‪ .(209 ،3/208‬والحديث ضعفه الرناؤوط في تخريج‬
‫شرح السنة )‪ (5/55‬وفي تحقيقه للحسان رقم )‪ .(6218‬والله أعلم‪.‬‬
‫)‪ - (4‬انظر فتح المجيد ص ‪ 89‬وكتاب‪ :‬ل الله إل الله للشيخ صالح الفوزان‪.‬‬
‫)‪ - (5‬صحيح البخاري )‪ .(1/41‬وأخرجه مسلم رقم )‪.(32‬‬
‫)‪ - (6‬بقراب‪ :‬أي بما يقارب ملؤها‪.‬‬
‫)‪ - (7‬سنن الترمذي رقم )‪ (3540‬وأخرجه أيضا الضياء في المختارة‪ .‬وحسنه‬
‫اللباني كما في صحيح الجامع رقم )‪.(4338‬‬
‫)‪ - (8‬أخرجه البخاري )‪ .(184-1‬ومسلم رقم )‪.(394‬‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ - (9‬أخرجه أحمد )‪ .(376 ،371 -5) ،(341 ،63-4) ،(492 -3‬وأخرجه‬
‫أيضا الطبراني قال الهيثمي في المجمع )‪ (25 ،24-6‬عن إسناد الطبراني‪:‬‬
‫رجاله ثقات وقال عن أحد أسانيد أحمد‪ :‬رجاله رجال الصحيح‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وعندما هاجر إلى المدينة وقامت دولة السلم استمر يدعو إلى التوحيد حتى‬
‫لقي ربه صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وسار خلفاؤه على هذا المنهج‪ ،‬بل إن من‬
‫أول ما قام به أبو بكر هو قتال المرتدين‪ ،‬ولم يؤجل ذلك بدعوى استقرار‬
‫الوضاع‪ ،‬ويتساهل في ذلك بحجة أنهم يشهدون أنه ل إله إل الله وأن محمدا ً‬
‫رسول الله ماداموا لم يحققوا مدلولهما ومقتضاهما‪ ،‬وقال‪ ":‬والله لقاتلن‬
‫من فرق بين الصلة والزكاة " )‪.(1‬‬
‫ومع قيام الخلفة فلم يتوقف قتال المشركين ولم تخب الدعوة إلى توحيد‬
‫الله‪ ،‬حتى ضعفت الخلفة وتفرقت المة وأصبحت شيعا ً وأحزابًا‪ ،‬وفشا‬
‫الرجاء والعتزال‪.‬‬
‫واقع المة اليوم‬
‫بعد أن عرفنا معنى التوحيد وفضله‪ ،‬وأنه دعوة الرسل نقف وقفة مناسبة مع‬
‫واقع المة ليتضح لنا مدى التزامها بالتوحيد أو بعدها عنه‪ ،‬حيث إن بعض‬
‫طلب العلم قد ل يتصور خطورة المر‪ ،‬نظرا ً لنه يعيش بين أناس هم على‬
‫عقيدة التوحيد‪ ،‬وتقل بينهم البدع والشركيات‪ ،‬فيتوهم أن أغلب المسلمين‬
‫هم على هذه الحالة‪ ،‬بينما الحقيقة بخلف ذلك‪ ،‬وإليك بيان ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬الرافضة ودورهم الخطير في العالم السلمي‬
‫لست في حاجة إلى بيان منافاة عقيدة الرافضة للتوحيد‪ ،‬وأنهم يضيقون ذرعا ً‬
‫بدعوة التوحيد‪ ،‬فهذا المر أشهر من أن يوقف عنده‪ ،‬وإن تجاهل هذه‬
‫الحقيقة من لم يترب على هذا المنهج وانجرف في تيار المناهج الخرى‪.‬‬
‫وإنما أردت أن أبين أن الرافضة يقومون الن بدور خطير في أنحاء‬
‫المعمورة‪ ،‬وبخاصة بعد قيام دولتهم‪.‬‬
‫وقد بلغ أثرهم مشارق الرض ومغاربها‪ ،‬وهذه حقيقة وليست مبالغة‪،‬‬
‫فالمجاهدون في أفغانستان يعانون من تسلط الرافضة على انتصارهم وهم‬
‫جادون في الحيلولة دون قيام دولتهم‪ ،‬وفي الجمهوريات السلمية المر أشد‬
‫وأنكى‪ ،‬وفي السودان استغلوا الظروف فولجوا من خللها‪.‬‬
‫وفي إفريقيا يعاني منهم أهل السنة المرين‪ ،‬وفي أوروبا وأمريكا أقاموا‬
‫مؤسساتهم ومراكزهم ونشروا كتبهم وصحفهم‪ ،‬بل لقيت وفدا ً من الدعاة‬
‫في أستراليا فإذا هم يشكون من تسلطهم وطغيانهم‪ ،‬وقل أن نجد بلدا ً إل‬
‫ولهم فيه موطئ قدم‪ ،‬فإذا ثبتت لنا هذه الحقيقة‪ ،‬علمنا ما يكاد لدعوة‬
‫التوحيد ولعقيدة السلف على يد هؤلء‪ ،‬وأدركنا خطورة المر ووجوب‬
‫المبادرة إلى علجه‪ ،‬ولن يكون ذلك إل إذا كان )التوحيد أو ً‬
‫ل(‪.‬‬
‫‪ -2‬الخرافيون وتأثيرهم الذي ل ينكر‪:‬‬
‫معارك الخرافيين مع التوحيد ليست جديدة‪ ،‬وسعيهم الحثيث لتأصيل البدع‬
‫ونشر الشرك في بلد المسلمين يعرفها القاصي والداني‪ ،‬وخدمتهم‬
‫للستعمار قديما ً وحديثا ً ليست بحاجة إلى شرح أو بيان‪ ،‬والذي يتأمل خارطة‬
‫العالم السلمي‪ ،‬ويضع لونا ً مميزا ً للمناطق التي يكثر فيها هؤلء يذهل من‬
‫النتيجة التي سيراها‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد نشطوا في الونة الخيرة‪ ،‬وأقاموا عددا من المؤسسات التي تدعوا إلى‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫منهجهم وتنفق على مشاريعهم بسخاء‪.‬‬


‫ويكفي أن نعلم أن مؤسسة واحدة من مؤسساتهم قد خصصت ما يعادل )‬
‫‪ (500‬مليون ريال لنفاق استثمارها وريعها على ما يدعم منهجهم وعقيدتهم‪،‬‬
‫وفي إحدى البلد السلمية بلغ عدد المسجلين في الجمعيات الخرافية أكثر‬
‫من خمسة مليين عضوًا‪.‬‬
‫‪ -3‬الخوارج من أول الفرق التي نبتت في هذه المة‪ ،‬ولقد عانى منهم الجيل‬
‫الول معاناة شديدة‪ ،‬وأعلنوا وقوفهم أمام السلف وحربهم لمنهج أهل السنة‬
‫والجماعة‪.‬‬
‫فشقوا عصا الطاعة‪ ،‬وابتدعوا في دين الله ما ليس منه‪ ،‬ووقف لهم السلف‬
‫وقفة حازمة‪ ،‬ودخلوا معهم في معارك كثيرة‪ ،‬حتى ضعفت شوكتهم وقل‬
‫أثرهم‪.‬‬
‫ولكنهم كانوا يعودون بين فينة وأخرى‪ ،‬وفي هذا الزمن عادت سوق الخوارج‬
‫رائجة‪ ،‬وبخاصة مع وجود دولة تدعمهم وتدافع عن مذهبهم وتربي الناس على‬
‫منهجهم‪.‬‬
‫‪ -4‬الشركيات والبدع المنتشرة في العالم السلمي‪ ،‬ومن مظاهرها‪:‬‬
‫دعاء الموات والستغاثة بهم‪ ،‬والطواف حول القبور‪ ،‬والذبح للولياء‪ ،‬ولو‬
‫ألقينا نظرة سريعة على واقع البلد السلمية لوجدنا في كل بلد قبرا ً أو أكثر‬
‫يعبد صاحبه من دون الله‪ ،‬فمثل ً في بعضها يوجد قبر علي بن أبي طالب‪،‬‬
‫وكذلك قبر الحسين‪ ،‬وفي أخرى رأس الحسين‪ ،‬وفي ثالثة قبر زينب‬
‫والبدوي‪ ،‬وكذلك قبر أبي أيوب في بلد أخرى‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬هذا جزء من مقالة أبي بكر‪ -‬رضي الله عنه‪ -‬لعمر حين عارض قتال‬
‫مانعي الزكاة لنهم يشهدون أن ل إله إل الله‪ ،‬فأقام أبو بكر‪ -‬رضي الله عنه‪-‬‬
‫الدلة على جواز هذا القتال بدليل واضح وبرهان ساطع‪ ،‬فلم يسع عمر بعد‬
‫ذلك إل أن قال مذعنا‪" :‬فوالله ما هو إل أن قد شرح الله صدر أبي بكر‪-‬‬
‫رضي الله عنه‪ -‬للقتال فعرفت أنه الحق!!" والحديث أخرجه البخاري )‪-2‬‬
‫‪ .(110‬ومسلم رقم )‪.(20‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وقبور الصحابة المنتشرة في كثير من البلد السلمية‪ ،‬وقبور بعض الصالحين‬


‫والولياء‪ ،‬وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد‪ ،‬وذلك في‬
‫عدة أحاديث صحيحة‪ ،‬منها‪ :‬ما رواه جندب بن عبد الله‪ ،‬قال‪ :‬سمعت رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس‪ ،‬وهو يقول‪ " :‬أل وإن من‬
‫كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجدا ً ‪ ،‬أل فل تتخذوا القبور مساجدا ً‬
‫فإني أنهاكم عن هذا" )‪ (1‬رواه مسلم‪.‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم في مرض موته‪ " :‬لعنة الله على اليهود‬
‫والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجدًا‪-‬يحذر ما صنعوا‪ (2) " -‬متفق عليه‪.‬‬
‫ويكفي أن نعلم أنه في بلد من البلد السلمية يزور قبر رجل فيها في كل‬
‫سنة أكثر من مليوني نسمة‪ ،‬ويرتكب عند هذا القبر من الشركيات والبدع ما‬
‫ل يعلمه إل الله‪ ،‬فكم عدد الذين يزورون القبور من أهل البدع في أنحاء‬
‫العالم السلمي؟‬
‫‪ -5‬وجود النصارى في كثير من الدول السلمية‪ ،‬بل حتى في دول الخليج‪،‬‬
‫حتى إنه يوجد لهم كنائس معلنة في بعض تلك الدول‪ ،‬والله‪ -‬جل وعل‪ -‬يقول‪:‬‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م" )البقرة‪ :‬من الية‬ ‫مل ّت َهُ ْ‬ ‫حّتى ت َت ّب ِعَ ِ‬ ‫صاَرى َ‬ ‫ك ال ْي َُهود ُ َول الن ّ َ‬ ‫ضى عَن ْ َ‬ ‫ن ت َْر َ‬ ‫"وَل َ ْ‬
‫‪.(120‬‬
‫‪ -6‬الوثنيون‪ ،‬وبخاصة عن طريق العمالة السيوية‪ ،‬وقصة الهندوس مع‬
‫المسجد البابري خير شاهد على ما نقول‪.‬‬
‫‪ -7‬انتشار السحرة والمشعوذين‪ ،‬حتى وصل المر إلى أن رجل جاء يسأل‬
‫ويقول‪ :‬أين بيت الساحرة فلنة؟‬
‫وقد أجرت بعض الصحف الخليجية مقابلت مع عدد من هؤلء السحرة‪،‬‬
‫وهناك صحف تنشر عناوين وهواتف هؤلء مع نشر صورهم أحيانًا‪.‬‬
‫وما ينشر تحت زوايا النجوم والبراج يدخل في هذا الباب‪.‬‬
‫‪ -8‬وأخيرًا‪:‬‬
‫انتشار بعض اللفاظ البدعية أو الشركية والعمال المحرمة المنافية للتوحيد‬
‫أو كماله؛ كالحلف بغير الله‪ ،‬والعتقاد أن غير الله ينفع أو يضر‪ ،‬وأعياد‬
‫الميلد‪ ،‬وتعليق التمائم‪ ،‬وقراءة الكف‪ ،‬والعتقاد بأثر البراج والنجوم‪ ،‬وهلم‬
‫جرا‪.‬‬
‫هذه صورة مجملة عن واقع العالم السلمي تبين خطورة المر‪ ،‬ووجوب‬
‫المبادرة إلى إنقاذ هؤلء‪ ،‬سواء أكانوا ممن وقع في الشرك‪ ،‬وهم يحسبون‬
‫أنهم مسلمون؛ لنهم يصلون ويحجون‪ ،‬أم كانوا ممن وقع في البدع والخرافة‪،‬‬
‫ويظنون أنهم من أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫ولو توجهت هذه الصحوة المباركة إلى العناية الفائقة بهذه القضية لتغيرت‬
‫الحوال‪ ،‬وهذا لن يكون إل إذا كانت هناك أولويات وكان "التوحيد أو ً‬
‫ل"‪.‬‬
‫ضعف الولء والبراء‬
‫م" )المائدة‪ :‬من الية ‪ ،(51‬وقال‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م فَإ ِن ّ ُ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫م ِ‬ ‫ّ‬
‫ن ي َت َوَلهُ ْ‬ ‫م ْ‬‫قال _تعالى_‪" :‬وَ َ‬
‫هّ‬
‫حاد ّ الل َ‬‫ن َ‬
‫م ْ‬‫ن َ‬ ‫واّدو َ‬ ‫خرِ ي ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ِباللهِ َوالي َوْم ِ ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫مُنو َ‬ ‫وما ي ُؤْ ِ‬‫ً‬ ‫جد ُ ق َ ْ‬ ‫_سبحانه_‪":‬ل ت َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه وَل َوْ َ‬
‫م")المجادلة‪ :‬من‬ ‫شيَرت َهُ ْ‬
‫م أوْ عَ ِ‬ ‫وان َهُ ْ‬ ‫خ َ‬‫م أوْ إ ِ ْ‬ ‫م أوْ أب َْناَءهُ ْ‬ ‫كاُنوا آَباَءهُ ْ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫الية ‪.(22‬‬
‫م الّناُر" )هود‪ :‬من الية ‪(113‬‬ ‫سك ُ‬ ‫ُ‬ ‫م ّ‬ ‫موا فَت َ َ‬ ‫َ‬
‫ن ظل ُ‬‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وقال‪َ" :‬ول ت َْركُنوا إ ِلى ال ِ‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬أوثق عرى اليمان الحب في الله والبغض في‬
‫الله والموالة في الله‪ ،‬والمعاداة في الله" )‪.(3‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من أحب لله وأبغض لله‪ ،‬وأعطى لله‪ ،‬ومنع‬
‫لله‪ ،‬فقد استكمل اليمان " )‪ .(4‬رواه أحمد عن معاذ وأنس وغيره‪.‬‬
‫والذي يتأمل في أحوال المسلمين اليوم يلحظ ضعف الولء للمؤمنين والبراء‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫من الكافرين‪ ،‬وهذا ينافي كمال التوحيد‪ ،‬وقد يصل بصاحبه إلى الكفر "وَ َ‬
‫م" )المائدة‪ :‬من الية ‪.(51‬‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م فَإ ِن ّ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ي َت َوَل ّهُ ْ‬
‫ومن علمات ضعف هذا الجانب ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬ضعف نصرة المسلمين بعضهم لبعض‪ ،‬رأينا ونرى التناحر والتدابر‬
‫والتقاطع حتى وصل في أحوال كثيرة إلى القتال فيما بينهم‪.‬‬
‫‪-2‬التشبه بالكفار في اللباس والعادات‪ ،‬و " من تشبه بقوم فهو منهم "‪.‬‬
‫‪ -3‬مجالسة الكفار استئناسا ً بهم وحبهم‪ ،‬ومن ذلك استقدامهم مع عدم‬
‫الضرورة إلى ذلك‪ ،‬وخصوصا ً أنه يوجد في المسلمين من يقوم مقامهم‪ ،‬في‬
‫البيوت والشركات والزراعة والتجارة ونحوها‪.‬‬
‫‪ -4‬العجاب بالغرب‪ ،‬وتمني اللحاق به‪ ،‬وطلب الحماية منه‪ ،‬ونصرته‪،‬‬
‫ومعايشته يوميا ً عبر وسائل العلم‪ ،‬وخصوصا ً البث المباشر‪.‬‬
‫‪ -5‬السعي لكسر الحاجز النفسي مع اليهود والنصارى‪.‬‬
‫‪ -6‬البتعاث لبلد الكفار دون حاجة تدعو إلى ذلك‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أخي الكريم‪ :‬أليست هذه المظاهر مما ينافي ويضاد التوحيد أو كماله؟ فأين‬
‫المخرج؟‬
‫العلمنة تعصف بالعالم السلمي‬
‫__________‬
‫)‪ - (1‬أخرجه مسلم رقم )‪.(532‬‬
‫)‪ - (2‬أخرجه البخاري )‪ .(112-1‬ومسلم رقم )‪.(531‬‬
‫)‪ - (3‬أخرجه الطبراني في الكبير رقم )‪ (10537 ،10531‬وصححه اللباني‬
‫كما في صحيح الجامع رقم )‪.(2539‬‬
‫)‪ - (4‬أخرجه أبو داود رقم )‪ (4681‬وصححه اللباني كما في صحيح الجامع‬
‫رقم )‪ (5965‬والسلسلة الصحيحة رقم )‪.(380‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪204‬‬

You might also like